شفاء النفوس من شبهات فركوس

Page 1


‫شفاء النفوس‬

‫من شبهات الفركوس‬

‫للشيخ‬

‫أيب املنذر الشنقيطي‬ ‫حفظه هللا تعاىل‬


‫شفاء النفوس من شبهات الفركوس‬

‫منرب التوحيد واجلهاد‬

‫(‪)1‬‬


‫شفاء النفوس من شبهات الفركوس‬

‫بسم هللا الرمحن الرحيم‬ ‫فهذه رسالة وصلت ملنتدى األسئلة يف منرب التوحيد واجلهاد‪ ،‬تتعلق بعدد من‬ ‫الشبهات اليت تثار حول اجلهاد اليوم أاثرها املدعو حممد علي فركوس وتلقفتها صحيفة‬ ‫النهار اجلزائرية ابلنشر عرب صفحاهتا‪ ،‬وقد يسر هللا للشيخ الفاضل أيب املنذر الشنقيطي‬ ‫حفظه هللا أن يفند هذه الشبهات ويرد عليها ‪.‬‬ ‫منرب التوحيد واجلهاد‬ ‫نص الرسالة‪:‬‬ ‫إىل اإلخوة القائمني على هذا املنتدى أوجه حتييت إليكم ‪...‬‬ ‫فلقد خرج علينا املدعو أبو عبد املعز حممد علي فركوس بفتوى حول شرعية اجلهاد يف‬ ‫املغرب اإل سالمي وقال ما قال فيها حول جهادان املبارك وقد تلقتها وسائل االعالم وقامت‬ ‫بنشرها منها جريدة النهار اجلزائرية لبث الشك يف نفوس الشباب املتحمس هلذا اجلهاد‪.‬‬ ‫فنرجو منكم إ خواننا ان تقوموا ابلرد على هذا املبطل وهذا هو نص فتواه‪.... :‬‬

‫( ‪)1‬‬

‫(‪)1‬‬ ‫التالزم احلقيقي بني الطائفة املنصورة وعملها اجلهادي‬ ‫السؤال‪( :‬املوجه حملمد علي فركوس)‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ ِ​ِ‬ ‫ِ‬ ‫بعض املسلمني ِ‬ ‫اليوم‪ ،‬منها‪:‬‬ ‫حيتج ُ‬ ‫ببعض األحاديث على شرعيّة الف َرق اجلهاديّة املوجودة َ‬ ‫ّ‬ ‫ِ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ول‪« :‬الَ تَ َز ُال‬ ‫صلَّى هللاُ َعلَْي ِه َوآلِ​ِه َو َسلَّ َم يَ ُق ُ‬ ‫ُ‬ ‫ت النِ َّ‬ ‫حديث جاب ِر ب ِن عبد هللا رضي هللا عنهما‪َ​َ :‬س ْع ُ‬ ‫َِّب َ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫صلَّى هللاُ َعلَْي ِه َو َسلَّ َم‬ ‫ي‬ ‫ر‬ ‫م‬ ‫ن‬ ‫ب‬ ‫ى‬ ‫يس‬ ‫ع‬ ‫ل‬ ‫ز‬ ‫ن‬ ‫ي‬ ‫ف‬ ‫‪:‬‬ ‫ال‬ ‫ق‬ ‫‪،‬‬ ‫ة‬ ‫ام‬ ‫ي‬ ‫ْق‬ ‫ل‬ ‫ا‬ ‫م‬ ‫و‬ ‫ي‬ ‫ىل‬ ‫إ‬ ‫ين‬ ‫ر‬ ‫اه‬ ‫ظ‬ ‫ق‬ ‫ْل‬ ‫ا‬ ‫ى‬ ‫ل‬ ‫ع‬ ‫ن‬ ‫و‬ ‫ل‬ ‫ات‬ ‫ق‬ ‫ي‬ ‫يت‬ ‫طَائ َفةٌ م ْن أ َُّم ُ َ ُ َ َ​َ َْ ّ َ َ َ َ ْ َ َ َ َ َ​َ ْ ُ َ ْ ُ َ ْ َ​َ َ‬ ‫فَي ُق ُ ِ‬ ‫ض ُك ْم عَلَى بَ ْع ٍ‬ ‫ض أ َُم َراءُ تَ ْك ِرَمةَ هللاِ َه ِذهِ األ َُّمةَ»(‪ -١‬أخرجه‬ ‫ص ِّل لَنَا‪ ،‬فَيَ ُق ُ‬ ‫ول‪ :‬الَ إِ َّن بَ ْع َ‬ ‫ول أَم ُري ُه ْم‪ :‬تَ َع َال َ‬ ‫َ‬ ‫مسلم يف «اإلميان» (‪ )81/1‬رقم (‪ ،) 156‬من حديث جابر بن عبد هللا رضي هللا عنهما‪.).‬‬

‫منرب التوحيد واجلهاد‬

‫(‪)2‬‬


‫شفاء النفوس من شبهات الفركوس‬

‫ِ​ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ ِ ِ‬ ‫وحديث جاب ِر ب ِن َ​َسُرَة رضي هللا عنهما‪« :‬لَن يربح ه َذا ال ِّد ِ‬ ‫ني‬ ‫ُ‬ ‫صابَةٌ م َن ال ُْم ْسلم َ‬ ‫ْ َْ َ َ َ‬ ‫ين قَائ ًما يُ َقات ُل َعلَْيه ع َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫الساعَةُ»(‪ -٢‬أخرجه مسلم يف «اإلمارة» (‪ )925/2‬رقم (‪ ،)1922‬وأمحد يف «مسنده»‬ ‫وم َّ‬ ‫َح ََّّت تَ ُق َ‬ ‫(‪ ،) 108 ،106 ،103/5‬من حديث جابر بن َسرة بن جنادة بن جندب رضي هللا عنهما‪.).‬‬ ‫األحاديث‪ ،‬وإذا كانت ال تنطبق على ِ‬ ‫ِ‬ ‫الف َرِق اجلهاديِّة املعاصرةِ فعلى من تنطبق؟‬ ‫شرحا هلذه‬ ‫نريد منكم ً‬ ‫جواب‪( :‬حممد علي فركوس)‬ ‫السالم على من أرسله هللا رمحةً للعاملني‪ ،‬وعلى آله وصحبه وإخوانه‬ ‫رب العاملني‪ ،‬و ّ‬ ‫اْلمد هلل ّ‬ ‫الصالة و ّ‬ ‫إىل يوم ال ّدين‪ ،‬أما بعد‪:‬‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ابإلسالم املص ّفى ِ‬ ‫احملض ‪-‬‬ ‫متمسكةٌ‬ ‫فالطّائفةُ النّاجيةُ واملنصورةُ املذكورةُ يف اْلديث إ ّ​ّنا هي طائفةٌ ّ‬ ‫ِب صلّى هللا عليه وآلِه وسلّم وأصحابُه رضي هللا عنهم‪ ،‬ال‬ ‫ظاهرا‬ ‫ً‬ ‫علما وعمالً‪ً ،‬‬ ‫وابطنًا‪ -‬تقوم مبا كان عليه النّ ّ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ٍ‬ ‫ِ‬ ‫صح‬ ‫كما‬ ‫‪،‬‬ ‫م‬ ‫الئ‬ ‫ة‬ ‫لوم‬ ‫هللا‬ ‫يف‬ ‫أتخذها‬ ‫وال‬ ‫اخلاذلني‪،‬‬ ‫و‬ ‫ئني‬ ‫و‬ ‫املنا‬ ‫اجيف‬ ‫ر‬ ‫أ‬ ‫ها‬ ‫يضر‬ ‫وال‬ ‫فني‪،‬‬ ‫املخال‬ ‫ال‬ ‫و‬ ‫أق‬ ‫إىل‬ ‫تلتفت‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ضُّرهم من َك َّذ َ​َبم (ويف رو ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫اية‬ ‫ي‬ ‫ا‬ ‫م‬ ‫هللا‬ ‫ر‬ ‫َم‬ ‫ِب‬ ‫ة‬ ‫م‬ ‫ائ‬ ‫ق‬ ‫ة‬ ‫ُم‬ ‫أ‬ ‫يت‬ ‫ُم‬ ‫أ‬ ‫ن‬ ‫م‬ ‫ال‬ ‫ز‬ ‫ي‬ ‫ال‬ ‫«‬ ‫قال‪:‬‬ ‫عنه صلّى هللاُ عليه وآلِه وسلّم أنّه‬ ‫ُ‬ ‫َ َ َ ْ َّ َّ ٌ َ َ ٌ ْ‬ ‫َ َ ُ ُ ْ َ ْ ُْ‬ ‫البخاري يف «التّوحيد»‬ ‫ك»(‪ -٣‬أخرجه‬ ‫مسل ٍم‪َ :‬م ْن َخ َذ َهلُْم) َوالَ َم ْن َخالَ َف ُه ْم َح ََّّت َ​َيِِْتَ أ َْم ُر هللاِ َو ُه ْم َعلَى َذلِ َ‬ ‫ّ‬ ‫ول لَهُ ُك ْن فَيَ ُكو ُن﴾‪ ،‬ومسلم يف «اإلمارة»‬ ‫(‪ )563 /3‬ابب قول هللا تعاىل‪﴿ :‬إَِّ​ّنَا قَ ْولُنَا لِ َش ْي ٍء إِذَا أ َ​َرْد َانهُ أَ ْن نَ ُق َ‬ ‫(‪ )925 /2‬رقم (‪ ،) 1037‬من حديث معاوية بن أيب سفيان رضي هللا عنهما‪ ،).‬وهي مجاعةٌ واحدةٌ ال‬ ‫ِ‬ ‫األم ِة إىل ِ‬ ‫قيام‬ ‫شطري وال‬ ‫ِب صلّى هللاُ عليه وآله وسلّم ّأو َل ّ‬ ‫َ‬ ‫تقبل التّع ّد َد والتّ َ‬ ‫االنقسام والتّجزئةَ‪ ،‬متت ّد من زم ِن النّ ِّ‬ ‫مقو ِ‬ ‫مات الطّائفةِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ٍ‬ ‫بنفس ِّ‬ ‫آخ ُرون ِ‬ ‫املقصود‬ ‫األم ِة‪ ،‬و‬ ‫جنس الطّائفة من أجيال تنقرض َ‬ ‫ُ‬ ‫وَيْلُ ُفهم َ‬ ‫آخر ّ‬ ‫ّ‬ ‫الساعة َ‬ ‫ُ‬ ‫ودعوِتا ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫مر العصوِر إىل ِ‬ ‫ِ‬ ‫يستمر على ِّ‬ ‫قيام‬ ‫بل‬ ‫ها‬ ‫وجود‬ ‫ينقطع‬ ‫ال‬ ‫ا‪،‬‬ ‫ورجاهل‬ ‫ها‬ ‫ومنهج‬ ‫ا‬ ‫ِبصوهل‬ ‫ابتة‬ ‫ث‬ ‫ال‬ ‫ة‬ ‫ملنصور‬ ‫ا‬ ‫ّ‬ ‫ُ‬ ‫ّ‬ ‫ِ‬ ‫اْلق‪ ،‬وتُظْ ِهر التّوحي َد وال ّشرع‪ ،‬ويكو ُن ال ّدين معها عزيزا منيعا قائما على تقوى من هللاِ‬ ‫ِ‬ ‫َْ‬ ‫الساعة‪ ،‬تُ ْعلي كلمةَ ِّ‬ ‫ً ً ً‬ ‫ُ‬ ‫ّ‬ ‫ُ‬ ‫ورضو ٍان‪.‬‬ ‫الزم بني هذه الطّ ِ‬ ‫ِ‬ ‫غري منقط ٍع‪،‬‬ ‫يستمر‬ ‫اجلهادي‪ ،‬حيث‬ ‫ائفة وعملِها‬ ‫ُ‬ ‫ومن هنا يتبلور التّ ُ ُ‬ ‫ِّ‬ ‫اجلهاد معها َ‬ ‫ّ‬ ‫ٍ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫أثره يف ِ‬ ‫اْلق و ِ‬ ‫ف‬ ‫بعض‬ ‫األزمان ويَ ْ‬ ‫ض ُع ُ‬ ‫الصراعُ بني ِّ‬ ‫فهو ابق ما بق َي ّ‬ ‫الباطل‪ ،‬واإلميان والكف ِر‪َ ْ ،‬‬ ‫غري أنّه قد يَ ْعظُم ُ‬ ‫ِ ِ‬ ‫ٍ‬ ‫ماض حبس ِ‬ ‫ب نوعيّتِه‪،‬‬ ‫علما أ ّن‬ ‫أماكن ِم َن‬ ‫َ‬ ‫األرض ويَق ّل يف أخرى‪ً ،‬‬ ‫انتشاره يف َ‬ ‫يف أزمان أخرى‪ ،‬ويَكْثُ ُر ُ‬ ‫اجلهاد ٍ َ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫كاجلهاد ابْلج ِة و ِ‬ ‫لب وال ّدف ِع‪ ،‬أو معنوًًّّي ابللّ ِ‬ ‫فس و ِ‬ ‫كجهاد الطّ ِ‬ ‫حسيًّا ابلنّ ِ‬ ‫الربهان‪،‬‬ ‫سان‬ ‫املال‬ ‫ف َق ْد يكون‬ ‫ُ‬ ‫ّ‬ ‫اجلهاد ّ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫وهذا كلُّه م َن اجلهاد يف ِ‬ ‫ني ِ​ِب َْم َوال ُك ْم‬ ‫«جاه ُدوا ال ُْم ْش ِرك َ‬ ‫سبيل هللا تعاىل لقوله صلّى هللاُ عليه وآله وسلّم‪َ :‬‬ ‫وأَنْ ُف ِس ُكم وأَل ِ‬ ‫ْسنَتِ ُك ْم» (‪ -٤‬أخرجه أمحد يف «مسنده» (‪ ،)124 /3‬وأبو داود يف «اجلهاد» (‪)2504‬‬ ‫ْ َ‬ ‫َ‬ ‫صححه األلباينّ يف «صحيح اجلامع»‬ ‫اْلديث‬ ‫و‬ ‫عنه‪.‬‬ ‫هللا‬ ‫رضي‬ ‫أنس‬ ‫حديث‬ ‫من‬ ‫الغزو‪،‬‬ ‫ترك‬ ‫اهية‬ ‫ر‬ ‫ك‬ ‫ابب‬ ‫ّ‬ ‫ِ‬ ‫ومن ِ‬ ‫ِ‬ ‫اجلهاد أعمُّ ِمن ِ‬ ‫فاجلهاد من حيث أدواتُه يكون ابلنّ ِ‬ ‫فس‬ ‫القتال‪،‬‬ ‫اْلديث يظهر أ ّن‬ ‫داللة‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫(‪ْ ،).)3090‬‬ ‫َ‬ ‫املال واللّ ِ‬ ‫و ِ‬ ‫صوص ال ّشرعيّةُ األخرى‪ -‬يكون للك ّفا ِر واملنافقني و ِ‬ ‫أهل‬ ‫سان‪ ،‬ومن حيث حملُّه ‪-‬كما دلّ ْ‬ ‫ت عليه النّ ُ‬ ‫يطان يف الباط ِن‪ ،‬فيتنوع اجلهاد إىل أرب ِع مراتب‪ِ :‬‬ ‫فس وال ّش ِ‬ ‫جهاد النّ ِ‬ ‫البدع واألهو ِاء يف الظّاه ِر‪ ،‬وللنّ ِ‬ ‫فس‪،‬‬ ‫ِ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫خبصوص النّ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫وخصوص‬ ‫فس من جهة أدواته‪،‬‬ ‫األصل‬ ‫القتال فيكو ُن يف‬ ‫وال ّشيطان والك ّفا ِر‪ ،‬واملنافقني‪ ،‬و ّأما ُ‬

