أمريكا من الداخل بمنظار سيد قطب المؤلف :الدكتور صلح عبد الفتاح الخالدي دار المنارة بسم االله الرحمن الرحيم المقدمة الحمد الله نحمده ونستعينه ونستهديه ،ونعوذ باالله من شرور أنفسن ا ،ومن سيئات أعمالنا ،و من يهده االله فل مضل له ،ومن يضلل فل هادي له ،وأشهد أن ل إله إل االله ،وأشهد أن محمدا عبده ورسوله ،صلوات االله وسلمه عليه ً وآله أما بعد: فإن لمريكا صولة وجولة في مختلف بقاع العالم ـ ومنه عالمنا العربي والسلمي ـ في هذا الوقت ،مما يصح أن تسمى هذه الفترة من التأريخ بفترة «الهيمنة المريكية » على البشرية .. ...وإن أمريكا قد ورثت عن الدولة الغربية الستعمارية استعمارها وسلطانها على البلدان التي كانت خاضعة لسيطرة تلك الدول ـ إل ما خضع للستعمار الروسي فيها ـ بل إن الدول الغربية الستع مارية ذات التاريخ الستعماري ـ إسبانيا والبرتغال وإيطاليا وهولنده وبلجيكا وفرنسا وبريطانيا ـ أصبحت خاضعة لمريكا ،ودائرة في فلكها متمتعة بحمايتها ..إن إمريكا بدأت تظهر بوجهها الستعماري الكالح في اعقاب الحرب العالمية الثانية ،تلك الحرب التي حطمت الدول الوروبية المستعمرة ،وجعلت شمسها تغرب عن مستعمراتها ،فاستلمت أمريكا الراية ا لستعمارية الجاهلية الدنسة ،وأم عنت في استعمارها وهيمنتها وسلطانها على البلدان الخاضعة لها،على الطريقة المريكية البدائية ،بصلفها وعنج هيتها وغرورها وغطرستها... أما روسيا التي تقابل أمريكا في استعمارها وجاهليتها وصلفها وقوتها وهيمنتها فإنها ليست اقل منها في الروح الستعمارية ،ولكنها أقل منها في الحركة والخطط والمؤامرات والدسائس وإخضاع القطار الخرى.. فهي متصفة بصفات الدب الروسي البطيء العاجز ... وخضع عالمنا العربي والسلمي بعد الحرب ال عالمية الثانية للنفوذ المريكي ،واكتوت شعوبه بالصلف المريكي ،وذاقت النتهازية المريكية ،وطبقت أمريكا على هذا العالم ما تريد من مناهج ونظم ،ومبادئ وقيم، وثقافات وفنون ،واخلق وسلوك ،ومؤامرات ودسائس ،وحروب واحداث... وتعرف كثيرون من أفراد هذا العالم ـ العربي والسلمي ـ على النموذج المريكي ،ووقفوا على سمات «امريكا » وأبصر «المبصرون » من هؤلء أمريكا على حقيقتها ،وعرفوا حقيقة مبادئها وحضارتها ونظامها ومناهجها وعلومها ومعارفها ،ومن ثم عرفوا كيف يقيمونها وكيف يزنونها ،وكيف ينظرون إليها ...وأخيرا عرفوا ً رصيدها من المبادئ والقيم ،والخلق والمثل،وعرفوا حقيقة رسالتها،وخلفية أهدافها ورايتها
ودعايتها،وعرفوا الكثير من دسائسها ومؤامراتها وأحابيلها ،ومكرها وكيدها وانتهازيتها ...ولذلك راحوا يبصرون المة السلمية بما َُ ّ يجري ،ويعرفونها على حقيقة أمريكا ودورها في المنطقة ،ويحذرونها من الخطر المريكي الماحق المدمرّ ، ١ ويبينون لها عواقب الستسلم والخضوع لمري كا ،والثمار التي ستجنيها من ذلك .راحوا يبينون للمة أمريكا وحضارتها ونظامها وقوتها ،ويعرضونها على حقيقتها ،وعلى ضآلتها ،وعلى قزامتها ،وعلى انتفاشها، وعلى غرورها ،وعلى زخرفتها... وفي الحقيقة نقول :إن عداء أمريكا للسلم والمسلمين كبير ،وإن أمريكا قد ورثت من الشعوب والدول الخرى حقدها على السلم والمسلمين،وعداءها وصليبيتها ومكرها وكيدها ـ وهذا كله كبير ـ ثم أضافت إلى ذلك الرث البغيض ما اتصفت به الشخصية المريكية من بدائي ة وعناد وغرور وصلف ،وادعاء وانتفاش ،فجاء عداؤها لهذه المة ومكرها وكيدها لها كبيرا (وإن كان مكرهم لتزول منه الجبال) [إبراهيم.] ٦٤ : ً ولما كنا قد أبصرنا كثيرا من هذه المور بعينين إسلميتين ،ووقفنا على حقيقة الدور المريكي ،وعرفنا قيمة ً أمريكا ووزنها بالميزان السلمي ـ والله الحمد ـ فقد ازددنا قناعة وثقة ويقينا بالسلم ،وازددنا استعلء ـ ً باليمان ـ على المظاهر المريكية الخادعة ـ والله الحمد على توفيقه وفضله وتثبيته ،ونسأل االله المزيد من ذلك والثبات عليه ـ . ولما كنا نطلع على آثار سيد قطب المختلفة ،من مقالت ودراسات وقصائد وكتب ،ـ أثناء إعدادنا رسالتي الماجستير والدكتوراه ـ فقد وقفنا على مقالت لسيد قطب بديعة ،عن أمريكا وحقيقتها وقيمها ورسالتها وخطرها، كما وقفنا على إشارات عن أمريكا ورسالتها وخطرها في مقالت ورسائل له ،وفي مؤلفات أصدرها ـ ومنها الظلل ـ ..وقد أعجبنا بما في تلك المقالت والشارات من تحليلت دقيقة ،ونظرات نافذة ،ومعلومات صحيحة ، وكلم سليم ،وتقييم مطرد دائم ...وقد حصل سيد قطب على ذلك كله عندما أوفد إلى أمريكا في نهاية الربعينيات، ُ َِ وبقي فيها سنتين كاملتين . وقد كان سيد قطب يعد دراسة عن أمريكا ،وضع فيها خلصة ملحظاته وتحليلته هناك ،وهي «أمريكا التي رأيت » وقد ضاع هذا الكتاب العجيب العميق في جملة ما ضاع من تراثه الفكري ،وحرمنا وحرمت الجموع المؤمنة الواعية المجاهدة من هذا الخير العظيم ...ول حول ول قوة إل باالله... وبما أن مقالت سيد قطب المذكورة في ثنايا مجلت قديمة موضوعة على رفو ف المكتبات المركزية
في بعض الجامعات ،وبما أن كثير ا من المؤمنين ل يتمكنون من الوقوف على كلمه كله في تلك المجلت ،سواء المقالت ً منه أو الشارات ،وبما أننا أعجبنا بكلمه عن أمريكا ،وأدركنا صدقه وصحته بحيث ينطبق على أمري كا في هذه اليام ـ في أواسط الثمانينات ـ وهو الذي كتب عنها في نهاية الربعينيات ...لذلك كله أحببنا أن نقدم للناس هذا الكتاب ،وأن نضع بين أيديهم هذه الحقائق ،وأن نخرج هذا الكنز من كنوز سيد قطب من بين أطواء المجلت ليرى النور ،لعله يقدم مزيدا من الحقائق عن أمريكا ،ويساهم في تحذير هذه المة من الخطر المريكي ،وفي إعادتها الى ً مصدر قوتها وعزها وسعادتها ... وقد قسمنا هذا الكتاب إلى قسمين: القسم الول :دراسة وضعناها بين يدي كلم سيد قطب الذي جمعناه ،وهدفنا من الدراسة أن نزو د القارئ ّ بمعلومات تأريخية عن سيد قطب وأمريكا ،وأن نعطي القارئ خلصة تقييم سيد قطب لمريكا . وجاءت الدراسة في ثلثة فصول : ٢ الفصل الول :سيد قطب في أمريكا : أشرنا فيه إلى نشاطه في مصر قبل إيفاده إلى أمريكا ،وبي نا ان إيفاده الى أمريكا كان بقصد التخلص منه ، ّ وعرفنا على حقيقة مهمته في أمريكا ،ورافقناه في رحلته إليها ،وما جرى له في الرحلة من أمور، بصرته بنفسه ّ ورسالته ودوره ودينه ،وكان هذا توفيقا من االله سبحانه ،وتحقيقا لرادته عز وجل ،ثم أشرنا إلى تنقله بين وليات ً ً أمريكا ،وإلى صور من نشاطه هناك ...وأخيرا عودته إلى مصر بعد سنتين كاملتين ..ثم اصطدامه بأعوان أمريكا ً في مصر ،واستقالته من وزارة المعارف ومهاجمته لهم ولمريكا معهم... الفصل الثاني :تقييم سيد قطب لمريكا : بينا فيه الساس السليم والصحيح والمنضبط في التقييم ،وهو الذي استخدمه سيد قطب في تقييمها، فجاءت أحكامه صائبة ،ونتائجه صحيحة ...بينا من خلل كلم سيد قطب عن أمريكا ـ في الماكن المتفرقة ـ أصل المريكيين ونفسياتهم ،ثم تمكن صراع البقاء وشهوة الحرب في نفوسهم ،وعرفنا على مشاعرهم وعواطف هم ...وبينا ّ ان في أمريكا مساحات شاسعة ما زالت تعتبر أرض ا بكرا ،وأن أمريكا هي «ورشة ضخمة » ليس إل .. ثم تحدثنا ً ً
عن البدائية المريكية ،وأشرنا إلى نماذج من هذه البدائية :البدائية في النظرة إلى الدين .والنظرة الى الجنس . والنظرة إلى الفن .واللعاب الرياضية .والذواق والمزجة...ثم شاركنا سيد قطب إشفاقه على البشرية من أمريكا لنها تمثل النتهازية،ولن شعبها بدون مشاعر أو اخلق أو اعصاب ..ثم أشرنا إلى أن أمريكا تعيش عقوبة الفطرة الربانية التي خرجت عليها ،فحقت عليها سنة االله ،وأنها قد وضعت قدميها على أول طريق الزوال والسقوط ،وأنها تعيش بداية نهايتها.وقد ختمنا هذا الفصل بالشارة إلى أهم فضائل أمريكا . الفصل الثالث :كلم سيد قط ب عن أمريكا: هدفنا منه إلى تعريف القارئ بأماكن ذلك الكلم التي يوجد فيها وأنواعه ،فهو إما رسائل لسيد قطب بعثها من أمريكا إلى أهله وأقاربه ومعارفه وأصدقائه ،وإما مقالت أوردها في مجلت عن أمريكا ،وإما إشارات لمريكا في كتبه السلمية وفي طليعتها الظلل ..و ختمنا هذا الفصل بتعريف القارئ بمصير كتابه «أمريكا التي رأيت » . القسم :النصوص : خصصنا هذا القسم لكلم سيد قطب عن أمريكا ،وقد جاء هذا القسم في أربعة فصول. الفصل الول :مقالت سيد قطب عن أمريكا : أوردنا فيها المقالت التي تحدث فيها عن أمريكا ،وخصصها كلها لذلك الحديث .ومن المقالت التي أوردناها ، مقالته الثلث التي نشرها في مجلة الرسالة بعنوان «أمريكا التي رأيت :في ميزان القيم النسانية » وهي التي تعتبر صلب هذا القسم وزبدته وأهم ما فيه ،ومن هذه المقالت «الضمير المريكي وقضية فلسطين » و «إسلم أمريكاني » و «عدونا الول الرجل البيض » في مجلة الرسالة .ومقالة «حمائم في نيويورك »في مجلة الكتاب . وختمنا هذا الفصل بإيراد قصيدتين له قالهما وهو في أمريكا «هتاف الروح » في الرسالة و «ودعاء الغريب » في الكتاب. ٣ الفصل الثاني :إشارات سيد قطب في المجلت عن أمريكا : وهي إشارات مجملة وردت ضمن مقالة له كتبها في أمريكا ،أو رسالة له بعثها من أمريكا ،تحدث فيها عن موضوعات أخرى ،فأخذنا منها الجزء المتعلق بهذا الكتاب ،وتركنا الباقي .أوردنا في هذا الفصل تعليق سيد قطب على مقال «العشرون الذين صاغوا القرن العشرين » وإشارته في مقالي « موسيقى الوجود » و «في الدب والحياة » في مجلة «الكتاب » ثم أوردنا ما يتعلق بموضوع الكتاب من رسائله إلى كل من :توفيق الحكيم، وعباس خضر، وأنور المعداوي. الفصل الثالث :إشارات سيد قطب في الظلل عن أمريكا : حيث لحظنا أن سيد قطب استخدم أمريكا وسيلة إيضاح ـ وهو يفسر آيات القرآن الكريم ـ فيلتفت إلى النموذج المريكي المجسم للمادية والجاهلية والكفر والنحلل ،ويبين صدق انطباق الية عليه ،وصدق الدللة الناتجة عنه ..وبلغت هذه الشارات في الظلل خمس عشرة إشارة . الفصل الرابع :إشارات سيد قطب في كتبه السلمية عن أمريكا: حيث ل حظنا في هذا الفصل أيض ا ان سيد قطب كان يلتفت إلى الواقع والنموذج المركي ،وهو يقدم
لنا السلم ً ومبادئه وقيمه وحضارته ،باعتبار أمريكا نموذج ا مجسم ا للنظام والحضارة والحياة الجاهلية .والكتب التي وجدنا ً ً تلك الشارات فيها هي « :معركة السلم والرأسمالية » و «السلم العالمي والسلم » و «دراسات إسلمية » و «السلم ومشكلت الحضارة » و « معالم في الطريق ». وختمنا هذا الفصل بتحليل صائب لسيد قطب عن دور أمريكا في المنطقة واحتكارها لها ،وقصيدة لسيد قطب يصور فيها أتباع أمريكا وعملءها وهي قصيدة «هبل ..هبل » . ونحب أن نبين للقارئ الكريم أننا اجتهدنا في القسم الثاني ـ بفصوله الربعة ـ في تقسيم كل مقالة أو رسالة أو إشارة إلى أقسام جزئية ،واجتهدنا في وضع عنوان جانبي لهذه الفقرة الجزئية ،وحرصنا على أ ن يكون العنوان معبرا عن الفقرة ،دال على موضوعها .. .الذي حملنا على هذا هو حرصنا على «التصنيف الموضوعي » ً لكلم سيد قطب أول ،ثم رغبتنا في تسهيل المر على القارئ ،وحصر الموضوع امامه ،وشد انتباهه له ً . ونرجو أن نكون قد وفقنا في تقسيم الفقرات ،ثم في اختيار العناوين ... لقد كتب كثيرون عن أمريكا ،وسجلوا نظراتهم وتحليلتهم ،ولكنهم اختلفوا باختلف المنظار والميزان والزاوية والرضية ..ولقد كتب إسلميون عن أمريكا في المجلت السلمية ،وأفادوا كثير ا في مقالتهم عنها.. وهناك كتب ً ستصدر عن «الظاهرة المريكية » في التحذير منها وتحليلها ـ منها كتاب الستاذ يوسف العظم «أمريكا تنهار من الداخل » الذي أعلن عنه ـ لكن يبقى لسيد قطب دقته وعمقه وتحليلته ،ويبقى لكلمه أصالته ومنهجيته وموضوعيته ..وأهم من هذا كله يبقى لسيد قطب ولكلمه « سبقه » الزمني ،حيث قال ه في نهاية الربعينيات ومطلع الخمسينيات من هذا القرن.. وإننا نبارك كل الجهود الصادقة ،في تحليل «الظاهرة المريكية » وتعريتها والتحذير منها ،ونشجع كل كاتب أو أديب أو محاضر أو صحفي ،يبص ر الناس بالخطر المريكي ،ويحذرهم من عواقبه ،ويربطهم بمصدر قوتهم وعزتهم ..وهو إسلمهم العظيم ..وإننا نثني على كل كلمة مخلصة تصدر عن لسان مؤمن ،وقلب منيب سليم ،تبين ٤ أمريكا على حقيقتها وإفلسها ..وتحذر من التبعية لها في السياسة أو القتصاد أو الخلق أو الجتماع أو الفن او التعليم أو غير ذلك ..ونعتبر كل هذا الجهد المبارك مساهمة صادقة من المخلصين في «بعث » المة السلمية بعث ا ً إسلمي ً ،وتعريفها على عدوها اللدود ـ «النظام المريكي » ـ وتزويدها بمختلف الوسائل لل ستعلء ا عليه ثم مهاجمته وهزيمته ،ووراثته على منهج االله وشرعه..
فإلى العاملي ن المخلصين نقدم هذه المساهمة ،ونهدي هذا الكتاب ،ليزدادوا ثقة ويقين ا واستعلء ومعرفة ،وإلى ً الناس من المخدوعين و «المضبوعين » نقدم هذا الكتاب لعلهم يستيقظون ويعقلون ...ونسأل االله أن ينفع بنا ،وأن يتقبل منا اعمالنا ..وان يرحم استاذنا الشهيد سيد قطب ،ويعلي منزلته في عليين ..ان اريد إل الصلح ما استطعت ،وما توفيقي إل باالله ،عليه توكلت وإليه أنيب .. الدكتور صلح عبد الفتاح الخالدي القسم الول الدراسة الفصل الول :سيد قطب في أمريكا الفصل الثاني :تقييم سيد قطب لمريكا الفصل الثالث :كلم سيد قطب عن أمريكا الفصـل الول سيد قطب في أمريكا ١ـ نشاط سيد قطب في مصر قبل إيفاده إلى أمريكا : عاشت مصر في الربعينيات من هذا القرن حياة قلقة ،وبخاصة بعد الحرب العالمية الثانية ،وكانت مظاهر القلق والتخبط والضطراب بارزة في حياتها الجتماعية والخلقية والسياسية .ونشطت الدعوات المختلفة، وصار كل فريق يتقرب إلى جماهير الشعب المظلومة ي منيها بوعوده البراقة ،وآماله العريضة .وكان للدعوة الشيوعية انتشار ُ ّ ّ في هذه الوساط . وكان سيد قطب قد وصل إلى قمة عطائه الدبي والنقدي ،ونشر العديد من مقالته النقدية في المجلت الدبية الشهيرة مثل «الثقافة » و «الرسالة » كما ظهرت له بعض الدراسات النقدية مثل « كسب وشخصيات » و «النقد الدبي أصوله ومناهجه » وأصبح بعد منتصف الربعينيات متربع ا على عرش «النقد » في مصر ،واعترف له الكثيرون ً بالريادة والستاذية . وكان ل بد أن يلتفت سيد قطب ـ وهو الديب الصادق ـ إلى ما يعيشه قومه ،فلم يكن مثل بعض الدباء يعيش في «برج عاجي » يداعب أحلمه وخيالته ...أو يحاور سكان « مدينته الفاضلة » ..لقد كان لسيد قطب حضوره الدائم مع شعبه ومعاناته الحية معهم ،ومشاركته ل هم حياتهم ،وتحسسه للمهم ونكباتهم ،وبصورة بالمظاهر الشائهة التي ترتسم على مجتمعهم... كان يغضب لتحكم رجال القطاع والباشوات في أفراد الشعب المحروم ،ولستغلل رجال القصر وأتباع الملك خيرات الشعب .ولسيطرة رجال الحتلل النجليزي وأعوانهم على مقاليد المور .ولفساد الحزاب برجالها ٥ ومناهجها وبرامجها ..وكان يشفق على هذا الشعب المسكين أن يقع بعض أفراده ضحايا الظلم الجتماعي والستبداد السياسي ،أو فرائس الحبائل التنصيرية والشيوعية !!..
ولم يكتف سيد قطب بالنظر إلى تلك المور من بعيد ،وإعلن ألمه وإشفاقه وسخطه من بعيد أيضا .. بل حمل ِ ً سلحه ـ الفكر والقلم والكلمة ـ ونزل إلى الميدان .. وظهرت مقالت لسيد قطب في المجلت السيارة ،أعلن فيها غضبه وسخطه على ما يحدث .وكان في مقالته ومعالجاته يصدر عن نظرة إسلمية ،وينطلق من مبادئ السلم ،وبخاصة في مجال العدالة الجتماعية ـ وكان في هذه الثناء يعيش أفكار كتابه «العدالة الجتماعية في السلم » ـ وكان لمقالته أثر ملموس في أوساط القراء. ثم أحب أن تكون له مجلة تنطق باسمه ،وتكون معرضا لفكاره وآرائه في ا ًصلح ،ويسر االله له من يمول ً ل مشروعه ،وهو الحاج محمد حلمي المنياوي ـ صاحب دار الكتاب العربي وعضو جماعة الخوان المسلمين ـ فاتفق الرجلن على إصدار مجلة «الفكر الجديد » يكون المنياوي ممول لها ،ويكون سيد قطب مشرف ا عليها ومحررا ً ً ً لها ،وترك المنياوي لسيد قطب الحرية الكاملة في كتابة ما يريد ... صار سيد قطب يكتب مقالته النتقادية الجريئة في المجلة .ويصب جام غضبه على المظاهر الجتماعية والسياسية الشائهة في المجتمع ،ويشير بأصابع التهام إلى المسؤولين عن السوء والفساد في البلد . وكان أكثر هجومه على رجال الحاشية الملكية ورجال القطاع ورجال الحزاب والباشوات وأغنياء الحرب وعملء النجليز .. حارب القصر والحكومة مجلته ـ «الفكر الجديد » ـ فحدا من انتشارها وتوزيعها .ثم سحبت الحكومة رخصة المجلة وأغلقتها بعد صدور اثني عشر عدد منها . وضاقت الحكومة ذرعا بسيد قطب ،وأزعجها بمواقفه وكلمه ومقالته ،فضيقت عليه وأقفلت في وجهه وسائل ً النشر . لم تجد الحكومة القائمة ما يبرر اعتقالها له ،ولم يكن بين يديها حجة قانونية في ذلك .رغم فساد العهد الملكي في ذلك ال عهد إل انه كان للقانون احترامه .ورغم شدة مقالت سيد قطب إل أنه كان يصوغ عباراته بحيث ل يكون عليه فيها مأخذ قانوني. ورغم أن القصر الملكي أوعز للحكومة باعتقال سيد قطب ،إل أن الحكومة لم تجد لها مستندا قانوني ا يبرر لها ً ً ذلك ،بالضافة إلى تعاطف رئيس الوزاء في ذلك العهد مع سيد قطب ـ وهو محمود فهمي النقراشي ـ الذي كان له صلة حزبية بسيد قطب عندما كان الرجلن عضوين في حزب الوفد .١ ٢ـ إيفاده إلى أمريكا بقصد التخلص منه: أرادت الحكومة التخلص من سيد قطب بطريقة تبدو مقبولة ،وتظهر فيها مصلحته الشخصية وحرصها على تحقيقها له ،كما أرادت أن تحول بين إيقاع الذى عليه من القصر ،وفي نفس الوقت لم تشأ أن تقف في وجه القصر
علنية ،وأن تظهر مخالفتها له. 1أنظر في هذا الموضوع :كتابنا سيد قطب الشهيد الحي ـ طبعة مكتبة القصى٨١١ :ـ ٩١١و ٥٢١ـ .٧٢١ومقابلة محمد قطب مع مجلة الغرباء في بريطانيا في العدد الثالث من السنة الثانية عشرة تاريخ رمضان ٥٩وفق سبتمبر .٥٧٩١صفحات٨ :ـ ٩وانظر «سيد قطب الديب الناقد » لعبد االله الخباص صفحة . ٩٩ ٦ وبما أن سيد قطب مغضوب عليه من قبل القصر وبما أن الحكومة نفسها متضايقة من مقالته وانتقاداته ،لذلك فكرت في حل يرضي جميع الطراف .وكان يتمثل في إيفاده ـ أو إبعاده ـ إلى أمريكا . حتى وزارة المعارف التي كان يعمل بها سيد قطب ،كان المسؤولون فيها غير راضين عنه ،إذ إنه لم يكن الموظف الذي يخضع ويخنع ،أو يذل ويستكين ،أو يتزلف ويتذبذب ،أو يرضى أن يكون مجرد موظف ل يقوم بشيء ،ول يهمه أي شيء ،وقصارى أمله أن يحصل على التقاعد والحالة على المعاش ،فيجلس على مكتبه يعد ما تبقى له من خدمة ،وينتظر الحالة بحماس وشوق . كثيرا ما قدم المقترحات لصلح العمل في وزارة المعارف .وكثيرا ما أعد الخطط والبرامج لذلك، وكثيرا ما ً ً ً اصطدم ـ بسبب ذلك وغيره ـ بالمسؤولين والمنتفذين في الوزارة. وإذا ل حظنا تغير الوزير باستمرار ،فل بد أن يغير رجال الوزارة تغييره ،وإذا ل حظنا التضارب والتناقض والتشاكس والختلف بين الوزيرين ـ الس ابق والحالي ـ فل بد أن يغير رجال الوزارة آراءهم وأفكارهم، وأن يعيدوا تشكيلها حسب الوضع الجديد أو الظروف الجديدة السائدة .ويبقون هكذا في عملية تغيير للفكار والراء والمواقف والعتبارات والخيارات ،حتى الذواق والهتمامات !لن عملية تغيير الوزراء المتشاكسين ل تنتهي . ولم يكن سيد قطب من هذا النوع الذي يغير مواقفه بتغيير رؤسائه ،ولكنه كان ثابت ا عند قناعاته وأفكاره ..وتبع ا ً ً لذلك لم يكن بالمرضي عنه عند المتشاكسين ،وكان مادة نكاية وسعاية عند المتزلفين لولئك المتشاكسين ..ولذلك كثيرا ما ضيقوا عليه ،ووجهوا له إنذارات ..وكثيرا ما كان يفكر بالستقالة ،بل لقد قدمها مرة في الربعينيات ،ولم ً ً يثنه عنها سوى رئيسه ـ في ذلك الوقت ـ الدكتور طه حسين. هذا بالضافة إلى ما تجره عليه مقالته المختلفة في المجلت من أذى وتضييق في وزارة المعارف. ل نستغرب إذن التقاء رغبات الطراف الثلثة على التخلص من سيد ـ القصر والحكومة ووزارة المعارف ـ (. ) ١ ٣ـ حقيقة مهمته في أمريكا : التبس على الكثيرين حقيقة مهمة سيد قطب في أمريكا وراحوا يخمنون عن هذه المهمة ،ويجتهدون في بيان عمله هناك .ويخرجون بنتائج وأحكام خاطئة ،لنهم بنوها على الفتراضات والجتهادات الظنية .وحددوا له مهمة ّ
ل تتفق مع مهمته الحقيقية . ذهب البعض إلى أن سيد قطب كان مبعوث ا من قبل وزارة المعارف إلى أمريكا للحصول على شهادة الماجستير . ً وذهب آخرون إلى أبعد من ذلك وأغرب ،حيث اعتبروه موفدا للحصول على شهادة الدكتوراه ـ التي يجوز أن ً يحصل عليها قبل حصوله على الماجستير! كما أوحى إليهم خيالهم ـ وأنه مكث سنتين هناك دون حصوله على هذه أو تلك. فما هي حقيقة مهمته إلى أمريكا؟ لماذا أوفدوه إليها؟ وما هو عمله هناك؟ ل ننسى ـ كما قلنا قبل قليل ـ أنهم أرادوا التخلص منه أول ،يعني أن المهم أن يخرج سي د قطب من مصر إلى أمريكا ،ول يهم تحديد مهمته هناك ،إن ً تحديد المهمة أمر ثانوي في نظر بعض هؤلء .فالمهم أن يخرج والسلم. ( )1انظر في هذا :سيد قطب الشهيد الحي٤٩ :ـ ٨٩ـ و . ٥٢١ ٧ وبما أن سيد قطب كان يعمل في التفتيش الفني في وزارة المعارف ،ثم في المناهج الدراسية والتعليمية ،فل بد أن تكون مهمته ـ في الظاهر ـ تتفق مع عمله الذي كان يقوم به . كانت مهمته هناك بالتحديد «دراسة المناهج التعليمية في الوليات المتحدة المريكية » ،ول يقوم بهذه الدراسة كطالب يريد الحصول على الماجستير ـ أو الدكتوراه ـ وإنما كخبير في المناهج ،ومتخصص في البرامج وباحث في الساليب . ولم يكن مقيدا في بعثته ـ أو مهمته ـ بجامعة معينة ،أو مواد خاصة نظرية للدراسة ،كما لم تكن هذه البعثة ً مقيدة بزمن معين .وتركت له الحرية في مجال الدراسة وميدانها وتخصصها وزمانها ! ..ألم نقل إن المقصود إخراجه من مصر ،وما سوى ذلك ل يعني المسؤولين؟ بعدما تلقى سيد قطب دراسة خاصة باللغة النجليزية ،التي لم يكن قد تلقاها أثناء دراسته في كلية دار العلوم، صار يقوم بجولت عملية ميدانية للطلع على مناهج الدراسة في مختلف الجامعات والمعاهد المريكية، ويتعرف على برامج وأساليب التدريس في تلك الجامعات والمعاهد. وشملت جولته مختلف المدن هناك من نيويورك إلى جريلي ودنفر وسان فرنسيسكو ... مهمته هناك عملية ميدانية ،ومدتها مفتوحة ،وأمر إنهائها بيده هو( . )١ ٤ـ في طريقه إلى أمريكا : لم يغادر سيد قطب إلى أمريكا إل بعد منتصف عام .٨٤٩١وقد علمنا أنه حتى نهاية شهر آغسطس ( آب)عام ٨٤٩١كان ل يزال في القاهر ة .حيث أخبرنا الستاذ عباس خضر ان سيد قطب تدخل لدى قسم شرطة حلوان لخراج عباس من القسم ،بعد أن أوقفوه لشكهم فيه ،وكان هذا في النصف الثاني من شهر أغسطس المذكور(. )٢ ويطيب لي في هذه المناسبة إيراد كلم عباس خضر حول الحادثة بعد مضي حوالي عشرين سنة عليها
لدللت ها على نفسية سيد قطب وهمته ودوره الجتماعي : قال في مقاله« :وهؤلء عرفتهم :سيد قطب » في مجلة الثقافة « :ول أنسى ليلة قضيها في قسم «البوليس »بحلوان ...إذ اشتبه في رجل غبي ،وكنت في منطقة «عين حلوان » أتنزه ،فلما رآني هناك ليل أمسك ً بي ،متهما أياي بوضع قنبلة عند العين لنسف مبناها .وعلى هذا الفتراض فأنا عميل صهيوني ...وكان ً ذلك عقب قيام إسرائيل. قال لي ضابط الشرطة «النوبتجي » في القسم :أتعرف أحدا بحلوان يضمنك؟ قلت :نعم ،وأمليت عنوان سيد قطب ً ـ وكان ل يزال مأمونا موثوقا به عند السلطات ...وجاء الصديق المنجد ..جاء لبس ا معطفا فوق «البيجامة » ً ً ً ً وبقدميه «شبشب » لم يلبث حتى يستبدل به حذاء..عرف الموضوع من رجل الشرطة الذي استدعاه، فلما دخل ورآني أشار إلي ضاحكا وهو يقول للضابط :إنه صهيوني ل تدعوه يفلت! وخرجت من القسم ناجيا من النوم على ً ً ( )1انظر :سيد قطب الشهيد الحي ٥٢١ :وسيد قطب الديب الناقد للخباص: . ٠٠١ ( )2انظر مجلة الرسالة سنة ٦١مجلد ٢عدد ٠٩٧ :تاريخ ٣٢أغسطس ٨٤٩١ صفحة . ٥٦٩ ٨ «البرش » في الساعة الثانية بعد منتصف الليل .وكتبت على أثر ذلك كلمة في الرسالة بعنوان «الدب والفن في قسم حلوان » ومما يذكر أن الضابط كتب في المحضر« :وبتفتيشه عثر في جيبه على شعر ومقالت. )١ (» .. غادر سيد قطب السكندرية إلى أمريكا في أواخر عام ٨٤٩١م ،على ظهر باخرة عبرت به البحر المتوسط والمحيط ا لطلسي ..وهناك على ظهر الباخرة جرت له عدة حوادث أثرت في حياته فيما بعد ،وعاش بعض المشاعر والخواطر التي رسمت له مستقبله وحددت له طريقه! ولذلك ما أن غادر الباخرة في الميناء المريكي الذي وصله ،وما أن وطئ قدماه أرض أمريكا حتى كان قد عرف طريقه ،وحدد رسالته ،ورسم معالم حياته في الدنيا الجديدة!.. لما وجد نفسه على ظهر سفينة سابحة وسط المياه ،أحس مظاهر رحمة االله وعنايته ،وعاش ألوانا من نعمة االله ً عليه ،وأدرك بكل كيانه ومشاعره آية االله في هذا ،وكان في هذا كله يفسر تفسيرا عمليا قوله تعالى ( إن في خلق ً ً السموات والرض ،واختلف الليل والنهار ،والفلك التي تجري في البحر بما ينفع الناس ،وما أنزل االله من السماء من ماء فأحيا به الرض بعد موتها ،وبث فيها من كل دابة ،وتصريف الرياح ،والسحاب المسخر بين السماء
والرض ..ليات لقوم يعقلون )( . )٢ وقد عرض لنا بعض ما كان يحسه ويعيشه من ذلك ،عندما فسر هذه الية بعد سنوات ،حيث قال: «وأشهد ما أحسست ما في هذه اللفتة من عمق ،قدر ما أحسست ونقطة صغيرة في خضم المحيط ،تحملنا وتجري بنا ،والموج المتلطم والزرقة المطلقة من حولنا ،والفلك سابحة متناثرة هنا وهناك ..ول شيء إل قدرة االله ،وإل رعاية االله ، وإل قانون الكون الذي جعله االله ،يحمل تلك النقطة الصغيرة على ثبج المواج وخضمها الرهيب (. ) ١ وفي موضع آخر يخبرنا سيد قطب عن حالته اليمانية ،وانفعاله المؤثر ومشاعره الج ياشة ،وهو على ظهر الباخرة ،وتعبيره عن هذا بعبارة « موسيقى الوجود ». «...أحسست هذه الموسيقى العلوية الشاملة ..موسيقى الوجود .مرة وأنا في عرض المحيط ،والباخرة تمر مر الريح على وجه الخضم ،والنسيم رخاء .والليل ساكن والقمر مفضفض الللء ...لست أدري كيف أحسست ،ولست أدري كيف أقول .إل أن قول واحدا انساب على لساني في تلك اللحظة التي أومضت في روحي كما تومض الشعلة ً ً فتكشف لي الطريق إلى بعيد ثم تغيب ..تعبير واحد أحسست فيه كل ما فاض على خاطري في تلك اللحظة من قدسية وشفافية وتسبيح ..موسيقى الوجود »(. ) ٢ وفي ظلل هذه الحالة اليمانية راح يخاطب نفسه «أأذهب إلى أمريكا وأسير فيها سير المبتعثين العاديين الذين يكتفون بالكل والنوم ،أم ل بد من التميز بسمات معنية؟ وهل غير السلم والتمسك بآدابه واللتزام بمناهجه في الحياة وسط الل معان المترف المزود بكل وسائل الشهوة واللذة والحرام؟ وأردت أن أكون الرجل الثاني. ) ٣( » .. ( )1مجلة الثقافة :مجلد ٨سنة .٤عدد ٧٤تاريخ أغسطس ٧٧٩١صفحات ٨٤ـ .٩٤ ( )2البقرة.٤٦١ : ( )1الظلل .٢٥١ :١ ( )2انظر مقالة «موسيقى الوجود »في مجلة الكتاب .مجلد ٩جزء ٤تاريخ أبريل ٠٥٩١صفحة. ٦٢٣ : ( )3مجلة الشهاب سنة ٦عدد ٩أيلول ٢٧٩١صفحة.٨ : ٩ من هذه الروايات عن سيد قطب نفسه عرفنا كيف كان ركوب ه الباخرة ومروره بتجربتها وسط المواج ،عامل خير يسره االله له ليتحدد سيره في طريق السلم وتثبيت قدماه عليه . ولذلك ثبت أمام الم غريات والغراءات على ظهر الباخرة ـ والتي سأ شير إليها بعد قليل ـ ثم انتقل إلى خطوة َ أخرى عملية مارس فيها إسلمه وجهر بأداء شعائره على ظهر الباخرة ! فها هو يرى مبشرا يحاول تنصير المسلمين من ركاب الباخرة ،ويعرض عليهم مبادئه بأساليبه الملتوية، فيثير
َ ً هذا سيد قطب ويوقظ مشاعره اليمانية ..ويذهب إلى قبطان الباخرة ويطلب منه السماح لكل المسلمين عليها بأداء صلة الجمعة ،ويشارك جميعهم بتلك التظاهرة السلمية ـ حتى عمال السفينة ولعلها أول مرة يشاركون فيها ـ ويقف سيد قطب خطيبا في هؤلء ..وتؤدى صلة الجمعة وسط نظرات ودهشة واستغراب الخرين .. ً وقد كان من هذا الحادث مؤثر ا عند سيد قطب ،استقر في اعماق نفسه ،وكان يستحضره ويسجل دللته . .وفي ً الظلل أشار إليه في عدة مواطن« ،ووظفه » دليل على إعجاز القرآن في تأثيره حتى في م ن لم يعرف اللغة ً َ العربية. ونظرا لرتباط كلمه عن ذلك الحادث بحديثنا عن ما جرى له في طريقه إلى أمريكا فإننا نورد كلمه عنه ً في تفسيره لسورة يونس : «إن الداء القرآني يمتاز ويتميز عن الداء البشري ..إن له سلطانا عجيبا على القلوب ليس للداء البشرى ،حتى ً ً ليبلغ أحيانا أن يؤثر بتلوته المجردة على الذين ل يعرفون من العربية حرفا .وهناك حوادث عجيبة ل يمكن ً ً تفسيرها بغير هذا الذي نقول ـ وإن لم تكن هي القاعدة ـ ولكن وقوعها يحتاج إلى تفسير وتعلي ل . ولن أذكر نماذج مما وقع لغيري ،ولكني أذكر حادثا وقع لي وكان عليه معي شهود ستة ،وذلك منذ حوالي ً خمسة عشر عاما ..كنا ستة نفر من المنتسبين إلى السلم على ظهر سفينة مصرية تمخر بنا عباب ً المحيط الطلسي إلى نيويورك ،من بين عشرين ومائة راكب وراكبة ليس فيهم مسلم .وخطر لنا أن نقيم صلة الجمعة على ظهر السفينة! واالله يعلم ـ أنه لم يكن بنا أن نقيم الصلة ذاتها أكثر مما كان بنا حماسة دينية إزاء مبشر كان يزاول عمله على ظهر السفينة ،وحاول أن يزاول تبشيره معنا! ...وقد يسر لنا قائد السفينة ـ وكان إنجليزي ًـ أن نقيم ا صلتنا ،وسمح لبحارة السفينة وطهاتها وخدمها ـ وكلهم نوبيون مسلمون ـ أن يصلي منهم معنا من ل يكون في «الخدمة » وقت الصلة ! وقد فرحوا بهذا فرح ا شديدا ،إذ كانت المرة الولى التي تقام فيها صلة الجمعة على ظهر ً ً السفينة ...وقمت بخطبة الجمعة وإمامة الصلة ،والركاب الجانب ـ معظمهم ـ متحلقون يرقبون صلتنا ! وبعد الصلة جاءنا كثيرون منهم يهنئوننا على نجاح «القداس »!!! فقد كان هذا أقصى ما يفهمونه من صلتنا! ولكن سيدة
من هذا الحشد ـ عرفنا فيما بعد أنها يوغسلفية مسيحية هاربة من جحيم «تيتو » وشيوعيته ـ كانت شديدة التأثر والنف عال ،تفيض عيناها بالدمع ،ول تتمالك مشاعرها .جاءت تشد على ايدينا بحرارة ،وتقول ـ في إنجليزية ضعيفة ـ إنها ل تملك نفسها من التأثر العميق بصلتنا هذه وما فيها من خشوع ونظام روح ...إلخ » ( . )١ وكانت رحلة سيد قطب إلى أمريكا بداية الطريق الجديد الذي هداه االله إليه ،ووفقه لسلوكه والسير فيه ..وهو في هذا يختلف عن كثير من المبتعثين ..الذين يمنعهم الحياء ومراعاة العراف والتقاليد من النحراف ـ أو المجاهرة ( )1الظلل . ٦٨٧١ :٣ ٠١ به ـ في أوطانهم عندما ي كونون بين أهلهم ومعارفهم وذويهم ..فإذا ما فتح أمامهم باب السفر وال غتراب والبتعاث فإنهم يخلعون ثوب الحياء والتجميل ،ويمارسون حياة بهيمية يجاهرون فيها بكل حرام ،ويبدأون هذا منذ اللحظة التي يغادرون فيها الوطن ،وتغيب عن نواظرهم معالمه !! ولكن سيد قطب لم يكن من هؤلء ،وإنما كان السفر والغتراب تجربة جديدة «وظفها » للتعرف على غايته ورسم طريقه ،والسير فيه بخطوات واثقة ثابتة.. لقد فتح االله على سيد قطب في الباخرة ما فتح من رحمة فعاش فيوضاتها وخيراتها ،ومن ذا الذي يغلق ما فتح االله له؟ كان يعيش عملي ا قوله تعالى ( ما يفتح االله للناس من رحمة فل ممسك لها ،وما يمسك فل مرسل له من بعده) ً (. ) ١ وما أن حطت قدما سي د قطب أرض نيويورك ـ المحطة الولى من رحلته العلمية إلى أمريكا ـ حتى كان ً صاحب رسالة ،وجندي دعوة ،ورجل فكرة ،ملتزما بالسلم ،داعية إليه متحركا به « ،موظفا » لكل مكتسباته ً ً ً الجديدة في سبيله. ٥ـ بين إرادة االله وإرادة المريكان: يعتبر سيد قطب ـ بالتزامه بالسلم ودعوته إليه منذ أن غادر مصر إلى أمريكا ـ نموذج ا عملي ا واقعيا حي ا ً ً ً ً لتحقيق إرادة االله سبحانه الخير لعباده ،عندما تنفتح قلوبهم لهذا الخير ،ويتفاعلون مع أيحاءاته، ويسيرون خطوات عملية للتحقيق به والتزامه ،كما يعتبر نموذجا لفشل أصحاب الباطل وجنود الشر ،وتعطل إرادتهم وهزيمتها عندما ً يحادون االله سبحانه ،ويحاولون تعطيل إرادته وإيقاف أمره. أقول يعتبر سيد قطب نموذجا معاصرا لهذا المر ،لن القرآن حدثنا عن نماذج كثيرة من قصص السابقين حاول ً ً فيها الكفار والطواغيت مغالبة قدر االله ومحادة أمره ،والوقوف في وجه إرداته ...ويذهبون م شي عين باللعنة والذل ّ
ُ ّ والعذاب ..فل يكون إل ما يريده االله ..وخير مثال لهذه الرادة ما أراده االله أن يعيش بنو إسرائيل وأن يربى «بطلهم المنقذ » نبي االله موسى ـ عليه الصلة والسلم ـ في قصر فرعون ليكون هلك فرعون على يده بعد ذلك . وتعطلت إرادة فرعون وتحققت إرادة االله. وكم يخبرنا التاريخ ـ القديم والوسيط والحديث ـ عن نماذج كثيرة تخلفت وتعطلت فيها إرادة أصحاب الشر والفساد ضد السلم ومبادئه وجنوده رغم حرصهم على نفاذها وتحققها ،وأساس الخطأ عندهم أنهم يقفون أمام إرادة االله القوي القاهر ،ويريدون أن يغالبوا أمره وقدره ،وأن يعطلوا مشيئته ،وأن يطفئوا نوره ويطمسوا دينه ويقضوا على جنوده ...وما درى الغبياء السذج أنهم بعملهم هذا (إن يهلكون إل أنفسهم وما يشعرون) ( . )١لن قدر االله غالب وإرادته نافذة ،وما شاء كان وما لم يشأ لم يكن ،وسبحان من ل يعجزه شيء في الرض ول في السماء !!. وبالنسبة لسيد قطب مر بنا الهدف الذي هدفت إليه مصر وأمريكا من إيفاده إليها ،وتخطيط أمريكا لذلك .إن أمريكا كانت تعد نفسها ـ في أعقاب الحرب العالمية الثانية ـ لوراثة إنجلترا في المستعمرات الخيرة فيما وراء ( )1فاطر.٢ : ( )1النعام.٦٢ : ١١ البحار ،ولذلك كانت تجند مجموعة من قادة السياسة والقتصاد والفكر والدب والفن والصحافة ...إلخ ليكونوا جنودا لها يمهدون لستعمارها الثقافي والقتصادي والعلمي والسياسي في البلدان ً المستعمرة. وفي مصر جندت أمريكا ـ وعملؤها ممن يملكون دفة الحكم والسلطان والتخطيط والتوجيه في البلد ـ مجموعة من هؤلء ،وأعطيت لهم دورات في الخفاء ـ في مصر او في أمريكا ـ وتخرج الكثير منهم كما يريد لهم أساتذه الشر والفساد .وظهر في البلد جيش من المزورين ال مخادعين في مختلف المجالت طليعة للستعمار المريكي لمصر والعالم العربي.. واختار التعساء سيد قطب ليكون أحد هؤل ء العملء ،باعتباره في مقدمة رجال الدب والنقد والفكر في مصر.. ورسموا له الخطط لفساده أخلقيا ونفسيا وفكري ً ،ليستسلم لهم ويوظف فكره ومواهبه لخدمتهم.. وما درى أولئك ً ً ا المساكين أن االله سبحانه أراد لسيد قطب أمرا آخر ..أراد أن يكون جنديا من جنوده ،وداعية إلى دينية ،وحرب ا على ً ً ً أعدائه ..وفشل الماكرون في احتواء سيد قطب تجنيده وخاب مسعاهم (...ويمكرون ويمكر االله ،واالله خير الماكرين.) ١().. وقد أطلعنا سيد قطب على بعض الوسائل المريكية لغوائه وإغرائه ،حيث بدأوا معه بالغراء بهدف السيطرة عليه ..بدأوا معه بالنحراف الخلقي ،لن النحراف الخلقي بداية السقوط الذي يعقبه الستسلم الكامل ـ كما
أخبرتنا نماذج الساقطين المعاصرة ـ. استخدم المريكيون إحدى ساقطاتهم لغرائه وإغوائه وهو على ظهر الباخرة ..ولكن متى؟ بعد ما قرر أن يكون جندي ا الله ،وبعد ما تعامل مع رحمة االله الفياضة!!! ً . « ...وأردت أن أكون الرجل الثاني ـ المسلم الملتزم ـ وأراد االله أن يمتحنني :هل أنا صادق فيما اتجهت إليه أم هو مجرد خاطرة »؟. كان ابتلء االله له ،بعد دقائق من اختياره طريق السلم ،إذ ما أن دخل غرفته «حتى كان الباب يقرع، وفتحت ، فإذا أنا بفتاة هيفاء ج ميلة فارعة الطور شبه عارية يبدو من مفاتن جسمها كل ما يغري .وبدأتني بالنجليزية:هل يسمح لي سيدي بأن أكون ضيفة عليه هذه الليلة؟ فاعتذرت بأن الغرفة معدة لسرير واحد ،وكذا السرير لشخص واحد فقالت :وكثيرا ما يتسع السرير الواحد لثنين !! .واضطررت أ مام وقاحتها ،و محاولة الدخول عنوة لن أدفع ً ً َ الباب في وجهها لتصبح خارج الغرفة وسمعت ارتطامها بالرض الخشبية في الممر ،فقد كانت مخمورة. » .. بعد نجاحه في البتلء الول قال « :الحمد الله .هذا أول ابتلء .وشعرت باعتزاز ونشوة ،إذ انتصرت على نفسي ! وبدأت تسير في الطريق الذي رسمته ل ها .. هذه الفتاة كانت الوسيلة الولى في الخطة المريكية لحتوائه .وقد علم االله منه صدق الختيار ـ اختيار جانبه ـ فوفقه لهذا النتصار ! لم تنقطع المحاولت المريكية لغرائه وإغوائه .مثل تلك الفتاة التي قامت بجهد كبير لغوايته ،ول حقته من جامعة إلى أخرى ..وتل ك الفتاة التي ناقشته في معهد المعلمين في مدينة جريلي في كولورادو في مسائل جنسية مكشوفة. ( )1النفال.٠٣ : ٢١ وعامل الفندق الذي عرض عليه تلبية ما يريد من نزوات جنسية طبيعية أو شاذة ،وأثاره بالحديث المكشوف عن عينات منها .والشاب العربي الذي كان يغريه بإسماعه قصصا عن مغامراته الج نسية مع المريكيات. والممرضة ً التي كانت تغريه وهو في المستشفى بإسماعه مواصفاتها التي تطلبها في الشخص ليكون عشيق ا لها. والفتاة الجامعية ً التي تريد أن تمحو من فكره النفور من الرذيلة الجنسية ،وتزعم أنها عملية بيولوجية جسدية ل داعي لقحامها في المعاني الخلقية .وغير ذلك ( . )١ أما من الناحية السياسية فقد أخبرنا سيد قطب عن نماذج من التنافس بين رجال المخابرات النجليزية والمريكية لتجنيده .وخرج من تلك المحاولت كلها سليما ملتزما بإسلمه . ً ً من هذه المحاولت ما أشار إليه سيد قطب بقوله« :والكثير من الحاكمين في الدولة المريكية تخرجوا من
