@R w fed k @R w fed k
@R w fed k @R w fed k
@R w fed k @R w fed k
انفال خالد فدعق
الفهرس
المحتويات
الصفحة
المقدمة
6
الفصل الأول امة واحدة
9
الفصل الثاني /سنة الإختلاف
16
الفصل الثالث /أسباب اختلاف
21
العلماء الفصل الرابع /كيف نختلف
29
الفصل الخامس /الاختلاف المحمود و
46
المذموم
رر
الفصل السادس /وحدة الصف لا
52
وحدة الرأي
@R w fed k @R w fed k
*
* *
4
@R w fed k @R w fed k
المقدمة
الحمد هللا رب العالمين وصلوات هللا وسلامه على نبينا محمد وعلى آلة وصحبه أجمعين وبعد: فنحن الآن على مفرق طريق تاريخي تنامت فيه الآمال بنقلات ايجابية للأمة المسلمة . إن امة مشتتة متفرقة القوى متضادة الاتجاهات مختلفة الأهداف و الرؤى لا يمكن أن تكون قوية و لا أن تحمل دينا و لا أن تقيم دنيا . و في عصرنا الحاضر الحافل بالاتجاه نحو الشراكات و الاتحادات و التكتلات على كافة المستويات يعيبنا أن نظل امة متفرقة متشرذم رغم أن ديننا دعانا إلى الوحدة و يقول ( صلى هللا عليه و سلم ) " :يد هللا ع الجماعة " . و الاجتماع من شعائر ديننا الحنيف فالاحتشاد خلف إمام واحد في الصلاة و الحج عميق و في السفر دعي للاجتماع فالمسافر الذي تأتي له الأشتات من كل فج 1 شيطان و الاثنان شيطانان و الثلاثة ركب . وقد كان الاختلاف من الموضوعات التي عني بها فضيلة شيخنا د .سليمان ابن فهد العودة حفظه هللا في محاضراته وحواراته ومقالاته . و أن الخلاف ليس كله شرا و ما كان شرا فيمكن تقليل شره و إطفاء ناره و أن الخلاف كان موجود في أفضل و اتقى و أنقى جيل و هم الصحابة الكرام و كان مستديما بين ورثة الرسل من العلماء و هم خيار الأمة و أفضلها و لكن هذا الخلاف كان يدار على نحو يجلي الحق و لا يفرق القلوب .
@R w fed k @R w fed k
6
وأن لهذا الخلاف أسبابه المتنوعة التي يرجع بعضها إلى طبيعة الشخص وبعضها إلى بيئته وظروفه المحيطة وبعضها إلى تكوينه وحصيلته العلمي . فمن المهم النظر إلى الخلاف بواقعية و تكوين اللياقة النفسية لتقبله و التركيز على أسلوب التعاطي مع الخلاف و الآداب التي ينبغي أن يتحلى بها من يتجاذبون أطراف القضايا و يختلفون حولها فإن هذا سيردم كثيرا من الخنادق الفاصلة و يصل بين الجزر المتباعدة و يقرب الحقيقة و يجلي الرؤية بعيدا عن التعصب و الهوى و ما يتفرغ عنها من إثارات و ثارات نفسية .
***
@R w fed k @R w fed k
7 7
الفصل الأول أمة واحدة و إِ َّن هذه ُ اح َد ًة ك ت م أ م ًة َو ِ ُ م ُأ َّ َّ ُ َ ْ
@R w fed k @R w fed k
معنى أمة معان عديدة ُذكرت كلمة ُأمة في القران عِ دة مرات واشتملت ٍ معان. فقد جاءت بخمس ٍ المعنى الأول :أمة بمعنى إمام وقدوة ُ ِين )} النحل { 120 ن إ ِ ب ْ َرا ِ ) إ ِ َ َّ م ش ْ رِ ك َ ح ن ِي ًف ا َو َل م ْ يكح ِم َ ان أ مَ َّ ًة َق ا ن ِتً ا لِ َّ َل َّ ِه َ ه يم َ ك َ َ ن ا ْل ُ المعنى الثاني :أمة بمعنى المدة من الزمن د أ ُ مَ َّ ٍة ) } يوسف { 45 : ( َو َق ا َ ج ا ِم نْ ُه مَ ا َو اد َ َّ ك َ َر ب َ ْع َ ل ا َل َّ ِذ ي نَ َ المعنى الثالث :أمة بمعنى المذهب والطريقة ،سواء كانت حق ا ً أو باطلا ون ) } الزخرف { 22 : ع َل ى آ ثَ ا ر ِ ِ (بَ ْ ع لَ ى أ ُ مَ َّ ٍة َو إ ِنَ َّ ا َ ج ْد نَ ا آب َ اء َ نَ ا َ م هْ تَ ُد َ ل َق ا ُل وا إ ِنَ َّ ا َو َ ه مْ ُ المعنى الرابع :الجماعة من الناس أو الطائفة حتى لو كانت قليلة خ تَ هَ ا ) } الاعراف ( كُ َل َّ مَ ا د َ َ ت أُ ْ ت أ ُ مَ َّ ٌة َل َّ َع نَ ْ خ َل ْ
{ 38 :
المعنى الخامس :أ ُ مة بمعنى القوم المجتمعون على الدين الواحد اس أ ُ مَ َّ ًة َو ا ِح َد ًة ) } البقرة { 213 : (كَ َ ان ال نَ َّ ُ وحدة رغم ال ِخ لاف: هناك قاعدة إسلامية عريضة تقول إن هللا سبحانه وتعالى ك َ تب الإخاء والرحمة والمودة بين خلقه وعباده ،وقد ذكر هللا عزول ذلك في آيا ٍ ت عديدة في سو ر ٍ مختلفة ،منها سورة آل عمران والمؤمنون ،وهذا تأكيد على الأخوة العامة بين المؤمنين عبر العصور والأحقاب .
@R w fed k @R w fed k
9
وقد نب َّ ه هللا عباده المؤمنين من الوقو ع في الخلاف والتناحر والتباغض بذكره ه م ب َ ي ْ نَ ُه م ( } الأنبياء ، { 93 :وأمر لما وقع في الأمم السابقة ( َو تَ َق َ َّ ط ُع وا أ َمْ َر ُ الأمة ألا تسلك مسلك الأمم قبلها في الخلاف ،إذ تقطعوا أمرهم بينهم ،وكل فئة منهم أخذت قطعه منه ن هَ ِذ ِه أ ُ مَ َّ ُت ك ُ م ْ أ ُ مَ َّ ًة َو ا ِح َد ًة ) وهذا في سورة المؤمنون ذكر الأنبياء ثم قالَ ( :و إ ِ َ َّ دليل على وحدة الأمة الإسلامية وعدم تفرقها رغم اختلاف أنبياءها لَّ ثم أتت الآية تذكر حال الأمم السابقة وتقول ( َف تَ َق َ َّ ه م ْ ب َ ي ْ نَ ُه م ْ ُز بُ ًر ا ك ُ ُ ط ُع وا أ َمْ َر ُ ون ) ِح ْز ٍ ب ب ِ مَ ا َل َ د ي ْ ِه م ْ َف ر ِ ُح َ والز بر هي ال كُ تب فيذكر حال المشركين وأن ك ُ ل فئة أخذت بجزء من الدين ُ وفرحت به ،وغفلت عما سواه. فالأمم السابقة نسوا انتمائهم إلى أمة واحدة ،وتحولوا إلى أحزاب متناحرة. التميز عن الأمة: الم حكمات في القران د َّل ت على وجوب تميز هذه الأمة الإسلامية عن سائر ُ الأمم ف ي سلوكها وعقائدها وخصوصيتها ،لا أن تكون متميزة بطريقة خاطئة الس نة ،أو يبالغ في تضخيم كمن يتعمد ان يخالف الناس في أشياء ليست من ُ بعض الفرو ع فهذا يعمل شرخ يصعب تلافيه في بنيان المجتمع الاسلامي، س ن َل ب ِ َ وقد نهى الشر ع عن هذه الشهرة في حديث ابن عمر رضي هللا عنه ( مَ ْ َ ب مَ َذ َّل ٍة ي َ ْو مَ ا لْ ِق ي َ امَ ِة ) .رواه أبو داود ش هْ َر ٍة ِف ي ال ُّ ب ُ د نْ ي َ ا أ ْل ب َ َ س ُه ال َّل ُه ثَ ْو َ ثَ ْو َ ( ) 4029والنسائي وكان السلف يكرهون الشهرة في الأعمال التي يكون لها أصل لكنه ليس بظاهر أو ليس بقوي. وقد قال يحيي بن معين
@R w fed k @R w fed k
10
ما رأيت مثل أحمد بن حنبل ،صحبناه خمسين سنة ما افتخر علينا ب شيء مما كان فيه من الصﻼﺡ و الخ ير
بعض الأخوة من جراء انغماسهم في الولاء الخاص وغفلتهم عن الولاء العام يضخمون بعض ما يكون له أصل ،فهذا يميزهم عن غيرهم ،وهذا التميز غير محمود ولا ينبغي ،فيجب على المرء ان يبتعد عن هذا النو ع من العلو. حقوق المسلم على أخيه: أكد الرسول صلى هللا عليه وسلم على حقوق المسلم على أخيه. وهذه الحقوق تنقسم إجمال ا ً إلى عده حقوق: أولا :حقوق قلبية: كمحبه المسلم لآخية ،وسلامه صدره من الغل والحقد على أخوه المسلم. كأن يحزن لحزنه ويفرﺡ لفرحه، ثانيا :حقوق لسانية: كرد السلام وتشميت العاطس والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر. وقد قال رسول هللا صلى هللا عليه وسلم ( والكلمة الطيبة صدقة ) فالكثير من الناس لا يطلبون سوا كلمة تشجيع او مؤازرة أو مدﺡ ا حتى عزاء والبخيل مَ ن بخل بطيب الكلام
@R w fed k @R w fed k
11
ثالثا :حقوق مالية: كالصدقة والزكاه والإحسان وإطعام الجائع َ وم ( ح ٌ ين ِف ي أ مْ َو ا لِ ِه م ْ َ وقد قال تعالى ( َ :و ا َل َّ ِذ َ ق َّ مَ ْع ُل ٌ رابعا :الحقوق البدنية :كنصرة المظلوم ،وفك الأسير ،وإغاثة المستغيث وفي ً الصحيحين من حديث أبي ذر رضي هللا عنه قال :يارسول هللا ،أي الأعمال أفضل؟ سها عند قال الايمان باهلل والجهاد في سبيله .قلت :أي الرقاب أفضل؟ قال :أن َف ُ صانعا أو تصن ُع لأخرق .قلت عين ثمن ُ أهلها وأكثرها ً ً ا.قلت فإن لم أفعل؟ قال ُت ُ يارسول هللا أرأيت إن صعفا عن بعض العمل؟ قال :اكف شرك عن الناس فإنها صدقة منك على نفسك. ٌ ألوان من تفرق الأمة: لعل من أبرزها: -١المذاهب الفقية والفكرية : تعبيرا عن مدرسة تخرج محضا ،أو إن الانتساب المجرد للمذهب قد يكون تعري ًفا ً ً فرعيا يتخلص فيه المرء من التردد والفوضى في شؤون عملية منهجا فيها ،أو ً ً شخصية تعرض له في حياته. أما حين يتحول الأمر إلى عصبية وجهالة وتخندق ،فهو جور على الانتماء والأصل والجوهري للأمة. علينا أن نحترم المذاهب والأئمة والاتباع ،والعالم الاسلامي اليوم ومذ أكثر ممن عشرة قرون موزع على هؤلاء الأربعة على وجهه الخصوص( الو حنيفة ،ومالك ، والشافعي ،وأحمد) -٢الأجناس والقوميات والشعوب : وهي مما جبل هللا الناس الانتساب له ،فجعلهم كذلك ليتعارفو ،وبين لهم أن الفضيلة والكرم بالتقوى وأن الانساب توضع يوم القيامة دينا عربيًا او محليًا او عنصرياً . والإسلام دين عالمي ليس ً العصبية القومية والقبلية داء قديم متجدد ،وبعض العرب كانت تقول" :كذاب ربيعة خير من صادق ُمضر"
@R w fed k @R w fed k
12 11
الانتساب مقبول بلا فخر ولا استعلاء ولا انعزال ،وتاريخ الإسلام صنعته شعوب شتى ،كالكرد والفرس والترك والهند والبربر وغيرهم. والمسلمون اليوم شعوب شتى :من مصر إلى الشام إلى المغرب إلى العراق ، حافزا للمكارم محضا ،او وليس ثم مشكلة في الانتساب ،ولو صار تعري ًفا ً ً والمعالي والمجد.
