نساء الأنبياء من الزنا، بين التحقيق والتلفيق الشيخ أحمد سلمان(2)

Page 1


‫نسخة متت مراجعتها وتصحيحها‬ ‫النهائية املعتمدة للطبع يف ‪ 41‬ذي احلجة ‪4111‬هـ‬

‫براءة نساء األنبياء من الزنا‬ ‫بني لتحقيق التحفيق‬


‫براءة نساء األنبياء من الزنا‬ ‫بني لتحقيق التحفيق‬

‫تأتقف‬ ‫لتشقخ أمحد سفمان‬


‫مجيع احلقوق حمفوظة‬ ‫الطبعة األوىل‬ ‫‪3414‬هـ ‪1031 -‬م‬


‫لإلهدلء‬ ‫أهدي هذه البضاعة املزجاة‬ ‫إىل سيديت ومواليت السيدة نرجس ݝ‬ ‫أم سيدي وموالي وإمامي صاحب العرص والزمان‪:‬‬ ‫اإلمام حممد بن احلسن املهدي ݗ‪.‬‬



‫ميدمة‬ ‫احلمد هلل رب العاملني فاطر الساموات واألرضني‪ ،‬وبارئ اخلالئق‬ ‫أمجعني‪ ،‬وبه نستعني‪ ،‬وأفضل الصالة وأزكى التسليم عىل سيّد األنبياء وخاتم‬ ‫املرسلني‪ ،‬املبعوث املسدّ د‪ ،‬واملنصور املؤ ّيد‪ ،‬املصطفى األجمد‪ ،‬واملحمود األمحد‪،‬‬ ‫أيب القاسم حممد‪ ،‬وعىل آله الط ّيبني الطاهرين املنتجبني‪ ،‬واللعنة الدائمة عىل‬ ‫أعدائهم ومبغضيهم من اآلن إىل قيام يوم الدين‪ ،‬وبعد‪:‬‬ ‫فإنه من نعم اهلل علينا أن م ّن علينا باإلسالم املحمدي األصيل‪ ،‬فجعلنا‬ ‫شيعة آلل املصطفى صلوات اهلل عليهم أمجعني‪ ،‬نستقي منهم عقيدتنا‪ ،‬ونقتدي‬ ‫هبم يف عباداتنا‪ ،‬فنكون من الناجني الفائزين يوم احلساب‪.‬‬ ‫يف هذه العصور تواصلت اهلجامت املسعورة ضد مذهب أهل البيت‬ ‫ݜ بالسعي لتشوهيه‪ ،‬بنسبة معتقدات باطلة إليه‪ ،‬هي أشبه ما تكون بقصص‬ ‫األطفال اخليالية‪ ،‬وإعطائها زمخ ًا إعالم ايا ع ر وسائل اإلعالم العرصية‪،‬‬ ‫واألخطر من هذا هو استغالل بعض اجلهال املغفلني من الشيعة‪ ،‬الذين ادعوا‬ ‫إيامهنم هبذه األباطيل‪ ،‬ونسبوها إىل الشيعة؛ لتشويه مذهب الشيعة من جهة‪،‬‬ ‫وخلق البلبلة يف الطائفة واالختالف بني أبنائها‪.‬‬


‫‪ ............................................. 8‬براءة نساء األنبياء من الزنا‪ :‬بني التحقيق والتلفيق‬

‫ولعل أهم املسائل التي حياول تشوهيها أعداء الشيعة هي قضية اتام مجيع‬ ‫زوجات النبي ݕ بالفاحشة‪ ،‬وباخلصوص اتام عائشة‪ ،‬ولذلك رفعوا‬ ‫شعارات براقة‪ ،‬كاحلفاظ عىل عرض النبي ݕ‪ ،‬وشعار حماربة أعداء النبي‬ ‫ݕ‪ ،‬والطاعنني يف عرضه‪.‬‬ ‫وخلطورة هذه الدعاوى فإهنا جعلت حالة من االحتقان الشديد عند أهل‬ ‫السنة والسلفية الذين أصبحوا يتحينون الفرص ويرتبصون الدوائر بشيعة أهل‬ ‫البيت ݜ؛ للنيل منهم وحماربة مذهبهم‪ ،‬انتصار ًا لعرض النبي ݕ وعرض‬ ‫أمهم عائشة كام يدّ عون وير ّددون دائ ًام‪.‬‬ ‫سنبني عقيدة الشيعة يف نساء النبي‬ ‫وألجل ذلك فإننا يف هذا الكتاب‬ ‫ّ‬ ‫ݕ‪ ،‬بالنقل املوثق مما قاله أساطني علامء املذهب‪ ،‬وسنكشف زيف ما ير ّدده‬ ‫أعداء الشيعة وما ينسبونه إليهم زور ًا وهبتان ًا‪ ،‬كام أننا سنتحدث حول عقيدة‬ ‫أهل السنة واجلامعة يف هذا األمر‪ ،‬ونبني اختالفهم الشديد فيها‪ ،‬وعدم اتفاقهم‬ ‫عىل رأي واحد‪.‬‬ ‫كام سنعرج عىل حادثة اإلفك التي طاملا نسبت زور ًا وهبتان ًا للشيعة‪،‬‬ ‫وسنبني للجميع أنه خ ر مكذوب موضو ‪ ،‬ال أساس له من الصحة‪ ،‬وال‬ ‫ّ‬ ‫يصمد أمام البحث العلمي والتحقيق املوضوعي‪.‬‬ ‫نسأل اهلل تعاىل أن يوفقنا يف الدفا عن عرض رسول اهلل ݕ‪ّ ،‬‬ ‫والذب‬ ‫عنه‪ ،‬وتنزهيه عن كل ما ييسء إليه‪ ،‬بمنّه وكرمه‪ ،‬إنه أكرم األكرمني‪ ،‬واحلمد هلل‬ ‫رب العاملني‪ ،‬وصىل اهلل عىل حممد وآله الط ّيبني الطاهرين‪.‬‬ ‫يف ‪ 41‬رمضان ‪4111‬هـ‬

‫أمحد سلامن‬


‫عيقدة لتشقعة يف برلءة نساء لألنبقاء ݜ‬ ‫يعتقد الشيعة اإلمامية االثنا عرشية أنار اهلل برهاهنم أن زوجات األنبياء‬ ‫ݜ ال تقع منهن فاحشة الزنا بأي حال من األحوال‪ ،‬وأهنن بريئات منها حتى‬ ‫لو ك ّن كافرات ومن أهل النار‪ ،‬كزوجتي نوح ولوط ݟ‪ ،‬وأن فرش األنبياء‬ ‫ݜ حمفوظة من كل خيانة‪ ،‬وعىل هذا أمجع علامء الشيعة قدي ًام وحديث ًا‪ ،‬ومل‬ ‫نعلم فيهم خمالف ًا إال بعض املنتسبني إىل العلم يف هذا الزمان‪ ،‬الذين تركوا كل‬ ‫املواضيع املهمة‪ ،‬وأغمضوا عن مجيع الشبهات التي تستهدف مذهب الشيعة‬ ‫اإلمامية‪ ،‬وشغلوا أنفسهم باتام بعض زوجات نب ّينا ݕ بفعل الفاحشة‪ ،‬مع أن‬ ‫ثبوت الزنا ال يكون بنصوص ضعيفة‪ ،‬وال بأحاديث مل نفهم معناها املراد‪ ،‬وال‬ ‫بالظنون والتخمينات‪.‬‬ ‫ولو سلمنا جدالً بوقو الزنا من إحدى زوجات نب ّينا ݕ‪ ،‬فإن إثبات‬ ‫ذلك ال يرتتب عليه أي فائدة يف الدين والدنيا‪ ،‬بل إن ذكره عىل فرض حصوله‬ ‫فيه من التنقيص لرسول اهلل ݕ ما ال خيفى‪.‬‬ ‫والكالم يف هذه املسألة يكون يف جهتني‪:‬‬ ‫اجلهة األوىل‪ :‬يف إمكان وقوع الزنا من زوجات األنبياء‪:‬‬ ‫وال شك أن وقو الزنا منهن ممكن عقالً‪ ،‬أي أن العقل ال يمنعه‪ ،‬فهو‬ ‫ليس بمحال يف نفسه‪ ،‬ولكنه غري واقع؛ بسبب العلقة بني املرأة وبني زوجها‬ ‫النبي‪ ،‬فاالستحالة ليست ذاتية خلاصية يف نفس الزوجة‪ ،‬ولكنه عدم وقو كام‬ ‫ّ‬ ‫دل عليه الدليل العقيل املسمى (قبح نقض الغرض)‪.‬‬


‫‪ ........................................... 01‬براءة نساء األنبياء من الزنا‪ :‬بني التحقيق والتلفيق‬

‫وحاصله‪ :‬أن اهلل ال يفعل األشياء إال لغرض وغاية؛ ألنه حكيم؛ وقد‬ ‫رصح بذلك يف حمكم كتابه الكريم‪ ،‬فقال‪ :‬ݨ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱﯓ‬ ‫ّ‬ ‫ﯔ ﯕ ﯖݩ [املؤمنون‪ ،]441 :‬وقال تعاىل‪ :‬ݨ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ‬ ‫ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ݩ [األنبياء‪ ،]41 :‬وقال سبحانه‪ :‬ݨ ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ‬

‫ﭖ ﭗﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢݩ [ص‪ ،]71 :‬وغري ذلك من‬ ‫اآليات األخر التي بينت الغرض من بعض أفعاله سبحانه‪ ،‬مثل قوله تعاىل‪:‬‬ ‫ݨﭳﭴﭵﭶﭷﭸݩ [الذاريات‪.]15 :‬‬ ‫وأغراض اهلل سبحانه وغاياته من كل أفعاله ال تكون إال حسنة؛ المتنا‬ ‫مقرر يف الكتب الكالمية‪ ،‬فإن‬ ‫فعل القبيح عليه سبحانه وامتنا إرادته له كام هو ّ‬

‫من فعل شيئ ًا وكانت غايته من فعله قبيحة فإن العقالء يذمونه ويوبخونه‪ ،‬كمن‬

‫قدّ م لغريه طعام ًا يريد أن يرضه به‪.‬‬ ‫واهلل سبحانه وتعاىل أرسل أنبياءه ݜ هلداية الناس إىل رصاطه املستقيم‪،‬‬ ‫وإنقاذهم من كل ضالل وغواية‪ ،‬ومقتىض احلكمة أال يصدر منه سبحانه ما‬ ‫ينقض غرضه هذا وينافيه‪ ،‬ولذلك جعل أنبياءه ݜ معصومني من الزالت‪،‬‬ ‫منزهني عن الرذائل واملساوئ والعاهات ومجيع املن ّفرات‪ ،‬وم ّتصفني بجميع‬ ‫ّ‬ ‫الكامالت‪ ،‬بل كانوا أفضل أهل زماهنم‪ ،‬وأكملهم يف مجيع جوانبهم؛ لكي ينقاد‬ ‫الناس إليهم‪ ،‬ويقبلوا منهم‪ ،‬ويأخذوا عنهم‪ ،‬فيؤدوا دورهم كأنبياء ومرسلني‬ ‫وقادة ألممهم!‬ ‫ومن مجلة ما نزههم عنه دناءة اآلباء‪ ،‬وعهر األمهات‪ ،‬وزنا البنات‬ ‫والزوجات‪ ،‬فإن صدور الفاحشة من أمهات األنبياء أو من بناتم‪ ،‬أو زوجاتم‬ ‫يشني النبي‪ ،‬وييسء إليه إساءة بالغة‪ ،‬ويؤثر عىل مسريته الدعوية مبارشة‪،‬‬


‫عقيدة الشيعة يف براءة نساء األنبياء ݜ ‪00 .....................................................‬‬

‫سريد عىل‬ ‫ويضعف موقفه أمام خصومه؛ ألنه سي ّ‬ ‫عري بأمه أو ببنته أو بزوجته‪ ،‬و َ‬

‫كل عملية إصالح يقوم هبا بأن الالزم عليه أن يصلح بيته قبل أن يفكر يف‬ ‫إصالح جمتمعه‪ ،‬وأنه إذا عجز عن إصالح بيته‪ ،‬وإصالح أقرب الناس إليه‪ ،‬فإنه‬ ‫أعجز عن أن يفكر يف إصالح الناس البعداء عنه‪.‬‬ ‫وهذا أمر مألوف ال حيتاج إىل إقامة دليل أو برهان؛ ألنه من القضايا التي‬ ‫قياسها معها‪ ،‬خصوص ًا يف املجتمعات العربية التي تتم اهتامم ًا بالغ ًا بمسائل‬ ‫الرشف والعرض أكثر من املجتمعات األخرى‪ ،‬بل إن العرض عند العرب أهم‬ ‫من الدم‪ ،‬فكثري ًا ما سفكت دماء‪ ،‬وأزهقت أرواح بسبب قضايا الرشف‪ ،‬وكم‬ ‫من عائلة تركت موطنها األصيل‪ ،‬وهاجرت إىل مكان آخر هروب ًا من فضيحة‬ ‫متس رشفها‪ ،‬وكم من رجل أهني ومرغ أنفه يف الرتاب نتيجة لترصفات مشينة‬ ‫صدرت من بعض بناته أو إحدى زوجاته‪ ،‬وربام ينقلب دور املرأة يف بعض‬ ‫األحيان من مش ّيدة ملجد الرجل وعظمته إىل عنرص هدام‪ ،‬نتيجة لترصفاتا غري‬ ‫املدروسة‪.‬‬ ‫وعليه‪ ،‬فإذا كانت ترصفات املرأة تنعكس مبارشة عىل الوضع االجتامعي‬ ‫للرجل‪ ،‬فإن صدور جريمة الزنا من زوجة النبي يتناىف مع الغرض من بعثته؛‬ ‫ألن هذا الفعل القبيح سيكون له تأثري س ّيئ مبارش عىل مستقبل دعوته وعىل‬ ‫مكانته االجتامعية‪ ،‬وسيجعل النبي هدف ًا سه ً‬ ‫ال ألعدائه املرت ّبصني به‪ ،‬الذين‬ ‫يريدون إسقاطه وإسقاط دعوته فكر ايا واجتامع ايا قبل أن حياولوا يف قتله‬ ‫وتصفيته جسد ايا‪.‬‬ ‫وقد ورد يف كتاب اهلل العزيز أن كفار قريش كانوا يعيبون النبي ݕ‬ ‫بأمور عادية يصنعها كل الناس‪ ،‬مثل أكل الطعام‪ ،‬وامليش يف األسواق‪ ،‬فقال‬ ‫سبحانه‪ :‬ݨﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚﮛ ﮜ ﮝ ﮞ‬


‫‪ ........................................... 01‬براءة نساء األنبياء من الزنا‪ :‬بني التحقيق والتلفيق‬

‫ﮟﮠﮡﮢ ݩ [الفرقان‪ ،]1 :‬فإذا كان املناوئون للنبي ݕ قد عابوه‬ ‫هبذين األمرين اللذين أحدمها رضوري تقتضيه احلاجة البرشية‪ ،‬وهو أكل‬ ‫الطعام‪ ،‬من أجل الطعن يف نبوته‪ ،‬والتشكيك يف صحة دعوته‪ ،‬فعيبه بام ينقصه‬ ‫وحيط من قدره يف جمتمعه مما يمس رشفه من باب أوىل‪.‬‬ ‫ومن هذا املنطلق ّنزه اهلل نبينا األكرم ݕ عن الفضاضة والغلظة التي‬ ‫تكون سبب ًا لتنفري الناس عنه‪ ،‬وعدم قبوهلم منه‪ ،‬فقال سبحانه‪ :‬ݨ ﭙ ﭚ ﭛ‬ ‫ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ‬

‫ﭭ ﭮ ﭯﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ݩ [آل عمران‪،]411 :‬‬ ‫وأمره بلني اجلانب معهم‪ ،‬فقال سبحانه‪ :‬ݨﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ‬

‫ﮈݩ [الشعرا‪.]741 :‬‬ ‫عل ًام أن الفضاضة والغلظة كانت سمة شائعة يف املجتمع العريب يف ذلك‬ ‫الوقت‪ ،‬وربام ال تعد عيب ًا يف املحيط اجلاهيل‪ ،‬ولكن الحتامل أن تكون سبب ًا‬ ‫حيول دون قبول الدعوة املحمدية‪ّ ،‬نزه اهلل نب ّيه عنها‪ ،‬وكان برمحة منه ل ّين ًا رؤوف ًا‬ ‫باملؤمنني ورمحة للعاملني‪.‬‬ ‫وهكذا احلال يف كل ما يسبب النفرة من رسول اهلل ݕ‪ ،‬وعدم القبول‬ ‫منه‪ ،‬كعهر األمهات والزوجات والبنات‪.‬‬ ‫بل إن اهلل تعاىل نزه نب ّينا ݕ عن بعض األمور التي تعت ر من رضوريات‬ ‫املجتمع العريب يف ذلك الوقت‪ ،‬كقول الشعر الذي يعت ر من مفاخر الرجل‬ ‫اجلاهيل ومن كامالته‪ ،‬حتى إهنم كانوا يكتبون درر قصائدهم بامء الذهب‪،‬‬ ‫ويعلقوهنا عىل حائط الكعبة‪ ،‬بل كان هلم سوق خاص لبضاعتهم الشعرية‬ ‫املعروفة بسوق عكاظ‪ ،‬وكان أمثال النابغة الذبياين تنصب له قبة حرير محراء‬


‫عقيدة الشيعة يف براءة نساء األنبياء ݜ ‪01 .....................................................‬‬

‫ليحكم بني الناس؛ لكونه أشعرهم‪.‬‬ ‫ورغم كل هذا نجد أن القرآن الكريم قد ّنزه النبي ݕ عن قول الشعر‪،‬‬ ‫فقال تعاىل‪:‬‬

‫ݨﯫ ﯬﯭ ﯮ ﯯ ﯰﯱ ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ ﯶ ﯷ ݩ [يس‪،]51 :‬‬

‫ال لكونه نقص ًا يف شخصه الكريم‪ ،‬بل ألن تعلم الشعر سيكون مدخ ً‬ ‫ال للطعن‬ ‫يف الكتاب الكريم؛ ألن من اعتاد عىل نظم الشعر قد يصدر منه مثل هذا الكالم‬ ‫الفصيح البليغ‪ ،‬لذلك قال ّ‬ ‫جل جالله‪ :‬ݨﭫ ﭬﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳﭴ‬ ‫ﭵﭶ ﭷﭸ ﭹﭺ ﭻ ﭼ ﭽﭾ ﭿﮀﮁ ﮂ ﮃ ﮄݩ [احلاقة‪.]11-14 :‬‬ ‫منزه ًا عن مثل قول الشعر فكيف بعهر الزوجات‬ ‫فإذا كان النبي ݕ ّ‬ ‫وزنا البنات الاليت كان العرب يئدوهنن خوف ًا من وقو فضيحة حمتملة!!‬ ‫يتبني أن عدم صيانة زوجات األنبياء عن الزنا‬ ‫إذا عرفت ذلك ّ‬ ‫والفواحش يتناىف مع الغرض من إرسال األنبياء ݜ‪ ،‬ونقض الغرض قبيح ال‬ ‫يصدر من احلكيم ّ‬ ‫جل وعال‪ ،‬وعليه‪ ،‬فال يمكن القول بصدور هذا الفعل‬ ‫القبيح منهن حفاظ ًا عىل أنبياء اهلل ݜ وصون ًا لدعواتم املباركة عن أن تد ّنس‬ ‫بفعل أحد‪.‬‬ ‫منزهات‬ ‫ولكن ربام يتساءل بعضهم‪ ،‬فيقول‪ :‬إذا كانت زوجات األنبياء ّ‬ ‫عن الوقو يف الزنا‪ ،‬فهل هذا يعني أهنن معصومات عن الوقو يف الزنا‬ ‫والفواحش؟ وإذا كن معصومات‪ ،‬فهل عصمتهن كسبية‪ ،‬أو استحقاقية‪ ،‬أو‬ ‫ماذا؟‬ ‫واجلواب عن ذلك‪ :‬أن براءة نساء األنبياء عن الزنا والفواحش الذي‬ ‫نقول به ليس من باب العصمة؛ ألن إثبات العصمة حيتاج إىل َنص خاص‪ ،‬وال‬ ‫نص يف البني‪ ،‬وليس كل من امتنع عن يشء كان معصوم ًا‪ ،‬وإال فإن كثري ًا من‬


‫‪ ........................................... 01‬براءة نساء األنبياء من الزنا‪ :‬بني التحقيق والتلفيق‬

‫املؤمنني واملؤمنات ال يزنون‪ ،‬وال يفعلون الفواحش‪ ،‬وال يرشبون اخلمر‪ ،‬وال‬ ‫يقتلون النفس املحرمة‪ ،‬وال يفعلون كثري ًا من املعايص الكبرية‪ ،‬فهل يقال عن‬ ‫هؤالء‪ :‬إهنم معصومون؟!‬ ‫والعصمة ملكة نفسانية‪ ،‬ووجودها لطف إهلي خاص‪ ،‬إما تكويني أو‬ ‫بسبب علم خمصوص يقذفه اهلل يف صدر صاحب العصمة‪ ،‬وليس هذا ما نثبته‬ ‫لنساء األنبياء‪ ،‬كام ال نثبت هلن عصمة ج رية‪ ،‬يكن بسببها جمبورات مقهورات‬ ‫عىل االبتعاد عن املعصية؛ ألن مثل ذلك مل يثبت بدليل‪ ،‬فال نقول به‪.‬‬ ‫عز وجل كرامة ألنبيائه وحفظ ًا لدعواتم املباركة‬ ‫والذي نقوله‪ :‬إن اهلل ّ‬ ‫أبعد زوجاتم عن مواطن الشبهات‪ ،‬ومل يتح هلن الظروف املس ّببة للوقو يف‬ ‫الزنا‪ ،‬لكن مل يصل هبن األمر إىل درجة العصمة التي يستقذر هبا املعصوم كل‬ ‫معصية‪ ،‬وينفر من كل ذنب‪ ،‬كام ينفر الشخص السوي من تناول القاذورات‬ ‫النتنة؛ إذ أنه يمكن أن تكون الواحدة من نساء األنبياء لدهيا فسق ظاهر كام هو‬ ‫احلاصل يف زوجة لوط ݠ‪ ،‬التي كانت راضية بأفعال قومها القبيحة‪ ،‬وكانت‬ ‫تدهلم عىل أضياف زوجها‪ ،‬وتعينهم يف بعض أفعاهلم السيئة‪ ،‬ولكن مل تكن‬ ‫تشاركهم يف الفعل القبيح‪ ،‬وعليه فال يمكن أن نسمي هذا املنع عصمة‪ ،‬بل‬ ‫نسميه حفظ ًا وصون ًا‪ ،‬أو منع ًا‪.‬‬ ‫اجلهة الثانية‪ :‬يف ثبوت الزنا‪:‬‬ ‫فإنا لو سلمنا بإمكان وقو الزنا من زوجات األنبياء ݜ‪ ،‬فإن ذلك ال‬ ‫يثبت وقوعهن فيه‪ ،‬فإن اإلمكان يشء‪ ،‬واحلدوث يشء آخر‪ ،‬فليس كل ممكن‬ ‫نقول بوقوعه‪ ،‬وال سيام يف وقو الزنا‪ ،‬فإنه ال جيوز اتام أي شخص حتى لو‬ ‫كان كافر ًا بالزنا إال برشوط معينة ال بد من توافرها كلها مجيع ًا‪ ،‬وإال فال جيوز‬


‫عقيدة الشيعة يف براءة نساء األنبياء ݜ ‪01 .....................................................‬‬

‫القذف بالزنا حتى لو رآه آخر يامرس الزنا فع ً‬ ‫ال‪.‬‬ ‫عز وجل نجد أن الزنا ال يثبت إال بأربعة شهود‬ ‫وبالرجو إىل كتاب اهلل ّ‬ ‫عدول؛ لقوله تعاىل‪ :‬ݨ ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ‬

‫ﭘﭙﭚݩ [النساء‪.]41 :‬‬ ‫موضحة هلذه املسألة‪ ،‬فأفتى العلامء بناء عليها بوجوب‬ ‫وجاءت الروايات ّ‬ ‫كون الشهود عدوالً‪ ،‬وأن يعاينوا الواقعة معاينة كاملة‪ ،‬ويشاهدوا بأم أعينهم‬ ‫الولوج كامليل يف املكحلة‪ ،‬بال عقد نكاح‪ ،‬وال ملك يمني‪ ،‬وال شبهة‪ ،‬وأن‬ ‫الشهود األربعة مل يتعمدوا رؤية الزانيني حال الزنا‪ ،‬وال بد من حضورهم عند‬ ‫متفرقني مل يقبل منهم‪ ،‬وغري ذلك مما هو‬ ‫احلاكم دفعة واحدة‪ ،‬فلو حرضوا ّ‬ ‫مذكور يف حمله‪ ،‬وبعد أن ينظر احلاكم الرشعي يف كل ذلك‪ ،‬حيكم بثبوت الزنا‬ ‫إن متت كل هذه الرشوط‪ ،‬أو عدم ثبوته إن ختلف رشط واحد منها‪.‬‬ ‫وكذا يثبت الزنا إذا أخ ر املعصوم ݠ بوقوعه‪ ،‬فقال‪« :‬إن فالنة قد‬ ‫زنت»‪ ،‬وسمعنا ذلك من املعصوم مشافهة‪ ،‬وال نحتاج مع قول املعصوم إىل‬ ‫ضميمة قول غريه إليه؛ ألن عصمته ݠ متنعه من الكذب واخلطأ‪ ،‬مع أن‬ ‫املعصوم ال يفعل ذلك‪ ،‬فليس هذا من خلقه‪ ،‬ولكنا نفرض ذلك فرض ًا فقط‪.‬‬ ‫كام يثبت الزنا باعرتاف الفاعل‪ ،‬بأن يعرتف بالزنا أمام احلاكم أنه زنا‪،‬‬ ‫وأدخل كامليل يف املكحلة؛ ألن إقرار العقالء عىل أنفسهم حجة‪.‬‬ ‫فهذه األمور الثالثة هي التي يمكن من خالهلا إثبات ارتكاب شخص ما‬ ‫للزنا‪ ،‬وثالثتها منتفية يف حق نساء األنبياء ݜ عامة‪ ،‬إذ ال يوجد لدينا نص‬ ‫واحد معت ر سند ًا ورصيح متن ًا ينسب هذا الفعل إىل واحدة من زوجات‬ ‫األنبياء‪.‬‬



‫أقولل عفماء لتشقعة‬ ‫يف تنـزيه نساء لألنبقاء عن لتزنا‬ ‫منزهات عن‬ ‫رصح علامء الشيعة قدي ًام وحديث ًا بأن زوجات األنبياء ݜ ّ‬ ‫ّ‬

‫الزنا والفواحش‪ ،‬وكلامتم يف ذلك أكثر من أن حتىص أو تعد‪ ،‬وإليك بعض ًا‬ ‫منها‪:‬‬ ‫‪ -0‬علم اهلدى السيد عيل بن احلسني املوسوي املعروف بالرشيف‬ ‫املرتىض (ت ‪114‬هـ)‪:‬‬ ‫قال ݞ يف أماليه‪ :‬وألن األنبياء عليهم الصالة والسالم جيب أن ي ّنزهوا‬ ‫عن مثل هذه احلال؛ ألهنا تعر‪ ،‬وتشني‪ ،‬وتغض من القدر‪ ،‬وقد جنّب اهلل تعاىل‬ ‫أنبياءه عليهم الصالة والسالم ما هو دون ذلك تعظي ًام هلم‪ ،‬وتوقري ًا‪ ،‬ونفي ًا لكل‬ ‫ما ين ّفر عن القبول منهم‪ ،‬وقد محل ابن عباس ظهور ما ذكرناه من الداللة عىل‬ ‫تأول قوله تعاىل يف امرأة نوح وامرأة لوط‪ :‬ݨ ﮟݩ عىل أن اخليانة مل‬ ‫أن ّ‬ ‫تكن منهام بالزنا‪ ،‬بل كانت إحدامها خت ر الناس بأنه جمنون‪ ،‬واألخرى تدل عىل‬ ‫األضياف‪ ،‬واملعتمد يف تأويل اآلية هو الوجهان املتقدّ مان(‪.)4‬‬ ‫‪ -1‬شيخ الطائفة الشيخ حممد بن احلسن الطويس (ت ‪141‬هـ)‪:‬‬ ‫قال ݞ‪ :‬قال ابن عباس‪ :‬كانت امرأة نوح كافرة‪ ،‬تقول للناس‪« :‬إنه‬ ‫جمنون»‪ ،‬وكانت امرأة لوط تدل عىل أضيافه‪ ،‬فكان ذلك خيانتهام هلام‪ ،‬وما زنت‬ ‫(‪ )4‬أمايل املرتىض ‪.411/7‬‬


‫‪ ........................................... 08‬براءة نساء األنبياء من الزنا‪ :‬بني التحقيق والتلفيق‬

‫امرأة نبي قط؛ ملا يف ذلك من التنفري عن الرسول‪ ،‬وإحلاق الوصمة به‪ ،‬فمن‬ ‫نسب أحد ًا من زوجات النبي إىل الزنا فقد أخطأ خطأ عظي ًام‪ ،‬وليس ذلك قوالً‬ ‫ملحصل(‪.)4‬‬ ‫ّ‬ ‫‪ -1‬أمني اإلسالم أبو عيل الفضل بن احلسن الطربيس (ت ‪118‬هـ)‪:‬‬ ‫ينزهوا عن مثل هذه احلال؛ ألهنا تعر‬ ‫قال ݞ‪ :‬وألن األنبياء جيب أن ّ‬ ‫وتشني‪ ،‬وقد ّنزه اهلل أنبياءه عام دون ذلك‪ ،‬توقري ًا هلم‪ ،‬وتعظي ًام عام ين ّفر من‬ ‫القبول منه‪ .‬وروي عن ابن عباس أنه قال‪ :‬ما زنت امرأة نبي قط‪ ،‬وكانت‬ ‫اخليانة من امرأة نوح أهنا كانت تنسبه إىل اجلنون‪ ،‬واخليانة من امرأة لوط أهنا‬ ‫كانت تدل عىل أضيافه(‪.)7‬‬ ‫‪ -1‬العالمة احلسن بن يوسف بن املطهر احليل (ت ‪614‬هـ)‪:‬‬ ‫قال ݞ‪ :‬مل يشرتط أحد من العلامء عصمة النساء اللوايت لألنبياء ݜ‬ ‫عن الزنا ‪ ،‬لكن الالئق بعصمة النبوة نزاهتهن عن ذلك وسالمتهن منه‪ ،‬ومل يقع‬ ‫من واحدة منهن ذلك(‪.)1‬‬ ‫‪ -1‬املوىل حممد صالح املازندراين (ت ‪0180‬هـ)‪:‬‬ ‫املفّسون‪ :‬فيه إشارة إىل أن سبب القرب والرجحان عند‬ ‫قال ݞ‪ :‬قال ّ‬ ‫اهلل تعاىل ليس إال الصالح كائن ًا من كان‪ ،‬وخيانة املرأتني ليست هي الفجور‪،‬‬ ‫وإنام هي نفاقهام‪ ،‬وإبطاهنام الكفر‪ ،‬وتظاهرمها عىل الرسولني‪ ،‬فامرأة نوح قالت‬ ‫لقومه‪« :‬إنه جمنون»‪ ،‬وامرأة لوط د ّلت قومه عىل ضيفانه‪ ،‬وليس املراد باخليانة‬ ‫(‪ )4‬التبيان يف تفسري القرآن ‪.17/44‬‬ ‫(‪ )7‬جممع البيان ‪.781/1‬‬ ‫(‪ )1‬املسائل املهنائية‪.474 :‬‬


‫أقوال علامء الشيعة يف تنزيه نساء األنبياء عن الزنا ‪01 ............................................‬‬

‫البغى والزنا؛ إذ ما زنت امرأة نبي قط(‪.)4‬‬ ‫‪ -4‬الشيخ فخر الدين الطرحيي (ت ‪0181‬هـ)‪:‬‬ ‫قال ݞ‪ :‬ال جيوز أن يراد باخليانة الفجور‪ ،‬قال ابن عباس‪« :‬ما زنت امرأة‬ ‫نبي قط»؛ ملا يف ذلك من التنفري عن الرسول صىل اهلل عليه‪ ،‬وإحلاق الوصمة‬ ‫به(‪.)7‬‬ ‫‪ -6‬حممد إسامعيل اخلواجوئي (ت ‪0061‬هـ)‪:‬‬ ‫قال ݞ‪ :‬وأما ما تو ّهم من قوله تعاىل‪ :‬ݨﭒﭓ ﭔ ﭕﭖﭗﭘ ﭙ‬