المعاهد التبشيرية .وهي حقيقة أفضى بها إلي احد الساتذة النجليز الذين التقيت بهم في أمريكا .وعد لي عشرات ّ من السماء البارزة في وزارة الخارجية المريكية وفي السلك السياسي .ولم يكن يفضي إلي بهذه الحقيقة بريئ ا ّ ً لوجه االله ،وإنما هو ـ كما عرفت فيما بعد ـ أحد رجال قلم المخابرات البريطاني ،الذين يهمهم أل يثق الشرقيون كثيرا في نيات أمريكا .مما دعاني إلى التشكك في بياناته لي .فتحققتها بوسائل ً أخرى. )٢ (» .. وهذا الرجل الذي أشار إليه هو «جون هيوورث دن » قد إدعى السلم وتسمى «جمال الدين دن » وتزوج ّ مصرية مسلمة اسمها «فاطمة » وقد عرض على سيد قطب ـ إغراء له ـ أن يترجم كتابه الجديد «العداله الجتماعية في السلم »إلى النجليزية ،مقابل عشرة آلف دولر .ولكن سيد قطب رفض العرض . وأعطى الكتاب الى «المجلس المريكي للدراسات الجتماعية » ليترجم مجانا .حيث قام بترجمته المستشرق «يوحنا: جون ب . ً هاردي » الستاذ بجامعة «هاليفاكس » بكندا (. ) ١ ورغم التزامه بالسلم في أمريكا ،ورغم استعلئه على مكر المريكيين وخططهم ،وانتصاره على إغراءاتهم . رغم ذلك إل أن لعدا ئه الحق ـ ممن يلبسون ثوب التقدم واليسار ،الشيوعيين ـ اعتبرو ا سيد قطب أداة بيد مخابرات أمريكا ،وأن مدة إقامته هناك كانت دورة تخرج منها بوقا لمريكا وعدوا للشتراكية والتقدم!! ً ً فها هو أحد هؤلء ـ أحمد عباس صالح ـ يقول عن سيد قطب« :إنه لفت انظار الستعمار المريكي منذ وقت مبكر بكتاباته المناوئة للشتراكية ،بدعوى أ ن ا لسلم والشتراكية متناقاضان ..فدعي إلى الوليات المتحدة المريكية وأ مضى أكثر من عام ،وعاد بعدها لينشر كتابا مليئا بالمغالطات ضد العدل الجتماعي وضد الفكرة ً ً الشتراكية تحت ستار الدعوة السلمية » ( )٢سبحانك هذا بهتان عظيم !! ٦ـ تنقله بين وليات أمريكا: ( )1سيد قطب الشهيد الحي ٦٢١ :ـ . ٧٢١ ( )2معركة السلم والرأسمالية٨٩:ـ . ٨٩ ( )1سيد قطب الشهيد الحي. ٠٣١ : ( )2مجلة الكاتب الشيوعية عدد ٤٥ :السنة الرابعة .سبتمبر أيلول ٥٦٩١ صفحة.٣ : ٣١ لم يكن سيد قطب ملتزما بمنهج دراسي محدد في أمريكا ،وكانت طبيعة مهمته هناك رحلة علمية عملية للطلع ً على مناهج التربية وأساليب التدريس في الجامعات والمعاهد العلمية .وهذا يعني أن يقوم برحلت عملية في عدة
وليات أمريكية ،وزيارة معاهد المعلمين والجامعات في مدن تلك الوليات. وكان الوقت يسمح له بالقيام بجولت وزيارات لمرافق المدينة التي يقيم فيها وإعداد دراسات اجتماعية عن المريكيين ،والذهاب إلى المناظر الطبيعية الساحرة ،والتمتع بجمالها وسحرها وجوها في الحدائق والقرى والوديان . وكان سيد قطب يرسل مقالت لبعض المجلت في مصر ،ويسجل المدينة او الولية التي كتب فيها مقاله ،كما كان يرسل رسائل شخصية إلى أهله وأقاربه ،وإلى زملئه من الدباء ويكتب اسم المدينة أو الولية التي يقيم فيها في نهاية الرسالة .وقد عرفنا ـ بفضل هذه الطريقة البديعة ـ بعض المدن والوليات التي أقام فيها . معروف أن مدينة نيويورك كانت المحطة الولى التي نزل فيها .لنها تمثل نهاية خط سير الباخرة التي أقلته من السكندرية إلى نيويورك . وأقام في نيويورك ما كتب االله له أن يقيم ،وتفتحت عيناه على معالم الحياة المريكية فيها ،وأطلق من هناك ـ ومنذ أيامه الولى بل منذ نظراته الولى ـ على أمريكا كلها لقب «الورشة الضخمة » والتي تمثلها مدينة نيويورك تماما .هذه المدينة التي لها من اسمها نصيب ،فلو قلت إن اسمها بالعربية :العمل الجديد .أو الورشة ً الجديدة الضخمة لما كنت مخطئا أو مبالغا .وأكثر ما لفت انتباهه وأثار استغرابه رؤيته لسرب من الحمائم الوادعة في ً ً نيويورك ،حيث ل مكان لهن وسط تلك الورشة ،فكان مقاله «حمائم في نيويورك » تسجي ل لخواطره حوله . ً من المدن التي ذهب إليها :واشنطن العاصمة ،وعرفنا عنه في العاصمة أنه بعث رسائل منها إلى صديقه الديب ً توفيق الحكيم ،ونشرت مجلة الرسالة رسالتين منها .وتجلت فيها موهبة سيد قطب في تقييم الحياة الفرنسية ـ التي يحبها توفيق الحكيم ـ والحياة المريكية ـ كما لمسها هو ـ من خلل مقارنتها بالحياة السلمية النظيفة الصادقة . وعرفنا أنه أصيب بمرض أثناء إقامته في العاصمة ،وأنه أدخل مستشفى «جورج واشنطن » فيها . ومن هذه المدن :مدينة جريلي بولية كولورادو ،ويبدو أن إقامته في هذه المدينة طالت وقاربت العام . وطال تردده على معهد المعلمين في المدينة ،ويبدو أنه في تلك المدينة قد أنهى المهمة الولى في اللغة النجليزية ،ونجح فيها ،وأصبح بإمكانه أن يطلع ـ مباشرة ـ على الثقافة والعلوم من المجلت والكتب باللغة النجليزية . في هذه المدينة ـ وفي معهد المعلمين ـ كان يعقد المناقشات ويوجه النتقادات لعفن الحياة المريكية وانحرافها الخلقي .ويلحظ مظاهر الفساد والنحراف والباحية التي تسللت إلى كنائسها .وفي هذه المدينة كان عضوا في ً نادي كنيستها .وفي هذه المدينة كانت له مشاركة في مجلتها .حيث كتب في إحداها مقالة سياسية لذعة عن أمريكا
بعنوان «العالم ولد عاق » .ومن هذه المدينة بعث مقال بعنوان «أضواء من بعيد » نشر في مجلة الكتاب في مصر . ً ومن المدن التي أقام فيها .مدينة دنفر . ومن الوليات التي استقر فيها ولية كاليفورنيا .وتنقل بين عدة مدن فيها .أقام طوي ل في سان فرنسيسكو، َ ً واختلط بالحياة الجتماعية لسكان المدينة وسجل انتقاداته اللذعة لهم .ويبدو أن جو ها لم يناسبه، واعتلت صحته ّ ّ وأقام فترة في أحد مستشفياتها .ويبدو أنه أثناء إقامته في ت لك المستشفى وقعت حادثة اغتيال المام الشهيد حسن البنا في مصر .ورأى سيد قطب هناك بأم عينه مظاهر الفرح والبتهاج لدى العاملين في المستشفى بذلك . ٤١ ومن هناك بعث مقال نشر في مجلة الكتاب بعنوان « موسيقى الوجود » الذي كتبه بعد زيارته لمعلم طبيعي من ً أجمل معالم الطبيعة في العالم ،المتمثل في الحديقة الطبيعية المنسقة من الصخور والمسماة بحديقة اللهة . ويبدو أن جو مدينة سان فرنسيسكو لم يناسبه فغادر المدينة إلى إحدى قراها الريفية الجميلة الواقعة في واد زارعي جميل ،قرية «بالوألتو » . ثم تحول إلى مدينة أخرى في ولية كاليفورنيا .وهي مدينة «سان دييجو » ومنها بعث رسالتين إلى صديقه عباس خضر ،نشرهما الخير في مجلة «الرسالة » في زاويته السبوعية « :الدب والفن في اسبوع ». هذه هي أهم المدن التي عرفنا أن سيد قطب ـ من خلل كلمه ـ أقام في ها ،وانتقل إليها أثناء وجوده في أمريكا .وبهذا يظ هر أنه تنقل بين مختلف وليات أمريكا .ما بين نيويورك في الشرق وكولورادو في الوسط وكاليفورنيا في الغرب. ٧ـ صور من نشاطه في أمريكا : لم يكتف سيد قطب ـ أثناء وجوده في أمريكا ـ بالطلع على مناهج وأساليب التدريس ،ولم يكن يعيش حياته هناك سلبي ً ،ولم يكن منعزل عن المجتمع والناس من حوله ،وإنما رأيناه يعيش حياته بطريقة أخرى إيجابية ثقافية ، ا ً تتفق مع طبيعته ونفسيته واهتماماته .. فبعد ان عرف طريقه الجديد وحدد معالمه ،وبعد أن أحسن تصنيف امريكا ـ العالم الجديد ـ في مكانها الطبيعي في سلم الحضارة والتقدم والتأثير .أيقن أ ن هذه الفرصة قد ل تعود مرة أخرى ،فعليه أن يستغل ها ويغتنمها، ّ وعليه أ ن يحسن استغلل أيامه فيها ،وأن يبذل جهده في الخروج بدللت سليمة ،ودروس وعبر صائبة، ونتائج وأحكام صحيحة . لقد رأينا سيد قطب في أمريكا ـ منطلقا من دينه وإيمانه والتزامه ـ رجل إيجابي ا مؤثرا واجتماعيا فعا ً، ُ َِ ً ِ ً ً ً ًل
ودارسا فاحص ً ،وناظرا متأم ً ،وباحثا موضوعيا ..لقد استخدم مواهبه ومكاسبه ومعارفه وثقافاته في دراسة ً ا ً ل ً ً «الظاهرة » المريكية الفريدة ،التي سحرت الكثيرين من العالم ،وصارت مثال يحتذيه «المتأثرون بحضارتها » ً ويسعون إلى إلحاق أقطاره م فيه .فأراد أن يقدم للناس ـ في العالم العربي والسلمي وفي مصر على وجه الخصوص ـ أمريكا على حقيقتها وطبيعتها ،بدون زخارف أو رتوش أو تجميل ،لي عرفوا دورها ورسالتها ومكانتها بين الحضارات ،وليحذروا سمومها ومكرها ومخططاتها . كما كانت رسالته الجتماعية الجديدة ،و نشاطاته العملية المتنوعة ،تحدي ا منه لتخطيط أمريكا بالنسبة له، ً واستعلء منه على إغرائها وإغوائها له ،وتسجي ل لفشل خطتهم في تجنيده واحتوائه ،وفضح ا لمخازيها، وغزو ا لها ً ً ً في صميم حياتها وأنظمتها ووجودها ،وإثبات ا لعظمة السلم عندما يقبل عليه رجل بصدق وج دية والتزام ..وإنني ً ّ أعتقد أن حياة سيد قطب في أمريكا ونشاطانه هناك يجب أن تكون مثال يقتدي به المبعوثون إليها، والدارسون في ً جامعاتها. تنوع نشاط سيد قطب في أمريكا في مظاهره وأشكاله ،وتعددت لقاءاته ومقابلته مع مختلف «شرائح » الحياة المريكية .وتكررت وقفاته المتأملة أمام ألوان «الحضارة » والتقدم في أمريكا... ٥١ كان لسيد قطب نشاط إسلمي ،يتمثل في انطلقه من السلم لكشف سوءات ومفاسد الكيان المريكي ،وبيان سمو السلم ومزاياه في انظمته ومبادئه من خلل تلك المقارنة .وهذا بعكس منهج بعض المحبين للسلم في أمريكا الذين كانوا يدافعون عن دينهم «دفاعا » عاجز ا أمام الهجوم المريكي الماكر. ً ً «بعض هؤلء كانوا يواجهوننا ـ نحن القلئل المنتسبين إلى السلم ـ في أمريكا ـ في السنوات التي قضيتها هناك ـ وكان بعضنا يتخذ موقف الدفاع والتبرير ..وكنت على العكس أتخذ موقف المهاجم للجاهلية ال غربية.. سواء في معتقداتها الدينية المهلهلة ،او في أوضاعها الجتماعية والقتصادية والخلقية المؤذية ...إلخ. وكانت هذه حقائق نواجهها في واقع الحياة الغربية ...وهي حقائق كانت تخجل أصحابها حين تعرض في ضوء السلم. )١ (» .. كان يحرص على أن يرى انطباق بعض آيات القرآن على الحياة في أمريكا .فكان يتلو الية ويرى صدق انطباقها على الواقع هناك ويبين المدلول الواقعي لها ،ويجد بذلك طعما ومذاقا وحيوية تأثيرا فريدا لكتاب االله
ً
ً
ً ً سبحانه. طبق على حياة المريكيين قوله تعالى ( :فلما نسوا ما ذكروا به فتحنا عليهم أبواب كل شيء ،حتى إذا فرحوا بما اوتوا أخذناهم بغتة فإذا هم مبلسون) ( )١فرأى أمرا عجيبا ،أخبرنا عنه في الظلل ـ في تفسيرة لتلك الية ـ ً ً بقوله« :ولقد كنت ـ في أثناء وجودي في الوليات المتحدة المريكية ـ أرى رأي العين مصداق قول االله سبحانه (فلما نسوا ما ذكروا به فتحنا عليهم أبواب كل شيء ) فإن المشهد الذي ترسمه هذه الية ..مشهد تدفق كل شيء من الخيرات والرزاق بل حساب .ل يكاد يتمثل في الرض كلها كما يتمثل هناك ! وكنت أرى غرور القوم بهذا الرخاء الذي هم فيه ،وشعورهم بانه وقف على الرجل البيض وطريقة تعاملهم مع الملونين في عجرفة مرذولة ،وفي وحشية بشعة ،وفي صلف على أهل الرض كلهم. .. كنت أرى هذا كله فأذكر هذه الية ،وأتوقع سنة االله ..وأكاد أرى خطواتها وهي تدب إلى الغافلين.) ٢(» .. وكان لسيد قطب نشاط آخر في المجال الجتماعي ،وهو مكثف منوع« ،وظف » فيه مختلف مشاهداته ونشاطاته ونقاشاته وتأملته للحقيقة التي يريدها ،وهي «تصنيف » أمريكا وحضارتها في سلم الحضارات .وعرض هذا على الخرين حتى ل ينخدعوا . إذا ذهب الى فندق أمعن نظراته فيه وفي نزلئه وناقش هؤلء .وإذا دخل إلى معهد أو جامعة أمعن نظراته وناقش «شرائح » اجتماعية فيه في موضوعات أخلقية وا جتماعية وحضارية وفن ية وأدبية .وإذا مرض ودخل ّ « مستشفى » للعلج وظف ما يجده في ها وما يكتسبه من نظرات وتأملت ونقاشات لهدفه الذي يريد. وإذا جمعته ّ جلسة مع أفراد من المريكيين ـ من مختلف التخصصات والتجاهات ـ عرض خلفية تفكيرهم واهتماماتهم وعرى نفسياتهم وثقاف اتهم ..عرض بدائيتهم في كل شيء :في الفكار والمعارف والثقافات ،وفي ّ الداب والفنون ، وفي أذواقهم في الطعام والشراب واللباس والزينة والجنس والشهوات. ( )1معالم في الطريق ٥١٢ :ـ ٦١٢باختصار. ( )1النعام.٤٤ : ( )2الظلل ١٩٠١ :٢باختصار. ٦١ وإذا دخل مدينة حرص على تفحصها وإ كتشافها وتسجيل حقيقة الحياة فيها ،وانخرط في مظاهر حياتها الجتماعية. وإذا رأى الكنائس في المدينة يسعى إلى تفسير كثرتها وجمالها الخارجي ،وينخرط في نواديها ،ويدلف إلى مبانيها ،ويتفحص الداخلين إليها ،ويتعجب من مسارعتها ـ وهي المبنية للعبادة ـ إلى جذب أفراد الجنسسين ، مستخدم في ذلك وسائل ل أخلقية من الجنس والباحية ،داعية الشباب والشابات إلى الفجور والعربدة في ردهاتها ،
وممراتها وليبارك «ربهم » فجورهم وعهرهم . وإذا انتقل إلى متحف للفن أمعن النظر فيه ،وفي رواده وزائرية ،وحلل أذواقهم في ذلك . وإذا جلس معه مفكرون أو أدباء أو رأى صحفيين أو سياسيين ،عرض عليهم نماذج شوهاء من مجتمعاتهم، وأتب عها بن ماذج سامية ومضيئة للمسلمين . وإذا زار دار صحيفة يسعى إلى الكتابة فيها ،مقالت انتقادية سياسية ،واجتماعية لذعة لنقد الحياة المريكية. وإذا رأى منظرا ساحرا طبيعيا يأنس به «ويستخسره » على المريكيين البدائيين !وكم تعجب ودهش واستغرب ً ً ً عندما رأى سرب حمائم وادع ة في نيويورك ،لنه ل وجود له وسط هذه «الورشة » فكأنه شاذ نشاز . وإذا رأى عشرات المريكيين يسارعون إلى أعمالهم الوظيفية الرتيبة في الصباح والمساء ،راعه أداؤهم للحياة وممارستها بطريقة ميكانيكية آلية ،ل تختلف عن أداء اللت التي يصنعونها ،والمصانع التي يشيدون ها . وإذا ضجر من هذه المشاهد اللية ،وسئم من هذه النماذج البشرية الشوهاء ،وتعب من هذه الدراسات الفاحصة ، و «قرف » من هذه الورشة الصناعية الضخمة ...غادر المصانع واللت ـ اليدوية والبشرية ـ إلى جمال الطبيعة الحالم ،ومشاهدها الساحرة ،وانساب إليها ،وقضى أوقات ا م متعة ،ولحظات زاكية مباركة ،يتذوق جمالها ،ويعيش ً سحرها ،ويتحسس مظاهر «النعمه » فيها باعتبارها من نعم االله الساحرة ،التي ل يلتفت إليها الصناعيون . وبعد هذا كله كم كان يحزنه ويؤلمه ويسوءه أن يرى في مصر ـ أرض الكنانة ـ من يدعو إلى ممارسة الحياة على الطريقة المريكية :سياسيا أو اجتماعيا أو فني ا أو اقتصاديا أو حضاري ا .ويشفق على وطنه ان يكون صورة ً ً ً ً ً شوهاء لوجود أمريكي مشوه . ٨ـ عودته إلى مصر: في أيام سيد قطب الخيرة في أمريكا ،سيطر عليه الشوق والحنين إلى مصر ،وكم كان يتمنى أن يعود إليها ، ويمتع نفسه بجمالها . وبما أن بعثته إلى أمريكا لم تكن محددة بزمن معين ،ول بخطة دراسية خاصة ـ كما بي نا ـ فقد كان أمر إنهائها بيده هو ،يعود متى شاء . وبما أن إخراجه من مصر كان عملية للتخلص منه ،فقد رأى أن الظروف قد تغيرت ـ نوعا ما ـ ول سيما أن ً قبضة الملك فاروق على البلد قد ضعفت ،وصار في البلد نوع من الديمقراطية أكثر من ذي قبل، وكانت البلد تعيش عدة تيارات ودعوات متضاربة ،ول يعلم أحد ما تتمخض عنه الحداث. لهذا كله أدرك سيد قطب أن مكانه الطبيعي بين أهله وإخوانه ،وفي خدمة أمته ووطنه ،وأن من واجبه ـ وقد أفلت من الحصار والحتواء ال مريكي ـ أن يبصر الناس ويحذرهم مكر الماكرين .
٧١ عندها قرر سيد قطب العودة إلى مصر عام . ٠٥٩١ وقد نظم ـ وهو في أمريكا وفي مدينة سان فرنسيسكو بالذات ـ قصيدتين حمل كلماتهما شوقه وحنينه إلى أرض الكنانة ،قال في الولى التي سماها «دعاء الغريب » . يـا نـائيـات الضفاف هـنـا فتـاك الـحبيـب علـيه طـأل المطـاف متـى يعـود الغريـب متـى تـمس خطـاه ذاك الديـم المـغبـر متـى تـشـم شـذاه كـالقـحوان المعطـر متـى تـرى عينـاه تـلك الـربـوع المواثل أحـلمـه و مـنـاه تـدعـوه خلف الحوائـل حـنـيـنـه رفـاف إلـى الديـار البـعيـدة متـى متـى يـا ضفاف تـأوي خـطاه الشـريدة إلى أن يقول فيها : يـا أرض ردي إلـيـك هذا الوحـيـد الغـريـب هـواه وقـف علـيـك ردي فـتـاك الحبيـب () ١ وقال في الثانية «هتاف الروح »: في الجـو يـا مصـر دفء يـدنـي إلـي خـيالـك وتستـجيش حـنيـنـي إلـى الـليـالي هـنالك لـلمسيـات السكـارى نشـوى تـرف خيـالـك ونسـمـة فـيـك تسرى ريـانـة مـن جـمـالك نـجواك مـلء فـؤادي تـرى خـطرت ببالك إلى أن يقول فيها : في النفس يا مصر شوق لـخـطرة فـي ربـاك لـضمـة مـن ثـراك لـنفـحـة مـن جـواك لـومضـة مـن سماك لـهـاتـف مـن رؤاك لـليـلة فـيـك أخرى مـع الـرفـاق هـنـاك ظـمـآن تهتف روحي متـى تـراني أراك ( ) ١ وإن شوق سيد قطب إلى مصر ،ولهفة نفسه إليها ،وحنينه لرؤيتها ،يكاد يبر ز من خلل كلمات هاتين القصيدتين ، ونكاد نراه مجسم ا محسوسا ملموسا ..ونكاد نرى مشاعر سيد قطب وأشواقه وأحلمه وخواطره .بل إنه يبدو ـ من ً ً ً خلل القصيدتين ـ وقد تحول إلى مجموعة من المشاعر والشواق ،وليس مجرد إنسان عنده شوق وحنين ! ! ( )1مجلة الكتاب مجلد ٩جزء ٦السنة الخامسة :يونية ٠٥٩١صفحة . ٧٤٩ ( )1الرسالة سنة ٨١مجلد ١عدد٧٧٨ :تاريخ ٤٢ابريل :صفحة : ٢٧٤ ٨١ وقد أخبر أهله ومعارفه بموعد قدومه إلى مصر .وكان في مقدمة معارفه الذين علموا بذلك الموعد عباس خضر ـ وقد كان يحرر زاوية ثابتة في مجلة الرسالة هي زاوية الدب والفن في أسبوع ـ فسارع ينشر ذلك الخبر في زاويته .وجاء فيها قوله : «يصل بالطائرة يوم ٠٢أغسطس الحالي ( )٠٥٩١الستاذ سيد قطب عائدا من أمريكا ،حيث كان مبعوثا من ً ً وزارة المعارف لدراسة النظم التعليمية هناك. ) ٢( » .. وما أن حل ذلك ال موعد حتى حطت قدما سيد قطب أرض مصر وسط استقبال وترحاب أهله ومعارفه
وأصدقائه ومحبيه . وبذلك عاد إلى مصر بعد أ ن غاب عنها سنتين كاملتين في أمريكا ـ من اغسطس ٨٤٩١حتى اغسطس . ٠٥٩١ لكنه عاد صاحب رسالة ودعوة ،مزودا بالتجارب والخبرات ،حيث كانت أمريكا بداية المنعطف ا لجديد في ً حياته ،لقد وجد نفسه وإيمانه وإسلمه هناك ،فسار في طريقه حتى نال الشهادة . وبعد ما عاد من امريكا ظن البعض أنه حصل على درجة الدكتوراه ،وأطلقت عليه إحدى الصحف لقب «دكتور » فسارع بالتصحيح وأنه ليس دكتورا .يقول السيد عباس خضر حول هذا « :كان سيد قطب جادا مترفع ً، ً ً ا أذكر عقب عودته من أمريكا أن كتبت عنه جريدة «المصري » شيئ ا قالت فيه « :الدكتور سيد قطب » فكتب في العدد ً التالي أنه ليس دكتورا ..وكان يمكن أن يترك ذلك اللقب يجري على القلم واللسنة ويشيع مسندا إليه ..كما يفعل ً ً بعض المواطنين.) ١( » .. ٩ـ هجومه على أمريكا : عاد سيد قطب إلى عمله في وزارة المعارف ،في إدارة التفتيش الفني ،عاد مؤهل بخبرات وتجارب ومناهج من ً بعثته إلى أمريكا تؤهله ليمارس دوره في وضع المناهج والنظم التعليمية للوزارة ،ومن هو النسب منه ليقوم بذلك العمل ،وهو العائد من أمريكا؟ توقعت أمريكا وعملؤها في مصر من سيد قطب أن ينقل المناهج والساليب المريكية إلى مصر ،وأن يتبناها ويقررها ..ولكن سرعان ما فجعوا بآمالهم في سيد قطب ،وتبددت أحلمهم وخابت ظنونهم. لقد عاد سيد قطب إلى مصر رجل مؤمنا ملتزم ً ،صاحب رسالة ودعوة وغاية ،استمدها من دينه ،وسعى إلى ً ً ا أداء رسالته وحرص على مرضاة ربه ..لذلك عمل على تحقيق هذه الرسالة في العمال التي اسندت إليه ،والمهام التي أ نيطت به ..فعمل على النظر في المناهج والنظم والساليب التعليمية من خلل السلم ومبادئه ُ وتوجيهاته ، وأراد صوغ ذلك وفق تلك المبادئ والتوجيهات ..وهو في هذا أغضب المريكان وعملءهم .فحصل الصدام بينه وبينهم ،ووقفوا في وجهه ،وعملوا على عرقلة عمله وتعطيل خطته ..ونتج عن ذلك الحيلولة بينه وبين العمل والتنفيذ ،فأصبح عمله في وزارة المعارف « مشلول » ..ولذلك لم يجد أمامه إل الستقالة من الوزارة... وهكذا كان ..حيث تفرغ بعد ذلك للعمل للسلم كتابة ودعوة وجهادا . ً ( )2الرسالة سنة ٨١مجلد ٢عدد٤٩٨ :تاريخ ١٢أغسطس صفحة. ٨٥٩ : ( )1الثقافة :المجلد الثامن السنة الرابعة عدد٧٤ :أغسطس ٧٧٩١صفحة: . ٠٥
٩١ وقد أخبرنا عن بعض العقبات التي وضعت أمامه في وزارة المعارف بقوله « :ألم أحاول عشرين مرة ـ بعد عودتي من امريكا ـ أن أنشئ لوزارة المعارف أدارة فنية صحيحة ،تقيم نظم التعليم ومناهجه على أساس سليم، ّ ففشلت في المرات فشل ذريعا ،لن المراد في هذه المرة كان إصلحا في الصميم »(. ) ١ ً ً ً وحول أساس الختلف بين سيد قطب وبين رجال امريكا في وزارة المعارف يقول الستاذ يوسف العظمة« :أول ما نادى الرجل المسلم والمفكر القرآني أن مناهج التربية المريكية مناهج غريبة عنا ل تنبع من أعماق جذور أمتنا ول تربتط بأصالتها برباط .ودعا إلى اتخاذ المنهاج السلمي الشامل المتكامل أساس ا للتربية في ديار السلم ، ً فقامت قيامة البواق المريكية في وزارة التربية والتعليم المصرية ،وكان على رأسها يومئذ الستاذ إسماعيل القباني يغفر االله له) ٢(» .. وبعد ما ترك وزارة المعارف صار يهاجم أمريكا باستمرار ،يهاجمها في رجالها وعملئها ،في حياتها السياسية والقتصادية العسكرية ،في مناهجها التعليمية والجتماعية ،ويكشف دورها في السيطرة على بلدان العالم الثالث، ويفضح أساليبها في توجيه الحياة في مصر ـ وغيرها ـ إلى الوجهة المريكية ،ويبين نفوذها وسيطرتها على وزارة المعارف وعلى صحف ومجلت مصرية ،وعلى رجال السياسة وا لقتصاد والدب والفكر في البلد . ما ترك وسيلة متاحة إ ل وإ ستخدمها في هذه المهمة ،سواء كانت جلساته وأحاديثه وحواره مع الناس ، أو مقالته ّ في الصحف والمجلت ،أو محاضراته في النوادي والجمعيات ،أو تحليلته السياسية امام الزائرين ،او كتبه التي يصدرها . قال في مقالة «عدونا الول :الرجل البيض » :الذين ي عتقدون أن المريكان يمكن أن يكونوا معنا ضد الستعمار الوروبي هم قوم إما مغفلون أو مخادعون ،يشغلون طابور ا خامس ا للستعمار المنتظر لبلد الشرق الوسط ! ً ً إن مصالح الستعمار المريكي قد تختلف أحيان ا مع مصالح الستعمار الوروبي ،ولكن هذا ليس معناه أن ً يكونوا في صف استقللنا وحريتنا .إنما معناه ان يحاولوا زحزحة أقدام الوروبيين ليضعوا هم أقدامهم فوق رقابنا . وفي الغالب يجدون حل ل خلفاتهم مع الستعمار الوروبي على حسابنا . ً إن الرجل البيض هو عدونا الول .سواء كان في أوروبا أو كان في أمريكا ..وهذا ما يجب أن نحسب ل ه
حسابه .ونجعله حجر الزاوية في سياستنا الخارجية ،وفي تربيتنا القومية كذلك . ..ولكن الذي نفعله هو عكس هذا على خط مستقيم ..عندنا في وزارة المعارف عبيد للرجل البيض .. عبيد يعبدون هذا الرجل كعبادة االله ..بل إنهم ليلحدون في االله ول يلحدون في أوروبا أو أمريكا. سرا وعلنية .. ً وعندنا في معاهد التربية التي تخرج المدرسين ،فتؤثر بذلك في عقلية أجيال بعد أجيال ..عندنا فتات آدمي ينظر إلى الرجل البيض نظرة التقديس ،ويطبع مشاعر الطلبة الذين سيصبحون مدرسين بطابع العجاب والقداسة لولئك المستعمرين القذرين ،الذين يحتقروننا ويهينون كرامتنا ،فنتلقى ذلك منهم بالشكر والثناء ...وهذه جناية قومية وجناية إنسانية.. ( )1الرسالة سنة ٠٢مجلد ١عدد ٥٩٩تاريخ ٨٢يوليو ٢٥٩١صفحة.٧٣٨ : ( )2رائد الفكر السلمية المعاصر ليوسف العظم. ٤٣ : ٠٢ ...هذا هو الستعمار الذي بثته في أرواحنا المدرسة المصرية التي تنفذ أهداف الستعمار إلى اللحظة الحاضرة .بل يقوم على رأسها وزير كان من عباد إ نجلترا ثم أضحى من عباد أمريكا ومعه معاهد تربية تتعبد أمريكا من دون االله في الرض !!. إلى أن يقول « :إن الستعمار ل يغلبنا اليوم بالحديد والنار ،ولكنه يغلبنا قبل كل شيء بالرجال الذين استعمرت أرواحهم وأفكارهم ،يغلبنا بهذا السوس الذي تركه الستعمار في وزارة المعارف ،وفي الصحف، والكتب ،يغلبنا بهذه القلم التي تغمس في مداد الذل والهوان الروحي لتكتب عن امجاد فرنسا ،وأمجاد بريطانيا وأمجاد أمريكا. ) ١(» .. وأعطانا نموذجا عملي ا لتنافس الدول المستعمرة ورجال مخابراتها على احتواء وتجنيد واكتساب المسؤولين ً ً والمتنفذين وقادة الرأي والفكر في مصر .هذا النموذج هو الدكتور طه حسين ،وما فعل به النجليز عندما صار وزيرا للمعارف« :فهم يعرفون أن ميول الرجل ـ حسب ثقافته فرنسية ـ فل ما صارت إليه وزارة ً المعارف أدركوا أن هناك خطرا على الثقافة النجليزية قد يصيبها مع وجود هذا الوزير .وهنا فقط تذكروا أن طه حسين أديب كبير، ً يستحق الدعوة إلى أنجلترا والضيافة على الحكومة البريطانية والمعهد البريطاني والتكريم باللقاب الجامعية من جامعات بريطا نيا ..فقط عندما صار وزيرا للمعارف! إن الستعمار يخشى على حبائله في وزارة المعارف أن ً تتكشف أو تتزعزع. )٢ (» .. وعن سيطرة رجال المخابرات الجنبية ـ والمريكية على وجه الخصوص ـ على الصحف والمجلت في مصر ،وتوجيهها لها لتخدم مخططات أولئك العداء يقول « :إن الصحف المصرية ـ إل النادر القليل ـ
مؤسسات دولية ،ل مصرية ول عربية ،مؤسسات تساهم فيها أقلم المخابرات البريطانية والمريكية والمصرية والعربية أخيرا!! مؤسسات تحرر صفحات كاملة فيها بمعرفة أقلم المخابرات هذا لتروج دعايتها في أوساط ً الجماهير ، مؤسسات تخدم الرأسمالية العالمية أكثر مما تخدم أوطانها وشعوبها الفقيرة ،وهذا هو السر في أن الدولة ل تفرض عليها القيود التي تفرض على الكتب .لن وراءها أقلم المخابرات ومصالح الرأسمالية العالمية ،وهي كفيلة بأن تسندها وتذلل لها العقبات وتفسح لها الطريق ،لنشر دعايتها المستوردة في أطراف البلد العربية جميعا »( . )١ ً نكتفي هنا بهذه النماذج لهجومه على أمريكا ،وكشفه لمكرها ومؤامراتها ،وتفنيده لفكارها ،لن هدفنا هو جمع كلمه المتفرق في المقالت والكتب عن أمريكا ،وسيقف القارئ على تحليلته الصائبة في القسم الثاني من هذا الكتاب بإذن االله . ( )1الرسالة سنة ٠٢مجلد ٢عدد٩٠٠١ :تاريخ ٣نوفمبر ١٥٩١صفحا ٧١٢١ـ ٩١٢١ باختصار. ( )2معركة السلم والرأسمالية ٠٠١ :ـ .١٠١ ( )1الرسالة سنة ٩١مجلد .١عدد ٣٤٩تاريخ ٠٣يوليو ١٥٩١صفحة .٤٥٨ ١٢ الفصل الثاني تقييم سيد قطب لمريكا ١ـ أساس التقييم: يختلف تقويم الناس للمر الواحد نظرا لختلف الساس الذي سلكه كل منهم في التقويم ،واختلف النظرة التي ً ينظر من خللها إليه ،والرض التي يقف عليها ،والزاوية التي ينطلق منها ،والمنظار الذي ينظر به ... وتختلف تبعا لذلك الحكام على ذلك الشيء ً . وبالنسبة لموضوعنا «تقويم أمريكا » يختلف الناس فيها ،تبعا لختلف الدوات التي سلكوها في التقويم ثم التقييم . ً فأمريكا عند المتأثرين بها «المضبوعين » بقوتها المفتونين بتقدمها .هي أقوى دولة ،وأساس الحضارة، وكعبة العلم ،والمثال الذي يحتذى في التقدم العلمي والمادي والتكنولوجي والحضاري .وعلى كل من أراد التقدم أن يسير على خطاها وأن يقتفي آثارها . وأمريكا عند من يعتبر الحضارة هي التقدم المادي والعلمي والتكنولوجي هي أم الحضارة وزعيمة العالم. وأمريكا عند «المهزومين » سياسيا وعسكري ا ونفسي ا وحضاريا :هي القوة الضاربة ،وصاحبة السطوة والسلطان، ً ً ً ً التي ل يجوز أن يخرج أحد عليها أو يخالف توجيهاتها ورغباتها. وأمريكا عند «المفتونين » بالديمقراطية والحرية الشخصية والقتصادية والجتماعية هي «أم الحرية »وموطن الديمقراطية ،وراعية الحقوق النسانية ...
هذه أمريكا في نظرة الماديين والمخدوعين والمضبوعين والمهزومين والمفتونين ،وهؤلء هم السذج البله الغافلون الجاهلون ،ول يخرجون عن هذه الصفات وإن كثر عددهم في البلد ،وإن تسلموا مركز المسؤولية والتوجيه والتربية والتخطيط في البلد السلمية كما هو الحاصل في هذه اليام؟ ! ولكن أمريكا في منظار المؤمنين شيء آخر ،وهي بميزان المؤمنين لها قيمة أخرى ،ويخرج هؤلء المؤمنون المبصرون بنتيجة صادقة وأحكام صائبة على أمريكا وقوتها ،عندما يستخدمون الدوات الصحيحة في التقييم، والمنظار السلمي في النظر ،والميزان القرآني في الوزن ،والساس الرباني في التقويم والتقييم . إنهم يقيسونها بما تملك من القيم والخلق والعتبارات النسانية ،وما يتمثل فيها من مبادئ ومثل وأعراف مدنية إنسانية ،وما تملك من رصيد الفطرة النسانية الصافية التي فطر االله الناس عليها .وما توليه من اهتمامات بالروح والنفس والمشاعر والحاسيس .ومن ثم يتساءلون عن مقدار ما أضافته إلى رصيد التاريخ النساني والحضارة النسانية والفضائل النسانية والروح النسانية... وهكذا يجب أن تكون النظرة وأن يكون التقدير والتقويم والتقييم ،وأن يكون الميزان والحكم والتوجيه. يجب النظر بال منظار القرآني ،ويجب النطلق من الرضية اليمانية والزاوية السلمية ،ويجب استعمال الميزان الرباني والمقياس اليماني في ذلك. والذي يفعل ذلك يكون رجل مؤمن ا بصيرا ذكي ا فطن ا عاق ل صاحب لب ووعي .وبصر وبصيرة ... ومن ثم تكون ً ً ً ًِ ًً أحكامه ونظراته وتحليلته صائبة صادقة صحيحة دقيقة سليمة موضوعية منهجية .. ٢٢ وسيد قطب في دراسته لمريكا وتحليله لها وكلمه عنها ،استخدم تلك الدوات والوسائل والسس والموازين اليمانية .وما كان له أن يستخدم غيرها ،لنه عرف دينه وإسلمه وإيمانه ،وانطلق من ذلك في عملية التقييم. بخبرنا عن المنهج والساس الذي انطلق منه في تقييم أمريكا بقوله : «أمريكا ..أمريكا ..أمريكا هذه كلها ..ما الذي تساويه في ميزان القيم النسانية؟ وما الذي أضافته إلى رصيد البشرية من هذه القيم ،أو يبدو أنها ستصيفه إليه في نهاية المطاف؟ أخشى أن ل يكون هناك تناسب بين عظمة الحضارة المادية في أمريكا ،وعظمة «النسان » الذي ين شىء هذه ُِ الحضارة .وأخشى أن تمضي عجلة الحياة ،ويطو ى سجل الزمن ،وأمريكا لم تضف شيئ ا ـ أو لم تضف إل اليسير ُ ً الزهيد ـ إلى رصيد النسانية من تلك القيم ،التي تميز بين النسان والشيء ،ثم بين النسان والحيوان . إن كل حضارة من الحضارات التي مرت بها البشرية لم تكن كل قيمتها فيما ابتدعه النسان من الت، ول فيما
سخره من قوى ،ول فيما أخرجت يداه من نتاج ..إنما كان معظم قيمتها فيما اهتدى إليه النسان من حقائق عن الكون ،ومن صور وقيم للحياة ،وما تركه من هذا الهتداء في شعوره من ارتقاء ،وفي ضميره من تهذيب ،وفي تصوره لقيم الحياة من عمق والحياة النسانية بوجه خاص ،مما يزيد المسافة بعدا في حسابه وحساب الواقع ،بينه ً وبين مدارج الحيوانية الولى في الشعور والسلوك ،وفي تقويم الحياة وتقويم الشياء . فأما ابتداع اللت ،أو تسخير القو ى أو صنع الشياء ،فليس له في ذاته وزن في ميزان القيم النسانية، إنما هو مجرد رمز لقيمة أساسية أخرى :هي مدى ارتقاء العنصر النساني في النسان ،ومدى الخطوات التي يبعد بها عن عالم الشياء ،وعالم الحيوان ،أي مدى ما أضاف إلى رصيده النساني من جراء فكرته عن الحياة ،وفي شعوره بهذه الحياة . هذه القيمة الساسية هي موضع المفاضلة والموازنة بين حضارة وحضارة .وبين فلسفة وفلسفة ،كما أنها هي الرصيد الباقي وراء كل حضارة المؤثر في الحضارات التالية ،حين تتحطم اللت وتفنى الشياء ،أو حين تنسخها آلت أجد وأشياء أجود ،مما يقع بين لحظة وأخرى ،في مشارق الرض ومغاربها)١ (» .. . وتطبيق ا لهذا الساس والمنهج في النظر إلى أمريكا و «حضارتها » يخرج بنتيجة محددة من ذلك يقول ً فيها « :وإنه ليبدو أن العبقرية المريكية كلها قد تجمعت وتبلورت في حقل العمل والنتاج ،بحيث لم تبق فيها بقية تنتج شيئ ا في ً حقل القيم النسانية الخرى ...ولقد بلغت في ذلك الحقل ما لم تبلغه أمة ،وجاءت فيه بالمعجزات التي أحالت الحياة الواقعية إلى مستوى فوق التصور وفوق التصديق لمن لم يشهدها عيان ا. ً ولكن «النسان »لم يحفظ توازنه أمام اللة ،حتى ليكاد هو ذاته يستحيل آلة ،ولم يستطع أن يحمل عبء العمل المنهك ثم يمضي قدما في طريق النسانية ،عندئذ أطلق للحيوان الكامن العنان ،ضعفا عن أن يحمل عبء العمل ً ً وعبء «النسان » (. )٢ أمريكا ل ترى إل العمل والكدح ،ول تؤمن إل بالعمل والكدح ،ول تزن الفكار والمعاني إل بميزان العمل والكدح ،ول تعرف الرجال والعباقرة إل بمنظار العمل والكدح .جميل أن يكون في الحياة عمل وكدح، جميل أن ( )1الرسالة سنة ٩١عدد ٧٥٩تاريخ ٥نوفمبر ١٩٥١صفحات٥٤٢١ :ـ .٦٤٢١ ( )2المرجع السابق. ٦٤٢١ : ٣٢ يكون في الحياة لذة ومتاع .ولكن على أن ل يستغرق كلهما الحياة على أن تبقى فترة للتأمل الهادئ، والتطلع إلى آفاق أعلى من اللذة والمتاع .ولكن «العالم الجديد » ل يعرف الحياة إل كدح ا في العمل المادي حتى اللغوب، ً
وأرتشافا للذة الحسية حتى الهمود ....حتى التفكير يكاد يكون جهدا عضلي ا .فهو جهد غايته تحسين المصنع ،وترقية ً ً ً العمل وإدارة العمل ،وتنظيم الشغال؟ والحب ! الحب الذي يطلق الطاقات النسانية جميع ا ...إنه هنا في أمريكا جسد يتشهى جسد ً ،وحيوان يتشهى ً ا حيوان ً ،ول وقت للسواق الروحية . ) ١(» .. ا ٢ـ أصل المريكيين ونفسياتهم: لماذا تركيز المريكيين على العمل والنتاج؟ لماذا يغفلون الروح والخلق والقيم النسانية؟ ما هي جذور هذا الطريق الذي اختارته أمريكا؟ وما هي بواعث هذا الختيار؟ لقد أجاب سيد قطب على ذلك بإيجاز، وأشار إلى بواعث وأسباب ذلك باختصار . يقرر سيد قطب أن أمريكا ليست فريدة ول متفرده ،بل هي غصن جديد للشجرة الشيطانية والنبت الخبيث النكد ، تلك هي «المادية الجاهلية »التي تسمى الحضارة الوروبية ،هذه الشجرة أنتجت أغصان ا وفروع ً، تحمل سمات ً ا وصفات وخصائص ذلك النبت الخبيث الشيطاني ،فذاك فرع «إنجليزي » وذاك فرع «فرنسي » وهذا غصن «ألماني » وذاك غصن «روسي » وذاك غصن وهذا غصن «ألماني » وذاك غصن «إسباني » أو «برتغالي » او «هولندي » أو «أيطالي » وأخيرا أنتجت تلك الشجرة «الغصن المريكي »في العالم الجديد. ً ل غرابة ولعجب أن تتمثل في أمريكا خصائص وسمات العقلية الغربية المشوهة ،والنفسية الغربية الممسوخة ، والوجود الغربي الممزق. يقول سيد قطب في مقاله «الضمير المريكاني وقضية فلسطين » . «فها هي ذي أمريكا تتكشف للجميع .هذا هو «ترومان » يكشف عن الضمير المريكاني في حقيقة، فإذا هو نفسه ضمير كل غربي ،ضمير متعفن ل يثق به إل المخدوعون . إنهم جميعا يصدرون عن مصدر واحد ،هو تلك الحضارة المادية التي ل قلب لها ول ضمير .تلك الحضارة ً التي ل تسمع إل صوت اللت ،ول تتحدث إل بلسان التجارة ،ول تنظر إل بعين المرابي ،والتي تق يس النسانية كلها بهذه المقاييس . كم ذا أكره أولئك الغربيين وأحتقرهم؟ كلهم جميعا بل استثناء :النجليز ،الفرنسيون ،الهولنديون .وأخير ا ً ً المريكان الذين كانوا موضع الثقة من الكثيرين . )١ (» .. هذا عن الصلة بين الصل والفرع ،ومظاهر التفاق بين أمريكا وأمها أوروبا .أما نفسيات المريكيين الوائل وهم يغادرون أوروبا إلى أمريكا فيكشفها سيد قطب بقوله « :ويحسن أل ننسى الحالة النفسية التي وفد بها المريكي ( )1مجلة الكتاب .مجلد ٨جزء ٠١ديسمبر ٩٤٩١صفحة.٧٦٦ : ( )1الرسالة سنة ٤١مجلد ٢عدد ٤٩٦تاريخ ١٢أكتوبر ٦٤٩١صفحة.٥٥١١ :
٤٢ إلى هذه الرض فوجا بعد فوج ،وجي ل بعد جيل ،فهي مزيج من السخط على الحياة في العالم القديم، والرغبة في ً ً التحرر من قيوده وتقاليده »( . )٢ أما أصل المريكيين فهو عجيب ! من هم الجداد الوائل الذين وصلوا إلى أمريكا؟ وما هي صفاتهم وملمحهم؟ وما هو سجلهم الحياتي؟ وما هي أهدافهم العملية؟ يحدد سيد قطب هؤلء بأنهم فريقان :فريق المجرمين واللصوص والقتلة! وفريق المغامرين طلب الثراء والمتعة والمتاع ،وكل شخص من أولئك الجداد إما أن يكون مجرما أو ً مغامرا أو قد يجمع بين الصفتين الخبيثتين معا ! ً ً «ويحسن كذلك أل ننسى الحالة الجتماعية والفكرية لغالبية هذه الفواج الولى ،التي تألفت منها نواة هذا الشعب الجديد .فهذه المواج هي مجموعات من المغامرين ومجموعات من المجرمين ،فالمغامرون جاءوا طلب ثراء ومتاع ومغامرات .والمجرمون جيء بهم من بلد المبراطورية النجليزية لتشغيلهم في البناء والنتاج. )٣ (» .. واستمرت هذه الصفات والملمح في المريكيين ،حيث انتقلت من الصل إلى الفرع بمثابة « جينات » وراثية ، وملمح بارزة .واكتسب البن والحفيد سمات وملمح ونفسية الب والجد! والمريكي «الحفيد » إما أن يكون مغامرا مادي ً ،أو مجرما محترف ً ،أو مغامرا مجرما في نفس الوقت ! وأنعم بنظام يقيمه هؤلء، وبحضارة ينشئها ً ا ً ً ً ا هؤلء ،وبقوة يشيدها هؤلء .وترحم على النسانية المشوهة الممسوخة عند هؤلء ،وعلى البشرية السلم إذا قادها هؤلء!! ٣ـ المريكيون وصراع البقاء: المريكيون الوائل عاشوا حياتهم في صراع البقاء ،وأمضوا عمرهم كله في هذا الصراع ،واحترقوا يأتون المعركة الشديدة العنيدة .وأخذ أحفادهم هذا المر ،وورثوا منهم هذه الصفة ،وأمضوا عمرهم في صراع متشعب الجوانب ،متعدد القوى ،لكنه صراع حاد مرير .يعلي جوانب القوة المادية والعضلية للنسان ،ويشوه معالمه النسانية ،وقيمه الخلقية ،ويغلق الباب أمام الروح والمشاعر والعواطف والحاسيس ،لنها ل وجود لها في وسط الصراع الذي يتنافى مع الرحمة وال عطف والنسانية!! يتحدث سيد قطب عن صراع البقاء الذي عاشه المريكيون «الجداد » مع الطبيعة وهم في طريقهم إلى أمريكا ، ثم وهم يجوبون مجاهل أمريكا فيقول« :وقد يدهش النسان وهو يقرأ قصص الجماعات الولى التي هاجرت إلى أمريكا في أيامها الولى ،ويتصور كفاحها الطويل العجيب ،مع الطبيعة الجامحة في تلك الصقاع المترامية ،ومن قبل مع أنواء المحيط الرعيبة وأمواجهة الجبارة ،وفي تل ك القوارب الصغار الخفاف ،حتى إذا رست على الصخور
محطمة أو ناجية ،لقيت النازحين مجاهل الغابات ،ومتاهات الجبال ،وحقول الجليد ،وزعازع ا لعاصير، ووحو ش الغابات وأفاعيها وهوامها... ...ولقد قابلوا الطبيعة بسلح العلم وقوة العضل ،فلم تثر فيهم إل قوة الذهن الجاف ،وقوة الحس العارم ،ولم تفتح لهم منافذ الروح والقلب والشعور ،كما فتحتها في روح البشرية الولى ١( » ... ). ( )2الرسالة سنة ٩١مجلد ٢عدد ٧٥٩تاريخ ٥نوفمبر ١٥٩١صفحات ٥٤٢١ـ . ٦٤٢١ ( )3الرسالة ـ المرجع السابق ـ صفحة. ٧٤٢١ : ( )1الرسالة سنة ٩١مجلد ٢عدد ٧٥٩تاريخ ٥نوفمبر ١٥٩١صفحة . ٧٤٢١ ٥٢ أما البناء الذين ولدوا في هذا الجو الحربي ،جو المعركة وصراع البقاء ،فقد فتحت عيونهم على العلم والمادة، وأغلقت منافذ ح ّهم على العواطف ،وزوت أرواحهم وأخلقهم ومشارعهم في أطواء نفوسهم وكمنت هناك لع ّها س ل تجد لها منفذا أو متنفسا ! ولكن أن ى لها أن تجد ذلك !! «أما في أمريكا فقد ولد ا لنسان على مولد العلم ،فآمن به ً ً وحده ،بل آمن بنوع منه خاص ،هو العلم التطبيقي ،لنه وهو يواجه الحياة الجديدة في القارة الجديدة، وهو يتسلم الطبيعة هناك بكرا جامح ا عنيدة ،وهو يهم أن ينشئ ذلك الوطن الجديد الذي أنشأه بيده ،ولم يكن له من قبل وجود، ً ً وهو يصارع ويناضل لبناء هذا الوطن الضخم .كان العلم التطبيقي هو خير عون له في ذلك الجهد العنيف )٢ (» .. ونتيجة لذلك أصبح المريكي ماديا غليظ ً ،صاحب حس مادي جاف ،وتفكير مادي خشن ،واتسمت حياته ً ا ونظراته بالمادية واللية . ٤ـ المريكيون وشهوة الحرب : نتج عن الصراع العنيف الذي عاشه المريكيون وتوالدوا في جوه ،نتج عن ذلك أمر جديد ملزم لكيانهم وحياتهم ووجودهم ،واعتبر فيما بعد سمة دائمة لهم ،وطبيعة مميزة لهم .هذا المر هو الحرب والنتقام، والحقد والتشفي ،لم يكونوا يحاربون لحاجة أو مصلحة أو ضرورة ،وإنما إشباعا لرغبة النتقام والتشفي فيهم، وتلبية لشهوة ً الحرب المتأصلة فيهم ،الحرب للحرب هي سمة الحرب العنيفة التي خاضها المريكيون في داخل أمريكا وخارجها . وما الحروب التي أثارتها أمريكا وأوقدت نارها في العالم بخارجة عن تحقيق تلك الشهوة ،وتنفيذ تلك الرغبة . ومنذ أن ظهرت أمريكا على المسرح العالمي كقوة عظمى وقائدة للبشرية ،وهي تشعل الحروب الباردة والفاترة والساخنة والملتهبة والحمراء في مختلف بقاع العالم ،وحتى تخفي هذه الرغبة المدمرة ،وتغلف تلك الشهوة الجارفة، ادعت أنها دولة محبة للسلم ،داعية إليه حريصة عليه ،وأنها ل تشعل الحروب ول تفني من البشر ول
