جريدة سوريتنا العدد السابع والاربعون - 12 آب 2012

Page 1

‫ســـوريتنا‬

‫«عندما يقرر العبد أن ال يبقى‬ ‫عبدا فإن قيوده تسقط»‬ ‫غاندي‬

‫سوريتنا | السنة األولى | العدد (‪2012/ 8 / 12 | )47‬‬

‫صفحتنا على فيس بوك‪:‬‬ ‫‪www.facebook.com/souriatna‬‬ ‫‪souriatna@gmail.com souriatna.wordpress.com‬‬

‫ ‬

‫أسبوعية‬

‫تصدر عن شباب س��وري حر‬

‫سوريتنا | السنة األولى | العدد (‪ / 12 | )47‬آب ‪2012 /‬‬ ‫أسبوعية‬ ‫تصدر عن شباب سوري حر‬ ‫‪1‬‬


‫الالجئون ال�سوريون يتخطون ‪� 150‬ألفا‬

‫أخبارنا ‪. .‬‬ ‫سوريتنا | السنة األولى | العدد (‪ / 12 | )47‬آب ‪2012 /‬‬ ‫أسبوعية‬ ‫تصدر عن شباب سوري حر‬ ‫‪2‬‬

‫قال��ت منظم��ة األم��م المتح��دة‬ ‫إن ع��دد الالجئي��ن الس��وريين إل��ى‬ ‫دول الج��وار تخط��ى ‪ 150‬أل��ف الجئ‬ ‫بس��بب احت��دام موجة المع��ارك في‬ ‫الفترة األخيرة بين القوات الحكومية‬ ‫الس��ورية والجيش الح��ر‪ ،‬خاصة في‬ ‫مدينة حلب شمالي سوريا‪.‬‬ ‫وأضاف��ت أن مكات��ب المفوضية‬ ‫العليا لش��ؤون الالجئي��ن في كل من‬ ‫العراق ولبنان واألردن وتركيا سجلت‬ ‫هذا األس��بوع زيادة مطردة في أعداد‬ ‫الالجئي��ن الس��وريين الفاري��ن م��ن‬ ‫مناطق القتال‪.‬‬ ‫وقال المتحدث باسم المفوضية‬ ‫أدري��ان إدواردز إن بيانات المفوضية‬ ‫تتعل��ق بأع��داد الالجئين الس��وريين‬ ‫المس��جلين‪ ،‬الذين بلغ عددهم حتى‬ ‫‪ 9‬أغس��طس‪/‬آب الحال��ي ‪667 .146‬‬ ‫الجئ��ا‪ ،‬مش��يرا إلى أن ع��ددا آخر من‬ ‫الالجئي��ن ف��روا إل��ى دول المغ��رب‬ ‫العربي وجنوب أوروبا‪.‬‬ ‫وأضاف في مؤتمر صحفي اليوم‬ ‫بجني��ف بسويس��را أن أع��دادا كبيرة‬ ‫من الالجئين الس��وريين الذين لجؤوا‬ ‫إل��ى دول أخ��رى غي��ر دول الجوار لم‬ ‫يس��جلوا أس��ماءهم بعد في سجالت‬ ‫المفوضية‪.‬‬ ‫وقال المسؤول األممي إن تركيا‬

‫وحده��ا تض��م حالي��ا ‪ 227 .50‬الجئا‬ ‫س��وريا‪ ،‬بعد أن س��جل في األس��بوع‬ ‫الحال��ي دخ��ول ‪ 6000‬الج��ئ جدي��د‬ ‫بفعل التطورات الميدانية في مدينة‬ ‫حلب‪ ،‬مشيرا إلى أن نحو ‪ 8000‬الجئ‬ ‫عادوا إلى دياره��م طوعا في الفترة‬ ‫الماضية ومعظمهم من إدلب‪.‬‬ ‫أم��ا في لبنان فبلغ عدد الالجئين‬ ‫الس��وريين‪ ،‬حس��ب المصدر األممي‪،‬‬ ‫‪ 841 .36‬الجئ��ا‪ ،‬م��ع اإلش��ارة إلى أن‬ ‫آالف الالجئي��ن وصل��وا ف��ي الفت��رة‬ ‫الماضية ولم يسجلوا أسماءهم لدى‬ ‫المفوضية‪.‬‬ ‫وف��ي األردن بلغ ع��دد الالجئين‬ ‫الس��وريين الفاري��ن م��ن المع��ارك‬ ‫والمس��جلين ل��دى المفوضي��ة العليا‬ ‫لش��ؤون الالجئي��ن ‪ 869 .45‬الجئ��ا‪،‬‬ ‫فيم��ا بل��غ عددهم ف��ي الع��راق ‪.13‬‬ ‫‪ 730‬الجئا‪.‬‬ ‫األردن يعمل على توسيع مخيم‬ ‫الزعتري (األوروبية)‬

‫ا�ستعدادات‬

‫وقال إدواردز إن السلطات التركية‬ ‫بصدد العمل على تعزيز قدرتها على‬ ‫اس��تيعاب الالجئي��ن الس��وريين في‬ ‫ضوء المس��تجدات األخيرة‪ ،‬من خالل‬ ‫إقام��ة ‪ 13‬مخيم��ا جدي��دا إضافة إلى‬

‫المخيمات التسعة الموجودة‪ ،‬لتصبح‬ ‫قادرة على استيعاب ‪ 100‬ألف الجئ‪.‬‬ ‫كما أن التوس��ع المحتمل لمخيم‬ ‫الالجئين في األردن ليصبح قادرا على‬ ‫اس��تيعاب نحو ‪ 150‬ألف الجئ يمكن‬ ‫أن يس��اعد ف��ي اس��تيعاب أي موج��ة‬ ‫جدي��دة محتملة لالجئين الس��وريين‬ ‫الفارين من مناطق القتال‪.‬‬ ‫ودعت المفوضية العليا لش��ؤون‬ ‫الالجئي��ن دول الج��وار الس��وري‬ ‫إل��ى فت��ح حدوده��ا أم��ام الالجئي��ن‬

‫السوريين الذين تعيش بالدهم على‬ ‫وق��ع ثورة منذ ‪ 17‬ش��هرا‪ ،‬خاصة في‬ ‫ظل التوقعات األممية ببلوغ الالجئين‬ ‫الفارين م��ن س��وريا ‪ 185‬ألف الجئ‬ ‫هذا العام‪.‬‬ ‫يذكر أن الهالل األحمر الس��وري‬ ‫ومنظم��ة األمم المتح��دة تحدثتا عن‬ ‫وجود ‪ 5 .1‬مليون س��وري نزحوا عن‬ ‫دياره��م بس��بب القتال إل��ى مناطق‬ ‫داخل س��وريا أكث��ر أمن��ا‪ ،‬ويحتاجون‬ ‫مساعدات إنسانية دولية‪.‬‬

‫املتطوعون ال�شباب يف مدار�س اللجوء‪:‬‬ ‫تنظي��م ومعاجل��ة �أزم��ات‪ ..‬وقي��ود عل��ى التطوع‬

‫لم يكن الالجئون جنوب العاصمة‬ ‫دمش��ق يتص��ورون أن المع��ارك‬ ‫س��تصل به��م لح��د مش��اركة إخوتهم‬ ‫الفلس��طينيين الحال‪ ،‬وسيتحولون إلى‬ ‫نازحين مثلهم‪ ،‬الذين تجاوزت حركتهم‬ ‫االحتجاجية شهرها السابع عشر‪ ،‬خاصة‬ ‫م��ع الظ��روف الصعب��ة التي يعيش��ها‬ ‫النازح��ون بس��بب نقص المس��اعدات‬ ‫والقيود التي تضعها السلطات السورية‬ ‫على العمل التطوعي‪.‬‬ ‫وخصص��ت مدارس أون��روا إليواء‬ ‫الالجئي��ن مم��ن وصل��ت المع��ارك إلى‬ ‫محي��ط المخيم��ات بدمش��ق‪ .‬ويراب��ط‬ ‫شبان طوال الوقت خلف الباب الحديدي‬ ‫للمدرسة لحماية القاطنين هناك‪.‬‬ ‫وكما ه��و الحال ف��ي كل مدارس‬ ‫النازحي��ن ال يمك��ن أن تت��م الزيارة إال‬ ‫بموجب موافقة م��ن اإلدارة بعد التأكد‬ ‫من رغبة النازح في استقبال الضيف‪.‬‬

‫ظروف قا�سية‬

‫ويفت��رش نس��اء ورج��ال مم��رات‬ ‫المدرس��ة المؤدية إل��ى الصفوف التي‬ ‫بات��ت منزله��م الجديد‪ ،‬غي��ر مكترثين‬ ‫بصياح وضجيج األطفال الذين يلعبون‬ ‫في باحة المدرسة‪.‬‬ ‫مدخل مخي��م اليرموك بالعاصمة‬ ‫السورية دمشق (الجزيرة)‬ ‫وتحولت غرفة إدارة المدرسة إلى‬ ‫مكت��ب للمتطوعي��ن المش��رفين على‬

‫العائالت النازحة‪.‬‬ ‫وقد تط��وع العديد م��ن النازحين‬ ‫لإلش��راف وتأمي��ن احتياج��ات األس��ر‬ ‫النازح��ة‪ ،‬كم��ا ه��و الحال م��ع لميس‪،‬‬ ‫الصيدالنية التي نزحت مع أسرتها إلى‬ ‫هذه المدرس��ة لكنه��ا متفرغة لخدمة‬ ‫المس��توصف‪ ،‬كما تطوع بعض النساء‬ ‫والرجال ألعمال التنظيف وغيرها‪.‬‬ ‫وتس��ود حالة من التسليم والرضا‬ ‫بالواق��ع بي��ن صفوف النازحي��ن الذين‬ ‫تع��ودوا عل��ى حي��اة اللج��وء‪ ،‬مما خلق‬ ‫بينهم جوا من التآلف واالنسجام‪.‬‬ ‫وتقول أم أحمد (وهي أم ثالثينية‬ ‫تحم��ل ابنه��ا الرضي��ع) إن الوق��ت في‬ ‫المدرس��ة يمر ثقي� ً‬ ‫لا‪ ،‬فليس لديها من‬ ‫عمل س��وى االنتظ��ار حتى ته��دأ حالة‬ ‫العنف ويتوقف القصف‪ .‬وتضيف أنها ال‬ ‫تملك ش��يئا هنا‪ ،‬فقد قررت الهرب من‬ ‫المنزل مع رضيعه��ا بعد أن بدأ الجميع‬ ‫بالف��رار من القص��ف‪ ،‬ولم تحمل معها‬ ‫حتى مالبسها أو مالبس طفلها‪.‬‬

‫قيود على التطوع‬

‫وروى محمد (وهو أحد أبناء مخيم‬ ‫فلسطين نزحت أس��رته إلى بيوت أحد‬ ‫األقارب في منطقة آمنة) أنه تطوع في‬ ‫إح��دى الجمعي��ات الخيرية ك��ي يتمكن‬ ‫من مس��اعدة النازحين في المدرس��ة‪.‬‬ ‫وقال إنه بعد أيام من "معركة دمشق"‪،‬‬ ‫ن��زح األهال��ي م��ن مختل��ف المناط��ق‬

‫الت��ي تعرضت للقصف مم��ا خلق حالة‬ ‫استنفار حقيقية في عمل اإلغاثة‪.‬‬ ‫وشرح محمد كيف أن هذه التجمعات‬ ‫الجديدة وحالة التعاطف اإلنس��انية من‬ ‫أناس لم تشهد أحياؤهم حربًا حقيقية‪،‬‬ ‫كان مقلقاً لفروع المخابرات‪ ،‬ألن سماع‬ ‫قصص المداهمات والقتل العش��وائي‬ ‫م��ن مدنيين ونس��اء وأطفال ليس من‬ ‫صالح النظام‪.‬‬ ‫لذلك‪ ،‬ق��ام فرع األمن السياس��ي‬ ‫باختي��ار عناصر على أب��واب المدارس‪،‬‬ ‫ومن��ع المتطوعي��ن م��ن إيص��ال‬ ‫المساعدات والتعامل مع النازحين‪ ،‬كما‬

‫اعتقل مجموعة من الش��ابات والشبان‬ ‫الناش��طين في عمل اإلغاث��ة ألنهم ال‬ ‫يتبعون لجهة رسمية‪.‬‬ ‫واش��تكى محم��د م��ن صعوب��ة‬ ‫الوض��ع ف��ي أماك��ن إي��واء النازحي��ن‬ ‫"فالغ��رف تفتق��ر ل��كل ش��يء إال م��ن‬ ‫فرش��ات إسفنجية بس��يطة تمكنّا من‬ ‫تأمينه��ا‪ .‬وأع��داد النازحين كبي��رة‪ ،‬أنا‬ ‫أب��ن مخيم��ات‪ ،‬والفلس��طيني يع��رف‬ ‫معن��ى الن��زوح والتش��رد جي��داً‪ ،‬لكنها‬ ‫تجربة جديدة للس��وريين لذا أعتقد أن‬ ‫تعايشهم مع الوضع أصعب"‪.‬‬


‫سوريتنا | السنة األولى | العدد (‪ / 12 | )47‬آب ‪2012 /‬‬ ‫أسبوعية‬

‫السالم عليكم! ‪( -‬الجمهور يهتف باولو(‬ ‫من الش��خصي جداً أن أتكل��م بلغتي األم وأنا في المنفى‪ .‬وددت التكلم بلغة «عروس��ي المحبوبة‬ ‫سوريا‪ .‬تلك العروس التي من أجلها» يترك اإلنسان أمه وأباه‪..‬‬ ‫ف��ي ذل��ك األحد عندما ذهب ديكتاتور تونس بعيداً‪ ،‬كان يوماً أش��به بعي��د الفصح! مع أننا كنا في‬ ‫منتصف الشتاء‪ .‬وعندما صرخ المصريون طالبين الحرية‪ ،‬كان ذلك أشبه بالحلم‪.‬‬ ‫أنتساءل‪ :‬متى سيأتي دورنا؟‬ ‫كنا نعلم بأن المسألة ستكون أكثر صعوبة وألمًا في سوريا‪ .‬كنا نأمل من ذلك الرجل (بشار األسد)‬ ‫أن يوصلنا إلى شط الحرية! وأن يضع نفسه في خدمة شعبه‪ .‬ولكن‪..‬‬ ‫يا ألسف! يا للعمى! يا للخجل‬ ‫لم نش��عر كثيراً بأننا عرب كما نش��عر في هذا العام الذي انتفض به ش��بابنا‪ .‬باسم جميع الشعب‬ ‫فهم��ت ف��ي هذا العام‪ ،‬أكثر من أي عام مضى‪ ،‬أن تكون عربيًا ال يعني أن تكون مغلقاً على ذاتك‪ ،‬أو أن‬ ‫تكون متشدداً‪ ،‬أو أن تكون فاشيًا‪ ...‬بل يعني بأن تكون جزءاً من حضارة عريقة ومنفتحة على الجميع‪.‬‬ ‫أن تك��ون عربيًا يعني أن��ك تنتمي إلى حضارة متنوعة األديان وإلى التنوع اإلثني كما هو‪ ،‬على س��بيل‬ ‫المثال‪ ،‬وجود اإلخوة األكراد في سوريا‪( .‬تصفيق)‬ ‫ه��ب الط�لاب للتظاهر فكان الرد الس��ريع باالعتقال والتعذيب والس��جن‪ .‬بدأت عل��ى الفور تظهر‬ ‫األكاذي��ب بالحدي��ث ع��ن االره��اب»‪« ،‬مأجورين م��ن خارج س��وريا»‪« ،‬خدم��ة المؤام��رات الصهيونية‪-‬‬ ‫األمريكية‪-‬الفرنسية‪-‬السعودية‪-‬القطرية‪ « ...‬الكل أصبح متهماً بالمؤامرة ضد سوريا وحده الذي سلم‬ ‫من هذه االتهامات هو النظام السوري! (ضحك وتصفيق)‪..‬‬ ‫س��ألت أحد الشباب‪« :‬نحن الكبار في السن كنا دائمًا نتمنى العيش في سوريا حرة ولكننا لم نفلح‬ ‫أبداً في تحقيق حلمنا‪ ،‬بينما أنتم الشبان لديكم شجاعة وتصميم على تحقيق هذا الحلم! من أين لكم‬ ‫كل هذه الشجاعة الجبارة»؟‬ ‫«فأجابني‪« :‬ما يعطيني الش��جاعة هو دم أصدقائ��ي الذي علمني أن أدافع عن الحرية‪ ..‬واحد واحد‬ ‫واحد الش��عب السوري واحد‪ ،‬هي ليس��ت عبارة عن حقيقة واقعية بل هو برنامج ينبغي تنفيذه‪ .‬هناك‬ ‫جيران يس��كنون في نفس الحي أو حتى نفس المبنى‪ .‬يغذون أفكار تقس��م البلد وهم يقومون بذلك‬ ‫ألنهم فريسة الخوف والكراهية‪.‬‬ ‫جاءن��ي عنصر مخاب��رات حزينًا مكتئباً وقال لي‪« :‬ماذا عس��اي بفاعل»؟ أجبت��ه‪ « :‬عليك االنتظار‪.‬‬ ‫ولكن يجب أن تفهم بأنك إذا قمت بتضييع إنس��انية األش��خاص الذين تخشاهم فهذا يعني بأنك فقدت‬ ‫إنسانيتك‪ .‬احترم كل إنسان سوري تلتقي به‪.‬‬ ‫أتذكر عندما أتى إلي مجموعة من الش��بان المس��لمون‪ ،‬قالوا لي‪ « :‬أبونا غداً س��وف نذهب للموت‬ ‫ف��ي حمص‪ .‬أعطنا نصيحة‪ ،‬قلت لهم نفس اإلجابة‪« :‬احترموا كرامة الجميع حتى ال تفقدوا كرامتكم»‬ ‫فأجابوا‪ « :‬نعم ينبغي علينا أن نفوز من دون أن نفقد كرامتنا وإنسانيتنا‪ ،‬سوف نفوز من دون أن نلوث‬ ‫شرف اإلسالم‪ .‬سوف «نحترم اآلخرين حتى عندما يكونون غير قادرين على احترام أنفسهم‪.‬‬ ‫مرة كنت على ظهر س��يارة تابعة للجيش الس��وري الحر‪ ،‬وكنا نحمل معنا جثة أحد العمال الثالثة‬ ‫عشر الذين تم قتلهم‪ .‬لقد تمت إصابته بطلقة في الوجه‪ .‬توقفنا لحظة‪ ...‬سائق السيارة (جندي رفض‬ ‫قت��ل أبناء ش��عبه فانضم للجيش الحر) نظر إلي وقال‪« :‬أبونا صدقن��ي ال أريد ال مجداً وال نقوداً‪ .‬كل ما‬ ‫أريده هو أن أستطيع حراثة أرض آبائي بكرامة وحرية» إنه فع ًال لجندي شاب شريف‪.‬‬ ‫في ذلك الصباح الباكر كنا في مدينة قد تم قصفها‪ .‬كانت هناك خمس��ة عش��ر جثة للدفن‪ ،‬كانت‬ ‫الجثث ال تزال تنضح دمًا‪ .‬رأيت صديقي أبو القاس��م الس��وري إنه رجل عج��وز ويمثل أصالة هذا البلد‪،‬‬ ‫وكان قد فقد ولديه في هذه المذبحة الظالمة‪ ،‬قام بإخراج جثث من البراد الذي قام بابتكاره‪ .‬أمام أعين‬ ‫أهال��ي الضحاي��ا وصار يصيح هو ومن معه «واحد واحد واحد الش��عب الس��وري واحد» ثم صاح «الموت‬ ‫وال المذلة» قرية تم تدميرها‪ ،‬أوالده تم قتلهم وأمامه جثث أبناء قريته‪ ...‬وهو يطلب الكرامة! ثم قال‬ ‫«نحن سنيين‪ ،‬مسيحيين‪ ،‬علويين دروز‪ ،‬أرمن‪ ،‬أكراد‪ ،‬نحن سوريين» وطلب من الحاضرين تكرار هذه‬ ‫الكلمات أما جثث ذويهم‪ .‬ثم قال لألهالي سوريا تتكون من جميع العائالت التي تسكن من حولنا‪..‬‬ ‫يا له من إنسان شريف أبو القاسم أبو الشهداء‪..‬‬ ‫تم اعتقال شاب سوري مسيحي أمام بوابة كنيسة ألن الكنيسة كانت مغلقة! إنه شاب تم قتله من‬ ‫قبل قوات النظام‪ .‬إنه باسل شحادة الذي كان قد غادر الواليات المتحدة لكي يشهد على حق شعبه بأن‬ ‫يحيا حراً (تصفيق) أصدقاؤه وصديقاته تمت محاصرتهم أمام بوابة الكنيس��ة‪ .‬الس��بب يعود ألن رجال‬ ‫الدين أبقوا البوابة مغلقة بسبب خوفهم! تم اعتقالهم وتعذيبهم‪ .‬كانوا مسيحيين ومسلمين متحدين‬ ‫بالصداقة دائماً حصل ذلك في آخر أيام تواجدي في سوريا‪ ،‬حيث أنه تم طردي من سوريا‪..‬‬ ‫لس��بب وجيه‪ :‬يا بش��ار األسد أنت قمت بطردي‪ .‬أريد أن أش��كرك على فعلتك هذه! حيث أن الكلمة‬ ‫الحرة هي أقوى من أي سالح خفيف أو ثقيل‪..‬‬ ‫الجمهور ينادي «اهلل سوريا حرية وبس»‪..‬‬ ‫في آخر أيام تواجدي في س��وريا في الدير أتى أصدقاء وصديقات باسل إلى الدير من أجل الصالة‬ ‫ل��روح صديقه��م باس��ل‪ ،‬أتذكر حتى اليوم صديقات باس��ل كن عب��ارة عن فتيات متش��حات بالمالبس‬ ‫السوداء والدموع تنهمر من أعينهم‪ ...‬كن سنيات مسيحيات وعلويات‪ .‬إنهن يمثلن الشعب السوري‪..‬‬ ‫لدين��ا الكثير م��ن التحديات أمامنا على صعي��د الحكم‪ ،‬على صعيد المجتمع وعلى صعيد اإلس�لام‬ ‫فنح��ن نعلم تماماً بأنه بين خطوط الثوار هناك أش��خاص قد ضلوا الطري��ق‪ .‬نريد إعادتهم إلى الحياة‬ ‫المدنية فهم ال يس��تحقون أن يحيوا حياة اإلرهابيين بل أن س��اعدوا الجميع في بناء دولة للجميع ليس‬ ‫م��ن الع��دل أن تظل س��وريا حلبة للصراع��ات اإلقليمية والدولية بل س��وريا بلد المصالح��ة اليوم نريد‬ ‫إيطاليا متضامنة مع حوض المتوسط ومع سوريا حرة‪ ،‬ديمقراطية تعددية!‪..‬‬ ‫هتاف��ات م��ن بينها‪ ...‬األب باولو اهلل يحمي��ه وعندما قام البعض بلعن رموز الس��لطة‪ ،‬تدخل األب‬ ‫باولو مستشهداً من اإلنجيل‪:‬‬ ‫بارك��وا‪ ،‬ال تلعن��وا! بارك��وا البلد! باركوا أوالدن��ا! باركوا أرضن��ا! باركوا أمواتن��ا! اهلل يحمي بلدنا!‬ ‫(الجمهور آمين)‬ ‫اهلل يحررنا جميعًا من الداخل! (الجمهور آمين)‬

‫تصدر عن شباب سوري حر‬

‫كش��ف الكات��ب البريطان��ي المخضرم روبرت فيس��ك‪ ،‬مراس��ل‬ ‫صحيفة "اإلندبندنت" لش��ؤون الشرق األوسط‪ ،‬عن األضرار المدمرة‬ ‫التي لحقت بآثار سوريا العريقة من جراء الحرب الوحشية بين النظام‬ ‫وقوات المعارض‪ ،‬وفق ما ذكرت صحيفة "اليوم السابع"‪.‬‬ ‫وقال فيس��ك في مقاله‪ ،‬األحد‪ ،‬تحت عنوان‪" :‬س��حق آثار سوريا‬ ‫القديمة" إن التراث التاريخي الغني للغاية في س��وريا قد وقع ضحية‬ ‫للنهب من قبل قوات المعارضة والقوات الحكومية على حد سواء‪.‬‬ ‫وأض��اف‪" :‬كن��وز تاريخ س��وريا الت��ي ال تقدر بثمن مث��ل القالع‬ ‫الصليبية والمس��اجد القديمة والكنائس والفسيفس��اء الرومانية وما‬ ‫يعرف بالمدن الميتة في الشمال والمتاحف المليئة باآلثار قد سقطت‬ ‫جميعها فريسة للنهب والتدمير من جانب قوات الحكومة والمعارضة‪،‬‬ ‫في ظل استمرار القتال في كل أنحاء البالد"‪.‬‬ ‫وفي حين أن اآلثار والمتاحف في مدينتي دمش��ق وحلب قد نجت‬ ‫حت��ى اآلن‪ ،‬إال أن تقاري��ر من مختلف أنحاء س��وريا تتحدث عن أضرار‬ ‫ال يمك��ن إصالحه��ا على المواق��ع التراثي��ة التي ليس له��ا نظير في‬ ‫الش��رق األوس��ط‪ ،‬وحتى قلعة الحصن الرائعة التي وصفها لورانس‬ ‫الع��رب‪ ،‬بأنها ربما أفضل قلعة في العالم‪ ،‬والتي لم يس��تطيع صالح‬ ‫الدين األيوبي أن يستردها‪ ،‬قد تم قصفها من قبل الجيش السوري‪،‬‬ ‫وألحقت أضرار كبيرة بالكنيسة الصليبية داخلها"‪.‬‬ ‫ويش��ير فيس��ك إلى أن تدمير ت��راث العراق ف��ي الفوضى التي‬ ‫أعقب��ت الغزو األنجلوأمريكي للعراق ف��ي عام ‪ ،2003‬وحرق المكتبة‬ ‫القرآنية ومحو المدن السومرية القديمة ربما يتكرر اآلن في سوريا‪.‬‬ ‫ويش��ير إل��ى أن تقارير علم��اء اآلثار الس��وريين والمتخصصين‬ ‫الغربيي��ن في العصر البرونزي والمدن الرومانس��ية تقول إن المعبد‬ ‫اآلش��وري قد دمر في تل ش��يخ حم��د‪ ،‬ودمرت قلعة المضيق بش��كل‬ ‫كامل‪ ،‬وتم نهب الفسيفساء الرومانية الرائعة‪.‬‬ ‫ويتاب��ع الكات��ب قائ� ً‬ ‫لا‪ :‬إنه ف��ي كثير م��ن الحاالت‪ ،‬س��عت قوات‬ ‫المعارضة إلى البحث عن مالذ وراء الجدران السميكة للقالع القديمة‪،‬‬ ‫ولم يتردد الجيش الس��وري في قصف هذه المباني التاريخية لتدمير‬ ‫أعدائه‪.‬‬ ‫ويقول جوان فارش��خ‪ ،‬عالم اآلثار اللبناني الذي حقق في تدمير‬ ‫الكن��وز التاريخي��ة بالعراق بعد عام ‪ ،2003‬وس��اعد متحف بغداد في‬ ‫استعادة بعض كنوزه‪ ،‬إن وضع التراث السوري اليوم كارثي‪.‬‬ ‫ويضي��ف أن أحد المش��كالت ه��و أن النظام الس��وري‪ ،‬وقبل ‪10‬‬ ‫س��نوات من هذه الحرب أس��س ‪ 25‬متحفاً ثقافياً في كل أنحاء البالد‪،‬‬ ‫لتش��جيع الس��ياحة والحفاظ على األش��ياء الثمينة في ه��ذه المواقع‬ ‫الموجودة في حدائق خارجية في أغلبها‪ ،‬وذلك إلثبات أن النظام قوى‬ ‫بما يكفي لحمايتها‪.‬‬ ‫كم��ا تع��رض متح��ف حم��ص للنه��ب م��ن جان��ب الميليش��يات‬ ‫الحكومي��ة‪ ،‬كما يقول تجار اآلثار‪ ،‬إنه تم إغراق األس��واق في األردن‬ ‫وتركيا بالقطع األثرية السورية‪.‬‬

‫الرتجمة العربية لن�ص كلمة الأب باولو يف لقاء ميالنو‬ ‫أخبارنا ‪. .‬‬

‫روبرت في�سك‪� :‬آثار‬ ‫�سوريا تتال�شى بفعل‬ ‫احلرب الدائرة‬

‫�أوجـــاع وطــن‬

‫‪3‬‬


‫أخبارنا ‪. .‬‬ ‫سوريتنا | السنة األولى | العدد (‪ / 12 | )47‬آب ‪2012 /‬‬ ‫أسبوعية‬ ‫تصدر عن شباب سوري حر‬ ‫‪4‬‬

‫املر�أة ال�سورية والثورة‪..‬‬ ‫املنا�ضلة وال�شهيدة و مربية الأحرار‬

‫بشرى حسين‬

‫كانت المرأة السورية تتحمل عبئاً كبيراً‬ ‫م��ن أعباء الحي��اة في المجتمع الس��وري قبل‬ ‫الثورة الباسلة‪ ،‬وقد تضاعف هذا العبء مرات‬ ‫في ظ��ل الثورة لتدف��ع الضريب��ة األكبر من‬ ‫تبعات واقع الحال الذي حوّله النظام السوري‬ ‫إلى جحيم في كل المناطق الثائرة‪.‬‬ ‫ال يمك��ن ألي س��وري ي��درك الواق��ع‬ ‫الصعب الذي تعيش��ه األس��رة الس��ورية منذ‬ ‫عقود أن ين ّكر الدور الكبير للمرأة‪ ،‬ففي غالب‬ ‫األحي��ان كانت المرأة ه��ي الرافعة الحقيقية‬ ‫الت��ي منع��ت الس��قوط المريع آلالف األس��ر‬ ‫الس��ورية في بئ��ر الفقر والحاجة والتش��رد‪،‬‬ ‫ومهما تبجحنا بمس��ألة نيل الم��رأة لحقوقها‬ ‫ف��ي ظل حكم ح��زب البعث الفاس��د ووصول‬ ‫عدد من النس��اء إلى مناصب عليا في الدولة‪،‬‬ ‫ف��إن الواقع الحقيقي للمرأة الس��ورية ينافي‬ ‫ّ‬ ‫تلك الص��ورة الت��ي دأب إع�لام النظام على‬ ‫تلميعه��ا بمش��اركة م��ن بعض من النس��اء‬ ‫أنفس��هن اللواتي كنّ يسعيّن إلى مزيد من‬ ‫المكاس��ب التي اكتس��بنها دون االلتفات إلى‬ ‫الواق��ع المرير لآلالف من النس��اء الس��وريات‬ ‫في الضواحي وأطراف المدن والقرى‪.‬‬ ‫وكأن ه��ؤالء يس��قطن م��ن حس��اب‬ ‫ّ‬ ‫مؤتمرات المرأة وقضاياها‪ ..‬آالف من األميّات‬ ‫ف��ي مدننا وقرانا‪ ..‬وآالف م��ن األرامل يربين‬ ‫أيتامًا ب�لا معيل‪ ،‬وآالف م��ن اللواتي يغادرن‬ ‫بيوته��ن مع ش��روق الش��مس وال يع��دن إال‬ ‫مع غروبها وه��نّ يقمن باألعم��ال الزراعية‬ ‫التي تحت��اج إلى جهد عضلي كبير يعجز عنه‬ ‫الرجال أحياناً‪..‬‬ ‫تعج��ن المرأة الفالحة في س��وريا تراب‬ ‫األرض بعرقها لتس��تنبته خي��راً وخبزاً يكفي‬ ‫عائلته��ا ذل الحاج��ة‪ ،‬تعي��ل أخ��وات وبن��ات‬ ‫وأمهات أسر بأكملها من خالل العمل الزراعي‬ ‫ال��ذي يمتد ط��وال العام ويواصل��ن مهمتهن‬ ‫كرب��ات بيوت بع��د العودة من الم��زارع بفرح‬ ‫كبير وقدرة مذهلة على العطاء؟؟‬ ‫كل ه��ؤالء النس��وة ال تتكل��م عنه��ن‬ ‫مؤتمرات قضايا الم��رأة ذات الثوب المخملي‪،‬‬ ‫ومثله��ن اآلالف يعمل��ن في مصانع النس��يج‬ ‫واألحذي��ة والمنتج��ات الكيماوي��ة والغذائي��ة‬ ‫ف��ي ظ��ل ظ��روف صحي��ة وبيئي��ة خطي��رة‬ ‫أحيان��اً مقابل اجور زهيدة ج��داً‪ ،‬وفي بعض‬ ‫مناطق سوريا الزراعية المنتجة لبعض أنواع‬ ‫الصناع��ات الغذائي��ة تق��وم تل��ك القطاعات‬ ‫بش��كل كامل على جه��د الم��رأة‪ ،‬وفي كثير‬ ‫م��ن المناطق ما كان��ت لتقوم زراع��ة وال ما‬ ‫يس��تتبعها م��ن إنتاج لوال جه��د المرأة‪ ،‬وهي‬ ‫ذات المناطق التي تفتقر إلى أبسط مؤسسة‬ ‫حكومية تلبي احياج��ات المرأة حيث ال مراكز‬ ‫صحية حقيقية وال مراكز لألمومة والطفولة‬ ‫ليتضاعف ع��ذاب المرأة وقهرها وحتى أحيانًا‬ ‫موته��ا؟؟ فكم م��ن امرأة توفي��ت خالل والدة‬ ‫عس��يرةألنها لم تصل إلى مستشفى مدينة‬ ‫مج��اورة؟؟ وك��م منطقة زراعي��ة تغيب عنها‬ ‫أماك��ن التطعي��م والتوعي��ة والعناية بصحة‬ ‫المرأة وأطفالها …‬ ‫كم��ا أن تلك المناطق ذاتها والتي يقوم‬ ‫عليها ج��زء كبير من اقتصادن��ا الوطني هي‬ ‫الت��ي تفتقر إل��ى أماك��ن التعلي��م والتعليم‬ ‫البديل وحت��ى محاولة وجود أبس��ط البدائل‬ ‫التي تكفي المرأة التي تعيل أس��رتها أبسط‬ ‫احيتاجاتها؟؟ ومع ذل��ك لم تعوّل المرأة على‬ ‫الدولة ومؤسساتها‪ ..‬تعلمت صبايا سوريا كل‬

‫المهن النس��ائية البيتية م��ن خياطة وتطريز‬ ‫ونس��يج‪ ،‬تعلم��ت كل أن��واع صن��ع األغذي��ة‬ ‫بيتيًا‪ ..‬تعلم��ت حتى صنع زينة النرجيلة التي‬ ‫يس��تمتع بتدخينها رجالن��ا‪ ..‬كل ذلك لتتجنب‬ ‫الحاج��ة وطل��ب المعون��ة وتحم��ي أس��رتها‬ ‫وتص��ون كرامته��ا وكرام��ة عائلته��ا‪ ..‬وإلى‬ ‫جان��ب ذلك كله تق��وم بواجب تربي��ة األبناء‬ ‫واألخ��وة‪ ..‬ه��ؤالء األبن��اء الذي��ن ث��اروا على‬ ‫الظل��م والطغيان وقالوا ّإن كفى؟؟ وس��طروا‬ ‫أروع قص��ص الش��جاعة والتفان��ي ليعب��روا‬ ‫بالفعل عن البيوت التي ربتهم والنس��اء التي‬ ‫أنجبتهم‪.‬‬ ‫الم��رأة الس��ورية المتعلم��ة والمثقف��ة‬ ‫ل��م تك��ن بأق��ل كفاح��ًا ونض��ا ًال بأش��كاله‬ ‫المتع��ددة‪ ،‬وخاصة لجهة الوق��وف إلى جانب‬ ‫قضاي��ا أهله��ا وأبن��اء ش��عبها‪ ،‬وقد كش��فت‬ ‫الثورة الس��ورية عن وجوه مشرّفة وناصعة‬ ‫البياض سيسجلها التاريخ كصفحات تتشرف‬ ‫به��ا س��وريا‪ ،‬عش��رات الصبايا م��ن الكاتبات‬ ‫واإلعالميات والطبيبات والحقوقيات يتحديّن‬ ‫الظلم والقمع والقه��ر كل يوم مقابل فضح‬ ‫أفع��ال النظام‪ ،‬ومنهن من تعرضن لالعتقال‬ ‫والتعذيب وتهديد عائالته��ن وقطع أرزاقهن‬ ‫وفصله��ن من العمل وخاصة من ينتمين إلى‬ ‫طوائف يظن النظام إنها معه بالكامل‪..‬‬ ‫فقد تعرضت عش��رات الصبايا من بنات‬ ‫الطائف��ة العلوي��ة إل��ى التهدي��د واالعتق��ال‬ ‫والضغ��ط عل��ى عائالته��ن ألنه��ن ش��كلن‬ ‫عنصراً فعا ًال في الثورة من خالل المش��اركة‬ ‫في المظاهرات وزي��ارة بيوت العزاء‪ ،‬وفضح‬ ‫همجي��ة النظ��ام بكتابته��ن‪ ،‬وأثبت��ن إن��ه‬ ‫ليس ل��ه طائف��ة إال طائفة الفس��اد والبغي‬ ‫والجور‪ ،‬ووصل األمر حتى الطعن بش��رفهن‬ ‫وس��معتهن وفبركة القصص الدنيئة التي ال‬ ‫تعبر إال عن أخالق راويها‪ ،‬وكون هذا النظام‬ ‫الفاسد بال أخالق وال يملك أيّ قيمة إنسانية‬ ‫اتخ��ذ م��ن النس��اء رهائن لك��ي يتوصل إلى‬ ‫ذويه��ن م��ن أخوة وآب��اء ناش��طين أو اعتقل‬ ‫ذويها إلجبارها على تس��ليم نفس��ها لألمن‪،‬‬ ‫وكلن��ا يع��رف قص��ة الناش��طة رزان زيتونة‬ ‫كيف اعتقل زوجها وأخيه كي تس��لم نفسها‪،‬‬ ‫وك ّلن��ا يع��رف الجريمة الدنيئة الت��ي ارتكبت‬

‫بحق الش��هيدة زينب الحصني التي اختطفت‬ ‫وبقي��ت رهينة ليس��لم أخاها نفس��ه لألمن‬ ‫ومن ث��م يصفي األمن أخيها الش��هيد محمد‬ ‫الحصني ويقتل زينب ابنة التاس��عة عش��ر‪..‬‬ ‫الزه��رة المتفتح��ة ويمث��ل بجثته��ا بطريقة‬ ‫يندى لها جبين اإلنسانية‪..‬‬ ‫ولم تكن المرأة الس��ورية ضحية أفعال‬ ‫النظام وس��لوكه من اعتق��ال وتعذيب فقط‪،‬‬ ‫وإنّم��ا كان للمرأة حصتها من الش��هادة وقد‬ ‫تش��رفت عش��رات النس��اء بذلك‪ ،‬وكانت أول‬ ‫ش��هيدات الثورة الش��هيدة حمي��دة النطرواي‬ ‫"الفياض" م��ن مدينة تلبيس��ة التي صفيّت‬ ‫ه��ي وابنها وهي عائدة من العمل في مزارع‬ ‫البيوت البالس��تيكية بمدينة بانياس‪ ،‬لتوإلى‬ ‫بعده��ا قافل��ة الش��هيدات م��ن درع��ا وريف‬ ‫دمش��ق وإدلب وجس��ر الش��غور ودي��ر الزور‬ ‫والرس��تن وكل مكان ق��ال للقتلة ال نريدكم‬ ‫أن تحكمونا‪..‬‬ ‫آالف الش��هداء ترك��ن نس��اءهن أرامل‬ ‫وأمه��ات ألطف��ال‪ ،‬و غالبيته��ن ف��ي أعم��ار‬ ‫الصبا وأطفالهن في عمر الطفولة المبكرة‪..‬‬ ‫وتصمد المرأة الس��ورية أمام كل هذا‪ ..‬آالف‬ ‫الش��هداء تش��يعهن األمهات بالدع��اء وطلب‬ ‫الرحمة ويش��يعن أحزانهن إلى أرواح ستبقى‬ ‫هائمة فوق المقابر حتى تلحق بفلذات األكباد‬ ‫… آالف األخ��وة تبكيه��ن األخوات ف��إذا غاب‬ ‫الس��ند فمن ل��ي بعد أخي وش��قيق روحي؟‪..‬‬ ‫مئات األحبة فقدته��ن الخطيبات والحبيبات‪..‬‬ ‫لتس��تقبلهن عتم��ة القب��ور وليضيئ��وا أيام‬ ‫سوريا وكرامتها بنور الشهادة‪.‬‬ ‫آالف المهجّ��رات م��ع عائالته��ن ف��ي‬ ‫األردن ولبنان وتركيا وضمن مناطق س��وريا‬ ‫الداخلية‪ ..‬أصبحن نس��ياً منسيًا من منظمات‬ ‫حق��وق الم��رأة الس��ورية والطف��ل واله�لال‬ ‫األحمر السوري‪ ،‬وغيرها من جمعيات نسائية‬ ‫انتشرت في عهد بشار األسد كالفطر ليتبين‬ ‫إنها ليس��ت سوى جمعيات للبحث عن مصالح‬ ‫شخصية ومكاسب ال عالقة للمرأة على أرض‬ ‫الواقع بها‪..‬‬ ‫ول��م يكت��فِ النظ��ام الفاجر بتش��ريد‬ ‫النس��اء وعائالتهن ب��ل جند وس��ائل إعالمه‬ ‫لتش��ويه س��معتهن م��ن خ�لال مداخ�لات‬

‫أبواق��ه المدافعة عنه فمرة يقال إنهن نس��اء‬ ‫المس��لحين‪ ،‬وم��رة تش��وه س��معتهنّ وم��ن‬ ‫خالل ش��راء ذمم بع��ض اإلعالميين األتراك‬ ‫الذين أش��اعوا أنباء عن اغتصاب النس��اء في‬ ‫المخيمات وتش��غيلهن بالدع��ارة ورغم نفي‬ ‫األهال��ي لتلك التقارير ونفي وزارة الخارجية‬ ‫التركي��ة وفت��ح تحقي��ق بذل��ك إال إن إع�لام‬ ‫النظام ينتج البرامج الحوارية والندوات حول‬ ‫وكأن هناك م��ن يصدقهم‬ ‫ه��ذا الموض��وع‪ّ ..‬‬ ‫غي��ر أزالمه��م وأبواقه��م‪ ..‬وألن الم��رأة هي‬ ‫جرح الرجل ونقطة ضعفه ومقتله دائماً يلجأ‬ ‫أزالم النظام الفاجرين إلى طعن المعارضين‬ ‫بنسائهم وتشويه س��معتهم … وصدق من‬ ‫ق��ال‪" :‬ما أش��طر العاه��رة ف��ي الحديث عن‬ ‫الشرف"‪.‬‬ ‫إن نس��اء س��وريا من��ارة‪ ..‬وفخ��ر ل��كل‬ ‫س��وري‪ ،‬المرأة الس��ورية مكافح��ة ومناضلة‬ ‫وفالح��ة وعامل��ة وثائ��رة وش��هيدة هي درع‬ ‫للبيت الس��وري ولألسرة الس��ورية وما زالت‬ ‫تدف��ع الضريبة األكبر من تبع��ات أفعال هذا‬ ‫النظ��ام الفاس��د‪ ..‬كل أم فق��دت ابنه��ا ه��ي‬ ‫أمنّا‪ ..‬وكل أرملة شهيد أختنا‪ ..‬وكل مناضلة‬ ‫هي صوتنا‪ ..‬وكل ثائ��رة هي نحن بكامل ما‬ ‫نريد ونطمح‪ ..‬وكل شهيدة منارة شامخة‪..‬‬ ‫وس��تبقى الم��رأة الس��ورية صام��دة‬ ‫بشموخها وعزتها وكرامتها المصونة ورأسها‬ ‫مرف��وع عاليًا رغم أن��ف المجرمي��ن والقتلة‬ ‫وعديم��ي األخ�لاق واإلنس��انية … الم��رأة‬ ‫الس��ورية هي عزة س��وريا ومجده��ا القادم‬ ‫ألنها مصنع األبطال الش��جعان الذين واجهوا‬ ‫أعتى اآلالت العس��كرية بصدوره��م العارية‬ ‫وعندم��ا كانوا يعودوا ش��هداء كانت تتلو لهم‬ ‫النساء األدعية وتحوّل جنازاتهن إلى أعراس‬ ‫بزغاريدهن ويفخرن بأنهن قدمن الشهداء‪..‬‬ ‫وعندما استشهدت زينب الحصني خرجت كل‬ ‫النس��اء لتقول كلن��ا زين��ب‪ ..‬ودم زينب دمنا‬ ‫… م��ن يعرف أي امرأة هي المرأة الس��ورية‬ ‫س��يدرك تماماً نهاية النظام الفاسد الحتمية‬ ‫فالم��رأة عندم��ا ته��ز س��رير طفله��ا بيده��ا‬ ‫اليمن��ى فإنه��ا تهز العال��م بيدها اليس��رى‪..‬‬ ‫وهاهي المرأة الس��ورية تهز العالم بيمناها‬ ‫ويسراها‪.‬‬


‫دراجة دفع «الثورة» النارية يف �سراقب‬ ‫�صينية ال�صنع ولكل ثالثة مقاتلني بندقية واحدة‬

‫سوريتنا | السنة األولى | العدد (‪ / 12 | )47‬آب ‪2012 /‬‬ ‫أسبوعية‬ ‫تصدر عن شباب سوري حر‬