وكثيرا ما تتأثر الشعوب بمواقف حكوماتها مع أحد أو ضد أحد ،فتصير الحالة ً أحيانا. والأفراد والأسر بل بينها، فيما الشعوب علاقات على ينعكس ا حاد ا استقطاب ً ً ً علينا ألا نسمح بحديث سلبي نتبادل فيه الطرائف التحقيرية عن شعب أو جنس أو ً قبيلة أو إقليم ،بصفة تعميمية بأنه بخيل أو جبان أو عنصري .ففي كل واد بنو سعد وفي كل بلاد الإسلام خير. وخ ُلق رفيع في و"حب الوطن من الإيمان" وهذا وإن لم يكن حدي ًثا ،فهو فطرة ُ الوفاء والالتزام. وقد جاء في الشريعة فضل مكة والمدينة وجزيرة العرب واليمن والشام وعمان ومصر ...إلى آخره. فتحريف بعضهم اسم الوطنيه إلى الوثنية هو غلو غير محمود وتقبيح لمعنى حسن في ذاته. ولا حرج أن يتجمع الناس في بل ٍد ما حول مشروع نهوض يخص قطرهم ،ويتوافق مع ظروفهم. والإسلام لم يؤثر لتقطيع الأواصر ،بل جعل للجار القريب حقو ًقا.
@R w fed k @R w fed k
13 11
-٣القبائل: وهي في العرب كالأسباط في بني إسرائيل ،وقد بين النبي صلى هللا عليه وسلم أن العصبية والفخر مما لا يكاد يتركه الناس ،وأنه من أمر الجاهلية ،فقال" :أربع في أمتي من أمر الجاهلية ،لايتركونهن :الفخر في الاحساب ،والطعن في الأنساب". ولم تعد الكفاءة والإخلاص هي معيار التفاضل للعمل أو الوظيفة في المؤسسة أيضا. الرسمية ،بل زاحم ذاك بصورة جلية الترابط ادقبلي والمناطقي ً وبمجرد ان يعتلي عرشها مسؤول جديد ،فإن همه يتجه إلى تغيير الكوادر ،لا بالأصلح ،ولكن بمن يعرف ويثق به ويريد أن يبره ويدنيه قرابته. وهذا الأعتبار القبلي من أسباب التخلف الجوهرية في الأمه. -4الجماعات والأحزاب والتيارات: وقد رغب هللا تعالى في التعاون على البر والتقوى ،وحث على التواصي بالحق والصبر ،وأمر بالاجتماع على الخير. وعلية :فإن تنسيق المواقف او تنظيم الأعمال كما تفعل الشركات التجارية والمؤسسات وغيرهم ،تتفق في أهدافها وتطليعاتها وميولها ضمن إيطار الشريعة العام ،او في حدود المباحات أو المصالح الدنيوية ،هو امر فطري لا حرج منه.
وعلى هذا الأساس ،فالانتماء لجماعة أو حزب أو طريقة ينبغي أن ُينظر إليه باتزان: بعيدا عن الانتساب الفقهي أو القبلي فإن كان على خير أو في امر مباﺡ ،فليس ً حين يعرى من العصبيه ،وإن كان على محرم كان حريًا بالمنع والتحريم. وليس يجوز أن نحاكم الناس بموجب قوائم ،أو نحكم بالخطأ والانحراف على انسان متعاونا. منتميا أو ما لمجرد أنه مع مجموعة خاصة، ً ً جان إلا على نفسه ،وقد يوجد الإنسان وليس يحمل أحد وزر غيره ،ولا يجني ٍ الفاضل ضمن مجموعة مقصرة ،أو يوجد المفرط ضمن مجموعة فاضلة.
@R w fed k @R w fed k
14
إن من الصدق القول بأن هذه الأختلافات الضاريه تستنزف الكثير من المجهود الإسلامي في الكتابة والإعلام والعمل والعلاقة والسياسة ،بينما استطاعت أمم اخرى أن تستوعب الخلاف ،وتتعامل معه بصورة إيجابية. هل نملك القدرة على أن نقبل بالانتساب المجرد ،ونعلن حربًا
@R w fed k @R w fed k
15 14
الفصل الثاني سنة الاختلاف )ولا يزالون مختلفين ( )118إلا من رحم ربك )
@R w fed k @R w fed k
سنة الاختلاف
الاختلاف جزء من طبيعة الحياة واهلها ،ويكون بين الجميع حتى بين الاب وابنه، وتختلف الالسنة والالوان ،وتختلف الاصوات واللسان ،وتختلف السماء والارض بما يتناسب مع ذكر الزوجية ،وقد ذكر كل ذلك لتقرير التوحيد وتكريس اصول الديانة، الاختلاف سنة ربانية ورغم ذلك يضيق الناس به ذرعا ،ويتساءلون متى نتفق؟ والجواب هو ان الاختلاف باق الى ان يرث هللا الارض ،ولن يتفق الناس على كل شي، حتى أكثر الناس علما يحصل بينهم اختلاف مثل الاختلاف الذي حصل بين الانصار، وخلاف حرب المرتدين.
اعتزال الاختلاف: من الناس من يحسن اعتزال اختلاف العلماء ،ولا يدخل نفسه فيما لا يعنيه ،ومن الناس من يكون اعتزاله خير له وللناس ،لان دخوله في ذلك يزيد النار اشتعالا ،فهو كالذي يقذف فيها حطبا .كان يكون سريع الانتقاد شديد الحماس ،ينبري للقول ويتلقاه بغير روية ،ويفتن فيه الناس ،ويحملهم على الاصطفاف والتخندق ،و يضري الكلام ،ويبدئ ويعيد ويحشر الاتباع ،وفي نهاية الامر كل ما فعل هو قسمة الناس بين مؤيد ومعارض ،وربما كان جهاده في ازمة وضعت اوزارها ،او قضية فاز فيها سواه ،وهوا لا يعتبر من تجاربه ،وبذا يظل المجتمع منقسما على نفسه ،دون فعالية او عطاء او انتاج.
@R w fed k @R w fed k
16 13
الخلاف والاخاء: العلماء الراسخون متطبعون على الخلاف ،ولذا لا يحدث في قلوبهم تغيرا ولا وحشة ،ويحفظون الحقوق المنصوصة في الكتاب والسنة ،ووجوب الالتزام بالاخلاق المفترضة مع كافة الناس ،فلا ينبغي ان تعصف الجزئيات ولا الفرعيات التي اختلفوا فيها بهذه القطعيات التي هي محل اتفاق قاطع.
تأجيج الخلاف: إن مما يثير البؤس والحسرة في القلب أن يصرف شاب وقته وجهده في إعادة إنتاج الخلاف بطريقة آلية غير واعية فيكون شغله الشاغل والرسول صلى هللا عليه وسلم يقول(( :لا يدخل الجنة نمام)) وفي هذا إشارة إلى خطورة النقل المتسرع على المرء أن يحذر من أن يحدث فتنة بين الناس بنقل الحديث وتوسيعه. أن تأتي لإنسان وتقول له :فلان يذكرك بالخير وتنقل له كلمة طيبة في حقه ووضعت لها مقدمة وخاتمة أعطيها زخما في نفس المهنى فكان وقعها كبيرا ينشرﺡ لها الصدر وتطرب لها النفس. إن الخلاف المبني على الديانة والعلم لا يجوز أ تتحول الآراء المختلفة فيه إلى ولاءات خاصة فإنه يخرج بذلك عن كونه رحمة ومتابعة لحكم هللا ورسوله. بين المقاصد والنصوص :من كتبوا حول اختلاف الصحابة يكررون نموذجا من الخلاف حدث في غزوة بني قريظة حين قال لهم النبي صلى هللا عليه وسلم بعد غزوة الأحزاب(( :لا يصلين أحد العصر إلا في بني قريظة))
@R w fed k @R w fed k
17
فانقسموا إلى قسمين :قسم رأى أن النص صريح محكم ،فقالوا لا نصلي إلى في بني قريظة حتى ولو خرج الوقت وقسم قال إن الرسول صلى هللا عليه وسلم قصد الإسراع بالخروج إلى بني قريظة وليس ألا نصلى العصر إلا فيهم لأنه لا فائدة من ذلك ولذا صلوا في الطريق قبل أن يصلوا إليهم .فهل نستطيع أن نقول: إن هذا الخلاف قد وضع
اللبنات الأساسية لأصل الخلاف الفقهي بين المسلمين؟ المدارس الفقهية الإسلامية تنقسم إجالا إلى مدرستين أساسيتين: الأولى(( :مدرسة النص)) التي تأخذ بظاهر النص وترى التعبد بما دل عليه والالتزام العملي بمنطوقه .ومهمتها :فهم النص والجمع بين ما ظاهرها لتعارض وحل مشكلات النصوص التي لا يظهر معناها لأول وهلة. الثانية(( :مدرسة المقاصد)) وهي التي تعنى بمقاصد الشرع وتعليله مع مراعاة جانب النص وعدم مصادمته لكنها تستحضر المقاصد في التعامل مع نصوص خاصة حين يكون ظاهرها التعارض أو يكون ثم مصلحة أكيدة تستدعي ترجيح نص مرجوﺡ أو الأخذ بقول ضعيف أو إعادة فهم بعض السياقات.
@R w fed k @R w fed k
18 17
المصيب والمخطى: من الطريف أن النبي صلى هللا عليه وسلم حين ذكر خلاف الطائفتين من الصحابة وكشف في دلائل نبوته عن حدوثه وحال الخوارج معهما قال(( :يقتلها أولى الطائفتين بالحق)) وهذا الحديث يدل على أن الأقرب والأدنى والأولى بالحق علي بن أبي طالب رضى هللا عنه ومن معه وكان واجبا على أهل الشام أن ينضموا إلى علي ويبايعوه لأنه أمير المؤمنين ورابع الخلفاء الراشدين .ومن العلماء من أشار إلى أن الذين اعتزلوا القتال كانوا أفضل ممن دخلوا فيه وعليه يمكن تقسيم الصحابة رضى هللا عنه في ذلك الخلاف إلى ثلاث طوائف: الطائفة الأولى :أهل العراق الذين قاتلوا مع علي الطائفة الثانية :أهل الشام الذين قاتلوا مع معاوية الطائفة الثالثة :الذين اعتزلوا الفتنة وتركوا القنال وهم كثرة ،مثل :ابن عمر. والمراد الإشارة إلى أن الرسول صلى هللا عليه وسلم بين في تلك الحادثة أولى الطائفتين بالحق مع أنها لم تكن قد وقعت بخلاف قضية بني قريظة فإنه لم يبين
أيهما كان أقرب إلى الحق مع وقوعها وذلك لتفاوت ما بين النازلتين في الكبر والأهمية والأتساع والتأثير .فتلاحظ مرونة الرسول صلى هللا عليه وسلم وأريحيته حيث أقر الخلاف المبني على الاجتهاد فلم يعنف هذا أو ذاك.
@R w fed k @R w fed k
19
ويدخل في هذا ألوان من الخلاف في قصر الصلاة وتحديد مفهوم السفر الذي تقصر فيه .وفي قصة بني قريظة لم يبين صلى هللا عليه وسلم المخطئ من المصيب ولذلك اختلف العلماء من بعد أيهما أكثر صوابا فمنهم من قال الذين صلوا في الطريق لأنهم جمعوا بين المحافظة على الصلاة في وقتها وبين الإسراع بالخروج إلى بني قريظة ومنهم من قال الذين واصلوا المسير من غير أن يوقف مسيرتهم صلاة ولا غيرها ثم صلوا في بني قريظة الحق معهم لأنهم كانوا ألزم لظاهر أمر الرسول صلى هللا عليه وسلم ولعل عدم بيان من الرسول صلى هللا عليه وسلم راجع إلى أن هذا يؤسس لتقبل الخلاف و التعامل معه بواقعية و أنه لا يلزم حسم كل المسائل و الوصول في مفرداتهما إلى نتيجة او ترجيح .وامتد هذا الاختلاف إلى من بعدهم فوجد من قال بهذا ووجد من قال بهذا .إن هذا الأمر الكوني الذي أخبر هللا تعالى أنه واقع في البشرية هو واقع في هذه الأمة ولابد ويستحيل أن يجمع الناس على رأي في كل المسائل الخلافية أو في غالبها فلا سبيل إلى جمع الأمة على مذهب على مذهب واحد بل الخلاف لابد منه وهو واقع إلى قيام الساعة.
@R w fed k @R w fed k
20
الفصل الثالث أسباب اختلاف العلماء يكلف هللا نفساً إلا وسعها) (لا ُ م) ما ْ (فاتقوا هللا َ است َط ْع ُت ْ
@R w fed k @R w fed k
العلماء هم رأس الأمة في مسائل الشريعة جميعها ،كما يقع الخلاف في غيرهم يقع فيهم. ويرجع اختلافهم إلى أسباب كثيرة منها: -1عدم وصول الدليل: فالسنة النبوية التي هي الشارحة والمفصلة لما ُأبهم ُ وأجمل في القرآن الكريم لاتصل بتفصيلات نصوصها إلى كل العلماء ،كما قد يخفى بعضها على بعضهم، فإن عدم بلوغ الدليل إلى العا ِلم سبب في قوله بخلاف هذا الدليل. -2أن الدليل قد يبلغ العا ِلم ،لكنه ينساه ،أو يذهل عنه: يقع بعض لبعض الأئمة نسيان دائم وهذا نسيان عابر ،حتى صنف بعضهم فيمن حدث ونسي. -3عدم ثبوت الدليل: اختلف علماء الحديث في التصحيح بسبب اختلاف أفكارهم وتفاوتها في مداركها ومعرفة الأولويات وترتيبها وفقهها. -4عدم دلالة الحديث أو النص على المقصود: ودلالة النصوص تنقسم إلى: واحدا. -1القطيعة :وهي التي لا تحتمل إلا معنى ً -2الظنية :وهي التي تحتمل أكثر من معنى ،وإن كانت أظهر من بعضها البعض. ومن بعدهم كما اختلف علماء اللغة والتفسير وفقها الشريعة من الصحابة َ في معنى القروء.
