سوريتنا | العدد الخامس بعد المئة | 22 أيلول 2013 عدد ممتاز في الذكرى السنوية الثانية للجريدة

Page 1

‫سوريتنا | السنة الثالثة | العدد (‪ / 22 | )105‬أيلول ‪2013 /‬‬

‫أسبوعية تصدر عن شباب سوري حر‬

‫‪1‬‬


‫مركز توثيق االنتهاكات يف �سوريا ينا�شد "اللجنة الدولية‬ ‫لل�صليب الأحمر" لك�سر احل�صار عن خميم الريموك واملع�ضمية‬ ‫ملف األخبار إعداد‪ :‬زليخة سالم‬

‫أخبارنا ‪. .‬‬ ‫سوريتنا | السنة الثالثة | العدد (‪ / 22 | )105‬أيلول ‪2013 /‬‬ ‫أسبوعية تصدر عن شباب سوري حر‬ ‫‪2‬‬

‫ناش��د مرك��ز توثيق االنته��اكات في س��وريا اللجنة‬ ‫الدولي��ة للصلي��ب األحم��ر للعمل بش��كل س��ريع لكس��ر‬ ‫الحص��ار على مخيم اليرموك ومدينة المعضمية وغيرها‬ ‫من المناطق الثائرة المحاصرة كالحجر األس��ود والغوطة‬ ‫الش��رقية‪ ،‬حي��ث تعيش تل��ك المناطق أوضاعاً إنس��انية‬ ‫كارثية بسبب قلة الغذاء والدواء‪.‬‬ ‫وج��اء في تقرير أعده المركز اس��تناداً إلى ش��هادات‬ ‫عدد من النشطاء في مخيم اليرموك‪ ،‬ومن بينهم الناشط‬ ‫أحمد الس��هلي‪ ،‬أبو ليث‪ ،‬تول��د ‪ ،1992‬وعضو في المكتب‬ ‫االعالمي الموحد في مخيم اليرموك الذي استشهد نتيجة‬ ‫القص��ف بصاروخ أرض ‪ -‬أرض على مخيم اليرموك قبل‬ ‫انتهاء التقرير‪ ،‬أن الحصار على مخيم اليرموك بدأ بتاريخ‬ ‫‪ 2012 - 12 - 26‬أو بعدما بات يعرف "بضربة الميغ" حيث‬ ‫اس��تهدفت طائرات الميغ التابعة للنظام الس��وري العديد‬ ‫من األماكن التي كانت تأوي العش��رات من النازحين‪ ،‬مما‬ ‫أس��فر عن س��قوط العش��رات ما بين ش��هداء ومصابين‪،‬‬ ‫وكان أغل��ب م��ن س��قط ف��ي تلك المج��زرة م��ن نازحي‬ ‫منطقة التضامن والحجر األس��ود الذي��ن كانوا قد هربوا‬ ‫من مناطقهم نتيجة قصف قوات النظام لها‪.‬‬ ‫ومن��ذ ذل��ك الوقت يعي��ش المخيم ظروف��اً يصعب‬ ‫تصديقه��ا وس��ط حصار ش��امل أدى إلى فق��دان معظم‬ ‫المواد الغذائية والطبية من المنطقة مع استمرار القصف‬ ‫اليومي المتواصل‪ ،‬مما أدى إلى نزوح عش��رات اآلالف من‬ ‫سكان المخيم إلى خارجه‪ ،‬ويقدر عددهم بأكثر من ‪400‬‬ ‫ألف نس��مة معظمهم من نازحي المناطق األخرى إضافة‬ ‫إلى عدد غير قليل من سكان المخيم نفسه‪.‬‬ ‫واش��تدت بعد ذلك قبض��ة النظ��ام األمنية وقصفه‬ ‫المرك��ز عل��ى المخي��م‪ ،‬وبدأ بنش��ر الحواج��ز على طول‬ ‫الط��رق المؤدية إليه‪ ،‬ومنع أية م��واد إغاثية أو طبية من‬ ‫الوص��ول إلى داخله‪ ،‬ولم يتأ ّثر س��كان المخيم بهذا المنع‬ ‫بش��كل مباش��ر‪ ،‬ذلك أن المخيم كان يحتف��ظ بكميات ال‬ ‫بأس به��ا من مادة الطحين على س��بيل المث��ال والعديد‬ ‫من المواد الغذائية األخرى‪ ،‬وكان الحاجز العسكري التابع‬ ‫للجي��ش النظام��ي يمن��ع إدخال أكث��ر من "ربط��ة" خبز‪،‬‬ ‫وكان إدخال حتى ربطة الخبز حكراً على النس��اء والرجال‬ ‫ألن الحاجز كانت لديه قائمة كبيرة جداً باألسماء‬ ‫المسنين ّ‬ ‫المطلوبة والتي بقيت في المخيم ولم تنزح منه‪.‬‬ ‫ولم تمرّ فترة طويلة حتى تمّ منع إدخال مادة الخبز‬ ‫بش��كل نهائي في بداية شهر ش��باط ‪ 2013‬وكان يُسمح‬ ‫فقط بادخ��ال القليل من المواد األساس��ية ج��داً من مثل‬ ‫القليل من مادة الرز أو الس��كر أو البقوليات‪ ،‬ونتيجة لذلك‬ ‫فقد ارتفعت األسعار ضمن المخيم إلى أضعاف مضاعفة‪،‬‬ ‫وش��هد الوضع اإلنساني تدهوراً ش��ديداً‪ ،‬كان الحقاً سببًا‬ ‫رئيسياً في كارثة إنسانية يعيشها المخيم اآلن"‪.‬‬ ‫مرّ الحصار على المخيم بعدة مراحل‪ ،‬فبعد أن كان‬ ‫هنالك بع��ض "التدقيق" من قبل الحاج��ز التابع للجيش‬ ‫الس��وري النظامي والذي وضعه النظام في نهاية ش��هر‬ ‫كانون الثان��ي ‪ ،2012‬أصبح الحصار أكث��ر صعوبة فبعد‬ ‫حوال��ي ش��هرين من وض��ع أول حاجز عس��كري وبعد أن‬ ‫خضع الحاجز بش��كل شبه كلي لش��بيحة اللجان الشعبية‬ ‫التابع��ة ألحم��د جبري��ل ب��دأ الحصار يش��تدّ أكث��ر على‬ ‫المخيم‪ ،‬فقد ت��مّ منع إدخال الم��واد الغذائية إال بكميات‬ ‫قليل��ة جداً‪ ،‬فمث ًال لم يكن يُس��مح بإدخال أكثر من ربطة‬ ‫خب��ز واح��دة للعائل��ة الواح��دة وأكثر من ن��ص كيلو من‬ ‫الخضروات مثل البندورة أو الخيار والبصل‪ ،‬ومنذ شهرين‬ ‫بالضبط أي في بداية تموز ‪ 2013‬وتحديداً في ‪ 5‬رمضان‬ ‫تمّ إغ�لاق المنطقة الجنوبية بش��كل كامل وتمّ إغالق‬ ‫جمي��ع المداخل والمخارج عن المناط��ق الجنوبية جميعها‬ ‫وه��ي‪ :‬ببيال ويلدا وحجي��رة والقدم وعس��الي والتضامن‬ ‫والحجر األسود والبويضة ومخيم الحسينية باإلضافة إلى‬ ‫مخيم اليرموك نفسه‪.‬‬ ‫وأوضح المركز في تقريره أن مخيم اليرموك يعيش‬ ‫حص��اراً منذ حوالي ثمانية أش��هر‪ ،‬من قبل ق��وات النظام‬ ‫أو ًال وش��بيحة الجبهة الش��عبية بقيادة أحمد جبريل ثانياً‪،‬‬

‫حي��ث قاموا باغالق جميع مداخل ومخارج مخيم اليرموك‪،‬‬ ‫وفي الش��هرين األخيرين بالتحديد تمّ منع دخول أي نوع‬ ‫م��ن الم��واد الغذائية أو الطحين أو حتى المواد المعيش��ية‬ ‫البس��يطة "أي مس��تلزمات الحي��اة"‪ ،‬كل ه��ذه المعان��اة‬ ‫تتم تحت سياس��ة قص��ف ممنهج واضحة م��ن قبل قوات‬ ‫النظام حيث أنها تتبع سياس��ة تدمير للمخيم وخاصة عند‬ ‫استخدامه لنوع خاص من الصواريخ الحارقة‪ ،‬فعادة كانت‬ ‫القذائف تقوم بتدمير المنزل مث ًال دون حرق‪ ،‬أمّا القذائف‬ ‫التي يتم اس��تخدامها مؤخراً فإنها تسبب الدمار باإلضافة‬ ‫لحرق المنزل مع ممتلكاته أيضًا‪ ،‬حيث استهدف ‪ 55‬منز ًال‬ ‫إضافة إلى جوامع الحي بشكل منهجي ومستقصد‪.‬‬ ‫واعتبرالحصار الذي تمّ فرضه على مخيم اليرموك‬ ‫م��ن الناحي��ة الطبي��ة‪ ،‬من أش��رس واقس��ى ما ش��هدته‬ ‫المناط��ق الثائرة‪ ،‬وخاصة من ناحية من��ع دخول األطباء‪،‬‬ ‫حيث تمّ اعتقال العديد من األطباء على الحواجز المؤدية‬ ‫إلى المخيم‪ ،‬وأيضًا تعرض العديد منهم للقتل والتعذيب‬ ‫على يد قوات النظام على يد تلك الحواجز نفسها‪ ،‬مشيراً‬ ‫إل��ى أن الوضع الطب��ي في المخيم أص ًال كان س��يئًا حتى‬ ‫قب��ل الحصار وقب��ل ضربة الميغ‪ ،‬ولكن م��ع بدء الحصار‬ ‫والقص��ف العش��وائي تدهور الوضع الطبي بش��كل أكثر‬ ‫خط��ورة وخاص��ة بع��د اس��تهداف المش��افي الرئيس��ية‬ ‫الموجودة في المخيم‪.‬‬ ‫وبين التقرير أنه حاليًا ال يوجد داخل مخيم اليرموك‬ ‫إال طبي��ب واح��د ومش��فى واحد وهو مش��فى فلس��طين‬ ‫أمّ��ا الطبيب فهو طالب في كلية الطب ولم ينه دراس��ته‬ ‫الجامعية حتى‪ ،‬وفيما يتعل��ق بالتجهيزات والمواد الطبية‬ ‫وخاصة فيما يتعلق بالمواد اإلسعافية فإنها شبه معدومة‬ ‫فعل��ى س��بيل المثال هنالك س��يارة إس��عاف واح��دة غير‬ ‫مجهزة طبي��اً أبداً وهي عبارة عن س��يارة "فان" وتحتوي‬ ‫على سرير ال غير‪ ،‬والمشفى الوحيد المتبقي في المخيم‬ ‫يعان��ي م��ن نق��ص ش��ديد وح��اد ف��ي كاف��ة التجهيزات‬ ‫والمواد الطبية األساسية لعالج الجرحى والمصابين مثل‬ ‫البالستر والشاش وأكياس الدم‪..‬‬ ‫وبع��د انس��حاب المراك��ز الطبي��ة التابع��ة لألونروا‬ ‫م��ن المخي��م وجد العش��رات م��ن المصابي��ن باألمراض‬ ‫المزمنة أنفس��هم في مواجهة الم��وت وخاصة‪ :‬فقر الدم‬ ‫والتالسيميا والضغط والسكري ومرضى القلب‪ ،‬وإضافة‬ ‫إلى ذلك انتشرت في األيام األخيرة ظاهرة انعدام الحليب‬ ‫عند األمهات بس��بب نقص التغذية عن األم نفسها‪ ،‬وقد‬ ‫استقبل مشفى فلسطين أكثر من ‪ 20‬حالة من هذا النوع‬ ‫خالل األيام القليلة الماضية‪.‬‬ ‫وف��ي المعضمية ب��دأ الحصار الخانق ف��ي ‪11 / 25‬‬ ‫‪ 2012 /‬بع��د معرك��ة داريا وبدأت مأس��اة ه��ذه المدينة‪،‬‬ ‫وحاولت قوات النظام بناء ساتر ترابي من جهة البساتين‬ ‫عل��ى ط��ول الجهة الغربي��ة حتى يصعب عل��ى المدنيين‬ ‫الخروج وتأمين مس��تلزماتهم وضمان حصارهم بش��كل‬

‫فعلي حيث يوجد اآلن ما يقارب خمسة آالف عائلة أي ‪12‬‬ ‫ألف نس��مة مابين أطفال وش��يوخ ونس��اء رغم أن تعداد‬ ‫سكان المدينة كان مابين ‪ 30‬إلى ‪ 32‬ألف نسمة‪.‬‬ ‫وجاء في التقرير أن المعضمية هي منطقة زراعية‬ ‫تعتم��د عل��ى ما تنتج��ه من محاصي��ل األش��جار المثمرة‬ ‫وأش��جار الزيتون ولك��ن عند بداية الحص��ار قام األهالي‬ ‫باس��تهالك جميع الم��ؤن التي كانوا يحتفظ��ون بها حتى‬ ‫بداية الشهر الثالث من هذا العام الذي يعد بداية الحصار‬ ‫الحقيق��ي حيث نف��ذت جميع هذه المؤن مم��ا دفع بعض‬ ‫األهال��ي لزراعة م��ا تبقى من البذور بجان��ب البيوت أم ًال‬ ‫منه��م أن يكون مصدراً لغذائهم ولك��ن قلة المياه منعت‬ ‫من نمو هذه المحاصيل الصغيرة‪.‬‬ ‫وتع��ود قل��ة المي��اه لع��دة أس��باب منه��ا أن النظام‬ ‫ق��ام بقط��ع المياه ع��ن المدينة باإلضافة إل��ى أن قذائف‬ ‫الفوذليكا أصابت عدداً كبيراً من خزانات المياه المتواجدة‬ ‫على أس��طح البنايات رغ��م محاولة بعض الس��كان نقل‬ ‫هذه الخزانات إلى الطوابق الس��فلية لحمايتها إال أن هذا‬ ‫لم يمنع نفاذ المياه مع مرور الوقت وحتى أن قوات النظام‬ ‫قام��ت بضرب الخزان��ات العامة واس��تهدفت مؤخراً وحدة‬ ‫المي��اه الموج��ودة في المدين��ة‪ ،‬ويوماً بعد ي��وم لم يبق‬ ‫لدى األهالي س��وى أوراق األش��جار كمصدر للغذاء – هذا‬ ‫حقيقة وليس مجرد كالم ‪ -‬فال يوجد طحين أو خبز أو أي‬ ‫ش��ي يؤكل حتى األطفال ليس لديه��م الحليب الذي يعد‬ ‫المص��در الوحيد للتغذية بالنس��بة له��م‪ .‬وهناك صعوبة‬ ‫ف��ي االعتماد على حليب األمهات بس��بب س��وء تغذيتهن‬ ‫وهذه مأساة حقيقية حين يكون هناك أطفا ًال قد يفقدون‬ ‫حياتهم أمام مرأى األعين فقط من الجوع‪.‬‬ ‫اليوج��د في المدينة س��وى مش��فى ميدان��ي واحد‬ ‫يق��وم بإس��عاف المصابي��ن نتيج��ة القص��ف المس��تمر‬ ‫والعني��ف‪ ،‬يوج��د في��ه اآلن نس��اء وأطفال يت��م معالجة‬ ‫إصاباته��م ج��راء تعرضه��م لش��ظايا القص��ف‪ .‬ولك��ن‬ ‫قل��ة الغذاء حالت دون ش��فائهم بش��كل ت��ام‪ ،‬باإلضافة‬ ‫إل��ى النقص الح��اد باألدوية كالحبوب المس��كنة وأدوية‬ ‫االلته��اب والمس��تلزمات الطبي��ة واإلس��عافية‪ ،‬ومؤخ��راً‬ ‫استخدم ما تبقى من األكفان عوضًا عن الشاش‪.‬‬ ‫وق��ام األطب��اء الموج��ودون ف��ي المدين��ة ب��دورات‬ ‫تدريبي��ة للمتطوعين خاص��ة باإلس��عافات األولية ولكن‬ ‫ب��دون أي مس��تلزمات تس��تطيع أن تس��اعد الجرح��ى‬ ‫والمصابي��ن بس��وء التغذية‪ ،‬والكهرباء انقطعت بش��كل‬ ‫كامل عن المدينة منذ شهر تشرين الثاني ‪ 2012‬وأصبح‬ ‫االعتم��اد فق��ط عل��ى المول��دات المعتم��دة بدورها على‬ ‫المحروق��ات التي بات��ت تنفذ وخصوص��اً أن االعتماد كان‬ ‫فقط على المواد الموجودة عند السكان‪.‬‬ ‫وأهدى مركز توثيق االنتهاكات في س��وريا التقرير‪،‬‬ ‫إلى الشهيد أحمد السهلي ومن سبقوه من نشطاء مخيم‬ ‫اليرموك‪.‬‬


‫منظمات دولية‪ :‬عدم مالحقة م�ستخدمي‬ ‫الكيمياوي ب�سوريا �إهانة للقتلى‬

‫سوريتنا | السنة الثالثة | العدد (‪ / 22 | )105‬أيلول ‪2013 /‬‬

‫ش��هد ش��هر آب الماض��ي ارتفاع��اً ح��اداً ف��ي تدف��ق الالجئين‬ ‫الس��وريين إلى بلغاري��ا حيث وصل إلى ما يقارب ‪ 50‬ش��خصاً من‬ ‫القادمين الجدد يوميًا مقارنة بأربعة أش��خاص في الشهر المماثل‬ ‫من العام الماضي‪.‬‬ ‫وذك��رت المفوضية الس��امية لألمم المتحدة لش��ؤون الالجئين‬ ‫أن بلغاري��ا تلقت حت��ى اآلن هذا الع��ام نحو ‪ 3.000‬طل��ب للجوء‪،‬‬ ‫خاصة من الش��رق األوس��ط وإفريقيا‪ .‬وهو ما يمثل ثالثة أضعاف‬ ‫المتوسط السنوي خالل العقد الماضي‪.‬‬ ‫وقالت ميليس��ا فليمنغ كبيرة المتحدثين باس��م المفوضية يوم‬ ‫الثالثاء الماضي «رغ��م أن األعداد اإلجمالية قليلة مقارنة ببعض‬ ‫ال��دول األوروبية األخرى‪ ،‬إال أن نظ��ام اللجوء في بلغاريا غير قادر‬ ‫على استيعاب القادمين الجدد ألن مراكز اإلقامة الثالثة الموجودة‬ ‫الت��ي تقوم الحكومة بتش��غيلها مكتظة واألوض��اع فيها غير آمنة‬ ‫وقاسية‪.‬‬ ‫وأضافت‪ :‬أن المفوضية رحبت بضمانات من الحكومة البلغارية‬ ‫بس��رعة العمل إلصالح الظروف الصعبة التي يمر بها الس��وريون‬ ‫وغيره��م من طالبي اللجوء‪ .‬والتقت الممثلة اإلقليمية للمفوضية‬ ‫بوس��ط أوروب��ا‪ ،‬مونتس��يرات فيكس��اس فيه��ي‪ ،‬رئي��س الوزراء‬ ‫بالمي��ن أوريشارس��كي ومس��ؤولين بارزين آخرين ي��وم الجمعة‬ ‫الماضية لمناقش��ة الحاجة لوجود مرافق جديدة لإلقامة للتخفيف‬ ‫من وطأة االكتظاظ وإلطالق سراح طالبي اللجوء من االحتجاز‪.‬‬ ‫ويعيش الالجئون في المراكز التي تديرها المفوضية والتابعة‬ ‫للحكوم��ة البلغاري��ة أوضاع��ًا مزري��ة حي��ث ينام األش��خاص في‬ ‫الممرات ويطهون على مواقد رديئة داخل مهاجع مكتظة‪.‬‬ ‫وقال روالند ويل‪ ،‬ممثل المفوضية في بلغاريا‪« :‬تحولت جميع‬ ‫المس��احات المتاحة إلى أماكن للمبيت ‪ -‬ب��دءاً من غرف التلفزيون‬ ‫واالنترنت ومس��احات رعاية األطفال‪ .‬وال تكفي مرافق االستحمام‬ ‫ودورات المي��اه للتكيف مع الوتيرة الجديدة للقادمين»‪ .‬وأضاف‪ :‬أن‬ ‫ما يصل إلى ‪ 100‬ش��خص يتقاس��مون حماماً واحداً بينما التعليم‬ ‫واألنش��طة الترفيهي��ة مح��دودة‪ ،‬كم��ا أن عدة مئات م��ن األطفال‬ ‫متغيبون تماماً عن المدرسة‪.‬‬ ‫وي��ؤدي ب��طء إج��راءات اللج��وء إل��ى تفاق��م الوض��ع‪ ،‬إذ يقيم‬ ‫األشخاص بصورة نمطية في مراكز لإلقامة لمدة عام فيما يجري‬ ‫تقيي��م طلبات اللجوء الخاصة بهم‪ ،‬وذل��ك رغم أن القانون ينص‬ ‫على وجوب اتخاذ قرار بشأن تلك الطلبات في غضون ستة أشهر‪.‬‬ ‫وأش��ار ممث��ل المفوضية إل��ى أن «الحكومة بحاج��ة إلى إيجاد‬ ‫أماك��ن إقامة بديلة وجديدة في أقرب وق��ت ممكن‪ ،‬حتى وإن كان‬ ‫بص��ورة مؤقتة‪ ،‬من أجل تخفي��ف الضغط عل��ى المراكز القائمة‬ ‫والتمك��ن من إطالق س��راح طالبي اللج��وء المحتجزين في الوقت‬ ‫الحالي»‪.‬‬ ‫اعتم��دت الس��لطات البلغاري��ة حت��ى اآلن على مركزي��ن اثنين‬ ‫لالحتجاز مصممين ليقيم فيهما المهاجرون غير النظاميين الذين‬ ‫ينتظرون الترحيل‪ .‬وفي ليوبيميتس‪ ،‬التي تقع بالقرب من الحدود‬ ‫التركية‪ ،‬وبوسمانتس��ي الواقعة عل��ى أطراف صوفيا‪ ،‬يظل طالبو‬ ‫اللجوء خلف القضبان لما يصل إلى ثالثة أش��هر في انتظار نقلهم‬ ‫من قِبل الس��لطات إلى مركز مفتوح‪ .‬وتستضيف مراكز االحتجاز‬ ‫تلك أعداداً أكبر بكثير من طاقتها‪.‬‬ ‫وعرض��ت المفوضية زيادة المس��اعدات التقني��ة لبلغاريا على‬ ‫ش��كل تدري��ب ودع��م في جمي��ع مراحل عملي��ة اللجوء ب��دءاً من‬ ‫التسجيل وحتى اتخاذ القرار بشأن طلبات اللجوء‪.‬‬ ‫وكان��ت بلغاري��ا قد اس��تقبلت نحو ‪ 2.000‬س��وري من��ذ عامين‬ ‫ونص��ف العام‪ .‬وهناك ما يقرب من ‪ 41.000‬س��وري طلبوا اللجوء‬ ‫خالل الفترة نفسها في أنحاء االتحاد األوروبي‪.‬‬

‫أخبارنا ‪. .‬‬

‫زيادة تدفق الالجئني ال�سوريني‬ ‫�إىل بلغاريا رغم الظروف ال�صعبة‬ ‫التي يواجهونها فيها‬

‫أسبوعية تصدر عن شباب سوري حر‬

‫ج��ددت منظمتا العفو الدولي��ة وهيومن رايتس ووتش دعوة األم��م المتحدة إلحالة ملف‬ ‫انتهاكات حقوق اإلنس��ان في س��وريا إلى المحكمة الجنائية الدولية‪ ،‬وشددتا على وجوب عدم‬ ‫بقاء جرائم الحرب من دون عقاب‪.‬‬ ‫وقال��ت منظمة العف��و في بيان لها غداة صدور تقرير مفتش��ي األم��م المتحدة الذي أكد‬ ‫اس��تخدام أس��لحة كيمياوية في الهجوم قرب دمش��ق في ‪ 21‬آب‪ ،‬أن جرائم ترتكب يوميًا في‬ ‫سوريا‪ ،‬وأن كشف هوية المسؤولين عن هذه الجرائم هو أمر منتظر منذ وقت طويل‪.‬‬ ‫وذك��رت هيومن رايتس ووتش في بيان مماث��ل‪ ،‬أن النظام ومعارضيه متهمون على حد‬ ‫سواء بارتكاب انتهاكات خالل األزمة التي اندلعت في آذار ‪ ،2011‬وأن إحالة الملف إلى المحكمة‬ ‫الجنائية الدولية س��توجه رس��الة قوية إلى جميع األطراف مفادها أنه لن يتم القبول بالجرائم‬ ‫الخطيرة التي ترتكب منتهكة القانون الدولي‪ ،‬بما فيها جرائم الحرب والجرائم ضد اإلنسانية‬ ‫ورأى ريتش��ارد ديك��ر مدير دائ��رة القضاء الدولي ف��ي هيومن رايتس ووت��ش أن إحالة‬ ‫الملف السوري إلى المحكمة الجنائية الدولية هو أمر "أساسي إلحقاق العدالة‪ ،‬ووضع األسلحة‬ ‫الكيمياوية تحت الرقابة وعدم مالحقة من استخدموها هو إهانة للمدنيين الذين قتلوا"‪.‬‬ ‫من جانب آخر أكد عدد من مس��ؤولي حقوق اإلنس��ان باألمم المتحدة ضرورة أال يش��تت‬ ‫التركيز على األس��لحة الكيميائية في س��وريا واالهتمام باالنتهاكات التي تسببت فيها أسلحة‬ ‫تقليدية أدت إلى مقتل مائة ألف شخص منذ بداية األزمة‪.‬‬ ‫وطلبت مفوضية األمم المتحدة لحقوق اإلنس��ان من مجلس األمن الدولي تحويل الوضع‬ ‫في سوريا إلى المحكمة الجنائية الدولية لضمان المساءلة عن ارتكاب الجرائم‪.‬‬ ‫وأكد إيفان سيمونوفيتش مساعد األمين العام لشؤون حقوق اإلنسان في مؤتمر صحفي‬ ‫لتقييم التقدم في مجال حقوق اإلنس��ان منذ صدور إعالن وبرنامج عمل فيينا قبل عش��رين‬ ‫عام��اً على أهمية ذلك الطلب ولكنه قال أن التحويل إلى المحكمة ليس العنصر الوحيد المهم‬ ‫بالنسبة للمسؤولين عن حقوق اإلنسان‪.‬‬ ‫وق��ال "إن المفوضة الس��امية وإنا طلبنا س��ابقًا‪ ،‬إحال��ة الوضع في س��وريا إلى المحكمة‬ ‫الجنائية الدولية‪ ،‬ولكن ليس هذا هو الش��يء الوحيد الذي نريده في قرار المجلس‪ ،‬ما يقلقنا‬ ‫اآلن ه��و أن المناقش��ات ترك��ز فقط على األس��لحة الكيميائي��ة‪ ،‬ولكننا جميعا نعل��م أن أكثر‬ ‫من مائة ألف ش��خص كانوا ضحايا األس��لحة التقليدية‪ .‬إننا أيضًا قلقون بش��أن تدفق القوات‬ ‫األجنبية واألسلحة إلى البالد بما يؤدي إلى تصاعد عدد الضحايا ومعاناة حقوق اإلنسان‪" .‬‬ ‫وأضاف‪" :‬إن الش��يء الالفت بوجه خاص هو االس��تهداف المتعمد للمنش��آت الطبية‪ ،‬وهو‬ ‫شيء آمل أن تتم معالجته أيضًا‪ ،‬إنه أمر موثق لدينا‪ ،‬وأعتقد أيضاً أن هناك ما يمكن أن نصفه‬ ‫بالزخ��م اإليجابي عندما نجد اس��تعداداً للخضوع إلى نوع من التفتيش فيما يتعلق باألس��لحة‬ ‫الكيميائية ونزع السالح‪ ،‬ويمكن تطبيق ذلك فيما يتعلق بمراقبة حقوق اإلنسان‪.‬‬ ‫ما نود أن نراه أيضاً هو بدء الحوار بين الطرفين في س��وريا‪ .‬ما نفتقده هو إجراء الحوار‬ ‫حول القضايا اإلنس��انية‪ ،‬الحوار حول س��بل منع المعاناة اإلنس��انية وحماية الس��كان وكيفية‬ ‫ضم��ان وصول م��واد اإلغاثة ومن يقدمونه��ا‪ ،‬ولكن أيضًا الحوار حول كيفية تجنب اس��تهداف‬ ‫المنشآت الطبية وحل قضية األشخاص المفقودين"‪.‬‬ ‫وكان��ت لجنة مجلس حقوق اإلنس��ان للتحقيق في االنتهاكات في س��ورية قد حذرت من‬ ‫الخطر المتصاعد من االستهداف المتعمد للعاملين في المجال الصحي وسيارات اإلسعاف ومنع‬ ‫الرعاية الصحية عن المرضى والجرحى‪.‬‬ ‫وقال��ت اللجنة في أح��دث تقاريرها أن الق��وات الحكومية والميليش��يات الموالية لها تتبع‬ ‫سياس��ة من��ع الرعاية الصحية ع��ن الموجودين في المناطق التي تس��يطر عليه��ا المعارضة‪،‬‬ ‫وإن األدل��ة تش��ير أيض��ًا إلى أن بع��ض الجماعات المس��لحة المناهضة للحكوم��ة قد هاجمت‬ ‫المستشفيات في بعض المناطق‪.‬‬

‫�أوجـاع وطـن‬

‫‪3‬‬


‫هيومن رايت�س ووت�ش حت ّمل النظام ال�سوري م�س�ؤولية الهجمات‬ ‫بالأ�سلحة الكيمياوية على الغوطتني ال�شرقية والغربية‬ ‫أخبارنا ‪. .‬‬ ‫سوريتنا | السنة الثالثة | العدد (‪ / 22 | )105‬أيلول ‪2013 /‬‬ ‫أسبوعية تصدر عن شباب سوري حر‬ ‫‪4‬‬

‫حمّلت منظم��ة هيومن رايت��س ووتش النظام‬ ‫السوري مسؤولية الهجمات باألسلحة الكيمياوية على‬ ‫الغوطتين الشرقية والغربية في ‪ 21‬آب الماضي‪.‬‬ ‫وقال��ت‪ :‬يظه��ر بقوة م��ن األدلة الت��ي فحصتها‬ ‫المنظم��ة أن الهجم��ات باألس��لحة الكيماوية هي من‬ ‫تنفيذ الق��وات النظامية مس��تندة بذل��ك على نطاق‬ ‫الهجمات الواس��ع‪ ،‬إذ استخدمت فيه ما ال يقل عن ‪12‬‬ ‫ص��اروخ أرض أرض ف��ي منطقتي��ن متباعدتين في‬ ‫ريف دمش��ق‪ ،‬المس��افة بينهما ‪ 16‬كيلومتراً‪ ،‬وتحيط‬ ‫بهما مواقع عس��كرية س��ورية حكومي��ة مهمة‪ ،‬وأحد‬ ‫أنواع الصواريخ المس��تخدمة في الهجوم‪ ،‬وهو نظام‬ ‫الصواري��خ ‪ 330‬مل��م ‪ -‬يُرج��ح أن��ه س��وري الصنع‪،‬‬ ‫ويبدو أنه اس��تخدم في عدد من الهجم��ات الكيماوية‬ ‫المزعومة وت��م تصويره مرتين عل��ى األقل على يد‬ ‫الق��وات النظامي��ة‪ ،‬والثان��ي ه��و ص��اروخ ‪ 140‬ملم‬ ‫سوفيتي الصنع يمكنه حمل غاز سارين‪ ،‬وهو مذكور‬ ‫ضمن األس��لحة المع��روف أنها في مخ��زون الحكومة‬ ‫الس��ورية‪ ،‬ول��م تظه��ر تقاري��ر مطلق��ًا ع��ن حيازة‬ ‫المعارضة للصاروخين‪ ،‬وال توجد تغطية أو أدلة على‬ ‫أن الق��وات المعارضة لديها منص��ات صواريخ تُركب‬ ‫عل��ى متن عربات‪ ،‬وهو الن��وع المطلوب إلطالق هذه‬ ‫الصواريخ‪.‬‬ ‫كما استندت المنظمة إلى أن هجمات ‪ 21‬آب هي‬ ‫ضربة عسكرية معقدة‪ ،‬تتطلب كميات كبيرة من غاز‬ ‫األعص��اب (كل ص��اروخ ‪ 330‬ملم يُق��در أنه يحتوي‬ ‫عل��ى ‪ 50‬إلى ‪ 60‬لتراً م��ن غاز األعص��اب)‪ ،‬وإجراءات‬ ‫متخصصة ف��ي عملية تعبئة ال��رؤوس الحربية بغاز‬ ‫األعصاب‪ ،‬ومنصات متخصصة إلطالق الصواريخ‪.‬‬ ‫وخلصت هيومن رايت��س ووتش في تحقيقاتها‬ ‫التي أوردتها في تقرير مفصل اس��تناداً إلى شهادات‬ ‫الش��هود بش��أن الهجم��ات بالصواري��خ‪ ،‬والمعلومات‬ ‫الخاص��ة بالمص��ادر المُحتملة للهجم��ات‪ ،‬والمخلفات‬ ‫المادي��ة لنظ��م الس�لاح المس��تخدمة‪ ،‬واألع��راض‬ ‫الطبي��ة التي ظه��رت عل��ى ضحايا الهجمات حس��بما‬ ‫وثقها عاملون بالمجال الطبي‪ ،‬إلى أن من المرجح أن‬ ‫هجمات ‪ 21‬آب قد تمت بأس��لحة كيماوية‪ ،‬باس��تخدام‬ ‫نظ��ام صواري��خ ‪ 330‬مل��م أرض أرض‪ ،‬يُرج��ح أن‬ ‫يك��ون إنتاج��ًا س��ورياً‪ ،‬ونظ��ام صواري��خ ‪ 140‬مل��م‬ ‫م��ن الحقب��ة الس��وفيتية‪ ،‬وأن الصواري��خ المذكورة‬ ‫اس��تخدمت في توصيل غاز أعصاب‪ .‬يظهر من األدلة‬ ‫أن غ��از األعص��اب المس��تخدم ه��و في األغل��ب غاز‬ ‫س��ارين أو غاز أعصاب مماثل على درجة سالح‪ ،‬حيث‬ ‫ذك��ر طبيب��ان محلي��ان للمنظمة أن ضحاي��ا الهجمات‬ ‫ظهرت عليهم جميعاً أع��راض منها االختناق‪ ،‬وضيق‬ ‫التنفس وعدم انتظامه‪ ،‬والتشنج الالإرادي للعضالت‪،‬‬ ‫والغثي��ان‪ ،‬وتكون زبد على الفم‪ ،‬وس��يالن الس��وائل‬ ‫من األن��ف والعيني��ن‪ ،‬واالنتفاض وال��دوار وصعوبة‬ ‫الرؤية‪ ،‬واحمرار األعين واحتقانها وضيق ش��ديد في‬ ‫الحدقتين‪.‬‬ ‫وجاء في التقرير‪ :‬يظهر بقوة من األدلة الخاصة‬ ‫بن��وع الصواري��خ ومنصات اإلطالق المس��تخدمة في‬ ‫هذه الهجمات أن هذه نظم أس��لحة معروفة وبشكل‬ ‫موثق بأن القوات المس��لحة الس��ورية النظامية هي‬ ‫وحدها التي تملكها وس��بق لها استخدامها‪ ،‬ولم توثق‬ ‫هيوم��ن رايت��س ووت��ش أو خب��راء األس��لحة الذين‬ ‫يراقبون اس��تخدام األس��لحة في س��وريا حيازة قوات‬ ‫المعارضة الس��ورية لصواري��خ ‪ 140‬ملم أو صواريخ‬ ‫‪ 330‬ملم من المس��تخدمة في الهج��وم‪ ،‬أو المنصات‬ ‫الالزمة إلطالق هذه الصواريخ‪.‬‬ ‫أنكرت الحكومة السورية مسؤوليتها عن الهجوم‪،‬‬ ‫والمت جماعات المعارضة لكن دون عرض أدلة تدعم‬ ‫مزاعمه��ا‪ .‬وت��رى هيوم��ن رايتس ووتش بن��اء على‬ ‫األدلة المتوف��رة‪ ،‬أن القوات النظامية الس��ورية تكاد‬

‫وبش��كل مؤكد تكون المس��ؤولة عن هجمات ‪ 21‬آب‪،‬‬ ‫وأن غاز األعصاب على درجة السالح قد استخدم أثناء‬ ‫الهجوم باالس��تعانة بنظم إط�لاق صواريخ مصممة‬ ‫خصيصًا الستيعاب غاز األعصاب‪ .‬إن نطاق الهجمتين‬ ‫والتنس��يق الظاه��ر فيهم��ا‪ ،‬ضد معاق��ل للمعارضة‪،‬‬ ‫ووجود مواقع إطالق صواريخ محتملة تس��يطر عليها‬ ‫الحكوم��ة ف��ي مرم��ى األهداف‪ ،‬ونس��ق االس��تخدام‬ ‫المزعوم في اآلونة األخيرة في حاالت أخرى للهجمات‬ ‫ضد معاقل للمعارضة باستخدام نظام صواريخ ‪330‬‬ ‫ملم نفس��ه‪ ،‬والحي��ازة الموثقة لنظ��م صواريخ ‪140‬‬ ‫مل��م و‪ 330‬مل��م المصممة خصيصاً إلطالق أس��لحة‬ ‫كيمائي��ة في ترس��انة الس�لاح الحكومي��ة؛ هي كلها‬ ‫دالئ��ل تش��ير إلى مس��ؤولية الحكومة الس��ورية عن‬ ‫الهجمات‪.‬‬ ‫وتوصلت هيوم��ن رايتس ووتش من تحقيقاتها‬ ‫ف��ي المزاع��م األخ��رى‪ ،‬ب��أن ق��وات المعارض��ة هي‬ ‫المس��ؤولة عن الهجمات‪ ،‬إلى أن هذه المزاعم تفتقر‬ ‫إلى المصداقية وأنها غير متس��قة مع األدلة التي تم‬ ‫العثور عليها في مسرح األحداث‪ ،‬والمزاعم بأن وفيات‬ ‫‪ 21‬آب س��ببها انفجار عرضي سببه سوء تعامل قوات‬ ‫المعارضة مع أس��لحة كيماوية في حيازتها ال يتس��ق‬ ‫مع عدد الوفيات الكبير في موقعين المس��افة بينهما‬ ‫‪ 16‬كيلومتراً‪ ،‬ومع توثيق هجمات الصواريخ بالمواقع‬ ‫المس��تهدفة ذل��ك الصب��اح‪ ،‬كم��ا ورد ف��ي ش��هادات‬ ‫الش��هود‪ ،‬ومع حجم الدم��ار الظاهر عل��ى الصواريخ‬ ‫نفس��ها‪ ،‬والحُفر المتخلفة في األرض عن انفجارها‬ ‫لحظة االرتطام باألرض‪.‬‬ ‫وأوضحت المنظمة أنه��ا طلبت من الدكتور كيث‬ ‫ب‪ .‬وارد ‪ -‬الخبير صاحب الخبرة الواس��عة في اكتشاف‬ ‫والتع��رف على آثار األس��لحة الكيماوي��ة الحربية ‪ -‬أن‬ ‫يراج��ع الدالئ��ل الطبي��ة التي كش��فت عنه��ا مقاطع‬ ‫فيدي��و لضحايا يخضع��ون للعالج في المستش��فيات‬ ‫ج��راء الهجم��ات‪ ،‬وأن يراج��ع األعراض الت��ي ظهرت‬ ‫على الضحايا ووصفه��ا عاملون بالمجال الطبي ممن‬ ‫قاموا بعالجه��م‪ ،‬واألعراض الطبية التي ظهرت على‬ ‫العاملين بالمجال الطبي بعد أن تعاملوا مع الضحايا‪.‬‬ ‫كم��ا اس��تخدمت بيان��ات نظ��ام ال��ـ «ج��ي‪ .‬بي‪.‬‬ ‫إس‪ ».‬الجغرافي وحلل��ت صور القمر الصناعي لوضع‬ ‫خريطة بالمواقع الدقيقة للهجمات‪ ،‬والمواقع الدقيقة‬ ‫الرتطام ثمانية من الصواريخ ‪ 330‬ملم باألرض في‬ ‫الغوطة الشرقية‪.‬‬ ‫واس��تعانت أثن��اء إجراء بح��وث التقري��ر بالخبرة‬

‫المستفيضة لقسم «األس��لحة وحقوق اإلنسان» في‬ ‫المنظم��ة‪ ،‬في مراقبة األس��لحة والتع��رف عليها‪ ،‬بما‬ ‫في ذلك األسلحة الكيماوية‪ ،‬وحصلت على مساعدات‬ ‫من خبراء أس��لحة وكذلك من واقع تحقيقات مستقلة‬ ‫أجراه��ا أف��راد آخ��رون دأبوا عل��ى مراقبة اس��تخدام‬ ‫األسلحة في سوريا عن كثب ومنهم المدون المستقل‬ ‫ني��ك جين��زن ‪ -‬جونز صاح��ب مدون��ة «‪The Rogue‬‬ ‫‪ »Adventurer‬والم��دون إلي��وت هيغنز صاحب مدونة‬ ‫«‪ »Brown Moses‬وق��د جم��ع االثن��ان وحل�لا ص��وراً‬ ‫ومقاطع فيديو للهجمات‪.‬‬ ‫وأورد التقري��ر تفاصي��ل الهج��وم وأماكنه وعدد‬ ‫الصواريخ المس��تخدمة وأنواعها وش��هادات الناجيين‬ ‫واألطب��اء الذي��ن عالج��وا اإلصاب��ات الناجم��ة عن��ه‬ ‫واألعراض التي ظهرت على الضحايا والمصابين‪.‬‬ ‫وق��ال‪ :‬راقب��ت هيومن رايتس ووت��ش عن كثب‬ ‫أن��واع الذخائ��ر واألس��لحة المس��تخدمة في س��وريا‪،‬‬ ‫وغط��ت بش��كل موس��ع االس��تخدام غي��ر القانون��ي‬ ‫لألس��لحة من قبل القوات النظامية السورية‪ ،‬بما في‬ ‫ذل��ك قذائ��ف الهاون ‪ 240‬مل��م الثقيل��ة التي ضربت‬ ‫مناطق مأهولة بالمدنيين‪ ،‬واأللغام المضادة لألفراد‪،‬‬ ‫والقنابل الملقاة جواً بش��كل عش��وائي‪ ،‬وس��ت أنواع‬ ‫على األقل م��ن الذخائر العنقودية‪ ،‬وأس��لحة محرقة‬ ‫استخدمت ضد المدنيين جميعًا‪ ،‬ومقذوفات صاروخية‬ ‫عش��وائية ال تمي��ز بي��ن مدنيي��ن ومقاتلين بحس��ب‬ ‫طبيعته��ا غير أن الهجوم عل��ى المعضمية في ‪ 21‬آب‬ ‫يمث��ل الظهور المع��روف األول للص��اروخ ‪ 140‬ملم‪،‬‬ ‫ال��ذي ل��م يوثق اس��تخدامه من قب��ل‪ ،‬وال تعرف بأية‬ ‫معلومات تش��ير إلى حيازة قوات المعارضة للصاروخ‬ ‫‪ 140‬ملم‪ ،‬أو نظام إطالقه‪.‬‬ ‫كم��ا وثق��ت المنظم��ة اس��تخدام م��ا يب��دو أنها‬ ‫صواري��خ أرض أرض ‪ 330‬مل��م في زمل��كا بالغوطة‬ ‫الش��رقية ف��ي ‪ 21‬آب‪ ،‬ول��م نعث��ر عل��ى أدل��ة عل��ى‬ ‫اس��تخدام أي نظ��ام صواري��خ ‪ 140‬ملم ف��ي هجوم‬ ‫المعضمية بالغوطة الشرقية‪.‬‬ ‫ولم تصف أي من ش��هادات الش��هود أثر ارتطام‬ ‫الصواري��خ‪ ،‬ولم يتبين من ص��ور مخلفات الصواريخ‬ ‫أو م��ن التقاري��ر عن اإلصاب��ات الالحق��ة بالناس في‬ ‫الم��كان‪ ،‬أن الهجوم كان بحمولة ش��ديدة االنفجار أو‬ ‫حمول��ة محرق��ة للصواري��خ‪ ،‬وال توج��د آث��ار إصابات‬ ‫رضية على أي م��ن الضحايا أو حفر عميقة لالرتطام‬ ‫بم��كان ارتطام الصواريخ‪ .‬كانت حم��والت الصواريخ‬ ‫ش��ديدة االنفجار لت��ؤدي إلى إصابات بدنية جس��يمة‬


‫أخبارنا ‪. .‬‬ ‫سوريتنا | السنة الثالثة | العدد (‪ / 22 | )105‬أيلول ‪2013 /‬‬

‫االنفج��ار‪ ،‬فإن هناك ثالث��ة اختالفات ف��ي التصميم‬ ‫يبدو أنها تميّز نوع الصواريخ المس��تخدم في إطالق‬ ‫السالح الكيماوي عن النوع شديد االنفجار‪ :‬يظهر من‬ ‫مقاط��ع الفيديو والصور لألس��لحة المس��تخدمة في‬ ‫الهجمات بس��وريا أن نس��خة الس�لاح الكيم��اوي فيها‬ ‫س��طام إضافي أو منفذ إضافي ل��دى نقطة التحميل‬ ‫تس��تخدم في م��لء حاوي��ة رأس الصاروخ بالس�لاح‬ ‫الكيم��اوي قبل اإلطالق‪ ،‬والنوع ش��ديد االنفجار يزيد‬ ‫طول��ه بنحو ‪ 400‬ملم على األقل‪ ،‬والنوع المس��تخدم‬ ‫في الس�لاح الكيماوي يبدو أن األرق��ام مكتوبة عليه‬ ‫بالل��ون األحمر (هناك ص��اروخ موثق رقمه ‪ ،900‬مما‬ ‫يوحي بإنتاج عدد كبير من الصواريخ من هذا النوع)‪،‬‬ ‫ف��ي حين أن صور النس��خة ش��ديدة االنفج��ار تُظهر‬ ‫أن األرق��ام عل��ى الص��اروخ مكتوب��ة باألس��ود‪ ،‬ربما‬ ‫لتيس��ير التعرف على النوع‪ .‬جمي��ع مخلفات الصاروخ‬ ‫‪ 330‬مل��م الت��ي تعرف��ت عليها المنظم��ة في هجوم‬ ‫زملكا بالغوطة الش��رقية يُش��تبه في أنها من نسخة‬ ‫الص��اروخ الكيماوي��ة‪ ،‬وعليه��ا أرقام حم��راء‪ ،‬ورأس‬ ‫أقصر‪ ،‬وسطام تعبئة إضافي‪.‬‬ ‫األهم‪ ،‬أن تصميم قس��م الحمولة في الصواريخ‬ ‫الت��ي تم العثور عليها في مس��رح األح��داث بالغوطة‬ ‫الش��رقية ف��ي الهجوم يش��ير بقوة إل��ى أن الصاروخ‬ ‫يستوعب أسلحة كيماوية‪ ،‬وربما هو مصمم خصيصًا‬ ‫لها‪ .‬نقطة حمولة الصاروخ قوامها حاوية كبيرة رفيعة‬ ‫الج��دار‪ ،‬قادرة على حمل ‪ 50‬إلى ‪ 60‬لتراً من الس�لاح‬ ‫الكيماوي‪ ،‬يُعبأ في نقطة الحمولة من خالل السطام‬ ‫المذك��ور‪ ،‬وقن��اة صغي��رة مركزية ف��ي مقدمتها في‬ ‫صدارة الرأس حمولة انفجار صغيرة‪ ،‬يؤدي انفجارها‬ ‫إل��ى تمزق الحاوية رفيعة الجدار وإلى انتش��ار المادة‬ ‫الكيماوية في الحاوية على شكل أبخرة‪.‬‬ ‫ال يس��تبعد تحليلن��ا احتم��ال وج��ود نظم إطالق‬ ‫أس��لحة إضافي��ة اس��تخدمت ف��ي الغوطة الش��رقية‬ ‫والغوط��ة الغربي��ة ل��م يت��م التع��رف عليه��ا بعد أو‬ ‫تحليله��ا‪ .‬لكن الصاروخي��ن اللذي��ن حللتهما هيومن‬ ‫رايتس ووتش هما نظم الصواريخ الوحيدة المعروف‬ ‫اس��تخدامها في هذه الهجمات‪ ،‬طبقًا لنشطاء محليين‬ ‫فتشوا األماكن المتأثرة بتأني‪.‬‬ ‫التمست هيومن رايتس ووتش المشورة الفنية‬ ‫م��ن د‪ .‬كيث ب وارد‪ ،‬وه��و خبير بارز في التعرف على‬ ‫آث��ار المواد الحربية الكيماوية‪ ،‬وق��د راجع تقارير من‬ ‫مصادر أساسية وثانوية من السكان المحليين‪ ،‬وراجع‬ ‫األع��راض المرضي��ة الت��ي وصفه��ا األطب��اء‪ ،‬وعدداً‬ ‫كبيراً من مقاطع الفيدي��و التي التقطت للضحايا في‬ ‫هج��وم ‪ 21‬آب‪ ،‬حيث أظهرت مقاط��ع الفيديو أن عدداً‬ ‫م��ن الضحاي��ا األصغر ظه��رت عليهم أع��راض زرقة‬ ‫الوجه‪ ،‬ال س��يما حول العينين والفم‪ ،‬وهو ما يتس��ق‬ ‫م��ع أع��راض االختناق أو الغ��رق‪ .‬االختناق س��ببه إما‬ ‫اإلفراط في إفراز المخاط والسوائل الرئوية ومجاري‬ ‫التنف��س‪ ،‬أو بس��بب دمار ج��زء من النظ��ام العصبي‬ ‫يدعم التنفس‪ ،‬أو للس��ببين‪ .‬أغل��ب الضحايا البالغين‬