تتلف من الموال والمكانيات إل لتحقيقه !! وصدق المخدوعون تلك الشاعة ،وراجت فيهم تلك الخرافة :خرافة أن الشعب المريكي شعب محب للسلم . يقول سيد قطب عن رغبة الحرب على امري كا ،وتحكم شهوة الحرب في أفرادهم : «إن المريكي بفطرته محارب محب للصراع .وفكرة الحرب والصراع قوية في دمه ،بارزة في سلوكه، وهذا هو الذي يتفق مع تاريخه كذلك .فقد خرجت الفواج الولى من أوطانها قاصدة إلى أمريكا بفكرة الستعمار والمنافسة والصراع .وهناك قاتل بعضهم بعضا وهم جماعات وأفواج .ثم قاتلوا جميعا سكان البلد الصليين ً ً (الهنود الحمر) وما يزالون يحاربونهم حرب إفناء حتى اللحظة الحاضرة .ثم قاتل العنصر النجلوسكسوني العنصر اللتيني هناك ،وطرده إلى الجنوب في أمريكا الوسطى والجنوبية .ثم حارب المتأمر كون أمهم الولى إنجلترا في حرب التحرير بقيادة «جورج واشنطن » حتى نالوا استقللهم عن التاج البريطاني ثم حارب الشمال الجنوب بقيادة «إبراهام لنكولن » تلك الحرب التي اتسمت بسمة «تحرير العبيد » وإن كانت دوافعها الحقيقية هي المنافسة القتصادية... ()2المرجع السابق.٦٤٢١: ٦٢ وانقضت فترة العزلة ،وانتهت سياستها ،عندما دخلت أمريكا الحرب العالمية الولى ،ثم اضطلعت بالحرب العالمية الثانية .ثم ها هي ذي تنهض بالحرب في كوريا ،والحرب العالمية الثالثة ليست بالبعيدة! ولست أدري إذن كيف راجت تلك الخرافة العجيبة عن شعب هذا تاريخه في الحرب » (. )١ ويطيب لي بهذه المناسبة ـ ومن باب عرض أدلة أخرى من التاريخ العالمي الحديث على سيطرة النزعة العدوانية النتقامية على العقلية المري كية ،وتمكن ش هدة الحرب والحقد والنتقام في حياتها وتوجيهها لسياستها ـ أن أورد هذا التلخيص الفريد المفيد الدال عن «قصة التدخلت المريكية في دول العالم » إذ أن المكان هو أنسب موضع لهذا الكلم. «أمريكا ..تاريخ في الغزو العسكري »: التدخلت العسكرية الخيرة في لبنان وغرينادا .ليست وليدة اليوم ..أو حديثة العصر ..فهي ذات جذور تاريخية تمتد إلى أكثر من ٠٥١سنة ـ أي قرن ونصف القرن ـ قضتها أمريكا في ممارسة هوايتها... وهنا نستعرض شريطا تاريخي ا لهذه التدخلت العسكرية من بدايتها من قرن ونصف إلى ما وصلت إليه الن... ً ً وفي عام ٣٣٨١قامت القوات المريكية بغزو نيكاراغوا . وفي عام ٥٣٨١دخلت هذه القوات إلى بيرو . وفي عام ٦٤٨١احتلت القوات المريكية أرضا طالبت بها المكسيك وهي ما تعرف الن بولية تكساس. وبهذا ً أثيرت الحرب المكسيكية .وفي أعقاب انتصار سنة ٨٤٨١ضمت الوليات المتحدة ت لك الرض
بالضافة إلى كاليفورنيا ونيومكسيكو. وفي عام ٤٥٨١دمر المارينز المريكي ميناء جراي تاون في نيكاراغوا انتقام ا من إبعاد الوزير المريكي الذي ً كان في تلك البلد . وبعد ذلك بعام غزت القوات المريكية أوراغواي . ثم قامت بغزو قناة بنما . وفي عام ٧٥٨١تدخلت القوات المريكية في نيكاراغوا إفشال محاولت وليم روكز وهو مغامر من تنيسي حاول تولي السلطة في نيكاراغوا . قامت القوات المريكية بغزو كولومبيا عام ٣٧٨١بعدة إنزالت عسكرية تتابعت في العوام ٥٨٨١و ١٩٨١ و ٢٩٨١و ٣٩٨١و ٨٩٨١و . ٩٩٨١ وفي عام ٨٨٨١تدخلت القوات المري كية في هايتي . وفي عام ١٩٨١في تشيلي . وفي عام ٤٩٨١تدخلت القوات المريكية مرة أخرى في نيكاراغوا . وفي عام ٨٩٨١كانت الحرب المريكية السبانية .حيث افتعلت الوليات المتحدة حادثة كوبا .وقد حاصر على أثرها السطول المريكي الموانيء الكوبية بينما قام الجيش والمتطوعون بما فيهم من رجال تيودور روزفلت بسحق القوات السبانية على الشواطئ . ( )1الرسالة :سنة ٩١مجلد ٢عدد ٩٥٩تاريخ ٩١نوفمبر ١٥٩١صفحات١٠٣١ :ـ . ٢٠٣١ ٧٢ وبعد ثلثة أعوام جعلت الوليات المتحدة من كوبا وكرا أمريكيا للقمار كما ضمنت الحق في قاعدة بحرية في ً ً خليج جوانتانامو .ومازالت تحتفظ بها حتى الوقت الحاضر. وفي عام ١٠٩١و ٢٠٩١تدخلت القوات المريكية في كولومبيا . وفي عام ٢٠٩١تدخلت في هندوراس. وفي عام ٦٠٩١خلل الحرب الهلية في كوبا انتظمت القوات المريكية في جيش التهدئة الكوبية لستعادة النظام ،وإقامة حكومة مستقلة خلل ثلث سنوات . وفي عام ٧٠٩١تدخلت القوات المريكية واستولت على ست مدن في هندوراس . وفي عام ٤١٩١دخل المارينز المريكيون إلى هايتي في عملية إنزال ،حيث سرقوا البنك المركزي استردادا ً لحد الديون!! وفي سنة واحدة أي في عام ٥١٩١دخلت القوات المريكية إلى هايتي ،واحتلت البلد حتى عام . ٤٣٩١ وفي عام ٤١٩١أمر الرئيس ولسون بحريته بقصف واحتلل فيركروز . وفي عام ٦١٩١وبعد غارات مكسيكية على الراضي المريكية أرسل قوة بقيادة بيرشنغ حيث دخلت المكسيك لمطاردة زعيم الثوار بانكوفيل . وفي عام ٦١٩١تدفقت القوات المريكية إلى الدومينكيان لتهزم الثوار وتسيطر على البلد بحكومة عسكرية حتى عام . ٤٢٩١
وفي عام ٢٣٩١تدخلت القوات المريكية في السلفادور بمساعدة السفن الكندية. وفي عام ٤٥٩١أطاحت الوليات المتحدة المريكية بحكومة غواتيمال. وفي عام ١٦٩١غزت أمريكا خليج الخنازير في كوبا بواسطة جيش من المبعدين الذين تبنتهم .وانتهى هذا الغزو إلى الفشل . وفي عام ٢٦٩١فرض الرئيس كيندي حصارا جويا وبحريا على كوبا لجبار السوفيات على إبعاد صواريخهم ً ً ً الذرية من الجزيرة. وفي عام ٧٦٩١ساعدت المخابرات المركزية المريكية «سي .أي .إيه » ،عسكر بوليفيا على جيفارا في بوليفيا . وفي هذه الثناء ل ننسى التدخلت المريكية في فيتنام وكوريا . وفي عام ٧٦٩١أمدت الوليات المتحدة المريكية إسرائيل بالمال والعتاد والسلحة ،ونتج عن ذلك هزيمتها للعرب في نكسة عام . ٧٦٩١ وفي عام ٣٧٩١زعزعت الوليات المتحدة الستقرار في تشيلي ،مما هيأ الطريق أمام قيام دكتاتورية عسكرية . وفي نفس العام تدخلت الوليات المتحدة عن طريق وزير خارجيتها هنري كيسنجر واوقفت مد النصر العربي على إسرائيل في حرب ٠١رمضان المجيدة . واعتبارا من تولي الرئيس ريجان للسلطة عام ٠٨٩١وهي ترسل المساعدات والمستشارين وعملء ً «السي . آي .إيه » .إلى مختلف بلد العالم. وفي عام ١٨٩١و ٢٨٩١بدأت أمريكا بتعزيز أساطيلها العسكرية في الخليج ونشر الصواريخ في أوروبا . ٨٢ وفي هذا العام ٣٨٩١تدخلت القوات المريكية في لبنان بدعوى حفظ السلم .وغزت جرينادا في أمريكا اللتينية ( ... )١ هذه نماذج سريعة للتدخلت المريكية في العالم ،وغزوها العسكري للدول الخرى ...وهي كافي ة في الدللة على تعمق الصلف والعنجهية في الشخصية المريكية ،وسيطر شهوة الغزو والحرب عليها ،واستخدامها آلتها الحربية وصناعتها العسكرية وجيشها وأسلحتها في السيطرة على العالم ،وزعزعة الحرية والستقرار والستقلل فيه .نعرض هذه النماذج أمام المخدوعين بأمريكا لي عرفوها على حقيقتها ،وينظروا إلى وجهها الكالح القبيح بدون رتوش أو تجميل ليعرفوا إلى أين تقودهم أمريكا ..وما الذي تريده بهم ومنهم ..لعلهم يستيقظون ويتعظون... ٥ـ مشاعر وعواطف المريكيين: أمريكا ل رصيد لها من المشاعر والعواطف النسانية ،بل ل تكاد تجد هذه ال مشاعر مكان ا لها هناك ! ويعلل سيد ً قطب السبب في ذلك بقوله« :وحينما يقضي النسان ساعات حياته كلها في عمل مضن شاق ،وجهته الدولر! وحينما تضيق آفاق الحياة كلها فل تتسع إل لوجه الدولر .عندئذ ل يبقى للشواق الروحية مجال ،ول للحاسيس الشاعرة المجنحة مكان »( .... )٢
وأما الروح عندهم فهي ضامرة ل تأثير لها ول قيمة ،ول وزن لها ول اعتبار .ول يلتفتون إليها إل إذا قومت تقويما مادي ا .ووزنت وزن ا مادي ا .ولقد عاش سيد قطب في أمريكا سنتين ابتلى فيها بصل به وصلف وجلفة ً ً ً ً المريكيين،وأحس إهمالهم للروح والروحانيات.. .وإغفالهم للخلقيات والقيم النسانية ..ولذلك لما أهداه «توفيق الحكيم » كتابه «الملك أوديب » وقال في كلمة الهداء حياة الشرق وأخلقه ..وقارن بين اهل الشرق وأهل أمريكا ، ثم كتب إلى توفيق الحكيم قائ ل« :لقد استروحت في كلمة الهداء :ممن يذكر دائما » فسحة رخية من روح الشرق ً ً الليف ـ فالذكرى هي خلصة هذه الروح ـ وما كان أحوجني هنا إلى تلك النسمة الرخية ..إن شيئ ا واحدا ينقص ً ً هؤلء المريكيين ـ على حين تذخر أمريكا بكل شيء ـ شيء واحد ل قيمة له عندهم ...الروح! ». إلى أن يقول للحكيم « ..:ما أحوجني هنا لمن أبادله حديث ا بحديث ،في غير موضوع الدولرات ونجوم السينما ً وماركات السيارات ..حديثا في شؤون النسان والفكر والروح »(..) ١ ً ويقرر سيد قطب حقيقة واضحة عن اهتمام أمريكا بالروح والمشاعر والقيم والعواطف« :وأخشى أن تختفي عجلة الحياة ،ويطوي سجل الزمن ،وأمريكا لم تضف شيئ ا ـ أو لم تضف إل اليسير الزهيد ـ إلى رصيد النسانية ً من تلك القيم ،التي تميز بين النسان والشيء ثم بين النسان والحيوان (...) ٢ ويقرر هذه الحقيقة أيضا بعبارة محددة ذات دللة« :يبدو المريكي بدائيا في العجاب بالقوى العضلية، والقوى ً ً المادية بوجه عام ،بقدر ما يستهين بالمثل والمبادئ والخلق في حياته الفردية وفي حياته العائلية ،وفي حياته الجتماعية ـ فيما عدا دائرة العمل بأنواعه وعلقات القتصاد والمال ـ (..) ٣ ( )1آفاق إسلمية :نشرة غير دورية يصدرها الخوان المسلمون في الردن . ( )2مجلة الكتاب مجلد ٨جزء ٠١ديسمبر ٩٤٩١صفحة. ٨٦٦ : ( )1الرسالة سنة ٧١مجلد ١عدد ٧٢٨تاريخ ٩مايو ٩٤٩١صفحة. ٣٢٨ : ( )2الرسالة عدد ٧٥٩صفحة. ٥٤٢١ : ٩٢ وسيد قطب يملك الدلة الكثيرة من حياة أمريكا ونظرة أهلها للروابط الجتماعية والفضائل الخلقية والقيم النسانية ،هذه الدلة مستقاة من الواقع المريكي ،تمثل نماذج لفرادها وشرائح بشرية لهم. وقد عرض بعض هذا النماذج ـ الشوهاء ـ وقدم لها بقوله« :إن الحيوية المادية عند المريكي مقدسة، والضعف أيا كانت أسبابه جريمة ..جريمة ل يغتفرها شيء .ول تستحق عطف ا ول عونا ..وحكاية المبادئ والحقوق ً ً ً خرافة في ضمير المريكي ل يتذوق لها طعما .كن قويا ولك كل شيء .أو كن ضعيفا فل يسعفك مبدأ
ول يكون لك ً ً ً مكان في مجال الحياة الفسيح ،أما الذي يموت فيرتكب بالطبع جريمة الموت ! ويفقد كل حق له في الهتمام والحترام! اليس إنه قد مات »( )١؟ ونشير في هذا المقام إلى النماذج التالية التي عرضها سيد قطب :مشهد مجموعة من المرضى في المستشفى تضحك متفكهة أمام مريض في حالة الحتضار .ومشهد مجموعة من القوم قدموا للعزاء في ميت .وقد جلسوا في حجرة من المنزل في دعابات وفكاهات بينما الميت مسجى في حجرة أخرى ،والعجيب أن زوجة الميت وأهله كانوا مشاركين في الدعابات والفكاهات ..ومشهد المرأة التي مات زوجها قبيل موعد حفلة خاصة فخرجت إلى الحفلة تبحث لها عن رفيق .ومشهد امرأة تتحدث عن زوجها الذي مات قبل قليل « :لقد كنت حسنة الحظ، فقد كنت مؤمنة على حياته ،حتى علجه لم يكلفني إل القليل ،لنني كنت مؤمنة عليه في هيئة الصليب الزرق «وابتسمت ضاحكة »(. ) ٢ وقد خبر سيد قطب المريكيين ثم وصفهم بقوله« :ولم ألمح في هذه الفترة الطويلة من الزمان ،ول في خلل تلك المساحة الشاسعة من المكان ـ إل في مرات نادرة ـ وجها إنسانيا يعبر عن معنى النسان ،أو نظرة إ نسانية ً ً تطل منها معاني النسانية .. .ولكني وجدت القطيع في كل مكان »( . )١ ولذلك يحذر الناس من القتداء بالمريكيين في مجال العواطف والمشاعر بقوله« :هذه البشرية تخطئ أشنع الخطأ ،وتعرض رصيدها من القيم النسانية للضياع ،إذا هي جعلت المثل المريكية مثلها في الشعور والسلوك »(..) ٢ ٦ـ أمريكا أرض بكر : حبا االله المريكيين نعما غامرة ،وفض ل واسعا ،وعطا ء ل ينفذ،وهو يت مثل في طبيعة تلك البلد الساحرة ، ً ً ً ً وجمالها الطبيعي الفتان ،ومواردها وخيراتها وإمكاناتها ...إنهم يعيشون في قارة شاسعة مترامية الطراف ،لها ّ موارد طبيعي ة ل تنضب ،وتحوي كنوزا قيمة ،وطاقات مذخورة ،وتمتلك غن ى عريض ا .. .ورغم انهماك المريكيين ً ً ً على موارد بلدهم وحرصهم على استغللها ،وه و لهم مرتبة رفيعة في هذا المجال ...رغم كل ذلك فإن الكثير من تلك الكنوز مازال مخبوء ً ،وتلك الطاقات والمواد مازالت مذخورة ،وتل ك الراضي مازالت بكرا لم تستغل . ا ً ( )3الرسالة عدد ٩٥٩صفحة .١٠٣١ ( )1المرجع السابق صفحة . ٢٠٣١ ( )2انظر الرسالة عدد ٩٥٩صفحات٢٠٣١ :ـ . ٣٠٣١ ()1مجلة الكتاب مجلد ٨جزء ٠١صفحة. ٦٦٦ : ( )2الرسالة ١٦٩صفحة. ٠٦٣١ :
٠٣ يقول سيد قطب« :وأمريكا ..تلك المساحات الشاسعة من الرض بين الطلنطي والباسيفيكي ...تلك الموارد التي ل تنضب من المواد والخامات .ومن القوى والرجال (...) ٣ ويعرض لنا نموذج ا من الجمال المريكي الطبيعي الفاتن ذلك المتمثل في مدين ة «جريلي » بولية كولورادو« : ً وهذه المدينة الصغيرة «جريلي » التي أقيم بها الن .إنها ج ملية جملية ،حتى يخيل النسان أنها أنبتت نباتا في ً روضة حالمة .كل بيت كأنه نبتة في حديقة ،وكل شارع كأنه طريق في روضة » (١ ).. ويشير إلى نموذج آخر من ذلك الجمال الطبيعي في سان فر نسيسكو «وأنا على قمة جبل تشرف على حديقة من الصخور ،يسمونها هنا «حدائق اللهة » وقد انكشف ال مرتقى والمنحدر كلهما ،واعتنقا عند تلك القمة الشاهقة في الفضاء »(..)٢ وحول خامات وكنوز أمريكا المخبوءة وأراضيها البكر التي لم تستغل حتى الن ـ والتي تطيل في عمر أمريكا اجيال أخرى ـ يقول سيد قطب « :ولم يفرغ المريكي بعد من مرحلة البناء ،فما تزال هنالك مساحات ًُ شاسعة ل تكاد تحد ،من الراضي البكر التي لم تمسسها يد ،ومن الغابات البكر التي لم تطأها قدم ،ومن المناجم البكر التي لم تفتح ولم تستغل ،وما يزال ماضي ا في عملية البناء الولى (..) ٣ ً وكمظهر من حركته هناك بإسلمه ،ونظرته إلى المور والشخاص بمنظار قرآنه ،كان في أمريكا يرى بعض آيات القرآن تنطبق عليها تمام ً ،فتكون تلك الرؤية بمثابة تفسير عملي لليات .يقول في تفسير قوله تعالى( :فلما ا نسوا ما ذكروا به فتحنا عليهم أبواب كل شيء ) ..باعتبار أمريكا نموذج ا له « ..لقد كنت في أثناء وجودي في ً الوليات المتحدة المريكية أرى رآي العين مصداق قول االله سبحانه( :فل ما نسوا ما ذكروا به فتحنا عليهم أبواب كل شيء ) فإن المشهد الذي ترسمه هذه الية ..مشهد تدفق كل شيء من الخيرات والرزاق بل حساب .. ل يكاد يتمثل في الرض كلها كما يتمثل هناك » (! ) ٤ ٧ـ أمريكا «ورشة ضخمة »: هذا لقب عجيب ساخر أطلقه سيد قطب على أمريكا .وأعتقد أن القارئ الذي قرأ ما سبق من هذا الفصل ، ووصل إلى هذا المبحث ،يدرك صحة وصواب هذا اللقب ،ويقف على موهبة سيد قطب الفريدة في النقد والتقييم ، وسخريته اللذعة من بعض المور والشخاص . أمريكا التي احتلت منزلة رفيعة عند كثير من المفتونين بها ،ومكانة سامية في قلوبهم ،والتي أطلقوا عليها الكثير من اللقاب ،مثل كونها «أم الحرية » و «قائدة العالم المتحضر » و « موطن العلم والتقدم والمدنية
والنظام » .و ... أمريكا هذه عند سيد قطب ل تعدو أن تكون «ورشة » ورشة ضخمة ليس إل .تصلح أن تكون ورشة لللت ، ومخزنا للسلحة ،ومستودع ا للمادة ،واحتياطي ا للدوات والصناعات والغذاء والطعام ،تصلح لكل هذا، أما أن تكون ً ً ً ( )3الرسالة ٧٥٩صفحة . ٥٤٢١ ( )1الكتاب مجلد ٨حزء ٠١صفحة . ٨٦٦ ( )2الكتاب مجلد ٩جزء صفحة . ٦٢٣ ( )3الرسالة عدد ٧٥٩صفحة .٦٤٢١ ( )4الظلل .١٠١ :٢ ١٣ مثال للحضارة والحرية والتقدم ،والخلق والنظم والقيم ..فل تصلح ..وكم تخسر البشرية إذا جعلت هذه ً الخيرة لمريكا وتبعتها فيها.. يقول سيد قطب «وقضيت عام ا في تلك «الورشة » الضخ مة التي يسمونها «العالم الجديد » ،وتنقلت من نيويورك ً إلى واشنطن ،إلى دنفر ،إلى جريلي »( ... )١ ويقول« :وإنه ليبدو أن العبقرية المريكية كلها قد تجمعت وتبلورت في حقل العمل والنتاج ،بحيث لم تبق فيها بقية تنتج شيئ ا في حقل القيم النسانية الخرى .ولقد بلغت في ذلك الحقل ما لم تبلغه أمة ،وجاءت فيه بالمعجزاتً ، التي احالت الحياة الواقعية إلى مستوى فوق التصور ووراء التصديق لمن لم يشهدها عيانا .ولكن النسان لم يحفظ ً توازنه أمام اللة ،حتى ليكاد هو ذاته يستحيل إلى آلة »(.) ٢ صار سيد قطب يراسل أصدقاءه وزملءه يعرفهم على حقيقة أمريكا ،ويدعوهم إلى أن يبينوا هذا للناس ليحولوا بينهم وبين زخارف المخادعين في تلميع «الوجه المريكي » وتزيينه بالفضائل ال مصطنعة . من تلك الرسائل رسالته إلى توفيق الحكيم الذي قال له « :شكرا لك على هديتك الكريمة :كتابك الجديد «الملك او ً ديب » إنها شيء عزيز ثمين بالقياس إل ى ه نا في تلك الورشة الضخمة السخيفة ،التي يسمونها: العالم الجديد »( ..)١ ومنها رسالته إلى أنور المعداوي « :كيف أنت والدب والفن على حسك؟ أحس أن آبادا وآمادا بيني وبين ذلك ً ً الماضي القريب منذ عام،هنا الغربة غربة الروح والجسد ،هنا في تلك الورشة الضخمة التي يدعونها العالم الجديد »(. )٢ ومنها رسالته إلى عباس خضر« :تصلح أمريكا أن تكون «ورشة العالم » فتؤدي وظيفتها على خير ما يكون ..أما ان يكون العالم كله كأمريكا فتلك هي كارثة النسانية بكل تأكيد ( ... )٣ ٨ـ البدائية المريكية:
مر بنا فيما سبق كيف أن رصيد أمريكا من العواطف والمشاعر ل يكاد يذكر ،وكيف أنها متقدمة تقدما مذهل ّ ً ً معجزا في العلوم والصناعات الختراعات ً . وفي هذا المبحث سن بي ن «البدائية المريكية » في حياتها ،ونعرض ألوان ا ونماذج لهذه البدائية من مختلف َُّ ً اهتماماتها وحياتها ،وأوجه نشاطها وممارستها . المريكيون بلغوا الذروة في المادة والتقدم العلمي والرفاهية ال مادية ،والرخاء والتنظيم والترتيب . وقد سبقوا الدول الخرى في هذا المجال .ولكنهم في المشاعر والسلوك ،وفي التدين والعبادة ،وفي العلقات الجتماعية والعائلية ،وفي السياسة والقتصاد ،وفي الذواق والعادات والممارسات ...قوم بدائيون ..بدائيون إلى درجة عجيبة، تثير الحيرة والعجب والدهش ة والستغراب... ( )1الكتاب مجلد ٨جزء ٠١صفحة . ٦٦٦ ( )2الرسالة عدد ٧٥٩صفحة . ٦٤٢١ ( )1الرسالة عدد ٧٢٨صفحة .٣٢٨ ( )2الكاتب :سنة ٥١عدد ٣٧١تاريخ أغسطس ٥٧٩١صفحة.٨٢ : ( )3الرسالة :سنة ٨١مجلد ٢عدد ٧٨٨صفحة . ٦٥٧ ٢٣ يقول سيد قطب« :وإن الباحث في حياة الشعب ا لمريكي ليقف في أول المر حائرا أمام ظاهرة عجيبة ،قد ل ً يراها في شعب من شعوب الرض جميعا :شعب يبلغ في عالم العلم والعمل قمة النمو والرتقاء ،بينما هو في عالم ً الشعور والسلوك بدائي لم يفارق مدارج البشرية الولى ،بل أقل من بدائي في بعض نواحي الشعور والسلوك . ولكن هذه الحيرة تزول بعد النظرة الفاحصة في ماضي هذا الشعب وحاضره ،وفي السباب التي جمعت فيه بين قمة الحضارة وسفح البدائية » ( . . )١ وقد تحدث سيد قطب عن أهم أسباب هذا الزدواج ،وممارسة البدائية في أبرز صورها :منها أن المريكي لم ينم نموا طبيعيا سليما كباقي الشعوب ،وإنما نموا شاذا مشوها ،حيث ولد على مولد العلم المادي التطبيقي ،فآمن به ً ُ ً ً ً ً ّ ً دون سواه ،فتضخم الجانب العضلي في كيانه وضمر الجانب النساني .ومنها :أصل المريكي ونفسية اجداده وهروبهم من النسان الوروبي بكامل سماته ...ومنها:التركيبة الجتماعية والفكرية لولئك الجداد الذين كانوا إما مغامرين أو مجرمين .ومنها :الصراع الدامي المرير الذي عاشه المريكي مع الطبيعة والكون والنسان . ذلك المزيج من الملبسات ،وهذا المزيج من الفواج ،من شانه ان يستنهض وينمي الصفات البدائية في ذلك الشعب الجديد ،ويتهم أو يقاوم الصفات الراقية في نفسه أفرادا وجماعات ،فتنشط الدوافع الحيوية
الولى كأنما ً يستعيد النسان خطواته الولى ،بفارق واحد أنه هنا مسلح بالعلم الذي ولد على مولده وخطا على خطواته .والعلم في ذاته ـ وبخاصة العلم التطبيقي ـ ل عمل له في حقل القيم النسانية ،وفي عالم النفس والشعور، بذلك ضاقت آفاقه ،وضمرت نفسه ،وتحددت مشاعره ،وضؤل مكانه على المائدة العالمية الزاخرة بالنماط واللوان »(..) ١ ٩ـ البدائية في النظرة إلى الدين: «المريكي بدائي في تدين ه ،بدائي في نظرته إلى الدين ،وفي صلته به ،وممارسته لشعائره ،و «رجال الدين » المريكيون بدائيون في الكنائس وفي أساليب دعوة الناس إليها ،وتصرفات الناس فيها ،ومباركة وتشجيع «رجال الدين » هؤلء للفواحش والفجور في تلك الكنائس ... ليس أكثر من المريكان تشييدا للكنائس .. .حتى لقد أحصيت في بلدة واحدة ل يزيد سكانها على عشرة آلف، ً أ كثر من عشرين كنيسة .وليس أكثر ذهابا إلى الكنائس في ليالي الحد وأيامه ،وفي العياد العامة وأعياد القديسين ً المحليين ،وهم أكثر من «الولياء » عند عوام المسلمين. .. وبعد ذلك كله ليس هناك من هو أبعد من المريكي عن الشعور بروحية الدين وإحترامه وقداسته.. . وليس أبعد من الدين عن تفكير المريكي وشعوره وسلوكه... وإذا كانت الكنيسة مكانا للعبادة في العالم المسيحي كله ،فإنها في أمريكا مكان لكل شيء إل العبادة ...وإنه ً ليصعب عليك أن تفرق بينها وبين أي مكان آخر معد للهو والتسلية ،أو ما يسمونه بلغتهم أل ( (Funومعظم قصادها إنما يعدونها تقليدا اجتماعيا ضروري ً ،ومكانا للقاء والنس ،ولتمضية وقت طيب ...و ليس هذا شعور ُّ ً ً ا ً الجمهور وحده ،ولكنه شعور سدنة الكنيسة ورعاتها » ( .. )١ ( )1الرسالة عدد ٧٥٩صفحة. ٦٤٢١ : ()1الرس الة عدد ٧٥٩صفحة . ٧٤٢١ ( )1الرسالة :عدد ٩٥٩صفحة . ٣٠٣١ ٣٣ وقد خرج سيد قطب بتلك النتيجة اليقينية وأصدر عليهم ذلك الحكم الصحيح ،لنه كان ملما بالممارسة المريكية ً دن ،وخبير ا بالسلوك المريكي البدائي للتدين « :كنت عضوا في عدة نواد كنيسية في كل جهة للت ّ عشت فيها ،إذ ي ً ً كانت هذه ناحية هامة من نواحي المجتمع تستحق الدراسة عن كثب ومن الداخل »(٢ ).. عرض سيد قطب لنا بعض النماذج الدالة على تلك البدائية :تشييد الكنائس ،ونوادي الكنائس ،والعلن عن
نشاطات وتسليات الكنائس والتنافس في ذلك بين الكنائس ،والبرامج الفاجرة في الكنائس ،واستخدام أجمل الفتيات لصطياد الشباب إلى الكنائس ،وحفلت الرقص والغناء للجنسين في الكنائس ،وتهيئة الجواء للعهد والفجور والفواحش داخل الكنائس ،ومباركة وتشجيع رجال الدين لكل هذا الذي يجري في الطريق إلى الكنائس، والذي يجري داخل الكنائس( ... )٣ وبعد كل هذا يتساءل سيد قطب ( :ما قيمة اجتذابهم إلى الكنيسة وهم يخوضون اليها مثل هذا الطريق، ويقضون ساعاتهم فيه؟ أهو الذهاب إلى الكنيسة هدف في ذاته ،أم آثاره التهذيبية في الشعور والسلوك؟ من وجهة نظر «الباء » التي أوضحتها فيما سلف ،مجرد الذهاب هو الهدف)( . .. )٤ ٠١ـ البدائية في النظرة إلى الجنس: المريكي بدائي ـ إلى أدنى درجات البدائية ـ في حياته الجنسية ،بدائي في نظرته إلى الجنس ،وفي ممارسته له ،بدائي في العلقات الجتماعية والنفسية والجنسي ة بين الجنسين ..ول تختلف حياته الجنسية عن حياة القوم البدائيين في مجاهل الغابات ،بل ل تختلف في إباحيتها وعهرها وعربدتها عن حياة الحيوانات . يقول سيد قطب ( :والمريكي بدائي في حياته الجنسية ،وفي علقات الزواج والسرة .ولقد مررت في أثناء دراساتي للكتاب المقدس بتلك الية الواردة في «العهد القديم » ،حكاية عن خلق االله للبشر أول مرة وهي تقول : (ذكرا وأنثى خلقهم) مررت بهذه الية كثير ً ،فلم يتمثل لي معناها عاديا واضحا جاهر ً ،كما تمثل لي في أثناء ً ا ً ً ا حياتي بأمريكا . إن كل ما تعبت الحياة البشرية الطويلة في خلقه وصيانته من آداب الجنس ،وكل ما صاغته حول هذه العلقات من عواطف ومشاعر ،وكل ما جاهدت من غلظة الحس ،وجهامة الغريزة ،لتطلقه إشعاعات مرفرفة، وهالت مجنحة ،وأشواق طليقة .وكل الروابط لوثيقة حول تلك العلقات في شعور الفرد ،وفي حياة السرة وفي محيط الجماعة ..إن هذا كله قد تجردت منه الحياة في أمريكا مرة واحدة ،س وتجلت عارية عاطلة منكل تجمل (ذكرا ً وأنثى ) كما خلقهم أول مرة جسدا لجسد ،وأنثى لذكر ،على أساس مطالب الجسد ودواف عه ،تقوم العلقات وتتحدد ً الصلت ،ومنها تستمد قواعد السلوك وآداب المجتمع ،وروابط السرة والفراد.. بفتنة الجسد وحدها ،عارية من كل ستار ،مجردة من كل حياء ،تلقى الفتاة الفتى ،ومن قوة الجسد وعضلته يستمد الفتى إعجاب الفتاة ،ويستمد الزوج حقوقه ـ هذه الحقوق التي تسقط جميعها في عرف الجميع، يوم يعجز الرجل عن الوفاء بها لسبب من السباب (...)١ ( )2انظر الرسالة ٩٥٩ :صفحة .٤٠٣١ ( )3انظر الرسالة عدد ٩٥٩صفحات ٣٠٣١ :ـ . ٥٠٣١ ( )4الرسالة عدد .٥٠٣١ :٩٥٩
٤٣ ول يفوت سيد قطب أن يعرض الدلة على ما يقول ،وأن يبين النماذج المنتزعة من الواقع المريكي التي تمثل هذه البدائية الجنسية .بعرضه شرائح اجتماعية للفتيان والفتيات تتمثل فيها بوضوح .وذلك مثل إشارته إلى مظاهر الفتنة في الفتاة المريكية ،كما تبدو في نظر الرجل هناك ،وإشارته الى المواصفات النموذجية «الحيوانية » في الشاب ليحظى بالقول عند الفتاة .وإلى الممارسات الحيوانية لهم في عالم الجنس والشهوة والمتعة، وإلى إسقاط كلمات :الرذيلة والفضيلة ،والعيب والخجل والحياء من القاموس المريكي للجنس ،لن الجنس مسالة. « بيولوجية » جسدية ليس إل ،مثلها مثل البول وقضاء الحاجة (... )١ إن المريكيين «يوظفون » الجمال الطبيعي الذي وهبه االله لهم توظيفيا جنسيا شهواني ا حيواني ً، كمظهر من البدائية ً ً ا الجنسية التي يعيشونها .يقول سيد قطب( :وتطلع عليك الفتاة كأنها الجنية المسحورة أو الحوراء الهاربة .ولكن ما إن تقرب إليك حتى تحس فيها الغريزة الصارخة وحدها مجردة من كل إشعاع ،وحتى تشم رائحة الجسد المحترق لنكهة العطر الفواح .ثم تنتهي إلى لحم .مجرد لحم.لحم شهي حق ً ،ولكنه لحم على كل حال . )٢().. ا وعاش المريكيون حياتهم الجنسية بدائية وشيوعية ،وانحرافا وشذوذ ً ،وعهرا وفجور ً ،ورأى سيد قطب هناك ً ا ً ا ما رأى وسمع من هناك وعن هناك ما سمع « :نعم شاهدت في البلد التي ليس فيها قيد واحد على الكشف الجسدي والختلط الجنسي بكل صور ه وأشكاله .إن هذا كله لم ينته بتهذيب الدوافع الجنسية وترويضها .إنما انتهى إلى سعار مجنون ل يرتوي ول يهدأ إل ريثما يعود إلى الظمأ والندفاع! وشاهدت المراض النفسية والعقد التي كان مفهوما أنها ل تنشأ إل من الحرمان ،وإل من التلهف على الجنس الخر المحجوب .شاهدتها بوفرة ، ً ومعها الشذوذ الجنسي بكل أنواعه ..ثمرة مباشرة للختلط الكامل الذي ل يقيده قيد ،ول يقف عند حد .وللصداقات بين الجنسين ، تلك التي يباح معها كل شيء ،وللجسام العارية في الطريق ،وللحركات المثيرة ،والنظرات الجاهرة، واللفتات الموقظة. )٣().. وجنت أمريكا ثمار هذه البدائية الجنسية ،وحصدت من تلك البدائية الحيوانية أمراضا مختلفة« :وقد قررت لجنة ً الربعة عشر المريكية التي تعني بمراقبة حالة البلد الخلقية ،أن % ٠٩من الشعب المريكي مصابون بالمراض الجنسية السرية الفتاكة.)١(» .. ووصلت أمريكا أخيرا إلى هذه النتيجة التي أعلنها رئيس أمريكي «وأخيرا يعلن رئيس الوليات المتحدة أن ستة ً ً
من كل سبعة من شباب أمريكا لم يعودوا يصلحون للجندية بسبب النحلل الخلقي الذي يعيشون فيه »(.)٢ ١١ـ البدائية في النظرة إلى الفن : تنسحب بدائية المريكيين إلى الفنون والنظر إليها وتذوقها .وفي ذلك يقول سيد قطب« :المريكي بدائي في ذوقه الفني ،سواء في ذلك تذوقه للفن ،أو أعماله الفنية » ... ( )1الرسالة :عدد ٩٥٩ :صفحة . ٥٠٣١ ( )1انظر الرسالة عدد ٩٥٩صفحات٥٠٣١ :ـ . ٦٠٣١ ()2الكتاب مجلد ٨جزء ( )٠١صفحة . ٧٦٦ : ( )3الظلل .٧٣٦ :٢ ( )1الظلل . ١١٥٢ :٤ ( )2الظلل .٦٣٦ :٢ ٥٣ الموسيقى المختارة المفضلة عند المريكيين عموما هي موسيقى «الجاز » فما هو أصل هذه الموسيقى؟ وما هي ً البداية فيها؟ يجيب سيد قطب على ذلك بقوله« :هي تلك الموسيقى التي ابتدعها الزنوج لرضاء ميولهم البدائية ورغبتهم في الضجيج من ناحية ،ولستثمارة النوازع الحيوانية من ناحية أخرى ...ول تتم نشوة المريكي تماما ً بموسيقى «الجاز » حتى يصاحبها غناء مثلها صارخ غليظ .وكلما عل ضجيج اللت والصوات ،وطن في الذان إلى درجة ل تطاق ...زاد هياج الجمهور ،وعلت أصوات الستحسان ،وارتفعت الكف بالتصفيق الحاد المتواصل الذي يكاد يصم الذان »(..)٣ أ ما السينما «فهي الفن الوحيد الذي يتقنه المريكان ـ وإن يكن سواهم ل يزال يفوقهم في الناحية الفنية فيه » ... ومع ذلك فإن «الكثرة الغالبة من الفلم المريكية تتجلى فيها بدائية الموضوع ،وبدائية النفعالت ،وهي في الغالب أفلم الجريمة البوليسية ،وأفلم رعاة البقر »(.)١ بهذه البدائية الفنية يتذوق المريكيون الفنون ،ويتفحصون اللوحات الفنية في المعارض والمتاحف، ويمرون على مشاهد الطبيعة ومناظر الجمال الساحر الذي وهبه االله بلدهم . أما متاحف الفن وبدائية المريكيين فيها ،فقد بينها سيد قطب بعد ما امتحن المريكيين فيقول « ..ذهبت للمرة العاشرة إلى متحف الفن في سان فرنسيسكو ،وجعلت مادة امتحاني إحدى قاعات الصور من الفن الفرنسي ، ووزعت اهتمامي على ما فيها من الصور ،ولكنني ركزته على صورة واحدة بارعة اسمها «ثعلب في بيت الدجاج » ..وجلست أمامها أربع ساعات كاملة ،مر بي خللها مائة وتسعة ،فرادى وأزواج ا وجماعات، ومعظمهم ً من الفتيان والفتيات ..كم من هؤلء التسعة والمائة بدا عليه أن يحس شيئا مما يرى؟ واحد فقط تلبث أمام الصورة ً المنتقاة نحو دقيقتين ..وكررت التجربة في قاعات المتاحف الخرى ،ثم كررتها في متاحف أخرى في
عدة مدن.. ثم انتهت إلى أن قلة نادرة من هذه الكثرة الكثيرة تدرك شيئا من هذه الثروة الفنية الهائلة(... )٢ ً أما تذوقهم لجمال الطبيعة واستمتاعهم به ..فقد امتحنهم في مدينة «جريلي » الجميلة «لي ستة أشهر لم أشهد مرة واحدة فردا أو أسرة جالسة تستمتع بذلك الجمال البارع الحالم ،ول سيما في ليالي الصيف التي ترف ً فيها النسمات كالحلم ،المهم هو تنمية الحديقة وتنظيمها ،بنفس الطريقة التي ينظم بها صاحب المتجر متجرة، وصاحب المصنع مصنعه »... «ل شيء وراء ذلك من تذوق الجمال ،والستمتاع بالجمال »(...)٣ ٢١ـ البدائية في اللعاب الرياضية : المريكيون بدائيون إلى أدنى درجات البدائية ،في ممارساتهم لللعاب الرياضية ،وفي العجاب بها وتشجيعها ، وفي الشادة بأبطالها .إنهم بدائيون ،بل إنهم متوحشون في تلك اللعاب ،ل ينال إعجابهم إل أكثر اللعبين عنف ا ً ( )3الرسالة عدد ١٦٩صفحة .٧٥٣١ ( )1المرجع السابق. ٩٥٣١ : ( )2الرسالة عدد ١٦٩صفحة. ٩٥٣١ : ( )3الكتاب مجلد ٨جزء ٠١صفحة . ٨٦٦ ٦٣ ووحشية وحيوانية ،ول يثيرهم إل منظر الدماء تسيل ..أما اللعاب الرفيعة النظيفة فهي ل قيمة لها عندهم ، واللعبون الهادئون ل منزلة لهم عندهم . واللعاب المريكية تتجلى فيها هذه البدائية ،من كرة القدم أو حفلت المصارعة الحرة المريكية ،التي تتميز عن حفلت المصارعة الخرى ،بكونها بدائية وحشية فوضوية دموية مدمرة ،ل يحكمها عرف أو نظام أو قانون، وللمصارع أن يفعل في خصمه ما شاء ،ما دام قادرا على استعمال عضلته بحيوانية ووحشية ... ً حول هذ يخبرنا سيد قطب بقوله« :ومنظر الجماهير وهي تتبع مباريات كرة القدم ،على الطريقة المريكية الخشنة ،التي ليس لها من اسمها « كرة القدم » أي نصيب ،إذ أن «القدم » ل تشترك في اللعب .إنما يحاول كل لعب أن يخطف الكرة بين يديه ،ويجري بها ليقذف بها إلى الهدف ،بينما يحاول لعبو الفريق الخر أن يعوقوه بكل وسيلة ،بما في ذلك :الضرب في البطن ،وتهشيم الذرع والسيقان ،بكل عنف وكل شراسة .منظر الجماهير وهي تتبع هذ ه اللعبة ،أو تشاهد حفلت الملكمة والمصارعة الوحشية الدامية ..منظرها في هياجها الحيواني، المنبعث من إعجابها بالعنف القاسي ،وعدم التفاتها إلى قواعد اللعب وأصوله ،بقدر ماهي مأخوذة بالدم السائل والوصال المهشمة ،وصراخها هاتفة ،كل يشجع فريقه حطم رأسه ،دق عنقه .هشم أضلعه ،اعجنه عجنا ...هذا المنظر ل ً
( )١ يدع مجال للشك في بدائية الشعور التي تفتن بالقوة العضلية وتهواها » ... ً ٣١ـ البداية في الذاق والمزجة: يستمر سيد قطب في عرضه لنا مظاهر البدائية في الحياة المريكية ،ويصل إلى حديثه عن البدائية في ذوق المريكي ومزاجه ،البدائية في الملبس التي يلبسونها ،ألوانها وأشكالها وتفصيلتها ،والرسومات عليها .. والبدائية في طعامهم من حيث أنواعه وأشكاله وإعداده وتركيب أصنافه ..ويعرض لنا نماذج صارخة تمثل هذه البدائية أصدق تمثيل ... «لنهبط إلى ألوان الملبس وإلى مذاق الطعمة ،إن بدائية الذوق ل تتجلى في شيء كما تتجلى في تلك اللوان الصارخة الزاهية ،وفي تلك التقاسيم المبرقشة الكبيرة وبخاصة ملبس الرجال :ذلك السبع أو النمر الواثب على صدر الصدرية ،وذلك الفيل أو الثور الوحشي الجاثم على ظهرها .تلك الفتاة العارية الممتدة على رباط العنق من أعلى إلى أسفل ،أو تلك النخلة الصاعدة فيه من أسفل إلى أعلى ..لطالما تح ّث المتحدثون عندنا عن فستان العيد في د الريف أو عن ثوب العروس في القرية .بألوانه الزاعقة البدائية ،التي ل تربط بينها رابطة إل أنها كلها فاقعة اللوان ،ليت هؤلء يرون معي قمصان الشبان في أمريكا ل ملبس الفتيات ،ولطالما تح ّث المتحدثون عن الوشم د عند الغجر أو في أواسط أفريقية ،ليتهم يرون أذرع الشبان المريكيين وصدورهم وظهورهم موشحة بالوشم الخضر :ثعابين وحيات وفتيات عاريات وأشجارا وغابات ،في أمريكا المتحضرة في الدنيا الجديدة في العالم ً العجيب!. » ... وينتقل سيد قطب من الحديث عن البدائية العجيبة في الزياء ،إلى البدائية العجب في الطعوم والمذاقات« :أما الطعوم فشأنها هو الخر عجيب ،إنها تلفت النظر وتثير الدهشة حين تطلب قطعة أخرى من السكر لكوب الشاي أو القهوة تشربه في أمريكا ،ذلك أن السكر محتفظ ب ه للمخلل والسلطة !! كما أن الملح ياسيدي محتفظ به للتفاح ( )1الرسالة عدد ٩٥٩صفحة .١٠٣١ ٧٣ والبطيخ .وفي صفحة طعامك تجتمع قطعة الحم المملحة إلى كمية من الذرة المسلوقة .وكمية من البازلء المسكرة وبعض المربى الحلوة ..وفوق ذلك كله كلمة( (Grafyالمؤلف أحيان ا من السمن والخل والدقيق ومرقة العجل ً والتفاح والملح والفلفل والسكر والماء!! » . ولم ينس سيد قطب أن يعرض علينا طرفا من تفكهه على المريكيين وذوقهم العجيب ،عندما جعلهم يضعون ً
على البطيخ سكرا في اليوم الول وفلف ل حار ا في اليوم التالي! فاستطعموه واستلذوه وأعجبوا به ! ويختم حديثه عن ً ً ً البدائية في الذوق بقوله « :وباختصار فكل ما يحتاج إلى قسط من الذوق ،فالمريكاني ليس له فيه حتى الحلقة »(...)١ ٤١ـ إشفاق على البشرية من أمريكا: أمريكا بمواصفاتها ومؤهلتها وسماتها ألتي أشرنا لها فيما سبق ،هي مصدر خطر على البشرية فيما لو تزعمت العالم ،فكيف تتزعم العالم دولة أو أمة ل رصيد لها من القيم النسانية والفضائل الخلقية؟ أمة ل ترى أمامها إل المادة والعمل والعضل؟ أمة تسري شهوة الحرب في عروقها وأوصالها؟ أمة محطمة نفسي ا مريضة أخلقي ا مشوهة ً ً شعوري ً؟ أمة بدائية في حياتها في شتى مجالتها :الدينية والفنية والجتماعية والجنسية والسياسية والذوقية؟ أمة هذه ا صفاتها وهذه مؤهلتها كيف تحكم العالم؟ وإذا حكمته فإلى أين توصله؟ إن أمريكا تصلح أ ن تكون « مستودعا » للبشرية ،ومصدرا لما تملك من أدوات وإ ختراعات مادية وتكنولوجية ، ّ َْ ً ً وما وهبها االله من مواد استهلكية وأصناف غذائية ..تصلح لهذا كله ..أما أن تحكم الدنيا وتقود العالم. فهذا هو الدمار والخراب للبشرية... وفي هذا المعنى يقول سيد قطب « :كنت دائم الشعور «باستخسار » هذا الشعب ،الذي يصنع المعجزات في عالم الصناعة والعلم والبحث أل يكون له رصيد من القيم النسانية الخرى ،وأنا شديد الشفاق على النسانية أن تؤول قيادتها إلى هذا الشعب ،وهو فقير من تلك القيم جميعا »(..)٢ ً ويقول كذلك :إن «أمريكا تصلح أن تكون «ورشة العالم » فتؤدي وظيفتها على خير ما يكون ،أما أن يكون العالم ّ كله أمريكا فتلك هي كارثة النسانية بكل تأكيد »(..)١ أمريكا تقدم نفسها للعالم على أنها الق ّة والقدرة والنموذج والمثال لكل الفضائل والمزايا المادية والخلقية م والنسانية ،وهي بهذا تخدعه وتخادعه ،ول يستجيب لها إل المخدوعون .وتج ّد أمريكا لدعايتها وتزويرها وخداعها ن «جيشا » من العملء في مختلف بلدان العالم ،وفي مختلف المواقع ،وبمختل ف المكانات والتخصصات ً ..وينشط هؤلء في الدعاية ،ويخدعون الس ّج بزخارفهم وتضليلتهم :عرفت الن مدى الدعاية التي تغمر بها أمريكا العالم، ذ والتي يسهم فيها المصريون الذين جاءوا إلى أمريكا ثم عادوا .وأستطيع أن أقيس ـ على ضوئها ـ مدى الدعاية التي تغمرنا بها أوروب ا ،والتي يسهم فيها المصريون العائدون من هناك. إنهم ل يجدون لنفسهم قيمة ذاتية ،فيبالغون في تضخم أوروبا وتضخيم أمريكا،علهم يستمدون منها قيمة ذاتية(! )٢
