(كيف نختلف) سلمان العودة

Page 1

@R w fed k @R w fed k


@R w fed k @R w fed k


‫‪@R w fed k‬‬ ‫‪@R w fed k‬‬

‫انفال خالد فدعق‬


‫الفهرس‬

‫المحتويات‬

‫الصفحة‬

‫المقدمة‬

‫‪6‬‬

‫الفصل الأول امة واحدة‬

‫‪9‬‬

‫الفصل الثاني ‪/‬سنة الإختلاف‬

‫‪16‬‬

‫الفصل الثالث ‪/‬أسباب اختلاف‬

‫‪21‬‬

‫العلماء‬ ‫الفصل الرابع ‪/‬كيف نختلف‬

‫‪29‬‬

‫الفصل الخامس ‪/‬الاختلاف المحمود و‬

‫‪46‬‬

‫المذموم‬

‫رر‬

‫الفصل السادس ‪ /‬وحدة الصف لا‬

‫‪52‬‬

‫وحدة الرأي‬

‫‪@R w fed k‬‬ ‫‪@R w fed k‬‬

‫*‬

‫* *‬

‫‪4‬‬


@R w fed k @R w fed k


‫المقدمة‬

‫الحمد هللا رب العالمين وصلوات هللا وسلامه على نبينا محمد وعلى آلة وصحبه‬ ‫أجمعين وبعد‪:‬‬ ‫فنحن الآن على مفرق طريق تاريخي تنامت فيه الآمال بنقلات ايجابية للأمة‬ ‫المسلمة ‪.‬‬ ‫إن امة مشتتة متفرقة القوى متضادة الاتجاهات مختلفة الأهداف و الرؤى لا يمكن‬ ‫أن تكون قوية و لا أن تحمل دينا و لا أن تقيم دنيا ‪.‬‬ ‫و في عصرنا الحاضر الحافل بالاتجاه نحو الشراكات و الاتحادات و التكتلات على‬ ‫كافة المستويات يعيبنا أن نظل امة متفرقة متشرذم رغم أن ديننا دعانا إلى‬ ‫الوحدة و يقول ( صلى هللا عليه و سلم ) ‪" :‬يد هللا ع الجماعة ‪" .‬‬ ‫و الاجتماع من شعائر ديننا الحنيف فالاحتشاد خلف إمام واحد في الصلاة و الحج‬ ‫عميق و في السفر دعي للاجتماع فالمسافر‬ ‫الذي تأتي له الأشتات من كل فج‬ ‫‪1‬‬ ‫شيطان و الاثنان شيطانان و الثلاثة ركب ‪.‬‬ ‫وقد كان الاختلاف من الموضوعات التي عني بها فضيلة شيخنا د‪ .‬سليمان ابن‬ ‫فهد العودة حفظه هللا في محاضراته وحواراته ومقالاته ‪.‬‬ ‫و أن الخلاف ليس كله شرا و ما كان شرا فيمكن تقليل شره و إطفاء ناره و أن‬ ‫الخلاف كان موجود في أفضل و اتقى و أنقى جيل و هم الصحابة الكرام و كان‬ ‫مستديما بين ورثة الرسل من العلماء و هم خيار الأمة و أفضلها و لكن هذا الخلاف‬ ‫كان يدار على نحو يجلي الحق و لا يفرق القلوب ‪.‬‬

‫‪@R w fed k‬‬ ‫‪@R w fed k‬‬

‫‪6‬‬


‫وأن لهذا الخلاف أسبابه المتنوعة التي يرجع بعضها إلى طبيعة الشخص وبعضها‬ ‫إلى بيئته وظروفه المحيطة وبعضها إلى تكوينه وحصيلته العلمي ‪.‬‬ ‫فمن المهم النظر إلى الخلاف بواقعية و تكوين اللياقة النفسية لتقبله و التركيز‬ ‫على أسلوب التعاطي مع الخلاف و الآداب التي ينبغي أن يتحلى بها من‬ ‫يتجاذبون أطراف القضايا و يختلفون حولها فإن هذا سيردم كثيرا من الخنادق‬ ‫الفاصلة و يصل بين الجزر المتباعدة و يقرب الحقيقة و يجلي الرؤية بعيدا عن‬ ‫التعصب و الهوى و ما يتفرغ عنها من إثارات و ثارات نفسية ‪.‬‬

‫***‬

‫‪@R w fed k‬‬ ‫‪@R w fed k‬‬

‫‪7‬‬ ‫‪7‬‬


‫الفصل الأول‬ ‫أمة واحدة‬ ‫‪ ‬و إِ َّن هذه ُ‬ ‫اح َد ًة‪‬‬ ‫ك‬ ‫ت‬ ‫م‬ ‫أ‬ ‫م ًة َو ِ‬ ‫ُ‬ ‫م ُأ َّ‬ ‫َّ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬

‫‪@R w fed k‬‬ ‫‪@R w fed k‬‬


‫معنى أمة‬ ‫معان عديدة‬ ‫ُذكرت كلمة ُأمة في القران عِ دة مرات واشتملت‬ ‫ٍ‬ ‫معان‪.‬‬ ‫فقد جاءت بخمس‬ ‫ٍ‬ ‫المعنى الأول‪ :‬أمة بمعنى إمام وقدوة‬ ‫ُ‬ ‫ِين )} النحل ‪{ 120‬‬ ‫ن إ ِ ب ْ َرا ِ‬ ‫) إ ِ َ َّ‬ ‫م ش ْ رِ ك َ‬ ‫ح ن ِي ًف ا َو َل م ْ يكح ِم َ‬ ‫ان أ مَ َّ ًة َق ا ن ِتً ا لِ َّ َل َّ ِه َ‬ ‫ه يم َ ك َ َ‬ ‫ن ا ْل ُ‬ ‫المعنى الثاني‪ :‬أمة بمعنى المدة من الزمن‬ ‫د أ ُ مَ َّ ٍة ) } يوسف ‪{ 45 :‬‬ ‫( َو َق ا َ‬ ‫ج ا ِم نْ ُه مَ ا َو اد َ َّ ك َ َر ب َ ْع َ‬ ‫ل ا َل َّ ِذ ي نَ َ‬ ‫المعنى الثالث‪ :‬أمة بمعنى المذهب والطريقة‪ ،‬سواء كانت حق ا ً أو باطلا‬ ‫ون ) } الزخرف ‪{ 22 :‬‬ ‫ع َل ى آ ثَ ا ر ِ ِ‬ ‫(بَ ْ‬ ‫ع لَ ى أ ُ مَ َّ ٍة َو إ ِنَ َّ ا َ‬ ‫ج ْد نَ ا آب َ اء َ نَ ا َ‬ ‫م هْ تَ ُد َ‬ ‫ل َق ا ُل وا إ ِنَ َّ ا َو َ‬ ‫ه مْ ُ‬ ‫المعنى الرابع‪ :‬الجماعة من الناس أو الطائفة حتى لو كانت قليلة‬ ‫خ تَ هَ ا ) } الاعراف‬ ‫( كُ َل َّ مَ ا د َ َ‬ ‫ت أُ ْ‬ ‫ت أ ُ مَ َّ ٌة َل َّ َع نَ ْ‬ ‫خ َل ْ‬

‫‪{ 38 :‬‬

‫المعنى الخامس‪ :‬أ ُ مة بمعنى القوم المجتمعون على الدين الواحد‬ ‫اس أ ُ مَ َّ ًة َو ا ِح َد ًة ) } البقرة ‪{ 213 :‬‬ ‫(كَ َ‬ ‫ان ال نَ َّ ُ‬ ‫وحدة رغم ال ِخ لاف‪:‬‬ ‫هناك قاعدة إسلامية عريضة تقول إن هللا سبحانه وتعالى ك َ تب الإخاء والرحمة‬ ‫والمودة بين خلقه وعباده‪ ،‬وقد ذكر هللا عزول ذلك في آيا ٍ‬ ‫ت عديدة في سو ر ٍ‬ ‫مختلفة‪ ،‬منها سورة آل عمران والمؤمنون‪ ،‬وهذا تأكيد على الأخوة العامة بين‬ ‫المؤمنين عبر العصور والأحقاب ‪.‬‬

‫‪@R w fed k‬‬ ‫‪@R w fed k‬‬

‫‪9‬‬


‫وقد نب َّ ه هللا عباده المؤمنين من الوقو ع في الخلاف والتناحر والتباغض بذكره‬ ‫ه م ب َ ي ْ نَ ُه م ( } الأنبياء ‪ ، { 93 :‬وأمر‬ ‫لما وقع في الأمم السابقة ( َو تَ َق َ َّ‬ ‫ط ُع وا أ َمْ َر ُ‬ ‫الأمة ألا تسلك مسلك الأمم قبلها في الخلاف‪ ،‬إذ تقطعوا أمرهم بينهم‪ ،‬وكل‬ ‫فئة منهم أخذت قطعه منه‬ ‫ن هَ ِذ ِه أ ُ مَ َّ ُت ك ُ م ْ أ ُ مَ َّ ًة َو ا ِح َد ًة ) وهذا‬ ‫في سورة المؤمنون ذكر الأنبياء ثم قال‪َ ( :‬و إ ِ َ َّ‬ ‫دليل على وحدة الأمة الإسلامية وعدم تفرقها رغم اختلاف أنبياءها‬ ‫لَّ‬ ‫ثم أتت الآية تذكر حال الأمم السابقة وتقول ( َف تَ َق َ َّ‬ ‫ه م ْ ب َ ي ْ نَ ُه م ْ ُز بُ ًر ا ك ُ ُ‬ ‫ط ُع وا أ َمْ َر ُ‬ ‫ون )‬ ‫ِح ْز ٍ‬ ‫ب ب ِ مَ ا َل َ‬ ‫د ي ْ ِه م ْ َف ر ِ ُح َ‬ ‫والز بر هي ال كُ تب فيذكر حال المشركين وأن ك ُ ل فئة أخذت بجزء من الدين‬ ‫ُ‬ ‫وفرحت به‪ ،‬وغفلت عما سواه‪.‬‬ ‫فالأمم السابقة نسوا انتمائهم إلى أمة واحدة‪ ،‬وتحولوا إلى أحزاب متناحرة‪.‬‬ ‫التميز عن الأمة‪:‬‬ ‫الم حكمات في القران د َّل ت على وجوب تميز هذه الأمة الإسلامية عن سائر‬ ‫ُ‬ ‫الأمم ف ي سلوكها وعقائدها وخصوصيتها‪ ،‬لا أن تكون متميزة بطريقة خاطئة‬ ‫الس نة‪ ،‬أو يبالغ في تضخيم‬ ‫كمن يتعمد ان يخالف الناس في أشياء ليست من‬ ‫ُ‬ ‫بعض الفرو ع فهذا يعمل شرخ يصعب تلافيه في بنيان المجتمع الاسلامي‪،‬‬ ‫س‬ ‫ن َل ب ِ َ‬ ‫وقد نهى الشر ع عن هذه الشهرة في حديث ابن عمر رضي هللا عنه ( مَ ْ‬ ‫َ‬ ‫ب مَ َذ َّل ٍة ي َ ْو مَ ا لْ ِق ي َ امَ ِة )‪ .‬رواه أبو داود‬ ‫ش هْ َر ٍة ِف ي ال ُّ‬ ‫ب ُ‬ ‫د نْ ي َ ا أ ْل ب َ َ‬ ‫س ُه ال َّل ُه ثَ ْو َ‬ ‫ثَ ْو َ‬ ‫( ‪ ) 4029‬والنسائي‬ ‫وكان السلف يكرهون الشهرة في الأعمال التي يكون لها أصل لكنه ليس‬ ‫بظاهر أو ليس بقوي‪.‬‬ ‫وقد قال يحيي بن معين‬

‫‪@R w fed k‬‬ ‫‪@R w fed k‬‬

‫‪10‬‬


‫ما رأيت مثل أحمد بن حنبل ‪ ،‬صحبناه خمسين سنة ما افتخر علينا ب شيء مما‬ ‫كان فيه من الصﻼﺡ و الخ ير‬

‫بعض الأخوة من جراء انغماسهم في الولاء الخاص وغفلتهم عن الولاء‬ ‫العام يضخمون بعض ما يكون له أصل‪ ،‬فهذا يميزهم عن غيرهم‪ ،‬وهذا‬ ‫التميز غير محمود ولا ينبغي‪ ،‬فيجب على المرء ان يبتعد عن هذا النو ع‬ ‫من العلو‪.‬‬ ‫حقوق المسلم على أخيه‪:‬‬ ‫أكد الرسول صلى هللا عليه وسلم على حقوق المسلم على أخيه‪.‬‬ ‫وهذه الحقوق تنقسم إجمال ا ً إلى عده حقوق‪:‬‬ ‫أولا‪ :‬حقوق قلبية‪:‬‬ ‫كمحبه المسلم لآخية‪ ،‬وسلامه صدره من الغل والحقد على أخوه المسلم‪.‬‬ ‫كأن يحزن لحزنه ويفرﺡ لفرحه‪،‬‬ ‫ثانيا‪ :‬حقوق لسانية‪:‬‬ ‫كرد السلام وتشميت العاطس والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر‪.‬‬ ‫وقد قال رسول هللا صلى هللا عليه وسلم ( والكلمة الطيبة صدقة )‬ ‫فالكثير من الناس لا يطلبون سوا كلمة تشجيع او مؤازرة أو مدﺡ ا حتى‬ ‫عزاء‬ ‫والبخيل مَ ن بخل بطيب الكلام‬

‫‪@R w fed k‬‬ ‫‪@R w fed k‬‬

‫‪11‬‬


‫ثالثا‪ :‬حقوق مالية‪:‬‬ ‫كالصدقة والزكاه والإحسان وإطعام الجائع‬ ‫َ‬ ‫وم (‬ ‫ح ٌ‬ ‫ين ِف ي أ مْ َو ا لِ ِه م ْ َ‬ ‫وقد قال تعالى ( ‪َ :‬و ا َل َّ ِذ َ‬ ‫ق َّ مَ ْع ُل ٌ‬ ‫رابعا‪ :‬الحقوق البدنية‪ :‬كنصرة المظلوم‪ ،‬وفك الأسير‪ ،‬وإغاثة المستغيث وفي‬ ‫ً‬ ‫الصحيحين من حديث أبي ذر رضي هللا عنه قال‪ :‬يارسول هللا‪ ،‬أي الأعمال أفضل؟‬ ‫سها عند‬ ‫قال الايمان باهلل والجهاد في سبيله‪ .‬قلت‪ :‬أي الرقاب أفضل؟ قال‪ :‬أن َف ُ‬ ‫صانعا أو تصن ُع لأخرق‪ .‬قلت‬ ‫عين‬ ‫ثمن‬ ‫ُ‬ ‫أهلها وأكثرها ً‬ ‫ً‬ ‫ا‪.‬قلت فإن لم أفعل؟ قال ُت ُ‬ ‫يارسول هللا أرأيت إن صعفا عن بعض العمل؟ قال‪ :‬اكف شرك عن الناس فإنها‬ ‫صدقة منك على نفسك‪.‬‬ ‫ٌ‬ ‫ألوان من تفرق الأمة‪:‬‬ ‫لعل من أبرزها‪:‬‬ ‫‪ -١‬المذاهب الفقية والفكرية ‪:‬‬ ‫تعبيرا عن مدرسة تخرج‬ ‫محضا‪ ،‬أو‬ ‫إن الانتساب المجرد للمذهب قد يكون تعري ًفا‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫فرعيا يتخلص فيه المرء من التردد والفوضى في شؤون عملية‬ ‫منهجا‬ ‫فيها ‪ ،‬أو‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫شخصية تعرض له في حياته‪.‬‬ ‫أما حين يتحول الأمر إلى عصبية وجهالة وتخندق‪ ،‬فهو جور على الانتماء والأصل‬ ‫والجوهري للأمة‪.‬‬ ‫علينا أن نحترم المذاهب والأئمة والاتباع ‪ ،‬والعالم الاسلامي اليوم ومذ أكثر ممن‬ ‫عشرة قرون موزع على هؤلاء الأربعة على وجهه الخصوص( الو حنيفة‪ ،‬ومالك ‪،‬‬ ‫والشافعي‪ ،‬وأحمد)‬ ‫‪ -٢‬الأجناس والقوميات والشعوب ‪:‬‬ ‫وهي مما جبل هللا الناس الانتساب له‪ ،‬فجعلهم كذلك ليتعارفو‪ ،‬وبين لهم أن‬ ‫الفضيلة والكرم بالتقوى وأن الانساب توضع يوم القيامة‬ ‫دينا عربيًا او محليًا او عنصرياً ‪.‬‬ ‫والإسلام دين عالمي ليس ً‬ ‫العصبية القومية والقبلية داء قديم متجدد‪ ،‬وبعض العرب كانت تقول‪" :‬كذاب‬ ‫ربيعة خير من صادق ُمضر"‬

‫‪@R w fed k‬‬ ‫‪@R w fed k‬‬

‫‪12‬‬ ‫‪11‬‬


‫الانتساب مقبول بلا فخر ولا استعلاء ولا انعزال‪ ،‬وتاريخ الإسلام صنعته شعوب‬ ‫شتى‪ ،‬كالكرد والفرس والترك والهند والبربر وغيرهم‪.‬‬ ‫والمسلمون اليوم شعوب شتى‪ :‬من مصر إلى الشام إلى المغرب إلى العراق ‪،‬‬ ‫حافزا للمكارم‬ ‫محضا‪ ،‬او‬ ‫وليس ثم مشكلة في الانتساب ‪ ،‬ولو صار تعري ًفا‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫والمعالي والمجد‪.‬‬