@R w fed k @R w fed k
21
-5وجود معارض راجح لهذا الدليل: وجود دليل يتعارض مع دليل آخر من ناحية القوة. -6التفاوت في القوة: وتحمل التبعات ،أو قوة ذكاء أو قوة نفسية تسمح سواء كانت قوة شخصية ُ له بمخالفة غيره. -7الاختلاف في مقدار العلم: وهذا يقع في اختلاف شخص عن آخر ،فكلما زاد علمه أعاد النظر في أقواله. -8اختلاف الظروف والأحوال والبيئات والأوضاع: تفاوت فقه الحالة الإنسانية و ما يناسها من حكم الشريعة من أسباب الاختلاف. -9الطبيعة البشرية: اختلاف العلماء عن بعضهم البعض باختلاف بيئاتهم وطبيعة حياتهم. -10الهوى والتعصب: غالب العلماء وقع بينهم خلاف لسبب معتبر ولكن منهم من يقول في مسألة على سبيل التعصب والهوى.
ثانيا :لا يسوغ لأحد حتى لو كان من المنسوبين إلى العلم أن يرجح في مسألة من المسائل بغير مرجح كأن يرجح قولاً على قول بمجرد وجود خلاف بين العلماء فإن عامة فروع المسائل فيها خلاف بين العلماء لكن ليس وجود الخلاف بين العلماء دليلا يحتج به في تسويغ الأخذ بقول من الأقوال
@R w fed k @R w fed k
22 21
. وإنما الترجيح يأتي بأدلة و تسويغات صحيحة و قد يعتمد الترجيح على نص أو قاعدة أو أصل أو مصلحة وبعض الناس قد يأخذ من الأقوال بالتشهي أو بمجرد الرغبة النفسية فهذا لا يجوز لأن الفارق بين الشريعة و بين الهوى أن الشريعة وحي ملزم و ما سواها فهو الهوى َ م ِر م َج َع ْل َن َ ولذلك قال هللا لرسوله صلى هللا عليه وسلم ( ُث َّ َى شَ ِر َ م َن ا ْلأ ْ يع ٍة ِ َّ اك َعل ٰ ون ) الجاثية18 َفا َّت ِب ْع َها َولَا َت َّت ِب ْع أَ ْ َم َ اء ا َّل ِذ َ ين لَا يَ ْعل ُ ه َو َ ثالثا :الأقوال الشاذة المصادمة لنص من نصوص القران او السنة أو المصادمة لإجماع قطعي يجب هجرها و التحذير منها وتعني بالإجماع القطعي :الذي تواتر نقله من غير نكير أو عليه عمل المسلمين خلفاً عن سلف من غير اختلاف و منه أن ينقل الإجماع جماعة من أهل العلم و لايعرف له مخالف في مدونات وكتب العلم و هذه تختلف عن الإجماعات التي تنقل دون تحري الدقة فيها فإن من العلماء من يحكي الإجماع في المسائل التي لايعرف فيها مخالفاً وهذا ضعيف لأن عدم العلم بالمخالف ليس علما بالإجماع ولذا قال أحمد ((:من ادعى الإجماع فهو كاذب لعل الناس اختلفوا وهو لايعلم )) ومن ذلك مسألة نجاسة الخمر ففيها خلاف قوي و قد رجح بعض العلماء طهارتها لعدم دليل النجاسة والتي منها أنه الأصل و إراقتها في شوارع المدينة يوم حرمت دليل على عدم النجاسة
@R w fed k @R w fed k
23 21
و نقل هذا عن ربيعة و داود الظاهري قالا :هي طاهرة و إن كانت محرمة كالسم الذي هو نبات محرم و ليس بنجس لكن ثمة إجماعات قاطعة لا ريب فيها في مسائل عملية أما المسائل التي اختلف فيها العلماء و شاع بينهم الاختلاف فيها فمثل هذه يعذر العلماء بعضهم بعضا فيها رابعا :ترجيح الباحث قولا بدليله أمر صالح في حقه لكن لا يحسن أن يظن أن ما اختاره هو الذي عليه الكتاب والسنة و هو مذهب السلف
لأن الشافعي قد رجح بمقتضى الكتاب و السنة قولا آخر و مالك كذلك و أحمد اختار غيره و أبو حنيفة له رأي مختلف فملء الفم بادعاء الأتباع للكتاب و السنة و تنزيل ذلك على آحاد المسائل و فروعها هو من الفقه و الغفلة عن مداخل الشيطان على النفس . فيجب التفريق بين بحث من شأنه أن يصل إلى قول ما و أن يرجحه و بين تحويل هذا إلى منهجية و مفاصلة . بين العلماء والعامة: يحتاج العامة إلى العلماء في الهداية والإرشاد الشرعي ويحتاج العلماء غيرهم من المعارف والمصالح وهذه بعض الوقفات المهمة في الموضوع أولا :عدم دخول من ليسوا من أهل العلم في مسائل الخلاف والترجيح بين الأقوال قال هللا سبحانه وتعالى (ولا تقف ما ليس لك به علم إن السمع والبصر والفؤاد كل أولئك كان عنه مسؤولا)
@R w fed k @R w fed k
24 21
فينبغي للإنسان ألا يقفو ماليس له به علم وفي مسائل الشريعة يحتاج الأمر الى ممارسة وتدريب والمسلم يحتاج إلى معرفة المعارف والأحكام التي يحتاجها في حياته الخاصة أما الأحكام الشرعية العامة فهي تخص العلماء والمجامع العلمية إن القول في القضايا الكبرى هو من أعظم الأمانة ولا بد أن يتحقق في القائل مع تمام الديانة :العلم و الفقه و البصيرة فالعلم يدفع الجهل وقد قال سبحانه وتعالى عن الأمانة ( و حملها الإنسان إنه كان ظلوما جهولا ) الأحزاب فلا يكفي أن يكون المرء صادقاً حسن النية حتى يتحقق له مقام المعرفة الذي يحقق موافقة الشريعة وقد ورد أن عمر رضي هللا عنه قال ( (:وددت أن الناس لم يدخلوا كلهم في هذا ))العلم)) فقال له ابن عباس :لم يا أمير المؤمنين؟ قال :أخشى ان يتحاققوا وصدق الخليفة الملهم رضي هللا عنه فإن غالب مجادلات الناس هو من اعتقاد كل منهم أنه أولى بالحق بسبب أثارة يسيرة من العلم اغتر بها وظن نفسه على شي وليس هو على شيء ولكن أكثرهم يجهلون ثانيا :الإحتياط فيما يتعلق بسلوك الإنسان بشخصه أو معاملته فإن الإنسان يجد أقوالا كثيرة ما بين مبيح ومانع وكراهة واستحباب ويظل بمقدور الإنسان أن يأخذ بالأحوط فإذا وجد اختلافا قويا في مسألة وهو يستطيع أن يتركها فالورع أن يفعل ذلك احتياطا لدينه وفي الحديث (فمن اتقى الشبهات استبرأ لدينه وعرضه) بعض الناس لا يتصور الورع إلا في الترك ويغفل عن الورع في الفعل ويراعى في الورع أمور الأول :الورع والاحتياط سلوك شخصي تفعله بنفسك فلا تلزم به أحد وربما تنصح لكن لا تلزم بذلك لإن في ذلك مشقة
@R w fed k @R w fed k
25 24
الثاني :من المسائل ما لا يمكن فيها الورع فيتردد القول فيها مثل قراءة الفاتحة في الصلاة الجهرية من الناس من يقول بأنها واجبة لحديث (لا صلاة لمن لم يقرأ بفاتحة الكتاب) ومنهم من يقول بأنها محرمة إذا لم يسكت الإمام لقوله تعالى (وإذا قرأ القران فاستمعوا له وأنصتوا لعلكم ترحمون) الأعراف ٢٠٤
ففي مثل هذا لا بد من الاجتهاد إما بالنظر في الأدلة او باتباع من يوثق بدينه وعلمه للذي لا يستطيع النظر في الأدلة
الثالث :الاحتياط فيما يتعلق بأقوال أهل العلم ليس دليلا شرعيا لأن كثيرا من المسائل فيها خلاف فإذا ظهر للإنسان رجحان قول فأنه يأخذ به من غير كراهية ولا نقول :اترك هذا خروجا من خلاف العلماء ثالثا :ينبغي حسن الظن بأهل العلم حتى ولو خالفهم الإنسان في مسائل أو أخذ بقول غير قول فلا يحمل قول العالم على أنه أراد مخالفة الدليل أو الخروج من الحجة الشرعية ولعل الدليل لم يبلغه أو ظهر له خلافه وإذا خالفت عالما فيجدر أن أقول :قد يكون الصواب معه لأنه نظر في أمور لم أستطع الوصول إليها وما من عالم إلا وله مسائل انفرد بها بدءا من الصحابة رضي هللا عنه مروراً بالائمة الأربعة وانتهاء بعلماء العصر فلكل عالم اجتهاد انفرد به ولا يعني انفراده الخطأ بل قد يتغير الأمر مع الزمن. ولذا ينبغي ألا نثرب على الأئمة وأن نحسن الظن بهم خصوصا إذا كانوا من ذوي الأقدار والمكانة في العلم
@R w fed k @R w fed k
26 25
رابعاً :التقليد هو اتباع قول الغير بغير حجة حين تسمع شخصاً يقول لك :هذا حلال .هذا حرام .هذا مكروه .يجب أن تفعل في عبادتك كذا ثم تقلده وتعمل دون أن تفهم فهذا هو التقليد والتقليد ضرورة في بعض الأحيان لأن كثيراً من الناس ليس عندهم فقه ولا دراية بالعلوم الشرعية فلا يسعهم حينئذ إلا التقليد
ولذا نقل ابن قدامة الاتفاق على ان العامي مذهبة مذهب مفتيه ،وعليه ان يحرص على ان يختار من يقلده ،فيختار من يعتقد انه اعلم وأوثق في دينه وهناك أنواع من التقليد لا تتناهى وقد يقلد الإنسان مجتمعه ويخضع لضغط المألوف دون مقاومة أو يقلد رجلاً أو يقلد مذهبا أو يقلد نفسه ولذلك لما أفتى عمر رضي هللا عنه في مسألة من مسائل الفرائض بشيء ثم أفتى بعد حين بغيره، فقيل :يا أمير المؤمنين ،كنت قلت كذا وكذا؟ فقال كلمته المشهورة(:ذلك على ما قضينا ،وهذا على ما نقضي) فتلك المسألة كانت على وفق الرؤية التي تيسرت لعمر رضي هللا عنه وفي ذلك الوقت ،والان جد لديه رأي جديد فقال ما قال إن أنماط التقليد متأصلة ومتعمقة في النفس البشرية وكثير من الناس يسلمون من التقليد أو من التعصب لمذهب فقهي أو لإمام من الأئمة لكن يقعون أسرى لأنماط أخرى من التقليد والأمة تحتاج إلى وقت حتى يتكون لديها نضج فقهي وعلمي يمكنها من الوصول إلى تلك الدرجة أو المرتبة
@R w fed k @R w fed k
27 25
روى مسلم أن عمر رضي هللا عنه لما خطب بالجابية قال :إني لا أدع بعدي شيئا أهم عندي من الكلالة ما راجعت رسول هللا صلى هللا عليه وسلم في شيء ما راجعته في وما أغلظ لي في شيء ما أغلظ لي فيه حتى طعن بأصبعه في صدري وقال ( (:ياعمر ألا تكفيك آية الصيف التي في آخر سورة النساء؟ ثم قال عمر رضي هللا عنه وإني إن أعش أقض فيها بقضية يقضي بها من يقرأ القران ومن لا يقرأ القرآن) فأ شار عمر إلى مسألة التسهيل المعالجات في العلم الشرعي وتقريبه للناس وجعله عبارة عن أسس وقواعد ميسرة خصوصا في هذا العصر الذي تيسرت فيه وسائل الاتصال وأصبح من الممكن أن يرفع مستوى الأمة من حيث الثقافة العامة في الحياة التي يحتاجها آحاد الناس.