‫منرب التوحيد واجلهاد‬

‫(‪)3‬‬


‫شفاء النفوس من شبهات الفركوس‬

‫أخص ِ‬ ‫ِ ِ‬ ‫أخص‬ ‫وجهاد املنافقني‬ ‫ابليد‪،‬‬ ‫«وجهاد الك ّفا ِر‬ ‫ابن القيِّم ‪-‬رمحه هللا‪:-‬‬ ‫ُّ‬ ‫ُّ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫الك ّفا ِر من جهة حملّه‪ ،‬قال ُ‬ ‫ابللّ ِ‬ ‫سان»(‪« -٥‬زاد املعاد» البن القيّم‪.).)11/3( :‬‬ ‫ِ‬ ‫وقتال ‪-‬يف الظّاه ِر‪ -‬ال َُيْ ِرجه عن ِ‬ ‫قتال ٍ‬ ‫حدوث تقطُّ ٍع بني ٍ‬ ‫صفة االستمرا ِر‬ ‫حال‬ ‫أذكر أ ّن َ‬ ‫ُ‬ ‫وال يفوتين أن َ‬ ‫ِ‬ ‫أل ّن طور ِ‬ ‫حقيقة األم ِر تواصل واستمرار‪ ،‬مع بقاء ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫جهاد‬ ‫اإلعداد اليت تتطلّبها مرحلةُ التّقطُّ ِع هي يف‬ ‫البناء و‬ ‫ٌ‬ ‫َْ‬ ‫ٌ‬ ‫بيضة املسلمني من ِ‬ ‫ٍ‬ ‫معنوي حفاظًا على ِ‬ ‫ِ‬ ‫الك ّفا ِر ‪-‬عموما‪ -‬ابْلج ِة و ِ‬ ‫ٍّ‬ ‫أعداء‬ ‫كجهاد‬ ‫املرحلة‪-‬‬ ‫الربهان ‪-‬يف تلك‬ ‫ّ‬ ‫ً‬ ‫ِ‬ ‫اإلسالم وال ّدي ِن‪.‬‬ ‫ِ‬ ‫قتال الك ّفا ِر ِ‬ ‫البشري حيتاج إىل ِ‬ ‫الع ّدةِ اإلميانيّ ِة واملادّيِّة‪ ،‬وإىل‬ ‫مثّ ينبغي أن يُ ْعلَ َم أ ّن َ‬ ‫ي و َّ‬ ‫املادّ َّ‬ ‫شرط إعداد ُ‬ ‫ْ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ٍ‬ ‫اجلماعة وترَك قتالِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ٍ‬ ‫ومقاتلة مع والة األمر‪ ،‬ذلك أل ّن من أصول ِ‬ ‫صحيح ٍ‬ ‫لزوم‬ ‫ونبيل‪،‬‬ ‫غرض‬ ‫ٍ‬ ‫السنّة‪َ :‬‬ ‫ْ‬ ‫أهل ّ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫السنّة يَ​َرْو َن‬ ‫ّ‬ ‫األئمة ْ‬ ‫فأهل ّ‬ ‫وترَك القتال يف الفتنة(‪ -٦‬انظر‪« :‬جمموع الفتاوى» البن تيميّة‪ُ ،).)128ِ/28( :‬‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫الصالح‪ ،‬ومن ِ‬ ‫االجتماع‪:‬‬ ‫متام هذا‬ ‫لف‬ ‫الس‬ ‫عليه‬ ‫كان‬ ‫ما‬ ‫وعلى‬ ‫ة‬ ‫بو‬ ‫ن‬ ‫ال‬ ‫منهاج‬ ‫على‬ ‫االجتماع‬ ‫وجوب‬ ‫‬‫ن‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫إذ ْ‬‫َ‬ ‫ّ ُ ّ ُ ْ‬ ‫ّ​ّ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫فاجلهاد ٍ‬ ‫ماض‬ ‫أتم َر علينا ولو كان عب ًدا حبشيًّا‪ ،‬مهما كانت صفةُ عدالته‪،‬‬ ‫ُ‬ ‫مع والطّاعةُ يف املعروف ل َمن ّ‬ ‫الس ُ‬ ‫ّ‬ ‫اجلهاد وا ْجلم ِع و ِ‬ ‫ِ‬ ‫الرب والفاج ِر من الوالة‪ ،‬والطّائفةُ املنصورةُ ترى وجوب ِ‬ ‫ِ‬ ‫األعياد وغريها من شعائ ِر‬ ‫إقامة‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َُ‬ ‫مع ّ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫إبعادهم فُ ْرقَةٌ‬ ‫غري ُمُْرٍِج من الْملّ ِة‪ ،‬أل ّن َ‬ ‫اإلسالم اجلماعيّة مع والة األموِر سواء كانوا صاْلني أو فُ ّساقًا فس ًقا ْ َ‬ ‫اقة ال ّد ِ‬ ‫ِ‬ ‫كلمة املسلمني‪ ،‬ويرتتّب عليه ِمن إر ِ‬ ‫ُّت ِ‬ ‫وخالف وسبب لتشت ِ‬ ‫اْلقوق ِ‬ ‫وعدم استقرا ِر األم ِن‬ ‫وضياع‬ ‫ماء‬ ‫ِ‬ ‫ٌ‬ ‫ْ‬ ‫ٌ‬ ‫ُ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫املشهور م ْن‬ ‫ابن تيميّةَ ‪-‬رمحه هللا‪« :-‬وهلذا كان‬ ‫ف َش ْوَكةَ املسلمني ويُ َسلّ ُ‬ ‫ما يُ ْ‬ ‫ضع ُ‬ ‫ُ‬ ‫ط علي ِه ُم األعداءَ‪ ،‬قال ُ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫مذهب ِ‬ ‫ت على‬ ‫السنّة أ ّ​ّنم ال يَ​َرْو َن‬ ‫ظلم‪ ،-‬كما دلّ ْ‬ ‫اخلروج على ّ‬ ‫ابلسيف ‪-‬وإن كان فيهم ٌ‬ ‫َ‬ ‫األئمة وقتا َهلم ّ‬ ‫أهل ّ‬ ‫ِ‬ ‫القتال و ِ‬ ‫الفساد يف ِ‬ ‫الفتنة‬ ‫ِب صلّى هللاُ عليه وآله وسلّم‪ ،‬أل ّن‬ ‫ذلك‬ ‫الصحيحةُ املستفيضةُ ع ِن النّ ِ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫األحاديث ّ‬ ‫ّ‬ ‫ِ‬ ‫ٍ‬ ‫ِ ِ‬ ‫ِ ٍ‬ ‫أعظم‬ ‫الفساد‬ ‫أعظم ِم َن‬ ‫اْلاصل بظُلْمهم بدون قتال وال فتنة‪ ،‬فيُ ْدفَع(‪ -٧‬ويف األصل‪« :‬فال يُ ْدفَ ُع»‪ُ ).‬‬ ‫ُ‬ ‫سلطان إالّ وكان يف ِ‬ ‫ٍ‬ ‫ِ‬ ‫خروجها من‬ ‫خرجت على ذي‬ ‫ة‬ ‫طائف‬ ‫ف‬ ‫ر‬ ‫ع‬ ‫ي‬ ‫كاد‬ ‫ي‬ ‫ال‬ ‫ه‬ ‫ل‬ ‫لع‬ ‫و‬ ‫أدانمها‪،‬‬ ‫ام‬ ‫ز‬ ‫ابلت‬ ‫الفسادين‬ ‫ّ‬ ‫ٌ‬ ‫ُ‬ ‫ْ‬ ‫ُ َْ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫السنّة النّبويّة» البن تيميّة‪.).)231/3( :‬‬ ‫«منهاج‬ ‫‬‫‪٨‬‬ ‫ه»(‬ ‫الفساد الذي أزالْت‬ ‫أعظم من‬ ‫ّ‬ ‫الفساد ما هو ُ‬ ‫ٍ‬ ‫وليس معىن ذلك جو َاز إقرا ِر اْلك ِ‬ ‫املخالفات ال ّشرعِيّ ِة‪،‬‬ ‫ّام ووالةِ األموِر على ما هم عليه من املعاصي و‬ ‫املناصحة والتّغي ِري‪ ،‬من غ ِري نزِع ٍ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫يد‬ ‫حدود ما وسعه من قدرةٍ على‬ ‫إنكارها يف‬ ‫اجب كراهيةُ ُمالفاِتم و ُ‬ ‫وإ ّ​ّنا الو ُ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ٍ‬ ‫ِ‬ ‫ٍ‬ ‫املظاهرات واالعتصامات واملنشورات‪ ،‬وأنو ِاع‬ ‫من طاعة أو إحداث موجات من االضطراابت واملشا َغبات و َ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫املوج ِه للس ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫وسائل‬ ‫ابْلديد والنّا ِر‪ ،‬وغ ِريها من‬ ‫اخلروج عليه‬ ‫لطان وأعوانِه‪ ،‬أو‬ ‫ِ‬ ‫السباب وال ّشتائ ِم والقذف َّ ّ‬ ‫ّ‬ ‫ِ‬ ‫هيئة فرٍق حزبي ٍة جهادي ٍ‬ ‫اإلخالل ابألم ِن واالستقرا ِر‪ ،‬سواء كان اخلروج عليه منتظما على ِ‬ ‫ِ‬ ‫غري منتظ ٍم‬ ‫أو‬ ‫‪،‬‬ ‫ة‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ً‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫حال الثُّوا ِر الذين مل يصربوا على َجوِر اْلك ِ‬ ‫ّام وظُلْ ِمهم‪ ،‬قال صلّى هللاُ عليه وآلِه وسلّم‪« :‬أَالَ َم ْن‬ ‫ْ‬ ‫كما هو ُ ّ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ٍ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫اعة»(‪-٩‬‬ ‫ِل َعلَْي ِه َو ٍال فَ َرآهُ َ​َيِْت َشْي ئًا م ْن َم ْعصيَة هللا فَلْيَكَْرْه َما َ​َيِْت م ْن َم ْعصيَة هللا‪َ ،‬والَ يَنْز َع َّن يَ ًدا م ْن طَ َ‬ ‫َوِ َ‬ ‫أخرجه مسلم يف «اإلمارة» (‪ )900 /2‬رقم (‪ ،)1855‬من حديث عوف بن مالك األشجعي رضي هللا‬ ‫«م ْن َك ِرَه ِم ْن أ َِم ِريهِ َشْي ئًا فَلْيَ ْ ِ ِ ِ‬ ‫َح ٌد ِم َن الن ِ‬ ‫َّاس‬ ‫سأَ‬ ‫عنه‪ ،).‬وقال صلى هللا عليه وآله وسلم‪َ :‬‬ ‫ص ْرب َعلَْيه‪ ،‬فَإنَّهُ لَْي َ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫الس ْلطَ ِ ِ‬ ‫ات ميتةً َجاهليَّةً»(‪ -١٠‬أخرجه البخاري يف «الفنت» (‪)465 /1‬‬ ‫َخ َر َج ِم َن ُّ‬ ‫ات َعلَْيه إِالَّ َم َ‬ ‫ان ش ْ ًربا فَ َم َ‬ ‫ابب قول النِب صلى هللا عليه وسلم «سرتون بعدي أمورا تنكروّنا»‪ ،‬ومسلم يف «اإلمارة» (‪ )898 /2‬رقم‬ ‫(‪ ) 1849‬واللفظ له‪ ،‬من حديث ابن عباس رضي هللا عنهما‪.).‬‬

‫منرب التوحيد واجلهاد‬

‫(‪)4‬‬


‫شفاء النفوس من شبهات الفركوس‬

‫وأسال هللا تعاىل أن يهدينا ملا اختلف فيه من اْلق إبذنه‪.‬‬ ‫والسالم عليكم ورمحة هللا وبركاته‪.‬‬

‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫للفرِق اجلهادي ِة ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫املعاصَرةِ إالّ إذا كان معهم والةُ أموِرهم أو كانوا‬ ‫ّ‬ ‫ومنِ منطلق هذا املعتقد‪ ،‬فال شرعيّةَ َ‬ ‫ِ‬ ‫يخ‬ ‫اْلديث‬ ‫السؤ ِال ّ‬ ‫حتت إمارِتم وإشرافِهم‪ ،‬و ُ‬ ‫يدل على أ ّن املقاتلةَ مع األمراء‪ ،‬وقد ع ّقب ال ّش ُ‬ ‫ُ‬ ‫املذكور يف ّ‬ ‫املهدي‪ :‬وهو حمم ُد بن ِ‬ ‫حمم ٌد انصر ال ّدي ِن األلباينُّ ‪-‬رمحه هللا‪ -‬على ِ‬ ‫عبد هللاِ‪ ،‬كما‬ ‫كلمة‪« :‬أ َِم ُري ُه ْم» ِبنّه‬ ‫ُّ‬ ‫ّ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫حسن(‪ -١١‬انظر‪« :‬سلسلة األحاديث‬ ‫ها‬ ‫وبعض‬ ‫صحيح‬ ‫ها‬ ‫بعض‬ ‫د‬ ‫ِبساني‬ ‫األحاديث‬ ‫بذلك‬ ‫فرت‬ ‫تضا‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫َ ُ‬ ‫ْ‬ ‫ٌ‬ ‫ٌ‬ ‫الصحيحة» لأللباين‪.).)372-371 ،278/5( :‬‬ ‫ّ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫مذاهب اخلوارِج ما فيه‬ ‫ذكرت من التّحذي ِر من‬ ‫اآلجري ‪-‬رمحه هللا‪« :-‬قد‬ ‫وض ْم َن هذا املعىن‪ ،‬قال‬ ‫ُّ‬ ‫ُ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫وحيف األمر ِاء‪ ،‬ومل‬ ‫األئم ِة‬ ‫بالغٌ ملن عصمه هللاُ تعاىل عن‬ ‫مذهب اخلوارِج‪ ،‬ومل يَ َر رأيَهم‪ ،‬وصرب على َج ْوِر ّ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫وحج معهم‪،‬‬ ‫ابلص ِ‬ ‫َير ْج عليهم بسيفه‪ ،‬وسأل هللاَ تعاىل ك ْش َ‬ ‫للوالَة ّ‬ ‫الح‪ّ ،‬‬ ‫ف الظّل ِم عنه وع ِن املسلمني‪ ،‬ودعا ُ‬ ‫ٍ‬ ‫بطاعة فأمكنه أطاعهم‪ ،‬وإن مل‬ ‫كل ع ُد ٍّو للمسلمني وصلّى معهم اجلُ ُمعةَ والعيدين‪ ،‬فإ ْن أمروه‬ ‫وجاهد معهم َّ‬ ‫ِ ِ‬ ‫ٍ ِ‬ ‫كف لسانَه وي َده‪ ،‬ومل يَ ْه َو‬ ‫نت بينهم لزم بيتَه و ّ‬ ‫ُميكنْه اعتذر إليهم‪ ،‬وإن أمروه مبعصية مل يُط ْعهم‪ ،‬وإذا دارت الف َُ‬ ‫فتنة‪ ،‬فمن كان هذا وص َفه كان على الصر ِ‬ ‫ما هم فيه‪ ،‬ومل يعِن على ٍ‬ ‫اط املستقي ِم إن شاء هللاُ»(‪« -١٢‬ال ّشريعة»‬ ‫ْ‬ ‫ّ‬ ‫َْ‬ ‫ُ ْ‬ ‫لآلجري‪.).)40( :‬‬ ‫إعداد ٍ‬ ‫مبقو ِ‬ ‫احتاجت املرحلةُ إىل ٍ‬ ‫ِ‬ ‫فإ ْن ختلَّ َف ِ‬ ‫وبناء فإ ّن الطّائفةَ املنصورةَ ال تز ُال ِّ‬ ‫ماِتا جتاه ُد‬ ‫طو‬ ‫ت ال ّشرو ُ‬ ‫ِ‬ ‫ابْلج ِة و ِ‬ ‫س ِيف َه َذا ال ِّدي ِن‬ ‫القتال‬ ‫الربهان وهو ُ‬ ‫ُّ‬ ‫ّ‬ ‫املعنوي‪ ،‬وقد جاء يف اْلديث‪« :‬الَ يَ َز ُال هللاُ َع َّز َو َج َّل يَغْ ِر ُ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫اعتِ ِه»(‪ -١٣‬أخرجه أمحد يف «مسنده» (‪ ،)200 /4‬وابن ماجه‪ :‬ابب اتّباع سنّة‬ ‫ط‬ ‫يف‬ ‫م‬ ‫ه‬ ‫ل‬ ‫م‬ ‫ع‬ ‫ت‬ ‫س‬ ‫ي‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫بغَْر ٍس َ ْ َ ْ ُ ْ‬ ‫رسول هللا صلّى هللا عليه وسلّم (‪ ،)8‬من حديث أيب عنبة اخلوالينّ رضي هللا عنه‪ .‬واْلديث ّ‬ ‫حسنه األلباينّ‬ ‫الصحيحة» (‪.).)571 /5‬‬ ‫«السلسلة ّ‬ ‫يف ّ‬ ‫وآخر دعواان أن اْلمد هلل رب العاملني‪ ،‬وصلى هللا على حممد وعلى آله وصحبه وإخوانه إىل يوم الدين‬ ‫وسلم تسليما‪.‬‬ ‫اجلزائر يف‪ 18 :‬رجب ‪ 1431‬ه‬ ‫املوافق ل‪ 30 :‬جوان ‪2010‬م‬

‫منرب التوحيد واجلهاد‬

‫(‪)5‬‬


‫شفاء النفوس من شبهات الفركوس‬

‫بسم هللا الرمحن الرحيم‬ ‫اْلمد هلل رب العاملني‬ ‫وصلى هللا على نبيه الكري‬ ‫وعلى آله وصحبه أمجعني ‪.‬‬ ‫وبعد ‪:‬‬ ‫أخي الكري هذه تعليقات بسيطة على بعض ما ورد يف كالم الشيخ الفركوس ‪:‬‬ ‫املسألة األوىل ‪:‬‬ ‫قوله ‪:‬‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫فس ِ‬ ‫حبس ِ‬ ‫حسيًّا ابلنّ ِ‬ ‫اجلهاد ٍ‬ ‫كجهاد‬ ‫واملال‬ ‫(علما أ ّن‬ ‫َ‬ ‫ً‬ ‫ب نوعيّته‪ ،‬ف َق ْد يكون اجلهادُ ّ‬ ‫ماض َ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ُّ‬ ‫الط ِ‬ ‫اجلهاد يف سبيلِ‬ ‫ابحلجة والربهان‪ ،‬وهذا كله م َن‬ ‫ّلب وال ّدف ِع‪ ،‬أو معنوًًّّي ابللّسان كاجلهاد ّ‬ ‫ِ‬ ‫هللا تعاىل)‪.‬‬ ‫معىن كالمه أن اجلهاد اْلسي ابلنفس (جهاد السيف) قد يتوقف ليحل حمله اجلهاد‬ ‫املعنوي ابللسان ‪ -‬وال يعين هذا أن اجلهاد توقف ‪ -‬بل هو ماض ما دام واحد من النوعني‬ ‫موجودا !!‬ ‫هذا الكالم ال بد معه من عدة تنبيهات مهمة ‪:‬‬ ‫أوال ‪:‬‬ ‫أن اجلهاد حقيقة يف عبادة جماهدة الكفار ابلسيف وجماز يف سائر العبادات والقرابت‬ ‫اليت فيها بذل للجهد ومكابدة للمشاق ‪.‬‬ ‫وهلذا قال العالَّمة ابن ٍ‬ ‫كل من أتعب نفسه يف ذات هللا فقد جاهد‬ ‫رشد يف املقدمات ‪ُّ « :‬‬ ‫يف سبيله؛ إال أن اجلهاد يف سبيل هللا إذا أُطلق فال يقع إبطالقه إال على جماهدة الكفار ابلسيف‬ ‫حَّت يدخلوا يف اإلسالم أو يعطوا اجلزية عن ٍ‬ ‫يد وهم صاغرون » ‪.‬‬

‫منرب التوحيد واجلهاد‬

‫(‪)6‬‬


‫شفاء النفوس من شبهات الفركوس‬

‫وقال أبو حيان يف تفسريه ‪:‬‬ ‫(يكون فعل {جاهد} مستعمال يف حقيقته وجمازة ومها اجلهاد ابلسيف واجلهاد إبقامة‬ ‫اْلجة والتعريض للمنافق بنفاقه فإن ذلك يطلق عليه اجلهاد جمازا كما يف قوله صلى هللا عليه‬ ‫وسلم "رجعنا من اجلهاد األصغر إىل اجلهاد األكرب"‪ )1(،‬وقوله للذي سأله اجلهاد فقال له ‪:‬‬ ‫"ألك أبوان" ؟ قال‪ :‬نعم قال ‪" :‬ففيهما فجاهد"‪ ).‬اه ‪.‬‬ ‫رسول هللا ‪-‬صلى هللا‬ ‫َسعت َ‬ ‫ومن استعماله يف اجملاز أيضا حديث فضالة بن عبيد قال ‪ُ :‬‬ ‫«اجملاهد َم ْن جاهد نفسه» أخرجه الرتمذي ‪.‬‬ ‫عليه وسلم‪ -‬يقول ‪:‬‬ ‫ُ‬ ‫وحيث أطلق اجلهاد يف لفظ الشارع فهو ينصرف إىل اجلهاد ابلسيف ألنه حقيقة فيه وال‬ ‫ينصرف إىل غريه‪.‬‬ ‫والقاعدة أن اللفظ ال يصرف عن اْلقيقة إال الستحالة قصدها أو لقرينة دالة على أّنا‬ ‫غري مقصودة ‪.‬‬ ‫عبد هللا يف املراقي ‪:‬‬ ‫قال الشيخ سيدي ُ‬ ‫وحيثم‬

