ن ﻼ ﺳ ر أ ﻴﺐ ﻜ ﻣﺷ ﻷ ا
؟ ن ﻮ ﻤ ﻠ ﳌﺴ ا ﺮ ﺧ ﺄ ﺗ ا ذ ﺎ ﳌ ؟ ﻢ مﻏﻫ ﺪ ﻘ ﺗ ا ذ ﺎ ﳌ و
ﳌﺎذا ﺗﺄﺧﺮ اﳌﺴﻠﻤﻮن؟ وﳌﺎذا ﺗﻘﺪم ﻏﲑﻫﻢ؟
ﳌﺎذا ﺗﺄﺧﺮ اﳌﺴﻠﻤﻮن؟ وﳌﺎذا ﺗﻘﺪم ﻏﲑﻫﻢ؟
ﺗﺄﻟﻴﻒ اﻷﻣري ﺷﻜﻴﺐ أرﺳﻼن
ملﺎذا ﺗﺄﺧﺮ املﺴﻠﻤﻮن؟ وملﺎذا ﺗﻘﺪم ﻏريﻫﻢ؟ اﻷﻣري ﺷﻜﻴﺐ أرﺳﻼن
رﻗﻢ إﻳﺪاع ١٥٨٦٠ / ٢٠١٢ ﺗﺪﻣﻚ٩٧٨ ٩٧٧ ٦٤١٦ ٦٦ ٦ : ﻣﺆﺳﺴﺔ ﻫﻨﺪاوي ﻟﻠﺘﻌﻠﻴﻢ واﻟﺜﻘﺎﻓﺔ ﺟﻤﻴﻊ اﻟﺤﻘﻮق ﻣﺤﻔﻮﻇﺔ ﻟﻠﻨﺎﴍ ﻣﺆﺳﺴﺔ ﻫﻨﺪاوي ﻟﻠﺘﻌﻠﻴﻢ واﻟﺜﻘﺎﻓﺔ املﺸﻬﺮة ﺑﺮﻗﻢ ٨٨٦٢ﺑﺘﺎرﻳﺦ ٢٠١٢ / ٨ / ٢٦ إن ﻣﺆﺳﺴﺔ ﻫﻨﺪاوي ﻟﻠﺘﻌﻠﻴﻢ واﻟﺜﻘﺎﻓﺔ ﻏري ﻣﺴﺌﻮﻟﺔ ﻋﻦ آراء املﺆﻟﻒ وأﻓﻜﺎره وإﻧﻤﺎ ﱢ ﻳﻌﱪ اﻟﻜﺘﺎب ﻋﻦ آراء ﻣﺆﻟﻔﻪ ٥٤ﻋﻤﺎرات اﻟﻔﺘﺢ ،ﺣﻲ اﻟﺴﻔﺎرات ،ﻣﺪﻳﻨﺔ ﻧﴫ ،١١٤٧١اﻟﻘﺎﻫﺮة ﺟﻤﻬﻮرﻳﺔ ﻣﴫ اﻟﻌﺮﺑﻴﺔ ﻓﺎﻛﺲ+ ٢٠٢ ٣٥٣٦٥٨٥٣ : ﺗﻠﻴﻔﻮن+ ٢٠٢ ٢٢٧٠٦٣٥٢ : اﻟﱪﻳﺪ اﻹﻟﻜﱰوﻧﻲhindawi@hindawi.org : املﻮﻗﻊ اﻹﻟﻜﱰوﻧﻲhttp://www.hindawi.org : ﺗﺼﻤﻴﻢ اﻟﻐﻼف :ﺳﻴﻠڨﻴﺎ ﻓﻮزي. ﺟﻤﻴﻊ اﻟﺤﻘﻮق اﻟﺨﺎﺻﺔ ﺑﺼﻮرة وﺗﺼﻤﻴﻢ اﻟﻐﻼف ﻣﺤﻔﻮﻇﺔ ملﺆﺳﺴﺔ ﻫﻨﺪاوي ﻟﻠﺘﻌﻠﻴﻢ واﻟﺜﻘﺎﻓﺔ .ﺟﻤﻴﻊ اﻟﺤﻘﻮق اﻷﺧﺮى ذات اﻟﺼﻠﺔ ﺑﻬﺬا اﻟﻌﻤﻞ ﺧﺎﺿﻌﺔ ﻟﻠﻤﻠﻜﻴﺔ اﻟﻌﺎﻣﺔ. Cover Artwork and Design Copyright © 2012 Hindawi Foundation for Education and Culture. All other rights related to this work are in the public domain.
اﳌﺤﺘﻮﻳﺎت
املﻘﺪﻣﺔ ﻛﺘﺎب اﻟﺸﻴﺦ ﻣﺤﻤﺪ ﺑﺴﻴﻮﻧﻲ ﻋﻤﺮان ﺟﻮاب اﻷﻣري ﺷﻜﻴﺐ أرﺳﻼن أﻫﻢ أﺳﺒﺎب ﺗﺄﺧﺮ املﺴﻠﻤني ملﺎذا ﻻ ﻧﺴﻤﻲ اﻟﻴﺎﺑﺎن وأوروﺑﺎ رﺟﻌﻴﺔ ﺑﺘﺪﻳﻨﻬﻤﺎ ﻏﻮاﺋﻞ اﻟﺠﺎﻣﺪﻳﻦ ﰲ اﻹﺳﻼم واملﺴﻠﻤني ﻛﻮن املﺴﻠﻤني اﻟﺠﺎﻣﺪﻳﻦ ﻓﺘﻨﺔ ﻷﻋﺪاء اﻹﺳﻼم وﺣﺠﺔ ﻋﻠﻴﻪ ﻣﺪﻧﻴﺔ اﻹﺳﻼم اﻟﺮد ﻋﲆ ﺣﺴﺎد املﺪﻧﻴﺔ اﻹﺳﻼﻣﻴﺔ املﻜﺎﺑﺮﻳﻦ ﺣﺚ اﻟﻘﺮآن ﻋﲆ اﻟﻌﻠﻢ أﺳﺒﺎب اﻧﺤﻄﺎط املﺴﻠﻤني ﰲ اﻟﻌﴫ اﻷﺧري ﻫﻜﺬا إذا ﺗﻮﺟﻬﺖ اﻟﻬﻤﻢ ﺧﻼﺻﺔ اﻟﺠﻮاب
7 9 11 37 53 59 67 71 75 83 89 97 105
اﳌﻘﺪﻣﺔ ﺑﻘﻠﻢ ﻣﺤﻤﺪ رﺷﻴﺪ رﺿﺎ
ﺑﺴﻢ ﷲ اﻟﺮﺣﻤﻦ اﻟﺮﺣﻴﻢ ﻧﻔ ِﺴﻬﻢْ﴾1 . ﴿إ ﱠن ﷲ َﻻ ﻳ َُﻐ ﱢريُ ﻣَ ﺎ ﺑ َﻘ ْﻮم ﺣَ ﺘﱠﻰ ﻳ َُﻐ ﱢريُوا ﻣَ ﺎ ﺑﺄ َ ُ
ِ َ ِ ٍ َ ﻧﻔ ِﺴﻬﻢْ﴾2 . ﴿ ٰذ ِﻟ َﻚ ِﺑﺄ َ ﱠن ﷲ َ َﻟ ْﻢ ﻳَ ُﻚ ﻣ َُﻐ ﱢريًا ﻧﱢﻌْ ﻤَ ًﺔ أَﻧْﻌَ ﻤَ ﻬَ ﺎ ﻋَ َﲆ ٰ َﻗ ْﻮ ٍم ﺣَ ﺘﱠ ٰﻰ ﻳ َُﻐ ﱢريُوا ﻣَ ﺎ ِﺑﺄ َ ُ ِ ﺷﻬَ ﺎدُ﴾3 . ِﻳﻦ آﻣَ ﻨُﻮا ِﰲ ا ْﻟﺤَ ﻴَﺎ ِة اﻟ ﱡﺪﻧْﻴَﺎ َوﻳَ ْﻮ َم ﻳ َُﻘﻮ ُم ْاﻷ َ ْ ﻨﴫ ُر ُﺳ َﻠﻨَﺎ وَا ﱠﻟﺬ َ ﴿إِﻧﱠﺎ َﻟﻨ َ ُ ُ ﺎﻫﺪُوا ِﺑﺄَﻣْ ﻮَاﻟ ِِﻬ ْﻢ وَأ َ ُ ﻮن ا ﱠﻟﺬ َ ﴿إِﻧﱠﻤَ ﺎ ا ْﻟ ُﻤ ْﺆ ِﻣﻨ ُ َ ِﻳﻦ آﻣَ ﻨُﻮا ِﺑﺎهلل ِ َو َر ُﺳﻮﻟِ ِﻪ ﺛ ُ ﱠﻢ َﻟ ْﻢ ﻳَ ْﺮﺗَﺎﺑُﻮا وَﺟَ َ ﻧﻔ ِﺴ ِﻬ ْﻢ ﻮن﴾4 . اﻟﺼﺎدِ ُﻗ َ ﻴﻞ ِ ﷲ ۚ أُو َﻟ ٰـ ِﺌ َﻚ ُﻫ ُﻢ ﱠ ِﰲ َﺳ ِﺒ ِ ﻛﺘﺐ إﱄ ﱠ ﺗﻠﻤﻴﺬي املﺮﺷﺪ اﻟﺸﻴﺦ ﻣﺤﻤﺪ ﺑﺴﻴﻮﻧﻲ ﻋﻤﺮان إﻣﺎم ﻣﻬﺮاﺟﺎ ﺟﺰﻳﺮة ﺳﻤﺒﺲ ﺑﺮﻧﻴﻮ )ﺟﺎوه( ﻛﺘﺎﺑًﺎ ﻳﻘﱰح ﻓﻴﻪ ﻋﲆ أﺧﻴﻨﺎ املﺠﺎﻫﺪ أﻣري اﻟﺒﻴﺎن أن ﻳﻜﺘﺐ ﻟﻠﻤﻨﺎر ً ﻣﻘﺎﻻ ﺑﻘﻠﻤﻪ اﻟﺴﻴﺎل ﰲ أﺳﺒﺎب ﺿﻌﻒ املﺴﻠﻤني ﰲ ﻫﺬا اﻟﻌﴫ ،وأﺳﺒﺎب ﻗﻮة اﻹﻓﺮﻧﺞ واﻟﻴﺎﺑﺎن وﻋﺰﺗﻬﻢ ﺑﺎملﻠﻚ واﻟﺴﻴﺎدة واﻟﻘﻮة واﻟﺜﺮوة ،وﻗﺎل ﰲ ﻛﺘﺎب آﺧﺮ :إﻧﻪ ﻗﺮأ ﻣﺎ ﻛﺘﺒﻨﺎه ﰲ املﻨﺎر وﺗﻔﺴريه ﻣﻦ ﺑﻴﺎن اﻷﺳﺒﺎب ﰲ اﻷﻣﺮﻳﻦ ،وﻣﺎ ﻛﺘﺒﻪ اﻷﺳﺘﺎذ اﻹﻣﺎم ﰲ ﻣﻘﺎﻻت )اﻹﺳﻼم واﻟﻨﴫاﻧﻴﺔ ﻣﻊ اﻟﻌﻠﻢ واملﺪﻧﻴﺔ( ﰲ املﻮﺿﻮع ،وإﻧﻤﺎ ﻏﺮﺿﻪ أن ﻳﻜﺘﺐ ﰲ ذﻟﻚ أﻣري اﻟﺒﻴﺎن ﺑﻘﻠﻤﻪ املﺆﺛﺮ املﻌﱪ ﻋﻦ ﻣﻌﺎرﻓﻪ اﻟﻮاﺳﻌﺔ ،وآراﺋﻪ اﻟﻨﺎﺿﺠﺔ؛ ﻟﺘﺠﺪﻳﺪ اﻟﺘﺄﺛري ﰲ أﻧﻔﺲ املﺴﻠﻤني ﺑﻤﺎ ﻳﻨﺎﺳﺐ ﺣﺎﻟﻬﻢ اﻵن؛ ﻟﺘﻨﺒﻴﻪ ﻏﺎﻓﻠﻬﻢ ،وﺗﻌﻠﻴﻢ ﺟﺎﻫﻠﻬﻢ ،وﻛﺒﺖ ﺧﺎﻣﻠﻬﻢ ،وﺗﻨﺸﻴﻂ ﻋﺎﻣﻠﻬﻢ ،وﺑﻨﻲ اﻻﻗﱰاح ﻋﲆ اﻷﺳﺌﻠﺔ اﻵﺗﻴﺔ اﻟﺘﻲ ﺻﺎرت ﻣﺜﺎر ﺷﺒﻬﺔ ﻋﲆ اﻟﺪﻳﻦ ﻋﻨﺪ ﻏري ﻋﻠﻤﺎﺋﻪ ،ﻓﻬﻮ ﻳﻌﻠﻢ ﻣﻤﺎ ﺳﻤﻌﻪ ٰ
ِ
ِ
ملﺎذا ﺗﺄﺧﺮ املﺴﻠﻤﻮن؟ وملﺎذا ﺗﻘﺪم ﻏريﻫﻢ؟
ﻣﻦ دروﺳﻨﺎ ﰲ ﻣﺪرﺳﺔ اﻟﺪﻋﻮة واﻹرﺷﺎد ،وﻣﻤﺎ ﻛﺘﺒﻨﺎه ﻣﺮا ًرا ﰲ املﻨﺎر واﻟﺘﻔﺴري أن ﻛﺘﺎب ﷲ ﺗﻌﺎﱃ ﺣﺠﺔ ﻋﲆ أدﻋﻴﺎء اﻹﺳﻼم واﻹﻳﻤﺎن ،وﻟﻴﺴﻮا ﻫﻢ ﺣﺠﺔ ﻋﻠﻴﻪ. اﻗﱰﺣﺖ ﻫﺬا اﻻﻗﱰاح ﻟﺤﻤﻞ أﺧﻲ ووﻟﻴﻲ اﻷﻣري ﺷﻜﻴﺐ ﻋﲆ ﻛﺘﺎﺑﺔ ﳾء ﻣﺜﻞ ﻫﺬا ﻟﻠﻤﻨﺎر، وأﻧﺎ اﻟﺬي أﻧﺼﺢ ﻟﻪ داﺋﻤً ﺎ ﺑﺘﺨﻔﻴﻒ أﺣﻤﺎل اﻟﻜﺘﺎﺑﺔ ﻋﻦ ﻋﺎﺗﻘﻪ؛ ﻟﻜﺜﺮة ﻣﺎ ﻳﻜﺘﺐ ﻟﺼﺤﻒ اﻟﴩق واﻟﻐﺮب ،وﻟﻸﺻﺪﻗﺎء ﻏريﻫﻢ ،ﻓﺄرﺳﻠﺖ إﻟﻴﻪ ﻛﺘﺎب اﻟﺸﻴﺦ ﻣﺤﻤﺪ ﺑﺴﻴﻮﻧﻲ ﻋﻘﺐ وﺻﻮﻟﻪ إﱄ، ﻓﺄرﺟﺄ اﻟﺠﻮاب ﻋﻨﻪ؛ ﻟﻜﺜﺮة اﻟﺸﻮاﻏﻞ ،إﱃ أن ﻋﺎد ﻣﻦ رﺣﻠﺘﻪ اﻷﺧرية إﱃ إﺳﺒﺎﻧﻴﺔ ،وﻗﺪ أﺛﺮت ﰲ ﻧﻔﺴﻪ ﻣﺸﺎﻫﺪ ﺣﻀﺎرة ﻗﻮﻣﻨﺎ اﻟﻌﺮب ﰲ اﻷﻧﺪﻟﺲ واملﻐﺮب اﻷﻗﴡ ،وﺷﺎﻫﺪ ﺗﺄﺛري ﻣﺤﺎوﻟﺔ ﻓﺮﻧﺴﺔ — ﺗﻨﺼري — ﺷﻌﺐ اﻟﱪﺑﺮ ﰲ املﻐﺮب؛ ﺗﻤﻬﻴﺪًا ﻟﺘﻨﺼري ﻋﺮب أﻓﺮﻳﻘﻴﺔ املﺮزوﺋني ً ﻣﻨﻔﻌﻼ ﺑﻬﺬه ﺑﺎﺳﺘﻌﺒﺎدﻫﺎ ﻟﻬﻢ ،ﻛﻤﺎ ﻓﻌﻠﺖ إﺳﺒﺎﻧﻴﺔ ﰲ ﺳﻠﻔﻬﻢ ﰲ اﻷﻧﺪﻟﺲ — ﻓﻜﺘﺐ اﻟﺠﻮاب املﺆﺛﺮات ،ﻓﻜﺎن آﻳﺔ ﻣﻦ آﻳﺎت ﺑﻼﻏﺘﻪ ،وﺣﺠﺔ ﻣﻦ ﺣﺠﺞ ﺣﻜﻤﺘﻪ ،ﻟﻌﻠﻬﺎ أﻧﻔﻊ ﻣﺎ ﺗﻔﺠﺮ ﻣﻦ ﻳﻨﺒﻮع ﻏريﺗﻪ ،واﻧﺒﺠﺲ ﻣﻦ ﻣﻌني ﺧﱪﺗﻪ ،ﻓﺴﺎل ﻣﻦ أﻧﺒﻮب ﺑﺮاﻋﺘﻪ ،ﺟﺰاه ﷲ ﺧري ﻣﺎ ﺟﺰى املﺠﺎﻫﺪﻳﻦ اﻟﺼﺎدﻗني. ﻫﻮاﻣﺶ ) (1ﺳﻮرة اﻟﺮﻋﺪ .١١ ) (2ﺳﻮرة اﻷﻧﻔﺎل .٥٣ ) (3ﺳﻮرة ﻏﺎﻓﺮ .٥١ ) (4ﺳﻮرة اﻟﺤﺠﺮات .١٥
8
ﻛﺘﺎب اﻟﺸﻴﺦ ﳏﻤﺪ ﺑﺴﻴﻮﲏ ﻋﻤﺮان
ﺣﴬة ﻣﻮﻻي اﻷﺳﺘﺎذ املﺼﻠﺢ اﻟﻜﺒري اﻟﺴﻴﺪ ﻣﺤﻤﺪ رﺷﻴﺪ رﺿﺎ ﺻﺎﺣﺐ املﻨﺎر، ﻧﻔﻌﻨﻲ ﷲ واملﺴﻠﻤني ﺑﻮﺟﻮده اﻟﻌﺰﻳﺰ ،آﻣني. اﻟﺴﻼم ﻋﻠﻴﻜﻢ ورﺣﻤﺔ ﷲ وﺑﺮﻛﺎﺗﻪ ،أﻣﺎ ﺑﻌﺪ :ﻓﺈن ﻣﻦ ﻗﺮأ ﻣﺎ ﻛﺘﺒﻪ ﰲ املﻨﺎر وﰲ اﻟﺠﺮاﺋﺪ اﻟﻌﺮﺑﻴﺔ اﻟﻌﻼﻣﺔ اﻟﺴﻴﺎﳼ اﻟﻜﺒري أﻣري اﻟﺒﻴﺎن ،اﻷﻣري ﺷﻜﻴﺐ أرﺳﻼن ،ﻣﻦ ﻣﻘﺎﻻﺗﻪ اﻟﺮﻧﺎﻧﺔ املﺨﺘﻠﻔﺔ املﻮاﺿﻴﻊ ،ﻋﺮف أﻧﻪ ﻣﻦ أﻛﱪ ﻛﺘﺎب املﺴﻠﻤني املﺪاﻓﻌني ﻋﻦ اﻹﺳﻼم ،وأﻧﻪ أﻗﻮى ﺿﻠﻊ ﻟﻠﻤﻨﺎر وﺻﺎﺣﺒﻪ ﰲ ﺧﺪﻣﺔ اﻹﺳﻼم واملﺴﻠﻤني ،وإﻧﻲ أرﺟﻮ ﻣﻦ ﷲ ﺗﻌﺎﱃ أن ﻳﻄﻴﻞ ﺑﻘﺎءﻫﻤﺎ اﻟﴩﻳﻒ ﰲ ﺧري وﻋﺎﻓﻴﺔ — ﻛﻤﺎ أرﺟﻮ ﻣﻦ ﻣﻮﻻي اﻷﺳﺘﺎذ ﺻﺎﺣﺐ املﻨﺎر أن ﻳﻄﻠﺐ ﻣﻦ ﻫﺬا اﻷﻣري اﻟﻜﺎﺗﺐ اﻟﻜﺒري أن ﻳﺘﻔﻀﻞ ﻋﲇ ﺑﺎﻟﺠﻮاب ﻋﻦ أﺳﺌﻠﺘﻲ اﻵﺗﻴﺔ؛ وﻫﻲ: ) (١ﻣﺎ أﺳﺒﺎب ﻣﺎ ﺻﺎر إﻟﻴﻪ املﺴﻠﻤﻮن )وﻻ ﺳﻴﻤﺎ ﻧﺤﻦ ﻣﺴﻠﻤﻮ ﺟﺎوة وﻣﻼﻳﻮ( ﻣﻦ اﻟﻀﻌﻒ واﻻﻧﺤﻄﺎط ﰲ اﻷﻣﻮر اﻟﺪﻧﻴﻮﻳﺔ واﻟﺪﻳﻨﻴﺔ ﻣﻌً ﺎ ،وﴏﻧﺎ أذﻻء ﻻ ﺣﻮل ﻟﻨﺎ ني﴾1 . وﻻ ﻗﻮة ،وﻗﺪ ﻗﺎل ﷲ ﺗﻌﺎﱃ ﰲ ﻛﺘﺎﺑﻪ اﻟﻌﺰﻳﺰ﴿ :و َِهلل ِ ا ْﻟﻌِ ﱠﺰ ُة َوﻟِ َﺮ ُﺳﻮﻟِ ِﻪ َوﻟِ ْﻠ ُﻤ ْﺆ ِﻣ ِﻨ َ ﻓﺄﻳﻦ ﻋﺰة املﺆﻣﻨني اﻵن؟ وﻫﻞ ﻳﺼﺢ ملﺆﻣﻦ أن ﻳﺪﻋﻲ أﻧﻪ ﻋﺰﻳﺰ ،وإن ﻛﺎن ً ذﻟﻴﻼ ﻣﻬﺎﻧًﺎ ﻟﻴﺲ ﻋﻨﺪه ﳾء ﻣﻦ أﺳﺒﺎب اﻟﻌﺰة إﻻ أن ﷲ ﺗﻌﺎﱃ ﻗﺎل﴿ :و َِهلل ِ ا ْﻟﻌِ ﱠﺰ ُة َوﻟِ َﺮ ُﺳﻮﻟِ ِﻪ َوﻟِ ْﻠ ُﻤ ْﺆ ِﻣ ِﻨ َ ني﴾. ) (٢ﻣﺎ اﻷﺳﺒﺎب اﻟﺘﻲ ارﺗﻘﻰ ﺑﻬﺎ اﻷوروﺑﻴﻮن واﻷﻣﺮﻳﻜﺎﻧﻴﻮن واﻟﻴﺎﺑﺎﻧﻴﻮن ارﺗﻘﺎءً ً ﻫﺎﺋﻼ؟ وﻫﻞ ﻳﻤﻜﻦ أن ﻳﺼري املﺴﻠﻤﻮن أﻣﺜﺎﻟﻬﻢ ﰲ ﻫﺬا اﻻرﺗﻘﺎء إذا اﺗﺒﻌﻮﻫﻢ ﰲ أﺳﺒﺎﺑﻪ ﻣﻊ املﺤﺎﻓﻈﺔ ﻋﲆ دﻳﻨﻬﻢ »اﻹﺳﻼم« أم ﻻ؟
ملﺎذا ﺗﺄﺧﺮ املﺴﻠﻤﻮن؟ وملﺎذا ﺗﻘﺪم ﻏريﻫﻢ؟
ﻫﺬا؛ واملﺮﺟﻮ ﻣﻦ ﻓﻀﻞ اﻷﻣري أن ﻳﺒﺴﻂ اﻟﺠﻮاب ﰲ املﻨﺎر ﻋﻦ ﻫﺬه اﻷﺳﺌﻠﺔ، وﻟﻪ وﻟﻸﺳﺘﺎذ ﺻﺎﺣﺐ املﻨﺎر ﻣﻦ ﷲ اﻷﺟﺮ اﻟﺠﺰﻳﻞ. ﻣﺤﻤﺪ ﺑﺴﻴﻮﻧﻲ ﻋﻤﺮان ﺳﻨﺒﺲ ﺑﻮرﻧﻴﻮ اﻟﻐﺮﺑﻴﺔ ﰲ ٢١رﺑﻴﻊ اﻵﺧﺮ ﺳﻨﺔ ١٣٤٨ ﻫﺬا ﻧﺺ ﻛﺘﺎب اﻟﺴﺎﺋﻞ وﻳﺘﻠﻮه ﺟﻮاب اﻷﻣري ،وﻗﺪ وﺿﻌﻨﺎ ﻟﻪ ﺑﻌﺾ اﻟﻌﻨﺎوﻳﻦ؛ ﻷﻧﻬﺎ ﻛﻤﺤﻄﺎت اﻟﻄﺮﻳﻖ ﻟﻠﺴﺎﻟﻜني ،وﻋﻠﻘﻨﺎ ﻋﻠﻴﻪ ً ﻗﻠﻴﻼ ﻣﻦ اﻟﺤﻮاﳾ املﻔﻴﺪة ﻟﻠﻘﺎرﺋني ،ﻛﻤﺎ ﻓﻌﻠﻨﺎ ذﻟﻚ ﰲ ﻛﺘﺎب اﻹﺳﻼم واﻟﻨﴫاﻧﻴﺔ ﻟﺸﻴﺨﻨﺎ اﻷﺳﺘﺎذ اﻹﻣﺎم — رﺣﻤﻪ ﷲ. ﻣﻼﺣﻈﺔ :اﻟﺤﻮاﳾ اﻟﺘﻲ ﻣﻦ ﻗﻠﻢ اﻟﻌﻼﻣﺔ اﻟﺴﻴﺪ رﺷﻴﺪ رﺿﺎ — رﺣﻤﻪ ﷲ — ﻋﻠﻴﻬﺎ اﻟﺘﻮﻗﻴﻊ ﺑﺤﺮف )ر( ،واﻟﺤﻮاﳾ املﻀﺎﻓﺔ إﱃ ﻫﺬه اﻟﻄﺒﻌﺔ ﻣﻦ ﻗﻠﻢ املﺆﻟﻒ ﻋﻠﻴﻬﺎ اﻟﺘﻮﻗﻴﻊ ﺑﺤﺮف )ش(.
ﻫﻮاﻣﺶ ) (1املﻨﺎﻓﻘﻮن :ﻣﻦ اﻵﻳﺔ .٨
10
ﺟﻮاب اﻷﻣﲑ ﺷﻜﻴﺐ أرﺳﻼن
إن اﻻﻧﺤﻄﺎط واﻟﻀﻌﻒ اﻟﻠﺬﻳﻦ ﻋﻠﻴﻬﻤﺎ املﺴﻠﻤﻮن ﳾء ﻋﺎم ﻟﻬﻢ ﰲ املﺸﺎرق واملﻐﺎرب ﻟﻢ ﻳﻨﺤﴫ ﰲ ﺟﺎوة وﻣﻼﻳﻮ ،وﻻ ﰲ ﻣﻜﺎن آﺧﺮ ،وإﻧﻤﺎ ﻫﻮ ﻣﺘﻔﺎوت ﰲ درﻛﺎﺗﻪ ،ﻓﻤﻨﻪ ﻣﺎ ﻫﻮ ﺷﺪﻳﺪ اﻟﻌﻤﻖ ،وﻣﻨﻪ ﻣﺎ ﻫﻮ ﻗﺮﻳﺐ ﻟﻠﻐﻮر ،وﻣﻨﻪ ﻣﺎ ﻫﻮ ﻋﻈﻴﻢ اﻟﺨﻄﺮ ،وﻣﻨﻪ ﻣﺎ ﻫﻮ أﻗﻞ ﺧﻄ ًﺮا. وﺑﺎﻹﺟﻤﺎل ﺣﺎﻟﺔ املﺴﻠﻤني اﻟﺤﺎﴐة وﻻ ﺳﻴﻤﺎ ﻣﺴﻠﻤﻲ اﻟﻘﺮن اﻟﺮاﺑﻊ ﻋﴩ ﻟﻠﻬﺠﺮة أو ً ً ﻓﻀﻼ ﻋﻦ ﻏري ﺗﺤﻤﺴﺎ ﺑﺎﻹﺳﻼم وﻓﺮﺣً ﺎ ﺑﺤﺰﺑﻪ، اﻟﻌﴩﻳﻦ ﻟﻠﻤﺴﻴﺢ ،ﻻ ﺗﺮﴈ أﺷﺪ اﻟﻨﺎس اﻷﺣﻤﴘ ﻣﻦ أﻫﻠﻪ. إن ﺣﺎﻟﺘﻬﻢ اﻟﺤﺎﴐة ﻻ ﺗﺮﴈ؛ ﻻ ﻣﻦ ﺟﻬﺔ اﻟﺪﻳﻦ ،وﻻ ﻣﻦ ﺟﻬﺔ اﻟﺪﻧﻴﺎ ،وﻻ ﻣﻦ ﺟﻬﺔ املﺎدة ،وﻻ ﻣﻦ املﻌﻨﻰ ،وإﻧﻚ ﻟﺘﺠﺪ املﺴﻠﻤني ﰲ اﻟﺒﻼد اﻟﺘﻲ ﻳﺴﺎﻛﻨﻬﻢ ﻓﻴﻬﺎ ﻏريﻫﻢ ﻣﺘﺄﺧﺮﻳﻦ ﻋﻦ ﻫﺆﻻء اﻷﻏﻴﺎر ﻻ ﻳﺴﺎﻛﻨﻬﻢ ﰲ ﳾء إﻻ ﻣﺎ ﻧﺰر ،وﻟﻢ أﻋﻠﻢ ﻣﻦ املﺴﻠﻤني ﻣﻦ ﺳﺎﻛﻨﻬﻢ أﻣﻢ أﺧﺮى ﰲ ﻫﺬا اﻟﻌﴫ ،وﻟﻢ ﻳﻜﻮﻧﻮا ﻣﺘﺄﺧﺮﻳﻦ ﻋﻨﻬﻢ إﻻ ﺑﻌﺾ أﻗﻮام ﻣﻨﻬﻢ؛ وذﻟﻚ ﻛﻤﺴﻠﻤﻲ ﺑﻮﺳﻨﻪ ً ﻣﺜﻼ ﻓﺈﻧﻬﻢ ﻟﻴﺴﻮا ﰲ ﺳﻮي ﻣﺎدي وﻻ ﻣﻌﻨﻮي أدﻧﻰ ﻣﻦ ﺳﻮي اﻟﻨﺼﺎرى اﻟﻜﺎﺛﻮﻟﻴﻜﻴني ،أو اﻟﻨﺼﺎرى اﻷرﺛﻮذﻛﺴﻴني اﻟﺬﻳﻦ ﻳﺤﻴﻄﻮن ﺑﻬﻢ ،ﺑﻞ ﻫﻢ أﻋﲆ ﻣﺴﺘﻮى ﻣﻦ اﻟﻔﺮﻳﻘني 1 ،وﻛﻜﺜري ﻣﻦ ﻣﺴﻠﻤﻲ اﻟﺮوﺳﻴﺔ اﻟﺬﻳﻦ ﻟﻴﺲ املﺴﻴﺤﻴﻮن اﻟﺬﻳﻦ ﻳﺤﺎوروﻧﻬﻢ أرﻗﻰ ﻣﻦ اﻟﻄﻮاﺋﻒ املﺴﻴﺤﻴﺔ ً إﺟﻤﺎﻻ ﻋﲆ ﺗﺄﺧﺮﻫﻢ ﻫﻢ أرﻗﻰ ﻣﻦ اﻟﺼﻴﻨني اﻟﺘﻲ ﺗﺴﺎﻛﻨﻬﻢ ،وﻻ ﺧﻼف ﰲ أن ﻣﺴﻠﻤﻲ اﻟﺼني اﻟﺒﻮذﻳني ،ﻫﺬا إذا ﻛﺎﻧﺖ اﻟﻨﺴﺒﺔ ﺑني اﻟﻔﺮﻳﻘني ﺑﺎﻗﻴﺔ ﻛﻤﺎ ﻛﺎﻧﺖ ﻗﺒﻞ اﻟﺤﺮب اﻟﻌﺎﻣﺔ ،وﻓﻴﻤﺎ ﻋﺪا ﻫﺬه اﻷﻣﺎﻛﻦ ﻧﺠﺪ ﺗﺄﺧﺮ املﺴﻠﻤني ﻋﻦ ﻣﺴﺎﻳﺮة ﺟرياﻫﻢ ﻋﺎﻣٍّ ﺎ ﻣﻊ ﺗﻔﺎوت ﰲ درﻛﺎت اﻟﺘﺄﺧﺮ. وﻳﻘﺎل :إن اﻟﻌﺮب ﰲ ﺟﺰﻳﺮة ﺳﻨﻐﺎﻓﻮرة ﻫﻢ أﻋﻈﻢ ﺛﺮوة ﻣﻦ ﺟﻤﻴﻊ اﻷﺟﻨﺎس اﻟﺘﻲ ﺗﺴﺎﻛﻨﻬﻢ ﺣﺘﻰ ﻣﻦ اﻹﻧﻜﻠﻴﺰ أﻧﻔﺴﻬﻢ ﺑﺎﻟﻨﺴﺒﺔ إﱃ اﻟﻌﺪد ،وﻻ أﻋﻠﻢ ﻣﺒﻠﻎ ﻫﺬا اﻟﺨﱪ ﻣﻦ اﻟﺼﺤﺔ ،وﻟﻜﻨﻪ ﻋﲆ ﻓﺮض ﺻﺤﺘﻪ ﻟﻴﺲ ﺑﴚء ﻳﻘﺪﱠم أو ﻳﺆﺧﺮ ﰲ ﻣﻴﺰاﻧﻴﺔ املﺴﻠﻤني اﻟﻌﺎﻣﺔ.
ملﺎذا ﺗﺄﺧﺮ املﺴﻠﻤﻮن؟ وملﺎذا ﺗﻘﺪم ﻏريﻫﻢ؟
ً ً ﺷﺎﻣﻼ ﻟﻸﻣﻮر املﺎدﻳﺔ وﻣﺨﺎﺿﺎ ﻋﻈﻴﻤً ﺎ وﻻ إﻧﻜﺎر أن ﰲ اﻟﻌﺎﻟﻢ اﻹﺳﻼﻣﻲ ﺣﺮﻛﺔ ﺷﺪﻳﺪة، واملﻌﻨﻮﻳﺔ ،وﻳﻘﻈﺔ ﺟﺪﻳﺮة ﺑﺎﻹﻋﺠﺎب؛ ﻗﺪ اﻧﺘﺒﻪ ﻟﻬﺎ اﻷوروﺑﻴﻮن وﻗﺪروﻫﺎ ﻗﺪرﻫﺎ ،وﻣﻨﻬﻢ ﻣﻦ ﻫﻮ ﻣﺘﻮﺟﺲ ﺧﻴﻔﺔ ﻣﻐﺒﺘﻬﺎ ،ﻻ ﻳﺨﻔﻰ ﻫﺬا اﻟﺨﻮف ﻣﻦ ﺗﻀﺎﻋﻴﻒ ﻛﺘﺎﺑﺎﺗﻬﻢ ،إﻻ أن ﻫﺬه اﻟﺤﺮﻛﺔ إﱃ اﻷﻣﺎم ﻟﻢ ﺗﺼﻞ ﺑﺎملﺴﻠﻤني ﺣﺘﻰ اﻟﻴﻮم اﻷول إﱃ درﺟﺔ ﻳﺴﺎوون ﺑﻬﺎ أﻣﺔ ﻣﻦ اﻷﻣﻢ اﻷوروﺑﻴﺔ أو اﻷﻣريﻳﻜﻴﺔ أو اﻟﻴﺎﺑﺎن. ﻓﺒﻌﺪ أن ﺗﻘﺮر ﻫﺬا وﺟﺐ أن ﻧﺒﺤﺚ ﰲ اﻷﺳﺒﺎب اﻟﺘﻲ أوﺟﺪت ﻫﺬا اﻟﺘﻘﻬﻘﺮ ﰲ اﻟﻌﺎﻟﻢ اﻹﺳﻼﻣﻲ ،ﺑﻌﺪ أن ﻛﺎن ﻣﻨﺬ أﻟﻒ ﺳﻨﺔ ﻫﻮ اﻟﺼﺪر املﻘﺪم ،وﻫﻮ اﻟﺴﻴﺪ املﺮﻫﻮب املﻄﺎع ﺑني اﻷﻣﻢ؛ ً ﴍﻗﺎ وﻏﺮﺑًﺎ ،ﻓﻘﺒﻞ أن ﻧﺒﺤﺚ ﰲ أﺳﺒﺎب اﻻرﺗﻘﺎء ﻓﻨﻘﻮل: أﺳﺒﺎب ارﺗﻘﺎء املﺴﻠﻤني املﺎﴈ إن أﺳﺒﺎب اﻻرﺗﻘﺎء ﻛﺎﻧﺖ ﻋﺎﺋﺪة ﰲ ﻣﺠﻤﻠﻬﺎ إﱃ اﻟﺪﻳﺎﻧﺔ اﻹﺳﻼﻣﻴﺔ اﻟﺘﻲ ﻛﺎﻧﺖ ﻗﺪ ﻇﻬﺮت ﺟﺪﻳﺪًا ﰲ اﻟﺠﺰﻳﺮة اﻟﻌﺮﺑﻴﺔ ﻓﺪان ﺑﻬﺎ ﻗﺒﺎﺋﻞ اﻟﻌﺮب ،وﺗﺤﻮﻟﻮا ﺑﻬﺪاﻳﺘﻬﺎ ﻣﻦ اﻟﻔﺮﻗﺔ إﱃ اﻟﻮﺣﺪة ،وﻣﻦ اﻟﺠﺎﻫﻠﻴﺔ إﱃ املﺪﻧﻴﺔ ،وﻣﻦ اﻟﻘﺴﻮة إﱃ اﻟﺮﺣﻤﺔ ،وﻣﻦ ﻋﺒﺎدة اﻷﺻﻨﺎم إﱃ ﻋﺒﺎدة اﻟﻮاﺣﺪ اﻷﺣﺪ، وﺗﺒﺪﻟﻮا ﺑﺄرواﺣﻬﻢ اﻷوﱃ أرواﺣً ﺎ ﺟﺪﻳﺪة ،ﺻريﺗﻬﻢ إﱃ ﻣﺎ ﺻﺎروا إﻟﻴﻪ ﻣﻦ ﻋﺰ وﻣﻨﻌﺔ ،وﻣﺠﺪ وﻋﺮﻓﺎن وﺛﺮوة ،وﻓﺘﺤﻮا ﻧﺼﻒ ﻛﺮة اﻷرض ﰲ ﻧﺼﻒ ﻗﺮن ،وﻟﻮﻻ اﻟﺨﻼف اﻟﺬي ﻋﺎد ﻓﺪب ﺑﻴﻨﻬﻢ ﻣﻨﺬ أواﺧﺮ ﺧﻼﻓﺔ ﻋﺜﻤﺎن وﰲ ﺧﻼﻓﺔ ﻋﲇ — رﴈ ﷲ ﻋﻨﻬﻤﺎ — ﻟﻜﺎﻧﻮا أﻛﻤﻠﻮا ﻓﺘﺢ اﻟﻌﺎﻟﻢ ،وﻟﻢ ﻳﻘﻒ ﰲ وﺟﻬﻬﻢ واﻗﻒ. ﻋﲆ أن ﺗﻠﻚ اﻟﻔﺘﻮﺣﺎت اﻟﺘﻲ ﻓﺘﺤﻮﻫﺎ ﰲ ﻧﺼﻒ ﻗﺮن أو ﺛﻠﺜﻲ ﻗﺮن — ﺑﺮﻏﻢ اﻟﺤﺮوب ﱠ ﻣﺸﺎﻗ ُﺔ ﻣﻌﺎﻳﺔ ﻟﻌﲇ واﻟﺤﺮوب اﻟﺘﻲ وﻗﻌﺖ ﺑني ﺑﻨﻲ أﻣﻴﺔ واﺑﻦ اﻟﺰﺑري — ﻗﺪ اﻟﺘﻲ ﺗﺴﺒﺒﺖ ﺑﻬﺎ أدﻫﺸﺖ ﻋﻘﻮل اﻟﻌﻘﻼء واملﺆرﺧني واملﻔﻜﺮﻳﻦ ،وﺣريت اﻟﻔﺎﺗﺤني اﻟﻜﺒﺎر ،وأذﻫﻠﺖ ﻧﺎﺑﻠﻴﻮن ﺑﻮﻧﺎﺑﺮت أﻋﻈﻤﻬﻢ ،وﻟﻪ ﺗﴫﻳﺢ ﰲ ذﻟﻚ ﻧﻘﻠﻪ ﻋﻨﻪ »ﻻﻛﺎس« اﻟﺬي راﻓﻘﻪ إﱃ ﺟﺰﻳﺮة »ﺳﺎﻧﺖ ﻫﻴﻼﻧﺔ« وﻏريه ﻣﻦ املﻘﻴﺪﻳﻦ ﻟﺤﻮادث ﻧﺎﺑﻠﻴﻮن املﺘﺒﻌني ﻷﻗﻮاﻟﻪ؛ ﻓﻘﺪ ﺛﺒﺖ ﺛﺒﻮﺗًﺎ ﻗﻄﻌﻴٍّﺎ ﻣﻦ أﻗﻮال ذﻟﻚ اﻟﻔﺎﺗﺢ اﻟﻌﻈﻴﻢ وﺳريﺗﻪ أﻳﺎم ﻛﺎن ﺑﻤﴫ أﻧﻪ ﻛﺎن ﻣﻌﺠﺒًﺎ ﺑﻤﺤﻤﺪ وﻋﻤﺮ وﺑﻜﺜري ﻣﻦ أﺑﻄﺎل اﻹﺳﻼم ،وإن ﻧﻔﺴﻪ ﺣﺪﺛﺘﻪ ملﺎ ﻛﺎن ﺑﻤﴫ أن ﻳﺘﺨﺬ اﻹﺳﻼم دﻳﻨًﺎ ﻟﻪ. ﻓﺎﻟﻘﺮآن ﻗﺪ أﻧﺸﺄ — إذًا — اﻟﻌﺮب ﻧﺸﺄة ﻣﺴﺘﺄﻧﻔﺔ ،وﺧﻠﻘﻬﻢ ً ﺧﻠﻘﺎ ﺟﺪﻳﺪًا ،وأﺧﺮﺟﻬﻢ ﻣﻦ ﺟﺰﻳﺮﺗﻬﻢ واﻟﺴﻴﻒ ﰲ إﺣﺪى اﻟﻴﺪﻳﻦ واﻟﻜﺘﺎب ﰲ اﻷﺧﺮى ﻳﻔﺘﺤﻮن وﻳﺴﻮدون ،وﻳﺘﻤﻜﻨﻮن ﰲ اﻷرض ﺑﻄﻮﻟﻬﺎ وﻋﺮﺿﻬﺎ. 12
ﺟﻮاب اﻷﻣري ﺷﻜﻴﺐ أرﺳﻼن
وﻻ ﻋﱪة ﺑﻤﺎ ﻳﻘﺎل ﰲ ﺷﺄن اﻟﻌﺮب ﻗﺒﻞ اﻹﺳﻼم ،وﻣﺎ ﻳﺮوى ﻣﻦ ﻓﺘﻮﺣﺎت ﻟﻬﻢ وﻣﺪﻧﻴﺎت أﺛﻴﻠﺔ ،وﻣﺎ ﻳﻨﻮّه ﺑﻪ ﻣﻦ أﺧﻼق ﻋﻈﺎم ﰲ اﻟﺠﺎﻫﻠﻴﺔ ،ﻓﻬﺬه وﻻ ﺟﺪال ﻗﺪ ﻛﺎﻧﺖ وﻻ ﺗﺰال آﺛﺎرﻫﺎ ﻇﺎﻫﺮة ،وﻻ ﺷﻚ ﰲ ﻣﺪﻧﻴﺔ اﻟﻌﺮب اﻟﻘﺪﻳﻤﺔ ،وأﻧﻬﺎ ﻣﻦ أﻗﺪم ﻣﺪﻧﻴﺎت اﻟﻌﺎﻟﻢ ﻋﲆ اﻹﻃﻼق ،وﻣﻤﺎ ﻳﺮﺟﺢ أن اﻟﻜﺘﺎﺑﺔ ﻗﺪ ﺑﺪأت ﻋﻨﺪﻫﻢ ،وأﻧﻪ ﻟﻮ ﻓﺮض أن اﻟﻔﻴﻨﻴﻘﻴني اﻟﺬﻳﻦ اﺧﱰﻋﻮا اﻟﻜﺘﺎﺑﺔ ﰲ اﻟﻌﺎﻟﻢ ،ﻓﺎﻟﻔﻴﻨﻴﻘﻴﻮن ﰲ اﻟﺤﻘﻴﻘﺔ أﻣﺔ ﺳﺎﻣﻴﺔ ﻋﺮﺑﻴﺔ ،وﻟﻜﻦ داﺋﺮة ﺗﻠﻚ املﺪﻧﻴﺔ ﻛﺎﻧﺖ ﻣﺤﺪودة ﻣﻘﺼﻮرة ﻋﲆ اﻟﺠﺰﻳﺮة وﻣﺎ ﺟﺎورﻫﺎ ،وﻗﺪ أﺗﻰ ﻋﲆ اﻟﻌﺮب ﺣني ﻣﻦ اﻟﺪﻫﺮ ﺳﺎدﻫﻢ اﻟﻐﺮﺑﺎء ﰲ أرﺿﻬﻢ ،وأذﻟﻬﻢ اﻷﺟﺎﻧﺐ ﰲ ﻋﻘﺮ دارﻫﻢ ،ﻛﺎﻟﻔﺮس ﰲ اﻟﻴﻤﻦ وﻋﻤﺎن واﻟﺤرية ،وﻛﺎﻟﺤﺒﺸﺔ ﰲ اﻟﻴﻤﻦ ،وﻛﺎﻟﺮوم ﰲ أﻃﺮاف اﻟﺤﺠﺎز وﻣﺸﺎرف اﻟﺸﺎم ،واﻟﺤﻘﻴﻘﺔ أﻧﻬﻢ ً اﺳﺘﻘﻼﻻ ﺣﻘﻴﻘﻴٍّﺎ واﺳﻌً ﺎ إﻻ ﺑﺎﻹﺳﻼم ،وﻟﻢ ﺗﻌﺮﻓﻬﻢ اﻷﻣﻢ اﻟﺒﻌﻴﺪة وﺗﺨﻨﻊ ﻟﻬﻢ ﻟﻢ ﻳﺴﺘﻘﻠﻮا املﻤﺎﻟﻚ اﻟﻌﻈﺎم واﻟﻘﻴﺎﴏة واﻷﻛﺎﴎة ،وﺗﺘﺤﺪث ﺑﺼﻮﻟﺘﻬﻢ اﻟﻨﺎس ،وﻟﻢ ﻳﻘﻌﺪوا ﻣﻦ اﻟﺘﺎرﻳﺦ املﻘﻌﺪ اﻟﺬي أﺣﻠﻬﻢ ﰲ اﻟﺼﻒ اﻷول ﻣﻦ اﻷﻣﻢ اﻟﻔﺎﺗﺤﺔ ،إﻻ ﺑﻤﺤﻤﺪ ﷺ. ﻓﺎﻟﺴﺒﺐ اﻟﺬي ﺑﻪ ﻧﻬﻀﻮا وﻓﺘﺤﻮا ،وﺳﺎدوا وﺷﺎدوا ،وﺑﻠﻐﻮا ﻫﺬه املﺒﺎﻟﻎ ﻛﻠﻬﺎ ﻣﻦ املﺠﺪ ﺑﺎق واﻟﺮﻗﻲ ،ﻳﺠﺐ ﻋﻠﻴﻨﺎ أن ﻧﺒﺤﺚ ﻋﻨﻪ وﻧﻨﺸﺪه ،وﻧﺨﻔﻲ املﺴﺄﻟﺔ وﻧﻤﻌﻦ ﰲ اﻟﻨﺸﺪان :أﻫﻮ ٍ ﰲ اﻟﻌﺮب وﻫﻢ ﻗﺪ ﺗﺄﺧﺮوا ﺑﺮﻏﻢ وﺟﻮده ،وﺗﺄﺧﺮ ﻣﻌﻬﻢ ﺗﻼﻣﻴﺬﻫﻢ اﻟﺬﻳﻦ ﻫﻢ ﺳﺎﺋﺮ املﺴﻠﻤني، أم ﻗﺪ ارﺗﻔﻊ ﻫﺬا اﻟﺴﺒﺐ ﻣﻦ ﺑﻴﻨﻬﻢ ،وﻟﻢ َ ﻳﺒﻖ ﻣﻦ اﻹﻳﻤﺎن إﻻ اﺳﻤﻪ ،وﻣﻦ اﻹﺳﻼم إﻻ رﺳﻤﻪ، وﻣﻦ اﻟﻘﺮآن إﻻ اﻟﱰﻧﻢ ﺑﻪ ،دون اﻟﻌﻤﻞ ﺑﺄواﻣﺮه وﻧﻮاﻫﻴﻪ ،إﱃ ﻏري ذﻟﻚ ﻣﻤﺎ ﻛﺎن ﰲ ﺻﺪر املﻠﺔ، وﻋﻨﺠﻬﻴﺔ اﻟﴩﻳﻌﺔ. ﻓﻘﺪ املﺴﻠﻤني اﻟﺴﺒﺐ اﻟﺬي ﺳﺎد ﺑﻪ ﺳﻠﻔﻬﻢ إذا ﻓﺤﺼﻨﺎ ﻋﻦ ذﻟﻚ وﺟﺪﻧﺎ أن اﻟﺴﺒﺐ اﻟﺬي ﺑﻪ اﺳﺘﻘﺎم ﻫﺬا اﻷﻣﺮ ﻗﺪ أﺻﺒﺢ ﻣﻔﻘﻮدًا ﺑﻼ ﻧﺰاع ،وإن ﻛﺎن ﺑﻘﻲ ﻣﻨﻪ ﳾء ﻛﺒﺎﻗﻲ اﻟﻮﺷﻢ ﰲ ﻇﺎﻫﺮ اﻟﻴﺪ؛ ﻓﻠﻮ ﻛﺎن ﷲ ﺗﻌﺎﱃ وﻋﺪ املﺆﻣﻨني ﺑﺎﻟﻌﺰة ﺑﻤﺠﺮد اﻻﺳﻢ دون اﻟﻔﻌﻞ ﻟﻜﺎن ﻳﺤﻖ ﻟﻨﺎ أن ﻧﻘﻮل :أﻳﻦ ﻋﺰة املﺆﻣﻨني؟ ﻣﻦ ﻗﻮﻟﻪ ني﴾2 . ﺗﻌﺎﱃ﴿ :و َِهلل ِ ا ْﻟﻌِ ﱠﺰ ُة َوﻟِ َﺮ ُﺳﻮﻟِ ِﻪ َوﻟِ ْﻠ ُﻤ ْﺆ ِﻣ ِﻨ َ ني﴾3 . ﴫ ا ْﻟ ُﻤ ْﺆ ِﻣ ِﻨ َ وﻟﻮ ﻛﺎن ﷲ ﻗﺪ ﻗﺎلَ ﴿ :و َﻛ َ ﺎن ﺣَ ٍّﻘﺎ ﻋَ َﻠﻴْﻨَﺎ ﻧ َ ْ ُ ﺑﻤﻌﻨﻰ أﻧﻪ ﻳﻨﴫﻫﻢ ﺑﺪون أدﻧﻰ ﻣﺰﻳﺔ ﻓﻴﻬﻢ ﺳﻮى أﻧﻬﻢ ﻳﻌﻠﻨﻮن ﻛﻮﻧﻬﻢ ﻣﺴﻠﻤني ،ﻟﻜﺎن ﺛﻤﺔ ﻣﺤﻞ ﻟﻠﺘﻌﺠﺐ ﻣﻦ ﻫﺬا اﻟﺨﺬﻻن ﺑﻌﺪ ذﻟﻚ اﻟﻮﻋﺪ اﻟﴫﻳﺢ ﺑﺎﻟﻨﴫ ،وﻟﻜﻦ اﻟﻨﺼﻮص اﻟﺘﻲ ﰲ اﻟﻘﺮآن ﻫﻲ ﻏري ﻫﺬا ،ﻓﺎهلل ﻏري ﻣﺨﻠﻒ وﻋﺪه ،واﻟﻘﺮآن ﻟﻢ ﻳﺘﻐري ،وإﻧﻤﺎ املﺴﻠﻤﻮن ﻫﻢ اﻟﺬﻳﻦ ﻧﻔ ِﺴﻬﻢْ﴾4 . ﺗﻐريوا ،وﷲ ﺗﻌﺎﱃ أﻧﺬر ﺑﻬﺬا ﻓﻘﺎل﴿ :إ ِ ﱠن ﷲ َ َﻻ ﻳ َُﻐ ﱢريُ ﻣَ ﺎ ِﺑ َﻘ ْﻮ ٍم ﺣَ ﺘﱠ ٰﻰ ﻳ َُﻐ ﱢريُوا ﻣَ ﺎ ِﺑﺄ َ ُ ِ 13
ملﺎذا ﺗﺄﺧﺮ املﺴﻠﻤﻮن؟ وملﺎذا ﺗﻘﺪم ﻏريﻫﻢ؟
ﻓﻠﻤﺎ ﻛﺎن املﺴﻠﻤﻮن ﻗﺪ ﻏريوا ﻣﺎ ﺑﺄﻧﻔﺴﻬﻢ ﻛﺎن ﻣﻦ اﻟﻌﺠﺐ أن ﻻ ﻳﻐري ﷲ ﻣﺎ ﺑﻬﻢ ،وأن ﻻ ﻳﺒﺪﻟﻬﻢ اﻟﺬل واﻟﻀﻌﺔ ،ﻣﻦ ذﻟﻚ اﻟﻌﺰ وﺗﻠﻚ اﻟﺮﻓﻌﺔ ،ﺑﻞ ﻛﺎن ذﻟﻚ ﻳُﻌَ ﱡﺪ ﻣﻨﺎﻓﻴًﺎ ﻟﻠﻌﺪل اﻹﻟﻬﻲ، وﷲ — ﻋﺰ وﺟﻞ — ﻫﻮ اﻟﻌﺪل املﺤﺾ. ﻛﻴﻒ ﺗﺮى ﰲ أﻣﺔ ﻳﻨﴫﻫﺎ ﷲ ﺑﺪون ﻋﻤﻞ ،وﻳﻔﻴﺾ ﻋﻠﻴﻬﺎ اﻟﺨريات اﻟﺘﻲ ﻛﺎن ﻳﻔﻴﻀﻬﺎ ﻋﲆ آﺑﺎﺋﻬﺎ ،وﻫﻲ ﻗﺪ ﻗﻌﺪت ﻋﻦ ﺟﻤﻴﻊ اﻟﻌﺰاﺋﻢ اﻟﺘﻲ ﻗﺪ ﻛﺎن ﻳﻘﻮم ﺑﻬﺎ آﺑﺎؤﻫﺎ؟! وذﻟﻚ ﻳﻜﻮن ً ً ﻣﺨﺎﻟﻔﺎ ﻟﻠﺤﻜﻤﺔ اﻹﻟﻬﻴﺔ وﷲ ﻫﻮ اﻟﻌﺰﻳﺰ اﻟﺤﻜﻴﻢ ،وﻣﺎ ﻗﻮﻟﻚ ﰲ ﻋﺰة دون اﺳﺘﺤﻘﺎق، أﻳﻀﺎ وﰲ ﻏﻠﺔ دون ﺣﺮث وﻻ زرع ،وﰲ ﻓﻮز دون ﺳﻌﻲ وﻻ ﻛﺴﺐ ،وﰲ ﺗﺄﻳﻴﺪ دون أدﻧﻰ ﺳﺒﺐ ﻳﻮﺟﺐ اﻟﺘﺄﻳﻴﺪ؟! ﻻ ﺟﺮم أن ﻫﺬا ﻣﻤﺎ ﻳﻐﺮي اﻟﻨﺎس ﺑﺎﻟﻜﺴﻞ ،وﻳﺤﻮل ﺑﻴﻨﻬﻢ وﺑني اﻟﻌﻤﻞ ،ﺑﻞ ﻣﻤﺎ ﻳﺨﺎﻟﻒ اﻟﻨﻮاﻣﻴﺲ اﻟﺘﻲ أﻗﺎم ﷲ اﻟﻜﻮن ﻋﻠﻴﻬﺎ ،وﻫﻮ ﻣﻤﺎ ﻳﺴﺘﻮي ﺑﻪ اﻟﺤﻖ واﻟﺒﺎﻃﻞ ،واﻟﻀﺎر واﻟﻨﺎﻓﻊ، ً ﻣﺨﻠﻮﻗﺎ ﺑﺪون ﻋﻤﻞ ﻷﻳﺪ ﻣﻦ دون واملﻮﺟﺐ واﻟﺴﺎﻟﺐ ،وﺣﺎﺷﺎ ﷲ أن ﻳﻔﻌﻞ ذﻟﻚ ،وﻟﻮ أﻳﺪ ﷲ ﻋﻤﻞ ﻣﺤﻤﺪًا رﺳﻮﻟﻪ وﻟﻢ ﻳﺤﻮﺟﻪ إﱃ اﻟﻘﺘﺎل واﻟﻨﺰال واﻟﻨﻀﺎل ،واﺗﺒﺎع ﺳﻨﻦ اﻟﻜﻮن اﻟﻄﺒﻴﻌﻴﺔ ﻟﻠﻮﺻﻮل إﱃ اﻟﻐﺎﻳﺔ. وﺗﺼﻮر أﻣﺔ هلل ﻋﻨﺪﻫﺎ ﻣﺌﺔ وﻫﻲ ﺗﺆدي ﻣﻦ املﺌﺔ ﺧﻤﺴﺔ ﻓﻘﻂ ،أﺗﻌﺪ ﻧﻔﺴﻬﺎ ﻗﺪ أدت ﻣﺎ ﻋﻠﻴﻬﺎ وﻫﻲ ﺗﻄﻤﻊ ﰲ أن ﻳﻜﺎﻓﺌﻬﺎ ﷲ ﻛﻤﺎ ﻛﺎن ﻳﻜﺎﻓﺊ أﺟﺪادﻫﺎ اﻟﺬﻳﻦ ﻛﺎﻧﻮا ﻳﺆدون املﺌﺔ ﻣﺌﺔ، وإن ﻗﴫوا ﻋﻦ املﺌﺔ أدوا ﺑﺎﻷﻗﻞ ﺗﺴﻌني أو ﺛﻤﺎﻧني ﻣﻨﻬﺎ؟! ﻛﻞ ﻫﺬا ﻣﺨﺎﻟﻒ ملﺎ وﻋﺪ ﷲ ﻋﲆ رﺳﻠﻪ ،وﻣﺨﺎﻟﻒ ﻟﻠﻌﻘﻞ واملﻨﻄﻖ ،وﻣﺨﺎﻟﻒ ﻟﺤﻜﻤﺔ اﻟﺘﴩﻳﻊ ،وﻟﻴﺲ ﻫﺬا ﻫﻮ اﻟﴩط اﻟﺬي ﴍﻃﻪ ﷲ ﻋﲆ املﺆﻣﻨني ،وﻟﻴﺲ ﻫﺬا ﻫﻮ اﻟﺒﻴﻊ اﻟﺬي ﻳﺴﺘﺒﴩ ﺑﻪ املﺆﻣﻨﻮن. ني أ َ ُ َ َ ﻗﺎل ﷲ ﺗﻌﺎﱃ﴿ :إ ِ ﱠن ﷲ َ ْ ُ ﱠ ْ ﻧﻔ َﺴﻬُ ْﻢ وَأَﻣْ ﻮَا َﻟﻬُ ﻢ ِﺑﺄ َ ﱠن َﻟﻬُ ُﻢ اﻟﺠَ ﻨﺔ ۚ ﻳُﻘﺎ ِﺗﻠ َ اﺷ َﱰَىٰ ِﻣ َﻦ ا ْﻟ ُﻤ ْﺆ ِﻣ ِﻨ َ ﻮن ﻮن َوﻳ ُْﻘﺘَﻠُ َ ﷲ َﻓﻴ َْﻘﺘُﻠُ َ ﻴﻞ ِ آن ۚ وَﻣَ ْﻦ أَو َْﰱ ٰ ِﰲ َﺳ ِﺒ ِ ﻧﺠ ِ َاﻹ ِ ﻮن ۖ وَﻋْ ﺪًا ﻋَ َﻠﻴْ ِﻪ ﺣَ ٍّﻘﺎ ِﰲ اﻟﺘﱠ ْﻮ َرا ِة و ْ ِ ﻴﻞ وَا ْﻟ ُﻘ ْﺮ ِ َ ﻈﻴﻢُ﴾5 . ﺎﺳﺘَﺒ ِْﴩُوا ِﺑﺒَﻴْﻌِ ُﻜ ُﻢ ا ﱠﻟﺬِي ﺑَﺎﻳَﻌْ ﺘُﻢ ِﺑ ِﻪ ۚ َو ٰذ ِﻟ َﻚ ُﻫ َﻮ ا ْﻟ َﻔ ْﻮ ُز ا ْﻟﻌَ ِ ِﺑﻌَ ﻬْ ِﺪ ِه ِﻣ َﻦ ِ ﷲ ۚ َﻓ ْ ﻓﺄﻳﻦ ﺣﺎﻟﺔ املﺴﻠﻤني اﻟﻴﻮم ﻣﻦ ﻫﺬا اﻟﻮﺻﻒ اﻟﺬي ﰲ ﻛﺘﺎب ﷲ؟ وأﻳﻦ ﺣﺎﻟﺘﻬﻢ ﻣﻦ ﺳﻠﻔﻬﻢ اﻟﺬﻳﻦ ﻛﺎﻧﻮا ﻳﺘﻬﺎﻓﺘﻮن ﻋﲆ املﻮت اﻷﺣﻤﺮ؛ ﻹﺣﺮاز اﻟﺸﻬﺎدة ،وﻛﺜريًا ﻣﺎ ﻛﺎﻧﻮا ﻳﻨﺸﺪون املﻮت وﻻ ﻳﺠﺪوﻧﻪ؟! وﻛﺎن ﻓﺎرﺳﻬﻢ ﻳﻜﺮ وﻫﻮ ﻳﻘﻮل :إﻧﻲ ﻷﺷﻢ رﻳﺢ اﻟﺠﻨﺔ ،ﺛﻢ ﻻ ﻳﺰال ﻳﻜﺮ وﻳﺨﻮض ﻏﻤﺮات اﻟﺤﺮب ﺣﺘﻰ إذا اﺳﺘﺸﻬﺪ ﻗﺎل :ﻫﺬا ﻳﻮم اﻟﻔﺮح ،وإذا ﻓﺎﺗﺘﻪ اﻟﺸﻬﺎدة ﺑﺮﻏﻢ ﺣﺮﺻﻪ ﻋﻠﻴﻬﺎ ﻋﺎد إﱃ ﻗﻮﻣﻪ ﺣﺰﻳﻨًﺎ ﻛﺌﻴﺒًﺎ.
14
ﺟﻮاب اﻷﻣري ﺷﻜﻴﺐ أرﺳﻼن
املﻘﺎﺑﻠﺔ ﺑني ﺣﺎﱄ املﺴﻠﻤني واﻹﻓﺮﻧﺞ اﻟﻴﻮم اﻟﻴﻮم ﻓﻘﺪ املﺴﻠﻤﻮن أو أﻛﺜﺮﻫﻢ ﻫﺬه اﻟﺤﻤﺎﺳﺔ اﻟﺘﻲ ﻛﺎﻧﺖ ﻋﻨﺪ آﺑﺎﺋﻬﻢ ،وإﻧﻤﺎ ﺗﺨ ﱠﻠﻖ ﺑﻬﺎ أﻋﺪاء ً ﺳﺒﺎﻗﺎ، اﻹﺳﻼم اﻟﺬﻳﻦ ﻟﻢ ﻳﻮﺻﻬﻢ ﻛﺘﺎﺑﻬﻢ ﺑﻬﺎ ،ﻓﺘﺠﺪ أﺟﻨﺎدﻫﻢ ﺗﺘﻮارد ﻋﲆ ﺣﻴﺎض املﻨﺎﻳﺎ وﺗﺘﻠﻘﻰ اﻷﺳﻨﺔ واﻟﺤﺮاب ً ﻋﻨﺎﻗﺎ ،وﻟﻘﺪ ﻛﺎن ﻣﺒﻠﻎ ﻣﻔﺎداﺗﻬﻢ ﺑﺎﻟﻨﻔﺎﺋﺲ وﺗﻀﺤﻴﺘﻬﻢ ﻟﻠﻨﻔﻮس ﰲ اﻟﺤﺮب اﻟﻌﺎﻣﺔ ﻓﻮق ﺗﺼﻮر ﻋﻘﻮل اﻟﺒﴩ ،ﻛﻤﺎ ﻳﻌﻠﻢ ذﻟﻚ ﻟﻚ أﺣﺪ؛ ﻓﺎﻷملﺎن ﻓﻘﺪوا ﻧﺤﻮ ﻣﻠﻴﻮﻧﻲ ﻗﺘﻴﻞ ،واﻟﻔﺮﻧﺴﻴﻮن ﻓﻘﺪوا ﻣﻠﻴﻮﻧًﺎ وأرﺑﻊ ﻣﺌﺔ أﻟﻒ ﻗﺘﻴﻞ ،واﻹﻧﻜﻠﻴﺰ ﻓﻘﺪوا ﺳﺖ ﻣﺌﺔ أﻟﻒ ﻗﺘﻴﻞ، واﻟﻄﻠﻴﺎن ﻓﻘﺪوا أرﺑﻊ ﻣﺌﺔ وﺳﺘني أﻟﻒ ﻗﺘﻴﻞ ،واﻟﺮوس ﻫﻠﻚ ﻣﻨﻬﻢ ﻣﺎ ﻳﻔﻮق اﻹﺣﺼﺎء ،وﻫﻠﻢ ﺟ ّﺮا ،ﻫﺬا ﻣﻦ ﺟﻬﺔ اﻟﻨﻔﻮس ،وإﻧﻜﻠﱰا ﺑﺬﻟﺖ ﺳﺒﻌﺔ ﻣﻠﻴﺎرات ﻣﻦ اﻟﺬﻫﺐ )أي ﺳﺒﻌﺔ آﻻف ﻣﻠﻴﻮن ﺟﻨﻴﻪ( وﻓﺮﻧﺴﺔ ﺑﺬﻟﻚ ﻧﺤﻮ ﻣﻠﻴﺎرﻳﻦ ،وأملﺎﻧﻴﺎ أﻧﻔﻘﺖ ﺛﻼﺛﺔ ،وإﻳﻄﺎﻟﻴﺔ أﻧﻔﻘﺖ ﺧﻤﺲ ﻣﺌﺔ ﻣﻠﻴﻮن ،وروﺳﻴﺔ أﻧﻔﻘﺖ ﻣﺎ أوﻗﻊ ﻓﻴﻬﺎ املﺠﺎﻋﺔ اﻟﺘﻲ آﻟﺖ إﱃ اﻟﺜﻮرة ﺛﻢ إﱃ اﻟﺒﻠﺸﻔﺔ ،وﻫﻠﻢ ﺟ ّﺮا. ﻓﻠﻴﻘﻞ ﱄ ﻗﺎﺋﻞ :أﻳﺔ أﻣﺔ ﻣﺴﻠﻤﺔ اﻟﻴﻮم ﺗﻘﺪم ﻋﲆ ﻣﺎ أﻗﺪم ﻋﻠﻴﻪ ﻫﺆﻻء اﻟﻨﺼﺎرى ﻣﻦ ﺑﻴﻊ اﻟﻨﻔﻮس ،وإﻧﻔﺎق اﻷﻣﻮال ﺑﺪون ﺣﺴﺎب ﰲ ﺳﺒﻴﻞ أوﻃﺎﻧﻬﻢ ودوﻟﻬﻢ ،ﺣﺘﻰ ﻧﻌﺠﺐ ﻧﺤﻦ ملﺎذا آﺗﺎﻫﻢ ﷲ ﻫﺬه اﻟﻨﻌﻤﺔ واﻟﻌﻈﻤﺔ واﻟﺜﺮوة ،وﺣﺮم املﺴﻠﻤني اﻟﻴﻮم أﻗﻞ ﺟﺰء ﻣﻨﻬﺎ؟ وﻗﺪ ﻳﻘﺎل :إن املﺴﻠﻤني ﻓﻘﺮاء ﻟﻴﺲ ﻋﻨﺪﻫﻢ ﻫﺬه اﻷﻣﻮال ﻟﻴﻨﻔﻘﻮا ﻫﺬا اﻹﻧﻔﺎق ﻛﻠﻪ، ﻓﻨﺠﻴﺐ ﺑﺄﻧﻨﺎ ﻧﻮزع ﻫﺬه اﻟﻨﻔﻘﺎت ﻋﲆ اﻷوروﺑﻴني ﺑﻨﺴﺒﺔ رأس املﺎل ،ﻻ ﻧﻜﻠﻒ املﺴﻠﻤني إﻻ اﻹﻧﻔﺎق ﻣﺜﻞ اﻷوروﺑﻴني ﻋﲆ ﻫﺬه اﻟﻨﺴﺒﺔ ،ﻓﻬﻞ ﺗﺴﺨﻮ اﻷﻣﻢ اﻹﺳﻼﻣﻴﺔ اﻟﺤﺎﴐة ﺑﻤﺎ ﺗﺴﺨﻮ اﻷﻣﻢ اﻷوروﺑﻴﺔ اﻟﺘﻲ ﻣﻨﻬﺎ ﻣﻦ ﻗﺪ أﻧﻔﻘﺖ ﰲ اﻟﺤﺮب اﻟﻌﺎﻣﺔ أﻛﺜﺮ ﻣﻦ ﻧﺼﻒ ﺛﺮوﺗﻬﺎ؟ اﻟﺠﻮاب :ﻻ ،ﻟﻴﺲ ﰲ املﺴﻠﻤني اﻟﻴﻮم ﻣﻦ ﻳﻔﻌﻞ ذﻟﻚ ﻻ أﻓﺮادًا وﻻ أﻗﻮاﻣً ﺎ ،وﻧﺪر ﰲ املﺴﻠﻤني ﻣﻦ ﻳﻨﻔﻖ اﻟﺰﻛﺎة اﻟﴩﻋﻴﺔ. وﻗﺪ ﻳﻘﺎل :إن اﻷﻣﺔ اﻟﱰﻛﻴﺔ وﻫﻲ أﻣﺔ ﻣﺴﻠﻤﺔ ﻗﺪ أﻧﻔﻘﺖ ﻛﻞ ﻣﺎ ﺗﻘﺪر ﻋﻠﻴﻪ ﰲ ﺣﺮب اﻟﻴﻮﻧﺎن ،وﻟﻢ ﺗﻘﴫ ﻋﻦ ﺷﺄو اﻷوروﺑﻴني ﰲ املﻔﺎداة ﺑﺎﻷﻧﻔﺲ واﻟﻨﻔﺎﺋﺲ. واﻟﺠﻮاب :ﻧﻌﻢ. ﻗﺪ ﻛﺎن ذﻟﻚ ،وﻣﻦ اﻟﱰك ﻣﻦ ﺑﺬل ﺛﻠﺚ ﺛﺮوﺗﻪ ،وﻣﻨﻬﻢ ﻣﻦ ﺑﺬل ﻧﺼﻒ ﺛﺮوﺗﻪ ﰲ ﻫﺬه اﻟﺤﺮب ،وﻟﻜﻨﻬﻢ ملﺎ ﻓﻌﻠﻮا ذﻟﻚ اﻧﻘﻠﺒﻮا ﺑﻨﻌﻤﺔ ﻣﻦ ﷲ وﻓﺎزوا ،وﺣﺮروا أﻧﻔﺴﻬﻢ واﺳﺘﻘﻠﻮا، وارﺗﻔﻌﻮا ﺑﻌﺪ أن ﻛﺎﻧﻮا ﻫﻮوا ،وﻋﺰوا ﺑﻌﺪ أن ﻛﺎﻧﻮا ذﻟﻮا ،إذًا اﻷﻣﻢ اﻹﺳﻼﻣﻴﺔ إذا اﺋﺘﻤﺮت ﰲ املﻌﺎداة ﺑﻤﺎ أﻣﺮﻫﺎ ﺑﻪ ﻛﺘﺎﺑﻬﺎ ﻛﻤﺎ ﻛﺎن ﻳﻔﻌﻞ آﺑﺎؤﻫﺎ ،أو اﻓﺘﺪت ﻋﲆ اﻷﻗﻞ ﺑﻤﺎ ﻫﻮ دأب اﻷوروﺑﻴني اﻟﻴﻮم ﻣﻦ ﺑﺬل اﻟﻨﻔﻮس واﻟﻨﻔﺎﺋﺲ ﰲ ﺳﺒﻴﻞ ﺣﻔﻆ ﺑﻴﻀﺘﻬﺎ ،وذود املﻌﺘﺪﻳﻦ ﻋﻨﻬﺎ، 15
ملﺎذا ﺗﺄﺧﺮ املﺴﻠﻤﻮن؟ وملﺎذا ﺗﻘﺪم ﻏريﻫﻢ؟
ﻟﻢ ﺗﻘﻄﻒ ﻣﻦ ﺛﻤﺮات اﻟﺘﻀﺤﻴﺔ إﻻ ﻣﺜﻞ ﻣﺎ ﻗﻄﻔﻪ ﻏريﻫﺎ ،واﻧﻘﻠﺒﺖ ﺑﻨﻌﻤﺔ ﻣﻦ ﷲ وﻓﻀﻞ ﻟﻢ ﻳﻤﺴﻬﺎ ﺳﻮء. وﻟﻜﻦ اﻷﻣﻢ اﻹﺳﻼﻣﻴﺔ ﺗﺮﻳﺪ ﺣﻔﻆ اﺳﺘﻘﻼﻟﻬﺎ ﺑﺪون ﻣﻔﺎداة وﻻ ﺗﻀﺤﻴﺔ ،وﻻ ﺑﻴﻊ أﻧﻔﺲ وﻻ ﻣﺴﺎﺑﻘﺔ إﱃ املﻮت ،وﻻ ﻣﺠﺎﻫﺪة ﺑﺎملﺎل ،وﺗﻄﺎﻟﺐ ﷲ ﺑﺎﻟﻨﴫ ﻋﲆ ﻏري اﻟﴩط اﻟﺬي اﺷﱰﻃﻪ َﻨﴫهُ﴾ 7 ،وﻳﻘﻮل﴿ :إِن َﻨﴫ ﱠن ﷲ ُ ﻣَ ﻦ ﻳ ُ ُ ﰲ اﻟﻨﴫ 6ﻓﺈن ﷲ — ﺳﺒﺤﺎﻧﻪ — ﻳﻘﻮلَ ﴿ :و َﻟﻴ ُ َ ﻜﻢْ﴾8 . َﻨﴫ ُﻛ ْﻢ َوﻳُﺜَﺒ ْﱢﺖ أ َ ْﻗﺪَاﻣَ ُ ﺗَ ُ ﻨﴫُوا ﷲ َ ﻳ ُ ْ وﻣﻦ املﻌﻠﻮم أن ﷲ ﺗﻌﺎﱃ ﻏري ﻣﺤﺘﺎج إﱃ ﻧﴫة أﺣﺪ ،وإﻧﻤﺎ ﻳﺮﻳﺪ ﺑﻨﴫﺗﻪ ﺗﻌﺎﱃ إﻃﺎﻋﺔ أواﻣﺮه واﺟﺘﻨﺎب ﻧﻮاﻫﻴﻪ ،وﻟﻜﻦ املﺴﻠﻤني أﻫﻤﻠﻮا ﺟﻤﻴﻊ ﻣﺎ أﻣﺮﻫﻢ ﺑﻪ ﻛﺘﺎﺑﻬﻢ )ﰲ ذﻟﻚ( أو أﻛﺜﺮه ،واﻋﺘﻤﺪوا ﰲ اﺳﺘﺤﻘﺎق اﻟﻨﴫة ﻋﲆ ﻛﻮﻧﻬﻢ ﻣﺴﻠﻤني ﻣﻮﺣﺪﻳﻦ ،وﻇﻨﻮا أن ﻫﺬا ﻳﻐﻨﻴﻬﻢ ﻋﻦ اﻟﺠﻬﺎد ﺑﺎﻷﻧﻔﺲ واﻷﻣﻮال ،وﻣﻨﻬﻢ ﻣﻦ اﻋﺘﻤﺪ ﻋﲆ اﻟﺪﻋﺎء واﻻﺑﺘﻬﺎل ﻟﺮب اﻟﻌﺰة؛ ﻷﻧﻪ ﻳﺠﺪه أﻳﴪ ﻋﻠﻴﻪ ﻣﻦ اﻟﻘﺘﻞ واﻟﺒﺬل ،وﻟﻮ ﻛﺎن ﻣﺠﺮد اﻟﺪﻋﺎء ﻳﻐﻨﻲ ﻋﻦ اﻟﺠﻬﺎد ﻻﺳﺘﻐﻨﻰ ﺑﻪ اﻟﻨﺒﻲ ﷺ وﺻﺤﺎﺑﺘﻪ ،وﺳﻠﻒ ﻫﺬه اﻷﻣﺔ ﻓﺈﻧﻬﻢ اﻟﻄﺒﻘﺔ اﻟﺘﻲ ﻫﻲ أوﱃ ﺑﺄن ﻳﺴﻤﻊ ﷲ دﻋﺎءﻫﺎ ،وﻟﻮ ﻛﺎﻧﺖ اﻵﻣﺎل ﺗﺒﻠﻎ ﺑﺎﻷدﻋﻴﺔ واﻷذﻛﺎر ،دون اﻷﻋﻤﺎل واﻵﺛﺎر ،ﻻﻧﺘﻘﻀﺖ ﺳﻨﻦ اﻟﻜﻮن ،وﺑﻄﻞ ﺳﻌَ ﻰ﴾9 . اﻟﺘﴩﻳﻊ ،وﻟﻢ ﻳﻘﻞ ﷲ ﺗﻌﺎﱃ﴿ :وَأَن ﱠﻟﻴ َْﺲ ﻟ ْ ِِﻺ َ ﺎن إ ِ ﱠﻻ ﻣَ ﺎ َ ٰ ﻧﺴ ِ ﺳﻮﻟُﻪُ﴾10 . وﻟﻢ ﻳﻘﻞ﴿ :و َُﻗ ِﻞ اﻋْ ﻤَ ﻠُﻮا َﻓ َﺴ َريَى ﷲ ُ ﻋَ ﻤَ َﻠ ُﻜ ْﻢ َو َر ُ وﻟﻢ ﻳﻘﻞ ﻟﻠﻤﻌﺘﺬرﻳﻦ ﻋﻦ اﻟﻘﺘﺎل :ﱠ ﴿ﻻ ﺗَﻌْ ﺘَ ِﺬ ُروا َﻟﻦ ﻧ ﱡ ْﺆﻣ َِﻦ َﻟ ُﻜ ْﻢ َﻗ ْﺪ ﻧَﺒﱠﺄَﻧَﺎ ﷲ ُ ِﻣ ْﻦ أ َ ْﺧﺒ َِﺎر ُﻛ ْﻢ ﺳﻮﻟُﻪُ﴾11 . ۚ و ََﺳ َريَى ﷲ ُ ﻋَ ﻤَ َﻠ ُﻜ ْﻢ َو َر ُ ﻜﻢ﴾12 . وﻟﻢ ﻳﻘﻞ﴿ :أَﻧﱢﻲ َﻻ أ ُ ِﺿﻴ ُﻊ ﻋَ ﻤَ َﻞ ﻋَ ِﺎﻣ ٍﻞ ﻣﱢ ﻨ ُ ﻟﻘﺪ ﻇﻦ ﻛﺜري ﻣﻦ املﺴﻠﻤني أﻧﻬﻢ ﻣﺴﻠﻤﻮن ﺑﻤﺠﺮد اﻟﺼﻼة واﻟﺼﻴﺎم وﻛﻞ ﻣﺎ ﻻ ﻳﻜﻠﻔﻬﻢ ﺑﺬل دم وﻻ ﻣﺎل ،واﻧﺘﻈﺮوا ﻋﲆ ذﻟﻚ اﻟﻨﴫ ﻣﻦ ﷲ ،وﻟﻴﺲ اﻷﻣﺮ ﻛﺬﻟﻚ؛ ﻓﺈن ﻋﺰاﺋﻢ اﻹﺳﻼم ﻻ ﺗﻨﺤﴫ ﰲ اﻟﺼﻼة واﻟﺼﻴﺎم ،وﻻ ﰲ اﻟﺪﻋﺎء واﻻﺳﺘﻐﻔﺎر ،وﻛﻴﻒ ﻳﻘﺒﻞ ﷲ اﻟﺪﻋﺎء ﻣﻤﻦ ﻗﻌﺪوا وﺗﺨﻠﻔﻮا ،وﻗﺪ ﻛﺎن ﰲ وﺳﻌﻬﻢ أن ﻳﻨﻬﻀﻮا وﻳﺒﺬﻟﻮا؟! 13 اﻋﺘﺬار املﺴﻠﻤني ﻋﻦ أﻧﻔﺴﻬﻢ ورده ﻳﻘﻮﻟﻮن :ﻟﻴﺲ ﻋﻨﺪ املﺴﻠﻤني ﻣﺎ ﻋﻨﺪ اﻹﻓﺮﻧﺞ ﻣﻦ اﻟﺜﺮوة واﻟﺴﻌﺔ ﻟﻴﻨﻔﻘﻮا ﰲ أﻋﻤﺎل اﻟﺨري وﰲ ً ﺑﻌﻀﺎ .ﻓﻨﻘﻮل ملﻦ ﻳﺤﺘﺞ ﺑﻬﺬه اﻟﺤﺠﺔ :إﻧﻨﺎ ﻧﺮﴇ ﻣﻨﻬﻢ أن ﻳﻨﻔﻘﻮا ﻋﲆ ﻣﺴﺎﻋﺪة ﺑﻌﻀﻬﻢ ﻧﺴﺒﺔ رءوس أﻣﻮاﻟﻬﻢ ﻛﻤﺎ ﺗﻘﺪم اﻟﻜﻼم ﻋﻨﺪ ذﻛﺮ اﻟﺠﻬﺎد ﺑﺎملﺎل ،ﻓﻬﻞ املﺴﻠﻤﻮن ﻓﺎﻋﻠﻮن؟! 16
ﺟﻮاب اﻷﻣري ﺷﻜﻴﺐ أرﺳﻼن
ً ﻓﻀﻼ ﻋﻦ إﻧﻨﺎ ﻧﺮاﻫﻢ ﻗﺪ ﻣﺤﻮا رﺳﻮم اﻷوﻗﺎف واملﺆﺳﺴﺎت اﻟﺨريﻳﺔ اﻟﺘﻲ ﺗﺮﻛﻬﺎ آﺑﺎؤﻫﻢ، ﻛﻮﻧﻬﻢ ﻻ ﻳﺘﱪﻋﻮن ﺑﺄﻣﻮاﻟﻬﻢ اﻟﺨﺎﺻﺔ ،وﻻ ﻳﺠﺮون ﻣﻊ اﻷوروﺑﻴني ﰲ ﻣﻴﺪان ﻣﻦ ﺟﻬﺔ اﻟﺘﱪع ﻷﺟﻞ املﴩوﻋﺎت اﻟﻌﺎﻣﺔ ،ﻓﻜﻴﻒ ﻳﻄﻤﻊ املﺴﻠﻤﻮن أن ﺗﻜﻮن ﻟﻬﻢ ﻣﻨﺰﻟﺔ اﻷوروﺑﻴني ﰲ اﻟﺒﺴﻄﺔ واﻟﻘﻮة واﻟﺴﻠﻄﺎن ،وﻫﻢ ﻣﻘﴫون ﻋﻨﻬﻢ ﺑﻤﺮاﺣﻞ ﰲ اﻹﻳﺜﺎر واﻟﺘﻀﺤﻴﺔ؟! ﻓﺈن اﻟﻌﻤﻞ ﻷﺟﻞ اﻟﺴﻠﻄﺎن ﰲ اﻷرض ،أﺷﺒﻪ ﺑﺎﻟﺤﺮث ﰲ اﻷرض ،ﻓﺒﻘﺪر ﻣﺎ ﺗﺸﺘﻐﻞ ﻓﻴﻬﺎ ﻫﻲ ﺗﻌﻄﻴﻚ ،وإن ﻗﴫت ﰲ اﻟﻌﻤﻞ ﻗﴫت ﻫﻲ ﰲ اﻟﺜﻤﺮ ،واملﺴﻠﻤﻮن ﻳﺮﻳﺪون ﺳﻠﻄﺎﻧًﺎ ﻳﺸﺒﻪ ﺳﻠﻄﺎن اﻷوروﺑﻴني ﺑﺪون إﻳﺜﺎر وﻻ ﺑﺬل ،وﻻ ﻓﻘﺪ ﳾء ﻣﻦ ﻟﺬاﺋﺬﻫﻢ ،وﻳﻨﺴﻮن أن ﷲ ﺗﻌﺎﱃ ﻳﻘﻮلَ ﴿ :و َﻟﻨَﺒْﻠُ َﻮﻧ ﱠ ُﻜﻢ ﻳﻦ﴾14 . َال و َْاﻷ َ ُ اﻟﺼﺎ ِﺑ ِﺮ َ ﴚءٍ ﻣﱢ َﻦ ا ْﻟ َﺨﻮ ِ ﻧﻔ ِﺲ وَاﻟﺜﱠﻤَ َﺮ ِ َﴩ ﱠ ِﺑ َ ْ ﻮع َوﻧ َ ْﻘ ٍﺺ ﻣﱢ َﻦ ْاﻷَﻣْ ﻮ ِ ات ۗ َوﺑ ﱢ ِ ْف وَا ْﻟﺠُ ِ وﻗﺪ ﻳﻘﻮﻟﻮن :إﻧﻨﺎ ﺟﺮﺑﻨﺎ اﻟﺒﺬل واﻟﺘﻀﺤﻴﺔ ،واﺑﺘﻠﻴﻨﺎ ﺑﺎﻟﻨﻘﺺ ﻣﻦ اﻷﻣﻮال واﻷﻧﻔﺲ واﻟﺜﻤﺮات وﺻﱪﻧﺎ وﻟﻢ ﻳﻔﺪﻧﺎ ذﻟﻚ ﺷﻴﺌًﺎ ،وﺑﻘﻲ اﻷوروﺑﻴﻮن ﻣﺴﻠﻄني ﻋﻠﻴﻨﺎ ،إﻧﻲ أﻧﻘﻞ ﻫﺬا اﻟﻘﻮل ﻋﻦ ﺑﻌﻀﻬﻢ؛ ﻷﻧﻲ ﻗﺪ ﺳﻤﻌﺘﻪ ﻛﺜريًا. واﻟﺠﻮاب :ﻫﻞ ﻳﻘﺪرون أن ﻳﻘﻮﻟﻮا ﻟﻨﺎ أن ﻣﺎ ﻳﺪﻋﻮﻧﻪ ﻣﻦ اﻟﺒﺬل واﻟﺘﻀﺤﻴﺔ ﻳﺸﺒﻪ ﺷﻴﺌًﺎ ﻣﻤﺎ ﻳﻘﻮم ﺑﻪ اﻟﻨﺼﺎرى واﻟﻴﻬﻮد ﻣﻦ ﻫﺬا اﻟﻘﺒﻴﻞ؟ أو إﻧﻪ إذا ﻧﺴﺐ إﻟﻴﻪ ﺗﻜﻮن ﻧﺴﺒﺘﻪ ﻧﺴﺒﺔ اﻟﻮاﺣﺪ إﱃ املﺌﺔ؟ ﻋﻨﺪﻧﺎ ﻣﺜﺎل ﺣﺪﻳﺚ اﻟﻌﻬﺪ ﻫﻮ ﻣﺴﺄﻟﺔ ﻓﻠﺴﻄني :ﺣﺪﺛﺖ وﻗﺎﺋﻊ دﻣﻮﻳﺔ ﺑني اﻟﻌﺮب واﻟﻴﻬﻮد ﰲ ﻓﻠﺴﻄني ﻓﺄﺻﻴﺐ ﺑﻬﺎ أﻧﺎس ﻣﻦ اﻟﻔﺮﻳﻘني ،ﻓﺄﺧﺬ اﻟﻴﻬﻮد ﰲ ﺟﻤﻴﻊ أﻗﻄﺎر اﻟﺪﻧﻴﺎ ﻳﺴﺎﻋﺪون املﺼﺎﺑني ﻣﻦ ﻳﻬﻮد ﻓﻠﺴﻄني ،وأراد اﻟﻌﺎﻟﻢ اﻹﺳﻼﻣﻲ أن ﻳﺴﺎﻋﺪ ﻋﺮب ﻓﻠﺴﻄني ﻛﻤﺎ ﻫﻮ ﻃﺒﻴﻌﻲ ،ﻓﺒﻠﻐﺖ ﺗﱪﻋﺎت اﻟﻴﻬﻮد ﻷﺑﻨﺎء ﻣﻠﺘﻬﻢ ﻣﻦ ﻓﻠﺴﻄني ﻣﻠﻴﻮن ﺟﻨﻴﻪ ،وﺑﻠﻐﺖ ﺗﱪﻋﺎت املﺴﻠﻤني ﻛﻠﻬﺎ ١٣أﻟﻒ ﺟﻨﻴﻪ أي ﻧﺤﻮ ﺟﺰء ﻣﻦ ﻣﺌﺔ15 . ﻓﺴﻴﻘﻮﻟﻮن :إن املﺴﻠﻤني ﻻ ﻳﻤﻠﻜﻮن ﻣﺜﻞ ﺛﺮوة اﻟﻴﻬﻮد ،وﻧﻌﻮد ﻓﻨﺠﻴﺒﻬﻢ :ﻧﺮﴇ ﻣﻨﻬﻢ ﺑﺄن ﻳﻨﻔﻘﻮا ﰲ ﻣﺴﺎﻋﺪة ﻣﻠﺘﻬﻢ ﻋﲆ ﻗﺪر اﻟﻴﻬﻮد واﻹﻓﺮﻧﺞ ﺑﺎﻟﻨﺴﺒﺔ إﱃ رءوس أﻣﻮاﻟﻬﻢ ،وﻻ ﻧﻄﺎﻟﺐ ﻣﻨﻬﻢ اﻟﻔﻘﺮاء اﻟﺬﻳﻦ ﻻ ﻳﻤﻠﻜﻮن ﻣﺎ ﻳﺰﻳﺪ ﻋﲆ ﻛﻔﺎﻳﺔ ﻋﺎﺋﻼﺗﻬﻢ. ﻗﺎل ﷲ ﺗﻌﺎﱃ ﴿ :ﱠﻟﻴ َْﺲ ﻋَ َﲆ ﱡ ِﻳﻦ َﻻ ﻳ َِﺠﺪ َ ﴇ و ََﻻ ﻋَ َﲆ ا ﱠﻟﺬ َ ُون ﻣَ ﺎ اﻟﻀﻌَ َﻔﺎءِ و ََﻻ ﻋَ َﲆ ا ْﻟﻤَ ْﺮ َ ٰ ﺳﺒﻴﻞ﴾16 . ﺼﺤُ ﻮا ِهلل ِ َو َر ُﺳﻮﻟِ ِﻪ ۚ ﻣَ ﺎ ﻋَ َﲆ ا ْﻟﻤُﺤْ ِﺴ ِﻨ َ ﻳُﻨﻔِ ُﻘ َ ﻮن ﺣَ َﺮجٌ إِذَا ﻧ َ َ ني ِﻣﻦ َ ِ ٍ ِﻳﻦ ﻳ َْﺴﺘَﺄْذِ ﻧُﻮﻧ َ َﻚ و َُﻫ ْﻢ أ َ ْﻏ ِﻨﻴَﺎءُ ۚ َر ُ اﻟﺴ ِﺒﻴ ُﻞ ﻋَ َﲆ ا ﱠﻟﺬ َ ﺛﻢ ﻗﺎل ﺗﻌﺎﱃ﴿ :إِﻧﱠﻤَ ﺎ ﱠ ﺿﻮا ِﺑﺄَن ﻳَ ُﻜﻮﻧُﻮا ﻣَ َﻊ ِﻒ﴾17 . ا ْﻟ َﺨﻮَاﻟ ِ وﻧﺠﻴﺐ ً أﻳﻀﺎ :إﻧﻪ وإن ﻛﺎن اﻟﻴﻬﻮد أﻏﻨﻰ ﺑﺎﻷﻣﻮال ﻣﻦ املﺴﻠﻤني ،ﻓﺎملﺴﻠﻤﻮن أﻛﺜﺮ ﺟﺪٍّا ﺑﺎﻟﻌﺪد؛ ﻷن اﻟﻴﻬﻮد ﻋﴩون ﻣﻠﻴﻮﻧًﺎ ،واملﺴﻠﻤني ﻧﺤﻮ ﻣﻦ أرﺑﻊ ﻣﺌﺔ ﻣﻠﻴﻮن 18 ،ﻓﻠﻮ أن ٍّ ﻛﻼ ﻣﻦ 17
