محاضرات في االقتصاد السياسي سنة األولى حقوق من إعداد :مدونة القانون
2019*2018
588
https://lawblog04.blogspot.com/
محاضرات في اإلقتصاد السياسي
المحاضرة األولي بعض المفاهيم االقتصادية هناك تفرقة جرى عليها الكتاب منذ القرن الثامن عشر بين العلوم الطبيعية والعلوم اإلنسانية أو االجتماعية .فالعلوم الطبيعية (مثل الجيولوجيا والفيزياء والكيمياء) تهتم بالبحث في العالقات بين األشياء والظواهر الطبيعية ،بينما تهتم العلوم اإلنسانية (مثل االجتماع والتاريخ والقانون واالقتصاد) بدراسة أفعال اإلنسان وعالقاته مع غيره من بنى جنسه ومع األشياء التي تحيط به .وقد عرفت كل العلوم اإلنسانية في القرن العشرين تطورا سريعا ً وهائالً .ويبحث االقتصاديون في توجيه النشاط الفردي والجماعي بقصد استخدام الظروف المادية لتحقيق احتياجات وحاجات األشخاص . وتحتل المشكالت االقتصادية في الوقت الحاضر أهمية كبيرة على المستويين القومي والدولي .ومن الثابت أن لهذه المشكالت انعكاسات سياسية واجتماعية ال يمكن إنكارها، حيث يصعب إهمال دور التطورات االقتصادية في فهم الجوانب السياسية واالجتماعية ألي جماعة من الجماعات .فالواقع االجتماعي حقيقة معقدة ،وكل علم من العلوم اإلنسانية ال يعبر إال عن وجه واحد من وجوه هذا الواقع وال يتعلق إال بزاوية من زوايا النظر إلى النشاط اإلنساني. وتتمركز المشكلة االقتصادية حول فهم العناصر التالية :- أوال ً :الحاجات االقتصادية والحاجات اإلنسانية األخرى . ثانيا ً :األموال أو الموارد االقتصادية المحدودة . ثالثا ً :القوانين االقتصادية . رابعا ً :اإلنتاج . خامسا ً:النقود . سادسا ً :االستهالك. أوال ً :الحاجات االقتصادية والحاجات اإلنسانية األخرى: ويكون النشاط اإلنساني نشاطا ً اقتصاديا ً عندما يسعى إلى مقاومة الندرة النسبية للموارد. فكل إنسان له حاجات أو رغبات تتمثل في إحساس باألم يريد إزالته أو إحساس بالراحة يريد زيادته . وهناك وسائل قادرة على إشباع هذه الحاجات بإيقاف اإلحساس باأللم أو عدم الرضا أو جلب اإلحساس باالرتياح أو زيادته . وهذه الحاجات اإلنسانية حاجات شخصية ،فكل فرد هو الذي يقرر دون تدخل من جانب
غيره ما إذا كان لديه حاجة يريد إشباعها ومدى هذه الحاجة .فالحاجة االقتصادية تختلف عن الحاجة الطبيعية وعن الحاجة االجتماعية وعن الحاجة األخالقية . فالحاجة االقتصادية تختلف عن الحاجة الطبيعية التي تعبر عن عدد السعرات الحراريةالالزمة للفرد . وتختلف أيضا ً عن الحاجة االجتماعية التي تأخذ في الحسبان المستوى الحضاريواألوساط التي ينتمي إليها الفرد . كما تختلف عن الحاجة بمعناها األخالقي والتي تعتمد على معيار النافع والضار والىبعض القيم الخلقية أو الدينية . حقيقة أن الحاجات التي يشعر بها اإلنسان تحكمها عوامل طبيعية ونفسية وأخالقية،ولكنها تعتمد قبل كل شيء على المتطلبات الخاصة لصاحب الحاجة ،فال يوجد كما زعم بعض الكتاب حاجات حقيقية وحاجات خيالية . تنوع الحاجات االقتصادية: وتقسم الحاجات إلى الحاجات الضرورية والحاجات الكمالية ،والحاجات الفردية والحاجات الجماعية ،والحاجات الحاضرة والحاجات المستقبلية . فالحاجة الضرورية ،هي الحاجة التي تتوقف حياة الفرد على إشباعها كالحاجة إلىالشراب والعالج والطعام .أما الحاجة الكمالية ،فهي تلك التي تزيد من متعه الحياة ولذتها كاالستماع إلى الموسيقى والتنويع في المالبس والمعرفة . أما الحاجة الفردية ،فهي تلك التي تتصل مباشرة بشخصية اإلنسان وحياته الخاصةكالحاجة إلى المأوى وتأسيس المسكن والعالج .أما الحاجة الجماعية ،فهي التي تولد وتظهر بوجود الجماعة وحياة الفرد وسط هذه الجماعة ،مثل الحاجة إلى األمن والدفاع عن الجماعة وممتلكاتها ومكافحة األمراض وغيرها من الحاجات التي تباشرها الدولة عادة بواسطة أجهزة تمثل الصالح العام . وأخيراً ،فالحاجة المستقبلية هي تلك المتوقع ظهورها مستقبالً كما لو قامت الدولةباستصالح األراضي وإقامة السدود وذلك بغية إشباع حاجة مستقبلية وهى خلق أو زيادة الرقعة الزراعية الالزمة إلشباع الحاجة إلى الطعام أو إقامة المساكن وغيرها من استخدامات األرض العديدة .أما الحاجة الحالة أو الحاضرة فهي تلك اإلحساس أو الشعور الحال باأللم مثال ذلك استهالك المزارع ما ينتجه من غلة .علما ً بأن التقسيمات المختلفة السابقة للحاجات والفروق بينها جميعا ً نسبية إلى حد بعيد بل ولفظية إلى حد ما . خصائص الحاجات االقتصادية: وتتسم الحاجات اإلنسانية االقتصادية بتقسيماتها المتعددة السابق ذكرها ،بمجموعة من الخصائص ،والتي يمكن إجمالها فيما يلي :
)1قابلية الحاجة لإلشباع : إذا كانت الحاجة هي الشعور بالضيق أو األلم فهذا اإلحساس تتراوح حدته ونوعه وفقا ً لظروف الحال ،وتقل حدة هذا الشعور إذا أشبع اإلنسان حاجاته ،فكلما استرسل في اإلشباع تناقصت حدة األلم حتى يتالشى أو يزول كل ضيق أو ألم ،على األقل في حدود الفترة الواحدة ،وهذا ما يعبر عنه علم االقتصاد بظاهرة تناقص المنفعة الحدية . )2ال نهائية الحاجات : إن حاجات اإلنسان ال تنتهي ،فإذا ما أشبع حاجة ،سرعان ما تظهر له حاجة أخرى ،وإذا ما أشبع األخيرة سرعان ما تجد له ثالثة وهكذا ،في سلسلة ال تنتهي .وهذه الخصيصة للحاجات اإلنسانية إذ لم يرضى عنها أهل الزهد والقناعة لكنها الشك من أهم دوافع الرقى والتقدم االجتماعي ،فلوالها لبقى اإلنسان في مستويات غير مقبولة من المعيشة ،قنوعا بما لديه مادام قادرا ً على إشباع حاجاته البسيطة . )3نسبية الحاجات : إن الحاجات التي يسعى اإلنسان إلى إشباعها اليوم ليست هي التي كانت باألمس وهذه الخاصية انعكاسا ً لضرورات حيوية أو نفسية بقدر ما هي تعبير عن أوضاع اجتماعية تحكمها ظروف الزمان والمكان التي يشعر بها باإلنسان في مجتمع متمدين ،أو في تعبير آخر ليست حاجات األجداد مثل حاجاتنا والتي سوف تختلف بالطبع عنها حاجات األحفاد . ثانياً :األموال أو الموارد االقتصادية المحدودة: لذلك كانت الوسائل التي يملكها اإلنسان إلشباع حاجاته محدودة دائماً ،بمعني أن اإلنسان يعيش في عالم ندرة .فالموارد التي يتصرف فيها إما أن تكون غير كافية إلشباع كل حاجاته في وقت معين ،وإما أن تكون موزعة توزيعا ً مكانيا ً سيئا ً حيث تتوافر في أماكن معينة وتشح في أماكن أخرى .وحتى لو كانت الموارد التي يتمتع بها اإلنسان وفيرة للغاية فإن اإلنسان يظل محصورا ً بعامل الوقت ،وهو أكثر نعم هللا على اإلنسان ندرة . والمال االقتصادي هو عبارة عن كل شيئ نافع متاح لالستعمال ،والمنفعة هي القدرة على إشباع حاجة من الحاجات أو رغبة من الرغبات اإلنسانية .فلكي يعتبر الشيء أو المال اقتصادي ،يجب أن تتوافر فيه الخصائص التالية :- 1وجود حاجة محسوسة لدى الفرد ووجود عالقة بين الحاجة والشيء يعتبره الفردقادرا ً على إشباع الحاجة . 2يجب أن تتوافر في الشيئ النفعية أي قابليته إلشباع حاجة أو رغبة بطريق مباشر أوغير مباشر .والمنفعة ليست صفة مطلقة بل هي صفة نسبية تتوقف على ظروف الحال . 3الندرة وهى الخصيصة التي تميز بين األموال الحرة والمتوافرة بكميات غير محدودةبالنسبة إلشباع الحاجات اإلنسانية ،واألموال االقتصادية المتاحة لدى الجماعة بكميات محدودة .واألموال االقتصادية ،وليست األموال الحرة ،هي التي تكون محالً الهتمامات الفكر االقتصادي وعلم االقتصاد .فال معني لعمليات اإلنتاج والمبادلة إال بالنسبة للسلع
والوسائل الندرة .فالمحيط الخارجي حين يمد اإلنسان بأشياء وفيرة تشبع كل حاجة إليها فإن هذه األشياء تعتبر أشياء حرة ال تدخل في نطاق المبادالت حتى ال يتحمل من يستخدمها أي تضحية إلشباع آخر .فالهواء سلعة حرة وليس سلعة اقتصادية ،له قيمة استعمالية ولكنه ال يدخل في نطاق التبادل ،بمعني أنه ال يتمتع بقيمة تبادلية .وترجع ندرة األشياء إلى أسباب طبيعية كندرة المعادن النفيسة ،أو إلى أسباب إدارية كوضع قيود على صيد الحيوانات أو صيد األسماك ،أو إلى عوامل دينية كقدسية األبقار في الهند . ولما كان من الصعب على اإلنسان أن يحصل على كل شيئ يحتاجه مرة واحدة ،وعمل كل شيئ نافع له في وقت واحد كان عليه أن يختار .فللوصول إلى هدف معين فإن عليه أن يضحي بغاية أخرى حيث ال تكفي الوسائل المتاحة له لتحقيق كل أهدافه .وكل اختيار يتضمن في نفس الوقت تضحية أو تكلفة الفرصة .فعندما تشترى قميصا ً فإنك تتنازل عن اإلشباع الذي كان من الممكن أن يحققه لك شراء سلعة أخرى بالمورد الذي اشتريت به القميص .وتكلفة الفرصة بتعبير مادي هي التضحية التي يتحملها الشخص حين يختار بين عدد من األفعال الممكنة .فعندما يقوم الشخص بنشاط معين( .إنتاج سلعة معينة مثالً) فإن التكلفة التي يتحملها تتمثل في الفرص التي لم يحصلها (قيمة السلعة والخدمات التي لم يتمكن من إنتاجها) ألن الموارد المستخدمة لم تعد متاحة الستخدام آخر . فندرة الوسائل ،واالختيار بين الغايات ،والتكلفة هي األفكار الرئيسية التي تسمح بفهم جوهر النشاط االقتصادي ،حيث أن حياتنا االقتصادية تتكون من مجموعة من القرارات المتشابهة التي تهدف إلى تحقيق التوازن بين الوسائل والحاجات .وانطالقا ً من هذه الوجهة من وجهات النظر نستخدم دخلنا ،وندير صفقاتنا ،وننظم إنتاجا ،وتوزيع وقتنا بين العمل والفراغ بين اليقظة والنوم . فمقاومة الندرة هي جوهر النشاط االقتصادي سواء تعلق األمر بشخص معين يعيش منعزال ً في الصحراء أو كان يتعلق بشخص يعيش في جماعة يتخصص كل عضو من أعضائها في عمل معين ويركز جهوده في نشاط واحد لمصلحة اآلخرين بحيث توزع الموارد اإلجمالية على الجميع عن طريق التبادل . وتتم مقاومة الندرة بالعمليات اإلنتاجية .فاألفراد حين يشعرون بالحاجات يبحثون عن تحسين ظروف معيشتهم بممارسة عمليات إنتاجية ومبادالت موضوعها سلع وخدمات تخصص في النهاية لالستهالك . ثالثًا :القوانين االقتصادية: تُعبر القوانين االقتصادية عن جوهر العمليات أو الظواهر االقتصادية الجارية ،وهى عمليات تجري في دائرة عالقات اإلنتاج .ولكن الجوهر والظاهرة ليس متطابقين ،ولو كان متطابقين ،لما كانت هناك حاجة لعلم االقتصاد ،ولكانت تكفي قوة المالحظة والتجربة والرصد في الحياة للكشف عن جوهر العمليات أو الظواهر االقتصادية .واكتشاف القوانين ،بصفة عامة ،ال يتطلب الموهبة والمقدرة العملية فحسب ،وإنما يتطلب في كثير
من األحيان قدرا ً كبيرا ً من الشجاعة الشخصية ،ويصدق هذا القول في حالة قوانين الحياة االقتصادية .فالقوانين التي يدرسها علم االقتصاد غالبا ً ما تمتد بآثارها إلى مختلف الطبقات والفئات االجتماعية ،فالقوانين االقتصادية التي يكشف عنها علم االقتصاد ال تعتبر ذات قيمة نظرية محضة بل لها آثارها العملية . من جهة أخرى ،تتفاوت القوانين االقتصادية من حيث األهمية داخل النظام االقتصادي الواحد ،كما قد يكون لقانون اقتصادي أهمية كبرى في ظل نظام اقتصادي معين ،كالنظام الرأسمالي ،ويفتقد جزءا ً كبيرا ً من أهميته في ظل نظام اقتصادي أخر .كما أنه في حدود النظام االقتصادي الواحد تتفاوت القوانين االقتصادية في أهميتها .فهناك منها الرئيسي الذي يفسر الظواهر والعالقات الرئيسية أو األساسية التي تبرز جوهر النظام ،وهناك القانون االقتصادي الثانوي الذي يفسر جانبا محدودا أو جزءا من جوانب العالقات والظواهر االقتصادية التي يتكون منها النظام . وأخيراً ،يمكن إجمال السمات الرئيسية للقوانين االقتصادية فيما يلي: 1نسبية التطبيق ،أي تغيرها بتغيير الزمان والمكان .فالقوانين االقتصادية التي تنطبقفي بلد متقدم قد ال تنطبق في بلد متخلف ،وتلك التي تنطبق في بلد رأسمالي قد ال تنطبق في بلد ذات نظام اقتصادي اشتراكي .فالثبات واالستقرار الذي يتصف بهما القانون الطبيعي ،نجدهما نسبيان للقانون االقتصادي . 2كما تتسم القوانين االقتصادية بأنها ليست حتمية التطبيق أو الحدوث .3كما تتميز القوانين بعدم دقتها الحسابية ،فهي ال يمكن االعتماد عليها للوصول إلىنتائج دقيقة محددة ،وإنما هي تعبر عن مجرد ميل أو اتجاه معين .وتمدنا النظرية االقتصادية بنماذج لهذه القوانين االقتصادية . فقد استطاع جوسن قى سنة 1854أن يعلن قانونين للحاجات ،األول :قانون االستمرار، والثاني :قانون التكرار . *ومضمون قانون االستمرار هو أن أي رغبة يوالي إشباعها دون توقف تتناقص حدتها حتى تنتهي باالنعدام بعد أن كانت مرتفعة في بدايتها .وهذا هو قانون تناقص حدة الحاجات أو قابلية الحاجات لإلشباع .وتختلف قابلية الحاجة لإلشباع من فرد إلى فرد آخر ،وبالنسبة للفرد الواحد من حاجة إلى حاجة أخرى . *ومضمون قانون التكرار هو أن اإلحساس المريح عندما يتكرر تتناقص درجة حدة الرغبة ومدتها .وتتناقص حدة الرغبة ومدتها بسرعة كلما كان التكرار متعاقبا ً على فترات قصيرة . رابعاً :اإلنتاج: تقوم عمليات اإلنتاج على تجميع العوامل الطبيعية أو األدوات الفنية مع العمل من أجل الحصول على سلع وخدمات تخصص لالستهالك .فاإلنتاج يتضمن عمليات تحويل
وعمليات نقل الموارد االقتصادية . واإلنتاج إما أن يكون إنتاج سلع مادية أو خدمات غير مادية (خدمات) .وقد استبعد الفكر االقتصادي في وقت من األوقات الحصول على خدمات من نطاق اإلنتاج .ففي كتاب ثروة األمم وضع أدم سميث بين المهن غير المنتجة الجيش والحكومة وبعض المهن األخرى مثل رجال الدين ورجال القانون واألطباء والممثلون والموسيقيون والمطربون والراقصون .فقد قدر آدم سميث أن عمل هؤالء يهلك وقت إنتاجه متأثرا ً بأن وقتا ً معينا ً يمر بين الحصول على الشيئ المادي واستهالكه ،بينما يتم إنتاج واستهالك الخدمات في وقت واحد دون أي فاصل زمني .ولكن هذه الخدمات تشبع حاجات إنسانية وهى خدمات مرغوبة والذين يمارسونها يمدون المجتمع بنشاط منتج .ونتيجة لذلك يمكن القول أن كل تصرف يوجد منفعة يعتبر تصرفا ً منتجاً .والعمل المنتج قوامه الحصول على تيار من المنافع من عوامل اإلنتاج . وفكرة المنفعة فكرة محايدة في عالقاتها باألخالق أو بالصحة .فأي سلعة أو خدمة تعد نافعة طالما أن هناك مستهلكا ً يرغبها إلشباع حاجة له ولو كان هذا اإلشباع متعارضا ً مع االعتبارات الصحيحة أو األخالقية .فالخمور والسجائر تعتبر سلعا ً نافعة من وجهة نظر مستهلكيها يضحون في سبيل الحصول عليها بجزء من مواردهم ،رغم أنها سلع ضارة من الناحية الصحية . ويمكن التمييز بين طائفتين كبيرتين من السلع والخدمات: ·السلع االستهالكية أو النهائية وهى التي تستخدم في اإلشباع المباشر لحاجات المستهلكين دون أن تمر بأي مرحلة أخرى من مراحل اإلنتاج مثل الخبز . ·السلع اإلنتاجية أو غير المباشرة ،وهى تستخدم في اإلمداد بسلع االستهالك كاألدوات واآلالت . ·ويمكن تصنيف السلع االستهالكية والسلع اإلنتاجية إلى : ·سلع ذات استهالك فوري يتم استهالكها باالستخدام لمرة واحدة مثل الخبز والكهرباء . ·سلع ذات استخدام متكرر حيث تستخدم عدة مرات وتوزع منفعتها خالل الزمان مثل المنازل والمالبس واآلالت . ·والطلب على السلع التي يتم استهالكها باستخدامها مرة واحدة طلب منتظم ،بينما يتغير الطلب على السلع ذات االستخدام المتكرر تغيرا ً كبيرا ً بحسب الحاجة إلى شرائها التي غالبا ً ما تكون محالً لتغيرات كبيرة . ويمد األفراد بعضهم بعضا ً بالسلع والخدمات الالزمة إلشباع حاجاتهم عن طريق عمليات المبادلة .فكل فرد يعتبر في وقت واحد منتجا ً لسلع وخدمات ومستهلكا ً لسلع وخدمات أخرى .فصانع األثاث يشترى اللحم ويستهلك خدمات الطبيب. وتتوقف درجة تشابك عمليات المبادلة على درجة التخصص وتقسيم العمل وقد شهد العالم الحديث تطورا ً كبيرا ً في تقسيم العمل األمر الذي أدى إلى نمو المبادالت .
