
6 minute read
ما الذي يحفّز السوق العراقي؟
محمد أمين، مؤسس مشروع TransPi
يتحدث دانيال بينك في كتابه الشهير “Drive”، عن الدوافع التي تُحفزنا حقاً . حيث يذكر أن لدينا حافز رقم 1#، وهو حافز البقاء البدائي الذي يجعلنا نسعى جاهدين لتغطية احتياجات حياتنا الأساسية مثل الطعام والهواء والماء وما إلى ذلك، أما الحافز رقم 2# هو العصا والجزرة، والذي يعتبر حافزاً خارجياً ، حيث كلما فعلنا نوعاً معيناً من الأشياء، كلما حصلنا على مكافأة “الجزرة”، وكلما فعلنا العكس، كلما حصلنا على عقوبة “العصا”.
Advertisement
وفي الوقت نفسه، فإن الحافز الجديد 3# يدور حول المحفزات والدوافع الجوهرية، وهو الحافز الذي يجعلنا نشعر بالرضا من الداخل ويمنحنا الدفعة المرغوبة )القيادة والثقة بالنفس والتواصل والثقة وما إلى ذلك(. الفرق بين الحافز 2# والحافز 3# هو أن الأول يأتي بنتيجته على المدى القصير، لكنه سيأتي بنتائج عكسية على المدى الطويل. على عكس الأخير، حيث قد تواجه صعوبة في الاحتفاظ به في البداية ولكنه سيؤتي ثماره بنتائج جيدة في النهاية.
ماذا عن السوق؟ كيف يمكن أن نترجم ما قلناه أعلاه إلى طبيعة السوق العراقي؟ كيف يُحفّز المستهلكين؟ وكيف سيؤثر ذلك على الشركات التي تتخذ مناهج معيّنة لتسويق منتجاتها/خدماتها.
قبل أن نبدأ في التحليل وذكر بعض الجوانب، سوف نتحدث عن الشركات في القطاعات التنافسية، وليس الشركات الصغيرة
والمتوسطة الحجم التي تهدف إلى الاستدامة وتحقيق الذات. لإعطائك لمحة عن القاعات التنافسية الرئيسية والأكثر بروزاً ، ضع في اعتبارك قطاعات مثل توصيل الطعام وتقنيات مشاركة الرحلة والاتصالات والتجارة وغيرها.
نحن نعلم أنه عندما تقدم بعض الشركات الناشئة نفسها لأول مرة إلى السوق، ، فإن نهج “اختراق السوق” هو أفضل طريقة لها، حيث تميل إلى جذب العملاء المتاحين أو الأكثر تواجداً في أقل قدر ممكن من الوقت، وذلك من خلال السيطرة على السوق بالعديد من الخصومات التي يمكن أن تصل إلى خصم 100٪! ولكن هل يستحق تقديم خصم بنسبة 100٪ مع ترك السوق الجديد الذي يحتوي القليل من المنافسين والذي يُطلق عليه بمصطلح “المحيط الأزرق” أو ترك القيمة المُ ضافة التي يمكنهم الحصول عليها دون استهلاك هذا القدر الكبير من النقود؟ أو حتى ترك الميزات غير الثابتة في خدماتهم/ منتجاتهم ؟ لماذا يفعلون ذلك؟ ماذا وراء القناع؟ وكيف يشعر العملاء حيال ذلك؟
بالعودة إلى اقتباسنا من تفسير دانيال بينك الجميل للطبيعة البشرية، هل يمكننا قلب الطاولة بالقول إن الشركات التي تلعب في جانب التسعير قد تكون هي المحفزات الخارجية؟ جمع هذا العدد اللامتناهي من العملاء في جدول زمني ضيق دون بناء علاقة
طويلة الأمد مع المستخدمين النهائيين. اشترِ الآن واحصل على خصم 50٪، اشترِ هذا المنتج
واحصل على الآخر مجاناً. يمكننا أن نرى في العامين الماضيين، قفزة هائلة في السوق العراقية في بعض القطاعات والمنافسة الشديدة بين الشركات.
دعونا نحلل هذه الطبيعة والنوايا الخالية من النقوصات:
عندما دخلت الشركة “أ” إلى السوق بمبلغ نقدي معيّ ن يفوق النفقات الفعلية بكثير، دخل “اختراق السوق” اللعبة. وذلك للأسباب التالية:
تحاكي الشركة الشركات الموجودة بالفعل فقط لأنها تعلم أنها مستدامة الآن والسوق مربح. لا يمكن الاعتماد على هذه الإجابة لأن السوق العراقي مغلقة بشدة )غير ضامنة استدامتها( وهي في مراحلها الأولى من النمو.
تستخدم الشركة هذه التقنية لمصلحتها الأكبر، نظراً لأن السوق العراقي يتعرض لأفكار الاستثمار والعديد من رؤوس الأموال الاستثمارية ) VCs(، فإن المستثمرين الملائكة وشركات الاستثمار يضعون أموالهم في العراق. تميل الشركات الآن إلى اختراق السوق بأقل سعراً متاحاً وقد تصل إلى 0 ديناراً عراقياً؛ هدفها ليس فقط الحصول على حصة أكبر في السوق في وقت قليل، ولكن أيضاً لبناء قاعدة بيانات ضخمة للعملاء، حيث ستستخدم الشركة هذا الجذب بحثاً عن جولة استثمارية أخرى! يمكن تعريف هدفها على أنه “جذب المزيد من العملاء الآن حتى مع وجود منتج/خدمة منخفضة الجودة، والحصول على جولة الاستثمار التالية، و ؟؟؟” ما زلنا لا نعرف ما هي نواياهم لأننا ما زلنا لم نر ما تفعله الشركات الناشئة والشركات في هذه المرحلة. نحن نعلم أن النمو السريع ضروري في مثل هذه الشركات الناشئة، لكن النمو السريع المتبقي مع عيوب المنتج/الخدمة يكون غير مفضّ ل للغاية.