‫وكثيرا ما تتأثر الشعوب بمواقف حكوماتها مع أحد أو ضد أحد‪ ،‬فتصير الحالة‬ ‫ً‬ ‫أحيانا‪.‬‬ ‫والأفراد‬ ‫والأسر‬ ‫بل‬ ‫بينها‪،‬‬ ‫فيما‬ ‫الشعوب‬ ‫علاقات‬ ‫على‬ ‫ينعكس‬ ‫ا‬ ‫حاد‬ ‫ا‬ ‫استقطاب‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫علينا ألا نسمح بحديث سلبي نتبادل فيه الطرائف التحقيرية عن شعب أو جنس أو‬ ‫ً‬ ‫قبيلة أو إقليم‪ ،‬بصفة تعميمية بأنه بخيل أو جبان أو عنصري‪ .‬ففي كل واد بنو‬ ‫سعد وفي كل بلاد الإسلام خير‪.‬‬ ‫وخ ُلق رفيع في‬ ‫و"حب الوطن من الإيمان" وهذا وإن لم يكن حدي ًثا‪ ،‬فهو فطرة ُ‬ ‫الوفاء والالتزام‪.‬‬ ‫وقد جاء في الشريعة فضل مكة والمدينة وجزيرة العرب واليمن والشام وعمان‬ ‫ومصر ‪ ...‬إلى آخره‪.‬‬ ‫فتحريف بعضهم اسم الوطنيه إلى الوثنية هو غلو غير محمود وتقبيح لمعنى‬ ‫حسن في ذاته‪.‬‬ ‫ولا حرج أن يتجمع الناس في بل ٍد ما حول مشروع نهوض يخص قطرهم‪ ،‬ويتوافق‬ ‫مع ظروفهم‪.‬‬ ‫والإسلام لم يؤثر لتقطيع الأواصر‪ ،‬بل جعل للجار القريب حقو ًقا‪.‬‬

‫‪@R w fed k‬‬ ‫‪@R w fed k‬‬

‫‪13‬‬ ‫‪11‬‬


‫‪-٣‬القبائل‪:‬‬ ‫وهي في العرب كالأسباط في بني إسرائيل‪ ،‬وقد بين النبي صلى هللا عليه وسلم‬ ‫أن العصبية والفخر مما لا يكاد يتركه الناس‪ ،‬وأنه من أمر الجاهلية‪ ،‬فقال‪" :‬أربع في‬ ‫أمتي من أمر الجاهلية‪ ،‬لايتركونهن‪ :‬الفخر في الاحساب‪ ،‬والطعن في الأنساب‪".‬‬ ‫ولم تعد الكفاءة والإخلاص هي معيار التفاضل للعمل أو الوظيفة في المؤسسة‬ ‫أيضا‪.‬‬ ‫الرسمية‪ ،‬بل زاحم ذاك بصورة جلية الترابط ادقبلي والمناطقي‬ ‫ً‬ ‫وبمجرد ان يعتلي عرشها مسؤول جديد‪ ،‬فإن همه يتجه إلى تغيير الكوادر‪ ،‬لا‬ ‫بالأصلح‪ ،‬ولكن بمن يعرف ويثق به ويريد أن يبره ويدنيه قرابته‪.‬‬ ‫وهذا الأعتبار القبلي من أسباب التخلف الجوهرية في الأمه‪.‬‬ ‫‪-4‬الجماعات والأحزاب والتيارات‪:‬‬ ‫وقد رغب هللا تعالى في التعاون على البر والتقوى‪ ،‬وحث على التواصي بالحق‬ ‫والصبر‪ ،‬وأمر بالاجتماع على الخير‪.‬‬ ‫وعلية‪ :‬فإن تنسيق المواقف او تنظيم الأعمال كما تفعل الشركات التجارية‬ ‫والمؤسسات وغيرهم‪ ،‬تتفق في أهدافها وتطليعاتها وميولها ضمن إيطار الشريعة‬ ‫العام‪ ،‬او في حدود المباحات أو المصالح الدنيوية‪ ،‬هو امر فطري لا حرج منه‪.‬‬

‫وعلى هذا الأساس‪ ،‬فالانتماء لجماعة أو حزب أو طريقة ينبغي أن ُينظر إليه باتزان‪:‬‬ ‫بعيدا عن الانتساب الفقهي أو القبلي‬ ‫فإن كان على خير أو في امر مباﺡ‪ ،‬فليس‬ ‫ً‬ ‫حين يعرى من العصبيه‪ ،‬وإن كان على محرم كان حريًا بالمنع والتحريم‪.‬‬ ‫وليس يجوز أن نحاكم الناس بموجب قوائم‪ ،‬أو نحكم بالخطأ والانحراف على انسان‬ ‫متعاونا‪.‬‬ ‫منتميا أو‬ ‫ما لمجرد أنه مع مجموعة خاصة‪،‬‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫جان إلا على نفسه‪ ،‬وقد يوجد الإنسان‬ ‫وليس يحمل أحد وزر غيره‪ ،‬ولا يجني‬ ‫ٍ‬ ‫الفاضل ضمن مجموعة مقصرة‪ ،‬أو يوجد المفرط ضمن مجموعة فاضلة‪.‬‬

‫‪@R w fed k‬‬ ‫‪@R w fed k‬‬

‫‪14‬‬


‫إن من الصدق القول بأن هذه الأختلافات الضاريه تستنزف الكثير من المجهود‬ ‫الإسلامي في الكتابة والإعلام والعمل والعلاقة والسياسة‪ ،‬بينما استطاعت أمم‬ ‫اخرى أن تستوعب الخلاف‪ ،‬وتتعامل معه بصورة إيجابية‪.‬‬ ‫هل نملك القدرة على أن نقبل بالانتساب المجرد‪ ،‬ونعلن حربًا‬

‫‪@R w fed k‬‬ ‫‪@R w fed k‬‬

‫‪15‬‬ ‫‪14‬‬


‫الفصل الثاني‬ ‫سنة الاختلاف‬ ‫)ولا يزالون مختلفين (‪ )118‬إلا من رحم ربك )‬

‫‪@R w fed k‬‬ ‫‪@R w fed k‬‬


‫سنة الاختلاف‬

‫الاختلاف جزء من طبيعة الحياة واهلها‪ ،‬ويكون بين الجميع حتى بين الاب وابنه‪،‬‬ ‫وتختلف الالسنة والالوان‪ ،‬وتختلف الاصوات واللسان‪ ،‬وتختلف السماء والارض بما‬ ‫يتناسب مع ذكر الزوجية‪ ،‬وقد ذكر كل ذلك لتقرير التوحيد وتكريس اصول الديانة‪،‬‬ ‫الاختلاف سنة ربانية ورغم ذلك يضيق الناس به ذرعا‪ ،‬ويتساءلون متى نتفق؟‬ ‫والجواب هو ان الاختلاف باق الى ان يرث هللا الارض‪ ،‬ولن يتفق الناس على كل شي‪،‬‬ ‫حتى أكثر الناس علما يحصل بينهم اختلاف مثل الاختلاف الذي حصل بين الانصار‪،‬‬ ‫وخلاف حرب المرتدين‪.‬‬

‫اعتزال الاختلاف‪:‬‬ ‫من الناس من يحسن اعتزال اختلاف العلماء‪ ،‬ولا يدخل نفسه فيما لا يعنيه‪ ،‬ومن‬ ‫الناس من يكون اعتزاله خير له وللناس‪ ،‬لان دخوله في ذلك يزيد النار اشتعالا‪ ،‬فهو‬ ‫كالذي يقذف فيها حطبا‪ .‬كان يكون سريع الانتقاد شديد الحماس‪ ،‬ينبري للقول‬ ‫ويتلقاه بغير روية‪ ،‬ويفتن فيه الناس‪ ،‬ويحملهم على الاصطفاف والتخندق‪ ،‬و يضري‬ ‫الكلام‪ ،‬ويبدئ ويعيد ويحشر الاتباع‪ ،‬وفي نهاية الامر كل ما فعل هو قسمة الناس‬ ‫بين مؤيد ومعارض‪ ،‬وربما كان جهاده في ازمة وضعت اوزارها‪ ،‬او قضية فاز فيها‬ ‫سواه‪ ،‬وهوا لا يعتبر من تجاربه‪ ،‬وبذا يظل المجتمع منقسما على نفسه‪ ،‬دون‬ ‫فعالية او عطاء او انتاج‪.‬‬

‫‪@R w fed k‬‬ ‫‪@R w fed k‬‬

‫‪16‬‬ ‫‪13‬‬


‫الخلاف والاخاء‪:‬‬ ‫العلماء الراسخون متطبعون على الخلاف‪ ،‬ولذا لا يحدث في قلوبهم تغيرا ولا‬ ‫وحشة‪ ،‬ويحفظون الحقوق المنصوصة في الكتاب والسنة‪ ،‬ووجوب الالتزام‬ ‫بالاخلاق المفترضة مع كافة الناس‪ ،‬فلا ينبغي ان تعصف الجزئيات ولا الفرعيات‬ ‫التي اختلفوا فيها بهذه القطعيات التي هي محل اتفاق قاطع‪.‬‬

‫تأجيج الخلاف‪:‬‬ ‫إن مما يثير البؤس والحسرة في القلب أن يصرف شاب وقته وجهده في إعادة‬ ‫إنتاج الخلاف بطريقة آلية غير واعية فيكون شغله الشاغل والرسول صلى هللا‬ ‫عليه وسلم يقول‪(( :‬لا يدخل الجنة نمام)) وفي هذا إشارة إلى خطورة النقل‬ ‫المتسرع على المرء أن يحذر من أن يحدث فتنة بين الناس بنقل الحديث وتوسيعه‪.‬‬ ‫أن تأتي لإنسان وتقول له‪ :‬فلان يذكرك بالخير وتنقل له كلمة طيبة في حقه‬ ‫ووضعت لها مقدمة وخاتمة أعطيها زخما في نفس المهنى فكان وقعها كبيرا‬ ‫ينشرﺡ لها الصدر وتطرب لها النفس‪.‬‬ ‫إن الخلاف المبني على الديانة والعلم لا يجوز أ تتحول الآراء المختلفة فيه إلى‬ ‫ولاءات خاصة فإنه يخرج بذلك عن كونه رحمة ومتابعة لحكم هللا ورسوله‪.‬‬ ‫بين المقاصد والنصوص‪ :‬من كتبوا حول اختلاف الصحابة يكررون نموذجا من‬ ‫الخلاف حدث في غزوة بني قريظة حين قال لهم النبي صلى هللا عليه وسلم بعد‬ ‫غزوة الأحزاب‪(( :‬لا يصلين أحد العصر إلا في بني قريظة))‬

‫‪@R w fed k‬‬ ‫‪@R w fed k‬‬

‫‪17‬‬


‫فانقسموا إلى قسمين‪ :‬قسم رأى أن النص صريح محكم‪ ،‬فقالوا لا نصلي إلى في‬ ‫بني قريظة حتى ولو خرج الوقت وقسم قال إن الرسول صلى هللا عليه وسلم‬ ‫قصد الإسراع بالخروج إلى بني قريظة وليس ألا نصلى العصر إلا فيهم لأنه لا‬ ‫فائدة من ذلك ولذا صلوا في الطريق قبل أن يصلوا إليهم‪ .‬فهل نستطيع أن نقول‪:‬‬ ‫إن هذا الخلاف قد وضع‬

‫اللبنات الأساسية لأصل الخلاف الفقهي بين المسلمين؟ المدارس الفقهية‬ ‫الإسلامية تنقسم إجالا إلى مدرستين أساسيتين‪:‬‬ ‫الأولى‪(( :‬مدرسة النص)) التي تأخذ بظاهر النص وترى التعبد بما دل عليه‬ ‫والالتزام العملي بمنطوقه‪ .‬ومهمتها‪ :‬فهم النص والجمع بين ما ظاهرها لتعارض‬ ‫وحل مشكلات النصوص التي لا يظهر معناها لأول وهلة‪.‬‬ ‫الثانية‪(( :‬مدرسة المقاصد)) وهي التي تعنى بمقاصد الشرع وتعليله مع مراعاة‬ ‫جانب النص وعدم مصادمته لكنها تستحضر المقاصد في التعامل مع نصوص‬ ‫خاصة حين يكون ظاهرها التعارض أو يكون ثم مصلحة أكيدة تستدعي ترجيح نص‬ ‫مرجوﺡ أو الأخذ بقول ضعيف أو إعادة فهم بعض السياقات‪.‬‬

‫‪@R w fed k‬‬ ‫‪@R w fed k‬‬

‫‪18‬‬ ‫‪17‬‬


‫المصيب والمخطى‪:‬‬ ‫من الطريف أن النبي صلى هللا عليه وسلم حين ذكر خلاف الطائفتين من‬ ‫الصحابة وكشف في دلائل نبوته عن حدوثه وحال الخوارج معهما قال‪(( :‬يقتلها‬ ‫أولى الطائفتين بالحق)) وهذا الحديث يدل على أن الأقرب والأدنى والأولى بالحق‬ ‫علي بن أبي طالب رضى هللا عنه ومن معه وكان واجبا على أهل الشام أن‬ ‫ينضموا إلى علي ويبايعوه لأنه أمير المؤمنين ورابع الخلفاء الراشدين‪ .‬ومن‬ ‫العلماء من أشار إلى أن الذين اعتزلوا القتال كانوا أفضل ممن دخلوا فيه وعليه‬ ‫يمكن تقسيم الصحابة رضى هللا عنه في ذلك الخلاف إلى ثلاث طوائف‪:‬‬ ‫الطائفة الأولى‪ :‬أهل العراق الذين قاتلوا مع علي‬ ‫الطائفة الثانية‪ :‬أهل الشام الذين قاتلوا مع معاوية‬ ‫الطائفة الثالثة‪ :‬الذين اعتزلوا الفتنة وتركوا القنال وهم كثرة‪ ،‬مثل‪ :‬ابن عمر‪.‬‬ ‫والمراد الإشارة إلى أن الرسول صلى هللا عليه وسلم بين في تلك الحادثة أولى‬ ‫الطائفتين بالحق مع أنها لم تكن قد وقعت بخلاف قضية بني قريظة فإنه لم يبين‬

‫أيهما كان أقرب إلى الحق مع وقوعها وذلك لتفاوت ما بين النازلتين في الكبر‬ ‫والأهمية والأتساع والتأثير‪ .‬فتلاحظ مرونة الرسول صلى هللا عليه وسلم وأريحيته‬ ‫حيث أقر الخلاف المبني على الاجتهاد فلم يعنف هذا أو ذاك‪.‬‬

‫‪@R w fed k‬‬ ‫‪@R w fed k‬‬

‫‪19‬‬


‫ويدخل في هذا ألوان من الخلاف في قصر الصلاة وتحديد مفهوم السفر الذي‬ ‫تقصر فيه‪ .‬وفي قصة بني قريظة لم يبين صلى هللا عليه وسلم المخطئ من‬ ‫المصيب ولذلك اختلف العلماء من بعد أيهما أكثر صوابا فمنهم من قال الذين‬ ‫صلوا في الطريق لأنهم جمعوا بين المحافظة على الصلاة في وقتها وبين الإسراع‬ ‫بالخروج إلى بني قريظة ومنهم من قال الذين واصلوا المسير من غير أن يوقف‬ ‫مسيرتهم صلاة ولا غيرها ثم صلوا في بني قريظة الحق معهم لأنهم كانوا ألزم‬ ‫لظاهر أمر الرسول صلى هللا عليه وسلم ولعل عدم بيان من الرسول صلى هللا‬ ‫عليه وسلم راجع إلى أن هذا يؤسس لتقبل الخلاف و التعامل معه بواقعية و أنه لا‬ ‫يلزم حسم كل المسائل و الوصول في مفرداتهما إلى نتيجة او ترجيح ‪ .‬وامتد هذا‬ ‫الاختلاف إلى من بعدهم فوجد من قال بهذا ووجد من قال بهذا‪ .‬إن هذا الأمر‬ ‫الكوني الذي أخبر هللا تعالى أنه واقع في البشرية هو واقع في هذه الأمة ولابد‬ ‫ويستحيل أن يجمع الناس على رأي في كل المسائل الخلافية أو في غالبها فلا‬ ‫سبيل إلى جمع الأمة على مذهب على مذهب واحد بل الخلاف لابد منه وهو‬ ‫واقع إلى قيام الساعة‪.‬‬

‫‪@R w fed k‬‬ ‫‪@R w fed k‬‬

‫‪20‬‬


‫الفصل الثالث‬ ‫أسباب اختلاف العلماء‬ ‫يكلف هللا نفساً إلا وسعها)‬ ‫(لا‬ ‫ُ‬ ‫م)‬ ‫ما‬ ‫ْ‬ ‫(فاتقوا هللا َ‬ ‫است َط ْع ُت ْ‬