@R w fed k @R w fed k
28 25
الفصل الرابع كيف نختلف (وجادلهم بالتي هي احسن)
@R w fed k @R w fed k
الحاجة لأدب الخلاف: نتحدث بهدوء عن أخلاقيات الاختلاف ،ونحاول أن نضع نظريات جميلة من الناحية اللفظية ،لكن القليل منا يستطيع ان يطبق هذه النظريات ويحولها إلى واقع في سلوكه العملي ،وفي علاقاته مع الاخرين. فكما نلتمس من الاخرين أن يلتزموا بأخلاقيات الخلاف حينما يختلفون معنا ،فيلزمنا نحن أيضا الالتزام بهذه الأخلاقيات حينما نختلف معهم! جميل أن يوضع تدريس أدب الخلاف في مناهج طلابنا في كافة المراحل الدراسية، ويتدربوا على ممارسته عمليا؛ ليتحول إلى عادة وعبادة في الوقت ذاته. فهو عبادة؛ لأنه طاعة هلل ورسوله ،واتباع لسنن المرسلين عليهم الصلاة والسلام. وأما أن يتحول إلى عادة؛ فذلك حين يتربى المرء عليه ،ويصبح سجية وطبعا لا يتكلفه. إن أدب الحوار مهم ،يحتاج اليه الصغير والكبير ،الحاكم والعالم ،والآباء. فالحاكم يحتاجه ليحفظ حقوق رعيته حتى ممن يختلفون معه ،كما فعل النبي صلى هللا عليه وسلم مع الناس كافة والمخالفين من اليهود والمنافقين خاصة ،فقد حفظ حقوق الجميع بلا استثناء. والعالم يحتاجه ليحفظ حقوق الطلاب ،ويحسن الظن بأسئلتهم وإشكالاتهم واعتراضاتهم ،وليربيهم على المسؤولية المستقلة وعدم الذوبان في شخصية الشيخ؛ ليخرج لنا نبلاء نجباء لا مقلدين ضعفاء. وأدب الخلاف يحتاج اليه الأب أيضا؛ تحببا الى أولاده ،وعذرا لهم فيما خالفوه فيه، فليس المطلوب أن يكون الأبناء صورة طبق الاصل عن الأبوين بل لهم بصمتهم الخاصة في أفكارهم وعقولهم
@R w fed k @R w fed k
29 24
ولأجل أن نحقق المقصود من أدب الخلاف ،فإننا بحاجة إلى وضع آليات لإدارة الخلاف الذي يقع بيننا.
مزالق الحوار: إن عصرنا الحاضر عصر عولمة وانفتاﺡ ،انه عصر الفضاء والانترنت ،وأسلوب المنع والحظر لم يعد يجدي ،فالحل الوحيد هو التكيف والنزول الى الميدان ومقابلة الحجة بالحجة. ومجالس الناس اصبحت مليئة بالآراء المتناقضة مما يدركون وما لا يدركون ،ولم يعد مجديا تسفيه الاخرين مهما كانت ضحالة وتفاهة افكارهم ،بل لابد من فهمهم واستيعابهم بالإقناع حتى يتقبلوا منا. منتديات الحوار في الانترنت كشفت الخلل الكبير في آلية الحوار ،وكرست الخلاف في أمور يترتب عليها آثار سلبية كبيرة ،منها ما نشاهده في بعض الحوار الإلكتروني والإعلامي من انتهاكات عالية الخطورة لنظام الأخلاق ،ومن ذلك: -1إن لم تكن معي فأنت ضدي: فبمجرد أن يكون بيني وبينك نوعا من الاختلاف او التفاوت _ حتى في مسائل صغيرة _ فإننا نتحول إلى اعداء ،بدلا من أن نكون أصدقاء أوفياء. الحكمة أن تؤلف الناس على ما تراه ،وأن تقيم الجسور الواصلة ،بدلا من القطيعة أو تضخيم الأمور. -2الخلط بين الموضوع والشخص: فبدلا من التركيز على مناقشة الفكرة ،يتم تجريح واتهام الشخص والطعن في نيته وربما فتح ملف ماضيه القديم ،وهذا من قلة العقل والحجة.
@R w fed k @R w fed k
30
وبالتجربة تبين أن كثيرا من الناس يقبلون فكرة من يحبون ،ويرفضون ما هو أحسن منها حين تنتسب إلى من يكرهون ،على أن المحبة والكراهية هنا ليست مبنية على معرفة أو إطلاع ،بل على تزكية من آخرين أو انطباع -3تدني لغة الحوار: إذ يتحول الحوار الى سب وشتم وأصوات مرتفعة بدلا من المجادلة بالتي هي أحسن ،وكما يشير الأئمة _ ومنهم الغزالي وابن تيمية والشاطبي_ إلى أنه لو كانت الغلبة في المجادلة بالصياﺡ ،لكان الجهلاء أولى بالغلبة فيها من العقلاء ،و إنما يكون النجح بالحجة و الهدوء وفي المثل) :العربة الفارغة أكثر جلبة وضجيجا من العربة الملأ ( -4القعقعة اللفظية: المبالغة في مدﺡ عمل من نتفق معهم ،وذم من يختلفون معنا ،فنوهم أنفسنا والآخرين بأنهم على الطريق الصحيح وهم عكس ذلك .فقد تسمع من يقول لك: فلان كتب مقالا قويا .فتتوقع ان المقال مؤصلا وعميقا وأن الكاتب قد أبدع فيه أو حل مشكلة عويصة ،فإذا بك تجده مقالا مشحونا بعبارات رنانة فيها إطاحة بالآخرين الذين لا يتفقون م عه .وقس على ذلك القوة الوهمية في كتاباتنا أو خطبنا أو برامجنا الإعلامية. -5الجدل العقيم: وهو الدوران حول الرأي دون الاستماع للآخر ،كما حدثتني إحدى الفتيات أنها ظلت لسنوات وكأنها حبيسة في غرفة زجاجية ترى الناس ويرونها ،لكن لا تسمعهم ولا يسمعونها؛ لأن لديها أراء مسلمة لديها ،مهمتها إقناع الآخرين بها ،دون استماع لما لديهم.
@R w fed k @R w fed k
31
-6الأحادية: وأعني بها ما حكاه هللا تعالى عن فرعون( :ما أريكم إلا ما أرى وما أهديكم إلا سبيل الرشاد) [غافر .]٢٩:بحيث يدور الشخص حول رأيه ووجهة نظره التي ليست شرعا منزلا من عند هللا ولا حديثا ولا اجماعا ،وإنما هو رأي قصاراه أن يكون صوابا ويصبح مدار الامر عليه ،وربما عاملوه كدين يتواصون بالثبات عليه ،ويستعيذون باهلل من تغييره. - 7القطيعة: وأعني بها :قولي صواب لا يحتمل الخطأ ،وقول غيري خطأ لا يحتمل الصواب. ويا ليت القطيعة تعني الوقوف عند محكمات الشريعة المنزلة ،أو ثوابت الإجماع القطعي ،إذا لكانت خير وبرا. - 8التسطيح والتبسيط: فالأشياء التي يصعب علينا فهمها ،أو التي تحتاج إلى تأمل أو تدبر أو بحث ،هي أشياء خاطئة ومخالفة للحق والسنة ،والذين يتحدثون فيها هم فلاسفة ،أو يتظاهرون بالعلم والمعرفة وكأننا أصبحنا بإمكاناتنا العقلية المتواضعة حكما على الناس، ونسينا قول عمرو بن معد يكرب :إذا لم تستطع شيئا فدعه وجاوزه إلى ما تستطيع -9الإطاحة: بتشويه سمعة من لا يوافقنا .فصار لكل شهير أو عالم أو داعية أو قائد خصوم، همهم نشر الشائعات وطرﺡ الاتهامات والتشكيك في المصداقية وتحريف الكلم عن مواضعه.
@R w fed k @R w fed k
32 31
وهذا ما نجده في بعض القنوات الفضائية والإلكترونية من حوارات يغلب فيها الصخب والفجور في الخصومة: فلان ليس له عند هللا من خلاق .فانظر الجرأة على هللا وعلى عباده الصالحين، فحكم عليه بأنه لا قدر له عند هللا ولا عند الموحدين من عباده! وقولهم :فلان مات فإلى جهنم وبئس المصير. قد تقال في حق إمام ،او شيخ فاضل وغيرهم ،ولكن الذين لا يفقهون يتجرؤون ويطلقون ألسنتهم ولا يتورعون. هذا الكلام المندفع المتجرئ يقال بسبب الخلاف في مسائل اجتهادية أو خلافية فيها أخذ ورد ،وتعارض ظاهر الأدلة. وحتى لو كان ما تقوله صوابا قطعا ،وما يقوله الآخر خطأ قطعا ،فإن من الحكمة أن تبدأ الدعوة والحوار بدائرة المتفق عليه ،كما علمنا هللا عز وجل فقال( :قل من يرزقكم من السماوات والارض قل هللا وإنا أو إياكم لعلى هدى أو في ضلال مبين * قل لا تسئلون عما أجرمنا ولا نسئل عما تعملون) [سبأ.]25-24 : فانظر كيف جاء تعبير – الإجرام – في قوله( :لا تسئلون عما أجرمنا) في حق الرسل والمؤمنين ،وجاء تعبير – العمل – في حق الكفار الذين هم المجرمون في الحقيقة، فقال( :ولا نسئل عما تعملون) .وهذا من باب التنزل للخصم. إن سكينة الإنسان ،واستقرار نفسه ،وهدوء لغته ،وحسن عبارته ،وقوة حجته ،هو الكفيل بأن تنصاع له القلوب ،وأن يصل الحق الذي يحمله إلى أفئدة الآخرين ،وأن يغلب حقه باطلهم. ومن المؤسف أن تصبح هذه الأمة محل سخرية العالم! خاصة ونحن في عصر التكنولوجيا والاتصال ،حيث أصبح العالم جهازا بحجم الكف ،يسمع فيه القاصي كلام الداني.
@R w fed k @R w fed k
33
نشرت في يوم من الأيام مقالا بعنوان " :بيني وبين ابن جبرين “ ،وكان يتعلق بقضايا مما يثار فيها الخلاف بين بعض طلبة العلم. فإذا بي أستقبل ردود فعل من أمريكيين وأمريكيات ليسوا عربا ولا مسلمين ،و إذا بهم يقرؤون السطور وما وراء السطور ،ويعلقون تعليقات تدل على دقة متابعتهم وشدة اهتمامهم ومعرفتهم بتفصيلات الخلاف والتصنيف داخل الصفوف الإسلامية والعلمية! إن الاختلاف سنة ربانية لا مخلص منها ،فالناس يختلفون في ألوانهم ،وأشكالهم وقبائلهم ،وميولهم وعقولهم ،وفي كل شي .إن المرء اليوم على حال وغدا على حال أخرى ،وهو يمر ابتداء بالطفولة وانتهاء بالهرم ،ويتعرض للغنى والفقر ،والصحة والمرض ،ونقص الفهم وتغير المزاج وبعض آثار الحالة الخاصة والنفسية والعائلية، فهذا من الطبع البشري ،لكن الحكيم العاقل لا يزال يبحث عن الأفضل ولا يقع أسيرا لمألوف أو محاكاة الآخرين .وقد كان النبي صلى هللا عليه وسلم يقول " :إني وهللا إن شاء هللا لا أحلف على يمين ،فأرى غيرها خيرا منها ،إلا كفرت عن يميني وأتيت الذي هو خير " فهو يرى أن هذا الأمر خير حتى يقسم عليه ،ثم يبدو له خلافه ،فيكفر عن يمينه ويأتي الذي ظهر له أنه خير. ومن حكمة هللا البالغة أنه منح الناس حق الاختيار ،وحملهم مسؤولية اختيارهم في أحكام الدنيا والآخرة ،ولو شاء لجعل البشر ملائكة مطيعين (لا يعصون هللا ما أمرهم ويفعلون ما يؤمرون) [التحريم .]6 :ولكنه أراد أن يخلق خلقا فيبتليهم ،كما قال تعالى: (ولكن ليبلوا بعضكم ببعض) [محمد .]4 :وهذا ليس ابتلاء في ميدان القتال والحرب فحسب ،بل في ميدان الحياة كلها ،ولهذا شرع هللا لنا الإحسان في كل شي حتى في القتل والذبح.