‫ف��ي مقاطع الفيديو ظه��رت عليهم ب��وادر اإلفرازات‬ ‫المفرطة للمخاط والس��وائل من الف��م واألنف‪ .‬ظهر‬ ‫عل��ى عدد من المرضى في مقاطع الفيديو تش��نجات‬ ‫عضلي��ة الإرادي��ة‪ .‬وكان من المهم غي��اب أي إصابات‬ ‫رضّية أو نزيف للدماء‪.‬‬ ‫تتس��ق ه��ذه المالحظ��ات م��ع تقارير الش��هود‬ ‫واألطباء ومنظمة المساعدات الدولية أطباء بال حدود‪.‬‬ ‫كم��ا أن األع��راض الطبية التي ش��وهدت في مقاطع‬ ‫الفيدي��و وأع��راض الضحاي��ا التي أبلغ به��ا آخرون ال‬ ‫تتسق مع اإلصابات جراء التعرض لموجات انفجارية‪،‬‬ ‫أو ش��ظايا أو أس��لحة محرق��ة‪ .‬وال تتس��ق م��ع كونها‬ ‫ج��راء التعرض لعوامل اختناق ‪ /‬تنفس��ية‪ ،‬أو عوامل‬ ‫مسيلة للدموع‪ ،‬أو معجزة‪ ،‬أو عوامل تصيب بالتهابات‬ ‫وتقرحات‪ ،‬أو عوام��ل كيماوية خانقة ‪ /‬تصيب مجرى‬ ‫الدم‪ .‬إنما هناك مؤشر قوي على أن الضحايا تعرضوا‬ ‫لمادة كيماوية سمية فسفاتية عضوية (غاز أعصاب)‬ ‫تعم��ل على تثبي��ط األنزيمات الالزمة لألداء الس��ليم‬ ‫للنظ��ام العصب��ي‪ ،‬ه��ذا الصن��ف م��ن الكيماوي��ات‬ ‫يش��مل مواد أقل سمية تس��تخدم في إبادة الحشرات‬ ‫مث��ل الماالثيون‪ ،‬لكن درجة جس��امة ومجال انتش��ار‬ ‫واألعراض الطبية مقترنة بعدد القتلى الكبير يش��ير‬ ‫إلى أن الهجوم تم بعامل كيماوي أش��د سمية هو غاز‬ ‫أعصاب حربي‪.‬‬ ‫يُعتقد أن لدى سوريا نوعين على األقل من غاز‬ ‫األعصاب‪ ،‬هما س��ارين و»في إكس»‪ ،‬بكميات كبيرة‬ ‫غاز الس��ارين س��ام لكنه غير دائم األثر‪ .‬التعرض له‬ ‫يكون باالستنش��اق عادة‪ ،‬وس��رعان م��ا يتحلل الغاز‬ ‫ويتالش��ى في الهواء‪ .‬غاز ف��ي إكس يدوم أكثر‪ ،‬وهو‬ ‫أكثر سمية بخمس إلى عشر مرات عن غاز السارين‪.‬‬ ‫التع��رض لغ��از ف��ي إكس والم��وت به يكون بس��بب‬ ‫التنفس أو انكش��اف الجل��د أو العينين أو االمتصاص‬ ‫المخاط��ي‪ .‬هن��اك تقاري��ر ع��ن تمكن أش��خاص من‬ ‫زي��ارة مواقع الهجمات بعد س��اعات قليلة من الهجوم‬ ‫وتعامله��م مع مخلفات الصواري��خ الخاصة بالهجمات‬ ‫دون التعرض ألعراض االنكشاف لغاز أعصاب‪ .‬يوحي‬ ‫هذا بأن الغاز المستخدم يُرجح أن يكون أقل انتشاراً‬ ‫من حيث المدة وأقل سمية‪ ،‬وهو غاز السارين وليس‬ ‫غاز في إكس‪.‬‬ ‫وبن��اء علي��ه‪ ،‬فبينم��ا ال يمك��ن أن نعتب��ر ه��ذه‬ ‫النتائ��ج قطعي��ة دون تحليل معملي للعين��ات البيئية‬ ‫والفسيولوجية‪ ،‬فإن عدد الضحايا الكبير جراء الهجوم‪،‬‬ ‫واألعراض الطبية التي ظهرت على الضحايا ثم على‬ ‫العاملي��ن بالمج��ال الطبي الذي��ن عالج��وا الضحايا‪،‬‬ ‫وحقيق��ة أن المناط��ق القريب��ة من مواق��ع الهجمات‬ ‫كان��ت آمنة ف��ي دخولها بع��د الهجوم مباش��رة‪ ،‬فهذا‬ ‫كله يش��ير إلى أن الهجوم تم بغاز فوس��فات عضوي‬ ‫كيم��اوي أكثر س��مية من مادة ماالثيون المس��تخدمة‬ ‫في مكافحة الحش��رات‪ ،‬ويرجح أنه غاز أعصاب حربي‬ ‫س��ام لكن غير دائم األثر‪ ،‬مثل السارين‪ ،‬الذي يعتقد‬ ‫أن سوريا تمتلكه‪.‬‬

‫أسبوعية تصدر عن شباب سوري حر‬

‫بالضحاي��ا وكان��ت لتخل��ف حف��ر انفجار كبي��رة‪ ،‬في‬ ‫حي��ن أن األس��لحة المحرقة كان من ش��أنها أن تؤدي‬ ‫إلصاب��ات بح��روق وتخل��ف ورائها ندبة ح��رق مميزة‬ ‫حي��ث ارتطم الصاروخ‪ .‬بناء على عدم توفر أدلة على‬ ‫وق��وع هجوم بحموالت ش��ديدة االنفج��ار أو محرقة‪،‬‬ ‫ومن واقع األعراض على الضحايا وكونها متسقة مع‬ ‫آثار اإلصابات ج��راء الهجوم الكيم��اوي‪ ،‬ترى هيومن‬ ‫رايتس ووتش أن الصواريخ ‪ 330‬ملم التي تم العثور‬ ‫عليها في الموقع قد اس��تخدمت في الهجوم الكيماوي‬ ‫المزعوم‪.‬‬ ‫ويب��دو أن الص��اروخ أرض أرض ‪ 330‬مل��م‬ ‫المرتب��ط بهج��وم ‪ 21‬آب على الغوطة الش��رقية هو‬ ‫من نوع غير م��درج في المواد المرجعية المتخصصة‬ ‫والدولية منزوعة الس��رية‪ ،‬إنه نوع من الصواريخ لم‬ ‫يت��م توثيقه قبل اندالع األزم��ة‪ ،‬رغم أنه تم توثيقه‬ ‫في عدد م��ن الهجمات األخرى على معاقل للمعارضة‬ ‫في الشهور الس��ابقة على الغوطة الشرقية‪ ،‬بما في‬ ‫ذل��ك هجوم واح��د على األق��ل زعم خاللها نش��طاء‬ ‫المعارض��ة أن الحكوم��ة نف��ذت هجوم��اً مزعوم��ًا‬ ‫باألسلحة الكيماوية‪.‬‬ ‫تحصل��ت هيوم��ن رايتس ووتش وف��ق التقرير‬ ‫على قياس��ات دقيقة ألبعاد الرأس الحربية للصاروخ‬ ‫م��ن ناش��ط محلي من الغوط��ة الش��رقية‪ ،‬وتوصلت‬ ‫إل��ى أن الحجم المقدر لغاز األعص��اب داخل الرؤوس‬ ‫الحربي��ة يبلغ ما بي��ن ‪ 50‬إلى ‪ 60‬لت��راً‪ ،‬مقارنة بـ ‪.2‬‬ ‫‪ 2‬لتراً في الرأس الحربي��ة المصممة للصواريخ ‪140‬‬ ‫مل��م‪ .‬قب��ل كل هج��وم‪ ،‬يجب م��لء ال��رأس الحربية‬ ‫للص��اروخ ‪ 330‬ملم بهذه الكمية م��ن غاز األعصاب‪،‬‬ ‫‪ 50‬إل��ى ‪ 60‬لت��راً‪ ،‬وه��ي عملية خطي��رة تُجرى عادة‬ ‫على ي��د فريق متخصص يرتدي مع��دات واقية لمنع‬ ‫ح��دوث انفجار للم��واد الكيماوي��ة‪ ،‬وال تعرف هيومن‬ ‫رايتس ووتش أية معلوم��ات بحيازة قوات المعارضة‬ ‫بكميات الغاز الكيماوي الالزم لضرب هذه الصواريخ‪،‬‬ ‫أو إن كانت لديها الخبرات الالزمة لتعبئة الرؤوس دون‬ ‫التعرض بطريق الخطأ لغاز األعصاب القاتل‪.‬‬ ‫باستخدام القياس��ات والصور عالية الجودة التي‬ ‫حصلنا عليها من ناشط الغوطة الشرقية‪.‬‬ ‫وتمكنت المنظمة من وضع صورة عن خصائص‬ ‫الص��اروخ ‪ 330‬مل��م‪ ،‬س��محت القياس��ات التفصيلية‬ ‫والصور عالية الجودة التي قدمها مباش��رة ناشط في‬ ‫الغوطة الش��رقية لـ هيومن رايتس ووتش بالوصول‬ ‫إل��ى نصف قطر الصاروخ‪ ،‬ووجدت أن��ه يماثل تقريبًا‬ ‫قي��اس الصاروخ ‪ 330‬ملم‪ ،‬وه��ذه النقطة مهمة ألن‬ ‫ه��ذه األبعاد المذكورة قريبة م��ن منصات الصواريخ‬ ‫اإليراني��ة فل��ق ‪ 333 2 -‬مل��م‪ ،‬وقريبة م��ن منتجات‬ ‫أخرى قريبة ومشتقة من هذه المنصة‪ .‬هناك اعتقاد‬ ‫بأن إيران ه��ي الدولة الوحيدة ف��ي العالم التي تنتج‬ ‫منص��ات صواري��خ من فئ��ة ‪ 333‬ملم‪ .‬ولق��د ظهرت‬ ‫مقاط��ع فيدي��و الس��تخدام الق��وات الس��ورية نظام‬ ‫اإلط�لاق فلق ‪ 2 -‬ف��ي إطالق ما يبدو أنها نس��خ من‬ ‫الصواري��خ ‪ 330‬مل��م‪ ،‬رغم أن المنص��ات التي تظهر‬ ‫ف��ي الفيدي��و مصورة أثن��اء النهار ومن ث��م فال صلة‬ ‫له��ا بهجم��ة ‪ 21‬آب الليلي��ة‪ .‬تصميم الص��اروخ ليس‬ ‫إيروديناميك��ي وفيه آلية تثبيت دوارة موضوعة فوق‬ ‫طرف��ه‪ .‬التصمي��م غي��ر اإليروديناميك��ي للص��اروخ‬ ‫يش��ير إلى أن نطاق الصاروخ قصير نسبيًا وال يمكن‬ ‫تصويبه بدقة‪.‬‬ ‫االتس��اق في تصميم هذه الصواريخ يش��ير إلى‬ ‫أنه��ا مصنوعة محليًا‪ ،‬وإن كان إنتاجها صناعياً‪ ،‬ويبدو‬ ‫أنه��ا مصممة لإلطالق بمنص��ات إيرانية ‪ 333‬ملم أو‬ ‫مشتقاتها‪ .‬في حين ال يمكن لـ هيومن رايتس ووتش‬ ‫التأك��د من مكان تصني��ع الصواريخ‪ ،‬ف��إن تصميمها‬ ‫األساس��ي وحجمها الفريد المطابقان لنظام منصات‬ ‫الصواريخ اإليرانية يوحي بأنها صناعة سورية‪ .‬إنتاج‬ ‫س�لاح مصمم خصيصًا إلطالق أس��لحة كيماوية هو‬ ‫خرق التفاقية األس��لحة الكيماوية لعام ‪ 1993‬وهناك‬ ‫خمس دول فقط في العالم ‪ -‬س��وريا بينها ‪ -‬ليس��ت‬ ‫طرفًا فيها‪.‬‬ ‫في حي��ن أنه يبدو من هجمات في مناطق أخرى‬ ‫وجود نس��خة منفصل��ة للصاروخ‪ ،‬ذات رأس ش��ديدة‬

‫‪5‬‬


‫خديعة النظام وحلفائه‬ ‫ان�ضمام �سوريا ملعاهدة الأ�سلحة النووية‬ ‫ياسر مرزوق‬

‫الملف ‪. .‬‬ ‫سوريتنا | السنة الثالثة | العدد (‪ / 22 | )105‬أيلول ‪2013 /‬‬ ‫أسبوعية تصدر عن شباب سوري حر‬ ‫‪6‬‬

‫يع��رف القانون��ي والمنظ��ر الن��ازي "كارل‬ ‫ش��ميت" مفه��وم السياس��ة بوصفه��ا جع��ل س��يادة‬ ‫الدولة واس��تقاللها يرتكزان عل��ى التمييز بين العدو‬ ‫والصديق‪ ،‬أما العدو فكل من كان بطريقة خاصة في‬ ‫كثافته��ا‪ ،‬ش��يئاً مختلفًا وغريباً وجودي��ًا‪ ،‬بحيث تمكن‬ ‫في الحالة القصوى منازعته‪ ،‬فالسياسة وفق تعريفه‬ ‫تعارض مع اآلخر "األجنبي" ورفعٌ للعداوة إلى مصاف‬ ‫الشرعية التأسيسية واألسطورة المؤسسة‪.‬‬ ‫استناداً للتعريف السابق حكم العسكر وورثتهم‬ ‫س��وريا وأمعنوا في هلهلة النسيج الوطني‪ ،‬في إدارة‬ ‫خبيث��ة لتعاي��ش ظاهري ل��م يكتف برعاي��ة عناصر‬ ‫التف��اوت الموروث بل فاقمه��ا‪ .‬ولم يحصل أي تطوير‬ ‫لمسألة الشرعية وتداول السلطة‪ .‬وقلصت الدولة إلى‬ ‫مجرد سلطة ال مكان فيها لألحزاب والصحافة الحرة‪.‬‬ ‫وب��ات النظ��ام ال��ذي يجمع بش��كل مدهش بين‬ ‫االبت��زاز واالنتهازي��ة‪ ،‬يط��رح حج��ة انهي��ار األوطان‬ ‫ً‬ ‫فزاع��ة في وج��ه التغيي��ر ويمع��ن في االبتع��اد عن‬ ‫تطوي��ر أي قي��م إيجابي��ة‪ ،‬اجتماعي��ة‪ ،‬واقتصادي��ة‪،‬‬ ‫وإيديولوجية‪ ،‬فالسوريون هم ضد االستعمار‪ ،‬والحقًا‬ ‫االمبريالي��ة والصهيوني��ة العالمي��ة دون أن تتاح لهم‬ ‫معرف��ة كينونته��م كأوط��ان وجماع��ات‪ ،‬وعل��ى ماذا‬ ‫ينبغي أن تتركز هويتهم الوطنية‪.‬‬ ‫السياس��ة التي قدمت نفس��ها من��ذ "ميكافيلي"‬ ‫كنش��اط مس��تقل عن الدي��ن واالخالقي��ات‪ ،‬بدت في‬ ‫س��وريا البع��ث وثيقة االتص��ال بالدين ومع��ه نظام‬ ‫القراب��ة والقبلي��ة والش��رف العائل��ي تع��وض بهم��ا‬ ‫ع��ن نقصها البني��وي‪ ،‬وهذا ما يفس��ر طغيان تعابير‬ ‫الشرف والش��رفاء وش��رف الوطن‪ ،‬والدفاع عن ديننا‬ ‫معارض لفس��اد النظام وعنوه‬ ‫وكرامتنا‪ .‬واعتبار كل‬ ‫ٍ‬ ‫خائنًا وعمي ً‬ ‫ال إلس��رائيل وتم رص��د الميزانيات للدفاع‬ ‫وتقاعس��ت التنمي��ة تحت ش��عار ال ص��وت يعلو فوق‬ ‫ص��وت المعركة‪ ،‬وراكم األس��د األب مخزون��ًا كيماويًا‬ ‫طوره وريثه على حساب لقمة الشعب السوري‪.‬‬ ‫وقد تنب��أ كتب السياس��ي الكبير "خال��د العظم"‬ ‫في مذكراته الجزء الثالث‪ ،‬صفحة ‪ ،213‬عن الجيوش‬ ‫العربية ورغبتها في االستئثار بالحكم قائ ً‬ ‫ال‪:‬‬ ‫"جي��وش الع��رب عل��ى الرغ��م مم��ا أنف��ق على‬ ‫تس��ليحها وتكوينها‪ ،‬ينقصها قي��ادة حكيمة وتدريب‬ ‫منظ��م‪ ،‬فالقواد مش��غولون بالكيد‪ ،‬بعضهم لبعض‪،‬‬ ‫وبقل��ب األوضاع وتس��نم الحكم المدني والس��يطرة‬ ‫عليه‪ ،‬وقد س��ألت م��رة في مجلس ع��ال القائد العام‬ ‫عما إذا كان ثم��ة خطط لدفاع‪ ،‬فتلقيت جواباً أذهلني‬ ‫وروعن��ي‪ ،‬وزاد م��ن أس��في على مئ��ات الماليين من‬ ‫اللي��رات المه��دورة وعل��ى المئ��ة أل��ف عام��ل وفالح‬ ‫يحتبس��ه الجي��ش تح��ت الس�لاح ويح��رم الزراع��ة‬ ‫واالقتصاد من اإلفادة من أيديهم العاملة في الحقول‬ ‫المنتج��ة والمفي��دة‪ ،‬وم��ا ذل��ك إال في س��بيل تنفيذ‬ ‫أغراض المهووس��ين م��ن الضباط‪ ،‬طالب��ي الزعامة‬ ‫والسيطرة على البالد"‪.‬‬ ‫بي��ن ليل��ة وضحاها واف��ق النظام على تس��ليم‬ ‫مخزون��ه الكيماوي‪ ،‬وتبع��ًا لمزاعمه‪ ،‬فقد ضحى بهذا‬ ‫المعادل الذي يؤس��س‪ ،‬افتراضًا‪ ،‬للت��وازن مع الدولة‬ ‫العبري��ة‪ .‬ذاك أن بق��اء النظ��ام يف��وق كل هدف آخر‬ ‫أهمي��ة‪ ،‬أل��م تقل س��لطة البع��ث إنها انتص��رت في‬ ‫حرب حزيران ‪ 1967‬لمج��رد أن النظام "التقدمي" لم‬ ‫يسقط!‬ ‫وبالتال��ي فقدت الس��لطة الس��ورية القدرة على‬

‫ممارس��ة ممانعته��ا التي قيس��ت وتق��اس بالموقف‬ ‫من التوازن مع إس��رائيل‪ .‬وس��لمت كل أوراقها بعدما‬ ‫س��لمت الج��زء األكب��ر من س�لاح ح��زب اهلل اللبناني‬ ‫ف��ي ظل الق��رار ‪ 1701‬الذي أنهى عملي��ًا الصراع مع‬ ‫إسرائيل عبر جنوب لبنان‪.‬‬ ‫بلغة أخرى‪ ،‬يحكم بشار األسد اليوم بنظام مفرغ‬ ‫ٍ‬ ‫م��ن كل مضمون عقائ��دي أو قيمي‪ ،‬م��ن دون بعث‪،‬‬ ‫وم��ن دون وحدة وحرية واش��تراكية‪ ،‬ومن دون صراع‬ ‫مع إس��رائيل أو قدرة على بناء «توازن اس��تراتيجي»‬ ‫معها‪ ،‬رأس النظ��ام والمجموعة المحيطة به تريد أن‬ ‫تحكم الس��وريين وفقًا‪ ،‬لـ"خطب الدكتاتور الموزونة"‬ ‫لمحمود درويش‪:‬‬ ‫أنا سيد الحلم ال تحلموا حول قصري بغير الطعام‬ ‫فمن لغتي تأخذون مالمح أحالمكم كل عام‬ ‫إذا جف ماء السحاب فلتعصروا لفظة من خطاب السحاب‬ ‫وإن مات عشب الحقول كلوا مقطعاً من خطاب الطعام‬ ‫وإن قصت الحرب أرضي فلتشهروا مقطعاً من خطاب الحسام‪.‬‬ ‫األس��د اليوم مستمر في استراتيجيةٍ تشبه على‬ ‫نحو فريد االس��تراتيجية التي تبنته��ا في إيطاليا في‬ ‫السبعينات "سلطة خفية" إنما حقيقية فقد لجأت هذه‬ ‫الس��لطة عندما راحت األلوية الحمر تعيث فساداً‪ ،‬إلى‬ ‫عمليات قتل عمياء يش��ك بمرتكبه��ا‪ ،‬من أجل تعزيز‬ ‫أركانها بفضل الذهان العام الناجم عن انعدام األمن‬ ‫المعم��م‪ ،‬ومن أجل منع أي تغيي��ر عن طريق تحويل‬ ‫اهتم��ام البالد ع��ن المش��كالت االجتماعي��ة التي لم‬ ‫تحل‪.‬‬ ‫وكم��ا في االرهاب االيطالي بعد الحرب حدث في‬ ‫الجزائر في تس��عينيات القرن الماض��ي حيث ضمنت‬ ‫مكات��ب اس��تخبارات الجي��ش لنفس��ها دوراً مركزي��ًا‬ ‫في تطوي��ر االرهاب الجزائري‪ ،‬وبهذا الش��كل دعمت‬ ‫الس��لطة‪ ،‬حيث ب��رر التالعب بالعنف إج��راءات قمعية‬ ‫متزاي��دة القس��وة‪ ،‬وكان��ت تقني��ة األمن العس��كري‬ ‫ً‬ ‫قائمة على الس��ماح بوقوع عمليات ينفذها‬ ‫الجزائري‬ ‫متطرفون إسالميون‪" ،‬كما في عمليتي مطار هواري‬ ‫بومدين ومقبرة س��يدي على في خريف عام ‪،"1992‬‬ ‫حي��ث تلق��ى مرتكب��و المذاب��ح ط��وال س��نين‪ ،‬عون‬ ‫قطاع��اتٍ معينة م��ن الجيش‪ ،‬في التزود باألس��لحة‬ ‫والمتفجرات أو إيجاد ملجأ لهم في الخارج‪.‬‬ ‫قد تكس��ب هذه السياس��ة النظام بعض الوقت‪،‬‬ ‫وتثير ش��بح التطرف لدى الدوائر الغربية‪ ،‬وقد تطيل‬ ‫مجتمع دول��ي تترنح خطوطه‬ ‫عم��ره بس��بب تقاعس‬ ‫ٍ‬

‫الحمر‪ ،‬لكن تس��ليمه لس�لاحه الكيماوي يعتبر بداية‬ ‫النهاي��ة‪ ،‬وحرب��اً يخوضها الغرب عب��ر اإلعالم‪ ،‬ليقدم‬ ‫النظ��ام عل��ى إثره��ا التن��ازالت‪ ،‬إنها رقص��ة التعري‬ ‫التي يمارس��ها الدكتاتور‪ ،‬ألم يره��ن القذافي النفط‬ ‫الليبي كله لش��ركاتٍ غربية مقابل بقائه في الحكم‪،‬‬ ‫ألم يف��كك ترس��انته ويش��حنها على نفقت��ه إرضا ًء‬ ‫للوالي��ات المتحدة األمريكية‪ ،‬لكنه ف��ي النهاية لبس‬ ‫ثوب المهرج ورحل‪.‬‬ ‫ف��ي ملفن��ا اليوم س��نبحث في األط��ر القانونية‬ ‫النضم��ام س��وريا لمعاه��دة من��ع انتش��ار األس��لحة‬ ‫النووي��ة‪ ،‬حيث يبدو للوهل��ة األول��ى وكأن الطرفين‬ ‫األميرك��ي والروس��ي اختص��را المأس��اة الس��ورية‬ ‫بالمل��ف الكيماوي وحده‪ .‬لكن الس��ؤال هو هل يمكن‬ ‫تطبي��ق ه��ذا البرنامج من دون االلتف��ات إلى «جنيف‬ ‫ ‪ »2‬وتوفير ش��روط انعق��اده‪ ،‬قد تل��وح اإلجابة من‬‫تحديد موعد انتهاء برنامج تفكيك الس�لاح الكيماوي‬ ‫وتدميره في نصف السنة المقبلة‪ ،‬موعد انتهاء والية‬ ‫األسد في الفترة نفسها‪.‬‬ ‫ً‬ ‫مبدئياً تحتاج س��وريا أوال للتوقيع على المعاهدة‬ ‫والتصديق عليها‪ ،‬وهو ما أعلنت دمش��ق اس��تعدادها‬ ‫له‪ .‬بعد ذلك تقدم قائمة مفصلة ووافية بالمخزونات‬ ‫ومواقع التصنيع ليقوم المفتش��ون من منظمة حظر‬ ‫األسلحة الكيميائية بالتحقق منها‪.‬‬ ‫وق��د أعلنت منظم��ة حظر األس��لحة الكيميائية‪،‬‬ ‫يوم الجمعة‪ ،‬أن مجلسها التنفيذي سيجتمع "األسبوع‬ ‫المقب��ل" ل��درس طلب انضمام س��وريا إل��ى معاهدة‬ ‫حظر هذا النوع من األسلحة‪.‬‬ ‫كما أعلنت األمم المتحدة مس��اء الخميس رسميًا‬ ‫تلقيها طلب انضمام س��وريا إلى معاهدة العام ‪1993‬‬ ‫بش��أن حظ��ر االس��لحة الكيميائي��ة‪ ،‬قب��ل أن تش��ير‬ ‫الجمعة إلى أنها ما تزال بحاجة إلى معلومات إضافية‪.‬‬ ‫كما أش��ارت المنظمة إلى أن طلب االنضمام تم نقله‬ ‫إلى الدول الموقعة على المعاهدة‪.‬‬

‫اتفاقية حظر الأ�سلحة الكيماويّة‪:‬‬

‫أول هجوم في التاريخ العس��كري استخدمت فيه‬ ‫الغ��ازات حص��ل في الح��رب العالمية األول��ى يوم ‪22‬‬ ‫نيس��ان (أبري��ل) ‪ .1915‬في ذلك الي��وم ألقي حوالي‬ ‫‪ 150‬طنًا م��ن غاز الكلور على جبه��ة «الفالندر» في‬ ‫بلجيكا فقضى مئات الجنود اختناقًا‪ ،‬بعدها اس��تخدم‬ ‫طرفا الن��زاع غاز الخردل الذي يحرق الجلد ويتس��بب‬ ‫في فقدان البصر‪.‬‬


‫الملف ‪. .‬‬ ‫سوريتنا | السنة الثالثة | العدد (‪ / 22 | )105‬أيلول ‪2013 /‬‬

‫ج) بالقيام بأي اس��تعدادات عس��كرية الستعمال‬ ‫األسلحة الكيميائية؛‬ ‫د) بمساعدة أو تشجيع أو حث أي كان بأي طريقة‬ ‫على القيام بأنش��طة محظورة عل��ى الدول األطراف‬ ‫بموجب هذه االتفاقية‪.‬‬ ‫‪ )2‬تتعه��د كل دول��ة ط��رف ب��أن تدمر األس��لحة‬ ‫الكيميائي��ة الت��ي تملكها أو تحتازه��ا‪ ،‬أو تكون قائمة‬ ‫ف��ي أي م��كان يخض��ع لواليته��ا أو س��يطرتها‪ ،‬وفقًا‬ ‫ألحكام هذه االتفاقية‪.‬‬ ‫‪ )3‬تتعهد كل دولة طرف بأن تدمر جميع األسلحة‬ ‫الكيميائي��ة التي خلفته��ا في أراض��ي أي دولة طرف‬ ‫أخرى‪ ،‬وفقا ألحكام هذه االتفاقية‪.‬‬ ‫‪ )4‬تتعه��د كل دولة ط��رف بأن تدم��ر أي مرافق‬ ‫إلنت��اج األس��لحة الكيميائي��ة تمتلكه��ا أو تك��ون في‬ ‫حيازتها أو تكون قائمة ف��ي أي مكان يخضع لواليتها‬ ‫أو سيطرتها‪ ،‬وفقا ألحكام هذه االتفاقية‪.‬‬ ‫‪ )5‬تتعهد كل دولة طرف بعدم اس��تعمال عوامل‬ ‫مكافحة الشغب كوسيلة للحرب‪.‬‬ ‫كم��ا تق��دم كل دولة ط��رف إل��ى المنظمة‪ ،‬في‬ ‫موع��د ال يتج��اوز ‪ 30‬يوم��ًا من ب��دء نف��اذ االتفاقية‬ ‫بالنسبة لها‪ ،‬اإلعالنات التالية‪ ،‬التي يجب أن تشمل‪:‬‬ ‫‪ .1‬إع�لان ما إذا كانت تمتلك أو توجد في حيازتها‬ ‫أي أس��لحة كيميائي��ة أو ما إذا كانت هناك أي أس��لحة‬ ‫كيميائي��ة قائم��ة ف��ي أي م��كان يخض��ع لواليتها أو‬ ‫سيطرتها؛‬ ‫‪ .2‬التحدي��د الدقي��ق للموقع والكمي��ة اإلجمالية‬ ‫والجرد التفصيلي لألس��لحة الكيميائية التي تمتلكها‬ ‫أو توجد في حيازتها أو التي تكون قائمة في أي مكان‬ ‫يخضع لواليتها أو سيطرتها‪.‬‬ ‫‪ .3‬اإلبالغ عن أي أس��لحة كيميائي��ة في أراضيها‬ ‫تمتلكه��ا دول��ة أخرى أو توج��د في حيازته��ا أو تكون‬ ‫قائمة في أي مكان يخضع لواليتها أو سيطرتها‪.‬‬ ‫‪ 4‬إع�لان ما إذا كانت قد نقل��ت أو تلقت‪ ،‬بصورة‬

‫مباشرة أو غير مباشرة‪ ،‬أي أسلحة كيميائية‪.‬‬ ‫‪ .5‬تقدي��م خطته��ا العام��ة لتدمي��ر األس��لحة‬ ‫الكيميائية التي تمتلكها أو توجد في حيازتها أو تكون‬ ‫قائمة في أي مكان يخضع لواليتها أو سيطرتها‪.‬‬ ‫أم��ا بالنس��بة للتكاليف فتتحم��ل كل دولة طرف‬ ‫تكالي��ف تدمي��ر األس��لحة الكيميائي��ة الملزم��ة ب��أن‬ ‫تدمره��ا‪ .‬وعليه��ا أيض��ًا أن تتحمل تكالي��ف التحقق‬ ‫م��ن تخزين وتدمير ه��ذه األس��لحة الكيميائية ما لم‬ ‫يقرر المجل��س التنفيذي غير ذلك‪ .‬فإذا قرر المجلس‬ ‫التنفي��ذي تحدي��د تدابي��ر التحقق الت��ي تضطلع بها‬ ‫المنظم��ة‪ ،‬ف��إن تكالي��ف تدابي��ر التحق��ق التكميلية‬ ‫والمراقبة التي تقوم بها المنظمة تسدد وفقا لجدول‬ ‫األنصبة المقررة لقس��مة نفقات األمم المتحدة على‬ ‫النح��و المحدد ف��ي الفقرة ‪ 7‬م��ن الم��ادة الثامنة من‬ ‫االتفاقية‪.‬‬

‫مدة الع�ضوية‪:‬‬

‫العضوي��ة ف��ي المنظم��ة غي��ر مح��دودة الم��دة‬ ‫أيض��اً (م��ع إمكانية االنس��حاب منها‪ ،‬طبع��اً)‪ .‬والمادة‬ ‫الثامن��ة من االتفاقي��ة تضمن بصري��ح النص أنه ال‬ ‫تُح��رم دولة طرف من عضويتها ف��ي المنظمة‪ .‬لكن‬ ‫الدول��ة العضو الت��ي تتأخر عن تس��ديد اش��تراكاتها‬ ‫المالي��ة ال يك��ون لها حق التصويت ف��ي المنظمة‪ ،‬إذا‬ ‫كان المتأخرات من هذه االش��تراكات ال تقل عن مبلغ‬ ‫االش��تراكات المستحقة عليها عن السنتين الكاملتين‬ ‫الس��ابقتين‪" .‬ولمؤتم��ر الدول األطراف‪ ،‬م��ع ذلك‪ ،‬أن‬ ‫يسمح لهذا العضو بالتصويت إذا اقتنع بأن عدم الدفع‬ ‫يرجع لظروف خارجة عن إرادته" (الفقرة ‪ 8‬من المادة‬ ‫الثامنة من االتفاقية)‪.‬‬ ‫في الخت��ام البد م��ن التذكير ب��أن الدكتاتور قد‬ ‫يؤخ��ر حركة التاريخ لكنه ال يس��تطيع إيقافها‪ .‬وفجر‬ ‫التغيي��ر ال��ذي انطلق��ت ش��رارته م��ن تون��س لتعم‬ ‫المنطق��ة بأكمله ق��د الح على غرار م��ا انطلقت من‬ ‫بولونيا فعمت أوروبا الشرقية‪ ،‬واسمع أصوات الحرية‬ ‫ترتفع من جديد في وطني وتقضي على لعنة الحرب‪.‬‬

‫أسبوعية تصدر عن شباب سوري حر‬

‫وقد أدى اس��تخدام الغازات الس��امة ف��ي الحرب‬ ‫العالمي��ة األول��ى إل��ى إب��رام أول اتف��اق دولي وهو‬ ‫بروتوكول جنيف للعام ‪ 1925‬الذي حظر االس��تعمال‬ ‫الحرب��ي للغ��ازات الخانقة أو الس��امة أو ما ش��ابهها‪،‬‬ ‫وللوسائل البكتريولوجية‪.‬‬ ‫قواعد هذا البروتوكول حظيت باالحترام تقريبًا‬ ‫في المئ��ات من النزاعات المس��لحة الت��ي وقعت منذ‬ ‫العام ‪ ،1925‬أما االنتهاكات القليلة المعروفة والالفتة‬ ‫للنظ��ر التي ارتكب��ت‪ ،‬فقد أثارت إدانة دولية واس��عة‬ ‫النط��اق ومالحقات جنائية في بع��ض الحاالت‪ .‬وكان‬ ‫بروتوك��ول الع��ام ‪ 1925‬نقط��ة تحول ف��ي القانون‬ ‫الدولي اإلنس��اني‪ ،‬تبعته صك��وك قانونية أخرى في‬ ‫ش��كل اتفاقي��ات اعتمدتها ال��دول في عام��ي ‪1972‬‬ ‫و‪.1993‬‬ ‫اتفاقي��ة العام ‪ ،1972‬المش��ار إليها غالبًا باس��م‬ ‫اتفاقية األس��لحة البيولوجية‪ ،‬شكلت خطوة بارزة في‬ ‫العم��ل على إزالة هذه األس��لحة الش��نيعة‪ .‬ولما كان‬ ‫اس��تخدام هذه األس��لحة محظوراً بموجب بروتوكول‬ ‫العام ‪ ،1925‬فقد نصت االتفاقية على حظر استحداث‬ ‫وإنتاج وتخزين وحيازة ونقل األسلحة الكيميائية‪ ،‬بما‬ ‫في ذلك نظ��م إطالقها‪ ،‬وطالبت بتدميرها‪ .‬االتفاقية‬ ‫دعت أيضًا إلى أن تعمل كل دولة على سن تشريعات‬ ‫وطنية من أجل إنفاذ الحظر المنصوص عليه‪ .‬وتعقد‬ ‫بانتظ��ام مؤتم��رات اس��تعراضية بي��ن كل األطراف‬ ‫الموقع��ة م��ن أجل رص��د االمتثال ألح��كام االتفاقية‬ ‫واعتماد توصيات تهدف إلى تش��جيع تنفيذها وتعزيز‬ ‫فعاليتها‪.‬‬ ‫أم��ا اتفاقي��ة ع��ام ‪ 1993‬الخاص��ة باألس��لحة‬ ‫الكيميائية فش��كلت تطوراً قانونياً مماث ً‬ ‫ال إذ وس��عت‬ ‫حظر استخدام األس��لحة الكيميائية المنصوص عليه‬ ‫في بروتوكول في العام ‪ ،1925‬وقد تمّ اعتماد نص‬ ‫إتفاقي��ة حظ��ر األس��لحة الكيماويّة ف��ي مؤتمر نزع‬ ‫الس�لاح في جنيف بتاريخ ‪ 3‬أيلول ‪1992‬م‪ ،‬وفُتح باب‬ ‫التوقي��ع عليها في باري��س بتاريخ ‪ 13‬كانون الثاني ‪/‬‬ ‫يناير ‪1993‬م‪.‬‬ ‫وتعتب��ر ه��ذه االتفاقي��ة األولى على المس��توى‬ ‫الدول��ي في مجال نزع الس�لاح والتي ت��مّ التفاوض‬ ‫بش��أنها في إطار متع��دّد األط��راف وتتضمّن تعهداً‬ ‫قاطع��اً من المجتمع الدولي عل��ى إزالة نوع كامل من‬ ‫أن��واع أس��لحة الدمار الش��امل في ظل رقاب��ة دولية‪.‬‬ ‫كم��ا أنها تُخض��ع جميع المخزونات الدولية لألس��لحة‬ ‫الكيماويّ��ة ومرافق إنتاجها الس��ابقة لنظام التحقق‬ ‫الشامل والعمل على إزالتها‪.‬‬ ‫وبهدف تفعيل هذه االتفاقي��ة وتنفيذها‪ ،‬قررت‬ ‫ال��دول األطراف فيها إنش��اء "منظمة حظر األس��لحة‬ ‫الكيماويّة" ف��ي العام ‪ 1997‬كمنظم��ة دوليّة تتمتع‬ ‫بشخصيّة قانونيّة وماليّة مستق ّلة وتتعاون بشكل‬ ‫وثيق م��ع األم��م المتح��دة والمنظم��ات الدوليّة ذات‬ ‫الصلة‪ .‬وكانت سوريا واحدة من سبع دول أعضاء في‬ ‫االمم المتحدة رفضت العام ‪ 1993‬توقيع اتفاق حظر‬ ‫إنتاج وتخزين األسلحة الكيميائية‪.‬‬ ‫اختص��اص المنظمّة‪ :‬نزع األس��لحة الكيماويّة‬ ‫وعدم انتشارها‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫تتحق��ق المنظمة م��ن نزع األس��لحة الكيماويّة‬ ‫وكذل��ك من ع��دم انتش��ارها‪ .‬وفي هذا اإلط��ار‪ ،‬يقع‬ ‫عليه��ا ّ‬ ‫التأك��د م��ن أن ن��زع األس��لحة الكيماوية يتم‬ ‫بصورة ال رجعة فيها‪ ،‬علمًا أنه‪ ،‬في الوقت عينه‪ ،‬يقع‬ ‫عل��ى الدول األطراف أن تولي مس��ألة إزالة األس��لحة‬ ‫الكيماويّ��ة األولويّة القصوى لضمان س�لامة الناس‬ ‫وحماية البيئة‪.‬‬ ‫أم��ا بالنس��بة لاللتزام��ات العام��ة عل��ى ال��دول‬ ‫المنضمة لالتفاقية فتتعه��د كل دولة طرف في هذه‬ ‫االتفاقية بأال تقوم تحت أي ظروف‪:‬‬ ‫أ) باس��تحداث أو إنت��اج األس��لحة الكيميائي��ة أو‬ ‫احتيازها بطريقة أخرى‪ ،‬أو تخزينها أو االحتفاظ بها‪،‬‬ ‫أو نق��ل األس��لحة الكيميائية بصورة مباش��رة أو غير‬ ‫مباشرة إلى أي كان؛‬ ‫ب) باستعمال األسلحة الكيميائية؛‬

‫‪7‬‬


‫وجهة نظر ‪. .‬‬ ‫سوريتنا | السنة الثالثة | العدد (‪ / 22 | )105‬أيلول ‪2013 /‬‬ ‫أسبوعية تصدر عن شباب سوري حر‬ ‫‪8‬‬

‫مقب��رة ش��هداء دوم��ا | عدس��ة س��ام‬

‫ثورة ال�سوريني من العفوية‬ ‫ّ‬ ‫التدخل اخلارجي‬ ‫وال�سلمية �إىل‬ ‫ماجد كيالي‬ ‫باتت الثورة الس��ورية‪ ،‬مع المداخالت الخارجية‬ ‫(العربي��ة واإلقليمية والدولية) فيه��ا‪ ،‬وطول مدتها‪،‬‬ ‫والمآس��ي التي تمخّضت عنها‪ ،‬تع��رّف بأنها الثورة‬ ‫األكث��ر تعقيداً‪ ،‬واألكثر صعوب��ة‪ ،‬واألبهظ ثمنًا بين‬ ‫ثورات "الربيع العربي"‪.‬‬ ‫ويمك��ن التحقي��ب له��ذه الث��ورة‪ ،‬العفوي��ة‪،‬‬ ‫وغي��ر المتوقّعة‪ ،‬والتي ش��ملت أغلبية الس��وريين‪،‬‬ ‫بالمراحل التالية‪:‬‬ ‫المرحلة األولى‪ :‬وهي التي اتّس��مت بالحراكات‬ ‫الش��عبية‪ ،‬التي غلب عليها طابع االحتجاج السياسي‬ ‫والمظاه��رات واالعتصام��ات الش��عبية‪ ،‬س��لمية‬ ‫الطاب��ع‪ .‬وه��ذه ش��ملت الفت��رة م��ن آذار ‪ /‬مارس ـ‬ ‫تش��رين األول ‪ /‬أوكتوب��ر (‪ ،)2011‬وكان م��ن أهم‬ ‫مظاهره��ا الث��ورة العارمة في م��دن درعا وحمص‬ ‫وحم��اه‪ ،‬وبع��ض مناط��ق دمش��ق وريفه��ا‪ .‬وف��ي‬ ‫ه��ذه المرحلة اس��تخدم النظام جماعات الش��بييحة‬ ‫وميليش��يات "البعث" ورجال المخابرات‪ ،‬في مواجهة‬ ‫المتظاهرين والمعتصمين والمحتجين‪ ،‬باس��تخدام‬ ‫الهراوات واألسلحة البيضاء والرصاص‪ ،‬كما تم في‬ ‫هذه المرحلة اس��تهداف نش��طاء الحراك الس��لمي‪،‬‬ ‫بالتنكي��ل واالعتق��ال والقت��ل‪ .‬وف��ي العم��وم فقد‬ ‫كان الهدف من اس��تخدام تش��يكالت القمع باللباس‬

‫المدن��ي اإليح��اء للعالم ب��أن ثمة منازع��ات أهلية‪،‬‬ ‫فحس��ب‪ ،‬ذات صبغة طائفية‪ ،‬وأن األمر ال عالقة له‬ ‫بثورة ش��عبية‪ ،‬في محاولة إلنكار ثورة الس��وريين‪،‬‬ ‫ونزع مشروعيتها‪ .‬وقد بلغ متوسط عدد القتلى من‬ ‫الس��وريين في هذه المرحلة حوالي ‪ 600‬شهيد في‬ ‫الش��هر‪ ،‬وثمة أضعافه��م من الجرح��ى والمصابين‬ ‫والمعتقلين والمالحقين‪.‬‬ ‫المرحل��ة الثاني��ة‪ :‬وه��ذه ش��ملت الفت��رة م��ن‬ ‫تش��رين الثاني ‪ /‬نوفمبر ‪ ،2011 /‬إلى شهر حزيران‬ ‫‪ /‬يوني��و ‪ .2012 /‬وق��د تم إدخال الجي��ش في هذه‬ ‫المرحلة‪ ،‬مع القوى األمنية وجماعات الش��بيحة‪ ،‬في‬ ‫مواجهة المتظاهرين‪ ،‬لي��س بصفة جنود مقاتلين‬ ‫فقط‪ ،‬وإنما بأسلحة الدبابات والمدفعية والطائرات‪،‬‬ ‫مما نجم عنه تزايد واتس��اع ظاهرة االنشقاقات من‬ ‫الجيش‪ ،‬وتش��كيالت "الجيش الحر"‪ ،‬الذي كان أعلن‬ ‫ع��ن تأس��يس نواته األولى في أواخ��ر تموز ‪ /‬يوليو‬ ‫‪ .2011 /‬وبديه��ي أن ظاه��رة "الجي��ش الحر" هذه‬ ‫ش��جعت بدورها على قيام جماعات الحماية األهلية‬ ‫(المحلية) ف��ي األرياف‪ ،‬وفي أحياء المدن الس��ورية‬ ‫المشتعلة‪ ،‬وال سيما في ريف دمشق وحمص وحلب‬ ‫وإدلب ودرعا وش��مال شرق سوريا‪ ،‬كردة فعل على‬ ‫العنف المفرط من قبل النظام‪.‬‬

‫هك��ذا تم في هذه المرحل��ة التحول من الثورة‬ ‫الش��عبية السلمية إلى الثورة المسلحة‪ ،‬مع استمرار‬ ‫المزاوجة بين النضال الش��عبي الس��لمي‪ ،‬والصراع‬ ‫المس��لح ض��د النظ��ام‪ .‬وق��د ت��راوح عدد الش��هداء‬ ‫السوريين في هذه الفترة بين ‪ 1000‬و‪ 2000‬شهيد‬ ‫شهريًا‪.‬‬ ‫ويذك��ر أن "المجل��س الوطن��ي"‪ ،‬وه��و الهيئة‬ ‫السياس��ية للث��ورة ف��ي الخ��ارج الذي تأس��س في‬ ‫أكتوبر ‪ /‬تشرين األول ‪ -‬بدأ عمله في هذه المرحلة‪،‬‬ ‫دون أن يحق��ق النجاحات المطلوبة منه‪ ،‬في الداخل‬ ‫والخارج‪.‬‬ ‫المرحل��ة الثالث��ة‪ :‬وتش��مل الفترة م��ن تموز ‪/‬‬ ‫يولي��و ‪ 2012‬إل��ى أغس��طس ‪ /‬آب ‪ ،2013‬ويمك��ن‬ ‫التأريخ لها بتمكن جماعات المعارضة المس��لحة من‬ ‫الس��يطرة على مناطق في المدن السورية‪ ،‬تحديداً‬ ‫م��ع دخول "الجيش الحر" إلى حلب والس��يطرة على‬ ‫مناطق واس��عة فيه��ا‪ ،‬كما على مناطق في ش��مال‬ ‫وش��مال ش��رق س��وريا‪ ،‬وري��ف دمش��ق‪ ،‬وحمص‪،‬‬ ‫وإدلب‪.‬‬ ‫وق��د نجم ع��ن الس��يطرة على ه��ذه المناطق‬ ‫إضعاف ش��وكة النظام وكسر هيبته‪ ،‬وإظهار ضعف‬ ‫س��يطرته عل��ى األوضاع‪ .‬ولكن ذل��ك أدى أيضًا إلى‬


‫وجهة نظر ‪. .‬‬ ‫سوريتنا | السنة الثالثة | العدد (‪ / 22 | )105‬أيلول ‪2013 /‬‬ ‫أسبوعية تصدر عن شباب سوري حر‬