‫الدراجات النارية‪ ،‬وس��يلة نقل الس��واد‬ ‫األعظم من الناس في مدن ريف إدلب وقراه‪،‬‬ ‫جميعه��ا صينية الصنع‪ ،‬وه��ذا ليس تفصي ًال‬ ‫عاب��راً في حي��اة من يقودها في ه��ذا الريف‬ ‫الزراع��ي‪ ،‬فالصين ع��دو الث��ورة‪ ،‬مثلما هي‬ ‫روسيا وإيران وبعض لبنان ومعظم العراق‪،‬‬ ‫عل��ى ما يعتق��د كثير م��ن «األدالب��ة»‪ .‬إنهم‬ ‫يق��ودون تلك الدراجة الت��ي يكرهون الدولة‬ ‫الت��ي صدرتها لهم‪ ،‬وه��م انتبهوا بعد الثورة‬ ‫ك��م أنها دراجة غير أنيقة‪ ،‬وكم أنها وظيفية‬ ‫وال تلي��ق بالث��وار‪ ،‬وأن الض��وء المنبعث من‬ ‫مصباحه��ا أبيض مث��ل مصباح ال��ـ «نيون»‪.‬‬ ‫فالن��اس هنا على رغ��م الموت ال��ذي عممه‬ ‫النظ��ام على كل القرى‪ ،‬أيقظت فيهم الثورة‬ ‫رغب��ة عارمة في الحي��اة واالنتم��اء إلى ما ال‬ ‫يُمثل��ه نظامهم من ضي��ق وانكفاء‪ .‬يريدون‬ ‫مش��ابهة العالم بأذواق��ه وأمزجته‪ ،‬وها هي‬ ‫الثورة تعطيهم أم ًال بتحقيق ذلك‪.‬‬ ‫المقاتل��ون يري��دون أن يُش��ابهوا‬ ‫ش��يئًا غي��ر «المودي��ل» البعث��ي للمقات��ل‪،‬‬ ‫والشباب اس��تقدموا أزياء جديدة لسراويلهم‬ ‫وقمصانهم من تركيا‪ ،‬وأي ش��يء جديد يقع‬ ‫تحت أنظارهم يطمحون لالقتراب منه‪.‬‬ ‫م��ن ي��أتِ م��ن الصحافيي��ن إل��ى هذه‬ ‫الق��رى باحث��اً عن اإلس�لاميين الذين ضجّت‬ ‫وس��ائل إعالم عالمية بأخبارهم في سوريا‪،‬‬ ‫فل��ن يج��د أثراً كبي��راً لهم في ش��مال غربي‬ ‫س��وريا‪ .‬وس��يكون غيابهم عن مشهد الثورة‬ ‫والحرب مدهش��اً‪ .‬المقاتلون هنا «مس��لمون‬ ‫وليس��وا إس�لاميين» ه��ذه الحقيق��ة الت��ي‬ ‫يردده��ا جميع من تلتقيه��م‪ ،‬ال تنطوي على‬ ‫مق��دار م��ن المبالغ��ة‪ .‬ال ب��ل عل��ى العكس‬ ‫م��ن ذل��ك‪ ،‬فمن المؤك��د أن جماع��ة اإلخوان‬ ‫المس��لمين مث ًال تملك رصيداً سلبياً في وعي‬ ‫السكان‪ ،‬ذاك أنهم يعتقدون أنها زجتهم في‬ ‫مواجه��ة غير متكافئ��ة وغادرت الب�لاد‪ .‬هذا‬ ‫ما تس��معه من عش��رات الناس هن��ا‪ ،‬ثم إن‬ ‫النظام الذي تولى ش��يطنة هذه الجماعة في‬ ‫وجدان الس��وريين‪ ،‬لم يجد م��ن يقاومه في‬ ‫ذلك‪ ،‬ال بل إن انس��حاب الجماعة من المجتمع‬ ‫السوري س��هل مهمة النظام‪ ،‬وألقى غموضًا‬ ‫سلبيًا على الحقائق المتعلقة بها‪.‬‬ ‫للس��لفيين حضوره��م التقلي��دي ف��ي‬ ‫البيئ��ة اإلدلبي��ة المتدينة أص� ً‬ ‫لا‪ ،‬لكنه ليس‬ ‫حضوراً عامًا ومرش��حاً للتوسع‪ ،‬إذ إن نخبوية‬ ‫هذه الجماعات تجعل م��ن احتماالت تحولهم‬ ‫خياراً عامًا أمراً مستبعداً‪.‬‬ ‫أم��ا الس�لاح فه��و قضي��ة أش��د غرابة‬ ‫س��تواجه اآلت��ي إل��ى س��وريا‪ ،‬فال��كالم عن‬ ‫أن س��وريا ص��ارت وجهة لل��دول الراغبة في‬ ‫تزوي��د الثوار به ال أثر له في كل قرى وبلدات‬ ‫إدلب‪ .‬الس�لاح في أيدي الجي��ش الحر متآكل‬ ‫وقدي��م‪ ،‬وقطع��ة الس�لاح الواح��دة تتناقلها‬ ‫أيادٍ كثيرة‪ ،‬والناس يش��عرون بمرارة نتيجة‬ ‫عدم اس��تطاعتهم الحصول علي��ه‪ ،‬أين منها‬ ‫مرارته��م نتيجة ندرة األغذي��ة واألدوية‪ .‬في‬ ‫مرك��ز قطنا الح��دودي الذي يدي��ر من خالله‬ ‫الجيش الحر حرك��ة الداخلين والخارجين من‬ ‫س��وريا إل��ى تركيا كانت هناك قطعة س�لاح‬ ‫خفيف واح��دة ال غير‪ .‬إنها «ف��ال» البلجيكية‬ ‫الصنع‪ ،‬وه��ي بندقية طويل��ة ال تصلح لغير‬ ‫جن��ود الجي��ش النظام��ي‪ ،‬وراح مس��ؤول‬ ‫المركز «الخ��ال ظاظا» يطلب من جنوده غير‬ ‫المسلحين أن يتداولوا حملها بحسب المهمات‬ ‫الموكل��ة إليه��م‪« .‬الخ��ال ظاظا» ال��ذي كان‬ ‫يحمل مس��دس «ماغاروف» روس��ي الصنع‪،‬‬ ‫بالغ في التعويل على مسدسه اليتيم لتظهير‬

‫شخصيته العسكرية‪ ،‬هو القائد الجديد اآلتي‬ ‫إلى العس��كرية م��ن مهنة النج��ارة‪ ،‬ومطلق‬ ‫اللحية التي يكاد المرء يعتقدها س��لفية لوال‬ ‫تعث��ر الخال وحيرت��ه في اإلجاب��ة عن هوية‬ ‫لحيته‪.‬‬ ‫كم يبدو جائراً القول إن الثورة السورية‬ ‫تس��لحت ولم تعد ثورة‪ .‬جائر ليس ألن الثورة‬ ‫ما زالت ثورة‪ ،‬إنما ألن الناس لم تتس��لح بعد‪.‬‬ ‫مجموعات الجيش الحر ال��ذي قد يعتقد المرء‬ ‫أنها مس��لحة ألنها أطلقت على نفس��ها اس��م‬ ‫«جي��ش» يُقدر أعداد المس��لحين منهم ‪ 4‬من‬ ‫عش��رة في مدينة سراقب‪ ،‬وخمسة من عشرة‬ ‫في بلدة بنش‪ ،‬وهذه النسب تتكرر في معظم‬ ‫البلدات‪ .‬السالح ال يصل من جهات وأطراف غير‬ ‫محلية‪ .‬كثيرون اشتروا سالحًا من مدخراتهم‪،‬‬ ‫أو م��ن هب��ات قدمها س��وريون م��ن «أغنياء»‬ ‫االغت��راب‪ ،‬وه��ي أس��لحة بائس��ة ومتآكل��ة‪.‬‬ ‫الكالش��نيكوف ال��ذي كان بح��وزة مصطحبن��ا‬ ‫من بنش إلى س��راقب كان هزي ًال وقديماً‪ .‬إنه‬ ‫صين��ي وصُنع ع��ام ‪ ،1956‬أم��ا الرجل اآلخر‬ ‫الذي جل��س إلى جانب��ه‪ ،‬فكان كالش��نيكوفه‬ ‫بال «أخمص»‪ ،‬وعندما عبرنا على أوتوس��تراد‬ ‫حلب ‪ -‬دمش��ق في الليل وفي منطقة معرضة‬ ‫الحتمال وجود «سليبة» من بدو المنطقة أقدم‬ ‫الرج�لان عل��ى تلقي��م رشاش��يهما بالطلقات‬ ‫اس��تعداداً له��ذا االحتم��ال‪ ،‬فس��معنا ص��وت‬ ‫األقس��ام المتحركة في رشاشيهما مترافقًا مع‬ ‫اصطدام معدنهما بالخش��ب المتآكل‪ ،‬إلى حد‬ ‫يشعر معه المرء بأن سالحيهما لن يلبيانا في‬ ‫المواجهة المحتملة‪.‬‬ ‫ال س�لاح يأتي إلى س��وريا م��ن خارجها‬ ‫على نحو منهجي ومنظ��م‪ ،‬أو على األقل لم‬ ‫نعاين في أيدي الثوار الكثر الذين التقيناهم‬ ‫أجي��ا ًال من الرشاش��ات المتجانس��ة التي من‬ ‫الممك��ن أن تكون جهة من الخارج أرس��لتها‪.‬‬ ‫وعند س��ؤال المجموع��ات المختلفة عن مدى‬ ‫صحة القول إن السالح بدأ يصل إلى سوريا‪،‬‬ ‫فإن معظم اإلجابات لم تكن نفيًا‪ ،‬إنما تحام ًال‬ ‫عل��ى الدول لتس��ليحها مجموع��ات أخرى من‬ ‫المعارضة «سمع» أن بحوزتها سالحًا جديداً‪.‬‬ ‫«إنهم يس��لحون جماعات أخرى غيرنا»‪،‬‬ ‫هذا ما تس��معه من جماع��ات الجيش الحر في‬

‫معظم الم��دن والبل��دات هنا‪ ،‬وأنت إذ تش��رع‬ ‫ف��ي البحث ع��ن «غيرن��ا»‪ ،‬لتعاين س�لاحهم‬ ‫وتستقصي الجهة التي ترسل السالح‪ ،‬لن تجد‬ ‫ضالت��ك‪ .‬نقص الس�لاح والذخائر أمر يش��مل‬ ‫الجميع‪ ،‬ثم إنه ال أثر لسالح يتعدى الرشاشات‬ ‫العادي��ة وبع��ض الس�لاح المتوس��ط‪ ،‬وربم��ا‬ ‫مدافع هاون من عيارات صغيرة‪ .‬والناس هنا‪،‬‬ ‫إذ راحوا ينتظرون الس�لاح‪ ،‬حفظوا أس��ماء ما‬ ‫يتوقعون وصوله إليهم منه‪ .‬القذائف المضادة‬ ‫للطائ��رات والصواري��خ الصغي��رة المض��ادة‬ ‫للدروع‪ ،‬كل هذا مما لم يصل بعد‪.‬‬ ‫للمجل��س الوطن��ي الس��وري س��معة‬ ‫غي��ر جيدة في أوس��اط الس��كان‪ .‬إن��ه الهيئة‬ ‫األكثر قرب��ًا منهم بي��ن أط��راف المعارضة‪،‬‬ ‫لكنه أيض��اً الهيئ��ة «الفاس��دة» التي وصلت‬ ‫إليها المس��اعدات لكنها لم ترس��لها‪ .‬كثيرون‬ ‫م��ن الناش��طين زاروا مكت��ب المجل��س في‬ ‫اس��طنبول وع��ادوا من��ه بال مس��اعدات على‬ ‫م��ا يقول��ون‪ .‬الجن��اح العس��كري للمجل��س‬ ‫أيض��اً‪ ،‬أي الجي��ش الحر الذي يق��وده رياض‬ ‫األس��عد‪ ،‬هدف لغضب الس��كان والناشطين‪،‬‬ ‫فه��م يعتق��دون أنه عاج��ز عن تس��ليحهم‪،‬‬ ‫وبعضه��م يقول إنه ممتن��ع عن ذلك‪ .‬رياض‬ ‫مجنّد منش��ق م��ن حم��اة التقيناه ف��ي بلدة‬ ‫قطنا‪ ،‬كان متوجهاً إلى اسطنبول في محاولة‬ ‫للقاء رياض األس��عد‪ ،‬قال‪« :‬أنا مجند منشق‬ ‫ومت��درب‪ ،‬لكن��ي ال أملك رشاش��ًا أقاتل به‪...‬‬ ‫في حماة لكل ثالثة مقاتلين رش��اش واحد»‪.‬‬ ‫كان غاضباً‪ ،‬وهو أطلق لحيته وحلق ش��اربيه‬ ‫من دون أن يكون س��لفياً وال متديناً‪ ،‬وقال إن‬ ‫والده الذي يُدرّس الموس��يقى في مدرس��ة‬ ‫رس��مية في حماة توقف��ت الحكومة عن دفع‬ ‫راتبه بعد أن علمت بنش��اط ابنه في الجيش‬ ‫الحر‪.‬‬ ‫أما في بنش فقد اس��تعاض المقاتلون‬ ‫ع��ن الش��احنات الت��ي تنق��ل الرشاش��ات‬ ‫المتوس��طة المتواضعة المض��ادة للطائرات‪،‬‬ ‫ب��أن قام��وا بتـثبي��ت رش��اش الـبلـ��دة (لكل‬ ‫بـلدة رش��اش واحد مـ��ع اس��تـثناءات للـمدن‬ ‫الصـغ��رى) ف��ي حاوية محلية الصن��ع تنقلها‬ ‫بصعوبة دراجة نـاري��ة صينيـة الصـنع‪ ،‬يئن‬ ‫محـركه��ا أثـناء تـجوالها في ش��ـوارع البـلـدة‬

‫بـحي��ث إنك تش��ـعر دائمًا بـ��أن الدراجة على‬ ‫وشك الهالك‪.‬‬ ‫ليس��ت الم��رارة وحده��ا م��ا يش��عر به‬ ‫الس��كان حيال أداء المعارضة في الخارج‪ ،‬بل‬ ‫ش��عورهم بأن جماعة غريبة عنهم هي من‬ ‫تتص��دى الي��وم لتمثيلهم‪ .‬ه��ؤالء الذين في‬ ‫اس��طنبول كانوا غادروا س��وريا منذ عشرات‬ ‫الس��نين‪ ،‬وه��ؤالء الث��وار والمقاتل��ون كانوا‬ ‫نش��أوا وتش��كلوا بعيداً من أنظ��ار ممثليهم‬ ‫الج��دد‪ .‬الجي��ش ال��ذي يقتله��م كل ي��وم‬ ‫بصم��ت وبال رحمة‪ ،‬ثمة قنوات بينه وبينهم‪.‬‬ ‫يفهمون��ه ويعرفون جي��داً وحداته وضباطه‪،‬‬ ‫وثم��ة لغ��ة بين��ه وبينه��م‪ .‬صحيح أنه��ا لغة‬ ‫عنيف��ة‪ ،‬وهي ص��ارت أثن��اء الث��ورة دموية‪،‬‬ ‫لكنه��ا الخصومة التي تُنش��ئ فهم��اً وتوقعًا‬ ‫وسياقاً من العالقات والتبادالت‪ .‬أما من يقيم‬ ‫في اس��طنبول فه��م غرباء نش��أوا غالبًا في‬ ‫أوروبا‪ ،‬وجل ما يربطهم بالناس أو بأقاربهم‬ ‫هنا هو رسائل ومحادثات هاتفية متباعدة‪.‬‬ ‫اللي��ل في س��راقب أليف عل��ى رغم أن‬ ‫القنّ��اص من مهجعه في برج اإلذاعة يُطلق‬ ‫رصاص��ة كل عش��ر دقائ��ق مذك��راً بوجوده‬ ‫ومح��ذراً عناص��ر الجي��ش الح��ر ف��ي البلدة‬ ‫م��ن االقتراب من��ه‪ .‬أما القذيف��ة التي يتكرر‬ ‫س��قوطها كل س��اعة عل��ى من��ازل البل��دة‪،‬‬ ‫فتطلقها دبابة من موق��ع معمل الزيت الذي‬ ‫يبعد نحو ألف متر ع��ن آخر منزل في البلدة‪،‬‬ ‫وه��ي قذيفة غير تحذيري��ة‪ ،‬غالبًا ما تصيب‬ ‫من��ز ًال وتوق��ع قتل��ى وجرح��ى من الس��كان‬ ‫غير الهلعين‪ ،‬ليس بس��بب ش��جاعتهم‪ ،‬إنما‬ ‫لش��عورهم ب��أن ذلك ق��در ال يمك��ن تغييره‬ ‫إال بالس�لاح‪ ،‬وال س�لاح الي��وم ف��ي حوزتهم‬ ‫يضاهي سالح الدبابة في جوار منازلهم‪.‬‬ ‫ها هي عائلة بأكملها أصيبت في الليلة‬ ‫التي أمضيناها في س��راقب‪ .‬وفي تلك الليلة‬ ‫لم يتوقف رس��ام الجدران في البلدة عن خط‬ ‫الوجوه والشعارات عبر خطوط فحمية يتولى‬ ‫منس��ق اإلع�لام في ث��ورة بن��ش تصويرها‬ ‫وإرس��الها عبر «يو تيوب» إلى العالم‪ ،‬وأحيانًا‬ ‫إلى صحافيي��ن عالميين صاروا أصدقاءه بعد‬ ‫عبورهم إلى سراقب لتغطية ثورتها‪.‬‬ ‫الحياة ‪2012 / 8 / 11‬‬

‫أخبارنا ‪. .‬‬

‫حازم األمين‬

‫‪5‬‬ ‫�إحدى جداريات �سراقب بري�شة فنانها‬


‫�سوريا امل�ستقبل‬ ‫الملف ‪. .‬‬ ‫سوريتنا | السنة األولى | العدد (‪ / 12 | )47‬آب ‪2012 /‬‬ ‫أسبوعية‬ ‫تصدر عن شباب سوري حر‬ ‫‪6‬‬

‫�إ�ضاءة على �إعادة �إعمار �سوريا‬

‫ياسر مرزوق‬

‫ينتم��ي المش��هد الس��وري الراه��ن‬ ‫للعبث‪..‬‬ ‫ٌ‬ ‫عبث دبلوماس��ي‪ :‬حين يصرح الناطق‬ ‫باسم الخارجية السورية عن امتالك أسلحةٍ‬ ‫محرمةٍ دولياً مؤكداً‪ ،‬لما حاول النظام نفيه‬ ‫عل��ى م��دى عقود‪ ،‬ث��م تتوالى التفس��يرات‬ ‫اإلعالمي��ة لتقلل من أضرار الخطيئة‪ ،‬وكأن‬ ‫بيان��ًا ل��وزارة الخارجية ن��صٌ أدبي يحتمل‬ ‫التأويل‪..‬‬ ‫ٌ‬ ‫عب��ث إعالمي‪ :‬حين يلتق��ي مذيعٌ من‬ ‫اإلخباري��ة الس��ورية مع عائل��ةٍ خارجةٍ من‬ ‫حي الميدان‪ ،‬يؤكد أفرادها عموم االستقرار‬ ‫والهدوء في حيهم‪ ،‬وخلفية المش��هد تصدح‬ ‫بأصوات الرصاص‪..‬‬ ‫ٌ‬ ‫عب��ث فكري وقيمي‪ :‬حين يرفع األمين‬ ‫العام لحزب اهلل الضباط الذين لقوا حتفهم‬ ‫في دمش��ق إلى مصاف الشهداء‪ ،‬وللشهادة‬ ‫ماله��ا في تراث الطائفة الش��يعية الكريمة‪،‬‬ ‫ليكونوا ش��هداء مع الحسين رضي اهلل عنه‪،‬‬ ‫ولسنا بصدد منح الشهادة أو منعها عن أحد‪،‬‬ ‫لك��ن لعله من العقل واإلنصاف االبتعاد عن‬ ‫التوصي��ف فالضباط المذك��ورون باتوا في‬ ‫عهدة من ال يظل��م عنده أحد‪ ،‬كيف إذا خرج‬ ‫التوصيف عن زعيم ديني‪.‬‬ ‫ٍ‬ ‫ٌ‬ ‫عبث أخالق��ي‪ :‬صور جثث األطفال في‬ ‫درع��ا‪ ،‬تتناقله��ا الفضائيات والعال��م ٌ‬ ‫غافل‬ ‫ع��ن عذاباته��م‪ ،‬وقصيدة "ص�لاح جاهين"‬ ‫ال��درس انتهى ال ت��كاد تفارقن��ي‪" :‬الدرس‬ ‫انتهى لم��وا الكراري��س‪ ..‬بال��دم اللى على‬ ‫ورقهم س��ـال‪ ..‬في قصـر األمم المتــحدة‪..‬‬ ‫مس��ـابقة لرس��ـوم األطـفال‪ ..‬ايه رأيك في‬ ‫البق��ع الحمـرا‪ ..‬يا ضمي��ر العالم يا عزيزي‪..‬‬ ‫دي لطفـل��ة مصري��ة وس��مرا‪ ..‬كان��ت م��ن‬ ‫أشـطر تالميذي‪ ..‬دمها راسم زهرة‪ ..‬راسم‬ ‫رايـة ثورة‪ ..‬راسم وجه مؤامرة‪ ..‬راسم خلق‬ ‫جبارة‪ ..‬راسم نـار‪ ..‬راسم عار‪..‬‬ ‫ايه رأيك يا ش��عب يا عربي‪ ..‬ايه رأيك‬ ‫ي��ا ش��عب األحـ��رار‪ ..‬دم األطـف��ال جايل��ك‬ ‫يحـبي‪ ..‬يقول انتـقموا من األشـرار ويسيل‬ ‫ع األوراق‪ ..‬يتهج��ى األس��ـماء‪ ..‬ويطـال��ب‬ ‫اآلبـ��اء‪ ..‬بالثـ��أر لألبـناء‪ ..‬ويرس��م س��يف‪..‬‬ ‫يهد الزيـف‪ ..‬ويلمع لمعة ش��مـس الصيف‪..‬‬ ‫ف��ي دني��ا فيها الن��ور بقى طيف‪ ..‬وس��اكتة‬ ‫على فع��ل األباليـس‪ ..‬ال��درس انتهى لموا‬ ‫الكراريس"‪.‬‬ ‫وأهرب م��ن العب��ث ليس كم��ا اعتدنا‬ ‫إل��ى ضف��اف التاريخ‪ ،‬ب��ل أعك��س الوجهة‬ ‫إلى المس��تقبل القريب‪ ،‬لنضيء على إعادة‬ ‫إعمار س��وريا وليس من العبث الحديث عن‬ ‫إعادة اإلعمار‪ ،‬ودمشق باتت دمشق الحرائق‬ ‫عن عنوانٍ للكبير "زكريا تامر" أو أن دمشق‬ ‫كوابيسًا نعيش��ها عن عنوانٍ للكبيرة "غادة‬ ‫السمان" وكأن للمبدع قدرةٍ على استشراف‬ ‫المس��تقبل فكتبت غادتن��ا كوابيس بيروت‬ ‫وكأنها تصف دمش��ق اليوم‪ ،‬ورائحة الدخان‬ ‫المتصاعد من س��وريا باتت تزكم األنفاس‪.‬‬ ‫والطائ��رات الت��ي نقضت بيت��اً أو معب��داً أو‬ ‫مصنع��ًا‪ ،‬م��ا زال��ت عاج��ز ًة عن كس��ر إرادة‬ ‫السوريين‪ ،‬القائمين كل صباح على إصالح‬ ‫قاربهم شأنهم شأن عجوز هيمنغواي الذي‬ ‫لم يصارع البح��ر وال الحيتان‪ ،‬بل عاش في‬

‫صراع مع الذات ليثبت أن اإلنس��ان قد يخسر‬ ‫ٍ‬ ‫معركة إال أنه ٌ‬ ‫محال أن يهزم‪..‬‬ ‫عن المؤرخ العالمة "ش��اكر مصطفى"‬ ‫أنق��ل‪" :‬لع��ل أحداً منك��م لم تفت��ه معرفة‬ ‫األسطورة الش��ائعة عن طائر الفينيق الذي‬ ‫يحت��رق عن��د المس��اء لينتفض م��ن جديد‬ ‫م��ع مطل��ع الصب��ح‪ ،‬وال يجهل أح��د مقولة‬ ‫المتنبي‪ ،‬جبار الكِب��ر والعنفوان‪ :‬كم قُتلتُ‬ ‫وكم قد مت عندكم ثم انتفضت وزال القبر‬ ‫والكف��ن‪ ..‬هناك ند ثالث له��ذا الثنائي الذي‬ ‫يموت ليحيا‪ ،‬ثم يموت ليحيا‪ ،‬إنه أنتم‪ ،‬بلى‪،‬‬ ‫أنتم دمش��ق الخالدة‪ ،‬دمشق ليست مساكن‬ ‫وغوطة وظال ًال من ندى وأقاح‪ ،‬لكنها بش��رٌ‬ ‫يتج��ددون ويجددون معهم ش��باب دمش��ق‬ ‫جي ًال بعد جيل"‪.‬‬ ‫ولي أن أزيد على مؤرخنا بأن هناك نداً‬ ‫ثالثًا هو إرادة الشعب السوري‪ ،‬العصي على‬ ‫الهزيمة‪ ..‬ملفنا اليوم إضاء ٌة على المشاريع‬ ‫واألف��كار المقترح��ة بش��أن إع��ادة إعم��ار‬ ‫س��وريا‪ ،‬ألم نتعاهد في ختام ملفنا ما قبل‬ ‫الماضي على ش��ي ٍء من الصبر وكل اليقين‬ ‫كثير من العمل‪ ،‬وعلى أن موعدنا الصبح‪،‬‬ ‫و ٍ‬ ‫أوليس الصبح بقريب‪.‬‬ ‫إح��دى عش��ر ملي��ار دوالر ونصف هو‬ ‫المبل��غ المق��در حت��ى اآلن إلع��ادة إعم��ار‬ ‫س��وريا‪ ،‬ويبقى الحديث ع��ن أي رقم ثانويًا‬ ‫مهما تراكمت على يمينه األصفار‪ ،‬والحديث‬ ‫الجوه��ري عن السياس��ات والبرامج الواجب‬ ‫اتباعه��ا إلع��ادة اإلعم��ار‪ ،‬كان الرئي��س‬ ‫األمريكي الس��ابق "دوايت أيزنهاور" لخص‬ ‫تجربت��ه ف��ي الخط��اب األخير من رئاس��ته‬ ‫قائ ًال‪" :‬إن السياس��ات الطيبة ليس��ت ضمانًا‬ ‫ضمان‬ ‫أكيداً للنجاح لكن السياس��ات السيئة‬ ‫ٌ‬ ‫محق��قٌ للفش��ل"‪ ،‬والفش��ل هن��ا ممن��وع‬ ‫فإع��ادة إعم��ار س��وريا‪ ،‬إعادة إعمار البش��ر‬ ‫والحجر‪ ،‬هي البوابة التي ستجد فيها سوريا‬

‫شك ًال يناسبها وهيئ ًة تشارك بها في مجرى‬ ‫الحضارة والتاريخ معًا‪.‬‬ ‫تتوالى االجتماعات والمؤتمرات األممية‬ ‫ح��ول إع��ادة إعم��ار س��وريا‪ ،‬لتؤك��د التزام‬ ‫المجموعة الدولية القوي والراس��خ بس��يادة‬ ‫واستقالل سوريا ووحدتها السياسية ووحدة‬ ‫كام��ل أراضيها‪ ،‬وبدعمهم��ا اقتصادياً خالل‬ ‫المرحل��ة االنتقالية وما بعده��ا أيضا وذلك‬ ‫بهدف ضم��ان أن تكون ما بع��د األزمة أكثر‬ ‫قوة من النواحي االقتصادية والمالية‪.‬‬ ‫ه��ي وعودٌ لو ت��م الوفاء به��ا‪ ،‬تعيدنا‬ ‫بالذاك��رة لمش��روع مارش��ال أو "خط��ة‬ ‫مارشال" وهو المش��روع االقتصادي إلعادة‬ ‫تعمي��ر أوروب��ا وخاص�� ًة ألمانيا بع��د انتهاء‬ ‫الح��رب العالمية الثانية الذي وضعه الجنرال‬ ‫"جورج مارشال" رئيس هيئة أركان الجيش‬ ‫األميركي أثناء الحرب العالمية الثانية ووزير‬ ‫الخارجي��ة األميركي عام ‪ 1947‬والذي أعلنه‬ ‫خطاب أم��ام جامع��ة هارفارد‬ ‫بنفس��ه ف��ي‬ ‫ٍ‬ ‫وكان��ت الهيئ��ة التي أقامته��ا حكومات غرب‬ ‫أوروب��ا لإلش��راف عل��ى إنف��اق ‪ 13‬ملي��ار‬ ‫دوالر أميركي قد س��ميت "منظم��ة التعاون‬ ‫واالقتص��ادي األورب��ي" وقد س��اهمت هذه‬ ‫األموال في إعادة إعمار وتش��غيل االقتصاد‬ ‫والمصانع األوربية‪.‬‬ ‫وغي��ر بعي��د ع��ن التاري��خ المذك��ور‬ ‫كان الس��وريون في الخمس��ينات يتطلعون‬ ‫لنموذجي��ن اقتصاديي��ن‪ ،‬يرون المس��تقبل‬ ‫ف��ي ضوء أحده��م‪ ،‬األلمان��ي و الياباني ثم‬ ‫أت��ى حك��م العس��كر ليضيع حت��ى األحالم‪،‬‬ ‫ولي��س ف��ي تل��ك األح�لام من ش��طط‪ ،‬قد‬ ‫يقول قائل إن األس��طورتين االقتصاديتين‬ ‫المذكورتي��ن أعاله‪ ،‬أنجزتا بفع��ل عاملين‪،‬‬ ‫اإلرادة السياس��ية وطبيع��ة الش��عب المنتج‬ ‫ٌ‬ ‫خص��ال ال تتوافر لدى‬ ‫المح��ب للعم��ل وهي‬ ‫الش��عب الس��وري بنفس الدرجة‪ ،‬وأقول إن‬

‫الش��عب الس��وري حين يأخذ فرصته سيبهر‬ ‫العالم ش��عبٌ يحمل عيوب ش��عوب األرض‬ ‫قاطب ًة‪ ،‬بقدر ما يتميز عنها جميعًا‪.‬‬

‫الر�ؤية االقت�صادية للمجل�س‬ ‫الوطني‪:‬‬

‫قدم المجلس الوطني السوري‪ ،‬رؤيته‬ ‫االقتصادية لس��وريا الجديدة‪ ،‬والتي قوامها‬ ‫اقتص��اد يعم��ل عل��ى خدم��ة ومصلحة كل‬ ‫الس��وريين وتحرير االقتصاد الس��وري من‬ ‫قبض��ة النظام ومن س��رقات وقرصنة أتباع‬ ‫النظام والموالي��ن له‪ ،‬ومن االحتكار وإهدار‬ ‫وس��رقة الم��ال الع��ام م��ن خ�لال حكوم��ة‬ ‫ديمقراطية جدي��دة منتخبة تمتل��ك اإلرادة‬ ‫السياس��ية وتش��جع اقتص��اد الس��وق الحر‬ ‫وتضم��ن المنافس��ة المس��تندة عل��ى حكم‬ ‫القان��ون واحترام��ه وتعم��ل عل��ى تحقي��ق‬ ‫العدال��ة في توزيع الثروات المحلية وتطبيق‬ ‫مبدأ تكاف��ؤ الفرص والعم��ل على مكافحة‬ ‫الفق��ر والبطال��ة واألمية والفس��اد في كل‬ ‫األراضي الس��ورية ووض��ع الخطط الالزمة‬ ‫لتطوي��ر االقتص��اد الح��ر وتحقي��ق التنمية‬ ‫الش��املة والمتوازن��ة لتكون األس��اس لرفع‬ ‫مستوى المعيشة لكل المواطنين السوريين‬ ‫من كل الفئ��ات واألديان‪ ،‬مع التركيز خاصة‬ ‫على المناطق المهشمة اقتصاديًا‪.‬‬ ‫المجل��س الوطن��ي ال��ذي كان عرض ًة‬ ‫للنقد دوماً على صفحات ملفنا األس��بوعي‪،‬‬ ‫ق��دم مب��ادر ًة البد م��ن احترامه��ا‪ ،‬فتقديم‬ ‫ال��رؤى والمش��اريع بعلمي��ة وش��يء م��ن‬ ‫التفصيل ه��و الطريق األكثر نجاعة‪ ،‬لجذب‬ ‫األغلبية الصامتة من القطاعات االقتصادية‬ ‫بمس��تقبل يلي��ق بالس��وريين‪،‬‬ ‫وتطمينه��ا‬ ‫ٍ‬ ‫ولع��ل أهم نق��اط هذه الرؤي��ة االقتصادية‬ ‫الت��ي صاغه��ا المجل��س الوطني الس��وري‬ ‫بالتعاون بين أطراف عدة مهتمة بمس��تقبل‬


‫الملف ‪. .‬‬

‫ت�سا�ؤالت‪..‬‬

‫باإلضافة للرؤى الشبه رسمية لعملية‬ ‫إع��ادة اإلعم��ار‪ ،‬تحف��ل مواق��ع التواص��ل‬ ‫االجتماع��ي بخط��طٍ ومقترح��ات إلع��ادة‬ ‫اإلعم��ار بعضه��ا يتخطى من حي��ث الجودة‬ ‫والمهني��ة المس��توى األكاديم��ي المعتم��د‬ ‫عالمي��ًا للدراس��ات واألبح��اث‪ ،‬نذك��ر منه��ا‬ ‫"مش��روع التخطي��ط اإلقليم��ي المكان��ي‬ ‫لمحافظ��ة حمص" أيقونة الثورة الس��ورية‬ ‫وريحانتها‪.‬‬ ‫وغالبي��ة المقترح��ات تح��وي‪ ،‬ج��دو ًال‬ ‫زمني��اً وج��دوى اقتصادي��ة ل��كل مش��روع‬ ‫م��ن مش��روعاتها م��ع التركيز عل��ى تقدير‬ ‫"فرص العمل" المس��تحدثة أثناء تنفيذ كل‬ ‫مش��روع والدائمة للعمل في��ه ومدى قابلية‬ ‫كل مش��روع للتط��ور "توس��ع" م��ن الناحية‬ ‫الكمية والنوعية ليتماش��ى ويواكب المحرك‬ ‫األساسي العتماد التنمية المستدامة "معدل‬ ‫النمو السكاني"‪.‬‬ ‫وله��ذه االقتراحات األث��ر األكبر ما بعد‬ ‫سقوط النظام‪ ،‬فبدراس��اتٍ ناجزة وجداول‬ ‫زمنية محددة‪ ،‬يختصر الس��وريون المرحلة‬ ‫األول��ى م��ن إع��ادة اإلعم��ار بجه��دٍ وطني‬ ‫مجاني‪.‬‬

‫الصدع الذي أصاب مجتمعنا ونس��يجنا‬ ‫السوري‪ ،‬هو ما نحن جميعًا مدعوون لرأبه‪،‬‬ ‫م��ن ذواتنا أو ًال ومن نهجنا في التربية إعادة‬ ‫اإلعم��ار ه��ذه ال يمكن قياس��ها أو تقديرها‬ ‫ٌ‬ ‫ل��دول أو مؤتم��رات‬ ‫باألرق��ام‪ ،‬وال يمك��ن‬ ‫المس��اهمة فيها‪ ،‬وإعادة اإلعمار االجتماعي‬ ‫والنفس��ي‪ ،‬موضوعٌ نمر عليه س��ريعًا‪ ،‬مع‬ ‫وع��دٍ بتخصيص مل��فٍ له عل��ى صفحات‪،‬‬ ‫أعدادنا المقبلة‪.‬‬ ‫فلكل شيء في سوريا إن فارقناه فلنا‬ ‫عِوضٌ‪ ،‬أم��ا وحدتنا ونس��يجنا المجتمعي‪،‬‬ ‫ع��وض‪ ،‬هي‬ ‫فلب��س لن��ا إن فارقناه��ا من‬ ‫ٍ‬ ‫دعو ٌة لدفن الثأر واألحق��اد‪ ،‬وترك المذنبين‬ ‫للعدالة‪ ،‬فعق��اب المذن��ب أو المقصر‪ ،‬أولى‬ ‫مه��ام الدول��ة المرتقب��ة‪ ،‬ول��ن نس��مع في‬ ‫س��ماءنا ع��واء الكالب‪ ،‬وع��واء ال��كالب من‬ ‫روائ��ع "يوس��ف إدري��س"‪ :‬وفيه��ا يلتق��ي‬ ‫الس��جان ال��ذي أفل��ت م��ن العقاب‪ ،‬م��ع أحد‬ ‫الس��جناء الذين تولى تعذيبه��م ظلمًا‪ ،‬لكن‬ ‫الس��جين أضحى طبيباً‪ ،‬والس��جان مريضاً‪،‬‬ ‫وما إن يتواجه المُعذب والمعَذب‪ ،‬حتى يبدأ‬ ‫األول بالص��راخ ليتبعه الثاني بصوت أش��د‪،‬‬ ‫ليمسي الصراخ عوي ًال‪ ،‬فعوا ًء كعواء الكالب‪،‬‬ ‫يم�لأ س��ماء المدين��ة‪ .‬ثم��ة حاج�� ٌة لوقفةٍ‬ ‫جديّ��ة مع النفس وتقويمها من أي ش��ائبةٍ‬ ‫أو نزع��ة حقدٍ أصابتها‪ ،‬أم��ا الثورة فماضي ًة‬ ‫لتحقق أهدافها في نهاية المطاف ووفق كل‬ ‫المؤشرات‪ ،‬وستجد دائمًا أهلها‪ ،‬بنقاء أهلها‬ ‫وإخالصهم‪ ،‬المؤهلين ألداء هذه المهمة‪.‬‬ ‫باعتذار للكبير "يوسف‬ ‫أختم ملف اليوم‬ ‫ٍ‬ ‫إدري��س" ومحبيه ع��ن االختص��ار المجحف‬ ‫لرائعت��ه‪ ،‬أماله عدد األس��طر‪ ،‬وبعهدٍ بيني‬ ‫وبينك��م على تنقية النفس‪ ،‬واغتنام ش��هر‬ ‫العب��ادة والوحي‪ ،‬واأليام المش��رقة‪ ،‬للدعاء‬ ‫لوطننا الجريح‪..‬‬

‫التغطية الإعالمية‪:‬‬ ‫للخ��ط والمش��اريع المقترح��ة إلعادة مالحظة‪:‬‬

‫اإلعم��ار‪ ،‬س��لبياتٌ وإيجابي��ات‪ ،‬والمواط��ن‬ ‫الس��وري هو الفيص��ل في عملي��ة التقييم‬ ‫في الفترة الالحقة‪ ،‬لكن اإليجابية المباشرة‬ ‫لهذه الخطط‪ ،‬هي العامل النفسي‪ ،‬والتأثير‬ ‫المباشر على كل قطاعات الشعب‪ ،‬وخاصةٍ‬ ‫قطاع األعمال‪.‬‬ ‫ف��ي ه��ذه المرحل��ة يعتب��ر التروي��ج‬ ‫اإلعالمي له��ذه المبادرات أول��ى األولويات‪،‬‬

‫كان مق��رراً وضم��ن سياس��ة التحرير‬ ‫المتبع��ة ف��ي س��وريتنا‪ ،‬أن تك��ون "إع��ادة‬ ‫اإلعم��ار" مل��ف أس��بوعنا الماض��ي‪ ،‬وق��د‬ ‫اقتضى تس��ارع الحدث‪ ،‬خاص�� ًة في معارك‬ ‫حل��ب تأجيل��ه والبحث في "عس��كرة الثورة"‬ ‫لذا سيجد القارئ ش��يئًا من قِدم المعلومة‪،‬‬ ‫خاص�� ًة في المقدمة‪ ،‬ونرجو أن يكون عذرنا‬ ‫مقبو ًال‪..‬‬

‫سوريتنا | السنة األولى | العدد (‪ / 12 | )47‬آب ‪2012 /‬‬

‫إن م��ا يط��رح التس��اؤالت ع��ن ل��ون‬ ‫وطبيع��ة س��وريا المس��تقبل اقتصادياً‪ ،‬هو‬ ‫مكتب ف��ي برلين بدع��م من وزارة‬ ‫افتُت��اح ٍ‬ ‫الخارجي��ة األلماني��ة وتنس��يق ٍوتع��اون مع‬ ‫اإلم��ارات العربي��ة المتح��دة‪ ،‬يهت��م بوضع‬ ‫خط��ط وبرام��ج إلع��ادة إعمار س��ورية بعد‬ ‫انته��اء مرحلة حكم الرئيس بش��ار األس��د‪.‬‬ ‫وال��ذي س��يكون بحس��ب مؤسس��يه مرك��ز‬ ‫اس��تقطاب ل��كل االقتراحات واألف��كار التي‬ ‫تساهم في إعادة بناء البلد بعد االنتهاء من‬ ‫محنته القاسية التي يمر بها‪.‬‬ ‫وس��تدير المكت��ب ال��ذي ستتقاس��م‬ ‫تكلفته ألماني��ا واإلمارات "مجموعة أصدقاء‬ ‫الش��عب الس��وري" التي تض��م ممثلين عن‬ ‫ع��دد من ال��دول برئاس��ة األلمان��ي "غونار‬ ‫فيلتس��هولتس" ال��ذي جم��ع خب��رة جي��دة‬ ‫ف��ي هذا المجال خ�لال إدارت��ه مكتب إعادة‬ ‫البن��اء في أفغانس��تان الذي أنش��أه مصرف‬ ‫"ق��روض من أجل إع��ادة اإلعمار" الحكومي‬ ‫األلماني‪ .‬وسيركز المكتب على وضع خطط‬ ‫لتخصي��ص الش��ركات والمصان��ع التابع��ة‬ ‫للقطاع العام في سورية‪ ،‬إضافة إلى تنسيق‬ ‫عم��ل المجموع��ة المش��رفة واجتماعاته��ا‬ ‫الدورية واتصاالتها مع الخارج‪.‬‬ ‫والتساؤالت هنا عن تخصيص القطاع‬ ‫الع��ام‪ ،‬واإلص�لاح االقتص��ادي بمفه��وم‬ ‫صندوق النقد والبنك الدوليين‪ ،‬مع أن هناك‬ ‫أبوابًا لإلصالح بعيداً عن ش��بح التخصيص‬ ‫والذي علمتنا تج��ارب دول العالم الثالث أنه‬ ‫يهدد الطبق��ات األكثر فقراً‪ ،‬ه��ذه الطبقات‬ ‫التي نزلت للش��وارع تطال��ب بالحرية‪ ،‬بقدر‬ ‫م��ا تطال��ب بحي��اةٍ أفض��ل‪ ،‬وال يعق��ل أن‬ ‫وتغيير‬ ‫إص�لاح‬ ‫تتض��رر هذه الطبق��ات من‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫دفع��ت ثمنه من دمها واقعي��ًا وليس مجازاً‪،‬‬ ‫إن مكتس��باتٍ حققته��ا الطبقات األقل حظًا‬ ‫في المجتم��ع زمن حكم البعث بغض النظر‬

‫املبادرات الفردية‪:‬‬

‫�إعادة �إعمار الب�شر‪:‬‬

‫أسبوعية‬

‫َّأن الهدف ن تقديم الرؤية هو "جذب القاعدة‬ ‫الصامتة في س��ورية التي لم تنضم بشكل‬ ‫كامل وواضح‪ ،‬نريدهم أن يُديروا ظهرهم‬ ‫للنظام‪ ،‬ونحاول جذب هذه القطاعات بخطة‬ ‫واضح��ة لنقول لهم أنتم ج��زء من بناء هذا‬ ‫الوط��ن"‪ .‬وتابع��ت أنها "فك��رة مدعومة من‬ ‫حكوم��ة اإلم��ارات إلع��ادة تنمي��ة وتطوي��ر‬ ‫االقتصاد الس��وري والتركيز على مؤسسات‬ ‫الدول��ة ليكون هناك خطة طريق على نمط‬ ‫خطة مارشال ألي حكومة قد تأتي"‪ .‬وأكدت‬ ‫األتاس��ي أن الخط��ة "تضم��ن أن تبقي من‬ ‫يوم س��قوط النظام لس��تة أش��هر الكهرباء‬ ‫والمي��اه والمرافق الصحي��ة والبنى التحتية‬ ‫كلها مؤمن��ة وال تقع في اضط��راب‪ ،‬وتدفع‬ ‫رواتب موظفي القطاع العام"‪.‬‬

‫ع��ن الخس��ائر المقابل��ة ال يج��وز التفريط‬ ‫به��ا‪ ،‬فمجاني��ة التعلي��م والدع��م الحكومي‬ ‫للمحروقات والس��لع األساس��ية‪ ،‬بندٌ ثابتٌ‬ ‫قابل‬ ‫ف��ي موازن��ات س��وريا المرتقبة غي��ر ٍ‬ ‫للمحو أو اإلزالة‪.‬‬ ‫وال يج��وز إغف��ال ذكر طبيع��ة النظام‬ ‫االقتص��ادي المرتق��ب‪ ،‬لكي ال تعيد س��وريا‬ ‫تجرب��ة الس��ادات ال��ذي أض��اع فت��ات العهد‬ ‫الناص��ري ولم يقدم بدي� ً‬ ‫لا يذكر‪ ،‬باإلضافة‬ ‫العتبار العدالة االجتماعية عنوانًا ألي نظام‬ ‫ٍ‬ ‫األلماني‬ ‫اقتصادي مرتقب‪ ،‬والت��ي اعتبرها‬ ‫َ‬ ‫س��حابة عقد من‬ ‫"فون هايك" بعد أن قضى‬ ‫الزمن يتبحر في مفهومه��ا‪ ،‬غريز ًة تحدرت‬ ‫إلينا من المجتمعات البدائية حيث كان البشر‬ ‫زمر صغي��رة تعتم��د الصيد‬ ‫يعيش��ون ف��ي ٍ‬ ‫وتتقاسم الطعام‪.‬‬

‫ويج��ب تُخصيص حم�لاتٍ إعالمية ضخمة‬ ‫تُظه��ر أبعادها اإلس��تراتيجية ويك��ون لها‬ ‫تأثي��رٌ نفس��يٌ وعمل��يٌ هائل ف��ي تغيير‬ ‫المواق��ف من الث��ورة‪ ..‬أو تطمين حتى أبناء‬ ‫الثورة على مستقبل بالدهم‪.‬‬

‫تصدر عن شباب سوري حر‬

‫الدولة السورية ومواطنيها من بينها المكتب‬ ‫االقتص��ادي للمجل��س الوطن��ي الس��وري‪،‬‬ ‫ومؤسس��ات المجتمع المدن��ي‪ ،‬وأعضاء من‬ ‫مجتم��ع رجال األعمال الس��وري م��ن داخل‬ ‫سورية‪ ،‬وخارجه‪:‬‬ ‫‪ - 1‬استئناف س��ير النشاط االقتصادي‬ ‫من خ�لال‪ :‬التركي��ز على اس��تمرار وحماية‬ ‫الخدم��ات العام��ة المهمة‪ ،‬والحساس��ة مثل‬ ‫المياه النظيف��ة‪ ،‬الكهرباء‪ ،‬والمرافق العامة‬ ‫كوس��ائل المواصالت‪ ،‬والتعلي��م‪ ،‬والصحة‪،‬‬ ‫حماية المُنشآت‪ ،‬والمرافق العامة‪ ،‬والخاصة‬ ‫الس��يما ف��ي المرحل��ة الت��ي تَلي س��قوط‬ ‫النظام مباشرة‪ ،‬وإعادة بناء المدن السورية‬ ‫التي دمّرها النظام خالل حربه على الشعب‬ ‫السوري‪ ،‬باإلضافة لمحاربة التضخم‪ ،‬ودعم‬ ‫استقرار العملة السورية‪.‬‬ ‫‪ - 2‬ص��ون عم��ل وفعالي��ة الخدم��ات‬ ‫والمنش��آت العامة من خالل‪ :‬االس��تمرار في‬ ‫دفع الروات��ب للموظفين ف��ي القطاع العام‬ ‫م��ن خ�لال دع��م الميزاني��ة م��ن المانحين‬ ‫الدوليي��ن‪ ،‬واس��تئناف الص��ادرات‪ ،‬وزي��ادة‬ ‫الدخل العام ع��ن طريق تحصيل الضرائب‪،‬‬ ‫و تحسين كفاءة العاملين في القطاع العام‪،‬‬ ‫والحف��اظ عل��ى الخبراء المؤهلي��ن في كل‬ ‫القطاعات اإلدارية‪.‬‬ ‫‪ - 3‬تأس��يس دول��ة القانون وتش��جيع‬ ‫الحك��م الصال��ح الرش��يد من خ�لال‪ :‬تعزيز‬ ‫مبادئ الشفافية‪ ،‬والمحاسبة‪.‬‬ ‫ محارب��ة الواس��طة‪ ،‬والمحس��وبية‪،‬‬‫والفساد‪.‬‬ ‫ ضمان استعادة الممتلكات‪ ،‬واألموال‬‫المنهوب��ة من قب��ل النظام الس��ابق للدولة‬ ‫السورية‪.‬‬ ‫ ضم��ان حق كل مواطن س��وري في‬‫المحاكم��ة العادلة أمام قض��اء عادل ونزيه‪،‬‬ ‫مع ضمان التطبي��ق العادل والناجز لألحكام‬ ‫القضائية‪.‬‬ ‫ تطوي��ر نظ��ام ضريب��ي يق��وم‬‫بتحصيل‪ ،‬وإعادة توزيع العائدات تماشيًا مع‬ ‫األهداف الوطنية‪.‬‬ ‫ تش��جيع الالمركزي��ة‪ ،‬والتنمي��ة‬‫االقتصادية المحلية للبلديات على مس��توى‬ ‫كافة المدن السورية‪.‬‬ ‫‪ - 4‬ضم��ان إع��ادة وص��ول الم��وارد‪،‬‬ ‫والبضائ��ع والخدم��ات الس��ورية لألس��واق‬ ‫العالمي��ة‪ ،‬م��ن خ�لال‪ :‬العمل مع الش��ركاء‬ ‫الدوليين لضمان رفع العقوبات االقتصادية‬ ‫ف��ور س��قوط النظ��ام الحال��ي‪ ،‬و تعزي��ز‬ ‫وتفعيل العالقات التجاري��ة مع دول الجوار‪،‬‬ ‫وم��ع الش��ركاء التجاريي��ن ذوي المكانة في‬ ‫االقتصاد والسوق العالمي‪.‬‬ ‫‪ - 5‬تقوي��ة ودع��م القطاع الخاص من‬ ‫خالل‪ :‬تطبيق سياسات التنافسية‪ ،‬وإجراءات‬ ‫الش��فافية‪ .‬وإص�لاح القطاع المال��ي لتهيئة‬ ‫البيئ��ة االس��تثمارية‪ ،‬ليب��دأ رج��ال األعمال‬ ‫الس��وريين أعماله��م أو يب��دأوا بتوس��يعها‪،‬‬ ‫وضمان المسؤولية الحكومية‪ ،‬واالجتماعية‬ ‫إلعادة بناء القطاع��ات المملوكة للدولة‪ .‬مع‬ ‫خلق مناخ اس��تثماري لتش��جيع االستثمارات‬ ‫المحلي��ة‪ ،‬والخارجي��ة‪ .‬و تش��جيع الجالي��ات‬ ‫الس��ورية في الخارج للمس��اهمة في إعادة‬ ‫بناء االقتصاد السوري‪.‬‬ ‫‪ - 6‬تش��جيع المس��اواة والعدال��ة‬ ‫االجتماعي��ة م��ن خ�لال‪ :‬تمكي��ن الم��رأة‬ ‫الس��ورية‪ ،‬وتعزي��ز مش��اركتها ف��ي كاف��ة‬ ‫القطاعات السورية‪ ،‬بما فيها قطاع األعمال‪.‬‬ ‫إلغاء كافة الممارس��ات التميزية على سيبل‬ ‫المثال تهميش األكراد في منطقة الجزيرة‪،‬‬ ‫صياغ��ة سياس��ات وبرام��ج فاعل��ة لس��وق‬ ‫العمل‪ ،‬وضمان توفي��ر نظام كفء للضمان‬ ‫االجتماعي‪ ،‬ضمان حرية التجمع الستقطاب‪،‬‬ ‫وتشكيل مؤسسات المجتمع المدني‪.‬‬ ‫َّ‬ ‫وأكدت عضوة فريق االقتصاد السوري‬ ‫من المستقلين ومؤسسات المجتمع المدني‬ ‫المشاركة في االجتماع السيدة فرح األتاسي‬

