Ramdan

Page 1


‫مقدمة‬ ‫ من �لتطبيق �لعملي �لذي كان مُيار�سه �لنبي �سلى �هلل عليه و�سلم لقوله تعاىل‪ :‬ﱫ ﯲ ﯳﱪ �أنه‬‫كان مُي ّ‬ ‫�سيامه‪،‬‬ ‫ب�سر �أ�سحا َبه برم�سان‪ ،‬ويقول‪« :‬قد جاءكم �سهر رم�سان �سهر مبارك‪� ،‬فرت�ض �هلل عليكم‬ ‫َ‬ ‫ري من �ألف �سهر‪ ،‬من مُح ِرم‬ ‫خ‬ ‫ليلة‬ ‫فيه‬ ‫�ل�سياطني‪،‬‬ ‫فيه‬ ‫مُغل‬ ‫ت‬ ‫و‬ ‫�جلحيم‪،‬‬ ‫أبو�ب‬ ‫�‬ ‫فيه‬ ‫ويغلق‬ ‫�جلنة‪،‬‬ ‫أبو�ب‬ ‫�‬ ‫فيه‬ ‫يفتح‬ ‫ٌ‬ ‫خريها فقد مُح رم»‪.‬‬ ‫يختم يف رم�سان يف ثالث‪ ،‬ويف غري رم�سان من‬ ‫ من هدي �ل�سلف مع �لقر�آن يف رم�سان‪ :‬كان �بنمُ م�سعود مُ‬‫�جلمعة للجمعة‪ .‬قال �بن باز‪ :‬وهذ� هو �ملو�فق لل�سنة‪ ،‬وهو �أدعى للتّد ُّبر و�لتف ُّكر‪.‬‬ ‫وقوعها مُ‬ ‫�سعف‬ ‫ ورد‬‫�ل�سوم يف �لقر�آن كفارة لعدد من �لذنوب �لعظيمة‪ ،‬وعند �لتاأمل جتد �أنّ من �أبرز �أ�سباب ِ‬ ‫مُ‬ ‫و�ل�سوم من �أعظم و�سائل تقوي ِتها وتوجيهِ ها‪ .‬فهل ن�ستثمر هذه �ل�سعرية لتهذيب هذه �مللكة وبنائها‬ ‫�لإر�دة‪،‬‬ ‫مُ‬ ‫�بتد�ء قبل �أن يكون �ل�سوم كفار ًة وجز� ًء؟‬ ‫تاأ ُّم الت يف اآيات ال�صيام‬ ‫ﱫ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳﭴ‬ ‫ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ‬ ‫ﮌ ﮍﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﱪ‬

‫وبني �أنه‬ ‫‪ -1‬تاأمل كم يف �آية �ل�سيام من ترغيب يف �ل�سوم‪ ،‬بد�أها بالند�ء �ملمُ َح َّبب ﱫ ﭣ ﭤ ﭥ ﱪ ‪ّ ،‬‬ ‫فري�سة ل مندوحة يف تركه ﱫ ﭦ ﭧ ﭨﱪ ‪ ،‬و�أنه لي�ض خا�س ًا بنا بل هو لالأمم كلها ﱫ ﭩ ﭪ ﭫ‬ ‫وبني ثمرتَه ﱫﭯ ﭰﱪ وقلله ﱫﭲ ﭳﱪ‪.‬‬ ‫ﭬﭭﭮ ﱪ ّ‬ ‫‪� -2‬ل�سيام كان يف �لأمم �ل�سابقة ﱫ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﱪ ‪ ،‬و�لعتكاف و�لقيام كذلك‪ :‬ﱫ ﯩ ﯪ‬ ‫مُق�سر ع ّمن‬ ‫ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ ﱪ‪ ،‬ويف هذ� � ٌ‬ ‫إلهاب لعز�ئم هذه �لأمة � ّأل ت ِّ‬ ‫قبلها يف تلك �لعباد�ت‪ ،‬فاإ ّنا �لآخرون �ل�سابقون‪.‬‬