‫‪@R w fed k‬‬ ‫‪@R w fed k‬‬


‫العلماء هم رأس الأمة في مسائل الشريعة جميعها‪ ،‬كما يقع الخلاف في غيرهم‬ ‫يقع فيهم‪.‬‬ ‫ويرجع اختلافهم إلى أسباب كثيرة منها‪:‬‬ ‫‪-1‬عدم وصول الدليل‪:‬‬ ‫فالسنة النبوية التي هي الشارحة والمفصلة لما ُأبهم ُ‬ ‫وأجمل في القرآن الكريم‬ ‫لاتصل بتفصيلات نصوصها إلى كل العلماء‪ ،‬كما قد يخفى بعضها على بعضهم‪،‬‬ ‫فإن عدم بلوغ الدليل إلى العا ِلم سبب في قوله بخلاف هذا الدليل‪.‬‬ ‫‪-2‬أن الدليل قد يبلغ العا ِلم‪ ،‬لكنه ينساه‪ ،‬أو يذهل عنه‪:‬‬ ‫يقع بعض لبعض الأئمة نسيان دائم وهذا نسيان عابر‪ ،‬حتى صنف بعضهم‬ ‫فيمن حدث ونسي‪.‬‬ ‫‪-3‬عدم ثبوت الدليل‪:‬‬ ‫اختلف علماء الحديث في التصحيح بسبب اختلاف أفكارهم وتفاوتها في‬ ‫مداركها ومعرفة الأولويات وترتيبها وفقهها‪.‬‬ ‫‪-4‬عدم دلالة الحديث أو النص على المقصود‪:‬‬ ‫ودلالة النصوص تنقسم إلى‪:‬‬ ‫واحدا‪.‬‬ ‫‪ -1‬القطيعة‪ :‬وهي التي لا تحتمل إلا معنى‬ ‫ً‬ ‫‪ -2‬الظنية‪ :‬وهي التي تحتمل أكثر من معنى‪ ،‬وإن كانت أظهر من بعضها‬ ‫البعض‪.‬‬ ‫ومن بعدهم‬ ‫كما اختلف علماء اللغة والتفسير وفقها الشريعة من الصحابة َ‬ ‫في معنى القروء‪.‬‬

‫‪@R w fed k‬‬ ‫‪@R w fed k‬‬

‫‪21‬‬


‫‪-5‬وجود معارض راجح لهذا الدليل‪:‬‬ ‫وجود دليل يتعارض مع دليل آخر من ناحية القوة‪.‬‬ ‫‪-6‬التفاوت في القوة‪:‬‬ ‫وتحمل التبعات‪ ،‬أو قوة ذكاء أو قوة نفسية تسمح‬ ‫سواء كانت قوة شخصية‬ ‫ُ‬ ‫له بمخالفة غيره‪.‬‬ ‫‪-7‬الاختلاف في مقدار العلم‪:‬‬ ‫وهذا يقع في اختلاف شخص عن آخر‪ ،‬فكلما زاد علمه أعاد النظر في أقواله‪.‬‬ ‫‪-8‬اختلاف الظروف والأحوال والبيئات والأوضاع‪:‬‬ ‫تفاوت فقه الحالة الإنسانية و ما يناسها من حكم الشريعة من أسباب‬ ‫الاختلاف‪.‬‬ ‫‪-9‬الطبيعة البشرية‪:‬‬ ‫اختلاف العلماء عن بعضهم البعض باختلاف بيئاتهم وطبيعة حياتهم‪.‬‬ ‫‪-10‬الهوى والتعصب‪:‬‬ ‫غالب العلماء وقع بينهم خلاف لسبب معتبر ولكن منهم من يقول في مسألة‬ ‫على سبيل التعصب والهوى‪.‬‬

‫ثانيا‪ :‬لا يسوغ لأحد حتى لو كان من المنسوبين إلى العلم أن يرجح في مسألة من‬ ‫المسائل بغير مرجح‬ ‫كأن يرجح قولاً على قول بمجرد وجود خلاف بين العلماء فإن عامة فروع المسائل‬ ‫فيها خلاف بين العلماء لكن ليس وجود الخلاف بين العلماء دليلا يحتج به في‬ ‫تسويغ الأخذ بقول من الأقوال‬

‫‪@R w fed k‬‬ ‫‪@R w fed k‬‬

‫‪22‬‬ ‫‪21‬‬


‫‪.‬‬ ‫وإنما الترجيح يأتي بأدلة و تسويغات صحيحة و قد يعتمد الترجيح على نص أو‬ ‫قاعدة أو أصل أو مصلحة‬ ‫وبعض الناس قد يأخذ من الأقوال بالتشهي أو بمجرد الرغبة النفسية فهذا لا يجوز‬ ‫لأن الفارق بين الشريعة و بين الهوى أن الشريعة وحي ملزم و ما سواها فهو‬ ‫الهوى‬ ‫َ‬ ‫م ِر‬ ‫م َج َع ْل َن َ‬ ‫ولذلك قال هللا لرسوله صلى هللا عليه وسلم ( ُث َّ‬ ‫َى شَ ِر َ‬ ‫م َن ا ْلأ ْ‬ ‫يع ٍة ِ َّ‬ ‫اك َعل ٰ‬ ‫ون ) الجاثية‪18‬‬ ‫َفا َّت ِب ْع َها َولَا َت َّت ِب ْع أَ ْ‬ ‫َم َ‬ ‫اء ا َّل ِذ َ‬ ‫ين لَا يَ ْعل ُ‬ ‫ه َو َ‬ ‫ثالثا‪ :‬الأقوال الشاذة المصادمة لنص من نصوص القران او السنة أو المصادمة‬ ‫لإجماع قطعي يجب هجرها و التحذير منها‬ ‫وتعني بالإجماع القطعي ‪ :‬الذي تواتر نقله من غير نكير أو عليه عمل المسلمين‬ ‫خلفاً عن سلف من غير اختلاف‬ ‫و منه أن ينقل الإجماع جماعة من أهل العلم و لايعرف له مخالف في مدونات‬ ‫وكتب العلم‬ ‫و هذه تختلف عن الإجماعات التي تنقل دون تحري الدقة فيها فإن من العلماء من‬ ‫يحكي الإجماع في المسائل التي لايعرف فيها مخالفاً وهذا ضعيف لأن عدم العلم‬ ‫بالمخالف ليس علما بالإجماع ولذا قال أحمد ‪ ((:‬من ادعى الإجماع فهو كاذب لعل‬ ‫الناس اختلفوا وهو لايعلم ))‬ ‫ومن ذلك مسألة نجاسة الخمر ففيها خلاف قوي و قد رجح بعض العلماء طهارتها‬ ‫لعدم دليل النجاسة والتي منها أنه الأصل و إراقتها في شوارع المدينة يوم حرمت‬ ‫دليل على عدم النجاسة‬

‫‪@R w fed k‬‬ ‫‪@R w fed k‬‬

‫‪23‬‬ ‫‪21‬‬


‫و نقل هذا عن ربيعة و داود الظاهري قالا ‪ :‬هي طاهرة و إن كانت محرمة كالسم‬ ‫الذي هو نبات محرم و ليس بنجس‬ ‫لكن ثمة إجماعات قاطعة لا ريب فيها في مسائل عملية أما المسائل التي اختلف‬ ‫فيها العلماء و شاع بينهم الاختلاف فيها فمثل هذه يعذر العلماء بعضهم بعضا‬ ‫فيها‬ ‫رابعا‪ :‬ترجيح الباحث قولا بدليله أمر صالح في حقه لكن لا يحسن أن يظن أن ما‬ ‫اختاره هو الذي عليه الكتاب والسنة و هو مذهب السلف‬

‫لأن الشافعي قد رجح بمقتضى الكتاب و السنة قولا آخر و مالك كذلك و أحمد‬ ‫اختار غيره و أبو حنيفة له رأي مختلف فملء الفم بادعاء الأتباع للكتاب و السنة و‬ ‫تنزيل ذلك على آحاد المسائل و فروعها هو من الفقه و الغفلة عن مداخل‬ ‫الشيطان على النفس ‪.‬‬ ‫فيجب التفريق بين بحث من شأنه أن يصل إلى قول ما و أن يرجحه و بين تحويل‬ ‫هذا إلى منهجية و مفاصلة ‪.‬‬ ‫بين العلماء والعامة‪:‬‬ ‫يحتاج العامة إلى العلماء في الهداية والإرشاد الشرعي ويحتاج العلماء غيرهم من‬ ‫المعارف والمصالح‬ ‫وهذه بعض الوقفات المهمة في الموضوع‬ ‫أولا‪ :‬عدم دخول من ليسوا من أهل العلم في مسائل الخلاف والترجيح بين‬ ‫الأقوال‬ ‫قال هللا سبحانه وتعالى (ولا تقف ما ليس لك به علم إن السمع والبصر والفؤاد‬ ‫كل أولئك كان عنه مسؤولا)‬

‫‪@R w fed k‬‬ ‫‪@R w fed k‬‬

‫‪24‬‬ ‫‪21‬‬


‫فينبغي للإنسان ألا يقفو ماليس له به علم وفي مسائل الشريعة يحتاج الأمر الى‬ ‫ممارسة وتدريب والمسلم يحتاج إلى معرفة المعارف والأحكام التي يحتاجها في‬ ‫حياته الخاصة أما الأحكام الشرعية العامة فهي تخص العلماء والمجامع العلمية‬ ‫إن القول في القضايا الكبرى هو من أعظم الأمانة ولا بد أن يتحقق في القائل مع‬ ‫تمام الديانة ‪ :‬العلم و الفقه و البصيرة فالعلم يدفع الجهل وقد قال سبحانه وتعالى‬ ‫عن الأمانة ( و حملها الإنسان إنه كان ظلوما جهولا ) الأحزاب‬ ‫فلا يكفي أن يكون المرء صادقاً حسن النية حتى يتحقق له مقام المعرفة الذي‬ ‫يحقق موافقة الشريعة‬ ‫وقد ورد أن عمر رضي هللا عنه قال ‪( (:‬وددت أن الناس لم يدخلوا كلهم في هذا‬ ‫))العلم)) فقال له ابن عباس‪ :‬لم يا أمير المؤمنين؟ قال‪ :‬أخشى ان يتحاققوا‬ ‫وصدق الخليفة الملهم رضي هللا عنه فإن غالب مجادلات الناس هو من اعتقاد كل‬ ‫منهم أنه أولى بالحق بسبب أثارة يسيرة من العلم اغتر بها وظن نفسه على شي‬ ‫وليس هو على شيء ولكن أكثرهم يجهلون‬ ‫ثانيا‪ :‬الإحتياط فيما يتعلق بسلوك الإنسان بشخصه أو معاملته‬ ‫فإن الإنسان يجد أقوالا كثيرة ما بين مبيح ومانع وكراهة واستحباب ويظل بمقدور‬ ‫الإنسان أن يأخذ بالأحوط‬ ‫فإذا وجد اختلافا قويا في مسألة وهو يستطيع أن يتركها فالورع أن يفعل ذلك‬ ‫احتياطا لدينه وفي الحديث (فمن اتقى الشبهات استبرأ لدينه وعرضه)‬ ‫بعض الناس لا يتصور الورع إلا في الترك ويغفل عن الورع في الفعل‬ ‫ويراعى في الورع أمور‬ ‫الأول‪ :‬الورع والاحتياط سلوك شخصي تفعله بنفسك فلا تلزم به أحد وربما تنصح‬ ‫لكن لا تلزم بذلك لإن في ذلك مشقة‬

‫‪@R w fed k‬‬ ‫‪@R w fed k‬‬

‫‪25‬‬ ‫‪24‬‬


‫الثاني‪ :‬من المسائل ما لا يمكن فيها الورع فيتردد القول فيها‬ ‫مثل قراءة الفاتحة في الصلاة الجهرية من الناس من يقول بأنها واجبة لحديث (لا‬ ‫صلاة لمن لم يقرأ بفاتحة الكتاب) ومنهم من يقول بأنها محرمة إذا لم يسكت‬ ‫الإمام لقوله تعالى (وإذا قرأ القران فاستمعوا له وأنصتوا لعلكم ترحمون) الأعراف‬ ‫‪٢٠٤‬‬

‫ففي مثل هذا لا بد من الاجتهاد إما بالنظر في الأدلة او باتباع من يوثق بدينه‬ ‫وعلمه للذي لا يستطيع النظر في الأدلة‬

‫الثالث‪ :‬الاحتياط فيما يتعلق بأقوال أهل العلم ليس دليلا شرعيا لأن كثيرا من‬ ‫المسائل فيها خلاف‬ ‫فإذا ظهر للإنسان رجحان قول فأنه يأخذ به من غير كراهية ولا نقول‪ :‬اترك هذا‬ ‫خروجا من خلاف العلماء‬ ‫ثالثا‪ :‬ينبغي حسن الظن بأهل العلم حتى ولو خالفهم الإنسان في مسائل أو أخذ‬ ‫بقول غير قول‬ ‫فلا يحمل قول العالم على أنه أراد مخالفة الدليل أو الخروج من الحجة الشرعية‬ ‫ولعل الدليل لم يبلغه أو ظهر له خلافه وإذا خالفت عالما فيجدر أن أقول‪ :‬قد يكون‬ ‫الصواب معه لأنه نظر في أمور لم أستطع الوصول إليها وما من عالم إلا وله‬ ‫مسائل انفرد بها بدءا من الصحابة رضي هللا عنه مروراً بالائمة الأربعة وانتهاء‬ ‫بعلماء العصر فلكل عالم اجتهاد انفرد به ولا يعني انفراده الخطأ بل قد يتغير الأمر‬ ‫مع الزمن‪.‬‬ ‫ولذا ينبغي ألا نثرب على الأئمة وأن نحسن الظن بهم خصوصا إذا كانوا من ذوي‬ ‫الأقدار والمكانة في العلم‬

‫‪@R w fed k‬‬ ‫‪@R w fed k‬‬

‫‪26‬‬ ‫‪25‬‬


‫رابعاً‪ :‬التقليد هو اتباع قول الغير بغير حجة‬ ‫حين تسمع شخصاً يقول لك‪ :‬هذا حلال‪ .‬هذا حرام‪ .‬هذا مكروه‪ .‬يجب أن تفعل في‬ ‫عبادتك كذا ثم تقلده وتعمل دون أن تفهم فهذا هو التقليد‬ ‫والتقليد ضرورة في بعض الأحيان لأن كثيراً من الناس ليس عندهم فقه ولا دراية‬ ‫بالعلوم الشرعية فلا يسعهم حينئذ إلا التقليد‬

‫ولذا نقل ابن قدامة الاتفاق على ان العامي مذهبة مذهب مفتيه‪ ،‬وعليه ان‬ ‫يحرص على ان يختار من يقلده‪ ،‬فيختار من يعتقد انه اعلم وأوثق في دينه‬ ‫وهناك أنواع من التقليد لا تتناهى وقد يقلد الإنسان مجتمعه ويخضع لضغط‬ ‫المألوف دون مقاومة أو يقلد رجلاً أو يقلد مذهبا أو يقلد نفسه ولذلك لما أفتى‬ ‫عمر رضي هللا عنه في مسألة من مسائل الفرائض بشيء ثم أفتى بعد حين بغيره‪،‬‬ ‫فقيل‪ :‬يا أمير المؤمنين‪ ،‬كنت قلت كذا وكذا؟ فقال كلمته المشهورة‪(:‬ذلك على ما‬ ‫قضينا‪ ،‬وهذا على ما نقضي)‬ ‫فتلك المسألة كانت على وفق الرؤية التي تيسرت لعمر رضي هللا عنه وفي ذلك‬ ‫الوقت‪ ،‬والان جد لديه رأي جديد فقال ما قال‬ ‫إن أنماط التقليد متأصلة ومتعمقة في النفس البشرية وكثير من الناس يسلمون‬ ‫من التقليد أو من التعصب لمذهب فقهي أو لإمام من الأئمة لكن يقعون أسرى‬ ‫لأنماط أخرى من التقليد‬ ‫والأمة تحتاج إلى وقت حتى يتكون لديها نضج فقهي وعلمي يمكنها من الوصول‬ ‫إلى تلك الدرجة أو المرتبة‬

‫‪@R w fed k‬‬ ‫‪@R w fed k‬‬

‫‪27‬‬ ‫‪25‬‬


‫روى مسلم أن عمر رضي هللا عنه لما خطب بالجابية قال‪ :‬إني لا أدع بعدي شيئا‬ ‫أهم عندي من الكلالة ما راجعت رسول هللا صلى هللا عليه وسلم في شيء ما‬ ‫راجعته في وما أغلظ لي في شيء ما أغلظ لي فيه حتى طعن بأصبعه في‬ ‫صدري وقال ‪( (:‬ياعمر ألا تكفيك آية الصيف التي في آخر سورة النساء؟ ثم قال‬ ‫عمر رضي هللا عنه وإني إن أعش أقض فيها بقضية يقضي بها من يقرأ القران ومن‬ ‫لا يقرأ القرآن)‬ ‫فأ شار عمر إلى مسألة التسهيل المعالجات في العلم الشرعي وتقريبه للناس‬ ‫وجعله عبارة عن أسس وقواعد ميسرة خصوصا في هذا العصر الذي تيسرت فيه‬ ‫وسائل الاتصال وأصبح من الممكن أن يرفع مستوى الأمة من حيث الثقافة العامة‬ ‫في الحياة التي يحتاجها آحاد الناس‪.‬‬