( )1الرسالة عدد ١٦٩ :صفحة. ٠٦٣١ : ( )2الرسالة عدد ١٦٩صفحة .٧٥٣١ ( )1الرسالة عدد ٧٨٨ :صفحة. ٦٥٧ : ٨٣ وعندما ينظر المؤمن البصير إلى واقع البشرية في منتصف الثمانينات وإلى الثار الملحوظة لقيادة أمريكا لها ، وإلى الحصاد المر الذي تجنيه البشرية من هذه القيادة الشيطانية يدرك عمق نظرة سيد قطب ونفاذ بصيرته وصدق فراسته ،رحمه االله ،ويشاركه الشفاق على البشرية والعمل على خلصها من ر ّها.. ق ٥١ـ النتهازية المريكية السياسية : الدور المريكي في الناحية السياسية ،وفي المجال السياسي العالمي ،أصبح واضحا لكل من يعيش في الربع ً الخير من القرن العشرين ،وهو قمة الهيمنة والسيطرة والقرصنة والنتهازية المريكية السياسية. والذي ينظر في هذا «النتاج بحد ذاته خطير مدمر مخرب ،ولكن الشد خطرا وتدميرا وتخريب ا منه هو أن أمريكا أصبحت بذلك ّ ً ً ً « مدرسة » سياسية ،متميزة بسماتها وأوصافها السابقة ،وأدخلت أمريكا في « مدرستها السياسية » تلمذتها من سياسيي وحكام ومسؤولي العالم الثالث ،وتخرجوا منها بهذه الصفات «المريكية »الملعونة .وعادوا إلى بلدهم «ليمارسوا عليها «العلم » المريكي الرفيع في مجال السياسية والحكم والسلطان والتوجيه ..وصارت شعوبهم المنكوبة بهم تجني ثمار البداع المريكي السياسي :حصادا مر ً ،وأشواكا قاتلة ،وسموما ناقعة ، وتخريبا وإفسادا ًا ً ً ً ً وإذلل ...وهذا الحصار بارز لكل ذي عينين !!ً . لقد أشار سيد قطب إشارات سريعة إلى السياسية المريكية ـ بصفاتها السابقة ـ فالضمير المريكي السياسي : ضمير أميركاني« :أخيرا يتكشف ضمير «الوليات المتحدة »هذا ،فإذا هو ـ ككل أمريكي آخر ـ ضمير ً أمريكاني »! ونحن نعرف في مصر «اللعبة المريكية » ونعرف أنها «نصب » في «نصب وإحتيال » وقد حرمت هذه اللعبة لما فيها من غش وخداع .والضمير المريكي الذي تكشف عنه تصريحات «ترومان » ل يرتفع كثيرا عن هذه اللعبة ً الممنوعة »(..)١ ويقول عن عداوة الرجل البيض الذي تقوده أمريكا لنا ولكل الحق والخير في العالم« :إنني ل أكاد أتصور أن هناك إنسان ا له مشاعر النسان يرى الرجل البيض يدوس بأقدامه على أعناقنا في كل مكان ثم يجد نفسه قادرا على ً ً تمجيد هذا الرجل ،أو حتى مصادقته ...إنني أشك في آدمية هؤلء الكتاب وهؤلء الوزراء ،وهؤلء الساتذة .نعم
أشك ِي آدميتهم لن أول مميزات النسان أن يحس بكرامة النسان .. ف « ..من الذي ل يحتقر أمريكا ويحتقر معها آدمية ال مريكان وهو يجد المعدات المريكية والدولرات المريكية تشد أزر الستعمار الوروبي في كل مكان ..لقاء مساومات اقتصادية أو استراتيجية أو عسكرية »(..)١ ٦١ ( )2الكاتب عدد ٣٧١ :صفحة. ٨٢ : ( )1الرسالة عدد ٤٦٩صفحة.٥٥١١ : ( )1الرسالة عدد ٩٠٠١ :صفحة ،٧١٢١ :ونشر ـ كشاهد قريب لما نقول ـ إلى تصريحات الملك حسين إلى جريدة نيويورك تايمز حول أمريكا وعدائها لنا .أنظر على سبيل المثال جريدة الرأي الردنية عدد ٦٢٠٥الجمعة ٦١آذار ٤٨٩١وعنوانها« :الحسي ن يكشف الوراق المريكية :أدرك الن أن المبادئ ل قيمة لها بالنسبة للوليات المتحدة ». ٩٣ ـ أعصار المريكيين: أمريكا التي قدمت لشعبها كل ممكن في المجال المادي ،والتي «ذللت » له الشعوب الخرى، واستنزفت خيراتها وطاقاتها من أجل المريكيين ،هل استطاعت أن تقدم لشعبها الطمأنينة والراحة والسعادة؟ .هل استطاعت ان تذيقهم طعم الرضا وانس الطمئنان و حلوة الحياة .إن هذه القيم والمعاني ل يمكن أن تشترى بالدولر ولذلك ل تخضع للثمن المريكي البخس !! إن المريكيي ن محرومون من الرضا والطمأنينة والسعادة ،إنهم يعيشون أيامهم ،ويتقلبون في حياتهم ،ويستخدمون الرفاهية والنعم المادية والظاهرية ،في قلق وحيرة ،وفي شقاء وتعاسة. يعيشون بنفوس مريضة ،وأنفاس مضغوطة ،وكيان ممزق ،وأرواح ضامرة ،وقلوب خاوية ..إنهم يعيشون بأعصاب متوترة ، ومشاعر مضطربة ،ولعنة دائمة ..لعنة «الحضارة » والمادة والدوات والختراعات ..هذا هو النموذج المريكي المثالي ،الذي تدعى الشعوب المقهورة إلى تمثله والقتداء به ..وعلى الدنيا السلم! ومن ساواك بنفسه فما ظلم!... يقول سيد قطب عن هذه الملمح المريكية النفسية « :كل شيء في أمريكا ل يدل على أعصاب مستريحة ، بالرغم من كل وسائل الحياة المريحة ،وكل ضمانات ها المطمئنة ،وكل يسر وسهولة في إنفاق الطاقات الفائضة(..)١ ويقول « :في كل مكان ضحكات ،وفي كل محلة مرح ،وفي كل زاوية أحضان وقبلت ،ولكنك ل تلمح في وجه ( )٢ واحد معنى الرضا ،ول تحس في قلب واحد روح الطمئنان » .. وانظر إلى هذه الوصاف لعصاب المريكيين وأسباب هذا البلء في قول سيد قطب في الظلل: «والجيل الجديد ينحرف فيدمن على المسكرات والمخدرات ليعوض خواء الروح من اليمان ،وطمأنينة القلب بالعقيدة. والمراض النفسية والعصبية والشذوذ بأنواعه تفترس عشرات اللف من النفوس والرواح والعصاب.. ثم النتحار(. )٣
«إن الناس ليسوا سعداء..إنهم قلقون يطل القلق من عيونهم وهم أغنياء! وإن الملل يأ كل حياتهم وهم مستغرقون في النتاج ،وإنهم يغرقون هذا الملل في العربدة والصخب تارة ،وفي التقاليع الغرب ية الشاذة .وفي الشذوذ الجنسي والنفسي تارة .ثم يحسون بالحاجة إلى الهرب .الهرب من أنفسهم ،ومن الخواء الذي يعش عش فيها ! ومن الشقاء الذي ليس له سبب ظاهر من مرافق الحياة وجريانها .فيهربون بال نتحار .ويهربون بالجنون .ويهربون بالشذذ. ثم يطاردهم شبح القلق والخواء والفرغ ول يدعهم يستريحون أبدا »(.)٤ ً ٧١ـ أمريكا تعيش عقوبة الفطرة: أمريكا التي ابتعدت عن طريق االله وسارت في طريق الشيطان ،والتي عاشت حياتها على هواها بدون ضابط أو وازع ،أو اعتبار لقيمة أو خلق أو فضيلة ،عاشت حياتها إباحية وعهرا وشذوذا وانحرافا وفسادا وإفسادا.. أمريكا ً ً ً ً ً التي زرعت كل هذه المفاسد والمباذل والنحرافات ،ل بد أن تجني ما غرست وأن تحصد ما زرعت.. وها هو الجنى الفاسد والحصاد السام والثمر المر على «البيدر » المريكي ..يتمثل هذا في المليين من الشعب المريكي ( )1الرسالة عدد ٩٥٩ :صفحة. ٦٠٣١ : ( )2الكتاب مجلد ٨جزء ٠١صفحة. ٨٦٦ : ( )3الظلل .١١٢ :١ ( )4الظلل .٦٢٣ :١ ٠٤ رجال ونساء كبارا وصغارا هي تدفع ثمنه م ن صحتها وحياتها ،من فطرتها وروحها ،من اعصابها وشبابها، من ً ً ً وها ،من وجودها وكيانها ..وبكلمة :إن أمريكا الن تدفع الثمن غاليا وهي تعيش عقوبة الفطرة، قوتها وفت ِ عقوبة ّت ً خروجها على فطرتها وضميرها وروحها وإنسانيتها ...ويشفق العقلء هناك على أمريكا ،ويروعهم الثمن الذي يدفعونه ،ويخيفهم الطريق الذي يسيرون فيه ،ويرتفع صوتهم بالنكير والتحذير ..ولكن من هو الذي يسمع ! وأنى للمخمور أن يسمع؟ وأنى للغافل أن يعي ،وانى للميت أن يستيقظ؟ ... سيد قطب رأى هذا في الواقع المريكي بعينيه اليمانيتين ،وأدرك كيف يدفع الشعب هناك الثمن ويعيش عقوبة الفطرة ..واستخدم سيد قطب هذا الواقع المريض نموذج ا لكل من حرج عن منهج االله واتبع هواه . وصار يح ّر ً ُ َذ الناس من ذلك الطريق ،ويبصرهم ببشاعة المصير . يقول عن الشعب المريكي هناك« :إنه شعب مهدد بالنقراض ،فالنسل في تناقص مطرد بسبب فوضى الختلط ! والجيل الجديد ينحرف فيدمن على المسكرات والمخدرات ليعوض خواء الروح من اليمان وطمأنينة القلب بالعقيدة .والمراض النفسية والعصبية والشذوذ بأنواعه يفترس عشرات اللف من النفوس والرواح
والعصاب ...ثم النتحار (..)١ ويقول عن النذر التي تتوالى هناك على القوم وهم سادرون« :ونذر السوء تتوالى ،وال مة المريكية في عنفوانها ل تتلفت للنذر ،ولكن عوامل التدمير تعمل في كيانها ،على الرغم من هذا الرواء الظاهري ،وتعمل بسرعة،مما يشي بسرعة الدمار الداخلي على الرغم من كل الظواهر الخارجية!! لقد وجد الذين يبيعون أسرار أمريكا وبريطانيا العسكرية لعدائهم ،ل لنهم في حاجة إلى المال ،ولكن لن بهم شذوذا جنسي ا ناشئا من آثار الفوضى الجنسية ً ً ً السائدة في المجتمع. ..وأخيرا يعلن رئيس الوليات المتحدة ان ستة من كل سبعة من شباب أمريكا لم يعودوا يصلحون ً للجندية بسبب النحلل الخلقي الذي يعيشون فيه. )١( » .. ٨١ـ بداية النهاية لمريكا : أمريكا التي تعيش عقوبة الفطرة ـ كما مر معنا في المبحث السابق ـ ل بد ان تبدأ في التراجع ،فإن امة بل فضائل أخلقية ،ول ثروة من القيم النسانية ،ل يمكن أن تستمر في قيادة البشرية ،وإن امة تخرج عن منهج ربها ، وتصادم فطرتها وروحها ،ل يمكن ان تبقى في لوجود الحضاري ،وعندما يحل بها أمر االله ـ كما حل بالمم السابقة ـ فإنه لن تغني عنها اموالها ودولرها ،ولن تغني عنها ثرواتها وخيراتها ،ولن تغني عنها صناعاتها وأدواتها ،ولن يغني عنها رصيدها وتاريخها ـ إن كان لها رصيد إنساني او تاريخ مش ّف ـ وصدق االله العظيم ر حيث يقول( :إن الذين كفروا لن تغني عنهم أموالهم ول أولدهم من االله شيئ ً ،وأولئك هم وقود النار) ( .)٢وحيث ا يقول( :ول يغني عنهم ما كسبوا شيئ ً ،ول ما اتخذوا من دون االله أولياء ) (..)٣ ا ( )1الظلل .١١٢ :١ ( )1الظلل .٦٣٦ :٢ ( )2آل عمران.٠١ : ( )3الجائية.٠١ : ١٤ إن أمريكا تعيش أيضا بداية النهاية .وإن ها تسير نحو هاويتها بسرعة عجيبة ،وهي ل تكاد تشعر ،وإن المشفقين ً والعقلء يحاولون ـ عبث ا ـ إيقاف النهيار ،وتأخير النهاية ،ولكن ل راد لمر االله ،ولن ينفعهم شيء عندما يأتيهم ً بأسه( .فلم يك ينفعهم إيمانهم لما رأوا بأسنا ،سنة االله التي قد خلت في عباده ،وخسر هنالك الكافرون ) (.)١ ومن المؤشرات على هذه الحقيقة ،والعلمات البارزة على أن امريكا بدأت نهايتها وهي وشيكة ـ المثلة التي طرحناها في البحث السابق ،ونضيف إليها هذه المثلة السريعة ،التي عرضها سيد قطب في الظلل: انتشرت موجة الجرام بين المراهقين والمراهقات من شباب أمريكا ...وقد قدرت لجنة الربعة عشر المريكية التي
تعنى بمراقبة حالة البلد الخلقية أن ٠٩بالمئة من الشعب المريكي مصابون بالمراض الجنسية السرية الفتاكة (وذلك قبل وجود المركبات الحديثة من مضادات الحيوانات كالبنسلين والستريبتو مايسين ) ..وكتب القاضي «لندسي » بمدينة «دنفر » أنه من كل حالتي زواج تعرض قضية طلق(. )٢ ويقول ك « ما من أحد يزور البلد الغنية الثرية في الرض حتى يكون النطباع الول في حسه أن هؤلء قوم هاربون !هاربون من أشباح تطاردهم من ذوات نفوسهم ،وسرعان ما يتكشف الرخاء المادي والمتاع الحسي الذي يصل إلى حد التمرغ في الوحل ،عن المراض العصبية والنفسية والشذوذ والقلق والمرض والجنون والمسكرات ( )٣ والمخدرات والجريمة ...وفراغ الحياة من كل تصور كريم. » .. ولقد طبق عليهم قوله تعالى( :فلما نسوا ما ذكروا به فتحنا عليهم أبواب كل شيء ،حتى إذا فرحوا بما اوتوا أخذناهم بغتة فإذا بهم مبلسون)( ..)٤فخرج بنتيجة أن الخيرات والنعم عليهم وافرة ،وانهم مغترون بها، وأن العذاب إليهم قادم «وكنت أرى غرور القوم بهذا الرخاء الذي هم فيه ،شعورهم بأنه وقف «على الرجل البيض » وطريقة تعاملهم مع الملونين في عجرفة مرذولة ،وفي وحشية كذلك بشعة ،وفي صلف على أهل الرض كلهم ...كنت أرى هذا كله فأذكر هذه الية ،وأتوقع سنة االله ،وأكاد أرى خطواتها وهي تدب إلى الغافلين » (. )١ ٩١ـ من فضائل امريكا: وأخيرا نختم هذا الفصل بالشارة الى فضائل أمريكا ،وهذا تطبيق منا للنظرة السلمية العادلة ،التي تأمر المسلم ً بالعدل في الغضب والرضا ،والمحبة والشنآن ،وتلزم هذا المسلم بالشارة إلى فضائل خصمه ، وحسنات عدوه ،وهو يدرسه ويتحدث عنه ،وهو يقومه ويقيمه ... وقد يتساءل أحد الناس بعد قراءة المباحث السابقة في هذا الفصل :هل لمريكا من فضائل؟ هل أمريكا التي عرفناها على حقيقتها وضآلتها وإفلسها في عالم القيم والمبادئ هل لها من حسنات أو مزايا ؟ هل هناك جوانب إيجابية محددة في أمريكا وواقعها وحياة أفرادها وتشريعاتها ونظمها المادية؟ وإذا كانت هناك فضائل فما هي أهمها؟ ( )1غافر.٥٨ : ( )2الظلل .٧٣٦ :٢ ( )3الظلل .٢٢٤ :١ ( )4النعام.٤٤ : ( )1الظلل . ١٩٠١:٢ ٢٤ وللجواب على هذه التساؤلت نقول :نعم .إن لمريكا فضائل .ولول تلك الفضائل فإنها ل يمكن أن تعيش وأن تقود العالم !!ل يمكن ان يوجد الشر خالص ا محضا في أمة او دولة أو حضارة ،بل ل بد ان يكون ذلك الشر الغالب ً ً
لكثير ممزوجا بقليل من الخير ..إن لمريكا عيوبها ونقائصها وهي كثيرة ،وإن لمريكا قبائحها ومباذلها وهي ً كثيرة وإن لمريكا رسالتها ودورها ووظيفتها وهي شيطانية مفسدة ،وإن لمريكا استعمارها واستغللها وانتهازيتها وهي مدمرة مخربة ...ولكن ـ ومع ذلك كله ـ إن لمريكا فضائلها وهي قليلة ،وحسناتها وهي يسيرة، ومزاياها وهي ضائعة وسط ذلك الركام من النقائص والمفاسد .. إن أهم فضائل أمريكا هي استغللها كل طاقاتها لتقدم شعبها وتجنيدها كل إمكاناتها لرفاهيته المادية . وتوظيفها لكل طاقاتها ومواهبها لخدمته ،واستخدام الطبيعة والعلم والصناعة والتقدم والتكنولوجيا والعقول والدمغة لمزيد من الختراعات والصناعات والدوات التي تحقق الرخاء والرفاهية للشعب المريكي ..وإبداعها وإجادتها في هذا الجانب إلى حد ل يخطر على بال أحد ..وفي هذا يقول سيد قطب« :إن لمريكا دورها الرئيسي في هذا العالم ،في مجال العلم التطبيقي ،وفي مجال البحوث العلمية ،وفي مجال التنظيم والتحسين والنتاج والدارة، وكلما يحتاج إلى ذهن وعضل فهذا تبرز فيه العقلية المريكية ..ولكن هذه البشرية تخطئ أشنع الخطأ ،وتعرض رصيدها من القيم النسانية للضياع ،إذا هي جعلت المثل المريكي مثلها في الشعور السلوك ...إن هذا ل يعني أن المريكان شعب بل فضائل ،وإل لما أمكنه أن يعيش ،ولكنه يعني أن فضائله ه ي فضائل النتاج والنظام ،ل فضائل القيادة النسانية والجتماعية ،فضائل الذهن واليد ل فضائل الذوق والشعور. )١(» .. الفصل الثالث كلم سيد قطب عن أمريكا تمهيد كان سيد قطب حريص ا على دراسة المجتمع المريكي والظاهرة المريكية دراسة فاحصة ،وتحليله تحلي ل ً ً صائب ا ،وقد كان يسجل ملحظاته ونظراته ،ويد ّن نتيجة تجربته ،ومظاهر الحياة هناك ،ويورد المثلة والنماذج ً و على كل ما عنده من الواقع المريكي ،لنه يملك الكثير من المثلة المنتزعة من ذلك الواقع . وقد كان يدرك ويعي الدور المريكي في المنطقة العربية والسلمية ،ويلمح مظاهر الخطة المريكية لحتواء وإخضاع والسيطرة على هذه المنطقة ،ويستحضر في ذهنه نماذج من الشخاص ـ في مصر وغيرها من العالم العربي ـ المخدوعين بأمريكا ،والمهزومين أمام تقدمها المادي ،والمضبوعين بسيطرتها وتفوقها العسكري، والمتأثرين بمناهج حياتهم ..وهم الذين يؤثرون كل ما هو أمريكي ،ويفضلون نتاج وإنتاج العبقرية المريكية، وينشرون من ثم معارفها وفنونها وعلومها ،ويرددون دعايتها وزخارفها وأباطيلها ..وكان يحزنه ان يرى هؤلء على تلك الصورة من التبعية والذل والستسلم ،ويشفق عليهم ،ويأسى لحالهم ..كما كان يخشى من سيطرة هؤلء
على مقاليد المور في بلدهم ،ويدرك المصير السود البائس لبلدهم لو تمت تلك السيطرة... ( )1الرسالة عدد ١٦٩صفحة. ٠٦٣١ : ٣٤ ومن أجل ذلك كله كان سيد قطب حريصا على تسجل كلمه وملحظاته ونتائج تحليلته للواقع المريكي، ً وحريصا على أن يراسل معارفه وأصدقاءه وأقاربه ليطلعهم على ذلك ـ وعلى غيره من مكتسباته ً الجديدة في العالم الجديد ـ وكان ينشر بعض نظراته وتحليلته في الصحف والمجلت المصرية .كما كان راغب ا في إعداد ً دراسة خاصة عن أمريكا بعنوان «أمريكا التي رأيت » والتي لم تر النور ..ليعرف الجميع من هي أمريكا ،وما هي حقيقتها ،وما هو دورها وما هي رسالتها؟... ولما أقبل على القرآن يفسره في الظلل ،ولما صار يصدر دراساته السلمية الرصينة ،كان حريص ا على ً الستشهاد بالواقع المريكي على الجاهلية وفسادها وانحللها وإباحيتها ..وكان يطبق اليات القرآنية على الواقع المعاصر وبخاصة تلك التي تتحدث عن السنن البشرية الثابتة ،أو نهاية كل من خرج عن أمر ربه وإيحاء فطرته.. وكان حريصا على إيراد الشاهد الحي والنموذج العملي الواقعي على ذلك ،ولن يكون هذا إل الواقع المريكي الذي ً خبره وادركه . وفيما يلي من المباحث نشير إشارات موجزة إلى أماكن كلمه عن أمريكا .والصحف والمجلت والكتب والدراسات التي حوت ذلك ،ليكون القارئ على بينة من هذا المر... ١ـ رسائل له من أمريكا: نلحظ أن سيد قطب كان يكثر ـ وهو في أمريكا ـ من مراسلة معارفه وزملئه ،وأهله وأقاربه ،وقد قلل من نتاجه الدبي في القصيدة والمقالة ،بل إن نفسه عزفت عن الكتابة الدبي ة ،ولم نجد له مقالت أو قصائد إل النادر اليسير . جتها وسهولتها س على وخواطره أفكاره يعيش انه يحس وكان الرسالة، كتابة في نفسه يجد كان ّ ُوسرها ،وكان ي ي يدرك أنه يناجي صاحبه ـ المرسل إليه ـ ويبثه ما يجده من أفكار وخواطر وحقائق... يقول عن نفسه وهو في أمريكا« :عند ما كنت بعيدا عن الوطن ـ مدى عامين في أمريكا ـ كان في نفسي ً عزوف ل أدري سببه ،عن الكتابة إل في القليل النادر ...ولعل منشأ هذا المعروف كان هو الرغبة في تحقيق شيء أكبر من مجرد الكتابة (... )١ وقد استعاض عن كتابة المقالت بكتابة «الرسائل الخوانية » ـ كما يسمي ها الدباء ـ «ولكن داء الكتابة لم يزايلني البتة في خلل تلك الفترة ! كنت أكتب الى اخي واختي واصدقائي في مصر وسائر البلد العربية وفي إنجلترا وفرنسا كذلك ...وكنت أقول لهم في رسائلي الخاصة ما أود أن أقوله للناس في الكتابات
المنشورة ...كنت استروح لهذا اللون من التعبير الضيق المباشر ،لني ل اتكلف له ما يتكلفه الكتاب عادة لما ينوون نشره ،وكنت احس فيه من الصدق والخلص والبساطة ما ل أحسه للكثير من المنشور ،وكنت تجدني أقرب إلى حقيقتي وأنا ُ أكتبه (...)٢ وقد أطلعنا على مقاطع من رسائله إلى اهله ومعارفه في مقاله «في الدب والحياة » الذي نشره في مجلة الكتاب بعد عودته من أمريكا ...من تلك المقاطع التي أوردها :مقطع من رسالته الى شقيقته في مصر... ومقطع آخر من ( )1الكتاب مجلد ٠١جزء ٤صفحة. ٩٨٣ : ( )٢المرجع السابق ٠٩٣ :ـ . ١٩٣ ٤٤ رسالته إلى صديق مكتئب ضيق الصدر بالناس وما هم عليه..ومقطع ثالث من رسالته إلى صديق اعتزل الناس لنه أرفع منهم وأسمى ..ومقطع رابع من رسالته إلى صديق يبين له فيها أن الغاية ل تبرر الوسيلة (...)٣ ومن رسائله وهو في أمريكا رسالته إلى توفيق الحكيم ،وقد كانت رسالة مطولة نشرت في عددين من مجلة الرسالة وكانت رد ا على هدية له من الحكيم هي كتابه «الملك اوديب » فاستغل ها سيد قطب فرص ة لنقد أدبي من ً ّ منظور إسلمي لكتاب الحكيم (. )٤ ومن هذه الرسائل رسالتان بعث بهما إلى أنور المعداوي يتحدث له فيهما عن أمريكا ،وعن النقد الدبي وعقباته ومش ّاته ،ويخبره في إحداهما عن هجره للنقد الدبي وانشغاله في برنامج اجتماعي وإصلحي شامل. ق وقد نشر هاتين الرسالتين أخيرا علي شلش في مجلة الكاتب المصرية .كان تاريخ الرسالة الولى ،٩٤٩١ /٢١ /٣٢ وتاريخ ً الرسالة الثانية من ختم البريد . )١(٠٥٩١/ ٣ / ٦ كان المصريون المبعوثون للدراسة في أوروبا وغيرها ،يراسلون سيد قطب وهو في أمريكا ،وقد أخبر سيد قطب صديقه عباس خضر بخلصة رسالة أحدهم من فرنسا« :ول تسمع ما يقوله بعض الرقعاء عن جو فرنسا ، فبين يدي الن رسالة من شاب مصري غير مخدوع ،يعيش في فرنسا مفتوح العين ،يحدثني عن التقلبات والنواع، ( )٢ ويتمنى نسمة مصرية ... ٢ـ كتيب (أفراح الروح ): اختلط المر على كثير من الناس ،وعلى بعض الباحثين والدارسين ،حقيقة الكتيب الذي صدر يحمل اسم سيد قطب بعنوان «أفراح الروح » وبعضهم شكك في نسبته إلى سيد قطب ونسبه إلى شقيقه محمد قطب .وبعضهم اعتبره رسالة بعث بها سيد قطب من وراء القضبان إلى اخته امينة قطب .وكلهما مخطئ في نظرته .
فأفراح الروح في أصله هو مجموعة من الرسائل الشخصية التي بعثها سيد قطب إلى أهله ومعارفة عندما كان في أمريكا ،وقد سلمها إلى السيد عادل الغضبان رئيس تحرير مجلة الكتاب لتنشر فيها بإعتبارها تصلح للنشر أكثر من المقالت التي أعدت للنشر فعل ـ وقد كان الغضبان يستحث سيد قطب على أن يكتب لمج لته ـ ولكن الغضبان ً لم ينشرها على اعتبار أنها رسائل شخصية خاصة ل تصلح للنشر في مجلة أدبية ،ولم ينشرها من أجل سيد قطب أيضا حتى ل يتهم من قبل الق ّاء بأنه أفلس فلجأ إلى نشر رسائل شخصية .ولذلك سلمها إلى سيد قطب بعد عودته ً ر من أمريكا. ويبدو أن سيد قطب أبقى هذه الرسائل في بيته ،ولما سجن في الخمسينات ،وصلت هذه الرسائل ألى مجلة «الفكر » التونسية فنشرت فيها تحت عنوان «أضواء من بعيد » ثم في مجلة «اليمان »المغربية ..ثم ظهرت في كتيب «أفراح الروح » الذي أصدرته «الدار العلمية » في بيروت عام . ١٧٩١ ( )3المرجع السابق ١٩٣ :ـ .٣٩٣ ( )4نظر الرسالة سنة ٧١عدد ٧١٨تاريخ ٩مايو ٩٤صفحة٣٢٨ :ـ ٦٢٨وعدد ٨٢٨تاريخ ٦١مايو ٩٤ صفحة ٤٥٨ـ . ٥٥٨ ( )1الكاتب سنة ٥١عدد ٣٧١تاريخ أغسطس ٥٧٩١صفحات ٨٢ :ـ .٩٢ ( )2الرسالة عدد ٧٨٨تاريخ ٣يوليو ٠٥٩صفحة. ٦٥٧ : ٥٤ وبهذا يظهر أن كتاب «أفراح الروح » هو مجموعة من رسائل سيد قطب بعث بها من أمريكا ألى أهله ومعارفه، وأنه لبد من البحث العلمي المنهجي الموضوعي في تناول الموضوعات المختلفة ،حتى ل تضيع الحقيقة وسط ركام الفتراضات وتيه الدعاءات(. )١ ٣ـ مقالته عن أمريكا: كان سيد قطب يراسل المجلت الثقافية والدبية في مصر عندما كان في أمريكا ـ وقد كانت له بهم صلة سابقة ـ بل كانوا يستكتبونه ويحثونه على الكتابة في مجلتهم ،كما فعل السيد عادل الغضبان رئيس تحرير مجلة الكتاب. من المجلت التي عرفنا أن سيد قطب كتب فيها وهو في أمريكا ،أو كتب فيها عن أمريكا بعد ما وص ل إلى مصر ،مجلة «الرسالة » ومجلة «الكتاب ». أما مجلة الرسالة فقد نشرت له رسالتين ّقمتين أرسلهما إلى توفيق الحكيم ردا على هدية الخير إلى سيد قطب ي ً وهي كتابه «الملك أوديب » والرسالتان تحملن قيمة عظمتة من حيث نقد سيد قطب للواقع المريكي. ومن حيث نظرات سيد قطب الجديدة في النقد الدبي التي أدخل فيها العامل الديني والبعد السلمي ،ولهذا كان حديثه للحكيم فيهما قيما ،وداعيا له إلى أن يتخلى عن الثقافة الرومانية واليونانية والوروبية في الروايات ً والمسرحيات ،وأن يعود إلى نفسه وإيمانه وإسلمه ليبدع ويسمو في نتاجه الفن ي والدبي. ونشرت الرسالة رسائل بعث بها إلى زميله عباس خضر ،وكان الخير ينشرها في زاويته السبوعية
«الدب والفن في أسبوع » ينشرها وينشر رده وتعقيبه عليها ول تخلو المراسلت الخوانية بينهما من مداعبات «وقفشات » لطيفة وهذه المراسلت ذات قيمة في نقد سيد قطب لل مجتمع المريكي ،وتحليله للحياة فيها ،تص ّر كذلك تص ّر َ َو َ َو عباس خضر وغيره من الدباء للواقع المريكي ومقارنته بالواقع المصري. ونشرت له الرسالة قصيدة فنية رائعة هي «هتاف الروح » التي حملها كل أشواقه إلى مصر ،وأثبت فيها غربته في «الصحراء » المريكية الجدباء . بينما نشرت له مجلة الكتاب مقالت أخرى .من أجودها ـ بالنسبة لموضوعنا في نقد وتحليل أمريكا مقاله الحاد البديع «حمائم في نيويورك » الذي فند فيه أمريكا وحياتها .كما نشرت له مقالين آخرين هما« :أضواء من بعيد »، و «في الدب والحياة » ونشرت له تعقيبا على مقال «العشرون الذين صاغوا القرن العشرين » كتبه كاتبان أمريكيان ً ونشراه في مجلة «لوك » المريكية ،ثم ترجمه الستاذ محمد قطب ونشره في مجلة الكتاب وعقب عليه سيد قطب مسجل اهتمامات المريكيين وعقليتهم بإيجاز. ً ونشرت له مجلة الرسالة قصيدة وثلث مقالت تعتبر خلصة نظرته إلى أمريكا ونقده وتقويمه لها، وتحليله للحياة فيها ،وهي بعنوان «أمريكا التي رأيت :في ميزان القيم النسانية » ..وهذه المقالت تعتبر نواة كتابه «أمريكا التي رأيت » وطالم حرمنا من كتابه المذكور ،فإن تلك المقالت الثلثة تكاد تغني عن ذلك الكتاب (... )١ ٤ـ إشاراته إلى أمريكا في كتبه : ( )1انظر كتابنا «سيد قطب الشهيد الحي » ١٥٢ـ ٢٥٢وسيد قطب الديب الناقد للستاذ عبداالله الخباص٩٢٣ :ـ . ٠٣٣ ( )1سوف نثبت تلك المقالت والرسائل في القسم من هذا الكتاب بإذن االله. ٦٤ عندما صار سيد قطب يصدر كتبه السلمية ،ويعد أبحاثه السلمية كان يلتفت كثيرا إلى أمريكا والحياة فيها ، ً وكان يستشهد بأمريكا وما فيها على الحقائق الدينية والسلمية التي تقرر فساد الحياة والرض عندما يبتعد الناس عن االله ،والتي تقرر وقوع الناس في النحلل والفواحش عندما يستسلمون للشهوات ،والتي تقرر إصابة الناس بالمراض والفات بسبب ذلك كله... ولما كتب سيد قطب الظلل كان كثير ا ما يلتفت إلى أمريكا ويبين صدق انطباق اليات القرآنية عليها، وبخاصة ً تلك التي تقرر سنة االله الثابتة في حياة النسان ،أو تلك التي تقرر عقوبة االله لكل من خرج عن دينه واتبع هواه . كما كان يشير إلى أمريكا وهو يتحدث عن الجاهلية وقيمها ومبادئها وتبذلها وانحرافها وانحللها...
وهذا الصنيع من سيد قطب لطيف ،إنه «يوظف » أمريكا كوسيلة إيضاح ،يعرض من خللها عظمة السلم في قيمه ومبادئه من خلل مقارنته بنقيضه الجاهلي الهابط ،الذي تمثله أمريكا ،وقديما قيل« :وبضدها تتميز الشياء ».. ً كما كان «ين ّر » الناس من النسياق وراء الشهوات ،والسير وراء الشيطان ،ويعرض الطريق البائس َُف لكل من فعل ذلك ،والنموذج المريكي بين يديه يلتقط منه ما شاء ويعرض منه ما يريد ... أشار إلى أمريكا في كتابه «السلم العالمي والسلم »،وكتابه « معركة السلم والرأسمالية » وكتابه «دراسات إسلمية » الذي ضم عددا من مقالته السلمية في مختلف المجلت .وكان كتابه «السلم الخلقي ً وحياتها ( )١ الحيوانية البهيمية .وقد ـ أن سيد قطب قد وضع في هذا الكتاب كل ما يريد قوله عن ظن البعض ـ خطأ أمريكا ،وأنه ضم خلصة كتابه «أمريكا التي رأيت » علم ا بأن ما في الكتاب من كلم عن أمريكا ل يزيد على ً ثلث صفحات فقط ..وأن مقالته التي نشرها في الرسالة بعنوان «أمريكا التي رأيت :في ميزان القيم النسانية » هذه المقالت هي خلصة موجزة لكتابه الذي وعد به ،وقد بلغت صفحاتها ثلث عشرة صفحة . ولم يخل كتابه الخير « معالم في الطريق » من إشارة إلى أمريكا والحياة فيها .أما الظلل فإن إشارته عن أمريكا فيه كثيرة كما قلنا. هذه هي أهم الكتب التي ضمنها إشارات له عن أمريكا ،وسوف نثبت هذه الشارات كاملة موثقة بإذن االله في القسم الثاني من هذا الكتاب. ٥ـ مصير كتابه «أمريكا التي رأيت » : التبس علىالناس مصير كتاب سيد قطب «أمريكا التي رأيت » مع اتفاقهم على أهميتة وقيمته ونفاسته ، وضرورته لكل من أراد أن يعرف أمريكا على حقيقتها . ذهب الب عض إلى أن سيد قطب كتب كتابه وطبعه ،وأنه صدر فعل !! ول يملك هؤلء دلي ل على ما يقولون ،ول ً ً «أثارة من علم » على ما يزعمون .وإنما يكتفون بإلقاء القوال جزاف ا... ً وذهب البعض إلى أن سيد قطب عدل عن كتابه لنه وضع خلصته في كتاب «السلم ومشكلت الحضارة » . وقد أشرنا إلى بطلن هذا القول في المبحث السابق ـ في الهامش ... يقول الستاذ يوسف العظم في كتابه عن سيد قطب« :وكأني بالمؤلف قد قال في هذا الكتاب (السلم ()1 ومشكلت الحضارة) ما كان ينوي أن يقوله في كتاب أمريكا التي رأيت .بعد أن = ٧٤ وقد بحثت عن الكتاب ولم أعثر عليه .ولما كنت أعد رسالتي للماجستير عن « سيد قطب والتصوير الفني في القرآن » قابلت الستاذ محمد قطب في بيته ـ في مكة المكرمة ـ وسألته ـ في جملة ما سألته عنه ـ عن مصير كتاب شقيقه «أمريكا التي رأيت » فأخبرني بأ ن الذي وضع عنده أصل الكتاب المخطوط أمانة أحرقه
خوفا من ً التفتيش في مصر... وفي ذلك أقول في كتاب «سيد قطب الشهيد الحي » « :أمريكا التي رأيت » :بحث سجل فيه دراسته العميقة الفاحصة للحياة المريكية والمجتمع المريكي ،وكان من المتوقع أن يثير ضجة لو صدر .وكان سيد قطب راغب ا ً في إصداره ،إل أنه عندما اعتقل عام ٤٥٩١عهد بمسودة البحث المخطوطة إلى أحد معارفه ليخفيه ريثما تستقر الحداث وتنتهي الزمة ،وطلب منه الحتفاظ بالمانة ..إذ عندما اشتدت وطأة العتقالت ضد الخوان المسلمين ، خاف الرج ل على نفسه فأحرق البحث ..وبهذا حرم الناس من بحث من أعمق بحوث سيد قطب (... )١ وبما أننا فقدنا البحث وحرمنا مما فيه ،فإننا وقفنا على خلصة حديث سيد قطب عن الواقع المريكي في المقالت الثلث التي عرضها في مجلة الرسالة «أمريكا التي رأيت :في ميزان القيم النسانية ».فطالما يعتبرها هو جزءا من ذلك الكتاب ،وأطلق عليها عنوان ذلك الكتاب ،فلماذا ل ن عتبرها نحن كذلك وننظر إليها بذلك ً المنظار؟ ... ول ننسى أن نشير إلى أن الكلم الذي أورده سيد قطب في كتابه «السلم ومشكلت الحضارة » عن أمريكا اعتبره مأخوذا من كتابه «أمريكا التي رأيت » وأشار إلى ذلك في حاشية الكتاب . ً كما ان سيد قطب يضع كتابه «أمريكا التي رأيت » ضمن الكتب التي ستطبع ،ويشير إلى هذا حتى في كتبه التي صدرت بعد سجنه مثل «السلم ومشكلت الحضارة » . القسم الثاني النصوص الفصل الول :مقالت سيد قطب عن أمريكا وقصائد له عنها الفصل الثاني :إشارات سيد قطب في المجلت عن أمريكا الفصل الثالث :إشارات سيد قطب في الظلل عن أمريكا الفصل الرابع :إشارات سيد قطب في كتبه السلمية عن أمريكا الفصل الول مقالت سيد قطب عن أمريكا وقصائد له عنها تمهيد: نحب أن نبين للقارئ طريقتنا في ترتيب هذا القسم وتنظيمه ،حيث جاء في أربعة فصول : الفصل الول :مقالت سيد قطب عن أمريكا : أثبتنا فيه المقالت الكاملة التي خصصها سيد كلها للحديث عن أمريكا .وهي مقالته في مجلتي «الرسالة » و «الكتاب » .كما أثبتنا في هذا الفصل قصيدتين قالهما سيد قطب من أمريكا عندما كان فيها . ( )1سيد قطب الشهيد الحي٩٥٢ :ـ .٠٦٢ ٨٤ الفصل الثاني :إشارات سيد قطب في المجلت عن أمريكا : وهي الشارات التي وردت في مقالة له ،أو رسالة ،وهذه المقالة أو الرسالة يكون قد بعثها من أمريكا،
وتحدث فيها عن أمور أدبية أو نقدية أو اجتماعية أو فكرية .فقمنا بأخذ الشارة المتعلقة بالحديث عن أمريكا، وإثباتها في هذا الفصل ،وذلك مثل رسائله إلى :توفيق الحكيم وعباس خضر وأنور المعداوي. الفصل الثالث :إشارات سيد قطب في الظلل عن أمريكا . الفصل الرابع :إشارات سيد قطب في كتبه السلمية عن أمريكا. هذا ويحسن أن نذكر للقارئ أننا ـ من باب تسهيل المر عليه وتقسيم المقالت إلى وحدات جزئية ـ اجتهدنا في وضع عنوان لكل فقرة أو عدة فقرات مرتبطة ببعضها موضوعيا واجتهدنا أن يكون معبرا عن المضمون ،ودال ً ً ً على موضوع الفقرة أو الفقرات،. ...ولهذا فهذه العناوين الجانبية في هذا القسم هي من اجتهادنا واختيارنا ،ونتحمل نحن وضعها ،فإن وفقنا في اختيارها ووضعها فذلك ما كنا نرجوه .ونحمد االله ونشكره على ذلك ،وإن كانت الخرى فنستغفر االله ونعتذر عن ذلك .وإن النقص والخطأ من سمات البشر ..ول حول ول قوة إل باالله ... () ١ أمريكا التي رأيت :في ميزان القيم النسانية الحلقة الولى مجلة الرسالة :السنة التاسعة عشرة ـ المجلد الثاني ـ عدد ٧٥٩ـ تاريخ ٥نـوفمبر ١٥٩١ــ صـفحات: ٥٤٢١ـ ٧٤٢١ أمريكا موقع ومزايا: أمريكا..الدنيا الجديدة..ذلك العالم المترامي الطراف،الذي يشغل من أذهان الناس وتـصوراتهم ،أكثـر ممـا تشغل من الرض رقعتها الفسيحه ،وترف عليه أخيلتهم وأحلمهم بالوهام والعاجيب ،وتهوى إليه الفئـدة مـن كل فج ،شتى الجناس واللوان ،ش ّى المسالك والغايات ،وش ّى المذاهب والهواء. ت ت أمريكا ..تلك المساحات الشاسعة من الرض بين الطلنطي والباسيفيكي .تلك الموارد التـي ل تنـضب مـن المواد والخامات ،ومن القوى والرجال .تلك المصانع الضخمة التي لم تعرف لها الحضارة نظيرا ،ذلـك النتـاج ً الهائل الذي يعيا به العد والحصاء .تلك المعاهد والمعامل والمتاحف المبثوثة في كـل مكـان .عبقريـة الدارة والتنظيم التي تثير العجب والعجاب .ذلك الرخاء السابغ كأحلم الجنة الموعودة .ذلـك الجمـال الـساحر فـي الطبيعة والوجوه والجسام .تلك اللذائذ الحرة المطلقة من كل قيد أو عرف .تلك الحلم المج ّمة في حيـز مـن س الزمان والمكان.... رصيد أمريكا من القيم: أمريكا هذه كلها ...ما الذي تساويه في ميزان القيم النسانية؟ وما الذي أضافته إلى رصيد البشرية مـن هـذه القيم؟ أو يبدو أنها ستضيفه في نهاية المطاف؟... ٩٤
أخشى أل يكون هناك تناسب بين عظمة الحضارة المادية في أمريكا ،وعظمة «النسان » الـذي ينـشىء هـذه الحضارة ،وأخشى أن تمضي عجلة الحياة ،ويطوى سجل الزمن وأمريكا لم تـضف شـيئا ـ أو لـم تـضف إل ً اليسير الزهيد ـ إلى رصيد النسانية من تلك القيم التي تميز بين النسان والشيء ،ثم بين النسان والحيوان... مقياس التقويم الحضاري: إن كل حضارة من الحضارات التي مرت بها البشرية ،لم تكن كل قيمتها فيما ابتدعه النـسان مـن آلت ،ول فيما سخره من قوى ،ول فيما أخرجت يداه من نتاج .إنما كان معظم قيمتها في ما إهتدى النسان إليها مـن حقـائق عن الكون ،ومن صور وقيم للحياة ،وما تركه هذا الهتداء في شعوره من ارتقاء ،وفي ضميره من تهذيب ،وفـي تصوره لقيم الحياة من عمق ،والحياة النسانية بوجه خاص ،مما يزيد المسافة ُعدا في حـسابه وحـساب الواقـع، ب ً بينه وبين مدارج الحيوانية الولى في الشعور والسلوك ،وفي تقويم الحياة وتقويم الشياء. فأما ابتداع اللت أو تسخير القوى ،أو صنع الشياء ،فليس له في ذاته وزن في ميزان القيم النـسانية، إنمـا هو مجرد رمز لقيمة أساسية أخرى :هي مدى ارتقاء العنصر النساني في النسان ،ومدى الخطوات التـي يبعـد بها عن عالم الشياء ،وعالم الحيوان .أي مدى ما أضاف إلى رصيده النساني من ثراء في فكرته عـن الحيـاة، وفي شعوره بهذه الحياة. هذه القيمة الساسية هي موضع المفاصلة والموازنة بين حضارة وحضارة ،وبين فلسفة وفلسفة ،كما أنها هـي الرصيد الباقي وراء كل حضارة ،المؤثر في الحضارات التالية حين تتحطم اللت وتفنى الشياء ،وحين تنـسخها آلت أجد وأشياء أجود ،مما يقع بين لحظة وأخرى ،في مشارق الرض ومغاربها... ميدان البداع المريكي: وإنه ليبدو أن العبقرية المريكية كلها قد تجمعت وتبلورت في حقل العمل والنتاج ،بحيث لم تبق فيهـا قـة ب ّ َ ي تنتج شيئا في حقل القيم النسانية الخرى .ولقد بلغت في ذلك الحقل ما لم تبلغه أمة ،وجـاءت فيـه ً بـالمعجزات التي احالت الحياة الواقعية إلى مستوى فوق التصور ووراء التصديق لمن لم يشهدها عيانا .ولكن «النـسان » لـم ً يحفظ توازنه أمام اللة ،حتى ليكاد هو ذاته يستحيل الى آلة ،ولم يستطع أن يحمل عبء العمل المنهك ثم يمـضي قدما في طريق النسانية ،عندئذ أطلق للحيوان الكامن العنان ،ضعفا عـن أن يحمـل عـبء العمـل، وعـبء ً ً «النسان »!.. أمريكا :قمة التقدم وسفح البدائية: وإن الباحث في حياة الشعب المريكي ليقف في أول المر حائرا أمام ظاهرة عجيبة ،قد ل يراها فـي
شـعب ً من شعوب الرض جميعا :شعب يبلغ في عالم العلم والعمل ،قمة النمو والرتقاء ،بينما هو فـي عـالم الـشعور ً والسلوك بدائي ،لم يفارق مدارج البشرية الولى ،بل أقل من بدائي في بعض نواحي الشعور والسلوك!.. ولكن هذه الحيرة تزول بعد النظرة الفاحصة في ماضي هذا الشعب وحاضره ،وفي السباب التي جمعت فيـه بين قمة الحضارة وسفح البدائية. ٠٥ التكوين المتوازن للنسان: في العالم القديم آمن النسان بقوة الطبيعة المجهولة ،وصاغ حولها الخرافـات والسـاطير ،وآمـن بالـدين، وغمرت روحه أضوا َه ورؤاه ،وآمن بالفن وتجس مت أشواقه ألوانا وألحانا وأوزانا ...ثم آمن بالعلم أخيرا ،بعـدما ء ً ً ً ً انقسمت نفسه لنماط من اليمان ،وألوان من المشاعر ،وأشكال من صور الحياة ،وتهاويل الخيال، بعدما تهـذبت روحه بالدين ،وتهذب حسه بالفن وتهذب سلوكه بالجتماع .وبعدما صيغت مثله ومبادئه من واقعية التاريخ ،ومـن أشواقه الطليقة .وسواء تحققت هذه المبادئ والمثل أم لم تتحقق في الحياة اليومية ،فقد لقيت على القـل هواتـف في الضمير ،وحقائق في الشعور ،مرجوة التحقق في يوم من اليام،قرب أم بعد ،لن وجودها حتـى فـي عـالم المثال وحده ،خطوة واسعة من خطوات البشرية في مدارج النسانية ،وشعاع مضيء من الرجاء في تحققها يومـا ً من اليام. الولدة الشوهاء للنسان المريكي: أما في أمريكا فقد ولد النسان على مولد العلم ،فآمن به وحده ،بل آمن بنوع منه خاص ،هو العلـم التطبيقـي، لنه وهو يواجه الحياة الجديدة في القارة الجديدة وهو يتسلم الطبيعة هنالك بكرا جامحة عنيدة ،وهو يهم أن ينـشئ ً ذلك الوطن الجديد الذي أنشأه بيده ،ولم يكن له من قبل وجود ،وهو يصارع ويناضل لبناء هذا الـوطن الـضخم.. كان العلم التطبيقي هو خير عون له في ذلك الجهاد العنيف ،لنه يسعفه بالداة العملية الفعالة فـي مجـال البنـاء والخلق والتنظيم والنتاج... في أمريكا أرض بكر: ولم يفرغ المريكي بعد من مرحلة البناء ،فما زال هنالك مساحات شاسعة لتكاد تحد من الراضـي البكـر، التي لم تمسسها يد ،ومن الغابات البكر التي لم تطأها قدم ،ومن المناجم التي لم تفتح ولـم تـستغل، ومـا يـزال ماضيا في عملية البناء الولى ،على الرغم من وصوله إلى القمة في التنظيم والنتاجً : الحالة النفسية للمريكيين الوائل:
