الجمعة

Page 1

‫فن الخطابة بالتقنيات الحديثة‬ ‫اعداد‬

‫الدكتور‪ /‬خالد خطاب‬


‫فضل الجمعة ويومها‬ ‫•‬ ‫•‬ ‫•‬

‫•‬ ‫•‬

‫ولقد ُعني اإلسالم عناية بالغة بأمر الجمعة‪ ،‬فقال تعالى‪َ { :‬ياأَ ُّي َها الَّذِينَ آ َم ُنوا إِ َذا‬ ‫َّللا َو َذ ُروا ا ْل َب ْي َع َذلِ ُك ْم َخ ْي ٌر لَ ُك ْم إِنْ‬ ‫اس َع ْوا إِلَى ِذ ْك ِر َّ ِ‬ ‫ِي لِل َّ‬ ‫ُنود َ‬ ‫ص َال ِة مِنْ َي ْو ِم ا ْل ُج ُم َع ِة َف ْ‬ ‫ُك ْن ُت ْم َت ْعلَ ُمونَ } ‪.‬‬ ‫وعاب على أولئك الذين تشاغلوا عنها‪ ،‬وآثروا التجارة عليها فقال‪َ { :‬وإِ َذا َرأَ ْوا‬ ‫َّللا َخ ْي ٌر مِنَ اللَّ ْه ِو َومِنَ‬ ‫ضوا إِلَ ْي َها َو َت َر ُكو َك َقائِ ًما قُلْ َما عِ ْندَ َّ ِ‬ ‫ار ًة أَ ْو لَ ْه ًوا ا ْن َف ُّ‬ ‫ت َِج َ‬ ‫ار ِة َو َّ‬ ‫ازقِينَ } ‪.‬‬ ‫َّللاُ َخ ْي ُر َّ‬ ‫ال ِّت َج َ‬ ‫الر ِ‬ ‫ومنذ أن شرع َّللا ‪ -‬تعالى ‪ -‬صالة الجمعة ورسول َّللا عليه الصالة والسالم‬ ‫حفي بها‪ ،‬محافظ عليها‪ ،‬كثير التأكيد على المسلمين بأدائها‪ ،‬كثير النهي عن‬ ‫ّ‬ ‫التهاون بها‪.‬‬ ‫فيوم الجمعة أفضل أيام األسبوع‪ ،‬أخرج أحمد ومسلم والترمذي أن النبي صلى‬ ‫َّللا عليه وسلم قال‪ « :‬خير يوم طلعت عليه الشمس يوم الجمعة‪ ،‬فيه خلق آدم‪،‬‬ ‫وفيه أدخل الجنة‪ ،‬وفيه أخرج » ‪.‬‬ ‫وفي يوم الجمعة « ساعة من دعا َّللا فيها استجيب له »‬


‫فضل الجمعة ويومها‬ ‫• وعن أنس قال‪ « :‬أتى جبريل بمرآة بيضاء فيها وكتة إلى النبي صلى َّللا عليه‬ ‫وسلم ‪ -‬فقال رسول َّللا ‪ -‬صلى َّللا عليه وسلم ‪ -‬ما هذه؟ قال جبريل ‪ :‬هذه‬ ‫ض ْل َت بها أنت وأمتك؟ فالناس لكم فيها تبع‪ :‬اليهود والنصارى‪ ،‬ولكم‬ ‫الجمعة فُ ِّ‬ ‫فيها خير‪ ،‬وفيها ساعة ال يوافقها مؤمن يدعو َّللا ‪ -‬تعالى ‪ -‬إال استجيب له‪،‬‬ ‫وهو عندنا يوم مزيد‪ ،‬قال النبي‪ -‬صلى َّللا عليه وسلم ‪ :-‬يا جبريل ما يوم‬ ‫المزيد؟ قال‪ :‬إن ربك اتخذ في الفردوس واد ًيا أفيح فيه كثب مسك إذا كان يوم‬ ‫الجمعة أنزل َّللا ما شاء من مالئكته‪ ،‬وحوله منابر من نور عليها مقاعد‬ ‫النبيين‪ ،‬وحف تلك المنابر بمنابر من ذهب مكللة بالياقوت والزبرجد‪ ،‬عليها‬ ‫الشهداء والصديقون‪ ،‬فجلسوا من ورائهم على تلك الكثب‪ ،‬فيقول َّللا لهم‪ :‬أنا‬ ‫ربكم قد صدقتكم وعدي‪ ،‬فاسألوني أعطكم فيقولون‪ :‬ربنا نسألك رضوانك‪،‬‬ ‫ولدي مزيد‪ ،‬فهم يحسبون يوم‬ ‫علي ما تمنيتم‪،‬‬ ‫فيقول‪ :‬قد رضيت عنكم ولكم‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫الجمعة لما يعطيهم فيه ربهم من الخير » ‪.‬‬


‫فضل الجمعة ويومها‬ ‫•‬

‫•‬

‫•‬ ‫•‬ ‫•‬

‫•‬ ‫•‬ ‫•‬ ‫•‬

‫وليوم الجمعة من المزايا والفضائل ما يضيق عن الحصر‪ ،‬فمن مزاياه وفضائله إضافة إلى ما‬ ‫تقدم ‪ ...‬أن من مات فيه أو في ليلته ‪ -‬وهو مؤمن ‪ُ -‬وقي فتنة القبر وعذابه‪ ،‬لما رواه أحمد‬ ‫والترمذي عن عبد اهلل بن عمرو أن النبي ‪ -‬صلى اهلل عليه وسلم ‪ -‬قال‪ « :‬ما من مسلم يموت‬ ‫يوم الجمعة أو ليلة الجمعة إال وقاه اهلل فتنة القبر » ‪.‬‬ ‫ولذلك فإن من الجدير بكل مسلم أن يحرص على الجمعة‪ ،‬ويحافظ عليها ويؤدي ما أمر به فيها‬ ‫على سبيل الوجوب أو الندب‪.‬‬ ‫ومما أ ِ‬ ‫ُم َر المسلمون به فيها‪:‬‬ ‫‪ -1‬اإلكثار في يومها من قراءة القرآن والذكر والدعاء والمناجاة والصالة على رسول اهلل‪ -‬صلى‬ ‫اهلل عليه وسلم ‪ -‬ففي كل ذلك قد وردت السنة‪.‬‬ ‫‪ -2‬كما يطلب من المسلم قبل الخروج لصالة الجمعة الغسل والسواك والتطيب ولبس أحسن ما‬ ‫لديه من الثياب وأنظفها‪.‬‬ ‫‪ -3‬ويندب األخذ من الشعر وقص األظافر في يومها‪.‬‬ ‫‪ -4‬ويندب أن يق أر في صالة صبحها بسورتي‪" :‬السجدة واإلنسان بعد الفاتحة"‪.‬‬ ‫‪ -5‬ويندب التبكير بالذهاب إلى الجامع‬ ‫‪ -6‬ويستحب المشي إليها‪ ،‬والقرب من اإلمام‪ ،‬واإلنصات التام للخطبة وعدم التشاغل بشيء‬ ‫عن ذلك‪.‬‬


‫فضل الجمعة ويومها‬ ‫•‬ ‫•‬ ‫•‬ ‫•‬ ‫•‬

‫•‬ ‫•‬ ‫•‬

‫افعا‬ ‫‪ -7‬ويكره "االحتباء" في المسجد ‪ -‬يوم الجمعة ‪ -‬وهو أن يجلس على إليتيه‪ .‬ر ً‬ ‫ضاما ِو ْركيه إلى بطنه بثوبه أو يديه‪ « .‬لنهيه‪ -‬صلى اهلل عليه وسلم ‪ -‬عن‬ ‫ساقيه‪ًّ ،‬‬ ‫الحبوة يوم الجمعة واإلمام يخطب » ألن هذه الجلسة قد تؤدي إلى النوم‪.‬‬ ‫‪ -8‬ويستحب لمن غلبه النعاس في مكان من المسجد أن يتحول إلى غيره‪.‬‬ ‫‪ -9‬وال ينبغي للمصلي أن يتخطى الرقاب‪ ،‬فذلك حرام عند بعض العلماء مكروه عند‬ ‫البعض اآلخر لكثرة األحاديث الواردة في النهي عن ذلك‪.‬‬ ‫زكية‬ ‫‪ -10‬وال ينبغي للمصلي أن يحضر الجمعة بثياب متسخة أو منفرة‪ ،‬أو رائحة غير ّ‬ ‫‪.‬‬ ‫طعاما ذا رائحة تؤذي كالثوم والبصل والفجل‬ ‫‪ -11‬وال ينبغي للمصلي أن يتناول‬ ‫ً‬ ‫وغيرها‪.‬‬ ‫‪ -12‬وليس له أن يفرق بين اثنين إال إذا كانت بينهما فرجة كافية لم يسداها‪.‬‬ ‫‪ -13‬ويندب لمن أتى المسجد ‪ -‬قبل الجمعة ‪ -‬التنفل مع طول القيام ما لم يصعد‬ ‫الخطيب المنبر‬ ‫‪ -14‬واذا أذن للجمعة فليس للمسلم أن ينشغل بشيء غير السعي إليها فالبيع أو‬ ‫الشراء حال السعي إلى الجمعة حرام عند العلماء‪.‬‬


‫خطبة الجمعة‬ ‫•‬ ‫•‬ ‫•‬

‫•‬ ‫•‬

‫مكانة الجمعة وأهميتها‬ ‫ال شك أن خطبة الجمعة في اإلسالم لها مكانة سامية وأهمية بالغة وذلك ألمور‬ ‫كثيرة منها ‪:‬‬ ‫‪ - 1‬أنها من وسائل نشر الدعوة العامة حيث ال تختص بأحد دون أحد ‪ ،‬وال‬ ‫طبقة دون طبقة ‪ ،‬فجميع المصلين يستمعون إليها من الخطيب من كان منهم‬ ‫قوي اإليمان أو ضعيفه ‪ ،‬ومن كان منهم ذا ثقافة أو عديمها والكبير والصغير‬ ‫فهي فرصة للخطيب متكررة يستطيع بها التأثير على هذه األعداد الهائلة الذي‬ ‫سيحضرون باختيارهم راغبين غير مكرهين ‪.‬‬ ‫‪ - 2‬األمر بالسعي لها فإن المسلم مأمور بالسعي لصالة الجمعة حيث يسمع‬ ‫النداء الثاني ‪ ،‬وحين يحضر المصلي للجمعة يلزمه اإلنصات للخطيب وال يجوز‬ ‫الكالم فالمسلم أمر بالسعي إلى الجمعة واإلنصات للخطبة ‪.‬‬ ‫‪ - 3‬وتكرار الخطبة كل أسبوع يدل على أهميتها وضرورة العناية بها من قبل‬ ‫الخطيب والسامعين حيث يستمع المصلي في العام الواحد ألكثر من خمسين‬ ‫خطبة تقريبا ‪ .‬فلو أن كل خطيب يعالج في كل سنة موضوعا ما بقي بين‬ ‫المسلمين جاهل في األحكام الضرورية‬


‫خطبة الجمعة‬ ‫•‬

‫•‬ ‫•‬ ‫•‬

‫•‬ ‫•‬

‫‪ - 4‬الحاضرون والمستمعون للخطبة يزيدون وال ينقصون بخالف غيرها من وسائل‬ ‫الدعوة األخرى أو المستجدات العصرية كالمحاضرة والدرس والندوة ‪ ،‬مثال فقد يخرج‬ ‫البعض قبل اكتمال الموضوع ‪ ،‬ففرق شاسع بينها وبين وسائل الدعوة األخرى مما يدل‬ ‫على أهميتها ‪.‬‬ ‫‪ - 5‬الخطبة ثابتة ومستمرة في كافة األحوال في السلم والحرب واألمن والخوف ‪،‬‬ ‫وتوفر الخيرات والجدب فهي مطلوبة في سائر الظروف واألحوال ‪.‬‬ ‫‪ - 6‬لما لخطبة الجمعة من أهمية بالغة على سلوك الناس وتعاملهم فقد اهتم بها‬ ‫اإلسالم ووردت نصوص كثيرة في السنة المطهرة تدور حول الخطبة ‪.‬‬ ‫كما اهتم بها الفقهاء اهتماما بالغا حيث أولوا أحكامها وآدابها وعالقتها بصالة الجمعة‬ ‫عناية تامة‬ ‫خطبة الجمعة في القرآن الكريم‬ ‫وردت في كتاب اهلل عز وجل سورة الجمعة وقد تضمنت ثالث آيات تدور حول الجمعة‬ ‫في كتاب اهلل تعالى يا أ َُّيها الَِّ‬ ‫ين آم ُنوا إِ َذا ُن ِ‬ ‫اس َع ْوا إِلَى‬ ‫ود‬ ‫ذ‬ ‫لص َال ِة ِم ْن َي ْوِم ا ْل ُج ُم َع ِة فَ‬ ‫ي لِ َّ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َِ َ‬ ‫َ‬ ‫َِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫الص َالةُ فَا ْنتَش ُروا في‬ ‫ِذ ْك ِر اللَّ ِه َوَذ ُروا ا ْل َب ْي َع َذل ُك ْم َخ ْيٌر َل ُك ْم إ ْن ُك ْنتُ ْم تَ ْع َل ُم‬ ‫ون فَإ َذا قُض َيت َّ‬ ‫َ‬ ‫ْاأل َْر ِ‬ ‫ون َوِا َذا َأر َْوا ِت َج َارةً أ َْو َل ْه ًوا‬ ‫ض ِل اللَّ ِه َوا ْذ ُك ُروا اللَّ َه َك ِث ًا‬ ‫ض َو ْابتَ ُغوا ِم ْن فَ‬ ‫ْ‬ ‫ير َل َِعلَّ ُك ْم تُ ْفِل ُح َ‬ ‫ا ْن َف ُّ‬ ‫وك َق ِائ ًما ُق ْل َما ِع ْن َد اللَّ ِه َخ ْيٌر م َن اللَّ ْه ِو َو ِم َن التِّ َج َارِة َواللَّ ُه َخ ْي ُر‬ ‫ضوا إَِل ْي َها َوتَ​َرُك َ‬ ‫ين ‪.‬‬ ‫َّ‬ ‫الر ِازِق َ‬


‫خطبة الجمعة‬ ‫• قوله تعالى ‪َ :‬ي ْوِم ا ْل ُج ُم َع ِة قال ابن عباس ‪ ( :‬نزل القرآن بالتثقيل والتفخيم‬ ‫فاقرأوها جمعة ) سميت بذا االسم ‪ - :‬إما ألن اهلل جمع فيها خلق آدم ‪ ،‬أو ألن‬ ‫اهلل فرغ فيها من خلق كل شيء فاجتمعت فيها المخلوقات ‪ ،‬وقيل الجتماع‬ ‫الناس فيها للصالة ‪ ،‬وكانت تسمى أيام الجاهلية بالعروبة ‪ ،‬قيل أن أول من‬ ‫سماها جمعة ‪ :‬كعب بن لؤي ‪ ،‬وقيل األنصار ‪.‬‬ ‫• قال اإلمام ابن سيرين ‪ -‬رحمه اهلل ‪ ( : -‬جمع أهل المدينة من قبل أن يقدم‬ ‫النبي ‪ -‬صلى اهلل عليه وسلم ‪ -‬المدينة ‪ ،‬وقبل أن تنزل الجمعة وهم الذين‬ ‫سموها الجمعة ‪.‬‬ ‫• أما أول جمعة جمعها النبي ‪ -‬صلى اهلل عليه وسلم ‪ -‬بأصحابه فإنه عندما‬ ‫هاجر إلى المدنية أقام بقباء من يوم اإلثنين إلى يوم الخميس وأسس مسجدهم‬ ‫‪ ،‬ثم خرج يوم الجمعة إلى المدينة فأدركته الجمعة في بني سالم بن عوف في‬ ‫بطن واد لهم ‪ ،‬قد اتخذ القوم في ذلك الوادي مسجدا فجمع بهم وخطب وهي‬ ‫أول خطبة خطبها في المدينة ‪.‬‬