‫‪@R w fed k‬‬ ‫‪@R w fed k‬‬

‫‪28‬‬ ‫‪25‬‬


‫الفصل الرابع‬ ‫كيف نختلف‬ ‫(وجادلهم بالتي هي احسن)‬

‫‪@R w fed k‬‬ ‫‪@R w fed k‬‬


‫الحاجة لأدب الخلاف‪:‬‬ ‫نتحدث بهدوء عن أخلاقيات الاختلاف‪ ،‬ونحاول أن نضع نظريات جميلة من الناحية‬ ‫اللفظية‪ ،‬لكن القليل منا يستطيع ان يطبق هذه النظريات ويحولها إلى واقع في‬ ‫سلوكه العملي‪ ،‬وفي علاقاته مع الاخرين‪.‬‬ ‫فكما نلتمس من الاخرين أن يلتزموا بأخلاقيات الخلاف حينما يختلفون معنا‪ ،‬فيلزمنا‬ ‫نحن أيضا الالتزام بهذه الأخلاقيات حينما نختلف معهم!‬ ‫جميل أن يوضع تدريس أدب الخلاف في مناهج طلابنا في كافة المراحل الدراسية‪،‬‬ ‫ويتدربوا على ممارسته عمليا؛ ليتحول إلى عادة وعبادة في الوقت ذاته‪.‬‬ ‫فهو عبادة؛ لأنه طاعة هلل ورسوله‪ ،‬واتباع لسنن المرسلين عليهم الصلاة والسلام‪.‬‬ ‫وأما أن يتحول إلى عادة؛ فذلك حين يتربى المرء عليه‪ ،‬ويصبح سجية وطبعا لا‬ ‫يتكلفه‪.‬‬ ‫إن أدب الحوار مهم‪ ،‬يحتاج اليه الصغير والكبير‪ ،‬الحاكم والعالم‪ ،‬والآباء‪.‬‬ ‫فالحاكم يحتاجه ليحفظ حقوق رعيته حتى ممن يختلفون معه‪ ،‬كما فعل النبي صلى‬ ‫هللا عليه وسلم مع الناس كافة والمخالفين من اليهود والمنافقين خاصة‪ ،‬فقد حفظ‬ ‫حقوق الجميع بلا استثناء‪.‬‬ ‫والعالم يحتاجه ليحفظ حقوق الطلاب‪ ،‬ويحسن الظن بأسئلتهم وإشكالاتهم‬ ‫واعتراضاتهم‪ ،‬وليربيهم على المسؤولية المستقلة وعدم الذوبان في شخصية‬ ‫الشيخ؛ ليخرج لنا نبلاء نجباء لا مقلدين ضعفاء‪.‬‬ ‫وأدب الخلاف يحتاج اليه الأب أيضا؛ تحببا الى أولاده‪ ،‬وعذرا لهم فيما خالفوه فيه‪،‬‬ ‫فليس المطلوب أن يكون الأبناء صورة طبق الاصل عن الأبوين بل لهم بصمتهم‬ ‫الخاصة في أفكارهم وعقولهم‬

‫‪@R w fed k‬‬ ‫‪@R w fed k‬‬

‫‪29‬‬ ‫‪24‬‬


‫ولأجل أن نحقق المقصود من أدب الخلاف‪ ،‬فإننا بحاجة إلى وضع آليات لإدارة‬ ‫الخلاف الذي يقع بيننا‪.‬‬

‫مزالق الحوار‪:‬‬ ‫إن عصرنا الحاضر عصر عولمة وانفتاﺡ‪ ،‬انه عصر الفضاء والانترنت‪ ،‬وأسلوب المنع‬ ‫والحظر لم يعد يجدي‪ ،‬فالحل الوحيد هو التكيف والنزول الى الميدان ومقابلة الحجة‬ ‫بالحجة‪.‬‬ ‫ومجالس الناس اصبحت مليئة بالآراء المتناقضة مما يدركون وما لا يدركون‪ ،‬ولم‬ ‫يعد مجديا تسفيه الاخرين مهما كانت ضحالة وتفاهة افكارهم‪ ،‬بل لابد من فهمهم‬ ‫واستيعابهم بالإقناع حتى يتقبلوا منا‪.‬‬ ‫منتديات الحوار في الانترنت كشفت الخلل الكبير في آلية الحوار‪ ،‬وكرست الخلاف‬ ‫في أمور يترتب عليها آثار سلبية كبيرة‪ ،‬منها ما نشاهده في بعض الحوار الإلكتروني‬ ‫والإعلامي من انتهاكات عالية الخطورة لنظام الأخلاق‪ ،‬ومن ذلك‪:‬‬ ‫‪-1‬إن لم تكن معي فأنت ضدي‪:‬‬ ‫فبمجرد أن يكون بيني وبينك نوعا من الاختلاف او التفاوت _ حتى في مسائل‬ ‫صغيرة _ فإننا نتحول إلى اعداء‪ ،‬بدلا من أن نكون أصدقاء أوفياء‪.‬‬ ‫الحكمة أن تؤلف الناس على ما تراه‪ ،‬وأن تقيم الجسور الواصلة‪ ،‬بدلا من القطيعة‬ ‫أو تضخيم الأمور‪.‬‬ ‫‪-2‬الخلط بين الموضوع والشخص‪:‬‬ ‫فبدلا من التركيز على مناقشة الفكرة‪ ،‬يتم تجريح واتهام الشخص والطعن في نيته‬ ‫وربما فتح ملف ماضيه القديم‪ ،‬وهذا من قلة العقل والحجة‪.‬‬

‫‪@R w fed k‬‬ ‫‪@R w fed k‬‬

‫‪30‬‬


‫وبالتجربة تبين أن كثيرا من الناس يقبلون فكرة من يحبون‪ ،‬ويرفضون ما هو أحسن‬ ‫منها حين تنتسب إلى من يكرهون‪ ،‬على أن المحبة والكراهية هنا ليست مبنية‬ ‫على معرفة أو إطلاع‪ ،‬بل على تزكية من آخرين أو انطباع‬ ‫‪-3‬تدني لغة الحوار‪:‬‬ ‫إذ يتحول الحوار الى سب وشتم وأصوات مرتفعة بدلا من المجادلة بالتي هي‬ ‫أحسن‪ ،‬وكما يشير الأئمة _ ومنهم الغزالي وابن تيمية والشاطبي_ إلى أنه لو كانت‬ ‫الغلبة في المجادلة بالصياﺡ‪ ،‬لكان الجهلاء أولى بالغلبة فيها من العقلاء‪ ،‬و إنما يكون‬ ‫النجح بالحجة و الهدوء وفي المثل‪) :‬العربة الفارغة أكثر جلبة وضجيجا من العربة‬ ‫الملأ (‬ ‫‪-4‬القعقعة اللفظية‪:‬‬ ‫المبالغة في مدﺡ عمل من نتفق معهم‪ ،‬وذم من يختلفون معنا‪ ،‬فنوهم أنفسنا‬ ‫والآخرين بأنهم على الطريق الصحيح وهم عكس ذلك‪ .‬فقد تسمع من يقول لك‪:‬‬ ‫فلان كتب مقالا قويا‪ .‬فتتوقع ان المقال مؤصلا وعميقا وأن الكاتب قد أبدع فيه أو‬ ‫حل مشكلة عويصة‪ ،‬فإذا بك تجده مقالا مشحونا بعبارات رنانة فيها إطاحة بالآخرين‬ ‫الذين لا يتفقون م عه‪ .‬وقس على ذلك القوة الوهمية في كتاباتنا أو خطبنا أو برامجنا‬ ‫الإعلامية‪.‬‬ ‫‪-5‬الجدل العقيم‪:‬‬ ‫وهو الدوران حول الرأي دون الاستماع للآخر‪ ،‬كما حدثتني إحدى الفتيات أنها ظلت‬ ‫لسنوات وكأنها حبيسة في غرفة زجاجية ترى الناس ويرونها‪ ،‬لكن لا تسمعهم ولا‬ ‫يسمعونها؛ لأن لديها أراء مسلمة لديها‪ ،‬مهمتها إقناع الآخرين بها‪ ،‬دون استماع لما‬ ‫لديهم‪.‬‬

‫‪@R w fed k‬‬ ‫‪@R w fed k‬‬

‫‪31‬‬


‫‪-6‬الأحادية‪:‬‬ ‫وأعني بها ما حكاه هللا تعالى عن فرعون‪( :‬ما أريكم إلا ما أرى وما أهديكم إلا سبيل‬ ‫الرشاد) [غافر‪ .]٢٩:‬بحيث يدور الشخص حول رأيه ووجهة نظره التي ليست شرعا‬ ‫منزلا من عند هللا ولا حديثا ولا اجماعا‪ ،‬وإنما هو رأي قصاراه أن يكون صوابا ويصبح‬ ‫مدار الامر عليه‪ ،‬وربما عاملوه كدين يتواصون بالثبات عليه‪ ،‬ويستعيذون باهلل من‬ ‫تغييره‪.‬‬ ‫‪- 7‬القطيعة‪:‬‬ ‫وأعني بها‪ :‬قولي صواب لا يحتمل الخطأ‪ ،‬وقول غيري خطأ لا يحتمل الصواب‪.‬‬ ‫ويا ليت القطيعة تعني الوقوف عند محكمات الشريعة المنزلة‪ ،‬أو ثوابت الإجماع‬ ‫القطعي‪ ،‬إذا لكانت خير وبرا‪.‬‬ ‫‪- 8‬التسطيح والتبسيط‪:‬‬ ‫فالأشياء التي يصعب علينا فهمها‪ ،‬أو التي تحتاج إلى تأمل أو تدبر أو بحث‪ ،‬هي‬ ‫أشياء خاطئة ومخالفة للحق والسنة‪ ،‬والذين يتحدثون فيها هم فلاسفة‪ ،‬أو يتظاهرون‬ ‫بالعلم والمعرفة وكأننا أصبحنا بإمكاناتنا العقلية المتواضعة حكما على الناس‪،‬‬ ‫ونسينا قول عمرو بن معد يكرب‪ :‬إذا لم تستطع شيئا فدعه وجاوزه إلى ما تستطيع‬ ‫‪-9‬الإطاحة‪:‬‬ ‫بتشويه سمعة من لا يوافقنا‪ .‬فصار لكل شهير أو عالم أو داعية أو قائد خصوم‪،‬‬ ‫همهم نشر الشائعات وطرﺡ الاتهامات والتشكيك في المصداقية وتحريف الكلم عن‬ ‫مواضعه‪.‬‬

‫‪@R w fed k‬‬ ‫‪@R w fed k‬‬

‫‪32‬‬ ‫‪31‬‬


‫وهذا ما نجده في بعض القنوات الفضائية والإلكترونية من حوارات يغلب فيها‬ ‫الصخب والفجور في الخصومة‪:‬‬ ‫‪ ‬فلان ليس له عند هللا من خلاق‪ .‬فانظر الجرأة على هللا وعلى عباده الصالحين‪،‬‬ ‫فحكم عليه بأنه لا قدر له عند هللا ولا عند الموحدين من عباده!‬ ‫‪ ‬وقولهم‪ :‬فلان مات فإلى جهنم وبئس المصير‪.‬‬ ‫قد تقال في حق إمام‪ ،‬او شيخ فاضل وغيرهم‪ ،‬ولكن الذين لا يفقهون يتجرؤون‬ ‫ويطلقون ألسنتهم ولا يتورعون‪.‬‬ ‫هذا الكلام المندفع المتجرئ يقال بسبب الخلاف في مسائل اجتهادية أو خلافية فيها‬ ‫أخذ ورد‪ ،‬وتعارض ظاهر الأدلة‪.‬‬ ‫وحتى لو كان ما تقوله صوابا قطعا‪ ،‬وما يقوله الآخر خطأ قطعا‪ ،‬فإن من الحكمة أن‬ ‫تبدأ الدعوة والحوار بدائرة المتفق عليه‪ ،‬كما علمنا هللا عز وجل فقال‪( :‬قل من يرزقكم‬ ‫من السماوات والارض قل هللا وإنا أو إياكم لعلى هدى أو في ضلال مبين * قل لا‬ ‫تسئلون عما أجرمنا ولا نسئل عما تعملون) [سبأ‪.]25-24 :‬‬ ‫فانظر كيف جاء تعبير – الإجرام – في قوله‪( :‬لا تسئلون عما أجرمنا) في حق الرسل‬ ‫والمؤمنين‪ ،‬وجاء تعبير – العمل – في حق الكفار الذين هم المجرمون في الحقيقة‪،‬‬ ‫فقال‪( :‬ولا نسئل عما تعملون)‪ .‬وهذا من باب التنزل للخصم‪.‬‬ ‫إن سكينة الإنسان‪ ،‬واستقرار نفسه‪ ،‬وهدوء لغته‪ ،‬وحسن عبارته‪ ،‬وقوة حجته‪ ،‬هو‬ ‫الكفيل بأن تنصاع له القلوب‪ ،‬وأن يصل الحق الذي يحمله إلى أفئدة الآخرين‪ ،‬وأن‬ ‫يغلب حقه باطلهم‪.‬‬ ‫ومن المؤسف أن تصبح هذه الأمة محل سخرية العالم! خاصة ونحن في عصر‬ ‫التكنولوجيا والاتصال‪ ،‬حيث أصبح العالم جهازا بحجم الكف‪ ،‬يسمع فيه القاصي كلام‬ ‫الداني‪.‬‬

‫‪@R w fed k‬‬ ‫‪@R w fed k‬‬

‫‪33‬‬


‫نشرت في يوم من الأيام مقالا بعنوان‪ " :‬بيني وبين ابن جبرين “‪ ،‬وكان يتعلق بقضايا‬ ‫مما يثار فيها الخلاف بين بعض طلبة العلم‪.‬‬ ‫فإذا بي أستقبل ردود فعل من أمريكيين وأمريكيات ليسوا عربا ولا مسلمين‪ ،‬و إذا‬ ‫بهم يقرؤون السطور وما وراء السطور‪ ،‬ويعلقون تعليقات تدل على دقة متابعتهم‬ ‫وشدة اهتمامهم ومعرفتهم بتفصيلات الخلاف والتصنيف داخل الصفوف الإسلامية‬ ‫والعلمية!‬ ‫إن الاختلاف سنة ربانية لا مخلص منها‪ ،‬فالناس يختلفون في ألوانهم‪ ،‬وأشكالهم‬ ‫وقبائلهم‪ ،‬وميولهم وعقولهم‪ ،‬وفي كل شي‪ .‬إن المرء اليوم على حال وغدا على حال‬ ‫أخرى‪ ،‬وهو يمر ابتداء بالطفولة وانتهاء بالهرم‪ ،‬ويتعرض للغنى والفقر‪ ،‬والصحة‬ ‫والمرض‪ ،‬ونقص الفهم وتغير المزاج وبعض آثار الحالة الخاصة والنفسية والعائلية‪،‬‬ ‫فهذا من الطبع البشري‪ ،‬لكن الحكيم العاقل لا يزال يبحث عن الأفضل ولا يقع أسيرا‬ ‫لمألوف أو محاكاة الآخرين‪ .‬وقد كان النبي صلى هللا عليه وسلم يقول‪ " :‬إني وهللا‬ ‫إن شاء هللا لا أحلف على يمين‪ ،‬فأرى غيرها خيرا منها‪ ،‬إلا كفرت عن يميني وأتيت‬ ‫الذي هو خير "‬ ‫فهو يرى أن هذا الأمر خير حتى يقسم عليه‪ ،‬ثم يبدو له خلافه‪ ،‬فيكفر عن يمينه ويأتي‬ ‫الذي ظهر له أنه خير‪.‬‬ ‫ومن حكمة هللا البالغة أنه منح الناس حق الاختيار‪ ،‬وحملهم مسؤولية اختيارهم في‬ ‫أحكام الدنيا والآخرة‪ ،‬ولو شاء لجعل البشر ملائكة مطيعين (لا يعصون هللا ما أمرهم‬ ‫ويفعلون ما يؤمرون) [التحريم‪ .]6 :‬ولكنه أراد أن يخلق خلقا فيبتليهم‪ ،‬كما قال تعالى‪:‬‬ ‫(ولكن ليبلوا بعضكم ببعض) [محمد‪ .]4 :‬وهذا ليس ابتلاء في ميدان القتال والحرب‬ ‫فحسب‪ ،‬بل في ميدان الحياة كلها‪ ،‬ولهذا شرع هللا لنا الإحسان في كل شي حتى‬ ‫في القتل والذبح‪.‬‬

‫‪@R w fed k‬‬ ‫‪@R w fed k‬‬

‫‪34‬‬ ‫‪33‬‬


‫وللإحسان وجوه كثيرة‪ :‬الإحسان بين الزوجين والجيران والناس جميعا المسلم منها‬ ‫والكافر‪ ،‬بل يتعدى ذلك كله حتى يصل إلى الإحسان للبهائم‪ ،‬قال النبي صلى هللا‬ ‫عليه وسلم‪ ...( :‬فإذا قتلتم فأحسنوا القتلة‪ ،‬وإذا ذبحتم فأحسنوا الذبح)‬ ‫لقد خلق هللا آدم عليه السلام من أجل عمارة الأرض والسعي والضرب فيها؛ فقالت‬ ‫الملائكة لربها سبحانه وتعالى (أتجعل فيها من يفسد فيها ويسفك الدماء ونحن‬ ‫نسبح بحمدك ونقدس لك) [البقرة‪ .]٣٠ :‬فقد علموا أن الإفساد في الأرض وسفك‬ ‫الدماء مما يكرهه هللا عز وجل‪ ،‬ولم يخلق هللا البشر وينزل الكتب من أجله‪.‬‬ ‫وجاءت الشرائع بحفظ الضرورات الخمس‪ ،‬وحفظت حقوق الناس بما في ذلك‬ ‫حقوقهم في الاختلاف‪ ،‬حتى جعل هللا الإنسان مخلوقا مختارا‪ ،‬ويسره لما خلقه له‬ ‫من خير أو شر‪ ،‬هدى أو ضلال‪ ،‬وفي الحديث‪( :‬اعملوا‪ ،‬فكل ميسر لما خلق له)‪.‬‬ ‫وجعل الاختلاف مقبولا ومأجورا إذا كان ضمن الحدود المرسومة‪ ،‬وتحلى صاحبه‬ ‫بالنية الحسنة‪ ،‬وتجرد قدر وسعه من الهوى‪.‬‬ ‫وهذا الخلاف في أصله رحمة وسعة‪ ،‬لكن قد يتحول إلى فرقة وتنازع بين المسلمين‬ ‫إذا داخل هذا الخلاف هوى النفس أو تم التعامل معه بطريقة غير شرعية‪ .‬قال عمر‬ ‫بن عبد العزيز رحمه هللا‪( :‬ما أحب أن أصحاب رسول هللا صلى هللا عليه وسلم لم‬ ‫يختلفوا‪ ،‬لأنه لو كان قولا واحدا كان الناس في ضيق‪ ،‬وإنهم أئمة يقتدى بهم‪ ،‬ولو‬ ‫أخذ رجل بقول أحدهم كان في سعة)‪.‬‬ ‫إن الناس لما احتاجوا إلى الحساب في معاملاتهم وبيعهم وشرائهم‪ ،‬كان للحساب‬ ‫أصول وضوابط وقواعد‪ ،‬وهكذا لما كان الخلاف بينهم قطعيا جاءت قواعد وآليات‬ ‫شرعية يسير عليها المختلفون لئلا يكشف التنازع عن سوءات أخلاقية أو عدوانية‬ ‫شريرة تتذرع بالحق ونصره‪ ،‬أو بالدين وحمايته‪ ،‬وتدمر صاحبها قبل الآخرين‪.‬‬

