ناجي شاكر

Page 1

‫مجموعة من الخيوط وعصا خشبية وقطعة قماش ‪...‬‬ ‫خامات جذبته وشكلت حياته حين اختارها أو اختارته‪،‬‬ ‫صنع منها عالمه الخاص وكان صاحب البصمة الولى‬ ‫فى فن العرائس المصرى الذى بدأ عملقا فى أجواء‬ ‫كانت تعلم قيمة الفن وتحفظ لهذه العرائس الجميل‬ ‫وتعرف قدرها التاريخى فى صياغة الوعى المصرى عبر‬ ‫أجيال متتالية‬ ‫كانت تجد فى خيال الظل وعروسة الراجوز الفكرة والرأى‬ ‫الجتماعى والسياسى‪..‬فكان مهندس الليلة الكبيرة ‪،‬الباقية فى‬ ‫الوجدان الشعبى إلى ما شاء ا لبلغة تعبيرها عن الروح‬ ‫الشعبية الخالصة بل فذلكة ول تعقيد ‪..،‬ثم كانت أعماله المتتالية »‬ ‫دقى يا مزيكا » ‪ ،‬شغل أراجوزات ‪ ،‬كانى ومانى ‪ ،‬مدينة الحل م‬ ‫»أوبريت حمار شهاب الدين » ‪ ،‬إبحاره الخاص فى عالم العرائس‬ ‫‪.‬‬ ‫كانت البداية نقطة بعيدة فى الفق حين لحظت والدته عازفة‬ ‫العود ووالده الذى كان يهوى الغناء مع الفرق اليطالية فى الوبرا‬ ‫تلك الموهبة التى تريد أن تشب عن الطوق‪ ..‬انجذابه إلى عالم‬ ‫الفن وشاشة السينما التى بهرته وهو ابن الثانية عشرة حين‬ ‫شاهد عرض »فينوكيا« دفع السرة كى تلحقه بمرسم الفنان‬ ‫اليطالى كارلو مينوتى من عا م ‪ 1946‬وحتى عا م ‪ 1950‬حتى‬ ‫التحق بكلية الفنون الجميلة عا م ‪.1952‬‬


‫فى تلك الفترة شكل جمعية الفيلم مع يحيى حقى ومجموعة من‬ ‫الشباب كانوا يأتون بأفل م السينما من السفارات الجنبية‬ ‫لمشاهدتها‪ ..‬من خلل تلك الفل م شاهد أعمال فنان العرائس‬ ‫جيرى ترانك‪ ..‬أهم من قد م هذا الفن فى الربعينيات‪ ..‬انبهر‬ ‫برواية شكسبير »حلم ليلة صيف« وهى تدور على ألسنة العرائس‬ ‫‪.‬‬ ‫وراحت السكرة وجاءت الفكرة حين قرر أن يكون فن العرائس‬ ‫هو ضالته المنشودة فى عالم الفنون العريض وقرر أن تكون‬ ‫بطلة مشروع تخرجه ‪.‬‬ ‫كنت أول طالب يتقد م بمشروع عن فن العرائس فى تاريخ كلية‬ ‫الفنون الجميلة‪ ..‬كيف خضت التجربة؟‬ ‫لقد اندهش أساتذتى فلم يكن هناك أى فكرة لديهم عن هذا‬ ‫الفن الوليد لكنى صممت على الفكرة‪ ،‬واخترت شخصية »عقلة‬ ‫الصبع« من القصص الشعبى وقدمته فى فيلم سينمائى قصير ‪.‬‬ ‫وكنت جزءا من رحلة فن العرائس فى مصر منذ بدايتها‪...‬؟‬ ‫بالفعل فقد كان لحسن الحظ الدكتور على الراعى رئيس مصلحة‬ ‫الفنون يفكر بجدية فى إنشاء مسرح للعرائس بعد أن أعجب‬ ‫بعروض فرقة »تسندريكا« فقا م بالستعانة بخبراء رومانيين‬ ‫لتدريب مجموعة من الشباب المصرى على تصميم وتحريك‬ ‫وإخراج العرائس وتم اختيارى كأول مصمم مصرى للتدريب مع‬