‫‪7‬‬


‫ملف سياسي ‪. .‬‬ ‫سوريتنا | السنة األولى | العدد (‪ / 12 | )47‬آب ‪2012 /‬‬ ‫أسبوعية‬ ‫تصدر عن شباب سوري حر‬ ‫‪8‬‬

‫تاريخ الإ�سالم ال�سيا�سي يف �سوريا‬ ‫املعا�صرة وت�أثريه على الثورة‬

‫د‪ .‬حازم نهار‬

‫يمكن القول‪ ،‬من وجهة نظر تاريخية‪ ،‬أن اإلرث السياس��ي اإلس�لامي في سورية قد مر عبر‬ ‫مرحلتين متمايزتين‪ :‬األولى هي مرحلة االنتداب الفرنسي وما بعد االستقالل حتى انقالب األسد‬ ‫ع��ام ‪( 1970‬أي م��ا يقارب الـ ‪ 50‬عام��ًا)‪ ،‬والثانية هي مرحلة الرئيس حافظ األس��د وتوريث نجله‬ ‫السلطة عام ‪ 2000‬وحتى اليوم (مدتها ‪ 42‬عامًا)‪.‬‬ ‫لقد تش��كلت سورية الحديثة في س��ياق نهاية الدولة العثمانية وحلول االستعمار الفرنسي‬ ‫مكانها في عام ‪ .1920‬وكان واضحًا أن التطور االقتصادي‪-‬االجتماعي في س��ورية يس��ير بشكل‬ ‫ع��ام ف��ي اتج��اه مدني مرتبط بش��كل وثيق م��ع الس��وق الرأس��مالية الدولية ومع قي��م الثقافة‬ ‫الليبرالية‪ ،‬خاصة مع بدء ظهور الطبقة الوس��طى م��ن التجار والمهنيين والموظفين الذين بدؤوا‬ ‫يلعبون دوراً مؤثراً في المجتمع الس��وري‪ .‬ومع ذلك نش��أت في هذا الس��ياق أيضًا النويات األولى‬ ‫لتنظيمات اإلس�لام السياس��ي‪ ،‬فقد ظهرت جمعيات إس�لامية عدة‪ ،‬وهي جمعيات شكل كثير من‬ ‫قادتها وأعضائها القاعدة األساس��ية والنخبة القيادية لجماعة اإلخوان المسلمين وتيارات اإلسالم‬ ‫السياسي األخرى فيما بعد‪.‬‬ ‫وم��ن هذه الجمعيات جمعية "الغراء" برئاس��ة محمد هاش��م الخطيب الحس��يني‪ ،‬ثم محمد‬ ‫الدق��ر‪ ،‬وكان من نش��طائها عب��د الحميد الطباع ال��ذي انتخب فيما بعد عضواً ف��ي البرلمان العام‬ ‫‪ .1943‬وتأسست جمعية الهداية في العام ‪ ،1930‬ومن أشهر شخصياتها‪ :‬كامل القصار وهو رجل‬ ‫دين وقاض‪ ،‬وس��ليمان العظمة أحد التجار والمالكين الكبار في س��ورية‪ ،‬وكان الش��يخ مصطفى‬ ‫السباعي‪ ،‬مؤسس اإلخوان المسلمين في سورية‪ ،‬رئيسًا لفرع الجمعية في مدينته حمص‪.‬‬ ‫وأنش��ئت جمعية التمدن اإلسالمي في العام ‪ ،1932‬وكانت تصدر مجلة "التمدن اإلسالمي"‪،‬‬ ‫وتميزت فيها مجموعة من النخب المؤثرة‪ ،‬مثل أحمد مظهر العظمة وأحمد بهجت البيطار وحسن‬ ‫الشطي وخالد الخاني‪ ،‬وكان اثنان من قادتها من القيادات السياسية في البلد‪ ،‬وهما عارف التوأم‬ ‫ووحي��د الحكي��م‪ ،‬وكان كثير من قادتها ونش��طائها من قادة ونش��طاء اإلخوان المس��لمين‪ ،‬مثل‬ ‫عم��ر بهاء الدي��ن األميري‪ ،‬ومحمد المبارك‪ ،‬وت��رأس هذه الجمعية فيما بع��د أحمد معاذ الخطيب‬ ‫الحسني‪.‬‬ ‫لي��س هناك تاريخ تأس��يس محدد لدى اإلخوان المس��لمين في س��ورية كما ه��و الحال في‬ ‫مصر‪ ،‬مع العلم أن اإلخوان في مصر قد اهتموا بالطلبة الس��وريين المتواجدين هناك للدراس��ة‬ ‫وكان أبرزهم الش��يخ مصطفى السباعي والش��يخ محمد الحامد‪ .‬وقد نشأت الجماعة في سورية‬ ‫م��ن خالل اندم��اج عدة جمعيات إس�لامية في منتص��ف األربعيني��ات‪ .‬وكانت ه��ذه الجمعيات قد‬ ‫تأسست في أوائل الثالثينيات واألربعينيات‪ ،‬مثل جمعية "شباب محمد" و"دار األرقم" برئاسة عمر‬ ‫بهاء الدين األميري الذي عمل فيما بعد نائباً لرئيس اإلخوان المسلمين‪.‬‬ ‫وقد أقامت جماعة اإلخوان المس��لمين في صيف العام ‪ 1946‬معس��كراً تدريبياً‪ ،‬ش��ارك فيه‬ ‫حوالي ‪ 300‬ش��اب من اإلخوان‪ ،‬وتوس��ع تنظيمهم بسرعة وكانت لهم فروع في جميع المحافظات‬ ‫والمدن الس��ورية‪ .‬وكشأن اإلخوان المس��لمين في جميع األقطار‪ ،‬كانت الجماعة في سورية تعبر‬ ‫بوضوح عن اإلرادة والرغبة في مجابهة مشاكل العصر الحديث بالتوافق مع اإلسالم‪ ،‬ولم يختلفوا‬ ‫من خالل نشاطهم كجمعية عن اإلطار العام للتطورات االجتماعية في ذلك الحين‪.‬‬ ‫وم��ن المعروف أن ش��كري القوتلي ق��د حظي بدعم الجمعي��ة الغراء اإلس�لامية وجمعيات‬ ‫إسالمية أخرى‪ .‬ومن اإلسالميين الذين نجحوا مع القوتلي في االنتخابات التي أجريت العام ‪1943‬‬ ‫عب��د الحميد الطباع‪ ،‬ولك��ن التحالف بين القوتلي والجمعية الغراء تفكك بعد عام واحد‪ .‬وش��ارك‬ ‫اإلخوان واإلسالميون المتحالفون معهم في االنتخابات النيابية العام ‪ ،1947‬وانتخب منهم محمد‬ ‫المب��ارك ومعروف الدواليبي ومحمود الش��قفة‪ ،‬وكان من مرش��حيهم لتل��ك االنتخابات عمر بهاء‬ ‫الدين األميري وعلي الطنطاوي وعبد الحميد الطباع ومظهر العظمة‪.‬‬ ‫كانت مش��اركة اإلخوان السياس��ية في الفت��رة بين العامين ‪ 1947‬و‪( 1949‬انقالب حس��نى‬ ‫الزعيم) تعبر عن تفاعل إيجابي مع التطورات السياس��ية‪ ،‬وغالبا ما كانت مناقش��اتهم السياسية‬ ‫ال تش��ير إل��ى أنهم يرون في نظام اإلس�لام نظاماً ش��ام ًال لجميع نواحي الحي��اة‪ .‬وأثناء التعرض‬ ‫لمس��ائل السياس��ة الداخلية واالجتماعية في المجتمع‪ ،‬لم يحاجج اإلخوان المسلمون من منطلق‬ ‫نظام اإلسالم‪ ،‬ولكن من منظار ديني أخالقي‪.‬‬ ‫وبعد انقالب حسني الزعيم عمل اإلخوان من خالل الجبهة االشتراكية اإلسالمية‪ ،‬وحافظوا‬ ‫عل��ى الطاب��ع غير السياس��ي لإلخوان المس��لمين‪ .‬وأصدروا مجل��ة "المنار الجدي��د" بعد مجلتهم‬ ‫الس��ابقة "المنار"‪ ،‬وش��اركوا في االنتخابات النيابية التي جرت العام ‪ ،1949‬وكان من مرش��حيهم‬ ‫مصطف��ى الس��باعي ومحمد المبارك وعب��د الحميد الطباع وع��ارف الطرقجي وعم��ر بهاء الدين‬ ‫األميري ومعروف الدواليبي‪ ،‬ودعموا في تلك االنتخابات اثنين من المرش��حين المس��يحيين‪ ،‬هما‬ ‫الطبيب جورج شلهوب والمحامي قسطنطين منصة‪ .‬وشارك اإلخوان المسلمون في حكومة خالد‬ ‫العظ��م العام ‪ 1950‬من خ�لال معروف الدواليبي وزير االقتصاد‪ ،‬وش��اركوا في معظم التطورات‬ ‫المهم��ة التي وقعت في س��ورية‪ ،‬مثل القضية الفلس��طينية‪ ،‬وتطوير سياس��ة الحياد بين الدول‬ ‫العظمى‪.‬‬ ‫كان الجيش هو الخصم األساسي لإلخوان المسلمين‪ ،‬بدءاً بانقالب حسنى الزعيم ثم أديب‬ ‫الشيشكلي‪ .‬وقد انسحبوا من العمل السياسي إثر انتهاء فترة حكم أديب الشيشكلي العام ‪،1954‬‬ ‫فلم يش��اركوا في االنتخابات العامة‪ ،‬وظلوا يعب��رون على نحو عام عن مصالح وتطلعات الطبقة‬ ‫الوسطى‪.‬‬ ‫لقد كانت كل حركات اإلس�لام السياس��ي حتى ذلك الوقت تؤمن باللعبة الديمقراطية‪ ،‬وال‬ ‫تش��كل برامجهم السياس��ية فروقًا واضحة عن برامج أي حزب علماني محافظ باستثناء البصمة‬ ‫الدينية المحدودة التي تتجلى في مطلب أو اثنين حيث تبدو مجرد زينة في إطار برنامج سياسي‬ ‫صرف‪ .‬واألكثر من ذلك فقد ساهم اإلخوان في أول صياغة علمانية للدستور السوري عام ‪1950‬م‬ ‫واكتفى اإلخوان بقبول بندين في الدستور يتعلقان باإلسالم‪ .‬وتحت قيادة السباعي في مرحلتي‬

‫األربعينيات والخمس��ينيات كانت الجماعة تبش��ر بخطاب معتدل مقبول من كل األطراف‪ ،‬أس��ماه‬ ‫بع��ض الباحثين بالخطاب الليبرالي اإلس�لامي‪ ،‬وقد تميز طرح تلك الفترة بأطروحات الس��باعي‬ ‫الحضارية‪( :‬من روائع حضارتنا‪ ،‬عظماؤنا في التاريخ‪ ،‬أخالقنا االجتماعية‪ ،‬اشتراكية اإلسالم‪.)...‬‬ ‫كان التنظي��م الس��وري للجماعة في فترة الخمس��ينيات من أقوى التنظيم��ات الفاعلة على‬ ‫المس��توى اإلخوان��ي العالمي‪ ،‬بل يق��ال أنه جرى التفكير بعد اغتيال حس��ن البن��ا في أن تتحول‬ ‫مكاتب الجماعة إلى سوريا بحكم قوة حضورها فيها‪ ،‬وإبان الصدام ما بين الجماعة وعبد الناصر‬ ‫بين عامي ‪ 1954 ،1953‬ش��كل التنظيم اإلخواني السوري نوعًا من قاعدة خلفية لمكتب اإلرشاد‬ ‫الع��ام‪ ،‬وبعد محنة عام ‪ 1954‬تولى التنظيم الس��وري عمليًا مهمة التنس��يق م��ا بين التنظيمات‬ ‫القطرية اإلخوانية في البلدان العربية‪.‬‬ ‫وقد نش��أ أول تفكير في تأس��يس تنظيم أصولي عنيف بعد عام ‪1963‬م‪ ،‬أي بعد اس��تيالء‬ ‫البعثيين على مقاليد الحكم‪ ،‬ويتضح من ذلك أن منشأ التفكير المتطرف يعود لسببين رئيسيين‬ ‫هما‪ :‬احتكار البعث للسلطة‪ ،‬واالستقطاب الطائفي في قيادات الجيش وحزب البعث‪.‬‬ ‫لقد تركت فترة الستينيات أحقاداً بين اإلسالميين والبعثيين على وجه الخصوص‪ ،‬إذ بعد أن‬ ‫اس��تلم البعثيون الحكم في عام ‪ ،1963‬بدأ اإلخوان المسلمون بإثارة مشاعر العداء ضد البعثيين‬ ‫في المدن السورية الداخلية‪ ،‬وتم تشكيل خاليا سرية من الجماعات اإلسالمية تهدف إلى إسقاط‬ ‫نظ��ام البعث‪ .‬فعلى س��بيل المثال‪ ،‬في حلب قام الش��يخ عبد الرحمن ج��ودة‪ ،‬وهو حليف الرئيس‬ ‫السوري األسبق ناظم القدسي ومفتي سابق في مدينة حلب‪ ،‬بتأسيس حركة التحرير اإلسالمي‪.‬‬ ‫وفي عام ‪ 1964‬تفاقم الشغب وتحول إلى حرب دينية في مدينة حماه المحافظة‪ ،‬التي حملت فيها‬ ‫األس��لحة ضد الحكومة‪ .‬كان المحرض الرئيس��ي لهذه األحداث هو مروان حديد القائد اإلس�لامي‬ ‫من مدينة حماه الذي زعم بأن البعثيين وجميع األشخاص العلمانيين هم ملحدون ويجب ذبحهم‪.‬‬ ‫لقد خلق هذا القائد من المتطرفين اإلسالميين ميليشيات شوارع لضرب أي شخص له عالقة مع‬ ‫النظام‪ ،‬وس��ماها الطليعة المقاتلة‪ .‬وهكذا أصبح من غير اآلمن على البعثيين الس��ير في شوارع‬ ‫حماه دون حراسة‪ ،‬بسبب تعرض كل من وقع بيد هذه الطليعة إلى الضرب وأحيانًا للقتل على يد‬ ‫اإلسالميين‪ .‬وكان أشهر اغتيال قامت به هذه الطليعة هو اغتيال منذر الشمالي العضو الشاب في‬ ‫ح��رس البعث الوطني‪ ،‬لذا أمر وزير الدفاع حمد عبيد الجيش الس��وري باجتياح مدينة حماه‪ ،‬وفي‬ ‫النهاية قتل حوالي ‪ 70‬شخصًا من اإلخوان المسلمين‪ .‬وبد أن لحقت بهم الهزيمة ألقوا أسلحتهم‬ ‫وأوقفوا نش��اطاتهم الحربية خالل الخمس عشرة س��نة التالية‪ ،‬وعادوا للظهور ثانية عام ‪،1979‬‬ ‫مع العلم أن جماعة اإلخوان قد انش��قت في عام ‪ 1970‬إلى مجموعتين‪ ،‬تنظيم دمش��ق يرأس��ه‬ ‫عصام العطار‪ ،‬وتنظيم حلب يرأسه الشيخ عبد الفتاح أبو غدة‬ ‫هناك عدة عوامل دفعت اإلخوان المس��لمين للنش��اط ثانية في منتصف الس��بعينيات‪ ،‬فهم‬ ‫م��ن جهة تج��اوزوا هزيمتهم ماديًا ومالي��ًا في عام ‪ ،1964‬ومن جهة ثانية س��اهم دخول الجيش‬ ‫الس��وري إل��ى لبنان عام ‪ 1976‬ووقوفه إلى جانب المس��يحيين ضد ياس��ر عرف��ات في رفع درجة‬ ‫اس��تفزازهم ضد األس��د في ظل مناخ التوتر الطائفي والسياس��ي الحاد آن��ذاك‪ ،‬ومن جهة ثالثة‬ ‫كان اإلخوان المس��لمون يحتكرون بقوة المدارس آنذاك وبالتالي يمكنهم تلقين مذهبهم للكثير‬ ‫من اليافعين والشبان‪ ،‬إضافة لتحول خطابهم منذ أواسط السبعينيات باتجاه خطاب جهادي ينحو‬ ‫باتجاه التطرف والعنف‪.‬‬ ‫وفي عام‪ 1975‬ش��كل عبد الستار الزعيم تشكي ًال عسكريًا يدين بالوالء لمروان حديد‪ ،‬لكن‬ ‫ه��ذا التنظيم ظهر عمليا من خالل مهاجمة مدرس��ة المدفعية في حل��ب في حزيران عام ‪.1979‬‬ ‫وقد تبرأت جماعة اإلخوان من الحادثة‪ ،‬غير أن أفراد الطليعة أصروا على أنهم "الطليعة المقاتلة‬ ‫لإلخوان المسلمين"‪ ،‬وأسفر ذلك عن مقتل العديد من شباب البعث العسكريين‪ ،‬رغم أنهم ليسوا‬ ‫جميعًا من البعثيين العلويين‪ .‬وهنا رد نظام البعث بقسوة‪ ،‬ففي المؤتمر السابع لحزب البعث الذي‬ ‫انعقد بين ‪ 23‬كانون األول و ‪ 6‬كانون الثاني من عام ‪ ،1980‬صرح رفعت األسد‪ ،‬شقيق الرئيس‪،‬‬


‫ملف سياسي ‪. .‬‬ ‫سوريتنا | السنة األولى | العدد (‪ / 12 | )47‬آب ‪2012 /‬‬ ‫أسبوعية‬ ‫تصدر عن شباب سوري حر‬

‫بش��كل واض��ح أن اإلخالص هو واجب وأنه كل من ال يقف إل��ى جانب البعث في هذه المرحلة هو‬ ‫ضده‪ .‬وفي ‪ 26‬حزيران عام ‪ 1980‬حاول اإلخوان المس��لمون قتل األس��د في دمش��ق‪ ،‬لذا قام هو‬ ‫بدوره بس��ن القانون ‪ 49‬في ‪ 8‬تموز الذي ينص على أن العضوية في اإلخوان المس��لمين يعتبر‬ ‫جريم��ة عقوبته��ا اإلعدام‪ .‬وبلغ القتال ذروته في الثاني والثالث من ش��باط عام ‪ 1982‬في مدينة‬ ‫حم��اه‪ ،‬التي صعد اإلخوان المس��لمون منابر جوامعها ودعوا إلى "حرب ش��املة" ضد نظام البعث‪.‬‬ ‫الس��لطات من جهتها اس��تخدمت القوة في ردّها‪ ،‬حيث أصدرت أوامرها للجيش الس��وري بسحق‬ ‫التمرد‪ ،‬وعلى الفور امتثل الجيش لألوامر وقام بسحق التمرد وقتل اآلالف منهم‪.‬‬ ‫لقد مارس نظام األس��د أشد األعمال قسوة ووحشية تجاه كل من يشتبه بأنه من الجماعة‪،‬‬ ‫فقد اعتقل عشرات اآلالف وتم تصفية اآلالف بشكل منظم في السجون وبقيت مجزرة حماة ‪28‬‬ ‫فبراي��ر ‪ 1982‬الت��ي ذهب ضحيتها حوال��ي ‪ 38‬ألفاً من أفظع ما يمكن أن يح��دث في صراع نظام‬ ‫سياس��ي من أجل البقاء في الحكم‪ ،‬كما طال تأثير هذه الفظاعات مئات األلوف من األس��ر‪ ،‬فحرم‬ ‫طوال أكثر من ربع قرن أبناء المسجونين والمنفيين وأقرباؤهم من أغلب حقوقهم المدنية وتمت‬ ‫مصادرة أمالك الكثيرين منهم‪.‬‬ ‫ه��ذه الهزيمة الت��ي لحقت باإلخ��وان المس��لمين في حماه تس��ببت باختفائهم من س��احة‬ ‫السياسة السورية خالل الفترة المتبقية من عقد الثمانينات‪ ،‬وكان لذلك تأثيره على مجمل الحياة‬ ‫الس��ورية‪ ،‬فق��د كان عقد الثمانيني��ات عقداً كئيباً في حياة الس��وريين حتى ح��رب الخليج الثانية‬ ‫عام ‪1991‬م‪ ،‬ففي ظل هذه الحقبة وما أعقبها تم تثبيت أركان النظام االس��تبدادي وإلغاء الحياة‬ ‫السياس��ية‪ ،‬رغ��م قي��ام النظام باإلفراج ع��ن دفعة من الس��جناء السياس��يين كان معظمهم من‬ ‫اإلخوان المس��لمين عام ‪ .1991‬ونذكر هنا أن الجماعة قد انش��قت في عام ‪ 1986‬إلى تنظيمين‪،‬‬ ‫حلبي بقيادة الش��يخ عبد الفتاح أبو غدة‪ ،‬وحموي بقيادة عدنان س��عد الدين‪ ،‬ثم توحد التنظيمان‬ ‫الحق��ًا ف��ي ع��ام ‪ ،1992‬وال يزال التنظيم موحداً حتى اليوم‪ ،‬بعد أن تس��رب من��ه أعداد ذات وزن‬ ‫وكفاءة!‬ ‫أما س��نوات عقد التس��عينيات فكانت أكثر الس��نوات راحة لحافظ األس��د بع��د أن أغلق فيه‬ ‫المج��ال السياس��ي الداخل��ي نهائيًا‪ ،‬بل أهمل السياس��ة الداخلي��ة بعد ذلك بش��كل الفت بعد أن‬ ‫اطمئن إلي اس��تحكام قبضته فيها بالحفاظ على النموذج البوليس��ي للدولة التس��لطية‪ ،‬والتفت‬ ‫إلي مس��ألة التوريث بعد أن اس��تتب له األمر في لبنان‪ ،‬واس��تطاع بس��ط نفوذه عليه بعد اتفاق‬ ‫الطائف ‪1989‬م‪.‬‬ ‫في أواخر التس��عينيات لم يهتم األس��د س��وي بتهيئة من��اخ التوريث‪ ،‬وكان��ت مخاوفه دومًا‬ ‫من تنظيمات إس�لامية تفس��د ذلك‪ ،‬ولهذا الس��بب توجه ف��ي نهاية ع��ام ‪1999‬م العتقال جميع‬ ‫أعضاء "حزب التحرير" الذي يعمل بش��كل س��ري منذ الستينيات ضمن قناعات حول عودة الخالفة‬ ‫اإلسالمية‪ ،‬وقد توفي األسد بعد قرابة ستة أشهر فقط من اعتقاالت التحريريين‪ ،‬منهياً بذلك أي‬ ‫شكل من أشكال الوجود التنظيمي لإلسالم السياسي علي األراضي السورية‪.‬‬ ‫لقد رافق صعود بشار إلى الواجهة السياسية تمهيداً للتوريث ترتيب واسع للملفات اإلقليمية‬ ‫مثل‪ :‬عودة العالقات تدريجيا مع العراق منذ ‪1996‬م‪ ،‬عودة العالقات مع األردن‪ ،‬وتحسين العالقات‬ ‫مع تركيا‪ ،‬أما لبنان فقد أوكل ملفه كام ًال إلى بشار بعد أن سحبه من يد نائبه عبد الحليم خدام‪.‬‬ ‫وبالنسبة لإلسالم السياسي‪ ،‬اعتمد األسد األب إقليمياً بناء سياسة تحالفات واسعة مع اإلسالميين‬ ‫ف��ي دول الج��وار‪ ،‬إذ إن هذا التحالف عمومًا يلعب دوراً مهماً في تس��ويق الدبلوماس��ية الخارجية‬ ‫السورية شعبياً في العالم العربي واإلسالمي‪ ،‬كما أنه يضع في يده أوراقًا تعزز موقعه التفاوضي‬ ‫مع الغرب وإسرائيل‪.‬‬ ‫ومع مجيء بش��ار األس��د للس��لطة كانت هناك حركة واس��عة للمثقفي��ن ومنظمات حقوق‬ ‫اإلنس��ان ونش��طاء المجتمع المدني فيما سمي بربيع دمش��ق‪ ،‬لكن هذه الفترة كشفت عن مدى‬ ‫تحفظ اإلس�لاميين على أي مش��اركة سياس��ية علنية بس��بب مخزون القمع الموروث منذ أحداث‬ ‫الثمانينيات‪ .‬لكن في هذه األثناء كان اإلخوان المس��لمون في الخارج ينظرون بترقب إلي الحراك‬ ‫السياس��ي في ربيع دمشق وعزموا على التحرك مع المعارضة الخارجية‪ ،‬فجمعوا معظم التيارات‬ ‫المختلفة في الخارج وبعض نشطاء الداخل على ميثاق الشرف الوطني للعمل السياسي‪.‬‬ ‫لقد أعلن عن وثيقة "ميثاق الشرف الوطني" في أيار ‪ 2001‬من قبل هذا التنظيم اإلسالمي‬ ‫السوري المعارض‪ ،‬وقد أتى نص الوثيقة ليحاول تقديم اإلخوان المسلمين السوريين في صورة‬ ‫جديدة‪ ،‬تختلف عمّا ظهروا عليه في تلك األحداث الدامية‪ ،‬لتقديمها إلى جميع األطراف السورية‪،‬‬ ‫كرس��الة للس��لطة بانتهاجهم سياس��ة االعتدال‪ ،‬وإلى أطراف المعارضة األخ��رى من خالل تبني‬ ‫مقولة الديموقراطية واالبتعاد عن مقوالت ومفردات الخطاب اإلخواني الس��وري في السبعينيات‪،‬‬ ‫والذي كان أقرب إلى س��يد قطب (ليس فقط عند الش��يخ مروان حديد وإنما أيضًا عند العديد من‬ ‫قيادات التنظيم العام مثل الشيخ سعيد حوا) منه إلى اعتدال ووسطية مراقب اإلخوان السوريين‬ ‫في الخمسينيات الشيخ مصطفى السباعي‪ ،‬وأيضاً كرسالة للمجتمع السوري الذي كانت تنوعاته‬ ‫الدينية والمذهبية واتجاه مس��لميه إلى االنخراط القوي في مظاهر الحياة الحديثة على تناقض‬ ‫مع ذلك الخطاب اإلخواني الذي طغى عليه التشدد والتطرف في أحداث الثمانينيات‪.‬‬ ‫قام��ت لجان إحياء المجتمع المدني في ش��هر كانون الثان��ي ‪ 2005‬بإصدار بيان اعتبرت فيه‬ ‫اإلخوان المسلمين جزءاً من النسيج الوطني السوري‪ ،‬وفي أيار ‪ 2005‬قامت إدارة منتدى األتاسي‬ ‫بالس��ماح بقراءة كلمة لإلخوان المس��لمين ضمن ن��دوة حول "رؤية القوى السياس��ية لإلصالح"‪،‬‬ ‫وكان��ت نتيجته��ا اعتقال مجلس إدارة المنت��دى وإغالقه نهائيًا‪ .‬وكانت النقط��ة الفاصلة في تلك‬ ‫الفترة هي تش��كيل ائتالف إعالن دمش��ق للتغيير الديمقراطي الذي شكل قفزة نوعية في عمل‬ ‫المعارض��ة الس��ورية‪ ،‬انتقلت معها مطالب المعارضة صراحة من "إص�لاح النظام" إلى "تغييره"‪،‬‬ ‫كما ش��كل من جهة ثانية أوس��ع ائتالف سياسي‬ ‫بانضمام ق��وى قومية ويس��ارية وليبرالية إليه‪،‬‬ ‫فض� ً‬ ‫لا عن انضم��ام جماعة اإلخوان المس��لمين‬ ‫إليه‪.‬‬ ‫وف��ي حزي��ران ‪ 2006‬أعل��ن اإلخ��وان‬ ‫المس��لمون تش��كيل جبهة الخالص بالتعاون مع‬ ‫نائ��ب رئي��س الجمهورية األس��بق عب��د الحليم‬ ‫خ��دام‪ ،‬رغم كونهم ال يزالون ف��ي ائتالف إعالن‬ ‫دمش��ق‪ .‬وف��ي ‪ 7‬كان��ون الثان��ي ‪ 2009‬أعلن��ت‬ ‫جماعة اإلخوان المس��لمين عن تعليق أنش��طتها‬ ‫المعارض��ة للس��لطة الس��ورية إب��ان الهج��وم‬ ‫اإلس��رائيلي على قطاع غزة‪ ،‬وبعد شهر من ذلك‬ ‫أعل��ن المراقب العام للجماعة الس��يد علي صدر‬ ‫الدي��ن البيانون��ي "أنن��ا نعي��د تقوي��م تحالفاتنا‬ ‫بش��كل دوري في ضوء المتغيرات والمستجدات"‬ ‫(مقابلة مع قدس برس‪ 12 ،‬شباط ‪.)2009‬‬

‫تعمل جماعة اإلخوان المس��لمين اليوم بعد انطالق الثورة الس��ورية في آذار ‪ 2011‬بشكل‬ ‫حثيث‪ ،‬وساهمت في كل المحطات السياسية للثورة بفاعلية‪ ،‬وانتقلت مؤخراً لتساهم في تمويل‬ ‫الجيش السوري الحر المتمركز في تركيا وداخل األراضي السورية‪ ،‬وترسل المال واإلمدادات إلى‬ ‫س��وريا لتحيي بذلك قاعدتها بين صغار المزارعين وأبناء الطبقة المتوسطة من الطائفة السنية‬ ‫ف��ي س��وريا‪ .‬وفيما تتعارك القوى السياس��ية األخرى ف��إن جماعة اإلخوان المس��لمين تعمل بجد‬ ‫من أجل رصيدها في الش��ارع الس��وري مس��تقب ًال‪ ،‬فقد تحقق لإلخوان مث ًال السيطرة على مكتب‬ ‫المساعدات في المجلس الوطني السوري والمكتب العسكري‪ ،‬وهما المكتبان األساسيان فيه‪.‬‬ ‫اس��تطاعت جماعة اإلخوان اس��تعادة بعض نفوذها داخل س��ورية‪ ،‬خاصة في مدن حمص‬ ‫وحم��اة وإدلب‪ ،‬والتي تعتبر المعاقل األساس��ية للثورة على حكم األس��د‪ .‬رغم ذل��ك‪ ،‬فإنه ما زال‬ ‫عليهم أن يبذلوا المزيد من الجهد لكس��ب التأييد في الداخل‪ ،‬فالكثير من رجال الدين والنش��طاء‬ ‫والمعارضين ال يريدون التعامل مع اإلخوان أو االرتباط بهم‪ ،‬فالعودة للس��احة السياس��ية ليس��ت‬ ‫بالمهمة الهينة بعد ثالثين عامًا من الغياب السياسي‪.‬‬ ‫أما على المس��توى السياس��ي واأليديولوجي‪ ،‬فقد ش��كلت وثيقة "عه��د وميثاق من جماعة‬ ‫اإلخوان المس��لمين في سورية" نقلة نوعية في تاريخ هذه الحركة وما يعرف بالتيارات األصولية‬ ‫اإلس�لامية‪ .‬ال بل يمكن القول إن هذه الوثيقة الت��ي صدرت في ‪ 25‬آذار ‪ 2012‬قد ألغت بوضوح‪،‬‬ ‫على األقل من الناحية النظرية‪ ،‬الفهم اإليديولوجي السائد لمسألة السلطة لدى معظم التيارات‬ ‫اإلس�لامية في العالمين العربي واإلس�لامي‪ ،‬أي ذلك الفهم الذي ينطلق من اعتبار الس��لطة في‬ ‫اإلسالم شأناً إلهيًا‪.‬‬ ‫ال يقتصر اإلس�لام السياس��ي في س��ورية على جماعة اإلخوان المس��لمين‪ ،‬وإن كانت هي‬ ‫األبرز واألكثر تأثيراً في تاريخ س��ورية‪ ،‬فهناك أحزاب وجماع��ات وتيارات وجمعيات دينية عديدة‪،‬‬ ‫ولكل منها تأثير ما يزيد أو ينقص حسب الظروف العامة‪.‬‬ ‫من األحزاب الش��هيرة حزب التحرير اإلسالمي‪ ،‬وهو حزب إسالمي أسسه الشيخ تقي الدين‬ ‫النبهان��ي في أواخر الخمس��ينيات كرد فعل على عدم رضاه عن تجربة اإلخوان المس��لمين‪ ،‬وهو‬ ‫حزب عابر للحدود العربية واإلسالمية يدعو الستعادة الخالفة‪ ،‬ويربط كل إصالح بوجود الخليفة‪.‬‬ ‫وتشير االعتقاالت التي حدثت في سورية في الفترات السابقة إلى أنه ال زال متواجداً في الساحة‬ ‫الس��ورية‪ .‬ففي خريف عام ‪ 1999‬ش��نت الس��لطات األمنية الس��ورية حملة اعتقال واس��عة على‬ ‫أعض��اء حزب التحرير اإلس�لامي المحظور‪ .‬فعلى أث��ر االجتماع بين حافظ األس��د وبيل كلينتون‬ ‫وزع أعضاء من حزب التحرير منش��ورات تنتقد سلوك وسياسات الحكومة السورية تجاه األراضي‬ ‫السورية المحتلة والقضية الفلسطينية والسالم مع الدولة الصهيونية‪ ،‬فبادرت السلطات األمنية‬ ‫الت��ي تمكن��ت من دس بعض عمالئه��ا في صفوف حزب التحرير إلى ش��ن حملة اعتقال ش��ملت‬ ‫أعضاء الحزب والمتعاطفين واحتجزت بعض الرهائن‪ .‬استمرت حمالت االعتقال في عامي ‪2000‬‬ ‫و ‪ 2001‬فاعتقلت السلطة أفواجًا جديدة‪ .‬أطلق سراح بعض الذين اعتقلوا مع اإلفراجات ومراسيم‬ ‫العفو التي أمر بها بش��ار األس��د‪ ،‬بينما قدم آخ��رون لمحكمة أمن الدولة وحكم عليهم بالس��جن‬ ‫لفترات متفاوتة‪ ،‬وما تزال حمالت االعتقال مس��تمرة بحق كل من تحوم حوله ش��بهة االنتماء أو‬ ‫التعاطف مع حزب التحرير‪.‬‬ ‫وهناك أيضًا جمعية القبيسيات‪ ،‬وهي جماعة إحيائية دينية إسالمية دعوية نسوي‪ ،‬تأسست‬ ‫على يد منيرة القبيس��ي (من مواليد ‪ )1933‬في الس��تينيات في س��ورية‪ ،‬ثم انتش��رت في بلدان‬ ‫أخ��رى‪ ،‬وهي ال تتدخل في السياس��ة‪ ،‬بل يقتص��ر عملها على تنظي��م دروس دينية في المنازل‬ ‫ونشر الوعي الديني بين الشابات الصغيرات‪ .‬وخالل ما يزيد عن أربعة عقود كانت الجماعة تعمل‬ ‫بالس��ر والعلن‪ ،‬تبعاً للظروف األمنية والسياسية‪ ،‬وقد كانت محظورة في سورية إلى أن سمح لها‬ ‫بالعمل العلني عام ‪ 2006‬عندما حصلت على موافقة الحكومة الس��ورية للس��ماح بعقد الدروس‬ ‫في المساجد‪ ،‬إذ يقدر أتباعها بأكثر من ‪ 75‬ألف إلى ‪ 100‬ألف‪.‬‬ ‫وهن��اك حركات إس�لامية معتدلة‪ ،‬كالحرك��ة الخزنوية وجماعة جودت س��عيد‪ .‬أما الخزنوية‬ ‫فهي حركة إس�لامية كردية ذات تطلعات سياس��ية‪ ،‬ترتكز في مدينة القامش��لي‪ ،‬وكان يتزعمها‬ ‫الش��يخ معش��وق الخزنوي‪ ،‬وهي مجموعة تحمل هم تجديد الخطاب الدين��ي وإصالح المنظومة‬ ‫المعرفية اإلسالمية بمختلف جوانبه‪.‬‬ ‫ته��دف الحرك��ة الخزنوية إلى اإلس��هام في إحي��اء االجتهاد اإلس�لامي وفق قاع��دة احترام‬ ‫التعددية وحرية االختيار من الفقه اإلسالمي ونبذ التعصب والتكفير من خالل فك االشتباك بين‬ ‫العقل والنص عن طريق منح النص ظروفه المكانية والزمانية‪ ،‬والتأكيد على األخوة اإلنسانية‪،‬‬ ‫والبح��ث عن المش��ترك بين الن��اس في مختل��ف اتجاهاتهم الفكري��ة والسياس��ية واالجتماعية‪،‬‬ ‫وخاصة أبناء الوطن الواحد‪.‬‬ ‫كان الش��يخ معش��وق الخزنوي قريبًا من الناس وخطيبًا فصيحًا الم��س من خالل خطاباته‬ ‫جروح الناس وخاصة المجتمع الكردي‪ ،‬وفي األول من حزيران ‪ 2005‬اغتالته أجهزة األمن السورية‪،‬‬ ‫وعلى أثرها تش��كل تيار ينادي بفكر الش��يخ معش��وق الخزنوي‪ ،‬إضافة إلى العمل السياسي من‬ ‫أجل القضية الكردية‪ ،‬ويترأس هذا التيار حالياً نجله الشيخ مرشد معشوق الخزنوي‪.‬‬ ‫أما جماعة الش��يخ جودت س��عيد‪ ،‬فهي حركة إس�لامية تعتبر العنف أياً كان‪ ،‬حتى لو دفاعًا‬ ‫عن النفس‪ ،‬عم ًال غير مش��روع‪ ،‬وقد أسس��ها المفكر اإلسالمي جودت س��عيد (مواليد ‪ )1931‬في‬ ‫مطلع الثمانينيات‪ ،‬والذي تأثر بالمفكرين اإلسالميين الكبيرين محمد إقبال ومالك بن نبي‪ ،‬حيث‬ ‫عمل على نش��ر نظريته الفلس��فية (الالعنف)‪ ،‬لكنه لم يستطع تكوين جماعة تؤمن بنظريته إال‬ ‫مطلع التس��عينيات‪ ،‬وكان أول ما كتبه في مطلع الستينيات (مذهب ابن آدم‪ ،‬أو مشكلة العنف في‬ ‫العمل اإلسالمي) الذي جاء رداً على جماعة اإلخوان المسلمين في ممارسة العنف السياسي‪ ،‬وهو‬ ‫يناقش مبدأ الالعنف وعالقته الجذرية باإلسالم‪،‬‬ ‫وشرح قصة ابني آدم الواردة في القرآن الكريم‬ ‫واس��تنبط فكرة الالعنف منها‪ ،‬ثم كتب فيما بعد‬ ‫مؤلفه "حتى يغيروا ما بأنفسهم"‪.‬‬ ‫عل��ى العموم‪ ،‬ف��إن اإلس�لام‪ ،‬كم��ا يظهر‬ ‫التاري��خ ومجري��ات الواق��ع عل��ى ال��دوام‪ ،‬ليس‬ ‫كتل��ة صماء متجانس��ة في أي بل��د‪ ،‬فهو يتكون‬ ‫م��ن أطياف وألوان ال حصر لها‪ ،‬ب��دءاً من التدين‬ ‫العادي الش��خصي المعتدل‪ ،‬إلى التدين الجماعي‬ ‫المنظ��م وغي��ر السياس��ي‪ ،‬وانته��اء بالح��ركات‬ ‫اإلس�لامية السياس��ية مثل اإلخوان المس��لمين‪،‬‬ ‫وهي األبرز على الس��احة كشهرة وتاريخ وفعل‬ ‫سياس��ي‪ ،‬وح��ركات أخ��رى ذات نه��ج متط��رف‬ ‫وتكفيري يتصادم م��ع كل معالم الحياة الحديثة‬ ‫في مس��توياتها كاف��ة‪ ،‬السياس��ية واالقتصادية‬ ‫واإلنسانية‪.‬‬

‫‪9‬‬


‫ملف اقتصادي ‪. .‬‬ ‫سوريتنا | السنة األولى | العدد (‪ / 12 | )47‬آب ‪2012 /‬‬ ‫أسبوعية‬ ‫تصدر عن شباب سوري حر‬ ‫‪10‬‬

‫االقت�صاد ال�سوري بعد عام ون�صف من‬ ‫انتفا�ضة ال�شعب ال�سوري (�آب ‪)2012‬‬

‫سمير سعيفان‬

‫يفاخر النظام الس��وري بأن توقعات انهيار االقتصاد الس��وري لم تتحقق بعد ‪ 16‬ش��هر‬ ‫م��ن االنتفاضة الش��عبية‪ .‬ويقدم الحفاظ على س��عر صرف لليرة الس��ورية دون ال ‪ 70‬ليرة‬ ‫س��ورية للدوالر األمريكي‪ ،‬بعد أن كان نح��و ‪ ،5 .46‬أي بانخفاض يقدر بنحو ‪ 50%‬فقط عن‬ ‫سعر صرف آذار ‪ ،2011‬يقدمه دليل على عدم انهيار النظام االقتصادي‪ ،‬وعلى نجاح النظام‬ ‫في درء هذا االنهيار‪.‬‬ ‫في الواقع‪ ،‬يجب أن نفرق بين مسألة القدرة على تثبيت سعر صرف الليرة السورية‪ ،‬و‬ ‫بأي ثم يتم هذا التثبيت؛ وبين أداء االقتصاد الس��وري‪ ،‬وما هو تأثير هذا الوضع االقتصادي‬ ‫عل��ى ثبات النظام وعلى قدرته على اس��تمرار القبض على مقاليد األمور في س��ورية التي‬ ‫يقب��ض عليه��ا منذ نصف ق��رن تقريباً‪ ،‬وما هي توقع��ات تطور هذا الوضع في المس��تقبل‬ ‫القريب والمتوسط‪.‬‬ ‫كيف حتقق التثبيت الن�سبي ل�سعر �صرف اللرية ال�سورية حتى الآن‪:‬‬ ‫في الواقع يتحدد س��عر صرف الليرة السورية مقابل العمالت الصعبة كحصيلة لتوازن‬ ‫أو اختالل عرض العمالت الصعبة والطلب عليها في السوق السورية‪.‬‬ ‫في جانب عرض العمالت الصعبة‪ ،‬فقد تراجع عرضها في السوق السورية‪ ،‬سواء تراجع‬ ‫الع��رض ال��ذي كان يقدم عادة من قبل الدولة‪ ،‬أو تراجع عرضها في الس��وق غير الحكومية‪،‬‬ ‫فقد تراجع العرض بالتدريج وبش��كل متصاعد منذ آذار ‪ ،2011‬وتزايد التراجع بشكل خاص‬ ‫عام ‪2012‬بسبب عدد من العوامل‪:‬‬ ‫ تراجع السياس��ة وبالتالي تراجع إنفاق الس��واح والذي كان يدر دخ ًال‪( ،‬بحس��ب نش��رة‬‫المصرف المركزي ‪ -‬ميزان المدفوعات) يقدر بنحو ‪ 7 .3‬مليار عام ‪.2009‬‬ ‫ تراجع تحويالت السوريين العاملين في الخارج والتي كانت تقدر بنحو ‪ 2 .1‬مليار لعام‬‫‪ 2009‬حس��ب البنك المرك��زي‪ ،‬والتي نقدرها بنحو ‪ 3‬مليار دوالر س��نويًا(‪ ، )1‬ونقدر التراجع‬ ‫بنحو ‪ 5 .2‬مليار‪.‬‬ ‫ تراج��ع إيرادات ص��ادرات النفط التي كانت تقدر بنحو ‪ 150‬أل��ف برميل يومياً إضافة‬‫لبع��ض المش��تقات(صادرات حكومي��ة حص��راً)‪ ،‬وبلغ��ت قيمتها ع��ام ‪2010‬نح��و ‪ 5 .5‬مليار‬ ‫دوالر حس��ب إحصاءات التجارة الخارجية الرس��مية الس��ورية‪ .‬وال يتوفر إحصاءات عن تراجع‬ ‫الصادرات والمس��توردات لعام ‪ 2012‬بعد‪ .‬وتس��عى سورية بمس��اعدة روسيا لمبادلة النفط‬ ‫الخام بالمش��تقات الروسية‪ .‬ولكن النقص الحاد للمش��تقات في السوق‪ ،‬رغم تراجع الطلب‪،‬‬ ‫يظهر عدم قدرة الدولة على التصدير واالستيراد‪ .‬ونقدر تراجع عائدات الحكومة من واردات‬ ‫النفط لعام ‪ 2012‬بنحو ‪ 4‬مليار دوالر أمريكي‪.‬‬ ‫ تراجع تحويالت المس��تثمرين سواء كانوا مستثمرين س��وريين أو أجانب والتي كانت‬‫تقدر بنحو ‪ 85 .1‬مليار دوالر عام ‪ 2010‬بحسب تقرير االستثمار العالمي لمنظمة األونكتاد‪.‬‬ ‫بينما لم يدخل إلى سورية عام ‪ 2012‬أي استثمار أجنبي‪.‬‬ ‫يف جانب الطلب على العمالت ال�صعبة‪:‬‬ ‫من��ذ آذار ‪ 2012‬تزاي��د طلب الفئ��ات الغنية على الدوالر من أج��ل تحويل مدخراتها إلى‬ ‫الخارج (دبي – بيروت – تركيا – أوروبا) خوفاً من تدهور س��عر صرف العملة الس��ورية‪ ،‬وقدر‬ ‫تقري��ر معه��د التمويل الدولي الصادر في آب ‪ ،2012‬األموال التي غادرات س��ورية بنحو ‪.10‬‬ ‫‪ 5‬ملي��ار دوالر من��ذ آذار ‪ .2012‬إذ يقدر االدخار في االقتصاد الس��وري في الس��نوات األخيرة‬ ‫بنح��و ‪ 25%‬أي نح��و ‪ 15‬ملي��ار دوالر‪ .‬ونق��در‬ ‫أن ما يق��ارب نصف هذا المبلغ يغادر س��ورية‬ ‫في ه��ذه الحال بس��بب توقف االس��تثمار بعد‬ ‫مواجهة النظام لالنتفاضة الس��ورية بالعنف‪.‬‬ ‫يضاف لها جزء من رؤوس األموال التش��غيلية‬ ‫الت��ي تفي��ض ع��ن حاج��ة الش��ركات الخاصة‬ ‫بس��بب انكماش أعمال معظمها‪ .‬وبالتالي فإن‬ ‫رقم ‪ 5 .10‬مليار هو أقل من الواقع‪.‬‬ ‫عدا هذا العامل فإن مجموعة من العوامل‬ ‫قد أدت إلى تراجع الطلب على العمالت الصعبة‬ ‫مثل‪:‬‬ ‫ تراجع المستوردات التي تلبي احتياجات‬‫االستثمار ككل سواء كان االستثمار الحكومي‬ ‫أو استثمار القطاع الخاص المحلي أو االستثمار‬ ‫الخاص األجنب��ي‪ .‬ويقدر التراجع بنس��بة بين‬ ‫‪ 20% 15‬من الناتج المحلي اإلجمالي عن عام‬‫‪ ،2011‬وه��ذا أدى لتراجع الطل��ب على الدوالر‬ ‫والعم�لات الصعب��ة عموماً ونق��در ذلك بنحو‬ ‫‪ 30%‬م��ن قيمة االس��تثمار أي نح��و ‪ 4-3‬مليار‬ ‫دوالر سنويًا‪.‬‬ ‫ تراج��ع الطل��ب الداخل��ي لالس��تهالك‬‫العائلي بس��بب تقلص اقتصاد إنفاق العائالت‬ ‫الس��ورية واقتصاره على الضروريات‪ ،‬وبسبب‬ ‫تراج��ع دخ��ول الفئات مح��دودة الدخ��ل وهي‬ ‫الفئات األوسع‪ ،‬إضافة لتراجع الطلب الحكومي‬