‫استش��راس النظام وإمعانه في التقتي��ل والتدمير‬ ‫ف��ي هذه المناط��ق‪ ،‬وتهجير س��كانها‪ ،‬بحيث حولها‬ ‫إل��ى حق��ل رماي��ة‪ ،‬ب��كل معن��ى الكلم��ة‪ ،‬لقناب��ل‬ ‫طائرات��ه‪ ،‬وقذائ��ف مدفعيت��ه ودبابات��ه‪ ،‬فض ً‬ ‫ال عن‬ ‫تش��ديده الحصار عليه��ا‪ ،‬وجعلها بمثاب��ة معتقالت‬ ‫كبيرة لمن تبقى فيها من السكان‪.‬‬ ‫وف��ي ه��ذه المرحلة اس��تطاع النظ��ام تفكيك‬ ‫وإضع��اف المناط��ق الس��ورية الحاضن��ة للث��ورة‪،‬‬ ‫وتحويل قطاعات ش��عبية كبي��رة‪ ،‬من داعمة للثورة‬ ‫أو مساندة لها‪ ،‬إلى عبء عليها‪ ،‬بعد تشريد الماليين‬ ‫م��ن بيوتهم‪ ،‬وتدمي��ر ممتلكاته��م‪ ،‬وحرمانهم من‬ ‫مصادر رزقهم‪ ،‬بحيث بات العبء اإلغاثي يس��تهلك‬ ‫عمل كثير من النش��طاء‪ ،‬ف��ي الداخل والخارج‪ .‬وقد‬ ‫بلغ متوسط عدد الش��هداء في هذه الفترة أزيد من‬ ‫أربعة آالف شهريًا‪.‬‬ ‫وه��ذا يعن��ي أن النظ��ام اس��تطاع ليس فقط‬ ‫التخل��ص من ثقل الكت��ل الش��عبية المتعاطفة مع‬ ‫الث��ورة وإنم��ا تحويله��ا أيض��ًا إلى عبء ومش��كلة‪،‬‬ ‫بالنسبة للثورة‪ ،‬ما أدى إلى خلق حاالت من اإلحباط‬ ‫بي��ن الجماهي��ر المؤي��دة‪ ،‬التي وجدت نفس��ها وقد‬ ‫خس��رت كل شيء بدون أن تستطيع أن تفعل شيئاً‪،‬‬ ‫ومن دون أن تتيقن بالنسبة للمستقبل‪.‬‬ ‫لعل ما فاقم من مش��اعر اإلحباط والضياع في‬ ‫تلك المرحلة واقع انس��داد قدرة الجماعات المسلحة‬ ‫عل��ى رف��ع الحص��ار ع��ن المناط��ق الت��ي تخض��ع‬ ‫لس��يطرتها‪ ،‬فهي ال تمتلك الق��وة لذلك‪ ،‬وال تمتلك‬ ‫الق��درة على مواجه��ة قصف الطي��ران والمدفعية‪،‬‬ ‫الت��ي تفتك باألعم��ار والعم��ران‪ ،‬ه��ذا أو ًال‪ .‬وثانياً‪،‬‬ ‫ل��م تثبت قي��ادات الث��ورة المفترضة‪ ،‬بتش��كيالتها‬ ‫العس��كرية والسياس��ية والمدني��ة‪ ،‬الق��درة عل��ى‬ ‫إدارة المناط��ق التي باتت تحت س��يطرتها‪ ،‬بس��بب‬ ‫نزاعاته��ا وضع��ف قدراته��ا‪ ،‬وانش��غالها بمصارعة‬ ‫النظ��ام‪ ،‬األم��ر ال��ذي نجمت عن��ه اخت�لاالت أمنية‪،‬‬ ‫وحال��ة م��ن الفوضى والخ��روج عن القان��ون‪ .‬ثالثاً‪،‬‬ ‫أ ّث��ر ب��روز جماعات القاع��دة‪ ،‬مثل "جبه��ة النصرة"‬ ‫و"دولة العراق والش��ام"‪ ،‬س��لبًا على نظ��رة أغلبية‬ ‫الس��وريين إلى ثورتهم‪ ،‬ونمت المخاوف لديهم من‬ ‫المس��تقبل‪ ،‬والس��يما أن هذه الجماعات العسكرية‬ ‫المتطرف��ة حاولت ف��رض وجهات نظره��ا بطريقة‬ ‫قس��رية وتعس��فية وفجة عليهم‪ ،‬علم��اً أن قيادات‬ ‫ه��ذه الجماعات ‪ -‬في أغل��ب األحوال ‪ -‬ال تمت بصلة‬ ‫لمجتمع السوريين وال لثقافتهم‪.‬‬ ‫بن��اء على ما تقدم‪ ،‬يبدو أن مجتمع الس��وريين‬ ‫ب��ات ف��ي واد وثورته في واد آخ��ر‪ ،‬وباتت ثمة كتلة‬ ‫من ع��دة ماليي��ن من الس��وريين مش��غولة بأمنها‬ ‫وتأمين لقمة عيش��ها‪ ،‬أكثر من انش��غالها بمواجهة‬ ‫النظام‪ ،‬وهي مس��ألة تتحمل مسؤوليتها الجماعات‬ ‫العس��كرية للث��ورة‪ ،‬التي باتت تتح��رك دون تبصّر‬ ‫أو خطة عس��كرية واضحة‪ ،‬ودون مراعاة إمكانياتها‬ ‫في مواجهة النظام‪ ،‬ومن دون الربط بين أي خطوة‬ ‫عسكرية واالستثمار السياسي‪.‬‬ ‫المرحل��ة الرابعة‪ :‬وه��ي التي نعيش‬ ‫وقائعه��ا‪ ،‬من��ذ الش��هر الماض��ي‪ ،‬أي منذ‬ ‫ارت��كاب النظ��ام لمجزرة جماعي��ة جديدة‬ ‫في غوطتي دمش��ق بالس�لاح الكيميائي‬ ‫المحظ��ور دوليًا‪ ،‬والتي نج��م عنها مصرع‬ ‫حوال��ي ‪ 1400‬من الس��وريين‪ .‬وقد فتحت‬ ‫ه��ذه الجريم��ة الب��اب عل��ى مصراعي��ه‬ ‫للتدخّ��ل الدول��ي‪ ،‬بأش��كال متع��ددة‪،‬‬ ‫وبصورة أقوى من قبل‪ ،‬مع احتمال توجيه‬ ‫ضربة مح��دودة لمواقع ق��وة النظام‪ ،‬مما‬ ‫يضع الثورة السورية في مواجهة تحديات‬ ‫جدي��دة‪ ،‬وتعقي��دات مختلفة‪ ،‬ق��د يصعب‬ ‫اآلن التكهّ��ن بتداعياته��ا أو نتائجه��ا‪.‬‬ ‫وبديهي أن ذلك‪ ،‬أن حصل‪ ،‬سيتوقّف على‬ ‫حج��م هذه الضربة‪ ،‬وحج��م تأثيرها على‬ ‫القوة العس��كرية للنظام‪ ،‬كما يعتمد ذلك‬ ‫عل��ى ش��كل ردة فع��ل النظ��ام‪ ،‬وحلفائه‬ ‫(إيران وحزب اهلل) عليها‪.‬‬ ‫وف��ي ه��ذه المرحل��ة بات��ت الث��ورة‬

‫الس��ورية في مواجهة منعطف جدي��د‪ ،‬على صعيد‬ ‫االس��تحقاقات السياسية والعس��كرية والمجتمعية؛‬ ‫وه��و األمر ال��ذي ينبغي تتبع مالمح��ه بكل اهتمام‬ ‫ألن��ه ربما قد يقرّر مصير س��وريا وش��عبها‪ ،‬وربما‬ ‫اإلقليم بكامله‪.‬‬ ‫هكذا‪ ،‬وبعد مرور ‪ 30‬شهراً‪ ،‬أو عامين ونصف‪،‬‬ ‫عل��ى ان��دالع الث��ورة الس��ورية‪ ،‬ل��م تع��د المعادلة‬ ‫الصراعي��ة قائمة على ش��عب ف��ي مواجهة النظام‪،‬‬ ‫وم��ن مع��ه‪ ،‬أو بين ق��وى ش��عبية تتوخّ��ى الحرية‬ ‫والكرامة والديمقراطية‪ ،‬وبين نظام سياس��ي قائم‬ ‫على االستبداد واإلفساد‪ ،‬إذ بات ثمة عوارض أخرى‬ ‫مهمة وفاعلة ومقررة‪ ،‬كما بتنا نشهد‪.‬‬ ‫والح��ال فقد باتت الثورة الس��ورية في وضعية‬ ‫ج��د صعب��ة ومعق��دة وخطي��رة‪ ،‬ومصدر ذل��ك كما‬ ‫الحظن��ا‪ ،‬ال يتوقّف‪ ،‬فقط‪ ،‬على استش��راس النظام‬ ‫ف��ي الدف��اع ع��ن س��لطته‪ ،‬بالطائ��رات والدباب��ات‬ ‫والمدفعي��ة‪ ،‬ثم بالس�لاح الكيميائ��ي‪ ،‬وال في عدد‬ ‫الش��هداء غي��ر المس��بوق‪ ،‬وال ف��ي الم��دى الزمني‬ ‫الطوي��ل‪ ،‬فعلى أهمي��ة كل ذلك ثمة‪ ،‬أيض��ًا‪ ،‬واقع‬ ‫م��ن وجود عدة "طبقات" م��ن الصراعات‪ ،‬المتداخلة‬ ‫والمتش��ابكة‪ ،‬األمر الذي يصعّب تعيين حدودها أو‬ ‫تمييزها‪.‬‬ ‫وكم��ا ذكرن��ا‪ ،‬فع��دا ع��ن طبق��ة الث��ورة‪ ،‬ثمة‬ ‫الجماع��ات المس��لحة المتطرف��ة الت��ي ال تتوخّ��ى‬ ‫من إس��قاط النظ��ام االس��تجابة لمطالب الش��عب‪،‬‬ ‫المتعلقة بالحرية والمساواة والكرامة وإقامة الدولة‬ ‫الديمقراطية الدستورية‪ ،‬أو دولة المواطنين‪ ،‬فهذه‬ ‫الجه��ات‪ ،‬تص��رّح بأنه��ا تعم��ل م��ن أجل مش��روع‬ ‫آخ��ر‪ ،‬يتجاوز س��وريا‪ ،‬ويتأسّ��س عل��ى إقامة دولة‬ ‫الخالفة‪ ،‬أو الدولة اإلس�لامية الديني��ة‪ ،‬والطائفية‪،‬‬ ‫بغ��ضّ النظر ع��ن أي��ة اعتب��ارات أخ��رى؛ وهؤالء‬ ‫يرون ف��ي الديمقراطية‪ ،‬وغيره��ا‪ ،‬مجرّد هرطقة‬ ‫ينبغ��ي صدّه��ا أو التخ ّل��ص منه��ا‪ .‬واألنك��ى أن‬ ‫ه��ؤالء ال يعتبرون انفس��هم ضم��ن هيكلية الثورة‬ ‫الس��ورية‪ ،‬م��ن األص��ل‪ ،‬ويصرح��ون علن��ًا بأنه��م‬ ‫غير معني��ون بأهدافها‪ ،‬في حي��ن أن قوى الثورة ال‬ ‫تتص��رف عل��ى النحو الصحي��ح والمناس��ب مع هذه‬ ‫الظاه��رة الخطيرة‪ ،‬التي أضرّت بالثورة الس��ورية‪،‬‬ ‫وبمقاصدها األساس��ية‪ ،‬والتي أث��ارت المخاوف في‬ ‫مجتمع الس��وريين‪ ،‬بتكويناته المختلفة‪ ،‬فض ً‬ ‫ال عن‬ ‫أنها ش��وّهت صورة الثورة السورية في الرأي العام‬ ‫العربي والدولي‪.‬‬ ‫أيض��ًا‪ ،‬بات ثم��ة تص��ارع األجن��دات الخارجية‪،‬‬ ‫الدولي��ة واإلقليمي��ة‪ ،‬على األرض الس��ورية‪ ،‬فهذه‬ ‫س��وريا‪ ،‬وهي بلد مفتاحي ف��ي العالم العربي وفي‬ ‫الشرق األوس��ط‪ ،‬وثمة فوق ذلك الدعم الالمحدود‬ ‫الذي تلقاه من إيران‪ ،‬ومن معها‪ ،‬إضافة إلى روسيا‪.‬‬ ‫وإذا كان النظ��ام ال يبالي بجع��ل البلد مرتعًا إليران‬ ‫وميلش��ياتها (اللبنانية والعراقي��ة)‪ ،‬فإن هذا النظام‬ ‫بالذات هو المس��ؤول عن اس��تدراج التدخّل الدولي‬

‫باس��تهتاره بالمعايير الدولية‪ ،‬الت��ي تحرّم وتجرّم‬ ‫اس��تخدام األس��لحة الكيميائي��ة‪ ،‬حتى ف��ي الحروب‬ ‫بي��ن جي��وش األع��داء؛ ه��ذا أو ًال‪ .‬ثانيًا‪ ،‬وبالنس��بة‬ ‫للحديث عن الضربة العسكرية‪ ،‬فهذه إن حصلت‪ ،‬ال‬ ‫تحصل دفاعًا عن الس��وريين‪ ،‬وال نصرة لقضيتهم‪،‬‬ ‫بقدر ما تأتي بحس��ب مصالح الغرب‪ ،‬ورؤيته لذاته‪،‬‬ ‫الس��يما أن من تحرك اليوم‪ ،‬تحت ضغط اس��تخدام‬ ‫النظ��ام للس�لاح الكيميائ��ي‪ ،‬لم يتح��رك طوال ‪30‬‬ ‫ش��هراً‪ ،‬ورغم س��قوط ‪ 150‬ألف ضحية‪ ،‬وأضعافهم‬ ‫م��ن الجرح��ى والمصابي��ن والمعتقلي��ن‪ ،‬وماليين‬ ‫المشردين والالجئين‪.‬‬ ‫هك��ذا‪ ،‬وعلى خلفي��ة هاتي��ن الحقيقتين فمن‬ ‫المهم بالنسبة للثورة السورية‪ ،‬ومع حاجتها للدعم‬ ‫الخارج��ي‪ ،‬ه��و ج��ذب التعاط��ف والدع��م اإلقليمي‬ ‫والدول��ي للث��ورة‪ ،‬ال جعل هذه الث��ورة ورقة في يد‬ ‫هذا النظام أو ذاك‪.‬‬ ‫عل��ى ذل��ك ثم��ة ض��رورة للتمييز بي��ن كل ما‬ ‫يج��ري‪ ،‬وع��دم الخل��ط‪ ،‬بي��ن ه��ذه الطبق��ات من‬ ‫الصراعات‪ ،‬التي باتت على هامش الثورة السورية‪،‬‬ ‫والت��ي تحاول التس�� ّلل إلى متنها‪ ،‬لحرفه��ا‪ ،‬والتأثير‬ ‫عليها‪.‬‬ ‫وعلى العم��وم‪ ،‬ال ينبغي لهكذا أم��ور أن تق ّلل‬ ‫من مش��روعية الث��ورة‪ ،‬وال من س�لامة مس��ارها‪،‬‬ ‫وال م��ن نب��ل مقاصدها‪ ،‬بق��در ما أن ذل��ك يتطلب‬ ‫تحصين هذه الثورة المجيدة‪ ،‬وتعزيز نقدها لذاتها‪،‬‬ ‫وتنظيمها لصفوفها‪ ،‬وتوضيح ذاتها‪.‬‬ ‫ومعلوم أن التاريخ ل��م يعرف ثورات خالصة أو‬ ‫كامل��ة أو نظيفة‪ ،‬وأن الث��ورات تتمخّض أيضاً عن‬ ‫آالم ومآس��ي وكوارث‪ ،‬مع األس��ف‪ ،‬السيما كلما كان‬ ‫تش��بّث القوى المس��تبدة بالس��لطة‪ ،‬ودرجة العنف‬ ‫التي تس��تخدمها لوأد الثورة أكبر‪ ،‬وكلما كان الوقت‬ ‫أطول‪.‬‬ ‫وما ينبغي إدراكه هنا‪ ،‬أيضًا‪ ،‬أن الثورات ليست‬ ‫خي��اراً‪ ،‬من بين خيارات‪ ،‬أو من بي��ن كماليات‪ ،‬وإنما‬ ‫هي بمثاب��ة ممرّ إجباري للتغيير‪ ،‬حين يس��تعصي‬ ‫التغيير بالوس��ائل العادية والسلمية والتدرّجية‪ ،‬أي‬ ‫أنها أيضًا ليست هواية وال نزوة‪.‬‬ ‫وبخص��وص الس��وريين فربم��ا كان االفض��ل‬ ‫واألس��لم واألج��دى لهم لو أن��ه لم تك��ن ثمة ثورة‬ ‫من أساسه‪ ،‬ال مس��لحة وال حتى سلمية‪ ،‬وطبعا من‬ ‫دون أي ش��كل للتدخل خارجي‪ ،‬وحتى وال نقطة دم‬ ‫وال دمعة من أم‪ ،‬فما كان الس��وريون يحتاجون إلى‬ ‫كل ذلك‪ ،‬البتّة‪ ،‬لو أن النظام اكتفى بأربعين عاماً‪،‬‬ ‫ورحل بهدوء‪ ،‬متخ ّلياً عن فكرته الش��ائنة "س��ورية‬ ‫األس��د إلى األب��د"‪ ،‬ومهّد لمرحلة انتقالية‪ ،‬س��لمية‬ ‫هادئ��ة‪ ،‬تتحول فيها س��وريا لكل الس��وريين‪ ،‬ومن‬ ‫دون أي تمييز‪.‬‬ ‫هكذا‪ ،‬وصلنا إلى هنا‪ ،‬وإلى هنا أوصلنا الطغاة‬ ‫الذي��ن ّ‬ ‫تحكم��وا بحياتن��ا ومصائرن��ا‪ ..‬هك��ذا يقف‬ ‫السوريون اليوم بين يدي القدر‪.‬‬

‫‪9‬‬


‫تحقيق ‪. .‬‬ ‫سوريتنا | السنة الثالثة | العدد (‪ / 22 | )105‬أيلول ‪2013 /‬‬ ‫أسبوعية تصدر عن شباب سوري حر‬ ‫‪10‬‬

‫"�أهل الكرم" ي�ؤجلون عملية‬ ‫اجلي�ش يف قد�سيا‬

‫عامر محمد ‪ -‬دمشق‬

‫التجوال اليوم في س��وق قدس��يا م��ن "المقبرة"‬ ‫وحتى س��احة "تشرين"‪ ،‬كاف لتعرف أن النظام سقط‬ ‫هن��ا فع� ً‬ ‫لا‪ ،‬ال ش��يء يدل علي��ه‪ ،‬ال صورة لألس��د وال‬ ‫عل��م للبعث‪ ،‬وال ش��رطي م��رور أو جاب��ي للكهرباء‪،‬‬ ‫حت��ى فواتير الهاتف الثابت تدفع ع��ن طريق المتاجر‬ ‫الصغي��رة بع��د أن أغلق المقس��م بش��كل كامل إثر‬ ‫المع��ارك قب��ل ع��ام تقريب��ُا‪ ،‬وليس م��ن الصعب أن‬ ‫تس��مع أغني��ة "يا حي��ف" لـس��ميح ش��قير أو ارحل لـ‬ ‫"القاش��وش" بص��وت عال على بس��طة دخ��ان أو في‬ ‫مح��ل خضار‪ ،‬لكن النظام موج��ود وقريب جداً‪ ،‬فخطا‬ ‫الن��ار عند "مس��اكن الح��رس" الحي المالص��ق تمامًا‬ ‫للبلدة من جهتها الجنوبية الغربية و"مساكن العرين"‬ ‫من جهتها الجنوبية‪ ،‬يش��تعل كل ليلة تقريباً وتُسمع‬ ‫منه أصوات الرصاص والرصاص المضاد‪.‬‬ ‫حين أعلن الجيش عملية عس��كرية في قدس��يا‬ ‫في الثاني من تش��رين األول من العام الماضي‪ ،‬كان‬ ‫قد تروى لمدة تزيد عن عش��رة أش��هر‪ ،‬عش��رة أشهر‬ ‫كان��ت كافية لظه��ور الجيش الحرّ بش��كل علني في‬ ‫الشوارع الرئيسية للبلدة‪ ،‬بعد سلسلة من المظاهرات‬ ‫التي لم تهدأ أيام الجمع والمصادمات مع األمن‪ ،‬رويداً‬ ‫رويداً حوصر مخفر الش��رطة بش��كل كامل وأصبحت‬ ‫حرك��ة عناصره تحت أعين القناصة لي ً‬ ‫ال‪ ،‬وأغلقت كل‬ ‫مراك��ز الحكومة من بلدية ومحكمة ومقس��م الهاتف‬ ‫ث��م معمل "ب��ردى للبيرة" الذي تع��رض لهجوم كبير‬ ‫ف��ي أيلول من العام نفس��ه وأتل��ف بالكامل ‪ ،‬وهرب‬ ‫من تمكن من الس��كان منتظراً تدخ��ل الجيش‪ ،‬فيما‬ ‫بقيت غالبية الس��كان في منازله��ا منتظرة المعركة‬ ‫حت��ى أتت‪ ،‬وم��ن ذكريات المعركة الت��ي ال تغيب عن‬ ‫بال الطرفيين قصتان ألربعة ضحايا يرويها الس��كان‬ ‫من الجانبين‪.‬‬ ‫أحمد كحيل "‪ 19‬عاماً" وش��قيقه محمد كحيل "‪17‬‬ ‫عاماً"‬ ‫كانت المعركة الكبرى لم تبدأ بعد حين قرر والد‬ ‫أحم��د كحي��ل "‪ 19‬عاماً" وش��قيقه محم��د كحيل "‪17‬‬

‫عام��ًا" نقل العائلة إلى مكان أكثر أمنًا‪ ،‬فعائلة كحيل‬ ‫من أكبر عائالت قدس��يا‪ ،‬ومنها من حمل الس�لاح مع‬ ‫الجيش الحر في قدس��يا وخارجها‪ ،‬فاخت��ار منز ًال في‬ ‫ضاحية قدس��يا "المالصقة بطبيعة الحال للبلدة وذات‬ ‫الط��راز العمراني الحديث" كمس��كن جديد‪ ،‬بعد أيام‬ ‫"‪ "2012-9-28‬اقتحم مسلحون منزل العائلة الجديد‬ ‫واقت��ادوا أحم��د ومحمد معه��م‪ ،‬كان المس��لحون من‬ ‫اللجان الش��عبية في مساكن الحرس بحسب ما تقول‬ ‫العائلة‪ ،‬وقد س��قط ثالثة منهم كأس��رى بيد الجيش‬ ‫الحرّ في قدس��يا‪ ،‬وهم يحتاجون لرهائن كي يطلقوا‬ ‫المفاوضات‪ ،‬فش��لت المفاوضات وقت��ل أحمد ومحمد‬ ‫ورميا على مدخل قدس��يا عند السادس��ة صباحًا‪ ،‬عند‬ ‫الظهيرة بث التلفزيون الرسمي خبراً قال فيه "إنه تم‬ ‫القضاء على اإلرهاب��ي أحمد كحيل متزعم مجموعة‬ ‫إرهابية"‪.‬‬ ‫رهف "‪ 12‬عام" جعفر "‪ 14‬عام"‬ ‫ف��ي الس��ادس م��ن تش��رين األول ‪ ،2012‬كنت‬ ‫أتحدث مع الضابط المس��ؤول عن عملية الجيش في‬ ‫قدس��يا‪ ،‬الرجل الذي لم يعطني اس��مه أو رتبته‪ ،‬كان‬ ‫يش��رح لي س��ير العملية ومدى نجاحها لكنه لم يكن‬ ‫فخ��وراً‪ ،‬فالرجل ف��ي صباح ذلك اليوم كان قد خس��ر‬ ‫ولديه "ره��ف وجعفر" كما قال‪ ،‬إذ ت��م ذبح الطفلين‬ ‫في داخل بلدة قدس��يا ورميت جثثهم��ا على مدخلها‪،‬‬ ‫بعد أن خطفا في وقت سابق من الطريق الذي يصل‬ ‫بين قدس��يا ومس��اكن العرين‪ ،‬كعملية انتقامية منه‬ ‫شخصياً‪ ،‬وبإيجاز شديد ش��رح الضابط قصة فقدانه‬ ‫البني��ه‪ ،‬فيم��ا اس��تفاض بالحديث عن جث��ث مفخخة‬ ‫وجدت في عدة أمكنة من ش��وارع البلد جعلت إحداها‬ ‫الجيش يخسر أربعة ضباط دفعة واحدة أثناء العملية‪.‬‬ ‫اليوم ج��دد أبو محمد الغندور "م��ن أكبر عائالت‬ ‫البل��دة" محل��ه الكبير الذي يتوس��ط س��احة قدس��يا‬ ‫بش��كل كامل‪ ،‬وأعاد له البضائع وافتتح قس��مًا جديداً‬ ‫وخاص��اً بأجه��زة الهوات��ف المحمولة‪ ،‬محاط��ًا بجميع‬ ‫أبنائ��ه لم يع��د هن��اك أي آث��ار للحريق ال��ذي التهم‬

‫المح��ل في تش��رين األول من الع��ام الماضي‪ ،‬كذلك‬ ‫فعل��ت كل المتاج��ر الكبي��رة ف��ي البلدة والت��ي تعود‬ ‫ألكب��ر العائ�لات فيه��ا "الخطي��ب‪ ،‬الكيالن��ي‪ ،‬كحيل"‬ ‫فيم��ا ال تزل آث��ار الحرائ��ق تغطي أجزاء م��ن جدران‬ ‫المن��ازل والمح��ال التجاري��ة ف��ي الش��ارع الرئي��س‪،‬‬ ‫ومهاط��ل الرصاص ترس��م عالمات بالغ��ة في أغلب‬ ‫الج��دران‪ ،‬دالة على عملية عس��كرية كبرى عاش��تها‬ ‫البلدة لخمسة أيام كانت كافية إلعالنها منطقة "آمنة‬ ‫وخالية من اإلرهابيين" من قبل الجيش صبيحة يوم‬ ‫األح��د "‪ ،"2012-10-7‬بقيت البل��دة آنذاك خالية من‬ ‫الس��كان لش��هرين تقريباً ‪ ،‬حتى الس��ادس عشر من‬ ‫كان��ون األول ‪ ،2013‬طائ��رة "ميغ" أخرج��ت آالف من‬ ‫الفلس��طينيين من مخيم اليرم��وك في هجرة جديدة‬ ‫باتجاه قدسيا فانتشروا فيها‪.‬‬ ‫الفلس��طينيون وج��دوا في قدس��يا م�لاذاً جديداً‬ ‫بانتظ��ار الع��ودة إل��ى اليرم��وك‪ ،‬فحمل��وا معهم إلى‬ ‫البل��دة تجارته��م وهمومهم وعاداته��م وتقاليدهم‪،‬‬ ‫وفيم��ا يس��كن البعض منه��م المس��جد العمري في‬ ‫الس��احة الرئيس��ية‪ ،‬اس��تأجر البعض اآلخ��ر المنازل‬ ‫الفارغة والمدمرة‪ ،‬فيما اس��تقبلت عائالت كثيرة عدد‬ ‫منه��م كضيوف إلى حين‪ ،‬ووج��دت المنظمات الدولية‬ ‫التي تُعنى بالالجئي��ن مكاناً لها في البلدة‪ ،‬فافتتحت‬ ‫مدارس ومستوصف ومراكز لتوزيع المساعدات‪ ،‬رغم‬ ‫هذا ال يهدأ الحديث داخل قدس��يا وخارجها عن عملية‬ ‫عس��كرية وش��يكة للجيش‪ ،‬بعد أنباء ال تس��تطيع أن‬ ‫تلمسها اليوم عن تواجد أعداد كبيرة من عناصر الحرَ‬ ‫وحتى النص��رة في البلدة‪ ،‬تُذكر هذه األنباء بش��كل‬ ‫كبير على صفحات "مساكن الحرس الجمهوري" على‬ ‫موق��ع التواصل االجتماع��ي "”‪ ، Facebook‬فيما بثت‬ ‫اإلخباري��ة الس��ورية تقريراً يظهر األمن في قدس��يا‬ ‫واصف��ة إياه��م ب��ـ "أه��ل الك��رم" في الثاني عش��ر‬ ‫م��ن تموز ‪ ،2013‬وذل��ك وفق صفق��ة عقدها وجهاء‬ ‫البل��دة عب��ر وزارة المصالح��ة الوطنية مع الس��لطات‬ ‫األمنية وتقضي بوقف أي عملية عس��كرية إذا سُمح‬ ‫لإلخبارية بالتصوير في البلدة‪.‬‬


‫الأوطــــان ال متـــــوت‬

‫كلمة في الثورة ‪. .‬‬ ‫سوريتنا | السنة الثالثة | العدد (‪ / 22 | )105‬أيلول ‪2013 /‬‬

‫بينما تنقلب معاييره خارج الحدود (العراق وأفغانستان‬ ‫والصومال وسوريا نماذج)‪.‬‬ ‫تتشكل حكومات انتقالية وغيرها دون أن يستشار‬ ‫هذا الشعب اليتيم‪ ،‬وكأن قدره أن ال يختار شيئًا بنفسه‪،‬‬ ‫ولكن مؤسس��ي هذه الحكومات نس��وا في لحظة ما أن‬ ‫هذا الش��عب الذي يثور اليوم لم تعد تمأل رأسه األفكار‬ ‫والطروحات الت��ي تأتيه جاهزة ومعلب��ة‪ ،‬ولهذا لم يعد‬ ‫أحد يعب��أ بكل ه��ذه التجمعات والحكومات‪ ،‬ال الش��عب‬ ‫السوري المش��غول بلملمة أشالء جثث أوالده وال الدول‬ ‫الكب��رى التي بدأت بالس��أم فع ًال من ه��ذه المعارضات‬ ‫المتعارضة‪.‬‬ ‫الري��اح الت��ي تعصف بهذا الوطن أش��د وأعتى من‬ ‫أن يحتمله��ا على مدى طوي��ل‪ ،‬صحيح أن التاريخ مليء‬ ‫بالمآس��ي والكوارث التي مرت على س��وريا وتجاوزتها‪،‬‬ ‫ولكنن��ا نتحدث اليوم عن س��وريا بالمفه��وم الجغرافي‬ ‫التاريخ��ي الحال��ي ولي��س ع��ن الم��دن الس��ورية التي‬ ‫عاش��ت كل منها تاريخاً منفص ًال ع��ن األخرى في كثير‬ ‫من الحقب التاريخية‪ .‬س��وريا بشكلها وكيانها المعروف‬ ‫الي��وم مه��ددة بالتقس��يم والضي��اع إل��ى غي��ر رجعة‪.‬‬ ‫ومالم��ح ه��ذا التقس��يم واضح��ة ومقدمات��ه موجودة‬ ‫ومعروف��ة‪ .‬وفي ظل وج��ود إرادة دولية بع��دم التدخل‬ ‫ف��ي س��وريا جدي��ًا أو حل ه��ذه المس��ألة العصية على‬ ‫الفه��م‪ ،‬فلن يكون هناك ش��يء ينقذ ه��ذا الوطن من‬ ‫التقس��يم والتفتي��ت ألن الكثيرين س��يجدون في ذلك‬ ‫المالذ األس��هل واألضمن لهم‪ .‬نقولها وبكل أس��ف‪ :‬لم‬ ‫يتح��ول ه��ذا الوطن منذ اس��تقالله إل��ى وطن حقيقي‬ ‫يضم أناس��اً بهوية وطنية حقيقية‪ ،‬وإنما كل ذلك كان‬ ‫على الورق وحسب‪ ،‬ولكن المالذ األخير لكل المواطنين‬ ‫كان على الدوام إما العشيرة أو الطائفة أو القرية‪ ،‬ومن‬ ‫لم يعش في س��وريا خالل األع��وام الماضية لن يفهم‬ ‫هذا الحديث‪ .‬كانت هناك الكثير من الحاالت التي تجاوز‬ ‫فيه��ا بعض الس��وريين الح��دود العش��ائرية والطبقية‬ ‫والطائفي��ة ولكنه��ا كانت مح��دودة بالمقارنة باإلجمال‬ ‫العام كما أنه��ا كانت تجارب منفردة عانى أصحابها من‬ ‫عواق��ب تجربتهم أكثر مما اس��تمتعوا فع ًال بنتائج هذه‬ ‫التجربة‪.‬‬ ‫يحاول الس��وريون يومًا بعد يوم أن يحافظوا على‬ ‫م��ا تبقى م��ن أمل في حياته��م وال أدل عل��ى ذلك من‬

‫إصرار األطفال على الذهاب إلى مدارسهم‬ ‫رغم كل المخاطر التي بات يحملها مشوار‬ ‫المدرس��ة‪ ،‬حتى أن عدداً ممن سقطوا في‬ ‫التفجي��ر اإلرهاب��ي في منطق��ة المزرعة‬ ‫بدمش��ق كانوا م��ن األطف��ال المتواجدين‬ ‫في مدارس��هم في ذلك الوقت‪ .‬لن تتوقف‬ ‫الحي��اة في وطن يت��م نهبه وذبح��ه يوميًا‬ ‫م��ن أهل��ه وم��ن حلفائ��ه وم��ن أعدائ��ه‪،‬‬ ‫فالبق��رة الت��ي س��قطت كثرت س��كاكينها‬ ‫ولكن أصحابها يرفضون الموت ويرفضون‬ ‫االستس�لام‪ .‬ورغم أن ماليين الس��وريين‬ ‫غ��ادروا بلده��م ال��ذي أصب��ح مرتع��ًا‬ ‫للمجرمين والقتلة والدم المس��فوح يوميًا‬ ‫ف��ي كل م��كان‪ ،‬إال أن األوط��ان ال تم��وت‬ ‫"ونيرون مات ول��م تمت روما"‪ ،‬ولكن فترة‬ ‫المخاض عس��يرة جداً وسيقرأ أوالدنا عنها‬ ‫في كتب التاريخ وسيعلمون أن ما يعيشوه‬ ‫م��ن حضارة وتقدم كان بفضل التضحيات‬ ‫العظيم��ة الت��ي بذلها آباؤه��م وأجدادهم‬ ‫حتى يت��م بناء الوط��ن على قي��م الحرية‬ ‫والعدالة والمساواة‪.‬‬ ‫لم تع��د للتظاهرات أو أي��ام الجمع أية‬ ‫قيم��ة أو معن��ى بعدم��ا دخل العن��ف دائرة‬ ‫مغلقة نخش��ى من البقاء فيه��ا أمداً طوي ًال‪.‬‬ ‫الثائ��رون الي��وم ه��م حملة الس�لاح فقط‪،‬‬ ‫أم��ا الباقون فقد انزووا جانب��ًا أو هربوا من‬ ‫الوطن‪ .‬فقدت الكلم��ات كل المعاني بعدما‬ ‫أصب��ح التحذي��ر من المج��ازر أم��راً طبيعيًا‬ ‫مثلما ب��ات وقوع هذه المجازر أم��راً طبيعيًا أيضًا‪ .‬تجري‬ ‫اإلعدام��ات الميدانية م��ن قبل كل األطراف في س��وريا‬ ‫الي��وم ثم تخ��رج التصريح��ات م��ن كل األط��راف أيضًا‬ ‫لتدين وتنكر وترفض وتشجب‪ .‬وما الفارق؟ تذهب أرواح‬ ‫الن��اس وحياته��م بأمر م��ن حاكم ميداني يعتبر نفس��ه‬ ‫إم��ا منفذاً لش��رع إلهي أو لش��رع ديكتات��وري‪ ،‬وال نعتبر‬ ‫تصريح��ات البعض بأن األحكام تت��م بحضور رجل دين‬ ‫وبعض الشهود‪ ،‬مثلما ال يمكن اعتبار األحكام القضائية‬ ‫الميدانية الجائرة التي يعتبرها النظام شرعية وموثقة‪.‬‬ ‫لم تع��د الخي��ارات كثيرة أم��ام الس��وريين بعدما‬ ‫دخل��وا نفقهم المظلم م��ن الحقد والكراهي��ة والدمار‬ ‫والقت��ل والفوضى ولم يبق أمامهم إال انتظار المجهول‬ ‫ف��ي عال��م ل��م يع��د يرح��م وال يهت��م بوط��ن مزقته‬ ‫التجاذب��ات الدولي��ة ويذبحه يوميًا نظ��ام ظالم ال يزال‬ ‫حت��ى الرمق األخير يقتل م��ا تبقى من أمل في نفوس‬ ‫السوريين‪ ،‬ولم تكن آخر النكات سوى التحذير العالمي‬ ‫من استخدام األس��لحة الكيميائية ضد السوريين وكأن‬ ‫كل م��ا حدث فيما مضى كان مج��رد تجارب حتى نفهم‬ ‫طبيع��ة العالق��ات الدولي��ة والمصائ��ب المترتب��ة على‬ ‫انف�لات هذا النظ��ام على رقاب العب��اد وتدمير حياتهم‬ ‫وآماله��م وأحالمهم التي رس��موها يومًا ما لمس��تقبل‬ ‫اعتقدوا فيه أمنهم وأمانهم‪.‬‬ ‫إذا كان التاريخ يرسم خطوطه الجديدة في سوريا‬ ‫منذ أكثر من عام فإن خش��يتنا من نهايته أكبر وس��وف‬ ‫تزيد مسؤوليتنا تجاه هذا الوطن الذي تتقاذفه األهواء‬ ‫واألالعيب السياس��ية‪ .‬م��ن يراهن على إرادتن��ا للحياة‬ ‫خاسر حتماً‪ ،‬أما من يراهن على تلوثنا بأوساخ السياسة‬ ‫والدين فنخش��ى أن يكون هناك من يس��تعد لتس��ليم‬ ‫نفسه للساس��ة ورجال الدين وس��نكون رهائن أنظمة‬ ‫ش��تى كل منها يحكم بطريقت��ه ويفرض منهاجه وهو‬ ‫ما لن نقبله بعد أن قلنا فيما مضى‪" :‬الموت وال المذلة"‪.‬‬ ‫آخر الكالم‪ ،‬يقول نزار قباني‪:‬‬ ‫"والشعر‪ ..‬ماذا سيبقى من أصالته؟‬ ‫إذا تواله نصاب‪ ..‬ومداح‬ ‫وكيف نكتب؟ واألقفال في فمنا‬ ‫وكل ثانية‪ ،‬يأتيك سفاح"‪..‬‬

‫أسبوعية تصدر عن شباب سوري حر‬

‫قلنا في أكثر من مقالة س��ابقة (حتى‬ ‫مللنا التكرار) أن جميع األطراف في المجتمع‬ ‫الدولي والعربي ال تس��عى إلى حل بس��يط‬ ‫وس��ريع وحاسم في س��وريا‪ ،‬ومن هنا برز‬ ‫الع��دد المهول م��ن المب��ادرات والمؤتمرات‬ ‫والمنتدي��ات واالجتماع��ات والم��داوالت‬ ‫والتجمع��ات دون أي��ة نتيج��ة على األرض‪،‬‬ ‫بل عل��ى العكس‪ ،‬جرى تصعي��د األمر في‬ ‫سوريا بشكل ملفت للنظر ودخلت كل دول‬ ‫الدنيا على خط الثورة في سوريا حتى بدأنا‬ ‫نش��عر بأن هناك من يسحب بساط الثورة‬ ‫من السوريين أنفسهم‪.‬‬ ‫تب��رع أصدقاء س��وريا بم��ا يزيد على‬ ‫مليار ونصف مليار دوالر للشعب السوري‪،‬‬ ‫ولك��ن وه��ا قد مض��ى عل��ى ذلك أش��هر‬ ‫عدي��دة‪ ،‬فأي��ن األموال وم��ن يتصرف بها‪،‬‬ ‫ومن يق��رر أوج��ه صرفها‪ ،‬ولم��اذا ال يزال‬ ‫الس��وريون يموتون يومياً ال من الرصاص‬ ‫والقص��ف فحس��ب‪ ،‬بل من نق��ص الوقود‬ ‫والغ��ذاء واإلم��دادات وخاص��ة أن ط��رق‬ ‫اإلمدادات من تركيا إلى الش��مال الس��وري‬ ‫مفتوحة في معظمها‪ ،‬فلماذا ال يتم تزويد‬ ‫الناس باحتياجاتهم األساس��ية بد ًال من أن‬ ‫يت��م تهريب كل األم�لاك الخاصة والعامة‬ ‫بع��د أن ت��م نهبها م��ن الدوائ��ر الحكومية‬ ‫والمعام��ل والمس��اكن الخاص��ة لتباع في‬ ‫تركيا بأبخس األثمان؟‬ ‫كم��ا يخط��ئ م��ن يظ��ن أن هن��اك‬ ‫بالفعل أصدقاء للش��عب السوري‪ ،‬وكل الحشود الهائلة‬ ‫من المؤتم��رات والندوات والتي يزيد عدد المش��اركين‬ ‫فيها عن س��تين وس��بعين دولة هي مجرد استعراضات‬ ‫ممجوجة وتوزيع لالبتس��امات ووعود بالنصر‪ ،‬ومن ثم‬ ‫ينف��ض المجل��س ويع��ود كل إلى بلده م��ع أمل موعد‬ ‫للقاء آخر في بلد آخر مع المزيد من األصدقاء‪ .‬لقد تعب‬ ‫الناس في الداخل من كثرة الوعود والتنظيرات فقرروا‬ ‫االعتماد على أنفس��هم سواء سلمياً أو عسكريًا وهو ما‬ ‫لم يتوقعه ال أصدقاء وال أعداء الشعب السوري على حد‬ ‫س��واء‪ .‬يرى كثيرون أنه آن لمعارضة الخارج أن تخاطر‬ ‫ولو مرة واحدة بالدخول سراً إلى إحدى المدن المنكوبة‬ ‫التي يصرخون باسمها ليل نهار‪ ،‬غير أن ردوداً من قبيل‬ ‫"وهل س��نأتي ليزيد عدد المتظاهرين واحداً؟" أو "نحن‬ ‫ندعم الثورة بنشر الفيديوهات على الفيس بوك" تثير‬ ‫الكثير من الغيظ والملل من معارضة استمرأت العيش‬ ‫في الخ��ارج وال تريد حتى مجرد التضحية بأس��بوع من‬ ‫وقت إجازاتهم الفاخرة من أجل "وطنهم" الثائر‪.‬‬ ‫ال ي��زال الس��وريون يموت��ون يوميًا بينم��ا يحتفل‬ ‫"أش��قاؤهم" ف��ي الب�لاد القريب��ة بذك��رى الث��ورات‬ ‫واالنتصارات‪ ،‬وال يزال الس��وريون يحيون ذكرى الموت‬ ‫والقت��ل بينم��ا أقرانهم في ب�لاد أخرى يحي��ون ذكرى‬ ‫الخالص من الطغيان‪ .‬وال يزال الرهان من كثيرين على‬ ‫تدخ��ل دولي يبدو أنه لن يحدث ألن هؤالء الكثيرين لم‬ ‫يفهموا بعد أن مطامع العالم في ليبيا غير موجودة في‬ ‫سوريا‪ ،‬حتى أن البعض وصل مرحلة التلويح باألخطار‬ ‫"المحدقة" بإسرائيل في حال استمرار األزمة على هذا‬ ‫الش��كل المتدهور في سوريا‪ ،‬وهي مع األسف مشابهة‬ ‫لما صرح به رام��ي مخلوف في بدايات األزمة بقوله أن‬ ‫فق��دان األمن في س��وريا تهديد إلس��رائيل‪ .‬ونرى هنا‬ ‫كيف يقع الكثير من المعارضين في ذات الفخ الذي يقع‬ ‫فيه أعداؤهم ويك��ررون كالببغاوات مق��والت مطابقة‬ ‫لمق��والت أركان النظ��ام معتقدي��ن بأنهم يس��تجلبون‬ ‫عط��ف أو حمي��ة العال��م الغرب��ي للتدخ��ل في س��وريا‬ ‫مصري��ن عل��ى إعماء أبصاره��م عن حقائ��ق تاريخية‬ ‫وجغرافية أساس��ية في السياس��ة العالمية وهي أنه ال‬ ‫تدخ��ل إال لمصلح��ة‪ ،‬وأن كل خرافات حقوق اإلنس��ان‬ ‫وحماي��ة البش��رية والدفاع عن البيئة ه��ي من مظاهر‬ ‫الترف الرأس��مالي الذي يعمل ضمن حدود بلدانه فقط‬

‫خالد كنفاني‬

‫‪11‬‬


‫قراءة في كتاب ‪. .‬‬ ‫سوريتنا | السنة الثالثة | العدد (‪ / 22 | )105‬أيلول ‪2013 /‬‬ ‫أسبوعية تصدر عن شباب سوري حر‬ ‫‪12‬‬

‫عبد الباري عطوان‪:‬‬ ‫بعد بن الدن‪ ..‬القاعدة‪ ،‬اجليل التايل‬ ‫ياسر مرزوق‬ ‫كتابن��ا الي��وم لعبد الباري عط��وان الصحفي الذي‬ ‫التق��ى ب��ن الدن وكتب عن��ه وبات م��ن المختصين في‬ ‫ش��ؤون التنظيم يصف لنا فكر القاعدة عام ‪ 2013‬بأنه‬ ‫أخطر م��ن أيام تورا بورا‪ ،‬ألنهم في الس��ابق كان لهم‬ ‫عن��وان ثابت‪ ،‬أم��ا اليوم فلم يعد مركزي��ًا كما كان‪ ،‬بل‬ ‫ب��ات كالتنين األس��طوري كلما يُقطع رأس��ه‪ ،‬يخرج له‬ ‫خمسة رؤوس‪ .‬وأضاف‪ :‬لم ينته القاعدة بل استطاع أن‬ ‫يس��تفيد من الربيع العرب��ي‪ ،‬وأفضل مكان يزدهر فيه‬ ‫الدول الفاش��لة‪ ،‬ولذلك نراه ينش��ط في كل من اليمن‬ ‫والصومال وسوريا‪.‬‬ ‫يخلص عطوان أن مقتل أسامة بن الدن لم يقض‬ ‫عل��ى تنظي��م القاع��دة الذي وس��ع نطاق نش��اطه من‬ ‫خالل تحالفات جدي��دة منتهزاً فرصة االضطرابات التي‬ ‫ش��هدتها المنطقة العربي��ة‪ .‬ويقول عط��وان إن كتابه‬ ‫الجديد يركز على الجي��ل الجديد لتنظيم القاعدة الذي‬ ‫ي��رى أنه بات أقوى رغم مقتل بن الدن زعيم التنظيم‪.‬‬ ‫وقُتل ب��ن الدن في تبادل إلطالق النار مع قوة أمريكية‬ ‫في مسكن كان يعيش فيه ببلدة آبوت أباد الباكستانية‬ ‫في أيار ‪.2011‬‬ ‫وقال عط��وان لرويت��رز "الكت��اب األول كان عبارة‬ ‫عن تمهيد وش��رح لمفه��وم القاعدة ولعقي��دة القاعدة‬ ‫ودور القاع��دة‪ .‬لكن الكتاب الثان��ي يختلف‪ .‬كيف أصبح‬ ‫تنظي��م القاعدة بعد اغتيال زعيم التنظيم أس��امة بن‬ ‫الدن‪ .‬نحكي أيضًا عن عملية التطوير والتطور في فكر‬ ‫التنظيم وفي انتش��اره في العالم اإلس�لامي على وجه‬ ‫التحديد‪".‬‬ ‫ويتناول عط��وان في كتابه الثاني بالتحليل الجيل‬ ‫الجدي��د لتنظيم القاع��دة ويلقي الض��وء على هجمات‬ ‫نفذها إس�لاميون ف��ي دول غربية منه��م محمد مراح‬ ‫ال��ذي قتل وجرح س��بعة أش��خاص ف��ي مدين��ة تولوز‬ ‫الفرنس��ية ف��ي آذار ‪ .2012‬ويق��ول أن التنظي��م الذي‬ ‫ش��ارك بن الدن في تأسيس��ه صار أقوى وأوسع نطاقًا‬ ‫ف��ي ‪ 2012‬وأصبح له وجود في كثير من أنحاء الش��رق‬ ‫األوسط وأفريقيا وآسيا وأوروبا وأمريكا الشمالية‪.‬‬ ‫ويش��دد عطوان في الكتاب على أن بن الدن تحول‬ ‫إل��ى رمز روح��ي للقاعدة أكث��ر من كونه قائداً نش��طًا‬ ‫وأوض��ح أن التنظي��م غي��ر هيكل��ه تدريجي��اً قبل وقت‬ ‫طوي��ل من مقت��ل بن الدن بحيث أصب��ح ال يعتمد على‬ ‫قيادة مركزية‪.‬‬ ‫كم��ا يلق��ي الكتاب الض��وء عل��ى دور القاعدة في‬ ‫انتفاضات العالم العربي التي انطلقت ش��رارتها األولى‬ ‫م��ن تون��س في كان��ون الثان��ي ‪ .2011‬وق��ال عطوان‬ ‫"تنظيم القاعدة كان من البداية ينتقد بش��دة األنظمة‬ ‫الفاسدة في الدول العربية‪ .‬يعني كان دائمًا يعتبر هذه‬ ‫القيادات مرتبطة بالغ��رب الذي يحاربه تنظيم القاعدة‬ ‫كما يقول في أدبياته‪ .‬فهو كان ينتقد هذه األنظمة من‬ ‫فت��رة مبكرة ج��داً‪ .‬اآلن بعد أن انتص��رت بعض ثورات‬ ‫الربي��ع العربي ظهر هناك من يقول أنه ال دور لتنظيم‬ ‫القاع��دة‪ ..‬ال نريد أن يكون أي دور لتنظيم القاعدة ألن‬ ‫س��معة التنظيم كتنظيم إس�لامي متطرف ال تناس��ب‬ ‫بع��ض ثورات الربي��ع العربي‪ .‬لكن عملي��اً‪ ..‬بدأ تنظيم‬ ‫القاعدة يس��تفيد من ث��ورات الربيع العرب��ي‪ .‬مث ًال في‬ ‫ليبي��ا اآلن التنظي��م موج��ود وبقوة وهو مس��ؤول عن‬ ‫اغتيال السفير األمريكي في بنغازي‪".‬‬ ‫ويضي��ف أنه من الطبيعي أن تؤث��ر عملية اغتيال‬ ‫الش��يخ بن الدن على قوة التنظي��م وفاعليته‪ ،‬فالرجل‬