‫‪� -3‬إذ� تاأملت يف قوله تعاىل‪ :‬ﱫ ﭦ ﭧ ﭨﱪ وكيف تلقى �مل�سلمون هذه �لفري�سة بالقبول �لتام‪،‬‬ ‫َ‬ ‫�سرف هذه �لأم ِة على �سائر �لأمم‪.‬‬ ‫وقارنته برت ُّد ِد وتباطوؤ بني �إ�سر�ئيل يف ذبح بقرة فقط! َع ِل ْمتَ‬ ‫‪ -4‬ﱫ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﱪ‬ ‫‪�� -1‬ستنبط منها مُ‬ ‫أهل �لكتاب كان بالروؤية ل باحل�ساب‪ ،‬بدليل قوله‪ :‬ﱫ ﭩﱪ ولكن‬ ‫بع�ض �لعلماء‪� :‬أنّ‬ ‫�سيام � ِ‬ ‫َ‬ ‫�أهل �لكتاب َغ ّريو� وبدّلو� بعد ذلك‪.‬‬ ‫‪ -2‬حمبة �هلل لهذه �لفري�سة‪ ،‬و�إل ملا �سرعها يف جميع �لأمم‪.‬‬

‫‪ -5‬ﱫ ﭯ ﭰﱪ لعل ‪-‬هنا‪ -‬للتعليل‪� ،‬أي‪ :‬كي تتقو�‪ ،‬وهنا قاعدة مفيدة‪ ،‬وهي‪� :‬أن (لعل) �إذ� جاءت بعد‬ ‫�لأمر فهي للتعليل‪ ،‬كقوله تعاىل ‪-‬بعد ذلك‪ :-‬ﱫ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮﯯ ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ ﯴﯵ‬ ‫ﯶ ﯷ ﯸ ﯹ ﯺ ﯻ ﱪ‪.‬‬ ‫‪ -6‬رم�سانمُ مدر�س مُة �لتقوى ‪ ..‬تاأمل كيف مُذكرت �لتقوى يف �أول �آية و�أخر �آية من �آيات �ل�سيام؛ ذلك �أنّ �ل�سيام‬ ‫من �أعظم ما مُيعزِّز �لتقوى يف �لنفو�ض‪ ،‬فل مُنفتّ�ض عن �أثر �ل�سيام على تقو�نا لربنا يف �أ�سماعنا و�أب�سارنا‬ ‫وكالمنا‪ ،‬لنحقق �لغاية‪ :‬ﱫﭯ ﭰﱪ‪.‬‬


‫‪ -7‬ﱫﭲ ﭳﱪ و�إمنا َع ّب عن رم�سان باأيام ‪-‬وهي جمع ِق ّلة‪ -‬و مُو ِ�س ف مبعدود�ت ‪-‬وهي جمع قلة‬ ‫�أي�س ًا‪-‬؛ تهوين ًا لأمره على �ملكلفني؛ لأن �ل�سيء �لقليل مُي َعد َع ّد ً�؛ و�لكثري ل مُي َعد‪.‬‬ ‫‪ -8‬و�سف �سبحانه رم�سان فقال‪ :‬ﱫﭲ ﭳﱪ كناية عن قلة �أيامه و مُي ْ�سرها‪ ،‬فاملغبون من فرط يف‬ ‫تلك �لأيام دون ِج دٍّ �أو حت�سيل‪ ،‬و�س مُيدرِك غب َنه حني يقول‪ :‬ﱫ ﯾ ﯿ ﰀ ﰁ ﰂ ﰃ ﰄ ﱪ و ﱫ ﯵ ﯶ ﯷ‬ ‫ﱪ!‬ ‫أيام رم�سان كام ًال كان �أو ناق�س ًا‪ ،‬وعلى �أنه يجوز �أن‬ ‫‪ -9‬ﱫ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿﱪ دليل على �أنه َيق�سي عد َد � ِ‬ ‫َيق�سي �أيام ًا ق�سرية باردة عن �أيام طويلة حارة كالعك�ض‪.‬‬ ‫‪� -10‬لعباد�ت �لتي كان نبينا يحر�ض عليها يف رم�سان؛ كلها مذكورة يف �آيات �ل�سيام يف �سورة �لبقرة (‪-183‬‬ ‫‪� :)187‬ل�سدقة ﱫ ﮄ ﮅ ﮆﱪ ‪ ،‬تالوة �لقر�آن ﱫ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﱪ ‪� ،‬لدعاء ﱫﯭ‬ ‫ﯮﯯ ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ ﯴﯵﱪ‪ ،‬و�لعتكاف ﱫ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﱪ ‪ ،‬و�لتكبري للعيد ﱫ ﯡ ﯢ ﯣ‬ ‫ﯤ ﯥ ﱪ‪.‬‬ ‫ﱫ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ‬ ‫ﮩﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ‬ ‫ﯟﯠﯡﯢﯣﯤ ﯥﯦﯧﱪ‬