‫ﭚ ﭛﭜ ݩ‪ ،‬أنه يدل عىل تلوث ذيلها‪ ،‬وتدنس إزارها‪ ،‬وقذارة ثياهبا‪ ،‬ولذا نقل‬ ‫عن احلسن وجماهد أنه ما كان ابنه عىل احلقيقة‪ ،‬وإنام ولد عىل فراشه‪ ،‬فقال‪ :‬يا‬ ‫ݨﰁ ﰂ ﰃ ﰄ ﰅݩ عىل ظاهر احلال‪ ،‬فأعلمه تعاىل بأن األمر عىل خالف‬ ‫ينزهوا عن‬ ‫الظاهر‪ ،‬فهو فاسد يأباه‪ :‬ݨﮡ ﮢﮣݩ‪ ،‬مع أن األنبياء جيب أن ّ‬ ‫مثل هذه احلال؛ ألهنا تن ّفر وتشني‪ ،‬وقد ّنزه اهلل أنبياءه عام دون ذلك توقري ًا هلم‬ ‫وتعظي ًام مما ين ّفر من القبول‪ ،‬وخاصة عىل مذاهب أهل احلق‪ ،‬فاملراد أنه ليس عىل‬ ‫دينك‪ ،‬فكأن كفره أخرجه أن يكون له أحكام أهله(‪.)1‬‬ ‫‪ -8‬السيد حمسن األمني العاميل (ت ‪0160‬هـ)‪:‬‬ ‫أبني لكم خالصة عقيدة الشيعة‬ ‫قال ݞ‪ :‬فيمكنني يف هذه العجالة أن ّ‬ ‫املتفق عليها يف نساء األنبياء عليهم الصالة والسالم عامة‪ ،‬ويف أمهات املؤمنني‬ ‫نساء النبي ݕ خاصة‪ ،‬يعتقد الشيعة وجوب تنزيه األنبياء عن مجيع العيوب‬ ‫(‪ )4‬رشح أصول الكايف ‪.441/44‬‬ ‫(‪ )7‬جممع البحرين ‪.711/5‬‬ ‫(‪ )1‬جامع الشتات‪.18 :‬‬


‫‪ ........................................... 11‬براءة نساء األنبياء من الزنا‪ :‬بني التحقيق والتلفيق‬

‫والنقائص‪ ،‬سواء كان ذلك يف أفعاهلم‪ ،‬كاألكل عىل الطريق‪ ،‬وجمالسة األرذال‪،‬‬ ‫حجام ًا‪ ،‬أو ز ّباالً‪ ،‬أو أخالقهم‪ ،‬كاحلقد‪ ،‬واحلسد‪ ،‬واجلبن‪،‬‬ ‫أو صناعاتم‪ ،‬ككونه ّ‬ ‫والبخل‪ ،‬أو يف أجسامهم‪ ،‬كال رص‪ ،‬واجلذام‪ ،‬أو عقوهلم‪ ،‬كاجلنون‪ ،‬والبله‪ ،‬أو‬ ‫فتحصل من ذلك‬ ‫يف اخلارج عنهم‪ ،‬كدناءة اآلباء‪ ،‬وعهر األمهات أو األزواج‪،‬‬ ‫ّ‬ ‫أن زوجة النبي جيوز أن تكون كافرة‪ ،‬كام يف امرأيت نوح ولوط ݟ‪ ،‬وال جيوز‬ ‫أن تكون زانية؛ ألن ذلك من النقائص التي تلحق النبي‪ ،‬فتوجب سقوط حمله‬ ‫من القلوب‪ ،‬وعدم االنقياد ألقواله وأفعاله‪ ،‬وذلك ينايف الغرض املقصود من‬ ‫إرساله‪ ،‬وحينئذ فقوله تعاىل يف حق امرأيت نوح ولوط‪ :‬ݨ ﮟ ݩ يراد منه‬ ‫اخليانة بغري ذلك‪ ،‬وال عموم يف لفظ اخليانة(‪.)4‬‬ ‫‪ -1‬السيد حممد حسني الطباطبائي (ت ‪0111‬هـ)‪:‬‬ ‫قال ݞ‪ :‬منها‪ :‬أنه مل يكن ابنه عىل احلقيقة‪ ،‬وإنام ولد عىل فراشه‪ ،‬فقال‬ ‫نوح ݠ‪« :‬إنه ابني» عىل ظاهر األمر‪ ،‬فأعلمه اهلل أن األمر عىل خالف ذلك‪،‬‬ ‫ون ّبهه عىل خيانة امرأته‪ .‬وينسب إىل احلسن وجماهد‪.‬‬ ‫وفيه‪ :‬أنه عىل ما فيه من نسبة العار والشني إىل ساحة األنبياء ݜ‪،‬‬ ‫والذوق املكتسب من كالمه تعاىل يدفع ذلك عن ساحتهم‪ ،‬وين ّزه جانبهم عن‬ ‫أمثال هذه األباطيل‪ ،‬أنه ليس مما يدل عليه اللفظ برصاحة‪ ،‬وال ظهور‪ ،‬فليس يف‬ ‫القصة إال قوله‪ :‬ݨﭓ ﭔﭕﭖﭗﭘ ﭙﭚﭛﭜݩ‪ ،‬وليس بظاهر فيام جترؤوا‬ ‫عليه‪ ،‬وقوله يف امرأة نوح‪ :‬ݨﮔﮕﮖﮗﮘﮙﮚﮛﮜﮝ‬

‫ﮞ ﮟݩ [التحريم‪ ،]44 :‬وليس إال ظاهر ًا يف أهنام كانتا كافرتني‪،‬‬ ‫تواليان أعداء زوجيهام‪ ،‬وتّسان إليهم بأرسارمها‪ ،‬وتستنجداهنم عليهام(‪.)7‬‬ ‫(‪ )4‬أعيان الشيعة ‪.474/4‬‬ ‫(‪ )7‬تفسري امليزان ‪.411/44‬‬


‫أقوال علامء الشيعة يف تنزيه نساء األنبياء عن الزنا ‪10 ............................................‬‬

‫‪ -01‬املرجع الديني السيد حممد صادق الروحاين‪:‬‬ ‫يف رده عىل سؤال نصه‪ :‬هل زوجات النبي ݕ معصومات عن الزنا؟‬ ‫قال ما ييل‪ :‬مل يك ّن يف أنفسهن معصومات عن ذلك‪ ،‬ولكن كرامة النبي ݕ‬ ‫تتور عن ارتكاب‬ ‫تقتضيه‪ ،‬فإنه أجل عند اهلل تعاىل من أن تقرتن به امرأة ال ّ‬ ‫الفواحش(‪.)4‬‬ ‫وقد ألف أحد علامء الشيعة كتاب ًا كام ً‬ ‫ال لت رئة عائشة باخلصوص من هذا‬ ‫الفعل‪ ،‬أسامء (تنزيه عائشة) كام نقل ذلك العالمة آغا بزرگ الطهراين يف‬ ‫الذريعة‪ ،‬حيث قال‪( :‬تنزيه عايشة) للشيخ الواعظ نصري الدين عبد اجلليل بن‬ ‫أيب احلسني بن أيب الفضل القزويني صاحب بعض املثالب املذكور يف (ج ‪- 1‬‬ ‫ص ‪ ،)414‬نزه فيه عايشة عام ُاتمت به‪ ،‬ذكره الشيخ منتجب الدين(‪.)7‬‬

‫(‪ )4‬أجوبة املسائل‪.17 :‬‬ ‫(‪ )7‬الذريعة إىل تصانيف الشيعة ‪.111/1‬‬



‫شهادلت لآلخرين بربلءة لتشقعة‬ ‫من لتطعن يف نساء لتنيب ݕ‬ ‫يتّهم الشيعة من قبل خصومهم بأهنم يطعنون يف عرض عائشة‪،‬‬ ‫ويش ّككون فيام صدر من علامء الشيعة من تنزهيهم لعرض عائشة بأهنم إنام قالوه‬ ‫تقية‪ ،‬وأنه خمالف ملا يعتقدونه حقيقة‪.‬‬ ‫ولكن شهد بعض املنصفني من علامء أهل السنة بأن عقيدة الشيعة هي‬ ‫تنزيه نساء األنبياء عامة ونساء نبينا ݕ خاصة‪.‬‬ ‫والشيعة وإن كانوا ال حيتاجون إىل هذه الشهادات‪ ،‬ولكنهم مهمة بالنسبة‬ ‫إىل من يعتقد بصدق أولئك العلامء وأهنم ال يتكلمون جزاف ًا‪ ،‬وأن ما قالوه صدر‬ ‫عنهم عن معرفة وتثبت‪ ،‬ال عن جهل وتعصب‪.‬‬ ‫وممن شهد للشيعة بأهنم ال يطعنون يف عرض أي واحدة من زوجات‬ ‫نبينا ݕ‪ ،‬وأن ما يقال عنهم ما هو إال افرتاء عليهم‪:‬‬ ‫‪ -0‬شهاب الدين حممود اآللويس(‪:)0‬‬ ‫قال‪ :‬فاحلق عندي أن عهر الزوجات كعهر األمهات من املن ّفرات التي‬ ‫قال السعد‪« :‬إن احلق منعها يف حق األنبياء ݜ»‪ ،‬وما ينسب للشيعة مما خيالف‬ ‫مفّس‪ ،‬حمدّ ث‪ ،‬أديب‪ ،‬من املجدّ دين‪ ،‬من أهل بغداد‪ ،‬مولده‬ ‫(‪ )4‬شهاب الدين حممود اآللويس‪ّ :‬‬ ‫ووفاته فيها‪ ،‬كان سلفي االعتقاد‪ ،‬جمتهد ًا‪ ،‬تق ّلد اإلفتاء ببلده سنة ‪4718‬ه‪ ،‬وعزل‪ ،‬فانقطع‬ ‫للعلم‪( .‬األعالم للزركيل ‪.)451/1‬‬


‫‪ ........................................... 11‬براءة نساء األنبياء من الزنا‪ :‬بني التحقيق والتلفيق‬

‫ذلك يف حق سيد األنبياء ﷺ كذب عليهم‪ ،‬فال تعول عليه وإن كان شائع ًا(‪.)4‬‬ ‫‪ -1‬الشيخ حممد عارف الشافعي الدمشقي(‪:)1‬‬ ‫فإنه أ ّلف كتاب ًا أسامه‪( :‬احلصون املنيعة يف براءة عائشة الصدّ يقة باتفاق‬ ‫السنة والشيعة)‪ ،‬وقد رصح فيه بأنه اطلع عىل كتب الشيعة‪ ،‬ومل جيد هذه الفرية‬ ‫فيها‪ ،‬فقال‪ :‬قرأت آية اإلفك مع الفهم‪ ،‬وسألت عنها أويل العلم‪ ،‬وأعتقد كام‬ ‫مرصين إىل اآلن‪ ،‬وإن خالفت صحيح القرآن‪،‬‬ ‫يعتقدون‪ ،‬أن الشيعة به يقولون‪ّ ،‬‬

‫ثم اجتمعت يف ربيع الثاين من هذه السنة سنة تسع وثالث مائة وألف بأحد‬

‫الشيعة‪ ،‬وقد كان يظهر الت رؤ منهم‪ ،‬والتمذهب بمذهب أهل السنة‪ ،‬فسألته عن‬ ‫اعتقادهم باإلفك وعام يقولون بام جاءنا فيه يف كريم القرآن‪ ،‬فقال‪« :‬ال تصدّ ق‬ ‫أهنم يعتقدون اإلفك يف عائشة يف زمن من األزمان كام هو شائع عنهم»‪ .‬فلم‬ ‫أصدقه ظناا مني أن ذلك اإلنكار جه ً‬ ‫ال منه أو تقية منه‪ ،‬ثم يف منتصف مجادى‬ ‫األول من هذه السنة وقعت عىل تفسري املسمى بالصايف من تفاسري الشيعة‬ ‫املطبوعة‪ ،‬عند بعض أصحايب‪ ،‬ففتحته‪ ،‬فوجدت مسألة اإلفك كام قال ذلك‬ ‫صحتها‪ ،‬ال كام هو عنهم مشهور ومنقول‪ ،‬فطلبت إعارة‬ ‫املسؤول‪ ،‬ال يعتقدون ّ‬ ‫مقررة‬ ‫ذلك التفسري املذكور؛‬ ‫تبني أن براءة السيدة عائشة الصدّ يقة ّ‬ ‫ألحرر رسالة ّ‬ ‫ّ‬

‫باتفاقهم أيض ًا كام يف الكتاب املسطور‪.)1(...‬‬

‫وال خيفى أن الشيعة ال يامرسون التقية يف بيان معتقدهم هذا يف عائشة‬ ‫وحفصة وغريمها من زوجات رسول اهلل ݕ؛ ألهنم نزهوا أيض ًا نساء مجيع‬ ‫(‪ )4‬روح املعاين ‪.458/78‬‬ ‫(‪ )7‬حممد عارف الشافعي الدمشقي فاضل من فقهاء الشافعية‪ ،‬مولده ووفاته يف دمشق‪( .‬األعالم‬ ‫للزركيل‪)484/5‬‬ ‫(‪ )1‬احلصون املنيعة يف براءة عائشة الصدّ يقة باتفاق السنة والشيعة‪.41 :‬‬


‫أقوال علامء الشيعة يف تنزيه نساء األنبياء عن الزنا ‪11 ............................................‬‬

‫األنبياء ݜ‪ ،‬ومل يقترصوا عىل تنزيه عائشة وحفصة فقط‪ ،‬ودليلهم تام‬ ‫ومشهور‪ ،‬وهو يشمل عائشة وغريها‪ ،‬ولو كانوا يرون عدم نزاهة عائشة من‬ ‫لرصحوا بمعتقدهم من دون خوف وال تقية؛ ألهنم إذا مل يعملوا بالتقية يف‬ ‫الزنا ّ‬ ‫ما هو أعظم من ذلك كمسألة اخلالفة‪ ،‬فكيف يتقون فيام هو دوهنا؟!‬



‫لتحباس يف فهم آيات من لتيرآن لتكرمي‬ ‫التبس عىل بعض الناس فهم بعض اآليات القرآنية‪ ،‬فلم يفهموها كام هو‬ ‫املراد منها‪ ،‬فحملوها عىل غري معناها الصحيح‪ ،‬فقالوا هبذا القول الشنيع‪ ،‬وهو‬ ‫زنا بعض زوجات األنبياء ݜ!‬ ‫منها‪ :‬اآلية األوىل‪ :‬قوله تعاىل‪ :‬ݨ ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖﭗ ﭘ ﭙ ﭚ‬

‫ﭛﭜﭝ ﭞ ﭟﭠﭡﭢﭣﭤﭥﭦﭧﭨﭩﭪݩ [هود‪.]15 :‬‬ ‫فإن بعضهم ظ ّن داللة هذه اآلية عىل وقو الزنا من زوجة نوح ݠ‪،‬‬ ‫نص رصيح يف نفي بنوة من ظنه نوح ݠ ابن ًا له‪ ،‬حيث قال‪:‬‬ ‫فقال‪ :‬إن اآلية ٌ‬ ‫ݨﭓ ﭔﭕﭖﭗݩ‪ ،‬ولو كان ابنه لكان من أهله‪ ،‬وهذا يدل عىل أنه ولد عىل‬ ‫فراشه ولكن من غري صلبه!‬ ‫عز‬ ‫ببنوته لنوح ݠ‪ ،‬فقال ّ‬ ‫وهذا استدالل باطل؛ ألن اهلل سبحانه شهد ّ‬ ‫من قائل‪ :‬ݨﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ‬

‫ﮭݩ [هود‪.]17 :‬‬ ‫وهذا يؤكد أن املنادى كان ابن ًا لنوح ݠ حقيقة‪ ،‬وإال لكان لزم وقو‬ ‫التناقض يف آيات القرآن الكريم‪ ،‬وهذا ال يقوله مسلم‪.‬‬ ‫مع أن اآلية األوىل مل يرد فيها نفي بنوته الن َّسبية لنوح ݠ‪ ،‬وإنام نفي فيها‬ ‫كونه من أهله‪ ،‬والظاهر أن هناك تقدير صفة حمذوفة‪ ،‬أي ليس من أهلك الذين‬ ‫أخ رناك بنجاتم من الغرق‪ ،‬فإن اهلل تعاىل قال‪ :‬ݨﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ‬


‫‪ ........................................... 18‬براءة نساء األنبياء من الزنا‪ :‬بني التحقيق والتلفيق‬

‫ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅﮆ ﮇ ﮈ‬

‫ﮉ ﮊ ﮋݩ [هود‪ ،]14 :‬فأمر اهلل سبحانه نوح ًا ݠ بأن حيمل معه أهله يف‬ ‫السفينة‪ ،‬واألهل يشمل األوالد والزوجات‪ ،‬ݨ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃݩ وهي‬ ‫زوجته‪.‬‬ ‫ويظهر من اآليات أن نوح ًا ݠ فهم أن ابنه من ضمن الناجني‪ ،‬وهلذا‬ ‫قال لربه سبحانه‪ :‬ݨ ﰁ ﰂ ﰃ ﰄ ﰅ ﰆ ﰇ ﰈ ﰉ ﰊ ﰋݩ‬ ‫[هود‪ ،]11 :‬أي أن ابني من ضمن أهيل‪ ،‬وأنت وعدتني بنجاة أهيل إال من استثني‬ ‫وهي الزوجة‪ ،‬ݨ ﰆ ﰇ ﰈ ﰉ ﰊ ﰋݩ‪ ،‬أي أنك ال تعد فتخلف‬ ‫وعدك‪.‬‬ ‫فأجابه ربه فقال له‪ :‬ݨﭑﭒﭓ ﭔﭕﭖﭗﭘ ﭙﭚﭛﭜݩ‪ ،‬أي أن‬ ‫ابنك ليس من أهلك الذين وعدناك بنجاتم‪ ،‬وإنام هو ممن سبق عليه القول‬ ‫باهلالك‪.‬‬ ‫وحيتمل أن املراد بقوله تعاىل‪ :‬ݨﭓ ﭔﭕﭖﭗݩ أنه ليس من املؤمنني‬ ‫بك‪ ،‬فإنه كان كافر ًا‪ ،‬وقرابة اإليامن أقوى وأشد من قرابة النسب‪ ،‬وبكفره صار‬ ‫من غري أهلك‪.‬‬ ‫وهذين االحتاملني ذكرمها السيد املرتىض ݞ يف أماليه‪ ،‬واعتمدمها(‪.)4‬‬ ‫وقد ورد االحتامل الثاين يف روايات أهل البيت ݜ‪.‬‬ ‫فقد روى الشيخ الصدوق ݞ بسند صحيح عن احلسن بن عيل الوشا‬ ‫عن الرضا ݠ‪ ،‬قال‪ :‬سمعته يقول‪ :‬قال أيب ݠ‪ :‬قال أبو عبد اهلل ݠ‪ :‬إن اهلل‬ ‫(‪ )4‬أمايل املرتىض ‪.411/7‬‬


‫التباس يف فهم آيات من القرآن الكريم ‪11 .......................................................‬‬

‫عز وجل قال لنوح‪ :‬ݨﭓ ﭔﭕﭖﭗݩ؛ ألنه كان خمالف ًا له‪ ،‬وجعل َمن ا ّتبعه‬ ‫ّ‬ ‫من أهله‪ ،‬قال‪ :‬وسألني‪ :‬كيف تقرؤون هذه اآلية يف ابن نوح؟ فقلت‪ :‬تقرؤها‬ ‫غري صالح‪ ،‬فقال‪ :‬كذبوا‪،‬‬ ‫الناس عىل وجهني‪ :‬ݨ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛﭜ ݩ‪ ،‬وإنه َعم َل َ‬

‫عز وجل نفاه عنه حني خالفه يف دينه(‪.)4‬‬ ‫هو ابنه‪ ،‬ولكن اهلل ّ‬

‫وروى أيض ًا بسند صحيح إىل يارس خادم اإلمام الرضا ݠ‪ ،‬أنه خرج‬ ‫يسمى (زيد‬ ‫زيد بن موسى أخو أيب احلسن ݠ باملدينة‪ ،‬وأحرق‪ ،‬وقتل‪ ،‬وكان ّ‬ ‫النار)‪ ،‬فبعث إليه املأمون‪ ،‬فأرس‪ ،‬ومحل إىل املأمون‪ ،‬فقال املأمون‪ :‬اذهبوا به إىل‬ ‫أغرك قول‬ ‫أيب احلسن‪ ،‬قال يارس‪ :‬فلام أدخل إليه قال له أبو احلسن ݠ‪ :‬يا زيد ّ‬ ‫فحرم اهلل ذريتها عىل‬ ‫سفلة أهل الكوفة‪« :‬إن فاطمة ݝ أحصنت فرجها‪ّ ،‬‬ ‫عز وجل‬ ‫النار»؟ ذلك للحسن واحلسني خاصة‪ ،‬إن كنت ترى أنك تعيص اهلل ّ‬ ‫وتدخل اجلنة‪ ،‬وموسى بن جعفر ݠ أطا اهلل ودخل اجلنة‪ ،‬فأنت إذ ًا أكرم عىل‬ ‫عز وجل‬ ‫عز وجل من موسى بن جعفر ݠ‪ ،‬واهلل ما ينال أحد ما عند اهلل ّ‬ ‫اهلل ّ‬ ‫إال بطاعته‪ ،‬وزعمت أنك تناله بمعصيته‪ ،‬فبئس ما زعمت! فقال له زيد‪ :‬أنا‬ ‫عز وجل‪،‬‬ ‫أخوك‪ ،‬وابن أبيك‪ .‬فقال له أبو احلسن ݠ‪ :‬أنت أخي ما أطعت اهلل ّ‬ ‫إن نوح ًا ݠ قال‪ :‬ݨﰁ ﰂ ﰃ ﰄ ﰅ ﰆ ﰇ ﰈ ﰉ ﰊ ﰋݩ‪،‬‬ ‫عز‬ ‫عز وجل‪ :‬ݨﭒﭓ ﭔﭕﭖﭗﭘ ﭙﭚﭛﭜ ݩ‪ ،‬فأخرجه اهلل ّ‬ ‫فقال اهلل ّ‬ ‫وجل من أن يكون من أهله بمعصيته(‪.)7‬‬ ‫وروى الشيخ الصدوق ݞ أيض ًا بسنده عن احلسن بن موسى بن عيل‬ ‫الوشاء البغدادي‪ ،‬قال‪ :‬كنت بخراسان مع عيل بن موسى الرضا ݠ يف جملسه‪،‬‬ ‫(‪ )4‬علل الرشائع ‪.14/4‬‬ ‫(‪ )7‬عيون أخبار الرضا ‪.711/4‬‬


‫‪ ........................................... 11‬براءة نساء األنبياء من الزنا‪ :‬بني التحقيق والتلفيق‬

‫وزيد بن موسى حارض‪ ،‬قد أقبل عىل مجاعة يف املجلس يفتخر عليهم‪ ،‬ويقول‪:‬‬ ‫نحن ونحن‪ ،‬وأبو احلسن ݠ مقبل عىل قوم حيدّ ثهم‪ ،‬فسمع مقالة زيد‪ ،‬فالتفت‬ ‫أغرك قول ناقيل الكوفة‪« :‬إن فاطمة ݝ أحصنت فرجها‪،‬‬ ‫إليه‪ ،‬فقال‪ :‬يا زيد ّ‬ ‫فحرم اهلل ذريتها عىل النار»‪ ،‬فواهلل ما ذاك إال للحسن‪ ،‬واحلسني‪ ،‬وولد بطنها‬ ‫ّ‬ ‫خاصة‪ ،‬فأما أن يكون موسى بن جعفر ݟ يطيع اهلل‪ ،‬ويصوم هناره‪ ،‬ويقوم‬ ‫عز وجل‬ ‫أعز عىل اهلل ّ‬ ‫ليله‪ ،‬وتعصيه أنت‪ ،‬ثم جتيئان يوم القيامة سواء؟ ألنت ُ‬ ‫منه‪ ،‬إن عيل بن احلسني ݠ كان يقول‪« :‬ملحسننا كفالن من األجر‪ ،‬وملسيئنا‬ ‫ضعفان من العذاب»‪ ،‬قال احلسن الوشاء‪ :‬ثم التفت إيل‪ ،‬فقال يل‪ :‬يا حسن‬ ‫كيف تقرؤون هذه اآلية‪ :‬ݨ ﭑﭒﭓﭔﭕﭖﭗﭘ ﭙﭚﭛﭜݩ؟ فقلت‪:‬‬ ‫غري‬ ‫من الناس من يقرأ‪ :‬ݨ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛﭜ ݩ‪ ،‬ومنهم من يقرأ‪« :‬إنه َعم َل َ‬ ‫صالح»‪ ،‬فمن قرأ‪« :‬إنه عمل غري صالح» فقد نفاه عن أبيه‪ ،‬فقال ݠ‪ :‬كال‪ ،‬لقد‬ ‫عز وجل نفاه عن أبيه‪ ،‬كذا من كان منا مل يطع اهلل‬ ‫كان ابنه‪ ،‬ولكن ملا عىص اهلل ّ‬ ‫عز وجل فأنت منا أهل البيت(‪.)4‬‬ ‫عز وجل فليس منا‪ ،‬وأنت إذا‬ ‫َ‬ ‫أطعت اهلل ّ‬ ‫ّ‬ ‫فهذه األخبار الصحيحة الرصحية تدل عىل أنه ابنه من صلبه‪ ،‬وليس كام‬ ‫قال بعضهم‪« :‬إنه ابن زنا»‪ ،‬والعياذ باهلل‪.‬‬ ‫وقد وردت روايات ختالف هذا املعنى الذي ذكرناه‪ ،‬وفيها أنه ابن زوجة‬ ‫نوح‪ ،‬وليس ابنه لصلبه‪:‬‬ ‫منها‪ :‬ما أخرجه القمي يف تفسريه‪ ،‬قال‪ :‬أخ رنا أمحد بن إدريس‪ ،‬قال‪:‬‬ ‫حدثنا أمحد بن حممد بن عيسى‪ ،‬عن أمحد بن حممد بن أيب نرص‪ ،‬عن أبان بن‬ ‫عثامن األمحر‪ ،‬عن موسى بن أكيل النمريي‪ ،‬عن العال بن سيابة‪ ،‬عن أيب عبد اهلل‬ ‫(‪ )4‬معاين األخبار‪.445 :‬‬


‫التباس يف فهم آيات من القرآن الكريم ‪10 .......................................................‬‬

‫ݠ يف قول اهلل‪ :‬ݨﮡ ﮢ ﮣ ݩ‪ ،‬فقال‪ :‬ليس بابنه‪ ،‬إنام هو ابنه من زوجته‬ ‫عىل لغة طي‪ ،‬يقولون البن املرأة‪ :‬ابنه(‪.)4‬‬ ‫وروى العيايش يف تفسريه‪ :‬عن موسى عن العال بن سيابة عن أيب‬ ‫عبد اهلل ݠ يف قول اهلل‪ :‬ݨﮡ ﮢ ﮣ ݩ‪ ،‬قال‪ :‬ليس بابنه‪ ،‬إنام هو ابن‬ ‫امرأته‪ ،‬وهو لغة طي‪ ،‬يقولون البن امرأته‪ :‬ابنه(‪.)7‬‬ ‫وروى عن حممد بن مسلم‪ ،‬عن أيب جعفر ݠ قال‪ :‬ݨﮡ ﮢﮣ ݩ‪،‬‬ ‫قال‪ :‬إنام يف لغة طي‪( :‬ابنه) بنصب األلف‪ ،‬يعنى ابن امرأته(‪.)1‬‬ ‫ومنها‪ :‬ما رواه احلمريي يف قرب اإلسناد‪ :‬وعنه‪ ،‬عن بكر بن حممد قال‪:‬‬ ‫سمعت أبا عبد اهلل ݠ يقول‪ :‬ݨﮡﮢﮣݩ أي ابنها‪ ،‬وهي لغة طي(‪.)1‬‬ ‫وهذه الروايات ال تدل عىل زنا زوجة نوح‪ ،‬بل أكثر ما تثبته الرواية هو‬ ‫أنه ابنها‪ ،‬ولعله ابن ًا هلا من زوج سابق‪ ،‬ال من نوح‪ ،‬وال من زنا وسفاح‪.‬‬ ‫ثم إن معارضة هذه الرواية لظاهر القرآن‪ ،‬وللروايات األخرى‬ ‫الصحيحة التي تدل عىل أنه ابن نوح ݠ‪ ،‬جيعلنا نعرض عن هذه الرواية‪ ،‬وال‬ ‫نأخذ هبا‪.‬‬ ‫أما ما رواه العيايش‪:‬عن زرارة‪ ،‬عن أيب جعفر ݠ يف قول نوح‪ :‬ݨ ﮧ‬

‫ﮨ ﮩݩ‪ ،‬قال‪ :‬ليس بابنه‪ .‬قال‪ :‬قلت‪ :‬إن نوح ًا قال‪ :‬يا بني؟ قال‪ :‬فإن‬ ‫(‪ )4‬تفسري القمي ‪.178/4‬‬ ‫(‪ )7‬تفسري العيايش ‪.418/7‬‬ ‫(‪ )1‬نفس املصدر ‪.418/7‬‬ ‫(‪ )1‬قرب اإلسناد‪.14 :‬‬


‫‪ ........................................... 11‬براءة نساء األنبياء من الزنا‪ :‬بني التحقيق والتلفيق‬

‫نوح ًا قال ذلك وهو ال يعلم(‪.)4‬‬ ‫فهذه الرواية مرسلة؛ ألن العيايش مل يدرك زرارة بن أعني‪ ،‬واملرسل من‬ ‫قسم الضعيف ال حيتج به‪.‬‬ ‫ولكن قد يقال‪ :‬إن هذه روايات تارخيية‪ ،‬فام الداعي للنظر يف أسانيدها‬ ‫والتشدد يف قبوهلا؟‬ ‫فنقول‪ :‬إن عندنا طائفتني متعارضتني من الروايات‪ ،‬طائفة مثبتة لبنوة‬ ‫املخاطب لنوح ݠ‪ ،‬وأخرى نافية هلا‪ ،‬ولرتجيح إحدى الطائفتني ال بد من‬ ‫صح سنده دون ضعيف السند‪ ،‬وكام ال حظنا فإن‬ ‫النظر يف األسانيد‪ ،‬وأخذ ما ّ‬ ‫الروايات املثبتة أصح سند ًا‪ ،‬مع ما قلناه قريب ًا من أن عدم كونه ابن ًا لنوح ݠ‪،‬‬ ‫وأنه ابن زوجته ال يثبت أهنا كانت زانية‪ ،‬وهذا ما نريد الوصول إليه‪.‬‬ ‫أضف إىل ذلك أن الروايات النافية موافقة ألخبار العامة املبثوثة يف كتب‬ ‫التفاسريوالتاريخ التي سنذكرها الحق ًا إن شاء اهلل تعاىل‪ ،‬مما يرجح كون‬ ‫الروايات النافية واردة تقية لو سلمنا بصدورها عن األئمة األطهار ݜ‪.‬‬ ‫قال شيخنا املجليس ݞ‪ :‬األخبار يف ذلك خمتلفة‪ ،‬ويظهر من بعض‬ ‫األخبار أن روايات النفي حممولة عىل التقية‪ ،‬واهلل يعلم(‪.)7‬‬ ‫وعليه فاحلجة هي الروايات الصحيحة الواردة عنهم ݜ‪ ،‬وأما‬ ‫الروايات الضعيفة املوافقة ألخبار العامة فال يمكن التعويل عليها يف يشء‪.‬‬ ‫ويظهر أن هذه الروايات النافية لبنوته لنوح ݠ كانت تتناقل‪ ،‬وقد‬ ‫كذهبا اإلمام الرضا ݠ يف صحيحة الوشاء املتقدّ مة‪ ،‬حيث قال ݠ‪« :‬كذبوا‪،‬‬ ‫(‪ )4‬تفسري العيايش ‪.418/7‬‬ ‫(‪ )7‬بحار األنوار ‪.145/44‬‬


‫التباس يف فهم آيات من القرآن الكريم ‪11 .......................................................‬‬

‫عز وجل نفاه عنه حني خالفه»‪.‬‬ ‫هو ابنه‪ ،‬ولكن اهلل ّ‬ ‫وهذا النص الصحيح الرصيح صالح للتمسك به إلسقاط كل األخبار‬ ‫األخرى املخالفة هلذه الرواية‪ ،‬ومحلها كلها عىل التقية‪ ،‬وبه يثبت أن املذكور يف‬ ‫اآلية هو ابن نوح حقيقة‪ ،‬كام تثبت نزاهة فراش نوح ݠ‪ ،‬وسالمة عرضه عام‬ ‫ألصق به من السوء والفحشاء‪.‬‬ ‫اآلية الثانية‪ :‬قوله تعاىل‪ :‬ݨﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ‬ ‫ﮖ ﮗﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ‬

‫ﮤﮥﮦﮧﮨﮩﮪݩ [التحريم‪.]44 :‬‬ ‫متسك هبذه اآلية من ظن أن اخليانة املذكورة فيها هي خيانة العرض‬ ‫وقد ّ‬ ‫كام هو الشائع يف تعابري الناس يف هذا العرص‪ ،‬فإنه إذا قيل‪« :‬إن فالنة خانت‬ ‫زوجها»‪ ،‬فإن الناس يفهمون من تلك اخليانة أهنا زنت من ورائه‪.‬‬ ‫ولكن يف احلقيقة أن اآلية ال تدل عىل هذا املعنى؛ ألهنا بصدد رضب مثل‬ ‫المرأتني كافرتني كانتا زوجتني لنبيني كريمني‪ ،‬مها نوح ولوط ݟ‪.‬‬ ‫وبالرجو إىل أول سورة التحريم نجد مناسبة رضب املثل هباتني‬ ‫املرأتني‪ ،‬وهي حصول خمالفة مشاهبة من بعض زوجات رسول اهلل ݕ‪ ،‬التي‬ ‫أفشت رسه ݕ‪ .‬قال تعاىل‪ :‬ݨ ﭰﭱﭲﭳﭴﭵﭶﭷﭸﭹﭺ‬ ‫ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉﮊ ﮋ ﮌ ﮍ‬

‫ﮎݩ [التحريم‪.]1 :‬‬ ‫ومقتىض شدة الرتهيب والتحذير من مقارفة هذا الذنب هو رضب املثل‬ ‫بامرأة قامت بام يشبه هذا الفعل‪ ،‬وهو إفشاء رس زوجها‪ ،‬وهي زوجة نبي اهلل‬