ويحسن أن ل ننسى الحالة النفسية التي وفد بها المريكي إلى هذه الرض فوجا بعد فوج ،جـيل بعـد جيـل، ً ً فهي مزيج من السخط على الحياة في العالم القديم ،والرغبة في التحرر من قيوده وتقاليده ،وهذه القيـود والتقاليـد منها الثقيل الفاسد ،والضروري السليم ،ومن الرغبة الملحة في الثراء بأي جهد وبأية وسـيلة ،والحـصول علـى أكبر قسط من المتاع تعويضا عما يبذله من الجهد في الثراء.. ً أصل المريكيين: ويحسن أن ل ننسى كذلك الحالة الجتماعية و الفكرية لغالبية الفواج الولى التي تألفت منها نواة هذا الـشعب الجديد ،فهذه الفواج هي مجموعات من المغامرين ،ومجموعات من المجرمين ،فالمغامرون جاءوا طلب ثـراء ومتاع ومغامرات ،والمجرمون جيء بهم من بلد المبراطورية النجليزية لتشغيلهم في البناء والنتاج.. ١٥ العلم المادي والقيم النسانية: ذلك المزيج من الملبسات ،وهذا المزيج من الفواج ،من شأنه أن يستنهض وينمي الصفات البدائية فـي ذلـك الشعب الجديد ،وينيم أو يقاوم الصفات الراقية في نفسه أفرادا وجماعات ،فتنشط الدوافع الحيوية الوليـة ،كأنمـا ً يستعيد النسان خطواته الولى ،بفارق واحد أنه هنا مسلح بالعلم ،الذي ولد على مولده ،وخطـا علـى خطواتـه. والعلم في ذاته ـ وبخاصة العلم التطبيقي ـ ل عمـل لـه فـي حقـل القـيم النـسانية ،وفـي عـالم الـنفس والشعور.وبذلك ضاقت آفاقه ،وضمرت نفسه ،وتحددت مشاعره ،وضؤل مكانه على المائدة العالميـة الزاخـرة بالنماط واللوان. صراع المريكي الول مع الطبيعة: وقد يدهش النسان وهو يقرأ قصص الجماعات الولى التي هاجرت إلى أمريكا في أيامها الولى، ويتـصور كفاحها الطويل العجيب ،مع الطبيعة الجامحة في تلك الصقاع المترامية ،ومن قبل مع أنـواء المحـيط الرهيبـة وأمواجه الجبارة ،في تلك القوارب الصغار الخفاف ،حتى إذا رست على الـصخور محطمـة أو ناجيـة، لقيـت النازحين مجاهل الغابات ومتاهات الجبال ،وحقول الجليد ،وزعازع العاصـير ،ووحـوش الغابـات وأفاعيهـا وهوامها ...لقد يدهش النسان كيف لم يترك هذا كله ظللة على الروح المريكية ،إي مانا بعظمـة الطبيعـة ومـا ً وراء الطبيعة ،ليفتح لها منافذ أوسع من المادة وعالم المادة. سر التشوه في الشخصية المريكية: ولكن هذه الدهشة تزول حين يتذكر ذلك المزيج من الملبسات ،وذلك المزيج من الفواج .لقد قابلوا الطبيعـة بسلح العلم ،وقوة العضل ،فلم تثر فيهم إل قوة الذهن الجاف ،وقوة الحس العارم ،ولم تفتح لهـم نوافـذ الـروح والقلب والشعور ،كما فتحها في روح البشرية الولى ،التي احتفظت بالكثير منها في عصر العلم،
وأضـافت بـه إلى رصيدها من القيم النسانية الباقية على الزمان. وحين تغلق البشرية على نفسها منافذ اليمان بالدين ،واليمان بالفن ،واليمان بالقيم الروحية جميعـا ،ل يبقـى ً هنالك متصرف لنشاطها إل في العلم التطبيقي والعمل ،وإل في لذة الحس والمتاع .وهذا هو الـذي انتهـت إليـه أمريكا بعد أربعمائة عام... () ٢ أمريكا التي رأيت :في ميزان القيم النسانية الحلقة الثانية مجلة الرسالة :السنة التاسعة عشرة ـ المجلد الثاني ـ عدد ٩٥٩ـ تاريخ ٩١نـوفمبر ١٥٩١ـ صـفحات: ١٠٣١ـ ٦٩٣١ ٢٥ البدائية المريكية: يبدو المريكي ـ على الرغم من العلم المتقدم والعمل المتقن ـ بدائيا في نظـره إلـى الحيـاة، ومقوماتهـا ً النسانية الخرى بشكل يدعو إلى الدهشة .ول عل لهذا التناقض الواضح أثره في ظهور المريكان بمظهر الـشعب الغريب الطوار في نظر الجانب ،الذين يراقبون حياة الشعب من بعيد ،ويعجزهم التوفيق بـين هـذه الحـضارة الصناعية الفائقة وذلك النظام الدقيق في إدارة العمال ،وإدارة الحياة ...وبين هذه البدائية في الشعور والـسلوك، تلك البدائية التي تذكر بعهود الغابات والكهوف! البدائية في اللعاب الرياضية: يبدو المريكي بدائيا في العجاب بالقوة العضلية والقوة المادية بوجه عام .بقدر ما يستهين بال ُثـل والمبـادئ ً م والخلق ،في حياته الفردية ،وفي حياتـه العائليـة وفـي حياتـه الجتماعيـة ـ فيمـا عـدا دائـرة العمـل بأنواعه،وعلقات القتصاد والمال ـ ومنظر الجماهير وهي تتبع مباريات كرة القدم ،على الطريقـة المريكيـة الخشنة التي ليس لها من اسمها ( كرة القدم) أي نصيب ،إذ أن «القدم » ل تشترك في اللعب ،إنمـا يحـاول كـل لعب أن يخطف الكرة بين يديه ،ويجري ب ها ليقذف بها إلى الهدف ،بينما يحاول لعبو الفريق الخر أن يعوقـوه بكل وسيلة ،بما في ذلك الضرب في البطن ،وتهشيم الذرع والسيقان ،بكل عنف وكل شراسة ..منظر الجمـاهير وهي تتبع هذه اللعبة ،أو تشاهد حفلت الملكمة والمصارعة الوحشية الدامية ..منظرها فـي هياجهـا الحيـواني المنبعث من إعجابها بالعنف القاسي ،وعدم التفاتها إلى قواعد اللعب وأصوله ،بقدر ما هي مأخوذة بالـدم الـسائل والوصال المهشمة ،وصراخها هاتفة :كل يشجع فريقه :حطم رأسه .هشم اضلعه .أعجنه عجنا ..هـذا المنظـر ل يدع مجال للشك في بدائية الشعور التي تفتن بالقوة ال عضلية وتهواها.. ً محبة أمريكا للسلم ...خرافة: بمثل هذه الروح يتابع الجمهور المريكي صراع الجماعات والطوائف ،وصراع المـم والـشعوب .ولـست
أدري كيف راجت في العالم ـ وبخاصة في الشرق ـ تلك الخرافة العجيبة .خرافة أن الشعب المريكـي شـعب محب للسلم ! المريكي وشهوة الحرب: إن المريكي بفطرته محارب محب للصراع ،وفكرة الحرب والصراع قوية في دمه ،بارزة في سلوكه، وهذا هو الذي يتفق مع تأريخه كذلك .فقد خرجت الفواج الولى من اوطانها قاصدة إلى أمريكـا بفكـرة السـتعمار والمنافسة والصراع .وهناك قاتل بعضهم بعضا وهم جماعات وافواج .ثم قاتلوا جميعا سـكان الـبلد الصـليين ً ً (الهنود الحمر) وما يزالون يحاربونهم حرب إفناء حتى اللحظة الحاضرة .ثم قاتل العنـصر النجلـو سكـسكوني العنصر اللتيني هناك ،وطرده إلى الجنوب في أمريكا الوسطى والجنوبية ،ثم حارب المتأمركون أمهـم الولـى انجلترا في حرب التدمير بقيادة «جورج واشنطن » حتى نالوا استقللهم عن التاج البريطاني. ٣٥ الدوافع الحقيقية لتحرير العبيد في أمريكاس: ثم حارب الشمال الجنوب بقيادة «إبراهام لنكولن » تلك الحرب التي اتسمت بسمة «تحرير العبيـد » وإن كانـت دوافعها الحقيقية هي المنافسة القتصادية .ذلك ان العبيد المستجلبين من أواسط أفريقيا ليعملوا في الرض رقيقـا، ً لم يستطيعوا مقاومة الطقس البارد في الشمال فنزحوا إلى الجنوب .وكان معنى هذا ان يجـد المـستعمرون فـي الوليات الجنوبية اليدي العاملة الرخيصة على حين ل يجدها الشماليون ،فيتم لهم التفوق القتصادي، لذلك أعلـن الشماليون الحرب لتحرير العبيد !... أمريكا تخرج من عزلتها: وانقضت فترة العزلة ،وانتهت سياستها ،عندما دخلت أمريكا الحرب العالمية الولى ،ثم اضـطلعت بـالحرب العالمية الثانية .ثم ها هي ذي تنهض بالحرب في كوريا ،والحرب العالمية الثالثة ليـست بالبعيـدة ! ولـست أدري إذن كيف راجت تلك الخرافة العجيبة ،عن شعب هذا تاريخه في الحروب؟ نظرة المريكيين للموت: إن الحيوية المادية عند المريكي مقدسة ،والضعف أيا كانت أسبابه جريمة .جريمـة ل يغتفرهـا شـيء. ول تستحق عطفا ول عونا .وحكاية المبادئ والحقوق خرافة في ضمير المريكي ،ل يتذوق لها طعما .كن قويا ولـك ً ً ً ً كل شيء.أو كن ضعيفا فل يسعفك مبدأ ،ول يكون لك مكان في مجال الحياة الفسيح .أما الذي يمـوت فيرتكـب ً بالطبع جريمة الموت .ويفقد كل حق له في الهتمام والحترام! أليس أنه قد مات؟ أمريكيون يتفكهون على مصاب: كنت في مستشفى «جورج واشنطن » ال عاصمة ،وكان الوقت مساء ،حينما غمرت موجة من الضطراب غيـر
معهودة ،وبدأت فيه حركة غير عادية ،ملفتة للنظر .وأخذ المرضى القادرون على الحركـة يغـادرون أسـرتهم وحجراتهم إلى الممرات والبهاء يستطلعون؟ ثم جعلوا يتحلقون متسائلين عـن سـر تلـك الظـاهرة فـي حيـاة المستشفى الهادئة ...وعرفنا بعد فترة أن احد موظفي المستشفى قد أصيب في حادث مـصعد ،وأنـه فـي حالـة خطيرة ،بل في دور الحتضار .وذهب أحد المرضى ال مريكان ليرى بنفسه ،ثم عاد يقص على المتحلقـين فـي الممشى ما رأى ..وحين يخيم شبح الموت على مكان ل تكون له رهبة ،ول يكون للموت خـضوعه ك مـا يكـون ذلك في مستشفى ...ولكن هذا المريكاني أخذ يضحك ويقهقه ،وهو يمثل هيئـة المـصاب المحتـضر، وقـد دق ّ المصعد عنقه ،وهشم رأسه ،وتدلى لسانه من فمه علـى جانـب وجهـه! وانتظـرت أن أسـمع أو أرى ّ علئـم المتعاض والستنكار من المستمعين ،ولكن كثرتهم الغالبة جعلت تضحك متفكهة ،بهذا التمثيل البغيض. ضاحكون بجانب جثة عزيز: لذلك لم أعجب وبعض أصدقائي يقص علي ما رأى وما سمع ،حول الموت ووقعه في نفوس المريكان. قال لي زميل :إنه كان حاضر مأتم ،حينما عرضت جثة رب البيت محنطة فـي صـندوق زجـاجي ـ علـى العادة المريكية ـ كيما يمر أصدقاء الفقيد بجثمانه ،ليودعوه الوداع الخير ،ويلقوا عليه النظرة النهائية، واحـدا ً ٤٥ بعد الخر في صف طويل .حتى إذا إنتهى المطاف وتجمعوا في حجرة الستقبال ،ما راعه إل ان يأخد القوم فـي دعابات وفكاهات ،حول الفقيد العزيز وحول سواه ،تشترك فيها زوجه وأهله ،وتعقبها الضحكات المجلجلـة فـي سكوت الموت البارد ،وحول الجسد المس ّى في الكفان!... ج أمريكية تلهو وجثة زوجها في البيت: وكان الستاذ مدير البعثات المصرية بواشنطن مدعوا هو والسيدة حرمه إلى إحدى الحفلت ،وقبيـل الموعـد ً مرضت السيدة حرمه ،فأمسك بالتليفون ليعتذر عن الحفلة بسبب هذا الطارئ .ولكـن الـداعين أجـابوه بأنـه ل ضرورة للعتذار ،فإنه يملك ان يحضر منفردا ،وستكون هذه فرصة طيبة ،ذلك أن إحدى المدعوات قـد تـوفي ً زوجها فجأة قبيل الحفلة ،وستكون وحيدة فيها ،فمن حسن الحظ ان يكون لها رفيق ! امريكية تتحدث عن زوجها الميت حديثا: ً ودخلت مرة بيت سيدة أمريكية كانت تساعدني في اللغة النجليزية في الفترة الولى من وجودي في أمريكـا، فوجدت عندها إحدى صديقاتها ،وكانتا تتحدثان في موضوع لحقت أواخره ،وهذه الصديقة تقـول« :لقـد كنـت
حسنة الحظ ،فقد كنت مؤمنة على حياته .حتى علجه لم يكلفني إل القليل ،لنني كنت مؤمنـة عليـه فـي هيئـة «الصليب الزرق »( )١وابتسمت ضاحكة ». ثم استاذنت وخرجت ،وبقيت مع ربة البيت ،وأنا أحسب أن صديقتها كانت تحدثها عن كلبها ـ وإن كنـت قـد دهشت لنها ل تبدي أي تأثر لموته! ولكن ما راعني إل ان تقول لي ـ ولم أسـأل! ــ « كانـت تحـدثني عـن زوجها .لقد مات منذ ثلثة أيام »!. ولما أبديت لها دهشتي أن تتحدث صديقتها عن زوجها المتوفى منذ ثلثة أيام بمثل هذه البساطة ،كـان عـذرها الذي ل يخالجها الشك في أنه مقنع ووجيه «إنه كان مريضا! لقد مرض أكثر من ثلثة أشهر قبل الوفاة! ». ً مأتم الطيور في مصر: عادت بي الذاكرة إلى مشهد عميق الثر في شعوري ،وقد أثار في خاطري في حينه منذ سنوات.. خاطرة لـم تكتب بعنوان « :مأتم الطيور » ذلك مشهد جماعة من الفراخ كنا نربيها في دارنا ،وقـد وقفـت متحلقـة صـامتة مبهورة مأخوذة ،حول فرخ منها ذبيح ،لقد كانت مفأجاة شعورية لكل من كان في البيت،مفاجأة غير منتظرة مـن طير غير متقدم في سلم الرقي كالدجاج ،بل كانت صدمة لم نجروء بعدها منذ ذلك الحين على ذبح فـرخ واحـد على مرأى من جماعة الطيور! ( )1هيئة ضمان اجتماعية ضد المرض ،وهي تتولى أداء معظم النفقات في اثناء علج المشتركين بها، مقابل قسط شهري صغير (سيد). ٥٥ حزن الغربان على ميتها: ومنظر الغربان حين يموت أحدها ،منظر مألوف شاهده الكثيـرون .وهـو منظـر يـصعب تفـسيرة بغيـر شعور «الحزن » أو «عاطفة » القرابة! فهذه الجموع من ال غربان المحلقة الصافة ،الناعقة بشتى الصوات والنغام، ّ ّ الطائرة هنا وهناك ،حتى تحمل جثمان الميت وتطير ..هذا كله يشي برجفة الموت في عالم الطيور! جفاف الحياة المريكية: وقداسة الموت تكاد تكون شعورا فطريا .فليست البدائية الشعورية هي التي تطمسها فـي الـنفس المريكيـة، ً ً ولكنه جفاف الحياة من التعاطف الوجداني ،وقيامها على معادلت حسابية مادية ،وعلى علقات الجسد ودوافعـه، واستخفافها عمدا بكل ما يشتهر أنه من مقدسات الناس في العالم القديم ،والرغبة في مخالفة مـا تواضـع عليـه ً الناس هناك ،وإل فما مزية الدنيا الجديدة على ذلك العالم القديم؟ شعور المريكيين بالدين بدائي: وما يقال عن الشعور بالموت يقال عن الشعور بالدين. كنائس بدون حياة: ليس أكثر من المريكان تشييدا للكنائس ،حتى لقد أحصيت في بلدة واحدة ل يزيد سكانها علـى عـشرة
آلف ً اكثر من عشرين كنيسة !وليس أكثر منهم ذهابا إلى كنائس في ليلت الحد وأيامه ،وفي العياد العامـة وأعيـاد ً القديسين والمحليين وهم أكثر من «الولياء » عند المسلمين! ...وبعد ذلك كله ليس هنـاك مـن هـو أبعـد مـن المريكي عن الشعور بروحية الدين واحترامه وقداسته ،وليس أبعد من الدين عند تفكيـر المري كـي وشـعوره وسلوكه. كنائس للهو والتسلية: وإذا كانت الكنيسة مكانا للعبادة في العالم المسيحي كله ،فإنها في أمريكا مكان لكل شـيء إل العبـادة. وإنـه ً ليصعب عليك ان تفرق بينها وبين أي مكان آخر ،معد للهو والتسلية أو ما يسمونه بلغتهم الــ «« funومعظـم قصادها إنما يعدون ها تقليدا اجتماعيا ضروريا ،ومكانا للقاء والنس ،ولتمضية وقت طيب ،ولـيس هـذا شـعور ً ً ً ً الجمهور وحده ،ولكنه كذلك شعور سدنة الكنيسة ورعاتها... أندية الكنائس ودعايتها: ولمعظم الكنائس ناد يتألف من الجنسين ،ويجتهد راعي كل كنيسة أن يتلحـق بالكنيـسة أكبـر عـدد ممكـن، وبخاصة أن هناك تنافسا كبيرا بين الكنائس المختلفة المذاهب ،ولهذا تتسابق جميعـا فـي العـلن عـن نفـسها ً ً ً بالنشرات المكتوبة وبالنوار الملونة على البواب والجدران للفت النظار ،وبتقديم البرامج اللذيذة المشوقة لجلـب الجماهير بنفس الطريقة التي تتبعها المتاجر ودور العرض والتمثيل ،وليس هناك من بأس فـي اسـتخدام أجمـل فتيات المدينة وأرشقهن،وأبرعهن في الغناء والرقص والترويج. ٦٥ برنامج حفلة كنسية: وهذه مثل محتويات إعلن عن حفلة كنيسة ،كانت ملصقة في قاعة اجتماع الطلبة في إحدى الكلياتً . «يوم الحد أول أكتوبر ـ في الساعة السادسة مساء ـ عشاء خفيف .ألعـاب سـحرية .ألغـاز .مـسابقات. تسلية »... وليس في هذا أية غرابة ،لن راعي الكنيسة ل يحس أن عمله يختلف في شيء عن عمل مـدير المـسرح ،أو مدير المتجر .النجاح أول وقبل كل شيء ـ والوسيلة ليست بالمهمة ـ وهذا النجاح يعود عليه بنتائجـه الطيبـة: ً المال والجاه .فكلما كثر عدد الملتحقين بكنيسته عظم دخله ،وزاد كذلك احترامه ونفوذه في بلـده ،لن المريكـي بطبيعته يؤخذ بالفخامة في الحجم أو العدد .وهي مقياسه الول في الشعور والتقدير. ليلة حمراء في كنسية: كانت ليلة في إحدى الكنائس ببلدة جريلي بولية كولورادو ـ فقد كنت عضوا في ناديها كما كنت عضوا فـي
ً ً عدة نواد تابعة للكنائس في كل جهة عشت فيها ،إذ كانت هذه ناحية هامة من نواحي المجتمع ،تـستحق ٍ الدراسـة عن كثب ومن الداخل ـ وبعد أن انتهت الخدمة الدينية في الكنيسة ،واشترك فـي التراتيـل فتيـة وفتيـات مـن العضاء ،وأدى الخرون الصلة ،دلفنا من باب جانبي إلى ساحة الرقص الملصقة لقاعة الصلة يـصل بينهمـا الباب وصعد «الب » إلى مكتبه ،وأخذ كل فتى بيد فتاة ،وبينهم وبينهن أولئـك الـذين واللـواتي ،كـانوا وكـن، يقومون بالترتيل ويقمن! وكانت ساحة الرقص ُضا َه بالنوار الحمراء والصفراء والزرقاء ،وبقليل من المـصابيح البـيض ...وبـدأ مء الرقص على أنغام «الجراموفون » الساحة وانتشرت القدام والسيقان الفاتنة والتفت الذرع بالحـضور، والتقـتس الشفاه والصدور ...وكان الجو كله غراما ،حينما هبط «الب » من مكتبه وألقى نظرة فاحصة على المكـان ومـن ً في المكان ،وشجع الجالسين والجالسات ممن لم يشتركوا في الحلبة على أن ينهضا فيـشاركوا ،وكأيمـا لحـظ أن المصابيح البيض تفسد ذلك الجو «الرومانتيكي » الحالم ،فراح في رشاقة المريكاني وخفته يطفئها واحدا واحـدا، ً ً وهو يتحاشى أن يعطل حركة الرقص ،أو يصدم زوجا من الراقصين في الساحة ،وبـدا المكـان بالفعـل أكثـر ً «رومانتيكية » وغراما..ثم تقدم إلى «الجراموفون » ليختار أغنية تناسب ذلك الجو ،وتشجع القاعـدين والقاعـدات ً على المشاركة فيه. واختار ...اختار أغنية أمريكية مشهورة اسمها ) But baby its cold outsideولكنها يا صغيرتي باردة فـي الخارج) وهي تتضمن حوارا بين فتى وفتاة عائدين من سهرتهما ،وقد احتجزها الفتى في داره ،وهـي تـدعوه أن ً يطلق سراحها ،لتعود إلى دارها فقد أمسى الوقت ،وامها تنتظر ...وكلما تذرعت إليه بحجة أجابها بتلك اللزمـة، ولكنها يا صغيرتي باردة في الخارج! وانتظر الب حتى رأى خطوات بنيه على موسيقى تلك الغنية المثيرة،وبدا راضيا مغتبطـا ،وغـادر سـاحة ً ً الرقص إلى داره ،تاركا لهم ولهن إتمام هذه السهرة اللذيذة ...البريئة !... ً ٧٥ القساوسة وصائدات الرجال: وأب آخر يتحدث إلى صاحب لي عراقي ،وقد توثقت بيني وبينه ُرى الصداقة ،فيسأله عن « مـاري » زميلتـه ع في الجامعة «لم ل تحضر الن إلى الكنيسة؟ » ويبدي أنه ل يعنيه أن تغيب الفتيات جميعـا وتحـضر « مـاري »!
ً وحين يسأله الشاب عن هذه اللهفة :يجيب« :إنها جذابة ،وإن معظم الشبان إنما يحضرون وراءها ! ». ويحدثني شاب من شياطين الشبان العرب الذين يدرسون في أمريكا ،وكنا نطلق عليه اسم «أبو العتاهيـة » ــ وما ادري إن كان ذلك يغضب الشاعر القديم او يرضيه ـ فيقول لي عن فتاته ولكل فتى فتاة في أمريكا ـ إنهـا كانت تنتزع نفسها من بين أحضانه أحيانا لنها ذاهبة للترتيل في الكنيسة ،وكانت إذا تأخرت لم تنج مـن إشـارات ً ُ «الب » وتلميحاته إلى جريرة «أبي العتاهية » في تأخيرها عن حضور الصلة !هذا إذا حـضرت وحـدها مـن دونه ،فأما إذا استطاعت ان تجره وراءها فل لوم عليها ول تثريب! الغاية عندهم تبرر الوسيلة: ويقول لك هؤلء الباء :إننا ل نستطيع ان تجتذب هذا الشاب إل بهذه الوسائل!. ولكن أحدا منهم ل يسأل نفسه :وما قيمة اجتذابهم إلى الكنيسة،وهم يخوضـون إليهـا مثـل هـذا الطريـق، ً ويقضون ساعاتهم فيها؟ أهو الذهاب الى الكنيسة هدف في ذاته ،ام آثاره التهذيبية في الـشعور والـسلوك؟ مـن وجهة نظر «الباء » التي أوضحتها فيما سلف ،مجرد الذهاب هو الهدف .وهو وضع لمـن يعـيش فـي أمريكـا مفهوم! ولكني اعود إلى مصر ،فأجد من يتحدث أو يكتب عن الكنيسة في أمريكا ـ وهو لم ير أمريكا لحظة ـ وعـن دورها في الصلح الجتماعي ،ونشاطها في تطهير القلب وتهذيب الروح... والله في خلقه شؤون !... البدائية الجنسية في أمريكا: والمريكي بدائي في حياته الجنسية ،وفي علقات الزواج والسرة ولقد مررت في اثنـاء دراسـاتي للكتـاب المقدس بتلك الية الواردة في «العهد القديم » حكاية عن خلق االله للبشر أول مرة وهـي تقـول( : ذكـرا وأنثـى ً خلقهم) ...مررت بهذه الية كثيرا ،فلم يتمثل لي معناها عاريا واضحا جاهرا ،كما تمثل لي في أثناء حيـاتي فـي ً ً ً ً أمريكا. جنس وفساد: أن كل ما تعبت الحياة البشرية الطويلة في خلقه وصيانته من آداب الجنس ،وكـل مـا صـاغته حـول هـذه العلقات من عواطف ومشاعر ،وكل ما جاهدت من غلظة الحس وجهامة الغريزة ،لتطلقه إشـاعات مرفرفـة، وهالت مج ّحة ،وأشواق طليقة وكل الروابط الوثيقة حول تلك العلقات في ش عور الفرد ،وفـي حيـاة السـرة،ن وفي محيط الجماعة... ٨٥
إن هذا كله قد تجردت منه الحياة في أمريكا مرة واحدة ،وتج ّت عارية عاطلة من كل تج ّل( :ذكـرا وأنثـى) ل م ً كما خلقهم أول مرة .جسد لجسد ،وأنثى لذكر .على أساس مطالب الجـسد ودوافعـه ،تقـوم العلقـات وتتحـدد الصلت ،ومنها تستمد قواعد السلوك ،وآداب المجتمع ،وروابط السر والفراد. بفتنة الجسد وحدها ،عارية من كل ستار ،مجردة من كل حياء ،تلقى الفتاة الفتى ،ومن قوة الجـسد وعـضلته يستمد الفتى إعجاب الفتاة .ويستمد الزوج حقوقه ـ هذه الحقوق التي تسقط جميعها في عرف الجميع، يوم يعجـز الرجال عنها لسبب من السباب ـ. مظاهر فتنة «المريكية »: والفتاة المريكية تعرف جيدا مواضع فتنتها الجسدية ،تعرفها في الوجه ،في العين الهاتفة ،والـشفة الظامئـة، ً وتعرفها في الجسد :في الصدر الناهد ،والردف المليء ،وفي الفخذ اللفاء والساق الملساء ـ وهي تبدي هذا كلـه ول تخفيه ـ وتعرفها في اللباس :في اللون الزاهي توقظ به الحس البدائي ،وفي التفصيل الكاشـف عـن مفـاتن الجسد ـ وهو بذاته في المريكية فتنة حية صاعقة في بعض الحيان ـ ثم تـضيف إلـى هـذا كلـه الـضحكة المثيرة ،والنظرة الجاهرة ،والحركة الجريئة ،ول تغفل عن ذلك لحظة او تنساه !. فتى الحلم «المريكي »: والفتى المريكي يعرف جيدا أن الصدر العريض والساعد المفتول ،هما الشفاعة التي ل ترد عند كـل فتـاة، ً وان احلمها ل ترف على أحد كما ترف على «رعاة البقر » الـ cowboysوبصريح العبارة تقـول لـي فتـاة ّ ممرضة في مستشفى «لست أطلب في فتى أحلمي إل ذراعين قويتين يعصرني بهما عـصرا..وقامـت مجلـة ً «لوك » Lookباستفتاء لعدد من الفتيات من مختلف العمار والثقافات والوساط ،حـول مـا أسـمته «عـضل الثيران » فأبدت غالبية ساحقة إعجابها المطلق بالفتيان أصحاب عضل الثيران !.. الجنس ومادية الحياة في أمريكا: وما من شك ان لهذه الظاهرة دللتها على حيوية هذا الشعب وقوة حسه،ولو هـذبت هـذه الطاقـة وتـسامت لستحالت فنا عجيبا يجعل جهامة الحياة أشواقا تجعل لها في الحس النساني نكهة،وتربط بـين الجنـسين بـروابط ً ً اعلى واجمل من روابط الجسد الظامئ والحس الهائج ،والجنس الصارخ فـي العيون،الهـاتف فـي الجـوارح، المتنزي في الحركات والجنس ولكن طبيعة الحياة في أمريكا ،والملبسات التي سلفت في نـشأة هـذا الـشعب ل تساعد على شيء من هذا ،بل تقاومه وتقصيه. المسألة الجنسية بيولوجية في أمريكا: وهكذا أصبحت كلمة حيي أو خجول« «Bashfulمن كلمات العيب والتحقير ،وانطلقت العلقات الجنسية مـن
كل قيد على طريقة الغابة،وأصبح بعضهم يفلسفها فيقول كما قالت لي إحدى فتيات الجامعة مـرة« :إن المـسألة الجنسية ليست مسألة اخلقية بحال .إنها مجرد مسألة بيولوجية :وحين ننظر إليهـا مـن هـذه الزاويـة نتبـين أن استخدام كلمات الرذيلة والفضيلة .والخير والشر ،إقحام لها في غير مواضعها يبررها ويعتذر عنها كما قال لـي ٩٥ طالب يشتغل للدكتوراه« :إننا هنا مشغولون العمل ،ول نريد أن يعوقنا عنه معوق ،وليس لدينا من هذه «الـشغلة » لنفرغ إلى العمل بأعصاب مستريحة! ». أعصاب المريكيين: ولم أرد أن أعلق على هذا الحديث في وقته ،فقد كان همي أن اعرف كيف يفكرون في هذه المسألة، وإل فكـل شيء في أمريكا ل يدل على أعصاب مستريحة ،بالرغم من كل وسائل الحياة المريحة ،وكل ضماناتها المطمئنـة، وكل يسر وسهولة في إنفاق الطاقات الفائضة. المريكيون تحرروا من النسانية: وبعضهم يسمي هذا تحررا من الرياء ومواجهة للحقائق ،ولكن هنالك فرقا أساسيا بـين التحـرر مـن الريـاء ً ً ً والتحرر من المقومات النسانية التي تفرق بين النسان والحيوان ،والنسانية في تاريخها الطويل لم تكـن تجهـل أن الميول الجنسية ميول طبيعية وحقيقية ،ولكنها ـ عن وعي أو غير وعي ـ كانت تجاهد لتتحكم فيهـا، فـرارا ً من العبودية لها وبعدا عن مدراجها الولى... ً إنها ضرورة نعم ،ولكن لماذا تخجل النسانية من إبداء ضرورتها؟ لنها تحس بالفطرة أن الـتحكم فـي هـذه الضروريات هو شهادة الخلص من الرق ،وأولى مدارج النسانية في الطريق ،وأن العودة إلـى حريـة الغابـة عبودية مقنعة ،ونكسة إلى مدارج البداية الولى... () ٣ أمريكا التي رأيت :في ميزان القيم النسانية الحلقة الثالثة مجلة الرسالة :السنة التاسعة عشرة ـ المجلد الثاني ـ عدد ١٦٩ :ـ تاريخ ٣ديـسمبر ١٥٩١ـ صـفحات: ٧٥٣١ـ ٠٦٣١ البدائية الفنية في أمريكا: المريكي بدائي في ذوقه الفني ،سواء في ذلك تذوقه للفن ،وأعماله الفنية .موسيقى «الجـاز » هـي موسـيقاه المختارة .وهي تلك الموسيقى التي ابتدعها الزنوج لرضاء ميولهم البدائية ،ورغبتهم في الـضجيج مـن ناحيـة ولستثارة النوازع الحيوانية من جهة أخرى ،ول تتم نشوة المريكي تماما بموسيقى «الجـاز » حتـى يـصاحبها ً غناء مثلها صارخ غليظ .وكلما عل ضجيج الصوات واللت ،وطن في الذان إلى درجة ل تطاق ..زاد هيـاج الجمهور ،وعلت أصوات الستحسان ،وأرتفعت الكف بالتصفيق الحاد المتوصل الذي يكاد يصم
الذان.. ٠٦ المريكيون أمام الوبرا: ولكن الجمهور المريكي مع هذا يقبل على الوبرا ،ويصغي إلى السمفونيات ،ويتزاحم على «الباليه » ويـشاهد الروايات التمثيلية «الكلسيك » حتى ل تكاد تجد مقعدا خاليا ،ويقع في بعض الحيان أل تجد مكانـا إذا أنـت لـم ً ً ً تحجز مقعدك قبلها بأيام ،على غلء السعار في هذه الحفلت. «استخسار » أمريكا وإشفاق على البشرية منها: ولقد خدعتني هذه الظاهرة في أول المر،بل لقد فرحت بها في داخـل نفـسي ..فقـد كنـت دائـم الـشعور «باستخسار » هذا الشعب الذي يصنع ال م عجزات في عالم الصناعة والعلم والبحث ،أل يكون له رصيد مـن القـيم النسانية الخرى ...وأنا شديد الشفاق على ا لنسانية أن تؤول قيادتها إلى هذا الشعب ،وهو فقير من تلـك القـيم جميعا... ً حقيقة «تعاليم » المريكيين: فرحت إذن حين شاهدت هذه الظاهرة ،لن الجمهور الذي يقبل على الفن الراقي غير ميئوس منه مهمـا تكـن عيوبه ،ومتى فتحت هذا النافذة من شعوره فالمل كبير أن تطل منها أشعة أخرى كثيرة. ّ وقد دفعني الهتمام بهذه الظاهرة إلى أن أتقصى كل شيء عنها في أوساط مختلفة ،وفي مدن متعددة ،ولكـن تتبعي لسمات الوجود ،ومحادثاتي مع الكثيرين والكثيرات من رواد هذه الماكن ـ من أعرف ومن ل أعـرف ـ قد كشف لي ـ مع السف ـ عن أن الشقة ما تزال بعيدة بين روح هذا الفـن النـساني وروح المريكـان. إن مشاعرهم عنها محجبة إل في النادر ،وإنهم إنما ينظرون إلى المسألة من زاويـة اجتماعيـة بحتـة. فـالمريكي المثقف ل بد أن يكون شهد هذه اللوان ،وذهب إلى تلك الماكن ،حتى إذا دار الحديث عنها في مجتمـع شـارك في الحديث .فالعيب الكبر في أمريكا أل يشارك النسان في الحديث ،وبخاصة بالنسبة إلى الفتيات ،إذ المطلـوب منهن أن يجدن دائما موضوعات للحديث ،فإذا ارتدن هذه المـاكن فـإنهن يـضفن موضـوعات جديـدة إلـى ً الموضوعات المريكية الخالدة وهي :مسابقات الكرة ،وأسماء الفلم والممثلين وال ممثلت ،وحـوادث الطـلق والزواج ،وماركات وأسعار السيارات... وبهذه الروح ذاتها تفد الجموع على المتاحف الفنية عابرة عبورا خاطف ً بالقاعات والمعروضـات، بطريقـة ل ا ً َ تدل على تذوق او إلفة لهذه العمال .كما يذهبون افراد ًوجماعات لمشاهدة منـاظر الطبيعـة خطفـا، والمـرور
ا باقصى سرعة السيارات بالماكن والمناظر لجمع مادة للحديث ،ولتلبية الميل المريكـي الطبيعـي إلـى الجمـع والحصاء. سياحة المريكيين: ولقد كنت أسمع في مبدأ وجودي بأمريكا أن أحدهم زار كذا وكذا من المدن والـبلد والمنـاظر والمـشاهد، وقطع كذا ميل في رحلته السياحية ،وهو يعرف كذا عددا من الصدقاء ،فأعجبت بهذه المقدرة على صـنع هـذا ً ً كله ،وأود لو أستطيع منه شيئا .ثم عرفت فيما بعد كيف تتم هذه المعجزات ..يركب أحدهم سيارته وحـده او مـع ً ١٦ دوا على آخر سرعتها ،مخترقا بها المدن والمـسافات عـابرا أسرته او أصحابه في رحلة ،فيعدو بها ع ْ بالمنـاظر َ ً ً ً والمشاهد،وهو يقيد في مذكرته السماء والميال ..ثم يعود فإذا هو شهد هذا كله ،وأصبح له الحق فـي الحـديث عنه !. أما الصدقاء فيكفي أن ُدعى إلى حفلت التعارف ،وهناك يلتقي بالوجوه أول مرة ،والقـائم بالـدعوة يعرفـة ي بالحاضرين واحدا واحدا ،وواحدة واحدة ،وهو يستكتب من شاء منهم اسمه وعنوانه ،وكذلك هـم يفعلـون معـه. ً ً وعلى الزمن تضخم مذكرته بالسماء والعناوين .فإذا هو صاحب أكبر رقم من الصدقاء والصديقات ،وقد يفـوز في مسابقة تقام لهذا الغرض ،وما أكثر وما أغرب المسابقات هناك! وهكذا يقاس علمك وثقافتك أحيانا بقدر ما قرأت وما شهدت وما سمعت ،كما تحسب ثروتـك الماديـة بعـدد ً ومقدار ما تملك من مال وعقار سواء بسواء!.. فن بدون متذوقين: وليست هذه عقلية الجماهير وحدها،ولكنها كثيرا ما تكون عقلية المفكرين والباحثين فلقد خطر للمفكـرين فـي ً أمريكا أنه ل يصح أن تكون دولتهم أغنى دول العالم ،وشعبهم أكثر شعوب العالم حـضارة صـناعية وحـضارة علمية ،ثم ل يكون لهم من الثروة الفنية مثل ما لبعض الشعوب الفقيرة كالطليان واللمان. ولديهم المال ـ والمال يصنع المعجزات ـ وإن هي إل سنوات حتى كان لهم من متـاحف الرسـم والنحـت أفخمها وأضخمها وجمعت لها القطع الفنية من كل فج ،وعمرت بالنادر والثمين من هذه القطع التي لـم يبخلـوا على شرائها بالمال ..وكلها قطع أجنبية! إل القليل ،لن القطع المريكية بدائية وساذجة إلى حد مـضحك، بجـوار تلك الذخائر العالمية الرائعة. وكذلك كان لهم ِن الفرق الموسيقية العازفة ،وفرق الباليه «الراقصة » ،أكثرها مهارة وإتقان ً ،ومـن
مـديري م ا هذه الفرق أعظمهم عبقرية وإبداعا ..وكلهم من الجانب إل القليل. ً ثم خرجت الحصاءات الدقيقة تعلن عما تملك أمريكا من الثروات الفنية الضخمة ،المشتراة بالمال، ولكن بقـي أمر واحد بسيط :أن يكون للنفس المريكية نصيب ِن هذه الثروات؟ بل أن يكون لها مجرد التذوق الفنـي لهـذا م التراث النساني الثمين!. سيد قطب باحث اجتماعي في أمريكا: وخطر لي أن امتحن هذه الرقام في متاحف الفن ،كما أمتحنها في دور الوبرا وما إليها. وذهبت للمرة العاشرة إلى متحف الفن في «سان فرنسيسكو » وجعلت مادة امتحاني إحدى قاعات الصور مـن الفن الفرنسي ،ووزعت اهتمامي على ما فيها من الصور ،ولكنني ركزته على واحدة بارعة اسمها: «ثعلـب فـي بيت الدجاج » ول تملك اللفاظ ان تنقل إلى القارئ روعة هذه الصورة العبقرية ،التي صور فيها الرسـام جملـة مشاعر عميقة ،مركبة في لوحة ليس فيها وجه إنسان ،يسهل على الرسام أن يصور هذه المشاعر فيـه ...ثعلـب في بيت الدجاج والجو داكن خانق وقد هجم الثعلب أول ما هجم على دجاجة مفرخة ،بدت مكروبة مجهـدة فـي ٢٦ المخالب الوحش المكشر ،وقد فزع صغارها ،وتناثر البيض الباقي تحتها ،على حين تناثرت زميلتها فـي فـراغ اللوحة ،ووقف الديك ـ رجل البيت ـ وقفة المغلوب على أمره الحائر الذي ل يجد مخلصا لزوجـه المكروبـة ً وهو حاميها ! أما الخريات فواحدة جازعة مأخوذة،وأخرى قانطة مشمئزة أن يكون في الحياة كل هذه البـشاعة، وثالثة حائرة متسائلة :كيف وقع هذا؟ والجو كله واللون في اللوحة العبقرية تصور ما ل تدركه اللفاظ. واسترحت إلى معقد من المقاعد التي جهزت بها القاعات تجهيزا جميل بديعا ليستريح عليها الزائـرون عنـد ً ً ً التعب من المشاهدة والطواف ،ورحت أستعرض الملمح والسمات ،وأنصت إلى الملحظات والتعليقات. وانقضت علي في جلستي أربع ساعات كاملة ،مر بي في خللها مائة وتسعة ،فـرادى وأزواجـا وجماعـات، ً ً معظمهم من الفتيات والفتيان الذين يتواعدون على قضاء بعض الوقت في حديقة المتحـف ،ثـم فـي المتحـف ذاته،لنه ينبغي للفتاة الجتماعية أن تشارك في الحديث ،وأن تجد موضوعات للحديث. كم من هؤلء التسعة والمائة بدا عليه ان يحس شيئا مما يرى؟ واحد فقط تلبث امام الـصورة المنتقـاة نحـو ً دقيقتين ،وتلبث في القاعة كلها نحو خمس دقائق،ثم طار.
وكررت التجربة في قاعات المتحف الخرى ،ثم كررته في متاحف اخرى في عدة مدن ،ثم انتهيـت إلـى أن قلة نادرة من هذه الكثرة الكثيرة التي تتضمنها إحصاءات الزائرين تدرك شيئا من هذه الثروة الفنية الهائلة ،التـي ً جمعها الدولر من كل بقاع الرض ،وبقي أن يخلق الحاسة الفنية ،التي يبدو أنها ل تستجيب لسحر الدولر. سمات السينما المريكية: الفن الوحيد الذي يتقنه المريكان ـ وإن يكن سواهم ل يزال يفوقهم في الناحية الفنية فيه ـ هو فـي الـسينما. وهذا طبيعي ومنطقي مع تلك الظاهرة التي ينفرد بها المريكي :ذروة التقان الصناعي ،وبدائية الـشعور الفنـي. في السينما تبدو هذه الظاهرة واضحة إلى حد كبير. ل يرتفع الفن السينمائي بطبيعته إلى آفاق الفنون العليا :الموسيقى والرسم والنحـت والـشعر ،ول إلـى فـن المسرح كذلك ،وإن كانت إمكانيات الصناعة الفنية وإمكانيات الخراج في السينما من إبداع ،هو أقصى ما يبلغـه في التصوير الشمسي .ثم تظل المسافة بينه وبين المسرح مثل ،كالمسافة بين التصوير الفوتـوغرافي والتـصوير ً بالريشة .هذا تتجلى فيه عبقرية الش عور ،وذلك تتجلى فيه مهارة الصناعة... أفلم وأفلم: والسينما فن الجماهير الشعبي ،فهو فن المهارة والتقان والتجسيم والتقريب ،وهـو بطبيعتـه اعتمـاده علـى المهارة أكثر من اعتماده على الروح الف ّية ..يمكن أن تبدع فيه العبقرية المريكية ..ومع هذا فما يـزال الفـيلم ن النجليزي والفرنسي والروسي واليطالي أرقى من الفيلم المريكي ،وإن كان أقل صناعة ومهارة. والكثرة الغالبة من الفلم المريكية تتجلى فيها بدائية الموضوع ،وبدائية النفعالت ،وهي في الغالـب افـلم الجريمة البوليسية ،وأفلم رعاة البقر ،أما الفلم العالية البارعة من أمثال «ذهب مع الريح » و « مرتفعات وذرنج و «ترتيل برنادوت » وما إليها ،فهي قليلة بالقياس إلى النتاج المريكي ،وما يرد من الفيلم المريكي إلى مـصر أو ٣٦ البلد العربية ل يمثل هذه النسبة ،لن الكثير منه من أرقى الفلم المريكيـة النـادرة .والـذين يـزورون دور العرض في أمريكا هم الذين يدركون تلك النسبة الضئيلة من الفلم القيمة. مناظر الطبيعة في الفن المريكي: هنالك فن آخر برع فيه المريكان ،لن ما فيه من المهارة في الصناعة والنتاج أكثر مما فيه من الفن العـالي الصيل ..ذلك هو فن تمثيل المناظر الطبيعية باللوان ،كأنها فوتوغرافية صادقة دقيقة ،ويبدو هـذا فـي متـاحف الحياء المائية والبرية ،إذ تعرض هذه الحياء أو أجسادها المح ّطة في مثل مواطنهـا الطبيعيـة كأنهـا حقيقـة، ن وتبدع ريشة الرسام ،في تصوير هذه المواطن ،مشتركة مع التصميم الفني للمنظر ،وتبلغ حد
البداع. البدائية في الذوق والمزاج: ثم ندع تلك الفاق العليا في الفن والشعور ،لنهبط إلى ألوان الملبس وإلى مذاق الطعمة.. ملبس المريكيين: إن بدائية الذوق ل تتجلى في شيء كما تتجلى في تلك اللوان الصارخة الزاهية ،وفي تلك التقاسـيم المبرقـشة الكبيرة وبخاصة ملبس الرجال ...ذلك السبع أو النمر الواثب على الصدرية ..وذلك الفيـل أو الثـور الوحـشي الجاثم على ظهرها .تلك الفتاة العارية الممددة على رباط العنق من أعلى إلى أسفل ،أو تلك النخلة الـصاعدة فيـه من أسفل إلى أعلى... لطالما تحدث المتحدثون عندنا عن «فستان العيد » في الريف ،أو عن ثـوب العـروس فـي القريـة، بألوانـه الزاعقة البدائية التي ل تربط بينها رابطة،إل أنها كلها فاقعة اللوان ..ليت هؤلء يرون معي ملبس الـشبان فـي أمريكا ل ملبس الفتيات! ..ولطال ما تحدث المتحدثون عن «الوشم » عند الغجر ،أو في أواسـط أفريقيـة ،ليـتهم يرون أذرع الشبان المريكان وصدورهم وظهورهم ،موشحة بالختم الخضر من الوشم ،ثعابين وحيات، وفتيـات عاريات ،وأشجار وغابات ،في أمريكا المتحضرة ،في الدنيا الجديدة ،في العالم الجديد... طعام المريكيين: اما الطعمة فشأنها هو الخر عجيب. إنك تلفت النظر ،وتثير الدهشة ،حين تطلب قطعة أخرى من السكر لكوب الشاي أو القهوة تشربه في أمريكـا. ذلك أن السكر محتفظ به للمخلل «والسلطة »! كما أن الملح ياسيدي محتفظ به للتفاح والبطيخ. وفي صحفة طعامك تجتمع قطعة اللحم المم ّحة إلى كمية من الذرة المسلوقة ،وكمية من البـازيل المـسلوقة، ل وبعض المربى الحلوة ..وفوق ذلك كله الـ ( (Grafyالمؤلف أحيانا من السمن والخل والدقيق ومرقـة العجـل ً والتفاح ،والملح والفلفل والسكر ...والماء... ٤٦ سيد قطب يتفكه على المريكيين: كنا على المائدة في مطعم ملحق بالجامعة ،حينما رأيت بعض المريكان يضعون الملح على البطـيخ، وكنـت قد اعتدت رؤية هذه «التقاليع » واعتدت كذلك أن أتفكه عليهم في بعض الحيان .وقلت متجاهل :أراكـم ترشـون ً الملح على البطيخ؟ قال أحدهم :أجل ! أل تصنعون ذلك في مصر؟ قلت :كل! إنما نـرش نحـن الفلفـل! قالـت واحدة في دهشة واستفسار :أو يكون ذلك مستساغ ً؟ قلت :يمكنك أن تجربـي! وجربـت ،وذاقـت. وقالـت فـي ا استحسان :كم هو لذيذ .وكذلك فعل الخرون. وفي يوم آخر جاء فيه البطيخ ،ومعظم من يأكلون على المائدة هم هم ،قلت :وبعضنا في مصر يستخدم
الـسكر أحيانا ل الفلفل .وبدأ أحدهم ففعل وقال :كم هو لذيذ! وكذلك الخرون. ً حلقة المريكيين: وباختصار ،فكل ما يحتاج إلى قسط من الذوق فالمريكاني ليس له فيه حتى الحلقة! وما مـن مـرة حلقـت شعري هناك إل وعدت إلى البيت لسوي بيدي ما شعث الحلق ،وأصلح ما أفسده بذوقه الغليظ!... دور أمريكا في العالم: إن لمريكا دورها الرئيسي في هذا العالم ،في مجال التطبيقي ،وفي مجال البحوث العلمية ،وفي مجال التنظـيم والتحسين ،والنتاج والدارة ...كل ما يحتاج إلى ذهن وعضل فهنا تبرز العبقرية المريكية ،وكل ما يحتاج إلـى روح وشعور فهنا تبدو البدائية الساذجة.. وإن البشرية لتملك أن تنتفع بالعبقرية المريكية في مجالها فتضيف قوة ضخمة إلى قواها .ولكن هذه البـشرية تخطىء أشنع الخطأ ،وتعرض رصيدها من القيم النسانية للضياع ،إذا هي جعلت المثل المريكـي مثلهـا فـي الشعور والسلوك.... من فضائل أمريكا: إن ذلك ل يعني ان المريكان شعب بل فضائل ،وإل لما أمكنه أن يعيش ،ولكنه يعني أن فضائله هي فـضائل النتاج والنظام ،ل فضائل القيادة النسانية والجتماعية ،فضائل الذهن واليد ل فضائل الذوق والشعور... () ٤ الضمير المريكاني وقضية فلسطي ن مجلة الرسالة :السنة الرابعة عشرة ـ المجلد الثاني ـ عدد٤٩٦ :ـ تاريخ ١٢أكتـوبر ٦٤٩١ــ صـفحات: ٥٥١١ـ ٧٥١١ الضمير المريكاني واللعبة المريكية: أخيرا يتكشف ضمير «الوليات المتحدة » الذي تعلقت به أنظار كثيرة في الشرق ،وحـسبته شـيئا آخـر غيـر ً ً الضمير النجليزي والضمير الفرنسي ،وسائر الضمائر الوروبية المعروفة.. ٥٦ أخيرا يتكشف ضمير «الوليات المتحدة » هذا ،فإذا هو ـ ككل شيء أمريكي ـ «ضمير أمريكاني ً »!.. ونحن نعرف في مصر «اللعبة المريكية » ونعرف أنها «نصيب » في «نصيب » وقد حرمت هذه اللعبـة لمـا فيها من غش وخداع .و «الضمير المريكاني » الذي تكشف عنه تصريحات «ترومان » ل يرتفع كثيرا عـن هـذه ً اللعبة الممنوعة.. أمريكا نسخة عن أوروبا: ولقد كان الكثيرون مخدوعين في هذا الضمير ،لن الشرق لم يحتك طويل بأمريكـا ،كمـا أحتـك بـإنجلترا ً وفرنسا وهولندا ،فلما بدأ الحتكاك في مسألة فلسطين ،تكشف هذا الخداع عن ذلك الضمير المدخول، الذي يقـامر بمصائر الشعوب ،وبحقوق بني النسان ،ليشتري بضعة أصوات في النتخاب.