‫‪ -1‬ﱫﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣﱪ‪ ،‬من ف�سائل �سهر �ل�سيام‬ ‫�أن �هلل تعاىل مدحه من بني �سائر �ل�سهور‪ ،‬باأن �ختاره لإنز�ل �لقر�آن �لعظيم فيه‪ ،‬و�خت�سه بذلك‪ ،‬ثم مدح هذ�‬ ‫�لقر�آن �لذي �أنزله �هلل فقال‪:‬ﱫ ﮞﱪ لقلوب من �آمن به‪ ،‬ﱫ ﮠﱪ ملن تد َّبرها على �سحة ما جاء به‪،‬‬ ‫و مُمف ِّرق ًا بني �حلق و�لباطل و�حلالل و�حلر�م‪.‬‬ ‫‪ -2‬ﱫ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﱪ نزول �لقر�آن يف هذ� �ل�سهر �ساب ٌق على فر�ض �ل�سيام فيه‪ ،‬فهو‬ ‫�سهر قر�آن قبل �أن يكون �سهر �سيام‪ ،‬فاجتمعت ميزتان‪ ،‬وقد فقه �ل�سلف هذ�‪ ،‬ف�ساموه‪ ،‬وعمرو� ليله ونهاره‬ ‫بالقر�آن تالوة وتد ُّبر ً�‪ ،‬حتقيق ًا لال�سم و�مل�سمى‪ ،‬وتركو� ما �سو�ه‪.‬‬ ‫�سبب لرتفاع �لقلب من‬ ‫‪ -3‬ﱫ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﱪ �ل�سيام له �رتباط بالقر�آن‪ ،‬من جهة �أنه ٌ‬ ‫�لت�سال بالعالئق �لب�سرية‪� ،‬إىل �لتعلق باهلل تعاىل‪ ،‬كما �أنّ �ل�سيام �سبب ل�سفاء �لفكر ورقة �لقلب �لتي‬ ‫هي �سبب �لنتفاع بالقر�آن‪.‬‬ ‫‪ -4‬و�سف �هلل �سهر رم�سان باأنه‪ :‬ﱫ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﱪ لتتاأكد �لعناية به فيه‪ ،‬فلن�ستغل بالقر�آن‪ :‬نقر�أه‬ ‫وقنو�ت َوع ْب ملفات حا�سوب وجو�ل‪،‬‬ ‫إذ�عات‬ ‫ٍ‬ ‫وحدنا ومع �أهلنا‪ ،‬ومنالأ به وقتنا‪ ،‬منتفعني بالتقنية �حلديثة من � ٍ‬ ‫ويتهادى �مل�سلم مع �إخو�نه �ملقاطع �ملوؤثرة و�لتالو�ت �ملرققة‪ ،‬ليكون �سهر �لقر�آن!‬ ‫�ل�سوم بغري بدل –مع ما فيه من �مل�سقة �ملعروفة‪ -‬قال بعدها‪:‬ﱫ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ‬ ‫‪� -5‬نظر‪ :‬ملا َ�س َرع �هلل‬ ‫َ‬ ‫ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠﱪ فال مُي �سر هو ما جاء عن �هلل تعاىل‪ ،‬ل �أن يكونَ �لتي�سري �سماعة مُت َغ َّري‬ ‫بها �سر�ئع �ل�سوم و�حلج و�لأعياد‪.‬‬