‫ا اس‬

‫تحال األص‬

‫ينتق‬

‫ل‬

‫إىل اجمل از أو ألق رب حص ل‬

‫ل‬

‫وقال اخلطيب البغدادي ‪:‬‬ ‫(فإذا ورد لفظ محل على اْلقيقة إبطالقه‪ ،‬وال حيمل على اجملاز إال بدليل )‪ ،‬الفقيه واملتفقه‬ ‫‪)96 / 1( -‬‬

‫(‪ )1‬قال ش يخ اإلس الم ابن تيمية رمحه هللا‪" :‬وأما اْلديث الذي يرويه بعض هم‪ ،‬أنه قال يف غزوة تبوك‪:‬‬ ‫(رجعنا من اجلهاد األص غر إىل اجلهاد األكرب) فال أص ل له‪ ،‬ومل يروه أحد من أهل املعرفة ِبقوال النِب ص لى‬ ‫هللا عليه وسلم وأفعاله‪ ،‬وجهاد الكفار من أعظم األعمال‪."..‬اه الفرقان ص‪ .]45-44‬منرب التوحيد‬ ‫واجلهاد]‬

‫منرب التوحيد واجلهاد‬

‫(‪)7‬‬


‫شفاء النفوس من شبهات الفركوس‬

‫وقد سأل رجل النِب صلى هللا عليه وسلم ‪( :‬ما اجلهاد قال أن تقاتل الكفار إذا لقيتهم)‬ ‫رواه أمحد يف املسند وعبد الرزاق يف املصنف عن عمرو بن عبسة بسند رجاله ثقات‪.‬‬ ‫فاجلهاد حيث أطلق فاملقصود به ‪ :‬اجلهاد ابلسيف ‪.‬‬ ‫اثنيا ‪:‬‬ ‫اجلهاد ابلسيف ال ينوب عنه بقية أعمال اخلري اليت تسمى جهادا "جمازا" ‪:‬‬ ‫كالمه يف الفقرة السابقة فيه حماولة للتسوية بني جهاد السيف وجهاد الكلمة وكأّنا يريد‬ ‫صاحبه أن يقول للقارئ ‪:‬‬ ‫إن االشتغال جبهاد الكلمة يسقط عنا جهاد السيف !‬ ‫فحني ننشغل ابلدعوة والتعليم فال ِبس علينا من القعود ألننا جماهدون !!‬ ‫وهذا من تلبيس إبليس !‬ ‫فالقيام جبهاد اْلجة والبيان ال يسقط عنا القيام جبهاد السيف والسنان؛ فكالمها واجب‬ ‫ال جيوز التفريط فيه ممن وجب عليه والقيام ِبحدمها ال يسقط اآلخر ‪.‬‬ ‫كما أن القيام بفريضة الصالة ال يسقط القيام بفريضة الزكاة‪.‬‬ ‫وقد روى ابن ماجة يف السنن عن أيب أمامة ‪:‬‬ ‫(عن النِب صلى هللا عليه وسلم قال من مل يغز أو جيهز غازًّي أو َيلف غازًّي يف أهله خبري‬ ‫أصابه هللا سبحانه بقارعة قبل يوم القيامة)‪.‬‬ ‫وعن أيب هريرة رضي هللا عنه قال‪ :‬قال رسول هللا صلى هللا عليه وسلم‪( :‬من مات ومل يَ ْغ ُز‬ ‫ث نفسه ابلغزو‪ ،‬مات على شعبة من نفاق) رواه مسلم‪.‬‬ ‫ومل ُحيَ ِّد ْ‬ ‫وروى اْلاكم يف املستدرك عن أيب هريرة رضي هللا عنه قال قال رسول هللا صلى هللا عليه‬ ‫وسلم‪( :‬من لقي هللا بغري أثر من اجلهاد لقيه وفيه ثلمة ) قال اْلاكم ‪:‬هذا حديث كبري يف‬ ‫الباب غري أن الشيخني مل حيتجا إبَساعيل بن رافع ‪.‬‬

‫منرب التوحيد واجلهاد‬

‫(‪)8‬‬


‫شفاء النفوس من شبهات الفركوس‬

‫فال بد لكل مسلم من املشاركة يف جهاد السيف إما ابملباشرة وإما ابلدعم وإال كان عاصيا‬ ‫آمثا مستوجبا لإلمث والعقوبة ‪.‬‬ ‫وهذا الوعيد موجه لكل مسلم حَّت ولو كان منشغال ابلدعوة والتعليم ‪.‬‬ ‫فحني ننشغل ابلدعوة إىل هللا وتعليم الناس وإرشادهم فال ينبغي أن خنادع أنفسنا وندعي‬ ‫ِبننا على ثغرة عظيمة من أجل التهرب من ثغرات أخرى أعظم كلفة وأشد خطرا مثل اجلهاد‬ ‫ابلسيف ‪..‬‬ ‫وال بد من التنبيه إىل أن الدين ال يقوم على ا لسيف دون اْلجة وال يقوم على اْلجة‬ ‫دون السيف بل يقوم على السيف الذي تدعمه اْلجة وعلى اْلجة اليت حيميها السيف ‘‬ ‫فقوام الدين بكتاب يهدي وسيف ينصر ‘‬ ‫فال داعي إذن حملاولة الفصل بني العلم واجلهاد أو االستعاضة ِبحدمها عن اآلخر ألن‬ ‫كال منهما يدعم اآلخر ويكمله واملسلمون مطالبون ابجلمع بينهما وعدم التفريط يف أي منهما‬ ‫‪:‬‬ ‫فم ا ه و إال ال وحي أوح د‬ ‫ف‬ ‫مره‬

‫متي ل ظب اه أخ دعا ك ل م ا ي ل‬

‫فه ذا ش فاء ال داء م ن ك ل عاق ل‬

‫وه ذا دواء ال داء م ن ك ل جاه ل‬

‫والدعوة ابلبيان وإقامة اْلجة ال تقتضي أبدا ترك اجلهاد ابلسيف ‪.‬‬ ‫قال شيخ اإلسالم بن تيمية ‪:‬‬ ‫( وقوله تعاىل ‪{ :‬وال جتادلوا أهل الكتاب إال ابليت هي أحسن اال الذين ظلموا‬ ‫منهم }وقوله ‪{ :‬وجادهلم ابليت هي أحسن} ليس يف القرآن ما ينسخهما ولكن بعض الناس‬ ‫يظن أن من اجملادلة ترك اجلهاد ابلسيف وكل ما كان متضمنا لرتك اجلهاد املأمور به فهو منسوخ‬ ‫آبًّيت السيف) النبوات ‪)157 / 1( -‬‬ ‫اثلثا ‪ :‬املفاضلة بني العلم واجلهاد‬

‫منرب التوحيد واجلهاد‬

‫(‪)9‬‬


‫شفاء النفوس من شبهات الفركوس‬

‫يقول بعض أهل العلم ِبن اجلهاد ابْلجة أفضل من اجلهاد ابلسيف‪ ،‬والذي يظهر أن‬ ‫هذا القول غري صحيح َبذا اإلطالق وذلك لعدة أسباب ‪:‬‬ ‫السبب األول ‪ :‬التفريق بني حاليت "اجلمع" و "التعارض"‬ ‫إن العبادات ينبغي أن يفرق فيها عند التفضيل بني حالتني ‪:‬‬ ‫حالة التعارض (أي عدم إمكانية اجلمع بينها)‪ ،‬وحالة االجتماع (أي عند إمكانية اجلمع‬ ‫بينها)‪.‬‬ ‫أما ابلنسبة ْلالة التعارض فإنه ينبين على التفضيل فيها تقدي الفاضل وأتخري املفضول‬ ‫‪ ،‬وهذه اْلالة ال ينبغي التفضيل فيها إبطالق بني العبادات الواجبة اليت َيتلف جماهلا إذ كلها‬ ‫مطلوبة يف حملها ‪.‬‬ ‫وإّنا ينظر إىل األفضلية حبسب اْلال والظرف فما كانت حاجة الوقت إليه أشد كان‬ ‫أفضل من غريه‬ ‫وقد نص على ذلك ابن القيم يف بعض كتبه ‪.‬‬ ‫وقد يكون الشخص أقدر على أداء واجب وأكثر أهلية له من غريه فهو ابلنسبة له أفضل‬ ‫ألنه أصبح متعينا عليه ‪.‬‬ ‫وهلذا فإن القضاء وطلب العلم قد يتعينان على شخص دون آخر ‪.‬‬ ‫أما اْلالة الثانية وهي حالة "إمكان اجلمع بني العملني" اليت ال ينبين على التفضيل فيها‬ ‫تقدي وال أتخري وإّنا معرفة األكثر ثوااب فقط فال ينبغي القول فيها ابلتفضيل إال بناء على نص‬ ‫من الشارع ألن التفضيل بني األعمال من حيث الثواب مسألة توقيفية ال دخل فيها لالجتهاد‬ ‫‪.‬‬ ‫ونريد اآلن النظر يف النصوص الشرعية ملعرفة أيهما أكثر ثوااب ‪ :‬اجلهاد ابلسيف أم اجلهاد‬ ‫ابْلجة وتبليغ العلم ؟‬ ‫ورد يف النصوص الشرعية تفضيل اجلهاد ابلسيف على سائر األعمال ومن ذلك ‪:‬‬

‫منرب التوحيد واجلهاد‬

‫(‪)10‬‬


‫شفاء النفوس من شبهات الفركوس‬

‫‪ -1‬عن أيب سعيد اخلدري رضي هللا عنه‪ ،‬قال‪ :‬قيل ًّي رسول هللا أي الناس أفضل فقال‬ ‫رسول هللا صلى هللا عليه وسلم‪ :‬م ؤمن جياهد يف سبيل هللا بنفسه وماله قالوا‪ :‬مث من قال‪ :‬مؤمن‬ ‫يف شعب من الشعاب يتقي هللا ويدع الناس من شره‪.‬‬ ‫رسول هللا ‪-‬صلى هللا عليه وسلم‪:-‬‬ ‫‪ -2‬عن أيب هريرة ‪ -‬رضي هللا عنه ‪ -‬قال ‪ :‬قال ُ‬ ‫أجد َمحولة‪ ،‬وال أجد ما أمحلهم‬ ‫لكن ال ُ‬ ‫«لوال أن ُ‬ ‫أش َّق على املسلمني ما ختلَّ ْف ُ‬ ‫ت عن َس ِريَّة‪ ،‬و ْ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫أحييت مث‬ ‫ت‪ ،‬مث‬ ‫ت أين‬ ‫عليه‪ ،‬ويَ ُش ُّق َّ‬ ‫علي أن يتخلَّفوا عين‪ ،‬فَلَ َود ْد ُ‬ ‫ُ‬ ‫قاتلت يف سبيل هللا فَ ُقتلْ ُ‬ ‫ُ‬ ‫ِ‬ ‫يت» البخاري‪.‬‬ ‫ُحيِ ُ‬ ‫قُت ْل ُ‬ ‫ت‪ ،‬مث أ ْ‬ ‫اجلهاد يف‬ ‫‪ -3‬عن أيب هريرة ‪ -‬رضي هللا عنه ‪ -‬قال ‪« :‬قيل ‪ًّ :‬ي رسول هللا‪ ،‬ما يَ ْع ِدل‬ ‫َ‬ ‫كل ذلك يقول ‪ :‬ال تستطيعونه‪،‬‬ ‫سبيل هللا ؟ قال ‪ :‬ال تستطيعونه‪ ،‬فأعادوا عليه مرتني‪ ،‬أو ثالاث‪ُّ ،‬‬ ‫مث قال ‪ :‬مثَل اجملاهد يف سبيل هللا‪ ،‬كمثل الصائم القانِ ِ‬ ‫ت آبًّيت هللا‪ ،‬ال يَ ْف ُرت من صيام وال‬ ‫َ ُ‬ ‫اجملاهد يف سبيل هللا» أخرجه مسلم والرتمذي‪.‬‬ ‫يرجع‬ ‫ُ‬ ‫صالة‪ ،‬حَّت َ‬ ‫رسول هللا ‪-‬صلى هللا عليه‬ ‫‪ -4‬عن أيب سعيد اخلدري ‪ -‬رضي هللا عنه ‪ -‬قال ‪ :‬كان ُ‬ ‫الناس وهو مسند ظهره إىل راحلته‪ ،‬فقال ‪« :‬أال أخربكم خب ِري الناس‪،‬‬ ‫وسلم‪ -‬عام تبوك َيطُب َ‬ ‫وشر الناس ؟ َّ‬ ‫إن ِم ْن خري الناس ‪ :‬رجال عمل يف سبيل هللا على ظهر فرسه‪ ،‬أو على ظهر‬ ‫َّ‬ ‫بعريه‪ ،‬أو على قدمه‪ ،‬حَّت َيتيَه املوت‪ ،‬وإن من َشِّر الناس رجال يقرأ كتاب هللا ال يرعوي إىل‬ ‫شيء منه» أخرجه النسائي‪.‬‬ ‫‪ -5‬روى البخاري يف فضل العشر من ذي اْلجة قال ‪:‬‬ ‫ حدثنا حممد بن عرعرة قال حدثنا شعبة عن سليمان عن مسلم البطني عن سعيد بن‬‫جبري عن ابن عباس عن النِب صلى هللا عليه وسلم أنه قال ما العمل يف أًّيم أفضل منها يف‬ ‫هذه قالوا وال اجلهاد قال وال اجلهاد إال رجل خرج َياطر بنفسه وماله فلم يرجع بشيء ‪.‬‬ ‫‪ -6‬عن أيب هريرة قال ‪ ( :‬سئل رسول هللا صلى هللا عليه وسلم ‪ :‬أي العمل أفضل ؟‬ ‫قال ‪ :‬إميان ابهلل ورسوله قيل مث ماذا؟ قال اجلهاد يف سبيل هللا‪ ،‬قيل مث ماذا؟ قال حج مربور)‬ ‫متفق عليه ‪.‬‬ ‫وهذه األحاديث دالة على تفضيل اجلهاد على سائر األعمال وهلذا كان هو ذروة سنام‬ ‫اإلسالم ‪.‬‬ ‫السبب الثاين ‪ :‬أن األجر على قدر املشقة‬ ‫منرب التوحيد واجلهاد‬

‫(‪)11‬‬


‫شفاء النفوس من شبهات الفركوس‬

‫من اخلطأ أن نظن ِبن الشرع الذي جاء من عند أحكم اْلاكمني يساوي يف املنزلة بني‬ ‫جهاد فيه القتل واألسر وم فارقة األهل واألوطان ومشقة الرتحال واألسفار ومراغمة ذوي البأس‬ ‫من الكفار مع جهاد (جمازا) ال قتل فيه وال أسر وال تعب وال أخطار وال إزعاج من الكفار !‬ ‫وقد تقرر يف الشرع أن عظم األجر على قدر املشقة ‪:‬‬ ‫ومن أدلة هذه القاعدة ‪:‬‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫اع ِة‬ ‫اّللُ َعلَى النِ ِ‬ ‫ب َّ‬ ‫ين اتَّبَ عُوهُ ِيف َس َ‬ ‫ين َواألنْ َ‬ ‫‪ -1‬قال تعاىل ‪ { :‬لَ​َق ْد َ​َت َ‬ ‫صا ِر الَّذ َ‬ ‫َِّب َوالْ ُم َهاج ِر َ‬ ‫ّ‬ ‫ِ‬ ‫ِ​ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫يم } ‪.‬‬ ‫ب َعلَْي ِه ْم إِنَّهُ َب ْم َرءُ ٌ‬ ‫اد يَِز ُ‬ ‫الْعُ ْس َرةِ ِم ْن بَ ْعد َما َك َ‬ ‫وب فَ ِر ٍيق مْن ُه ْم ُمثَّ َ​َت َ‬ ‫يغ قُلُ ُ‬ ‫وف َرح ٌ‬ ‫قال العالمة عبد الرمحن السعدي يف تفسريه وهو يعدد الفوائد من هذه اآلية ‪:‬‬ ‫(ومنها‪ :‬أن العبادة الشاقة على النفس‪ ،‬هلا فضل ومزية ليست لغريها‪ ،‬وكلما عظمت‬ ‫املشقة عظم األجر)‪.‬‬ ‫‪ -2‬عن عائشة قالت قال رسول هللا صلى هللا عليه وسلم ‪( :‬املاهر ابلقرآن مع السفرة‬ ‫الكرام الربرة والذي يقرأ القرآن ويتتعتع فيه وهو عليه ٌّ‬ ‫شاق له أجران) متفق عليه ‪.‬‬ ‫‪ -3‬عن أيب بن كعب قال ‪( :‬كان رجلٌ ال أعلم رجالً أبعد من املسجد منه وكان ال‬ ‫ختطئه صالة فقيل له أو قلت له لو اشرتيت محاراً تركبه يف الظلماء ويف الرمضاء قال ما يسرين‬ ‫أن منزِل إىل جنب املسجد إين أريد أن يكتب ِل ممشاي إىل املسجد ورجوعي إذا رجعت إىل‬ ‫أهلي فقال رسول هللا صلى هللا عليه وسلم ‪ :‬قد مجع هللا لك ذلك كله) متفق عليه ‪.‬‬ ‫‪ -4‬عن أيب هريرة قال قال رسول هللا صلى هللا عليه وسلم ‪( :‬أثقل صالة على املنافقني‬ ‫صالة العشاء وصالة الفجر لو يعلمون ما فيهما ألتومها ولو حبواً) متفق عليه ‪.‬‬ ‫قال ابن دقيق ‪:‬‬ ‫(وأما الصبح فألّنا يف وقت لذة النوم فإن كانت يف زمن الربد ففي وقت شدته لبعد‬ ‫العهد ابلشمس لطول الليل وإن كانت يف زمن اْلر‪ :‬فهو وقت الربد والراحة من أثر حر‬ ‫الشمس لبعد العهد َبا فلما قوي الصارف عن الفعل ثقلت على املنافقني وأما املؤمن الكامل‬ ‫اإلميان‪ :‬فهو عامل بزًّيدة األجر لزًّيدة املشقة)‪ .‬إحكام األحكام شرح عمدة األحكام ‪/ 1( -‬‬ ‫‪)116‬‬