@R w fed k @R w fed k
34 33
وللإحسان وجوه كثيرة :الإحسان بين الزوجين والجيران والناس جميعا المسلم منها والكافر ،بل يتعدى ذلك كله حتى يصل إلى الإحسان للبهائم ،قال النبي صلى هللا عليه وسلم ...( :فإذا قتلتم فأحسنوا القتلة ،وإذا ذبحتم فأحسنوا الذبح) لقد خلق هللا آدم عليه السلام من أجل عمارة الأرض والسعي والضرب فيها؛ فقالت الملائكة لربها سبحانه وتعالى (أتجعل فيها من يفسد فيها ويسفك الدماء ونحن نسبح بحمدك ونقدس لك) [البقرة .]٣٠ :فقد علموا أن الإفساد في الأرض وسفك الدماء مما يكرهه هللا عز وجل ،ولم يخلق هللا البشر وينزل الكتب من أجله. وجاءت الشرائع بحفظ الضرورات الخمس ،وحفظت حقوق الناس بما في ذلك حقوقهم في الاختلاف ،حتى جعل هللا الإنسان مخلوقا مختارا ،ويسره لما خلقه له من خير أو شر ،هدى أو ضلال ،وفي الحديث( :اعملوا ،فكل ميسر لما خلق له). وجعل الاختلاف مقبولا ومأجورا إذا كان ضمن الحدود المرسومة ،وتحلى صاحبه بالنية الحسنة ،وتجرد قدر وسعه من الهوى. وهذا الخلاف في أصله رحمة وسعة ،لكن قد يتحول إلى فرقة وتنازع بين المسلمين إذا داخل هذا الخلاف هوى النفس أو تم التعامل معه بطريقة غير شرعية .قال عمر بن عبد العزيز رحمه هللا( :ما أحب أن أصحاب رسول هللا صلى هللا عليه وسلم لم يختلفوا ،لأنه لو كان قولا واحدا كان الناس في ضيق ،وإنهم أئمة يقتدى بهم ،ولو أخذ رجل بقول أحدهم كان في سعة). إن الناس لما احتاجوا إلى الحساب في معاملاتهم وبيعهم وشرائهم ،كان للحساب أصول وضوابط وقواعد ،وهكذا لما كان الخلاف بينهم قطعيا جاءت قواعد وآليات شرعية يسير عليها المختلفون لئلا يكشف التنازع عن سوءات أخلاقية أو عدوانية شريرة تتذرع بالحق ونصره ،أو بالدين وحمايته ،وتدمر صاحبها قبل الآخرين.
@R w fed k @R w fed k
35 33
من اخلاقيات الخلاف: ومن الآليات الشرعية المرعية التي كان عليها العمل عند عامة المؤمنين عبر حقب التاريخ ما يلي: -1عدم التثريب بين المختلفين: فأنت لست متأكدا بأنك أصدق إيمانا ،ولا أوسع علما ،ولا أرجح عقلا ممن تختلف معه .فهذا النبي صلى هللا عليه وسلم يوصي رجلا من أصحابه اختاره لقيادة الجيش، وهو صلى هللا عليه وسلم حاضر بين أظهرهم ،ويقول له) :لا تنزل الناس على حكم هللا وحكم رسوله لأنك لا تدري أتصيب فيهم حكم هللا وحكم رسوله أم لا). ويقول ابن تيمية( :ولكن كثيرا من الناس ينسبون ما يقولونه إلى الشرع ،وليس من الشرع ،بل يقولون ذلك إما جهلا ،وإما غلطا ،وإما عمدا وافتراء). ليس ما نفهمه نحن من الشريعة ،هو بالضرورة ما أراده هللا ورسوله صلى هللا عليه وسلم ،وقد أنكر النبي صلى هللا عليه وسلم على الصحابة حين زجروا الأعرابي الذي بال في المسجد ،مع أنهم اعتمدوا في الظاهر على نصوص وأحكام شرعية ثابتة، لكن الشأن في تنزيلها على المحل ،وتحقيق المناط فيها ،وهو من الفقه الدقيق الذي لا يحيط به إلا الفقهاء المتمرسون الربانيون. -2الإنصاف: كما قال عمار بن ياسر رضي هللا عنه( :ثلاث من جمعهن فقد جمع الإيمان :الإنصاف من نفسك ،وبذل السلام للعالم ،والإنفاق من الإقتار). والإنصاف خلق عزيز يقتضي أن تنزل الآخرين منزلة نفسك في الموقف ،والإنصاف ضرورة وله معايير وتطبيقات عملية ،منها:
@R w fed k @R w fed k
36 35
أ-أن ما ثبت بيقين لا يزول إلا بيقين: فمن ثبت له أصل الإسلام ،فلا يخرج من الإسلام ولا يحكم بكفره إلا بيقين ،وهكذا من ثبت له حق من الحقوق ،فلا ينتزع منه إلا بيقين. ب-أن الخطأ في الحكم بالإيمان أهون من الخطأ في الحكم بالكفر: فلو أنك حكمت لشخص بالإسلام بناء على ظاهر الحال ،وهو من المنافقين ،فإن هذا خير من التسرع والحكم عليه بالكفر وهو ليس كذلك ،فتقع في الوعيد الذي جاء عن النبي صلى هللا عليه وسلم بقوله( :من دعا رجلا بالكفر ،أو قال :عدو هللا .وليس كذلك إلا حار عليه) .أي :رجع عليه. ج-أنه لا تأثيم ولا هجران في مسائل الاجتهاد: وقد ذكر ابن تيمية أن هذا مذهب أهل السنة ،فإنهم لا يرون تأثيما لمن اجتهد في المسائل كلها ،من غير تفريق بين الاصول والفروع ،وتفرغ في معرفة مراد هللا عز وجل ،فهذا بين أجر وأجرين ،فلا تأثيم في مسائل الاجتهاد ،ولا تهاجر بين المؤمنين. د-التحفظ عن تكفير فرد بعينه أو لعنه: كان الإمام أحمد يكفر مقالة الجهمية ،ومع ذلك لم يكفر أحد منهم بعينه ،لا المأمون ولا سواه ،بل كان يدعو له ،ويستغفر له ويجعله في حل مما صنع به .ولقد اتفق أهل السنة على أنه لا يجوز تكفير أحد بمجرد الخطأ. والانتصاب للتنقيب عن زلات الأئمة ليس محمودا ولا مشكورا ،لا سيما في فضول المسائل التي لا يضر فيها الخطأ ،ولا ينفع فيها كشف خطئهم وبيانه). ومن العجيب أن من الناس من يتورع عن أكل الحرام أو شرب الخمر أو مشاهدة الصور الخليعة ،ولكن يصعب عليه كف لسانه عن الاستطالة في الأعراض ،فتجده يفري في أعراض الأحياء والأموات ولا يبالي بما يقول.
@R w fed k @R w fed k
37 33
ان من الإنصاف أن تقبل ما لدى خصمك من الحق والصواب ،حتى لو كان فاسقا، أو مبتدعا ،أو كافرا. وقد استنكر ابن تيمية على بعض المنتسبين للسنة فرارهم من موافقة الفلاسفة على بعض الحق الذي يقولونه ،فقال( :لا يجوز لنا إذا قال يهودي أو نصراني -فضلا عن الرافضي – قولا فيه حق أن نتركه أو نرده كله ،بل لا نرد إلا ما فيه من الباطل، دون ما فيه من الحق). وهكذا تلوﺡ لك في هذه النصوص أمارات الإنصاف والعدل ،حتى مع الخصوم المباعدين ،فضلا عن الإخوة المتحابين. -1التحلي بالصبر والرفق والمداراة ،واحتمال الأذى ومقابلة السيئة بالحسنة .كما أمر هللا تعالى في كتابه (ولا تستوي الحسنة ولا السيئة ادفع بالتي هي أحسن فإذا الذي بينك وبينه عداوة كأنه ولي حميم) .وبهذا استمال النبي صلى هللا عليه وسلم قلوب أعدائه وعالج فسوتها ونفارها ،حتى لانت وانقادت وقبلت الحق. فمن أسباب زوال العداوة وتقارب القلوب ،الكلمة الطيبة والابتسامة الصادقة، والإحسان إلى الآخرين بالقول والفعل ،وعدم تكرار العتاب والمحاسبة وعدم جعل التواصل مع الآخرين هو الاختلاف والنقد ،فلو أن والدا كان كثير اللوم والاستدراك على أولاده ،لأفسد شخصياتهم ودمر ثقتهم ،وحملهم على الاعتزال والخمول. وإن مما يؤلف القلوب ويزيل العداوة :عدم الانتقام والتشفي والانتصار للنفس.
@R w fed k @R w fed k
38 37
أ -عدم التعصب
المتعصب لايستطيع أن يميز الحق من الباطل وقد يتحول المتعصب بالحراة نفسها والقوه نفسها من محب إلى مبغض قال :علي بن أبي طالب ((أحبب حبيبك هوناً ما؛ عسى أن يكون بغيضك هوناً ما والعكس)) )1وجاء عن محمد ال ُّذهلي أنه أخذه الحزن على الإمام أحمد لما مات في بغداد دو ِرهم ))فقال ؛فقال(( :ينبغي لكل أهل دار ببغداد أن يقيموا عليه النياحة في َّ
الذهبي ((:تكلم الذهلي بمقتضى الحزن لا بمقتضى الشرع ))وإلا فالنياحة منهي َّ عنها في الشريعة .
)2وكان البعض ف ي خرسان يظنون أن الإمام أحمد من الملائكة ،وليس من البشر. )3كان الإمام أحمد رجلا ً متواضعاً ،وهذه المقالات تخرج لسبب أو لآخر ،وهي بكل حال أقوال مرذوله ينبغي طرحها وإنكارها. )4وقد وجد عبارة تقول (( :ابن باز هو والجاعه ،وإن شئت فالألباني ))واابن باز والأ لباني من أئمة المسلمين ولكن من الخطأ أن نختصر الأمة في رجل ،اعتبار أن شخصاً ماهو الجماعة وأنه يتعيَّن على الناس اتباعه والأخذ دون سواه ،هو أمر مردود ،فلا طاعة إلا هلل ولرسوله "صل هللا عليه وسلم"والحق لاينحصر في
شخص أوإمام. يدرس الحديث (( :ماله وللحديث ،هو بالتواراة )5قال أبو ُنعيم عن رجل بلغة أنه َّ أعلم )) وربما يدرس المسلم التوراة ليعلم حقها من باطلها ومنسخوها وصحيحها حرفها . ُ وم َ
@R w fed k @R w fed k
39 37
ب-الحوار: لغة يجب تفعيلها على أكثر من مستوى .1الحوار مع الشعوب .2الحوار بين الجماعات والأحزاب والحوار لا يكون إلا بين مختلفين ،والحواري ُمكَّن ترويض المتوحشين والمشاكسين ودمجهم في مجتمع هادئ آمن ،المناظرة الهادئة العلمية من أساليب الوصول إلى الحق ،أما المناظرات التي تعقد في القنوات الفضائيه سواء دارت حول أي النِفس ،وهذا يربي الجمهور على الاستماع قضية فامنها يتصف بالهدوء وطول َّ وتقبل رأي الآخر. ج _ الشورى: من الضرورات التي لامناص منها اليوم ترسيخ مبدأ الشورى في الأسرة والمدرسة ومشاركة الناس في رسم مصيرهم ومستقبلهم وعلى الأخص فيما يتعلق بفئة الشباب؛ لضرورة احتوائهم والقرب منهم والاستماع إلا مشكلاتهم.
د_الاستماع: و هو أدب له أساليبه كا؛ الانصات والنظر إلى المتحدث ومن أهم الجزئيات أثناء الحديث أن يكون مستوى المتحادثين واحد فلا يكون أحدهم في -موقع أعلى من الآخر
@R w fed k @R w fed k
-مخاطبة المتحدث بأسمه.
40 37
ه _تفعيل دائرة المتفق عليه :مسألة دائرة المتفق عليه تخضع للمصلحه والاجتهاد والنظر وتغير الاحوال وقد أشار ابن تيمية في غير موضع –أن توبة ال ُف َّجار ،حتى لو كانت بسبب حديث ضعيف؛ خير من بقائهما على ما كانوا عليه من الفجور ،وأن الصلاة خلف المبتدع خير من ترك الجماعة ،وإدراك أن المتفق عليه مساحة واسعه في معاني الشريعة ودائرة اوسع في مصالح الحياة وأن هللا تعالى شرع لنا ي ٍ من كان. التعاون على البر والتقوى مع أ َّ
_5تشجيع الاجتهاد ،وتوفير المناخ الملائم لخصوبة العقول ونموها وإبداعها: جو الحرية الشرعية هو المكان الذي تزدهر فيه الأفكار الصحيحة وعلى المرء أن يحسب الف حساب قبل أن يقول مايراه‘ لأنه سيواجه ُتهماً وأذى ومصادرة -فإن الإبداع يموت‘ ونحن نتحدث عن الإبداع لاعن الابتداع ‘الابداع يكون في أمر الدنيا في المسكوت عنه وفي المختلف فيه‘ والابتداع يكون في أمر الدين المحض المنصوص. _6تشجيع النقد الب َّناء والمراجعة الهادئة الهادفة للأوضاع والأفكار :سواء كانت سياسية أو اجتماعيه تتعلق بالموروث أو دعوية تتع َّلق بمقررات الدعاة ،أو علمية تتع َّلق بالمعرفة الشرعية وتقالديها إن الكثير يظنون أن التس َّلط والدكتاتوريه هي التي توحد الناس وتحفظهم من ((من الفتنة)) سواء كانت سياسية بمصادرة آراء الناس أو علمية بفرض رأي ‘لأن الظروف تتغيَّر ‘ من حيث يريد الناس أو لايريدون ‘ فتحدث هزات سياسية وثقافية ؛ لأن الأجيال لم تستعد لاستيعاب تلك المتغيرات ‘اعتياد الناس على التسليم والاتكالية يقتل فيهم روﺡ الفريق والجماعة ‘فإذا انكشفوا تحولوا إلى حالة من الاضطراب لم يتهيئوا لها ‘ و العاقل لا يغتر بحال ‘ ويدري أن دوام الحال من المحال .