ملﺎذا ﺗﺄﺧﺮ املﺴﻠﻤﻮن؟ وملﺎذا ﺗﻘﺪم ﻏريﻫﻢ؟
املﺴﻠﻤني ﺗﱪع ﻟﻔﻠﺴﻄني ﺑﻘﺮش واﺣﺪ — وﻫﻮ اﻟﺬي ﻻ ﻳﻌﺠﺰ ﻋﻨﻪ أﺣﺪ ﰲ اﻟﻌﺎﻟﻢ ﻣﻬﻤﺎ اﺷﺘﺪ ﻓﻘﺮه — ﻻﺟﺘﻤﻊ ﻣﻦ ذﻟﻚ ﺛﻼﺛﺔ ﻣﻼﻳني ﺟﻨﻴﻪ وﻧﺼﻒ. ﻓﻠﻨﱰك ﺗﺴﻌﺔ أﻋﺸﺎر املﺴﻠﻤني وﻧﻔﺮض ﻫﺬه اﻹﻋﺎﻧﺔ ﻟﻔﻠﺴﻄني ﻋﲆ ﻋﴩ واﺣﺪ ﻣﻨﻬﻢ أي ﻋﲆ ٣٥ﻣﻠﻴﻮن ﻧﺴﻤﺔ ﻻ ﻏري ،وﻫﺆﻻء اﻟﺨﻤﺴﺔ واﻟﺜﻼﺛﻮن ﻣﻠﻴﻮن ﻧﺴﻤﺔ ﻧﺠﺪﻫﻢ ﺣﻮل ﻓﻠﺴﻄني ﰲ ملﺤﺔ ﺑﴫ ،ﻓﺈن ﻣﺴﻠﻤﻲ ﻣﴫ وﺳﻮرﻳﺔ وﻓﻠﺴﻄني واﻟﻌﺮاق وﻧﺠﺪ واﻟﺤﺠﺎز َ وﻟﻨﺘﻘﺎض ﻣﻦ ﻫﺆﻻء أداة ﻗﺮش واﺣﺪ ﻋﻦ ﻛﻞ ﺟﻤﺠﻤﺔ ،ﻓﻤﺎذا واﻟﻴﻤﻦ وﻋﻤﺎن ﻫﻢ ٣٥ﻣﻠﻴﻮﻧًﺎ، ﻳﺠﺘﻤﻊ ﻟﻨﺎ ﻣﻦ ذﻟﻚ؟ اﻟﺠﻮاب :ﻳﺠﺘﻤﻊ ﺛﻼﺛﻤﺎﻳﺔ وﺧﻤﺴﻮن أﻟﻒ ﺟﻨﻴﻪ. ﻓﺎملﺴﻠﻤﻮن ﻗﺪ ﺗﱪﻋﻮا ﻋﻦ ﻫﺬه اﻷﻋﺪاد ﻛﻠﻬﺎ ﺑﺜﻼﺛﺔ ﻋﴩ أﻟﻒ ﺟﻨﻴﻪ أي ﺑﻤﺎ ﻳﺴﺎوي ﻧﺤﻮ ﺛﻠﺜﻲ ﻋﴩ اﻟﻘﺮش ﻋﻦ ﻛﻞ ﻧﺴﻤﺔ ﻣﻦ ﻋﴩ ﻋﺪدﻫﻢ. أﻫﺬا ﻣﺎ ﺗﺮﻳﺪون أن ﺗﺴﻤﻮه »ﺗﻀﺤﻴﺔ«؟ أو ﺑﻤﺜﻞ ﻫﺬه ﺗﺠﺎﻫﺪون ﰲ ﺳﺒﻴﻞ ﷲ ﺑﺄﻣﻮاﻟﻜﻢ وأﻧﻔﺴﻜﻢ؟ أو ﻫﺬه درﺟﺔ ﻧﺠﺪﺗﻜﻢ ﻹﺧﻮاﻧﻜﻢ ﰲ اﻟﺪﻳﻦ وﺟرياﻧﻜﻢ ﰲ اﻟﻮﻃﻦ واﻟﻘﺎﺋﻤني ﻋﻨﻜﻢ ﺑﺎﻟﺪﻓﺎع ﻋﻦ املﺴﺠﺪ اﻷﻗﴡ اﻟﺬي ﻫﻮ ﺛﺎﻟﺚ اﻟﺤﺮﻣني وأول اﻟﻘﺒﻠﺘني؟ أﻓﻠﻢ ﻳﻘﻞ ﷲ ﺗﻌﺎﱃ: ة﴾19 . ﻮن إ ِ ْﺧ َﻮ ٌ ﴿إِﻧﱠﻤَ ﺎ ا ْﻟ ُﻤ ْﺆ ِﻣﻨ ُ َ أﻓﻬﺬه ﻧﺠﺪة اﻷخ ﻷﺧﻴﻪ؟! ﻳﻘﻮﻟﻮن :ملﺎذا ﺳﺎدت اﻷﻣﺔ اﻹﻧﻜﻠﻴﺰﻳﺔ ﻫﺬه اﻟﺴﻴﺎدة ﻛﻠﻬﺎ ﰲ اﻟﻌﺎﻟﻢ؟ ﻧﺠﻴﺒﻬﻢ :إﻧﻬﺎ ﺳﺎدت ﺑﺎﻷﺧﻼق واملﺒﺎدئ اﻟﻮﻃﻨﻴﺔ اﻟﻌﺎﻟﻴﺔ ،ﺣﺪﺛﻨﻲ رﺟﻞ ﺛﻘﺔ أﻧﻪ ﻳﻌﺮف إﻧﻜﻠﻴﺰﻳٍّﺎ ذا ﻣﻨﺼﺐ ﰲ اﻟﴩق ﻛﺎن ﻳﺄﻣﺮ ﺧﺎدﻣﻪ أن ﻳﺸﱰي ﻟﻪ اﻟﺤﻮاﺋﺞ اﻟﻼزﻣﺔ ﻟﺒﻴﺘﻪ ﻳﻮﻣﻴٍّﺎ ﻣﻦ دﻛﺎن رﺟﻞ إﻧﻜﻠﻴﺰي ﰲ اﻟﺒﻠﺪة اﻟﺘﻲ ﻫﻢ ﻓﻴﻬﺎ ،ﻓﺠﺎءه اﻟﺨﺎدم ﻣﺮة ﺑﺠﺪول ﺣﺴﺎب وﻓﺮ ﻋﻠﻴﻪ ﺑﻪ ٢٠ ﺟﻨﻴﻬً ﺎ ﰲ ﺷﻬﺮ ،ﻓﺴﺄﻟﻪ اﻹﻧﻜﻠﻴﺰي :ﻛﻴﻒ أﻣﻜﻨﻚ ﻫﺬا اﻟﺘﻮﻓري؟ ﻓﻘﺎل اﻟﺨﺎدم :ﺗﺮﻛﻨﺎ دﻛﺎن اﻹﻧﻜﻠﻴﺰي اﻟﺬي ﻛﻨﺎ ﻧﺸﱰي ﻣﻨﻪ ،وﴏﻧﺎ ﻧﺸﱰي ﻣﻦ دﻛﺎن أﺣﺪ اﻷﻫﺎﱄ ﻣﻦ اﻟﻌﺮب. ﻓﻘﺎل ﻟﻪ اﻹﻧﻜﻠﻴﺰي :ارﺟﻊ إﱃ دﻛﺎن اﻹﻧﻜﻠﻴﺰي اﻟﺬي ﻛﻨﺎ ﻧﺸﱰي ﻣﻨﻪ. ﻓﻘﺎل اﻟﺨﺎدم :وﻟﻮ ﻛﺎن ذﻟﻚ ﻳﺴﺘﻠﺰم إﻧﻔﺎق ٢٠ﺟﻨﻴﻬً ﺎ زﻳﺎدة؟! ﻗﺎل اﻹﻧﻜﻠﻴﺰي :وﻟﻮ ﻛﺎن ذﻟﻚ ﻳﺴﺘﻠﺰم إﻧﻔﺎق ٢٠ﺟﻨﻴﻬً ﺎ زﻳﺎدة. وﺳﻤﻌﺖ أن ﻛﺜريﻳﻦ ﻣﻦ اﻹﻧﻜﻠﻴﺰ اﻟﺬﻳﻦ ﰲ اﻷﻗﻄﺎر ﻻ ﻳﺸﱰون ﺷﻴﺌًﺎ ذا ﻗﻴﻤﺔ إﻻ ﻣﻦ ﺑﻼدﻫﻢ ،وﻳﺮﺳﻠﻮن إﱃ ﻟﻨﺪرة ﻓﻴﻮﺻﻮن ﻋﲆ ﻛﻞ ﻣﺎ ﻳﺤﺘﺎﺟﻮن إﻟﻴﻪ؛ ﺣﺘﻰ ﻻ ﻳﺬﻫﺐ ﻣﺎﻟﻬﻢ إﱃ اﻟﺨﺎرج. 18
ﺟﻮاب اﻷﻣري ﺷﻜﻴﺐ أرﺳﻼن
أﻓﻨﻘﻴﺲ ﻫﺬا ﺑﺄﻋﻤﺎل املﺴﻠﻤني اﻟﺬﻳﻦ ﻣﻬﻤﺎ أوﺻﻴﺘﻬﻢ ﺑﺎﻟﴩاء ﻣﻦ أﺑﻨﺎء ﺟﻠﺪﺗﻬﻢ أو أوﻃﺎﻧﻬﻢ وﻋﻠﻤﻮا أﻧﻬﻢ ﻳﻘﺪرون أن ﻳﻮﻓﺮوا ﰲ اﻟﺴﻠﻌﺔ اﻟﻮاﺣﺪة ﻧﺼﻒ ﻗﺮش إذا أﺧﺬوﻫﺎ ﻣﻦ اﻹﻓﺮﻧﺠﻲ ﺗﺮﻛﻮا اﺑﻦ ﺟﻠﺪﺗﻬﻢ أو ﻣﻠﺘﻬﻢ ورﺟﺤﻮا اﻹﻓﺮﻧﺠﻲ؟ أﻓﻠﻢ ﻳﻜﻦ ﺳﺒﺐ ﺣﺒﻮط ﻣﻘﺎﻃﻌﺔ اﻟﻌﺮب ﻟﻠﻴﻬﻮد ﰲ ﻓﻠﺴﻄني أﺷﻴﺎء ﻛﻬﺬه؟ 20ﺣﺮﻣﻮا أﻧﻔﺴﻬﻢ أﻣﴣ ﺳﻼح ﰲ ﻳﺪﻫﻢ وﻫﻮ املﻘﺎﻃﻌﺔ ﰲ اﻷﺧﺬ واﻟﻌﻄﺎء ﻣﻊ اﻟﻴﻬﻮد ﻣﻦ أﺟﻞ ﻓﺮوق ﺗﺎﻓﻬﺔ ﻣﺆﻗﺘﺔ ،وﻧﺴﻮا أن اﻟﴬر اﻟﺬي ﻳﺼﻴﺒﻬﻢ ﻣﻦ اﻷﺧﺬ واﻟﻌﻄﺎء ﻣﻊ اﻟﻴﻬﻮد ﻫﻮ أﻋﻈﻢ أﻟﻒ ﻣﺮة ﻣﻦ ﴐر ﻫﺎﺗﻴﻚ اﻟﻔﺮوق اﻟﺰﻫﻴﺪة. ﻧﺘﺎﺋﺞ إﻋﺎﻧﺔ ﻣﴫ ملﺠﺎﻫﺪي ﻃﺮاﺑﻠﺲ وﺑﺮﻗﺔ وﻛﻨﺖ ﻣﺮة أﺷﻜﻮ إﱃ أﺣﺪ ﻛﺒﺎر املﴫﻳني إﻫﻤﺎل إﺧﻮاﻧﻨﺎ املﴫﻳني ملﺠﺎﻫﺪي ﻃﺮاﺑﻠﺲ وﺑﺮﻗﺔ اﻟﺬﻳﻦ إن ﻟﻢ ﺗﺠﺐ ﻋﻠﻴﻬﻢ ﻧﺠﺪﺗﻬﻢ؛ ﻗﻴﺎﻣً ﺎ ﺑﻮاﺟﺐ اﻷﺧﻮة اﻹﺳﻼﻣﻴﺔ واﻟﺠﻮار ،وﺟﺒﺖ ﻋﻠﻴﻬﻢ اﺣﺘﻴﺎ ً ﻃﺎ ﻣﻦ وراء اﺳﺘﻘﻼل ﻣﴫ واﺳﺘﻘﺒﺎل ﻣﴫ؛ ﻷﻧﻪ ﻛﻤﺎ أن وﺟﻮد اﻹﻧﻜﻠﻴﺰ ﰲ اﻟﺴﻮدان ﻫﻮ ﺗﻬﺪﻳﺪ داﺋﻢ ملﴫ ،ﻓﻮﺟﻮد اﻟﻄﻠﻴﺎن ﰲ ﺑﺮﻗﺔ ﻫﻮ ﺗﻬﺪﻳﺪ داﺋﻢ ﻟﻬﺎ ً أﻳﻀﺎ. ﻓﻜﺎن ﺟﻮاب ذﻟﻚ اﻟﺴﻴﺪ ﱄ :ﻟﻘﺪ ﺑﺬل املﴫﻳﻮن ﻣﺒﺎﻟﻎ وﻓرية ﻳﻮم ﺷﻨﺖ إﻳﻄﺎﻟﻴﺔ اﻟﻐﺎرة ﻋﲆ ﻃﺮاﺑﻠﺲ ،وﻟﻢ ﻳﺴﺘﻔﻴﺪوا ﺷﻴﺌًﺎ ،ﻓﺈن إﻳﻄﺎﻟﻴﺔ ﻟﻢ ﺗﻠﺒﺚ أن أﺧﺬﺗﻬﺎ. ﻓﻘﻠﺖ ﻟﻪ :إن املﴫﻳني ﻗﺪ ﻧﻬﻀﻮا ﰲ اﻟﺤﺮب اﻟﻄﺮاﺑﻠﺴﻴﺔ ﻧﻬﻀﺔ ﻫﻲ دون ﺷﻚ ﺗﺮﴈ ﻛﻞ ﻣﺴﻠﻢ ،ﺑﻞ ﺗﺮﴈ ﻛﻞ إﻧﺴﺎن ﻳﻘﺪر ﻗﺪر اﻟﺤﻤﻴﺔ ،وﻟﻜﻦ املﺒﻠﻎ اﻟﺬي ﺗﱪﻋﻮا ﺑﻪ ﻳﻮﻣﺌﺬ ﻣﻌﻠﻮم وﻫﻮ ١٥٠أﻟﻒ ﺟﻨﻴﻪ. ﻓﻬﻞ ﻳﻄﻤﻊ املﺴﻠﻤﻮن ﰲ أﻧﺤﺎء املﻌﻤﻮر أن ﻳﻨﻘﺬوا ﻃﺮاﺑﻠﺲ ﻣﻦ ﺑﺮاﺛﻦ إﻳﻄﺎﻟﻴﺔ ﺑﻤﺌﺔ وﺧﻤﺴني أﻟﻒ ﺟﻨﻴﻪ؟ وﻫﻞ ﻫﺬه اﻟﺘﻀﺤﻴﺔ ﺗﻘﺎس ﰲ ﻛﺜري أو ﻗﻠﻴﻞ إﱃ اﻟﺘﻀﺤﻴﺎت اﻟﺘﻲ ﻗﺎﻣﺖ ﺑﻬﺎ إﻳﻄﺎﻟﻴﺔ ﺑﺎملﺎل واﻟﺮﺟﺎل؟! ﻛﺎﻧﺖ إﻋﺎﻧﺔ ﻣﴫ ﰲ اﻟﺤﺮب اﻟﻄﺮاﺑﻠﺴﻴﺔ ١٥٠أﻟﻒ ﺟﻨﻴﻪ وأﻧﻔﻘﺖ اﻟﺪوﻟﺔ اﻟﻌﺜﻤﺎﻧﻴﺔ ﻋﲆ ﺗﻠﻚ اﻟﺤﺮب ﻧﺤﻮ ﻣﻠﻴﻮن ﺟﻨﻴﻪ. ﻓﺎﻧﻈﺮ إﱃ ﻣﺎ ﻛﺎن ﻟﺬﻟﻚ ﻣﻦ اﻟﻨﺘﺎﺋﺞ: )اﻟﻨﺘﻴﺠﺔ اﻷوﱃ( :وﻫﻲ أﻫﻢ ﳾء :ﺣﻔﻆ ﴍف اﻹﺳﻼم ،وإﻓﻬﺎم اﻷوروﺑﻴني أن اﻹﺳﻼم ﻟﻢ ﻳﻤﺖ ،وأن املﺴﻠﻤني ﻻ ﻳﺴﻠﻤﻮن ﺑﻠﺪاﻧﻬﻢ ﺑﻼ ﺣﺮب ،وﰲ ذﻟﻚ ﻣﻦ اﻟﻔﺎﺋﺪة املﺎدﻳﺔ واملﻌﻨﻮﻳﺔ ﻟﻺﺳﻼم ﻣﺎ ﻻ ﻳﻨﻜﺮه إﻻ ﻛﻞ ﻣﻜﺎﺑﺮ. 19
ملﺎذا ﺗﺄﺧﺮ املﺴﻠﻤﻮن؟ وملﺎذا ﺗﻘﺪم ﻏريﻫﻢ؟
)اﻟﻨﺘﻴﺠﺔ اﻟﺜﺎﻧﻴﺔ( :أن ﻫﺬا املﺒﻠﻎ اﻟﻀﺌﻴﻞ ﺑﺎﻟﻨﺴﺒﺔ إﱃ ﻧﻔﻘﺎت اﻟﺪول اﻟﺤﺮﺑﻴﺔ ﻗﺪ ﻛﺎن اﻟﺴﺒﺐ ﰲ ﺗﻮﻃني اﻟﻄﺮاﺑﻠﺴﻴني أﻧﻔﺴﻬﻢ ﻋﲆ املﻘﺎوﻣﺔ واملﺠﺎﻫﺪة ﺑﻤﺎ رأوا ﻣﻦ ﻧﺠﺪة إﺧﻮاﻧﻬﻢ ﻟﻬﻢ ،ﻓﻜﺎﻧﺖ ﻫﺬه املﻘﺎوﻣﺔ ﺳﺒﺒًﺎ ﻟﺘﺠﺸﻢ إﻳﻄﺎﻟﻴﺔ املﻌﺘﺪﻳﺔ ﻣﻦ املﺸﺎق واﻟﺨﺴﺎﺋﺮ ﻣﺎ ﻫﻮ ﻓﻮق اﻟﻮﺻﻒ ،إﱃ أن ﺻﺎر ﻛﺜري ﻣﻦ ﺳﺎﺳﺔ اﻟﻄﻠﻴﺎن ﻳﴫﺣﻮن ﺑﻨﺪﻣﻬﻢ ﻋﲆ ﻫﺬه اﻟﻐﺎرة اﻟﻄﺮاﺑﻠﺴﻴﺔ. )اﻟﻨﺘﻴﺠﺔ اﻟﺜﺎﻟﺜﺔ( :ﻣﻬﻤﺎ ﻳﻜﻦ ﻣﻦ ﻋﺪد اﻟﻘﺘﲆ اﻟﺬﻳﻦ ﻓﻘﺪﻫﻢ اﻟﻌﺮب ﰲ ﻫﺬه اﻟﺤﺮب ﻓﺈن ً أﺿﻌﺎﻓﺎ ﻣﻀﺎﻋﻔﺔ. ﻣﺠﻤﻮع ﻗﺘﲆ اﻟﻄﻠﻴﺎن إﱃ اﻟﻴﻮم ﻳﻔﻮق ﻣﺠﻤﻮع ﻗﺘﲆ اﻟﻌﺮب ﻓﻠﻘﺪ ﻟﻘﻲ اﻟﻄﻠﻴﺎن ﰲ ﻫﺬه اﻟﺤﺮب ﻣﻦ اﻷﻫﻮال ﻣﺎ ﻻ ﻳﺘﺴﻊ ﻟﻮﺻﻔﻪ ﻣﻘﺎﻟﺔ أو رﺳﺎﻟﺔ، وﰲ واﻗﻌﺔ واﺣﺪة ﻫﻲ واﻗﻌﺔ »اﻟﻔﻮﻳﻬﺎت« ﻋﲆ ﺑﺎب ﺑﻨﻐﺎزي ،ﺛﺒﺖ ﻓﻴﻬﺎ ١٥٠ﻣﺠﺎﻫﺪًا ﻋﺮﺑﻴٍّﺎ ﻟﺜﻼﺛﺔ آﻻف ﺟﻨﺪي ﻃﻠﻴﺎﻧﻲ ﻣﻦ اﻟﻔﺠﺮ إﱃ ﻏﺮوب اﻟﺸﻤﺲ إﱃ أن اﻧﻘﺮﺿﻮا ﺟﻤﻴﻌً ﺎ، إﻻ أﻓﺬاذًا أﺗﻰ ﻋﻠﻴﻬﻢ اﻟﻠﻴﻞ ،ورﺟﻊ اﻟﻌﺪو وملﺎ ﻳﻤﻮﺗﻮا ،وﺑﻴﻨﻤﺎ ﻛﺎن اﻟﻌﺮب ﰲ ﺣﺰن ﻋﻈﻴﻢ ﻋﲆ ﻣﻦ ﻓﻘﺪوﻫﻢ ﰲ ﺗﻠﻚ املﻌﺮﻛﺔ؛ إذ ﺟﺎءﻫﻢ اﻟﺨﱪ اﻟﱪﻗﻲ ﻣﻦ اﻷﺳﺘﺎﻧﺔ ﻋﻦ ﺑﺮﻗﻴﺔ وردت ﴎا ﻣﻦ ﺑﺮﻟني ﻋﻦ ﺑﺮﻗﻴﺔ رﻗﻤﻴﺔ ﺟﺎءت ﻣﻦ ﺳﻔﺎرة اﻷملﺎن ﰲ روﻣﻴﺔ ﺑﺄﻧﻪ ﺳﻘﻂ ﰲ ﻫﺬه ٍّ املﻌﺮﻛﺔ أﻟﻒ وﺧﻤﺲ ﻣﺌﺔ ﺟﻨﺪي ﻣﻦ اﻟﻄﻠﻴﺎن ،وأﺻﺎب اﻟﺠﻨﻮن ﺳﺒﻌﺔ ﻣﻦ ﺿﺒﺎﻃﻬﻢ. وﻫﺬه وﻗﻌﺔ ﻣﻦ ﺧﻤﺴني وﻗﻌﺔ ﺑﺎﻷﻗﻞ ﺗﻀﺎﻫﻴﻬﺎ ،ﻓﺎملﺴﻠﻤﻮن ﻗﺪ ﻗﺎﺗﻠﻮا ﰲ ﻫﺬه املﻌﺮﻛﺔ ً ً ﺿﻌﻔﺎ وﻗﺘﻠﻮا ﻧﺼﻔﻪ أي ﻗﺘﻠﻮا ﻋﴩة أﺿﺎﻋﻔﻬﻢ ،وﷲ ﺟﻴﺸﺎ ﻳﻔﻮﻗﻬﻢ ﰲ اﻟﻌﺪد ﻋﴩﻳﻦ ﺗﻌﺎﱃ ﻗﺪ ﻗﺪرﻫﻢ ﻟﻬﻢ ﰲ ﺣﺎل اﻟﻘﻮة أن ﻳﻐﻠﺒﻮا ﻋﴩة أﺿﻌﺎﻓﻬﻢ ،وﰲ ﺣﺎل اﻟﻀﻌﻒ أن ﻳﻐﻠﺒﻮا ﺿﻌﻔﻴﻬﻢ ﻓﻘﻂ ﻛﻤﺎ ﻗﺎل ﰲ ﺳﻮرة اﻷﻧﻔﺎل﴿21 :ﻳَﺎ أَﻳﱡﻬَ ﺎ اﻟﻨ ﱠ ِﺒ ﱡﻲ ﺣَ ﱢﺮ ِض ا ْﻟ ُﻤ ْﺆ ِﻣ ِﻨ َ ني ﻋَ َﲆ ﺻﺎ ِﺑ ُﺮ َ ﺎل ۚ إِن ﻳَ ُﻜﻦ ﻣﱢ ﻨ ُﻜ ْﻢ ﻋِ ْﴩ َ ُون َ ني ۚ َوإِن ﻳَ ُﻜﻦ ﻣﱢ ﻨ ُﻜﻢ ﻣﱢ ﺎﺋَ ٌﺔ ﻳ َْﻐ ِﻠﺒُﻮا أ َ ْﻟ ًﻔﺎ ا ْﻟﻘِ ﺘَ ِ ون ﻳ َْﻐ ِﻠﺒُﻮا ِﻣﺎﺋَﺘَ ْ ِ ﻒ ﷲ ُ ﻋَ ﻨ ُﻜ ْﻢ وَﻋَ ِﻠ َﻢ أ َ ﱠن ﻓِ ﻴ ُﻜ ْﻢ َ ﻮن * ْاﻵ َن َﺧ ﱠﻔ َ ِﻳﻦ َﻛ َﻔ ُﺮوا ِﺑﺄَﻧﱠﻬُ ْﻢ َﻗ ْﻮ ٌم ﱠﻻ ﻳ َْﻔ َﻘﻬُ َ ﻣﱢ َﻦ ا ﱠﻟﺬ َ ﺿﻌْ ًﻔﺎ ۚ ني ۚ َوإِن ﻳَ ُﻜﻦ ﻣﱢ ﻨ ُﻜ ْﻢ أ َ ْﻟ ٌ ني ِﺑ ِﺈذْ ِن ِ َﻓ ِﺈن ﻳَ ُﻜﻦ ﻣﱢ ﻨ ُﻜﻢ ﻣﱢ ﺎﺋَ ٌﺔ َ ﷲۗ ﻒ ﻳ َْﻐ ِﻠﺒُﻮا أ َ ْﻟ َﻔ ْ ِ ﺻﺎ ِﺑ َﺮ ٌة ﻳ َْﻐ ِﻠﺒُﻮا ِﻣﺎﺋَﺘَ ْ ِ اﻟﺼﺎ ِﺑ ِﺮ َ َوﷲ ُ ﻣَ َﻊ ﱠ ﻳﻦ﴾. )اﻟﻨﺘﻴﺠﺔ اﻟﺮاﺑﻌﺔ( :أﻧﻪ ﻗﺪ ﻛﺎﻧﺖ ﻧﻔﻘﺎت إﻳﻄﺎﻟﻴﺎ ﰲ اﻟﺤﺮب اﻟﻄﺮاﺑﻠﺴﻴﺔ ﰲ اﻟﺴﻨﺔ اﻷوﱃ ﻣﻨﻬﺎ أي ﻣﻦ ﺳﻨﺔ ١٩١١إﱃ ﺳﻨﺔ ١٩١٢ﻧﺤﻮ ﻣﺌﺔ ﻣﻠﻴﻮن ﺟﻨﻴﻪ ،وﻳﻈﻦ أﻧﻬﺎ ﻣﻦ ﻋﴩﻳﻦ ﺳﻨﺔ إﱃ اﻟﻴﻮم — إذ املﻘﺎوﻣﺔ ﻟﻢ ﺗﻨﻘﻄﻊ ﺣﺘﻰ ﻫﺬه اﻟﺴﺎﻋﺔ — ﻗﺪ ﺑﻠﻐﺖ ﺛﻼث ﻣﺌﺔ ﻣﻠﻴﻮن ﺟﻨﻴﻪ22 . ﻓﻬﺬا ﻛﺎن ﻛﻠﻪ ﻧﺘﻴﺠﺔ ﺗﻠﻚ اﻹﻋﺎﻧﺎت اﻟﻘﻠﻴﻠﺔ واﻟﻨﻔﻘﺎت اﻟﻀﺌﻴﻠﺔ اﻟﺘﻲ ﻗﺎم ﺑﻬﺎ املﺴﻠﻤﻮن ﰲ ﺗﻠﻚ اﻟﺤﺮب ،وﻟﻜﻦ املﺴﻠﻤني ﻳﻨﺘﻈﺮون أن ﺗﻨﻬﺰم إﻳﻄﺎﻟﻴﺔ اﻟﺪوﻟﺔ اﻟﻜﺒرية اﻟﺘﻲ أﻫﻠﻬﺎ ٤٤ 20
ﺟﻮاب اﻷﻣري ﺷﻜﻴﺐ أرﺳﻼن
ﻣﻠﻴﻮن ﻧﺴﻤﺔ ،ودﺧﻠﻬﺎ اﻟﺴﻨﻮي ٢٠٠ﻣﻠﻴﻮن ﺟﻨﻴﻪ ﰲ ﺻﺪﻣﺔ واﺣﺪة ،أو ﰲ اﻟﺴﻨﺔ اﻷوﱃ ﻣﻦ اﻟﺤﺮب 23وإن ﻟﻢ ﻳﺘﺤﻘﻖ أﻣﻠﻬﻢ ﻫﺬا اﻧﻘﻄﻊ ﻣﻨﻬﻢ ﻛﻞ رﺟﺎء وﺑﻄﻠﺖ ﻛﻞ ﺣﺮﻛﺔ ،وأﺻﺎب ﺑﻌﻀﻬﻢ اﻟﻴﺄس اﻟﺬي ﻫﻮ ﻣﺮادف اﻟﻜﻔﺮ ﺑﴫﻳﺢ اﻟﺬﻛﺮ اﻟﺤﻜﻴﻢ﴿ :إِﻧ ﱠ ُﻪ َﻻ ﻳَﻴْﺄ َ ُس ِﻣﻦ ﱠرو ِْح ِ ﷲ ون﴾24 . إ ِ ﱠﻻ ا ْﻟ َﻘ ْﻮ ُم ا ْﻟ َﻜﺎﻓِ ُﺮ َ وﻟﻨﴬب ً ﻣﺜﻼ ﺛﺎﻟﺜًﺎ وﻧﻤﺴﻚ ﺑﻌﺪه ﻋﻦ ﴐب اﻷﻣﺜﺎل؛ ﻷﻧﻬﺎ ﻻ ﺗﻌﺪ وﻻ ﺗﺤﴡ: ﻗﺎم أﻫﻞ اﻟﺮﻳﻒ املﻐﺮﺑﻲ ﰲ وﺟﻪ اﻟﺪوﻟﺔ اﻹﺳﺒﺎﻧﻴﺔ ﻣﺪة ﺑﻀﻊ ﺳﻨني إﱃ أن ﺗﻐﻠﺒﻮا ﻋﻠﻴﻬﺎ وﻃﺮدوا ﺟﻴﻮﺷﻬﺎ ﺑﻌﺪ أن أﺑﺎدوا ﻣﻨﻬﻢ ﰲ واﻗﻌﺔ واﺣﺪة ٢٦أﻟﻒ ﺟﻨﺪي ،وﻏﻨﻤﻮا ١٧٠ﻣﺪﻓﻌً ﺎ، ﻣﻊ أن ﺟﻤﻴﻊ أﻫﻞ اﻟﺮﻳﻒ ﺑﻘﻀﻬﻢ وﻗﻀﻴﻀﻬﻢ ﺛﻤﺎن ﻣﺌﺔ أﻟﻒ ﻧﺴﻤﺔ ،وﻋﺪد أﻫﺎﱄ إﺳﺒﺎﻧﻴﺔ ٢٢ﻣﻠﻴﻮن ﻧﺴﻤﺔ ،وأراﴈ اﻟﺮﻳﻒ أﻛﺜﺮﻫﺎ ﻗﺎﺣﻞ ،واﻷﻫﺎﱄ ﻓﻴﻪ ﻓﻘﺮاء ﻳﻌﻴﺸﻮن ﻣﻦ ﻛﺴﺐ أﻳﺪﻳﻬﻢ ،وﻟﻘﺪ ﻗﺎﻣﻮا ﺑﻌﻤﻞ أدﻫﺶ أﻫﻞ اﻷرض ﺑﺎﻟﻄﻮل واﻟﻌﺮض. ﻓﻠﻮ ﻛﺎن أﻫﻞ اﻟﺮﻳﻒ ﻧﺼﺎرى ﻻﻧﺜﺎﻟﺖ ﻋﻠﻴﻬﻢ املﻼﻳني ﻣﻦ اﻟﺠﻨﻴﻬﺎت ﻣﻦ ﻛﻞ اﻟﺠﻬﺎت؛ إﻣﺎ ﺑﻄﺮﻳﻘﺔ ﺧﻔﻴﺔ ،وإﻣﺎ ﺑﻮاﺳﻄﺔ ﺟﻤﻌﻴﺔ اﻟﺼﻠﻴﺐ اﻷﺣﻤﺮ ﰲ ﺳﺒﻴﻞ ﻣﺪاواة ﺟﺮﺣﺎﻫﻢ. ﻓﻠﻴﻘﻞ ﻟﻨﺎ املﺴﻠﻤﻮن ﻛﻢ ﺟﻨﻴﻬً ﺎ ﻗﺪﻣﻮا ﻟﻠﺮﻳﻒ ﰲ ذﻟﻚ اﻟﻮﻗﺖ؟! ﺛﻢ ﺗﺄﻟﺐ اﻟﻔﺮﻧﺴﻴﺲ ﻣﻊ اﻹﺳﺒﺎﻧﻴني وﺣﺸﺪوا ﻟﺤﺮب اﻟﺮﻳﻔﻴني ٣٠٠أﻟﻒ ﻣﻘﺎﺗﻞ وﺣﴫوا اﻟﺮﻳﻒ ﻣﻦ ﻛﻞ ﺟﺎﻧﺐ ﻣﻦ اﻟﱪ واﻟﺒﺤﺮ ،وﻛﺎﻧﺖ ﻃﻴﺎراﺗﻬﻢ اﻟﻘﺎذﻓﺔ ﺑﺎﻟﺪﻳﻨﺎﻣﻴﺖ ﻋﲆ ﻗﺮى اﻟﺮﻳﻔﻴني ﺗﺤﴡ ﺑﺎملﺌﺎت ﻻ ﺑﺎﻟﻌﴩات ،وﻟﻢ ِ ﺗﻜﻒ ﻃﻴﺎرات اﻟﻔﺮﻧﺴﻴﺲ واﻹﺳﺒﺎﻧﻴﻮل ﺣﺘﻰ ﺟﺎء ﴎب ﻃﻴﺎرات أﻣريﻛﻴﺔ ﻣﻦ ﻧﻴﻮﻳﻮرك؛ ﻧﺠﺪة ﻟﻔﺮﻧﺴﺔ وإﺳﺒﺎﻧﻴﺔ )اﻟﻨﴫاﻧﻴﺘني ﻋﲆ املﺴﻠﻤني؛ ﻷﻧﻬﻢ ﻣﺴﻠﻤﻮن(. ﻫﺬا ﻛﻠﻪ واملﺴﻠﻤﻮن ﻳﻨﻈﺮون إﱃ ﺣﺮب اﻟﺮﻳﻒ ﻣﻜﺘﻮﰲ اﻷﻳﺪي ،وﻟﺒﺜﻮا ﻣﻜﺘﻮﰲ اﻷﻳﺪي ﻣﺪة ﺳﻨﺔ ،وأﺧريًا ﻧﻬﺾ ﻣﻨﻬﻢ أﻓﺮاد ﻟﺠﻤﻊ ﳾء ﻣﻦ أﺟﻞ ﺟﺮﺣﻰ اﻟﺮﻳﻒ ،وﻷﺟﻞ ﺑﻌﺚ اﻟﺤﻤﻴﺔ ﰲ اﻟﻨﺎس ﻟﻢ ﻳﻜﺘﻒ ﻣﺤﺮر ﻫﺬه اﻟﺴﻄﻮر ﺑﺎﻟﻜﺘﺎﺑﺔ ،ﺑﻞ ﺗﱪع ﺑﺄرﺑﻌﺔ ﺟﻨﻴﻬﺎت ﻷﺟﻞ اﻟﻘﺪوة، ﻓﻤﺎذا ﻛﺎن ﻣﺠﻤﻮع ﺗﻠﻚ اﻹﻋﺎﻧﺎت ﻣﻦ ﻛﻞ اﻟﻌﺎﻟﻢ اﻹﺳﻼﻣﻲ؟ اﻟﺠﻮاب ١٥٠٠ﺟﻨﻴﻪ ﻻ ﻏري، ﻓﻬﻞ ﻣﻦ ﺧﺬﻻن ﺑني املﺴﻠﻤني ﻳﻔﻮق ﻫﺬا اﻟﺨﺬﻻن؟!
21
ملﺎذا ﺗﺄﺧﺮ املﺴﻠﻤﻮن؟ وملﺎذا ﺗﻘﺪم ﻏريﻫﻢ؟
ﺧﻴﺎﻧﺔ ﺑﻌﺾ املﺴﻠﻤني ﻟﺪﻳﻨﻬﻢ ووﻃﻨﻬﻢ واﻋﺘﺬارﻫﻢ اﻟﺒﺎﻃﻞ وﻳﺎ ﻟﻴﺖ املﺴﻠﻤني وﻗﻔﻮا ﻋﻨﺪ ﻫﺬا اﻟﺤﺪ ﰲ ﺧﺬﻻن اﻟﺮﻳﻔﻴني ،ﺑﻞ ﻗﺎﻣﺖ ﻣﻨﻬﻢ ﻓﺌﺎت ﻳﻘﺎﺗﻠﻮن اﻟﺮﻳﻔﻴني ﺑﺄﺷﺪ ﻣﻤﺎ ﻳﻘﺎﺗﻠﻮن ﺑﻪ اﻷﺟﺎﻧﺐ ،وﺗﺄﻟﺒﺖ ﻋﲆ ﻣﺤﻤﺪ ﺑﻦ ﻋﺒﺪ اﻟﻜﺮﻳﻢ ﻗﺒﺎﺋﻞ واﻓﺮة اﻟﻌﺪد ﺷﺪﻳﺪة اﻟﺒﺄس؛ ﻣﺎﻟﺌﻮا اﻟﻔﺮﻧﺴﻴﺲ واﻹﺳﺒﺎﻧﻴﻮل ﻋﲆ أﺑﻨﺎﺋﻬﻢ ﻣﻠﺘﻬﻢ ووﻃﻨﻬﻢ؛ ً ﺗﺰﻟﻔﺎ إﱃ اﻟﻔﺮﻧﺴﻴﺲ واﻹﺳﺒﺎﻧﻴﻮل ،واﺑﺘﻐﺎء اﻟﺤﻈﻮة ﻟﺪﻳﻬﻢ ،وﻗﺪ ﺟﺮى ﻣﺜﻞ ذﻟﻚ ﻋﻨﺪﻧﺎ ﰲ ﺳﻮرﻳﺔ ﻳﻮم اﻟﺜﻮرة ﻋﲆ ﻓﺮﻧﺴﺔ ،وﺟﺮى ﰲ ﺑﻼد إﺳﻼﻣﻴﺔ ﻛﺜرية 25 ،أﻓﺒﻤﺜﻞ ﻫﺬه اﻷﻋﻤﺎل ﻳﻄﺎﻟﺐ أﺧﻮﻧﺎ اﻟﺸﻴﺦ ﺑﺴﻴﻮﻧﻲ ﻋﻤﺮان رﺑﻪ ﺑﻤﺎ وﻋﺪ ﺗﻌﺎﱃ ﺑﻪ ﻣﻦ ﺟﻌﻞ اﻟﻌﺰة ﻟﻠﻤﺆﻣﻨني؟! وإذا ﺳﺄﻟﺖ ﻫﺆﻻء املﺴﻠﻤني املﻤﺎﻟﺌني ﻟﻠﻌﺪو ﻋﲆ إﺧﻮاﻧﻬﻢ :ﻛﻴﻒ ﺗﻔﻌﻠﻮن ﻣﺜﻞ ﻫﺬا وأﻧﺘﻢ ﺗﻌﻠﻤﻮن أﻧﻪ ﻣﺨﺎﻟﻒ ﻟﻠﺪﻳﻦ وﻟﻠﴩف وﻟﻠﻔﺘﻮة وﻟﻠﻤﺮوءة وﻟﻠﻤﺼﻠﺤﺔ وﻟﻠﺴﻴﺎﺳﺔ؟ أﺟﺎﺑﻮك: ﻛﻴﻒ ﻧﺼﻨﻊ ﻓﺈن اﻷﺟﺎﻧﺐ اﻧﺘﺪﺑﻮﻧﺎ ،وﻟﻮ ﻟﻢ ﻧﻔﻌﻞ ﻟﺒﻄﺸﻮا ﺑﻨﺎ ،ﻓﺎﺿﻄﺮرﻧﺎ إﱃ اﻟﻘﺘﺎل ﰲ ً ﺧﻮﻓﺎ ﻣﻨﻬﻢ ،وﻧﺴﻮا ﻗﻮﻟﻪ ﺗﻌﺎﱃ﴿ :أَﺗَ ْﺨ َﺸ ْﻮﻧَﻬُ ْﻢ ۚ َﻓﺎهلل ُ أَﺣَ ﱡﻖ أَن ﺗَ ْﺨ َﺸ ْﻮ ُه إِن ُﻛﻨﺘُﻢ ﺻﻔﻮﻓﻬﻢ؛ ني﴾26 . ﻣﱡ ْﺆ ِﻣ ِﻨ َ ني﴾27 . ﻮﻫ ْﻢ و ََﺧ ُ ﴿ﻓ َﻼ ﺗَ َﺨ ُ وﻗﻮﻟﻪ ﺗﻌﺎﱃَ : ﻮن إِن ُﻛﻨﺘُﻢ ﻣﱡ ْﺆ ِﻣ ِﻨ َ ﺎﻓ ُ ﺎﻓ ِ وﻛﻼم ﻣﺜﻞ ﻫﺆﻻء ﰲ اﻻﻋﺘﺬار ﻏري ﺻﺤﻴﺢ؛ ﻓﺈن اﻷﺟﺎﻧﺐ ﻗﺪ ﻧﺪﺑﻮا ﻛﺜريًا ﻣﻦ املﺴﻠﻤني إﱃ ﺧﻴﺎﻧﺎت ﻛﻬﺬه ﻓﻠﻢ ﻳﺠﻴﺒﻮﻫﻢ وﻟﻢ ﺗﻨﻘﺾ ﻋﻠﻴﻬﻢ اﻟﺴﻤﺎء ﻣﻦ ﻓﻮﻗﻬﻢ ،وﻻ ﺧﺴﻔﺖ ﺑﻬﻢ اﻷرض ﻣﻦ ﺗﺤﺘﻬﻢ ،ﺛﻢ إﻧﻪ إن ﻛﺎن اﻷﺟﺎﻧﺐ املﺤﺘﻠﻮن ﻟﺒﻼد املﺴﻠﻤني ﻗﺪ أﺻﺒﺤﻮا ﻳﻐﻀﺒﻮن ﻋﲆ املﺴﻠﻤني اﻟﺬﻳﻦ ﻻ ﻳﻠﺒﻮن دﻋﻮﺗﻬﻢ إﱃ ﺧﻴﺎﻧﺔ ﻗﻮﻣﻬﻢ ،ﻓﺈﻧﻤﺎ ﻛﺎن ذﻟﻚ ﻣﻦ أﺟﻞ ﻛﺜريﻳﻦ ﻣﻦ املﺴﻠﻤني ﻛﺎﻧﻮا ﻳﻌﺮﺿﻮن ﻋﻠﻴﻬﻢ ﺧﺪﻣﺘﻬﻢ ﰲ ﻣﻘﺎوﻣﺔ إﺧﻮاﻧﻬﻢ ،وﻳﻘﻮﻣﻮن ﺑﻬﺎ ﺑﻜﻞ ﻧﺸﺎط وﻣﻨﺎﺻﺤﺔ ،وﻳﺒﺪون ﻛﻞ أﻣﺎﻧﺔ ﻟﻬﻢ ﰲ أﺛﻨﺎء ﺗﻠﻚ اﻟﺨﻴﺎﻧﺔ ،وﻟﻮﻻ ﻫﺬا اﻟﺘﱪع ﺑﺎﻟﺨﻴﺎﻧﺔ، واﻟﺘﴪع إﱃ ﻣﻈﺎﻫﺮة اﻷﺟﻨﺒﻲ ﻋﲆ اﺑﻦ املﻠﺔ ،ملﺎ اﺳﺘﺄﺳﺪ اﻷﺟﻨﺒﻲ وﺻﺎر ﻳﺘﺤﻜﻢ ﰲ املﺴﻠﻤني ﻫﺬا اﻟﺘﺤﻜﻢ اﻟﻔﺎﺣﺶ ،وﻳﺘﻘﺎﺿﺎﻫﻢ أن ﻳﺨﺎﻟﻔﻮا ﻗﻮاﻋﺪ دﻳﻨﻬﻢ وﻣﻘﺘﴣ ﻣﺼﻠﺤﺔ دﻧﻴﺎﻫﻢ ﻣﻦ أﺟﻞ ﻣﺼﻠﺤﺘﻪ ،ﺑﻞ ﻗﺎم ﻳﺤﻤﻠﻬﻢ ﻋﲆ املﻮت ﻷﺟﻞ املﻮت. ﻓﺈن املﻮت ﻣﻮﺗﺎن :أﺣﺪﻫﻤﺎ :املﻮت ﻷﺟﻞ اﻟﺤﻴﺎة؛ وﻫﻮ املﻮت اﻟﺬي ﺣﺚ ﻋﻠﻴﻪ اﻟﻘﺮآن اﻟﻜﺮﻳﻢ املﺆﻣﻨني إذا ﻣﺪ اﻟﻌﺪو ﻳﺪه إﻟﻴﻬﻢ ،وﻫﻮ املﻮت اﻟﺬي ﻗﺎل ﻋﻨﻪ اﻟﺸﺎﻋﺮ اﻟﻌﺮﺑﻲ:
22
ﺟﻮاب اﻷﻣري ﺷﻜﻴﺐ أرﺳﻼن
ﺗَﺄ َ ﱠﺧ ْﺮ ُت أ َ ْﺳﺘَﺒْﻘِ ﻲ ا ْﻟﺤَ ﻴَﺎ َة َﻓ َﻠ ْﻢ أ َ ِﺟ ْﺪ
ِﻟ ﻨ َ ْﻔ ِﺴ ﻲ ﺣَ ﻴَ ﺎ ًة ِﻣ ﺜ ْ َﻞ ْ أن أَﺗَ َﻘ ﺪﱠﻣ ﺎ
وﻫﻮ املﻮت اﻟﺬي ﻳﻤﻮﺗﻪ اﻹﻓﺮﻧﴘ ﻷﺟﻞ ﺣﻴﺎة ﻓﺮﻧﺴﺔ ،واﻷملﺎﻧﻲ ﻷﺟﻞ ﺣﻴﺎة أملﺎﻧﻴﺔ، واﻹﻧﻜﻠﻴﺰي ﰲ ﺳﺒﻴﻞ ﺑﺮﻳﻄﺎﻧﻴﺎ اﻟﻌﻈﻤﻰ — وﻫﻠﻢ ﺟ ّﺮا — وﻳﺠﺪه ﻋﲆ ﻧﻔﺴﻪ واﺟﺒًﺎ ﻻ ﻳﺘﺄﺧﺮ ﻋﻦ أداﺋﻪ ﻃﺮﻓﺔ ﻋني. وأﻣﺎ املﻮت اﻟﺜﺎﻧﻲ :ﻓﻬﻮ املﻮت ﻷﺟﻞ اﺳﺘﻤﺮار املﻮت ،وﻫﻮ املﻮت اﻟﺬي ﻳﻤﻮﺗﻪ املﺴﻠﻤﻮن ﰲ ﺧﺪﻣﺔ اﻟﺪول اﻟﺘﻲ اﺳﺘﻮﻟﺖ ﻋﲆ ﺑﻼدﻫﻢ؛ وذﻟﻚ أﻧﻬﻢ ﻳﻤﻮﺗﻮن ﺣﺘﻰ ﻳﻨﴫوﻫﺎ ﻋﲆ أﻋﺪاﺋﻬﺎ، ﻣﺜﻼ ﺣﺘﻰ ﺗﻨﺘﴫ ﻓﺮﻧﺴﺔ ﻋﲆ أملﺎﻧﻴﺔ ً ﻛﻤﺎ ﻳﻤﻮت املﻐﺮﺑﻲ ً ﻣﺜﻼ ،وﻳﻤﻮت اﻟﻬﻨﺪي ﺣﺘﻰ ﺗﺘﻐﻠﺐ إﻧﻜﻠﱰة ﻋﲆ أي ﻋﺪو ﻟﻬﺎ ،وﻳﻤﻮت اﻟﺘﱰي ﰲ ﺳﺒﻴﻞ ﻇﻔﺮ اﻟﺮوﺳﻴﺔ ،واﻟﺤﺎل أﻧﻪ ﺑﺎﻧﺘﺼﺎر ﻓﺮﻧﺴﺔ ﻋﲆ أﻋﺪاﺋﻬﺎ ﺗﺰداد ﰲ املﻐﺮب ﻏﻄﺮﺳﺔ وﻇﻠﻤً ﺎ واﺑﺘﺰا ًزا ﻷﻣﻼك املﺴﻠﻤني وﻫﻀﻤً ﺎ ﻟﺤﻘﻮﻗﻬﻢ؛ وذﻟﻚ ﻛﻤﺎ ﺣﺼﻞ ﺑﻌﺪ اﻟﺤﺮب اﻟﻌﺎﻣﺔ؛ إذ ازداد ﻃﻤﻊ اﻟﻔﺮﻧﺴﻴني ﰲ أﻫﻞ املﻐﺮب، وﺣﺪﺛﻮا أﻧﻔﺴﻬﻢ ﺑﺘﻨﺼري اﻟﱪﺑﺮ؛ ﻟﻴﺪﻣﺠﻮﻫﻢ ﰲ اﻟﺸﻌﺐ اﻟﻔﺮﻧﴘ ،وﻳﺄﻣﻨﻮا ﻋﲆ ﻣﺴﺘﻘﺒﻞ املﻐﺮب اﻟﺬي ﺻﺎروا ﻳﻄﻠﻘﻮن ﻋﻠﻴﻪ ﻟﻘﺐ »إﻓﺮﻳﻘﻴﺔ اﻹﻓﺮﻧﺴﻴﺔ«. ً وﺑﺎﻻﺧﺘﺼﺎر ﻳﻤﻮت املﻐﺮﺑﻲ ﻋﲆ ﺿﻔﺎف اﻟﺮﻳﻦ أو ﰲ ﺳﻮرﻳﺔ ﺣﺘﻰ ﻳﺰداد ﻣﻮﺗﺎ ﰲ املﻐﺮب؛ ﻷن ﻛﻞ ﻃﺎﺋﻔﺔ ﺗﻔﻮز ﺑﻬﺎ ﻓﺮﻧﺴﺔ ﰲ اﻟﺨﺎرج ﻫﻲ زﻳﺎدة ﰲ ﻗﻬﺮ املﻐﺮﺑﻲ وإﻫﺎﻧﺘﻪ وإذﻻﻟﻪ ﻣﻤﺎ ﻻ ﺳﺒﻴﻞ ﻟﻠﻤﻨﺎﻛﺮة ﻓﻴﻪ ،وﻣﻤﺎ ﻗﺪ ﺛﺒﺖ ﺑﺎﻟﺘﺠﺮﺑﺔ ،وﻛﺬﻟﻚ ﻣﻮت اﻟﻬﻨﺪي ﰲ ﻧﴫة إﻧﻜﻠﱰا ﻫﻮ ﺗﻄﻮﻳﻞ ﰲ أﺟﻞ ﻋﺒﻮدﻳﺔ اﻟﻬﻨﺪ ،وﻛﺬﻟﻚ ﻣﻮت اﻟﺘﱰي ﰲ ﺧﺪﻣﺔ اﻟﺮوﺳﻴﺔ ﻻ ﻋﺎﻗﺒﺔ ﻟﻪ ﺳﻮى ازدﻳﺎد ﻗﻬﺮ اﻟﺮوس ﻟﻠﺘﱰ ،وﻫﻠﻢ ﺟ ّﺮا. وﻫﺬا املﻮت ﻷﺟﻞ املﻮت ﻫﻮ ﻣﺎ ﻛﺎن ﺑﺨﻂ ﻣﻨﺤﻦ ﻛﻤﺎ ﻳﻘﺎل؛ أي ﺑﺎﻋﺘﺒﺎر اﻟﻨﺘﻴﺠﺔ ،وﻟﻜﻨﻪ ﻫﻨﺎك ﻣﻮت ﻷﺟﻞ املﻮت ﻣﺒﺎﴍة ﺑﺪون واﺳﻄﺔ ،وﻫﻮ ﻋﻨﺪﻣﺎ ﻳﻤﻮت املﻐﺮﺑﻲ ﰲ ﻗﺘﺎل أﺧﻴﻪ املﻐﺮﺑﻲ اﻟﺬي ﻗﺎم ﻳﺤﺎول أن ﻳﺰﺣﺰح ﺷﻴﺌًﺎ ﻣﻦ اﻟﻨري اﻹﻓﺮﻧﴘ اﻟﺬي ﻛﺎد ﻳﺪق ﻋﻨﻘﻪ ،وإن ﻟﻢ ﻳﺪق ﻋﻨﻘﻪ ﺑﺘﺎﺗًﺎ اﺳﺘﺤﻴﺎه ﺣﻴﺎة ﻫﻲ أﺷﺒﻪ ﺑﺎملﻮت ﻣﻨﻬﺎ ﺑﺎﻟﺤﻴﺎة. وﻟﻮ اﻧﺤﴫت ﻫﺬه اﻷﻣﻮر ﰲ اﻟﻌﻮام واﻟﺠﻬﻼء ﻟﻌﺬرﻧﺎﻫﻢ ﺑﺠﻬﻠﻬﻢ ،وﻗﻠﻨﺎ :إﻧﻬﻢ ﻻ ﻳﺪرون اﻟﻜﺘﺎب وﻻ اﻟﺴﻨﺔ وﻻ اﻟﺴﻴﺎﺳﺔ اﻟﺪﻧﻴﻮﻳﺔ ،وﻻ اﻷﺣﻮال اﻟﻌﴫﻳﺔ ،وإﻧﻬﻢ إﻧﻤﺎ ﻳﺴﺎﻗﻮن ﻛﻤﺎ ﺗﺴﺎق ﺑﻬﻴﻤﺔ اﻷﻧﻌﺎم إﱃ اﻟﺬﺑﺢ. وﻟﻜﻦ اﻷﻧﻜﻰ ﻫﻮ ﺧﻴﺎﻧﺔ اﻟﺨﻮاص ،ﻣﺜﺎل ذﻟﻚ اﻟﻮزﻳﺮ املﻘﺮي اﻟﺬي ﻫﻮ أﺷﺪ ﺗﻌﺼﺒًﺎ ﻟﻘﻀﻴﺔ رﻓﻊ اﻟﴩﻳﻌﺔ اﻹﺳﻼﻣﻴﺔ ﻣﻦ ﺑني اﻟﱪﺑﺮ ﻣﻦ اﻟﻔﺮﻧﺴﻴﺲ أﻧﻔﺴﻬﻢ 28 ،وﻣﺜﻠﻪ اﻟﺒﻐﺪادي ﺑﺎﺷﺎ ﻓﺎس اﻟﺬي ﻃﺮح ﻧﺤﻮ ﻣﺌﺔ ﺷﺨﺺ ﻣﻦ ﺷﺒﺎن ﻓﺎس وﺟﻠﺪﻫﻢ ﺑﺎﻟﺴﻴﺎط؛ ﻟﻜﻮﻧﻬﻢ اﺟﺘﻤﻌﻮا ﰲ ﺟﺎﻣﻊ اﻟﻘﺮوﻳني وأﺧﺬوا ﻳﺮددون دﻋﺎء» :ﻳﺎ ﻟﻄﻴﻒ اﻟﻄﻒ ﺑﻨﺎ ﻓﻴﻤﺎ ﺟﺮت ﺑﻪ 23
ملﺎذا ﺗﺄﺧﺮ املﺴﻠﻤﻮن؟ وملﺎذا ﺗﻘﺪم ﻏريﻫﻢ؟
املﻘﺎدﻳﺮ ،وﻻ ﺗﻔﺮق ﺑﻴﻨﻨﺎ وﺑني إﺧﻮاﻧﻨﺎ اﻟﱪاﺑﺮ« وﻣﻔﺘﻲ ﻓﺎس اﻟﺬي أﻓﺘﻰ ﺑﺄن إﻟﻐﺎء اﻟﴩع اﻹﺳﻼﻣﻲ ﻣﻦ ﺑني اﻟﱪﺑﺮ ﻟﻴﺲ ﺑﺈﺧﺮاج ﻟﻠﱪﺑﺮ ﻣﻦ اﻹﺳﻼم ،وﻫﻠﻢ ﺟ ّﺮا. وﻛﻞ ﻣﻦ ﻫﺆﻻء اﻟﺨﻮﻧﺔ املﺎرﻗني أﺧﺰاﻫﻢ ﷲ ﻗﺪ ﺑﻠﻎ ﻣﻦ اﻟﻜﱪ ﻋﺘﻴٍّﺎ ،واﻧﺘﻬﻰ ﻣﻦ أﻣﻮال ً ﺣﺮﻳﺼﺎ ﻋﲆ اﻟﺰﻟﻔﻰ إﱃ ﻓﺮﻧﺴﺔ ،وإﺛﺒﺎت ﺻﺪاﻗﺘﻪ ﻟﻬﺎ وﻟﻮ اﻷﻣﺔ ﺷﺒﻌً ﺎ ورﻳٍّﺎ ،وﻫﻮ ﻻ ﻳﺰال ﺑﻀﻴﺎع دﻳﻨﻪ ودﻧﻴﺎه؛ ﺣﺘﻰ ﺗﺒﻘﻲ ﻋﻠﻴﻪ ﻣﻨﺼﺒﻪ وﺣﻈﻮﻇﻪ ﰲ ﻫﺬه اﻟﺒﻘﻴﺔ اﻟﺒﺎﻗﻴﺔ ﻣﻦ ﺣﻴﺎﺗﻪ اﻟﺘﺎﻋﺴﺔ29 . وﻟﻴﺲ واﺣﺪًا ﻣﻦ ﻫﺆﻻء وﻻ ﻣﻦ ﰲ ﴐﺑﻬﻢ ﰲ املﻐﺮب إﻻ وﻫﻮ ﻣﻄﻠﻊ ﻋﲆ ﻧﻴﺎت ﻓﺮﻧﺴﺔ وﻋﲆ ﻣﺮاﻣﻴﻬﺎ ﻣﻦ ﺟﻬﺔ ﻫﺬا اﻟﻨﻈﺎم اﻟﺠﺪﻳﺪ ﻷﻣﺔ اﻟﱪﺑﺮ ،وﻟﻴﺲ ﻓﻴﻬﻢ إﻻ ﻣﻦ ﻫﻮ ﻋﺎرف ﺑﻮﺟﻮد ﺟﻴﺶ ﻣﻦ اﻟﻘﺴﻮس واﻟﺮﻫﺒﺎن واﻟﺮاﻫﺒﺎت ﻳﺠﻮس ﺧﻼل ﺑﻼد اﻟﱪﺑﺮ وﻳﺒﻨﻲ اﻟﻜﻨﺎﺋﺲ وﻳﺼﻴﺪ اﻟﻠﻘﻄﺎه واﻷﻳﺘﺎم واﻟﻔﻘﺮاء وﺿﻌﻔﺎء اﻹﻳﻤﺎن 30 ،وﻟﻴﺲ ﻓﻴﻬﻢ إﻻ ﻣﻦ ﻫﻮ ﻋﺎﻟﻢ ﺑﻤﻨﻊ ﻓﺮﻧﺴﺔ ﻓﻘﻬﺎء اﻹﺳﻼم واﻟﻮﻋﺎظ ﻣﻦ اﻟﺘﺠﻮال ﺑني اﻟﱪﺑﺮ؛ ﺣﺘﻰ ﺗﺮﺗﻔﻊ اﻟﺤﻮاﺟﺰ أﻣﺎم دﻋﻮة املﺒﴩﻳﻦ إﱃ اﻟﻨﴫاﻧﻴﺔ 31وﻗﺪ ﻳﻜﻮن املﻘﺮي واﻟﺒﻐﺪادي ﻫﺬان ﻫﻤﺎ ﰲ ﻣﻘﺪﻣﺔ املﻮﻗﻌني ﻋﲆ اﻷواﻣﺮ ﺑﻤﻨﻊ ﻋﻠﻤﺎء اﻹﺳﻼم وﺣﻤﻠﺔ اﻟﻘﺮآن ﻣﻦ اﻟﺪﺧﻮل إﱃ ﻗﺮى اﻟﱪﺑﺮ ،وﻗﺪ ﻳﻜﻮن املﻘﺮي ﻫﺬا ﻫﻮ اﻟﺬي ﺧﺼﺺ املﺒﻠﻎ ﻣﻦ ﻣﺎل املﺨﺰن ﻟﺠﺮﻳﺪة »ﻣﺮاﻛﺶ اﻟﻜﺎﺛﻮﻟﻴﻜﻴﺔ« اﻟﺘﻲ ﺗﻄﻌﻦ ﰲ اﻹﺳﻼم ،وﺗﻘﺬف ﻣﺤﻤﺪًا — ﻋﻠﻴﻪ اﻟﺼﻼة واﻟﺴﻼم — وﻟﺪﻳﻨﺎ ﻛﺜري ﻣﻦ أﻋﺪادﻫﺎ اﻟﺘﻲ ﺗﺘﻀﻤﻦ ﻫﺬه املﻄﺎﻋﻦ. وﺑﻌﺪ ﻫﺬا ﻓﻤﻦ ﻳﺪري؟ ﻓﻘﺪ ﻳﻜﻮن املﻘﺮي ﻣﺼﻠﻴًﺎ وﺻﺎﺋﻤً ﺎ وﺑﻴﺪه ﺳﺒﺤﺔ ﻳﻘﺮأ ﻋﻠﻴﻪ أورادًا ،وﻣﻦ ﻳﺪري؟ ﻓﻘﺪ ﻳﻜﻮن اﻟﺒﻐﺪادي اﻟﺴﻴﺊ اﻟﺬﻛﺮ ﻣﻤﻦ ﻳﺘﻤﺴﺤﻮن ﺑﺎﻟﻘﺒﻮر وﻳﺴﺘﻐﻴﺜﻮن ﺑﺎﻷوﻟﻴﺎء وﻳﺘﻈﺎﻫﺮون ﺑﻬﺬا اﻟﻮرع اﻟﻜﺎذب ،وأﻣﺎ املﻔﺘﻲ ﻓﻬﻮ املﻔﺘﻲ ﻓﻼ ﺣﺎﺟﺔ إﱃ ﺗﺜﺒﻴﺖ ﻛﻮﻧﻪ ﻳﺼﲇ اﻟﺨﻤﺲ ،وﻳﺼﻮم وﻳﺘﻬﺠﺪ ،وﻳﻮﺗﺮ وﻳﺘﻨﻔﻞ … إﻟﺦ. وﻗﺪ ﻣﴣ ﻋﻠﻴﻨﺎ ﻧﺤﻦ ﰲ ﺳﻮرﻳﺔ ﳾء ﻣﻦ ﻫﺬا ﻷواﺋﻞ ﻋﻬﺪ اﻻﺣﺘﻼل ،ﻟﻜﻦ ﻟﻢ ﺗﻜﻦ ﺧﻴﺎﻧﺔ ﻫﺆﻻء املﻌﻠﻤني ﰲ ﻗﻀﻴﺔ دﻳﻨﻴﺔ ﻣﺒﺎﴍة؛ ﻓﻘﺪ اﻗﱰﺣﺖ ﻋﻠﻴﻬﻢ ﻓﺮﻧﺴﺔ أن ﻳﻤﻀﻮا ﺑﺮﻗﻴﺔ إﱃ ﺟﻤﻌﻴﺔ اﻷﻣﻢ ﻳﻨﻜﺮون ﺑﻬﺎ ﻋﻤﻞ املﺆﺗﻤﺮ اﻟﺴﻮري اﻟﻔﻠﺴﻄﻴﻨﻲ املﻄﺎﻟﺐ ﺑﺎﺳﺘﻘﻼل ﺳﻮرﻳﺔ وﻓﻠﺴﻄني ،ﻓﺄﻣﻀﺎه ﻣﻨﻬﻢ ﻋﻤﺎﺋﻢ ﻣﻜﻮرة ،وﻃﻴﺎﻟﺲ ﻣﺤﺮرة ﻣﺠﺮرة ،ورﻗﺎب ﻏﻠﻴﻈﺔ، وﺑﻄﻮن ﻋﻈﻴﻤﺔ ،وإن ﻟﻢ أﻗﻞ اﻵن :أﺧﺰاﻫﻢ ﷲ ،أﺧﴙ ﻋﺘﺎب إﺧﻮاﻧﻨﺎ املﻐﺎرﺑﺔ اﻟﺬﻳﻦ ﻳﺮوﻧﻨﻲ ﺧﺼﺼﺖ ﺑﻬﺬا اﻟﺪﻋﺎء ﺻﺪرﻫﻢ اﻷﻋﻈﻢ ،وﻣﻔﺘﻴﻬﻢ اﻷﻛﱪ ،وأﻋﻔﻴﺖ ﻣﻌﻤﻤﻲ ﺳﻮرﻳﺔ ،ﻓﻠﺬﻟﻚ ﻳﻘﴤ اﻟﻌﺪل ﺑﺄن ﻧﻘﻮل :أﺧﺰاﻫﻢ ﷲ أﺟﻤﻌني ،أﺧﺰى ﷲ اﻟﺬﻳﻦ ﻣﻨﻬﻢ ﰲ املﴩق ،واﻟﺬﻳﻦ ﻣﻨﻬﻢ ﰲ املﻐﺮب ﻣﻤﻦ ﻳﻮﻗﻌﻮن ﻋﲆ اﻗﱰاﺣﺎت اﻷﺟﺎﻧﺐ املﴬة ﺑﺎﻟﺪﻳﻦ واﻟﻮﻃﻦ32 . 24
ﺟﻮاب اﻷﻣري ﺷﻜﻴﺐ أرﺳﻼن
وﻟﻌﻞ اﻷخ اﻟﺸﻴﺦ ﺑﺴﻴﻮﻧﻲ ﻋﻤﺮان ﻳﻘﻮل :إن ﻫﺆﻻء أﻓﺮاد ﻗﻼﺋﻞ؛ ﻓﻼ ﻳﺠﻮز أن ﻧﺠﻌﻞ اﻷﻣﺔ اﻹﺳﻼﻣﻴﺔ ﻣﺴﺌﻮﻟﺔ ﻋﻦ ﻣﺨﺎزﻳﻬﻢ وﻣﻮﺑﻘﺎﺗﻬﻢ. واﻟﺠﻮاب ﻋﲆ ذﻟﻚ :أن اﻟﻈﻠﻢ ﻳﺨﺺ واﻟﺒﻼء ﻳﻌﻢ ﻛﻤﺎ ﻻ ﻳﺨﻔﻰ ،وﻟﻜﻨﻲ ﻻ أﺳﻠﻢ أن ﻫﺆﻻء أﻓﺮاد ﻗﻼﺋﻞ ،وأن اﻷﻣﺔ ﻏري ﻣﺴﺌﻮﻟﺔ! إذ ﻟﻮ ﻛﺎن وراء ﻫﺆﻻء أﻣﺔ ﻳﺨﺸﻮﻧﻬﺎ ﻣﺎ ﺗﺠﺎﴎوا ﻋﲆ اﻹﺗﺠﺎر ﺑﺪﻳﻨﻬﺎ ﺑﻌﺪ اﻹﺗﺠﺎر ﺑﺪﻧﻴﺎﻫﺎ ،ﺑﻞ ﻛﺎﻧﻮا ﻟﻮ اﻗﱰح ﻋﻠﻴﻬﻢ اﻟﻔﺮﻧﺴﻴﺲ اﻗﱰاﺣً ﺎ ﻣﴬٍّ ا ﺑﻤﻠﺘﻬﻢ وأﻣﺘﻬﻢ وﻟﻢ ﻳﻘﺪروا ﻋﲆ رده اﻋﺘﺰﻟﻮا ﻣﻨﺎﺻﺒﻬﻢ ،وﻟﺰﻣﻮا ﺑﻴﻮﺗﻬﻢ. وﻛﺎن اﻟﻔﺮﻧﺴﻴﺲ ﻛﻠﻔﻮا ﺑﺎﻟﻌﻤﻞ ﻏريﻫﻢ ،ﻓﺈذا أﺑﻰ اﻟﺨﻠﻒ ﻣﺎ أﺑﺎه اﻟﺴﻠﻒ ﻣﺮة ﺑﻌﺪ ﻣﺮة ﻋﻠﻢ اﻟﻔﺮﻧﺴﻴﺲ أن ﻻ ﻓﺎﺋﺪة ﰲ اﻹﴏار ،ﻓﻌﺪﻟﻮا ﻋﲆ دﺳﻴﺴﺘﻬﻢ اﻟﱪﺑﺮﻳﺔ وﻣﺎ أﺷﺒﻬﻬﺎ، وﻟﻜﻨﻬﻢ ﻣﴫون ﻋﻠﻴﻬﺎ ﺑﺴﺒﺐ اﺳﺘﻈﻬﺎرﻫﻢ ﺑﺄﻧﺎس ﻣﻤﻦ ﻳﺰﻋﻤﻮن أﻧﻬﻢ »ﻣﺴﻠﻤﻮن« ﻓﻬﻢ ﻳﻬﺪﻣﻮن اﻹﺳﻼم ﺑﻤﻌﺎول ﰲ أﻳﺪي أﺑﻨﺎﺋﻪ ،وﻳﻘﻮﻟﻮن :ﻟﺴﻨﺎ ﻣﻦ ﻫﺬا اﻷﻣﺮ ﰲ ﻗﺒﻴﻞ وﻻ دﺑري33 . أﻓﻼ ﺗﺮى ﻛﻴﻒ ﻗﺎﻟﻮا ﻋﻦ اﻟﻈﻬري اﻟﱪﺑﺮي :إﻧﻪ ﻗﺪ أﺻﺪره اﻟﺴﻠﻄﺎن وﺣﻜﻮﻣﺔ املﺨﺰن؟ 34 أﻓﻬﺬا ﻫﻮ اﻹﺳﻼم اﻟﺬي ﻳﻨﺎﺷﺪ ﷲ اﻟﺸﻴﺦ ﺑﺴﻴﻮﻧﻲ ﻋﻤﺮان ﺑﺘﺄﻳﻴﺪ أﻫﻠﻪ؟ ﻮن﴾35 . ﺎن َرﺑﱡ َﻚ ِﻟﻴُﻬْ ِﻠ َﻚ ا ْﻟ ُﻘ َﺮىٰ ِﺑ ُ ُﺼﻠِﺤُ َ ﻗﺎل ﷲ ﺗﻌﺎﱃ﴿ :وَﻣَ ﺎ َﻛ َ ﻈ ْﻠ ٍﻢ وَأ َ ْﻫﻠُﻬَ ﺎ ﻣ ْ وﻻ ﺷﻚ أن »املﺴﻠﻤني« اﻟﺬﻳﻦ ﻳﺒﻠﻐﻮن ﻫﺬه اﻟﺪرﺟﺎت ﻣﻦ اﻻﻧﺤﻄﺎط وﺗﱰﻛﻬﻢ اﻷﻣﺔ اﻹﺳﻼﻣﻴﺔ وﺷﺄﻧﻬﻢ ﻳﻠﻌﺒﻮن ﺑﺤﻘﻮﻗﻬﺎ ،ﻳﺴﺘﺤﻘﻮن ﻟﻺﺳﻼم اﻟﺘﻤﺤﻴﺺ اﻟﺬي ﻫﻮ ﻓﻴﻪ 36ﻓﺈﻧﻤﺎ ً ﺧﻮﻻ ،وﻳﻐﺘﺼﺒﻮا ﺟﻤﻴﻊ ﺳﻤﺢ ﷲ ﺑﺄن ﻳﺴﺘﻮﱄ اﻷﺟﺎﻧﺐ ﻋﲆ دﻳﺎر املﺴﻠﻤني وﻳﺠﻌﻠﻮﻫﻢ ﺣﻘﻮﻗﻬﻢ؛ ﺗﻌﻠﻴﻤً ﺎ ﻟﻬﻢ وﺗﻬﺬﻳﺒًﺎ ،وﺗﺼﻔﻴﺔ وﺗﻄﻬريًا؛ ﻛﻤﺎ ﻳﺼﻔﻰ اﻟﺬﻫﺐ اﻹﺑﺮﻳﺰ ﺑﺎﻟﻨﺎر. ﺎس ِﻟﻴُﺬ َ ﻗﺎل ﷲ ﺗﻌﺎﱃَ ﴿ : ِﻳﻘﻬُ ﻢ ﺑَﻌْ َﺾ ﻇﻬَ َﺮ ا ْﻟ َﻔ َﺴﺎ ُد ِﰲ ا ْﻟ َ ﱢ ﱪ وَا ْﻟﺒَﺤْ ِﺮ ِﺑﻤَ ﺎ َﻛ َﺴﺒ َْﺖ أَﻳْﺪِي اﻟﻨ ﱠ ِ ﻮن﴾37 . ا ﱠﻟﺬِي ﻋَ ِﻤﻠُﻮا َﻟﻌَ ﱠﻠﻬُ ْﻢ ﻳَ ْﺮ ِﺟﻌُ َ ﻟﻘﺪ أﺻﺒﺢ اﻟﻔﺴﺎد إﱃ ﺣﺪ أن أﻛﱪ أﻋﺪاء املﺴﻠﻤني ﻫﻢ املﺴﻠﻤﻮن ،وإن املﺴﻠﻢ إذا أراد أن ﻳﺨﺪﺗﻢ ﻣﻠﺘﻪ أو وﻃﻨﻪ وﻗﺪ ﻳﺨﴙ أن ﻳﺒﻮح ﺑﺎﻟﴪ ﻣﻦ ذﻟﻚ ﻷﺧﻴﻪ؛ إذ ﻳﺤﺘﻤﻞ أن ﻳﺬﻫﺐ ﻫﺬا إﱃ اﻷﺟﺎﻧﺐ املﺤﺘﻠني ﻓﻴﻘﺪم ﻟﻬﻢ ﺑﺤﻖ أﺧﻴﻪ اﻟﻮﺷﺎﻳﺔ اﻟﺘﻲ ﻳﺮﺟﻮ ﺑﻬﺎ ﺑﻌﺾ اﻟﺰﻟﻔﻰ، ﻓﺎرﻏﺎ38 . ً وﻗﺪ ﻳﻜﻮن أﻣﻠﻪ ﺑﻬﺎ
25
ملﺎذا ﺗﺄﺧﺮ املﺴﻠﻤﻮن؟ وملﺎذا ﺗﻘﺪم ﻏريﻫﻢ؟
ﻛﻠﻤﺔ املﻠﻚ اﺑﻦ ﺳﻌﻮد ﰲ ﺗﺨﺎذل املﺴﻠﻤني وﺗﻌﺎدﻳﻬﻢ وهلل در املﻠﻚ اﺑﻦ ﺳﻌﻮد ﺣﻴﺚ ﻳﻘﻮل :ﻣﺎ أﺧﴙ ﻋﲆ املﺴﻠﻤني إﻻ ﻣﻦ املﺴﻠﻤني ،ﻣﺎ أﺧﴙ ﻣﻦ اﻷﺟﺎﻧﺐ ﻛﻤﺎ أﺧﴙ ﻣﻦ املﺴﻠﻤني39 . وﻫﻮ ﻛﻼم أﺻﺎب ﻛﺒﺪ اﻟﺼﻮاب ،ﻓﺈﻧﻪ ﻣﺎ ﻣﻦ ﻓﺘﺢ ﻓﺘﺤﻪ اﻷﺟﺎﻧﺐ ﻣﻦ اﻟﺒﻼد املﺴﻠﻤني إﻻ ﻛﺎن ﻧﺼﻔﻪ أو ﻗﺴﻢ ﻣﻨﻪ ﻋﲆ أﻳﺪي أﻧﺎس ﻣﻦ املﺴﻠﻤني ﻣﻨﻬﻢ ﻣﻦ ﺗﺠﺴﺲ ﻟﻸﺟﺎﻧﺐ ﻋﲆ ﻗﻮﻣﻪ ،وﻣﻨﻬﻢ ﻣﻦ ﺑﺚ ﻟﻬﻢ اﻟﺪﻋﺎﻳﺔ ﺑني ﻗﻮﻣﻪ ،وﻣﻨﻬﻢ ﻣﻦ ﺳﻞ ﻟﻬﻢ اﻟﺴﻴﻒ ﰲ وﺟﻪ ﻗﻮﻣﻪ، وأﺳﺎل ﰲ ﺧﺪﻣﺘﻬﻢ دم ﻗﻮﻣﻪ. 40 ﻓﺄﻳﻦ إﺳﻼﻣﻬﻢ وإﻳﻤﺎﻧﻬﻢ ﻣﻦ ﻗﻮﻟﻪ ﺗﻌﺎﱃ﴿ :إِﻧﱠﻤَ ﺎ ا ْﻟ ُﻤ ْﺆ ِﻣﻨ ُ َ ﻮن إ ِ ْﺧ َﻮ ٌة﴾ وﻗﻮﻟﻪ﴿ :وَﻣَ ﻦ ﻳَﺘَ َﻮ ﱠﻟﻬُ ﻢ ﻣﱢ ﻨ ُﻜ ْﻢ َﻓ ِﺈﻧ ﱠ ُﻪ ِﻣﻨْﻬُ ﻢْ﴾ 41وﻗﻮﻟﻪ﴿ :إِﻧﱠﻤَ ﺎ ﻳَﻨْﻬَ ﺎ ُﻛ ُﻢ ﷲ ُ ﻋَ ِﻦ ا ﱠﻟﺬ َ ﱢﻳﻦ ِﻳﻦ َﻗﺎﺗَﻠُﻮ ُﻛ ْﻢ ِﰲ اﻟﺪ ِ وَأ َ ْﺧ َﺮﺟُ ﻮ ُﻛﻢ ﻣﱢ ﻦ دِ ﻳ َِﺎر ُﻛ ْﻢ َو َ ﻇ َ اﺟ ُﻜ ْﻢ أَن ﺗَ َﻮ ﱠﻟﻮ ُْﻫ ْﻢ ۚ وَﻣَ ﻦ ﻳَﺘَ َﻮ ﱠﻟﻬُ ْﻢ َﻓﺄُو َﻟ ٰـ ِﺌ َﻚ ُﻫ ُﻢ ﺎﻫ ُﺮوا ﻋَ َﲆ ٰ إ ِ ْﺧ َﺮ ِ ُﻮن﴾ 42وﻗﻮﻟﻪَ : اﻟ ﱠ ﻈﺎ ِﻟﻤ َ ﺻﻠِﺤُ ﻮا ذَ َ ﴿ﻓﺎﺗﱠ ُﻘﻮا ﷲ َ وَأ َ ْ ات ﺑَﻴْﻨِ ُﻜ ْﻢ ۖ وَأ َ ِﻃﻴﻌُ ﻮا ﷲ َ َو َر ُﺳﻮ َﻟ ُﻪ إِن ُﻛﻨﺘُﻢ ني﴾43 . ﻣﱡ ْﺆ ِﻣ ِﻨ َ أﻓﺒﻤﺜﻞ ﻫﺬا ﺗﻜﻮن ﻃﺎﻋﺔ ﷲ ورﺳﻮﻟﻪ؟ أم ﺑﻤﺜﻠﻪ ﺗﻜﻮن أﺧﻮة اﻹﻳﻤﺎن ووﻻﻳﺘﻪ ووﻻﻳﺔ أﻫﻠﻪ؟ أو ملﺜﻞ ﻫﺆﻻء ﻳﻌﺪ ﷲ اﻟﻌﺰ واﻟﻨﴫ واﻟﺘﻤﻜني ﰲ اﻷرض ،وﻫﻢ ﺳﻌﺎة ﺑني أﻳﺪي اﻷﺟﺎﻧﺐ ﻋﲆ ﻣﻠﺘﻬﻢ ووﻃﻨﻬﻢ وﻗﻮﻣﻬﻢ؟! ﻛﻠﻤﺎ ﻋﺎﺗﺒﻬﻢ اﻹﻧﺴﺎن ﻋﲆ ﺧﻴﺎﻧﺔ اﻋﺘﺬروا ﺑﻌﺪم إﻣﻜﺎن املﻘﺎوﻣﺔ ،أو ﺑﺎﺗﻘﺎء ﻇﻠﻢ اﻷﺟﻨﺒﻲ ،أو ﺑﺎرﺗﻜﺎب أﺧﻒ اﻟﴬرﻳﻦ؟ وﺟﻤﻴﻊ أﻋﺬارﻫﻢ ﻻ ﺗﺘﻜﺊ ﻋﲆ ﳾء ﻣﻦ اﻟﺤﻖ ،وﻟﻘﺪ ﻛﺎﻧﻮا ﻗﺎدرﻳﻦ أن ﻳﺨﺪﻣﻮا ﻣﻠﺘﻬﻢ ﺑﺴﻴﻮﻓﻬﻢ ،ﻓﺈن ﻟﻢ ﻳﺴﺘﻄﻴﻌﻮا ﻓﺒﺄﻗﻼﻣﻬﻢ ،ﻓﺈن ﻟﻢ ﻳﺴﺘﻄﻴﻌﻮا ﻓﺒﺄﻟﺴﻨﺘﻬﻢ ،ﻓﺈن ﻟﻢ ﻳﺴﺘﻄﻴﻌﻮا ﻓﺒﻘﻠﻮﺑﻬﻢ44 ، ﻓﺄﺑﻮا إﻻ أن ﻳﻜﻮﻧﻮا ﺑﻄﺎﻧﺔ ﻟﻸﺟﺎﻧﺐ ﻋﲆ ﻗﻮﻣﻬﻢ ،وأﺑﻮا إﻻ أن ﻳﻜﻮﻧﻮا روادًا ﻟﻬﻢ ﻋﲆ ﺑﻼدﻫﻢ، وأﺑﻮا إﻻ أن ﻳﻜﻮﻧﻮا ﻣﻄﺎﻳﺎ ﻟﻸﺟﺎﻧﺐ ﻋﲆ أوﻃﺎﻧﻬﻢ ،وﺗﺮاﻫﻢ ﻣﻊ ذﻟﻚ واﻓﺮﻳﻦ ﻧﺎﻋﻤﻲ اﻟﺒﺎل، ﻣﺘﻤﺘﻌني ﺑﺎﻟﻬﻨﺎء وﺻﻔﺎء اﻟﻌﻴﺶ ،وﻫﻢ ﻳﺄﻛﻠﻮن ﻣﻤﺎ ﺑﺎﻋﻮا ﻣﻦ ﺗﺮاث املﺴﻠﻤني ،وﻳﻨﺎﻣﻮن ﻣﺴﱰﻳﺤني ،ﻣﺜﻞ ﻫﺆﻻء ﻟﻴﺲ ﻟﻬﻢ وﺟﺪان ﻳﻌﺬﺑﻬﻢ ﻣﻦ اﻟﺪاﺧﻞ ،وﻻ ﻧﺠﺪ ﻣﻦ املﺴﻠﻤني ﻣﻦ ﻳﺠﺮؤ أن ﻳﻌﺬﺑﻬﻢ ﻣﻦ اﻟﺨﺎرج45 . ً إﻃﻼﻗﺎ ﻋﲆ اﻟﻌﺎﻟﻢ اﻹﺳﻼﻣﻲ ﰲ ﻫﺬا املﻮﺿﻮع ،ﻓﺈن اﻷﻣﺔ ﻟﻢ ﻧﻜﻦ ﻟﻨﻄﻠﻖ اﻟﻜﻼم ً اﻷﻓﻐﺎﻧﻴﺔ ً ﻣﺜﻼ ﻻ ﻳﻤﻜﻦ أﺣﺪ أن ﻳﺨﻄﺐ ﻓﻴﻬﺎ ﰲ ﺣﺐ اﻷﺟﺎﻧﺐ ﻋﻠﻨﺎ وﻳﺒﻘﻰ ﺣﻴٍّﺎ ،واﻟﻨﺠﺪﻳﻮن ﻻ ﻳﻮﺟﺪ ﻓﻴﻬﻢ ﻣﻦ ﻳﺠﺮؤ أن ﻳﻤﺎﻟﺊ اﻷﺟﺎﻧﺐ ﻋﲆ ﻗﻮﻣﻪ ،واملﴫﻳﻮن ﻗﺪ ارﺗﻘﺖ ﺗﺮﺑﻴﺘﻬﻢ اﻟﺴﻴﺎﺳﻴﺔ ﻛﺜريًا ﻋﻦ ذي ﻗﺒﻞ؛ ﻓﺄﺻﺒﺤﺖ ﻣﺠﺎﻫﺮة أﺣﺪﻫﻢ ﺑﺎملﻴﻞ ﻟﻸﺟﻨﺒﻲ ،أو ﺗﻔﻀﻴﻞ ﺣﻜﻢ 26
ﺟﻮاب اﻷﻣري ﺷﻜﻴﺐ أرﺳﻼن
اﻷﺟﻨﺒﻲ ﺧﻄ ًﺮا ﻋﻠﻴﻪ ،ﻓﺄﻣﺎ ﰲ ﺳﺎﺋﺮ ﺑﻼد اﻹﺳﻼم ﻓﻤﻦ ﺷﺎء ﻣﻦ املﺴﻠﻤني أن ﻳﺨﻠﻊ اﻟﺮﺳﻦ ﻗﻠﻘﺎ وﻻ ً وﻳﺠﺎﻫﺮ ﺑﺎﻟﻌﺼﻴﺎن ﻟﻌﺪو دﻳﻨﻪ وﺑﻠﺪه ﻓﻼ ﻳﺨﴙ ﴍٍّا ،وﻻ ﻳﺤﺎذر ً أرﻗﺎ. أﻓﻠﻤﺜﻞ ﻫﺆﻻء ﻳﻘﻮل ﷲ ﺗﻌﺎﱃ﴿ :وَﻋَ َﺪ ﷲ ُ ا ﱠﻟﺬ َ اﻟﺼﺎﻟِﺤَ ِ ِﻳﻦ آﻣَ ﻨُﻮا ِﻣﻨ ُﻜ ْﻢ وَﻋَ ِﻤﻠُﻮا ﱠ ﺎت اﺳﺘَ ْﺨ َﻠ َ ﻒ ا ﱠﻟﺬ َ َﻟﻴ َْﺴﺘَ ْﺨﻠ َِﻔﻨﱠﻬُ ْﻢ ِﰲ ْاﻷ َ ْر ِض َﻛﻤَ ﺎ ْ ﴣ ِﻳﻦ ِﻣﻦ َﻗﺒْﻠ ِِﻬ ْﻢ َو َﻟﻴُﻤَ ﱢﻜﻨ َ ﱠﻦ َﻟﻬُ ْﻢ دِ ﻳﻨَﻬُ ُﻢ ا ﱠﻟﺬِي ا ْرﺗَ َ ٰ ﺷﻴْﺌًﺎ﴾46 . ﻮن ِﺑﻲ َ ُﴩ ُﻛ َ َﻟﻬُ ْﻢ َو َﻟﻴُﺒَ ﱢﺪ َﻟﻨﱠﻬُ ﻢ ﻣﱢ ﻦ ﺑَﻌْ ِﺪ َﺧ ْﻮﻓ ِِﻬ ْﻢ أَﻣْ ﻨًﺎ ۚ ﻳَﻌْ ﺒُﺪُوﻧَﻨِﻲ َﻻ ﻳ ْ ِ ﺣﺎﺷﺎ هلل ﺗﻌﺎﱃ أن ﻳﻜﻮن ﻋﻨﻲ ﺑﻬﺆﻻء »املﺴﻠﻤني« اﻟﺬﻳﻦ ﻳﺨﻮﻧﻮن ﻣﻠﺘﻬﻢ ،وﻳﺴﻌﻮن ﺑني ﻳﺪي أﻋﺪاﺋﻬﺎ ،وﻳﻨﺎﺻﺒﻮن إﺧﻮاﻧﻬﻢ اﻟﻌﺪاوة؛ اﺑﺘﻐﺎء ﻣﺮﺿﺎة اﻷﺟﺎﻧﺐ واﻟﺤﺼﻮل ﻋﲆ دﻧﻴﺎ زاﺋﻠﺔ وﺣﻄﺎم ﻓﺎن ،ﻛﻴﻒ وﻗﺪ ﻗﺮن اﻹﻳﻤﺎن ﺑﻼزﻣﺔ؛ وﻫﻮ ﻋﻤﻞ اﻟﺼﺎﻟﺤﺎت؟ ﺑﺌﺴﻤﺎ ﴍوا ﺑﻪ أﻧﻔﺴﻬﻢ ،وﻛﺬﻟﻚ ﻻ ﻳﻌﻨﻲ ﷲ ﺑﻬﺆﻻء املﺴﻠﻤني اﻟﺬﻳﻦ إن ﻟﻢ ﻳﻜﻮﻧﻮا ﺧﺎﻣﺮوا ﻋﲆ ﻗﻮﻣﻬﻢ ،وﺳﻌﻮا ﺑني أﻳﺪي اﻷﺟﺎﻧﺐ ﰲ ﺧﺮاب أﻣﺘﻬﻢ ،وأوﻃﺌﻮا ﻣﻨﺎﻛﺒﻬﻢ ﻟﺮﻛﻮب اﻟﻐﺮﻳﺐ اﻟﻄﺎﻣﺢ ،ﻓﺈﻧﻬﻢ اﻛﺘﻔﻮا ﻣﻦ اﻹﺳﻼم ﺑﺎﻟﺮﻛﻮع واﻟﺴﺠﻮد ،واﻷوراد واﻷذﻛﺎر ،وإﻃﺎﻟﺔ اﻟﺴﺒﺤﺔ واﻟﺘﻠﻮم ﰲ اﻟﺴﺠﺪة ،وﻇﻨﻮا أن ﻫﺬا ﻫﻮ اﻹﺳﻼم ،وﻟﻮ ﻛﺎن ﻫﺬا ﻛﺎﻓﻴًﺎ ﰲ إﺳﻼم املﺮء وﻓﻮزه ﰲ اﻟﺪﻧﻴﺎ واﻵﺧﺮة ملﺎ ﻛﺎن اﻟﻘﺮآن ﻣﻶن ﺑﺎﻟﺘﺤﺮﻳﺾ ﻋﲆ اﻟﺠﻬﺎد ،واﻹﻳﺜﺎر ﻋﲆ اﻟﻨﻔﺲ ،واﻟﺼﺪق واﻟﺼﱪ ،وﻧﺠﺪة املﺆﻣﻦ ﻷﺧﻴﻪ ،واﻟﻌﺪل واﻹﺣﺴﺎن ،وﺟﻤﻴﻊ ﻣﻜﺎرم اﻷﺧﻼق ،وﻟﻮ ﻛﺎن ﻫﺬا ﻛﺎﻓﻴًﺎ ﻷﺟﻞ اﻟﺘﺤﻘﻖ ﺑﺎﻹﺳﻼم ملﺎ ﻗﺎل ﷲ ﺗﻌﺎﱃُ : ﴿ﻗ ْﻞ إِن َﻛ َ ﺎن آﺑَﺎ ُؤ ُﻛ ْﻢ وَأَﺑْﻨَﺎ ُؤ ُﻛ ْﻢ َوإ ِ ْﺧﻮَاﻧ ُ ُﻜ ْﻢ ُﻮﻫﺎ َوﺗِﺠَ ﺎ َر ٌة ﺗَ ْﺨ َﺸﻮ َْن َﻛ َﺴﺎد ََﻫﺎ وَﻣَ َﺴﺎ ِﻛ ُﻦ ﺗَ ْﺮ َ وَأ َ ْزوَاﺟُ ُﻜ ْﻢ وَﻋَ ِﺸريَﺗُ ُﻜ ْﻢ وَأَﻣْ ﻮَا ٌل ْاﻗ َﱰ َْﻓﺘُﻤ َ ﺿ ْﻮﻧَﻬَ ﺎ أَﺣَ ﺐﱠ إ ِ َﻟﻴْ ُﻜﻢ ﻣﱢ َﻦ ِ ﱰﺑ ُ ﱠﺼﻮا ﺣَ ﺘﱠ ٰﻰ ﻳَﺄْﺗ َِﻲ ﷲ ُ ِﺑﺄَﻣْ ِﺮ ِه ۗ َوﷲ ُ َﻻ ﻳَﻬْ ﺪِي ﷲ َو َر ُﺳﻮﻟِ ِﻪ و َِﺟﻬَ ﺎدٍ ِﰲ َﺳ ِﺒﻴﻠ ِِﻪ َﻓ َ َ ني﴾47 . ﺎﺳﻘِ َ ا ْﻟ َﻘ ْﻮ َم ا ْﻟ َﻔ ِ أﻓﻴﻘﺪر أﺧﻮﻧﺎ اﻟﺸﻴﺦ ﺑﺴﻴﻮﻧﻲ ﻋﻤﺮان أو ﻏريه أن ﻳﻘﻮل :إن املﺴﻠﻤني اﻟﻴﻮم — إﻻ اﻟﻨﺎدر اﻷﻧﺪر واﻟﻜﱪﻳﺖ اﻷﺣﻤﺮ — ﻳﻔﻀﻠﻮن ﷲ ورﺳﻮﻟﻪ ﻋﲆ آﺑﺎﺋﻬﻢ وإﺧﻮاﻧﻬﻢ وأزواﺟﻬﻢ وﺗﺠﺎرﺗﻬﻢ وأﻣﻮاﻟﻬﻢ وﻣﺴﺎﻛﻨﻬﻢ ،أو ﻳﺆﺛﺮون ﺣﺐ ﷲ ورﺳﻮﻟﻪ — وإﻧﻤﺎ ﺣﺐ ﷲ ورﺳﻮﻟﻪ إﻗﺎﻣﺔ اﻹﺳﻼم — ﻋﲆ اﻟﺠﺰء اﻟﻴﺴري ﻣﻦ أﻣﻮال اﻗﱰﻓﻮﻫﺎ وﺗﺠﺎرة ﻳﺨﺸﻮن ﻛﺴﺎدﻫﺎ؟ ﻟﻨﻌﻤﻞ ﻫﺬه اﻟﺘﺠﺮﺑﺔ ،ﻓﺒﻀﺪﻫﺎ ﺗﺘﺒني اﻷﺷﻴﺎء.