‫كان يمثل قدوة ومصدر الهام ألتباعه بتواضعه وإيمانه‬ ‫العمي��ق بالقضاي��ا الت��ي كان يقات��ل م��ن اجله��ا‪ ،‬وإن‬ ‫اختلفنا معه وأساليبه‪ ،‬ولكن الالفت أن تنظيم 'القاعدة'‬ ‫تطور في السنوات العشر األخيرة بحيث لم يعد زعيمه‬ ‫يدير شؤونه بشكل مباش��ر وهو في مخبئه‪ ،‬سواء في‬ ‫منطقة القبائل على الحدود األفغانية ـ الباكستانية‪ ،‬أو‬ ‫بعد أن انتقل إلى آبوت أباد‪.‬‬ ‫تنظيم القاعدة بات مثل الشجرة الضخمة الكثيفة‬ ‫الف��روع في الفض��اء‪ ،‬العميقة المتفرع��ة الجذور تحت‬ ‫األرض‪ ،‬وقط��ع فرع منها أو أكثر‪ ،‬ومهما كان كبيراً (بن‬ ‫الدن أو العولق��ي) من الصعب أن يضع��ف الجذور التي‬ ‫هي عب��ارة عن خليط م��ن المظالم واآلم��ال‪ ،‬وهذا ما‬ ‫يفس��ر عدم نجاح الحرب التي ش��نتها وتشنها الواليات‬ ‫المتح��دة وأجهزة مخابرات عربي��ة وأجنبية ضد تنظيم‬ ‫'القاعدة' منذ أكثر من عشر سنوات‪.‬‬ ‫القادة الج��دد للقاعدة أكثر شراس��ة من زمالئهم‬ ‫أو آبائه��م التاريخيي��ن‪ ،‬أو قي��ادات الجي��ل األول‪ ،‬فه��م‬ ‫أكثر علماً وثقاف��ة في أغلب األحيان‪ ،‬واألخطر من ذلك‬ ‫أكثر عداء للغرب‪ ،‬والوالي��ات المتحدة االمريكية بالذات‬ ‫ومشروعها في المنطقة والعالم اإلسالمي‪.‬‬ ‫تح��ت قيادة الش��يخ ب��ن الدن‪ ،‬قام نائب��ه الدكتور‬ ‫أيمن الظواهري بتطوير التنظيم وتحويله إلى ش��بكة‬ ‫م��ن التنظيمات الميداني��ة في بقاع عدي��دة من العالم‬ ‫اإلسالمي‪ ،‬بحيث بات أكثر قوة وأكثر خطورة‪ .‬فالدكتور‬ ‫الظواهري وعلى مدى الس��نوات العشر الماضية أسس‬ ‫فروع��ًا في المغرب اإلس�لامي وفي الصح��راء الكبرى‪،‬‬ ‫وف��ي الصومال‪ ،‬وعزز فرع الع��راق وأعاد تنظيمه على‬ ‫أس��س جدي��دة‪ ،‬وجعل م��ن الموصل إمارت��ه النموذج‪،‬‬ ‫واأله��م من كل ذل��ك تحويل اليمن‪ ،‬ومحافظة ش��بوة‬ ‫إل��ى القيادة الموازية للقيادة المركزية األم في منطقة‬ ‫القبائل في افغانستان‪.‬‬ ‫يجب أن ال ننسى أن الدكتور الظواهري كان زعيماً‬ ‫لتنظيم الجهاد الذي كان وراء اغتيال السادات بعد توقيع‬ ‫اتفاقي��ات كامب ديفيد‪ ،‬كما أن هناك مؤش��رات على أن‬ ‫تنظيم القاعدة‪ ،‬وإن كان من خالل أسماء اخرى‪ ،‬ينشط‬ ‫بش��كل مكثف حاليًا في صحراء س��يناء‪ ،‬وكان مسؤو ًال‬

‫عن نس��ف خط الغاز المص��ري إلى اس��رائيل ‪ 14‬مرة‪،‬‬ ‫حتى توقف تمامًا‪.‬‬ ‫هن��اك فروع أقل أهمية للتنظيم في مرحلة النوم‬ ‫حالي��ًا ف��ي قطاع غزة ولبنان وش��مالي مال��ي ونيجيريا‬ ‫"بوك��و ح��رام"‪ ،‬وربما قريبًا في س��وريا‪ ،‬إن لم يكن قد‬ ‫عمّق ج��ذوره فع ًال "أمري��كا أكدت وج��ود التنظيم في‬ ‫سوريا رس��ميًا"‪ .‬وال ننسى تواجده في ليبيا حيث شاهد‬ ‫الكثي��ر من ال��زوار أعالمه ترفرف في أكث��ر من مدينة‬ ‫وحي‪.‬‬ ‫تنظيم القاعدة حقق ثالثة إنجازات رئيس��ية يجب‬ ‫أن تكون مصدر قلق للغرب‪:‬‬ ‫األول‪ :‬س��يطرته عل��ى طرق المالح��ة الدولية من‬ ‫خ�لال تواجده ف��ي زنجبار (بات��ت إمارة اس�لامية) في‬ ‫المحيط الهندي وجنوب اليمن والصومال‪ ،‬وجرى خطف‬ ‫أكثر من مئتي سفينة وناقلة نفط في السنوات الخمس‬ ‫الماضية‪ ،‬وجمع حوالي ‪ 300‬مليون دوالر كفديات‪.‬‬ ‫ثاني��ًا‪ :‬اقتراب��ه م��ن آب��ار النف��ط واحتياطاته في‬ ‫الجزي��رة العربي��ة من ناحي��ة‪ ،‬وليبيا م��ن ناحية أخرى‪،‬‬ ‫والعراق بدرج��ة أقل من خالل وجود فروع قوية له في‬ ‫هذه المناطق‪.‬‬ ‫ثالث��ًا‪ :‬اس��تيالؤه‪ ،‬أو باألح��رى فرع��اه األخطر في‬ ‫المغرب االسالمي ودول الس��احل (الصحراء اإلفريقية)‬ ‫عل��ى كمي��ات ضخم��ة م��ن األس��لحة والعت��اد الحربي‬ ‫والصواري��خ المض��ادة للطائ��رات وال��دروع‪ ،‬وتطوي��ر‬ ‫إمكانيات��ه المادي��ة م��ن خ�لال خط��ف بعض الس��ياح‬ ‫األوروبيين وإطالق س��راح بعضهم‪ ،‬بعد الحصول على‬ ‫ماليين الدوالرات‪.‬‬ ‫ورغ��م أن تنظيم القاع��دة فوجئ بث��ورات الربيع‬ ‫العرب��ي‪ ،‬وهناك من ينفي أي دور ل��ه فيها‪ ،‬وهذا قول‬ ‫في��ه الكثي��ر من الصح��ة‪ ،‬ولكن��ه قد يكون المس��تفيد‬ ‫األب��رز من هذا الربيع وثوراته على المدى البعيد‪ ،‬ليس‬ ‫فق��ط على صعيد االس��تفادة من حال عدم االس��تقرار‬ ‫والفوضى ف��ي بعض البلدان مثل ليبي��ا واليمن‪ ،‬وإنما‬ ‫ألن الق��وى الفائ��زة ف��ي االنتخابات إس�لامية س��لفية‬ ‫وإخواني��ة في معظ��م األحي��ان‪ ،‬وهذه الق��وى قد يجد‬ ‫بعضها حرجًا في شن حرب على تنظيم القاعدة‪.‬‬ ‫القادة الجدد لتنظيم القاعدة باتوا يفكرون بطرق‬ ‫أكث��ر براغماتي��ة‪ ،‬ولم يع��ودوا يصرون على التمس��ك‬ ‫باس��م التنظيم‪ ،‬ب��ل يفضلون تبني أس��ماء أخرى مثل‬ ‫التوحي��د والجه��اد‪ ،‬وفت��ح اإلس�لام و'التوحي��د' وربم��ا‬ ‫أيض��اً 'النصرة' ودولة العراق اإلس�لامية‪ ،‬وذلك لتجنب‬ ‫المطاردات واالعتقاالت والذهاب إلى معتقل غوانتنامو‬ ‫أو م��ا يش��ابهه‪ ،‬والتخل��ص م��ن تبعات بع��ض أخطاء‬ ‫وممارسات التنظيم السابقة‪ ،‬مثلما حدث في العراق‪.‬‬ ‫االنطب��اع ال��ذي يق��ول أن القي��ادات الميداني��ة‬ ‫والعناصر العادية هي األق��ل حظًا تعليمياً خاطئ كلياً‪،‬‬ ‫والدكتور أنور العولقي أحد األمثلة على صدق ما نقول‪.‬‬ ‫الق��ادة الجدد عل��ى درجة كبي��رة من التق��دم العلمي‪،‬‬ ‫ومعظمه��م درس وتعلم في جامع��ات غربية‪ ،‬وانظروا‬ ‫إلى الش��بكة اإلعالمية الجب��ارة للتنظيم ومواقعه على‬ ‫االنترنت ووسائل اتصاله الحديثة‪ ،‬بحيث لم يعد بحاجة‬ ‫إلى قناة 'الجزيرة' أو غيرها‪.‬‬ ‫أمري��كا اعترف��ت بطريق غي��ر مباش��ر بهزيمتيها‬ ‫في الع��راق وأفغانس��تان‪ ،‬واعترفت ضمني��اً بهزيمتها‬ ‫في حربها ض��د 'الجهاد االلكترون��ي' حيث تفوقت على‬ ‫أجهزتها األمنية عقول تنظيم القاعدة‪.‬‬


‫�سوريون‪ ..‬وال نخجل‬

‫رأي ‪. .‬‬

‫اليوم‪ ،‬أش��عر بس��وريتي أقوى من أي شيء آخر‬ ‫بفضل صمود هذا الشعب الجبار‪ .‬قرأت واطلعت على‬ ‫الكثير من الش��عوب الثائرة المعاصرة في العالم من‬ ‫الثورة الفرنس��ية‪ ،‬األلمانية‪ ،‬الروس��ية‪ ،‬الس��اندينة‪،‬‬ ‫الكوبي��ة‪ ،‬الفيتنامي��ة وحتى ث��ورات التح��رر العربية‬ ‫واألفريقي��ة والش��رق أوربية‪ ،‬لم تخ��ن الظروف‪ ،‬كل‬ ‫الظروف‪ ،‬ثورة كما فعلت مع الثورة السورية‪.‬‬ ‫دول ومح��اور ومنظم��ات وأجه��زة اس��تخبارتية‬ ‫وحت��ى ق��وى وش��خصيات معارض��ة وأخ��رى تدع��ي‬ ‫المعارض��ة وآالت إعالمية عربية ودولي��ة كلها تعمل‬ ‫بحس��ن أو بس��وء ني��ة ضد هذا الش��عب األس��طوري‬ ‫ألنه يريد الس�لام والكرامة والحرية‪ .‬يريد أن يعيش‬ ‫ويعمل ويسافر دون ذل نظام األسد وبال إهانة وشك‬ ‫من موظف على حدود دول العالم‪.‬‬ ‫يكاف��أ هذا الش��عب الطيب المعط��اء على صبره‬ ‫وكرم��ه وأصالته ونجدته ألخوته في االنس��انية عربًا‬ ‫وش��ركس وأرمن وقوقاز ويهود عبر التاريخ وأش��قاء‬ ‫فلس��طينيين ولبنانيي��ن وعراقيين وحت��ى أتراك بأن‬ ‫يصبح متش��رداً في أصق��اع األرض فكرم البعض ال‬ ‫يقارن بجحود الكثيرين‪.‬‬ ‫الجمي��ع يعم��ل على إس��قاط ثورتنا وتش��ويهها‬ ‫وحرف مس��ارها األساس��ي‪ ،‬ل��م يترك��وا متطرفاً في‬ ‫العالم ولم يفتحوا الطرق أمامه لس��ورية‪ ،‬لم يوفروا‬ ‫وس��يلة لتجوي��ع الس��وريين ف��ي الداخل وممارس��ة‬ ‫التسول عليهم في الخارج‪ ،‬لم يبخلوا بأموال اإلفساد‬ ‫إال وأغدقوه��ا عل��ى مدع��ي المعارضات ف��ي الخارج‪،‬‬ ‫عملوا المس��تحيل ك��ي ال يتم تنظي��م العمل الثوري‬ ‫سياس��ياً وعس��كريًا وأجب��روا الكثي��ر من الس��وريين‬ ‫بحك��م حاجته��م لوس��ائل الدف��اع عن أنفس��هم إلى‬ ‫أسلمة الثورة ثم إلى تطييفها‪.‬‬ ‫م��ا ل��م يقتل��ه أو يعتقل��ه أو يهج��ره النظام من‬ ‫ك��وادر وناش��طين سياس��يين ومدنيي��ن وإعالميي��ن‬ ‫وكوادر طبية تقوم قوى مش��بوهة الهوية واألهداف‬ ‫بالمهم��ة وتعمل عل��ى نفس نغم��ة ومصالح النظام‬

‫ودول العالم المترددة‪.‬‬ ‫دول العال��م هذه‪ ،‬ومنذ الي��وم األول حكمت على‬ ‫الثورة السورية بأنها حرب أهلية‪ ،‬وتعاملوا معها على‬ ‫هذا األس��اس‪ .‬وكأن الثورة السورية جان دارك وعلى‬ ‫الجميع تقديمها قربانًا وكأنها المس��يح الذي سيصلب‬ ‫من جديد‪ ،‬هل يدرك السوريون سر هذا اإلجماع على‬ ‫إفش��ال ثورتهم؟ الكثيرون يعرفون والكثير الكثير ال‬ ‫يعرف‪.‬‬ ‫الس��وريون‪ ،‬يعيدون رس��م خرائط الش��رق من‬ ‫جدي��د‪ ،‬ويغيرون الموازي��ن التي وضعه��ا عتاة وقادة‬ ‫الق��وى العظم��ى عل��ى األرض من��ذ انهي��ار الدول��ة‬ ‫العثمانية‪.‬‬ ‫إن انتصار ثورة الس��وريين‪ ،‬التي اعتقد أنها في‬ ‫بداياتها‪ ،‬س��يهز عروش الكثيرين وستس��قط كيانات‬ ‫ومنظومات تبدو اليوم متماسكة صلبة وراسخة‪.‬‬ ‫لي��س تمني��ًا ولي��س جنوحًا ف��ي التف��اؤل وإنما‬ ‫منط��ق العق��ل والواق��ع‪ ،‬النظام سيس��قط وما على‬ ‫السوريين سوى متابعة الثورة فالذي سيناضلون من‬ ‫أجله س��يدخلهم في مواجهات داخلية وخارجية ليست‬ ‫بأقل خطراً مما يالقونه اليوم من نظام العار األسدي‬ ‫وتداعياته من داعش وما شابهها‪.‬‬ ‫ويس��تمر الس��وريين بصموده��م وس��يعودون‬ ‫لشوراعهم ومظاهراتهم يوم سقوط النظام ليكملوا‬ ‫مس��يرة ثورته��م وبأش��كال متعددة ألنه��م يعرفون‬ ‫أنه��م ص��اروا الرق��م الصع��ب ف��ي مع��ادالت العالم‬ ‫والنظام المس��تعد لتقديم س�لاح الش��عب الس��وري‬ ‫وارضه وس��يادته من أجل بقائ��ه وألنهم واثقون من‬ ‫أن ال عودة وال مساومة على حقوقهم ومطالبهم التي‬ ‫دفعوا ثمنها غاليًا‪.‬‬ ‫س��يعود الس��وريون المهجرون إلى وطنهم ولن‬ ‫يحتاجوا بعدها لجواز س��فر ألنهم سيجعلون سورية‬ ‫الجديدة أرضًا ألحالم العالم الذي س��يتذكر وبحس��رة‬ ‫أنه اس��تقبل يوماً س��وريًا ولم يقم بواجب اإلنسانية‬ ‫تجاهه‪.‬‬

‫سوريتنا | السنة الثالثة | العدد (‪ / 22 | )105‬أيلول ‪2013 /‬‬

‫لم أكن يوماً ش��وفينيًا س��ورياً‪ ،‬كان اإلنسان من‬ ‫أي انتم��اء هو جوهر تعاط��ي الحياتي والفكري وكان‬ ‫السالم والحرية والديمقراطية أهدافًا سياسية‪ ،‬عليها‬ ‫يتم إسقاط أي حدث أو نزاع يتطلب تحلي ً‬ ‫ال واستنتاجًا‪.‬‬ ‫منذ األش��هر األول��ى من عم��ر الثورة الس��ورية‬ ‫العظيمة‪ ،‬تحولت لسوري عن سبق اإلصرار والترصد‪.‬‬ ‫ً‬ ‫عاطف��ة وتفكيراً‪ ،‬م��ع صمود أهل‬ ‫تفجرت س��وريتي‬ ‫حوران أمام رصاص األس��د الخائن وتحولت سوريتي‬ ‫لحال��ة ش��وفينية مع اس��تجابة أه��ل باني��اس وجبلة‬ ‫والالذقي��ة ثم ديرال��زور وحمص وإدل��ب حماة وريف‬ ‫الشام من دوما إلى داريا إلى حرستا ومعضمية الشام‬ ‫ومنها إل��ى القابون وبرزة والمزة والميدان والتضامن‬ ‫ومخي��م اليرموك‪ ..‬رغ��م معرفتي الش��خصية بمدن‬ ‫وقرى س��ورية على امتداد الوطن لكني عرفت الكثير‬ ‫الكثي��ر من قراها وش��وراعها ومناطقه��ا من يوميات‬ ‫الثورة‪ .‬فخري واعتزازي تألق مع الشعب السوري الذي‬ ‫خرج متظاهراً وبيده أغص��ان الزيتون وقوارير المياه‬ ‫والحلوى يقدمها لجيش��ه الوطني‪ ،‬لكن ما عمل عليه‬ ‫نظام آل األس��د م��ن تخريب في ه��ذا الجيش أوصله‬ ‫إلى ح��د خيانة أمانة قس��مه والذي أقس��مت عليه أنا‬ ‫شخصيًا عندما كنت في الجيش‪:‬‬ ‫(أقس��م ب��اهلل العظيم‪ ..‬أقس��م ب��اهلل العظيم‪..‬‬ ‫أقس��م باهلل العظيم أن أك��ون خادما وفيا للجمهورية‬ ‫العربية الس��ورية أدافع عنها وأحم��ي علمها وأحافظ‬ ‫على استقاللها وس�لامة أرضها وأحافظ على شرفي‬ ‫العس��كري وأطيع رؤسائي في كل ما يتعلق بذلك برا‬ ‫وبح��را وجوا داخ��ل الجمهورية وخارجه��ا وأبذل دمي‬ ‫ألداء هذا الواجب واهلل على ما أقول شهيد)‪.‬‬ ‫خانها ألنه طاع رؤسائه دون ارتباط فعل الطاعة‬ ‫ب��كل ما يتعل��ق بالدفاع ع��ن س��ورية والحفاظ على‬ ‫اس��تقاللها وس�لامة أرضه��ا والحف��اظ على الش��رف‬ ‫العس��كري الذي يعني الحفاظ على الس��وريين أبناء‬ ‫بلده م��ن كل ما يتعرضون له منذ ثالثين ش��هراً من‬ ‫قتل وتدمير لحياتهم وتهجير واعتقال وإذالل‪..‬‬

‫خالد قنوت‬

‫أسبوعية تصدر عن شباب سوري حر‬ ‫‪13‬‬


‫العتمة‪. . .‬‬ ‫اندساسية ‪.‬‬ ‫دندناتذاكرة‬ ‫من‬ ‫سوريتنا | السنة الثالثة | العدد (‪ / 22 | )105‬أيلول ‪2013 /‬‬ ‫أسبوعية تصدر عن شباب سوري حر‬ ‫‪14‬‬

‫تاريــخ مــن ال تاريـخ لهـم‬ ‫يوميــات �ســجني‬ ‫اليوم اخلام�س ‪3 / 5‬‬

‫مضي��ت إل��ى المهجع الراب��ع وقضيت في��ه قرابة‬ ‫الس��اعتين ألب��ارك للدكت��ور أك��رم مرام��ي بالزي��ارة‬ ‫الت��ي جاءته ه��ذا اليوم‪ ،‬أنه من قرية الش��يحة التابعة‬ ‫لحم��اه وال تبعد عنها س��وى (‪ )5‬كيلومت��ر على طريق‬ ‫ناحية محرده‪ .‬أس��ماه والده يوم ولد ‪ 1949‬على اس��م‬ ‫المناضل الحم��وي التقدمي الذي توح��د حزبه العربي‬ ‫اإلش��تراكي مع البعث عام ‪ ،1954‬وكانت قرية الشيحة‬ ‫ملك آل البرازي‪ ،‬استولى عليها الفالحون بالقوة وبأمر‬ ‫من زعيم الحرك��ة الفالحية في حم��اه المناضل أكرم‬ ‫الحوراني‪ .‬وكان والد أكرم من المشاركين في الحركة‬ ‫الفالحية وس��جن لم��دة قصيرة وعيّن بعده��ا مختاراً‬ ‫عل��ى القرية‪ .‬أن أك��رم صديقن��ا ورفيقنا تخ��رَّج من‬ ‫جامعة حلب سياس��ة واقتصاد ثم أكمل دراس��ات عليا‬ ‫في اإلتحاد الس��وفييتي‪ .‬والتحق بوزارة التخطيط عدة‬ ‫أش��هر بعدها تمّ س��حبه ألداء الخدم��ة اإللزامية التي‬ ‫كان ق��د خ��دم منها ع��دة ش��هور قبل االلتح��اق ببعثة‬ ‫بالد الس��وفييت وع��اد اآلن ليخدم في مؤسس��ة النقل‬ ‫العس��كري‪ ،‬ومن هن��اك اعتقل ف��ي ‪.1982 / 12 / 15‬‬ ‫جاءن��ا م��ن الزنزانة إل��ى مهجعن��ا في ف��رع التحقيق‬ ‫العس��كري ف��ي ‪ 1983 / 1 / 1‬وعلي��ه عالم��ات التع��ب‬ ‫واإلعياء والذه��ول‪ ..‬هناك تعرفت علي��ه وأخبرني أنه‬ ‫سافر مع ‪ 21‬موظفًا وموظفة من هيئة تخطيط الدولة‬ ‫ألداء دورة ف��ي ألمانيا الش��رقية‪ .‬وقد ع��رف أم قصي‬ ‫ف��ي ه��ذه الفترة وعرف منه��ا أنني معتق��ل ولكنه لم‬ ‫يتعم��ق معها في التفاصيل‪ .‬كان ذلك أول خبر يرد عن‬ ‫زوجتي وأوالدي بعد اعتقالي بعشرة أشهر‪ .‬مزاج أكرم‬ ‫عصب��ي‪ ،‬فمنذ ثالثة أش��هر جاءت زيارت��ي وزيارته مع‬ ‫بعضهما وكان متأزمًا فلم يقبل أن يزور لخالف بسيط‬ ‫وقع مع مس��اعد االنضب��اط‪ ،‬وزرت أن��ا‪ ،‬وكانت زوجته‬ ‫برفق��ة ابنت��ي خزامى وقد طمأنتها عل��ى صحته‪ ،‬وقد‬ ‫بك��ت من القهر‪ .‬يعاني من قرحه في المعدة ومن آالم‬ ‫ف��ي الظهر‪ .‬وقد قاده مزاجه المضطرب هذا إلى ضرب‬ ‫طبيبنا السجين ناجي حيدر وتدخلنا لفض المشادة‪.‬‬

‫اليوم ال�ساد�س ‪3 / 6‬‬

‫كلما فتحت وقلب��ت أوراق المفكرة ال بد أن أتأمل‬ ‫الص��ور المحفوظة به��ا والتي جاءتني ه��ذا العام في‬ ‫إحدى الزيارات‪ ،‬أولى هذه الصور البنتي الصغيرة ريما‬ ‫التي س��ميتها من وحي فيروز الت��ي غنت أغنية‪" :‬ريما‬ ‫ريما الحندقة" وراءها البحر وهي تبتس��م ابتس��امتها‬ ‫اللطيفة‪ ،‬وصورة االبن��ة الكبيرة خزامى مع ابن خالها‬ ‫عمار وهي تضحك ضحكة مألى فرحاً وبهجة‪ ،‬وثالثة‪،‬‬ ‫لقصي بحاجبيه المقرونين‪ ،‬وأخرى للصديقة والزوجة‬ ‫افرنجي��ة وه��ي ترت��دي الخراط��ة الس��وداء وقميصًا‬ ‫بنص��ف كم‪ ،‬وبيدها ك��رة طائرة‪ ،‬وهي على ش��اطئ‬ ‫البسيط‪ .‬أراجع أيامي وحياتي معهم قبل تسعة أعوام‬ ‫عندم��ا كان الكبير قصي في الصف العاش��ر وخزامى‬ ‫ف��ي الص��ف الثام��ن والصغرى ف��ي الص��ف الثاني أو‬ ‫الثالث ال أدري‪ ،‬يا له من زمن س��اخر وجائر ويا للحاكم‬ ‫العرب��ي يدفن من ليس معه في رم��ال الموت ويرفع‬ ‫من ش��أن من معه إلى أعلى عليين‪ ..‬هكذا هي الحياة‬ ‫في هذه المنطقة وهكذا هو اإلنسان‪.‬‬ ‫الساعة اآلن قرابة الخامسة مساء‪ .‬شربت حلقتنا‬ ‫القهوة‪ ،‬هذه الحلقة تتألف من أربعة أشخاص ونرحب‬ ‫بالضي��وف العابري��ن‪ .‬نجتم��ع ف��ي الصباح الس��اعة‬ ‫العاشرة نش��رب متة ونتبادل األحاديث بهدوء واتزان‬

‫تتأل��ف الحلقة م��ن محمد الحموي من الس��لمية ومن‬ ‫حمد قطان من الس��ويداء وظافر النجار من س��لمية‪،‬‬ ‫األول معل��م مدرس��ة واب��ن رجل أمض��ى حياته بائع‬ ‫خضروات‪ ،‬ع ّلم ثالثة من أوالده أما الرابع فهو مساعد‬ ‫في الجيش قد تقاعد وله كذلك أربع بنات‪ .‬محمد هذا‬ ‫ت��رك زوجة وثالث بن��ات أكبرهن م��ن مواليد ‪،1975‬‬ ‫أوق��ف وس��يق للمعتقل في أي��ار ‪ .1983‬أم��ا الرفيق‬ ‫حم��د قطان فهو من عمري تقريب��ًا من مواليد ‪1935‬‬ ‫أوقف عام ‪ 1980‬للمرة الثالثة‪ .‬كانت المرة األولى عام‬ ‫‪ 1971‬لمدة س��نة ونص��ف والثانية ‪ 1975‬واس��تمرت‬ ‫حت��ى ع��ام ‪ 1977‬ل��ه ول��دان وث�لاث بن��ات‪ ..‬الكبرى‬ ‫متزوجة من شاب من لواء اسكندرون كان يدرس في‬ ‫الجامعة الس��ورية‪ .‬رحلت معه إلى تركيا اآلن هما في‬ ‫ليبي��ا يتقن التركية واإلنكليزي��ة ويعمالن لدى إحدى‬ ‫الش��ركات‪ .‬الثاني��ة متزوج��ة من ش��اب من الس��لمية‬ ‫ويقيم��ان ف��ي حلب‪ ..‬الول��د الكبير يدرس موس��يقى‬ ‫في اإلتحاد الس��وفيتي‪ .‬أما اإلبن��ة العازبة فمخطوبة‬ ‫وت��درس بكالوريا في مدرس��ة الفن��ون‪ ،‬االبن األخير‬ ‫ف��ي الثانوي��ة العامة ه��ذا الع��ام‪ .‬أما العض��و الثالث‬ ‫ّ‬ ‫"المفكر" وس��اكن س��لمية‪،‬‬ ‫في الحلقة فهو من قرية‬ ‫ومتزوج من ابنة المدرس للفلس��فة وخريج الجامعة‬ ‫الس��ورية من��ذ أوائ��ل الخمس��ينات أو بعده��ا بقليل‬ ‫اسماعيل حمود وهو من بيت يهتم بالعلم واألدب‪.‬‬ ‫لظاف��ر ه��ذا أوالد خ��ال اثنان معتقالن لحس��اب‬ ‫رابطة العمل الشيوعي أحدهما طبيب وكذلك له ابن‬ ‫خال��ة معتقل وخالت��ه المدعوة زه��رة المعتقلة حاليًا‬ ‫في س��جن جوبر‪ ،‬وقد اغتيل زوجه��ا وابنها البكر في‬ ‫عم��ل إرهابي في حلب وس��أتكلم عن ذلك في األيام‬ ‫القادمة هذه هي حلقتنا‪.‬‬

‫اليوم ال�سابع ‪3 / 7‬‬

‫أع��ود إلى الكالم عن خالة ظاف��ر المدعوة زهرة‬ ‫كردي��ه والت��ي يطل��ق عليه��ا جماع��ة ح��زب العم��ل‬ ‫(الرابطة سابقًا) أم الحزب‪.‬‬ ‫في أواخر الس��بيعينات وأوائ��ل الثمانينات كانت‬

‫أحمد سويدان‬ ‫‪1994 - 1991‬‬

‫تس��كن مع زوجها ملحم كردية في حلب‪ ،‬فهو متطوع‬ ‫بالجي��ش وقد ن��دب في أواخ��ر الس��تينات للعمل في‬ ‫دوائ��ر األم��ن‪ ،‬قب��ل ذل��ك كان يعمل حالقًا ف��ي بلدة‬ ‫السلمية وهو يحمل ابتدائية زمان الـ ‪ 44‬أو ‪.43‬‬ ‫ب��دأت الم��دن الس��ورية باالنتف��اض من��ذ أوائل‬ ‫الثمانين��ات احتجاج��ًا عل��ى نظ��ام الحك��م األمن��ي‬ ‫المخابرات��ي‪ ،‬ه��ذا االنتف��اض أخذ ف��ي البداية طابع‬ ‫الهج��وم على مق��رات المخاب��رات وعناصرها في كل‬ ‫من حلب وجسر الشغور وحماه وحمص‪ ،‬ثم تحول إلى‬ ‫مواجهات مسلحة دامية وقصف بعض األحياء والرمي‬ ‫بالرص��اص للمتظاهري��ن الخارجي��ن م��ن الجوامع‪،‬‬ ‫وش��جعت الحكوم��ة على بعث الح��راك الطائفي‪ ،‬كما‬ ‫كثرت االعتقاالت والمحاكمات الميدانية‪.‬‬ ‫ويب��دو أن النظام قد أُعطِي (ك��رت بالنش) من‬ ‫أمري��كا وإعالمه��ا لتغطية ذلك‪ .‬وفي ليل��ة من ليالي‬ ‫صي��ف ‪ 1981‬طرق ب��اب داره وكان موجوداً في البيت‬ ‫م��ع ابن��ه وهو م��ن موالي��د ‪ ،1958‬أما زوجت��ه زهره‬ ‫فكانت في السلمية مع ابنها األصغر‪.‬‬ ‫ذه��ب االبن ليفت��ح الباب ففوجئ ف��ور فتح الباب‬ ‫بالمهاجمي��ن حي��ث وضعوا على فمه الصق��ًا‪ ،‬وطعنوه‬ ‫حتى أس��لم الروح واس��تأنفوا الدخول حي��ث كان األب‬ ‫في الداخ��ل طعنوه وأغلقوا فمه بالص��ق فهوى أرضًا‬ ‫مضرجًا بدمائه وهرب الجناة‪ ..‬الزوجة أقامت في حلب‪،‬‬ ‫بعدها بمدة انخرط ابنها كرم في صفوف حزب العمل‪،‬‬ ‫ويب��دو فيما بعد أن الزوجة وابنه��ا حوال البيت إلى وكر‬ ‫للحزب المناوئ للس��لطة‪ .‬وكانت تتم في البيت طباعة‬ ‫المنش��ورات واالجتماعات‪ .‬دوهم البيت بعد اكتش��افه‬ ‫من قبل األمن وآالت الطباعة بداخله وذلك عام ‪.1986‬‬ ‫واعتقلت زهرة في ربيع العام نفسه‪.‬‬ ‫لقد رأيت ابنها كرمًا منذ أيام في جناحنا وس��ألته‬ ‫عن أمه ومصيرها‪ ،‬قال‪ - :‬إنها اآلن في سجن حرستا‪،‬‬ ‫وال يعرف س��وى أنها حية‪ ،‬ولم يزرها أحد س��وى خال‬ ‫واحد هو حس��ام الذي له (‪ )5‬أوالد في الس��جن‪ ..‬كان‬ ‫حزين��اً وغائ��ر العينين‪ ،‬هذه هي قص��ة زهرة كردية‬ ‫خالة جاري في النوم ظافر النجار‪.‬‬


‫�شـــيخ دم�شــــق‬

‫جمال الدين القا�سمي ‪1914 - 1866‬‬

‫سوريتنا | السنة الثالثة | العدد (‪ / 22 | )105‬أيلول ‪2013 /‬‬

‫عامة في ش��هر رمضان ف��ي بعض النواحي من‬ ‫س��وريا‪ ،‬فذهب إلى وادي العجم وس��جل يوميات‬ ‫تل��ك الرحلة ف��ي كتاب بعنوان "ب��ذل الهمم في‬ ‫موعظ��ة أهل وادي العجم"‪ ،‬وفي الس��نة التالية‬ ‫اخت��ار أن يذه��ب إل��ى قض��اء النبك وأل��ف فيها‬ ‫"حُس��ن الس��بك في الرحلة إلى قض��اء النبك"‪،‬‬ ‫وطلب أيض��اً في الس��نة التي تليه��ا فذهب إلى‬ ‫بعلب��ك‪ ،‬وك��رر الذه��اب إليها ف��ي الس��نة التي‬ ‫تليه��ا‪ ،‬ثم يبدو أنه طمع في تلك الرحالت بعض‬ ‫الطماعي��ن البطالي��ن الذي��ن ال يهمّه��م س��وى‬ ‫المكافأة المالي��ة فأبطلت الدول��ة تلك الرحالت‪،‬‬ ‫ويعلق القاس��مي عل��ى ذلك بقوله‪" :‬م��ع أن بها‬ ‫النفع العام‪ ،‬لمن قام بها حق القيام"‪.‬‬ ‫بع��د وف��اة وال��ده تس��لم إمام��ة وخطاب��ة‬ ‫وتدريس مس��جد الس��نانية وهو المس��جد الذي‬ ‫كان يؤم��ه والده وجده من قبل��ه‪ ،‬فتولى اإلمامة‬ ‫والتدري��س فيه للطلبة والعام��ة وألف فيه كثيراً‬ ‫من كتبه وأهمها تفسيره "محاسن التأويل"‬ ‫ف��ي عهد الس��لطان عب��د الحمي��د وحكومة‬ ‫االتحاد والترقي فقد كان شديداً‪ ،‬اتهم القاسمي‬ ‫بالتحري��ض عل��ى تأس��يس جمعي��ة النهض��ة‬ ‫السورية المناهضة لحكم االتحاديين والمطالبة‬ ‫باالستقالل اإلداري وقيام حكومة عربية‪ ،‬وأنهم‬ ‫عل��ى صل��ة بأمراء من نج��د‪ ،‬فأنكر ه��ذه التهم‬ ‫وبين عدم صلت��ه بجمعية النهض��ة‪ ،‬والتي كان‬ ‫رئيس��ها محب الدين الخطيب وسكرتيرها صالح‬ ‫القاسمي شقيقه األصغر‪.‬‬ ‫قب��ل وفات��ه بخم��س س��نوات‪ ،‬إلى إش��كال‬ ‫آخر م��ع الحكومة العثمانية‪ ،‬فق��د جرت اإلطاحة‬ ‫بالس��لطان عب��د الحميد قبل بضعة أش��هر فيما‬ ‫سمي باالنقالب العثماني‪ ،‬وجاء السلطان محمد‬ ‫رش��اد الذي أعل��ن الدس��تور العثمان��ي‪ ،‬وأعقب‬ ‫ه��ذا عودة كثير من الحري��ات التي كانت مقيدة‪،‬‬

‫أسبوعية تصدر عن شباب سوري حر‬

‫ول��د محم��د جم��ال الدين ب��ن محمد بن‬ ‫قاس��م ب��ن إس��ماعيل ب��ن أبي بك��ر الحالق‬ ‫القاس��مي الكيالن��ي الحس��ني الدمش��قي‪،‬‬ ‫وهو من أحفاد الش��يخ عبد الق��ادر الجيالني‬ ‫م��ن س�لالة الحس��ن الس��بط‪ ،‬ف��ي دمش��ق‬ ‫ع��ام ‪ ،1866‬أب��وه هو الفقيه األديب الش��يخ‬ ‫"محمد س��عيد القاس��مي"‪ ،‬الذي وصف جمال‬ ‫منهجه فيم��ا بعد قائ ً‬ ‫ال‪ " :‬م��ال أخيراً لمذهب‬ ‫الس��لف الصالح‪ ،‬وترك التعصب في المسائل‬ ‫الخالفي��ة‪ ،‬وأخ��ذ بم��ا ص��ح‪ ،‬ودع��ا للحق مع‬ ‫اعتدال في المشرب"‪.‬‬ ‫تلق��ى جم��ال علوم��ه ف��ي المدرس��ة‬ ‫الظاهري��ة‪ ،‬وانص��رف إل��ى متابع��ة دروس‬ ‫حلقات ش��يوخ عصره ومنهم "الش��يخ سليم‬ ‫العطار‪ ،‬بكري العطار‪ ،‬محمد الخاني‪ ،‬حس��ن‬ ‫الدس��وقي"‪ ،‬وأج��ازوه بجمي��ع مروياتهم‪ ،‬ثم‬ ‫عكف على دراسة التفاس��ير ومدونات السنة‬ ‫وشروحها‪ ،‬ومؤلفات أصول الدين والفقه‪.‬‬ ‫كان القاس��مي يطالع كثي��راً من الصغر‬ ‫وال ينشغل باللعب مع أقرانه‪ ،‬ولذلك وجد في‬ ‫أوراقه ع��دة دفاتر فيها ملخص��ات ومنتخبات‬ ‫م��ن مطالعت��ه ف��ي الكت��ب – طبع��ًا نقص��د‬ ‫المخطوط��ات – أطلق عليها اس��م "س��فينة"‬ ‫وعمره ‪ 15‬سنة‪ ،‬وقد كان محافظًا على وقته‬ ‫وله همة عالية في القراءة‪ ،‬قال عن نفس��ه‪:‬‬ ‫"وقد اتفق لي بحمده تعالى قراءة صحيح مسلم‬ ‫بتمامه رواي��ة ودراية في أربعي��ن يومًا‪ ،‬وقراءة‬ ‫س��نن ابن ماجه كذلك في واحد وعشرين يومًا‪،‬‬ ‫وقراءة الموطأ كذلك في تسعة عشر يومًا‪ ..‬فدع‬ ‫عنك الكس��ل‪ ،‬واحرص على عزيز وقتك بدرس‬ ‫العلم وإحسان العمل"‪.‬‬ ‫وق��د حبب للقاس��مي القراءة حت��ى قيل أنه‬ ‫قرأ واقتن��ى غالب ما طبع في عص��ره من كتب‪،‬‬ ‫وبيت��ه يحتوي على مكتبة أسس��ها جده الش��يخ‬ ‫قاس��م ووس��عها أبوه ونماها القاسمي بعد وفاة‬ ‫والده حتى تركها وفيه��ا ‪ 2000‬مجلد‪ ،‬وجعل لها‬ ‫غرفة خاصة وصنع فهرسًا بكتبها‪ ،‬وتتميز مكتبة‬ ‫آل القاس��مي بتنوعها الواس��ع وع��دم اقتصارها‬ ‫عل��ى الكت��ب الش��رعية‪ ،‬وأوقفه��ا عل��ى ذريت��ه‬ ‫وطلب��ة العلم ونش��ر إعالناً بذلك ف��ي الصحف‪،‬‬ ‫وهي لليوم مفتوحة للباحثين‪ ،‬فجزى اهلل أحفاد‬ ‫القاسمي على رعايتهم لوصية ووقف جدهم‪.‬‬ ‫ولتمي��زه ف��ي طل��ب العل��م وع��دم اكتفائه‬ ‫بمكان��ة أبيه طلب بعض الطلبة منه أن يش��رح‬ ‫له��م بع��ض مقدمات العل��وم وعمره ‪ 14‬س��نة‪،‬‬ ‫فكان يدرس��هم بع��د المغرب قب��ل موعد درس‬ ‫أبيه‪ ،‬الذي كان يواظب على حضوره‪.‬‬ ‫ب��دأ نش��اطه الدع��وي وعمره ‪ 21‬س��نة ثم‬ ‫أصبح مدرس��ًا في مدرسة عبد اهلل باشا العظيم‬ ‫والت��ي كانت إحدى حصون الدع��وة إلى اإلصالح‬ ‫ف��ي العاصم��ة األموية بحس��ب وص��ف العالمة‬ ‫مح��ب الدين الخطي��ب إذ كان من المس��تفيدين‬ ‫منها‪ ،‬وكان من المدرسين فيها‪ :‬العالمتان طاهر‬ ‫الجزائ��ري وجمال الدين القاس��مي ول��كل واحد‬ ‫منهما غرفة يستقبل فيها تالميذه‪.‬‬ ‫وبس��بب تمي��زه ف��ي التعلي��م واإلصالح تم‬ ‫اختي��اره من قبل الوال��ي العثماني إللقاء دروس‬

‫ومعه��ا كثي��ر م��ن الفوض��ى واالضط��راب‪،‬‬ ‫وانته��ز بع��ض الخص��وم في الش��ام الوضع‬ ‫ليتهموا خصومهم بالتآمر على الدولة‪ ،‬وكان‬ ‫س��هم االتهام موجهًا إلى األس��تاذ محمد كرد‬ ‫علي ومجلة المقتبس‪ ،‬ولكنه طال القاس��مي‬ ‫والش��يخ عب��د ال��رزاق البيط��ار والوجيه عبد‬ ‫الرحم��ن ب��ك اليوس��ف الزركل��ي‪ ،‬وم��دار‬ ‫التهم��ة أنهم يس��عون لتكوين دول��ة عربية‬ ‫وخالفة جدي��دة‪ ،‬فبادر الوال��ي العثماني إلى‬ ‫اس��تجوابهم والتحقيق العلن��ي في القضية‪،‬‬ ‫ت��رو أو تأم��ل‪ ،‬مم��ا س��بب لغط��اً كبيراً‬ ‫دون ٍ‬ ‫وإحراجًا شديداً للمتهمين‪ ،‬ثم ما لبث أن تبين‬ ‫زيف هذه االدعاءات وبعد هؤالء عنها‪ ،‬فطوي‬ ‫التحقيق واندثرت المسألة‪.‬‬ ‫وم��ن أبرز أوالد الش��يخ جمال الدين ابنه‬ ‫األس��تاذ ظافر القاس��مي رحم��ه اهلل تعالى‪،‬‬ ‫ال��ذي ولد في س��نة ‪ 1913‬قبيل وف��اة والده‪،‬‬ ‫ودرس المحام��اة في دمش��ق‪ ،‬وانتخب نقيبًا‬ ‫للمحامي��ن في س��ورية ‪ ،1955‬وتوفي س��نة‬ ‫‪ ،1984‬وقد تابع نشر كتب والده‪.‬‬ ‫كان القاس��مي ي��رى أن الدي��ن مدرس��ة‬ ‫أخ�لاق وأن��ه يدع��و الوح��دة ال التفريق‪ ،‬وأن‬ ‫العق��ل حجة اهلل القاطع��ة البالغة‪ ،‬والنقل ال‬ ‫يأتي بما يناقض العق��ل‪ ،‬وأن العلماء اتفقوا‬ ‫على أنه إذا تعارض العقل والنقل أول النقل‬ ‫بالعقل"‪.‬‬ ‫وأن م��راد االص�لاح العلم��ي باالجتهاد ليس‬ ‫القي��ام بمذهب خاص‪ ،‬والدعوة له على انفراده‪،‬‬ ‫وإنم��ا المراد انه��اض همم رواد العل��م‪ ،‬لتعرف‬ ‫المسائل بأدلتها‪.‬‬ ‫كما كان له آراء ف��ي الدولة وقوتها والوطن‬ ‫والسياسة والعرب وغيرها جاء في بعضها‪:‬‬ ‫أن الق��رآن ق��د أم��ر بوج��وب إع��داد الق��وة‬ ‫الحربي��ة‪ ،‬وأنه لم��ا ترك المس��لمون العمل بهذا‬ ‫األم��ر‪ ،‬اهمل��وا فرض��اً م��ن ف��روض الكفاي��ة‪،‬‬ ‫وأصبح��ت جميع األمة أئم��ة‪ ،‬وأن طمع العدو في‬ ‫البالد االسالمية‪ ،‬ألنه ليس فيها معامل لألسلحة‪،‬‬ ‫بل كلها مما يشترى من بالد العدو‪ ،‬وقد أن لألمة‬ ‫أن تنتبه من غفلتها قبل أن يداهم العدو ما بقي‬ ‫منها‪ ،‬فيقضي على االسالم وممالك المسلمين‪،‬‬ ‫الس��تعمار األمص��ار‪ ،‬واس��تعباد األح��رار‪ ،‬ونزع‬ ‫االستقالل المؤذن بالدمار‪.‬‬ ‫وإن ح��ب الوطن من أمه��ات الفضائل‪ ،‬وهو‬ ‫أن يب��ذل المرء ما يقدر عليه‪ ،‬مما أعطاه اهلل من‬ ‫العل��م والمال والخبرة والنصح في عامة األحوال‬ ‫واألزمان لمنفعة وطنه ومواطنيه‪.‬‬ ‫وحض على الجهاد ألن العدو يريد أن يقضي‬ ‫عل��ى الدي��ن‪ ،‬وأن ينه��ب األم��وال والمقتني��ات‪،‬‬ ‫ويهتك الحرم‪ ،‬ويمحو تاريخ المجد‪ ،‬ويفني اللغة‬ ‫والعلوم‪.‬‬ ‫هلل القاسمي للدستور العثماني بكثير من‬ ‫حق‬ ‫الف��رح‪ ،‬ودعا لتولية األكفاء‪ ،‬وإعطاء كل ذي ٍ‬ ‫حقه‪ ،‬لك��ن العمر لم يمهله ول��م يمهل الخالفة‬ ‫العثماني��ة لتحقي��ق المبتغ��ى‪ ،‬توفي القاس��مي‬ ‫عام ‪ 1914‬في دمش��ق‪ ،‬عن ‪ 49‬عامًا‪ ،‬ودفن في‬ ‫مقبرة الباب الصغير فيها‪.‬‬

‫وجوه من وطني ‪. .‬‬

‫ياسر مرزوق‬

‫‪15‬‬


‫الصفحة القانونية ‪. .‬‬ ‫سوريتنا | السنة الثالثة | العدد (‪ / 22 | )105‬أيلول ‪2013 /‬‬ ‫أسبوعية تصدر عن شباب سوري حر‬ ‫‪16‬‬

‫القانون رقم ‪ 12‬لعام ‪2010‬‬ ‫زيادة ر�سوم التقا�ضي‬

‫ياسر مرزوق‬

‫الرس��م مبل��غ م��ن الم��ال يج��ب أداؤه بمقتض��ى‬ ‫القوانين والمراسيم‪ ،‬أو القرارات والبالغات التي تستمد‬ ‫مش��روعيتها من القوانين‪ ،‬لقاء خدمة أو منفعة تقدمها‬ ‫الدول��ة عن طريق وزاراته��ا أو إداراتها بحكم س��لطاتها‬ ‫ووظائفه��ا المختلفة‪ .‬وبما أن الرس��وم إجبارية وإلزامية‬ ‫تفرضها الدولة بإرادة وحيدة الطرف‪ ،‬مستغلة امتيازاتها‬ ‫وس��لطاتها العام��ة‪ ،‬بع��د إجازت��ه والموافق��ة عليه من‬ ‫السلطة التشريعية‪.‬‬ ‫ويجب حين فرض الرس��وم من السلطة التشريعية‬ ‫مراعاة أحكام الدس��تور‪ ،‬والذي بحسب المادة ‪ / 28 /‬منه‬ ‫الفق��رة ‪ " / 4 /‬فإن حق التقاضي وس��لوك س��بل الطعن‬ ‫والدف��اع أمام القضاء مصون بالقانون "‪ ،‬وبذلك ال يملك‬ ‫أحدٌ الحق بأي ش��كل من األش��كال أن يمن��ع المواطنين‬ ‫عن طريق القوانين أو المراسيم أو القرارات أو البالغات‬ ‫التي يس��نها من اللج��وء إلى القضاء والدف��اع أمامه عن‬ ‫حقوقهم وحرياتهم‪ ،‬حيث يعتبر ذلك مخالفة للدستور‪.‬‬ ‫أن دور المش��رع ينحصر فقط في تنظيم وتسهيل‬ ‫اللج��وء إلى القضاء والدفاع أمام��ه‪ ،‬ومخالفة ذلك يعتبر‬ ‫غي��ر دس��توري وال يج��وز األخذ ب��ه والعم��ل بمقتضاه‪.‬‬ ‫الفق��رة ‪ / 3 /‬م��ن المادة ‪ / 25 /‬من الدس��تور أقرت مبدأ‬ ‫المس��اواة بي��ن المواطني��ن أم��ام القان��ون حي��ث نصت‬ ‫على «المواطنون متس��اوون أمام القان��ون في الحقوق‬ ‫والواجب��ات‪ ،‬وتكفل الدولة ذل��ك» ومن أحكام الفقرة ‪4 /‬‬ ‫‪ /‬م��ن الم��ادة ‪ / 25 /‬حي��ث نصت " أن تكف��ل الدولة مبدأ‬ ‫تكافؤ الفرص بين المواطنين "‪.‬‬ ‫لك��ن القانون رقم ‪12‬الذي أُقِ��رَّ بعيداً عن اإلعالم‬ ‫بتاريخ ‪ 2010 / 3 /‬والقاضي بزيادة الرسوم على عملية‬ ‫التقاضي بشكل كبير‪ ،‬والذي استحدث رسوماً جديدة لم‬ ‫تكن في الس��ابق يع��د مخالفاً لروح الدس��تور‪ .‬وقد تبدو‬ ‫ً‬ ‫مقبولة للقارئ إال أنها في واقع احال‬ ‫الرسوم المفروضة‬ ‫ارتفعت عدة أضعاف‪ ،‬لتلق��ي بثقلها على المواطن الذي‬ ‫يلجأ للتقاضي ش��خصيًا دون توكيل محام بسبب األعباء‬ ‫المالي��ة‪ ،‬كما في حالة الرس��م المف��روض على تصوير‬ ‫أي ورقة من الدعاوى بمعدل خمس��ين ليرة سورية لكل‬ ‫ورقة وهذا رسم باهظ المثيل له في الدول المجاورة‪.‬‬ ‫وفيما يلي النص الكامل للمرسوم‪:‬‬ ‫المادة ‪ 1 -‬يعدل جدول بيان فئات الرس��م اإلضافي‬ ‫المحدث بموجب القانون رقم ‪ 254‬تاريخ ‪1960 / 7 / 19‬‬ ‫المتضمن فرض رس��م إضافي لدى القضاء إلنش��اء دور‬ ‫المحاكم وإصالحها على النحو التالي‪:‬‬ ‫أ ‪ -‬في األمور المدنية‪:‬‬ ‫‪ - 1‬محض��ر المحاكم��ة ف��ي الدع��اوى الصلحي��ة –‬ ‫والطلب��ات العارض��ة – والتدخ��ل واالعت��راض (‪ )50‬ليرة‬ ‫س��ورية إذا كان المطل��وب ال يتج��اوز (‪ )000 ،300‬لي��رة‬ ‫سورية و(‪ )100‬ليرة س��ورية إذا زاد المطلوب عن (‪،300‬‬ ‫‪ )000‬لي��رة س��ورية أو كان��ت الدع��وى تخض��ع للرس��م‬ ‫المقطوع‪.‬‬ ‫‪ - 2‬محضر المحاكمة االستئنافية لألحكام الصلحية‬ ‫واالستئناف التبعي والتدخل (‪ )100‬ليرة سورية‪.‬‬ ‫‪ - 3‬محض��ر المحاكمة البدائي��ة والطلبات العارضة‬ ‫والتدخل واالعتراض (‪)100‬ليرة سورية‪.‬‬ ‫‪ - 4‬محضر المحاكمة االس��تئنافية لألحكام البدائية‬ ‫واالستئناف التبعي والتدخل (‪ )150‬ليرة سورية‪.‬‬ ‫‪ - 5‬محض��ر المحاكم��ة ف��ي طلب إع��ادة المحاكمة‬ ‫(‪ )150‬ليرة سورية‪.‬‬ ‫‪ - 6‬طل��ب النق��ض والنق��ض التبع��ي (‪ )150‬لي��رة‬ ‫سورية‪.‬‬ ‫‪ - 7‬إيداع صك الش��ركة المساهمة ديوان المحكمة‬