‫خطبة الجمعة‬ ‫•‬ ‫•‬ ‫•‬ ‫•‬ ‫•‬

‫•‬

‫•‬ ‫•‬

‫اس َع ْوا إِلَى ِذ ْك ِر اللَّ ِه ‪-‬‬ ‫قوله تعالى ‪ :‬فَ ْ‬ ‫قيل المراد بذكر اهلل الصالة وقيل الخطبة والمواعظ ‪.‬‬ ‫وقال اإلمام ابن العربي ‪ -‬رحمه اهلل ‪ : -‬والصحيح أن السعي واجب في الجميع وأوله الخطبة ‪.‬‬ ‫واسعوا ‪ :‬بمعنى ‪ :‬امضوا إلى ذكر اهلل واعملوا له ‪.‬‬ ‫وك قَ ِائ ًما ورد في صحيح مسلم عن جابر بن‬ ‫وقوله تعالى ‪َ :‬وِا َذا َأر َْوا ِت َج َارةً أ َْو لَ ْه ًوا ا ْنفَ ُّ‬ ‫ضوا إِلَ ْي َها َوتَ​َرُك َ‬ ‫عبد اهلل ‪ -‬رضي اهلل عنهما ‪ -‬أن النبي ‪ -‬صلى اهلل عليه وسلم ‪ -‬كان يخطب قائما يوم الجمعة فجاءت‬ ‫عير من الشام فانفتل الناس إليها حتى لم يبق إال اثنا عشر رجال فأنزلت هذه اآلية التي في الخطبة ‪:‬‬ ‫َوِا َذا َأر َْوا ِت َج َارةً الخ ‪ .‬انفتل ‪ :‬انصرف ) ‪.‬‬ ‫وذكر أبو داود في مراسيله السبب الذي رخصوا ألنفسهم في ترك سماع الخطبة وقد كان خليقا بفضلهم أال‬ ‫يفعلوا فقال ‪ :‬كان رسول اهلل ‪ -‬صلى اهلل عليه وسلم ‪ -‬يصلي الجمعة قبل الخطبة مثل العيدين حتى كان‬ ‫يوم جمعة والنبي ‪ -‬صلى اهلل عليه وسلم ‪ -‬يخطب وقد صلى الجمعة فدخل رجل فقال ‪ :‬إن دحية بن‬ ‫خليفة الكلبي قدم بتجارة ‪ ،‬وكان دحية إذا قدم تلقاه أهله بالدفاف ‪ ،‬فخرج الناس فلم يظنوا إال أنه ليس في‬ ‫ترك الجمعة شيء فأنزل اهلل هذه اآلية ‪ ،‬فقدم النبي ‪ -‬صلى اهلل عليه وسلم ‪ -‬الخطبة وأخر الصالة ‪.‬‬ ‫وك قَ ِائ ًما‬ ‫وقوله تعالى ‪َ :‬وتَ​َرُك َ‬ ‫يؤخذ من اآلية الكريمة أن قيام الخطيب على المنبر أو المكان المرتفع شرط إذا خطب قاله بعض العلماء ‪.‬‬ ‫قال علقمة ‪ :‬سئل عبد اهلل أكان النبي ‪ -‬صلى اهلل عليه وسلم ‪ -‬يخطب قائما أو قاعدا ؟ فقال ‪ :‬أما تق أر‬ ‫وك قَ ِائ ًما‬ ‫قوله ‪َ :‬وتَ​َرُك َ‬ ‫عن جابر بن سمرة أن رسول اهلل ‪ -‬صلى اهلل عليه وسلم ‪ -‬كان يخطب قائما ثم يجلس ثم يقوم فيخطب‬ ‫قائما فمن نبأك أنه كان يخطب جالسا فقد كذب ‪ ،‬واهلل صليت معه أكثر من ألفي صالة ‪ .‬رواه مسلم ‪.‬‬


‫خطبة الجمعة‬ ‫•‬ ‫•‬ ‫•‬

‫•‬ ‫•‬

‫وفي الصحيحين عن عبد اهلل بن عمر ‪ -‬رضي اهلل عنهما ‪ -‬أن‬ ‫النبي ‪ -‬صلى اهلل عليه وسلم ‪ -‬كان يخطب خطبتين وهو قائم‬ ‫بينهما بجلوس ‪.‬‬ ‫ خالف العلماء في القيام حال الخطبة ‪.‬‬‫قال األثرم ‪ :‬سمعت أبا عبد اهلل يسأل عن الخطبة قاعدا أو يقعد في‬ ‫وك قَ ِائ ًما‬ ‫إحدى الخطبتين فلم يعجبه وقال ‪ :‬قال اهلل تعالى ‪َ :‬وتَ​َرُك َ‬ ‫وعند الشافعية شرط إن قدر عليه ‪.‬‬ ‫وعن اإلمام أبي حنيفة ‪ :‬تجزيه الخطبة قاعدا فيكون القيام سنة ‪.‬‬ ‫والراجح األول لآلية ولألحاديث الصحيحة ‪.‬‬ ‫فأما إن قعد لعذر من مرض أو عجز عن القيام فإن الصالة تصح‬ ‫من القاعد العاجز عن القيام فالخطبة أولى‬


‫خطبة الجمعة‬ ‫•‬ ‫•‬ ‫•‬ ‫•‬ ‫•‬

‫ حكم جلوس اإلمام على المنبر عند خروجه على الناس إللقاء الخطبة ‪:‬‬‫يرى جمهور أهل العلم أن جلوس اإلمام على المنبر عند التأذين سنة ‪ .‬والحكمة‬ ‫فيه كما قال الزين بن المنير ‪ -‬رحمه اهلل ‪ : -‬سكون اللغط والتهيؤ لإلنصات‬ ‫واالستنصات لسماع الخطبة واحضار الذهن للذكر‬ ‫ القعدة بين الخطبتين يوم الجمعة‬‫عن عبد اهلل بن عمر قال ‪ :‬كان النبي ‪ -‬صلى اهلل عليه وسلم ‪ -‬يخطب‬ ‫خطبتين يقعد بينهما ‪.‬‬ ‫قيل يجب الجلوس وقيل أنه سنة ‪ ،‬وقدرها من قال بوجوبها بقدر ما يق أر سورة‬ ‫اإلخالص ‪ ،‬وحال الجلوس بين الخطبتين ال كالم فيه لكن ليس فيه أال يذكر اهلل‬ ‫أو يدعوه س ار كما قال الحافظ ابن حجر ‪ ،‬الحكمة من هذه الجلسة الفصل بين‬ ‫الخطبتين والراحة ‪.‬‬


‫خطبة الجمعة‬ ‫•‬ ‫•‬ ‫•‬ ‫•‬ ‫•‬ ‫•‬ ‫•‬

‫•‬

‫خطبة الجمعة في السنة المطهرة‬ ‫هل تصح الجمعة بدون خطبة ‪ . . .‬؟‬ ‫يشترط للجمعة خطبتان وهذا مذهب الشافعي ‪.‬‬ ‫ وقال مالك وغيره يجزئه خطبة واحدة ‪.‬‬‫الوجه األول ‪ :‬أن النبي ‪ -‬صلى اهلل عليه وسلم ‪ -‬كان يخطب خطبتين وقد قال‬ ‫‪ :‬صلوا كما رأيتموني أصلي وألنهما أقيمتا مقام الركعتين في الظهر فكل‬ ‫خطبة مكان ركعة فاإلخالل بأحدهما كاإلخالل بإحدى الركعتين ‪.‬‬ ‫ويشترط لكل من الخطبتين ‪:‬‬ ‫حمد اهلل تعالى والصالة والسالم على رسوله ‪ -‬صلى اهلل عليه وسلم ‪ -‬وأن يق أر‬ ‫شيئا من القرآن ؛ ويحتمل أن قراءة القرآن تكفي في إحداهما لما روى الشعبي‬ ‫قال ‪ :‬كان رسول اهلل ‪ -‬صلى اهلل عليه وسلم ‪ -‬إذا صعد المنبر يوم الجمعة‬ ‫استقبل الناس فقال ‪ :‬السالم عليكم ‪ ،‬ويحمد اهلل ويثني عليه ويق أر سورة ثم‬ ‫يجلس ثم يقوم فيخطب ثم ينزل ‪ .‬وكان أبو بكر وعمر يفعالنه رواه األثرم ‪.‬‬ ‫وقال الخرقي ‪ :‬ويحتمل أن ال يجب شيء سوى حمد اهلل والموعظة ألن ذلك‬ ‫يسمى خطبة ويحصل به المقصود فأج أز وما عداه ليس على اشتراطه دليل ‪.‬‬


‫خطبة الجمعة‬ ‫•‬ ‫•‬

‫•‬

‫•‬

‫وفي صحيح مسلم عن عمرة بنت عبد الرحمن عن أخت لها قالت ‪ :‬ما أخذت ق‬ ‫آن ا ْلم ِج ِ‬ ‫يد إال من رسول اهلل يوم الجمعة وهو يق أر بها على المنبر في كل جمعة‬ ‫َوا ْلقُْر ِ َ‬ ‫‪.‬‬ ‫قال البخاري ‪ ( :‬باب الخطبة على المنبر ) ‪ ،‬وقال أنس ‪ -‬رضي اهلل عنه ‪ : -‬خطبنا‬ ‫النبي على المنبر ‪ :‬يشرع لإلمام إذا خرج على الناس وصعد المنبر أن يسلم عليهم‬ ‫قائال ‪ ( :‬السالم عليكم ورحمة اهلل وبركاته ) وقد ورد حديث رواه ابن ماجه عن جابر ‪-‬‬ ‫رضي اهلل عنهما ‪ -‬قال ‪ :‬كان رسول اهلل ‪ -‬صلى اهلل عليه وسلم ‪ -‬إذا صعد المنبر‬ ‫سلم ‪.‬‬ ‫فهذا الحديث يدل على مشروعية التسليم من الخطيب على الناس بعد أن يرقى المنبر‬ ‫وقبل أن يؤذن المؤذن كما يشرع لإلمام أن يجيب المؤذن ‪ .‬فقد روى البخاري عن أبي‬ ‫أمامة بن سهل بن حنيف قال ‪ :‬سمعت معاوية بن أبي سفيان وهو جالس على‬ ‫المنبر أذن المؤذن قال ‪ :‬اهلل أكبر ‪ . .‬اهلل أكبر ‪ ،‬قال معاوية ‪ :‬اهلل أكبر ‪ . . .‬اهلل أكبر‬ ‫‪ ،‬فقال ‪ :‬أشهد أن ال إله إال اهلل ‪ ،‬فقال معاوية وأنا ‪ ،‬فقال ‪ :‬أشهد أن محمدا رسول اهلل‬ ‫‪ ،‬فقال معاوية ‪ :‬وأنا ‪ ،‬فلما قضى التأذين قال ‪ :‬يا أيها الناس إني سمعت رسول اهلل ‪-‬‬ ‫صلى اهلل عليه وسلم ‪ -‬على هذا المجلس حين أذن المؤذن يقول ما سمعتم مني من‬ ‫مقالتي ‪.‬‬ ‫قال ابن حجر ‪ :‬وفي الحديث من الفوائد ‪ :‬تعلم العلم وتعليمه من اإلمام وهو على‬ ‫المنبر وأن الخطيب يجيب المؤذن ‪ ،‬وفيه إباحة الكالم قبل الشروع في الخطبة ‪.‬‬


‫خطبة الجمعة‬ ‫•‬ ‫•‬

‫•‬ ‫•‬

‫االستماع إلى الخطبة‬ ‫ألهمية خطبة الجمعة شرع اإلنصات لها والتدبر لما يذكر فيها وبالمقابل ورد‬ ‫النهي عن الكالم والعبث ‪ .‬فقد روى البخاري من حديث أبي هريرة ‪ -‬رضي اهلل‬ ‫عنه ‪ -‬أن رسول اهلل ‪ -‬صلى اهلل عليه وسلم ‪ -‬قال ‪ :‬من اغتسل يوم الجمعة‬ ‫غسل الجنابة ثم راح في الساعة األولى فكأنما قرب بدنة ‪ ،‬ومن راح في الساعة‬ ‫الثانية فكأنما قرب بقرة ‪ ،‬ومن راح في الساعة الثالثة فكأنما قرب كبشا أقرن ‪،‬‬ ‫ومن راح في الساعة الرابعة فكأنما قرب دجاجة ‪ ،‬ومن راح في الساعة الخامسة‬ ‫فكأنما قرب بيضة ‪ ،‬فإذا خرج اإلمام حضرت المالئكة يستمعون الذكر ‪.‬‬ ‫قوله ‪ :‬إذا خرج اإلمام حضرت المالئكة يستمعون الذكر ‪.‬‬ ‫استنبط منه الماوردي ‪ :‬أن التبكير ال يستحب لإلمام ‪ ،‬والمراد بالذكر ‪ :‬ما في‬ ‫الخطبة من المواعظ وغيرها ‪ .‬والمراد بطي الصحف ‪ :‬صحف الفضائل المتعلقة‬ ‫بالمبادرة إلى الجمعة دون غيرها من سماع الخطبة وادراك الصالة والذكر‬ ‫والدعاء والخشوع ونحو ذلك فإنه يكتبه الملكان الحافظان ‪.‬‬


‫خطبة الجمعة‬ ‫•‬ ‫•‬ ‫•‬ ‫•‬ ‫•‬ ‫•‬

‫•‬ ‫•‬

‫وروى البخاري ‪-:‬إذا قلت لصاحبك يوم الجمعة أنصت واإلمام يخطب فقد لغوت‬ ‫‪.‬‬‫واللغو ‪ :‬ما ال يحسن من الكالم ‪.‬‬ ‫ولغوت ‪ :‬خبت من األجر أو بطلت فضيلة جمعتك ‪ ،‬وقيل صارت جمعتك ظه ار‬ ‫وفي حديث رواه اإلمام أحمد عن علي ‪ -‬رضي اهلل عنه ‪ -‬أن رسول اهلل ‪-‬‬ ‫صلى اهلل عليه وسلم ‪ -‬قال ‪ :‬من قال صه فقد تكلم ومن تكلم فال جمعة له‬ ‫قال العلماء ‪ :‬معناه ال جمعة له كاملة ‪.‬‬ ‫وروى الترمذي من حديث أبي هريرة أن رسول اهلل ‪ -‬صلى اهلل عليه وسلم ‪-‬‬ ‫قال ‪ :‬من قال يوم الجمعة واإلمام يخطب أنصت فقد لغى ‪.‬‬ ‫قال أبو عيسى الترمذي ‪ :‬حديث أبي هريرة حديث حسن ‪ ،‬والعمل عليه عند أهل‬ ‫العلم ‪ :‬كرهوا الرجل أن يتكلم واإلمام يخطب ‪ ،‬وقالوا إن تكلم غيره فال ينكر عليه‬ ‫إال باإلشارة ‪.‬‬ ‫واختلفا في رد السالم وتشميت العاطس ‪ ،‬فرخص بعض أهل العلم في رد السالم‬ ‫وتشميت العاطس واإلمام يخطب وهو قول أحمد واسحاق ‪ .‬وكره بعض أهل العلم‬ ‫من التابعين وغيرهم ذلك وهو قول الشافعي ‪.‬‬


‫خطبة الجمعة‬ ‫• االستماع إلى الخطبة‬ ‫ألهمية خطبة الجمعة شرع اإلنصات لها والتدبر لما يذكر فيها وبالمقابل ورد‬ ‫النهي عن الكالم والعبث ‪ .‬فقد روى البخاري من حديث أبي هريرة ‪ -‬رضي اهلل‬ ‫عنه ‪ -‬أن رسول اهلل ‪ -‬صلى اهلل عليه وسلم ‪ -‬قال ‪ :‬من اغتسل يوم الجمعة‬ ‫غسل الجنابة ثم راح في الساعة األولى فكأنما قرب بدنة ‪ ،‬ومن راح في الساعة‬ ‫الثانية فكأنما قرب بقرة ‪ ،‬ومن راح في الساعة الثالثة فكأنما قرب كبشا أقرن ‪،‬‬ ‫ومن راح في الساعة الرابعة فكأنما قرب دجاجة ‪ ،‬ومن راح في الساعة الخامسة‬ ‫فكأنما قرب بيضة ‪ ،‬فإذا خرج اإلمام حضرت المالئكة يستمعون الذكر ‪.‬‬ ‫• قوله ‪ :‬إذا خرج اإلمام حضرت المالئكة يستمعون الذكر ‪.‬‬ ‫• استنبط منه الماوردي ‪ :‬أن التبكير ال يستحب لإلمام ‪ ،‬والمراد بالذكر ‪ :‬ما في‬ ‫الخطبة من المواعظ وغيرها ‪ .‬والمراد بطي الصحف ‪ :‬صحف الفضائل المتعلقة‬ ‫بالمبادرة إلى الجمعة دون غيرها من سماع الخطبة وادراك الصالة والذكر‬ ‫والدعاء والخشوع ونحو ذلك فإنه يكتبه الملكان الحافظان ‪.‬‬


