مجموعة من الخيوط وعصا خشبية وقطعة قماش ... خامات جذبته وشكلت حياته حين اختارها أو اختارته، صنع منها عالمه الخاص وكان صاحب البصمة الولى فى فن العرائس المصرى الذى بدأ عملقا فى أجواء كانت تعلم قيمة الفن وتحفظ لهذه العرائس الجميل وتعرف قدرها التاريخى فى صياغة الوعى المصرى عبر أجيال متتالية كانت تجد فى خيال الظل وعروسة الراجوز الفكرة والرأى الجتماعى والسياسى..فكان مهندس الليلة الكبيرة ،الباقية فى الوجدان الشعبى إلى ما شاء ا لبلغة تعبيرها عن الروح الشعبية الخالصة بل فذلكة ول تعقيد ..،ثم كانت أعماله المتتالية » دقى يا مزيكا » ،شغل أراجوزات ،كانى ومانى ،مدينة الحل م »أوبريت حمار شهاب الدين » ،إبحاره الخاص فى عالم العرائس . كانت البداية نقطة بعيدة فى الفق حين لحظت والدته عازفة العود ووالده الذى كان يهوى الغناء مع الفرق اليطالية فى الوبرا تلك الموهبة التى تريد أن تشب عن الطوق ..انجذابه إلى عالم الفن وشاشة السينما التى بهرته وهو ابن الثانية عشرة حين شاهد عرض »فينوكيا« دفع السرة كى تلحقه بمرسم الفنان اليطالى كارلو مينوتى من عا م 1946وحتى عا م 1950حتى التحق بكلية الفنون الجميلة عا م .1952
فى تلك الفترة شكل جمعية الفيلم مع يحيى حقى ومجموعة من الشباب كانوا يأتون بأفل م السينما من السفارات الجنبية لمشاهدتها ..من خلل تلك الفل م شاهد أعمال فنان العرائس جيرى ترانك ..أهم من قد م هذا الفن فى الربعينيات ..انبهر برواية شكسبير »حلم ليلة صيف« وهى تدور على ألسنة العرائس . وراحت السكرة وجاءت الفكرة حين قرر أن يكون فن العرائس هو ضالته المنشودة فى عالم الفنون العريض وقرر أن تكون بطلة مشروع تخرجه . كنت أول طالب يتقد م بمشروع عن فن العرائس فى تاريخ كلية الفنون الجميلة ..كيف خضت التجربة؟ لقد اندهش أساتذتى فلم يكن هناك أى فكرة لديهم عن هذا الفن الوليد لكنى صممت على الفكرة ،واخترت شخصية »عقلة الصبع« من القصص الشعبى وقدمته فى فيلم سينمائى قصير . وكنت جزءا من رحلة فن العرائس فى مصر منذ بدايتها...؟ بالفعل فقد كان لحسن الحظ الدكتور على الراعى رئيس مصلحة الفنون يفكر بجدية فى إنشاء مسرح للعرائس بعد أن أعجب بعروض فرقة »تسندريكا« فقا م بالستعانة بخبراء رومانيين لتدريب مجموعة من الشباب المصرى على تصميم وتحريك وإخراج العرائس وتم اختيارى كأول مصمم مصرى للتدريب مع
الخبراء الرومان ...وعندما بدأنا فى تكوين أول فرقة مسرحية للعرائس ،كان صلح جاهين من أشد المتحمسين فكتب وألف مسرحية »الشاطر حسن« التى افتتحنا بها مسرح القاهرة للعرائس وقدمت على خشبة معهد الموسيقى العربية وقمت بتصميم الديكور والعرائس للمسرحية والمنوعات المصاحبة لها وبعد نجاح الفرقة ،قرر د.على الراعى تكوين فرقة جديدة للماريونيت قدمت »بنت السلطان« المستوحاة من ألف ليلة وليلة . ثم كانت النقلة الحقيقية فى فن العرائس من خلل الليلة الكبيرة ..كيف تشكلت تلك الملحمة ؟ فى عا م 1960طلب المنظمون للمهرجان العالمى للعرائس فى بوخارست أن نشارك بعرض مصرى ..وقتها كنت شديد العجاب بأوبريت الليلة الكبيرة الذى يذيعه الراديو فاقترحت على صلح جاهين وسيد مكاوى تقديمه من خلل مسرح العرائس .اندهشا فى البداية لضخامة الديكور وعدد العرائس المطلوب لتنفيذ الوبريت لكننى صممت على تقديم العمل الذى حقق نجاحا كبيرا وحصد الجائزة الثانية فى تصميم العرائس والديكور وحفر لمصر مكانة فى هذا العمل الذى تم من خلل مسرح ناشئ لم يتجاوز عمره العامين. فى رأيك لماذا بعد مرور كل تلك السنوات منذ عرضت الليلة الكبيرة فى القاهرة فى أكتوبر 1960مازالت حية ونابضة فى