‫(‪ )500‬ليرة سورية يستوفى نصف الرسم عن الملحق‪.‬‬ ‫‪ - 8‬إي��داع ص��ك باق��ي الش��ركات التجاري��ة ديوان‬ ‫المحكمة (‪ )250‬ليرة س��ورية يستوفى نصف الرسم عن‬ ‫الملحق‪.‬‬ ‫‪ - 9‬اإلجاب��ة ف��ي ذي��ل االس��تدعاء عل��ى الطلب��ات‬ ‫المقدمة إلى الدوائر القضائية (‪ )50‬ليرة سورية‪.‬‬ ‫‪ - 10‬صور األحكام ومحاضر الجلس��ات وغيرها من‬ ‫صور األوراق (‪ )50‬ليرة سورية عن كل ورقة‪.‬‬ ‫‪ - 11‬طلب��ات تس��ليم األمانات القضائي��ة والودائع‬ ‫(‪ )75‬ليرة س��ورية إذا لم يزد المطلوب تس��ليمه عن ‪،50‬‬ ‫‪ 000‬ليرة س��ورية و(‪ )125‬ليرة س��ورية إذا زاد المطلوب‬ ‫تسليمه عن ‪ 000 ،50‬ليرة سورية‪ .‬وإن كانت قيمتها غير‬ ‫مقدرة فتقدر من قبل المحامي العام أو رئيس النيابة‪.‬‬ ‫‪ - 12‬طلبات تجديد القضايا المشطوبة أو المتروكة‬ ‫للمراجع (‪ )25‬ليرة سورية أمام المحاكم الصلحية و(‪)50‬‬ ‫ليرة سورية أمام المحاكم البدائية و(‪ )100‬أمام المحاكم‬ ‫االستئنافية‪.‬‬ ‫ب – في األمور الجزائية‪:‬‬ ‫‪ - 1‬في اس��تدعاء الحق الشخصي في التحقيقات أو‬ ‫أمام المحكمة (‪ )75‬ليرة سورية‪.‬‬ ‫‪ - 2‬اس��تدعاء االس��تئناف م��ن المدعي الش��خصي‬ ‫(‪ )150‬ليرة سورية‪.‬‬ ‫‪ - 3‬طب��ي النق��ض المقدم من المدعي الش��خصي‬ ‫(‪ )250‬ليرة سورية‪.‬‬ ‫‪ - 4‬طل��ب التحقيقات واألحكام ومحاضر الجلس��ات‬ ‫وغيره��ا م��ن ص��ور األوراق (‪ )50‬ليرة س��ورية عن كل‬ ‫ورقة‪.‬‬ ‫‪ - 5‬طلب��ات إع��ادة الكف��االت والوثائ��ق واألمان��ات‬ ‫والتأمينات القضائية والسلف (‪ )50‬ليرة سورية‪.‬‬ ‫ج ‪ -‬في األمور الشرعية‪:‬‬ ‫‪ - 1‬محضر المحاكمة الش��رعية والطلبات العارضة‬ ‫والتدخل واالعتراض وطلبات تجديد القضايا المشطوبة‬ ‫والمتروكة (‪ )50‬ليرة سورية‪.‬‬ ‫‪ - 2‬عن كل وثيقة ش��رعية عدا صكوك الزواج (‪)50‬‬ ‫ليرة سورية‪.‬‬

‫‪ - 3‬طلبات إعادة المحاكمة (‪ )100‬ليرة سورية‪.‬‬ ‫‪ - 4‬طلب��ات النق��ض والنق��ض التبع��ي (‪)125‬ليرة‬ ‫سورية‪.‬‬ ‫‪ - 5‬صور األح��كام ومحاضر الجلس��ات وغيرها من‬ ‫صور األوراق (‪ )50‬ليرة سورية عن كل ورقة‪.‬‬ ‫د – في أمور التنفيذ‪:‬‬ ‫‪ - 1‬ع��ن كل عريض��ة بطل��ب تنفي��ذ قرار أو س��ند‬ ‫تنفي��ذي (‪ )25‬ليرة س��ورية إذا كان ب��دل الدين أو قيمته‬ ‫حس��ب تقدير رئي��س التنفي��ذ ال يزيد ع��ن ‪ )5000‬ليرة‬ ‫س��ورية و(‪ )50‬ليرة س��ورية عن ك ما يزي��د عن (‪)5000‬‬ ‫ليرة سورية‪.‬‬ ‫‪ - 2‬ع��ن كل ورق��ة يقدمها الطرفان تأيي��داً لتدبير‬ ‫يلتمسانه (‪)25‬ليرة سورية‪.‬‬ ‫‪ - 3‬عن ص��ور األوراق المبرزة والمحاضر التنفيذية‬ ‫(‪ )25‬ليرة سورية‪.‬‬ ‫‪ - 4‬عن طلب استئناف قرارات رئيس التنفيذ (‪)100‬‬ ‫ليرة سورية‪.‬‬ ‫‪ - 5‬ع��ن طل��ب الحجز االحتياط��ي أو التنفيذي (‪)50‬‬ ‫ليرة سورية‪.‬‬ ‫هـ – في أمور كتابة العدل‪:‬‬ ‫‪ - 1‬األوراق والس��ندات التي ينظمها كاتب العدل أو‬ ‫يقوم بترجمتها (‪ )50‬ليرة سورية‪ .‬عن كل توقيع في كل‬ ‫موض��وع ال تزي��د قيمته عن (‪ )000 ،50‬ليرة س��ورية‪ ،‬أو‬ ‫إذا كان الموضوع خاضعاً للرس��م المقطوع‪ .‬و(‪ )100‬ليرة‬ ‫س��ورية إذا زادت قيم��ة الموضوع ع��ن ‪،500 - 000 ،50‬‬ ‫‪ 000‬لي��رة س��ورية‪ .‬و(‪ )200‬ليرة س��ورية إذا زادت قيمة‬ ‫الموض��وع ع��ن‪000 ،000 ،25 - 000 ،50‬ليرة س��ورية‪.‬‬ ‫و(‪ )300‬لي��رة س��ورية إذا زادت قيم��ة الموضوع عن ‪،25‬‬ ‫‪ 000 ،000‬ليرة سورية‪.‬‬ ‫‪ - 2‬طلب اس��تخراج صورة ع��ن األوراق المنظمة أو‬ ‫الموقوف��ة أو المحفوظ��ة (‪ )50‬ليرة س��ورية‪ .‬إذا لم تزد‬ ‫قيمة موضوعها عن (‪ )000 ،50‬ليرة سورية‪.‬‬ ‫الم��ادة ‪ – 2 -‬ينش��ر ه��ذا القان��ون ف��ي الجري��دة‬ ‫الرسمية ويعتبر نافذاً بعد ستين يومًا من تاريخ صدوره‪.‬‬ ‫دمش��ق ‪ 1431 / 4 / 23‬هج��ري المواف��ق لـ ‪/ 4 / 7‬‬ ‫‪ 2010‬ميالدي‬


‫م�أمون نوفل‪� ..‬شهيد ًا حي ًا‬

‫سوريتنا | السنة الثالثة | العدد (‪ / 22 | )105‬أيلول ‪2013 /‬‬

‫في المركز الثقافي الروس��ي‪ ،‬عام ‪ .2009‬كنا دوما نختلف‪ ،‬نصرخ‪ ،‬نتشاجر‪..‬‬ ‫كطالب في دورة اإلخراج‪ ،‬أما مأمون كان هادئًا‪ ،‬متواضعًا‪ ،‬عاق ً‬ ‫ال‪ ..‬ينتظر أن ننتهي‬ ‫من عياطنا ثم يقول‪ :‬يا أخي روقوا وخلينا نحكي‪..‬‬ ‫ص��وت مأم��ون كان خافتاً‪ ،‬لكن وقعه كان قوياً‪ ،‬جس��ده كان نحي ً‬ ‫ال‪ ،‬لكن ثقله‬ ‫كان حاضراً‪ ،‬وروحه المرحة وضحكاته كانت دومًا تمأل الصالة‪..‬‬ ‫مأم��ون لم يت��رك كتابًا دون قراءة‪ ،‬ل��م يترك فيلماً دون مش��اهدة‪ ،‬وغالبًا ما‬ ‫يحض��ر األفالم ليوزعها على الجميع بش��رط‪ ،‬أن نرجعها إلي��ه‪ ،‬كان يقول خذوا ما‬ ‫أردتم‪ ،‬كتب أفالم‪ ،‬لكن رجاء أرجعوها‪ ،‬مش��كلتي مع هذا الش��عب‪ ،‬أني أعطيه فال‬ ‫يرجع‪..‬‬ ‫لديه كل ش��يء نادر‪ ..‬أي كتاب ممنوع‪ ،‬س��تجده لديه‪ ،‬أي فيلم مفقود‪ ،‬ستجد‬ ‫لديه نس��خة‪ ،‬ماس��ر ذلك مأمون؟ قال ل��ي كل أصحاب المكتب��ات ومحالت الفيديو‬ ‫والبس��طات أصدقائ��ي هن��ا في جرمان��ا‪ ..‬أنا أح��ب الجمي��ع وأحب التح��دث إليهم‬ ‫ومسامرتهم‪..‬‬ ‫ال يوجد فيلم أوروبي‪ ،‬يتحدث عن الحب‪ ،‬لم يشاهده مأمون‪..‬‬ ‫ال يوجد فيلم صيني‪ ،‬لم يشاهده مأمون‬ ‫ال يوجد كاتب ال يعرفه مأمون‪..‬‬ ‫كم أعطاني وأعطاني‪ ..‬ولم أكن أملك ما ال يعرفه وقتها‪ ،‬ألعطيه بالمقابل‪..‬‬ ‫دوما كان يسألني‪..‬‬ ‫هل شاهدت هذا الفيلم؟ غداً سأحضره لك‬ ‫أعطيكم ما تريدون‪ :‬شرط أن تعيدوه‪..‬‬ ‫حل��م حياة مأم��ون أن يصبح مخرج��اً‪ ،‬ألن لديه رؤيا‪ ،‬ولدي��ه نصوص رقيقة‬ ‫حالم��ة‪ ،‬يري��د إخراجها‪ ،‬كأف�لام‪ .‬ال أحد يفهم عليه كثيراً مايق��ول أو ما يحلم‪ ،‬هو‬ ‫يغرد خارج السرب‪..‬‬ ‫ً‬ ‫أح��د النصوص الت��ي كتبها‪ :‬يوم كان الب��در مكتمال‪ ،‬امرأة عج��وز تراقب من‬ ‫الش��باك‪ ،‬شاب وشابة يتبادلون الحب والنظرات من الشباك المقابل‪ ،‬العجوز تنظر‬

‫في صورة لديها يوم كانت ش��ابة‪ ،‬تتذكر أول لقاء لها مع حبيبها‪ ،‬تبتس��م‪ ،‬وتموت‬ ‫بس�لام‪ .‬كانت تقف يوميًا على الش��باك بانتظار مش��هد حب‪ ،‬تحقنه في ذاكرتها‪،‬‬ ‫ينهي حياتها‪..‬‬ ‫أسماه مأمون‪ :‬قبلة الرحمة‪ ،‬رصاصة الرحمة‪ ،‬نظرة الرحمة‪..‬‬ ‫موت رحيم‪..‬‬ ‫لكن موت مأمون لم يكن رحيمًا‪ ..‬كان غدراً من قتلة الحالمين‪..‬‬ ‫مأمون يريد أن يصبح مخرج أفالم حب‪ ،‬قال لي‪ :‬أريد أن أتخطى حاجز الجرأة‪،‬‬ ‫ه��ذه البل��د ليس فيها أفالم حب حقيقية‪ ..‬ليس فيه��ا قبالت حقيقية في األفالم‪..‬‬ ‫ليس فيها روح شابة‪ ،‬ليس فيها تمرد‪..‬‬ ‫قتلوه ألنه كريم‪ ،‬ألنه ال يمكن شراؤه‪ ،‬قتلوه ألنه قرأ كثيراً‪ ،‬ألنه آمن بالحب‬ ‫قتلوه ألن لديه حلم‪ ..‬ربما ألنه يعرف أن يمسك كاميرا‬ ‫قتلوه ربما‪ ،‬ألنه يعرف كل أصحاب البسطات والمكتبات‬ ‫قتلوه‪ ،‬ألنه ال يرضى أن يقتلوا الشعب وأن يقف دون الحراك‬ ‫كتبت منذ فترة‪ ..‬أني ال أستطيع تخيل كيف يموت المعتقل تحت التعذيب‪..‬‬ ‫أقف عند نقطة في خيالي‪ ،‬رغم كل الضرب‪ ،‬والصراخ‪ ،‬ال أزال أسمع أنفاسه‬ ‫ربما ألنه حتى في مشاهد األفالم التي تعتمد المبالغة‪ ،‬مهما ضربوا المعتقل‪،‬‬ ‫ال يموت‪ ،‬ينهض في النهاية‬ ‫ربما ألنه البطل‪،‬‬ ‫وهم الكومبارس‪..‬‬ ‫لم أصدق لحظة قرأت الخبر‪..‬‬ ‫مأمون هو البطل‪ ،‬الذي ال يمكن أن يموت أبداً في معتقل‪..‬‬ ‫وهذا ش��ريط حياتك مأمون‪ ،‬الذي أعطيته لي‪ ،‬ولهذا الش��عب‪ ،‬ال بد أن أعيده‬ ‫لك يوماً‪..‬‬

‫نبض الروح ‪. .‬‬

‫جمال داود‬

‫أسبوعية تصدر عن شباب سوري حر‬ ‫‪17‬‬


‫املــوت حتــت التعــذيب فـي �سوريا‪:‬‬ ‫رعب يتجاهله دعاة ال�سالم‬ ‫ترجمات ‪. .‬‬ ‫سوريتنا | السنة الثالثة | العدد (‪ / 22 | )105‬أيلول ‪2013 /‬‬ ‫أسبوعية تصدر عن شباب سوري حر‬ ‫‪18‬‬

‫نص لـ‪ :‬بدور حسن‬ ‫ترجمة‪ :‬ياسمين األمين‬

‫ربما يكون واحداً من أقس��ى جوانب حرب النظام‬ ‫الس��وري على الش��عب الس��وري ه��و التعام��ل بغير‬ ‫حساس��ية مع القتلى والمجازر المروعة "ش��يء واحد‬ ‫لن أغفره لبش��ار األس��د هو ع��دم إعطائن��ا الفرصة‬ ‫ألن نح��زن عل��ى أصدقائنا الذي��ن استش��هدوا"‪ ،‬قال‬ ‫ناشط سوري‪ .‬في الواقع مع تكرار وقوع حاالت القتل‬ ‫الجماعي��ة على مدى عامين ونصف من الثورة‪ ،‬أصبح‬ ‫الح��داد عل��ى اللذين س��قطوا ترفاً ح��رم منه معظم‬ ‫الس��وريين‪ .‬ويبقى لنا وجوهه��م المتفحمة وقصص‬ ‫الش��هداء الغي��ر محكي��ة ومعان��اة أحبائه��م الذي��ن‬ ‫تركوهم وراءهم‪.‬‬

‫جتريد ال�سوريني من �إن�سانيتهم‬

‫اتض��ح بش��كل مؤل��م تجري��د الس��وريين م��ن‬ ‫إنس��انيتهم م��ن خ�لال الجدل ال��ذي أعق��ب الهجوم‬ ‫باألس��لحة الكيميائي��ة ف��ي ‪ 21‬آب في ريف دمش��ق‪.‬‬ ‫فق��د عومل الضحاي��ا على أنهم مج��رد أدلة من قبل‬ ‫المجتمع الدولي ووسائل اإلعالم الرئيسية والمعسكر‬ ‫المناه��ض للحرب‪ .‬أما بالنس��بة للحكوم��ات الغربية‬ ‫التي حددت اس��تخدام األس��لحة الكيميائي��ة على أنه‬ ‫"خ��ط أحم��ر"‪ ،‬ل��م تعتب��ر الدم��اء الحم��راء لألطفال‬ ‫الس��وريين المذبوحين باألس��لحة تقليدي��ة من قبل‬ ‫النظام والميليشيات شنيعة بما يكفي‪.‬‬ ‫بالنس��بة لوس��ائل اإلع�لام الرئيس��ية‪ ،‬الث��ورة‬ ‫الس��ورية هي حرب أهلية بين شرّين‪ ،‬هما ديكتاتور‬ ‫علماني وإسالميين ملتحين أكلي لحوم بشر‪.‬‬ ‫التحدي المذهل والتضامن الش��عبي الذي أبقى‬ ‫الث��ورة على قي��د الحياة رغم كل الصع��اب‪ ،‬باإلضافة‬ ‫إلى النضال الشجاع ضد وحشية "الدولة اإلسالمية في‬ ‫العراق وس��وريا" التي تس��يطر على أجزاء واسعة من‬ ‫المناطق "المحررة" في الشمال السوري‪ ،‬واالحتجاجات‬ ‫الش��عبية الجارية ض��د كل من النظام واإلس�لاميين‬ ‫مُغيب تماماً في وسائل اإلعالم الرئيسية‪.‬‬ ‫بالنس��بة لمعظم االئتالفات اليسارية المناهضة‬ ‫للحرب‪ ،‬فإنه��م يطلقون حججًا مبتذل��ة وكاذبة حول‬ ‫أن "س��وريا تتحول إل��ى عراق" وأن الثوار الس��وريين‬ ‫ه��م إرهابي��ون‪ ،‬واألس��د يق��وم بمحارب��ة اإلره��اب‬ ‫واالمبريالية ويتم عرض ذلك على أنها حقائق‪.‬‬ ‫يذك��ر القلي��ل ع��ن الح��رب الطائفية الش��املة‬ ‫التي يش��نها األس��د عل��ى المدنيين الس��وريين على‬ ‫م��دى الثالثين ش��هراً‪ ..‬كما يذكر القلي��ل عن اعتقال‬ ‫النظام الس��وري بشكل منهجي للناشطين السلميين‬ ‫والعلمانيي��ن ف��ي حي��ن أطل��ق س��راح اإلرهابيي��ن‬ ‫المرتبطي��ن بالقاع��دة‪ .‬وال يهم أن آالفاً من األس��رى‬ ‫السوريين بمن فيهم العمال واألطفال والمتظاهرين‬ ‫الع��زل ومنظمي المجتمع قد تعرض��وا للتعذيب حتى‬ ‫الموت على يد قوات النظام منذ بدء االنتفاضة‪.‬‬

‫قتل حتت التعذيب‬

‫واح��دة من أح��دث ضحايا التعذيب الذين س��يتم‬ ‫تجاهلهم من قبل الناشطين اليساريين المناهضين‬ ‫للح��رب هو خالد بكراوي‪ ،‬ش��اب فلس��طيني يبلغ من‬ ‫العمر ‪ 27‬عاماً يعمل كمنظم مجتمع وعضو مؤس��س‬ ‫في مؤسس��ة جفرا لإلغاث��ة وتنمية الش��باب‪ .‬اعتقل‬ ‫خال��د م��ن قبل قوات النظ��ام في يناي��ر ‪ 2013‬لدوره‬

‫خالد بكراوي | شهيد فلسطيني سوري تحت التعذيب‬

‫الب��ارز في تنظيم وتنفيذ العمل اإلنس��اني واإلغاثي‬ ‫ف��ي مخيم اليرموك لالجئين‪ ،‬في ‪ 11‬س��بتمبر أعلنت‬ ‫تنس��يقية اليرموك ومؤسس��ة جفرا ع��ن مقتل خالد‬ ‫تحت التعذيب في أحد أفرع المخابرات س��يئة السمعة‬ ‫في دمشق‪.‬‬ ‫ولد خالد ونش��أ في مخي��م اليرموك لالجئين في‬ ‫المش��ارف الجنوبية لدمش��ق‪ .‬تم تش��ريد عائلته من‬ ‫قرية فلسطينية تدعى لوبيه بعد تطهيرها عرقيًا من‬ ‫قبل قوات االحتالل اإلس��رائيلي أثناء نكبة عام ‪1948‬‬ ‫(النكبة الفلس��طينية)‪ .‬في الخامس من حزيران عام‬ ‫‪ ،2011‬شارك خالد في "مسيرة العودة " إلى مرتفعات‬ ‫الجوالن المحتلة‪ .‬وقال أنه شهد كيفية استغالل أحمد‬ ‫جبري��ل (الجبه��ة الش��عبية ‪ -‬القي��ادة العام��ة) وهي‬ ‫ميليش��يا فلس��طينية مدعومة من النظ��ام‪ ،‬لوطنية‬ ‫وحماسة شباب اليرموك وحرّضتهم على المسير إلى‬ ‫فلس��طين المحتلة في محاولة لتعزيز ش��عبية األسد‬ ‫وصرف االنتباه عن حملة قمع المظاهرات السلمية‪.‬‬ ‫توق��ع خال��د رد فع��ل وحش��ي م��ن قب��ل جيش‬ ‫االحتالل اإلس��رائيلي‪ ،‬مما دفعه لثني الش��باب العزل‬ ‫م��ن دخ��ول منطقة وق��ف إطالق الن��ار الت��ي تحتلها‬ ‫إس��رائيل ولكن دون ج��دوى‪ .‬رأى خالد ق��وات النظام‬ ‫الس��ورية وه��ي ترش��ف الش��اي وتلق��ي نظ��رة ال‬ ‫مب��االة على جن��ود االحتالل اإلس��رائيلي وهي تمطر‬ ‫المتظاهرين الفلس��طينيين والسوريين بالرصاص‪،‬‬ ‫قُتل وجُرح العش��رات في ذل��ك االحتجاج‪ ،‬كما أصيب‬ ‫خالد برصاصتين في الفخذ‪.‬‬

‫التحويل املهني‬

‫روى أح��د أصدق��اء خال��د رؤيته والدم��وع تنهمر‬ ‫من��ه في المستش��فى بعد تلقي��ه زهوراً م��ع بطاقة‬ ‫كتب عليها "لقد ش��رفتنا‪ ،‬أنت بطل"‪ .‬بالنس��بة لخالد‬

‫هذه البطاقة تمنح الشخص المصاب شيئاً من الفخر‬ ‫القوم��ي‪ ،‬لكنه بنف��س الوقت كان دلي� ً‬ ‫لا على اعتبار‬ ‫الس��وريين سلعة‪ ،‬والذي هو السبب الرئيسي الندالع‬ ‫الثورة السورية‪ .‬وأعني بذلك استرداد الفرد والمجتمع‬ ‫لكرامته التي تم س��حقها من قبل النظام الذي يعتبر‬ ‫السوريين كأدوات رخيصة لالستعمال‪.‬‬

‫قتل بالر�صا�صة اخلاطئة‬

‫كثيرون مم��ن اعتب��روا خالد بك��راوي بط ً‬ ‫ال بعد‬ ‫إصابت��ه من قب��ل االحتالل اإلس��رائيلي ل��م ينطقوا‬ ‫بكلم��ة تعزية بع��د وفاته تحت التعذي��ب في زنزانات‬ ‫النظام السوري‪ .‬لم تُدن منظمة التحرير الفلسطينية‬ ‫وال أي فصيل سياس��ي فلس��طيني آخر قتل واحد من‬ ‫أبرز الناشطين في اليرموك‪ .‬ولم يحتجوا على مقتل‬ ‫ثالثة س��جناء فلسطينيين آخرين تحت وطأة التعذيب‬ ‫في األيام الخمسة األخيرة‪ ،‬بالنسبة لهم على ما يبدو‬ ‫أن الفلس��طيني ال يس��تحق لقب "ش��هيد" إال إذا قتل‬ ‫على يد قوات االحت�لال الصهيوني‪ .‬ويعتبرون أن من‬ ‫سوء حظهم إنهم قتلوا على يد مناهضي االمبريالية‬ ‫والممانعي��ن "نظام األس��د" مما يجع��ل القتل مقبو ًال‬ ‫والضحية ال تستحق التعاطف‪.‬‬ ‫فشلت الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين بإصدار‬ ‫تكريم للشهيد الفلسطيني أنس العمارة الطالب في‬ ‫كلية الحق��وق والذي يبلغ من العمر ‪ 23‬س��نة‪ ،‬مقيم‬ ‫ف��ي اليرموك‪ ،‬ناش��ط ف��ي الجبهة الش��عبية لتحرير‬ ‫فلسطين منذ سن التاسعة وكان أنس وهو الشيوعي‬ ‫الثوري الذي نأى بنفس��ه عن اإلصالحيين اليساريين‬ ‫التقليديين قد شارك في الثورة السورية منذ بدايتها‪،‬‬ ‫وقد قتل في كمين رس��مه النظام بالقرب من مخيم‬ ‫اليرم��وك المحاص��ر في أبري��ل من هذا الع��ام‪ .‬قُتل‬ ‫أنس "برصاصة خاطئة" لم يعتبر قتله س��ببًا للغضب‬ ‫بالنسبة ألبطال القضية الفلسطينية‪.‬‬


‫�صمت ي�صم الآذان‬

‫جرائم احلرب‬

‫يش��هد الشارع السوري ً‬ ‫حالة فريد ًة من االنقسام بين مكونات الشعب الذي اعتاد لعقودٍ طويلة‬ ‫أن يعتبر نفس��ه "واحداً"‪ .‬وهو ليس انقس��امًا "أحادي الخلية" أدى إلى تنافر بين مكونين متش��ابهين‬ ‫كبير من األحزاب الفكرية والسياسية‪،‬‬ ‫فحسب‪ ،‬بل هو أقرب إلى انشطار نووي أدى إلى تشكيل عددٍ ٍ‬ ‫تتالقى أحيانًا وتتباعد غالبًا‪.‬‬ ‫و"معارض ل��ه"‪ ،‬إال أن نظر ًة‬ ‫ولع��ل أوضح هذه االنقس��امات ه��و الحاصل بين "مؤي��دٍ للنظام"‬ ‫ٍ‬ ‫ً‬ ‫مدقق��ة أكث��ر تجعلنا نميز بي��ن أنماط تفكير مختلفة بين أوس��اط داعم��ي الثورة غالب��اً‪ ،‬وأدت إلى‬ ‫وداع لتس��ليحها‪ ..‬وبين متش��بثٍ بس��وريا‬ ‫الثورة‬ ‫لس��لمية‬ ‫مؤيدٍ‬ ‫بين‬ ‫االنقس��ام‬ ‫من‬ ‫المزيد‬ ‫تكريس‬ ‫ٍ‬ ‫ناقض لتجاوزات الثوار ومتعام عنها‪ ..‬وأخيراً بين من‬ ‫مركزي��ة وآخر يرى الحل في "فدرلته��ا"‪ ..‬وبين‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫يدعو إلى "لبرلة" الثورة‪ ،‬وآخر يحارب في سبيل أسلمتها‪.‬‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫صحية ف��ي المجتمعات‬ ‫حال��ة‬ ‫وإن كان��ت حال��ة االخت�لاف بال��رأي والتناقض في وجه��ات النظر‬ ‫المنفتحة والمتنورة‪ ،‬فإن البعض يرى فيها وتداً يدق في نعش الديمقراطية السورية المرتقبة بعد‬ ‫س��قوط النظام الحالي‪ ،‬والس��بب يعزى دائمًا إلى رفض أي طرف تقبل وجه��ة نظر اآلخر ومحاورته‬ ‫فض ً‬ ‫ال عن القبول بحقه في الرؤية ورغبته في التعبير‪.‬‬ ‫ل��دى مح��اورة البعض من مؤيدي النظام الس��وري‪ ،‬كان م��ن الواضح أنهم يعتقدون أنفس��هم‬ ‫موحدي��ن تمام��اً تحت راية العل��م و"القائد"‪ ،‬متجاهلين الكثي��ر جداً من تجاوزات النظ��ام التي كانت‬ ‫محور أحاديثهم قبل اش��تعال الثورة‪ ،‬وأصبحت من األمور الهامش��ية بعدها‪ ،‬بحجة أن "الوطن أو ًال"‪،‬‬ ‫غير عالمين أنهم ضحايا إيديولوجيا سياس��ية وفكرية س��هر على صياغتها عتاة حزب البعث والقيادة‬ ‫القطرية عبر خمس��ين عامًا من الس��يطرة والحكم بقبضة فوالذية على مقدرات وعقول ومستقبل‬ ‫الشعب السوري بأكمله‪.‬‬ ‫ويب��رز منهم أيضاً من يتس��اءل في خضم هجومه على الثورة للس��ورية (م��ا هي اإليديولوجيا‬ ‫التي تقوم عليها الثورة السورية؟)‪ ،‬وكنت أجيب دائماً بأن ما يميز إيديولوجيا الثورة السورية هو أنها‬ ‫ال تق��وم على أي إيديولوجيا‪ ،‬حتى اآلن على األقل‪ ،‬فل��مَ يجب أن تكون هناك قوالب جامدة للتفكير‬ ‫وتناول المواضيع ذات العالقة ورؤية مرس��ومة س��ابقًا للحاضر والمستقبل‪ ،‬حين يكون الحراك قائمًا‬ ‫باألساس على التحرر من الفلسفات القديمة التي ثبت فشلها وخواءها من أي هدفٍ حقيقي تسعى‬ ‫وراءه قياداتها؟‬ ‫لماذا يجب بالضرورة أن نتبع ما رس��مته األجيال الس��ابقة حسب رؤيتها في ذلك الوقت؟ لماذا ال‬ ‫يكون لكل واحدٍ منا رؤيته الفريدة التي تضع مصلحة سوريا والسوريين في المقام األول؟ طبعاً مع‬ ‫اعتب��ار تام لكافة وجهات النظر األخ��رى واحترامها‪ ،‬وربما االندماج في إطارها في حال التوافق معها‬ ‫ٍ‬ ‫لتشكيل رؤية جديدة غير معدة مسبقًا‪.‬‬ ‫يتحمل النظام السوري بالدرجة األولى مسؤولية دفن العقلية الجدلية التي ميزت السوريين في‬ ‫س��تينيات وسبعينيات القرن الماضي‪ ،‬حين كانت دمش��ق تضاهي العواصم األوروبية في منتدياتها‬ ‫الثقافي��ة ومجالس��ها الفكري��ة‪ ،‬ومن حيث التنور واالعت��دال العقائدي‪ .‬وال ش��ك أن حزب البعث عمل‬ ‫جاهداً خالل الس��نوات الطويلة لحكمه على أن ينصب نفسه ممث ً‬ ‫ال لإليديولوجيا الوحيدة المسموحة‬ ‫ً‬ ‫إضافة إلى "قائدنا إلى األبد‪ ،" ..‬األمر الذي أدى إلى تفاقم الكبت‬ ‫في سوريا "وحدة‪ ،‬حرية‪ ،‬اشتراكية"‬ ‫الدين��ي واالجتماعي والفكري‪ ،‬وحصره فيما يخدم بقاء البعث واألس��د في س��دة الحكم‪ ،‬ويحدثونك‬ ‫بعدها عن علمانية النظام السوري!‬ ‫ً‬ ‫نسبة كبير ًة من السوريين المعارضين أصبحوا يعانون خوا ًء كبيراً بما يتعلق‬ ‫يجب أن نعترف أن‬ ‫بالدواف��ع الت��ي كانت أقرب إلى المس�� ّلمات فيما مض��ى‪ ،‬فمن كان يصحو وينام عل��ى فكرة القومية‬ ‫ً‬ ‫خاصة‬ ‫نفور شديد منها بعد قيام الثورة‪،‬‬ ‫العربية والعلم والنش��يد السوريين المقدس��يَن‪ ،‬عانى من ٍ‬ ‫خائن لها‬ ‫عندما أصر األس��د على الفرز بين‬ ‫منضو تحت راية العلم والجيش والدولة األس��دية‪ ،‬وبين ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫جميع��اً‪ ،‬فلم يعد ثمة مجال للتباهي بالعلم الس��وري المعروف بع��د أن تلطخ بدماء المدافعين عنه‪،‬‬ ‫وبعد السقوط المدوي للفكر القومي العروبي على حساب القومية االثنية والعرقية والمذهبية‪.‬‬

‫سوريتنا | السنة الثالثة | العدد (‪ / 22 | )105‬أيلول ‪2013 /‬‬

‫منير الريس ‪ /‬إعالمي وباحث سياسي‬

‫أسبوعية تصدر عن شباب سوري حر‬

‫إن أي ائت�لاف أو منظم��ة تدّعي الس��عي من أجل الس�لام‬ ‫وحقوق اإلنس��ان‪ ،‬ولكن ال تدين بوضوح جرائم الحرب وجرائم‬ ‫ضد اإلنس��انية الت��ي ارتكبها النظام الس��وري هي ليس��ت حقًا‬ ‫حركات تنادي بصدق من أجل الس�لام‪ ،‬وأخيرا فقد جُردت كلمة‬ ‫س�لام من معناه��ا الحقيقي بفضل دعاة الح��رب الذين يدعون‬ ‫إلى تعزيز الس�لام‪ ،‬عالوة عل��ى ذلك فمن المثير للس��خرية أن‬ ‫الجماع��ات المناهضة للحرب تلتزم الصمت حول التعذيب وموت‬ ‫أكثر من ‪ 2000‬سجين سياسي سوري بينما يحتجون ضد توجيه‬ ‫ضرب��ة أمريكية محتملة على س��وريا جنباً إل��ى جنب مع أنصار‬ ‫النظام السوري واليمينيين المناهضين للجماعات اإلسالمية‪.‬‬ ‫ه��ذه الجماع��ات المطالب��ة بالس�لام والت��ي تنفج��ر ض��د‬ ‫الحكومات الغربية بس��بب نفاقها‪ ،‬ينبغي أن تأخذ ثانية للتفكير‬ ‫ف��ي نفاقهم الخاص في التخلي عن الثورة الس��ورية منذ اليوم‬ ‫األول وقبل وقت طويل من عسكرة الثورة‪.‬‬ ‫أيض��ًا ينصح بش��دة أن يق��رؤوا "مالحظات ج��ورج أورويل‬ ‫ع��ن القومية" فهي تناس��ب العديد من الناش��طين اليس��اريين‬ ‫المناهضين للحرب الذين انتقدهم أورويل ضمن فئة القوميين‬ ‫السلميين‪.‬‬ ‫كتب أورويل أن أقلية من مفكري دعاة السالم يكون لديهم‬ ‫دافع مخفي وهو كراهية الديمقراطية الغربية واحترام األنظمة‬ ‫الشمولية‪.‬‬ ‫وتختص��ر الدعاي��ة الس��لمية عادة ف��ي الق��ول أن ك ً‬ ‫ال من‬ ‫الطرفين س��يء بق��در اآلخر‪ ،‬ولك��ن بالنظر عميقاً ف��ي كتابات‬ ‫دعاة الس��لمية األصغر سنًا‪ ،‬يجد المرء أنهم لم يفعلوا ذلك بأي‬ ‫حيادية ولكن يتم توجيههم بش��كل كامل تقريباً ضد بريطانيا‬ ‫والواليات المتح��دة‪ .‬باإلضافة إلى أنهم ال يقومون بإدانة العنف‬ ‫بش��كل عام ولكن تتم إدانة العنف المس��تخدم ف��ي الدفاع عن‬ ‫الدول الغربية‪.‬‬ ‫في الحالة الس��ورية‪ ،‬على الرغم من أن س��عي الس��لميين‬ ‫اليس��اريين إلى حجب موقفهم الحقيقي حول الس�لام والحياد‪،‬‬ ‫إال أن تركي��ز حمالتهم يك��ون على معارضة الح��رب األمريكية‬ ‫المحتملة على س��وريا ف��ي حين يتغاضون عن الح��رب الفعلية‬ ‫التي أطلقها النظام الس��وري‪ .‬ومن المفه��وم أن األولوية تكون‬ ‫ف��ي معارضة حكوماتهم ولكن هذا ال يبرر دعمهم لنظام يقوم‬ ‫بإب��ادة جماعي��ة ويقللون م��ن أهمية ه��ذه الجرائ��م ويديرون‬ ‫ظهرهم لصراع الشعب السوري البطل‪.‬‬ ‫وينطبق النقد نفس��ه عل��ى المعارضة غي��ر المتفقة على‬ ‫التدخل‪ .‬على الرغم من أن السلميين المعادون للتدخل من حيث‬ ‫المبدأ يعترضون فقط على التدخل الغربي في س��وريا بينما ال‬ ‫يقولون شيئاً عن التدخل اإليراني والروسي الصارخ في سوريا‪.‬‬ ‫معارضة الح��رب هو موقف أخالقي ونبي��ل‪ ،‬لكن معارضة‬ ‫ذلك من دون معارضة النظام السوري صراحة والتدخل اإليراني‬ ‫الروس��ي ودون انحياز مع ثورة الشعب السوري من أجل الحرية‬ ‫والكرامة مفلسة أخالقيًا‪.‬‬

‫التحرر‪ ..‬حتى من‬ ‫الإيديولوجيا‬

‫دندنات اندساسية ‪. .‬‬

‫إن صم��ت القي��ادة الفلس��طينية واألم��م المتح��دة إلغاثة‬ ‫وتش��غيل الالجئين الفلسطينيين في الش��رق األدنى (األونروا)‬ ‫عن محنة الالجئين الفلس��طينيين في س��وريا ليس مس��تغربًا‬ ‫عل��ى اإلط�لاق‪ ،‬عل��ى الرغم م��ن أن اليرم��وك‪ ،‬أكب��ر مخيمات‬ ‫الالجئين الفلس��طينيين في س��وريا‪ ،‬الذي ظل في حصار خانق‬ ‫م��ن قبل الجيش العربي الس��وري منذ يولي��و ‪ 2013‬فقد حُرم‬ ‫‪ 000 ،70‬م��ن المدنيي��ن المحاصري��ن في مخي��م اليرموك من‬ ‫الحص��ول على الكهرباء والم��واد الغذائية‪ ،‬مم��ا اضطر البعض‬ ‫للج��وء إلى أكل ال��كالب‪ .‬وعلى الرغم من الن��داءات العديدة من‬ ‫قبل س��كان اليرموك والناش��طين الس��وريين إلى كسر الحصار‬ ‫عن مخيم اليرموك إال أن القيادة الفلس��طينية واألونروا لم ترد‬ ‫على هذه النداءات‪.‬‬ ‫وكأن العقوبات الجماعية‪ ،‬واالعتقاالت التعسفية وإجراءات‬ ‫الحصار المتش��ددة والقصف المستمر من قبل النظام ال تكفي‪،‬‬ ‫فقد قام المتطرفون اإلس�لاميون في يوم ‪ 12‬س��بتمبر بخطف‬ ‫وسيم مقداد‪ ،‬ناشط وموسيقي‪ ،‬واحد من اثنين فقط من أطباء‬ ‫يعالجون الجرحى في المخيم‪.‬‬ ‫يت��م تجاه��ل االس��تغاثات إلط�لاق س��راح المعتقلي��ن‬ ‫الفلس��طينيين من س��جون النظام الس��وري‪ ،‬اللذي��ن يواجهون‬ ‫خطراً على حياتهم تمامًا كالذي يعانون منه أخوتهم السوريون‪.‬‬

‫‪19‬‬


‫حوار العدد ‪. .‬‬ ‫سوريتنا | السنة الثالثة | العدد (‪ / 22 | )105‬أيلول ‪2013 /‬‬ ‫أسبوعية تصدر عن شباب سوري حر‬ ‫‪20‬‬

‫م�شروع وم�ضة‬ ‫وم�ضة حمبة لكل ال�سوريني‬ ‫أجرت الحوار‪ :‬مريم أسعد‬ ‫في حديث دار بين مجموعة‬ ‫من األصدقاء في دمش��ق حول‬ ‫مش��روع ومضة‪ ،‬تباين��ت اآلراء‪،‬‬ ‫منه��م م��ن كان مؤي��داً لهم‪،‬‬ ‫ويرى في عمله��م ومضة ضوء‬ ‫وس��ط ظ�لام دام��س نعيش‬ ‫في��ه‪ ،‬ومنه��م م��ن رآه تجمي ً‬ ‫ال‬ ‫وتصحيحاً لص��ورة النظام حين‬ ‫يرى أنهم لن يستطيعوا القيام‬ ‫بذل��ك دون دع��م وموافقة من‬ ‫أجهزة األمن‪ ،‬والبعض اآلخر لم‬ ‫يجد موقفاً واضحاً منهم‪ ،‬بينما‬ ‫تجد مآخ��ذ متعددة من الناحية‬ ‫الفنية والتفاعل مع الجمهور‪..‬‬ ‫في عرضهم اآلخير‪ ،‬ومضة‬ ‫كيم��اوي‪ ،‬كان الب��د لن��ا م��ن‬ ‫الوقوف مطو ًال أمام هذا العرض‬ ‫ودالالته المختلفة‪ ،‬فكان لنا مع‬ ‫نغم ناعسة‪ ،‬مؤسسة المشروع‬ ‫هذا الحوار‪:‬‬ ‫| ومضة‪ ..‬لماذا هذا االسم‬ ‫تحديداً؟‬ ‫| | أو ًال‪ ..‬أن تفكي��ر كل‬ ‫ش��خص منّ��ا الي��وم‪ .‬مقط��ع‬ ‫بطريق��ة مخيفة إلى ألف لحظة‪..‬‬ ‫وكل لحظة فيها اختالف كبير عن‬ ‫األخ��رى‪ ..‬فأن��ا بدقيق��ة واحدة‪..‬‬ ‫أفك��ر بتفجي��ر وم��وت قري��ب‪..‬‬ ‫وقص��ه مؤلم��ة‪ ..‬وقذيف��ة ه��اون‪ ..‬ف��ي دماغ��ي إذا‬ ‫ومضات من التفكير‪..‬‬ ‫إذا جمع��ت كل ذل��ك بفك��رة واح��دة‪ ..‬س��يكون‬ ‫لديك‪ ..‬الجواب (مشروع ومضة)‪..‬‬ ‫| كيف بدأت الفكرة‪ ،‬ومن هم أعضاء‬ ‫الفريق؟‬ ‫| | بدأت الفكرة من أني شخص يحب المبادرات‬ ‫والعمل التطوعي واإلنساني‪..‬‬ ‫فمنذ س��نه ذهبت إلى مركز لمرضى التالسيميا‬ ‫ف��ي الزاهرة‪ ..‬حيث كانت الظ��روف في تلك المنطقة‬ ‫س��يئة وال تس��اعد عل��ى عم��ل أي تط��وع‪ ..‬ولكنن��ي‬ ‫صممت أن أتابع مع هؤالء األشخاص لتميزهم الكبير‬ ‫خ�لال ورش��ة العم��ل التي قم��ت بها معه��م‪ ،‬وبقيت‬ ‫تقريباً ش��هراً ونصف‪ .‬وكان محورها المسرح الخفي‪،‬‬ ‫فقم��ت بتجري��ب بروف��ا معه��م‪ ،‬قدمت ف��ي مصعد‬ ‫المركز‪ ..‬ولكن لم أكمل بس��بب الظروف التي س��اءت‬ ‫لبع��ض المرض��ى‪ ،‬حتى وف��اة البعض منه��م أيضًا‪.‬‬ ‫وبقي المس��رح الخف��ي منذ ذلك الحي��ن ينكزني في‬ ‫أس��فل معدتي‪ ،‬ألتاب��ع أمل هؤالء األش��خاص الذين‬ ‫كان��وا ب��ذرة لمش��روع ومض��ة‪ .‬فق��ررت أن أب��داً من‬ ‫الموس��يقى‪ ..‬وعرضت الفكرة عل��ى صديقي الفنان‬ ‫أري سرحان‪ ..‬وبدأت االنطالقة‪..‬‬ ‫| إذا أردنا تقييم العمل فنياً علينا أن‬

‫ومضة كيماوي | عرض الفرقة في شارع الحمرا‬

‫نضعه تحت تصنيف معين لتقريب‬ ‫الشكل إلى نموذج معروف فإذا كان هذا‬ ‫العرض يندرج تحت مسمى فنون أداء‬ ‫الشارع أليس من المفروض إدراج الناس‬ ‫وإقحامهم أكثر في العمل؟‬ ‫| | إال تعتقد أن الم��رأة التي ظهرت في الفيديو‬ ‫األول‪ ،‬وبدأت تقول (قولوا تعيش��ي ي��ا بلدي) أقحمت‬ ‫نفس��ها‪ ،‬بل وأكثر من ذلك‪ ،‬فقد أعطت للعرض تألقًا‬ ‫أكثر‪ ،‬ألنها من جمهور الش��ارع‪ ..‬أو الولد في الومضة‬ ‫الثانية الذي غنى وبدأ بالدوران‪..‬‬ ‫هذا االقحام وتفاعل الناس العفوي مع عروضنا‪،‬‬ ‫يحقق عنصراً هامًا من عناصر المسرح الخفي‪ ..‬وهو‬ ‫ضروري لنجاح اي عرض تفاعلي‬ ‫| في العروض الثالث التي شاهدناها كان‬ ‫المارة بحالة ذهول مما يرون‪ ،‬وكانت‬ ‫مشاعرهم متباينة في هذه اللحظة‪ ،‬كيف‬ ‫ترون انعكاس ذلك على أدائكم؟‬ ‫| | هذا يعطينا دعماً وقوة أكبر‪ ..‬وهذه الدهشه‬ ‫هي جزء اساس��ي من عروضنا‪ ..‬وخاص��ه أن الثقافة‬ ‫السورية لم تشهد الكثير من عروض الشارع‪ ..‬وليس‬ ‫م��ن تقاليدها‪ ..‬لكن عندما تش��اهد من يبادلك القوه‬ ‫والثقه ستصبح أقوى‬ ‫| ماهو دور الجمهور هنا؟ متلقي فقط؟‬ ‫ماذا لو تتدخل أحدهم وغير في مسيرة‬