‫‪@R w fed k‬‬ ‫‪@R w fed k‬‬

‫‪35‬‬ ‫‪33‬‬


‫من اخلاقيات الخلاف‪:‬‬ ‫ومن الآليات الشرعية المرعية التي كان عليها العمل عند عامة المؤمنين عبر حقب‬ ‫التاريخ ما يلي‪:‬‬ ‫‪-1‬عدم التثريب بين المختلفين‪:‬‬ ‫فأنت لست متأكدا بأنك أصدق إيمانا‪ ،‬ولا أوسع علما‪ ،‬ولا أرجح عقلا ممن تختلف‬ ‫معه‪ .‬فهذا النبي صلى هللا عليه وسلم يوصي رجلا من أصحابه اختاره لقيادة الجيش‪،‬‬ ‫وهو صلى هللا عليه وسلم حاضر بين أظهرهم‪ ،‬ويقول له)‪ :‬لا تنزل الناس على حكم‬ ‫هللا وحكم رسوله لأنك لا تدري أتصيب فيهم حكم هللا وحكم رسوله أم لا)‪.‬‬ ‫ويقول ابن تيمية‪( :‬ولكن كثيرا من الناس ينسبون ما يقولونه إلى الشرع‪ ،‬وليس من‬ ‫الشرع‪ ،‬بل يقولون ذلك إما جهلا‪ ،‬وإما غلطا‪ ،‬وإما عمدا وافتراء)‪.‬‬ ‫ليس ما نفهمه نحن من الشريعة‪ ،‬هو بالضرورة ما أراده هللا ورسوله صلى هللا عليه‬ ‫وسلم‪ ،‬وقد أنكر النبي صلى هللا عليه وسلم على الصحابة حين زجروا الأعرابي الذي‬ ‫بال في المسجد‪ ،‬مع أنهم اعتمدوا في الظاهر على نصوص وأحكام شرعية ثابتة‪،‬‬ ‫لكن الشأن في تنزيلها على المحل‪ ،‬وتحقيق المناط فيها‪ ،‬وهو من الفقه الدقيق الذي‬ ‫لا يحيط به إلا الفقهاء المتمرسون الربانيون‪.‬‬ ‫‪-2‬الإنصاف‪:‬‬ ‫كما قال عمار بن ياسر رضي هللا عنه‪( :‬ثلاث من جمعهن فقد جمع الإيمان‪ :‬الإنصاف‬ ‫من نفسك‪ ،‬وبذل السلام للعالم‪ ،‬والإنفاق من الإقتار)‪.‬‬ ‫والإنصاف خلق عزيز يقتضي أن تنزل الآخرين منزلة نفسك في الموقف‪ ،‬والإنصاف‬ ‫ضرورة وله معايير وتطبيقات عملية‪ ،‬منها‪:‬‬

‫‪@R w fed k‬‬ ‫‪@R w fed k‬‬

‫‪36‬‬ ‫‪35‬‬


‫أ‪-‬أن ما ثبت بيقين لا يزول إلا بيقين‪:‬‬ ‫فمن ثبت له أصل الإسلام‪ ،‬فلا يخرج من الإسلام ولا يحكم بكفره إلا بيقين‪ ،‬وهكذا‬ ‫من ثبت له حق من الحقوق‪ ،‬فلا ينتزع منه إلا بيقين‪.‬‬ ‫ب‪-‬أن الخطأ في الحكم بالإيمان أهون من الخطأ في الحكم بالكفر‪:‬‬ ‫فلو أنك حكمت لشخص بالإسلام بناء على ظاهر الحال‪ ،‬وهو من المنافقين‪ ،‬فإن‬ ‫هذا خير من التسرع والحكم عليه بالكفر وهو ليس كذلك‪ ،‬فتقع في الوعيد الذي جاء‬ ‫عن النبي صلى هللا عليه وسلم بقوله‪( :‬من دعا رجلا بالكفر‪ ،‬أو قال‪ :‬عدو هللا‪ .‬وليس‬ ‫كذلك إلا حار عليه)‪ .‬أي‪ :‬رجع عليه‪.‬‬ ‫ج‪-‬أنه لا تأثيم ولا هجران في مسائل الاجتهاد‪:‬‬ ‫وقد ذكر ابن تيمية أن هذا مذهب أهل السنة‪ ،‬فإنهم لا يرون تأثيما لمن اجتهد في‬ ‫المسائل كلها‪ ،‬من غير تفريق بين الاصول والفروع‪ ،‬وتفرغ في معرفة مراد هللا عز‬ ‫وجل‪ ،‬فهذا بين أجر وأجرين‪ ،‬فلا تأثيم في مسائل الاجتهاد‪ ،‬ولا تهاجر بين المؤمنين‪.‬‬ ‫د‪-‬التحفظ عن تكفير فرد بعينه أو لعنه‪:‬‬ ‫كان الإمام أحمد يكفر مقالة الجهمية‪ ،‬ومع ذلك لم يكفر أحد منهم بعينه‪ ،‬لا المأمون‬ ‫ولا سواه‪ ،‬بل كان يدعو له‪ ،‬ويستغفر له ويجعله في حل مما صنع به‪ .‬ولقد اتفق‬ ‫أهل السنة على أنه لا يجوز تكفير أحد بمجرد الخطأ‪.‬‬ ‫والانتصاب للتنقيب عن زلات الأئمة ليس محمودا ولا مشكورا‪ ،‬لا سيما في فضول‬ ‫المسائل التي لا يضر فيها الخطأ‪ ،‬ولا ينفع فيها كشف خطئهم وبيانه‪).‬‬ ‫ومن العجيب أن من الناس من يتورع عن أكل الحرام أو شرب الخمر أو مشاهدة‬ ‫الصور الخليعة‪ ،‬ولكن يصعب عليه كف لسانه عن الاستطالة في الأعراض‪ ،‬فتجده‬ ‫يفري في أعراض الأحياء والأموات ولا يبالي بما يقول‪.‬‬

‫‪@R w fed k‬‬ ‫‪@R w fed k‬‬

‫‪37‬‬ ‫‪33‬‬


‫ان من الإنصاف أن تقبل ما لدى خصمك من الحق والصواب‪ ،‬حتى لو كان فاسقا‪،‬‬ ‫أو مبتدعا‪ ،‬أو كافرا‪.‬‬ ‫وقد استنكر ابن تيمية على بعض المنتسبين للسنة فرارهم من موافقة الفلاسفة‬ ‫على بعض الحق الذي يقولونه‪ ،‬فقال‪( :‬لا يجوز لنا إذا قال يهودي أو نصراني ‪-‬فضلا‬ ‫عن الرافضي – قولا فيه حق أن نتركه أو نرده كله‪ ،‬بل لا نرد إلا ما فيه من الباطل‪،‬‬ ‫دون ما فيه من الحق)‪.‬‬ ‫وهكذا تلوﺡ لك في هذه النصوص أمارات الإنصاف والعدل‪ ،‬حتى مع الخصوم‬ ‫المباعدين‪ ،‬فضلا عن الإخوة المتحابين‪.‬‬ ‫‪-1‬التحلي بالصبر والرفق والمداراة‪ ،‬واحتمال الأذى ومقابلة السيئة بالحسنة‪ .‬كما أمر‬ ‫هللا تعالى في كتابه (ولا تستوي الحسنة ولا السيئة ادفع بالتي هي أحسن فإذا الذي‬ ‫بينك وبينه عداوة كأنه ولي حميم)‪ .‬وبهذا استمال النبي صلى هللا عليه وسلم قلوب‬ ‫أعدائه وعالج فسوتها ونفارها‪ ،‬حتى لانت وانقادت وقبلت الحق‪.‬‬ ‫فمن أسباب زوال العداوة وتقارب القلوب‪ ،‬الكلمة الطيبة والابتسامة الصادقة‪،‬‬ ‫والإحسان إلى الآخرين بالقول والفعل‪ ،‬وعدم تكرار العتاب والمحاسبة وعدم جعل‬ ‫التواصل مع الآخرين هو الاختلاف والنقد‪ ،‬فلو أن والدا كان كثير اللوم والاستدراك‬ ‫على أولاده‪ ،‬لأفسد شخصياتهم ودمر ثقتهم‪ ،‬وحملهم على الاعتزال والخمول‪.‬‬ ‫وإن مما يؤلف القلوب ويزيل العداوة‪ :‬عدم الانتقام والتشفي والانتصار للنفس‪.‬‬

‫‪@R w fed k‬‬ ‫‪@R w fed k‬‬

‫‪38‬‬ ‫‪37‬‬


‫أ‪ -‬عدم التعصب‬

‫المتعصب لايستطيع أن يميز الحق من الباطل وقد يتحول المتعصب بالحراة‬ ‫نفسها والقوه نفسها من محب إلى مبغض قال‪ :‬علي بن أبي طالب ((أحبب‬ ‫حبيبك هوناً ما؛ عسى أن يكون بغيضك هوناً ما والعكس))‬ ‫‪ )1‬وجاء عن محمد ال ُّذهلي أنه أخذه الحزن على الإمام أحمد لما مات في بغداد‬ ‫دو ِرهم ))فقال‬ ‫؛فقال‪(( :‬ينبغي لكل أهل دار ببغداد أن يقيموا عليه النياحة في َّ‬

‫الذهبي ‪ ((:‬تكلم الذهلي بمقتضى الحزن لا بمقتضى الشرع ))وإلا فالنياحة منهي‬ ‫َّ‬ ‫عنها في الشريعة ‪.‬‬

‫‪ )2‬وكان البعض ف ي خرسان يظنون أن الإمام أحمد من الملائكة ‪ ،‬وليس من البشر‪.‬‬ ‫‪ )3‬كان الإمام أحمد رجلا ً متواضعاً ‪ ،‬وهذه المقالات تخرج لسبب أو لآخر‪ ،‬وهي‬ ‫بكل حال أقوال مرذوله ينبغي طرحها وإنكارها‪.‬‬ ‫‪ )4‬وقد وجد عبارة تقول ‪ (( :‬ابن باز هو والجاعه‪ ،‬وإن شئت فالألباني ))واابن باز‬ ‫والأ لباني من أئمة المسلمين ولكن من الخطأ أن نختصر الأمة في رجل ‪ ،‬اعتبار أن‬ ‫شخصاً ماهو الجماعة وأنه يتعيَّن على الناس اتباعه والأخذ دون سواه‪ ،‬هو أمر‬ ‫مردود ‪ ،‬فلا طاعة إلا هلل ولرسوله "صل هللا عليه وسلم"والحق لاينحصر في‬

‫شخص أوإمام‪.‬‬ ‫يدرس الحديث ‪ (( :‬ماله وللحديث ‪ ،‬هو بالتواراة‬ ‫‪ )5‬قال أبو ُنعيم عن رجل بلغة أنه َّ‬ ‫أعلم )) وربما يدرس المسلم التوراة ليعلم حقها من باطلها ومنسخوها وصحيحها‬ ‫حرفها ‪.‬‬ ‫ُ‬ ‫وم َ‬

‫‪@R w fed k‬‬ ‫‪@R w fed k‬‬

‫‪39‬‬ ‫‪37‬‬


‫ب‪-‬الحوار‪:‬‬ ‫لغة يجب تفعيلها على أكثر من مستوى‬ ‫‪ .1‬الحوار مع الشعوب‬ ‫‪ .2‬الحوار بين الجماعات والأحزاب‬ ‫والحوار لا يكون إلا بين مختلفين‪ ،‬والحواري ُمكَّن ترويض المتوحشين والمشاكسين‬ ‫ودمجهم في مجتمع هادئ آمن‪ ،‬المناظرة الهادئة العلمية من أساليب الوصول‬ ‫إلى الحق‪ ،‬أما المناظرات التي تعقد في القنوات الفضائيه سواء دارت حول أي‬ ‫النِفس‪ ،‬وهذا يربي الجمهور على الاستماع‬ ‫قضية فامنها يتصف بالهدوء وطول َّ‬ ‫وتقبل رأي الآخر‪.‬‬ ‫ج _ الشورى‪:‬‬ ‫من الضرورات التي لامناص منها اليوم ترسيخ مبدأ الشورى في الأسرة والمدرسة‬ ‫ومشاركة الناس في رسم مصيرهم ومستقبلهم وعلى الأخص فيما يتعلق بفئة‬ ‫الشباب؛ لضرورة احتوائهم والقرب منهم والاستماع إلا مشكلاتهم‪.‬‬

‫د_الاستماع‪:‬‬ ‫و هو أدب له أساليبه كا؛ الانصات والنظر إلى المتحدث ومن أهم الجزئيات أثناء‬ ‫الحديث‬ ‫أن يكون مستوى المتحادثين واحد فلا يكون أحدهم في‬ ‫‪-‬موقع أعلى من الآخر‬

‫‪@R w fed k‬‬ ‫‪@R w fed k‬‬

‫‪ -‬مخاطبة المتحدث بأسمه‪.‬‬

‫‪40‬‬ ‫‪37‬‬


‫ه _تفعيل دائرة المتفق عليه‪ :‬مسألة دائرة المتفق عليه تخضع للمصلحه والاجتهاد‬ ‫والنظر وتغير الاحوال وقد أشار ابن تيمية في غير موضع –أن توبة ال ُف َّجار‪ ،‬حتى لو‬ ‫كانت بسبب حديث ضعيف؛ خير من بقائهما على ما كانوا عليه من الفجور‪ ،‬وأن‬ ‫الصلاة خلف المبتدع خير من ترك الجماعة‪ ،‬وإدراك أن المتفق عليه مساحة واسعه‬ ‫في معاني الشريعة ودائرة اوسع في مصالح الحياة وأن هللا تعالى شرع لنا‬ ‫ي ٍ من كان‪.‬‬ ‫التعاون على البر والتقوى مع أ َّ‬

‫‪ _5‬تشجيع الاجتهاد‪ ،‬وتوفير المناخ الملائم لخصوبة العقول ونموها وإبداعها‪:‬‬ ‫جو الحرية الشرعية هو المكان الذي تزدهر فيه الأفكار الصحيحة وعلى المرء أن‬ ‫يحسب الف حساب قبل أن يقول مايراه‘ لأنه سيواجه ُتهماً وأذى ومصادرة ‪-‬فإن‬ ‫الإبداع يموت‘ ونحن نتحدث عن الإبداع لاعن الابتداع ‘الابداع يكون في أمر الدنيا‬ ‫في المسكوت عنه وفي المختلف فيه‘ والابتداع يكون في أمر الدين المحض‬ ‫المنصوص‪.‬‬ ‫‪_6‬تشجيع النقد الب َّناء والمراجعة الهادئة الهادفة للأوضاع والأفكار‪ :‬سواء كانت‬ ‫سياسية أو اجتماعيه تتعلق بالموروث أو دعوية تتع َّلق بمقررات الدعاة ‪،‬أو علمية‬ ‫تتع َّلق بالمعرفة الشرعية وتقالديها إن الكثير يظنون أن التس َّلط والدكتاتوريه هي‬ ‫التي توحد الناس وتحفظهم من ((من الفتنة)) سواء كانت سياسية بمصادرة آراء‬ ‫الناس أو علمية بفرض رأي ‘لأن الظروف تتغيَّر ‘ من حيث يريد الناس أو لايريدون ‘‬ ‫فتحدث هزات سياسية وثقافية ؛ لأن الأجيال لم تستعد لاستيعاب تلك المتغيرات‬ ‫‘اعتياد الناس على التسليم والاتكالية يقتل فيهم روﺡ الفريق والجماعة ‘فإذا‬ ‫انكشفوا تحولوا إلى حالة من الاضطراب لم يتهيئوا‬ ‫لها ‘ و العاقل لا يغتر بحال ‘ ويدري أن دوام الحال من المحال ‪.‬‬

‫‪@R w fed k‬‬ ‫‪@R w fed k‬‬

‫‪41‬‬


‫‪_7‬الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر‪:‬‬ ‫وهو من سمات المؤمنين فينبغي أن يكون الأمر والنهي ُمداراً بين الجميع‬

‫بالحكمة و العلم ؛ احتساباً لوجه هللا ‘ وثمة نقاط يحسن التفطن لها منها ‪:‬‬ ‫لاينكر مق َِّلد على مق َِّلد‪ :‬إذا قلد الإنسان غيره من عا ِلم او‬ ‫أ‪ُ -‬‬ ‫مذهب لايحق له أن ينكر على مقلد أخر‬