وكلهم سواء أولئك الغربيون :ضمير متعفن ،وحضارة زائفة ،وخدعة ضخمة اسمها «الديمقراطية » يؤمن بهـا المخدوعون! تلك كانت عقيدتي في الجميع ،في الوقت الذي كان بعض الناس يحسن الظن بفريـق ويـسيء الظـن بفريـق، وكانت أمريكا في الغالب هي التي تتمتع بحسن الظن من الكثيرين. فها هي أمريكا تتكشف للجميع .هذا هو «ترومان » يكشف عن «الضمير المريكاني » في حقيقتـه، فـإذا هـو نفسه ضمير كل غربي ،ضمير متعفن ل يثق به إل المخدوعون ! إنهم جميعا يصدرون عن مصدر واحد،هو تلك الحضارة المادية التي ل قلب لها ول ضمير تلـك الحـضارة ً التي لتسمع إل صوت اللت ،ول تتحدث إل بلسان التجارة ،ول تنظر إل بعين المرابي ،والتي تقيس النـسانية كلها بهذه المقاييس. كره المريكيين ومن يثق بهم: كم ذا أكره أولئك الغربيين وأحتقرهم! كلهم جميعا بل استثناء :النجليـز ،الفرنـسيون ،الهولنـديون، وأخيـرا ً ً المريكان الذين كانوا موضع ثقة الكثيرين ولكني ل أكره هؤلء وحدهم ،ول أحتقر هؤلء وحدهم .إنمـا أكـره وأحتقر أولئك المصريين وأولئك العرب الذين ل يزالون يثقون بالضمير الغربي عامة ،وضمير الستعمار علـى وجه الخصوص. إنها الجريمة ،تلك التي يقترفونها كل يوم في حق شعوبهم المـسكينة ،جريمـة التخـدير والتغفيـل، وإنامـة العصار على الذى ،وهدهدة المال الباطلة ،والماني الخادعة ،في ذلك الضمير المأفون. جحر الفاعي الوروبية: يقول نبي السلم الكريم (ص)« :ل يلدغ المؤمن من جحر مرتين » ،وها نحن نلدغ من الجحر الواحد مـرات، ُ ثم نعود في كل مرة إلى هذا الجحر نفسه ،مغمضي العين نتطلب «الشهد » من جحور الفاعي ،ول نجرب مـرة ٦٦ واحدة أن نحطم هذه الجحور ،وأن ندوس هذه الفاعي ،وأن ننفض عن نفوسنا ذلك الوهم الذي يقودنا المـرة بعـد المرة إلى تلك الجحور!.. إنها الجريمة ،تلك التي نعاودها مرة بعد مرة .الجريمة في حق النفس ،والجريمة في حق الـوطن، والجريمـة في حق العقيدة .إنها الغفلة التي ل يستحق صاحبها الحترام وهو يشهد على نفسه بالتغفيل!. غفلة الحكام والسياسيين: ولكن من الحق أن ل نصم الشعوب العربية بهذه الوصمة ،إن هذه الشعوب لذكى وأشد ح ّية من أن ترضـى مً لنفسها بالهوان .ولكنها تلك الحفنة من ساسة الجيل الماضي في مصر وبعض البلد العربية .تلك الحفنـة الرخـوة المسنة الضعيفة المتهالكة ،المهدودة العصاب ،ل تقدر على الكفاح ،ول تدع الشعوب تكافح ،لن أنانيتها الثـرة
تمسكها عن النسحاب من الميدان وتركه للقادرين !. جناية المفاوضات: هذه الحفنة من ساسة الجيل الماضي هي التي اخترعت كلمات المفاوضات والمحادثات ،والمؤتمرات.. لمـاذا؟ لنها وسيلة سهلة ل تكلف شيئ ً ،وتضمن كراسي الحكم والسلطة فترة من الزمان ،وكلما ه ّت الشعوب أن تـسلك ا م طريقها ،وأن تواجه المستعمرين بذاتها حال هؤلء بينها وبين المـستعمرين ،ووقفـوا مـن دونهـم يـصارعون الشعوب ،وتصارعهم الشعوب.فإذا أتعبهم الصراع مع شعوبهم راحوا يبثون في المة روح الثقـة بالمـستعمرين وراحوا يشيعون المال الخادعة في هذا الضمير المدخول!!! تلك هي القصة .قصة الجحور والفاعي .وقصة اللدغ المتكرر من هذه الجحور ،وإنها لمأسـاة ،ولكـن مـن العدل أن نبرئ منها الشعوب العربية ،فل تؤخذ بجريرة حفنة من الساسة الضعفاء المرضى المتهالكين!! سمات الضمير المريكاني: والضمير المريكاني! لقد كان الكثيرون يفهمون انه شيء آخر غير الضمير الوروبي فاراد االله ـ ولعله لخير هذه المـة العربيـة المنكوبة ـ أن يكشف عن ذلك الضمير ..إنه ضمير مادي ،ضمير اللة التي ل تحس ،وضمير التـاجر الـذي ل يتورع ،ول يهمه حق ،ول عدل ،ول حياء. وهل تملك تلك اللة أن تنشىء إل ضميرا من هذا القبيل؟ ً أبناء حضارة مادية: ليست المسألة جنس ول دولة ،فليس المريكان خيرا من النجليز ،وليس النجليز خيرا من الفرنـسيين، ولـيس ً ً الفرنسيون خيرا من الهولنديين ..كلهم أبناء حضارة واحدة .حضارة مادية بغيـضة ل قلـب لهـا ول ضـميرً . حضارة تأخذ ول تعطي ،وتجرح ول تأسو.حضارة أنانية صغيرة مهما بدت مـن الخـارج ضـخمة ذات بريـق وضجيج! ٧٦ إنها حضارة زائفة لنها لم تقدم للنسانية زادا من الروحية ،ولم تحاول رفع الدمية عـن قـانون الوحـوش. ً وهل تطبق هذه الحضارة مع شعوب الرض المنكوبة إل قانون الوحوش؟ ثم يوجد بين أمم الشرق غافلون أو خادمون يثقون بأصحاب هذه الحضارة ،ويراودون شـعوبهم علـى الثقـة بذلك الضمير ،ويثبطون عزائمهم عن الجهاد الحاسم ،والكفاح المثمر في أنسب الظروف!. صوت خافت هناك: وبين ضجيج اللت يرتفع بين آن وآخر صوت إنساني خافت في تلك الربوع ينادي بـالعودة إلـى االله، كـذلك الصوت الذي أرسله الكردينال وجريفان » في إنجلترا منذ أيام ،حين ألقى من كاتدرائية «وستمنيستر » عظة دينيـة
فقال: «لقد أبعد االله عن ميثاق المم المتحدة ،وهذا هو السبب في أن المم المتحدة لم تستطع إلى اليـوم أن تـصبح « متحدة » فعل ». ً «وإنه لينبغي أن يكون الله ومبادئه القائمة على الحسان والعدالة مكان في الـشؤون الدوليـة ،حتـى تـصبح الحرية حقيقة في العالم بأسره ،ويعيش النسان في ظل السلم والمن.» .. ول كنه صوت خافت ل يسمع في ضجيج اللت التي تغشى على صوت الضمير،ونغمة مبحوحة ل تسمع بـين صراخ المطامع ،وعواء الشهوات،في ذلك العالم الهائج الشعور ! طريق الخلص وطريق الهلك: والن أيها الشرق :ماذا تريد؟ فأما إذا كنت تبغي الخلص من براثن الوحش الغربي ،فهناك طريق واحد ل تتشعب فيه المسالك ،فهو أقـرب طريق ..إعرف نفسك وراجع قواك ،واستعد للصراع ،وأبدأ في الكفاح ،ول تستمع إلى صوت خادع يوسوس لـك بالثقة في ضمير الغرب الدخول. وأما إذا كنت تبغي الراحة مع ذلك الجيل المكدود المهدود من الساسة المترفين الناعمين ،فأمامك طرق كثيـرة ذات شعب ومسالك ،وذات منعرجات ودروب .هنـاك :المفاوضـة ،والمحادثـة ،وجـس النـبض واسـتطلع الراء.وهناك الديبلوماسية الناعمة الرقيقة ،والكلمات الظريفة ،وهناك النتظارالذي ل ينتهي،والستجداء الـذي ل يغني .وهناك المؤتمرات الحافلة .والموائد المستديرة ،وهناك الكتب البيض ،والكتب الزرق ،والكتـب الخـضر، وما ل ينتهي من الطرق والمنعرجات والدروب !. المل والعمل: والحمد الله ـ أيها الشرق ـ لقد تكشف لك القناع عن آخر ضمير «الضمير المريكاني » الذي كانت تتعلق به النظار ،أنظار الغافلين والخادعين !!. ٨٦ والحمد الله ـ أيها الشرق ـ إن شمسك الجديدة في شروق ،وشمس هذا الغرب الفاجر في غروب، وإنك تملـك من الرصيد الروحي ،ومن ميراثك القديم ما ل يملكه هذا الغرب المتطاحن ،الذي يأكل بعضه بعضا كـالوحوش، ً لنه يحكم قانون الغابة فيما يشجر بينه من شقاق ل ينتهي ،وهل ينتهي الشقاق في الغابة بين الوحوش؟ إنها الفرصة السانحة ـ أيها الشرق ـ للخلص فانفض عنك رجال الماضي الـضعفاء المنهـوكين .وإبـرز نفسك للميدان ،فقضايا الشعوب في هذه اليام ل بد ان تعالجها الشعوب !. وما قضية فلسطين إل قضية كل شعب عربي ،بل كل شعب شرقي ،إنهـا الـصراع بـين الـشرق النـاهض والغرب المتوحش ،وبين شريعة االله للنسان وشريعة الغاب للوحوش. () ٥ إسـلم أمـريكاني مجلة الرسالة :السنة العشرون المجلد الول ـ عدد ١٩٩سنة ٢٥٩١ـ صفحات ٣١٧ :ـ ٥١٧ وكتاب دراسات إسلمية :لسيد قطب ـ صفحات ٩١١ :ـ ،٣٢١طبعة دار الشروق سبب اهتمام المريكان بالسلم:
المريكان وحلفاؤهم مهتمون بالسلم في هذه اليام ،إنهم في حاجة إليه ليكافح لهم الـشيوعية فـي الـشرق الوسط ،بعد ما ظلوا هم يكافحونه تسعة قرون أو تزيد منذ أيام الحروب الصليبية! إنهم في حاجة إليـه كحـاجتهم إلى اللمان واليابان والطليان الذين حطموهم في الحرب الماضية ،ثم يحاولون اليوم بكـل الوسـائل أن يقيمـوهم على أقدامهم ،كي يقفوا لهم في وجه الغول الشيوعي.وقد يعودون غدا لتحطيمهم مرة أخرى إذا استطاعوا ! ً السلم الذي يريده المريكان: والسلم الذي يري ُة المريكان وحلفاؤهم في الشرق الوسط ،ليس هو السلم الذي يقاوم السـتعمار ولـيس د هو السلم الذي يقاوم الطغيان ،ولكنه فقط السلم الذي يقاوم الشيوعية !إنهم ل يريدون للسـلم أن يحكـم ،ول يطيقون من السلم أن يحكم ،لن السلم حين يحكم سينشىء الشعوب نشأة أخرى ،وسيعلم الـشعوب أن إعـداد القوة فريضة ،وأن طرد المستعمر فريضة ،وأن الشيوعية كالستعمار وباء فكلهما عدو .وكلهما اعتداء. السلم المريكي: المريكان وحلفاؤهم إذن ،يريدون للشرق الوسط إسلما أمريكانيا ،ومن ثم تنطلق موجة إسلم في كل مكـان. ً ً فالكلم عن السلم ينطلق في صحافة مصر هنا وهناك ،والمناقشات الدينية تغرق صفحات بأكملها ،في صـحف لم يعرف عنها في يوم ما حب السلم ول معرفة السلم ،ودور النشر ـ ومنها ما هو أمريكـاني معـروف ـ تكتشف فجأة أن السلم يجب أن يكون موضوع كتبها الشهرية ،و ك ّاب معروفـون ذوو مـاض معـروف فـي ُت ٍ الدعاية للحلفاء ،يعودون إلى الكتابة عن السلم ،بعدما اهت ّوا بهذا السلم في أيام الحرب الماضية، ثـم سـكتوا م ٩٦ عنه بعد انتصار الحلفاء !والمحترفون من رجال الدين لهم هيل وهيلمان ،وجاه وسلطان ،والمسابقات عن السـلم والشيوعية تخصص لها المكافآت الضخام (.)١ إسلم وإسلم: أما السلم الذي يكافح الستعمار كما يكافح الشيوعية ـ فل يجد أحدا يتحدث عنه من هؤلء جميعـا، وأمـا ً ً السلم الذي يحكم الحياة ويصرفها،فل يشير إليه أحد من هؤلء جميعا. ً إن السلم يجوز أن ُستفتى في منع الحمل ،ويجوز أن يستفتى في دخول المرأة البرلمان ،ويجـوز أن ُـستفتى ي ي في نواقض الوضوء .ولكنه ل يستفتى أبدا في أوضاعنا الجتماعية أو القتصادية أو نظامنا المـالي ،ول ُـستفتى
ً ي أبدا في أوضاعنا السياسية والقومية ،وفيما يربطنا بالستعمار من صلتً . والديمقراطية في السلم ،والبر في السلم ،والعدل في السلم ،من الجائز أن يتناولها كتاب أو مقال، ولكـن الحكم بالسلم ،والتشريع بالسلم ،والنتصار للسلم ل يجوز أن يم ّها قلم ول حديث ول استفتاء!. س مشاركة مصريين في «المهزلة »: وبعد ،فقد حدث أن هذا السلم المريكاني ،قد عرف أن في السلم شيئا يقال له «الزكاة » وعـرف أن هـذه ً الزكاة قد تقاوم التيار الشيوعي لو أخذ بها في الشرق من جديد .و من هنا أهتمت «حلقة الدراسـات الجتماعيـة » التي عقدت في مصر في العام الماضي بدراسة حكاية «الزكاة » هذه ،أو بدراسة مسألة «التكافل الجتماعي فـي السلم ». ولما كانت أمريكا من وراء حلقة الدراسات الجتماعية ،فإن ذوي الشأن في مصر لم يروا أن يقفوا في وجـه حكاية الزكاة ،كما وقفوا في وجهها يوم فكر فيها «عبد الحميد عبد الحق » وهو وزير للـشؤون الجتماعيـة !!إن ذوي الشأن يستطيعون الوقوف في وجه الزكاة يوم يكون المر بها هـو االله .أمـا يـوم يكـون المـرون هـم المريكان ،فليس أمامهم إل الخضوع والذعان. وعلى ذلك ألفت في مصر لجنة من بعض أساتذة الشريعة في الجامعـة وبعـض رجـال الزهـر ،وبعـض الباشوات ،لدراسة مسألة «التكافل الجتماعي في السلم » وبخاصة حكاية الزكـاة ،ول لوجـه االله ،ول لحـساب الوطن ،ولكن لوجه المريكان ،ولحساب حلقة الدراسات الجتماعية. ... وهنا بدا وجه الخطر .إن المريكان لو عرفوا حقيقة التكافل الجتماعي في السلم لفرضـوه فرضـا علـى ً الشرق الوسط ،لنهم لن يجدوا سدا أقوى منه في وجه الشيوعية والتكافل الجتماعي في السلم يفـرض علـى ًّ الموال تكاليف ،ويفرض عليها حقوق ً ،ويعترف للمليين بحق الحياة .ودون هذا وتتقطع العناق. ا ( )1كتب هذا البحث في اواخر يونية عام (٢٥٩١سيد). ٠٧ وإذن فل مفر من تخبئة المر على المريكان! ول مفر من الحتيال على النصوص ،ول مفر مـن تخفيـف العباء التي يفرضها السلم على الموال ،ول مفر من أن تخرج اللجنة من الزكاة نفسها بظل باهت ل يتنـاول إل التافه ،ول يمس الموال إل بقفاز من حرير. ول مفر من الحتيال على النصوص ،ول مفر من تخفيف العباء التي يفرضها السلم على المـوال ،ول مفر من أن تخرج اللجنة من الزكاة نفسها بظل باهت ل يتناول إل التافه ،ول يمس الموال إل بقفاز من حرير. إنه لو كان المر أمر االله والدين لهان ،ولكنه أمر المريكان! إن ما تقرره الشريعة السل مية شئ ،وما تقرره حلقة الدراسات الجتماعية شيء آخر! إن حلقة الدراسات الجتماعية ل يجوز ان تعرف سـر السـلم
الـذي ل تعرفه ،إل فرضته على اهل السلم !. ولكن بعض اعضاء اللجنة من المعاندين المكابرين الذين ل يعرفون كيف يكتمون النـصوص ،ول يعرفـون كيف يؤمنون ببعض السلم ويكفرون ببعض،ول يعرفون كيف يشترون بآيات االله ثمنا قليل. ً ً هؤلء العضاء ما يزالون متشبثين بأن يطلعوا المريكان على السر الخطير ،وما يزال العـضاء الخـرون يلقون من تشبثهم عنتا ،ول يدري إل االله كيف تسير المور!. ً سمات جنود السلم: إنها مهزلة بل إنها لمأساة ...ولكن العزاء عنها ان للسلم اولياءه ،أولياؤه الذين يعملون له وحده، ويواجهـون به الستعمار والطغيان والشيوعية سواء ،أولياءه الذين يعرفون أن السلم يجب أن يحكم كي يؤتي ثماره كاملـة. أولياءه الذين ل تخدعهم صداقة الصليبيين المدخولة للسلم ،وقد كانوا حربا عليه تسعمائة عام. ً إن أولياء السلم ل يطلبون باسمه برا وإحسان ً ،ولكن يطلبون بإسمه عدالـة اجتماعيـة شـاملة كاملـة. ول ًِّ ا يجعلون منه أداة لخدمة الستعمار والطغيان،ولكن يريدون به عدل وعزة وكرامـة ،ول يتخـذون منـه ِـتارا ً س ً للدعاية ،ولكن يتخذونه ِرعا للكفاح في سبيل الحق والستعلء. د ً أما دور العلن الذي يعلن بالسلم في هذه اليام ،وأما المتاجرون بالدين في ربوع الشرق الوسط ،أما الـذين يسترزقون من اللعب به على طريقة الحواة ،أما هؤلء جميعا فهم الزبد الذي يذهب جفـاء ،عنـدما يأخـذ المـد ً طريقه ،وسيأخذ المد سريع ً ،أسرع مما يظن الكثيرون ،إنهم يرونه بعيدا ونراه قريبا. ا ً ً (وعد االله الذين آمنوا منكم وعملوا الصالحات ليستخلف ّهم في الرض كما استخلفت الذين من قبلهم، وليمكـنن ن لهن دينهم الذي إرتضى لهم ،وليبدلنهم من بعد خوفهم أمن ً ،يعبدونني ل يشركون بي شيئا) صدق االله العظيم. ا ً ١٧ () ٦ عدونا الول :الرجل البيض مجلة الرسالة :السنة العشرون ـ المجلد الثاني ـ عدد ٩٠٠١ :ـ تاريخ ٣نوفمبر ٢٥٩١م ـ صفحات٧١٢١:ـ ٩١٢١ نظرة المريكيين للرجل البيض : في أمريكا يتحدثون عن الرجل البيض،كما لو كانوا يتحدثون عن نصف إله« .ويتحدثون عن الملـونين » مـن أمثالنا المصريين والعرب عامة كما لو كانوا يتحدثون عن نصف إنسان!. فالذين يعتقدون أن المريكان يمكن أن يكونوا معنا ضد الستعمار الوروبـي هـم قـوم إمـا مغفلـون أو مخادعون ،يشغلون طابورا خامسا للستعمار المريكي المنتظر لبلد الشرق الوسط!
ً ً مصالح أمريكا مع أوروبا : إن مصالح الستعمار المريكي قد تختلف أحيانا مع مصالح الستعمار الوروبي ،ولكن هذا لـيس معنـاه أن ً يكونوا في صف استقللنا وحريتنا ،إنما معناه أن يحاولوا زحزحة أقدام الوروبيين ليضعوا هـم أقـدامهم فـوق رقابنا ،وفي الغالب هم يجدون حل لخلفاتهم مع الست عمار الوروبي على حسابنا. عدونا الول : إن الرجل البيض هو عدونا الول .سواء كان في أوروبا أو كان في أمريكا ،وهـذا مـا يجـب أن نحـسب حسابه ،ونجعله حجر الزاوية في سياستنا الخارجية ،وفي تربيتنا القومية كذلك. إن أبناءنا في المدارس يجب أن ُّرى مشاعرهم وتفتح أذهانهم على مظالم الرجل البيض ،وحـضارة الرجـل ّ تب البيض وجشع الرجل البيض ،ويجب أن تكون أهداف التربية عندنا هي التخلص من نفوذ الرجـل البـيض .ل سياسيا فحسب ول اقتصاديا فحسب ،ولكن اجتماعيا وشعوريا وفكريا كذلك. ً ً ً ً ً عبيد أمريكا في مراكز التوجيه : ولكن الذي نفعله هو عكس هذا على خط مستقيم ..عندنا في وزارة المعارف عبيد للرجـل البـيض.. عبيـد يعبدون هذا الرجل كعبادة االله ،بل إنهم ليلحدون في االله ول يلحدون في اوروبـا او امريكـا .سـرا او علنيـة ! ً وعندنا في معاهد التربية التي تخرج المدرسين ،فتؤثر بذلك في عقلية اجيال بعد اجيال ..عندنا فتات آدمـي ينظـر إلى الرجل البيض نظرة التقديس ،يطبع مشاعر الطلبة الذين سيصبحون مدرسـين بطـابع العجـاب والقداسـة لولئك المستعمرين القذرين ،الذين يحتقروننا ويهينون كرامتنا ،فنتلقى ذلك منهم بالشكر والثناء. جنايتهم قومية وإنسانية: وهذه جناية قومية ،وجناية إنسانية ..جناية قومية لن الرجل البيض يستغ ّنا ويـستغل أوطاننـا اسـتغلل شـنيعا، ل ً ً ومن واجبنا أن نعبىء أعصابنا ومشاعرنا ضده ،لنسترد حقوقنـا المـسلوبة ..وجنايـة إنـسانية لننـا بتمجيـدنا ٢٧ للوروبي والمريكي إنما نمجد مثال مش ّها للنسان ،ونقيم مثال للجشع والطمع والسلب والنهب والحتيـال ،ثـم ًو ً ً نضع تحت أقدامه أكاليل المدح والثناء! عبيد لفرنسا: أمامي وأنا أكتب هذه الكلمة جريدة مصرية صباحية يتحدث كاتبها فيها عن مأساة تونس مـع فرنـسا، فيقـول مخاطبا لرئيس الدولة الفرنسية: ً «أما إذا كان يقصد شق الطرق وإنشاء السكك الحديدية ،وتشييد البنية ،وزيادة الرخـاء القتـصادي.. فلعلـه
يعرف أن هذا كله تم لفائدة المستعمرين من الفرنسيين .أما أهل البلد الصليون فيعيشون كالغربـاء ،ل يزالـون ّ جهال حفاة عراة .وقد ساومت أمريكا على أرض مراكش ،فأعطت أمريكا امتياز إقامة المطارات والستحكامات الحربية على الشاطئ في مقابل أن تنصرها أمريكا ،وتمهد لها السبيل لتنفيذ سياستها ..ولكن الكاتب يقول مع هـذا عن فرنسا إنها البلد التي علمت الدنيا مبادئ الحرية والخاء والمساواة »!. الهزيمة الروحية لهؤلء : هذا هو الستعمار الروحي الذي ينطق الكاتب بهذه الخرافة ،حتى وهو يـستعرض تـأريخ فرنـسا السـود، ومساومات أمريكا الستغللية. وهذا هو الستعمار الذي ب ّته في أرواحنا المدرسة المصرية التي تنفـذ أهـداف السـتعمار إلـى اللحظـة ث الحاضرة ،بل يقوم على رأسها وزير كان من عباد بريطانيا ،ثم أضحى من عباد أمريكا ،ومعـه معاهـد تربيـة تتعبد أ مريكا من دون االله في الرض ! هذا هو الستعمار الذي ب ّه في أرواحنا ك ّاب خانوا أمانتهم للوطن ،خانوا أمانتهم للنسانية ،فوقفـوا أقلمهـم ث ُت طويل على تمجيد فرنسا .ومع ذلك فإن بعضنا ل يزال يهتف لهم ،ويعدهم روادا للفكر في الشرق!. ً ً إنني أفهم أن تهتف لهم فرنسا ،أو أن تهتف لهم إنگلترا ،أو أن تهتف لهم أمريكا ،أمـا أن نهتـف لهـم نحـن العرب فهذا هو الهوان البشع ،الذي ل يقدم عليه فرد وله كرامة! سمات هؤلء العبيد: إن مكان هؤلء اليوم كان ينبغي أن يكون مكان الجواسيس والخونة والطـابور الخـامس ل مكـان التمجيـد والتقدير والحترام. كل رجل غمس قلمه ليمجد فرنسا أو يمجد إنجلترا أو يمجد أمريكا.. هو رجل منخوب الروح ،مستعمر القلب ،ل ُؤ َمن على النهضة القومية ،ول يجوز أن يكون لـه مكـان فـي يت حياة هذه البلد بعد نهضتها. إنني ل أكاد أتصور أن هناك إنسانا له مشاعر النسان يرى «الرجل البيض » يدوس بأقدامه على أعناقنا فـي ً كل مكان ،ثم يجد نفسه قادرا على تمجيد هذا الرجل أو حتى مصادقته. ً ٣٧ إنني أشك في آدمية هؤلء الكتاب ،وهؤلء الوزراء ،وهؤلء الساتذة ،نعـم أشـك فـي آدميـتهم .لن أول مميزات النسان أن يحس بكرامة النسان. أفهم أن تكون هناك ظروف اضطرارية تلجئنا إلى تبادل التمثيل السياسي والقنصلي ،وإلى المبادلت التجاريـة والصلت القتصادية مع هؤلء المستعمرين القذرين ...أما أن نتبادل العواطف والمشاعر ،وأما أن نتحدث عـن المآثر والمفاخر ،وأما أن نفتح قلوبنا وصدورنا ..فدون هذا ويعجز خيالي عن تصور المهانة ،وتـصور
المذلـة، وتصور المسخ الشعوري الذي يصيب الفطرة البشرية ،فيهوي بها إلى ذلك الدرك السحيق من الهوان. دواعي كره أمريكا وأوروبا: من الذي يسمع عن وحشية الفرنسيين في الشمال الفريقي ،ثم ل يمزق كل ما هو فرنسي ،إن لم يكـن بيديـه وقدميه ،فعلى القل بمشاعره وقلمه ولسانه؟ من الذي ل يحتقر أمريكا ويحتقر معها آدمية المريكان وهو يجد المعدات المريكية والدولرات المريكيـة تشد أزر الستعمار الوروبي في كل مكان..لقاء مساومات اقتصادية أو أستراتيجية او عسكرية؟ من الذي يملك أن يقف على الحياد في معركة الح ّية بين الستعمار ال غربي وبين البشرية كلها فـي مـشارق ر الرض ومغاربها ،ثم ل يكتفي بموقف الحياد بل يمد يده بالمصافحة والمحالفة لهذا الستعمار القذر، الذي تلعنـه الرض والسماء.. أدوات الستعمار في بلدنا: إن الستعمار ل يغلبنا اليوم بالحديد والنار ،ولكنه يغلبنا قبل كل شيء بالرجـال الـذين ُسـتع ِرت أرواحهـم أ م وأفكارهم ،يغلبنا بهذا السوس الذي تركه الستعمار في وزارة المعارف وفي الصحف والكتب ،يغلبنا بهذه القلم التي تغمس في مداد الذل والهوانت الروحي لتكتب عن أمجاد فرنسا ،وأمجاد بريطانيا ،وأمجاد أمريكا. ولن نستطيع التغلب على هذا الستعمار ،إل إذا حطمناه في مشاعرنا ،وحطمنا معـه الجهـزة التـي تـسحق إيماننا بأنفسنا .هذه الجهزة الممثلة في ،وزارة المعارف ومعاهد التربية والقلم الخائنة الممسوخة، التي سـبحت يوما بحمد فرنسا او إنجلترا أو أمريكا. ً المل في الجيل الجديد: وأنا ل أطمع في الجيل الذي شاخ أن يصنع شيئا .هذا جيل قد أنتهى .جيل منخوب مهما بدا كـالطود الـشامخ. ً جيل ُز ّف لنه ل يؤمن بنفسه ،ول يأنف من تقبيل الرجل التي تركل قومه ووطنه وإنـسانيته أيـضا. جيـل ل مي ً بأس أن تكرمه فرنسا ،وأن تكرمه إنجلترا ،وأن تكرمه أمريكا ،لنه يعمل لحسابها ،ويؤدي لها خدمات ل يؤديهـا جيش مسلح كامل. كل! لست أطمع في هذا الجيل الذي شاخ .إنما أطمع في جيل الشباب المتحرر الذي يحترم رجولتـه، ويحتـرم قوميته ،ويحترم إنسانيته... ٤٧ طريق العمل للجيل الجديد: أطمع في جيل الشباب أن يخرس كل صوت يرتفع في مدرسة أو معهد أو كلية بتمجيد الرجل البيض، الـذي
خان أمانة النسانية. أطمع في جيل الشباب أن يحطم كل قلم ينغمس في مداد الذل والعار ،ليمجد الرجـل البـيض الـذي يـدوس أعناقنا بحذائه. أطمع في جيل الشباب أن يحتقر كل رجل يصادق الرجل البيض طائعا مختارا بدون ضرورة ملحـة تحتمهـا ً ً الوضاع الدبلو ماسية !. ويوم ننفض الستعمار على هذا النحو من أرواحنا عقولنا.. ويوم تغلي دماؤنا بالحقد المقدس على كل ما هو أوروبي أو أمريكي.. يوم نسحق تحت أقدامنا كل من يربطنا بعجلة الستعمار.. عندئذ فقط سننال استقللنا كامل ،لننا نلنا الستقلل من داخلنا ( :إن االله ل يغير ما بقـوم حتـى يغيـروا مـا ً بأنفسهم)( .سنة االله ولن تجد لسنة االله تبديل)(.)١ ً () ٧ حمائم في نيويورك مجلة الكتاب :المجلد الثامن ـ الجزء العاشر ـ ديسمبر ٩٤٩١ـ صفحات٦٦٦ :ـ ٩٦٦ سخرية سيد قطب من أمريكا: قلت :ويحكن !أهنا للحمائم الوادعة مكان؟ أفي نيويورك ذلك المعترك الصاخب اللجب ،الذي ل يهـدأ لحظـة ول يطمئن .أفي نيويورك هذه مكان لسربكن المن الوديع؟ ..وتلفتن يمنة ويسرة بعيونهن الوديعة الـشفيفة ،ولـم يفقهـن َ ً عني شيئ ً،ولكني فقهت عنهن ووعيت! ا ( )١ كن سرب ا من الحمائم ،قد هبطن على «الطوار » العريض الواسع في احدى غير عابئات بتلك ً الطرقات العامة الض ّة اللجبة من حولهن ،تلك السيارات بحركتها الصاخبة ،ذلك الزحام المتماوج المتلطم كأنه القيامة، ج تلك الجموع الراكضة كأنما تجذبها رائحة الفريسة ،تلك الخطوات المحمومة كأنما تلهبها السياط ،تلك النظرات الجامدة القاسية كأنها نظرة ا لجلد ،الحادة اللمعة ببريق الطمع والرغبة والشتهاء .. ل توجد آية في القرآن بهذا اللفظ .وإنما هناك آيات قريبة من هذا اللفظ مثل قوله تعالى( :سنة االله في الذين خلوا من قبل ،ولن ()1 تجد لسنة االله تبديل) الحزاب،٢٦ :وقوله تعالى( :سنة االله التي قد خلت من قبل ،ولن تجد لسنة االله تبديل) الفتح .٣٢ :لذلك اقتضى ً ً التنوية( ..صلح). ( )1القانون هنا يحمي الطير والحيوان في المدن. ٥٧ كن غير عابئات بذلك كله ،كأنما يقلن لذلك القطيع الهائج المحموم :شيئا من الدعة أيها القطيع ،شيئ ا من المن ً ً والطمأنينة والهوادة ،شيئ ا من التأمل في معنى الحياة ،وجمال الحياة ،وموسيقى الحياة ،وغايات الحياة العلى من ً
القضم والهضم والتشهي واللتهام. أمريكا ورشة ضخمة: وقضيت عاما في تلك «الورشة » الضخة ،ال تي يسمونها «العالم الجديد » وتنقلت من نيويورك إلى واشنطن ،إلى ً دنفر إلى جريلي ..ولم ألمح في خلل هذه الفترة الطويلة من الزمان ،ول في خلل تلك المساحة الشاسعة من المكان ـ إل في مرات نادرة ـ وجها إنسانيا يعبر عن معنى النسان ،أو نظرة إنسانية تطل منها معاني النسانية.. ً ً ولكنني وجدت القطيع في كل مكان ،القطيع الهائج الهائم ،ل يعرف له وجهة غير اللذة والمال .لذة الجسد الغريزة التي ترتوي حتى تهمد ،وتهمد ريثما تستيق ظ في سعار ..ورغبة المال التي تنفق الحياة كلها ،خيرها وشرها ،ليلها ونهارها في سبيل «الدولر ». وكلما رأيت القطيع الهائج تذكرت :تذكرت ذلك السرب المن ،سرب الحمائم الوادع في نيويورك ،الذي ل يعبأ الض ّة والزحام ،وكلما راودني اليأس من البشرية التي تتمثل آخر أطوارها في ذلك «العالم الجديد » ج انساب إلى نفسي المل الراضي ،وأنا أذكر سرب الحمائم المن في جوار ذلك القطيع . مادية الحياة هناك : جميل أن يكون في الحياة عمل وكدح جميل أن يكون في الحياة لذة ومتاع ،ولكن على أن ل يستغرق كلهما الحياة ،على أن تبقى فترة للتأمل الهادئ ،والتطلع إلى آفاق أعلى من اللذة والمتاع ..ولكن «العالم الجديد » ل يعرف الحياة ،إل كدحا في العمل المادي حتى اللغوب ،وارتشافا اللذة الحسي ة حتى الهمود.. ً ً ّ حتى التفكير يكاد يكون جهدا عضليا ،فهو جهد غايته تحسين المصنع وترقية المعمل ،وإدارة العمل وتنظيم ً ً ا لشغال! والحب .الحب الذي يطلق الطاقات النسانية جميع ا ...إنه هنا في أمريكا جسد يتشهى جسد ً ،وحيوان جائع ً ا يتشهى حيوان ً ،ول وقت للشواق الروحية التي ترف بها النفوس ،ول للماني المرفرفة المج ّحة ،ول حتى للغزال ا ن الذي يسبق الخطوة الخيرة .إنه هنا يبدأ من تلك الخطوة الخيرة ،وينتهي عند الخطوة الولى .حيوان لحيوان، وجسد لجسد ،ومتاع لمتاع . عبيد الشهوات: وتغدق الطبيعة على هذا البلد خيراتها بل حساب ،حتى الجمال تهبط منه مختلف الصناف والشكال... جمـال في الطبيعة ،وجمال في الوجوه ،وجمال في الجسام ...ولكن أحدا ل يفقه هذا الجمال ول يح ّه ،إل كمـا تحـ ّه ً س س البهائم والوحوش في الغابات! وتطلع عليك الفتاة كأنها الج ّية المسحورة أو الحوراء الهاربة ،ولكن ما
أن تقتـرب ن إليك حتى تحس فيها الغريزة الصارخة وحدها ،مجردة من كل إشعاع ،وحتى تشم رائحـة الجـسد المحتـرق ،ل نكهة العطر الفواح..ثم تنتهي إلى لحم .مجرد لحم .لحم شهي حقا ،ولكنه لحم على كل حال... ً ٦٧ حياة حيوان الغابة : رأيت أفلم ا سينمائية تمثل حياة الغابة ،ورأيت هنا عيان ا حياة المريكان ،وكلما رأيت هنا الذكران منطلقة على ً ً الناث ،والناث منطلقة على الذكران ،زوجين زوجين ،أو جماعات ج ماعات ،أغمضت عيني فترة ،فلم إجد إل الغابة الواسعة الهائجة ،تركض فيها الذكران والناث ...تلك النظرات الجائعة ،تلك الجسام المحمومة، ذلك المرح الحيواني ..كل شيء هنا ككل شيء هناك .إل أن الغابة لم تزدحم بعد بالمصانع والمعامل ،وبالمدار س والحانات . ذلك هو الفارق البارز الوحيد ..أجمل جسم هنا هو الذي يمثل الحيوان الفا ِه ،وأجمل نظرة هنا هي التي يطل منها ر التح ّق والجوع !وليس وراء ذلك شيء مما يتميز به النسان عن الحيوان .. ر وحينما يقضي النسان ساعات حياته كلها في عمل مضن شاق ،وجهته الدولر! وحينما تضيق آفاق الحياة كلها فل تتسع إل لوجه الدولر ..عندئذ ل يبقى للشواق الروحية مجال ،ول للحاسيس الشاعرة المج ّحة مكان ،فماذا ن يبقى من الحب بعد ذلك إل الجسام وما يتعلق بالجسام؟ مدينة «جريلي » وأهلها : وهذه المدينة الصغيرة «جريلي » التي أقيم في ها الن ،إنها جميلة جميلة ،حتى ليخيل إلى النسان أنها انبتت نبات ا ً في روضة حالمة .كل بيت كأنه نبتة في حديقة ،وكل شارع كأنه طريق في روضة ،وتشهد صاحب كل بيت وصاحبته يقضيان وقت فراغهما في عمل مضن شاق لسقي الحديقة الخاصة وتشذيبها ،ولكن هذا هو لك شيء... لي ستة أشهر لم أشهد مرة واحدة فرادا أو أسرة جالسة تستمتع بذلك الجمال البارع الحالم ،ول سيما في ليالي ً الصيف التي ترف فيها النسمات كالحلم ،المهم هو تنمية الحديقة وتنظيمها ،بنفس الطريقة التي ينظم بها صاحب المتجر متجره ،وصاحب المصنع مصنعه ،ول شيء وراء ذلك من تذوق الجمال ،والستمتاع بالجمال...إنها آلية التنظيم والترتيب ،ل روح التذوق والستجمال ... حياتهم بدون سعادة : في كل مكان ضحكات ،وفي كل محلة مرح ،وفي كل زاوية أحضان وقبلت ،ولكنك ل تلمح في وجه واحـد
معنى الرضاء ،ول تحس في قلب واحد روح الطمئنان. الحياة قلق دائم ،وعمل دائم ،واشتهاء دائم ،وارتواء دائم ،وضجيج واندفاع على الدوام. وبين الحين والحين أرى أسراب الحمائم ،هنا في جريلي ،كذلك السرب الذي رأيته أول مرة في نيويورك... وفي كل مرة أتوجه إلى السرب الوادع بنفس السؤال :أهنا للحمائم الوادعة مكان؟ ...وفي كل مرة أتلقى نفـس الجواب :نظرات وادعة من تلك العيون الوادعة .إنهن ل يفقهن عني شيئا ،ولكني أفقه وأعي جواب ذلك الـسؤال ً !... جريلي ـ كولورادو سيد قطب () ٨ هتـاف الـروح في ليلة دافئة من ليالي كاليفورنيا في الجو يـا مصـر دفء يـدنـي إلي خيـالـك ٧٧ وتـستـجـيش حـنيـني إلـى الليالي هنـالـك لـلمسيـات السكـاري نشـوى ترف خيـالـك ونسمة فييـك تسـري ريـانـة من جمـالـك نـجواك مـلء فـؤادي تـرى خـطرت بالـك *** النيل والـمـوج سـار يـقـبـل الشطآن والـبـدر والنور ساه كـحـالـم وسـنان وفـي الجواء حـنيـن مـجـنـح حيـران ومن هنـالـك لـحن يـهـفـو إلـى لذان صـداه نـاء عميـق في نـاي هـذا الـزمان *** في النفس يامصرشوق لـخـطرة فـي ربـاك لـضـمـة من ثراك لنفـحـة مـن جواك لـومـضة من سمـاك لـهـاتف مـن رؤاك لـليـلة فيـك أخـرى مـع الـرفـاق هناك ظـمـآن تهتف روحي مـتـى تراني أراك؟ سان فرنسيسكو ـ سيد قطب مجلة الرسالة :السنة الثامنية عشرة ـ مجلد الول ـ عدد ٧٧ :ـ ٤٢إبريل ٠٥٩١صفحة.٢٧٤ : «»٩ دعـاء الغريـب يـا نـائيات الضفاف هنـا فتـاك الـحبيب عـليـه طال المطاف متى يـعـود الغريب؟ *** متـى تـمس خطـاه ذاك الديـم المغبـر؟ متـى يـشـم شـذاه كـالقحـوان المعطر؟ *** متـى ترى عـيـناه تلك الـربوع المـواثل أحـلمه ومنـاه تدعوه خلف الحـوائل ***
إلى الـديار البعيـده حنـينـه رفـاف متى متى يـا ضفاف تأوي خطاه الشـريده ٨٧ *** رؤاك في ناظـريـه تـرف كالحـلم تـرى هفـوت إليـه عـلى مـدى اليام *** ليـلتـك الساريات كالنسمة العبـقرية دـة معـطرات ن ّ حالـت إلى ذكريات ي *** مـجنحات العبيـر مرفرفـات الماني مـو شح بـالغاني َ في عـالم مسحور ّ *** هـنـاك حيـث خـطاه منثورة فـي الـطريق مـا زال فيها الـحيـاة تـدعـو دعاء الغريق *** يـا أرض ردي إلـيك هذا الوحيد الغريب!!! ر ّي فتا ك الحبيب !!! هـواه وقف عـليـك ُد ِ سان فرنسيسكو ـ أمريكا ـ سيد قطب مجلة الكتاب :مجلد ٩ـ جزء ٦ـ تاريخ يونيو ٠٥٩١ـ صفحة٧٩٤ : الفصـل الثـاني إشارات سيد قطب في المجلت عن أمريكا () ١ تعليق سيد قطب على مقال «العشرون الذين صاغوا القرن العشرين » نشرت مجلة الكتاب مقال بعنوان «العشرون الذين صاغوا القرن العشرين » أعده الكاتبان المريكيان «آرثر ً شلسنجر » و « ماركيز تشايلدس » ونشراه في مجلة «لوك » المريكية بمناسبة ا لخمسين سنة من القرن العشرين .وقد ترجم محمد قطب المقال إلى اللغة العربية ونشره في مجلة الكتاب في مايو )١(٠٥٩١ثم علق عليه سيد قطب ونشر تعليقه في نهاية المقال المذكور. وقد وقع اختيار الكاتبين المريكيين على ثمانية وأربعين رج ل من أوروبا وأمريكا ،وخصصا لباقي العالم رجلين ً فقط من الهند وهما «غاندي »و «نهرو » ونورد فيما يلي تعليق سيد قطب ـ لنه هو المتفق مع موضوع الكتاب. المقال يصور العقلية المريكية : ( )1انظر المقال في مجلة الكتاب .السنة الخامسة .الجزء الخامس .تاريخ مايو ٠٥٩١ صفحات ٨٩٣ :ـ .٤١٤ ٩٧ «هذا المقال يصور العقلية المريكية خير تصوير ،بما فيها من واقعية كاملة ،تهمها الثار العملية حين تنظر إلى
ا لشياء والشخاص ،دون القيم المعنوية الذاتية .ويبدو ذلك في المقياس الذي وضعه الكاتبان لتقييم الشخصيات ، والذي جعله مفتاح هذا العصر« :معدل التغير ».كما يبدو في إغفال الفلسفة والدباء والفنانين ،بحجة أن هذا العصر ،كان عصر العاملين ل المفكرين ،وعصر العمل ل الفلسفة. ولول أنهما لم يستطيعا أن يغفل «غاندي » لما وجدوا له مكانا في هذه القائمة ،ومع ذلك فقد مرا به مرورا ً ً سريعا ،بالقياس إلى رجل كتشرشل أو روزفلت أو روكفلر .على حين أن غاندي يمكن اعبتاره «فوق ً البشر » بالقياس إلى هذه الفترة من التأ ريخ ،كما أنه يجد مكانه في الصفوف الولى في كل عصر من عصور التاريخ . سر إغفالهما رجال مسلمين : ً والذي ل يمكن إغفاله هو إغفال الكاتبين المريكيين لرجل كالقائد العظم « محمد علي جناح » حقق «حلم باكستان » الذي رآه الشاعر الكبير إقبال ،وإذا استطعنا أن نفهم إغفالهما لذلك الشاعر الكبير الذي حلم ذلك الحلم الكبير ،لن الشعر عملة ل تصرف في أمريكا! فإغفال «القائد العظم » وأثره الواقعي في ميلد باكستان غني عن البيان ،مما يدعو إلى الدهشة . ولكن الذي يعيش في أمريكا فترة لن يدهشه هذا.إن محمد علي جناح « مسلم »! هذا هو السر في إغفاله ، فالمريكان يحاولون ما إستطاعوا الغفال والتوهين من شأن السلم والعالم السلمي بصورة واضحة ظاهرة... ولعل رجل مثل « مصطفى كمال » كان يجد مكانه في قائمة كهذه لول هذه الروح المتفشية في ً أمريكا ..فدوره في إنشاء تركيا الحديثة أكبر من دور هتلر وموسوليني،حين تنظر جميع الظروف والمل بسات » . أمريكا سيد قطب مجلة الكتاب:السنة الخامسة ـ الجزء الخامس ـ مايو ٠٥٩١م ـ صفحة ٤١٤ () ٢ موسيقى الوجود « مرتين إثنتين ،كل منهما لحظة خاطفة كما يومض البرق ثم يغيب ،أحسست هذه الموسيقى العلوية الشاملة ... موسيقى الوجود .مرة وأنا في عرض المحيط ،والباخرة تمر مر الريح على وجه الخضم ،والنسيم رخاء، والليل ساكن ،والقمر مفضفض الللء ،والثانية وأنا على قمة جبل تشرف على حقيقة من الصخور يس مونها هنا «حدائق اللهة » وقد انكشف ال مرتقى والمنحدر كلهما ،واعتنقا عند تلك القمة الشاهقة في الفضاء. لست أدري كيف كيف أحسست ،ولست أدري كيف أقول .إل أن قول واحدا انساب على لساني ،في تلك اللحظة ً ً التي أومضت في روحي كما تومض الشعلة ،فتكشف الطريق إلى بعيد ثم يغيب ...تعبير واحد أحسست فيه كل ما
فاض على خاطري تلك اللحظة من قدسية وشفافية وتسبيح ...موسيقى الوجود . ُرى! أيملك هذا التعبير الساذج أن ينقل إلى الخرين ما أشرقت به روحي في هاتين اللحظتين من ت الفرح والصفاء والتسبيح » .. سان فرنسيسكو ٠٨ سيد قطب مجلة الكتاب :المجلد التاسع ـ الجزء الرابع ـ عدد :أبريل ٠٥٩١م ـ صفحة ٦٢٣ () ٣ في الدب والحياة سر عزوفه عن الكتابة في أمريكا : عندما كنت بعيد ًعن الوطن ـ مدى عامين في امريكا ـ كان في نفسي عزوف ل ادري مأتاه عن الكتابة، ا إل في القليل النادر،وعلى الكثر في مناسبات يفوت أو أنها ،أويموت التفكير فيها ،إذا هي لم تسجل في لحظتها ولعل منشأ هذا العزوف كان هو الرغبة في تحقيق شيء أكبر من مجرد الكتابة! إنني على إيماني بقوة الكلمة وامتدادها كنت أحس أننا في مصر وفي الشرق قد تكلمنا أكثر مما ينبغي ،وأنه آن لنا أن نصنع شيئا وراء الكلم وغير ً الكلم! لم يكن هذا تحول مني إلى مذهب «البراجماتزم » المريكي ،ول إلى الواقعية المادية! ولكنها الرغبة في تحقيق ً الحلم والمثل والمبادىء ،تحقيقها في واقع الحياة كما هي محققة في واقع الشعور .فقد طالت العزلة بين أحلمنا التي يصورها الدب والشعر ،وبين واقعنا الحي في العمل والسلوك .طالت العزلة إلى حد يبعث على الشك في قيمة الكلمة ،حتى في نفوس المؤمنين بقوة الكلمة... مجلة الكتاب :المجلد العاشر ـ الجزء الرابع ـ عدد ـ أبريل ١٥٩١ـ صفحة٩٨٣ : تركيزه على كتابة الرسائل «الخوانية » ولكن داء الكتابة لم يزايلني البتة في خلل تلك الفترة! كنت أكتب إلى أخي وأختي وأصدقائي في مصر وسائر البلد العربية ،وفي إنجلترا وفرنسا كذلك..وكنت أقول لهم في رسائلي الخاصة ما أود أن أقوله للناس في الكتابات المنشورة ..كنت أستروح لهذا اللون من التعبير الضيق المباشر .لني ل أتكلف له ما يتكلفه الكتاب عادة لما ينوون نشره ،وكنت أحس فيه من الصدق والخلص والبساطة ما ل أحسه للكثير من المنشور ،وكنت أجدني أقرب إلى حقيقتي وأنا أكتبه ،إلى حد أن أعيش هذه الفكار والخواطر وأترجمها شعورا وسلوك ا لحظة ،ويوم ا بعد يوم ،وكنت ً ً ً أجد من الصفاء الروحي والرضاء النفسي بسبب عيشتى لهذه الفكار ،ما يمل حياتي غبطة ،أن ل أجد ما يخالجني أمام نفسي من عزلة بين ما أقوله للناس ،وما أزاوله في الحياة ،وكنت من الفرح بهذا التوافق إلى حد أن أحفظ ـ
أنا الذي ل أحفظ له ـ فقرات كاملة من هذه الرسائل الخاصة ،لكثرة استعادة الفاظها ،وأنا استشعر مدلولتها. ... المرجع السابق ٠٩٣ :ـ ١٠٣ () ٤ إلى الستاذ توفيق الحكيم هدية الحكيم لسيد قطب وإيحاؤها: صديقي الكبير الستاذ توفيق الحكيم . شكرا لك على هديتك الكريمة كتابك الجديد «الملك أوديب » ،إنها شيء عزيز ثمين بالقياس إلي هنا ً في تلك «الورشة » الضخمة السخيفة ،التي يسمونها «العالم الجديد ». ١٨ لقد استروحت في كلمة الهداء « :ممن يذكرك دائما » نسمة رخية من روح الشرق الليف ـ فالذكرى هي ً خلصة هذه الروح ـ وما كان أحوجني هنا إلى تلك النسمة الرخيمة .. إن شيئ ا واحد ا ينقص هؤلء المريكيين ـ على حين تذخر أمريكا بكل شيء ـ شيء واحد ل قيمة له ً ً عندهم ... الروح! نماذج لبحاثهم ونماذج لزيائهم : بحث يقدم للدكتوراه في إحدى جامعاتهم ـ وقد قدم فعل ـ عن« :أفضل الطرق لغسل الطباق » أحب إليهم ألف ً مرة وأهم من رسالة عن «النجيل » إن لم يكن أهم من ذات النجيل. أمامي وأنا أكتب إليك هذه الكلمات في مطعم ،شاب أمريكي يثب على صدره «سبع » ويجثم على ظهره «فيل » ل ترع !فذلك السبع إنما هو رسم يمل فراغ رباط عنقه ،وهذا الفيل إنما هو رسم كذلك يمل فراغ صدريته ! لقد رسم السبع باللون البرتقالي الفاقع على أرضية «أخضر زرعي » ،ورسم الفيل باللون الكحلي على أرضية « كرنبي » وهذا السبع مع رباط الرقبة مدلى فوق الصدرية ل تحتها حسب مزاح «التقاليع » . هذا هو الذوق المريكي الغالب في اللوان . والموسيقى ..ولكن مالي وهذا كله؟ إن ذلك حديث آخر ليس وقته الن.أردت فقط أن أقول لك :كيف كانت هديتك لي في «العالم الجديد ». رغبة سيد قطب في أمريكا بمحادثة «إنسان »! ؤر ا هذه م ، الجديد الفني عملك عن كاملة بصراحة أشعر بأنني أرد لك بعض جميلك ،حين أحدثك ِ الطريقة على ث ً كتابة مقالة نقد ،ليست بي الن أقل رغبة لكتابة مقالت ،وليس لدي الوقت أيضا ،إنما يشجعني على الكتابة لحظة ً أنني أستحضر شخصك في خيالي ،وأبادلك حديث ا بحديث ،ليس فيه كلفة التحضير،ل تعمل الفكرة ،ول اصطناع ً السلوب .. ...ما أحوجني هنا لمن أبادله حديث ا بحديث ،في غير موضوع الدولرات ونجوم السينما وماركات ً السيارات ...حديثا في شؤون النسان والفكر والروح.
ً واشنطن سيـد قطـب مجلة ـ رسالة :السنة السابعة عشرة ـ المجلد الول ـ عدد ٧٢٨ :ـ تاريخ ٩مايو ٩٤٩١ـ صفحة٣٢٨ : () ٥ «إلى عباس خضر » بين صديقي وبيني أو بي ن مصر وأمريكا أخي عباس صحت نبو َتك ل بفضل Mrs Ferroصديقتك الحنساء ،ولكن بفضل انتقالي من سان فرنسيسكو برياحها ء الرطبة المتغيرة ابدا ،إلى مدينة صغيرة في وسط الوادي تسمى Palo Altoوقد شممت فيها رائحة مصر فتعافيت . ً أذكر أنك مرة كتبت عن الربيع وشعراء الربيع في مصر .أنا أو افقك على الشطر الثاني !أوافقك على أن شعراء الربيع في مصر «عرة! » أما إنحاؤك على جو مصر وترابه وعفاره ...إلخ ،فأؤكد لك أنه «بطر » بنعمة االله ِّ ٢٨ !هنا في أمريكا التي ينشؤون دعوة طويلة عريضة عن جوها ،وبخاصة جو كاليفورنيا ،ل تقاس بشيء إلى مصر. ول تسمع ما يقوله بعض الرقاء عن جو فرنسا ،فبين يدي الن رسالة من شاب مصري غير مخدوع، يعيش في فرنسا مفتوح العينين ،يحدثني عن التقلبات والنواء ،ويتمنى نسمة مصرية ،وهذا هو ما أتمناه أنا كذلك ! إننا ننقص من قدر أنفسنا حتى في الطبيعة ،أما الجانب فيعرفون كيف يقومون بالدعاية لبلدهم ليجلبوا إليها الناس ،لغرض « مادي » هو الحصول على نقد أجنبي ،وإن كان الذين زاروا مصر هم يخجلون أن يقيسوا بلدهم بها . في مصر طاقات معطلة : إننا نملك أشياء كثيرة ولكننا ل ننتفع بها ول نستغ ّها ...هذه هي المسألة ،فإذا أنحينا باللئمة ،ولكن علـى تلـك ل الحفنة الجاهلة المريضة النانية التي تتولى أقدارها ،ول تؤدي لها خدمة ما ،ول تستغل كنوزهـا ،سـواء كانـت كنوز الطبيعة الرضية أو كنوز الطبيعة البشرية. إننا نملك طاقات من الذكاء الخارق ـ حين نقارن شعبنا إلى الشعب المريكاني ـ ولكننا نهمل هذه الكنوز بالجهل والمية والفقر المرقع القاتل لكل موهبة ،وذلك لتستمتع حفنة من «الباشوات » و «الكروش » بترف ل تعرفه القرون الوسطى .. هذا هو عيبنا ،أما طبيعة بلدنا ،وطبيعة شعبنا ،فهما فوق مستوى الشبهات ،قولوا ـ أيها ال ك ّاب ـ للشعب حين ُت تكتبون :إن المتحكمين فيكم يقبرون نبوغكم ،ويدفنون مواردكم ،وأنتم تملكون ما ل يملكه شعب آخر في هذا الوجود..