‫العرض وطرح أموراً مغايرة لتوجهات‬ ‫عرضكم؟‬ ‫| الجمه��ور لي��س فق��ط متلق��ي بل مش��ارك‪..‬‬ ‫بالنهاية أنا أقدم عروضي في الش��ارع ولغط الشارع‬ ‫لوح��ده كافي بأن يغير مس��ار العرض‪ ..‬لك��ن إنتبه‪،‬‬ ‫لي��س مس��ار األداء‪ ،‬على العكس‪ ،‬ف��كان هناك ناس‬ ‫تمر بدون أن تعطي هذا الحدث أي أهمية‪ ،‬ومنهم من‬ ‫ال ينظر أب��داً‪ ..‬لكن تدخل أحدهم االيجابي س��يكون‬ ‫موضع ترحيب لدى أي فرقة مسرح شارع‪..‬‬ ‫| هل ترسمين أكثر من مخطط للعرض‬ ‫وتعتمدون االرتجال أم أن خطواتكم‬ ‫مدروسة ومحسوبة؟‬ ‫| | أن��ا ال اعتمد االرتجال‪ ..‬ف��ي عروضنا الثالثة‬ ‫أخت��ار األغنيه‪ ..‬ويق��وم الفنانان أري س��رحان وخالد‬ ‫رزق بتدري��ب الموس��يقيين عليه��ا وتوزي��ع جدي��د‬ ‫لألغني��ة‪ ..‬وأنا من ناحيتي أنس��ق كل خطوة س��أقوم‬ ‫به��ا‪ ..‬مث� ً‬ ‫لا ف��ي الع��رض األول جعلت المغني��ة تبدو‬ ‫كجارة تشاهد الحدث‪ ،‬ليفاجئ الجمهور بها تغني من‬ ‫األعلى‪ ..‬فتصبح أنظارهم موجهة إليها‪ ..‬أو مشاركتي‬ ‫ف��ي العرض الثان��ي الكيماوي‪ ،‬فهو محس��وب تماماً‪،‬‬ ‫ومرب��وط بحدث جل��ل كان قبل يومين م��ن عرضنا‪،‬‬ ‫فطبعًا األمور محسوبة وليست إرتجالية‪..‬‬ ‫| كيف يتم اختيار الموسيقى؟ لماذا حلوة‬ ‫يا بلدي تحديداً في عرض الشعالن‪،‬‬


‫| بدا لي في بداية العرض األخير‪ ،‬بداللته‬ ‫على السالح الكيماوي‪ ،‬كأنكم تقولون‬ ‫ليس النظام من استخدمه‪ ،‬وأنه ليس‬ ‫بهذا القدر من العنف؟‬ ‫| | وكي��ف تق��ول أن��ه لي��س به��ذا الق��در م��ن‬ ‫العنف!؟ أو أننا لس��نا مهتمي��ن‪ ،‬لو انتهبت أننا كلنا كنا‬ ‫نلبس األس��ود‪ ..‬كعزاء منا لكل الس��وريين‪ ..‬الذين ال‬ ‫يسقطون فقط بالكيماوي‪ ..‬بل بكل ثانية يسقطون‬ ‫بكافه انواع االس��حله‪ ..‬نحن لس��نا فرقة للسياس��ة‪..‬‬ ‫لنق��ول هذا أم ذاك‪ ..‬أنا قل��ت أن هناك حدثًا بحد ذاته‬ ‫كارثي‪ ..‬والموت ألي س��وري‪ ،‬هو مؤلم بالنس��بة لي‪،‬‬ ‫ولكل السوريين‪..‬‬

‫| إذا كانت ومضة حب أليس عليها أن‬ ‫تأخذ منحىً أكبر في نشر السعادة وإزاحة‬ ‫تفكير الناس عن الحرب والموت ولو‬ ‫للحظة؟‬ ‫| | ب��كل الع��روض التي قدمت‪ ،‬كانت الس��عادة‬

‫| كلمة أخيرة‪..‬‬ ‫| | كلم��ه أخي��رة‪ ..‬سأقتبس��ها م��ن ماركيز في‬ ‫رسالته األخيرة‪ " :‬ﺳﺄﻣﻨﺢ ﺍﻷﺷﻴﺎﺀ ﻗﻴﻤﺘﻬﺎ‪ ،‬ﻻ ﻟﻤﺎ ﺗﻤﺜﻠﻪ‪،‬‬ ‫ﺑﻞ ﻟﻤﺎ ﺗﻌﻨﻴﻪ"‪ .‬ﺳﺄﻧﺎﻡ ً‬ ‫ﻗﻠﻴﻼ‪ ،‬ﻭﺃﺣﻠﻢ ﻛﺜﻴﺮﺍً‪ ،‬ﻣﺪﺭك��ة‬ ‫ﺃﻥ ﻛﻞ ﻟﺤﻈﺔ ﻧﻐﻠﻖ ﻓﻴﻬﺎ ﺃﻋﻴﻨﻨﺎ ﺗﻌﻨﻲ ﺧﺴﺎﺭﺓ ﺳﺘﻴﻦ‬ ‫ﺛﺎﻧﻴﺔ ﻣﻦ ﺍﻟﻨﻮﺭ‪ ..‬ﺳﻮﻑ ﺃﺳﻴﺮ ﻓﻴﻤﺎ ﻳﺘﻮﻗﻒ ﺍﻵﺧﺮﻭﻥ‪،‬‬ ‫ً‬ ‫ﻭﺳﺄﺻﺤﻮ ﻓﻴﻤﺎ ّ‬ ‫ﺩﻭﻣﺎ ﻳﻮﻡ ﺍﻟﻐﺪ‪،‬‬ ‫ﺍﻟﻜﻞ ﻧﻴﺎﻡ‪ ..‬ﻫﻨﺎﻙ‬ ‫ﻭﺍﻟﺤﻴﺎﺓ ﺗﻤﻨﺤﻨﺎ ﺍﻟﻔﺮﺻﺔ ﻟﻨﻔﻌﻞ ﺍﻷﻓﻀﻞ‪..‬‬

‫أسبوعية تصدر عن شباب سوري حر‬

‫| أليس مجدياً أكثر أن يتم اإلشارة إلى‬ ‫ضحايا المجزرة حتى ولو برمزية ما أو‬ ‫خطاب مباشر؟‬ ‫ً‬ ‫| | ال أعتق��د أن الف��ن يج��ب أن يكون مباش��را‪..‬‬ ‫األطف��ال الذي��ن تجمع��وا بش��كل غري��ب‪ ،‬بالفيدي��و‬ ‫الثان��ي‪ ،‬عندم��ا وضعن��ا الكمامة‪ ،‬ال أعتق��د أن هناك‬ ‫وضوحا أكثر من ذلك‪ ،‬وه��و تعبير عن موتنا برمزيه‬ ‫ولي��س بخطاب‪ ،‬ف��ي النهاية هناك حدث��اً كبيراً‪ ،‬ولن‬ ‫أقفز عنه‪ ،‬هو موت السوري كل يوم‪..‬‬

‫سوريتنا | السنة الثالثة | العدد (‪ / 22 | )105‬أيلول ‪2013 /‬‬

‫| نحن جميعاً سوريون‪ ،‬ولم يعد أحدٌ منا‬ ‫محايداً‪ ،‬أين أنتم؟‬ ‫| | كتب��ت ف��ي إح��دى الم��رات عل��ى صفحت��ي‬ ‫الش��خصية التال��ي‪ ،‬وال��ذي س��يكون ه��و جواب��ي‬ ‫باختصار‪( ،‬أعلن مقاومتي وممانعتي‪ ..‬فأنا لس��ت مع‬ ‫النظام‪ ،‬ولس��ت مع المعارضة‪ ،‬ولس��ت مع الرماديين‪،‬‬ ‫أن��ا مع الطيبين من أبناء ش��عبي)‪ ..‬وأن��ت قلت‪ ،‬نحن‬ ‫سوريون بإمتياز‪ ،‬ومشروع ومضة خلق لإلنسان الذي‬ ‫بداخل كل سوري‪..‬‬

‫| هل كان من الضروري أن تقدموا الشكر‬ ‫لجهات رسمية‪ ،‬أم هي رسالة موجّهة؟‬ ‫| | ه��ذا روتي��ن وتقلي��د وال يحم��ل أي��ة صفة‬ ‫موجهة لكنني مطالبة أن أش��كر كل من س��اهم في‬ ‫مس��اعدتي ومس��اندتي‪ ،‬ومنهم أصدقاء ش��خصيين‬ ‫فمث� ً‬ ‫بحوار معي لصحيفة س��ورية‪،‬‬ ‫لا أنت اآلن قم��ت‬ ‫ٍ‬ ‫أليس من واجبي أن أقدم لك الشكر على فرصة لقاء‬ ‫قرّاء جريدتك المحترمة‪..‬‬

‫حوار العدد ‪. .‬‬

‫وموطني في عرض الكيماوي؟‬ ‫| | ف��ي األول��ى اخترت (حلوة يا بل��دي) بما فيها‬ ‫من من��اداة للجميع‪ ،‬أله��ل الداخل ليفهم��وا بعضهم‬ ‫ويتش��اركوا ف��ي من��اداة إخوته��م بالخ��ارج‪ ،‬وأله��ل‬ ‫الخ��ارج ليعرف��وا أن (أمل��ي دايما كان ف��ي بلدي إني‬ ‫أرجعل��ك على ط��ول)‪ ،‬ليكون��وا مع من ف��ي الداخل‪،‬‬ ‫على الشطين‪ ..‬أما في (موطني) لما لهذه االغنية من‬ ‫عالقة مع اإلنسانية بشكل عام‪ ،‬أنها تمس أي إنسان‬ ‫حتى من خارج سوريا‪.‬‬

‫| إال تعتقدين أنك تذكرين الناس‬ ‫بآالمهم التي لم ينسوها للحظة؟‬ ‫دوم��اً في الحروب والظروف الغير طبيعية كالتي‬ ‫نعيش��ها تكون مهمة الفن أن ال يبتعد عن آالم الناس‬ ‫ويس��اعدهم للعبور نحو مس��تقبل أفض��ل‪ ،‬وهذا ما‬ ‫نطمح إليه‪ ..‬مستقبل أفضل لكل السوريين‪..‬‬

‫واضحة في وجوه الناس‪ ،‬ألنها لهم‪ ،‬ولكن لطعم هذه‬ ‫السعادة نكهة أخرى‪ ،‬نكهة ممزوجة بغصة وتساؤل‪،‬‬ ‫متى س��تنتهي ه��ذه الحرب!؟ والس��ؤال األهم‪ ،‬أليس‬ ‫م��ن الضروري ألنها ومضة ح��ب‪ ،‬أن يقابلها حب‪ ،‬من‬ ‫البعض‪ ،‬لتنتهي الحرب وتنشر هذه السعادة؟!‪ ..‬لماذا‬ ‫يقدم��ون مس��رحاً‪ ،‬ويغن��ون ويرقصون ف��ي الخارج‪،‬‬ ‫ونحن يج��ب أن نموت؟!‪ ..‬هذه لوحدها س��عادة كافية‬ ‫بالنس��بة لي لكي أس��تمر‪ ،‬ألننا مجموعه فنانين قمنا‬ ‫بمش��روع ومضة لكي نقاوم به أي ش��كل من أشكال‬ ‫القه��ر والظلم‪ ..‬ونقول بأننا س��نعيش‪ ..‬س��نعيش‪..‬‬ ‫ومعنا كل السوريين سيعيش��ون أيضًا‪ ..‬بعد كل هذا‬ ‫األلم‪..‬‬

‫من الظلم أن عرضكم تم بدون أية‬ ‫مضايقة أمنية؟‬ ‫عرضن��ا أخ��ذ موافق��ة رس��ميه‪ ..‬مثل��ه مثل أي‬ ‫ع��رض‪ ..‬وأنت تع��رف أن أي عرض س��يأخذ موافقات‬ ‫رسمية أل أكثر وال أقل‪..‬‬ ‫| أكثر ما وجه إليكم من (مثقفي‬ ‫المعارضة) نتمنى رؤيتكم في القابون‬ ‫أو مخيم اليرموك أو داريا أو أحد قرى‬ ‫الغوطة؟‬ ‫| | مثقف��ي المعارض��ة ي��ا صديق��ي كث��ر‪ ،‬إذا‬ ‫كن��ت تقص��د من يش��تمني ل��ن نكت��رث لش��تائمه‪،‬‬ ‫وأن��ا حتمًا أتمن��ى أن أع��رض في القاب��ون والغوطة‬ ‫وداريا‪ ،‬فس��وريا واحده وللجمي��ع‪ ،‬وحتما هناك بعض‬ ‫االنتق��ادات ونح��ن نرحب بها ونتم��ى أن تكون بعيدة‬ ‫عن أي عنف لفظي‪.‬‬

‫‪21‬‬ ‫ع��رض الفرق��ة األول ف��ي ش��ارع الش��عالن‬


‫في الذكرى الثالثة ‪. .‬‬ ‫سوريتنا | السنة الثالثة | العدد (‪ / 22 | )105‬أيلول ‪2013 /‬‬ ‫أسبوعية تصدر عن شباب سوري حر‬ ‫‪22‬‬

‫ومــــاذا بعــد؟!‪..‬‬

‫بع��د عامي��ن عل��ى االنطالقة نض��ع معكم على الم�لأ بعضاً م��ن بداياتن��ا‪ ،‬وحلمنا‪،‬‬ ‫وس��وريتنا‪ ..‬فمن��ذ بعد انطالقة ثورة الكرام��ة في آذار ‪ ،2011‬أدركنا أن��ه لن يكون عودة‬ ‫للخلف‪ ،‬كان اإليمان لدينا يكبر أكثر فأكثر بأن الغد سيكون للسوريين وحدهم‪ ..‬أيام ثورة‬ ‫الحرية تؤكد يوماً إثر يوم أنها ليس��ت ثورة ضد نظام جائر ومجرم فحس��ب‪ ،‬بل هي ثورة‬ ‫ضد كل أشكال الفساد والمحسوبية‪ ،‬ثورة إلعادة بناء دولة حرة ديمقراطية بكل ما فيها‪.‬‬ ‫في بداية الثورة‪ ،‬كان الس��وريين يش��هدون صدور صحف ومج�لات ومواقع إخبارية‬ ‫أس��اس إلعالم حر وحقيق��ي‪ ،‬بديل عن‬ ‫بمب��ادرات فردية بمعظمها‪ ،‬في محاولة لترس��يخ‬ ‫ٍ‬ ‫إعالم محتكر ناطق باس��م نظام وأش��خاص يُوج��ه كما أهوائه��م ومصالحهم‪ .‬ففي ظل‬ ‫احت��كار الصحف الرس��مية التابعة للنظام المس��احة اإلعالمية على م��دى أكثر من أربعين‬ ‫عاماً‪ ،‬باإلضافة إلى إعادة االعتبار للصحافة المقروءة وترس��يخ إعالم سوري حر مستقل عن‬ ‫التجاذبات السياس��ية والحزبية‪ ،‬إع�لام فاعل قادر على دفع عجل��ة التغيير كأحد المكونات‬ ‫األساس��ية في العم��ل المدني‪ ،‬السياس��ي‪ ،‬االجتماعي والثقافي‪ .‬وذلك م��ن خالل تمكين‬ ‫وتحفيز الناس على الدفاع عن حرياتهم أمام أي نظام سياسي أو سلطات مالية أو سياسية‬ ‫أو دينية دون مواربة وحسابات كسبية وخسارات سياسية‪.‬‬ ‫حت��ى إننا إذا راجعنا فترات ما بعد ربيع دمش��ق عام ‪ ،2000‬نج��د أنه لم تكن أي من‬ ‫تجارب اإلعالم الجديد حينها‪ ،‬تعبر عن تطلعات حقيقية يريدها الس��وريين‪ ،‬بل كانت كلها‬ ‫ت��دور في فلك النظام أو ش��خوص مقرّبة من��ه‪ ،‬مع إمالءات تصل حد التدخل بكل ش��يء‬ ‫سياسياً وثقافياً واجتماعياً واقتصادياً‪.‬‬ ‫من هنا ظهرت فكرة سوريتنا كجريدة سورية مدنية مستقلة‪ ،‬بعيدة عن أي من التيارات‬ ‫أو األحزاب السياس��ية وغيرها‪ ،‬وال تنطق باس��م أي من ش��خصيات المعارض��ة أو التجمعات‬ ‫السياس��ية‪ ،‬تؤس��س وتس��اهم في بناء إعالم بديل‪ ،‬على المدى البعيد‪ ،‬وتس��اهم في الثورة‬ ‫وتدعم النش��اط المدني والس��لمي إعالمياً‪ ،‬على المدى القريب‪،‬وإبرازه للس��وريين في ظل‬ ‫تجاهل قنوات اإلعالم العربية لما يحصل على الصعيد المدني وتركيزها على جوانب الحراك‬ ‫السياسي والعسكري في المجمل وغياب الفاعلين اإلعالميين عن مثل هذه النشاطات‪.‬‬ ‫سوريتنا أساس��ها إيماننا بالتغيير الس��لمي ضمن أطر المجتمع المدني ومؤسساته‪،‬‬ ‫كوس��يلة تحارب التفرقة بين الس��وريين وتنظر إليهم جميعاً على أنهم سواس��ية‪ ،‬كمنبر‬ ‫نتبن��ى عبره أه��داف ثورة الكرامة الس��ورية الت��ي تتلخ��ص بالحرية والكرام��ة والعدالة‬ ‫االجتماعية‪ ،‬والوقوف بوجه الظلم واالستبداد والفساد‪ ،‬كمنتج ثقافي يسعى لقلب مفاهيم‬ ‫المجتمع البالية والتي تعمل بش��كل س��لبي وإع��ادة طرحها ومعالجته��ا من وجهات نظر‬ ‫مختلف��ة ومتعددة‪ ،‬مدني��ة وغيرها‪ ،‬ليكون للجمي��ع الحق بالرأي والوص��ول إلى التعددية‬ ‫والديمقراطية‪ ،‬لذلك كان البد من المضي في هذا المشروع وبشكل جدي ومباشر‪.‬‬ ‫س��وريتنا‪ ،‬كان��ت حصيل��ة جهود فردية لبضع ش��باب في وس��ط دمش��ق‪ ،‬في بداية‬ ‫مراحل الثورة‪ ،‬وفي أوج نش��اطها الس��لمي والمدني‪ ،‬حيث كانت ثمة مس��احة تتيح العمل‬ ‫والمساهمة في تحويل أحالم كثير من السوريين لحقيقة انتظروها طوي ًال‪.‬‬ ‫كان��ت الفكرة بس��يطة‪ ،‬بضع أوراق وطابع��ة‪ ،‬كافية للبدء بتحقي��ق الحلم‪ ،‬كنا نجمع‬

‫جواد أبو المنى‬

‫من األصدق��اء المقربين ثمن الحبر وال��ورق‪ ،‬وكانت كل الصعوبات واإلحباطات تتالش��ى‬ ‫لمج��رد صدور العدد وتوزيعه على الناش��طين واألصدقاء‪ ،‬وس��ماع آرائه��م ومقترحاتهم‪،‬‬ ‫ومن ثم بدأنا بالتوس��ع وطباعة كميات أكبر‪ ،‬أيضاً اعتماداً على ذات الجهود الفردية لذات‬ ‫األشخاص‪ ،‬لتصل حد التوزيع في مكتبات عامة وبشكل سري‪ ..‬معتمدين أيضاً على صفحة‬ ‫في مواقع التواصل االجتماعية لتصل الجريدة للسوريين المغتربين‪ ،‬وليعرف العالم أن في‬ ‫سوريا ثورة على كل شيء‪.‬‬ ‫وك��م كان جمي ًال ومفرحاً عندما عرفن��ا أن الجريدة تطبع في مدينة حمص وتوزع في‬ ‫المظاه��رات أيام الجمعة دون أي تواصل معنا‪ ،‬وعلمنا الحقاً بأن طالباً في جامعة دمش��ق‬ ‫أيض��اً يطبعون نس��خاً ويتداولونها فيما بينهم دون أن يهتم أح��د من وراء هذه الجريدة‪،‬‬ ‫فق��د كان العطش لإلعالم الحر قد وصل حده األقص��ى‪ ،‬وكانت تجربتنا بين يديهم‪ ،‬ورأوا‬ ‫فيها ما رسّخ عند الكثيرين بأنه قد حان الوقت إلعالم حر وحقيقي‪.‬‬ ‫توس��عت الجريدة يوماً بعد يوم‪ ،‬وتم تطوير بعض أقسامها لتغطي ليس واقع الثورة‬ ‫فحس��ب بل وماضي ومس��تقبل س��وريا أيضاً‪ ،‬فهي إذاً ليست مش��روعاً مؤقتاً ولكنه بذرة‬ ‫لشجرة ستورق يوماً فكراً وحرية ستحتاجهما سوريا القادمة بشكل ملح‪.‬‬ ‫ف��ي ذلك الوق��ت لم يكن من صح��ف ومجالت الثورة قد صدر س��وى جري��دة (أخبار‬ ‫المن��دس) التي صدرت من دمش��ق في تموز من العام نفس��ه‪ ،‬واس��تمر صدورها لخمس‬ ‫أعداد وتوقفت بعدها بس��بب المالحقات األمنية‪ ،‬ومن ثم جريدة (حريات) التي صدرت في‬ ‫آب واستمرت سنة ثم توقفت وتحولت لمركز إخباري متميز‪ ،‬وصدر العدد األول من سوريتنا‬ ‫في مثل هذه األيام من أيلول ‪ ،2011‬واستمرت أسبوعياً في نفس الموعد حتى اآلن‪.‬‬ ‫ومع تصاعد الثورة السورية على كل المستويات‪ ،‬وظهور الحركات المدنية والسلمية‬ ‫في بلد لم يعتد على حراك مش��ابه ألكثر من أربعين عاماً‪ ،‬وبالتوازي مع س��وريتنا ظهرت‬ ‫الكثير من المبادرات من ش��باب مدني مس��تقل وآخر مس��يس‪ .‬اتجهت في معظمها إلى‬ ‫النش��ر االلكتروني‪ ،‬وتفاوتت في قدرتها على االس��تمرار‪ ،‬فبعضها توقف بعد إصدار أعداد‬ ‫قليلة نتيجة الصعوبات األمنية‪ ،‬وبعضها اس��تمر‪ .‬كما تفاوتت في حجم انتشارها وتداولها‬ ‫بين السوريين والقارئين بالعربية‪ .‬كما أنها تفاوتت في مستوى تطورها‪.‬‬ ‫م��ع اس��تمرار الثورة‪ ،‬وبع��د دخول س��وريتنا في الع��ام الثالث‪ ،‬بانتظام تام‪ ،‬نس��عى‬ ‫الي��وم إل��ى تعميق تجربتنا وتكريس��ها والعمل عل��ى تعميق الجانب اإلعالم��ي االحترافي‬ ‫فيها‪ ..‬ونشعر بالمس��ؤولية أكثر فأكثر تجاه سوريا وكل ما يسعى منبرنا هذا لتقديمه لها‬ ‫وتكريسه‪.‬‬ ‫نهاي��ة‪ ،‬وعلى ب��اب العام الثالث ال بد لن��ا أن نقدم جزيل الش��كر واالمتنان لكل من‬ ‫منظمة إنترنيوز األوروبية‪ ،‬على دعمها الكريم إلطالق موقع الجريدة على شبكة اإلنترنت‪،‬‬ ‫وجمعية س��مارت السورية‪ ،‬التي تعمل وبشكل أس��بوعي على طباعة معظم جرائد وصحف‬ ‫الحراك السوري وتوزيعها في مناطق الشمال السوري‪ ،‬دون ملل أو كلل‪ ،‬رغم كل الصعوبات‬ ‫التي يواجهها فريق مركز الطباعة والتوزيع‪ ..‬كما نوجه التحية لكل اإلعالم الس��وري الحر‪،‬‬ ‫الذي يسعى بمجمله إلى بناء دولة الحرية والديمقراطية التي نريدها جميعاً‪.‬‬


‫الإعالم ال�سوري اجلديد‬ ‫ياسر مرزوق‬

‫في الذكرى الثالثة ‪. .‬‬ ‫سوريتنا | السنة الثالثة | العدد (‪ / 22 | )105‬أيلول ‪2013 /‬‬

‫يقول جورج أورويل على لس��ان بطل روايته ‪1984‬‬ ‫«ونستون سميث»‪:‬‬ ‫«إنهم ال يري��دون اعترافاته بل يري��دون عقله لم‬ ‫يك��ن يهمه��م أم يحصلوا من��ه على هت��اف بحياة األخ‬ ‫األكب��ر‪ ،‬بل أن يعتقد أن األخ األكب��ر ال يمكن أن يخطئ‬ ‫كان ونس��تون يش��عر بأن الش��يء الوحيد ال��ذي مازال‬ ‫يملك��ه حقاً ويس��يطر عليه ويتحكم في��ه وحده هو عدة‬ ‫س��نتيمترات مربع��ة‪ ،‬هي مركز التفكير في رأس��ه وكان‬ ‫يش��عر على نحو ما‪ ،‬أن��ه إذا اس��تطاع أن يحتفظ بهذه‬ ‫الس��نتيمترات المربعة حي ًة في رأسه‪ ،‬وأن يردد ما يدور‬ ‫فيها م��ن أفكار ولو لنفس��ه وحده‪ ،‬فإنه يس��تطيع على‬ ‫األقل أن يضمن أن يستمر»‪.‬‬ ‫بش��كل دقيق تحول القيم البش��رية‬ ‫وصف أورويل‬ ‫ٍ‬ ‫إلى أمور هامش��ية‪ ،‬ومن ثم س��طوة األحزاب السلطوية‬ ‫والش��مولية عل��ى الن��اس والش��عوب ليكون��وا أرقام��اً‬ ‫هامشية في الحياة بال مشاعر أو عواطف بال طموحات أو‬ ‫آمال‪ ،‬حيث يعملون كاآلالت خوفاً من األخ األكبر‪.‬‬ ‫اليوم سقطت أس��طورة األخ األكبر وتحول اإلعالم‬ ‫إل��ى فض��اءات التكنولوجي��ا‪ ،‬هذا التحول م��ا كان له أن‬ ‫يحصل لوال السياسة الغبية التي انتهجتها األنظمة من‬ ‫خالل القمع والكبت واحتكار وسائل اإلعالم‪ ،‬ما دفع هذه‬ ‫الش��ريحة العريضة إلى البحث عن البديل التي يمكنها‬ ‫من رفع صوتها‪.‬‬ ‫إن أقوى ما في وس��ائل اإلع�لام الجديد‪ ،‬أنها خارج‬ ‫س��يطرة الس��لطات‪ ،‬فكل أس��لوب لحج��ب المواقع كان‬ ‫يجابه بأسلوب تقني عصري يلتف على هذا المنع‪ ،‬وحتى‬ ‫أس��لوب “الكي” أي قطع االنترن��ت بالمطلق‪ ،‬تم التغلب‬ ‫عليه عن طريق وس��ائل اتصال متطورة‪ .‬إن نش��وء هذا‬ ‫الفضاء الجديد من الحرية‪ ،‬س��اهم ف��ي التحول النوعي‬ ‫الذي ط��رأ عل��ى اس��تخدام الش��بكات االجتماعية على‬ ‫اإلنترنت‪ ،‬من كونها أداة للترفيه‪ ،‬والتواصل االجتماعي‪،‬‬ ‫إل��ى أداة للتنظي��ر والتنظي��م والقيادة‪ ،‬ثم إلى وس��يلة‬ ‫فعّالة لنق��ل الح��دث‪ ،‬ومتابعة المي��دان‪ ،‬ومصدر أولي‬ ‫لوسائل اإلعالم العالمية‬ ‫في العدد األول من س��وريتنا كتب��ت الزميلة ليلى‬ ‫الس��مان في افتتاحيتها‪« :‬هي س��وريتنا التي س��رقتها‬ ‫منا مقاع��د مدارس علمتن��ا حياة القطي��ع والخوف بدل‬

‫أن تعلمن��ا الحي��اة والح��ب‪ ،‬واغتصبتها ش��وارع غصت‬ ‫بالمخبري��ن الرابضين ف��وق مقابرنا ك��ي ال نمر للجنة‬ ‫فنخبر اهلل بما فعلوه بنا…‬ ‫هي سوريتنا التي عاشتها األجيال في العقود األربع‬ ‫األخيرة كاستعادة لذاكرة من سبقهم دون أن يعرفوها‪..‬‬ ‫فل��م يرحل��وا ع��ن أوطانه��م‪ ..‬ألن أوطانه��م هي من‬ ‫رحلت عنهم… وعبث��ت بذاكرتهم وقناعاتهم… غيرت‬ ‫توجهاتهم وتالعبت بأشكال الحروف ليصير الجمال قبحاً‬ ‫والكراهية حباً… والخوف فراش��اً نغف��و عليه في نهاية‬ ‫يوم أنهكته األحالم‪..‬‬ ‫ٍ‬ ‫وألن الص��وت ارتفع‪ ،‬ولم يع��د هناك طريق للعودة‬ ‫لزم��ن القه��ر وال��ذل‪ ،‬كان لن��ا أن نش��ارككم بصوتنا‬ ‫الخجول‪ ،‬وسط أصوات الحرية والرصاص‪ ،‬حرية سوريا‪..‬‬ ‫ورصاص جالديها‪»..‬‬ ‫اليوم تدخل س��وريتنا عامه��ا الثالث بعد أن خلعت‬ ‫وزميالته��ا تركة ص��ورة الزعيم ولي ال��رب على عباده‪،‬‬ ‫أو صانع الث��ورة والحياة وباني الدول��ة‪ ،‬وهو من بيديه‬ ‫ال بقوة شعبه ش��يدت المدارس ومدت الطرقات وبنيت‬ ‫المستشفيات وكتبت الكتب‪.‬‬ ‫إع�لام الثورة أو إع�لام زمن الث��ورة يعيش جدلي ًة‬ ‫مفاده��ا أن الفكر ال يحيا وال يظهر االبداع إال في حضن‬ ‫عالئ��ق ق��وة مقاومة تقف ض��د مقاومات تتخذ أش��كا ًال‬ ‫متعددة‪ ،‬وهي مقاومة مدنية بمعنى ما ألش��كال الرقابة‬ ‫التي تحاصره��ا‪ ،‬بمعنى أن هناك أش��كا ًال من المقاومة‬ ‫ألن هن��اك أش��كا ًال من الرقاب��ة‪ ،‬الرقابة الت��ي ال يمكن‬ ‫فرضها داخل مجتمع من قبل أي سلطة دون إشباع وعيه‬ ‫العام بمس��لمات‪ ،‬أو بإحالل حال��ة خوف حقيقي باقتطاع‬ ‫فئة معينة من هذا المجتمع وجعلها عدواً‪ ،‬والتنكيل بها‬ ‫لتكون عبر ًة لآلخرين‪ ،‬إال أن آلة الرقابة عجزت في أقسى‬ ‫تعبيراته��ا من محاكم تفتيش‪ ،‬وث��ورات ثقافية‪ ،‬وفتاوى‬ ‫دينية وايديولوجية وأنظمة مس��تبدة ع��ن التحول إلى‬ ‫مؤسس��ة دائمة ومطلقة فهناك دائماً أصوات تأتي من‬ ‫حدود اللغة لتزرع الفتنة وزهرة فكرة الجمال‪.‬‬ ‫عن كازانتزاكس أنقل‪:‬‬ ‫«ربم��ا كان��ت الكتابة لعب��اً في عصور أخ��رى‪ :‬أيام‬ ‫الت��وازن واالنس��جام‪ ،‬لكنه��ا اليوم مهمة جس��يمة‪ ،‬لم‬ ‫يعد الغرض منها تس��لية العقول بالقصص الخرافية أو‬

‫مس��اعدة هذه العقول على النس��يان‪ ،‬ب��ل الغرض منها‬ ‫تحقي��ق حالة م��ن التوحد بي��ن جميع الق��وى الوضاءة‬ ‫الت��ي ال تزال ق��ادر ًة على الحي��اة حتى أيامن��ا االنتقالية‬ ‫هذه‪ ،‬والغرض أيضاً تحريض اإلنس��ان على بذل قصارى‬ ‫جهوده‪ ،‬لتجاوز الوحش الكامن في أعماقه»‪.‬‬ ‫اليوم وفي صفحتنا هذه لنا أن نتوجه بالش��كر لكل‬ ‫من قرأ وعلق وانتقد‪ ،‬لكل من ش��اركنا األفراح والخيبات‬ ‫واالنتظ��ار‪ ،‬لكل من دع��م الوليد الذي يحب��و في فضاء‬ ‫اإلعالم الحر‪ ،‬سوريتنا التي ال تقدم نفسها كإعالم بديل‪،‬‬ ‫ٍ‬ ‫بل كتجربة تتلمس إهاب الحرية‪ ،‬س��وريتنا التي ال تقدم‬ ‫فصيل أو تيار بعينه‪ ،‬بل هي صوتٍ‬ ‫كناطق باسم‬ ‫نفسها‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫يشارك السوريين نداء الحرية والعدالة والكرامة‪.‬‬ ‫ق��ال أحد الكتاب يصف تجربته في أحد معس��كرات‬ ‫االعتق��ال‪« :‬يمكن أن تقتل إنس��اناً ولك��ن ال يمكن أن‬ ‫تغي��ره‪ ،‬إن اإلب��ادة كلحظ��ة قص��وى في عمر البش��رية‬ ‫عاجزة عن تحطيم مناطق متغلغلة في كل إنس��ان وهي‬ ‫إحساسه بالكرامة والعدالة‪».‬‬ ‫في خضم حياتن��ا المعاصرة الخانقة يثور الس��ؤال‬ ‫التال��ي‪ ،‬ماذا على االنس��ان أن يفعل‪ ،‬وتجيب س��وريتنا‪،‬‬ ‫ب��أن ما يج��ب على االنس��ان المعاص��ر أن يفعله هو أن‬ ‫يرف��ض‪ ،‬أن يلت��زم‪ ،‬أن ال يفقد األم��ل‪ ،‬أن يقف في وجه‬ ‫التي��ار‪ ،‬أن يقاوم��ه‪ ،‬أن يجاهد‪ ،‬في مقاومة ه��ذا العالم‬ ‫الحاف��ل بالمتناقض��ات والغرابة‪« ،‬إني أرف��ض» نقولها‬ ‫في وجه العال��م الالمنطقي‪ ،‬ولكن في الوقت عينه نحن‬ ‫نرفض الموت‪ ،‬نرفض الذل والمسكنة‪ ،‬نرفض التنصل‬ ‫والهرب‪ ،‬س��نقف ونكافح من أجل أن تصب��ح الحياة أقل‬ ‫قسوة‪ ،‬كي يصبح هذا العالم عالماً جديداً‪ ،‬عالماً مختلفاً‪،‬‬ ‫عالماً يكفل للبشرية السكينة والعدالة‪.‬‬ ‫مش��وارنا طويل‪ ،‬وصراعنا ابتدأ مع بداية االنسانية‬ ‫في وجه الظل��م والظالم ورافقها حت��ى يومنا هذا‪ ،‬عام‬ ‫‪ 1909‬كتب خليل مطران‪:‬‬ ‫كسروا األقالم هل تكسيرها يمنع األيدي أن تنقش صخراً‬ ‫قطعوا األيدي هل تقطيعها يمنع األعين أن تنظر ش��زراً‬ ‫اطفئوا األعين‪ ،‬هل إطفاؤها يمنع األنفاس أن تصعد زفراً‬ ‫أخم��دوا األنفاس هذا جهدكم وبه منجاتنا منكم فصبراً‬

‫أسبوعية تصدر عن شباب سوري حر‬ ‫‪23‬‬


‫في الذكرى الثالثة ‪. .‬‬ ‫سوريتنا | السنة الثالثة | العدد (‪ / 22 | )105‬أيلول ‪2013 /‬‬ ‫أسبوعية تصدر عن شباب سوري حر‬ ‫‪24‬‬

‫�صحافة الثورة‬ ‫هواجـــ�س ومالحظـــات‬ ‫شيرين حايك‬ ‫مما ال ش��كّ بهِ أن اإلعالم السوري المكتوب شهدَ تطوّراً ملحوظاً بعدَ‬ ‫إندالع الثورة السورية في آذار ‪ .2011‬فانتقل من إعالم رسميّ وحيد مرتبط‬ ‫ٍ‬ ‫بالس��لطة يعم��ل على نقل الواقع كما ت��راهُ األخيرة إلى إع�لام أكثر حيويّةٍ‬ ‫ٍ‬ ‫وواقعيّ��ة‪ .‬العديد م��ن الجرائد والمجالت والنش��رات المحليّة الخاصة والتي‬ ‫بشكل مؤسساتيّ بدأت تظهر وتعتمد كمصدر‬ ‫شباب مدنيّ يعمل‬ ‫تصدر عن‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫بش��كل س��ريع جدّاً‬ ‫أتى‬ ‫الذي‬ ‫التطوّر‬ ‫هذا‬ ‫لكنّ‬ ‫والمعلومات‪.‬‬ ‫لألخبار‬ ‫معروف‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫ف��ي المراح��ل األولى من الثورة َ‬ ‫دخل ف��ي طور الثبات في الع��ام الثاني منها‬ ‫ألسباب عديدة ظهرت بأوجها مع الدخول في بداية مرحلة التس ّلح في الثورة‪.‬‬ ‫ٍ‬ ‫لربما صحّ القول بأن أحد أهم أس��باب دخول اإلعالم الس��وري المكتوب‬ ‫ضمن مرحلة الثبات هذه هو إرتباطه المباش��ر بالمثقفين الس��وريين س��واء‬ ‫َ‬ ‫كان ذل��ك باللغة أو اإلس��لوب‪ .‬المثقفون الس��وريون الذين كان��وا‪ ،‬ومازالوا‪،‬‬ ‫أبع��د ما يكون عن الثورة الحقيقيّة في الش��وارع والحارات الس��وريّة‪ .‬الثورة‬ ‫فاجأت جميع من كان يتمناها وعلى رأس��هم المثقفين الذين أنقس��موا بينَ‬ ‫وغريب عنها‪ .‬أمّا الثورة فقد فضّلت النزول إلى الش��ارع والحياة‬ ‫مؤيّد للثورة‬ ‫ٍ‬ ‫مع البس��طاء في أحيائهم الفقيرة ولغتهم المحكيّة البس��يطة على الجلوس‬ ‫بش��كل خاص بعدَ‬ ‫بينَ األدب��اء والمثقفين في مقاهيم وندواتهم‪ .‬أتى هذا‬ ‫ٍ‬ ‫بشكل وحشيّ‬ ‫الش��عبيّة‬ ‫تحوّل الثورة إلى مس�� ّلحة وهجمات النظام لألحياء‬ ‫ٍ‬ ‫زادَ م��ن الفج��وة الثقافيّة بينَ هذه المجموعات‪ .‬ل��ذا َ‬ ‫كان من الصعب على‬ ‫اإلع�لام المكتوب أن يس��تمرّ باإلعتماد فقط عل��ى المثقفين ولغتهم‪ ،‬وكان‬ ‫بش��كل‬ ‫من األصعب عليه التخ ّلي عنهم باألخصّ أنهم كانوا جمهوره األوّل‬ ‫ٍ‬ ‫طبيعيّ‪.‬‬

‫فإن عدد قرّاء المق��االت الطويلة يعتبر‬ ‫جان��ب آخر ّ‬ ‫ه��ذا من جانب‪ ،‬من‬ ‫ٍ‬ ‫ثابتاً‪ ،‬أن لم يكن بتناق��ص‪ ،‬بالمقارنة مع تطوّر التكنولوجيا اليوم‪ .‬فقد‬ ‫أصبحَ باإلمكان نقل الفكرة التي كانت تس��تغرقُ مقا ًال ُ‬ ‫منذ سنواتٍ‬ ‫بالفتة مظاهرة أو بوس��تر يحوي ّ‬ ‫أقل من عش��ر كلماتٍ ويمكن‬ ‫قرائته��ا ّ‬ ‫بأقل من عش��ر ثوان‪ .‬اإلعالم الس��وري المكتوب لم‬ ‫يراع��ي ذلك بل إعتم��د على ملئ الف��راغ الناتج عن القمع‬ ‫ف��ي األربعين س��نة الماضية وفضّل المقال��ة الطويلة‬ ‫والكالسيكيّة على المقالة القصيرة والسريعة والتي‬ ‫يمكن قرائتها وتناقلها ّ‬ ‫بأقل من خمس دقائق‪.‬‬ ‫مس��ألة إضافيّ��ة لعب��ت دورها ف��ي تهميش‬ ‫اإلع�لام المكتوب في الثورة ه��ي عدم وجود فوارق‬ ‫حقيقيّة بينَ مجلة وأخ��رى‪ ،‬جريدةٍ وأخرى‪ .‬معظم‬ ‫الصح��ف التي ظهرت في ّ‬ ‫ظل الث��ورة تكتب بنفس‬ ‫األس��لوب وتح��تَ نفس األبواب وتس��تهدف نفس‬ ‫الجمهور‪ ،‬وفي كثي��ر من األحيان يمكننا القول أنها‬ ‫تعتم��د على عدد معيّن‪ ،‬مش��ترك‪ ،‬من الكتّاب هم‬ ‫نفس��هم من يكتبون لمعظم هذه الصحف‪ .‬هذا ما‬ ‫جعل ال��روح الكليّة واحدة ومتش��ابهة ما يكفي أن‬ ‫ال يكون هناك جديد منتظر بينَ صحيفةٍ وأخرى‪.‬‬ ‫غي��اب التموي��ل المباش��ر يعتبر أيض��اً واحد ًة‬

‫من المش��اكل التي تح��دّ أيّ صحافةٍ من الخروج فقط م��ن مقاالت الدائرة‬ ‫األولى من األصدقاء والمثقفين والمعنيين الذين يمكن لهم أن يكتبوا مقا ًال‬ ‫بشكل خاص ضمن ظروف‬ ‫ش��هريّاً بالمجان أو إعادة نشر المنشور‪ .‬هذا يأتي‬ ‫ٍ‬ ‫الحي��اة في س��وريا اليوم وغياب الدخل عموماً وش��به التوقف الكامل لمصادر‬ ‫ً‬ ‫حاجة للتوجه نحوَ اإلعالم المدفوع عن ذاك‬ ‫الدخل الخاص كذلك‪ ،‬مما يخلق‬ ‫المستكتب بالمجان‪.‬‬ ‫النقطه األخيرة هي اإلنتش��ار‪ ،‬معظم الصحف السورية ينحصر جمهورها‬ ‫بشريحةٍ معينةٍ من السوريين وهو أن تراوح بينَ عدّة شرائح سوريّة يبقى‬ ‫محصور ضمن الجو الس��وري ‪ -‬الس��وري‪ .‬هذا ما يجعل من زيادة الحديث في‬ ‫الشأن السوري يدخل ضمن دائرةٍ مفرغة من التسليم بحقائق معيّنة تصبح‬ ‫بديهيّةً بالنس��بة للكتّاب والقراء السوريين وغير مفهومة ما يكفي بالنسبة‬ ‫بش��كل عاديّ دون أن يكون منخرط بالبديهيات‬ ‫لقارئ يتابع الشأن السوري‬ ‫ٍ‬ ‫ّ‬ ‫يش��كل نوع من أزمة تواصل بين الصحف الس��ورية‬ ‫المتعلقة به‪ .‬األمر الذي‬ ‫ضمن الثورة والقرّاء العرب عموماً‪.‬‬


‫�سياحة الإعالم الغربي يف بالدنا‬ ‫تناف�س حمموم على ا�ستباحة �سوريا‬

‫سوريتنا | السنة الثالثة | العدد (‪ / 22 | )105‬أيلول ‪2013 /‬‬ ‫أسبوعية تصدر عن شباب سوري حر‬

‫"نحارب الح��رب بالحب والف��ن"‪ :‬قالت مدربة‬ ‫رق��ص سورية وهي تمس��ك بيدي ش��اب تعلمه‬ ‫رقصة السالسة عل��ى أنغام الموسيق��ا الكوبية‪،‬‬ ‫ف��ي المرك��ز البلغ��اري بح��ي المالك��ي!! ه��ذا ما‬ ‫طالعتنا به قناة فرنسية دخل مراسلوها دمش��ق‬ ‫ب��إذن من النظام وسمح له��م بالتجول والتصوير‬ ‫في شوارع دمش��ق‪ ،‬بينما ق��د يتعرض أي سوري‬ ‫لخط��ر االعتقال إذا ضبطت مع��ه كاميرا‪ ،‬حتى لو‬ ‫ك��ان يصور نفسه!! إذن سمح له��ؤالء المراسلين‬ ‫بالتصوير وااللتقاء بالناس‪ ،‬فخرجوا بهذا التقرير‬ ‫الص��ادم من قل��ب مدين��ة محاصرة بالم��وت‪ ،‬وال‬ ‫تك��ف مدفعية النظام عن التهام أطرافها‪ ،‬فالذين‬ ‫ظه��روا في التقرير ال يواجهون حرب النظام على‬ ‫الش��عب‪ ،‬بل يواجه��ون التهديد الدول��ي بمعاقبة‬ ‫النظ��ام الستخدام��ه الساري��ن ف��ي قت��ل أطفال‬ ‫الغوطة‪.‬‬ ‫مش��روع تعلي��م الرقص بدأ من��ذ سنتين مع‬ ‫اندالع "الحرب" بحسب التقرير الذي يؤكد بش��كل‬ ‫م��ا على أن التي ب��دأت قبل أكثر م��ن عامين في‬ ‫سوريا كانت حربا وليست "ثورة"‪ ،‬وقد قرر هؤالء‬ ‫"محاربتها بالحب والرق��ص والغناء والترويح عن‬ ‫النفس بالمالهي"!! يستط��رد التقرير في انتقاء‬ ‫اللقطات الصادمة‪ ،‬فيجري لقاء مع سيدة دمشقية‬ ‫(سني��ة بدلي��ل الحجاب) تغن��ي في مله��ى ليلي‪،‬‬ ‫فتتح��دث عن أسباب ارتيادها لهذا المكان في باب‬ ‫توم��ا (الحي المسيح��ي)‪" :‬نأتي لنرق��ص ونغني‬ ‫ألن األوض��اع عندن��ا سيئ��ة جداً‪ ،‬نتسل��ى ونبتهج‬ ‫بعي��داً ع��ن األج��واء في الخ��ارج" وهك��ذا تقسم‬ ‫دمش��ق إلى داخ��ل بارد تحت جن��اح النظام‪ ،‬حيث‬ ‫الرق��ص والغن��اء‪ ،‬وخارج ساخن حي��ث اإلرهابين‬ ‫والحرب والقتل؛ ففي الخارج يقبع سوريون خونة‬ ‫وإرهابي��ون ج��اؤوا من الخ��ارج األبع��د‪ ،‬في حين‬ ‫يل��وذ في الداخ��ل الب��ارد سوريون "شرف��اء" من‬ ‫مختل��ف الطوائف بمن فيه��م األكثرية السنية‪ ،‬ال‬ ‫طائفة النظام وطوائف األقليات الموالية وحسب‪،‬‬ ‫وإذا شئن��ا المض��ي أكثر في ق��راءة الرسائل التي‬ ‫تضمنه��ا التقري��ر سنعث��ر على ما يح��رض على‬ ‫الدمشقيين وبشكل فاقع!!‬ ‫يمك��ن القول‪ :‬لو أن قن��اة االخبارية السورية‬ ‫أو قن��اة سم��ا عرضت هك��ذا تقرير‪ ،‬لن��ال عالمة‬ ‫الصف��ر بالحرفي��ة‪ ،‬لكن بم��ا أنها قن��اة فرنسية‬ ‫معروفة‪ ،‬ووفق مقولة "كل شيء فرنجي برنجي"‬ ‫يصعب التش��كيك بحرفيتها‪ ،‬كم��ا أنها لم تكذب‪،‬‬ ‫ولم تلفق‪ ،‬فتلك الش��ريحة م��ن الناس موجودة‪،‬‬ ‫وتعان��ي من القلق والخوف كسائ��ر سكان البالد‪،‬‬ ‫وتل��ك المحالت أيضاً موجودة وربما زاخرة بالرواد‬ ‫من مختلف المش��ارب‪ ،‬لكن كل ذل��ك جزء صغير‬ ‫من المشهد العام في دمشق‪ ،‬وتعميمه على هذا‬ ‫النحو‪ ،‬قصر نظر إن لم نقل إنه التضليل بعينه‪.‬‬ ‫إذ ل��م يتضمن التقرير سوى إشارات غامضة‬ ‫إلى وجود شرائح أخرى غير تلك الشريحة المنتقاة‬ ‫بعناية‪ ،‬للتمجيد بأعمال جي��ش النظام‪ ،‬فبدا كما‬ ‫لو أن كل سكان العاصمة يمضون ليلهم بالرقص‬ ‫والغناء واالنش��راح‪ ،‬ال مجرد فئة محدودة منتفعة‬ ‫من وجود النظام‪ ،‬بينم��ا الغالبية المتضررة تقبع‬ ‫في بيوتها "مرغم أخ��اك ال بطل"‪ ،‬النعدام األمن‬ ‫وأيض��ًا لضيق ذات الي��د‪ ،‬حيث لم يق��دم التقرير‬