‫كنتيج��ة لتراجع إي��رادات الحكومة‪ ،‬وتراجع طلب القطاع الخاص على اس��تيراد المواد األولية‬ ‫والخدم��ات كنتيجة لتراج��ع الطلب الداخلي وانكماش الس��وق إضافة إلغ�لاق عدد كبير من‬ ‫ورش اإلنتاج إضافة لعدد كبير من المصانع بسبب الحل األمني‪.‬‬ ‫ انعكس تراجع اإلنتاج وتراجع الطلب وتراجع االس��تثمار على تراجع المستوردات‪ ،‬عدا‬‫مستوردات الس�لاح والمشتقات النفطية من روس��يا وإيران‪ .‬وقد كانت مستوردات الحكومة‬ ‫ع��ام ‪ 2010‬نح��و ‪ 4 .4‬مليار دوالر‪( .‬بلغت مس��توردات س��ورية من المش��تقات النفطية عام‬ ‫‪ 2010‬نح��و ‪ 25 .3‬ملي��ار دوالر منه��ا ‪ 330‬مليون دوالر مس��توردات غاز البوت��ان لكمية ‪431‬‬ ‫أل��ف طن‪ ).‬ويقدر تراجع مس��توردات الحكومة بنحو ‪ 3‬مليار دوالر‪ .‬وقد تراجعت مس��توردات‬ ‫الحكومة بش��كل خاص بس��بب تراجع قدرتها على تمويل مس��تورداتها بعد تراجع وارداتها‬ ‫وبس��بب تراجع اس��تثماراتها إلى الصفر تقريباً فتراجع إنفاقها على مس��توردات مستلزمات‬ ‫إنت��اج قطاعها العام ومس��توردات مس��تلزمات قطاعه��ا الخدمي مثل قطاع تولي��د الكهرباء‬ ‫وإنت��اج الماء وقطاع التعليم والصحة ومس��تلزمات قطاع الري ومس��تلزمات قطاعها اإلداري‬ ‫(مثل السيارات والتجهيزات ومستلزمات المباني‪ ،‬قطع الغيار‪ ،‬مستلزمات التشغيل‪ ..‬الخ)‪ .‬أما‬ ‫مس��توردات القطاع الخاص فيقدر أنها تراجعت بنحو‪ 40% 30-‬عن مستواها عام ‪ 2010‬وقد‬ ‫كانت قيمتها في ذاك العام نحو ‪ 13‬مليار دوالر‪.‬‬ ‫ تراج��ع الطلب على الدوالر الناجم ع��ن تراجع الطلب على الخدمات (نقل – مقاوالت –‬‫التأمين ‪ -‬المعلوماتية ‪ -‬الترفيه – خدمات أعمال وغيرها)‪.‬‬ ‫ تراجع الطلب على الدوالر الناجم عن تراجع طلب القطاع األهلي للسفر للخارج سواء‬‫كان لألعمال أو الس��ياحة أو الطبابة أو الدراس��ة‪ .‬وال يتوفر إحصاءات عنها‪ .‬وبحس��ب نش��رة‬ ‫المصرف المركزي فإن الطلب على السفر قدر بنحو ‪ 882‬مليون دوالر عام ‪ .2009‬وال يتوفر‬ ‫أرقام عن الطلب على الدوالر لغايات أخرى‪.‬‬ ‫ه��ذا التقلي��ص للطل��ب‪ ،‬أدى وي��ؤدي لتراج��ع الطلب عل��ى العمالت الصعب��ة‪ .‬وقلص‬ ‫بالمقاب��ل االحتياج إليها إلى الحدود الدنيا‪ ،‬مما جعل االحتياطي الذي لدى النظام‪ ،‬واإليرادات‬ ‫المح��دودة التي تأتي للنظام تكفي ألن تحقق التوازن‪ ،‬وقد اس��تعمل النظام االحتياطي من‬ ‫العم�لات الصعبة‪ ،‬وال��ذي كان يقدر بنحو ‪ 8‬مليارات دوالر في آذار ‪ ،2011‬اس��تعملها النظام‬ ‫بتقنين لتغطية فارق الطلب على الدوالر‪ .‬كما استعمل النظام االحتياطيات التي كانت توضع‬ ‫في حس��ابات س��رية خاصة‪ ،‬لم يكن يعلن عنها‪ ،‬وكانت تمول من ع��دة مصادر محلية (جزء‬ ‫من وفورات الدولة في الس��نوات السابقة‪ ،‬ومساعدات خارجية من الدول الخليجية مث ًال)‪ .‬كما‬ ‫جاءت بعض المس��اعدات من إيران وتقدر بنحو ملياري دوالر حس��ب ما أفادت تقارير دولية‬ ‫إضافة إلى فتح أسواق إيران أمام المنتجات السورية‪ .‬وقد أصدر اإلمام الخامنئي فتوى حول‬ ‫وج��وب دعم المنتجات الس��ورية‪ .‬وقد صرح تج��ار حلبيون أن مرابحهم أثناء األش��هر األولى‬ ‫من س��نة ‪ 2012‬قد فاقت السنوات السابقة بفضل التس��هيالت الجمركية اإليرانية المقدمة‬ ‫للمستوردات السورية‪ .‬وهذا يفسر جزئيًا تأخر قطاع انضمام حلب ودمشق للثورة السورية‪.‬‬ ‫كما قام نظام المالكي‪ ،‬الذي كان يعادي نظام دمشق‪ ،‬بفتح السوق العراقية أمام االستيراد‬ ‫من س��ورية‪ ،‬وش��جع هذا االس��تيراد كي يزيد من إيرادات العملة الصعبة للس��وق السورية‪.‬‬ ‫كما لجأ النظام الس��وري للسحب على المكشوف من إيداعات البنوك لدى المصرف المركزي‬ ‫وال تعرف المبالغ التي س��حبت بس��بب التعتيم الذي اعتاده النظام السوري‪ ،‬وازدياد شدة هذا‬ ‫التعتي��م بعد ب��دء االنتفاضة الس��ورية‪ .‬ورغم ذلك فقد ت��آكل احتياطي العم�لات الصعبة‪،‬‬ ‫بحس��ب تقرير معهد التمويل الدولي المذكور من قبل‪ ،‬ويتوقع أن يصل إلى ‪ 1 .1‬مليار ليرة‬ ‫نهاي��ة هذا العام‪ ،‬وهذا يكفي الحكومة كي تغط��ي الفارق بين عرض الدوالر والطلب عليه‬


‫ملف اقتصادي ‪. .‬‬

‫لم��دة ال تزي��د عن ش��هرين من الزم��ن‪ ،‬وهذا‬ ‫يهدد بإفالس مالي لنظام األسد‪.‬‬ ‫إذاً النظ��ام يكاد أن يفل��س ماليًا‪ ،‬بعد أن‬ ‫أفلس سياس��ياً‪ .‬وإذا فقد قدرت��ه على تغطية‬ ‫الفجوة بين العرض والطلب فإن س��عر صرف‬ ‫الليرة مقابل الدوالر األمريكي س��تهبط بقدر‬ ‫مس��توى هبوط ق��درة النظ��ام عل��ى تغطية‬ ‫الفج��وة‪ .‬س��يؤدي تدهور س��عر ص��رف الليرة‬ ‫الس��ورية‪ ،‬ف��ي حال حدوث��ه‪ ،‬إل��ى ارتفاع في‬ ‫األس��عار معادل تقريبًا لهبوط أسعار الصرف‪.‬‬ ‫وس��يضاف هذا إلى األعباء الكثيرة على كاهل‬ ‫المواطني��ن‪ ،‬ولكنه س��يعني بالدرج��ة األولى‬ ‫تده��ور قدرة النظام على الحفاظ على س��عر‬ ‫الص��رف‪ ،‬وتده��ور قدرته عل��ى اإلنفاق على‬ ‫مؤسس��اته و عل��ى اس��ترضاء الفئ��ات الت��ي‬ ‫يستهدف إرضاءها‪.‬‬

‫�أداء االقت�صاد ال�سوري‪:‬‬

‫يفاخ��ر النظ��ام ب��أن االقتصاد الس��وري لم ينهار بالس��رعة الت��ي توقعه��ا الكثير من‬ ‫المحللي��ن‪ ،‬مقارن��ة بالعراق مث ًال التي تدهورت قيمة عملتها مئ��ات المرات‪ ،‬غير أن المقارنة‬ ‫مع العراق ليست دقيقة بسبب أن الحصار على العراق كان شام ًال وبقرار من مجلس األمن‪،‬‬ ‫وكان خانقًا أكثر من عقوبات س��ورية بكثير‪ ،‬كما أنه استمر ‪ 13‬عام حتى وصل وضع العراق‬ ‫إلى ما وصل إليه في س��نواته األخيرة‪ .‬وإن اس��تمر الوضع دون إس��قاط النظام فإن س��ورية‬ ‫س��ائرة بطريق العراق فيما لو اس��تمر الوضع الحالي‪ ،‬ولكنه لن يستمر ألن المؤشرات تشير‬ ‫إلى أن إسقاط النظام قد غير بعيد‪.‬‬ ‫النظ��ام يفقد قدرته على تأمين المس��تلزمات الضرورية للن��اس‪ ،‬ليس األمن واألمان‬ ‫واالستقرار وحسب‪ ،‬بل حتى الكهرباء والخبز والمازوت‪ ،‬إضافة لتقليص قدرته على اإلنفاق‬ ‫على قوات الجيش واألمن والش��بيحة‪ .‬وقد تحول الش��بيحة‪ ،‬بعد توقف الدولة وبعض رجال‬ ‫أعمال النظام عن تمويلهم‪ ،‬بعد أن تزايدت أعدادهم لعش��رات اآلالف وتراجع القدرة المالية‬ ‫للنظام‪ ،‬وإلى أعمال النهب والس��لب‪ ،‬إضافة الرتكابهم المجازر(‪ . )3‬وتمتد العمليات القمعية‬ ‫عبر معظم التراب الس��وري بما يرهق القوات النظامية‪ ،‬خاصة وأن إمداد الجيش غير مجهز‬ ‫لمث��ل هذه العمليات الواس��عة وعلى جبهات عدي��دة‪ .‬إن حالة الجنود المعنوية س��يئة‪ ،‬ليس‬ ‫ألن النظ��ام زج بهم في معركة ضد ش��عبهم بد ًال من معركة م��ع العدو الذي يحتل األرض‪،‬‬ ‫ب��ل لعدم قدرة النظام على تأمي��ن الطعام الكافي والخدمات الضرورية للقوات العس��كرية‬ ‫المرهقة والمنتش��رة عبر كافة األراضي الس��ورية‪ .‬إن فقدان أي نظ��ام لقدرته على تأمين‬ ‫االس��تقرار واألمن واألمان‪ ،‬وتأمين مس��تلزمات العيش إنما يفقد النظام ش��رعيته‪ ،‬إذ تحول‬ ‫وجوده بحد ذاته إلى أزمة مستفحلة‪ .‬وإذا كان تدهور الوضع االقتصادي لوحده ال يؤدي بذاته‬ ‫لس��قوط النظام‪ ،‬غير أنه يس��هم بقوة في هذا اإلس��قاط ألنه يحرم النظ��ام من جملة من‬ ‫األدوات التي تثبت وجوده ويجعله أقل قدرة على استرضاء الفئات التي تؤيده ويجعله أضعف‬ ‫أمام مواجهة إصرار الش��عب السوري على إسقاطه وعلى مواجهة ضربات الجيش الحر الذي‬ ‫تتصاعد قوته‪ .‬وهذا ما يفس��ر وحش��ية النظام ولجوئه للعنف المفرط واس��تخدام األسلحة‬ ‫الثقيل��ة بما فيها المدفعية الثقيلة والدبابات والطي��ران الحربي‪ ،‬بل ولجوئه الرتكاب العديد‬ ‫من المجازر مثل الحولة والقبير والتريمس��ة وغيرها‪ .‬النظام يصبح رمز لألزمة االقتصادية‬ ‫ورمز لصعوبة العيش‪.‬‬

‫سوريتنا | السنة األولى | العدد (‪ / 12 | )47‬آب ‪2012 /‬‬

‫حتى لو استطاع النظام الحفاظ على سعر الصرف حتى اآلن‪ ،‬فإن هذا قد تم بهذه التكاليف‬ ‫الباهظة التي ذكرناها‪ ،‬كما أنه استنزف كافة االحتياطيات مما يهدد مستقبل البالد باإلفالس‪،‬‬ ‫وفوق ذلك س��عى النظام ألن يستدين من روسيا والصين نحو ‪ 20‬مليار دوالر كان سيهرب بها‬

‫الآثار ال�سيا�سية للو�ضع االقت�صادي‪:‬‬

‫أسبوعية‬

‫ما هي كلفة هذا الو�ضع املايل؟‬

‫حين س��قوطه(‪ . )2‬ولكن هات��ان الدولتان يمكن أن تقدما دعم سياس��ي وليس مالي‪ ،‬أي دعم‬ ‫ال يكلفهما ش��يء‪ ،‬ولحس��ن الحظ أنهما لم تقبال ذلك‪ ،‬وإذا كانت إيران هي النظام الوحيد الذي‬ ‫يمكن أن يدعمه‪ ،‬فإن إيران اليوم وهي األخرى تحت الحصار وبحاجة لمن يدعمها‪.‬‬ ‫أدى ه��ذا الوض��ع إلى نقص الم��واد في الس��وق‪ .‬بدءاً م��ن نقص مس��تلزمات اإلنتاج‬ ‫للصناعة والزراعة وارتفاع تكاليفها‪ ،‬ونقص مواد اس��تهالكية أساس��ية مثل األدوية بس��بب‬ ‫نقص اس��تيراد الم��واد الفعالة‪ ،‬وحتى نقص الخبز والبنزين والم��ازوت والغاز المنزلي الذي‬ ‫يس��تعمل للطبخ‪ ،‬وتحول الناس الس��تعمال الكهرباء للطهي‪ ،‬ولكن الكهرب��اء ال تأتي‪ ،‬فعاد‬ ‫الن��اس الس��تعمال الحط��ب كما كان الح��ال قبل عقود كثي��رة‪ ،‬وعاد المواطن��ون ليقفوا في‬ ‫طوابي��ر طويلة‪ ،‬وتنقطع الكهرباء لس��اعات طويلة بوس��طي ‪ 10‬س��اعات يومي��ًا بعد تراجع‬ ‫إنت��اج الكهرباء بحدود ‪ ،40%‬وكلنا ندري ما يعنيه انقط��اع الكهرباء اليوم على اإلنتاج وعلى‬ ‫الخدمات وعلى الحياة العامة‪ .‬وترتفع تكاليف المعيشة بوسطي ‪ 30%‬عما كانت عليه في آذار‬ ‫‪ ،2012‬م��ع تراجعت الدخول بس��بب تزاي��د البطالة وتوقف األعمال مم��ا يعني تزايد معدالت‬ ‫الفقر من نحو ‪ 33%‬لخط الفقر األعلى عام ‪ 2010‬إلى نحو ‪50%‬اليوم‪ ،‬وسيكون التدهور أكبر‬ ‫فيما لو تراجع س��عر صرف الليرة الس��ورية‪ ،‬كما بينا أعاله‪ .‬وتردد األنباء اليوم نتائج دراس��ة‬ ‫تقدر أن ثالثة ماليين سوري هم اليوم بحاجة ماسة للغذاء‪.‬‬ ‫ه��ذا الوضع أدى إلى تراجع النمو بما ال يقل عن ‪ 15%‬عام ‪ 2011‬وعن ‪ 30%‬عام ‪،2012‬‬ ‫ويمك��ن أن يك��ون أكثر لعام ‪ .2012‬وي��ؤدي الرتفاع معدالت البطالة من نح��و ‪ 15%‬في آذار‬ ‫‪ 2011‬إل��ى أكث��ر من ‪ 35%‬اليوم‪ ،‬ففي س��ورية يدخل نحو ربع ملي��ون طالب عمل جديد‪ ،‬لم‬ ‫يجد معظمهم فرص عمل‪ ،‬بل أضيفوا لرصيد البطالة‪ ،‬خاصة عام ‪ 2012‬بعد أن أغلقت دول‬ ‫الخليج أبوابها أمام اس��تقبال العمالة الس��ورية‪ ،‬وهي س��وق تقليدية تمتص سنوياً عشرات‬ ‫آالف م��ن العمال��ة الس��ورية‪ .‬من جه��ة أخرى خرج بضع مئ��ات اآلالف من عملي��ة اإلنتاج في‬ ‫مختلف هذه القطاعات‪ ،‬حس��ب ما بينا أعاله‪ ،‬وانضموا إلى جيش العاطلين عن العمل‪ .‬أما ما‬ ‫أعلنت��ه الحكومة مؤخراً ع��ن قيامها بتوظيف ‪ 25‬ألف فرصة عمل فهو تدبير لن يكون له أثر‬ ‫يذكر‪ ،‬حتى لو نفذ‪ ،‬فعدد العاطلين عن العمل اليوم يزيد عن ‪ 2‬مليون عاطل عن العمل‪.‬‬

‫تصدر عن شباب سوري حر‬

‫إن قدرة النظ��ام على الحفاظ على وقف‬ ‫تدهور س��عر ص��رف اللي��رة مقاب��ل العمالت‬ ‫الصعب��ة ال يعن��ي أن األداء االقتص��ادي ال‬ ‫يتده��ور‪ ،‬إذ أن كاف��ة المؤش��رات االقتصادية‬ ‫تش��ير إلى تده��ور أوضاع االقتصاد الس��وري‬ ‫التي تترك آثارها اليوم وس��تترك آثارها على‬ ‫السنوات القادمة‪ ،‬خاصة وأن استعمال النظام اآلن لكافة احتياطيات الدولة‪ ،‬إنما يهدد الدولة‬ ‫باإلفالس ويهدد مستقبل االقتصاد السوري وسيترك آثاره حتى بعد رحيل النظام‪.‬‬ ‫إن نظ��رة فاحص��ة ألوض��اع القطاعات االقتصادية تش��ير إلى تس��ارع تده��ور الوضع‬ ‫االقتصادي مع إصرار النظام على المضي في حله األمني‪ ،‬وعلى اس��تعمال األسلحة الثقيلة‬ ‫وتعامله م��ع مناطق المتظاهرين والجي��ش الحر والمناطق التي تؤويه"كع��دو يجب إبادته"‬ ‫مطبق��ًا مب��دأ العق��اب الجماعي بالقصف العش��وائي الذي يط��ال جميع أرواح وبيوت س��كان‬ ‫المنطق��ة التي يتواجد فيها الجيش الحر وفق مب��دأ‪" :‬إن أطلقت رصاصة أطلقنا صاروخ من‬ ‫طائرة وقذيفة من مدفع وأخرى من دبابة"‪ .‬هذا الوضع هو وصفة للخراب االقتصادي‪.‬‬ ‫ضمن ه��ذه األوضاع تراجعت الس��ياحة الخارجي��ة والداخلية إلى ح��دود الصفر وكانت‬ ‫تش��كل نحو ‪ 11%‬من الناتج‪ ،‬والصناعة االس��تخراجية تراجعت بنحو ‪ 40%‬وقد كانت تش��كل‬ ‫نحو ‪ 15%‬من الناتج وتراجع إنتاج الصناعة التحويلية بش��كل كبير بس��بب إغالق المصانع أو‬ ‫عملها بجزء من طاقتها اإلنتاجية وإغالق عش��رات آالف الورش‪ .‬وكانت الصناعة تش��كل نحو‬ ‫‪ 10%‬من الناتج‪ .‬وتراجع اإلنتاج الزراعي‪ ،‬بس��بب العمليات العسكرية التي تشمل سورية من‬ ‫أقصاها إلى أقصاها‪ ،‬وبس��بب تهجير جزء غير قليل من السكان من مناطقهم بسبب القمع‪،‬‬ ‫وبس��بب صعوبة االنتقال والعمل في األراضي‪ ،‬إضافة إلى ارتفاع تكاليف مستلزمات اإلنتاج‬ ‫وضيق السوق‪ ،‬وكانت الزراعة تشكل نحو ‪ 20%‬من الناتج المحلي اإلجمالي‪ .‬مث ًال في منطقة‬ ‫الغ��اب‪ ،‬وه��ي واحدة من أهم المناطق الزراعية في س��ورية‪ ،‬لم يس��تطع المزارعون زراعة‬ ‫موس��مين هامين هما القطن والش��وندر الس��كري‪ ،‬كما أن زراعة الخضراوات بش��كل كبير‬ ‫قد تراجعت بس��بب العمليات العس��كرية وعدم قدرة المزارعين الوصول إلى أراضيهم‪ .‬حتى‬ ‫قطاع النقل والمواصالت تأثر هو اآلخر بشكل كبير‪ ،‬وكان يشكل نحو ‪ 10%‬من الناتج المحل‬ ‫اإلجمالي‪ .‬فقد تراجع النقل الداخلي للبضائع واألش��خاص بش��كل كبي��ر جداً كنتيجة لتراجع‬ ‫اإلنتاج وصعوبة التنقل ومخاطرة‪ .‬كما تراجع الشحن البحري بتراجع الصادرات والمستوردات‬ ‫وتراج��ع النق��ل البري فتوقف الترانزيت العابر لس��ورية‪ .‬كما أصبحت خط��وط الطيران التي‬ ‫تسير رحالتها إلى دمشق معدودة جداً وتراجع أعداد المسافرين بشكل كبير‪.‬‬ ‫نتيج��ة لكل ه��ذا تتراجع تج��ارة الجملة وتجارة المف��رق‪ ،‬ويتراجع رق��م أعمال القطاع‬ ‫المصرف��ي ورقم أعم��ال قط��اع التأمين‪ ،‬وتتراج��ع أعمال العي��ادات الخاصة‪ ،‬وي��كاد غالبية‬ ‫المحامين يغلقون مكاتبهم وتراجع نش��اط المشافي والعيادات‪ ،‬عدا النشاط الطبي لمعالجة‬ ‫الجرحى الذين تزايدت أعدادهم بش��كل كبير بسبب الحل األمني‪ .‬وعموماً تراجعت نشاطات‬ ‫جميع األعمال في جميع القطاعات االقتصادية‪ .‬مث ًالصرحمنقبلحاكممصرفلبنانرياضسالمة‬ ‫أنأعمااللمصارفاللبنانيةالخاصةفيسورياتراجعتبنحو ‪ 40%‬منذ بدء األزمة‪ ،‬وقد كانت ما قبل‬ ‫األزم��ة (منتص��ف مارس ‪ )2011‬تمثل نحو ‪ 60%‬من إجمالي األص��ول لدى المصارف الخاصة‬ ‫و‪ 70%‬من الودائع و‪ 57%‬من إجمالي القروض‬ ‫لنتصور الوضع في س��ورية اليوم‪ ،‬بالد تجتاحها التظاه��رات من أقصاها إلى أقصاها‪،‬‬ ‫عمليات عسكرية عنيفة يقوم بها النظام‪ ،‬الناس يخشون الخروج من بيوتهم‪ .‬أكبر مدينتين‬ ‫في سوريا‪ ،‬دمشق وحلب تدخالن على خط االنتفاضة‪ ،‬والنظام يوجه لهما آلة قمعه القاسية‪،‬‬ ‫فأصبح الناس ال يخرجون من بيوتهم إال للضرورة‪ ،‬ويمكن أن نتصور هذا الوضع مع انقطاع‬ ‫الكهرباء لس��اعات طويلة ونقص المش��تقات النفطية‪ .‬بنفس الوثيرة تشهد غالبية مناطق‬ ‫س��ورية صدام��ًا عنيفًا بين الجيش الحر وجي��ش النظام‪ ،‬في درعا‪ ،‬وريف دمش��ق‪ ،‬وحمص‬ ‫وحم��اه وإدل��ب وحلب ودي��ر الزور إضافة لعش��رات البلدات الت��ي يوجه لها النظ��ام آلة قمعه‬ ‫القاس��ية‪ .‬وقد أدى قصف الم��دن والبلدات إلى هجرة أكثر من مليونين ونصف من الس��كان‬ ‫إل��ى مناط��ق بعيداً عن بيوتهم ومزارعهم ومش��اغلهم وأماكن عمله��م خارجين من عملية‬ ‫اإلنت��اج‪ .‬يضاف لهم نحو ربع مليون لجأوا إلى بلدان مجاورة‪ .‬الطبقات الميس��ورة غادرت إلى‬ ‫دبي وتركيا وأوروبا بيروت التي تعج اليوم بالسوريين الميسورين‪،‬‬ ‫إن ه��ذا الوض��ع يوقف عجلة اإلنتاج عن اإلنتاج‪ .‬وهذا له آث��اره البعيدة‪ ،‬وليس آثار آنية‬ ‫فقط‪.‬‬

‫‪11‬‬


‫تكاليف �إعادة البناء �ستكون كبرية‪:‬‬

‫ملف اقتصادي ‪. .‬‬ ‫سوريتنا | السنة األولى | العدد (‪ / 12 | )47‬آب ‪2012 /‬‬ ‫أسبوعية‬ ‫تصدر عن شباب سوري حر‬ ‫‪12‬‬

‫إن نظ��ام األس��د األب واالبن لم يكت��ف بالضرر الذي ألحقه بس��ورية اقتصاديًا وسياس��يًا‬ ‫واجتماعي��ًا منذ أن س��يطر حفنة من الضباط على الس��لطة بانقالب عس��كري ب��دون أية قاعدة‬ ‫ش��عبية منذ ‪ 1963‬واس��تقرت بيد حافظ األس��د في تش��رين الثاني ‪ ،1970‬والذي استمر يحكم‬ ‫س��ورية لثالثة عقود بقوة الس�لاح‪ ،‬وليس بأية إرادة ش��عبية‪ ،‬فقد زور اإلرادة الشعبية بهياكل‬ ‫تنظيمي��ة جبهوية وحزبية وجماهيرية غايتها خدمة تثبيت الس��لطة في يديه ثم توريثها لولده‬ ‫من بعده‪ ،‬الذي كان يس��تعد هو اآلخر لتوريثها لوده حافظ الثاني‪ ،‬وأقام األسد انتخابات مسبقة‬ ‫الصنع والنتائج؛بل إن نظام األسد مصر على أن يلحق بسورية اليوم‪ ،‬اقتصاداً ومجتمعًا ودولة‪،‬‬ ‫أكبر الضرر‪ ،‬بل يس��عى إلدخال المنطقة في فوضى إن استطاع‪ .‬ويسعى هذا النظام ألن يكون‬ ‫الضرر الذي س��يلحقه بس��وريا‪ ،‬وهو يقتلع من الس��لطة‪ ،‬أكبر من الضرر ال��ذي ألحقه بها على‬ ‫مدى نصف قرن من الزمن‪ .‬والضرر لم يتوقف بعد‪ ،‬فمازال الصراع قائماً ومازال النظام يمتلك‬ ‫أسلحة ثقيلة فتاكة يسعى الستعمالها عقابًا لها ولشعبها على تمردهم على ديكتاتورية "األسد‬ ‫إل��ى األبد"‪ .‬إن الص��راع بين النظام وقوى الش��عب هو "ص��راع متض��ادات تناحري"وهو "صراع‬ ‫صفري"‪ ،‬ال مجال فيه للمصالحة وأنصاف الحلول‪ ،‬فعلى النظام أن يذهب بكليته ومرة واحدة‪.‬‬

‫�ستكون تكاليف �إعادة البناء كبرية‪:‬‬ ‫ س��تكون كبيرة تكاليف إعادة بناء عش��رات آالف البيوت التي تهدمت والتي س��تتهدم‬‫جراء الحل األمني الوحشي‪،‬‬ ‫ ستكون كبيرة تكاليف إعادة نحو ‪ 5 .2‬مليون مهجر حتى اآلن داخل سورية وخارجها‪،‬‬‫ س��تكون كبيرة تكاليف خلق فرص عمل منتجة لنح��و ‪ 2‬مليون عاطل عن العمل من‬‫أصل نحو ستة ماليين عامل‪،‬‬ ‫ ستكون كبيرة تكاليف إعادة تشغيل وخلق جبهات عمل وأسواق لعشرات آالف الورش‬‫ومئات المصانع التي أغلقت‪،‬‬ ‫ س��تكون كبيرة تكاليف اس��تعادة تش��غيل حقول النفط التي توقفت عن اإلنتاج‪ ،‬بل‬‫س��يكون من الصعب إعادة بعضها إلنتاجها السابق بسبب األضرار التي تلحق بالحقول حين‬ ‫إيقافها عن اإلنتاج‪،‬‬ ‫ س��تكون كبيرة تكاليف اس��تعادة نشاط قطاع الس��ياحة واجتذاب األعداد السابقة من‬‫السواح وزيادتهم‪،‬‬ ‫ ستكون كبيرة تكاليف استعادة بناء الجيش وإعادة هيكلته ليكون بالمستوى والكفاءة‬‫المطلوبين‪ ،‬خاصة أن قوة الجيش ش��رط لردع أية مش��اريع انفصالية يس��عى لها البعض‪،‬‬ ‫إضاف��ة إلى اس��تمرار أولوي��ة اس��تعادة الجوالن المحت��ل‪ ،‬وه��ي األولوية الت��ي أراد النظام‬ ‫اس��تمرارها قائم��ة دون ح��ل للمتاجرة بها بما يخدم تثبيت الس��لطة في يدي��ه‪ ،‬وقد تتطلب‬ ‫إع��ادة هيكلة الجيش تقلي��ص أعداده مقابل رفع كفاءة وحداته وتطوير تس��ليحه وتجهيزه‬ ‫تقنيًا ليكون جيشاً حديثاً بكفاءة عالية‪ ،‬بد ًال من جيش األسد الذي أراده جيشًا مهله ًال بأعداد‬ ‫كبيرة من العس��كريين الفقراء المحتاجين‪ ،‬الذي يقوده حفنة من الضباط الكبار الفاس��دين‬ ‫في غالبهم‪ .‬خاصة وأن إعادة هيكلة الجيش يجب أال ترمي بأي عسكري إلى رصيف البطالة‪،‬‬ ‫بل تأمين فرص عمل حقيقية لهم‪.‬‬ ‫ س��تكون كبي��رة تكاليف إع��ادة هيكلة أجهزة األم��ن لتكون أجهزة أم��ن حديثة‪ ،‬وهذا‬‫س��يتطلب رف��ع كفاءة وحدات��ه مقابل تقليص أعداده��م‪ ،‬ضمن نفس ش��رط إعادة هيكلة‬ ‫الجي��ش‪ ،‬أي يجب أال يرم��ي بأي عنصر إلى رصيف البطالة‪ ،‬ب��ل تأمين فرص عمل حقيقية‬ ‫لألعداد الفائضة منهم‪.‬‬ ‫ س��تكون كبيرة تكاليف استعادة ثقة المستثمرين الس��وريين‪ ،‬و رأس المال الخليجي‬‫بخاصة‪ ،‬الجتذاب االس��تثمارات الكافية إلعادة إطالق عجلة التنمية‪ .‬وتحتاج س��ورية لما يزيد‬ ‫ع��ن ‪ 30%‬من ناتجه��ا المحلي اإلجمالي كي تحقق معدالت النمو التي تس��اعد في اس��تعادة‬ ‫إط�لاق نش��اطها االقتص��ادي‪ ،‬أي م��ا ال يق��ل عن ‪ 20‬ملي��ار دوالر من االس��تثمارات س��نويًا‬ ‫(اس��تثمارات حكومية وخاصة س��ورية وعربية وأجنبي��ة) وهي مهمة تحتاج لش��روط كثيرة‬ ‫لتحقيقه��ا‪ .‬ه��ذا يتطلب برنامج لش��د األحزمة على البط��ون‪ ،‬وخاصة للفئ��ات الغنية‪ ،‬لرفع‬ ‫مستوى االدخار وتحويله نحو االستثمار‪.‬‬ ‫بعد إس��قاط النظام ستعود مطالب الشعب المعيشية للواجهة‪ .‬فاليوم تحتل مسألة إسقاط‬ ‫النظ��ام‪ ،‬المرتبة األولى‪ ،‬ويتحمل الش��عب كافة التكاليف‪ ،‬يتحمل الهج��رة‪ ،‬ويتحمل هدم البيوت‬ ‫والجرح والقتل واالعتقال والتعذيب واالستش��هاد‪ .‬ولكن هذا األمر س��يتغير بعد إس��قاط النظام‪.‬‬ ‫س��يعود الناس لالهتمام‪ ،‬ليس فقط بقضايا الحريات العامة وطبيعة النظام السياس��ي وطبيعة‬ ‫القوى التي ستس��تلم هرم الس��لطة وحس��ب‪ ،‬بل س��يهتم على الصعيد الش��عبي بفرص العمل‬ ‫وبمس��تويات الدخ��ل وبخدمات النق��ل والتعليم والصحة وغيرها‪ ،‬وس��يكون لدى الش��عب بعض‬ ‫الصب��ر‪ ،‬ولك��ن الصبر لن يطول‪ ،‬وعلى الس��لطة القادم��ة أن تظهر قدرة عل��ى تلبية االحتياجات‬ ‫االقتصادية وليس فقط السياسية‪ .‬وهذا يتطلب‬ ‫ق��درة اقتصادية وتحقيق تنمية اقتصادية كبيرة‬ ‫وعاجل��ة‪ .‬وه��ذا الش��رط االقتص��ادي ال يتطلب‬ ‫ش��روط اقتصادية وحسب‪ ،‬بل يتطلب وربما أو ًال‬ ‫شرطًا سياس��يًا‪ ،‬فالشرط السياس��ي يتقدم في‬ ‫اآلونة األولى على الش��رط االقتصادي‪ ،‬ويشكل‬ ‫السياسي شرط لتحقيق االقتصادي‪ ،‬الذي يتحول‬ ‫بدوره لعامل قوة أو ضعف للسياس��ي في عملية‬ ‫دعم متبادل بين السياسي واالقتصادي‪.‬‬ ‫سيقول البعض‪ :‬هل تستحق هذه الثورة‬ ‫كل ه��ذه التضحي��ات والتكالي��ف والمخاطر ؟‬ ‫والج��واب بالقطع نعم‪ ،‬رغم أن التقديرات في‬ ‫البداية لم تكن هكذا‪ ،‬إذ لم يتوقع أحد أن يبلغ‬ ‫النظام هذا المدى من الوحش��ية واإليغال في‬ ‫القت��ل والتدمير‪ .‬ولكن ورغم كل ش��يء فإن‬ ‫الخ�لاص م��ن هذا النظ��ام الذي ص��ادر إرادة‬ ‫الش��عب وحرياته وثرواته إنما يس��تحق‪ .‬فهذا‬ ‫س��يفتح الباب واسعًا أمام س��ورية المستقبل‬

‫بع��د أن أغلق��ه النظام‪ .‬ولكن النتائج س��تبقى رهين��ة بمجمل األوضاع الس��ائدة وبطبيعة‬ ‫الفئات التي ستتولى قيادة البالد بعيد سقوط النظام‪ .‬وهذا سيقرر إن كانت سورية ستشهد‬ ‫استقراراً عاج ًالن وتبدأ فوراً بحصاد النتائج اإليجابية لسقوط النظام‪ ،‬أم أن سورية ستدخل‬ ‫في مرحلة من الفوضى التي تزيد المعاناة وتمد أجلها وترفع تكاليف إعادة البناء‪.‬‬

‫خماطر و�شروط‪:‬‬ ‫رغم أن س��قوط النظام وإقامة نظام مدني ديمقراطي تعددي تداولي س��يخلق العديد‬ ‫من الش��روط اإليجابية التي تس��اعد على إع��ادة البناء‪ ،‬ولكن الواقعي��ة تتطلب منا أن ندرك‬ ‫المخاط��ر الت��ي لها بذور في الوضع الحالي‪ ،‬والتي يخش��ى أن تنبت ه��ذا البذور وتتحول إلى‬ ‫أعش��اب ض��ارة تقتل نباتات الحق��ل الذي ينتظر الش��عب ثماره‪ ،‬خاصة وأن البعض يس��عى‬ ‫إلنباتها‪ .‬فثمة مخاطر حقيقية مثل‪:‬‬ ‫ أن يس��قط النظ��ام دون أن يكون لدى ق��وى الثورة رؤية توافقي��ة عامة متفق عليها‬‫لطبيعة نظام الحكم في سورية ذات محتوى ديمقراطي مدني تعددي تداولي يلتزم بمعايير‬ ‫المواطنة وحقوق اإلنسان وفق المعايير الحديثة التي وثقتها العهود الدولية‪.‬‬ ‫ أن يس��قط النظام دون أن يكون لدى المعارضة بنية هيكلية موحدة تس��تطيع تسلم‬‫قيادة البالد باس��تعداد مس��بق وقد نظمت صفوفها ووضعت تصوراته��ا وبرامجها مما يهدد‬ ‫بالتطرف والفوضى‪.‬‬ ‫ أن تبقى القوى مش��تتة في تنظيمات صغيرة متفرقة متنافرة‪ ،‬بينما يس��عى بعضها‬‫مم��ن يملك دعم��اً دولياً منها للحف��اظ على قدرات��ه الحالية‪ ،‬فال يبذله ف��ي الكفاح من أجل‬ ‫إس��قاط النظام‪ ،‬وأن يسعى بعد س��قوط النظام لفرض إرادته ونمط تفكيره مستفيداً من‬ ‫بعض اإلمكانيات األفضل‪.‬‬ ‫ أن تبقى مجموعات من النظام القديم وش��بيحته تعمل كعصابات تخلق الفوضى دون‬‫أن تتمكن السلطة الجديدة القادمة من امتالك قوة جيش وأمن تستطيع ردعها (تجربة ليبيا)‪.‬‬ ‫ أن تستمر مجموعات ممن الجيش الحر‪ ،‬رافضة تسليم أسلحتها وقد أغرتها القوة من‬‫جهة وعدم توفر برامج وقدرات الس��تيعاب المس��لحين في فرص عمل حقيقية بعد تس��ليم‬ ‫أس��لحتهم للسلطة االنتقالية وأن يعود من لديه عمل سابق لهذا العمل‪ ،‬واستيعاب اآلخرين‬ ‫في فرص عمل جديدة حقيقية‪.‬‬ ‫ أن ينج��ح النظام بتأجيج المش��اعر الطائفية التي يعم��ل المتطرفون في الثورة على‬‫مالقاته��ا م��ن قبلهم‪ ،‬وأن تنمو ه��ذه االتجاهات وتتحول إلى أفعال عل��ى األرض‪ ،‬وقد بدأت‬ ‫بعض بذورها تظهر منذ اآلن‪ ،‬وإن كانت مازالت ضعيفة‪ ،‬ولكن يخشى أن تنفجر بعد سقوط‬ ‫النظام فاتحة الباب لعمليات ثأر طائفي يدخل البالد في الفوضى‪.‬‬ ‫ه��ذه المخاطر لن تس��مح بعودة مكن��ة االقتصاد وعجلته إلى العم��ل بالقوة المطلوبة‬ ‫إلنتاج السلع والخدمات وخلق اإليرادات التي تغطي التكاليف الباهظة التي ذكرناها أعاله‪.‬‬ ‫إن تحق��ق هذه المخاطر السياس��ية س��يعيق األداء االقتصادي ويضعف قدرة الس��لطة‬ ‫القادم��ة عل��ى إدارته‪ ،‬ويحرمها من القاعدة االقتصادية المتينة التي تس��اعد في حل مجمل‬ ‫التحديات االقتصادية والمالية التي ذكرناها سابقًا‪.‬‬ ‫من جهة أخرى فإن س��قوط النظام سيفتح الباب إلعادة قدرات المجتمع السوري‪ ،‬وهذا‬ ‫سيخلق مناخاً أفضل لالستثمار‪ ،‬وأفضل لعملية اإلنتاج عموماً‪،‬‬ ‫إن تجنب هذه المخاطر يتطلب تحقيق جملة من الشروط‪:‬‬ ‫ توح��د قوى المعارضة وانتظامها في بنية مؤسس��ية واح��دة تكون جاهزة منذ اليوم‪،‬‬‫وليس بعدد إس��قاط النظام‪ ،‬لتولي قيادة س��ورية فور س��قوط النظام وإال ذهبت البالد إلى‬ ‫الفوضى‪ .‬ولكن الجهود لم تثمر حتى اآلن ولألسف‪.‬‬ ‫ وضع وتبني رؤية واضحة لسورية المستقبل وطبيعة نظامها السياسي الديمقراطي‬‫المدن��ي التع��ددي التداولي الذي يحتك��م لصندوق االنتخ��اب الختيار قيادات��ه‪ ،‬ويتبنى قيم‬ ‫المواطن��ة وحقوق اإلنس��ان والمرأة والطفل وف��ق المواثيق الدولي��ة‪ .‬وأن تتعهد جميع قوى‬ ‫الث��ورة بهذه العه��ود‪ .‬وعزمها على فرض االس��تقرار واألمن وعودة من يحمل الس�لاح إلى‬ ‫وحداتهم العس��كرية أو إلى أعمالهم بعد س��قوط النظام وجمع الس�لاح من الش��ارع‪ ،‬وعلى‬ ‫مقاوم��ة فعالة للتطرف ومقاوم��ة الميول االنتقامية التي قد يس��عى البعض لتأجيجها‪ .‬وأن‬ ‫تلتزم فع ًال بالمدونة الحقوقية التي أعلنها الجيش الحر(‪. )4‬‬ ‫ التوافق على منح االقتصاد األولوية التي يس��تحقها في عهد س��لطة الشعب القادمة‬‫بعد س��قوط النظام وتأمين إدارة اقتصادية قادرة و فعالة وذات رؤية اس��تراتيجية مناس��بة‬ ‫وبرامج عملية تحول األفكار إلى أفعال‪ .‬أي أن المهمة صعبة وكبيرة ولكنها ممكنة‪.‬‬ ‫إن كانت السياس��ة لها األولوية اليوم‪ ،‬فسيكون لالقتصاد األولوية بعد إسقاط النظام‪،‬‬ ‫وحتى لو بقيت السياس��ة على الس��طح‪ ،‬فسيكون االقتصاد هو القاعدة التي تحمل السياسة‬ ‫وتقرر مصيرها‪.‬‬


‫خالد كنفاني‬

‫سوريتنا | السنة األولى | العدد (‪ / 12 | )47‬آب ‪2012 /‬‬ ‫أسبوعية‬

‫الخطأ وفي نفس البالء‪.‬‬ ‫عندما تحدثنا في مقاالت س��ابقة عن‬ ‫الضب��اط المنش��قين وع��ن م��دى إفادتهم‬ ‫للث��ورة قامت في وجهن��ا الكثير من األقالم‬ ‫المس��تعدة للتخوي��ن والتش��بيح بنف��س‬ ‫أس��لوب أعوان النظام‪ ،‬حت��ى يتأكد الجميع‬ ‫أن التش��بيح ه��و ثقافة جي��ل كامل وليس‬ ‫مقص��وراً عل��ى فئ��ة دون أخ��رى‪ .‬نقول أن‬ ‫الكالم عن الضباط المنشقين ينسحب اليوم‬ ‫على األرض حتى نستطيع تفسير ما يحدث‬ ‫بواقعي��ة وبعي��داً عن العواطف والحماس��ة‬ ‫الس��عودية والحضن التركي‪ .‬منذ أكثر من‬ ‫ثالثين عاماً لم يدخل الجيش الس��وري أية‬ ‫معركة حقيقية‪ ،‬وهكذا فإن أي عميد اليوم‬ ‫كان طالب��اً في الكلي��ة الحربية قبل ثالثين‬ ‫عاماً هو حتمًا ليس على أية دراية بالحروب‬ ‫واستراتيجياتها وأساليبها‪ ،‬فما بالنا بحروب‬ ‫العصاب��ات الت��ي تتطلب فهم��ًا كافياً للعدو‬ ‫ومراوغ��ة وتكتيكاً (حقيقيًا)؟ يكفي أن نرى‬ ‫كيف يتعامل الفلسطينيون مع هكذا حروب‬ ‫في وجه إس��رائيل‪ ،‬والسبب أن كل قادتهم‬ ‫موجودون على األرض كما أنهم خبروا هذا‬ ‫النوع من الصراع على مدى س��نين طويلة‪،‬‬ ‫أم��ا ضب��اط الجيش الس��وري ال��ذي قضوا‬ ‫ّ‬ ‫جل أيامه��م يوقعون اإلجازات األس��بوعية‬ ‫ويلهث��ون وراء قس��يمة بنزي��ن أو مهم��ة‬ ‫خارجي��ة أو إج��ازة طويلة للعمل كس��ائقي‬ ‫تاكس��ي فإنهم يهرب��ون اليوم إل��ى تركيا‬ ‫وغيرها ألنهم يعلمون أن "فاقد الش��يء ال‬ ‫يعطيه" وهم أعجز من أن يقودوا عش��رين‬ ‫ش��خصًا ف��ي معرك��ة حقيقي��ة‪ .‬ول��م يكن‬ ‫ظه��ور بعض ه��ؤالء الضباط في ش��وارع‬ ‫حل��ب أثناء الحش��د العس��كري إال من قبيل‬ ‫الترويج اإلعالمي بذات الطريقة التي يقوم‬ ‫بها ضب��اط الجيش النظامي لرفع معنويات‬ ‫الجنود دون أي فعل حقيقي على األرض‪.‬‬ ‫سئمنا تكرار مقولة نابليون‪" :‬إن القائد‬ ‫الحقيقي هو من يصي��ح بجنوده اتبعوني‪،‬‬ ‫ال من يصي��ح بهم تقدموا"‪ ،‬ففرار الضباط‬ ‫بهذا الشكل الكبير إلى دول مجاورة لم يعد‬ ‫له من فائدة س��وى الحشد اإلعالمي لكسر‬ ‫معنويات الطرف اآلخر‪ ،‬أما على األرض فإن‬ ‫الجن��ود والمتطوعي��ن يترك��ون ليتخذوا ما‬ ‫يناسب واقعهم دون أي تخطيط حقيقي أو‬ ‫بعد اس��تراتيجي‪ .‬إن الجيش الحر يتعرض‬ ‫لخطر فقدان ش��رعيته وس��معته وشعبيته‬ ‫إذا استمر األمر على هذا النحو‪ :‬تجمعات في‬ ‫األحياء الس��كنية ثم انس��حاب تكتيكي بعد‬ ‫دمار األحياء وتهجير أهلها‪ .‬ادعى من بدؤوا‬