‫‪� -6‬أنزل �لقر�آن ليكون هدى‪ ،‬ولذلك ذكرت �لهد�ية يف «�لفاحتة» ويف �أول �لبقرة ﱫ ﭚ ﭛ ﱪ ‪ ،‬وتالوة �لقر�آن‬ ‫دت �أعظم مقا�سدها‪ ،‬فعلى �لتايل للقر�آن �أن ي�ستح�س َر ق�سدَ �لهتد�ء بكتاب �هلل‬ ‫�إذ� خلت من هذ� �ملعنى َف َق ْ‬ ‫و�ل�ست�ساءة بنوره‪ ،‬و�ل�ست�سفاء من �أدو�ئه بكالم ربه‪ ،‬ول يقت�سر على جمرد تالوة �حلروف‪ :‬ﱫ ﮘ ﮙ‬ ‫ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﱪ‪.‬‬


‫�لت�سال و�لتعلق بالعالئق �ل�سماوية �لتي‬ ‫�سبب لرتفاع �لقلب من �لت�سال بالعالئق �لب�سري ِة �إىل‬ ‫ِ‬ ‫‪� -7‬ل�سيام ٌ‬ ‫نزل منها �لقر�آن‪ ،‬ففيه �ت�سا ٌل مبا�سر بجهة نزول �لقر�آن‪ .‬وبهذ� يلتقيان من هذ� �لوجه‪.‬‬ ‫‪ -8‬ﱫ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﱪ �لهد�ية ت�سمل‪ :‬هد�ي َة �لعلم‪،‬‬ ‫وهد�ي َة �لعمل‪ ،‬فمن �سام رم�سان و�أكم َله‪ ،‬فقد منّ �هلل عليه بهاتني �لهد�يتني‪ ،‬و�سك مُره �سبحانه على �أربعة‬ ‫إكمال �لعدة‪ ،‬و�لتكب ِري على ما هد�نا‪ ،‬فهذه كلُّها ِن َع ٌم حتتاج‬ ‫وعدم �إر�دته �لع�سر‪ ،‬و� ِ‬ ‫�أمور‪� :‬إر�د ِة �هلل َبنا �ل مُي ْ�سر‪ِ ،‬‬ ‫و�جتناب نو�هيه‪.‬‬ ‫بفعل �أو�مره‪،‬‬ ‫ِ‬ ‫منا �أن ن�سك َر �هلل ِ‬ ‫مُ‬ ‫برتج ي �لتقوى‪،‬‬ ‫‪ -9‬ﱫﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥﱪ و�إذ� كان‬ ‫�لتكليف �سا ّق ًا نا�سب �أن مُيع ّقب ّ‬ ‫تمت هذه �لآية بقوله‪ :‬ﱫﯦ ﯧﱪ‬ ‫و�إذ� كان تي�سري ً� ورخ�سة نا�سب �أن يع ّقب برتجي �ل�سكر‪ ،‬فلذلك مُخ ْ‬ ‫لأنّ قبله ترخي�ض للمري�ض و�مل�سافر بالفطر‪.‬‬ ‫‪ -10‬تكب مُري �هلل على هد�يته جاء يف ثنايا �آيات �ل�سيام‪ :‬ﱫ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﱪويف ثنايا �آيات‬ ‫�حلج‪ :‬ﱫ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥﱪ فاإذ� �أردت �أن َ‬ ‫تعرف موقع هاتني �لآيتني �لكريتني‪ ،‬فيكفي �أن تتذكر‬ ‫�أن هناك ‪ 5‬مليار�ت من �لب�سر حمرومون من هذه �لهد�ية! ف ِل َمن �مل ّنة؟ﱫ ﯾ ﯿ ﰀ ﰁ ﰂ ﰃ ﰄ ﰅ ﰆ‬ ‫ﰇﱪ‪.‬‬ ‫كبو� �هلل حتى يفرغو� من عيدهم؛ لأن‬ ‫‪ -11‬قال �بنمُ عبا�ض‪ :‬ح ٌّق على �مل�سلمني �إذ� نظرو� �إىل هالل �سو�ل �أن مُي ّ‬ ‫�هلل تعاىل ذكره يقول‪ :‬ﱫﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥﱪ‪ .‬فليكن �لتكبري �سعار ً� يالأ �مل�ساجد‬ ‫و�لبيوت و�لأ�سو�ق‪.‬‬ ‫‪ -12‬ﱫﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﱪ قد يقول قائل‪ :‬يف �ل�سوم م�س ّق ٌة‬ ‫وتعب‪ ،‬فكيف يوؤمر �لعبد بال�سكر؟ فيقال‪ :‬من نظر يف �لثمر�ت �لعظيمة �لتي ترتَّبت على هذه �لفري�سة‪ :‬من‬ ‫ٌ‬ ‫و�لعتق من �لنار‪َ ،‬ع َرف‬ ‫ومو�هب �لرحمن‪،‬‬ ‫حالو ِة �ملناجاة‪ ،‬وتالو ِة �لقر�آن‪ ،‬و�أنو� ِع �لإح�سان �لتي مُو ِّفق لها �لعبد‪،‬‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫�أن �هلل وحده ي�ستحق �ل�سكر على و��سع ف�سله‪ ،‬وعظيم نعمائه‪.‬‬ ‫ﱫﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮﯯ ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ ﯴﯵ ﯶ ﯷ ﯸ ﯹ ﯺ ﯻﱪ‬