‫إجاب��ة على سؤال يف��رض نفسه م��ن أين يأتي‬ ‫ه��ؤالء بفائ��ض المال لبذل��ه ف��ي المالهي‪ ،‬في‬ ‫الوق��ت الذي يرزح فيه أكثر من ‪ % 70‬من السكان‬ ‫تح��ت خط الفق��ر‪ ،‬ويعتمد أكثر م��ن ستة ماليين‬ ‫س��وري عل��ى اإلعانات‪ ،‬كم��ا لم يق��دم إجابة عن‬ ‫الساعة التي تغلق فيها البارات والمالهي أبوابها‪،‬‬ ‫ف��ي مدينة قطعت أوصاله��ا بأكثر من ‪ 400‬حاجز‬ ‫عسكري‪ ،‬لرصد حركة السكان وعد أنفاسهم!‪.‬‬ ‫ق��د ال تك��ون القن��اة الفرنسية معني��ة بتلك‬ ‫اإلجاب��ات‪ ،‬لكننا نحن حتمًا معنيين بتفنيد دعايات‬ ‫اإلع�لام الغرب��ي‪ ،‬فالتقري��ر أوحى بش��كل ما أن‬ ‫هؤالء هم سكان دمشق عمومًا ال شريحة معينة‪،‬‬ ‫دأبت على تصدر شاشات إعالم النظام بوصفهم‬ ‫السوريي��ن "الش��رفاء" المدافعي��ن ع��ن الوطن‪،‬‬ ‫ويجتاح��ون الموالت التي خلفه��ا األثرياء وراءهم‬ ‫ف��ي المالك��ي وكفرسوس��ة ومقاه��ي ومطاعم‬ ‫أب��و رمانة والش��عالن وب��اب توم��ا‪ .‬كعمل وطني‬ ‫للتأكي��د أن الحي��اة تسير بش��كل طبيعي‪ ،‬كما لم‬ ‫يتوقفوا يومًا عن الرقص على الشاشات المحلية‬ ‫والدولية‪ ،‬ومؤخ��راً أطلقوا حملة "يا أوباما خريها"‬ ‫في طريق��ة مبتك��رة للدفاع عن النظ��ام‪ ،‬هؤالء‬ ‫حتم��ًا يطربهم تهدج أصوات أطفال الغوطة وهم‬ ‫يلفظون أنفاسهم األخيرة‪ ،‬ألن كل ريف دمش��ق‬ ‫بنظرهم حاضنة لإلرهاب يجب مسحها وتسويتها‬ ‫ب��األرض‪ ،‬وال يرون ف��ي التسليم الم��ذل للسالح‬ ‫الكيماوي‪ ،‬انتهاكًا للسيادة الوطنية‪ ،‬بل يعتبرونه‬ ‫انتصاراً سياسيًا ساحقًا على قوى التكبر العالمي‪،‬‬ ‫وال يجللهم الخزي وهم يرون روسيا ترسم مصير‬ ‫نظامهم وفق مصالحها‪ ،‬بل يصفقون لمواقفها‪،‬‬ ‫وبالق��در نفس��ه وربم��ا أكث��ر يهللون إلي��ران إذ‬ ‫تعل��ن سوريا محافظة إيرانية!! ولذا من الطبيعي‬ ‫أن يرقص��وا ويغن��وا ويقاوموا الح��رب بالرقص‪،‬‬ ‫عندما يكون معيار الوطنية بقاء النظام ولو على‬ ‫الخراب‪ ،‬لم ال؟ إذا كان هذا النظام حصراً الضامن‬ ‫الوحي��د لديمومة متعته��م وملذاتهم!! فقد سبق‬ ‫واخت��زل اإلع�لام الرسمي حرية الس��وري بعودة‬ ‫المرأة إلى البيت بعد الثالثة فجراً وارتدائها ما قل‬ ‫ستراً من المالبس‪..‬‬ ‫وج��اء تقري��ر القن��اة الفرنسي��ة ليؤك��د هذا‬ ‫المفهوم للحرية باحترافية أكبر‪ ،‬إذا أحسنا الظن‪،‬‬ ‫لكن إذا أسأناه فلنتمعن فيما يلصق بالدمشقيين‬ ‫من م��واالة للنظ��ام وتأييده للقت��ل‪ ،‬التهمة التي‬ ‫سب��ق وروجتها وكالة األنب��اء العالمي��ة "رويترز"‬ ‫ف��ي تقرير لها عن حقد أهالي ريف دمش��ق على‬ ‫سكان مدينة دمش��ق‪ ،‬وتوعده��م بالويل والثبور‬ ‫وعظائ��م األمور‪ ،‬في حال انتصرت الثورة!! ألنهم‬ ‫ل��م يثوروا على النظ��ام‪ ،‬وذلك دون أي إشارة إلى‬ ‫أن سكان دمش��ق من أكثر من عقدين نزحوا إلى‬ ‫الريف بسبب الوضع االقتصادي‪ ،‬حيث باع معظم‬ ‫الدمش��قيين منازلهم في العاصمة واشتروا عدة‬ ‫من��ازل لألبن��اء في الري��ف‪ ،‬ودون أي ذك��ر للتجار‬ ‫الش��وام الداعمين للثورة الذين دمرت مصانعهم‬ ‫ومش��اغلهم بش��كل ممنه��ج واضط��روا للفرار‪.‬‬ ‫وتجاه��ل المظاهرات التي انطلق��ت بداية الثورة‬ ‫ف��ي مختلف أحياء دمش��ق المرجة المي��دان المزة‬ ‫وركن الدين والصالحية والقابون وغيرها‪..‬‬ ‫يصف��ون الدمش��قيون باالنتهازية وإلحاقهم‬

‫جميعهم جملة واحدة بالنظام‪ ،‬كما سبق وألحقت‬ ‫طوائ��ف األقلي��ات الديني��ة جمل��ة واح��دة‪ ،‬بزعم‬ ‫ارتب��اط مصالحه��ا م��ع النظ��ام حام��ي األقلي��ات‬ ‫ومصالح رأس المال‪ ،‬في تكريس مبتذل لمختلف‬ ‫أن��واع االنقسام��ات والتش��ظيات داخ��ل المجتمع‬ ‫الس��وري‪ .‬ث��م يأتي اإلع�لام الغرب��ي ليمهر تلك‬ ‫االنقسام��ات بأدل��ة عليه��ا توقيع��ه‪ ،‬ف��ي تقارير‬ ‫سياحية‪ ،‬استشراقية‪ ،‬إلثبات تصوراته المسبقة‪،‬‬ ‫كي ال نقول خدمة ألجنداته الخاصة‪.‬‬ ‫وه��ذا ديدنه من��ذ انطلقت الث��ورة السورية‪،‬‬ ‫فحين كانت المظاهرات ما تزال سلمية ويش��ارك‬ ‫فيه��ا مختلف أطياف المجتم��ع‪ ،‬ويقوم الناشطون‬ ‫بضخ سي��ل من مقاطع الفيديو ك��ان اإلعالميون‬ ‫ف��ي الغرب يعكفون على التنقيب في تلك الصور‬ ‫عما يؤكد الطابع الطائف��ي للثورة‪ ،‬وكان التركيز‬ ‫عل��ى انطالقها م��ن المساج��د‪ ،‬وعل��ى المنقبات‬ ‫حتى حين علم��وا أن النقاب ك��ان وسيلة للتخفي‬ ‫ف��ي ظل نظ��ام جائ��ر‪ ،‬والحقاً ك��ان التركيز على‬ ‫أصحاب اللحى ورايات القاعدة‪ ،‬وقاطعي الرؤوس‬ ‫و‪ ..‬إلخ من رموز وكل ما ينتزع عن الثورة طابعها‬ ‫المدن��ي‪ ،‬لتأت��ي الي��وم القن��اة الفرنسي��ة وتبرز‬ ‫الطابع "اإلنساني" الراقي العاشق للفن والرقص‬ ‫ال��ذي يتمت��ع ب��ه مجتم��ع الموالي��ن للنظ��ام في‬ ‫مواجهة "وحوش الثورة الدموية"!!‬ ‫وهن��ا نتذكر أنه قب��ل بدء الوالي��ات المتحدة‬ ‫األمريكي��ة حملته��ا العسكرية على الع��راق عام‬ ‫‪ ،2003‬ب��دأت حملة إعالمي��ة واسعة تركزت على‬ ‫وحش��ية نظ��ام ص��دام حسي��ن‪ ،‬وخاض��ت أقالم‬ ‫اإلعالميين ف��ي رواية قصص فيها من األساطير‬ ‫أضعاف ما فيها م��ن حقائق‪ ،‬لتبرير حجم التدخل‬ ‫العسك��ري الدول��ي‪ ،‬واستباح��ة الع��راق‪ ،‬وقرأن��ا‬ ‫عش��رات التقاري��ر المضمنة خرائ��ط ومجسمات‬ ‫لمخابئ وسراديب سرية بناها في أعماق األرض‬ ‫مجه��زة بكل وسائ��ل الحياة الكافي��ة لعدة أشهر‪،‬‬ ‫وتقاري��ر أخ��رى ع��ن قص��ور ص��دام وحصانتها‪،‬‬ ‫وفوجئن��ا لدى احتالل بغداد ب��أن سقوط القصور‬ ‫ك��ان على أه��ون سبب‪ ،‬أم��ا السرادي��ب الخرافية‬ ‫فل��م تك��ن أكثر م��ن حف��رة أشب��ه بالقب��ر‪ ،‬في‬ ‫مزرع��ة فقي��رة‪ ..‬لتك��ون تل��ك نماذج م��ن إعالم‬ ‫غرب��ي احت��رف التضليل‪ ،‬سرعان م��ا تحولت بعد‬ ‫احتالل العراق إلى التركيز على الجماعات الدينية‬ ‫المتطرف��ة التي قاوم��ت االحتالل‪ ،‬لتبري��ر النهج‬ ‫الطائفي لسياسة النظام الجديد الذي تم فرضه‪،‬‬ ‫بموجب التوازنات اإلقليمي��ة والدولية‪ ،‬وهكذا تم‬ ‫طمس الوج��ه المدني للمجتم��ع العراقي‪ ،‬وإبراز‬ ‫الوج��ه الطائف��ي المتعص��ب‪ ،‬ولو تابعنا نش��رات‬ ‫األخبار جميعه��ا نادراً ما نقع على صورة المرأة ال‬ ‫ترتدي الشادور!! وكأن العراق بأكمله من الشيعة‬ ‫المتديني��ن وال وجود فيه للش��يوعيين والبعثيين‬ ‫والعلمانيين وغيرهم!!‬ ‫اللعب��ة ذاتها تتكرر اآلن ف��ي سوريا‪ ،‬إذ يعمد‬ ‫اإلعالم الغربي إلى التضليل لتبرير سرقة الثورة‬ ‫وامتطاءها‪ ،‬ف��ي مزاودة دعائي��ة مفضوحة بينه‬ ‫وبين النظام حول تطرف الثوار وتوحشهم‪ ،‬ولكل‬ ‫منهما دوافع��ه أوضحها التناف��س المحموم على‬ ‫مواصلة استباحة سوريا لألبد‪ ..‬إن استطاعوا إلى‬ ‫ذلك سبيال‪..‬‬

‫في الذكرى الثالثة ‪. .‬‬

‫آكاسيا العاصي‬

‫‪25‬‬


‫في الذكرى الثالثة ‪. .‬‬ ‫سوريتنا | السنة الثالثة | العدد (‪ / 22 | )105‬أيلول ‪2013 /‬‬ ‫أسبوعية تصدر عن شباب سوري حر‬ ‫‪26‬‬

‫�إىل �سوريتنا‬ ‫مثنى مهيدي‬

‫كفوج من العُميان‪ .‬يدورون حول أبواب قطار‬ ‫كالتائهين‪.‬‬ ‫ِ‬ ‫يعلم التائه وجهته جيداً‪ .‬لكنه يجهل الطريق‪.‬‬ ‫يملؤه اليقين بتفاصيل الهدف‪ .‬لكنه حائرٌ في صحراء مألوفة‪.‬‬ ‫نعل��م الكثير عن الكثير مما ال رج��اء منه‪ .‬ثم نجهل القليل عن الكثير مما فيه‬ ‫الرجاء‬ ‫على أن جهلنا قد يكون قراراً‪ .‬كالموت‪.‬‬ ‫ال قدراً‪ .‬كفكرة الموت‬ ‫وقد يعشق الفقراء فقرهم‪ .‬إذ يكون سبباً في تفوقهم‬ ‫تفوقهم على الزمان وغدره‪.‬‬ ‫على عذاب الموت وقبره‪.‬‬ ‫وعلى طمع الغني ودهره‪.‬‬ ‫هكذا كنا‪ .‬ندّعي أنّا نحب الوطن أكثر‪ .‬إذ نعلم عنه أكثر‪.‬‬ ‫الوطن‪ .‬في حب الظالم رغم ظلمه‪ .‬الوطن‪ .‬في شرب الماء رغم قذارته‬ ‫ندّعي حبّه بسخرية من جوره‪.‬‬ ‫كحب األم للوليد‪ .‬ال ننتظر شُكراً وال ديّة‬ ‫لكن‪.‬‬ ‫تلك اللحظة المجنونة‪ .‬عندما يبتسم الزوج المتعب‪ .‬لزوجته التي تُداري‬ ‫عندما يُقبّل الحبيب زير النساء‪ .‬عشيقته المتوسطة الجمال‬ ‫عندما يحنو مسحوق التجميل الغالي الثمن‪ .‬على وجه ابنة الريف‪.‬‬ ‫عندما يعلم الحالم على وجه اليقين‪ .‬أنه داخل حلم‬ ‫ً‬ ‫ّ‬ ‫تل��ك اللحظة‪ .‬عندما يردّ الوطن هذا العش��ق على عاش��قه‪ .‬ل��ذة بطعم ليلة‬ ‫جنس أخيرة‬ ‫ٍ‬ ‫عندما يعلن الوطن أنه يلعن تجارب اإلله في عباده‬ ‫يُبصر العُميان مدخنة القطار‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫نجمة يعكس وهجها نورا على رمل الصحراء‬ ‫يُبصر التائه‬ ‫تلك اللحظة‬ ‫عندما بدأت سوريتنا‪.‬‬


‫بعد ثالث �سنوات‪..‬‬

‫عروة مقداد‬

‫أن تثق بالكلمة ذلك رهان كبير‪ ،‬أن تثق بالكلمة في وقت لم يعد فيه أحد يصغي‬ ‫إال إل��ى ص��وت القذائف‪ ،‬يعني أنه ثمة م��ن يؤمن بأن التكوي��ن الغريب من الممكن‬ ‫أن يرتق��ي‪ .‬ولك��ن أيضاً م��ن الممكن أن تك��ون الكتاب��ة والقراءة ت��رف ال يتمتع به‬ ‫الن��اس الذين حوصروا أو عذبوا أو ش��ردوا‪ .‬ما جدوى الكتابة اآلن؟ كنت أتس��اءل وأنا‬ ‫أطل على س��ورية من أعلى ارتفاع في جبل الش��يخ حيث التمعت األضواء الحزينة لبلد‬ ‫يقط��ع بمبضع حاد لطبيب مختل يش��اركه حفنة تجار األعض��اء‪ .‬وأضاءت القذائف تلك‬ ‫المساحات المطفأة لبيوت كامدة حزينة تلهج بالدعاء الخفي ليحميها من الموت الحاد‬ ‫عندما تصف��ر القذيفة وتنزل حادة لئيمة كامدة‪ ،‬فتتح��ول الحياة إلى رقابة طويلة في‬ ‫انتظار الموت‪ .‬سؤال أجابني عنه من لم يقرأ يوماً في أحد البيوت وتحت صفير القذائف‬ ‫الذي يبعث بالجوف حُمّة رهيبة‪ :‬اروي قصصنا واكتب عنا ليش��هد الموت على أننا لم‬ ‫نكن مجرد أرقام‪.‬‬ ‫منذ ‪ 3‬س��نين‪ ،‬وكلما عادت بي الذاكرة إلى اللحظة التي ولدت بها الجريدة‪ ،‬كنت‬ ‫أع��رف أن ما فعلن��اه كان لبنة في بناء الوطن الذي لم نعش��ه يوماً‪ ،‬وأجدني مديناً في‬ ‫كل مرة لذلك الرجل الذي ش��اركني به ذات مرة‪ .‬الرجل الذي كان وفياً لحلمه الذي لم‬ ‫يتخلى عنه بالرغم من كل الصعوبات التي واجهت الجريدة‪ .‬وأفكر في المغزى من كل‬ ‫ذلك‪ ،‬اللقاء في شوارع دمش��ق‪ ،‬االجتماعات المتكررة التي عقدناها‪ ،‬النقاشات‪ ،‬المنفى‬ ‫الحنين‪ ،‬النزق الذي مارس��ناه على بعضنا البعض‪ ،‬كل ذلك يفضي بي إلى أن الجريدة‬ ‫كانت جزءاً من تلك الحرب التي نخوضها‪ .‬وأشعر في كثير من األحيان أن هذه الجريدة‬ ‫تش��به الوطن‪ ،‬فلم تس��تطع العيش حتى هذه اللحظة لو لم يكن ثمة من يدافع عنها‬ ‫ويحارب من أجلها‪.‬‬

‫في الذكرى الثالثة ‪. .‬‬

‫أن تق��ول اليوم أنك س��وري وأن��ك تنتمي إلى ه��ذه الجغرافي��ة المتناقضة بكل‬ ‫مش��اكلها التاريخي��ة واإليديولوجية فأن��ت اآلن في خضم حرب ال ه��وادة فيها‪ ،‬حرب‬ ‫يطال��ب كل منا الدفاع فيها عن أحالم��ه وعن صناعة وطن أفضل‪ .‬وطن يثبت يوماً ما‬ ‫أننا تمتعنا بحس إنس��اني ليس من أجل جني مكاس��ب في وطن يعدنا بوظائف عمل‬ ‫ومكاسب مادية‪ ،‬إنما وطن يثبت يوماً في التاريخ أننا تمتعنا بذلك الحس الذي يصنفنا‬ ‫عن باقي األنواع الموجودة على األرض وهي أننا أناس نتمتع بذلك الجوهر اإلنس��اني‬ ‫الذي يثبت أننا حقاً بشر‪.‬‬

‫سوريتنا | السنة الثالثة | العدد (‪ / 22 | )105‬أيلول ‪2013 /‬‬

‫كان يلزمن��ي ‪ 3‬أع��وام ربما ألفه��م‪ ،‬أن هنالك فرق بين الص��ورة التي نحلم بها‪،‬‬ ‫الرومنس��ية التي تس��منا بها الروايات واألفالم وقصص الجدات ومخيلة الطفولة‪ ،‬هي‬ ‫غير الواقع المرير الذي نعيش��ه‪ .‬كنت خالل األعوام الثالثة أحاول أن أجمل الواقع بكل‬ ‫تلك القصص والحكايا واألمج��اد والبطوالت‪ .‬منذ المقال األول الذي كتبته في جريدة‬ ‫س��وريتنا رحت بمرارة أحاول أن أجمل الصورة البش��عة التي كنت أراها أمامي‪ ،‬الصورة‬ ‫المكون��ة من ماليين البل��ورات لخليط متناقض وغريب من أمزج��ة وأهواء متناقضة‬ ‫تعكس محيطاً متره ًال ومتناقضاً‪.‬‬ ‫ومنذ الحلم األول الذي تش��اركناه على صفحات هذه الجريدة‪ ،‬صرت متأكداً اليوم‬ ‫أنن��ا لم نكن يوم��اً نعيش في وطن‪ ،‬وأن رحلتنا الطويلة تل��ك كانت ليس في الحفاظ‬ ‫عل��ى الوطن وإنما هي حلم في إيجاده‪ .‬بتُ متأكداً أنن��ا جميعاً قد تغيرنا‪ ،‬وأن الموت‬ ‫ق��د حفر أثالمه فينا وقطع وريد الحياة التي كانت تمر أحياناً ببس��اطة‪ .‬بت أعرف جيداً‬ ‫أن الحنين إلى تلك الخديعة الكبرى التي مارس��ناها طوال سنين حياتنا‪ ،‬خديعة الحياة‬ ‫الوديع��ة والهانئة واألحالم الصغي��رة المجترحة بم ّلل كبير‪ ،‬ما ه��ي إال صدى خديعة‬ ‫كبرى‪ ،‬وأننا نحن من تعلمنا ومن درس��نا ومن كان يطلق علينا اس��م مثقفين كنا أكثر‬ ‫من خدع الناس البس��طاء ومن تخلى عنهم في محنتهم‪ ،‬وأن الثورة ليس��ت كما رحنا‬ ‫نصوره��ا‪ ،‬أحالم وريدة وأمج��اد وقصص مليئة بالحب والعطف والحنان‪ ،‬وليس��ت كما‬ ‫وصفته الروايات والش��عر‪ ،‬وليس كما يصفها الحكائين ف��ي المجالس على أنها مزيج‬ ‫من السحر والدهشة‪.‬‬ ‫ندفع اآلن ذل��ك الثمن الباهض لكل‬ ‫الس��وريين الذي��ن تواط��ؤوا يوماً مع‬ ‫مش��اريع غربية‪ ،‬أو مش��اريع ذاتية‪،‬‬ ‫ندف��ع ثم��ن تهمي��ش وتفقير‬ ‫وتدمي��ر المجتمع الس��وري‬ ‫ال��ذي ب��ات اآلن عرضة‬ ‫أليديولوجيات كثيرة‬ ‫تتص��ارع عل��ى‬ ‫ه��ذه األرض‪،‬‬ ‫نسهل لتلك‬ ‫األيادي بأن‬ ‫تعب��ث بن��ا‬ ‫ع��ن قص��د‬ ‫أو ع��ن غير‬ ‫قصد‪.‬‬ ‫نحنا جميعاً‬ ‫بتن��ا مس��ؤولين عن‬ ‫تلك المجازر التي حطت‬ ‫عل��ى أرض ه��ذه الجغرافيا‬ ‫الغريب��ة‪ ،‬م��ن منا يس��تطيع أن‬ ‫يته��رب من حمل المس��ؤولية‪ ،‬من‬

‫منا يس��تطيع أن يقول أنه قد قدم كل ما لديه من أجل حياة أجمل وأفضل للس��ورين‪.‬‬ ‫وحدهم الش��هداء من يملكون هذا الحق الوحيد بأن يصرخ��وا بوجوهنا ويقولوا ماذا‬ ‫فعلتم عندما أورثناكم هذه الحياة لتجعلوا منها مكاناً أفضل‪.‬‬

‫أسبوعية تصدر عن شباب سوري حر‬ ‫‪27‬‬


‫ّ‬ ‫أحبابي املوتى‪..‬‬ ‫�‬ ‫هم‬ ‫ن‬ ‫لك‬ ‫َ‬

‫هاال محمّد‬

‫في الذكرى الثالثة ‪. .‬‬ ‫سوريتنا | السنة الثالثة | العدد (‪ / 22 | )105‬أيلول ‪2013 /‬‬ ‫أسبوعية تصدر عن شباب سوري حر‬ ‫‪28‬‬

‫أودُّ‬ ‫َ‬ ‫تنسيل ذكراهم من عُرى روحي‬ ‫ليضيعوا‬ ‫عتيق‬ ‫كأيّ زرٍّ ٍ‬ ‫في مكانٍ ما‬ ‫مِنَ المَطبخِ‬ ‫الفِراش‬ ‫مِنَ‬ ‫ِ‬ ‫الطريق‪.‬‬ ‫منَ‬ ‫ِ‬ ‫أودُّ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫وَيعبثون‬ ‫يَجيئون‬ ‫حينَ‬ ‫بقواري ِر عِطري‬ ‫ُ‬ ‫وَتختلطُالروائحُ‬ ‫بالغبار‬ ‫بالهوى‪.‬‬ ‫يُعيدونني إلى ما أظنّهُ انتهى‪.‬‬ ‫ٍ‬ ‫وَدونما وَعي‬ ‫أع ّلقُ إصبعيْ‬ ‫في عُرى معاطفهمْ‬ ‫ّ‬ ‫أبكلها كي يَصحبوني‬ ‫أينما ذهبوا‪.‬‬ ‫أودّ‬ ‫تَطييرَ ذكراهُمْ‪ِ ،‬بمحرمتي‬ ‫عَنْ إفري ِز ذاكرتيْ‪.‬‬ ‫لكنّهم ْ أحبابيَ المَوتىْ‬

‫***‬

‫ه��ل يم��وت الميّتْ‪ ،‬ه��ل يبتعد ع��ن داره‬ ‫ومطارح اللعب والحبّ ودورة العادات في الزّمنْ‪.‬‬ ‫عن الصباح والنه��ار والليل واألغاني والذكرياتْ‪.‬‬ ‫ْ‬ ‫أيحيا من يحيا وس��ط ّ‬ ‫القاتل!‬ ‫كل هذا الموتْ‪ .‬ه��ل يحيا‬ ‫أم يم��وت في موت الضحايا‪ .‬ويحيا ْ‬ ‫القتل‪ .‬العدالة‪ ،‬ماهيَ‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫المُستقبل‪.‬‬ ‫العدالة وسط هذا الخراب والعدمْ‪ .‬أهيَ‬ ‫والتس��امح! أهو ْ‬ ‫األمل واإليمان العميق بالمواطنة‬ ‫ْ‬ ‫المتس��اوية في لحظة ابتعاد الذات ع��ن الغرور بالذاتْ‪،‬‬ ‫والتعالي على ذات اآلخر؟‪.‬‬ ‫ْ‬ ‫والحقيق��ة! كي��ف يتقاس��م القات��ل والقتي��ل أبناء‬ ‫الوط��ن الواحد الحقيقة ذاتها‪ ،‬فتنفلق حبّة الحقيقة إلى‬ ‫ْ‬ ‫القتيل‪.‬‬ ‫حقيقتين وعدالتين‪ .‬إل��ى حقيقة القاتل وحقيقة‬ ‫ْ‬ ‫القاتل‪.‬‬ ‫عدالة القتيل وعدالة‬ ‫ف�لا تق��وم العدالة بدوره��ا‪ ،‬ال تُنص��ف بينهمْ‪ ،‬ال‬ ‫تد ّلهمْ عل��ى بوصلة الخالص‪ ..‬كيف تك��ون الرؤية في‬ ‫بح��ر النف��اق والتخلف والك��ذبْ‪ .‬أتبقى زه��رة الصّدق‬ ‫بسيطة كالماء في العين‪.‬‬ ‫الوطن‪ ..‬ما الوطن‪ ،‬ما االنتماء ْ؟ وإالمَ؟‬ ‫ما هيَ السعاد ْة‪..‬‬ ‫هل هيَ ح ّقاً جوهرال َفرَحْ‪ ،‬أم جوهر االنتصار‪.‬‬ ‫واالنتصار‪ ..‬هل هو صوت الحقّ أيضاً وسط صوت‬ ‫العنف الطاغي والفعس على إنسانيّة اآلخر الشريكْ في‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫والمعرفة‬ ‫والكرامة والش��ارع والغ��دّ‬ ‫اإلنس��انيّة والبلد‬ ‫ْ‬ ‫واألمل‪.‬‬ ‫الكرام��ة‪ ،‬كي��ف يمك��ن أن تك��ون به��ذه الطيبة‬ ‫ْ‬ ‫والج��رأ ْة‪ ..‬وحق� ً‬ ‫الجارحة‬ ‫لا لمرم��ى س��هام الخس��اراتْ‬ ‫والج��وع واإلهاناتْ والتش��رد والنف��ي واللجوء والضعف‬

‫عمل للفنان‪ :‬منذر المصري‬

‫ْ‬ ‫ّ‬ ‫كرامة‪ .‬م��اذا تب ّقى من‬ ‫وال��ذل‪ .‬كي��ف ال تكون الكرام��ة‬ ‫المش��تركْ األخالق��ي إذا كان��ت الكرام��ة ليس��ت أرضاً‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫واألمل‪..‬‬ ‫مشتركة لألخالق‪.‬‬ ‫كي��ف يقارع الخوف بابتس��امة وثق��ة ووردة حمراء‬ ‫وزجاجة م��اء ومطر‪ ..‬يزخّ بال تو ّقف ف��ي الرّوح يحميها‬ ‫من العنف واالستسالمْ والضياعْ‪.‬‬

‫***‬

‫ه��ل قبوركم مريحة وحنون��ة كقبورنا‪ :‬تقول طفلة‬ ‫ف��ي خندق المجزرة الجماعية م��ن داخل كفنها في بلدة‬ ‫ْ‬ ‫الحولة‪.‬‬ ‫تخاف أن تكون قد ماتْت‪ ،‬تهزّ روحها بأرجوحة من‬ ‫الذكرياتْ‪ ،‬تتل ّفتْ طفلة الغوطة الشّ��رقيةِ في الكفن‪:‬‬ ‫ْ‬ ‫الش��رقيّة‪ ..‬ال‪..‬‬ ‫مرج أبيض من األبيض هنا في الغوطة‬ ‫خ‪ ..‬ض‪ ..‬ر‪ ..‬ا‪ ..‬ء‪ .‬كلم��ة " الخض��راء " ترهقه��ا‪ .‬تتأمّل‬ ‫الكلمة حرفاً حرفاً‪ .‬موتنا كان أخضر وأصفر‪ ،‬وأنتمْ‪..‬؟‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫الحولة‪ .‬فتضحك‬ ‫الحولة في‬ ‫تضحكْ‪ ..‬الطفلة م��ن‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫الشرقيّة‪.‬‬ ‫الشرقيّة في الغوطة‬ ‫الطفلة من الغوطة‬ ‫القات��ل‪ ..‬يلتص��ق بالت��راب‪ ،‬يصغ��ي إل��ى أبديّ��ة‬ ‫الصّمتْ‪.‬‬ ‫يش��عر بالنصّ��ر‪ .‬العس��كري القاتل العب��د المأمور‬ ‫الفقي��ر المرمي ف��ي غابة القتل‪ ،‬كقاتل‪ ،‬يش��عر بالنصر‪،‬‬ ‫يرفع يديه للس��ماء فيرى زرقتها والفضاء الواس��ع الذي‬ ‫يلفّ األرض والصّمت المُطبق‪ ،‬ويهوي على الترابْ‪.‬‬ ‫يستلقي فوق القبر‪ ،‬يحرسه ضحاياهْ‪.‬‬

‫ْ‬ ‫القاتل‪.‬‬ ‫الطفلة‪ :‬هل أنت‬ ‫ْ‬ ‫القتلة‪.‬‬ ‫العسكري‪ :‬ال القاتل إرهابي‪ .‬أنا أقتل اإلرهابيين‬ ‫الطفل��ة‪ :‬كنّ��ت أحبّ أن أحي��ا في س��وريا‪ .‬أن أكبر‪ .‬أن‬ ‫أحبّ‪ .‬أن أتعلم‪.‬‬ ‫العسكري‪" :‬صمتْ"‪.‬‬ ‫الطفلة‪ :‬وأنتْ‪.‬‬ ‫ً‬ ‫العسكري‪ :‬أنا أيضا كنت أحبّ أن أكبر في سوريا وأتعلم‬ ‫وأحبّ‪ ..‬وأحيا‪.‬‬ ‫ْ‬ ‫الطفلة‪ :‬أنت صغير!‬ ‫العسكري‪" :‬صمتْ"‪.‬‬ ‫ْ‬ ‫ملوّن‪.‬‬ ‫هل ترى بيتاً! عليه حبل غسيل‬ ‫ْ‬ ‫الغسيل‪.‬‬ ‫العسكري‪ :‬أرى حبل‬ ‫الطفلة‪" :‬صمتْ"‪.‬‬ ‫حبل الغسيل‪ :‬إلبس ثيابي واغتسل بضوء السماء يا بنيّ‪.‬‬ ‫عار‪.‬‬ ‫العسكري‪ٍ :‬‬ ‫عار‪.‬‬ ‫حبل الغسيل‪ٍ :‬‬ ‫السّماء‪ :‬تمطر‪..‬‬ ‫يغتسل الرجل العاري‪ ..‬يغتسل ويبكي‪ ..‬ويصرخ في هذا‬ ‫العَدم‪.‬‬ ‫ينام فوق القبر‪.‬‬ ‫يش��عر بالبرد‪ ..‬تم��دّ له الطفلة ط��رف الكفن‪ ..‬يلفّ به‬ ‫جسده وينامْ ْ‬ ‫بأمان‪..‬‬


‫شام داود‬

‫سوريتنا | السنة الثالثة | العدد (‪ / 22 | )105‬أيلول ‪2013 /‬‬ ‫أسبوعية تصدر عن شباب سوري حر‬

‫كطفل يحبو على أرض وعرة‪ ،‬تعبر سوريتنا نحو سنتها الثالثة في أسبوع‬ ‫دم��وي آخر م��ر على سوري��ا الحرية التي صرخ��ت مخاضها دم��اءا على ترابها‬ ‫ومقابرها التي اتسعت كسماء‪.‬‬ ‫عندما نطل على الطفل في ذاكرتنا‪ ،‬نحن أطفال هذه ال"سوريا" القابعة‬ ‫ف��ي نبع قريب نرى أنفسنا حالمين ساذجين وك��أن الذاكرة انتزعت صور الدم‬ ‫والمقاب��ر القريبة واحتفظت فق��ط بصفاء عيني جارة وضع��ت للتو مولودها‬ ‫الجديد‪.‬‬ ‫كحل��م متعثر وحروف في مواجهة فوارغ الرصاص التي تسطر مرة أخرى‬ ‫حلم ذاك الش��عب‪ .‬ل��م يطلق هذا اإلع�لام الذي يقاوم بالكلم��ة ال بالرصاص‬ ‫نظام الرعب وما يفرز اليوم عنه من استبداد جديد بمسميات عدة‪ ،‬إال أنه يبدو‬ ‫شعب يوجه مدافعه في وجه ذات االستبداد‬ ‫لوهل��ة ومنذ اللحظة األولى كوهج ٍ‬ ‫رافضًا أن ينصاع لنظام القبيلة والعائلة‪.‬‬ ‫مايتساق��ط م��ن ذاكرة سوريتن��ا على مدى أربع وعش��رين شه��راً‪ ،‬قمرٌ‬ ‫كحزنٍ صافْ‪ ،‬وقوس قزح‪ ،‬ومستحيالت‪.‬‬ ‫تلك الصفات المتكسرة التي تصنع منّا ما نحن عليه‪ ،‬أحاول أن أحفر أكثر‬ ‫في جدار الذاكرة لكنني ال أذكرُ من والدي سوى قلبه الكبير‪.‬‬ ‫أتتس��ع سوريتن��ا لذاك القلب؟ ل��ذاك ّ‬ ‫الكم من الحب ال��ذي نحمله لها نحن‬ ‫أبناءها العاقون‪ ،‬المتعثرون دوماً على صفحاتها كشاب ملول ال يهدأ‪.‬‬ ‫كيف ستكون سوري��ا لوال الحب‪ ،‬كيف ستكون الثورة دون ذاك الحب ذاته‪،‬‬ ‫وبإسطوان��ة رتيب��ة للتساؤل كيف نقوم نحن العابرون ف��ي سوريا بثورة دون‬ ‫الكالم‪ ،‬دون ورق وحبر يندثر في الظالم لكنه يشرق شمساً بحبور‪..‬‬ ‫ال يتسع ال��ورق لكثير من الكالم عن تجربة من أقصاها ألقصاها ال تزال‬ ‫أرض تُرابها سبع حضارات وكثيرٌ من الحزن المقيم‪..‬‬ ‫بذارها خانعة في ٍ‬ ‫مقال نحتفي به كما نحتفي‬ ‫من‬ ‫ببضع‬ ‫بالنا‬ ‫فما‬ ‫لسوريتنا‬ ‫ال يتس��ع الورق‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫بصدي��ق ع��ادَ بعد غي��اب‪ ،‬لنكتش��ف بعد هنيه��ة أن ذاك الصدي��ق هو مجرد‬ ‫ٍ‬ ‫حنين واهمة‪.‬‬ ‫قصص من ٍ‬ ‫يب��دو ذاك الحلم الواهي بعي��داً اليوم أكثر‪ ،‬قاسيًا وصارم��ًا‪ ،‬مغلفاً بكثير‬ ‫م��ن الحزن والفقد الذي ال يُرى‪ ،‬لكن غض��ب مقلتي طفل في عدسة صحفي‬ ‫كافية لندرك‪.‬‬ ‫ف��ي فوضى اإلع�لام وفوضى الثورة الالمرئية‪ ،‬ف��ي فوضى الموت‪ ،‬يبدو‬ ‫الجديد لنا خارقاً‪ ،‬لكن مع تقدم الجديد بثبات تبدو العيوب أوضح وأكثر انفالتًا‬ ‫مم��ا مضى‪ ،‬ف��ي تجاذب األض��داد وتبعيات نظ��ام القبائل الت��ي تخترق جسد‬ ‫سوريتنا تزداد الصورة قتامة وتنهم��ر كلمات الالجدوى باستماتة وكأن الكثير‬ ‫من الحبر الذي سال ال يعدو كونه نبعاً من شريان شهيد ال ينضب‪.‬‬ ‫وبرغ��م المراثي‪ ..‬إال أن الطفل يحب��و ويأبى الرضوخ‪ ..‬كالقمر الذي يعود‬ ‫كل ليلة‪.‬‬ ‫ً‬ ‫ال يتس��ع الورق للحلم‪ ،‬ال يتس��ع للطفولة‪ ،‬وال للثورة أيض��ا‪ ..‬لكنه يتسع‬ ‫لسوريا بكل تفاصيلها وسماواها‪ ..‬بكل أبهتها وجمالها وأنوثتها الطاغية‪.‬‬ ‫سوريتنا التي نريد‪ ،‬أكثر من حلم وطفل وثورة‪ ،‬سوريتنا التي نريد أوسع‬ ‫مم��ا أنجزنا وأوسع مم��ا سننجز‪ ،‬سوريتنا التي نريد هي ذاك الحب اإللهي الذي‬ ‫يبدو فيه حنظلة في ريشة ناجي العلي سورياً بغرابة وجدية شديدتين‪.‬‬ ‫سوريتن��ا التي نريد‪ ،‬تريد من��ا الكثير بدورها‪ ،‬هي فعل كردة فعل‪ ،‬وهي‬ ‫أيضاً أم لم نلتقيها قط‪ ،‬لكنها تسمرنا بنظرات صارمة كلما حدنا عن الطريق‬ ‫لتعيدنا إلى خط البداية بثبات وعناد سيزيف وخصوبة عشتار‪..‬‬ ‫نرثيها بعد كل وداع لتولدَ من جديد كقيامة من طين‪ .‬نرثيها ك ّلما خطت‬ ‫حرفاً كي نعيدَ والدتها بإتقان خطاط ثورة محترف‪.‬‬ ‫نرثيه��ا كي تعي��ش‪ .‬نرثيها كي تك��ون‪ ،‬اليعدو الرثاء كونَ��ه نقداً‬ ‫كفعل‬ ‫ِ‬ ‫كتاب��ة‪ُ ،‬‬ ‫قليل األهمية أمام األثر الذي يحفره فينا مرآها في يدي إمرأة سورّية‬ ‫ش��اب عاقد كفيه على بندقية‬ ‫حضن‬ ‫أوعلى‬ ‫قبل‪،‬‬ ‫من‬ ‫بها‬ ‫نسمع‬ ‫لم‬ ‫ف��ي قري��ة‬ ‫ٍ‬ ‫أك��ف رجال ّ‬ ‫يتأم��ل كلماته��ا بانتباه‪ ،‬أو في ّ‬ ‫سطر الحزن أخادي��داً في محيّاهم‬ ‫ذات ثورة‪.‬‬ ‫نكتبه��ا حت��ى ال نرثي الح��ب فين��ا‪ ،‬نكتبها كي تك��ون الكلم��ة سوريتنا‪،‬‬ ‫وسوريتنا الكلمة‪ ..‬التي نريد‪ ..‬كي ال نكون سوى أحراراً بها ولها‪..‬‬

‫في الذكرى الثالثة ‪. .‬‬

‫مرثية �أخرى‬ ‫كي تكون �سوريتنا ما نريد‬

‫خربشات إلى أصدقاء الكلمة‪ ..‬إلى فريق سوريتنا هناك‪ ..‬في دمشق القابعة‬ ‫في روحي بانتظار العودة‪..‬‬ ‫سنة ثالثة من حلم‪ ،‬سنة ثالثة من عطاء‪ .‬سنة ثالثة من أمل‪ ..‬مع الحب‪..‬‬

‫‪29‬‬


‫ُ‬ ‫بريوت‪ ،‬موتنا الثاين‬ ‫في الذكرى الثالثة ‪. .‬‬ ‫سوريتنا | السنة الثالثة | العدد (‪ / 22 | )105‬أيلول ‪2013 /‬‬ ‫أسبوعية تصدر عن شباب سوري حر‬ ‫‪30‬‬

‫دلير يوسف‬ ‫"إذا كان ال ب��دّ لن��ا من موتٍ فليك��ن هناك‪ ،‬في دمش��ق" قالها ثم أزاح‬ ‫بناظ��ره إل��ى البعيد‪ ،‬ك��ي ال أرى تل��ك الدمع��ة المتعلقة بأهداب��ه‪ ،‬المتأهبة‬ ‫للسقوط في أي لحظة‪.‬‬ ‫ً‬ ‫هي حال الش��باب السوري في بيروت‪ ،‬تراه س��عيدا‪ ،‬يرقص ويغني ويرفع‬ ‫كأس��ه عالي��اً دون أن يأبه بالموت الدائ��ر في بالده‪ ،‬لكن م��ا أن تحدثه ترى‬ ‫واقع ممتلئ‬ ‫الح��زن المختبئ في داخله‪ .‬ترى حالة الهروب التي يعيش��ها من ٍ‬ ‫بالعنصريّ��ة والش��قاء من أجل لقم��ة العيش‪ ،‬باإلضافة إل��ى حالة الحرب في‬ ‫سوريا التي تشكل ضغطاً هائ ً‬ ‫ال عليه‪.‬‬ ‫"بيروت‪ ،‬أقسى المنافِ على كوكب األرض أن تحدثنا عن السوري" بيروت‬ ‫مدينة من ش��اء إال السوري‪ ،‬إذ تراه يفترش أرصفة الميناء أو تحت الجسور مع‬ ‫عائلته‪ ،‬يبحث عن سقفٍ وجدرانٍ يحضنها دون جدوى من البحث‪.‬‬ ‫بيروت مدينة منظمات المجتمع المدني التي تمّص دم الس��وري وتذله‬ ‫على أبوابها إذا ما ابتغى مساعدة ما يسدُّ بها رمق أطفاله‪.‬‬ ‫بيروت عاصمة الثقافة‪ .‬ترى المثقفين الس��وريين في مقاهيها وفنادقها‬ ‫يتناقش��ون ويتبحاثون عن وطن ضاع من أيديهم‪ ،‬عن ثورة خانوها‪ ،‬ويبررون‬ ‫ألنفس��هم‪ ،‬دون أن يجدوا عم ً‬ ‫ال ألنفس��هم يس��ددون بها أجرة المكان الذي‬ ‫ينامون فيه‪.‬‬ ‫بيروت مدينة الفن‪ .‬يبحث فيها الفنان السوري عن حفلة يغني فيها أو عن‬ ‫معرض يقيمه دون أن يُستغل من تجار الفن في هذه المدينة‪.‬‬ ‫ٍ‬

‫بيروت مدينة السياسيين‪ .‬لكن ال مكان للسوري فيها‪ .‬األحزاب المسيحية‬ ‫(الكتائ��ب‪ ،‬الق��وات‪ ،‬التيار الوطني الحر) هؤالء يمقتون الس��وريين أكانوا ضد‬ ‫النظ��ام أو مع��ه‪ ،‬فما فعله الجيش الس��وري به��م ال زال عالقاً ف��ي ذاكرتهم‪،‬‬ ‫األحزاب الش��يعية (حزب اهلل وحركة أمل) وأضف إليها الجزب السوري القومي‬ ‫اإلجتماعي‪ ،‬إن كنت شبيحاً للنظام فأه ً‬ ‫ال بك‪ ،‬وإال فالقصاص‪ .‬األحزاب السنيّة‬ ‫(المس��تقبل‪ ،‬الس��لفيون) إن كنت مع الثورة "اإلس�لامية" أه ً‬ ‫ال بك وإال تجهّز‬ ‫للعقاب‪ .‬الحزب الش��يوعي ال مكان له‪ .‬التيار المدني الصغير جداً وغير المؤثر‬ ‫في الس��احة اللبناني��ة يرحبون بك كائناً من كنت‪ .‬ث��م يأتيك أحدهم ويقول‪:‬‬ ‫لماذا تعيشون في حالة انفصام؟؟‬ ‫بيروت مدينة من شاء من عباد اهلل‪ ،‬يأتيها سائحاً أو ساكناً أو طالباً للعلم‪،‬‬ ‫إال الس��وري الذي يقصدها ليُّذل إما النتمائه السياسي أو الديني أو الطبقي‪.‬‬ ‫بيروت قاس��ية علينا نحن الس��وريين‪ ،‬بيروت هي خيبتنا الثانية‪ .‬بيروت خانتنا‬ ‫بعد أن فعلت دمش��ق‪ .‬بيروت لم تحتوينا ول��م تصهرنا في رجمها بل لفظتنا‬ ‫خارجها وكأنّنا مرضٌ مُعدٍ‪.‬‬ ‫بيروت يا من حسبناكِ وطناً لنا بعد أن ُطردنا من أرضنا‪ ،‬يا من ظننا فيك‬ ‫الش��ام‪" ،‬لعنتي أبو ظنّنا"‪ ،‬يا من هواكِ ذ ّلنا وال سبيل لوصالكِ‪.‬‬ ‫خيراً يا أخت‬ ‫ِ‬ ‫بي��روت يا جرح��اً ما توقف نزيفه في قلبنا‪ .‬بيروت إنّ��ا مددنا أيدينا فبترتِ لنا‬ ‫أيدينا‪.‬‬ ‫بيروت يا نجمتنا‪ ،‬بيروت يا خيمتنا‪ ،‬بيروت يا خيبتنا‪.‬‬


‫في الذكرى الثالثة ‪. .‬‬

‫�سوريّا‪ ،‬واملخ ّيم‪ ،‬وال�شهداء‪ ..‬و�أنا‬

‫إياد عاطف حياتله‬

‫أسبوعية تصدر عن شباب سوري حر‬

‫عندم��ا ُ‬ ‫أن كلمة‬ ‫تكون فلس��طينيّاً‪ ،‬فه��ذا يعن��ي ّ‬ ‫الحي��اد ال وجود لها مطلق��اً في قام��وس لغتِك‪ ،‬وأنّك‬ ‫منح��ازٌ دائماً وأبداً للمظلومين والفقراء‪ ،‬وفوق ّ‬ ‫كل هذا‪،‬‬ ‫فأنتَ منذ اليوم األوّل لوالدتك وحتّى رحيلك عن هذه‬ ‫الدنيا خُلقتَ وتكوّنتَ لتقفَ مع الثورة‪ ،‬أيّة ثورةٍ على‬ ‫اإلطالق‪ ،‬حتّى ولو حصلت في المرّيخ‪.‬‬ ‫ُ‬ ‫تك��ون فلس��طينيّاً س��وريّاً عل��ى وج��ه‬ ‫وعندم��ا‬ ‫الخصوص‪ ،‬وإبن مخيّم بالتحديد‪ ،‬يصبحُ مجرّد تفكيرك‬ ‫ٍ‬ ‫بأم��ر كهذا ضرب��اً من الترف الخالي م��ن أيّ معنى‪ ،‬فال‬ ‫ٍ‬ ‫يخطر ذلك الس��ؤال العبثيّ ببالك ولو لجز ٍء من الثانية‪،‬‬ ‫وأنت الذي لم تتردّد البتّة‪ ،‬وحسمتَ أمركَ منذ ما َ‬ ‫قبل‬ ‫والدتكَ حتّ��ى‪ ،‬تماماً في اللحظة الت��ي أُجبر بها أهلك‬ ‫على مغ��ادرة قريتهم الجليليّة مش��رّدين في بالد اهلل‬ ‫الواس��عة‪ ،‬من الش��جرة إلى لوبية فعيلبون فبنت جبيل‬ ‫فعنجر فحارم فالضبع��ة فالخالدية فمخيّم العائدين في‬ ‫حمص‪ ،‬ليس��تقرّوا مؤخّراً في مخيّم اليرموك‪ ،‬المخيّم‬ ‫شعب‬ ‫الفلس��طيني على األرض الس��وريّة الطيّبة‪ ،‬بين ٍ‬ ‫أحبّه��م وأحبّوه‪ ،‬وبادلوه مرّ الحي��اة قبل حلوها‪ ،‬األمل‬ ‫وكل شيئ ‪ّ ..‬‬ ‫واأللم والواقع والحلم‪ّ ،‬‬ ‫كل شيئ‪..‬‬ ‫بَرَكس‬ ‫ف��ي‬ ‫ب��اردةٍ‬ ‫ش��تائيّةٍ‬ ‫تول��دُ في ليل��ةٍ‬ ‫ٍ‬ ‫مُش��رع للريح والمطر في ثكنة خالد بن الوليد‪( ،‬مخيّم‬ ‫ٍ‬ ‫فيكون َ‬ ‫ُ‬ ‫أوّل هواء تتنشّقه رئتاكَ‬ ‫العائدين في حمص)‪،‬‬ ‫ُ‬ ‫وتكون أوّل صالة جماعة تحضرها‬ ‫قادم��اً من بابا عمرو‪،‬‬ ‫في جامع س��يدنا خالد‪ ،‬عندما تأخذك جدّتك رضيعاً في‬ ‫لنذر قديم‪ ،‬ف��ي مضافة جدّك‬ ‫ل ّفتكَ إل��ى رحابه إيف��ا ًء ٍ‬ ‫تتط ّلعُ محدّقاً في ي��ده اليمنى وهي تعزفُ لحن الحياة‬ ‫عل��ى المهب��اج ال��ذي كان هديّة البط��ن الحوراني من‬ ‫ُ‬ ‫تتساءل – وأنت إبن سنواتٍ فقط – كيف‬ ‫عائلتكم لكم‪،‬‬ ‫لهذا الالجئ األعمى أن تضحك عيونه ويرقص جس��ده‬ ‫منتشياً وهو يحتضن قرميّة الخشب هذه بيد‪ ،‬ويدغدها‬ ‫بالي��د األخرى‪ُ ،‬‬ ‫أيّة بصيرةٍ فتح��ت قلبه على ذلك لو لم‬ ‫يكن حرّاً؟!‪ ،‬هناكَ ‪ ..‬يكون (الحَمَار) بين المخيّم وبابا‬ ‫عم��رو ملعب طفولتك ومدرج طيرانكَ نحو المس��تقبل‪،‬‬