@R w fed k @R w fed k
41
_7الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر: وهو من سمات المؤمنين فينبغي أن يكون الأمر والنهي ُمداراً بين الجميع
بالحكمة و العلم ؛ احتساباً لوجه هللا ‘ وثمة نقاط يحسن التفطن لها منها : لاينكر مق َِّلد على مق َِّلد :إذا قلد الإنسان غيره من عا ِلم او أُ - مذهب لايحق له أن ينكر على مقلد أخر
ب -مراعاة المصالح في إنكار المنكر:مدار الإنكار على تحقيق المصلحه ودرء المفسدة باتفاق أهل العلم. ج -مراعاة القدرة والاستطاعة :تعني الاطمئنان إلى أن الإنكار يحقق المصلحة ل هللا عليه وسلم " ويدفع المفسدة ولقد ترك النبي "ص َّ قتل المنافقين مع قدرته عليه ‘ وغير ذلك من الأحوال التي ظ َّلت قائمة مراعاة لمصالح أعظم. _8الوضوﺡ والمكاشفة ‘وعدم التعتيم أو التقليل من شأن الخلاف: إن من الوضوﺡ و المكاشفة أن نتصارﺡ في الخلافات التي توجد بيننا ،على أن تكون هذه المصارحة سبيلاً إلى تجاوزها ،والقضاء على الجوانب السلبية فيها. _9الفهم الصحيح وتجاوز مشكلات الاتصال: إن كثيراً من الخلافات ربما تكون بسبب إشاعة ُمغرضة ‘أو قول لم يثبت منه
وغر صدور المؤمنين بعضهم على بعض دون أن يكون مبنيَّاً علي صاحبه مما ُي ِ
فهم صحيح للآخر ‘ان المختلفين أحوج ما يكونون إلى أن يفهم بعضهم بعضاً بشكل صحيح بعيداً عن ردود الافعال.
@R w fed k @R w fed k
42 37
المتخصصه :فثمة كتب كثيرة -10الاستفادة من علم الإدارة في الخلاف ودراسته ِ َّ
في إدارة الخلاف بين الأفراد والجماعات والشركات وغيرها ،ويمكن الاستفادة منها
،وفيها تجارب بشرية عملية قائمة ،استطاعت تحويل الخلاف بذكاءإلى فرصة للرقي بالعمل أو مناسبة الأخرين أو تبادل الادوار ،مماهو منجز بشري إيجابية ُّ ضخم يحسن أن يستفيد منه المسلمون في ميدان السياسة ،أو الدعوة ،وثمة كتاب جميل ومفيد وجامع اسمه( :فقه الائتلاف وقواعد التعامل مع المخالفين بالإنصاف ) إعداد:محمود محمد الخنزندا ( جمع عدداً طيباً من الأخلاق والآداب التي ينبغي مراعاتها بين المختلفين).
حديث الافتراق: إن بني إسرائيل في الحديث المشهور عن النبي ص َّ ل هللا عليه وسلم أنه قال َّ (( : ت َّفرقت على ثنين وسبعين ِملة‘ وتفترق أمتي على ثلاث وسبعين ملة ،ك ُّلهم في النار إلا ملة واحدة)) قالوا ومن هي يارسول هللا؟ قال(( :ماأنا عليه وأصحابي))
*هذا الحديث لم يخرجه صاحبا (( الصحيح))(( :البخاري والمسلم)) وهذا لايعني عدم صحته. * والحديث رواه أحمد ،وأهل السنن. وكثرة طرق الحديث وتع ُّددها تدل على أن له أصلاً لكنه ليس من أحاديث الأصول التي عليها مدار الإسلام والسنة.
@R w fed k @R w fed k
43 37
وليس هذا الحديث الوحيد الوارد في الباب ،وينبغي أن يوضع في إطاره ومع غيره من أحاديث المسألة ،ومنها: طائفة من أمتي ظاهرين على ل هللا عليه وسلم" قوله(( : ٌ أولاً :صح عن النبي "ص َّ أمر هللا وهم كذلك)) وفيه إشاره إلى بقاء الحق ُ لايضرهم من خذلهم ،حتى يأتي ُ الحق ظاهراً غالباً في الأمة ،وإلى تجديد الدين فيها. ثانياً :هذه الأمة هي أفضل الأمم عند هللا تبارك وتعالى. ثالثاً :ماجاء في "الصحيحين" عن ابن مسعود رضي هللا عنه قال :كنا مع "النبي ل هللا عليه وسلم " في ُقبَّة ،فقال ((:أترضون أن تكونوا شطر أهل الجنة؟ .قلنا ص َّ
نعم قال (( :والذي نفس محمد بيده ،إني لأرجو أن تكونوا نصف أهل الجنة ،وذلك
مسلمة وماأنتم بأهل الشرك إلا كالشعره البيضاء في نفس أن الجنة لايدخلها إلا ٌ ٌ
جلد الثور الأسود ،أو كالشعرة السوداء في جلد الثور الأحمر)) وبذلك بشر النبي
ل هللا عليه وسلم" هذه الأمة أن نصف من يدخلون الجنة هم أتباعه "ص َّ
@R w fed k @R w fed k
44 37
الفصل الخامس الاختلاف المحمود و المذموم ين َت َف ََّر ُقوا َ و َلا َت ُك ُ ونوا كَا ََّل ِذ َ
م َو ْ اء ُ اخ َت َل ُفوا ِمن بَ ْع ِد َ ما َج َ ه ُ ا ْلبَ ِيَّ َن ُُۚ ات
@R w fed k @R w fed k
بين التفرق والاختلاف: يظهر من السييياقات الشييرعية أن ثمة فرق ا ً بين " التفرق" و"الاختلاف" ،وأن التفرق مذموم بإط لاق ،ف لا يقع إ لا في م قام ا لذم ،أ ما ا لاخت لاف فليس كذلك ،وقد يأتي في مقام الذم ،أو في مقام العذر وعدم المؤاخذة ،أو يقع ممدوح ا ً أحيان ا ً. والمقصييييييود بيياليياختليياف :اليياختليياف في الرأ ي ،أو اليياختليياف في الفهم ،أو ا لاخت لاف في الم يل والرغ بة المحضييييييية؛ ف هذا يرى حك م ا ً ،وذاك يرى حك م ا ً مختلف ا ً عنه ،أو الاختلاف في العمل. وأما التفرق :فهو أن ينقسم الناس إلى فرق. وهذه قضيييية جوهرية ،فالاختلاف إذا كان مبني ا ً على أسيييس صيييحيحة ،فهو إما أن يكون محمود ا ً ،أو أن يكون صاحبه معذورا ً. اختلاف التنو ع واختلاف التضاد: من الخلاف المحمود :ما يسيييميه العلماء بيييييييييي " :اختلاف التنو ع" .أي :كون ا لأ مة أ خذت من كل خير بطرف ،فه ناك المشييييييغولون با لاجت هاد ،أو ا لأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ،فهذا اختلاف تنو ع ،والمجتمع لابد له من كل هذا. وفي أنواع العلوم ،فسيييييييائر علوم ا لإنسيييييييان والح ياة والمجتمع ،هي من المصييالح الضييرورية التي يجب أن ينبري لها من يحسيينها ،ويجد في نفسييه ميل ي ا ً إليهييا ،ويجييب أن يوجييد الييأكفيياء المبييدعون الييذين يرتقون بييالعلم في مدارجه العليا ،ويمهدون لإبداعات اللاحقين. وفي المجال العلمي الشيييييرعي هناك اختلاف السييييينن التي وردت بصييييييغ متعددة ،مثل :الصيييييييغ المختلفة لدعاء الاسييييييتفتاﺡ ،ومن العبادات ما له سنن مختلفة ،فالأخذ بكل من هذه السنن يعتبر اختلاف تنو ع محمود.
@R w fed k @R w fed k
46
ومثل ذلك المسائل التي ليس فيها نص ظاهر ،واجتهد فيها أهل العلم من ال سلف والخلف ،واختلفت آراؤهم فيها بما لا يمكن الجزم معه ب صواب أحد أو خطأ أحد ،ومثل هذا حصيييل حتى مع الصيييحابة ، ولذلك قال البعض" : وكل مصيب ".
وهذا القول يحتمل معنيين: الأول :أن الكل مصيب للحق في ذات المسألة وواقع الأمر. الثاني :أن كل أحد منهم مصييييييب باجتهاده؛ لأنه يدور بين الأجر والأجرين ،لكن عند الجمهور أن المصيييب واحد ،والآخر هو صيياحب الأجر الواحد ،فهو مصيييب باجتهاده ولا يلزم أن يكون مصييييييباً بالنتيجة ،فالطريقة صيييييحيحة ،لكن النتيجة قد لا تكون كذلك. هذا من اختلاف التنوع؛ ولذلك نص جماعة من أهل العلم على أن اختلاف الصحابة رحمة ،كما ذكره ابن قدامة. وقد ألف في ذلك كتاب " :رحمة الأمة في اختلاف الأئمة" لمحمد بن عبد الرحمن الشييييافعي الدمشييييقي ،من اختلاف الأمة ما هو رحمة ،مما يدخل في باب اختلاف التنوع. أما القسم الثاني ،فيسميه العلماء ب ي " اختلاف التضاد" .وهو ما لا يمكن الجمع فيه بين القولين المختلفين.
فهل اختلاف التضاد محمود أو مذموم؟ إن كان اختلاف التضييياد في مسيييألة يسيييوغ غيها الاختلاف ،بحيث يكون مبنياً على حجة شرعية ،ولم يؤد إلى تفرق ،ولم يخرق إجماعاً قطعياً ،فهو محمود. أ ما إن كان مبن ياً على هوى أو تعسيييييف ،أو أدى إلى تفرق واخت لاف في القلوب، وتغاير في الفتوى ،فهو مذموم ،وما أدى إليه فهو مذموم كذلك. فاختلاف التضاد يكون في حال محموداً ،ويكون في حال مذموماً:
@R w fed k @R w fed k
47 37
أما الحال التي يكون فيها محموداً :فهي خاصة بالمسائل التي يسوغ فيها الخلاف.
وسييييير كون الاختلاف محموداً في هذه الحال ،هو أن له آثاراً طيبة على الأمة ،ومن هذه الآثار: أولاً :أن الأمة لا يمكن جمعها على رأي واحد ،وهذه سنة هللا في عباده. ثانياً :أنه يحرك العقول؛ لأن جمع الناس على رأي واحد سيييييبب في خمول ورتابة الفكر ،فإذا كان الاختلاف في الحدود المقبولة فإنه يترتب عليها صيييييقل للآراء ،وهذا خير كثير ،ولو لم يكن من آثاره إلا تربية الأمة على سعة الأفق ،وتقبل الخلاف ،لكان هذا خيراً. أما الحال التي يكون فيها مذموماً :فذلك حين يبنى على الهوى ،فلا يريد المخالف من مخالفته وجه هللا ،وإنما لمجرد شيييهوة الخلاف ،ومثله حين يفضيييي إلى التفرق، كما حدث في بعض المنتسبين للمذاهب الفقهية من التعصب الذي حمل بعضهم ألا يصلي خلف بعض ،وامتد الأمر في بعض مراحل التاريخ إلى الضرب والاقتتال. عزى أحدهم نفسييييه حين وجد هجوماً عليه ،وقال :النقد المنصييييب عليك هو على قدر أهميتك ،والناس لا يرفسيييييون كلباً ميتاً! فتصييييييدى له بعض شييييييامتيه وقال: صدقت ،لا يرفسون كلباً ميتاً ،لكن يرفسون كلباً حياً لا يكف عن النباﺡ! الاختلاف المبني على نظر شيييييرعي يعذر صييييياحبه ،بل يؤجر؛ لأن هذا ما أداه إليه سييييي َع َها ُۚ] البقرة .[286 :لكن لو أن سييييييا إِ ََّلا ُو ْ اجتهاده وهللا يقول :لَا ُيكَ َِّل ُ ف ال ََّل ُه َن ْف ً
إنسيييييياناً قامت عنده الحجة ،ثم عاندها وخالفها فاختلافه مذموم؛ ولذلك قال هللا ات ُۚ ] آل عمران [105 :فإذا خالف ب عد م ا ْلبَ ِيَّ َن ُ ت عالىَ :و ْ اء ُ اخ َت َل ُفوا ِمن بَ ْع ِد َما َج َ ه ُ إث بات الح جة عل يه وظهور ا لدل يل ،كان مذمو ماً؛ وهو على خطر عظيم؛ لأن هللا َ م م ِف ْت َن ٌة أَ ْو ُي ِ م ِر ِه أَن ُت ِ ين ُي َخا ِل ُف َ سبحانه وتعالى قالَ :ف ْليَ ْح َذ ِر ا ََّل ِذ َ ون َع ْن أ ْ صيبَ ُه ْ صيبَ ُه ْ َ يم ] النور.[63 : َع َذ ٌ اب أ ِل ٌ
@R w fed k @R w fed k
48 37 33
وقد قال بعض العلماء في هذا المعنى: قال أبو حنيفة الإمام
لا ينبغي لمن له إسلام
أخذ بأقوالي حتى تعرضا
على الكتاب والحديث المرتضى
ومالك إمام دار الهجرة
قال وقد أشار نحو الحجرة
كل كلام منه ذو قبول
ومنه مردود سوى الرسول
والشافعي قال :إن رأيتم
قولي مخالفاً لما رويتم
من الحديث فاضربوا الجدارا
بقولي المخالف الأخبارا
وأحمد قال لهم :لا تكتبوا
ما قلته بل أصل ذاك اطلبوا
فاسمع مقالات الهداة الأربعة
واعمل بها فإن فيها منفعة
إ نه موقف جم يل ومعبر عن أن مه مة ال عالم والفق يه ليس تسيييييويق ال مذ هب أو القتال دونه ،بل نصرة الشريعة. فالمخالفة عن أمر هللا تعالى مع بيان الحق ووضيييييوﺡ الحجة ،أمر مذموم ،بخلاف التفرق. وللشيطان مداخل في هذا الباب ،حيث يصور أن الآخر قامت عليه الحجة ،وظهر له الدليل ،ولكنه صد عنه وأعرض ،فهذا مما يجب أن يتريث فيه الإنسان؛ لأن القضية تكون واضحة في نظرك بناء على أمور أنت رتبتها ،ولا تكون عند الآخر واضحة؛ لأنه ينظر من حيث لا تنظر. فما دامت من الق ضايا التي ي سع فيها الخلاف ،وقد اختلفت فيها الأمة ،فيجب فيها ال عذر بين المختلفين ،وأولى من ال عذر ات هام النفس ،فرب ما كان الصيييييواب م عه، وحجب عنك بذنب أو بنقص أو بامتحان.