‫فكرة جيش الحر أنهم ما قاموا وال انش��قوا‬ ‫إال لحماي��ة المظاهرات الس��لمية‪ ،‬ولكنهم‬ ‫ينتقلون اليوم إلى مرحلة أعلى لم يقوموا‬ ‫بالتحضير الجيد لها وش��يئاً فشيئًا سيتحول‬ ‫وجودهم إلى عبء جدي��د على هذه الثورة‬ ‫المثقلة بالهموم والمتاعب‪ ،‬وقد يضطرون‬ ‫حينها إلى فرض ش��رعيتهم بالسالح الذي‬ ‫يحملونه وهو ما سيكون السيناريو األسوء‬ ‫في حال حدوثه‪.‬‬ ‫س��وريا لم تكن باألساس واحدة حتى‬ ‫يتم اس��تهجان الكالم عن التقس��يم اليوم‪،‬‬ ‫كل م��ا في األم��ر أن الكالم ع��ن الطائفية‬ ‫والتعددي��ة كان محرم��اً فيم��ا مض��ى تحت‬ ‫تس��ميات "إثارة النعرات الطائفية" و"نش��ر‬ ‫أف��كار توه��ن نفس��ية األمة" وه��ي التهم‬ ‫الجاه��زة ل��دى محكم��ة أمن الدولة س��يئة‬ ‫الذكر‪ .‬وحتى نرس��م المس��تقبل الس��وري‬ ‫الذي نحل��م به علينا أن نفه��م الواقع جيداً‬ ‫ونحلله بش��كل صحي��ح‪ .‬إن عل��م االجتماع‬ ‫هو عل��م مظلوم في بالدن��ا وال يعيره أحد‬ ‫أي اهتمام س��واء م��ن مثقفي المعارضة أو‬ ‫غيره��م‪ .‬وال يوج��د الي��وم في س��وريا من‬ ‫يرس��م لها أي مالمح مس��تقبل أو مش��روع‬ ‫وطن��ي حقيق��ي ولي��س ش��عارات براق��ة‬ ‫لالستهالك في المنظمات الدولية‪.‬‬ ‫المستقبل السوري يتحول إلى المزيد‬ ‫م��ن الغم��وض والتعقيد يوم��اً بعد يوم وال‬ ‫من مغيث له أو منقذ‪ ،‬وهو يترك اليوم كما‬ ‫قلن��ا كالكرة التي يتقاذفه��ا الجميع دون أن‬ ‫يعيروه��ا أي اهتمام‪ .‬المس��تقبل الس��وري‬ ‫ه��و مس��تقبل أبنائن��ا وأحفادن��ا والذين ال‬ ‫تختزن ذاكرتهم اليوم س��وى الدم وال ترى‬ ‫أعينهم س��وى الجثث المحترقة وال تس��مع‬ ‫آذانهم س��وى طلقات الرصاص وانفجارات‬ ‫الصواري��خ‪ .‬هذا المس��تقبل يتش��ارك فيه‬ ‫الجمي��ع إال الس��وريون أنفس��هم وإذا ل��م‬ ‫يتداعى لتل��ك المهمة رجال على مس��توى‬ ‫تاريخي ووطن��ي (ليس المجل��س الوطني‬ ‫وال الحكوم��ات االنتقالي��ة وال المنش��قون‬ ‫المنتفعون بالطبع) فإن الوطن سيهوي إلى‬ ‫مزيد من الضياع ولن يكون التقسيم أسوء‬ ‫ما سيحصل له‪.‬‬ ‫آخر الكالم‪ :‬يقول إيليا أبوم ماضي‪:‬‬ ‫أن��ا ذل��ك الولد ال��ذي دني��اه كان��ت ههنا !‬ ‫أن��ا من مياهك قطرة فاضت جداول من س��نا‬ ‫أن��ا من تراب��ك ذرّة ماجت مواك��ب من منى‬ ‫أن��ا من طي��ورك بلبل غنّى بمج��دك فاغتنى‬

‫تصدر عن شباب سوري حر‬

‫ما بي��ن التدويل والتقس��يم والتدمير‬ ‫والح��روب الب��اردة والس��اخنة‪ ،‬يضيع وطن‬ ‫وش��عبه بي��ن ثناي��ا التاري��خ ال��ذي ال يزال‬ ‫يص��ر أن يطول ويطول أم��د هذا المخاض‬ ‫الس��وري الصعب وكأن الوليد الجديد بال أب‬ ‫وكأن الجمي��ع يتهربون م��ن االعتراف به أو‬ ‫حتى االقتراب منه خش��ية تلويث سمعتهم‬ ‫أو إيذاء سالمهم الداخلي‪.‬‬ ‫تحولت س��وريا وش��عبها بالضبط إلى‬ ‫ك��رة يتقاذفه��ا الالعبون بكل م��ا أوتوا من‬ ‫ق��وة‪ ،‬وه��م بذل��ك ال ينظ��رون إل��ى الكرة‬ ‫ف��ي ذاتها وإنما إلى األه��داف التي يعملون‬ ‫ويلعبون جاهدين لتسجيلها‪ ،‬فالكرة وسيلة‬ ‫ال غي��ر‪ ،‬فال الحكام وال الالعب��ون يعيرونها‬ ‫أدنى اهتمام‪ ،‬وإذا ما تضررت الكرة لس��بب‬ ‫ما فال أكثر من اس��تبدالها بأخرى لتس��تمر‬ ‫المباراة ويستمر البحث عن أهداف جديدة‪.‬‬ ‫أقول هذا وقلبي يعتصر ألمًا أن تتحول‬ ‫سوريا إلى هذا السيناريو السيء والمسيء‬ ‫لنا جميعاً في آن معاً‪ .‬ولكن الواقع يقول أن‬ ‫المسألة السورية نالت بالفعل موقعًا خاصًا‬ ‫بها في أي اجتماع دولي‪ ،‬كما أن االجتماعات‬ ‫والمؤتم��رات الت��ي تعقد هن��ا وهناك تحت‬ ‫اس��م س��وريا أصبحت أكثر من أن تحصى‪،‬‬ ‫ولك��ن الالف��ت دوم��اً أن��ه ال وجود لس��وريا‬ ‫نفس��ها في كل هذه االجتماعات‪ .‬وكأن هذا‬ ‫البلد ق��د أصبح ذلك اللقي��ط الذي يبحثون‬ ‫ل��ه عن أب فإن لم يوجد ف��دار لأليتام تقيه‬ ‫شر البرد والفقر واالنحراف‪ .‬حتى اجتماعات‬ ‫أصدق��اء س��وريا تت��م فيه��ا دع��وة بعض‬ ‫الناش��طين أو الكت��اب الس��وريين من أجل‬ ‫إكمال ديكور القاعة وملء بعض الكراسي‬ ‫الش��اغرة‪ .‬أما أن نقول أن هناك من يتبنى‬ ‫بالفعل قضية هذا الش��عب فه��و قول غير‬ ‫صحي��ح ول��و تعال��ت التصريح��ات الناري��ة‬ ‫والرنان��ة‪ ،‬وي��ا ليتنا نجد من يتبنى س��وريا‬ ‫اليوم بعد أن تقاذفها الجميع‪.‬‬ ‫ي��زداد يوم��ًا بع��د ي��وم ال��كالم ع��ن‬ ‫تقس��يم س��وريا إل��ى كانتون��ات أو كيانات‬ ‫وتتعدد التحليالت لتبدأ بالتقسيم من أربعة‬ ‫كانتونات لتصل إلى س��بعة وحتى عش��رة‬ ‫في بعض األحي��ان‪ .‬وأخذاً بالمبدأ اإلعالمي‬ ‫المع��روف‪" :‬واص��ل الكذبة حت��ى يصدقها‬ ‫أحد‪ ،‬ف��إن فعل فإنها تتح��ول إلى حقيقة"‪،‬‬ ‫فقد ال يكون هذا الس��يناريو مس��تبعداً وال‬ ‫غريب��اً‪ ،‬ويت��م الدف��ع باتجاه��ه ال من جهة‬ ‫النظام وحس��ب وإنما من جهة كل الالعبين‬ ‫الدوليي��ن والع��رب وبق��وة أيض��ُا‪ ،‬وه��و ما‬ ‫يتضح من التصريحات واألفعال المتناقضة‬ ‫والمتضاربة على كل األصعدة‪.‬‬ ‫فبينم��ا تتح��دث روس��يا والفاتي��كان‬ ‫ع��ن خش��يتهما عل��ى األقلي��ات (وخاص��ة‬ ‫المس��يحيين) ف��ي س��وريا‪ ،‬تتصاع��د على‬ ‫الطرف المقابل ف��ي دول الخليج الصيحات‬ ‫والدع��وات لنص��رة "أه��ل الس��نّة" الذي��ن‬ ‫يقمعه��م "العلوي��ون الكف��ار"‪ ،‬ويت��م بناء‬ ‫عل��ى ذلك دع��م الجيش الحر ال��ذي تتكون‬ ‫األغلبية الساحقة (إن لم يكن كله) فيه من‬ ‫مجموع��ات تدل عليها أس��ماؤها‪ .‬وفي حين‬ ‫يصيح أردوغان منذ بداية الثورة الس��ورية‬ ‫بض��رورة حماية الس��وريين وحماية حقهم‬ ‫ف��ي الحرية‪ ،‬فإنه يخش��ى وبش��كل واضح‬ ‫قيام كيان كردي في ش��مال س��وريا يكون‬ ‫داعم��ًا للكي��ان الك��ردي في ش��مال العراق‬ ‫وهك��ذا تتح��ول الح��دود الجنوبي��ة لتركيا‬ ‫إل��ى حدود تركي��ة كردية ق��د تقضم معها‬ ‫في مس��تقبل األيام التجمعات الكردية في‬ ‫جنوب تركي��ا‪ .‬ولم تخفِ تركي��ا قلقها عند‬

‫إعالن استيالء "مجلس شورى المجاهدين"‬ ‫على معبر باب الهوى الحدودي بين س��وريا‬ ‫وتركي��ا‪ ،‬فالكل يعل��م أن دع��م المعارضة‬ ‫المس��لحة ف��ي أي بلد هو س�لاح ذو حدين‬ ‫وأن من يقوم بذلك اليوم س��يتعرض لذات‬ ‫الموق��ف غداً واألمثلة على ذلك أكثر من أن‬ ‫تحصى‪.‬‬ ‫وبينم��ا يخرج الس��عوديون بتنظيرات‬ ‫ح��ول الديمقراطي��ة وحق��وق اإلنس��ان‬ ‫والحري��ات العام��ة ليبيعوه��ا ف��ي الس��وق‬ ‫الدولية عند الكالم عن س��وريا‪ ،‬فإن الجميع‬ ‫وعلى رأس��هم هي�لاري كلينت��ون يعلمون‬ ‫تمامًا حقيقة الحكم في السعودية ووضعية‬ ‫الحري��ات العامة في مملك��ة الصمت‪ .‬على‬ ‫أن الحظ الس��يء لس��وريا هو أنها ال تملك‬ ‫بت��رو ًال وال غازاً وإال كن��ا رأينا جحافل الناتو‬ ‫والمارينز األمريكي وحتى القوات األفريقية‬ ‫معسكرة في سوريا منذ اليوم األول‪ ،‬وبينما‬ ‫تضخ الس��عودية البترول إلى العالم فليس‬ ‫مهم��ًا فيم��ا إذا كان��ت الم��رأة تقود س��يارة‬ ‫ولي��س مهمًا أن الم��رأة ال يعترف بوجودها‬ ‫أحد بدون "محرم"‪ ،‬فالسيدة كلينتون يهمها‬ ‫خ��ط النفط ال��ذي ال ينضب‪ ،‬ف��إن نضب أو‬ ‫تعرض لمش��كلة فالحديث حينه��ا يختلف‪.‬‬ ‫(نحي��ل هن��ا إل��ى تجرب��ة المرح��وم الملك‬ ‫فيصل بن عبد العزيز عام ‪ 1973‬وكيف تم‬ ‫التخلص منه على ي��د ابن عمه وذلك حين‬ ‫قرر وقف ضخ البترول)‪.‬‬ ‫ال يوجد في سوريا شيء يسيل له لعاب‬ ‫القوى الكب��رى‪ ،‬ال ث��روات معدنية حقيقية‬ ‫وال حت��ى متوقعة‪ ،‬ولهذا ل��م يهتم أحد في‬ ‫الماض��ي بم��ا فعل��ه النظام الس��وري على‬ ‫مدى عقود وال يهتم أحد اليوم بما يقوم به‬ ‫الشعب السوري من ثورة مليئة بالتضحيات‬ ‫والدم��وع واآلالم‪ .‬ال ترى دول العالم س��وى‬ ‫خوفها على مصلحة إس��رائيل بينما ال ترى‬ ‫الدول العربية سوى خوفها من إيران‪ .‬أما ما‬ ‫تبقى من ش��عارات "دعم الشعب السوري"‬ ‫و"دعم الحرية والديمقراطية" فهي للزينة‬ ‫فقط ولتغطية األهداف الحقيقية‪.‬‬ ‫لي��س األم��ر هن��ا دعم��ًا لتصريح��ات‬ ‫النظ��ام أو مؤيدي��ه‪ ،‬ولكنن��ا يح��ق لن��ا أن‬ ‫نش��ك اليوم ف��ي نوايا الق��وى الكبرى بعد‬ ‫كل هذا الدم المس��فوك والم��وت المتنقل‬ ‫في س��وريا بدون أي حس��م أو حتى مالمح‬ ‫حس��م‪ .‬وبينم��ا يت��م الص��راخ والحم��اس‬ ‫والدف��ع باتجاه "مع��ارك الحس��م" من قبل‬ ‫القنوات الس��عودية وغيرها يق��وم النظام‬ ‫أيضًا بالدف��ع نحو "الحس��م األخير" وهكذا‬ ‫يقت��ل الس��وريون بعضه��م ولك��ن بدعم‬ ‫من الالعبين الدوليي��ن على كال الطرفين‪.‬‬ ‫ويت��م ترك الس��وريين لقدره��م المجهول‬ ‫تحت الشعارات ذاتها ودون أي دعم حقيقي‬ ‫ينهي هذا الفصل الدموي من تاريخ سوريا‪.‬‬ ‫تتنقل الفصائل المس��لحة المختلفة سواء‬ ‫كانت م��ن الجيش الحر أو غيره بين األحياء‬ ‫الس��كنية والق��رى الصغيرة ويت��م الترويج‬ ‫لمع��ارك وخطط حربي��ة ال نراها تودي في‬ ‫النهاي��ة إال إلى تدمير تل��ك األحياء والقرى‬ ‫على رؤوس س��اكنيها وتهجي��ر أهلها بينما‬ ‫يقوم الجيش الحر بانس��حاب تكتيكي وراء‬ ‫آخر وكأن المقصود هو تدمير كل شبر من‬ ‫األرض السورية‪ .‬ال نشك لحظة واحدة في‬ ‫حماس��ة من يقفون عل��ى األرض في وجه‬ ‫آلة عسكرية همجية ال تبقي وال تذر‪ ،‬ولكن‬ ‫يج��ب أن يك��ون الجمي��ع قد فهم��وا الدرس‬ ‫جي��داً وأن يكونوا ق��د أصبحوا عل��ى دراية‬ ‫أحسن بعدوهم حتى ال يسقطوا في نفس‬

‫كلمة في الثورة ‪. .‬‬

‫امل�ســـتقبل ال�ســــوري‬

‫‪13‬‬


‫هذا ما �سيرتكه ل�سوريا حكم الأ�سد‬ ‫آكاسيا العاصي‬

‫نبض الروح ‪. .‬‬ ‫سوريتنا | السنة األولى | العدد (‪ / 12 | )47‬آب ‪2012 /‬‬ ‫أسبوعية‬ ‫تصدر عن شباب سوري حر‬ ‫‪14‬‬

‫عندما انطلقت الثورة كان الخائفون‬ ‫من تداعياتها كالفوضى وصعود التيارات‬ ‫المتطرف��ة‪ ،‬ينتق��دون بخج��ل معالج��ة‬ ‫النظ��ام لألزمة‪ ،‬ويرون أنه اخطأ بانتهاج‬ ‫الحل األمني والعس��كري‪ ،‬بنش��ر الجنود‬ ‫ف��ي المدن واألرياف وال��ذي دمر الجيش‬ ‫والبالد معاً‪ .‬م��ا جعلهم يؤكدون أنه كان‬ ‫باإلمكان إخماد النار التي اندلعت في درعا‬ ‫بدبلوماس��ية المصالح��ات ورد االعتب��ار‬ ‫لألهال��ي‪ ،‬عب��ر محاس��بة المس��ؤولين‬ ‫الذين تس��ببوا بانطالق الشرر والغضب‬ ‫الش��عبي‪ .‬وتط��ور ه��ذا الط��رح ليغ��دو‬ ‫س��ببًا كافيًا لكثير م��ن المؤيدين لتغيير‬ ‫موقفهم‪ ،‬وهكذا سمعنا بمنشقين كانوا‬ ‫م��ن عظام رقبة النظ��ام يقولون‪" :‬نحن‬ ‫من البداية لم نؤيد الحل األمني"‪.‬‬ ‫رداً عل��ى هذا الط��رح‪ ،‬دافع النظام‬ ‫عن الح��ل العس��كري بالتأكي��د على أن‬ ‫"عدم اس��تخدام الحل األمني والعسكري‬ ‫ف��ي البداي��ة م��ا كان ليوق��ف تصاع��د‬ ‫األزم��ة"‪ ،‬باعتب��ار ما يجري لي��س ثورة‪،‬‬ ‫بل "مؤام��رة كونية"‪ ،‬كم��ا أن كل تنازل‬ ‫كان س��يرفع وتي��رة االحتجاجات التي لن‬ ‫تنتهي قبل تحقيق المؤامرة أهدافها في‬ ‫تدمير "اس��تقرار سوريا وتحطيم حصن‬ ‫الممانعة"‪.‬‬ ‫ل��ذا لم يعتب��ر النظام نفس��ه اخطأ‬ ‫باستخدام الحل األمني والعسكري‪ ،‬لكن‬ ‫رت��ب علي��ه أو ًال إيجاد عناص��ر المؤامرة‬ ‫ومدلوالته��ا عل��ى ارض الواق��ع‪ ،‬فحاول‬ ‫تروي��ج عث��وره عليه��ا باإلع�لام بداية‪،‬‬ ‫ثم لج��أ إل��ى فبركتها‪ ،‬وب��ذل كل جهده‬ ‫لخلق س��ند واقعي لها ع��ن طريق القمع‬ ‫والممارس��ات الطائفي��ة الوحش��ية‪ ،‬مما‬ ‫دف��ع الحراك الث��وري الس��لمي دفعاً إلى‬ ‫التحول نحو التس��لح والتط��رف الديني‪،‬‬ ‫وفتح الحدود لمرور السالح والجهاديين‪،‬‬ ‫اللذي��ن ل��م يعب��روا باإلع��داد الكافي��ة‬ ‫لتهديد األمن اإلقليمي وترهيب المجتمع‬ ‫الدولي‪ .‬ولم ينتش��ر التطرف الديني إلى‬ ‫الحد الذي يدفع المجتمع الدولي لمساندة‬ ‫النظ��ام في محاربتهم‪ .‬وإن مكن النظام‬ ‫من كس��ب مزي��د من الوق��ت إلطالة أمد‬ ‫المعرك��ة وتعطيل الفع��ل الدولي‪ .‬فزجّ‬ ‫الب�لاد ف��ي أت��ون التجاذب��ات اإلقليمي��ة‬ ‫والدولي��ة‪ ،‬م��ا ش��كل تهدي��داً لس��يادة‬ ‫واس��تقالل س��ورية‪ .‬وب��ات ضرب��ًا م��ن‬ ‫المح��ال المراهن��ة على كس��ب المعركة‬ ‫الداخلي��ة وتدمي��ر الحاضن��ة االجتماعية‬ ‫للث��ورة‪ ،‬وخس��ارة معرك��ة تثبي��ت حكم‬ ‫األسد "لألبد"‪.‬‬ ‫س��قط مع الح��ل األمني‪ ،‬اس��تلهام‬ ‫نم��وذج حم��اه ال��ذي وضعه األس��د األب‬ ‫إلرس��اء دعائ��م حكم��ه المؤب��د‪ ،‬حي��ن‬ ‫اس��تغل محاربة فصيل مس��لح انتفض‬ ‫بوجهه ذريع��ة لقصقصة أجنحة طائفة‬ ‫الغالبية السنية بأكملهما‪ ،‬لمنع احتضانها‬ ‫مستقب ًال أي تحرك مناوئ للنظام‪.‬‬ ‫الطريف أن نظام األس��د األب سبق‬ ‫األمريكيين بنحو عقدين باعتماده الحل‬ ‫االس��تباقي ف��ي محاربة "اإلره��اب" مع‬ ‫فارق بين المفهومين األسدي واألمريكي‬

‫لإلره��اب‪ .‬وكثي��را م��ا ردد المس��ؤولون‬ ‫السوريون بفخر على مسامع األمريكيين‬ ‫أثناء غزو العراق وتهديد س��وريا القول‪:‬‬ ‫"نحن أول من ح��ارب اإلرهاب"‪ .‬وإذا كان‬ ‫األمريكي��ون يقصدون تنظي��م القاعدة‬ ‫وكافة الح��ركات المناهضة للسياس��ات‬ ‫األمريكي��ة‪ ،‬فإن النظام األس��دي يقصد‬ ‫الغالبي��ة الس��نية الس��ورية‪ ،‬والت��ي قد‬ ‫تحتضن تهديداً الس��تقرار حكمه‪ .‬فكال‬ ‫له��ا ضربت��ه الموجع��ة ف��ي الثمانينات‪،‬‬ ‫وفق مب��دأ‪" :‬مجازر مروعة صادمة يغفو‬ ‫بعدها عموم الش��عب عدة عقود‪ ،‬وكلما‬ ‫اس��تيقظ ينال مثلها ليغف��و على وقعها‬ ‫من جديد وهكذا"‪.‬‬ ‫لذلك عندما انطلقت ش��رارة الثورة‬ ‫ف��ي درع��ا ومع أنه��ا لم تك��ن ذات طابع‬ ‫طائف��ي‪ ،‬اس��تنفر النظ��ام كل قوت��ه‬ ‫إلخماده��ا ومنع كل أس��باب انتش��ارها‪،‬‬ ‫وأضفى عليها طابعاً طائفياً ليسهل عليه‬ ‫إخماده��ا من خ�لال تخوي��ف العلمانيين‬ ‫واألقلي��ات‪ ،‬مكرراً نموذج الثمانينات ذاته‬ ‫وبش��كل حرف��ي‪ ،‬دون األخ��ذ باالعتب��ار‬ ‫التغي��رات الت��ي ط��رأت عل��ى المجتم��ع‬ ‫الس��وري‪ ،‬وال على وسائل االتصال التي‬ ‫حولت كل مواطن إلى مراس��ل إعالمي‪.‬‬ ‫ومضى في حله العس��كري معتمداً على‬ ‫قناعة راسخة بأن العالم أجمع لن يتمكن‬ ‫م��ن فعل أي ش��ي جدي إلزاحته‪ ،‬س��وى‬ ‫عقوب��ات اقتصادي��ة م��ن ش��أنها تأديب‬ ‫الشعب قبل النظام‪.‬‬ ‫عبر بش��ار األس��د عن تلك القناعة‬ ‫بتأكي��ده من��ذ البداي��ة على أن س��ورية‬ ‫ليس��ت مصر وال ليبيا‪ .‬وعب��ر عنها أيضا‬ ‫وزي��ر خارجيته ولي��د المعلم ب��ان ليس‬ ‫ل��دى س��وريا نف��ط يع��وض تكالي��ف‬ ‫التدخ��ل الدولي العس��كري‪ .‬وثق النظام‬ ‫بهذا التصور بس��بب م��ا تفرضه معادلة‬ ‫المصال��ح الدولية في المنطق��ة التي ما‬

‫تزال قائمة منذ نش��وء الدولة السورية‪،‬‬ ‫والتي تطلب اس��تقرارها جميع األطراف‬ ‫وبأي ثمن‪ .‬معادلة ال ش��ك في أن األس��د‬ ‫األب تلقفها في طريقه لالس��تيالء على‬ ‫الحكم‪ ،‬وعمل طوال عه��ده على تجميع‬ ‫ما يمكنه من أوراق للمساومة ليكون أحد‬ ‫دعائم استمرار تلك المعادلة‪ ،‬فمن ورقة‬ ‫الفصائل الفلسطينية ولعبة السالم إلى‬ ‫ورق��ة الع��راق والكوي��ت‪ ،‬وورق��ة إيران‬ ‫ودول الخلي��ج‪ ،‬وورق��ة األك��راد وتركيا‪،‬‬ ‫ولي��س انته��اء بورق��ة اس��تقرار لبنان‪..‬‬ ‫ال��خ‪ .‬واصدق م��ا يقال في ذل��ك ما قاله‬ ‫دبلوماس��ي س��وري س��ابق لدى وصفه‬ ‫النظام السوري بأنه "نظام يتعيش على‬ ‫األزمات فهو يبرع في استغاللها وإدارتها‬ ‫لصالح بقائه"‪.‬‬ ‫م��ن هن��ا يمك��ن الق��ول أن نظ��ام‬ ‫األس��د االبن‪ ،‬ال يختلف كثي��را عن نظام‬ ‫األب سوى من جانب درجة الذكاء‪ ،‬فبينما‬ ‫كان األب يتمتع بذكاء وخبث كبيرين في‬ ‫اللعب والمس��اومة وإدارة األزمة بش��كل‬ ‫خف��ي‪ ،‬ن��رى االب��ن يتخب��ط وه��و يدير‬ ‫األزمة تلو األزمة بتعنت دافعاً البالد من‬ ‫خراب الى خراب‪.‬‬ ‫بعد عام وثمان ش��هور من انطالق‬ ‫الث��ورة‪ ،‬حصدت س��ورية عام��ًا وثمانية‬ ‫أشهر من التدمير على جميع المستويات‪،‬‬ ‫وم��ازال النظ��ام مقتنعا ب��أن ال حل آخر‬ ‫غير الح��ل الذي اتبعه‪ ،‬بل يرى أنه حقق‬ ‫انج��ازات كبيرة من خالل حس��ابات تأخذ‬ ‫باالعتبار ت��ردد المجتم��ع الدولي حياله‪،‬‬ ‫وطالم��ا أن الخ��ارج عاجز يعتب��ر النظام‬ ‫نفسه منتصراً‪ ،‬بغض النظر عن الداخل‬ ‫ال��ذي ه��و العق��دة‪ .‬كان هذا ه��و الخطأ‬ ‫القات��ل ال��ذي ارتكب��ه منذ الي��وم األول‬ ‫النطالق الثورة‪ ،‬والذي أدى إلى سقوطه‬ ‫ب��كل المعايير‪ ،‬منذ انت��زع عاطف نجيب‬ ‫أظافر أطفال درعا‪ .‬واس��تمراره بتجاهل‬

‫وجود ش��عب يطلب الحري��ة‪ ،‬وأن كرامة‬ ‫المواط��ن ليس��ت ش��عاراً فارغ��ًا تجتره‬ ‫دعايت��ه اإلعالمية بابتذال ووضاعة‪ ،‬إنما‬ ‫ه��ي مطلب ش��عبي أقوى م��ن المصالح‬ ‫الدولي��ة ومصال��ح النظ��ام‪ ،‬وبمنط��ق‬ ‫الثورات هو مطلب ال يخضع للمس��اومة‪،‬‬ ‫وال يمك��ن مقايضت��ه بإصالح��ات كاذبة‬ ‫لالستهالك اإلعالمي‪.‬‬ ‫ال ش��ك أن مطال��ب الث��ورة الحري��ة‬ ‫والكرام��ة والعدالة‪ ،‬يس��تحيل أن يعرفها‬ ‫أو يعت��رف بها نظ��ام فاس��د وقائم على‬ ‫الفس��اد‪ ،‬وه��ذا بح��د ذاته يجع��ل حلوله‬ ‫العس��كرية واألمنية فاشلة س��لفًا‪ ،‬وكل‬ ‫ي��وم يمضي يورث المزي��د من الضغائن‬ ‫واألحق��اد ألجي��ال عديدة‪ ،‬س��تدفع ثمنها‬ ‫باهظ��ًا األقلي��ة العلوية الت��ي ينتمي لها‬ ‫النظام وكل من وااله‪ .‬وس��يكون أضعافا‬ ‫مضاعف��ة عما دفعت��ه الث��ورة والغالبية‬ ‫السنية‪ ،‬واألمر ليس باالنتقامات وسفك‬ ‫الدم��اء وحس��ب‪ ،‬وإنما في وصم��ة العار‬ ‫التي وس��مت الطائفة عموما والمؤيدين‬ ‫له‪ ،‬وهو أمر لن يحد منه سوى االنتفاض‬ ‫عل��ى النظ��ام ال��ذي يس��تغلهم أبش��ع‬ ‫اس��تغالل‪ .‬وم��ن ناف��ل الق��ول أن الثورة‬ ‫تستلزم أو ًال نزع الخوف الذي زرعه نظام‬ ‫األس��د من��ذ أربعين عاما ف��ي صدورهم‬ ‫وحوله��م إل��ى وح��وش مرعوب��ة همه��ا‬ ‫الوحيد البقاء‪ .‬ليشيد عرشه على الخوف‪.‬‬ ‫لننتب��ه‪ ،‬لو توقف ف��ي هذه اللحظة‬ ‫القصف والقتل بقدرة ق��ادر‪ ،‬فإن أمامنا‬ ‫س��نوات طويل��ة إلع��ادة ما ت��م تدميره‪،‬‬ ‫وليس هن��اك أهون من تعويض الحجر‪،‬‬ ‫أم��ا خ��راب النف��وس والضغين��ة والعار‪،‬‬ ‫فس��وف يحتاج إلى أكثر من عقد وحقبة‬ ‫تاريخي��ة إلصالحه‪ ،‬من دون أية ضمانة‪،‬‬ ‫لبق��اء ندوب��ه إلى أج��ل غير مس��مى‪...‬‬ ‫لألس��ف هذا ما س��يتركه لس��ورية حكم‬ ‫األسد‪.‬‬


‫ياسر مرزوق‬

‫سوريتنا | السنة األولى | العدد (‪ / 12 | )47‬آب ‪2012 /‬‬ ‫أسبوعية‬ ‫تصدر عن شباب سوري حر‬

‫زاويتن��ا اليوم عن مش��روع قانون‬ ‫التقاع��د المبك��ر‪ ،‬الذي تم إق��راره في‬ ‫أغلب تش��ريعات الدول المتمدنة لما له‬ ‫من آثار اجتماعيةٍ جيدة تعطي الموظف‬ ‫ً‬ ‫لتغيير جذري في حياته وتتيح‬ ‫فس��حة‬ ‫ٍ‬ ‫له تنفيذ أحالم أو مش��اريع مؤجلة‪ ،‬كما‬ ‫أنه يحرك العجلة االقتصادية لدوره في‬ ‫اس��تمرار ضخ س��يولة ولو بسيطة في‬ ‫الس��وق‪ ،‬من خالل رواتب المتقاعدين‪،‬‬ ‫باإلضاف��ة لفس��ح مج��ال للكف��اءات‬ ‫الش��ابة في الحصول على فرص عمل‬ ‫في القطاع الحكوم��ي‪ ،‬وبات المواطن‬ ‫األوروبي يتعامل م��ع موضوع التقاعد‬ ‫المبكر كحق أساسي من حقوق العمال‬ ‫بع��د النض��ال النقاب��ي العمال��ي ف��ي‬ ‫الس��تينات وم��ا بعدها‪ ،‬وم��ا مظاهرات‬ ‫مدري��د األول��ى إال احتجاج��اً عل��ى نية‬ ‫الحكومة في رفع سن التقاعد‪ ،‬ذلك أن‬ ‫القان��ون المذكور بحاج��ة القتصاديات‬ ‫ش��ديدة الق��وة‪ ،‬أم��ا إقتص��ادات العالم‬ ‫بش��كل‬ ‫الثال��ث فتطب��ق ه��ذا القانون‬ ‫ٍ‬ ‫مؤقت كمحفز لالقتصاد‪.‬‬ ‫جان��ب آخر‪ ،‬يتصاع��د الحديث‬ ‫من‬ ‫ٍ‬ ‫ع��ن اهتم��ام معظ��م دول العال��م‬ ‫بالخبرات المتوفرة عندها و محافظتها‬ ‫عليها‪ ،‬وبعض ال��دول المتقدمة تعمل‬ ‫على رفع س��ن التقاعد ال خفضها‪ ،‬وقد‬ ‫خاضت كل من الجزائر ومصر والبحرين‬ ‫مث��ل ه��ذه التجرب��ة وأثبت��ت فش��لها‬ ‫حيث رتب��ت عل��ى مؤسس��ات الضمان‬ ‫نفقات أرهقتها‪ ،‬ال تس��تطيع مؤسس��ة‬ ‫التأمين��ات االجتماعي��ة لدين��ا تحملها‪.،‬‬ ‫كم��ا أن القانون س��يحمل الدولة أعباء‬ ‫كبيرة غير قادرة عل��ى تحملها دون أن‬ ‫تؤدي إلى نتيجة كون العمالة الموجودة‬ ‫س��وف يتهاف��ت عليها القط��اع الخاص‬ ‫عل��ى حس��اب الش��باب لرخ��ص أجرها‬ ‫"ألن لها مصدر تمويل آخر" ومن ناحية‬ ‫ثانية خبرتها الجيدة بالعمل التي سوف‬ ‫يخسرها القطاع العام‪ .‬وحتى تستطيع‬ ‫الدول��ة تأمين مص��ادر تمويل لتغطية‬ ‫النفق��ات المترتب��ة عل��ى تطبي��ق هذا‬ ‫القانون‪ ،‬فإنها ستلجأ إلي رفع الضرائب‬ ‫و خف��ض اإلنفاق االس��تثماري‪ ،‬وهذه‬ ‫بحد ذاتها مش��كلة س��تتحملها الطبقة‬ ‫الكادحة أي المس��تهلك وبالتالي سيتم‬ ‫إرهاق المستهلك بنفقات غير واقعية‪.‬‬ ‫وق��د وافق��ت المؤسس��ة العام��ة‬ ‫للتأمين��ات االجتماعي��ة على الدراس��ة‬ ‫المقدم��ة لمش��روع قان��ون التقاع��د‬ ‫المبكر بش��رط توفير التمويل من قبل‬ ‫الحكوم��ة‪ ،‬وفي وقت س��ابق أكدت فيه‬ ‫المؤسسة أنها ليست ضد فكرة التقاعد‬ ‫المبكر ش��ريطة أن ال تتحمل التكاليف‬ ‫الناجم��ة ع��ن تقاعد حوال��ي ‪ 125‬ألف‬ ‫عام��ل وبكلفة س��تصل إل��ى ‪ 85‬مليار‬ ‫ليرة س��ورية خالل خمس س��نوات من‬ ‫تطبيقه‪ .‬ألن المؤسسة غير قادرة على‬ ‫تحمل تكاليف ه��ذا القانون فنيًا وماليًا‬ ‫أكثر من ‪ 6‬أشهر‪ ،‬وتزداد األعباء الناجمة‬ ‫بعد تشميل ‪ 35‬ألف عامل من اإلسكان‬ ‫العسكري ومؤسس��ات أخرى من تاريخ‬ ‫التحاق العامل ولم يتم االلتزام بتسديد‬ ‫االشتراكات‪ ،‬حيث كانت نسبة التسديد‬

‫صف��ر وخ��روج ‪ 10000‬آالف منهم إلى‬ ‫التقاعد‪ ،‬ما ش��كل أعب��اء إضافية على‬ ‫نفق��ات المؤسس��ة والفروع والس��يما‬ ‫حلب وحمص والالذقية‪.‬‬ ‫ومش��روع التقاعد المبكر سيجري‬ ‫بش��كل مؤق��ت‪ ،‬كخط��وة‬ ‫تطبيق��ه‬ ‫ٍ‬ ‫داعمة لالقتص��اد الوطني‪ ،‬وس��يطبق‬ ‫لس��نة واحدة وس��تتحمل وزارة المالية‬ ‫الفروقات التأمينية الناجمة عنه‪.‬‬ ‫وفيما يلي ننش��ر مشروع القانون‬ ‫كام ً‬ ‫ال‪:‬‬ ‫المادة (‪)1‬‬ ‫أ‪ -‬يح��ق لكل عامل م��ن العاملين‬ ‫المدنيين القائمي��ن على رأس عملهم‬ ‫عن��د نفاذ هذا المرس��وم وخ�لال فترة‬ ‫س��ريانه ف��ي الجهات العام��ة والمؤمن‬ ‫عليهم لدى المؤسسة العامة للتأمينات‬ ‫االجتماعية والمؤسس��ة العامة للتأمين‬ ‫والمعاش��ات والذي��ن بلغ��ت خدماتهم‬ ‫المحس��وبة ف��ي المع��اش ‪ 25‬س��نة‬ ‫وقلت عن ‪ 35‬س��نة متصلة أو متقطعة‬ ‫الحص��ول عل��ى معاش تقاع��دي خالل‬ ‫مهلة ال تتجاوز الس��نة م��ن تاريخ نفاذ‬ ‫هذا المرسوم‪.‬‬ ‫ب‪( -‬ب‪ :)1‬يمنح المعاش التقاعدي‬ ‫للمش��مولين بأح��كام الفق��رة ‪/‬أ‪ /‬م��ن‬ ‫المادة ‪ 1‬بواقع ‪ 75%‬من آخر اجر شهري‬ ‫س��دد عنه االشتراكات في التأمين لمن‬ ‫بلغت خدمتهم ‪ 30‬سنة فما فوق‪.‬‬ ‫(ب‪ :)2‬يمن��ح المع��اش التقاع��دي‬ ‫بواقع ‪ 75%‬من متوس��ط األجر السنوي‬ ‫لم��ن بلغ��ت خدمته��م المحس��وبة في‬ ‫المعاش ‪ 25‬سنة وحتى ‪ 29‬سنة‪.‬‬ ‫ت‪ -‬يض��اف إلى المعاش التقاعدي‬ ‫المش��مولين بأح��كام الفق��رة ‪/‬أ‪ /‬م��ن‬ ‫المادة‪ /1/‬عالوة دورية وقدرها ‪ 9%‬من‬ ‫المعاش مرة كل س��نتين إلى أن يصل‬ ‫المعاش إلى الحد األقصى ألجر س��قف‬ ‫فئ��ة العام��ل المح��ددة في المرس��وم‬

‫التش��ريعي رق��م ‪ /40/‬لع��ام ‪ 2011‬او‬ ‫بلوغه سن الستين‪ ،‬أيهما اقرب‪.‬‬ ‫المادة(‪)2‬‬ ‫أ‪ -‬يح��ال عل��ى المع��اش العام��ل‬ ‫المدن��ي القائ��م عل��ى رأس عمل��ه‬ ‫والمؤم��ن عليه لدى المؤسس��ة العامة‬ ‫للتأمينات االجتماعية والمؤسسة العامة‬ ‫للتأمين والمعاشات عند بلوغه خدماته‬ ‫المحسوبة في المعاش ‪ 35‬سنة أو أكثر‬ ‫من ذلك متصلة أو متقطعة عند صدور‬ ‫هذا المرسوم التشريعي‪.‬‬ ‫ب‪ -‬يمن��ح المع��اش التقاع��دي‬ ‫للمشمولين بأحكام الفقرة أ من المادة‬ ‫(‪ )2‬بواق��ع ‪ 75%‬من الح��د األعلى لألجر‬ ‫الش��هري لفئ��ة العام��ل المح��دد ف��ي‬ ‫المرس��وم التش��ريعي رقم ‪ /40/‬لعام‬ ‫‪ 2011‬أو من األجر الش��هري الذي بلغه‬ ‫العامل بتاريخ نفاذ هذا المرسوم أيهما‬ ‫أفضل‪.‬‬ ‫المادة(‪)3‬‬ ‫يص��رف للمحالي��ن عل��ى التقاعد‬ ‫وفق أحكام هذا المرسوم مكافأة نهاية‬ ‫خدم��ة بما يس��اوي أجر آخر ش��هر عن‬ ‫كل سنة خدمة محس��وبة في المعاش‬ ‫لمن بلغت خدمتهم ثالثين س��نة فأكثر‬ ‫ومهما بلغت‪.‬‬ ‫المادة(‪)4‬‬ ‫يراع��ى عند حس��اب م��دة الخدمة‬ ‫المحس��وبة ف��ي المعاش للمش��مولين‬ ‫بأحكام هذا المرس��وم أن تعتبر كسور‬ ‫السنة سنة كاملة‪.‬‬ ‫المادة(‪)5‬‬ ‫يج��وز بق��رار من رئي��س مجلس‬ ‫الوزراء وبناء على طلب العامل واقتراح‬ ‫الجهة العامة اس��تثناء بعض العاملين‬ ‫من الخضوع ألحكامه‪.‬‬ ‫المادة(‪)6‬‬ ‫م��ع ع��دم اإلخ�لال بالحق��وق‬

‫المكتس��بة تصف��ى حق��وق والتزامات‬ ‫المش��مولين بأح��كام ه��ذا المرس��وم‬ ‫بق��رار م��ن الوزي��ر المخت��ص أو م��ن‬ ‫يفوض��ه بذل��ك دون النظر إلى الس��ن‬ ‫اعتباراً من تاريخ نف��اذه وفقاً للقواعد‬ ‫التي تحددها التعليمات التنفيذية لهذا‬ ‫المرسوم والتي يصدرها وزيري المالية‬ ‫والشؤون االجتماعية والعمل‪.‬‬ ‫المادة(‪)7‬‬ ‫تتحم��ل وزارة المالي��ة النفق��ة‬ ‫الناجم��ة ع��ن فروق��ات االش��تراكات‬ ‫التأمينية للمس��تفيدين من أحكام هذا‬ ‫المرس��وم والعالوات الدورية ومكافآت‬ ‫نهاي��ة الخدمة المضافة للمس��تفيدين‬ ‫من أحكامه‪.‬‬ ‫الم��ادة (‪ )8‬يطب��ق هذا المرس��وم‬ ‫لسنة واحدة من تاريخه نفاذه‪.‬‬ ‫لك��ن إذا أخذن��ا بعي��ن االعتبار أن‬ ‫موظفي الدرجة األولى فسنين التقاعد‬ ‫اإللزام��ي الت��ي اعتمد القان��ون حدها‬ ‫بخمس وثالثين عامًا ينهون دراستهم‬ ‫ٍ‬ ‫الجامعية في س��ن ال ‪ /25/‬تقريباً وإذا‬ ‫أضفن��ا إليها ال‪ /35/‬س��نة من الخدمة‬ ‫الت��ي تلزم��ه بالتقاع��د المبك��ر كم��ا‬ ‫سموها في القانون يكون أصبح عمره‬ ‫‪ /60/‬عام��ًا وبالتالي ف�لا مكان للحديث‬ ‫عن تقاعدٍ مبكر‪.‬‬ ‫ف��ي الخت��ام تج��در اإلش��ارة إل��ى‬ ‫أن المكتس��بات العمالي��ة ف��ي مواضيع‬ ‫التقاع��د وسلس��لة الرت��ب والروات��ب‬ ‫وس��اعات العم��ل‪ ،‬تأت��ي ثم��ر ًة لجهود‬ ‫النقاب��ات العمالية‪ ،‬وه��ي من جماعات‬ ‫الضغ��ط األول��ى عل��ى صن��اع الق��رار‬ ‫في البل��دان المتقدمة‪ ،‬أما في س��وريا‬ ‫فتعتب��ر النقاب��ات ولو بالواق��ع العملي‬ ‫ج��زءاً م��ن النظ��ام تتلق��ى تعليماته��ا‬ ‫بش��كل هرم��ي وبالتال��ي‪ ،‬ترجع‬ ‫من��ه‬ ‫ٍ‬ ‫مصلح��ة العامل والموظف إلى المرتبة‬ ‫الثانية في حين يحتل القرار السياسي‬ ‫المرتبة األولى‪..‬‬

‫الصفحة القانونية ‪. .‬‬

‫م�شروع قانون التقاعد املبكر‬

‫‪15‬‬


‫�سلطان با�شا الأطر�ش ‪1982– 1888‬‬ ‫وجوه من وطني ‪. .‬‬ ‫سوريتنا | السنة األولى | العدد (‪ / 12 | )47‬آب ‪2012 /‬‬ ‫أسبوعية‬ ‫تصدر عن شباب سوري حر‬ ‫‪16‬‬