وتحياتي إليك وإلى اللقاء. أخي ـ بعد أن كتبت لك هذا وقرأته رأيته يصلح للنشر والتعليق ،فإذا رأيت أن تجعله موضوع تعليقك فأنت في حل من نشره . سيـد قطـب مجلة الرسالة :السنة الثامنة ـ عشرة ـ المجلد الثاني ـ عدد ٧٨٨ :ـ تاريخ ٣يوليو ٠٥٩١ـ صفحة٦٥٧ : () ٦ دور أمريكا واستغللها لرصيدها يخبرنا عباس خضر عن بعض رسائل سيد قطب إليه بقوله « :ليست هذه الرسالة الوحيدة من رسائل الستاذ سيد قطب إلي ،التي تضمنت بعض الموضوعات العامة ،فقد كتب مرة يقول« :تصلح أ مريكا أن تكون ّ «ورشة العالم » فتؤدي وظيفتها على خير ما يكون ،أما أن يكون العالم كله كأمريكا ،فتلك هي كارثة النسانية بكل تأكيد ». فكتبت إليه فيما كتبت« :إني يا أ خي ل أرى لدينا روحية محبوبة ،فنحن ماديو ن كالمريكيين ،وكل ما بيننا من فرق أن ماديتهم منظمة ونحن في فوضى . فجاء رده : لمحت في رسالتك إلي أنك «قرفان » من مصر ،ولهذا ل تستريح إلى ما أكتبه أنا عن أمريكا ،إنني حين أ كتب عن أمريكا ما أحسه من حقائق ل أعني أنني راض عن الحياة في الشرق وما فيها ،ولكن هناك شيئ ا واحدا ل يصح ً ً ٣٨ أن نغفله ،إن إمريكا تستخدم كل رصيدها ال ممكن ،وإننا نهمل كل رصيدنا فنبدو مفلسين !إن الحاضر الواقع في بلدنا ل يرضي احدا ،ولكن الممكنات أمامنا كثيرة ،لو وثقنا في رصيدنا المكنون ،وهذا هو مفرق ً الطريق ،ولو أنك عشت في أمريكا بعض الوقت ،كما عشت لحمدت للشرق روحه رغم هذا الخمول الذي يعانيه.. المرجع السابق: ٦٥٧ـ ٧٥٧ () ٧ بين صديقي وبيني أو بين الكفاية والوصولية الرسـالة الثانيـة وهذا مقطع من رسالة من سيد قطب إلى عباس خضر : «أخي عباس ... آسف أن اكون في حديثي إليك عن Mrs Miss Ferroyمن فضلك! قد مسست سياستك الداخلية في بيتك .فأنت الذي جعلتني أحدث لك عنها بإهتمامك الظاهر بها وبأخبارها ،وبتفصيلت اهتمامها بخطك ...إلخ ...وإل فبيني وبينها الن حوالي ٠٠٥ميل ،ولم يشفني حسنها ول حسن تمريضها ،بقدر ما شفتني نسمات مصر مشابه وروائح ! وأفرغ من هذا إلى تعليقك على رسالتي إليك ..عن تلك الحفنة من «الباشوات » و «الكروش » وعن تلك «الحفنات » التي تحدثت عنها من الوصوليين الذين يسيرون في ركابهم ،ويصهرون إليهم ،وغير ذلك من
أساليب ب ...إلخ ». سان ديجو ـ كاليفورنيا سيـد قطـب مجلة الرسالة :السنة الثامنة عشرة ـ المجلد الثاني ـ عـدد ١٩٨ :ـ تـاريخ ١٣يوليـو ٠٥٩١ـ صـفحة: ٢٧٨ () ٨ رسالتا ن إلى أنور المعداوي الرسالة الولى : أخي أنور: سلمي إليك وشوقي .وبعد .فكيف أنت وكيف الدب والفن على حسك؟ ؟أحس أن آباد ا وآماد ا بيني وبين ذلك الماضي القريب منذ عام ..هنا الغربة ،الغربة الحقيقية .غربة النفس والفكر. ً ً غربة الروح والجسد .هنا في تلك الورشة الضخمة التي يدعونها العالم الجديد . عرفت الن مدى الدعاية التي تغمر بها أمريكا العالم ،والتي يسهم فيها المصريون الذين جاؤوا إلى أمريكا ثم عادوا ،وأستطيع ان أقيس ـ على ضوئها ـ مدى الدعاية التي تغمرنا بها أوروبا ،والتي يسهم فيها المصريون ٤٨ العائدين من هناك .وأشخاص هم الضئيلة .إنهم ل يجدون لنفسهم قيمة ذاتية ،فيبالغون في تضخم أوروبا ،وتضخيم أمريكا ،علهم يستمدون منها قيمة ذاتية ! وبعد :فقد أنهيت المهمة الولى في اللغة النگليزية ،وأصبح لدي من الوقت ما يسمح أن أعرف احوالكم وأخباركم هناك في الوطن المجهول من أبنائه ،فلعلك تجد بين يديك ما تحدثني به أنا بعد ،عن الحياة وعن الدب وعن خواطرك الخاصة . والسلم عليك ورحمة االله. كولورد ادو٩٤٩١ / ٢١/ ٣٢ : مـن أخيك سيـد قطـب الرسالة الثانية : أخي أنور كنت في حاجة نفسية إلى رسالتك لفرح بك ولك .ثم لصدق ظني فيك .فلقد كان الكثيرون يلومونني ـ في مواراة ـ إذ قدمتك للنقد الدبي في مجلة «العالم العربي » وكنت أعرف ماذا أصنع وهم ل يعرفون !. وإنك لتزيدني فرح ا وغبطة إذا أنت بعثت إلي بين الحين والحين بقصاصات من مقالتك في الرسالة، في شتى ً الموضوعات. تنتظر عودتي لخذ مكاني في ميدان النقد الدبي ؟ أخشى أن أقول لك :إن هذا لن يكون ،وإنه من الولى لك أن تعتمد على نفسك إلى أن ينبثق ناقد جديد !إنني سأخصص ما بقي من حياتي وجهدي لبرنامج اجتماعي كامل ،
يستغرق أعمال الكثيرين .ويكفي أن أجدك في ميدان النقد الدبي لطمئن إلى هذا الميدان!. بهذه المناسبة :هل لي أن أذكر لك بعض أخطار الطريق التي بلوتها فيه :إن أخطر ما في طريق النقد الدبي هو مغرياته الكثيرة وتكاليفه الشاقة ،مغريات الصداقة والجفوة ،مغريات الشهرة ولفت النظار ،مغريات الملبسات الكثيرة في حياة الفرد وحياة الشعب .ثم تكاليف قولة الحق التي كثيرا ما يكون ثمن ها غالي ا.فهل لي أن أطمئن إلى ً ً أنك ستتيقظ لهذه الدوافع كلها ،فل تدع واحدة منها أو جميعها تغشى صفحاتك بالضباب .أرجو وأدعو االله لك بالتوفيق. وأشرت إلى أن ما بيني وبين الدكتور طه حسين .إنني أعتقد على أية حال أنه من الخير للبلد أن يكون هذا الرجل في وزارة الم عارف .ولست أسأل عما يكون لي أو علي ،فطريقي واضح أمامي ،وهدفي معروف لي في جميع الظروف ! بهذه المناسبة :أتذكر مقال« :بدء المعركة بين الشيوخ والشباب » في «العالم العربي »؟ كتب إلي استاذ في جامعة «هاليفاكس » بكندا في هذه اليام يستأذن في ترجمته للغة النجليزية ،لي نشر في أمريكا .وقد أجبته بالموافقة! ُكتب إلي كثيرا ،ول تنتظر رسالة برسالة . أْ ّ ً أخوكـم سيـد قطـب الرسالة غير مؤرخة .ومن تاريخ ختم البريد على المظروف يتبين أنها صادرة من واشنطن في ٦مارس ٠٥٩١ ٥٨ مجلة الكاتب :سنة ٥١ـ عدد ٥٧١ :ـ أغسطس ٥٧٩١ـ صفحات: ٨٢ـ ٩٢ الفصـل الثالث إشارات سيد قطب في الظلل عن أمريكا () ١ المجتمعات الجاهلية في طريق النهيار يشير سيد قطب إلى الرخاء المادي والرفاه الجتماعي الذي تقدمه المجتمعات الجاهلية لفرادها ، ولكن رغم ذلك فإنها سائرة في طريق النهيار .وذلك في تفسيره لقوله تعالى( :يا أيها الذين آمنوا ادخلوا في السلم كافة )..البقرة : . ٨٠٢ «ولكن ماذا؟ ماذا وراء هذا الرخاء المادي والحضاري وخلو القلب من اليمان باالله؟ . إنه شعب مهدد بالنقراض ،فالنسل في تناقص مطرد بسبب فوضى الختلط! والطلق بمعدل طلق واحد لكل ست زيجات بسبب انطلق النزوات ،وتبرج الفتن ،وحرية الخلط !الجيل الجديد ينحرف فيدمن على المسكرات والمخدرات ،ليعوض خواء الروح وطمأنينة القلب بالعقيدة،والمراض النفسية والعصبية والشذوذ بأنواعه تفترس عشرات اللف من النفوس والرواح والعصاب ...ثم النتحار .. والحال كهذا في أمريكا ..والحال أشنع من هذا في روسيا » ..
في ظلل القرآن ١١٢ :١ () ٢ صورة واقعية لمجتمعات الجاهلية ويرسم سيد قطب هذه الصورة الحقيقية الواقعية لمجتمعات الجاهلية ـ في أمريكا وغيرها ـ ويبين نفوس أفرادها المنكودة ،وأزيا َها الشاذة ،وذلك في تفسيره لقوله تعالى ( :ومن يبدل نعمة االله من بعد ما جاءته فإن االله ء شديد العقاب) البقرة. ١١٢ : وها هي ذي البشرية المنكودة الطالع في أنحاء الرض كلها تعاني العقاب الشديد ،وتجد الشقوة النكدة، وتعاني القلق والحيرة ،ويأكل بعضها بعض ا ويأكل الفرد منها نفسه وأعصابه ،ويطاردها بالشباح المطلقة،والخواء القاتل ً الذي يحاول المتحضرون أن يملووه تارة بالمسكرات والمخدرات ،وتارة بالحركات الحائرة التي يخيل إليك معها أنهم هاربون تطاردهم الشباح ! ونظرة إلى صورهم في الوضاع العجيبة لمتكلفة التي يظهرون بها :من مائلة برأسها ،إلى كاشفة عن صدرها ، إلى رافعة ذيلها ،إلى مبتدعة قبعة غريبة على هيئة حيوان !إلى واضع رباط عنق رسم عليه تيتل أو فيل !إلى لبس قميص تربعت عليه صورة أسد أو دب... في ظلل القرآن ٣١٢ :١ () ٣ ٦٨ من آثار جريمة الربا في المجتمعات الجاهلية أشار سيد قطب إلى آثار جريمة الربا في المجتمعات الجاهلية ،والنكد والقلق الذي تعيشه تلك الشعوب ،وذلك في تفسيره لقوله تعالى (:الذين يأكلون الربا ل يقومون إل كما يقوم الذي يتخبطه الشيطان من المس .. «البقرة. » ٥٧٢ : «إنها الشقوة البائسة المنكودة ،التي ل تزيلها الحضارة المادية ،ول الرخاء المادي ،ول يسر الحياة المادية وخفضها ولينها ف ي بقاع كثيرة .وما قيمة هذا إذا لم ينشئ في النفوس السعادة والرضى والستقرار والطمأنينة .. إنها حقيقة تواجه من يريد أن يرى ،ول يضع على عينيه غشاوة من صنع نفسه كي ل يرى !حقيقة ان الناس في اكثر بلد الرض رخاء عاما ..في امريكا وفي السويد ،وفي غيرهما من القطار التي تفيض رخا ء ماديا إن الناس ً ً ً ً ليسوا سعداء .إنهم قلقون يطل القلق عن عيونهم وهم اغنياء ،وإن الملل يأكل حياتهم وهم مستغرقون في النتاج ! وإنهم يغرقون هذا الملل في العربدة والصخب تارة ..وفي «التقاليع » الغربية الشاذة .وفي الشذوذ الجنسي و النفسي ً تارة ..ثم يحسون بالحاجة إلى الهرب .الهرب من انفسهم ،ومن الخواء الذين يعشعش فيها !ومن الشقاء الذي ليس له سبب ظاهر من مرافق الحياة وجريانها .فيهربون بالنتحار .ويهربون بالجنون .ويهربون بالشذوذ !ثم يطاردهم
شبح القلق والخواء والفراغ ل يدعهم يستريحون أبدا ». ً في ظلل القرآن ٦٢٣ :١ () ٤ الخواء الذي يعيشه الجاهليون ويصور الخواء الذي تعيشه أمريكا ـ وغيرها من البلد الجاهلية ـ والذي لحظه عندما زارها ،وذلـك فـي تفسير قوله تعالى( :أفغير دين االله يبغون وله أسلم من في السموات والرض طوعا وكرها وإليـه ُرجعـون) .آل ً ً ي عمران.٣٨ : «إن البشرية اليوم تعاني من الخواء المرير .خواء الروح من الحقيقة التي ل تطيق فطرتها أن تصبر عليها.. حقيقة اليمان ..وخواء حياتها من المنهج اللهي .هذا المنهج الذي ينس ق بين حركتها وحركة الكون الذي تعيش ّ فيه. » .. إنها تعاني من الهجير المحرق الذي تعيش فيه بعيدا ع ن ذلك الظل الوارف الندي ،ومن الفساد المقلق الذي ً تتمرغ فيه بعيدا عن ذلك الخط القويم ،والطريق المأنوس المطروق؟ !. ً ومن ثم تجد الشقاء والقلق والحيرة والضطراب ،وتحس الخواء والجوع والحرمان ،وتهرب من واقعها هذا بالفيون والحشيش والمسكرات ،وبالسرعة المجنونة والم غامرات الحمقاء ،والشذوذ في الحركة واللبس والطعام !وذلك على الرغم من الرخاء المادي والنتاج الوفير والحياة الميسورة والفراغ الكثير..ل بل إن الخواء والقلق والخيرة لتتزايد كلما تزايد الرخاء المادي والنتاج الحضاري واليسر في وسائل الحياة ومرافقها ،إن هذا الخواء المرير ليطارد البشرية كالشبح المخيف ،يطاردها فتهرب منه .ولكنها تنتهي كذلك إلى الخواء المرير!. «وما من أحد يزور البلد الغني ة الثري ة حتى يكون النطباع الول في حس ه أن هؤلء قوم هاربون ! هاربون من ّ ّ ّ أشباح تطاردهم .هاربون من ذوات أنفسهم ،وسرعان ما يتكشف الرخاء المادي والمتاع الح س ي الذي يصل إلى حد ٧٨ التمرغ في الوحل ،عن المراض العصبية والنفسية والشذوذ والقلق والمرض والجنون والمسكرات ّ والمخدرات والجريمة ...وفراغ الحياة من كل تصور كريم. » ... في ظلل القرآن . ٢٢٤ :١ () ٥ التفرقة العنصرية في الجاهلية المريكية ويشير إلى التفرقة العنصرية في أمريكا .وذلك في معرض حديثه عن تشريعات الجاهلية ،في تشديد العقوبات على العبيد والمستضعفين وتخفيفها على الكبراء ،عندما فسر قوله تعالى ( :فإذا أحصن فإن أتين
بفاحشة فعليهن ِّ نصف ما على الحصنات من العذاب .)..النساء. ٥٢ : (وما تزال الجاهلية الحديثة في أمريكا وفي جنوب أفريقيا وفي غيرها تزاول هذه التفرقة العنصرية، وتغفر للشراف «البيض » ما ل تغفره للضعاف «الملونين » ،والجاهلية هي الجاهلية حيث كانت ). في ظلل القرآن ٩٢٦ :٢ () ٦ صور من انحلل الجاهليين تحدث عن النحلل الخلقي والعهر والفساد والباحية والحيوانية التي تعيشها الجاهليات القديمة والمعاصرة، وأنه هو السبب الحقيقي في هزيمة الدول القديمة ...والدول المعاصرة أيضا في الحربين العالميتين : الولى ً والثانية ...وذلك أثناء تفسيره لقوله تعالى( :واالله يريد أن يتوب عليكم ويريد الذين يتبعون الشهوات أن تميلوا مي ل ً عظيما .يريد االله أن يخفف عنكم وخلق النسان ضعيفا )..النساء ٧٢ :ـ .٨٢ ً ً فبعد أن ينقل فقرات مطولة تعرض نماذج لنحلل المجتمعات الوروبية وإباحيتها بين الشباب والشابات ينتقل للحديث عن أمريكا ـ وهو ما يهمنا هنا ـ فيقول( :والحال في أمريكا ل تقل عن هذه الحال .ونذر السوء تتوالى . والمة المريكية في عنفوانها ل تتلفت للنذر .ولكن عوامل التدمير تعمل في كيانها ،على الرغم من هذا الرواء الظاهري ،وتعمل بسرعة ،مما يشي بسرعة الدمار الداخلي على الرغم من كل الظواهر الخارجية) !!!. لقد وجد الذين يبيعون أسرار أمريكا وبريطانيا العسكرية لعدائهم ،ل لنهم في حاجة إلى المال ،ولكن لن بهم شذوذا جنسي ا ،ناشئا من آثار الفوضى الجنسية السائدة في المجتمع. ً ً ً وقبل سنوات وضع البوليس المريكي يده على عصابة ضخمة ذات فروع في مدن شتى ،مؤلفة من المحامين والطباء ـ أي من قمة الطبقة المثقفة ـ مهمتها مساعدة الزواج والزوجات على الطلق ،بإيجاد الزوج أو الزوجة في حالة تلبس بالزنا ،وذلك لن بعض الوليات ل تزال تشترط هذا الشرط لقبول توقيع الطلق !ومن ثم يستطيع الطرف الكاره أن يرفع دعوى على شريكه بعد ضبطه عن طريق هذه العصابة متلبسا ،وهي التي أوقعته في ً حبائلها... كذلك من المعروف أن هناك مكاتب مهمتها البحث عن الزوجات الهاربات والبحث عن الزواج الهاربين ّوذلك في مجتمع ل يدري فيه الزوج إن كان سيعود فيجد زوجته في الدار أم يجدها قد طارت مع عشيق !ول ٨٨ تدري الزوجة إن كان زوجها الذي خرج في الصباح سيعود إليها أم ستخطفه أخرى أجمل منها وأشد جاذبية !
مجتمع تعيش البيوت فيه في مثل هذا القلق الذي ل يدع عصبا يستريح!! ً وأخيرا يعلن رئيس الوليات المتحدة أن ستة من كل سبعة من شباب أمريكا لم يعودوا يصلحون للجندية ُ بسبب النحلل الخلقي الذي يعيشون فيه.. وينقل سيد قطب عن كتاب الحجاب لبي العلى المودودي قول مجلة أمريكية عن الثالوث الشيطاني الذي يسعر الحرب الجنسية هناك :الدب الفاحش الخليع.والفلم السينمائية الفاضحة العارية .وتبرج النساء وعريهن ..ويعلق على قول المجلة قائ ل(:والذي حدث أن أمريكا لم تحد من طغيان هذه العوائل الثلثة ،بل ً استسلمت لها تمام ً ،وهي تمضي في الطريق الذي سار فيه الرومان .)... ا وينقل عن انحراف شباب وشابات أمريكا ما يلي(انتشرت موجة الجرام بين المراهقين والمراهقات من شباب أمريكا،وأعلن حاكم ولية نيويورك أنه سوف يجعل علج هذا النحراف على رأ س برنامج الصلح الذي يقوم به في الولية ). وعمد الحاكم إلى إنشاء المزارع و «الصلحيات » التهذيبية والندية الرياضية ..إلخ ولكنه أعلن أن علج الدمان على المخدرات التي انتشرت بصفة خاصة بين طلبة وطالبات الجامعات ـ ومنها الحشيش والكوكائين ـ ل يدخل في برنامجه ،وأنه يترك أمره للسلطات الصحية ... ويتابع إيراد النماذج الدالة على انحلل المريكيين فيقول(:وقد قدرت لجنة الربعة عشر المريكية التي تعني بمراقبة حالة البلد الخلقية أن ٠٩بالمائة من الشعب المريكي مصابون بالمراض الجنسية السرية الفتاكة (وذلك قبل وجود المركبات الحديثة من مضادات الحيويات كالبنسلين والستربتومايسين ). وكتب القاضي (لندسي ) بمدينة (دنفر ) أنه من كل حالتي زواج تعرض قضية طلق )... في ظلل القرآن ٠٣٦ :٢ـ ٧٣٦باختصار () ٧ قانون «الجفاف » في أمريكا في أثناء مقارنته بين نجاح السلم في تحريم الخمر بكلمات،وإخفاق أمريكا في محاولة ذلك رغم جهودها وتضحياتها وخسارتها،وذلك في تفسيره لقوله تعالى(:يا أيها الذين آمنوا ل تقربوا الصلة وأنتم سكارى حتى تعلموا ما تقولون) .النساء. ٣٤ : يقول(:أما في أمريكا فقد حاولت الحكومة المريكية مرة القضاء على هذه الظاهرة فس ّت قانونا في سنة ن ً ٩١٩١م سمي قانون «الجفاف » من باب التهكم عليه ،لنه يمنع «الري » بالخمرا! وق د ظل هذا القانون قائم ا مدة ً أربعة عشر عام ً ،حتى اضطرت الحكومة إلى إلغائه في سنة ٣٣٩١م ،وكانت قد استخدمت جميع وسائل النشر ا والذاعة والسينما والمحاضرات للدعاية ضد الخمر .ويقدرون ما أنفقته الدولة في الدعاية ضد الخمر بما يزيد على ستين مليون ا من الدولرات .وإن ما نشرته من الكتب والنشرات يشتمل على عشرة بليين صفحة .وما ً
تحملته في سبيل تنفيذ قانون التحريم في مدة أربعة عشر عاما ل يقل عن ٠٥٢مليون جنيه.وقد أعدم فيها ٠٠٣ ً نفس ،وسجن كذلك ٥٣٣٢٣٥نفسا ،وبلغت الغرامات ٦١مليون جنيه وصادرت من الملك ما يبلغ ٠٠٤ ً ٩٨ مليون أربعة بليين جنيه ..وبعد ذلك كله اضطرت إلى التراجع وإلغاء القانون.فأما السلم فقضى على هذه الظاهرة العميقة في المجتمع الجاهلي ...ببضع آيات من القرآن... في ظلل القرآن . ٣٦٦ :٢ () ٨ أمريكا وس ّة االله سبحانه وتعالى ن ويتحدث عن ما رآه في أمريكا عن كثرة نعم االله عليهم هناك ،وعن نسيانهم وغفلتهم ،وعن قدوم العذاب إليهم ،وعن وقوع سنة االله بهم ،وبلفظ آخر طبق عليهم آية من كتاب االله تقرر سنة من سننه سبحانه .وهي قوله تعالى ( :فلما نسوا ما ذ ّروا به فتحنا عليهم أبواب كل شيء ،حتى إذا فرحوا بما أوتوا أخذناهم بغتة فإذا هم ُك مبلسون .) ..النعام. ٤٤ : (ولقد كنت ـ في اثناء وجودي في الوليات المتحدة المريكية ـ ارى رأي العين مصداق قول االله ُ سبحانه : (فلما نسوا ما ذكروا به فتحنا عليهم ابواب كل شيء) ....فإن المشهد الذي ترسمه هذه الية ...مشهد تدفق كل شيء من الخيرات والرزاق بلحساب ..ليكاد يتمثل في الرض كلها كما يتمثل هناك .... وكنت أرى غرور القوم بهذا الرخاء الذي هم فيه ،وشعورهم بأنه وقف على «الرجل البيض » وطريقة تعاملهم مع الملونين في عجرفة مرذولة،وفي و حشية كذلك بشعة! وفي صلف على أهل الرض كلهم ل يقاس إليه صلف النازية الذي شهر به اليهود في الرض كلها،حتى صار علما على الصلف العنصري ،بينما المريكي ً البيض يزاوله تجاه الملونين في صورة أشد وأقسى ! وبخاصة ! إذا كان هؤلء الملونون من المسلمين. ... كنت أرى هذا كله فأذكر هذه الية ،وأتوقع سنة االله ،وأكاد أرى خطواتها وهي تدب إلى الغافلين . ... في ظلل القرآن . ١٩١ :٢ () ٩ الجاهلية تنحدر إلى السفح ويشير إلى عصبيات أمريكا والجاهلين عموم ًـ التي أنزلتاه من القمة السامقة إلى السفح الهابط، فنزلت إليه ا وأنزلت البشرية معها كذلك .وذلك في تفسير قوله تعالى(:وكذلك فتنا بعضهم ببعض ليقولوا أهؤلء من االله عليهم َّ من بيننا) النعام. ٣٥: (...ثم تتراجع البشرية عن الق ّة السامقة ،وتنحدر مرة أخرى إلى السفح .وتقوم ـ مرة أخرى ـ في ِم
نيويورك ،وواشنطن ،وشيكاغو ...وفي جوهانسبرغ ....وفي غيرها من أرض «الحضارة »! تلك العصبيات النتنة ،عصبيات الجنس واللون ،وتقوم هنا وهناك عصبيات «وطنية » و «وقومية » و «طبقية » لتقل نتن ا عن تلك ً العصبيات . ويبقى السلم هناك على القمة ..حيث ارتسم الخط الوضيء الذي بلغته البشرية ..يبقى السلم هناك ـ رحمة من االله للبشرية ـ ل علها أن ترفع أقدامها من الوحل ،وترفع عينيها عن الحماة ..وتتطلع مرة أخرى إلى الخط الوضيء.. في ظلل القرآن . ٤٠١١ :٢ ٠٩ () ٠١ بين قوم لوط والمريكيين يقارن بين شذوذ قوم لوط ـ الذين تعرضوا به للهلك ـ وبين شذوذ أهل أمريكا .وذلك في تفسيره لقوله تعالى( :ولوط ا إذ قا ل لقومه :أتأتون الفاحش َ؟ ما سبقكم بها من أحد من العالمين إنكم لتأتون الرجال ـ شهوة ـ ً ة من دون النساء ،بل أنتم قوم مسرفون )...العراف ٠٨ :ـ . ١٨ «وطبيعة التصور العتقادي ،ونظام الحياة الذي يقوم عليه،ذو أثر حاسم في هذا الشأن «العلقة بين الجنسين » فهذه هي الجاه لية الحديثة في أوروبا وأمريكا ،ينتشر فيها هذا النحراف الجنسي الشاذ انتشار ا سريع ا ً ً بغير مبرر! إل النحراف عن العتقاد الصحيح وعن منهج الحياة الذي يقوم عليه. » ... وقد كانت هناك دعوى عريضة ،من الجهزة التي يوجهها اليهود في الرض لتدمير الحياة النسانية لغير اليهود ،بإشاعة النحلل العقيدي والخلقي ..كانت هناك دعوى عريضة من هذه الجهزة الموجهة ،بأن احتجاب المرأة هو الذي ينشر هذه الفاحشة الشا ّة في المجتمعات! ولكن شهادة الواقع تخرق العيون. ففي أوروبا ذ وأمريكا لم يبق ضابط واحد للختلط الجنسي الكامل بين كل ذكر وكل أنثى ـ كما في عالم البهائم! ـ وهذه الفاحشة الشاذة يرتفع معدلها بارتفاع الختلط ول ينقص ،ول يقتصر على الشذوذ بين الرجال،بل يتعداه إلى الشذوذ بين النساء ..ومن ل تخرق عينيه هذه الشهادة فليقرأ «السلوك الجنسي عند الرجال »و «السلوك الجنسي عند النساء » في تقرير « كنزي » المريكي ..ولكن هذه الجهزة الموجهة ،ما تزال تردد هذه الكذوبة وتسندها إلى حجاب المرأة ،لتؤدي ما تريده بروتوكلت صهيون ومؤتمرات المبشرين... في ظلل القرآن ٥١٣١ :٣ـ . ٦١٣١ () ١١ وبين قوم نوح والمريكيين ويقارن بين قوم نوح ـ عليه السلم ـ وبين المريكيين في عالم القيم والموازين والعتبارات ،وكيف أن الفريقين الجاهليين يقيمون الرجل بما يملك من متاع دنيوي زائل ..وذلك في تفسيره لقوله تعالى( : قالوا ما نراك إل بشرا مثلنا ،وما نراك اتبعك إل الذين هم أراذ ُنا بادي ،وما نرى لكم علينا من فضل )...هود : . ٧٢ ً ل
«فقوم نوح في كلمهم هذا يقيسون الفضل بالمال ،والفهم بالجاه والمعرفة بالسلطان ...وهكذا المريكيون.. في أمريكا اليوم يقاس المرء بدخله ،ويوزن برصيده في البنك !! وموجة الوثنية تطغى من أمريكا على العالم، حتى في الشرق الذي يزعم أنه مسلم !!! » . في ظلل القرآن ٣٧٨١ :٤حاشية. ( ) ٢١ إعجاز القرآن بالتأثير يستشهد على إعجاز القرآن في التأثير ـ في أكثر من موطن في الظلل بحادث وقع له عندما كان على ظهر الباخرة التي أقلته إلى أمريكا عام . ٨٤٩١وقد ذكر الحادث كام ل في تفسيره لقوله تعالى( :أم يقولون افتراه قل : ً فأتوا بسورة مثله ،وادعوا من استطعتم من دون االله إن كنتم صادقين )..يونس ٨٣: . ١٩ (إن الداء القرآني يمتاز ويتميز عن الداء البشري ..إن له سلطانا عجيبا على القلوب ليس للداء البشري ، ً ً حتى ليبلغ أحيانا أن يؤثر بتلوته المجردة على الذين ل يعرفون من العربية حرفا ...وهناك حوادث عجيبة ل ً ً يمكن تفسيرها بغير هذا الذي نقول ـ وإن لم تكن هي القاعدة ـ ولكن وقوعها يحتاج إلى تفسير وتعليل.) ... ولن أذكر نماذج مما وقع لغيري ،ولكني أذكر حادث ا وقع لي،وكان عليه معي شهود ستة ،وذلك منذ حوالي ً خمسة عشر عام ا ..كنا ستة نفر من المنتسبين إلى السلم على ظ هر سفينة مصرية تمخر بنا عباب المحيط ً الطلسي إلى نيويورك ،من بين عشرين ومائة راكب وراكبة أجانب ليس فيهم مسلم ..وخطر لنا أن نقيم صلة الجمعة في المحيط على ظهر السفينة ! واالله يعلم أنه لم يكن بنا أن نقيم الصلة ذاتها أكثر مما كان بنا حماسة دينية إزاء مبشر كان يزاول عمله على ظهر السفينة ،وحاول أن يزاول تبشيره معنا ! ..وقد يسر لنا قائد السفينة ـ وكان إنجليزيا ـ أن نقيم صل َنا ،وسمح لبحارة السفينة وطهاتها وخدمها ـ وكلهم نوبيون مسلمون ـ أن ً ت يص ّوا معنا منهم من ل يكون في «الخدمة » وقت الصلة! وقد فرحوا بهذا فرحا شديدا .إذ كانت المرة الولى َ َل ً ً التي تقام فيها صلة الجمعة على ظهر السفينة ..وقمت بخطبة الجمعة وإمامة الصلة ،والركاب الجانب ـ معظمهم ـ متحلقون يرقبون صلتنا! وبعد الصلة جاءنا كثير منهم يهنئوننا على نجاح «القداس » فقد كان هذا أقصى ما يفهمونه من صلتنا! ولكن سيدة من هذا الحشد ـ عرفنا فيما بعد أنها يوعسلفية مسيحية
هاربة من جحيم «تيتو » وشيوعيته ـ كانت شديدة التأثير والنفعال .تفيض عيناها بالدمع ول تتمالك نفسها من التأثر العميق بصلتنا هذه وما فيها من خشوع ونظام وروح! ..وليس هذا موضع الشاهد في القصة ..ولكن ذلك كان في قولها :أي لغة هذه التي كان يتحدث بها «قسيسكم » فالمسكينة ل تتصور أن يقيم «الصلة » إل قسيس ـ أو رجل دين ـ كما هو الحال عندها في مسيحية الكنيسة ،وقد صححنا لها هذا الفهم! ..وأجبناها .فقالت:إن اللغة التي كان يتحدث بها ذات إيقاع موسيقي عجيب .وإن كنت لم أفهم منه حرف ا ..ثم كانت المفاجأة الحقيقية لنا وهي ً تقول :ولكن ليس هذا هو الموضوع الذي أريد أن أسأل عنه ..إن الموضوع الذي لفت حسي ،هو أن «المام » كانت ترد في أثناء كلمه ـ بهذه اللغة الموسيقية ـ فقرات من نوع آخر غير بقية كلمه !نوع أكثر موسيقية وأعمق إيقاعا ..هذا الفقرات الخاصة كانت تحدث في رعشة وقشعريرة!إنها شيء آخر ! كما لو كان ً المام مملؤا من الروح القدس ! ـ حسب تعبيرها المستمد من مسيحيتها ـ وفكرنا قلي ل .ثم أدركنا أنها تعني ً ً «اليات » القرآنية » التي وردت في أثناء خطبة الجمعة وفي أثناء الصلة !وكانت ـ مع ذل ك ـ مفاجأة لنا تدعو إلى الدهشة ،من سيدة ل تفهم مما نقول شيئا !! » . ً في ظلل القرآن . ٦٨٧١ : ٣ : () ٣١ من «أحاسيسه الخفية » وهو في أمريكا لما كان يتحدث عن «رؤيا » يوسف عليه السلم ،وقف يتحدث عن ظاهرة «الحلم والرؤى » والحلم التنبؤية والحاسيس الخفية ..ودللت ها النفسية والنسانية ،وارتباطها بالحواس والشعور ..ثم أشار إلى حادث له وهو في أمريكا ،عن أمر جرى لهله في القاهرة .وذلك في تفسيره لقوله تعالى( :وكذلك يجتبيك ربك، ويعلمك من تأويل الحاديث )..يوسف . ٦: ٢٩ «واستطيع أن أكذب كل شيء ،قبل أن اكذب حادثا وقع لي وأنا في أمريكا ،وأهلي في القاهرة ،وقد رأيت ً فيما يرى النائم أن ابن اخت لي شابا ،وفي عينه دم يحجبها عن الرؤيا ،فكتبت إلى أهلي استفسر عن عينه ً ُ بالذات ،فجاءني الرد بأن عينه قد أصيبت بنزيف داخلي ،وأنه يعالج... ويلحظ أن النزيف الداخلي ل يرى من الخارج ،فقد كان منظر عينه لمن يراها بالعين المجردة منظرا عادي ا ، ً ً ولكنها كانت محجوبة عن البصار بالنزف الداخلي في قاعها .أما الرؤيا فقد كشفت عن هذا الدم
المحجوب في الداخل !ول أذكر غير هذه لنها وحدها تكفي. » .. في ظلل القرآن ٢٧٩١ :٤حاشية . ()٤١ من ثمار الختلط في أمريكا أشار إلى بعض نتائج الختلط في أمريكا ،وبعض ثمار تلك الغرسة النكدة التي غرستها شياطين النس في أمريكا ،وذلك في تفسيره لقوله تعالى ( :قل للمؤمنين يغضوا من أبصارهم ويحفظوا فروجهم ذلك أزكى لهم ،إن االله خبير بما يصنعون .وقل للمؤمنات يغضضن من أبصارهن ويحفظن فروجهن )..النور ٠٣:ـ . ١٣ «ولقد شاع في وقت من الوقات أن النظرة المباحة ،والحديث الطليق ،والختلط الميسور ،والدعاية المرحة بين الجنسين ،والطلع على مواضع الفتنة المخبوءة ...شاع أن كل هذا تنفيس وترويح ،وإطلق للرغبات الحبيسة، ووقاية من الكبت ،ومن العقد النفسية ،وتخفيف من حدة الضغط الجنسي ،وما وراءه من اندفاع غير مأمون .. شاع هذا على أثر انتشار بعض النظريات المادية القائمة على تجريد النسان من خصائصه التي تفرقه من الحيوان ،والرجوع به إلى القاعدة الحيوانية الغارقة في الطين! ـ وبخاصة نظرية فرويد ...ولكن هذا لم يكن سوى فروض نظرية .رأيت بعيني في أشد البلد إباحية وتفلت ا من جميع القيود الجتماعية والخلقية والدينية والنسانية ً ما يكذبها وينقضها من الساس ... نعم ..شاهدت في البلد التي ليس فيها قيد واحد على الكشف الجسدي ،والختلط الجنسي ،بكل صوره وأشكاله ، أن هذا كله لم ينته بتهذيب الدوافع الجنسية وترويضها! إنما انتهى إلى سعار مجنون ل يرتوي ول يهدأ إل ريثما يعود إلى الظمأ والندفاع! وشاهدت المراض النفسية والعقد ،التي كان مفهوما أنها ل تنشا إل من الحرمان ،وإلى من التلهف على الجنس ً الخر المحجوب .شاهدتها بوفرة ومعها الشذوذ الجنسي بكل أنواعه ..ثمرة مباشرة للختلط الكامل الذي ل يقيده قيد ،ول يقف عند حد ،وللصداقات بين الجنسين تلك التي يباح معها كل شيء ! وللجسام العارية في الطريق،وللحركات المثيرة،والنظرات الجاهرة ،واللفتات الموقظة.. وليس هنا مجال التفصيل ،وعرض الحوادث وال مشاهد ،مما يدل بوضوح على ضرورة إعادة النظر في تلك النظريات التي كذبها الواقع المشهود. » .. في ظلل القرآن . ١١٥٢ :٤ ٣٩ () ٥١ عودة إلى نفس الموضوع ويعود إلى نفس الموضوع ـ ثمار الختلط النكدة في أوروبا وأمريكا ـ في تفسيره لقوله تعالى( :وإذا سألتموهن متاع ا فاسألوهن من وراء حجاب .ذلكم أطهر لقلوبكم وقلوبهن).الحزاب. ٣٥ : ً
«والواقع العملي الملموس يهتف بصدق االله ،وكذب المدعين غير ما يقوله االله،والتجارب المعروضة اليوم في العالم مصدقة لما نقول .وهي في البلد التي بلغ فيها الختلط الحر أقصاه ،أظهر في هذا وأقطع من كل دليل . وأمريكا أول هذه البلد التي آتي الختلط فيها أبشع الثمار . » ... في ظلل القرآن . ٨٧٨٢ :٥ الفصـل الرابع إشارات سيد قطب في كتبه السلمية عن أمريكا () ١ إشارات في «معركة السلم والرأسمالية » عداوة أمريكا لهذه المة : يتحدث سيد قطب عن عداوة الجبهة الغربية للمة السلمية ،ومظاهر هذه العداوة ،وحرصهم على إذللنا.. «وبعد فإن الجبهة الغربية المؤلفة من أمريكا وإنجلترا وفرنسا تستعبدنا وتستذلنا ،ول مكان لنا فيها إل مكان الذيول والعبيد .وكل تفكير في النضمام إليها إنما ينشأ من المصلحة المشتركة بين الرأسمالية المست غلة والستعمار الذي ِّ يحميها ،وكل ستار آخر إنما هو ستار خادع ،للتعمية على الجماهير ،التي أصبحت لحسن الحظ ل تنخدع بهذا الستار » .. معركة السلم والرأسمالية ٩٢ : من أخلق أمريكا: بعد أن يتحدث عن مكر الجبهة الغربية ـ إنجلترا وفرنسا ـ بالمة السلمية ويورد نماذج ل عداواتهم لنا ينتقل للحديث عن أمريكا فيقول « :فأما أمريكا :فالذين لم يعيشوا فيها ولم يروها ،قد ل يذكرون لها إل خيانتها لنا في قضيتنا بمجلس المن ،وفي حرب فلسطين .ول كن الذين عاشوا فيها ،ورأوا كيف ولغت صحافتها ومحطات إذاعتها وشركات أفلمها في كرامتنا وفي سمعتنا ،وكيف نشرت ذلك بعداء واضح واحتقار مقصود ،وأح ّوا ذلك العداء س العنيف لكل ما هو إسلمي وشرقي بوجه عام ،وعرفوا كيف ينظر المريكان للملونين عامة ومدى ما يكنون لهم من احتقار ؛هؤلء يعرفون ما هي أمريكا ،ويعرفون كيف يجب أن يردوا لها هذا الجميل وذاك . ولقد لقي «اللي » التركي الذي ذهب إلى كورية جزاءه الحق من المريكان ،وعرف نصيبه ونصيب أي جيش شرقي يذهب لمعاونة هؤلء المتغطرسين على الشرقيين لقد تركوه يحمي مؤخرة هزيمتهم ،فلما قام بدوره تركوه بل حماية من الطيارات ،وبل معونة من السيارات ،بل بدون ذخيرة ودون طعام !. وإنه لمثل بسيط لما ينتظر جيوش العبيد في أي حلف مشترك :فالتراك في نظر المريكان هم أرقى الشرقيين لسبب تافه بسيط :إنهم بيض البشرة ! ومع ذلك فتلك معاملتهم لهم في الميدان ...معاملة السيد الخائن الجبان !. ٤٩ معركة السلم والرأسمالية ٢٣ :ـ ٣٣ فشل الكنائس في أمريكا :
يتحدث عن مشاهدته للكنائس في أمريكا ،وفشلها في ضبط سلوك وحياة ر ّادها« :وكثيرا ما ذهبت إلى هذه و ً الكنائس ،واستمعت إلى الوعاظ في الكنيسة ،وإلى الموسيقى والتراتيل والدعية ،وكثير ا ما استمعت إلى إذاعة الباء ً في محطات الذاعة في العياد المسيحية ..دائما يحاول الباء أن يعقدوا الصلة بين قلب الفرد وبين االله .ولكن ً واحدا منهم لم أسمعه يقول :كيف يمكن أن تكون مسيحيا في واقع الحياة اليومية ،ذلك أن المسيحية إنما هي مجرد ً ً دعوة للتطهر الروحي ،ولم تتضمن تشريعا للحياة الواقعة ،بل تركت ذلك لقيصر .. ». ً معركة السلم والرأس مالية ٦٥ :ـ . ٧٥ نموذج لخريج من أمريكا : إن أمريكا تمسخ وتشوه الذين يدرسون فيها ،والذين يتخرجون من جامعاتهـا فيعـودون إلـى بلدهـم بـدون شخصية أو كيان ،وبدون علم أو أدب أو خلق...إل من رحم االله فثبته هناك على دينه ،واسـتعلى علـيهم بإيمانـه، وعاد أكثر ثقة بدينه وأنفذ بصرا بما حوله.. ً ويعرض علينا سيد قطب نموذج ا لخريج من أمريكا ،مشوه ممسوخ ملوث« ..وليس حكم السلم وحده هو الذي ً يثير هذه الصورة الماحلة في خيالهم ،بل إن بعضهم ليثير هذه الصورة في حسه مجرد الربط بين الحكم وعنصر الخلق !ولست أنسى أن أحد «الدكاترة »في التربية العائدين من أمريكا ،كان يتحددث معي عن المجتمع المريكي، فقلت إن لهذا المجتمع مزاياه .ولكن الذي أنكره عليه هو أنه ينفي العنصر الخلقي من حسابه جملة ، ويعده عنصرا ً دخيل عن الحياة .فانتفض حماسة وأستاذية يقول « :إذا كنا سنتحدث عن الخلق ،إذن فلنرجع إلى ً عيشة الخيام » . وبمثل هذه الروح سيتولى ذلك الدكتور العظيم إعداد جيل من المعلمين في معهد التربية ،يتولون بدورهم إعداد أجيال من أبنائنا ،الذين نسلمهم إليهم في ثقة واطمئنان.. معركة السلم والرأسمالية ٥٦ :ـ . ٦٦ نموذج لنشاط «كنسي » ل أخلقي : يحرص سيد قطب على أن يعرض نماذج من نشاط «الكنائس » في أمريكا ،واستخدامها وسائل غير أخلقية لجتذاب الشباب والشابات ..وقد تحدث عن نموذج يعتبر «ليلة حمراء » في كنيسة أمريكية في مقاله «أمريكا التي رأيت » وأعاد هذا النموذج هنا باختصار .. «لقد فهمت الكنيسة في أمريكا ما يفهمه أولئك العصريون والمتحررون ،فاستحالت من هيكل عبادة إلى ساحة رقص ،ومن قدس ت ّهر إلى ساحة لذة ..ولست أنسى ذلك «الب » الذي انتهى من الصلة والترتيل،
ليقود «أبناءه َط وبناته » إلى ساحة الرقص الملحقة بالكنيسة ،ووقف ينظر برضا إليهم وإليهن أزواجا أزواجا متلصقة، تدور في ً ً الساحة على أنغام الموسيقى ،في ظل النوار الحمر والصفر والزرق ،التي تلقي ظلل الرومانسية العنيفة ،وتهيج الدم في عروق الشباب ! ثم تقدم إلى «الجراموفون » ليختار «إسطوانة » يرقص عليها أبناؤه وبناته تحت سمعه وبصره ،فاختار قطعة غزل جنسية صارخة ،تمثل حوارا بين شاب وفتاة ،عائدين من السينما بعد منتصف الليل ، ً ٥٩ وهو يمسك بها في حجرته الدافئة ،ول يطلقها لتعود إلى أهلها لن الليلة باردة ،وفي نهاية كل مقطع تتردد تلك الجملة » But Baby: its cold outsideياصغيرتي إنها باردة في الخارج! » . معركة السلم والراسمالية .٦٩ : حكام امريكا «خريجو »مدارس التبشير: «إن اجهزة الدعاية المريكية في الشرق هي التي تتولى الدعاية للهند ،بأموال امريكية يظهر صداها في صحافة الشرق واضح ا ،لماذا لن الهند ليست مسلمة ولن بينها وبين أول دولة مسلمة في الشرق نزاع ا. ... ً ً والكثرة من الحاكمين في الدولة المريكية تخرجوا في المعاهد التبشرية ..وهي حقيقة أفضى بها إلي أحد الساتذة النجليز الذين التقيت بهم في أمريكا ،وعد لي عشرات من السماء البارزة في وزارة الخارجية المريكية في السلك السياسي ،ولم يكن يفضي إلي بهذه الحقيقة بريئ ا لوجه االله !ـ وإنما هو ـ كما عرفت فيما بعد ـ أحد ً رجال قلم المخابرات البريطاني الذين يهمهم أل يثق الشرقيون كثيرا في نيات أمريكا ! مما دعاني إلى التشكك في ً بياناته لي ،فتحققتها بوسائل أخرى. » .. معركة السلم والرأسمالية ٧٩ :ـ .٨٩ () ٢ إشارات في «دراسات إسلمية» أمريكا مع بريطانيا ضدنا: «وإنجلترا ـ كما يقول كتا بنا الخونة ـ هي الدولة التي ل تتدخل في الحرية الدينية ...ومن وراء الستعمار ُُّ البريطاني والفرنسي ،تقف أمريكا بدولراتها وطياراتها ودباباتها وقنابلها الذرية ،تحمي الستعمار في كل مكان ، وترد له هيبته الضائعة ،وتقتل المواطنين الحرار الذين يدافعون عن بلدهم ،وتخذل قضايا الحرية في هيئة المم المتحدة ،وفي مجلس المن الدولي . وأمريكا ـ كما يقول ك ُّانا المرتزقون ـ هي حامية الحرية «في العالم الحر » الذي يتحدثون عنه ول يعرف
ُت ب العالم له وجودا. » .. ً دراسات إسلمية ٩٦١ :ـ . ٠٧١ صورة من تبعية عملء أمريكا لها : وهو ـ الستعمار ـ ل يرصد لنا قوة الحديد والنار وحدها ،بل إنه يضع لنا الفخاخ القتصادية ،على نحو مـا تحاوله أمريكا في هذه اليام من عقد المعاهدة التجارية الرهيبة ،التي عرضتها في العهد الماضي ،ثم عادت اليوم تحاولها من جديد. وهي المعاهدة التي تحتم علينا قبول البضائع المستورد من أي بلد من بلد العالم ،ما دامت تحمل الشعار المريكي ..أي ان المصانع المريكية في إسرائيل تغزونا في عقر دارنا ،ونحن لنملك لها ردا ..وكذلك تغل يدنا ً عن الحتفاظ بالعملة التي نريد الحتفاظ بها ،لنها تبيح للشركات المريكية وللرعايا المري كان في مصر أن يخرجوا نقودهم بأية عملة كما يشاؤون. ٦٩ وذلك كله في مقابل أن يكون لنا ـ نحن المصريين ـ حقوق مماثلة في الرض المريكية أي واالله .مقابل أن تكون لنا في أمريكا شركات ومصانع وموظفون وأموال . ...وأن نستمتع بالحريات والضمانات التي يتمتع بها الرعايا المريكان في بلدنا ...تماما كما كان لنا حق استخدام الموانيء والمطارات وطرق المواصلت في قلب ً إنجلترا بحكم معاهدة الشرف والستقلل في يوم من اليام .لول أننا ـ لسوء الحظ ـ قد ألغينا هذه المعاهدة !ومن يومها وأساطيلنا البحرية والجوية في أوروبا ل تجد لنا مرسى ،لننا قد فقدنا حق استخدام المطارات والموانيء النجليزية.. دراسات إسلمية.٣٧١ : حادثة أمريكية تكشف ضمير أمريكا: «وهو ذاته (ضمير الغربي المتحضر الحر) الضمير الذي شاهدته بعيني في أمريكا ،والبيض يتجمعون على شاب زنجي ب مفرده ،ليضربوه ويركلوه ويدهسوه بكعب نعالهم ،حتى يخلطوا عظمه بلحمه ،في الطريق العام ، والبوليس ل يحضر أبدا إل بعد إتمام الجريمة ،وتف ّق الجماهير المتوحشة كوحوش الغابة.. ». ً ر دراسات إسلمية. ٣٧١ : لعبة أمريكية سياسية: «وقف مسيو «روبير شومان » وزير الخارجية الفرنسية ينذر وزير الخارجية المريكية بأن فرنسا سترفض التصديق على معاهدة الصلح اللمانية وتوقيع ميثاق الدفاع عن غرب أوروبا ،كما ستنسحب من حلف الطلنطي ، إذا أيدت الوليات المتحدة التونسيين والمراكشيين في المم المتحدة. » . وحق لفرنسا أن تهدد أمريكا .فهي تعلم أن أمريكا غير جا ّة في نصرة قضية تونس ومراكش ،ولكنها تضحك د
على ذقون العرب والمسلمين ،حين تتظاهر بتأييدهم في قضاياهم ضد الستعمار الوروبي ،ولو كانت جا ّة لوجدت د الوسيلة ،فإن فرنسا وإنجلترا تعيشان عالة على أمريكا .ولو أمسكت عنهما المدد لفلستا .فهي تملك إذن أن تصنع شيئ ا لو أرادت ،ولكنها ل تريد . ً واللعبة المريكية في موقفها هذا مكشوفة ،إنها تدع فرنسا تهدد وتخضع لهذا التهديد الوهمي ،الذي ما كانت فرنسا لتقدم عليه لو أنها تعلم أن أمريكا صادقة الّنة ...كذلك تستخدم دول أمريكا اللتينية للغرض نفسه ،فتوحي ي إليها أن تعارض أي نص قاطع يؤكد حقوق التونسيين والمراكشيين في الستقلل ،ليكون ذلك تكأة لمريكا في التراجع . وقد صرح رئيس الوفد الندونيسي ،بأن أعضاء الكتلة العربية السيوية التي تعمل لوضع مشروع قرار بتشكيل لجنة معظم أعضائها منهم ،قد تخلوا عن الفكرة الولى التي تقضي بأن يتضمن مشروع القرار فقرة تؤكد حقوق التونسيين والمراكشيين في الستقلل،وذلك خشية عدم تأييد دول أمريكا اللتينية للقرار ،إذا قدم متضمنا هذه الفقرة . ً ووراء هذا كله أمريكا .فقد صرح مستر «فيليب جيسوب » رئيس الوفد المريكي في هيئة المم :بأن الوليات المتحدة تحاول إقناع الكتلة العربية السيوية بعدم التطرف في عداء فرنسا،وأنه «سعيد » لن أعضاء هذه الكتلة قد بدأوا يتراجعون عن موقف التطرف الشديد في عدائهم لفرنسا ! إن الوليات المتحدة تريد أن يكون مشروع القرار الذي سيقدم إلى المم المتحدة معتدل بحيث يقتصر على مطالبة الفريقين بإستئناف المفاوضات . ً ٧٩ هذه هي المأساة الت ي تمثل في هذه اليام ،على مسرح هيئة المم بمعرفة أمريكا والستعمار الوروبي.. أمريكا صليبية كأوروبا : «...ومع ذلك فنحن ببلهة منقطعة النظير نقف لننتظر العون المريكي الذي يخلصنا من الستعمار الوروبي . إننا ننسى أن العا َم الوروبي والعالم المريكي يقفان صفا واحدا بإزاءالعالم السلمي والروح الصليبية القديمة ل ً ً هي ماتزال .إننا ننسى هذا ،لن فينا مغفلين كثيرين ومغرضين كثيرين يضللوننا ،وينشرون دعاية مغرضة عن رغبة أمريكا في إنصاف الشعوب المستعبدة ،ومساعدة الشعوب المتأخرة ومع أننا ذقنا الويل من أمريكا في فلسطين ،فإن أجهزة الدعاية المريكية تعمل ..و «جمعية الفلح » تظهر في الميدان ،وتقوم بواجبها . إن جراحات العالم السلمي تنبض بالدم في كل مكان ،وأمريكا واقفة تتفرج ،بل تساعد المستعمر الوروبي