@R w fed k @R w fed k
49 37
هل القضية قطعية ،بحيث لا تحتمل إلا ما تراه؟ إن أفضل وسيلة للاتفاق مع مفارقك أو مخالفك ،هي أن تضع نفسك في موضعه، وتجعل من نفسك محامياً عن قضيته ،وتطل من الزاوية التي يطل هو منها. وقد ورد عن بعض التابعين أن المرء كلما كان أو منع علماً كان أعذر للناس. وهذا مشاهد بالتجربة ونقيضه مشاهد أيضاً ،فضيق العلم والعقل ،ضيق العطن، سريع المؤاخذة ،حاضر الاتهام. وعلى هذا فتفرق بين الاختلاف المبني على حجة شرعية ،ونظر صحيح ،وتجرد من الهوى ،وبين الاختلاف الذي يكون الحامل عليه غرضاً شخ صياً ،أو شهوة ،أو شهرة، أو عصبية ،أو ما أشبه ذلك.
@R w fed k @R w fed k
50 37
الفصل السادس وحدة الصف لا وحدة الرأي م ات ُّ م ٌ ِ م ْن ُه آيَ ٌ ه َّن ُأ ُّ ات ُ م ْحكَ َ ب ا ْل ِك َتا ِ
@R w fed k @R w fed k
وحدة القلوب لا وحدة العقول: وحدة القلوب تعني سلامة الصدور ،وعمق الاخاء ،فاختلاف الرأي لا يفسد للود قضية ،أما اختلاف العقول فلابد منه؛ لأنه لو اتفقت لكفانا منها عقل واحد ،فا لاختلاف تلاقح وإبداع ،وتنوع واجتهاد . وفي القرآن الكريم والسنة النبوية النصوص البليغة الآمرة بالاجتماع ،والناهية عن التفرق. ولهذا أصبحت الجماعة والاجتماع على الخير والطاعة من ضروريات الدين و محكماته ،والعبادات العامة كالصلاة وغيرها دليل على ذلك. والأخلاق مثال آخر ،فهي من محكمات الشريعة ،ومشتركات الحياة والثقافة الإنسانية ،ولا تكاد تتحقق إلا بالاختلاط والاتصال والاحتكاك بالآخرين. وفي القرآن في سورة العصر استثناء لجماعة من آمنوا باهلل وعملوا الصالحات وتواصوا بالحق وتواصوا بالصبر ،فهي مما لا يكون عادة إلا بين مجموع من الناس. وصايا النبي صلى هللا عليه وسلم والأحاديث في هذا كثيرة ،من أشهرها حديث: "أن هللا يرضى لكم ثلاثا ."..وذكر منها" :أن تعتصموا بحبل هللا جميعا ولا تفرقوا". وحدة القلوب لا خلاف عليها ،أما وحدة العقول فضرب من المستحيل ،ولئن ربطنا هذا بهذا حكمنا على وحدتنا بالزوال. حقيقة واضحة ومستقرة في حس كل مسلم ،لكن الشأن في تفعيلها ،والقدرة على وجود منهجية تتقبل الخلاف وتبنى على أصول شرعية صحيحة وليست على آراء أو اجتهادات خاصة لفرد أو طائفة من الناس.
@R w fed k @R w fed k
52
أما وحدة الصف ،فتعني في الأصل :أمة واحدةي تحت سلطان واحد يحكمها بشريعة هللا تعالى ،وهذا كان في عهد النبي صلى هللا عبه وسلم والخلفاء الراشدين من بعده ثم من أتى بعدهم. ولهذا جاءت الأحكام والتحذيرات الصارمة في هذا الصدد ،كما في قول النبي صلى هللا عليه وسلم ":من فارق الجماعة شبرا فمات ،فميتة جاهلية ". تأكيد ظاهر على التحذير من الفرقة والخلاف ،وحث على الاجتماع والوحدة. وإذا كان هذا الأمر قد مضى وعقد المسلمين قد انفرط وتحولت الأمة إلى دول كثيرة بينها من الاتفاق والاختلاف ما هو معروف مشهور ،فلاشك أن الواجب ينتقل إلى المحافظة على المعنى الذي ترمي إليه الشريعة ،وهو صلاﺡ دين المسلمين، وصلاﺡ دنباهم؛ لأن أصل نظام الحكم إنما شرع من أجل حفظ الدين و الدنيا . وكثير من المطالب الشرعية الكبرى قد يصعب تحقيقها اليوم؛ لاختلاف الزمان وتغير الظروف ،فالواجب التمسك بمامن شأنه تحقيق المقصد الشرعي. ومن ذلك :القيام بواجب البلاغ ،وفتح العقول للرسالة السماوية. ومثله تحقيق مقصد الإمامة بالتنسيق الجاد بين الدول الإسلامية في المواقف السياسية والبرامج ،وسائر المجالات الحيوية التي تصنع لها حضوراً دولياً ،وتبادلا ً مصلحياً، وتضمن نوع من الاستقلالية في القرار.
عقبات تواجه وحدة الصف: )1تنزيل النصوص على غير وجهها ،ومن ذلك اعتبار لزوم الجماعة تنطبق على تنظيم أو طائفة وغير ذلك ،بينما المقصود دعوة المسلمين الاجتماع على السلطة العامة المتفق عليه.
@R w fed k @R w fed k
53
) 2أن يقوم وجود فرد أو جماعة على أساس تقويض جهود إسلامية أخرى ،يختلف معها في بعض الأمور ،أو تنزيل بعض النصوص على بعض الأحوال ،من أجل مصادرة الآخرين والقضاء عليهم ،بينما أمام المخلصين فكرة الخطوط المتوازية التي تسير جنباً إلى جنب ولا تتقاطع ،وربما لا تلتقي ،مع أن اللقاء ممكن على صعيد الفعل الإنساني ،ومن ثم مشتركات شرعية وأخلاقية ومصلحية يقتضي الرشد العقلي ،فضلاً عن التقوى الايمانية. وحتى في حال التقاطع ،ها هي حركة المرور في العواصم الكبرى تسير على ما يرام دون تعويق أو تصادم ،بفضل الجسور والأنفاق التي تسمح بالحركة السريعة، ومالحياة إلا هذا فالمختلفون قادرون على اتخاذ الطرق المختلفة لتسير حركتها بعيداً عن الزحام أو التوقف أو الضجيج. )3افتراض أن الوحدة الإسلامية لا تقع إلا حين الاتفاق على كافة التفاصيل ،وبهذا تصبح حلماً يصعب تحقيقه. المقصود بمحكمات الشريعة: إن وحدة الصف الحقيقية تكون بالاجتماع على معاقد الشريعة الكبرى وكلياتها ومسلماتها ،مع التفريق بينها وبين الفروع واللواحق والمسائل الاجتهادية. معان: المحكم يشمل ثلاث ٍ )1المحفوظ الذي لا يمكن تغييره ولا تبديله ،وهو ثابت وليس بمنسوخ. )2الواضح الب ِين المفسر الذي ليس فيه غموض ولا خفاء. )3الأصول الثابتة ،والمراجع التي ترجع إليها الفروع ،ويعاد إليها ما خرج منها؛ فهي أصول يتفرع عنها غيرها.
@R w fed k @R w fed k
54 53
فهذه المحكمات التي نطلب أن يكون الاتفاق عليها ،وليس على غيرها وهي ما جاءت به الشريعة وأجمع عليها الصحابة والسلف الصالح؛ من وجوب عبادة هللا عز وجل وتحريم الكفر والشرك والنفاق ،وتحريم الظلم والسحر . . .ومنها أركان الإسلام الخمسة ،وأصول الإيمان ،وقواعد الأخلاق ،وما أشبه ذلك فهي قيم وكليات ومعاني راسخة جليلة عظيمة . ويتحقق من خلال هذه المحكمات أمران عظيمان: )1المحافظة على الايمان باهلل والملائكة ،والكتب والرسل . . .وما يتعلق بذلك كله. )2المحافظة على الدنيا ومصالحها ومكاسبها. وهذا ما يعبر عنه علماء الأصول ب( :حفظ الضروريات الخمس) التي لابد من حفظها( :الدين ،والعرض ،و المال ،والنفس ،والعقل ). وقد يزيد عليها بعض المعاصرين( :حفظ الاجتماع ،والحرية ،والكرامة الإنسانية). وكل هذه الأوامر والنواهي تدور حول حماية هذه الضروريات وماشاكلها ،وتعزيزها وتنميتها وحسن توظيفها واستثمارها ،وهي تتحقق للمؤمنين ولطوائف من غير المؤمنين ممن عمتهم رحمة الإسلام؛ كالذين يقعون تحت سلطة الإسلام ،أو اتصلوا مع المسلمين بعهد أو عقد .
الدين الجامع: انصرفت كثير من جهود الناس إلى مواقع الخلاف والاحتكاك ،مما جعل المتلقين يحسون بعمق الهوة واتساع الفجوة ،لكثرة مايسمعون من الاختلاف ،مع فساد القلوب ،وانشطار الصف ،و يغفل الكثير عن المحكمات وعرضها ،تعويلاً على وضوحها وظهورها ،وربما كانت المسلمات والبدهيات أولى بالاهتمام والحديث .