27
ملﺎذا ﺗﺄﺧﺮ املﺴﻠﻤﻮن؟ وملﺎذا ﺗﻘﺪم ﻏريﻫﻢ؟
املﻮازﻧﺔ ﺑني املﺴﻠﻤني واﻟﻨﺼﺎرى ﰲ اﻟﺒﺬل ﻟﻨﴩ اﻟﺪﻳﻦ ﻟﻨﻔﺮض أن ﻣﺴﺄﻟﺔ ﺗﻨﺼري اﻟﱪﺑﺮ دﺧﻠﺖ ﰲ ﻃﻮر اﻟﻨﺠﺎح ،واﻧﺘﺪب اﻟﺒﺎﺑﺎ اﻟﻜﺎﺛﻮﻟﻴﻜﻴني اﻟﺬﻳﻦ ﰲ اﻟﻌﺎﻟﻢ ﻟﺒﺬل اﻷﻣﻮال اﻟﻼزﻣﺔ ﻟﻬﺬا اﻟﺘﺤﻮﻳﻞ اﻟﺬي ﺗﺘﻮﺧﺎه ﻓﺮﻧﺴﺔ ﰲ اﻟﱪﺑﺮ ﻣﻦ دﻳﻦ اﻹﺳﻼم إﱃ دﻳﻦ اﻟﻨﴫاﻧﻴﺔ ،ﻓﻜﻢ ﻣﻠﻴﻮﻧًﺎ ﺗﻈﻦ ﻣﻦ اﻟﺠﻨﻴﻬﺎت ﻳﺪر ﻋﲆ املﺒﴩﻳﻦ واﻟﺮﻫﺒﺎن واﻟﺮاﻫﺒﺎت ﻟﺒﻨﺎء اﻟﻜﻨﺎﺋﺲ واملﺪارس واملﻼﺟﺊ واملﺴﺘﺸﻔﻴﺎت وﻣﺮاﻛﺰ اﻷﺳﻘﻔﻴﺎت وﻣﺎ أﺷﺒﻪ ذﻟﻚ؛ ﻹﺗﻤﺎم ﻫﺬا اﻟﻌﻤﻞ اﻟﺬي ﺗﻀﻢ ﺑﻪ اﻟﻜﺜﻠﻜﺔ ﺛﻤﺎﻧﻴﺔ ﻣﻼﻳني ﻣﻦ اﻟﱪاﺑﺮ إﱃ اﻷرﺑﻌﻤﺎﻳﺔ ﻣﻠﻴﻮن ﻛﺎﺛﻮﻟﻴﻜﻲ اﻟﺬﻳﻦ ﰲ اﻟﻌﺎﻟﻢ؟ ﻻ ﺷﻚ أن اﻟﺠﻮاب ﻳﻜﻮن :ﻋﺪة ﻣﻼﻳني ﺗﺠﻤﻊ ﰲ ﺑﻀﻌﺔ أﺷﻬﺮ ،ﻓﺈن ﻗﻴﻞ ﻟﻠﱪوﺗﺴﺘﺎﻧﺘﻴني: ﺗﻌﺎﻟﻮا ﻓﻘﺪ أذﻧﺎ ﻟﻜﻢ ﰲ ﺗﻨﺼري اﻟﱪاﺑﺮة ﻓﺎﺑﺬﻟﻮا ﰲ ﻫﺬه اﻟﺴﺒﻴﻞ ﻣﺎ أﻣﻜﻨﻜﻢ ،ﻓﺈﻧﻬﺎ ﺗﺪر ﺣﻴﻨﺌﺬ املﻼﻳني ﺑﻘﺪر ﺿﻌﻔﻲ ﻣﺎ ﻳﺪر ﻣﻦ اﻟﻜﺎﺛﻮﻟﻴﻜﻴني ،وﰲ ﻣﺪة أﻗﴫ ﻣﻦ املﺪة اﻟﺘﻲ ﻳﺠﻤﻊ ﻓﻴﻬﺎ املﺎل اﻟﺬي ﻳﺠﻮد ﺑﻪ ﻫﺆﻻء. ﻓﻠﻨﻘﻞ ﻟﻠﻤﺴﻠﻤني :إن اﻟﱪاﺑﺮ ﺻﺎروا ﻋﲆ ﺷﻔﺎ اﻟﺨﺮوج ﻣﻦ اﻹﺳﻼم ،وإن اﻷس ﰲ ﻫﺬا اﻟﺼﺒﻮء ﻋﻦ دﻳﻦ اﻹﺳﻼم ﻫﻮ اﻟﺠﻬﻞ ،ﻓﻌﻠﻴﻨﺎ أن ﻧﺮﺳﻞ إﻟﻴﻬﻢ ﻋﻠﻤﺎء ووﻋﺎ ً ﻇﺎ؛ ﻟﻴﺘﻔﻘﻬﻮا ﰲ اﻟﺪﻳﻦ ،وأن ﻧﺒﻨﻲ ﻟﻬﻢ املﺴﺎﺟﺪ واملﺪارس واﻟﻜﺘﺎﺗﻴﺐ واملﻼﺟﺊ … إﱃ ﻏري ذﻟﻚ ﻣﻦ اﻟﻮﺳﺎﺋﻞ اﻟﺘﻲ ﺗﻤﺴﻚ ﺑﺤﺠﺰاﺗﻬﻢ ﻋﻦ ﻣﻔﺎرﻗﺔ اﻹﺳﻼم واملﺴﻠﻤني. ﻓﻜﻢ ﺗﻈﻦ املﺒﻠﻎ اﻟﺬي ﻳﺠﻮد ﺑﻪ املﺴﻠﻤﻮن ﺑﻌﺪ اﻟﻠﺘﻴﺎ واﻟﺘﻲ ﻟﻬﺬا اﻟﻌﻤﻞ؟ ﻻ أﻇﻦ أﻧﻬﻢ ﻳﺠﻮدون ﺑﻤﺎ ﻳﺘﺠﺎوز ﺟﺰءًا ﻣﻦ ﻣﺌﺔ ﻣﻤﺎ ﻳﺒﺬﻟﻪ اﻟﻜﺎﺛﻮﻟﻴﻚ أو اﻟﱪوﺗﺴﺘﺎﻧﺖ48 . ﻓﻬﺬه ﻫﻲ ﺣﻤﻴﺔ املﺴﻴﺤﻴني ﻋﲆ دﻳﻨﻬﻢ ،وﻫﺬه ﻫﻲ ﺣﻤﻴﺔ املﺴﻠﻤني. وﻣﻦ اﻟﻨﺎس ﻣﻦ ﻳﺴﺄل ﻋﻦ أﺳﺒﺎب اﻧﺤﻄﺎط املﺴﻠﻤني وﻗﺼﻮرﻫﻢ ﻋﻦ ﻣﺒﺎراة ﺳﻮاﻫﻢ، ﻓﻠﻮ ﺗﺄﻣﻞ ﰲ ﻫﺬه اﻟﻔﺮوق ﰲ اﻟﻨﻬﻀﺔ واﻟﺤﻤﻴﺔ ﻟﻮﺟﺪ ﻋﻨﺪﻫﺎ اﻟﺠﻮاب اﻟﻜﺎﰲ. وﻣﻦ أﻏﺮب اﻷﻣﻮر أن ﻧﺮى اﻷوروﺑﻴني ودﻋﺎﺗﻬﻢ وﺗﻼﻣﻴﺬﻫﻢ ﻣﻦ اﻟﴩﻗﻴني ﺑﻌﺪ ﻫﺬا ﻛﻠﻪ ﻳﺘﻬﻤﻮن املﺴﻠﻤني ﺑﺎﻟﺘﻌﺼﺐ اﻟﺪﻳﻨﻲ وﻳﻨﺒﺰوﻧﻬﻢ ﺑﻠﻘﺒﻪ ،وﻳﻨﺘﺤﻠﻮن ﻷﻧﻔﺴﻬﻢ اﻟﺘﺴﺎﻫﻞ ﰲ اﻟﺪﻳﻦ! إن ﻫﺬا وﷲ ﻟﻌﺠﺐ ﻋﺠﺎب. وﻫﺎ أﻧﺬا اﻵن ﰲ ﻛﺘﺎﺑﺘﻲ ﻫﺬه اﻟﺘﻲ ﻣﻌﻨﺎﻫﺎ اﻟﺪﻓﺎع ﻻ اﻟﺘﺠﺎوز ،واﻷﺳﺘﺎذ اﻷﻛﱪ ﺻﺎﺣﺐ املﻨﺎر ،وﻋﺒﺪ اﻟﺤﻤﻴﺪ ﺑﻚ ﺳﻌﻴﺪ رﺋﻴﺲ ﺟﻤﻌﻴﺔ اﻟﺸﺒﺎن املﺴﻠﻤني وﻏريﻧﺎ ﻣﻦ املﺪاﻓﻌني ﻋﻦ ﺣﻖ اﻹﺳﻼم ،واﻟﺮﺟﺎل اﻟﺬﻳﻦ ﻳﺒﻐﻮن ﻣﻨﻊ اﻻﻋﺘﺪاء ﻋﲆ اﻹﺳﻼم وﻳﻨﺎدون املﺴﻠﻤني ﻟﻴﻨﺘﺒﻬﻮا ﻟﻠﺨﻄﺮ املﺤﺪق ﺑﻬﻢ — ﻣﺘﻬﻤﻮن ﺑﺎﻟﺘﻌﺼﺐ اﻟﺪﻳﻨﻲ وﻣﻨﺒﻮزون ﺑﻬﺬه اﻟﻜﻠﻤﺔ ،ﻻ ﺑني ﻏري املﺴﻠﻤني ﻓﻘﻂ ،ﺑﻞ ﺑني املﺴﻠﻤني اﻟﺠﻐﺮاﻓﻴني ً أﻳﻀﺎ — أﻋﻨﻲ اﻟﺬﻳﻦ ﻳﺘﺒﺎﻫﻮن ﺑﺄن ﺳﻴﺎﺳﺘﻬﻢ 28
ﺟﻮاب اﻷﻣري ﺷﻜﻴﺐ أرﺳﻼن
»ﻻدﻳﻨﻴﺔ« وﻃﺎملﺎ ﴏﺣﻮا ﺑﺄﻧﻬﻢ ﻻ ﻳﻘﻴﻤﻮن ﻟﻠﺪﻳﻦ وزﻧًﺎ ،وﻃﺎملﺎ ﺗﺰﻟﻔﻮا إﱃ املﺴﻴﺤﻴني ﺑﻜﻮﻧﻬﻢ ﻫﻢ ﻻ ﻳﺪاﻓﻌﻮن ﻋﻦ اﻟﺪﻳﻦ اﻹﺳﻼﻣﻲ ﻛﻤﺎ ﻳﺪاﻓﻊ زﻳﺪ وﻋﻤﺮو … وﻫﺆﻻء ﻓﺌﺔ ﻣﻌﺮوﻓﺔ ﻳﻌﺮﻓﻬﻢ اﻟﻨﺎس ،وﻫﻢ ﻳﻌﺮﻓﻮن أﻧﻔﺴﻬﻢ ،وﻟﻮ ﻓﻜﺮ املﺴﻴﺤﻴﻮن ﰲ ﺷﺄﻧﻬﻢ ﻟﻌﻠﻤﻮا أﻧﻬﻢ ﻟﻴﺴﻮا ﻋﲆ ﳾء ،وأﻧﻬﻢ ﻻ ﻳﺴﺘﺤﻘﻮن اﻻﺣﱰام ﻣﻨﻬﻢ؛ ﻷن اﻟﺬي ﻳﺘﺰﻟﻒ إﱃ اﻟﻨﺎس ﺑﻤﺜﻞ ﻫﺬه اﻟﻄﺮق ﺣﺮي ﺑﺄن ﻻ ﻳﻜﻮن ً أﻫﻼ ﻟﻠﺜﻘﺔ وﻻ ﻟﻠﻜﺮاﻣﺔ ،وﻣﺎ ﻳﺰﻳﻦ املﺮء ﳾء ﻣﺜﻞ اﻻﺳﺘﻘﺎﻣﺔ واﺳﺘﻮاء اﻟﺒﺎﻃﻦ واﻟﻈﺎﻫﺮ. ﻓﺎملﺴﻠﻢ إذًا ﻻ ﻳﺨﻠﺺ ﻣﻦ ﻟﻘﺐ »ﻣﺘﻌﺼﺐ« إﻻ إذا ﺳﻤﻊ أن اﻟﻔﺮﻧﺴﻴﺲ ﻳﺤﺎوﻟﻮن ﺗﻨﺼري اﻟﱪﺑﺮ ،ﻓﻤﺮ ﺑﺬﻟﻚ ﻛﺄن ﻟﻢ ﻳﺴﻤﻊ ﺷﻴﺌًﺎ ،وإﻻ إذا ﺳﻤﻊ أن اﻟﻬﻮﻻﻧﺪﻳني ﻧﴫوا ﻣﺌﺔ أﻟﻒ — وﻗﺪ زﻋﻢ أﺣﺪ ﻧﻮاب اﻟﱪملﺎن اﻟﻬﻮﻻﻧﺪي أﻧﻬﻢ ﻓﺎزوا ﺑﺘﻨﺼري ﻣﻠﻴﻮن ﻣﺴﻠﻢ ﻣﻦ ﻣﺴﻠﻤﻲ اﻟﺠﺎوى — وﻫﺰ ﻛﺘﻔﻪ ً ﻗﺎﺋﻼ :أﻧﺎ ﻻ ﻳﻬﻤﻨﻲ أﻛﺎن اﻟﺠﺎوي ﻣﺴﻠﻤً ﺎ أم ﻣﺴﻴﺤﻴٍّﺎ … ﻫﻨﺎﻟﻚ »املﺴﻠﻢ« ﻳﺼري »راﻗﻴًﺎ« وﻳﻌﺪ »ﻋﴫﻳٍّﺎ« وﻳﺼري ﻣﺤﺒﻮﺑًﺎ وﻳﻘﺎل ﻓﻴﻪ ﻛﻞ ﺧري؟! وأﻣﺎ اﻷوروﺑﻲ ﻓﻠﻪ أن ﻳﺒﺬل اﻟﻘﻨﺎﻃري املﻘﻨﻄﺮة ﻋﲆ ﺑﺚ اﻟﺪﻋﺎﻳﺔ املﺴﻴﺤﻴﺔ ﺑني املﺴﻠﻤني، وﻟﻪ أن ﻳﺤﻤﻴﻬﺎ ﺑﺎملﺪاﻓﻊ واﻟﻄﻴﺎرات واﻟﺪﺑﺎﺑﺎت ،وﻟﻪ أن ﻳﺤﻮل ﺑني املﺴﻠﻤني ودﻳﻨﻬﻢ ﺑﺎﻟﺬات وﺑﺎﻟﻮاﺳﻄﺔ ،وﻟﻪ أن ﻳﺪس ﻛﻞ دﺳﻴﺴﺔ ﻣﻤﻜﻨﺔ ﻟﻬﺪم اﻹﺳﻼم ﰲ ﺑﻼد اﻹﺳﻼم ،وﻟﻴﺲ ﻋﻠﻴﻪ ﺣﺮج ﰲ ذﻟﻚ ،وﻻ ﻳﺴﻠﺒﻪ ﻫﺬا اﻟﻌﻤﻞ ﺻﻔﺔ »راق« و»ﻣﺘﻤﺪن« و»ﻋﴫي« وأﻏﺮب ﻣﻦ ﻫﺬا أﻧﻪ ﻻ ﻳﺴﻠﺒﻪ ﻧﻌﺖ »ﻣﺪﻧﻲ« و»ﻻدﻳﻨﻲ« و»ﻣﺘﺴﺎﻫﻞ«. وﻫﺆﻻء »املﺴﻠﻤﻮن اﻟﺠﻐﺮاﻓﻴﻮن« ﺑﺮﻏﻢ ﻫﺬه اﻟﺸﻮاﻫﺪ اﻟﺒﺎﻫﺮة ﻟﻸﻋني ،وﺑﺮﻏﻢ ﻣﺎ ﻋﻤﻠﺘﻪ ﺟﻤﻬﻮرﻳﺔ ﻓﺮﻧﺴﺔ »اﻟﻼدﻳﻨﻴﺔ« ﰲ ﻗﻀﻴﺔ اﻟﱪﺑﺮ ملﺂرب دﻳﻨﻴﺔ ﻛﺎﺛﻮﻟﻴﻜﻴﺔ ،وﺑﺮﻏﻢ ﺣﻤﺎﻳﺔ ﻫﻮﻻﻧﺪة ملﺒﴩي اﻹﻧﺠﻴﻞ ﰲ اﻟﺠﺎوى ،وﺑﺮﻏﻢ ﻗﺮار اﻟﺤﻜﻮﻣﺔ اﻟﺒﻠﺠﻴﻜﻴﺔ رﺳﻤﻴٍّﺎ إﻛﻤﺎل ﺗﻨﺼري أﻫﻞ اﻟﻜﻮﻧﻐﻮ 49 ،وﺑﺮﻏﻢ ﻣﻨﻊ اﻹﻧﻜﻠﻴﺰ ﰲ اﻷوﻏﺎﻧﺪا وﰲ دار اﻟﺴﻼم — وﻛﺬا اﻟﺴﻮدان — ﻣﻦ ﺑﺚ اﻟﺪﻋﺎﻳﺔ اﻹﺳﻼﻣﻴﺔ ﺑني اﻟﺰﻧﻮج ،وﺑﺮﻏﻢ أﻣﻮر ﻛﺜرية ﻻ ﻳﺴﻌﻨﺎ اﻵن ﴍﺣﻬﺎ ،ﻻ ﻳﺰاﻟﻮن ﻳﺨﺪﻋﻮن املﺴﻠﻤني ﻗﺎﺋﻠني ﻟﻬﻢ :إن أوروﺑﺔ ﻗﺪ رﻓﺴﺖ اﻟﺪﻳﻦ ﺑﺮﺟﻠﻬﺎ ،وﺻﺎرت ﻋﲆ ﺧﻄﺔ ﻻدﻳﻨﻴﺔ وﺑﺬﻟﻚ ﻗﺪ اﺗﺴﻖ ﻟﻬﺎ اﻟﺮﻗﻲ وﻧﺠﺤﺖ ،وﻧﺤﻦ ﻟﻦ ﻧﻔﻠﺢ ﻣﺎ دﻣﻨﺎ ﺳﺎﺋﺮﻳﻦ ﻋﲆ ﺧﻄﺔ إﺳﻼﻣﻴﺔ50 . ﻗﺪ ﻗﺎم ﺑﺒﺚ ﻫﺬه اﻟﺴﻔﺴﻄﺔ أﻧﺎس ﰲ ﺗﺮﻛﻴﺎ ووﺟﺪوا ﻣﻤﻦ ﺗﻠﻘﺎﻫﺎ ﺑﺎﻟﻘﺒﻮل ﻋﺪدًا ﻛﺒريًا، وﺗﺮى ً أﻧﺎﺳﺎ ﰲ ﻣﴫ واﻟﺸﺎم واﻟﻌﺮاق وﻓﺎرس ﻳﻘﻮﻟﻮن ﺑﻬﺎ وﻳﻜﺎﺑﺮون ﰲ املﺤﺴﻮس وﻻ ﻳﺒﺎﻟﻮن؛ ﻷﻧﻬﻢ ﻳﺠﺪون ﻋﲆ ﻛﻞ اﻷﺣﻮال ﻣﻦ اﻷﻏﺮار ﻣﻦ ﻳﺼﺪﻗﻬﻢ. اﻟﺼﺪُور﴾51 . َ ﴿ﻓ ِﺈﻧﱠﻬَ ﺎ َﻻ ﺗَﻌْ ﻤَ ﻰ ْاﻷَﺑ َ ْﺼﺎ ُر َو َﻟ ٰـﻜِﻦ ﺗَﻌْ ﻤَ ﻰ ا ْﻟ ُﻘﻠُﻮبُ ا ﱠﻟﺘِﻲ ِﰲ ﱡ ِ 29
ملﺎذا ﺗﺄﺧﺮ املﺴﻠﻤﻮن؟ وملﺎذا ﺗﻘﺪم ﻏريﻫﻢ؟
ﻫﻮاﻣﺶ ) (1ﻛﺎﻧﻮا أﻋﲆ ﻣﺴﺘﻮى ﻣﻦ اﻟﻜﺎﺛﻮﻟﻴﻜﻴني واﻷرﺛﻮذﻛﺴﻴني ﻣﻦ اﻟﺠﻬﺔ املﺎدﻳﺔ ﺑﺴﺒﺐ أن ٨٠ﰲ املﺌﺔ ﻣﻦ أراﴈ ﺑﻮﺳﻨﺔ ﻛﺎﻧﺖ ﻣﻠ ًﻜﺎ ﻟﻠﻤﺴﻠﻤني وﻛﺎن اﻟﻔﻼﺣﻮن ﻓﻴﻬﺎ ﺟﻤﻴﻌً ﺎ ﻣﻦ اﻟﴪﺑﻴني ﻓﻤﻨﺬ ﺑﻀﻊ ﻋﴩة ﺳﻨﺔ ﺳﻨﺖ ﺣﻜﻮﻣﺔ ﺑﻠﻐﺮاد ﻗﺎﻧﻮﻧًﺎ ﺻﺪﻗﻪ ﻣﺠﻠﺲ ﻧﻮاﺑﻬﺎ ﻧﺰﻋﺖ ﺑﻤﻮﺟﺒﻪ ﻫﺬه اﻷﻣﻼك ﻣﻦ أﻳﺪي ﻣﺎﻟﻜﻴﻬﺎ املﺴﻠﻤني وﺳﻠﻤﺘﻬﺎ إﱃ اﻟﻔﻼﺣني اﻟﴪﺑﻴني ﻏري ﻣﻌﻮﺿﺔ ﻋﲆ املﺴﻠﻤني إﻻ ﺑﺒﺪل ﺑﺨﺲ ﻓﺄﺻﺒﺤﻮا ﻻ ﻳﻤﻠﻜﻮن ﰲ ﺑﻮﺳﻨﺔ إﻻ ٢٥ﰲ املﺌﺔ ﻣﻦ اﻷراﴈ ﻓﺴﻘﻄﺖ أﻫﻤﻴﺘﻬﻢ املﺎدﻳﺔ ﻣﻦ ذﻟﻚ اﻟﻮﻗﺖ ،أﻣﺎ ﺣﺎﻟﺘﻬﻢ اﻷدﺑﻴﺔ ﻓﻤﺮﺿﻴﺔ إﱃ اﻟﻴﻮم ﻻ ﻳﻘﺎل :إﻧﻬﺎ دﻧﻴﺎ؛ ﺑﺎﻟﻘﻴﺎس إﱃ ﺟرياﻧﻬﻢ )ش(. ) (2املﻨﺎﻓﻘﻮن :ﻣﻦ اﻵﻳﺔ .٨ ) (3اﻟﺮوم :ﻣﻦ اﻵﻳﺔ .٤٧ ) (4اﻟﺮﻋﺪ :ﻣﻦ اﻵﻳﺔ .١٢ ) (5اﻟﺘﻮﺑﺔ.١١١ : ) (6املﻨﺎر :ﻳﺮاﺟﻊ ﺗﻔﺎﺻﻴﻞ ﻫﺬه املﺴﺄﻟﺔ ﰲ أﺟﺰاء ﺗﻔﺴري املﻨﺎر ﺗﺠﺪه ﺑﺪﻻﻟﺔ اﻟﻔﻬﺎرس ﰲ ﻣﻮاﺿﻊ ﻣﻦ أﻛﺜﺮﻫﺎ ،ﻣﻨﻬﺎ ١٣ﻣﻮﺿﻌً ﺎ ﰲ اﻟﺠﺰء اﻟﺮاﺑﻊ ﻣﻨﻪ ،و ٧ﻣﻮاﺿﻊ ﰲ اﻟﺠﺰء اﻟﺜﺎﻧﻲ ،وآﺧﺮﻫﺎ ﰲ آﺧﺮ اﻟﺠﺰء اﻟﺘﺎﺳﻊ ،وﻟﻬﺎ ﻣﺰﻳﺪ ﰲ ﺑﻀﻌﺔ ﻣﻮاﺿﻊ ﻣﻦ اﻟﺠﺰء اﻟﻌﺎﴍ )ر(. ) (7اﻟﺤﺞ.٤٠ : ) (8ﻣﺤﻤﺪ :ﻣﻦ اﻵﻳﺔ .٧ ) (9اﻟﻨﺠﻢ.٣٩ : ) (10اﻟﺘﻮﺑﺔ :ﻣﻦ اﻵﻳﺔ .١٠٥ ) (11اﻟﺘﻮﺑﺔ :ﻣﻦ اﻵﻳﺔ .٩٤ ) (12آل ﻋﻤﺮان :ﻣﻦ اﻵﻳﺔ .١٩٥ ) (13ﻳﻈﻬﺮ أن اﻷﻣري ﻟﻢ ﻳﻘﺮن اﻟﺰﻛﺎة ﺑﺎﻟﺼﻼة واﻟﺼﻴﺎم ﻟﻌﻠﻤﻪ ﺑﺄن أﻛﺜﺮﻫﻢ ﺗﺮﻛﻬﺎ وﻫﻲ رﻛﻦ اﻹﺳﻼم اﻟﺪﻧﻴﻮي املﺎدي ،واﻟﺼﻼة رﻛﻨﻪ اﻟﺮوﺣﻲ ،وﻫﻢ ﻳﻄﻠﺒﻮن اﻟﺪﻧﻴﺎ وﻳﱰﻛﻮن ﻣﻦ اﻹﺳﻼم أﻫﻢ أرﻛﺎﻧﻬﺎ — اﻟﺰﻛﺎة ،واﻟﺠﻬﺎد ﺑﺎملﺎل واﻟﻨﻔﺲ ﰲ ﺳﺒﻴﻞ ﷲ — وﻗﺪ وﺻﻒ ﷲ املﺆﻣﻨني اﻟﺼﺎدﻗني ﺑﺎﻟﺠﻬﺎد ﺑﺄﻣﻮاﻟﻬﻢ وأﻧﻔﺴﻬﻢ؛ ﻓﻘﺪم ذﻛﺮ املﺎل ،وﻗﺎل ﰲ ﺳﻴﺎق آﻳﺎت ﻴﻞ ِ ﷲ و ََﻻ ﺗُ ْﻠ ُﻘﻮا ِﺑﺄَﻳْﺪِﻳ ُﻜ ْﻢ إ ِ َﱃ اﻟﺘﱠﻬْ ﻠُ َﻜ ِﺔ﴾ أي ﺑﻌﺪ اﻹﻧﻔﺎق ،وﻗﺪ ﻗﺎﺗﻞ اﻟﻘﺘﺎل﴿ :وَأَﻧﻔِ ُﻘﻮا ِﰲ َﺳ ِﺒ ِ اﻟﺼﺤﺎﺑﺔ )ر ض( ﻣﻦ ﻣﻨﻊ اﻟﺰﻛﺎة وﻟﻢ ﻳﻌﺘﺪوا ﺑﺈﺳﻼﻣﻬﻢ ﺑﺪوﻧﻬﺎ )ر(. 30
ﺟﻮاب اﻷﻣري ﺷﻜﻴﺐ أرﺳﻼن
) (14اﻟﺒﻘﺮة.١٥٥ : ) (15ﻋﻨﻴﺖ ﺑﻬﺬه اﻟﻮاﻗﻌﺔ اﻟﻔﺘﻨﺔ اﻟﺘﻲ ﺟﺮت ﺳﻨﺔ ١٩٢٩ﻣﻴﻼدﻳﺔ ،وﻛﺎن ﻣﺠﻤﻮع ﻣﺎ أﻋﺎن ﺑﻪ اﻟﻌﺮب إﺧﻮاﻧﻬﻢ ﰲ ﻓﻠﺴﻄني ﺛﻼﺛﺔ ﻋﴩ أﻟﻒ ﺟﻨﻴﻪ ﻻ ﻏري ،إﻻ أن ﺣﻮادث اﻟﺪﻫﺮ ﻋﻠﻤﺖ املﺴﻠﻤني وأﻳﻘﻈﺘﻬﻢ ،وﻧريان املﺼﺎﺋﺐ واﻟﺨﻄﻮب أﺣﺴﻨﺖ ﺳﺒﻜﻬﻢ ،ﻓﻔﻲ ﻫﺬه اﻟﺴﻨﻮات اﻟﻌﴩ اﻷﺧرية ﺑﺪأوا ﻳﻘﺘﺪون ﺑﺎﻟﻴﻬﻮد واﻷوروﺑﻴني ﰲ اﻟﺒﺬل ،وﺳﺎروا ﻓﻴﻪ ﻋﲆ أﺛﺮﻫﻢ ،وإن ﻛﺎﻧﻮا ﻻ ﻳﺰاﻟﻮن ﰲ أول اﻟﻄﺮﻳﻖ ،وﻟﻘﺪ أﺣﺼﻴﺖ إﻋﺎﻧﺎت اﻟﻌﺮب ﻹﺧﻮاﻫﻢ ﰲ ﻓﻠﺴﻄني ﺑني ﺳﻨﺘﻲ ١٩٣٧و ١٩٣٨ﻓﺰادت ﻋﲆ ﻣﺎ ﻛﺎن ﻳﺤﺼﻞ ﻣﻦ ﻗﺒﻞ ،وﻟﻜﻦ ﻫﺬه اﻹﻋﺎﻧﺎت أﺛﻤﺮت ﺛﻤﺮﻫﺎ ،وﺛﺒﺘﺖ أﻗﺪام اﻟﻌﺮب ﰲ وﺟﻪ اﻹﻧﻜﻠﻴﺰ واﻟﻴﻬﻮد ،ﺣﺘﻰ اﺿﻄﺮ اﻹﻧﻜﻠﻴﺰ إﱃ ﺳﻮق ٣٠أﻟﻒ ﺟﻨﺪي ﻫﻢ ﰲ ﻧﻀﺎل ﻣﺴﺘﻤﺮ ﻣﻦ ﺳﻨﺘني إﱃ اﻵن ﻣﻊ اﻟﻌﺮب ووراءﻫﻢ ﻗﻮى ﻋﻈﻴﻤﺔ ﻣﻦ اﻟﺒﻮﻟﻴﺲ واﻟﻴﻬﻮد واملﺴﻠﺤني واﻟﺨﺎﺋﻨني ﻣﻦ اﻟﻌﺮب أﻧﻔﺴﻬﻢ وﻣﻦ ﻗﻮة ﴍﻗﻲ اﻷردن ،وﻟﻢ ﻳﺘﻤﻜﻨﻮا ﻣﻦ إﺧﻤﺎد اﻟﺜﻮرة وﻻ ﺣﺼﻠﻮا ﻋﲆ ﻃﺎﺋﻞ ،وﻋﺎدت اﻹﻧﻜﻠﻴﺰ ﻓﻨﻜﺼﺖ ﻋﲆ أﻋﻘﺎﺑﻬﺎ ،ورﺿﻴﺖ ﺑﻌﻘﺪ ﻣﺆﺗﻤﺮ ﰲ ﻟﻨﺪرة ﺗﺤﴬه وﻓﻮد اﻟﺪول اﻟﻌﺮﺑﻴﺔ ملﺴﺎﻋﺪﺗﻬﺎ ﻋﲆ ﺣﻞ املﻌﻀﻠﺔ اﻟﻔﻠﺴﻄﻴﻨﻴﺔ ،ورﺟﻌﺖ ﻋﻦ ﺑﺮﻧﺎﻣﺠﻬﺎ اﻷول؛ وﻫﻮ إﻋﻄﺎء ﻓﻠﺴﻄني ﻟﻠﻴﻬﻮد راﺿﻴﺔ ﺑﺄن ﻳﻜﻮن ﻫﺆﻻء ﺛﻠﺚ ﻋﺪد اﻟﺴﻜﺎن ﻻ ﻳﺰﻳﺪون ﻋﲆ اﻟﺜﻠﺚ ،ﻓﻬﺬا اﻟﺘﺤﻮل ﻧﺘﻴﺠﺔ املﻘﺎوﻣﺔ، وﻫﺬه املﻘﺎوﻣﺔ إﻧﻤﺎ ﻛﺎﻧﺖ ﻧﺘﻴﺠﺔ اﻟﺒﺬل واﻟﺴﻤﺎح واﺳﺘﺼﻐﺎر اﻟﺪﻧﻴﺎ ،وﻣﻦ اﺳﺘﺼﻐﺮ اﻟﺪﻧﻴﺎ ﻛﱪت ﻟﺪﻳﻪ ،وﻣﻦ ﻫﺎﻧﺖ ﻋﻠﻴﻪ اﻟﺤﻴﺎة ﺟﺎءﺗﻪ اﻟﺤﻴﺎة ﺗﺴﻌﻰ ﻋﲆ رﺟﻠﻴﻬﺎ ،ﺳﻨﺔ ﷲ ﰲ ﺧﻠﻘﻪ، ً ﺗﺒﺪﻳﻼ )ش(. وﻟﻦ ﺗﺠﺪ ﻟﺴﻨﺔ ﷲ ) (16اﻟﺘﻮﺑﺔ :ﻣﻦ اﻵﻳﺔ .٩١ ) (17اﻟﺘﻮﺑﺔ :ﻣﻦ اﻵﻳﺔ .٩٣ ) (18ﺑﻌﺪ أن ﺛﺒﺖ ﺑﺎﻹﺣﺼﺎء اﻟﺮﺳﻤﻲ أن ﻣﺴﻠﻤﻲ اﻟﺼني ﺧﻤﺴﻮن ﻣﻠﻴﻮن ﻧﺴﻤﺔ، ﺗﺤﻘﻖ أن ﻣﺴﻠﻤﻲ املﻌﻤﻮر ﻛﻠﻪ ﻻ ﻳﻘﻠﻮن ﻋﻦ أرﺑﻌﻤﺌﺔ ﻣﻠﻴﻮن؛ ﻣﻨﻬﻢ ٢٤ﻣﻠﻴﻮﻧًﺎ ﻣﻦ اﻟﻌﺮب ﰲ آﺳﻴﺔ ،و ١٧ﻣﻠﻴﻮﻧًﺎ ﻣﻦ اﻟﱰك ﰲ اﻷﻧﺎﺿﻮل ،و ١٦ﻣﻠﻴﻮﻧًﺎ ﰲ إﻳﺮان ،و ١٠ﻣﻼﻳني ﰲ أﻓﻐﺎﻧﺴﺘﺎن ،و ٨٥ﻣﻠﻴﻮﻧًﺎ ﰲ اﻟﻬﻨﺪ ،و ٥٦ﻣﻠﻴﻮﻧًﺎ ﰲ اﻟﺠﺎري ،و ٢٥ﻣﻠﻴﻮﻧًﺎ ﰲ اﻟﺮوﺳﻴﺔ ،وﺛﻼﺛﺔ ﻣﻼﻳني ﰲ أوروﺑﺔ ،و ٥٠ﻣﻠﻴﻮﻧًﺎ ﰲ اﻟﺼني ،وﻣﺌﺔ ﻣﻠﻴﻮن ﰲ أﻓﺮﻳﻘﻴﺔ. ) (19اﻟﺤﺠﺮات :ﻣﻦ اﻵﻳﺔ .١٠ ) (20أﻣﺎ اﻵن ﻓﻘﺪ أﺻﺒﺢ اﻟﺴﻮاد اﻷﻋﻈﻢ ﻣﻨﻬﻢ ﻳﺒﺬﻟﻮن اﻟﻨﻔﻮس واﻟﻨﻔﺎﺋﺲ ﰲ اﻟﺪﻓﺎع ﻋﻦ وﻃﻨﻬﻢ ﻓﻠﺴﻄني ،وأﺗﻮا ﰲ ﻫﺬه اﻟﺴﺒﻴﻞ ﺑﻤﺎ ارﺗﻔﻌﺖ ﻟﻪ رءوس اﻟﻌﺮب ﺟﻤﻴﻌً ﺎ ،وﻟﻮ أن ﻫﺬه املﻨﺎداة ﻇﻬﺮت ﻣﻨﻬﻢ ﻣﻦ أول اﻷﻣﺮ ﻣﺎ وﺻﻠﺖ املﺼﻴﺒﺔ إﱃ ﻫﺬا اﻟﺤﺪ )ش(. 31
ملﺎذا ﺗﺄﺧﺮ املﺴﻠﻤﻮن؟ وملﺎذا ﺗﻘﺪم ﻏريﻫﻢ؟
) (21اﻵﻳﺔ .٦٦ ) (22أﻣﺎ ﰲ ﻫﺬا اﻟﻌﻬﺪ ﻓﻘﺪ اﻧﻘﻄﻌﺖ املﻘﺎوﻣﺔ ﺑﺎﻟﺴﻼح ،وﻛﺎن آﺧﺮ ﻣﻦ ﻗﺎوم اﻟﻄﻠﻴﺎن ﺑﺎﻟﺴﻼح اﻟﺸﻬﻴﺪ واملﺠﺎﻫﺪ اﻟﻜﺒري ﻋﻤﺮ املﺨﺘﺎر — رﺣﻤﻪ ﷲ — إﻻ أن اﻟﻄﺮاﺑﻠﺴﻴني ﻻ ﻳﺰاﻟﻮن ﻳﻘﺎوﻣﻮن اﻻﺳﺘﻌﻤﺎر اﻟﻄﻠﻴﺎﻧﻲ ﻛﻤﺎ ﻳﻘﺎوم اﻟﺘﻮﻧﺴﻴﻮن وﺳﺎﺋﺮ املﻐﺎرﺑﺔ اﻻﺳﺘﻌﻤﺎر اﻟﻔﺮﻧﴘ ،وﻣﻦ اﻟﻌﺒﺚ أن ﺗﻈﻦ دول اﻻﺳﺘﻌﻤﺎر إﺧﻤﺎد اﻟﺤﺮﻛﺎت اﻟﻮﻃﻨﻴﺔ ﺑﺎﻟﻌﺴﻒ واﻟﻘﻬﺮ واﻟﻘﺘﻞ واﻟﻨﻔﻲ واﻟﺤﺒﺲ ،ﻓﻜﻞ ﻫﺬا ﻻ ﻳﺰﻳﺪ املﺴﻠﻤني إﻻ ﻋﺪاءً ،وﻣﺎ اﺳﺘﺼﻠﺢ ﻋﺪو ﺑﻤﺜﻞ اﻟﻌﺪل )ش(. ) (23أي ﻫﺬا ﻋﺪدﻫﺎ ،وﻫﺬا دﺧﻠﻬﺎ ،وﻫﺬا إﻧﻔﺎﻗﻬﺎ ﻋﲆ اﻟﺤﺮب ،وأﻣﺎ ﻋﺼﺒﻴﺘﻬﺎ وﴐاوﺗﻬﺎ ﰲ ﺳﻔﻚ دﻣﺎء املﺴﻠﻤني ﻓﺤﺴﺐ املﺴﻠﻢ اﻟﺬي ﻟﻢ ﻳﻔﺴﺪه اﻟﺘﻔﺮﻧﺞ واﻹﻟﺤﺎد أن ﻳﻘﺮأ اﻟﻨﺸﻴﺪ اﻟﻄﻠﻴﺎﻧﻲ اﻟﺬي ﻧﻨﻘﻞ ﺗﺮﺟﻤﺘﻪ ﻋﻦ ﺟﺮﻳﺪة اﻟﻔﺘﺢ ً ﻧﻘﻼ ﻋﻦ ﺟﺮﻳﺪة اﻟﴩق ﻋﺪد ٥٤٣وﻫﻮ: اﻟﻨﺸﻴﺪ اﻟﻄﻠﻴﺎﻧﻲ ﰲ اﻟﺘﺤﺮﻳﺾ ﻋﲆ ﻗﺘﺎل املﺴﻠﻤني وﻣﺤﻮ اﻟﻘﺮآن إن ﻣﻦ أﻋﻈﻢ اﻵﻻم ﻟﺸﺎب ﰲ اﻟﻌﴩﻳﻦ ﻣﻦ ﻋﻤﺮه أن ﻻ ﻳﺤﺎرب ﰲ ﺳﺒﻴﻞ وﻃﻨﻪ ﻣﻊ دوام اﻟﻘﺘﺎل ﰲ ﻃﺮاﺑﻠﺲ ،واﻟﺮاﻳﺔ املﺜﻠﺜﺔ اﻷﻟﻮان واملﻮﺳﻴﻘﻰ اﻟﺤﺮﺑﻴﺔ ﺗﻨﺒﻬﺎن اﻟﻨﻔﺲ املﻘﺪاﻣﺔ ،ﻳﺎ أﻣﺎه أﺗﻤﻲ ﺻﻼﺗﻚ وﻻ ﺗﺒﻜﻲ ،ﺑﻞ اﺿﺤﻜﻲ وﺗﺄﻣﲇ ،أﻻ ﺗﻌﻠﻤني أن إﻳﻄﺎﻟﻴﺔ ﺗﺪﻋﻮﻧﻲ وأﻧﺎ ذاﻫﺐ إﱃ )ﻃﺮاﺑﻠﺲ( ﻓﺮﺣً ﺎ ﻣﴪو ًرا؛ ﻷﺑﺬل دﻣﻲ ﰲ ﺳﺒﻴﻞ ﺳﺤﻖ اﻷﻣﺔ املﻠﻌﻮﻧﺔ )ﻛﺬا( وﻷﺣﺎرب اﻟﺪﻳﺎﻧﺔ اﻹﺳﻼﻣﻴﺔ اﻟﺘﻲ ﺗﺠﻴﺰ اﻟﺒﻨﺎت اﻷﺑﻜﺎر ﻟﻠﺴﻠﻄﺎن (١)] .اﻟﺪﻳﺎﻧﺔ اﻹﺳﻼﻣﻴﺔ ﻻ ﺗﺠﻴﺰ ﻟﻠﺴﻠﻄﺎن إﻻ ﻣﺎ ﺗﺠﻴﺰه ﻟﻐريه ﻣﻦ املﺴﻠﻤني ،وﻫﻮ ﺗﺰوج اﻟﺒﻜﺮ واﻟﺜﻴﺐ ،وﻟﻜﻦ اﻹﻓﺮﻧﺞ ﺗﺒﻴﺢ ﻟﻬﻢ ﻧﴫاﻧﻴﺘﻬﻢ اﻻﻓﱰاء ﻋﲆ اﻹﺳﻼم ،وﺗﺒﻴﺢ ﻟﻬﻢ ﻣﺪﻧﻴﺘﻬﻢ اﻟﺰﻧﺎ ،ﺣﺘﻰ أﻓﺴﺪوا ﻛﻞ ﻗﻄﺮ دﺧﻠﻮه ﺑﺒﻐﺎﻳﺎﻫﻢ ﻻ ﺳﻴﻤﺎ اﻟﻄﻠﻴﺎن ﻣﻨﻬﻢ )ر([. ﺳﺄﻗﺎﺗﻞ ﺑﻜﻞ ﻗﻮﺗﻲ ﻧﺤﻮ اﻟﻘﺮآن )ﻛﺬا(. ﻟﻴﺲ ﺑﺄﻫﻞ ﻟﻠﻤﺠﺪ ﻣﻦ ﻟﻢ ﻳﻤﺖ إﻳﻄﺎﻟﻴٍّﺎ ٍّ ﺣﻘﺎ. ﺗﺤﻤﴘ أﻳﺘﻬﺎ اﻟﻮاﻟﺪة ،ﺗﺬﻛﺮي )ﻛﺎروﻧﻲ( اﻟﺘﻲ ﺟﺎدت ﺑﺄوﻻده ﰲ ﺳﺒﻴﻞ وﻃﻨﻬﺎ: ﻳﺎ أﻣﺎه أﻧﺎ ﻣﺴﺎﻓﺮ ،أﻻ ﺗﻌﻠﻤني أن ﻋﲆ اﻷﻣﻮاج اﻟﺰرﻗﺎء اﻟﺼﺎﻓﻴﺔ ﻣﻦ ﺑﺤﺮﻧﺎ ﺳﺘﻠﻘﻲ ﺳﻔﺎﺋﻨﻨﺎ املﺮاﳼ؟ أﻧﺎ ذاﻫﺐ إﱃ ﻃﺮاﺑﻠﺲ ﻣﴪو ًرا؛ ﻷن راﻳﺘﻨﺎ املﺜﻠﺜﺔ اﻷﻟﻮان ﺗﺪﻋﻮﻧﻲ ،وذﻟﻚ 32
ﺟﻮاب اﻷﻣري ﺷﻜﻴﺐ أرﺳﻼن
اﻟﻘﻄﺮ ﺗﺤﺖ ﻇﻠﻬﺎ. ﻻ ﺗﻤﻮﺗﻲ ﻷﻧﻨﺎ ﰲ ﻃﺮﻳﻖ اﻟﺤﻴﺎة ،وإن ﻟﻢ أرﺟﻊ ﻓﻼ ﺗﺒﻜﻲ ﻋﲆ وﻟﺪك ،وﻟﻜﻦ اذﻫﺒﻲ ﰲ ﻛﻞ ﻣﺴﺎء ،وزوري املﻘﱪة وﻧﺴﺎﺋﻢ اﻷﺻﻴﻞ ﺗﺤﻤﻞ إﱃ ﻃﺮاﺑﻠﺲ وداﻋﻚ اﻟﺬي ﻻ ﻳﺄﺑﻰ اﻟﺤﺪاد ﻋﲆ ﻗﱪه ﻓﻠﺬة ﻛﺒﺪك ،وإن ﺳﺄﻟﻚ أﺣﺪ ﻋﻦ ﻋﺪم ﺣﺪادك ﻋﲇ ﻓﺄﺟﻴﺒﻴﻪ :إﻧﻪ ﻣﺎت ﰲ ﻣﺤﺎرﺑﺔ اﻹﺳﻼم. ً اﻟﻄﺒﻞ ﻳﻘﺮع ﻳﺎ أﻣﺎه ،أﻧﺎ ذاﻫﺐ أﻳﻀﺎ ،أﻻ ﺗﺴﻤﻌني ﻫﺰج اﻟﺤﺮب ،دﻋﻴﻨﻲ أﻋﺎﻧﻘﻚ وأذﻫﺐ! )ر(. ) (24ﻳﻮﺳﻒ :ﻣﻦ اﻵﻳﺔ .٨٧ ) (25واﻵن ﻋﺴﺎﻛﺮ ﴍﻗﻲ اﻷردن — وﻫﻢ ﻣﻦ اﻟﻌﺮب — ﻳﻘﺎﺗﻠﻮن ﺑﻜﻞ ﺷﺪة ﻣﺠﺎﻫﺪي ﻓﻠﺴﻄني اﻟﺬﻳﻦ ﻫﻢ إﺧﻮاﻧﻬﻢ ﰲ اﻟﻨﺴﺐ واملﺬﻫﺐ ،وﻫﻢ ﻳﻌﻠﻤﻮن أن ﻫﺆﻻء املﺠﺎﻫﺪﻳﻦ إﻧﻤﺎ ﻳﺬودون ﻋﻦ ﺣﻴﺎض اﻟﻌﺮوﺑﺔ واﻹﺳﻼم ،وﻳﺠﻮدون ﺑﻨﻔﻮﺳﻬﻢ ﻷﺟﻞ اﺳﺘﺤﻴﺎء ﻗﻮﻣﻬﻢ واﺳﺘﺒﻘﺎء وﻃﻨﻬﻢ ﻟﻠﻌﺮب ،وأﻧﻪ ﻟﻮﻻ ﻫﺆﻻء املﺠﺎﻫﺪون ﻟﺘﺴﻠﻢ اﻟﻴﻬﻮد ﺟﻤﻴﻊ ﻓﻠﺴﻄني ﻣﻦ زﻣﻦ ﻃﻮﻳﻞ ﺗﺤﺖ ﻇﻞ ﺣﺮاب اﻹﻧﻜﻠﻴﺰ ،ﻓﺒﻴﻨﻤﺎ دﻣﺎء املﺠﺎﻫﺪﻳﻦ ﺗﺴﻴﻞ ﻷﺟﻞ ﺣﻔﻆ ﻓﻠﺴﻄني ﻟﻠﻌﺮب ،ﻧﺠﺪ دﻣﺎء ﻋﺴﺎﻛﺮ ﻋﺮﺑﻴﺔ ﰲ ﴍق اﻷردن ﺗﺴﻴﻞ ﻷﺟﻞ إﺧﺮاج ﺑﻼد ﻓﻠﺴﻄني — وﴍق اﻷردن ﻧﻔﺴﻬﺎ ﺑﻌﺪ ﻓﻠﺴﻄني — ﻣﻦ أﻳﺪي اﻟﻌﺮب. ﻓﻬﻞ ﻳﺒﻠﻎ اﻟﻌﺪو ﻣﻦ ﻋﺪوه أﻛﺜﺮ ﻣﻤﺎ ﻳﺒﻠﻎ اﻟﻌﺮب ﻣﻦ أﻧﻔﺴﻬﻢ؟ ﻻ وﷲ )ش(. ) (26اﻟﺘﻮﺑﺔ :ﻣﻦ اﻵﻳﺔ .١٣ ) (27آل ﻋﻤﺮان :ﻣﻦ اﻵﻳﺔ .١٧٥ ) (28وﻳﺆﻛﺪون أﻧﻪ ﻛﻠﻤﺎ أرادت ﻓﺮﻧﺴﺎ — ﺗﺤﺖ ﺗﺄﺛري ﺳﺨﻂ اﻟﻌﺎﻟﻢ اﻹﺳﻼﻣﻲ — أن ﺗﻌﺪل ﻋﻦ اﻟﻈﻬري اﻟﱪﺑﺮي املﻘﺼﻮد ﺑﻪ إﺧﺮاج اﻟﱪﺑﺮ ﻣﻦ اﻹﺳﻼم ﺑﺘﺎﺗًﺎ ﺟﺎء ﻫﺬا املﻘﺮي ً ﻧﻜﻮﺻﺎ ﻳﺤﺬرﻫﺎ ﻋﻘﺒﺔ اﻟﺮﺟﻮع إﱃ اﻟﺼﻮاب ،وﻳﻘﻮل ﻟﻬﺎ :إن أﻫﺎﱄ املﻐﺮب ﻳﻌﺪون ﻫﺬا ﻣﻨﻬﺎ ً وﺿﻌﻔﺎ ،وﺑﻌﺪ ذﻟﻚ ﻻ ﻳﻤﻜﻨﻬﺎ أن ﺗﺜﺒﺖ أﻗﺪاﻣﻬﺎ ﰲ ﺷﻤﺎﱄ أﻓﺮﻳﻘﻴﺔ؛ ﻓﺎملﻘﺮي إذًا ﻫﻮ أﻛﱪ ﻣﺸﺠﻊ ﻟﻠﺤﻜﻮﻣﺔ اﻹﻓﺮﻧﺴﻴﺔ ﻋﲆ املﴤ ﰲ ﺳﻴﺎﺳﺘﻬﺎ اﻟﱪﺑﺮﻳﺔ اﻟﺘﻲ ﺗﺮﻣﻲ إﱃ ﺗﻨﺼري اﻟﱪﺑﺮ، وإدﻣﺎﺟﻬﻢ ﰲ اﻷﻣﺔ اﻹﻓﺮﻧﺴﻴﺔ )ش(. ) (29اﻟﻐﺮﻳﺐ ﰲ ﻫﺬا أن أﻣﺜﺎل ﻫﺆﻻء اﻟﺨﻮﻧﺔ ﻳﺒﻴﻌﻮن ﺑﻼدﻫﻢ ﻛﻠﻬﺎ ﻟﻸﺟﻨﺒﻲ ﺑﺜﻤﻦ ﺧﺴﻴﺲ؛ ﻫﻮ ﺟﺰء ﻣﻨﻬﺎ ،ﻻ ﻣﻦ ﻣﺎل اﻷﺟﻨﺒﻲ ،وﻟﻮ أﺧﻠﺼﻮا ﰲ ﺻﺪه ﻋﻨﻬﺎ ﻟﻜﺎن ﻟﻬﻢ ﻣﻨﻬﺎ أﻛﺜﺮ ﻣﻤﺎ ﻳﻌﻄﻴﻬﻢ اﻷﺟﻨﺒﻲ ﻣﻨﻬﺎ ،ﺛﻢ ﻳﻜﻮن ﺑﺎﻗﻴﻬﺎ ﻷوﻻدﻫﻢ وأﻫﻠﻴﻬﻢ وإﺧﻮاﻧﻬﻢ ﰲ اﻟﺪﻳﻦ ﻣﻊ اﻟﻌﺰ واﻟﴩف )ر(. 33
ملﺎذا ﺗﺄﺧﺮ املﺴﻠﻤﻮن؟ وملﺎذا ﺗﻘﺪم ﻏريﻫﻢ؟
) (30وﻣﻤﺎ ﻫﻮ ﺟﺎر ﰲ املﻐﺮب أن اﻷذان ﻟﺼﻼة اﻟﻔﺠﺮ ﻣﻤﻨﻮع ﰲ ﻛﺜري ﻣﻦ اﻟﻘﺮى اﻟﺘﻲ ﻳﻘﻄﻨﻬﺎ ﻣﺴﺘﻌﻤﺮو اﻟﻔﺮﻧﺴﻴﺲ؛ وذﻟﻚ ﻷﻧﻪ ﻗﺪ ﻳﻌﻜﺮ ﻋﻠﻴﻬﻢ ﺻﻔﻮ رﻗﺎدﻫﻢ ﺻﺒﺎﺣً ﺎ )ش(. ) (31وﻗﺪ ﻣﻨﻌﻮا اﻟﻮﻋﺎظ ﰲ ﺷﻬﺮ رﻣﻀﺎن ﻣﻦ اﻟﺬﻫﺎب إﱃ ﺑﻼد اﻟﱪﺑﺮ ،وﻛﺎﻧﻮا ﻳﺤﺒﺴﻮن ﻣﻦ ﻳﺨﺎﻟﻒ ﻫﺬا اﻷﻣﺮ ،وﻗﺪ أﻗﻔﻠﻮا ﻣﺌﺎت ﻣﻦ اﻟﻜﺘﺎﺗﻴﺐ اﻟﻘﺮآﻧﻴﺔ ﰲ املﻐﺮب ،وﻣﺌﺎت ﻣﻦ ﻣﺜﻠﻬﺎ ﰲ اﻟﺠﺰاﺋﺮ ،وأﻏﻠﻘﻮا دار اﻟﺤﺪﻳﺚ ﰲ ﺗﻠﻤﺴﺎن ،واﺣﺘﺠﺖ ﻋﲆ ذﻟﻚ ﺟﻤﻌﻴﺔ ﻋﻠﻤﺎء املﺴﻠﻤني ﰲ اﻟﺠﺰاﺋﺮ ﻓﻤﺎ ﺳﻤﻌﻮا ﻟﻬﺎ ﻛﻼﻣً ﺎ ،وأﴏ ﺑﻌﺾ رﺟﺎل اﻟﺪﻳﻦ اﻹﺳﻼﻣﻲ ﰲ اﻟﺠﺰاﺋﺮ ﻋﲆ ﺗﻌﻠﻴﻢ اﻟﻘﺮآن ﻟﻸﺣﺪاث ﻓﺤﺎﻛﻤﻮﻫﻢ وﺣﻜﻤﻮا ﻋﻠﻴﻬﻢ )ﺑﺎﻟﺴﺠﻦ أرﺑﻌﺔ أﺷﻬﺮ؛ ﺑﺤﺠﺔ أﻧﻬﻢ ﺧﺎﻟﻔﻮا اﻷواﻣﺮ اﻟﺼﺎدرة( وﻫﻠﻢ ﺟ ّﺮا )ش(. ) (32ﻋﲆ أﻧﻬﻢ ﰲ اﻟﺴﻨﺔ اﻟﺘﺎﻟﻴﺔ أرادوﻫﻢ ﻋﲆ إﻣﻀﺎء ﺑﻴﺎﻧﺎت ﺧﺒﻴﺜﺔ ﻛﻬﺬه ﻓﺎﻣﺘﻨﻌﻮا واﺣﺘﺠﻮا ﻟﺪى اﻟﻔﺮﻧﺴﻴﺲ ﺑﺄن ﻋﻤﻠﻬﻢ ذاك ﻗﺪ ﻋﺮﺿﻬﻢ ﻟﻺﻫﺎﻧﺔ واﺳﺘﻮﺟﺐ ﻣﻘﺖ اﻟﺸﻌﺐ اﻟﺴﻮري ﻟﻬﻢ ﻓﻬﻢ ﻟﻦ ﻳﻜﺮروا ﺗﻠﻚ اﻟﺨﻴﺎﻧﺔ ،وﻫﺬا دﻟﻴﻞ ﻋﲆ أن اﻷﻣﺔ ﺗﻘﺪر ﻣﺘﻰ ﺷﺎءت أن ﺗﻘﻮم أود ﻫﺆﻻء املﺸﺎﻳﺦ ،وأن اﻟﺨﺎﺋﻨني اﻟﺨﺎدﻣني ﻟﺪول اﻻﺳﺘﻌﻤﺎر ﻟﻴﺲ ﻟﻬﻢ ﻋﻼج إﱃ اﻟﺨﻮف ﻋﲆ ﺟﻠﻮدﻫﻢ )ش(. ) (33وﺟﻤﻴﻊ اﻟﺪول املﺴﺘﻌﻤﺮة املﺘﺴﻠﻄﺔ ﻋﲆ ﻣﻤﺎﻟﻚ اﻹﺳﻼم ﻃﺮﻳﻘﺘﻬﺎ اﻻﺳﺘﻈﻬﺎر ﻋﲆ املﺴﻠﻤني ﺑﺎملﺴﻠﻤني ،وﻗﻀﻴﺔ ﴍﻗﻲ اﻷردن واﻟﺨﻮﻧﺔ ﻣﻦ ﻋﺮب ﻓﻠﺴﻄني ﻣﻦ أﻧﺼﻊ اﻟﺸﻮاﻫﺪ ﻋﲆ ﻫﺬه اﻟﺤﺎﻟﺔ. ) (34أﻓﻼ ﺗﺮى ﻛﻴﻒ أﻧﻬﻢ ﻗﺘﻠﻮا ﰲ ﻣﻜﻨﺎﺳﺔ اﻟﺰﻳﺘﻮن ٣٥ﻣﺴﻠﻤً ﺎ وﺟﺮﺣﻮا ٦٠ﻣﻦ أﺟﻞ ﻣﻈﺎﻫﺮة ﻏري ﻣﺴﻠﺤﺔ ﻗﺎم ﺑﻬﺎ اﻷﻫﺎﱄ؛ اﺣﺘﺠﺎﺟً ﺎ ﻋﲆ ﺳﻠﺐ اﻟﺴﻠﻄﺔ ﻣﻴﺎه ﺑﺴﺎﺗﻴﻨﻬﻢ ﻣﻦ أﺟﻞ إﻋﻄﺎﺋﻬﺎ إﱃ ﻣﺴﺘﻌﻤﺮة اﻟﻔﺮﻧﺴﻴﺲ ،وزﻋﻤﻮا أن ﻓﻌﻠﻬﻢ ﻫﺬا ﺑﺎﺳﻢ اﻟﺴﻠﻄﺎن. أﻟﻢ ﺗ َﺮ أﻧﻬﻢ أﻟﻐﻮا اﻟﺤﺰب اﻟﻮﻃﻨﻲ املﻐﺮﺑﻲ وﺣﻜﻤﻮا ﻋﲆ أﻟﻔني وﺧﻤﺲ ﻣﺌﺔ ﺷﺎب ﻣﻨﻬﻢ ً ﻋﻼﻻ اﻟﻔﺎﳼ إﱃ ﺑﻼد ﺧﻂ اﻻﺳﺘﻮاء ،وﻧﻔﻮا ﻧﺨﺒﺔ رﺟﺎﻻت ﺑﺎﻟﺤﺒﺲ ﺳﻨﺔ وﺳﻨﺘني ،وﻧﻔﻮا املﻐﺮب إﱃ اﻟﺼﺤﺮاء ،وﴐﺑﻮا ﴐﺑًﺎ ﻣﱪﺣً ﺎ ﻋﴩات ﻣﻦ اﻷدﺑﺎء؛ ﻣﻨﻬﻢ اﻷﺳﺘﺎذ ﻣﺤﻤﺪ املﻘﺮي اﻟﺬي ﻣﺎت ﺗﺤﺖ اﻟﴬب ،وﻛﻞ ﻫﺬا ﺑﺎﺳﻢ اﻟﺴﻠﻄﺎن ،واﻟﺴﻠﻄﺎن ﻻ ﻳﺒﺪي وﻻ ﻳﻌﻴﺪ ،وﻻ ﻳﻘﺪر أن ﻳﺪﻓﻊ ﻋﻦ رﻋﻴﺘﻪ اﻟﺘﻲ ﻣﺮﺟﻌﻬﺎ إﱃ اﻟﺠﻨﺮال ﻧﻮﻏﻴﺲ واﺿﻊ أﺳﺎس املﴩوع اﻟﱪﺑﺮي اﻷﺛﻴﻢ )ش(. ) (35ﻫﻮد.١١٧ : ) (36ﻫﻜﺬا ﰲ اﻷﺻﻞ؛ وﻣﻌﻨﻰ ﻳﺴﺘﺤﻘﻮن ﻫﻨﺎ :ﻳﺴﺘﻮﺟﺒﻮن ،ﻋﲆ ﻗﻮل اﻟﻔﺎراﺑﻲ ،واﻟﻼم ﰲ اﻹﺳﻼم ﻟﻠﺘﻘﻮﻳﺔ ،واملﺮاد ﺑﻪ املﺴﻠﻤﻮن ،واملﻌﻨﻰ :ﻳﺴﺘﻮﺟﺒﻮن ﺑﺠﺮاﺋﻤﻬﻢ ﺗﻤﺤﻴﺺ املﺴﻠﻤني 34
ﺟﻮاب اﻷﻣري ﺷﻜﻴﺐ أرﺳﻼن
ﰲ ﺟﻤﻠﺘﻬﻢ؛ ﻟﻴﻤﻴﺰ ﷲ اﻟﺨﺒﻴﺚ ﻣﻦ اﻟﻄﻴﺐ ،وﻳﻔﴪه ﻣﺎ ﺑﻌﺪه ،وﻫﻮ ﻣﺴﺘﻨﺒﻂ ﻣﻦ ﻗﻮﻟﻪ ﺗﻌﺎﱃ ِﻳﻦ آﻣَ ﻨُﻮا َوﻳَﻤْ ﺤَ َﻖ ا ْﻟ َﻜﺎﻓِ ِﺮ َ ﺺ ﷲ ُ ا ﱠﻟﺬ َ ﰲ ﺳﻴﺎق ﻏﺰوة أﺣﺪَ ﴿ :وﻟِﻴُﻤَ ﺤﱢ َ ﻳﻦ﴾. ﻓﻠرياﺟﻊ اﻟﺴﻴﺎق ﻣﻦ ﺳﻮرة آل ﻋﻤﺮان وﺗﻔﺴريه املﺆﺛﺮ ﰲ اﻟﺠﺰء اﻟﺮاﺑﻊ ﻣﻦ ﺗﻔﺴري املﻨﺎر )ر(. ) (37اﻟﺮوم.٤١ : ) (38ﻟﻢ ﻳﺨ ُﻞ ﺑﻠﺪ ﻣﻦ ﺑﻠﺪان اﻹﺳﻼم ﻣﻦ ﻫﺆﻻء اﻟﺨﺎﺋﻨني اﻟﺬﻳﻦ ﺗﺠﻌﻠﻬﻢ دول اﻻﺳﺘﻌﻤﺎر ﻣﻄﺎﻳﺎ ﻟﻬﺎ ﰲ اﻻﺳﺘﻴﻼء ﻋﲆ ﺗﻠﻚ اﻟﺒﻠﺪان وﻫﻢ ﻳﺴﻌﻮن ﺑني أﻳﺪﻳﻬﺎ ﰲ ﻛﻞ دﺳﻴﺴﺔ، وﻳﺪﻟﻮﻧﻬﺎ ﻋﲆ ﻋﻮرات املﺴﻠﻤني ،وﻣﺎ ﻳﻨﻜﺮون أﻧﻬﻢ ﺑﻬﺬا اﻟﻌﻤﻞ ﻳﺨﻮﻧﻮن أﻧﻔﺴﻬﻢ ،وﻣﺎ ﻳﺸﻌﺮون أﻧﻬﻢ أﺷﺒﻪ ﺑﻤﻦ ﻳﺼﻌﺪ ﻋﲆ اﻟﺸﺠﺮة وﻳﴩع ﺑﻘﻄﻊ ﺟﺬﻋﻬﺎ ﻣﻦ ﺗﺤﺘﻪ ﻓﻴﺴﻘﻂ ﻫﻮ ﻋﻨﻬﺎ ﺑﻤﺎ ﻛﺴﺒﺖ ﻳﺪاه ،ﻗﺎل ﷲ ﺗﻌﺎﱃَ ﴿ :و َﻛ ٰﺬَ ِﻟ َﻚ ﺟَ ﻌَ ْﻠﻨَﺎ ِﰲ ُﻛ ﱢﻞ َﻗ ْﺮﻳَ ٍﺔ أ َ َﻛﺎ ِﺑ َﺮ ﻣُﺠْ ِﺮﻣِﻴﻬَ ﺎ ون إ ِ ﱠﻻ ِﺑﺄ َ ُ ﻧﻔ ِﺴ ِﻬ ْﻢ وَﻣَ ﺎ ﻳ َْﺸﻌُ ُﺮ َ ِﻟﻴَﻤْ ُﻜ ُﺮوا ﻓِ ﻴﻬَ ﺎ ۖ وَﻣَ ﺎ ﻳَﻤْ ُﻜ ُﺮ َ ون﴾ )ش(. ) (39وﻗﺎل ﰲ ﻣﺤﻔﻞ ﺣﺎﻓﻞ ﺑﺤﺠﺎج اﻷﻗﻄﺎر — وﻗﺪ ﻃﺎﻟﺒﻪ ﻣﴫي أزﻫﺮي ﺑﻤﺤﺎرﺑﺔ اﻹﻧﻜﻠﻴﺰ واﻟﻔﺮﻧﺴﻴﺲ املﻌﺘﺪﻳﻦ ﻋﲆ املﺴﻠﻤني ذاﻛ ًﺮا ﻋﺪاوﺗﻬﻢ ﻟﻬﻢ :اﻹﻧﻜﻠﻴﺰ واﻟﻔﺮﻧﺴﻴﺲ ﻣﻌﺬورون إذا ﻋﺎدوﻧﺎ؛ ﻷﻧﻪ ﻻ ﻳﺠﻤﻌﻨﺎ ﺑﻬﻢ ﺟﻨﺲ وﻻ دﻳﻦ وﻻ ﻟﻐﺔ وﻻ ﻣﺼﻠﺤﺔ ،وﻟﻜﻦ املﺼﻴﺒﺔ اﻟﺘﻲ ﻻ ﻋﺬر ﻷﺣﺪ ﻓﻴﻬﺎ أن املﺴﻠﻤني أﺻﺒﺤﻮا أﻋﺪاء أﻧﻔﺴﻬﻢ ،وأﻧﺎ وﷲ ﻻ أﺧﺎف اﻷﺟﺎﻧﺐ ،وإﻧﻤﺎ أﺧﺎف املﺴﻠﻤني ،ﻓﻠﻮ ﺣﺎرﺑﺖ اﻹﻧﻜﻠﻴﺰ ملﺎ ﺣﺎرﺑﻮﻧﻲ إﻻ ﺑﺠﻴﺶ ﻣﻦ املﺴﻠﻤني )ر(. ) (40اﻟﺤﺠﺮات :ﻣﻦ اﻵﻳﺔ .١٠ ) (41املﺎﺋﺪة :ﻣﻦ اﻵﻳﺔ .٥١ ) (42املﻤﺘﺤﻨﺔ.٩ : ) (43اﻷﻧﻔﺎل :ﻣﻦ اﻵﻳﺔ .١ ) (44إﺷﺎرة إﱃ ﺣﺪﻳﺚ» :ﻣﻦ رأى ﻣﻨﻜﻢ ﻣﻨﻜ ًﺮا ﻓﻠﻴﻐريه ﺑﻴﺪه ،ﻓﺈن ﻟﻢ ﻳﺴﺘﻄﻊ ﻓﺒﻠﺴﺎﻧﻪ ،ﻓﺈن ﻟﻢ ﻳﺴﺘﻄﻊ ﻓﺒﻘﻠﺒﻪ ،وذﻟﻚ أﺿﻌﻒ اﻹﻳﻤﺎن« رواه أﺣﻤﺪ وﻣﺴﻠﻢ وأﺻﺤﺎب اﻟﺴﻨﻦ ﻛﻠﻬﻢ ،وﻫﺬا ﰲ وﺟﺐ ﺗﻐﻴري املﻨﻜﺮات ﻳﻔﻌﻠﻬﺎ املﺴﻠﻢ؛ ﻓﻤﺎذا ﻳﻘﺎل ﰲ ﻣﻘﺎوﻣﺔ ﻫﺪم اﻹﺳﻼم ﻣﻦ أﺳﺎﺳﻪ )ر(. ) (45أﻣﺎ ﰲ ﻓﻠﺴﻄني ﻓﻘﺪ ﺗﺠﺮأ املﺠﺎﻫﺪون أﺧريًا ﻋﲆ ﺗﻌﺬﻳﺐ اﻟﺨﺎﺋﻨني ،وﻟﻘﻲ ﻛﺜري ﻣﻦ ﻫﺆﻻء ﺟﺰاءﻫﻢ اﻷوﰱ ،وﺟﺎء اﻟﻮﻗﺖ اﻟﺬي ﻋﺮف ﻓﻴﻪ ﺧﺎﺋﻦ ﻗﻮﻣﻪ أﻧﻪ )ﻻ ﻋﺎﺻﻢ اﻟﻴﻮم ﻣﻦ أﻣﺮ ﷲ إﻻ ﻣﻦ رﺣﻢ( ﻓﻌﴗ أن ﻳﻜﻮن ﰲ ذﻟﻚ ﻋﻈﺔ وﻋﱪة ﻟﺴﺎﺋﺮ اﻟﻌﺎﻟﻢ اﻹﺳﻼﻣﻲ )ش(. 35
ملﺎذا ﺗﺄﺧﺮ املﺴﻠﻤﻮن؟ وملﺎذا ﺗﻘﺪم ﻏريﻫﻢ؟
) (46اﻟﻨﻮر.٥٥ : ) (47راﺟﻊ ﺗﻔﺴري اﻵﻳﺔ — وﻫﻲ ﰲ ﺳﻮرة اﻟﺘﻮﺑﺔ — ٢٤وﻣﺎ ﻗﺒﻠﻬﺎ ﰲ ص:٢٢٤ ٢٤٢ج ١٠ﻣﻦ ﺗﻔﺴري املﻨﺎر )ر(. ) (48ﺷﺎع أن املﻨﺒﻮذﻳﻦ ﻣﻦ اﻟﻬﻨﻮد ﻳﺮﻳﺪون ﻓﺮاق ﻣﺬﻫﺐ اﻟﻬﻨﺎدك ،وأن ﻣﻨﻬﻢ ﻣﻦ ﴍح ﷲ ﺻﺪره ﻟﻺﺳﻼم ،ﻓﺄرﺳﻞ اﻷﺳﺘﺎذ اﻷﻛﱪ ﺷﻴﺦ اﻷزﻫﺮ وﻓﺪًا ﻣﻦ ﻋﻠﻤﺎء اﻟﴩﻳﻌﺔ إﱃ اﻟﻬﻨﺪ؛ ﻟﻴﺘﺤﻘﻖ ﻫﻞ ﺛﻤﺔ أﻣﻞ ﰲ ﻫﺪاﻳﺔ املﻨﺒﻮذﻳﻦ ﻫﺆﻻء ،أم ذاك ﻧﻔﺦ ﰲ ﻏري ﴐم ،وﻋﻠﻢ املﺴﻠﻤﻮن ﰲ ﻣﺸﺎرق اﻷرض وﻣﻐﺎرﺑﻬﺎ ﺧﱪ إرﺳﺎل ﻫﺬه اﻟﺒﻌﺜﺔ اﻷزﻫﺮﻳﺔ إﱃ اﻟﻬﻨﺪ ،وﻟﻢ ﺗﺘﺤﺮك ﻫﻤﺔ واﺣﺪ ﻣﻨﻬﻢ إﱃ ﺗﺨﺼﻴﺺ ﻣﺎ ﻳﻮازي اﻟﻘﻄﻤري ﻷﺟﻞ ﻫﺪاﻳﺔ ﻫﺆﻻء املﻨﺒﻮذﻳﻦ اﻟﺬﻳﻦ ﻳﺰﻳﺪ ﻋﺪدﻫﻢ ﻋﲆ ﺳﺘني ﻣﻠﻴﻮﻧًﺎ ،ﻫﺬا ﺑﻴﻨﻤﺎ املﺒﺎﻟﻎ اﻟﺘﻲ ﻳﺠﻤﻌﻬﺎ املﺴﻴﺤﻴﻮن ﰲ ﻛﻞ ﻋﺎم ﻷﺟﻞ ﺗﻐﺬﻳﺔ اﻟﺘﺒﺸري املﺴﻴﺤﻲ ﰲ آﺳﻴﺎ أﻓﺮﻳﻘﻴﺔ ﺗﻘﺪر ﺑﻌﴩﻳﻦ إﱃ ﺛﻼﺛني ﻣﻠﻴﻮن ﺟﻨﻴﻪ، ﻓﻬﻞ ﺗﻄﻤﻊ ﻫﺬه اﻷﻣﺔ أن ﺗﺠﺎري ﺗﻠﻚ اﻷﻣﺔ وﺑﻴﻨﻬﻤﺎ ﻛﻞ ﻫﺬا اﻟﻔﺮق؟! )ش(. ) (49أﻫﻞ اﻟﻜﻮﻧﻐﻮا ١٢ﻣﻠﻴﻮﻧًﺎ ﻣﻦ اﻟﻨﻔﻮس ،ﻛﺎﻧﻮا ﺟﻤﻴﻌﻬﻢ ﻓﺘﻴﺸﻴني ،ﻓﻠﻤﺎ اﺳﺘﻮﱃ اﻟﺒﻠﺠﻴﻜﻴﻮن ﻋﲆ اﻟﻜﻮﻧﻐﻮا ﻗﺮروا ﺗﻨﺼريﻫﻢ ،ورأﻳﺖ ﻣﻦ ﻋﺪة ﺳﻨﻮات ﺑﺮﻧﺎﻣﺞ ﺣﻜﻮﻣﺔ ﺑﻠﺠﻴﻜﺎ ،ﻓﺈذا ﻣﻦ ﺟﻤﻠﺔ أرﻛﺎﻧﻪ ﺗﻨﺼري أﻫﻞ اﻟﻜﻮﻧﻐﻮ ،وﺑﺎﻟﻔﻌﻞ ﺗﻨﴫ ﻣﻦ زﻧﻮج اﻟﻜﻮﻧﻐﻮ ﻧﺤﻮ ﻣﻦ ﻣﻠﻴﻮن وﻧﺼﻒ إﱃ اﻵن ،وملﺎ ﻛﺎن املﺴﻠﻤﻮن ﻗﺪ دﺧﻠﻮا إﱃ اﻟﻜﻮﻧﻐﻮ ﻣﻦ ﻣﺪة ﻃﻮﻳﻠﺔ ﻓﺄﻗﺒﻞ اﻷﻫﺎﱄ ﻫﻨﺎك ﻋﲆ اﻹﺳﻼم ﺣﺘﻰ ﺑﻠﻎ ﻋﺪد املﺴﻠﻤني ١٥٠أﻟﻒ ﻧﺴﻤﺔ — ﺧﺸﻴﺖ ﺑﻠﺠﻴﻜﺎ اﻧﺘﺸﺎر اﻹﺳﻼم ﰲ ﺗﻠﻚ املﺴﺘﻌﻤﺮة ،وﺻﺎرت ﺗﻌﺎرض ﻧﻤﻮه ﻓﻴﻬﺎ؛ وﺗﻄﺮد املﺴﻠﻤني، ﺗﺒﺎل ﺑﻤﺎ ﰲ ذﻟﻚ ﻣﻦ اﻟﺨﻠﻞ ﺑﻤﺒﺪأ اﻟﺤﺮﻳﺔ اﻟﺪﻳﻨﻴﺔ ،وﻻ ﺳﻤﻌﺖ ﻟﻮﻣﺔ وﺗﻀﻴﻖ ﻋﻠﻴﻬﻢ ،وﻟﻢ ِ ﻻﺋﻢ )ش(. ) (50وﻗﺪ ﺻﺪﻗﻮا ﻟﻜﻦ ﺑﻤﻌﻨﻰ إﻧﻨﺎ ﻟﻦ ﻧﻔﻠﺢ ﻣﺎ دﻣﻨﺎ ﻋﲆ ﻫﺬه اﻟﺨﻄﺔ اﻟﺘﻲ ﻧﻜﺬب ﺑﺘﺴﻤﻴﺘﻬﺎ إﺳﻼﻣﻴﺔ ،وإﻧﻨﺎ إﻧﻤﺎ ﻧﻔﻠﺢ إذا ﻗﻤﻨﺎ ﺑﺤﻘﻮق إﺳﻼﻣﻨﺎ ﻛﻤﺎ ﻳﻘﻮﻣﻮن ﺑﺤﻘﻮق دﻳﻨﻬﻢ أو أﺷﺪ )ر(. ) (51اﻟﺤﺞ :ﻣﻦ اﻵﻳﺔ .٤٦
36
أﻫﻢ أﺳﺒﺎب ﺗﺄﺧﺮ اﳌﺴﻠﻤﲔ
ﻣﻦ أﻋﻈﻢ أﺳﺒﺎب ﺗﺄﺧﺮ املﺴﻠﻤني اﻟﺠﻬﻞ ،اﻟﺬي ﻳﺠﻌﻞ ﻓﻴﻬﻢ ﻣﻦ ﻻ ﻳﻤﻴﺰ ﺑني اﻟﺨﻤﺮ واﻟﺨﻞ، ﻓﻴﺘﻘﺒﻞ اﻟﺴﻔﺴﻄﺔ ﻗﻀﻴﺔ ﻣﺴﻠﻤﺔ ،وﻻ ﻳﻌﺮف أن ﻳﺮد ﻋﻠﻴﻬﺎ. وﻣﻦ أﻋﻈﻢ أﺳﺒﺎب ﺗﺄﺧﺮ املﺴﻠﻤني اﻟﻌﻠﻢ اﻟﻨﺎﻗﺺ ،اﻟﺬي ﻫﻮ أﺷﺪ ﺧﻄ ًﺮا ﻣﻦ اﻟﺠﻬﻞ اﻟﺒﺴﻴﻂ؛ ﻷن اﻟﺠﺎﻫﻞ إذا ﻗﻴﺾ ﷲ ﻟﻪ ﻣﺮﺷﺪًا ﻋﺎ ًملﺎ أﻃﺎﻋﻪ وﻟﻢ ﻳﺘﻔﻠﺴﻒ ﻋﻠﻴﻪ ،ﻓﺄﻣﺎ ﺻﺤﺎب اﻟﻌﻠﻢ اﻟﻨﺎﻗﺺ ﻓﻬﻮ ﻻ ﻳﺪري وﻻ ﻳﻘﺘﻨﻊ ﺑﺄﻧﻪ ﻻ ﻳﺪري ،وﻛﻤﺎ ﻗﻴﻞ :اﺑﺘﻼؤﻛﻢ ﺑﻤﺠﻨﻮن ﺧري ﻣﻦ اﺑﺘﻼﺋﻜﻢ ﺑﻨﺼﻒ ﻣﺠﻨﻮن ،أﻗﻮل :اﺑﺘﻼؤﻛﻢ ﺑﺠﺎﻫﻞ ﺧري ﻣﻦ اﺑﺘﻼﺋﻜﻢ ﺑﺸﺒﻪ ﻋﺎﻟﻢ. وﻣﻦ أﻋﻈﻢ أﺳﺒﺎب ﺗﺄﺧﺮ املﺴﻠﻤني ﻓﺴﺎد اﻷﺧﻼق؛ ﺑﻔﻘﺪ اﻟﻔﻀﺎﺋﻞ اﻟﺘﻲ ﺣﺚ ﻋﻠﻴﻬﺎ اﻟﻘﺮآن ،واﻟﻌﺰاﺋﻢ اﻟﺘﻲ ﺣﻤﻞ ﻋﻠﻴﻬﺎ ﺳﻠﻒ ﻫﺬه اﻷﻣﺔ وﺑﻬﺎ أدرﻛﻮا ﻣﺎ أدرﻛﻮه ﻣﻦ اﻟﻔﻼح، واﻷﺧﻼق ﰲ ﺗﻜﻮﻳﻦ اﻷﻣﻢ ﻓﻮق املﻌﺎرف ،وهلل در ﺷﻮﻗﻲ إذ ﻗﺎل: وإِﻧ ﱠﻤَ ﺎ اﻷُﻣَ ُﻢ اﻷ َ ْﺧ ُ ﻼق ﻣَ ﺎ ﺑَﻘِ ﻴَ ْﺖ
َﻓ ِﺈن ُﻫ ُﻢ ذَ َﻫﺒَ ْﺖ أ َ ْﺧ ُ ﻼﻗﻬُ ْﻢ ذَ َﻫﺒُﻮا
وﻣﻦ أﻛﱪ ﻋﻮاﻣﻞ ﺗﻘﻬﻘﺮ املﺴﻠﻤني ﻓﺴﺎد أﺧﻼق أﻣﺮاﺋﻬﻢ ﺑﻨﻮع ﺧﺎص ،وﻇﻦ ﻫﺆﻻء — إﻻ ﻣﻦ رﺣﻢ رﺑﻚ — أن اﻷﻣﺔ ﺧﻠﻘﺖ ﻟﻬﻢ أن ﻳﻔﻌﻠﻮا ﺑﻬﺎ ﻣﺎ ﻳﺸﺎءون ،وﻗﺪ رﺳﺦ ﻓﻴﻬﻢ ﻫﺬا اﻟﻔﻜﺮ ﺣﺘﻰ إذا ﺣﺎول ﻣﺤﺎول أن ﻳﻘﻴﻤﻬﻢ ﻋﲆ اﻟﺠﺎدﱠة ﺑﻄﺸﻮا ﺑﻪ؛ ﻋﱪة ﻟﻐريه. وﺟﺎء اﻟﻌﻠﻤﺎء املﺘﺰﻟﻔﻮن ﻷوﻟﺌﻚ اﻷﻣﺮاء ،املﺘﻘﻠﺒﻮن ﰲ ﻧﻌﻤﺎﺋﻬﻢ ،اﻟﻀﺎرﺑﻮن ﺑﺎملﻼﻋﻖ ﰲ ﺣﻠﻮاﺋﻬﻢ ،وأﻓﺘﻮا ﻟﻬﻢ ﺑﺠﻮاز ﻗﺘﻞ ذﻟﻚ اﻟﻨﺎﺻﺢ ﺑﺤﺠﺔ أﻧﻪ ﺷﻖ ﻋﺼﺎ اﻟﻄﺎﻋﺔ ،وﺧﺮج ﻋﻦ اﻟﺠﻤﺎﻋﺔ.