‫ب‪ -‬مراعاة المصالح في إنكار المنكر‪:‬مدار الإنكار على تحقيق المصلحه ودرء‬ ‫المفسدة باتفاق أهل العلم‪.‬‬ ‫ج‪ -‬مراعاة القدرة والاستطاعة‪ :‬تعني الاطمئنان إلى أن الإنكار يحقق المصلحة‬ ‫ل هللا عليه وسلم "‬ ‫ويدفع المفسدة ولقد ترك النبي "ص َّ‬ ‫قتل المنافقين مع قدرته عليه ‘ وغير ذلك من الأحوال التي ظ َّلت قائمة مراعاة‬ ‫لمصالح أعظم‪.‬‬ ‫‪ _8‬الوضوﺡ والمكاشفة ‘وعدم التعتيم أو التقليل من شأن الخلاف‪:‬‬ ‫إن من الوضوﺡ و المكاشفة أن نتصارﺡ في الخلافات التي توجد بيننا ‪ ،‬على أن‬ ‫تكون هذه المصارحة سبيلاً إلى تجاوزها‪ ،‬والقضاء على الجوانب السلبية فيها‪.‬‬ ‫‪ _9‬الفهم الصحيح وتجاوز مشكلات الاتصال‪:‬‬ ‫إن كثيراً من الخلافات ربما تكون بسبب إشاعة ُمغرضة ‘أو قول لم يثبت منه‬

‫وغر صدور المؤمنين بعضهم على بعض دون أن يكون مبنيَّاً علي‬ ‫صاحبه مما ُي ِ‬

‫فهم صحيح للآخر ‘ان المختلفين أحوج ما يكونون إلى أن يفهم بعضهم بعضاً‬ ‫بشكل صحيح بعيداً عن ردود الافعال‪.‬‬

‫‪@R w fed k‬‬ ‫‪@R w fed k‬‬

‫‪42‬‬ ‫‪37‬‬


‫المتخصصه‪ :‬فثمة كتب كثيرة‬ ‫‪ -10‬الاستفادة من علم الإدارة في الخلاف ودراسته‬ ‫ِ َّ‬

‫في إدارة الخلاف بين الأفراد والجماعات والشركات وغيرها ‪ ،‬ويمكن الاستفادة منها‬

‫‪ ،‬وفيها تجارب بشرية عملية قائمة ‪،‬استطاعت تحويل الخلاف بذكاءإلى فرصة‬ ‫للرقي بالعمل أو مناسبة الأخرين أو تبادل الادوار ‪،‬مماهو منجز بشري‬ ‫إيجابية ُّ‬ ‫ضخم يحسن أن يستفيد منه المسلمون في ميدان السياسة ‪،‬أو الدعوة ‪ ،‬وثمة‬ ‫كتاب جميل ومفيد وجامع اسمه‪( :‬فقه الائتلاف وقواعد التعامل مع المخالفين‬ ‫بالإنصاف )‬ ‫إعداد‪:‬محمود محمد الخنزندا ( جمع عدداً طيباً من الأخلاق والآداب التي ينبغي‬ ‫مراعاتها بين المختلفين)‪.‬‬

‫حديث الافتراق‪:‬‬ ‫إن بني إسرائيل‬ ‫في الحديث المشهور عن النبي ص َّ‬ ‫ل هللا عليه وسلم أنه قال ‪َّ (( :‬‬ ‫ت َّفرقت على ثنين وسبعين ِملة‘ وتفترق أمتي على ثلاث وسبعين ملة‪ ،‬ك ُّلهم في‬ ‫النار إلا ملة واحدة)) قالوا ومن هي يارسول هللا؟ قال‪(( :‬ماأنا عليه وأصحابي))‬

‫*هذا الحديث لم يخرجه صاحبا (( الصحيح))‪(( :‬البخاري والمسلم)) وهذا لايعني‬ ‫عدم صحته‪.‬‬ ‫* والحديث رواه أحمد ‪ ،‬وأهل السنن‪.‬‬ ‫وكثرة طرق الحديث وتع ُّددها تدل على أن له أصلاً لكنه ليس من أحاديث الأصول‬ ‫التي عليها مدار الإسلام والسنة‪.‬‬

‫‪@R w fed k‬‬ ‫‪@R w fed k‬‬

‫‪43‬‬ ‫‪37‬‬


‫وليس هذا الحديث الوحيد الوارد في الباب ‪ ،‬وينبغي أن يوضع في إطاره ومع‬ ‫غيره من أحاديث المسألة ‪ ،‬ومنها‪:‬‬ ‫طائفة من أمتي ظاهرين على‬ ‫ل هللا عليه وسلم" قوله‪(( :‬‬ ‫ٌ‬ ‫أولاً‪ :‬صح عن النبي "ص َّ‬ ‫أمر هللا وهم كذلك)) وفيه إشاره إلى بقاء‬ ‫الحق‬ ‫ُ‬ ‫لايضرهم من خذلهم ‪ ،‬حتى يأتي ُ‬ ‫الحق ظاهراً غالباً في الأمة ‪ ،‬وإلى تجديد الدين فيها‪.‬‬ ‫ثانياً‪ :‬هذه الأمة هي أفضل الأمم عند هللا تبارك وتعالى‪.‬‬ ‫ثالثاً‪ :‬ماجاء في "الصحيحين" عن ابن مسعود رضي هللا عنه قال‪ :‬كنا مع "النبي‬ ‫ل هللا عليه وسلم " في ُقبَّة ‪ ،‬فقال‪ ((:‬أترضون أن تكونوا شطر أهل الجنة؟ ‪ .‬قلنا‬ ‫ص َّ‬

‫نعم قال‪ (( :‬والذي نفس محمد بيده‪ ،‬إني لأرجو أن تكونوا نصف أهل الجنة ‪ ،‬وذلك‬

‫مسلمة وماأنتم بأهل الشرك إلا كالشعره البيضاء في‬ ‫نفس‬ ‫أن الجنة لايدخلها إلا‬ ‫ٌ‬ ‫ٌ‬

‫جلد الثور الأسود ‪ ،‬أو كالشعرة السوداء في جلد الثور الأحمر)) وبذلك بشر النبي‬

‫ل هللا عليه وسلم" هذه الأمة أن نصف من يدخلون الجنة هم أتباعه‬ ‫"ص َّ‬

‫‪@R w fed k‬‬ ‫‪@R w fed k‬‬

‫‪44‬‬ ‫‪37‬‬


‫الفصل الخامس‬ ‫الاختلاف المحمود و المذموم‬ ‫ين َت َف ََّر ُقوا‬ ‫‪َ ‬و َلا َت ُك ُ‬ ‫ونوا كَا ََّل ِذ َ‬

‫م‬ ‫َو ْ‬ ‫اء ُ‬ ‫اخ َت َل ُفوا ِمن بَ ْع ِد َ‬ ‫ما َج َ‬ ‫ه ُ‬ ‫ا ْلبَ ِيَّ َن ُُۚ‬ ‫ات ‪‬‬

‫‪@R w fed k‬‬ ‫‪@R w fed k‬‬


‫بين التفرق والاختلاف‪:‬‬ ‫يظهر من السييياقات الشييرعية أن ثمة فرق ا ً بين " التفرق" و"الاختلاف"‪ ،‬وأن‬ ‫التفرق مذموم بإط لاق‪ ،‬ف لا يقع إ لا في م قام ا لذم‪ ،‬أ ما ا لاخت لاف فليس‬ ‫كذلك‪ ،‬وقد يأتي في مقام الذم‪ ،‬أو في مقام العذر وعدم المؤاخذة‪ ،‬أو يقع‬ ‫ممدوح ا ً أحيان ا ً‪.‬‬ ‫والمقصييييييود بيياليياختليياف‪ :‬اليياختليياف في الرأ ي‪ ،‬أو اليياختليياف في الفهم‪ ،‬أو‬ ‫ا لاخت لاف في الم يل والرغ بة المحضييييييية؛ ف هذا يرى حك م ا ً‪ ،‬وذاك يرى حك م ا ً‬ ‫مختلف ا ً عنه‪ ،‬أو الاختلاف في العمل‪.‬‬ ‫وأما التفرق ‪ :‬فهو أن ينقسم الناس إلى فرق‪.‬‬ ‫وهذه قضيييية جوهرية‪ ،‬فالاختلاف إذا كان مبني ا ً على أسيييس صيييحيحة‪ ،‬فهو‬ ‫إما أن يكون محمود ا ً‪ ،‬أو أن يكون صاحبه معذورا ً‪.‬‬ ‫اختلاف التنو ع واختلاف التضاد‪:‬‬ ‫من الخلاف المحمود‪ :‬ما يسيييميه العلماء بيييييييييي‪ " :‬اختلاف التنو ع" ‪ .‬أي‪ :‬كون‬ ‫ا لأ مة أ خذت من كل خير بطرف‪ ،‬فه ناك المشييييييغولون با لاجت هاد‪ ،‬أو ا لأمر‬ ‫بالمعروف والنهي عن المنكر‪ ،‬فهذا اختلاف تنو ع‪ ،‬والمجتمع لابد له من كل‬ ‫هذا‪.‬‬ ‫وفي أنواع العلوم‪ ،‬فسيييييييائر علوم ا لإنسيييييييان والح ياة والمجتمع‪ ،‬هي من‬ ‫المصييالح الضييرورية التي يجب أن ينبري لها من يحسيينها‪ ،‬ويجد في نفسييه‬ ‫ميل ي ا ً إليهييا‪ ،‬ويجييب أن يوجييد الييأكفيياء المبييدعون الييذين يرتقون بييالعلم في‬ ‫مدارجه العليا‪ ،‬ويمهدون لإبداعات اللاحقين‪.‬‬ ‫وفي المجال العلمي الشيييييرعي هناك اختلاف السييييينن التي وردت بصييييييغ‬ ‫متعددة‪ ،‬مثل‪ :‬الصيييييييغ المختلفة لدعاء الاسييييييتفتاﺡ ‪ ،‬ومن العبادات ما له‬ ‫سنن مختلفة‪ ،‬فالأخذ بكل من هذه السنن يعتبر اختلاف تنو ع محمود‪.‬‬

‫‪@R w fed k‬‬ ‫‪@R w fed k‬‬

‫‪46‬‬


‫ومثل ذلك المسائل التي ليس فيها نص ظاهر‪ ،‬واجتهد فيها أهل العلم من‬ ‫ال سلف والخلف‪ ،‬واختلفت آراؤهم فيها بما لا يمكن الجزم معه ب صواب أحد‬ ‫أو خطأ أحد‪ ،‬ومثل هذا حصيييل حتى مع الصيييحابة ‪ ، ‬ولذلك قال البعض‪" :‬‬ ‫وكل مصيب "‪.‬‬

‫وهذا القول يحتمل معنيين‪:‬‬ ‫الأول‪ :‬أن الكل مصيب للحق في ذات المسألة وواقع الأمر‪.‬‬ ‫الثاني‪ :‬أن كل أحد منهم مصييييييب باجتهاده؛ لأنه يدور بين الأجر والأجرين‪ ،‬لكن عند‬ ‫الجمهور أن المصيييب واحد‪ ،‬والآخر هو صيياحب الأجر الواحد‪ ،‬فهو مصيييب باجتهاده‬ ‫ولا يلزم أن يكون مصييييييباً بالنتيجة‪ ،‬فالطريقة صيييييحيحة‪ ،‬لكن النتيجة قد لا تكون‬ ‫كذلك‪.‬‬ ‫هذا من اختلاف التنوع؛ ولذلك نص جماعة من أهل العلم على أن اختلاف الصحابة‬ ‫‪ ‬رحمة‪ ،‬كما ذكره ابن قدامة‪.‬‬ ‫وقد ألف في ذلك كتاب‪ " :‬رحمة الأمة في اختلاف الأئمة" لمحمد بن عبد الرحمن‬ ‫الشييييافعي الدمشييييقي‪ ،‬من اختلاف الأمة ما هو رحمة‪ ،‬مما يدخل في باب اختلاف‬ ‫التنوع‪.‬‬ ‫أما القسم الثاني‪ ،‬فيسميه العلماء ب ي " اختلاف التضاد"‪ .‬وهو ما لا يمكن الجمع فيه‬ ‫بين القولين المختلفين‪.‬‬

‫فهل اختلاف التضاد محمود أو مذموم؟‬ ‫إن كان اختلاف التضييياد في مسيييألة يسيييوغ غيها الاختلاف‪ ،‬بحيث يكون مبنياً على‬ ‫حجة شرعية‪ ،‬ولم يؤد إلى تفرق‪ ،‬ولم يخرق إجماعاً قطعياً‪ ،‬فهو محمود‪.‬‬ ‫أ ما إن كان مبن ياً على هوى أو تعسيييييف‪ ،‬أو أدى إلى تفرق واخت لاف في القلوب‪،‬‬ ‫وتغاير في الفتوى‪ ،‬فهو مذموم‪ ،‬وما أدى إليه فهو مذموم كذلك‪.‬‬ ‫فاختلاف التضاد يكون في حال محموداً‪ ،‬ويكون في حال مذموماً‪:‬‬

‫‪@R w fed k‬‬ ‫‪@R w fed k‬‬

‫‪47‬‬ ‫‪37‬‬


‫أما الحال التي يكون فيها محموداً‪ :‬فهي خاصة بالمسائل التي يسوغ فيها الخلاف‪.‬‬

‫وسييييير كون الاختلاف محموداً في هذه الحال‪ ،‬هو أن له آثاراً طيبة على‬ ‫الأمة‪ ،‬ومن هذه الآثار‪:‬‬ ‫أولاً‪ :‬أن الأمة لا يمكن جمعها على رأي واحد‪ ،‬وهذه سنة هللا في عباده‪.‬‬ ‫ثانياً‪ :‬أنه يحرك العقول؛ لأن جمع الناس على رأي واحد سيييييبب في خمول ورتابة‬ ‫الفكر‪ ،‬فإذا كان الاختلاف في الحدود المقبولة فإنه يترتب عليها صيييييقل للآراء‪ ،‬وهذا‬ ‫خير كثير‪ ،‬ولو لم يكن من آثاره إلا تربية الأمة على سعة الأفق‪ ،‬وتقبل الخلاف‪ ،‬لكان‬ ‫هذا خيراً‪.‬‬ ‫أما الحال التي يكون فيها مذموماً‪ :‬فذلك حين يبنى على الهوى‪ ،‬فلا يريد المخالف‬ ‫من مخالفته وجه هللا‪ ،‬وإنما لمجرد شيييهوة الخلاف‪ ،‬ومثله حين يفضيييي إلى التفرق‪،‬‬ ‫كما حدث في بعض المنتسبين للمذاهب الفقهية من التعصب الذي حمل بعضهم‬ ‫ألا يصلي خلف بعض‪ ،‬وامتد الأمر في بعض مراحل التاريخ إلى الضرب والاقتتال‪.‬‬ ‫عزى أحدهم نفسييييه حين وجد هجوماً عليه‪ ،‬وقال‪ :‬النقد المنصييييب عليك هو على‬ ‫قدر أهميتك‪ ،‬والناس لا يرفسيييييون كلباً ميتاً! فتصييييييدى له بعض شييييييامتيه وقال‪:‬‬ ‫صدقت‪ ،‬لا يرفسون كلباً ميتاً‪ ،‬لكن يرفسون كلباً حياً لا يكف عن النباﺡ!‬ ‫الاختلاف المبني على نظر شيييييرعي يعذر صييييياحبه ‪ ،‬بل يؤجر؛ لأن هذا ما أداه إليه‬ ‫سييييي َع َها ُۚ‪] ‬البقرة‪ .[286 :‬لكن لو أن‬ ‫سييييييا إِ ََّلا ُو ْ‬ ‫اجتهاده وهللا يقول‪  :‬لَا ُيكَ َِّل ُ‬ ‫ف ال ََّل ُه َن ْف ً‬

‫إنسيييييياناً قامت عنده الحجة‪ ،‬ثم عاندها وخالفها فاختلافه مذموم؛ ولذلك قال هللا‬ ‫ات ُۚ ‪] ‬آل عمران‪ [105 :‬فإذا خالف ب عد‬ ‫م ا ْلبَ ِيَّ َن ُ‬ ‫ت عالى‪َ  :‬و ْ‬ ‫اء ُ‬ ‫اخ َت َل ُفوا ِمن بَ ْع ِد َما َج َ‬ ‫ه ُ‬ ‫إث بات الح جة عل يه وظهور ا لدل يل‪ ،‬كان مذمو ماً؛ وهو على خطر عظيم؛ لأن هللا‬ ‫َ‬ ‫م‬ ‫م ِف ْت َن ٌة أَ ْو ُي ِ‬ ‫م ِر ِه أَن ُت ِ‬ ‫ين ُي َخا ِل ُف َ‬ ‫سبحانه وتعالى قال‪َ  :‬ف ْليَ ْح َذ ِر ا ََّل ِذ َ‬ ‫ون َع ْن أ ْ‬ ‫صيبَ ُه ْ‬ ‫صيبَ ُه ْ‬ ‫َ‬ ‫يم ‪] ‬النور‪.[63 :‬‬ ‫َع َذ ٌ‬ ‫اب أ ِل ٌ‬