‫‪ -1‬ﱫﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﱪﱫﰁ ﰂ ﰃ ﰄﰅ ﰆ ﰇ ﰈ ﰉ ﱪ‪ ،..‬ما �أقرب �هلل! لي�ض بيننا‬ ‫وبينه �أحد‪ ،‬ل مو�عيد تالحق‪ ،‬ول طو�بري تنتظر‪ ،‬ول �سكك تقطع؛ قيل لالإمام �أحمد رحمه �هلل‪ :‬كم بيننا وبني‬ ‫عر�ض �لرحمن؟ قال‪« :‬دعوة �سادقة من قلب �سادق!»‪.‬‬ ‫ِ‬ ‫‪ -2‬ﱫﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﱪكان خالد �لربعي يقول‪ :‬عجبتمُ لهذه �لأمة! �أَم َرهم بالدعاء ووعدهم‬ ‫ف�س ئل عن هذ�؟ فقال‪ :‬مثل قوله‪ :‬ﱫ ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﱪ فها‬ ‫بالإجابة‪ ،‬ولي�ض بينهما �سرط! مُ‬ ‫هنا �سرط (�أي �لب�سارة م�سروطة بالإيان و�لعمل �ل�سالح)‪ ،‬وقوله‪ :‬ﱫ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﱪ فها هنا‬ ‫�سرط‪ ،‬و�أما قوله‪ :‬ﱫﭟ ﭠ ﭡﱪ لي�ض فيه �سرط‪.‬‬ ‫‪ -3‬قال بع�ض �ل�سلف‪ :‬متى �أَ ْطلق �هلل ل�سا َنك بالدعا ِء‬ ‫و�لطلب فاعلم �أنه يريد �أن يعط َيك؛ وذلك ل�سدقِ‬ ‫ِ‬ ‫�لوعد باإجاب ِة من دعاه‪� ،‬أمل يقل �هلل تعاىل‪ :‬ﱫ ﯭ ﯮﯯ ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ ﯴﱪ؟‬ ‫ِ‬


‫ﱫ ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ‬ ‫ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ‬ ‫ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ‬ ‫ﮑﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﱪ‬