ملﺎذا ﺗﺄﺧﺮ املﺴﻠﻤﻮن؟ وملﺎذا ﺗﻘﺪم ﻏريﻫﻢ؟
وﻟﻘﺪ ﻋﻬﺪ اﻹﺳﻼم إﱃ اﻟﻌﻠﻤﺎء ﺑﺘﻘﻮﻳﻢ أود اﻷﻣﺮاء ،وﻛﺎن ﻗﺪﻳﻤً ﺎ ﰲ اﻟﺪول اﻹﺳﻼﻣﻴﺔ اﻟﻔﺎﺿﻠﺔ ﺑﻤﺜﺎﺑﺔ املﺠﺎﻟﺲ اﻟﻨﻴﺎﺑﻴﺔ ﰲ ﻫﺬا اﻟﻌﴫ ،ﻳﺴﻴﻄﺮون ﻋﲆ اﻷﻣﺔ ،وﻳﺴﺪدون ﺧﻄﻮات املﻠﻚ ،وﻳﺮﻓﻌﻮن أﺻﻮاﺗﻬﻢ ﻋﻨﺪ ﻃﻐﻴﺎن اﻟﺪوﻟﺔ ،وﻳﻬﻴﺒﻮن ﺑﺎﻟﺨﻠﻴﻔﺔ ﻓﻤﻦ ﺑﻌﺪه إﱃ اﻟﺼﻮاب. وﻫﻜﺬا ﻛﺎﻧﺖ ﺗﺴﺘﻘﻴﻢ اﻷﻣﻮر؛ ﻷن أﻛﺜﺮ أوﻟﺌﻚ اﻟﻌﻠﻤﺎء ﻛﺎﻧﻮا ﻣﺘﺤﻘﻘني ﺑﺎﻟﺰﻫﺪ ،ﻣﺘﺤﻠني ﺑﺎﻟﻮرع ،ﻣﺘﺨﻠني ﻋﻦ ﺣﻈﻮظ اﻟﺪﻧﻴﺎ ،ﻻ ﻳﻬﻤﻬﻢ أ َ َﻏ ِﻀﺐَ املﻠﻚ اﻟﻈﺎﻟﻢ اﻟﺠﺒﺎر أم رﴈ ،ﻓﻜﺎن اﻟﺨﻼﺋﻒ واملﻠﻮك ﻳﺮﻫﺒﻮﻧﻬﻢ ،وﻳﺨﺸﻮن ﻣﺨﺎﻟﻔﺘﻬﻢ؛ ملﺎ ﻳﻌﻠﻤﻮن ﻣﻦ اﻧﻘﻴﺎد اﻟﻌﺎﻣﺔ ﻟﻬﻢ، ٌ ﺧﻠﻒ اﺗﺨﺬوا اﻟﻌﻠﻢ ﻣﻬﻨﺔ واﻋﺘﻘﺎد اﻷﻣﺔ إﻣﺎﻣﺘﻬﻢ ،إﻻ أﻧﻪ ﺑﻤﺮور اﻷﻳﺎم ﺧﻠﻒ ﻣﻦ ﺑﻌﺪ ﻫﺆﻻء ﻟﻠﻌﻴﺶ ،وﺟﻌﻠﻮا اﻟﺪﻳﻦ ﻣﺼﻴﺪة ﻟﻠﺪﻧﻴﺎ ،ﻓﺴﻮﻏﻮا ﻟﻠﻔﺎﺳﻘني ﻣﻦ اﻷﻣﺮاء أﺷﻨﻊ ﻣﻮﺑﻘﺎﺗﻬﻢ، وأﺑﺎﺣﻮا ﻟﻬﻢ ﺑﺎﺳﻢ اﻟﺪﻳﻦ ﺧﺮق ﺣﺪود اﻟﺪﻳﻦ ،ﻫﺬا؛ واﻟﻌﺎﻣﺔ املﺴﺎﻛني ﻣﺨﺪوﻋﻮن ﺑﻌﻈﻤﺔ ﻋﻤﺎﺋﻢ ﻫﺆﻻء اﻟﻌﻠﻤﺎء ،وﻋﻠﻮ ﻣﻨﺎﺻﺒﻬﻢ ،ﻳﻈﻨﻮن ﻓﺘﻴﺎﻫﻢ ﺻﺤﻴﺤﺔ ،وآراءﻫﻢ ﻣﻮاﻓﻘﺔ ﻟﻠﴩﻳﻌﺔ، واﻟﻔﺴﺎد ﺑﺬﻟﻚ ﻳﻌﻈﻢ ،وﻣﺼﺎﻟﺢ اﻷﻣﺔ ﺗﺬﻫﺐ ،واﻹﺳﻼم ﻳﺘﻘﻬﻘﺮ ،واﻟﻌﺪو ﻳﻌﻠﻮ وﻳﺘﻨﻤﺮ ،وﻛﻞ ﻫﺬا إﺛﻤﻪ ﰲ رﻗﺎب ﻫﺆﻻء اﻟﻌﻠﻤﺎء1 . وﻣﻦ أﻋﻈﻢ ﻋﻮاﻣﻞ ﺗﻘﻬﻘﺮ املﺴﻠﻤني اﻟﺠﺒﻦ واﻟﻬﻠﻊ ،ﺑﻌﺪ أن ﻛﺎﻧﻮا أﺷﻬﺮ اﻷﻣﻢ ﰲ اﻟﺸﺠﺎﻋﺔ واﺣﺘﻘﺎر املﻮت ،ﻳﻘﻮم واﺣﺪﻫﻢ ﻟﻠﻌﴩة ورﺑﻤﺎ ﻟﻠﻤﺌﺔ ﻣﻦ ﻏريﻫﻢ ،ﻓﺎﻵن أﺻﺒﺤﻮا — إﻻ ﺑﻌﺾ ﻗﺒﺎﺋﻞ ﻣﻨﻬﻢ — ﻳﻬﺎﺑﻮن املﻮت اﻟﺬي ﻻ ﻳﺠﺘﻤﻊ ﺧﻮﻓﻪ ﻣﻊ اﻹﺳﻼم ﰲ ﻗﻠﺐ واﺣﺪ ،وﻣﻦ اﻟﻐﺮﻳﺐ أن اﻹﻓﺮﻧﺞ املﻌﺘﺪﻳﻦ ﻻ ﻳﻬﺎﺑﻮن املﻮت ﰲ اﻋﺘﺪاﺋﻬﻢ ،ﻫﻴﺒﺔ املﺴﻠﻤني إﻳﺎه ﰲ دﻓﺎﻋﻬﻢ ،وأن املﺴﻠﻤني ﻳﺮون اﻟﻐﺎﻳﺎت اﻟﺒﻌﻴﺪة اﻟﺘﻲ ﻳﺒﻠﻐﻬﺎ اﻹﻓﺮﻧﺞ ﰲ اﺳﺘﺤﻘﺎر اﻟﺤﻴﺎة واﻟﺘﻬﺎﻓﺖ ﻋﲆ اﻟﻬﻠﻜﺔ ﰲ ﺳﺒﻴﻞ ﻗﻮﻣﻴﺘﻬﻢ ووﻃﻨﻬﻢ ،وﻻ ﺗﺄﺧﺬﻫﻢ ﻣﻦ ذﻟﻚ اﻟﻐرية ،وﻻ ﻳﻘﻮﻟﻮن :ﻧﺤﻦ أوﱃ ﻣﻦ ﻫﺆﻻء ﺑﺎﺳﺘﺤﻘﺎر اﻟﺤﻴﺎة؛ وﻗﺪ ﻗﺎل ﷲ ﺗﻌﺎﱃ﴿ :و ََﻻ ﺗَ ِﻬﻨُﻮا ِﰲ اﺑْﺘ َِﻐﺎءِ ﻮن﴾2 . ﷲ ﻣَ ﺎ َﻻ ﻳَ ْﺮﺟُ َ ُﻮن ۖ َوﺗَ ْﺮﺟُ َ ُﻮن َﻛﻤَ ﺎ ﺗَﺄ ْ َﻟﻤ َ ُﻮن َﻓ ِﺈﻧﱠﻬُ ْﻢ ﻳَﺄ ْ َﻟﻤ َ ا ْﻟ َﻘ ْﻮ ِم ۖ إِن ﺗَ ُﻜﻮﻧُﻮا ﺗَﺄ ْ َﻟﻤ َ ﻮن ِﻣ َﻦ ِ وﻗﺪ اﻧﻀﻢ إﱃ اﻟﺠﺒﻦ واﻟﻬﻠﻊ اﻟﻠﺬﻳﻦ أﺻﺎﺑﺎ املﺴﻠﻤني اﻟﻴﺄس واﻟﻘﻨﻮط ﻣﻦ رﺣﻤﺔ ﷲ، ﻓﻤﻨﻬﻢ ﻓﺌﺎت ﻗﺪ وﻗﺮ ﰲ أﻧﻔﺴﻬﻢ أن اﻹﻓﺮﻧﺞ ﻫﻢ اﻷﻋﻠﻮن ﻋﲆ ﻛﻞ ﺣﺎل 3وأﻧﻪ ﻻ ﺳﺒﻴﻞ ملﻐﺎﻟﺒﺘﻬﻢ ﺑﻮﺟﻪ ﻣﻦ اﻟﻮﺟﻮه ،وأن ﻛﻞ ﻣﻘﺎوﻣﺔ ﻋﺒﺚ ،وأن ﻛﻞ ﻣﻨﺎﻫﻀﺔ ﺧﺮق ﰲ اﻟﺮأي ،وﻟﻢ ﻳﺰل ﻫﺬا اﻟﺘﻬﻴﺐ ﻳﺰداد وﻳﺘﺨﻤﺮ ﰲ ﺻﺪور املﺴﻠﻤني أﻣﺎم اﻷوروﺑﻴني إﱃ أن ﺻﺎر ﻫﺆﻻء ﻳﻨﴫون ﺑﺎﻟﺮﻋﺐ ،وﺻﺎر اﻷﻗﻞ ﻣﻨﻬﻢ ﻳﻘﻮﻣﻮن ﻟﻸﻛﺜﺮ ﻣﻦ املﺴﻠﻤني ،وﻫﺬا ﺑﻌﻜﺲ ﻣﺎ ﻛﺎن ﰲ اﻟﻌﴫ اﻷول:
38
أﻫﻢ أﺳﺒﺎب ﺗﺄﺧﺮ املﺴﻠﻤني
ﻳَ َﺮى اﻟﺠُ ﺒَﻨ َﺎء أ َ ﱠن اﻟﺠُ ﺒْ َﻦ ﺣَ ﺰم
َوﺗِ ْﻠ َﻚ َﺧﺪِﻳﻌَ ُﺔ اﻟ ﱠ ﻄﺒْ ِﻊ اﻟ ﱠﻠ ِﺌﻴ ِﻢ
ﻧﴘ املﺴﻠﻤﻮن اﻷﻳﺎم اﻟﺴﺎﻟﻔﺔ اﻟﺘﻲ ﻛﺎن ﻓﻴﻬﺎ اﻟﻌﴩون ﻣﺴﻠﻤً ﺎ ﻻ ﻏري ﻳﺄﺗﻮن ﻣﻦ )ﺑﺮﺷﻠﻮﻧﺔ( إﱃ )ﻓﺮاﻛﺴﻴﺔ( ﻣﻦ ﺳﻮاﺣﻞ ﻓﺮﻧﺴﺔ وﻳﺴﺘﻮﻟﻮن ﻋﲆ ﺟﺒﻞ ﻫﻨﺎك ،وﻳﺒﻨﻮن ﺑﻪ ﺣﺼﻨًﺎ ،وﻳﺘﺰاﻳﺪ ﻋﺪدﻫﻢ ﺣﺘﻰ ﻳﺼريوا ﻣﺌﺔ رﺟﻞ ﻓﻴﺆﺳﺴﻮن ﻫﻨﺎك إﻣﺎرة ﺗﻌﺼﻒ رﻳﺤﻬﺎ ﺑﺠﻨﻮﺑﻲ ﻓﺮﻧﺴﺔ وﺷﻤﺎﱄ إﻳﻄﺎﻟﻴﺔ ،وﺗﻬﺎدﻧﻬﺎ ﻣﻠﻮك ﺗﻠﻚ اﻟﻨﻮاﺣﻲ وﺗﺨﻄﺐ وﻻءﻫﺎ ،وﺗﺴﺘﻮﱄ ﻋﲆ رءوس ﺟﺒﺎل اﻷﻟﺐ ،وﻋﲆ املﻌﺎﺑﺮ اﻟﺘﻲ ﻋﻠﻴﻬﺎ اﻟﻄﺮق اﻟﺸﻬرية ﺑني ﻓﺮﻧﺴﺔ وإﻳﻄﺎﻟﻴﺔ ،ﻻ ﺳﻴﻤﺎ ﻣﻌﱪ ﺳﺎن ﺑﺮﻧﺎر اﻟﺸﻬري ،وﺗﻀﻄﺮ ﺟﻤﻴﻊ ﻗﻮاﻓﻞ اﻹﻓﺮﻧﺞ أن ﺗﺆدي ﻟﻠﻌﺮب املﻜﻮس ﻷﺟﻞ املﺮور ،ﺗﺘﻘﺪم ﻫﺬه اﻟﺪوﻟﺔ اﻟﻌﺮﺑﻴﺔ اﻟﺼﻐرية ﰲ ﺑﻼد )اﻟﺒﻴﺎﻣﻮن( ﻣﺴﺎﻓﺎت ﺑﻌﻴﺪة إﱃ أن ﺗﺒﻠﻎ ﺳﻮﻳﴪة وﺑﺤرية )ﻛﻮﻧﺴﺘﺎﻧﺰه( ﰲ ﻗﻠﺐ أوروﺑﺔ ،وﺗﻀﻢ اﻟﻘﺴﻢ اﻟﻌﺎﱄ ﻣﻦ ﺳﻮﻳﴪة ً ﺧﻤﺴﺎ وﺗﺴﻌني ﺳﻨﺔ ﻣﺴﺘﻮﻟﻴﺔ ﻋﲆ ﻫﺬه اﻟﺪﻳﺎر إﱃ أن ﺗﺘﺄﻟﺐ اﻷﻣﻢ إﱃ أﻣﻼﻛﻬﺎ ،وﺗﺒﻘﻰ اﻹﻓﺮﻧﺠﻴﺔ ﻋﻠﻴﻬﺎ ،وﻻ ﺗﺰال ﺗﻨﺎﺟﺰﻫﺎ إﱃ أن اﺳﺘﺄﺻﻠﺘﻬﺎ ،وﻛﺎﻧﺖ ﺗﻠﻚ اﻟﻌﺼﺎﺑﺔ اﻟﻌﺮﺑﻴﺔ ﻳﻮم اﻧﻘﺮﺿﺖ ﻻ ﺗﺰﻳﺪ ﻋﲆ أﻟﻒ وﺧﻤﺲ ﻣﺌﺔ رﺟﻞ ) 4وﻗﺪ ﻧﴩﻧﺎ ﺗﻔﺼﻴﻞ ﺧﱪﻫﺎ ﰲ املﺠﻠﺪ ٢٤ ﻣﻦ املﻨﺎر(. ﺷﺒﻬﺎت اﻟﺠﻬﻼء اﻟﺠﺒﻨﺎء وردﻫﺎ ﻣﻦ اﻟﺴﺨﻔﺎء ﻣﻦ ﻳﻘﻮل :ﻧﻌﻢ؛ ﻗﺪ ﻛﺎن ذﻟﻚ ،ﻟﻜﻦ ﻗﺒﻞ أن ﻳﺨﱰع اﻹﻓﺮﻧﺞ آﻻت اﻟﻘﺘﺎل اﻟﺤﺪﻳﺜﺔ ،وﻗﺒﻞ املﺪاﻓﻊ واﻟﺪﺑﺎﺑﺎت واﻟﻄﻴﺎرات ،وﻗﺒﻞ أن ﻳﺼري اﻹﻓﺮﻧﺞ إﱃ ﻣﺎ ﺻﺎروا إﻟﻴﻪ ﻣﻦ اﻟﻘﻮة املﺒﻨﻴﺔ ﻋﲆ اﻟﻌﻠﻢ ،وﻫﺬا اﻟﻘﻮل ﻫﻮ ﻣﻨﺘﻬﻰ اﻟﺴﺨﻒ واﻟﺴﻔﻪ واﻟﺤﻤﺎﻗﺔ ،ﻓﺈن ﻟﻜﻞ ﻋﴫ ﻋﻠﻤً ﺎ وﺻﻨﺎﻋﺔ وﻣﺪﻧﻴﺔ ﺗﺸﺎﻛﻠﻪ ،وﻗﺪ ﻛﺎﻧﺖ ﰲ اﻟﻘﺮون اﻟﻮﺳﻄﻰ ﻋﻠﻮم ﺗﺸﺎﻛﻠﻬﺎ ،ﻛﻤﺎ ﻫﻲ اﻟﻌﻠﻮم واﻟﺼﻨﺎﻋﺎت واملﺪﻧﻴﺔ اﻟﺤﺎﴐة ﰲ ﻫﺬا اﻟﻌﴫ ،وأﻣﻮر اﻟﺨﻠﻖ ﻛﻠﻬﺎ ﻧﺴﺒﻴﺔ ،وﻟﻘﺪ ﻛﺎﻧﺖ ﰲ اﻟﻌﴫ اﻟﺬي ﻧﺘﻜﻠﻢ ﻋﻨﻪ آﻻت ﻗﺘﺎل وﻣﻨﺠﻨﻴﻘﺎت ودﺑﺎﺑﺎت وﻧريان ﻣﺮﻛﺒﺔ ﺗﺮﻛﻴﺒًﺎ ً ﻣﺠﻬﻮﻻ اﻟﻴﻮم ،وﻛﺎﻧﺖ ﰲ ذﻟﻚ اﻟﻮﻗﺖ ﻛﻤﺎ ﻫﻲ املﺪاﻓﻊ واﻟﺮﺷﺎﺷﺎت وﻗﻨﺎﺑﺮ اﻟﺪﻳﻨﺎﻣﻴﺖ وﻣﺎ أﺷﺒﻪ ذﻟﻚ ﰲ ﻫﺬه اﻷﻳﺎم. ﻋﲆ أﻧﻪ ﻟﻴﺴﺖ اﻟﺪﺑﺎﺑﺎت واﻟﻄﻴﺎرات واﻟﺮﺷﺎﺷﺎت ﻫﻲ اﻟﺘﻲ ﺗﺒﻌﺚ اﻟﻌﺰاﺋﻢ ،وﺗﻮﻗﺪ ﻧريان اﻟﺤﻤﻴﺔ ﰲ ﺻﻔﻮف اﻟﺒﴩ ،ﺑﻞ اﻟﺤﻤﻴﺔ واﻟﻌﺰﻳﻤﺔ واﻟﻨﺠﺪة ﻫﻲ اﻟﺘﻲ ﺗﺄﺗﻲ ﺑﺎﻟﻄﻴﺎرات واﻟﺪﺑﺎﺑﺎت واﻟﻘﻨﺎﺑﺮ ،وﻣﺎ ﻫﺬه إﻻ ﻣﻮاد ﺻﻤﺎء ﻻ ﻓﺮق ﺑﻴﻨﻬﺎ وﺑني أي ﺣﺠﺮ ،ﻓﺎملﺎدة ﻻ ﺗﻘﺪر أن ﺗﻌﻤﻞ ﺷﻴﺌًﺎ ﻣﻦ ﻧﻔﺴﻬﺎ ،وإﻧﻤﺎ اﻟﺬي ﻳﻌﻤﻞ ﻫﻮ اﻟﺮوح ،ﻓﺈذا ﻫﺒﺖ أرواح اﻟﺒﴩ وﺗﺤﺮﻛﺖ 39
ملﺎذا ﺗﺄﺧﺮ املﺴﻠﻤﻮن؟ وملﺎذا ﺗﻘﺪم ﻏريﻫﻢ؟
ﻋﺰاﺋﻤﻬﻢ ﻓﻌﻨﺪ ذﻟﻚ ﻧﺠﺪ اﻟﺪﺑﺎﺑﺎت واﻟﻄﻴﺎرات واﻟﺮﺷﺎﺷﺎت واﻟﻐﻮاﺻﺎت وﻛﻞ أداة ﻗﺘﺎل وﻧﺰال ﻋﲆ ﻃﺮف اﻟﺘﻤﺎم. ﻳﻘﻮﻟﻮن :إﻻ أن ﻫﺬا ﻳﻨﺒﻐﻲ ﻟﻪ اﻟﻌﻠﻢ اﻟﺤﺪﻳﺚ ،وﻫﺬا اﻟﻌﻠﻢ ﻣﻔﻘﻮد ﻋﻨﺪ املﺴﻠﻤني ،ﻓﻠﺬﻟﻚ أﻣﻜﻦ اﻹﻓﺮﻧﺞ ﻣﺎ ﻟﻢ ﻳﻤﻜﻨﻬﻢ. )واﻟﺠﻮاب( :أن اﻟﻌﻠﻢ اﻟﺤﺪﻳﺚ ً أﻳﻀﺎ ﻳﺘﻮﻗﻒ ﻋﲆ اﻟﻔﻜﺮة واﻟﻌﺰﻳﻤﺔ ،وﻣﺘﻰ و ُِﺟﺪ ْ َت ﻫﺎﺗﺎن و ُِﺟ َﺪ اﻟﻌﻠ ُﻢ اﻟﺤﺪﻳﺚ ووﺟﺪت اﻟﺼﻨﺎﻋﺔ اﻟﺤﺪﻳﺜﺔ ،أﻓﻼ ﺗﺮى أن اﻟﻴﺎﺑﺎن إﱃ ﺣﺪ ﺳﻨﺔ ١٨٦٨ﻛﺎﻧﻮا أﻣﺔ ﻛﺴﺎﺋﺮ اﻷﻣﻢ اﻟﴩﻗﻴﺔ اﻟﺒﺎﻗﻴﺔ ﻋﲆ ﺣﺎﻟﺘﻬﺎ اﻟﻘﺪﻳﻤﺔ ،ﻓﻠﻤﺎ أرادوا اﻟﻠﺤﺎق ﺑﺎﻷﻣﻢ اﻟﻌﺰﻳﺰة ﺗﻌﻠﻤﻮا ﻋﻠﻮم اﻷوروﺑﻴني ،وﺻﻨﻌﻮا ﺻﻨﺎﻋﺎﺗﻬﻢ ،واﺗﺴﻖ ﻟﻬﻢ ذﻟﻚ ﰲ ﺧﻤﺴني ﺳﻨﺔ ،وﻛﻞ أﻣﺔ ﻣﻦ أﻣﻢ اﻹﺳﻼم ﺗﺮﻳﺪ أن ﺗﻨﻬﺾ وﺗﻠﺤﻖ ﺑﺎﻷﻣﻢ اﻟﻌﺰﻳﺰة ﻳﻤﻜﻨﻬﺎ ذﻟﻚ وﺗﺒﻘﻰ ﻣﺴﻠﻤﺔ وﻣﺘﻤﺴﻜﺔ ﺑﺪﻳﻨﻬﺎ ،ﻛﻤﺎ أن اﻟﻴﺎﺑﺎﻧﻴني ﺗﻌﻠﻤﻮا ﻋﻠﻮم اﻷوروﺑﻴني ﻛﻠﻬﺎ وﺿﺎرﻋﻮﻫﻢ وﻟﻢ ً وأﻳﻀﺎ ﻓﻤﺘﻰ ﻳﻘﴫوا ﰲ ﳾء ﻋﻨﻬﻢ وﻟﺒﺜﻮا ﻳﺎﺑﺎﻧﻴني وﻟﺒﺜﻮا ﻣﺘﻤﺴﻜني ﺑﺪﻳﻨﻬﻢ وأوﺿﺎﻋﻬﻢ، أرادت أﻣﺔ ﻣﺴﻠﻤﺔ أدوات أو أﺳﻠﺤﺔ ﺣﺪﻳﺜﺔ وﻟﻢ ﺗﺠﺪﻫﺎ؟ إن ﻣﻼك اﻷﻣﺮ ﻫﻮ اﻹرادة؛ ﻓﻤﺘﻰ وﺟﺪت اﻹرادة وﺟﺪ اﻟﴚء املﺮاد. ﻓﻠﻮ أن أﻣﺔ ﻣﻦ أﻣﻢ اﻹﺳﻼم أرادت أن ﺗﺘﺴﻠﺢ ﻟﻮﺟﺪت اﻟﺴﻼح اﻟﺤﺪﻳﺚ اﻟﻼزم ﺑﺄﻧﻮاﻋﻪ وأﺷﻜﺎﻟﻪ ﻣﻦ ﺛﺎﻧﻲ ﻳﻮم ،وﻟﻜﻦ اﻗﺘﻨﺎء اﻟﺴﻼح ﻳﻨﺒﻐﻲ ﻟﻪ ﺳﺨﺎء ﺑﺎﻷﻣﻮال ،وﻫﻢ ﻻ ﻳﺮﻳﺪون أن ﻳﺒﺬﻟﻮا ،وﻻ أن ﻳﻘﺘﺪوا ﺑﺎﻹﻓﺮﻧﺞ واﻟﻴﺎﺑﺎن ﰲ اﻟﺒﺬل ،ﺑﻞ ﻳﺮﻳﺪون اﻟﻨﴫة ﺑﺪون ﺳﻼح وﻋﺘﺎد، أو اﻟﺴﻼح واﻟﻌﺘﺎد ﺑﺪون ﺑﺬل أﻣﻮال ،وإذا ﺗﻐﻠﺐ اﻟﻌﺪو ﻋﻠﻴﻬﻢ ﻣﻦ ﺑﻌﺪ ذﻟﻚ ﺻﺎﺣﻮا ﻗﺎﺋﻠني: ني﴾5 . ﴫ ا ْﻟ ُﻤ ْﺆ ِﻣ ِﻨ َ أﻳﻦ املﻮاﻋﻴﺪ اﻟﺘﻲ وﻋﺪﻧﺎ إﻳﺎﻫﺎ اﻟﻘﺮآن ﰲ ﻗﻮﻟﻪَ ﴿ :و َﻛ َ ﺎن ﺣَ ٍّﻘﺎ ﻋَ َﻠﻴْﻨَﺎ ﻧ َ ْ ُ ﻛﺄن اﻟﻘﺮآن ﺿﻤﻦ ﻟﻠﻤﺆﻣﻨني اﻟﻨﴫ ﺑﺪون ﻋﻤﻞ وﺑﻼ ﻛﺴﺐ وﻻ ﺟﻬﺎد ﺑﺎﻷﻣﻮال واﻷﻧﻔﺲ، ﺑﻞ ﺑﻤﺠﺮد ﻗﻮﻟﻨﺎ :إﻧﻨﺎ ﻣﺴﻠﻤﻮن ،أو ﺑﻤﺠﺮد اﻟﺪﻋﺎء واﻟﺘﺴﺒﻴﺢ؟ وأﻏﺮب ﻣﻦ ذﻟﻚ ﺑﻤﺠﺮد اﻻﺳﺘﻐﺎﺛﺔ ﺑﺎﻷوﻟﻴﺎء ،ﻓﺄﺻﺒﺢ اﻟﻜﺜري ﻣﻦ املﺴﻠﻤني ،وﻫﻢ ﻋﺰل ﻣﻦ اﻟﺴﻼح اﻟﺤﺪﻳﺚ ،وﻫﻢ ﻏري ﻣﺠﻬﺰﻳﻦ ﺑﺎﻟﻌﻠﻢ اﻟﻼزم ﻻﺳﺘﻌﻤﺎﻟﻪ ﻻ ﻳﻘﻮﻣﻮن ﻟﻠﻘﻠﻴﻞ ﻣﻦ اﻹﻓﺮﻧﺞ املﺴﻠﺤني املﺠﻬﺰﻳﻦ، وﺻﺎروا إذا اﻟﺘﻘﻰ اﻟﺠﻤﻌﺎن ﺗﺪور اﻟﺪاﺋﺮة ﰲ أﻏﻠﺐ اﻷﺣﻴﺎن ﻋﲆ املﺴﻠﻤني ،ﻓﺘﻮاﱃ ﻫﺬا اﻷﻣﺮ ﻋﻠﻴﻬﻢ ﻣﺪة ﻃﻮﻳﻠﺔ إﱃ أن ﻓﻘﺪوا ﻛﻞ ﺛﻘﺔ ﺑﻨﻔﻮﺳﻬﻢ ،واﺳﺘﻮﱃ ﻋﻠﻴﻬﻢ اﻟﻘﻨﻮط ،ودب ﻓﻴﻬﻢ اﻟﺮﻋﺐ ،وأﻟﻘﻮا ﺑﺄﻧﻔﺴﻬﻢ إﱃ اﻟﻌﺪو ،وﺑﻌﺪ أن ﻛﺎﻧﻮا ﻣﺴﻠﻤني ،ﺻﺎروا ﻣﺴﺘﺴﻠﻤني ،وﻗﺪ ذﻫﻠﻮا ﻋﻦ ﻗﻮﻟﻪ ﺗﻌﺎﱃ﴿ :و ََﻻ ﺗَ ِﻬﻨُﻮا و ََﻻ ﺗَﺤْ َﺰﻧُﻮا وَأَﻧﺘُ ُﻢ ْاﻷَﻋْ َﻠﻮ َْن إِن ُﻛﻨﺘُﻢ ﻣﱡ ْﺆ ِﻣ ِﻨ َ ني * إِن ﻳَﻤْ َﺴ ْﺴ ُﻜ ْﻢ ﺎس﴾6 . َﻗ ْﺮحٌ َﻓ َﻘ ْﺪ ﻣَ ﱠﺲ ا ْﻟ َﻘ ْﻮ َم َﻗ ْﺮحٌ ﻣﱢ ﺜْﻠُ ُﻪ ۚ َوﺗِ ْﻠ َﻚ ْاﻷَﻳﱠﺎ ُم ﻧُﺪ َِاوﻟُﻬَ ﺎ ﺑ ْ َ َني اﻟﻨ ﱠ ِ وﻧﺴﻮا أﻧﻪ ﻻ ﻳﺠﻮز أن ﻳﺘﻄﺮق اﻟﻴﺄس إﱃ ﻗﻠﺐ أﺣﺪ؛ ﻻ ً ﻋﻘﻼ وﻻ ﴍﻋً ﺎ ،وﻻ ﺳﻴﻤﺎ املﺴﻠﻢ اﻟﺬي ﻳﺨﱪه دﻳﻨﻪ ﺑﺄن اﻟﻴﺄس ﻫﻮ اﻟﻜﻔﺮ ﺑﻌﻴﻨﻪ ،وﻏﻔﻠﻮا ﻋﻦ ﻗﻮﻟﻪ ﺗﻌﺎﱃ ﰲ ﺳﻠﻔﻬﻢ: 40
أﻫﻢ أﺳﺒﺎب ﺗﺄﺧﺮ املﺴﻠﻤني
ﺎس َﻗ ْﺪ ﺟَ ﻤَ ﻌُ ﻮا َﻟ ُﻜ ْﻢ َﻓ ْ ﴿ا ﱠﻟﺬ َ ِﻳﻦ َﻗﺎ َل َﻟﻬُ ُﻢ اﻟﻨ ﱠ ُ ﺎس إ ِ ﱠن اﻟﻨ ﱠ َ ﺎﺧ َﺸﻮ ُْﻫ ْﻢ َﻓ َﺰاد َُﻫ ْﻢ إِﻳﻤَ ﺎﻧًﺎ و ََﻗﺎﻟُﻮا ﺣَ ْﺴﺒُﻨَﺎ ﺳﻮءٌ﴾ اﻵﻳﺎت7 . ﷲ ُ َوﻧِﻌْ َﻢ ا ْﻟ َﻮﻛِﻴ ُﻞ * َﻓ َ ﺎﻧﻘ َﻠﺒُﻮا ِﺑﻨِﻌْ ﻤَ ٍﺔ ﻣﱢ َﻦ ِ ﷲ و ََﻓ ْﻀ ٍﻞ ﱠﻟ ْﻢ ﻳَﻤْ َﺴ ْﺴﻬُ ْﻢ ُ ﻓﻨﺠﺪﻫﻢ إذا اﺳﺘﻨﻬﻀﺘﻬﻢ ملﻌﺎوﻧﺔ ﻗﻮم ﻣﻨﻬﻢ ﻳﻘﺎﺗﻠﻮن دوﻟﺔ أﺟﻨﺒﻴﺔ ﺗﺮﻳﺪ ﻟﺘﻤﺤﻮﻫﻢ ﻛﺎن أول ﺟﻮاب ﻟﻬﻢ :أﻳﺔ ﻓﺎﺋﺪة ﻣﻦ ﺑﺬل أﻣﻮاﻟﻨﺎ ﰲ ﻫﺬا اﻟﺴﺒﻴﻞ وﺗﻠﻚ اﻟﺪوﻟﺔ ﻏﺎﻟﺒﺔ ﻻ ﻣﺤﺎﻟﺔ؟! وﻟﻮ ﺗﺄﻣﻠﻮا ﻟﻮﺟﺪوا أن اﻻﺳﺘﺴﻼم ﻻ ﻳﺰﻳﺪﻫﻢ إﻻ ً وﻳﻼ ،وﻻ ﻳﺰﻳﺪ اﻟﻌﺪو إﻻ اﺳﺘﺒﺪادًا وﺟﱪوﺗًﺎ؛ ﺳﻨﺔ ﷲ ﰲ ﺧﻠﻘﻪ ،وﻟﻮ ﻓﻜﺮوا ً ﻗﻠﻴﻼ ﻟﺮأوا أن ﻫﺬا اﻟﺸﺢ ﺑﺎملﺎل ﻋﲆ إﺧﻮاﻧﻬﻢ اﻟﺬﻳﻦ ﰲ ﻣﻮاﻃﻦ اﻟﺠﻬﺎد ﻟﻢ ﻳﻜﻦ ﺗﻮﻓريًا وإﻧﻤﺎ ﻛﺎن ﻫﻮ اﻟﻔﻘﺮ ﺑﻌﻴﻨﻪ؛ ﻷن اﻷﻣﺔ املﺴﺘﻀﻌﻔﺔ ﻻ ﺗﻌﻮد ﺣﺮة ﰲ ﺗﺠﺎرﺗﻬﺎ واﻗﺘﺼﺎدﻳﺎﺗﻬﺎ ،ﺑﻞ ﻳﻤﺘﺺ اﻟﻌﺪو اﻟﻐﺎﻟﺐ ﻋﻠﻴﻬﺎ ﻛﻞ ﻣﺎ ﻓﻴﻪ ﻋﻼﻟﺔ رﻃﻮﺑﺔ ﰲ أرﺿﻬﺎ ،وﻻ ﻳﱰك ﻟﻸﻣﺔ املﺴﺘﻀﻌﻔﺔ إﻻ ﻋﻈﺎﻣً ﺎ ﻳﺘﻤﺸﺸﻮﻧﻬﺎ ،ﻣﻦ ﻗﺒﻴﻞ »ﻗﻮت ﻻ ﻳﻤﻮت« وﻛﺜريًا ﻣﺎ ﺗﺤﺼﻞ ﻣﺴﺎﻏﺐ وﻳﻤﻮﺗﻮن ﺟﻮﻋً ﺎ ﻛﻤﺎ ﻳﻘﻊ ﻛﺜريًا ﰲ ﺟﺰاﺋﺮ اﻟﻐﺮب واﻟﻬﻨﺪ وﻏريﻫﻤﺎ ،ﺗﺮى املﺠﺎﻋﺎت واﻗﻌﺔ ﰲ اﻟﻬﻨﺪ وﻻ ﻳﻤﻮت ﻣﻨﻬﺎ وﻻ إﻧﻜﻠﻴﺰي ،وﺗﺮاﻫﺎ ﺗﺸﺘﺪ ﰲ اﻟﺠﺰاﺋﺮ وﻻ ﻳﻤﻮت ﺑﻬﺎ إﻻ املﺴﻠﻢ 8 ،وﻣﺎ اﻟﺴﺒﺐ ﰲ ذﻟﻚ إﻻ أن اﻷﺟﺎﻧﺐ ﻗﺪ اﺳﺘﺄﺛﺮوا ﺑﺨريات اﻟﺒﻼد ،وﻟﻢ ﻳﱰﻛﻮا ﻟﻠﻤﺴﻠﻤني إﻻ اﻟﻔﻘﺮ ،ﻓﻘﺎم املﺴﻠﻤﻮن اﻟﻴﻮم ﻳﻌﺘﺬرون ﻋﻦ ﻋﺪم ﺑﺬل اﻷﻣﻮال ملﺴﺎﻋﺪة إﺧﻮاﻧﻬﻢ ﺑﻌﺪم وﺟﻮدﻫﺎ ،وﻫﺬا ﺻﺤﻴﺢ إﱃ ﺣﺪ ﻣﺤﺪود؛ وذﻟﻚ أﻧﻬﻢ ﺑﺨﻠﻮا ﺑﻬﺎ ﰲ اﻷول ﻓﺠﻨﻮا ﻣﻦ ﺑﺨﻠﻬﻢ ﻋﲆ اﻟﺠﻬﺎد اﻟﺬ ﱠل واﻟﺨﻨﻮ َع ً أوﻻ ،واﻟﻔﻘ َﺮ واﻟﺠﻮ َع ﺛﺎﻧﻴًﺎ ،ﻓﺈن ﻣﻦ ﺳﻨﻦ ﷲ ﰲ أرﺿﻪ أن اﻟﺬل ﻳﺮدﻓﻪ اﻟﻔﻘﺮ ،وأن اﻟﻌﺰ ﻳﺮدﻓﻪ اﻟﺜﺮاء ،واملﺜﻞ اﻟﻌﺮﺑﻲ ﻳﻘﻮل :ﻣﻦ ﻋﺰ ﺑﺰ ،واﻟﺸﺎﻋﺮ اﻟﻌﺮﺑﻲ اﻹﻳﺎدي ﻳﻘﻮل: إ ِ ْن ﻳَ ْ ﻈﻬَ ُﺮوا ﻳَﺄْﺧﺬُوﻛﻢ وَاﻟﺘﱢﻼ َد ﻣَ ﻌﺎ َ َﻗ ِﺪ اﺣْ ﺘَ َﻔ ْ ﻈﺘُ ْﻢ ِﺑﻬَ ﺎ ْ إن أﻧ ْﻔ ُﻜ ْﻢ ﺟﺪﻋﺎ
ﻻ ﺗَ ﺬْﺧِ ُﺮوا اﻟ ﻤَ ﺎ َل ِﻟ ْﻸَﻋْ ﺪَاءِ إِﻧ ﱠ ﻬُ ُﻢ ﺎل َو ِﻓﻲ ِﻧﻌَ ﻢ َﻫﻴْﻬَ ﺎت ﻻ َﺧﻴْ َﺮ ﻓِ ﻲ ﻣَ ٍ واملﺘﻨﺒﻲ ﻳﻘﻮل: َﻓﻼ ﻣَ ﺠْ َﺪ ﻓِ ﻲ اﻟ ﱡﺪﻧ ْﻴَﺎ ِﻟﻤَ ْﻦ َﻗ ﱠﻞ ﻣَ ﺎﻟُ ُﻪ
وَﻻ ﻣَ ﺎ َل ﻓِ ﻲ اﻟ ﱡﺪﻧ ْﻴَﺎ ِﻟﻤَ ْﻦ َﻗ ﱠﻞ ﻣَ ﺠْ ُﺪ ُه
ﻓﺎملﺴﻠﻤﻮن ﻋﺰ ﻋﻠﻴﻬﻢ املﺎل ﻓﻔﻘﺪوه ،وﻋﺰت ﻋﻠﻴﻬﻢ اﻟﺤﻴﺎة ﻓﻔﻘﺪوﻫﺎ ،وأﺑﻰ ﷲ إﻻ ﺗﺼﺪﻳﻖ ﻛﻼم اﻟﻨﺒﻲ املﺤﻮى إﻟﻴﻪ ﺣﻴﺚ ﻳﻘﻮل» :ﻳﻮﺷﻚ أن ﺗﺪاﻋﻰ ﻋﻠﻴﻜﻢ اﻷﻣﻢ ﻛﻤﺎ ﺗﺪاﻋﻰ اﻷﻛﻠﺔ ﻋﲆ اﻟﻘﺼﺎع« ،ﻗﺎﻟﻮا أوَﻣﻦ ﻗﻠﺔ ﻓﻴﻨﺎ ﻳﻮﻣﺌﺬ ﻳﺎ رﺳﻮل ﷲ؟ ﻗﺎل» :ﻻ ،وﻟﻜﻨﻜﻢ ُﻏﺜﺎء ﻛﻐﺜﺎء اﻟﺴﻴﻞ ﻳﺠﻌﻞ اﻟﻮﻫﻦ ﰲ ﻗﻠﻮﺑﻜﻢ وﻳﻨﺰع ﻣﻦ ﻗﻠﻮب أﻋﺪاﺋﻜﻢ ،ﻣﻦ ﺣﺒﻜﻢ اﻟﺪﻧﻴﺎ ،وﻛﺮاﻫﻴﺘﻜﻢ املﻮت«. 41
ملﺎذا ﺗﺄﺧﺮ املﺴﻠﻤﻮن؟ وملﺎذا ﺗﻘﺪم ﻏريﻫﻢ؟
ﻫﺬا اﻟﺤﺪﻳﺚ رواه ﱄ اﻟﺸﻴﺦ ﻣﺤﻤﺪ ﺑﻦ ﺟﻌﻔﺮ اﻟﻜﻨﺎﻧﻲ اﻟﻔﺎﳼ — رﺣﻤﻪ ﷲ — ﻳﻮم ﻟﻘﻴﺘﻪ ﰲ املﺪﻳﻨﺔ املﻨﻮرة ﻣﻨﺬ ﺧﻤﺲ وﻋﴩﻳﻦ ﺳﻨﺔ ،ﺛﻢ ﻗﺮأﺗﻪ ﰲ اﻟﻜﺘﺐ ،واﺳﺘﺸﻬﺪت ﺑﻪ ﰲ ﻣﻘﺪﻣﺔ ﺣﺎﴐ اﻟﻌﺎﻟﻢ اﻹﺳﻼﻣﻲ ،وأﻟﻔﺎﻇﻪ ﺗﺨﺘﻠﻒ ﰲ رواﻳﺔ ﻋﻦ رواﻳﺔ ،ﻓﺎﻷﺳﺘﺎذ ﺻﺎﺣﺐ املﻨﺎر أﻣﺘﻊ ﷲ ﺑﻄﻮل ﺣﻴﺎﺗﻪ ﻫﻮ اﻷدرى ﺑﺄﺻﺢ رواﻳﺎﺗﻪ 9وﻣﻌﻨﺎه ﻇﺎﻫﺮ وﻫﻮ :أن املﺴﻠﻤني ﻳﺄﺗﻲ ﻋﻠﻴﻬﻢ ﻳﻮم ﻳﺼريون ﻓﻴﻪ ﻣﺄﻛﻠﺔ ،وﺗﻤﺘﺪ إﻟﻴﻬﻢ اﻷﻳﺪي ﻣﻦ ﻛﻞ ﺟﻬﺔ ،ﻓﻬﺬا اﻟﻌﴫ اﻟﺬي ﻧﺤﻦ ﻓﻴﻪ ﻫﻮ ذﻟﻚ اﻟﻴﻮم ،وأن املﺴﻠﻤني ﻻ ﻳﻜﻮن ﻋﻴﺒﻬﻢ ﻳﻮﻣﺌﺬ ﻗﻠﺔ ،اﻟﻜﺜﺮة ﺑﻨﻔﺴﻬﺎ ﻻ ﺗﻔﻴﺪ أن ﺗﻘﱰن ﺑﺠﻮدة اﻟﻨﻮع واﻟﻜﻤﻴﺔ اﻟﺘﻲ ﻻ ﺗﻐﻨﻲ ﻋﻦ اﻟﻜﻴﻔﻴﺔ 10 ،وﻋﻠﺔ اﻟﻌﻠﻞ ﰲ ﺿﻌﻒ املﺴﻠﻤني ذﻟﻚ اﻟﻴﻮم ﻫﻮ اﻟﺠﺒﻦ واﻟﺒﺨﻞ ،ﴏﻳﺢ ذﻟﻚ ﰲ ﻗﻮﻟﻪ ﷺ» :ﻣﻦ ﺣﺒّﻜﻢ اﻟﺪﻧﻴﺎ وﻛﺮاﻫﻴﺘﻜﻢ املﻮت«11 . وﻣﻦ املﻌﻠﻮم أن اﻹﻓﺮاط ﰲ ﺣﺐ اﻟﺪﻧﻴﺎ ﻳﺤﺮم اﻹﻧﺴﺎن اﻟﺘﻤﺘﻊ ﺑﻬﺎ ،وأن اﻟﻐﻠﻮ ﰲ املﺤﺎﻓﻈﺔ ﻋﲆ اﻟﺤﻴﺎة ﺗﻜﻮن ﻋﺎﻗﺒﺘﻪ زﻳﺎدة اﻟﺘﻌﺮض ﻟﻠﻬﻼك 12ﻫﺬه ﻫﻲ ﻣﻦ ﺳﻨﻦ ﷲ ﰲ ﺧﻠﻘﻪ أو ﻣﻦ اﻟﻨﻮاﻣﻴﺲ اﻟﻄﺒﻴﻌﻴﺔ ﻛﻤﺎ ﻳﻘﺎل ﰲ ﻫﺬا اﻟﻌﴫ ،ﻓﺎﻟﻘﺮآن ﻳﺄﻣﺮ املﺴﻠﻢ ﺑﺄن ﻳﺤﺘﻘﺮ اﻟﺤﻴﺎة واملﺎل وﻛﻞ ﻋﺰﻳﺰ ﰲ ﺳﺒﻴﻞ ﷲ ،وﻳﺄﻣﺮ املﺴﻠﻢ أن ﻳﺜﺒﺖ وﻻ ﻳﻴﺄس ،وأن ﻳﺼﱪ وﻻ ﻳﺘﺰﻟﺰل ﻣﻬﻤﺎ أﺻﻴﺐ ،وﺗﺮاه ﻳﻘﻮلَ ﴿ :و َﻛﺄَﻳﱢﻦ ﻣﱢ ﻦ ﻧ ﱠ ِﺒ ﱟﻲ َﻗﺎﺗَ َﻞ ﻣَ ﻌَ ُﻪ ِرﺑﱢﻴ َ ﱡﻮن َﻛ ِﺜريٌ َﻓﻤَ ﺎ و ََﻫﻨُﻮا ﻟِﻤَ ﺎ ﻳﻦ﴾13 . ﷲ وَﻣَ ﺎ َ اﻟﺼﺎ ِﺑ ِﺮ َ ﻴﻞ ِ اﺳﺘَ َﻜﺎﻧُﻮا ۗ َوﷲ ُ ﻳُﺤِ ﺐﱡ ﱠ ﺿﻌُ ُﻔﻮا وَﻣَ ﺎ ْ أَ َ ﺻﺎﺑَﻬُ ْﻢ ِﰲ َﺳ ِﺒ ِ ﻫﻜﺬا ﻳﺮﻳﺪ ﷲ ﻟﻴﻜﻮن املﺴﻠﻤﻮن ،ﻓﺈن ﻟﻢ ﻳﻜﻮﻧﻮا ﻫﻜﺬا ﺑﴫﻳﺢ ﻧﺺ اﻟﻘﺮآن ،ﻓﻜﻴﻒ ﻳﺴﺘﻨﺠﺰون ﷲ ﻋﺪاﺗﻪ ﺑﺎﻟﻨﴫ واﻟﺘﻤﻜني واﻟﺴﻌﺎدة واﻟﺘﺄﻣني؟! ﺿﻴﺎع اﻹﺳﻼم ﺑني اﻟﺠﺎﻣﺪﻳﻦ واﻟﺠﺎﺣﺪﻳﻦ وﻣﻦ أﻛﱪ ﻋﻮاﻣﻞ اﻧﺤﻄﺎط املﺴﻠﻤني اﻟﺠﻤﻮد ﻋﲆ اﻟﻘﺪﻳﻢ ،ﻓﻜﻤﺎ أن آﻓﺔ اﻹﺳﻼم ﻫﻲ اﻟﻔﺌﺔ اﻟﺘﻲ ﺗﺮﻳﺪ أن ﺗﻠﻐﻲ ﻛﻞ ﳾء ﻗﺪﻳﻢ ،ﺑﺪون ﻧﻈﺮ ﻓﻴﻤﺎ ﻫﻮ ﺿﺎر ﻣﻨﻪ أو ﻧﺎﻓﻊ ،ﻛﺬﻟﻚ آﻓﺔ اﻹﺳﻼم ﻫﻲ اﻟﻔﺌﺔ اﻟﺠﺎﻣﺪة اﻟﺘﻲ ﻻ ﺗﺮﻳﺪ أن ﺗﻐري ﺷﻴﺌًﺎ ،وﻻ ﺗﺮﴇ ﺑﺈدﺧﺎل أﻗﻞ ﺗﻌﺪﻳﻞ ﻋﲆ أﺻﻮل اﻟﺘﻌﻠﻴﻢ اﻹﺳﻼﻣﻲ؛ ﻇﻨٍّﺎ ﻣﻨﻬﻢ ﺑﺄن اﻻﻗﺘﺪاء ﺑﺎﻟﻜﻔﺎر ﻛﻔﺮ ،وأن ﻧﻈﺎم اﻟﺘﻌﻠﻴﻢ اﻟﺤﺪﻳﺚ ﻣﻦ وﺿﻊ اﻟﻜﻔﺎر. ﻓﻘﺪ أﺿﺎع اﻹﺳﻼم ﺟﺎﺣﺪ وﺟﺎﻣﺪ. أﻣﺎ اﻟﺠﺎﺣﺪ ﻓﻬﻮ اﻟﺬي ﻳﺄﺑﻰ إﻻ أن ﻳﻔﺮﻧﺞ املﺴﻠﻤني وﺳﺎﺋﺮ اﻟﴩﻗﻴني وﻳﺨﺮﺟﻬﻢ ﻋﻦ ﺟﻤﻴﻊ ﻣﻘﻮﻣﺎﺗﻬﻢ وﻣﺸﺨﺼﺎﺗﻬﻢ ،وﻳﺤﻤﻠﻬﻢ ﻋﲆ إﻧﻜﺎر ﻣﺎﺿﻴﻬﻢ ،وﻳﺠﻌﻠﻬﻢ أﺷﺒﻪ ﺑﺎﻟﺠﺰء اﻟﻜﻴﻤﺎوي اﻟﺬي ﻳﺪﺧﻞ ﰲ ﺗﺮﻛﻴﺐ ﺟﺴﻢ آﺧﺮ ﻛﺎن ﺑﻌﻴﺪًا ﻓﻴﺬوب ﻓﻴﻪ وﻳﻔﻘﺪ ﻫﻮﻳﺘﻪ ،وﻫﺬا 42
أﻫﻢ أﺳﺒﺎب ﺗﺄﺧﺮ املﺴﻠﻤني
املﻴﻞ ﰲ اﻟﻨﻔﺲ إﱃ إﻧﻜﺎر اﻹﻧﺴﺎن ملﺎﺿﻴﻪ واﻋﱰاﻓﻪ ﺑﺄن آﺑﺎءه ﻛﺎﻧﻮا ﺳﺎﻓﻠني ،وأﻧﻪ ﻫﻮ ﻳﺮﻳﺪ أن ﻳﱪأ ﻣﻨﻬﻢ ﻻ ﻳﺼﺪر إﻻ ﻋﻦ اﻟﻔﺴﻞ اﻟﺨﺴﻴﺲ ،اﻟﻮﺿﻴﻊ اﻟﻨﻔﺲ ،أو ﻋﻦ اﻟﺬي ﻳﺸﻌﺮ أﻧﻪ ﰲ وﺳﻂ ﻗﻮﻣﻪ دﻧﻲء اﻷﺻﻞ ،ﻓﻴﺴﻌﻰ ﻫﻮ ﰲ إﻧﻜﺎر أﺻﻞ أﻣﺘﻪ ﺑﺄﴎﻫﺎ؛ ﻷﻧﻪ ﻳﻌﻠﻢ ﻧﻔﺴﻪ ﻣﻨﻬﺎ ﺑﻤﻜﺎن ﺧﺴﻴﺲ ﻟﻴﺲ ﻟﻪ ﻧﺼﻴﺐ ﻣﻦ ﺗﻠﻚ اﻷﺻﺎﻟﺔ ،وﻫﻮ ﻣﺨﺎﻟﻒ ﻟﺴﻨﻦ اﻟﻜﻮن اﻟﻄﺒﻴﻌﻴﺔ اﻟﺘﻲ ﺟﻌﻠﺖ ﰲ ﻛﻞ أﻣﺔ ً ﻣﻴﻼ ﻃﺒﻴﻌﻴٍّﺎ ﻟﻼﺣﺘﻔﺎظ ﺑﻤﻘﻮﻣﺎﺗﻬﺎ وﻣﺸﺨﺼﺎﺗﻬﺎ؛ ﻣﻦ ﻟﻐﺔ وﻋﻘﻴﺪة وﻋﺎدة وﻃﻌﺎم وﴍاب وﺳﻜﻨﻰ وﻏري ذﻟﻚ إﻻ ﻣﺎ ﺛﺒﺖ ﴐره14 . ﻣﺤﺎﻓﻈﺔ اﻟﺸﻌﻮب اﻹﻓﺮﻧﺠﻴﺔ ﻋﲆ ﻗﻮﻣﻴﺘﻬﺎ ﻓﻠﻨﻨﻈﺮ إﱃ أوروﺑﺔ — ﻷﻧﻬﺎ ﻫﻲ اﻟﻴﻮم املﺜﻞ اﻷﻋﲆ ﰲ ذﻟﻚ — ﻓﻨﺠﺪ ﻛﻞ أﻣﺔ ﻓﻴﻬﺎ ﺗﺄﺑﻰ أن ﺗﻨﺪﻣﺞ ﰲ أﻣﺔ أﺧﺮى ،ﻓﺎﻹﻧﻜﻠﻴﺰ ﻳﺮﻳﺪون أن ﻳﺒﻘﻮا إﻧﻜﻠﻴ ًﺰا ،واﻹﻓﺮﻧﺴﻴﺲ ً إﻓﺮﻧﺴﻴﺴﺎ ،واﻷملﺎن ﻻ ﻳﺮﻳﺪون أن ﻳﻜﻮﻧﻮا إﻻ أملﺎﻧًﺎ ،واﻟﻄﻠﻴﺎن ﻻ ﻳﺮﻳﺪون أن ﻳﺒﻘﻮا ً روﺳﺎ ،وﻫﻠﻢ ﻳﺮﺿﻮن أن ﻳﻜﻮﻧﻮا إﻻ ﻃﻠﻴﺎﻧًﺎ ،واﻟﺮوس ﻗﺼﺎرى ﻫﻤﻬﻢ أن ﻳﻜﻮﻧﻮا ﺟ ّﺮا. وﻣﻤﺎ ﻳﺰﻳﺪ ﻫﺬا املﺜﺎل ﺗﺄﺛريًا ﰲ اﻟﻨﻔﺲ أن اﻷﻳﺮﻟﻨﺪﻳني ً ﻣﺜﻼ أﻣﺔ ﺻﻐرية ﻣﺠﺎورة ﻟﻺﻧﻜﻠﻴﺰ ،وﻗﺪ ﺑﺬل ﻫﺆﻻء ﺟﻤﻴﻊ ﻣﺎ ﻳﺘﺼﻮره اﻟﻌﻘﻞ ﻣﻦ اﻟﺠﻬﻮد ﻟﻴﺪﻣﺠﻮﻫﻢ ﰲ ﺳﻮاﻫﻢ ﻣﺪة ﺗﺰﻳﺪ ﻋﻦ ﺳﺒﻊ ﻣﺌﺔ ﺳﻨﺔ ،ﻓﺄﺑﻮا أن ﻳﺼريوا إﻧﻜﻠﻴ ًﺰا وﻟﺒﺜﻮا أﻳﺮﻟﻨﺪﻳني ﺑﻠﺴﺎﻧﻬﻢ وﻋﻘﻴﺪﺗﻬﻢ وأذواﻗﻬﻢ وﻋﺎداﺗﻬﻢ. وﰲ ﻓﺮﻧﺴﺔ ﻧﻔﺴﻬﺎ ﺗﺄﺑﻰ أﻣﺔ »اﻟﱪﻳﺘﻮن« إﻻ أن ﺗﺤﺎﻓﻆ ﻋﲆ أﺻﻠﻬﺎ ،وﰲ ﺟﻨﻮﺑﻲ ﻓﺮﻧﺴﺔ ﺟﻴﻞ ﻳﻘﺎل ﻟﻬﻢ »اﻟﺒﺎﺷﻜﻨﺲ« اﺣﺘﻔﻈﻮا ﺑﻘﻮﻣﻴﺘﻬﻢ ﺗﺠﺎه اﻟﻘﻮط ،ﺛﻢ ﺗﺠﺎه اﻟﻌﺮب ،ﺛﻢ ﺗﺠﺎه اﻹﺳﺒﺎن ،ﺛﻢ ﺗﺠﺎه اﻟﻔﺮﻧﺴﻴﺲ ،وﺟﻤﻴﻌﻬﻢ ﻣﻠﻴﻮن ﻧﺴﻤﺔ ،وﻫﻢ ﻻ ﻳﺰاﻟﻮن ﻋﲆ ﻟﻐﺘﻬﻢ وزﻳﻬﻢ وﻋﺎداﺗﻬﻢ وﺟﻤﻴﻊ أوﺿﺎﻋﻬﻢ. واﻟﻔﻠﻤﻨﻚ ﻳﺄﺑﻮن أن ﻳﺠﻌﻠﻮا اﻟﻠﻐﺔ اﻹﻓﺮﻧﺴﻴﺔ ﻟﻐﺘﻬﻢ واﻟﺜﻘﺎﻓﺔ اﻹﻓﺮﻧﺴﻴﺔ ﺛﻘﺎﻓﺘﻬﻢ ،وﻟﻢ ﻳﺰاﻟﻮا ﻳﺼﻴﺤﻮن ﰲ ﺑﻠﺠﻴﻜﺎ ﺣﺘﻰ اﺿﻄﺮت دوﻟﺔ ﺑﻠﺠﻴﻜﺎ إﱃ اﻻﻋﱰاف ﺑﻠﻐﺘﻬﻢ ﻟﻐﺔ رﺳﻤﻴﺔ. وﰲ ﺳﻮﻳﴪة ﺛﻼﺛﺔ أﻗﺴﺎم :اﻟﻘﺴﻢ اﻷملﺎﻧﻲ وﻫﻮ ﻣﻠﻴﻮﻧﺎن وﺛﻤﺎن ﻣﺌﺔ أﻟﻒ ،واﻟﻘﺴﻢ املﺘﻜﻠﻢ ﺑﺎﻟﻄﻠﻴﺎﻧﻴﺔ وﻫﻮ أﻛﺜﺮ ً ﻗﻠﻴﻼ ﻣﻦ ﻣﺌﺘﻲ أﻟﻒ ،واﻟﻘﺴﻢ املﺘﻜﻠﻢ ﺑﺎﻟﻠﻐﺔ اﻟﻔﺮﻧﺴﻴﺔ ،وﻛﻞ ﻗﺴﻢ ﻣﻨﻬﺎ ﻳﺤﺎﻓﻆ ﻋﲆ ﻟﻐﺘﻪ وﻗﻮاﻧﻴﻨﻪ وﻣﻨﺎزﻋﻪ ﻣﻊ أﻧﻬﻢ ﻛﻠﻬﻢ ﻣﺘﺤﺪون ﰲ ﻣﺼﺎﻟﺤﻬﻢ اﻟﺴﻴﺎﺳﻴﺔ وﻫﻢ ﻳﻌﻴﺸﻮن ﰲ ﻣﻤﻠﻜﺔ واﺣﺪة. 43
ملﺎذا ﺗﺄﺧﺮ املﺴﻠﻤﻮن؟ وملﺎذا ﺗﻘﺪم ﻏريﻫﻢ؟
وإن اﻟﺪاﻧﻤﺮك وﺑﻼد اﻹﺳﻜﻨﺪﻳﻨﺎف وﻫﻮﻻﻧﺪة ﻓﺮوع ﻣﻦ اﻟﺸﺠﺮة اﻷملﺎﻧﻴﺔ ﻻ ﻣﺮاء ﰲ ذﻟﻚ ،ﻟﻜﻨﻬﻢ ﻻ ﻳﺮﻳﺪون اﻻﻧﺪﻣﺎج ﰲ اﻷملﺎن وﻻ اﻟﻌﺪول ﻋﻦ ﻗﻮﻣﻴﺎﺗﻬﻢ ،وﺑﻘﻲ »اﻟﺘﺸﻴﻚ« ﻣﺌﺘني ﻣﻦ اﻟﺴﻨني ﺗﺤﺖ ﺣﻜﻢ اﻷملﺎن وﺑﻘﻮا ﺗﺸﻴ ًﻜﺎ ،واﺳﺘﺄﻧﻔﻮا ﺑﻌﺪ اﻟﺤﺮب اﻟﻌﺎﻣﺔ اﺳﺘﻘﻼﻟﻬﻢ اﻟﺴﻴﺎﳼ ،ﺑﻌﺪ أن ﺣﻔﻈﻮا ﻟﺴﺎﻧﻬﻢ واﺳﺘﻘﻼﻟﻬﻢ اﻟﺠﻨﴘ ﻣﺪة ﺧﻤﺴﺔ ﻗﺮون. وﻗﺪ ﻫﺬب اﻷملﺎن أﻣﺔ املﺠﺮ وﻋﻠﻤﻮﻫﻢ ورﻗﻮﻫﻢ ،وﻟﻜﻨﻬﻢ ﻟﻢ ﻳﺘﻤﻜﻨﻮا ﻣﻦ إدﻣﺎﺟﻬﻢ ﰲ اﻷملﺎﻧﻴﺔ ،ﻓﺘﺠﺪﻫﻢ أﺣﺮص اﻷﻣﻢ ﻋﲆ ﻟﻐﺘﻬﻢ املﻐﻮﻟﻴﺔ اﻷﺻﻠﻴﺔ ،وﻋﲆ ﻗﻮﻣﻴﺘﻬﻢ املﺠﺮﻳﺔ. وﻟﺒﺜﺖ اﻟﺮوﺳﻴﺔ اﻟﻌﻈﻴﻤﺔ ﻣﻦ ﻣﺌﺘني إﱃ ﺛﻼث ﻣﺌﺔ ﺳﻨﺔ ﺗﺤﺎول إدﺧﺎل ﺑﻮﻟﻮﻧﻴﺔ ﰲ اﻟﺠﻨﺲ اﻟﺮوﳼ وﺣﻤْ ﻞ اﻟﺒﻮﻟﻮﻧﻴني ﻋﲆ ﻧﺴﻴﺎن ﻗﻮﻣﻴﺘﻬﻢ اﻟﺨﺎﺻﺔ؛ ﺑﺤﺠﺔ أن اﻟﻌﺮق اﻟﺴﻼﰲ ﻳﺠﻤﻊ ﺑني اﻟﺒﻮﻟﻮﻧﻴني واﻟﺮوس ،ﻓﻔﺸﻠﺖ ﺟﻤﻴﻊ ﻣﺴﺎﻋﻴﻬﺎ ﰲ إدﻣﺎج اﻟﺒﻮﻟﻮﻧﻴني ﻓﻴﻬﺎ ،وﻋﺎد ﻫﺆﻻء ﺑﻌﺪ اﻟﺤﺮب اﻟﻌﺎﻣﺔ أﻣﺔ ﻣﺴﺘﻘﻠﺔ ﰲ ﻛﻞ ﳾء؛ وذﻟﻚ ﻷﻧﻬﻢ ﻟﻢ ﻳﺘﺨﻠﻮا ﻃﺮﻓﺔ ﻋني ﻋﻦ ﻗﻮﻣﻴﺘﻬﻢ. وﻟﻴﺲ ﻣﻦ اﻟﻌﺠﻴﺐ أن ﻻ ﺗﺮﻳﺪ أﻣﺔ ﻋﺪدﻫﺎ ٣٠ﻣﻠﻴﻮﻧًﺎ اﻻﻧﺪﻣﺎج ﰲ ﻏريﻫﺎ ،وﻟﻜﻦ اﻻﺳﺘﻮاﻧﻴني وﻫﻢ ﻣﻠﻴﻮﻧﺎن ﻓﻘﻂ اﻧﻔﺼﻠﻮا ﻋﻦ اﻟﺮوﺳﻴﺔ ،وﻟﻢ ﻳﻘﺒﻠﻮا اﻻﻧﺪﻣﺎج ﻓﻴﻬﺎ ،وأﺣﻴﻮا ً ﺣﺮوﻓﺎ ﻫﺠﺎﺋﻴﺔ ،وﻣﺜﻠﻬﻢ أﻫﺎﱄ ﻓﻨﻼﻧﺪة اﺳﺘﻘﻼﻟﻬﻢ وﻟﺴﺎﻧﻬﻢ املﻐﻮﱄ اﻷﺻﻞ وﺟﻌﻠﻮا ﻟﻪ املﻨﻔﺼﻠﻮن ﻋﻦ اﻟﺮوﺳﻴﺔ ً أﻳﻀﺎ. وﻗﺪ ﺧﺎﺑﺖ ﻣﺴﺎﻋﻲ اﻟﺮوس ﰲ إدﻣﺎج اﻟﻠﻴﺘﻮاﻧﻴني — ﻣﻦ ﻫﺬه اﻷﻣﻢ اﻟﺒﻠﻄﻴﻜﻴﺔ — ﰲ اﻟﺠﻨﺲ اﻟﺮوﳼ ،واﻧﺘﻔﻀﻮا ﺑﻌﺪ اﻟﺤﺮب اﻟﻌﺎﻣﺔ أﻣﺔ ﻣﺴﺘﻘﻠﺔ ﻛﻤﺎ ﻛﺎﻧﻮا ﻣﺴﺘﻘﻠني ﻗﻮﻣﻴٍّﺎ، وﺟﻤﻴﻌﻬﻢ أرﺑﻌﺔ ﻣﻼﻳني ،وأﻗﻞ ﻣﻨﻬﻢ ﺟرياﻧﻬﻢ اﻟﻠﻴﺘﻮﻧﻴﻮن 15اﻟﺬﻳﻦ ﻫﻢ ﻣﻠﻴﻮﻧﺎن ﻻ ﻏري ،وﻣﻊ ﻫﺬا ﻗﺪ اﻧﻔﺼﻠﻮا ﺑﻌﺪ اﻟﺤﺮب وأﺳﺴﻮا ﺟﻤﻬﻮرﻳﺔ ﻛﺴﺎﺋﺮ اﻟﺠﻤﻬﻮرﻳﺎت اﻟﺒﻠﻄﻴﻜﻴﺔ؛ ﻷﻧﻬﻢ ﻣﻦ اﻷﺻﻞ ﻟﺒﺜﻮا ﻣﺤﺎﻓﻈني ﻋﲆ ﻟﻐﺘﻬﻢ وﺟﻨﺴﻬﻢ. وﻗﺪ ﻋﺠﺰ اﻟﺮوس ﻣﻦ ﺟﻬﺔ ﻛﻤﺎ ﻋﺠﺰ اﻷملﺎن ﻣﻦ ﺟﻬﺔ أﺧﺮى ﻋﻦ إدﺧﺎل ﻫﺬه اﻷﻗﻮام ﰲ ﺗﺮاﻛﻴﺒﻬﻢ اﻟﻘﻮﻣﻴﺔ اﻟﻌﻈﻴﻤﺔ؛ ﻷن ﻛﻞ ﺷﻌﺐ ﻣﻬﻤﺎ ﻛﺎن ﺻﻐريًا ﻻ ﻳﺮﴇ ﺑﺈﻧﻜﺎر أﺻﻠﻪ وﻻ ﺑﺎﻟﻨﺰول ﻋﻦ اﺳﺘﻘﻼﻟﻪ اﻟﺠﻨﴘ. وﻗﺪ ﺣﻔﻆ اﻟﻜﺮواﺗﻴﻮن اﺳﺘﻘﻼﻟﻬﻢ اﻟﺠﻨﴘ ﻣﻊ إﺣﺎﻃﺔ أﻣﺘني ﻛﺒريﺗني ﺑﻬﻢ؛ ﻫﻢ: اﻟﻼﺗني ،واﻟﺠﺮﻣﺎن. وﺣﻔﻆ اﻟﴫﺑﻴﻮن اﺳﺘﻘﻼﻟﻬﻢ اﻟﺠﻨﴘ ﻣﻊ ﺳﻴﺎدة اﻟﱰك ﻋﻠﻴﻬﻢ ﻣﻨﺬ ﻗﺮون. وﻟﻢ ﻳﺰل اﻷرﻧﺎءوط أرﻧﺎءو ً ﻃﺎ ﻣﻨﺬ ﻋﻬﺪ ﻻ ﻳﻌﺮف ﺑﺪؤه وﻫﻢ ﺑني أﻣﺘني ﻛﺒريﺗني: اﻟﻴﻮﻧﺎن ،واﻟﺼﻘﺎﻟﺒﺔ؛ أي اﻟﺴﻼف! 44
أﻫﻢ أﺳﺒﺎب ﺗﺄﺧﺮ املﺴﻠﻤني
وﻛﺬﻟﻚ اﻟﺒﻠﻐﺎر أﺑﻮا إﻻ أن ﻳﺒﻘﻮا ﺑﻠﻐﺎ ًرا ﻓﻴﻤﺎ ﺑني اﻟﺮوم واﻟﺴﻼف واﻟﻼﺗني ،ﺛﻢ ﺟﺎءﻫﻢ اﻟﱰك ﻓﺘﻌﻠﻤﻮا اﻟﱰﻛﻴﺔ ﻟﻜﻨﻬﻢ ﺑﻘﻮا ﺑﻠﻐﺎ ًرا. وﻻ أرﻳﺪ أن أﺧﺮج ﰲ اﻻﺳﺘﺸﻬﺎد ﻋﻦ أوروﺑﺔ؛ ﻷﻧﻲ إن ﺧﺮﺟﺖ ﻋﻦ أوروﺑﺔ ﻗﺎﻟﺖ ﺗﻠﻚ اﻟﻔﺌﺔ اﻟﺠﺎﺣﺪة :ﻧﺤﻦ ﻻ ﻧﺮﻳﺪ أن ﻧﺠﻌﻞ ﻗﺪوة ﻟﻨﺎ أﻣﻤً ﺎ ﻣﺘﺄﺧﺮة ﻣﺜﻠﻨﺎ. ﻓﺎﻷﻣﻢ اﻟﺘﻲ اﺳﺘﺸﻬﺪﻧﺎ اﻵن ﺑﻬﺎ ﻛﻠﻬﺎ أوروﺑﻴﺔ ،وﻛﻠﻬﺎ ﻣﺘﻌﻠﻤﺔ راﻗﻴﺔ ،وﻛﻠﻬﺎ ذوات ﺑﻠﺪان ﻣﻤﺪﻧﺔ ﻣﻨﻈﻤﺔ؛ وﻛﻠﻬﺎ ﻋﻨﺪﻫﺎ اﻟﺠﺎﻣﻌﺎت واﻷﻛﺎدﻣﻴﺎت واﻟﺠﻤﻌﻴﺎت اﻟﻌﻠﻤﻴﺔ واﻟﺠﻴﻮش واﻷﺳﺎﻃﻴﻞ … إﻟﺦ. اﻟﻌﱪة ﻟﻠﻌﺮب وﺳﺎﺋﺮ املﺴﻠﻤني ﺑﺮﻗﻲ اﻟﻴﺎﺑﺎﻧﻴني وﻟﻜﻨﻲ أﺧﺮج ﻣﻦ أوروﺑﺔ إﱃ اﻟﻴﺎﺑﺎن ﻓﻘﻂ؛ ﻷن رﻗﻲ اﻟﻴﺎﺑﺎن ﻳﻀﺎرع اﻟﺮﻗﻲ اﻷوروﺑﻲ ،وﻗﺪ ﺗﻢ ﻟﻠﻴﺎﺑﺎن ﻛﻤﺎ ﺗﻢ رﻗﻲ أوروﺑﺔ ﻟﻸوروﺑﻴني؛ أي ﰲ ﺿﻤﻦ داﺋﺮة ﻗﻮﻣﻴﺘﻬﻢ وﻟﺴﺎﻧﻬﻢ وآداﺑﻬﻢ وﺣﺮﻳﺘﻬﻢ ودﻳﻨﻬﻢ وﺷﻌﺎﺋﺮﻫﻢ وﻣﺸﺎﻋﺮﻫﻢ وﻛﻞ ﳾء ﻟﻬﻢ. ﻓﺄﻧﻘﻞ إﱃ اﻟﻘﺮاء اﻟﻌﺮب ﻓﻘﺮة ﻣﻦ رﺳﺎﻟﺔ ﻃﻮﻳﻠﺔ ﺟﺎءت ﻣﻦ ﻣﺮاﺳﻞ أوروﺑﻲ ﺳﺎﺋﺢ ﰲ اﻟﻴﺎﺑﺎن وﻇﻬﺮت ﰲ ﺟﺮﻳﺪة »ﺟﺮﻧﺎل دوﺟﻨﻴﻒ« ﺑﺘﺎرﻳﺦ ٢٠أﻛﺘﻮﺑﺮ ) (١٩٣١ﻓﺈﻧﻪ ﻳﻘﻮل: إن اﻟﻴﺎﺑﺎﻧﻲ ﻳﺤﺐ اﻟﻔﻦ ﻗﺒﻞ ﻛﻞ ﳾء ،وإن رأﻳﺘﻪ ﺳﺎﻋﻴًﺎ ﰲ ﻛﺴﺐ املﺎل ﻓﻸﺟﻞ إن ﻳﻠﺬذ ﺑﺎملﺎل أﻫﻮاءه املﻨﴫﻓﺔ إﱃ اﻟﺤﺴﻦ واﻟﺠﻤﺎل ،وﻗﺪ اﻧﺘﻘﺶ ﰲ ﺻﻔﺤﺔ ﻧﻔﺴﻪ اﻟﺸﻌﻮر اﻟﻘﻮﻣﻲ اﻟﺸﺪﻳﺪ ﻋﺪا املﻴﻞ إﱃ اﻟﺠﻤﺎل؛ ﻷﻧﻪ ﻳﻔﺘﺨﺮ ﺑﻜﻮن اﻟﻴﺎﺑﺎن ﰲ ﻣﺪة ﺳﺘني ﺳﻨﺔ ﻓﻘﻂ ﺻﺎرت ﻣﻦ ﻃﻮر أﻣﺔ ﰲ اﻟﻘﺮون اﻟﻮﺳﻄﻰ إﻗﻄﺎﻋﻴﺔ اﻟﺤﻜﻢ إﱃ أﻣﺔ ﻋﻈﻴﻤﺔ ﻣﻦ أﻋﻈﻢ اﻷﻣﻢ ،وﻣﻤﺎ ﻻ رﻳﺐ ﻓﻴﻪ أن اﻟﺪﻳﺎﻧﺔ اﻟﻴﺎﺑﺎﻧﻴﺔ ﻫﻲ ذات دور ﻋﻈﻴﻢ ﰲ ﺳﻴﺎﺳﺔ اﻟﻴﺎﺑﺎن )ﻟﻴﺘﺄﻣﻞ اﻟﻘﺎرئ( وﻫﻲ ﰲ اﻟﺤﻘﻴﻘﺔ ﻓﻠﺴﻔﺔ ﻣﺒﻨﻴﺔ ﻋﲆ اﻻﻋﱰاف ﺑﻜﻞ ﻣﺎ ﺗﺮﻛﻪ اﻟﻘﺪﻣﺎء ﻟﺴﻼﺋﻠﻬﻢ ،ﻓﺎﻟﻴﺎﺑﺎﻧﻲ اﻟﻌﴫي ﻗﺪ اﺋﺘﻠﻒ ﻣﻊ ﺟﻤﻴﻊ اﺣﺘﻴﺎﺟﺎت اﻟﺤﻴﺎة اﻟﻌﴫﻳﺔ ،ﻟﻜﻦ ﻣﻊ ﺣﻔﻆ املﻴﻞ اﻟﺪاﺋﻢ إﱃ اﻟﺮﺟﻮع إﱃ ﻣﺎﺿﻴﻪ وﻣﻊ اﻟﺘﻤﺴﻚ اﻟﺸﺪﻳﺪ ﺑﻘﻮﻣﻴﺘﻪ ،ﻏري ﻣﺠﻴﺐ ﻧﺪاء اﻟﺘﻔﺮﻧﺞ )وﰲ اﻷﺻﻞ اﻟﺘﻐﺮب (Occidentalismاﻟﺬي ﻻ ﻳﺮﻳﺪ اﻟﻴﺎﺑﺎﻧﻲ أن ﻳﺄﺧﺬ ﻣﻨﻪ إﻻ ﻣﺎ ﻫﻮ ﴐوري ﻟﻪ ﻷﺟﻞ ﻣﺼﺎرﻋﺔ ﺳﺎﺋﺮ اﻷﻣﻢ ﺑﻨﺠﺎح ،وﻻ ﺷﻚ أن ﻫﺬا ﻣﺜﺎل ﻓﺮﻳﺪ ﰲ ﺗﺎرﻳﺦ أﻣﻢ اﻟﴩق اﻷﻗﴡ. ﺛﻢ ﻳﻘﻮل: 45
ملﺎذا ﺗﺄﺧﺮ املﺴﻠﻤﻮن؟ وملﺎذا ﺗﻘﺪم ﻏريﻫﻢ؟
ﻛﺎن اﻟﻴﺎﺑﺎﻧﻴﻮن ﻳﻜﺮﻫﻮن اﻷﺳﻔﺎر إﱃ اﻟﺒﻠﺪان اﻟﺒﻌﻴﺪة ،وﻳﺤﻈﺮون دﺧﻮل اﻷﺟﺎﻧﺐ إﱃ ﺑﻼدﻫﻢ ،وﻟﻜﻦ ﻫﺬا املﻨﻊ ﻗﺪ ارﺗﻔﻊ ﺑﻌﺪ اﻟﻨﻬﻀﺔ اﻟﻌﴫﻳﺔ ،وﺗﻼﻓﺖ اﻟﻴﺎﺑﺎن ﻣﺎ ﻓﺎت ﺑﺸﻜﻞ ﻣﺪﻫﺶ ،واﻟﻨﺘﺎﺋﺞ ﻫﻲ أﻣﺎﻣﻨﺎ ،إﻻ أن املﺎﴈ ﻻ ﻳﺰال ﻋﻨﺪ اﻟﻴﺎﺑﺎﻧﻴني ً ﻣﻘﺪﺳﺎ ﻣﻌﻈﻤً ﺎ ﰲ ﺟﻤﻴﻊ ﻃﺒﻘﺎﺗﻬﻢ؛ ﻷﻧﻪ ﰲ ﻫﺬا املﺎﴈ املﻘﺪس ﻳﺠﺪ اﻟﻴﺎﺑﺎﻧﻴﻮن ﺟﻤﻴﻊ ﺷﻌﻮرﻫﻢ ﺑﻘﻴﻤﺘﻬﻢ اﻟﺤﺎﴐة ،ﻓﱰاﻫﻢ ﻳﻜﺎﻓﺤﻮن ﺑﻮﺳﺎﺋﻞ املﺪﻧﻴﺔ اﻟﺤﺪﻳﺜﺔ اﻟﺘﺎﻣﺔ اﻟﺘﻲ ﻻ ﺳﺒﻴﻞ إﱃ اﻟﺤﻴﺎة ﺑﺪوﻧﻬﺎ ﰲ أﻳﺎﻣﻨﺎ ﻫﺬه ،ﻟﻜﻦ ﻳﻨﺒﺬون ﻛﻞ »ﺗﻐﺮب« ﺑﻤﺠﺮد ﻣﺎ ﻳﺠﺪون أﻧﻔﺴﻬﻢ ﰲ ﻏﻨﻰ ﻋﻨﻪ ،وﻳﻌﻮدون ﻣﻊ اﻟﻠﺬة إﱃ ﺷﻌﻮرﻫﻢ اﻟﻘﻮﻣﻲ اﻟﺨﺎﻟﺺ اﻟﺬي ﺑﻪ ﻳﻌﺘﻘﺪون أﻧﻬﻢ اﻷﻋﻠﻮن. وﻫﻨﺎك ﻫﻴﺎﻛﻞ »ﺷﻨﺘﻮ« وﻣﻌﺎﺑﺪ »زن« واﻟﻬﻴﺎﻛﻞ اﻟﺒﻮذﻳﺔ وﻫﻲ ﻣﻜﺮﻣﺔ ﻣﻌﻈﻤﺔ ﻣﺨﺪوﻣﺔ ﺑﺄﺷﺪ ﻣﺎ ﻳﻤﻜﻦ ﻣﻦ اﻟﺤﻤﺎﺳﺔ اﻟﺪﻳﻨﻴﺔ واﻹﻳﻤﺎن اﻟﺜﺎﺑﺖ ﻛﻤﺎ ﻛﺎﻧﺖ ﻣﻨﺬ ﻗﺮون ،واﻟﺤﻖ أن ﻫﺬا اﻻﺣﱰام اﻟﺸﺪﻳﺪ اﻟﺬي ﻳﺸﻌﺮ ﺑﻪ اﻟﻴﺎﺑﺎﻧﻴﻮن ﻟﻘﺪﻳﻤﻬﻢ وملﻌﺒﻮداﺗﻬﻢ ﻫﻮ اﻟﺬي ﻗﺎم ﻋﻨﺪﻫﻢ ﺣﺼﻨًﺎ ﻣﻨﻴﻌً ﺎ دون املﺒﺎدئ اﻟﺸﻌﻮﺑﻴﺔ، واﻷﻓﻜﺎر اﻟﺸﻴﻮﻋﻴﺔ املﴬة. وﻣﻨﺬ ﺑﻀﻊ ﺳﻨﻮات ﻇﻬﺮ ﰲ ﻓﺮﻧﺴﺔ ﺗﺄﻟﻴﻒ ﺟﺪﻳﺪ ﻋﻦ اﻟﻴﺎﺑﺎن ﻟﻠﻤﺮﻛﻴﺰ )ﻻ ﻣﺎزﻟﻴري ً ﻣﻘﺎﻻ رﻧﺎﻧًﺎ، (La Mazelièreﻗﺪ أﻃﻨﺒﺖ اﻟﺠﺮاﺋﺪ ﰲ وﺻﻔﻪ ،وﻧﴩت ﻋﻨﻪ ﺟﺮﻳﺪة )اﻟﺪﻳﺒﺎ( ﻓﻨﺤﻦ ﻧﻮﴆ اﻟﻘﺮاء اﻟﺬﻳﻦ ﻳﻬﻤﻬﻢ أن ﻳﻌﺮﻓﻮا ﻛﻴﻔﻴﺔ ارﺗﻘﺎء اﻟﻴﺎﺑﺎن — وﻫﻮ ﻣﻮﺿﻮع ﰲ ﻏﺎﻳﺔ اﻟﺠﻼﻟﺔ؛ ملﺎ ﻓﻴﻪ ﻣﻦ اﻻﺳﺘﻨﺘﺎج ﻟﺴﺎﺋﺮ ﺑﻼد اﻟﴩق — ﺑﻤﻄﺎﻟﻌﺔ ﻫﺬا اﻟﻜﺘﺎب اﻟﺬي ﻻ ً ﻣﻄﺎﺑﻘﺎ ﻟﺘﻮارﻳﺦ ﻳﻤﻜﻦ أن ﻳﻨﺴﺐ إﱃ ﻣﺆﻟﻔﻪ اﻟﺘﻌﺼﺐ ﻟﻠﻴﺎﺑﺎن ،ﻋﲆ أﻧﻨﻲ رأﻳﺘﻪ ﰲ اﻟﺠﻤﻠﺔ أﻟﻔﻬﺎ ﻋﻠﻤﺎء ﻳﺎﺑﺎﻧﻴﻮن ﻣﺘﺨﺼﺼﻮن ﰲ اﻟﺘﺎرﻳﺦ ،وﻫﺬه اﻟﺘﻮارﻳﺦ ﻣﱰﺟﻤﺔ ﻣﻦ اﻟﻴﺎﺑﺎﻧﻴﺔ إﱃ اﻹﻓﺮﻧﺴﻴﺔ ،وﻻ ﺑﺪ ﱄ ﰲ ﻫﺬه اﻟﻌﺠﺎﻟﺔ ﻣﻦ ﻧﻘﻞ ﺑﻌﺾ ﻓﻘﺮ ﻣﻦ ﺗﺎرﻳﺦ ﻻ ﻣﺎزﻟﻴري املﺬﻛﻮر، ﻗﺎل ﰲ أﺛﻨﺎء اﻟﻜﻼم ﻋﲆ ﺗﻤﺪن اﻟﻴﺎﺑﺎن اﻟﻌﴫي وﺧﺮوج ﻫﺬه اﻷﻣﺔ ﻣﻦ ﻋﺰﻟﺘﻬﺎ اﻟﻘﺪﻳﻤﺔ ﻣﺎ ﻳﲇ: ﻓﺒﺪأت اﻟﻴﺎﺑﺎن ﺗﺴﺘﻌري ﻣﻦ أوروﺑﺔ وأﻣﺮﻳﻜﺎ ﻗﺴﻤً ﺎ ﻣﻦ ﻣﺪﻧﻴﺘﻬﻤﺎ املﺎدﻳﺔ ،وﻣﻦ ﻧﻈﺎﻣﻬﻤﺎ اﻟﻌﺴﻜﺮي ،وﻣﻦ ﻣﺒﺎﺣﺚ ﺗﻌﻠﻴﻤﻬﻤﺎ اﻟﻌﺎم ،وﻣﻦ ﺳﻴﺎﺳﺘﻬﻤﺎ املﺎﻟﻴﺔ ،ﻓﻜﺎن املﺠﺪدون ﻳﺠﺘﻬﺪون ﰲ أن ﻳﻘﺘﺒﺴﻮا ﻣﻦ ﻛﻞ ﺷﻌﺐ ﻣﺎ ﻳﺮوﻧﻪ اﻷﺣﺴﻦ ﻋﻨﺪه ،ﻓﻜﺎن ذﻟﻚ ﻣﴩوع ﺗﺠﺪﻳﺪ وﻫﺪم وإﻋﺎدة ﺑﻨﺎء ،وﻇﻬﺮت آﺛﺎر ذﻟﻚ ﰲ ﺟﻤﻴﻊ ﻣﻨﺎﺣﻲ اﻟﺤﻴﺎة اﻟﻴﺎﺑﺎﻧﻴﺔ. 46
أﻫﻢ أﺳﺒﺎب ﺗﺄﺧﺮ املﺴﻠﻤني
ﺛﻢ ﺗﻜﻠﻢ ﻋﲆ اﻟﺤﺮب اﻟﻴﺎﺑﺎﻧﻴﺔ اﻟﺼﻴﻨﻴﺔ ،واﻧﺘﻬﻰ إﱃ ﻗﻮﻟﻪ اﻟﺬي ﻧﱰﺟﻤﻪ ﺗﺮﺟﻤﺔ ﺣﺮﻓﻴﺔ: إن ﻇﻔﺮ اﻟﻴﺎﺑﺎن ﺑﺎﻟﺼني ﻟﻢ ﻳﺜﺒﺖ ﻋﻠﻮ اﻷﻓﻜﺎر واملﺒﺎدئ اﻟﻌﻠﻤﻴﺔ اﻟﺘﻲ أﺧﺬﺗﻬﺎ اﻟﻴﺎﺑﺎن ﻋﻦ اﻟﻐﺮب وﻛﻔﻰ ،ﺑﻞ أﺛﺒﺖ أﻣ ًﺮا آﺧﺮ وﻫﻮ أن ﺷﻌﺒًﺎ آﺳﻴﻮﻳٍّﺎ ﺑﻤﺠﺮد إرادﺗﻪ وﻋﺰﻳﻤﺘﻪ ﻋﺮف أن ﻳﺨﺘﺎر ﻣﺎ رآه اﻷﺻﻠﺢ ﻟﻪ ﻣﻦ ﻣﺪﻧﻴﺔ اﻟﻐﺮب )ﺗﺄﻣﻞ ﺟﻴﺪًا( ﻣﻊ اﻻﺣﺘﻔﺎظ ﺑﺎﺳﺘﻘﻼﻟﻪ وﻋﻘﻠﻴﺘﻪ وآداﺑﻪ وﺛﻘﺎﻓﺘﻪ .ا.ﻫـ. ً وﻗﺒﻼ ﻛﻨﺖ ﻧﴩت ﰲ اﻟﺠﺮاﺋﺪ — وﻣﺎ ﻧﴩﺗﻪ ﻟﻢ ﻳﻜﻦ إﻻ ﻧﻘﻄﺔ ﻣﻦ ﻏﺪﻳﺮ — ﺧﻼﺻﺔ اﻟﺤﻔﻼت اﻟﺘﻲ أﻗﺎﻣﻬﺎ اﻟﻴﺎﺑﺎﻧﻴﻮن ﻟﺘﺘﻮﻳﺞ ﻋﺎﻫﻠﻬﻢ ﻣﻨﺬ ﺳﻨﺘني ،وﻛﻴﻒ اﺳﺘﻤﺮت ﻣﺮاﺳﻢ ﻫﺬا اﻻﺣﺘﻔﺎل ﻣﺪة ﺷﻬﺮ ،وﻛﺎﻧﺖ ﺑﺄﺟﻤﻌﻬﺎ دﻳﻨﻴﺔ ،وﻛﻴﻒ أن املﻴﻜﺎدر ﻫﻮ ﻛﺎﻫﻦ اﻷﻣﺔ اﻷﻋﻈﻢ، وﻛﻴﻒ أﻧﻪ ﻣﻦ ﺳﻼﻟﺔ اﻵﻟﻬﺔ )اﻟﺸﻤﺲ( وﻛﻴﻒ اﻏﺘﺴﻞ ﰲ اﻟﺤﻤﺎم املﻘﺪس املﺤﻔﻮظ ﻣﻦ أﻟﻔﻲ ﺳﻨﺔ ،وﻛﻴﻒ أﻛﻞ ﻣﻊ اﻵﻟﻬﺔ اﻷرز املﻘﺪس اﻟﺬي زرﻋﺘﻪ اﻟﺪوﻟﺔ ﺗﺤﺖ إﴍاف اﻟﻜﻬﻨﺔ؛ ﺣﺘﻰ ﻳﻜﻮن ﺗﺎم اﻟﻘﺪﺳﻴﺔ ﻻ ﺷﺒﻬﺔ ﻓﻴﻪ ،وﻛﻴﻒ ﻛﺎن ﺛﻤﺔ ﰲ اﻟﺤﻔﻞ ﺳﺘﻤﺎﻳﺔ أﻟﻒ ﻳﺎﺑﺎﻧﻲ وﻛﻠﻬﻢ ﻳﻬﺘﻔﻮن ﻟﻴﺤﻴﺎ املﻴﻜﺎدو ﻋﴩة آﻻف ﺳﻨﺔ ،إﱃ ﻏري ذﻟﻚ. ﻫﻮاﻣﺶ ) (1ﱠ وﻓﻴﻨﺎ ﻫﺬه املﺴﺄﻟﺔ ﺣﻘﻬﺎ ﰲ املﻨﺎر ،وأﻫﻤﻪ ﻣﻘﺎﻟﺔ ﰲ املﺠﻠﺪ اﻟﺘﺎﺳﻊ )ص(٣٥٧ ﻋﻨﻮاﻧﻬﺎ )ﺣﺎل املﺴﻠﻤني ﰲ اﻟﻌﺎملني ،ودﻋﻮة اﻟﻌﻠﻤﺎء إﱃ ﻧﺼﻴﺤﺔ املﻠﻮك واﻷﻣﺮاء واﻟﺴﻼﻃني( أﻧﺤﻴﻨﺎ ﻓﻴﻬﺎ ﺑﺎﻟﻼﺋﻤﺔ ﻋﲆ ﻋﻠﻤﺎء ﻫﺬا اﻟﻌﴫ؛ ﻟﺘﻘﺼريﻫﻢ ﰲ ﻧﺼﻴﺤﺔ املﻠﻮك واﻷﻣﺮاء ،وﻳﻠﻴﻬﺎ آﺛﺎر ﻋﻦ اﻟﺴﻠﻒ ﰲ ذﻟﻚ ﻧﴩت ﰲ ﻋﺪة أﺟﺰاء ﻣﻦ ﻫﺬا املﺠﻠﺪ )ر(. ) (2اﻟﻨﺴﺎء :ﻣﻦ اﻵﻳﺔ .١٠٤ َ َ ْ ُ ُ ُ ْ َ َ َ ) (3وﷲ ﻳﻘﻮل﴿ :و ََﻻ ﺗَ ِﻬﻨُﻮا وَﻻ ﺗﺤْ َﺰﻧﻮا وَأﻧﺘ ُﻢ اﻷﻋْ ﻠﻮ َْن إِن ُﻛﻨﺘﻢ ﻣﱡ ﺆ ِﻣ ِﻨ َ ني﴾. ) (4ﻳﺠﺪ اﻟﻘﺎرئ ﺗﻔﺎﺻﻴﻞ ﻫﺬه اﻟﻐﺰوات ﰲ ﻛﺘﺎﺑﻨﺎ »ﻏﺰوات اﻟﻌﺮب ﰲ ﺳﻮﻳﴪة وﺟﻨﻮﺑﻲ ﻓﺮﻧﺴﺔ وﺷﻤﺎﱄ إﻳﻄﺎﻟﻴﺔ وﺟﺰاﺋﺮ اﻟﺒﺤﺮ املﺘﻮﺳﻂ« املﻄﺒﻮع ﻣﻦ ﺧﻤﺲ ﺳﻨﻮات. ) (5اﻟﺮوم.٤٧ : ) (6آل ﻋﻤﺮان ١٣٩ :وﻣﻦ اﻵﻳﺔ .١٤٠ ) (7اﻵﻳﺘﺎن ١٧٣ :و ١٧٤ﻣﻦ آل ﻋﻤﺮان. ) (8ﱡ ﺿﻦ املﺴﻠﻤني ﺑﺎﻷﻣﻮال ﻋﲆ اﻟﻘﻀﺎﻳﺎ اﻟﻌﺎﻣﺔ ﻫﻮ اﻟﺬي ﺷﻞ ﺣﺮﻛﺘﻬﻢ اﻟﺴﻴﺎﺳﻴﺔ وﻓﺖ ﰲ ﻋﻀﺪ ﻗﻮﻣﻴﺘﻬﻢ إﱃ أن ﺻﺎرت اﻷﻣﻢ اﻟﻐﺎﻟﺒﺔ ﻋﲆ أﻣﺮﻫﻢ ﻻ ﺗﺤﺴﺐ ﻟﻬﻢ أدﻧﻰ ﺣﺴﺎب 47
ملﺎذا ﺗﺄﺧﺮ املﺴﻠﻤﻮن؟ وملﺎذا ﺗﻘﺪم ﻏريﻫﻢ؟
وﻟﻮ ﻛﺎﻧﺖ ﺗﺤﺴﺐ ﻟﻬﻢ ﺣﺴﺎﺑًﺎ ﻣﺎ ﻛﺎن اﻟﻔﺮﻧﺴﻴﺲ اﻧﺘﺰﻋﻮا ﻣﻨﻬﻢ أﻣﻼﻛﻬﻢ ﰲ اﻟﺠﺰاﺋﺮ ﺣﺘﻰ ﺻﺎر ٧٥ﰲ املﺌﺔ ﻣﻨﻬﺎ ﻣﻠ ًﻜﺎ ﻟﻠﻔﺮﻧﺴﻴﺲ ،وﺻﺎر ﺛﻠﺚ أراﴈ ﺗﻮﻧﺲ ﻣﻠ ًﻜﺎ ﻟﺨﻤﺴني أﻟﻒ ً وأﻳﻀﺎ ﻓﺮﻧﴘ ﻣﻊ أن اﻷﻫﺎﱄ ﻫﻢ ﻣﻠﻴﻮﻧﺎن وﻧﺼﻒ ﻣﻠﻴﻮن ﻣﺴﻠﻢ ﻳﻤﻠﻜﻮن اﻟﺜﻠﺜني ﻻ أﻛﺜﺮ، ملﺎ ﻛﺎﻧﺖ ﻓﺮﻧﺴﺎ اﺑﺘﺰت أﻫﺎﱄ املﻐﺮب اﻷﻗﴡ ﺛﻤﺎن ﻣﺌﺔ أﻟﻒ ﻫﻜﺘﺎر وﺳﻠﻤﺘﻬﺎ ﻟﻠﻤﺴﺘﻌﻤﺮﻳﻦ اﻹﻓﺮﻧﺴﻴني ،وملﺎ ﻛﺎﻧﺖ ﻓﺮﻧﺴﺎ ﺗﻨﻔﻖ ﺛﻼﺛﺔ أرﺑﺎع ﻣﻴﺰاﻧﻴﺔ املﻐﺮب املﺎﻟﻴﺔ ﻋﲆ ١٩٠أﻟﻒ إﻓﺮﻧﴘ وﺗﻨﻔﻖ اﻟﺮﺑﻊ اﻟﺒﺎﻗﻲ ﻋﲆ ﻣﺴﻠﻤﻲ املﻐﺮب ﻣﻊ أﻧﻬﻢ ﺳﺒﻌﺔ ﻣﻼﻳني ﻧﺴﻤﺔ وﻣﻊ أن ٨٠ﰲ املﺌﺔ ﻣﻦ ﻣﻴﺰاﻧﻴﺔ املﻐﺮب ﻫﻲ ﻣﻦ أﻣﻮال املﺴﻠﻤني ﻛﻤﺎ أﺛﺒﺘﻨﺎ ذﻟﻚ ﺑﺎﻷرﻗﺎم ً ﻧﻘﻼ ﻋﻦ ﺟﺮﻳﺪة اﻟﺤﻤﺎﻳﺔ اﻟﺮﺳﻤﻴﺔ اﻟﺘﻲ ﻻ ﻳﻘﺪر اﻟﻔﺮﻧﺴﻴﺲ أن ﻳﻜﺎﺑﺮوا ﻓﻴﻬﺎ ،وﻫﻲ ﻣﻴﺰاﻧﻴﺔ ﻋﺪة ﺳﻨني ﻻ ﺳﻨﺔ واﺣﺪة ،وﻗﺪ ﻧﻘﻠﻨﺎ ﺗﻠﻚ املﻴﺰاﻧﻴﺎت ﻛﻠﻬﺎ ﻋﻦ ﺟﺮﻳﺪة اﻟﺤﻤﺎﻳﺔ اﻟﺮﺳﻤﻴﺔ املﻄﺒﻮﻋﺔ ﰲ اﻟﺮﺑﺎط إﱃ ﻣﺠﻠﺘﻨﺎ »ﻻﺗﺎﺳﻴﻮن آراب« ودﻋﻮﻧﺎ اﻟﻨﺎس إﱃ ﺗﺄﻣﻞ ﻫﺬا اﻟﺤﻴﻒ اﻟﻔﻈﻴﻊ اﻟﻮاﻗﻊ ﻋﲆ املﺴﻠﻤني ،اﻟﺬﻳﻦ ﻳﺘﻤﺘﻊ اﻹﻓﺮﻧﴘ اﻟﻮاﺣﺪ ﻣﻦ ﻣﻴﺰاﻧﻴﺘﻬﻢ أﻛﺜﺮ ﻣﻤﺎ ﻳﺘﻤﺘﻊ ﺑﻪ ﺳﺘﻮن ﻣﺴﻠﻤً ﺎ. ً ﻓﻀﻼ ﻋﻦ اﻟﻔﺮﻧﺴﻴﺲ ﻳﺴﺘﻔﻴﺪ ﻣﻦ وأﻏﺮب ﻣﻦ ذﻟﻚ أن اﻟﻮاﺣﺪ ﻣﻦ ﻳﻬﻮد املﻐﺮب املﻴﺰاﻧﻴﺔ املﻐﺮﺑﻴﺔ أﻛﺜﺮ ﻣﻦ أرﺑﻌني ﻣﺴﻠﻤً ﺎ ،وأﻏﺮب ﻣﻨﻪ أﻧﻪ ﻣﻦ ﻫﺬه املﻴﺰاﻧﻴﺔ اﻟﺘﻲ أرﺑﻌﺔ أﺧﻤﺎﺳﻬﺎ ﻣﻦ ﺟﻴﻮب املﺴﻠﻤني ﻳﺄﺧﺬ املﺒﴩون واﻟﻘﺴﻮس دﻋﺎة اﻟﻨﴫاﻧﻴﺔ ﻣﺌﺎت أﻟﻮف ﻣﻦ اﻟﻔﺮﻧﻜﺎت ﻷﺟﻞ ﺑﺚ املﺴﻴﺤﻴﺔ ﺑني اﻟﱪﺑﺮ املﺴﻠﻤني ،وﻫﺬا ﻋﲆ ﻧﺴﻖ إﻋﻄﺎء ﻣﺒﴩي اﻟﻨﴫاﻧﻴﺔ ﰲ اﻟﺴﻮدان املﴫي إﻋﺎﻧﺎت ﻣﻦ أﻣﻮال املﺴﻠﻤني ،ﻓﻠﻮﻻ ﻫﻮان املﺴﻠﻤني ﻋﲆ دول اﻻﺳﺘﻌﻤﺎر ،وﻛﻮن ﻫﺬه ﻻ ﺗﻘﻴﻢ وزﻧًﺎ ﻣﺎ ﻛﺎﻧﻮا ﻳﺴﺘﺨﻔﻮن ﺑﻬﻢ إﱃ ﻫﺬا اﻟﺤﺪ اﻷﻗﴡ ،وﻻ ﻛﺎن ﻋﻨﺪ اﻟﻔﺮﻧﺴﻴﺲ اﻷرﺑﻌﻮن ﻣﺴﻠﻤً ﺎ ﺑﻴﻬﻮدي واﺣﺪ ،وﻻ اﻟﺴﺘﻮن ﻣﺴﻠﻤً ﺎ ﺑﺈﻓﺮﻧﴘ واﺣﺪ ،وﻟﻘﺪ ﺗﺤﺪﻳﻨﺎﻫﻢ ﻣﺮا ًرا أن ﻳﺠﻴﺒﻮﻧﺎ ﻋﻦ ﻫﺬا اﻟﻈﻠﻢ اﻟﻔﺎﺣﺶ ﻓﻤﺎ أﺟﺎﺑﻮﻧﺎ ﺑﻐري اﻟﻄﻌﻦ واﻟﻘﺬف ً ﺻﺪﻳﻘﺎ ﻟﻔﺮﻧﺴﺎ إﻻ إذا أﻫﺪر ﰲ واﻟﺘﻬﻤﺔ ﻟﻨﺎ ﺑﻌﺪاوة ﻓﺮﻧﺴﺎ ،ﻛﺄن اﻹﻧﺴﺎن ﻻ ﻳﻤﻜﻦ أن ﻳﻜﻮن ﺳﺒﻴﻠﻬﺎ ﺟﻤﻴﻊ ﺣﻘﻮق ﻗﻮﻣﻪ ،وﻫﺬا ﻣﻦ أﻏﺮب اﻟﻐﺮاﺋﺐ. ً ﻗﻠﻴﻼ ﻟﻌﻠﻤﻮا أن ﻧﺼﺤﻨﺎ ﻟﻬﻢ ﺑﺈﻧﺼﺎف املﺴﻠﻤني ﻫﻮ ﻧﺼﺢ ﻋﺎﺋﺪ إﱃ وﻟﻮ ﺗﺄﻣﻠﻮا ﻣﺼﻠﺤﺘﻬﻢ ،وأن اﻟﻌﺪو ﻻ ﻳﺸري ﻋﻠﻴﻬﻢ ﺑﺎﺳﺘﺠﻼب ﻗﻠﻮب املﺴﻠﻤني أﺑﺪًا ،وإﻧﻤﺎ ﻳﺮﻳﺪﻫﺎ ﺣﺎﻣﻴﺔ ﺑني اﻟﻔﺮﻳﻘني إﱃ ﻣﺎ ﺷﺎء ﷲ) .ش(. ) (9اﻟﺤﺪﻳﺚ رواه أﺑﻮ داود ﰲ ﺳﻨﻨﻪ واﻟﺒﻴﻬﻘﻲ ﰲ دﻻﺋﻞ اﻟﻨﺒﻮة ﻋﻦ ﺛﻮﺑﺎن ﻣﺮﻓﻮﻋً ﺎ ﺑﻠﻔﻆ» :ﻳﻮﺷﻚ أن ﺗﺪاﻋﻰ ﻋﻠﻴﻜﻢ اﻷﻣﻢ ﻛﻤﺎ ﺗﺪاﻋﻰ اﻷﻛﻠﺔ إﱃ ﻗﺼﻌﺘﻬﺎ« ﻓﻘﺎل ﻗﺎﺋﻞ :وﻣﻦ ﻗﻠﺔ ﻧﺤﻦ ﻳﻮﻣﺌﺬ؟ ﻗﺎل ﷺ» :ﺑﻞ أﻧﺘﻢ ﻳﻮﻣﺌﺬ ﻛﺜري ،وﻟﻜﻨﻜﻢ ﻏﺜﺎء ﻛﻐﺜﺎء اﻟﺴﻴﻞ ،وﺳﻴﻨﺰﻋﻦ 48
أﻫﻢ أﺳﺒﺎب ﺗﺄﺧﺮ املﺴﻠﻤني
ﷲ ﻣﻦ ﺻﺪور ﻋﺪوﻛﻢ املﻬﺎﺑﺔ ﻣﻨﻜﻢ ،وﻟﻴﻘﺬﻓﻦ ﰲ ﻗﻠﻮﺑﻜﻢ اﻟﻮﻫﻦ« ﻗﺎل ﻗﺎﺋﻞ :ﻳﺎ رﺳﻮل ﷲ، وﻣﺎ اﻟﻮﻫﻦ .ﻗﺎل» :ﺣﺐ اﻟﺪﻧﻴﺎ وﻛﺮاﻫﻴﺔ املﻮت«. ً ﺑﻌﻀﺎ ﻟﺴﻠﺐ ﻣﻠﻜﻜﻢ ﻗﻮﻟﻪ ﷺ »ﺗﺪاﻋﻰ« أﺻﻠﻪ ﺗﺘﺪاﻋﻰ أي ﺗﺠﺘﻤﻊ وﻳﺪﻋﻮ ﺑﻌﻀﻬﺎ ﻛﻤﺎ ﺗﺘﺪاﻋﻰ اﻷﻛﻠﺔ وﻫﻲ ﺟﻤﻊ آﻛﻞ — ﻛﺎﻟﻔﻌﻠﺔ ﺟﻤﻊ ﻓﺎﻋﻞ — إﱃ ﻗﺼﻌﺔ اﻟﻄﻌﺎمُ ، واﻟﻐﺜﺎء ﺑﺎﻟﻀﻢ ﻣﺎ ﻳﺤﻤﻠﻪ اﻟﺴﻴﻞ وﻳﻠﻘﻴﻪ ﻣﻦ اﻟﺰﺑﺪ واﻟﻌﻴﺪان وﻧﺤﻮﻫﺎ؛ وﻳﴬب ً ﻣﺜﻼ ملﺎ ﻻ ﻗﻴﻤﺔ ﻟﻪ وﻻ ﻓﺎﺋﺪة ،واﻟﻮﻫﻦ ﺑﺎﻟﻨﻮن :اﻟﻀﻌﻒ ،وإﻧﻤﺎ ﺳﺄﻟﻪ اﻟﺴﺎﺋﻞ ﻋﻦ ﺳﺒﺒﻪ ﻓﺄﺟﺎﺑﻪ ﷺ ﺑﺄن ﺳﺒﺒﻪ ﺣﺐ اﻟﺤﻴﺎة اﻟﺪﻧﻴﺎ وﻟﺬاﺗﻬﺎ اﻟﺨﺴﻴﺴﺔ ،وإﻳﺜﺎرﻫﺎ ﻋﲆ اﻟﺠﻬﺎد ﰲ اﻟﺪﻓﺎع ﻋﻦ اﻟﺤﻘﻴﺔ وإﻋﻼء ً ﺣﺮﺻﺎ ﻋﲆ ﻫﺬه اﻟﺤﻴﺎة اﻟﺨﺴﻴﺴﺔ. ﻛﻠﻤﺔ ﷲ ،وﻛﺮاﻫﻴﺔ املﻮت وﻟﻮ ﰲ ﺳﺒﻴﻞ اﻟﺤﻖ؛ ُ وﻗﺪ أوردت ﻫﺬا اﻟﺤﺪﻳﺚ ﰲ ﺗﻔﺴري ﻗﻮﻟﻪ ﺗﻌﺎﱃ )اﻷﻧﻌﺎم :آﻳﺔ ﴿ :(٦٥ﻗ ْﻞ ُﻫ َﻮ ا ْﻟ َﻘﺎدِ ُر ﻋَ َﲆ ٰ أَن ﻳَﺒْﻌَ َﺚ ﻋَ َﻠﻴْ ُﻜ ْﻢ ﻋَ ﺬَاﺑًﺎ ﻣﱢ ﻦ َﻓ ْﻮ ِﻗ ُﻜ ْﻢ أ َ ْو ِﻣﻦ ﺗَﺤْ ِﺖ أ َ ْرﺟُ ِﻠ ُﻜ ْﻢ أ َ ْو ﻳَ ْﻠ ِﺒ َﺴ ُﻜ ْﻢ ِﺷﻴَﻌً ﺎ َوﻳُﺬ َ ِﻳﻖ ﺑَﻌْ َﻀ ُﻜﻢ ﺑَﺄ ْ َس ﺑَﻌْ ٍﺾ﴾. وأوردت ﻗﺒﻠﻪ ﺣﺪﻳﺚ ﺛﻮﺑﺎن اﻵﺧﺮ اﻟﺬي رواه ﻣﺴﻠﻢ ﰲ ﺻﺤﻴﺤﻪ ﻗﺎل رﺳﻮل ﷲ ﷺ» :إن ﷲ زوى ﱄ اﻷرض ﻓﺮأﻳﺖ ﻣﺸﺎرﻗﻬﺎ وﻣﻐﺎرﺑﻬﺎ ،وإن أﻣﺘﻲ ﺳﻴﺒﻠﻎ ﻣﻠﻜﻬﺎ ﻣﺎ زوى ﱄ ﻣﻨﻬﺎ ،وأﻋﻄﻴﺖ اﻟﻜﻨﺰﻳﻦ :اﻷﺣﻤﺮ ،واﻷﺑﻴﺾ ،وإﻧﻲ ﺳﺄﻟﺖ رﺑﻲ ﻷﻣﺘﻲ أن ﻻ ﻳﻬﻠﻜﻬﺎ ﺑﺴﻨﺔ ﻋﺎﻣﺔ ،وأن ﻻ ﻳﺴﻠﻂ ﻋﻠﻴﻬﺎ ﻋﺪوٍّا ﻣﻦ ﺳﻮى أﻧﻔﺴﻬﻢ ﻓﻴﺴﺘﺒﻴﺢ ﺑﻴﻀﺘﻬﻢ )أي ﻣﻠﻜﻬﻢ وﺳﻠﻄﺎﻧﻬﻢ وﻣﻘﺮ ﻗﻮﺗﻬﻢ( وإن رﺑﻲ ﻗﺎل ﱄ :ﻳﺎ ﻣﺤﻤﺪ إذا ﻗﻀﻴﺖ ﻗﻀﺎءً ﻓﺈﻧﻪ ﻻ ﻳﺮد ،وإﻧﻲ أﻋﻄﻴﺘﻚ ﻷﻣﺘﻚ أن ﻻ أﻫﻠﻜﻬﻢ ﺑﺴﻨﺔ ﻋﺎﻣﺔ )أي ﻗﺤﻂ( وأن ﻻ أﺳﻠﻂ ﻋﻠﻴﻬﻢ ﻋﺪوٍّا ﻣﻦ ﺳﻮى أﻧﻔﺴﻬﻢ ﻓﻴﺴﺘﺒﻴﺢ ﺑﻴﻀﺘﻬﻢ ،وﻟﻮ اﺟﺘﻤﻊ ﻋﻠﻴﻬﻢ ﻣﻦ ﺑﺄﻗﻄﺎرﻫﺎ — أو ﻗﺎل ﻣﻦ ﺑني أﻗﻄﺎرﻫﺎ ﺑﻌﻀﺎ وﻳﺴﺒﻲ ﺑﻌﻀﻬﻢ ً — ﺣﺘﻰ ﻳﻜﻮن ﺑﻌﻀﻬﻢ ﻳﻬﻠﻚ ً ﺑﻌﻀﺎ« ورواه أﺣﻤﺪ وأﺻﺤﺎب اﻟﺴﻨﻦ إﻻ اﻟﻨﺴﺎﺋﻲ ﺑﺰﻳﺎدة ﻋﲆ رواﻳﺔ ﻣﺴﻠﻢ ﻫﺬه ،وﻛﻼ اﻟﺤﺪﻳﺜني ﰲ أﻋﻼم اﻟﻨﺒﻮة اﻟﺘﻲ ﻇﻬﺮ ﺑﻬﺎ ﺻﺪﻗﻪ ﷺ ﺑﻌﺪ ﻗﺮون ﻣﻦ وﻓﺎﺗﻪ ورﻓﻊ روﺣﻪ إﱃ اﻟﺮﻓﻴﻖ اﻷﻋﲆ ،ﻓﻤﺎ ذﻫﺐ ﳾء ﻣﻦ ﻣﻠﻚ املﺴﻠﻤني إﱃ أﻳﺪي اﻷﺟﺎﻧﺐ إﻻ ﺑﺨﺬﻻن ﺑﻌﻀﻬﻢ ﻟﺒﻌﺾ ،وﻣﺴﺎﻋﺪﺗﻬﻢ ﻟﻸﺟﺎﻧﺐ ﻋﲆ أﻧﻔﺴﻬﻢ، وﰲ ﻫﺬه اﻟﺮﺳﺎﻟﺔ ﻟﻸﻣري ﺷﻜﻴﺐ ﺑﻌﺾ اﻟﺸﻮاﻫﺪ ﻣﻦ ﻣﺴﻠﻤﻲ ﻫﺬا اﻟﻌﴫ ﻋﲆ ذﻟﻚ ،وراﺟﻊ املﻮﺿﻮع ﺑﺘﻔﺼﻴﻠﻪ ﰲ ﺗﻔﺴري اﻵﻳﺔ املﺸﺎر إﻟﻴﻬﺎ ﻣﻦ ص ٥٠١–٤٩٠ج ٧ﺗﻔﺴري )ر(. ) (10ﻋﺪد املﺴﻠﻤني اﻟﻴﻮم ﻣﺎ ﻳﻨﻴﻒ ﻋﻦ ﺳﺘﻤﺎﻳﺔ ﻣﻠﻴﻮن ،ﻓﻴﺎ ﻟﻬﺎ ﻣﻦ ﻗﻮة ﻟﻮ ﻛﺎن ً رﺟﺎﻻ ﻛﺎﻟﺮﺟﺎل املﺘﻐﻠﺒني ﻋﻠﻴﻬﻢ )ش(. ﺟﻤﻴﻌﻬﻢ ) (11ﻧﻌﻢ ﻳﺨﴙ املﺴﻠﻤﻮن دول اﻻﺳﺘﻌﻤﺎر ﻓﻴﻄﻴﻌﻮﻧﻬﺎ ﺣﺘﻰ ﻋﲆ آﺑﺎﺋﻬﻢ وأﺑﻨﺎﺋﻬﻢ وأﻋﺰ اﻟﻨﺎس ﻟﺪﻳﻬﻢ وأﻏﲆ اﻷﻣﻮر ﻋﻠﻴﻬﻢ وﻋﲆ دﻳﻨﻬﻢ ووﻃﻨﻬﻢ وﻗﻮﻣﻴﺘﻬﻢ وﺛﻘﺎﻓﺘﻬﻢ ،وإن 49
ملﺎذا ﺗﺄﺧﺮ املﺴﻠﻤﻮن؟ وملﺎذا ﺗﻘﺪم ﻏريﻫﻢ؟
ﺳﺄﻟﺘﻬﻢ ﻋﻦ أﺳﺒﺎب ﻫﺬه اﻟﻄﺎﻋﺔ اﻟﻌﻤﻴﺎء ﻗﺎﻟﻮا ﻟﻚ :إﻧﻨﺎ إن ﻟﻢ ﻧﻄﻌﻬﻢ أﻫﻠﻜﻮﻧﺎ وﻧﺤﻦ ﻻ ﻗﺒﻞ ﻟﻨﺎ ﺑﻤﻘﺎوﻣﺘﻬﻢ ،وﻧﺴﻮا أﻧﻬﻢ ﻋﻨﺪﻣﺎ ﺗﻘﺬف ﺑﻬﻢ دول اﻻﺳﺘﻌﻤﺎر ﰲ ﺣﺮوﺑﻬﺎ ﻳﻼﻗﻮن ﻓﻴﻬﺎ املﻮت اﻟﺬي ﻟﻢ ﻳﻜﻮﻧﻮا ﻟﻴﻼﻗﻮا أﻋﻈﻢ ﻣﻨﻪ ﻟﻮ ﻛﺎﻧﻮا ﻋﺼﻮﻫﺎ. ُ ْت ا ﱠﻟﺬِي ﺗَﻔِ ﱡﺮ َ ﴿ﻗ ْﻞ إ ِ ﱠن ا ْﻟﻤَ ﻮ َ ون ِﻣﻨ ْ ُﻪ َﻓ ِﺈﻧ ﱠ ُﻪ ﻣ َُﻼﻗِ ﻴ ُﻜﻢْ﴾. وﻟﻌﻤﺮي إن ﺗﻌﻠﻴﻞ ﻫﺬه اﻟﺤﺎﻟﺔ اﻟﺮوﺣﻴﺔ اﻟﺘﻲ ﻧﺠﺪﻫﺎ ﻋﻨﺪ املﺴﻠﻤني اﻟﺨﺎﺿﻌني ﻟﺪول أوروﺑﺔ املﺴﺘﻌﻤﺮة ﻟﻴﺘﻌﺬر ﻋﲆ ﻧﻄﺲ أﻃﺒﺎء اﻻﺟﺘﻤﺎع ﺟﻤﻴﻌً ﺎ؛ إذ ﻻ ﻳﻤﻜﻦ أن ﻳﻌﻘﻞ ﺻﻨﻔﺎن ﻣﻦ املﻮت :أﺣﺪﻫﻤﺎ :ﻣﺮ املﺬاق ﻻ ﺗﻘﻮى ﻋﲆ ﻣﻮاﺟﻬﺘﻪ اﻟﻨﻔﺲ وﻫﻮ املﻮت ﰲ ﻣﻘﺎوﻣﺔ اﻷﺟﻨﺒﻲ املﺘﻐﻠﺐ ،واﻟﺜﺎﻧﻲ :ﻣﻘﺒﻮل اﻟﻄﻌﻢ ﺳﻬﻞ اﻻﻗﺘﺤﺎم وﻫﻮ املﻮت ﰲ ﻣﻘﺎﺗﻠﺔ ﻋﺪو ذﻟﻚ املﺘﻐﻠﺐ، ﻻ ﺟﺮم أن ﻫﺬه ﺣﺎﻟﺔ روﺣﻴﺔ ﺷﺎذة ﻻ ﺗﻔﴪ وﻻ ﺗﻌﻠﻞ إﻻ ﺑﺎملﺮض ،وﻋﺪم اﻋﺘﺪال املﺰاج، وﻛﻮن اﻟﺮﻋﺐ املﺴﺘﻤﺮ اﻟﺬي أوﻗﻌﻪ ﰲ ﻗﻠﻮﺑﻬﻢ اﻷﺟﻨﺒﻲ املﺘﻐﻠﺐ اﻧﺘﻬﻰ ﺑﺄن أوﺟﺪ ﰲ ﻧﻔﻮﺳﻬﻢ ﻫﺬه اﻟﺤﺎﻟﺔ اﻟﻐﺮﻳﺒﺔ اﻟﺘﻲ ﻟﻢ أﺟﺪ ﻟﻬﺎ ﺷﺒﻴﻬً ﺎ ﰲ اﻟﺘﺎرﻳﺦ إﻻ ﻣﺎ ﻛﺎن ﻣﻨﻬﻢ ﻳﻮم زﺣﻒ اﻟﺘﺘﺎر املﻐﻮﻟﻴني إﱃ ﺑﻼد اﻹﺳﻼم وﻧﺴﻔﻮا ﺗﻠﻚ اﻟﺤﻀﺎرات اﻟﺰاﻫﺮة اﻟﺘﻲ ﻛﺎﻧﺖ ﰲ ﺗﺮﻛﺴﺘﺎن وإﻳﺮان واﻟﻌﺮاق ،وذﺑﺤﻮا املﻼﻳني ﻣﻦ أﻫﻠﻬﺎ ذﺑﺢ اﻟﺸﻴﺎه ،ودﻣﺮوا ﺑﻐﺪاد دار اﻟﺨﻼﻓﺔ ،وأﻫﻠﻜﻮا اﻟﺨﻠﻴﻔﺔ املﺴﺘﻌﺼﻢ اﻟﻌﺒﺎﳼ ﺗﺤﺖ أرﺟﻞ اﻟﻔﻴﻠﺔ ،وﺟﻌﻠﻮا ﻣﻦ ﺟﻤﺎﺟﻢ اﻟﻘﺘﻠﺔ آﻛﺎﻣً ﺎ ﻋﺎﻟﻴﺔ ﻓﻮﺻﻞ اﻟﺮﻋﺐ ﺑﻘﻠﻮب املﺴﻠﻤني إﱃ أن ﺻﺎر املﻐﻮﱄ اﻟﻮاﺣﺪ ﻳﺪﺧﻞ ﻋﲆ املﺌﺔ ﻣﻨﻬﻢ ﻓﻴﻘﺘﻠﻬﻢ ﺟﻤﻴﻌً ﺎ وأﺳﻠﺤﺘﻬﻢ ﰲ أﻳﺪﻳﻬﻢ ،وﻻ ﺗﺤﺪﺛﻬﻢ ﻧﻔﻮﺳﻬﻢ ﺑﺄدﻧﻰ ﻣﻘﺎوﻣﺔ ،وﻻ ﻳﻘﺎل ملﺜﻞ ﻫﺬا: إﻧﻪ ﻣﺠﺮد اﻧﻜﺴﺎر ﻗﻮى ﻣﻌﻨﻮﻳﺔ ﺑﻞ ﻫﻮ أﺑﻌﺪ ﻣﺪى ﻣﻦ ﻫﺬا ﺑﻜﺜري؛ ﻓﺈن اﻧﻜﺴﺎر اﻟﻘﻮى ً ﻣﺮﺿﺎ زاﻏﺖ ﺑﻪ املﻌﻨﻮﻳﺔ ﻻ ﻳﺴﻠﺐ املﻐﻠﻮب ﻛﻞ آﺛﺎر اﻟﻨﺸﺎط ﻟﻠﻤﻘﺎوﻣﺔ ،وإﻧﻤﺎ ﻛﺎن ذاك اﻟﻄﺒﺎﺋﻊ اﻟﺒﴩﻳﺔ ﻋﻦ ﻣﺮﻛﺰﻫﺎ ،وﻋﺘﻬً ﺎ اﺳﺘﻮﱃ ﻋﲆ اﻟﻌﻘﻮل وﺟﺮدﻫﺎ ﻣﻦ ﺧﻮاص اﻹدراك، وﻗﺪ ﺣﺪث أﺣﺪ املﺆرﺧني ﺑﺮواﻳﺔ ﻏﺮﻳﺒﺔ ﻋﻦ رﺟﻞ ﺷﻬﺪ ﺗﻠﻚ اﻟﻮﻗﺎﺋﻊ ﺑﻌﻴﻨﻪ ﻓﻘﺎل ﻣﺎ ﻣﻌﻨﺎه: ﻓﺮرت ﻣﻦ اﻟﺘﺘﺎر ﻓﺴﺎﻗﻨﻲ اﻟﻘﺪر إﱃ ﺑﻴﺖ وﺟﺪت ﻓﻴﻪ ﺛﻤﺎﻧﻴﺔ ﻋﴩ ً رﺟﻼ ﻛﻠﻬﻢ ﺗﺨﺒﺌﻮا ﻓﻴﻪ ﻟﻌﻠﻬﻢ ﻳﻨﺠﻮن ﻣﻦ املﻮت ﻓﺒﻴﻨﻤﺎ ﻧﺤﻦ ﺟﺎﻟﺴﻮن؛ إذ دﺧﻞ ﻋﻠﻴﻨﺎ أﺣﺪ اﻟﺘﺘﺎر ﻓﺮآﻧﺎ ﺟﻤﻴﻌً ﺎ وﻋﲆ وﺟﻮﻫﻨﺎ ﻏﱪة املﻮت وﻟﻢ ﻳﻜﻦ ﻣﻌﻪ ﺳﻼح ﻳﻘﺘﻠﻨﺎ ﺑﻪ ﻓﻘﺎل ﻟﻨﺎ :اﺑﻘﻮا ﻫﻨﺎ ﺣﺘﻰ آﺗﻲ ﺑﺴﻜني وأذﺑﺤﻜﻢ .وﻣﴣ ﻟﻴﺄﺗﻲ ﺑﺎﻟﺴﻜني ،ﻓﻠﻤﺎ ذﻫﺐ ﻗﻠﺖ ﻟﻠﺠﻤﺎﻋﺔ :ﻣﺎذا ﺗﻨﺘﻈﺮون؟! ﻗﺎﻟﻮا :ﻻ ﻧﻨﺘﻈﺮ ﺷﻴﺌًﺎ ﺳﻮى املﻮت .ﻓﻘﻠﺖ ﻟﻬﻢ :ﻛﻴﻒ ﻧﻨﺘﻈﺮ املﻮت ﻣﻦ ﻳﺪ رﺟﻞ واﺣﺪ وﻧﺤﻦ ﻋﺼﺒﺔ ً ١٩ رﺟﻼ؟! ﻗﺎﻟﻮا :ﻣﺎذا ﺗﺮﻳﺪ أن ﻧﺼﻨﻊ؟ ﻗﻠﺖ :ﻧﻘﺘﻠﻪ .ﻗﺎﻟﻮا :ﻻ ﺗﻤﺘﺪ أﻳﺪﻳﻨﺎ إﻟﻴﻪ؛ ﻷﻧﻨﺎ ﻧﺨﺎف. ﻗﻠﺖ :ﻣﻢ ﺗﺨﺎﻓﻮن؟! إن ﻛﺎن ﺧﻮﻓﻜﻢ ﻣﻦ املﻮت ﻓﻬﻮ ﻗﺎﺗﻠﻜﻢ ﻋﲆ ﻛﻞ ﺣﺎل .ﻗﺎل :وﻣﺎ زﻟﺖ أﺷﺠﻌﻬﻢ إﱃ أن اﻗﺘﻨﻊ ﺑﻜﻼﻣﻲ اﺛﻨﺎن ﻣﻨﻬﻢ ﻻ ﻏري ،ﻓﻠﻤﺎ رﺟﻊ املﻐﻮﱄ وﺑﻴﺪه اﻟﺴﻜني اﻟﺬي 50
أﻫﻢ أﺳﺒﺎب ﺗﺄﺧﺮ املﺴﻠﻤني
ﻳﺮﻳﺪ أن ﻳﻘﺘﻠﻨﺎ ﺑﻪ ﻫﺠﻤﻨﺎ ﻋﻠﻴﻪ ﻧﺤﻦ اﻟﺜﻼﺛﺔ وﻧﺰﻋﻨﺎ اﻟﺴﻜني ﻣﻦ ﻳﺪه وﻗﺘﻠﻨﺎه ﺑﻪ وﺧﺮﺟﻨﺎ وﻧﺠﻮﻧﺎ .ﻫﺬا؛ وﺑﻘﻲ املﺴﻠﻤﻮن ﰲ رﻋﺐ ﻣﻦ اﻟﺘﺘﺎر ﻏري ﻣﻤﻜﻦ اﻟﺘﻌﻠﻴﻞ إﱃ أن ﺧﺮﺟﺖ إﻟﻴﻬﻢ اﻟﻌﺴﺎﻛﺮ املﴫﻳﺔ ﰲ زﻣﻦ املﻠﻚ ﻗﻄﺰ ،ﻓﺘﻼﻗﻰ اﻟﺠﻤﻌﺎن ﰲ ﻋني ﺟﺎﻟﻮت ﰲ ﻓﻠﺴﻄني واﻧﻬﺰم اﻟﺘﺘﺎر ﻫﺰﻳﻤﺔ ﺷﻨﻌﺎء ،ﺛﺎﺑﺖ ﺑﻌﺪﻫﺎ ﻋﺰاﺋﻢ املﺴﻠﻤني إﻟﻴﻬﻢ ،وأﺧﺬوا ﻳﻔﺘﻜﻮن ﺑﺎﻟﺘﺘﺎر ،وﺻﺎر ﻫﺆﻻء ﻋﻨﺪﻫﻢ ﻛﺴﺎﺋﺮ اﻟﻨﺎس ،وﻟﻮ ﻟﻢ ﻳﺪﺧﻞ اﻟﺘﺘﺎر ﰲ اﻹﺳﻼم ﻟﻜﺎن املﺴﻠﻤﻮن أﺑﺎدوﻫﻢ. وﺧﻼﺻﺔ اﻟﻘﻮل :أن املﺴﻠﻤني ﻛﻠﻤﺎ آﺛﺮوا اﻟﺴﻼﻣﺔ ازدادوا ﻣﻮﺗًﺎ ،وﻛﻠﻤﺎ اﺣﺘﻘﺮوا اﻟﺤﻴﺎة ازدادوا ﺣﻴﺎة ،وإﱃ ﻫﺬا أﺷﺎر ﷲ ﺗﻌﺎﱃ ﰲ ﻛﺘﺎﺑﻪ اﻟﻜﺮﻳﻢ ﺣني ﻳﻘﻮل﴿ :ﻳَﺎ أَﻳﱡﻬَ ﺎ ا ﱠﻟﺬ َ ِﻳﻦ آﻣَ ﻨُﻮا ﻣَ ﺎ ﻴﻞ ِ ﷲ اﺛ ﱠ َﺎﻗ ْﻠﺘُ ْﻢ إ ِ َﱃ ْاﻷ َ ْر ِض ۚ أ َ َر ِﺿﻴﺘُﻢ ِﺑﺎ ْﻟﺤَ ﻴَﺎ ِة اﻟ ﱡﺪﻧْﻴَﺎ ِﻣ َﻦ ْاﻵﺧِ َﺮ ِة َﻟ ُﻜ ْﻢ إِذَا ﻗِ ﻴ َﻞ َﻟ ُﻜ ُﻢ اﻧﻔِ ُﺮوا ِﰲ َﺳ ِﺒ ِ ۚ َﻓﻤَ ﺎ ﻣَ ﺘَﺎ ُع ا ْﻟﺤَ ﻴَﺎ ِة اﻟ ﱡﺪﻧْﻴَﺎ ِﰲ ْاﻵﺧِ َﺮ ِة إ ِ ﱠﻻ َﻗﻠِﻴ ٌﻞ * إ ِ ﱠﻻ ﺗَﻨﻔِ ُﺮوا ﻳُﻌَ ﺬﱢﺑْ ُﻜ ْﻢ ﻋَ ﺬَاﺑًﺎ أَﻟِﻴﻤً ﺎ َوﻳ َْﺴﺘَﺒْ ِﺪ ْل َﻗﻮْﻣً ﺎ ﳾءٍ َﻗﺪِﻳ ٌﺮ﴾ )ش(. ري ُﻛ ْﻢ و ََﻻ ﺗَ ُ ﱡ ﴬو ُه َﺷﻴْﺌًﺎ ۗ َوﷲ ُ ﻋَ َﲆ ٰ ُﻛ ﱢﻞ َ ْ َﻏ ْ َ ﻴﻞ ِ ﷲ و ََﻻ ﺗُ ْﻠ ُﻘﻮا ِﺑﺄَﻳْﺪِﻳ ُﻜ ْﻢ إ ِ َﱃ اﻟﺘﱠﻬْ ﻠُ َﻜ ِﺔ﴾. ) (12إن ﷲ ﺗﻌﺎﱃ ﻳﻘﻮل﴿ :وَأَﻧﻔِ ُﻘﻮا ِﰲ َﺳ ِﺒ ِ أي إن ﻋﺪم إﻧﻔﺎﻗﻜﻢ ﰲ ﺳﺒﻴﻞ ﷲ ﻫﻮ اﻟﺘﻬﻠﻜﺔ ﺑﻌﻴﻨﻬﺎ ،وﻗﺪ أﺻﺎﺑﺖ املﺴﻠﻤني ﺗﻬﻠﻜﺔ ﻋﺪم اﻹﻧﻔﺎق ،وﺻﺪق ﻓﻴﻬﻢ ﻣﺎ ﺣﺬرﻫﻢ ﷲ ﻣﻨﻪ )ش(. ) (13آل ﻋﻤﺮان.١٤٦ : ً ﺳﺎﺑﻘﺎ :ﻧﺤﻦ — اﻹﻧﻜﻠﻴﺰ — أﻣﺔ ) (14ﻗﺎل املﺴﱰ ﺷﻤﱪﻟني ﻧﺎﻇﺮ ﺧﺎرﺟﻴﺔ إﻧﻜﻠﱰا ﺗﻘﻠﻴﺪﻳﺔ ﻣﺤﺎﻓﻈﺔ ﻋﲆ اﻟﻘﺪﻳﻢ ﻻ ﺗﺮﴇ ﺑﺘﺒﺪﻳﻞ ﳾء ﻣﻦ أوﺿﺎﻋﻨﺎ إﻻ إذا ﺛﺒﺖ ﴐورة وﻟﻢ َ ﻳﺒﻖ ﻣﻨﺎص ﻣﻦ ﺗﻐﻴريه )ش(. ) (15ﻟﻴﺘﻮﻧﻴﺎ ﻫﻲ ﻏري ﻟﻴﺘﻮاﻧﻴﺎ ،وﻛﻠﺘﺎﻫﻤﺎ ﻣﻦ اﻷﻣﻢ اﻟﺘﻲ اﻧﻔﺼﻠﺖ ﻋﻦ اﻟﺮوﺳﻴﺔ ﺑﻌﺪ اﻟﺤﺮب اﻟﻌﺎﻣﺔ؛ ﻻﺧﺘﻼف ﺟﻨﺴﻬﺎ ﻋﻦ ﺟﻨﺲ اﻟﺮوس )ش(.