خامسا ً :النقود: تعتبر النقود من المسائل الهامة ذات الصلة بالمشكلة االقتصادية وقد أدى استخدام النقود إلى تسهيل المبادالت بإحالل التبادل غير المباشر محل التبادل المباشر أو المقايضة. فالنقود أدت إلى زيادة مرونة الصفقات االقتصادية ولكن النقود ليست سلعة تبادل فقط، وذلك لما لها من منفعة خاصة تتمثل في كونها هي السيولة في ذاتها .فكل فرد تتكون ثروته من سلع حقيقية عقارية (كاألرض والعمارات) أو من صكوك (مثل أسهم الشركات وسنداتها وصكوك الدولة) عليه أن يحولها إلى مال سائل (نقود) إذا أراد سلعة دون حاجة إلى سلعة أخرى . أما النقود فيمكن استخدامها لشراء أي سلعة دون حاجة إلى أي عملية تحويل .فالنقود تعطى إذن لصاحبها خدمات خاصة أهمها االحتياط للمخاطر غير المتوقعة ،وشراء السلع والصكوك التي يفضلها في ضوء التغيرات التي تطرأ على األسعار .والنقود إما أن تكون نقودا ً معدنية أو أوراق بنكنوت ،وإما أن تكون شيكات أو تحويالت بين الحسابات في البنوك أو صناديق التوفير .فالنقود تشمل مجموعة وسائل الدفع المستخدمة سواء عن طريق النقل المادي من يد إلى يد أو عن طريق التحويل الحسابي . سادسا ً :االستهالك : االستهالك هو العملية التي بها تشبع الحاجات االقتصادية والذي يأخذ صورة إنهاء السلعة أو الخدمة واستنفاذ ما فيها من منفعة .فالخبز يستهلك بأكله ليخفف إحساسنا بالجوع. والمشهد المسرحي يستهلك عندما ينتهي بإشباع الرغبة في التسلية ،والسيارة ،وهى سلعة استهالكية معمرة ،يجب أن تستبدل بها سيارة أخرى عندما تقطع عددا ً معينا ً من آالف الكيلومترات . وباإلضافة إلى سلع االستهالك المعمرة أو غير المعمرة المخصصة لإلشباع عن طريق استنفاذ ما فيها من منفعة ،توجد سلع المتعة كاللوحات والتحف ،وهى بطبيعتها سلع دائمة تساهم في إشباع جانب من حاجات اإلنسان.
المحاضرة الثانية
تعريف علم االقتصاد ومحتواه بمراعاة كل األفكار التي اعتمدنا عليها في المحاضرة السابقة يمكن تعريف علم االقتصاد بأنه يمكن تعريف علم االقتصاد بأنه علم إدارة الموارد النادرة حث يدرس الصور التي يتخذها التصرف اإلنساني في تدبير هذه الموارد .فهو يحلل ويشرع الصيغة التي يقوم الفرد أو الجماعة طبقا ً لها بتخصيص الموارد المحدودة إلشباع الحاجات المتعددة غير المحددة . وهذا التعريف يثير المالحظات اآلتية :- 1يدرس علم االقتصاد كل أشكال التصرف اإلنساني في مقاومته للندرة .وإدارة المواردالنادرة ال ترتد إلى مجرد المبادلة الحرة بمقابل ،وإنما تشمل أيضا ً استخدام الجبر أو اإلكراه العام والخاص الذي تمارسه الدولة أو بعض األفراد أو الجماعات ذات السلطة أو السطوة ،كما تتضمن االلتجاء إلى المنح أو التحويالت دون مقابل للمنتجات أو النقود مثل اإلعانات االجتماعية . 2يدرس علم االقتصاد العالقات بين غايات النشاط اإلنساني والوسائل المستخدمةلتحقيق هذه الغايات ،ولكنه علم محايد بالنسبة للغايات .فهذه األخيرة متعددة ومتباينة، وال يدخل في مهمة علم االقتصاد شرحها أو تقويمها .ومع ذلك فإن من مهام علم االقتصاد أن يبين كيفية حكم الغايات للنشاط االقتصادي لإلنسان وكيف أن تحولها وتغيرها يؤثر على صيغ هذا النشاط .وينتمي إلى علم االقتصاد البحث عن الغايات المتعددة للفعل لتحديد المالئم والقابل للتحقيق من بينها ،والطرق االقتصادية األنسب لتحقيقها . ومن هذا التعريف يمكن أن يحدد محتوي علم االقتصاد : 1يهتم علم االقتصاد في المقام األول بوصف طرق إدارة الموارد النادرة التي تظهر فيالزمان والمكان .فهو يالحظ ويصنف المعلومات الناتجة عن التجارب اإلنسانية . 2يهتم علم االقتصاد في المقام الثاني بتنظيم الوقائع على نحو يظهر الوحدة والدوريةالتي تطبع التصرفات اإلنسانية .فمن مهام النظرية االقتصادية أو التحليل االقتصادي تأسيس األفكار ،والبحث عن محددات الظواهر وآثارها ،وإيضاح العالقات العامة الثابتة التي تقوم بينها .فالنظرية االقتصادية تستنبط من الواقع شرحا مبسطا لتشغيل اقتصاد معين ،وتقيم نظما منطقية تشكل نماذج شارحة للحقيقة االقتصادية. 3يساهم علم االقتصاد في توجيه السياسة االقتصادية .فهو ال يقترح أهدافا سياسية أواجتماعية ،ولكنه يسعى إلى تحديد السياسة االقتصادية المتكاملة التي تالئم تحقيق أهداف سياسية واجتماعية معينة .ويبين مدى التناسق بين األهداف وإمكانية تحقيقها من الناحية االقتصادية والوسائل التي تستجيب لتحقيق هذه األهداف وأفضل هذه الطرق . 4في مواجهة أهداف معينة وفي إطار ظروف عملية محددة ،يقدم علم االقتصاد قواعداالستخدام األمثل للموارد االقتصادية وصيغ تحقيق الرفاهية المادية . من جهة أخرى ،وامتدادا لبيان محتوى علم االقتصاد ،يعرف الفريد مارشال (-1842 )1924علم االقتصاد أو علم االقتصاد السياسي بالقول" إن االقتصاد السياسي ،أو علم
االقتصاد هو دراسة للبشرية في ممارسة شئون حياتها العادية" .وعلى الرغم من شمول التعريف لمسائل غير اقتصادية ،أو تخرج عن نطاق علم االقتصاد ،إال أنه يرد على ذلك بأنه ال يوجد في السلوك البشرى أو اإلنساني الكثير الذي يمكن استبعاده من نطاق علم االقتصاد ،وباعتباره منبت الصلة بالموضوع .غير أنه ألغراض عملية ،تدور اهتمامات علم االقتصاد السياسي حول اإلجابة على األمور واألسئلة المحورية التالية ،مع األخذ في االعتبار أن هذه األسئلة تتغير بدرجة كبيرة من حيث إلحاحها مع تغير البيئة المحيطة التي تحدد اإلجابة عليها محتوى علم االقتصاد ،وتتمثل هذه االهتمامات في : ;&Ucircالسؤال المحوري األول هو :التساؤل عما يحدد أسعار السلع والخدمات، وكيفية توزيع حصيلة هذا النشاط االقتصادي ،والعوامل واالعتبارات التي تحدد حصة كل عامل من عوامل اإلنتاج ،أو بتعبير آخر الحصة التي تذهب إلى األجور والفائدة واألرباح وريع األرض واألشياء الثابتة وغير القابلة للتغيير المستخدمة في اإلنتاج . وطوال فترة زمنية طويلة من تاريخ الفكر االقتصادي كان موضوع نظرية القيمة وموضوع نظرية التوزيع هما الشاغل األساسي والمحوري لعلماء االقتصاد .ومازال االعتقاد السائد بأن علم االقتصاد السياسي قد بلغ سن الرشد عندما أحاط بهذين الموضوعين بطريقة منهجية في الجزء األخير من القرن الثامن عشر . وابتداء من نهاية الحرب العالمية الثانية ،وعلى الرغم من عدم تسليم االقتصاديين التقليديين بالتغير ،فإن أهمية تحيد األسعار أو نظرية القيمة والعوامل التي تحدد حصص التوزيع أخذتا في التراجع .حيث برز على السطح اهتمامات اقتصادية أخرى . ;&Ucircوإلى جانب نظريتي القيمة والتوزيع ،تبقي األسئلة واألمور المحورية األخرى، وفي مقدمتها كيف يجرى نشر أو تركيز الدخل الموزع مثل األجور والفائدة واألرباح والريع؟ وما ينتج عن ذلك من تباينات اجتماعية على امتداد السنون .فطوال التاريخ االقتصادي وجد األغنياء وهم قليلون والفقراء وهم كثيرون .ومن ثم طرح السؤال التالي :ما السبب في أن تكون الحال كذلك؟ ;&Ucircكذلك بدأ اهتمام علم االقتصاد ،في العقود األخيرة ،بمحاولة اإلجابة على التساؤل التالي :ما الذي يؤدى إلى التحسن أو النمو االقتصادي أو تنشيطه ،وعلى ما يسبب التقلبات –الدورية أو غير الدورية –في إنتاج السلع والخدمات؟ فقد بدأ االهتمام بمسائل التنمية منذ الحرب العالمية الثانية ،ومنذ ذلك التاريخ بدأ يظهر محور جديد من محاور النظرية االقتصادية أو التحليل االقتصادي .ولقد عرف االقتصاديون األوائل من أمثال آدم سميث ومن تبعه ثم كارل ماركس وأنصاره اهتماما عاما ً بقضايا النمو بصفة عامة .غير أن الفارق األساسي بين األوائل والمحدثين هو أن هؤالء اآلخرين لم يهتموا بمشكلة تطور المجتمعات ونموها االقتصادي بصفة عامة وإنما بأحوال التطور االقتصادي لدول لم تستطع أن تشارك بشكل ملحوظ وفعال في التقدم االقتصادي والتكنولوجي العالمي . ولعل من المالحظ أن الفكر االقتصادي التنموي قد ولد في العالم االقتصادي المتقدم ،ومن
أهم األسماء في هذا الصدد " نركسو وأرثر لويس وهرشمان وموريس دوب وميردال " ولم تظهر مساهمات أصلية من مفكري دول العالم الثالث في مسائل التنمية إال في فترة متأخرة نسبيا ،واقتصرت بشكل عام على مساهمات أبناء من الهند وأمريكا الالتينية . ;&Ucircوتمضي األسئلة المحورية ومنها :لماذا يكون من المتعذر في االقتصاد إيجاد فرص عمل لألعداد الغفيرة من الراغبين في العمل؟ فالحديث عن البطالة في سنوات القرن التاسع عشر كان أمرا ً نادرا ،أما في سنوات القرن الماضي (العشرين) فتوفر فرص عمل كافية ،كانت من المسائل المحورية في اقتصاديات هذا القرن .والتي سوف تبقى من المسائل المحورية في اقتصاديات القرن الحادي والعشرين ،الذي نحن في عقده األول . ;&Ucircوأخيراً ،وبشكل أقل أهمية ،هناك الظروف السياسية واالجتماعية التي تمضي فيها الحياة االقتصادية .فماذا عن الرأسمالية وفعاليتها ،والمشروع الحر ،ودولة الرفاهية، واالشتراكية والشيوعية .فعلم االقتصاد يصير مسرحا لقوة التعبير عن الحجج .كل هذه األسئلة وغيرها ،والحلول التي تقترح لها هي موضوع علم االقتصاد السياسي التقليدي والحديث.
المحاضرة الثالثة نشأة النظام الرأسمالي وخصائصه أوال ً :نشأة النظام الرأسمالي أو اقتصاد السوق: إن معرفة الظروف التي وجد من خاللها النظام الرأسمالي ،تمثل في نفس الوقت معرفة بتاريخ الفكر االقتصادي إزاء المشكلة االقتصادية .وفي هذا الصدد ،يذهب بعض مؤرخي الفكر االقتصادي إلى القول بأن الفترة التي سبقت منتصف القرن الثامن عشر (تاريخ اكتمال أركان النظام الرأسمالي وظهوره على السطح) ،وباستثناء النظام البدائي ،قد سادها نظام اقتصادي واحد ،وهو النظام اإلقطاعي .في حين يذهب البعض اآلخر إلى القول بأن هذه الفترة شهدت نظامين اقتصاديين متميزين ومتعاقبين ،وهما –على التوالي –النظام اإلقطاعي والنظام الحرفي ،ويقولون بأن النظام األول ساد الفترة من القرن الخامس وحتى القرن الثالث عشر ،وساد النظام الثاني الفترة من القرن الثالث عشر حتى منتصف القرن الخامس عشر أو بداية القرن السادس عشر .
ويتفق الرأيان في أمرين ،أولهما :أن الفترة الممتدة من منتصف القرن الخامس عشر وحتى منتصف القرن الثامن عشر ،هي الفترة التي شهدت مقدمات ميالد النظام الرأسمالي ،أو هي الفترة االنتقالية لبروز هذا األخير ،وثانيهما :أن النظام اإلقطاعي (والنظام الحرفي) قد ساد الفترة الزمنية التي تسمي بالعصور الوسطي ،والتي يشير إليها الرأي األول بالفترة البينية المستمرة . وسوف نستعرض أوال ً سمات النظام االقتصادي السابق على ظهور النظام الرأسمالي ،ثم نتلو ذلك ببيان المقدمات لميالد الرأسمالية . )1سمات النظام االقتصادي السابق على الرأسمالية : ثبت أن األفكار االقتصادية إلى حد كبير نتاج لزمانها ومكانها ،ولذلك إذا ما أردنا أن نتفهم النظام الرأسمالي ،فليس بوسعنا أن نحقق ذلك إال من خالل إطاللة على الماضي، وضرورة معرفة الظروف االجتماعية واالقتصادية والسياسية والفكر االقتصادي للنظم أو النظام السابق على الرأسمالية. ويمكن القول أن الحياة االقتصادية في العصور الوسطي ال يجمعها شبه كبير بالمجتمع االقتصادي الحديث ،أو على األقل بالفترة االنتقالية لميالد النظام الرأسمالي ،وتبعا ً لذلك لم يكن هناك الكثير الذي يحتاج إلى بيان حسبما يرى علم االقتصاد اآلن . من جهة ثانية ،وصف هذا النظام بالنظام اإلقطاعي ،نظرا ً القتطاع األسياد أجزاء من أراضيهم الزراعية للرقيق في مقابل التزامات نقدية وعينية متعددة .فقد حدث ،وبعد انهيار اإلمبراطورية الرومانية والحروب األهلية والخارجية وتفتت السلطة المركزية العامة ،أن قوى االتجاه نحو النظام الالمركزي ،فنشأت ،على أنقاض اإلمبراطورية الرومانية دول صغيرة ،يرأس كل منها ملك ،ويحكم أهلها وينظم اقتصادها على أساس هرمي ،وبمقتضاه يقتطع الملك أجزاء من أراضى الدولة لتابعيه من األمراء في مقابل التزامات مادية وحربية ،ثم يقتطع األمراء بدورهم مساحات من أراضيهم إلى تابعيهم من النبالء ،ثم يقتطع النبالء أو السادة أجزاء للرقيق –بعد تحريرهم –في مقابل التزامات عينية ونقدية متعددة ،وهكذا يكون الملك ،من الناحية النظرية هو سيد األسياد . ويمكن إبراز السمات األساسية للنظام االقتصادي اإلقطاعي فيما يلي:- 1أنه نظام اقتصادي مغلق ،استمر لفترة يقوم على االكتفاء الذاتي أو اإلنتاج بغرضاالستهالك . 2يمثل النشاط الزراعي النشاط االقتصادي الهام ،والذي ينظم وفقا ً للعالقات القائمة بينطبقتين وهما :واألشراف أو األسياد أو أصحاب األراضي ،ورقيق األرض . 3كذلك كانت طوائف الحرفيين أو النشاط الحرفي ،والذي ظهر بعد فترة من بداية النظام،بجانب النشاط الزراعي ،من السمات المميزة للحياة االقتصادية في العصور الوسطي، ومع هذا النشاط أصبح اإلنتاج يتم بغرض التبادل ،وإن كان على نطاق محدود . 4-تمثلت القوى اإلنتاجية أو أدوات اإلنتاج األساسية ،والتي تشمل أساسا ً األرض والعمل
ورأس المال والمهارات التنظيمية ،القوى في عامال األرض والعمل. 5إن السوق ،بالرغم من تزايد أهميتها بمرور السنين ،كانت على وجه التحديد جانبا ًثانويا ً من جوانب الحياة االقتصادية في العصور الوسطي ,فالجماهير الريفية كانت تزرع وتصنع ما تأكله أو تلبسه ،وتسلم جزءا ً منه إلى طبقة من األمراء والسادة أحرارا ً أو مزارعين يقتسمون المحصول مع المالك أو األسياد أو مستأجرين ،ويمكن أن يكون على رأسهم كأسياد الكنسية ،والملك وكبار النبالء ،وطبقة عليا من المستأجرين ،ولكن مهما تكن العالقة بين السيد والعامل سواء كان األمر التزاما ً أو إكراها ،فإن المنتجات والخدمات كانت تسلم وال تباع ،أو بعبارة أخرى لم تكن هناك السوق أو التجارة . 6على أنه ال ينبغي بوجه عام تحميل عدم وجود تجارة أو سوق في العصور الوسطيأكثر مما يحتمل –فقد كانت هناك المدن ،وإن كانت شديدة الصغر بالمقاييس الالحقة ، وكانت هناك حاجات أو رغبات متنوعة لإلقطاعيين األعلى مرتبة يقوم على تحقيقها تجار من هنا وهناك أو يجرى إشباعها بالشراء من الحرفيين –ومن ثم فقد كانت هناك السوق، ولكنها ليست سوقا ً من نمط العالقات اليومية ،ولم تكن تجتذب اهتماما ً أو فكرا ً رئيسياً. وعلم االقتصاد في جانب من جوانبه ،يركز على السوق ،ولكن في عالم كان السوق فيه نتاجا ثانويا من جوانب الحياة االقتصادية في العصور الوسطي بل جانبا ال يهم إال الخاصة ،وبالنظر إلى أن علم االقتصاد كما يعرف اآلن لم يكن قد وجد بعد . 7وعلى الرغم من األهمية المحدودة للسوق وللتبادل ،وعلى الرغم من أن علم االقتصادلم يكن قد عرف بعد في العصور الوسطي ،إال أن العمليات المحدودة للبيع والشراء، وعلى النحو الذي كانت تتم به ،كانت قد اجتذبت فكر بعض الفالسفة ،والذين كان لهم فكر معين في بعض المسائل االقتصادية كمسألة مشروعية السعر أو عدالته أو ما يسمي بمفهوم السعر العادل ،والفائدة ،والتجارة . فإذا كنا قد ذكرنا أن األسواق في العصور الوسطي لم تكن إال جزءا صغيرا ً من الحياة االقتصادية اليومية ،إال أنها رغم ذلك كانت لها سماتها الخاصة ،منها أن مبيعات كثيرة من الخيول أو الماشية مثالً ،كانت تتم من شخص آلخر أو من تاجر أو من حفنة من التجار إلى اآلخرين ،أو كانت تخضع العملية للضوابط التي تقررها طوائف الحرفيين، والتي وجدت ألغراض كثيرة منها ضبط األسعار وأجور العمال .وكان سعر السوق الذي يتحدد بطريقة تنافسية أو غير شخصية أمرا ً استثنائيا وليس هو المعتاد طوال العصور الوسطي .وفي كل الحاالت ،عدا أندرها ،كانت هناك شواهد على قدر متفاوت من القوة االحتكارية التي تزيد أو تنقص حسب األحوال .في هذا الصدد يقول القديس الفرنسي توما االكوينى (– 1274) 1225عن مشروعية السعر أو عدالته (أنه ألثم عظيم أن يمارس االحتيال من أجل بيع شيئ ألكثر من سعره العادل "…فبيع شيئ بسعر أعلي مما يستحق، أو شراؤه بسعر أرخص مما يستحق يعد في حد ذاته سلوكا ً غير عادل وغير قانوني". ومفهوم السعر العادل مازال على قيد الحياة . كذلك وافق القديس توما االكويني ،بل أكد بقوة ،الحظر على أخذ الفائدة ،وربط ذلك