الإجابة الأخيرة التي تم العثور عليها، قد لا تكون تمثل معظمنا أو ربما جميعنا ولكنها قد تكون الحقيقة. نحن مندفعون فقط من ناحية السعر! نعم؛ نقول دائماً إننا نبحث
عن الجودة ولكن أفعالنا عكس ذلك. قد يؤثر كوننا جدداً نسبياً في هذه التجربة على تحديد أولوياتنا. تستخدم العديد من الشركات الناشئة هذه التقنية وقد تعرضها إلى مواقف حرجة أو تعتمد على أسلوب قديم ومعتمد بأقل الأسعار، ولكن هل ستكون بجودة معقولة والخبرة التي تم طلبها حقاً ؟ الجواب سيكون: لا بالتأكيد.

أي شركة ناشئة هي أداة إما لتلبية “الحاجة” أو لتعزيز “الرغبة”، وفي النهاية، لمن تبيع؟ يتأثر الإنسان والبشر بالكثير من الإجراءات والأفكار اليومية التي ستؤثر في النهاية على قرارات الشراء الخاصة بهم.
عندما تلعب الشركات الناشئة في قطاعات معينة دائماً في تقنية اختراق السوق، فإنها ستؤدي في النهاية إلى العديد من العواقب:
١. قلة الولاء، فبمجرد أن تكسب أو تستحوذ الشركة العميل بسعر قليل فإن الشركة التالية سوف تكسب وتستحوذ العميل بسعر قليل أيضاً .
٢. إن إفساد وتدليل طفلك في السنوات الأولى من عمره سيؤدي إلى أن الطفل يصبح أكثر عناداً وتطلّ باً . هذا الشيء بالنسبة للعميل أيضاً ؛ إن إفساد العملية في فترة زمنية قصيرة جداً بأطنان من الخصومات أو الجوائز أو القسائم أو أي نوع آخر من استراتيجيات السحب المُ خفّ ضة، سيقود الشركة الناشئة إلى الانغماس في العديد من الأسئلة مثل “لماذا لم تُ عطني أي خصم مؤخراً ؟” و “لماذا يوجد خصم لهؤلاء الأشخاص وأنا لا أحصل على واحد؟” عندما يفتح عملاؤك أعينهم لرؤيتك تُ فسدهم، فلن يتركوا أبداً هذا الانطباع الأول عنك.
٣. اختيار أسعار مُ خفضة على حساب تجربة المستخدم، يجعل عميلك يكرهك لأنه حتى لو كان العميل يستفيد من الخصومات، فإن العميل سينتقد دائماً تجربة المستخدم. بمجرد أن يذهب العميل إلى حل آخر أو يتركك بسبب تجربة مستخدم سيئة، لن يبقى أو يعود لك مرة أخرى. وستعتبره )1-( قاعدة البيانات التي أظهرتها للبحث عن الجولة التالية. سيتطلب ذلك جهداً كبيراً لإعادتهم مرة أخرى إلى القمع.
٤. إن عدم تقييم أهمية تجربة المستخدم منذ البداية سيترك لك مشكلتين أساسيتين: الحصول على الكثير من ردود الفعل السلبية على الخدمة/المنتج، ووجود فرصة كبيرة لفقدان العميل بغض النظر عن الخصومات التي يتم إجراؤها أو تقديمها. وترك هذه الميزات غير المثبتة هو باب رائع بالنسبة

للمنافسين الآخرين لاستخدام هذه المشكلة لصالحهم.
٥. سيجعل حياة الشركة الناشئة أكثر صعوبة على المدى الطويل. عندما يتم تنفيذ العديد من استراتيجيات الدفع المخفضة؛ فإنه يضيق هامش الربح مستقبلاً ، مما يتطلب من مبيعاتك جهداً كبيراً بأسعار أعلى للعودة من جديد.
العمل على جانب السعر والانخفاض به قدر الإمكان يمكن تسميته الحافز الثاني 2# في السوق. عند رؤية استخدام كبير لمنتجات/ خدمات معينة الآن، ولكن ماذا بعد ذلك؟ يحدث تأثيراً غير مرغوب فيه، حيث يفقد العملاء معنى الجودة والحب الذي لديهم لهذا المنتج/الخدمة. وإذا تم تفعيل ذلك بجانب وجود العديد من المشاكل مع تجربة المستخدم، فإن العواقب تكون أسوأ.
مع الأخذ في نظر الاعتبار تجربة المستخدم والقصة وراء كل فكرة؛ اشترى العميل المنتج/ الخدمة، وليس ذلك فقط، فقد قام بالتفكير في الحصول على خصم بنسبة 50٪. إنه الحافز الثالث 3# . ليس كل الناس هم عملاؤك، وليس بالضرورة أن يشتري منك أي شخص يظهر إهتماماً بمنتجك/خدمتك. يبدو الأمر صعباً في البداية، لكنك ستبني جيشاً
من الزبائن لن يتركك أبداً .