‫منرب التوحيد واجلهاد‬

‫(‪)12‬‬


‫شفاء النفوس من شبهات الفركوس‬

‫‪ -5‬عن عائشة‪ ،‬قالت ‪ًّ :‬ي رسول هللا يصدر الناس بنُس َك ٌني وأصدر بنُس ٍ‬ ‫ك واحد ؟ قال‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫‪ ( :‬انتظري فإذا طهرت فاخرجي إىل التنعيم فأهلي منه مث ائتنا مبكان كذا ولكنها على قدر‬ ‫نفقتك أو نصبك) رواه البخاري ‪.‬‬ ‫قال ابن بطال يف شرح هذا اْلديث ‪:‬‬ ‫(أفعال الرب كلها األجر فيها على قدر املشقة والنفقة‪ ،‬وهلذا استحب مالك وغريه اْلج‬ ‫راكبا‪ ،‬ومصداق هذا ىف كتاب هللا قوله ‪{ :‬الذين آمنوا وهاجروا وجاهدوا ىف سبيل هللا ِبمواهلم‬ ‫وأنفسهم أعظم درجة عند هللا وأولئك هم الفائزون } التوبة ‪ ] 20 :‬وىف هذا فضل الغىن‬ ‫وإنفاق املال ىف الطاعات‪ ،‬وملا ىف قمع النفس عن شهواِتا من املشقة على النفس ) شرح‬ ‫صحيح البخارى البن بطال ‪)445 / 4( -‬‬ ‫وقال العالمة عبد الرمحن بن انصر السعدي ‪:‬‬ ‫(القاعدة الثالثة واخلمسون‪ :‬من قواعد القرآن‪ :‬أنه يبني أن األجر والثواب على قدر املشقة‬ ‫يف طريق العبادة‪ ،‬ويبني مع ذلك أن تسهيله لطريق العبادة من منته وإحسانه‪ ،‬وأّنا ال تنقص‬ ‫من األجر شيئاً) القواعد اْلسان يف تفسري القرآن ‪.‬‬ ‫السبب الثالث ‪ :‬الواجب املضيق‬ ‫ومن املهم التنبه إىل أن هناك فرقا حساسا بني اجلهاد ابلسيف واجلهاد ابلكلمة ‪..‬‬ ‫وهذا الفرق له داللة عميقة ‪:‬‬ ‫اجلهاد ابلسيف ابب من أبواب الفقه املعروفة ‪..‬له أحكامه املعروفة ‪..‬‬ ‫‪..‬‬

‫نعلم من خالل هذه األحكام‪ :‬مَّت يكون واجبا وأين يكون واجبا وعلى من يكون واجبا‬ ‫ومَّت يكون فرض عني ومَّت يكون فرض كفاية ‪..‬‬

‫‪..‬‬

‫أي أنه عبادة حمددة ومقدرة كما هو الشأن يف عبادة الصالة وعبادة الصوم وعبادة الزكاة‬

‫منرب التوحيد واجلهاد‬

‫(‪)13‬‬


‫شفاء النفوس من شبهات الفركوس‬

‫أما جهاد الكلمة والدعوة والتعليم واملوعظة فهو عبادة غري مقدرة فالشرع مل جيعل له‬ ‫نصااب حمددا وجواب أو سقوطا‪ ،‬ومل َيصص له وقتا ومل يعني له مكاان ‪.‬‬ ‫فهو عبادة مطلقة من مجيع الزواًّي واالجتاهات‪.‬‬ ‫وهذا اإلطالق يستفاد منه أنه عبادة موسعة الوقت خبالف اجلهاد ابلسيف فهو مضيق‬ ‫الوقت ‪.‬‬ ‫ومعلوم أن العبادة املضيق وقتها مقدمة على العبادة املوسع وقتها ‪.‬‬ ‫ألن الواجب املضيق وجوبه على الفورية منذ وقت وجوبه ‪ ،‬والواجب املوسع وجوبه على‬ ‫الرتاخي ‪.‬‬ ‫كما أن الواجب املضيق يعاقب على تركه مبجرد حضور وقته‪ ،‬أما الواجب املوسع فال‬ ‫يعاقب عليه إال ابلنسبة للرتك يف العمر كله (ما مل يتعني ) ‪.‬‬ ‫أقول ‪ :‬وهذه األمور كلها تدل على أن تفضيل جهاد الكلمة على اجلهاد ابلسيف إبطالق‬ ‫فيه قدر من عدم الدقة ‪.‬‬ ‫*****‬ ‫املسألة الثانية ‪:‬‬ ‫قوله ‪:‬‬ ‫سبيل ِ‬ ‫هللا تعاىل لقولِه صلّى هللا عليه وآلِه وسلّم‪« :‬ج ِ‬ ‫ِ‬ ‫اجلهاد يف ِ‬ ‫اه ُدوا‬ ‫(وهذا كلُّه ِم َن‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ِ‬ ‫»‪...‬ومن ِ‬ ‫ني ِ​ِب َْموالِ ُكم وأَنْ ُف ِس ُكم وأَل ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫أعم ِم َن‬ ‫احلديث يظهر أ ّن‬ ‫داللة‬ ‫ْسنَتِ ُك ْم‬ ‫اجلهاد ُّ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َْ‬ ‫ال ُْم ْش ِرك َ َ ْ َ‬ ‫ِ‬ ‫القتال‪) ،‬‬ ‫صحيح أن اجلهاد "اجملازي" – املقصود به كل ما فيه مشقة يف سبيل هللا‪ -‬أعم من‬ ‫القتال‪.‬‬ ‫أما اجلهاد حقيقة فال يطلق إال على القتال ابلسيف ‪.‬‬

‫منرب التوحيد واجلهاد‬

‫(‪)14‬‬


‫شفاء النفوس من شبهات الفركوس‬

‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ني ِ​ِب َْم َوالِ ُك ْم َوأَنْ ُف ِس ُك ْم َوأَلْ ِسنَتِ ُك ْم» فقد‬ ‫‪«:‬جاه ُدوا الْ ُم ْش ِرك َ‬ ‫أما قوله صلى هللا عليه وسلم َ‬ ‫ورد يف سياق التحريض على جهاد الكفار ‪.‬‬ ‫وذالك أن جهاد الكفار يكون حبمل السالح مباشرة وإبعانة اجملاهدين ابألموال وجتهيز‬ ‫الغزاة وبتحريض املسلمني على القتال ورفع مهمهم وتثبيط الكافرين وختذيلهم فهذه األمور‬ ‫الثالثة داخلة يف جهاد الكفار وهي املقصودة يف اْلديث فال عالقة للحديث جبهاد اْلجة‬ ‫والبيان بل هو وارد يف قتال الكفار ‪.‬‬ ‫قال الصنعاين يف سبل السالم ‪:‬‬ ‫(اْلديث دليل على وجوب اجلهاد ابلنفس وهو ابخلروج واملباشرة للكفار وابملال وهو‬ ‫بذله ملا يقوم به من النفقة يف اجلهاد والسالح وحنوه وهذا هو املفاد من عدة آًّيت يف القرآن‬ ‫{وج ِ‬ ‫اه ُدوا ِ​ِب َْم َوالِ ُك ْم َوأَنْ ُف ِس ُك ْم} واجل هاد ابللسان إبقامة اْلجة عليهم ودعائهم إىل هللا تعاىل‬ ‫َ​َ‬ ‫{وال يَنَالُو َن ِم ْن َع ُد ٍّو نَْيالً إَِّال‬ ‫للعدو‬ ‫نكاية‬ ‫فيه‬ ‫ما‬ ‫كل‬ ‫من‬ ‫وحنوه‬ ‫الزجر‬ ‫و‬ ‫اللقاء‬ ‫عند‬ ‫ات‬ ‫و‬ ‫وابألص‬ ‫َ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫صالِ ٌح} وقال صلى هللا عليه وسلم ْلسان‪:‬إن هجو الكفار أشد عليهم من‬ ‫ب َهلُْم بِه َع َملٌ َ‬ ‫ُكت َ‬ ‫وقع النبل)‪.‬‬ ‫وقال السيوطي يف الكالم على هذا اْلديث‪:‬‬ ‫( قال املنذري حيتمل أن يريد بقوله وألسنتكم اهلجاء ويؤيده قوله ‪" :‬فلهو أسرع فيهم من‬ ‫نضح النبل" وحيتمل أن يريد به حض الناس على اجلهاد وترغيبهم فيه وبيان فضائله هلم)‪.‬شرح‬ ‫السيوطي لسنن النسائي ‪)7 / 6( -‬‬ ‫واْلديث أورده أبو داود يف ابب كراهية ترك الغزو‪،‬‬ ‫(ابب هجاء الْ ُم ْشركني)‪.‬‬ ‫وأورده ابن اخلراط يف األحكام الكربى حتت عنوان ‪َ :‬‬ ‫وقد ورد يف السنة اْلث على اإلنفاق على الغزو واعتبار فاعله مشاركا للمجاهدين يف‬ ‫جهادهم وأن ذلك من اجلهاد ابملال ‪.‬‬ ‫ومما ورد يف ذلك ‪:‬‬

‫منرب التوحيد واجلهاد‬

‫(‪)15‬‬


‫شفاء النفوس من شبهات الفركوس‬

‫رسول هللا ‪-‬صلى هللا عليه وسلم‪-‬‬ ‫حديث زيد بن خالد اجلهين ‪ -‬رضي هللا عنه ‪ -‬أن َ‬ ‫غزا‪ ،‬ومن َخلَّف غازًّي يف أهله خبري فقد غزا» أخرجه‬ ‫قال ‪« :‬من َّ‬ ‫جهز غازًّي يف سبيل هللا فقد َ‬ ‫اجلماعة إال «املوطأ»‪.‬‬ ‫رسول هللا ‪-‬صلى هللا عليه وسلم‪-‬‬ ‫وحديث عبد هللا بن عمرو ‪ -‬رضي هللا عنهما ‪ -‬أن َ‬ ‫ِ‬ ‫أجر الغازي» أخرجه أبو داود‪.‬‬ ‫أجره و ُ‬ ‫أجره‪ ،‬وللجاع ِل ُ‬ ‫قال‪« :‬للغَازي ُ‬ ‫وهكذا التحريض –وهو من اجلهاد ابللسان‪ -‬أمر به هللا سبحانه وتعاىل مع األمر ابلقتال‬ ‫فقال ‪:‬‬ ‫ك وح ِر ِ ِ ِ‬ ‫اّللِ َال تُ َكلَّ ُ ِ‬ ‫ني} النساء ‪.]84 :‬‬ ‫{فَ َقاتِ ْل ِيف َسبِ ِيل َّ‬ ‫ض الْ ُم ْؤمن َ‬ ‫ف إَّال نَ ْف َس َ َ َ ّ‬ ‫فاإلن فاق على الغزو والتحريض على اجلهاد كلها من متعلقات اجلهاد ابلسيف وهي املعنية‬ ‫يف اْلديث وقد قدمنا أن اجلهاد حيث أطلق فاملقصود به اجلهاد ابلسيف محال له على اْلقيقة‬ ‫‪.‬‬ ‫فال عالقة – إذن‪ -‬هلذا اْلديث جبهاد اْلجة والكلمة ‪.‬‬ ‫*****‬ ‫املسألة الثالثة ‪:‬‬ ‫قوله ‪:‬‬ ‫واملال والل ِ‬ ‫فس ِ‬ ‫(فاجلهادُ من حيث أدواتُه يكون ابلنّ ِ‬ ‫ّت‬ ‫ّسان‪ ،‬ومن حيث حملُّه ‪-‬كما دل ْ‬ ‫ِ‬ ‫شرعيّةُ األخرى‪ -‬يكون للك ّفا ِر واملنافقني ِ‬ ‫واألهواء يف الظّاه ِر‪،‬‬ ‫وأهل البد ِع‬ ‫صوص ال ّ‬ ‫عليه النّ ُ‬ ‫اجلهاد إىل أرب ِع مراتب‪ِ :‬‬ ‫ش ِ‬ ‫فس وال ّ ِ‬ ‫جهاد النّ ِ‬ ‫وللنّ ِ‬ ‫يطان‬ ‫فيتنوع‬ ‫فس‪ ،‬وال ّ‬ ‫ُ‬ ‫شيطان يف الباط ِن‪ّ ،‬‬ ‫َ‬ ‫فس من ِ‬ ‫خبصوص النّ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫جهة أدواتِه‪،‬‬ ‫األصل‬ ‫القتال فيكو ُن يف‬ ‫وأما‬ ‫ُ‬ ‫والك ّفا ِر‪ ،‬واملنافقني‪ّ ،‬‬ ‫أخص ِ‬ ‫ِ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ابليد‪،‬‬ ‫ابن القيّ ِم ‪-‬رمحه هللا‪:-‬‬ ‫«وجهاد الك ّفا ِر ُّ‬ ‫ُ‬ ‫وخصوص الك ّفا ِر من جهة حملّه‪ ،‬قال ُ‬ ‫أخص ابلل ِ‬ ‫ّسان»(‪« -٥‬زاد املعاد» البن القيّم‪.).)11/3( :‬‬ ‫وجهاد املنافقني ُّ‬ ‫ُ‬ ‫هذا اخللط بني مفهوم اجلهاد ابلسيف وغريه من أنواع اجلهاد األخرى ال طائل من ورائه‬ ‫ولن جيين منه املخلطون كبري فائدة ‪.‬‬

‫منرب التوحيد واجلهاد‬

‫(‪)16‬‬


‫شفاء النفوس من شبهات الفركوس‬

‫وذاك ألن اجلهاد ابلسيف ال يلتبس من حيث التناول الفقهي مع غريه فلكل أحكامه‬ ‫اليت متيزه عن اآلخر ‪.‬‬ ‫وقد حتدث الفقهاء عن اجلهاد ابلسيف وبينوا واجباته وشروطه وممنوعاته وسائر األحكام‬ ‫املتعلقة به وابلرجوع إىل مصنفاِتم ميكن أن ّنيز بني اجلهاد الواجب واجلهاد املندوب واجلهاد‬ ‫املمنوع واجلهاد املشروع دون اْلاجة إىل وضع األصبع على هذه التعريفات اليت إن صحت‬ ‫فهي من اْلق الذي أريد به الباطل !‬ ‫ألن الفكرة اليت يدندن حوهلا هؤالء هي أن اجلهاد ليس حمصورا يف القتال ابلسيف؛ بل‬ ‫هناك جهادات أخرى أقل تكلفة وأكثر جدوائية ميكن االستعاضة َبا عن اجلهاد ابلسيف !!‬ ‫لكن مبجرد أن نسقط على واقعنا أحكام اجلهاد املقررة يف الفقه فسوف يتبخر هذا الكالم‬ ‫ويبطل مفعوله ‪.‬‬ ‫*****‬ ‫املسألة الرابعة ‪:‬‬ ‫قوله ‪:‬‬ ‫ِ‬ ‫قتال ٍ‬ ‫حدوث تقطُّ ٍع بني ٍ‬ ‫وقتال ‪-‬يف الظّاه ِر‪ -‬ال ُ​ُيْ ِر ُجه‬ ‫حال‬ ‫أذكر أ ّن َ‬ ‫(وال يفوتين أن َ‬ ‫صفة االستمرا ِر أل ّن طور ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫عن ِ‬ ‫حقيقة‬ ‫واإلعداد اليت تتطلّبها مرحلةُ التّقطُّ ِع هي يف‬ ‫البناء‬ ‫َْ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫والربهان ‪-‬يف تلك‬ ‫ابحلج ِة‬ ‫عموما‪-‬‬ ‫ّ‬ ‫األم ِر تواصلٌ واستمر ٌار‪ ،‬مع بقاء جهاد الك ّفا ِر ‪ً -‬‬ ‫بيضة املسلمني من ِ‬ ‫معنوي حفاظًا على ِ‬ ‫ٍ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫اإلسالم وال ّدي ِن)‪.‬‬ ‫أعداء‬ ‫كجهاد‬ ‫املرحلة‪-‬‬ ‫ٍّ‬ ‫هذا الكالم ما هو إال قلب للحقائق املاثلة أمام األعني !‬ ‫فهو يريد إق ناعنا ِبن هؤالء املخذلني والقاعدين عن جهاد أعداء الدين هم اجملاهدون‬ ‫اْلقيقيون !!‬ ‫وأن ما ميارسونه من قعود وختذيل عن اجلهاد ما هو إال نوع من اإلعداد !!‬ ‫أعتقد أن هذه هي آخر نظرية تفتقت عنها ذهنية املخذلني ‪ :‬أن يكون القعود عن اجلهاد‬ ‫نوعا من اإلعداد !‬

‫منرب التوحيد واجلهاد‬

‫(‪)17‬‬


‫شفاء النفوس من شبهات الفركوس‬

‫وابلتاِل فإنه جهاد !!‬ ‫ومن الواجب عليك – حسب هذه النظرية‪ -‬أن تكسر املسلمات العقلية وجتمع بني‬ ‫الضدين فتؤمن ِبن ترك اجلهاد يساوي القيام ابجلهاد !‬ ‫وأن فرتة انقطاع اجلهاد هي نفسها فرتة استمرار اجلهاد !!‬ ‫أان ال ألوم من يقول هذا الكالم ‪..‬لكين ألوم من يصدقه !‬ ‫إن هللا تعاىل مل يشرع اإلعداد لكي يكون ذريعة للتخذيل واالستمرار يف القعود ‪..‬‬ ‫اإلعداد عملية استعداد ومجع للطاقات يقوم َبا الطرف ِ‬ ‫املهاجم قبل بدء املعركة أما الطرف‬ ‫املهاجم فال وقت لديه لإلعداد بل ضرورة املعركة تفرض عليه أن يبادر بصد العدوان ابملوجود‬ ‫َ‬ ‫طلب املفقود ‪.‬‬ ‫وأال يشغله عن البدار ُ‬ ‫هذا النوع من اإلعداد ينسحب عليه املثل اْلساين الذي يقول ‪" :‬أُفات ال ّديٌكة وهو‬ ‫يتحّزم" أي ‪( :‬انتهت املعركة وهو يستعد) !‬ ‫َ‬ ‫إن العدو قد حل ابلدًّير وعاث يف األمصار ‪ ..‬وسفك الدماء ‪..‬وانتهك األعراض‬ ‫‪..‬ودنس املقدسات ‪..‬وّنب الثروات ‪..‬فإىل مَّت اإلعداد ؟‬ ‫املاليني قتلوا وحنن يف مرحلة اإلعداد !‬ ‫واملاليني شردوا وحنن يف مرحلة اإلعداد !‬ ‫واملاليني يف السجون وحنن يف مرحلة اإلعداد !‬ ‫واملاليني يعيشون اخلوف والفزع وحنن يف مرحلة اإلعداد !‬ ‫واملاليني حتت القهر والذل والبطش وحنن يف مرحلة اإلعداد !‬ ‫واألجيال تتوارث القعود حبجة اإلعداد !‬ ‫ومتوت على الفراش حبجة اإلعداد!‬ ‫فإىل مَّت اإلعداد؟‬ ‫منرب التوحيد واجلهاد‬