بمراعاة صواب التجارة بوجه عام .ولم تكن إدانته للتجارة شاملة ،حيث فرق بين نوعين من التبادل :األول :يسمي التبادل الطبيعي والضروري ،وعن طريقه تتم مبادلة شيئ بآخر أو مبادلة شيئ مقابل نقود بغرض تلبيه احتياجات الحياة ،وهذا النوع من التبادل أو التجارة جدير بالثناء .أما النوع الثاني من التبادل أو التجارة :هو مبادلة نقود مقابل نقود أو أشياء مقابل نقود ،ال لتلبية احتياجات الحياة ،ولكن لتحقيق كسب ،هذا النوع الثاني من التجارة مدان ومرفوض .وهكذا انضم التجار المحترفون –السماسرة والمضاربون والوسطاء –إلى مقرضي النقود في اإلدانة األخالقية . لكن ،وبعد مرور أعوام طويلة على رأى وفكر القديس توما االكويني ،حدث تغير هائل في المواقف على يد الفرنسي نيكول أوريسم ( .)1382 -1320فالتجارة التي كانت هامشية وموضوع ريبة في فكر القديس توما االكوينى ،صارت محورية في فكر نيكول أوريسم. وبات ينبغي أن تقوم السياسة التي يتبعها األمير أو الدولة أو المجتمع على تشجيع التجارة وتهيئة الظروف التي يتطلبها هذا التشيجع .كما تتبع أوريسم تاريخ النقود و إليه تعود نظرية المذهب النقدى ،Monetarismأو نظرية كمية النقود ،ومفادها أن مقدار النقود المتداولة في االقتصاد يؤثر في مستوى األسعار ،ومن ثم يمكن التحكم في التضخم عن طريق ضبط عرض النقود . خالصة األمر ،أنه وجد في هذه الفترة الطويلة ما هو أكثر من كلمات القديس توما االكوينى ونيكول أوريسم ،ولكن ليس أكثر كثيراً .ويرجع ذلك إلى أن علم االقتصاد أو الفكر االقتصادي ال يوجد بمعزل عن الحياة االقتصادية ذات الصلة .فثبات وركود المجتمع اإلقطاعي كان يهيمن على توزيع البضائع والخدمات ،ال استجابة لسعر وإنما للقانون والعرف والخوف من العقوبات البالغة القسوة ،كما كانت السوق استثناءا عل فئة قليلة، ومن أجل ذلك لم تولي اهتماما كبير .أما أوريسم فكان يستجيب أو يتنبأ بعالم جديد آخذ في االتساع تواصل فيه األسواق وكذلك النقود الظهور بقوة. )2مقدمات ميالد الرأسمالية : تجمعت عوامل كثيرة ،خالل فترة زمنية ،أدت بدورها إلى تداعى وانهيار النظام اإلقطاعي، وفي نفس الوقت مهدت لظهور نظام جديد .ويحدد مؤرخو تاريخ الفكر االقتصادي هذه الفترة ،بتلك الممتدة من منتصف القرن الخامس عشر وحتى منتصف القرن الثامن عشر، تلك الفترة التي شهدت بوضوح ببداية الثورة الصناعية ووقوع الثورة األمريكية وصدور المؤلف العظيم " ثروة األمم " Wealth of Nationsآلدم سميث .ويشار إلى هذه المرحلة ،أحيانا ،والتي امتدت نحو ثالثون قرون ،الرأسمالية التجارية ،وأحيانا لمذهب التجاريين أو المركنتيلية Mercantilism.وعموما فهذه الفترة تقدم لنظام جديد قادم. فهما هي إذن هذه العوامل؟ وما هي أهم األفكار االقتصادية التي سادت خالل هذه الحقبة؟ وأهم من قام بتحديد معالم هذه الحقبة؟ أ )أما عن إجابة التساؤل األول ،فيمكن إبراز أهم العوامل فيما يلي :
1انتشار األسواق والصعود االجتماعي لطبقة التجار .تزايدت ،وبمعدالت كبيرة ،حركة التجارة محليا ودوليا ،وأصبحت تشمل األراضي األوروبية فيما بينها وكذلك بين األخيرة وبلدان شرقي البحر المتوسط .كذلك ظهرت البنوك ،أوال ً في إيطاليا ثم تبع ذلك انتشارها في أوروبا الشمالية .كما أن بورصات النقود، حيث مكان وزن عمالت البلدان المختلفة ومبادلتها ،أصبحت من سمات هذه الفترة الزمنية . وإذا كان التاجر متواريا في الفترة السابقة ،وعمله منبوذا ،صار شخصية مقبولة وذات مكانة اجتماعية .وفي نفس الوقت بدأ يتوارى ،اجتماعيا ،أصحاب األراضي أو ورثة البارونات اإلقطاعيين .ولم يكن كبار التجار مجرد ذوى نفوذ في الحكومة وإنما كانوا هم الحكومة ،وكان نفوذهم يتزايد في الدولة القومية الجديدة ،والتي يملون عليها ما يحقق أهدافهم من السياسات العامة والعمل العام بدوره ،انعكاسا آلرائهم . 2ظهور وتدعيم سلطة الدولة الحديثة :فمع صعود القومية جاءت المصالح المتبادلة والعالقة الحميمة بين سلطة الدولة ومصلحة التجار .وقد طرح البعض التساؤل التالي وهو :هل كانت الدولة القومية هي األداة الضرورية لسلطة التجار؟ أم سعت الدولة نحو التجار في خدمة سلطاتها األعلى؟ 3االكتشافات الجغرافية الجديدة:مثل رحالت كشف أمريكا والشرق األقصى للمالحيين كولومبس وفاسكو دى جاما، ورحالت أخرى قامت بها دول البرتغال وأسبانيا وإنجلترا وفرنسا وهولندا .وكان من نتيجة هذه الرحالت اتساع األسواق ،وتدافع منتجات جديدة وغير مألوفة إلى أوروبا من الشرق ،واألكثر أهمية كان سيل الفضة والذهب من مناجم العالم الجديد. 4الحركة الصعودية الكبيرة في األسعار:كان من أثر تدفق المعادن الثمينة إلى أوروبا من األراضي الجديدة حدوث ارتفاع عام في األسعار وظهور مبكر لنظرية كمية النقود" ، "Quantity Theory of Moneyمؤداها أنه إذا كان حجم التجارة ثابتا ،تتغير األسعار في تناسب مباشر مع عرض النقود .وقد تبين في ذلك الوقت أن وجود عملة معدنية مستقرة –قاعدة الذهب والفضة –يتفق مع تضخم األسعار .وقد دخلت العالقة بين عرض النقود واألسعار مجال التعليق االقتصادي في تلك األيام .من هؤالء االقتصادي الفرنسي جان بودان ( )1596 -1530الذي هذب إلى القول بأن األسعار المرتفعة يقف وراءها أسباب كثرة منها وفرة الذهب والفضة ،وكذلك االحتكار. 5تطور التنظيم الصناعي:فمن التنظيم الطائفي إلى الصناعات المنزلية ،ثم الصناعة اليدوية ،أو بتغيير آخر تطورت العملية اإلنتاجية أو الفن اإلنتاجي. ب )أما عن أهم األفكار االقتصادية التي سادت خالل هذه الحقبة الزمنية ،فقد كانت السياسة العامة والعمل العام انعكاسا آلراء وما يحقق مصالح كبار التجار .فقد تصور
التجاريون أن المعادن النفسية من ذهب وفضة مصدر الثروة وأهم أشكالها ،وأن قوة الدولة ومعيار ثرائها هو ما لديها من ذهب وفضة .لذلك يرون أن على الدولة أن تعمل على الحصول على أكبر كمية من المعادن النفسية ،وذلك عن طريق الصادرات وفرض الضرائب على الواردات .وعادة ما كان يقول التجار " إن بيع البضائع لآلخرين يكون دائما أفضل من شراء البضائع من اآلخرين " ،ألن البيع يحقق مزية مؤكدة والشراء يجلب ضررا ً ال يمكن اجتنابه .وهنا يعتقدون ويؤمنون بالدور القوى للدولة وبتدخلها في االقتصاد .وقد ترتب على ذلك أن كانت المراسيم والتشريعات المركنتيلية ،وفي واقعها العملي ،تتضمن فرض الرسوم الجمركية والقيود األخرى المختلفة على الواردات. كما أن من ضمن الفكر المركنتيلي الموقف السلبي تجاه المنافسة ،وعدم الترحيب بها والموافقة والتشجيع على االحتكار أو على التحكم االحتكاري في األسعار والمنتجات، وبذلك تراجع مفهوم السعر العادل أمام المركنتيلية ،ومن هنا كانت منح وبراءات االحتكار تعطى بحرية كبيرة في إنجلترا في عصر الملكة اليزابيث .وكانت هذه المنح هبة سخية إلى أن قيدها البرلمان اإلنجليزي خالل حكم جيمس األول بموجب قانون االحتكارات في العامين ( 1623و . )1624 من جهة أخرى ،ولما كان الثراء والسعي إليه قد أصبح موضع احترام صار أخذ الفائدة على رأس المال إذا لم يتجاوز حد االعتدال ،أمرا ً مقبوال ،وأصبح تمويل العمليات التجارية بأموال مقترضة عمال مشروعاً ،ولم يعد في ذلك ما يحرم التجار من دخول الجنة ,وقد كان ذلك تغيرا في المواقف وفي الفكر عما كان يجرى في الفترة السابقة ،فقد كان هناك التمييز ،كما سبق وأن بينا ،بين نوعى الفائدة ،فالفائدة تدان بشدة إذا كانت ابتزازا من جانب المحظوظين للمعوزين . ولكن األمر يختلف عندما يحقق المقترض ماال من القرض الذي يحصل عليه ،فعند ذلك يكون من قبيل العدالة المجردة أن يقتسم ما يكسبه من المقرض الذي جعل القرض ممكنا، و أن يعوضه أيضا ً عن خطر فقدان هذا القرض. ج )وأخيراً ،نصل إلى اإلشارة إلى أهم الكتاب الذين قاموا بتحديد معالم الفترة االنتقالية السباقة على ظهور الرأسمالية :فنذكر بأن المرحلة االنتقالية التي نحن بصددها لم يظهر فيها نظاما فكريا محددا من قبل علماء اقتصاد أو فالسفة ،وإنما كانت في المقام األول نتاج عقوق رجال الدولة وكبار الموظفين ورجال المال واألعمال .لكن ظهر في هذه الفترة بعض من الرجال الذي أوضحوا المبادئ العامة ،والسابق عرضها ،من أبرزهم أنطوان دي مونكريتيان (– 1621) 1576في فرنسا ،وانطونيو سيرا ،وفيليب وفون هورنيك (– 1712) 1638في النمسا ،وجوهان يواقيم بيشر (– 1682) 1635في ألمانيا ، وتوماس من (– 1641) 1517في إنجلترا . )3خصائص النظام الرأسمالي أو اقتصاد السوق يعتبر الفرد غاية هذا النظام وأداته في تحقيق أهدافه .فالفرد هو الوحدة األساسية التي
يقوم عليها تنظيم الحياة ،وتتركز حولها كل أنواع النشاط اإلنساني في النواحي السياسية واالجتماعية واالقتصادية . لذلك كان اإلطار العام للنظام الرأسمالي ترجمة لمكانة الفرد في هذا النظام . وترتكز خصائص وسمات اقتصاد السوق حول نوعين من الجوانب فهناك الجوانب التنظيمية واالجتماعية (أوالً) وهناك الجوانب الفنية واالقتصادية ( ثانياً) . أوال ً :الجوانب التنظيمية واالجتماعية القتصاد السوق . ثانيا ً :الجوانب الفنية واالقتصادية القتصاد السوق . أوال ً :الجوانب التنظيمية واالجتماعية القتصاد السوق: يقوم النظام الرأسمالي على الحرية في كافة المجاالت السياسية واالجتماعية واالقتصادية على النحو الذي ينص عليه القانون .ويركز هذا النظام على مبدأي الملكية الخاصة وحرية التعاقد ،ويقتصر دور الدولة على حماية حقوق األفراد وحراسة مكاسبهم بالتأكيد على احترام حق الملكية وحرية التعاقد . )1مبدأ الملكية الخاصة : يعترف القانون في الدول الرأسمالية بحق الفرد في تملك األموال ملكية خاصة ،سواء كانت هذه األموال سلعا استهالكية أو سلعا إنتاجية .وحق الملكية على مال من األموال يشمل مجموعة من الحقوق الفرعية تتمثل في حق االستعمال وحق االستغالل وحق التصرف ،كما أنه يتضمن االعتراف بحق اإلرث كسبب من أسباب كسب الملكية . وال يعني االعتراف لألفراد بحق الملكية أن تصبح كل األموال الموجودة في المجتمع مملوكة لألفراد ملكية خاصة .فالدولة الرأسمالية تتملك جزءا من الثروة القومية تتمثل في المباني الحكومية ،وأراضي الدولة ،والمناجم ،والغابات ،والهياكل األساسية للنشاط االقتصادي كالطرق والمصارف والجسور . ويمكن للملكية الخاص في البالد الرأسمالية أن تحاط ببعض القيود القانونية مراعاة العتبارات الصالح العام ،كالقيود التي تمنع المالك من استخدام ماله على نحو يضر بمصلحة جيرانه أو رفاهية مجتمعه .ففي بعض البالد تمنع القوانين االرتفاع بالمباني فوق حد معين ،كما تحرم إنشاء المصانع الضارة بالصحة في المناطق ذات الكثافة السكانية العالية . االعتراف بالملكية الخاصة ألموال اإلنتاج جعل الرأسماليين في القرن التاسع عشر ينكبون على تكديس رؤوس األموال في حوزتهم لالستفادة من مزايا اإلنتاج الكبير ،وأفقد العامل الحرفي وضعه الذي كان يتمتع به قبل ازدهار الرأسمالية ،وفصل بشكل مطلق بين طبقة الرأسماليين المالكين ألدوات اإلنتاج وبين طبقة العمـال التي تؤجر مجهودها الستغالل أموال اإلنتاج لصالح مالكها ،وأظهر التمايز الطبقي القائم على االنفصال الفني
واالجتماعي بين العمل ورأس المال .لذلك تفرض بعض القوانين على مالك المصانع المحافظة على بيئة العمل في حالة صحيحة ،وتدبير الوسائل الالزمة لتأمين العمال من الحوادث .ثم توالت الحلول التي تضمن تحقيق التوازن االقتصادي واالجتماعي بين أصحاب األعمال والعمل في إطار النظام الرأسمالي . )2مبدأ حرية التعاقد : إن االقتصاد الرأسمالي اقتصادا ً تبادليا ً يقوم أساسا ً على وجود السوق التي تتم فيها مبادلة السلع والخدمات بين البائعين والمشترين دون تدخل من جانب الدولة بقصد الحد من قوى العرض والطلب أو توجيهها .فالقانون يكفل حرية التبادل وحرية التعاقد بالنسبة لكل األموال االقتصادية ،بما فيها عوامل اإلنتاج ومن بينها العمل . ويعتبر العقد –وهو عمل قانوني يقوم على أرادتين أو أكثر –هو أسلوب األفراد في تصريف شئونهم االقتصادية .ويمكن بالعقد أن تقوم إلى جانب الملكية الفردية نوع آخر من الملكية يعرف بالملكية المشتركة وذلك بتأسيس الشركات . ثانياً :الجوانب الفنية واالقتصادية القتصاد السوق: يقوم النظام الرأسمالي على فن إنتاجي يرتكز على االختراع وعلى بنيان اقتصادي يستند إلى حرية القرار . )1الفن اإلنتاجي : قام النظام الرأسمالي في ظل الثورة الصناعية ،فارتكز على التقدم التكنولوجي الذي أدت إليه هذه الثورة ،وطبقت الفنون اإلنتاجية المتقدمة نتيجة لمبدأ المنافسة .ففي ظل المنافسة يسعى المنتجون إلى تحسين وسائل إنتاجهم حتى يتمكنوا من تخفيض نفقات اإلنتاج ،وتحقيق أكبر قدر من األرباح .فنجاح أي منتج في استخدام وسائل جديدة من شأنها تخفيض التكاليف ،يدفع المنتجين اآلخرين إلى تطبيق مثل هذه الوسائل الحديثة حتى يتمكنوا من البقاء في مجال اإلنتاج . ويجد تقدم الفن اإلنتاجي أساسه في االختراع الذي يعبر عن حركة التطور الصناعي .وقد يأخذ االختراع شكل االختراعات الميكانيكية أو شكل تغيير نسب التأليف بين عوامل اإلنتاج .فالنظام الرأسمالي اعتمد في البداية على أسلوب اإلنتاج الذي يستخدم العمل بنسبة أكبر من استخدام رأس المال ،ثم أصبح يعتمد على طرق إنتاجية تعتمد على رأس المال أكثر من اعتمادها على العمل . فالنظام الرأسمالي يضع تقدم فنون اإلنتاج في مكانه الصحيح بعكس النظام الحرفي الذي كان يقوم على العمل اليدوي وال يعمل إلى التجديد .وأدى استخدام الفن اإلنتاجي المتقدم إلى سرعة زيادة معدالت النمو االقتصادي .وسيطرت على فنون اإلنتاج اآللية والصناعات الكبيرة ،وتطورت هذه الفنون دون توقف لتواجه تكاثر الحاجات ،وذلك ألن المنظم هو الذي يوجه وينشئ هذه الحاجات .فزيادة اإلنتاج خالل فترات قصيرة دعمت النظام الرأسمالي وجعلته قادرا ً على تحقيق االزدهار .