‫‪ ........................................... 11‬براءة نساء األنبياء من الزنا‪ :‬بني التحقيق والتلفيق‬

‫لوط ݠ كام ّ‬ ‫دل عىل ذلك ما رواه الشيخ الصدوق ݞ يف العلل يف الصحيح‬ ‫إىل احلسن بن حمبوب عن سامل(‪ )4‬عن أيب عبد اهلل ݠ قال‪ :‬قيل له‪ :‬كيف كان‬ ‫يعلم قوم لوط أنه قد جاء لوط ًا رجل؟ قال‪ :‬كانت امرأته خترج فتصفر‪ ،‬فإذا‬ ‫سمعوا التصفري جاؤوا‪ ،‬فلذلك كره التصفري(‪.)7‬‬ ‫أما زوجة نوح ݠ فقد كانت تكذب عىل زوجها‪ ،‬وتتهمه باجلنون كام‬ ‫عز وجل حتذير ًا من الكذب عىل‬ ‫هو مذكور يف الروايات‪ ،‬وهي مثل رضبه اهلل ّ‬ ‫رسول اهلل ݕ‪ ،‬واتامه بام ينقصه‪ ،‬وحيط من شأنه‪.‬‬ ‫فاخليانة هي إفشاء الّس‪ ،‬وهي مقابل األمانة‪ ،‬وليس املراد هبا خيانة‬ ‫املفّسين أو الرواة أن زوجتي نوح ولوط ݟ كانتا‬ ‫العرض‪ ،‬ومل يذكر أحد من ّ‬ ‫ختونان زوجيهام يف رشفهام‪.‬‬ ‫وال حجة ملن متسك بلفظ اخليانة املذكور يف اآلية؛ ألن استعامالته كثرية‪،‬‬ ‫والرتجيح يكون بالقرائن‪ ،‬وسنبسط الكالم فيه الحق ًا إن شاء اهلل تعاىل‪.‬‬ ‫بل إن األدلة قامت عىل نفي هذا املعنى؛ وهي النصوص التي ب ّينت نو‬ ‫اخليانة التي قامت هبا هاتان املرأتان‪ ،‬إضافة إىل الدليل العقيل القطعي الذي‬ ‫صدّ رنا به بحثنا‪ ،‬وهو قبح نقض الغرض‪ ،‬وما علم بالقطع واليقني من تنزيه اهلل‬ ‫تعاىل أنبياءه عام هو دون ذلك من القبائح واملساوئ‪.‬‬ ‫وقد يظن بعضهم أن من جتنيات الشيعة عىل زوجات رسول اهلل ݕ‬ ‫قوهلم‪« :‬إن امرأة نوح وامرأة لوط رضبتا مث ً‬ ‫ال لبعض نساء النبي ݕ»‪ ،‬ولكن‬ ‫(‪ )4‬الظاهر أن املراد به هشام بن سامل‪ ،‬فإنه هو الذي يروي عنه احلسن بن حمبوب كثري ًا‪ ،‬وليس من‬ ‫ضمن من يروي عنهم احلسن بن حمبوب من اسمه سامل‪ ،‬وعليه فالرواية صحيحة السند‪.‬‬ ‫(‪ )7‬علل الرشائع ‪.151/7‬‬


‫التباس يف فهم آيات من القرآن الكريم ‪11 .......................................................‬‬

‫مفّسو أهل السنة جيد أهنم شاركوا الشيعة يف هذا الفهم‪.‬‬ ‫من اطلع عىل ما قاله ّ‬ ‫وإليك بعض كلامتم‪:‬‬ ‫‪ -4‬قال فخر الدين الرازي‪ :‬ويف ضمن هذين التمثيلني تعريض بأ ّمي‬ ‫املؤمنني‪ ،‬ومها حفصة وعائشة؛ ملا فرط منهام‪ ،‬وحتذير هلام عىل أغلظ وجه‬ ‫وأشده؛ ملا يف التمثيل من ذكر الكفر(‪.)4‬‬ ‫‪ -7‬وقال عبد اهلل بن أمحد بن حممود النسفي‪ :‬ويف طي هذين التمثيلني‬ ‫تعريض بأ ّمي املؤمنني بام كرهه‪ ،‬وحتذير هلام عىل أغلظ وجه‪ ،‬إشارة إىل أن من‬ ‫حقهام أن يكونا يف اإلخالص كهاتني املؤمنتني‪ ،‬وأن ال ي ّتكال عىل أهنام زوجا‬ ‫رسول اهلل ﷺ(‪.)7‬‬ ‫‪ -1‬وقال أبو الفرج ابن اجلوزي‪ :‬قوله تعاىل‪ :‬ݨﮏ ﮐ ﮑ ﮒ‬

‫يتضمن ختويف‬ ‫ﮓ ﮔ ﮕݩ‪ ،‬قال املفّسون‪ ،‬منهم مقاتل‪ :‬هذا املثل‬ ‫ّ‬ ‫رهبام مل يغن رسول اهلل ﷺ عنهام شيئ ًا(‪.)1‬‬ ‫عائشة وحفصة أهنام إن َعصيا ّ‬ ‫‪ -1‬وقال حممد بن عيل الشوكاين‪ :‬وقال حييى بن سالم‪ :‬ݨﮏ ﮐ‬

‫ﮑ ﮒ ﮓݩ ّ‬ ‫حيذر به عائشة وحفصة من املخالفة لرسول اهلل ﷺ حني‬ ‫تظاهرتا عليه‪ .‬وما أحسن من قال‪ :‬فإن ذكر امرأيت النبيني بعد ذكر قصتهام‬ ‫ومظاهرتام عىل رسول اهلل ﷺ‪ ،‬يرشد أتم إرشاد‪ ،‬ويلوح أبلغ تلويح إىل أن‬ ‫املراد ختويفهام مع سائر أمهات املؤمنني‪ ،‬وبيان أهنام وإن كانتا حتت عصمة خري‬ ‫خلق اهلل وخاتم رسله‪ ،‬فإن ذلك ال يغني عنهام من اهلل شيئ ًا(‪.)1‬‬ ‫(‪ )4‬التفسري الكبري ‪.111/44‬‬ ‫(‪ )7‬تفسري النسفي ‪.757/1‬‬ ‫(‪ )1‬زاد املسري ‪.81/8‬‬ ‫(‪ )1‬فتح القدير ‪.711/1‬‬


‫‪ ........................................... 14‬براءة نساء األنبياء من الزنا‪ :‬بني التحقيق والتلفيق‬

‫‪ -1‬وقال جار اهلل الزخمرشي‪ :‬ويف طي هذين التمثيلني تعريض بأ ّمي‬ ‫املؤمنني املذكورتني يف أول السورة وما فرط منهام من التظاهر عىل رسول اهلل‬ ‫ﷺ بام كرهه‪ ،‬وحتذير هلام عىل أغلظ وجه وأشده ملا يف التمثيل من ذكر الكفر‪،‬‬ ‫ونحوه يف التغليظ قوله تعاىل‪ :‬ݨﯗﯘ ﯙ ﯚﯛﯜﯝ ݩ [آل عمران‪]11 :‬‬

‫وإشارة إىل أن من حقهام أن تكونا يف اإلخالص والكامل فيه كمثل هاتني‬ ‫املؤمنتني‪ ،‬وأن ال ت ّتكال عىل أهنام زوجا رسول اهلل‪ ،‬فإن ذلك الفضل ال ينفعهام‬ ‫إال مع كوهنام خملصتني‪ ،‬والتعريض بحفصة أرجح؛ ألن امرأة لوط أفشت عليه‬ ‫كام أفشت حفصة عىل رسول اهلل‪ ،‬وأرسار التنزيل ورموزه يف كل باب بالغة من‬ ‫اللطف واخلفاء حدا ا يدق عن تفطن العالـم‪ ،‬ويزل عن تبرصه(‪.)4‬‬ ‫والنتيجة أن اآلية بصدد رضب مثل هلام؛ لتشابه فعل زوجتي النبي ݕ‬ ‫مع زوجتي نوح ولوط‪ ،‬وترهيبهن عن العودة ملثله‪.‬‬ ‫اآلية الثالثة‪ :‬قوله تعاىل‪ :‬ݨ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ ﯱ‬

‫ﯲﯳﯴﯵﯶﯷﯸﯹﯺﯻݩ [األحزاب‪.]14 :‬‬ ‫قال بعضهم‪ :‬إن الفاحشة املب ّينة هي الزنا‪ ،‬بقرينة قوله تعاىل‪ :‬ݨ ﭑ ﭒ‬ ‫ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙﭚ ﭛ ﭜ ﭝﭞ ﭟ ﭠ‬ ‫ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ‬

‫ﭲﭳﭴﭵﭶﭷﭸﭹﭺﭻﭼﭽﭾݩ [الطالق‪.]4 :‬‬ ‫وقد ورد تفسري ذلك يف الروايات‪ ،‬فقد روى الشيخ الصدوق ݞ يف‬ ‫عز وجل‪:‬‬ ‫الفقيه أن اإلمام جعفر بن حممد الصادق ݠ سئل عن قول اهلل ّ‬ ‫ݨﭛ ﭜ ﭝﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ‬ ‫(‪ )4‬تفسري الكشاف ‪.111/7‬‬


‫التباس يف فهم آيات من القرآن الكريم ‪16 .......................................................‬‬

‫خرج‪ ،‬ويقام عليها احلد(‪.)4‬‬ ‫ﭨﭩݩ‪ ،‬قال‪ :‬إال أن تزين‪ ،‬فت َ‬ ‫واجلواب عن هذا‪ :‬أن الفاحشة كام سنبني الحق ًا أعم من ارتكاب الزنا‪،‬‬ ‫وحتى الفاحشة املبينة ال تعني الزنا إال بضميمة قرينة داخلية أو خارجية‪،‬‬ ‫واالستدالل بآية الطالق غري جمد؛ ألنه يصبح مصادرة عىل املطلوب‪ ،‬وحمل‬ ‫النزا هو معنى الفاحشة املبيّنة‪ ،‬سواء يف آية األحزاب أم آية الطالق!‬ ‫أما رواية (من ال حيرضه الفقيه) فهي مرسلة‪ ،‬وليست بحجة يف املقام‪ ،‬مع‬ ‫أن الكليني ݞ روى روايتني أخريني مل يصح سندمها أيض ًا‪ ،‬تفيدان أن الفاحشة‬ ‫املبينة هي إيذاء الزوج وأهله‪.‬‬ ‫عز وجل‪:‬‬ ‫منها‪ :‬ما رواه الكليني ݞ‪ :‬عن اإلمام الرضا ݠ يف قول اهلل ّ‬ ‫ݨﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩݩ‪ ،‬قال‪:‬‬ ‫أذاها ألهل الرجل‪ ،‬وسوء خلقها(‪.)7‬‬ ‫وعن حممد بن عيل بن جعفر‪ ،‬قال‪ :‬سأل املأمون الرضا ݠ عن قول اهلل‬ ‫عز وجل‪ :‬ݨﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ‬ ‫ّ‬

‫ﭩݩ‪ ،‬قال‪ :‬يعني بالفاحشة املبينة أن تؤذي أهل زوجها‪ ،‬فإذا فعلت فإن شاء‬ ‫أن خيرجها من قبل أن تنقيض عدتا فعل(‪.)1‬‬ ‫فّست الفاحشة املبينة املذكورة يف‬ ‫كام وردت رواية ضعيفة السند ّ‬ ‫األحزاب باخلروج عىل اإلمام‪ ،‬فقد روى عيل بن ابراهيم القمي يف تفسريه‬ ‫بسنده عن حريز‪ ،‬قال‪ :‬سألت أبا عبد اهلل ݠ عن قول اهلل‪ :‬ݨ ﯫ ﯬ ﯭ‬ ‫(‪ )4‬من ال حيرضه الفقيه ‪.114/1‬‬ ‫(‪ )7‬الكايف ‪.11/5‬‬ ‫(‪ )1‬نفس املصدر‪.‬‬


‫‪ ........................................... 18‬براءة نساء األنبياء من الزنا‪ :‬بني التحقيق والتلفيق‬

‫ﯮ ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ ﯵﯶݩ‪ ،‬قال‪ :‬الفاحشة‪:‬‬ ‫اخلروج بالسيف(‪.)4‬‬ ‫ولكن قد يقال‪ :‬إن هذه الروايات ناظرة إىل مصاديق متعدّ دة للفاحشة‪،‬‬ ‫فالزنا‪ ،‬واخلروج بالسيف‪ ،‬وإيذاء الزوج وأهله‪ ،‬كلها من مصاديق الفاحشة‪،‬‬ ‫فيمكن عندها اجلمع بني هذه الروايات‪ ،‬واجلمع بني األدلة أوىل من طرح‬ ‫بعضها‪ ،‬فالروايات بصدد ذكر أمثلة ومصاديق‪ ،‬وليست بصدد احلرص‪.‬‬ ‫واجلواب‪ :‬أن الفاحشة إذا مل يرد هلا يف لسان الشار املقدس معنى‬ ‫خاص‪ ،‬فإنه يرجع يف فهم معناها إىل اللغة‪ ،‬ومعنى الفاحشة والفحش‬ ‫والفحشاء يف اللغة كام ذكره أرباب اللغة هو القبيح من كل يشء‪.‬‬ ‫قال ابن فارس يف املقاييس‪ :‬الفاء واحلاء والشني كلمة تدل عىل قبح يف‬ ‫يشء وشناعة‪ ،‬من ذلك الفحش والفحشاء والفاحشة‪ ،‬يقولون‪ :‬كل يشء جاوز‬ ‫قدره فهو فاحش‪ ،‬وال يكون ذلك إال فيام ي َتك َّره(‪.)7‬‬ ‫قال ابن سيده هو‪ :‬القبيح من القول والفعل‪ ،‬ومجعها فواحش(‪.)1‬‬ ‫تكرر ذكر الفحش والفاحشة والفواحش يف‬ ‫وقال ابن األثري‪ :‬وقد ّ‬ ‫احلديث‪ ،‬وهو كل ما يشتد قبحه من الذنوب واملعايص‪ ،‬وكثري ًا ما ترد الفاحشة‬ ‫بمعنى الزنا‪ ،‬وكل خصلة قبيحة فهي فاحشة من األقوال واألفعال‪ ،‬ومنه‬ ‫احلديث‪ :‬قال لعائشة‪« :‬ال تقويل ذلك‪ ،‬فإن اهلل ال حيب الفحش والتفاحش»‪،‬‬ ‫أراد بالفحش التعدي يف القول واجلواب‪ ،‬ال الفحش الذي هو من َق َذ الكالم‬ ‫(‪ )4‬تفسري القمي ‪.411/7‬‬ ‫(‪ )7‬مقاييس اللغة ‪.118/1‬‬ ‫(‪ )1‬لسان العرب ‪.171/5‬‬


‫التباس يف فهم آيات من القرآن الكريم ‪11 .......................................................‬‬

‫ورديئه(‪.)4‬‬ ‫وكيف كان‪ ،‬فإن اآلية املباركة ال تثبت وقو واحدة من نساء النبي ݕ‬ ‫يف الزنا‪ ،‬والتوعد عىل ارتكاب الفاحشة ال يدل عىل وقوعها منهن‪ ،‬وأقىص‬ ‫داللة للوعيد هو إمكان صدور الفاحشة منهن‪ ،‬ونحن ال نقول باستحالة‬ ‫صدورها منهن‪ ،‬وإنام نقول‪ :‬إن اهلل تعاىل صاهنن عن هذا الفعل القبيح‪ ،‬ومل يدل‬ ‫دليل واحد صحيح عىل وقو الفاحشة من واحدة منهن‪.‬‬

‫(‪ )4‬النهاية يف غريب احلديث واألثر ‪.141/1‬‬



‫لححجاجات بأحاديث خمحفية‬ ‫حاول بعض املغرضني الطعن يف مذهب الشيعة باقتناص بعض مرويات‬ ‫الشيعة‪ ،‬وبعض األقوال الشاذة‪ ،‬وعرضها عىل أهنا هي عقيدة الشيعة‪ ،‬وقد‬ ‫جعل هذا بعض من مل يكن عنده اطال عىل عقائد الشيعة جيزم بأن الشيعة‬ ‫يطعنون يف عرض عائشة باخلصوص‪ ،‬ويتّهموهنا بالزنا‪.‬‬ ‫وال خيفى أن من يقرأ كتب الشيعة بغرض البحث عن مطاعن ومثالب‬ ‫فإنه سيتخ ّيل أن بعض األحاديث الضعيفة واألقوال الشاذة صيد ثمني يفضح‬ ‫به معتقدات الرافضة كام يدّ عون‪ ،‬وهذا ما نراه يف الكتب التي أعدّ ت أساس ًا‬ ‫للطعن يف الشيعة ويف مذهبهم‪ ،‬أما من يقرأ كتب الشيعة قراءة حيادية هبدف‬ ‫الوصول للحقيقة كام هي فلن ينسب للشيعة هذه ال ُتهم التي نسمعها من هنا‬ ‫ومن هناك‪ ،‬وسريى القارئ اللبيب بنفسه أن ما يعت رونه أدلة تدين الشيعة‬ ‫ليست إال هفوات علمية ال يقع فيها صغار طلبة العلم!‬ ‫وال بأس أن نذكر مجلة من هذه الشبهات املقتنصة من أحاديث الشيعة‬ ‫وأقواهلم‪ ،‬مما شنّع به بعض اخلصوم عىل الشيعة‪.‬‬ ‫لتشبهة لألاىل‪ :‬رالية تيسري لتيمي يف لهتام عائشة‪:‬‬

‫كثري ًا ما حيتج املخالفون بكالم موجود يف تفسري القمي‪ ،‬هو‪ :‬قال عيل بن‬

‫إبراهيم يف قوله‪ :‬ݨﮏ ﮐ ﮑݩ‪ ،‬ثم رضب اهلل فيهام مث ً‬ ‫ال‪ ،‬فقال‪:‬‬ ‫ݨﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ‬


‫‪ ........................................... 11‬براءة نساء األنبياء من الزنا‪ :‬بني التحقيق والتلفيق‬

‫ﮝ ﮞ ﮟݩ‪ ،‬فقال‪ :‬واهلل ما عنى بقوله‪ :‬ݨ ﮟݩ إال‬ ‫الفاحشة‪ ،‬وليقيم ّن احلد عىل فالنة فيام أتت يف طريق‪ ،...‬وكان فالن حيبها‪ ،‬فلام‬ ‫أرادت أن خترج إىل‪ ...‬قال هلا فالن‪ :‬ال حيل لك أن خترجي من غري حمرم‪.‬‬ ‫فزوجت نفسها من فالن(‪.)4‬‬ ‫ّ‬ ‫يرد عىل االستدالل هبذا النص أنه ال يعلم هل هذا الكالم رواية‪ ،‬أو رأي‬ ‫عيل بن إبراهيم؟ فإن كانت رواية عن أحد املعصومني فإن املؤلف مل يذكر هلا‬ ‫سند ًا‪ ،‬فال حجة فيها‪ ،‬وإن كانت رأي ًا له فهو مردود عىل صاحبه‪ ،‬والشيعة غري‬ ‫املجردة‬ ‫ملزمني به؛ ألن الع رة بالدليل وال رهان‪ ،‬وليس باالدعاءات واآلراء‬ ‫ّ‬ ‫عن األدلة الصحيحة!‬ ‫وقد حياول البعض الطعن يف مؤلف الكتاب عيل بن إبراهيم؛ ألنه‬ ‫صاحب هذا القول‪ ،‬فيجاب عليهم بأن نفس التفسري ‪ -‬النسخة املطبوعة‬ ‫املتداولة ‪ -‬مل يثبت أنه كله لعيل بن إبراهيم القمي‪ ،‬بل هو ملفق من تفسريين أو‬ ‫أكثر كام قال علامء الرجال‪ ،‬وسنورد قولني يف هذا املجال كي تتم حجتنا‪:‬‬ ‫‪ -0‬الشيخ جعفر السبحاين‪ :‬قال‪ :‬وبعد هذا التلفيق‪ ،‬كيف يمكن االعتامد‬ ‫عىل ما ذكر يف ديباجة الكتاب لو ثبت كون الديباجة لعيل بن إبراهيم نفسه؟‬ ‫يفرق بني ما روى اجلامع‬ ‫فعىل ذلك فلو أخذنا هبذا التوثيق اجلامعي‪ ،‬جيب أن ّ‬ ‫عن نفس عيل بن إبراهيم‪ ،‬وما روى عن غريه من مشاخيه‪ ،‬فإن شهادة القمي‬ ‫يكون حجة يف ما يرويه نفسه‪ ،‬ال ما يرويه تلميذه من مشاخيه‪ ..‬ثم إن االعتامد‬ ‫عىل هذا التفسري بعد هذا االختالط مشكل جدا ا‪ ،‬خصوص ًا مع ما فيه من‬ ‫الشذوذ يف املتون‪ ،‬وقد ذهب بعض أهل التحقيق إىل أن النسخة املطبوعة ختتلف‬ ‫(‪ )4‬تفسري القمي ‪.111/7‬‬


‫احتجاجات بأحاديث خمتلفة ‪11 ................................................................‬‬

‫عام نقل عن ذلك التفسري يف بعض الكتب‪ ،‬وعند ذلك ال يبقى اعتامد عىل هذا‬ ‫التوثيق الضمني أيض ًا‪ ،‬فال يبقى االعتامد ال عىل السند وال عىل املتن(‪.)4‬‬ ‫‪ -1‬الشيخ باقراإليرواين‪ :‬قال‪ :‬إن القمي وإن كان له كتاب باسم‬ ‫التفسري‪ ،‬وال يمكن التشكيك يف ذلك باعتبار أن النجايش والطويس قد نصا‬ ‫عىل وجود التفسري املذكور‪ ،‬وذكرا إليه طريق ًا صحيح ًا‪ ،‬ولكننا نش ّكك يف كون‬ ‫التفسري املتداول اليوم هو نفس تفسري القمي‪ ،‬ونحتمل عدم كونه للقمي رأس ًا‪،‬‬ ‫أو ال أقل بعضه للقمي والبعض اآلخر قد د ّس فيه(‪.)7‬‬ ‫قرره علامء‬ ‫وعليه‪ ،‬فال يمكننا إذن االعتامد عىل نصوص هذا الكتاب؛ ملا ّ‬ ‫الرجال عند الشيعة أعىل اهلل برهاهنم من أنه ال يمكن اعتامد نصوص هذا‬ ‫الكتاب؛ جلهالة راويه والتلفيق احلاصل فيه‪.‬‬ ‫وقد علق العالمة املجليس ݞ عىل هذا اخل ر بام يغني عن كل ما ذكرناه‬ ‫آنف ًا‪ ،‬حيث قال‪ :‬وهذا إن كان رواية فهي شاذة‪ ،‬خمالفة لبعض األصول‪ ...‬لكن‬ ‫ال‪ ،‬ونق ً‬ ‫وقو أمثال ذلك بعيد عق ً‬ ‫ال‪ ،‬وعرف ًا‪ ،‬وعادة‪ ،‬وترك التعرض ألمثاله‬ ‫أوىل(‪.)1‬‬ ‫وقال أيض ًا بعد نقل هذا اخل ر‪ :‬ويف هذا اخل ر غرائب ال نعلم حقيقتها‪،‬‬ ‫فطوينا عىل غرها‪ ،‬واهلل يعلم وح َججه صلوات اهلل عليهم جهة صدورها(‪.)1‬‬ ‫فكالمه ݞ رصيح يف أن هذه الرواية خمالفة لبعض األصول‪ ،‬وهي‬ ‫ال‪ ،‬ونق ً‬ ‫شاذة‪ ،‬بل حكم باستبعاد وقو مضموهنا عق ً‬ ‫ال‪ ،‬وعرف ًا‪ ،‬وعادة‪ ،‬وهو ما‬ ‫(‪ )4‬كليات يف علم الرجال‪.145 :‬‬ ‫(‪ )7‬دروس متهيدية يف علم الرجال‪.411 :‬‬ ‫(‪ )1‬بحار األنوار ‪.441/17‬‬ ‫(‪ )1‬نفس املصدر ‪.714/77‬‬


‫‪ ........................................... 11‬براءة نساء األنبياء من الزنا‪ :‬بني التحقيق والتلفيق‬

‫احتج هبذا النص‪ ،‬خصوص ًا وأن احتامل صدور هذا الكالم‬ ‫يقطع دابر كل من‬ ‫ّ‬ ‫تق ّية من العالمة املجليس ݞ غري وارد؛ ألن كل من اطلع عىل موسوعته القيمة‬ ‫بحار األنوار يعلم أن الشيخ املجليس طاب ثراه مل يستخدم التقية فيها البتة؛ ألنه‬ ‫ومبج ً‬ ‫ال عند‬ ‫كان حتت سلطان حيميه من كل من يريد به سوء ًا؛ فإنه كان معظ ًام‬ ‫ّ‬ ‫سالطني الدولة الصفوية‪ ،‬بل كان مبسوط اليد يف دولتهم‪ ،‬وكان صاحب‬ ‫مؤسسة علمية كبرية‪ ،‬وله أتبا ومريدون كثريون‪ ،‬وكالمه ط ّيب اهلل ثراه قد‬ ‫أصاب عني احلقيقة وكبد الصواب‪ ،‬وهو موافق ملا نقلناه سابق ًا من كلامت‬ ‫أعالم الدين وأركان املذهب‪.‬‬ ‫لتشبهة لتثانقة‪ :‬زالج لتعامرية التكِنـْدية بعد رسول لهلل ݕ‪:‬‬ ‫فقد روى الكليني ݞ بسنده عن عمر بن أذينة‪ ،‬قال‪ :‬حدثني سعد بن‬ ‫تزوج امرأة من بني‬ ‫أيب عروة‪ ،‬عن قتادة‪ ،‬عن احلسن البرصي أن رسول اهلل ݕ ّ‬ ‫عامر بن صعصعة يقال هلا‪( :‬سنى)‪ ،‬وكانت من أمجل أهل زماهنا‪ ،‬فلام نظرت‬ ‫إليها عائشة وحفصة قالتا‪« :‬لتغلبنا هذه عىل رسول اهلل ݕ بجامهلا»‪ ،‬فقالتا هلا‪:‬‬ ‫ال يرى منك رسول اهلل ݕ حرص ًا‪ .‬فلام دخلت عىل رسول اهلل ݕ تناوهلا‬ ‫بيده‪ ،‬فقالت‪« :‬أعوذ باهلل»‪ ،‬فانقبضت يد رسول اهلل ݕ عنها‪ ،‬فط ّلقها‪ ،‬وأحلقها‬ ‫وتزوج رسول اهلل ݕ امرأة من كندة بنت أيب اجلون‪ ،‬فلام مات إبراهيم‬ ‫بأهلها‪ّ ،‬‬ ‫بن رسول اهلل ݕ ابن مارية القبطية‪ ،‬قالت‪« :‬لو كان نب ايا ما مات ابنه»‪ ،‬فأحلقها‬ ‫رسول اهلل ݕ بأهلها قبل أن يدخل هبا‪ ،‬فلام قبض رسول اهلل ݕ‪ ،‬وويل الناس‬ ‫أبو بكر‪ ،‬أتته العامرية والكندية وقد خطبتا‪ ،‬فاجتمع أبو بكر وعمر‪ ،‬فقاال هلام‪:‬‬ ‫فتزوجتا‪ ،‬فجذم أحد‬ ‫«اختارا إن شئتام احلجاب‪ ،‬وإن شئتام الباه»‪ ،‬فاختارتا الباه‪ّ ،‬‬ ‫الرجلني‪ ،‬وج ّن اآلخر‪ .‬قال عمر بن أذينة‪ :‬فحدّ ثت هبذا احلديث زرارة‬


‫احتجاجات بأحاديث خمتلفة ‪11 ................................................................‬‬

‫عز وجل عن يشء إال وقد‬ ‫والفضيل‪ ،‬فرويا عن أيب جعفر ݠ أنه ما هنى اهلل ّ‬ ‫عيص فيه‪ ،‬حتى لقد نكحوا أزواج النبي ݕ من بعده‪ ،‬وذكر هاتني العامرية‬ ‫تزوج امرأة‪ ،‬فطلقها قبل‬ ‫والكندية‪ ،‬ثم قال أبو جعفر ݠ‪ :‬لو سألتهم عن رجل ّ‬ ‫أن يدخل هبا‪ ،‬أحتل البنه؟ لقالوا‪« :‬ال»‪ ،‬فرسول اهلل ݕ أعظم حرمة من‬ ‫آبائهم(‪.)4‬‬ ‫است ّ‬ ‫دل هبذه الرواية عىل وقو الزنا من زوجات النبي ݕ‪:‬‬ ‫أوالا‪ :‬بزواج العامرية والكندية بعد وفاة النبي ݕ‪.‬‬ ‫ثاني اا‪ :‬بعموم كالم اإلمام الباقر ݠ‪ ،‬حيث قال‪« :‬حتى لقد نكحوا أزواج‬ ‫النبي ݕ من بعده»‪ ،‬وهذا يشمل العامرية والكندية وغريمها‪.‬‬ ‫واجلواب عىل هذه اإلشكاالت يتحقق بأمور‪:‬‬ ‫‪ -4‬أن املذكور يف هذه الرواية هو نكاح الكندية والعامرية‪ ،‬وهو نكاح‬ ‫باطل بالرضورة‪ ،‬والراوي نقل أن أحد الزوجني جذم‪ ،‬واآلخر ج ّن‪ ،‬وال شك‬ ‫أن هذا حصل بنحو اإلعجاز؛ للحيلولة دون وقو مثل هذا الزواج‪ ،‬وهذا‬ ‫يؤكد ما نذهب إليه من امتنا وقو الزنا‪ ،‬وزواج املدخول هبن من زوجات‬ ‫رسول اهلل ݕ باألولوية‪ ،‬فام حصل هو عقاب رباين وغضب إهلي عىل هؤالء‬ ‫الذين هتكوا حرمة النبي ݕ‪ ،‬وجترؤوا عىل حريمه‪.‬‬ ‫تزوجتا بحسب هذه الرواية بإذن أيب بكر وعمر هلام‪،‬‬ ‫وهاتان املرأتان إنام ّ‬ ‫وتزوجتا بعقد رشعي‪ ،‬وهذا العقد وإن كان باط ً‬ ‫ال عندنا؛ لعدم حلية التزويج‬ ‫ّ‬ ‫يسمى زنا‪ ،‬حتى يقال‪« :‬إن العامرية والكندية زنتا»؛ وإنام‬ ‫هلام‪ ،‬إال أن زواجهام ال ّ‬ ‫يسمى الوطء فيه نكاح شبهة‪.‬‬ ‫(‪ )4‬الكايف ‪.174/1‬‬


‫‪ ........................................... 14‬براءة نساء األنبياء من الزنا‪ :‬بني التحقيق والتلفيق‬

‫مع أنا ال نقطع بحصول الدخول هبام؛ ألن الرواية مل تنص عىل ذلك‪،‬‬ ‫تزوجتا‪ ،‬والتزويج حقيقة يف العقد ال الوطء‪ ،‬ولعل إصابة أحد‬ ‫وإنام بيّنت أهنام ّ‬ ‫الزوجني باجلذام واآلخر باجلنون كان رسيع ًا‪ ،‬فحال ذلك دون الدخول هباتني‬ ‫املرأتني‪ ،‬فكيف يصح أن تتّهام بالزنا؟!‬ ‫خصوص ًا أن اجلذام واجلنون من األمراض الطبيعية التي اعتاد عليها‬ ‫العرب‪ ،‬فنقل الراوي إصابة الرجلني هبا يشعر بأن األمر خمالف للعادة مما جيعلنا‬ ‫نطمئن أن القضية حصلت قبل الدخول للحيلولة دون ذلك‪.‬‬ ‫‪ -7‬أن قول اإلمام الباقر ݠ‪« :‬إن اهلل ما هنى عن يشء إال عيص به» ال‬ ‫يدل عىل وقو الزنا‪ ،‬بل يكفي يف ثبوت العصيان حتقق الزوجية؛ ملا فيها من‬ ‫خمالفة النهي الوارد يف قوله تعاىل‪ :‬ݨﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ‬

‫ﯵﯶﯷﯸﯹﯺﯻﯼﯽﯾﯿﰀݩ [األحزاب‪.]11 :‬‬ ‫واهلل تعاىل هنى عن نكاح زوجات النبي ݕ‪ ،‬وبإيقا العقد عىل واحدة‬ ‫منهن يتحقق العصيان املذكور يف كالم اإلمام الباقر ݠ‪ ،‬حتى لو مل حيصل‬ ‫الدخول هبن‪.‬‬ ‫‪ -1‬أن هذا اخل ر يدل بوضوح عىل امتنا الزنا عىل نساء األنبياء ݜ‬ ‫بقياس األولوية؛ ألنه إذا كانت هاتان املرأتان ‪ -‬العامرية والكندية ‪ -‬غري‬ ‫املدخول هبام‪ ،‬اللتان مل يرمها النبي ݕ إال مرة أو مرتني‪ ،‬وقد طلقهام رسول اهلل‬ ‫ݕ قبل أن يدخل هبام‪ ،‬قد تدخلت القدرة اإلهلية إليقاف وطئهام شبهة‪ ،‬فكيف‬ ‫بباقي نسوته الاليت دخل هبن رسول اهلل ݕ‪ ،‬وعشن معه سنني طويلة‪ ،‬هل‬ ‫يمكن أن يدعي مدّ ٍ اقرتاف إحداهن للزنا من دون أن تتدخل القدرة اإلهلية؟‬ ‫إن هذا ليشء عجاب!‬