‫(‪)18‬‬


‫شفاء النفوس من شبهات الفركوس‬

‫ليس هذا هو اإلعداد الذي أمر هللا به ‪..‬‬ ‫اإلعداد ال يعين أن ندخل يف سرداب عميق ال ّناية له مث ننظر من بعيد إىل ضحاًّي‬ ‫املسلمني ونلوح هلم إبشارة النصر ونقول ‪ :‬حنن قادمون !‬ ‫ِ‬ ‫ب كاألسود ونستغل كل اإلمكانيات وجنمع كل‬ ‫اإلعداد يعين أن ننتفض كالطري ونث َ‬ ‫الطاقات وننطلق يف أسرع اللحظات لدفع العدوان وصد اهلجمات ‪.‬‬ ‫وهلذا أمر هللا تعاىل ابملستطاع منه فقال ‪{ :‬وأعدوا هلم ما استطعتم من قوة }‪..‬‬ ‫وإنك لتلمح يف قوله تعاىل ‪{ :‬ما استطعتم} إشارة إىل اإلسراع واملبادرة اليت ال تسمح‬ ‫ابلرتاخي فتدرك أن اآلية سيقت يف معرض التحفيز واالستنفار لكن أصحاب اإلعداد السرمدي‬ ‫جعلوها ذريعة لنوم عميق !‬ ‫ًّي أصحاب جهاد اإلعداد ‪:‬‬ ‫إن اإلعداد شرع ليكون زًّيدة يف قوة املسلمني ال وسيلة للتخذيل والتقاعس عن نصرة‬ ‫املستضعفني‪.‬‬ ‫لكن النظرية األخرى األشد غرابة هي ما عرب عنها بقوله ‪:‬‬ ‫ٍ‬ ‫ِ‬ ‫ِ ِ‬ ‫ِ‬ ‫معنوي‬ ‫كجهاد‬ ‫املرحلة‪-‬‬ ‫والربهان ‪-‬يف تلك‬ ‫ابحلج ِة‬ ‫عموما‪ّ -‬‬ ‫(مع بقاء جهاد الك ّفا ِر ‪ً -‬‬ ‫ٍّ‬ ‫ضة املسلمني من ِ‬ ‫حفاظًا على بي ِ‬ ‫ِ‬ ‫اإلسالم وال ّدي ِن)‪.‬‬ ‫أعداء‬ ‫ومعين هذا أن اجلهاد ابْلجة والربهان حيمي بيضة املسلمني من أعداء الدين !‬ ‫وإذا كان األمر كذلك ‪..‬ففيم إعداد العدة ؟‬ ‫وفيم اجلهاد ابلسيف ولدينا اجلهاد ابْلجة ؟‬ ‫وهو أقل كلفة وأسهل حمجة !‬ ‫اّللِ النَّاس ب عضهم بِب ع ٍ ِ‬ ‫ص َو ِام ُع‬ ‫ض َهلُّد َم ْ‬ ‫إّنا فكرة مصادمة لقوله تعاىل ‪َ { :‬ولَْوَال َدفْ ُع َّ َ َ ْ َ ُ ْ َ ْ‬ ‫ت َ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫اّللِ َكثِ ًريا } اْلج ‪. ]40 :‬‬ ‫اس ُم َّ‬ ‫صلَ َو ٌ‬ ‫ات َوَم َساج ُد يُ ْذ َك ُر ف َيها ْ‬ ‫َوبِيَ ٌع َو َ‬

‫منرب التوحيد واجلهاد‬

‫(‪)19‬‬


‫شفاء النفوس من شبهات الفركوس‬

‫وقد فسر النِب صلى هللا عليه وسلم اإلعداد املأمور به بقوله ‪ (:‬أال إن القوة الرمي أال‬ ‫إن القوة الرمي )‪.‬‬ ‫إن محاية بيضة املسلمني ال تكون إال ابلسيف‪ ،‬والقوة ال يصدها إال القوة ‪..‬‬ ‫وإّنا شرعت جمادلة الكفار ابْلجة والربهان من أجل دعوِتم إىل اإلسالم ال ْلماية‬ ‫املسلمني منهم فهذا ميدان وذلك ميدان ‪.‬‬ ‫وإذا كان اجلهاد ابْلجة والربهان حيمي بيضة املسلمني كما تزعمون ًّي أصحاب جهاد‬ ‫الكلمة فدونكم بيضة املسلمني فإّنا مستباحة إىل أقصى اْلدود ‪..‬فلم ال حتموّنا ؟‬ ‫أألنه ال حجة لكم وال برهان ؟‬ ‫*****‬ ‫املسألة اخلامسة ‪:‬‬ ‫قوله‬ ‫إعداد الع ّدةِ‬ ‫ِ‬ ‫شر ِط‬ ‫ي‬ ‫(مثّ ينبغي أن يُ ْعلَ َم أ ّن َ‬ ‫َّ‬ ‫قتال الك ّفا ِر املا ِّد َّ‬ ‫ُ‬ ‫والبشري حيتاج إىل ْ‬ ‫ٍ‬ ‫اإلميانيّ ِة واملا ّديِّة‪ ،‬وإىل ٍ‬ ‫صحيح ٍ‬ ‫ومقاتلة مع والةِ األم ِر‪) ،‬‬ ‫ونبيل‪،‬‬ ‫غرض‬ ‫ٍ‬ ‫ذكر يف هذا الكالم أربعة شروط لقتال الكفار هي ‪:‬‬ ‫‪ -1‬العدة اإلميانية‬ ‫‪ -2‬العدة املادية‬ ‫‪ -3‬الغرض الصحيح والنبيل‬ ‫‪ -4‬املقاتلة مع وِل األمر‪.‬‬ ‫ونبدأ اآلن يف النظر يف صحة وجود هذه الشروط ‪:‬‬ ‫• الشرط األول ‪ :‬العدة اإلميانية‬

‫منرب التوحيد واجلهاد‬

‫(‪)20‬‬


‫شفاء النفوس من شبهات الفركوس‬

‫الزعم ِبن اجلهاد سواء كان جهاد دفع أو جهاد نشر يشرتط له درجة من اإلميان زائدة‬ ‫على أصل اإلميان زعم ابطل ال أساس له من الصحة وال مستند له من الشرع ومل يقل به أحد‬ ‫من أهل العلم ‪.‬‬ ‫بل إن اجلهاد جيب على كل مسلم – غري معذور‪ -‬مهما كانت درجة إميانه يف الضعف‪.‬‬ ‫ِ‬ ‫اب َآمنَّا قُ ْل َملْ تُ ْؤِمنُوا‬ ‫وقد أخرب هللا تعاىل عن ضعف إميان األعراب فقال ‪{ :‬قَالَت ْاأل َْعَر ُ‬ ‫ِ‬ ‫َسلَ ْمنَا َولَ َّما يَ ْد ُخ ِل ِْ‬ ‫اإلميَا ُن ِيف قُلُوبِ ُك ْم} اْلجرات ‪]14 :‬‬ ‫َولَك ْن قُولُوا أ ْ‬

‫ِ ِ‬ ‫ني ِمن ْاأل َْعر ِ‬ ‫اب َستُ ْد َع ْو َن إِ َىل قَ ْوٍم أ ِ‬ ‫ُوِل َِب ٍ‬ ‫ْس‬ ‫ومع ذلك استنفرهم بقوله ‪{ :‬قُ ْل ل ْل ُم َخلَّف َ َ َ‬ ‫َش ِد ٍ‬ ‫َجًرا َح َسنًا َوإِ ْن تَتَ َولَّْوا َك َما تَ َولَّْي تُ ْم ِم ْن قَ ْب ُل‬ ‫يد تُ َقاتِلُوَّنُْم أ َْو يُ ْسلِ ُمو َن فَإِ ْن تُ ِطيعُوا يُ ْؤتِ ُك ُم َّ‬ ‫اّللُ أ ْ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫يما } الفتح ‪]16 :‬‬ ‫يُ َع ّذبْ ُك ْم َع َذ ًااب أَل ً‬ ‫وكان الرجل يف زمن النِب صلى هللا عليه وسلم يدخل يف اإلسالم وأول ما يبدأ به من‬ ‫األعمال هو اجلهاد ‪.‬‬ ‫عن الرباء رضي هللا عنه قال ‪:‬‬ ‫(أتى النِب صلى هللا عليه وسلم رجل مقنع ابْلديد فقال ًّي رسول هللا أقاتل أو أسلم قال‬ ‫أسلم مث قاتل فأسلم مث قاتل فقتل فقال رسول هللا صلى هللا عليه وسلم عمل قليال وأجر كثريا)‬ ‫رواه البخاري ‪.‬‬ ‫ودلت السنة على أن اجملاهدين قد يتفاوتون يف اإلميان قوة وضعفا وأنه قد يكون فيهم‬ ‫قوي اإلميان وقد يكون فيهم ضعيف اإلميان ‪:‬‬ ‫َسعت‬ ‫بن اخلطاب يقول‪:‬‬ ‫عن فضالة بن عبيد ‪ -‬رضي هللا عنه ‪ -‬قال ‪:‬‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫عمر َ‬ ‫َسعت َ‬ ‫رسول هللا ‪-‬صلى هللا عليه وسلم‪ -‬يقول ‪« :‬الشُّهداء أربعة ‪ :‬رجل م ِ‬ ‫ؤمن َجيِّ ُد اإلميان‪ِ ،‬لق َي‬ ‫َ‬ ‫َُ ُ‬ ‫ُ‬ ‫الناس إليه أعيُنَهم يوم القيامة هكذا ‪ -‬ورفع‬ ‫الع ُد َّو فَ َ‬ ‫َ‬ ‫ص َد َق هللا حَّت قُتل‪ ،‬فذلك الذي يَْرفَع ُ‬ ‫النِب ‪-‬صلى هللا عليه‬ ‫رَ‬ ‫أسهُ حَّت َسقطت قَلَنْ ُسوتُه‪ ،‬فال أدري أقَلَنْ ُسوِةَ عُمر أراد أم قَلَنْ ُس َوةَ ِ ِّ‬ ‫ِ‬ ‫الع ُد َّو َّ‬ ‫لدهُ بِ َش ْوك طَلْح من‬ ‫ضرب ج ُ‬ ‫فكأّنا ُ‬ ‫ورجل ُمؤمن َجيِّ ُد اإلميان‪ ،‬لَق َي َ‬ ‫وسلم‪ -‬؟ ‪ -‬قال ‪ُ :‬‬ ‫ِ‬ ‫اجلُْ ِ‬ ‫وآخر‬ ‫ور ُجل ُمؤمن َخلَ َ‬ ‫ط عمال صاْلا َ‬ ‫ب‪ ،‬أَته َس ْه ُم َغرب فَ َقتَ لَهُ‪ ،‬فهو يف الدرجة الثانية‪َ ،‬‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ف على‬ ‫أسَر َ‬ ‫ص َد َق هللا حَّت قُت َل‪ -‬فذلك يف الدرجة الثالثة‪ ،‬ورجل ُمؤمن ْ‬ ‫الع ُد َّو‪ ،‬فَ َ‬ ‫سيئا‪ ،‬لَق َي َ‬ ‫نفسه‪ ،‬لقي الع ُد َّو‪ ،‬فَص َد َق هللا حَّت قُتِل‪ ،‬فذلك يف الدرجة الر ِ‬ ‫ابعة» أخرجه الرتمذي‪.‬‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬

‫منرب التوحيد واجلهاد‬

‫(‪)21‬‬


‫شفاء النفوس من شبهات الفركوس‬

‫واألحاديث مصرحة ِبن اجملاهد قد تكون له ذنوب حتتاج إىل املغفرة وأن القتل يف سبيل‬ ‫هللا يكفرها ومن ذلك ‪:‬‬ ‫النِب ‪-‬صلى هللا عليه وسلم‪-‬‬ ‫عن أيب هريرة ‪ -‬رضي هللا عنه ‪ -‬قال ‪« :‬جاء رجل إىل ِّ‬ ‫تلت يف سبيل هللا صابرا ُْحمتَسبا‪ .‬مقبال غري مدبر‪،‬‬ ‫أيت إن قُ ُ‬ ‫وهو َيَْطُب على املنرب‪ ،‬فقال ‪ :‬أر َ‬ ‫ِ‬ ‫ت ساعة‪ ،‬فقال ‪ :‬أين السائل آنِفا ؟ فقال الرجل‪:‬‬ ‫أيُك ّف ُر هللا عين سيئآِت ؟ قال ‪ :‬نعم‪ ،‬مث َس َك َ‬ ‫ِ‬ ‫ت يف سبيل هللا صابرا ُحمتَسبا ُم ْقبال غري ُم ْدبر‬ ‫أيت إن قُتلْ ُ‬ ‫ت ؟ قال ‪ :‬أر َ‬ ‫فها َأان ذَا‪ ،‬قال ‪ :‬ما قُلْ َ‬ ‫أيك ِّف ُر هللا] َع ِّين سيئاتى ؟ قال ‪ :‬نعم‪ ،‬إال الدَّين‪َ ،‬س َّارين به جربيل آنفا» أخرجه النسائي‪.‬‬ ‫ويف هذا دليل على أن قوة اإلميان ليست شرطا للجهاد‪.‬‬ ‫مث إنه من التناقض البني القول ابشرتاط قوة اإلميان ألي عبادة من العبادات؛ ألن هذه‬ ‫العبادات هي الوسيلة لزًّيدة اإلميان وابلزًّيدة منها يزداد اإلميان ‪.‬‬ ‫وال ميكن أن تكون زًّيدة اإلميان متوقفة على حصول العبادات ويف الوقت نفسه يكون‬ ‫حصول العبادات متوقفا على زًّيدة اإلميان ‪..‬فهذا دور وتسلسل يف غاية االستحالة ‪.‬‬ ‫واشرتاط قوة اإلميان للجهاد ابلذات مسألة ال معىن هلا ألن اجلهاد من أشد العبادات‬ ‫داللة على قوة اإلميان ملا فيه من التضحية واملشقة اليت ال يصرب عليها إال من كان قوي اإلميان‬ ‫وهلذا كان الشهيد ال يفنت يف قربه ألنه قدم الرباهني الدالة على صدق إميانه ‪.‬‬ ‫النِب ‪-‬صلى هللا‬ ‫وقد روى النسائي يف السنن عن راشد بن سعد عن رجل من أصحاب ِّ‬ ‫املؤمنني يُ ْفتَنون يف قبورهم إال الشهيد ؟‬ ‫ابل‬ ‫عليه وسلم‪ :-‬أن رجال قال ‪ًّ« :‬ي رسول هللا‪ ،‬ما ُ‬ ‫َ‬ ‫السيوف على ر ِ‬ ‫قال ‪َ :‬ك َفى ِ‬ ‫أس ِه فتنة»‪.‬‬ ‫ببارقة ُّ‬ ‫• الشرط الثاين‪ :‬العدة املادية‬ ‫جهاد املسلمني اليوم للكفار كله جهاد دفع وال نعلم أحدا من أهل العلم قال ِبن جهاد‬ ‫الدفع يشرتط له اإلعداد‬ ‫قال شيخ اإلسالم بن تيمية ‪:‬‬ ‫(وأما قتال الدفع فهو أشد أنواع دفع الصائل عن اْلرمة والدين فواجب إمجاعا فالعدو‬ ‫الصائل الذي يفسد الدين والدنيا ال شيء أوجب بعد اإلميان من دفعه فال يشرتط له شرط‬

‫منرب التوحيد واجلهاد‬

‫(‪)22‬‬


‫شفاء النفوس من شبهات الفركوس‬

‫بل يدفع حبسب اإلمكان‪ .‬وقد نص على ذلك العلماء أصحابنا وغريهم فيجب التفريق بني‬ ‫دفع الصائل الظامل الكافر وبني طلبه يف بالده‪.) ،‬‬ ‫والدليل على أن جهاد الدفع ال يشرتط له إعداد وأن الصائل يدفع حبسب اإلمكان ما‬ ‫رواه مسلم يف صحيحه عن حممد بن جعفر عن العالء بن عبد الرمحن عن أبيه عن أيب هريرة‬ ‫قال ‪:‬‬ ‫(جاء رجل إىل رسول هللا صلى هللا عليه وسلم فقال ًّي رسول هللا أرأيت إن جاء رجل‬ ‫يريد أخذ ماِل قال فال تعطه مالك قال أرأيت إن قاتلين قال قاتله قال أرأيت إن قتلين قال‬ ‫فأنت شهيد قال أرأيت إن قتلته قال هو يف النار)‪.‬‬ ‫وعن طلحة بن عبد هللا بن عوف عن سعيد بن زيد قال َسعت رسول هللا صلى هللا عليه‬ ‫وسلم يقول ‪:‬‬ ‫(من قتل دون ماله فهو شهيد ومن قتل دون دينه فهو شهيد ومن قتل دون دمه فهو‬ ‫شهيد ومن قتل دون أهله فهو شهيد) رواه الرتمذي وقال هذا حديث حسن صحيح‪.‬‬ ‫وجه الداللة من اْلديثني األمر بدفع الصائل والتصدي له والرتغيب فيما فيه من األجر‬ ‫والثواب؛ ومعلوم أن دفع الصائل ال يتحقق إال ابملبادرة فمن اشتغل ابإلعداد عن مدافعة‬ ‫الصائل فقد أخل مبا أوجب هللا عليه ‪.‬‬ ‫إن اإلعداد حمله اْلرب اهلجومية ال اْلرب الدفاعية ‪..‬‬ ‫وحمله قبل بداية املعركة ال بعد اشتعاهلا ‪..‬‬ ‫عندما يهجم العدو ويغزو املسلمني يف عقر دارهم فال جيوز اإلمهال وال االنتظار وال‬ ‫الرتبص ‪..‬‬ ‫بل إن اجلهاد يف هذه اْلالة يصبح واجبا على من مل يكن واجبا عليه ‪..‬كما قال الشيخ‬ ‫خليل يف املختصر ‪( :‬وتعني بفجء العدو وإن على امرأة ) وذلك من أجل املبادرة إىل دفع‬ ‫الصائل ‪.‬‬ ‫ويسقط يف هذه اْلالة وجوب اإلعداد ليحل مكانه وجوب املبادرة ‪.‬‬ ‫فاإلعداد ليس من شروط جهاد الدفع أبدا ‪.‬‬ ‫منرب التوحيد واجلهاد‬