)2حرية القرار االقتصادي : يتم استغالل عوامل اإلنتاج نتيجة لتفاعل القرارات التي يتخذها األفراد دون إشراف من جانب الدولة .فالجماعة تستمد احتياجاتها من المجهودات التي يبذلها المنتجون دون أن ترسم لهم أي سياسة مشتركة .وذلك يعنى أن الحياة االقتصادية في ظل النظام الرأسمالي ال تقوم على برنامج تضعه الدولة .وإنما تتم المبادالت طبقا ً إلرادة األفراد .فاألفراد في سعيهم لتحقيق مصالحهم الخاصة يسعون في نفس الوقت إلى تحقيق مصلحة الجماعة . وتعترف الرأسمالية لألفراد بحرية االستهالك .فهم أحرار في توزيع دخولهم بين االستهالك واالدخار ،كما أنهم أحرار في تحديد هيكل استهالكهم ،وفي استثمار ما ادخروه من أموال في المجال الذي يرونه مناسبا لهم .لذلك قيل أن المستهلكين هم الذين يوجهون اإلنتاج في النظام الرأسمالي ويحددون هيكله حسب رغباتهم التي تظهر من كيفية إنفاقهم ألموالهم .فتهافتهم على سلعة من السلع يدل على زيادة تفضيلهم لتلك السلعة فيرتفع ثمنها وتزداد الكميات المنتجة منها على حساب الكميات المنتجة من غيرها من السلع التي ينقص الطلب عليها وينخفض ثمنها . وتعترف الرأسمالية لألفراد والمشروعات بحرية العمل واإلنتاج .فلكل فرد في ظل الرأسمالية أن يتصرف في قوة عمله وفي ممتلكاته بإرادة حرة ال تخضع لقيد .فهو حر في اختيار نوع العمل أو المهنة ،وفي اختيار المجال االقتصادي الذي يساهم فيه بنشاطه حسب مؤهالته وظروفه والفرص المتاحة له .فقد يختار أن يكون زارعا أو صانعا أو تاجرا أو طبيبا تابعا أم مستقال .وهو نظام يشجع على المخاطرة .وقد تؤدى مخاطرة المنتج إلى إنتاج سلعة جديدة تحقق له ربحا وفيرا وتحقق للمجتمع إشباعا إضافيا ،فإذا فشل في ذلك فإنه يتحمل عاقبة سوء تدبيره بخسارة بعض أمواله .وقد تأخذ المخاطرة شكل التغيير في طرق اإلنتاج بقصد تخفيض التكاليف وزيادة األرباح التي تنتج عن زيادة الكميات التي يصرفها المنتجون من السلعة .ويستفيد المستهلك من انخفاض تكاليف اإلنتاج . ويكمل حرية اإلنتاج ،وحرية االستهالك ،حرية انتقال السلع ورؤوس األموال بين الدول، واتساع حجم المبادالت الدولية ،وسيادة مبدأ حرية التجارة ،نتيجة ازدهار النظام الرأسمالي ،وتطور فنون اإلنتاج ،واالستفادة من مزايا اإلنتاج الكبير .فحتى تتمكن الوحدات اإلنتاجية الكبيرة من االستمرار في زيادة اإلنتاج كان من الالزم لها أن تضمن أسواقا متسعة ومصادر وفيرة للمواد الخام .
المحاضرة الرابعة
ظهور النظام االشتراكي وخصائصه أوال ً :ظهور النظام االشتراكي: إذا كان يؤرخ للنظام الرأسمالي بقيام الثورة الصناعية ،والتي تغطى الفترة ( ،– 1820) 1780فقد سبق النظام الرأسمالي في الظهور أحد أهم عناصر النظام االقتصادي ،ونعني به المذهب الفكري وذلك من خالل أفكار وتنبؤات بعض رجال الفكر، والذي كان من أهمهم العالم االقتصادي اإلنجليزي آدم سميث ،والذي ظهر في كتابة الشهير " ثروة األمم " والصادر عام .1776وبعد سنوات من تطبيق النظام الرأسمالي في بلدان أوروبا الغربية والواليات المتحدة األمريكية ،تعرض اإلطار اإلنتاجي الجديد لهجوم شديد ،وانتقادات الذعة من جانب اقتصاديين ألمان وفرنسيين وأمريكيين ،ففي بلدانهم كانت األحوال االقتصادية ،أو الطروح الفلسفية ،أو التعليقات الشخصية ،تذكر الحقائق العظيمة النابعة من المسرح االقتصادي البريطاني ،واعتقادهم أن النظام الرأسمالي أو النظام الكالسيكي أو نظام اقتصاد السوق كان بريطانيا أكثر مما ينبغي، وذلك بالنظر إلى أن بريطانيا كانت هي القوى االقتصادية السائدة في العالم طوال القرن التاسع عشر ،ومن ثم كان علم االقتصاد في أغلبه ذا هوية بريطانية .ولكن كان الهجوم الكبير من جانب اقتصاديين أصبح يطلق عليهم اسم االشتراكيين ،وهم الذين تشككوا في سالمة القوة والدوافع والسلوك التي ارتبطت بالحيازة الخاصة للممتلكات ،والسعي إلى إحراز الثروة .وقد وجد هؤالء االقتصاديون ،وفي السنوات الوسطي من القرن التاسع عشر النتقاداتهم وهجومهم ،الجذور في التراث الكالسيكي نفسه ،وذلك انطالقا من فكرة أن القيمة تجد أساسها في العمل والتي نادى بها ريكاردو ،وفكرة فائض القيمة الذي يستولي عليه الرأسمالي بطريقة خادعة ،والرأي القائل بأن كل الحصيلة من البضائع إنما تخص األيدي العاملة التي تنتجها . وعلى الرغم من كثرة الكتاب الذي انتقدوا وهاجموا النظام الرأسمالي ،إال أن هناك شخصية قد دفعتهم إلى الظل ،وهى شخصية األلماني كارل ماركس ( .)1883 -1818وقد وصلت شهرته على المسرح االقتصادي والتاريخي إلى درجة أن نعت المرء بأنه ماركسيا ً في الدول الصناعية الغربية ،وخصوصا ً الواليات المتحدة األمريكية ،فذلك يفيد استبعاده من الخطاب الراقي المحترم ،ودمغه بعار شديد .وقد تأثر كارل ماركس فكريا ً بالفيلسوف األلماني هيجل ،ومن ثم كان مهيئا ً لرفض التراث الكالسيكي أو مفترضات النظام الرأسمالي التقليدي والحديث .فاالقتصاديون الرأسماليون يفترضون وجود توازن بين القوى المختلفة ،لدرجة أن أصبح يسمي باقتصاد التوازن ،والذي يقوم على أساس أن العالقة األساسية بين صاحب العمل والعامل ،وبين األرض ورأس المال والعمل ،وهي العالقة التي ال يمكن أن تتغير أبداً ،وإن حدث تغيير في المعروض من األيدي العاملة أو من رأس المال ،وهذا التغيير ال يؤدى إال إلى توازن جديد ومماثل .وبحث وتحديد هذا التوازن النهائي هو جوهر علم االقتصاد السياسي .كما أن من أساسيات النظام االقتصادي التقليدي والحديث هو وجود قاعدة ثابتة ال تتغير ،أيا كانت االضطرابات أو األزمات التي يتعرض لها النظام ،وأن علم االقتصاد يبحث ويثقل المعرفة بالمؤسسات الرئيسية
والعالقات الجوهرية الدائمة والباقية . وكان والد كارل ماركس من أكبر المحامين في ترييه بألمانيا ،والذي كان مرتبطا ً بالمحكمة العليا .كما أن أسرة كارل ماركس من أصول أسرة يهودية عريقة ،إال أن والده، ومنذ مولد كارل ماركس ،قد تحول إلى المذهب البروتستانتي .ويقال أن هذا التحول لم يكن راجعا ً إلى عقيدة روحية ،بل كان ألغراض سياسية ،حيث لم يكن من السهل على والد كارل ماركس وهو في منصبه الرسمي في بروسيا أن يكون يهودياً .من جهة أخرى، تزوج كارل ماركس من جيني فون فشتفالن ابنه البارون لودفيج فون فشتفالن ،المواطن األول في المدينة ،وكان ذلك تمشيا ً مع المكانة االجتماعية المرموقة لكارل ماركس .وهكذا لم تكن نشأة كارل ماركس ،مؤسس الفكر الشيوعي ،توحي بانشقاقه الثوري العنيد . من جهة ثانية ،وقع كارل ماركس تحت تأثير جورج فلهلم فريدريك هيجل (-1770 ،)1831ومن الفكر اليهجلي جاءت فكرة على أكبر قدر من األهمية ،وهى أن الحياة االقتصادية واالجتماعية والسياسية تكون دائما ً في حال تحول مستمر .وعندما يبرز كيان اجتماعي أو طبقة اجتماعية وتحتل الموقع األول اجتماعياً ،ال تلبث أن يظهر كيان أو طبقة اجتماعية وقوة جديدة تنافسها وتتحداها .والمثال البارز لهذه الفكرة ،هو بروز طبقة الرأسماليون أو الصناعيون الجديد مكان الطبقة الحاكمة القديمة ،وهى مالكو األرض .ولم يكن األمر يحتاج إلى جهود لرؤية أن الصناعيين الجدد أو البرجوازية الجديدة ،بعد أن تحدت الطبقة االجتماعية السابقة عليها وهى األرستقراطيين أو مالك األراضي بالقدر الكافي وأنشأت تركيبا ً جديداً ،سوف تتعرض بدورها لتحد كيان اجتماعي جديد وهو طبقة العمال . من جهة ثالثة ،إذا كانت فلسفة المذهب الفردي أو فلسفة النظام الرأسمالي تطلق ،في أحد جوانبها ،من أن الدولة إنما توجد من أجل الفرد ،نجد لكارل ماركس فلسفة أو فكر جديد مخالف ،وهو نفس فكر األلماني جورج فريدريك ليست ( ،– 1846) 1789وهى أن الفرد يوجد من أجل الدولة .فالدولة هي التي تمنحه الحماية و إمكانية الوجود بشكل متحضر ومستمر ،ومن هنا فالدولة يجب أن تتقدم وأن يكون لها الدور األسمى . وقد رفض ماركس مهتديا ً بهيجل ،االفتراضات األساسية لالقتصاد الرأسمالي التقليدي والحديث ،فالتوازن ليس هو النهاية ،وإنما هو مجرد حدث في تغير أكبر كثيراً ،يؤدى إلى تغيير كامل العالقة بين رأس المال والعمل .كما أن المؤسسات االقتصادية ،ونقابات العمال ،والشركات ،والمظاهر االقتصادية للدولة وسياستها .كل ذلك في تغيير مستمر وفي حالة حركة ،وأن صراع الطبقات هو مصدر هذه الحركة . وقد أصدر كارل ماركس ،بالتعاون مع صديقة األلماني أيضا ً فريدريك انجلز (– 1895) 1820أشهر منشور سياسي ،والذي قوبل بأكبر قدر من االعتراض والتنديد وهو البيان الشيوعي الذي خاطب السخط الواسع النطاق الذي عبرت عنه الحركات الثورية للعام .1848وقد تبع ذلك إصدار المجلد األول من كتابه " رأس المال " الذي راجعه وأعده للطبع صديقه انجلز ،وصدر في حياة كارل ماركس ،ثم اعتمد انجلز بعد ذلك
على المذكرات وأجزاء من المخطوطة الستكمال ونشر الجزأين األخيرين من " رأس المال" بعد وفاة كارل ماركس . وفي كتابة " رأس المال " ،أشار ماركس إلى إنجازات النظام الرأسمالي في مجال اإلنتاج ،وأشاد بها ،وذكر أن النظام الرأسمالي ،وفي فترة لم تتجاوز المائة عام حقق قدرا ً أكبر وأضخم من كل األجيال السابقة مجتمعة .كما أشار إلى إنجازات أخرى للرأسمالية، وإن كانت فرعية كخلق المدن الجديدة وزيادة سكان الحضر زيادة كبيرة بالقياس لسكان الريف عالوة على األسعار الرخيصة للسلع والمنتجات .ولكن بعد هذه اإلشارة المقتضبة لمنجزات اإلطار اإلنتاجي الجديد أو الرأسمالية ،وجه ماركس سهامه نحو جوانب الضعف في الرأسمالية والتي أجملها في أربعة عيوب أو مشكالت رئيسية ،وهى : )1التوزيع غير المتكافئ في السلطة : ذهب ماركس إلى أن السلطة ال مهرب منها في الحياة االقتصادية ،ومصدر هذه السلطة هي الملكية الخاصة ،وبالتالي فالسلطة هي ملكية طبيعية وحتمية للرأسمالي .وأن سلطة الرأسمالي ال تقتصر على مشروعه ،بل تمتد إلى المجتمع والدولة .فالجهاز اإلداري في الدولة ما هو إال لجنة إلدارة الشئون المشتركة للبرجوازية الحاكمة ،ويضيف ماركس بأن هذه السلطة الرأسمالية تمتد لتشمل االقتصاديين ،ومن ثم يخضع علم االقتصاد واالقتصاديون لنفوذ سلطة الرأسمالي . )2التوزيع غير المتكافئ في الدخل: إن الفروق الهائلة في توزيع الدخل ،كانت محل مالحظات االقتصاديين التقليديين أنفسهم. وقد قالوا بمبررات لم تكن كافية وقوية لهذا التفاوت .وقد وجد ماركس تبريراً ،من جهة نظره ونظر أنصاره والتي وجد مصدرها في نظرية ريكاردو " العمل في القيمة " .فقد رأى ماركس أن العامل الحدي يحصل على مقابل أو على أجر يعكس إسهامه المضاف في مجموع إيرادات المشروع .ويتناقص هذا اإلسهام ،وفقا ً لقانون الغلة المتناقصة مع إضافة عمال جدد .واألجر الحدي يقرر األجر للجميع .ولكن من هم بعيدون عن الحد يحصلون على األجر الحدي على الرغم من أنهم يساهمون في المكاسب بأكثر مما يحصلون عليه من أجر ،وربما بأكثر منه كثيراً .وإنهم في المراحل قبل الحدية من العائدات المتناقصة يحققون فائدة أكبر وهذه هي القيمة المضافة أو فائض القيمة ،والتي ال يحصل عليها من يحققها أو يحققونها ،بل يستولي عليها وبطريقة خادعة الرأسمالي . فإذا كانت هناك قوانين إلنتاج تفرضها الطبيعة مثل قانون الغلة المتناقصة ،فإن قوانين التوزيع قد فرضها اإلنسان ،وليس هناك ما يجبر العمال على الخضوع لمثل هذا الترتيب اإلنساني . )3األزمات المتالحقة للنظام الرأسمالي: ال يمثل فقط التوزيع غير المتكافئ في السلطة ،وال التوزيع غير المتكافئ في الدخل، عيوب الرأسمالية ،بل يهدد بقاء النظام الرأسمالي كذلك االتجاه إلى الكساد والبطالة .فقد شهد ويشهد النظام الرأسمالي وجود دورة اقتصادية أشبه بالموجة تسبب اختالالً .وقد
نظر االقتصاديون الرأسماليون األوائل ،من أمثال جانب باتسيت ساى ،دافيد ريكاردو إلى هذه الموجات بأنها أمر مؤقت ال تغير األوضاع األساسية ،كما حلل جون مانيارد كينز هذه الدورات أو األزمات بفكر جديد يخالف قانون ساى ،وهو وجوب تدخل الدول لخلق أو تنشيط الطلب الكلي أو الطلب الفعال . ومع الكساد الكبير وما سببه من تعاسة وشقاء ،أي اإلخفاق الذريع للنظام الرأسمالي، كان النموذج السوفيتي أو االشتراكية أو الشيوعية هو البديل الواضح والمتاح والممكن. إال أن ممارسات النظام الحاكم في االتحاد السوفيتي للسلطة ،السيما في عهد جوزيف فيساريو نوفيتش ستالين ،كانت بمنزلة آفة في كل أرجاء العالم على كلمة الشيوعية أو االشتراكية نفسها .كما كانت مصدر متاعب جسيمة في سنوات الخمسينات ،والتي شهدت المالحقة الشرسة للمواليين للشيوعيين ،ولمن سموا بـ " الحمر " والتي دعا إليها جوزيف ريموند مكارثى ،ولهذا عرفت هذه الحملة أو المالحقة للمواليين للشيوعية "بالمكارثية" والتي تميزت بأخذ الناس بالشبهة والشائعة . )4االحتكار : لم يقتصر األمر على نقاط الضعف السابقة ،التي ألمت وتلم بالنظام الرأسمالي ،بل يوجد نقطة ضعف أخرى أشار إليها كارل ماركس ،وهى االحتكار .وعلى الرغم من أن أنصار النظام الرأسمالي يعترفون بها ،إال أنهم يرونها استثناء من القاعدة الحاكمة للسوق ،وهى التنافس ،ومن ثم فاالحتكار ال يمثل خطرا ً على النظام في جملته .غيران ماركس يرى المسألة من وجهة نظر أخرى ،فازدياد النشاط االقتصادي في أيدي فئة قليلة من الرأسماليين ،هو اتجاه قوى ومستمر .وهكذا يرى كارل ماركس أن النظام االقتصادي الرأسمالي الذي أشاد به االقتصاديين الكالسيك ،وبسبب نقاط الضعف المذكورة آنفاً، سيصل إلى نهايته ،كما كان يعتقد ماركس في مجال آخر ،أن الدولة بعد استيالء الطبقة العاملة أو البروليتاريا عليها ،سوف تختفي في نهاية األمر .وهو قول لم يصدق ،بل احتفظت الدولة الحديثة بقوتها في ظل تطبيقها للنظام االشتراكي ،كما حدث في االتحاد السوفيتي (الذي شهد أول تطبيق للفكر االشتراكي عام )1917والصين وبلدان وسط شرق أوروبا ودول أخرى .بل قد فشل النظام االشتراكي وتفكك االتحاد السوفيتي سياسيا وتحوله إلى جمهوريات مستقلة ،تسعى ،وبخطي حثيثة ،ومعها دول شرق أوروبا وبقية بلدان العالم تقريبا نحو العودة إلى النظام الرأسمالي. ثانيا ً :الخصائص العامة للنظام االشتراكي : كانت روح النظام االشتراكي تتمثل في التخلص من سوء التوزيع االقتصادي واالجتماعي للرأسمالية وتحقيق عدالة تتطلب إحالل الملكية العامة محل الملكية الخاصة لوسائل اإلنتاج . فالنظام االشتراكي يقوم على مبدأ عام هو إلغاء الملكية الفردية للموارد االقتصادية وأدوات اإلنتاج ،حيث يجب أن تتملك الدولة هذه الموارد واألدوات .فالملكية العامة تشمل
ملكية الدولة لمصادر الثروة الطبيعية وللمشروعات الصناعية والتجارية ولمشروعات النقل والمصارف وللمشروعات الزراعية .وال يخل بمبدأ الملكية العامة إنابة السلطة المركزية لبعض الهيئات العامة إلدارة بعض المشروعات أو تملك بعض أدوات اإلنتاج وفقا ً للخطة االقتصادية العامة . وال يعني ذلك أن الملكية الخاصة محرمة تحريما مطلقا في النظام االشتراكي ،فالملكية الخاصة نظام طبيعي بالنسبة ألموال االستهالك حيث ال يستطيع الفرد أن يستهلك شيئا ً قبل أن يتملكه ويكون له حرية التصرف فيه ،لذلك يسلم النظام االشتراكي بالملكية الخاصة لسلع االستهالك .فاألفراد يملكون ما يحصلون عليه من دخول كما يملكون ما يكونونه من مدخرات بشرط أال تتحول هذه المدخرات إلى رؤوس أموال عينية .ويسمح بالملكية الخاصة للمساكن والحدائق المحيطة بها واألموال التي تخصص الستعمال أصحابها وتنتقل هذه األشياء إلى الورثة .وال يعتبر تملك مل هذه األموال ملكية خاصة استثناء من مبدأ الملكية العامة لوسائل اإلنتاج ألنها أموال مخصصة إلشباع الحاجات الذاتية ألصحابها وليست مخصصة لإلنتاج ،ومع ذلك كان من الممكن تملك بعض المشروعات الزراعية ملكية خاصة دون استغالل للغير . ويؤدى إلغاء الملكية الخاصة لوسائل اإلنتاج إلى تقريب الفوارق بين الطبقات واختفاء طبقة الرأسماليين والمالك الزراعيين .ففي المجتمع االشتراكي يتقاضى األفراد أجورا ً نظير خدماتهم وجهودهم ،ويصبح الجهد المبذول في اإلنتاج هو أساس التفرقة في مستوى المعيشة بين األفراد ،وتختفي بذلك الطبقة التي تحصل على دخل دون أن تساهم في اإلنتاج بالعمل. المحاضرة الخامسة دوافع النشاط االقتصادي في كل من النظام الرأسمالي والنظام االشتراكي أوال ً :دوافع النشاط االقتصادي في النظام الرأسمالي: في هذا اإلطار ،نبين (أ) عوامل توجيه النشاط االقتصادي ،ثم نبين (ب) كيفية توزيع الدخل في ظل اقتصاد السوق . أ )عوامل توجيه النشاط االقتصادي: يدفع األفراد إلى اختيار نوع النشاط االقتصادي الذي يساهمون به في عمليات اإلنتاج فرص الربح المهيأة أمامهم .فدافع الربح هو الموجه لحركة النشاط االقتصادي في النظام الرأسمالي .فكل فرد يسعى إلى تحقيق أكبر ربح ممكن بأقل تضحية ممكنة . وجهاز األثمان في النظام الرأسمالي هو الذي ينظم النشاط االقتصادي حيث يرشد األفراد إلى فرص الربح الموجودة في المجاالت المختلفة .فالنشاط االقتصادي في النظام الرأسمالي يخضع أساسا لقوى السوق (العرض والطلب) وجهاز األثمان هو الذي يربط