‫احتجاجات بأحاديث خمتلفة ‪16 ................................................................‬‬

‫وإذا كان وجود هذه الرواية يف كتب الشيعة مستلزم ًا التام الشيعة بأهنم‬ ‫جيوزون وقو الزنا عىل نساء نب ّينا ݕ‪ ،‬فإن قصة أخرى تشبه قصة الكندية‬ ‫ّ‬ ‫مذكورة يف كتب أهل السنة‪ ،‬بنفس مضمون الرواية الشيعية‪.‬‬ ‫فقد أخرج احلاكم يف مستدركه بسنده عن أيب عبيدة معمر بن املثنى‪ ،‬قال‪:‬‬ ‫تزوج رسول اهلل ﷺ حني قدم عليه وفد كندة‪ :‬قتيلة بنت قيس أخت‬ ‫ثم ّ‬ ‫األشعث بن قيس يف سنة عرشة‪ ،‬ثم اشتكى يف النصف من صفر‪ ،‬ثم قبض يوم‬ ‫اإلثنني ليومني مضيا من شهر ربيع األول‪ ،‬ومل تكن قدمت عليه‪ ،‬وال دخل هبا‪،‬‬ ‫تزوجها قبل وفاته بشهر‪ ،‬وزعم‬ ‫وو ّقت بعضهم وقت تزوجيه إياها‪ ،‬فزعم أنه ّ‬ ‫تزوجها يف مرضه‪ ،‬وزعم آخرون أنه أوىص أن خيري قتيلة‪ ،‬فإن‬ ‫آخرون أنه ّ‬ ‫فزوجها عكرمة بن أيب جهل بحرضموت‪ ،‬فبلغ أبا‬ ‫شاءت‪ ،‬فاختارت النكاح‪ّ ،‬‬ ‫بكر‪ ،‬فقال‪ :‬لقد مهمت أن أحرق عليهام‪ .‬فقال عمر بن اخلطاب‪ :‬ما هي من‬ ‫أمهات املؤمنني‪ ،‬وال دخل هبا النبي ﷺ‪ ،‬وال رضب عليها احلجاب‪ .‬وزعم‬ ‫بعضهم أهنا ارتدت(‪.)4‬‬ ‫وقال ابن حجر العسقالين‪ :‬روى أبو نعيم يف املعرفة يف ترمجة قتيلة‪ ،‬من‬ ‫حديث داود عن الشعبي مرس ً‬ ‫ال‪ ،‬وأخرجه البزار من وجه آخر عن داود‪ ،‬عن‬ ‫وصححه ابن خزيمة‪ ،‬والضياء من طريقه يف‬ ‫عكرمة‪ ،‬عن ابن عباس موصوالً‪،‬‬ ‫ّ‬ ‫املختار‪« :‬أن النبي ݕ طلق قتيلة بنت قيس أخت األشعث‪ ،‬ط ّلقها قبل‬ ‫فشق ذلك عىل أيب بكر‪ ،‬فقال له عمر‪:‬‬ ‫الدخول‪ ،‬فتزوجها عكرمة بن أيب جهل‪ّ ،‬‬ ‫يا خليفة رسول اهلل إهنا ليست من نسائه‪ ،‬مل حيزها النبي ݕ‪ ،‬وقد ّبرأها اهلل منه‬ ‫بالردة»‪ .‬وكانت قد ارتدت مع قومها‪ ،‬ثم أسلمت‪ ،‬فسكن أبو بكر(‪.)7‬‬ ‫(‪ )4‬املستدرك ‪.14/1‬‬ ‫(‪ )7‬تلخيص احلبري ‪.411/1‬‬


‫‪ ........................................... 18‬براءة نساء األنبياء من الزنا‪ :‬بني التحقيق والتلفيق‬

‫تزوج‬ ‫قال الطحاوي‪ :‬ففي هذا احلديث أن أبا بكر أراد أن يقتل عكرمة ملا ّ‬ ‫هذه املرأة؛ ألهنا كانت عنده من أزواج النبي ﷺ الاليت كن حرمن عىل الناس‬ ‫بقول اهلل تعاىل‪ :‬ݨ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ ﯱ ﯲݩ اآلية [األحزاب‪،]11 :‬‬ ‫وأن عمر أخرجها من أزواج رسول اهلل ﷺ بر ّدتا التي كانت منها؛ إذ كان ال‬ ‫يصلح هلا معها أن تكون للمسلمني أ اما(‪.)4‬‬ ‫قال ابن حجر العسقالين‪ :‬قيلة بنت قيس بن معد يكرب الكندية أخت‬ ‫تزوجها رسول اهلل ﷺ سنة عرش‪،‬‬ ‫األشعث بن قيس قاله أبو عمر‪ ،‬ويقال قيلة ّ‬ ‫ومات ومل تك قدمت عليه وال رآها وال دخل هبا‪ ،‬وقيل‪ :‬كان تزوجيه إياها قبل‬ ‫تزوجها يف مرض موته‪ ،‬وقيل‪ :‬أوىص أن خت ّري‪ ،‬فإن‬ ‫وفاته بشهرين‪ ،‬وقيل‪ّ :‬‬ ‫شاءت رضب عليها احلجاب وحترم عىل املؤمنني‪ ،‬وإن شاءت فلتنكح من‬ ‫فتزوجها عكرمة بحرضموت‪ ،‬فبلغ أبا بكر فقال‪:‬‬ ‫شاءت‪ ،‬فاختارت النكاح‪ّ ،‬‬ ‫لقد مهمت أن أحرق عليهام بيتهام‪ ،‬فقال له عمر‪ :‬ما هي من أمهات املؤمنني‪،‬‬ ‫وال دخل هبا‪ ،‬وال رضب عليها احلجاب‪ ،‬وقال بعضهم‪ :‬مات قبل خروجها من‬ ‫اليمن‪ ،‬فحلف عليها عكرمة‪ ،‬وقيل‪ :‬إهنا ارتدت‪ ،‬فاحتج عمر عىل أيب بكر بأهنا‬ ‫ليست من أزواج النبي ﷺ بارتدادها‪ ،‬فقال‪ :‬ومل تلد لعكرمة‪ ،‬واالختالف فيها‬ ‫كثري جدا ا‪ .‬انتهى كالم ابن عبد ال ر‪ ،‬وأخرج أبو نعيم من طريق إسحاق بن‬ ‫حبيب الشهيدي عن عبد األعىل عن داود بن أيب هند عن عكرمة عن ابن عباس‬ ‫أن النبي ﷺ تزوج قيلة أخت األشعث‪ ،‬ومات قبل أن خي ّريها‪ ،‬وهذا موصول‬ ‫قوي اإلسناد أيض ًا‪ ،‬وأخرجه أيض ًا من طريق عبد الوهاب الثقفي عن داود عن‬ ‫الشعبي مرس ً‬ ‫فشق عىل‬ ‫ال‪ ،‬ولفظه قتيلة بنت األشعث‪ ،‬ومات فتزوجها عكرمة‪ّ ،‬‬ ‫(‪ )4‬رشح مشكل اآلثار ‪.711/4‬‬


‫احتجاجات بأحاديث خمتلفة ‪11 ................................................................‬‬

‫أيب بكر‪ ،‬فذكر كالم عمر املتقدم‪ ،‬ويف آخره‪ :‬فاطمأن أبو بكر وسكن(‪.)4‬‬ ‫وقال ابن سعد‪ :‬قتيلة بنت قيس أخت األشعث بن قيس بن معدي كرب بن‬ ‫معاوية بن جبلة بن عدي بن ربيعة بن معاوية األكرمني بن احلارث بن معاوية بن‬ ‫احلارث بن معاوية بن ثور بن مرتع بن كندة‪ ،‬أخ رنا هشام بن حممد بن السائب‬ ‫عن أبيه عن أيب صالح عن ابن عباس‪ ،‬قال‪ :‬ملا استعاذت أسامء بنت النعامن من‬ ‫النبي ﷺ خرج والغضب يعرف يف وجهه‪ ،‬فقال له األشعث بن قيس‪ :‬ال يسؤك‬ ‫اهلل يا رسول اهلل‪ ،‬أال أزوجك من ليس دوهنا يف اجلامل واحلسب؟ قال‪ :‬من؟‬ ‫قال‪ :‬أختي قتيلة‪ ،‬قال‪ :‬قد تزوجتها‪ .‬قال‪ :‬فانرصف األشعث إىل حرضموت‪ ،‬ثم‬ ‫محلها‪ ،‬حتى إذا فصل من اليمن بلغه وفاة النبي ﷺ‪ ،‬فر ّدها إىل بالده‪ ،‬وارتد‬ ‫تزوجت لفساد النكاح باالرتداد‪ ،‬وكان‬ ‫وارتدت معه فيمن ارتد‪ ،‬فلذلك ّ‬ ‫تزوجها قيس بن مكشوح املرادي‪ ،‬أخ رنا املعىل بن أسد عن وهيب عن داود بن‬ ‫ّ‬ ‫أيب هند أن النبي ﷺ تويف وقد ملك امرأة من كندة يقال هلا‪ :‬قتيلة‪ ،‬فارتدت مع‬ ‫فتزوجها بعد ذلك عكرمة بن أيب جهل‪ ،‬فوجد أبو بكر من ذلك وجد ًا‬ ‫قومها‪ّ ،‬‬ ‫شديد ًا‪ ،‬فقال له عمر‪ :‬يا خليفة رسول اهلل إهنا واهلل ما هي من أزواجه‪ ،‬ما‬ ‫خريها‪ ،‬وال حجبها‪ ،‬ولقد َب َر َأها اهلل منه باالرتداد الذي ارتدت مع قومها‪.‬‬ ‫ّ‬ ‫أخ رنا حممد بن عمر عن حييى بن النعامن الغفاري عن يزيد بن قسيط أن قتيلة‬ ‫بنت قيس أخت األشعث كانت ممن وهبت نفسها للنبي ﷺ(‪.)7‬‬ ‫زوجها إياه‬ ‫وقال القرطبي‪ :‬قتيلة بنت قيس‪ ،‬أخت األشعث بن قيس‪ّ ،‬‬ ‫األشعث‪ ،‬ثم انرصف إىل حرضموت‪ ،‬فحملها إليه‪ ،‬فبلغه وفاة النبي ﷺ‪ ،‬فردها‬ ‫(‪ )4‬اإلصابة يف معرفة الصحابة ‪.717/8‬‬ ‫(‪ )7‬طبقات ابن سعد ‪.414/8‬‬


‫‪ ........................................... 11‬براءة نساء األنبياء من الزنا‪ :‬بني التحقيق والتلفيق‬

‫تزوجها عكرمة بن أيب جهل‪ ،‬فوجد من ذلك‬ ‫إىل بالده‪ ،‬فارتد وارتدّ ت معه‪ ،‬ثم ّ‬ ‫خريها‪ ،‬وال‬ ‫أبو بكر وجد ًا شديد ًا‪ ،‬فقال له عمر‪ :‬إهنا واهلل ما هي من أزواجه‪ ،‬ما ّ‬ ‫تزوجها(‪.)4‬‬ ‫حجبها‪ ،‬ولقد برأها اهلل منه باالرتداد‪ .‬وكان عروة ينكر أن يكون ّ‬ ‫وقال ابن كثري يف البداية والنهاية‪ :‬فذكر منهن قتيلة بنت قيس أخت‬ ‫األشعث بن قيس‪ ،‬فزعم بعضهم أنه تزوجها قبل وفاته بشهرين‪ ،‬وزعم آخرون‬ ‫أنه تزوجها يف مرضه‪ .‬قال‪ :‬ومل يكن قدمت عليه‪ ،‬وال رآها‪ ،‬ومل يدخل هبا‪ .‬قال‪:‬‬ ‫ختري قتيلة‪ ،‬فإن شاءت يرضب عليها احلجاب‬ ‫وزعم آخرون أنه ݠ أوىص أن ّ‬ ‫وحترم عىل املؤمنني‪ ،‬وإن شاءت فلتنكح من شاءت‪ ،‬فاختارت النكاح‪،‬‬ ‫فتزوجها عكرمة بن أيب جهل بحرضموت‪ ،‬فبلغ ذلك أبا بكر فقال‪ :‬لقد مهمت‬ ‫ّ‬ ‫أن أحرق عليهام‪ .‬فقال عمر بن اخلطاب‪ :‬ما هي من أمهات املؤمنني‪ ،‬وال دخل‬ ‫هبا‪ ،‬وال رضب عليها احلجاب‪ .‬قال أبو عبيدة‪ :‬وزعم بعضهم أن رسول اهلل ﷺ‬ ‫مل يوص فيها بيشء‪ ،‬وأهنا ارتدت بعده‪ ،‬فاحتج عمر عىل أيب بكر بارتدادها أهنا‬ ‫ليست من أمهات املؤمنني‪ .‬وذكر ابن مندة أن التي ارتدت هي ال رحاء من بني‬ ‫عوف بن سعد بن ذيبان‪ .‬وقد روى احلافظ ابن عساكر من طرق عن داود بن‬ ‫تزوج قتيلة أخت األشعث‬ ‫أيب هند‪ ،‬عن عكرمة‪ ،‬عن ابن عباس أن رسول اهلل ّ‬ ‫خيريها‪ ،‬ف رأها اهلل منه‪ .‬وروى محاد بن سلمة عن داود‬ ‫بن قيس‪ ،‬فامت قبل أن ّ‬ ‫تزوج قتيلة أراد أبو بكر أن‬ ‫بن أيب هند‪ ،‬عن الشعبي‪ ،‬أن عكرمة بن أيب جهل ملا ّ‬ ‫يرضب عنقه‪ ،‬فراجعه عمر بن اخلطاب‪ ،‬فقال‪ :‬إن رسول اهلل ﷺ مل يدخل هبا‪،‬‬ ‫وأهنا ارتدت مع أخيها‪ ،‬ف رئت من اهلل ورسوله(‪.)7‬‬ ‫(‪ )4‬تفسري القرطبي ‪.451/41‬‬ ‫(‪ )7‬البداية و النهاية ‪.141/1‬‬


‫احتجاجات بأحاديث خمتلفة ‪10 ................................................................‬‬

‫وقال اآللويس يف تفسريه‪ :‬وروى أيض ًا أن قتيلة بنت قيس أخت األشعث‬ ‫زوجها أخوها‬ ‫تزوجها عكرمة بن أيب جهل بحرضموت‪ ،‬وكانت قد ّ‬ ‫املذكور ّ‬ ‫قبل من رسول اهلل ﷺ‪ ،‬فقبل أن يدخل هبا محلها معه إىل حرضموت‪ ،‬وتويف‬ ‫عنها عليه الصالة والسالم‪ ،‬فبلغ ذلك أبا بكر ريض اهلل تعاىل عنه‪ ،‬فقال‪ :‬مهمت‬ ‫أن أحرق عليها بيتها‪ ،‬فقال له عمر‪ :‬ما هي من أمهات املؤمنني‪ ،‬ما دخل هبا‬ ‫ﷺ‪ ،‬وال رضب عليها احلجاب‪ .‬وقيل‪ :‬مل حيتج عليه بذلك‪ ،‬بل احتج بأهنا‬ ‫ارتدّ ت حني ارتد أخوها‪ ،‬فلم تكن من أمهات املؤمنني بارتدادها‪ ،‬وكذا هو‬ ‫ظاهر يف أنه ال فرق يف ذلك بني املختارة منهن الدنيا كفاطمة بنت الضحاك بن‬ ‫سفيان الكاليب يف رواية ابن إسحاق واملختارة اهلل تعاىل ورسوله ﷺ كنسائه‬ ‫عليه الصالة والسالم التسع الاليت تويف عنهن(‪.)4‬‬ ‫والنتيجة أن زواج قتيلة بنت قيس بعد وفاة رسول اهلل ݕ أمر معروف‬ ‫ومشهور‪ ،‬ومل أطلع عىل من أنكر ذلك‪ ،‬إال ما نقل عن عروة من تكذيب اخل ر‪،‬‬ ‫وما قاله غريه أوىل بالقبول؛ ألن من يعلم حجة عىل من ال يعلم‪.‬‬ ‫لتشبهة لتثاتثة‪ :‬مجع عائشة أربعني دينارًل من خقانة‪:‬‬ ‫ذكر ذلك احلافظ رجب ال ريس يف مشارق أنوار اليقني (يف أرسار احلسن بن‬ ‫عيل ݟ)‪ ،‬حيث قال‪ :‬فمن ذلك أنه ملا قدم من الكوفة جاءت النسوة يعزينه يف‬ ‫أمري املؤمنني ݠ‪ ،‬ودخلت عليه أزواج النبي ݕ‪ ،‬فقالت عائشة‪ :‬يا أبا حممد ما‬ ‫مثل َفقد جدك إال يوم فقد أبوك‪ ،‬فقال هلا احلسن‪ :‬نسيت نبشك يف بيتك ليالً‬ ‫بغري قبس بحديدة‪ ،‬حتى رضبت احلديدة ك ّفك‪ ،‬فصارت جرح ًا إىل اآلن‪،‬‬ ‫فأخرجت جرد ًا أخرض‪ ،‬فيه ما مجعته من خيانة‪ ،‬حتى أخذت منه أربعني دينار ًا‬ ‫(‪ )4‬روح املعاين ‪.11/77‬‬


‫‪ ........................................... 11‬براءة نساء األنبياء من الزنا‪ :‬بني التحقيق والتلفيق‬

‫عدد ًا‪ ،‬ال تعلمني هلا وزن ًا‪ ،‬ففرقتيها يف مبغيض عيل صلوات اهلل عليه‪ ،‬من تيم‬ ‫وعدي‪ ،‬وقد تشفيت بقتله؟! فقالت‪ :‬قد كان ذلك(‪.)4‬‬ ‫واإلشكال يف هذا احلديث يف لفظ اخليانة املستعمل يف قوله‪« :‬فيه ما‬ ‫مجعته من خيانة‪ ،‬حتى أخذت منه أربعني دينار ًا عدد ًا»‪ ،‬وقد محله خصوم الشيعة‬ ‫عىل الزنا‪ ،‬ورتبوا عليه اتام الشيعة بأهنم يطعنون يف عرض عائشة‪ ،‬ويتّهموهنا‬ ‫بالزنا‪.‬‬ ‫واجلواب عىل هذا اخل ر يقع يف نقاط‪:‬‬ ‫‪ -4‬اخليانة‪ :‬خالف األمانة‪ ،‬واملراد هبا عدم النصح يف ما يؤمتن عليه‪.‬‬ ‫وكلامت اللغويني تدل عىل ما قلناه‪.‬‬ ‫قال ابن منظور يف لسان العرب‪ :‬ابن سيده‪ :‬اخلَون‪ :‬أن يؤمتن اإلنسان‪،‬‬ ‫فال ينصح‪ ،‬خانه خيونه خون ًا وخيانة وخا َن ًة وخمانة‪.‬‬ ‫ثم قال‪ :‬التهذيب‪ :‬خانه الدهر والنعيم خون ًا‪ ،‬وهو تغري حاله إىل رش‬ ‫منها‪ ،‬وإذا نبا سيفك عن الرضبة فقد خانك‪ ،‬وسئل بعضهم عن السيف‪ ،‬فقال‪:‬‬ ‫ختونك(‪.)7‬‬ ‫غريك عن حالك فقد ّ‬ ‫«أخوك وربام خانك»‪ ،‬وكل ما ّ‬ ‫ومل أجد يف كتب اللغة من ذكر أن لفظ اخليانة يستعمل يف الزنا‪ ،‬وإنام‬ ‫حيصل اللبس عند بعضهم والتلبيس عىل اآلخرين ألن لفظ اخليانة صار‬ ‫يستعمل يف معنى جديد مل يكن معروف ًا يف استعامالت العرب‪ ،‬فظن بعضهم أن‬ ‫هذا اللفظ الوارد يف احلديث مستعمل يف هذا املعنى اجلديد!‬ ‫وعليه‪ ،‬فإن من ظ ّن أن العرب وضعوا لفظ اخليانة للزنا فهو واهم‪ ،‬ومن‬ ‫(‪ )4‬مشارق أنوار اليقني‪.85 :‬‬ ‫(‪ )7‬لسان العرب ‪.411/41‬‬


‫احتجاجات بأحاديث خمتلفة ‪11 ................................................................‬‬

‫حرص استعامل هذا اللفظ يف هذا املعنى فهو خمطئ‪ ،‬ولو سلمنا بأنه يصح‬ ‫استعامل اخليانة يف الزنا جماز ًا فإنه حيتاج إىل قرينة‪ ،‬وهي مفقودة يف املقام‪ ،‬وال‬ ‫ظهور للفظ يف هذا املعنى‪ ،‬وال داللة يف السياق عىل ذلك‪ ،‬وكل ما يدل عليه‬ ‫اخل ر أن األربعني دينار ًا مجعت من غري حقها‪ ،‬أما كيف مجعت فال داللة يف اخل ر‬ ‫عىل يشء من ذلك‪.‬‬ ‫بل ورد استعامل «خيانة املرأة لزوجها» يف غري الزنا‪ ،‬فقد أخرج البخاري‬ ‫ومسلم يف صحيحيهام بسندمها عن أيب هريرة عن رسول اهلل ﷺ قال‪ :‬لوال‬ ‫حواء مل ختن أنثى زوجها الدهر(‪.)4‬‬ ‫قال ابن حجر العسقالين يف رشح هذا احلديث‪ :‬فيه إشارة إىل ما وقع من‬ ‫حواء يف تزيينها آلدم األكل من الشجرة حتى وقع يف ذلك‪ ،‬فمعنى خيانتها أهنا‬ ‫قبلت ما ز ّين هلا إبليس حتى زينته آلدم‪ ،‬وملا كانت هي أم بنات آدم أشبهنها‬ ‫بالوالدة ونز العرق‪ ،‬فال تكاد امرأة تسلم من خيانة زوجها بالفعل أو بالقول‪،‬‬ ‫وليس املراد باخليانة هنا ارتكاب الفواحش‪ ،‬حاشا وكال‪ ،‬ولكن ملا مالت إىل‬ ‫وحسنت ذلك آلدم عدّ ذلك خيانة له‪ ،‬وأما من‬ ‫شهوة النفس من أكل الشجرة‪،‬‬ ‫ّ‬ ‫جاء بعدها من النساء فخيانة كل واحدة منهن بحسبها‪ ،‬وقريب من هذا‬ ‫حديث‪« :‬جحد آدم فجحدت ذريته»(‪.)7‬‬ ‫‪ -7‬لو س ّلمنا جدالً أن اخليانة املقصودة يف اخل ر هي اخليانة الزوجية‪،‬‬ ‫وأن احلديث يدل عىل صدور الزنا من عائشة‪ ،‬فإنا نقول‪ :‬إن هذا اخل ر ليس‬ ‫بحجة ألمرين‪:‬‬ ‫(‪ )4‬صحيح البخاري ‪ .4417/7‬صحيح مسلم ‪.4417/7‬‬ ‫(‪ )7‬فتح الباري ‪.754/5‬‬


‫‪ ........................................... 11‬براءة نساء األنبياء من الزنا‪ :‬بني التحقيق والتلفيق‬

‫األول‪ :‬أن اخل ر هبذا املعنى خمالف ملا أمجعت عليه الطائفة من تنزيه نساء‬ ‫األنبياء ݜ عن ارتكاب الزنا كام اثبتنا سابق ًا‪ ،‬فيكون ساقط ًا‪.‬‬ ‫والثاين‪ :‬أنه خ ر ضعيف سند ًا؛ ألن احلافظ ال ريس رواه مرس ً‬ ‫ال‪ ،‬واملرسل‬ ‫من قسم الضعيف الذي هو ليس بحجة‪.‬‬ ‫وقد وجدنا هذا اخل ر مسند ًا يف كتاب آخر وهو اهلداية الك رى للحسني‬ ‫بن محدان اخلصيبي‪ ،‬قال‪ :‬وعنه‪ ،‬عن احلسن بن عيل املقري الكويف‪ ،‬عن حممد بن‬ ‫جبلة التامر‪ ،‬عن املخول بن إبراهيم‪ ،‬عن زيد بن كثري اجلمحي‪ ،‬عن يونس بن‬ ‫ظبيان‪ ،‬عن املفضل بن عمر اجلعفي‪ ،‬عن املوىل الصادق جعفر بن حممد ݟ‬ ‫قال‪.)4( ...:‬‬ ‫وهذا سند مظلم أيض ًا‪ ،‬ال يعتمد عليه؛ ألنه يشتمل عىل مجلة من‬ ‫املجاهيل الذين أمهلوا ومل يذكروا يف كتب الرجال‪ ،‬مثل‪ :‬عيل بن احلسني املقري‬ ‫الكويف‪ ،‬وحممد بن حليم التامر‪ ،‬واملخول بن إبراهيم‪ ،‬عن زيد بن كثري اجلمحي‪.‬‬ ‫فالرواية غري تامة سند ًا‪ ،‬ومتنها ال يدل عىل ما ادعوه‪ ،‬فال تكون حجة‬ ‫إلثبات املدعى‪.‬‬ ‫لتشبهة لترلبعة‪ :‬قول لإلمام ݠ‪ :‬ما عىن باخلقانة إال لتياحشة‪:‬‬ ‫من اإلشكاالت التي يثريها اخلصوم أيض ًا ما رواه ثقة اإلسالم الكليني‬ ‫عز‬ ‫ݞ يف الكايف يف حديث ورد فيه‪ :‬فقال يل‪ :‬ما ترى من اخليانة يف قول اهلل ّ‬ ‫وجل‪ :‬ݨ ﮟݩ ما يعني بذلك إال الفاحشة(‪.)7‬‬ ‫فإن املراد بالفاحشة هو الزنا‪ ،‬واحلديث واضح الداللة عىل أن خيانة‬ ‫(‪ )4‬اهلداية الك رى‪.455 :‬‬ ‫(‪ )7‬الكايف ‪.114/1 ،147/7‬‬


‫احتجاجات بأحاديث خمتلفة ‪11 ................................................................‬‬

‫زوجتي نوح ولوط إنام هي بارتكاب الزنا‪ ،‬ويف هذا داللة واضحة عىل جواز‬ ‫الزنا عىل زوجات األنبياء ݜ‪.‬‬ ‫وهذا االشكال مبني عىل كلمة «الفاحشة» التي عادة ما يتبادر منها الزنا‬ ‫والعياذ باهلل!‬ ‫واجلواب‪ :‬أن الفحش‪ :‬يف اللغة هو جتاوز احلد والقدر املتعارف عليه‪.‬‬ ‫قال اجلوهري‪ :‬وكل يشء جاوز حدّ ه فهو فاحش(‪.)4‬‬ ‫وقال ابن منظور يف لسان العرب‪ :‬الفحش معروف‪ .‬ابن سيده‪ :‬الفحش‪،‬‬ ‫والفحشاء‪ ،‬والفاحشة‪ :‬القبيح من القول والفعل‪ ،‬ومجعها الفواحش‪ .‬وأفحش‬ ‫عليه يف املنطق‪ :‬أي قال الفحش‪ .‬والفحشاء‪ :‬اسم الفاحشة‪ ،‬وقد فحش وفحش‬ ‫وأفحش وفحش علينا وأفحش إفحاش ًا وفحش ًا عن كرا‬

‫واللحياين‪،‬‬

‫والصحيح أن اإلفحاش والفحش االسم‪ ،‬ورجل فاحش‪ :‬ذو فحش‪ ،‬ويف‬ ‫احلديث‪« :‬إن اهلل يبغض الفاحش املتفحش» فالفاحش‪ :‬ذو الفحش واخلنا من‬ ‫قول وفعل‪ ،‬واملتفحش‪ :‬الذي يتكلف سب الناس‪ ،‬ويتعمده‪ ،‬وقد تكرر ذكر‬ ‫الفحش والفاحشة والفاحش يف احلديث‪ ،‬وهو كل ما يشتد قبحه من الذنوب‬ ‫واملعايص‪ .‬قال ابن األثري‪ :‬وكثري ًا ما ترد الفاحشة بمعنى الزنا‪ ،‬ويسمى الزنا‬ ‫فاحشة‪ ،‬وقال اهلل تعاىل‪ :‬ݨ ﭥﭦﭧﭨﭩﭪݩ‪ ،‬قيل‪ :‬الفاحشة املب ّينة أن‬ ‫تزين‪ ،‬فتخرج للحد‪ .‬وقيل‪ :‬الفاحشة خروجها من بيتها بغري إذن زوجها‪ .‬وقال‬ ‫الشافعي‪ :‬أن تبذو عىل أمحائها بذرابة لساهنا فتؤذهيم(‪.)7‬‬ ‫ومن االستعامالت املشهورة قوهلم‪« :‬ثراء فاحش»‪ ،‬أي ثراء جتاوز املقدار‬ ‫(‪ )4‬الصحاح ‪.4441/1‬‬ ‫(‪ )7‬لسان العرب‪.‬‬


‫‪ ........................................... 14‬براءة نساء األنبياء من الزنا‪ :‬بني التحقيق والتلفيق‬

‫املعقول‪ ،‬و«طول فاحش»‪ ،‬ويطلق عىل البخيل فاحش‪ ،‬كام قال طرفة بن العبد‪:‬‬ ‫املوت يعتام الكرا َم و َيص َطفي‬ ‫أرى‬ ‫َ‬

‫عقيل َة مال الفاحش املتشدّ د‬

‫‪.‬‬

‫‪.‬‬

‫وقد قال ابن حجر العسقالين‪ :‬الفحش كل ما خرج عن مقداره حتى‬ ‫يستقبح‪ ،‬ويدخل يف القول والفعل والصفة‪ ،‬يقال‪« :‬طويل فاحش الطول» إذا‬ ‫أفرط يف طوله‪ ،‬لكن استعامله يف القول أكثر(‪.)4‬‬ ‫وكالمه رصيح يف أن الفحش يوصف به القول أكثر من الفعل‪ ،‬فتد ّبر أهيا‬ ‫القارئ!‬ ‫وقد استخدمت لفظة «الفحشاء» يف لسان الشار يف غري الزنا يف عدة‬ ‫موارد‪.‬‬ ‫عز وجل‪ :‬ݨﯔﯕﯖﯗﯘﯙݩ‬ ‫منها‪ :‬قول اهلل ّ‬ ‫املفّسون أن املقصود من الفحشاء هو املعايص وترك‬ ‫[البقرة‪ ،]758 :‬فقد ذكر ّ‬ ‫الطاعة‪ ،‬فإن الشيطان ال يأمر الناس بالزنا والفجور فقط دون باقي املعايص‪.‬‬ ‫قال الط ري يف تفسريه‪ :‬يعني بذلك تعاىل ذكره‪ :‬ݨ ﯔ ﯕ ݩ أهيا‬ ‫الناس‪ -‬بالصدقة وأدائكم الزكاة الواجبة عليكم يف أموالكم ‪ -‬أن تفتقروا‪،‬‬ ‫عز وجل‪ ،‬وترك‬ ‫ݨﯗ ﯘݩ‪ ،‬يعني‪ :‬ويأمركم بمعايص اهلل ّ‬ ‫طاعته(‪.)7‬‬ ‫وقال ابن كثري يف تفسريه‪ :‬ومعنى قوله تعاىل‪ :‬ݨ ﯔ ﯕ ﯖݩ‬ ‫أي‪ :‬خيوفكم الفقر؛ لتمسكوا ما بأيديكم‪ ،‬فال تنفقوه يف مرضاة اهلل‪،‬‬ ‫(‪ )4‬فتح الباري ‪.111/44‬‬ ‫(‪ )7‬جامع البيان يف تفسري القرآن ‪.11/1‬‬


‫احتجاجات بأحاديث خمتلفة ‪16 ................................................................‬‬

‫ݨﯗ ﯘﯙ ݩ أي‪ :‬مع هنيه إياكم عن اإلنفاق خشية اإلمالق‪،‬‬ ‫يأمركم باملعايص‪ ،‬واملآثم‪ ،‬واملحارم‪ ،‬وخمالفة اخلَالق(‪.)4‬‬ ‫وورد يف صحيح مسلم أن النبي ﷺ قال لعائشة‪ :‬يا عائشة ال تكوين‬ ‫فاحشة(‪.)7‬‬ ‫قال املال عيل القاري‪ :‬ويف رواية ملسلم قال‪« :‬ال تكوين فاحشة» أي قائلة‬ ‫مر معناه‪،‬‬ ‫للفحش‪ ،‬ومتك ّلمة بكالم قبيح‪ ،‬فإن اهلل ال حيب الفحش‪ ،‬وقد ّ‬ ‫والتفحش‪ :‬أي التكلف يف التلفظ بالفحش والتعمد فيه‪ ،‬وإنام قال ذلك هلا‬ ‫لقوهلا‪ :‬واللعنة أو لعنكم اهلل‪.‬‬ ‫وقال قبل هذا بقليل‪ :‬والفحش‪ :‬بضم أوله وهو يف األصل كل ما يشتد‬ ‫قبحه من الذنوب‪ ،‬واملراد به ههنا التعدي بزيادة القبح يف القول واجلواب(‪.)1‬‬ ‫واملقصود هو النهي عن عدوان اجلواب؛ وذلك ألن عائشة كام يروون‬ ‫ر ّدت عىل اليهود الذين أساؤوا للنبي ݕ باملثل‪ ،‬فنهاها ݕ عن هذا الفعل‪.‬‬ ‫فكلمة فاحشة بنفسها ال تعني خصوص الزنا أو العهر‪ ،‬وإنام يطلق عىل‬ ‫الزنا فاحشة؛ ألنه فعل قبيح جتاوز حده يف القبح‪ ،‬واستعامل الفاحشة يف‬ ‫خصوص الزنا حيتاج إىل قرينة تشري إىل هذا املعنى‪.‬‬ ‫إذا عرفت ذلك نقول‪ :‬إن رواية كتاب الكايف املذكورة سابق ًا واضحة‬ ‫الداللة عىل أن الفاحشة يف احلديث ال يراد هبا الزنا‪ ،‬وإنام يراد هبا فحش املعتقد‪،‬‬ ‫أي زيادة االنحراف عن احلق‪ ،‬بداللة سياق نفس اخل ر‪ ،‬كقول زرارة‪ :‬قلت‪ :‬ما‬ ‫(‪ )4‬تفسري القرآن العظيم ‪.174/4‬‬ ‫(‪ )7‬صحيح مسلم ‪.4141/1‬‬ ‫(‪ )1‬مرقاة املفاتيح رشح مشكاة املصابيح ‪.171/8‬‬