‫ياسر مرزوق‬

‫تحل "سوريتنا" اليوم ضيفًا على "سلطان باشا األطرش" في زيارةٍ لشخصيةٍ‬ ‫م��ن التاريخ الس��وري الحديث‪ ،‬أق��رب للميثولوجي��ا منها للواقع‪ ،‬نح��ن في ضيافة‬ ‫الزعيم الدرزي الكبير‪ ،‬وقد س��ئل الرئيس "لنكولن" يوم��ًا عن الفرق بين الزعيم‬ ‫والسياس��ي‪ ،‬فقال الزعيم هو الذي يعمل لألجيال القادمة‪ ،‬أما السياسي فهو الذي‬ ‫يعمل لالنتخابات القادمة‪.‬‬ ‫وكأن ق��در أي زعام��ة ل��دى طائف��ة الموحدي��ن ال��دروز‪ ،‬أن تك��ون أكبر من‬ ‫الطائفة لتحلق في فضاء الوطن‪ ،‬كيف ال وهم أحفاد قريش‪ ،‬ومعن‪ ،‬والتنوخيون‪،‬‬ ‫ٍ‬ ‫خالص‪ ،‬لم يبقى منه‬ ‫عرب��ي‬ ‫مجتمع‬ ‫والقيس��ية واليمني��ة‪ ،‬وهم من حافظوا على‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫حتى في مهده إال أمجاداً لنا قراءتها في الكتب‪.‬‬ ‫وُلد س��لطان بن ذوقان بن مصطفى بن إسماعيل األطرش في العام ‪،1888‬‬ ‫ببلدة القريّا‪ -‬محافظة الس��ويداء‪ ،‬جنوبي س��وريا من والدين ينتميان إلى األسرة‬ ‫الطرشانية‪ .‬فوالده هو ذوقان بن مصطفى بن إسماعيل الثاني‪ ،‬مؤسس المشيخة‬ ‫الطرش��انية عام ‪ 1869‬والتي انتقلت إليه من بني حمدان بانتفاضةٍ شعبية‪ ،‬وأمه‬ ‫هي ش��يخة بنت منصور بن إس��ماعيل الثان��ي‪ ،‬والتي حلمت ي��وم كانت حام ً‬ ‫ال به‬ ‫بأنها ممتطي ٌة قوس قزح‪ ،‬وفس��ر أحد العارفين الحلم لها بأنها ستنجب ولداً يخلده‬ ‫التاريخ‪ ،‬تلقى أعمال الفروس��ية والرماية والصيد وفنون القتال عن والده الش��يخ‬ ‫"ذوق��ان"‪ ،‬وتع ّلم القراءة والكتابة على أيدي بع��ض المع ّلمين وفي الكتّاب‪ ،‬وتابع‬ ‫دراسته بالمطالعة الشخصية‪.‬‬ ‫رافق والده أثناء قيادت��ه لمعركةٍ ضارية في نواحي "الكفر" عام ‪1910‬وهي‬ ‫إحدى معارك أهل الجبل ضد سامي باشا الفاروقي‪ ،‬والتي كانت تجردها السلطنة‬ ‫بش��كل دوري لكسر ش��وكته‪ ،‬وإخضاعه لسلطتها‪ ،‬فظهرت‬ ‫العثمانية على الجبل‬ ‫ٍ‬ ‫مالمح القيادة والشجاعة‪ ،‬على سلطان األطرش‪.‬‬ ‫تم س��وقه إلى الجندية في منطق��ة البلقان في أواخر الع��ام‪ 1910‬وعاد إلى‬ ‫بلدته في العام ‪ .1912‬وكان في خدمة العلم حين أعدم األتراك والده ذوقان شنقًا‬ ‫لمقاومته االحتالل العثماني عام ‪.1911‬‬ ‫ت��زوج يافع��ًا بابنة عم��ه "غازية" ابنة فاي��ز األطرش زواجًا لم ي��دم أكثر من‬ ‫س��تة أش��هر‪ ،‬انتهى بوفاة زوجته‪ ،‬و بعد عودته من الجندية تزوج من ابنة الش��يخ‬ ‫إبراهيم أبي فخر‪ ،‬من بلدة نجران‪ ،‬وهي ابنة عمته "شعاع" واسمها "تركية" والتي‬ ‫رافق��ت الباش��ا حتى وفاتها عام ‪ 1982‬وقد رزق منها بجمي��ع أوالده الذكور‪ ،‬وهم‪:‬‬ ‫طالل وفواز ويوسف وجهاد ومنصور وناصر وطالل‪ .‬أما اإلناث فهن‪ :‬غازية‪ ،‬وبتال‪،‬‬ ‫وزكية‪ ،‬وزمرّد‪ ،‬ونايفة وعائدة ومنتهى‪.‬‬ ‫مع قيام الثورة العربية الكبرى بقيادة الشريف حسين‪ ،‬فتح سلطان األطرش‬ ‫داره وج��روده لها‪ ،‬فأصبح��ت معق ً‬ ‫ال لألح��رار يؤمونها‪ ،‬من أط��راف العالم العربي‬ ‫ليلتحق��وا بث��ورةٍ صاروا يس��مونها في لبنان وس��وريا وفلس��طين ثورة س��لطان‬ ‫ّ‬ ‫فش��كل مجموعة م��ن أحرار العرب المجاهدين اس��تظ ّلت بالعلم العربي‬ ‫األطرش‬ ‫وقام��ت باحتالل قلعة بصرى الش��ام ف��ي ‪ 25‬أيلول ‪ .1918‬كما ق��اد معركة "تالل‬ ‫المانع" قرب الكس��وة على مشارف دمش��ق ضد المحتلين األتراك واأللمان‪ .‬ودخل‬ ‫مدين��ة دمش��ق من جهة حي المي��دان في ‪ 30 29-‬أيلول الع��ام ‪ 1918‬ورفع العلم‬ ‫العربي فوق دار الحكومة‪ .‬وكان أن صعد "صالح طربيه" من آل طربيه أخوال الباشا‬ ‫حمالة بيرق "القرية" على كتف علي األطرش‪ ،‬ليرفع أول علم عربي في دمش��ق‬ ‫احتالل دام أربعة قرون‪ ،‬ووصل األمير فيصل إلى دمشق في ‪ 2‬تشرين األول‬ ‫بعد‬ ‫ٍ‬ ‫العام ‪ ،1918‬وكان قد منحه لقب اإلمارة عام ‪ 1916‬إبان الثورة العربية ولم يعلنها‪،‬‬ ‫وبعد دخول دمشق منحه األمير لقب باشا وهي رتبة عسكرية‪ .‬كان قد رفضها من‬ ‫المس��تعمر التركي س��ابقًا‪ .‬ولم يطل عمر الحكم العربي طوي� ً‬ ‫لا‪ ،‬ومع إنذار غورو‬ ‫والزحف على دمش��ق هبّ سلطان مع فرس��انه لنجدة يوسف العظمة في معركة‬ ‫ميس��لون‪ ،‬ولكن المعركة كانت قد حس��مت سريعًا فقال عندئذ‪" :‬خسارة معركة ال‬ ‫تعني االستس�لام للمحتلين"‪ ،‬كما أرس��ل رسو ًال خاصًا "الش��هيد حمد البربور" إلى‬ ‫المل��ك فيصل ليقنع��ه بالمجيء إلى جبل الع��رب ومتابعة المقاوم��ة‪ ،‬لكن الملك‬ ‫فيص��ل رأى أن الفرص��ة ق��د فاتت بعد أن صع��د إلى ظهر الط��راد البريطاني في‬ ‫طريقه إلى منفاه‪.‬‬ ‫م��ع الفرنس��يين ب��دأت مرحلة جدي��دة من النض��ال‪ ،‬ومع انكس��ار الثورة في‬ ‫الش��مال لجأ إلى س��لطان باش��ا األطرش الزعيم ابراهيم هنانو وهو في الطريق‬ ‫إلى شرقي األردن‪ ،‬فأرسل معه ثالثة رجال أوصلوه بأمان إلى عمّان‪.‬‬

‫الثورة الأوىل‪:‬‬ ‫ع��ام ‪ 1922‬ألقى الفرنس��يون القبض على المجاهد "أده��م خنجر"‪ ،‬المتهم‬ ‫بمحاول��ة اغتي��ال الجنرال غورو على طري��ق القنيطرة والتي أس��فرت عن إصابة‬ ‫"حقي العظم" مرافق غورو في س��يارته‪ .‬وكان أده��م خنجر قد وصل إلى القريّا‬ ‫مستجيراً وسلطان خارجها‪ .‬فخرج سلطان ورجاله مطالبين بإطالق سراح ضيفهم‪،‬‬ ‫وأب��رق محتجاً إلى حاكم الجبل‪ .‬ولما لم يُس��تَجب لطلبه‪ ،‬هاجم س��لطان ورفاقه‬ ‫الفرنس��يين بالس�لاح‪ ،‬وكانت معركة "تل الحديد" ضد المصفحات الفرنسية التي‬ ‫و ّل��ت األدبار أمام فرس��انه‪ّ ،‬‬ ‫فعطلوا اثنتي��ن وقتلوا سَ��دَنَتَها‪ .‬فكانت هذه ثورته‬ ‫األولى التي دامت تس��عة أش��هر‪ ،‬وذلك رفضًا لالستعمار وتكريس��ًا لتقاليد العرب‬ ‫األصيلة في حماية الدخيل وصيانة الضيف‪ .‬فحكم عليه الفرنس��يون باإلعدام في‬ ‫‪ 16‬تشرين الثاني من العام نفسه‪ ،‬وهدموا بيته في القريّا قصفًا بالطائرات‪ ،‬ثم‬ ‫أصدروا عفواً عنه خوفاً من انتشار ثورته في سائر البالد‪.‬‬

‫الثورة ال�سورية الكربى‪:‬‬ ‫قاد الثورة الس��ورية الكبرى ف��ي العام ‪ 1925‬إذ اجتمع حول��ه خيرة مجاهدي‬ ‫األمة وأب��رز قياداتها بإجماع وطن��ي منقطع النظير‪ ،‬وخاض أش��رف المعارك ضد‬ ‫االحتالل الفرنس��ي‪ ،‬بعد إعالن الثورة‪ ،‬أصدر س��لطان باش��ا األطرش بيان الثورة‬ ‫التاريخي‪:‬‬ ‫السالح‪ ،‬إلى السالح‬ ‫ي��ا أحفاد العرب األمجاد‪ .‬هذا يوم ينف��ع المجاهدين من جهادهم‪ ،‬والعاملين في‬ ‫سبيل الحرية واالستقالل عملهم‪ .‬هذا يوم انتباه األمم والشعوب‪ .‬فلننهض من رقادنا‬ ‫ولنبدد ظالم التحكم األجنبي عن سماء بالدنا‪ .‬لقد مضى علينا عشرات السنين ونحن‬ ‫نجاهد في س��بيل الحرية واالس��تقالل‪ ،‬فلنس��تأنف جهادنا المش��روع بالسيف بعد أن‬ ‫سكت القلم‪ ،‬وال يضيع حق وراءه مطالب‪.‬‬ ‫أيها الس��وريون‪ ،‬لقد أثبتت التجارب أن الحق يؤخ��ذ وال يعطى‪ ،‬فلنأخذ حقنا بحد‬ ‫السيوف‪ ،‬ولنطلب الموت توهب لنا الحياة‪.‬‬ ‫أيها العرب السوريون‪ ،‬تذكروا أجدادكم وتاريخكم وشهداءكم وشرفكم القومي‪.‬‬ ‫تذك��روا أن يد اهلل مع الجماعة‪ ،‬وأن إرادة الش��عب م��ن إرادة اهلل‪ ،‬وأن األمم المتحدة‬ ‫الناهضة ال تنالها يد البغي‪ .‬لقد نهب المس��تعمرون أموالنا‪ ،‬واستأثروا بمنافع بالدنا‪،‬‬ ‫وأقاموا الحواجز الضارة بين وطننا الواحد‪ ،‬وقس��مونا إلى ش��عوب وطوائف ودويالت‪،‬‬ ‫وحالوا بيننا وبين حرية الدين والفكر والضمير‪ ،‬وحرية التجارة والسفر‪ ،‬حتى في بالدنا‬ ‫وأقاليمنا‪.‬‬ ‫إلى الس�لاح أيه��ا الوطنيون‪ ،‬إلى الس�لاح‪ ،‬تحقيقاً ألماني البالد المقدس��ة‪ .‬إلى‬ ‫السالح تأييداً لسيادة الشعب وحرية األمة‪ .‬إلى السالح بعدما سلب األجنبي حقوقكم‪،‬‬ ‫واس��تعبد بالدكم‪ ،‬ونقض عهودكم‪ ،‬ولم يحافظ على شرف الوعود الرسمية‪ ،‬وتناسى‬ ‫األماني القومية‪.‬‬ ‫نحن نبرأ إلى اهلل من مس��ؤولية س��فك الدماء‪ ،‬و نعتبر المس��تعمرين مسؤولين‬ ‫مباش��رة عن الفتن��ة‪ .‬يا ويح الظلم لقد وصلنا من الظلم إل��ى أن نُهان في عقر دارنا‪.‬‬ ‫فنطلب استبدال حاكم أجنبي محروم من مزايا إنسانية‪ ،‬بآخر من بني جلدته الغاصبين‪،‬‬ ‫فال يُجاب طلبنا بل يُطرد وفدنا كما تطرد النعاج‪.‬‬ ‫إلى الس�لاح أيه��ا الوطنيون‪ ،‬ولنغس��ل إهانة األم��ة بدم النج��دة والبطولة‪ .‬إن‬ ‫حربنا اليوم هي حرب مقدس��ة‪ .‬ومطالبنا هي‪ :‬وحدة البالد السورية‪ ،‬ساحلها وداخلها‪،‬‬ ‫واالعتراف بدولة سورية عربية واحدة مستقلة استقال ًال تاماً‪.‬‬ ‫والقت هذه الدعوة استجابة واسعة في البالد‪ ،‬اختير بعدها سلطان قائداً عامًا‬ ‫لجيوش الثورة الوطنية‪.‬‬ ‫ومع اتس��اع رقعة الثورة لتشمل الوطن بأسره س��جل الباشا ورفاقه أيامًا من‬ ‫أيام العرب المشهودة‪" ،‬معركة الكفر" في ‪ 23‬تموز ‪" ،1925‬ومعركة المزرعة" في‬ ‫ً‬ ‫إضافة للنجدات والمعونات لحمص وحماه ودمش��ق‬ ‫األول من آب من العام نفس��ه‪،‬‬ ‫والغوطة‪ ،‬وفي أحد المعارك‪ ،‬قصف الطيران الفرنس��ي الثوار‪ ،‬فقتل جواد سلطان‬ ‫وقطعت عنقه وثقبت ش��ظايا القنابل الفرنس��ية العباءة التي كان يرتديها‪ ،‬إال أن‬ ‫س��لطان األطرش لم يجرح‪ ،‬فأخذ الس��يد "صبحي الخضرة" هذه العباءة ووضعها‬


‫وجوه من وطني ‪. .‬‬

‫وفاة الأطر�ش‪:‬‬

‫أسبوعية‬

‫بسم اهلل الرحمن الرحيم‬ ‫إخواني وأبنائي العرب‪ ،‬عزمت وأنا في أيامي األخيرة‬ ‫انتظر الموت الحق أن أخاطبكم مودعاً وموصياً‪.‬‬ ‫لقد أولتني هذه األمة قيادة الثورة السورية الكبرى‬ ‫ضد االحتالل الفرنسي الغاشم‪ ،‬فقمت بأمانة القيادة‬ ‫وطلبت الشهادة وأديت األمانة‪.‬‬ ‫انطلقت الثورة من الجبل األشم‪ ،‬جبل العرب‬ ‫لتشمل وتعم‪ ،‬وكان شعارها الدين هلل والوطن للجميع‬ ‫وأعتقد أنها حققت لكم عز ًة وفخاراً‪ ،‬ولالستعمار ذ ًال وانكساراً‬ ‫وصيت��ي لك��م أخوتي وأبنائ��ي العرب‪ ،‬ه��ي أن أمامك��م طريقاً طويلة ومش��قة‬ ‫شديدة‪،‬‬ ‫تحتاج إلى جهد وجهاد‪ ،‬جهاد مع النفس وجهاد مع العدو‬ ‫فاصبروا صبر األحرار ولتكن وحدتكم الوطنية وقوة أيمانكم‬ ‫وتراص صفوفكم هي سبيلكم لرد كيد األعداء‪ ،‬وطرد الغاصبين وتحرير األرض‪،‬‬ ‫واعلم��وا أن الحفاظ على االس��تقالل أمانة ف��ي أعناقكم‪ ،‬بع��د أن مات من أجله‬ ‫العديد من الشهداء‬ ‫وس��الت بالوصول إلي��ه الكثير من الدم��اء‪ ،.‬واعلموا أن وحدة الع��رب هي المنع‬ ‫والقوة وأنها حلم األجيال طريق الخالص‪.‬‬ ‫واعلموا بأن ما أخذ بالس��يف‪ ،‬بالس��يف يؤخذ‪ .‬وأن األيمان أقوى من كل س�لاح‪،‬‬ ‫وأن كأس الحنظ��ل بالعز أش��هى من ماء الحي��اة بالذل‪ ،‬وأن األيمان يش��حن القلوب‬ ‫بالصب��ر ويحصد بالعدل ويع��زز باليقين ويقوى بالجهاد‪ .‬ع��ودوا إلى تاريخكم الحافل‬ ‫بالبط��والت الزاخر باألمجاد‪ ،‬ألني ل��م أرى أقوى تأثير في النفوس م��ن قراءة التاريخ‪،‬‬ ‫لتنبيه الش��عور وإيقاظ الهمم الس��تنهاض الش��عوب لتظفر بحريتها وتحقق وحدتها‬ ‫وترفع أعالم النصر‪.‬‬ ‫واعلموا أن التقوى هلل والحب لألرض وأن الحق منتصر وأن الشرف بالحفاظ على‬ ‫الخل��ق وأن االعتزاز بالحرية والفخر بالكرامة‪ ،‬وأن النهوض بالعلم والعمل‪ ،‬وأن األمن‬ ‫بالعدل وأن التعاون قوة‪ .‬الحمد هلل ثم الحمد هلل‪.‬‬ ‫لق��د أعطان��ي عمراً فقضيت��ه جه��اداً وأمضيته زه��داً‪ ،‬ثبتني وهدان��ي وأعادني‬ ‫إلخواني‬ ‫أساله المغفرة وبه المستعان وهو حسبي ونعم الوكيل‬ ‫أم��ا م��ا خلفته م��ن رزق ومال فه��و زهد فالح متواض��ع تحكمه قواعد الش��ريعة‬ ‫السمحاء‬ ‫سلطان باشا األطرش‪ ..‬الجبل‬

‫سوريتنا | السنة األولى | العدد (‪ / 12 | )47‬آب ‪2012 /‬‬

‫توفي س��لطان باش��ا األط��رش ‪26‬‬ ‫آذار ع��ام ‪ 1982‬وحض��ر جنازت��ه ف��ي‬ ‫‪ 1982/3/28‬أكث��ر م��ن نص��ف ملي��ون‬ ‫شخص‪ ،‬وأصدر رئيس الجمهورية رسالة‬ ‫عزاء ش��خصية تنعي القائد العام للثورة‬ ‫الس��ورية الكب��رى‪ ،‬وأطل��ق أس��مه على‬ ‫ساحة في الس��ويداء‪ .‬كما أصدر الرئيس‬ ‫ص��رح يخلد ش��هداء الثورة‬ ‫أمراً بإنش��اء‬ ‫ٍ‬ ‫الس��ورية الكب��رى ويضم رف��ات قائدها‬ ‫العام في بلدة القريا مقابل دار س��لطان‬ ‫باش��ا األطرش‪ .‬وتم تدش��ينه بمناس��بة‬ ‫عي��د الجالء في ‪ 17‬نيس��ان ‪ .2010‬ويوم‬ ‫تشييعه‪ ،‬منحه رئيس لبنان آنذاك وسام‬ ‫األرز اللبنان��ي‪ ،‬دش��ن الرئي��س الراح��ل‬ ‫ياس��ر عرفات نصبًا تذكاريً��ا في مدينة‬ ‫رام اهلل تحية وفاء إلى ش��هداء الحامية الدرزية التي أرسلها سلطان باشا األطرش‬ ‫للدفاع عن فلسطين والذين سقطوا قرب نابلس‪.‬‬ ‫ً‬ ‫وصية للعالم العربي‪ ،‬نورد نصها‪:‬‬ ‫ترك الباشا وقبل رحيله‬

‫تصدر عن شباب سوري حر‬

‫في متحف المسجد األقصى في القدس‪،‬‬ ‫وه��ي مازالت هناك حتى اآلن‪ .‬ماكان من‬ ‫الفرنس��يين إال أن ش��ددوا الخن��اق على‬ ‫الث��وار وجلب��وا حم�لات متتالي��ة ونجدات‬ ‫جدي��دة‪ ،‬فاضط��ر الثوار إلى الن��زوح إلى‬ ‫األزرق ف��ي إم��ارة ش��رقي األردن‪ .‬ول��م‬ ‫يمكنه��م اإلنكلي��ز م��ن المك��وث طوي ً‬ ‫ّ‬ ‫ال‪،‬‬ ‫فن��زح س��لطان األط��رش وجماعت��ه من‬ ‫المجاهدي��ن إلى وادي الس��رحان والنبك‬ ‫في ش��مال المملكة العربية الس��عودية‪،‬‬ ‫ث��م ف��ي الك��رك ف��ي األردن‪ ،‬عل��ى أمل‬ ‫العودة إلى ساحات الوغى في وقت قريب‪.‬‬ ‫وقد رفض تسليم سالحه إلى المستعمِر‬ ‫وحُكِم عليه باإلع��دام‪ .‬في ‪ 26‬أيار عام‬ ‫‪.1926‬‬ ‫اعتاد الباشا على المحن القاسية فلم‬ ‫يكد ينتهي من محاربة األتراك وطردهم‬ ‫م��ن البالد حتى قدم اس��تعمار آخر بوجه‬ ‫جدي��د متمث�لا بوحش��ية الفرنس��يين‬ ‫واس��تبدادهم‪ .‬فخس��ر أو ًال ول��ده البك��ر‬ ‫طالل ورغم ذلك كانت الدمعة عزيزة ثم‬ ‫تبعه فقدان ش��قيقه ف��ي إحدى المعارك‬ ‫وبقيت الدمعة عصيّة ثم كانت خسارته‬ ‫الكبرى بش��هادته ذاته إذ استش��هد أقرب‬ ‫المقربي��ن إلي��ه الش��هيد حم��د البرب��ور‬ ‫رفيق ال��درب والمصير‪ ،‬ورغ��م كونه قد‬ ‫كفن��ه ودفنه بيديه ف��ي أرض المعركة‪،‬‬ ‫ومع هذا بقي على ش��يمته وعزته حابسا‬ ‫الدمع��ة جارح الجفني��ن‪ ،‬إلى أن كان يوم‬ ‫سكب فيه دمعة حارة بعدما شاهد رجاله‬ ‫ورفاق��ه في المنف��ى يتقاس��مون رغيفًا‬ ‫واحداً عند لجوئهم إلى منطقة النبك في‬ ‫صحراء السعودية‪ ،‬وقصة ذلك الرغيف أن‬ ‫مضرب سلطان باشا كان يضم باإلضافة‬ ‫إليه األمير عادل أرسالن والسيد صبري العسلي ونزيه مؤيد العظم وشكيب وهاب‬ ‫ورهطا من المجاهدين األش��راف األكارم‪ .‬وعند الغداء طلب من مرافقه الشخصي‬ ‫أن يحضر األكل‪ ،‬وبعد تفقد المذكور "لجراب الخبز" لم يجد سوى رغيفٍ واحد تم‬ ‫تقديمه للحاضرين لس��د الرمق قدر المس��تطاع‪ ،‬عندها انحدرت من عين سلطان‬ ‫باش��ا تلك الدمعة العزيزة إذ حز في نفسه وكسر في خاطره قائ ً‬ ‫ال لذاته أال يكفي‬ ‫الرفاق والثوار تحمل القتال والتش��ريد والنفي ايضا عدم تأمين الطعام القتس��ام‬ ‫هكذا رغيف من شخص الى آخر‪ ،‬معتبراً هذه التضحية المتفانية من قبل رفقائه‬ ‫ونكرانه��م لذاتهم تضحي��ة فريدة ربم��ا ال يعادلها أو يماثلها س��واء كان ذلك في‬ ‫التاريخ القديم أم الحديث‪.‬‬ ‫ويش��ير إلى ذلك أمير السيف والقلم األمير عادل ارسالن في قصيدة عصماء‬ ‫نقتطع منها هذه األبيات المعبرة‪.‬‬ ‫ي��ا س��اهرا ف��ي النب��ك أين األول��ى أنت م��ن الش��وف إليه��م قريــح‬ ‫قف��ر كان الس��ـــمــاء ل��م ت��روه بالقطر م��ن عهد نوح‬ ‫ف��ي بـلقــ��ع ٍ‬ ‫ض��بٌ وأش��جـراه ش��يحٌ وأص��وات التغن��ي فـحيـ��ح‬ ‫إنــس��ـــــانـــة‬ ‫ّ‬ ‫وعـصب�� ٌة عـرب��اء فـ��وق الثـ��رى لكنه��ا م��ن مجده��ا ف��ي ص��روح‬ ‫ط��ول م��ا عذبه��ا أن تصي��ح‬ ‫أخرس��ـــها الصبـ��ر م��ن حـقهــ��ا م��ن‬ ‫ِ‬ ‫كل رغي��فٍ أهل��ه تس��ـــــعة كأنم��ا صل��ى علي��ه المس��ـيح‬ ‫ولم تنقطع صالت سلطان األطرش بالحركة الوطنية داخل سوريا طيلة مدة‬ ‫منفاه الذي دام أكثر من عش��ر س��نوات‪ .‬وقد دعا سلطان األطرش إلى عقد مؤتمر‬ ‫في وادي السرحان برئاسته في ‪ ،1929/10/25‬سمّي بمؤتمر الصحراء وذلك لبحث‬ ‫القضية الس��ورية‪ .‬وقد حضر ه��ذا المؤتمر في وادي الس��رحان معظم الوطنيين‬ ‫الس��وريين واللبنانيين‪ ،‬ثم خرج المؤتمر بمقررات هامة كان لها األثر الكبير على‬ ‫ما ج��رى في ما بعد وعلى المفاوضات والمس��ار الذي اتخذته لتحقيق االس��تقالل‬ ‫التام‪ .‬وحين تهيأت الظروف عاد الباش��ا ورفاقه إلى سوريا عام ‪1937‬واستقبلتهم‬ ‫البالد استقبا ًال لم تشهد سوريا مثي ً‬ ‫ال له في تاريخها‪.‬‬ ‫لم يتوقف نضال س��لطان األطرش بعد الثورة‪ ،‬بل ش��ارك أيضاً بفعالية في‬ ‫االنتفاضة الس��ورية ع��ام ‪ 1945‬وكان جبل العرب بتوجيه منه أس��بق المحافظات‬ ‫الس��ورية في طرد الفرنس��يين إذ طوق أبناؤه مراكزه��م وأخرجوهم‪ ،‬وذلك كان‬ ‫بقيادة األمير حس��ن األطرش محافظ الجبل آنذاك‪ ،‬وانتقمت فرنس��ا لنفس��ها من‬ ‫انقالب الجبل هذا وتحرير الس��ويداء بقصف دمشق والسويداء وأنحاء من سورية‬ ‫في ‪ .1945/5/29‬فكان ذلك بداية خروجهم من س��ورية‪ ،‬كما دعا في العام ‪1948‬‬ ‫إلى تأس��يس جيش عرب��ي موحد لتحرير فلس��طين‪ ،‬وبالفعل تط��وع المئات من‬ ‫الش��باب واتجهوا للمش��اركة الفعلية في حرب ‪ ،1948‬واستش��هد هناك حوالى ‪80‬‬ ‫شاباً من الجبل‪.‬‬ ‫وأثناء حكم الشيش��كلي‪ ،‬تعرض س��لطان باش��ا األط��رش لمضايقات كثيرة‬ ‫نتيج��ة اعتراضه على سياس��ة الحك��م الديكتاتوري‪ ،‬فغادر الجب��ل إلى األردن في‬ ‫كان��ون ثان��ي ‪ ،1954‬عندما عمّ الهياج أنحاء س��ورية الس��يما بي��ن الطلبة الذين‬ ‫كان��وا في حالة إضراب مس��تمر‪ ،‬واعتق��ل العديدون بينهم منص��ور األطرش أحد‬ ‫أبناء س��لطان األطرش‪ ،‬فجرت محاولة درزية إلخراجه من السجن أدت إلى اشتباك‬ ‫مس��لح‪ ،‬س��رعان ما تحولت إلى معركة ف��ي جبل العرب‪ ،‬وعاد األط��رش إلى بلده‬ ‫بعد س��قوط الشيش��كلي‪ .‬أيد س��لطان األط��رش االنتفاضة الوطني��ة التي قادها‬

‫الزعي��م الدرزي كم��ال جنبالط في لبنان‬ ‫عام ‪ ،1958‬ضد سياس��ة كميل شمعون‪،‬‬ ‫كما بارك الوحدة العربية التي قامت بين‬ ‫مصر وس��ورية عام ‪ ،1958‬ووقف بحزم‬ ‫وثبات ضد عملية االنفصال عام ‪.1961‬‬ ‫تف��رغ س��لطان ف��ي أواخ��ر حيات��ه‬ ‫للنش��اطات االجتماعي��ة والتنمي��ة ف��ي‬ ‫الجبل وق��د رفض األط��رش أي مناصب‬ ‫سياس��ية عرضت عليه بعد االستقالل‪ .‬و‬ ‫كان الرئي��س الراحل جم��ال عبد الناصر‬ ‫قد زار س��لطان باش��ا األط��رش في عهد‬ ‫الوحدة في الس��ويداء‪ .‬و في عام ‪،1970‬‬ ‫زاره الرئيس الس��وري حافظ األس��د بعد‬ ‫اس��تالمه السلطة في س��وريا في إشارةٍ‬ ‫واضحة لدور س��لطان باشا األطرش في‬ ‫التاريخ السوري‪.‬‬

‫‪17‬‬


‫ما ي�صح على حلب ال ي�صح على دم�شق‬ ‫دندنات إندساسية ‪. .‬‬ ‫سوريتنا | السنة األولى | العدد (‪ / 12 | )47‬آب ‪2012 /‬‬ ‫أسبوعية‬ ‫تصدر عن شباب سوري حر‬ ‫‪18‬‬

‫ماجد كيالي‬ ‫طرح جهاد الزين في مادته‪" :‬تدمير‬ ‫دمش��ق وحل��ب‪ :‬مس��ؤولية المعارض��ة‬ ‫ودوله��ا" ("النه��ار" ‪ )8/2‬س��ؤا ًال غاية في‬ ‫األهمي��ة يتع ّل��ق بطريق��ة عم��ل الثورة‬ ‫السورية في مكوّنها العسكري‪ ،‬المتمثل‬ ‫ف��ي "الجيش الح��رّ"‪ ،‬وضم��ن ذلك غلبة‬ ‫الطابع العسكري على الفعاليات الشعبية‬ ‫للثورة‪ ،‬ومخاطر دخول "الجيش الحر" إلى‬ ‫أحي��اء المدن لالحتماء فيه��ا‪ ،‬ما يعرّضها‬ ‫للتدمير الوحش��ي‪ ،‬والبُع��د الدولي الذي‬ ‫يفترضه أو يتط ّلبه وجود هكذا مكوّن‪.‬‬ ‫ال تكمن المش��كلة في هكذا سؤال‪،‬‬ ‫وال ف��ي غيره‪ ،‬ألن فتح األس��ئلة‪ ،‬وإعمال‬ ‫النق��د‪ ،‬هو م��ن صل��ب العملي��ة الثورية‬ ‫ذاته��ا‪ ،‬وألن الثورات تنطوي أساس��ًا على‬ ‫مخاطرات وأخطاء ومش��كالت‪ ،‬وقد ينجم‬ ‫عنه��ا هزائ��م أو تراجع��ات‪ ،‬خصوصًا أن‬ ‫التاري��خ لم يعرف ث��ورة نظيفة أو كاملة‬ ‫أو ناجزة‪ .‬وال شكّ أن ذلك ينطبق تحديداً‬ ‫عل��ى الثورة الس��ورية‪ ،‬التي انطلقت من‬ ‫المس��تحيل‪ ،‬كث��ورة ش��عبية وعفوي��ة‪،‬‬ ‫خرجت من خارج عباءة األحزاب الس��ائدة‬ ‫والنظريات الجاهزة‪ ،‬والتي استمرت على‬ ‫الرغ��م م��ن كل الصعوب��ات والتعقيدات‬ ‫والتحديات‪.‬‬ ‫ل��ذا م��ع تأكيد مش��روعية الس��ؤال‬ ‫المط��روح إال أنن��ي أعتق��د بأن��ه جان��ب‬ ‫الص��واب في اإلجاب��ة عليه‪ ،‬الت��ي جاءت‬ ‫بطريق��ة إطالقية وعام��ة‪ ،‬فربما أن ثمة‬ ‫أكثر من ج��واب على الس��ؤال المطروح‪،‬‬ ‫بل إنن��ي اعتقد بأن هك��ذا إجابة قاطعة‬ ‫طمست أهمية السؤال ذاته‪.‬‬ ‫عموم��ًا لي��س ثم��ة متّس��ع هن��ا‬ ‫لمناقش��ة مش��روعية الثورة المس�� ّلحة‪،‬‬ ‫فهي ربما تس��توجب ذلك وربما ال‪ ،‬مع أن‬ ‫الثورات الش��عبية والسلمية هي األفضل‬ ‫واألكث��ر يقيني��ة للمس��تقبل‪ ،‬ليس ألنها‬ ‫أق��ل كلف��ة‪ ،‬وهذا بح��د ذاته أم��راً مهماً‪،‬‬ ‫وإنما ألن الثورات المس��لحة تفضي‪ ،‬في‬ ‫األغل��ب‪ ،‬إلى إش��اعة ثقاف��ة العنف‪ ،‬وقد‬ ‫ينجم عنها ارت��دادات على المجتمع ذاته‪،‬‬ ‫كما أنها ترسّخ ذكريات قد تهدّد أو ّ‬ ‫تعكر‬ ‫س�لامة العيش المش��ترك‪ ،‬فض ًال عن أن‬ ‫الث��ورات المس��لحة تعتمد ف��ي مواردها‬ ‫(الس�لاح والمال) على الخ��ارج ما يجعلها‪،‬‬ ‫في الغالب‪ ،‬مرتهنة له‪.‬‬ ‫إذن‪ ،‬الس��ؤال ال يتعلق بالمشروعية‬ ‫وإنما ب��إدارة العم��ل المس��لح‪ ،‬بالطريق‬ ‫األس��لم واألق��وم واألج��دى‪ ،‬وف��ي ه��ذه‬ ‫الح��ال ف��إن الس��ؤال المطروح ل��م يميّز‬ ‫بين حالتي حلب ودمش��ق‪ .‬ذلك أن تطور‬ ‫الفعالية العس��كرية للثورة السورية في‬ ‫دمش��ق نجم ع��ن تطور ه��ذه الحالة في‬ ‫ريفه��ا‪ ،‬م��ن الضمي��ر ودوم��ا والت��ل إلى‬ ‫الزبدان��ي ورنك��وس م��روراً بالغوطتين‬ ‫الش��رقية والغربي��ة‪ .‬وبديه��ي أن تج��د‬ ‫ه��ذه الفعالية مجاله��ا الحيوي في مدينة‬ ‫دمش��ق ذاته��ا‪ ،‬التي ل��م تكن ف��ي عداد‬ ‫المدن الهادئة‪ ،‬على ما توحي المادة‪ ،‬ذلك‬ ‫أن أحياء دمشق كانت دخلت‪ ،‬منذ األشهر‬ ‫األولى‪ ،‬على خط الثورة الس��ورية‪ ،‬وكان‬ ‫هذا الدخول يتوسّع كمياً وجغرافيًا طوال‬ ‫األش��هر الماضي��ة‪ .‬هكذا ف��إن أحياء مثل‬ ‫ب��رزة والقابون والمي��دان والمزة والحجر‬ ‫األس��ود والتضام��ن وحرس��تا وجدي��دة‬ ‫عرط��وز والمعضمية وداري��ا وجوبر‪ ،‬ثم‬ ‫رك��ن الدي��ن والمهاجري��ن وش��يخ محي‬ ‫الدين (بدرجة اقل)‪ ،‬كلها كانت من النقاط‬ ‫الس��اخنة في مسيرة الثورة السورية‪ .‬أما‬

‫ع��دم تمكن هذه األحياء م��ن التجمع في‬ ‫س��احة (أو مي��دان) ف��ي دمش��ق‪ ،‬إلظهار‬ ‫القوة المدنية والس��لمية للث��ورة‪ ،‬فيعود‬ ‫إلى أن النظام كان يتعامل بقس��وة بالغة‬ ‫م��ع المتظاهري��ن‪ ،‬منذ األس��ابيع األولى‬ ‫للثورة‪ ،‬أي قبل نشوء "المجلس الوطني"‬ ‫وغيره بس��تة أش��هر‪ ،‬وقبل بروز ظاهرة‬ ‫العسكرة واالنشقاقات في الجيش‪.‬‬ ‫ومعل��وم أن مواجه��ة المتظاهري��ن‬ ‫الس��لميين كان��ت من��ذ البداي��ة تتضمن‬ ‫اس��تخدام أقص��ى ق��در م��ن العن��ف‪ ،‬مع‬ ‫وجود عدة طبقات‪ ،‬يتمثل أولها بعصابات‬ ‫الش��بيحة‪ ،‬وثانيها بأجهزة األمن‪ ،‬وثالثها‬ ‫برص��اص القناص��ة‪ ،‬ورابعه��ا بالوحدات‬ ‫الخاص��ة‪ ،‬وخامس��ها‪ ،‬بالجي��ش ال��ذي‬ ‫يس��تخدم اله��اون والراجم��ات والدبابات‬ ‫والحوامات‪ .‬هذا كله يفسّر كل هذا القتل‬ ‫والمعتقلين والمصابين والمش��ردين في‬ ‫س��وريا‪ ،‬وكل ه��ذا الدمار ال��ذي ال يمكن‬ ‫تخيله‪ ،‬أو حتى تصديقه‪.‬‬ ‫أقصد م��ن كل ذل��ك التنويه إلى أن‬ ‫بروز الظاهرة المس��لحة في دمش��ق جاء‬ ‫في س��ياق طبيعي يختلف عنه في حلب‪،‬‬ ‫الت��ي يمك��ن إحال��ة ما يج��ري فيه��ا إلى‬ ‫ّ‬ ‫خط��ة‪ ،‬أو طموح ما عن��د المعارضة‪ ،‬في‬ ‫س��ياق محاولتها خلق واق��ع جديد‪ ،‬يمكن‬ ‫أن يؤس��س لمعادلة سياس��ية جديدة في‬ ‫الص��راع م��ع النظ��ام‪ ،‬الس��يما م��ع أفول‬ ‫المراهن��ات عل��ى أي ن��وع م��ن التدخ��ل‬ ‫الدولي‪ ،‬بم��ا في ذلك فرض مناطق آمنة‬ ‫وحظ��ر ج��وي‪ ،‬وذلك بعد ‪ 16‬ش��هراً على‬ ‫اندالع الثورة‪.‬‬ ‫إل��ى ذل��ك ف��إن الس��ؤال المط��روح‬ ‫يصحّ على حلب التي تأخّرت عن مواكبة‬ ‫مس��ارات الث��ورة‪ ،‬لي��س ألنه��ا موالي��ة‬ ‫للنظام‪ ،‬وإنما بسبب تجمّع عوامل عديدة‬ ‫فيه��ا قيّ��دت حركته��ا‪ ،‬أو أعاق��ت وصول‬ ‫مس��توى الحراكات فيها إلى ذات مس��تواه‬ ‫في المدن األخرى‪.‬‬ ‫المعنى أن ه��ذا األمر يتع ّلق تحديداً‬ ‫بصوابية‪ ،‬أو ع��دم صوابية‪ ،‬مبادرة قيادة‬ ‫"الجي��ش الح��ر"‪ ،‬إل��ى تجمي��ع قواها في‬

‫حل��ب‪ ،‬وفت��ح معرك��ة الس��يطرة عليه��ا‪،‬‬ ‫وم��ا إذا كان ه��ذا الخيار أكث��ر جدوى من‬ ‫الخيار المتم ّثل بسياسة "اضرب واهرب"‪،‬‬ ‫أو المتم ّث��ل بالس��يطرة عل��ى مراكز قوة‬ ‫النظ��ام ف��ي محيط حل��ب ذاته��ا‪ ،‬تمهيدا‬ ‫للس��يطرة الالحقة عليها‪ ،‬وهم��ا خياران‬ ‫كان يمكن لهما أن يجنّبا المدينة الهجمة‬ ‫التدميرية التي باتت تتعرّض لها‪.‬‬ ‫والحال فم��ع إقرارنا بأن أي حرب‪ ،‬أو‬ ‫أية ثورة‪ ،‬البد سينجم عنها أثمانًا باهظة‪،‬‬ ‫فإن إدارة الح��رب‪ ،‬أو الثورة‪ ،‬تتط ّلب إدارة‬ ‫أفض��ل للموارد البش��رية وألرصدة القوة‬ ‫المتاحة‪ ،‬والكامنة‪ ،‬مثلما تفترض‪ ،‬أيضاً‪،‬‬ ‫تحقي��ق اكبر قدر من االنجازات بأقل قدر‬ ‫م��ن األكالف‪ .‬لذا فإن س��ؤال الجدوى في‬ ‫معرك��ة حلب مح��قّ‪ ،‬لكن��ه يتط ّلب بحث‬ ‫صوابي��ة المبادرة بأكملها‪ ،‬وم��ا إذا كانت‬ ‫منبثقة من خطة محكمة ومعدّ لها أم أن‬ ‫القصة مجرّد مخاطرة وتجربة أخرى‪.‬‬ ‫وفي الواقع فإن تساؤالت وهواجس‬ ‫مماثلة تس��تمد مش��روعيتها من معرفة‬ ‫ضعف إمكانيات "الجيش الحر" التسليحية‪،‬‬ ‫مقارن��ة بالجي��ش النظامي‪ ،‬الس��يما مع‬ ‫واقع عدم وجود مضادات للطائرات لديه‪،‬‬ ‫وانكش��افه في األحياء الت��ي يحتمي فيها‬ ‫لهجم��ات الحوام��ات والطائ��رات الحربية‪.‬‬ ‫ومعل��وم أن قيادة هذا "الجي��ش" لطالما‬ ‫ش��كت من افتقادها لمض��ادات الطائرات‬ ‫وضعف التس�� ّلح‪ ،‬ومن وجود ق��رار دولي‬ ‫بعدم تس��ليمها أس��لحة معينة (رغم كل‬ ‫التهوي��ل ال��ذي يحكى عن دع��م الجيش‬ ‫الح��ر)‪ .‬وم��ن تتب��ع كل العملي��ات الت��ي‬ ‫ق��ام بها ه��ذا "الجيش" يمكننا ببس��اطة‬ ‫معرفة األس��لحة التي يحوز عليها‪ ،‬والتي‬ ‫ه��ي مج��رد أس��لحة فردي��ة‪ ،‬م��ع قواذف‬ ‫مض��ادة لل��دروع‪ ،‬بينم��ا ل��م تس��جل أية‬ ‫عملية قصف صاروخي‪ ،‬أو إسقاط طائرة‬ ‫بمضادات الطيران المناس��بة‪ ،‬وذلك حتى‬ ‫ه��ذا التاريخ‪ ،‬ما يفسّ��ر انس��حاباته من‬ ‫المناط��ق الت��ي تصبح عرض��ة للهجمات‬ ‫الصاروخية من الجو أو من البر‪.‬‬ ‫فهل خي��ار "حلب" يق��ف وراءه قرار‬

‫دولي بتس��ليح "الجيش الح��ر" بعد مرور‬ ‫‪ 16‬ش��هرا عل��ى الث��ورة؟ وهل ب��ات هذا‬ ‫الجي��ش يمتلك مضادات للطي��ران مثال؟‬ ‫وه��ل ثمة جديد‪ ،‬على الصعيدين الدولي‬ ‫واإلقليم��ي‪ ،‬يتطل��ب توليد أفق سياس��ي‬ ‫جديد‪ ،‬ومنطقة محررة؟ أم انه مجرد قرار‬ ‫آخر‪ ،‬ينط��وي على مخاط��رة‪ ،‬أو مغامرة‪،‬‬ ‫غير محسوبة‪ ،‬أو غير مدروسة؟‬ ‫هك��ذا‪ ،‬ومهم��ا كان��ت إجاباتنا على‬ ‫التس��اؤالت الس��ابقة ينبغي التمييز بين‬ ‫األحوال في دمش��ق واألح��وال في حلب‪،‬‬ ‫الس��يما م��ن ناحي��ة الق��رار السياس��ي‬ ‫واإلدارة والق��درات العس��كرية (بغ��ض‬ ‫النظ��ر ع��ن تقويمنا لم��ا يج��ري)‪ .‬وتاليًا‬ ‫لذل��ك ينبغ��ي الحك��م على "خي��ار حلب"‬ ‫ليس بناء على صوابي��ة أو عدم صوابية‬ ‫ه��ذا الخيار‪ ،‬فقط‪ ،‬وإنم��ا على المعطيات‬ ‫المحيطة ب��ه‪ ،‬واإلمكانيات التي تم اتخاذ‬ ‫هذا الخيار بناء عليها‪.‬‬ ‫تلك هي إجاباتي على الفكرة المهمة‬ ‫التي طرحها جه��اد الزين‪ ،‬أما مالحظاتي‬ ‫عليه��ا فتتمثل ف��ي تحميل��ه "المعارضة‬ ‫المس��لحة" المس��ؤولية ع��ن تدمير حلب‬ ‫ودمش��ق‪ ،‬وبش��كل إطالقي‪ ،‬رغم إقراره‬ ‫بأن "وحش��ية النظام وعنف��ه وإجراميته‪،‬‬ ‫كنظام اس��تبدادي‪ ،‬تدفع س��وريا بكاملها‬ ‫ٍ‬ ‫أساس��اً ثمن ع��دم وجود طريقة س��لمية‬ ‫لتغيي��ره‪ ،‬مث��ل ليبي��ا والع��راق"‪ .‬وبرأيي‬ ‫فإن هذه العبارة التأسيسية تفسّر أشياء‬ ‫كثي��رة مما يحص��ل في س��وريا‪ ،‬وتحدّد‬ ‫عل��ى م��ن تق��ع المس��ؤولية األخالقي��ة‬ ‫والسياس��ية والقانونية حقاً‪ ،‬بما في ذلك‬ ‫تعيين من المتسبّب الحقيقي في كل ما‬ ‫يجري على كل األصعدة‪.‬‬ ‫نع��م قد تكون المعارضة الس��ورية‬ ‫المس��لحة خاطرت‪ ،‬وتسرّعت‪ ،‬في فتحها‬ ‫معرك��ة حل��ب‪ ،‬مع وج��ود خي��ارات أخرى‬ ‫بديل��ة‪ ،‬لك��ن مس��ؤولية أعم��ال القت��ل‬ ‫والتدمي��ر تق��ع عل��ى عات��ق ال��ذي يملك‬ ‫القدرة عل��ى فعل كل ذل��ك‪ ،‬والذي يقف‬ ‫وراء كل أسباب اندالع الثورة السورية‪.‬‬ ‫النهار ‪2012 / 8 / 7‬‬


‫برهان غليون‪ :‬نقد ال�سيا�سة‪ ،‬الدولة والدين‬

‫سوريتنا | السنة األولى | العدد (‪ / 12 | )47‬آب ‪2012 /‬‬ ‫أسبوعية‬

‫التي تبدو فيها الدولة عندنا على غاية‬ ‫القوة والبط��ش من الناحي��ة المادية‪،‬‬ ‫فإنه��ا في الواقع على غاية الهشاش��ة‬ ‫والضع��ف م��ن الناحي��ة المعنوي��ة‬ ‫واألخالقي��ة والسياس��ية"‪ .‬وم��ا كان‬ ‫النفجار األزمة الراهنة للدولة العربية‬ ‫إال أن يطل��ق مختل��ف ق��وى الرف��ض‬ ‫واالحتج��اج م��ن عقاله��ا بعدم��ا كانت‬ ‫خاضع��ة لفترة طويل��ة‪ ،‬لثق��ل القمع‬ ‫والضغط‪ ،‬وأن يطلق بالتالي المنافسة‬ ‫على رس��م خريط��ة جديدة القتس��ام‬ ‫العالم االجتماع��ي ومختلف المصالح‪،‬‬ ‫وهو م��ا يؤدي في نهاي��ة المطاف إلى‬ ‫تخريب السياسة من أصلها بعدما يتم‬ ‫تحويلها إلى نوع من الرهان للسيطرة‬ ‫على جهاز الدولة باعتباره مركز تكثيف‬ ‫القوة والمصالح‪.‬‬ ‫كما يتناول إش��كالية االستقطاب‬ ‫السياسي والثقافي ‪-‬التي تشق الساحة‬ ‫العربية اإلسالمية‪ -‬بين مطلبي الدولة‬ ‫اإلسالمية والعلمانية‪" .‬فبقدر ما تفيد‬ ‫المطالب��ة بالدول��ة اإلس�لامية تعميم‬ ‫الطابع اإلسالمي الثقافي والديني على‬ ‫الدول��ة أس��وة بالمجتم��ع‪ ،‬يعبر موقف‬ ‫العداء لهذه الدولة أو اس��تبعاد اإلسالم‬ ‫من الدولة أو إلغاء وظيفته األساس��ية‬ ‫والتقليدية فيها عن إرادة زعزعة هذه‬ ‫الهوي��ة وتفكي��ك الجماع��ة التاريخية‬ ‫وكسر شبكات التواصل الموروثة"‪.‬‬ ‫و يلفت االنتباه في آخر كتابه إلى‬ ‫حقيق��ة الزم��ت الصي��رورة التاريخية‬ ‫للفك��ر السياس��ي العربي اإلس�لامي‪،‬‬ ‫وه��ي انصراف��ه إل��ى أدب النصائ��ح‬ ‫والفت��اوى على حس��اب تحدي��د قواعد‬ ‫الحكم وأس��اليب ضبط جه��از الدولة‪،‬‬ ‫ولذل��ك بق��ي موض��وع الس��لطة من‬ ‫الموضوع��ات "غي��ر المفك��ر" فيه��ا إال‬ ‫في ح��االت مح��دودة ج��دا م��ن الفكر‬ ‫السياسي العربي اإلس�لامي‪ .‬وبسبب‬ ‫ذلك افتقد المجتمع اإلس�لامي القدرة‬ ‫عل��ى الس��يطرة عليها والتحك��م فيها‬ ‫وتأهيلها وتدجينها‪.‬‬ ‫أت��ى هذا الكتاب خمس��ة أقس��ام‬ ‫كب��رى مه��د له��ا المؤل��ف بمقدم��ة‬ ‫تأطيري��ة‪ ،‬كم��ا تضمن كل قس��م من‬ ‫األقس��ام الخمس��ة فص��و ًال فرعية‪ .‬و‬ ‫مثل��ه مثل الع��دد األكبر م��ن مؤلفات‬ ‫الدكت��ور غليون‪ ،‬الكتاب ش��ديد الثراء‪،‬‬ ‫غير متكل��ف اللغة‪ ،‬وال ب��د لكل مهتم‬ ‫من قراءته‪.‬‬