‫الخبراء الرومان‪ ...‬وعندما بدأنا فى تكوين أول فرقة مسرحية‬ ‫للعرائس ‪ ،‬كان صلح جاهين من أشد المتحمسين فكتب وألف‬ ‫مسرحية »الشاطر حسن« التى افتتحنا بها مسرح القاهرة‬ ‫للعرائس وقدمت على خشبة معهد الموسيقى العربية وقمت‬ ‫بتصميم الديكور والعرائس للمسرحية والمنوعات المصاحبة لها‬ ‫وبعد نجاح الفرقة‪ ،‬قرر د‪.‬على الراعى تكوين فرقة جديدة‬ ‫للماريونيت قدمت »بنت السلطان« المستوحاة من ألف ليلة وليلة ‪.‬‬ ‫ثم كانت النقلة الحقيقية فى فن العرائس من خلل الليلة‬ ‫الكبيرة ‪ ..‬كيف تشكلت تلك الملحمة ؟‬ ‫فى عا م ‪ 1960‬طلب المنظمون للمهرجان العالمى للعرائس فى‬ ‫بوخارست أن نشارك بعرض مصرى‪ ..‬وقتها كنت شديد العجاب‬ ‫بأوبريت الليلة الكبيرة الذى يذيعه الراديو فاقترحت على صلح‬ ‫جاهين وسيد مكاوى تقديمه من خلل مسرح العرائس ‪.‬اندهشا‬ ‫فى البداية لضخامة الديكور وعدد العرائس المطلوب لتنفيذ‬ ‫الوبريت لكننى صممت على تقديم العمل الذى حقق نجاحا كبيرا‬ ‫وحصد الجائزة الثانية فى تصميم العرائس والديكور وحفر لمصر‬ ‫مكانة فى هذا العمل الذى تم من خلل مسرح ناشئ لم يتجاوز‬ ‫عمره العامين‪.‬‬ ‫فى رأيك لماذا بعد مرور كل تلك السنوات منذ عرضت الليلة‬ ‫الكبيرة فى القاهرة فى أكتوبر ‪ 1960‬مازالت حية ونابضة فى‬


‫قلوب المصريين كبارا وصغارا؟‬ ‫الليلة الكبيرة تميزت بالروح الشعبية المصرية الخالصة ‪..‬وكل من‬ ‫شارك فيها عمل بحب نظرا لمناخ ثورة يوليو الذى سيطر على‬ ‫الجميع ‪ .‬كنا جميعا نريد أن نصنع شيئا بغض النظر عن المقابل‬ ‫كنا نحب الفن للفن وهذا ما دفع صلح جاهين إلى محاولة تعلم‬ ‫كيفية تحريك العرائس بعد أن كتب الشاطر حسن حتى يقترب أكثر‬ ‫إلى عالم العرائس ‪..‬هذا التآلف وحالة الحب كانت وراء نجاح‬ ‫الليلة الكبيرة ‪.‬وأذكر أن د‪.‬على الراعى طلبنا عا م ‪ 1962‬بعد نجاح‬ ‫الليلة الكبيرةومنحنا مكافأة مادية قدرها مئة جنيه لصلح وسيد‬ ‫بينما منحنى ثلثين جنيها ‪.‬‬ ‫لكن هذا النجاح الذى حققه مسرح العرائس المصرى سرعان ما‬ ‫تحول إلى هبوط مفاجئ يشبه الصابة بالسكتة القلبية ؟‬ ‫بعد نكسة ‪ 1967‬حدثت ربكة فى مصر كلها وأصبنا جميعا بحالة‬ ‫من عد م التوازن أثرت بالتالى على مسرح العرائس خصوصا بعد‬ ‫أن ترك راجى عنايت موقعه الذى شهد المسرح خلل توليه عصره‬ ‫الذهبى ‪..‬وتولى بعده من أراد التعامل مع مسرح العرائس‬ ‫بوصفه مسرح أطفال وقا م بالستغناء عن ثلثى الخبرات فانحرف‬ ‫مسرح العرائس عن مساره ‪.‬‬ ‫للسف هناك نظرة من جانب الكثيرين إلى مسرح العرائس‬ ‫كمسرح أطفال رغم أن العروسة كان لها دور تربوى فى الوعى‬