‫‪ ........................................... 18‬براءة نساء األنبياء من الزنا‪ :‬بني التحقيق والتلفيق‬

‫يمنعني إال أنني أخشى أن ال حتل يل مناكحتهم فام تأمرين؟‬ ‫فامتنا زرارة عن الزواج ناتج عن خوفه من عدم جواز مناكحة‬ ‫املخالفني‪ ،‬ومما يؤكد هذا قوله أيض ًا‪ :‬فام تأمرين أفعل ذلك بأمرك؟ فقال يل‪ :‬قد‬ ‫تزوج‪ ،‬وقد كان من أمر امرأة نوح وامرأة لوط ما قد كان‪،‬‬ ‫كان رسول اهلل ݕ ّ‬ ‫إهنام قد كانتا حتت عبدين من عبادنا صاحلني‪ ،‬فقلت‪ :‬إن رسول اهلل ݕ ليس يف‬ ‫ذلك بمنزلتي‪ ،‬إنام هي حتت يده‪ ،‬وهي مقرة بحكمه‪ ،‬مقرة بدينه‪..‬‬ ‫فأراد اإلمام أن يرضب لزرارة مث ً‬ ‫ال واضح ًا مذكور ًا يف آيات الكتاب‬ ‫العزيز‪ ،‬وهو فعل أنبياء اهلل‪ :‬نوح‪ ،‬ولوط ݟ‪ ،‬ورسول اهلل ݕ‪ ،‬فكان جواب‬ ‫زرارة أن انحراف زوجاتن كان بعد الزواج‪ ،‬أي وهن حتت أزواجهن‪ ،‬فأجابه‬ ‫اإلمام ݠ بالكالم األول الذي هو حمل البحث‪ ،‬وهو أن اخليانة دينية عقدية‪،‬‬ ‫حيث إهنن كن يفشني أرسار أزواجهن‪ ،‬ويقفن مع خصومهم‪.‬‬ ‫كام أن احلديث فيه داللة واضحة تقطع الشك باليقني‪ ،‬وت رهن عىل‬ ‫زوج رسول اهلل ݕ فالن ًا‪،‬‬ ‫صحة ما ذهبنا إليه‪ ،‬وهي قول اإلمام ݠ‪ :‬وقد ّ‬ ‫ّ‬ ‫قال‪ :‬قلت‪ :‬أصلحك اهلل ما تأمرين؟ أنطلق‪ ،‬فأتزوج بأمرك؟ فقال يل‪ :‬إن كنت‬ ‫فاع ً‬ ‫ال‪ ،‬فعليك بالبلهاء من النساء‪ ،‬قلت‪ :‬وما البلهاء؟ قال‪ :‬ذوات اخلدور‬ ‫العفائف‪ .‬فقلت‪ :‬من هي عىل دين سامل بن أيب حفصة؟ قال‪ :‬ال‪ ،‬فقلت‪ :‬من هي‬ ‫عىل دين ربيعة الرأي؟ فقال‪ :‬ال‪ ،‬ولكن العواتق اللوايت ال ينصبن كفر ًا‪ ،‬وال‬ ‫يعرفن ما تعرفون‪ ،‬قلت‪ :‬وهل تعدو أن تكون مؤمنة أو كافرة؟ فقال‪ :‬تصوم‪،‬‬ ‫وتصيل‪ ،‬وتتقي اهلل‪ ،‬وال تدري ما أمركم؟ فقلت‪ :‬قد قال اهلل عز وجل‪ :‬ݨﭥ‬

‫ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫﭬ ݩ‪ ،‬ال واهلل‪ ،‬ال يكون أحد من الناس ليس‬ ‫بمؤمن وال كافر‪.‬‬


‫احتجاجات بأحاديث خمتلفة ‪11 ................................................................‬‬

‫ثم إن االمام ݠ رضب مث ً‬ ‫ال آخر‪ ،‬وهو تزويج النبي ݕ ابنته لفالن‪،‬‬ ‫أي زوجها لشخص خمالف هلا يف املعتقد‪ ،‬ومنحرف عن منهاج أبيها رسول اهلل‬ ‫ݕ‪ ،‬فلو كان الفحش هو الزنا والعياذ باهلل فام هو الداعي لذكر ذلك؟‬ ‫يتزوج امراة بلهاء‪ ،‬وهي التي ال‬ ‫ثم نجد أن اإلمام ݠ نصح زرارة أن ّ‬ ‫تفقه شيئ ًا يف املعتقد‪ ،‬وال توايل أهل الباطل‪ ،‬وال تنصب العداء ألئمة اهلدى‪.‬‬ ‫وما قلناه هو ما فهمه من الرواية صاحب الكتاب ثقة اإلسالم الشيخ‬ ‫الكليني ݞ‪ ،‬حيث أورد الرواية يف باب (مناكحة النُ ّصاب ُ‬ ‫والش ّكاك)‪ ،‬ويف‬ ‫باب (الضالل)‪ ،‬وباجلمع بني البابني يعلم أن املراد بالضالل هو الضالل‬ ‫ال َع َقدي الذي مصداقه النصب والشك‪ ،‬ال الضالل السلوكي الذي يراد به الزنا‬ ‫والفجور‪.‬‬ ‫تعرضوا لبيان معنى هذا احلديث ‪-‬‬ ‫رشاح الكايف‪ ،‬والذين ّ‬ ‫كام أن أشهر ّ‬

‫بحسب اطالعنا ‪ -‬فهموا أن الفاحشة هي ضالل املعتقد واالنحراف عن طريق‬ ‫احلق‪.‬‬ ‫قال املوىل املازندراين يف رشحه‪( :‬وقد كان من امرأة نوح وامرأة لوط ما‬ ‫عز وجل املرأتني‬ ‫قد كان‪ ،‬أهنام قد كانتا حتت عبدين من عبادنا صاحلني)‪ ،‬ذ ّم اهلل ّ‬ ‫املذكورتني‪ ،‬وم ّثل حاهلام بحال امرأة نوح وامرأة لوط‪ ،‬يف أهنام بالنفاق‬ ‫واستبطان الكفر وعدم اإلخالص‪ ،‬كفرتا وخرجتا عن الدين‪ ،‬فلم يغن نوح‬ ‫ولوط عنهام من عذاب اهلل شيئ ًا من اإلغناء بحق الزواج‪ ،‬حتى يقال هلام عند‬ ‫املوت أو يف القيامة‪ :‬ادخال النار مع سائر الداخلني من الكفرة الذين ال وصلة‬ ‫بينهم وبني األنبياء‪ ،‬قال املفّسون‪ :‬فيه إشارة إىل أن سبب القرب والرجحان‬ ‫عند اهلل تعاىل ليس إال الصالح كائن ًا من كان‪ ،‬وخيانة املرأتني ليست هي‬


‫‪ ........................................... 41‬براءة نساء األنبياء من الزنا‪ :‬بني التحقيق والتلفيق‬

‫الفجور‪ ،‬وإنام هي نفاقهام وإبطاهنام الكفر‪ ،‬وتظاهرمها عىل الرسولني‪ ،‬فامرأة‬ ‫نوح قالت لقومه‪« :‬إنه جمنون»‪ ،‬وامرأة لوط دلت قومه عىل ضيفانه‪ ،‬وليس املراد‬ ‫باخليانة البغي والزنا‪ ،‬إذ ما زنت امرأة نبي قط‪ ،‬وذلك هو املراد بقوله ݠ‪« :‬ما‬ ‫عز وجل‪ :‬ݨ ﮟݩ ما يعني بذلك إال‬ ‫ترى من اخليانة يف قول اهلل ّ‬ ‫الفاحشة»‪ ،‬هي كلام يشتد قبحه من الذنوب واملعايص‪ ،‬واملراد هبا هنا النفاق‪،‬‬ ‫واملخالفة‪ ،‬والكفر(‪.)4‬‬ ‫والنتيجة أن هذا احلديث ال يصلح لالحتجاج به عىل أن الشيعة يتّهمون‬ ‫نساء األنبياء ݜ بارتكاب الزنا‪.‬‬ ‫لتشبهة لخلامسة‪ :‬نوم لتنيب ݕ‪ ،‬اعفي ݠ‪ ،‬اعائشة يف حلاف الحد‪:‬‬ ‫من مجلة الروايات التي رددها خصوم الشيعة كثري ًا‪ :‬ما رواه سليم بن‬ ‫قيس اهلاليل ݤ عن أمري املؤمنني ݠ‪ ،‬قال‪ :‬وسافرت مع رسول اهلل ݕ‪،‬‬ ‫وذلك قبل أن يأمر نساءه باحلجاب‪ ،‬وأنا أخدم رسول اهلل ݕ ليس له خادم‬ ‫غريي‪ ،‬وكان لرسول اهلل ݕ حلاف ليس له حلاف غريه‪ ،‬ومعه عائشة‪ ،‬وكان‬ ‫رسول اهلل ݕ ينام بيني وبني عائشة‪ ،‬ليس علينا ثالثة حلاف غريه‪ ،‬وإذا قام‬ ‫رسول اهلل ݕ يصيل ّ‬ ‫حط بيده اللحاف من وسطه بيني وبني عائشة؛ ليمس‬ ‫اللحاف الفراش الذي حتتنا‪ ،‬ويقوم رسول اهلل ݕ فيصيل(‪.)7‬‬ ‫قالوا‪ :‬هذه الرواية مشتملة عىل طعن واضح يف رسول اهلل ݕ‪ ،‬ويف أمري‬ ‫املؤمنني ݠ‪ ،‬ويف عائشة؛ ألنه يقبح من الرجل أن يرتك زوجته تنام بجانب غري‬ ‫املحرم!‬ ‫(‪ )4‬رشح أصول الكايف ‪.441/44‬‬ ‫(‪ )7‬كتاب سليم بن قيس‪.171 :‬‬


‫احتجاجات بأحاديث خمتلفة ‪40 ................................................................‬‬

‫واجلواب عىل ذلك‪ :‬أن هذه الرواية ال إشكال فيها البتة؛ وذلك ألن هذه‬ ‫احلادثة وقعت يف السفر‪ ،‬ال يف األحوال العادية‪ ،‬وال يوجد يف احلديث ما يدل‬ ‫عىل حصول خلوة حمرمة؛ ألن النبي ݕ كان موجود ًا‪ ،‬وبقاء أمري املؤمنني ݠ‬ ‫حتت اللحاف مع عائشة ال إشكال فيه؛ ألن أمري املؤمنني ݠ كان يف طرف‬ ‫اللحاف‪ ،‬وعائشة كانت يف الطرف اآلخر‪ ،‬والفاصلة بينهام كانت واسعة‪،‬‬ ‫بسبب سعة اللحاف؛ ولوال سعة اللحاف لكان النبي ݕ ملتصق ًا بعائشة‬ ‫ومعهام رجل آخر ملتصق برسول اهلل ݕ‪ ،‬وهذا مستبعد جدا ا‪.‬‬ ‫وترك النبي ݕ عل ايا ݠ وعائشة عىل احلال املوصوفة يف احلديث ال‬ ‫حمذور فيه عىل رسول اهلل ݕ‪ ،‬وال غضاضة فيه عىل أمري املؤمنني ݠ وعائشة؛‬ ‫ألن أمري املؤمنني ݠ ال يتّهم باختالس سمع وال نظر‪ ،‬وال أحد أحرص منه‬ ‫عىل رعاية جانب رسول اهلل ݕ‪ ،‬وصيانة عرضه‪ ،‬مع أن هذه احلادثة كام ورد يف‬ ‫احلديث وقعت قبل أن يأمر النبي ݕ نساءه باحلجاب‪.‬‬ ‫وبام أن هناك رابط ًا أرس ايا وثيق ًا بني رسول اهلل ݕ واإلمام أمري املؤمنني‬ ‫ݠ؛ ألنه ݠ ابن عم النبي‪ ،‬وزوج ابنته‪ ،‬وكان خيدمه يف سفره هذا كام ورد يف‬ ‫احلديث‪ ،‬فليس من أدب النبي ݕ وأخالقه العظيمة أن يرتك أخاه‪ ،‬وصهره‪،‬‬ ‫ومن خيدمه يف سفره‪ ،‬يفرتش األرض‪ ،‬ويلتحف السامء‪ ،‬وينام هو مع أهله يف‬ ‫اللحاف‪ ،‬وهذا ما جعل رسول اهلل ݕ يضم أمري املؤمنني ݠ معه يف اجلانب‬ ‫اآلخر من اللحاف‪.‬‬ ‫كام أن احلادثة مت ّت يف ظروف خاصة‪ ،‬وهي إضافة إىل السفر فإن أمري‬ ‫املؤمنني ݠ أصابته احلمى تلك الليلة‪ ،‬ولذلك قال‪ :‬فأخذتني احلمى ليلة‬ ‫فأسهرتني‪ ،‬فسهر رسول اهلل ݕ لسهري‪ ،‬فبات ليلته بيني وبني مصاله‪ ،‬يصيل‬


‫‪ ........................................... 41‬براءة نساء األنبياء من الزنا‪ :‬بني التحقيق والتلفيق‬

‫ما قدر له‪ ،‬ثم يأتيني فيسألني وينظر إيل‪ ،‬فلم يزل دأبه ذلك إىل أن أصبح(‪.)4‬‬ ‫وقيام النبي ݕ للصالة هو للنافلة وليس للفريضة كي يكون األمر طعن ًا‬ ‫يف املرتىض ݠ‪ ،‬وعدم قيامه ألداء النافلة هو ملرضه كام بيّنا سابق ًا‪.‬‬ ‫وطبع ًا عندما قام النبي للصالة مل يذهب إىل مسجد أو مصىل كي يكون‬ ‫قد حصلت خلوة يف غيابه‪ ،‬إنام صىل يف العراء أو يف اخليمة؛ ألهنم يف حال السفر‬ ‫وليس احلرض‪ ،‬فيندفع اإلشكال‪.‬‬ ‫وهذا الظرف اخلاص مسوغ معقول لرسول اهلل ݕ لكي يرتك أمري‬ ‫املؤمنني ݠ نائ ًام معه يف اللحاف بالنحو الذي ذكرناه‪.‬‬ ‫عل ًام أن مثل هذه احلادثة رواها أهل السنة يف كتبهم‪.‬‬ ‫فقد روى احلاكم النيسابوري بسنده عن عبد اهلل بن الزبري‪ ،‬عن أبيه‪ ،‬قال‪:‬‬ ‫أرسلني رسول اهلل ﷺ يف غداة باردة‪ ،‬فأتيته وهو مع بعض نسائه يف حلافه‪،‬‬ ‫فأدخلني يف اللحاف‪ ،‬فرصنا ثالثة(‪.)7‬‬ ‫وروى إسحاق بن راهويه‪ :‬عن هشام بن عروة عن أبيه أن رسول اهلل ﷺ‬ ‫بعث ليلة األحزاب الزبري ورج ً‬ ‫ال آخر يف ليلة‪ ،‬فقال‪ :‬قرة‪ ،‬فنظروا‪ ،‬ثم جاؤوا‬ ‫ورسول اهلل ﷺ يف مرط ألم سلمة‪ ،‬فأدخلهام يف املرط‪ ،‬التزق رسول اهلل ﷺ بأم‬ ‫سلمة(‪.)1‬‬ ‫والنتيجة أن هذه الرواية ال داللة فيها عىل الطعن يف رسول اهلل ݕ‪ ،‬وال‬ ‫يف عرضه‪ ،‬وال يف أمري املؤمنني ݠ‪ ،‬وال يف عائشة‪ ،‬وإن كان طعن ًا كام يدّ عيه‬ ‫(‪ )4‬كتاب سليم بن قيس‪.171 :‬‬ ‫(‪ )7‬املستدرك ‪ .144/1‬قال احلاكم‪ :‬هذا حديث صحيح اإلسناد ومل خيرجاه‪ .‬ووافقه الذهبي‪.‬‬ ‫(‪ )1‬مسند إسحاق بن راهويه‪.487/1 :‬‬


‫احتجاجات بأحاديث خمتلفة ‪41 ................................................................‬‬

‫بعض املغرضني فهو مشرتك بني الشيعة وأهل السنة كام بيّنا‪.‬‬ ‫لتشبهة لتسادسة‪ :‬جفوس أمري لملؤمنني ݠ بني لتنيب ݕ ابني عائشة‪:‬‬ ‫فقد روى الشيخ الطويس ݞ بسنده عن أمري املؤمنني صلوات اهلل عليه‪،‬‬ ‫قال‪ :‬أتيت النبي ݕ وعنده أبو بكر وعمر‪ ،‬فجلست بينه وبني عائشة‪ ،‬فقالت‬ ‫يل عائشة‪ :‬ما وجدت إال فخذي أو فخذ رسول اهلل؟! فقال‪ :‬مه يا عائشة‪ ،‬ال‬ ‫تؤذيني يف عيل‪ ،‬فإنه أخي يف الدنيا وأخي يف اآلخرة‪ ،‬وهو أمري املؤمنني‪ ،‬جيعله‬ ‫اهلل يوم القيامة عىل الرصاط‪ ،‬فيدخل أولياءه اجلنة‪ ،‬وأعداءه النار(‪.)4‬‬ ‫قالوا‪ :‬هذه الرواية مشتملة عىل طعن رصيح يف عرض رسول اهلل ݕ؛ إذ‬ ‫كيف جيلس أجنبي عىل فخذ زوجته أمامه وال حيرك ساكن ًا؟!‬ ‫واجلواب‪ :‬هذه الرواية ضعيفة السند جدا ا؛ فإهنا مشتملة عىل جمموعة من‬ ‫املجاهيل‪ :‬منهم أبو حممد الفحام‪ ،‬وعمه (وهو عمر بن حييى)‪ ،‬وإسحاق بن‬ ‫عبدوس‪ ،‬وحممد بن هبار بن عامر‪.‬‬ ‫وأما متن احلديث فال داللة فيه عىل يشء مما شنّعوا به عىل الشيعة‪ ،‬وأمري‬ ‫املؤمنني ݠ مل يسئ األدب يف حرضة رسول اهلل ݕ‪ ،‬ومل يفعل ما يشينه‪ ،‬أو‬ ‫يشني عائشة‪ ،‬وجلوسه بني النبي ݕ وبني عائشة ال يدل بأية داللة عىل أن‬ ‫املكان كان ض ّيق ًا‪ ،‬وأن أمري املؤمنني ݠ ألصق جسمه بجسم النبي ݕ أو‬ ‫جسم عائشة‪.‬‬ ‫ودخول أمري املؤمنني ݠ عىل رسول اهلل ݕ وعائشة إنام كان قبل أن‬ ‫يفرض احلجاب عىل نساء النبي ݕ‪ ،‬بقرينة اخل ر الذي رواه الشيخ الطويس‬ ‫(‪ )4‬أمايل الشيخ الطويس‪.118 :‬‬


‫‪ ........................................... 41‬براءة نساء األنبياء من الزنا‪ :‬بني التحقيق والتلفيق‬

‫ݞ يف أماليه‪ ،‬ويظهر منه أنه نفس احلادثة‪ ،‬وقد ورد فيه‪ :‬دخلت عىل رسول اهلل‬ ‫ݕ قبل أن يرضب احلجاب وهو يف منزل عائشة(‪.)4‬‬ ‫وأمري املؤمنني ݠ مل جيلس عىل فخذ عائشة‪ ،‬وإنام هي قالت ذلك مبالغة‬ ‫منها بسبب غريتا‪ ،‬وكراهيتها ملحرض أمري املؤمنني ݠ‪ ،‬وجلوسه بينها وبني‬ ‫رسول اهلل‪ ،‬حتى صار أقرب إىل رسول اهلل ݕ منها ومن أبيها‪ ،‬وهذا ما أثار‬ ‫حفيظتها‪ ،‬وه ّيج مشاعرها‪.‬‬ ‫وجلوس أمري املؤمنني ݠ بني رسول اهلل ݕ وبني عائشة هو مقتىض‬ ‫األدب؛ لئال ينظر إىل عائشة حني نظره إىل رسول اهلل ݕ‪.‬‬ ‫ويشبه هذا ما صدر عن عائشة بسبب الغرية يف احلديث الذي أخرجه‬ ‫البخاري ومسلم يف صحيحيهام‪ ،‬بسندمها عن عبيد بن عمري قال‪ :‬سمعت‬ ‫عائشة ݣ أن النبي ﷺ كان يمكث عند زينب ابنة جحش‪ ،‬ويرشب عندها‬ ‫عس ً‬ ‫ال‪ ،‬فتواصيت أنا وحفصة أن َأ ّيتَنا دخل عليها النبي ﷺ فلتقل‪ :‬إنى أجد‬ ‫منك ريح مغافري‪ ،‬أكلت مغافري؟ فدخل عىل إحدامها فقالت له ذلك‪ ،‬فقال‪ :‬ال‪،‬‬ ‫بل رشبت عس ً‬ ‫ال عند زينب ابنة جحش‪ ،‬ولن أعود له‪ .‬فنزلت‪ :‬ݨ ﭑ ﭒ ﭓ‬ ‫ﭔﭕﭖﭗﭘﭙݩ‪ ،‬إىل ݨ ﮐﮑﮒﮓݩ لعائشة وحفصة‪ ،‬ݨ ﭰﭱﭲﭳﭴ‬

‫ﭵݩ؛ لقوله‪ :‬بل رشبت عس ً‬ ‫ال(‪.)7‬‬ ‫فإن عائشة لغريتا من زينب بنت جحش ا ّدعت أهنا تشم يف رسول اهلل‬ ‫ݕ رائحة كرهية‪ ،‬وهي ريح املغافري!! وهو كالم غري صحيح‪.‬‬ ‫فهل الذي يفعل هذا بخري البرش حممد ݕ ال يمكن أن يدّ عي عىل أمري‬ ‫(‪ )4‬أمايل الشيخ الطويس‪.851 :‬‬ ‫(‪ )7‬صحيح البخاري ‪ ،4511/1‬صحيح مسلم ‪.4444/7‬‬


‫احتجاجات بأحاديث خمتلفة ‪41 ................................................................‬‬

‫املؤمنني ݠ مثل االدعاء الوارد يف احلديث السابق؟‬ ‫ومما يدل عىل هذا أن النبي ݕ مل يزجر أمري املؤمنني ݠ عن فعله‪ ،‬بل‬ ‫عاتب عائشة عىل قوهلا‪ ،‬وقال هلا‪ :‬فقال‪ :‬مه يا عائشة‪ ،‬ال تؤذيني يف عيل‪ ،‬فإنه‬ ‫أخي يف الدنيا وأخي يف اآلخرة‪ ،‬وهو أمري املؤمنني‪ ،‬جيعله اهلل يوم القيامة عىل‬ ‫الرصاط‪ ،‬فيدخل أولياءه اجلنة‪ ،‬وأعداءه النار‪..‬‬ ‫السنية‪ ،‬ومل يعت ره علامؤهم‬ ‫عل ًام أن هذا احلديث قد ورد أيض ًا يف املصادر ُ‬ ‫منكر املتن‪ ،‬وقد أخرجه العقييل يف ضعفائه‪ :‬عن ليىل الغفارية‪ ،‬قالت‪ :‬كنت‬ ‫أخرج مع رسول اهلل ﷺ يف مغازيه‪ ،‬فأداوي اجلرحى‪ ،‬وأقوم عىل املرىض‪ ،‬فلام‬ ‫خرج إىل البرصة خرجت معه‪ ،‬فلام رأيت عائشة واقفة دخلني يشء من الشك‪،‬‬ ‫فأتيتها فقلت‪ :‬هل سمعت من رسول اهلل ﷺ فضيلة يف عيل؟ فقالت‪ :‬نعم‪،‬‬ ‫عيل عىل رسول اهلل ﷺ وهو مع عائشة وهو عىل فريش‪ ،‬وعليه جرد‬ ‫دخل ٌ‬ ‫قطيفة‪ ،‬فجلس بينهام‪ ،‬فقالت له عائشة‪ :‬أما وجدت مكان ًا هو أوسع لك من‬ ‫هذا؟ فقال النبي ﷺ‪ :‬يا عائشة دعي أخي‪ ،‬فإنه أول الناس إسالم ًا‪ ،‬وآخر‬ ‫الناس يب عهد ًا عند املوت‪ ،‬وأول الناس يل لقيا يوم القيامة(‪.)4‬‬ ‫وذكره ابن حجر يف اإلصابة(‪ ،)7‬والذهبي يف ميزان االعتدال(‪،)1‬‬ ‫وغريمها‪.‬‬ ‫وعليه‪ ،‬فهذا احلديث ال داللة فيه أيض ًا عىل أن الشيعة يطعنون يف عرض‬ ‫النبي األكرم ݕ كام يروج ذلك أعداء الشيعة زور ًا وهبتان ًا‪.‬‬ ‫(‪ )4‬الضعفاء ‪.455/1‬‬ ‫(‪ )7‬اإلصابة يف معرفة الصحابة ‪.141/8‬‬ ‫(‪ )1‬ميزان االعتدال ‪.741/1‬‬



‫شبهات أخر‬ ‫جولز لتكير يسحفزم جولز لتزنا باألاتوية‪:‬‬ ‫ربام يقال‪ :‬إن اهلل تعاىل ذكر زوجتي نوح ولوط ݟ‪ ،‬فحكم بأهنام‬ ‫كافرتان ومن أهل النار‪ ،‬حيث قال عز من قائل‪ :‬ݨ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ‬ ‫ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ‬

‫ﮡﮢﮣﮤﮥﮦﮧﮨﮩﮪ ݩ [التحريم‪.]44 :‬‬ ‫فكيف نمنع الزنا عن زوجات األنبياء ݜ‪ ،‬ونجيز عليهن الضالل‬ ‫والكفر‪ ،‬مع أن الكفر أشد من الزنا وأسوأ‪ ،‬وثبوت الكفر يستلزم جواز الزنا‬ ‫باألولوية؟‬ ‫واجلواب‪ :‬أن االختالف بني النبي وبني زوجته يف العقيدة اختالف‬ ‫فكري‪ ،‬ليس راجع ًا إىل السلوك‪ ،‬وهلذا فإن ضالل الزوجة أو كفرها ال يستلزم‬ ‫تنفري الناس عن زوجها‪.‬‬ ‫أو فلنقل‪ :‬إن الضالل والكفر ال يؤثران عىل مكانة النبي أو الرسول‬ ‫االجتامعية‪ ،‬وال عىل مستقبل دعوته؛ وذلك ألن من طبيعة املجتمعات املختلفة‬ ‫النظر يف سلوكيات الفرد بغض النظر عام يتبناه من عقائد وآراء وأفكار‪،‬‬ ‫صب ج ُل اهتامماتا عىل املظاهر املادية‬ ‫خصوص ًا يف املجتمعات املادية التي ين ُ‬ ‫والسلوكية‪ ،‬والكفر أو الضالل ال يعيقان التواصل والتقارب بل والتزاوج يف‬ ‫هذه املجتمعات‪.‬‬


‫‪ ........................................... 48‬براءة نساء األنبياء من الزنا‪ :‬بني التحقيق والتلفيق‬

‫أما الفاحشة والعهر‪ ،‬أو ما تعورف عليه يف العرص احلارض باخليانة‬ ‫الزوجية‪ ،‬فإنه عيب عند كل البرش‪ ،‬ويلحق العار بالزوج حتى عند امللحدين‬ ‫والالدينيني‪ ،‬ولذلك نرى الناس يف املجتمعات التي ال حيكمها الدين كأوروبا‬ ‫وأمريكا وغريمها‪ ،‬يرفضون خيانة املرأة لزوجها رغم اإلباحية التي يعيشوهنا‪،‬‬ ‫بل يعت رون اخليانة الزوجية من األسباب القوية التي يقرها القانون املدين‬ ‫النفصال الزوجني عن بعضهام‪ ،‬يف حني يرون أن االختالف يف اآلراء والعقائد‬ ‫ال يثري أي نزا بينهم أو جدال‪ ،‬ونجد األرسة الواحدة فيها خمتلف الديانات‪،‬‬ ‫كاملسيحي‪ ،‬وامللحد‪ ،‬وربام املسلم‪.‬‬ ‫وقد أجاب الزخمرشي يف تفسريه عىل هذا اإلشكال بقوله‪ :‬وال جيوز أن‬ ‫يراد باخليانة الفجور؛ ألنه سمج يف الطبا نقيصة عند كل أحد ‪ ،‬بخالف الكفر‬ ‫فإن الكفار ال يستسمجونه‪ ،‬بل يستحسنونه ويسمونه ح اقا(‪.)4‬‬ ‫واحلاصل أن كفر الزوجة ال يعد عند العرف العام ويف أكثر املجتمعات‬ ‫املدنية من ضمن املن ّفرات عن زوجها‪ ،‬بخالف زنا الزوجة وخيانتها مع علم‬ ‫الزوج أو من دون علمه‪.‬‬ ‫زنا لتزاجة غري منير بعد افاة زاجها‪:‬‬

‫قد يقال‪ :‬إن ارتكاب الزوجة للفاحشة إنام يكون منفر ًا يف حياة زوجها‪،‬‬

‫وأما بعد وفاته‪ ،‬وبعد ميض فرتة طويلة عىل تلك الوفاة‪ ،‬فإن إقدام زوجة من‬ ‫زوجاته عىل ممارسة الزنا ال يكون من ّفر ًا عن ذلك الزوج املتوىف‪.‬‬ ‫وعليه‪ ،‬فلم ال يقال‪ :‬إنه يمكن أن تزين زوجة من زوجات نب ّينا ݕ‪،‬‬ ‫خصوص ًا الاليت بقني سنني طويلة من بعده‪ ،‬وما قيل من أن زنا الزوجة ين ّفر عن‬ ‫(‪ )4‬الكشاف ‪.117/1‬‬


‫شبهات أخر ‪41 ................................................................................‬‬

‫زوجها ال يتم عىل إطالقه‪.‬‬ ‫واجلواب‪ :‬أن الزوجية تنقطع بموت الزوج‪ ،‬وهلذا حيل للمرأة بعد عدّ ة‬ ‫الوفاة واحلداد أن تتزوج بغريه‪ ،‬وال إشكال يف ذلك‪.‬‬ ‫وعليه‪ ،‬فإن زنا هذه املرأة بعد وفاة زوجها ال يشني زوجها املتوىف عند‬ ‫العرف العام‪ ،‬وال سيام إذا كانت وفاته منذ مدة طويلة‪.‬‬ ‫فننزههن عن الوقو يف الزنا ولو بعد وفاته‬ ‫وأما زوجات رسول اهلل ݕ ّ‬ ‫ݕ ألمرين‪:‬‬ ‫األول‪ :‬أن زوجات رسول اهلل ݕ هلن حكم خمتلف عن حكم سائر نساء‬ ‫هذه األمة‪ ،‬كام قال تعاىل‪ :‬ݨﭒ ﭓ ﭔﭕ ﭖ ﭗ ﭘﭙ ﭚ‬

‫ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ݩ [األحزاب‪ ،]14 :‬كام أنه يضاعف هلا العذاب‬ ‫ضعفني‪ .‬قال سبحانه‪ :‬ݨﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ‬

‫ﯴﯵﯶﯷﯸﯹﯺﯻݩ [األحزاب‪.]14 :‬‬ ‫مضاف ًا إىل ذلك فإنه ال جيوز التزويج هبن بعد وفاة النبي ݕ‪ ،‬كام قال‬ ‫سبحانه‪ :‬ݨﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ ﯶ ﯷ ﯸ‬

‫ﯹﯺﯻﯼﯽﯾﯿﰀݩ [األحزاب‪.]11 :‬‬ ‫وهذه األحكام كلها ثابتة لكل واحدة من زوجات النبي ݕ يف حياته‬ ‫وبعد مماته‪ ،‬بلحاظ أن العلقة التي حدثت بالزوجية مل تنفك عنهن حتى بعد‬ ‫وفاته ݕ‪ ،‬عند اهلل تعاىل وعند عموم املسلمني‪ ،‬وهلذا فإن تعامل الناس معهن‬ ‫بعد وفاة رسول اهلل ݕ يكون عىل هذا األساس‪ ،‬وكان املسلمون ينادوهنن‬ ‫بأمهات املؤمنني‪.‬‬


‫‪ ........................................... 61‬براءة نساء األنبياء من الزنا‪ :‬بني التحقيق والتلفيق‬