‫خطبة الجمعة‬ ‫•‬ ‫•‬ ‫•‬

‫•‬ ‫•‬ ‫•‬ ‫•‬

‫وروى البخاري ‪- :‬إذا قلت لصاحبك يوم الجمعة أنصت واإلمام يخطب فقد‬ ‫لغوت ‪ . -‬واللغو ‪ :‬ما ال يحسن من الكالم ‪.‬‬ ‫ولغوت ‪ :‬خبت من األجر أو بطلت فضيلة جمعتك ‪ ،‬وقيل صارت جمعتك ظه ار‬ ‫وفي حديث رواه اإلمام أحمد عن علي ‪ -‬رضي اهلل عنه ‪ -‬أن رسول اهلل ‪-‬‬ ‫صلى اهلل عليه وسلم ‪ -‬قال ‪ :‬من قال صه فقد تكلم ومن تكلم فال جمعة له‬ ‫قال العلماء ‪ :‬معناه ال جمعة له كاملة ‪.‬‬ ‫وروى الترمذي من حديث أبي هريرة أن رسول اهلل ‪ -‬صلى اهلل عليه وسلم ‪-‬‬ ‫قال ‪ :‬من قال يوم الجمعة واإلمام يخطب أنصت فقد لغى ‪.‬‬ ‫قال أبو عيسى الترمذي ‪ :‬حديث أبي هريرة حديث حسن ‪ ،‬والعمل عليه عند أهل‬ ‫العلم ‪ :‬كرهوا الرجل أن يتكلم واإلمام يخطب ‪ ،‬وقالوا إن تكلم غيره فال ينكر عليه‬ ‫إال باإلشارة ‪.‬‬ ‫واختلفا في رد السالم وتشميت العاطس ‪ ،‬فرخص بعض أهل العلم في رد السالم‬ ‫وتشميت العاطس واإلمام يخطب وهو قول أحمد واسحاق ‪ .‬وكره بعض أهل العلم‬ ‫من التابعين وغيرهم ذلك وهو قول الشافعي ‪.‬‬


‫فقه خطبة الجمعة‬ ‫• من فقه خطبة الجمعة‪ :‬التركيز على األصول والثوابت‬ ‫واألركان‪ ،‬فقد « أخذت أم هشام بنت حارثة ‪ -‬رضي َّللا‬ ‫آن ا ْل َم ِجي ِد } عن لسان رسول َّللا ‪-‬صلى‬ ‫عنها ‪ { -‬ق َوا ْلقُ ْر ِ‬ ‫َّللا عليه وسلم‪ ، -‬من كثرة ما يقرأ هذه السورة على المنبر‬ ‫في خطبة الجمعة »‬ ‫• و"ق" من السور المكية التي انتظمت األصول اإليمانية‬ ‫العقدية‪ :‬كاإليمان باهلل‪ ،‬واآليات الكونية الدالة على وجوده‪،‬‬ ‫ووحدانيته‪ ،‬والبعث‪ ،‬واالعتبار‪ .‬بما وقع لألمم المكذبة‬ ‫المعاندة‪.‬‬


‫فقه خطبة الجمعة‬ ‫• يقول ابن القيم ‪ -‬رحمه َّللا‪" :-‬وكذلك كانت ُخ َط ُبه ‪-‬صلى َّللا عليه وسلم‪ ، -‬إنما‬ ‫هي تقرير ألصول اإليمان باهلل‪ ،‬ومالئكته وكتبه ورسله ولقائه‪ ،‬وذكر الجنة‬ ‫والنار‪ ،‬وما أعد َّللا ألوليائه وأهل طاعته‪ ،‬وما أعد ألعدائه وأهل معصيته‪ ،‬فيمأل‬ ‫القلوب من خطبته إيما ًنا وتوحيدًا‪ ،‬ومعرفة باهلل وأيامه‪ ،‬ال كخطب غيره التي‬ ‫أمورا مشتركة بين الخالئق‪ ،‬وهي كالنوح على الحياة‪ ،‬والتخويف‬ ‫إنما تفيد‬ ‫ً‬ ‫بالموت‪ ،‬فإن هذا أمر ال يحصل في القلب إيما ًنا باهلل‪ ،‬وال توحيدًا له ‪ ..‬إلى أن‬ ‫قال‪ :‬ومن تأمل خطب النبي ‪-‬صلى َّللا عليه وسلم‪ ، -‬وخطب أصحابه وجدها‬ ‫كفيلة ببيان الدين والتوحيد‪ ،‬وذكر صفات الرب جل جالله‪ ،‬وأصول اإليمان‬ ‫الكلية‪ ،‬والدعوة إلى َّللا‪ ،‬وذكر آالئه تعالى التي تحببه إلى خلقه"‪.‬‬ ‫• وال شك أن في ذلك حكمة بالغة‪ ،‬فإن االهتمام باألصول والثوابت من شأنه أن‬ ‫يجمع األمة على ما ينبغي أن تجتمع عليه من محبة َّللا وطاعته‪ ،‬والتآخي‬ ‫والتعاون‪ ،‬وأن يجعل المصلين يخرجون بفائدة علمية محققة‪.‬‬ ‫• إن الجمعة مأخوذة من الجمع واالجتماع‪ ،‬وهذا ال يكون أو ال يزيد إال بالربط‬ ‫بالثوابت واألصول‪.‬‬


‫فقه خطبة الجمعة‬ ‫•‬ ‫•‬

‫•‬ ‫•‬

‫•‬

‫ومن فقه الخطبة‪ :‬اإليجاز واالختصار‪ :‬فمن السنة أن يقصر الخطيب الخطبة‪،‬‬ ‫لقول رسول َّللا ‪-‬صلى َّللا عليه وسلم‪ « : -‬إن طول صالة الرجل وقصر خطبته‬ ‫صروا الخطبة وإن من البيان لسحرا » ‪.‬‬ ‫َمئِ ّنة من فقهه‪ ،‬فأطيلوا الصالة‪ ،‬واق ُ‬ ‫وعن جابر بن سمرة رضي َّللا عنه قال‪ « :‬كنت أصلي مع رسول َّللا صلى َّللا‬ ‫عليه وسلم فكانت صالته قصدًا‪ ،‬وخطبته قصدًا » ‪.‬‬ ‫ً‬ ‫مجاال الستعراض البالغة‪ ،‬وال الستعراض المعلومات‪..‬‬ ‫إن خطبة الجمعة ليست‬ ‫والتطويل ذريعة للخطأ‪ ،‬وذريعة للملل المانع من التفاعل واالستيعاب والفهم‪.‬‬ ‫ويفهم ‪ -‬من مفهوم المخالفة ‪ -‬أن الذي يطيل الخطبة قليل الفقه‪.‬‬ ‫وباالطالع على نماذج من خطب شيخ اإلسالم محمد بن عبد الوهاب ‪ -‬مثال ‪-‬‬ ‫وجدنا جل خطبه ال تزيد الواحدة منها على صفحة‪ ،‬وبضع صفحة‪ ،‬أي نحو‬ ‫(‪ )600‬ستمائة كلمة تقري ًبا ‪ ..‬والمعدل الوقتي المتوسط إللقاء هذه الكلمات هو‬ ‫‪ 15‬دقيقة على األكثر‪.‬‬ ‫وال يصلح االحتجاج ‪ -‬لطول الخطبة ‪ -‬بأن خطباء اليوم يواجهون مشكالت‬ ‫كثيرة‪ ،‬فإن ابن القيم‪ ،‬والشيخ محمد بن عبد الوهاب كانا يواجهان مشكالت‬ ‫ضا‪.‬‬ ‫كثيرة أي ً‬


‫صفة خطبة النبي‬ ‫•‬ ‫•‬

‫•‬

‫•‬ ‫•‬

‫صفة خطبة النبي ‪ -‬صلى اهلل عليه وسلم ‪-‬‬ ‫عن جابر عن عبد اهلل ‪ -‬رضي اهلل عنهما ‪ -‬أن رسول اهلل ‪ -‬صلى اهلل عليه‬ ‫وسلم ‪ -‬إذا خطب احمرت عيناه وعال صوته واشتد غضبه حتى كأنه منذر‬ ‫جيش يقول ‪ " :‬صبحكم ومساكم " ‪ ،‬ويقول ‪ " :‬بعثت أنا والساعة كهاتين "‬ ‫ويقرن بين أصابعه السبابة والوسطى ويقول ‪- :‬أما بعد فإن خير الحديث كتاب‬ ‫اهلل وخير الهدي هدي محمد وشر األمور محدثاتها وكل بدعة في ضاللة ‪.‬‬ ‫رواه مسلم ‪.‬‬ ‫وعن جابر بن سمرة ‪ -‬رضي اهلل عنه ‪ -‬قال ‪ :‬كنت أصلي مع رسول اهلل‬ ‫فكان صالته قصدا وخطبته قصدا ‪ .‬رواه مسلم ‪.‬‬ ‫والمعنى ‪ :‬أنها معتدلة بين الطول الظاهر والتخفيف الماحق ‪.‬‬ ‫وروى مسلم عن أبي وائل قال ‪ :‬خطبنا عمار فأوجز وأبلغ فلما نزل قلنا ‪ :‬يا‬ ‫أبا اليقظان لقد أبلغت وأوجزت فلو كنت تنفست فقال ‪ :‬إني سمعت رسول اهلل‬ ‫يقول ‪ :‬إن طول صالة الرجل وقصر خطبته مئنة من فقهه فأطيلوا الصالة‬ ‫وأقصروا الخطبة وان من البيان سح ار ‪.‬‬


‫صفة خطبة النبي‬ ‫• ومعنى ‪ :‬تنفست ‪ :‬أطلت قليال ‪.‬‬ ‫• ومئنة بمعنى ‪ :‬عالمة دالة على فقهه ‪.‬‬ ‫• إن بعضا من الخطباء درج اإلطالة في الخطبة مما قد يدعو إلى السأم والملل ‪،‬‬ ‫والسنة اإليجاز واالختصار بعيدا عن اإلخالل من االهتمام بالموضوع الذي سوف‬ ‫يطرحه الخطيب ‪ ،‬ومن المستحسن في نظري أن تكون الخطبة في األحوال‬ ‫العادية في حدود عشرين دقيقة ‪ ،‬ومن المهم مراعاة الحاضرين فقد يكون بعض‬ ‫المسلمين في برد شديد خارج المكان الدافئ كما أنهم قد يكونون في حر شديد‬ ‫خارج المكان المكيف كما أن بعضهم قد يجيء مبك ار إلى المسجد وقد يضايقه‬ ‫البول إذا ما أطيلت الخطبة ‪ ،‬وقد وردت النصوص تحث على مراعاة الناس‬ ‫وعدم اإلثقال عليهم فقد يكون فيهم الضعيف الذي ال يتحمل اإلطالة وقد يكون‬ ‫فيهم صاحب حاجة يتضرر بالتأخير ‪ ،‬واالعتدال هو المطلوب فال تكون الخطبة‬ ‫قصيرة جدا فيها إخالل وال طويلة جدا فيها إمالل ‪.‬‬


‫نموذج من خطب الجمعة للنبي‬ ‫• نموذج من خطب الجمعة للنبي ‪ -‬صلى َّللا عليه وسلم ‪-‬‬ ‫• خطب النبي ‪ -‬صلى َّللا عليه وسلم ‪ -‬فقال ‪ :‬الحمد هلل أحمده ‪ ،‬وأستعينه ‪،‬‬ ‫وأستغفره ‪ ،‬وأستهديه وأومن به وال أكفره ‪ ،‬وأعادي من يكفر به ‪ ،‬وأشهد أن‬ ‫ال إله إال َّللا وحده ال شريك له ‪ ،‬وأشهد أن محمد عبده ورسوله أرسله بالهدى‬ ‫ودين الحق والنور والموعظة والحكمة على فترة من الرسل ‪ ،‬وقلة من العلم ‪،‬‬ ‫وضاللة من الناس ‪ ،‬وانقطاع من الزمان ‪ ،‬ودنو من الساعة ‪ ،‬وقرب من األجل‬ ‫‪ .‬من يطع َّللا ورسوله فقد رشد ‪ ،‬ومن يعص َّللا ورسوله فقد غوى وفرط ‪،‬‬ ‫وضل ضالال بعيدا‬ ‫• أوصيكم بتقوى َّللا ‪ ،‬فإنه خير ما أوصى المسلم المسلم أن يحضه على اآلخرة ‪،‬‬ ‫وأن يأمره بتقوى َّللا ‪ ،‬واحذروا ما حذركم َّللا نفسه ‪ ،‬فإن تقوى َّللا لمن عمل‬ ‫به على وجل ومخافة من ربه عون صدق على ما تبغون من أمر اآلخرة ‪.‬‬


‫نموذج من خطب الجمعة للنبي‬ ‫• ومن يصلح الذي بينه وبين ربه من أمره في السر والعالنية ال ينوي إال وجه‬ ‫َّللا يكن له ذكرا في عاجل أمره ‪ ،‬وذخرا فيما بعد الموت حين يفتقر المرء إلى‬ ‫ما قدم ‪ ،‬وما كان سوى ذلك يود لو أن بينه وبينه أمدا بعيدا من َو ُي َح ِّذ ُر ُك ُم َّ‬ ‫َّللاُ‬ ‫س ُه َو َّ‬ ‫وف ِبا ْل ِع َبا ِد هو الذي صدق قوله وأنجز وعده ‪ ،‬ال خلف لذلك ‪،‬‬ ‫َّللاُ َر ُء ٌ‬ ‫َن ْف َ‬ ‫َي َو َما أَ َنا ِب َظ َّال ٍم لِ ْل َع ِبي ِد فاتقوا َّللا في عاجل‬ ‫فإنه يقول ‪َ :‬ما ُي َبدَّ ل ُ ا ْل َق ْول ُ لَد َّ‬ ‫س ِّي َئاتِ ِه َو ُي ْعظِ ْم‬ ‫َّللا ُي َك ِّف ْر َع ْن ُه َ‬ ‫أمركم وآجله ‪ ،‬في السر والعالنية فإنه َو َمنْ َي َّت ِق َّ َ‬ ‫لَ ُه أَ ْج ًرا ومن يتق َّللا فقد فاز فوزا عظيما ‪ ،‬وإن تقوى َّللا توقي مقته ‪،‬‬ ‫وتوقي عقوبته ‪ ،‬وتوقي سخطه ‪ .‬وإن تقوى َّللا تبيض الوجوه ‪ ،‬وترضي الرب‬ ‫‪ ،‬وترفع الدرجة ‪ ،‬فخذوا بحظكم ‪ ،‬وال تفرطوا في جنب َّللا فقد علمكم كتابه ‪،‬‬ ‫ونهج لكم سبيله ‪ ،‬ليعلم الذين صدقوا ‪ ،‬ويعلم الكاذبين ‪.‬‬ ‫• فأحسنوا كما أحسن َّللا إليكم ‪ ،‬وعادوا أعداءه ‪ ،‬وجاهدوا في َّللا حق جهاده ‪،‬‬ ‫هو اجتباكم ‪ ،‬وسماكم المسلمين ‪ ،‬ليهلك من هلك عن بينة ‪ ،‬ويحيا من حيي عن‬ ‫بينة ‪ ،‬وال حول وال قوة إال باهلل فأكثروا ذكر َّللا تعالى ‪ ،‬وأعملوا لما بعد الموت‬ ‫‪ ،‬فإنه من يصلح ما بينه وبين َّللا يكفه َّللا ما بينه وبين الناس ‪ ،‬ذلك بأن َّللا‬ ‫يقضي على الناس وال يقضون عليه ‪ ،‬ويملك من الناس وال يملكون منه ‪َّ ،‬للا‬ ‫أكبر ‪ ،‬وال حول وال قوة إال باهلل العلي العظيم " ‪.‬‬