‫المصرى ودور فى المعارضة السياسية التى جرى الكثير منها على‬ ‫لسان عروسة الراجوز؟‬ ‫فن العرائس لغة فنية لكل العمار والفئات الجتماعية ‪..‬وحديثا‬ ‫هناك حالة من التزاوج بين مختلف الفنون فقد تداخلت ولم تعد‬ ‫خاضعة للتعريفات الكلسيكية ‪ .‬والمسرح نفسه لم يعد قاصرا‬ ‫على الدراما فنجد فيه مزجا بين فنون السيرك والتمثيل والفن‬ ‫التشكيلى ‪..‬وفى« مدينة الحل م »التى عرضت لى عا م ‪1965‬‬ ‫جعلت للفن التشكيلى الدور الول فى العرض المسرحى لينطلق‬ ‫الشكل إلى آفاق البداع التشكيلى الحر فى لغة يخطو فيها ما بعد‬ ‫حدود الشكل ليصل إلى العمق ‪.‬‬ ‫والعروسة لها بالطبع دور تربوى وسياسى قا م بأدائه الراجوز‬ ‫وخيال الظل ‪..‬وقد قدمت من خلل العرائس » دقى يا مزيكا »‬ ‫وهو برنامج موسيقى غنائى كوميدى ينتقد الوضاع الجتماعية‬ ‫والسياسية فى الستينيات اعتمادا على بعض أشعار فؤاد حداد‬ ‫التى تتفجر بالنقد اللذع وكلماتها النافذة ذات الطابع الشعبى‬ ‫الساخر تصاحبها موسيقى حسب ا الشهيرة وكانت عروضه‬ ‫مسائية للكبار والصغار معا ‪...‬الليلة الكبيرة نفسها كانت للصغار‬ ‫والكبار‪.‬‬ ‫دعنى أتوقف عند الراجوز الذى يعد تراثا مصريا خالصا والذى‬ ‫يحاول البعض تغريبه ورده إلى مصادر أخرى استنادا إلى اسمه‬


‫اللغوى المشتق من التركية ؟‬ ‫أيا كان أصله فهو قد تمصر منذ زمن بعيد وأصبح تراثا مصريا‬ ‫خالصا تربت عليه أجيال وأجيال من المصريين كفن ممتع‬ ‫وجميل ‪..‬وكل شخصيات عروض الراجوز مصرية مئة بالمئة‬ ‫وكذلك خيال الظل الذى مازال المركز الفرنسى حريصا على‬ ‫تقديم عروضه ‪.‬‬ ‫إذن وأنت الخبير وممثل الجيل الول لهذا الفن ‪..‬كيف ننقذ فن‬ ‫العرائس من كبوته التى طالت ؟‬ ‫هناك عروض جيدة وكوادر واعدة والجيال الجديدة التى اراها‬ ‫فى المدرجات بكلية الفنون الجميلة حيث أقو م بالتدريس قادرة‬ ‫على العطاء وتحقيق نهضة حقيقية لو أتيحت لها الفرصة ‪..‬وقد‬ ‫سبق لى مع مجموعة من خبرا ء فن العرائس وضع مناهج‬ ‫متخصصة لهذا الفن إخراجا وتمثيل وتصميما لكنها بكل أسف‬ ‫وضعت فى الدراج ‪ ..‬وإذا أردنا النهوض بمسرح العرائس حقيقة‬ ‫علينا تجهيز كوادر فنية بمنهج علمى متخصص تلئم التطور الذى‬ ‫حدث فى هذا الفن حيث اصبح على محرك العروسة التحدث‬ ‫بصوته الحى ل العتماد على مسجل صوت كما كان فى الماضى ‪.‬‬ ‫ما قصة النسخة الجديدة التى قدمتها من عرائس الليلة الكبيرة‬ ‫‪..‬وهل هى نوع من التحديث كما قرأنا فى بعض الصحف ؟‬ ‫ليس تحديثا على الطلق فالليلة الكبيرة بشخوصها تراث ينبغى‬


‫احترامه لكن القصة أنه عندما وقع حريق فى المسرح عا م ‪1980‬‬ ‫تعرض ديكور الليلة الكبيرة للحرق والعرائس ألقى بها فى‬ ‫القمامة فقمت بجمع العرائس وتجديدها وأعددت نسخة جديدة‬ ‫يمكن تقديم عروض الليلة الكبيرة بها بحيث يتم الحفاظ على‬ ‫النسخة الصلية فى متحف ‪.‬‬ ‫ما ملمح المعرض الجديد الذى تقو م بالعداد له ؟‬ ‫هو معرض تجريبى ليس رسما ول ديكورا ‪..‬هو توليفة من النحت‬ ‫والمسرح والعمارة ‪..‬كل خبراتى التى اكتسبتها عبر رحلة طويلة‬ ‫كنت خللها هاويا يمارس الفن حبا فيه ورغبة فى الستكشاف ‪.‬‬


Turn static files into dynamic content formats.

Create a flipbook
Issuu converts static files into: digital portfolios, online yearbooks, online catalogs, digital photo albums and more. Sign up and create your flipbook.