‫وعليه‪ ،‬فإن ارتكاب أي منهن فاحشة الزنا من بعد النبي ݕ ال شك أنه‬ ‫يشني النبي ݕ‪ ،‬وين ّفر عن دعوته‪ ،‬وعن أحكام رشيعته‪ ،‬بخالف الرجل‬ ‫العادي الذي ليست له رشيعة وال دعوة فإن موته يقطع مجيع العالئق به‪ ،‬ومن‬ ‫ضمنها عالقة الزوجية كام أوضحنا‪.‬‬ ‫الثاين‪ :‬أن زنا أي واحدة من زوجات رسول اهلل ݕ حيط من قدره‪،‬‬ ‫ويق ّلل من شأنه‪ ،‬بسبب بقاء تلك العالقة كام ذكرنا آنف ًا‪ ،‬بل إن ظهور هذا الفعل‬ ‫منها يف هذا الزمن أي بعد وفاة النبي ݠ يكون مطعن ًا يف سريتا حتى يف‬ ‫حياته؛ ألن العدو الذي يتص ّيد عىل عدوه سيستغل الزلة البسيطة‪ ،‬وجيعلها طامة‬ ‫ك رى‪ ،‬أو كام يقال جيعل من احلبة قبة!‬ ‫فلو صدر من زوجة نبي من أنبياء اهلل ݜ هذا العمل فإنه سيستغل‬ ‫للطعن يف كل سريتا‪ ،‬وبالتايل الطعن فيه‪ ،‬واهلل تعاىل صان أنبياءه عام هو دون‬ ‫ذلك‪ ،‬فكيف ال يصوهنم عن مثل هذا األمر القبيح‪.‬‬


‫عيقدة أهل لتسنة يف نساء لألنبقاء ݜ‬ ‫اختلف أهل السنة أيام اختالف يف ما يعتقدونه يف نساء األنبياء ݜ‬ ‫عامة‪ ،‬ونساء نبينا ݕ خاصة‪ ،‬وتعددت كلامتم‪ ،‬وتباينت استدالالتم يف هذا‬ ‫املوضو ‪ ،‬حتى إهنم مل يستقروا حلد اآلن عىل رأي واضح وحمدّ د‪.‬‬ ‫وأهم هذه اآلراء هي أن بعضهم ينزه نساء األنبياء ݜ عن الفحش‬ ‫ومنزهات عن الكبائر‪،‬‬ ‫والفجور‪ ،‬وبعض آخر يعت رهن معصومات من الزنا‪ّ ،‬‬ ‫وبعض ثالث جييز عليهن كل هذا نظر ايا!‬ ‫واملدقق يف أحاديث أهل السنة جيد تناقضات غريبة عجيبة بينها وبني‬ ‫ال راقة التي رفعوها أخري ًا‪ ،‬وسن ّبني كل هذا يف طيات البحوث‬ ‫الشعارات ّ‬ ‫اآلتية‪.‬‬ ‫لتيول لألال‪ :‬عصمة نساء لألنبقاء ݜ من لتزنا‪:‬‬ ‫رصح بعض علامء أهل السنة بأن نساء األنبياء معصومات عن الوقو يف‬ ‫الزنا‪ ،‬وإليك بعض ًا من كلامتم‪:‬‬ ‫قال ابن كثري الدمشقي‪ :‬وليس املراد بقوله‪ :‬ݨ ﮟݩ يف فاحشة‪ ،‬بل‬ ‫يف الدين؛ فإن نساء األنبياء معصومات عن الوقو يف الفاحشة؛ حلرمة األنبياء‬ ‫كام قدّ منا يف سورة النور(‪.)4‬‬ ‫وقال أبو الليث السمرقندي يف تفسري قوله تعاىل‪ :‬ݨ ﭑ ﭒ ﭓ‬ ‫(‪ )4‬تفسري القرآن العظيم ‪.111/1‬‬


‫‪ ........................................... 61‬براءة نساء األنبياء من الزنا‪ :‬بني التحقيق والتلفيق‬

‫ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘݩ‬

‫[البقرة‪:‬‬

‫‪ :]447‬واختلفوا يف سبب ذلك‪ ،‬قال‬

‫فتزوج‬ ‫بعضهم‪ :‬إن سليامن ݠ أمر بأن ال يتزوج امرأة من غري بني إرسائيل‪ّ ،‬‬ ‫امرأة من غري بني إرسائيل‪ ،‬يقال هلا‪ :‬ضبنة بنت صابورا‪ ،‬فعاقبه اهلل تعاىل بأن‬ ‫أجلس مكانه الشيطان‪ ،‬وكان الناس يظنون أنه سليامن‪ ،‬فأشكل عليهم أمره‪،‬‬ ‫فجاؤوا إىل آصف بن برخيا وكان معلم سليامن بن داود يف حال صغره‪ ،‬وكان‬ ‫وزيره يف حال ك ره وملكه‪ ،‬فقالوا له‪ :‬إن قضاياه ال تشبه قضايا سليامن‪ ،‬فقام‬ ‫آصف‪ ،‬ودخل عىل نساء سليامن‪ ،‬فسأهلن عن ذلك‪ ،‬فقلن‪ :‬إن كان هذا سليامن‬ ‫فقد هلكنا وهلكتم‪ ،‬واهلل ما يعتزل منا حائض ًا‪ ،‬وال يغتسل من جنابة‪ .‬هكذا ذكر‬ ‫يف رواية الكلبي‪ ،‬وقال بعضهم‪ :‬هذا خطأ؛ ألن نساء األنبياء معافات‬ ‫معصومات عن الفواحش‪ ،‬فال جيوز أن يظن هبن أن الشيطان يقرهبن‪ ،‬وهو‬ ‫األصح(‪.)4‬‬ ‫وقال حممد األمني الشنقيطي‪ :‬أمجع املفّسون هنا عىل أن اخليانة ليست‬ ‫زوجية‪ ،‬وقال ابن عباس‪« :‬نساء األنبياء معصومات‪ ،‬ولكنها خيانة دينية بعدم‬ ‫إسالمهن‪ ،‬وإخبار أقوامهن بمن يؤمن مع أزواجهن» اهـ ‪.‬وقد يستأنس لقول‬ ‫ابن عباس هذا بتحريم التزوج من نساء النّبي ﷺ بعده‪ ،‬والتعليل له بأن ذلك‬ ‫يؤذيه‪ ،‬كام يف قوله تعاىل‪ :‬ݨ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ‬

‫ﯶ ﯷ ﯸ ﯹﯺ ﯻ ﯼ ﯽ ﯾ ﯿ ﰀݩ [األحزاب‪ ،]11 :‬فإذا كان‬ ‫تساؤهلن بدون حجاب يؤذيه‪ ،‬والزواج هبن من بعده عند اهلل عظيم‪ ،‬فكيف إذا‬ ‫كان غري التساؤل وبغري الزواج؟ إن مكانة األنبياء عند اهلل أعظم من ذلك(‪.)7‬‬ ‫(‪ )4‬تفسري السمرقندي ‪.441/4‬‬ ‫(‪ )7‬أضواء البيان ‪.184/8‬‬


‫عقيدة أهل السنة يف نساء األنبياء ݜ ‪61 .......................................................‬‬

‫لتيول لتثاين‪ :‬إمكان صدار لتزنا من نساء لألنبقاء ݜ‪:‬‬ ‫ذهب بعض آخر إىل أن نساء النبي ݕ وإن مل يرتكبن الزنا‪ ،‬ولكن عدم‬ ‫وقوعه منهن ال يعني امتنا صدوره منهن‪ ،‬فهو جائز عليهن‪ ،‬ولكنه مل يقع‬ ‫منهن‪ ،‬وهو ما ذهب إليه الشيخ حممد نارص الدين األلباين الذي أجاز وقو‬ ‫فاحشة الزنا حتى عىل زوجات رسول اهلل ݕ!‬ ‫قال األلباين يف سلسلته الصحيحة‪ :‬قلت‪ :‬واحلديث نص رصيح يف أن‬ ‫أهل البيت ݢ جيوز فيهم ما جيوز يف غريهم من املعايص إال من عصم اهلل‬ ‫تعاىل‪ ،‬فهو كقوله ﷺ لعائشة يف قصة اإلفك‪« :‬يا عائشة! فإنه قد بلغني عنك‬ ‫كذا و كذا‪ ،‬فإن كنت بريئة فسي رئك اهلل‪ ،‬وإن كنت أملمت بذنب فاستغفري اهلل‪،‬‬ ‫وتويب إليه»‪ ،‬أخرجه مسلم‪ .‬ففيهام رد قاطع عىل من ابتد القول بعصمة‬ ‫حمتجا بمثل قوله تعاىل فيهن‪ :‬ݨﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ‬ ‫زوجاته ﷺ‬ ‫ا‬

‫ال أو متجاه ً‬ ‫ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐݩ‪ ،‬جاه ً‬ ‫ال أن اإلرادة يف اآلية‬ ‫ليست اإلرادة الكونية التي تستلزم وقو املراد‪ ،‬وإنام هي اإلرادة الرشعية‬ ‫املتضمنة للمحبة والرضا‪ ،‬وإال لكانت اآلية حجة للشيعة يف استدالهلم هبا عىل‬ ‫عصمة أئمة أهل البيت‪ ،‬وعىل رأسهم عيل ݤ‪ ،‬وهذا مما غفل عنه ذلك املبتد‬ ‫(‪)4‬‬

‫مع أنه يدّ عي أنه سلفي!‬

‫‪.‬‬

‫وقال يف مورد آخر‪ :‬ولكنه سبحانه صان السيدة عائشة ݣ وسائر‬ ‫أمهات املؤمنني من ذلك كام عرف ذلك من تاريخ حياتن‪ ،‬ونزول الت رئة‬ ‫بخصوص السيدة عائشة ݣ‪ ،‬وإن كان وقو ذلك ممكن ًا من الناحية النظرية؛‬ ‫لعدم وجود نص باستحالة ذلك منهن‪ ،‬وهلذا كان موقف النبي ﷺ يف القصة‬ ‫(‪ )4‬سلسلة االحاديث الصحيحة ‪.171/1‬‬


‫‪ ........................................... 61‬براءة نساء األنبياء من الزنا‪ :‬بني التحقيق والتلفيق‬

‫موقف املرت ّيث املرت ّقب نزول الوحي القاطع؛ للشك يف ذلك الذي ينبئ عنه‬ ‫قوله ﷺ يف حديث الرتمجة‪« :‬إنام أنت من بنات آدم‪ ،‬فإن كنت بريئة فسي رئك‬ ‫اهلل‪ ،‬وإن كنت أملمت بذنب فاستغفري اهلل‪ ،»..‬ولذلك قال احلافظ يف صدد بيان‬ ‫ما يف احلديث من الفوائد‪« :‬وفيه أن النبي ﷺ كان ال حيكم لنفسه إال بعد نزول‬ ‫الوحي‪ ،‬ن ّبه عليه الشيخ أبو حممد بن أيب مجرة نفع اهلل به»‪ .‬يعني أن النبي ﷺ مل‬ ‫يقطع ب راءة عائشة ݣ إال بعد نزول الوحي‪ ،‬ففيه إشعار قوي بأن األمر يف حد‬ ‫الرشاح‬ ‫نفسه ممكن الوقو ‪ ،‬وهو ما يدندن حوله كل حوادث القصة‪ ،‬وكالم ّ‬

‫عليها‪ ،‬وال ينايف ذلك قول احلافظ ابن كثري (‪ )148/8‬يف تفسري قوله تعاىل‪:‬‬ ‫ݨﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ‬ ‫ﮝﮞﮟﮠﮡﮢ ﮣﮤﮥﮦﮧﮨ ﮩ‬

‫ﮪݩ [التحريم‪ :]44 :‬وليس املراد بقوله‪ :‬ݨ ﮟݩ يف فاحشة‪ ،‬بل يف‬ ‫الدين‪ ،‬فإن نساء األنبياء معصومات عن الوقو يف الفاحشة؛ حلرمة األنبياء كام‬ ‫قدمنا يف سورة النور‪ .‬وقال هناك (‪« :)84/5‬ثم قال تعاىل‪ :‬ݨ ﮩ ﮪﮫ‬

‫ﮬ ﮭ ﮮݩ‪ ،‬أي‪ :‬تقولون ما تقولون يف شأن أم املؤمنني‪ ،‬وحتسبون ذلك‬ ‫يسري ًا سه ً‬ ‫ال‪ ،‬ولو مل تكن زوجة النبي ﷺ ملا كان ه ّين ًا‪ ،‬فكيف وهي زوجة النبي‬ ‫ﷺ األمي خاتم األنبياء وسيد املرسلني‪ ،‬فعظيم عند اهلل أن يقال يف زوجة نب ّيه‬ ‫ورسوله ما قيل‪ ،‬فإن اهلل سبحانه وتعاىل يغار هلذا‪ ،‬وهو سبحانه ال يقدّ ر عىل‬ ‫زوجة نبي من األنبياء ذلك‪ ،‬حاشا وكال‪ ،‬وملا مل يكن ذلك‪ ،‬فكيف يكون هذا يف‬ ‫س ّيدة نساء األنبياء زوجة س ّيد ولد آدم عىل اإلطالق يف الدنيا واآلخرة‪ ،‬وهلذا‬ ‫قال تعاىل‪ :‬ݨ ﮩ ﮪﮫ ﮬﮭﮮ ݩ‪ .‬أقول‪ :‬فال ينايف هذا ما ذكرنا من‬ ‫اإلمكان‪ ،‬ألن املقصود بـ «العصمة» الواردة يف كالمه ݥ وما يف معناها إنام هي‬


‫عقيدة أهل السنة يف نساء األنبياء ݜ ‪61 .......................................................‬‬

‫العصمة التي ّ‬ ‫دل عليها الوحي‪ ،‬الذي لواله لوجب البقاء عىل األصل‪ ،‬وهو‬ ‫اإلمكان املشار إليه‪ ،‬فهي باملعنى الذي أراده النبي ﷺ بقوله‪« :‬فاملعصوم من‬ ‫عصمه اهلل» يف حديث أخرجه البخاري وغريه‪ ،‬وليس املراد هبا العصمة اخلاصة‬ ‫باألنبياء عليهم الصالة والسالم‪ ،‬وهي التي تنايف اإلمكان املذكور‪ ،‬فالقول هبذه‬ ‫يف غري األنبياء إنام هو من القول عىل اهلل بغري علم(‪.)4‬‬ ‫إذن فاأللباين يقول بجواز ارتكاب زوجات األنبياء فاحشة الزنا وحتى‬ ‫نساء سيدنا حممد ݕ‪ ،‬لكنه مل حيصل!‬ ‫وكام يرى القارئ الكريم أن األلباين قد أسهب يف طرح هذا الرأي‬ ‫واالستدالل عليه‪ ،‬وهو صحيح بناء عىل أحاديثهم‪ ،‬فإن حديث اإلفك يف‬ ‫صحيح البخاري يدل عىل أن النبي ݕ ّ‬ ‫شك يف عائشة‪ ،‬والزم شكه فيها أنه‬ ‫يعتقد أن الزنا جائز عليها‪ ،‬ولكنا ال نعتقد بالقصة من أساسها كام سيأيت بيانه‬ ‫مفص ً‬ ‫ال إن شاء اهلل تعاىل‪.‬‬ ‫ّ‬ ‫والسبب يف إرصار األلباين عىل القول باجلواز ما ذكره يف نفس املصدر‬ ‫من خالفه مع أحد السلفيني يف حلب‪ ،‬وهو الشيخ حممد نسيب الرفاعي تلميذ‬ ‫األلباين‪ ،‬الذي أ ّلف كتاب ًا يف الرد عىل شيخه‪ ،‬أسامه‪( :‬نوال املنى يف إثبات عصمة‬ ‫أمهات وزوجات األنبياء من الزنا)‪.‬‬ ‫والسبب يف ذلك هو ما ذكره يف نفس املصدر بعد عدة صفحات حيث‬ ‫قال‪ :‬وأعلم أن الذي دعاين إىل كتابة ما تقدّ م أن رج ً‬ ‫ال عاش برهة طويلة مع‬ ‫إخواننا السلفيني يف حلب‪ ،‬بل إنه كان رئيس ًا عليهم بعض الوقت‪ ،‬ثم أحدث‬ ‫فيهم حدث ًا دون برهان من اهلل ورسوله‪ ،‬وهو أن دعاهم إىل القول بعصمة نساء‬ ‫(‪ )4‬سلسلة االحاديث الصحيحة ‪.71/5‬‬


‫‪ ........................................... 64‬براءة نساء األنبياء من الزنا‪ :‬بني التحقيق والتلفيق‬

‫النبي ﷺ‪ ،‬وأهل بيته‪ ،‬وذريته من الوقو يف الفاحشة‪ ،‬وملا ناقشه يف ذلك أحد‬ ‫إخوانه هناك‪ ،‬وقال له‪ :‬لعلك تعني عصمتهن التي ّ‬ ‫دل عليها تاريخ حياتن‪،‬‬ ‫املنزهني منها‬ ‫فهن يف ذلك كاخللفاء األربعة وغريهم من الصحابة املشهورين ّ‬ ‫ومن غريها من الكبائر؟ فقال‪ :‬ال‪ ،‬إنام أريد شيئ ًا زائد ًا عىل ذلك‪ ،‬وهو عصمتهن‬ ‫التي ّ‬ ‫دل عليها الرش ‪ ،‬وأخ ر عنها دون غريها مما يشرتك فيها كل صالح‬ ‫وصاحلة‪ ،‬أي العصمة التي تعني مقدم ًا استحالة الوقو ! وملا قيل له‪ :‬هذا أمر‬ ‫غيبي ال جيوز القول به إال بدليل‪ ،‬بل هو خمالف ملا دلت عليه قصة اإلفك‪،‬‬ ‫وموقف الرسول وأيب بكر الصديق فيها‪ ،‬فإنه يدل داللة رصحية أنه ﷺ كان ال‬ ‫يعتقد يف عائشة العصمة املذكورة‪ ،‬كيف وهو يقول هلا‪« :‬إنام أنت من بنات آدم‪،‬‬ ‫فإن كنت بريئة فسي رئك اهلل‪ ،‬وإن كنت أملمت بذنب فاستغفري اهلل‪»...‬‬ ‫احلديث‪ :‬فأجاب بأن ذلك كان من قبل نزول آية األحزاب ‪ :11‬ݨ ﮇ ﮈﮉ‬

‫ال أو متجاه ً‬ ‫ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ݩ جاه ً‬ ‫ال أن‬ ‫اآلية املذكورة نزلت قبل قصة اإلفك‪ .‬بدليل قول السيدة عائشة ريض اهلل تعاىل‬ ‫عنها عن صفوان بن املعطل السلمي‪« :‬فعرفني حني رآين‪ ،‬وكان يراين قبل‬ ‫احلجاب»‪ ،‬وفيه أهنا احتجبت منه‪ .‬ودليل آخر‪ ،‬وهو ما ب ّينه احلافظ ݥ بقوله‬ ‫(‪« :)114/8‬وال خالف أن آية احلجاب نزلت حني دخوله ﷺ بزينب بنت‬ ‫جحش‪ ،‬ويف حديث اإلفك‪ :‬أن النبي ﷺ سأل زينب عنها‪ .‬فثبت أن احلجاب‬ ‫كان قبل قصة اإلفك»‪ .‬ثم اشتدت املجادلة بينهام يف ذلك حتى أرسل إ ّيل أحد‬ ‫اإلخوان الغيورين احلريصني عىل وحدة الصف خطاب ًا يرشح يل األمر‪،‬‬ ‫ويستعجلني بالسفر إليهم قبل أن يتفاقم األمر‪ ،‬وينفرط عقد اجلامعة‪ .‬فسافرت‬ ‫بالطائرة ‪ -‬وألول مرة ‪ -‬إىل حلب‪ ،‬ومعي اثنان من اإلخوان‪ ،‬وأتينا الرجل يف‬


‫عقيدة أهل السنة يف نساء األنبياء ݜ ‪66 .......................................................‬‬

‫منزله‪ ،‬واقرتحت عليهام أن يكون الغداء عنده تألف ًا له‪ ،‬فاستحسنا ذلك‪ .‬وبعد‬ ‫الغداء بدأنا بمناقشته فيام أحدثه من القول‪ ،‬واستمر النقاش معه إىل ما بعد‬ ‫صالة العشاء‪ ،‬ولكن عبث ًا‪ ،‬فقد كان مستسل ًام لرأيه‪ ،‬شأنه يف ذلك شأن املتعصبة‬ ‫الذين يدافعون عن آرائهم دون أي اهتامم لألدلة املخالفة هلم‪ ،‬بل لقد زاد هذا‬ ‫فرصح يف املجلس بتكفري من خيالفه يف قوله املذكور‪ ،‬إال أنه تنازل ‪ -‬بعد‬ ‫عليهم‪ّ ،‬‬ ‫جهد جهيد ‪ -‬عن التكفري املشار إليه‪ ،‬واكتفى بالترصيح بتضليل املخالف أ ايا‬ ‫كان! وملا يئسنا منه قلنا له‪ :‬إن فرضك عىل غريك أن يتبنّى رأيك وهو غري مقتنع‬ ‫به ينايف أص ً‬ ‫ال من أصول الدعوة السلفية‪ ،‬وهو أن احلاكمية هلل وحده‪ ،‬وذكرناه‬ ‫بقوله تعاىل يف النصارى‪ :‬ݨﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ‬

‫ﯞݩ‪ ،‬وهلذا فحسبك أن يظل كل منكام عند رأيه‪ ،‬ما دام أن أحدكام مل يقنع‬ ‫برأي اآلخر وال تضلله‪ ،‬كام هو ال يضللك‪ ،‬وبذلك يمكنك أن تستمر يف‬ ‫فأرص عىل فرض‬ ‫التعاون معه فيام أنتام متفقان عليه من أصول الدعوة وفروعها‪،‬‬ ‫ّ‬ ‫رأيه عليه وإال فال تعاون‪ ،‬عل ًام بأن هذا الذي يريد أن يفرض عليه رأيه هو‬

‫أعرف منه وأفقه بالدعوة السلفية أصوالً وفروع ًا‪ ،‬وإن كان ذاك أكثر ثقافة عامة‬ ‫منه‪ .‬وصباح اليوم التايل بلغنا إخوانه املقربني إليه بخالصة املناقشة‪ ،‬وأن الرجل‬ ‫مرصا عىل التضليل وعدم التعاون إال باخلضو لرأيه‪ ،‬فأمجعوا أمرهم‬ ‫ال يزال ا‬

‫عىل عزله‪ ،‬ولكن بعد مناقشته أيض ًا‪ ،‬فذهبوا إليه يف بيته ‪ -‬بعد استئذانه طبع ًا ‪-‬‬ ‫وأنا معهم وصاحباي‪ ،‬فطلبوا منه التنازل عن إرصاره وأن يد الرجل عىل‬

‫رأيه‪ ،‬وأن يستمر معهم يف التعاون‪ ،‬فرفض ذلك‪ ،‬وبعد مناقشة شديدة بينه وبني‬ ‫خمالفه يف الرأي وغريه من إخوانه‪ ،‬خرج فيها الرجل عن طوره حتى قال‬ ‫ملخالفه ملا ذكره باهلل‪ :‬أنا ال أريد أن تذكرين أنت باهلل! إىل غري ذلك من األمور‬


‫‪ ........................................... 68‬براءة نساء األنبياء من الزنا‪ :‬بني التحقيق والتلفيق‬

‫التي ال جمال لذكرها اآلن‪ ،‬وعىل ضوء ما سمعوا من إرصاره‪ ،‬ورأوا من سوء‬ ‫ترصفه مع ضيوفه اتفقوا عىل عزله‪ ،‬ونصبوا غريه رئيس ًا عليهم‪ .‬ثم أخذت‬ ‫األيام متيض‪ ،‬واألخبار عنه ترتى بأنه ينال من خصمه‪ ،‬ويصفه بام ليس فيه‪ ،‬فلام‬ ‫تيقنت إرصاره عىل رأيه وتقوله عليه‪ ،‬وهو يعرف نزاهته وإخالصه قرابة ثالثني‬ ‫وهش إيل ّ‬ ‫سنة‪ ،‬أعلنت مقاطعته حتى يعود إىل رشده‪ ،‬فكان كلام لقيني ّ‬ ‫وبش‬ ‫أعرضت عنه‪ ،‬وحيكي للناس شاكي ًا إعرايض عنه متجاه ً‬ ‫ال فعلته‪ ،‬وأكثر الناس‬ ‫عيل وأنه تلميذي! إىل‬ ‫ال يعلمون هبا‪ ،‬يف الوقت الذي يتظاهر فيه بمدحي والثناء ّ‬ ‫أن فوجئت به يف منزل أحد السلفيني يف عامن يف دعوة غداء يف منتصف مجادى‬ ‫األوىل لسنة (‪ ،)4115‬فسار إىل استقبايل كعادته‪ ،‬فأعرضت عنه كعاديت‪ ،‬وعىل‬ ‫املائدة حاول أن يستدرجني إىل مكاملته بسؤاله إياي عن بعض الشخصيات‬ ‫العلمية التي لقيتها يف سفري إىل (املغرب)‪ ،‬وكنت حديث عهد بالرجو منه‪،‬‬ ‫فقلت له‪ :‬ال كالم بيني وبينك حتى تنهي مشكلتك! قال‪ :‬أي مشكلة؟ قلت‪:‬‬ ‫أنت أدرى هبا‪ ،‬فلم يستطع أن يكمل طعامه‪ ،‬فقصصت عىل اإلخوان احلارضين‬ ‫قصته‪ ،‬وتعصبه لرأيه‪ ،‬وظلمه ألخيه املخالف له‪ ،‬واقرتحت عقد جلسة خاصة‬ ‫ليسمعوا من الطرفني‪ ،‬وكان ذلك بعد يومني من ذلك اللقاء‪ ،‬فبعد أن انرصف‬ ‫الناس مجيع ًا من الندوة التي كنت عقدتا يف دار أحدهم يف (جبل النرص)‪ ،‬وبقي‬ ‫بعض اخلاصة من اإلخوان‪ ،‬بدأ النقاش‪ ،‬فإذا هبم يسمعون منه كالم ًا عجب ًا‪،‬‬ ‫وتناقض ًا غريب ًا‪ ،‬فهو من جهة يشكوين إليهم ملقاطعتي إياه‪ ،‬وأنه هيش إ ّيل ويبش‪،‬‬ ‫ويتفاخر يف املجالس بأين شيخه‪ ،‬ومن جهة أخرى ملا جيري البحث العلمي بيني‬ ‫يرصح بتضلييل أيض ًا وبمقاطعتي! فيقول له اإلخوان‪ :‬كيف هذا‪ ،‬وأنت‬ ‫وبينه ّ‬ ‫تشكو مقاطعته إياك؟! فال جييب عىل سؤاهلم‪ ،‬وإنام خيوض يف جانب آخر من‬


‫عقيدة أهل السنة يف نساء األنبياء ݜ ‪61 .......................................................‬‬

‫املوضو ‪ .‬وباختصار فقد انكشف للحارضين إعجابه برأيه وإرصاره عليه‪،‬‬ ‫وتعديه عىل من يزعم أنه شيخه وجزمه بضالله‪ ،‬واهلل املستعان‪ .‬فإذا قيل له‪:‬‬ ‫رأيك هذا هو وحي السامء‪ ،‬أال يمكن أن يكون خطأ؟ قال‪ :‬بىل‪ ،‬فإذا قيل له‪:‬‬ ‫فكيف جتزم بضالل خمالفك مع احتامل أن يكون الصواب معه؟ مل حير جواب ًا‪،‬‬ ‫وإنام يعود ليجادل بصوت مرتفع‪ ،‬فإذا ذ ّكر بذلك قال‪ :‬عدم املؤاخذة‪ ،‬لقد قلت‬ ‫لكم‪ :‬هذه عاديت! فال تؤاخذوين! فطالبه بعض احلارضين بالدليل عىل العصمة‬ ‫التي يزعمها‪ ،‬فتىل آية التطهري‪ :‬ݨ ﮇ ﮈﮉﮊ ﮋﮌ ﮍﮎ‬

‫ﮏ ﮐݩ‪ ،‬فقيل له‪ :‬اإلرادة يف هذه اآلية رشعية أم كونية‪ ،‬فأجاب‪:‬‬ ‫كونية! فقيل له‪ :‬هذا يستلزم أن أوالد فاطمة أيض ًا معصومون! قال‪ :‬نعم‪ .‬قيل‬ ‫وفر من اجلواب!(‪.)4‬‬ ‫وأوالد أوالدها؟ فصاح‪ّ ،‬‬ ‫لنبني للقارئ الكريم اخلالف الكبري الذي‬ ‫تعمدنا نقل كل كالم األلباين ّ‬ ‫ّ‬ ‫وقع فيه السلفية يف هذه املسألة‪ ،‬حتى وصل هبم األمر إىل تكفري بعضهم بعض ًا‬ ‫كام نقل إمامهم!‬ ‫وكام قلنا‪ :‬إن السلفي الذي يتحدّ ث عنه األلباين هو تلميذه الشيخ حممد‬ ‫نسيب الرفاعي‪ ،‬وقد ألف كتاب ًا للرد عىل شيخه أسامه‪( :‬نوال املنى يف إثبات‬ ‫عصمة أمهات وزوجات األنبياء من الزنا)‪ ،‬أثبت فيه بطالن مزاعم األلباين‬ ‫وشذوذه!‬ ‫لتيول لتثاتث‪ :‬اقوع لتزنا من بعض نساء لألنبقاء ݜ‪:‬‬ ‫القول الثالث واألخري هو‪ :‬وقو الزنا من بعض زوجات األنبياء ݜ‪،‬‬ ‫(‪ )4‬نفس املصدر‪.‬‬


‫‪ ........................................... 81‬براءة نساء األنبياء من الزنا‪ :‬بني التحقيق والتلفيق‬

‫مفّسي أهل السنة‪،‬‬ ‫وقد نسب هذا القول إىل بعض الصحابة وبعض مشاهري ّ‬ ‫ومن هؤالء‪:‬‬ ‫‪ -0‬ابن عباس ‪:‬‬ ‫نقل املخالفون يف كتبهم كلامت عن الصحايب اجلليل عبد اهلل بن عباس‬ ‫موحد غيور عىل دينه‪:‬‬ ‫تقشعر منها اجللود‪ ،‬وينقبض منها قلب كل مؤمن ّ‬ ‫فقد روى ابن أيب حاتم يف تفسريه وبسند قوي‪ ،‬عن ابن عباس ݡ‪ ،‬قال‪:‬‬ ‫أراد سليامن ݠ أن يدخل اخلالء‪ ،‬فأعطى اجلرادة خامته وكانت امرأته‪ ،‬وكانت‬ ‫أحب نسائه إليه‪ ،‬فجاء الشيطان يف صورة سليامن‪ ،‬فقال هلا‪ :‬هايت خامتي‪.‬‬ ‫فأعطته‪ ،‬فلام لبسه دانت له اجلن واإلنس والشياطني‪ ،‬فلام خرج سليامن ݠ من‬ ‫اخلالء قال هلا‪ :‬هايت خامتي‪ .‬فقالت‪ :‬قد أعطيته سليامن‪ ،‬قال‪ :‬أنا سليامن‪ .‬قالت‪:‬‬ ‫لست سليامن‪ .‬فجعل ال يأيت أحد ًا‪ ،‬يقول‪« :‬أنا سليامن» إال كذبه حتى‬ ‫كذبت‪،‬‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫عز وجل‪،‬‬ ‫جعل الصبيان يرمونه باحلجارة‪ ،‬فلام رأى ذلك عرف أنه من أمر اهلل ّ‬ ‫وقام الشيطان حيكم بني الناس‪ ،‬فلام أراد اهلل تعاىل أن يرد عىل سليامن ݠ‬ ‫سلطانه ألقى يف قلوب الناس إنكار ذلك الشيطان‪ ،‬فأرسلوا إىل نساء سليامن‬ ‫ݠ‪ ،‬فقالوا هلن‪ :‬أيكون من سليامن يشء؟ قلن‪ :‬نعم‪ ،‬إنه يأتينا ونحن ح ّيض‪،‬‬ ‫وما كان يأتينا قبل ذلك‪ ،‬فلام رأى الشيطان أنه قد فطن له ظن أن أمره قد‬ ‫انقطع‪ ،‬فكتبوا كتب ًا فيها سحر ومكر‪ ،‬فدفنوها حتت كريس سليامن‪ ،‬ثم أثاروها‬ ‫وقرؤوها عىل الناس‪ ،‬قالوا‪ :‬هبذا كان يظهر سليامن عىل الناس ويغلبهم‪ ،‬فأكفر‬ ‫الناس سليامن‪ ،‬فلم يزالوا يكفرونه‪ ،‬وبعث ذلك الشيطان باخلاتم‪ ،‬فدعا سليامن‬ ‫ݠ‪ ،‬فقال‪ :‬حتمل يل هذه السمكة؟ ثم انطلق إىل منزله‪ ،‬فلام انتهى الرجل إىل‬ ‫فشق‬ ‫باب داره‪ ،‬أعطاه تلك السمكة التي يف بطنها اخلاتم‪ ،‬فأخذها سليامن ݠ‪ّ ،‬‬


‫عقيدة أهل السنة يف نساء األنبياء ݜ ‪80 .......................................................‬‬

‫بطنها فإذا اخلاتم يف جوفها‪ ،‬فأخذه فلبسه‪ ،‬فلام لبسه دانت له اإلنس واجلن‬ ‫والشياطني‪ ،‬وعاد إىل حاله‪ ،‬وهرب الشيطان حتى حلق بجزيرة من جزائر‬ ‫البحر‪ ،‬فأرسل سليامن ݠ يف طلبه‪ ،‬وكان شيطان ًا مريد ًا‪ ،‬يطلبونه وال يقدرون‬ ‫عليه‪ ،‬حتى وجدوه يوم ًا نائ ًام‪ ،‬فجاؤوا فنقبوا عليه بنيان ًا من رصاص‪ ،‬فاستيقظ‬ ‫فوثب‪ ،‬فجعل ال يثبت يف مكان من البيت إال أن دار معه الرصاص‪ ،‬فأخذوه‬ ‫وأوثقوه‪ ،‬وجاؤوا به إىل سليامن ݠ‪ ،‬فأمر به‪ ،‬فنقر له يف رخام‪ ،‬ثم أدخل يف‬ ‫جوفه‪ ،‬ثم سدّ بالنحاس‪ ،‬ثم أمر به فطرح يف البحر‪ ،‬فذلك قوله‪ :‬ݨﮡ ﮢ‬