‫فقه الجمعة‬ ‫•‬ ‫•‬

‫•‬ ‫•‬ ‫•‬ ‫•‬ ‫•‬

‫•‬

‫تخطي رقاب الناس واإلمام يخطب‬ ‫نظ ار لما تحمله الخطبة من أهمية فقد ورد النهي في السنة المطهر عن إشغال الناس بتخطي‬ ‫رقابهم وما شاكل هذا مما يصرفهم عن االستماع واالستفادة واالتعاظ ‪.‬‬ ‫فعن عبد اهلل بن بسر ‪ -‬رضي اهلل عنه ‪ -‬قال ‪ :‬جاء رجل يتخطى رقاب الناس يوم الجمعة‬ ‫والنبي ‪ -‬صلى اهلل عليه وسلم ‪ -‬يخطب فقال له رسول اهلل ‪ -‬صلى اهلل عليه وسلم ‪" : -‬‬ ‫اجلس فقد آذيت ‪.‬‬ ‫رواه أبو داود والنسائي وأحمد ‪.‬‬ ‫وزاد وآنيت ‪ :‬أي أبطأت وتأخرت ‪.‬‬ ‫وعن أرقم بن أبي األرقم ‪ -‬رضي اهلل عنه ‪ -‬أن رسول اهلل ‪ -‬صلى اهلل عليه وسلم ‪ -‬قال ‪:‬‬ ‫الذي يتخطى رقاب الناس يوم الجمعة ويفرق بين األثنين بعد خروج اإلمام كالجار قصبه في‬ ‫النار رواه أحمد ‪.‬‬ ‫وعن سهل بن معاذ بن أنس الجهني عن أبيه قال ‪ :‬قال رسول اهلل ‪ -‬صلى اهلل عليه وسلم ‪: -‬‬ ‫من قال تخطى رقاب الناس يوم الجمعة اتخذ جس ار إلى جهنم رواه الترمذي ‪.‬‬ ‫قال أبو عيسى الترمذي ‪ :‬حديث سهل بن معاذ بن أنس الجهني حديث غريب ال نعرفه إال من‬ ‫حديث رشدين بن سعد ‪ .‬والعمل عليه عند أهل العلم ‪ :‬كرهوا أن يتخطى الرجل يوم الجمعة رقاب‬ ‫الناس وشددوا في ذلك‬ ‫قال النووي في زوائد الروضة ‪ :‬إن المختار تحريمه لألحاديث الصحيحة واقتصر أصحاب أحمد‬ ‫على الكراهة فقط ‪.‬‬


‫فقه الجمعة‬ ‫•‬ ‫•‬

‫•‬ ‫•‬

‫النوم حال الخطبة‬ ‫يأتي بعض المسلمين لصالة الجمعة وقد يأتيه النوم وقت الخطبة ومما‬ ‫ال شك فيه أن ذلك من الشيطان ألنه حريص على إبعاد المسلم عن‬ ‫االستفادة ومن األفضل أن يتحرك المسلم وال يضع رأسه بين فخذيه‬ ‫ناصبا ساقيه فإن هذه الجلسة مدعاة للنوم ‪ ،‬وقد ورد عن بعض السلف‬ ‫كراهتهم للنوم ‪.‬‬ ‫قال اإلمام ابن عون عن ابن سيرين ‪ -‬رحمه هللا ‪ : -‬كانوا يكرهون‬ ‫النوم واإلمام يخطب ويقولون فيه قوال شديدا ‪ ،‬قال ابن عون ‪ :‬ثم‬ ‫لقيني بعد ذلك فقال ‪ :‬تدري ما يقولون ‪ . . .‬؟‬ ‫قال ‪ :‬يقولون مثلهم كمثل سرية أخفقوا ‪ .‬ثم قال ‪ :‬هل تدري ما أخفقوا‬ ‫‪ . . .‬؟ لم تغنم شيئا ‪.‬‬


‫فقه الجمعة‬ ‫•‬

‫•‬ ‫•‬ ‫•‬ ‫•‬ ‫•‬

‫تحية المسجد حال الخطبة أو األذان‬ ‫ذهب بعض أهل العلم إلى أن تحية المسجد واجبة لمن يريد الجلوس فيه ‪ .‬فقد‬ ‫ورد في صحيح البخاري ومسلم عن أبي قتادة ‪ -‬رضي اهلل عنه ‪ -‬أن رسول اهلل‬ ‫ صلى اهلل عليه وسلم ‪ -‬قال ‪ :‬إذا دخل أحدكم المسجد فال يجلس حتى‬‫يصلي ركعتين ‪ .‬وهذا الحكم يشمل الداخل أثناء الخطبة ‪.‬‬ ‫وقد ورد في الحديث عن جابر ‪ -‬رضي اهلل عنه ‪ -‬قال ‪ :‬جاء رجل والنبي ‪-‬‬ ‫صلى اهلل عليه وسلم ‪ -‬يخطب الناس يوم الجمعة ( فقال ‪ :‬أصليت يا فالن ‪. .‬‬ ‫‪ .‬؟ قال ‪ :‬ال ‪ ،‬قال ‪ :‬قم فاركع ) ‪ .‬رواه البخاري ‪.‬‬ ‫وفي رواية ‪ :‬فصل ركعتين ‪.‬‬ ‫والرجل قيل أنه سليك الغطفاني ‪ -‬رضي اهلل عنه ‪. -‬‬ ‫فالخالصة أن خطبة الجمعة ال تمنع الداخل من أداء تحية المسجد ‪ ،‬ولكن لتكن‬ ‫خفيفة ولو دخل أثناء اآلذان فليركع التحية ‪.‬‬ ‫واليك هذا السؤال الموجه لسماحة المفتي العام للمملكة العربية السعودية‬ ‫سماحة الشيخ عبد العزيز بن باز ‪ ،‬وقد نشر مع جوابه في مجلة الدعوة‬ ‫السعودية ‪.‬‬


‫فقه الجمعة‬ ‫• السنة عند دخول المسجد أن يصلي ركعتين تحية المسجد ولو كان اإلمام‬ ‫يخطب لقول النبي ‪ -‬صلى اهلل عليه وسلم ‪ : -‬إذا دخل أحدكم المسجد فال‬ ‫يجلس حتى يصلي ركعتين ‪.‬‬ ‫• أخرجه الشيخان في الصحيحين ‪.‬‬ ‫• ولما روى مسلم في صحيحه عن جابر ‪ -‬رضي اهلل عنه ‪ -‬أن النبي ‪ -‬صلى‬ ‫اهلل عليه وسلم ‪ -‬قال ‪ :‬إذا جاء أحدكم يوم الجمعة واإلمام يخطب فليصل‬ ‫ركعتين وليتجوز فيهما ‪ ،‬وهذا نص صريح في المسألة ال يجوز ألحد أن‬ ‫يخالفه ‪ ،‬ولعل اإلمام مالكا ‪ -‬رحمه اهلل ‪ -‬لم تبلغه هذه النسبة إن ثبت عنه أنه‬ ‫نهى عن الركعتين وقت الخطبة ‪ ،‬واذا صحت السنة عن رسول اهلل ‪ -‬صلى اهلل‬ ‫عليه وسلم ‪ -‬لم يجز ألحد أن يخالفها لقول أحد من الناس كائن من كان لقول‬ ‫َطيعوا اللَّ َه وأ ِ‬ ‫ين آم ُنوا أ ِ‬ ‫اهلل عز وجل يا أ َُّيها الَِّ‬ ‫ول َوأُوِلي ْاأل َْم ِر ِم ْن ُك ْم‬ ‫الر‬ ‫ا‬ ‫و‬ ‫يع‬ ‫َط‬ ‫ذ‬ ‫َّ‬ ‫س َ‬ ‫َ‬ ‫ِ َ َ‬ ‫ُِ‬ ‫ِ َِ ُ‬ ‫ِ َ َّ ِ ُ‬ ‫ِ‬ ‫ٍ‬ ‫َّ‬ ‫ون ِبالله َوا ْل َي ْوِم‬ ‫سول إ ْن ُك ْنتُ ْم تُ ْؤم ُن‬ ‫الر‬ ‫ش ْيء فَ ُردُّوهُ إلَى الله َو َّ‬ ‫فَِإ ْن تَ َن َاز ْعتُ ْم في َ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫اخ َتلَ ْفتُم ِف ِ‬ ‫ش ْي ٍء‬ ‫س ُن تَأْ ِو ً‬ ‫يه ِم ْن َ‬ ‫ْاآل ِخ ِر َذِل َك َخ ْيٌِر َوأ ْ‬ ‫َح َ‬ ‫يال ولقوله سبحانه َو َما ْ ْ‬ ‫فَ ُح ْك ُم ُه إِلَى اللَّه ومعلوم أن حكم الرسول ‪ -‬صلى اهلل عليه وسلم ‪ -‬من حكم‬ ‫اهلل عز وجل لقوله سبحانه م ْن ي ِ‬ ‫اع اللَّ َه واهلل ولي‬ ‫الر‬ ‫ع‬ ‫ط‬ ‫ِ‬ ‫ول فَقَ ْد أَ َ‬ ‫َّ‬ ‫س َ‬ ‫ط َ‬ ‫َ ُ‬ ‫ُ‬ ‫التوفيق ‪.‬‬


‫فقه الجمعة‬ ‫•‬ ‫•‬ ‫•‬ ‫•‬

‫االستسقاء في الخطبة يوم الجمعة‬ ‫إذا أجدب الناس وقحطوا شرع لهم االستسقاء وله حاالت عدة منه ‪- :‬‬ ‫األولى ‪ :‬الصالة في المصلى حيث يخرج المسلمون مستكينين متضرعين فيصلي بهم‬ ‫اإلمام ويخطب فيهم خطبة واحدة طالبا من اهلل تعالى الغيث ‪.‬‬ ‫الثاني ‪ :‬االستسقاء في خطبة الجمعة حيث يدعو اإلمام ربه بأن يغيث القلوب باإليمان‬ ‫والطاعة والبالد باألماطر والبركات‬ ‫وقد ورد في السنة المطهرة أحاديث صحيحة توضح استسقاء النبي ‪ -‬صلى اهلل عليه‬ ‫وسلم ‪ -‬وهو يخطب يوم الجمعة ‪ ،‬فمن ذلك عن أنس ‪ -‬رضي اهلل عنه ‪ -‬قال ‪:‬‬ ‫أصابت الناس سنة على عهد النبي ‪ -‬صلى اهلل عليه وسلم ‪ -‬فبينما النبي ‪ -‬صلى‬ ‫اهلل عليه وسلم ‪ -‬يخطب الجمعة قام أعرابي فقال ‪ :‬يا رسول اهلل ‪ :‬هلك المال وجاع‬ ‫العيال فادع لنا اهلل ‪ ،‬فرفع يديه وما نرى في السماء قزعة ‪ ،‬فوالذي نفسي بيده ما‬ ‫وضعها حتى ثار السحاب أمثال الجبال ثم لم ينزل عن منبره حتى رأيت المطر يتحادر‬ ‫على لحيته ‪ -‬صلى اهلل عليه وسلم ‪ -‬فمطرنا يومنا ذلك ومن الغد وبعد الغد والذي يليه‬ ‫حتى الجمعة األخرى ‪ ،‬وقام ذلك األعرابي أو قال غيره فقال ‪ :‬يا رسول اهلل تهدم البناء‬ ‫وغرق المال فادع اهلل لنا ‪ ،‬فرفع يديه فقال ‪ .‬اللهم حوالينا وال علينا ‪ ،‬فما يشير بيده‬ ‫إلى ناحية السماء إال انفرجت رواه البخاري ‪.‬‬


‫فقه الجمعة‬ ‫• ومن السنة رفع اليدين أثناء الدعاء بنزول المطر ‪ ،‬فقد روى البخاري‬ ‫ رحمه هللا ‪ -‬من حديث أنس ‪ :‬كان النبي ‪ -‬صلى هللا عليه وسلم ‪-‬‬‫ال يرفع يديه في شيء من دعائه إال في االستسقاء وأنه يرفع حتى‬ ‫يرى بياض إبطيه ‪ ،‬وإذا كان رفع اليدين مشروعا لإلمام حال الدعاء‬ ‫بالسقيا فإنه مشروع للمأموم أيضا أن يرفع يديه حال الدعاء بأن يغيث‬ ‫هللا عز وجل البالد والعباد ‪.‬‬ ‫• ففي الحديث الذي رواه البخاري عن أنس بن مالك ‪ -‬رضي هللا عنه ‪-‬‬ ‫قال ‪ :‬أتى رجل أعرابي من أهل البدو إلى رسول هللا ‪ -‬صلى هللا‬ ‫عليه وسلم ‪ -‬يوم الجمعة فقال ‪ :‬يا رسول هللا هلكت الماشية ‪ ،‬هلك‬ ‫العيال ‪ ،‬هلك الناس ‪ ،‬فرفع رسول هللا ‪ -‬صلى هللا عليه وسلم ‪ -‬يديه‬ ‫يدعو ورفع الناس أيديهم يدعون ‪.‬‬


‫فقه الجمعة‬ ‫•‬ ‫•‬ ‫•‬ ‫•‬ ‫•‬

‫•‬

‫مسائل فقهيه تتعلق بالخطبة‬ ‫‪ - 1‬هل يصلي بالناس الجمعة غير الخطيب ؟ السنة أن من يتولى الخطبة يتولى‬ ‫الصالة كذلك ألنه ‪ -‬صلى اهلل عليه وسلم ‪ -‬كان يتوالهما بنفسه وكذلك خلفاؤه من‬ ‫بعده‬ ‫وان خطب رجل وصلى آخر لعذر جاز ذلك ‪ .‬نص على ذلك اإلمام أحمد ‪.‬‬ ‫‪ - 2‬إذا ق أر الخطيب آية تشتمل على سجدة وهو يخطب فهل يسجد سجود التالوة ؟‬ ‫قال العلماء ‪ -‬رحمهم اهلل ‪ : -‬إن شاء سجد وان ترك السجود فال حرج ‪ ،‬فعله عمر‬ ‫وترك ‪ ،‬على أن سجود التالوة ليس بواجب في األصل ‪.‬‬ ‫‪ - 3‬ما حكم المواالة في الخطبة والمواالة بينها وبين الصالة ؟ المواالة ال بد منها في‬ ‫الخطبة فال يترك الخطبة إال ألمر مهم يقضيه في وقت وجيز وبعد ذلك يبنى على ما‬ ‫مضى من خطبته ‪ ،‬وكذلك تلزم المواالة بين الخطبة والصالة إال ألمر مهم كالطهارة‬ ‫ونحوها ‪.‬‬ ‫‪ - 4‬ما حكم استقبال اإلمام الناس والعكس ؟ استقبال اإلمام الناس مستحب عند‬ ‫جمهور أهل العلم ومن الزمه استدباره القبلة ولكن هذا يغتفر لئال يستدبر القوم الذين‬ ‫يقوم بوعظهم ‪ ،‬وكذلك يستقبل الناس اإلمام والقبلة معا ‪ ،‬ومن حكمة استقبالهم لإلمام‬ ‫التهيؤ لسماع كالمه وسلوك األدب معه فالمأموم إذا استقبل الخطيب بوجهه وأقبل عليه‬ ‫بجسده كان ذلك أدعى إلى استقباله بقلبه وتفهم موعظته ‪.‬‬