‫تصدر عن شباب سوري حر‬

‫يثي��ر الن��زاع القائ��م بي��ن أنصار‬ ‫الدول��ة العلماني��ة وأنص��ار الدول��ة‬ ‫اإلس�لامية أس��ئلة متزايدة في الوعي‬ ‫العرب��ي‪ .‬ول��م تع��د هذه األس��ئلة من‬ ‫مش��اغل المثقفي��ن وحده��م ولكنه��ا‬ ‫أصبح��ت تطرح نفس��ها عل��ى كل فرد‬ ‫يعم��ل أو يريد أن يعمل في السياس��ة‬ ‫بمنطقتنا‪.‬‬ ‫وم��ن ه��ذه األس��ئلة م��ا يتعل��ق‬ ‫بماهية السياس��ة‪ ،‬وعالقته��ا بالدين‪،‬‬ ‫ومنها ما يتعلق بمفه��وم الدولة ذاتها‬ ‫ومعناها‪ ،‬ومنها ما يتعلق بمعنى الدين‬ ‫ومفهوم��ه ف��ي مجتمعاتن��ا‪ ،‬ومنها ما‬ ‫يتعل��ق بالحركة اإلس�لامية المعاصرة‬ ‫وأسباب نشوئها وتطورها‪ .‬فلماذا كان‬ ‫هناك نزاع بين الدولة والدين‪ ،‬وما هو‬ ‫مضمون هذا النزاع وآفاته‪.‬‬ ‫لإلجاب��ة عل��ى ذل��ك يع��ود بن��ا‬ ‫"برهان غليون" إل��ى األصل التاريخي‬ ‫لهذا النزاع‪ ،‬فيكتش��ف محركه في روح‬ ‫التنافس‪ ،‬الذي بعثه ظهور الدولة بين‬ ‫منط��ق المراهنة على ال��والء الروحي‬ ‫األخالق��ي ‪ -‬المنتج للجماعة ‪ -‬ومنطق‬ ‫المراهن��ة عل��ى الترتي��ب اإلداري ‪-‬‬ ‫السياس��ي المنت��ج للدول��ة‪ .‬ففي هذا‬ ‫التناف��س تبرز في نظ��ر الكاتب جذور‬ ‫الث��ورة الديني��ة ورهانها عل��ى األخوة‬ ‫الروحية في الرد على الدولة القهرية‪،‬‬ ‫والث��ورة السياس��ية ورهانه��ا عل��ى‬ ‫المواطني��ة الح��رة في مواجه��ة الردة‬ ‫الديني��ة‪ ،‬كم��ا تب��رز العالق��ة الجدلية‬ ‫بينهما‪.‬‬ ‫إن السبب األكبر في فساد األرضية‬ ‫النظرية التي يط��رح من خاللها اليوم‬ ‫موضوع اإلسالم‪ ،‬هو اتفاق اإلسالميين‬ ‫المتطرفين وخصومه��م على تجاهل‬ ‫واقع اإلسالم في سبيل تجييره لصالح‬ ‫المعركة السياس��ية‪ .‬وهذا هو ما يمنع‬ ‫البح��ث العلم��ي فيما يتعلق باإلس�لام‬ ‫وبالدي��ن عام��ة‪ ،‬ويقص��ر الموض��وع‬ ‫على المناقشات والتعليقات والحوارات‬ ‫السياس��ية واتخ��اذ موق��ف الدف��اع أو‬ ‫العداء‪.‬‬ ‫يس��عى هذا الكت��اب إل��ى تجديد‬ ‫رؤيتنا لموضوع السياس��ة وفتحه على‬ ‫عوالم اعتاد العلم السياس��ي المتداول‬ ‫أن يبع��ده عنها‪ ،‬فيقدم أفكارا للتعامل‬ ‫م��ع أخط��ر الخالف��ات الت��ي يواجهه��ا‬ ‫مجتمعنا في الفكر السياس��ي‪ ،‬ويقوم‬ ‫بتش��ريح معن��ى الظواه��ر التاريخية‬ ‫ومضمونها‪ ،‬والكش��ف عن السياس��ي‬ ‫حيث ال يتوقع وجوده‪.‬‬ ‫وكتابنا اليوم ليس الزيارة األولى‬ ‫لبره��ان غلي��ون‪ ،‬لصفحات س��وريتنا‬ ‫ّ‬ ‫المفك��ر الس��وريّ الذي يش��غل‬ ‫وه��و‬ ‫منصب مدير دراسات الشرق المعاصر‬ ‫ف��ي جامع��ة الس��وربون‪ ،‬وهو أس��تاذ‬ ‫علم االجتماع السياس��ي‪ ،‬وله مؤ ّلفات‬ ‫عديدة باللس��انين العربي والفرنسي‬ ‫م��ن أبرزه��ا‪ :‬بيان م��ن أج��ل الحرية‪،‬‬ ‫المسألة الطائفية ومش��كلة األق ّليات‪،‬‬ ‫اغتي��ال العقل‪ ،‬االختي��ار الديمقراطي‬ ‫ف��ي س��ورية‪ ،‬المحنة العربي��ة‪ :‬الدولة‬ ‫ضدّ األمّة‪ ..‬وعش��رات الكتب الفردية‬ ‫منها والمش��تركة‪ .‬ويمك��ن القول‪ ،‬من‬ ‫خ�لال م��ا يت��م متابعت��ه ورص��ده من‬ ‫كتاب��ات الدكت��ور غلي��ون‪ ،‬أن هاجس‬ ‫الفكر اإلس�لامي وإحيائه بما يستجيب‬ ‫لحاجات نهضة العرب والمس��لمين في‬

‫وضعهم الحاضر قد مثل محور اهتمام‬ ‫خاص لديه انتظم في كتاباته‪ :‬الوعي‬ ‫الذات��ي‪ ،‬ومجتم��ع النخب��ة‪ ،‬واغتي��ال‬ ‫العقل‪ ،‬ليتم تناوله بصورة مركزة في‬ ‫كتابنا اليوم‪ ،‬واإلس�لام بالنس��بة إليه‬ ‫م��ا زال ذا أث��ر بعيد ف��ي تحديد مالمح‬ ‫الواقع العربي ومسارات مستقبله‪ .‬كما‬ ‫أن الممارسة السياسية معنية بالشأن‬ ‫الديني اإلسالمي‪ ،‬سواء كان ذلك داخل‬ ‫الس��لطة أو ف��ي المعارضة نظ��راً لما‬ ‫لإلس�لام من وظائف في تحديد أسس‬ ‫المش��روعية وتوجي��ه القي��م الثقافية‬ ‫والرمزي��ة المهم��ة للفع��ل السياس��ي‬ ‫واالجتماع��ي‪ .‬ويقول كاتبن��ا في ذلك‪:‬‬ ‫"إن األديان قد أسّس��ت لرابطة جمعية‬ ‫ّ‬ ‫قائمة على مفهوم األخ��وّة بما تعنيه‬ ‫من عالقة حميمية بين األفراد تدفعهم‬ ‫وأن‬ ‫إلى التكاف��ل والتضامن والتعاون‪ّ ،‬‬ ‫الدول��ة الحديث��ة ق��د أسس��ت لرابطة‬ ‫سياس��ية قائمة على فك��رة المواطنة‬ ‫التي تعني حرية األفراد واس��تقاللهم‬ ‫وخضوعهم بالتساوي إلى قانون واحد‬ ‫وتعاونه��م ضم��ن إط��ار القانون على‬ ‫تحقي��ق مصالحهم الخاص��ة والعامة‪،‬‬ ‫ال يق ّل��ل م��ن ش��أن االجتم��اع الديني‪،‬‬ ‫وال يزيد من قيمة االجتماع السياس��ي‪.‬‬ ‫نح��ن أمام نمطين للترابط االجتماعي‬ ‫حصال عب��ر التاريخ‪ .‬وبعكس ما يوحي‬ ‫به الس��ؤال‪ ،‬يلع��ب الدين الي��وم دورا‬ ‫كبيرا ف��ي المجتمعات المدنية الحديثة‬ ‫التي أنتجها نموذج الدولة السياس��ية‪.‬‬ ‫فه��و ف��ي الب�لاد العربية واإلس�لامية‬ ‫أكبر محرّك لعال��م الجمعيات الخيرية‬ ‫وش��بكات التضام��ن والتع��اون بي��ن‬ ‫األفراد‪ .‬وممّا يزيد من حيويته في هذا‬ ‫المجال هو غياب الدولة أو وجود الدول‬ ‫الضعيفة وغير المكتملة وعجزها عن‬ ‫الوف��اء بالتزاماتها في مي��دان التكافل‬ ‫االجتماعي‪.‬‬ ‫إذن‪ ،‬لي��س المقصود من الحديث‬ ‫عن نم��وذج الرابطة األخوية والرابطة‬ ‫السياس��ية إقص��اء الدي��ن م��ن دوره‬ ‫االجتماعي المدني‪ ،‬وإنما اإلش��ارة إلى‬ ‫أن ال��دول‪ ،‬أو االجتماع��ات السياس��ية‪،‬‬ ‫ال يمكن أن تبنى عل��ى مفهوم األخوة‬ ‫والش��ريعة الدينية‪ ،‬وإنم��ا هي بحاجة‬ ‫إل��ى مفه��وم المواطن��ة ال��ذي يعن��ي‬ ‫المش��اركة الفردية في اتخاذ القرارات‬ ‫الجمعي��ة‪ ،‬وه��ي التي تفت��رض وجود‬ ‫الحريات األساس��ية الضرورية لضمان‬ ‫اس��تقالل الف��رد وتكوين��ه الفك��ري‬ ‫واألخالقي وإمكاني��ة االختيار‪ .‬التصور‬ ‫الديني لألخوة يؤسس لجماعات قوية‬ ‫متماس��كة ومتضامن��ة‪ ،‬وهي جماعات‬ ‫المؤمنين‪ ،‬وهذا ال يمنعه من تأسيس‬ ‫دول إمبراطورية وسلطنات كما حصل‬ ‫في الماضي‪ ،‬لك��ن ال لدولة مواطنين‪.‬‬ ‫وه��و ال ي��زال مص��درا أساس��يًا لروح‬ ‫األخ��وة الضرورية لقيام المؤسس��ات‬ ‫المدنية التكافلية والتضامنية‪.‬‬ ‫كما يفرق بين مفهومي السياسة‬ ‫والدول��ة‪ .‬فالدولة التي ه��ي مجموعة‬ ‫م��ن المؤسس��ات المحكوم��ة بقواع��د‬ ‫عم��ل وأصول إجرائي��ة ومبادئ ومهام‬ ‫قانوني��ة وإدارية ورمزي��ة‪ ،‬ال تتطابق‬ ‫مع السياس��ة التي تتشكل على صعيد‬ ‫المجتمع من الغايات والقيم والتوجهات‬ ‫والمطالب والتيارات والقوى االجتماعية‬ ‫المتنازع��ة والمتآلف��ة لتحقيق مصالح‬ ‫جزئية وكلية معا‪ .‬فهي تتبلور أساسا‪،‬‬

‫من حيث التطلعات والتوجهات والبرامج‬ ‫والتكت�لات عل��ى مس��توى المجتمع ال‬ ‫داخ��ل الدول��ة‪ .‬وال يحص��ل ذل��ك في‬ ‫الف��راغ ولكن في بيئ��ة دينية وثقافية‬ ‫واجتماعي��ة‪ .‬فالسياس��ة ال يمك��ن إال‬ ‫أن تعك��س قي��م المجتمع��ات وآماله��ا‬ ‫وأحالمها ومصالحه��ا‪ .‬فهي بالضرورة‬ ‫اجتماعي��ة وتعددي��ة‪ .‬وال يمكن للدين‬ ‫الذي يطبع نفس��ية األفراد وسلوكهم‬ ‫وتربيته��م في المجتمع��ات العربية إال‬ ‫أن يعبر عن نفسه في السياسة ويطبع‬ ‫تظاهراته��ا الفكري��ة والمادي��ة‪ .‬لكن‬ ‫ً‬ ‫مطلق��ا وال يمكن تعميمه‬ ‫األم��ر ليس‬ ‫على جمي��ع الحقب والمجتمعات‪ ،‬اللهم‬ ‫إال إذا فهمن��ا م��ن مصطل��ح الدي��ن ما‬ ‫يدي��ن ب��ه مجتمع م��ن المجتمعات من‬ ‫مبادئ وقيم وأفكار‪.‬‬ ‫وس��عيًا منه إلى تحليل إش��كالية‬ ‫الدي��ن والدولة ف��ي الخط��اب العربي‬ ‫المعاص��ر وبالتال��ي تأس��يس المج��ال‬ ‫السياس��ي م��ن جدي��د‪ ،‬وتج��اوز حالة‬ ‫االستقطاب السائدة والتي تحكم على‬ ‫السجاالت العربية بالعقم واالستحالة‪،‬‬ ‫يط��رح الدكت��ور غلي��ون ف��ي كتابن��ا‬ ‫اليوم المزيد من األس��ئلة التي تتعلق‬ ‫بماهي��ة الدي��ن وبماهي��ة السياس��ة‪،‬‬ ‫وعالق��ة الدي��ن بالسياس��ة‪ ،‬وبماهية‬ ‫الدول��ة ومفهومه��ا‪ ..‬الخ‪:‬ه��ل الدول��ة‬ ‫هوية جماعية تجسد نفسها في كيان‬ ‫سياس��ي متميز يعك��س روح الجماعة‬ ‫وإرادتها المستقلة‪ ،‬أم نقصد بها جهازاً‬ ‫إدارياً وتقنياً‪ ،‬وبالتالي نربط مفهومها‬ ‫بنوعي��ة الوظائف اإلدارية والقس��رية‬ ‫والدفاعية التي تقوم بها؟ وهل نقصد‬ ‫بالدول��ة النظ��ام السياس��ي‪ ،‬أو بني��ة‬ ‫الس��لطة ومصدرها وطبيعة تنظيمها‬ ‫وما يطرأ عليها من صفات وخصائص‪،‬‬ ‫وط��رق ممارس��تها ف��ي المجتمع وفي‬ ‫الدول��ة‪ ،‬أم نعني بها المب��دأ األخالقي‬ ‫الع��ام المق��وم للمجتم��ع والناظ��م‬ ‫له‪ ،‬ال��ذي يجعل من��ه اجتماع��ًا مدنياً‪،‬‬ ‫ونطاب��ق مفهومها ومفهوم السياس��ة‬ ‫بما ه��ي تحديد أله��داف الممارس��ة‪،‬‬ ‫وتوظيف للسلطة وتوجيه لها‪...‬‬ ‫وفي معرض رصده لألزمة العامة‬ ‫التي يتخب��ط فيها الواق��ع العربي في‬ ‫مس��توى العالقة القائمة بي��ن الدولة‬ ‫والمجتم��ع وغي��اب الس��لطة الثابت��ة‬ ‫ومقوم��ات الش��رعية‪ ،‬يح��دد الدكتور‬ ‫غلي��ون اآلث��ار االجتماعي��ة الناجم��ة‬ ‫ع��ن ذلك‪ .‬فهو ي��رى أن اهتزاز معايير‬ ‫الس��لطة ونظ��ام الترات��ب االجتماعي‬ ‫وعالقات الوالء‪ ،‬كل ذلك أدى‪ ،‬مع انفجار‬ ‫النظام السياس��ي‪ ،‬إلى خراب الش��بكة‬ ‫الدقيقة م��ن التراتبي��ات والصالحيات‬ ‫وال��والءات الت��ي تك��ون الس��لطة‪،‬‬ ‫وبالتال��ي إل��ى انغالق عناص��ر النظام‬ ‫بمجملها‪ .‬وهك��ذا أدى غي��اب المعايير‬ ‫واألصول التي تضبط عالقات السلطة‬ ‫االجتماعية وتوزي��ع الصالحيات‪ ،‬مثال‪،‬‬ ‫إلى أن تتدخل الس��لطة السياسية في‬ ‫كل صغيرة وكبيرة من حياة الجماعات‬ ‫واألف��راد بل إلى اإللغاء الش��رعي لكل‬ ‫حياة شخصية وفردية مستقلة"‪.‬‬ ‫وهذا ما يفس��ر في الوقت نفسه‬ ‫مي��ل الدول��ة العربي��ة المتزاي��د إل��ى‬ ‫اس��تعمال العن��ف والتنكي��ل برعاياها‬ ‫ب��دل أن تك��ون راعية للس��لم األهلي‬ ‫والمصلح��ة العامة‪" .‬فبنف��س الدرجة‬

‫قراءة في كتاب ‪. .‬‬

‫ياسر مرزوق‬

‫‪19‬‬


‫تربير االنتهاكات‬

‫أعمدة الصحافة‪. .‬‬ ‫سوريتنا | السنة األولى | العدد (‪ / 12 | )47‬آب ‪2012 /‬‬ ‫أسبوعية‬ ‫تصدر عن شباب سوري حر‬ ‫‪20‬‬

‫يقتل الأمل بثورة حقوق الإن�سان يف �سوريا‬ ‫كريستيان بنديكت ‪Kristyan Benedict‬‬ ‫من الصواب للمرء أن يقول بأنهم‬ ‫يريدون س��وريا جدي��دة تُحت��رم فيها‬ ‫حقوق اإلنس��ان لكافة أبناء الشعب (و)‬ ‫يبتهجون بعملي��ة اإلعدام الخارجة عن‬ ‫نطاق القانون الت��ي تمت بحق أعضاء‬ ‫من آل "بري" سيئي السمعة في مدينة‬ ‫حل��ب‪ .‬إن ه��ذا ممك��ن‪ ،‬ولك��ن لنك��ن‬ ‫واضحين‪ ،‬يمكن النظ��ر إلى ذلك أيضًا‬ ‫على أنه نفاق واس��ع‪ ،‬وم��ن المنطقي‬ ‫الق��ول إن تل��ك األفعال تس��هم بقتل‬ ‫األم��ل بث��ورة حقيقي��ة عمادها حقوق‬ ‫اإلنسان في سوريا‪.‬‬ ‫قد تبدو تلك الكلمات القاسية غير‬ ‫ضروري��ة‪ ،‬وقد ال تجد آذانًا صاغية عند‬ ‫الكثيرين من الذين تسبب لهم آل بري‬ ‫بالمعاناة في س��وريا‪ ،‬وبالطبع ألولئك‬ ‫الذين لطالما عانوا من التجاهل المثير‬ ‫للغثي��ان لكرامة اإلنس��ان وحياته الذي‬ ‫تمارس��ه حكوم��ة األس��د ‪ -‬ولكن حيث‬ ‫أنن��ا ندين االنته��اكات الجس��يمة التي‬ ‫ترتكبه��ا الق��وات الموالي��ة للحكوم��ة‬ ‫الس��ورية‪ ،‬يتوج��ب علين��ا أن نك��ون‬ ‫ثابتي��ن عل��ى موقفن��ا ونق��وم بالمثل‬ ‫عندما ترتكب المعارضة المسلحة مثل‬ ‫هذه االنتهاكات‪ ،‬وأيضاً عندما يقومون‬ ‫ه��م أو مؤيدوهم بمحاول��ة تبرير تلك‬ ‫االنتهاكات‪.‬‬ ‫إن ه��ذا األمر ال يتعلق بالمس��اواة‬ ‫أو بالق��ول بأن حج��م االنته��اكات بأي‬ ‫م��كان يمكن أن تقترب م��ن ما ترتكبه‬ ‫الق��وات الحكومية م��ن عنف ‪ -‬إن األمر‬ ‫يتعل��ق بالنه��ج الثاب��ت المتب��ع حيثما‬ ‫تحدث االنتهاكات والخروقات ومن قبل‬ ‫أيًا كان‪ .‬فالمعارضة المس��لحة ال تملك‬ ‫رخص��ة الرتكاب االنته��اكات لمجرد أن‬ ‫خصمها يقوم بإرهاب‪ ،‬ومعاقبة وإذالل‬ ‫المدنيين في كافة أنحاء سوريا‪.‬‬ ‫ولذل��ك‪ ،‬وبينم��ا تس��تمر ق��وات‬ ‫الحكوم��ة الس��ورية بارت��كاب خروقات‬ ‫لحقوق اإلنس��ان على نطاق واسع‪ ،‬بما‬ ‫في ذلك جرائم ضد اإلنسانية وجرائم‬ ‫حرب‪ ،‬ثمة عدد متزاي��د من االنتهاكات‬ ‫الت��ي يرتكبه��ا الجيش الس��وري الحر‬ ‫وجماعات المعارضة المس��لحة األخرى‬ ‫وفق��ًا لتقارير ص��ادرة خالل األس��ابيع‬ ‫األخي��رة‪ ،‬بما في ذلك ارت��كاب عمليات‬ ‫قت��ل ممنهج��ة وغير قانوني��ة‪ ،‬وكذلك‬ ‫القي��ام بتعذي��ب عناص��ر م��ن ق��وات‬ ‫األمن الذين تم إلق��اء القبض عليهم‪.‬‬ ‫إن عملي��ات القت��ل والتعذي��ب وس��وء‬ ‫المعامل��ة تلك تعتبر خروق��ات خطيرة‬ ‫بحق القانون اإلنس��اني الدولي (‪،)IHL‬‬ ‫وتعادل جرائم حرب‪.‬‬ ‫بالطب��ع ه��ذه المس��الة محفوفة‬ ‫بكثي��ر م��ن الحساس��يات والصعوبات‪،‬‬ ‫وكذل��ك وس��ط غي��اب واض��ح للوع��ي‬ ‫من قبل البعض ح��ول ماهية القانون‬ ‫اإلنس��اني الدول��ي (‪ )IHL‬وم��ا يعني��ه‪.‬‬ ‫الي��وم‪ ،‬أح��د الناش��طين الس��وريين‬ ‫البارزين والمقيم في المملكة المتحدة‬ ‫أخبرني ب��أن أحد أقاربه المقربين قُتل‬

‫البارح��ة (‪ 31‬يولي��و‪ /‬تم��وز) م��ن قبل‬ ‫آل ب��ري ‪ -‬لقد أخبرني بذل��ك رداً على‬ ‫بع��ض التعليق��ات الت��ي صرح��ت بها‪،‬‬ ‫حيث قلت بشكل أساس��ي بأن عمليات‬ ‫اإلع��دام تل��ك ليس��ت ه��ي الطريق��ة‬ ‫المثلى للتعامل مع هؤالء األش��خاص‪.‬‬ ‫هذا الناش��ط هو رجل ص��ادق ويتمتع‬ ‫بالحكمة‪ ،‬ويتفهم ضرورة التأكيد على‬ ‫أن "ما س��يأتي فيم��ا بعد" في س��وريا‬ ‫يجب أن ال يكون بمثل سوء أو أسوأ من‬ ‫الذي في طريقه للح��دوث… وألهمية‬ ‫الس��ياق‪ ،‬فإنه من الص��واب القول بأن‬ ‫التصريح بذلك يعتبر شيئًا غير مقبول‪،‬‬ ‫خاص��ة بالنس��بة إل��ى أولئ��ك الذي��ن‬ ‫يطالب��ون بالحري��ة وبحقوقه��م ‪ -‬إن‬ ‫اإلعدامات الخارج��ة عن نطاق القانون‬ ‫تعتب��ر واح��دة م��ن تل��ك التصرف��ات‬ ‫الت��ي ال ينبغ��ي أن تك��ون مقبولة إلى‬ ‫جانب عمليات التعذي��ب والمعاملة غير‬ ‫اإلنسانية بحق المعتقلين‪.‬‬ ‫بالفع��ل‪ ،‬فمس��ألة كيفي��ة قت��ل‬ ‫ه��ؤالء كان محل جدل بين الناش��طين‬ ‫الس��وريين عل��ى صفح��ات اإلنترن��ت‬ ‫وغيره��ا‪ ،‬م��ع وج��ود الكثي��ر الذي��ن‬ ‫يتفهم��ون تمام��اً الحاج��ة لتخلي��ص‬ ‫س��وريا من هذه العصابات‪ ،‬ولكن هذا‬ ‫لي��س م��ا يج��ب أن يح��دث ‪ -‬إن هذا ال‬ ‫يمث��ل ما يقاتل��ون من أجل��ه ‪ -‬إن هذا‬ ‫م��ا يقاتلون للتخلص من��ه… بالفعل‪،‬‬ ‫العديد من التعليقات كانت تردد صدى‬ ‫ما قاله عبد الرزاق طالس‪ ،‬قائد كتيبة‬ ‫الفاروق‪ ،‬في آخر فيديو مصور له‪ ،‬حيث‬ ‫تعهد بااللتزام بمعاهدة جنيف‪ ،‬أو تردد‬ ‫ص��دى البيان الص��ادر ع��ن العديد من‬ ‫الكتائب المنضوية تحت مظلة الجيش‬

‫الس��وري الحر والذين تعهدوا بااللتزام‬ ‫بحق��وق أس��رى الح��رب‪ ،‬ومعاملته��م‬ ‫بطريقة مالئمة‪.‬‬ ‫ويمك��ن للمرء أن يق��ول أنه نظراً‬ ‫للظ��روف القاتمة فإن تل��ك المبادرات‪،‬‬ ‫ف��ي الواق��ع‪ ،‬إيجابية جداً وف��ي الوقت‬ ‫المناس��ب ‪ -‬م��ن المؤكد أن الس��لطات‬ ‫الس��ورية ومؤيديه��ا ال يس��محون في‬ ‫أي وق��ت أو حت��ى أنه��م ال يقدمون أية‬ ‫مصداقي��ة لض��رورة احت��رام وحماي��ة‬ ‫القان��ون الدول��ي لحق��وق اإلنس��ان أو‬ ‫القان��ون الدولي اإلنس��اني‪ ،‬وبالتأكيد‬ ‫ذلك ليس علنًا‪.‬‬ ‫لذل��ك نع��م‪ ،‬هن��اك الكثي��ر م��ن‬ ‫الناشطين في المعارضة يدينون بحق‬ ‫االنتهاكات المرتكبة من قبل المعارضة‬ ‫المس��لحة وينبغي أن يحسب لهم ذلك‪.‬‬ ‫هن��اك أمل كبي��ر يتولد ضمن أقس��ام‬ ‫كبي��رة من المعارضة الس��ورية بأن ما‬ ‫س��يأتي غداً س��يكون بالفع��ل أفضل‪،‬‬ ‫ولك��ن اإلعدام��ات الخارجة ع��ن نطاق‬ ‫القان��ون والت��ي رأيناه��ا ف��ي الفيديو‬ ‫المص��ور آلل ب��ري واالنته��اكات الت��ي‬ ‫شهدناها في الفيديوهات األخرى على‬ ‫مدى أسابيع من شأنها فقط أن تقوض‬ ‫الجه��ود الحمي��دة المبذول��ة م��ن قبل‬ ‫ناش��طي المعارضة والتي بالتأكيد لن‬ ‫تُحدث ثورة حقوق اإلنس��ان المنشودة‬ ‫في سوريا‪.‬‬ ‫لس��وء الحظ‪ ،‬لكن لي��س من غير‬ ‫المتوق��ع‪ ،‬ف��إن العدي��د م��ن ناش��طي‬ ‫المعارضة السورية كانوا قد قالوا فيما‬ ‫يخ��ص الدالئل على وق��وع االنتهاكات‬ ‫ب��أن "هذه حرب… ومثل هذه األش��ياء‬ ‫تح��دث" أو "إن��ه وقت تصفية الحس��اب‬

‫ األس��د يقت��ل أطفالن��ا"‪ ،‬وبالتال��ي‬‫أق��ول نعم‪ ،‬إنه��ا الح��رب‪ ،‬ولكن هناك‬ ‫قواني��ن للح��رب‪ ،‬تل��ك القواني��ن التي‬ ‫تنظم الوس��ائل واألدوات المس��تخدمة‬ ‫فيه��ا… تل��ك القواني��ن الت��ي وضعت‬ ‫للحفاظ على حي��اة المدنيين واآلخرين‬ ‫الذين لم يش��تركوا بش��كل مباشر في‬ ‫الصراع‪ ،‬والتي من ش��أنها أن تقلل من‬ ‫حجم المعاناة إلى أقل قدر ممكن‪ ،‬تلك‬ ‫القوانين التي تقول بأننا بشر وسنكون‬ ‫كذلك في تصرفاتنا… ال يجب تجاهل‬ ‫هذه القوانين أو ع��دم احترامها عندما‬ ‫يكون المرء يقاتل بكل صدق من أجل‬ ‫س��وريا أفضل حيث تُحت��رم كل فئات‬ ‫الشعب وحقوق اإلنسان‪.‬‬ ‫آخ��رون قال��وا بأن��ه لي��س م��ن‬ ‫العمل��ي االعتقاد بأن الجيش الس��وري‬ ‫الح��ر أو المعارض��ة المس��لحة بش��كل‬ ‫ع��ام يمكنهم االلت��زام أو فهم القانون‬ ‫الدول��ي اإلنس��اني (‪ ،)IHL‬ناهي��ك عن‬ ‫تنفي��ذ بنوده من خ�لال رتبهم التي ما‬ ‫زالت في طور التنظيم نحو األفضل‪.‬‬ ‫أق��ول ب��أن البدائ��ل لإلعدام��ات‬ ‫الميداني��ة والتي تتناس��ب م��ع القانون‬ ‫الدول��ي يج��ب أن تكون دائم��اً جاهزة‪.‬‬ ‫فف��ي حالة آل ب��ري‪ ،‬فإلى أي مدى كان‬ ‫من الصع��ب االتصال باللجن��ة الدولية‬ ‫للصليب األحمر في دمش��ق وس��ؤالهم‬ ‫عن كيفية التعامل مع المعتقلين؟ هل‬ ‫كان م��ن الض��روري نقله��م إلى مكان‬ ‫سري حيث ال تستطيع القوات السورية‬ ‫القي��ام بعملية خاص��ة إلنقاذهم على‬ ‫س��بيل المثال؟ قد يبدو ذلك من ضرب‬ ‫الخي��ال‪ ،‬حيث أن حرك��ة اللجنة الدولية‬ ‫للصليب األحمر محدودة وعدد أفرادها‬


‫أعمدة الصحافة‪. .‬‬ ‫سوريتنا | السنة األولى | العدد (‪ / 12 | )47‬آب ‪2012 /‬‬ ‫أسبوعية‬

‫يتعي��ن علينا بدورنا تقدي��م اقتراحات‬ ‫عملية حول كيفية تحقيق ذلك‪.‬‬ ‫م��ن وجه��ة نظ��ري‪ ،‬ال أرى هدفًا‬ ‫من تس��ليط الض��وء عل��ى االنتهاكات‬ ‫المرتكبة من قبل المعارضة المسلحة‬ ‫مث��ل اإلعدام��ات الميداني��ة التي بحق‬ ‫أعض��اء م��ن آل ب��ري‪ ،‬س��وى إعط��اء‬ ‫توصي��ات أساس��ية إليق��اف ومنع مثل‬ ‫تل��ك االنتهاكات حي��ن نك��ون قادرين‬ ‫أيضاً على طرح خطوات عملية للتقليل‬ ‫وإزالة مثل تلك االنتهاكات‪.‬‬ ‫أعتقد أيضاً بأنه ل��ن يكون هناك‬ ‫أفضل من هذا الوق��ت إلظهار االلتزام‬ ‫بالقان��ون الدول��ي اإلنس��اني (‪.)IHL‬‬ ‫عندما يكون هناك سوريا جديدة‪ ،‬قسم‬ ‫كبير من المعارضة المس��لحة قد تأخذ‬ ‫عل��ى عاتقها دوراً أساس��يًا في القطاع‬ ‫األمن��ي للبالد في المس��تقبل ‪ -‬ال أرى‬ ‫س��بباً يبرر عدم البدء بتنفيذ إصالحات‬ ‫في القطاع األمني من اآلن‪ .‬إن عنصراً‬ ‫أساس��ياً من ذلك ينبغي أن يرتكز على‬ ‫فهم القانون الدولي وااللتزام به‪.‬‬ ‫إن مخاط��ر عدم االنخ��راط بمثل‬ ‫هذه العملية المقترحة هو أنه سيكون‬ ‫هناك عدد أكبر من االنتهاكات‪ ،‬وسفك‬ ‫أكب��ر للدماء حي��ث أن المجازر س��تولد‬ ‫مج��ازر أكث��ر ف��ي عملي��ات انتقامية‪،‬‬ ‫وس��يكون الوضع بالنس��بة للسوريين‬ ‫العاديي��ن غي��ر مس��تقر أكث��ر مما هو‬ ‫عليه اآلن‪.‬‬ ‫من خالل التزام صارم وش��خصي‬ ‫من قب��ل أعضاء المعارضة المس��لحة‪،‬‬ ‫ف��إن هن��اك إمكاني��ة إيقاف ع��دد من‬ ‫المعارضة المس��لحة للمحاس��بة لعدم‬ ‫اتخاذه��م إج��راء كاف للحيلول��ة دون‬ ‫وق��وع مث��ل ه��ذه االنته��اكات‪ .‬هن��اك‬ ‫أيضاً خطر آخر يتجس��د في أن س��وريا‬ ‫الجديدة سيكون لديها قطاع أمني يتبع‬ ‫منهجًا مشابهًا للقانون الدولي وحقوق‬ ‫اإلنس��ان‪ ،‬تمامًا مث��ل القط��اع األمني‬ ‫ف��ي الحكوم��ة الس��ورية الحالي��ة‪ .‬إن‬ ‫ذلك س��يكون بمثابة الضربة القاضية‬ ‫ألولئ��ك الذي��ن قدموا الكثي��ر من أجل‬ ‫سوريا أفضل‪.‬‬ ‫هن��اك أيضاً مخاط��ر أخرى تتمثل‬ ‫ف��ي ص��ورة المعارض��ة المس��لحة‪،‬‬ ‫أو المعارض��ة األوس��ع بش��كل ع��ام‪.‬‬ ‫فم��ن الواضح كي��ف يق��وم العديد من‬ ‫المدافعي��ن ع��ن النظام الحالي بنش��ر‬ ‫الفيدي��و الخ��اص "بإع��دام أعضاء من‬ ‫آل ب��ري"‪ ،‬ف��ي محاولة منهم لتش��ويه‬ ‫ص��ورة المعارضة الس��ورية بأكملها ‪-‬‬ ‫وه��ذا ما هو متوقع ‪ -‬حيث يقوم أولئك‬ ‫باس��تخدام القان��ون الدولي ومس��ائل‬ ‫الكرامة فقط عندما تناس��بهم‪ ،‬وغالبًا‬

‫ما يديرون ظهورهم للخروقات الكبيرة‬ ‫الت��ي ترتكبه��ا الحكومة الس��ورية‪ .‬إن‬ ‫تجنب ذلك ال يعني عدم تصوير ونشر‬ ‫مثل تل��ك االنتهاكات في المس��تقبل‪،‬‬ ‫وإنم��ا يعني عدم اإلق��دام على ارتكاب‬ ‫مثل تلك االنتهاكات على اإلطالق‪.‬‬ ‫ثم��ة أمل كبير في أن يكون هناك‬ ‫ع��دد كاف م��ن الش��عب على ق��در من‬ ‫الوعي تماماً لما تقوم به منظمة العفو‬ ‫الدولية "أمنس��تي" بهدف إحداث سوريا‬ ‫جديدة‪ ،‬تلقى فيها حقوق اإلنس��ان كل‬ ‫االحت��رام والحماية‪ .‬يمك��ن للبعض أن‬ ‫يس��خر م��ن ه��ذه الطروح��ات‪ ،‬ويقول‬ ‫"اذهب وأخبر الحكومة السورية بذلك"‬ ‫أو "نحن لسنا بسوء الحكومة السورية"‬ ‫ من المؤكد أن هذا متوقع‪ ،‬ولكن هذا‬‫ال يعن��ي ب��أن المعارض��ة المس��لحة ال‬ ‫تمتلك التزاماتها الخاصة تجاه القانون‬ ‫اإلنساني الدولي (‪ )IHL‬كما هو مذكور‬ ‫في بياننا العام الصادر مؤخراً‪.‬‬ ‫وكذلك هو الحال أيضاً‪ ،‬كما ذكرنا‬ ‫في تقريرنا الجديد الصادر بتاريخ األول‬ ‫من شهر آب‪/‬أغس��طس‪ ،‬بأن الحكومة‬ ‫الس��ورية ال تبدي أي ني��ة أو رغبة في‬ ‫محاول��ة إيق��اف خروقاته��ا المزري��ة‬ ‫لحق��وق اإلنس��ان‪ ،‬أو أن تق��وم بفت��ح‬ ‫تحقيق بش��أنها‪ ،‬أو إيقاف المس��ؤولين‬ ‫عنه��ا للمحاس��بة‪ .‬على نقي��ض ذلك‪،‬‬ ‫تس��تمر الجرائم تح��ت القانون الدولي‬ ‫ويس��تمر ارت��كاب الخروق��ات لحق��وق‬ ‫اإلنس��ان‪ ،‬وم��ن المؤك��د أن ذل��ك يتم‬ ‫بمباركة من السلطات السورية بأعلى‬ ‫مس��توياتها‪ .‬لذلك بالنسبة للمعارضة‬ ‫المس��لحة‪ ،‬ف��إن التحضي��ر للمرحل��ة‬ ‫االنتقالي��ة يتطلب التحضي��ر أيضاً ألن‬ ‫يكون التغيير المنشود هو نفسه الذي‬ ‫تق��ول إنها تري��ده لس��وريا‪ .‬وعلى كل‬ ‫حال‪ ،‬فإن كان هذا التغيير مبني بشكل‬ ‫ممنه��ج وع��ام عل��ى تجاه��ل القانون‬ ‫الدولي (مث��ل النظام الحال��ي)‪ ،‬عندها‬ ‫يمكنه��ا ق��ول ذلك‪ ،‬ولك��ن‪ ،‬نرجو أن ال‬ ‫تمتعض عندم��ا تقوم منظمات حقوق‬ ‫اإلنس��ان بانتق��اد وتح��دي مث��ل ه��ذه‬ ‫التصرفات‪.‬‬ ‫لذل��ك كنا ق��د قلنا بش��كل معلن‬ ‫وخ��اص بأنه يجب على القيادة (س��واء‬ ‫أكانت مؤي��دة أو معارضة للحكومة) أن‬ ‫توض��ح للقوات العامل��ة تحت إمرتها أو‬ ‫التي تعمل تح��ت قيادتها‪ ،‬بأنه لن يتم‬ ‫التس��اهل مع أي انتهاكات ترتكب بحق‬ ‫القانون اإلنس��اني الدول��ي (‪ .)IHL‬من‬ ‫واجب القي��ادات العليا (أينما اس��تدعت‬ ‫الحاجة) أن تق��وم بالحيلولة دون وقوع‬ ‫جرائ��م الحرب م��ن قبل أولئ��ك الذين‬ ‫يعملون تحت إمرته��م‪ ،‬أو أولئك الذين‬ ‫يخضوع��ون لس��يطرتهم‪ ،‬وكم��ا قلن��ا‬

‫سابقًا ولكون ذلك يستحق التكرار‪ ،‬قد‬ ‫يتم إيقافهم لمسؤوليتهم عن ارتكاب‬ ‫تل��ك الجرائم ف��ي حال فش��لهم بمنع‬ ‫ذلك‪.‬‬ ‫بن��اء عل��ى ذل��ك‪ ،‬فإن عل��ى كافة‬ ‫األط��راف المنخرط��ة في الص��راع في‬ ‫س��وريا اتخاذ كل اإلجراءات االحترازية‬ ‫الملموس��ة للتقلي��ل من إلح��اق األذى‬ ‫بالمدنيي��ن واأله��داف المدني��ة‪ ،‬وأن‬ ‫تمتنع عن القي��ام بالهجمات بالتي من‬ ‫شأنها إلحاق األذى بالمدنيين على نحو‬ ‫عش��وائي‪ ،‬والتي ال يمكنها التمييز بين‬ ‫المقاتلين والمدنيين‪.‬‬ ‫على الجيش الس��وري الحر وكافة‬ ‫ق��ادة المعارض��ة المس��لحة أن يدركوا‬ ‫بأنه مع الس��يطرة على المناطق تأتي‬ ‫المسؤوليات‪ ،‬وبش��كل أساسي لضمان‬ ‫توفير الحماية للسكان المدنيين‪.‬‬ ‫م��ن الواضح أنني أقوم بتس��ليط‬ ‫الضوء على مس��الة أوس��ع م��ن مجرد‬ ‫حادث��ة آل "ب��ري"‪ ،‬وذلك قب��ل أن يأتي‬ ‫أحده��م ويقول بأن أولئ��ك لما يكونوا‬ ‫مدنيي��ن‪ ،‬وإنم��ا كان��وا م��ن عصاب��ات‬ ‫الش��بيحة‪ .‬أود أن أتوج��ه إل��ى أولئ��ك‬ ‫بضرورة تطبيق القان��ون الدولي فيما‬ ‫يتعل��ق بمعامل��ة المعتقلي��ن في هذه‬ ‫الحالة أو غيرها‪.‬‬ ‫يعجبن��ي الكثي��ر من األش��خاص‬ ‫حول العالم وداخل سوريا‪ ،‬أولئك الذين‬ ‫يريدون رؤية سوريا جديدة تحترم فيها‬ ‫بشكل حقيقي حقوق اإلنسان وتكفلها‬ ‫للجمي��ع ‪ -‬وه��ذا يعن��ي الجمي��ع‪ ،‬حتى‬ ‫أولئك الذين تس��ببوا بمعان��اة عظيمة‬ ‫تجاه الناس العاديين في حلب ومناطق‬ ‫أخرى في سوريا‪.‬‬ ‫من الصحة بمكان إدانة االنتهاكات‬ ‫كاإلعدام��ات الخارج��ة ع��ن القان��ون‪،‬‬ ‫وقد كان من الجي��د أن نرى العديد من‬ ‫ناش��طي الجماعات المعارضة يقومون‬ ‫بذلك فيما يخ��ص عمليات القتل بحق‬ ‫آل ب��ري ‪ -‬إن ذلك يعطين��ا األمل حتى‬ ‫وسط هذه األوقات العصيبة‪.‬‬ ‫إن منظمة العفو الدولية "أمنستي"‬ ‫ل��ن تتخل��ى ع��ن س��وريا‪ ،‬وسنس��تمر‬ ‫بتكريس عملنا للمتظاهرين السلميين‪،‬‬ ‫إلى أولئك الذي قدموا أرواحهم‪ ،‬أولئك‬ ‫المختفي��ن‪ ،‬والمعتقلي��ن والصامدي��ن‬ ‫ الذي يقفون بكل ش��جاعة على خط‬‫المواجهة األول في سبيل تحقيق ثورة‬ ‫حقوق اإلنسان‪.‬‬ ‫المصدر‪:‬‬ ‫‪Amnesty International UK / Blogs‬‬ ‫‪2012 / 8 / 2‬‬

‫تصدر عن شباب سوري حر‬

‫قليل‪ ،‬ولكن يمكن االتصال بهم‪ ،‬وهم‬ ‫موج��ودون هناك لتقديم النصح لكافة‬ ‫األط��راف المش��اركة فيما ب��ات يعرف‬ ‫اآلن على أنه صراع مس��لح غير دولي‪.‬‬ ‫إن تلك النصائح التي س��تقدمها اللجنة‬ ‫الدولية س��تتضمن كيفي��ة التعامل مع‬ ‫المعتقلين‪.‬‬ ‫في العش��رين م��ن ش��هر يوليو‪/‬‬ ‫تموز‪ ،‬قمنا بإصدار بيان عام حول هذه‬ ‫المس��ائل حيث كان هناك أدلة واضحة‬ ‫على وجود انته��اكات متزايدة من قبل‬ ‫جماع��ات المعارضة المس��لحة‪ ،‬ضمن‬ ‫هذا البيان‪ ،‬ذكرنا أنه بينما تستمر قوات‬ ‫الحكوم��ة الس��ورية بارت��كاب خروقات‬ ‫لحقوق اإلنس��ان على نطاق واسع‪ ،‬بما‬ ‫في ذلك جرائم ضد اإلنسانية وجرائم‬ ‫حرب‪ ،‬ثمة عدد متزاي��د من االنتهاكات‬ ‫الت��ي يرتكبه��ا الجيش الس��وري الحر‬ ‫والجماعات المعارضة المسلحة األخرى‬ ‫وفق��ًا لتقارير ص��ادرة خالل األس��ابيع‬ ‫األخي��رة‪ ،‬بما في ذلك ارت��كاب عمليات‬ ‫قت��ل ممنهج��ة وغير قانوني��ة‪ ،‬وكذلك‬ ‫القي��ام بتعذي��ب عناص��ر م��ن ق��وات‬ ‫األمن الذين تم إلق��اء القبض عليهم‪.‬‬ ‫إن عملي��ات القت��ل والتعذي��ب وس��وء‬ ‫المعامل��ة تلك تعتبر خروق��ات خطيرة‬ ‫بحق القانون اإلنس��اني الدولي (‪،)IHL‬‬ ‫وتعادل جرائم الحرب‪.‬‬ ‫من المه��م أن نوضح هنا أن همنا‬ ‫الرئيس��ي ه��و حماي��ة المدنيي��ن‪ ،‬وما‬ ‫هي الخط��وات العملي��ة والمؤثرة التي‬ ‫يتوجب على قيادات المعارضة اتخاذها‬ ‫للتأكد من ذلك‪ ،‬وكذلك األمر بالنس��بة‬ ‫لتوفي��ر متطلب��ات القانون اإلنس��اني‬ ‫الدول��ي (‪ .)IHL‬وعلى تل��ك الدول التي‬ ‫تقوم بمس��اعدة المعارضة المس��لحة‬ ‫أن تتحمل المس��ؤولية ذاتها كما ذكرت‬ ‫في وقت س��ابق‪ ،‬ولك��ن حتى اآلن‪ ،‬من‬ ‫الض��روري بالنس��بة لق��ادة المعارضة‬ ‫المس��لحة أن تق��وم بكل ما تس��تطيع‬ ‫عمله بهدف تطوير العناصر األساسية‬ ‫للقان��ون اإلنس��اني الدول��ي (‪)IHL‬‬ ‫بطريقة فعال��ة ‪ -‬ومن الواضح أن ذلك‬ ‫س��يحظى بمصداقية أكبر فيما لو أتى‬ ‫م��ن قبل القي��ادة المعت��رف بها وليس‬ ‫من قبل أي دولة‪ ،‬أو معارضة مدنية أو‬ ‫منظمات غير حكومية‪.‬‬ ‫كي��ف يمك��ن توق��ع قي��ام القادة‬ ‫الميدانيي��ن والق��ادة اآلخري��ن ضم��ن‬ ‫المجال��س العس��كرية بإيص��ال مث��ل‬ ‫ه��ذه الرس��ائل عل��ى الرغ��م م��ن كل‬ ‫ش��يء؟ حس��نًا‪ ،‬إن مش��اهد فيدي��و‬ ‫مص��ورة قصي��رة‪ ،‬تق��وم م��ن خاللها‬ ‫بإدانة االنتهاكات مثل التعذيب‪ ،‬وس��وء‬ ‫المعامل��ة للمعتقلين وتنفيذ اإلعدامات‬ ‫الخارج��ة ع��ن نطاق القان��ون‪ ،‬وكذلك‬ ‫التأكي��د عل��ى أق��ل الت��زام ممكن من‬ ‫قبل المعارضة المسلحة تعتبر طريقة‬ ‫عملي��ة جداً باتجاه ما س��بق والذي قام‬ ‫به عبد الرزاق طالس سابقًا‪.‬‬ ‫في الواقع لق��د أظهرت المعارضة‬ ‫نفس��ها أن اس��تخدام ه��ذه اآللي��ة في‬ ‫االتصاالت وس��يلة فعالة جداً‪ ،‬خصوصًا‬ ‫عندم��ا وزع��ت ع��ن طري��ق قوائ��م‬ ‫البري��د االلكتروني الخاص والش��بكات‬ ‫االجتماعي��ة‪ .‬كما أنها تق��دم مصداقية‬ ‫أكث��ر للرس��الة إذا ما ت��م تحديد الجهة‬ ‫المرس��لة إليه��ا تلك الرس��الة بد ًال من‬ ‫كلم��ات ف��ي نش��رة م��ا‪ .‬إذا أردن��ا من‬ ‫قي��ادة المعارض��ة المس��لحة االلت��زام‬ ‫علنًا بحقوق اإلنس��ان ومعايير القانون‬ ‫الدول��ي اإلنس��اني وإدان��ة االنتهاكات‬ ‫وإرس��الها لمن هم تح��ت إمرتهم فإنه‬