‫ﮣﮤﮥﮦﮧ ݩ‪ ،‬يعني‪ :‬الشيطان الذي كان تس ّلط عليه(‪.)4‬‬ ‫قوى السيوطي هذا اخل ر يف الدر املنثور(‪ ،)7‬وابن كثري يف تفسريه(‪،)1‬‬ ‫وقد ّ‬ ‫واآللويس(‪.)1‬‬ ‫ورغم اإلشكاالت العقدية الكثرية التي اشتملت عليها هذه الرواية‪،‬‬ ‫مثل‪ :‬تشكل الشيطان بصورة نبي اهلل سليامن ݠ‪ ،‬وشغله منصبه دون أن‬ ‫تتدخل القدرة اإلهلية ملنع هذا الفعل‪ ،‬وانحصار سلطة نبي اهلل سليامن ݠ يف‬ ‫خاتم فقط!‬ ‫لكن تبقى نقطة بحثنا هي يف كون الشيطان كان يأيت نساء النبي سليامن‬ ‫ݠ‪ ،‬ويعارشهن معارشة الرجل لزوجته!‬ ‫وقد التفت أهل السنة إىل خطورة هذه القصة املضحكة‪ ،‬فحاولوا إجياد‬ ‫(‪ )4‬تفسري ابن ايب حاتم ‪.1717/44‬‬ ‫(‪ )7‬الدر املنثور ‪.144/1‬‬ ‫(‪ )1‬تفسري ابن كثري ‪.14/1‬‬ ‫(‪ )1‬روح املعاين ‪.418/71‬‬


‫‪ ........................................... 81‬براءة نساء األنبياء من الزنا‪ :‬بني التحقيق والتلفيق‬

‫خمارج هلا بأي طريقة‪ ،‬حتى وصل األمر ببعضهم للطعن يف ابن عباس كام فعل‬ ‫ابن كثري يف تفسريه‪ ،‬حيث قال‪ :‬إسناده إىل ابن عباس ݡ قوي‪ ،‬ولكن الظاهر‬ ‫صح عنه من أهل الكتاب‪ ،‬وفيهم طائفة ال‬ ‫أنه إنام تلقاه ابن عباس ݡ إن ّ‬ ‫يعتقدون نبوة سليامن عليه الصالة والسالم‪ ،‬فالظاهر أهنم يكذبون عليه‪ ،‬وهلذا‬ ‫كان يف السياق منكرات‪ ،‬من أشدها ذكر النساء(‪.)4‬‬ ‫فابن عباس الذي دعا له النبي ݕ يف كتبهم‪ :‬اللهم علمه التأويل(‪..)7‬‬ ‫بح ر األمة‪ ،‬وأصبح علمه مرضب األمثال‪ ،‬يطعن فيه بأنه‬ ‫والذي ل ّقب عندهم َ‬ ‫يتل ّقى أكاذيب من أهل الكتاب!‬ ‫ثم جتدهم يشنّعون عىل الشيعة ملوقفهم من بعض الصحابة‪ ،‬وال يعلق‬ ‫أحد عىل كالم ابن كثري الذي ينسب ألحد كبار الصحابة تفسري القرآن بأساطري‬ ‫أهل الكتاب‪.‬‬ ‫‪ -1‬مسطح بن أثاثة ‪:‬‬ ‫صحايب من أهل بدر‪ ،‬ذكرت عائشة يف حديث اإلفك الذي سنبسط‬ ‫الكالم فيه الحق ًا أنه اتمها بأهنا زنت مع صفوان بن املعطل يف قصة اإلفك‬ ‫املشهورة(‪.)1‬‬ ‫‪ -1‬محنة بنت جحش ‪:‬‬ ‫صحابية‪ ،‬وهي أخت زينب بنت جحش زوج رسول اهلل ݕ‪ ،‬وابنة‬ ‫عمته‪ّ ،‬اتمت هي األخرى عائشة بالزنا ‪ -‬عياذ ًا باهلل ‪ -‬يف قصة اإلفك(‪.)1‬‬ ‫(‪ )4‬تفسري ابن كثري ‪.14/1‬‬ ‫(‪ )7‬املعجم الكبري ‪.718/44‬‬ ‫(‪ )1‬صحيح البخاري ‪.15/1‬‬ ‫(‪ )1‬نفس املصدر ‪.15/1‬‬


‫عقيدة أهل السنة يف نساء األنبياء ݜ ‪81 .......................................................‬‬

‫‪ -1‬حسا ن بن ثابت ‪:‬‬ ‫صحايب‪ ،‬معروف بأنه شاعر من كبار شعراء الصحابة‪ ،‬كان من الذين‬ ‫قذفوا عائشة باإلفك(‪.)4‬‬ ‫بل لو أردنا إلزامهم بام ورد يف حادثة اإلفك لقلنا‪ :‬إن الذين ّاتموا عائشة‬ ‫نص عىل أن القاذفني عصبة‪ ،‬قال‬ ‫باإلفك أكثر من هؤالء املذكورين؛ ألن القرآن ّ‬ ‫سبحانه‪ :‬ݨﭑﭒﭓﭔﭕﭖﭗݩ [النور‪.]44 :‬‬ ‫وبمراجعة أرباب اللغة نجد أن العصبة هي املجموعة من الناس‪ ،‬أكثر‬ ‫من العرشة وأقل من األربعني‪:‬‬ ‫قال اجلوهري‪ :‬والعصبة من الرجال‪ :‬ما بني العرشة إىل األربعني(‪.)7‬‬ ‫وقال ابن منظور‪ :‬والعصبة والعصابة‪ :‬مجاعة ما بني العرشة إىل األربعني‪،‬‬ ‫ويف التنزيل العزيز‪ :‬ݨﮎﮏݩ(‪.)1‬‬ ‫وقال الفريوز آبادي‪:‬والعصبة‪ ،‬بالضم‪ ،‬من الرجال واخليل والطري‪ :‬ما‬ ‫بني العرشة إىل األربعني(‪.)1‬‬ ‫فبناء عىل هذا نلزم القائلني بأن آيات اإلفك نزلت يف عائشة أن يعرتفوا‬ ‫بأن ما بني عرشة وأربعني صحاب ايا كانوا يعتقدون أن عائشة قد صدر منها الزنا‬ ‫ عياذ ًا باهلل ‪ ،-‬لكن مل يذكر إال الثالثة املذكورون فيام تقدم‪ ،‬إضافة إىل عبد اهلل بن‬‫أيب بن سلول الذي يعرتفون بأنه منافق‪ ،‬ولذلك قال عروة يف ذيل حادثة‬ ‫(‪ )4‬نفس املصدر ‪.15/1‬‬ ‫(‪ )7‬الصحاح ‪.487/4‬‬ ‫(‪ )1‬لسان العرب ‪.541/4‬‬ ‫(‪ )1‬القاموس املحيط ‪.441/4‬‬


‫‪ ........................................... 81‬براءة نساء األنبياء من الزنا‪ :‬بني التحقيق والتلفيق‬

‫يسم من أهل اإلفك أيض ًا إال حسان بن ثابت‪ ،‬ومسطح بن‬ ‫اإلفك‪ :‬أيض ًا مل ّ‬ ‫أثاثة‪ ،‬ومحنة بنت جحش‪ ،‬يف ناس آخرين ال علم يل هبم‪ ،‬غري أهنم عصبة كام قال‬ ‫اهلل تعاىل‪ ،‬وأن ك ر ذلك يقال‪ :‬عبد اهلل بن أيب بن سلول(‪.)4‬‬ ‫فهذه احلادثة التي ّاتم فيها الصحابة زوجة نب ّيهم ݕ أمهل املخالفون‬ ‫املذنب احلقيقي فيها والقاذف لعائشة‪ ،‬وصبوا جام غضبهم عىل الشيعة‪ ،‬وكأهنم‬ ‫هم الذين اتموها هبذه الفرية‪ ،‬أو وافقوا الذين نسبوا هلا هذا اإلفك العظيم!‬ ‫وألمهية هذا املوضو الذي شا وانترش‪ ،‬وأصبح مطعن ًا يف الشيعة‪ ،‬حتى‬ ‫أصبحت هذه الكلمة تسمع بمناسبة أو بدون مناسبة‪« :‬الشيعة يطعنون يف‬ ‫عرض التي ّبرأها اهلل من فوق سبع ساموات»! نبسط الكالم يف حادثة اإلفك؛‬ ‫لنتعرف عىل بعض احلقائق التي جيهلها غالب املسلمني‪.‬‬ ‫‪ -1‬احلسن البرصي ‪:‬‬ ‫ذهب احلسن البرصي إىل أن ابن نوح الذي غرق مل يكن ابن ًا لنوح ݠ‪،‬‬ ‫إنام كان ابن زوجته من الزنا‪.‬‬ ‫فقد روى ابن األنباري بسنده عن احلسن أنه قال‪ :‬مل يكن ابنه‪ ،‬إن امرأته‬ ‫فجرت(‪.)7‬‬ ‫وأخرج ابن أيب حاتم يف تفسريه‪ ،‬بسنده عن احلسن أنه قرأ‪ :‬ݨ ﭘ ﭙﭚ‬

‫ﭛﭜݩ‪ ،‬قال‪ :‬كان ولد زنية‪ ،‬وكان ينسب إليه‪ ،‬فنفاه اهلل منذ يوم الغرق(‪.)1‬‬ ‫وروى عبد الرزاق يف تفسريه عن معمر‪ ،‬عن قتادة‪ ،‬قال‪ :‬كنت عند‬ ‫(‪ )4‬صحيح البخاري ‪.15/1‬‬ ‫(‪ )7‬زاد املسري ‪.81/1‬‬ ‫(‪ )1‬تفسري ابن ايب حاتم ‪.7414/5‬‬


‫عقيدة أهل السنة يف نساء األنبياء ݜ ‪81 .......................................................‬‬

‫احلسن‪ ،‬فقال‪ :‬ݨ ﮡﮢﮣݩ‪ ،‬لعمر اهلل ما هو ابنه‪ .‬قال‪ :‬قلت‪ :‬يا أبا سعيد‪،‬‬ ‫يقول اهلل تعاىل‪ :‬ݨ ﮡ ﮢ ﮣݩ‪ ،‬وتقول ليس بابنه؟! قال‪ :‬أفرأيت قوله‪:‬‬ ‫ݨﭓ ﭔﭕﭖﭗݩ‪ .‬قال‪ :‬قلت‪ :‬إنه ليس من أهلك الذين وعدتك أن أنجيهم‬ ‫معك‪ ،‬وال خيتلف أهل الكتاب أنه ابنه‪ .‬قال‪ :‬إن أهل الكتاب يكذبون(‪.)4‬‬ ‫وأخرج الط ري يف تفسريه بسنده عن قتادة‪ ،‬قال‪ :‬سمعت احلسن يقرأ‬ ‫هذه اآلية‪ :‬ݨ ﭓ ﭔﭕﭖﭗﭘ ﭙ ﭚ ﭛﭜ ݩ‪ ،‬فقال عند ذلك‪ :‬واهلل ما كان‬ ‫ابنه‪ .‬ثم قرأ هذه اآلية‪ :‬ݨ ﮟݩ‪ ،‬قال سعيد‪ :‬فذكرت ذلك لقتال‪ ،‬قال‪ :‬ما‬ ‫كان ينبغي له أن حيلف(‪.)7‬‬ ‫‪ -4‬جماهد ‪:‬‬ ‫ذهب جماهد إىل ما ذهب إليه احلسن البرصي‪ ،‬وأن املخاطب يف اآلية‬ ‫ليس ابن نوح‪ ،‬بل هو ابن زنا‪ ،‬فقد روى الط ري بسنده عن جماهد‪ ،‬قال‪ :‬ݨ ﭝ‬

‫ﭞﭟﭠﭡﭢﭣﭤݩ‪ ،‬قال‪ :‬تبني لنوح أنه ليس بابنه(‪.)1‬‬ ‫وروى عنه أيض ًا‪ ،‬قال‪ :‬ݨ ﭝﭞﭟﭠﭡﭢ ﭣﭤ ݩ‪ ،‬قال‪ّ :‬بني اهلل لنوح أنه‬

‫ليس بابنه(‪.)1‬‬

‫وقال‪ :‬حدثني املثنى‪ ،‬قال‪ :‬ثنا إسحاق‪ ،‬قال‪ :‬ثنا عبد اهلل‪ ،‬عن ورقاء عن‬ ‫ابن أيب نجيح‪ ،‬عن جماهد مثله(‪.)1‬‬ ‫(‪ )4‬تفسري عبد الرزاق الصنعاين ‪ ،141/7‬تفسري الط ري ‪.14/47‬‬ ‫(‪ )7‬تفسري الط ري ‪.14/47‬‬ ‫(‪ )1‬تفسري الط ري ‪.14/47‬‬ ‫(‪ )1‬نفس املصدر‪.‬‬ ‫(‪ )1‬نفس املصدر ‪.55/47‬‬


‫‪ ........................................... 84‬براءة نساء األنبياء من الزنا‪ :‬بني التحقيق والتلفيق‬

‫حدثنا القاسم‪ ،‬قال‪ :‬ثنا احلسني‪ ،‬قال‪ :‬ثني حجاج‪ ،‬عن ابن جريج‪ ،‬عن‬ ‫جماهد‪ ،‬مثله(‪.)4‬‬ ‫‪ -1‬ابن جريج ‪:‬‬ ‫ذهب ابن جريج إىل هذا القول أيض ًا‪.‬‬ ‫قال الط ري‪ :‬قال ابن جريج يف قوله‪ :‬ݨ ﮡﮢﮣݩ‪ ،‬قال‪ :‬ناداه وهو‬ ‫حيسبه أنه ابنه‪ ،‬وكان ولد عىل فراشه(‪.)7‬‬ ‫وقال ابن اجلوزي‪ :‬وقال ابن جريج‪ :‬ناداه نوح وهو حيسب أنه ابنه‪ ،‬وكان‬ ‫ولد عىل فراشه(‪.)1‬‬ ‫‪ -8‬الشعبي ‪:‬‬ ‫نقل ابن اجلوزي عن الشعبي أنه قال‪ :‬مل يكن ابنه‪ ،‬إن امرأته خانته(‪.)1‬‬ ‫‪ -1‬اإل مام أبو جعفر حممد بن عيل الباقر ݠ ‪:‬‬ ‫فقد نسب إليه الط ري يف تفسريه قوله‪ ،‬قال‪ :‬ݨﭓ ﭔﭕﭖﭗݩ‪ ،‬قال‪:‬‬ ‫لو كان من أهله لنجا(‪.)1‬‬ ‫‪ -8‬حمقق تفسري مفاتيح الغيب ل لرازي ‪:‬‬ ‫تعرض الفخر الرازي يف تفسريه آليات اإلفك إىل قضية نساء األنبياء‪،‬‬ ‫ّ‬ ‫وقد أثبت امتنا صدور الفاحشة منهن‪ ،‬فقال‪ :‬إنام وصف اهلل تعاىل ذلك‬ ‫(‪ )4‬نفس املصدر ‪.‬‬ ‫(‪ )7‬نفس املصدر ‪.14/47‬‬ ‫(‪ )1‬زاد املسري ‪.81/1‬‬ ‫(‪ )1‬نفس املصدر‪.‬‬ ‫(‪ )1‬تفسري الط ري ‪.14/47‬‬


‫عقيدة أهل السنة يف نساء األنبياء ݜ ‪86 .......................................................‬‬

‫الكذب بكونه إفك ًا ألن املعروف من حال عائشة خالف ذلك؛ لوجوه‪ :‬أحدها‪:‬‬ ‫أن كوهنا زوجة للرسول ﷺ املعصوم يمنع من ذلك؛ ألن األنبياء مبعوثون إىل‬ ‫الكفار ليدعوهم ويستعطفوهم‪ ،‬فوجب أن ال يكون معهم ما ين ّفرهم عنهم‪،‬‬ ‫وكون اإلنسان بحيث تكون زوجته مسافحة من أعظم املن ّفرات(‪.)4‬‬ ‫لكن حمقق الكتاب مل يعجبه هذا الكالم‪ ،‬فعلق عليه بقوله‪ :‬لعل امرأة‬ ‫نوح ولوط ݟ كانتا كذلك – فاجرات ‪ ،-‬ومما يدل عليه وصف اهلل تعاىل هلام‬ ‫باخليانة‪ ،‬ومن معاين اخليانة هذا املعنى‪ ،‬فال جيوز العدول عن املعنى الظاهر إىل‬ ‫غريه بدون حاجة‪ ،‬والسيام إذا ض ّم هذا إىل قول اهلل تعاىل لنوح حني قال‪:‬‬ ‫ݨﰁ ﰂ ﰃ ﰄ ﰅݩ‪ :‬ݨ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖﭗ ݩ‪ ،‬واألهل هم آل الشخص‬ ‫وقرابته األدنون‪ ،‬وال جيوز رصف األهل إىل غري ذلك بال رضورة‪ ،‬واهلل‬ ‫أعلم(‪.)7‬‬ ‫وملعرفة صاحب هذا الرأي رجعنا إىل مقدمة الكتاب‪ ،‬فوجدنا أن املحقق‬ ‫هم جمموعة من العلامء‪ ،‬وليس شخص ًا واحد ًا‪ ،‬فقد ورد يف املقدمة‪ :‬فهدت إىل‬ ‫زمرة من أفاضل العلامء بقراءة أصوله‪ ،‬وحتقيقها‪ ،‬وترقيم الكتاب‪ ،‬ووضع‬ ‫يغري وضعه الذي أراده املؤلف‪ ،‬فلام قرؤوا األصول‬ ‫عنوانات مسائله بام ال ّ‬ ‫صادفتهم عبارات مشكلة‪ ،‬رأوا احلاجة ماسة إىل بياهنا‪ ،‬فام أغفلوا رشحها وال‬ ‫تبياهنا وايضاحها يف هامش الصفحات(‪.)1‬‬ ‫والنتيجة أن القول بوقو الزنا من بعض زوجات األنبياء ݜ‪ ،‬ذهب‬ ‫مفّسي أهل السنة‪ ،‬وقد نقلنا لك أقوال بعض منهم وإن‬ ‫إليه مجلة من مشاهري ّ‬ ‫(‪ )4‬مفاتيح الغيب ‪417/71‬‬ ‫(‪ )7‬مفاتيح الغيب يف اهلامش ‪.417/71‬‬ ‫(‪ )1‬مفاتيح الغيب ‪/4‬ب‪.‬‬


‫‪ ........................................... 88‬براءة نساء األنبياء من الزنا‪ :‬بني التحقيق والتلفيق‬

‫كنا ننزه عن ذلك مجلة من املذكورين أمثال اإلمام الباقر ݠ وابن عباس‬ ‫وغريهم‪ ،‬لكن ذكرناهم من باب اإللزام‪ ،‬وليس من باب التصديق بام روي‬ ‫عنهم‪.‬‬


‫اقيات مع حديث لإلفك برالية عائشة‬ ‫تطلق حادثة اإلفك عىل حادثة تارخيية حصلت يف املدينة املنورة‪ ،‬مفادها‬ ‫ بحسب رواية عائشة ‪ -‬أن جمموعة من الصحابة ّاتموا عائشة زوج النبي ݕ‬‫بفعل الفاحشة مع صفوان بن املعطل السلمي‪ ،‬فنزلت آيات من سورة النور‬ ‫ب راءتا من ذلك‪.‬‬ ‫حديث لإلفك‪:‬‬ ‫أخرج البخاري ومسلم يف صحيحيهام عن ابن شهاب الزهري‪ ،‬قال‪:‬‬ ‫حدثني عروة بن الزبري‪ ،‬وسعيد بن املسيب‪ ،‬وعلقمة بن وقاص‪ ،‬وعبيد اهلل بن‬ ‫عبد اهلل بن عتبة بن مسعود‪ ،‬عن عائشة ݣ زوج النبي ﷺ حني قال هلا أهل‬ ‫اإلفك ما قالوا‪ ،‬وكلهم حدّ ثني طائفة من حديثها‪ ،‬وبعضهم كان أوعى حلديثها‬ ‫من بعض‪ ،‬وأثبت له اقتصاص ًا‪ ،‬وقد وعيت عن كل رجل منهم احلديث الذي‬ ‫حدثني عن عائشة‪ ،‬وبعض حديثهم يصدّ ق بعض ًا وإن كان بعضهم أوعى له‬ ‫من بعض‪ .‬قالوا‪ :‬قالت عائشة‪ :‬كان رسول اهلل ﷺ إذا أراد سفر ًا أقر بني‬ ‫أزواجه‪ ،‬فأهين خرج سهمها خرج هبا رسول اهلل ﷺ معه‪ .‬قالت عائشة‪ :‬فأقر‬ ‫بيننا يف غزوة غزاها‪ ،‬فخرج فيها سهمي‪ ،‬فخرجت مع رسول اهلل ﷺ بعدما‬ ‫أنزل احلجاب‪ ،‬فكنت أمحل يف هودجي‪ ،‬وأنزل فيه‪ ،‬فّسنا حتى إذا فرغ رسول‬ ‫اهلل ﷺ من غزوته تلك وقفل‪ ،‬دنونا من املدينة قافلني‪ ،‬آذن ليل ًة بالرحيل‪،‬‬ ‫فقمت حني آذنوا بالرحيل فمشيت حتى جاوزت اجليش‪ ،‬فلام قضيت شأين‬ ‫أقبلت إىل رحيل‪ ،‬فلمست صدري فإذا عقد يل من جز ظفار قد انقطع‪،‬‬


‫‪ ........................................... 11‬براءة نساء األنبياء من الزنا‪ :‬بني التحقيق والتلفيق‬

‫فرجعت‪ ،‬فالتمست عقدي‪ ،‬فحبسني ابتغاؤه‪ .‬قالت‪ :‬وأقبل الرهط الذين كانوا‬ ‫يرحلوين‪ ،‬فاحتملوا هودجي‪ ،‬فرحلوه عىل بعريي الذي كنت أركب عليه‪ ،‬وهم‬ ‫حيسبون أين فيه‪ ،‬وكان النساء إذ ذاك خفاف ًا‪ ،‬مل هيبلن ومل يغشهن اللحم‪ ،‬إنام‬ ‫يأكلن العلقة من الطعام‪ ،‬فلم يستنكر القوم خ ّفة اهلودج حني رفعوه ومحلوه‪،‬‬ ‫وكنت جارية حديثة السن‪ ،‬فبعثوا اجلمل فساروا‪ ،‬ووجدت عقدي بعد ما‬ ‫استمر اجليش‪ ،‬فجئت منازهلم وليس هبا منهم دا ٍ وال جميب‪ ،‬فتيممت منزيل‬ ‫الذي كنت به‪ ،‬وظننت أهنم سيفقدوين فريجعون إ ّيل‪ ،‬فبينا أنا جالسة يف منزيل‬ ‫غلبتني عيني فنمت‪ ،‬وكان صفوان بن املعطل السلمي ثم الذكواين من وراء‬ ‫اجليش‪ ،‬فأصبح عند منزيل‪ ،‬فرأى سواد إنسان نائم‪ ،‬فعرفني حني رآين‪ ،‬وكان‬ ‫رآين قبل احلجاب‪ ،‬فاستيقظت باسرتجاعه حني عرفني‪ ،‬فخمرت وجهي‬ ‫بجلبايب‪ ،‬وواهلل ما تكلمنا بكلمة‪ ،‬وال سمعت منه كلمة غري اسرتجاعه‪ ،‬وهوى‬ ‫حتى أناخ راحلته‪ ،‬فوطئ عىل يدها‪ ،‬فقمت إليها فركبتها‪ ،‬فانطلق يقود يب‬ ‫الراحلة حتى أتينا اجليش موغرين يف نحر الظهرية وهم نزول‪ .‬قالت‪ :‬فهلك من‬ ‫هلك‪ ،‬وكان الذي توىل ك ر اإلفك عبد اهلل بن أيب بن سلول‪.‬‬ ‫قال عروة‪ :‬أخ رت أنه كان يشا ‪ ،‬ويتحدّ ث به عنده فيقره‪ ،‬ويستمعه‪،‬‬ ‫سم من أهل اإلفك أيض ًا إال حسان بن ثابت‪،‬‬ ‫ويستوشيه‪ .‬وقال عروة أيض ًا‪ :‬مل ي ّ‬ ‫ومسطح بن أثاثة‪ ،‬ومحنة بنت جحش‪ ،‬يف ناس آخرين ال علم يل هبم غري أهنم‬ ‫ ر ذلك يقال عبد اهلل بن أيب بن سلول‪.‬‬ ‫عصبة‪ ،‬كام قال اهلل تعاىل‪ ،‬وإن ك َ‬ ‫قال عروة‪ :‬كانت عائشة تكره أن يسب عندها حسان‪ ،‬وتقول‪ :‬إنه الذي‬ ‫قال‪:‬‬ ‫فإ ّن أيب َو َوالدَ ه وعريض‬ ‫‪.‬‬

‫حمم ٍد منكم و َقاء‬ ‫لعرض ّ‬ ‫‪.‬‬


‫وقفات مع حديث اإلفك برواية عائشة ‪10 ......................................................‬‬

‫قالت عائشة‪ :‬فقدمنا املدينة‪ ،‬فاشتكيت حني قدمت شهر ًا‪ ،‬والناس‬ ‫يفيضون يف قول أصحاب اإلفك‪ ،‬ال أشعر بيشء من ذلك‪ ،‬وهو يريبني يف‬ ‫وجعي أين ال أعرف من رسول اهلل ﷺ اللطف الذي كنت أرى منه حني‬ ‫عيل رسول اهلل ﷺ فيسلم‪ ،‬ثم يقول‪ :‬كيف تيكم؟ ثم‬ ‫أشتكي‪ ،‬إنام يدخل ّ‬ ‫ينرصف‪ ،‬فذلك يريبني‪ ،‬وال أشعر بالرش‪ ،‬حتى خرجت حني نقهت‪ ،‬فخرجت‬ ‫ ر َزنا‪ ،‬وكنا ال نخرج إال لي ً‬ ‫ال إىل ليل‪ ،‬وذلك‬ ‫مع أم مسطح ق َبل املناصع‪ ،‬وكان مت ّ‬ ‫قبل أن نتخذ الكنف قريب ًا من بيوتنا‪ .‬قالت‪ :‬وأمرنا أمر العرب األً َول يف ال رية‬ ‫ق َبل الغائط‪ ،‬وكنا نتأ ّذى بالكنف أن نتخذها عند بيوتنا‪ .‬قالت‪ :‬فانطلقت أنا وأم‬ ‫مسطح‪ ،‬وهي ابنة أيب رهم بن املطلب بن عبد مناف‪ ،‬وأمها بنت صخر بن عامر‬ ‫خالة أيب بكر الصديق‪ ،‬وابنها مسطح بن أثاثة بن عباد بن املطلب‪ ،‬فأقبلت أنا‬ ‫وأم مسطح ق َبل بيتي حني فرغنا من شأننا‪ ،‬فعثرت أم مسطح يف مرطها‪،‬‬ ‫فقالت‪ :‬تعس مسطح‪ .‬فقلت هلا‪ :‬بئس ما قلت! أتسبني رج ً‬ ‫ال شهد بدر ًا؟!‬ ‫فقالت‪َ :‬أي َهنتَاه‪ ،‬ومل تسمعي ما قال؟ قالت‪ :‬وقلت‪ :‬ما قال؟ فأخ رتني بقول‬ ‫عيل‬ ‫أهل اإلفك‪ .‬قالت‪ :‬فازددت مرض ًا عىل مريض‪ ،‬فلام رجعت إىل بيتي دخل ّ‬ ‫رسول اهلل ﷺ‪ ،‬فسلم ثم قال‪ :‬كيف تيكم؟ فقلت له‪ :‬أتأذن يل أن آيت أ َب َو ّي؟‬ ‫قالت‪ :‬وأريد أن أستيقن اخل ر من ق َبلهام‪ .‬قالت‪ :‬فأذن يل رسول اهلل ﷺ‪ ،‬فقلت‬ ‫هوين عليك‪ ،‬فواهلل لق ّلام‬ ‫ألمي‪ :‬يا أ ّمتاه‪ ،‬ماذا يتحدّ ث الناس؟ قالت‪ :‬يا بنية‪ّ ،‬‬

‫كانت امرأة قط وضيئة عند رجل حيبها هلا رضائر إال َك ّثر َن عليها‪ .‬قالت‪ :‬فقلت‪:‬‬ ‫سبحان اهلل‪ ،‬أو لقد حتدث الناس هبذا؟! قالت‪ :‬فبكيت تلك الليلة حتى‬ ‫أصبحت ال يرقأ يل دمع‪ ،‬وال أكتحل بنوم‪ ،‬ثم أصبحت أبكي‪ ،‬قالت‪ :‬ودعا‬ ‫رسول اهلل ﷺ عيل بن أيب طالب ݤ وأسامة بن زيد حني استلبث الوحي‪،‬‬ ‫يسأهلام ويستشريمها يف فراق أهله‪ .‬قالت‪ :‬فأما أسامة فأشار عىل رسول اهلل ﷺ‬


‫‪ ........................................... 11‬براءة نساء األنبياء من الزنا‪ :‬بني التحقيق والتلفيق‬

‫بالذي يعلم من براءة أهله‪ ،‬وبالذي يعلم هلم يف نفسه‪ ،‬فقال أسامة‪ :‬أهلك‪ ،‬وال‬ ‫نعلم إال خري ًا‪ ،‬وأما عيل فقال‪ :‬يا رسول اهلل‪ ،‬مل يض ّيق اهلل عليك‪ ،‬والنساء سواها‬ ‫كثري‪ ،‬وسل اجلارية تصدقك‪ .‬قالت‪ :‬فدعا رسول اهلل ﷺ بريرة‪ ،‬فقال‪ :‬أي بريرة‬ ‫هل رأيت من يشء يريبك؟ قالت له بريرة‪ :‬والذي بعثك باحلق ما رأيت عليها‬ ‫أمر ًا قط أغمصه غري أهنا جارية حديثة السن‪ ،‬تنام عن عجني أهلها‪ ،‬فتأيت‬ ‫الداجن فتأكله‪ .‬قالت‪ :‬فقام رسول اهلل ﷺ من يومه‪ ،‬فاستعذر من عبد اهلل بن‬ ‫أيب وهو عىل املن ر‪ ،‬فقال‪ :‬يا معرش املسلمني من يعذرين من رجل قد بلغني عنه‬ ‫أذاه يف أهيل؟ واهلل ما علمت عىل أهيل إال خري ًا‪ ،‬ولقد ذكروا رج ً‬ ‫ال ما علمت‬ ‫عليه إال خري ًا‪ ،‬وما يدخل عىل أهيل إال معي‪ .‬فقام سعد بن معاذ أخو بني عبد‬ ‫األشهل‪ ،‬فقال‪ :‬أنا يا رسول اهلل أعذرك‪ ،‬فإن كان من األوس رضبت عنقه‪ ،‬وإن‬ ‫كان من إخواننا من اخلزرج أمرتنا‪ ،‬ففعلنا أمرك‪ .‬قالت‪ :‬فقام رجل من اخلزرج‪،‬‬ ‫وكانت أم حسان بنت عمه من فخذه‪ ،‬وهو سعد بن عبادة‪ ،‬وهو سيد اخلزرج‪،‬‬ ‫قالت‪ :‬وكان قبل ذلك رج ً‬ ‫ال صاحل ًا‪ ،‬ولكن احتملته احلم ّية‪ ،‬فقال لسعد‪ :‬كذبت‬ ‫لعمر اهلل‪ ،‬ال تقتله‪ ،‬وال تقدر عىل قتله‪ ،‬ولو كان من رهطك ما أحببت أن يقتل‪.‬‬ ‫فقام أسيد بن حضري‪ ،‬وهو ابن عم سعد‪ ،‬فقال لسعد بن عبادة‪ :‬كذبت لعمر‬ ‫اهلل‪ ،‬لنقتلنّه‪ ،‬فإنك منافق جتادل عن املنافقني‪ .‬قالت‪ :‬فثار احل ّيان‪ :‬األوس‪،‬‬ ‫واخلزرج‪ ،‬حتى مهوا أن يقتتلوا‪ ،‬ورسول اهلل ﷺ قائم عىل املن ر‪ ،‬قالت‪ :‬فلم يزل‬ ‫رسول اهلل ﷺ خي ّفضهم حتى سكتوا وسكت‪ .‬قالت‪ :‬فبكيت يومي ذلك كله‪،‬‬ ‫ال يرقأ يل دمع‪ ،‬وال أكتحل بنوم‪ .‬قالت‪ :‬وأصبح أبواي عندي وقد بكيت ليلتني‬ ‫ويوم ًا‪ ،‬ال يرقأ يل دمع وال أكتحل بنوم‪ ،‬حتى إين ألظن أن البكاء فالق كبدي‪،‬‬ ‫عيل امرأة من األنصار‪ ،‬فأذنت‬ ‫فبينا أبواي جالسان عندي وأنا أبكي‪ ،‬فاستأذنت ّ‬