‫‪ -1‬ﱫﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗﭘ ﱪ يف �لآية معنيان لطيفان‪:‬‬ ‫‪� )1‬ل َّت ْك ِنية عما ل َي ْح مُ�س ن �لت�سريح به‪.‬‬ ‫‪ )2‬مُعدِّي �لرفثمُ بـ(�إىل) مع �أنه ل مُيقال‪َ :‬ر َف ْثتمُ �إىل �لن�ساء‪ ،‬ولك ّنه ِج يء به حممو ًل على �لإف�ساء �لذي ير�د به‬ ‫�ملالب�سة‪.‬‬ ‫‪ -2‬ﱫﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞﭟﱪ ‪ ،‬ﱫ ﭳ ﭴ ﭵ ﱪ ‪ ،‬ﱫﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﱪ ‪ ،‬تاأمل هذه �لآيات‪،‬‬ ‫جتد �لر�بط بينها (�ل�سرت)‪ ،‬و�مل�سرتك بني �لثياب مُح ْ�س نمُ �س ِرتها‪ ،‬فهل مُيدرك �لزوجان �أنه عندما يتح َّدث‬ ‫�أح دمُهما بعيوب �سريك حياته و َيك�سف �أ�سر� َره قد �أ�سبح كالثوب �ملخرق‪ ،‬قبيح �ملنظر‪ ،‬فا�سح �ملخب‪.‬‬ ‫‪ -3‬تاأمل قوله تعاىل ‪ :‬ﱫﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞﭟﱪ وما فيها من تربية �لذوق و�لأدب يف �لكالم‪� ،‬إ�سافة �إىل‬ ‫ما يف �للبا�ض من دللة (�ل�سرت‪ ،‬و�حلماية‪ ،‬و�جلمال‪ ،‬و�لقرب)‪ ..‬وهل �أح مُد �لزوجني لالآخر �إل كذلك؟ و�إن كانت‬ ‫�ملر�أة يف ذلك �أظهر �أثر ً� كما مُي�سري �إىل ذلك �لبدء ب�سمريها ﱫﭙﱪ‪.‬‬ ‫‪ -4‬ﱫﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞﭟﱪ هل َي �ستغني �أح ٌد عن �للبا�ض؟ فكيف ي�ستغني عن �لزو�ج ويو َّؤخ مُره بال �سبب‬ ‫مُمعتب؟‬ ‫َ‬ ‫مُ‬ ‫�سريك عمره وقد مُخ ِلق ل�سرته؟‬ ‫�لبع�ض‬ ‫ف�سح‬ ‫�للبا�ض ي�س مُرت �لعور�ت‪ ،‬ف ِل َم َي مُ‬ ‫مُ‬ ‫�للبا�ض ِ�س عا ٌر ودثار‪ ،‬فكيف ت�سفو �حليا مُة �لزوجية مع �لنفور و�جلفاء؟‬ ‫مُ‬ ‫�للبا�ض من �أجمل ما نتزين به‪ ،‬فمتى يكونمُ �لزوجان �أح دمُهما َج ما ٌل لالآخر؟‬ ‫مُ‬ ‫�لبد و�حلر‪ ،‬فهل ك ٌّل منا ي�سعر �أنه وقاي ٌة وحماي ٌة و�أما ٌن ل�سريك حياته؟ فما �أعظمه من‬ ‫مُ‬ ‫�للبا�ض وقاية من َ ْ‬ ‫كتاب!‬ ‫‪ -5‬ﱫﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾﱪ يف جتويز‬ ‫�سوم �ملمُ ْ�س ِبح مُج مُن ًبا‪.‬‬ ‫�ملبا�سرة �إىل �ل�سبح دلل ٌة على جو�ز تاأخري �لغ�سل �إليه‪ ،‬و�سح مُة ِ‬ ‫‪ -6‬ﱫ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱﱪ �أي‪� :‬ق�سدو� يف مبا�سرتكم لزوجاتكم �لتق ّر َب �إىل �هلل بذلك‪،‬‬ ‫و�بتغو� �أي�س ًا ليلة �لقدر‪ ،‬فاإياكم �أن ت�ستغلو� بهذه �للذة وتو�بعها وت�سيعو� ليلة �لقدر ‪-‬وهي مما كتبه �هلل‬ ‫فاتت‬ ‫لهذه �لأمة‪ -‬وفيها من �خلري �لعظيم ما يعد تفويته من �أعظم �خل�سر�ن‪ ،‬فاللذة مُم ْد َركة‪ ،‬وليل مُة ْ‬ ‫�لقدر �إذ� ْ‬ ‫مل ت ْمُدرك‪ ،‬ومل مُيع ِّو�ض عنها �سيء‪.‬‬ ‫‪ -7‬ﱫ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﱪ هذ� غاي ٌة لالأكل و�ل�سرب و�جلماع‪ ،‬وفيه �أنه‬ ‫�إذ� �أكل ونحوه �سا ّك ًا يف طلوع �لفجر فال باأ�ض عليه‪ ،‬وفيه دليل على ��ستحباب �ل�سحور‪ ،‬و�أنه ي�ستحب تاأخريه؛‬ ‫�أخذ ً� من معنى رخ�سة �هلل وت�سهيله على �لعباد‪.‬‬ ‫‪ -8‬ﱫﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾﱪ يف �إباحته تعاىل جو�ز �لأكل �إىل طلوع �لفجر‬ ‫دلي ٌل على ��ستحباب �ل�سحور؛ لأنه من باب �لرخ�سة و�لأخذ بها حمبوب‪ ،‬ولهذ� وردت �ل�سنة �لثابتة باحلث‬ ‫عليه‪.‬‬ ‫‪ -9‬قال تعاىل‪ :‬ﱫ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋﮌﱪ ��ستدل �لعلماء بقوله‪ :‬ﱫ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋﮌﱪ‬ ‫على �أن �لعتكاف ل ي�سح �إل يف �مل�سجد‪ ،‬ووجه �لدللة‪ :‬كاأنّ �لأم َر مُم �ست ِق ٌّر ومفرو ٌغ منه �أنّ �لعتكاف ل يكون‬ ‫�إل يف �مل�سجد‪ ،‬وقد حكى �لقرطبي وغريه �لإجما َع على ذلك‪.‬‬