‫‪@R w fed k‬‬ ‫‪@R w fed k‬‬

‫‪48‬‬ ‫‪37‬‬ ‫‪33‬‬


‫وقد قال بعض العلماء في هذا المعنى‪:‬‬ ‫قال أبو حنيفة الإمام‬

‫لا ينبغي لمن له إسلام‬

‫أخذ بأقوالي حتى تعرضا‬

‫على الكتاب والحديث المرتضى‬

‫ومالك إمام دار الهجرة‬

‫قال وقد أشار نحو الحجرة‬

‫كل كلام منه ذو قبول‬

‫ومنه مردود سوى الرسول‬

‫والشافعي قال‪ :‬إن رأيتم‬

‫قولي مخالفاً لما رويتم‬

‫من الحديث فاضربوا الجدارا‬

‫بقولي المخالف الأخبارا‬

‫وأحمد قال لهم‪ :‬لا تكتبوا‬

‫ما قلته بل أصل ذاك اطلبوا‬

‫فاسمع مقالات الهداة الأربعة‬

‫واعمل بها فإن فيها منفعة‬

‫إ نه موقف جم يل ومعبر عن أن مه مة ال عالم والفق يه ليس تسيييييويق ال مذ هب أو‬ ‫القتال دونه‪ ،‬بل نصرة الشريعة‪.‬‬ ‫فالمخالفة عن أمر هللا تعالى مع بيان الحق ووضيييييوﺡ الحجة‪ ،‬أمر مذموم‪ ،‬بخلاف‬ ‫التفرق‪.‬‬ ‫وللشيطان مداخل في هذا الباب‪ ،‬حيث يصور أن الآخر قامت عليه الحجة‪ ،‬وظهر له‬ ‫الدليل‪ ،‬ولكنه صد عنه وأعرض‪ ،‬فهذا مما يجب أن يتريث فيه الإنسان؛ لأن القضية‬ ‫تكون واضحة في نظرك بناء على أمور أنت رتبتها‪ ،‬ولا تكون عند الآخر واضحة؛ لأنه‬ ‫ينظر من حيث لا تنظر‪.‬‬ ‫فما دامت من الق ضايا التي ي سع فيها الخلاف‪ ،‬وقد اختلفت فيها الأمة‪ ،‬فيجب فيها‬ ‫ال عذر بين المختلفين‪ ،‬وأولى من ال عذر ات هام النفس‪ ،‬فرب ما كان الصيييييواب م عه‪،‬‬ ‫وحجب عنك بذنب أو بنقص أو بامتحان‪.‬‬

‫‪@R w fed k‬‬ ‫‪@R w fed k‬‬

‫‪49‬‬ ‫‪37‬‬


‫هل القضية قطعية‪ ،‬بحيث لا تحتمل إلا ما تراه؟‬ ‫إن أفضل وسيلة للاتفاق مع مفارقك أو مخالفك‪ ،‬هي أن تضع نفسك في موضعه‪،‬‬ ‫وتجعل من نفسك محامياً عن قضيته‪ ،‬وتطل من الزاوية التي يطل هو منها‪.‬‬ ‫وقد ورد عن بعض التابعين أن المرء كلما كان أو منع علماً كان أعذر للناس‪.‬‬ ‫وهذا مشاهد بالتجربة ونقيضه مشاهد أيضاً‪ ،‬فضيق العلم والعقل‪ ،‬ضيق العطن‪،‬‬ ‫سريع المؤاخذة‪ ،‬حاضر الاتهام‪.‬‬ ‫وعلى هذا فتفرق بين الاختلاف المبني على حجة شرعية‪ ،‬ونظر صحيح‪ ،‬وتجرد من‬ ‫الهوى‪ ،‬وبين الاختلاف الذي يكون الحامل عليه غرضاً شخ صياً‪ ،‬أو شهوة‪ ،‬أو شهرة‪،‬‬ ‫أو عصبية‪ ،‬أو ما أشبه ذلك‪.‬‬

‫‪@R w fed k‬‬ ‫‪@R w fed k‬‬

‫‪50‬‬ ‫‪37‬‬


‫الفصل السادس‬ ‫وحدة الصف لا وحدة الرأي‬ ‫م‬ ‫ات ُّ‬ ‫م ٌ‬ ‫‪ِ ‬م ْن ُه آيَ ٌ‬ ‫ه َّن ُأ ُّ‬ ‫ات ُ‬ ‫م ْحكَ َ‬ ‫ب‪‬‬ ‫ا ْل ِك َتا ِ‬

‫‪@R w fed k‬‬ ‫‪@R w fed k‬‬


‫وحدة القلوب لا وحدة العقول‪:‬‬ ‫وحدة القلوب تعني سلامة الصدور‪ ،‬وعمق الاخاء‪ ،‬فاختلاف الرأي لا يفسد للود‬ ‫قضية‪ ،‬أما اختلاف العقول فلابد منه؛ لأنه لو اتفقت لكفانا منها عقل واحد ‪،‬فا‬ ‫لاختلاف تلاقح وإبداع ‪،‬وتنوع واجتهاد ‪.‬‬ ‫وفي القرآن الكريم والسنة النبوية النصوص البليغة الآمرة بالاجتماع‪ ،‬والناهية عن‬ ‫التفرق‪.‬‬ ‫ولهذا أصبحت الجماعة والاجتماع على الخير والطاعة من ضروريات الدين و‬ ‫محكماته‪ ،‬والعبادات العامة كالصلاة وغيرها دليل على ذلك‪.‬‬ ‫والأخلاق مثال آخر‪ ،‬فهي من محكمات الشريعة‪ ،‬ومشتركات الحياة والثقافة‬ ‫الإنسانية‪ ،‬ولا تكاد تتحقق إلا بالاختلاط والاتصال والاحتكاك بالآخرين‪.‬‬ ‫وفي القرآن في سورة العصر استثناء لجماعة من آمنوا باهلل وعملوا الصالحات‬ ‫وتواصوا بالحق وتواصوا بالصبر‪ ،‬فهي مما لا يكون عادة إلا بين مجموع من الناس‪.‬‬ ‫وصايا النبي صلى هللا عليه وسلم والأحاديث في هذا كثيرة‪ ،‬من أشهرها حديث‪:‬‬ ‫"أن هللا يرضى لكم ثلاثا‪ ."..‬وذكر منها‪" :‬أن تعتصموا بحبل هللا جميعا ولا تفرقوا"‪.‬‬ ‫وحدة القلوب لا خلاف عليها‪ ،‬أما وحدة العقول فضرب من المستحيل‪ ،‬ولئن ربطنا‬ ‫هذا بهذا حكمنا على وحدتنا بالزوال‪.‬‬ ‫حقيقة واضحة ومستقرة في حس كل مسلم‪ ،‬لكن الشأن في تفعيلها‪ ،‬والقدرة‬ ‫على وجود منهجية تتقبل الخلاف وتبنى على أصول شرعية صحيحة وليست على‬ ‫آراء أو اجتهادات خاصة لفرد أو طائفة من الناس‪.‬‬

‫‪@R w fed k‬‬ ‫‪@R w fed k‬‬

‫‪52‬‬


‫أما وحدة الصف‪ ،‬فتعني في الأصل‪ :‬أمة واحدةي تحت سلطان واحد يحكمها‬ ‫بشريعة هللا تعالى‪ ،‬وهذا كان في عهد النبي صلى هللا عبه وسلم والخلفاء‬ ‫الراشدين من بعده ثم من أتى بعدهم‪.‬‬ ‫ولهذا جاءت الأحكام والتحذيرات الصارمة في هذا الصدد‪ ،‬كما في قول النبي‬ ‫صلى هللا عليه وسلم‪ ":‬من فارق الجماعة شبرا فمات‪ ،‬فميتة جاهلية "‪.‬‬ ‫تأكيد ظاهر على التحذير من الفرقة والخلاف‪ ،‬وحث على الاجتماع والوحدة‪.‬‬ ‫وإذا كان هذا الأمر قد مضى وعقد المسلمين قد انفرط وتحولت الأمة إلى دول‬ ‫كثيرة بينها من الاتفاق والاختلاف ما هو معروف مشهور‪ ،‬فلاشك أن الواجب ينتقل‬ ‫إلى المحافظة على المعنى الذي ترمي إليه الشريعة‪ ،‬وهو صلاﺡ دين المسلمين‪،‬‬ ‫وصلاﺡ دنباهم؛ لأن أصل نظام الحكم إنما شرع من أجل حفظ الدين و الدنيا ‪.‬‬ ‫وكثير من المطالب الشرعية الكبرى قد يصعب تحقيقها اليوم؛ لاختلاف الزمان‬ ‫وتغير الظروف‪ ،‬فالواجب التمسك بمامن شأنه تحقيق المقصد الشرعي‪.‬‬ ‫ومن ذلك‪ :‬القيام بواجب البلاغ‪ ،‬وفتح العقول للرسالة السماوية‪.‬‬ ‫ومثله تحقيق مقصد الإمامة بالتنسيق الجاد بين الدول الإسلامية في المواقف‬ ‫السياسية‬ ‫والبرامج‪ ،‬وسائر المجالات الحيوية التي تصنع لها حضوراً دولياً‪ ،‬وتبادلا ً مصلحياً‪،‬‬ ‫وتضمن نوع من الاستقلالية في القرار‪.‬‬

‫عقبات تواجه وحدة الصف‪:‬‬ ‫‪)1‬تنزيل النصوص على غير وجهها‪ ،‬ومن ذلك اعتبار لزوم الجماعة تنطبق على‬ ‫تنظيم أو طائفة وغير ذلك‪ ،‬بينما المقصود دعوة المسلمين الاجتماع على‬ ‫السلطة العامة المتفق عليه‪.‬‬

‫‪@R w fed k‬‬ ‫‪@R w fed k‬‬

‫‪53‬‬


‫‪) 2‬أن يقوم وجود فرد أو جماعة على أساس تقويض جهود إسلامية أخرى‪ ،‬يختلف‬ ‫معها في بعض الأمور‪ ،‬أو تنزيل بعض النصوص على بعض الأحوال‪ ،‬من أجل‬ ‫مصادرة الآخرين والقضاء عليهم‪ ،‬بينما أمام المخلصين فكرة الخطوط المتوازية‬ ‫التي تسير جنباً إلى جنب ولا تتقاطع‪ ،‬وربما لا تلتقي‪ ،‬مع أن اللقاء ممكن على‬ ‫صعيد الفعل الإنساني‪ ،‬ومن ثم مشتركات شرعية وأخلاقية ومصلحية يقتضي‬ ‫الرشد العقلي‪ ،‬فضلاً عن التقوى الايمانية‪.‬‬ ‫وحتى في حال التقاطع‪ ،‬ها هي حركة المرور في العواصم الكبرى تسير على ما‬ ‫يرام دون تعويق أو تصادم‪ ،‬بفضل الجسور والأنفاق التي تسمح بالحركة السريعة‪،‬‬ ‫ومالحياة إلا هذا فالمختلفون قادرون على اتخاذ الطرق المختلفة لتسير حركتها‬ ‫بعيداً عن الزحام أو التوقف أو الضجيج‪.‬‬ ‫‪)3‬افتراض أن الوحدة الإسلامية لا تقع إلا حين الاتفاق على كافة التفاصيل‪ ،‬وبهذا‬ ‫تصبح حلماً يصعب تحقيقه‪.‬‬ ‫المقصود بمحكمات الشريعة‪:‬‬ ‫إن وحدة الصف الحقيقية تكون بالاجتماع على معاقد الشريعة الكبرى وكلياتها‬ ‫ومسلماتها‪ ،‬مع التفريق بينها وبين الفروع واللواحق والمسائل الاجتهادية‪.‬‬ ‫معان‪:‬‬ ‫المحكم يشمل ثلاث‬ ‫ٍ‬ ‫‪)1‬المحفوظ الذي لا يمكن تغييره ولا تبديله‪ ،‬وهو ثابت وليس بمنسوخ‪.‬‬ ‫‪)2‬الواضح الب ِين المفسر الذي ليس فيه غموض ولا خفاء‪.‬‬ ‫‪)3‬الأصول الثابتة‪ ،‬والمراجع التي ترجع إليها الفروع‪ ،‬ويعاد إليها ما خرج منها؛ فهي‬ ‫أصول يتفرع عنها غيرها‪.‬‬

‫‪@R w fed k‬‬ ‫‪@R w fed k‬‬

‫‪54‬‬ ‫‪53‬‬


‫فهذه المحكمات التي نطلب أن يكون الاتفاق عليها‪ ،‬وليس على غيرها وهي ما‬ ‫جاءت به الشريعة وأجمع عليها الصحابة والسلف الصالح؛ من وجوب عبادة هللا عز‬ ‫وجل وتحريم الكفر والشرك والنفاق‪ ،‬وتحريم الظلم والسحر ‪ . . .‬ومنها أركان‬ ‫الإسلام الخمسة‪ ،‬وأصول الإيمان ‪ ،‬وقواعد الأخلاق ‪،‬وما أشبه ذلك فهي قيم‬ ‫وكليات ومعاني راسخة جليلة عظيمة ‪.‬‬ ‫ويتحقق من خلال هذه المحكمات أمران عظيمان‪:‬‬ ‫‪ )1‬المحافظة على الايمان باهلل والملائكة‪ ،‬والكتب والرسل ‪ . . .‬وما يتعلق بذلك‬ ‫كله‪.‬‬ ‫‪)2‬المحافظة على الدنيا ومصالحها ومكاسبها‪.‬‬ ‫وهذا ما يعبر عنه علماء الأصول ب‪( :‬حفظ الضروريات الخمس) التي لابد من‬ ‫حفظها‪( :‬الدين‪ ،‬والعرض‪ ،‬و المال ‪ ،‬والنفس ‪ ،‬والعقل )‪.‬‬ ‫وقد يزيد عليها بعض المعاصرين‪( :‬حفظ الاجتماع‪ ،‬والحرية‪ ،‬والكرامة الإنسانية)‪.‬‬ ‫وكل هذه الأوامر والنواهي تدور حول حماية هذه الضروريات وماشاكلها‪ ،‬وتعزيزها‬ ‫وتنميتها وحسن توظيفها واستثمارها‪ ،‬وهي تتحقق للمؤمنين ولطوائف من غير‬ ‫المؤمنين ممن عمتهم رحمة الإسلام؛ كالذين يقعون تحت سلطة الإسلام‪ ،‬أو‬ ‫اتصلوا مع المسلمين بعهد أو عقد ‪.‬‬

‫الدين الجامع‪:‬‬ ‫انصرفت كثير من جهود الناس إلى مواقع الخلاف والاحتكاك‪ ،‬مما جعل المتلقين‬ ‫يحسون بعمق الهوة واتساع الفجوة‪ ،‬لكثرة مايسمعون من الاختلاف‪ ،‬مع فساد‬ ‫القلوب‪ ،‬وانشطار الصف ‪،‬و يغفل الكثير عن المحكمات وعرضها ‪،‬تعويلاً على‬ ‫وضوحها وظهورها ‪،‬وربما كانت المسلمات والبدهيات أولى بالاهتمام والحديث ‪.‬‬

‫‪@R w fed k‬‬ ‫‪@R w fed k‬‬

‫‪55‬‬ ‫‪50‬‬


‫وهذه المحكمات هي "الدين الجامع" الذي تأتلف عليه القلوب‪ ،‬وتتضافر الجهود‪،‬‬ ‫وتتفق الكلمة‪ ،‬ويتضح محل الاتفاق الواسع المؤسس لوحدة الأمة‪.‬‬ ‫وتلك المحكمات ما ذكر ابن مسعود رضي هللا عنه بقوله‪ " :‬من سره أن ينظر إلى‬ ‫ل‬ ‫(ق ْ‬ ‫الصحيفة التي عليها خاتم محمد صلى هللا عليه وسلم‪ ،‬فليقرأ هذه الآيات‪ُ ( :‬‬ ‫انا َولا َت ْق ُت ُلوا‬ ‫َت َعال َْوا أَ ْت ُ‬ ‫س ً‬ ‫م أَلا َّ ُتشْ ِر ُكوا ِب ِه َ‬ ‫ش ْي ًئا َو ِبا ْل َوا ِل َديْ ِن إِ ْح َ‬ ‫ل َ‬ ‫ما َح َّر َ‬ ‫م َعلَيْ ُك ْ‬ ‫م َربُّ ُك ْ‬ ‫ما بَ َط َن‬ ‫م َولا َت ْق َر ُبوا ا ْل َف َو ِ‬ ‫م ٍ‬ ‫م َو إِيَّ ُ‬ ‫أَ ْو َ‬ ‫ما َظ َه َر ِم ْن َها َو َ‬ ‫ش َ‬ ‫اح َ‬ ‫م ِم ْن إِ ْ‬ ‫اه ْ‬ ‫لاق َن ْح ُن َن ْر ُز ُق ُك ْ‬ ‫لاد ُك ْ‬ ‫ق ‪ )) . . .‬الأنعام(‪.)151-153‬‬ ‫م ال َّل ُه إِلاَّ ِبا ْل َح ِ َّ‬ ‫َولا َت ْق ُت ُلوا ال َّن ْف َ‬ ‫س ا َّلتِي َح َّر َ‬ ‫وقد جاء عن كعب الأحبار أنه قال‪ " :‬أول ما نزل من التوراة عشر آيات وهي العشر‬ ‫م‪"...‬‬ ‫ل َت َعال َْوا أَ ْت ُ‬ ‫التي أنزلت آخر الأنعام‪ُ (( :‬ق ْ‬ ‫ل َ‬ ‫ما َح َّر َ‬ ‫م َعلَيْ ُك ْ‬ ‫م َربُّ ُك ْ‬ ‫وهي ما يسمونها ب"الوصايا العشر‪ :‬وعليها مدار الرسالات السماوية وجميع‬ ‫الرسل عليهم السلام أتفقوا عليها‪ ،‬ففيها صلاﺡ الدين والدنيا‪.‬‬ ‫وأما اختلفوا فيه‪ ،‬فمن الفروع في الأحكام‪ ،‬والحلال والحرام‪ ،‬وغير ذلك من المسائل‬ ‫المؤقتة القابلة للتغيير والتبديل والنسخ؛ ولهذا قال ابن عباس رضي هللا عنهما‪ ":‬إن‬ ‫م‬ ‫ل َت َعال َْوا أَ ْت ُ‬ ‫في الأنعام آيات محكمات هن أم الكتاب "‪ .‬ثم قرأ‪ُ (( :‬ق ْ‬ ‫ل َ‬ ‫ما َح َّر َ‬ ‫م َربُّ ُك ْ‬ ‫م أَلاَّ ُتشْ ِر ُكوابه ‪. )) . . .‬‬ ‫َعلَيْ ُك ْ‬ ‫ب َو ُأ َخ ُر‬ ‫م ا ْل ِك َتا ِ‬ ‫م ٌ‬ ‫وجاء عنه أيضاً في قوله تعالى‪ِ (( :‬م ْن ُه آيَ ٌ‬ ‫ه َّن ُأ ُّ‬ ‫ات ُ‬ ‫ات ُم ْحكَ َ‬ ‫ات)) (‬ ‫شا ِب َه ٌ‬ ‫ُم َت َ‬ ‫م‬ ‫ل َت َعال َْوا أَ ْت ُ‬ ‫آل عمران ‪ ،)7:‬قال‪ ":‬هي الثلاث الآيات التي هاهنا‪ُ (( :‬ق ْ‬ ‫ل َ‬ ‫ما َح َّر َ‬ ‫م َربُّ ُك ْ‬ ‫َعلَي ُك َ‬ ‫ك‬ ‫ضى َر ُبَّ َ‬ ‫م ألاَّ ُتشْ ِر ُكوابه ‪ ،)). . .‬الأنعام (‪ ،)151-153‬والتي في بني إسرائيل‪َ (( :‬و َق َ‬ ‫ْ ْ‬ ‫انا ‪[ )) . . .‬الاسراء ‪. ]39-23:‬‬ ‫س ً‬ ‫أَلاََّ َت ْع ُب ُدواْ إِلاََّ إِيََّ ُ‬ ‫اه َو ِبا ْل َوا ِل َديْ ِن إِ ْح َ‬