بين العرض والطلب ،فهو األداة الفعالة في إيجاد التوازن بين اإلنتاج واالستهالك . فارتفاع األثمان يؤدى إلى زيادة أرباح المنتجين األمر الذي يدفعهم إلى التوسع في اإلنتاج فتزداد الكمية المعروضة على نحو قد يؤدى إلى وقف ارتفاع األثمان وربما إلى انخفاضها .ويستفيد من ذلك المستهلك بحصولهم على السلع التي تناسب تفضيالتهم . واألثمان هي التي تحدد كيفية توزيع عوامل اإلنتاج على القطاعات اإلنتاجية المختلفة حسب رغبات المستهلكين .فازدياد طلب المستهلكين على سلعة من السلع يؤدى إلى ارتفاع ثمنها وزيادة أرباح منتجيها والتوسع في إنتاجها .ونقص طلب المستهلكين على سلعة من السلع يؤدى إلى انخفاض ثمنها ونقص أرباح منتجيها وانكماش إنتاجها أو توقفه . وقد ينذر ارتفاع األثمان بزيادة الندرة النسبية للسلعة ويدفع بالتالي إلى تخفيض الكميات المستهلكة منها .فدور األثمان في تحديد االستهالك ال يقل عن دورها في تنظيم اإلنتاج حيث يحدد المستهلكون نوع السلع التي يطلبونها والكميات المطلوبة من كل منها في ضوء أثمانها .فالطلب الكلي ينخفض بارتفاع األثمان ويرتفع بانخفاضها . وارتفاع أثمان بعض السلع وانخفاض بعضها اآلخر يؤدى إلى تحويل عوامل اإلنتاج من الصناعات التي انخفضت أثمان منتجاتها إلى الصناعات التي ارتفعت أثمان منتجاتها، وعلى هذا النحو يتم توجيه الموارد االقتصادية حسب تفضيالت األفراد تطبيقا ً لمبدأ سيادة المستهلك . ويشترط لقيام جهاز األثمان بدوره في توجيه النشاط االقتصادي طبقا ً لرغبات المستهلكين أن تتمتع عوامل اإلنتاج بحرية االنتقال بين فروع اإلنتاج المختلفة . ب )كيفية توزيع الدخول في ظل اقتصاد السوق : تلعب األثمان أيضا ً دورا رئيسيا في التوزيع األولى للدخل القومي بين عوامل اإلنتاج التي ساهمت في العمليات اإلنتاجية في صورة فوائد ألصحاب رأس المال وأجور للعمال وأرباح للمنظمين وريع لمالك األراضي .فتوزيع الدخل القومي في صورة مكافآت لعوامل اإلنتاج يتم على أساس حركات أثمان عوامل اإلنتاج وهى تتأثر بعرض وطلب كل عامل منها . والربح هو الفرق بين ثمن المنتجات النهائية وثمن عناصر اإلنتاج ،واألجر هو ثمن قوة العمل التي يبذلها العامل في اإلنتاج ويتوقف على عرض العمل من جانب العمال والطلب عليه من جانب أصحاب األعمال ،والفائدة هي الثمن الذي يدفع لممول رأس المال . ثانيا :دوافع النشاط االقتصادي في ظل النظام االقتصادي االشتراكي أو الموجه : يتم تنظيم الحياة االقتصادية وتوزيع موارد اإلنتاج على القطاعات المختلفة طبقا ً لخطة عامة تضعها السلطة المركزية وتلتزم بتنفيذها كافة الوحدات اإلنتاجية .ويساعد السلطة المركزية في وضع الخطة العامة عدد من اإلدارات تختص كل إدارة منها بدراسة مشكلة معينة واقتراح ما تراه في شأنها من قرارات .وتتولي السلطة المركزية دراسة مقترحات
اإلدارات المختلفة والتوفيق بينها بالتضحية ببعض الحاجات إلشباع اآلخر حسب اإلمكانيات القومية . فجهاز التخطيط يأخذ شكالً هرميا ً تمثل قمته هيئة التخطيط العليا التي تضع الخطة االقتصادية واالجتماعية وتقوم بالتنسيق بين هيئات التخطيط .وتشمل الخطة العامة جانبي اإلنتاج واالستهالك . فالخطة تحدد معدالت اإلنتاج وكميته ونوعه على نحو تفصيلي يبين لكل وحدة من الواحدات اإلنتاجية نصيبها من اإلنتاج الكلي وما يلزم لتحقيق هذا اإلنتاج من عناصر اإلنتاج .وليس ألي وحدة أن تقوم بإنتاج سلعة جديدة دون أن تتلقى بذلك أوامر من سلطة التخطيط العليا . وال تستهدف خطة اإلنتاج تحقيق الربح وإنما تسعى إلى تحقيق المصلحة العامة .وبذلك تكون اإلنتاجية عبارة عن العائد االجتماعي ،وال تنحصر في مجرد األرباح النقدية .فقد تضحي السلطة العامة ببعض متطلبات الجيل الحاضر بقصد بناء قاعدة صناعية قوية وجهاز إنتاجي متين عند توزيع االستثمارات بين اإلنتاج االستهالكي إلشباع الحاجات الحالة وبين إنتاج أدوات اإلنتاج لزيادة إشباع الحاجات في المستقبل .ومعني ذلك أن توزيع موارد اإلنتاج على الصناعات المختلفة ال يتم عن طريق جهاز األثمان الذي يتكفل بأداء هذه المهمة في النظام الرأسمالي . وتقيد حرية األفراد في العمل ببعض القيود التي تضعها الدولة لتحقيق المصلحة العامة. فالدولة تستطيع توجيه األفراد في اختيار المهن واختيار المجال االقتصادي الذي يساهمون فيه بمجهودهم طبقا ً لحاجات المجتمع لكي تضمن توافق التخصصات مع احتياجات المشروعات المدرجة في الخطة العامة . وتحدد الخطة معدالت االستهالك وهيكله .فاإلنتاج ال يتم طبقا ً للطلب المتوقع على السلع المختلفة كما أنه ال يتم بنا ًء على اختيارات أو تفضيالت المستهلكين وإنما يتحدد بنا ًء على ما ترسمه الخطة العامة .وقد يتم توزيع بعض السلع المنتجة على المستهلكين ببطاقات يحدد فيها لكل فرد حصة ال يجوز له أن يتعداها أما السلع التي ال توزع بالبطاقات فيترك تنظيم توزيعها للثمن الذي تحدده الدولة . وجهاز الثمن في النظام االشتراكي موجود ولكن لمهمة أخرى تختلف عن مهمته في النظام الرأسمالي .فالثمن في النظام االشتراكي جزء من الخطة العامة ،في حين أنه في النظام الرأسمالي المنظم الذي يضمن تحقيق التوازن بين العرض والطلب ،فالثمن في النظام االشتراكي مخطط ،ويتم التوازن بين العرض والطلب عن طريق الخطة العامة وتوزيع قدر من القوة الشرائية على العمال بقدر يتناسب مع مقدار اإلنتاج.
المحاضرة السادسة تطور دور الدولة في االقتصاد لم يكن دور الدولة ثابتا ً في االقتصاد ،بل تطور وتبدل عبر العصور حسب الظروف السياسية أو االقتصادية أو االجتماعية .وتبلور هذا الدور بين سياسة الحرية االقتصادية وابتعاد الدولة عن االقتصاد ،وسياسة التدخل الحكومي المساند للرأسمالية ،والتدخل الحكومي المناهض للرأسمالية والمؤيد لالشتراكية .وذلك على التفصيل التالي :- أوال :سياسة التجاريين: ظهر فكر التجاريين منذ بداية القرن الخامس عشر واستمر حتى منتصف القرن الثامن عشر .وقد قام هذا التيار الفكري بعد انهيار اإلقطاع وما تاله من حركات الهجرة التي سارع إليها رقيق األرض من المناطق الزراعية إلى المدن وأصبحت المدن مركزا للتجارة والتداول .وخرج المجتمع األوروبي من نظام االقتصاد اإلقطاعي المغلق الذي يقوم على اإلنتاج لالستهالك الذاتي إلى نظام اقتصاد السوق ،حيث انفصل المنتج عن المستهلك، وظهر التاجر باعتباره وسيطا بين اإلنتاج والتوزيع . ومن هنا تجلت أهمية رأس المال كصورة جديدة لتراكم الثروة القومية بعد أن كانت متمثلة أساسا ً في األراضي الزراعية .وقد ساعد على التراكم الرأسمالي اختراع النقود كوحدة قياس لمختلف القيم االقتصادية .فالنقود التي أضفت مرونة كبيرة على المعامالت، وسهلت انتقال األموال ،وساهمت في ازدهار التجارة وفي تعميق تقسيم العمل والتخصص .
وقويت طبقة التجار بتجميعهم لكميات كبيرة من النقود ،وبتحالف الملوك معهم للقضاء على ما تبقى من شوكة لإلقطاعيين ،واسترداد كيان السلطة المركزية للدولة .وشجع التجار الصناعة ولكن لخدمتهم ،وظلت التجارة هي النشاط الرئيسي حتى القرن الثامن عشر . وكان األساس الذي تستند إليه سياسة التجاريين هو أن يكون رصيد الميزان التجاري للدولة دائنا .وال يتأتى ذلك إال إذا باعت للدول األجنبية سلعا وخدمات أكثر من السلع والخدمات التي تشتريها الدولة منها .فالرصيد إذ يكون في هذه الحالة دائنا يمكن للدولة الدائنة أن تطلب سداده بالذهب والفضة ،وهي المعادن النفسية التي تؤدى زيادتها إلى زيادة قوة الدولة . فزيادة رصيد الدولة من الذهب والفضة يزيد المقدرة المالية للدولة ويزيد قوتها الحربية، حيث تستطيع الدولة عند نشوب الحروب أن تلجأ إلى هذا الرصيد لتجهيز الجيوش واإلنفاق عليها في الخارج .فرصيد الدولة من الذهب والفضة وإن كان يدخل خزائن التجار إال أنه يشكل إمكانيات قومية يمكن للحكومة أن تحصل على جزء منه عن طريق الضرائب أو القروض اإلجبارية ،فقوة الدولة من قوة مواطنيها .فالذهب والفضة في نظر التجاريين هي أفضل أنواع الثروات ،ويمكن زيادة رصيد الدولة منها عن طريق زيادة الصادرات عن الواردات لكي يسدد الفرق بالذهب .ولذلك حذر التجاريون من زيادة الواردات عن الصادرات حتى ال تضطر الدولة إلى سداد الفرق للدول األجنبية بالذهب فينقص رصيد الدولة منه ،ويحل الكساد والبطالة محل الرواج والتوظف . وتحقيقا لسياسة التجاريين نادوا بضرورة تدخل الدولة لإلشراف المستمر على النشاط االقتصادي ،فنادوا بفرض الضرائب على الواردات ،وتشجيع الصادرات بمنح إعانات للمنتجين الذين ينتجون ألغراض التصدير ،وطالبوا بوضع قوانين تحض على الجهد والعمل والتقشف والحد من استهالك السلع الكمالية التي تستنفذ بعض األموال . ويرى التجاريون ضرورة المحافظة على مستويات أجور العمال عند مستويات منخفضة والمحافظة على تكاليف اإلنتاج عند أدني مستوى ممكن ،واستخدام كافة الموارد االقتصادية بأقصى كفاءة ممكنة ،حتى تتمكن من أن تغزو الدولة بمنتجاتها األسواق األجنبية بأسعار تنافسية .وعموما ً تسعي سياسة التجاريين إلى الوصول باإلنتاج إلى أقصى قدر ممكن والوصول باالستهالك إلى أقل حد ممكن لتحصل بذلك على رصيد إضافي من الذهب والفضة . وإذا كان لدى الدولة مناجم للذهب والفضة فإن على الدولة أن تقوم باستغاللها إلى أقصى درجة ممكنة .وعلى الدولة من ناحية أخرى أن تسعى إلى ضم المستعمرات التي تحتوى أقاليمها على مناجم للذهب والفضة بقصد استغالل هذه المناجم واستنفاذ ما فيها من هذين المعدنين النفسين . ولكن الدعوة إلى االستعمار لم تقتصر على استعمار البالد التي تضم مناجم للذهب والفضة ،وإنما امتدت إلى كل البالد التي بها ثروات طبيعية يمكن استغاللها في اإلنتاج
الصناعي أو في التجارة فقد كان االستعمار وسيلة ثراء للدولة تمكنها من الحصول على المواد الخام وتضمن لها سوقا لبيع منتجاتها . وكانت الدول الكبرى تطبق الميثاق االستعماري الذي تعترف فيه بأن المستعمرات ليست سوى مناطق مخصصة لخدمة اإلمكانيات االقتصادية للدول االستعمارية .فكل تبادل تجارى للمستعمرات يجب أن يكون مع الدول االستعمارية تصديرا واستيرادا .وليس للمستعمرات إقامة صناعات فيها .وهكذا بقيت المستعمرات مناطق تحصل منها الدول االستعمارية على أكبر قدر ممكن من الثروة . ثانياً :سياسة حرية النشاط االقتصادي والطبيعيين و الرأسمالية التقليدية انهارت السياسة التي اتبعتها الحكومات في القرنين السادس عشر والسابع عشر تحت تأثير أفكار التجاريين .فقد وجه االقتصاديون في القرن الثامن عشر عديدا من االنتقادات، إلى سياسة التجاريين وبينوا أن تدخل الحكومة في النشاط االقتصادي يخل بالحركة الطبيعية لهذا النشاط والتي من شأنها تحقيق المصلحة العامة للمجتمع . فالمنافسة الحرة بين البائعين والمشترين في السوق تكفل تحديد الثمن الذي يحقق التوازن بين العرض والطلب دون أن يكون ألي فرد بائعا كان أو مشتريا أي أثر في تحديده .وال يوجد بالتالي أي داع لتدخل الحكومة من أجل تحديد ثمن عادل ألي سلعة أو أجر عادل ألي نوع من أنواع العمل . وفي ظروف المنافسة الحرة يسعى المنتجون إلى تحسين وسائل إنتاجهم بقصد تخفيض التكاليف حتى يحققوا أكبر قدر من األرباح .ويضطر كل منتج إلى متابعة غيرة في استخدام الوسائل الحديثة في اإلنتاج حتى يحافظ على تكاليف إنتاجه عند مستويات تنافسية . وتؤدى المنافسة إلى انخفاض تكاليف المعيشة بقضائها على المنتجين غير األكفاء في أي مجال من مجاالت اإلنتاج . وجهاز األثمان كفيل بتنظيم النشاط االقتصادي دون أي داع لتدخل الحكومة فتدخل الحكومة يؤدى إلى تعطيل جهاز السوق ،والى التحيز لفريق من المتعاملين على حساب فريق آخر دون سند من الكفاءة االقتصادية ،وإلى التعثر في اتخاذ القرارات االقتصادية نتيجة للروتين والتهرب من المسئولية . وكان الفالسفة يدعون أيضا ً إلى الحرية االقتصادية لما لمسوه في التدخل الحكومي من هضم للحقوق الطبيعية لألفراد .فالفزيوقراط في فرنسا كانوا يمجدون القوانين الطبيعية على القوانين الوضعية . وسر حملتهم على القوانين الوضعية ترجع إلى أن الحرية السياسية كانت منعدمة في فرنسا في القرن الثامن عشر ،والتجارة الداخلية مكبله بقيود تحد من انتقال السلع مع إقليم إلى آخر .وكانت األراضي الزراعية غير مستغلة استغالال كامالً بسبب النظام اإلقطاعي ونظام الضرائب ،لذلك أكد الطبيعيون على ضرورة إزالة كل تدخالت الحكومة
وإتباع سياسة الحرية . واستند الفالسفة اإلنجليز في دفاعهم عن نظام الحرية إلى الحقوق الطبيعية للفرد .فإذا كانت الحياة الجماعية تستدعي تنازل الفرد عن بعض حقوقه أو عن جزء من حريته الشخصية ،إال أن هذا التنازل يجب أال يتعدى ما هو ضروري لتحقيق تمتع الفرد بباقي حقوقه الطبيعية في أمان وذلك باحترام القانون الذي يحافظ على الحقوق الفردية الطبيعية .فالدولة عليها أن تحافظ على الحقوق الطبيعية لمواطنيها وليس لها أن تستغل هذه الحقوق .وقامت فلسفة هؤالء في المجال االقتصادي على تمتع كل فرد بالعائد الكامل لعمله ،والحد من تدخل الدولة في الشئون االقتصادية للمجتمع وخاصة شئون الملكية. فليس للدولة أن تفرض ضرائب عالية أو تضع قيودا تعوق الحركة الطبيعية للنشاط االقتصادي وليس لها أن تحدد األجور أو األسعار أو معدالت الفائدة أو الربح أو أن تمنح التزاما أو احتكارا لبعض رجل األعمال لما في ذلك من جور على الحقوق الطبيعية للفرد . أما رجال األعمال فلم يناهضوا تدخل الحكومة في الشئون االقتصادية قبل الثورة الصناعية لضيق السوق الداخلية وقيام نظام الطوائف .فقد كان السوق الداخلية تتمثل في سوق المدينة ،وكانت كل طائفة تتولي تنظيم شئون حرفتها على نحو ملزم ألعضائها . وفي مجال التجارة الخارجية كان تدخل الدولة أمرا ً أساسيا نتيجة لضيق السوق ،وضآلة حجم األرباح ،والمخاطر التي تتعرض لها األرواح والممتلكات . وفي مجال اإلنتاج الصناعي كان تدخل الدولة أمرا معترفا به لما يحتاجه االستغالل الصناعي من رؤوس أموال كبيرة غير مضمونة العائد في وقت لم يبلغ فيه التراكم الرأسمالي لدى األفراد حدا ً يمكنهم من تأسيس المشروعات الصناعية دون تدخل من الحكومة . وقد تغيرت كل هذه الظروف باتساع األسواق وزيادة رؤوس األموال لدى التجار والصناع فاتساع األسواق وفر للتجار والصناع عامل األمان فتخلصوا من نظام الطوائف كما أدى إلى زيادة رؤوس األموال المتراكمة لديهم .ومن هنا زادت طموحات التجار والصناع، وتجلت رغبتهم في تحمل المخاطر ،وأصبحوا يشعرون بالكيان الفردي لكل منهم ،وسرى تيار الفردية بينهم وبدأت المنافسة تأخذ وضعها في األسواق ولم يكن لدى الحكومة اإلدارة الالزمة لتحقيق اإلشراف والتدخل في هذه الظروف المتطورة فوقع على عاتق األفراد تنظيم شئونهم االقتصادية في كافة المجاالت . لذلك كل االتجاه السائد في القرن التاسع عشر هو مناهضة تدخل الدولة في النشاط االقتصادي للتفرغ لمراعاة احترام القانون ،وحفظ األمن ،والدفاع عن حدود الدولة ضد اعتداء الجماعات األخرى .أما إنتاج السلع والخدمات بأقل التكاليف فهي وظيفة رجال األعمال على أساس الحرية .فال تدخل من جانب الدولة في النشاط االقتصادي ،وال تدخل من رجال األعمال في شئون الحكم .فالتدخل في النشاط االقتصادي من جانب الحكومة يؤدى إلى البطء في اتخاذ القرارات السليمة بسبب جهل األداة الحكومية بأصول االقتصاد .