‫‪ -10‬للمعتكف �لتنقل يف �أنحاء �مل�سجد‪ ،‬لعموم‪ :‬ﱫ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋﮌﱪ‪ ،‬و�أما �خلروج منه فهو �أق�سام‪/1 :‬‬ ‫معتاد ل بد منه كاخلالء‪ ،‬و�أكل ل ياأتي به �أحد‪،‬‬ ‫مناف لالعتكاف كالوطء و�لبيع فاإنه يبطل‪ /2 .‬لأمر ٍ‬ ‫أمر ٍ‬ ‫ل ٍ‬ ‫و�غت�سال لإز�لة ر�ئحة فجائز‪ /3 .‬لأمر ل ينايف �لعتكاف‪ ،‬لكن لي�ض لزم ًا‪ ،‬كت�سييع جنازة وزيارة قريب‪ ،‬فال‬ ‫يفعل‪ ،‬وبع�سهم يجيز ذلك با�س رت�طه‪.‬‬ ‫‪ -11‬ﱫ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋﮌﱪ لي�ض �ملر�د �لنهي عن مبا�سرتهن يف �مل�ساجد؛ فذلك ممنوع‬ ‫جام َع �أح دمُهم �أه َله‪،‬‬ ‫منه حتى يف غري �لعتكاف‪ ،‬و�إمنا نزلت يف �أقو�م يخرجون حلاجتهم يف بيوتهم‪ ،‬ف مُر ّمبا َ‬ ‫ف مُنهو� عن ذلك‪ ،‬فتاأمل كيف �أفادت �لآية حكمني بجملة خمت�سرة‪�� :‬س رت�ط �مل�سجد يف �لعتكاف‪ ،‬و�لنهي عن‬ ‫�ملبا�سرة �أثنائه‪.‬‬ ‫‪ -12‬ﱫﮈ ﮉ ﮊ ﮋﮌﱪ لقد جعل �لإ�سالم هذه �لعزلة يف �إطار �مل�سجد‪ ،‬فلم ي�سمح بانقطاع يف غار �أو‬ ‫يف غابة‪ ،‬وذلك حتى ل مُن ْنهي �سل َة �مل�سلم باجلماعة‪.‬‬ ‫‪ -13‬ملا ذكر �هلل تعاىل‬ ‫�ملنهيات يف �ل�سيام و�لعتكاف �أعقبها بقوله‪ :‬ﱫ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑﱪ و»ل‬ ‫ِ‬ ‫تقربوها» �أبلغ من‪« :‬ل تفعلوها»؛ لأن �ل مُقربانَ َي مُ‬ ‫�سمل �لنهي عن فعل �ملمُ َح َّرم بنف�سه‪ ،‬و�لنهي عن و�سائله �ملو�سلة‬ ‫�إليه‪.‬‬ ‫�سبب للتقوى؛ لأنهم �إذ� بان لهم �حلق‬ ‫�لعلم‬ ‫‪ -14‬ﱫ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﱪ �إن َ‬ ‫�ل�سحيح ٌ‬ ‫َ‬ ‫أعظم جلرمه‪ ،‬و�أ�س َّد لإثمه‪.‬‬ ‫�تبعوه‪ ،‬و�إذ� بان لهم �لباطل �جتنبوه‪ ،‬ومن علم �حلق فرتكه‪ ،‬و�لباطل فاتبعه‪ ،‬كان � َ‬ ‫ﱫﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﱪ‬