‫فقه الجمعة‬ ‫•‬ ‫•‬ ‫•‬ ‫•‬ ‫•‬ ‫•‬

‫•‬ ‫•‬

‫‪ - 5‬كلمة أما بعد ‪:‬‬ ‫يشرع للخطيب أن يأتي في خطبته بهذه الكلمة ( أما بعد ) فقد ورد في الحديث عن المسور بن‬ ‫مخرمة قال ‪ :‬قام رسول اهلل ‪ -‬صلى اهلل عليه وسلم ‪ -‬فسمعته حين تشهد يقول ‪ :‬أما بعد‬ ‫‪ .‬رواه البخاري ‪.‬‬ ‫قال العالمة سيبويه ‪ -‬رحمه اهلل ‪ : -‬معناها مهما يكن من شيء بعد ‪.‬‬ ‫وقال الزجاج ‪ :‬إذا كان الرجل في حديث فأراد أن يأتي بغيره قال ‪ :‬أما بعد ‪.‬‬ ‫والدال مضمومة فهو مبني على الضم ‪ ،‬واختلف في أول من قالها ‪ ،‬فقيل داود ‪ ،‬وقيل يعقوب ‪-‬‬ ‫عليهما السالم ‪ -‬وقيل يعرب بن قحطان ‪ ،‬وقيل كعب بن لؤي وقيل سحبان وائل ‪ ،‬وقيل قس بن‬ ‫ساعدة ‪ ،‬واألول أشبه ‪.‬‬ ‫‪ - 6‬ما حكم اإلتيان بالشعر في خطبة الجمعة ؟ ولإلجابة عن هذا السؤال أنقل فتوى سماحة‬ ‫المفتي العام للمملكة العربية السعودية الشيخ عبد العزيز بن باز ‪ -‬حفظه اهلل ‪. -‬‬ ‫حيث ورد إليه سؤال جاء على النحو اآلتي ‪:‬‬ ‫سائل يقول ‪ :‬هل االستشهاد ببعض الشعر في خطبة الجمعة مما يحث على مكارم األخالق‬ ‫والجهاد في سبيل اهلل أمر مشروع ؟ الجواب ‪ :‬ال شك بذلك ‪ ،‬يقول النبي ‪ -‬صلى اهلل عليه‬ ‫وسلم ‪ : -‬إن من الشعر لحكمة ‪ ،‬وكان النبي ‪ -‬صلى اهلل عليه وسلم ‪ -‬ينشد مع الصحابة‬ ‫وهم يبنون المسجد ينشد معهم ‪ -‬عليه الصالة والسالم‬


‫فقه الجمعة‬ ‫•‬

‫•‬ ‫•‬ ‫•‬

‫واهلل لوال اهلل ما اهتدينا‬ ‫فــأنزلن ســكينة علينـا‬ ‫إن األلـى قد بغوا علينا‬ ‫وال تصدقنـــا وال صلينــا‬ ‫وثبـت األقـدام إن القينا‬ ‫إذا أرادوا فتنـــــة أبينــــا‬ ‫كان رافعا بها صوته يقول ‪ :‬أبينا ‪ ،‬أبينا ‪ ،‬أبينا ‪ ،‬كما أن عليه الصالة والسالم أنشدهم‬ ‫وهم يحفرون الخندق ‪.‬‬ ‫فالمقصود أن إنشاء الشعر الحق الطيب في الخطب والمواعظ والمحاضرات وخطب‬ ‫الجمعة واألعياد ال بأس به ألنه يؤثر ويحصل به خير عظيم ‪.‬‬ ‫‪ - 7‬إذا كان أكثر المصلين ال يتكلمون العربية فما حكم ترجمة الخطبة باللغة التي‬ ‫يعرفها المصلون ؟ واليك أخي القارئ هذا السؤال الموجه لسماحة الشيخ ‪ .‬عبد العزيز‬ ‫ابن باز مع جوابه ‪.‬‬ ‫نشر السؤال وجوابه في مجلة الدعوة السعودية ‪ -‬العدد ‪ . 1020‬القارئ وحيد الدين‬ ‫أحمد بعث إلينا سؤاال يقول فيه ‪:‬‬


‫فقه الجمعة‬ ‫• قد تنازع العلماء ‪ -‬رحمة اهلل عليهم ‪ -‬في جواز ترجمة الخطب المنبرية في يوم‬ ‫الجمعة والعيدين باللغات العجمية ‪ ،‬فمنع ذلك جمع من أهل العلم رغبة منهم ‪ -‬رضي‬ ‫اهلل عنهم ‪ -‬في بقاء اللغة العربية والمحافظة عليها والسير على طريقة الرسول ‪-‬‬ ‫صلى اهلل عليه وسلم ‪ -‬وأصحابه ‪ -‬رضي اهلل عنهم ‪ -‬في إلقاء الخطب باللغة العربية‬ ‫في بالد العجم وغيرها تشجيعا للناس على تعلم اللغة العربية والعناية بها ‪.‬‬ ‫• وذهب آخرون من أهل العلم إلى جواز ترجمة الخطب باللغة العجمية إذا كان‬ ‫المخاطبون أو أكثرهم ال يعرفون اللغة العربية نظ ار للمعنى الذي من أجله شرع اهلل‬ ‫الخطبة وهو تفهم الناس ما شرعه اهلل لهم من األحكام وما نهاهم عنه من المعاصي‬ ‫وارشادهم إلى األخالق الكريمة والصفات الحميدة وتحذيرهم من خالفها ‪ ،‬وال شك أن‬ ‫مراعاة المعاني والمقاصد أولى وأوجب من مراعاة األلفاظ والرسوم ‪ ،‬ال سيما إذا كان‬ ‫المخاطبون ال يهتمون باللغة العربية وال تؤثر فيهم خطبة الخطيب بها تسابقا إلى‬ ‫تعلمها وحرصا عليها ‪ ،‬فالمقصود حينئذ لم يحصل ‪ ،‬والمطلوب باإلبقاء على اللغة لم‬ ‫يتحقق وبذلك يظهر للمتأمل أن القول بجواز ترجمة الخطب باللغات السائدة بين‬ ‫الخاطبين التي يعقلون بها الكالم ويفهمون بها المراد أولى وأحق باالتباع وال سيما إذا‬ ‫كان عدم الترجمة يفضي إلى النزاع والخصام ‪ ،‬فال شك أن الترجمة والحالة هذه متعينة‬ ‫لحصول المصلحة بها وزوال المفسدة ‪.‬‬


‫فقه الجمعة‬ ‫• واذا كان في المخاطبين من يعرف اللغة العربية فالمشروع للخطيب أن يجمع‬ ‫بين اللغتين فيخطب باللغة العربية ثم يعيدها باللغة األخرى التي يفهمها‬ ‫اآلخرون وبذلك يجمع بين المصلحتين وتنتفي المضرة وينقطع النزاع بين‬ ‫المخاطبين ‪.‬‬ ‫• ويدل على ذلك من الشرع المطهر أدلة كثيرة منها ما تقدم وهو المقصود من‬ ‫الخطبة نفع المخاطبين وتذكيرهم بحق اهلل ودعوتهم إليه وتحذيرهم مما نهى اهلل‬ ‫عنه وال يحصل ذلك إال بلغتهم ومنها أن اهلل سبحانه وتعالى إنما أرسل الرسل ‪-‬‬ ‫عليهم السالم ‪ -‬بألسنة قومهم ليفهموهم مراد اهلل سبحانه بلغاتهم كما قال عز‬ ‫ِ‬ ‫ول إَِّال ِبِ‬ ‫وجل وما أَرس ْل َنا ِ‬ ‫ٍ‬ ‫سِ‬ ‫اب‬ ‫ان قَ ْو ِم ِه ِل ُي َب ِّي َن َل ُه ْم وقال عز‬ ‫ل‬ ‫س‬ ‫ر‬ ‫ن‬ ‫م‬ ‫ْ‬ ‫وجل كتَ ٌ‬ ‫ُّ َ‬ ‫َّ َ ُ‬ ‫َِ َ ِْ َ‬ ‫صر ِ‬ ‫ور ِبِإ ْذ ِن رِّب ِهم إَِلى ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ُّ‬ ‫ِ‬ ‫اط ا ْل َع ِز ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫يز‬ ‫الن‬ ‫ى‬ ‫ل‬ ‫إ‬ ‫ات‬ ‫م‬ ‫ل‬ ‫الظ‬ ‫ن‬ ‫م‬ ‫اس‬ ‫الن‬ ‫ج‬ ‫ر‬ ‫خ‬ ‫َ‬ ‫َ َ‬ ‫أَ ْن َزْل َنِاهُِ إلَ ْي َك لتُ ْ َ‬ ‫َ‬ ‫َ ْ‬ ‫َُ‬ ‫ا ْل َحميد وكيف يمكن إخراجهم به من الظلمات وهم ال يعرفون مراد اهلل منه ‪،‬‬ ‫فعلم أنه ال بد من ترجمة تبين المراد وتوضح لهم حق اهلل سبحانه إذا لم يتيسر‬ ‫لهم تعلم لغته والعناية بها‬


‫فقه الجمعة‬ ‫• ‪ ،‬ومن ذلك أن الرسول ‪ -‬صلى اهلل عليه وسلم ‪ -‬أمر زيد بن ثابت أن يتعلم‬ ‫لغة اليهود ليكاتبهم بها ويقيم عليهم الحجة ‪ ،‬كما يق أر كتبهم إذا وردت ويوضح‬ ‫للنبي ‪ -‬صلى اهلل عليه وسلم ‪ -‬مرادهم ‪ .‬ومن ذلك أن الصحابة ‪ -‬رضي اهلل‬ ‫عنهم ‪ -‬لما غزوا بالد العجم من فارس والروم لم يقاتلوهم حتى دعوهم إلى‬ ‫اإلسالم بواسطة المترجمين ‪ ،‬ولما فتحوا البالد العجمية دعوا الناس إلى اهلل‬ ‫سبحانه وتعالى باللغة العربية وأمروا الناس بتعلمها ومن جهلها منهم دعوه‬ ‫بلغته وأفهموه المراد باللغة التي يفهمها فقامت بذلك الحجة وانقطعت المعذرة ‪،‬‬ ‫وال شك أن هذا السبيل ال بد منه وال سيما في آخر الزمان وعند غربة اإلسالم ‪،‬‬ ‫وتمسك كل قبيل بلغته ‪ ،‬فإن الحاجة للترجمة ضرورية وال يتم للداعي دعوة إال‬ ‫بذلك ‪.‬‬ ‫• وأسأل اهلل أن يوفق المسلمين أينما كانوا للفقه في دينهم والتمسك بشريعته‬ ‫واالستقامة عليها وأن يصلح والة أمورهم وأن ينصر دينه ويخذل أعداءه ‪ ،‬إنه‬ ‫جواد كريم ‪.‬‬


‫فقه الجمعة‬ ‫•‬ ‫•‬

‫•‬ ‫•‬

‫همسات في أذن خطيب الجمعة وتنبيهات ومقتربات‬ ‫أخي الخطيب إن من يقوم بعمل يهدف من ورائه إلى أن يصل إلى شيء ما‬ ‫فاجعل لك هدفا عاليا في خطبتك فأنت تهدف في صعودك المنبر في السنة‬ ‫اثنين وخمسون مرة تقريبا إلى أن تصحح مفاهيم الناس وبخاصة حول‬ ‫معتقداتهم وترشدهم إلى المعتقد الصحيح ‪ .‬وأنت تهدف في صعودك المنبر إلى‬ ‫أن تقرب الناس من ربهم وأن تحبب الدين وأحكامه إليهم ‪ ،‬فعليك بما يقوي فيهم‬ ‫اإليمان ويزرع فيهم الخير والنفع والرحمة والشفقة ‪ ،‬وأنت تهدف إلى تصحيح‬ ‫أوضاع اجتماعية تعارف عليها الناس وقد يكون الصواب في غيرها فاجتهد في‬ ‫توجيه الناس إلى الصواب ‪ ،‬وحذار من السخرية واالستفزاز واإلعجاب وسرعة‬ ‫الوصول إلى النتائج ‪.‬‬ ‫إنك تهدف إلى إصالح المجتمع ولن يتأتى هذا العالج بخطبة أو خطبتين فوطن‬ ‫نفسك على الرفق وحب الخير للناس ونصحهم وتوجيههم في كل قول تقوله ‪.‬‬ ‫أخي الخطيب ‪ :‬أحكام اإلسالم متفاوتة في أهميتها فأعط كل حكم ما يستحقه‬ ‫من االهتمام ‪ ،‬والحكمة ضالة المؤمن ‪ .‬قال عز وجل ‪َ :‬و َم ْن ُي ْؤ َت ا ْل ِح ْك َم َة فَقَ ْد‬ ‫ير‬ ‫أُوِت َي َخ ْي ًار َك ِث ًا‬


‫فقه الجمعة‬ ‫•‬ ‫•‬ ‫•‬ ‫•‬ ‫•‬ ‫•‬

‫ومن يرد اهلل به خي ار يفقه في الدين ‪.‬‬ ‫أخي الخطيب ‪ :‬سائل نفسك باستمرار ماذا حققت من خطبك المتكررة ؟ هل شاركت في‬ ‫تربية المجتمع على الخلق الفاضل واألدب الحسن ؟ هل أسهمت في تعليم الناس أمور‬ ‫دينهم ؟‬ ‫إنك تحملت أمانة عظيمة أسأل اهلل أن يعينك على أدائها وأن يعين جميع المسلمين‬ ‫على أداء ما تحملوه ‪.‬‬ ‫أخي الخطيب ‪ :‬يقول شيخ اإلسالم ابن تيمية ‪ :‬المسلم ألخيه كاليدين تغسل إحداهما‬ ‫األخرى ‪.‬‬ ‫إن اللقاء بين الخطباء المتجاورين والتنسيق فيما بينهم يختصر عليهم الطريق فالتفاهم‬ ‫حول الموضوعات وكيفية طرحها من األمور المهمة فاحرص على تفهم ما عند اآلخرين‬ ‫واستفد من إخوانك وأفدهم واحرص على التواضع وعدم التعالي على السامعين ‪.‬‬ ‫فإن من األمور التي ينبغي على الخطيب أن يفطن لها أن يكون ذا تواضع ينظر إلى‬ ‫الناس بعين الرحمة والشفقة يوقر الكبير ويرحم الصغير ‪ ،‬يذكر عن بكر بن عبد اهلل‬ ‫المزني أنه قال ‪ :‬ما رأيت أكبر مني إال قلت هو خير مني سبقني إلى الطاعة ‪ ،‬وال رأيت‬ ‫أصغر مني إال قلت هو خير مني سبقته إلى المعصية ‪.‬‬


‫فقه الجمعة‬ ‫• إن السامعين ينفرون ممن يتعالى عليهم ويظهر أنه أعال وأرفع منهم ‪ ،‬وبالمقابل فإنهم‬ ‫يحبون المتواضعين الذي يحترمون الناس ويرحمونهم فعلى الخطيب الكريم أن يكون‬ ‫قدوة فيما يدعو الناس إليه ‪ ،‬وليتذكر قول الشاعر ‪:‬‬ ‫• وقفـــت لتذكـــير ولـــو كـــنت منصفـــا‬ ‫إذا لـــم يكــن منــي لنفســي واعــظ‬ ‫لذكــرت نفسـي فهـي أحـوج للذكـرى‬ ‫فيا ليت شعري كيف أفعل في األخرى‬ ‫أخي الخطيب ‪ :‬إن إثارة الحمية الدينية لدى السامعين من األمور الهامة في الخطبة‬ ‫فأعلم ‪:‬‬ ‫• أن الخطيب الذي يثير السامعين بأسلوبه ويهز مشاعرهم بخطابه ويرجع ما يصيب‬ ‫الناس من المصائب والكوارث واالبتالء إلى ضعف اإليمان وانتهاك ما حرم اهلل خطيب‬ ‫ناجح ‪ ،‬كما أن الخطيب الذي يثير حمية السامعين الدينية ويلفت انتباههم بأن ما‬ ‫يحصل للمسلمين من انحراف وتفرق وشرود عن النهج الصحيح يفرح أعداء اإلسالم‬ ‫س ْؤ ُه ْم َوِا ْن‬ ‫سْ‬ ‫س َن ٌة تَ ُ‬ ‫س ُك ْم َح َ‬ ‫ويسرهم كثي ار أنه خطيب موفق ‪ ،‬وقد قال اهلل تعالى إِ ْن تَ ْم َ‬ ‫ِ‬ ‫س ِّي َئ ٌة َي ْفَر ُحوا ِب َها وأي سيئة أعظم من تخلخل ارتباط المسلمين بإسالمهم ‪،‬‬ ‫تُص ْب ُك ْم َ‬ ‫وأي سيئة أعظم من أن يتفرق المسلمون ويفسد ما بينهم إن هذا مما يبهج األعداء‬ ‫ويفرحهم وفساد ذات البين هي الحالقة وهي ال تحلق الشعر ولكنها تحلق الدين ‪ .‬كما‬ ‫ورد في الحديث ‪ ،‬واليك أيها الخطيب الكريم هذه التنبيهات ‪- :‬‬