وهكذا ،وجدت الحرية االقتصادية بدايتها عند الطبيعيين كرد فعل في اتجاه مضاد ،للتدخل الحكومي الذي نادى به التجاريون .فنظر الطبيعيون إلى الفرد على أنه اللبنة األولى للنشاط االقتصادي وإلى المصلحة على أنها حافز هذا النشاط .ومن هنا كان االعتراف للفرد بحق تملك أدوات اإلنتاج وتنظيم العمليات اإلنتاجية على أساس المنافسة بين المنتجين .والفرد عندما يسعى إلى تحقيق منفعته الشخصية بمنافسة اآلخرين يسعى في نفس الوقت إلى تحقيق المصلحة العامة .وأسس الطبيعيون مذهبهم في الحرية االقتصادية على فكرة القانون الطبيعي والحقوق الطبيعية إلى يجب أن تحكم كافة مظاهر الحياة االقتصادية ،لما لهذه الحقوق من صفات األبدية واإلطالق . وتعتبر أفكار المدرسة الكالسيكية امتدادا ً ألفكار مدرسة الطبيعيين .وارتبط ظهور المدرسة الكالسيكية بالتطور العام ألوروبا في كافة نواحي الحياة نتيجة للثورة الصناعية وما صاحبها من تغيير جوهري في فنون اإلنتاج ،وزيادة عمليات التراكم الرأسمالي لدى أصحاب األعمال ،فانفصال طبقة العمال عن طبقة الرأسماليين أظهر مصلحة الطبقة األخيرة في ترك األمور االقتصادية تسير في حركة طبيعية تلقائية دون تدخل حكومي يحد من حريتهم في عالقتهم بالعمال أو يقيدهم في الحصول على مستلزمات اإلنتاج .وقد صاحب نشأة المدرسة الكالسيكية ازدهار النظام الرأسمالي واعتبرت أساسا ً فكريا ً له . ثالثا ً :سياسة التدخل الحكومي ما بين التأييد للرأسمالية أو االشتراكية: لم يسلم فكر مدرسة الطبيعيين من النقد ،فال توجد قوانين طبيعية تحكم مسار النشاط االقتصادي خاصة إذا علمنا أن الظواهر االقتصادية تتميز بالتطور المستمر .وتغير الظواهر يقتضي تغيير القوانين التي تحكمها .ولم يسلم فكر المدرسة الكالسيكية أو الرأسمالية التقليدية من النقد ،حيث عجزت النظرية الكالسيكية عن تقديم الحلول للمشاكل واألزمات التي واجهت النظام الرأسمالي مع بداية القرن العشرين نتيجة تحطيم الحرب العالمية األولى للجهاز اإلنتاجي في الغرب ،وقد تحقق نفس األمر مع الحرب العالمية الثانية . فاالعتبارات الجارية في الكيان االقتصادي أملت على الحكومة ضرورة التدخل ،وجعلت النظام الرأسمالي في حاجة إلى حلول جديدة لحل بعض مشكالته .ولعل أهم هذه االعتبارات تتمثل في الحروب ،وإعادة توزيع الدخل القومي ،والقضاء على البطالة ، والتنمية االقتصادية للبالد المتخلفة . ففي أوقات الحروب ال يمكن االعتماد على جهاز األسعار لتوجيه الموارد االقتصادية التوجيه األمثل لكسب الحرب .لذلك كان ضروريا ً في هذه األوقات أن تتولى الحكومة أمر توجيه الموارد باعتبارها مسئولة عن نجاح عملياتها الحربية .وتستمر دواعي التدخل الحكومي إلى ما بعد انتهاء الحرب حيت تعانى البالد من ندرة كثير من أنواع اإلنتاج المدني .فترك السوق حرة في أعقاب الحرب يعطى بعض األفراد فرصة للحصول على أرباح استثنائية كبيرة .
وبعد انتهاء الحرب يجب استمرار تدخل الدولة إلعادة توزيع لدخل القومي لصالح الفقراء بفرض الضرائب العالية واستخدام حصيلتها لتحسين حالة الفقراء وقت السلم .خاصة وان الدولة قد نجحت في تمويل الحرب عن طريق هذه الضرائب . ومما دعا إلى التدخل الحكومي في النشاط االقتصادي الرغبة في القضاء على البطالة وتحقيق التشغيل الكامل بتنظيم اإلنتاج واالستهالك . وعلى حكومات الدول المتخلفة أن تعمل على تحقق التنمية االقتصادية واالجتماعية وذلك بتوجيه جانب من مواردها لالستثمار في المجاالت التي ال يتمكن النشاط الفردي من االستثمار فيها لنقص في الخبرة أو في رؤوس األموال ،وبتوجيه تجارتها الخارجية وفقا ً الحتياجات البالد . ويتم التدخل الحكومي في النشاط االقتصادي بواحدة من اثنتين: األولي :وضع خطة إنتاجية عامة تساهم المشروعات الخاصة والمشروعات العامة في تنفيذها . الثانية :وضع خطة مركزية كاملة الستخدام الموارد في كافة القطاعات . ·وقد برزت الطريقة األولي ·كوسيلة من وسائل اإلبقاء على النظام الرأسمالي في إطار جديد بعد أن ثبت أن أزمات هذا النظام وما يصاحبها من كساد وبطالة ليست عارضة كما أشار الكالسيك ،فنواة هذا االتجاه موجودة في أفكار كينز حيت أراد تقديم عالج لمشكلة الركود التي هيمنت على االقتصاد اإلنجليزي ،وما صاحبها من بطالة واسعة النطاق . فقد بدأ كينز بانتقاد التحليل التقليدي القائم على قانون األسواق ،ومضمونه أن العرض يخلق الطلب المساوي له ،وان التشغيل الكامل يتم بتفاعل القوى التلقائية للنشاط االقتصادي .ذهب كينز إلى عكس ما تقدم مبينا ً أن الطلب الفعلي هو الذي يحدد مستوى التشغيل ومستوى اإلنتاج والدخل .فليس من مصلحة المنتجين عرض كمية من اإلنتاج تزيد على ما يتوقعونه من طلب على منتجاتهم بما يحقق لهم أكبر األرباح الممكنة. ويتكون الطلب الفعلي من الطلب على سلع االستهالك والطلب على سلع اإلنتاج. وتبين نظرية كينز أن مستوى الدخل القومي يتوقف في النهاية على مقدار الطلب الفعلي، وينصح كينز الحكومة بالتدخل لتنشيط الطلب الفعلي والتخلي عن سياسة الحرية عالجا ً لمشكلة البطالة . ويمكن تنشيط الطلب الفعلي على سلع االستهالك بتدخل الدولة إلعادة توزيع الدخل القومي لصالح الطبقات الفقيرة ،ألن ميل هذه الطبقات لالستهالك أكبر من ميل الطبقات الغنية .ويمكن للدولة إعادة توزيع الدخل القومي لصالح الفقراء بفرض الضرائب التصاعدية ومنح اإلعانات النقدية وأداء الخدمات المجانية . ويمكن تنشيط الطلب الفعلي على سلع اإلنتاج بتدخل الدولة للقيام ببعض المشروعات أو بخفض سعر الفائدة تشجيعا للمنظمين على القيام باستثمارات جديدة ،أو القضاء على
االحتكارات حتى ال تستمر أسعار المنتجات مرتفعة . وقد توالت الحلول التي تقدم لإلبقاء على النظام الرأسمالي حتى أصبحت بعض الدول الرأسمالية تتدخل في النشاط االقتصادي بهدف التأثير على البنيان االقتصادي في األجل الطويل وذلك عن طريق خطة عامة .فقد وجد أن وضع مثل هذه الخطة أفضل من ترك النشاط االقتصادي يسعى عشوائيا إلى تحقيق األهداف المادية للمجتمع ،فالمجتمعات الحرة تعانى في غيبة التدخل من ثالث مساوئ أساسية : 1وجود تفاوت كبير في الدخل وفي الفرص بين األفراد .2عدم استغالل كل مواردها استغالل كامالً بتأثير االحتكارات .3القلق السياسي واالجتماعي بسبب البطالة والتضخم .وتدخل الدولة بوضع خطة عامة لالقتصاد القومي لتفادى هذه المساوئ أفضل من الحرية االقتصادية التي تصاحبها مثل هذه المساوئ. ·وبالنسبة للطريقة الثانية ·من طرق تدخل الدولة في االقتصاد فيتمثل في وضع خطة مركزية كاملة الستخدام الموارد في كافة القطاعات فهو اتجاه التخطيط المركزي الذي يقوم عليه النظام االشتراكي باعتباره نظاما ً منافسا ً للنظام الرأسمالي ،عرفه العالم بظهور التجربة االشتراكية في االتحاد السوفيتي سنة ،1917وقد سبق وأن بينا في المحاضرات السابقة أن النظام االشتراكي يرتكز على مبادئ وأسس تختلف تماما ً عن تلك التي يرتكز عليها النظام الرأسمالي .ويالحظ أن التخطيط االقتصادي أصبح من أسس النظام االشتراكي ابتداء من سنة .1917وال يعتبر فن التخطيط تطبيقا ً لفكر ماركس ،حيث لم ترد كلمة تخطيط في كتاباته نهائيا ً ومع ذلك يبقى النظام االشتراكي مستندا ً في منابعه الفكرية إلى قيمة العمل وفائض القيمة و إلى تراكم رؤوس األموال وتركزها كما أشار كارل ماركس .وكان قد لقي فكر ماركس تطبيقا ً في دولتين كبيرتين هما االتحاد السوفيتي سابقا ً والصين الشعبية وعدد آخر من الدول .إلى أن التطبيق العملي اثبت فشل النظام االشتراكي أو اقتصاد السوق ،فقد تفكك االتحاد السوفيتي منبع الفكر االشتراكي في بداية 1992وتحويله إلى جمهوريات مستقلة تسعى للعودة إلى نظام السوق ،بل أنضم بعضها إلى االتحاد األوروبي وهو مركز تجمع الدول ذات النظام االقتصادي الرأسمالي أو هي منبع نظام اقتصاد السوق . وهكذا عاد نظام اقتصاد السوق من جديد كمحرك للنشاط االقتصادي من الغالبية العظمي من اقتصاديات العالم .وما ترتب على ذلك في انحسار وتراجع دور الدولة في االقتصاد وإطالق العنان وإفساح الطريق للمبادرات الفردية أو للقطاع الخاص ،كما عاد دور الدولة في االقتصاد إلى االنحسار .
المحاضرة السابعة بعض نماذج االقتصاد الكلي يمكن أن نستعرض بعض نماذج االقتصاد الكلي من خالل الدخل القومي (أوالً) واالستهالك القومي (ثانياً) واالستثمار القومي (ثالثاً) . أوال ً :الدخل القومي : والدخل القومي هو المصدر الذي تشتق منه جميع الكميات االقتصادية من استهالك وادخار واستثمار حتى قيل أن المشاكل االقتصادية الرئيسية في أي بلد من البالد هي المشاكل المتعلقة بدراسة العوامل التي تؤثر في حجم الدخل القومي واستقراره وعدالة توزيعه . )1المقصود بالدخل القومي : الدخل القومي ألي دولة من الدول هو عبارة عن قيمة إنتاج هذه الدولة من السلع والخدمات خالل فترة معينة تتخذ أساس لقياس هذا الدخل .وقد جرى العرف االقتصادي على تقدير الدخل القومي لفترة زمنية طولها سنة . ويدخل في هذا اإلنتاج كل ما أنتجه المجتمع من سلع مادية وغير مادية ،والسلع المادية قد تكون سلعا ً استهالكية تستخدم مباشرة في إشباع حاجات األفراد ،وقد تكون سلعا ً رأسمالية تستخدم في إنتاج غيرها من السلع االستهالكية أو الرأسمالية . وزيادة الدخل القومي في سنة ما عنه في السنوات السابقة تدل على رخاء الدولة في هذه السنة ،ونمو نشاطها االجتماعي ،وارتفاع الدخول التي حصل عليها المواطنون وارتفاع مستوى معيشتهم بزيادة قدرتهم على شراء السلع والخدمات . )2العوامل التي تؤثر في حجم الدخل القومي:
وإذا كان الدخل القومي هو عبارة عن قيمة مجموع الناتج القومي فإن مستوى هذا الدخل يتوقف على العوامل التي تؤثر في حجم اإلنتاج القومي . ;&Ucircويتوقف حجم اإلنتاج القومي بالدرجة األولى على ما لدى الدولة من عوامل اإلنتاج ودرجة تشغيل هذه العوامل .فاإلنتاج هو الحصيلة النهائية لتعاون العمل مع رأس المال ومع األرض بمواردها الطبيعية . ;&Ucircفبالنسبة للموارد الطبيعية نجد أن اإلنتاج يزداد كلما كانت الدولة غنية بثروتها الطبيعية ،وينقص كلما كانت الدولة فقيرة في هذه الثروة ،علي فرض وجود العدد المالئم من العمال الستغاللها .ويتوقف اإلنتاج في القطاع الزراعي على مساحة األرض الصالحة للزراعة ودرجة خصوبتها . ;&Ucircويتوقف اإلنتاج القومي أيضا ً على كفاءة العمال ،وأثر العمال على اإلنتاج أثر واضح ،فكلما كان سكان الدولة أصحاء ومتعلمون ومهرة في أداء أعمالهم كلما زاد حجم اإلنتاج القومي ،والعكس صحيح . ;&Ucircومن العوامل ذات األثر المباشر علي حجم الناتج القومي ،رأس المال الموجود في الدولة .فوفرة األصول ذات الكفاءة اإلنتاجية العالية تؤدى إلى زيادة حجم اإلنتاج، بينما تؤدي قلة األصول الرأسمالية إلى ضآلة اإلنتاج . ;&Ucircوباإلضافة إلى كمية عوامل اإلنتاج الموجودة في المجتمع ،يتوقف اإلنتاج القومي على مدى الكفاءة التي تعمل بها هذه العوامل ،وبالتالي فإن هذا اإلنتاج يتأثر بدرجة التخصص القائمة في المجتمع ،ودرجة التقدم الفني ،ومدى االقتراب من النسب المثلي للتأليف بين عوامل اإلنتاج . ;&Ucircويجب أن ننبه أن ثمة عوامل ليس لإلنسان قدرة على التحكم فيها ،قد تؤثر على حجم اإلنتاج ،كالظروف الجوية والكوارث الطبيعية والحروب . )3طرق قياس الدخل القومي : تهتم كافة الدول بقياس الدخل القومي قياسا ً فعليا ً بالنسبة للفترات الجارية ،كما تهتم بقياس هذا الدخل قياسا ً تقديريا ً بالنسبة للقنوات المقبلة .فالدولة تسترشد بهذا القياس عند وضع وتنفيذ سياستها االقتصادية والمالية وتعتبر مشكلة توزيع الدخل القومي بين من ساهموا في العملية اإلنتاجية ،ومدى عدالة هذا التوزيع ،واآلثار االقتصادية المترتبة عليه ،ووسائل إعادة توزيع الدخل القومي على نحو يحد من التفاوت بين الطبقات ،من المشكالت التي حازت انتباه الحكومات في العصر الحديث . وقد جرت عادة الدول على قياس الدخل القومي خالل فترة زمنية طولها سنة طبقا ً لطريقة من ثالث طرق هي (أ) طريقة الناتج الكلي (ب) وطريقة الدخول الموزعة (ج) وطريقة اإلنفاق الكلي . )1طريقة الناتج الكلي : تعتمد هذه الطريقة على إحصاء قيمة كل السلع والخدمات التي تنتجها الدولة خالل السنة، مع تجنب تكرار حساب السلع الوسيطة ،حيث يجب أال تحتسب قيمة أي سلعة أو خدمة
أكثر من مرة واحدة .ومن هنا كان من الضروري استبعاد قيمة المنتجات التي تستخدم خالل السنة كمادة أولية لمنتجات أخرى .فكل السلع التي ال تستهلك مباشرة وتدخل في تكوين سلع جديدة يجب احتساب قيمتها مرة واحدة لتجنب المبالغة في قيمة الدخل القومي .مثال ذلك اللبن الذي يدخل في إنتاج الشيكوالته ،والدقيق الذي يدخل في إنتاج الخبر ،والقوى المحركة التي تستخدمها المنشآت في إدارة آالتها وتحتسب ضمن تكاليف اإلنتاج . )2طريقة الدخول الموزعة: وتعتمد هذه الطريقة من طرق قياس الدخل القومي على حساب جميع اإليرادات التي حصل عليها كل من ساهموا بنشاطهم االقتصادي في العملية اإلنتاجية .ففي سبيل تحقق الناتج الكلى في أي دولة ،يبذل العمال مجهودهم مقابل الحصول على أجورهم ،ويقدم أصحاب رؤوس األموال أموالهم مقابل الحصول على فائدة عنها ،ويقوم المنظمون بالتأليف بين عوامل اإلنتاج السابقة مقابل الحصول على ربح مناسب للمخاطرة التي يقدمون عليها .وبهذا يكون الناتج الكلي الذي ينتج أثناء السنة في جميع القطاعات الزراعية والصناعية والتجارية حصيلة اشتراك جهودهم وممتلكاتهم وإمكانياتهم في العملية اإلنتاجية ،ويوزع هذا الناتج عليهم في صورة عوائد لعوامل اإلنتاج المملوكة لهم . )3طريقة اإلنفاق الكلي : وتعتمد هذه الطريقة من طرق قياس الدخل القومي على إحصاء قيمة السلع التي حصل عليها األفراد أثناء العام إلشباع حاجاتهم الشخصية "االستهالك" ،وقيمة الزيادة التي تحققت أثناء العام في السلع الرأسمالية (االستثمار) .فاالستهالك واالستثمار اللذان تما أثناء العام يشكالن استخدامات الناتج القومي . ثانيا :االستهالك القومي: أ )تعريف االستهالك : يوزع الدخل عادة بين نوعين من اإلنفاق : 1اإلنفاق على السلع والخدمات التي تستهلك في الفترة الجارية ،وهو اإلنفاق الذيتشترى به الضروريات والكماليات الالزمة للناس في حياتهم اليومية ،وهذا النوع من اإلنفاق يطلق عليه(االستهالك). 2اإلنفاق على السلع التي ال يتم استهالكها في الفترة الجارية ،وهو اإلنفاق الذي يؤدىإلى زيادة رأس المال الحقيقي للمجتمع عن طريق شراء السلع التي تضم إلى ثروة المجتمع الحقيقية ،وهذا النوع من اإلنفاق يطلق عليه لفظ (االستثمار) . فما هي العوامل التي تحد مقدار االستهالك؟ ب )العوامل التي تحدد مقدار ما ينفق من الدخل على االستهالك: يمثل االستهالك الذي يقوم به األفراد أكبر العناصر المكونة لإلنفاق الكلي ويتوقف حجم االستهالك على عوامل كثيرة:
فاألفراد يزيدون من استهالكهم إذا ما توقعوا ارتفاعا في األسعار ،أو اعتقدوا أن السلع سوف تشح في المستقبل ،أو شاعت بينهم عادة التفاخر بما يستهلكون ،أو خطر لهم أن األموال التي ال ينفقونها في االستهالك سوف تتلف عليهم . ومع ذلك يبقى مقدار الدخل أهم اعتبار يعتمد عليه األفراد في تحديد نطاق استهالكهم، فكلما ازداد دخل الفرد ،ازداد ما يستهلكه ،وإذا كان هناك بعض األغنياء الذين ينفقون قدرا ً ضئيالً من دخولهم على االستهالك ،وبعض الفقراء ينفق على االستهالك كمية أكبر مما يستهلكه األغنياء ،إال أن ذلك ال يسقط قاعدة زيادة االستهالك بزيادة الدخل بالنسبة للطبقتين .فمستوى استهالك الغني يزيد بزيادة دخله ،ومستوى استهالك الفقير يزيد بزيادة دخله ،بمعنى أن الفقراء واألغنياء يستهلكون في حالة زيادة الدخل كمية أكبر مما كانوا يستهلكون أو بقيت دخلوهم على ما كانت عليه . وإذا كان سلوك األفراد تجاه التغيير في دخولهم يختلف باختالف ميولهم ،إال أنه من األوضاع غير المألوفة أن نجد أفرادا يقل استهالكهم كلما زاد دخلهم الحقيقي ،أو أفرادا يزيد استهالكهم نتيجة النخفاض دخلهم . وتعرف العالقة بين دخل الفرد ومقدار ما ينفقه هذا الفرد على شراء سلع االستهالك بالميل "لالستهالك" .والميل لالستهالك هو الذي يمكننا من حساب القدر الذي يستهلكه الفرد من دخله عند كل مستوى من مستويات هذا الدخل .فبمعرفة دخل الفرد ،وميله لالستهالك يمكن الوصول إلى معرفة مقدار ما ينفقه على االستهالك من هذا الدخل . ويمكن حساب الميل لالستهالك بالنسبة للفرد الواحد ،وبالنسبة لمجموعة من الناس، وبالنسبة لمجموع السكان في الدولة .والميل لالستهالك في الدولة هو عبارة عن الميول المختلفة لسكانها باإلضافة إلى ما تستهلكه الحكومة . وبمعرفة الميل لالستهالك في الدولة يمكننا معرفة مقدار ما ينفق من دخلها القومي على االستهالك . فإذا كان الميل لالستهالك 5 ــ 6 كان معنى ذلك أن كل دخل تحصل عليه الدولة في مجموعها ينفق منه خمسة أسداس على االستهالك .فعندما يكون الدخل 30مليارا من الجنيهات ،يكون مقدار ما ينفق على السلع االستهالكية والخدمات من هذا الدخل مبلغا قدرة 25مليارا من الجنيهات .وعندما يصل هذا الدخل إلى 36مليارا من الجنيهات ،يكون مقدار االستهالك 30مليارا من الجنيهات . وإذا كان الميل لالستهالك على هذا القدر من األهمية فما هي العوامل التي يتأثر بها هذا
الميل؟ 9العوامل التي تسيطر على الميل لالستهالك : تسطير على الميل لالستهالك عوامل موضوعية وعوامل ذاتية . ;&Aringتتمثل العوامل الموضوعية التي تؤثر على الميل لالستهالك . 1توزيع الدخل القومي .2التغيير في سعر الفائدة .3التغيير في السياسة المالية للدولة.4-التغيرات المفاجئة في دخول األفراد .