‫‪ -15‬ملا �نق�ست �آيات �ل�سيام �أعقبها �هلل بالنهي عن �أكل �أمو�ل �لنا�ض بالباطل؛ لأنه مُحم َّر ٌم يف كل زمان‬ ‫و�ل�سر�ب �لذي مُح ِّر َم‬ ‫�لطعام‬ ‫ومكان‪ ،‬بخالف �لطعام و�ل�سر�ب فكاأنه مُيقال لل�سائم‪ :‬يا من �أطعتَ ر َّبك وتركتَ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫عليك يف �لنهار فقط‪ ،‬فامتثل �أم َر ر ِّبك يف �جتناب �أكل �لأمو�ل بالباطل‪ ،‬فاإنه حمر ٌم بكل حال‪ ،‬ول مُيباح يف‬ ‫وقت من �لأوقات‪.‬‬ ‫ﱫ ﮮ ﮯ ﮰﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ‬ ‫ﯣﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﱪ‬

‫لت‬ ‫‪ -1‬ﱫ ﮮ ﮯ ﮰﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﱪ قال قتادة‪� :‬ساألو� نبي �هلل �سلى �هلل عليه و�سلم‪ :‬مل مُج ِع ْ‬ ‫هذه �لأهلة؟ فاأنزل �هلل فيها ما ت�سمعون‪ ،‬فجعلها ل�سوم �مل�سلمني ولإفطارهم‪ ،‬وملنا�سكهم وحجهم‪ ،‬ول ِع َّد ِة‬ ‫ن�سائهم ِّ‬ ‫وحمل دينهم يف �أ�سياء‪ ،‬و�هلل �أعلم مبا مُي�سلح خل َقه‪.‬‬ ‫‪ -2‬يف قوله‪ :‬ﱫ ﯖ ﱪ �إ�سار ٌة �إىل كون �لروؤية ميقات ًا للنا�ض كلهم‪ ،‬فما كان روؤية يف عهد �لنبوة فهو �ملعتب‬ ‫بعده‪.‬‬

‫‪www.tadabbor.com‬‬ ‫‪t a d a b b o r @ t a d a b b o r. c o m‬‬


Turn static files into dynamic content formats.

Create a flipbook
Issuu converts static files into: digital portfolios, online yearbooks, online catalogs, digital photo albums and more. Sign up and create your flipbook.