‫‪21‬‬


‫خولة دنيا‬

‫حيطان فيس بوك ‪. .‬‬

‫دمش��ق تخلع عبء أس��منتها وس��كانها‪ ..‬ك��روح هاربة من‬ ‫ضجي��ج األرضي تح ّلق نحو المقدس‪ .‬دمش��ق التي ش��اخت‬ ‫بتجاعي��د ما تركت��ه الدبابات على الطرق��ات‪ ..‬تصدر صرير‬ ‫الوجع تحت أقدام الخائفين الباقين بين جنباتها‪ ..‬دمش��ق‬ ‫تعي��د صياغة أحياءه��ا‪ ..‬تكنس الغبار عن غوطتها‪ ..‬تش��رد‬ ‫الغيب نح��و فضاءاتها الرحبة‬ ‫بعيداً تحاول اخت��راق حُجُبَ ِ‬ ‫إال م��ن ع��بء ترح��االت ال تنتهي محمل�� ًة بذع��ر الفرار من‬ ‫المج��زرة‪ ..‬دمش��ق التي ارتكبت معصي َة فردِ الجس��د على‬ ‫آخره لمن تس��لق هضابها‪َ ..‬‬ ‫وأزال اخضرار ش��عرها‪ ..‬شابت‬ ‫ضجيج لمعركة‪.‬‬ ‫بقايا‬ ‫وتح��ول‬ ‫كثيراً حتى ش��اخَ منها الصبار‬ ‫ٍ‬ ‫تتش��وه الطرقات بالفراغ‪ ..‬تتشوه االحياء بالمساحات الحرة‬ ‫بشر شاء لهم المدفع أن يرحلوا‪ .‬تنام‬ ‫المقتطعة من حيوات ٍ‬ ‫طلق الوالدة‪ ..‬والمنتظر م��ازال غيباً ع ّله‬ ‫وق��ع ِ‬ ‫العيون على ِ‬ ‫يدرك أن آن األوان ليعودَ‪ ..‬يعيد ضجيج الحياة في دمشق‪..‬‬

‫رمي تركماين‬ ‫الفريق السوري يخسر في س��باق الحواجز في األولمبياد‬ ‫ألن الالعبين يقفون ليشهروا هويتهم عند كل حاجز‬

‫يحيى جابر‬ ‫إلى خال��د خليفة‪ :‬يوما ما س��يعتقلون حت��ى المقعد في‬ ‫الحديقة‪ ..‬بتهمة انتظار الحرية‬

‫عروة النريبية‬ ‫سوريتنا | السنة األولى | العدد (‪ / 12 | )47‬آب ‪2012 /‬‬

‫ٌ‬ ‫س��هل أن نرتاح فنقول إن النظام ه��و القاتل‪ .‬فهو القاتل‬ ‫الفعلي طبع��اً‪ .‬الصعب هو ان نبحث‪ ،‬ك ّلن��ا‪ّ ،‬‬ ‫كل واحد منا‪،‬‬ ‫عن مس��ؤوليته في قتله‪ ..‬كل شهيد يزفّ اليوم‪ ،‬كل طفل‬ ‫يُقتل‪ ،‬يحمل كل واحد منا جزءاً من المسؤولية عن موته‪..‬‬ ‫نتف��اوت في حجم أجزائنا تلك‪ ،‬ونحملها جميعاً‪ .‬لذلك نثور‬ ‫ربما‪ ،‬ك��ي نعوّض ع��ن التقصير‪ ،‬ولذلك يه��رب آخرون‪،‬‬ ‫من البلد او من المس��ؤولية‪ ،‬لذل��ك يفقد بعضنا البوصلة‬ ‫ويغرقون في بحر الدم الذي يجري‪ ،‬ولذلك يصمت البعض‪،‬‬ ‫ويدفنون أذيالهم مع رؤوسهم في رمل أحمر‪.‬‬

‫نور�س جميد‬ ‫في الحرب‪ ..‬الظلم هو القاعدة‪ ..‬والعدل هو االستثناء‪..‬‬

‫ميليا عيدموين‬ ‫تحس��با و ألي انش��قاق في المس��تقبل نعل��ن بأن جميع‬ ‫المس��ؤولين الس��وريين مدنيي��ن و عس��كريين ه��م‬ ‫متعاونون مع أجهزة االس��تخبارات الخارجية و فاسدون و‬ ‫بأنه تمت إقالتهم من زمان‪ ..‬وصبح صبح يا عم الحج‪..‬‬

‫ليلى العودات‬ ‫هالمنصب منصاب بالعين ما في كالم‪ ،‬شي بينتحر شي‬ ‫بيتقلع‪ ..‬الشعب يريد خرزة زرقة لمنصب رئيس الوزراء‪..‬‬

‫�أي�سر �شعبو‬ ‫تم تعديل اليمين الدس��تورية في سوريا حيث تم اقحام‬ ‫عبارة‪" :‬اقس��م باهلل العظيم أن ال انشق"‪ ..‬وهيك بيحرقو‬ ‫اهلل بالنار إذا أنشق‪..‬‬

‫أسبوعية‬ ‫تصدر عن شباب سوري حر‬ ‫‪22‬‬

‫�شو هي احلرية اللي بدكن ياها؟ (‪)10‬‬ ‫أو ًال‪ :‬إعالء كلمه الحق في بلدنا لتكون كلمه اهلل هي العليا‪.‬‬ ‫ثانياً‪ :‬التخلص من ذل العبودية والقهر الذي نعاني منه بس��بب أصحاب الس��لطة منذ‬ ‫‪ 40‬سنة‪.‬‬ ‫ثالثاً‪ :‬االنتقام لمجزرة حماه التي تخاذل س��كان دمش��ق وحلب في الدفاع عنها ودفعت‬ ‫حماه وحدها الثمن‪.‬‬ ‫رابعاً وأخيراً‪ :‬االنتقام لدم صديقي سامر ودماء أقربائنا ودماء السوريين‪.‬‬

‫شاب «ثورجي» جداً من حي القابون‬

‫وائل �سواح‬ ‫الخطأ كان باألس��اس أن يعين النظام العلماني "حجابا"‬ ‫رئيسا للوزارء‪ ..‬كان الزم يعين حدا اسمه‪ :‬ميني جوب‪.‬‬

‫عتاب لباد‬ ‫ال أري��د الموت برصاص طائش��ة‪ ..‬أري��د التصويب على‬ ‫رأسي‪ ..‬أو قلبي جيداً‪ ..‬أريد الموت عن بإصرار‪..‬‬

‫عمار دبا‬ ‫لك الحمد هلل قال انش��ق رئيس الوزراء‪ ..‬الحمد هلل هانت‬ ‫مو باقي إال رئيس الجمهورية بنشق‪ ..‬بالنص‪..‬‬

‫يا�سني احلاج �صالح‬ ‫‪"‎‬إذا السماء انشقت"‬ ‫يقول المفسرون إنها من عالمات القيامة‬

‫عهد زرزور‬ ‫‪ 257‬رُوحْ ضاقت بها الحروف بما رحبت‪ ..‬وصارت عدد؟!‬ ‫إنو عدد‪ ..‬ياويل األرقام من بعد ش��هدائنا‪ ..‬كيف بدهن‬ ‫يتعلموا الجيل الجاية الحساب‪..‬‬

‫جمال �سعيد‬ ‫عام على استشهاد المهندس معن العودات‪.‬‬ ‫تذكرون معن‪ :‬أعز ًال كشجرة وسلمياً كسرب يمام وعاق ًال‬ ‫كحقل نور‪ ..‬يليق به مجد الذكرى وحنان تراب حوران‪..‬‬

‫عمر �إدلبي‬ ‫المجرم األحمق يحارب شعباً تقول فيه األم‪ :‬سنقاتل حتى‬ ‫آخر طفل من أبنائي‪ .‬و ما زال يتوهم أنه سيبقى!!!‬

‫يامن ح�سني‬ ‫المدني مقابل المدني‪ ..‬الطف��ل مقابل الطفل‪ ..‬معادلة‬ ‫رع��ب بي��ن متطرفي��ن اثني��ن تودين��ا إل��ى التهلكة‪..‬‬ ‫متطرفين‪ ..‬كعبد الرزاق عيد وبشار األسد‪ ..‬ساقطون‪..‬‬

‫خلود زغري‬ ‫النظام الس��وري يقيل رئيس ال��وزراء حجاب من منصبه‬ ‫عقاباً له على انشقاقه!‪..‬‬

‫مهيب العطار‬ ‫الشعب يريد إسقاط (ما بقي من) النظام‪..‬‬

‫علي ديوب‬ ‫كيف يتوه��م نظام حكم انه يمكن��ه تحويل المصفحات‬ ‫و الدبابات إلى كرس��ي للحكم‪ ،‬و الراجم��ات و الحراب و‬ ‫المدافع إلى صولجانات؛ لوال انه محض عصابة؟‪..‬‬

‫حازم �صاغية‬ ‫بصراحة واعتراف كاملين‪ ،‬كنت أظنّ ّأن الس��يّد حجاب‬ ‫شخص غير موجود فعليّاً إلى أن انشقّ‪..‬‬

‫عمر عناية‬ ‫واهلل لو أول ثورة طلعت بس��وريا مو بتونس ما كان في‬ ‫بلد تاني كان يس��ترجي يطلع بث��ورة من هون ألربعين‬ ‫سنة‪ .‬من حكم بياع الفالفل‪.‬‬

‫يو�سف �أبو خ�ضور‬ ‫أنا ال أحد يمثلني‪ ،‬و لس��ت بحاجة لمن يمثلني‪ ،‬أنا لست‬ ‫م��ع أحد للموت‪ ..‬ال أحترم حق أحد حتى لو كان أخي‪ ..‬ال‬ ‫أقرأ لمن يكتب و هو تحت القصف‪ ،‬ألس��باب ش��خصية و‬ ‫أخ��رى بديهية‪ ..‬أنا لم أكتب كلم��ة رائع و لن أكتبها في‬ ‫وصف شيء ما أو طرح ما أو أحد ما‪ ،‬تجذبني كلمات مثل‬ ‫تافه‪ ،‬حقير‪ ،‬متخلف‪ ،‬انتهازي‪ ،‬أناني‪ ،‬تريلة غباء‪ ،‬و أتمنى‬ ‫أن تضاف بجانب الاليك‪..‬‬ ‫ال أش��فق على أحد‪ ،‬و أحياناً تقتلني الشفقة و تأكل قلبي على‬ ‫نفسي و على الجميع‪ ،‬أكتب ما أريد على صفحتي الملعونة‪..‬‬ ‫أتنفس هنا في البالد البعيدة هواء مدينتي‪ ،‬و أحيانا تدخل‬ ‫م��ع الهواء جثة طف��ل رضيع إلى صدري‪ ،‬و أس��مع صوت‬ ‫قرقعته عندما يهدأ الكره في صدري‪ ،‬وأحياناً يدخل شبيح‬ ‫متنكر بهيئة صديق و يزرع صدري بالعبوات الناس��فة‪ ،‬أنا‬ ‫عبوة ناس��فة‪ ،‬أنتظر اللحظة و المكان المناسبين ألنفجر‪،‬‬ ‫عندها سيصبح للحقد رائحة واخزة ال تخطئها األنوف‪..‬‬

‫جمهورية املخيم الفا�ضلة‬

‫عدد السكان الحالي‪ :‬حوالي ‪ 3‬مليون‬ ‫نسمة حالي ًا‬ ‫* األديان المحلية‪ :‬إسالم ‪ -‬مسيحية‬ ‫ دروز ‪ -‬الديني��ة‪ ..‬ومعت��رف بجمي��ع‬‫األديان في جمهورية المخيم وال يُسأل‬ ‫المواط��ن ع��ن ديني��ه بل يُس��أل عن‬ ‫تصرفاته وأخالقه بالدرجة األولى‪.‬‬ ‫* التنوع العرقي‪ :‬فلسطينيين حوالي‬ ‫‪ - 30%‬جنسيات مختلفة ‪70%‬‬ ‫* العاصمة‪ :‬شارع اليرموك‬ ‫* المدن الرئيس��ية مع األرياف‪ :‬شارع‬ ‫صفد ‪ -‬شارع لوبية « شانزاليزيه المخيم»‬ ‫ شارع المدارس ‪ -‬شارع فلسطين ‪ -‬شارع‬‫الـ ‪ 15-‬ش��ارع راما‪ .‬ريف المخيم « ش��ارع‬ ‫الـ‪ - 30‬حي التقدم ‪ -‬شارع العروبة»‬ ‫* المعال��م الحضارية‪ :‬دوار البطيخة ‪ -‬دوار‬ ‫فلسطين « مسلة المخيم» ‪ -‬قهوة أبو حشيش‬ ‫ مبنى البلدية ‪ -‬ملعب المدينة الرياضية‪.‬‬‫* ن��وع االقتص��اد‪ :‬يعتم��د عل��ى‬ ‫البرجوازية الوسطى « رأسمالي حر»‪.‬‬ ‫*متوسط دخل الفرد‪ 10 :‬آالف دوالر‬ ‫سنوي ًا «للبني آدم يلي بشتغل»‬ ‫* نسبة البطالة‪ :‬ال تتجاوز ‪2%‬‬ ‫* اللغ��ات الرس��مية‪ :‬عرب��ي ‪ -‬إنجليزي‬ ‫(شتاءاً) سويدي ‪ -‬نرويجي ‪ -‬ألماني (صيف ًا)‬ ‫* النظ��ام السياس��ي‪ :‬ديمقراط��ي‬ ‫– تكنوق��راط‪ ..‬يعتم��د سياس��ة الحياد‬ ‫السلبي في أي أزمة‪..‬‬ ‫يعتب��ر المخيم م��ن أكث��ر األماكن‬ ‫نشاط ًا في الوطن الس��وري ‪ 7\24‬ومن‬ ‫أكث��ر األماكن الت��ي ال يش��عر فيها أي‬ ‫إنس��ان على وج��ه األرض بالغربة ألنه‬ ‫يحت��وي الجمي��ع ويعطي جنس��يته ألي‬ ‫إنسان ينام فيه ليلة واحدة فقط‪.‬‬ ‫عاشت جمهورية المخيم‬ ‫جفرا سوريا‬ ‫اإلنس��ان الفلس��طيني يا له من جبار‬ ‫عظيم مظلوم‪ ..‬كم ذاق الويالت على مر‬ ‫العقود‪ ..‬مرة أغرق��وه في أفنات الحزبية‬ ‫المقتيه و مرة سفكوا دمائه ليظهروا في‬ ‫ث��وب المقاومين و مرة قدس��وه ليثبتوا‬ ‫أنه��م في رداء الممانع��ة‪ ..‬ثم اليوم في‬ ‫مص��ر العظيمة يزهقون أرواح ش��عبهم‬ ‫ليجعلوه عنوان مراهقتهم السياسية‪..‬‬ ‫يا فرقاء العالم كفوا عن هذا الفلسطيني‪..‬‬ ‫إنه الثائر األول في العالم يوم أن كنتم نياما‬ ‫في أحضان أنظمتكم البائدة‪..‬‬ ‫كنت وال زل��ت أرى نهاية رحلتي بين‬ ‫أحضان القدس‪ ..‬عبر دمشق الغالية‪..‬‬ ‫بشير كفاح‬


‫جمازر حلب ‪ -‬جمزرة حي امل�شارقة ‪1980‬‬ ‫بالل سالمة‬

‫حبر ناشف‪. .‬‬

‫وقع��ت ه��ذه المج��زرة ف��ي ‪ 11‬آب‬ ‫‪ 1980‬ف��ي ح��ي المش��ارقة صبيحة يوم‬ ‫العي��د‪ ،‬وتس��مى أيض��ًا بمج��زرة هنانو‪،‬‬ ‫نس��بة إل��ى المقب��رة الت��ي وقع��ت فيها‬ ‫المذبح��ة والت��ي تض��م قب��ر المجاه��د‬ ‫الس��وري ابراهي��م هنان��و قائ��د الث��ورة‬ ‫السورية ضد الفرنسيين‪.‬‬ ‫كان الس��بب المباش��ر لهذه المجزرة‬ ‫ه��و ص��راع الحك��م األس��دي م��ع حركة‬ ‫اإلخ��وان المس��لمين بع��د إص��دار حافظ‬ ‫األس��د القان��ون رق��م ‪ 49‬لع��ام ‪1979‬‬ ‫وال��ذي ينص على إعدام من ثبت انتماؤه‬ ‫لجماعة اإلخ��وان المس��لمين التي أعلنت‬ ‫العصيان المسلح ضد الحكم في سورية‪،‬‬ ‫ودع��ت إلس��قاطه واتخذت م��ن مدينتي‬ ‫حماة وحلب معق ًال رئيسياً لها‪.‬‬ ‫ب��دأت أحداث مجزرة حي المش��ارقة‬ ‫صبيح��ة الي��وم األول لعي��د الفطر‪ ،‬حين‬ ‫ي��زور الن��اس أقاربهم مهنئي��ن بعضهم‬ ‫بعضًا بالعيد‪ .‬وكان المقدم هاش��م معال‬ ‫ق��د أص��در أم��راً بع��دم التجمع ف��ي ذلك‬ ‫اليوم‪ ،‬ولكن وبينما الناس تتبادل الزيارات‬

‫سوريتنا | السنة األولى | العدد (‪ / 12 | )47‬آب ‪2012 /‬‬

‫جمزرة امل�شارقة (جمزرة هنانو)‬

‫أسبوعية‬

‫إن المج��ازر الجماعي��ة الت��ي ق��ام‬ ‫بارتكابه��ا النظام األس��دي ضد الش��عب‬ ‫الس��وري ه��ي ص��ورة م��ن أبش��ع صور‬ ‫انته��اكات حقوق اإلنس��ان‪ ،‬وهي جريمة‬ ‫بكل المقاييس والمعايير إلبادة الش��عب‪،‬‬ ‫وش��ك ًال م��ن أش��كال التميي��ز‪ ،‬ونوعاً من‬ ‫أن��واع فرض الس��لطة بالق��وة المفرطة‬ ‫التي ال يس��مح بها‪ ،‬فال توجد أية أس��باب‬ ‫تجيز هذا الفعل الالإنس��اني أو تتس��امح‬ ‫معه وتسامح عليه‪.‬‬ ‫ارتك��ب النظام األس��دي في معظم‬ ‫محافظ��ات س��وريا المجازر البش��عة من‬ ‫خالل أجهزة األمن والميلشيات مثل سرايا‬ ‫ّ‬ ‫المش��كلة خصيصًا‬ ‫الدفاع‪ ،‬وقطع الجيش‬ ‫لحماية هذا النظام مثل اللواء ‪ 70‬واللواء‬ ‫‪ .45‬ومن أكبر هذه المجازر مجزرة جس��ر‬ ‫الشغور التي راح ضحيتها ما يقارب الـ ‪97‬‬ ‫ضحية في العاش��ر من آذار ع��ام ‪.1980‬‬ ‫ومجزرة س��جن تدمر بتاري��خ ‪ 27‬حزيران‬ ‫‪ 1980‬والتي قتل فيها أكثر من ألف ومائة‬ ‫معتقل في زنزاناتهم‪ .‬ومجزرة سرمدا في‬ ‫‪ 25‬تموز ‪ 1980‬حين أطلقت قوات النظام‬ ‫النار على خمسة عشر شخصًا ثم ربطت‬ ‫بعض شباب المدينة بالسيارات والدبابات‬ ‫وس��حلتهم على م��رأى من الن��اس حتى‬ ‫استش��هدوا‪ .‬ومن المجازر الفريدة مجزرة‬ ‫تدمر النسائية في ‪ 19‬كانون األول ‪1980‬‬ ‫حي��ن حفرت جرافات نظام األس��د أخدوداً‬ ‫كبيراً وس��اقت إليه مائة وعش��رين امرأة‬ ‫م��ن أمه��ات المالحقي��ن وأخواته��م‪ ،‬ثم‬ ‫أطلقت عليهن النار وهنّ على حافة هذا‬ ‫األخدود‪ ،‬فوقعن فيه مضرجات بدمائهن‪،‬‬ ‫وأهالوا عليهن الت��راب ليموتوا جميعهن‪،‬‬ ‫فم��ن لم يم��ت بالرص��اص م��ات اختناقًا‬ ‫تحت التراب‪ .‬وال يمكن لنا طبعا أن ننسى‬ ‫مجازر مدينة حماة ف��ي ثمانينيات القرن‬ ‫الماض��ي والتي كانت وس��تظل جرحاً في‬ ‫قلب كل سوري‪.‬‬ ‫ككل المدن السورية‪ ،‬لم تسلم حلب‬ ‫الش��هباء أيضًا من مجازر الحكم األسدي‪،‬‬ ‫حي��ث كان��ت ه��ذه المدينة ه��ي المعقل‬ ‫الثان��ي لتنظي��م اإلخوان المس��لمين بعد‬ ‫مدين��ة حم��اه الس��ورية‪ ،‬فارتك��ب فيه��ا‬ ‫النظام أبش��ع المج��ازر متذرعاً بانتفاضة‬ ‫اإلخ��وان ومنعها من الوق��وف في وجهه‪.‬‬ ‫في حلب كان��ت منظمة (س��رايا الصراع)‬ ‫ف��ي آخ��ر كل ي��وم تذه��ب إل��ى من��ازل‬ ‫وجه��اء حلب م��ن تجار وأطب��اء ومحامين‬ ‫فيأخذونه��م ويعذبونه��م ث��م يقتلونهم‬ ‫ويرم��ون جثثهم ج��وار عرب��ات النفايات‪،‬‬ ‫ومن ه��ؤالء التاجر أديب بادنجكي وغيره‬ ‫الكثير‪.‬‬ ‫من أبش��ع مجازر حلب مجزرة سوق‬ ‫األح��د ي��وم ‪ 13‬تم��وز ‪ 1980‬والت��ي راح‬ ‫ضحيته��ا م��ا يقارب ال��ـ ‪ 192‬بي��ن جريح‬

‫وقتي��ل والت��ي قام��ت بس��بب اعت��راض‬ ‫المواطني��ن عل��ى التصرف��ات الوحش��ية‬ ‫التي صدرت عن بع��ض عناصر الوحدات‬ ‫الخاص��ة المتواج��دة ف��ي س��وق األح��د‬ ‫(وهو س��وق مزدح��م بالناس م��ن عمال‬ ‫وفالحي��ن ونس��اء وأطف��ال‪ ،‬ويق��ع ف��ي‬ ‫منطقة ش��عبية في مدينة حل��ب)‪ ،‬وكرد‬ ‫على هذا االعتراض قامت عشرون سيارة‬ ‫عس��كرية محمل��ة بالعناص��ر بمهاجم��ة‬ ‫الس��وق المذكور وأخ��ذت تل��ك العناصر‬ ‫المس��لحة تطل��ق الن��ار عش��وائياً عل��ى‬ ‫الن��اس‪ .‬وهن��اك أيض��اً مج��زرة مدرس��ة‬ ‫المدفعية بالراموس��ة والتي قتل فيها ‪32‬‬ ‫ش��خصًا وجرح فيها ‪ 54‬آخرين بتاريخ ‪16‬‬ ‫حزي��ران ‪ .1979‬ومجزرة بس��تان القصر‬ ‫ي��وم ‪ 12‬آب ‪ 1980‬حي��ث قام��ت قوة من‬ ‫العناص��ر ف��ي الفرق��ة المدرع��ة الثالثة‬ ‫التي احتلت حل��ب بجمع ‪ 35‬مواطنًا‪ ،‬حيث‬ ‫أخرجته��م م��ن بيوتهم وأطلق��ت عليهم‬ ‫النار فقتلتهم جميعاً‪ .‬وقامت مجزرة قرب‬ ‫قلعة حلب ثمة رواي��ات تقدر عدد القتلى‬ ‫فيها بنحو ‪ 1600‬إلى ‪ 1900‬قتيل‪ .‬وهناك‬ ‫مج��زرة أقي��ول التي أعدم فيه��ا أكثر من‬ ‫ألفي ش��اب على مدى س��نتين في ساحة‬ ‫األلمج��ي بحجة أن يحيى قصار مس��ؤول‬ ‫تنظيم اإلخوان المس��لمين عن حلب من‬ ‫هذا الحي‪ .‬ومن أقس��ى مجازر حلب كانت‬ ‫مجزرة حي المشارقة التي وقعت صبيحة‬ ‫ي��وم ‪ 11‬آب ‪ 1980‬ويقدر ع��دد ضحاياها‬ ‫بحوالي التسعين ضحية‪.‬‬

‫المعت��ادة أمر المقدم معال بتطويق الحي‬ ‫وإخراج الن��اس من بيوتها وإط�لاق النار‬ ‫عليهم بال رحمة‪.‬‬ ‫يق��ول المقدم محس��ن س��لوم من‬ ‫مدينة الغ��اب وهو أحد الضباط الش��هود‬ ‫على مجزرة ح��ي المش��ارقة‪" :‬كان نائب‬ ‫العقيد هشام معال قد طلب مني بالحرف‬ ‫الواح��د عدم التجم��ع في أي��ام العيد ألن‬ ‫الدول��ة ق��ررت أن تق��وم بمج��زرة ف��ي‬ ‫حلب إلره��اب أهلها‪ ،‬وفع� ً‬ ‫لا أول يوم في‬ ‫العيد كنا نقوم بزيارة أقربائنا بمناس��بة‬ ‫العي��د كل من��زل بمنزله‪ ،‬وفجأة س��معنا‬ ‫ص��وت إط�لاق رص��اص غزي��ر‪ ،‬عنده��ا‬ ‫جاءت عناصر من الوح��دات الخاصة تدق‬ ‫عل��ى البيوت‪ ،‬وتأخ��ذ الش��باب واألطفال‬ ‫والرج��ال كبار الس��ن بحج��ة أن الضابط‬ ‫يريد التحقيق معهم‪ ،‬ثم أتت عناصر من‬ ‫الوحدات الخاصة تحمل الرشاشات الكبيرة‬ ‫ومعها دبابات تقف أم��ام البيوت‪ ،‬وطلبوا‬ ‫منا أن ندخل بيوتنا وإال سيدمرونها فوق‬ ‫رؤوسنا‪ .‬لم نكن ندري ماذا يحدث‪ ،‬ونحن‬ ‫ف��ي أول اي��ام العي��د‪ .‬بع��د عدة س��اعات‬ ‫وقف إط�لاق الرصاص وانس��حب بعض‬ ‫العناصر م��ن الوحدات الخاص��ة وغادرت‬ ‫الدبابات شوارع حي المشارقة‪ .‬فتحنا باب‬ ‫البيت وإذا بأحد الجرح��ى يقول‪( :‬اذهبوا‪،‬‬ ‫لق��د قتل��وا أه��ل الح��ي جميع��ًا)‪ .‬عندها‬ ‫أرس��لنا ش��خصاً يس��عف ه��ذا الجري��ح‪،‬‬ ‫وذهبنا لموقع المجزرة‪ ،‬وإذ بنا نجد خمسًا‬ ‫وثمانين ش��هيداً من شاب وعجوز وطفل‬ ‫فوق بعضهم البعض‪ .‬بدأنا نقلب الجثث‬ ‫فعثرنا على جريحي��ن بينهم لم يفارقوا‬ ‫الحياة بعد حيث كانت فوقهم جثث كثيرة‪،‬‬ ‫وكان��ت إصاباتهم بالغ��ة‪ .‬كان منفذ هذه‬ ‫المجزرة الوحشية هو العقيد هشام معال‬ ‫والنقيب غدير حسين من أهالي الالذقية‪،‬‬ ‫وكان معه��م بع��ض المرتزق��ة‪ .‬أطلقوا‬ ‫الرصاص الكثي��ف على الخمس وثمانين‬ ‫ضحية وداس��وا فوقه��م بأقدامهم‪ .‬كانوا‬ ‫يطلقون عليهم طلقات الخالص‪ ،‬وبعدما‬ ‫انته��وا من قت��ل الش��هداء ب��دؤوا بربط‬ ‫بعض الجثث من أرجلها‪ ،‬وقاموا بس��حبها‬ ‫في ش��وارع حلب ث��م رموها على مداخل‬ ‫مدين��ة حلب حتى يرهب��وا أهلها‪ .‬وهناك‬ ‫بعض الش��هداء الذين ل��م نرَهم إال في‬ ‫اليوم الثاني في الطبابة الش��رعية حيث‬ ‫كانت دوريات النجدة تجمع الجثث المرمية‬ ‫عند مداخ��ل المدينة وتنقلها الى الطبابة‬ ‫الش��رعية‪ .‬نعم لق��د نفذ العقيد هش��ام‬ ‫معال بمساعدة النقيب غدير حسين وعده‬ ‫به��ذه المجزرة الوحش��ية إرض��اءاً ألوامر‬ ‫سيدهما المجرم الكبير حافظ االسد"‪.‬‬ ‫يغل��ب الق��ول أن ع��دد الضحايا هو‬ ‫ثالث وثمانون ضحي��ة‪ ،‬ولكن العدد ليس‬ ‫ثابت��ًا فالروايات تقول أن��ه يتراوح ما بين‬

‫الثمانين والمائة ش��هيد‪ .‬م��ن بين هؤالء‬ ‫الضحايا‪:‬‬ ‫ س��تة إخوة من عائل��ة دودان كانوا‬‫يعاي��دون والدته��م الت��ي تس��كن ح��ي‬ ‫المشارقة‪ ،‬فقتلوا هناك رغم أنهم أساسًا‬ ‫ليسوا من هذا الحي‪.‬‬ ‫ س��تة أخ��وة من عائل��ة الفيل قيل‬‫أنهم قدموا إلى الحي لزيارة خالتهم التي‬ ‫تسكن هناك‪.‬‬ ‫ قت��ل ع��دة أش��خاص م��ن عائل��ة‬‫العرعور منهم‪ :‬التاجر الحاج أحمد العرعور‬ ‫البال��غ م��ن العم��ر الخمس��ة والس��بعين‬ ‫س��نة ومعه أوالده‪ .‬محمود أحمد العرعور‬ ‫خمس وأربعون عاماً يعم��ل بالمقاوالت‪.‬‬ ‫محم��د أحم��د العرعور خمس وعش��رون‬ ‫عاماً‪ .‬بكري أحمد العرعور ثمانية عش��رة‬ ‫عامًا (نجا اثنان م��ن أبنائه بمعجزة)‪ .‬عبد‬ ‫الفتاح سالم العرعور وهو طبيب مخبري‬ ‫وحيد لوالده الضري��ر‪ .‬الدكتور المهندس‬ ‫عـب��د ال��رزاق مصطف��ى العرع��ور وهو‬ ‫دكتور ف��ي جامعة حل��ب وخري��ج ألمانيا‬ ‫الغربية ول��ه كتب تدرّس حتى اليوم في‬ ‫جامعة حلب‪ ،‬ومعه أخوه غسان مصطفى‬ ‫العرعور‪ .‬الحاج عبد القادر محمد العرعور‬ ‫عم��ره ثمانية وأربعين‪ .‬محم��د ابن أحمد‬ ‫العرع��ور عن عم��ر يناهز أيض��اً الثمانية‬ ‫واألربعي��ن عام��اً‪ .‬محم��ود اب��ن محم��د‬ ‫العرع��ور توفي بعد فت��رة متأثراً بجراحة‬ ‫البليغة من المجزرة‪.‬‬ ‫بع��د أيام من ه��ذه المج��زرة جاءت‬ ‫عناص��ر م��ن األم��ن لتعزي��ة عائ�لات‬ ‫الضحاي��ا‪ ،‬ولك��ن كل األهال��ي أغلق��ت‬ ‫األبواب في وجوههم ولم تستقبلهم ولم‬ ‫ترضَ منهم بأي عزاء‪ .‬وبعد فترة أرس��ل‬ ‫النظام رس��الة تفيد أن الضحايا قد قتلوا‬ ‫بالخطأ‪ ،‬وأنهم س��يدفعون دي��ة لألهالي‬ ‫عن كل شخص خمسة آالف ليرة سورية‪.‬‬ ‫رفض طبعا أهل الحي هذه اإلهانة‪ .‬فبدأ‬ ‫عناصر األمن بتهديدهم وتم اعتقال أحد‬ ‫االش��خاص وهو أحمد بن محمد العرعور‬ ‫وقتلوه داخل السجن‪.‬‬ ‫لم يكت��ب التاريخ بعد كل ما اقترفه‬ ‫ه��ذا النظ��ام بحق س��وريا والس��وريين‪،‬‬ ‫فهناك الكثير ال يزال ينتظر كشف ملفاته‬ ‫وإب��راز حقيقت��ه وذل��ك إلع��ادة الحقوق‬ ‫ألصحابها (إن بقي منهم أحد) ولتس��جيل‬ ‫ه��ذه الحقبة من تاريخ س��وريا على أنها‬ ‫األس��وء واألكثر س��واداً‪ ،‬فالقتل لم يكن‬ ‫لألجس��اد فقط وإنما ل�لأرواح والنفوس‪.‬‬ ‫س��وف يقل��ب الس��وريون ه��ذه الصفحة‬ ‫إلى غير رجعة وينظرون إلى المس��تقبل‬ ‫بعي��ون واثقة وبصي��رة تواقة‪ ،‬ولن يقف‬ ‫في وجه إرادتهم أحد‪.‬‬

‫تصدر عن شباب سوري حر‬ ‫‪23‬‬ ‫احتجاجات حلب ‪1980‬‬

‫جمرة �سجن تدمر‬


‫يف الرتاجيديا ال�سورية‬ ‫و�أقنعة الأبطال‬ ‫رصيف ‪. .‬‬ ‫سوريتنا | السنة األولى | العدد (‪ / 12 | )47‬آب ‪2012 /‬‬ ‫أسبوعية‬ ‫تصدر عن شباب سوري حر‬ ‫‪24‬‬

‫نبراس شحيّد‬

‫م�أ�ساة املمثل الذي �صار دو َره‬

‫نراهم يتسابقون على الكاميرا‪،‬‬ ‫يدوس��ون الجث��ث بفخ��ر‪ ،‬ويتبارزون‬ ‫على احت�لال مركز الص��ورة‪ .‬نراهم‬ ‫يهتم��ون بتفاصي��ل إخراج المش��هد‪،‬‬ ‫الصغي��ر منه قب��ل الكبي��ر‪ّ ،‬‬ ‫فيلفون‬ ‫صدوره��م بأمش��اط الرص��اص‪،‬‬ ‫يعرّم��ون أم��ام أجه��زة التصوي��ر‬ ‫ويزمج��رون‪ .‬لكن م��اذا يفعل القاتل‬ ‫بع��د انتهاء الفيل��م وعودته إلى بيته‬ ‫خالع��اً عنه "ثي��اب العم��ل"؟ ال بد أنه‬ ‫س��يتمدد بـ"بيجامته" عل��ى الفراش‬ ‫ليش��اهد مع زوجته منتش��يًا لحظات‬ ‫"بطوالت��ه" المروع��ة‪ .‬يتأم��ل الرجل‬ ‫ذات��ه بفخر‪ ،‬فيص��دّق أكث��ر من أي‬ ‫وق��ت مض��ى‪ ،‬أن تل��ك الش��خصية‬ ‫"الملحمي��ة" الت��ي تتلقفه��ا عدس��ة‬ ‫الموباي��ل‪ ،‬وه��ي ّ‬ ‫تن��كل بـ"الخونة"‪،‬‬ ‫ليست إال هو ذاته‪ ،‬بشخصه‪ ،‬بشحمه‬ ‫ولحمه! هكذا يتقمص الرجل الحالم‬ ‫على فراشه ش��خصيتَه "البطولية"‪،‬‬ ‫نحو‬ ‫يتداخ��ل فيها‪ ،‬يتنفس��ها‪ ،‬عل��ى ٍ‬ ‫تصير في��ه مس��رحة "البطول��ة"‪ ،‬أو‬ ‫باألحرى ْ‬ ‫"أفلمَتُها"‪ ،‬اختزا ًال للشخص‬ ‫في الش��خصية الت��ي يلعبها‪ ،‬فيغرق‬ ‫القاتل في أقنعته التراجيدية!‬

‫البطل الرتاجيدي ي َ‬ ‫ُختزل يف‬ ‫قناع‬

‫ما يميّ��ز البط��ل التراجيدي في‬ ‫المس��رح اإلغريقي عماه‪ ،‬فهو يقوم‬ ‫ب��دور البطولة‪ ،‬من دون أن يعرف أنه‬ ‫محض دميةٍ تتقاذفها أهواء "اآللهة"!‬ ‫في عم��اه ه��ذا تكمن براءت��ه‪ .‬وفي‬ ‫صلفه البطولي ال��ذي يعميه‪ ،‬تكمن‬ ‫مس��ؤوليته‪ .‬الشبّيح في سوريا أيضًا‬ ‫ٌ‬ ‫بطل تراجي��دي‪ ،‬ألن ّ‬ ‫جل م��ا يميّزه‪،‬‬ ‫في غالبية األحيان‪ ،‬انسياقُه الكفيف‬ ‫وراء مجري��ات األح��داث‪ ،‬لتتقاذف��ه‬ ‫مصال��ح النظ��ام من حي��ث ال يدري‪،‬‬ ‫وتُلبس��ه قناعًا بطولياً‪ .‬لذا‪ ،‬تتلخص‬ ‫أزم��ة البط��ل التراجي��دي‪ ،‬اإلغريقي‬ ‫كما الس��وري‪ ،‬في أنه يستمد هويته‬ ‫كله��ا م��ن ال��دور "البطول��ي" ال��ذي‬ ‫يلعب��ه‪ ،‬فيصي��ر محض قن��اع يخفي‬ ‫خلفه فقراً إنس��انيًا وانس��ياقًا أعمى‬ ‫وراء ش��هوة البطول��ة وعبثية القتل‪.‬‬ ‫أزم��ة البط��ل التراجي��دي إذاً ه��ي‬

‫شهداء‬ ‫سوريا‬

‫أزمة هوية‪ ،‬ألن اللحظ��ة التراجيدية‬ ‫ليس��ت إال لحظ��ة تش��وّه الوع��ي‬ ‫الف��ردي وتهشّ��م الذاك��رة‪ ،‬يعي��ش‬ ‫فيه��ا "البط��ل" ح��دود اآلن‪ ،‬بجموحه‬ ‫األرع��ن‪ ،‬م��ن دون أن يك��ون ق��ادراً‬ ‫عل��ى لملمة تاريخه وق��راءة ماضيه‪.‬‬ ‫اللحظ��ة التراجيدي��ة إذاً ه��ي لحظة‬ ‫غياب الوعي الذاتي الذي يميّز الكثير‬ ‫م��ن قتل��ة كان��وا وال يزال��ون ضحايا‬ ‫نظام يستميتون في الدفاع عنه‪ .‬لذا‪،‬‬ ‫يثيرٍفينا المشهد التراجيدي الخوفَ‪،‬‬ ‫على قول أرس��طو‪ ،‬وفي الوقت عينه‬ ‫الش��فقة! هذه حالنا تمامًا إزاء أفالم‬ ‫القتلة‪ :‬خوفٌ من توحشهم‪ ،‬وشفق ٌة‬ ‫على عمى بصيرتهم!‬

‫يف متزقات القناع يذوب البطل‬ ‫ويحيا الإن�سان‬

‫تتلخص تراجيديا الواقع السوري‬ ‫ف��ي تماه��ي البط��ل م��ع دوره الذي‬ ‫يلعبه‪ ،‬ليصير إنساناً مصمتًا‪ ،‬ال يرى‪،‬‬ ‫ال يس��مع‪ ،‬ال يتكل��م إال لغ��ة القن��اع‪.‬‬ ‫أما الضحك فيؤس��س ش��رخاً عميقًا‬ ‫بين الش��خص ودوره الذي يقوم به‪،‬‬ ‫ألن التهكم بال��دور يمنع صاحبه من‬ ‫أن يتطابق معه‪ ،‬فيتغرّب الش��خص‬ ‫عن الشخصية التي يلعبها‪ ،‬ليؤسّس‬ ‫ً‬ ‫عالقة نقدية معها (التغريب مصطلح‬ ‫مس��تل من مس��رح بريخت)‪ .‬يتحدث‬ ‫أس��امة الحلواني ونائل��ة منصور في‬ ‫مقالهما الملهم "أشعة ضوء في نفق‬ ‫الحياة السورية" (النهار ‪)2012/7/15‬‬ ‫عن لحظة "الخرق"‪" :‬نقلت الش��بكات‬ ‫االجتماعي��ة حادثاً طريف��اً في مدينة‬ ‫الس��لمية‪ .‬فق��د اجتم��ع الش��بّان‬ ‫المحتج��ون ف��ي تظاه��رة طيّ��ارة‬ ‫صغي��رة مرددين‪" :‬واح��د واحد واحد‪،‬‬ ‫الشعب الس��وري واحد"‪ .‬فردّ عناصر‬ ‫األمن المجتمعون في الجهة المقابلة‪:‬‬ ‫"واح��د واح��د واحد‪ ،‬منعرفك��ن واحد‬ ‫واحد"‪ ،‬فيغرق الجمي��ع‪ ،‬من الجهتين‬ ‫في الضحك‪ .‬لحظة الضحك تلك هي‬ ‫لحظ��ة "خرق"‪ .‬ه��ي لحظ��ة الجنون‬ ‫التي ينعتق فيها الم��رء من أقنعته"‪.‬‬ ‫ف��ي المقاب��ل‪" ،‬يص��دّق (ن��وعٌ آخر‬ ‫من الس��وريين) قناع��ه ويأخذه على‬ ‫محمل الجد‪ ،‬فيذوب (القناع) ويتغلغل‬ ‫من تح��ت الجلد إلى الروح‪ ،‬لتنحس��ر‬ ‫إمكانات��ه التراجيدي��ة وتنحص��ر في‬

‫جمموع ال�شهداء (‪)19700‬‬ ‫دمشق‪929 :‬‬ ‫ريف دمشق‪2697 :‬‬ ‫حمص‪5884 :‬‬ ‫حلب‪1396 :‬‬ ‫حماه‪2095 :‬‬ ‫الالذقية‪381 :‬‬

‫دور الشبّيح‪ ،‬فال يعود قادراً على خلع‬ ‫القناع‪ ،‬فيس��تمر في القتل والتعذيب‬ ‫واالغتص��اب"‪ .‬تُلص��ق التراجيدي��ا‬ ‫أبطاله��ا بش��خصياتهم‪ ،‬ف��ي الوقت‬ ‫الذي يُخضع فيه التهكمُ القناعَ إلى‬ ‫النق��د‪ ،‬فيتح��رر صاحبه م��ن األدوار‬ ‫الت��ي يفرضها عليه الواقع الس��وري‬ ‫المرير‪ ،‬ليستعيد إمكاناته الخ ّ‬ ‫القة‪.‬‬

‫ٌ‬ ‫م�ساحات‬ ‫يف حدائق الته ّكم‬ ‫ف�سيحة‬

‫كم��ا يكس��ر التهك��م تماه��ي‬ ‫الش��خص م��ع دوره‪ ،‬يف��كّ التهك��م‬ ‫أيض��ًا التصاقنا بالواقع المأس��وي‪ ،‬أو‬ ‫باألحرى تماهينا معه‪ .‬يعبّر الضحك‬ ‫عن عالقة الكائ��ن النوعية مع واقعه‬ ‫بعي��داً من العادي��ة‪ .‬فالضحك تعبيرٌ‬ ‫أم��ر غي��ر مأل��وف يُخرجن��ا من‬ ‫ع��ن ٍ‬ ‫إيق��اع الحياة الروتينية‪ ،‬ليضعنا وجهًا‬ ‫لوج��ه أم��ام غراب��ة م��ا يج��ري‪ .‬في‬ ‫ه��ذا المعنى‪ ،‬يصي��ر الضحك مفرد ًة‬ ‫أساس��ية من مف��ردات الحقيقة‪ ،‬ألنه‬ ‫يع��رّي المنطقية الحاض��ر الذي فيه‬ ‫نعيش‪ ،‬فيرسم المعقوليته بدرجاتها‬ ‫القص��وى ويس��خر منها‪ .‬أق��ول هذا‬ ‫بكثي��ر من الحني��ن كيف كنا‬ ‫وأتذكر‬ ‫ٍ‬ ‫طرطوس‪39 :‬‬ ‫درعا‪1922 :‬‬ ‫دير الزور‪1250 :‬‬ ‫الحسكة‪124 :‬‬ ‫القنيطرة‪39 :‬‬ ‫الرقة‪78 :‬‬ ‫ادلب‪2849 :‬‬ ‫السويداء‪17 :‬‬

‫ً‬ ‫خفي��ة‪ ،‬حين كن��ا تالمذ ًة في‬ ‫نجتم��ع‬ ‫المدرس��ة ومن بعدها ف��ي الجامعة‪،‬‬ ‫لكي نتبادل النكت السياس��ية ونغرق‬ ‫ف��ي الضح��ك! كانت النكتة وس��يلتنا‬ ‫الوحيدة لنقول مأساة واقعنا المقهور‬ ‫وغرابت��ه‪ ،‬ولنتم��رد عل��ى "أبدي��ة"‬ ‫نحو‬ ‫النظ��ام وأحادي��ة حزب��ه‪ ،‬عل��ى ٍ‬ ‫صارت في��ه النكتة ضرور ًة إنس��انية‬ ‫نتح��دى به��ا الكب��ت ال��ذي يُفرَض‬ ‫علينا‪ .‬ل��ذا ال يمكن الضحك أن يكون‬ ‫محض تس��لية وترفيه ع��ن النفس‪،‬‬ ‫بل هو قبل ّ‬ ‫كل شيء موقفٌ وجوديّ‬ ‫م��ن العال��م العبثي ال��ذي فيه نوجد!‬ ‫على عكس التراجيديا التي تعبّر عن‬ ‫توحّد اإلنس��ان مع واقعه المأس��وي‪،‬‬ ‫يعبّ��ر التهكم عن اتس��اع المس��افة‬ ‫التي تفص��ل الذات ع��ن موضوعها‪،‬‬ ‫لتصي��ر النكت��ة تعبي��راً ع��ن تح��رّر‬ ‫اإلنس��ان من س��طوة واقعه المهيمن‬ ‫عليه‪ .‬في هذا المعنى‪ ،‬يصير التهكم‬ ‫ً‬ ‫مس��احة‬ ‫حال��ة مقاومة‪ ،‬ألن��ه يخلق‬ ‫لغوية جدي��دة يمك��ن التعددية فيها‬ ‫أن توج��د‪ ،‬كم��ا يمكن الف��رد فيها أن‬ ‫يق��اوم تماهيه م��ع دوره الذي يلعبه‬ ‫ومع واقعه األسود‪.‬‬ ‫النهار ‪2012 / 8 / 11‬‬ ‫‪ 2008‬عدد العسكريين‬ ‫‪ 17692‬عدد المدنيين‬ ‫‪ 1019‬عدد اإلناث‬ ‫‪ 523‬عدد األطفال اإلناث‬ ‫‪ 1308‬عدد األطفال الذكور‬ ‫المصدر‪ :‬مركز توثيق االنتهاكات‬ ‫في سوريا ‪2012 / 7 /11‬‬ ‫‪http://vdc-sy.or‬‬


Turn static files into dynamic content formats.

Create a flipbook
Issuu converts static files into: digital portfolios, online yearbooks, online catalogs, digital photo albums and more. Sign up and create your flipbook.