‫فقه الجمعة‬ ‫•‬

‫•‬ ‫•‬

‫•‬ ‫•‬

‫إن خطبة الجمعة في بالد المسلمين ذات أثر عظيم وقد آتت وال تزال تؤتي ثما ار يانعة وهلل الحمد‬ ‫والمنة وكم من الخطباء األكارم من يكون له تأثير كبير ليس لدى الحاضرين فحسب بل يؤثر‬ ‫على من يستمع إلى خطبه بواسطة األشرطة المسجلة ‪ .‬واذا كان إيجابيات للخطباء فإن هناك‬ ‫أمو ار سلبية يحسن بالخطباء األفاضل أن ينتبهوا إليها ‪.‬‬ ‫فمن ذلك ‪- :‬‬ ‫اإلطالة في الخطبة علما أن في المصلين كبار السن وهم قد يضيقون ذرعا بطول الجلوس‬ ‫بسبب بكورهم إلى المساجد وفي المصلين من الضعفاء وأصحاب الحاجات ونحوهم ممن يصعب‬ ‫عليه الجلوس الطويل ‪ ،‬علما أن اإلطالة في الغالب داعية إلى السآمة والملل ‪ ،‬وقد كان عليه‬ ‫الصالة والسالم ال يطيل في خطبه مخافة أن يسأم الناس وقد يكون بعض المصلين في البرد‬ ‫الشديد أو الحر الشديد فال بد من مراعاتهم ‪ ،‬واذا أنهى الخطيب الخطبة والناس في شوق إلى‬ ‫حديثه فهذا خير من سآمتهم ومللهم ‪.‬‬ ‫‪ - 2‬عدم العناية باللغة العربية ‪ ،‬فمن العيوب المستهجنة لدى العلماء اللحن ‪ ،‬وعالجه التعرف‬ ‫على اللغة العربية وقراءة الخطبة قبل إلقائها أكثر من مرة وضبط الحروف التي تحتاج إلى ضبط‬ ‫بالشكل ‪.‬‬ ‫يقول الخليفة الراشد عمر بن الخطاب ‪ -‬رضي اهلل عنه ‪ : -‬تعلموا الفرائض واللحن أي ‪ -‬اللغة‬ ‫والنحو ‪ -‬فإنه من دينكم ‪.‬‬


‫فقه الجمعة‬ ‫•‬ ‫•‬

‫•‬

‫•‬ ‫•‬

‫‪ -3‬التركيز على السلبيات عند المصلين وكثرة الحديث حولها ‪:‬‬ ‫إن ترديد السلبيات وتكرارها يحطم جوانب األمل لدى الفرد السامع حيث يتصور نفسه‬ ‫أنه كتلة من األخطاء والعيوب والنقص وقد تكون نظرته إلى الخطيب الذي يسمع‬ ‫خطبته نظرة غير مقبولة فينصرف عن سماع ما يقول وال يحاول االستفادة ‪ ،‬ولقد‬ ‫جاءت النصوص الشرعية ناهية عن اليأس والقنوط والتيئيس والتنقنيط وآمرة بالتيسير‬ ‫والتبشير ‪.‬‬ ‫إن التنبيه على األخطاء والعيوب مطلوب ولكن ليكن بطريقة لبقة ال سخرية فيها وال‬ ‫استفزاز ‪ ،‬ويذكر عن الحسن والحسين ابني على بن أبي طالب ‪ -‬رضي اهلل عنهم ‪-‬‬ ‫أنهما رأيا أعرابيا وهو ال يحسن وضوءه فأراد أن يعلماه الوضوء ولكنهما خشيا من‬ ‫إحراجه فقاال ‪ :‬لقد اختلفنا في كيفية الوضوء ونريدك أن تحكم بيننا ‪ ،‬فقال ‪ :‬توضأ‬ ‫أمامي ‪ ،‬فتوضأ أمامه وضوءا صحيحا فعرف الهدف وقال ‪ :‬كالكما أحسن وضوءا مني‬ ‫‪ ،‬وهكذا استطاعا بذكائهما أن يعلماه الوضوء الصحيح من غير أن يحتقر نفسه أو‬ ‫يزدريها بإحراجهما له ‪.‬‬ ‫‪ - 4‬ومن السلبيات ‪ :‬البعد عن تفهم أحوال الناس وما هم فيه ‪:‬‬ ‫فقد يكون الخطيب في واد والسامعون في واد آخر ‪ ،‬إن من الجميل جدا أن يتعرف‬ ‫الخطيب على مجتمعه وما يدور فيه ‪ ،‬وأن يتحدث الحديث في مناسبته فلكل مقام مقال‬ ‫‪ ،‬ولكل حادثة حديث ‪.‬‬


‫فقه الجمعة‬ ‫•‬

‫•‬

‫•‬ ‫•‬

‫‪ -5‬االقتصار على بعض الجوانب في اإلسالم حيث يكون الخطيب ذا اهتمام بشيء‬ ‫معين مثال بحيث يكثر الحديث حوله دائما وأبدا ‪ ،‬وقد يكون الخطيب موظفا فيتأثر‬ ‫بعمله الوظيفي وقد تجد مدرسا خطيبا فيكثر في خطبه عن االمتحانات واألجازات وبداية‬ ‫العام أو الفصل ونهايتهما ‪ ،‬وقد يكون الخطيب من المحتسبين فتجد أن خطبه تدور‬ ‫حول األمر بالمعروف والنهي عن المنكر وضرورة تطهير المجتمع من المنكرات‬ ‫المتفشية ‪ ،‬وقد يكون للخطيب اهتمام جهادي فترى معظم خطبه تدور حول الجهاد‬ ‫وأهميته وضرورة مساعدة المجاهدين ‪ ،‬وقد يكون الخطيب مياال إلى الوعظ فترى خطبه‬ ‫تدور حول المواعظ ال يتجاوزها إلى غيرها وهكذا ‪.‬‬ ‫وال شك أن هذه الجوانب مطلوبة ولكن ال تكون على حساب الجوانب األخرى فكل شيء‬ ‫يقدره بقدره وكل حدث يعطي االهتمام الالئق به ‪ ،‬وكل الجوانب في اإلسالم ينبغي أن‬ ‫يعتني بها حسب أهميتها على أن ال يكون بعضها على حساب البعض اآلخر‬ ‫‪ - 6‬ومن السلبيات تجريح الناس وتفسيقهم ووصفهم بالخطأ ‪:‬‬ ‫إن مما ال شك فيه أن النفوس تشمئز من النيل من األشخاص المعينين وأن الولوغ في‬ ‫أعراض الناس أمر قبيح ال يقره من عنده دين أو خلق ‪ ،‬وكان هدي النبي ‪ -‬صلى اهلل‬ ‫عليه وسلم ‪ -‬إذا رأى من أحد شيئا يكره يقول ‪ :‬ما بال أقوام يفعلون كذا وكذا ‪.‬‬


‫فقه الجمعة‬ ‫•‬ ‫•‬ ‫•‬ ‫•‬

‫•‬ ‫•‬

‫إن التلميح يغني عن التصريح وان اإلشارة تغني عن العبارة ‪ ،‬وان آداب اإلسالم يجب أن‬ ‫يراعيها المسلمون ال سيما من يعلون المنابر فهم أولى بتطبيق تعاليم الشريعة ‪.‬‬ ‫والتخطئة العلنية كذلك تعتبر غير مقبولة فقد يخطئ ذو منصب أو ذو علم فال يكون‬ ‫الخطأ مادة يتخذها الخطيب للنيل من هذا أو ذاك ‪.‬‬ ‫‪ - 7‬االهتمام بالخطبة الثانية ‪:‬‬ ‫الخطبة الثانية ينبغي على الخطيب االهتمام بها مثلما يهتم بالخطبة األولى فال يقتصر‬ ‫على شيء معين ال يزيد فيه وال ينقص منه فإن ذلك مدعاة للملل ‪ ،‬وله أن يجعل الثانية‬ ‫امتدادا لموضوع األولى كما أن له أن يجعل األولى تهتم بموضوع معين والثانية يجعلها‬ ‫عالجا لمشكلة معينة أو توضيحا لمسألة فقهية أو حديثا عن أحوال المسلمين وما يتجدد‬ ‫في المجتمع اإلسالمي مما هو بحاجة إلى طرق وبيان وتوضيح ‪.‬‬ ‫فمن المستحسن أن يغير الخطيب في نمط الخطبة الثانية فتارة يجعل الثانية مكملة‬ ‫لألولى وتارة يتحدث في الثانية عن مسألة فقهية أو يتحدث عن بعض أحوال المسلمين‬ ‫مما يحتاج إلى معالجة ونحو ذلك ‪.‬‬ ‫ألن التغيير ضمن الحدود الشرعية أدعى لتقبل الناس وارتياحهم وشعورهم بأن خطيبهم‬ ‫حريص على إفادتهم فوائد متنوعة ‪.‬‬


‫كيف تؤتي خطبة الجمعة أكلها ؟‬ ‫كثير‬ ‫• لو أننا ّ‬ ‫تأملنا حديث العرباض بن سارية ‪ -‬رضي اهلل عنه ‪ -‬الذي يذكره ٌ‬ ‫من الخطباء في خطب الجمعة‪( :‬وعظنا رسول اهلل ‪ -‬صلى اهلل عليه وسلم ‪-‬‬ ‫العيون‪ ،‬فقلنا‪ :‬يا رسول اهلل كأنها‬ ‫القلوب‪ ،‬وذرفت منها‬ ‫موعظ ًة وجلت منها‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫موعظ ُة مودِّع فأوصنا‪ .‬قال‪ :‬أوصيكم بتقوى اهلل ‪ -‬عز وجل ‪ -‬والسمع والطاعة‬ ‫يعش منكم بعدي فسيرى اختالفا كثيرا‪ ،‬فعليكم‬ ‫تأمر عليكم َع ْب ٌد؛ فإنه من ْ‬ ‫وان ّ‬ ‫بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين‬ ‫عضوا عليها بالنواجذ‪ ،‬واياكم‬ ‫المهديين‪ّ ،‬‬ ‫ّ‬ ‫فإن كل بدعة ضاللة)‪[ .‬رواه أبو داود والترمذي وقال‪ :‬حديث‬ ‫ومحدثات األمور؛ ّ‬ ‫االحتجاج به‬ ‫معاني أكثر من التي اعتاد الناس‬ ‫حسن صحيح] لوجدنا فيه‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫عليها‪ :‬مثل الدعوة إلى لزوم السنة‪ ،‬واجتناب البدعة‪.‬‬ ‫• فقد استنبط اإلمام الخطابي من هذا الحديث معنى "األمر‬ ‫بالصبر على ما يصيبه‬ ‫ّ‬ ‫من المضض في ذات اهلل كما يفعله المتألم بالوجع يصيبه"‬


‫كيف تؤتي خطبة الجمعة أكلها ؟‬ ‫أن الموعظة البليغة والذكرى النافعة‬ ‫• ومما يمكن االستدالل عليه بهذا الحديث ّ‬ ‫للمؤمنين بمثابة الغيث الذي ُيحيى األرض بعد موتها‪ ،‬كما قال اهلل ‪ -‬تعالى ‪:-‬‬ ‫طي ٍ‬ ‫ثابت وفر ُعها في‬ ‫بة أصلُها ٌ‬ ‫طيب ًة كشجرٍة ّ‬ ‫{ألم تر كيف ضرب اهلل مثال كلم ًة ّ‬ ‫السماء * تؤتي أُكلها َّ‬ ‫كل ٍ‬ ‫األمثال للناس لعلّهم‬ ‫حين بإذن ربها ويضرب اهلل‬ ‫َ‬ ‫كلمات النبي ‪ -‬صلى اهلل عليه وسلم ‪ -‬في قلوب‬ ‫أثمرت‬ ‫يتذ ّكرون}؛ فقد‬ ‫ْ‬ ‫ُ‬ ‫الصحابة ‪ -‬رضي اهلل عنهم ‪ ،-‬وذلك ‪ -‬لعمري ‪ -‬مصداق قول النبي ‪ -‬صلى‬ ‫اهلل عليه وسلم ‪( :-‬مثل ما بعثني اهلل به من الهدى والعلم كمثل الغيث الكثير‬ ‫نقي ٌة قبلت الماء فأنبتت العشب الكثير‪)...‬حتى قال‪:‬‬ ‫أصاب أرضا‪ :‬فكان منها ّ‬ ‫فعِل َم وعلَّم) رواه البخاري‬ ‫(فذلك مثل من َفقُه في دين اهلل ونفعه ما بعثني اهلل به َ‬ ‫طيب ٌة)‪.‬‬ ‫في كتاب العلم‪.‬وفي رواية مسلم ‪( :‬طائف ٌة ّ‬ ‫منهجي ٍة في‬ ‫أهم ّية مراعاة ضوابط‬ ‫ّ‬ ‫• ومما ُيمكن استنباطُه من فقه هذا الحديث ّ‬ ‫ٍ‬ ‫علمي ٍة في الخطيب؛ فمن ذلك‪:‬‬ ‫شروط‬ ‫الخطبة‪ ،‬وتوفير‬ ‫ّ‬


‫كيف تؤتي خطبة الجمعة أكلها ؟‬ ‫•‬ ‫•‬

‫•‬ ‫•‬

‫أوالا‪ :‬البالغة‪:‬‬ ‫ا‬ ‫موعظة‬ ‫كما جاء هاهنا‪(:‬وعظنا رسول هللا ‪ -‬صلى هللا عليه وسلم ‪-‬‬ ‫ْ‬ ‫الخطبة مُسْ َتحْ َس ٌ‬ ‫ا‬ ‫نة؛ ألنها أقربُ‬ ‫بليغة) قال ابن رجب‪" :‬والبالغة في‬ ‫ص ُل إلى إفهام المعاني‬ ‫إلى َقبول القلوب واستجالبها‪ ،‬والبالغ ُة هي التو ُّ‬ ‫المقصودة وإيضاحها إلى قلوب السامعين بأحسن صور ٍة من األلفاظ‬ ‫ال ّدالة عليها وأفصحها وأحالها لألسماع وأوقرها في القلوب"‬ ‫ث‪:‬‬ ‫ت واألحادي ِ‬ ‫ثانيا‪ :‬حُسْ نُ َعرْ ض اآليا ِ‬ ‫والعناية ببيان المسائل الشرعيّة بحيث تنشرح العقول لتفهّمها؛ ورُبَّ‬ ‫دليل يُستع َمل في با ٍ‬ ‫دقيق ال يخطر على البال ‪ -‬كصنيع البخاري ‪-‬‬ ‫ب‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫رحمه هللا ‪ -‬في صحيحه ‪ -‬فتتشوّ ق النفوس إلى سماعه‪ ،‬وتزداد به‬ ‫انتباها ا وفهما ا وابتهاجا ا‪.‬‬