@R w fed k @R w fed k
55 50
وهذه المحكمات هي "الدين الجامع" الذي تأتلف عليه القلوب ،وتتضافر الجهود، وتتفق الكلمة ،ويتضح محل الاتفاق الواسع المؤسس لوحدة الأمة. وتلك المحكمات ما ذكر ابن مسعود رضي هللا عنه بقوله " :من سره أن ينظر إلى ل (ق ْ الصحيفة التي عليها خاتم محمد صلى هللا عليه وسلم ،فليقرأ هذه الآياتُ ( : انا َولا َت ْق ُت ُلوا َت َعال َْوا أَ ْت ُ س ً م أَلا َّ ُتشْ ِر ُكوا ِب ِه َ ش ْي ًئا َو ِبا ْل َوا ِل َديْ ِن إِ ْح َ ل َ ما َح َّر َ م َعلَيْ ُك ْ م َربُّ ُك ْ ما بَ َط َن م َولا َت ْق َر ُبوا ا ْل َف َو ِ م ٍ م َو إِيَّ ُ أَ ْو َ ما َظ َه َر ِم ْن َها َو َ ش َ اح َ م ِم ْن إِ ْ اه ْ لاق َن ْح ُن َن ْر ُز ُق ُك ْ لاد ُك ْ ق )) . . .الأنعام(.)151-153 م ال َّل ُه إِلاَّ ِبا ْل َح ِ َّ َولا َت ْق ُت ُلوا ال َّن ْف َ س ا َّلتِي َح َّر َ وقد جاء عن كعب الأحبار أنه قال " :أول ما نزل من التوراة عشر آيات وهي العشر م"... ل َت َعال َْوا أَ ْت ُ التي أنزلت آخر الأنعامُ (( :ق ْ ل َ ما َح َّر َ م َعلَيْ ُك ْ م َربُّ ُك ْ وهي ما يسمونها ب"الوصايا العشر :وعليها مدار الرسالات السماوية وجميع الرسل عليهم السلام أتفقوا عليها ،ففيها صلاﺡ الدين والدنيا. وأما اختلفوا فيه ،فمن الفروع في الأحكام ،والحلال والحرام ،وغير ذلك من المسائل المؤقتة القابلة للتغيير والتبديل والنسخ؛ ولهذا قال ابن عباس رضي هللا عنهما ":إن م ل َت َعال َْوا أَ ْت ُ في الأنعام آيات محكمات هن أم الكتاب " .ثم قرأُ (( :ق ْ ل َ ما َح َّر َ م َربُّ ُك ْ م أَلاَّ ُتشْ ِر ُكوابه . )) . . . َعلَيْ ُك ْ ب َو ُأ َخ ُر م ا ْل ِك َتا ِ م ٌ وجاء عنه أيضاً في قوله تعالىِ (( :م ْن ُه آيَ ٌ ه َّن ُأ ُّ ات ُ ات ُم ْحكَ َ ات)) ( شا ِب َه ٌ ُم َت َ م ل َت َعال َْوا أَ ْت ُ آل عمران ،)7:قال ":هي الثلاث الآيات التي هاهناُ (( :ق ْ ل َ ما َح َّر َ م َربُّ ُك ْ َعلَي ُك َ ك ضى َر ُبَّ َ م ألاَّ ُتشْ ِر ُكوابه ،)). . .الأنعام ( ،)151-153والتي في بني إسرائيلَ (( :و َق َ ْ ْ انا [ )) . . .الاسراء . ]39-23: س ً أَلاََّ َت ْع ُب ُدواْ إِلاََّ إِيََّ ُ اه َو ِبا ْل َوا ِل َديْ ِن إِ ْح َ
@R w fed k @R w fed k
56 50
والمحكمات الواردة في هذين الموضعين من القرآن الكريم هي: عيادة هللا وحده وتحريم الشرك به ،وبر الوالدين والإحسان إليهم ،وحفظ النفس وتحريم القتل ،وتحريم الفواحش ما ظهر منها وما بطن ،وحفظ المال ،والوفاء بالعهود والمواثيق ،والعدل ،وتحريم الكبر والأخلاق الذميمة ،واتباع الشريعة وترك
اتباع الهوى وتتبع ماليس للإنسان به علم فلايتبع شيئاً مبنياً على الجهل حتى يعلم أو يتوقف. وعند تأمل الوصايا العشر ،تجد أنها من المسائل العظام الأساسية في قيام الدين أو صلاﺡ الدنيا ،فهي كليات وأصول يرجع إليها ماسواها من مسائل التفاصيل.
التأسيس لوحدة الصف: إن بناء الوحدة الأخوية الإيمانية على هذه العصم الكبار من أصول الشريعة، ومحكمات الدين ضمان لديمومتها ،وحماية لها من التصدع والانشقاق والانهيار؛ لأنها واضحة لالبس فيها ،وهي أصول ثابتة مستقرة ،وقواعد ُيرد إليها غيرها ،ولا مجال للخلاف أو التردد أو الشك أو الطعن فيها.
فإذا كانت الوحدة مبنية على هذه الأصول فهي وحدة راسخة مستقرة لا تتغير بالمتغيرات ،والمتغيرون عليها بمأمن من الخلاف بإذن هللا. فإذا كانت الوحدة مبنية على هذه الأصول فهي وحدة راسخة مستقرة لا تتغير بالمتغيرات ،والمتفقون عليها بمأمن من الخلاف بإذن هللا.
@R w fed k @R w fed k
57
بينما الوحدة المبنية على شروط وفروع واجتهادات ومفردات ،هي ُعرضة للخلاف كلما مر جزء من الوقت ،وكلما تنوعت الاجتهادات ،وكلما كثر الناس ،وكبرت عقولهم ،واتسع علمهم ،وبحثوا و حققوا . حينما يتلقى الطلبة عن شيخهم في مطالع تعليمهم ونشأتهم ،يأخذون اجتهاداته وترجيحاته مأخذ التسليم؛ لأنه ليس عندهم تأهل علمي للبحث والتحري والمراجعة والتصحيح والتحقيق ،ولأن شخصيتهم الآسرة وعلمه وحماسه وقياديته تغريهم، فهم منتمون إليه ،وينظرون للعالم من خلاله! وعندما يكبرون وتتسع علومهم ومداركهم ،وتنضج لديهم ملكة البحث ،تقع من بعضهم مخالفة لشيخهم ،وقد يوافقونه على جزء من القول ،ويخالفونه في سائره،
ومع ذلك فلا ينابذونه العداوة ،ولا يقطعون عنه حبل المودة ،إن كانوا من الفاقهين ؛لأن معقد الولاء والاجتماع ليس على هذه المسائل ،وإنما على محكمات الشريعة وأصولها . وأي أخوة تبنى على مسائل اجتهادية خلافية كالجهر بالبسملة في الصلاة ،أو الإسرار بها .ممالا يكون أمرا قطعياً ولا ظاهراً ،وإنما هو محل تردد واجتهاد. إن اجتماعا كهذا -لامحالة آيل إلى الفراق؛ لأنه مبني على غير أساس ،وهو حالة عابرة يتجاوزها الزمن وينقرض أصحابها. الاجتماع لا يكون إلا على قبول الاختلاف: لقد اختلف الأنبياء عليهم الصلاة والسلام في حالات متعددة ،والوحي يتنزل عليهم صباﺡ ومساء.
@R w fed k @R w fed k
58
ومن ذلك قصة موسى عليه السلام لماذهب إلى ربه ،وترك أخاه هارون مع قومه ،وفعبد بنو إسرائيل من بعده العجل ؛فنهاهم هارون عن ذلك ،وقال إنما هذا من الشيطان ،وأمرهم باتباع موسى ،ولكنه بقي معهم ،فلما جاء موسى ،ولكنه بقي معهم ،فلما جاء موسى ورأى مرأى غضب ،وعاتبه على ذلك ،فيقول له هارون ل سي إِ َّ ِني َخ ِ م لَا َتأْ ُخ ْذ ِب ِل ْحيَتِي َولَا ِب َرأْ ِ س َرائِي َ يت أَ ْن َت ُقو َ َ (:قا َ ل َف َّر ْق َ ش ُ ل يَ ْب َن ُؤ َّ ت بَيْ َن بَنِي إِ ْ ب َق ْو ِلي( [طه. ]94:أي :أنا نظرت إلى الموضوع من زاوية ثانية ؛رأيت ألا َم َت ْر ُق ْ َول ْ أفرق هؤلاء ،وأن أبقى معهم حتى تعود وترى فيهم رأيك وأمرك .ولهذا قال قتادة عند هذه الآية " :قد كره الصالحون الفرقة قبلكم ". وفي موقف هارون وكلام قتادة عبرة أي عبرة ،وكان مأخذه الحرص على بقائهم واجتماعهم في لحمة وطنية جماعية ،حتى يأتي موسى فيعالج الأمر بما يراه مع بذل النصيحة والوسع. فهذا نموذج للاختلاف في معالجة بعض المواقف الطارئة أو المستجدة ،وهي "النوازل ".
اختلاف اجتهادي إجرائي مبناه على تحصيل المصلحة العليا ،وليس توحيد هللا سبحانه محل الخلاف ،بل هو جزء من شهادة أن لا إله إلا هللا ،وإنما الاختلاف جرى في طريقة تحصيل أعلى المصلحتين ،ودفع أعلى المفسدتين. ومن هذا الباب :قصة موسى والخضر عليهما السلام المذكورة في سورة الكهف، فقد اعترض موسى على الخضر ثلاثاً ،وحين افترق عنه الخضر عليه السلام لم يكن يريد مفاصلته أو القطيعة معه ،بل أراد تمام الرحلة ،وحصول المقصود ،وشرﺡ له بعد هذا أيباب مفعل بالسفينة والغلام والجدار وبين له سر مارآه .
@R w fed k @R w fed k
59 57
وهذا درس عظيم في فقه الصحبة والتعامل مع الخلاف والتراجع ،ودرس رديف في الصبر وطول النفس؛ لأن كثير من الناس لا يصبر على مالم يحط به ُخبراً. وموسى كان نبياً رسولا ً من أولي العزم من الرسل ،الأولى كانت منه نسياناً، والثانية إنكاراً ،والثالثة فراقاً. وقصة موسى ومحمد عليهما الصلاة والسلام في حادثة المعراج ،وأن النبي صلى هللا عليه وسلم لما مر على موسى وأخبره بالصلوات الخمسين وفرضيتها ،قال" : إني قد عالجت بني إسرائيل قبلهم أشد المعالجة ،وإن أمتك لا تطيق ذلك ،ارجع إلى ربك فاسأله التخفيف " .فرجع النبي صلى هللا عليه وسلم ،حتى كان آخر ذلك أن قال لموسى عليه السلام لما قال له :راجع ربك " :قد وهللا استحييت من ربي". فهنا مراجعة ،ومحاولة إقناع واقتراﺡ وإلحاﺡ ،وموسى عليه السلام كان له مأخذ من التلوم والضعف والتردد ما جعله تجربة ومعايشة بني إسرائيل ،ورأى فيهم من ُ
يقول هذا ،والنبي استجاب له في تردده ،وكان في هذا حكمة بالغة؛ لأن في هذه
الأمة الخاتمة من الفضل والمكانة ،والسؤدد والرفعة ما ليس لبني إسرائيل. فهذا أمر جبل هللا سبحانه وتعالى عليه العباد ،ومن الخطأ القول أن فلاناً أتقى هلل سبحانه وتعالى؛ لأنه أشد في الدين ،أ و في المواقف ؛فالشدة قد تكون في طبعه ،وهي خارجة عن اللزوم الشرعي .
ومن ذلك اختلاف اراء الصحابة في أسرى بدر عندما استشارهم الرسول صلى هللا عليه وسلم ماذا يفعل بهم فكانت مشورة أبو بكر الصديق رضي هللا عنه أن يصفح عنهم ،وكانت مشورة عمر رضي هللا عنه أن يضرب أعناقهم.
@R w fed k @R w fed k
60 59
فاللين هنا من أبي بكر محمود؛ لأنه في هللا ،لكنه تكوين وجب ِلي ،فقد يكون من طبع الإنسان اللين ،ويحب أن يؤمنوا وأن يتقوا هللا سبحانه وتعالى فيرفق بهم ويوسع عليهم رغبة في تأليفهم على الإسلام ،وشدة عمر رضي هللا عنه ليست غلواً ،ولا اجحافاً ولا هدراً لحق الآخرين ،وإنما هي شدة في هللا؛ سببها الغضب هلل عز وجل والحمية لدينه. ً واللين أفضل ،ولذا كان أبو بكر أفضل ،ولذا جاء في "الصحيح " " :إن هللا رفيق يحب الرفق ،ويعطي على الرفق مالا يعطي على العنف ،ومالا يعطي على ما سواه ". فليس اللين أو الشدة علامة على صدق التدين ولكن قد يعبر الإنسان عن التدين كل خير. من خلال تكوينه الذي جبله هللا عليه إما اللين أو القوة والشدة ،وفي ِ الجوامع والفروق: والمعاندة لهذا الاختلاف مما لا مصلحة فيه؛ لأنها معاندة للفطرة ،وتنكر للجبلة والطبيعة التي فطر هللا الناس عليها ،فلم يبق إلا تسويغه وقبوله وفق ضابط أصلي ،وهو ألا يقع في الضروريات والمحكمات التي أجمع عليها السلف ،ولا مانع من استقراء ضوابط أخرى مما لا يكون في حدود الاعتدال ،وتكون للمدارسة والمراجعة. فالسلف متفقون -مثلاً -على أن الصلاة من أركان الإسلام ،وإن وجوبها من القطعيات المحكمة التي إثباتها إيمان وجحدها كفر؛ لكنهم مختلفون في صفة الصلاة وبعض التفاصيل فيها ،وحكم تاركها؛ فلا يجوز أن ُيفضي إلى الخلاف فيها
وتحزب واتهام. إلى فرقة وتنازع ُ
@R w fed k @R w fed k
61 50
والسلف متفقون على ربانية القرآن الكريم وعلى ضبط نصه ،وأنه من عند هللا، وهو حجة ،ولكنهم يختلفون في تفسير آياته وفي أحكامه وآدابه وقراءاته وتجويده. وهم متفقون على مرجعية السنة النبوية؛ (وما ءاتاكم الرسول فخذوه ومنهاكم عنه فانتهوا) [الحشر ]7:ولكنهم يختلفون في تصحيح حديث أو تضعيفه ،أو الجمع بين الخلف الأحاديث التي ظاهرها تعارض ،ويختلفون في فهم النصوص؛ ولهذا جرى ُ بينهم. وعلى الرغم من اختلافهم هذا ،إلا إنهم متفقون إجمالا ً على الاحتكام إلى النصوص ومرجعية الشريعة ،وليس على غيرها ،وعلى مبادئ الأخلاق الإسلامية، وإن تفاوتوا في امتثالها وتطبيقها والعمل بها ،كما قيل " :الاخلاق تبين عند الاختلاف " .
@R w fed k @R w fed k
62 59 50
63
@R w fed k @R w fed k
@R w fed k @R w fed k