‫(‪)23‬‬


‫شفاء النفوس من شبهات الفركوس‬

‫مث إن اإلعداد سواء ابلنسبة جلهاد الدفع أو جهاد النشر ال يتصور فيه أكثر من الوجوب‬ ‫وال ينبغي أن يقال ِبنه شرط صحة ألنه جمرد وسيلة وليس مقصودا لذاته ‪.‬‬ ‫• الشرط الثالث ‪ :‬الغرض الصحيح النبيل‬ ‫وهذا الشرط يشرتط لكل األعمال والطاعات إال أنه شرط قبول ال شرط وجوب ‪.‬‬ ‫لقول النِب صلى هللا عليه وسلم ‪ :‬إّنا األعمال ابلنيات وإّنا لكل امرئ ما نوى ‪.‬‬ ‫فالعمل قد يكون يف الظاهر صحيحا ويف الباطن مردودا على صاحبه ‪.‬‬ ‫ومن زعم ِبن هذا الشرط مفقود عند اجملاهدين اليوم فعليه البينة ‪.‬‬ ‫وأعتقد أن الشيخ ذكر هذا الشرط من ابب االستكثار من الشروط وإال فقد كان غنيا‬ ‫عن إيراده ‪.‬‬ ‫• الشرط الرابع ‪ :‬اجلهاد مع اإلمام‬ ‫اشرتاط اإلمام جلهاد الدفع مسألة ابطلة ال تنطلق من أساس شرعي وال تنسجم مع منطق‬ ‫عقلي ومل يقل َبا أحد من أهل العلم املتقدمني ‪.‬‬ ‫وبطالن هذا الشرط يتضح من عدة وجوه ‪:‬‬ ‫الوجه االول ‪ :‬أن انتظار وجود اإلمام أو تنصيبه يتناىف مع وجوب املبادرة الذي سبق أن‬ ‫ذكران ‪.‬‬ ‫الوجه الثاين ‪ :‬إذنه صلى هللا عليه وسلم يف مقاتلة اإلمام إذا ارتد بقوله ‪( :‬إال أن تروا كفرا‬ ‫بواحا عندكم من هللا فيه برهان)‪ ،‬فأخرب النِب صلى هللا عليه وسلم بوجوب قتال اْلاكم إذا‬ ‫ارتد ومل َيمر ابستخالف إمام مكانه قبل املقاتلة فدل ذلك على مشروعية القتال مع انعدام‬ ‫اإلمام ألن ترك البيان عند وقت اْلاجة ال جيوز ‪.‬‬ ‫الوجه الثالث ‪ :‬حديث أيب هريرة السابق ‪:‬‬ ‫(جاء رجل إىل رسول هللا صلى هللا عليه وسلم فقال ًّي رسول هللا أرأيت إن جاء رجل‬ ‫يريد أخذ ماِل قال فال تعطه مالك قال أرأيت إن قاتلين قال قاتله قال أرأيت إن قتلين قال‬

‫منرب التوحيد واجلهاد‬

‫(‪)24‬‬


‫شفاء النفوس من شبهات الفركوس‬

‫فأنت شهيد قال أرأيت إن قتلته قال هو يف النار)‪ .‬فيه داللة على مشروعية جهاد الدفع دون‬ ‫إمام ابلنسبة للفرد‪ ،‬وهو يدل من ابب األحروية على مشروعية جهاد الدفع دون إمام ابلنسبة‬ ‫للجماعة ‪.‬‬ ‫الوجه الرابع ‪ :‬إقرار النِب صلى هللا عليه وسلم لقتال أيب بصري لقريش وحده وقوله فيه ‪:‬‬ ‫(ويل أمه مسعر حرب‪ ،‬لو كان معه غريه)‪.‬‬ ‫و إقراره لسلمة بن األكوع رضي هللا عنه عندما قاتل الذين عدوا على إبل الصدقة ومل‬ ‫يستأذن النِب صلي هللا عليه وسلم فأقره بقوله (خري رجالتنا سلمة )‪.‬‬ ‫الوجه اخلامس ‪ :‬مسألة اشرتاط اإلمام للجهاد فيها أيضا نوع من الدور والتسلسل ؛‬ ‫فباعتبار أن نصب اإلمام ال يكون إال عن طريق اجلهاد والقوة سوف يكون اشرتاط اإلمام‬ ‫للجهاد من الدور ‪.‬‬ ‫وإىل هذا أشار العالمة حممد املامي الشنقيطي بقوله ‪:‬‬ ‫وقل‬

‫تم ال إم‬

‫وقل‬

‫تم ال جه‬

‫إذا ج‬

‫اء ال‬

‫ام ب‬ ‫اد ب‬

‫ال جه‬

‫اد‬

‫يع‬

‫ال إم‬

‫ام‬

‫نبايع‬

‫ه فه‬

‫ه دور‬

‫كف‬

‫ى وعظ‬

‫دليل وفي‬

‫ززه فه‬

‫ال تض‬

‫ربوان‬

‫ال تنص‬

‫بوان‬

‫ا لق‬

‫وم عاقلين‬

‫ا‬

‫وقضية اشرتاط اإلمام للجهاد أصبحت من الشبه املتهافتة فقد رد عليها أهل العلم وبينوا‬ ‫بطالّنا مبا فيه الكفاية ‪.‬‬ ‫وقد رد عليها الشيخ عبد الرمحن بن حسن آل الشيخ رمحه هللا يف الرد على اعرتاضات‬ ‫ابن نبهان فقال ‪:‬‬ ‫كتاب‪ ،‬أم ِبية ٍ‬ ‫حجة أن اجلهاد ال جيب إال مع ٍ‬ ‫( ويقال ‪ِ :‬بي ٍ‬ ‫إمام متبع ؟! هذا من‬ ‫الفرية يف الدين‪ ،‬والعدول عن سبيل املؤمنني‪ ،‬واألدلة على إبطال هذا القول أشهر من أن‬ ‫{ولَْوال َدفْ ُع‬ ‫تذكر‪ ،‬من ذلك عموم األمر ابجلهاد‪ ،‬والرتغيب فيه‪ ،‬والوعيد يف تركه‪ ،‬قال تعاىل َ‬ ‫َِّ‬ ‫ِ‬ ‫ض ُه ْم بِبَ ْع ٍ‬ ‫ض }(البقرة‪ :‬من اآلية‪ ،)251‬وقال يف سورة اْلج‬ ‫َّاس بَ ْع َ‬ ‫ض لَ​َف َس َدت ْاأل َْر ُ‬ ‫اّلل الن َ‬ ‫اّللِ النَّاس ب عضهم بِب ع ٍ ِ‬ ‫ص َو ِام ُع ‪ }...‬اآلية (اْلج‪ :‬من اآلية‪. )40‬‬ ‫ض َهلُّد َم ْ‬ ‫{ولَْوال َدفْ ُع َّ َ َ ْ َ ُ ْ َ ْ‬ ‫ت َ‬ ‫َ‬ ‫وكل من قام ابجلهاد يف سبيل هللا فقد أطاع هللا وأدى ما فرضه هللا‪ ،‬وال يكون اإلمام إماماً‬ ‫إال ابجلهاد‪ ،‬ال أنه ال يكون جهاد إال إبمام‪( ) .‬الدرر ‪. )200 - 199/8‬‬ ‫منرب التوحيد واجلهاد‬

‫(‪)25‬‬


‫شفاء النفوس من شبهات الفركوس‬

‫وقال الشيخ على اخلضري يف رسالة "اإلمامية" ‪:‬‬ ‫(حنن اليوم أمام تيار جديد وهو تيار ربط األحكام واْلقوق الشرعية وشعائر الدين الظاهرة‬ ‫ابْلاكم وابإلمام يف الوقت الذي هلؤالء األئمة واْلكام توجهات ختالف الشريعة‪ ،‬فيؤدي إىل‬ ‫تعطيل هذه الشعائر أو جعلها أداة للسياسة‪ ،‬فبدل أن تكون السياسة َتبعة للدين أصبح‬ ‫العكس حَّت قال بعضهم‪ ،‬الدين َيدم السياسة ‪..‬‬ ‫وإذا كان املعطلة من جهمية ومعتزلة وأشعرية وغريهم قد ّأولوا آًّيت وأحاديث الصفات‬ ‫وحرفوها إىل أصوهلم الباطلة‪ ،‬فإن هؤالء ّأولوا وحرفوا اآلًّيت واألحاديث املتعلقة ابجلهاد والقيام‬ ‫ابلشعائر الظاهرة واْلقوق والواجبات الشرعية وخصوها ابْلكام مع تعطيل اْلكام هلا ‪....‬‬ ‫مذهب اإلمامية املعاصرة قائم على أّنم يوجبون على اإلنسان إتباع املذهب الفقهي السياسي‬ ‫املناسب للحكام أو املذهب الوطين أو اإلقليمي أو الدوِل أو العاملي‪ ،‬وهو جزء من توجه‬ ‫املنهزمني واملتخاذلني ال كثرهم هللا‪ ،‬وجزء من توجه املرجئة املعاصرة املصانعني للحكام) ‪.‬اه‬ ‫*****‬ ‫املسألة السادسة ‪:‬‬ ‫قوله ‪:‬‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫وتر َك ِ‬ ‫وتر َك ِ‬ ‫ِ‬ ‫أصول ِ‬ ‫القتال يف‬ ‫(ذلك أل ّن ِمن‬ ‫السنّة‪َ :‬‬ ‫قتال ّ‬ ‫األئمة ْ‬ ‫لزوم اجلماعة ْ‬ ‫أهل ّ‬ ‫ِ‬ ‫الفتنة‪)..‬‬ ‫التعليق ‪:‬‬ ‫ترك قتال األئمة ليس على إطالقه فحرمة اخلروج عليهم مشروطة ِبمور مبينة يف السنة‬ ‫وقد ذكرت هذا األمر بشيء من التفصيل يف رسالة "اإلنتصار" فقلت هناك ‪:‬‬ ‫( إن النصوص الشرعية قيدت وجوب السمع والطاعة لإلمام بتطبيق شرع هللا ‪.‬‬ ‫وهلذا قال عليه الصالة والسالم ‪( :‬إن أمر عليكم عبد أسود جمدع يقودكم بكتاب هللا‬ ‫فاَسعوا له وأطيعوا) فقيد وجوب طاعته بكونه يقود بكتاب هللا ‪.‬‬

‫منرب التوحيد واجلهاد‬

‫(‪)26‬‬


‫شفاء النفوس من شبهات الفركوس‬

‫وهذا القيد املذكور ورد يف رواًّيت‪ :‬مسلم وأمحد وأيب عوانة والنسائي وابن حبان والطرباين‬ ‫يف املعجم األوسط ‪.‬‬ ‫والرواًّيت اليت مل يرد فيها هذا القيد يتعني محلها على هذه املقيدة ملا علم من وجوب محل‬ ‫املطلق على املقيد ‪.‬‬ ‫ومن ذلك تقييده صلى هللا عليه وسلم ْلرمة اخلروج على أئمة قريش ابستمرارهم على‬ ‫إقامة الدين ‪:‬‬ ‫فقد روى اإلمام البخاري يف صحيحه عن معاوية ‪ :‬قال ‪َ:‬سعت رسول هللا صلى هللا عليه‬ ‫وسلم يقول ‪ :‬إن هذا األمر يف قريش ال يعاديهم أحد إال كبه هللا على وجهه ما أقاموا الدين ‪.‬‬ ‫وإذا كانت حرمة اخلروج مشروطة إبقامة الدين ابلنسبة ألئمة قريش الذين هم أشرف‬ ‫األئمة فمن دوّنم أوىل ‪.‬‬ ‫ومن ذلك أيضا تقييده صلى هللا عليه وسلم ْلرمة اخلروج على األئمة إبقامة الصالة ‪:‬‬ ‫فقد روى مسلم يف صحيحه عن عوف بن مالك ‪:‬‬ ‫عن رسول هللا صلى هللا عليه وسلم قال خيار أئمتكم الذين حتبوّنم وحيبونكم ويصلون‬ ‫عليكم وتصلون عليهم‪ ،‬وشرار أئمتكم الذين تبغضوّنم ويبغضونكم وتلعنوّنم ويلعنونكم‪ ،‬قيل‬ ‫ًّي رسول هللا أفال ننابذهم ابلسيف؟ قال ‪ :‬ال ما أقاموا فيكم الصالة ‪.‬‬ ‫فدلت هذه الرواًّيت كلها على ثالث قيود ْلرمة اخلروج على اإلمام هي ‪:‬‬ ‫ كونه يقود الناس بكتاب هللا (أي حيكم بكتاب هللا)‪.‬‬‫ كونه مقيما للدين ‪.‬‬‫ كونه مقيما للصالة ‪.‬‬‫والقيد الرابع كونه مل َيرج من دائرة اإلسالم وقد نص عليه النِب صلى هللا عليه وسلم بقوله‬ ‫فيما رواه البخاري وغريه عن عبادة بن الصامت رضي هللا عنه قال ‪:‬‬

‫منرب التوحيد واجلهاد‬

‫(‪)27‬‬


‫شفاء النفوس من شبهات الفركوس‬

‫(دعاان النِب صلى هللا عليه وسلم فبايعناه فقال فيما أخذ علينا أن ابيعنا على السمع‬ ‫والطاعة يف منشطنا ومكرهنا وعسران ويسران وأثرة علينا وأن ال ننازع األمر أهله إال أن تروا كفرا‬ ‫بواحا عندكم من هللا فيه برهان )‪.‬‬ ‫واعلم أن هذه الشروط األربع ملنع اخلروج على اإلمام هي من قبيل الشرط على البدل‬ ‫الذي يعين أنه يكفي وجود أحد الشروط لتحقق املشروط كقولك إن قام زيد أو خرج فأعطه‬ ‫الثوب فإنه يستوجب إعطاء الثوب ِبحد األمرين وال يشرتط توفر الشرطني‪ ،‬وإىل هذا أشار يف‬ ‫" املراقي " بقوله ‪:‬‬ ‫وم ا ع ل ى الب دل ق د تعلق ا‬

‫فبحص‬

‫ول واح‬

‫د حتقق‬

‫ا‬

‫فمشروعية اخلروج على اإلمام حاصلة ابنتفاء أحد القيود السابقة ‪:‬‬ ‫اْلكم بكتاب هللا أو إقامة الدين أو إقامة الصالة أو عدم اخلروج من اإلسالم ‪.‬‬ ‫ونستنتج من هذا كله مشروعية اخلروج على اْلكام املعطلني للشرع بغض النظر عن‬ ‫تكفريهم ) اه ‪.‬‬ ‫*****‬ ‫املسألة السابعة ‪:‬‬ ‫قوله ‪:‬‬ ‫منهاج النّ ّبوةِ وعلى ما كان عليه‬ ‫السنّ ِة يَ َرْو َن ‪-‬إذ ْن‪-‬‬ ‫وجوب االجتما ِع على ِ‬ ‫َ‬ ‫فأهل ّ‬ ‫( ُ‬ ‫لف الصالِح‪ِ ،‬‬ ‫ِ ِ‬ ‫وم ْن ِ‬ ‫أتم َر علينا ولو‬ ‫مع والطّاعةُ يف املعروف ل َمن ّ‬ ‫الس ُ‬ ‫الس ُ ّ ُ‬ ‫متام هذا االجتما ِع‪ّ :‬‬ ‫ّ‬ ‫ِ‬ ‫كان عب ًدا حبشيًّا‪ ،‬مهما كانت صفةُ عدالته‪) ،‬‬ ‫التعليق ‪:‬‬ ‫فهو إذن السمع والطاعة يف املعروف وليس السمع والطاعة مطلقا كما يريد البعض ‪.‬‬ ‫وألفاظ اْلديث ترادفت َبذا املعىن ‪:‬‬ ‫‪( -1‬ال طاعة يف معصية هللا إّنا الطاعة يف املعروف) ابن حبان ‪-‬البخاري ‪-‬مسلم‬ ‫منرب التوحيد واجلهاد‬

‫(‪)28‬‬


‫شفاء النفوس من شبهات الفركوس‬

‫‪( -2‬إال أن يؤمر مبعصية هللا فإنه ال طاعة يف معصية هللا عز وجل) مسند أيب عوانة‬ ‫‪( -3‬فإذا أمر مبعصية فال َسع وال طاعة) لفظ البخاري‬ ‫‪ ( -4‬ال طاعة ملن مل يطع هللا ) حديث معاذ عند أمحد‬ ‫‪( -5‬ال طاعة يف معصية هللا ) عند البزار يف حديث عمران بن حصني واْلكم بن عمرو‬ ‫الغفاري‬ ‫‪ ( -6‬ال طاعة ملن عصى هللا ) حديث عبادة بن الصامت عند أمحد والطرباين‬ ‫قال الشوكاين يف نيل األوطار ‪:‬‬ ‫" ال طاعة يف معصية هللا " أي ال جتب بل حترم على من كان قادراً على االمتناع ‪....‬وهذا‬ ‫تقييد ملا أطلق يف األحاديث املطلقة القاضية بطاعة أوِل األمر على العموم‪ ،‬والقاضية ابلصرب‬ ‫على ما يقع من األمري مما يكره‪ ،‬والوعيد على مفارقة اجلماعة‪ ،‬واملراد قوله " ال طاعة يف معصية‬ ‫هللا " نفي اْلقيقة الشرعية ال الوجودية‪ ،‬وقوله " إّنا الطاعة يف املعروف " فيه بيان ما يطاع فيه‬ ‫أولوا األمر وهو األمر ابملعروف ال ما كان منكراً‪ ،‬واملراد ابملعروف ما كان من األمور املعروفة‬ ‫يف الشرع ال املعروف يف العقل أو العادة‪ ،‬ألن اْلقائق الشرعية مقدمة على غريها على ما تقرر‬ ‫يف األصول ] ا‪.‬ه‬ ‫واملشكلة أن اْلكام اليوم كل أوامرهم معاصي ألّنم حيكمون بغري ما أنزل هللا ويتبعون‬ ‫نظما ُمالفة لشرع هللا ‪.‬‬ ‫ومبا أن نسبة طاعتهم مطردة مع نسبة انقيادهم لشرع هللا فيجب اليوم نزع اليد من طاعتهم‬ ‫ألّنم نزعوا أيديهم من االنقياد لشرع هللا ‪.‬‬ ‫*****‬ ‫املسألة الثامنة ‪:‬‬ ‫قوله ‪:‬‬