‫‪@R w fed k‬‬ ‫‪@R w fed k‬‬

‫‪56‬‬ ‫‪50‬‬


‫والمحكمات الواردة في هذين الموضعين من القرآن الكريم هي‪:‬‬ ‫عيادة هللا وحده وتحريم الشرك به‪ ،‬وبر الوالدين والإحسان إليهم‪ ،‬وحفظ النفس‬ ‫وتحريم القتل‪ ،‬وتحريم الفواحش ما ظهر منها وما بطن‪ ،‬وحفظ المال‪ ،‬والوفاء‬ ‫بالعهود والمواثيق‪ ،‬والعدل‪ ،‬وتحريم الكبر والأخلاق الذميمة‪ ،‬واتباع الشريعة وترك‬

‫اتباع الهوى وتتبع ماليس للإنسان به علم فلايتبع شيئاً مبنياً على الجهل حتى يعلم‬ ‫أو يتوقف‪.‬‬ ‫وعند تأمل الوصايا العشر‪ ،‬تجد أنها من المسائل العظام الأساسية في قيام الدين‬ ‫أو صلاﺡ الدنيا‪ ،‬فهي كليات وأصول يرجع إليها ماسواها من مسائل التفاصيل‪.‬‬

‫التأسيس لوحدة الصف‪:‬‬ ‫إن بناء الوحدة الأخوية الإيمانية على هذه العصم الكبار من أصول الشريعة‪،‬‬ ‫ومحكمات الدين ضمان لديمومتها‪ ،‬وحماية لها من التصدع والانشقاق والانهيار؛‬ ‫لأنها واضحة لالبس فيها‪ ،‬وهي أصول ثابتة مستقرة‪ ،‬وقواعد ُيرد إليها غيرها‪ ،‬ولا‬ ‫مجال للخلاف أو التردد أو الشك أو الطعن فيها‪.‬‬

‫فإذا كانت الوحدة مبنية على هذه الأصول فهي وحدة راسخة مستقرة لا تتغير‬ ‫بالمتغيرات‪ ،‬والمتغيرون عليها بمأمن من الخلاف بإذن هللا‪.‬‬ ‫فإذا كانت الوحدة مبنية على هذه الأصول فهي وحدة راسخة مستقرة لا تتغير‬ ‫بالمتغيرات‪ ،‬والمتفقون عليها بمأمن من الخلاف بإذن هللا‪.‬‬

‫‪@R w fed k‬‬ ‫‪@R w fed k‬‬

‫‪57‬‬


‫بينما الوحدة المبنية على شروط وفروع واجتهادات ومفردات‪ ،‬هي ُعرضة للخلاف‬ ‫كلما مر جزء من الوقت‪ ،‬وكلما تنوعت الاجتهادات‪ ،‬وكلما كثر الناس‪ ،‬وكبرت‬ ‫عقولهم‪ ،‬واتسع علمهم‪ ،‬وبحثوا و حققوا ‪.‬‬ ‫حينما يتلقى الطلبة عن شيخهم في مطالع تعليمهم ونشأتهم‪ ،‬يأخذون اجتهاداته‬ ‫وترجيحاته مأخذ التسليم؛ لأنه ليس عندهم تأهل علمي للبحث والتحري والمراجعة‬ ‫والتصحيح والتحقيق‪ ،‬ولأن شخصيتهم الآسرة وعلمه وحماسه وقياديته تغريهم‪،‬‬ ‫فهم منتمون إليه‪ ،‬وينظرون للعالم من خلاله!‬ ‫وعندما يكبرون وتتسع علومهم ومداركهم‪ ،‬وتنضج لديهم ملكة البحث‪ ،‬تقع من‬ ‫بعضهم مخالفة لشيخهم‪ ،‬وقد يوافقونه على جزء من القول‪ ،‬ويخالفونه في سائره‪،‬‬

‫ومع ذلك فلا ينابذونه العداوة‪ ،‬ولا يقطعون عنه حبل المودة ‪،‬إن كانوا من الفاقهين‬ ‫؛لأن معقد الولاء والاجتماع ليس على هذه المسائل ‪،‬وإنما على محكمات الشريعة‬ ‫وأصولها ‪.‬‬ ‫وأي أخوة تبنى على مسائل اجتهادية خلافية كالجهر بالبسملة في الصلاة‪ ،‬أو‬ ‫الإسرار بها‪ .‬ممالا يكون أمرا قطعياً ولا ظاهراً‪ ،‬وإنما هو محل تردد واجتهاد‪.‬‬ ‫إن اجتماعا كهذا ‪-‬لامحالة آيل إلى الفراق؛ لأنه مبني على غير أساس‪ ،‬وهو حالة‬ ‫عابرة يتجاوزها الزمن وينقرض أصحابها‪.‬‬ ‫الاجتماع لا يكون إلا على قبول الاختلاف‪:‬‬ ‫لقد اختلف الأنبياء عليهم الصلاة والسلام في حالات متعددة‪ ،‬والوحي يتنزل‬ ‫عليهم صباﺡ ومساء‪.‬‬

‫‪@R w fed k‬‬ ‫‪@R w fed k‬‬

‫‪58‬‬


‫ومن ذلك قصة موسى عليه السلام لماذهب إلى ربه ‪،‬وترك أخاه هارون مع قومه‬ ‫‪،‬وفعبد بنو إسرائيل من بعده العجل ؛فنهاهم هارون عن ذلك ‪،‬وقال إنما هذا من‬ ‫الشيطان ‪ ،‬وأمرهم باتباع موسى ‪،‬ولكنه بقي معهم ‪،‬فلما جاء موسى ‪،‬ولكنه بقي‬ ‫معهم ‪،‬فلما جاء موسى ورأى مرأى غضب ‪،‬وعاتبه على ذلك ‪،‬فيقول له هارون‬ ‫ل‬ ‫سي إِ َّ ِني َخ ِ‬ ‫م لَا َتأْ ُخ ْذ ِب ِل ْحيَتِي َولَا ِب َرأْ ِ‬ ‫س َرائِي َ‬ ‫يت أَ ْن َت ُقو َ‬ ‫‪َ (:‬قا َ‬ ‫ل َف َّر ْق َ‬ ‫ش ُ‬ ‫ل يَ ْب َن ُؤ َّ‬ ‫ت بَيْ َن بَنِي إِ ْ‬ ‫ب َق ْو ِلي( [طه‪. ]94:‬أي ‪ :‬أنا نظرت إلى الموضوع من زاوية ثانية ؛رأيت ألا‬ ‫َم َت ْر ُق ْ‬ ‫َول ْ‬ ‫أفرق هؤلاء ‪،‬وأن أبقى معهم حتى تعود وترى فيهم رأيك وأمرك ‪ .‬ولهذا قال قتادة‬ ‫عند هذه الآية‪ " :‬قد كره الصالحون الفرقة قبلكم "‪.‬‬ ‫وفي موقف هارون وكلام قتادة عبرة أي عبرة‪ ،‬وكان مأخذه الحرص على بقائهم‬ ‫واجتماعهم في لحمة وطنية جماعية‪ ،‬حتى يأتي موسى فيعالج الأمر بما يراه مع‬ ‫بذل النصيحة والوسع‪.‬‬ ‫فهذا نموذج للاختلاف في معالجة بعض المواقف الطارئة أو المستجدة‪ ،‬وهي‬ ‫"النوازل "‪.‬‬

‫اختلاف اجتهادي إجرائي مبناه على تحصيل المصلحة العليا‪ ،‬وليس توحيد هللا‬ ‫سبحانه محل الخلاف‪ ،‬بل هو جزء من شهادة أن لا إله إلا هللا‪ ،‬وإنما الاختلاف جرى‬ ‫في طريقة تحصيل أعلى المصلحتين‪ ،‬ودفع أعلى المفسدتين‪.‬‬ ‫ومن هذا الباب‪ :‬قصة موسى والخضر عليهما السلام المذكورة في سورة الكهف‪،‬‬ ‫فقد اعترض موسى على الخضر ثلاثاً‪ ،‬وحين افترق عنه الخضر عليه السلام لم يكن‬ ‫يريد مفاصلته أو القطيعة معه ‪ ،‬بل أراد تمام الرحلة ‪،‬وحصول المقصود ‪ ،‬وشرﺡ له‬ ‫بعد هذا أيباب مفعل بالسفينة والغلام والجدار وبين له سر مارآه ‪.‬‬

‫‪@R w fed k‬‬ ‫‪@R w fed k‬‬

‫‪59‬‬ ‫‪57‬‬


‫وهذا درس عظيم في فقه الصحبة والتعامل مع الخلاف والتراجع‪ ،‬ودرس رديف‬ ‫في الصبر وطول النفس؛ لأن كثير من الناس لا يصبر على مالم يحط به ُخبراً‪.‬‬ ‫وموسى كان نبياً رسولا ً من أولي العزم من الرسل‪ ،‬الأولى كانت منه نسياناً‪،‬‬ ‫والثانية إنكاراً‪ ،‬والثالثة فراقاً‪.‬‬ ‫وقصة موسى ومحمد عليهما الصلاة والسلام في حادثة المعراج‪ ،‬وأن النبي صلى‬ ‫هللا عليه وسلم لما مر على موسى وأخبره بالصلوات الخمسين وفرضيتها‪ ،‬قال‪" :‬‬ ‫إني قد عالجت بني إسرائيل قبلهم أشد المعالجة‪ ،‬وإن أمتك لا تطيق ذلك‪ ،‬ارجع‬ ‫إلى ربك فاسأله التخفيف "‪ .‬فرجع النبي صلى هللا عليه وسلم‪ ،‬حتى كان آخر ذلك‬ ‫أن قال لموسى عليه السلام لما قال له‪ :‬راجع ربك‪ " :‬قد وهللا استحييت من ربي"‪.‬‬ ‫فهنا مراجعة‪ ،‬ومحاولة إقناع واقتراﺡ وإلحاﺡ‪ ،‬وموسى عليه السلام كان له مأخذ من‬ ‫التلوم والضعف والتردد ما جعله‬ ‫تجربة ومعايشة بني إسرائيل‪ ،‬ورأى فيهم من‬ ‫ُ‬

‫يقول هذا‪ ،‬والنبي استجاب له في تردده‪ ،‬وكان في هذا حكمة بالغة؛ لأن في هذه‬

‫الأمة الخاتمة من الفضل والمكانة‪ ،‬والسؤدد والرفعة ما ليس لبني إسرائيل‪.‬‬ ‫فهذا أمر جبل هللا سبحانه وتعالى عليه العباد‪ ،‬ومن الخطأ القول أن فلاناً أتقى هلل‬ ‫سبحانه وتعالى؛ لأنه أشد في الدين ‪ ،‬أ و في المواقف ؛فالشدة قد تكون في‬ ‫طبعه ‪،‬وهي خارجة عن اللزوم الشرعي ‪.‬‬

‫ومن ذلك اختلاف اراء الصحابة في أسرى بدر عندما استشارهم الرسول صلى هللا‬ ‫عليه وسلم ماذا يفعل بهم فكانت مشورة أبو بكر الصديق رضي هللا عنه أن يصفح‬ ‫عنهم‪ ،‬وكانت مشورة عمر رضي هللا عنه أن يضرب أعناقهم‪.‬‬

‫‪@R w fed k‬‬ ‫‪@R w fed k‬‬

‫‪60‬‬ ‫‪59‬‬


‫فاللين هنا من أبي بكر محمود؛ لأنه في هللا‪ ،‬لكنه تكوين وجب ِلي‪ ،‬فقد يكون من‬ ‫طبع الإنسان اللين‪ ،‬ويحب أن يؤمنوا وأن يتقوا هللا سبحانه وتعالى فيرفق بهم‬ ‫ويوسع عليهم رغبة في تأليفهم على الإسلام‪ ،‬وشدة عمر رضي هللا عنه ليست‬ ‫غلواً‪ ،‬ولا اجحافاً ولا هدراً لحق الآخرين‪ ،‬وإنما هي شدة في هللا؛ سببها الغضب هلل‬ ‫عز وجل والحمية لدينه‪.‬‬ ‫ً‬ ‫واللين أفضل‪ ،‬ولذا كان أبو بكر أفضل‪ ،‬ولذا جاء في "الصحيح "‪ " :‬إن هللا رفيق‬ ‫يحب الرفق‪ ،‬ويعطي على الرفق مالا يعطي على العنف‪ ،‬ومالا يعطي على ما‬ ‫سواه "‪.‬‬ ‫فليس اللين أو الشدة علامة على صدق التدين ولكن قد يعبر الإنسان عن التدين‬ ‫كل خير‪.‬‬ ‫من خلال تكوينه الذي جبله هللا عليه إما اللين أو القوة والشدة‪ ،‬وفي ِ‬ ‫الجوامع والفروق‪:‬‬ ‫والمعاندة لهذا الاختلاف مما لا مصلحة فيه؛ لأنها معاندة للفطرة‪ ،‬وتنكر للجبلة‬ ‫والطبيعة التي فطر هللا الناس عليها‪ ،‬فلم يبق إلا تسويغه وقبوله وفق ضابط‬ ‫أصلي‪ ،‬وهو ألا يقع في الضروريات والمحكمات التي أجمع عليها السلف‪ ،‬ولا مانع‬ ‫من استقراء ضوابط أخرى مما لا يكون في حدود الاعتدال‪ ،‬وتكون للمدارسة‬ ‫والمراجعة‪.‬‬ ‫فالسلف متفقون ‪-‬مثلاً‪ -‬على أن الصلاة من أركان الإسلام‪ ،‬وإن وجوبها من‬ ‫القطعيات المحكمة التي إثباتها إيمان وجحدها كفر؛ لكنهم مختلفون في صفة‬ ‫الصلاة وبعض التفاصيل فيها‪ ،‬وحكم تاركها؛ فلا يجوز أن ُيفضي إلى الخلاف فيها‬

‫وتحزب واتهام‪.‬‬ ‫إلى فرقة وتنازع‬ ‫ُ‬

‫‪@R w fed k‬‬ ‫‪@R w fed k‬‬

‫‪61‬‬ ‫‪50‬‬


‫والسلف متفقون على ربانية القرآن الكريم وعلى ضبط نصه‪ ،‬وأنه من عند هللا‪،‬‬ ‫وهو حجة‪ ،‬ولكنهم يختلفون في تفسير آياته وفي أحكامه وآدابه وقراءاته وتجويده‪.‬‬ ‫وهم متفقون على مرجعية السنة النبوية؛ (وما ءاتاكم الرسول فخذوه ومنهاكم عنه‬ ‫فانتهوا) [الحشر‪ ]7:‬ولكنهم يختلفون في تصحيح حديث أو تضعيفه‪ ،‬أو الجمع بين‬ ‫الخلف‬ ‫الأحاديث التي ظاهرها تعارض‪ ،‬ويختلفون في فهم النصوص؛ ولهذا جرى ُ‬ ‫بينهم‪.‬‬ ‫وعلى الرغم من اختلافهم هذا‪ ،‬إلا إنهم متفقون إجمالا ً على الاحتكام إلى‬ ‫النصوص ومرجعية الشريعة‪ ،‬وليس على غيرها‪ ،‬وعلى مبادئ الأخلاق الإسلامية‪،‬‬ ‫وإن تفاوتوا في امتثالها وتطبيقها والعمل بها‪ ،‬كما قيل‪ " :‬الاخلاق تبين عند‬ ‫الاختلاف " ‪.‬‬

‫‪@R w fed k‬‬ ‫‪@R w fed k‬‬

‫‪62‬‬ ‫‪59‬‬ ‫‪50‬‬


63

@R w fed k @R w fed k


@R w fed k @R w fed k


Turn static files into dynamic content formats.

Create a flipbook
Issuu converts static files into: digital portfolios, online yearbooks, online catalogs, digital photo albums and more. Sign up and create your flipbook.