قلوب المصريين كبارا وصغارا؟ الليلة الكبيرة تميزت بالروح الشعبية المصرية الخالصة ..وكل من شارك فيها عمل بحب نظرا لمناخ ثورة يوليو الذى سيطر على الجميع .كنا جميعا نريد أن نصنع شيئا بغض النظر عن المقابل كنا نحب الفن للفن وهذا ما دفع صلح جاهين إلى محاولة تعلم كيفية تحريك العرائس بعد أن كتب الشاطر حسن حتى يقترب أكثر إلى عالم العرائس ..هذا التآلف وحالة الحب كانت وراء نجاح الليلة الكبيرة .وأذكر أن د.على الراعى طلبنا عا م 1962بعد نجاح الليلة الكبيرةومنحنا مكافأة مادية قدرها مئة جنيه لصلح وسيد بينما منحنى ثلثين جنيها . لكن هذا النجاح الذى حققه مسرح العرائس المصرى سرعان ما تحول إلى هبوط مفاجئ يشبه الصابة بالسكتة القلبية ؟ بعد نكسة 1967حدثت ربكة فى مصر كلها وأصبنا جميعا بحالة من عد م التوازن أثرت بالتالى على مسرح العرائس خصوصا بعد أن ترك راجى عنايت موقعه الذى شهد المسرح خلل توليه عصره الذهبى ..وتولى بعده من أراد التعامل مع مسرح العرائس بوصفه مسرح أطفال وقا م بالستغناء عن ثلثى الخبرات فانحرف مسرح العرائس عن مساره . للسف هناك نظرة من جانب الكثيرين إلى مسرح العرائس كمسرح أطفال رغم أن العروسة كان لها دور تربوى فى الوعى
المصرى ودور فى المعارضة السياسية التى جرى الكثير منها على لسان عروسة الراجوز؟ فن العرائس لغة فنية لكل العمار والفئات الجتماعية ..وحديثا هناك حالة من التزاوج بين مختلف الفنون فقد تداخلت ولم تعد خاضعة للتعريفات الكلسيكية .والمسرح نفسه لم يعد قاصرا على الدراما فنجد فيه مزجا بين فنون السيرك والتمثيل والفن التشكيلى ..وفى« مدينة الحل م »التى عرضت لى عا م 1965 جعلت للفن التشكيلى الدور الول فى العرض المسرحى لينطلق الشكل إلى آفاق البداع التشكيلى الحر فى لغة يخطو فيها ما بعد حدود الشكل ليصل إلى العمق . والعروسة لها بالطبع دور تربوى وسياسى قا م بأدائه الراجوز وخيال الظل ..وقد قدمت من خلل العرائس » دقى يا مزيكا » وهو برنامج موسيقى غنائى كوميدى ينتقد الوضاع الجتماعية والسياسية فى الستينيات اعتمادا على بعض أشعار فؤاد حداد التى تتفجر بالنقد اللذع وكلماتها النافذة ذات الطابع الشعبى الساخر تصاحبها موسيقى حسب ا الشهيرة وكانت عروضه مسائية للكبار والصغار معا ...الليلة الكبيرة نفسها كانت للصغار والكبار. دعنى أتوقف عند الراجوز الذى يعد تراثا مصريا خالصا والذى يحاول البعض تغريبه ورده إلى مصادر أخرى استنادا إلى اسمه
اللغوى المشتق من التركية ؟ أيا كان أصله فهو قد تمصر منذ زمن بعيد وأصبح تراثا مصريا خالصا تربت عليه أجيال وأجيال من المصريين كفن ممتع وجميل ..وكل شخصيات عروض الراجوز مصرية مئة بالمئة وكذلك خيال الظل الذى مازال المركز الفرنسى حريصا على تقديم عروضه . إذن وأنت الخبير وممثل الجيل الول لهذا الفن ..كيف ننقذ فن العرائس من كبوته التى طالت ؟ هناك عروض جيدة وكوادر واعدة والجيال الجديدة التى اراها فى المدرجات بكلية الفنون الجميلة حيث أقو م بالتدريس قادرة على العطاء وتحقيق نهضة حقيقية لو أتيحت لها الفرصة ..وقد سبق لى مع مجموعة من خبرا ء فن العرائس وضع مناهج متخصصة لهذا الفن إخراجا وتمثيل وتصميما لكنها بكل أسف وضعت فى الدراج ..وإذا أردنا النهوض بمسرح العرائس حقيقة علينا تجهيز كوادر فنية بمنهج علمى متخصص تلئم التطور الذى حدث فى هذا الفن حيث اصبح على محرك العروسة التحدث بصوته الحى ل العتماد على مسجل صوت كما كان فى الماضى . ما قصة النسخة الجديدة التى قدمتها من عرائس الليلة الكبيرة ..وهل هى نوع من التحديث كما قرأنا فى بعض الصحف ؟ ليس تحديثا على الطلق فالليلة الكبيرة بشخوصها تراث ينبغى
احترامه لكن القصة أنه عندما وقع حريق فى المسرح عا م 1980 تعرض ديكور الليلة الكبيرة للحرق والعرائس ألقى بها فى القمامة فقمت بجمع العرائس وتجديدها وأعددت نسخة جديدة يمكن تقديم عروض الليلة الكبيرة بها بحيث يتم الحفاظ على النسخة الصلية فى متحف . ما ملمح المعرض الجديد الذى تقو م بالعداد له ؟ هو معرض تجريبى ليس رسما ول ديكورا ..هو توليفة من النحت والمسرح والعمارة ..كل خبراتى التى اكتسبتها عبر رحلة طويلة كنت خللها هاويا يمارس الفن حبا فيه ورغبة فى الستكشاف .