القذر .ومع هذا توجد صحف ويوجد ناس :ناس مصريون ومسلمون يتسمون أحمد وحسين ،وحسن، وعلي ... يتحدثون عن تمثال الحرية في ميناء نيويورك ،وعن فرنسا أم الحرية. » ... تعريف أولدنا على حقيقة الصليبيين: «وأحيان ا يسألك بعض المتخاذلين أو بعض المدسوسين :وماذا نملك أن نصنع ونحن ً ضعفاء؟ ». ماذا نصنع؟ إذا لم نستطع أن نح ّم الكف التي تمتد إلينا بالسوء ،فل يجوز أن نقبلها ونحن ُق ّل الكف . ط نب إذا لم نستطع أن نصنع شيئا ،فلنحتفظ على القل بأحقادنا المقدسة ولنورثها أبناءنا ،فقد يكونون في ظروف ً تمكنهم من رد الجميل للرجل البيض !.. إن الرجل البيض يدوسنا بقدميه ،بينما نحن نحدث أولدنا في المدارس عن حضارته ومبادئه العالمية ومثله السامية ... إننا نغرس في نفوس أبنائنا عاطفة العجاب والحترام للبيض الذي يدوس كرامتنا ويستعبدنا . فلنحاول أن نغرس بذور الكراهية والحقد والنتقام في نفوس المليين من أبنائنا ،ولنعلمهم منذ نعومة أظفارهم أن الرجل البيض هو عدو البشرية ،وأن علي هم أن يحطموه في أول فرصة تعرض ،ولنكن واثقين من أن الستعمار الغربي سيرتجف حين يرانا نبذر هذه البذور... «اليونسكو » لعبة استعمارية أمريكية: «إن هذا الستعمار هو الذي حاول أن يغرس في نفوسنا حبه واحترامه ،فلما خشي اليوم أن نستيقظ اخترع حكاية «اليونسكو » ودعا هذا «اليونسكو »إلى حذف كل ما يثير الحقاد القومية في دراسة التاريخ، وذلك بإسم النسانية والخاء البشري .. وهذه لعبة استعمارية جديدة يجب أن ننتبه إليها لننا إذا اتبعنا تعاليم اليونسكو فسنخ ّر كل شعور قومي ناهض . د ولن يستفيد من هذا التخدير سوى الستعمار وهذا ما تقصد إليه « هيئة اليونسكو ». إن أوروبا وأمريكا دول مستعمرة ،فماذا عليها من حذف كل ما يثير الحقاد القومية في دراسة التاريخ؟ إنها تكسب بهذا ول تخسر شيئا .أما نحن فإن الستعمار يخنقنا ،فإذا لم ننبه شعور الحقد عليه ،فقد خسرنا السلح الول ً وخسرنا المعركة كلها.» ... دراسات إسلمية ١٨١ :ـ . ٥٨١ ٨٩ () ٣ إشارات في «السلم العالمي والسلم » من آثار التبرج والختلط : «فأما التهذيب والتصريف النظيف باللقاء وبالحديث ...فليسألوا عنها نسبة الحبالى من تليمذات الثانوية المريكية ،وقد بلغت في إحدى المدن ٨٤من المائة ..٢ وأما البيوت السعيدة بعد زواج الختلط المطلق والختيار الكامل فليسألوا عنها نسبة البيوت المحطمة
بالطلق في أمريكا ،وهي تقفز فترة بعد فترة كلما زاد الختلط وكلما تم الختيار ! وهذه النسبة المخيفة تمضي في هذه الخطوط ،حسب إحصائية أمريكية صدرت في سنة ٠٥٩١م . التاريخ النسبة في المائة سنة ٠٩٨١م %٦ سنة ٠٠٩١م % ٠١ سنة ٠١٩١م % ٠١ سنة ٠٢٩١م % ٤١ سنة ٠٣٩١م % ٤١ سنة ٠٤٩١م % ٠٢ سنة ٦٤٩١م % ٠٣ سنة ٨٤٩١م % ٠٤ والبقية تأتي من البيوت المحطمة تحت مطارق الشهوات الجامعة والرغبات المتقلبة ،والقلق الجانح، الذي يثيره تقلب العواطف في المجتمع المتقلب ،الذي تلوح فيه للزواج والزوجات مزايا جديدة في نساء جدد ورجال ،فينفلت هؤلء إلى صيد جديد ،وتتأرجح البيوت في مهب الريح ،كلما لمح زوج أو لمحت بارقة لمعة في شخص ية جديدة ، كما لو كان الزوج أو كانت الزوجة قطعة أثاث أو رباط عنق أو زيا جديدا في عالم «المودات »!. ًّ ً الواقع المريكي يكذب النظريات الجاهلية : لقد آن أن تراجع البشرية تلك النظريات الخيالية الخاوية التي تقول :إن الختلط تصريف جزئي ملطف نظيف . وإن التجربة تقود إلى الختيار ،وإن الختيار طريق الستقرار . إنها نظريات تبدو منطقية ،ولكن التجربة الواقعية ،التي بلغت في أمريكا بالذات غايتها ،كفيلة بأن تسخر من هذا المنطق الظاهري البراق ! فلم يؤد الختلط إلى تصريف نظيف ،إنما أ ّى إلى بهيمية كاملة تطبع النزوات الجسدية د وتلبيها بل حد ول قيد .ولم تؤد التجربة الكاملة والختلط المطلق إلى التماسك في البيوت ،ول إلى الستقرار والثبات ،إنما أ ّى إلى تفكك دائم ،وطلق متزايد وجوع مستمر وسعار!.. د في إحصاء عن مدينة «دنفر » عاصمة ولية كولورادو ،وأحسب أننا ماضون في طريق دنفر بعد أن اخترنا لنفسنا أخيرا هذا 2 ً الطريق اللعين!!(سيد). ٩٩ وإن التجربة المريكية في هذا المجال لتجبه آراء «فرويد » وأمثاله بالتكذيب ،إنها لتصرخ في وجه من يريد أن يسمع ،بأن الختلط الدائم مدعاة إلى تهيج دائم ،إما أن ينتهي إلى ذروته وغايته فينطفئ مؤقتا ريثما يعود إلى ً الشتعال ،وإما أن ل ينتهي إلى هذه الغاية العملية والمادية ،فيؤدي إلى الضغط العصبي وما وراءه من أمراض.. السلم العالمي والسلم ٤٧ :ـ . ٦٧
فصل «والن » . ...الذي صادرته مصر الثورية : يقول الستاذ يوسف العظم في كتابه عن سيد قطب «بقي أمر هام ل بد من الشارة إليه ،وهو أن السلطات المصرية في الثورة المتحررة أمرت بحذف فصل كامل من الكتاب (السلم العالمي والسلم) عنوانه ( والن) لنه يفضح السياسة الستعمارية المريكية في المنطقة ،ويكشف زيف الدعاءات المريكية بتقديم المعونات المالية والقتصادية للدول النامية. » ... رائد الفكر السلمي المعاصر. ٢٦١ : تقديم الستاذ يوسف العظم لكلم سيد : وبما أن الطبعات اللحقة من كتاب «السلم العالمي والسلم » خالية من ذل ك الفصل الهام ،وبما أنه مرتبط بموضوع كتابنا ارتباطا مباشرا ،لذلك سنعتمد على الستاذ يوسف العظم في ما نقل من ذلك الفصل . ً ً يقول في تقديمه لكلم سيد قطب« :ولقد كان الشهيد واضحا جريئا فيما قدم من تحليل وتناول من كشف خطط ، ً ً بحيث سلط الضواء على السياسة المريكية الجديدة ،المتسترة برداء المعونات للدول النامية ، والسياسة السوفياتية المتلفعة بمسرح الحرص على الطبقة العاملة ومصلحة الكادحين. وراح يعري هذه وتلك ،بصورة واعية مدروسة وموضوعية مؤثرة.. ولم يقف عند حد كشف جرائم الستعمار البريطاني المتهرئ في كل بقعة من ديار السلم ،كما فعل الكثيرون ممن طاردوا النفوذ البريطاني في المنطقة ،بتخطيط من التوجيه المريكي ،ودعم من نفوذ الدولر. لقد تناول الرجل السياسة المريكية الجديدة بالتحليل ،وع ّاها من كل زخرف ،حتى بدت بشاعتها القائمة على ر أسوأ أنواع الستعلء والظلم والتسلط ،عبر الفكر المسموم والعهر الفاضح والقتصاد الربوي المستغل، وكشف كثيرا من المشاريع المريكية في المنطقة وبي ن ارتباط هذه المشاريع بت ّار الحروب ،وبالرغبة المريكية ال ُل ّة في ً ّ ج مح فتح أسواق لتسويق بضائعها ،واستهلك منتجاتها. » . رائد الفكر السلمي المعاصر. ٨٠٢ : أمريكا تأكلها الحرب : يقول سيد قطب في الفصل المشار إليه «إن أمريكا تريد أن تحارب ،ولو طاوعتها أوروبا لما صبرت عن الحرب حتى حادث كوريا ،فلقد كانت تريدها حربا كاملة منذ أزمة برلين المعروفة ،ولكن أوروبا المحطمة ،كانت ً أعجز من أن تلبي رغبة أمريكا الملحة ،وهي ما تزال تلعق جراحها ،وتعالج مآسيها ،فضل عن أن للشيوعية فيها ً قوى مذخورة تتهيأ للحظة المنظورة ،وإغراء الدولر كان يملك أن يصنع كل شيء في أوروبا إل أن
يدفعها إلى حرب عالمية ثالثة ...ولهذا وحده صبرت أمريكا . المرجع السابق. ٨٠٢ : ٠٠١ الحرب من أجل رؤوس الموال المريكية: «إن رؤوس الموال المريكية بحاجة مل حة إلى حرب جديدة .هذه هي المسألة ،إ ن الفتوحات العلمية التي ُّ أسرعت خطاها في الحرب الماضية ،والتجارة التي أفادتها الصناعة من تعبئة الموارد في أيام هذه الحرب ،قد هيأت للصناعة المريكية فرصا جديدة لمضاعفة النتاج ،في الوقت الذي أصبحت مسألة التصريف مسألة عسيرة.. ً ً ومع أن السواق كانت بعد الحرب خاوية ،وفي حاجة ماسة إلى النتاج المدني وخاوية من المنافسة الوروبية ، إل أن القدرة على الشراء كانت ضعيفة وبخاصة في أوروبا المحطمة معنى هذا هو الكساد بالقياس إلى النتاج المريكي ،و معنى الكساد هو الخسارة المؤكدة لرؤوس الموال المريكية. » .. المرجع السابق ٨٠٢ :ـ ٩٠٢ مشروع «مارشال » المريكي وغاياته الحقيقية: «ومن هنا كان « مشروع مارشال » وكانت لهذا المشروع غايات أساسية ثلث : الغاية الولى : كانت هي تصريف النتاج المريكي الفائض ،دون أن تدفع الدول المنتفعة به ثمنه نقدا بالدولر المريكي، فقد ً كانت الحكومة المريكية تفتح العتمادات للدول الوروبية لتنفقها هذه الدول في شراء النتاج المريكي في الغالب . وحقيقة أن رؤوس الموال المريكية كانت تتحمل ضرائب عالية لتمكين الحكومة من تنفيذ مشروع مارش ال ، ولكنها مع هذه الضرائب العالية كانت تحقق ربح ا ل شك فيه بتنفيذ المشروع ،وتتقي الخسارة التي تنشأ من ً الكساد!. والغاية الثانية : كانت هي اتقاء حالة التبطل بين عمال أمريكا ،وما يتبع التبطل من ه ّات اجتماعية بعد وقف النتاج الحربي ز الذي كان يستغرق هذه اليدي العاملة ،وكان هذا يقتضي إيجاد مصرف للنتاج المدني الذي يسمح بتشغيل المصانع إلى الحد القصى ،فكان مشروع مارشال ،وتغذية دول أوروبا باللت ،هو الوسيلة لتحقيق هذا الهدف، الذي ينطوي بدوره على تحقيق نوع من الربح لرؤوس الموال المريكية. والغاية الثالثة : كانت هي تعمير أوروبا ،وإعادة سير الحياة فيها ـ وبخاصة حياة العمال ـ تحقيقا للنشاط القتصادي العلمي من ً ناحية ،ومقاومة للشيوعية في أوساط المتعطلين من ناحية أخرى ...وكان مشروع مارشال يعاون على تحقيق هذه
الغاية . المرجع السابق ٩٠٢ :ـ . ٠١٢ «مارشال » أحد رجال التاريخ المريكي : «ومن هنا يعد « مارشال » صاحب هذا المشروع ـ في نظر المريكان ـ أحد رجال التاريخ المريكيين، وقد عدته مجلة «لوك » أحد «العشرين الذين صاغوا القرن العشرين » ل في أمريكا وحدها ،بل في العالم على الطلق. » .. المرجع السابق. ٠١٢ : ١٠١ إنجلترا تمكر بأمريكا ولكن مشروع « مارشال » لم يكن يمكن امتداده إلى البد ،فطبائع الشياء تقتضي وقوفه عند حد معين ،عندما تصل السواق الوروبية إلى درجة التشبع من جهة ،وعندما تصل أداة النتاج الوروبية إلى درجة الكتمال من جهة أخرى «وقد استعادت أوروبا أو أوشكت أن تستعيد قدرتها الكاملة على النتاج ،وعادت إلى الوقت الذي تصبح فيه مصدرة ل مستهلكة ومزاحمة للنتاج المريكي ل في السواق الوروبية وحدها ،بل كذلك في أسواق العالم الخرى. عند ذلك لعبت بريطانيا لعبتها الماكرة استغ ّت فيها سذاجة العقلية المريكية ،وقلة خبرتها الدولية .تلك هي لعبة ل تخفيض قمية الجنيه السترليني بالنسبة لقيمة الدولر .فلقد تركت أمريكا تقدم عليها للقيمة الواقعية للدولر في السواق ل القيمة الرسمية ،وتظاهرت بالذعر منها والشفاق ،وهي تكتم عن حليفتها نية أخرى ...تلك النية التي لم تتبينها أمريكا إل أخيرا . ً أما النتيجة فكانت هي أغلق السواق في وجه البضائع المريكية التي أصبحت أسعارها مرتفعة بالقياس إلى العملة في منطقة السترليني .أما في سواها فقد صارت أرخص بكثير من مثيلها المريكي. » ! ... المرجع السابق. ١١٢ : وأمريكا ترد على المكر النجليزي : وعندما تنبهت أمريكا «أخيرا »إلى هذه الخدعة ،أخذت ترد عليها باستنزاف الخامات في السواق العالمية ،ذلك ً كي ترفع سعر هذه الخامات في وجه الصناعة البريطانية ،وتجعلها أقل قدرة على المنافسة ،لن ارتفاع ثمن الخامات يجبر الصناعة النجليزية على رفع أسعار المنتجات ،وبذلك يقع شيء من التعادل بين السعار المريكية والسعار النجليزية .وقد ارتفع سعر خامات الصوف مث ل خمسمائة في المائة ،لن الصوف صناعة إنجليزية ً رئيسية .وكذلك ارتفعت أسعار معظم الخامات التي تقوم على اساس الصناعة البريطانية بتأثير هذه الخطة المريكية التي جاءت ردا على الخدعة البريطانية .وكان هذا سببا في موجة الغلء التي عمت العالم أخير ً ،بجانب
السباب ً ً ا الطبيعية الناشئة من الستعداد للحرب العالمية ». المرجع السابق. ١١٢ : الشيوعية تأخذ الصين من أمريكا: إل أن هذا الجراء المريكي لم يكن ليزيد على أنه إجراء وقتي لمواجهة هجوم مّعن ،ولكن الحالة العا مة في ي السواق بالقياس إلى استقبال النتاج المريكي لم تتأثر تأثير ا يذكر ،وقد صادف ذلك صدمة كاملة باكتساح ً الشيوعية لذلك القسم الهام من أسواق العالم وهو الصين ،الصين ذات الخمسمائة مليون من السكان، ربع سكان الرض على وجه التقريب ،وحقيقة أن الصين لم تكن سوقا أمريكية رئيسية ،ولكن كان المرجو بعد هزيمة اليابان ً كذلك .فلما اكتسحتها الشوعية أغلق هذا المنفذ ،وأحست رؤوس الموال المريكية بشيء من الختناق، كما أحست الدوائر الجتماعية بالخطر من انتشار البطالة ،وقد بلغت اليدي المتعطلة قبيل الحرب الكورية نحو خمسة مليين (نقصت إلى ثلثة مليين بعد انتهاء الحرب ). ٢٠١ ومن هنا لم يكن بد لمريكا أن تحارب .وإذا كانت الحرب الكورية قد اجتذبت نحو مليونين من اليدي المتعطلة ، فإنها ل تصلح وحدها علج ا للموقف ،ول بد من حرب شاملة تجتذب جميع اليدي العاملة من جهة، وتضمن ً ( )١ هي ضرورة قومية ،فض ل على لرؤوس الموال أرباح ا كاملة من جهة أخرى ،فالحرب بالقياس إلى أمريكا ً اليوم ً الرغبة القوية في وقف تيار الشيوعية العالمية بطبيعة الحال ،هذا التيار الزاحف الذي يغمر في كل يوم أرضا جديدة ً ويقفل في كل يوم سوقا جديدة . ً المرجع السابق ١١٢ :ـ . ١٢١٢ أوروبا وأمريكا في وجه الشيوعية: «إذا كانت أوروبا تتلكأ في الستجابة لمريكا ،فتؤجل بهذا التلكؤ موعد نشوب الحرب المطلوبة ،فإنها لن تتلكأ طويل ،لنها ستجد نفسها قريب ا مدفوعة إلى الحرب بنفس السباب التي تدفع أمريكا ،وفي اليوم الذي يبلغ النتاج ً ً الوروبي الرأسمالي ذروته سيواجه الموقف ذاته بالنسبة إلى السواق .وما دامت الشيوعية تزحف ـ وهي ل بد أن تزحف ـ تملي لها تلك الحوال الجتماعلية السيئة في معظم بلد العالم ،وفوارق الطبقات السحيقة التي تثير الحقد في الصدور ،ويغذيها ذلك الجشع الغبي الذي تتمسك به الرأسمالية والقطاعية ،وبخاصة في مناطق
الشرق ..وما دامت الشيوعية تزحف فهي تغلق في كل يوم سوقا جديدة في وجه النتاج الرأسمالي في أوروبا وأمريكا.وهنا تلتقي ً مصلحة رؤوس الموال هنا وهناك في محاولة وقف هذا التيار ،واسترداد السواق بقوة السلح ،أو على القل بالستهلك الحربي ،إنتاج السلحة والذخائر وأدوات الموت والدمار ،تلك التي تضمن للمصانع أن تعمل ،ولرؤوس الموال أن تربح وللمليين أن تموت .. المرجع السابق ٢١٢ :ـ . ٣١٢ من وسائل أمريكا في احتواء الدول الخرى : «فأما الكتلة الرأسمالية بقيادة أمريكا فتستخدم عدة وسائل لهذه الغاية. تستخدم أول عامل التخويف للرأسماليين في كل أنحاء الرض ،وبخاصة في العالم العربي القطاعي ، ً من الشيوعية التي تزحف يوما بعد يوم ،وتناشدهم المصلحة المشتركة بين الستعمار والرأسمالية ،تلجأ في ذلك إلى ً المحالفة الطبيعية بين الرأسمالية المحلية والرأسمالية العالمية .. وتستخدم ثاني ا الضغط السياسي ـ والقتصادي ،وأحيان ا الضغط المسلح ،في البلد الواقعة في ربقة الستعمار ً ً المباشر وغير المباشر :كما هو الشأن في مجموعة البلد العربية. وتستخدم ثالثا إغراء الدولر تحت عناوين كثيرة ،منها ذلك العنوان الجديد الذي خلفت مشروع « ً مارشال » وهو عنوان «المساعدات » القتصادية » وعنوان «النقطة الرابعة » في مشروع ترومان!. وهي على العموم تخاطب الطبقات الحاكمة والمستغلة ..ول تعتمد كثيرا على الجماهير ،لن مصالح هذه ً الطبقات معلقة بانتصار الكتلة الرأسمالية .وتبذل جهودا جبارة في هذا السبيل ،وإ ن كانت ل تريد في الوقت ذاته أن ً تلقي بال إلى مطالب الشعوب القومية ،لفرط ثقتها بالطبقات الحاكمة والمستغلة ،ويقينها أن هذه ً الطبقات لن تعادي الستعمارعداء حقيقيا في سبيل مطالب شعوبها القومية..وسيظل موقفها كذلك إلى ان تتولى هذه ً الشعوب قضاياها ( )1ظهرت الطبعة الولى من هذا الكتاب في عا م ( .١٥٩١سيد) ٣٠١ بأنفسها ،وتبره ن على أنها ل تستنيم لشعوذات المشعوذين من زعمائها وكبرائها ،وأنها عازمة أن تسبب للستعمار وللجبهة الرأسمالية متاعب حقيقية ،وتعرض مصالح هذه الجبهة وجيوشها لخطار حقيقية في حالة نشوب حرب ... وعندئذ فقط قد تفكر الرأسمالية الستعمارية في النصات لصيحات هذه الشعوب... المرجع السابق ٣١٢ :ـ . ٤١٢ وقد نقل الستاذ يوسف العظم معظم فصل «والن » ..من الطبعة الثانية من كتاب «السلم العالمي والسلم » الطبعة الثانية ٢٥٩١صفحات ٨٥١ :ـ ٤٦٥١باختصار ويلحظ أن الطبعات اللحقة ـ الثالثة وما بعدها ـ خالية من ذلك الفصل القيم .
() ٤ إشارات في كتاب «السلم ومشكلت الحضارة » تحدث سيد قطب عن أمريكا في كتابه « لسلم ومشكلت الحضارة » وأورد فيه فقرات من كتابه «أمريكا التي رأيت » وأعلن عنه أنه تحت الطبع ـ وقد أشرنا إلى مصير ذلك الكتاب فيما سبق . وبعض كلمه الذي أورده هنا أخذه من مقالته التي نشره ا في مجلة الرسالة بعنوان «أمريكا التي رأيت :في ميزان القيم النسانية » ـ وقد نقلنا هذه المقالت في هذا الكتاب ـ وبعضه لم يرد في المقالت الثلث التي أشرنا إليها... وأورد معظم كلمه عن أمريكا في كتاب «ا لسلم ومشكلت الحضارة » في فصل «المرأة وعلقات الجنسين » بإعتبار نظرة المريكيين إلى المرأة وعلقات الجنسين «سؤة » الحضارة المريكية والنظم المريكية والشعب المريكي. نموذجان لنظرة المريكيين للجنس : المهم هنا أن نقرر جموح النظرة إلى المرأة وبعد انقلب أوروبا من نير الكنيسة والتصورات الكنيسية، وشرودها ـ إبان هذا ـ عن االله ومنهجه في الحياة ،والفصل بين اللذة الجنسية في علقات الجنسين وأهدافها النسانية ـ ثم أهدافها الحيوانية أيض ا... ً «قالت لي إحدى الفتيات المريكيات في معهد المعلمين «جريلي كولورادو » في أثناء مناقشة عن الحياة الجتماعية في أمريكا »: إن مسألة العلقة الجنسية مسألة بيولوجية بحتة ،وأنتم ـ الشرقيون ـ تع ّدون هذه المسألة البسيطة، بإدخال ق العنصر الخلقي فيها .فالحصان والفرس ،والثور والبقرة ،والكبش والنعجة ،والديك والفرخة ،ل يفكر أحد منها في مريحة ...حكاية الخلق هذه وهو يزاول التصال الجنسي .ولذلك تمضي الحياة سهلة بسيطة وكانت إحدى المدرسات في المعهد المركزي لتعليم اللغة النجليزية للغرباء بمعهد ويلسون للمعلمين بواشنطن . تلقي على مجموعة من طلبة أمريكا اللتينية ـ الذين يعدون في هذا المركز لتلقي الدراسة باللغة النگليزية ـ درسا في تقاليد المجتمع المريكي ..وفي نهاية الدرس سأل ت طالبا من جواتيمال عن ملحظاته على المجتمع ً َ ْ ً المريكي ..فقال لها :لقد لحظت أن فتيات صغيرات في سن الرابعة عشرة وفتيانا صغار ا في سن الخامسة عشرة ً ً ٤٠١ يزاولون علقات جنسية كاملة ..وهذا وقت مبكر جدا لمزاولة هذه العلقات! وكان ردها في حماسة :إن حياتنا على ً الرض جدا قصيرة .وليس هناك وقت لنضيعه أكثر من الرابعة عشرة . )١(... ً وقد اخترت هذين النموذجين بالذات من مئات المثلة التي شاهدتها هناك .لن صاحبتيهما مدرستان،
وتأثير المدرسة في نشر مثل هذه اليحاءات أوسع من تأثير أي شخص آخر . السلم ومشكلت الحضارة ٩٦ :ـ ٠٧ نماذج للشذوذ الجنسي في أمريكا : «ومع هذه الباحية المطلقة ـ أو بسبب هذه الباحية المطلقة ـ لم تعد العلقات الجنسية الطبيعية المباحة الرخيصة تشبع الميول الجنسية ..فانتشر الشذوذ الجنسي بالميل إلى الج ن س الخر سواء في عالم الفتيان ،أو في عالم الفتيات ،ويحتوي تقرير « كنزي » عن «السلوك الجنسي عند الرجال » «والسلوك الجنسي عند النساء » إحصاءات دقيقة وعجيبة عن هذا الشذوذ» . «وأذكر ـ بقدر ما يسمح به الحياء وأدب الكتابة ـ مشاهدة شخصي ه في احد فنادق واشنطن :: كنت مع زميل مصري ننزل في هذا الفندق ـ بعد وصولنا إلى الوليات المتحدة المريكية بيومين اثنين ـ وقد أنس إلينا عامل المصعد الزنجي ـ لننا أقرب إلى لونه ،ولننا ل نحتقر الملونين ـ فجعل يعرض علينا «خدماته » في «الترفيه »....ويذكر «عينات » من هذا الترفيه .بما فيها «الشذوذات » المختلفة.. وفي أثناء العرض جعل يقص عل ينا كثيرا ما يكون في إحدى الحجرات «زوج » من الفتيان أو الفتيات ..ثم ً يطلبان إليه أن يدخل إليهما زجاجة « كوكاكول » دون تغيير لوضعهما عند دخوله !!!... ولما بدا علينا الشمئزاز والستغراب ،وقلنا له :أما يخجلن؟ أجاب بدوره متعجبا ل شمئزازنا وتعجبنا وسؤالنا عن الخجل : ً لماذا؟ إنهما يرضيان ميولهما الخاصة ،ويمتعان أنفسهما .. وعلمت فيما بعد ـ من المشاهدات الكثيرة ـ أن المجتمع المريكي ل يستنكر على إنسان أن يرضي ذاته بالشكل الذي يروق له .طالما ليس هناك إكراه ...ومن ثم فل جريمة .حتى فيما ل يزال القانون ـ على الورق ـ يعده جريمة(.)١ والحال في أوروبا ـ وبخاصة في بلد الشمال ـ ل يفترق كثير ا عن الحال في أمريكا ،أما أثر النحلل في ً حياة المجتمع ،وفي «تدمير النسان » وتحطيم المجتمع النساني » وفي تهديد الحضارة النسانية الراهنة بالنزواء » كما انزوت حضارة الرومان القديمة ..ف سنتحدث عنه في فصل تال.. ». السلم ومشكلت الحضارة ٠٧ :ـ ١٧ الكنيسة تفقد سلطانها في أمريكا : «والكنيسة! ما شأنها مع هذا النحلل الجارف؟ ورجال الدين ما شأنهم مع المجتمع الجديد؟ ( )١من كتاب «أمريكا التي رأيت( » ...سيد). ( )1من كتاب «أمريكا التي رأيت »( ..سيد) ٥٠١ إن كثيرين ممن لم يعيشوا بعض الوقت في أوروبا أو أمريكا ـ أو ممن عاشوا هناك ولكنهم لم يتع ّقوا وراء
م الظواهر ـ كثيرا ما تخدعهم كثرة الكنائس وانتشارها ـ وبخاصة في الوليات المتحدة ـ حيث تقوم في ً البلد الصغير الذي ل يتجاوز تعداده عشرة آلف نسمة أكثر من عشرين كنيسة أحيانا ...وكثير ا ما تخدعهم كثرة مظاهر ً ً الحتفالت الدينية والمراسم والعيا د الدينية ...وكثير ا ما تخدعهم كثرة الحزاب التي تحمل أسماء «المسيحية » ..ثم ً كثيرا ما يخدعهم ما يكتبه ويذيعه رجال الدين من كتب ومقالت وبحوث وإذاعات في موضوعات الحياة ً الجتماعية والسياسية والقتصادية والعلمية البحتة أحيان ا... ً كثيرا ما يخدعهم هذا كله ،فيحسبون أن للدين شأن ا في أوروبا وأمريكا .وأن لرجال الدين أثرا في الحياة ً ً ً الجتماعية هناك ...وهذه نظرة سطحية ل تدرك حقيقة ما هو واقع هناك » . المرجع السابق١٧ : سيد قطب ينقل كلمه في مجلة الرسالة : بعدما أورد كلما مطول من كتاب «الحجاب » لبي العلى المودودي ،وكتاب «السلم على مفترق ً ً الطرق » للستاذ محمد أسد عن نظرة الجاهلية ـ على مدار التاريخ ـ إلى المرأة والعلقات بين الجنسين، والنحلل البشع الذي تزاوله .عرج على الجاهلية المادية المعاصرة ،وبين انحللها ونقل من كتاب « ماذا خسر العالم بانحطاط المسلمين » عن فقدان الكنيسة لسلطانها في بلد الغرب ،وعن عبادة الغرب للمادية بدل عبادة االله، وعن مشاركة الكنيسة للشعب هناك انحلل... قال بعد ذلك« :ل بأس ـ بعد رسم هذه الصورة بقلم الكاتبين الواعيين محمد أسد وأبو الحسن الندوي » ـ أن ( )١ أضيف إليها فقرة مما كتبته عن مشاهداتي الخاصة في كتاب عن موضوع الكنيسة والمجتمع أمريكا التي رأيت بالذات ،في مسألة المرأة والعلقات بين الجنسين ...فقد يزيد في جلء الوهم الذي يراود الزائرين العابرين ،أو المخدوعين في المظاهر والعناوين. ٥٧ :... ثم أورد كلمه من النص الذي سبق له نشره في المقالة الثانية من مقالته الثلث في مجلة الرسالة عن أمريكا . والذي يسجل فيه ظاهرة كثرة الكنائس في أمريكا ،وعن ابتعاد المريكي عن الشعور الحقيقي بالدين رغم كثرة الكنائس ،وعن كون الكنائس هناك مكانا لكل شيء إل العبادة ،وعن أندية الكنائس وانحللها ،وعن نماذج من برامج ً الكنائ س هناك .وعن مشاهداته الخاصة لحفلة ماجنة إباحية في إحدى كنائس كولورادو ،ورقص الفتيات والفتيان في ساحة الرقص في الكنيسة على أنغام وكلمات أغنية ماجنة وضعها «الب » ثم غادر الكنيسة فرحا مسرور ً ،وعن
ً ا نماذج من «توظيف » الباء هناك لفتيات ماجنات لصطياد الشباب إلى الكنائس ....وقد سبق لنا نقل كلمه كامل ً فيما سبق فل داعي لعادته هنا . )١(.... أمريكيون ل يصلحون للخدمة : أشار إلى انحلل الشباب المريكي ،ودفعهم «ثمن » الترف والنحراف الباحية ،بقوله « :ومثل هذه الظاهرة أخذت تتجلى في الشباب المريكي .فقد أعل ن رئيس الوليا ت المتحدة أن أكثر من مليوني شاب أمريكي لم يصلحوا ( )1تحت الطبع(.سيد). ( )1انظر الفصل الول من القسم الثاني من هذا الكتاب .الحلقة الثانية .عناوين: كنائس بدون = ٦٠١ للخدمة العسكرية ،من بين ستة مليين تقدموا للتجنيد .وعزا ذلك إلى ضعف بنية الشعب المريكي بصفة عامة، نتيجة لحياة الترف التي انغمس فيها. » ... المرجع السابق٦٣١ :حاشية. () ٥ إشارات في كتاب «معالم في الطريق » سيد قطب يهاجم أمريكا : انطلقا من استعلء سيد قطب بإيمانه ،وشعوره بالع ّة والكرامة ،وأنه على الحق ،وأن الجاهلية تـأخر وانحطـاط ورجعيـة ً ز وإنتكاس ،مهما ملكت من القوى المادية والمكانيات الدنيوية ..كان يهاجم أمريكا ،ويفند نظمها ،ويعري مناهجها،ويتحدث عـن نقائضها ومباذلها وانحطاطها ،ويبين عظمة السلم وسموه وفضله وحاجة النسانية إليه: «إنه إذا كان هناك من يحتاج للدفاع والتبرير والعتزاز فليس هو الذي يقدم السلم للناس .وإنما هو ذاك الذي حيا في هذه الجاهلية المهلهلة المليئة بالمتناقضات بالنقائص والعيوب ،ويريد أن يتلمس المبررات للجاهلية .وهؤلء هم الذين يهاجمون السلمُ ،ول ِئون بعض محبيه الذين يجهلون حقيقته إلى الدفاع عنه ،كأنه معهم مضطر للدفاع يج َ ِ عن نفسه في قفص التهام . بعض هؤلء كانوا يواجهوننا ـ نحن القلئل المنتسبين إلى السلم في أمريكا في السنوات التي قضيتها هناك ـ وكان بعضنا يتخذ موقف الدفاع والتبرير ..وكنت على العكس ،أتخذ موقف المهاجم للجاهلية الغربية .. سواء في معتقداتها الدينية المهلهلة ،أو في أوضاعها الجتماعية والقتصادية والخلقية المؤذية ..هذه التصورات عن القانيم وعن الخطيئة وعن الفداء ،وهي ل تستقيم في عقل ول ضمير ..وهذه الرأسمالية بإحتكارها ورباها وما فيها من بشاعة كالحة ..وهذه الفردية الثرة التي ينعدم معها التكافل إل تحت مطارق القانون ..وهذا التصور المادي التافه الجاف للحياة .وح ّية البهائم التي يسمونها (حرية الختلط) ..وسوق الرقيق التي يسمونها (حرية المرأة)..ر
والسخف والحرج والتكلف المضاد لواقع الحياة في نظم الزواج والطلق والتفريق العنصري الحاد الخبيث ...ثم.. ما في السلم من منطق وسمو وإنسانية وبشاشة ،وتطلع إلى آفاق تظل البشرية دونها ول تبلغها ،ومن مواجهة الواقع في الوقت ذاته ،ومعالجته معالجة تقوم على قواعد الفطرة النسانية السليمة . وكانت هذه حقائق نواجهها في واقع الحياة البشرية ..وهي حقائق كانت ُخ ِل أصحابها حين تعرض في ضوء تج السلم ..ولكن ُناس ًـ ي ّعون السلم ـ وينهزمون أمام ذلك النتن الذي تعيش فيه الجاهلية ،حتى ليلتمسوا للسلم أاد مشابهات في هذا الر كام المضطرب والبائس في الغرب .وفي تلك الشناعة المادية البشعة في الشرق أيضا !... ً معالم في الطريق ٥١٢ :ـ ٦١٢دار دمشق . () ٦ أمريكا والعالم العربي بمنظار سيد قطب كان سيد قطب يدرك اهتمام أمريكا بالعالم العربي ،وحرصها على احتوائه والسيطرة عليه ،وتخطيطها لن يبقى ـ بدوله وحكامه ـ تابعا لها ،ووقوفها في وجه كل شخص أو جماعة ،أو محاولة تهدف ل بعاد أمريكا عنه، ً ورسمها للدوار والحداث والحوادث والوقائع التي تضمن ذلك ،وإعدادها للمسرحيات والممثلين من زعمائه الذين ينفذون كل ذلك ...كان سيد قطب يدرك هذا كله ،وينظر في الحداث المختلفة التي تمر بالعالم العربي بهذا المنظار ٧٠١ فة ،والخطوط الدقيقة التي تربط ما بين هذه الحداث وبين ويحللها على هذا الضوء ،ويرى الخيوط الخ ّ شياطين ي أمريكا ...ويعرض هذا على زواره وجلسائه وإخوانه ،ويجعله مادة الحديث والحوار في مجالسه ولقاءاته ... ونكتفي بمثال على ذلك ..وهو لقاء سيد قطب مع الخ حافظ الشيخ ـ عضو اتحاد طلب جامعة الخرطوم في السودان ،الذي زار القاهرة مع وفد من اتحاد الطلب لحضور اجتماع تمهيدي لتأسيس اتحاد عام للطلب العرب في الفترة التي ُف ِج فيها عن سيد قطب عام ٤٦و ٥٦٩١ـ ويخبرنا الخ حافظ الشيخ عن الحديث الذي جرىأر بينه وبين سيد قطب عندما زاره في منزله بحلوان... تلقانا الشهيد بالبشر والترحاب ،وأقبل علينا في وداعة وموده ،وأجلسنا منه قريبا ..وعلم أني قادم من السودان فقال :كنت أقرأ عن أخبار السودان منذ أيام في صحفنا ،ولكنها صحف هذه الجاهلية ،وسألني عن مجريات الحداث ،وك ّمته عن المعركة النتخابية القادمة ،وعن نشاط الشيوعيين بالسودان ونشاط جبهة الميثاق السلمي . ل فقال ل تنزعجوا لنشاط الشيوعيين فيشغلكم عن العمل .إن الشيوعية ل يمكن أن تنتصر من الطريق الديمقراطي ،
لنها ليست لها جذور في السودان ،ولكن الخطر أن يلجأ الشيوعييون إلى نظام شيوعي بالقوة ،فالخطر في الجيش !! .ولكن حتى إذا أفلح الجيش في القيام بانقلب ،وأقام الشيوعييون نظامهم فإنه لن يستمر طويل !! لن المريكان ً حريصون أل يقوم في الشرق العربي نظام شيوعي ،وهم أصحاب النفوذ في المنطقة !!. ثم ضرب مثل بسوريا فقال :إن سوريا كادت أن تصبح شيوعية ،فدبروا لها الوحدة مع مصر ،مع أنها تتنافى ً مع المخطط الصهيوني في المنطقة ،فتمت الوحدة بين مصر وسوريا لغرض مّعن وهو القضاء على الشيوعية ، ي وانتهت بمجرد أدائها الغرض ...فهو يعتقد أن الوحدة كانت مخطط ا أمريكيا لتحقيق غرض مخصوص ، ولم يكن ً ً جمال عبد الناصر إل أداة لتنفيذ ذلك المخطط... ثم قال الشهيد :إن الخطر الحقيقي هو خطر الصهيونية والمريكان ،وهم الذين يبسطون نفوذهم على منطقة الشرق ،والمريكان ل يرضون بأي نظام أقل من الدكتاتورية العسكرية الصارمة عن طريق النقلبات.. وقد كانت لكم تجربة مع الدكتاتورية العسكرية ..ويجب أل تلهيكم الفرحة بالديمقراطية عن تذكير الناس دائم ا بمساوىء ً الدكتاتورية العسكرية حتى يقلل ذلك من فرص أي انقلب عسكري لصالح المريكان أو الشيوعيين . وحينما حدثته عن إقبال الناس على جبهة الميثاق السلمي قال :يجب أل يشغلكم إقبال الجماهير عن تنظيم صفوفكم الداخلية ،وإعداد رجال يواجهون الشدائد ،ويثبتون عند المحن ،فإنها آتية بل ريب ،ول بد دون النصر من البتلء... كتاب «الشهيد سيد قطب » نشر جماعة أصدقاء الشهيد سيد قطب ٠٩ :ـ ١٩نق ل عن جريدة «الميثاق السلمي » ً السودانية عدد ٤٢٣ :تاريخ ٦٦٩١ / ٩ / ٦١م . ٨٠١ () ٧ عملء أمريكا في العالم العربي في شعر سيد قطب هبل . ....هبل هبل هبل ..رمز السخافة والـدجل من بعد ما اندثرت على أيـدي الباة عـادت إلينا اليـوم في ثوب الطغاة تتنشق البخور تحرقه أسـاطير النـفاق من قيدت بالسر في قيد الخنا والرتزاق وثن يقـود جموعهم . ....يا للخجل هبل ....هبل رمز السخـافـة والجهـالـة والـدجـل ل تسألـ ن يـا صـاحبي تلك الجمـوع
لمن التعبـد والمثوبـة ....والخضوع دعهـا فمـا هي غير خرفـان القطيـع معبـودهـا صـنـم يراه الـعـم سـام وتكفل الدولر كي يضفي عليه الحترام وسعي القـطيع غباوة ...يـا للبطل هبل ...هبل رمز الخيانة والجهالة والسخافة والدجل هتافة التهـريج مـا مـلوا الثـنـاء زعـمـوا لـه مـا ليس عند النبيـاء ملك تجلبب بالضياء وجاء من كبد السماء هـو فاتح ...هـو عبـقري مـلهم هـو مـرسل ...هـو عـالم ومـعلم ومــن الـجـهـالـة مــا قتـل هبل ...هبل رمـز الخيانة والـعمـالة والـدجل صيغت له المجاد زائفة فص ّقها الغبي د ّ واستنكر الكذب الصراح ورده الحر البي لكنما الحرار في هذا الزمان هم القليل فليدخلوا السجن الرهيب ٩٠١ ويصبرواالصبرالجميل وليشهدوا أقسى رواية ..فلكل طاغية نهاية ولـكـل مـخـلوق أجـل.. هبل ...هبل ..هبل ..هبل مجموعة «لحن الكفاح » ١١ :ـ .٤١ الخــاتـمة بهذا ينتهي ما قدر االله له أن يكون ضمن هذا الكتاب ،والحمد الله على توفيقه وإنعامه ...وبهذا يقف القارئ الكريم على معلومات صحيحة ودقيقية عن أمريكا والحياة فيها ،وعن قيمها ومبادئها .حتى تتفتح عينه على الواقع المريكي ،فل يخدع بزخرفته ،ول يتأثر بدعايته ،ويقومه بالقيمة التي ل تخطئ ،وبالميزان الذي ل يخدع.. وبهذا يقف القارئ الكريم على مقدار الخطر المريكي الماحق الذي يحيط بالمة السلمية ،إن هي أسلمت قيادها وأمرها إلى هذا الشعب المريكي ـ وهذا هو رصيده من القيم والخلق ـ وإلى الدولة المريكية ـ وهذا هو رصيدها من المبادئ والمثل ـ وإلى الحضارة المريكية الجاهلية ـ وهذا هو ما تساويه في عالم الدول وما تضيفه إلى رصيدها البشرية ـ وبذلك يتحقق لنا مقدار الخسارة التي تدفعها المة إذا استسلمت لمريكا ،وأصبحت ذلول لها .ويحق لنا أن نشارك سيد قطب إشفاقه على النسانية عموما ،وعلى المة السلمية خصوص ا إذا آلت ً ً ً قيادتها إلى أمريكا ـ وهذا رصيدها ـ وإننا نرى في أيامنا هذه ـ في أواسط الثمانينيات ـ صدق كلم سيد قطب ،وصدق وصحة تحليلته، وصدق وعمق نظراته ،وصدق وحرارة إشفاقه ..بعد أن استسلم أناس كثيرون لمريكا ،وبعد أن أصبحت تصول
وتجول في عالمنا السلمي ،تبشر بحضارتها ومبادئها ،وتنشر دعايتها وزخارفها ،وتصنع رجالها وعملءها ، وتسلمهم مقاليد المور في البلدان ،وتصوغ لهم المجاد الزائفة والبطولت المدعاة ،وتصطنع معهم الخلفات والمشكلت الموهومة ذرا للرماد في العيون .لينخدع بذلك الس ّج من الجماهير والجموع المستغفلة ،وتهيمن أمريكا ـ ً ذ بمخابراتها ورجالها وعملئها ـ على مختلف نواحي الحياة في عالمنا السلمي ،السياسية والجتماعية والفكرية والعلمية والفنية ،وتنتشر بيننا مناهج التعليم المريكية ،وق ّة الحياة المريكية ،الموارد الستهلكية المريكية، م والخداع والنفاق والنتهازية السياسية المريكية ،وتغزونا المجلت والمؤلفات والمسلسلت والمسرحيات والفلم والغاني والرقصات والموسيقى ...ال مريكية ... وصارت المة المنكوبة تدفع ثمن الغزو المريكي الشامل باهظا ،تدفعه من وجودها وعزتها وكرامتها، تدفعه ً من أخلقها ومبادئها ونظمها ،تدفعه من دينها وعرضها وحياتها ،تدفعه من طاقاتها ومذدخراتها ،تدفعه من أوقاتها وأعمارها ،تدفعه من حيويتها وشبابها وشّاات ها ،تدفعه من أموالها وكنوزها وخيراتها ..وتستبدل الذي هو أدنى من ب أمريكا ـ بالذي هو خير ـ من منهج االله ودينه وشريعته ـ وهي راضية لنها مخدوعة مضبوعة .سكرى ل تكاد تفيق .. ويبقى في الساحة رجال من رجال االله ،وجنود من جنوده ،استعصوا على النقياد لمريكا وعملئها ، واستعلوا بإيمانهم ،وفتحوا عيونهم السلمية واسعة ،واستعملوا المنظار القرآني الصادق بتفوق ،واستيقظوا وسط المة ٠١١ المخدرة المضبوعة المستسلمة ...وراحوا يوقظونها ويفتحون عيونها ،ويضعون أيديها على حقيقة المر ...وتنبهت أمريكا لخطر هؤلء على مخططاتها ومستقبلها في المنطقة ،بل على وجودها وقيادتها الشيطانية للبشرية ،فأوعزت إلى عملئها وأذنابها بالتصدي لهم ،واستخدام كافة الساليب الشيطانية ـ من ترغيب وترهيب ،وابتلء بالمحنة وبالنعمة ،وبالمغازلة والمعاداة ل حتوائهم وإسكاتهم ،أو القضاء عليهم وإجتثاثهم ...ويخرج هؤلء الجنود البرار من كل محنة أو ابتلء أقوى عودا وأثبت وجودا ...والحرب سجال ..ولكن يعلم كل مؤمن بأن أمريكا وعملءها ل ً ً تحارب هؤلء في الحقيقة ،وإنما تحارب االله ـ سبحانه ـ وتحاول أن تمنع إرادته ،وأن تقف في وجه أمره وقضائه ...وعاقبة من يحارب االله وإرادته معروف في التاريخ النساني كله ...ويمكرون ويمكر االله، واالله خير الماكرين...
إن كل جندي كريم من جنود االله سبحانه يقرأ هذا الكتاب ،يعرف الكثير عن ع ّوه اللدود ،يعرفه على حقيقته دِ وعلى قزامته وعلى ضآلته ،بدون انتفاش او استعراض أو رتوش ...وإن كل جندي كريم من جنود االله يقرأ هذا الكتاب سيقف على موهبة جديدة من مواهب سيد قطب ،موهبة عمق ونفاذ النظرات اليمانية ،وصحة وصدق التحليلت اليمانية ،وصواب الحكام والنتائج ،وصدق الفراسة اليمانية التي ينظرمن خللها بنور االله، فيحذر من الخطار الوشيكة ،ويكشف منحنيات الطريق الخطرة ،ويشير إلى الشياطين الذين يكمنون في تلك المنحنيات ... قل االله منه عمله فرحم االله سيد قطب ،وجزاه عن دينه ورجاله وجنوده ودعوته خير الجزاء ،وت ّ وكلمه ،وجهده ب وجهاده ،وجعله في ميزان حسناته... ونحمد االله سبحانه وتعالى الذي يسر واعان على إتمام هذا الكتاب ،ونبرأ إلى االله من كل حول وطول ،ول حول َّ ّ ول قوة إل باالله ،ونعوذ باالله من فتنة القول والعمل ،ونسأله أن ينفع بهذا الكتاب واضعه وجامعه وناشره وقارءه... وسبحانك اللهم وبحمدك اشهد ان ل آله إل أنت استغفرك وأتوب إليك . وص ّى االله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم . ل ثبت المراجع أول الكتب: ً ١ـ السلم ومشكلت الحضارة :لسيد قطب ،بدون تاريخ أو ناشر . ٢ـ دراسات إسلمية :لسيد قطب ،دار الشروق ـ بدون تاريخ . ٣ـ رائد الفكر السلمي المعاصر :الشهيد سيد قطب ،ليوسف العظم ،دار القلم ،الطبعة الولى ٠٠٤١ :ـ . ٠٨٩١ ٤ـ السلم ال عالمي والسلم :لسيد قطب ،دار الشروق ـ الطبعة السادسة . ٤٧٩١ ٥ـ سيد قطب الديب لناقد :لعبد االله الخباص ،مكتبة المنار ،الطبعة الولى . ٣٨٩١ ٦ـ سيد قطب الشهيد الحي :لصلح عبد الفتاح الخالدي ،مكتبة القصى ـ الطبعة الولى ١٠٤١ـ .١٨٩١ ٧ـ الشهيد سيد قطب :نشر جماعة أصدقاء الشهيد سيد قطب بدون تاريخ أو ناشر . ٨ـ في ظلل القرآن :لسيد قطب ،دار الشروق ـ الطبعة الثالثة . ٧٧٩١ ٩ـ لحن الكفاح :لسيد قطب وهاشم الرفاعي ،مجموعة شعرية بدون تأريخ أو ناشر . ١١١ ٠١ـ معالم في الطريق :لسيد قطب ،دار دمشق للطباعة والنشر والتوزيع ـ بدون تاري خ . ١١ـ معركة السلم والرأسمالية :لسيد قطب ،دار السعودية للنشر والتوزيع ـ الطبعة الرابعة . ٩٦٩١ ثانيا :المجلت ً ٢١ـ آفاق إسلمية :نشرة غير دورية يصدرها الخوان المسلمون في الردن . ٣١ـ الثقافة :المجلد الثامن :السنة الرابعة ـ عدد ٧٤ :تاريخ أغسطس . ٧٧٩١ ٤١ـ الرأي الردنية :عدد ٦٢٠٥ :تاريخ ٦١آذار . ٤٨٩١ ٥١ـ الرسالة :السنة الرابعة عشرة ،المجلد الثاني عدد ٤٩٦ :تاريخ ١٢اكتوبر . ٦٤٩١ ٦١ـ الرسالة ـ السنة السادسة عشرة المجلد الثاني ـ عدد ٠٩٧ :تاريخ ٣٢أغسطس . ٨٤٩١
٧١ـ الرسالة :السنة السابعة عشرة ،المجلد الول ،عدد ٢٨ :تاريخ ٩مايو . ٩٤٩١ ٨١ـ الرسالة السنة السابعة عشرة ،المجلد الول ،عدد ٨٢٨ :تاريخ ٦١مايو . ٩٤٩١ ٩١ـ الرسالة :السنة الثامنة عشرة ،المجلد الول ،عدد ٧٧٨ :تاريخ ٤٢أبريل . ٠٥٩١ ٠٢ـ الرسالة :السنة الثامنة عشرة ،المجلد الثاني عدد ٧٨٨ :تاريخ ٣يوليو . ٠٥٩١ ١٢ـ الرسالة :السنة الثامنة عشرة ،المجلد الثاني ،عدد ١٩٨ :تاريخ ١٣يوليو . ٠٥٩١ ٢٢ـ الرسالة :السنة الثامنة عشرة ،المجلد الثاني ،عدد ٤٩٨ :تاريخ ١٢أغسطس . ٠٥٩١ ٣٢ـ الرسالة :السنة التاسعة عشرة ،المجلد الول ،عدد ٣٤٩ :تاريخ ٠٣يوليو . ١٥٩١ ٤٢ـ الرسالة :السنة التاسعة عشرة المجلد الثاني عدد ٧٥٩ :تاريخ ٥نوفمبر . ١٥٩١ ٥٢ـ الرسالة :السنة التاسعة عشرة المجلد الثاني .عدد ٩٥٩تاريخ ٩١نوفمبر . ١٥٩١ ٦٢ـ الرسالة :السة عشرة ،المجلد الثاني :عدد ١٦٩ :تاريخ ٣ديسمبر .١٥٩١ ٧٢ـ الرسالة السنةالعشرون ،المجلد الول ،عدد ١٩٩ :تاريخ . ٢٥٩١ ٨٢ـ الرسالة :السنة العشرون ،المجلد الول ،عدد ٥٩٩ :تاريخ ٨٢يوليو . ٢٥٩١ ٩٢ـ الرسالة :السنة العشرين ،المجلد الثاني ،عدد ٩٠٠١ :تاريخ ٣نوفمبر . ٢٥٩١ ٠٣ـ الشهاب :السنة السادسة ،العدد التاسع ،أيلول . ٢٧٩١ ١٣ـ الغرباء :السنة الثانية عشرة ،العدد الثالث ،سبتمبر . ٥٧٩١ ٢٣ـ الكاتب :السنة الرابعة ،العدد ٤٥ :تاريخ سبتمبر . ٥٧٩١ ٣٣ـ الكتاب :السنة الخامسة عشرة عدد ٣٧١ :تاريخ أعسطس . ٥٧٩١ ٤٣ـ الكتاب :المجلد الثامن ،الجزء العاشر ،ديسمبر . ٩٤٩١ : ٥٣ـ الكتاب :المجلد التاسع ،الجزء الرابع ،أبريل . ٠٥٩١ ٦٣ـ الكتاب :المجلد التاسع ،الجزء الخامس ،مايو . ٠٥٩١ ٧٣ـ الكتاب :المجلد التاسع ،الجزء السادس ،يونيو . ٠٥٩١ ٨٣ـ الكتاب :المجلد العاشر ،الجزء الرابع ،أبريل . ١٥٩١ ٢١١