51
ﳌﺎذا ﻻ ﻧﺴﻤﻲ اﻟﻴﺎﺑﺎن وأوروﺑﺎ رﺟﻌﻴﺔ ﺑﺘﺪﻳﻨﻬﲈ
ﻓﻠﻤﺎذا ،ﻳﺎ ﻟﻴﺖ ﺷﻌﺮي ،ﺗﺘﻘﺪم اﻟﻴﺎﺑﺎن ﻫﺬا اﻟﺘﻘﺪم اﻟﴪﻳﻊ املﺪﻫﺶ وﺗﺼري ﻫﺬه اﻷﻣﺔ أﻣﺔ ﻋﴫﻳﺔ ﻳﴬب ﺑﺮﻗﻴﻬﺎ املﺜﻞ وﻫﻲ ﺗﴬب ﺑﺄﻋﺮاﻗﻬﺎ إﱃ ﻋﻘﺎﺋﺪ وﻋﺎدات وﻣﻨﺎزع ﻣﴣ ﻋﻠﻴﻬﺎ أﻟﻔﺎ ﺳﻨﺔ ،وﻳﻜﻮن إﻣﱪاﻃﻮرﻫﺎ ﻫﻮ ﻛﺎﻫﻨﻬﺎ اﻷﻋﻈﻢ ،وﻻ ﻳﻘﺎل ﻋﻨﻬﺎ) :رﺟﻌﻴﺔ( و)ﻣﺮﺗﺠﻌﺔ( و)ارﺗﺠﺎﻋﻴﺔ( وﻣﺘﺄﺧﺮة وﻣﺘﻘﻬﻘﺮة )ﻓﺈن ﻛﺎﻧﺖ اﻟﻴﺎﺑﺎن رﺟﻌﻴﺔ ﻓﻤﺮﺣﻰ ﺑﺎﻟﺮﺟﻌﻴﺔ(. وملﺎذا ﻛﺎن ﻣﻠﻚ إﻧﻜﻠﱰة وإﻣﱪاﻃﻮر اﻟﻬﻨﺪ اﻟﺴﻴﺪ ﻋﲆ ٤٥٠ﻣﻠﻴﻮن آدﻣﻲ ﰲ اﻷرض ﻣﻦ اﻟﺒﻴﺾ واﻟﺴﻤﺮ واﻟﺼﻔﺮ واﻟﺤﻤﺮ واﻟﺴﻮد ﻫﻮ رﺋﻴﺲ اﻟﻜﻨﻴﺴﺔ اﻹﻧﻜﻠﻴﻜﺎﻧﻴﺔ ،وﻣﺠﺎﻟﺴﻪ اﻟﻨﻴﺎﺑﻴﺔ ﺗﺒﺤﺚ ﰲ ﺟﻠﺴﺎت ﻋﺪﻳﺪة ﰲ ﻗﻀﻴﺔ اﻟﺨﺒﺰ واﻟﺨﻤﺮ؛ ﻫﻞ ﻳﺴﺘﺤﻴﻼن ﺑﻤﺠﺮد ﺗﻘﺪﻳﺲ اﻟﻘﺴﻴﺲ إﱃ ﺟﺴﺪ املﺴﻴﺢ ودﻣﻪ ً ﻓﻌﻼ دون أدﻧﻰ ﺷﻚ ،أم ذﻟﻚ ﻗﺒﻴﻞ اﻟﺮﻣﺰ واﻟﺘﻤﺜﻴﻞ؟ 1وﻻ ﻳﻘﺎل ﻋﻨﻪ :إﻧﻪ )رﺟﻌﻲ( ،وﻻ ﻳﻘﺎل ﻋﻦ دوﻟﺘﻪ اﻟﻌﻈﻤﻰ :إﻧﻬﺎ )ﻣﺘﺄﺧﺮة( أو )ﻣﺘﻘﻬﻘﺮة( ،ﻓﺈن ﻛﺎﻧﺖ إﻧﻜﻠﱰة ﺑﻌﺪ ﻫﺬا ﻣﺘﻘﻬﻘﺮة ﻓﻴﺎ ﺣﺒﺬا )اﻟﺘﻘﻬﻘﺮ(. وملﺎذا ﻛﺎﻧﺖ اﻟﻘﺎرة اﻷوروﺑﻴﺔ ﻛﻠﻬﺎ ﻣﺴﻴﺤﻴﺔ ﻣﻔﺘﺨﺮة ﺑﻤﺴﻴﺤﻴﺘﻬﺎ ،ﺗﺘﺒﺎﻫﻰ ﺑﺬﻟﻚ ﰲ ﻛﻞ ﻓﺮﺻﺔ ،ﻣﺘﺤﺪة ﰲ ﻫﺬا اﻷﻣﺮ ﻋﲆ ﻣﺎ ﺑﻴﻨﻬﺎ ﻣﻦ ﻋﺪاوات وﻣﻨﺎﻓﺴﺎت ،وﻻ ﻧﻨﺒﺬﻫﺎ ﺣﺘﻰ ﺑﻘﻮﻟﻨﺎ: )رﺟﻌﻴﺔ( و)ارﺗﺠﺎﻋﻴﺔ( ،واﻟﺤﺎل أن اﻟﺪﻳﺎﻧﺔ اﻟﺘﻲ ﺗﺪﻳﻦ ﺑﻬﺎ أوروﺑﺔ ﻋﻤﺮﻫﺎ ١٩ﻗﺮﻧًﺎ. وﻫﺬا ﻋﻬﺪ ﻳﺼﺢ أن ﻳﻘﺎل ﻋﻨﻪ :ﻗﺪﻳﻢ) ،وﻗﺪﻳﻢ ﺟﺪٍّا( ،وﻫﺆﻻء اﻟﻴﻬﻮد — ﻣﻬﻤﺎ ﻧﻨﻜﺮ ﻋﻠﻴﻬﻢ ﻣﻦ اﻟﻔﻀﺎﺋﻞ ﻓﻼ ﻧﻘﺪر أن ﻧﻨﻜﺮ ﻋﻠﻴﻬﻢ املﻘﺪرة واﻟﺬﻛﺎء واﻟﺤﺲ اﻟﻌﻤﲇ واﻟﺠﺪ اﻟﻬﺎﺋﻞ — ﻻ ﻳﺰاﻟﻮن ﻳﻔﺨﺮون ﺑﺘﻮراة وﺟﺪت ﻣﻨﺬ آﻻف اﻟﺴﻨني وﻳﺸﺎرﻛﻬﻢ ﻓﻴﻬﺎ املﺴﻴﺤﻴﻮن. وملﺎذا ﻧﺮى أﻋﻈﻢ ﺷﺒﺎن اﻟﻴﻬﻮد رﻗﻴٍّﺎ ﻋﴫﻳٍّﺎ ﻳﺠﺎﻫﺪون ﰲ إﺣﻴﺎء اﻟﻠﻐﺔ اﻟﻌﱪﻳﺔ اﻟﺘﻲ ﻻ ﻳﻌﺮف ﻣﺒﺪأ ﺗﺎرﻳﺨﻬﺎ؛ ﻟﺘﻮﻏﻠﻬﺎ ﰲ اﻟﻘﺪم ،وﻻ ﻳﻘﺎل ﻋﻨﻬﻢ :إﻧﻬﻢ رﺟﻌﻴﻮن وﻣﺘﺄﺧﺮون وﻗﻬﻘﺮﻳﻮن؟!
ملﺎذا ﺗﺄﺧﺮ املﺴﻠﻤﻮن؟ وملﺎذا ﺗﻘﺪم ﻏريﻫﻢ؟
وﻗﺪ ﻧﴩ واﻳﺰﻣﺎن رﺋﻴﺲ اﻟﺠﻤﻌﻴﺔ اﻟﺼﻬﻴﻮﻧﻴﺔ ﺣﺪﻳﺜًﺎ ﰲ ﺟﺮﻳﺪة )املﺎﺗﻦ( ﻛﺎن ﻣﻦ أﻫﻢ ﻣﺎ ﻓﺨﺮ ﺑﻪ وأدﱃ ﺑﻪ ﻛﻤﺄﺛﺮة ﻳﻨﺒﻐﻲ أن ﺗﺬﻛﺮﻫﺎ ﻟﻬﻢ اﻹﻧﺴﺎﻧﻴﺔ ﻫﻮ )أن ﻓﻠﺴﻄني اﻟﺤﺪﻳﺜﺔ ﺗﺘﻜﻠﻢ اﻟﻴﻮم ﺑﺄﺟﻤﻌﻬﺎ ﺑﻠﻐﺔ اﻷﻧﺒﻴﺎء( ﻳﺮﻳﺪ ﺑﻔﻠﺴﻄني اﻟﺤﺪﻳﺜﺔ؛ ﻓﻠﺴﻄني اﻟﻴﻬﻮدﻳﺔ اﻟﺘﻲ ﻗﺪ ﻧﴩ اﻟﺼﻬﻴﻮﻧﻴﻮن ﻓﻴﻬﺎ اﻟﻠﻐﺔ اﻟﻌﱪاﻧﻴﺔ اﻟﻘﺪﻳﻤﺔ ،وأﺟﱪوا ﻧﺸﺌﻬﻢ اﻟﺠﺪﻳﺪ ﻋﲆ أن ﻳﺘﺤﺪﺛﻮا ﺑﻬﺎ ﻟﺘﻜﻮن اﻟﻠﻐﺔ اﻟﺠﺎﻣﻌﺔ ﻟﻠﻴﻬﻮد ،وﻣﻦ اﻟﺬي ﻓﻌﻞ ﻫﺬا؟ اﻟﺠﻮاب :ﻫﻢ اﻟﻴﻬﻮد اﻟﻌﴫﻳﻮن اﻟﺬﻳﻦ ﻫﻢ أﺷﺪ اﻟﻨﺎس أﺧﺬًا ﺑﻤﺒﺎدئ اﻟﻌﻠﻢ اﻟﺤﺪﻳﺚ واﻟﺤﻀﺎرة اﻟﻌﴫﻳﺔ. اﻷ َ ْﻟﺒَﺎب﴾2 . ﴿وَﻣَ ﺎ ﻳَﺬﱠ ﱠﻛ ُﺮ إ ِ ﱠﻻ أُوﻟُﻮ ْ ِ وﻣﺎذا ﻋﺴﺎﻧﻲ أﺣﴢ ﻣﻦ ﻫﺬه اﻷﻣﺎﺛﻴﻞ واﻟﻌﱪ ﰲ رﺳﺎﻟﺔ وﺟﻴﺰة ﻛﻬﺬه؟! ﻛﻞ ﻗﻮم ﻳﻌﺘﺼﻤﻮن ﺑﺪﻳﻨﻬﻢ وﻣﻘﻮﻣﺎت ﻣﻠﺘﻬﻢ وﻣﺸﺨﺼﺎت ﻗﻮﻣﻬﻢ املﻮروﺛﺔ وﻻ ﻳﻨﺒﺰون ﺑﻬﺬه اﻷﻟﻘﺎب إﻻ املﺴﻠﻤني! داع إﱃ اﻻﺳﺘﻤﺴﺎك ﺑﻘﺮآﻧﻬﻢ وﻋﻘﻴﺪﺗﻬﻢ وﻣﻘﻮﻣﺎﺗﻬﻢ وﻣﺸﺨﺼﺎﺗﻬﻢ ﻓﺈﻧﻪ إذا دﻋﺎﻫﻢ ٍ وﺑﺎﻟﻠﺴﺎن اﻟﻌﺮﺑﻲ وآداﺑﻪ واﻟﺤﻴﺎة اﻟﴩﻗﻴﺔ وﻣﻨﺎﺣﻴﻬﺎ ﻗﺎﻣﺖ ﻗﻴﺎﻣﺔ اﻟﺬﻳﻦ ﰲ ﻗﻠﻮﺑﻬﻢ ﻣﺮض … وﺻﺎﺣﻮا :ﻟﺘﺴﻘﻂ اﻟﺮﺟﻌﻴﺔ .وﻗﺎﻟﻮا :ﻛﻴﻒ ﺗﺮﻳﺪون اﻟﺮﻗﻲ وأﻧﺘﻢ ﻣﺘﻤﺴﻜﻮن ﺑﺄوﺿﺎع ﺑﺎﻟﻴﺔ ﺑﺎﻗﻴﺔ ﻣﻦ اﻟﻘﺮون اﻟﻮﺳﻄﻰ ،وﻧﺤﻦ ﰲ ﻋﴫ ﺟﺪﻳﺪ. ﺟﻤﻴﻊ ﻫﺆﻻء اﻟﺨﻼﺋﻖ ﺗﻌﻠﻤﻮا وﺗﻘﺪﻣﻮا وﺗﺮﻗﻮا وﻋﻠﻮا وﻃﺎروا ﰲ اﻟﺴﻤﺎء؛ واملﺴﻴﺤﻲ ﻣﻨﻬﻢ ﺑﺎق ﻋﲆ إﻧﺠﻴﻠﻪ وﺗﻘﺎﻟﻴﺪه اﻟﻜﻨﺴﻴﺔ ،واﻟﻴﻬﻮدي ﺑﺎق ﻋﲆ وﺛﻨﻪ وأرزه املﻘﺪس ،وﻛﻞ ﺣﺰب ﻣﻨﻬﻢ َﻓ ِﺮحٌ ﺑﻤﺎ ﻟﺪﻳﻪ ،وﻫﺬا املﺴﻠﻢ املﺴﻜني ﻳﺴﺘﺤﻴﻞ أن ﻳﱰﻗﻰ إﻻ إذا رﻣﻰ ﺑﻘﺮآﻧﻪ وﻋﻘﻴﺪﺗﻪ وﻣﺂﺧﺬه وﻣﺘﺎرﻛﻪ وﻣﻨﺎزﻋﻪ وﻣﺸﺎرﺑﻪ وﻟﺒﺎﺳﻪ وﻓﺮاﺷﻪ وﻃﻌﺎﻣﻪ وﴍاﺑﻪ وأدﺑﻪ وﻃﺮﺑﻪ وﻏري ذﻟﻚ ،واﻧﻔﺼﻞ ﻣﻦ ﻛﻞ ﺗﺎرﻳﺨﻪ ،ﻓﺈن ﻟﻢ ﻳﻔﻌﻞ ذﻟﻚ ﻓﻼ ﺣﻆ ﻟﻪ ﻣﻦ اﻟﺮﻗﻲ؟! ﻓﻬﺬا ﻣﺎ ﻛﺎن ﻣﻦ ﴐر اﻟﺠﺎﺣﺪ اﻟﺬي ﻳﻘﺼﺪ اﻟﺴﻮء ﺑﺎﻹﺳﻼم ،وﺑﺎﻟﴩق أﺟﻤﻊ ،وﻳﺨﺪع اﻟﺴﺬج ﺑﺄﻗﺎوﻳﻠﻪ. ﻫﻮاﻣﺶ ) (1ﻟﻢ ﻳﺤﺪث اﻟﺘﺎرﻳﺦ ﻋﻦ ﻣﺴﺄﻟﺔ ﻣﻦ ﻣﺴﺎﺋﻞ إﻧﻜﻠﱰة اﻟﺪاﺧﻠﻴﺔ أﺧﺬت ﰲ اﻷﻫﻤﻴﺔ اﻟﺪور اﻟﺬي أﺧﺬﺗﻪ ﻗﻀﻴﺔ »اﻷﻓﺨﺎوﻳﺴﺘﺎ« وﻫﻲ ﻗﻀﻴﺔ ﺗﺤﻮل اﻟﺨﺒﺰ واﻟﺨﻤﺮ إﱃ ﺟﺴﺪ املﺴﻴﺢ ،وأﺻﻞ ﻫﺬه اﻟﻌﻘﻴﺪة ﻣﺎ رواه اﻹﻧﺠﻴﻞ ﻣﻦ أن اﻟﺴﻴﺪ املﺴﻴﺢ — ﻋﻠﻴﻪ اﻟﺴﻼم — ﻗﺒﻞ ﺻﻌﻮده إﱃ اﻟﺴﻤﺎء ﺗﻌﴙ ﻣﻊ ﺗﻼﻣﻴﺬه وودﻋﻬﻢ ،وﺑﻴﻨﻤﺎ ﻫﻮ ﻋﲆ املﺎﺋﺪة ﺗﻨﺎول ﻟﻘﻤﺔ ﻣﻦ اﻟﺨﺒﺰ وﻗﺎل :ﻛﻠﻮا؛ ﻫﺬا ﻫﻮ ﺟﺴﺪي .وﴍب ﺟﺮﻋﺔ ﻣﻦ اﻟﺨﻤﺮ وﻗﺎل :اﴍﺑﻮا؛ ﻫﻮ ذا دﻣﻲ. 54
ملﺎذا ﻻ ﻧﺴﻤﻲ اﻟﻴﺎﺑﺎن وأوروﺑﺎ رﺟﻌﻴﺔ ﺑﺘﺪﻳﻨﻬﻤﺎ
ﻓﺘﻜﻮﻧﺖ ﻣﻦ ﻫﺬه اﻟﻜﻠﻤﺎت ﰲ اﻟﻨﴫاﻧﻴﺔ ﻋﻘﻴﺪة ﻣﻌﻨﺎﻫﺎ أن اﻟﺨﺒﺰ واﻟﺨﻤﺮ ﻳﺴﺘﺤﻴﻼن إﱃ ﺟﺴﺪ اﻟﺮب ﺗﻤﺎﻣً ﺎ وﺣﻘﻴﻘﺔ ﻻ ﻣﺠﺎ ًزا ،وملﺎ ﻛﺎن اﻟﻘﺴﻴﺲ ﻋﻨﺪﻫﻢ ﻫﻮ ﺧﻠﻴﻔﺔ املﺴﻴﺢ ﻛﺎن ﻻ ﺑﺪ ﻟﻪ ﻛﻞ ﻳﻮم ﻋﻨﺪ اﻟﺘﻘﺪﻳﺲ ﰲ اﻟﻜﻨﻴﺴﺔ أن ﻳﺘﻨﺎول ﻟﻘﻤﺔ ﻣﻦ اﻟﺨﺒﺰ ،وﻳﴩب رﺷﻔﺔ ﻣﻦ اﻟﺨﻤﺮ ،وﻫﻮ ﻳﺘﻠﻔﻆ ﺑﻨﻔﺲ اﻟﻜﻠﻤﺎت اﻟﺘﻲ ﺗﻔﻮه ﺑﻬﺎ اﻟﺴﻴﺪ املﺴﻴﺢ — ﻋﻠﻴﻪ اﻟﺴﻼم — ﰲ أﺛﻨﺎء ﻋﺸﺎﺋﻪ ﻣﻊ اﻟﺤﻮارﻳني ،ﻓﻤﺘﻰ ﻓﻌﻞ ذﻟﻚ ﺗﺤﻮل ﻫﺬا اﻟﺨﺒﺰ وﻫﺬا اﻟﺨﻤﺮ إﱃ ﺟﺴﺪ اﻟﺮب ﺣﻘﻴﻘﺔ ﻻ ﻣﺠﺎ ًزا ،وﻟﺬﻟﻚ ﻳﻮﺿﻊ ﻫﺬا اﻟﺨﺒﺰ — وﻳﺴﻤﻮﻧﻪ اﻟﻘﺮﺑﺎن — ﰲ ﺣُ ﻖ ﺛﻤني ﻓﻮق املﺬﺑﺢ ﻣﻦ اﻟﻜﻨﻴﺴﺔ وﻳﺴﺠﺪون ﻟﻪ؛ وذﻟﻚ ﺑﺎﻋﺘﺒﺎر أن ﻫﺬا اﻟﻘﺮﺑﺎن ﻫﻮ اﻹﻟﻪ ﻧﻔﺴﻪ، وﻳﺴﻤﻮن وﺟﻮد اﻹﻟﻪ ﻓﻴﻪ »ﺑﺎﻟﺤﻀﻮر اﻟﺤﻘﻴﻘﻲ« وﺑﺎﻹﻓﺮﻧﺴﻴﺔ ،Présence réelleوﻫﺬا ﻣﻦ أﻋﻈﻢ اﻷﴎار املﻘﺪﺳﺔ ﻋﻨﺪﻫﻢ ،وإذا أﴍف املﺮﻳﺾ ﻋﲆ املﻮت ﺟﺎء اﻟﻘﺴﻴﺲ وﺗﻠﻘﻰ ﻣﻨﻪ اﻻﻋﱰاف ﺑﺬﻧﻮﺑﻪ وﻧﺎوﻟﻪ ﻫﺬا اﻟﻘﺮﺑﺎن ﻓﻘﻴﻞ :إﻧﻪ ذﻫﺐ إﱃ اﻵﺧﺮة ﻣﺘﺰودًا اﻷﴎار اﻹﻟﻬﻴﺔ. وﻗﺪ ﻛﺎﻧﺖ ﻫﺬه اﻟﻌﻘﻴﺪة ﻫﻲ ﻋﻘﻴﺪة املﺴﻴﺤﻴني ﺟﻤﻴﻌً ﺎ ،وﻻ ﺗﺰال ﻋﻘﻴﺪة أﻛﺜﺮﻫﻢ إﱃ اﻟﻴﻮم، إﻻ أﻧﻪ ﺟﺮى اﻹﺻﻼح اﻟﱪوﺗﺴﺘﺎﻧﺘﻲ ﺗﻐري اﻻﻋﺘﻘﺎد ﻋﻨﺪ أﺗﺒﺎﻋﻪ ﺑﻘﻀﻴﺔ اﻟﺤﻀﻮر اﻟﺤﻘﻴﻘﻲ وﺑﺎﺳﺘﺤﺎﻟﺔ اﻟﺨﺒﺰ واﻟﺨﻤﺮ اﻟﻠﺬﻳﻦ ﻳﻘﺪس ﻋﻠﻴﻬﻤﺎ اﻟﻘﺴﻴﺲ إﱃ ﺟﺴﺪ اﻟﺮب ودﻣﻪ ﺣﻘﻴﻘﺔ ﻻ ﻣﺠﺎ ًزا ،وﻗﺎل اﻟﱪوﺗﺴﺘﺎﻧﺘﻴﻮن :إن ﻫﺬا ﻣﺠﺎز ﻻ ﺣﻘﻴﻘﺔ ،وإﻧﻪ ﻣﺠﺮد رﻣﺰ وﺗﺬﻛﺎر ،وﻋﺪﻟﻮا ﻋﻦ وﺿﻊ اﻟﻘﺮﺑﺎن ﻓﻮق املﺬﺑﺢ واﻟﺴﺠﻮد ﻟﻪ ﺑﺎﻋﺘﺒﺎر أﻧﻪ ﻫﻮ اﻹﻟﻪ ﺑﺬاﺗﻪ ،وﺻﺎروا ﰲ ﻛﻨﺎﺋﺲ اﻟﱪوﺗﺴﺘﺎﻧﺖ ﻳﺠﻌﻠﻮن ﻫﺬا اﻟﻘﺮﺑﺎن ﰲ ﺗﺠﻮﻳﻒ ﺧﺎص ﺑﻪ ﻣﻦ اﻟﺤﺎﺋﻂ ،وﻟﻜﻦ اﻟﻜﻨﻴﺴﺔ اﻹﻧﻜﻠﻴﻜﺎﻧﻴﺔ — أي اﻟﻜﻨﻴﺴﺔ اﻟﻌﻠﻴﺎ ﰲ إﻧﻜﻠﱰة — ﻟﻢ ﻳﺘﻔﻖ رأﻳﻬﺎ ﰲ ﻗﻀﻴﺔ اﻟﻘﺮﺑﺎن ﻓﺤﺰب اﻟﻴﻤني ﻣﻨﻬﺎ ﻛﺎن ﺑﺎﻗﻴًﺎ ﻋﲆ ﻋﻘﻴﺪﺗﻪ اﻷﺻﻠﻴﺔ وﻫﻲ أن اﻟﺨﺒﺰ واﻟﺨﻤﺮ ﻳﺴﺘﺤﻴﻼن ﺑﺘﻘﺪﻳﺲ اﻟﻜﺎﻫﻦ إﱃ ﺟﺴﺪ اﻟﺮب ﺣﻘﻴﻘﺔ ﻻ ﻣﺠﺎ ًزا ،وﺣﺰب اﻟﻮﺳﻂ ﻣﻊ ﺣﺰب اﻟﻴﺴﺎر ﻛﺎﻧﺎ ﻳﻘﻮﻻن :إن ﻛﻠﻤﺎت اﻟﺴﻴﺪ املﺴﻴﺢ ﻫﺬه ﻟﻢ ﺗﻜﻦ إﻻ رﻣ ًﺰا وإﻧﻪ ﻻ ﻳﻤﻜﻦ أن ﻳﺘﺤﻮل اﻟﺨﺒﺰ واﻟﺨﻤﺮ ﺗﺤﺖ ﺗﻘﺪﻳﺲ اﻟﻜﺎﻫﻦ إﱃ ﺟﺴﺪ اﻟﺮب ودﻣﻪ ،واﻋﺘﻤﺪوا ﰲ رﻓﺾ اﻟﻌﻘﻴﺪة اﻟﻜﺎﺛﻮﻟﻴﻜﻴﺔ ﻋﲆ )ﻛﺘﺎب اﻟﺼﻼة( اﻟﺬي ﻫﻮ دﺳﺘﻮر اﻟﻜﻨﻴﺴﺔ اﻹﻧﻜﻠﻴﻜﺎﻧﻴﺔ وﻫﻮ ﻛﺘﺎب وﺿﻌﻪ ﺑﺮوﺗﺴﺘﺎﻧﺘﻴﻮ اﻹﻧﻜﻠﻴﺰ ملﺬﻫﺒﻢ ﻳﻮم اﻧﺸﻘﻮا ﻋﻦ اﻟﻜﻨﻴﺴﺔ اﻟﺮوﻣﺎﻧﻴﺔ. وملﺎ ﻛﺎﻧﺖ ﻫﺬه املﺴﺄﻟﺔ ﻣﺴﺄﻟﺔ ﺧﻼﻓﻴﺔ ﺑني أﺗﺒﺎع اﻟﻜﻨﻴﺴﺔ اﻹﻧﻜﻠﻴﻜﺎﻧﻴﺔ وﻗﺪ ﻋﻤﻞ ﻓﻴﻬﺎ ﻛﻞ ﻓﺮﻳﻖ ﺑﺮأﻳﻪ وﺧﻴﻒ ﻓﻴﻬﺎ ﻣﻦ اﻧﺸﻘﺎق ﻋﺎم أﻣﺮت اﻟﺤﻜﻮﻣﺔ اﻟﱪﻳﻄﺎﻧﻴﺔ ﺑﺘﺄﻟﻴﻒ ﻣﺠﻤﻊ ﻣﻦ اﻷﺳﺎﻗﻔﺔ ﺗﺤﺖ رﺋﺎﺳﺔ إﻣﺎﻣﻬﻢ اﻷﻛﱪ رﺋﻴﺲ أﺳﺎﻗﻔﺔ ﻛﻨﱰﺑﺮي؛ ﻷﺟﻞ اﻟﺘﺪﻗﻴﻖ ﰲ ﻫﺬه املﺸﻜﻠﺔ وﺣﻠﻬﺎ ﻋﲆ أﺣﺪ اﻟﺠﻬني ،ﻓﺎﻧﻌﻘﺪ املﺠﻤﻊ؛ وذﻟﻚ ﻣﻨﺬ أرﺑﻌني ﺳﻨﺔ ،وﻟﻢ ﻳﻮﻓﻖ إﱃ ﺣﻞ ﻳﺮﴈ اﻟﻔﺮﻳﻘني ،وأﺧريًا أﻟﺤﺖ اﻟﺤﻜﻮﻣﺔ ﻋﲆ ﻫﺆﻻء اﻷﺳﺎﻗﻔﺔ ﺑﺄن ﻳﺒﺘﻮا ﰲ اﻟﻘﻀﻴﺔ إن 55
ملﺎذا ﺗﺄﺧﺮ املﺴﻠﻤﻮن؟ وملﺎذا ﺗﻘﺪم ﻏريﻫﻢ؟
ﻟﻢ ﻳﻜﻦ ﺑﺎﻹﺟﻤﺎع ﻓﺒﺄﻛﺜﺮﻳﺔ اﻵراء ﻓﺤﻜﻤﻮا ﺑﺎﻷﻛﺜﺮﻳﺔ ،وﺧﺎﻟﻒ ﰲ اﻟﺤﻜﻢ ﺳﺘﺔ ﻣﻦ املﻄﺎرﻳﻦ؛ وذﻟﻚ ﺑﺄن اﻟﺨﺒﺰ واﻟﺨﻤﺮ ﻳﺴﺘﺤﻴﻼن ﰲ ﻗﺪاس اﻟﻜﺎﻫﻦ إﱃ ﺟﺴﺪ املﺴﻴﺢ ودﻣﻪ ،وﻋﻠﻴﻪ ﺗﺠﺐ ﻋﺒﺎدﺗﻬﻤﺎ ،واﻟﺴﺠﻮد ﻟﻬﻤﺎ ،ووﺿﻌﻬﻤﺎ ﰲ أﻋﲆ املﺬﺑﺢ ﻻ ﰲ ﻛﻮة ﺣﺎﺋﻂ اﻟﻜﻨﻴﺴﺔ، وﺑﺎﻻﺧﺘﺼﺎر رﺟﻊ أﻛﺜﺮ املﻄﺎرﻳﻦ ﰲ ﻫﺬه املﺴﺄﻟﺔ إﱃ اﻟﻌﻘﻴﺪة اﻟﺒﺎﺑﻮﻳﺔ ،وملﺎ ﻛﺎن اﻟﻘﺎﻧﻮن اﻷﺳﺎﳼ ﻟﱪﻳﻄﺎﻧﻴﺔ اﻟﻌﻈﻤﻰ ﻳﻮﺟﺐ أن ﻳﻜﻮن اﻟﻘﻮل اﻟﻔﺼﻞ ﰲ ﺟﻤﻴﻊ ﻫﺬه اﻟﻘﻀﺎﻳﺎ اﻟﺪﻳﻨﻴﺔ ملﺠﻠﺲ اﻟﻠﻮردات وملﺠﻠﺲ اﻟﻌﻤﻮم؛ ً ﻋﻤﻼ ﺑﻜﺘﺎب اﻟﺼﻼة اﻟﺬي ﻫﻮ ﻣﺮﺟﻊ اﻷﻣﺔ اﻹﻧﻜﻠﻴﺰﻳﺔ أﺣﻴﻞ ﺣﻜﻢ املﻄﺎرﻳﻦ ﻫﺬا إﱃ ﻣﺠﻠﺲ اﻟﻠﻮردات ،وﻛﺎﻧﺖ ﻟﻠﻤﻨﺎﻗﺸﺎت ﻓﻴﻪ ﺟﻠﺴﺎت ﻣﺘﻌﺪدة ﺑﻠﻐﺖ ﻣﻦ اﻫﺘﻤﺎم املﻸ ﻣﺎ ﻟﻢ ﺗﺒﻠﻐﻪ املﻨﺎﻗﺸﺎت ﰲ أﻳﺔ ﻣﺴﺄﻟﺔ. وﻗﻴﻞ :إن ﺑﻌﺾ اﻟﻠﻮردات ﻣﻤﻦ ﺑﻠﻎ ﺑﻬﻢ اﻟﻜﱪ ﻋﺘﻴٍّﺎ ﻗﺪ ﺣﻤﻠﻮا إﱃ املﺠﻠﺲ ﻋﲆ اﻷﻛﻒ؛ ﺣﺘﻰ ﻻ ﻳﻔﻮﺗﻬﻢ ﺳﻤﺎع ﻫﺬه املﻨﺎﻗﺸﺎت ،وأﺧريًا أﻳﺪ ﻣﺠﻠﺲ اﻟﻠﻮردات ﺑﺎﻷﻛﺜﺮﻳﺔ ﻗﺮار ﻣﺠﻤﻊ اﻷﺳﺎﻗﻔﺔ ،وﻟﻢ ﻳﻜﻦ ذﻟﻚ ﻛﺎﻓﻴًﺎ؛ إذ ﻛﺎن ﻻ ﺑﺪ ﻹﻣﻀﺎء اﻟﺤﻜﻢ ﻣﻦ ﻗﺮار ﻣﺠﻠﺲ اﻷﻣﺔ اﻟﺬي ﻳﻘﺎل ﻟﻪ ﻣﺠﻠﺲ اﻟﻌﻤﻮم. ﻓﻠﻤﺎ ﺟﺎءت اﻟﻘﻀﻴﺔ إﱃ ﻣﺠﻠﺲ اﻷﻣﺔ ﻧﺰع ﺑﺄﻛﺜﺮﻳﺔ أﻋﻀﺎﺋﻪ ﻋﺮق اﻟﻌﺼﺒﻴﺔ اﻟﱪوﺗﺴﺘﺎﻧﺘﻴﺔ ،وﻛﺎن ﰲ ﻣﻘﺪﻣﺘﻬﻢ ﻧﺎﻇﺮ اﻟﺪاﺧﻠﻴﺔ اﻟﱪﻳﻄﺎﻧﻴﺔ ،ﻓﻨﻘﻀﻮا ﻗﺮار ﻣﺠﻠﺲ اﻟﻠﻮردات وﺣﻜﻢ ﻣﺠﻤﻊ اﻷﺳﺎﻗﻔﺔ ،وﻗﺮروا أن اﻟﺨﺒﺰ واﻟﺨﻤﺮ ﻻ ﻳﺴﺘﺤﻴﻼن ﺑﺎﻟﺒﺪاﻫﺔ إﱃ ﺟﺴﺪ اﻟﺴﻴﺪ املﺴﻴﺢ — ﻋﻠﻴﻪ اﻟﺴﻼم — ودﻣﻪ وﺗﻮﻛﺄوا ﰲ ذﻟﻚ ﻋﲆ »ﻛﺘﺎب اﻟﺼﻼة« اﻟﺬي ﻫﻮ دﺳﺘﻮر اﻟﻜﻨﻴﺴﺔ اﻹﻧﻜﻠﻴﻜﺎﻧﻴﺔ اﻟﻮﺣﻴﺪ ،وﻟﻢ ﻳﻮاﻓﻘﻮا ﻣﺠﻤﻊ اﻷﺳﺎﻗﻔﺔ إﻻ ﻋﲆ زﻳﺎدة اﻟﻌﺒﺎرات اﻟﺘﻲ زادﻫﺎ ﰲ اﻟﺪﻋﺎء ملﻠﻚ إﻧﻜﻠﱰة ،وﻋﲆ أﺛﺮ ﻫﺬا اﻟﻘﺮار ﻣﻦ ﻣﺠﻠﺲ اﻟﻌﻤﻮم اﺳﺘﻌﻔﻲ رﺋﻴﺲ أﺳﺎﻗﻔﺔ ﻛﻨﱰﺑﺮي ﻣﻦ ﻣﻨﺼﺒﻪ. ً وإﻧﻤﺎ أﺗﻴﻨﺎ ﻋﲆ ذﻛﺮ ﻫﺬه اﻟﺤﺎدﺛﺔ اﻟﺘﻲ ﻟﻴﺴﺖ ﻣﻮﺿﻮﻋﻨﺎ ﻣﺒﺎﴍة؛ إﺛﺒﺎﺗﺎ ﻷﻣﺮﻳﻦ: أوﻟﻬﻤﺎ :اﺳﺘﻤﺴﺎك اﻷﻣﺔ اﻹﻧﻜﻠﻴﺰﻳﺔ ﺑﻤﺒﺎدﺋﻬﺎ اﻟﺪﻧﻴﻮﻳﺔ وﺷﺪة اﻫﺘﻤﺎﻣﻬﺎ ﺑﻬﺬه املﺒﺎﺣﺚ ﻣﻊ أﻧﻬﺎ ﰲ ﻃﻠﻴﻌﺔ اﻷﻣﻢ اﻟﺮاﻗﻴﺔ ﺑﻼ ﻧﺰاع ،واﻟﺜﺎﻧﻲ :ﺗﺸﺪق ﻣﻦ ﻳﻘﻮل :إن أوروﺑﺔ ﻧﺒﺬت اﻟﺪﻳﻦ ﻇﻬﺮﻳًﺎ ،وﻣﻦ ﻳﻘﻮل :إن أوروﺑﺔ ﻓﺼﻠﺖ اﻟﺪﻳﻦ ﻋﻦ اﻟﺴﻴﺎﺳﺔ ،وإن ﻫﺬا اﻟﻔﺼﻞ ﻛﺎن ﻧﺠﺎﺣﻬﺎ، وإﻧﻪ ﺣﺮي ﺑﺎملﺴﻠﻤني أن ﻳﻨﻬﺠﻮا ﻧﻬﺠﻬﺎ إن ﻛﺎﻧﻮا ﻳﺮﻳﺪون ﻷﻧﻔﺴﻬﻢ رﻗﻴٍّﺎ ﻛﺮﻗﻲ اﻷوروﺑﻴني، وﺳﻠﻄﺎﻧًﺎ ﰲ اﻷرض ﻛﺴﻠﻄﺎﻧﻬﻢ ،ﻓﺄﻳﻦ ﻓﺼﻞ اﻟﺪﻳﻦ ﻋﻦ اﻟﺴﻴﺎﺳﺔ ﻫﻨﺎ؟! وﻫﺬا »ﻛﺘﺎب اﻟﺼﻼة« ﻫﻮ اﻟﺬي اﻋﺘﻤﺪ ﻋﻠﻴﻪ ﻣﺠﻠﺲ اﻟﻌﻤﻮم ﰲ ﻧﻘﺾ ﻗﺮار ﻣﺠﻠﺲ اﻟﻠﻮردات ،وأﻳﻦ ﻓﺼﻞ اﻟﺪﻳﻦ ﻋﻦ اﻟﺴﻴﺎﺳﺔ وأﻧﺖ ﺗﺮى أن ﻣﺴﺄﻟﺔ دﻳﻨﻴﺔ ﺑﺤﺘﺔ ﺗﻄﺮح ﰲ ﻣﺠﻠﺲ اﻟﻠﻮردات وﻣﺠﻠﺲ اﻟﻨﻮاب ،وﻳﻔﺼﻼن ﻓﻴﻬﺎ ،ﻓﺈن ﻟﻢ ﺗﻜﻦ ﻫﺬه املﺴﺄﻟﺔ دﻳﻨﻴﺔ ﻓﻤﺎ 56
ملﺎذا ﻻ ﻧﺴﻤﻲ اﻟﻴﺎﺑﺎن وأوروﺑﺎ رﺟﻌﻴﺔ ﺑﺘﺪﻳﻨﻬﻤﺎ
اﻟﺪﻳﻨﻲ إذًا؟! وإن ﻟﻢ ﻳﻜﻦ ﻣﺠﻠﺴﺎ اﻟﺸﻴﻮخ واﻟﻨﻮاب ﻣﺨﺘﺼني ﺑﺎﻟﺴﻴﺎﺳﺔ ﻓﻤﺎ املﺠﺎﻟﺲ اﻟﺘﻲ ﺗﺨﺘﺺ ﺑﺎﻟﺴﻴﺎﺳﺔ ﺑﻌﺪﻫﻤﺎ؟! ﻓﻠﻴﺘﺄﻣﻞ اﻟﻘﺎرئ املﻨﺼﻒ ﻣﺪى اﻟﺘﻀﻠﻴﻞ اﻟﺬي ﻳﻘﻮم ﺑﻪ املﻀﻠﻠﻮن ﻣﻦ املﺴﻠﻤني اﻟﺠﻐﺮاﻓﻴني؛ إﻣﺎ ً ﺟﻬﻼ وﺗﻌﺎﻣﻴًﺎ ﻋﻦ اﻟﺤﻘﻴﻘﺔ ،وإﻣﺎ ﺧﺪﻣﺔ ﻟﻼﺳﺘﻌﻤﺎر اﻷوروﺑﻲ اﻟﺬي ﻟﻴﺲ ﻟﻪ ﻏﺮض أﻋﺰ ﻋﻠﻴﻪ ﻣﻦ أن ﻳﺄﺗﻲ ﻋﲆ ﺑﻨﻴﺎن اﻹﺳﻼم ﻣﻦ اﻟﻘﻮاﻋﺪ )ش(. ) (2ﻣﻦ اﻵﻳﺔ ٢٦٩ :ﻣﻦ اﻟﺒﻘﺮة.
57
ﻏﻮاﺋﻞ اﳉﺎﻣﺪﻳﻦ ﰲ اﻹﺳﻼم واﳌﺴﻠﻤﲔ
وﺑﻘﻲ ﻋﻠﻴﻨﺎ املﺴﻠﻢ اﻟﺠﺎﻣﺪ ،اﻟﺬي ﻟﻴﺲ ﺑﺄﺧﻒ ﴐ ًرا ﻣﻦ اﻟﺠﺎﺣﺪ ،وإن ﻛﺎن ﻻ ﻳﴩﻛﻪ ﰲ اﻟﺨﺒﺚ وﺳﻮء اﻟﻨﻴﺔ ،وإﻧﻤﺎ ﻳﻌﻤﻞ ﻣﺎ ﻳﻌﻤﻠﻪ ﻋﻦ ﺟﻬﻞ وﺗﻌﺼﺐ. ﻓﺎﻟﺠﺎﻣﺪ ﻫﻮ اﻟﺬي ﻣﻬﺪ ﻷﻋﺪاء املﺪﻧﻴﺔ اﻹﺳﻼﻣﻴﺔ اﻟﻄﺮﻳﻖ ملﺤﺎرﺑﺔ ﻫﺬه املﺪﻧﻴﺔ ﻣﺤﺘﺠني ﺑﺄن اﻟﺘﺄﺧﺮ اﻟﺬي ﻋﻠﻴﻪ اﻟﻌﺎﻟﻢ اﻹﺳﻼﻣﻲ إﻧﻤﺎ ﻫﻮ ﺛﻤﺮة ﺗﻌﺎﻟﻴﻤﻪ. واﻟﺠﺎﻣﺪ ﻫﻮ ﺳﺒﺐ اﻟﻔﻘﺮ اﻟﺬي اﺑﺘﲆ ﺑﻪ املﺴﻠﻤﻮن؛ ﻷﻧﻪ ﺟﻌﻞ اﻹﺳﻼم دﻳﻦ آﺧﺮة ﻓﻘﻂ، واﻟﺤﺎل أن اﻹﺳﻼم ﻫﻮ دﻳﻦ دﻧﻴﺎ وآﺧﺮة ،وإن ﻫﺬه ﻣﺰﻳﺔ ﻟﻪ ﻋﲆ ﺳﺎﺋﺮ اﻷدﻳﺎن ،ﻓﻼ ﺣﴫ ﻛﺴﺐ اﻹﻧﺴﺎن ﻓﻴﻤﺎ ﻳﻌﻮد ﻟﻠﺤﻴﺎة اﻟﺘﻲ وراء ﻫﺬه ﻛﻤﺎ ﻫﻲ دﻳﺎﻧﺎت أﻫﻞ اﻟﻬﻨﺪ واﻟﺼني، وﻻ زﻫﺪه ﰲ ﻣﺎل اﻟﺪﻧﻴﺎ وﻣﻠﻜﻬﺎ وﻣﺠﺪﻫﺎ ﻛﺘﻌﺎﻟﻴﻢ اﻹﻧﺠﻴﻞ ،وﻻ ﺣﴫ ﺳﻌﻴﻪ ﰲ أﻣﻮر ﻫﺬه املﻌﻴﺸﺔ اﻟﺪﻧﻴﻮﻳﺔ ﻛﻤﺎ ﻫﻲ ﻣﺪﻧﻴﺔ أوروﺑﺔ اﻟﺤﺎﴐة. واﻟﺠﺎﻣﺪ ﻫﻮ اﻟﺬي ﺷﻬﺮ اﻟﺤﺮب ﻋﲆ اﻟﻌﻠﻮم اﻟﻄﺒﻴﻌﻴﺔ واﻟﺮﻳﺎﺿﻴﺔ واﻟﻔﻠﺴﻔﻴﺔ وﻓﻨﻮﻧﻬﺎ وﺻﻨﺎﻋﺎﺗﻬﺎ ﺑﺤﺠﺔ أﻧﻬﺎ ﻣﻦ ﻋﻠﻮم اﻟﻜﻔﺎر ،ﻓﺤﺮم اﻹﺳﻼم ﺛﻤﺮات ﻫﺬه اﻟﻌﻠﻮم ،وأورث أﺑﻨﺎءه اﻟﻔﻘﺮ اﻟﺬي ﻫﻢ ﻓﻴﻪ ،وﻗﺺ أﺟﻨﺤﺘﻬﻢ ،ﻓﺈن اﻟﻌﻠﻮم اﻟﻄﺒﻴﻌﻴﺔ ﻫﻲ اﻟﻌﻠﻮم اﻟﺒﺎﺣﺜﺔ ﰲ اﻷرض ،واﻷرض ﻻ ﺗﺨﺮج أﻓﻼذﻫﺎ إﻻ ملﻦ ﻳﺒﺤﺚ ﻓﻴﻬﺎ 1ﻓﺈن ﻛﻨﺎ ﻃﻮل اﻟﻌﻤﺮ ﻻ ﻧﺘﻜﻠﻢ إﻻ ﻓﻴﻤﺎ ﻫﻮ ﻋﺎﺋﺪ ﻟﻶﺧﺮة ﻗﺎﻟﺖ ﻟﻨﺎ اﻷرض :اذﻫﺒﻮا ﺗﻮٍّا إﱃ اﻵﺧﺮة؛ ﻓﻠﻴﺲ ﻟﻜﻢ ﻧﺼﻴﺐ ﻣﻨﻲ. ﺛﻢ إﻧﻨﺎ ﺑﺤﴫ ﻛﻞ ﻣﺠﻬﻮداﺗﻨﺎ ﰲ ﻫﺬه اﻟﻌﻠﻮم اﻟﺪﻳﻨﻴﺔ واملﺤﺎﴐات اﻷﺧﺮوﻳﺔ ﺟﻌﻠﻨﺎ أﻧﻔﺴﻨﺎ ﺑﻤﺮﻛﺰ ﺿﻌﻴﻒ ﺑﺈزاء ﺳﺎﺋﺮ اﻷﻣﻢ اﻟﺘﻲ ﺗﻮﺟﻬﺖ إﱃ اﻷرض ،وﻫﺆﻻء ﻟﻢ ﻳﺰاﻟﻮا ﻳﻌﻠﻮن ﰲ اﻷرض وﻧﺤﻦ ﻧﻨﺤﻂ ﰲ اﻷرض ،إﱃ أن ﺻﺎر اﻷﻣﺮ ﻛﻠﻪ ﰲ ﻳﺪﻫﻢ ،وﺻﺎروا ﻳﻘﺪرون أن ً ﻓﻀﻼ ﻋﻦ أن ﻳﻤﻠﻜﻮا ﻋﻠﻴﻨﺎ دﻧﻴﺎﻧﺎ ،وﻣﻦ ﻟﻴﺴﺖ ﻟﻪ دﻧﻴﺎ ﻓﻠﻴﺲ ﻟﻪ ﻳﺄﻓﻜﻮﻧﺎ ﻋﻦ ﻧﻔﺲ دﻳﻨﻨﺎ
ملﺎذا ﺗﺄﺧﺮ املﺴﻠﻤﻮن؟ وملﺎذا ﺗﻘﺪم ﻏريﻫﻢ؟
دﻳﻦ ،وﻟﻴﺲ ﻫﺬا ﻫﻮ اﻟﺬي ﻳﺮﻳﺪه ﷲ ﺑﻨﺎ وﻫﻮ اﻟﺬي ﻗﺎل﴿ :وَﻋَ َﺪ ﷲ ُ ا ﱠﻟﺬ َ ِﻳﻦ آﻣَ ﻨُﻮا ِﻣﻨ ُﻜ ْﻢ ض﴾ اﻵﻳﺔ2 . اﻟﺼﺎﻟِﺤَ ِ وَﻋَ ِﻤﻠُﻮا ﱠ ﺎت َﻟﻴ َْﺴﺘَ ْﺨﻠ َِﻔﻨﱠﻬُ ْﻢ ِﰲ ْاﻷ َ ْر ِ ض ﺟَ ِﻤﻴﻌً ﺎ﴾3 . وﻗﺎلُ : ﴿ﻫ َﻮ ا ﱠﻟﺬِي َﺧ َﻠ َﻖ َﻟ ُﻜﻢ ﻣﱠ ﺎ ِﰲ ْاﻷ َ ْر ِ وﻗﺎلُ : ﷲ ا ﱠﻟﺘِﻲ أ َ ْﺧ َﺮجَ ﻟِﻌِ ﺒَﺎدِ ِه وَاﻟ ﱠ ﻄﻴﱢﺒ ِ ﴿ﻗ ْﻞ ﻣَ ْﻦ ﺣَ ﱠﺮ َم ِزﻳﻨ َ َﺔ ِ َﺎت ِﻣ َﻦ اﻟ ﱢﺮ ْز ِق ۚ ُﻗ ْﻞ ﻫِ َﻲ م ا ْﻟﻘِ ﻴَﺎﻣَ ِﺔ﴾4 . ِﻟ ﱠﻠﺬ َ ِﺼ ًﺔ ﻳَ ْﻮ َ ِﻳﻦ آﻣَ ﻨُﻮا ِﰲ ا ْﻟﺤَ ﻴَﺎ ِة اﻟ ﱡﺪﻧْﻴَﺎ َﺧﺎﻟ َ ﻦ اﻟ ﱡﺪﻧْﻴَﺎ﴾5 . ﻨﺲ ﻧ َ ِﺼﻴﺒَ َﻚ ِﻣ َ وﻗﺎل ﻓﻴﻤﺎ ﺣﻜﺎه وأﻗﺮه﴿ :و ََﻻ ﺗَ َ وﻋﻠﻤﻨﺎ أن ﻧﺪﻋﻮه ﺑﻘﻮﻟﻪَ ﴿ :رﺑﱠﻨَﺎ آ ِﺗﻨَﺎ ِﰲ اﻟ ﱡﺪﻧْﻴَﺎ ﺣَ َﺴﻨ َ ًﺔ و َِﰲ ْاﻵﺧِ َﺮ ِة ﺣَ َﺴﻨ َ ًﺔ﴾ … 6إﻟﺦ. واملﺴﻠﻢ اﻟﺠﺎﻣﺪ ﻻ ﻳﺪري أﻧﻪ ﺑﻬﺬا املﴩب ﻳﺴﻌﻰ ﰲ ﺑﻮار ﻣﻠﺘﻪ وﺣﻄﻬﺎ ﻋﻦ درﺟﺔ اﻷﻣﻢ اﻷﺧﺮى ،وﻻ ﻳﺘﻨﺒﻪ ﻟﴚء ﻣﻦ املﺼﺎﺋﺐ اﻟﺘﻲ ﺟﺮﻫﺎ ﻋﲆ ﻗﻮﻣﻪ إﻫﻤﺎﻟﻬﻢ اﻟﻌﻠﻮم اﻟﻜﻮﻧﻴﺔ ﺣﺘﻰ أﺻﺒﺤﻮا ﺑﻬﺬا اﻟﻔﻘﺮ اﻟﺬي ﻫﻢ ﻓﻴﻪ ،وﺻﺎروا ً ﻋﻴﺎﻻ ﻋﲆ أﻋﺪاﺋﻬﻢ اﻟﺬﻳﻦ ﻻ ﻳﺮﻗﺒﻮن ﻓﻴﻪ إﻻ وﻻ ذﻣﺔ ،ﻓﻬﻮ إذا ﻧﻈﺮ إﱃ ﻫﺬه اﻟﺤﺎﻟﺔ ﻋﻠﻠﻬﺎ ﺑﺎﻟﻘﻀﺎء واﻟﻘﺪر ﺑﺎدئ اﻟﺮأي ،وﻫﺬا ﺷﺄن ﺟﻤﻴﻊ اﻟﻜﺴﺎﱃ ﰲ اﻟﺪﻧﻴﺎ ﻳﺤﻴﻠﻮن ﻋﲆ اﻷﻗﺪار. ﻫﺬا اﻟﺨﻠﻖ ﻫﻮ اﻟﺬي ﺣﺒﺐ اﻟﻜﺴﻞ إﱃ ﻛﺜري ﻣﻦ املﺴﻠﻤني ﻓﻨﺠﻤﺖ ﻓﻴﻬﻢ ﻓﺌﺔ ﻳﻠﻘﺒﻮن »ﺑﺎﻟﺪراوﻳﺶ« ﻟﻴﺲ ﻟﻬﻢ ﺷﻐﻞ وﻻ ﻋﻤﻞ ،وﻟﻴﺲ ﰲ اﻟﻮاﻗﻊ إﻻ أﻋﻀﺎء ﻣﺸﻠﻮﻟﺔ ﰲ ﺟﺴﻢ املﺠﺘﻤﻊ اﻹﺳﻼﻣﻲ. وﻫﺬا اﻟﺨﻠﻖ ﺑﻌﻴﻨﻪ ﻫﻮ اﻟﺬي ﺟﻌﻞ اﻹﻓﺮﻧﺞ ﻳﻘﻮﻟﻮن :إن اﻹﺳﻼم ﺟﱪي ﻻ ﻳﺄﻣﺮ ﺑﺎﻟﻌﻤﻞ؛ ﻷن ﻣﺎ ﻫﻮ ﻛﺎﺋﻦ ﻫﻮ ﻛﺎﺋﻦ ،ﻋﻤﻞ املﺨﻠﻮق أم ﻟﻢ ﻳﻌﻤﻞ. آﻳﺎت اﻟﻌﻤﻞ املﺒﻄﻠﺔ ﻟﺘﻔﺴري اﻟﻘﺪر ﺑﺎﻟﺠﱪ واﻟﻜﺴﻞ وﻻ ﳾء أدل ﻋﲆ ﻓﺴﺎد ﻫﺬا اﻟﺰﻋﻢ اﻹﻓﺮﻧﺠﻲ ﻣﻦ اﻟﻘﺮآن املﻶن ﺑﺎﻟﺤﺚ ﻋﲆ اﻟﻌﻤﻞ وﺑﺎﺳﺘﻨﻬﺎض اﻟﻬﻤﻢ ،واﺑﺘﻌﺎث اﻟﻌﺰاﺋﻢ ،وﻧﻮط اﻟﺜﻮاب واﻟﻌﻘﺎب واﻟﻔﻮز واﻟﻔﺸﻞ ﺑﺎﻟﻌﻤﻞ ﺳﻮﻟُﻪُ﴾7 . اﻟﺬي ﻳﻌﻤﻠﻪ املﻜﻠﻒ ،ﻗﺎل ﷲ ﺗﻌﺎﱃ﴿ :و َُﻗ ِﻞ اﻋْ ﻤَ ﻠُﻮا َﻓ َﺴ َريَى ﷲ ُ ﻋَ ﻤَ َﻠ ُﻜ ْﻢ َو َر ُ ﻜﻢْ﴾8 . وﻗﺎل ﺗﻌﺎﱃَ ﴿ :وإِن َﻛﺬﱠﺑُﻮ َك َﻓ ُﻘﻞ ﱢﱄ ﻋَ ﻤَ ِﲇ َو َﻟ ُﻜ ْﻢ ﻋَ ﻤَ ﻠُ ُ ﻜﻢْ﴾9 . وﻗﺎل ﺗﻌﺎﱃ﴿ :و ََﺳ َريَى ﷲ ُ ﻋَ ﻤَ َﻠ ُ ﻜﻢْ﴾10 . وﻗﺎل ﺗﻌﺎﱃَ ﴿ :ﻟﻨَﺎ أَﻋْ ﻤَ ﺎﻟُﻨَﺎ َو َﻟ ُﻜ ْﻢ أَﻋْ ﻤَ ﺎﻟُ ُ وﻗﺎل ﺗﻌﺎﱃ﴿ :ﻳَﺎ أَﻳﱡﻬَ ﺎ ا ﱠﻟﺬ َ ِﻳﻦ آﻣَ ﻨُﻮا أ َ ِﻃﻴﻌُ ﻮا ﷲ َ وَأ َ ِﻃﻴﻌُ ﻮا اﻟ ﱠﺮ ُﺳﻮ َل و ََﻻ ﺗُﺒ ِْﻄﻠُﻮا ﻜﻢْ﴾11 . أَﻋْ ﻤَ ﺎ َﻟ ُ َﱰ ُﻛ ْﻢ أَﻋْ ﻤَ ﺎ َﻟ ُﻜﻢْ﴾ 12 .أي ﻻ ﻳﻨﻘﺼﻜﻢ أﻋﻤﺎﻟﻜﻢ. وﻗﺎل ﺗﻌﺎﱃَ ﴿ :وﷲ ُ ﻣَ ﻌَ ُﻜ ْﻢ َو َﻟﻦ ﻳ ِ َ 60
ﻏﻮاﺋﻞ اﻟﺠﺎﻣﺪﻳﻦ ﰲ اﻹﺳﻼم واملﺴﻠﻤني ﺷﻴْﺌًﺎ﴾13 . وﻗﺎل ﺗﻌﺎﱃَ ﴿ :وإن ﺗُ ِﻄﻴﻌُ ﻮا ﷲ َور ُﺳﻮ َﻟ ُﻪ َﻻ ﻳَﻠِﺘْ ُﻜﻢ ﻣﱢ ْﻦ أَﻋْ ﻤَ ﺎ ِﻟ ُﻜ ْﻢ َ
ِ َ َ »ﻻ ﻳﻠﺘﻜﻢ« ﻣﻦ ﻻﺗﻪ ﻳﻠﻴﺘﻪ ،أو وﻟﺘﻪ ﻳﻠﺘﻪ ﺑﻤﻌﻨﻰ ﻧﻘﺼﻪ ،أي ﻻ ﻳﺒﺨﺴﻜﻢ ﻣﻦ أﻋﻤﺎﻟﻜﻢ ﻮن﴾14 . ﺷﻴﺌًﺎ ،وﻗﺎل ﺗﻌﺎﱃ﴿ :ﻧُﻮ ﱢ َف إ ِ َﻟﻴ ِْﻬ ْﻢ أَﻋْ ﻤَ ﺎ َﻟﻬُ ْﻢ ﻓِ ﻴﻬَ ﺎ و َُﻫ ْﻢ ﻓِ ﻴﻬَ ﺎ َﻻ ﻳُﺒ َْﺨ ُﺴ َ ﻚ أَﻋْ ﻤَ ﺎ َﻟﻬُ ﻢْ﴾15 . وﻗﺎل ﻋﺰ وﺟﻞَ ﴿ :وإ ِ ﱠن ُﻛ ٍّﻼ ﱠﻟﻤﱠ ﺎ َﻟﻴُﻮ ﱢَﻓﻴَﻨﱠﻬُ ْﻢ َرﺑﱡ َ ُﻮن﴾16 . وﻗﺎل ﻋﺰ وﺟﻞَ ﴿ :وﻟِﻴُﻮ ﱢَﻓﻴَﻬُ ْﻢ أَﻋْ ﻤَ ﺎ َﻟﻬُ ْﻢ و َُﻫ ْﻢ َﻻ ﻳُ ْ ﻈ َﻠﻤ َ ﻜﻢ﴾17 . وﻗﺎل ﻋﺰ وﺟﻞ﴿ :أَﻧﱢﻲ َﻻ أ ُ ِﺿﻴ ُﻊ ﻋَ ﻤَ َﻞ ﻋَ ِﺎﻣ ٍﻞ ﻣﱢ ﻨ ُ ني﴾18 . وﻗﺎل ﻋﺰ وﺟﻞَ : ﴿ﻓﻨِﻌْ َﻢ أَﺟْ ُﺮ ا ْﻟﻌَ ِﺎﻣ ِﻠ َ ﻮن﴾19 . وﻗﺎل ﻋﺰ وﺟﻞ﴿ :ﻟ ِِﻤﺜ ْ ِﻞ َﻫ ٰـﺬَا َﻓ ْﻠﻴَﻌْ ﻤَ ِﻞ ا ْﻟﻌَ ِﺎﻣﻠُ َ اﻟﺼﺎﻟِﺢُ ﻳَﺮ َﻓﻌُ ﻪُ﴾20 . َﺼﻌَ ُﺪ ا ْﻟ َﻜ ِﻠ ُﻢ اﻟ ﱠ ﻄﻴﱢﺐُ وَا ْﻟﻌَ ﻤَ ُﻞ ﱠ وﻗﺎل ﻋﺰ وﺟﻞ﴿ :إ ِ َﻟﻴْ ِﻪ ﻳ ْ ْ ﺖ﴾21 . وﻗﺎل ﻋﺰ وﺟﻞَ ﴿ :وﺗُﻮ ﱠَﰱ ٰ ُﻛ ﱡﻞ ﻧ َ ْﻔ ٍﺲ ﻣﱠ ﺎ ﻋَ ِﻤ َﻠ ْ ﺻﺎﻟِﺤً ﺎ ﻣﱢ ﻦ ذَ َﻛ ٍﺮ أ َ ْو أُﻧﺜ َ ٰﻰ و َُﻫ َﻮ ُﻣ ْﺆ ِﻣ ٌﻦ َﻓ َﻠﻨُﺤْ ِﻴﻴَﻨ ﱠ ُﻪ ﺣَ ﻴَﺎ ًة َ وﻗﺎل ﻋﺰ وﺟﻞ﴿ :ﻣَ ْﻦ ﻋَ ِﻤ َﻞ َ ﻃﻴﱢﺒ ًَﺔ ﻮن﴾22 . ۖ َو َﻟﻨَﺠْ ِﺰﻳَﻨﱠﻬُ ْﻢ أَﺟْ َﺮ ُﻫﻢ ِﺑﺄَﺣْ َﺴ ِﻦ ﻣَ ﺎ َﻛﺎﻧُﻮا ﻳَﻌْ ﻤَ ﻠُ َ ﴬا وَﻣَ ﺎ ﻋَ ِﻤ َﻠ ْﺖ ِﻣﻦ ُﺳﻮءٍ ري ﻣﱡ ﺤْ َ ً وﻗﺎل ﻋﺰ وﺟﻞ﴿ :ﻳَ ْﻮ َم ﺗَ ِﺠ ُﺪ ُﻛ ﱡﻞ ﻧ َ ْﻔ ٍﺲ ﻣﱠ ﺎ ﻋَ ِﻤ َﻠ ْﺖ ِﻣ ْﻦ َﺧ ْ ٍ وﺑَﻴْﻨ َ ُﻪ أَﻣَ ﺪًا ﺑَﻌِ ﻴﺪًا﴾23 . ﺗَ َﻮ ﱡد َﻟ ْﻮ أ َ ﱠن ﺑَﻴْﻨَﻬَ ﺎ َ ﻮن﴾24 . وﻗﺎل ﻋﺰ وﺟﻞَ ﴿ :وو ﱢُﻓﻴ َْﺖ ُﻛ ﱡﻞ ﻧ َ ْﻔ ٍﺲ ﻣﱠ ﺎ ﻋَ ِﻤ َﻠ ْﺖ و َُﻫ َﻮ أَﻋْ َﻠ ُﻢ ِﺑﻤَ ﺎ ﻳ َْﻔﻌَ ﻠُ َ ﺎت ﻣَ ﺎ ﻋَ ِﻤﻠُﻮا﴾25 . وﻗﺎل ﻋﺰ وﺟﻞَ : ﺻﺎﺑَﻬُ ْﻢ َﺳﻴﱢﺌَ ُ ﴿ﻓﺄ َ َ ﺎﴐا﴾26 . وﻗﺎل ﺗﺒﺎرك وﺗﻌﺎﱃَ ﴿ :ووَﺟَ ﺪُوا ﻣَ ﺎ ﻋَ ِﻤﻠُﻮا ﺣَ ِ ً ﺾ ا ﱠﻟﺬِي ﻋَ ِﻤﻠُﻮا﴾27 . وﻗﺎل ﺗﺒﺎرك وﺗﻌﺎﱃِ ﴿ :ﻟﻴُﺬ َ ِﻳﻘﻬُ ﻢ ﺑَﻌْ َ ﻒ ﺑﻤَ ﺎ ﻋَ ِﻤﻠُﻮا﴾28 . ﺻﺎﻟِﺤً ﺎ َﻓﺄُو َﻟ ٰـ ِﺌ َﻚ َﻟﻬُ ْﻢ ﺟَ َﺰاءُ ﱢ وﻗﺎل ﺗﻌﺎﱃ﴿ :إ ِ ﱠﻻ ﻣَ ْﻦ آﻣَ َﻦ وَﻋَ ِﻤ َﻞ َ اﻟﻀﻌْ ِ ِ ُﻮن﴾29 . ﺎت ﻣﱢ ﻤﱠ ﺎ ﻋَ ِﻤﻠُﻮا ۖ َوﻟِﻴُﻮ ﱢَﻓﻴَﻬُ ْﻢ أَﻋْ ﻤَ ﺎ َﻟﻬُ ْﻢ و َُﻫ ْﻢ َﻻ ﻳُ ْ ﻈ َﻠﻤ َ وﻗﺎل ﺗﻌﺎﱃَ ﴿ :وﻟِ ُﻜ ﱟﻞ َد َرﺟَ ٌ َ وﻗﺎل ﺗﻌﺎﱃَ : ﴿ﻓﻤَ ﻦ ﻳَﻌْ ﻤَ ْﻞ ِﻣﺜ ْ َﻘﺎ َل ذَ ﱠر ٍة َﺧ ْريًا ﻳَ َﺮ ُه * وَﻣَ ﻦ ﻳَﻌْ ﻤَ ْﻞ ِﻣﺜ ْ َﻘﺎ َل ذَ ﱠر ٍة ﴍٍّا ﻳَﺮهُ﴾30 . َ ﻮن﴾31 . ﴿ﺳﻴُﺠْ َﺰو َْن ﻣَ ﺎ َﻛﺎﻧُﻮا ﻳَﻌْ ﻤَ ﻠُ َ وﻗﺎل ﺗﻌﺎﱃَ : ﻮن﴾32 . وﻗﺎل ﺗﻌﺎﱃ﴿ :ﺟَ َﺰاءً ِﺑﻤَ ﺎ َﻛﺎﻧُﻮا ﻳَﻌْ ﻤَ ﻠُ َ ﻮن﴾33 . وﻗﺎل ﺗﻌﺎﱃَ ﴿ :وﻳ َُﻘﻮ ُل ذُ ُ وﻗﻮا ﻣَ ﺎ ُﻛﻨﺘُ ْﻢ ﺗَﻌْ ﻤَ ﻠُ َ إﱃ ﻏري ذﻟﻚ ﻣﻤﺎ ﻻ ﻳﻜﺎد ﻳﺤﴡ ﻣﻦ اﻵﻳﺎت اﻟﺘﻲ اﻣﺘﻸ ﺑﻬﺎ اﻟﻘﺮآن ،وﻣﻨﻬﺎ ﻣﺎ ﻫﻮ ﻧﺺ ﻜﻢْ﴾34 . ﺻﺎﺑَ ُﻜﻢ ﻣﱢ ﻦ ﻣﱡ ِﺼﻴﺒَ ٍﺔ َﻓ ِﺒﻤَ ﺎ َﻛ َﺴﺒ َْﺖ أَﻳْﺪِﻳ ُ ﰲ ﻣﺴﺄﻟﺘﻨﺎ ﻫﺬه ﻛﻘﻮﻟﻪ ﺗﻌﺎﱃ﴿ :وَﻣَ ﺎ أ َ َ 61
ملﺎذا ﺗﺄﺧﺮ املﺴﻠﻤﻮن؟ وملﺎذا ﺗﻘﺪم ﻏريﻫﻢ؟
ﺻﺎﺑَﺘْ ُﻜﻢ ﻣﱡ ِﺼﻴﺒ ٌَﺔ َﻗ ْﺪ أ َ َ وﻗﻮﻟﻪ ﺗﻌﺎﱃ﴿ :أ َ َو َﻟﻤﱠ ﺎ أ َ َ ﺻﺒْﺘُﻢ ﻣﱢ ﺜ ْ َﻠﻴْﻬَ ﺎ ُﻗ ْﻠﺘُ ْﻢ أَﻧ ﱠ ٰﻰ َﻫ ٰـﺬَا ۖ ُﻗ ْﻞ ُﻫ َﻮ ِﻣ ْﻦ ﻜﻢْ﴾35 . ﻋِ ﻨ ِﺪ أ َ ُ ﻧﻔ ِﺴ ُ إن ﺻﺎﺣﺐ اﻟﺴﺆال ﻳﻌﻠﻢ ،وأﻛﺜﺮ املﺴﻠﻤني ﻻ ﻳﻌﻠﻤﻮن أن ﻫﺬه اﻵﻳﺔ ﺧﺎﻃﺐ ﷲ ﺗﻌﺎﱃ ﺑﻬﺎ أﻛﻤﻞ ﻫﺬه اﻷﻣﺔ إﻳﻤﺎﻧًﺎ وإﺳﻼﻣﺎ وﻫﻢ أﺻﺤﺎب رﺳﻮل ﷲ ﷺ؛ إذ ﺗﻌﺠﺒﻮا ﻣﻦ ﻇﻬﻮر املﴩﻛني ﻋﻠﻴﻬﻢ ﰲ ﻏﺰوة أﺣﺪ ﻓﺮد ﷲ ﻋﻠﻴﻬﻢ ﺑﺒﻴﺎن اﻟﺴﺒﺐ؛ وﻫﻮ ﻣﺨﺎﻟﻔﺘﻬﻢ أﻣﺮه ﷺ ﻟﻠﺮﻣﺎة اﻟﺬﻳﻦ ﻳﺤﻤﻮن ﻇﻬﻮر املﻘﺎﺗﻠﺔ ﺑﺄﻻ ﻳﱪﺣﻮا أﻣﺎﻛﻨﻬﻢ ﺳﻮاء ﻛﺎن اﻟﻐﻠﺐ ﻟﻠﻤﺴﻠﻤني أو ﻋﻠﻴﻬﻢ ،ﻓﻠﻤﺎ اﻧﻬﺰم املﴩﻛﻮن ﺧﺎﻟﻔﻮا اﻷﻣﺮ؛ ملﺸﺎرﻛﺔ املﻘﺎﺗﻠني ﰲ اﻟﻐﻨﻴﻤﺔ ،ﻓﻜﺮ ﻋﻠﻴﻬﻢ املﴩﻛﻮن ﺣﺘﻰ ُﺷﺞﱠ رأس اﻟﻨﺒﻲ ﷺ … إﻟﺦ. وﻛﻠﻬﺎ ﻧﺎﻃﻘﺔ ﺑﺄن اﻹﺳﻼم ﻫﻮ دﻳﻦ اﻟﻌﻤﻞ ،ﻻ دﻳﻦ اﻟﻜﺴﻞ ،وﻻ ﻫﻮ دﻳﻦ اﻻﺗﻜﺎل ﻋﲆ اﻟﻘﺪر املﺠﻬﻮل ﻟﻠﺒﴩ ،ﻛﻤﺎ ﻳﻘﻮل اﻟﺪراوﻳﺶ اﻟﺒﻄﺎﻟﻮن :رزﻗﻨﺎ ﻋﲆ ﷲ؛ ﻋﻤﻠﻨﺎ أم ﻟﻢ ﻧﻌﻤﻞ، ﻛﻤﺎ ﻳﺰﻳﻦ ﻟﻠﻨﺎس ﺑﻌﺾ ﻣﺆﻟﻔﻲ اﻹﻓﺮﻧﺞ ﻣﻦ أن دﻳﻦ اﻹﺳﻼم دﻳﻦ ﺟﻤﻮد وﺗﻔﻮﻳﺾ وﺗﺴﻠﻴﻢ، وأن ﺗﺄﺧﺮ املﺴﻠﻤني إﻧﻤﺎ ﻧﺸﺄ ﻋﻦ ذﻟﻚ ،وﻟﻮ ﻛﺎن ﰲ ﻫﺬه اﻟﺪﻋﻮى ذرة ﻣﺎ ﻣﻦ اﻟﺼﺤﺔ ملﺎ ﻧﻬﺾ اﻟﺼﺤﺎﺑﺔ — أﺧﱪ اﻟﻨﺎس ﺑﺎﻹﺳﻼم — وﻓﺘﺤﻮا ﻧﺼﻒ ﻛﺮة اﻷض ﰲ ﺧﻤﺴني ﺳﻨﺔ، وﻟﻜﻦ اﻟﺘﺴﻠﻴﻢ اﻟﺬي ﻳﺘﻜﻠﻤﻮن ﻋﻠﻴﻪ ،وﻳﻬﺮﻓﻮن ﻓﻴﻪ ﺑﻤﺎ ﻻ ﻳﻌﺮﻓﻮن ،إﻧﻤﺎ ﻫﻮ ﻣﻘﺮون ﺑﺎﻟﻌﻤﻞ وﺑﺎﻟﻜﺪح وﺑﺎﻟﺴﻌﻲ وإﻻ ﻓﻼ ﻳﺴﻤﻰ ﺗﺴﻠﻴﻤً ﺎ ﺑﻞ ﻳﺴﻤﻰ ﺟﻤﻮدًا ،وﻳﻌﺪ ﺑﻄﺎﻟﺔ وﻫﻮ ﻣﺨﺎﻟﻒ ﻟﻠﻘﺮآن واﻟﺴﻨﺔ. ً وأﻣﺎ إذا ﻛﺎن اﻟﺘﺴﻠﻴﻢ هلل ﻣﻘﺮوﻧﺎ ﺑﺎﻟﻌﻤﻞ ﻓﺈﻧﻪ أﻧﻔﻊ ﰲ اﻟﺪﻧﻴﺎ واﻵﺧﺮة؛ ﻷن إﻓﺮاط املﺮء ﰲ اﻻﻋﺘﻤﺎد ﻋﲆ ﻧﻔﺴﻪ ﻳﻮرﻃﻪ ﰲ اﻟﺒﻄﺮ إذا ﻧﺠﺢ ،وﰲ اﻟﺠﺰع إذا ﻓﺸﻞ ،واﻟﺬي ﻳﺮﻳﺪه اﻹﺳﻼم إﻧﻤﺎ ﻫﻮ أن ﻳﻌﻘﻞ اﻹﻧﺴﺎن وﻳﺘﻮﻛﻞ 36وأن ﻳﺪﺑﺮ ﻟﻨﻔﺴﻪ ﺑﻬﺪاﻳﺔ ﻋﻘﻠﻪ اﻟﺬي ﺟﻌﻠﻪ ﷲ ﻣﺮﺷﺪًا ،وﻳﻌﻠﻢ ﻣﻊ ذﻟﻚ أن ﻟﻴﺲ ﻛﻞ اﻷﻣﺮ ﺑﻴﺪه ،وإن ﻣﻦ اﻷﻗﺪار ﻣﺎ ﻻ ﺗﺪرﻛﻪ اﻷﻓﻜﺎر، وﻫﺬا ﺻﺤﻴﺢ ،وملﺎ ذﻛﺮ اﻟﻨﺒﻲ ﷺ اﻟﻘﺪر ﺳﺄﻟﻪ ﺑﻌﺾ أﺻﺤﺎﺑﻪ أﻻ ﻧﺘﻜﻞ؟ ﻓﻘﺎل :اﻋﻤﻠﻮا ﻓﻜﻞ ﻣﻴﴪ ملﺎ ﺧﻠﻖ ﻟﻪ) .رواه اﻟﺒﺨﺎري وﻣﺴﻠﻢ(. وﻣﻦ أﻏﺮب اﻟﻐﺮاﺋﺐ أن ﻫﺆﻻء اﻹﻓﺮﻧﺞ اﻟﺬﻳﻦ ﻻ ﻳﻔﺘﺌﻮن ﻳﻨﻌﺘﻮن اﻹﺳﻼم ﺑﺎﻟﺠﱪﻳﺔ وﻳﻨﺴﺒﻮن ﺗﺄﺧﺮ املﺴﻠﻤني إﱃ ﻫﺬه اﻟﻌﻘﻴﺪة — اﻟﺘﻲ ﻛﺎن ﻳﻘﻮل ﺑﻬﺎ ﻓﺌﺔ ﻗﻠﻴﻠﺔ ﻣﻦ املﺴﻠﻤني — ﻳﺬﻫﻠﻮن ﻋﻤﺎ ﻫﻮ وارد ﰲ اﻹﻧﺠﻴﻞ ﻣﻦ آﻳﺎت اﻟﻘﻀﺎء واﻟﻘﺪر اﻟﺘﻲ ﺗﻤﺎﺛﻞ ﻣﺎ ﰲ اﻟﻘﺮآن وﻗﺪ ﺗﺰﻳﺪ ﻋﻠﻴﻪ ﻣﺜﻞ ﻗﻮﻟﻪ :ﻻ ﺗﺴﻘﻂ ﺷﻌﺮة ﻣﻦ رءوﺳﻜﻢ إﻻ ﺑﺈذن أﺑﻴﻜﻢ اﻟﺴﻤﺎوي .وﻣﺜﻞ آي ﻛﺜرية ﻟﻮ أردت اﺳﺘﻘﺼﺎءﻫﺎ ﻟﻄﺎل املﻘﺎل. وﻻ ﻧﺠﺪ ﰲ اﻹﻓﺮﻧﺞ اﻟﺬﻳﻦ ﻫﻢ ﻣﻐﺮﻣﻮن ﺑﺎﻟﻌﻤﻞ وﻫﺎﺋﻤﻮن وراء اﻟﻜﺴﺐ وﻣﻨﻜﺮون ﻟﻠﻘﻀﺎء واﻟﻘﺪر ﰲ اﻟﺠﻤﻠﺔ ،إﻻ ﻣﻦ ﻳﻘﺮأ اﻹﻧﺠﻴﻞ اﻟﴩﻳﻒ وﻳﻘﺪﺳﻪ وﻳﻌﺠﺐ ﺑﻤﺒﺎدﺋﻪ اﻟﺴﺎﻣﻴﺔ 62
ﻏﻮاﺋﻞ اﻟﺠﺎﻣﺪﻳﻦ ﰲ اﻹﺳﻼم واملﺴﻠﻤني
ﻛﻤﺎ ﻧﻌﺠﺐ ﺑﻬﺎ ﻧﺤﻦ ،ﻓﻤﺎ ﺑﺎﻟﻬﻢ ﻧﺴﻮا ﻣﺎ ﻓﻴﻪ ﻣﻦ آﻳﺎت اﻟﻘﻀﺎء واﻟﻘﺪر؟ وﻣﺎ ﺑﺎﻟﻬﻢ ﻟﻢ ﻳﺼﻔﻮا أﻗﻮال املﺴﻴﺢ ﺻﻠﻮات ﷲ ﻋﻠﻴﻪ ﺑﺎﻟﺠﱪﻳﺔ؟! وﻳُﺤَ ﺮﻣُﻮﻧ َ ُﻪ ﻋَ ﺎﻣً ﺎ﴾37 . ﴿ﻳُﺤِ ﱡﻠﻮﻧ َ ُﻪ ﻋَ ﺎﻣً ﺎ َ ﱢ وﺣﻘﻴﻘﺔ اﻷﻣﺮ أن ﻛﻞ ﻣﺎ ﻫﻮ وارد ﰲ اﻹﻧﺠﻴﻞ وﻛﻞ ﻣﺎ ﻫﻮ وارد ﰲ اﻟﻘﺮآن ﻣﻦ آﻳﺎت اﻟﻘﻀﺎء واﻟﻘﺪر إﻧﻤﺎ ﻛﺎن ﻣﻘﺼﻮدًا ﺑﻪ ﺳﺒﻖ ﻋﻠﻢ ﷲ ﺑﻜﻞ ﻣﺎ ﻳﻘﻊ 38وﻟﻢ ﻳﻜﻦ ﻣﻘﺼﻮدًا ﺑﻪ ﻧﻔﻲ اﻻﺧﺘﻴﺎر واﻟﺘﺰﻫﻴﺪ ﰲ اﻟﻜﺴﺐ. وﰲ ﺣﺪﻳﺚ اﻟﻮزﻧﺘني واﻟﻮزﻧﺎت وﻏري ذﻟﻚ ﻣﻦ ﻣﻮاﻋﻆ اﻹﻧﺠﻴﻞ اﻟﴩﻳﻒ ﻣﺎ ﻳﺪل ﻋﲆ ﻣﺎ ﻋﺰاه اﻟﻘﺮآن اﻟﻜﺮﻳﻢ إﱃ ﺻﺤﻒ إﺑﺮاﻫﻴﻢ وﻣﻮﳻ؛ أي وﻏريﻫﻤﺎ ﻣﻦ رﺳﻞ ﷲ. ﺎن إ ِ ﱠﻻ ﻣَ ﺎ َﺳﻌَ ٰﻰ * وَأ َ ﱠن َﺳﻌْ ﻴَ ُﻪ َﺳﻮ َ ﴿أ َ ﱠﻻ ﺗَ ِﺰ ُر و َِاز َر ٌة ِو ْز َر أ ُ ْﺧ َﺮىٰ * وَأَن ﱠﻟﻴ َْﺲ ﻟ ْ ِِﻺ َ ْف ﻧﺴ ِ ْﰱ ٰ﴾39 . ﻳُ َﺮىٰ * ﺛ ُ ﱠﻢ ﻳُﺠْ َﺰا ُه ا ْﻟﺠَ َﺰاءَ ْاﻷَو َ ﻫﻮاﻣﺶ ) (1ﻛﺎن ﺟﺪي اﻷدﺑﻲ — رﺣﻤﻪ ﷲ ﺗﻌﺎﱃ — ﻳﻘﻮل :إن ﺟﺎر ﻋﻠﻴﻚ اﻟﺰﻣﺎن ﻓﻌﻠﻴﻚ أن ﺗﺠﻮر ﻋﲆ اﻷرض ،أي ﺗﻠﺢ وﺗﺠﺘﻬﺪ ﰲ اﺳﺘﺨﺮاج ﺧرياﺗﻬﺎ )ر(. ) (2اﻟﻨﻮر :ﻣﻦ اﻵﻳﺔ .٥٥ ) (3اﻟﺒﻘﺮة :ﻣﻦ اﻵﻳﺔ .٢٩ ) (4اﻷﻋﺮاف :ﻣﻦ اﻵﻳﺔ .٣٢ ) (5اﻟﻘﺼﺺ :ﻣﻦ اﻵﻳﺔ .٧٧ ) (6اﻟﺒﻘﺮة :ﻣﻦ اﻵﻳﺔ .٢٠١ ) (7اﻟﺘﻮﺑﺔ :ﻣﻦ اﻵﻳﺔ .١٠٥ ) (8ﻳﻮﻧﺲ :ﻣﻦ اﻵﻳﺔ .٤١ ) (9اﻟﺘﻮﺑﺔ :ﻣﻦ اﻵﻳﺔ .٩٤ ) (10اﻟﺒﻘﺮة :ﻣﻦ اﻵﻳﺔ .١٣٩ ) (11ﻣﺤﻤﺪ :ﻣﻦ اﻵﻳﺔ .٣٣ ) (12ﻣﺤﻤﺪ :ﻣﻦ اﻵﻳﺔ .٣٥ ) (13اﻟﺤﺠﺮات :ﻣﻦ اﻵﻳﺔ .١٤ ) (14ﻫﻮد :ﻣﻦ اﻵﻳﺔ .١٥ ) (15ﻫﻮد :ﻣﻦ اﻵﻳﺔ .١١١ 63
ملﺎذا ﺗﺄﺧﺮ املﺴﻠﻤﻮن؟ وملﺎذا ﺗﻘﺪم ﻏريﻫﻢ؟
) (16اﻷﺣﻘﺎف :ﻣﻦ اﻵﻳﺔ .١٩ ) (17آل ﻋﻤﺮان :ﻣﻦ اﻵﻳﺔ .١٩٥ ) (18اﻟﺰﻣﺮ :ﻣﻦ اﻵﻳﺔ .٧٤ ) (19اﻟﺼﺎﻓﺎت :ﻣﻦ اﻵﻳﺔ .٦١ ) (20ﻓﺎﻃﺮ :ﻣﻦ اﻵﻳﺔ .١٠ ) (21اﻟﻨﺤﻞ :ﻣﻦ اﻵﻳﺔ .١١١ ) (22اﻟﻨﺤﻞ.٩٧ : ) (23آل ﻋﻤﺮان.٣٠ : ) (24اﻟﺰﻣﺮ.٧٠ : ) (25اﻟﻨﺤﻞ :ﻣﻦ اﻵﻳﺔ .٣٤ ) (26اﻟﻜﻬﻒ :ﻣﻦ اﻵﻳﺔ .٥٠ ) (27اﻟﺮوم :ﻣﻦ اﻵﻳﺔ .٤١ ) (28ﺳﺒﺄ :ﻣﻦ اﻵﻳﺔ .٣٧ ) (29اﻷﺣﻘﺎف.١٩ : ) (30اﻟﺰﻟﺰال :اﻵﻳﺘﺎن .٨ ،٧ ) (31اﻷﻋﺮاف :ﻣﻦ اﻵﻳﺔ .١٧٩ ) (32اﻟﺴﺠﺪة :ﻣﻦ اﻵﻳﺔ ،١٧واﻷﺣﻘﺎف :ﻣﻦ اﻵﻳﺔ ،١٤واﻟﻮاﻗﻌﺔ :ﻣﻦ اﻵﻳﺔ .٢٤ ) (33اﻟﻌﻨﻜﺒﻮت :ﻣﻦ اﻵﻳﺔ .٥٥ ) (34اﻟﺸﻮرى :ﻣﻦ اﻵﻳﺔ .٣٠ ) (35آل ﻋﻤﺮان :ﻣﻦ اﻵﻳﺔ .١٦٥ ) (36ﰲ ﻗﻮﻟﻪ ﻳﻌﻘﻞ ﻫﻨﺎ ﺗﻮرﻳﺔ؛ ﻻﺣﺘﻤﺎﻟﻪ ﻣﻌﻨﻴني :ﻇﺎﻫﺮﻫﻤﺎ ﺗﺤﻜﻴﻢ إدراك اﻟﻌﻘﻞ ﰲ اﻷﻣﻮر ﻣﻊ اﻟﺘﻮﻛﻞ ﻋﲆ ﷲ ،واﻟﺜﺎﻧﻲ ﻋﻘﻞ اﻟﻨﺎﻗﺔ املﺮاد ﺑﻪ اﻷﺧﺬ ﺑﺎﻷﺳﺒﺎب ﻣﻊ اﻟﺘﻮﻛﻞ ﻋﲆ ﷲ؛ إذ ﻓﻴﻪ إﺷﺎرة إﱃ ﺣﺪﻳﺚ اﻷﻋﺮاﺑﻲ املﺸﻬﻮر ﺑني اﻟﻨﺎس ﺣﺘﻰ ﺻﺎر ً ﻣﺜﻼ» :اﻋﻘﻠﻬﺎ ً ﺗﻮﻛﻼ ﻋﲆ وﺗﻮﻛﻞ« وﰲ رواﻳﺔ» :ﻗﻴﺪﻫﺎ وﺗﻮﻛﻞ«؛ ﻳﻌﻨﻲ :ﻧﺎﻗﺘﻪ ،ﻓﻠﻢ ﻳﺄذن ﻟﻪ ﷺ أن ﻳﱰﻛﻬﺎ؛ ﷲ ﺗﻌﺎﱃ )ر(. ) (37اﻟﺘﻮﺑﺔ :ﻣﻦ اﻵﻳﺔ .٣٨ ) (38ﻫﺬا اﻟﺘﻔﺴري ﻗﻮل ﻟﺒﻌﺾ املﺘﻜﻠﻤني وﻫﻮ أن ﺗﻌﻠﻖ ﻋﻠﻢ ﷲ ﺑﻮﺟﻮد املﺨﻠﻮﻗﺎت ﰲ اﻷزل ﻫﻮ اﻟﻘﻀﺎء ،ووﺟﻮدﻫﺎ ﻋﲆ وﻓﻖ اﻟﻌﻠﻢ ﻫﻮ اﻟﻘﺪر ،وﻗﺎل ﺑﻌﻀﻬﻢ :إﻧﻪ ﺗﻌﻠﻖ اﻹرادة 64
ﻏﻮاﺋﻞ اﻟﺠﺎﻣﺪﻳﻦ ﰲ اﻹﺳﻼم واملﺴﻠﻤني
… إﻟﺦ ،واﻟﺘﺤﻘﻴﻖ أن اﻟﻘﺪر واملﻘﺪار ﻫﻮ اﻟﻨﻈﺎم اﻟﺬي ﺟﺮت ﺑﻪ ﺳﻨﻦ ﷲ ﺗﻌﺎﱃ ﰲ اﻟﺘﻜﻮﻳﻦ ﳾءٍ واﻟﺘﺪﺑري واﻷﺳﺒﺎب واملﺴﺒﺒﺎت ﻛﻤﺎ ﻳﻔﻬﻢ ﻣﻦ ﻧﺼﻮص اﻵﻳﺎت ﻛﻘﻮﻟﻪ ﺗﻌﺎﱃَ ﴿:وإِن ﻣﱢ ﻦ َ ْ إ ِ ﱠﻻ ﻋِ ﻨ َﺪﻧَﺎ َﺧ َﺰا ِﺋﻨ ُ ُﻪ وَﻣَ ﺎ ﻧُﻨ َ ﱢﺰﻟُ ُﻪ إ ِ ﱠﻻ ِﺑ َﻘﺪ ٍَر ﻣﱠ ﻌْ ﻠُﻮ ٍم﴾ ،وﻗﻮﻟﻪ﴿ :وَأَﻧ َﺰ ْﻟﻨَﺎ ِﻣ َﻦ ﱠ اﻟﺴﻤَ ﺎءِ ﻣَ ﺎءً ِﺑ َﻘﺪ ٍَر﴾ … اﻵﻳﺔ ،وﻗﻮﻟﻪ ﰲ ﻧﻈﺎم ﺟﻌﻞ اﻟﻨﻄﻔﺔ ﰲ اﻟﺮﺣﻢ﴿ :إ ِ َﱃ ٰ َﻗﺪ ٍَر ﻣﱠ ﻌْ ﻠُﻮ ٍم﴾ وﻗﻮﻟﻪ﴿ :ﺛ ُ ﱠﻢ ِﺟﺌْ َﺖ ﻋَ َﲆ ٰ ُﻮﳻ﴾ وﻗﺪ ﺣﻘﻘﻨﺎ املﺴﺄﻟﺔ ﰲ املﻨﺎر واﻟﺘﻔﺴري ﻣﺮا ًرا )ر(. َﻗﺪ ٍَر ﻳَﺎ ﻣ َ ٰ ) (39اﻟﻨﺠﻢ :اﻵﻳﺎت.٤١ ،٤٠ ،٣٩ ،٣٨ :
65
ﻛﻮن اﳌﺴﻠﻤﲔ اﳉﺎﻣﺪﻳﻦ ﻓﺘﻨﺔ ﻷﻋﺪاء اﻹﺳﻼم وﺣﺠﺔ ﻋﻠﻴﻪ
وﻧﻌﻮد إﱃ املﺴﻠﻢ اﻟﺠﺪﻳﺪ ﻓﻨﻘﻮل :إﻧﻪ ﻫﻮ اﻟﺬي ﻃ ّﺮق ﻷﻋﺪاء اﻹﺳﻼم ﻋﲆ اﻹﺳﻼم ،وأوﺟﺪ ﻟﻬﻢ اﻟﺴﺒﻴﻞ إﱃ اﻟﻘﺎﻟﺔ ﺑﺤﻘﻪ؛ ﺣﺘﻰ ﻗﺎﻟﻮا :إﻧﻪ دﻳﻦ ﻻ ﻳﺄﺗﻠﻒ ﻣﻊ اﻟﺮﻗﻲ اﻟﻌﴫي ،وإﻧﻪ دﻳﻦ ﺣﺎﺋﻞ دون املﺪﻧﻴﺔ. واﻟﺤﻘﻴﻘﺔ أن ﻫﺆﻻء اﻟﺠﺎﻣﺪﻳﻦ ﻫﻢ اﻟﺬﻳﻦ ﻻ ﺗﺄﺗﻠﻒ ﻋﻘﺎﺋﺪﻫﻢ ﻣﻊ املﺪﻧﻴﺔ ،وﻫﻢ اﻟﺬﻳﻦ ﻳﺤﻮﻟﻮن دون اﻟﺮﻗﻲ اﻟﻌﴫي ،واﻹﺳﻼم ﺑﺮاء ﻣﻦ ﺟﻤﺎداﺗﻬﻢ ﻫﺬه. إن اﻹﺳﻼم ﻫﻮ ﻣﻦ أﺻﻠﻪ ﺛﻮرة ﻋﲆ اﻟﻘﺪﻳﻢ اﻟﻔﺎﺳﺪ ،وﺟﺐﱞ ﻟﻠﻤﺎﴈ اﻟﻘﺒﻴﺢ ،وﻗﻄﻊ ﻛﻞ اﻟﻌﻼﺋﻖ ﻣﻊ ﻏري اﻟﺤﻘﺎﺋﻖ ،ﻓﻜﻴﻒ ﻳﻜﻮن اﻹﺳﻼم ﻣﻠﺔ اﻟﺠﻤﻮد؟ واﻟﻘﺮآن ﻫﻮ اﻟﺬي ﺟﺎء ﻓﻴﻪ ﻣﻦ ﻗﺼﺔ إﺑﺮاﻫﻴﻢ ﻋﻠﻴﻪ اﻟﺴﻼم﴿ :إِذْ َﻗﺎ َل ِﻷ َ ِﺑﻴ ِﻪ و ََﻗ ْﻮﻣ ِِﻪ ﻣَ ﺎ َﻫ ٰـ ِﺬ ِه اﻟﺘﱠﻤَ ﺎﺛِﻴ ُﻞ ا ﱠﻟﺘِﻲ أَﻧﺘُ ْﻢ ِﻳﻦ * َﻗﺎ َل َﻟ َﻘ ْﺪ ُﻛﻨﺘُ ْﻢ أَﻧﺘُ ْﻢ وَآﺑَﺎ ُؤ ُﻛ ْﻢ ِﰲ َ ﻮن * َﻗﺎﻟُﻮا وَﺟَ ْﺪﻧَﺎ آﺑَﺎءَﻧَﺎ َﻟﻬَ ﺎ ﻋَ ﺎ ِﺑﺪ َ َﻟﻬَ ﺎ ﻋَ ﺎﻛ ُِﻔ َ ﺿ َﻼ ٍل ﻣﱡ ﺒني﴾1 . ِ ٍ َ َ َ َ ْ ُ َ َ َ َ َ َ َ ني * ﻗﺎ َل َﻫ ْﻞ ﻳ َْﺴﻤَ ﻌُ ﻮﻧ ُﻜ ْﻢ إِذ ﺗﺪْﻋُ َ ﺻﻨﺎﻣً ﺎ ﻓﻨﻈ ﱡﻞ ﻟﻬَ ﺎ ﻋَ ﺎﻛِﻔِ َ وﺟﺎء ﻓﻴﻪ﴿ :ﻗﺎﻟﻮا ﻧﻌْ ﺒُ ُﺪ أ ْ ﻮن َ * أ َ ْو ﻳ َ ون * َﻗﺎﻟُﻮا ﺑَ ْﻞ وَﺟَ ْﺪﻧَﺎ آﺑَﺎءَﻧَﺎ َﻛ ٰﺬ ِﻟ َﻚ ﻳ َْﻔﻌَ ﻠُ َ َﴬ َ ﻮن * َﻗﺎ َل أ َ َﻓ َﺮأَﻳْﺘُﻢ ﻣﱠ ﺎ َﻨﻔﻌُ ﻮﻧ َ ُﻜ ْﻢ أ َ ْو ﻳ ُ ﱡ ني﴾2 . ُﻛﻨﺘُ ْﻢ ﺗَﻌْ ﺒُﺪ َ ُﻮن * َﻓ ِﺈﻧﱠﻬُ ْﻢ ﻋَ ُﺪ ﱞو ﱢﱄ إ ِ ﱠﻻ َربﱠ ا ْﻟﻌَ ﺎ َﻟ ِﻤ َ ُون * أَﻧﺘُ ْﻢ وَآﺑَﺎ ُؤ ُﻛ ُﻢ ْاﻷ َ ْﻗ َﺪﻣ َ وﺟﺎء ﻓﻴﻪ﴿ :إِﻧﱠﺎ وَﺟَ ْﺪﻧَﺎ آﺑَﺎءَﻧَﺎ ﻋَ َﲆ ٰ أُﻣﱠ ٍﺔ َوإِﻧﱠﺎ ﻋَ َﲆ ٰ آﺛ َ ِﺎرﻫِ ﻢ ﻣﱡ ْﻘﺘَﺪ َ ُون * َﻗﺎ َل أ َ َو َﻟ ْﻮ ِﺟﺌْﺘُ ُﻜﻢ ﻛﻢْ﴾3 . ِﺑﺄ َ ْﻫﺪَىٰ ِﻣﻤﱠ ﺎ وَﺟَ ﺪﺗﱡ ْﻢ ﻋَ َﻠﻴْ ِﻪ آﺑَﺎءَ ُ وﺟﺎء ﻓﻴﻪَ ﴿ :وإِذَا ﻗِ ﻴ َﻞ َﻟﻬُ ُﻢ اﺗﱠ ِﺒﻌُ ﻮا ﻣَ ﺎ أَﻧ َﺰ َل ﷲ ُ َﻗﺎﻟُﻮا ﺑَ ْﻞ ﻧَﺘﱠ ِﺒ ُﻊ ﻣَ ﺎ أ َ ْﻟ َﻔﻴْﻨَﺎ ﻋَ َﻠﻴْ ِﻪ آﺑَﺎءَﻧَﺎ ۗ ُون﴾4 . ﻮن َﺷﻴْﺌًﺎ و ََﻻ ﻳَﻬْ ﺘَﺪ َ ﺎن آﺑَﺎ ُؤ ُﻫ ْﻢ َﻻ ﻳَﻌْ ﻘِ ﻠُ َ أ َ َو َﻟ ْﻮ َﻛ َ
ملﺎذا ﺗﺄﺧﺮ املﺴﻠﻤﻮن؟ وملﺎذا ﺗﻘﺪم ﻏريﻫﻢ؟
﴿ﺳﻴ َُﻘﻮ ُل ﱡ وﺟﺎء ﻓﻴﻪَ : ﺎس ﻣَ ﺎ و ﱠَﻻ ُﻫ ْﻢ ﻋَ ﻦ ﻗِ ﺒْ َﻠﺘ ِِﻬ ُﻢ ا ﱠﻟﺘِﻲ َﻛﺎﻧُﻮا ﻋَ َﻠﻴْﻬَ ﺎ ۚ ُﻗﻞ اﻟﺴ َﻔﻬَ ﺎءُ ِﻣ َﻦ اﻟﻨ ﱠ ِ ﺴﺘَﻘِ ﻴﻢ﴾5 . ﴩ ُق وَا ْﻟﻤَ ْﻐ ِﺮبُ ۚ ﻳَﻬْ ﺪِي ﻣَ ﻦ ﻳ ََﺸﺎءُ إ ِ َﱃ ٰ ِﴏ ٍ هلل ا ْﻟﻤَ ْ ِ َاط ﻣﱡ ْ ٍ وﻏري ذﻟﻚ ﻣﻦ اﻵﻳﺎت اﻟﺪاﻋﻴﺔ إﱃ اﻟﺜﻮرة ﻋﲆ اﻟﻘﺪﻳﻢ إذا ﻟﻢ ﻳﻜﻦ ﺻﺤﻴﺤً ﺎ وﻟﻢ ﻳﻜﻦ ﺻﺎﻟﺤً ﺎ. ﻋﲆ أن اﻟﺬﻳﻦ ﻳﻔﻬﻤﻮن اﻹﺳﻼم ﺣﻖ اﻟﻔﻬﻢ ﻳﺮﺣﺒﻮن ﺑﻜﻞ ﺟﺪﻳﺪ ﻻ ﻳﻌﺎرض اﻟﻌﻘﻴﺪة، ً ﻣﺨﺎﻟﻔﺎ ﻟﻠﺪﻳﻦ املﺒﻨﻲ وﻻ ﺗﺨﴙ ﻣﻨﻪ ﻣﻔﺴﺪة ،وﻻ أﻇﻦ ﺷﻴﺌًﺎ ﻳﻔﻴﺪ املﺠﺘﻤﻊ اﻹﺳﻼﻣﻲ ﻳﻜﻮن ﻋﲆ إﺳﻌﺎد اﻟﻌﺒﺎد ،أﻓﻼ ﺗﺮى ﻋﻠﻤﺎء ﻧﺠﺪ وﻫﻢ أﺑﻌﺪ املﺴﻠﻤني ﻋﻦ اﻹﻓﺮﻧﺞ واﻟﺘﻔﺮﻧﺞ ،وأﻧﺂﻫﻢ ﻋﻦ ﻣﺮاﻛﺰ اﻻﺧﱰاﻋﺎت اﻟﻌﴫﻳﺔ ،ﻛﻴﻒ ﻛﺎن ﺟﻮاﺑﻬﻢ ﻋﻨﺪﻣﺎ اﺳﺘﻔﺘﺎﻫﻢ املﻠﻚ ﻋﺒﺪ اﻟﻌﺰﻳﺰ ﺑﻦ ﺳﻌﻮد أﻳﺪه ﷲ ﰲ ﻗﻀﻴﺔ اﻟﻼﺳﻠﻜﻲ واﻟﺘﻠﻔﻮن واﻟﺴﻴﺎرة اﻟﻜﻬﺮﺑﺎﺋﻴﺔ؟ أﺟﺎﺑﻮه :إﻧﻬﺎ ﻣﺤﺪﺛﺎت ﻧﺎﻓﻌﺔ ﻣﻔﻴﺪة ،وإﻧﻪ ﻟﻴﺲ ﰲ ﻛﺘﺎب ﷲ وﻻ ﰲ ﺳﻨﺔ رﺳﻮل ﷲ ﻻ ﺑﺎملﻨﻄﻮق وﻻ ﺑﺎملﻔﻬﻮم ﻣﺎ ﻳﻤﻨﻌﻬﺎ. أﻓﻠﻴﺲ اﻷدﻧﻰ ملﺼﻠﺤﺔ اﻷﻣﺔ أن ﺗﻘﺪر اﻟﺪوﻟﺔ ﻋﲆ ﻣﻌﺮﻓﺔ أي ﺣﺎدث ﻳﺤﺪث ﺑﻤﺠﺮد وﻗﻮﻋﻪ ﺣﺘﻰ ﺗﺘﻼﰱ أﻣﺮه؟ أﻓﻠﻴﺲ اﻷﻧﻔﻊ ﻟﻠﻤﺴﻠﻤني أن ﻳﺘﻤﻜﻦ اﻟﺤﺎج ﺑﺒﻀﻊ ﺳﺎﻋﺎت ﻣﻦ اﺟﺘﻴﺎز املﺴﺎﻓﺎت اﻟﺘﻲ ﻛﺎﻧﺖ ﺗﺄﺧﺬ أﻳﺎﻣً ﺎ وﻟﻴﺎﱄ ،ﻟﻘﺪ ﺳﺄﻟﺖ اﻟﺸﻴﺦ ﻣﺤﻤﺪ ﺑﻦ ﻋﲇ ﺑﻦ ﺗﺮﻛﻲ ﻣﻦ اﻟﻌﻠﻤﺎء اﻟﻨﺠﺪﻳني اﻟﺬﻳﻦ ﺑﻤﻜﺔ ﻋﻦ رأﻳﻪ ﰲ اﻟﺘﻠﻔﻮن واﻟﻼﺳﻠﻜﻲ ﻓﻘﺎل ﱄ :ﻫﺬه ﻣﺴﺄﻟﺔ ﻣﻔﺮوغ ﻣﻨﻬﺎ ،وأﻣﺮ ﺟﻮازﻫﺎ ﴍﻋً ﺎ ﻫﻮ ﻣﻦ اﻟﻮﺿﻮح ﺑﺤﻴﺚ ﻻ ﻳﺴﺘﺤﻖ اﻷﺧﺬ واﻟﺮد. وﻟﻢ ﺗﻜﻦ ﻣﻘﺎوﻣﺔ اﻟﺠﺪﻳﺪ ﺧﺎﺻﺔ ﺑﺠﺎﻣﺪي اﻹﺳﻼم ،ﻓﻘﺪ ﻗﺎوﻣﺖ اﻟﻜﻨﻴﺴﺔ ﰲ اﻟﻨﴫاﻧﻴﺔ ﻛﻞ ﺟﺪﻳﺪ ﺗﻘﺮﻳﺒًﺎ ﻣﻦ ﻗﻮل أو ﻋﻤﻞ ،ﺛﻢ ﻋﺎدت ﻓﻴﻤﺎ ﺑﻌﺪ ﻓﺄﺟﺎزﺗﻪ ،وملﺎ ﻗﺎل »ﻏﺎﻟﻴﻠﻪ« ﺑﺪوران اﻷرض ﻛﻔﺮﺗﻪ ،وﻻ ﻳﺰال ﻳﻮﺟﺪ إﱃ اﻟﻴﻮم ﻣﻦ أﺣﺒﺎر اﻟﻨﺼﺎرى ﻣﻦ ﻳﻜﻔﺮ ﻛﻞ ﻣﺨﺎﻟﻒ ملﺎ ﺟﺎء ﰲ اﻟﺘﻮراة ﻣﻦ ﻛﻴﻔﻴﺔ اﻟﺘﻜﻮﻳﻦ ،وﻣﻦ ﺳﻨﺘني ﺣﻮﻛﻢ أﺣﺪ املﻌﻠﻤني ﰲ ﻣﺤﺎﻛﻢ إﺣﺪى اﻟﻮﻻﻳﺎت املﺘﺤﺪة ﻟﻘﻮﻟﻪ ﺑﻨﻈﺮﻳﺔ داروﻳﻦ وﻣﻨﻊ ﻣﻦ اﻟﺘﺪرﻳﺲ ،وﻟﻜﻦ ﻫﺬا ﻻ ﻳﻤﻨﻊ ﺳري اﻟﻌﻠﻢ ﰲ ﻃﺮﻳﻘﻪ6 . ﻓﺎﻟﻨﺼﺎرى ﻋﻨﺪﻫﻢ ﺟﺎﻣﺪون ﻛﻤﺎ ﻋﻨﺪﻧﺎ ﺟﺎﻣﺪون ،واملﺴﻠﻢ اﻟﺠﺎﻣﺪ ﻳﺤﺎرب ﻛﻞ ﻋﻠﻢ ﻏري اﻟﻌﻠﻢ اﻟﺪﻳﻨﻲ اﻟﺘﻘﻠﻴﺪي اﻟﺬي أﻟﻔﻪ ،ﺣﺘﻰ إﻧﻪ ﻟﻴﺤﺎرب ﻣﻦ ﻻ ﻳﻌﺘﺪ ﰲ دﻳﻨﻪ إﻻ ﺑﺎﻟﻜﺘﺎب واﻟﺴﻨﺔ ،وﻳﻨﴗ أن اﻟﻌﻠﻮم اﻟﻄﺒﻴﻌﻴﺔ واﻟﺮﻳﺎﺿﻴﺔ واﻟﻬﻨﺪﺳﺔ وﺟﺮ اﻷﺛﻘﺎل واﻟﻔﻠﻚ واﻟﻄﺐ واﻟﻜﻴﻤﻴﺎء وﻃﺒﻘﺎت اﻷرض وﻛﻞ ﻋﻠﻢ ﻳﻔﻴﺪ اﻻﺟﺘﻤﺎع اﻟﺒﴩي ﻫﻲ ﻋﻠﻮم دﻳﻨﻴﺔ إن ﻟﻢ ﺗﻜﻦ ﻣﺒﺎﴍة ﻓﻤﻦ ﺣﻴﺚ اﻟﻨﺘﻴﺠﺔ 7 ،وﻛﻢ ﺟﺮى ﺗﺪرﻳﺲ ﻫﺬه اﻟﻌﻠﻮم ﰲ اﻷزﻫﺮ اﻷﻣﻮي واﻟﺰﻳﺘﻮﻧﺔ واﻟﻘﺮوﻳني وﻗﺮﻃﺒﺔ وﺑﻐﺪاد وﺳﻤﺮﻗﻨﺪ وﻏريﻫﺎ ﻋﻨﺪﻣﺎ ﻛﺎن ﻟﻺﺳﻼم دول ﻛﺒﺎر وأﻋﺎﻇﻢ 68
ﻛﻮن املﺴﻠﻤني اﻟﺠﺎﻣﺪﻳﻦ ﻓﺘﻨﺔ ﻷﻋﺪاء اﻹﺳﻼم وﺣﺠﺔ ﻋﻠﻴﻪ
رﺟﺎل ،وﻛﻢ ﻧﺒﻎ ﰲ اﻹﺳﻼم ﻣﻦ ﻋﻈﻤﺎء ﺟﻤﻌﻮا ﺑني اﻟﺤﻜﻤﺔ واﻟﴩﻳﻌﺔ ،وﻧﻈﻤﻮا ﺑني اﻟﺤﺪﻳﺚ واﻟﺮﻳﺎﺿﺔ ،وإن أﻛﱪ ﻓﻴﻠﺴﻮف ﻋﺮﺑﻲ اﺷﺘﻬﺮ اﺳﻤﻪ ﰲ أوروﺑﺔ ﻫﻮ اﻟﻘﺎﴈ اﺑﻦ رﺷﺪ؛ وﻗﺪ ﻛﺎن ﻣﻦ أﻛﺎﺑﺮ اﻟﻔﻘﻬﺎء. ﻫﻮاﻣﺶ ) (1اﻷﻧﺒﻴﺎء :اﻵﻳﺎت ﻣﻦ ٥٢إﱃ .٥٤ ) (2اﻟﺸﻌﺮاء :اﻵﻳﺎت ﻣﻦ ٧١إﱃ .٧٧ ) (3اﻟﺰﺧﺮف :ﻣﻦ اﻵﻳﺘني ٢٣و.٢٤ ) (4اﻟﺒﻘﺮة.١٧٠ : ) (5اﻟﺒﻘﺮة.١٤٢ : ) (6وﻗﺪ ﺗﺄﻟﻒ ﰲ إﻧﻜﻠﱰة وأﻣﺮﻳﻜﺔ ﺣﺰب دﻳﻨﻲ ﺟﺪﻳﺪ أو ﺟﻤﻌﻴﺔ ﻟﻠﺪﻋﻮة إﱃ اﻹﻳﻤﺎن ﺑﻈﻮاﻫﺮ اﻟﺘﻮراة ﰲ اﻟﺨﻠﻖ واﻟﺘﻜﻮﻳﻦ ،وﻛﻞ ﳾء ﻣﻦ ﻏري ﺗﺄوﻳﻞ )راﺟﻊ ص ٧٢٣م ٣٠ املﻨﺎر() .ر(. ) (7أي ﻣﻦ ﺑﺎب ﻗﻮل اﻟﻌﻠﻤﺎء :ﻣﺎ ﻟﻢ ﻳﺘﻢ اﻟﻮاﺟﺐ املﻄﻠﻖ إﻻ ﺑﻪ ﻓﻬﻮ واﺟﺐ .وﻗﺪ ﺑﻴﻨﺎ اﺳﺘَ َ ﰲ ﺗﻔﺴري﴿ :وَأَﻋِ ﺪﱡوا َﻟﻬُ ﻢ ﻣﱠ ﺎ ْ ﻄﻌْ ﺘُﻢ ﻣﱢ ﻦ ُﻗ ﱠﻮةٍ﴾ أن آﻻت اﻟﻘﺘﺎل اﻟﱪﻳﺔ واﻟﺒﺤﺮﻳﺔ واﻟﺠﻮﻳﺔ واﺟﺒﺔ ﺑﻨﺺ ﻫﺬه اﻵﻳﺔ؛ ﻷﻧﻬﺎ ﻣﻦ اﻟﻘﻮة املﺴﺘﻄﺎﻋﺔ ﻟﻠﻤﺴﻠﻤني ﻛﻤﺎ ﻫﻲ ﻣﺴﺘﻄﺎﻋﺔ ﻟﻐريﻫﻢ، ﻓﻠﻴﺲ وﺟﻮﺑﻬﺎ ﺑﻘﺎﻋﺪة ﻣﺎ ﻻ ﻳﺘﻢ اﻟﻮاﺟﺐ إﻻ ﺑﻪ ﻓﻬﻮ واﺟﺐ ،ﺑﻞ ﺑﻨﺺ اﻟﻘﺮآن ودﻻﻟﺔ املﻨﻄﻮق ﻣﻨﻪ ﻓﺮاﺟﻊ ﺗﻔﺴريﻫﺎ ﰲ ص ٦١ج ١٠ﻣﻦ ﺗﻔﺴري املﻨﺎر )ر(.