9أما العوامل الذاتية فيمكن لكل دارس أن يحددها. ثالثا :االستثمار القومي: أ )تعريف االستثمار : يوزع اإلنفاق الكلي بين االستهالك واالستثمار .واالستهالك هو الجزء من الدخل الذي يخصص لإلنفاق على سلع االستهالك .أما االستثمار فهو ذلك الجزء من الدخل الذي يخصص لإلنفاق على سلع اإلنتاج .ويمول االستثمار عن طريق االدخار وهو الجزء الذي لم يستهلك من الدخل .ولكن ما هو السبب في بقاء لفظي االدخار واالستثمار ،ولماذا ال يستغنى عن أحدهما واإلبقاء على اآلخر . ب )االدخار واالستثمار : يتم التوافق بين االدخار واالستثمار بالنسبة للمجتمع بأسره ،وليس بالنسبة لفرد أو مجموعة من األفراد ،كما هو الحال تماما ً فيما يتعلق بالتوافق بين الدخل واإلنفاق .فالفرد حر في أن يدخر جزءا أكبر مما يستثمر أو أن يستثمر جزاء أكبر مما يدخر ،ولكن مجموع المدخرات يساوى مجموعة االستثمارات على مستوى المجتمع بأسره . ومن الحقيقة السابقة يمكن تبرير اإلبقاء على لفظي االدخار واالستثمار معاً .فقرارات االدخار واالستثمار ال تتخذها طائفة واحدة من األفراد لنفس الدوافع .فكل نوع من هذه القرارات يصدر من طائفة مستقلة في دوافعها عن الطائفة األخرى .فاألفراد هم الذين يقومون باالدخار بناء على عاداتهم وميولهم حسب ظروفهم المختلفة ،بينما يقوم باالستثمار المنظمون بناء على تقديراتهم وتوقعاتهم عن عوائد االستثمار في المجاالت المختلفة .ومن هنا كانت ضرورة التفرقة بين الدور الذي يقوم به كل فريق فما يقوم به المدخرون يسمي ادخارا ،وما يقوم به المستثمرون يسمى استثمارا . ودوافع االدخار عند المدخرين ليست لها إال عالقة ضعيفة بفرص االستثمار الموجودة في المجتمع .فاألفراد يدخرون حتى ولو لم تكن هناك فرص استثمار مربحة ،وهم يحتفظون
بمدخراتهم في هذه الحالة في صورة رصيد من العملة السائلة . أما دوافع االستثمار فتتمثل في توافر فرص االستثمار المربح ،وهى فرص تتوقف على الفنون اإلنتاجية الجديدة ،وظهور موارد جديدة ،وعلى التغيير في المستوى الفكري والثقافي للسكان ،كما تتوقف على توقعات أرباب األعمال وعلى السياسة المالية والتشريعية للدولة . فالقوى المحددة لالدخار مستقلة تماما ً عن القوى المحددة لالستثمار .ومع ذلك يجب أن يبقى واضحا ً أن اغتنام فرص االستثمار يتطلب قدرا من المدخرات لتمويل المشروعات. فاالدخار هو مصدر تمويل االستثمار ،ومن ثم يجب أن تكون السياسة االدخارية والسياسة االستثمارية في اتجاه واحد .
ج )العوامل التي يتوقف عليها حجم االستثمار : االستثمار هو اإلنفاق على السلع التي ال تستهلك في الفترة الجارية ،كاإلنفاق لزيادة المخزون أو لبناء المساكن أو إلقامة المصانع وإنتاج اآلالت ،فاإلنفاق االستثماري هو اإلنفاق الذي يتم إليجاد أصول جديدة ،وكل ما يدفع األفراد أو الشركات أو الحكومة إلنفاق جزء من الدخل إليجاد هذه األصول يعتبر دافعا ً من دوافع االستثمار . ويتم االستثمار في أي أصل من األصول الرأسمالية إذا كانت المنافع المنتظرة من هذا األصل أكبر من المنافع المنتظرة من أي أصل آخر يتساوى معه في التكاليف ،فالمستثمر يوازن بين استثمار نقوده في األصول المختلفة ليختار من هذه األصول ما يعطيه أكبر المنافع . والمستثمر ال يقوم بأي عملية من عمليات االستثمار إال إذا كان العائد الصافي لهذه العملية أكبر من سعر الفائدة ،سواء كان المستثمر مقترضا للمال أو مالكا له .فالمستثمر المقترض عليه أن يسدد الفائدة المستحقة عليه من عائد استثماره .والمستثمر المالك عليه أن يعوض الفرصة التي تنازل عليها وهى إقراض أمواله للغير بفائدة .فالمستثمر يتوقف عن االستثمار عند تساوى الكفاية الحدية لألصل مع سعر الفائدة ،والكفاية الحدية لألصل هي العائد السنوي المتوقع الحصول عليه من استغالل األصل . فمستوى االستثمار يتحدد عند النقطة التي تساوى فيها الكفاية الحدية لالستثمار مع سعر الفائدة .ومعنى ذلك أنه إذا حدث تغير في الكفاية الحدية لالستثمار أو في سعر الفائدة حدث تغيير في مستوى االستثمار . فزيادة الكفاية الحدية لالستثمار مع ثبات سعر الفائدة يؤدى إلى زيادة مستوى االستثمار، ألن كثيرا ً من االستثمارات التي لم تكن مربحة عند أسعار الفائدة الجارية تستطيع أن تدخل مجال االستثمار وتحصل على معدل كاف من العائد يغطي فوائد األموال المستثمرة . وارتفاع سعر الفائدة مع ثبوت الكفاية الحدية لالستثمار يؤدى إلى انخفاض مستوى االستثمار ،ألن بعض فرص االستثمار التي كانت تعطي عائدا كافيا لتغطية الفوائد أصبحت
غير مربحة . ويزداد مستوى االستثمار إذا انخفض سعر الفائدة مع بقاء الكفاية الحدية لالستثمار على حالها ،أو إذا زادت الكفاية الحدية لالستثمار زيادة أكبر من الزيادة في سعر الفائدة . وينخفض مستوى االستثمار إذا انخفضت الكفاية الحدية لالستثمار مع بقاء سعر الفائدة على حاله ،أو إذا انخفضت الكفاية الحدية لالستثمار بدرجة أكبر من انخفاض سعر الفائدة . والكفاية الحدية لرأس المال ،وهى العالقة بين الغالت المستقبلة المنتظر الحصول عليها من األصل الرأسمالي وتكاليف الحصول على األصل ،تتوقف بالدرجة األولى على توقعات المنتجين ومدى ثقتهم في المستقبل من ناحية إمكانية حدوث ما يتوقعونه . فالراغبون في االستثمار يقومون بتقدير مقدار الطلب المستقبل على السلع التي سيستخدمون األصول في إنتاجها ،ويأخذون في حسبانهم عند إجراء هذا التقدير فرصة السلع األخرى في أن تحل محل السلع التي سوف يقومون بإنتاجها ،وفرصة المنتجين اآلخرين الذين ينتجون نفس السلعة في أن يكونوا أكثر منهم كفاءة . ويحاول المستثمرون عند اتخاذ قرار االستثمار أن يتوقعوا الظروف االقتصادية العامة التي سوف تحيط بمشروعهم ،وما إذا كان االقتصاد القومي مقبل على فترة طويلة من الرخاء تحقق أملهم في الربح ،أم أنه مقبل على حالة كساد ال يدركون فيها إال الخسارة. ولما كانت اإلحصاءات والبيانات ال توصل إلى تنبؤ دقيق بالمستقبل ،فإن اتخاذ قرار االستثمار يتوقف في النهاية على الشعور النفسي للمنتجين ،ومدى تفاؤلهم أو تشاؤمهم. فتفاؤل المستثمرين يعطى صورة زاهية للمستقبل تدفعهم إلى اإلقبال على االستثمار الجديد ،وتشاؤمهم يعطي صورة قاتمة عن المستقبل تردهم عن االستثمار الجديد . وليس لنا أن نبحث عن العوامل النفسية التي تؤثر على المستثمرين فتجعلهم متفائلين أو متشائمين .وإنما علينا أن نعرف أن الوسائل الدقيقة التي تمكن من حساب الغالت المنتظرة غالبا ً ما ال تتوافر أمام المنظمين الذين يتأثرون في تقديرهم لتلك الغالت بعوامل مختلفة أهمها العوامل النفسية. ويمكن للدولة أن تتدخل بالمشروعات العامة لتعويض النقص في حجم االستثمارات الخاصة في أوقات الكساد ،حتى يمكن المحافظة على الحجم الكلي لالستثمارات .وتستطيع الدولة أن تقلل من استثماراتها في أوقات الرخاء ،تفاديا لحدوث االرتفاع في األسعار. وكلما كان القطاع العام في الدولة كبيرا ً كلما أمكنها التدخل للمحافظة على ثبات مستوى االستثمار القومي . ويدخل في حساب الحكومة عند قيامها باالستثمار العائد المادي والعائد غير المادي من المنافع المستقبلة .فالمنافع غير المباشرة التي يحققها المشروع قد تجعله مشروعا ً ناجحا من الناحية االجتماعية ولو كان العائد االقتصادي محدودا أو معدوما .ومن أمثلة المنافع غير المباشرة التي تحققها الحكومة من القيام بالمشروعات العامة ،زيادة التوظف، وزيادة إنتاج السلع والخدمات الضرورية لزيادة الطلب على السلع االستهالكية ،وهى
زيادة تحدث نتيجة لزيادة دخول العمال باستخدام عدد منهم في المشروع االستثماري . ويمكن للدولة أن تتدخل للتأثير على حجم االستثمار الخاص عن طريق تخفيض سعر الفائدة ،فانخفاض سعر الفائدة يؤدى إلى زيادة الطلب على أوجه االستثمار في األصول المختلفة .ويمكن التأثير على االستثمار الخاص عن طريق نشر التوقعات التفاؤلية بين المنتجين عن الظروف االقتصادية العامة في المستقبل . والشك أن للحوافز المالية التي تقررها الدولة لالستثمار الجديدة آثارا إيجابية في مجال زيادة القاعدة االستثمارية .فإعانات التجهيز واإلعفاءات الضريبية تدفع أصحاب رؤوس األموال إلى استثمارها في المشروعات المعانة أو المعفاة لتوقع زيادة األرباح الصافية لهذا المشروعات. د )أثر زيادة االستثمار على الدخل القومي : تؤدى زيادة االستثمار بمقدار معين إلى زيادة في الدخل القومي بمقدار أكبر من مقدار الزيادة في االستثمارات . ويزداد الدخل القومي بدرجة أكبر من الزيادة األصلية في االستثمار ألن االستثمار اإلضافي يؤدى إلى توزيع دخول جديدة على المشتركين فيه من عمال ،وأصحاب أموال ومنظمين .وهذه الدخول الجديدة يخصص جزء منها لإلنفاق على السلع االستهالكية. ويتوقف مقدار هذا الجزء على درجة الميل الحدى لالستهالك ،وزيادة الطلب على السلع االستهالكية ،يؤدى إلى التوسع في إنتاج هذه السلع ،والتوسع في اإلنتاج يؤدى إلى توزيع دخول جديدة يخصص جزء منها لإلنفاق على السلع االستهالكية حسب درجة الميل الحدي لالستهالك ،فيزداد الطلب على السلع االستهالكية من جديد …وهكذا ،إلى أن تصل إلى المرحلة التي يتالشى فيها المبلغ المخصص لالستهالك نتيجة لتناقصه في كل مرة عن المرة السابقة ،فاإلنفاق االستثماري األول ال يقتصر أثره على قيمته وإنما يتعداها إلى سلسلة من الزيادة في الدخل واإلنفاق . ويعبر عن المعامل العددي الذي يوضح مقدار الزيادة في الدخل نتيجة الزيادة في االستثمار بمضاعف االستثمار ،فإذا زاد االستثمار بمقدار ( )10ماليين جنيه ،وزاد الدخل القومي نتيجة لذلك بمقدار ( )30مليون جنيه فإن مضاعف االستثمار في هذه الحالة يساوى(3).
المحاضرة الثامنة أوال ً :العوامل اإلنتاجية تتنوع عوامل اإلنتاج فهناك عامل األرض ،والعمل ورأس المال والتنظيم .وأن كان البعض ينتقد هذا التقسيم الرباعي لعوامل اإلنتاج .وذلك لألسباب التالية : ;&Ucircعدم التجانس في كل عامل من عوامل اإلنتاج ،فالعمل ليس نوعا ً واحداً، واألرض ليست على درجة واحدة من الخصوبة ،ورأس المال ال يتضمن نوعا ً واحدا ً من اآلالت واألدوات . ;&Ucircصعوبة التفرقة بين األرض ورأس المال . ;&Ucircعدم وجود فارق جوهرى بين العمل والتنظيم . ويضم الفقه الحديث األرض إلى رأس المال .وهكذا يكون تقسيم عوامل اإلنتاج ثالثيا ً (العمل –رأس المال –التنظيم) وقد أضيف العامل األخير إلبراز أهمية دور المنظم في العملية اإلنتاجية . أوال ً :العمل : أ )المقصود بالعمل كعامل إنتاجي: يقصد بالعمل في هذا المقام العمل اإلنساني الذي يمثل جهدا بشريا عضليا أو ذهنيا فال يدخل فيه عمل اآلالت .ويتوقف دور العمل في اإلنتاج على حجم األيدى العاملة وعلى كفاية العمال في اإلنتاج . ب )عالقة العمل بالسكان :
يشهد العالم زيادة مضطردة في عدد السكان ،وتدل إحصاءات السكان على زيادة عددهم في مختلف أرجاء العالم مع تفاوت في معدالت الزيادة من دولة إلى أخرى وفي الدولة الواحدة من وقت إلى وقت آخر حسب معدالت الزيادة الطبيعية وحركات الهجرة . وترجع الزيادة في عدد السكان إلى زيادة معدل المواليد من ناحية ونقص معدل الوفيات من ناحية أخرى .فالفرق بين معدل المواليد ومعدل الوفيات يمثل معدل الزيادة الطبيعية في السكان. ومعدل المواليد هو عدد المواليد بالنسبة لكل ألف من السكان في العام الواحد .ويختلف هذا المعدل في البالد الزراعية عنه في البالد الصناعية ،فهو مرتفع في األولى ومنخفض في الثانية الختالف بينهما في الظروف االجتماعية واالقتصادية ،فأدني معدل للمواليد يوجد في أوروبا الغربية ،فقد أخذ هذا المعدل ينخفض انخفاضا سريعا في القرن الماضي (العشرين) ألسباب أهمها :الرغبة في تحديد النسل للتمكن من تربية األبناء تربية ممتازة تمكنهم من الحصول على مراكز عالية مع االحتفاظ بثروة كبيرة .كما أن زيادة فترة التعليم اإلجباري ،ووضع قيود قانونية على تشغيل األحداث نمى لدى بعض األوروبيين فكرة تحديد النسل خاصة بعد التوصل إلى أساليب طبية تمكن من ذلك . أما معدل الوفيات فهو عبارة عن عدد الوفيات لكل ألف من السكان في العام الواحد. ويختلف هذا المعدل في البالد النامية عنه في البالد المتقدمة خصوصا ً بالنسبة لألطفال فهو مرتفع في األولى عنه في الثانية . ومازالت مشكلة السكان من المشكالت التي يهتم بها الكتاب في الشرق والغرب على حد سواء . وإذا كان حجم القوة العاملة يتوقف بصفة أساسية على عدد السكان ،إال أن بنيان السكان له أهمية ال تنكر في هذا المجال . فبنيان السكان من حيث السن له أثر واضح في تحديد حجم القوة العاملة إذا علمنا أن األطفال والشيوخ ال يساهمون بنصيب يذكر في عمليات اإلنتاج . وبنيان السكان من حيث الجنس له أيضا ً أثره في تحديد القوة العاملة خاصة في البالد التي تقيد قوانينها أو عاداتها االجتماعية مساهمة المرآة في النشاط االقتصادي . ج )النظريات السكانية بشأن الزيادة السكانية: ينظر بعض الكتاب إلى مسألة زيادة السكان نظرة تشاؤمية ،بينما ينظر بعضهم اآلخر إلى هذه الزيادة نظرة تفاؤلية .فمن يعتبر من الكتاب أن السكان نتيجة للظواهر االقتصادية ينظر إلى المسألة نظرة تشاؤمية ،ومن يعتبر منهم أن السكان هم سبب الظاهرة االقتصادية فينظر إلى المسألة نظرة تفاؤلية. )1النظريات التشاؤمية : يعد مالتس أهم من نظر للزيادة السكانية نظرة تشاؤمية . وتقوم نظرية مالتس التشاؤمية على الفروض اآلتية : ;&Ucircأن عدد السكان محدود بما يمكن إنتاجه من مواد غذائية الزمة للحياة .