‫منرب التوحيد واجلهاد‬

‫(‪)29‬‬


‫شفاء النفوس من شبهات الفركوس‬

‫الرب والفاج ِر من الوالة‪ ،‬والطّائفةُ املنصورةُ ترى وجوب ِ‬ ‫(فاجلهاد ٍ‬ ‫إقامة‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ماض مع َِّ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫اجلهاد وا ْجلُ َم ِع واألعياد وغريها من شعائ ِر اإلسالم اجلماعيّة مع والة األموِر سواء كانوا‬ ‫ِج من الْمل ِّة‪) ،‬‬ ‫غري ُ​ُمْر ٍ‬ ‫صاحلني أو فُ ّ‬ ‫ساقًا فس ًقا ْ َ‬ ‫التعليق ‪:‬‬ ‫ال بد عند ه ذا الكالم من حتقيق مسألة مهمة وهي ‪ :‬من هو اإلمام اجلائر الذي ّنينا‬ ‫عن اخلروج عليه‬ ‫وهل يدخل فيه املبدل لشرع هللا واملعطل ْلدود هللا ؟‬ ‫إن املخالفات الصادرة من اإلمام اجلائر الذي أمرت األحاديث ابلصرب على طاعته ال‬ ‫تصل إىل درجة تبديل شرع هللا واْلكم مبا عداه؛ بل هي أدىن من ذلك وأيسر‪ ،‬ومن أمثلتها ‪:‬‬ ‫قوله صلى هللا عليه وسلم ‪« :‬أَالَ من وِ​ِل علَي ِه و ٍال فَرآه َيِِْت َشي ئًا ِمن مع ِ‬ ‫صيَ ِة هللاِ فَلْيَك َْرْه‬ ‫َ ْ َ َ َ ْ َ َ ُ َ ْ ْ َْ‬ ‫ِ​ِ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫اع ٍة»‬ ‫َما َ​َيِِْت م ْن َم ْعصيَة هللا‪َ ،‬والَ يَْن ِز َع َّن يَ ًدا م ْن طَ َ‬ ‫ِ ِ ِ‬ ‫صِ ْرب َعلَْي ِه»‬ ‫«م ْن َك ِرهَ م ْن أَم ِريه َشْي ئًا فَ ْليَ ْ‬ ‫وقوله ‪َ :‬‬ ‫وقوله ‪« :‬سرتون بعدي أمورا تنكروّنا»‪.‬‬ ‫وقوله ‪« :‬تسمع وتطيع لألمري وإن ضرب ظهرك وأخذ مالك فاَسع وأطع»‪.‬‬ ‫أمور تنكروّنا قالوا ًّي رسول هللا فما أتمران قال تؤدون‬ ‫وقوله ‪« :‬إّنا ستكون بعدي أثرةً و ٌ‬ ‫اْلق الذي عليكم وتسألون هللا الذي لكم»‪.‬‬ ‫فهذا النوع من املخالفات واملعاصي هو الذي يعترب صاحبه إماما جائرا أما من عطل‬ ‫اْلدود وألغى شرع هللا فهو كافر ال جائر وليس هو من أرشد النِب صلى هللا عليه وسلم ابلصرب‬ ‫على طاعته ألن طاعة هذا النوع من اْلكام تعين هدم الدين من أساسه ومعاذ هللا أن َيمر‬ ‫النِب صلى هللا عليه وسلم بذلك ‪.‬‬ ‫وقد حتدثت عن هذه املسألة أيضا يف رسالة "االنتصار" السابقة الذكر فقلت هناك ‪:‬‬ ‫(العلماء الذين حتدثوا عن وجوب طاعة اإلمام وإن جار‪ ،‬مل يكونوا يعربون ابجلور عن‬ ‫تعطيل اْلدود واْلكم بغري ما أنزل هللا ‪..‬‬ ‫منرب التوحيد واجلهاد‬

‫(‪)30‬‬


‫شفاء النفوس من شبهات الفركوس‬

‫وإّنا يقصدون به غالبا ثالثة معان ‪:‬‬ ‫‪ -1‬املتغلب الذي انل اْلكم عن طريق القوة والغلبة ‪.‬‬ ‫‪ -2‬الظامل الذي مينع الناس حقوقهم ويظلم الرعية ‪.‬‬ ‫‪ -3‬الفاسق الذي يرتكب بعض املعاصي والسيئات املوجب لفسقه ‪.‬‬ ‫هذه هي املعاين اليت يذكرها العلماء ملعىن اإلمام اجلائر غري العدل ‪.‬‬ ‫ومن أمثلة ذلك ‪:‬‬ ‫قال املناوي عند اْلديث ‪( - 1790‬إن هللا تعاىل ليؤيد هذا الدين ابلرجل الفاجر)‪:‬‬ ‫(فال يتخيل يف إمام أو سلطان فاجر إذا محى بيضة اإلسالم أنه مطروح النفع يف الدين‬ ‫لفجوره فيُ َج َّوز اخلروج عليه وخلعه ألن هللا تعاىل قد يؤيد به دينه‪ ،‬وفجوره على نفسه فيجب‬ ‫الصرب عليه وطاعته يف غري إمث)‪ .‬فيض القدير ‪)328 / 2( -‬‬ ‫وقال أبو عبد هللا حممد بن يوسف العبدري الشهري ابملواق (ت ‪897 :‬ه ) ‪:‬‬ ‫(قال عياض يف إكماله ‪ :‬مجهور أهل السنة من أهل اْلديث والفقه والكالم أنه ال َيلع‬ ‫السلطان ابلفسق والظلم وتعطيل اْلقوق )‪ .‬التاج واإلكليل ‪)35 / 12( -‬‬ ‫وقال ابن حجر ‪:‬‬ ‫(وقد أمجع الفقهاء على وجوب طاعة السلطان املتغلب واجلهاد معه وأن طاعته خري من‬ ‫اخلروج عليه ملا يف ذلك من حقن الدماء وتسكني الدمهاء )‪ .‬فتح الباري ‪ -‬ابن حجر ‪13( -‬‬ ‫‪)7 /‬‬ ‫ومل أر يف شيء من كالم أهل العلم ما يدل على أّنم يعتربون أن اإلمام اجلائر الذي‬ ‫حذرت من اخلروج عليه النصوص الشرعية يدخل فيه ذلك الذي عطل اْلدود وألغى املناهج‬ ‫الشرعية ) اه ‪.‬‬ ‫فحكام زماننا الذين حياربون شرع هللا ال ميكن أن يقاسوا حبكام اجلور من األمويني‬ ‫والعباسيني الذين مل يكن هلم شرع حيتكمون إليه سوى شرع هللا ‪.‬‬

‫منرب التوحيد واجلهاد‬

‫(‪)31‬‬


‫شفاء النفوس من شبهات الفركوس‬

‫ومع ذلك فقد خرج عليهم العلماء والتابعون وأهل اْلسبة يف القرون الثالثة املزكاة ‪.‬‬ ‫قال اإلمام ابن عبد الرب يف االستذكار ‪:‬‬ ‫(وأما قوله أال ننازع األمر أهله فقد اختلف الناس يف ذلك فقال القائلون منهم أهله أهل‬ ‫العدل واإلحسان والفضل والدين مع القوة على القيام بذلك فهؤالء ال ينازعون ألّنم أهله وأما‬ ‫أهل اجلور والفسق والظلم فليسوا ِبهل له‬ ‫واحتجوا بقول هللا عز و جل إلبراهيم {إين جاعلك للناس إماما قال ومن ذرييت قال ال‬ ‫ينال عهدي الظاملني } البقرة ‪124‬‬ ‫ذهب إىل هذا طائفة من السلف الصاحل واتبعهم بذلك خلف من الفضالء والقراء‬ ‫والعلماء من أهل املدينة والعراق؛ وَبذا خرج بن الزبري واْلسني على يزيد وخرج خيار أهل‬ ‫العراق وعلماؤهم على اْلجاج‪ ،‬وهلذا أخرج أهل املدينة بين أمية عنهم وقاموا عليهم فكانت‬ ‫اْلرة) االستذكار ‪.)16 / 5( -‬‬ ‫وإّنا قلنا َبذا القول مصريا إىل اجلمع بني أحاديث النِب صلى هللا عليه وسلم‪ ،‬فإنه كما‬ ‫ثبت عنه النهي عن اخلروج على أئمة اجلور ثبت عنه أيضا األمر مبجاهدة بعضهم ابأليدي‬ ‫فقد روى مسلم يف صحيحه عن عبد هللا بن مسعود أن رسول هللا صلى هللا عليه وسلم قال‬ ‫‪( :‬ما من نِب بعثه هللا يف أمة قبلي إال كان له من أمته حواريون وأصحاب َيخذون بسنته‬ ‫ويقتدون ِبمره مث إّنا ختلف من بعدهم خلوف يقولون ما ال يفعلون ويفعلون ما ال يؤمرون‬ ‫فمن جاهدهم بيده فهو مؤمن ومن جاهدهم بلسانه فهو مؤمن ومن جاهدهم بقلبه فهو مؤمن‬ ‫وليس وراء ذلك من اإلميان حبة خردل) ‪.‬‬ ‫وقد كان اْلواريون واألصحاب الذين أخذوا بسنة النِب صلى هللا عليه وسلم واقتدوا ِبمره‬ ‫هم اخللفاء الراشدون ‪.‬‬ ‫مث جاء من بعد اخللفاء الراشدين خلوف من األمراء يقولون ما ال يفعلون ويفعلون ما ال‬ ‫يؤمرون وأخرب النِب صلى هللا عليه وسلم مبشروعية جماهدِتم ابأليدي فقال ‪( :‬فمن جاهدهم‬ ‫بيده فهو مؤمن)‪.‬‬ ‫والذي يظهر وهللا أعلم أن هذا من العلم الذي كتمه أبو هريرة خشية ِبس األمراء؛ فقد‬ ‫روى البخاري عن سعيد املقربي عن أيب هريرة قال ‪:‬‬

‫منرب التوحيد واجلهاد‬

‫(‪)32‬‬


‫شفاء النفوس من شبهات الفركوس‬

‫(حفظت من رسول هللا صلى هللا عليه وسلم وعاءين فأما أحدمها فبثثته وأما اآلخر فلو‬ ‫بثثته قطع هذا البلعوم)‪.‬‬ ‫قال ابن حجر يف الفتح ‪:‬‬ ‫(لقطع هذا يعين رأسه ومحل العلماء الوعاء الذي مل يبثه على األحاديث اليت فيها تبيني‬ ‫أسامي أمراء السوء وأحواهلم وزمنهم وقد كان أبو هريرة يكىن عن بعضه وال يصرح به خوفا‬ ‫على نفسه منهم كقوله أعوذ ابهلل من رأس الستني وإمارة الصبيان يشري إىل خالفة يزيد بن‬ ‫معاوية ألّنا كانت سنة ستني من اهلجرة واستجاب هللا دعاء أيب هريرة فمات قبلها بسنة‬ ‫‪...‬وإّنا أراد أبو هريرة بقوله قطع أي قطع أهل اجلور رأسه إذا َسعوا عيبه لفعلهم وتضليله‬ ‫لسعيهم ) فتح الباري ‪ -‬ابن حجر ‪)216 / 1( -‬‬ ‫وقال ابن بطال ‪:‬‬ ‫(قوله ‪ :‬وأما اآلخر لو بثثته قطع هذا البلعوم ‪ ،-‬قال املهلب‪ ،‬وأبو الزاند ‪ :‬يعىن أّنا‬ ‫عرف به صلى هللا عليه وسلم من فساد الدين‪ ،‬وتغيري‬ ‫كانت أحاديث أشراط الساعة‪ ،‬وما ّ‬ ‫األحوال‪ ،‬والتضييع ْلقوق هللا تعاىل‪ ،‬كقوله صلى هللا عليه وسلم ‪ :‬متت يكون فساد هذا‬ ‫الدين على يدى أغيلمة سفهاء من قريش ‪ ،-‬وكان أبو هريرة يقول ‪ :‬لو شئت أن أَسيهم‬ ‫ِبَسائهم‪ ،‬فخشى على نفسه‪ ،‬فلم يصرح ) شرح صحيح البخارى البن بطال ‪/ 1( -‬‬ ‫‪.)195‬‬ ‫ومهما يكن من أمر فإن قوله صلى هللا عليه وسلم ‪(:‬فمن جاهدهم بيده فهو مؤمن) مع‬ ‫قوله ‪« :‬تسمع وتطيع لألمري وإن ضرب ظهرك وأخذ مالك فاَسع وأطع»‪ .‬دال على أن أمراء‬ ‫اجلور قد يكون اخلروج عليهم مشروعا‪ ،‬وقد يكون ممنوعا‪ ،‬ويف ذلك مجع بني األحاديث الواردة‬ ‫يف املوضوع‪ ،‬وال شك أن اجلمع بني النصني أوىل من إلغاء أحدمها كما قال الشيخ سيدي عبد‬ ‫هللا يف املراقي ‪:‬‬ ‫واجلم ع واج ب م َّت م ا‬ ‫ا‬ ‫أمكن‬

‫إال فلألخ‬

‫ري نس‬

‫خ بُيِّن‬

‫ا‬

‫وعليه فإن اخلروج على األمراء يكون ممنوعا إذا كان فسقهم يتعلق ببعض املعاصي‬ ‫واالستئثار ابألموال وحنو ذالك من الضرر الذي ميكن حتمله ‪.‬‬

‫منرب التوحيد واجلهاد‬

‫(‪)33‬‬


‫شفاء النفوس من شبهات الفركوس‬

‫ويكون مشروعا إذا استفحل خطرهم وعم ضررهم وكانت مفسدة بقائهم يف اْلكم أعظم‬ ‫من مفسدة اخلروج عليهم ‪..‬فينبغي ارتكاب أهون الشرين وحتقيق أعظم املصلحتني كما قام‬ ‫اخلضر خبرق السفينة وقتل الغالم ‪.‬‬ ‫وانطالقا من هذه القاعدة وحدها ميكن القول مبشروعية اخلروج على أمراء اجلور إذا كان‬ ‫ضرر بقائهم أعظم من ضرر اخلروج عليهم ‪.‬‬ ‫ففي هذا القول تطبيق هلذه القاعدة الشرعية و فيه مجع بني النصوص وفيه أيضا توجيه‬ ‫سليم الختالف الصحابة والتابعني يف اخلروج على أمراء اجلور الذين عاصروهم فالذين رأوا‬ ‫مشروعية اخلروج عليهم اعتربوا أن مفسدة بقائهم يف اْلكم أعظم من مفسدة اخلروج‪ ،‬والذين‬ ‫رأوا منع اخلروج غلبوا مفسدة اخلروج على مفسدة بقائهم يف اْلكم ‪.‬‬ ‫أما اعتبار اخلروج على أئمة اجلور ممنوعا دائما ففيه إلغاء هلذه القاعدة الشرعية وفيه إلغاء‬ ‫لبعض النصوص وفيه جتري لبعض األخيار من السلف الذين نعتربهم قدوة لنا ‪.‬‬ ‫قال ابن حزم ‪:‬‬ ‫(فإذا كان أهل اْلق يف عصابة ميكنهم الدفع وال ييئسون من الظفر ففرض عليهم ذلك‬ ‫وإن كانوا يف عدد ال يرجون لقلتهم وضعفهم بظفر كانوا يف سعة من ترك التغيري ابليد وهذا‬ ‫قول علي بن أيب طالب رضي هللا عنه وكل من معه من الصحابة وقول أم املؤمنني عائشة رضي‬ ‫هللا عنها وطلحة والزبري وكل من كان معهم من الصحابة وقول معاوية وعمرو والنعمان بن بشري‬ ‫وغريهم ممن معهم من الصحابة رضي هللا عنهم أمجعني وهو قول عبد هللا بن الزبري وحممد‬ ‫واْلسن بن علي وبقية الصحابة من املهاجرين واألنصار والقائمني يوم اْلرة رضي هللا عن‬ ‫مجيعهم أمجعني وقول كل من أقام على الفاسق اْلجاج ومن وااله من الصحابة رضي هللا عنهم‬ ‫مجيعهم كأنس بن مالك وكل من كان ممن ذكران من أفاضل التابعني كعبد الرمحن ابن أيب ليلى‬ ‫وسعيد بن جبري وابن البحرتي الطائي وعطاء السلمي األزدي واْلسن البصري ومالك بن دينار‬ ‫ومسلم بن بشار وأيب اْلوراء والشعِب وعبد هللا بن غالب وعقبة بن عبد الغافر وعقبة بن‬ ‫صهبان وماهان واملطرف بن املغرية ابن شعبة وأيب املعد وحنظلة بن عبد هللا وأيب سح اهلنائي‬ ‫وطلق بن حبيب واملطرف بن عبد هللا ابن الشخري والنضر بن أنس وعطاء بن السائب وإبراهيم‬ ‫بن يزيد التيمي وأيب اْلوسا وجبلة بن زحر وغريهم مث من بعد هؤالء من َتبعي التابعني ومن‬ ‫بعدهم كعبد هللا بن عبد العزيز ابن عبد هللا بن عمر وكعبد هللا بن عمر وحممد بن عجالن ومن‬ ‫خرج مع حممد بن عبد هللا بن اْلسن وهاشم بن بشر ومطر ومن أخرج مع إبراهيم بن عبد هللا‬ ‫وهو الذي تدل عليه أقوال الفقهاء كأيب حنيفة واْلسن بن حيي وشريك ومالك والشافعي‬