69
ﻣﺪﻧﻴﺔ اﻹﺳﻼم
أﻣﺎ زﻋﻢ ﻣﻦ زﻋﻢ أن اﻹﺳﻼم ﻟﻢ ﻳﺘﻤﻜﻦ ﻣﻦ ﺗﺄﺳﻴﺲ ﻣﺪﻧﻴﺔ ﺧﺎﺻﺔ واﻻﺳﺘﺪﻻل ﻋﲆ ذﻟﻚ ﺑﺤﺎﻟﺘﻪ اﻟﺤﺎﴐة ،ﻓﻬﻮ ﺧﺮاﻓﺔ ﻳﻤﻮه ﺑﻬﺎ ﺑﻌﺾ أﻋﺪاء اﻹﺳﻼم ﻣﻦ اﻟﺨﺎرج ،وﺑﻌﺾ ﺟﺎﺣﺪﻳﻪ ﻣﻦ اﻟﺪاﺧﻞ ،أﻣﺎ اﻟﻘﺴﻢ اﻷول ﻓﻸﺟﻞ أن ﻳﺼﺒﻐﻮا املﺴﻠﻤني ﺑﺎﻟﺼﺒﻐﺔ اﻷوروﺑﻴﺔ ،وأﻣﺎ اﻟﻘﺴﻢ اﻟﺜﺎﻧﻲ ﻓﻸﺟﻞ أن ﻳﺰرﻋﻮا ﰲ اﻟﻌﺎﻟﻢ اﻹﺳﻼﻣﻲ ﺑﺬور اﻹﻟﺤﺎد ،وﻧﺤﻦ ﻻ ﻧﻨﻜﺮ ﺗﺄﺛري اﻟﺪﻳﻦ ﰲ املﺪﻧﻴﺔ ،وﻟﻜﻨﻨﺎ ﻻ ﻧﺴﻠﻢ ﺑﺄﻧﻪ ﻳﺼﺢ أن ﻳﻜﻮن ﻟﻬﺎ ﻣﻴﺰاﻧًﺎ؛ وذﻟﻚ ﻷﻧﻪ ﻛﺜريًا ﻣﺎ ﻳﻀﻌﻒ ﺗﺄﺛري اﻟﺪﻳﻦ ﰲ اﻷﻣﻢ ﻓﺘﻔﻠﺖ ﻣﻦ ﻗﻴﻮده ،وﺗﻔﺴﺪ أﺧﻼﻗﻬﺎ ،وﺗﻨﻬﺎر أوﺿﺎﻋﻬﺎ ،ﻓﻴﻜﻮن ﻓﺴﺎد اﻷﺧﻼق ﻫﻮ ﻋﻠﺔ اﻟﺴﻘﻮط ،وﻻ ﻳﻜﻮن اﻟﺪﻳﻦ ﻫﻮ املﺴﺌﻮل ،وﻛﺜريًا ﻣﺎ ﺗﻄﺮأ ﻋﻮاﻣﻞ ﺧﺎرﺟﻴﺔ ﻏري ﻣﻨﺘﻈﺮة ﻓﺘﺘﻐﻠﺐ ﻋﲆ ﻣﺎ أﺛﻠﺘﻪ اﻟﴩاﺋﻊ ﻣﻦ ﺣﻀﺎرة ،وﺗﺰﻟﺰل أرﻛﺎﻧﻬﺎ ،وﻗﺪ ﺗﻬﺪﻣﻬﺎ ﻣﻦ ﺑﻮاﻧﻴﻬﺎ ،وﻻ ﻳﻜﻮن اﻟﻘﺼﻮر ﻣﻦ اﻟﴩﻳﻌﺔ ﻧﻔﺴﻬﺎ ،ﻓﺘﺄﺧﺮ املﺴﻠﻤني ﰲ اﻟﻘﺮون اﻷﺧرية ﻟﻢ ﻳﻜﻦ ﻣﻦ اﻟﴩﻳﻌﺔ؛ ﺑﻞ ﻣﻦ اﻟﺠﻬﻞ ﺑﺎﻟﴩﻳﻌﺔ ،أو ﻛﺎن ﻣﻦ ﻋﺪم إﺟﺮاء أﺣﻜﺎﻣﻬﺎ ﻛﻤﺎ ﻳﻨﺒﻐﻲ، وملﺎ ﻛﺎﻧﺖ اﻟﴩﻳﻌﺔ ﺟﺎرﻳﺔ ﻋﲆ ﺣﻘﻬﺎ ﻛﺎن اﻹﺳﻼم ﻋﻈﻴﻤً ﺎ ﻋﺰﻳ ًﺰا. وأي ﻋﻈﻤﺔ أﻋﻈﻢ ﻣﻤﺎ ﻛﺎن اﻹﺳﻼم ﰲ أﻳﺎم ﻋﻤﺮ ﺑﻦ اﻟﺨﻄﺎب ً ﻣﺜﻼ. وﻣﺪﻧﻴﺔ اﻹﺳﻼم ﻗﻀﻴﺔ ﻻ ﺗﻘﺒﻞ املﻤﺎﺣﻜﺔ؛ إذ ﻟﻴﺲ ﻣﻦ أﻣﺔ ﰲ أوروﺑﺔ ﺳﻮاء اﻷملﺎن أو اﻟﻔﺮﻧﺴﻴﺲ أو اﻹﻧﻜﻠﻴﺰ أو اﻟﻄﻠﻴﺎن … إﻟﺦ ،إﻻ وﻋﻨﺪﻫﻢ ﺗﺂﻟﻴﻒ ﻻ ﺗﺤﴡ ﰲ )ﻣﺪﻧﻴﺔ اﻹﺳﻼم( ﻓﻠﻮ ﻟﻢ ﺗﻜﻦ ﻟﻺﺳﻼم ﻣﺪﻧﻴﺔ ﺣﻘﻴﻘﻴﺔ ﺳﺎﻣﻴﺔ راﻗﻴﺔ ﻣﻄﺒﻮﻋﺔ ﺑﻄﺎﺑﻌﻪ ،ﻣﺒﻨﻴﺔ ﻋﲆ ﻛﺘﺎﺑﻪ وﺳﻨﺘﻪ ،ﻣﺎ ﻛﺎن ﻋﻠﻤﺎء أوروﺑﺔ ﺣﺘﻰ اﻟﺬﻳﻦ ﻋﺮﻓﻮا ﻣﻨﻬﻢ ﺑﺎﻟﺘﺤﺎﻣﻞ ﻋﲆ اﻹﺳﻼم ﻳﻜﺜﺮون ﻣﻦ ذﻛﺮ املﺪﻧﻴﺔ اﻹﺳﻼﻣﻴﺔ ،وﻣﻦ ﴎد ﺗﻮارﻳﺨﻬﺎ 1 ،وﻣﻦ املﻘﺎﺑﻠﺔ ﺑﻴﻨﻬﺎ وﺑني ﻏريﻫﺎ ﻣﻦ املﺪﻧﻴﺎت، وﻣﻦ ﺗﺒﻴني اﻟﺨﺼﺎﺋﺺ اﻟﺘﻲ اﻧﻔﺮدت ﺑﻬﺎ. ﻓﺎملﺪﻧﻴﺔ اﻹﺳﻼﻣﻴﺔ ﻫﻲ ﻣﻦ املﺪﻧﻴﺎت اﻟﺸﻬرية اﻟﺘﻲ ﻳﺰدان ﺑﻬﺎ اﻟﺘﺎرﻳﺦ اﻟﻌﺎم ،واﻟﺘﻲ ﺗﻐﺺ ﺳﺠﻼﺗﻪ اﻟﺨﺎﻟﺪة ﺑﻤﺂﺛﺮﻫﺎ اﻟﺒﺎﻫﺮة.
ملﺎذا ﺗﺄﺧﺮ املﺴﻠﻤﻮن؟ وملﺎذا ﺗﻘﺪم ﻏريﻫﻢ؟
وﻗﺪ ﺑﻠﻐﺖ ﺑﻐﺪاد ﰲ دور املﻨﺼﻮر واﻟﺮﺷﻴﺪ واملﺄﻣﻮن ﻣﻦ اﺣﺘﻔﺎل اﻟﻌﻤﺎرة ،واﺳﺘﺒﺤﺎر اﻟﺤﻀﺎرة ،وﺗﻨﺎﻫﻲ اﻟﱰف واﻟﺜﺮوة ،ﻣﺎ ﻟﻢ ﺗﺒﻠﻐﻪ ﻣﺪﻳﻨﺔ ﻗﺒﻠﻬﺎ وﻻ ﺑﻌﺪﻫﺎ إﱃ ﻫﺬا اﻟﻌﴫ، ﺣﺘﻰ ﻛﺎن أﻫﻠﻬﺎ ﻳﺒﻠﻐﻮن ﻣﻠﻴﻮﻧني وﻧﺼﻒ ﻣﻠﻴﻮن ﻣﻦ اﻟﺴﻜﺎن ،وﻛﺎﻧﺖ اﻟﺒﴫة ﰲ اﻟﺪرﺟﺔ اﻟﺜﺎﻧﻴﺔ ﻋﻨﻬﺎ ،وﻛﺎن أﻫﻠﻬﺎ ﻧﺤﻮ ﻧﺼﻒ ﻣﻠﻴﻮن. وﻛﺎﻧﺖ دﻣﺸﻖ واﻟﻘﺎﻫﺮة وﺣﻠﺐ وﺳﻤﺮﻗﻨﺪ وأﺻﻔﻬﺎن وﺣﻮاﴐ أﺧﺮى ﻛﺜرية ﻣﻦ ﺑﻼد اﻹﺳﻼم أﻣﺜﻠﺔ ﺗﺎﻣﺔ وأﻗﻴﺴﺔ ﺑﻌﻴﺪة ﰲ اﺳﺘﺒﺤﺎر اﻟﻌﻤﺮان ،وﺗﻄﺎول اﻟﺒﻨﻴﺎن ورﻓﺎﻫﺔ اﻟﺴﻜﺎن، واﻧﺘﺸﺎر اﻟﻌﻠﻢ واﻟﻌﺮﻓﺎن ،وﺗﺄﺛﻞ اﻟﻔﻨﻮن املﺘﻬﺪﻟﺔ اﻷﻓﻨﺎن. وﻛﺎﻧﺖ اﻟﻘريوان وﻓﺎس وﺗﻠﻤﺴﺎن وﻣﺮاﻛﺶ ﰲ املﻐﺮب أﻋﻈﻢ وأﻋﲆ ﻣﻦ أن ﻳﻄﺎوﻟﻬﺎ ﻣﻄﺎول ،أو ﻳﻨﺎﻇﺮﻫﺎ ﻣﻨﺎﻇﺮ ،أو أن ﻳﻜﺎﺛﺮﻫﺎ ﻣﻜﺎﺛﺮ ﰲ ﻣﻤﺎﻟﻚ أوروﺑﺔ ﺣﺘﻰ ﻫﺬه اﻟﻘﺮون اﻷﺧرية. وﻛﺎﻧﺖ ﻗﺮﻃﺒﺔ ﻣﺪﻳﻨﺔ ﻓﺬة ﰲ أوروﺑﺔ ﻻ ﻳﺪاﻧﻴﻬﺎ ﻣﺪان ،وﻛﺎن ﻋﺪد ﺳﻜﺎﻧﻬﺎ ﻧﺤﻮ ﻣﻠﻴﻮن وﻧﺼﻒ ﻣﻠﻴﻮن ﻧﺴﻤﺔ ،وﻛﺎن ﻓﻴﻪ ﻧﺤﻮ ﺳﺒﻊ ﻣﺌﺔ ﺟﺎﻣﻊ ،ﻋﺪا املﺴﺠﺪ اﻷﻋﻈﻢ اﻟﺬي ملﺎ زرﺗﻪ ﰲ ﻫﺬا اﻟﺼﻴﻒ ﻗﺎل ﱄ املﻬﻨﺪس اﻟﺬي ﻛﺎن ﻣﻌﻲ ﻣﻦ ﻗﺒﻞ اﻟﺤﻜﻮﻣﺔ اﻹﺳﺒﺎﻧﻴﻮﻟﻴﺔ :إﻧﻪ ﻳﺴﻊ ﺑﺤﺴﺐ ﻣﺴﺎﺣﺘﻪ ﺧﻤﺴني أﻟﻒ ﻣﺼ ﱟﻞ ﰲ اﻟﺪاﺧﻞ و ٣٠أﻟﻒ ﻣﺼ ﱟﻞ ﰲ اﻟﺼﺤﻦ ،ﻓﺠﻤﻠﺔ ﻣﻦ ﻳﺴﻌﻬﻢ ﻫﺬا املﺴﺠﺪ اﻟﻌﺠﻴﺐ ﺛﻤﺎﻧﻮن ً أﻟﻔﺎ ﻣﻦ املﺼﻠني. وملﺎ ذﻫﺒﻨﺎ إﱃ آﺛﺎر ﻗﴫ اﻟﺰﻫﺮاء رأﻳﻨﺎﻫﺎ آﺛﺎر ﻣﺪﻳﻨﺔ ﻻ آﺛﺎر ﻗﴫ واﺣﺪ ،وﻋﻠﻤﻨﺎ أﻧﻬﺎ ً ﺗﻤﺘﺪ ﻋﲆ ﻣﺴﺎﻓﺔ ﺗﺴﻊ ﻣﺌﺔ ﻣﱰ ً ﻋﺮﺿﺎ ،واﻹﺳﺒﺎﻧﻴﻮن ﻳﻘﻮﻟﻮن :ﻣﺪﻳﻨﺔ ﻃﻮﻻ ﰲ ﺛﻤﺎن ﻣﺌﺔ ﻣﱰ اﻟﺰﻫﺮاء. وﻗﺎل ﱄ املﻬﻨﺪﺳﻮن املﻮﻛﻠﻮن ﺑﺎﻟﺤﻔﺮ ﻋﲆ آﺛﺎرﻫﺎ :إﻧﻬﻢ ﻳﺮﺟﻮن اﻹﺗﻴﺎن ﻋﲆ ﻛﺸﻔﻬﺎ ﻛﻠﻬﺎ ﻣﻦ اﻵن إﱃ ﺧﻤﺴني ﺳﻨﺔ. وﺣﺴﺒﻚ أن ﻏﺮﻧﺎﻃﺔ اﻟﺘﻲ ﻛﺎﻧﺖ ﺣﺎﴐة؛ ﻛﺎﻧﺖ ﻣﻤﻠﻜﺔ ﺻﻐرية ﰲ آﺧﺮ أﻣﺮ املﺴﻠﻤني ﺑﺎﻷﻧﺪﻟﺲ ،ﻟﻢ ﻳﻜﻦ ﰲ أوروﺑﺔ ﰲ اﻟﻘﺮن اﻟﺨﺎﻣﺲ ﻋﴩ املﺴﻴﺤﻲ ﺑﻠﺪة ﺗﻀﺎﻫﻴﻬﺎ وﻻ ﺗﺪاﻧﻴﻬﺎ، وﻛﺎن ﻓﻴﻬﺎ ﻋﻨﺪﻣﺎ ﺳﻘﻄﺖ ﰲ أﻳﺪي اﻹﺳﺒﺎﻧﻴﻮل ﻧﺼﻒ ﻣﻠﻴﻮن ﻧﺴﻤﺔ ،وﻟﻢ ﺗﻜﻦ وﻗﺘﺌﺬ ﻋﺎﺻﻤﺔ ﻣﻦ ﻋﻮاﺻﻢ أوروﺑﺔ ﺗﺤﺘﻮي ﻧﺼﻒ ﻫﺬا اﻟﻌﺪد ،وﺣﻤﺮاء ﻏﺮﻧﺎﻃﺔ ﻻ ﺗﺰال ﻳﺘﻴﻤﺔ اﻟﺪﻫﺮ إﱃ اﻟﻴﻮم. ﻫﺬه ملﺤﺔ داﻟﺔ ﻣﻦ ﻣﺂﺛﺮ ﺣﻀﺎرة اﻹﺳﻼم وﻏﺮر أﻳﺎﻣﻪ ،وإﻻ ﻓﻠﻮ اﺳﺘﻘﺼﻴﻨﺎ ﻛﻞ ﻣﺎ أﺛﺮ املﺴﻠﻤﻮن ﰲ اﻷرض ﻣﻦ راﺋﻊ وﺑﺪﻳﻊ ﻟﻢ ﺗﺴﻊ ذﻟﻚ اﻟﺠﻠﻮد اﻟﻜﺜرية املﺮﺻﻮﻓﺔ ً ﻃﺒﻘﺎ ﻓﻮق ﻃﺒﻖ. 72
ﻣﺪﻧﻴﺔ اﻹﺳﻼم
وﻛﻢ ﺣﺮر املﺆرﺧﻮن اﻷوروﺑﻴﻮن ﺗﺤﺖ ﻋﻨﻮان )ﻣﺪﻧﻴﺔ اﻹﺳﻼم( ﻛﺘﺒًﺎ ﻗﻴﻤﺔ وﻣﺠﺎﻣﻴﻊ ً ﺗﺤﺎﻣﻼ ﻋﲆ اﻹﺳﻼم ﻻ ﻳﺘﻌﺪى أن ﻳﺤﺎول ﺻﻮر ﺗﺄﺧﺬ ﺑﺎﻷﺑﺼﺎر ،وإن أﺷﺪ ﻣﺆرﺧﻲ اﻹﻓﺮﻧﺞ اﻟﺘﺼﻐري ﻣﻦ ﺷﺄن ﻣﺪﻧﻴﺘﻪ ،وأن ﻳﻨﻜﺮ ﻛﻮﻧﻪ أﺑﺎ ﻋﺬرﺗﻬﺎ ،ﻓﻘﺼﺎرى ﻫﺬه اﻟﻔﺌﺔ أن ﻳﻨﻜﺮوا ﻛﻮن املﺴﻠﻤني ﻗﺪ اﺑﺘﻜﺮوا ﻋﻠﻮﻣً ﺎ وﺳﺒﻘﻮا إﱃ ﻧﻈﺮﻳﺎت ﺻﺎرت ﺧﺎﺻﺔ ﺑﻬﻢ ،وﻏﺎﻳﺘﻬﻢ أن ﻳﻘﻮﻟﻮا :إن املﺴﻠﻤني ﻟﻢ ﻳﺰﻳﺪوا ﻋﲆ أن ﻧﻘﻠﻮا وأذاﻋﻮا وﻛﺎﻧﻮا واﺳﻄﺔ ﺑني املﴩق واملﻐﺮب. َ وﺣﻘﺎﺋﻖ وﻫﺬا اﻟﻘﻮل ﻣﺮدود ﻋﻨﺪ املﺤﻘﻘني اﻟﺬﻳﻦ ﻳﻌﺮﻓﻮن ﻟﻠﻤﺴﻠﻤني ﻋﻠﻮﻣً ﺎ اﺑﺘﻜﺮوﻫﺎ، ً ﻓﻀﻼ ﻋﻤﺎ زادوا ﻋﻠﻴﻪ وأﻛﻤﻠﻮه ،وﻣﺎ ﻧﴩوه وﻧﻘﻠﻮه ،وﻣﻦ ﻛﺸﻔﻮﻫﺎ ،وآراءً ﺳﺒﻘﻮا إﻟﻴﻬﺎ، ﱠ َ اﺳﱰﻗﻪ ،ﻓﻘﺪ اﺳﺘﺤﻘﻪ. اﺳﱰق ﺷﻴﺌًﺎ وﻗﺪ وﺑﻌﺪ؛ ﻓﻠﻢ ﻧﻌﻠﻢ ﻣﺪﻧﻴﺔ واﺣﺪة ﻣﻦ ﻣﺪﻧﻴﺎت اﻷرض إﻻ وﻫﻲ رﺷﺢ ﻣﺪﻧﻴﺎت ﺳﺎﺑﻘﺔ، وآﺛﺎر آراء اﺷﱰﻛﺖ ﺑﻬﺎ ﺳﻼﺋﻞ اﻟﺒﴩﻳﺔ ،وﻣﺠﻤﻮع ﻧﺘﺎﺋﺞ ﻋﻘﻮل ﻣﺨﺘﻠﻔﺔ اﻷﺻﻮل ،وﻣﺤﺼﻮل ﺛﻤﺮات أﻟﺒﺎب ﻣﺘﺒﺎﻳﻨﺔ اﻷﺟﻨﺎس. ﻫﻮاﻣﺶ ) (1وﻗﺪ أﻟﻒ ﻋﺼﺒﺔ ﻣﻦ اﻷوروﺑﻴني املﺴﺘﴩﻗني ﻣﻌﻠﻤﺔ اﺳﻤﻬﺎ »إﻧﺴﻴﻜﻠﻮﺑﻴﺪﻳﺔ اﻹﺳﻼم« وﺗﺤﺎﻣﻞ ﻓﻴﻬﺎ ﺑﻌﻀﻬﻢ ﻋﲆ اﻹﺳﻼم وﺑﺨﺴﻮه ﻣﻦ أﺷﻴﺎﺋﻪ ،وﻟﻜﻨﻬﻢ ﻟﻢ ﻳﻘﺪروا أن ﻳﺠﺤﺪوا اﻧﻔﺮاده ﺑﻤﺪﻧﻴﺔ ﺧﺎﺻﺔ ﺑﻪ.
73
اﻟﺮد ﻋﲆ ﺣﺴﺎد اﳌﺪﻧﻴﺔ اﻹﺳﻼﻣﻴﺔ اﳌﻜﺎﺑﺮﻳﻦ
أﻳﻨﴗ ﱠ ﺣﺴﺎد اﻹﺳﻼم واملﻜﺎﺑﺮون ﰲ ﻋﻈﻤﺔ ﻓﻀﻠﻪ ،اﻟﺰاﻋﻤﻮن أﻧﻪ ﻧﻘﻞ وﺗﻌﻠﻢ وﻗﻠﺪ واﻗﺘﺪى، وأﻧﻪ إﻧﻤﺎ ﺻﲆ وراء ﻏريه — أن اﻟﻐﺮب ﻛﺎن ﻏﻠﺐ ﻋﲆ اﻟﴩق ،وأن املﺪﻧﻴﺔ اﻟﴩﻗﻴﺔ ﻳﻮم ﻇﻬﺮ اﻹﺳﻼم ﻛﺎن أﺧﻨﻰ ﻋﻠﻴﻬﺎ اﻟﺬي أﺧﻨﻰ ﻋﲆ ﻟﺒﺪ ،وأﻧﻪ ﻫﻮ اﻟﺬي ﺟﺪدﻫﺎ وأﺣﻴﺎ آﺛﺎرﻫﺎ، وأﻗﺎل ﻋﺜﺎرﻫﺎ؟! وأﻧﻬﺎ ﺑﻌﺪ أن ﻛﺎﻧﺖ ﻗﺪ اﻣﱠ ﺤﺖ وﻟﺤﻘﺖ ﺑﺎﻟﻐﺎﺑﺮﻳﻦ ،أﺑﺮزﻫﺎ ﻣﻦ أﺻﺪاﻓﻬﺎ، وﺟﻼﻫﺎ ﻣﻦ ﺑﻌﺪ أن ﻛﺎﻧﺖ ﻣﻠﻔﻮﻓﺔ ﺑﻐﻼﻓﻬﺎ ،وﻧﴩﻫﺎ إﱃ اﻟﺨﺎﻓﻘني ،وﺑ ﱠﻠﺠﻬﺎ ﻛﻔﻠﻖ اﻟﺼﺒﺢ ﻟﻜﻞ ذي ﻋﻴﻨني ،وأﺿﻔﻰ ﻋﻠﻴﻬﺎ ﻟﺒﺎس اﻹﺳﻼم اﻟﺨﺎص ،ودﺑﺠﻬﺎ ﺑﺪﻳﺒﺎﺟﺔ اﻟﻘﺮآن ،اﻟﺘﻲ ﻟﻢ ﺗﻔﺎرﻗﻬﺎ ﰲ ﴍق وﻻ ﻏﺮب ،وﻻ ﺳﻬﻞ وﻻ ﻏﺮ ،ﺣﺘﻰ ﺣﻤﻞ ذﻟﻚ ﻛﺜريًا ﻣﻦ ﻋﻠﻤﺎء اﻹﻓﺮﻧﺞ ﻣﻤﻦ ﻟﻢ ﻳﻌﻤﻪ اﻟﻬﻮى ،وﻟﻢ ﻳﺤﺪ ﰲ اﻟﺘﺤﻘﻴﻖ ﻋﻦ ﻣﻬﻴﻊ اﻟﻬﺪى ،ﻋﲆ أن اﻋﱰﻓﻮا ﺑﺄن ﻣﺪﻧﻴﺔ اﻹﺳﻼم ً ﻧﺴﺨﺎ وﻻ ً ﻧﻘﻼ ،وإﻧﻤﺎ ﻫﻲ ﻗﺪ ﻧﺒﻌﺖ ﻣﻦ اﻟﻘﺮآن ،وﺗﻔﺠﺮت ﻣﻦ ﻋﻘﻴﺪة اﻟﺘﻮﺣﻴﺪ؟! ﻟﻢ ﺗﻜﻦ ﻓﺄﻣﺎ ﻣﺎ ﺗﺮﺟﻤﺘﻪ ﺣﻀﺎرة اﻹﺳﻼم ﻣﻦ ﻛﺘﺐ ،وﻣﺎ أﺧﺬﺗﻪ ﻋﻦ ﻏريﻫﺎ ﻣﻦ ﻋﻠﻮم ،وﻣﺎ أﻓﺎدﺗﻪ ﰲ ﻓﺘﻮﺣﺎﺗﻬﺎ ﻣﻦ ﻣﻨﺎزع ﺟﻤﻴﻠﺔ ،وﻃﺮاﺋﻖ ﺳﺪﻳﺪة ،أﺧﺬﺗﻬﺎ ﻋﻦ ﻏريﻫﺎ ﻓﻼ ﻳﻘﺪح ذﻟﻚ ﰲ ﺑﻜﺎرﺗﻬﺎ اﻹﺳﻼﻣﻴﺔ ،وﻣﺴﺤﺘﻬﺎ اﻟﻌﺮﺑﻴﺔ؛ ﻷن ﻫﺬا ﺷﺄن اﻟﺤﻀﺎرة اﻟﺒﴩﻳﺔ ﺑﺄﺟﻤﻌﻬﺎ أن ﻳﺄﺧﺬ ﺑﻌﻀﻬﺎ ﻋﻦ ﺑﻌﺾ وﻳﻜﻤﻞ ﺑﻌﻀﻬﺎ ً ﺑﻌﻀﺎ ،ﻓﺎﻟﺤﻠﻢ اﻟﺤﻘﻴﻘﻲ ﻳﻨﺤﴫ ﰲ ﻫﺬا اﻟﺤﺪﻳﺚ اﻟﴩﻳﻒ» :اﻟﺤﻜﻤﺔ ﺿﺎﻟﺔ املﺆﻣﻦ ﻳﻨﺸﺪﻫﺎ وﻟﻮ ﰲ اﻟﺼني« 1وﻫﺬه ﻣﻦ أﻗﺪس ﻗﻮاﻋﺪ اﻹﺳﻼم. وﻋﲆ ﻛﻞ ﺣﺎل ﻻ ﻳﻘﺪر ﻣﻜﺎﺑ ٌﺮ أن ﻳﻜﺎﺑ َﺮ أن اﻹﺳﻼم ﻛﺎن ﻟﻪ دور ﻋﻈﻴﻢ ﰲ اﻟﺪﻧﻴﺎ ﺳﻮاء ﰲ اﻟﻔﺘﻮﺣﺎت اﻟﺮوﺣﻴﺔ ،أو اﻟﻌﻘﻠﻴﺔ ،أو املﺎدﻳﺔ ،وأن ﻫﺬه اﻟﻔﺘﻮﺣﺎت ﻗﺪ اﺗﺴﻘﺖ ﻟﻪ ﰲ دور ﻻ ﻳﺰﻳﺪ ﻋﲆ ﺛﻤﺎﻧني ﺳﻨﺔ؛ ﻣﻤﺎ أﺟﻤﻊ اﻟﻨﺎس ﻋﲆ أﻧﻪ ﻟﻢ ﻳﺘﺴﻖ ﻷﻣﺔ ﻗﺒﻠﻪ ً أﺻﻼ. وﻛﺎن ﻧﺎﺑﻠﻴﻮن اﻷول ﻟﺸﺪة دﻫﺸﺘﻪ ﻣﻦ ﺗﺎرﻳﺦ اﻹﺳﻼم ﻳﻘﻮل ﰲ ﺟﺰﻳﺮة ﺳﻨﺖ ﻫﻴﻼﻧﺔ: إن اﻟﻌﺮب ﻓﺘﺤﻮا اﻟﺪﻧﻴﺎ ﰲ ﻧﺼﻒ ﻗﺮن ﻻ ﻏري.
ملﺎذا ﺗﺄﺧﺮ املﺴﻠﻤﻮن؟ وملﺎذا ﺗﻘﺪم ﻏريﻫﻢ؟
وﺗﺄﻣﻞ أﻳﻬﺎ اﻟﻘﺎرئ ﰲ أن ﻗﺎﺋﻞ ﻫﺬا اﻟﻘﻮل ﻫﻮ ﺑﻮﻧﺎﺑﺮت اﻟﺬي ﻟﻢ ﺗﻜﻦ ﺗﻤﻸ ﻋﻴﻨﻴﻪ اﻟﻔﺘﻮﺣﺎت ﻣﻬﻤﺎ ﻛﺎﻧﺖ ﻋﻈﻴﻤﺔ. َوﺗَﻌْ ﻈ ُﻢ ﻓِ ﻲ ﻋَ ﻴْ ِﻦ اﻟ ﱠ ﺼﻐِ ﻴ ِﺮ ِﺻ َﻐﺎ ُر َﻫﺎ
ﺼﻐ ُﺮ ﻓِ ﻲ ﻋَ ﻴْ ِﻦ اﻟﻌَ ِﻈﻴ ِﻢ اﻟﻌَ َ َوﺗَ ْ ﻈﺎ ِﺋ ُﻢ
ﻓﻬﺬا رﺟﻞ ﻋﻈﻴﻢ ﺟﺪٍّا اﺳﺘﻌﻈﻢ ﺣﺎدث اﻟﻌﺮب اﻟﺬي ﻟﻢ ﻳﺴﺒﻖ ﻧﻈريه ﰲ اﻟﺘﺎرﻳﺦ، وﻗﺪ ﺑﻘﻲ دور اﻟﻌﺮب ﻫﻮ اﻷول ﰲ وﻗﺘﻪ ،وﻟﺒﺜﻮا وﻫﻢ املﺴﻴﻄﺮون ﰲ اﻷرض ،ﻻ ﻳﻀﺎرﻋﻬﻢ ﻣﻀﺎرع ،وﻻ ﻳﻐﺎﻟﺒﻬﻢ ﻣﻐﺎﻟﺐ ،ﻣﺪة ﺛﻼﺛﺔ ﻗﺮون أو أرﺑﻌﺔ ،ﺛﻢ أﺧﺬوا ﺑﺎﻻﻧﺤﻄﺎط ،وﺟﻌﻠﺖ ﻇﻼﻟﻬﻢ ﺗﺘﻘﻠﺺ ﻋﻦ اﻟﺒﻠﺪان اﻟﺘﻲ ﻛﺎﻧﻮا ﻏﻠﺒﻮا ﻋﻠﻴﻬﺎ ﺷﻴﺌًﺎ ﻓﺸﻴﺌًﺎ؛ وذﻟﻚ ﺑﻔﺘﻮر اﻟﻬﻤﻢ، ودﺑﻴﺐ اﻟﻔﺴﺎد إﱃ اﻷﺧﻼق ،وﻧﺒﺬ ﻋﺰاﺋﻢ اﻟﺪﻳﻦ ،واﺗﺒﺎع ﺷﻬﻮات اﻷﻧﻔﺲ ،وأﺷﺪ ﻣﺎ اﺑﺘﻠﻮا ﺑﻪ اﻟﺘﻨﺎﻓﺲ ﻋﲆ اﻹﻣﺎرات واﻟﺮﺋﺎﺳﺎت — وﻻ ﺳﻴﻤﺎ ﺑني اﻟﻘﻴﺴﻴﺔ واﻟﻴﻤﺎﻧﻴﺔ — ﻣﻤﺎ ﻟﻮﻻه ﻟﺪاﻧﺖ ﻟﻬﻢ اﻟﻘﺎرة اﻷوروﺑﻴﺔ ﺑﺄﺟﻤﻌﻬﺎ ،وﻛﺎﻧﺖ اﻵن ﻋﺮﺑﻴﺔ ﻛﻤﺎ ﻫﻮ املﻐﺮب. ﻓﺎملﺼﺎﺋﺐ اﻟﺘﻲ ﺣﻠﺖ ﺑﺎملﺴﻠﻤني إﻧﻤﺎ ﻫﻲ ﻣﻤﺎ ﺻﻨﻌﺘﻪ أﻳﺪﻳﻬﻢ ،وﻣﻤﺎ ﺣﺎدوا ﺑﻪ ﻋﻦ اﻟﻨﻬﺞ اﻟﺴﻮي اﻟﺬي أوﺿﺤﻪ ﻟﻬﻢ اﻟﻘﺮآن اﻟﺬي ملﺎ ﻛﺎﻧﻮا ﻋﺎﻣﻠني ﺑﻤﺤﻜﻢ آﻳﻪ ﻋﻠﻮا وﻇﻬﺮوا وﻛﺎﻧﺖ ﻟﻬﻢ اﻟﺪول واﻟﻄﻮاﺋﻞ ،ﻓﻠﻤﺎ ﺿﻌﻒ ﻋﻤﻠﻬﻢ ﺑﻪ وﺻﺎروا ﻳﻘﺮءوﻧﻪ ﺑﺪون ﻋﻤﻞ ،واﻧﻘﺎدوا إﱃ أﻫﻮاء أﻧﻔﺴﻬﻢ ﻣﻦ دوﻧﻪ ،ذﻫﺒﺖ رﻳﺤﻬﻢ ،ووﱃ اﻟﺴﻠﻄﺎن اﻷﻛﱪ اﻟﺬي ﻛﺎن ﻟﻬﻢ ،واﻧﺘﻘﺼﺖ اﻷﻋﺪاء أﻃﺮاف ﺑﻼدﻫﻢ ،ﺛﻢ ﻗﺼﺪوا إﱃ أوﺳﺎﻃﻬﺎ وﻣﺎ زال اﻷﻋﺪاء ﻳﻔﺘﺤﻮن ﻣﻦ ﺑﻠﺪان اﻹﺳﻼم ﺣﺘﻰ أﺻﺒﺢ ﺛﻼث ﻣﺌﺔ ﻣﻠﻴﻮن ﻣﺴﻠﻢ ﺗﺤﺖ وﻻﻳﺔ اﻷﺟﺎﻧﺐ وﻟﻢ َ ﻳﺒﻖ ﰲ اﻟﻌﺎﻟﻢ ﺳﻮى ٧٠أو ٨٠ﻣﻠﻴﻮن ﻣﺴﻠﻢ ﻧﻘﺪر أن ﻧﻘﻮل :إﻧﻬﻢ ﺗﺤﺖ وﻻﻳﺔ أﻧﻔﺴﻬﻢ. وﻟﻨﴬب اﻵن ﺑﻌﺾ أﻣﺜﻠﺔ ﻋﻦ اﻷﻣﻢ اﻷﺧﺮى ﻷﺟﻞ املﻘﺎﺑﻠﺔ ﺑﻴﻨﻨﺎ وﺑﻴﻨﻬﻢ؛ إذ ﻛﺎﻧﺖ »ﺑﻀﺪﻫﺎ ﺗﺘﺒني اﻷﺷﻴﺎء«. اﻟﻴﻮﻧﺎن واﻟﺮوﻣﺎن ﻗﺒﻞ اﻟﻨﴫاﻧﻴﺔ وﺑﻌﺪﻫﺎ ﻛﺎن اﻟﻴﻮﻧﺎﻧﻴﻮن ﻗﺒﻞ اﻟﻨﴫاﻧﻴﺔ أرﻗﻰ أﻣﻢ اﻷرض أو ﻣﻦ أرﻗﻰ أﻣﻢ اﻷرض ،وﻛﺎﻧﻮا واﺿﻌﻲ أﺳﺲ اﻟﻔﻠﺴﻔﺔ ،وﺣﺎﻣﲇ أﻟﻮﻳﺔ اﻵداب واملﻌﺎرف ،وﻧﺒﻎ ﻣﻨﻬﻢ ﻣﻦ ﻻ ﻳﺰاﻟﻮن ﻣﺼﺎﺑﻴﺢ اﻟﺒﴩﻳﺔ ﰲ اﻟﻌﻠﻢ واﻟﻔﻠﺴﻔﺔ إﱃ ﻳﻮم اﻟﻨﺎس ﻫﺬا. وﻛﺎن اﻹﺳﻜﻨﺪر املﻘﺪوﻧﻲ أﻋﻈﻢ ﻓﺎﺗﺢ ﻋﺮﻓﻪ اﻟﺘﺎرﻳﺦ أو ﻣﻦ أﻋﻈﻢ اﻟﻔﺎﺗﺤني اﻟﺬﻳﻦ ً ﺣﺎﻣﻼ ﻟﻸدب اﻟﻴﻮﻧﺎﻧﻲ ،ﻧﺎﴍًا ﻟﺜﻘﺎﻓﺔ اﻟﻴﻮﻧﺎن ﺑني اﻷﻣﻢ اﻟﺘﻲ ﻏﻠﺐ ﻋﻠﻴﻬﺎ، ﻋﺮﻓﻬﻢ اﻟﺘﺎرﻳﺦ، 76
اﻟﺮد ﻋﲆ ﺣﺴﺎد املﺪﻧﻴﺔ اﻹﺳﻼﻣﻴﺔ املﻜﺎﺑﺮﻳﻦ
وﻣﺎ ﻛﺎﻧﺖ دوﻟﺔ اﻟﺒﻄﺎﻟﺴﺔ اﻟﺘﻲ ملﻌﺖ ﰲ اﻹﺳﻜﻨﺪرﻳﺔ ﺑﻌﻠﻮﻣﻬﺎ وﻓﻠﺴﻔﺘﻬﺎ إﻻ ﻣﻦ ﺑﻘﺎﻳﺎ ﻓﺘﻮح اﻹﺳﻜﻨﺪر ،ﺛﻢ ﻟﻢ ﺗﺰل ﻫﺬه اﻟﺤﺎﻟﺔ إﱃ أن ﺗﻨﴫت اﻟﻴﻮﻧﺎن ﺑﻌﺪ ﻇﻬﻮر اﻟﺪﻳﻦ املﺴﻴﺤﻲ ﺑﻘﻠﻴﻞ، ﻓﻤﺬ داﻧﺖ ﻫﺬه اﻷﻣﺔ ﺑﺎﻟﺪﻳﻦ اﻟﺠﺪﻳﺪ ﺑﺪأت ﺑﺎﻟﱰدي واﻻﻧﺤﻄﺎط وﻓﻘﺪ ﻣﺰاﻳﺎﻫﺎ اﻟﻘﺪﻳﻤﺔ ،وﻟﻢ ﺗﺰل ﺗﻨﺤﻂ ﻗﺮﻧًﺎ ﻋﻦ ﻗﺮن ،وﺗﺘﺪﻫﻮر ﺑﻄﻨًﺎ ﻋﻦ ﺑﻄﻦ ،إﱃ أن ﺻﺎرت ﺑﻼد اﻟﻴﻮﻧﺎن وﻻﻳﺔ ﻣﻦ ﺟﻤﻠﺔ وﻻﻳﺎت اﻟﺴﻠﻄﻨﺔ اﻟﻌﺜﻤﺎﻧﻴﺔ ،وﻟﻢ ﺗﻌﺪ إﱃ ﳾء ﻣﻦ اﻟﻨﻬﻮض واﻟﺮﻗﻲ إﻻ ﰲ اﻟﻘﺮن املﺎﴈ ،وأﻳﻦ ﻫﻲ ﻣﻊ ذﻟﻚ اﻵن ﻣﻤﺎ ﻛﺎﻧﺖ ﻗﺒﻞ اﻟﻨﴫاﻧﻴﺔ؟ أﻓﻴﺠﺐ أن ﻧﻘﻮل :إن اﻟﻨﴫاﻧﻴﺔ ﻛﺎﻧﺖ املﺴﺌﻮﻟﺔ ﻋﻦ اﻧﺤﻄﺎط اﻟﻴﻮﻧﺎن ﻫﺬا؟! إن اﻟﻘﺎﺋﻠني ﺑﺄن اﻹﺳﻼم ﻗﺪ ﻛﺎن ﺳﺒﺐ اﻧﺤﻄﺎط اﻷﻣﻢ اﻟﺪاﺋﻨﺔ ﺑﻪ ﻻ ﻣﻔﺮ ﻟﻬﻢ ﻣﻦ اﻟﻘﻮل ﺑﺄن اﻟﻨﴫاﻧﻴﺔ ﻗﺪ أدت ً أﻳﻀﺎ إﱃ اﻧﺤﻄﺎط اﻟﻴﻮﻧﺎن اﻟﺘﻲ ﻛﺎﻧﺖ ﻣﻦ ﻗﺒﻠﻬﺎ ﻋﻨﻮان اﻟﺮﻗﻲ. ﺛﻢ ﻛﺎﻧﺖ روﻣﻴﺔ ﰲ ﻋﴫﻫﺎ اﻟﺪوﻟﺔ اﻟﻌﻈﻤﻰ اﻟﺘﻲ ﻻ ﻳﺬﻛﺮ ﻣﻌﻬﺎ دوﻟﺔ ،وﻻ ﻳﺆﺑﻪ ﰲ ﺟﺎﻧﺐ ﺻﻮﻟﺘﻬﺎ ﻟﺼﻮﻟﺔ ،وﻟﻢ ﺗﺰل ﻫﻜﺬا ﻫﻲ املﺴﻴﻄﺮة ﻋﲆ املﻌﻤﻮر إﱃ أن ﺗﻨﴫت ﻟﻌﻬﺪ ﻗﺴﻄﻨﻄني ،ﻓﻤﻨﺬ ذﻟﻚ اﻟﻌﻬﺪ ﺑﺪأت ﺑﺎﻻﻧﺤﻄﺎط ﻣﺎدة وﻣﻌﻨﻰ ،إﱃ أن اﻧﻘﺮﺿﺖ ً أوﻻ ﻣﻦ اﻟﻐﺮب ،وﺛﺎﻧﻴًﺎ ﻣﻦ اﻟﴩق ،وﻟﻢ ﺗﺴﱰﺟﻊ روﻣﻴﺔ ﺑﻌﺪ اﻧﻘﺮاض اﻟﺪوﻟﺔ اﻟﺮوﻣﺎﻧﻴﺔ ﺷﻴﺌًﺎ ﻣﻦ ﻣﻜﺎﻧﺘﻬﺎ اﻷوﱃ ،وﺑﻘﻴﺖ ﻋﲆ ذﻟﻚ ﻣﺪة ١٥ﻗﺮﻧًﺎ ﺣﺘﻰ اﺳﺘﺄﻧﻔﺖ ﺷﻴﺌًﺎ ﻣﻦ ﻣﺠﺪﻫﺎ اﻟﻐﺎﺑﺮ. وﻣﺎ ﻫﻲ إﱃ ﻫﺬه اﻟﺴﺎﻋﺔ ﺑﺒﺎﻟﻐﺔ ذﻟﻚ اﻟﺸﺄو اﻟﺬي ﺑﻠﻐﺘﻪ أﻳﺎم اﻟﻮﺛﻨﻴﺔ. أﻓﻨﺠﻌﻞ ﺗﻨﴫ اﻟﺮوﻣﺎن ﻫﻮ اﻟﻌﺎﻣﻞ ﰲ اﻧﺤﻄﺎط روﻣﺔ وﺗﺪﺣﺮﺟﻬﺎ ﻋﻦ ﻗﻤﺔ ﺗﻠﻚ اﻟﻌﻈﻤﺔ اﻟﺸﺎﻫﻘﺔ؟! ﻟﻘﺪ ﻗﺎل ﺑﻬﺬا ﻋﻠﻤﺎء ﻛﺜريون ،ﻛﻤﺎ ﻗﺎل آﺧﺮون ﻣﺜﻞ ﻫﺬه املﻘﺎﻟﺔ ﰲ اﻹﺳﻼم ،وﻛﻼ اﻟﻔﺮﻳﻘني ﺟﺎﺋﺮ ﺣﺎﺋﺪ ﻋﻦ اﻟﺼﻮاب. ﻓﺈن ﻟﺴﻘﻮط اﻟﺮوﻣﺎن ﺑﻌﺪ ﻓﺸﻮ اﻟﺪﻳﻦ املﺴﻴﺤﻲ ﻓﻴﻬﻢ ،وﻟﺴﻘﻮط اﻟﻴﻮﻧﺎن ﻣﻦ ﻗﺒﻠﻬﻢ ﺑﻌﺪ أن ﺗﻘﺒﻠﻮا دﻋﻮة ﺑﻮﻟﺲ إﱃ اﻟﻨﴫاﻧﻴﺔ أﺳﺒﺎﺑًﺎ وﻋﻮاﻣ َﻞ ﻛﺜري ًة ﻣﻦ ﻓﺴﺎد اﻷﺧﻼق، واﻧﺤﻄﺎط اﻟﻬﻤﻢ ،واﻧﺘﺸﺎر اﻟﺨﻨﺎ واﻟﺨﻼﻋﺔ ،وﺷﻴﻮع اﻹﻟﺤﺎد واﻹﺑﺎﺣﺔ ،وﻣﻦ ﻫِ َﺮ ِم اﻟﺪول اﻟﺬي ﻳﺘﻜﻠﻢ ﻋﻨﻪ اﺑﻦ ﺧﻠﺪون ،وﻏري ذﻟﻚ ﻣﻦ أﺳﺒﺎب اﻟﺴﻘﻮط اﻟﺪاﺧﻠﻴﺔ؛ ﻣﻨﻀﻤﺔ إﻟﻴﻬﺎ ﻏﺎرات اﻟﱪاﺑﺮة ﻣﻦ اﻟﺨﺎرج ،ﻓﻜﺎﻧﺖ ﺛﻤﺔ أﺳﺒﺎب ﻗﺎﴎة ﻣﺆدﻳﺔ إﱃ اﻟﺴﻘﻮط اﻟﺬي ﻛﺎن ﻻ ﺑﺪ ﻣﻨﻪ، ﻓﻠﻮ ﻓﺮﺿﻨﺎ أن اﻟﻨﴫاﻧﻴﺔ ﻟﻢ ﺗﻜﻦ ﺟﺎءت وﻗﺘﺌﺬ ﻟﻢ ﻳﻜﻦ اﻟﺮوﻣﺎن وﻻ اﻟﻴﻮﻧﺎن ﻧﺠﻮا ﻣﻦ ﻋﻮاﻗﺐ ﺗﻠﻚ اﻟﺤﻮادث ،وﻻ ﺗﺨﻄﺘﻬﻢ ﻧﺘﺎﺋﺞ ﺗﻠﻚ اﻷﺳﺒﺎب. ﻓﺪﻋﻮى ﺑﻌﺾ املﺆرﺧني اﻷوروﺑﻴني أن ﺗﻐﻠﺐ املﺴﻴﺤﻴﺔ ﻋﲆ اﻟﻴﻮﻧﺎن واﻟﺮوﻣﺎن أﺧﻨﻰ ﻋﲆ ﻋﻈﻤﺘﻬﺎ ،وذﻫﺐ ﺑﻤﺪﻳﻨﺘﻬﺎ ،ﻟﻴﺲ ﻓﻴﻪ ﻣﻦ اﻟﺼﺤﻴﺢ إﻻ ﻛﻮن اﻷوﺿﺎع اﻟﺠﺪﻳﺪة ﺗﺬﻫﺐ ﺑﺎﻷوﺿﺎع اﻟﻘﺪﻳﻤﺔ؛ ﺳﻨﺔ ﷲ ﰲ ﺧﻠﻘﻪ ،وأﻧﻪ ﰲ ﻫﻴﻌﺔ ﻫﺬا اﻟﺘﺤﻮل ﻻ ﺑﺪ ﻣﻦ اﺿﻄﺮاب 77
ملﺎذا ﺗﺄﺧﺮ املﺴﻠﻤﻮن؟ وملﺎذا ﺗﻘﺪم ﻏريﻫﻢ؟
اﻷﺣﻮال واﻧﺤﻼل اﻟﻘﻮاﻋﺪ واﺳﺘﺤﻜﺎم اﻟﻔﻮﴇ ،وإﻻ ﻓﻼ أﺣﺪ ﻳﻘﺪر أن ﻳﻘﻮل :إن اﻟﻮﺛﻨﻴﺔ أﺻﻠﺢ ﻟﻠﻌﻤﺮان ﻣﻦ اﻟﻨﴫاﻧﻴﺔ2 . وﻫﺬه اﻟﺪﻋﻮى ﻛﺎدت ﺗﻜﻮن أﺷﺒﻪ ﺑﺪﻋﻮى أﻋﺪاء اﻹﺳﻼم اﻟﺬﻳﻦ ﻳﺰﻋﻤﻮن أن اﻟﴩق ﻛﺎن راﺋﻌً ﺎ ﰲ ﺑﺤﺎﺑﺢ اﻟﻌﻤﺮان ،ﻓﺠﺎء اﻹﺳﻼم وﻃﻤﺲ املﺪﻧﻴﺎت اﻟﴩﻗﻴﺔ اﻟﻘﺪﻳﻤﺔ! ﻟﻮﻻ أن اﻟﺤﻘﻴﻘﺔ ﻫﻲ ﻛﻤﺎ ﻗﺪﻣﻨﺎ أن املﺪﻧﻴﺎت اﻟﴩﻗﻴﺔ ﻛﺎﻧﺖ ﻛﻠﻬﺎ ﻗﺪ اﻧﻘﺮﺿﺖ أو اﻧﺤﻄﺖ ﻗﺒﻞ ﻇﻬﻮر اﻹﺳﻼم ﺑﻜﺜري ،وأن اﻹﺳﻼم وﺣﺪه ﻻ ﻏريه ﻫﻮ اﻟﺬي ﺟﺪد ﻣﺪﻧﻴﺔ اﻟﴩق اﻟﺪارﺳﺔ، واﺳﺘﺄﻧﻒ ﺻﻮﻟﺘﻪ اﻟﺬاﻫﺒﺔ اﻟﻄﺎﻣﺴﺔ ،وﺑﻌﺚ ﺗﻠﻚ اﻟﺤﻮاﴐ اﻟﻌﻈﻤﻰ اﻟﺰاﺧﺮة ﺑﺎﻟﺒﴩ ﻛﺒﻐﺪاد واﻟﺒﴫة وﺳﻤﺮﻗﻨﺪ وﺑﺨﺎرى ودﻣﺸﻖ واﻟﻘﺎﻫﺮة واﻟﻘريوان وﻗﺮﻃﺒﺔ وﻫﻠﻢ ﺟ ّﺮا ،ﻓﺈن ﻛﺎﻧﺖ ﻗﺪ ﺑﻘﻴﺖ ﻟﻠﴩق آﺛﺎر ﻣﺪﻧﻴﺎت ﻗﺪﻳﻤﺔ ﻓﺈن اﻹﺳﻼم ﻫﻮ اﻟﺬي وﻃﺪ ﺑﻮاﻧﻴﻬﺎ ،وﻃﺮز ﺣﻮاﺷﻴﻬﺎ، وﺣﻤﻞ اﻟﺴﻴﻒ ﺑﻴﺪ واﻟﻘﻠﻢ ﺑﻴﺪ إﱃ أﺑﻌﺪ ﻣﺎ ﺗﺼﻮره اﻟﻌﻘﻞ ﻣﻦ ﺣﺪود اﻷﻗﻄﺎر اﻟﺘﻲ ﻟﻢ ﻳﺴﺒﻖ ﻟﴩﻗﻲ أن ﻳﻄﺄﻫﺎ ﺑﻘﺪﻣﻪ. ﻓﺈذا ﻛﺎن اﻹﻓﺮﻧﺞ اﻟﺼﻠﻴﺒﻴﻮن ﻣﻦ اﻟﻐﺮب ،وﻛﺎن املﻐﻮل أوﻟﺌﻚ اﻟﺠﺮاد املﻨﺘﴩ ﻣﻦ اﻟﴩق ،ﻗﺪ دﻣﺮوا ﻣﺎ ﺑﻨﻰ اﻹﺳﻼم ﰲ ﺗﻠﻚ املﻤﺎﻟﻚ ،وﻧﺴﻔﻮا ﻋﻤﺮان ﻫﺎﺗﻴﻚ اﻟﺤﻮاﴐ ،وﻛﺎﻧﺖ ﻣﻨﺎﻓﺴﺎت ﻣﻠﻮك اﻹﺳﻼم اﻟﺪاﺧﻠﻴﺔ ﻟﻠﺸﻬﻮات ،وإﻣﻌﺎﻧﻬﻢ ﰲ اﻟﻀﻼﻻت ،وﻣﺤﻴﺪﻫﻢ ﻋﻦ ﺟﺎدة اﻟﻘﺮآن اﻟﻘﻮﻳﻤﺔ ،وﻓﻘﺪﻫﻢ ﻣﺎ ﻳﺰرﻋﻪ ﰲ اﻟﺼﺪور ﻣﻦ اﻷﺧﻼق اﻟﻌﻈﻴﻤﺔ ،وﻗﺪ ﻗﻀﺖ ﰲ اﻟﺪاﺧﻞ ،ﻋﲆ ﻣﺎ ﻋﺠﺰ ﻋﻦ ﺗﻌﻔﻴﺘﻪ اﻟﻌﺪو ﻣﻦ اﻟﺨﺎرج ،ﻓﻠﻴﺲ اﻟﺬي ﰲ ﻫﺬا اﻟﺘﻘﻠﺺ ذﻧﺐ اﻹﺳﻼم ،وﻻ اﻟﺘﺒﻌﺔ ﰲ ﻫﺬا اﻻﻧﻘﻼب ﻋﺎﺋﺪة ﻋﲆ اﻟﻘﺮآن ،وإﻧﻤﺎ اﻟﺬﻧﺐ ﻫﻮ ذﻧﺐ اﻟﻬﻤﺞ ﻣﻦ اﻹﻓﺮﻧﺞ ،وﺟﻨﺎﻳﺔ ذﻟﻚ اﻟﺠﺮاد اﻟﺰﺣﺎف ﻣﻦ املﻐﻮل ،وإﻧﻤﺎ ﻫﻲ ﺗﺒﻌﺔ املﺴﻠﻤني اﻟﺬﻳﻦ رﻏﺒﻮا ﻋﻦ أواﻣﺮ ﻛﺘﺎﺑﻬﻢ واﺷﱰوا ﺑﺂﻳﺎﺗﻪ ﺛﻤﻨًﺎ ً ﻗﻠﻴﻼ ،إﻻ اﻟﻨﺎدر ﻣﻨﻬﻢ. ً وأﻳﻀﺎ ﻓﻘﺪ ﺗﻨﴫت اﻷﻣﻢ اﻷوروﺑﻴﺔ ﰲ اﻟﻘﺮن اﻟﺜﺎﻟﺚ واﻟﺮاﺑﻊ واﻟﺨﺎﻣﺲ واﻟﺴﺎدس ﻣﻦ ﻣﻴﻼد املﺴﻴﺢ ،وﺑﻘﻴﺖ أﻣﻢ ﰲ ﴍﻗﻲ أوروﺑﺔ إﱃ اﻟﻘﺮن اﻟﻌﺎﴍ ﺣﺘﻰ ﺗﻨﴫت ،وﻟﻢ ﺗﻨﻬﺾ أوروﺑﺔ ﻧﻬﻀﺘﻬﺎ اﻟﺤﺎﻟﻴﺔ اﻟﺘﻲ ﻣﻜﻨﺘﻬﺎ ﺗﺪرﻳﺠً ﺎ ﻣﻦ ﻫﺬه اﻟﺴﻴﺎدة اﻟﻌﻈﻤﺔ ﺑﻘﻮة اﻟﻌﻠﻢ واﻟﻔﻦ إﻻ ﻣﻦ ﻧﺤﻮ أرﺑﻊ ﻣﺌﺔ ﺳﻨﺔ أي ﻣﻦ ﺑﻌﺪ أن داﻧﺖ ﺑﺎﻹﻧﺠﻴﻞ ﺑﺄﻟﻒ ﺳﻨﺔ ،وﻣﻨﻬﺎ ﺑﻌﺪ أن داﻧﺖ ﺑﻪ ﺑﺴﺒﻌﻤﺎﻳﺔ ﺳﻨﺔ ،وﻣﻨﻬﺎ ﺑﺜﻤﺎن ﻣﺌﺔ ﺳﻨﺔ … ،إﻟﺦ. وﻫﺬه ﻫﻲ اﻟﻘﺮون املﺴﻤﺎة ﰲ اﻟﺘﺎرﻳﺦ ﺑﺎﻟﻘﺮون اﻟﻮﺳﻄﻰ ،وﻻ ﻧﻘﻮل :إن اﻷوروﺑﻴني ﻛﺎﻧﻮا ﰲ ﻫﺬه اﻟﻘﺮون ﺑﺄﺟﻤﻌﻬﻢ ﻫﺎﺋﻤني ﰲ ﻇﻠﻤﺎت ﺑﻌﻀﻬﻢ ﻓﻮق ﺑﻌﺾ ،ﺑﻞ ﻧﻘﻮل :إن اﻟﻌﺮب ﻛﺎﻧﻮا أﻋﲆ ﻛﻌﺒًﺎ ﻣﻨﻬﻢ ﺑﻜﺜري ﰲ املﺪﻧﻴﺔ ﺑﺈﻗﺮار ﻣﺆرﺧﻴﻬﻢ ،وﺑﺮﻏﻢ أﻧﻒ ﻟﻮﻳﺲ ﺑﺮﺗﺮان وأﴐاﺑﻪ. 78
اﻟﺮد ﻋﲆ ﺣﺴﺎد املﺪﻧﻴﺔ اﻹﺳﻼﻣﻴﺔ املﻜﺎﺑﺮﻳﻦ
وﻣﻦ اﻟﻜﺘﺐ املﺨﺮﺟﺔ ﺣﺪﻳﺜًﺎ اﻟﺸﺎﻫﺪة ﺑﺬﻟﻚ :اﻟﺘﺎرﻳﺦ اﻟﻌﺎم ﻟﻠﻜﺎﺗﺐ اﻟﻔﻴﻠﺴﻮف اﻹﻧﻜﻠﻴﺰي »وﻟﺰ« و»ﺗﺎرﻳﺦ ﻣﺪﻧﻴﺎت اﻟﴩق« ملﺆﻟﻒ إﻓﺮﻧﴘ ﻣﺘﺨﺼﺺ ﰲ اﻟﺘﻮارﻳﺦ اﻟﴩﻗﻴﺔ اﺳﻤﻪ »ﻏﺮوﺳﻪ« ﻓﺎﻟﺤﻘﻴﻘﺔ اﻟﺘﺎرﻳﺨﻴﺔ املﺠﻤﻊ ﻋﻠﻴﻬﺎ ﻫﻲ واﺣﺪة ﰲ ﻫﺬا املﻮﺿﻮع ،ﻟﻢ ﻳﻈﻬﺮ ﻣﺎ ﻳﻨﻘﻀﻬﺎ وﻟﻦ ﻳﻈﻬﺮ؛ وﻫﻲ :إن اﻟﻌﺮب ﰲ اﻟﻘﺮون اﻟﻮﺳﻄﻰ ﻛﺎﻧﻮا أﺳﺎﺗﻴﺬ اﻷوروﺑﻴني، وﻛﺎن اﻟﻮاﺣﺪ ﻣﻦ ﻫﺆﻻء إذا ﺗﺨﺮج ﻋﲆ اﻟﻌﺮب ﺗﺒﺎﻫﻰ ﺑﺬﻟﻚ ﺑني ﻗﻮﻣﻪ. ﺳﺒﺐ ﺗﺄﺧﺮ أوروﺑﺎ املﺎﴈ وﻧﻬﻀﺘﻬﺎ اﻟﺤﺎﴐة أﻓﻨﺠﻌﻞ ﻫﺬا اﻟﺘﺄﺧﺮ اﻟﺬي ﻛﺎن ﻋﻠﻴﻪ اﻷوروﺑﻴﻮن ﰲ اﻟﻘﺮون اﻟﻮﺳﻄﻰ ﻣﺪة أﻟﻒ ﺳﻨﺔ ﻧﺎﺷﺌًﺎ ﻋﻦ اﻟﻨﴫاﻧﻴﺔ اﻟﺘﻲ ﻛﺎﻧﺖ دﻳﻨﻬﻢ اﻟﺬي ﻳﻌﻀﻮن ﻋﻠﻴﻪ ﺑﺎﻟﻨﻮاﺟﺬ؟! ﻧﻌﻢ؛ إن اﻷﻣﻢ اﻟﱪوﺗﺴﺘﺎﻧﺘﻴﺔ ﻣﻨﻬﻢ ﺗﺠﻌﻞ ﻣﺼﺪر ﻫﺬا اﻟﺘﺄﺧﺮ اﻟﻜﻨﻴﺴﺔ اﻟﺒﺎﺑﻮﻳﺔ ﻻ اﻟﻨﴫاﻧﻴﺔ ﻣﻦ ﺣﻴﺚ ﻫﻲ ،وﺗﺰﻋﻢ أن ﻧﻬﻀﺔ أوروﺑﺔ ﻟﻢ ﺗﺒﺪأ إﻻ ﺑﺨﺮوج )ﻟﻮﺛري ،وﻛﻠﻔني( ﻋﲆ اﻟﻜﻨﻴﺴﺔ اﻟﺮوﻣﺎﻧﻴﺔ. وأﻣﺎ ﻓﻮﻟﺘري وﻣﻦ ﰲ ﺣﺰﺑﻪ ﻣﻦ أﻗﻄﺎب املﻼﺣﺪة ﻓﻼ ﻳﻔﺮﻗﻮن ﻛﺜريًا ﺑني اﻟﻜﺎﺛﻮﻟﻴﻚ واﻟﱪوﺗﺴﺘﺎﻧﺖ ،وﻋﻨﺪﻫﻢ أن ﺟﻤﻴﻊ ﻫﺬه اﻟﻌﻘﺎﺋﺪ واﺣﺪة ،وأﻧﻬﺎ ﻋﺎﺋﻘﺔ ﻋﻦ اﻟﻌﻤﻞ واﻟﺮﻗﻲ، وﻟﻬﺬا ﻗﺎل ﻓﻮﻟﺘري ﺗﻠﻚ اﻟﻜﻠﻤﺔ ﻋﻨﺪﻣﺎ ذُﻛﺮ ﻟﺪﻳﻪ ﻟﻮﺛري ،وﻛﻠﻔني ،ﻗﺎل» :ﻛﻼﻫﻤﺎ ﻻ ﻳﺼﻠﺢ أن ﻳﻜﻮن ﺣﺬاء ملﺤﻤﺪ «3ﻳﺮى أن ﻣﺤﻤﺪًا ﷺ ﺑﻠﻎ ﻣﻦ اﻹﺻﻼح ﻣﺎ ﻟﻢ ﻳﺒﻠﻐﺎ أدﻧﺎه ،ﻣﻊ اﻋﺘﻘﺎدم اﻟﻜﺜري أن ﻣﺬﻫﺒﻬﻤﺎ ﻛﺎن ﻓﺠﺮ أﻧﻮار أوروﺑﺎ4 . واﻟﺤﻖ اﻟﺬي ﻻ ﻳﺮﺗﺎب ﻓﻴﻪ أن اﻟﻨﴫاﻧﻴﺔ ﻧﻔﺴﻬﺎ ﻟﻢ ﺗﻜﻦ ﻫﻲ املﺴﺌﻮﻟﺔ ﻋﻦ ﺟﻬﺎﻟﺔ اﻹﻓﺮﻧﺞ املﺴﻴﺤﻴني ﻣﺪة أﻟﻒ ﺳﻨﺔ ﰲ اﻟﻘﺮون اﻟﻮﺳﻄﻰ ،ﺑﻞ ﻟﻠﻤﺴﻴﺤﻴﺔ اﻟﻔﻀﻞ ﰲ ﺗﻬﺬﻳﺐ ﺑﺮاﺑﺮة أوروﺑﺎ. وﻫﺆﻻء اﻟﻴﺎﺑﺎﻧﻴﻮن ﻫﻢ وﺛﻨﻴﻮن ،وﻣﻨﻬﻢ ﻣﻦ ﻫﻢ ﻋﲆ ﻣﺬﻫﺐ ﺑﻮذا ،وﻣﻨﻬﻢ ﻣﻦ ﻳﻘﺎل ﻟﻬﻢ :ﻃﺎوﻳﻮن ،وﻛﺜريون ﻣﻨﻬﻢ ﻳﺘﺒﻌﻮن اﻟﺤﻜﻴﻢ اﻟﺼﻴﻨﻲ ﻛﻨﻔﻮﺷﻴﻮس ،وﻟﻘﺪ ﻣﴣ ﻋﻠﻴﻬﻢ ﻧﺤﻮ أﻟﻔﻲ ﺳﻨﺔ وﻟﻢ ﺗﻜﻦ ﻟﻬﻢ ﻫﺬه املﺪﻧﻴﺔ اﻟﺒﺎﻫﺮة وﻻ ﻫﺬه اﻟﻘﻮة واملﻜﺎﻧﺔ ﺑني اﻷﻣﻢ ،ﺛﻢ ﻧﻬﺾ اﻟﻴﺎﺑﺎن ﻣﻦ ﻧﺤﻮ ﺳﺘني ﺳﻨﺔ وﺗﺮﻗﻮا وﻋﺰوا وﻏﻠﻆ أﻣﺮﻫﻢ ،وﻋﻼ ﻗﺪرﻫﻢ ،وﺻﺎروا إﱃ ﻣﺎ ﺻﺎروا إﻟﻴﻪ وﻟﻢ ﻳﱪﺣﻮا وﺛﻨﻴني. ﻓﻼ ﻛﺎﻧﺖ اﻟﻮﺛﻨﻴﺔ إذًا ﺳﺒﺐ ﺗﺄﺧﺮﻫﻢ املﺎﴈ وﻻ ﻫﻲ ﺳﺒﺐ ﺗﻘﺪﻣﻬﻢ اﻟﺤﺎﴐ ،وﻗﺪ ﺗﻔﺎوت اﻟﻴﺎﺑﺎن واﻟﺮوﺳﻴﺎ وﺗﺤﺎرﺑﺘﺎ ﻓﺘﻐﻠﺒﺖ اﻟﻴﺎﺑﺎن ﻋﲆ روﺳﻴﺎ؛ ﻣﻊ أن اﻟﻴﺎﺑﺎﻧﻴني ﰲ اﻟﻌﺪد 79
ملﺎذا ﺗﺄﺧﺮ املﺴﻠﻤﻮن؟ وملﺎذا ﺗﻘﺪم ﻏريﻫﻢ؟
ﻫﻢ ﻧﺼﻒ اﻟﺮوس ،وﻟﻜﻦ ﻣﻤﺎ ﻻ ﺷﻚ ﻓﻴﻪ أن اﻟﻴﺎﺑﺎﻧﻴني أرﻗﻰ ﻣﻦ اﻟﺮوس ،واﻟﺤﺎل أن روﺳﻴﺔ ﻋﺮﻳﻘﺔ ﰲ اﻟﻨﴫاﻧﻴﺔ ،واﻟﻴﺎﺑﺎن ﻋﺮﻳﻘﺔ ﰲ اﻟﻮﺛﻨﻴﺔ. ﻓﻠﻴﱰك إذًا ﺑﻌﺾ اﻟﻨﺎس ﺟﻌﻞ اﻷدﻳﺎن ﻫﻲ املﻌﻴﺎر ﻟﻠﺘﺄﺧﺮ واﻟﺘﻘﺪم5 . أﻓﻨﻘﻮل ﻣﻦ أﺟﻞ ﻫﺬا املﺜﺎل :إن اﻹﻧﺠﻴﻞ ﻫﻮ اﻟﺬي ﱠ أﺧﺮ روﺳﻴﺎ ﻋﻦ درﺟﺔ اﻟﻴﺎﺑﺎن ،وإن ﻋﺒﺎدة اﻵﻟﻬﺔ اﺑﻨﺔ اﻟﺸﻤﺲ ﻫﻲ اﻟﺘﻲ ﺟﺬﺑﺖ ﺑﻀﺒﻊ اﻟﻴﺎﺑﺎن ﺣﺘﻰ ﺳﺒﻘﺖ روﺳﻴﺎ؟! إن ﻟﻬﺬه اﻟﺤﻮادث أﺳﺒﺎﺑًﺎ وﻋﻮاﻣﻞ ﻣﱰاﻛﻤﺔ ﺗﺮﺟﻊ إﱃ أﺻﻮل ﺷﺘﻰ ،ﻓﺈذا ﺗﺮاﻛﻤﺖ ﻫﺬه اﻟﻌﻮاﻣﻞ ﰲ ﺧري أو ﴍ ﺗﻐﻠﺒﺖ ﻋﲆ ﺗﺄﺛري اﻷدﻳﺎن واﻟﻌﻘﺎﺋﺪ ،وأﺻﺒﺤﺖ ﻓﻀﺎﺋﻞ أﻗﻮم اﻷدﻳﺎن ﻋﺎﺟﺰة ﺑﺈزاء ﴍﻫﺎ ،ﻛﻤﺎ أﺻﺒﺤﺖ ﻣﻌﺎﻳﺐ أﺳﺨﻔﻬﺎ ﻏري ﻣﺆﺛﺮة ﰲ ﺟﺎﻧﺐ ﺧريﻫﺎ. وﻟﺴﻨﺎ ﻫﻨﺎ ﰲ ﺻﺪد أﺳﺒﺎب ﺗﻘﺪم اﻟﻴﺎﺑﺎن اﻟﴪﻳﻊ ﺣﺘﻰ ﻧﺒني أن اﻋﺘﻘﺎد ﻋﺎﻣﺘﻬﻢ ً ﺣﺎﺋﻼ دون ﺗﻘﺪﻣﻬﻢ املﺒﻨﻲ ﻋﲆ ﻣﺎ رﻛﺐ )وﺟﻮد ﺣﺼﺎن ﻣﻘﺪس ﻳﺮﻛﺒﻪ اﻹﻟﻪ ﻓﻼن( ﻟﻢ ﻳﻘﻒ ﰲ ﻓﻄﺮﺗﻬﻢ ﻣﻦ اﻟﺤﻤﺎﺳﺔ ،وﻣﺎ أوﺗﻮا ﻣﻦ اﻟﺬﻛﺎء ،وﻣﺎ أورﺛﻬﻢ ﻧﻈﺎم اﻹﻗﻄﺎع اﻟﻘﺪﻳﻢ ﻣﻦ اﻟﺘﻨﺎﻓﺲ ﰲ املﺠﺪ واﻟﻘﻮة. وﻋﻨﺪﻧﺎ أﻣﺜﻠﺔ ﻛﺜرية ﺗﻜﺎد ﻻ ﺗﺤﴡ ﰲ ﻫﺬا اﻟﺒﺎب اﺟﺘﺰأﻧﺎ ﻣﻨﻬﺎ ﺑﻤﺎ ذﻛﺮﻧﺎه ،وﻟﻢ ﻧﻜﻦ ﻟﻨﺘﻌﺮض ﻟﻬﺬا املﻘﺎم ﻟﻮﻻ ﺣﻤﻼت اﻟﻘﺴﻮس واملﺒﴩﻳﻦ وﻛﺜري ﻣﻦ اﻷوروﺑﻴني ﻋﲆ اﻹﺳﻼم، وزﻋﻤﻬﻢ أﻧﻪ ﻋﻨﻮان اﻟﺘﺄﺧﺮ ،وأﻧﻪ رﻣﺰ اﻟﺠﻤﻮد ،وﺗﺤﺪﺛﻬﻢ ﺑﺬﻟﻚ ﰲ اﻷﻧﺪﻳﺔ واملﺠﺎﻣﻊ وﻧﴩﻫﻢ ﻫﺬه اﻻﻓﱰاءات ﰲ املﺠﻼت واﻟﺠﺮاﺋﺪ ،وﻗﻮﻟﻬﻢ :إن اﻟﺸﺠﺮة ﺗﻌﺮف ﻣﻦ ﺛﻤﺎرﻫﺎ ،وإن ﺣﺎﻟﺔ اﻟﻌﺎﻟﻢ اﻹﺳﻼﻣﻲ اﻟﺤﺎﴐة ﻫﻲ ﻧﺘﻴﺠﺔ ﺟﻤﻮد اﻹﺳﻼم ،وﺗﺤﺠﺮ اﻟﻘﺮآن. ﻛ ِﺬﺑًﺎ﴾6 . ﻮن إ ِ ﱠﻻ َ ﴿ َﻛ ُﱪ َْت َﻛﻠِﻤَ ًﺔ ﺗَ ْﺨ ُﺮجُ ِﻣ ْﻦ أ َ ْﻓﻮَاﻫِ ِﻬ ْﻢ ۚ إِن ﻳ َُﻘﻮﻟُ َ وﺣﺴﺒﻚ أن املﺴﻴﻮ ﺳﺎن )املﻘﻴﻢ اﻹﻓﺮﻧﴘ اﻟﺴﺎﻣﻲ( ﰲ املﻐﺮب ﻳﻨﴩ ﰲ اﻟﻌﺪد اﻷﺧري ﻣﻦ )ﻣﺠﻠﺔ اﻷﺣﻴﺎء( اﻹﻓﺮﻧﺴﻴﺔ ﻣﻘﺎﻟﺔ ﻳﺘﻜﻠﻢ ﻓﻴﻬﺎ ﻋﲆ ﻳﻘﻈﺔ املﻐﺮب ﺑﻌﺪ )ﻟﻴﻞ اﻹﺳﻼم(! ﻫﻜﺬا ﺗﻌﺒريه. ﻓﺈن ﻛﺎن ﺗﺄﺧﺮ إﺣﺪى املﻤﺎﻟﻚ اﻹﺳﻼﻣﻴﺔ ﺣﻘﺒﺔ ﻣﻦ اﻟﺪﻫﺮ ﻳﺠﺐ أن ﻳﻘﺎل ﻓﻴﻪ )ﻟﻴﻞ ً ﻃﻮﻳﻼ ﻋﻨﺪﻣﺎ ﺑﻘﻴﺖ أوروﺑﺔ املﺴﻴﺤﻴﺔ زﻫﺎء أﻟﻒ ﺳﻨﺔ اﻹﺳﻼم( ﻓﻜﻢ ﻛﺎن ﻟﻴﻞ اﻟﻨﴫاﻧﻴﺔ وﻫﻲ ﰲ ﺣﺎﻟﺔ اﻟﻬﻤﺠﻴﺔ أو ﻣﺎ ﻳﻘﺮب ﻣﻦ اﻟﻬﻤﺠﻴﺔ. إن إدﺧﺎل اﻷدﻳﺎن ﰲ ﻫﺬا املﻌﱰك وﺟﻌﻠﻬﺎ ﻫﻲ وﺣﺪﻫﺎ ﻣﻌﻴﺎر اﻟﱰﻗﻲ واﻟﱰدي ﻟﻴﺲ ﻣﻦ اﻟﻨﺼﻔﺔ ﰲ ﳾء ،أﻣﺎ اﻹﺳﻼم ﻓﻼ ﺟﺪال ﰲ ﻛﻮﻧﻪ ﻫﻮ ﺳﺒﺐ ﻧﻬﻀﺔ اﻟﻌﺮب وﻓﺘﻮﺣﺎﺗﻬﻢ املﺪﻫﺸﺔ ﻣﻤﺎ أﺟﻤﻊ ﻋﲆ اﻻﻋﱰاف ﺑﻪ املﺆرﺧﻮن ً ﴍﻗﺎ وﻏﺮﺑًﺎ ،وﻟﻜﻨﻪ ﻟﻢ ﻳﻜﻦ ﺳﺒﺐ اﻧﺤﻄﺎﻃﻬﻢ ﻓﻴﻤﺎ ﺑﻌﺪ ﻛﻤﺎ ﻳﺰﻋﻢ املﻔﱰون اﻟﺬﻳﻦ ﻻ ﻏﺮض ﻟﻬﻢ ﺳﻮى ﻧﴩ اﻟﺜﻘﺎﻓﺔ اﻷوروﺑﻴﺔ ﺑني املﺴﻠﻤني 80