‫هن��اكَ ‪ ..‬يكون رنين القيود في يدي والدك في س��جن‬ ‫ّ‬ ‫يتش��كل في ذاكرتك عن معنى الحريّة‬ ‫البولوني أوّل ما‬ ‫واألس��ر‪ ،‬وما بين الخالديّة وباب الدريب وباب الس��باع‬ ‫والثكنة والش��مّاس والس��اقية ّ‬ ‫وقطينة وعاصي القصير‬ ‫وعين التنور والرس��تن‪ ،‬تمتزجُ فلسطينيّتك بسوريّتك‬ ‫ّ‬ ‫وتتجذران سويّة في قلبك الصغير الكبير‪..‬‬ ‫تكبرُ قليال‪ ،‬وتغادر حمص إلى دمش��ق‪ ،‬من مخيّم‬ ‫ٍ‬ ‫إلى مخيّم‪ ،‬تقتربُ من فلس��طين أكث��ر‪ ،‬وال تبتعدُ عن‬ ‫س��وريّا‪ ،‬في مخيّم اليرموك ال يفاجئك تداخل الوطنين‬ ‫ُ‬ ‫الش��اميّة تحتضن الش��وارع المسمّاة‬ ‫في واحد‪ ،‬األرض‬ ‫بأس��ماء القرى والبلدات والمدن الفلسطينية‪ ،‬الشهداء‬ ‫الس��وريون والفلس��طينيون يتعانق��ون عل��ى ج��دران‬ ‫المخيّ��م المتّكئة على بعضها البع��ض‪ ،‬وجوه العجائز‬ ‫البلس��ميّة‪ ،‬وأيدي الختايرة الخش��نة‪ ،‬وحكاي��ات البالد‬ ‫التي تتكرّر صباح مساء‪ ،‬قبل الطعام وبعده‪ ،‬الفدائيّون‬ ‫الذين يذهب��ون غرباً وال يعودون‪ ،‬أغاني الثورة وقصائد‬ ‫األرض‪..‬‬ ‫تتع��رّفُ أكث��ر على محيطك الس��وري المتش��ابك‬ ‫فلس��طينيّاً‪ ،‬التضامن وش��وامه الطيبين‪ ،‬بساتين يلدا‬ ‫ومشمشها وجوزها‪ ،‬الحجر األسود وبحراته وآباره‪ ،‬القدم‬ ‫وقطاراته��ا‪ ،‬كفر سوس��ة ومس��ابحها‪ ،‬داريّ��ا وأعنابها‪،‬‬ ‫المزّة وصبّارها‪ ،‬الشام وحميديّتها ومرجتها ومعرضها‬ ‫وصالحيّتها‪ ،‬المخيّمات الكش��فيّة في عقربا والبويضة‬ ‫وبيت نايم‪ ،‬الربوة والسباحة في نهر بردى‪ ،‬األمويّ الذي‬ ‫يحملك ص��وت أذانه إلى األقصى‪ ،‬ضري��ح صالح الدين‬ ‫الذي تش��مُّ في فنائه رائحة الق��دس العتيقة المعتّقة‪،‬‬ ‫ّ‬ ‫كل ما يصادفك هنا له وجهان‪ ،‬س��وريٌّ وفلس��طينيّ ‪..‬‬ ‫شاميٌّ وجليليّ‪..‬‬ ‫تكبرُ أكثر‪ ،‬فتفتحُ عينيك على مخيّمات وتجمّعات‬ ‫فلسطينيّة أخرى موزّعةٍ على المدن السوريّة الكبيرة‪،‬‬ ‫من حندرات في أقصى الش��مال إلى الرمل على الساحل‪،‬‬ ‫إل��ى الرمدان عل��ى أطراف البادية‪ ،‬إل��ى مخيّم درعا في‬ ‫أميال‬ ‫جنوب الجنوب‪ ،‬إلى خان الش��يح ال��ذي يبعد عدّة ٍ‬

‫فقط عن س��هل الحول��ة وبحيرة طبريّ��ا‪ ،‬فتصبحُ هذه‬ ‫المخيّمات فلسطينك المؤ ّقتة بانتظار تحقيق فلسطينك‬ ‫المؤجّلة التي تبتعد في الواقع وتقترب في الحلم‪ ،‬هناك‬ ‫ف��ي المخيّ��م كنتَ تن��ام وتحل��م بها‪ ،‬وعندم��ا حملت‬ ‫المخيّم على ظه��رك واغتربت بحثاً عن الرزق والحريّة‪،‬‬ ‫صرت تنام وتحلم أنّك نائمٌ به أوّ ًال تحلم بفلسطين‪..‬‬ ‫أن المخيمّ ل��م يغادرك‪،‬‬ ‫تكتش��فُ متأخّ��راً ربّم��ا ّ‬ ‫وال أن��ت غادرته أص ًال‪ ،‬فك ّلما وقع��ت قذيفة في حارة ما‪،‬‬ ‫تس��ارعُ إلى هن��اك مس��تذكراً تفاصيل البي��وت‪ ،‬وك ّلما‬ ‫سقط ش��هيدٌ في أحد الشوارع‪ ،‬يس��بقك قلبك ليمسح‬ ‫الدم��ع عن عيون والدته أو ابنت��ه‪ ،‬تحمله أضالعك التي‬ ‫أنهكها صقيع الغربة عالياً لتشيّعه إلى مقبرة الشهداء‪،‬‬ ‫ُ‬ ‫وتس��تيقظ على‬ ‫وف��ي آخ��ر اللي��ل‪ ،‬تن��امُ على دمع��ةٍ‪،‬‬ ‫قصيدة‪..‬‬ ‫الشّـهدا ُء الفلسـطينيّون‬ ‫َلم ّ‬ ‫يُخططوا ليموتوا هنا‬ ‫فقد َ‬ ‫كان لديهم حُلمٌ آخر‬ ‫زقاق المخيّم‬ ‫يبدأ من ِ‬ ‫وال ينتهي في القدس‬ ‫ أن يُقتلوا برصاص العدوّ اإلسرائيلي‬‫في معركة التحرير‬ ‫على رُبا فلسطين‬ ‫ومع ذلك‬ ‫لم تختلف نهاياتهم كثيراً‬ ‫فقد اسـتشهدوا‬ ‫برصاص العدوّ اإلسرائيليّ‬ ‫نفسه في معركة التحرير نفسها‬ ‫ولكن‬ ‫على رُبا سـوريّا‪.‬‬

‫سوريتنا | السنة الثالثة | العدد (‪ / 22 | )105‬أيلول ‪2013 /‬‬

‫شارع صفد | امتداد شارع لوبية‪ ،‬مخيم اليرموك‬

‫‪31‬‬


‫�أحالم على منت يخت تائه‬

‫لبابة الهواري‬

‫في الذكرى الثالثة ‪. .‬‬ ‫سوريتنا | السنة الثالثة | العدد (‪ / 22 | )105‬أيلول ‪2013 /‬‬

‫على الش��اطئ ما زال ينتظر‪ ..‬عيناه تنظرا األفق‬ ‫البعيد‪ ..‬بين الخ��وف والتوجس ما زال يعد الساعات‪..‬‬ ‫في انتظار قارب ينقله إلى المستقبل!‪..‬‬ ‫ب�لال‪ ،‬ش��اب س��وري‪ ..‬تط��وع ألشه��ر بالعم��ل‬ ‫المستمر في حمالت اإلغاثة‪ ..‬ونتيجة لصعوبة الوضع‬ ‫دون دخ��ل مستم��ر‪ ..‬ق��رر الع��ودة لحيات��ه‪ ..‬والبحث‬ ‫عن عمل‪ ..‬صديق��ه المقيم في اليون��ان اقترح عليه‬ ‫السفر إلى اليونان‪ ..‬ومن هناك إلى أوروبا‪ ..‬أخبره أنه‬ ‫سيساعده في السفر‪ ،‬وأن األمر يستحق قراراً مجنونًا‬ ‫كهذا‪..‬‬ ‫ً‬ ‫بح��ث‪ ..‬س��أل‪ ..‬استش��ار‪ ..‬واعتم��د أخي��را عل��ى‬ ‫فعله��ا‪ ..‬تردد كثيراً إذ أن المبلغ المطلوب للسفر كبير‬ ‫جداً وهو ال يملك نصفه‪..‬‬ ‫لكن��ه ض��رب بع��رض الحائ��ط ك��ل المصاعب‪،‬‬ ‫واستق��رَّ رأيه على السفر بعي��داً عن كل من نصحه‬ ‫بالتريّث‪..‬‬ ‫ح��زم أمتعته كما تقرر له في تاريخ معين‪ ،‬حمل‬ ‫بقية ذكريات التطوع‪ ،‬دفتر المذكرات‪ ،‬وبعض دعوات‬ ‫أم��ه‪ ،‬ونق��وداً استدانها ليكم��ل المبل��غ الناقص‪ ،‬ثم‬ ‫سافر إلى أقرب نقطة حدودية بحرية لليونان‪.‬‬ ‫لم يكن يعرف أحداً هناك‪ ..‬أحالمه كانت تنبئه أن‬ ‫المستقبل يكمن خلف البحر‪..‬‬ ‫ك��ان عليه االنتظ��ار يومين كما االتف��اق ليكون‬ ‫الرحي��ل على مت��ن يخت محترم يضم��ن لهم سالمة‬ ‫بدون غرق أو أن يصبحوا وجبة لقرش جائع!‪..‬‬ ‫صب��اح ي��وم السف��ر استيق��ظ متفائ� ً‬ ‫لا توج��ه‬ ‫للش��اطئ قبل الموعد بمدة‪ ..‬جل��س ينتظر‪ ..‬عندمتا‬ ‫ق��دم القبطان‪ ،‬أخب��ره أن الرحلة ستتأج��ل ألن الموج‬ ‫هائج‪.‬‬ ‫ح��اول تقب��ل األمر بش��يء من الرض��ى‪ ،‬شعور‬ ‫بالختن��اق ك��اد سيقتل��ه‪ ،‬تري��ث قلي ً‬ ‫ال‪ ..‬ابتس��م وعاد‬ ‫للفندق‪ ..‬مسا ًء أخبره القبطان أن الرحلة ستكون بعد‬ ‫يومين‪..‬‬

‫ل��م يستطع إخف��اء شعور الضي��ق‪ ،‬فمخططاته‬ ‫التي رسمها لم تك��ن تتضمن بياتاً في الفندق أليام!‬ ‫مصاريف لم يكن يستطيع احتمالها‪..‬‬ ‫بع��د يومين‪ ..‬أت��اه صوت القبط��ان األجش على‬ ‫الهات��ف‪ :‬ال رحل��ة الي��وم‪ ،‬خف��ر السواحل منتش��رون‬ ‫بكثرة! سننتظر بضعة أيام‪.‬‬ ‫أغلق الهاتف‪ ..‬ولعن وعودهم الكاذبة! ال حل آخر‬ ‫بيده سينتظر‪..‬‬ ‫تك��ررت مرات التأجي��ل‪ ..‬وتكررت الحج��ج‪ ..‬تارة‬ ‫انحسار البحر‪ ..‬انتشار األمن‪ ..‬إغالق الطريق‪ ..‬مرض‬ ‫القبط��ان‪ ..‬إلى أن وصلوا إل��ى حجّة أكثر خبثًا‪ ..‬وهي‬ ‫تعطل اليخت والحاجة لش��راء يخت اآلخر على حساب‬ ‫المسافرين!‪..‬‬ ‫ب�لال الواصل لليأس بعد كل م��ا مر به من أيام‬ ‫االنتظ��ار القات��ل لمستقبل ال يعرف عن��ه شيئاً‪ ،‬قرر‬ ‫متابعة المجازفة ودفع المبلغ الذي طلبه منه القبطان‬ ‫وه��و ألف ي��ورو‪ ،‬بعد أن شجعه صديق��ه أن القبطان‬ ‫رج��ل ثق��ة‪ ..‬وف��ي حال��ة ح��دوث أي ش��يء سيتكفل‬ ‫ه��و بإع��ادة المبل��غ كام ً‬ ‫ال‪ ..‬وبق��ي في انتظ��ار يخت‬ ‫المستقبل‪.‬‬ ‫ث��م‪ ..‬تتابعت الحج��ج‪ ..‬وطالت األي��ام‪ ..‬واختفى‬ ‫القبط��ان‪ ..‬وبات��ت ك��ل مساع��ي الوص��ول إليه شبه‬ ‫مفق��ودة! وانقطعت االتصاالت مع صديقه بعد شجار‬ ‫من بالل الذي أنهكه االنتظار واعتصاب أحالمه!‪..‬‬ ‫دف��ع ب�لال م��ا تبق��ى مع��ه إلنه��اء إقامت��ه في‬ ‫الفندق‪ ..‬وجلس على البح��ر بيأس ومستقبل قاتم‪..‬‬ ‫يرق��ب األفق‪ ..‬تفقد ثم��ن تذكرة الع��ودة في جيبه‪..‬‬ ‫وق��ام يجر أحالمه المسروقة عائداً ال يعرف إلى أين‪..‬‬ ‫وبكل خيبة يردد‪" :‬صديقي والقبطان‪ ..‬سرقوني"‪.‬‬ ‫لع��ل ب�لال حاله أحس��ن حظ��ًا‪ ..‬إذ انتهت قصته‬ ‫بسرق��ة المبلغ‪ ..‬وبقي سليمًا معاف��ًا قادراً على رسم‬ ‫مستقبل وإن كان صعبًا في ظل الدين الذي أخذ يفت‬ ‫عضده!‪..‬‬

‫لكن أحمد الشاب السوري المقيم في مصر كانت‬ ‫تجربته أسوأ‪ ..‬يروي أصدقائه ما حدث معه عندما قرر‬ ‫السفر إلى إيطاليا بحراً‪ ..‬ال يعرفون تفاصيل سفره‪..‬‬ ‫فق��د كان يخفي عنهم الكثي��ر‪ ..‬صديقه المقرب منه‬ ‫يع��رف أنه دفع قرابة األلفي يورو لهذه السفرة‪ ،‬على‬ ‫مت��ن قارب‪ ..‬نع��م قارب ولي��س يخ��ت‪ ،‬كمهاجر غير‬ ‫شرعي إلى بلد المجد إيطاليا!‪..‬‬ ‫ودع الجمي��ع‪ ،‬أخفى نبأ سف��ره عن أهله الذين ال‬ ‫يزال��ون في سوريا‪ ،‬ت��رك رسالة مع صديقه في حالة‬ ‫حدوث مكروه‪ ،‬وركب القارب‪ ..‬وانتهت القصة!‪..‬‬ ‫ال أحد يعرف م��اذا حدث بعد ذلك؛ فأيام االنتظار‬ ‫التي حددها أحمد التصاله انقضت منذ أسبوع! وخفر‬ ‫السواحل لم يروا أي مركب يعبر! ولم يعد أحمد!‪..‬‬ ‫يغ��ص صديقه بالدموع وهو يرى الرسالة أمامه‬ ‫عل��ى المكتب "ل��ن أفتحه��ا‪ ..‬ال أريد افت��راض أنه لن‬ ‫يعود"‪..‬‬ ‫أحم��د‪ ..‬وب�لال‪ ..‬وغيره��ا الكثير م��ن القصص‬ ‫لشباب خرج من سوريا تحت وطأة الحرب‪ ،‬فقر الحالة‬ ‫واليأس من الواقع دفعه للمجازفة بكل ما يملك‪ ..‬بل‬ ‫وبما ال يملك‪ ..‬فق��ط ليخرج مما هو فيه‪ ،‬يقامر على‬ ‫حياته بلعبة ربما سيدفع ثمنها ميتة بأسنان قرش أو‬ ‫بحضن بحر هائج!!‪..‬‬ ‫وقادتهم أقدارهم لتج��ار دم وأحالم ومستقبل!‬ ‫يأخذون نقودهم ويرمونه��م للمجهول‪ ..‬في قارب ال‬ ‫يحمل أي مقومات أمان‪ ..‬هو األقرب للغرق من النجاة‪.‬‬ ‫ويستغل��ون حاجة شباب يائ��س رأى الموت بكل‬ ‫أطيافه‪ ..‬من قتل‪ ..‬وذبح‪ ..‬وتعذيب‪ ..‬فقرروا أن يرونه‬ ‫الصنف األخير‪ ..‬وهو الموت غرقًا!!‪..‬‬ ‫وبات خب��ر القوارب الت��ي تحم��ل مهاجرين غير‬ ‫شرعيين سوريين منتشراً‪ ..‬بكل غصة وألم‪ ..‬وأحالم‬ ‫لم توصلهم لألمان!‪..‬‬

‫أسبوعية تصدر عن شباب سوري حر‬ ‫‪32‬‬ ‫ساح��ة مظاه��رات مدين��ة كفر نبل ف��ي إدلب‬


‫�أطفالنا يف ال�صباح‪:‬‬

‫الرأس تترنحُ‬ ‫نسا ًء ورجا ًال وأطفا ًال‪ ،‬وأكياسهم على ِ‬ ‫بها ذاتَ اليمين والشمال‪..‬‬ ‫يرت��دون ف��ي أرجله��م إال م��ا تُسندُ به‬ ‫أطف��ا ًال ال‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫الش��مس‬ ‫ة‬ ‫حرار‬ ‫الش��ارع‪..‬‬ ‫حصى‬ ‫من‬ ‫يحميها‬ ‫الق��دم‪ ،‬ما‬ ‫ِ‬ ‫الرأس تك��ادُ ُّ‬ ‫ويحملون‬ ‫تحط من أبدانهم أرض��اً‪..‬‬ ‫َ‬ ‫ف��وقَ ِ‬ ‫معهم أكياسَ الطعام والخضار‪..‬‬ ‫يتحركون َ‬ ‫داخل حدود الوطن ذهاباً وإياباً‪..‬‬ ‫َ‬

‫ك��ان الط��رف اآلخر‬ ‫يسرع��ون ف��ي خطاهم فقط َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫ومتعة‬ ‫ويحمل له��م الف��رحَ‬ ‫ملي��ائً باألعم��ال لديه��م‪،‬‬ ‫الوصول‪..‬‬ ‫أم��ا هو فقط ك��ان في العاشرةِ م��ن العمر تقريبا‪ً،‬‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫الرجال‬ ‫سفر كبي��رةٍ يَعجَزُ‬ ‫يحم��ل فوقَ كتف��هِ‬ ‫حقيبة ٍ‬ ‫عن حملها‪..‬‬ ‫لون‬ ‫لون وجهه أحمر كلونِ دمّ الش��هيد‪َ ،‬‬ ‫َ‬ ‫كان ُ‬ ‫ك��ان ُ‬ ‫ك��ان يتصببُ عرقاً في‬ ‫يدي��ه كلونِ شع ِر أمه الصغيرة‪َ ،‬‬ ‫ِّ‬ ‫رجل‪..‬‬ ‫كل خطوةٍ َ‬ ‫وكان قوياً أكثرَ من ألف ٍ‬ ‫ِّ‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫تفاصي��ل الرجال وينظرُ‬ ‫كل‬ ‫في‬ ‫ا‬ ‫صغير‬ ‫ال‬ ‫رج‬ ‫ك��ان‬ ‫َ‬ ‫ِ‬ ‫ِّ‬ ‫ُ‬ ‫مرور‪.‬‬ ‫إليَّ‬ ‫ويكمل في مسيره عندَ كل ٍ‬ ‫يص��ل بما ُ‬ ‫ُ‬ ‫يحمل إلى آخ ِر المعب�� ِر‪ ،‬يضعُها مسرعاً‪،‬‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫ليحمل م��ن الطرفِ اآلخ ِر أكياس��ًا أثقل‪ ..‬ليعودَ‬ ‫ويكمل‬ ‫بها‪..‬‬ ‫وفي ِّ‬ ‫ُ‬ ‫يغسل رأسه بالمياه‬ ‫كان‬ ‫كل مرةٍ يأتي بها قدّ َ‬ ‫جانب الحاج ِز‪.‬‬ ‫التي كانت على ِ‬ ‫ُ‬ ‫يغسل بها ألمهُ ووجعهُ الثقيل أمّ‬ ‫لم أعلم إن كان‬ ‫ُ‬ ‫يغسل الحيا َة وشقائقها‪..‬‬ ‫أنه‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫ويقول لصديقه اآلخر الذي يرافقهُ عكسًا‬ ‫ويكمل‪..‬‬ ‫في ذل��ك الطريق‪ :‬قدي��ش جمعت الي��وم؟؟‪( ،‬واهلل صار‬ ‫معي ‪ 100‬ليرة وليرة تركي وانت‪.‬؟)‪ ،‬ويجيبهُ بابتسامته‬ ‫النقية (انا لسا بس ‪..)50‬‬ ‫كانت الجملة الوحيدة التي سمعتها من ذلك الطفل‬ ‫الحقائ��ب لكي َ‬ ‫يكمل ما تبقى من‬ ‫كان يعمل بنقل‬ ‫ال��ذي َ‬ ‫ِ‬ ‫مستقبله‪.‬‬ ‫أم��ا أنا فأجل��س في ط��رف المعبر وأتأم��ل وجنتيه‬ ‫ويديه وأبصق على زمن لم يعد به الطفل طف ًال‪..‬‬

‫�سوريتي‪:‬‬

‫الرم��ال التي تتغي��ر حسب مرور‬ ‫أص��ول‬ ‫لسن��ا من‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫األمواج‪ ،‬وتُمسَحُ عندما يركضُ البحر على أجسادنا‪..‬‬ ‫نحنُ م��ن أصن��افِ الحج��ارةِ مثل الياق��وت الالمع‬ ‫واألسود القوي‪..‬‬ ‫جبل الجليد الذي ال يُكسَر‪..‬‬ ‫نحنُ مثل ِ‬ ‫نحنُ مثل غيوم السماء تستطيعُ أن تَستُرَ القمر‬ ‫والشمس‪..‬‬ ‫لهيب النار يَحرقُ عندما يغضب‪..‬‬ ‫نحنُ مثل ِ‬

‫األرض وتلك األرضُ مثلنا‪..‬‬ ‫نحنُ مثل‬ ‫ِ‬ ‫أص��رخ وأكرر في إعادة ه��ذه الكلمات‪ ،‬وإذ بها تطل‬ ‫من نافذة غرفتي‪ ..‬تضحكُ على كلماتي‪..‬‬ ‫وتهمسَ ألست من أهل سوريا‪..‬‬ ‫ثارَ غضبي‪ ،‬وأجبتها لم تضحكين؟؟‪ ،‬نعم إنني ابن‬ ‫َ‬ ‫األبي��ة‪ ..‬فجلس��ت على طاولتي وقالت‪ :‬أل��م تتعب يا ابن‬ ‫َ‬ ‫العدية؟؟‪ ،‬قل��ت ال واهلل لن أهدأ حت��ى لو وافتني‬ ‫الش��ام‬ ‫َ‬ ‫المنية‪..‬‬ ‫وتكسرون‬ ‫نموتُ‬ ‫تتركونا‬ ‫لماذا‬ ‫وصرختُ‬ ‫وصرختُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫القوية‪..‬‬ ‫من همتنا‬ ‫َ‬ ‫تقاتل ظالماً‬ ‫ُ‬ ‫فأكملت هي أنت مجن��ون وابن غبية‪،‬‬ ‫َ‬ ‫بوحشية‪..‬‬ ‫يدمرُ‬ ‫َ‬ ‫االنسانية‪..‬‬ ‫قلت ال يا سيدتي أنا قلبُ‬ ‫َ‬ ‫الحرية‪..‬‬ ‫وعاشقُ‬ ‫َ‬ ‫ألم اخبركِ ً‬ ‫بداية أني سوري الهوية‪..‬‬

‫ويبقى احلب‪:‬‬

‫ُ‬ ‫تتسلل إلى جسدي لي ًال‪ ..‬تختلسُ النظرة وتسرق‬ ‫و‬ ‫بها العمرَ مني‪..‬‬ ‫ُ‬ ‫وتش��عل عش��قًا‪ ..‬توقدُ‬ ‫تنفخُ روحاً داخل روحي‪..‬‬ ‫ثورة‪..‬‬ ‫ُ‬ ‫يش��غل‬ ‫كأنني أتحسسُ طعم الرصاص في رأسي‬ ‫بتفاصيل أصبحت ترسم لي الحياة‪..‬‬ ‫فكري‬ ‫ٍ‬ ‫أمل جديدٍ‪..‬‬ ‫ر‬ ‫اوتا‬ ‫على‬ ‫أعزفُ‬ ‫كأنني‬ ‫ِ ٍ‬ ‫األرض حبًا وولهاً‪..‬‬ ‫طبول‬ ‫كأنني أدقُ على‬ ‫ِ‬ ‫ٍ‬ ‫ُ‬ ‫نفس آخر‪..‬‬ ‫داخل‬ ‫وأبعث‬ ‫جديد‬ ‫من‬ ‫كأنني أُخلقُ‬ ‫ٍ‬ ‫التفاصيل‬ ‫هو حبٌ لعيناك‪ ،‬ه��و الغرقُ في أبسطِ‬ ‫ِ‬ ‫التي تشدني إليكِ‪..‬‬ ‫و يتعبُ قلبي عندما يتدفق في نهركِ‪..‬‬ ‫يتعبُ عندما تالمسه اصابعك‪..‬‬ ‫العشق معك‪..‬‬ ‫يتعبُ عندما يتطورُ في أحداثِ‬ ‫ِ‬ ‫ُ‬ ‫تتغلغ��ل داخل��ي وتسري ف��ي عروق��ي وتتداعب‬ ‫و‬ ‫روحي‪ّ ،‬‬ ‫بل أكثر‪ :‬تدقُ في كياني‪.‬‬ ‫كان يكفي أن نموتَ حباً‪ ،‬وتهزني نسماتك كل‬ ‫هل َ‬ ‫لحظة‪..‬‬

‫أسبوعية تصدر عن شباب سوري حر‬

‫ل��مّ تَكن أمواجُ البح ِر في هذه الليلةِ كعادتِها من‬ ‫كان ضو ُء القم ِر يسّقي البحرَ عَطشَ��هُ‬ ‫ليال��ي السهر‪َ ،‬‬ ‫ُ‬ ‫نتخبط مع أمواجهِ‪ ،‬ويَهزُنا‬ ‫أكثر‪ ،‬وكنا نُخ َلقُ من جديد‪،‬‬ ‫الشوقُ في أكتافِ ُغربتِنا‪.‬‬ ‫ُ‬ ‫األجمل من ضو ِء‬ ‫ُكن��تُ أمتزجُ ألمًا وحباً‪ ،‬وكنت أنت‬ ‫القم ِر‪..‬‬ ‫لمّ أكن أعت��ادُ هذا االمتزاجَ بي��ن عواطفي‪ ،‬ولمّ‬ ‫ك��ان إخترقُه��ا أصعبُ من‬ ‫تَك��ن نسمات��كِ عابر ًة وإنما َ‬ ‫قذيفةٍ غادرةٍ‪ ،‬استقرت ليلتها َ‬ ‫داخل فكري‪ ،‬شتت َّ‬ ‫كل ما‬ ‫جمعتهُ ط��وال سنيني‪ ،‬كبلتني وذجتني َ‬ ‫داخل زنزانتكِ‪،‬‬ ‫داخ��ل جدرانها‪ ..‬وأمزجُ عط��ركِ َ‬ ‫َ‬ ‫داخل أنفاسي‪..‬‬ ‫أسيرُ‬ ‫لتبقى روحي تتصّعد معك إلى السماء‪..‬‬ ‫إلى السما ِء أخرجُ في ليلتي الثانية وأجلسُ مع من‬ ‫ُ‬ ‫كان‬ ‫وطن َ‬ ‫ت��ركَ لي م��ا تبقى منَّ الحي��اة‪ .‬أحدثهم ع��ن ٍ‬ ‫وط��ن وعن ما فعله السفهاء من��ا‪ .‬أحدثهم عن أوالدهم‬ ‫ويسرق��ون أزهارَ‬ ‫يَركضون أمامي ك��ل صباح‪،‬‬ ‫الذي��ن‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫سياج عمرنا‪.‬‬ ‫الياسمين من ِ‬ ‫ويرسم��ون أملهم على‬ ‫أغصان الزيتونِ‪.‬‬ ‫يوزع��ون‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫أزقةِ شوارعنا‪.‬‬ ‫ّ‬ ‫األي��ام التي غبتم بها‬ ‫��ون عل��ى أسرتهم عدد‬ ‫يَخط َ‬ ‫ِ‬ ‫بحذر ألن الق��درَ أخبرهم أنكم تحتَ‬ ‫ويمش��ون‬ ‫عنهم‪..‬‬ ‫َ‬ ‫ٍ‬ ‫يخاف��ون إيقاظ سباتكم‪..‬‬ ‫بحذر ألنهم‬ ‫ارضنا‪..‬‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫يمش��ون ٍ‬ ‫بحذر ألنهم ضاعوا مع أرصفتهم‪.‬‬ ‫َ‬ ‫يمشون ٍ‬ ‫وأحدثه��م عن أرضنا وما تبقى منه��ا‪ ..‬عن دمائهم‬ ‫الظل��م والقه ِر وم��ا ظهرَ من‬ ‫سبي��ل‬ ‫الت��ي هدرت ف��ي‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫تعسفٍ جديدٍ‪..‬‬ ‫ُ‬ ‫وأق��ول لهم‪ :‬أأبكي عل��ى حُزني عليك��م أمّ أبكي‬ ‫على وجودي هنا؟؟ ومازلتُ أنتظرُ جوابهم‪..‬‬

‫في الذكرى الثالثة ‪. .‬‬

‫تداعيات القمر‪:‬‬

‫هاال نجاري‬

‫سوريتنا | السنة الثالثة | العدد (‪ / 22 | )105‬أيلول ‪2013 /‬‬

‫القذائف االخرية‪،‬‬ ‫قبل احلب‬

‫‪33‬‬


‫حيطان فيس بوك ‪. .‬‬ ‫سوريتنا | السنة الثالثة | العدد (‪ / 22 | )105‬أيلول ‪2013 /‬‬ ‫أسبوعية تصدر عن شباب سوري حر‬ ‫‪34‬‬

‫يكتبها‪:‬‬

‫حرب �أهلية‬ ‫بينما كان أفراد العائلة يتابعون آخر ما وصلت إليه "الضربة األمريكية "‬ ‫ظهرت نجوى قاسم في برنامج "حدث اليوم" مرتدية تنورة بيضاء‬ ‫ال فوق الركبة وال تحتها بل هي تلعب مع الركبة‪ ،‬حلوة شقراء‬ ‫شقراء لدرجة أنك تظنها "شبيحة" وتضع حمرة حمراء باذخة‪ ،‬أجزم‬ ‫أن ل��و جمعن��ا كل أقالم الحمرا م��ن بنات منبج ـ تلك األق�لام التي تُباع على‬ ‫البسطات أو في محالت " أي قطعة بـ عشرة " ـ لن تشتري جرّة من القلم‬ ‫الذي ّ‬ ‫خط ش��فاهها‪ ،‬وكانت نجوى تميس وتتغندر في االس��تيديو وتتكلم عن‬ ‫الضربة االمريكية وفجأة يظهر خبر عاجل أكل جزءاً مهماً من ساقي الشقراء‬ ‫كان أثقل دماً من أخ الحبيبة الصغير الذي يُقاطع كل القبالت المسترقة‪.‬‬ ‫ألول مرة أدرك تفاهة األخبار العاجلة وكم هي متطفلة!‬ ‫ عمرها فوق الخمسين‪ ،‬مبين من رقبتها‪ :‬قالت أختي‬‫احتجت أختي األكبر وقالت‪ :‬أل عمرها تحت الخمسين‪..‬‬ ‫ففززتُ أنا من مضطجعي وصرخت‪ :‬يا سيدي تحت األربعين وانتو ما تفهمو‪.‬‬ ‫فردت أختي التي ابتدأت الحديث بشدة‪:‬‬ ‫ نحنا مانفهم؟! انت الي ماتفهم لو تفهم كان هأل ش��لت س�لاحك والتحقت‬‫بالجيش الحر‬ ‫ـ أصال ألنها شقرا وأحلى منك سويتي عمرها فوق الحمسين‬ ‫فبدا االرتباك واضحا على أختي من هذه الهجمة التي أضعفت موقعها‬ ‫ـ كلو مكياج وصبغة وعناية زائدة ومصاري وعز وال قصف وال مخابرات‬ ‫وال مقطوعة عنها المي وال الكهربا ويمكن ماتغسل وجها بالمي العادية‬ ‫اهلل يعلم شو بتستخدم اشكال وألوان‪ ،‬خليها تعيش في منبج مع القاعدة‬ ‫ومع طيارات بشار ومعاك انت وشوف شكلها شلون رح يصير‪.‬‬ ‫ـ عم تشبهيني بـ بشار وداعش وليك؟!!!!!!‬ ‫وهممت ألشدها من شعرها نافثاً غضبي الطارئ‪..‬‬ ‫فإذا بإمي تدخل فجأة إلى الفرفة‪:‬‬ ‫ـ شبيكم ليش هالصوت؟‬ ‫فأنبرت أختي في بكاء حاد‪ ،‬استغليتهُ ألقدم ألمي روايتي المنحازة للحدث‬ ‫نظرت أمي إلى الشاشة وحسمت المعركة بقولها‪:‬‬ ‫بس انتا وياها! هذي الشقرا الزينة عمرها ‪ 25‬سنة وكل واحد على شغلو‪..‬‬ ‫انتهت الحرب بإنفضاضنا أنا وأختيّ فيما أشعلت أمي سيجارة متأملة‬ ‫ومازالت نجوى قاسم تتمشى على الشاشة تواصل حديثها عن الضربة‬ ‫األمريكية غير مكترثة بحروبنا الهامشية‪.‬‬


‫حكايا المسافر ‪. .‬‬

‫ف��ي بلدة وقف عندها المساف��ر ليقتات بالخبز والم��اء منها‪ ،‬وبينما‬ ‫كان يراقب حركة سكانها في السوق‪ ،‬مر كهل أجعد الوجه وقبيح القلب‬ ‫ذو رداء أسود الل��ون وألقى سحراً جعل الحزن واألسى منثورين في كل‬ ‫مكان هناك‪ .‬فأصبح الجميع يختنقون حزن ًا وألماً بينما يضحك هو وحيداً‪.‬‬ ‫يم��ض من الوقت الكثير حين ظهرت تلك الفتاة الصغيرة ذات‬ ‫ولكن لم‬ ‫ِ‬ ‫الوجنتين الحمراوين والعينين السوداوين والش��عر القصير المجعد‪ .‬ثم‬ ‫ب��دأت تخط بأنامله��ا حكايات على الجدران جعلت م��ن صخورها تدندن‬

‫وتغن��ي كل ما كتب عليه��ا‪ .‬لقد غنت الجدران ألحان�� ًا استذكر بها الناس‬ ‫طيبه��م فأمست قلوبهم مبتهجة مسرورة‪ .‬ودندنت بكلمات أشارت لهم‬ ‫بم��ا سيكسبون َ‬ ‫بطيّب العمل فأمست وجوههم تش��رق نوراً‪ .‬وكم كان‬ ‫عج��ب المسافر كبي��راً مما فعلته تل��ك الفتاة‪ ،‬فلم يكن ي��درك يومًا أن‬ ‫لحسن الكالم والقول ذاك األثر البهي الرغيد حين يكون صادقًا‪.‬‬ ‫سوريا ‪ /‬ريف حلب ‪2012 /‬‬ ‫نصوص وتصوير‪ :‬باسل حسو‬ ‫دقق النص‪ :‬ميمونة العمار‬

‫سوريتنا | السنة الثالثة | العدد (‪ / 22 | )105‬أيلول ‪2013 /‬‬

‫حكــايات اجلــدران‬

‫أسبوعية تصدر عن شباب سوري حر‬ ‫كاريكاتير العدد | الفنان عبد المهيمن بدوي‬

‫‪35‬‬


‫رصيف ‪. .‬‬

‫ُهنا ِد َم�شق‬ ‫سيامند حسين‬ ‫(يوميات ومشاهدات) ‪ 20‬أيلول ‪2013‬‬

‫ال مباالة‬

‫سوريتنا | السنة الثالثة | العدد (‪ / 22 | )105‬أيلول ‪2013 /‬‬ ‫أسبوعية تصدر عن شباب سوري حر‬ ‫‪36‬‬

‫قب��ل أن يس��لك الموك��ب المتواض��ع الطري��ق‬ ‫الحلزونيّ المُمس��ك بأحد الجب��ال المتناثرة في ضيافة‬ ‫الجهات األربع‪ ،‬عادت الس��يارات العسكرية أدراجها‪ ،‬في‬ ‫حين أكملت السيارة البيضاء سيرها‪ ،‬إلى أن تو ّقفت بعد‬ ‫حوالي أربعين دقيقة‪ ،‬عن��د نهاية الطريق المعبّد‪ ،‬على‬ ‫ارتفاع ألف متر تقريباً‪ ،‬حيث يس��تقرّ مبنىً مهجورٌ كان‬ ‫ُ‬ ‫مَصيفاً فيما مضى‪ّ .‬‬ ‫الرجال الخمس��ة‪ ،‬واستنشقوا‬ ‫ترجل‬ ‫اله��واء المش��بعَ بأري��ج العَرعَ��ر والصنوب��ر‪ .‬أمامهم‬ ‫ّ‬ ‫الش��كل‪ ،‬مُعوَجّ ٌة‪ ،‬عليها رس��مٌ‬ ‫انتصب��ت الفت ٌة مُث ّلثة‬ ‫يعني في معجم الالفتات ُ‬ ‫الطرقية‪ :‬خطر انهيار الصخور‪.‬‬ ‫على اليس��ار كان ثمّت دربٌ ضيّ��قٌ يصعدُ إلى القمة‬ ‫ملت ّفاً إلى الجهة الخلفية‪ ،‬حيث تستريح في األسفل‪ُ ،‬‬ ‫قرية‬ ‫سلمى‪ ،‬إحدى قرى جبل األكراد الوديعة‪.‬‬ ‫بقي الس��ائق وحده إلى جانب السيارة التي ركنَها‬ ‫بالق��رب من حا ّفة الطريق المُش��رف على هاويةٍ‪ ،‬راحت‬ ‫تِيجان األش��جار المتالصقة ّ‬ ‫ُ‬ ‫تُوطدُ أُلفتَه��ا البصريّة‪.‬‬ ‫لق��د طلب من الضابط الس��ماح له بالبق��اء كي يتحدث‬ ‫بالهات��ف إلى زوجته الت��ي وضعت مولدهم��ا األول في‬ ‫الصب��اح‪ ،‬ولم يس��تطع زيارته��ا في المستش��فى‪ .‬كان‬ ‫الشاب رقيباً متطوعاً‪ ،‬وابنَ عمّةِ الضابط الرفيع‪ ،‬الذي‬ ‫أُوكِل إلي��ه واجبُ مرافقةِ أحد الخبراء اإلس��تراتيجيين‬ ‫المُرسلين إلى جبال الساحل في مهمّة من العاصمة‪.‬‬ ‫ُ‬ ‫الضبّ��اط المُهمّون أحداً‪ ،‬حتى وإن‬ ‫لم يعد يأمن‬ ‫كان ممن خدم عندهم بوفا ٍء س��نوات طويلة‪ ،‬وذلك بعد‬ ‫أن ُ‬ ‫كث��رت الخيانات واالختراقات في صفوفهم‪ ،‬فبات كل‬ ‫واح��د يُعيّن فرداً مُقرباً من أفراد عائلته‪ ،‬بحثاً عن ثقةٍ‬ ‫ندُرت في زمن الفساد الجهنّمي المتحالفِ مع الحرب‪.‬‬ ‫ف��ي المقدمة وق��ف العمي��د والضابط المس��اعد‪،‬‬ ‫وفي الوس��ط بينهما وقف الخبي��ر‪ .‬خلفهم بأمتار انتظر‬ ‫المرافقُ الشخصيّ للخبير‪ .‬كان جنديّاً مُلتحياً‪ ،‬مالمحه‬ ‫صارم��ة وكأنه��ا اش��تُ ّقت من ح��واف الصخ��ور‪ ،‬طوال‬ ‫الطري��ق لم ينط��ق بكلمة‪ ،‬كان أحياناً يردّ همس��اً على‬

‫شهداء‬ ‫سوريا‬

‫مكالمات تصله عبر جهاز الالس��لكي‪َ .‬‬ ‫تناقل المسؤولون‬ ‫الثالثة المنظارَ الصغير متوجّهين بأنظارهم إلى الجزء‬ ‫الشمالي من القرية‪ ،‬التي ظهرت مستغرق ًة بين السفوح‬ ‫المتعرّج��ة‪ ،‬هن��اك حيث مجموع�� ٌة هائلة م��ن العيون‬ ‫انفتح��ت على دخ��ان حرائقَ كان��ت تنش��بُ مُتجوّل ًة‬ ‫كالعدوى‪.‬‬ ‫ «هل تريَ��ان؟‪ .»..‬قال العميد بص��وت جادٍ خرج‬‫على دفعتين من حنجرته المُتشنّجة‪ ،‬وهو يمدّ المنظار‬ ‫إلى الخبير‪.‬‬ ‫رف��ع الرجل الغري��ب المنظ��ارَ إلى عيني��ه وحدّق‬ ‫مُطي� ً‬ ‫لا وه��و يُدير رأس��ه ميليمت��راتٍ يميناً ويس��اراً‪،‬‬ ‫ببط ٍء ش��ديدٍ ألهبَ التوتر في قل��ب الضابطين‪ .‬أطال‬ ‫الغري��ب في تحديق��ه كثيراً‪ ،‬إلى حدّ جع��ل الرجلين في‬ ‫حالة اضطراب مُعلنة‪ .‬ش��عرا بضيّق عنيفٍ‪ ،‬أخذ يطرقُ‬ ‫صدغيهما مُوشكاً على الخروج صراخاً أو عوي ًال‪.‬‬ ‫نظرا إل��ى بعضهما البعض فاق��دَي الصبر تماماً‪،‬‬ ‫ثم التفتا إلى الخلف ليَ��را الحارس صامتاً‪ ،‬يقفُ ببرودةٍ‬ ‫أكملت تمزيق أعصابهما‪ ،‬فنطقا سوي ًة‪:‬‬ ‫ «سيدي!‪.»...‬‬‫أن��زل الخبير بحركةٍ عصبيّة كلت��ا يديه‪ ،‬ودون أن‬ ‫يلتفت أليّ منهما‪ ،‬قال ب ُلغته‪:‬‬ ‫ «سننتظر‪.»..‬‬‫تنفس الضابط��ان عميقاً‪ ،‬ولم ينبس��ا بحرفٍ‪ .‬بعد‬ ‫قليل تجرّأ العميد‪:‬‬ ‫ «لك��ن يجب أن‪ ،»...‬قاطعه الخبي��ر مُحتدّاً‪ ،‬وقد‬‫توجّه إلى الضابط المساعد بنظرةٍ كادت تقفزُ وراءها‬ ‫عيناه الغائرتان‪:‬‬ ‫ «ترج��مْ له ما قلت»‪ْ ،‬‬‫وإذ لم��سَ في الحال تأخراً‬ ‫في اس��تجابة الرجل‪ ،‬عاجله بجملة أخرى نفخها من بين‬ ‫أسنانه مُهدّداً‪« :‬هل سمعتني؟»‪.‬‬ ‫مُذنب‪ ،‬وق��ال على الفور‪،‬‬ ‫هزّ الرجل رأس��ه كول��دٍ‬ ‫ٍ‬ ‫ماسحاً بأصبعيه العرق عن حاجبيه‪ ،‬وهو يميل بجذعه إلى‬

‫جمموع ال�شهداء (‪)73776‬‬ ‫دمشق‪5522 :‬‬ ‫ريف دمشق‪17005 :‬‬ ‫حمص‪11014 :‬‬ ‫درعا‪6465 :‬‬ ‫إدلب‪8588 :‬‬ ‫حلب‪11959 :‬‬

‫دير الزور‪4562 :‬‬ ‫الرقة‪912 :‬‬ ‫السويداء‪55 :‬‬ ‫حماة‪5172 :‬‬ ‫الالذقية‪858 :‬‬ ‫طرطوس‪309 :‬‬ ‫الحسكة‪536 :‬‬ ‫القنيطرة‪387 :‬‬

‫الخلف قاصداً عينيّ مع ّلمه‪« :‬يأمرُ سيادته أن ننتظر»‪.‬‬ ‫كانت الريحُ ب��دأت تخفق قوياً عل��ى ذلك االرتفاع‬ ‫المكش��وف‪ ،‬وخالل الوق��تٍ القصير الذي م��رّ كانت قد‬ ‫أعادت توزيع السُحب المنخفضة فوق المنطقة‪ ،‬لتطوّق‬ ‫ّ‬ ‫بظ��ل كثيف‪ .‬تغيّرٌ س��ريع ف��ي الج��وّ‪ ،‬كنزوةٍ‬ ‫الرؤي��ة‬ ‫استدان الصيفُ المُنهكُ ثمنها من خريفٍ متقدّم على‬ ‫مهمل خلف نهاراتِ أيلول‪.‬‬ ‫ٍ‬ ‫في مكانه كان الس��ائق يستند بجسمه إلى مؤخرة‬ ‫الس��يارة‪ ،‬الريحُ تض��ربُ جانباً نصفَ وجه��هِ‪ ،‬وتصفرُ‬ ‫بنعومة في أذنه كلمّا حرّك رأس��ه قلي ًال‪ .‬للحظةٍ س��مع‬ ‫ضجيجاً اس��تمرّ لث��وانٍ قبل أن يخبوَ رقيق��اً‪ .‬لم يهتمّ‬ ‫لألمر وتابع َ‬ ‫شغل ذهنه بمحاولة تقدير المسافة الفاصلة‬ ‫بين أبراج الكهرباء الضخمة التي كانت تقف في الس��فح‬ ‫كرج��ال ضخمي��ن‪،‬‬ ‫المقاب��ل عل��ى س��اقين عريضتي��ن‬ ‫ٍ‬ ‫رؤوسهم صغيرة‪ ،‬وأيديهم مقيّد ٌة بحبال مُتد ّلية ثقيلة‪.‬‬ ‫ف��ي تلك األثناء ّ‬ ‫رن هاتف��ه‪ .‬كان متلهفاً لصوتٍ ما‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫رتاب��ة الهبوب الذي ذرّتْهُ الريح‬ ‫يُخلخل‬ ‫كذلك الرنين‬ ‫طبو ًال رخيمة ف��ي المكان‪ .‬كانت أمّ��ه‪ ،‬أرادت أن تعرف‬ ‫فيما إذا كان قريباً م��ن البيت‪ ،‬فيأتي لتناول الغداء‪ .‬قال‬ ‫له��ا إنّه ضج��رٌ كالعادة‪ ،‬ف��ي مهمةٍ خاصّ��ة‪ ،‬وإنه لن‬ ‫يستطيع العودة قبل المساء‪.‬‬ ‫بع��د أن أنهى المكالم��ة‪ ،‬وأعاد الجه��از إلى جيب‬ ‫بنطاله‪ ،‬داهمه ش��عورٌ ٌ‬ ‫دخيل ظنّ أنه ش��عور بالوحدة‪،‬‬ ‫بلع��اب أس��اله ذِك��رُ اللح��م المش��ويّ الذي‬ ‫وامت��زجَ‬ ‫ٍ‬ ‫س��يُفرش بعد قلي��ل على مائ��دة الصال��ون الرخامية‪.‬‬ ‫أيضاً‪ ،‬فإن المشهد الخريفيّ الذي اجتاح ساعة الظهيرة‬ ‫المبكرة تلك‪ ،‬قد زاد من شعوره بالجوع بشكل ملحوظ‪.‬‬ ‫صعد الس��يارة‪ ،‬أغلق الباب والنواف��ذ‪ ،‬وأدار الراديو‪.‬‬ ‫كان ال ب��دّ ل��ه أن ينظ��ر إل��ى ص��ورة الجن��رال الكبي��ر‪،‬‬ ‫المُلصق��ة م��ن الداخل على زج��اج الس��يارة األمامي‪.‬لم‬ ‫يس��تطع أن يُق��اوم ابتس��ام ًة كان��ت تندفعُ بق��وةٍ من‬ ‫أحش��ائه المُتضوّرة‪ .‬وضع نظاراته الشمس��يّة‪ ،‬ومضى‬ ‫عائداً إلى البيت يُردّد أغنية شعبيّة كانت ّ‬ ‫تبثها اإلذاعة‪.‬‬ ‫‪ 5572‬عدد األطفال الذكور‬ ‫‪ 2535‬عدد األطفال اإلناث‬ ‫‪ 5228‬عدد اإلناث‬ ‫‪ 18462‬عدد العسكريين‬ ‫‪ 55314‬عدد المدنيين‬ ‫المصدر‪ :‬مركز توثيق االنتهاكات‬ ‫في سوريا ‪2013 / 9 / 21‬‬ ‫‪http://www.vdc-sy.info/‬‬

‫مت���ت ط��ب��اع��ة وت���وزي���ع ه���ذا ال���ع���دد م���ن ق��ب��ل م��ط��ب��ع��ة ���س��م��ارت ���ض��م��ن م�����ش��روع دع���م الإع���ل��ام ال�����س��وري احل��ر‬


Turn static files into dynamic content formats.

Create a flipbook
Issuu converts static files into: digital portfolios, online yearbooks, online catalogs, digital photo albums and more. Sign up and create your flipbook.