‫كيف تؤتي خطبة الجمعة أكلها ؟‬ ‫•‬ ‫•‬ ‫•‬ ‫•‬

‫•‬

‫الد ِ‬ ‫ليل‪:‬‬ ‫ثالثاً‪ :‬التزام التوثيق واألمانة‬ ‫العلمية‪ ،‬وتعليم الناس محب َة ّ‬ ‫ّ‬ ‫وذلك بالعزو إلى البخاري ومسلم والموطأ وغيرها من كتب العلوم ‪ -‬وهذا يكاد أن‬ ‫ِ‬ ‫اق في الشعارات‪ ،‬والمي ُل إلى العبارات‬ ‫تعميم‬ ‫يكون مفقودا ‪ -‬وأما‬ ‫الكالم‪ ،‬واإلغر ُ‬ ‫ُ‬ ‫الفضفاضة؛ فليس من العلم في شيء‪.‬‬ ‫رابعاً‪ :‬الحرص على اإليجاز في الكالم واالقتصار على القليل النافع‪:‬‬ ‫أن ِق‬ ‫صر الخطبة َم ِئ َّن ٌة من فقه الخطيب‪ ،‬فكذلك التطويل والمبالغة في‬ ‫وكما ّ‬ ‫َ‬ ‫ٍ‬ ‫التكرار واإلسهاب من غير حاجة م َّ‬ ‫خطيب ال ُي َم ُّل‬ ‫أعظم‬ ‫ظن ُة َج ْهِله‪ .‬واذا كان‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫ِ‬ ‫أحرص الناس على‬ ‫حديثُ ُه ‪ -‬صلى اهلل عليه وسلم ‪ -‬يلتزم باإليجاز وهو يخاطب‬ ‫َ‬ ‫ِ‬ ‫استماعه ممن يستزيدون وال يضجرون فيخاف عليهم السآمة؛ فغيرهم من باب‬ ‫أولى‪.‬‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫وتشويش أذهانهم من‬ ‫الناس‬ ‫إمالل‬ ‫الس ّن ِة في ذلك َم ْدعاةٌ إلى‬ ‫وال‬ ‫أن تجاهل ُّ‬ ‫ش ّك ّ‬ ‫ٍ‬ ‫السفسطة وخروج الخطيب عن المقصود‬ ‫ناحية‪،‬‬ ‫ٌ‬ ‫وسبب في الوقوع في األخطاء و ّ‬ ‫واشتغال السامع بما ال ينفعه وال يعنيه من ناحية أخرى‪.‬‬


‫كيف تؤتي خطبة الجمعة أكلها ؟‬ ‫• وهلل در ابن مسعود ‪ -‬رضي اهلل عنه ‪ -‬ما كان أفقهَه! ‪ -‬فقد التزم‬ ‫بهذين األدبين في قوِل ِه ِ‬ ‫وفعل ِه‪ :‬كما أخرج البخاري في كتاب العلم [باب‬ ‫يتخولهم بالموعظة والعلم؛ كي‬ ‫ما كان النبي ‪ -‬صلى اهلل عليه وسلم ‪ّ -‬‬ ‫ال ينفروا] حديث ابن مسعود ‪ -‬رضي اهلل عنه ‪ -‬قال‪( :‬كان النبي ‪-‬‬ ‫ِ‬ ‫السآمة علينا)‪،‬‬ ‫يتخولنا بالموعظة باأليام كراه َة‬ ‫صلى اهلل عليه وسلم ‪ّ -‬‬ ‫وباب [من جعل ألهل العلم أياماً معلومةً] ذكر فيه حديث أبي وائل‬ ‫ٍ‬ ‫خميس فقال له رجل‪ :‬يا أبا‬ ‫قال‪ " :‬كان عبد اهلل يذ ّكر الناس في كل‬ ‫عبد الرحمن لوددت أنك ذ ّكرتَنا َّ‬ ‫كل ٍ‬ ‫يوم قال‪ :‬أما إنه يمنعني من ذلك‬ ‫أني أكره أن أ ِملَّ‬ ‫أتخولكم بالموعظة كما كان النبي ‪ -‬صلى اهلل‬ ‫ني‬ ‫ا‬ ‫و‬ ‫‪،‬‬ ‫م‬ ‫ك‬ ‫ْ‬ ‫ّ‬ ‫ِ‬ ‫ي فقد‬ ‫السآمة علينا "‪ .‬ورحم اهلل البخار َّ‬ ‫يتخولنا بها مخافةَ‬ ‫عليه وسلم ‪ّ -‬‬ ‫ذكر هذين الباب ْي ِن بين ترجمتَْي ِن ب ِ‬ ‫يعتَْي ِن‪:‬‬ ‫د‬ ‫َ‬ ‫َ َ‬


‫كيف تؤتي خطبة الجمعة أكلها ؟‬ ‫•‬ ‫•‬ ‫•‬

‫•‬ ‫•‬

‫خير يفقهه في الدين) وال يخفى ما‬ ‫هما(باب العلم قبل القول والعمل) و(باب من ُي ِرد اهلل به ًا‬ ‫بين ذلك من المناسبة!‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫صح‪:‬‬ ‫النفس وا‬ ‫ورقة‬ ‫الشفقة‬ ‫إظهار‬ ‫خامساً‪:‬‬ ‫خالص ال ّن ِ‬ ‫ُ‬ ‫كالمستأج َرة! وقد كان النبي ‪ -‬صلى اهلل عليه وسلم ‪ -‬يحرص على‬ ‫فليست النائحة الثكلى‬ ‫َ‬ ‫ربه بقوله ‪ -‬سبحانه ‪:-‬‬ ‫هداية كفار قريش مع أنهم ساموه سوء العذاب؛ حتى خاطبه ّ‬ ‫نفسك أال يكونوا مؤمنين}‪[ ،‬سورة الشعراء‪ ]3‬وقال ‪ -‬عز وجل ‪{ :-‬فلعلّك باخعٌ‬ ‫{لعلّك باخعٌ َ‬ ‫نفسك على ءاثارهم إن لم يؤمنوا بهذا الحديث أسفا}‪[ ،‬سورة الكهف‪ ]6‬وقال جل جال لُه ‪:‬‬ ‫َ‬ ‫{فال تذهب نفسك عليهم حسرات}‪[ .‬سورة فاطر‪.]8‬‬ ‫اهتمامهم بهذه‬ ‫للسامعين من حيث‬ ‫سادساً‪ :‬مراعاة مقتضى الحال من ذكر المسائل المناسبة ّ‬ ‫ُ‬ ‫وتأثرهم بطريقة عرضها‪:‬‬ ‫القضايا‬ ‫ُ‬ ‫فليس خطاب العلماء كخطاب العامة‪ ،‬وليس خطاب الرجال كخطاب النساء‪ ،‬وليس خطاب‬ ‫ِّ‬ ‫تفرق في تراجم البخاري في كتاب العلم [باب من‬ ‫الشيب كخطاب الشباب‪ٍ .‬وهذا يجمع لك ما ّ‬ ‫خص بالعلم قوماً دون قوم كراهي َة أن ال يفقهوا]‪ ،‬و[باب من ترك بعض االختيار مخافة أن‬ ‫ّ‬ ‫َّ‬ ‫بأكثر مما‬ ‫ل‬ ‫السائ‬ ‫أجاب‬ ‫من‬ ‫[‬ ‫وباب‬ ‫‪،‬‬ ‫]‬ ‫منه‬ ‫أشد‬ ‫في‬ ‫ا‬ ‫و‬ ‫فيقع‬ ‫عنه؛‬ ‫الناس‬ ‫بعض‬ ‫فهم‬ ‫يقصر‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫سأله]‪ .‬ورحم اهلل ابن عباس رضي اهلل عنهما؛ فقد منع عمر ‪ -‬رضي اهلل عنه ‪ -‬في‬ ‫العصبة الداعية والبيئة الواعية بالمدينة‪.‬‬ ‫خالفته من الكالم في األمور الدقيقة بعيداً عن ُ‬


‫كيف تؤتي خطبة الجمعة أكلها ؟‬ ‫•‬ ‫•‬

‫•‬ ‫•‬

‫•‬

‫الع ّدة لها‪:‬‬ ‫سابعاً‪ :‬االعتناء بشأن الموعظة واعداد ُ‬ ‫يتهاون في شأن‬ ‫فإن من جهل الخطيب أن‬ ‫حتى تكون من الذكرى التي تنفع المؤمنين؛ ّ‬ ‫َ‬ ‫فإن هذا من‬ ‫غير ِّ‬ ‫إعداد الخطبة؛ تعوي ً‬ ‫مميزين للصالح من الطالح؛ ّ‬ ‫ال على ّ‬ ‫أن الناس ُ‬ ‫وينكر بقلبه؛ ولهذا ترى كبار العلماء‬ ‫ّ‬ ‫الظن الكاذب‪ ،‬والسامع ينقد بعقله ويغربل بأذنه ُ‬ ‫يعدون الدروس ويراجعون‬ ‫يتهيبون أن يخاطبوا الناس عفو الخاطر إال لضرورة‪ ،‬وتجدهم ّ‬ ‫ّ‬ ‫المسائل‪.‬‬ ‫نفسك وتذ ّكرهم معك‪:‬‬ ‫ثامناً‪ :‬التواضع واشعار السامعين بأنك تذ ّكر َ‬ ‫عرضت‬ ‫قول إبراهيم التيمي‪ " :‬ما‬ ‫نفسك أو‬ ‫فلست تزّكي‬ ‫تتشبع بما ليس عندك‪ ،‬بل تتمثل َ‬ ‫ُ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫خشيت أن أكون ُم َك َّذباً " علّقه البخاري في كتاب اإليمان [باب خوف‬ ‫قولي على عملي إال‬ ‫ُ‬ ‫خشيت أن يك ّذبني من رأى‬ ‫المؤمن أن يحبط عمله وهو ال يشعر] قال ابن حجر‪" :‬يعني‬ ‫ُ‬ ‫فعلت خالفا لما تقول؛ وانما قال ذلك ألنه‬ ‫كنت صادقاً ما‬ ‫عملي مخالفاً لقولي فيقول‪ :‬لو‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫كان يعظ الناس‪ .‬ويروى بكسر الذال وهي رواية األكثر‪ ،‬ومعناه أنه مع ِ‬ ‫الناس لم‬ ‫وعظ ِه‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫وقصر في العمل فقال‪:‬‬ ‫ذم اهلل من أمر بالمعروف ونهى عن المنكر‬ ‫يبل ْغ غاي َة العمل وقد‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫{كبر مقتا عند اهلل أن تقولوا ما ال تفعلون}؛[سورة الصف‪ ]3‬فخشي أن يكون ِّ‬ ‫مكذبا أي‬ ‫مشابها للمكذبين"[‪.]3‬‬ ‫ِ‬ ‫أع ِط القوس باريها "‪.‬‬ ‫وما أحسن استحضار‬ ‫الخطيب ّ‬ ‫أن التذكرةَ أمان ٌة ُيؤدِّيها من باب " ْ‬


‫كيف تؤتي خطبة الجمعة أكلها ؟‬ ‫• تاسعا ا‪ :‬توعية الناس بقضايا المسلمين‪:‬‬ ‫• وغرس هموم الدعوة في قلوبهم‪ ،‬ومخاطبتهم بمفاهيم اإلسالم فيما‬ ‫يعرض لهم في حياتهم كلها‪ .‬كما قال هللا ‪ -‬تعالى ‪{ :-‬قل إنّ صالتي‬ ‫ونسكي ومحياي ومماتي هلل ربِّ العالمين}‪[ .‬سورة األنعام ‪]162‬‬ ‫َ‬ ‫تركت الناس وهمومهم التي تقضّ مضاجعهم‪ ،‬ولم َت ْه ِدهم‬ ‫وإنك إذا‬ ‫بنور القرآن والسنة في حيرتهم‪ ،‬وطفقت تح ّدثهم بمباحث عسيرة‬ ‫تستعصي على أفهامهم مثل ‪ :‬مفهوم المخالفة والموافقة؛ كانوا أقرب‬ ‫َ‬ ‫استرسلت في ذكر اصطالحات‬ ‫إلى مخالفتك منهم إلى الموافقة‪ ،‬وإذا‬ ‫العلوم‪ :‬مثل مسائل الغريب والمنكر والشاذ؛ جعلوا كالمك من ذلك‬ ‫القبيل‪ ،‬وإذا تماديت في موازين الصّرف واإلعراب والبناء؛ اعتبروك‬ ‫من األعراب الحفاة العراة العالة ِرعاء الشاء!‬


‫كيف تؤتي خطبة الجمعة أكلها ؟‬ ‫• عاش ارً‪ :‬الحرص على جمع كلمة المسلمين‪:‬‬ ‫• وحثّهم على التعاون على البر والتقوى‪ ،‬والحذر من اإلسراف في إثارة القضايا‬ ‫فإن "لحومهم مسمومة"؛‬ ‫الخالفية‪ ،‬والتنابز باأللقاب‪ ،‬والوقوع في العلماء؛[‪ّ ]4‬‬ ‫ّ‬ ‫ٍ‬ ‫ب كلمة يقولها المرُء ال ُيلقي لها باالً تهوي به في جه ّنم سبعين خريفا‪ .‬وهذه‬ ‫ور ّ‬ ‫ُ‬ ‫اسم ُه؛ فال يجوز أن تُتّخذ‬ ‫المساجد‬ ‫ُ‬ ‫بيوت اهلل التي أذن اهلل أن تُرفَ َع ُ‬ ‫ويذ َك َر فيها ُ‬ ‫أن المساجد هلل‬ ‫منب ارً‬ ‫للعصبيات‪ ،‬أو ِّ‬ ‫مفرقاً للجماعات‪ ،‬كما قال اهلل ‪ -‬تعالى ‪{ :-‬و ّ‬ ‫ّ‬ ‫فال تدعو مع اهلل أحدا}‪ .‬والحذر من الوقوع في تضليل الناس وتبديعهم بغير‬ ‫وتعصباً مذهبياً‪.‬‬ ‫ُّ‬ ‫وجه حق‪ ،‬بل جهالً وتع ّنتاً‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫الحسنة‪ ،‬وأدركوا برك َة ال ّذكرى النافعة‬ ‫الموعظة‬ ‫الخطباء أهمي َة‬ ‫• وواهلل لو فقه‬ ‫ُ‬ ‫مجدهم ُّ‬ ‫وعزهم‪ .‬وصدق اهلل‬ ‫للمؤمنين‪ ،‬وجمعوا لألمر ُعدَّته؛ لعاد للمسلمين ُ‬ ‫يغير ما ٍ‬ ‫يغيروا ما بأنفسهم}[الرعد‬ ‫العظيم‪ّ { :‬‬ ‫بقوم حتى ّ‬ ‫إن اهلل ال ّ‬


‫نموذج من خطب الجمعة للنبي‬ ‫• نموذج من خطب الجمعة للنبي ‪ -‬صلى َّللا عليه وسلم ‪ -‬خطب النبي ‪ -‬صلى َّللا‬ ‫عليه وسلم ‪ -‬فقال ‪ :‬الحمد هلل أحمده ‪ ،‬وأستعينه ‪ ،‬وأستغفره ‪ ،‬وأستهديه وأومن‬ ‫به وال أكفره ‪ ،‬وأعادي من يكفر به ‪ ،‬وأشهد أن ال إله إال َّللا وحده ال شريك له‬ ‫‪ ،‬وأشهد أن محمد عبده ورسوله أرسله بالهدى ودين الحق والنور والموعظة‬ ‫والحكمة على فترة من الرسل ‪ ،‬وقلة من العلم ‪ ،‬وضاللة من الناس ‪ ،‬وانقطاع‬ ‫من الزمان ‪ ،‬ودنو من الساعة ‪ ،‬وقرب من األجل ‪ .‬من يطع َّللا ورسوله فقد‬ ‫رشد ‪ ،‬ومن يعص َّللا ورسوله فقد غوى وفرط ‪ ،‬وضل ضالال بعيدا ‪.‬‬ ‫• أوصيكم بتقوى َّللا ‪ ،‬فإنه خير ما أوصى المسلم المسلم أن يحضه على اآلخرة ‪،‬‬ ‫وأن يأمره بتقوى َّللا ‪ ،‬واحذروا ما حذركم َّللا نفسه ‪ ،‬فإن تقوى َّللا لمن عمل‬ ‫به على وجل ومخافة من ربه عون صدق على ما تبغون من أمر اآلخرة ‪.‬‬