;&Ucircأن العوامل التي تضمن التوازن بين عدد السكان والمواد الغذائية قد تكون عوامل ايجابية كاألوبئة والمجاعات والحروب ،كما قد تكون عوامل وقائية تتمثل في التعفف وضبط النفس والزواج المتأخر .ويرفض مالتس استخدام الموانع الصناعية التي تحول دون النسل بعد الزواج باعتبارها موانع تحط من قيمة البشرية . ويرى مالتس أن نسبة تزايد السكان أكبر من نسبة تزايد المواد الغذائية .فالسكان يتزايدون بمتوالية هندسية ،بينما تتزايد المواد الغذائية بمتوالية عددية أو حسابية ،وهذا من شأنه إظهار وجه الخطورة في مشكلة السكان التخاذ اإلجراءات التي تحد من زيادة عدد السكان ليبقى عند حد التوازن مع المواد الغذائية تجنبا لعوامل الفتك التي تسلطها الطبيعة على البشر للمحافظة على هذا التوازن . وتشمل الموانع الوقائية لتعدى حجم السكان للحدود الغذائية كل ما من شأنه أن يؤدى إلى انخفاض معدل المواليد ،وهى تنطوي على وسائل مشروعة كتأجيل الزواج مع المحافظة على العفة ،وعلى وسائل غير مشروعة كالتخلص من قابلية إنجاب األطفال أو اإلجهاض أو منع الحمل . وتشمل الموانع اإليجابية كل ما من شأنه أن يؤدى إلى زيادة الوفيات كالحروب واألوبئة والمجاعات. وإذا كانت الزيادة في الجنس البشرى تسير وفقا ً لقانون طبيعي يتمثل في القدر المتوافر من المواد الغذائية فعلي الحكومات أن تمتنع عن تشجيع النسل حتى ال تتسلط علينا عوامل التوازن الطبيعي الجبري .والوسيلة في نظر مالتس لزيادة عدد السكان هي زيادة مواد الطعام . ويرد مالتس قصور المواد الغذائية عن مالحقة الزيادة السكانية إلى خضوع الزراعة لقانون الغلة المتناقصة .فزيادة عدد العمال الذي يعملون على نفس المساحة من األرض يؤدى إلى نقص إنتاجية العمال الذين يزيدون على العدد األمثل الستغالل هذه المساحة. وزراعة األرض األقل خصوبة تحت تأثير الطلب المتزايد على مواد الغذاء بسبب زيادة السكان يؤدى أيضا ً على نقص اإلنتاجية . وتعرضت نظرية مالتس النتقادات أهمها : ;&Ucircأراد مالتس أن يرجع بؤس الطبقات العمالية في بداية القرن التاسع عشر إلى سوء تصرف الطبقة العاملة ،وليس إلى النظام الرأسمالي الحر واستغالل الرأسماليين للعمال لذلك وجدت النظرية التقليدية بغيتها في فكر مالتس .فقد نصح أنصار هذه النظرية بالتزام العائق األدبي الذي نادي به مالتس إلنقاذ التقدم االقتصادي من خطر الزيادة في عدد السكان وقد ذهبوا إلى حد القول بأن زيادة األجور ال تؤدى إلى زيادة السكان وزيادة عرض العمل ،وعودة األجور إلى مستواها المنخفض . ;&Ucircكذب واقع التطور االقتصادي تنبؤات مالتس .فتطور فنون اإلنتاج أدى إلى الحد من انخفاض اإلنتاج الزراعي بحيث ظل كافيا لالحتفاظ بمستوى المعيشة عند مستوى مرتفع ،كما أن التقدم الصناعي ساعد على ارتفاع مستوى المعيشة .والعالقة بين المواد
الغذائية وبين عدد األوالد اتجه إلى عكس ما فترضه مالتس ،فالعائالت الكبيرة أكثر شيوعا في األوساط الفقيرة عنها في األوساط الغنية . )2النظرية التفاؤلية في السكان : أما النظرية التفاؤلية في السكان فتذهب إلى أن السكان هم سبب الظواهر االقتصادية وقوة الملوك واألمراء تتوقف على زيادة عدد السكان ودرجة رخائهم .فبعد أن اختفت هذه النظرية التفاؤلية في السكان فترة من الزمان عادة مرة أخرى للظهور في نهاية القرن التاسع عشر نظرا ً لما صاحب زيادة عدد السكان في أوروبا من ارتفاع في مستوى المعيشة بالتقدم في الزراعة وازدهار الصناعة وتطور وسائل المواصالت .فالتقدم في الزراعة أدى إلى إمكان الحصول على كميات أكبر من المحصول بنفس الكمية المستخدمة من العمل ن وازدهار الصناعة أدى إلى استخدام عدد كبير من العمل في هذا لفرع من فروع النشاط االقتصادي ،وتطور وسائل المواصالت أدى إلى إمكان زراعة األراضي البعيدة . يرى أنصار هذه النظرية (من أهم هؤالء دوركايم –دبريل) أن زيادة عدد السكان تعد أحد العوامل التي تساعد على التخصص وتقسيم العمل ،كما يرون أن الزيادة في السكان تؤدى إلى نشوء حاجات جديدة ،وعجز الفنون اإلنتاجية القائمة عن الوفاء بهذه الحاجات الجديدة يؤدى إلى التجديد واالبتكار واندفاع التقدم الصناعى واالجتماعى إلى األمام، واالبتكار والتجديد هما مهمة الشباب . ويرى بعض أنصار النظرية التفاؤلية أن نقص السكان سبب من أسباب التدهور العام وتخلف الفن اإلنتاجي ،حيث يلجأ األفراد إلى االنطواء وعدم التجديد لكفاية الطرق القديمة للوفاء باحتياجاتهم .وقد ال تكون المشكلة في زيادة السكان بقدر ما هي في سوء توزيعهم على مستوى العالم ،والتقدم العلمي والفني يمكن أن يجعل من الزيادة السكانية عنصرا فاعالً في ازدهار النشاط االقتصادي وتعميم الرخاء المادى . د )كفاءة العمل في اإلنتاج : تعتبر الكفاءة اإلنتاجية للعمل مؤشرا هاما يستند إليه واضعو السياسة االقتصادية عند بحث قوة العمل في الدولة .وتعتمد هذه الكفاءة على عدة عوامل أهمها ( )1مقدار الجهد المبذول ( )2وتوجيه العمال في إختيار أعمالهم ( )3وتعليم العمال وتدريبهم ( )4والتنظيم الفني للعمل ( )5ودرجة تقسيم العمل ( )6والفن اإلنتاجي المستخدم . ثانيا ً :رأس المال: أ )مفهوم رأس المال : 1المفهوم القانوني :رأس المال في العرف القانوني هو مجموعة الحقوق التي تكون لشخص على مجموعة من األموال كحق الدائنية أو حق الملكية أو حق المساهم في شركة المساهمة فكل مساهم
يملك جزءا ً من رأس المال وجزءا ً من األرباح .ويتضح من ذلك أن رأس المال القانوني يستمد وجوده من تنظيم قانوني يسمح بقيام الحقوق على األموال بطريق مباشر أو بطريق غير مباشر .ويسمح رأس المال القانوني لصاحبه الحصول على دخل بدول عمل . 2المفهوم المحاسبي :ورأس المال في العرف المحاسبى هو مجموع القيم النقدية ألصول المشروع مطروحا ً منها حقوق الغير على هذه األصول . 3المفهوم الفني أو االقتصادي :أما رأس المال في العرف االقتصادي فهو عبارة عن مجموعة األموال المادية التي تستخدم في اإلنتاج لزيادة إنتاجية العمل اإلنساني ،أو هي الثروة التي تستخدم في إنتاج سلع أخرى .ويعبر عن هذه الثروة بمجموع السلع الموجودة في المجتمع في لحظة معينة . ويعبر عادة عن رأس المال االقتصادي برأس المال العينى أو الفنى .وفكرة رأس المال الفنى فكرة عامة تعرفها جميع النظم االقتصادية .أما رأس المال القانوني فيعترف به لألفراد في النظم التي تقر حق الملكية الفردية للموارد اإلنتاجية ،بينما يعترف به للجماعة في النظام االشتراكى . ب )التفرقة بين رأس المال واألرض: والرأي الراجح في الفكر االقتصادي الحديث يضم األرض إلى رأس المال باعتبار أن األرض سلعة رأسمالية تعطى منافع على فترات متعددة فمن الصعب في نظرهم التفرقة بين األرض ورأس المال وهو ما يتحقق كذلك في رأس المال . وذلك على خالف الرأي األخر الذي يفرق بينهما ،وهى فروق يمكن إبرازها والرد عليها على النحو التالي :- 1فالقول بأن األرض هبة من هبات الطبيعة ورأس المال من صنع اإلنسان قول مردودبأن هذا الفارق بين األرض ورأس المال ليس فارقا ً خاصة وأن الكثير من األراضي أعدها اإلنسان لإلنتاج بما أدخله عليها من تحسينات وإصالحات ،كما أن اإلنسان يحتفظ بخصوبة األراضي التي لم يستصلحها بمخصبات ساهم في إنتاجها . 2والقول بأن األراضي محدودة ورأس المال يمكن زيادته قول مردود بأن جميع الموارداالقتصادية محدودة في عالقتها بحاجات اإلنسان المتعددة. 3وقانون تناقص الغلة يسرى في مجال الصناعة كما يسرى في مجال الزراعة إذاتحققت شروط انطباقه . 4من جهة أخرى ،يفرق بعض الكتاب بين األرض ورأس المال على أساس أن األرض التبلي باالستعمال بينما تبلى السلع الرأسمالية باالستعمال .وهذا القول صحيح إلى حد ما. فقوة األرض تتجدد باستمرار بتنظيم استغاللها ،بينما تبلى السلع الرأسمالية الثابتة مهما نظمت طريقة استعمالها ومهما أجرى عليها من عمليات صيانة وترميم .ومع ذلك يمكن
القول بأن هناك المناجم ،وهى تعد أرضا ً في الفكر االقتصادي ،تبلى باالستعمال حيث تنفذ محتويات المنجم في وقت من األوقات . ج )أنواع رأس المال ينقسم رأس المال إلى رأس مال ثابت ورأس مال متداول .ورأس المال الثابت هو أموال اإلنتاج التي ال تفني باستخدامها مرة واحدة في العملية اإلنتاجية كالمناجم واآلالت واألدوات . أما رأس المال المتداول فهو أموال اإلنتاج التي تفنى باستخدامها مرة واحدة في اإلنتاج كالمواد الخام والسلع نصف المصنوعة والسلع الوسيطة . وترجع التفرقة بين رأس المال الثابت ورأس المال المتداول إلى آدم سميث حيث عرف رأس المال الثابت بأنه رأس المال الذي يعطى دخالً بخروجه من الذمة المالية لصاحبه. فالماشية التي تخصص الستغالل األرض الزراعية تعتبر من عناصر رأس المال الثابت ، بينما تعتبر الماشية التي تباع في األسواق من رأس المال المتداول .وهذا المعيار وإن صلح أساسا ً إلجراء تفرقه قانونية بين العقار بالتخصص وبين المنقول فإنه ال يصلح إلجراء تفرقة بين رأس المال الثابت ورأس المال المتداول . لذلك يعتمد التحليل االقتصادي الحديث على معايير فنية ذات طابع اقتصادي للتفرقة بين رأس المال الثابت ورأس المال المتداول .فرأس المال الثابت يستخدم في اإلنتاج عدة مرات لفترة طويلة من الزمن كاآلالت والمبانى .أما رأس المال المتداول فيفنى باستخدامه في اإلنتاج مرة واحدة كالخدمات والوقود . وتظهر أهمية التفرقة بين رأس المال الثابت وراس المال المتداول عند حساب نفقة اإلنتاج .فالقيمة اإلجمالية لرأس المال المتداول تدخل بكاملها عند حساب هذه النفقة ،بينما ال يدخل فيها إال جزء من قيمة رأس المال الثابت يقدر على أساس المدة التي يتوقع بقاء األصل خاللها في اإلنتاج .وهذا الجزء يعرف بقسط استهالك رأس المال الثابت . ويفرق ماركس بين رأس المال الثابت و رأس المال المتغير .فهو يرى أن رأس المال الثابت يمثل المبالغ التي تنفق لشراء األرض والمباني واآلالت والمواد األولية وينقسم إلى رأس مال ثابت مستمر مثل اآلالت والسلع نصف المصنوعة .أما رأس المال المتغير فهو القيمة النقدية لقوى العمل التي يستخدمها الرأسمالي في اإلنتاج أي األجور . د )تكوين رأس المال: يعد رأس المال ركيزة أساسية لزيادة اإلنتاج ورفع مستوى المعيشة وتحقيق التقدم االقتصادي .فقوة األمم في العصر الحديث تقاس بما لديها من إمكانيات إنتاجية وقد أدت االختراعات التي تعقد طرق اإلنتاج واالستغناء عن الطرق البدائية .فالصناعة في الدول المتقدمة تقوم على جهاز إنتاجي متطور يعتمد بصفة أساسية على اآلالت الكبيرة . و رأس المال عبارة عن سلع ينتجها األفراد وال يقومون باستهالكها مباشرة ،بل يحتفظون بها الستخدامها في إنتاج مزيد من السلع . ولو أن األفراد الذين يقومون بإنتاج السلع االستهالكية يستهلكون كل ما ينتجون لما أمكن
ألفراد آخرين أن يتخصصوا في إنتاج السلع اإلنتاجية حيث ال يتبقى لهم من سلع االستهالك ما يشبع حاجاتهم المباشرة . ومن ذلك يتضح أن تكوين رأس المال يتطلب اإلمتناع عن استهالك جزء من اإلنتاج وتحويله إلى أصول رأسمالية ،فالدخل القومي ينقسم إلى قسمين :قسم يوجه إلى االستهالك وقسم يضاف إلى رأس المال الثابت والمتداول واالدخار هو مصدر رأس المال. فاالدخار القومي هو الجزء الذي لم يستهلك من الدخل القومي ،واالدخار الفردى هو الجزء الذي لم يستهلك من دخل الفرد . واالدخار القومي يتكون من :ادخار القطاع العائلي +ادخار القطاع الحكومى +ادخار قطاع األعمال . وهو يساوى الدخل القومي –االستهالك القومي. ه )دور الدولة في تكوين االدخار: قد يكون االدخار اختياريا يقوم به األفراد من تلقاء أنفسهم ،وقد يكون إجباريا تقوم به الدولة ومؤسساتها العامة .وقد زادت أهمية االدخار اإلجباري في الوقت الحاضر بعد تعدد وظائف الدولة واتساع نشاطها في الحياة االستهالكية واالجتماعية .ويمكن للدولة باعتبارها السلطة العامة أن تحقق ادخارا إجباريا بعدة طرق منها : 1فائض الميزانية واألرباح المحجوزة:ويمثل فائض الميزانية العامة الفرق بين اإليرادات العامة والنفقات العامة .فزيادة حصيلة اإليرادات العامة عما يلزم لتغطية النفقات العامة الجارية يؤدى إلى وجود فائض .وهذا الفائض يعد ادخارا إجباريا .أما األرباح المحجوزة فهى األرباح التي تقرر المشروعات العامة عدم توزيعها في صورة دخول لألفراد .وهذا البند من أهم مصادر تمويل االستثمارات في الدول التي يحتل فيها القطاع العام أهمية متزايدة . 2إعادة توزيع الدخل:تمثل الطبقة الغنية أهم مصدر لالدخار النخفاض ميلها لالستهالك ولذلك تزداد المدخرات في حالة وجود طبقة غنية تتحكم في جزء كبير من الدخل القومي ،وتعمل الدولة في العصر الحديث على إعادة توزيع الدخل لصالح الطبقات الفقيرة عن طريق الضرائب التصاعدية .وتعتبر الضرائب التصاعدية صورة من صور االدخار اإلجبارى . 3االقتطاع من دخول األفراد:يمكن للدولة أن تجبر األفراد على ادخار جزء من دخولهم بحملهم على تقليل االستهالك وتلجأ الدولة في ذلك إلى عدة طريق منها :اقتطاع جزء من الدخول الدورية للعاملين في صورة أقساط تأمين أو لدفع معاشات لهم في المستقبل وإصدار قروض عامة تحيطها الدولة بإجراءات تجبر المواطنين على االكتتاب فيها ،وفرض الضرائب المباشرة وغير المباشرة واإلصدار النقدى الجديد الذي يؤدى إلى رفع األسعار فتنخفض القوة الشرائية للنقود وينخفض الدخل الحقيقى لألفراد بمقدار الزيادة في األسعار .
4تشجيع االدخار االختياري:وتتدخل الدولة في تكوين االدخار بتشجيع المواطنين عليه وذلك بتطوير األوعية االدخارية واألجهزة المصرفية ،ورفع سعر الفائدة . ويختلف تكوين رأس المال في الدول االشتراكية عنه في الدول الرأسمالية .ففي الدول االشتراكية يخضع حجم التكوين الرأسمالي ،كما يخضع توزيعه بين الفروع المختلفة للنشاط االقتصادي ،لقرارات السلطة المركزية للتخطيط .ويعتبر االدخار العام هو المصدر الرئيسي لتمويل االستثمارات .وتتمثل أهم مصادر التمويل في الدول االشتراكية في ادخار الميزانية ،وادخار المؤسسات العامة والمزارع الجماعية . ثالثا :المنظم: أضاف مارشال إلى عوامل اإلنتاج التقليدية عامال رابعا هو التنظيم .ويتولي مسئولية تنظيم اإلنتاج شخص طبيعى أو معنوى يعرف بالمنظم .وتتمثل جوهر وظيفة المنظم في التوفيق بين عناصر اإلنتاج في ضوء التنبؤات التي يجريها عن اتجاهات الطلب على منتجاته متحمال كل المخاطر التي ترتب على هذه التنبؤات . فالمنظم Entrepreneurإذن هو الشخص الذي يقوم بتنظيم عوامل اإلنتاج ( األرض –األيدى العاملة –رأس المال ) وذلك إلنتاج السلع والخدمات .وهو يقوم بهذا العمل عادة توقعا لحجم الطلب وقدرا من الربح .فالمنظم مفهوم اساسى في علم االقتصاد السياسى لكونه الشخص الذي يخطط ويتحمل المخاطر .ويعتقد كثيرون من علماء االقتصاد السياسى أنه يشكل عامال رابعا في اإلنتاج يسمى المؤسسة أو المشروع Enterpriseوهو عامل ال تقوم أي فاعليه للعوامل الثالثة األخرى (األرض –األيدى العاملة –رأس المال) من غير وجوده . هذا ،ويثير المنظم كعامل من عوامل اإلنتاج مشكالت عديدة نذكر منها )1كيفية التأليف بين عوامل اإلنتاج المختلفة ،وما يرتبط بها من مسألة قوانين الغلة (الناتج الكلي –الناتج الحدي –الناتج المتوسط ). )2ما يحققه اإلنتاج من وفورات سواء كانت وفورات خارجية أو وفورات داخلية . )3الشكل القانوني المختار للمشروع أو للمنشأة .ومشكلة االختيار بين المنشأة الفردية وأشكال شركات األشخاص (شركات التضامن –شركات التوصية البسيطة) وأشكال شركات األموال (شركات المساهمة –شركات التوصية باألسهم –الشركات ذات المسئولية المحدودة ) . )4كما تثير المشروعات مشكلة االختيار بين المشروع العام والمشروع الخاص .أو بعبارة أخرى االختيار بين النظام الرأسمالي وسيادة القطاع الخاص ،والنظام االشتراكي وسيادة القطاع العام .مع األخذ في اإلعتبار ما يسمي بالمشروعات التعاونية سواء في المجال الزراعي أو اإلنتاجي أو االستهالكي وأشكال أخرى من التعاونيات . )5وأخيرا ً ،يظهر شكل آخر من األشكال القانونية للمشروع أو للمنظم وهو شكل التعاونيات سواء كانت زراعية أو إنتاجية أو استهالكية أو تعمل في أي قطاع آخر .