اﻟﺮد ﻋﲆ ﺣﺴﺎد املﺪﻧﻴﺔ اﻹﺳﻼﻣﻴﺔ املﻜﺎﺑﺮﻳﻦ
دون ﺛﻘﺎﻓﺔ اﻹﺳﻼم ،وﺑﺴﻂ ﺳﻴﺎدة أوروﺑﺔ ﻋﲆ ﺑﻠﺪاﻧﻬﻢ ،ﺑﻞ ﻛﺎن اﻟﺴﺒﺐ ﰲ ﺗﺮدي املﺴﻠﻤني ﻫﻮ أﻧﻬﻢ اﻛﺘﻔﻮا ﰲ آﺧﺮ اﻷﻣﺮ ﻣﻦ اﻹﺳﻼم ﺑﻤﺠﺮد اﻻﺳﻢ ،واﻟﺤﺎل أن اﻹﺳﻼم اﺳﻢ وﻓﻌﻞ. ﻫﻮاﻣﺶ ) (1ﻫﺬا ﻣﻀﻤﻮن ﺣﺪﻳﺜني :أﺣﺪﻫﻤﺎ» :اﻟﺤﻜﻤﺔ ﺿﺎﻟﺔ املﺆﻣﻦ؛ ﻓﺤﻴﺚ وﺟﺪﻫﺎ ﻓﻬﻮ أﺣﻖ ﺑﻬﺎ« رواه اﻟﱰﻣﺬي ﻣﻦ ﺣﺪﻳﺚ أﺑﻲ ﻫﺮﻳﺮة ،ووراه ﻏريه ﺑﻤﻌﻨﺎه ﻣﻊ اﺧﺘﻼف ﰲ اﻟﻠﻔﻆ. واﻟﺜﺎﻧﻲ» :اﻃﻠﺒﻮا اﻟﻌﻠﻢ وﻟﻮ ﺑﺎﻟﺼني« وذﻛﺮه اﻟﻜﺎﺗﺐ ﰲ ﻣﻮﺿﻊ آﺧﺮ ،وﻫﻨﺎك ﻧﺬﻛﺮ ﻣﻦ أﺧﺮﺟﻪ )راﺟﻊ ص) (٩٥ر(. ) (2ﻋﻠﻤﺎء املﺴﻠﻤني ﻳﻌﺘﻘﺪون أن اﻟﻨﴫاﻧﻴﺔ ﻋﲆ ﻣﺎ ﻃﺮأ ﻋﻠﻴﻬﺎ ﻣﻦ اﻟﻮﺛﻨﻴﺔ ﺑﺎﻟﺘﺜﻠﻴﺚ اﻟﻮﺛﻨﻲ اﻟﻘﺪﻳﻢ أﺻﻠﺢ ﻷﻧﻔﺲ اﻟﺒﴩ ﻣﻦ اﻟﻮﺛﻨﻴﺔ اﻟﺨﺎﻟﺼﺔ ،وﻟﻜﻨﻬﺎ ﻟﻴﺴﺖ أﺻﻠﺢ وﻻ أﻗﺒﻞ ﻟﻠﻌﻤﺮان املﺪﻧﻲ اﻟﺬي ﺗﺘﻨﺎﻓﺲ ﻓﻴﻪ أوروﺑﺔ وﻏريﻫﺎ؛ ﻷﻧﻬﺎ دﻳﺎﻧﺔ ﻣﺒﻨﻴﺔ ﻋﲆ املﺒﺎﻟﻐﺔ ﰲ اﻟﺰﻫﺪ واﻟﺨﻀﻮع ﻟﻜﻞ ﺣﻜﻢ دﻧﻴﻮي ،واﻟﻌﻤﺮان ﻻ ﻳﺘﻢ وﻻ ﻳﺴﻤﻮ إﻻ ﺑﺎﻟﺴﻴﺎدة واملﻠﻚ واﻟﻐﻨﻰ ،وﻣﻦ ﻗﻮاﻋﺪ اﻹﻧﺠﻴﻞ :أن اﻟﺠﻤﻞ إذا دﺧﻞ ﰲ ﺛﻘﺐ اﻹﺑﺮة ﻓﺎﻟﻐﻨﻲ ﻻ ﻳﺪﺧﻞ ﻣﻠﻜﻮت اﻟﺴﻤﻮات، وﻧﻌﺘﻘﺪ ً أﻳﻀﺎ أن ﺟﻤﻴﻊ ﻣﺎ ﺟﺎء ﺑﻪ املﺴﻴﺢ — ﻋﻠﻴﻪ اﻟﺴﻼم — ﻣﻦ اﻟﺪﻳﻦ ﻓﻬﻮ ﺣﻖ وﻛﺎن اﻟﺒﴩ ﰲ أﺷﺪ اﻟﺤﺎﺟﺔ إﱃ ﻣﺎ ﻓﻴﻪ ﻣﻦ املﺒﺎﻟﻐﺔ ﰲ اﻟﺰﻫﺪ واﻟﺘﻮاﺿﻊ؛ ملﻘﺎوﻣﺔ ﻣﺎ ﻛﺎن ﻋﻠﻴﻪ اﻟﻴﻬﻮد وﺣﻜﺎﻣﻬﻢ اﻟﺮوم )اﻟﺮوﻣﺎن( ﻣﻦ اﻟﻄﻤﻊ واﻟﻜﱪﻳﺎء واﻟﻌﺘﻮ ،وأن ﻫﺬا ﻛﺎن ﺗﻤﻬﻴﺪًا ﻟﻺﺳﻼم اﻟﺪﻳﻦ اﻟﻮﺳﻂ املﻌﺘﺪل اﻟﺠﺎﻣﻊ ﺑني ﻣﺼﺎﻟﺢ اﻟﺪﻧﻴﺎ واﻵﺧﺮة ،ﻓﻤﺎ ذﻛﺮﻧﺎه ﻣﻦ اﻋﺘﻘﺎدﻧﺎ ﻳﺘﻀﻤﻦ اﻋﱰاﻓﻨﺎ ﺑﺤﻘﻴﺔ دﻳﻦ املﺴﻴﺢ ﰲ ﻧﻔﺴﻪ ،وﺑﻜﻮﻧﻪ ﻣﻦ ﻋﻨﺪ ﷲ ﺗﻌﺎﱃ ﻣﻊ اﻟﺘﻌﺎرض ﺑﻴﻨﻪ وﺑني دﻳﻨﻨﺎ اﻟﻨﺎﺳﺦ ﻟﻪ. وﻣﻦ وﻇﻴﻔﺘﻲ أن أﺑني ﻫﺬا ﰲ ﺣﺎﺷﻴﺔ ﻣﻘﺎل ﻛﺘﺐ ﻟﻠﻤﻨﺎر ﺑﺎﻗﱰاح ﻣﻦ أﺣﺪ ﺗﻼﻣﻴﺬ املﻨﺎر ﻋﲆ أﻣري اﻟﺒﻴﺎن )ر(. ) (3ذﻛﺮ ﻓﻮﻟﺘري ﻫﺬه اﻟﺠﻤﻠﺔ أﻣﺎم اﻟﱪﻧﺲ ﺳﻴﻨﺪورف اﻟﻨﻤﺴﻮي اﻟﺬي ﺻﺎر ﻓﻴﻤﺎ ﺑﻌﺪ ً رﺋﻴﺴﺎ ﻟﻮزراء ﺳﻠﻄﻨﺔ اﻟﻨﻤﺴﺔ ،وﻋﻨﺪﻣﺎ دﺧﻞ ﺑﻮﻧﺎﺑﺮت ﻓﻴﻴﻨﺎ ﻛﺎن ﻫﺬا اﻟﱪﻧﺲ ﻫﻮ رﺋﻴﺲ اﻟﺤﻜﻮﻣﺔ ﻓﻴﻬﺎ ،وﻛﺎن ﻧﻘﻠﻪ ﻫﺬه اﻟﺠﻤﻠﺔ ﻋﻦ ﻓﻮﻟﺘري ﰲ أﻳﺎم ﺷﺒﺎﺑﻪ ﻋﻨﺪﻣﺎ اﺟﺘﻤﻊ ﺑﻪ ﰲ ﺳﻮﻳﴪة ﻓﻘﻴﺪﻫﺎ ﰲ ﻣﺬﻛﺮاﺗﻪ املﺤﻔﻮﻇﺔ ﰲ ﺧﺰاﻧﺔ ﻛﺘﺐ ﻓﻴﻴﻨﺎ وﻋﻨﻬﺎ ﻧﻘﻠﺘﻬﺎ ﺟﺮﻳﺪة اﻟﻄﺎن وﻧﺤﻦ ﻧﻘﻠﻨﺎﻫﺎ ﻋﻨﻬﺎ )ش(. ) (4وﻧﺤﻦ ﻧﻌﺘﻘﺪ ﻫﺬا ،وﻛﺎن ﺷﻴﺨﻨﺎ اﻷﺳﺘﺎذ اﻹﻣﺎم وأذﻛﻴﺎء ﻣﺮﻳﺪﻳﻪ ﻛﺴﻌﺪ ﺑﺎﺷﺎ زﻏﻠﻮل ﻳﻌﺘﻘﺪوﻧﻪ ،وﻟﻜﻦ ﺑﻤﻌﻨﻰ ﺳﻠﺒﻲ؛ وﻫﻮ أن ﻫﺬا املﺬﻫﺐ أﺿﻌﻒ ﺣﺠﺮ اﻟﻜﻨﻴﺴﺔ ﻋﲆ 81
ملﺎذا ﺗﺄﺧﺮ املﺴﻠﻤﻮن؟ وملﺎذا ﺗﻘﺪم ﻏريﻫﻢ؟
اﻟﻌﻘﻮل اﻟﺒﴩﻳﺔ وﺗﻘﻴﻴﺪﻫﺎ ﺑﺘﻌﺎﻟﻴﻤﻬﺎ وﻓﻬﻤﻬﺎ ﻟﻠﺪﻳﻦ ورأﻳﻬﺎ ﰲ اﻟﺪﻧﻴﺎ ،وﻛﺎن ﺳﺒﺐ ﻫﺬا املﺬﻫﺐ ﻣﺎ ﴎى إﱃ أوروﺑﺔ ﻋﻘﺐ اﻟﺤﺮوب اﻟﺼﻠﻴﺒﻴﺔ ﺑﻤﻌﺎﴍة املﺴﻠﻤني ﻣﻦ اﺳﺘﻐﻼل اﻟﻌﻘﻞ ﰲ ﻓﻬﻢ اﻟﺪﻳﻦ وﻋﺪم ﺳﻴﻄﺮة أﺣﺪ ﻋﻠﻴﻬﻢ ﻓﻴﻪ ،ﻛﻤﺎ ﺑﻴﻨﻪ ﺷﻴﺨﻨﺎ ﰲ ﻛﺘﺎب اﻹﺳﻼم واﻟﻨﴫاﻧﻴﺔ )ر(. ) (5ﻫﺬا ﺻﺤﻴﺢ ﰲ ﺟﻤﻠﺔ اﻷدﻳﺎن إﻻ اﻹﺳﻼم؛ ﻓﻘﺮآﻧﻪ وﺗﺎرﻳﺨﻪ ﻳﺜﺒﺘﺎن أﻧﻪ ﻫﻮ ﺳﺒﺐ ﺗﻘﺪم أﻫﻠﻪ ﺣني اﻫﺘﺪوا ﺑﻪ ،وﺳﺒﺐ ﺗﺄﺧﺮﻫﻢ ﺣني أﻋﺮﺿﻮا ﻋﻨﻪ ،ﻛﻤﺎ ﺑني ﻫﺬا أﻣري اﻟﻜﺘﺎب ﰲ رﺳﺎﻟﺘﻪ ﻫﺬه ،ﻓﺄﻇﻠﻢ اﻟﻈﻠﻢ أن ﻳﺠﻌﻞ ﺳﺒﺐ ﺗﺄﺧريﻫﻢ )ر(. ) (6اﻟﻜﻬﻒ :ﻣﻦ اﻵﻳﺔ .٥
82
ﺣﺚ اﻟﻘﺮآن ﻋﲆ اﻟﻌﻠﻢ ﺑﺎﻋﺚ ﻟﻠﻤﺴﻠﻤني ﻋﲆ ﺳﺒﻖ اﻷﻣﻢ ﰲ اﻟﺮﻗﻲ
اﻟﻌﺎﻟﻢ اﻹﺳﻼﻣﻲ ﻳﻤﻜﻨﻪ اﻟﻨﻬﻮض واﻟﺮﻗﻲ واﻟﻠﺤﺎق ﺑﺎﻷﻣﻢ اﻟﻌﺰﻳﺰﻳﺔ اﻟﻐﺎﻟﺒﺔ إذا أراد ذﻟﻚ املﺴﻠﻤﻮن ووﻃﻨﻮا أﻧﻔﺴﻬﻢ ﻋﻠﻴﻪ ،وﻻ ﻳﺰﻳﺪﻫﻢ اﻹﺳﻼم إﻻ ﺑﺼرية ﻓﻴﻪ وﻋﺰﻣً ﺎ ،وﻟﻦ ﻳﺠﺪوا ِﻳﻦ ﻳَﻌْ َﻠﻤ َ ﴿ﻫ ْﻞ ﻳ َْﺴﺘَ ِﻮي ا ﱠﻟﺬ َ ﻷﻧﻔﺴﻬﻢ ﺣﺎﻓ ًﺰا ﻋﲆ اﻟﻌﻠﻢ واﻟﻔﻦ ﺧريًا ﻣﻦ اﻟﻘﺮآن اﻟﺬي ﻓﻴﻪَ : ُﻮن ُﻮن﴾1 . ِﻳﻦ َﻻ ﻳَﻌْ َﻠﻤ َ وَا ﱠﻟﺬ َ ﻄ ًﺔ ِﰲ ا ْﻟﻌِ ْﻠﻢ﴾2 . واﻟﺬي ﻓﻴﻪَ ﴿ :و َزا َد ُه ﺑ َْﺴ َ ِ ﻮن ِﰲ ا ْﻟﻌِ ْﻠﻢ﴾3 . اﺳ ُﺨ َ واﻟﺬي ﻓﻴﻪ﴿ :وَﻣَ ﺎ ﻳَﻌْ َﻠ ُﻢ ﺗَﺄ ْ ِوﻳ َﻠ ُﻪ إ ِ ﱠﻻ ﷲ ُ ۗ وَاﻟ ﱠﺮ ِ ِ ﻂ﴾4 . واﻟﺬي ﻓﻴﻪَ : ﴿ﺷ ِﻬ َﺪ ﷲ ُ أَﻧ ﱠ ُﻪ َﻻ إ ِ َﻟ ٰـ َﻪ إ ِ ﱠﻻ ُﻫ َﻮ وَا ْﻟﻤَ َﻼ ِﺋ َﻜ ُﺔ وَأُوﻟُﻮ ا ْﻟﻌِ ْﻠ ِﻢ َﻗﺎﺋِﻤً ﺎ ِﺑﺎ ْﻟﻘِ ْﺴ ِ ِﻳﻦ أُوﺗُﻮا ا ْﻟﻌِ ْﻠﻢَ﴾5 . ُور ا ﱠﻟﺬ َ َﺎت ﺑَﻴﱢﻨ َ ٌ واﻟﺬي ﻓﻴﻪ﴿ :ﺑَ ْﻞ ُﻫ َﻮ آﻳ ٌ ﺎت ِﰲ ُ ﺻﺪ ِ ﺎت﴾6 . ِﻳﻦ آﻣَ ﻨُﻮا ِﻣﻨ ُﻜ ْﻢ وَا ﱠﻟﺬ َ واﻟﺬي ﻓﻴﻪ﴿ :ﻳَ ْﺮ َﻓ ِﻊ ﷲ ُ ا ﱠﻟﺬ َ ِﻳﻦ أُوﺗُﻮا ا ْﻟﻌِ ْﻠ َﻢ َد َرﺟَ ٍ ﻜﻤَ َﺔ﴾7 . واﻟﺬي ﻓﻴﻪَ ﴿ :وﻳُﻌَ ﱢﻠﻤُﻬُ ُﻢ ا ْﻟ ِﻜﺘَﺎبَ وَا ْﻟﺤِ ْ ﻛ ِﺜريًا﴾8 . وﻓﻴﻪ﴿ :ﻳُ ْﺆﺗِﻲ ا ْﻟﺤِ ْﻜﻤَ َﺔ ﻣَ ﻦ ﻳ ََﺸﺎءُ ۚ وَﻣَ ﻦ ﻳُ ْﺆ َت ا ْﻟﺤِ ْﻜﻤَ َﺔ َﻓ َﻘ ْﺪ أُوﺗ َِﻲ َﺧ ْريًا َ ﻈﻴﻤً ﺎ﴾9 . وﻓﻴﻪَ : ﴿ﻓ َﻘ ْﺪ آﺗَﻴْﻨَﺎ آ َل إِﺑْ َﺮاﻫِ ﻴ َﻢ ا ْﻟ ِﻜﺘَﺎبَ وَا ْﻟﺤِ ْﻜﻤَ َﺔ وَآﺗَﻴْﻨ َ ُ ﺎﻫﻢ ﻣﱡ ْﻠ ًﻜﺎ ﻋَ ِ وﻏري ذﻟﻚ ﻣﻦ اﻵﻳﺎت اﻟﻜﺮﻳﻤﺔ ،وﻓﻴﻪ ﻣﺎ ﻫﻮ ﺧﺎص ﺑﺎﻷﻣﺔ اﻟﻌﺮﺑﻴﺔُ : ﴿ﻫ َﻮ ا ﱠﻟﺬِي ﺑَﻌَ َﺚ ِﰲ ني َر ُﺳ ً ْاﻷُﻣﱢ ﻴﱢ َ ﻮﻻ ﻣﱢ ﻨْﻬُ ْﻢ ﻳَﺘْﻠُﻮ ﻋَ َﻠﻴ ِْﻬ ْﻢ آﻳَﺎﺗ ِِﻪ َوﻳُ َﺰ ﱢﻛ ِﻴﻬ ْﻢ َوﻳُﻌَ ﱢﻠﻤُﻬُ ُﻢ ا ْﻟ ِﻜﺘَﺎبَ وَا ْﻟﺤِ ْﻜﻤَ َﺔ َوإِن َﻛﺎﻧُﻮا ِﻣﻦ ﺿ َﻼل ﻣﱡ ﺒني﴾10 . َﻗﺒْ ُﻞ َﻟﻔِ ﻲ َ ٍ ِ ٍ
ملﺎذا ﺗﺄﺧﺮ املﺴﻠﻤﻮن؟ وملﺎذا ﺗﻘﺪم ﻏريﻫﻢ؟
وﻗﺪ زﻋﻢ ﺑﻌﻀﻬﻢ — وﻣﻦ ﺟﻤﻠﺘﻬﻢ )ﺳﻴﻜﺎر( ﻫﺬا اﻟﺬي ﺑﺎملﻐﺮب ﻗﺪ أﻟﻒ ﻛﺘﺎﺑًﺎ ﰲ اﻟﻄﻌﻦ ﻋﲆ اﻹﺳﻼم ،وﻫﻮ اﻟﺬي ﻳﻜﺘﺐ ﰲ ﻣﺠﻠﺔ »ﻣﺮاﻛﺶ اﻟﻜﺎﺛﻮﻟﻴﻜﻴﺔ« — أن املﺮاد ﺑﻠﻔﻈﺔ ً ﻣﻄﻠﻘﺎ ﻟﻨﺴﺘﻈﻬﺮ ﺑﻪ ﻋﲆ »اﻟﻌﻠﻢ« ﰲ اﻟﻘﺮآن ﻫﻮ اﻟﻌﻠﻢ اﻟﺪﻳﻨﻲ ،وﻟﻢ ﻳﻜﻦ املﻘﺼﻮد ﺑﻪ اﻟﻌﻠﻢ ﻗﻀﻴﺔ ﺗﻌﻈﻴﻢ اﻟﻘﺮآن ﻟﻠﻌﻠﻢ وإﻳﺠﺎﺑﻪ ﻟﻠﺘﻌﻠﻴﻢ. وﻗﺪ أﺗﻰ ﺳﻴﻜﺎر ﻣﻦ املﻐﺎﻟﻄﺔ ﰲ ﻫﺬا اﻟﺒﺎب ﻣﺎ ﻻ ﻳﺴﺘﺤﻖ أن ﻳﺮد ﻋﻠﻴﻪ؛ ملﺎ ﻓﻴﻪ ﻣﻦ املﻜﺎﺑﺮة ﰲ املﺤﺴﻮس ،وﻛﻞ ﻣﻦ ﺗﺄﻣﻞ ﻣﻮاﻗﻊ ﻫﺬه اﻵﻳﺎت املﺘﻌﻠﻘﺔ ﺑﺎﻟﻌﻠﻢ وﺑﺎﻟﺤﻜﻤﺔ وﻏريﻫﺎ ﻣﻤﺎ ﻳﺤﺚ ﻋﲆ اﻟﺴري ﰲ اﻷرض واﻟﻨﻈﺮ واﻟﺘﻔﻜري ﻳﻌﻠﻢ أن املﺮاد ﻫﻨﺎ ﺑﺎﻟﻌﻠﻢ ﻫﻮ اﻟﻌﻠﻢ ﻋﲆ ً ﻣﺘﻨﺎوﻻ ﻛﻞ ﳾء ،وأن املﺮاد ﺑﺎﻟﺤﻜﻤﺔ ﻫﻲ اﻟﺤﻜﻤﺔ اﻟﻌﻠﻴﺎ املﻌﺮوﻓﺔ ﻋﻨﺪ اﻟﻨﺎس، إﻃﻼﻗﻪ وﻫﻲ ﻏري اﻵﻳﺎت املﻨﺰﻟﺔ واﻟﻜﺘﺎب ﻛﻤﺎ ﻳﺪل ﻋﻠﻴﻪ اﻟﻌﻄﻒ ،وﻫﻮ ﻳﻘﺘﴤ املﻐﺎﻳﺮة ،وﻳﻌﺰز ذﻟﻚ اﻟﺤﺪﻳﺚ اﻟﻨﺒﻮي اﻟﺸﻬري» :اﻃﻠﺒﻮا اﻟﻌﻠﻢ وﻟﻮ ﰲ اﻟﺼني«11 . ﻓﻠﻮ ﻛﺎن املﺮاد ﺑﺎﻟﻌﻠﻢ ﻫﻮ اﻟﻌﻠﻢ اﻟﺪﻳﻨﻲ — ﻛﻤﺎ زﻋﻢ ﺳﻴﻜﺎر — ﻣﺎ ﻛﺎن اﻟﻨﺒﻲ ﷺ ﻳﺤﺚ ﻋﲆ ﻃﻠﺒﻪ وﻟﻮ ﰲ اﻟﺼني؛ إذ أﻫﻞ اﻟﺼني وﺛﻨﻴﻮن؛ ﻻ ﻳﺠﻌﻠﻬﻢ اﻟﻨﺒﻲ ﻣﺮﺟﻌً ﺎ ﻟﻠﻌﻠﻢ اﻟﺪﻳﻨﻲ ﻛﻤﺎ ﻻ ﻳﺨﻔﻰ. وﰲ ﺑﻌﺾ اﻵﻳﺎت ﻣﻦ اﻟﻘﺮاﺋﻦ اﻟﻠﻔﻈﻴﺔ واملﻌﻨﻮﻳﺔ ﻣﺎ ﻳﻘﺘﴤ أن املﺮاد ﺑﺎﻟﻌﻠﻢ ﻋﻠﻢ اﻟﻜﻮن؛ ﻷﻧﻪ ﰲ ﺳﻴﺎق آﻳﺎت اﻟﺨﻠﻖ واﻟﺘﻜﻮﻳﻦ ،وﻫﻲ ﰲ اﻟﻘﺮآن أﺿﻌﺎف اﻵﻳﺎت ﰲ اﻟﻌﺒﺎدات اﻟﻌﻤﻠﻴﺔ؛ ﻛﺎﻟﺼﻼة واﻟﺼﻴﺎم؛ ﻛﻘﻮﻟﻪ ﺗﻌﺎﱃ﴿ :أ َ َﻟ ْﻢ ﺗَ َﺮ أ َ ﱠن ﷲ َ أَﻧ َﺰ َل ِﻣ َﻦ ﱠ اﻟﺴﻤَ ﺎءِ ﻣَ ﺎءً َﻓﺄ َ ْﺧ َﺮﺟْ ﻨَﺎ ﻴﺾ وَﺣُ ﻤْ ٌﺮ ﻣﱡ ْﺨﺘَﻠ ٌ َﺎل ﺟُ َﺪ ٌد ِﺑ ٌ ِﺑ ِﻪ ﺛَﻤَ َﺮ ٍ ِﻒ أ َ ْﻟﻮَاﻧُﻬَ ﺎ و ََﻏ َﺮا ِﺑﻴﺐُ ُﺳﻮ ٌد * ات ﻣﱡ ْﺨﺘَﻠ ًِﻔﺎ أ َ ْﻟﻮَاﻧُﻬَ ﺎ ۚ َوﻣ َِﻦ ا ْﻟ ِﺠﺒ ِ ﻦ ﻋِ ﺒَﺎدِ ِه ا ْﻟﻌُ َﻠﻤَ ﺎءُ﴾12 . ﺎس وَاﻟ ﱠﺪوَابﱢ و َْاﻷَﻧْﻌَ ﺎ ِم ﻣ ْ ُﺨﺘَﻠ ٌ ِﻒ أ َ ْﻟﻮَاﻧ ُ ُﻪ َﻛ ٰﺬَ ِﻟ َﻚ إِﻧﱠﻤَ ﺎ ﻳ َْﺨ َﴙ ﷲ َ ِﻣ ْ َوﻣ َِﻦ اﻟﻨ ﱠ ِ أي اﻟﻌﻠﻤﺎء ﺑﻤﺎ ذﻛﺮ ﰲ اﻵﻳﺔ ﻣﻦ املﺎء واﻟﻨﺒﺎت واﻟﺠﺒﺎل وﺳﺎﺋﺮ املﻮاﻟﻴﺪ املﺨﺘﻠﻔﺔ اﻷﻟﻮان وﻣﺎ ﻓﻴﻬﺎ ﻣﻦ أﴎار اﻟﺨﻠﻖ ،ﻻ اﻟﻌﻠﻤﺎء ﺑﺎﻟﺼﻼة واﻟﺼﻴﺎم واﻟﻘﻴﺎم. وﻗﺪ ﻛﻨﺎ ﻇﻨﻨﺎ ﻫﺬا اﻟﺮﺟﻞ ﻋﲆ ﳾء ﻣﻦ ﺣﺐ اﻟﺤﻘﻴﻘﺔ ،ﻓﻠﻤﺎ أﻧﻜﺮ املﺪﻧﻴﺔ اﻹﺳﻼﻣﻴﺔ رددﻧﺎ ﻋﻠﻴﻪ ﻣﻦ املﻨﺎر وﺟﺎدﻟﻨﺎه ﺑﺎﻟﺘﻲ ﻫﻲ أﺣﺴﻦ ،وﻋﻈﻤﻨﺎ ﻣﻦ ﻗﺪر املﺪﻧﻴﺔ املﺴﻴﺤﻴﺔ، ووﻗﺮﻧﺎ ﻣﻨﻬﺎ ،ورددﻧﺎ ﻋﲆ اﻟﻘﺎﺋﻠني ﻣﻦ اﻷوروﺑﻴني ﺑﺄن اﻟﻨﴫاﻧﻴﺔ ﻛﺎﻧﺖ ً وﻗﻔﺎ ﻟﺴري املﺪﻧﻴﺔ، وﺳﺒﺒًﺎ ﻟﺴﻘﻮط اﻟﻴﻮﻧﺎن واﻟﺮوﻣﺎن ،إﱃ ﻏري ذﻟﻚ. ﻓﻜﺎن ﻣﻦ ﺳﻴﻜﺎر ﻫﺬا أن ﻧﴩ ﺳﻠﺴﻠﺔ ﻣﻘﺎﻻت ﺗﺘﻀﻤﻦ ﻣﻦ اﻟﻄﻌﻦ ﻋﲆ اﻹﺳﻼم ﻣﺎ ﻟﻮ ﻧﺴﺘﻐﻦ ﻋﻦ إﻳﺮاد ﺷﺒﻪ واﻋﱰاﺿﺎت ﺗﺘﻌﻠﻖ ﺑﺎﻟﺪﻳﻦ املﺴﻴﺤﻲ ﻣﻤﺎ ﻧﺄﺑﻰ أن ﺟﺌﻨﺎ ﺑﺮده ﻟﻢ ِ ﻧﺘﻌﺮض ﻟﻪ؛ ﻷﻧﻪ ﻟﻴﺲ ﻣﻦ اﻟﻌﺪل ،وﻻ ﻣﻦ اﻟﻜﻴﺎﺳﺔ ،وﻻ ﻣﻦ ﺣﺴﻦ اﻟﺬوق أن ﻧﻐﻴﻆ إﺧﻮاﻧﻨﺎ املﺴﻴﺤﻴني ﻣﻦ أﺟﻞ رﺟﻞ اﺳﻤﻪ ﺳﻴﻜﺎر أو ﻏريه ﻣﻦ ﻫﺬه اﻟﻄﺒﻘﺔ ﻣﻦ اﻟﺪﻋﺎة واملﺒﴩﻳﻦ ،ﻫﺬا 84
ﺣﺚ اﻟﻘﺮآن ﻋﲆ اﻟﻌﻠﻢ
زاﺋﺪًا إﱃ ﻣﺎ رأﻳﻨﺎه ﰲ ﻛﻼﻣﻪ ﻣﻦ اﻟﺨﻠﻂ واﻟﺨﺒﻂ واملﻐﺎﻟﻄﺔ اﻟﺘﻲ ﻣﻦ ﻗﺒﻴﻞ ﻗﻮﻟﻪ :إن اﻟﻌﻠﻢ املﻘﺼﻮد ﰲ اﻟﻘﺮآن ﻟﻴﺲ ﻫﻮ اﻟﻌﻠﻢ املﻌﺮوف ﻋﻨﺪ اﻟﻨﺎس ﺑﻤﻔﻬﻮﻣﻪ املﻄﻠﻖ ،وإﻧﻤﺎ ﻫﻮ اﻟﻌﻠﻢ اﻟﺪﻳﻨﻲ ﻓﻘﻂ؛ ﻷن اﻟﻘﺮآن ﻻ ﻳﻬﻤﻪ ﳾء ﻣﻦ ﻋﻠﻮم اﻟﺪﻧﻴﺎ! ﻓﻤﻜﺎﺑﺮ ﻛﻬﺬا ﻻ ﻳﺴﺘﺤﻖ اﻟﺠﻮاب. ﺛﻢ ﻋﻠﻤﻨﺎ أن املﺴﻴﻮ ﺳﻴﻜﺎر ﻫﺬا ﻫﻮ ﻣﻦ ﻣﺴﺘﺨﺪﻣﻲ ﻓﺮﻧﺴﺔ ﰲ اﻟﺮﺑﺎط ﺑﺈدارة اﻷﻣﻮر اﻹﺳﻼﻣﻴﺔ ،وأﻧﻪ ﻫﻮ واملﺴﻴﻮ ﻟﻮﻳﺲ ﺑﺮﻳﻨﻮ ﻣﺪﻳﺮ اﻟﺘﻌﻠﻴﻢ اﻹﺳﻼﻣﻲ ﻫﻨﺎك ،واﻟﻘﻮﻣﻨﺪان ﻣﺎرﻛﻮ ﻣﺪﻳﺮ ﻗﻠﻢ املﺮاﻗﺒﺔ ﻋﲆ اﻟﺠﺮاﺋﺪ واملﻄﺒﻮﻋﺎت ،واﻟﻘﻮﻣﻨﺪان ﻣﺎرﺗﻲ ﻣﺴﺘﺸﺎر اﻟﻌﺪﻟﻴﺔ اﻹﺳﻼﻣﻴﺔ ورﻫ ً ﻄﺎ آﺧﺮﻳﻦ — ﻫﻢ اﻟﺬﻳﻦ ﻟﻌﺒﻮا اﻟﺪور اﻷﻫﻢ ﰲ ﻗﻀﻴﺔ اﻟﻌﻤﻞ ﻟﺘﻨﺼري اﻟﱪﺑﺮ. وﻣﺎ ﻛﺎن اﺳﺘﺨﺪام ﻓﺮﻧﺴﺔ ﻟﻬﻢ ﰲ ﻣﻬﻤﺎت ﻛﻠﻬﺎ ﻋﺎﺋﺪة ﻟﻺﺳﻼم إﻻ ﻋﲆ ﻧﻴﺔ ﻧﻘﺾ ﻛﻞ ﻣﺎ ﻳﻘﺪرون ﻋﻠﻴﻪ ﻣﻦ ﺑﻨﺎء اﻹﺳﻼم ﺑﺎملﻐﺮب ،وﺳﺘﺬوق ﻓﺮﻧﺴﺎ وﻟﻮ ﺑﻌﺪ ﺣني وﺑﺎل ﻣﺎ ﻋﻤﻠﺘﻪ وﺗﻌﻤﻠﻪ ﻣﻦ اﻟﺘﻌﺮض ﻟﻠﺪﻳﻦ اﻹﺳﻼﻣﻲ اﻟﺬي ﺗﻌﻬﺪت ﰲ ﻣﻌﺎﻫﺪاﺗﻬﺎ ﺑﺎﺣﱰاﻣﻪ. إﻧﺎ ﻻ ﻧﺮﻳﺪ ﻟﻔﺮﻧﺴﺎ إﻻ ﺧريًا وﻟﻜﻨﻨﺎ ﻧﻨﺼﺢ ﻟﻬﺎ ﺑﺎﻟﻌﺪول ﻋﻦ ﻫﺬه اﻟﺴﻴﺎﺳﺔ اﻟﺘﻲ ﻫﻲ ﻋﲆ ﺧﻂ ﻣﺴﺘﻘﻴﻢ ﺿﺪ املﺒﺎدئ اﻟﺘﻲ ﺗﻌﻠﻨﻬﺎ ﻋﻦ ﻧﻔﺴﻬﺎ ﻣﻦ أن اﻷدﻳﺎن ﰲ ﻧﻈﺮﻫﺎ ﻋﲆ ﺣﺪ ﺳﻮاء! ﻓﺈن ﻛﺎﻧﺖ اﻷدﻳﺎن ﻋﻨﺪ اﻟﺪوﻟﺔ اﻹﻓﺮﻧﺴﻴﺔ ﻋﲆ ﺣﺪ ﺳﻮاء؛ ﻓﻠﻤﺎذا ﻫﺬا اﻻﺟﺘﻬﺎد ﰲ ﺗﻨﺼري اﻟﱪﺑﺮ وﻫﻢ ﻣﺴﻠﻤﻮن؟! وملﺎذا ﻫﺬه املﺴﺎﻋﻲ اﻟﺤﺜﻴﺜﺔ ﰲ ﺗﻨﺼري اﻟﻌﻠﻮﻳني ﺳﻜﺎن ﺟﺒﺎل اﻟﻼذﻗﻴﺔ ،وﰲ ﻓﺼﻠﻬﻢ ﻋﻦ اﻟﻮﺣﺪة اﻟﺴﻮرﻳﺔ ،واﻟﺤﺎل أن اﻟﻌﻠﻮﻳني ﻫﻢ ﻓﺮﻗﺔ ﻣﻦ اﻟﻔﺮق اﻹﺳﻼﻣﻴﺔ ﻛﻤﺎ ﻻ ﻳﺨﻔﻰ؟! وﻛﺬﻟﻚ ﻧﻨﺼﺢ اﻹﻧﻜﻠﻴﺰ ﺑﺎﻟﻌﺪول ﻋﻦ دﻋﺎﻳﺘﻬﻢ اﻟﺪﻳﻨﻴﺔ ﰲ اﻟﺴﻮدان واﻷوﻏﺎﻧﺪة ،وﻧﻨﺼﺢ ﻟﻬﻮﻻﻧﺪة ﺑﱰك دﻋﺎﻳﺘﻬﺎ اﻟﺪﻳﻨﻴﺔ ﺑني ﻣﺴﻠﻤﻲ إﻧﺪوﻧﻴﺴﻴﺎ. ﻛﻠﻤﺔ ﻟﻄﻼب اﻟﻨﻬﻀﺔ اﻟﻘﻮﻣﻴﺔ دون اﻟﺪﻳﻨﻴﺔ ﻳﻘﻮل ﺑﻌﺾ اﻟﻨﺎس 13ﻣﺎ ﻟﻨﺎ وﻟﻠﺮﺟﻮع إﱃ اﻟﻘﺮآن ﰲ اﺑﺘﻌﺎث ﻫﻤﻢ املﺴﻠﻤني إﱃ اﻟﺘﻌﻠﻴﻢ! ﻓﺈن اﻟﻨﻬﻀﺔ ﻻ ﻳﻨﺒﻐﻲ أن ﺗﻜﻮن دﻳﻨﻴﺔ ،ﺑﻞ وﻃﻨﻴﺔ ﻗﻮﻣﻴﺔ ﻛﻤﺎ ﻫﻲ ﻧﻬﻀﺔ أﻫﻞ أوروﺑﺔ؟! وﻧﺠﻴﺒﻬﻢ :أن املﻘﺼﻮد ﻫﻮ اﻟﻨﻬﻀﺔ؛ ﺳﻮاء ﻛﺎﻧﺖ وﻃﻨﻴﺔ أم دﻳﻨﻴﺔ 14ﻋﲆ ﴍط أن ﺗﺘﻮﻃﻦ ﺑﻬﺎ اﻟﻨﻔﻮس ﻋﲆ اﻟﺨﺐ ﰲ ﺣﻠﺒﺔ اﻟﻌﻠﻢ ،وﻟﻜﻨﻨﺎ ﻧﺨﴙ إن ﺟﺮدﻧﺎﻫﺎ ﻣﻦ دﻋﻮة اﻟﻘﺮآن أن ﺗﻔﴤ ﺑﻨﺎ إﱃ اﻹﻟﺤﺎد واﻹﺑﺎﺣﺔ وﻋﺒﺎدة اﻷﺑﺪان واﺗﺒﺎع اﻟﺸﻬﻮات ،ﻣﻤﺎ ﴐره ﻳﻔﻮت ﻧﻔﻌﻪ، ﻓﻼ ﺑﺪ ﻟﻨﺎ ﻣﻦ ﺗﺮﺑﻴﺔ ﻋﻠﻤﻴﺔ ﺳﺎﺋﺮة ﺟﻨﺒًﺎ إﱃ ﺟﻨﺐ ﻣﻊ ﺗﺮﺑﻴﺔ دﻳﻨﻴﺔ ،وﻫﻞ ﻳﻈﻦ اﻟﻨﺎس ﻋﻨﺪﻧﺎ ﰲ اﻟﴩق أن ﻧﻬﻀﺔ ﻣﻦ ﻧﻬﻀﺎت أوروﺑﺎ ﺟﺮت دون ﺗﺮﺑﻴﺔ دﻳﻨﻴﺔ؟! وﻫﻞ ﺟﺮت ﻧﻬﻀﺔ اﻟﻴﺎﺑﺎن دون ﺗﺮﺑﻴﺔ دﻳﻨﻴﺔ؟! 85
ملﺎذا ﺗﺄﺧﺮ املﺴﻠﻤﻮن؟ وملﺎذا ﺗﻘﺪم ﻏريﻫﻢ؟
أﻓﻠﻢ ﻳﻘﻞ رﺋﻴﺲ ﻧﻈﺎر أملﺎﻧﻴﺎ ﰲ اﻟﺮاﻳﺴﺘﺎغ ﻣﻨﺬ ﺛﻼث ﺳﻨﻮات :إن ﺛﻘﺎﻓﺘﻨﺎ ﻣﺒﻨﻴﺔ ﻋﲆ اﻟﺪﻳﻦ املﺴﻴﺤﻲ؟ وﻫﺬه ﻫﻮ إﻋﻼن أملﺎﻧﻴﺎ اﻟﺘﻲ ﻫﻲ املﺜﻞ اﻷﻋﲆ ﰲ اﻟﻌﻠﻢ واﻟﺼﻨﺎﻋﺔ وإﺗﻘﺎن اﻵﻻت واﻷدوات ،ﻻ ﻳﻨﺎزع ﰲ ذﻟﻚ أﺣﺪ ،وﻻ أﻋﺪاؤﻫﺎ. أﻓﺘﻮﺟﺪ ﺟﺎﻣﻌﺔ ﰲ أملﺎﻧﻴﺎ أو إﻧﻜﻠﱰا أو ﻏريﻫﻤﺎ ﻣﻦ ﻫﺬه املﻤﺎﻟﻚ اﻟﺮاﻗﻴﺔ ﻣﻦ دون أن ﻳﻜﻮن ﻓﻴﻬﺎ ﻋﻠﻢ اﻟﻼﻫﻮت املﺴﻴﺤﻲ؟! 15 ﺛﻢ إﻧﻬﻢ ﻋﻨﺪﻣﺎ ﻳﻘﻮﻟﻮن :ﰲ أوروﺑﺎ )ﻧﻬﻀﺔ وﻃﻨﻴﺔ( أو )ﻧﻬﻀﺔ ﻗﻮﻣﻴﺔ( أو ﺟﺎﻣﻌﺔ وﻃﻨﻴﺔ أو ﻗﻮﻣﻴﺔ ،ﻻ ﻳﻜﻮن ﻣﺮادﻫﻢ ﺑﺎﻟﻮﻃﻦ :اﻟﱰاب واملﺎء واﻟﺸﺠﺮ واﻟﺤﺠﺮ ،وﻻ ﺑﺎﻟﻘﻮم: اﻟﺴﻼﻟﺔ اﻟﺘﻲ ﺗﻨﺤﺪر ﻛﻠﻬﺎ ﻣﻦ دم واﺣﺪ ،وإﻧﻤﺎ اﻟﻮﻃﻦ واﻟﻘﻮم ﻋﻨﺪﻫﻢ ﻟﻔﻈﺘﻬﺎ ﺗﺪﻻن ﻋﲆ وﻃﻦ وأﻣﻪ ﺑﻤﺎ ﻓﻴﻬﻤﺎ ﻣﻦ ﺟﻐﺮاﻓﻴﺔ وﺗﺎرﻳﺦ وﺛﻘﺎﻓﺔ وﺣﺮث وﻋﻘﻴﺪة ودﻳﻦ وﺧﻠﻖ وﻋﺎدة؛ ﻣﺠﻤﻮﻋً ﺎ ذﻟﻚ ﻣﻌً ﺎ ،وﻫﺬا اﻟﺬي ﻳﻨﺎﺿﻠﻮن ﻋﻨﻪ ،وﻳﺴﺘﺒﺴﻠﻮن ﻛﻞ ﻫﺬا اﻻﺳﺘﺒﺴﺎل ﻣﻦ أﺟﻠﻪ. ﻫﻮاﻣﺶ ) (1اﻟﺰﻣﺮ.٩ : ) (2اﻟﺒﻘﺮة :ﻣﻦ اﻵﻳﺔ .٢٤٧ ) (3آل ﻋﻤﺮان :ﻣﻦ اﻵﻳﺔ .٧ ) (4آل ﻋﻤﺮان :ﻣﻦ اﻵﻳﺔ .١٨ ) (5اﻟﻌﻨﻜﺒﻮت :ﻣﻦ اﻵﻳﺔ .٤٩ ) (6املﺠﺎدﻟﺔ :ﻣﻦ اﻵﻳﺔ .١١ ) (7اﻟﺒﻘﺮة :ﻣﻦ اﻵﻳﺔ ،١٢٩وآل ﻋﻤﺮان :ﻣﻦ اﻵﻳﺔ ،١٦٤واﻟﺠﻤﻌﺔ :ﻣﻦ اﻵﻳﺔ .٢ ) (8اﻟﺒﻘﺮة.٢٦٩ : ) (9اﻟﻨﺴﺎء :ﻣﻦ اﻵﻳﺔ .٥٣ ) (10اﻟﺠﻤﻌﺔ.٢ : ) (11ﺗﺘﻤﺘﻪ» :ﻓﺈن ﻃﻠﺐ اﻟﻌﻠﻢ ﻓﺮﻳﻀﺔ ﻋﲆ ﻛﻞ ﻣﺴﻠﻢ« رواه اﻟﻌﻘﻴﲇ واﺑﻦ ﻋﺪي واﻟﺒﻴﻬﻘﻲ واﺑﻦ ﻋﺒﺪ اﻟﱪ ﻋﻦ أﻧﺲ ،وﻓﻴﻪ ﻋﻨﺪ اﻷﺧري زﻳﺎدة أﺧﺮى ﰲ ﻓﻀﻞ اﻟﻌﻠﻢ ،وﻟﻪ ﻃﺮق ﻳﻘﻮي ﺑﻌﻀﻬﺎ ً ﺑﻌﻀﺎ )ر(. ) (12ﻓﺎﻃﺮ :اﻵﻳﺘﺎن ٢٧و.٢٨ ) (13أي ﻣﻦ ﻣﻼﺣﺪة املﺴﻠﻤني اﻟﺠﺎﻫﻠني أو املﺘﺠﺎﻫﻠني ﻟﺤﺎل أوروﺑﺎ ﰲ ﻋﺼﺒﻴﺘﻬﺎ اﻟﺪﻳﻨﻴﺔ )ر(. 86
ﺣﺚ اﻟﻘﺮآن ﻋﲆ اﻟﻌﻠﻢ
) (14وﻟﻜﻦ املﺴﺌﻮل ﻋﻨﻪ ﻫﻮ ﻧﻬﻀﺔ املﺴﻠﻤني ﻣﻦ ﺣﻴﺚ ﻫﻢ ﻣﺴﻠﻤﻮن. ) (15وﻫﺬا ﺑﻌﺪ اﻟﱰﺑﻴﺔ املﻨﺰﻟﻴﺔ اﻟﺪﻳﻨﻴﺔ املﺤﻀﺔ ،واﻟﱰﺑﻴﺔ املﺪرﺳﻴﺔ اﻻﺑﺘﺪاﺋﻴﺔ؛ وﺟﻠﻬﺎ دﻳﻨﻴﺔ )ر(.
87
أﺳﺒﺎب اﻧﺤﻄﺎط اﳌﺴﻠﻤﲔ ﰲ اﻟﻌﴫ اﻷﺧﲑ
ﻣﻦ أﻋﻈﻢ أﺳﺒﺎب اﻧﺤﻄﺎط املﺴﻠﻤني ﰲ اﻟﻌﴫ اﻷﺧري ﻓﻘﺪﻫﻢ ﻛﻞ ﺛﻘﺔ ﺑﺄﻧﻔﺴﻬﻢ؛ وﻫﻮ ﻣﻦ أﺷﺪ اﻷﻣﺮاض اﻻﺟﺘﻤﺎﻋﻴﺔ ،وأﺧﺒﺚ اﻵﻓﺎت اﻟﺮوﺣﻴﺔ ،ﻻ ﻳﺘﺴﻠﻂ ﻫﺬا اﻟﺪاء ﻋﲆ إﻧﺴﺎن إﻻ أودى ﺑﻪ ،وﻻ ﻋﲆ أﻣﻪ إﻻ ﺳﺎﻗﻬﺎ إﱃ اﻟﻔﻨﺎء وﻛﻴﻒ ﻳﺮﺟﻮ اﻟﺸﻔﺎءَ ﻋﻠﻴ ٌﻞ ﻳﻌﺘﻘﺪ ﺑﺤﻖ أو ﺑﺒﺎﻃﻞ أن ﻋﻠﺘﻪ ﻗﺎﺗﻠﺘﻪ؟! وﻗﺪ أﺟﻤﻊ اﻷﻃﺒﺎء ﰲ اﻷﻣﺮاض اﻟﺒﺪﻧﻴﺔ أن اﻟﻘﻮة املﻌﻨﻮﻳﺔ ﻫﻲ رأس اﻷدوﻳﺔ ،وأن أﻋﻈﻢ ﻋﻮاﻣﻞ اﻟﺸﻔﺎء إرادة اﻟﺸﻔﺎء ،ﻓﻜﻴﻒ ﻳﺼﻠﺢ املﺠﺘﻤﻊ اﻹﺳﻼﻣﻲ وﻣﻌﻈﻢ أﻫﻠﻪ ﻳﻌﺘﻘﺪون أﻧﻬﻢ ﻻ ﻳﺼﻠﺤﻮن ﻟﴚء ،وﻻ ﻳﻤﻜﻦ أن ﻳﺼﻠﺢ ﻋﲆ أﻳﺪﻳﻬﻢ ﳾء ،وأﻧﻬﻢ إن اﺟﺘﻬﺪوا أو ﻗﻌﺪوا ﻓﻬﻢ ﻻ ﻳﻘﺪرون أن ﻳﻀﺎرﻋﻮا اﻷوروﺑﻴني ﰲ ﳾء؟! وﻛﻴﻒ ﻳﻤﻜﻨﻬﻢ أن ﻳﻨﺎﻫﻀﻮا اﻷوروﺑﻴني ﰲ ﻣﻌﱰك وﻫﻢ ﻣﻮﻗﻨﻮن أن اﻟﻄﺎﺋﻠﺔ اﻷﺧرية ﺳﺘﻜﻮن ﻟﻸوروﺑﻴني ﻻ ﻣﺤﺎﻟﺔ؟! ﻓﺼﺎل ﻣﺜﻠﻬﻢ ﻣﻊ ﻫﺆﻻء ﻣﺜﻞ أوﻟﺌﻚ اﻷﻗﺮان اﻟﺬﻳﻦ ﻛﺎن ﻳﺒﻄﺶ ﺑﻬﻢ ﺳﻴﺪﻧﺎ ﻋﲇ — رﴈ ﷲ ﻋﻨﻪ — ﰲ وﻗﺎﺋﻌﻪ؛ ﻓﻘﺪ ﺣﺪﺛﻮا أﻧﻪ ﺳﻤﻌﺖ ﻟﻪ ﰲ ﺻﻔني أرﺑﻊ ﻣﺌﺔ ﺗﻜﺒرية ،وﻛﺎن ﻣﻦ ﻋﺎدﺗﻪ — ﻛ ﱠﺮم ﷲ وﺟﻬﻪ — أﻧﻪ ﱢ ﻳﻜﱪ ﻛﻠﻤﺎ ﴏع ﻗﺮﻧًﺎ ،ﻓﻘﻴﻞ ﻟﻪ ﰲ ذﻟﻚ؛ ﻓﺄﺟﺎب :ﻛﻨﺖ إذا ﺣﻤﻠﺖ ﻋﲆ اﻟﻔﺎرس ﻇﻨﻨﺖ أﻧﻲ ﻗﺎﺗﻠﻪ؛ ﻓﻜﻨﺖ أﻧﺎ وﻧﻔﺴﻪ ﻋﻠﻴﻪ. وﻫﻜﺬا أﺻﺒﺢ املﺴﻠﻤﻮن ﰲ اﻷﻋﴫ اﻷﺧرية ﻳﻌﺘﻘﺪون أﻧﻪ ﻣﺎ ﻣﻦ ﴏاع ﺑني املﺴﻠﻢ واﻷوروﺑﻲ إﻻ ﺳﻴﻨﺘﻬﻲ ﺑﻤﴫع املﺴﻠﻢ وﻟﻮ ﻃﺎل ﻛﻔﺎﺣﻪ ،وﻗﺮ ذﻟﻚ ﰲ ﻧﻔﻮﺳﻬﻢ ،وﺗﺨﻤﱠ ﺮ ﰲ رءوﺳﻬﻢ ،ﻻ ﺳﻴﻤﺎ ﻫﺬه اﻟﻄﺒﻘﺔ اﻟﺘﻲ ﺗﺰﻋﻢ أﻧﻬﺎ اﻟﻄﺒﻘﺔ املﻔﻜﺮة اﻟﻌﺎﻗﻠﺔ املﻮﻟﻌﺔ ﺑﺎﻟﺤﻘﺎﺋﻖ، اﻟﺼﺎدﻓﺔ ﻋﻦ اﻟﺨﻴﺎﻻت — ﺑﺰﻋﻤﻬﺎ — ﻓﺈﻧﻬﺎ ﺻﺎرت ﺗﻘﺮر ﻫﺬه اﻟﻘﺎﻋﺪة املﺸﺌﻮﻣﺔ ﰲ ﻛﻞ ﻧﺎدٍ ،وﺗﺠﻌﻞ اﻟﺘﺸﺎؤم املﺴﺘﻤﺮ واﻟﻨﻌﺎب اﻟﺪاﺋﻢ ﻣﻦ دﻻﺋﻞ اﻟﻌﻘﻞ وﺳﻌﺔ اﻹدراك ،وﺗﺤﺴﺐ اﻟﻴﺄس ﻣﻦ ﺻﻼح ﺣﺎل املﺴﻠﻤني ﻣﻦ ﻣﻘﺘﻀﻴﺎت اﻟﻌﻠﻢ واﻟﺤﻜﻤﺔ وﻣﺎ زاﻟﺖ ﺗﻨﻔﺦ ﰲ ﺑﻮق اﻟﺘﺜﺒﻴﻂ ،وﺗﺒﺚ ﰲ ﺳﻮاد اﻷﻣﺔ دﻋﺎﻳﺔ اﻟﻌﺠﺰ؛ إﱃ أن ﺻﺎر اﻻﺳﺘﺨﺬاء دﻳﺪن اﻟﺠﻤﻴﻊ إﻻ ﻣﻦ رﺣﻢ ﺑﻚ ،وﻛﺎﻧﺖ روﺣﻪ ﻣﻦ أﺻﻞ ﻓﻄﺮﺗﻬﺎ ﻗﻮﻳﺔ ﻋﺰﻳﺰة.
ملﺎذا ﺗﺄﺧﺮ املﺴﻠﻤﻮن؟ وملﺎذا ﺗﻘﺪم ﻏريﻫﻢ؟
وﻟﻢ ﺗﻘﺘﴫ ﻫﺬه اﻟﻔﺌﺔ ﻋﲆ اﻟﻘﻮل ﺑﺄن ﺣﺎﻟﺔ املﺴﻠﻤني اﻟﺤﺎﴐة ﻫﻲ ﻣﱰدﻳﺔ ﻣﺘﺪﻧﻴﺔ ﻻ ﺗﻘﺎس ﺑﺤﺎﻟﺔ اﻹﻓﺮﻧﺞ ﰲ ﻗﻠﻴﻞ وﻻ ﻛﺜري ﺑﻞ زﻋﻤﺖ أن اﻟﺘﻌﺐ ﰲ ﻣﺠﺎراة املﺴﻠﻤني ﻟﻺﻓﺮﻧﺞ ﰲ ﻋﻠﻢ أو ﺻﻨﺎﻋﺔ أو ﻛﺴﺐ أو ﺗﺠﺎرة أو زراﻋﺔ أو ﺣﺮب أو ﺳﻠﻢ أو أي ﻣﻨﺤﻰ ﻣﻦ ﻣﻨﺎﺣﻲ اﻟﻌﻤﺮان ﻫﻮ ﴐب ﻣﻦ املﺤﺎل ،وﺷﻐﻞ ﺑﺎﻟﻌﺒﺚ ﻻ ﻳﻠﻴﻖ ﺑﺎﻟﻌﺎﻗﻞ إﺗﻴﺎﻧﻪ ،وﻛﺄن املﺴﻠﻤني ﻣﻦ ﻃﻴﻨﺔ ،واﻹﻓﺮﻧﺞ ﻣﻦ ﻃﻴﻨﺔ أﺧﺮى ،ﻓﻌﻠ ﱡﻮ اﻹﻓﺮﻧﺞ ﻋﲆ املﺴﻠﻤني أﻣﺮ ﻻ ﺑﺪ ﻣﻨﻪ؛ وﻛﺄﻧﻪ ﻛﺘﺐ ﰲ ﱠ وﺟﻒ ﺑﻪ اﻟﻘﻠﻢ ،وﻟﻢ َ ﻳﺒﻖ أﻣﺎم املﺴﻠﻤني إﻻ أن ﻳﻌﻠﻤﻮا ﻛﻮﻧﻬﻢ ﻃﺒﻘﺔ ﻣﻨﺤﻄﺔ اﻟﻠﻮح املﺤﻔﻮظ ﻋﻦ ﻃﺒﻘﺔ اﻹﻓﺮﻧﺠﺔ وﻳﻌﻤﻠﻮا ﺑﻤﻘﺘﴣ ﻫﺬه اﻟﻌﻘﻴﺪة. وﻛﺜريًا ﻣﺎ وﻗﻌﺖ ﱄ ﻣﺠﺎدﻻت ﻣﻊ ﻫﺆﻻء املﻔﻠﺴﻔني ﺑﺎﻟﻔﺎرغ ﺻﻐﺎر اﻟﻨﻔﻮس ،وﻟﻢ ﻳﻜﻦ ﻳﺪﺧﻞ ﰲ ﻋﻘﻮﻟﻬﻢ املﻨﻄﻖ ،وﻻ ﻳﻌﻈﻬﻢ اﻟﺘﺎرﻳﺦ ،وﻻ ﻳﻨﻔﻊ ﰲ إﻗﻨﺎﻋﻬﻢ ﻋﻠﻢ اﻟﻄﺒﻴﻌﺔ وﻻ اﻟﺘﴩﻳﺢ ،وﻻ ﻳﺤﻴﻚ ﺑﻬﻢ اﺳﺘﻨﺘﺎج وﻻ ﻗﻴﺎس؛ وذﻟﻚ ملﺎ ﻏﻠﺐ ﻋﻠﻴﻬﻢ ﻣﻦ آﻓﺔ اﻟﺬل ،وﻣﺮض اﻻﺳﺘﺨﺬاء ،وﻗﺪ أﺣﺲ اﻷوروﺑﻴﻮن ﺑﻤﺎ ﻋﻨﺪ املﺴﻠﻤني ﻣﻦ ﻫﺬه اﻟﺤﺎﻟﺔ اﻟﺮوﺣﻴﺔ املﻮاﻓﻘﺔ ملﺼﺎﻟﺤﻬﻢ اﻻﺳﺘﻌﻤﺎرﻳﺔ ،ﻓﺼﺎروا ﻳﺮوﺟﻮﻧﻬﺎ ﻓﻴﻬﻢ ،وﻳﻘﻮوون ﻋﻨﺪﻫﻢ ﻫﺬه اﻟﻌﻘﻴﺪة ،ﻓﺎﻧﻄﺒﻖ ﺿﺎ﴾1 . ض َﻓ َﺰاد َُﻫ ُﻢ ﷲ ُ ﻣَ َﺮ ً ﴿ﰲ ُﻗﻠُﻮ ِﺑ ِﻬﻢ ﻣﱠ َﺮ ٌ ﻋﲆ ﻫﺆﻻء اﻟﻨﺎﻋﻘني ﺑﺎﻟﺒني اﻵﻳﺔ اﻟﴩﻳﻔﺔِ : وﻟﻢ ﻳﻜﻦ اﻹﻓﺮﻧﺠﺔ وﺳﻌﺎﺗﻬﻢ ودﻋﺎﺗﻬﻢ ﺑﻤﻠﻮﻣني ﻋﲆ ﺗﺮوﻳﺞ ﻫﺬه اﻟﻨﻈﺮﻳﺎت اﻟﺘﺎﻋﺴﺔ ﺑني املﺴﻠﻤني؛ ﻷﻧﻬﺎ ﻣﻤﺎ ﻳﺴﻬﱢ ﻞ اﻻﺳﺘﻌﻤﺎر وﻳﻤﻬﱢ ﺪ ﻃﺮﻗﻪ وﻳﻜﻔﻴﻬﻢ املﻘﺎﺗﻼت واملﻨﺎزﻻت وﻳﻮﻓﺮ ﻋﻠﻴﻬﻢ املﺰاﺣﻤﺎت واﻟﺴﺎﺑﻘﺎت ،وﻳﺠﻌﻞ ﻟﻬﻢ اﻟﺘﻔﻮﱡق ﺑﻼ ﻧﺰاع ،واﻟﺘﺴ ﱡﻠﻂ دون ﺟﺪال وﻟﻜﻦ اﻟﻌﺠﺐ ﻛﻞ اﻟﻌﺠﺐ ﻣﻦ ﻫﺆﻻء املﺴﻠﻤني اﻟﺬﻳﻦ أﻣﺮﻫﻢ ﷲ ﻟﻴﺘﺼﻔﻮا ﺑﺎﻟﻌﺰة وﻳﺘﺴﻤﻮا ﺑﺎﻷﻧﻔﺔ وﻳﺴﺘﻮﻓﻮا ﺗﻤﺎم اﻟﺮﺟﻮﻟﺔ ﻛﻴﻒ ﻛﺎﻧﻮا ﻳﻨﻘﺎدون ﻟﻬﺬه اﻷﺿﺎﻟﻴﻞ اﻟﺘﻲ ﻣﺂﻟﻬﺎ ﻋﺒﻮدﻳﺘﻬﻢ ﻟﻸﺟﺎﻧﺐ ،ﻟﻘﺪ ﺻﺪق ﻓﻴﻬﻢ ﻛﻼم ﷲ — ﺗﻌﺎﱃَ ﴿ :وﻓِﻴ ُﻜ ْﻢ َﺳﻤﱠ ﺎﻋُ َ ﻮن َﻟﻬُ ْﻢ ۗ َوﷲ ُ ﻋَ ﻠِﻴ ٌﻢ ني﴾2 . ِﺑﺎﻟ ﱠ ﻈﺎﻟ ِِﻤ َ وأﻛﺜﺮ ﻣﺎ ﻛﺎﻧﻮا ﻳﺆﻛﺪوﻧﻪ ﻟﻠﻨﺎس ﻣﻦ ﻋﺪم ﻗﺎﺑﻠﻴﺔ املﺴﻠﻤني ﻫﻮ اﺳﺘﺤﺎﻟﺔ ﻗﻴﺎﻣﻬﻢ ﺑﺎملﴩوﻋﺎت اﻟﻌﻤﺮاﻧﻴﺔ واﻷﻋﻤﺎل املﺎدﻳﺔ وﻛﻞ ﻣﺎ ﻳﺘﻌﻠﻖ ﺑﻪ ﺣﺴﺎب ورﻗﻢ أو ﻣﺴﺎﺣﺔ وﻗﻴﺎس؛ ﻓﺈذا ﻗﻠﺖ ﻟﻬﻢ :إن ﻛﺎن املﺴﻠﻤﻮن ﻻ ﻳﺤﺴﻨﻮن ﻫﺬه اﻟﻌﻠﻮم ﻛﻤﺎ ﺗﺰﻋﻤﻮن ﻓﻜﻴﻒ اﺳﺘﻄﺎﻋﻮا أن ﻳﺆﺛﺮوا ﻫﺬه اﻵﺛﺎر اﻟﺒﺎﻫﺮة اﻟﺘﻲ ﻳﺆﻣﻬﺎ اﻟﺴﻴﺎح ﻣﻦ أﻗﺎﴆ اﻟﺪﻧﻴﺎ وﻛﻴﻒ ﻣﻠﺌﻮا ﻣﴫ واﻟﺸﺎم واﻟﻌﺮاق واملﻐﺮب وإﻳﺮان واﻟﻬﻨﺪ واﻟﻘﺴﻄﻨﻄﻴﻨﻴﺔ وﻏريﻫﺎ ﻣﺒﺎﻧﻲ وﻣﺆﺳﺴﺎت ﺗﺒﻬﺮ اﻷﺑﺼﺎر وﺗﺤري اﻷﻓﻜﺎر وﻛﺎﻧﺖ ﻟﻬﻢ ﻣﻌﺎﻣﻞ وﻣﻨﺎﺳﺞ ودور ﺻﻨﺎﻋﺎت ﻣﺘﻨﻮﻋﺔ وﻏري ذﻟﻚ ﻣﻤﺎ ﻳﻌﺪ ﰲ اﻟﺼﻨﺎﻋﺔ ﻣﻦ اﻟﻄﺮاز اﻷول؟ أﺟﺎﺑﻮك :ﻗﺪ ﻛﺎن ﻫﺬا ﻗﺒﻞ أن ﻳﺮﻗﻰ اﻹﻓﺮﻧﺞ ﻫﺬا اﻟﺮﻗﻲ اﻟﺤﺪﻳﺚ ،وﻗﺒﻞ أن ﻳﻜﺸﻔﻮا أﴎار اﻟﻜﻮن اﻟﺘﻲ ﻛﺸﻔﻮﻫﺎ وﻏري ذﻟﻚ ﻣﻤﺎ ﻟﻴﺲ ﺑﺠﻮاب ﻋﻦ ﻫﺬا اﻟﺨﻄﺎب واملﻮﺿﻮع ،ﻫﻮ ﰲ واد ،وﻫﺬا ﰲ واد. 90
أﺳﺒﺎب اﻧﺤﻄﺎط املﺴﻠﻤني ﰲ اﻟﻌﴫ اﻷﺧري
ﻓﻨﺤﻦ ﻧﺮﻳﺪ أن ﻧﻘﻮل :إن ﻛﻞ ﻣﻦ ﺳﺎر ﻋﲆ اﻟﺪرب وﺻﻞ ،وإن املﺴﻠﻤني إذا ﺗﻌﻠﻤﻮا اﻟﻌﻠﻮم اﻟﻌﴫﻳﺔ اﺳﺘﻄﺎﻋﻮا أن ﻳﻌﻤﻠﻮا اﻷﻋﻤﺎل اﻟﻌﻤﺮاﻧﻴﺔ اﻟﺘﻲ ﻳﻘﻮم ﺑﻬﺎ اﻹﻓﺮﻧﺞ ،وإﻧﻪ ﻟﻴﺲ ﻫﻨﺎك ﻓﺮق ﰲ اﻟﻘﺎﺑﻠﻴﺔ اﻟﺒﴩﻳﺔ؛ وﻟﻜﻦ ﻋﲆ ﴍط أن ﻳﻨﻔﺾ املﺴﻠﻤﻮن ﻋﻦ أﻧﻔﺴﻬﻢ ﻏﺒﺎر ً ﻃﻮﻳﻼ؛ وﻫﻲ أن ﻛﻞ اﻟﺨﻤﻮل ،وﻳﻠﻐﻮا ﻫﺬه اﻟﻘﺎﻋﺪة اﻟﺘﻲ ﻗﺪ ﻛﺎﻧﺖ ﻣﻦ أﺳﺒﺎب ﺷﻘﺎﺋﻬﻢ زﻣﻨًﺎ ﻋﻤﻞ ﻋﻤﺮاﻧﻲ ﰲ اﻟﴩق ﻻ ﺑﺪ ﻣﻦ أن ﻳﺴﺘﻌﺎر ﻟﻪ ﴍﻛﺔ أوروﺑﻴﺔ ﻟﺘﻘﻮم ﺑﻪ وإﻻ ﻓﻼ ﻳﺴﺘﻄﺎع ﻋﻤﻠﻪ ،وﻟﻘﺪ أﺗﺖ اﻟﺘﺠﺎرب ﺑﻌﺪ ذﻟﻚ ﺑﻤﺎ ﻳﺜﺒﺖ ﻓﺴﺎد ﻫﺬه اﻟﻨﻈﺮﻳﺔ ﺑﺘﻤﺎﻣﻬﺎ ،وﺗﻤﻜﻦ املﺴﻠﻤﻮن ﰲ ﻛﺜري ﻣﻦ اﻟﺒﻼد ﻣﻦ إﻧﺸﺎء ﴍﻛﺎت ﺻﻨﺎﻋﻴﺔ وﺗﺠﺎرﻳﺔ وﺗﺄﺳﻴﺲ ﻣﻌﺎﻣﻞ وﻣﻨﺎﺳﺞ ودور ﱠ وﺻريﻫﺎ ﻣﻮﺿﻮﻋً ﺎ ﻟﻠﻬﺰء. ﺻﻨﺎﻋﺔ ﻧﺠﺤﺖ ﻧﺠﺎﺣً ﺎ ﺑﺎﻫ ًﺮا ﻛﺬب ﻣﺰاﻋﻢ ﺗﻠﻚ اﻟﻔﺌﺔ املﺜﺒﻄﺔ وملﺎ ﻋﺰم اﻟﺴﻠﻄﺎن ﻋﺒﺪ اﻟﺤﻤﻴﺪ اﻟﺜﺎﻧﻲ اﻟﻌﺜﻤﺎﻧﻲ ﻋﲆ ﻣﺪ ﺳﻜﺔ ﺣﺪﻳﺪﻳﺔ ﻣﻦ دﻣﺸﻖ إﱃ اﻟﺤﺮﻣني اﻟﴩﻳﻔني ﻗﻮﺑﻞ ﻫﺬا املﴩوع أواﻧﺌﺬ ﺑﻤﺰﻳﺪ اﻻﺳﺘﻐﺮاب ﺗﺒﻌً ﺎ ﻟﻠﻌﺎدة ،وﻣﻦ اﻟﻨﺎس ﻣﻦ ﺿﺤﻜﻮا ﺑﻪ وﻗﺎﻟﻮا :ﻧﺤﻦ ﻧﺮى أﻧﻔﺴﻨﺎ ﻋﺎﺟﺰﻳﻦ ﻋﻦ إﻧﺸﺎء ﻃﺮﻳﻖ ﻋﺠﻼت ،ﻓﻜﻴﻒ ﻧﺴﺘﻄﻴﻊ أن ﻧﻨﺸﺊ ﺳﻜﺔ ﺣﺪﻳﺪﻳﺔ ﻃﻮﻟﻬﺎ ﻳﺰﻳﺪ ﻋﻦ أﻟﻔﻲ ﻛﻴﻠﻮ ﻣﱰ وأﻧﱠﻰ ﻟﻨﺎ املﺎل واﻟﻌﻠﻢ اﻟﻼزﻣﺎن ملﴩوع ﻋﻈﻴﻢ ﻛﻬﺬا؟! وأﻏﺮب ﻣﻦ ﺗﺸﺎؤم املﺴﻠﻤني وﺷﻌﻮرﻫﻢ ﺑﺎﻟﻌﺠﺰ ﻋﻦ اﻟﻘﻴﺎم ﺑﻬﺬا اﻟﻌﻤﻞ أن املﻬﻨﺪس اﻷملﺎﻧﻲ اﻟﻜﺒري ﻣﺎﻳﺴﱰ ﺑﺎﺷﺎ اﻟﺬي اﻧﺘﺪﺑﻪ اﻟﺴﻠﻄﺎن ﻟﺮﺋﺎﺳﺔ ﻣﻬﻨﺪﳼ ﻫﺬا اﻟﺨﻂ ﻫﻮ ﻧﻔﺴﻪ ﻛﺎن ﻻ ﻳﻌﺘﻘﺪ إﻣﻜﺎن إﻧﺸﺎء ﻫﺬا اﻟﺨﻂ ،وﻛﺎن ﻫﺬا اﻟﺮﺟﻞ ﺻﺪﻳﻘﻲ ﻓﺴﺄﻟﺘﻪ ﻣﺮة ﻋﻦ رأﻳﻪ ﻓﻴﻪ ﻓﻘﺎل :ﱄ إﻧﻪ ﻳﺮﺟﻮ إﻳﺼﺎﻟﻪ إﱃ ﻣﻌﺎن وﻫﻲ ﻣﺴﺎﻓﺔ أرﺑﻊ ﻣﺌﺔ ﻛﻴﻠﻮ ﻣﱰ ﻣﻦ دﻣﺸﻖ ،ﻓﺄﻣﺎ ﻣﺪه ﻣﻦ ﻣﻌﺎن إﱃ املﺪﻳﻨﺔ ﻓﻴﻜﺎد ﻳﻜﻮن ﻣﻦ املﺴﺘﺤﻴﻞ .ﻓﺴﺄﻟﺘﻪ: ﻫﻞ ذﻟﻚ ﻣﻦ ﻋﺪم وﺟﻮد املﺎل؟ ﻗﺎل :ﻋﲆ ﻓﺮض وﺟﺪ املﺎل ﻓﺈن دون إﻧﺸﺎء اﻟﺨﻂ ﻣﻮاﻧﻊ ﻃﺒﻴﻌﻴﺔ ﻳﺘﻌﺬر اﻟﺘﻐﻠﺐ ﻋﻠﻴﻬﺎ؛ ﻓﺈن اﻟﺴﻜﺔ ﻳﻠﺰم ﻟﻬﺎ ﻣﺎء ﰲ ﻛﻞ ﻣﺤﻄﺔ ،واملﺎء ﻻ ﻳﻮﺟﺪ إﻻ ﰲ ﻣﺤﻄﺎت ﻣﻌﺪودة، وإن أﻧﺸﺄﻧﺎ ﺻﻬﺎرﻳﺞ ﺗﻤﻸ ﺑﻤﺎء املﻄﺮ ﻟﻢ ﻳﺆﻣﻦ أن اﻟﺤﺮارة ﰲ اﻟﺼﻴﻒ ﺗﻨﺸﻒ ﺑﺸﺪﺗﻬﺎ ﻣﻴﺎه اﻟﺼﻬﺎرﻳﺞ ،وﻫﻨﺎك ﺻﻌﻮﺑﺔ أﺧﺮى وﻫﻲ أن اﻟﺨﻂ ﺳﻴﻤﺘﺪ ﰲ أﻣﻜﻨﺔ ﻛﻠﻬﺎ رﻣﺎل ،وﻗﺪ ﺗﻬﺐ اﻟﺮﻳﺎح اﻟﺴﺎﻓﻴﺎء ﻓﺘﺄﺗﻲ ﺑﺮﻣﺎل ﺗﻐﻄﻲ اﻟﺨﻂ ،وﻻ ﻳﻤﻜﻦ ﻣﻨﻊ ذﻟﻚ إﻻ ﺑﺰرع اﻟﺤﻠﻔﺎء واﻟﻘﺼﺐ واﻟﻄﺮﻓﺎء ،وﻛﻞ ﻫﺬا ﻳﻠﺰﻣﻪ ﻣﺎء ﺣﺘﻰ ﻳﻨﻤﻮ؛ وأﻳﻦ املﺎء ﻣﻦ ﺗﻠﻚ اﻷراﴈ؟! ﻫﺬا ﻛﺎن ﻛﻼم املﻬﻨﺪس اﻟﻜﺒري ﱄ ﻣﻦ ﺟﻬﺔ اﻟﻄﺒﻴﻌﺔ ،ﺛﻢ ذﻛﺮ اﻟﺨﻄﺮ اﻟﻮاﻗﻊ ﻋﲆ اﻟﺨﻂ ﻣﻦ أﻋﺮاب اﻟﺒﺎدﻳﺔ.