‫نموذج من خطب الجمعة للنبي‬ ‫• ومن يصلح الذي بينه وبين ربه من أمره في السر والعالنية ال ينوي إال وجه‬ ‫َّللا يكن له ذكرا في عاجل أمره ‪ ،‬وذخرا فيما بعد الموت حين يفتقر المرء إلى‬ ‫ما قدم ‪ ،‬وما كان سوى ذلك يود لو أن بينه وبينه أمدا بعيدا من { َو ُي َح ِّذ ُر ُك ُم َّ‬ ‫َّللاُ‬ ‫س ُه َو َّ‬ ‫وف ِبا ْل ِع َبا ِد } هو الذي صدق قوله وأنجز وعده ‪ ،‬ال خلف لذلك ‪،‬‬ ‫َّللا ُ َر ُء ٌ‬ ‫َن ْف َ‬ ‫َي َو َما أَ َنا ِب َظ َّال ٍم لِ ْل َع ِبي ِد } فاتقوا َّللا في عاجل‬ ‫فإنه يقول ‪َ { :‬ما ُي َبدَّ ل ُ ا ْل َق ْول ُ لَد َّ‬ ‫س ِّي َئاتِ ِه َو ُي ْعظِ ْم‬ ‫َّللا ُي َك ِّف ْر َع ْن ُه َ‬ ‫أمركم وآجله ‪ ،‬في السر والعالنية فإنه { َو َمنْ َي َّت ِق َّ َ‬ ‫لَ ُه أَ ْج ًرا } ومن يتق َّللا فقد فاز فوزا عظيما ‪ ،‬وإن تقوى َّللا توقي مقته ‪،‬‬ ‫وتوقي عقوبته ‪ ،‬وتوقي سخطه ‪ .‬وإن تقوى َّللا تبيض الوجوه ‪ ،‬وترضي الرب‬ ‫‪ ،‬وترفع الدرجة ‪ ،‬فخذوا بحظكم ‪ ،‬وال تفرطوا في جنب َّللا فقد علمكم كتابه ‪،‬‬ ‫ونهج لكم سبيله ‪ ،‬ليعلم الذين صدقوا ‪ ،‬ويعلم الكاذبين فأحسنوا كما أحسن َّللا‬ ‫إليكم ‪ ،‬وعادوا أعداءه ‪ ،‬وجاهدوا في َّللا حق جهاده ‪ ،‬هو اجتباكم ‪ ،‬وسماكم‬ ‫المسلمين ‪ ،‬ليهلك من هلك عن بينة ‪ ،‬ويحيا من حيي عن بينة ‪ ،‬وال حول وال‬ ‫قوة إال باهلل فأكثروا ذكر َّللا تعالى ‪ ،‬وأعملوا لما بعد الموت ‪ ،‬فإنه من يصلح ما‬ ‫بينه وبين َّللا يكفه َّللا ما بينه وبين الناس ‪ ،‬ذلك بأن َّللا يقضي على الناس وال‬ ‫يقضون عليه ‪ ،‬ويملك من الناس وال يملكون منه ‪َّ ،‬للا أكبر ‪ ،‬وال حول وال قوة‬ ‫إال باهلل العلي العظيم " ‪.‬‬


‫خصائص خطبة الجمعة‬ ‫•‬ ‫•‬ ‫•‬

‫•‬

‫خصائص خطبة الجمعة ‪:‬‬ ‫تعد خطبة الجمعة من أهم ‪ -‬إن لم تكن أهم ‪ -‬وسائل االتصال بالناس ‪،‬‬ ‫وأعظمها أث ار ‪ ،‬فهي تتميز عن غيرها من الوسائل كالتلفاز ‪ ،‬واإلذاعة ‪ ،‬والهاتف‬ ‫‪ ،‬وغيرها من وسائل االتصال الجماهيري بعدة مزايا ‪ ،‬منها ‪:‬‬ ‫‪ -1‬الجو الروحاني الذي تتم فيه الخطبة ‪ ،‬فهي تتم في بيت من بيوت اهلل‬ ‫تعالى تعمره السكينة ‪ ،‬وتغشاه الرحمة ‪ ،‬ويغمره الخشوع ‪ ،‬وتحفه المالئكة‬ ‫األطهار ‪ ،‬ففي الحديث الثابت عن أبي هريرة ( رضي اهلل عنه ) قال ‪ :‬قال‬ ‫رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم ‪ " « :‬وما اجتمع قوم في بيت من بيوت اهلل‬ ‫يتلون كتاب اهلل ‪ ،‬ويتدارسونه بينهم ‪ ،‬إال نزلت عليهم السكينة ‪ ،‬وغشيتهم‬ ‫الرحمة ‪ ،‬وحفتهم المالئكة ‪ ،‬وذكرهم اهلل فيمن عنده » ‪.‬‬ ‫وهذا ينطبق على خطبة الجمعة ‪ ،‬فالحضور في بيت من بيوت اهلل ‪ ،‬إما يتلون‬ ‫كتاب اهلل تعالى قبل الخطبة ‪ ،‬أو يستمعون إلى الخطيب يدارسهم القرآن بتفسير‬ ‫بعض اآليات ‪ ،‬أو بيان بعض األحكام ‪ ،‬أو توضيح بعض الهدايات ‪ ،‬فتتنزل‬ ‫السكينة عليهم ‪ ،‬وتعمهم رحمة اهلل تعالى ‪ ،‬وتحيط بهم المالئكة ‪ ،‬ويذكرهم اهلل‬ ‫تعالى في مأل خير من ملئهم ‪ ،‬تباهيا بهم ‪ ،‬وتشريفا لقدرهم ‪.‬‬


‫خصائص خطبة الجمعة‬ ‫• وعن أبي هريرة رضي َّللا عنه قال ‪ :‬قال رسول َّللا صلى َّللا عليه وسلم ‪" « :‬‬ ‫إن هلل تعالى مالئكة يطوفون في الطرق يلتمسون أهل الذكر ‪ ،‬فإذا وجدوا قوما‬ ‫يذكرون َّللا عز وجل تنادوا ‪ :‬هلموا إلى حاجتكم ‪ ،‬فيحفونهم بأجنحتهم إلى‬ ‫السماء الدنيا ‪ » . . .‬الحديث ‪.‬‬ ‫• وعن أبي هريرة (رضي َّللا عنه) في فضل التبكير إلى الجمعة أن رسول َّللا‬ ‫صلى َّللا عليه وسلم قال ‪ " « :‬من اغتسل يوم الجمعة غسل الجنابة ‪ ،‬ثم راح‬ ‫فكأنما قرب بدنة ‪ » . . .‬الحديث ‪ ،‬وفيه ‪ « :‬فإذا خرج اإلمام حضرت المالئكة‬ ‫يستمعون الذكر » والمراد بقوله ‪ :‬إذا خرج اإلمام ‪ ،‬أي خرج للناس وصعد‬ ‫المنبر ‪ ،‬بدليل قوله ‪ :‬يستمعون الذكر ‪ ،‬وحسبك باجتماع تشارك الحضور فيه‬ ‫مالئكة الرحمن يستمعون الخطبة فيه مع المصلين ‪.‬‬ ‫• فمثل هذا الجو الروحاني الخاشع الذي بيت َّللا مكانه ‪ ،‬وأفضل األيام زمانه ‪،‬‬ ‫وأكرم الحضور حضوره ‪ ،‬ال يتأتى في وسيلة اتصال أخرى ‪.‬‬


‫خصائص خطبة الجمعة‬ ‫•‬

‫•‬ ‫•‬ ‫•‬

‫‪ -2‬وجوب اإلنصات الذي يميز الحاضرين في خطبة الجمعة ‪ ،‬فقد أمر الحاضر‬ ‫للخطبة باإلنصات للخطيب ‪ ،‬بحيث إنه ُنهي أن يتكلم مع جليسه بكلمة ولو كانت‬ ‫خيرا ‪ ،‬فال يقول له ‪ :‬أنصت ‪ ،‬وعدم جواز تشميت العاطس ‪ ،‬ورد السالم على‬ ‫األرجح ‪ ،‬وال يمس الحصى ‪ ،‬أي ال يأتي بأي قول أو فعل يقدح في تمام اإلنصات‬ ‫واالستماع حتى يكون كامل االستعداد للتلقي واإلفادة مما يسمع ‪ ،‬فإن االستماع‬ ‫س َن ُه }‬ ‫سلم الوعي والفهم ‪ ،‬قال تعالى ‪ { :‬الَّذِينَ َي ْس َت ِم ُعونَ ا ْل َق ْول َ َف َي َّت ِب ُعونَ أَ ْح َ‬ ‫[الزمر‪. ]18 -‬‬ ‫وقال جل وعال في شأن موسى عليه السالم ‪َ { :‬وأَ َنا ْ‬ ‫وحى‬ ‫اس َتم ِْع لِ َما ُي َ‬ ‫اخ َت ْر ُت َك َف ْ‬ ‫} [طه‪. ]13 -‬‬ ‫قال وهب بن منبه ‪ :‬أدب االستماع سكون الجوارح ‪ ،‬وغض البصر ‪ ،‬واإلصغاء‬ ‫بالسمع ‪ ،‬وحضور العقل ‪ ،‬والعزم على العمل ‪ ،‬وذلك هو االستماع لما يحب َّللا‬ ‫(‪. )1‬‬ ‫وقد كان رسول َّللا صلى َّللا عليه وسلم إذا أراد أن يخطب الجمع أمر من‬ ‫يستنصت له الناس ‪.‬‬


‫خصائص خطبة الجمعة‬ ‫•‬

‫•‬ ‫•‬

‫•‬ ‫•‬

‫قال البخاري (رحمه َّللا) ‪( :‬باب اإلنصات للعلماء) ثم روى حديث جرير ابن عبد‬ ‫َّللا (رضي َّللا عنه) « أن النبي صلى َّللا عليه وسلم قال له في حجة الوداع ‪:‬‬ ‫" استنصت الناس " ‪ ،‬فقال ‪ " :‬ال ترجعوا بعدي كفارا يضرب بعضكم رقاب‬ ‫بعض » ‪.‬‬ ‫أما في خصوص الجمعة ‪ ،‬فقد قال صلى َّللا عليه وسلم ‪ " « :‬إذا قلت لصاحبك‬ ‫أنصت واإلمام يخطب يوم الجمعة فقد لغوت » ‪.‬‬ ‫قال ابن القيم (رحمه َّللا) ‪ :‬الخاصة التاسعة‪ -‬أي ‪ :‬من خصائص الجمعة‪-‬‬ ‫اإلنصات للخطبة إذا سمعها وجوبا في أصح القولين ‪ ،‬فإن تركه كان الغيا ‪،‬‬ ‫ومن لغا فال جمعة له ‪.‬‬ ‫وعن ابن عباس (رضي َّللا عنهما) قال ‪ :‬قال رسول َّللا صلى َّللا عليه وسلم ‪:‬‬ ‫« " من تكلم يوم الجمعة واإلمام يخطب فهو كمثل الحمار يحمل أسفارا ‪ ،‬والذي‬ ‫يقول له أنصت ‪ ،‬ليست له جمعة » ‪.‬‬ ‫فأين خطبة الجمعة التي يجب اإلنصات فيها من غيرها من الخطب والمحاضرات‬ ‫‪ ،‬والندوات التي قد يعم اللغط والتهامس أوساط الحاضرين فيها ‪.‬‬


‫خصائص خطبة الجمعة‬ ‫• ‪ -3‬االتصال المباشر بين الخطيب والمخاطبين ‪ ،‬األمر الذي يفتقد في‬ ‫كثير من الوسائل األخرى ‪ ،‬وال ريب أن هذا االتصال المباشر أعظم‬ ‫تأثيرا في النفوس لقراءة اإلنسان من قريب االنفعاالت العاطفية‬ ‫والوجدانية التي تحدث لدى الخطيب فيكون أكثر تأثرا بها ‪ ،‬ولما‬ ‫تحدثه المباشرة من المشافهة ‪ ،‬والسؤال ‪ ،‬والحياء ‪ ،‬والمخاطبة ‪.‬‬ ‫• ‪ -4‬شعور المرء وهو يستمع إلى الخطبة أنه في عبادة ‪ ،‬وطاعة هلل‬ ‫عز وجل ‪ ،‬بل الشعور بأنه يقوم بأداء فريضة من الفرائض وإظهار‬ ‫شعيرة من الشعائر اإلسالمية ‪ ،‬مما يميزها عن أي محاضرة ‪ ،‬أو‬ ‫ندوة ونحوها ‪ ،‬وهذا الشعور يضفي على المرء قدرا من المهابة‬ ‫والخشوع ‪ ،‬ويحدث في نفسه قدرا من الطمأنينة والسكينة ‪ ،‬ومزيدا‬ ‫من الرضى والسعادة ‪.‬‬


‫خصائص خطبة الجمعة‬ ‫• ‪ -5‬وجوب حضور المسلمين إليها " فالمسلمون على‬ ‫اختالف طبقاتهم ‪ ،‬ومستوياتهم التعليمية يحضرون هذه‬ ‫الخطبة ‪ ،‬ويشهدون الصالة ‪ ،‬فيحضرها المثقف والجاهل ‪،‬‬ ‫والمتوسط الثقافة ‪ ،‬والعالم ‪ ،‬ويحضرها الكبير والصغير ‪،‬‬ ‫ومن جانب آخر فحضورها ليس مقصورا على األخيار‬ ‫وحدهم ‪ ،‬فكثير ممن ال يشهد صالة الجماعة يحضر الجمعة‬ ‫‪ ،‬وهذا يتيح للخطيب أن يخاطب الجميع ‪ ،‬وأن يتحدث إلى‬ ‫الكثير ممن ال يحضرون المحاضرات والندوات ‪ ،‬ودروس‬ ‫المساجد ‪ ،‬فهي تعد من المجاالت القليلة جدا التي يتاح‬ ‫للدعاة من خاللها أن يتحدثوا مع الجميع ‪.‬‬


‫خصائص خطبة الجمعة‬ ‫• ‪ -6‬استمرارية التواصل ‪ ،‬فخطبة الجمعة تتكرر كل أسبوع ‪ ،‬ففي العام الواحد‬ ‫يستمع المصلي لثنتين وخمسين (‪ )52‬خطبة ‪ ،‬وحين يعتني بها الخطيب ‪،‬‬ ‫ويرتب موضوعاتها يقدم للمستمع مادة متكاملة ‪ ،‬إنها تمثل دورة مكثفة‬ ‫مستمرة ‪ ،‬وهذا التكرار واالستمرار في كل الظروف ‪ ،‬وفي جميع الفصول‬ ‫والمواسم ‪ ،‬له دور كبير في إرساء المفاهيم اإلسالمية ‪ ،‬وتقليل الشر والفساد ‪،‬‬ ‫ورفع مستوى الخير والصالح ‪ ،‬والحث على الفضائل ‪ ،‬فإن تنوع الموضوعات‬ ‫لخطبة الجمعة يجعلها تستوعب متطلبات الوعي لدى المسلم المواظب على‬ ‫حضور هذه الخطبة ‪ ،‬فهناك الموضوعات السياسية التي تبصر المسلم بواقع‬ ‫أمته ‪ ،‬وهموم مجتمعه ‪ ،‬وحقوق إخوانه المسلمين ‪ ،‬وواقع األقليات المسلمة‬ ‫في البالد األخرى ‪ ،‬وهناك الموضوعات االجتماعية التي تتناول حياة المسلم في‬ ‫جوانبها االجتماعية المتنوعة ‪ ،‬وعالقات المسلم المختلفة ‪ ،‬وهناك الموضوعات‬ ‫األخالقية التي تسمو بخلق المسلم وتزكي سلوكه ‪ ،‬وهناك الموضوعات المتعلقة‬ ‫بتصحيح العقيدة ‪ ،‬وتجنب الشرك بأنواعه وألوانه ‪ ،‬وما يصون إيمانه ‪ ،‬ويحمي‬ ‫جناب التوحيد عنده ‪ ،‬وهناك الموضوعات التي تبصر المسلم بفقه دينه ‪،‬‬ ‫ومعرفة األحكام الشرعية في شؤون حياته المختلفة‪ ،‬وما يجنبه من الوقوع في‬ ‫الحرام ‪ ،‬وما يسخط َّللا تعالى ‪.‬‬


Turn static files into dynamic content formats.

Create a flipbook
Issuu converts static files into: digital portfolios, online yearbooks, online catalogs, digital photo albums and more. Sign up and create your flipbook.