‫منرب التوحيد واجلهاد‬

‫(‪)34‬‬


‫شفاء النفوس من شبهات الفركوس‬

‫وداود وأصحاَبم فإن كل من ذكران من قدي وحديث أما انطق بذلك يف فتواه وأما الفاعل‬ ‫لذلك بسل سيفه يف إنكار ما رآه منكرا ) اه من الفصل يف امللل واألهواء والنحل ‪/ 4( -‬‬ ‫‪.)132‬‬ ‫وأما وصية بعض السلف دائما ابلتحذير من اخلروج على أئمة اجلور فهي مل تصدر يف‬ ‫سياق اإلخبار عن حكم شرعي اثبت وإّنا كانت اجتهادا أملته مصلحة الواقع وانعكاساته‬ ‫فهي ال تعدوا كوّنا استمرارا ملذهب السلف الذين مل يكونوا يرون مشروعية اخلروج على اْلجاج‬ ‫وأمثاله نظرا ملا يرتتب عليه ذالك اخلروج‪ ،‬ويبقى أن من حقنا االستمرار على مذهب السلف‬ ‫الذين رأوا مشروعية اخلروج فاملتبع هلؤالء أيضا متبع للسلف ‪.‬‬ ‫وقد نبه ابن حزم إىل أن القول ابملنع املطلق للخروج على أئمة اجلور ال يسوغ شرعا ملا‬ ‫يرتتب عليه من مفاسد حيث قال ‪:‬‬ ‫(ويقال هلم ما تقولون يف سلطان جعل اليهود أصحاب أمره والنصارى جنده وألزم‬ ‫املسلمني اجلزية ومحل السيف على أطفال املسلمني وأابح املسلمات للزان ومحل السيف على‬ ‫كل من وجد من املسلمني وملك نساءهم وأطفاهلم وأعلن العبث َبم وهو يف كل ذلك مقر‬ ‫ابإلسالم معلن به ال يدع الصالة ؟‬ ‫فإن قالوا ‪ :‬ال جيوز القيام عليه‪ ،‬قيل هلم أنه ال يدع مسلما إال قتله مجلة وهذا إن ترك‬ ‫أوجب ضرورة أن ال يبقى إال هو وحده وأهل الكفر معه !‬ ‫فإن أجازوا الصرب على هذا خالفوا االسالم مجلة وانسلخوا منه وإن قالوا بل يقام عليه‬ ‫ويقاتل وهو قوهلم قلنا هلم فان قتل تسعة أعشار املسلمني أو مجيعهم إال واحد منهم وسىب من‬ ‫نسائهم كذلك وأخذ من أمواهلم كذلك فان منعوا من القيام عليه تناقضوا وان أوجبوه سألناهم‬ ‫عن أقل من ذلك وال نزال حنطهم إىل أن نقف َبم على قتل مسلم واحدا أو على امرأة واحدة‬ ‫أو على أخذ مال أو على انتهاك بشرة بظلم فان فرقوا بني شيء من ذلك تناقضوا وحتكموا‬ ‫بال دليل وهذا ماال جيوز وان أوجبوا إنكار كل ذلك رجعوا إىل اْلق) اه الفصل يف امللل‬ ‫واألهواء والنحل ‪)135 / 4( -‬‬ ‫لكن ليس من املسلم قول ابن حزم ‪ :‬أن التفريق بني قتل الكثري من املسلمني وقتل الواحد‬ ‫تفريق بال دليل ‪.‬‬

‫منرب التوحيد واجلهاد‬

‫(‪)35‬‬


‫شفاء النفوس من شبهات الفركوس‬

‫فالتفريق بينهم قائم على دليل واضح وهو ‪ :‬املقارنة بني مفسدة اخلروج ومفسدة بقاء‬ ‫اجلور واحتمال أخفهما وإزالة أعظمهما ‪.‬‬ ‫وهذه االحتماالت اليت ذكر ابن حزم تبني يف جمملها أن القول إبطالق املنع للخروج على‬ ‫أهل اجلور قد يكون ذريعة لتحمل املفاسد العظيمة اليت ما شرع الصرب على جور األئمة إال‬ ‫لتفاديها ‪.‬‬ ‫وانطالقا من قاعدة أن املعلول يدور مع العلة وجودا وعدما فإنه يتعني القول ِبن اخلروج‬ ‫علي أئمة اجلور ال مينع إال إذا كانت مفسدة اخلروج أعظم من مفسدة استمرار اجلور ‪.‬‬ ‫ولكن هذا املبحث ال عالقة له بواقعنا اليوم ‪..‬‬ ‫فنحن اليوم أمام حكام مبدلني لشريعة الرمحن وموالني ألعداء اإلسالم ‪..‬‬ ‫وهؤالء اْلكام كفار مرتدون خارجون عن اإلسالم ‪..‬‬ ‫فاْلديث عن وجوب طاعتهم قبل اْلديث عن إثبات إسالمهم هو من قبيل النقش قبل‬ ‫إثبات العرش ‪.‬‬ ‫املسألة التاسعة ‪:‬‬ ‫قوله ‪:‬‬ ‫كلمة املسلمني‪ ،‬ويرتتّب عليه ِمن إر ِ‬ ‫ُّت ِ‬ ‫وخالف وسبب لتشت ِ‬ ‫اقة‬ ‫ٌ‬ ‫إبعادهم فُ ْرقَةٌ‬ ‫(أل ّن َ‬ ‫ْ‬ ‫ٌ‬ ‫ُ‬ ‫ال ّد ِ‬ ‫ِ‬ ‫احلقوق ِ‬ ‫ط علي ِه ُم‬ ‫ماء وضيا ِع‬ ‫سلِّ ُ‬ ‫ضعِ ُ‬ ‫وعدم استقرا ِر األم ِن ما يُ ْ‬ ‫ف َش ْوَكةَ املسلمني ويُ َ‬ ‫األعداءَ‪.) ،‬‬ ‫هذا قد يكون صحيحا ابلنسبة للخروج على اْلاكم اجلائر لفسق أو لعدم أداء حقوق‬ ‫الرعية؛ أما اإلمام املبدل لشرع هللا واملواِل ألعداء هللا فبقاؤه يف اْلكم من أعظم املفاسد ألنه‬ ‫يفسد على الناس أمر دينهم وهذه هي الفتنة بعينها اليت قال هللا تعاىل يف شأّنا ‪{ :‬والفتنة‬ ‫أشد من القتل }‪.‬‬ ‫فمفسدة القتل واالضطراب أهون من مفسدة الفتنة يف الدين والردة عن دين هللا ابلتحاكم‬ ‫إىل غري شرع هللا ومواالة أعداء هللا ‪.‬‬

‫منرب التوحيد واجلهاد‬

‫(‪)36‬‬


‫شفاء النفوس من شبهات الفركوس‬

‫قال الشيخ سليمان بن سحمان‪:‬‬ ‫(ولو اقتتلت اْلاضرة والبادية حَّت يفنو عن بكرة أبيهم لكان أهون من أن ينصبوا طاغوَت‬ ‫يف األرض حيتكمون إليه) ‪.‬‬ ‫وقد رد على هذه الشبهة ابن حزم فقال ‪:‬‬ ‫(وقال بع ضهم ‪ :‬إن يف القيام إابحة اْلري وسفك الدماء وأخذ األموال وهتك األستار‬ ‫وانتشار األمر‪ .‬فقال هلم اآلخرون ‪ :‬كال ألنه ال حيل ملن أمر ابملعروف وّنى عن املنكر أن‬ ‫يهتك حرميا وال أن َيخذ ماال بغري حق وال أن يتعرض ملن ال يقاتله فإن فعل شيئا من هذا‬ ‫فهو الذي فعل ما ين بغي أن يغري عليه وأما قتله أهل املنكر قلوا أو كثروا فهذا فرض عليه وأما‬ ‫قتل أهل املنكر الناس وأخذهم أمواهلم وهتكهم حرميهم فهذا كله من املنكر الذي يلزم الناس‬ ‫تغيريه ‪ .‬وأيضا فلو كان خوف ما ذكروا مانعا من تغيري املنكر ومن األمر ابملعروف لكان هذا‬ ‫بعينه مانعا من جهاد أهل اْلرب وهذا ماال يقوله مسلم وإن دعى ذلك إىل سِب النصارى‬ ‫نساء املؤمنني وأوالدهم وأخذ أمواهلم وسفك دمائهم وهتك حرميهم وال خالف بني املسلمني‬ ‫يف أن اجلهاد واجب مع وجود هذا كله وال فرق بني األمرين وكل ذلك جهاد ودعاء إىل القرآن‬ ‫والسنة) اه الفصل يف امللل واألهواء والنحل ‪)134 / 4( -‬‬ ‫بقي أن نقول ‪:‬‬ ‫إن الدين يتعرض اليوم حملنة عظيمة وفتنة مل يتعرض هلا على مر عصور اإلسالم ‪..‬‬ ‫الدين اليوم يتعرض لفتنة تنحية الشريعة عن واقع الناس وحياِتم وإحالل القوانني الوضعية‬ ‫حملها ‪..‬‬ ‫وهذه وهللا فتنة عظيمة تفوق فتنة القول خبلق القرآن اليت تصدى هلا العلماء وضحوا يف‬ ‫سبيل وقفها ابملهج واألرواح ‪.‬‬ ‫وحنن اليوم أمام فتنة ترسيخ القوانني الوضعية وتنحية الشريعة اإلسالمية يف حاجة إىل‬ ‫التضحية ابلغاِل والنفيس ‪..‬‬ ‫ويف حاجة إىل االقتناع بضرورية التضحية ‪..‬‬ ‫ويف حاجة إىل التلذذ َبذه التضحية ‪..‬‬

‫منرب التوحيد واجلهاد‬

‫(‪)37‬‬


‫شفاء النفوس من شبهات الفركوس‬

‫ويف حاجة إىل بذل الدماء الطاهرة النقية لكي تبقى شريعة هللا طاهرة نقية ‪..‬‬ ‫وال تغسل الكعبة إال بزمزم ‪..‬‬ ‫{ويف ذلك فليتنافس املتنافسون} ‪..‬‬ ‫*****‬ ‫املسألة العاشرة ‪:‬‬ ‫قوله ‪:‬‬ ‫جواز إقرا ِر احل ّك ِام ووالةِ األموِر على ما هم عليه من املعاصي‬ ‫(وليس معىن ذلك َ‬ ‫ش ِ‬ ‫حدود ما وسعه من قدرةٍ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ٍ‬ ‫وإنكارها يف‬ ‫ُمالفاهتم‬ ‫رعيّ ِة‪ ،‬وإ ّ​ّنا‬ ‫الواجب كراهيةُ‬ ‫واملخالفات ال ّ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫املناصحة والتّغي ِري‪ ،‬من غ ِري نز ِع ٍ‬ ‫يد من ٍ‬ ‫ِ‬ ‫موجات من االضطر ِ‬ ‫ٍ‬ ‫ِ‬ ‫اابت‬ ‫إحداث‬ ‫طاعة أو‬ ‫على‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫َ ِ‬ ‫واملشاغَ ِ‬ ‫الس ِ‬ ‫والقذف‬ ‫شتائ ِم‬ ‫بات‬ ‫باب وال ّ‬ ‫واملظاهرات واالعتصامات واملنشورات‪ ،‬وأنوا ِع ّ‬ ‫ِ‬ ‫املوج ِه للس ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫اإلخالل‬ ‫وسائل‬ ‫ابحلديد والنّا ِر‪ ،‬وغ ِريها من‬ ‫اخلروج عليه‬ ‫لطان وأعوانِه‪ ،‬أو‬ ‫ِ‬ ‫َّ ّ‬ ‫ِ‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫ِ ٍ‬ ‫غري‬ ‫اخلروج عليه‬ ‫ابألم ِن واالستقرا ِر‪ ،‬سواء كان‬ ‫ً‬ ‫ُ‬ ‫منتظما على هيئة ف َرق حزبيّة جهاديّة‪ ،‬أو َ‬ ‫حال الثُّوا ِر الذين مل يصربوا على َج ْوِر احل ّك ِام وظُل ِ‬ ‫ْمهم‪) ،‬‬ ‫منتظ ٍم كما هو ُ ّ‬ ‫التعليق ‪:‬‬ ‫هذا الكالم يقال يف حق املنكرات العامة والبسيطة اليت قد تضر فاعلها وحده ويسلم‬ ‫املنكر عليه؛ أما فرض األنظمة الكفرية والقوانني الوضعية فليس من األمور اليت ميكن ان تنكر‬ ‫إنكارا خفيفا ألن السكوت عليها سكوت على الكفر ‪.‬‬ ‫*****‬ ‫املسألة احلادية عشرة ‪:‬‬ ‫قوله ‪:‬‬ ‫ِ‬ ‫املعتقد‪ ،‬فال شرعيةَ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫للف َر ِق اجلهاديِّة‬ ‫منطلق هذا‬ ‫(ومن‬ ‫املعاص َرةِ إالّ إذا كان معهم والةُ‬ ‫ّ‬ ‫أمو ِرهم أو كانوا حتت ِ‬ ‫إمارهتم وإشرافِهم‪) ،‬‬

‫منرب التوحيد واجلهاد‬

‫(‪)38‬‬


‫شفاء النفوس من شبهات الفركوس‬

‫التعليق ‪:‬‬ ‫هذا كالم ابطل فإن هذه اجلماعات اجلهادية اليوم تقوم جبهاد الدفع الذي ال حيتاج إىل‬ ‫إذن اإلمام وال وجوده‪.‬‬ ‫ومع ذ لك فإن معظم هذه اجلماعات جتاهد اليوم جمتمعة حتت إمرة إمام واحد تدين له‬ ‫ابلسمع والطاعة وهو متصف جبميع األوصاف اليت تشرتط لإلمام ولكن املشكلة أن بعض‬ ‫الفقهاء املعاصرين أصبح يعترب أن من شروط اإلمام اعرتاف األمم املتحدة إبمامته !!‬ ‫*****‬ ‫املسألة الثانية عشرة ‪:‬‬ ‫قوله ‪:‬‬ ‫املذكور يف الس ِ‬ ‫خ‬ ‫ؤال ّ‬ ‫(واحلديث‬ ‫ُ‬ ‫يدل على أ ّن املقاتلةَ مع األمر ِاء‪ ،‬وقد ع ّقب ال ّ‬ ‫شي ُ‬ ‫ُ‬ ‫ّ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫بن‬ ‫انصر ال ّدي ِن األلباينُّ ‪-‬رمحه هللا‪ -‬على كلمة‪« :‬أَمريُ​ُه ْم» ِبنّه‬ ‫ُّ‬ ‫ّ‬ ‫املهدي‪ :‬وهو حمم ُد ُ‬ ‫حمم ٌد ُ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ضها حسنٌإ)‪.‬‬ ‫ضها‬ ‫تضافرت بذلك‬ ‫عبد هللا‪ ،‬كما‬ ‫ُ‬ ‫ْ‬ ‫صحيح وبع ُ‬ ‫األحاديث ِبساني َد بع ُ‬ ‫ٌ‬ ‫التعليق ‪:‬‬ ‫األمري لفظة مشرتكة تطلق على أمري اجليش وعلى اإلمام األعظم ‪.‬‬ ‫وال توجد قرينة تدل على أن املراد ابألمري يف اْلديث اإلمام األعظم‪ ،‬وحَّت لو كان هو‬ ‫املراد فإن وجوده وقت نزول عيسى ال يدل على أنه كان موجودا دائما ‪.‬فليس يف اْلديث‬ ‫داللة على ما ذكر ‪.‬‬ ‫*****‬ ‫املسألة الثالثة عشرة ‪:‬‬ ‫قوله ‪:‬‬

‫منرب التوحيد واجلهاد‬

‫(‪)39‬‬


‫شفاء النفوس من شبهات الفركوس‬

‫إعداد ٍ‬ ‫واحتاجت املرحلةُ إىل ٍ‬ ‫ِ‬ ‫(فإ ْن ختلَّ َف ِ‬ ‫ال‬ ‫ط‬ ‫وبناء فإ ّن الطّائفةَ املنصورةَ ال تز ُ‬ ‫شرو ُ‬ ‫ت ال ّ‬ ‫ِ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫املعنوي‪ ،‬وقد جاء يف‬ ‫القتال‬ ‫والربهان وهو‬ ‫ابحلج ِة‬ ‫احلديث‪« :‬الَ يَ َز ُ‬ ‫ُ‬ ‫ُّ‬ ‫ال هللاُ‬ ‫مبقوماهتا جتاه ُد ّ‬ ‫ّ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫س ِيف َه َذا ال ّدي ِن بغَْر ٍ‬ ‫اعته»‬ ‫س يَ ْستَ ْعملُ ُه ْم ِيف طَ َ‬ ‫َع َّز َو َج َّل يَ ْغ ِر ُ‬ ‫التعليق ‪:‬‬ ‫بينا بطالن تلك الشروط وبينا أن اإلعداد ال يبيح ترك اجلهاد املتعني‪ ،‬وبينا أن االشتغال‬ ‫ابجلهاد ابْلجة ال يسقط وجوب اجلهاد ابلسيف ‪.‬‬ ‫و استدالله ابْلديث األخري خارج عن املوضوع ألنه حديث عام ال داللة فيه على شيء‬ ‫مما يريد ‪.‬‬ ‫ورب ذي خل ف لن ا تعص با‬

‫وع ن س وى ّن ج اللج اج ق د أى‬

‫واْل ق أن ابن فل يس ينك ره‬

‫مره‬

‫إال معان‬

‫د ألم‬

‫ر يض‬

‫وهللا اعلم‬ ‫واْلمد هلل رب العاملني ‪.‬‬ ‫وصلى هللا على سيدان حممد وعلى آله وصحبه أمجعني ‪.‬‬ ‫وكتبه أبو املنذر الشنقيطي‬

‫منرب التوحيد واجلهاد‬ ‫***‬

‫‪http://www.tawhed.ws‬‬ ‫‪http://www.almaqdese.net‬‬ ‫‪http://www.alsunnah.info‬‬ ‫‪http://www.abu-qatada.com‬‬ ‫‪http://www.mtj.tw‬‬

‫منرب التوحيد واجلهاد‬

‫(‪)40‬‬


Turn static files into dynamic content formats.

Create a flipbook
Issuu converts static files into: digital portfolios, online yearbooks, online catalogs, digital photo albums and more. Sign up and create your flipbook.