91
ملﺎذا ﺗﺄﺧﺮ املﺴﻠﻤﻮن؟ وملﺎذا ﺗﻘﺪم ﻏريﻫﻢ؟
ً ﻗﺎﺋﻼ ﺑﺄن ﻟﻴﺲ ﺛﻤﺔ ﺻﻌﻮﺑﺎت ﻻ ﻓﺄﻣﺎ أﻧﺎ ﻓﻜﻨﺖ ﻣﻌﺘﻘﺪًا ﺧﻼف اﻋﺘﻘﺎد اﻵﺧﺮﻳﻦ ﻳﺴﺘﻄﺎع ﺗﺬﻟﻴﻠﻬﺎ ،وﻛﻨﺖ ﻣﻦ اﻟﺬﻳﻦ ﻳﻨﺪدون ﺑﺎملﺘﺸﺎﺋﻤني واملﺘﻬﻜﻤني ،وﻧﻈﻤﺖ ﰲ ﻫﺬا املﴩوع ﻗﺼﻴﺪة أﺣﺚ ﺑﻬﺎ اﻷﻣﺔ ﻋﲆ اﻟﺘﱪع ﻷﺟﻠﻪ ،وﺗﱪﻋﺖ أﻧﺎ ﻣﻦ ﺟﻴﺒﻲ ﺑﺨﻤﺴﺔ ﻋﴩ ﺟﻨﻴﻬً ﺎ ،وذﻛﺮت ﻣﺎ ﺳﻴﻜﻮن ﻟﻬﺬا اﻟﺨﻂ ﻣﻦ اﻟﻔﻮاﺋﺪ اﻟﻌﻤﺮاﻧﻴﺔ واﻻﻗﺘﺼﺎدﻳﺔ واﻟﻌﺴﻜﺮﻳﺔ؛ ً ﻓﻀﻼ ﻋﻦ ﺗﺴﻬﻴﻞ اﻟﺤﺞ اﻟﺬي ﻫﻮ ﻫﺪﻓﻪ اﻷﺳﻤﻰ ،وﻛﺎن ﻣﻄﻠﻊ ﻗﺼﻴﺪﺗﻲ: أﻻ ﻳَﺎ ﺑَﻨﻲ اﻹﺳﻼم َﻫ ْﻞ ِﻣ ْﻦ ُﻣ َﺴﺎﻋِ ﺪ
ﺎﺟ ﺪ ِﻟ ﻔِ ﻌ ﻞ َﺳ ﻤَ ﺎويّ اﻟ ﻤ ﺜ ﻮﺑ ﺔ ﻣَ ِ
ﻓﻠﻤﺎ ﻃﺒﻌﺖ اﻟﻘﺼﻴﺪة وﻧﴩﺗﻬﺎ ﺳﻠﻘﻨﻲ اﻟﻜﺜريون ﻣﻦ أوﻟﺌﻚ اﻟﻐﺮﺑﺎن ﺑﺄﻟﺴﻨﺔ ﺣﺪادٍ ؛ وﻛﺄﻧﻲ ﻛﻔﺮت ﰲ ﺗﻨﻮﻳﻬﻲ ﺑﻤﴩوع ﻳﺮﺑﻂ اﻟﺸﺎم ﺑﺎﻟﺤﺠﺎز وﻳﺨﺘﴫ املﺴﺎﻓﺔ ﺑﻴﻨﻬﻤﺎ ﻋﲆ اﻟﺤﺠﺎج ﻣﻦ ٤٠ﻳﻮﻣً ﺎ إﱃ أرﺑﻌﺔ أﻳﺎم وﻫﺰءوا ﻣﺎ ﺷﺎءوا ،وﺗﻤﻨﻄﻘﻮا ﺑﻘﺪر ﻣﺎ أرادوا ،وﻟﻜﻦ ﻛﻞ ﺗﻠﻚ اﻟﻔﻠﺴﻔﺔ ﻟﻢ ﺗﺠﺪﻫﻢ ً ﻓﺘﻴﻼ وﻧﺠﺰ اﻟﺨﻂ اﻟﺤﺪﻳﺪي ﻣﻦ دﻣﺸﻖ إﱃ املﺪﻳﻨﺔ املﻨﻮرة؛ وﻫﻲ ﻣﺴﺎﻓﺔ أﻟﻒ وأرﺑﻊ ﻣﺌﺔ ﻛﻴﻠﻮ ﻣﱰًا ،وﻟﻮﻻ ﺧﻠﻊ اﻟﺴﻠﻄﺎن ﻋﺒﺪ اﻟﺤﻤﻴﺪ ﻟﻜﺎن ﻗﺪ ﺗﻢ إﱃ اﻟﺒﻠﺪ اﻟﺤﺮام ،وﻟﻜﻦ ﻣﻦ ﺑﻌﺪه ﻓﱰت اﻟﻬﻤﺔ ﺑﺈﻛﻤﺎﻟﻪ ،وﺟﺎءت اﻟﺤﺮب وﻋﻮاﻗﺒﻬﺎ ﻓﻘﻀﺖ ﺑﺈﻫﻤﺎﻟﻪ. ﺛﻢ إن ﻫﺬا اﻟﺨﻂ ﺟﺎء ﻣﻦ أﺑﺪع اﻟﺨﻄﻮط اﻟﺤﺪﻳﺪﻳﺔ ﰲ اﻟﻌﺎﻟﻢ ،ﺻﺎدﻓﺖ ﻣﺮة ﻓﻴﻪ أﺣﺪ ﻛﱪاء ﻣﺴﻠﻤﻲ اﻟﻬﻨﺪ ﻣﻦ أﻋﻀﺎء ﻣﺠﻠﺴﻬﺎ اﻷﻋﲆ وﻫﻮ ﻣﻤﻦ ﺗﺜﻘﻔﻮا ﺛﻘﺎﻓﺔ إﻧﻜﻠﻴﺰﻳﺔ ﻣﺤﻀﺔ وﺗﺨﺮج ﻣﻦ ﺟﺎﻣﻌﺔ أﻛﺴﻔﻮرد ﻓﻘﺎل ﱄ :ﻻ ﻳﻮﺟﺪ ﰲ ﻧﻔﺲ إﻧﻜﻠﱰة ﺳﻜﺔ ﺣﺪﻳﺪﻳﺔ ﺗﻀﺎﻫﻲ ﰲ اﻹﺗﻘﺎن ﻫﺬه اﻟﺴﻜﺔ ،وﻟﻮ ﻟﻢ أﺷﺎﻫﺪﻫﺎ ﺑﻌﻴﻮﻧﻲ ﻣﺎ ﺻﺪﻗﺖ ﺑﻮﺟﻮدﻫﺎ .وﺑﺎﻟﻔﻌﻞ ﻟﻢ ﻳﺼﺪق ﻛﺜري ﻣﻦ املﺴﻠﻤني أﺧﺒﺎرﻫﺎ ﻓﺄرﺳﻠﻮا وﻓﻮدًا ﻳﺸﺎﻫﺪوﻧﻬﺎ ﺑﺄﻋﻴﻨﻬﻢ ،ﻓﻜﺎن املﺴﺎﻓﺮ ﻳﺼﻞ ﻣﻦ دﻣﺸﻖ إﱃ املﺪﻳﻨﺔ ﰲ ﻟﻴﻠﺘني ،وﻛﺎﻧﺖ دﻣﺸﻖ ﺗﺴﺘﻔﻴﺪ ﻛﻞ ﺳﻨﺔ ﻣﻦ ﻫﺬا اﻟﺨﻂ ﻣﺎ ﻳﻘﺎرب ٢٠٠ ً ﻣﺪﻫﺸﺎ، أﻟﻒ ﺟﻨﻴﻪ ،وﻋﻤﺮت اﻟﻘﺮى اﻟﺘﻲ ﻣﺮ ﺑﻬﺎ اﻟﺨﻂ ،وارﺗﻔﻌﺖ أﺛﻤﺎن اﻷراﴈ ارﺗﻔﺎﻋً ﺎ ً ً ﻓﻀﻼ ﻋﻤﺎ ﺗﻮﻓﺮ ﻣﻦ املﺸﺎق واﻷﺧﻄﺎر ﻋﲆ أﺿﻌﺎﻓﺎ ،ﻫﺬا وﺗﻀﺎﻋﻒ ﻋﻤﺮان املﺪﻳﻨﺔ املﻨﻮرة اﻟﺤﺠﺎج واﻟﺰاﺋﺮﻳﻦ ،واﻟﺘﺠﺎر واملﺴﺎﻓﺮﻳﻦ. وأﻣﺎ اﻟﺼﻌﻮﺑﺎت اﻟﻄﺒﻴﻌﻴﺔ اﻟﺘﻲ ﻛﺎﻧﻮا ﻳﻘﺪروﻧﻬﺎ ﻓﻠﻢ ﻳﺼﺢ ﻣﻨﻬﺎ ﳾء ،وأﻣﺎ اﻷﻋﺮاب ﻓﻠﻢ ﻳﻘﻊ ﻣﻨﻬﻢ ﻋﲆ اﻟﺨﻂ أدﻧﻰ اﻋﺘﺪاء ،وﻛﺎن ﻋﻨﺪ ﻛﻞ ﻣﺤﻄﺔ ﻣﻦ ﻣﺤﺎط اﻟﺨﻂ ﻗﻠﻌﺔ ﻓﻴﻬﺎ ﺟﻨﺪ ﻟﻠﻤﺤﺎﻓﻈﺔ ،وﻛﻞ ﺗﻠﻚ املﺤﻄﺎت واﻟﻘﻼع ﻛﺎﻧﺖ ﻣﺒﻨﻴﺔ أﻣﺘﻦ ﺑﻨﺎء ،وملﺎ ﻛﺎن ﻻ ﻳﺘﺎح ﻟﻐري املﺴﻠﻤني دﺧﻮل أرض اﻟﺤﺠﺎز ﻓﻜﺎن إﻧﺸﺎء اﻟﺨﻂ؛ أي اﻟﻘﺴﻢ اﻟﺪاﺧﻞ ﻣﻨﻪ ﰲ اﻟﺤﺠﺎز ﻛﻠﻪ 92
أﺳﺒﺎب اﻧﺤﻄﺎط املﺴﻠﻤني ﰲ اﻟﻌﴫ اﻷﺧري
ﻋﲆ أﻳﺪي ﻣﻬﻨﺪﺳني ﻣﺴﻠﻤني ،ﺣﺘﻰ إن ﻣﺎﻳﺴﱰ ﺑﺎﺷﺎ اﻷملﺎﻧﻲ ﻧﻔﺴﻪ ﻟﻢ ﻳﺘﺠﺎوز ﰲ إﴍاﻓﻪ ﺑﻠﺪة ﺗﺒﻮك. وملﺎ ذﻫﺒﺖ إﱃ املﺪﻳﻨﺔ املﻨﻮرة زاﺋ ًﺮا ﻟﻠﻨﺒﻲ ﷺ وذﻟﻚ ﺳﻨﺔ ١٣٣٠ﻫـ ،ﻛﻨﺖ أﺳﻤﻊ أن ﻋﺪم ﻣﺪ اﻟﺨﻂ اﻟﺤﺪﻳﺪي ﻣﻦ املﺪﻳﻨﺔ إﱃ ﻣﻜﺔ ﻧﺸﺄ ﻋﻦ اﻋﱰاض ﻗﺒﺎﺋﻞ اﻟﻌﺮب ﻣﻦ ﺣﺮب وﻏريﻫﺎ ،وأﻧﻬﻢ ﻻ ﻳﺴﻤﺤﻮن ﺑﻤﺮور اﻟﺨﻂ ﰲ أراﺿﻴﻬﻢ ،ﻓﻔﺤﺼﺖ ﻫﺬه اﻟﻘﻀﻴﺔ ﻓﻮﺟﺪت أﻛﺜﺮﻫﺎ ﻫﺮاءً واﻓﱰاءً ،وﺳﺄﻟﺖ ﺷﻴﻮخ اﻟﻘﺒﺎﺋﻞ ﻋﻤﺎ ﻳﻘﺎل ﻣﻦ ﻣﻌﺎرﺿﺘﻬﻢ ﰲ إﻧﺸﺎء اﻟﺴﻜﺔ؛ ﻓﻘﺎﻟﻮا :ﻟﻮ ﻛﻨﺎ ﻣﻌﺎرﺿني ﻹﻧﺸﺎﺋﻬﺎ ﻟﻌﺎرﺿﻨﺎ ذﻟﻚ ﻣﻦ أول دﺧﻮﻟﻬﺎ ﰲ أرض اﻟﺤﺠﺎز، واﻟﺤﺎل أﻧﻨﺎ ﻛﻨﺎ ﻣﺴﺎﻋﺪﻳﻦ ﻟﻠﺤﻜﻮﻣﺔ ﻋﲆ ﻫﺬا املﴩوع ﺑﻜﻞ ﻗﻮاﻧﺎ ،ﻓﺴﺄﻟﺘﻬﻢ اﻟﺘﻮﻗﻴﻊ ﻋﲆ ﻋﺮﻳﻀﺔ ﻟﻠﺪوﻟﺔ ﻳﻄﻠﺒﻮن ﻓﻴﻬﺎ ﺗﻤﺪﻳﺪ ﻫﺬا اﻟﺨﻂ ﻣﻦ املﺪﻳﻨﺔ إﱃ ﻣﻜﺔ ﱠ ﻓﻮﻗﻊ ﻋﻠﻴﻬﺎ ﺟﻢ ﻣﻦ أوﻟﺌﻚ املﺸﺎﻳﺦ ،وﻟﻢ ﺗﻜﻦ اﻟﺪوﻟﺔ ﻋﻬﺪت إﱄ ﱠ ﺑﻬﺬه املﻬﻤﺔ ،وإﻧﻤﺎ ﻗﻤﺖ ﺑﻬﺎ ﺧﺪﻣﺔ ﻟﻠﻮﻃﻦ وﻟﻠﻤﻠﺔ. وﻟﻮﻻ ﻃﺮوء اﻟﺤﺮب اﻟﻌﺎﻣﺔ ﺑﻌﺪ ذﻟﻚ ﺑﻘﻠﻴﻞ ﻟﻜﺎن ﺑﻮﴍ ﺑﻤﺪ اﻟﺨﻂ اﻟﺤﺪﻳﺪي ﻣﻦ املﺪﻳﻨﺔ إﱃ ﻣﻜﺔ ،ﻓﻠﻤﺎ اﻧﺘﻬﺖ اﻟﺤﺮب اﻟﻌﺎﻣﺔ واﺣﺘﻠﺖ إﻧﻜﻠﱰة ﻓﻠﺴﻄني وﻓﺮﻧﺴﺎ ﺳﻮرﻳﺎ ﻛﺎن أول ﻣﺎ ﺗﻮﺟﻬﺖ إﻟﻴﻪ ﻫﻤﻢ اﻹﻧﻜﻠﻴﺰ واﻟﻔﺮﻧﺴﻴﺲ ﻫﻮ ﺗﻌﻄﻴﻞ ﻫﺬا اﻟﺨﻂ اﻟﺤﺪﻳﺪي اﻟﺬي ﻳﺮﺑﻂ اﻟﻘﻄﺮ اﻟﺸﺎﻣﻲ ﺑﺠﺰﻳﺮة اﻟﻌﺮب وﻳﻘﺮب ﺻﻼت املﺴﻠﻤني ﺑﻌﻀﻬﻢ ﺑﺒﻌﺾ. وﻛﻢ اﺣﺘﺞ املﺴﻠﻤﻮن ﻋﲆ ﺗﻌﻄﻴﻞ ﻫﺎﺗني اﻟﺪوﻟﺘني ﻟﻬﺬا اﻟﺨﻂ اﻟﺤﻴﻮي ﻟﻠﺸﺎم واﻟﺤﺠﺎز، وﻛﻢ أﺑﺪوا وأﻋﺎدوا ﰲ أن ﻫﺬه اﻟﺴﻜﺔ اﻟﺤﺪﻳﺪﻳﺔ اﻟﺤﺠﺎزﻳﺔ ﻛﺎﻧﺖ ﺗﺮﻛﻴﺎ ﻗﺪ ﺟﻌﻠﺘﻬﺎ ﻣﻦ ﺟﻤﻠﺔ أوﻗﺎف املﺴﻠﻤني ﻓﻼ ﻳﺤﻖ ﻟﺪوﻟﺔ أﺟﻨﺒﻴﺔ أن ﺗﻌﺒﺚ ﺑﺄوﻗﺎﻓﻬﻢ! ﻓﻠﻢ ﻳﻜﻦ ذﻟﻚ ﻟﻴﻘﻨﻊ ﺗﻴﻨﻚ اﻟﺪوﻟﺘني ﺑﺎﻻﻋﺘﺪال ورﻓﻊ اﻻﻋﺘﺪاء ،وﻻ ﺗﺰال ﻫﺬه املﺆاﻣﺮة اﻟﻔﻈﻴﻌﺔ ﻋﲆ ﻫﺬا اﻟﺤﻖ املﻘﺪس ﻣﻦ ﺣﻘﻮق املﺴﻠﻤني ﻧﺎﻓﺬة إﱃ ﻳﻮم اﻟﻨﺎس ﻫﺬا ،ﻓﺈذا ﻗﺎم ﺷﺨﺺ ﻣﺜﻠﻨﺎ ﻳﺬﻛﺮﻫﻢ ﺑﻬﺬا اﻻﻋﺘﺪاء اﻟﻘﺒﻴﺢ ﺿﺎﻗﺖ ﺻﺪورﻫﻢ ﺑﻪ ﱠ ودس ﻋﻠﻴﻪ اﻹﻧﻜﻠﻴﺰ ﰲ اﻟﴪ ،وﻃﻌﻦ ﻋﻠﻴﻪ اﻟﻔﺮﻧﺴﻴﺲ ﰲ اﻟﺠﻬﺮ ،وﻧﻌﺘﻮه »ﺑﻌﺪو ﻓﺮﻧﺴﺎ« وﻣﺎ أﺷﺒﻪ ذﻟﻚ. واﻟﺤﺎل أﻧﻨﺎ إﻧﻤﺎ ﻧﺮﻳﺪ ﺻﻼح أﺣﻮال ﺑﻼدﻧﺎ ،وﻻ ﻧﻀﻤﺮ ﻷﺣﺪ ﺳﻮءًا ،واﻟﺸﺎﻫﺪ اﻟﺬي ﻧﻘﺼﺪه ﻫﻨﺎ ﻫﻮ ﻣﺎ ﺳﺒﻖ إﻧﺸﺎء ﺳﻜﺔ اﻟﺤﺠﺎز ﻣﻦ ﺗﺸﺎؤم ﻛﺜري ﻣﻦ املﺴﻠﻤني ،واﺳﺘﻬﺰاﺋﻬﻢ واﺳﺘﻨﻜﺎرﻫﻢ وﺗﺄﻛﻴﺪ أﻧﻪ ﺧﻂ ﻣﺤﺎل إﻧﺸﺎؤه ،وﻣﴩوع ﻳﻜﻮن ﻣﻦ ﻗﻠﺔ اﻟﻌﻘﻞ ﺗﻌﻠﻴﻖ اﻷﻣﻞ ﺑﻪ ،وﻫﺬا ﻣﺜﺎل ﻣﻦ أﻣﺜﻠﺔ ﻛﺜرية ﻻ ﻳﻤﻜﻦ اﺳﺘﻘﺼﺎؤﻫﺎ ﻣﻦ ﻛﺜﺮﺗﻬﺎ؛ ﻓﻘ ﱠﻠﻤﺎ ﺗﺪﺧﻞ ﺑﻠﺪًا ﻣﻦ ﺑﻠﺪان اﻹﺳﻼم ،وﻻ ﻳﻮردون ﻟﻚ ﻣﻦ ﻫﺬه اﻷﻣﺜﺎل. وﻛﻤﺎ ﻇﻦ املﺴﻠﻤﻮن أﻧﻬﻢ ﻻ ﻳﺤﺴﻨﻮن ﺷﻴﺌًﺎ ﻣﻦ املﴩوﻋﺎت اﻟﻌﻤﺮاﻧﻴﺔ ،وأﻧﻪ ﻻ ﺑﺪ ﻟﻬﻢ ﻣﻦ اﻷوروﺑﻲ ﺣﺘﻰ ﻳﺪﺧﻠﻮا اﻹﺻﻼح ﰲ ﺑﻼدﻫﻢ ،وأﻧﻪ ﻣﻦ دون اﻹﻓﺮﻧﺠﻲ ﻻ ﻳﻘﺪرون ﻋﲆ أﻳﺔ 93
ملﺎذا ﺗﺄﺧﺮ املﺴﻠﻤﻮن؟ وملﺎذا ﺗﻘﺪم ﻏريﻫﻢ؟
ً أﺻﻼ، ﻋﻤﺎرة وﻻ ﻣﺮﻓﻖ ذي ﺑﺎل ،ﻛﺬﻟﻚ ذﻫﺒﻮا إﱃ أﻧﻪ ﻻ ﺣﻆ ﻟﻬﻢ ﰲ اﻷﻋﻤﺎل اﻻﻗﺘﺼﺎدﻳﺔ وأن ﻛﻞ ﻣﴩوع اﻗﺘﺼﺎدي إﺳﻼﻣﻲ ﺻﺎﺋﺮ إﱃ اﻟﺤﺒﻮط إن ﻟﻢ ﺗﻜﻦ ﻟﻪ أرﻛﺎن إﻓﺮﻧﺠﻴﺔ ،وﻗﺪ ﻃﺎل ﻧﻮﻣﻬﻢ ﻋﲆ ﻫﺬه اﻟﻌﻘﻴﺪة اﻟﻔﺎﺳﺪة ﺣﺘﻰ ﻟﻢ ﻳﺒﻖ ﰲ ﺑﻼدﻫﻢ ﳾء اﺳﻤﻪ اﻗﺘﺼﺎد إﻻ ﻛﺎﻧﺖ إدارﺗﻪ ﺑﺄﻳﺪي اﻹﻓﺮﻧﺞ أو اﻟﻴﻬﻮد ،وﺣﺘﻰ ﻟﻮ دﻋﺎ ﻣﻨﻬﻢ داع إﱃ ﺗﺄﻟﻴﻒ ﴍﻛﺔ ﺗﺠﺎرﻳﺔ أو ﺻﻨﺎﻋﻴﺔ أو زراﻋﻴﺔ ﻟﻢ ﻳﺪﺧﻠﻬﺎ ﺻﺎﺣﺐ رأس ﻣﺎل ﻣﻦ املﺴﻠﻤني إﻻ إذا ﻛﺎﻧﺖ إدارﺗﻬﺎ ﺑﻴﺪ إﻓﺮﻧﺠﻲ أو ﻳﻬﻮدي ،وﻛﻠﻤﺔ اﻟﺠﻤﻴﻊ ﻋﻨﺪﻫﻢ :ﻧﺤﻦ ﻻ ﻳﺨﺮج ﻣﻦ أﻳﺪﻳﻨﺎ ﻋﻤﻞ وﻻ ﻧﺼﻠﺢ ﻟﴚء. ً ً وﻗﺪ ﺑﻘﻲ اﻟﻴﻬﻮد واﻹﻓﺮﻧﺠﺔ ﻳﺘﻤﺘﻌﻮن ﺑﺨريات ﺑﻼد اﻹﺳﻼم ﻗﺮوﻧﺎ وﺣﻘﺒًﺎ ﻃﻮاﻻ دون ﻣﺰاﺣﻢ وﻻ ﻣﺮاﻏِ ﻢ ،وﻳﺴﺘﺪرون ﻓﻴﻬﺎ أﺧﻼف ﻛﻞ ﺻﻨﻌﺔ ،وﻳﺴﺘﻮرون زﻧﺎد ﻛﻞ ﻣﺮﻓﻖ إﻻ ﻣﺎ ﻟﻴﺲ ﻟﻪ ﺑﺎل ﺣﺘﻰ وﻟﻮ ﻗﺪّر ﻣﺎ ﺿﺎع ﻋﲆ املﺴﻠﻤني ﰲ ﻇﻞ ﻫﺬا اﻟﻮﻫﻢ ﺑﺎملﻠﻴﺎرات وﻋﴩات املﻠﻴﺎرات ﻣﺎ ﻛﺎﻧﺖ ﻓﻴﻪ ﻣﺒﺎﻟﻐﺔ وﻛﺄن املﺴﻠﻤني ﻟﻢ ﻳﻮﺟﺪوا ﰲ اﻟﺪﻧﻴﺎ إﻻ ﻋﻤَ ًﻠﺔ أو أﻛﺮة ﻳﺸﺘﻐﻠﻮن ﺑﺄﻳﺪﻳﻬﻢ ،وﻻ ﻳﺸﺘﻐﻠﻮن ﺑﻌﻘﻮﻟﻬﻢ. وﺑﻬﺬا اﻟﺴﺒﺐ ﺧﻼ املﻴﺪان ﰲ ﺑﻼد اﻹﺳﻼم ﻷﺻﻨﺎف اﻷﺟﺎﻧﺐ ﻳﺮﻛﻀﻮن ﻓﻴﻪ ﺟﻴﺎد ﻗﺮاﺋﺤﻬﻢ وﻋﺰاﺋﻤﻬﻢ ،وﻳﺠﻤﻌﻮن اﻟﺜﺮوات اﻟﺘﻲ ﻟﻴﺲ وراءﻫﺎ ﻣﺘﻄﻠﻊ ملﺰﻳﺪ؛ وذﻟﻚ ﻋﲆ ﻇﻬﻮر املﺴﻠﻤني وﻣﻦ أﻛﻴﺎﺳﻬﻢ ،وﻗﺪ ﻳﻜﺜﺮ اﻟﺘﺤﺪث ﺑﻤﺎ ﻳﺼﻴﺐ اﻷﺟﺎﻧﺐ ﻣﻦ ﻫﺬه املﻜﺎﺳﺐ اﻟﻄﺎﺋﻠﺔ اﻟﺘﻲ ﻛﺎن أﻫﻞ اﻹﺳﻼم أوﱃ ﺑﻬﺎ؛ ﻷﻧﻬﺎ ﻣﻦ ﺑﻼدﻫﻢ وﻻ ﺗﺤﻔﺰﻫﻢ ﻫﻤﺔ وﻻ ﺗﺄﺧﺬﻫﻢ ﻏرية ﻓﻴﺠﺮﺑﻮن اﻟﺨﺐ ﰲ اﻟﺤﻠﺒﺎت اﻻﻗﺘﺼﺎدﻳﺔ إﱃ أن ﻧﺒﻎ ﰲ ﻣﴫ ﻣﺤﻤﺪ ﻃﻠﻌﺖ ﺑﺎﺷﺎ ﺣﺮب، ﻓﻜﺎن ﰲ ﻫﺬا اﻟﺒﺎب أﻣﱠ ﺔ وﺣﺪه ،وأدرك ﺑﻮاﺳﻊ ﻋﻘﻠﻪ وﺛﺎﻗﺐ ﻓﻜﺮه أن ﻟﻴﺲ ﰲ ﻫﺬا املﻮﺿﻮع ﳾء ﻳﻔﻮق ﻃﺎﻗﺔ املﺴﻠﻤني ،وﻻ ﻣﻤﺎ ﻳﺘﻌﺬر وﺟﻮد أدواﺗﻪ ﻋﻨﺪﻫﻢ ،وأن ﻗﺼﻮرﻫﻢ ﻓﻴﻪ ﻋﻦ ﻣﺒﺎراة اﻷﺟﺎﻧﺐ ﻟﻢ ﻳﻜﻦ إﻻ ﻣﻦ آﺛﺎر ذﻟﻚ اﻟﺘﻮﻫﻢ اﻟﻘﺪﻳﻢ اﻟﺬي ﻫﻮ أﻧﻬﻢ ﻻ ﻳﺤﺴﻨﻮن اﻟﺠﺮي ﰲ أي ﻣﻴﺪان ﻣﻦ ﻣﻴﺎدﻳﻦ اﻻﻗﺘﺼﺎد ،وﻗﺪ وﺟﺪت ﻋﻨﺪ ﻫﺬا اﻟﺮﺟﻞ ﰲ ﺟﺎﻧﺐ رﺟﺎﺣﺔ اﻟﻌﻘﻞ وﺳﺪاد اﻟﺤﻜﻢ ﻫﻤﺔ ﺑﻌﻴﺪة ﻗﻌﺴﺎء ،وﻧﺰﻋﺔ وﻃﻨﻴﺔ ﺻﺎﻓﻴﺔ ﻣﻦ اﻷﻗﺬاء ،ﺳﺎملﺔ ﻣﻦ اﻷﻫﻮاء، ﻓﺎﺟﺘﻤﻌﺖ ﻓﻴﻪ ﺟﻤﻴﻊ اﻟﴩوط اﻟﻼزﻣﺔ ملﻦ ﺷﺎء أن ﻳﺒﺪأ ﺑﺎﻟﴩق ﺑﻨﻬﻀﺔ اﻗﺘﺼﺎدﻳﺔ ﺗﺰاﺣﻢ ﺑﺎملﻨﺎﻛﺐ وﺛﺒﺎت اﻷﺟﺎﻧﺐ ،وﻣﻤﺎ ﻳﻨﺪر ﰲ اﻟﺮﺟﺎل اﻟﺠﻤﻊ ﺑني اﻟﺤﺴﺎب اﻟﺪﻗﻴﻖ واﻟﺨﻴﺎل اﻟﻮاﺳﻊ ،وﻫﻤﺎ ﻗﺪ اﻧﺘﻈﻤﺎ ﺟﻨﺒًﺎ إﱃ ﺟﻨﺐ ﰲ دﻣﺎغ ﻃﻠﻌﺖ ﺑﺎﺷﺎ ﺣﺮب ،ﻓﻜﺎﻧﺖ ﺳﻌﺔ ﺧﻴﺎﻟﻪ ﻣﺴﺎﻋﺪة ﻟﻪ ﻋﲆ اﻹﻗﺪام ﻧﺤﻮ املﴩوﻋﺎت اﻟﺘﻲ ﻫﻲ ﻣﻈﺎن اﻷرﺑﺎح ،وﻛﺎﻧﺖ دﻓﺔ ﺣﺴﺎﺑﻪ ﻣﺴﺎﻋﺪة ﻟﻪ ﻋﲆ ﻧﺠﺎﺣﻬﺎ ،وﺿﻤﺎن أرﺑﺎﺣﻬﺎ ،وﺑﺎﻻﺧﺘﺼﺎر اﻗﺘﺤﻢ ﻃﻠﻌﺖ ﺣﺮب ﻣﻌﺮﻛﺔ ﻫﻲ اﻷوﱃ ﻣﻦ ﻧﻮﻋﻬﺎ ﰲ املﺠﺘﻤﻊ اﻟﴩﻗﻲ. 94
أﺳﺒﺎب اﻧﺤﻄﺎط املﺴﻠﻤني ﰲ اﻟﻌﴫ اﻷﺧري
وﻋﻨﺪﻣﺎ ﺑﺎﴍ ﺟﻤﻊ رأس املﺎل اﻟﺬي ﻛﺎن ﺣﺪده ﻹﻧﺸﺎء ﺑﻨﻚ ﻣﴫ وﻫﻮ ٨٠أﻟﻒ ﺟﻨﻴﻪ ً ً ﺟﺒﺎﻻ؛ وذﻟﻚ ملﺎ ران ﻋﲆ ﻋﻘﻮل املﺴﻠﻤني ﻣﻦ أﻧﻬﻢ ﻻ ﻳﻘﺪرون أﻫﻮاﻻ ،وﻧﺤﺖ ﻋﺎﻧﻰ ﰲ ذﻟﻚ ﻋﲆ اﻻﺳﺘﻘﻼل ﺑﻌﻤﻞ اﻗﺘﺼﺎدي ،وأن ﻛﻞ ﻋﻤﻞ ﻣﻨﻬﻢ ﰲ ﻫﺬا اﻟﺴﺒﻴﻞ ﺣﺎﺑ ٌ ﻂ ﻣﻦ ﻧﻔﺴﻪ، ﻫﺎﺑ ٌ ﻂ ﻋﲆ أم رأﺳﻪ ،ﻓﻠﻤﺎ أﺧﺬ ﻃﻠﻌﺖ ﺑﺎﺷﺎ ﺣﺮب ﻳﺘﻘﺎﴇ أﻏﻨﻴﺎء ﻣﴫ املﺸﺎﻃﺮة ﰲ ﻫﺬا املﴩوع ﻟﺒﻮا ﻧﺪاءه؛ ﺣﻴﺎءً ﻣﻨﻪ ،ﻻ اﻋﺘﻘﺎدًا ﺑﺄﻧﻪ ﺳﻴﺄﺗﻲ ﺑﺜﻤﺮة ،وﺑﻘﻴﺖ ﺛﻘﺘﻬﻢ ﺑﺄﺟﻤﻌﻬﺎ ﰲ ﺑﻨﻮك اﻷﺟﺎﻧﺐ ،وﻣﺎ زال ﻣﻌﻮﻟﻬﻢ ﻋﻠﻴﻬﺎ إﱃ أن ﺷﺎﻫﺪوا ﺑﺄﻋﻴﻨﻬﻢ اﻟﻨﺠﺎح اﻟﺬي ﻛﺎد ﻳﻜﻮن ﻣﻌﺠﺰة ﰲ ﻧﻈﺮﻫﻢ ،وارﺗﻔﻊ رأس ﻣﺎل ﺑﻨﻚ ﻣﴫ ﻣﻦ ٨٠أﻟﻒ ﺟﻨﻴﻪ إﱃ ﻣﻠﻴﻮن ﺟﻨﻴﻪ، واﺣﺘﻮت ﺧﺰاﺋﻨﻪ ﻣﻦ اﻟﻮداﺋﻊ ﻋﲆ ﻋﺪة ﻣﻼﻳني ﻣﻦ اﻟﺠﻨﻴﻬﺎت ،واﺷﺘﻤﻞ ﻋﲆ أﻣﻼك وﻣﻠﻔﺎت وﴍﻛﺎت ﻣﺘﻌﺪدة ﻣﺘﻨﻮﻋﺔ ﺗﻘﺪر ﺑﻤﻼﻳني أﺧﺮى ﻣﻦ اﻟﺠﻨﻴﻬﺎت؛ ﺑﺤﻴﺚ زادت اﻷﻣﻮال اﻟﺘﻲ ﺗﺤﺖ ﺗﴫف اﻟﺒﻨﻚ ﻋﲆ ﻋﴩﻳﻦ ﻣﻠﻴﻮن ﺟﻨﻴﻪ ،وﻛﻞ ﻫﺬا ﰲ ﺛﻤﺎﻧﻲ ﻋﴩة ﺳﻨﺔ أﻧﺸﺄ ﻓﻴﻬﺎ ﻃﻠﻌﺖ ﺑﺎﺷﺎ ﺣﺮب وﻣﺪﺣﺖ ﺑﺎﺷﺎ ﻳﻜﻦ ورﻓﺎﻗﻬﻤﺎ ﻋﲆ ﺣﺴﺎب ﺑﻨﻚ ﻣﴫ ﴍﻛﺔ ﻣﴫ ﻟﻠﻐﺰل واﻟﻨﺴﺞ اﻟﺘﻲ ﻣﻌﻤﻠﻬﺎ ﰲ املﺤﻠﺔ ﻫﻮ ﻣﻦ أﻛﻤﻞ وأﻋﻈﻢ ﻣﻌﺎﻣﻞ اﻟﻐﺰل واﻟﻨﺴﻴﺞ ﰲ اﻟﻌﺎﻟﻢ ﻳﻌﻤﻞ ﻓﻴﻪ ١٨أﻟﻒ ﻋﺎﻣﻞ ﻳﻨﺪر ﻓﻴﻬﻢ ﻏري املﴫي ،وﻳﺴﺪ ﻣﻦ املﻨﺴﻮﺟﺎت اﻟﻘﻄﻨﻴﺔ ﺛﻠﺚ ﺣﺎﺟﺔ اﻟﻘﻄﺮ املﴫي ﺑﺄﺟﻤﻌﻪ ،ﻓﻴﻜﻮن ﻗﺪ وﻓﺮ ﻋﲆ املﻤﻠﻜﺔ املﴫﻳﺔ ﺛﻼﺛﺔ ﻣﻼﻳني ﺟﻨﻴﻪ ﺳﻨﻮﻳٍّﺎ ،ﻛﺎﻧﺖ ﻣﻦ ﻗﺒﻞ ﺗﺨﺮج ﻣﻦ ﺟﻴﻮب املﴫﻳني ﻟﺘﺪﺧﻞ ﰲ ﺟﻴﻮب اﻷوروﺑﻴني. وﻫﻨﺎك ﻣﻦ ﺗﻮاﺑﻊ ﺑﻨﻚ ﻣﴫ ﴍﻛﺔ ﻣﴫ ﻟﻨﺴﺞ اﻟﺤﺮﻳﺮ ،وﴍﻛﺔ ﻣﴫ ﻟﻠﺘﻤﺜﻴﻞ واﻟﺴﻴﻨﻤﺎ ،وﻛﻞ ﻫﺬه ﻧﺎﻟﺖ ﻣﻌﺮوﺿﺎﺗﻬﺎ اﻟﺠﻮاﺋﺰ اﻟﻜﱪى ﰲ املﻌﺮض اﻟﺪوﱄ اﻟﺒﺎرﻳﺰي ﺳﻨﺔ ١٩٣٧ﺛﻢ ﴍﻛﺔ ﻣﴫ ملﺼﺎﻳﺪ اﻷﺳﻤﺎك ،وﴍﻛﺔ ﻣﻄﺒﻌﺔ ﻣﴫ ،وﴍﻛﺔ ﻣﴫ ﻟﻠﻄريان، وﴍﻛﺔ ﻣﴫ ﻟﻠﺴﻴﺎﺣﺔ ،وﻧﺎﻫﻴﻚ ﺑﴩﻛﺔ ﻣﴫ ﻟﻠﻤﻼﺣﺔ اﻟﺒﺤﺮﻳﺔ وﻣﺎ أﻧﺸﺄﺗﻪ ﻣﻦ املﻨﺸﺂت اﻟﺠﻮاري ﻛﺎﻷﻋﻼم؛ ﻣﺜﻞ :زﻣﺰم ،واﻟﻜﻮﺛﺮ ،واﻟﻨﻴﻞ ،وﻏريﻫﺎ؛ ﻣﻤﺎ ﻛﺎد ﻳﻜﻮن ﻛﺎﻷﺣﻼم ،ﻓﺼﺎر ً ﻓﺮاﻫﺔ، اﻟﺤﺠﺎج ﻳﺒﻠﻐﻮن اﻟﺤﺠﺎز ﻋﲆ ﺑﻮاﺧﺮ ﻳﺮون ﺑﻬﺎ أﻧﻔﺴﻬﻢ ﰲ ﻣﺜﻞ ﻗﺼﻮر املﻠﻮك؛ ورﻓﺎﻫﺔ ،وراﺣﺔ ،وﻧﻌﻴﻤً ﺎ ،وﻣﻘﺎﻣً ﺎ ﻛﺮﻳﻤً ﺎ ،وﺻﺎر ﺳﻴﺎح ﻣﴫ اﻟﻜﺜريون إﱃ أوروﺑﺎ ﰲ ﻓﺼﻞ اﻟﺼﻴﻒ ﻳﺮﻛﺒﻮن ﺗﺤﺖ اﻟﻌﻠﻢ املﴫي اﻟﴩﻳﻒ ﺑﻮاﺧﺮ ﻟﻮ ﻗﺮﻧﺖ ﺑﺒﻮاﺧﺮ اﻷﻣﻢ اﻷوروﺑﻴﺔ ﻟﺤ ﱠﻠﺖ ﺑﻴﻨﻬﺎ ﰲ اﻟﺼﻒ اﻷول ،ﻫﺬا ﺑﻌﺪ أن ﻗﻀﻴﻨﺎ ﻛﻞ اﻟﺪﻫﺮ ﻧﺴري وﻧﴪي ﰲ اﻟﺒﻮاﺧﺮ اﻷﺟﻨﺒﻴﺔ وﻧﺆدي إﻟﻴﻬﺎ أﻣﻮاﻟﻨﺎ ﺑﻼ ﺳﺒﺐ ﺳﻮى ﻗﺼﻮر ﻫﻤﻤﻨﺎ ﻋﻦ إﻧﺸﺎء ﺑﻮاﺧﺮ ﺧﺎﺻﺔ ﺑﺄوﻃﺎﻧﻨﺎ؛ ﺑﻬﺎ رﻛﻮﺑﻨﺎ ،وﻋﻠﻴﻬﺎ ﻧﻘﻞ ﺑﻀﺎﺋﻌﻨﺎ ،وﻟﻴﺲ ﻫﻨﺎ ﻣﺤﻞ ﺗﻔﺼﻴﻞ ﻣﴩوﻋﺎت ﻃﻠﻌﺖ ﺑﺎﺷﺎ ﺣﺮب ﺑﺎﻋﺚ اﻟﻨﻬﻀﺔ اﻻﻗﺘﺼﺎدﻳﺔ ﰲ اﻟﴩق ﻟﻨﺨﻮض ﰲ ﻫﺬا اﻟﻌﺒﺎب ،وﻻ ﻣﻘﺼﺪﻧﺎ ﺗﻤﺠﻴﺪه واﻹﺷﺎدة ﺑﻤﺂﺛﺮه وﻟﻮ ﺑﺎﻟﺤﻘﻴﻘﺔ ،وإﻧﻤﺎ ﻛﺎن إﻳﺮادﻧﺎ ﻫﺬه اﻟﻘﺼﺔ ﻋﲆ ﺳﺒﻴﻞ املﺜﺎل 95
ملﺎذا ﺗﺄﺧﺮ املﺴﻠﻤﻮن؟ وملﺎذا ﺗﻘﺪم ﻏريﻫﻢ؟
ملﺎ ﻛﺎن ﻋﻠﻴﻪ املﺴﻠﻤﻮن ﻣﻦ اﻟﺠﺒﻦ ﰲ املﻮاﻃﻦ اﻻﻗﺘﺼﺎدﻳﺔ إﱃ أن ﻫﺐ ﻫﺬا اﻟﺮﺟﻞ ﻣﺪﻳﺮ ﺑﻨﻚ ﻣﴫ ﻓﺄﻳﻘﻈﻬﻢ ﻣﻦ ﺳﺒﺎﺗﻬﻢ ،وأﻋﻠﻤﻬﻢ أﻧﻬﻢ رﺟﺎل ﻛﻤﺎ اﻷوروﺑﻴﻮن رﺟﺎل ،وأﻧﻬﻢ إذا ﺷﺤﺬوا ﻏﺮار ﻋﺰاﺋﻤﻬﻢ وأﻋﻤﻠﻮا أﺳﻨﱠﺔ ﻗﺮاﺋﺤﻬﻢ ﻗﺪروا ﻋﲆ ﻣﺎ ﻳﻘﺪر ﻋﻠﻴﻪ اﻷﺟﺎﻧﺐ ﻣﻦ اﻷﻋﻤﺎل اﻻﻗﺘﺼﺎدﻳﺔ اﻟﻜﺒرية. وﻫﺎ ﻧﺤﻦ أوﻻء اﻵن ﻧﺮى اﻟﻌﺎﻣﻠني ﰲ ﺑﻨﻚ ﻣﴫ وﰲ اﻟﴩﻛﺎت املﻀﺎﻓﺔ إﻟﻴﻪ ﺛﻼﺛني أﻟﻒ ﻣﺴﺘﺨﺪم وﻋﺎﻣﻞ ﻛﻠﻬﻢ ﻣﴫﻳﻮن؛ إﻻ اﻟﻨﺎدر اﻷﻧﺪر ،وﻫﻜﺬا ﺑﺪأ املﺴﻠﻤﻮن ﻳﻘﺘﺤﻤﻮن ﻣﻌﺎرك اﻟﺤﻴﺎة اﻻﻗﺘﺼﺎدﻳﺔ ﰲ ﻛﻞ ﻓﻦ ﻣﻦ ﻓﻨﻮﻧﻬﺎ ،وﺗﻮﻟﺪت ﻋﻨﺪﻫﻢ ﰲ أﻧﻔﺴﻬﻢ ﺛﻘﺔ ﻛﺎﻧﺖ ﻣﺤﺠﻮﺑﺔ ﻋﻨﻬﻢ ﻣﻦ ﻗﺒﻞ؛ ﺑﺤﻴﺚ إن أﺣﻤﺪ ﺣﻠﻤﻲ ﺑﺎﺷﺎ واﻟﺴﻴﺪ ﻋﺒﺪ اﻟﺤﻤﻴﺪ ﺷﻮﻣﺎن ﻣﻦ ﻓﻠﺴﻄني أﺳﺴﺎ ﰲ اﻟﻘﺪس ﺑﻨ ًﻜﺎ ﻛﻞ رأس ﻣﺎﻟﻪ ﺧﻤﺴﺔ ﻋﴩ أﻟﻒ ﺟﻨﻴﻪ ،وﺗﻮﻓﻘﺎ — ﺑﺤﺴﻦ إدارﺗﻬﻤﺎ — إﱃ أن ﺻريا ﻫﺬا اﻟﺒﻨﻚ اﻟﻌﺮﺑﻲ اﻟﻮﺣﻴﺪ ﰲ اﻟﻘﻄﺮ اﻟﺸﺎﻣﻲ ﻣﻦ اﻟﺒﻨﻮك املﻌﺪودة ذوي اﻟﻔﺮوع اﻟﻜﺜرية ﺻﺎر ﻳﺸﺘﻤﻞ ﻋﲆ ﺧﻤﺲ ﻣﺌﺔ أﻟﻒ ﺟﻨﻴﻪ. وﻛﺬﻟﻚ أﺳﺴﺎ ﺑﻨ ًﻜﺎ زراﻋﻴٍّﺎ ﺷﺎﻃﺮ ﰲ ﺗﺄﺳﻴﺴﻪ أﻛﺜﺮ ﻣﻦ ﺧﻤﺴﺔ آﻻف ﻣﺴﺎﻫﻢ ﻣﻦ ﻋﺮب ﻓﻠﺴﻄني ،وﺑﻠﻎ رأﺳﻤﺎﻟﻪ ً ﻧﻴﻔﺎ وﻣﺌﺔ أﻟﻒ ﺟﻨﻴﻪ ،ﻓﺴﺪﱠت ﺑﻬﺬﻳﻦ اﻟﺒﻨﻜني اﻷﻣﺔ اﻟﻌﺮﺑﻴﺔ ﰲ ﻓﻠﺴﻄني ﺣﺎﺟﺘﻬﺎ ،واﺳﺘﻐﻨﻰ ذوو اﻟﺤﻤﻴﺔ ﻣﻨﻬﺎ ﻋﻦ اﻻﻟﺘﺠﺎء إﱃ ﺑﻨﻮك اﻷﺟﺎﻧﺐ ،وﻓﻬﻢ اﻟﻨﺎس أن ﻫﺆﻻء ﻟﻴﺴﻮا ﻓﻮق اﻟﴩﻗﻴني ،وأﻧﻬﻢ ﻻ ﻳﻌﺠﺰون. إﻧﻤﺎ ﺟﺌﻨﺎ ﺑﻬﺎﺗني املﺴﺄﻟﺘني ﻟﻼﺳﺘﺪﻻل ﻋﲆ اﻷﴐار اﻟﻔﻈﻴﻌﺔ اﻟﺘﻲ ﻛﺎن ﻳﺤﺪﺛﻬﺎ ﺑﺎملﺴﻠﻤني ﻋﺪ ُم ﺛﻘﺘﻬﻢ ﺑﺄﻧﻔﺴﻬﻢ. وﻟﻌﻠﻬﻢ ﺑﺪءوا ﻳﺘﻌﺎﻓﻮن اﻵن ﻣﻦ ﻫﺬا املﺮض اﻻﺟﺘﻤﺎﻋﻲ املﻬﻠﻚ ،وﷲ ﻏﺎﻟﺐ ﻋﲆ أﻣﺮه. ﻫﻮاﻣﺶ ) (1اﻟﺒﻘﺮة :ﻣﻦ اﻵﻳﺔ .١٠ ) (2اﻟﺘﻮﺑﺔ :ﻣﻦ اﻵﻳﺔ .٤٨
96
ﻫﻜﺬا إذا ﺗﻮﺟﻬﺖ اﳍﻤﻢ اﻹﺻﻼﺣﺎت املﻌﻨﻮﻳﺔ واملﺎدﻳﺔ ﰲ اﻟﺒﻼد املﻘﺪﺳﺔ
ﺗﻮاﻟﺖ ﻋﲆ ﺑﻼد اﻹﺳﻼم املﻘﺪﺳﺔ ﻗﺮون وأﺣﻘﺎب ﻛﺎﻧﺖ ﻓﻴﻬﺎ أﺷﺪ اﻟﺒﻼد اﻓﺘﻘﺎ ًرا إﱃ اﻹﺻﻼح، وأﻗﺮﺑﻬﺎ إﱃ اﻟﻔﻮﴇ ،وأﻗﻠﻬﺎ أﻣﻨﺔ ُﺳﺒُﻞ وراﺣﺔ ﺳﻜﺎن ،وأﻛﺜﺮﻫﺎ ﻋﻴﺜًﺎ وﻓﺴﺎدًا ،وﻛﺎﻧﺖ ﻫﺬه اﻟﺤﺎﻟﺔ ﻓﻈﻴﻌﺔ ﺟﺪٍّا ﻣﺨﺠﻠﺔ ﻟﻜﻞ ﻣﺴﻠﻢ ،ﻣﺮﻣﻀﺔ ﻟﻜﻞ ﻣﺆﻣﻦ ﺣﺠﺔ ﻧﺎﺻﻌﺔ ﻟﻸﺟﺎﻧﺐ ﻋﲆ املﺴﻠﻤني اﻟﺬﻳﻦ ﻻ ﻳﻘﺪرون أن ﻳﻨﻜﺮوا ﻣﺎ ﰲ اﻟﺤﺠﺎز ﻣﻦ اﺧﺘﻼل اﻟﺴﺒﻞ ،واﺿﻄﺮاب اﻟﺤﺒﻞ؛ ﻣﻊ ﻛﻮﻧﻪ ﻫﻮ ﻣﻬﺪ اﻹﺳﻼم ،وﻣﺮﻛﺰ اﻟﺤﺠﻴﺞ اﻟﻌﺎم ،ﰲ ﻛﻞ ﻋﺎم ،إﱃ ﺑﻴﺖ ﷲ اﻟﺤﺮام ،واملﺸﺎﻋﺮ اﻟﻌﻈﺎم ،وﻣﻬﻮى ﻗﻠﻮب ﻳﺘﺄﺟﺞ ﺑﻬﺎ اﻟﻐﺮام؛ ﻟﺰﻳﺎرة ﻣﺮﻗﺪ اﻟﺮﺳﻮل ﻋﻠﻴﻪ اﻟﺼﻼة واﻟﺴﻼم. ﻛﻞ اﻷﺟﺎﻧﺐ ﻳﺴﺘﻈﻬﺮون ﺑﻬﺬه اﻟﺤﺎﻟﺔ ﻋﲆ دﻋﻮى أن اﻹﺳﻼم ﻻ ﻳﻠﺘﺌﻢ ﻣﻊ اﻟﻌﻤﺮان، وأﻧﻪ ﻫﻮ واﻟﻔﻮﴇ ﺗﻮءﻣﺎن ،وأﻧﻪ ﻟﻮ ﻛﺎن دﻳﻨًﺎ ﻋﻤﺮاﻧﻴٍّﺎ ملﺎ ﻛﺎﻧﺖ ﺗﻜﻮن ﻫﺬه اﻟﺤﺎﻟﺔ اﻟﺴﻴﺌﺔ ﰲ ﻣﺮﻛﺰه ،وملﺎ ﻋﺠﺰ ﻋﻦ إﻗﺎﻣﺔ اﻟﻌﺪل واﻷﻣﻦ ﰲ ﻣﺄزره. وﺣﻘﻴﻘﺔ اﻟﺤﺎل ﻫﻲ أن ﺗﻠﻚ اﻟﻔﻮﴇ ﻟﻢ ﺗﻨﺸﺄ إﻻ ﻋﻦ إﻫﻤﺎل اﻟﻌﻤﻞ ﺑﻘﻮاﻋﺪ اﻟﴩع اﻹﺳﻼﻣﻲ ،وﻋﻦ إرﺧﺎء اﻟﻌﻨﺎن ﻟﺒﻌﺾ اﻷﻣﺮاء اﻟﺬﻳﻦ ﻛﺎﻧﻮا ﻳﻠﻮن أﻣﺮ اﻟﺤﺠﺎز؛ ﻣﺪ ّﻟني ﻋﲆ اﻟﻨﺎس ﺑﻤﺎ ﻟﻬﻢ ﻣﻦ اﻟﻨﺴﺐ اﻟﻨﺒﻮي اﻟﴩﻳﻒ اﻟﺬي ﻛﺎن ﻳﺤﻮل ﺑني ﺳﻼﻃني اﻹﺳﻼم وﺑني ﺗﺸﺪﻳﺪ اﻟﻮﻃﺄة ﻋﻠﻴﻬﻢ ،أو إرﻫﺎف اﻟﺤﺪ ﻓﻴﻬﻢ ،وﻗﺪ ﻛﺎن ﻫﺬا ﻣﻦ ﺧﻄﻞ اﻟﺮأي وﻣﻦ اﻟﺘﻘﺼري ﰲ ﺟﺎﻧﺐ اﻟﴩع؛ ﻓﺈن اﻟﴩﻳﻌﺔ اﻹﺳﻼﻣﻴﺔ ﻻ ﺗﻌﺮف ﻧﺴﺒًﺎ وﻻ ﺣﺴﺒًﺎ. ﻮن﴾1 . َ ﻧﺴﺎبَ ﺑَﻴْﻨَﻬُ ْﻢ ﻳَﻮْﻣَ ِﺌ ٍﺬ و ََﻻ ﻳَﺘَ َﺴﺎءَﻟُ َ ﴿ﻓ ِﺈذَا ﻧُﻔِ َﺦ ِﰲ ﱡ ﻮر َﻓ َﻼ أ َ َ اﻟﺼ ِ وإن ﷲ ﺗﻌﺎﱃ ﻗﺪ ﺟﻌﻞ اﻟﺘﻘﻮى ﻓﻮق ﻛﻞ املﻨﺎﻗﺐ واملﺤﺎﻣﺪ ،وﻗﺮر أن ﻣﻦ ﻗﴫ ﺑﻪ ﻋﻤﻠﻪ ﻟﻢ ﻳﻨﻬﺾ ﺑﻪ ﻧﺴﺒﻪ ،وﻣﻦ املﺮوي ﻋﻦ اﻟﻨﺒﻲ ﷺ» :أﻻ إن ﺑﻌﺾ آل ﺑﻴﺘﻲ ﻳﺮون أﻧﻔﺴﻬﻢ
ملﺎذا ﺗﺄﺧﺮ املﺴﻠﻤﻮن؟ وملﺎذا ﺗﻘﺪم ﻏريﻫﻢ؟
أوﱃ اﻟﻨﺎس ﺑﻲ؛ وﻟﻴﺲ اﻷﻣﺮ ﻛﺬﻟﻚ ،إﻧﻤﺎ أوﻟﻴﺎﺋﻲ املﺘﻘﻮن؛ ﻣﻦ ﻛﺎﻧﻮا وﺣﻴﺚ ﻛﺎﻧﻮا ،أﻻ إﻧﻲ ﻻ أﺟﻴﺰ ﻷﻫﻞ ﺑﻴﺘﻲ أن ﻳﻔﺴﺪوا ﻣﺎ أﺻﻠﺤﺖ«. ﻫﺬا ﺣﺪﻳﺚ ﻧﻘﻠﻪ ﻟﻨﺎ ﺧﺎﺗﻤﺔ املﺤﺪﺛني املﺮﺣﻮم اﻟﺴﻴﺪ ﺑﺪر اﻟﺪﻳﻦ اﻟﺤﺴﻨﻲ املﻐﺮﺑﻲ اﻟﺪﻣﺸﻘﻲ ،وﻛﻴﻒ ﻛﺎﻧﺖ درﺟﺔ ﺛﺒﻮﺗﻪ ﻓﻬﻮ ﻣﻄﺎﺑﻖ ﻟﺮوح اﻟﴩع ،ﺗﺘﻔﺠﺮ ﻣﻌﺎﻧﻴﻪ ﻣﻦ ﻛﻞ ﻧﺎﺣﻴﺔ ﻣﻦ اﻟﻜﺘﺎب. وﻟﻬﺬا ﻛﺎن ﺳﻼﻃني اﻹﺳﻼم ﻣﻦ وﻗﺖ إﱃ آﺧﺮ ﻳﻨﺬرون ﻣﻦ أﻣﺮاء اﻟﺤﺮﻣني ﻣﻦ ﻛﺎﻧﻮا ﻳﻈﻠﻤﻮن اﻟﻨﺎس وﻳﺒﻐﻮن ﰲ اﻷرض ﺑﻐري اﻟﺤﻖ ،وﻟﻘﺪ ذﻫﺐ ً ﻣﺜﻼ ذﻟﻚ اﻟﻜﺘﺎب اﻟﺬي ﻛﺘﺒﻪ أﺣﺪ ﺳﻼﻃني ﻣﴫ ﻣﻦ املﻤﺎﻟﻴﻚ إﱃ أﺣﺪ أﻣﺮاء ﻣﻜﺔ املﻜﺮﻣﺔ؛ وﻫﻮ اﻟﺬي ﻳﻘﻮل ﻓﻴﻪ: اﻋﻠﻢ أن اﻟﺤﺴﻨﺔ ﰲ ﻧﻔﺴﻬﺎ ﺣﺴﻨﺔ؛ وﻫﻲ ﻣﻦ ﺑﻴﺖ اﻟﻨﺒﻮة أﺣﺴﻦ ،واﻟﺴﻴﺌﺔ ﰲ ﻧﻔﺴﻬﺎ ﺳﻴﺌﺔ؛ وﻫﻲ ﻣﻦ ﺑﻴﺖ اﻟﻨﺒﻮة أﺳﻮأ ،وﻗﺪ ﺑﻠﻐﻨﺎ أﻧﻚ ﺑﺪﻟﺖ ﺣﺮم اﻷﻣﻦ ﺑﺎﻟﺨﻴﻔﺔ ،وأﺗﻴﺖ ﻣﺎ ﻳﺤﻤ ﱡﺮ ﻟﻪ اﻟﻮﺟﻮه وﺗﺴﻮ ﱡد اﻟﺼﺤﻴﻔﺔ ،ﻓﺈن وﻗﻔﺖ ﻋﻨﺪ ﺣﺪك؛ وإﻻ أﻏﻤﺪﻧﺎ ﻓﻴﻚ ﺳﻴﻒ ﺟﺪﱢك. وﻻ ﻳﻨﺒﻐﻲ أن ﻳﻔﻬﻢ ﻣﻦ ﻫﻨﺎ أن ﻫﺆﻻء اﻷﻣﺮاء ﻟﻢ ﻳﻜﻦ ﻓﻴﻬﻢ إﻻ ﻣﻦ اﺳﺘﺤﻖ ﻫﺬا اﻟﻮﺻﻒ ،ﻛﻼ؛ ﻓﻘﺪ وﺟﺪ ﻓﻴﻬﻢ اﻷﻣﺮاء اﻟﻌﺎدﻟﻮن ،إﻻ أﻧﻪ ﻗﺪ ﺑﻘﻴﺖ ﻣﻊ اﻷﺳﻒ أﺣﻮال اﻟﺤﺠﺎز ﻏري ﻣﺴﺘﻮﻳﺔ ،وأﻋﺮاب اﻟﺒﺎدﻳﺔ ﻳﺴﻄﻮن ﻋﲆ اﻟﺤﺠﺎج ،وﻟﻴﺲ ﻟﺪاء ﻣﻌﺮﺗﻬﻢ ﻋﻼج ،وﻛﺎﻧﺖ ﻛﻞ ﻣﻦ اﻟﺪوﻟﺔ اﻟﻌﺜﻤﺎﻧﻴﺔ واﻟﺪوﻟﺔ املﴫﻳﺔ ﺗﺮﺳﻞ ﻃﻮاﺑري ﻣﻦ اﻟﺠﻨﺪ اﻟﻨﻈﺎﻣﻲ ﻣﺼﺤﻮﺑﺔ ﺑﺎملﺪاﻓﻊ وﺳﺎﺋﺮ آﻻت اﻟﻘﺘﺎل؛ ﻷﺟﻞ ﺧﻔﺎرة ﻗﻮاﻓﻞ اﻟﺤﺞ ،وﺗﺆدي إﱃ زﻋﻤﺎء اﻟﻘﺒﺎﺋﻞ اﻟﺮواﺗﺐ اﻟﻮاﻓﺮة، وﻛﻞ ﻫﺬا ﻟﻢ ﻳﻜﻦ ﻳﻤﻨﻊ اﻷﻋﺮاب وﻣﻦ ﻻ ﻳﺨﺎف ﷲ ﻣﻦ اﻟﺪﻋﺎر ﻣﻦ ﺗﺨﻄﻒ اﻟﺤﺠﺎج ﰲ ﻛﻞ ﻓﺮﺻﺔ ﺗﻠﻮح ﻟﻬﻢ. وﻛﺜريًا ﻣﺎ ﻛﺎﻧﺖ ﻗﺎﻓﻠﺔ اﻟﺤﺞ ﺗﻀﻄﺮ إﱃ اﻟﺮﺟﻮع وﻗﺪ ﻓﺎﺗﻬﺎ اﻟﺤﺞ أو اﻟﺰﻳﺎرة ﺑﻌﺪ أن ﻗﺼﺪوا ذﻟﻚ ﻣﻦ ﻣﻜﺎن ﺳﺤﻴﻖ ،وﺗﻜﻠﻔﻮا ﺑﺬل اﻷﻣﻮال ،وﺗﺠﺸﻤﻮا ﻣﺸﺎق اﻷﺳﻔﺎر ﰲ اﻟﱪ واﻟﺒﺤﺮ ،ﻓﻜﺎﻧﻮا ﻳﺬوﺑﻮن ﻣﻦ اﻟﺸﻮق ﻋﲆ ﻣﺎ ﻓﺎﺗﻬﻢ ،وﻳﺘﺤﺮﻗﻮن ﻣﻦ اﻟﻮﺟﺪ ،وﻳﺒﻜﻮن ﺑﺼﻴﺐ اﻟﺪﻣﻊ ،واﻟﻨﺎس ﺑﺄﺟﻤﻌﻬﻢ ﻳﺤﻮﻗﻠﻮن وﻳﻘﻮﻟﻮن) :ﻟﻴﺲ ﻟﻬﺎ ﻣﻦ دون ﷲ ﻛﺎﺷﻔﺔ( ذاﻫﺒني إﱃ أن ﺳﻄﻮ اﻷﻋﺮاب ﻫﺆﻻء داء ﻋﻀﺎل ﻻ ﺗﻨﻔﻊ ﻓﻴﻪ ﺣﻴﻠﺔ وﻻ وﺳﻴﻠﺔ ،وﻗﺪ ﻋﻤﺖ ﺑﻬﻢ اﻟﺒﻠﻮى، وإﱃ ﷲ املﺸﺘﻜﻰ. وﻫﻜﺬا ﺗﻮاﻟﺖ اﻟﻘﺮون واﻟﺤﻘﺐ واﻟﻨﺎس ﻋﲆ ﻫﺬا اﻻﻋﺘﻘﺎد ﻻ ﻳﺘﺰﺣﺰﺣﻮن ﻋﻨﻪ إﱃ أن آل أﻣﺮ اﻟﺤﺠﺎز إﱃ املﻠﻚ ﻋﺒﺪ اﻟﻌﺰﻳﺰ ﺑﻦ ﺳﻌﻮد ﻣﻨﺬ ﺑﻀﻊ ﻋﴩة ﺳﻨﺔ؛ ﻓﻠﻢ ﺗﻤﺾ ﺳﻨﺔ واﺣﺪة 98
ﻫﻜﺬا إذا ﺗﻮﺟﻬﺖ اﻟﻬﻤﻢ
ﺣﺘﻰ اﻧﻘﻠﺐ اﻟﺤﺠﺎز ﻣﻦ ﻣﺴﺒﻌﺔ ﺗﺰأر ﻓﻴﻬﺎ اﻟﻀﻮاري ﰲ ﻛﻞ ﻳﻮم ﺑﻞ ﰲ ﻛﻞ ﺳﺎﻋﺔ إﱃ ﻣﻬﺪ أﻣﺎن ،وﻗﺮارة اﻃﻤﺌﻨﺎن ،ﻳﻨﺎم ﻓﻴﻬﺎ اﻷﻧﺎم ﺑﻤﻞء اﻷﺟﻔﺎن ،وﻻ ﻳﺨﺸﻮن ﺳﻄﻮة ﻋﺎد ،وﻻ ﻏﺎرة ﺣﺎﴐ وﻻ ﺑﺎد ،وﻛﺄن أوﻟﺌﻚ اﻷﻋﺮاب اﻟﺬﻳﻦ روﱠﻋﻮا اﻟﺤﺠﻴﺞ ﻣﺪة ﻗﺮون وأﺣﻘﺎب ﻟﻢ ﻳﻜﻮﻧﻮا ﰲ اﻟﺪﻧﻴﺎ ،وﻛﺄن ﻫﺎﺗﻴﻚ اﻟﺬﺋﺎب اﻟﻄﻠﺲ ﺗﺤﻮﻟﺖ إﱃ ﺣﻤﻼن؛ ﻓﻼ ﻧﻬﺐ وﻻ ﺳﻠﺐ وﻻ ﻗﺘﻞ وﻻ ﴐب ،وﻟﻮ ﺷﺎءت اﻟﻔﺘﺎة اﻟﺒﻜﺮ اﻵن أن ﺗﺬﻫﺐ ﻣﻦ ﻣﻜﺔ إﱃ املﺪﻳﻨﺔ ،أو ﻣﻦ املﺪﻳﻨﺔ إﱃ ﻣﻜﺔ، أو إﱃ أﻳﺔ ﺟﻬﺔ ﻣﻦ املﻤﻠﻜﺔ اﻟﺴﻌﻮدﻳﺔ وﻫﻲ ﺣﺎﻣﻠﺔ اﻟﺬﻫﺐ واﻷملﺎس واﻟﻴﺎﻗﻮت واﻟﺰﻣﺮد ،ﻣﺎ ﺗﺠﺮأ أﺣﺪ أن ﻳﺴﺄﻟﻬﺎ ﻋﻤﺎ ﻣﻌﻬﺎ. َ ﻣﺎ ﻣﻦ ﻳﻮم إﻻ وﺗُﺤﻤﻞ ﻓﻴﻪ إﱃ دواﺋﺮ اﻟﴩﻃﺔ ﻟﻘﻂ ﻣﺘﻌﺪدة ،وﻳﺆﺗﻰ ﺑﻀﻮال ﻓﻘﺪﻫﺎ أﺻﺤﺎﺑﻬﺎ ﰲ اﻟﻄﺮق ،وأﻛﺜﺮ ﻣﻦ ﻳﺄﺗﻲ ﺑﻬﺎ اﻷﻋﺮاب أﻧﻔﺴﻬﻢ؛ ﺧﺪﻣﺔ ﻟﻸﻣﻦ اﻟﻌﺎم ،وإﺑﻌﺎدًا ﻟﻠﺸﺒﻬﺔ ﻋﻨﻬﻢ وﻋﻦ ذوﻳﻬﻢ ،ﻓﺴﺒﺤﺎن ﻣﺤﻮﱢل اﻷﺣﻮال وﻣﻘ ﱢﻠﺐ اﻟﻘﻠﻮب ،ووﷲ ﻻ ﻳﻮﺟﺪ ﰲ ﻫﺬا اﻟﻌﴫ أﻣﻦ ﻳﻔﻮق أﻣﻦ اﻟﺤﺠﺎز ﻻ ﰲ اﻟﴩق وﻻ ﰲ اﻟﻐﺮب ،وﻻ ﰲ أوروﺑﺎ وﻻ ﰲ أﻣﺮﻳﻜﺎ ،وﻗﺪ ﺗﻤﻨﱠﻰ املﺴﱰ ﻛﺮاﻳﻦ اﻷﻣريﻛﻲ ﺻﺪﻳﻖ اﻟﻌﺮب اﻟﺸﻬري ﰲ إﺣﺪى ﺧﻄﺒﻪ أن ﻳﻜﻮن ﰲ وﻃﻨﻪ أﻣﺮﻳﻜﺎ اﻷﻣﻦ اﻟﺬي رآه ﰲ اﻟﺤﺠﺎز واﻟﻴﻤﻦ. وﻛﻞ ﻣﻦ ﺳﻜﻦ أوروﺑﺔ وﻋﺮف اﻟﺤﺠﺎز ﰲ ﻫﺬه اﻷﻳﺎم ﻳﺤﻜﻢ ﺑﺄن اﻷﻣﻨﺔ ﻋﲆ اﻷرواح واﻷﻋﺮاض واﻷﻣﻮال ﰲ اﻟﺒﻘﺎع املﻘﺪﺳﺔ ﻫﻲ أﻛﻤﻞ وأﺷﻤﻞ وأوﺛﻖ أوﺗﺎدًا وأﺷﺪ أﻃﻨﺎﺑًﺎ ﻣﻨﻬﺎ ﰲ املﻤﺎﻟﻚ اﻷوروﺑﻴﺔ واﻷﻣﺮﻳﻜﻴﺔ ،ﻓﺄﻳﻦ أوﻟﺌﻚ اﻟﺬﻳﻦ ﻛﺎﻧﻮا ﻳﻘﻮﻟﻮن :إن اﻷﻋﺮاب ﻻ ﻳﻘﺪر ﻋﲆ ﺿﺒﻄﻬﺎ إﻧﺴﺎن ،وإن ﺳﻜﺎن اﻟﻔﻴﺎﰲ ﻫﻢ ﻏري ﺳﺎﺋﺮ اﻟﺒﻠﺪان؟! ﻓﻬﺎ ﻫﻮ ذا اﺑﻦ ﺳﻌﻮد ﻗﺪ ﺿﺒﻄﻬﺎ ﺑﺄﺟﻤﻌﻬﺎ ﰲ ﻣﻤﻠﻜﺘﻪ اﻟﻮاﺳﻌﺔ ،وﻣﺤﺎ أﺛﺮ اﻟﻐﺎرات واﻟﺜﺎرات ﺑني اﻟﻘﺒﺎﺋﻞ ،وأﺻﺒﺢ ﻛﻞ إﻧﺴﺎن ﻳﻘﺪر أن ﻳﺠﻮب اﻟﺼﺤﺎري وﻫﻮ أﻋﺰل ،وﻳﺪﺧﻞ أرض ﻛﻞ ﻗﺒﻴﻠﺔ دون أن ﻳﻌﱰﺿﻪ ﻣﻌﱰض أو ﻳﺴﺄﻟﻪ ﺳﺎﺋﻞ إﱃ أﻳﻦ ﻫﻮ ﻏﺎدٍ أو راﺋﺢ ،وﻟﻮ ﻗﻴﻞ ﻟﺒﴩ :إن ﺑﻼدًا ﻛﺎن ذﻟﻚ ﺷﺄﻧﻬﺎ ﻣﻦ اﻟﻔﺰع واﻟﻬﻮل وﺳﻔﻚ اﻟﺪﻣﺎء وﻗﻄﻊ اﻟﻄﺮق ﻗﺪ ﻣﺮد أﻫﻠﻬﺎ ﻋﲆ ﻫﺬا اﻟﺒﻐﻲ وﻫﺬا اﻟﻌﺪوان ﻣﻦ ﺳﺎﻟﻒ اﻷزﻣﺎن ،وإﻧﻪ ﻳﻠﻴﻬﺎ اﺑﻦ ﺳﻌﻮد ﻓﻼ ﺗﻤﴤ ﻋﲆ وﻻﻳﺘﻪ ﻟﻬﺎ ﺳﻨﺔ واﺣﺪة ٍ ﺧﺮاﻓﺎت، ﺣﺘﻰ ﻳﻄﻬﺮﻫﺎ ﺗﻄﻬريًا وﻳﻤﻸﻫﺎ أﻣﻨًﺎ وﻃﻤﺄﻧﻴﻨﺔ؛ ﻟﻈﻦ اﻟﺴﺎﻣﻊ أﻧﻪ ﻳﺴﻤﻊ أﺣﻼﻣً ﺎ أو أو اﺗﻬﻢ اﻟﻘﺎﺋﻞ ﰲ ﺻﺤﺔ ﻋﻘﻠﻪ. وﻟﻜﻦ ﻫﺬا ﻗﺪ ﺻﺎر ﺣﻘﻴﻘﺔ ﻛﻠﻴﺔ ،وﻗﻀﻴﺔ واﻗﻌﻴﺔ ﰲ وﻗﺖ ﻗﺼري ،وﻣﺎ أوﺟﺪه إﻻ ﻫﻤﺔ ﻋﺎﻟﻴﺔ ،وﻋﺰﻣﺔ ﺻﺎدﻗﺔ ،وإﻳﻤﺎن ﺑﺎهلل ،وﺛﻘﺔ ﺑﺎﻟﻨﻔﺲ ،وﻋﻠﻢ ﺑﺄن ﷲ ﺗﻌﺎﱃ ﻣﺆﻳ ٌﺪ ﻣﻦ أﻳﺪه، ﻧﺎﴏ ﻣﻦ ﻧﴫه ،ﻳﺤﺚ ﻋﲆ اﻟﻌﻤﻞ وﻳﻜﺎﻓﺊ اﻟﻌﺎﻣﻞ ،وﻳﻜﺮه اﻟﻴﺄس ،وﻳﻘﻮل ﻟﻌﺒﺎده﴿ :وَﻣَ ﻦ ﻮن﴾2 . ﻂ ِﻣﻦ ﱠرﺣْ ﻤَ ِﺔ َرﺑﱢ ِﻪ إ ِ ﱠﻻ ﱠ ﻳ َْﻘﻨ َ ُ اﻟﻀﺎ ﱡﻟ َ 99
ملﺎذا ﺗﺄﺧﺮ املﺴﻠﻤﻮن؟ وملﺎذا ﺗﻘﺪم ﻏريﻫﻢ؟
وﻗﺪ ﴎت ﺑﴩى اﻷﻣﺎن اﻟﺬي ﺷﻤﻞ اﻟﺒﻼد املﻘﺪﺳﺔ اﻟﺤﺠﺎزﻳﺔ ﻓﻌﻤﱠ ﺖ أﻗﻄﺎر اﻹﺳﻼم، وأﺛﻠﺠﺖ ﺻﺪور أﺑﻨﺎﺋﻪ ،وارﺗﻔﻌﺖ ﻋﻦ اﻟﺤﺠﺎز ﺗﻠﻚ املﻌ ﱠﺮة اﻟﺘﻲ ﻃﺎملﺎ وﺟﻢ ﻟﻬﺎ املﺴﻠﻤﻮن؛ وذﻟﻚ ﺑﻘﻮة إرادة املﻠﻚ ﻋﺒﺪ اﻟﻌﺰﻳﺰ ﺑﻦ ﺳﻌﻮد ،واﻟﺘﺰاﻣﻪ ﺣﺪود اﻟﴩع ،وﻟﻜﻦ ﻟﻴﺲ ﻫﺬا ﻛﻞ ﳾء وﻗﺪ ﺑﻘﻴﺖ ﺣﺎﺟﺎت ﰲ اﻟﺼﺪور؛ ﻓﻠﻢ ﻳﺰل ﻳﻌﻮز اﻟﺤﺠﺎز وﺳﺎﺋﻞ ﻛﺜرية ﻟﻠﺮاﺣﺔ واﻟﻬﻨﺎء ﻣﻦ ﻗﺒﻴﻞ اﻹﺻﻼﺣﺎت املﺎدﻳﺔ اﻟﻌﻤﺮاﻧﻴﺔ اﻟﺘﻲ ﻳﺘﻮق إﻟﻴﻬﺎ اﻟﺤﺠﺎج وﻻ ﻳﺠﺪوﻧﻬﺎ، وﻫﻲ إﺻﻼﺣﺎت ﻋﴫﻳﺔ ﻻ ﻃﺎﻗﺔ ﻟﻠﺤﺠﺎز ﺑﻬﺎ ﻣﻊ ﻗﻠﺔ اﻟﻮارد إﱃ ﺑﻴﺖ املﺎل ،وازدﻳﺎد اﻟﺨﺮج ً وأﻳﻀﺎ ﻣﻊ اﺳﺘﺌﺜﺎر أﻛﺜﺮ ﺑﻼد املﺴﻠﻤني ﺑﺄوﻗﺎف اﻟﺤﺮﻣني اﻟﴩﻳﻔني ،وﻋﺪم ﻋﲆ اﻟﺪﺧﻞ، اﺳﺘﻌﻤﺎﻟﻬﺎ ﻓﻴﻤﺎ وﻗﻔﺖ ﻋﻠﻴﻪ. وﻗﺪ ﻛﺎن ﻳﺘﺤﺘﻢ ﻋﲆ اﻟﻌﺎﻟﻢ اﻹﺳﻼﻣﻲ أن ﻳﺸﺎﻃﺮ ﻣﻨﺬ زﻣﻦ ﻃﻮﻳﻞ ﰲ إزاﺣﺔ ﻫﺬه اﻟﻌﻠﻞ املﺎدﻳﺔ اﻟﺘﻲ ﻳﻌﺘﺬر اﻟﺤﺠﺎز ﺑﺤﻖ ﻋﻦ أن ﻳﻘﻮم ﺑﻬﺎ وﺣﺪه؛ ﻻ ﺳﻴﻤﺎ أن اﻟﺤﺮﻣني اﻟﴩﻳﻔني ﻟﻴﺴﺎ ﻟﻠﻌﺮب وﺣﺪﻫﻢ؛ ﺑﻞ ﻟﺠﻤﻴﻊ املﺴﻠﻤني. ﻓﻠﻢ ﺗﺰل ﻫﺬه املﺴﺄﻟﺔ ﻣﻮﺿﻮع اﻷﻣﺎﻧﻲ وﻣﺘﺠﻪ اﻵﻣﺎل ،واﻟﻨﺎس ﻳﻨﺘﻈﺮون ﻓﻴﻬﺎ اﻻﺑﺘﺪاء ﺑﻌﻤﻞ ﻣﻦ اﻷﻋﻤﺎل ،إﱃ أن ﻋﻘﺪت ﻣﴫ ﻋﺰﻳﻤﺘﻬﺎ ﻋﲆ ﻫﺬا اﻷﻣﺮ اﻟﺬي ﺗﻌﺘﱪ ﻣﴫ ﺟﺪ أﻣﻴﻨﺔ ﺑﺄن ﺗﻄﻠﻊ ﺑﻪ ،وﺑﺄن ﺗﻜﻮن ﻓﻴﻪ اﻟﺴﺒﺎﻗﺔ واﻟﻘﺪوة ﻟﻐريﻫﺎ. وﻟﻢ ﻳﻄﻠﻖ ﻋﲆ ﻣﴫ ﻟﻘﺐ »ﻛﻨﺎﻧﺔ ﷲ ﰲ أرﺿﻪ« ﻋﺒﺜًﺎ؛ ﺑﻞ ﻫﻲ ﻣﻦ ﻗﺪﻳﻢ اﻟﺪﻫﺮ ﻣﻮﺋﻞ اﻟﺤﺠﺎز واﻧﺒﺎر املﺴﻨِﺘني ﻣﻦ أﻫﻠﻪ ،وﺣﺴﺒﻚ ﻣﺎ ﻗﺎﻣﺖ ﺑﻪ ﻣﴫ ﻋﺎم اﻟﺮﻣﺎدة ﻣﻦ ﻣرية اﻟﺤﺠﺎز ﺑﻄﻠﺐ ﺳﻴﺪﻧﺎ ﻋﻤﺮ إﱃ ﺳﻴﺪﻧﺎ ﻋﻤﺮو — رﴈ ﷲ ﻋﻨﻬﻤﺎ — وﻣﻦ ﺑﻌﺪ ذﻟﻚ ﻟﻢ ﺗﺸﺘﺪ ﺑﺄﻫﻞ اﻟﺤﺮﻣني ﻷواء ،وﻻ ﱠ ﻋﻀﺘﻬﻢ ﻣﺴﻐﺒﺔ ﺑﻨﺎﺑﻬﺎ إﻻ أﴎﻋﺖ إﻟﻴﻬﻢ ﻣﴫ ﺑﺎﻹﻏﺎﺛﺔ وﺗﻔﺮﻳﺞ اﻟﻜﺮﺑﺔ ،ﻟﻢ ﺗﺘﺨﻠﻒ ﻣﴫ ﻋﻦ ﻫﺬا اﻟﻮاﺟﺐ ﰲ وﻗﺖ ﻣﻦ اﻷوﻗﺎت ،وﰲ ﻫﺬه اﻷﻳﺎم ﻋﻨﺪﻣﺎ اﺷﺘﺪ اﻟﺸﻌﻮر ﺑﻮﺟﻮب إﺻﻼح اﻟﺤﺠﺎز ﻣﻦ اﻟﻨﺎﺣﻴﺔ اﻟﻌﻤﺮاﻧﻴﺔ ﺑﻌﺪ أن أزﻳﺤﺖ ﻋﻠﺘﻪ ﻣﻦ ﺟﻬﺔ ﺗﺄﻣني اﻟﺴﻮاﺑﻞ ﻛﺎﻧﺖ ﻣﴫ ﻫﻲ اﻟﻨﺎﻫﻀﺔ ملﺪ ﻳﺪ املﺴﺎﻋﺪة إﻟﻴﻪ ﰲ ﻫﺬا اﻟﺸﺄن ،وﻛﺄﻧﻤﺎ ﻛﺘﺐ ﰲ اﻟﻠﻮح املﺤﻔﻮظ أن ﻳﻜﻮن ﻣﺤﻤﺪ ﻃﻠﻌﺖ ﺑﺎﺷﺎ ﺣﺮب ﻫﻮ اﻟﻄﺎﻟﻊ ﺣﺮﺑًﺎ ﻋﲆ اﻟﺨﻠﻞ واﻟﻔﻮﴇ واﻹﻫﻤﺎل ﰲ ﻋﻤﺮان اﻟﴩق ،ﻓﻮﺟﻪ ﺷﻄ ًﺮا ﻣﻦ ﻫﻤﺘﻪ اﻟﻌﻠﻴﺎء ﺷﻄﺮ اﻟﺒﻴﺖ اﻟﺤﺮام اﻟﺬي ﻗﺪ أﻣﺮﻧﺎ ﷲ ﺑﺄﻧﻨﺎ ﺣﻴﺚ ﻣﺎ ﻛﻨﺎ ﻧﻮﱄ وﺟﻮﻫﻨﺎ ﺷﻄﺮه؛ ﻟﺌﻼ ﻳﻜﻮن ﻟﻠﻨﺎس ﻋﻠﻴﻨﺎ ﺣﺠﺔ، ﻓﻜﺎن ﻃﻠﻌﺖ ﺑﺎﺷﺎ ﺣﺮب ﰲ ﻫﺬه اﻟﺤﻠﺒﺔ ً أﻳﻀﺎ ﻫﻮ املﺠﲇ ،وﻛﺎن ﻗﺪ ﺑﺪأ ﻣﻦ ﺑﻀﻊ ﺳﻨني ﺑﺘﺄﺳﻴﺲ ﴍﻛﺔ املﻼﺣﺔ اﻟﺒﺤﺮﻳﺔ ،وأﻧﺸﺄ اﻟﺒﻮاﺧﺮ اﻟﺠﻮاري ﻛﺎﻷﻋﻼم اﻟﺒﺎﻟﻐﺔ اﻟﺤﺪ اﻷﻗﴡ ﻣﻦ أﺳﺒﺎب اﻟﺮاﺣﺔ واﻻﻧﺘﻈﺎم؛ ﻣﺜﻞ :زﻣﺰم ،واﻟﻜﻮﺛﺮ ،وﻏريﻫﻤﺎ ﻣﻤﺎ ﻗﺪ ﺳﺒﻖ اﻟﻜﻼم ﻋﻠﻴﻪ، وﺣﺼﻞ ﺑﺬﻟﻚ ﻣﻦ اﻟﻔﺮج ﻟﺤﺠﺎج ﺑﻴﺖ ﷲ اﻟﺤﺮام ﻣﺎ ﺗﺤﺪﺛﺖ ﺑﻪ اﻟﺮﻛﺒﺎن ،وﺷﺎع ذﻛﺮه ﰲ 100
ﻫﻜﺬا إذا ﺗﻮﺟﻬﺖ اﻟﻬﻤﻢ
اﻟﺒﻠﺪان ،وﻟﻜﻦ ﻟﻢ ﻳﻜﻦ ﻫﺬا ﻛﻞ ﻣﺎ ﺗﺴﻤﻮ إﻟﻴﻪ ﻫﻤﺔ ﻫﺬا اﻟﺮﺟﻞ ﻣﻦ إﺻﻼح ﻋﻤﺮاﻧﻲ وﺗﻨﻈﻴﻢ ﻣﺎدي ﰲ اﻟﺤﺠﺎز؛ ﻓﻘﺼﺪ إﱃ اﻷرض املﻘﺪﺳﺔ وﻧﻈﺮ ﰲ ﻣﺨﺘﻠﻒ اﻟﻌﻠﻞ اﻟﺘﻲ ﺗﺠﺐ ﻣﻌﺎﻟﺠﺘﻬﺎ، وﻋﺮض ﻧﺘﻴﺠﺔ ﻣﺸﺎﻫﺪاﺗﻪ ﻋﲆ اﻟﺤﻜﻮﻣﺔ املﴫﻳﺔ اﻟﺘﻲ أﴎﻋﺖ ﰲ إﺟﺎﺑﺘﻪ إﱃ ﺗﻘﺮﻳﺮ اﻟﻼزم ﻣﻦ ﻫﺬه اﻹﺻﻼﺣﺎت اﻟﺤﻴﻮﻳﺔ ﺑﺎﻻﺗﻔﺎق ﻣﻊ اﻟﺤﻜﻮﻣﺔ اﻟﺴﻌﻮدﻳﺔ اﻟﺘﻲ ﺑﺬﻟﺖ ﻛﻞ ﻣﺎ ﰲ وﺳﻌﻬﺎ ﻷﺟﻞ ﺗﺴﻬﻴﻞ اﻻﺗﻔﺎق ،وﺗﻴﺴري اﻻرﺗﻔﺎق ،ﻓﻜﺎن ﻣﺎ ﺳﺘﻨﻔﻘﻪ اﻟﺤﻜﻮﻣﺔ املﴫﻳﺔ واﻟﺤﻜﻮﻣﺔ اﻟﺴﻌﻮدﻳﺔ ﰲ ﻫﺬه اﻟﻨﻮﺑﺔ ﻣﻦ إﺻﻼﺣﺎت اﻟﺤﺠﺎز ﻹﻧﺸﺎء ﻃﺮق وإﻧﺎرة ﻛﻬﺮﺑﺎﺋﻴﺔ وﺗﻮزﻳﻊ ﻣﻴﺎه وﺗﻄﻬريﻫﺎ وﻏري ذﻟﻚ ﻧﺤﻮًا ﻣﻦ ﻣﺌﺘني وأرﺑﻌني أﻟﻒ ﺟﻨﻴﻪ. وﻫﻜﺬا ﺗﻜﻮن اﻟﺪوﻟﺔ املﴫﻳﺔ ﻗﺪ ﻧﻬﺠﺖ اﻟﺴﺒﻴﻞ ﻟﺠﻤﻴﻊ اﻟﺤﻜﻮﻣﺎت اﻹﺳﻼﻣﻴﺔ ﰲ اﻟﻌﺎﻟﻢ أن ﺗﺸﺎﻃﺮ ﰲ اﻟﻘﻴﺎم ﻋﲆ ﻗﺪر إﻣﻜﺎﻧﻬﺎ ﺑﻤﺎ ﻳﺴﺘﻠﺰﻣﻪ اﻟﺤﺠﺎز ﻣﻦ اﻹﺻﻼﺣﺎت اﻟﻌﴫﻳﺔ اﻟﺘﻲ ﻻ ﻣﻨﺪوﺣﺔ ﻋﻨﻬﺎ ﰲ ﻗﻄﺮ ﻳﺆﻣﱡ ﻪ املﺴﻠﻤﻮن ﻣﻦ املﺸﺎرق واملﻐﺎرب ﺳﺎﻟﻜني إﻟﻴﻪ اﻟﱪ واﻟﺒﺤﺮ واﻟﺠﻮ وﻫﻮ ﻣﺮﺷﺢ ﺣﺘﻤً ﺎ ﺑﻮاﺳﻄﺔ ﻃﺮق اﻻﻧﺘﻘﺎل اﻟﺤﺪﻳﺜﺔ؛ ﻟﺰﻳﺎدة اﻟﻌﻤﺮان ،وﺗﻜﺎﺛﻒ ً وﻣﺜﺎﻻ ﻟﻄﻴﺐ اﻟﻨﺠﻌﺔ ﰲ اﻟﺸﺘﺎء اﻟﺴﻜﺎن ،وﻟﻴﻜﻮن أﻧﻤﻮذﺟً ﺎ ﻟﻠﺠﻤﺎل اﻟﺼﻮري واملﻌﻨﻮي، واﻟﺼﻴﻒ ،ﻓﺈن اﻟﺬي ﻳﺸﺘﻤﻞ ﻋﻠﻴﻪ اﻟﺤﺠﺎز ﻣﻦ املﺼﺎﻳﻒ اﻟﺒﺪﻳﻌﺔ؛ ﻛﺎﻟﻄﺎﺋﻒ واﻟﻬﺪى ووادي ﻣﺤﺮم ووادي ﻟﻴّﻪ وﺟﺒﺎل اﻟﺸﻔﺎ اﻟﻌﺎﻟﻴﺔ ﺛﻼﺛﺔ آﻻف ﻣﱰ ﻋﻦ ﺳﻄﺢ اﻟﺒﺤﺮ — ﻳﻨﺪر وﺟﻮد أﺷﺒﺎﻫﻪ ﰲ املﻌﻤﻮر ﻛﻤﺎ ﻓﺼﻠﻨﺎ ذﻟﻚ ﰲ رﺣﻠﺘﻨﺎ اﻟﺤﺠﺎزﻳﺔ املﻮﺳﻮﻣﺔ »ﺑﺎﻻرﺗﺴﺎﻣﺎت اﻟﻠﻄﺎف«، ﻻ ﻳﻌﻮز ﻫﺬه اﻷﻣﻜﻨﺔ املﻤﺘﺎزة ﺑﻄﻴﺐ ﻫﻮاﺋﻬﺎ وﺟﻮدة ﻣﻨﺎﺧﻬﺎ وﺟﻤﺎل إﻗﻠﻴﻤﻬﺎ ﺳﻮى اﻟﻄﺮق املﻌﺒﱠﺪة ﻟﻠﺴﻴﺎرات ﺣﺘﻰ ﺗﻘﺮب املﺴﺎﻓﺎت. وﻗﺪ ﻧﴩت ﴍﻛﺔ ﺑﻨﻚ ﻣﴫ ﻋﻦ اﻹﺻﻼﺣﺎت اﻟﻼزﻣﺔ ﻟﻠﺤﺠﺎز ﺗﻘﺎرﻳﺮ واﻓﻴﺔ ﻗﻴﻤﺔ ﻣﻦ أﻗﻼم املﻬﻨﺪﺳني اﻟﺒﺎرﻋني اﻟﺬﻳﻦ أﻧﻔﺬﺗﻬﻢ ﴍﻛﺔ اﻟﺒﻨﻚ إﱃ اﻷراﴈ املﻘﺪﺳﺔ؛ ﻣﺜﻞ ﻣﺤﻤﺪ اﻟﺠﻤﺎل ﺑﻚ ﻧﺎﺋﺐ املﺪﻳﺮ اﻟﻌﺎم ملﻌﺎﻣﻞ اﻟﻐﺰل واﻟﻨﺴﻴﺞ املﴫﻳﺔ ،اﻟﺬي ﺗﻜﻠﻢ ﻋﻦ ﺣﺎﻟﺔ اﻟﺤﺠﺎز اﻟﻌﻤﻮﻣﻴﺔ وﻗﺎﺑﻠﻴﺔ أرﺿﻬﺎ وﻣﺎ ﻳﻠﺰم ﻟﻬﺬه اﻟﺒﻼد ﻣﻦ اﻷﺳﺒﺎب اﻟﻔﻨﻴﺔ واملﺪارس اﻟﺼﻨﺎﻋﻴﺔ، وأﻟ ﱠﻢ ﺑﻤﴩوع املﻴﺎه اﻟﺬي ﻳﻠﺰم ﻟﻪ ﺑﻨﺎء ﺧﺰان ﰲ ﻣﺮﺗﻔﻊ ﺗﻌﻠﻮ ﻋﻨﻪ ﻋني زﺑﻴﺪة؛ ﺑﺤﻴﺚ ﻳﺴﺪ ﻛﻞ ﻋﻮز ﰲ ﻣﻜﺔ وﻣﻦ ﺟﻬﺔ املﻴﺎه ،وﺑﻤﴩوع إﺿﺎءة ﻣﻜﺔ ﺑﺎﻟﻜﻬﺮﺑﺎء ،وﺑﻤﴩوع إﻧﺸﺎء ﻃﺮﻳﻖ ﺻﺎﻟﺤﺔ ﻟﻠﺴﻴﺎرات ﻣﻦ ﺟﺪة إﱃ اﻟﺒﻠﺪ اﻟﺤﺮام ،أو ﺳﻜﺔ ﺣﺪﻳﺪﻳﺔ ﺗﻮﺻﻞ ﺑﻴﻨﻬﻤﺎ. وﻣﴩوﻋﺎت أﺧﺮى ﺗﻀﻤﻨﻬﺎ ﻫﺬا اﻟﺘﻘﺮﻳﺮ اﻟﻮاﺿﺢ املﻔﻴﺪ اﻟﺬي ﻟﻴﺲ ﻓﻴﻪ ﻣﺤﻞ ﻧﻈﺮ ﺳﻮى ﺗﺨﻤﻴﻨﻪ ﻋﺪد ﻣﺴﻠﻤﻲ املﻌﻤﻮر ﺑﻤﺌﺘني وﺧﻤﺴني ﻣﻠﻴﻮﻧًﺎ ،ﻓﻬﺬا ﺧﻄﺄ ﻓﺎﺣﺶ ﻧﺎﺷﺊ ﻋﻦ ﻣﺘﺎﺑﻌﺔ إﺣﺼﺎءات ﻗﺪﻳﻤﺔ أوروﺑﻴﺔ ﻏري ﻧﺰﻳﻬﺔ ،أو ﺛﻤﺔ ﺧﻄﺄ ﻣﻄﺒﻌﻲ ﺗﺼﺤﻴﺤﻪ ٣٥٠ﻣﻠﻴﻮﻧًﺎ )ﺛﻼث ﻣﺌﺔ وﺧﻤﺴﻮن ﻣﻠﻴﻮﻧًﺎ( وﻫﺬا ً أﻳﻀﺎ دون اﻟﻮاﻗﻊ ﻛﻤﺎ أوﺿﺤﻨﺎ ذﻟﻚ ﺑﺎﻹﺣﺼﺎءات 101
ملﺎذا ﺗﺄﺧﺮ املﺴﻠﻤﻮن؟ وملﺎذا ﺗﻘﺪم ﻏريﻫﻢ؟
اﻟﺮﺳﻤﻴﺔ واﻟﱪاﻫني اﻟﺴﺎﻃﻌﺔ ﰲ ﻣﺠﻠﺘﻨﺎ »ﻻ ﻧﺎﺳﻴﻮن آراب«؛ ردٍّا ﻋﲆ اﻟﺰاﻋﻤني أن ﻋﺪد املﺴﻠﻤني ٢٦٠ﻣﻠﻴﻮﻧًﺎ ،ﻣﻊ أن ﻣﺴﻠﻤﻲ آﺳﻴﺔ وﺣﺪﻫﺎ ﻳﻨﻴﻔﻮن ﻋﲆ ٢٦٠ﻣﻠﻴﻮﻧًﺎ ،وﻗﺪ ﺑﻘﻲ ﻏري داﺧﻞ ﰲ ﻫﺬا اﻹﺣﺼﺎء ﻣﺴﻠﻤﻮ إﻓﺮﻳﻘﻴﺎ اﻟﺬﻳﻦ ﻳﻨﺎﻫﺰون ﻣﺌﺔ ﻣﻠﻴﻮن ،وﻣﺴﻠﻤﻮ أوروﺑﺎ اﻟﺬﻳﻦ ﻫﻢ ﻣﻦ ﺧﻤﺴﺔ إﱃ ﺳﺘﺔ ﻣﻼﻳني. وﻟﻘﺪ اﻫﺘﻤﻤﻨﺎ ﺑﻬﺬا املﻮﺿﻮع ﻋﻤﺪًا؛ ملﺎ ﻧﺤﺴﻪ ﻣﻦ ﺗﺤﺮج ﺻﺪور اﻷوروﺑﻴني ﺑﻜﺜﺮة ﻋﺪد املﺴﻠﻤني ،واﺟﺘﻬﺎد اﻟﺪول اﻻﺳﺘﻌﻤﺎرﻳﺔ ﺑﺨﺎﺻﺔ أن ﻳﻨﻘﺼﻮا ﻣﻦ ﻋﺪدﻫﻢ ،وﻳﺨﴪوا ﻣﻦ وزﻧﻬﻢ ،ﻓﻤﺤﺼﻨﺎ ﻫﺬا اﻟﺒﺤﺚ ﻋﺪة ﻣﺮات؛ ملﺎ ﻧﺸﻌﺮ ﻣﻦ ﻧﻴﺘﻬﻢ ﻫﺬه. ﺛﻢ ﻧﻌﻮد إﱃ ﻗﻀﻴﺔ إﺻﻼﺣﺎت اﻟﺤﺠﺎز؛ ﻓﻨﻘﻮل :إن ﻣﻦ ﺟﻤﻠﺔ اﻟﺘﻘﺎرﻳﺮ اﻟﻮاﻓﻴﺔ ﰲ ﻫﺬا املﻮﺿﻮع ﺗﻘﺮﻳ ًﺮا ﻣﺤﺮ ًرا ﺑﻘﻠﻢ املﻬﻨﺪس املﺤﻘﻖ اﻟﺴﻴﺪ ﺣﺴﻦ اﻟﺒﻬﺘﻴﻤﻲ اﻟﺬي ﻳﺘﻜﻠﻢ ﻋﲆ ﺗﺤﻮﻳﻞ ﻣﺠﺮى اﻟﺴﻴﻞ ﻋﻦ ﻣﻜﺔ ،وﻋﲆ ﺗﺤﺴني ﻃﺮﻳﻖ املﺴﻌﻰ ﺑني اﻟﺼﻔﺎ واملﺮوة ،وﺗﺤﺴني ﻃﺮﻳﻘﺔ ورود املﻴﺎه ﺑﻌﺮﻓﺎت ﻣﻦ ﻋني زﺑﻴﺪة ،وإﻧﺎرة اﻟﺒﻠﺪ اﻷﻣني ﺑﺎﻟﻜﻬﺮﺑﺎء ،وﺗﻘﺮﻳ ًﺮا آﺧﺮ ﰲ ﻫﺬه املﺴﺎﺋﻞ ﻧﻔﺴﻬﺎ ﻣﻦ ﻗﻠﻢ اﻟﺴﻴﺪ ﻣﺼﻄﻔﻰ ﻣﺎﻫﺮ رﺋﻴﺲ ﻣﻬﻨﺪﳼ ﻣﻴﺎه اﻟﺠﻴﺰة واﻟﺠﺰﻳﺮة ﺑﻤﴫ ذﻫﺐ ﻓﻴﻪ إﱃ أﻧﻪ ﺑﻌﺪ أن ﻳﺘﻢ إﺻﻼح ﺗﻮزﻳﻊ ﻋني زﺑﻴﺪة وﻋني ﺣﻨني اﻟﺘﻲ ﻳﺘﻔﺮغ ﻣﻨﻬﺎ املﺠﺮى املﺴﻤﻰ ﺑﻌني اﻟﺰﻋﻔﺮان؛ ﻳﺠﺐ أن ﻳﺒﺎﴍ اﻟﺤﻔﺮ ﰲ ﺳﺎﺋﺮ اﻵﺑﺎر واﻷودﻳﺔ اﻟﺘﻲ ﻫﻲ ﻣﻈﺎن ﻣﻴﺎه ﻏﺰﻳﺮة ﺗﻔﻴﺾ ﻋﻦ ﺣﺎﺟﺔ ﻣﻜﺔ ﻣﻦ ﺟﻬﺔ ﴍب اﻟﺸﻔﺔ ،وﺗﻜﻔﻲ ﻟﻠﺰراﻋﺔ واﻟﺒﺴﺎﺗني؛ ﻗﺎل :وﻣﴩوع املﻴﺎه ﺳﻴﻜﻮن ﻣﻔﺘﺎﺣً ﺎ ﻟﻠﺒﺤﺚ ﻋﻦ ﻫﺬه اﻟﻜﻨﻮز اﻷرﺿﻴﺔ. وﺗﻜﻠﻢ املﻬﻨﺪس املﺸﺎر إﻟﻴﻪ ﻋﻦ ﺑﱤ زﻣﺰم؛ وﻗﺎل :إن ﰲ ﻣﺎﺋﻬﺎ أﻣﻼﺣً ﺎ ﻧﺎﻓﻌﺔ ﻛﺄﻣﻼح املﻴﺎه اﻟﺘﻲ ﻳﺴﺘﺸﻔﻰ ﺑﻬﺎ ﰲ أوروﺑﺎ؛ ﻓﻬﻲ ﻣﻦ ﻫﺬه اﻟﻮﺟﻬﺔ ﺻﺎﻟﺤﺔ ﻟﺘﻮﺿﻊ ﰲ زﺟﺎﺟﺎت ﻣﻌﻘﻤﺔ ﻣﻘﻔﻠﺔ وﺗﺤﻤﻞ إﱃ اﻟﺨﺎرج وﺗﺒﺎع ﻓﻴﻜﻮن ﻣﻨﻬﺎ رﺑﺢ ﺟﺰﻳﻞ. ﺛﻢ أﺷﺎر ﺑﺎﻟﻮﺳﺎﺋﻞ اﻟﻼزﻣﺔ ﻟﺼﻴﺎﻧﺘﻬﺎ ﻣﻦ اﻟﺠﺮاﺛﻴﻢ اﻟﻀﺎرة ،وأن ﻳﺘﻮﱃ ﻋﺎﻟﻢ ﺑﻜﱰﻳﻮﻟﻮﺟﻲ دوام ﺗﺤﻠﻴﻠﻬﺎ؛ ﻟﻴﻜﻮن ﺗﻌﻘﻴﻤﻬﺎ ﺗﺎﻣٍّ ﺎ. وﺗﻜﻠﻢ ﻋﻦ ﻋﻤﻠﻴﺔ ﻣﻴﺎه ﻋني زﺑﻴﺪة وﺑﻨﺎء اﻟﺨﺰاﻧﺎت اﻟﻼزﻣﺔ ﺑﺘﻔﺎﺻﻴﻞ ﻟﻴﺲ ﻫﻨﺎ ﻣﻜﺎﻧﻬﺎ. وأﺻﺤﺐ اﻟﺘﻘﺮﻳﺮ ﺑﺎﻟﺮﺳﻮم اﻟﺘﻲ ﺗﻮﺿﺢ ﻛﻞ ﳾء ،وأﺷﺎر إﱃ إﻧﺎرة ﻣﻜﺔ ﺑﺎﻟﻘﻮة أرﺑﺎح وﻓﻮاﺋﺪَ؛ وذﻟﻚ ﻛﻤﺎ ﻗﺮره املﻬﻨﺪﺳﻮن اﻵﺧﺮون ،وﻟﻜﻞ وﺟﻬﺔ اﻟﻜﻬﺮﺑﺎﺋﻴﺔ وﻣﺎ ﻓﻴﻬﺎ ﻣﻦ ٍ ﻫﻮ ﻣﻮﻟﻴﻬﺎ. وﰲ ﺗﻘﺮﻳﺮ املﻬﻨﺪس اﻟﻜﺒري اﻟﺴﻴﺪ ﻣﺼﻄﻔﻰ ﻣﺎﻫﺮ ﻛﻼم ﺧﺎص ﺑﺎملﺪﻳﻨﺔ املﻨﻮرة اﻟﺘﻲ ﻫﻲ ﺟﻨﺔ ﻣﻦ ﺟﻨﺎن اﻷرض ،وﻓﻴﻪ وﺻﻒ ﻣﻴﺎﻫﻬﺎ اﻟﻌﺬﺑﺔ اﻟﻐﺰﻳﺮة ،وﺣﺪاﺋﻘﻬﺎ اﻟﻐﻨﺎء ،وﻗﺪ ﺧﺘﻢ ﺗﻘﺮﻳﺮه اﻟﺸﺎﺋﻖ ﺑﻘﻮﻟﻪ: 102
ﻫﻜﺬا إذا ﺗﻮﺟﻬﺖ اﻟﻬﻤﻢ
وإﻧﻲ أﺳﺄل ﷲ أن ﻳﻮﻓﻖ ﻋﺒﺎده املﺆﻣﻨني إﱃ ﻣﺪ ﻳﺪ املﻌﻮﻧﺔ إﱃ اﻷراﴈ املﻘﺪﺳﺔ ﻗﺒﻠﺔ املﺴﻠﻤني ،ﻛﻞ ﻓﻴﻤﺎ ﻳﻘﺪر ﻋﻠﻴﻪ؛ ﻟﻠﺘﻴﺴري ﻋﲆ أﻫﻠﻬﺎ ،واﻻﺣﺘﻔﺎظ ﻟﻬﺬه اﻟﺒﻘﺎع اﻟﻄﺎﻫﺮة ﺑﻤﺎ ﻳﻠﻴﻖ ﺑﻬﺎ ﻣﻦ اﻟﺠﻼل واﻟﻮﻗﺎر .ا.ﻫـ. وﺗﻨﺘﻬﻲ ﻣﺠﻤﻮﻋﺔ ﻫﺬه املﺒﺎﺣﺚ — اﻟﺘﻲ أﻋﻈﻢ اﻟﻴﺪ ﰲ إﺟﺮاﺋﻬﺎ ﻟﻄﻠﻌﺖ ﺑﺎﺷﺎ ﺣﺮب — ﺑﺎﻟﺘﻘﺎرﻳﺮ اﻟﺼﺤﻴﺔ اﻟﺠﻠﻴﺔ اﻟﻮاﻓﻴﺔ ﻣﻦ ﻗﻠﻢ اﻟﻌﻠﻤﺎء املﺘﺨﺼﺼني اﻟﺴﺎدة :ﻣﺤﻤﺪ ﺣﺴﻦ اﻟﻌﺒﺪ ،وﻣﺼﻄﻔﻰ ﻣﺎﻫﺮ ،وﺣﺴﻦ ﺣﺴﻨﻲ راﺷﺪ اﻟﻜﻴﻤﺎﺋﻲ ﺑﻮزارة اﻟﺼﺤﺔ املﴫﻳﺔ ،وﺣﺴﻦ اﻟﺒﻬﺘﻴﻤﻲ وﻛﻴﻞ اﻟﻘﻠﻢ اﻟﻔﻨﻲ ﺑﺒﻨﻚ ﻣﴫ. وﰲ ﻫﺬه اﻟﺘﻘﺎرﻳﺮ اﻟﺘﺤﻠﻴﻼت املﻔﺼﻠﺔ اﻟﺪﻗﻴﻘﺔ ملﻴﺎه ﺑﱤ زﻣﺰم ،وﻣﻴﺎه ﻋني زﺑﻴﺪة، وﻣﻴﺎه ﻋني اﻟﺰﻋﻔﺮان ﰲ ﻣﻜﺔ ،وﻋني اﻟﺰرﻗﺎء ﰲ املﺪﻳﻨﺔ املﻨﻮرة ،ﻣﻊ اﻟﺘﻮاﴆ اﻟﻔﻨﻴﺔ اﻟﻼزﻣﺔ ﻟﻼﺳﺘﻔﺎدة ﻣﻨﻬﺎ. وملﺎ ﻛﺎﻧﺖ ﻫﺬه املﺠﻤﻮﻋﺔ ﻗﺪ ﻧﴩت وﺗﻮزﻋﺖ اﻛﺘﻔﻴﻨﺎ ﻣﻨﻬﺎ ﺑﻠﻤﺤﺔ داﻟﺔ ﰲ ﻫﺬه اﻟﺮﺳﺎﻟﺔ؛ ﺳﺎﺋﻠني ﷲ أن ﻳﻮﻓﻖ ٍّ ﻛﻼ ﻣﻦ اﻟﺪوﻟﺘني اﻟﻌﺰﻳﺰﺗني :املﴫﻳﺔ ،واﻟﺴﻌﻮدﻳﺔ ،إﱃ إﺗﻤﺎم ﻫﺬه اﻹﺻﻼﺣﺎت اﻟﺠﻠﻴﻠﺔ ﺑﺤﺬاﻓريﻫﺎ ،ﻓﺈن اﻹﺻﻼح واﺟﺐ ﰲ ﻛﻞ ﻣﻜﺎن ،ﻓﻜﻴﻒ اﻟﺒﻘﺎع املﻘﺪﺳﺔ؟! ﻫﻮاﻣﺶ ) (1املﺆﻣﻨﻮن.١٠١ : ) (2اﻟﺤﺠﺮ :ﻣﻦ اﻵﻳﺔ .٥٦
103
ﺧﻼﺻﺔ اﳉﻮاب أن املﺴﻠﻤني ﻳﻨﻬﻀﻮن ﺑﻤﺜﻞ ﻣﺎ ﻧﻬﺾ ﻏريﻫﻢ
ﺑﻘﻠﻢ ﺷﻜﻴﺐ أرﺳﻼن ﻟﻮزان ١١ﻧﻮﻓﻤﱪ ﺳﻨﺔ ١٩٣٠
إن اﻟﻮاﺟﺐ ﻋﲆ املﺴﻠﻤني — ﻟﻴﻨﻬﻀﻮا وﻳﺘﻘﺪﻣﻮا وﻳﺘﻌﺮﺟﻮا ﰲ ﻣﺼﺎﻋﺪ املﺠﺪ ،وﻳﱰﻗﻮا ﻛﻤﺎ ﺗﺮﻗﻰ ﻏريﻫﻢ ﻣﻦ اﻷﻣﻢ — ﻫﻮ اﻟﺠﻬﺎد ﺑﺎملﺎل واﻟﻨﻔﺲ اﻟﺬي أﻣﺮ ﺑﻪ ﷲ ﰲ ﻗﺮآﻧﻪ ﻣﺮا ًرا ﻋﺪﻳﺪة ،وﻫﻮ ﻣﺎ ﻳﺴﻤﻮﻧﻪ اﻟﻴﻮم )ﺑﺎﻟﺘﻀﺤﻴﺔ(. ﻓﻠﻦ ﻳﺘﻢ ﻟﻠﻤﺴﻠﻤني وﻻ ﻷﻣﺔ ﻣﻦ اﻷﻣﻢ ﻧﺠﺎح وﻻ رﻗﻲ إﻻ ﺑﺎﻟﺘﻀﺤﻴﺔ ،ورﺑﻤﺎ ﻛﺎن اﻟﺸﻴﺦ ﻣﺤﻤﺪ ﺑﺴﻴﻮﻧﻲ ﻋﻤﺮان أو ﻏريه ﻣﻦ اﻟﺴﺎﺋﻠني ﻋﻦ رأﻳﻨﺎ ﰲ ﻫﺬا املﻮﺿﻮع ﻗﺪ ﻇﻦ أﻧﻲ ﺳﺄﺟﻴﺒﻪ أن ﻣﻔﺘﺎح اﻟﺮﻗﻲ ﻫﻮ ﻗﺮاءة ﻧﻈﺮﻳﺎت )أﻳﻨﺸﺘني( ﰲ اﻟﻨﺴﺒﻴﺔ ً ﻣﺜﻼ ،أو درس أﺷﻌﺔ )روﻧﺘﺠني( ،أو ﻣﻴﻜﺮوﺑﺎت )ﺑﺎﺳﺘﻮر( ،أو اﻟﺘﻌﻮﻳﻞ ﰲ اﻟﻼﺳﻠﻜﻲ ﻋﲆ اﻟﺘﻤﻮﺟﺎت اﻟﺼﻐرية أﻛﺜﺮ ﻣﻦ اﻟﻜﺒرية ،أو درس اﺧﱰاﻋﺎت )أدﻳﺴﻮن( ،وأن ﺳﺒﺐ ﺣﺎدﺛﺔ املﻨﻄﺎد اﻹﻧﻜﻠﻴﺰي اﻟﺬي ﺳﻘﻂ أﺧريًا واﺣﱰق ﻫﻮ ﻛﻮﻧﻪ ﻟﻢ ﻳﻨﻔﺦ ﺑﺎﻟﻬﻠﻴﻮم وإﻧﻤﺎ ﺑﺎﻟﻬﻴﺪروﺟني ،واﻟﺤﺎل ﰲ اﻟﻬﻴﺪروﺟني — وإن ﻛﺎن أﺧﻒ ﰲ اﻟﻮزن — ﻗﺎﺑﻞ ﻟﻼﺷﺘﻌﺎل ،وإﻧﻪ ﻻ ﺧﻮف ﻣﻦ اﺷﺘﻌﺎل اﻟﻬﻠﻴﻮم — وإن ﻛﺎن أﺛﻘﻞ ﺷﻴﺌًﺎ ﻣﻦ اﻟﻬﻴﺪروﺟني — وﻣﺎ أﺷﺒﻪ ذﻟﻚ.
ملﺎذا ﺗﺄﺧﺮ املﺴﻠﻤﻮن؟ وملﺎذا ﺗﻘﺪم ﻏريﻫﻢ؟
واﻟﺤﻘﻴﻘﺔ أن ﻫﺬه اﻷﻣﻮر إﻧﻤﺎ ﻫﻲ ﻓﺮوع ﻻ أﺻﻮل ،وإﻧﻬﺎ ﻧﺘﺎﺋﺞ ﻻ ﻣﻘﺪﻣﺎت ،وإن )اﻟﺘﻀﺤﻴﺔ( أو اﻟﺠﻬﺎد ﺑﺎملﺎل واﻟﻨﻔﺲ ﻫﻮ اﻟﻌﻠﻢ اﻷﻋﲆ اﻟﺬي ﻳﻬﺘﻒ ﺑﺎﻟﻌﻠﻮم ﻛﻠﻬﺎ ،ﻓﺈذا ﺗﻌﻠﻤﺖ اﻷﻣﺔ ﻫﺬا اﻟﻌﻠﻢ وﻋﻤﻠﺖ ﺑﻪ داﻧﺖ ﻟﻬﺎ ﺳﺎﺋﺮ اﻟﻌﻠﻮم واملﻌﺎرف ،ودﻧﺖ ﻣﻨﻬﺎ ﺟﻤﻴﻊ اﻟﻘﻄﻮف واملﺠﺎﻧﻲ. وﻟﻴﺲ ﺑﴬوري أن ﻳﻜﻮن ﺻﺎﺣﺐ اﻟﺤﺎﺟﺔ ﻋﺎ ًملﺎ ﺑﻌﻤﻠﻬﺎ ﺣﺘﻰ ﻳﻜﻮن ﻋﺎ ًملﺎ ﺑﺎﻻﺣﺘﻴﺎج إﻟﻴﻬﺎ. ﻗﺎل ﱄ ﻣﺮة ﺣﻜﻴﻢ اﻟﴩق اﻟﺴﻴﺪ ﺟﻤﺎل اﻟﺪﻳﻦ اﻷﻓﻐﺎﻧﻲ: إن اﻟﻮاﻟﺪ اﻟﺸﻔﻴﻖ ﻳﻜﻮن ﻣﻦ أﺟﻬﻞ اﻟﺠﻬﻼء ،ﻓﺈذا ﻣﺮض اﺑﻨﻪ اﺧﺘﺎر ﻟﻪ أﺣﺬق اﻷﻃﺒﺎء ،وﻋﻠﻢ أن ﻫﻨﺎك ﺷﻴﺌًﺎ ﻧﺎﻓﻌً ﺎ ﻫﻮ اﻟﻌﻠﻢ ،ﻻ ﻳﻌﻠﻢ ﻫﻮ ﺷﻴﺌًﺎ ﻣﻨﻪ ،وﻟﻜﻨﻪ ﻳﻌﻠﻢ ﺑﺴﺎﺋﻖ ﺣﺮﺻﻪ ﻋﲆ ﺣﻴﺎة اﺑﻨﻪ أﻧﻪ ﴐوري. وﻟﻢ ﻳﻜﻦ ﻣﺤﻤﺪ ﻋﲇ ﻋﺎ ًملﺎ ورﺑﻤﺎ ﻛﺎن أﻣﻴٍّﺎ ،وﻟﻜﻨﻪ ﺑﻌﺚ ﻣﴫ ﻣﻦ اﻟﻌﺪم إﱃ اﻟﻮﺟﻮد ﰲ زﻣﻦ ﻗﺼري ،وﺻريﻫﺎ ﰲ زﻣﺎﻧﻪ ﻣﻦ اﻟﺪول اﻟﻌﻈﺎم ﺑﺴﺎﺋﻖ ﻫﺬا اﻟﻌﻠﻢ اﻷﻋﲆ اﻟﺬي ﻫﻮ اﻟﻌﻘﻞ اﻟﺴﻠﻴﻢ واﻹرادة ،وﻫﻮ اﻟﺬي ﻳﺒﻌﺚ ﺻﺎﺣﺒﻪ إﱃ اﻟﺘﻔﺘﻴﺶ ﻋﻦ اﻟﻌﻠﻮم وﺣﻤﻞ اﻷﻣﺔ ﻋﻠﻴﻬﺎ. ﻓﺎملﺴﻠﻤﻮن ﻳﻤﻜﻨﻬﻢ إذا أرادوا ﺑﻌﺚ اﻟﻌﺰاﺋﻢ وﻋﻤﻠﻮا ﺑﻤﺎ ﺣﺮﺿﻬﻢ ﻋﻠﻴﻪ ﻛﺘﺎﺑﻬﻢ أن ﻳﺒﻠﻐﻮا ﻣﺒﺎﻟﻎ اﻷوروﺑﻴني واﻷﻣﺮﻳﻜﻴني واﻟﻴﺎﺑﺎﻧﻴني ﻣﻦ اﻟﻌﻠﻢ واﻻرﺗﻘﺎء ،وأن ﻳﺒﻘﻮا ﻋﲆ إﺳﻼﻣﻬﻢ ﻛﻤﺎ ﺑﻘﻲ أوﻟﺌﻚ ﻋﲆ أدﻳﺎﻧﻬﻢ ،ﺑﻞ ﻫﻢ أوﱃ ﺑﺬﻟﻚ وأﺣﺮى ،ﻓﺈن أوﻟﺌﻚ رﺟﺎل وﻧﺤﻦ رﺟﺎل ،وإﻧﻤﺎ اﻟﺬي ﻳﻌﻮزﻧﺎ اﻷﻋﻤﺎل ،وإﻧﻤﺎ اﻟﺬي ﻳﴬﻧﺎ ﻫﻮ اﻟﺘﺸﺎؤم واﻻﺳﺘﺨﺬاء واﻧﻘﻄﺎع اﻵﻣﺎل ،ﻓﻠﻨﻨﻔﺾ ﻏﺒﺎر اﻟﻴﺄس وﻟﻨﺘﻘﺪم إﱃ اﻷﻣﺎم ،وﻟﻨﻌﻠﻢ أﻧﻨﺎ ﺑﺎﻟﻐﻮ ﻛﻞ أﻣﻨﻴﺔ ﺑﺎﻟﻌﻤﻞ واﻟﺪأب واﻹﻗﺪام ،وﺗﺤﻘﻴﻖ ﴍوط اﻹﻳﻤﺎن ،اﻟﺘﻲ ﰲ اﻟﻘﺮآن﴿ :وَا ﱠﻟﺬ َ ِﻳﻦ ﺟَ َ ﺎﻫﺪُوا ﻓِ ﻴﻨَﺎ َﻟﻨَﻬْ ِﺪﻳَﻨﱠﻬُ ْﻢ ني﴾1 . ُﺳﺒُ َﻠﻨَﺎ ۚ َوإ ِ ﱠن ﷲ َ َﻟﻤَ َﻊ ا ْﻟﻤُﺤْ ِﺴ ِﻨ َ ﻫﻮاﻣﺶ ) (1اﻟﻌﻨﻜﺒﻮت.٦٩ :
106