‫هلا‪ ،‬فجلست تبكي معي‪ ،‬قالت‪ :‬فبينا نحن عىل ذلك دخل رسول اهلل ﷺ علينا‪،‬‬


‫وقفات مع حديث اإلفك برواية عائشة ‪11 ......................................................‬‬

‫فس ّلم‪ ،‬ثم جلس‪ ،‬قالت‪ :‬ومل جيلس عندي منذ قيل ما قيل قبلها وقد لبث شهر ًا‬ ‫فتشهد رسول اهلل ﷺ حني جلس‪ ،‬ثم قال‪:‬‬ ‫ال يوحى إليه يف شأين بيشء‪ .‬قالت‪:‬‬ ‫ّ‬ ‫أما بعد يا عائشة إنه بلغني عنك كذا وكذا‪ ،‬فإن كنت بريئة فسي رئك اهلل‪ ،‬وإن‬ ‫كنت أملمت بذنب فاستغفري اهلل‪ ،‬وتويب إليه‪ ،‬فإن العبد إذا اعرتف ثم تاب تاب‬ ‫اهلل عليه‪ .‬قالت‪ :‬فلام قىض رسول اهلل ﷺ مقالته قلص دمعي حتى ما أحس منه‬ ‫قطرة‪ ،‬فقلت أليب‪ :‬أجب رسول اهلل ﷺ عني فيام قال‪ .‬فقال أيب‪ :‬واهلل ما أدري‬ ‫ما أقول لرسول اهلل ﷺ‪ .‬فقلت ألمي‪ :‬أجيبي رسول اهلل ﷺ فيام قال‪ .‬قالت‬ ‫أمي‪ :‬واهلل ما أدري ما أقول لرسول اهلل ﷺ‪ .‬فقلت وأنا جارية حديثة السن ال‬ ‫استقر‬ ‫أقرأ من القرآن كثري ًا‪ :‬إين واهلل لقد علمت لقد سمعتم هذا احلديث حتى‬ ‫ّ‬ ‫يف أنفسكم‪ ،‬وصدّ قتم به‪ ،‬فلئن قلت لكم‪« :‬إين بريئة» ال تصدقوين‪ ،‬ولئن‬ ‫اعرتفت لكم بأمر واهلل يعلم أين منه بريئة لتصدّ قنّي‪ ،‬فواهلل ال أجد يل ولكم مث ً‬ ‫ال‬ ‫حتولت‪،‬‬ ‫إال أبا يوسف حني قال‪ :‬فص ر مجيل‪ ،‬واهلل املستعان عىل ما تصفون‪ .‬ثم ّ‬ ‫ رئي ب راءيت‪،‬‬ ‫فاضطجعت عىل فرايش‪ ،‬واهلل يعلم أين حينئذ بريئة‪ ،‬وأن اهلل م َ ّ‬ ‫ولكن واهلل ما كنت أظن أن اهلل تعاىل منزل يف شأين وحي ًا يتىل‪َ ،‬لشأين يف نفيس‬ ‫كان أحقر من أن يتكلم اهلل ّيف بأمر‪ ،‬ولكن كنت أرجو أن يرى رسول اهلل ﷺ‬ ‫ رئني اهلل هبا‪ ،‬فواهلل ما رام رسول اهلل ﷺ جملسه‪ ،‬وال خرج أحد‬ ‫يف النوم رؤيا ي ّ‬ ‫ال ر َحاء‪ ،‬حتى إنه‬ ‫من أهل البيت‪ ،‬حتى أنزل عليه‪ ،‬فأخذه ما كان يأخذه من َ‬ ‫ليتحدر منه العرق مثل اجلامن وهو يف يوم ٍ‬ ‫شات من ثقل القول الذي أنزل عليه‪.‬‬ ‫ّس َي عن رسول اهلل ﷺ وهو يضحك‪ ،‬فكانت أول كلمة تكلم هبا أن‬ ‫قالت‪َ :‬ف ّ‬

‫قال‪ :‬يا عائشة‪ ،‬أما اهلل فقد ّبرأك‪ .‬قالت‪ :‬فقالت يل أمي‪ :‬قومي إليه‪ .‬فقلت‪ :‬ال‬ ‫عز وجل‪ .‬قالت‪ :‬وأنزل اهلل تعاىل‪ :‬ݨﭑﭒ‬ ‫واهلل ال أقوم إليه‪ ،‬فإين ال أمحد إال اهلل ّ‬

‫ﭓﭔﭕﭖﭗݩ العرش اآليات‪ ،‬ثم أنزل اهلل تعاىل هذا يف براءيت‪ .‬قال أبو‬


‫‪ ........................................... 11‬براءة نساء األنبياء من الزنا‪ :‬بني التحقيق والتلفيق‬

‫بكر الصديق وكان ينفق عىل مسطح بن أثاثة لقرابته منه وفقره‪ :‬واهلل ال أنفق‬ ‫عىل مسطح شيئ ًا أبد ًا بعد الذي قال لعائشة ما قال‪ .‬فأنزل اهلل تعاىل‪ :‬ݨﭸ ﭹ‬

‫ﭺ ﭻ ﭼ ݩ إىل قوله‪ :‬ݨﮓ ﮔݩ‪ .‬قال أبو بكر الصديق‪ :‬بىل واهلل‪ ،‬إين‬ ‫ألحب أن يغفر اهلل يل‪َ .‬ف َر َجع إىل مسطح النفقة التي كان ينفق عليه‪ ،‬وقال‪ :‬واهلل‬

‫ال أنزعها منه أبد ًا(‪.)4‬‬

‫هذه هي رواية اإلفك التي ال يكاد خيلو منها كتاب حديث أو سرية أو‬ ‫السنة يف إصدار بعض األحكام‬ ‫تاريخ‪ ،‬وقد اعتمد عليها كثري من فقهاء أهل ُ‬ ‫الرشعية‪ ،‬كفتوى اإلمام مالك بن أنس باستحالل دم من يرمي عائشة بالزنا كام‬ ‫نقل ذلك ابن حزم‪ ،‬ووافقه فيه‪.‬‬ ‫فقد روى ابن حزم بسنده عن هشام بن عامر‪ ،‬قال‪ :‬سمعت مالك بن‬ ‫سب عائشة قتل‪ .‬قيل له‪ :‬مل َ يقتل‬ ‫سب أبا بكر وعمر جلد‪ ،‬ومن ّ‬ ‫أنس يقول‪ :‬من ّ‬ ‫يف عائشة؟ قال‪ :‬ألن اهلل تعاىل يقول يف عائشة ݣ‪ :‬ݨ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ‬

‫ﯥ ﯦ ﯧ ﯨݩ‪ .‬قال مالك‪ :‬فمن رماها فقد خالف القرآن‪ ،‬ومن خالف‬ ‫القرآن قتل‪.‬‬ ‫قال ابن حزم‪ :‬قول مالك ههنا صحيح‪ ،‬وهي ر ّدة تامة‪ ،‬وتكذيب هلل‬ ‫تعاىل يف قطعه ب راءتا‪ ،‬وكذلك القول يف سائر أمهات املؤمنني وال فرق؛ ألن اهلل‬ ‫تعاىل يقول‪ :‬ݨ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨﯩݩ‪،‬‬ ‫ رءات من قول إفك‪ ،‬واحلمد هلل رب العاملني(‪.)7‬‬ ‫فكلهن م ّ‬ ‫وهذا كالم باطل؛ ألن سب عائشة ال يتناىف مع آيات اإلفك لو س ّلمنا أن‬ ‫(‪ )4‬صحيح البخاري ‪ ،841/7‬صحيح مسلم ‪.7471/1‬‬ ‫(‪ )7‬املحىل ‪.141/44‬‬


‫وقفات مع حديث اإلفك برواية عائشة ‪11 ......................................................‬‬

‫آيات اإلفك نزلت يف ت رئتها‪ ،‬فإن السب عنوان عام غري خمصوص بالطعن يف‬ ‫العرض أو القذف بالزنا‪ ،‬فسب عائشة إن كان بغري حق فإنه ال يعدو كونه‬ ‫فسق ًا؛ ملا رووه عن رسول اهلل ݕ أنه قال‪ :‬سباب املسلم فسوق وقتاله كفر(‪.)4‬‬ ‫ولعل من يرميها بالزنا ‪ -‬والعياذ باهلل ‪ -‬مل خيالف القرآن إذا زعم أهنا‬ ‫زنت بعد وفاة رسول اهلل ݕ‪ ،‬أي يف قضية غري القضية التي ذكرتا آيات‬ ‫ رئها طول حياتا‪.‬‬ ‫اإلفك‪ ،‬فإن اهلل ّبرأها من احلادثة املعلومة‪ ،‬ومل ي ّ‬ ‫ولو سلمنا أن اهلل ّبرأها حال حياتا‪ ،‬وأن من رماها بالزنا قد خالف‬ ‫القرآن الكريم‪ ،‬فليس كل من خالف القرآن حيكم عليه بالر ّدة أو جيب قتله؛ فإن‬ ‫أكثر الناس بمعاصيهم خيالفون كتاب اهلل تعاىل عن عمد وقصد‪ ،‬وال يرتتب عىل‬ ‫هذا القول بر ّدتم‪ ،‬ولو وجب قتل كل من خالف القرآن لوجب احلكم بقتل‬ ‫مجيع املسلمني‪.‬‬ ‫وأما قوله تعاىل‪ :‬ݨ ﯠ ﯡݩ فينقض عليه بامرأة نوح وامرأة‬ ‫لوط‪ ،‬فهام كافرتان من أهل النار‪ ،‬مع أهنام زوجتا نب ّيني صاحلني‪ ،‬مضاف ًا إىل أن‬ ‫فّسوا اآلية بالكالم الط ّيب والكالم اخلبيث‪.‬‬ ‫املفّسين ّ‬ ‫بعض ّ‬ ‫قال ابن كثري‪ :‬قال ابن عباس‪ :‬اخلبيثات من القول للخبيثني من الرجال‪،‬‬ ‫واخلبيثون من الرجال للخبيثات من القول‪ .‬والط ّيبات من القول‪ ،‬للط ّيبني من‬ ‫الرجال‪ ،‬والط ّيبون من الرجال للط ّيبات من القول‪...‬‬ ‫قال‪ :‬وهكذا روي عن جماهد‪ ،‬وعطاء‪ ،‬وسعيد بن ج َبري‪ ،‬والشعبي‪،‬‬ ‫واحلسن بن أيب احلسن البرصي‪ ،‬وحبيب بن أيب ثابت‪ ،‬والضحاك‪ ،‬واختاره ابن‬ ‫ووج َهه بأن الكالم القبيح أوىل بأهل القبح من الناس‪ ،‬والكالم الط ّيب‬ ‫جرير‪ّ ،‬‬ ‫(‪ )4‬صحيح البخاري ‪ ،14/4‬صحيح مسلم ‪.84/4‬‬


‫‪ ........................................... 14‬براءة نساء األنبياء من الزنا‪ :‬بني التحقيق والتلفيق‬

‫أوىل بالط ّيبني من الناس(‪.)4‬‬ ‫وهذا نموذج من استدالالتم بحديث اإلفك‪ ،‬وما ر ّتبوا عليه من قتل‬ ‫الناس أو احلكم بردتم‪ ،‬مع أن حديث اإلفك رغم شهرته‪ ،‬وكونه خمرج ًا يف‬ ‫الصحيحني إال أنه ال خيلو من إشكاالت كثرية واضحة يف سنده ومضمونه‪،‬‬ ‫ونحن نتعجب من عدم التفات علامء أهل السنة هلا‪ ،‬ومن ترتيب هذه األمور‬ ‫العظيمة عىل هذا اخل ر‪.‬‬ ‫نبني فيها ما فيه من إشكاالت‬ ‫وعليه فلنا مع هذا احلديث عدة وقفات‪ّ ،‬‬ ‫كثرية وواضحة‪.‬‬ ‫إشكاالت يف سند لحلديث‪:‬‬ ‫‪ -4‬بمراجعة سند حديث اإلفك نالحظ أنه مل ّفق من عدة أحاديث‬ ‫مجعها الزهري عن رواة متعدّ دين‪ ،‬وجعل منها قصة طويلة أخرجها بالصورة‬ ‫املتداولة للحديث!‬ ‫وقد التفت العيني شارح صحيح البخاري إىل هذا اإلشكال‪ ،‬فحاول‬ ‫دفعه بقوله‪ :‬هذا قول جائز سائغ من غري كراهة؛ ألنه قد ّبني أن بعض احلديث‬ ‫عن بعضهم‪ ،‬وبعضه عن بعضهم‪ ،‬واألربعة الذين حدّ ثوه أئمة ح ّفاظ من أجلة‬ ‫التابعني‪ ،‬فإذا تر ّددت اللفظة من هذا احلديث بني كوهنا عن هذا أو عن ذاك مل‬ ‫يرض‪ ،‬وجاز االحتجاج هبا؛ ألهنام ثقتان‪ ،‬وقد اتفق العلامء عىل أنه لو قال‪:‬‬ ‫«حدثني زيد أو عمر» ومها ثقتان معروفان بذلك عند املخاطب جاز االحتجاج‬ ‫بذلك احلديث(‪.)7‬‬ ‫(‪ )4‬تفسري القرآن العظيم ‪.718/1‬‬ ‫(‪ )7‬عمدة القاري ‪.177/41‬‬


‫وقفات مع حديث اإلفك برواية عائشة ‪16 ......................................................‬‬

‫وهذا جواب ضعيف؛ ألن اإلشكال ليس يف رواية الزهري هذا احلديث‬ ‫عن جمموعة من الثقات‪ ،‬وتردده يف كلمة قاهلا هذا أو ذاك‪ ،‬وإنام اإلشكال يف‬ ‫تلفيق القصة‪ ،‬فإن الزهري رصح أنه سمع بعض احلديث من ٍ‬ ‫راو‪ ،‬وبعض ًا آخر‬ ‫ّ‬ ‫من ٍ‬ ‫راو ثان‪ ،‬ثم قام بتلفيق اخل ر‪ ،‬وذكر قصة مل يقلها أي من الرواة األربعة‪ ،‬وال‬ ‫سيام أنه قال‪« :‬وبعضهم كان أوعى حلديثها من بعض‪ ،‬وأثبت له اقتصاص ًا»‪،‬‬ ‫وهذا يدل عىل أنه أعمل اجتهاده يف اختيار ما قاله هذا‪ ،‬وحذف ما قاله ذاك‪.‬‬ ‫رجحه‬ ‫وهذا يدل عىل أن الزهري قد أعمل اجتهاده يف القصة‪ ،‬فأثبت ما ّ‬ ‫بحسب ما أ ّدى إليه اجتهاده‪ ،‬وترك بعض ًا آخر من القصة رآه مرجوح ًا‪.‬‬ ‫وال سيام أن الزهري كان معروف ًا بكثرة إدراجاته يف متون األحاديث‪،‬‬ ‫فكثري ًا ما يدرج يف متن احلديث شيئ ًا من كالمه‪ ،‬أو مما يبلغه من هنا وهناك‪.‬‬ ‫وهلذا قال احلافظ ابن حجر العسقالين‪ :‬قال اخلطايب‪ :‬هذه الزيادة يشبه أن‬ ‫تكون من كالم الزهري‪ ،‬وكانت عادته أن يصل باحلديث من كالمه ما َيظهر له‬ ‫من معنى الرشح والبيان‪ .‬قلت‪ :‬لكن األصل يف احلديث أن يكون حكمه كله‬ ‫يبني ذلك‪ ،‬وال يثبت اإلدراج باالحتامل(‪.)4‬‬ ‫واحد ًا‪ ،‬حتى يرد ما ّ‬ ‫ترصف يف احلديث من‬ ‫أقول‪ :‬يف كالم الزهري قرينة واضحة عىل أنه ّ‬ ‫عنده‪ ،‬ول ّفقه بمعرفته‪ ،‬فاإلدراج ثابت باعرتاف الزهري‪ ،‬وليس جمرد احتامل كام‬ ‫ا ّدعى اخلطايب‪ ،‬فإن اإلدراج يتحقق بإدراج كالمه يف متن احلديث‪ ،‬أو إدراج‬ ‫كالم ٍ‬ ‫راو آخر فيه بحيث ال يتم ّيز ما رواه هذا الراوي عام رواه غريه‪ ،‬وكان‬ ‫يلزمه حتى يفر من اإلدراج أن يقول‪ :‬قال فالن كذا‪ ،‬ويف رواية فالن كذا‪.‬‬ ‫قال القايض عياض‪ :‬انتقدوا عىل الزهري ما صنعه من روايته هلذا‬ ‫(‪ )4‬فتح الباري ‪.18/1‬‬


‫‪ ........................................... 18‬براءة نساء األنبياء من الزنا‪ :‬بني التحقيق والتلفيق‬

‫احلديث مل ّفق ًا عن هؤالء األربعة‪ ،‬وقالوا‪ :‬كان ينبغي له أن يفرد حديث كل‬ ‫واحد منهم عن اآلخر(‪.)4‬‬ ‫مضاف ًا إىل ذلك أن الزهري من أتبا بني أمية‪ ،‬ومن العاملني يف بالطهم‪،‬‬ ‫حتى قال عنه الذهبي‪ :‬كان ݥ حمتش ًام‪ ،‬جلي ً‬ ‫ال‪ ،‬بزي األجناد‪ ،‬له صورة كبرية يف‬ ‫دولة بني أمية(‪.)7‬‬ ‫ولذلك طعن فيه مكحول إمام الشاميني‪ ،‬قال‪ :‬أي رجل هو لوال أنه‬ ‫أفسد نفسه بصحبة امللوك‪.‬‬ ‫وعلق الذهبي عىل كالمه بقوله‪ :‬بعض من ال يعتد به مل يأخذ عن‬ ‫الزهري؛ لكونه كان مداخ ً‬ ‫ال للخلفاء‪ ،‬ولئن فعل ذلك فهو الثبت احلجة(‪.)1‬‬ ‫مقرب من األمويني يف ذلك الوقت‬ ‫ونحن نستبعد أن يكون هناك رجل ّ‬ ‫وال خيدم تلك الدولة األموية بأحاديثه‪ ،‬والسيام إذا كان مكثر ًا يف احلديث مثل‬ ‫يقربوا أحد ًا هلل تعاىل‪.‬‬ ‫الزهري؛ ألن أولئك السالطني مل يكونوا ّ‬ ‫يقوي القول بأن كل حادثة اإلفك التي نحن بصدد بحثها‬ ‫وهذا ّ‬ ‫موضوعة خمتلقة؛ ألهداف شخصية أو سياسية‪ ،‬كرفع بعض األشخاص‪ ،‬أو‬ ‫ت رئة بعض آخر‪ ،‬أو تسقيط شخصية رسول اهلل ݕ‪ ،‬وأمري املؤمنني ݠ الذي‬ ‫حاول حكام البالط األموي نسبة اختالق احلادثة وتويل ك رها إليه‪ ،‬كام روى‬ ‫ذلك الذهبي‪ ،‬إذ قال‪ :‬دخل سليامن بن يسار عىل هشام بن عبد امللك‪ ،‬فقال‪ :‬يا‬ ‫سليامن‪ :‬من الذي توىل ك ره منهم؟ قال‪ :‬عبد اهلل بن أيب بن سلول‪ ،‬قال‪ :‬كذبت‪،‬‬ ‫(‪ )4‬فتح الباري ‪.157/8‬‬ ‫(‪ )7‬سري أعالم النبالء ‪.71/1‬‬ ‫(‪ )1‬نفس املصدر ‪.111/1‬‬


‫وقفات مع حديث اإلفك برواية عائشة ‪11 ......................................................‬‬

‫هو عيل(‪.)4‬‬ ‫وهناك رواية رواها الزهري ورد فيها أن أمري املؤمنني ݠ حفيت‬ ‫أظافريه من كثرة تسلقه عىل جدران حجرات نساء النبي ݕ للنظر إليهن‪.‬‬ ‫قال الذهبي يف تارخيه‪ :‬روى الزهري‪ ،‬عن عروة‪ ،‬قال‪ :‬كانت حفيت‬ ‫أظافري عيل من كثرة ما كان يتسلق عىل أزواج النبي ﷺ(‪.)7‬‬ ‫وقد حاول الذهبي رد هذه الرواية يف أكثر من مورد ‪ ،‬ومع أن الذهبي‬ ‫وصف أبا بكر بن أيب داود بأنه اإلمام العالمة احلافظ شيخ بغداد(‪ ،)1‬إال أنا‬ ‫نجده يرد هذا اخل ر‪ ،‬فيقول‪ :‬وابن أيب داود إن كان حكى هذا فهو خفيف‬ ‫تفوه بمثل هذا البهتان(‪.)1‬‬ ‫الرأس‪ ،‬فلقد بقي بينه وبني رضب العنق ش ر؛ لكونه ّ‬ ‫فكيف يمكن اجلمع بني توثيق الرجل واعتباره من بحور العلم وبني‬ ‫تكذيبه يف هذا املورد ووصفه بخفة العقل؟‬ ‫بل يف نص رواية اإلفك طعن يف رسول اهلل ݕ وطعن يف أمري املؤمنني‬ ‫ݠ وبعض الصحابة‪ ،‬سنتعرض هلا تباع ًا!‬ ‫والنتيجة أن ترصيح الزهري بتلفيق رواية اإلفك مسقط العتبار الرواية‬ ‫وموهن هلا‪.‬‬ ‫‪ -7‬أن حديث اإلفك مروي عن عائشة فقط‪ ،‬وهو غريب جدا ا؛ ألن‬ ‫املرأة التي ت ّتهم بالزنا عادة ال تشيع ذلك عنها‪ ،‬وال خت ر به أحد ًا‪ ،‬ونحن مل نطلع‬ ‫(‪ )4‬نفس املصدر‪.‬‬ ‫(‪ )7‬تاريخ اإلسالم‪ :‬حوادث سنة ‪174-144‬هـ‪ ،‬ص ‪.141‬‬ ‫(‪ )1‬سري أعالم النبالء ‪.774/41‬‬ ‫(‪ )1‬نفس املصدر ‪.771/41‬‬


‫‪ .......................................... 011‬براءة نساء األنبياء من الزنا‪ :‬بني التحقيق والتلفيق‬

‫عىل أن امرأة ُاتمت بالزنا‪ ،‬فنرشت قصتها بني الناس‪ ،‬بل املعروف أن أعداءها‬ ‫عادة هم الذين ينقلون القصة‪ ،‬ويشيعوهنا‪.‬‬ ‫ورغم أنه نزلت يف اإلفك عرش آيات من القرآن الكريم‪ ،‬وأن النبي ݕ‬ ‫ كام يف حديث عائشة ‪ -‬خطب يف الناس خطبة عامة يف املسجد‪ ،‬واجتمع‬‫املسلمون لذلك‪ ،‬واهتموا هبذا األمر ملا يرون يف النبي ݕ من شدة اهلم‪ ،‬وكثر‬ ‫اللغط بني األوس واخلزرج‪ ،‬حتى كادوا أن يقتتلوا! وأقيم حد القذف عىل ثالثة‬ ‫من الصحابة كام قيل! ومع ذلك فإن كل هذه احلوادث املهمة مل يروها إال عائشة‬ ‫فقط‪ ،‬رغم أهنا مل تشهد ما حصل يف املسجد‪ ،‬ومل حترض ما حصل بني النبي ݕ‬ ‫وأبوهيا‪.‬‬ ‫والذي يستقرئ كتب احلديث وكتب السرية واملغازي والتاريخ جيد فيها‬ ‫كثري ًا من احلوادث التارخيية التي يمكن أن نصفها بأهنا أقل أمهية من حادثة‬ ‫اإلفك‪ ،‬وكثري من تلك احلوادث تعدّ د رواتا‪ ،‬وكثر نقلتها‪ ،‬ولكن يف املقابل‬ ‫نجد أن هذا اخلطب اجللل الذي آذى النبي ݕ بالطعن يف عرضه‪ ،‬وأصبحت‬ ‫القصة حديث املجالس كام قالت عائشة يف احلديث‪« :‬والناس يفيضون يف قول‬ ‫أصحاب اإلفك»‪ ،‬بل قالت عائشة‪ :‬أنزل اهلل عذري‪ ،‬وكادت األمة تلك‬ ‫بسببي(‪.)4‬‬ ‫فانفراد عائشة برواية حادثة اإلفك تثري عدة نقاط استفهام حول مدى‬ ‫مصداقية هذه القصة‪.‬‬ ‫املفصلة التي ل ّفقها الزهري‬ ‫نعم وردت روايات أخر غري هذه الرواية‬ ‫ّ‬ ‫حتكي اتام عائشة باإلفك‪:‬‬ ‫(‪ )4‬املعجم الكبري للط راين (عن الدر املنثور ‪.)411/5‬‬


‫وقفات مع حديث اإلفك برواية عائشة ‪010.....................................................‬‬

‫منها‪ :‬ما رواه البخاري يف صحيحه بسنده عن يوسف بن ماهك‪ ،‬قال‪:‬‬ ‫كان مروان عىل احلجاز استعمله معاوية‪ ،‬فخطب فجعل يذكر يزيد بن معاوية؛‬ ‫لكي يبا َيع له بعد أبيه‪ ،‬فقال له عبد الرمحن بن أيب بكر شيئ ًا‪ ،‬فقال‪« :‬خذوه»‪،‬‬ ‫فدخل بيت عائشة‪ ،‬فلم يقدروا عليه‪ ،‬فقال مروان‪ :‬إن هذا الذي أنزل اهلل فيه‪:‬‬ ‫ݨﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜݩ‪ ،‬فقالت عائشة من وراء احلجاب‪ :‬ما‬ ‫أنزل اهلل فينا شيئ ًا من القرآن إال أن اهلل أنزل عذري(‪.)4‬‬ ‫وهذا اخل ر ال حيل اإلشكال؛ ألن راوي هذا اخل ر هو عائشة‪ ،‬فال يرفع‬ ‫إشكال انفراد عائشة برواية حادثة اإلفك‪ ،‬مضاف ًا إىل أن عائشة أنكرت نزول‬ ‫مفّسي‬ ‫أي آية يف آل أيب بكر إال آيات اإلفك‪ ،‬وهذا خمالف ملا ذكره مجع من ّ‬ ‫أهل السنة من أنه نزلت عدة آيات يف فضل أيب بكر‪ ،‬ومنها آية الغار التي طاملا‬ ‫جعلوها من غرر فضائل أيب بكر‪.‬‬ ‫إذن فهذا اخل ر ال حيل لنا املشكلة السندية التي نواجهها‪ ،‬كام أن متنه‬ ‫حيمل معضالت ال يلتزم هبا أي خمالف‪.‬‬ ‫ومنها‪ :‬ما رواه الط راين يف الكبري واألوسط‪ ،‬أن عائشة قالت‪ :‬ملا بلغني ما‬ ‫تك ّلم به أهل اإلفك مهمت أن آيت قليب ًا‪ ،‬فأطرح نفيس فيه(‪.)7‬‬ ‫وهذا األثر أيض ًا ال حيل اإلشكال املطروح؛ ألنه مروي أيض ًا عن عائشة‪،‬‬ ‫فتبقى عائشة متفردة برواية حادثة اإلفك‪.‬‬ ‫كام أن متنه معارض ملا ورد يف حديث اإلفك املعروف الذي ظهرت فيه‬ ‫(‪ )4‬صحيح البخاري ‪.4117/1‬‬ ‫صححه ابن حجر يف فتح الباري‬ ‫(‪ )7‬املعجم الكبري ‪ ،474/71‬املعجم األوسط ‪،411/4‬‬ ‫ّ‬ ‫‪ ،115/8‬والسيوطي يف الدر املنثور ‪.411/5‬‬


‫‪ .......................................... 011‬براءة نساء األنبياء من الزنا‪ :‬بني التحقيق والتلفيق‬

‫عائشة بمظهر املطمئنة املتيقنة من براءتا‪ ،‬بقوهلا‪ :‬لقد سمعتم هذا احلديث حتى‬ ‫استقر يف أنفسكم‪ ،‬وصدّ قتم به‪ ،‬فلئن قلت لكم‪« :‬إين بريئة» ال تصدقوين‪ ،‬ولئن‬ ‫اعرتفت لكم بأمر واهلل يعلم أين منه بريئة لتصدّ قني‪ ،‬فواهلل ال أجد يل ولكم مث ً‬ ‫ال‬ ‫حتولت‪،‬‬ ‫إال أبا يوسف حني قال‪ :‬ݨ ﮊﮋﮌﮍﮎﮏﮐ ﮑݩ‪ ،‬ثم ّ‬ ‫فاضطجعت عىل فرايش‪.‬‬ ‫تتأسى بنبي اهلل يعقوب ݠ يف ص ره‪ ،‬ويف‬ ‫ففي الرواية املشهورة نجدها ّ‬ ‫الرواية الثانية نجدها تم باالنتحار!‬ ‫ومعارضة أيض ًا ملا رواه الذهبي يف تارخيه حيث نقل أن عائشة كانت‬ ‫تقطع ب راءتا مما نسب إليها‪ ،‬بل واجهت النبي ݕ‪ ،‬ودافعت عىل نفسها حتى‬ ‫أساءت إىل مقام النبوة!‬ ‫فقد روى الذهبي عن عائشة قوهلا‪ :‬حتى إذا صليت العرص دخل رسول‬ ‫اهلل ﷺ وأنا بني أبوي‪ ،‬أحدمها عن يميني واآلخر عن شاميل‪ ،‬فحمد اهلل وأثنى‬ ‫عليه بام هو أهله‪ ،‬ثم قال‪ :‬أما بعد يا عائشة إن كنت ظلمت أو أخطأت أو‬ ‫أسأت فتويب‪ ،‬وراجعي أمر اهلل‪ ،‬واستغفري‪ ،‬فوعظني‪ ،‬وبالباب امرأة من‬ ‫األنصار قد سلمت‪ ،‬فهي جالسة بباب البيت يف احلجرة‪ ،‬وأنا أقول‪ :‬أال تستحي‬ ‫أن تذكر هذا واملرأة تسمع(‪.)4‬‬ ‫كام أن قصة االنتحار تذ ّكر كل قارئ بالقصة التي روتا عائشة نفسها‪،‬‬ ‫والتي تلقاها علامء أهل السنة بالقبول‪ ،‬وهي رواية بدء الوحي التي نسبوا فيها‬ ‫للنبي ݕ أنه كلام ّ‬ ‫تأخر عنه الوحي حاول االنتحار بالرتدي من شواهق‬ ‫(‪ )4‬تاريخ اإلسالم ‪ ،714/7‬حكم الذهبي عىل هذا احلديث باحلسن‪.‬‬


‫وقفات مع حديث اإلفك برواية عائشة ‪011.....................................................‬‬

‫اجلبال!(‪.)4‬‬ ‫يتعرض له السالك يف‬ ‫حتى إن ابن ق ّيم اجلوزية جعلها شيئ ًا رضور ايا ّ‬ ‫سريه إىل اهلل‪ ،‬حيث قال‪ :‬فالطالب اجلاد ال بد أن تعرض له فرتة‪ ،‬فيشتاق يف‬ ‫تلك الفرتة إىل حاله وقت الطلب واالجتهاد‪ ،‬وملا فرت الوحي عن النبي كان‬ ‫يغدو إىل شواهق اجلبال يلقي نفسه‪ ،‬فيبدو له ج ريل ݠ‪ ،‬فيقول له‪« :‬إنك‬ ‫رسول اهلل»‪ ،‬فيسكن لذلك جأشه‪ ،‬وتطمئن نفسه‪ ،‬فتخلل الفرتات للسالكني‬ ‫أمر الزم ال بد منه(‪.)7‬‬ ‫فال ندري ما العالقة بني حماولتي االنتحار هاتني؟ هل هو القنوط من‬ ‫وروحه؟ أو هي آثار أصابع الوضع والتزوير األموية؟‬ ‫رمحة اهلل َ‬ ‫وقد وردت روايات أخر مروية أيض ًا عن عائشة‪ ،‬لكنها كلها ال تنفع يف‬ ‫دفع اإلشكال السندي الذي ذكرناه!‬ ‫نعم وردت رواية يف حادثة اإلفك مل تروها عائشة‪ ،‬فقد أخرج البخاري‬ ‫يف صحيحه بسنده عن مّسوق‪ ،‬قال‪ :‬سألت أم رومان وهي أم عائشة عام قيل‬ ‫فيها ما قيل‪ ،‬قالت‪ :‬بينام أنا مع عائشة جالستان إذ وجلت علينا امرأة من األنصار‬ ‫وهي تقول‪ :‬فعل اهلل بفالن وفعل‪ ،‬قالت‪ :‬فقلت‪ :‬مل؟! قالت‪ :‬إنه نمى ذكر‬ ‫احلديث‪ ،‬فقالت عائشة‪ :‬أي حديث؟ فأخ رتا‪ ،‬قالت‪ :‬فسمعه أبو بكر ورسول‬ ‫(‪ )4‬أخرج البخاري يف صحيحه ‪ 58/8‬بسنده عن عائشة‪ ،‬قالت‪ :‬وفرت الوحي فرتة حتى حزن‬ ‫النبي ﷺ فيام بلغنا حزن ًا غدا منه مرار ًا كي يرت ّدى من رؤس شواهق اجلبال‪ ،‬فكلام أوىف بذروة‬ ‫جبل لكي يلقي منه نفسه تبدّ ى له ج ريل‪ ،‬فقال‪ :‬يا حممد إنك رسول اهلل ح اقا‪ .‬فيسكن لذلك‬ ‫جأشه‪ ،‬وتقر نفسه فريجع‪ ،‬فإذا طالت عليه فرتة الوحي غدا ملثل ذلك‪ ،‬فإذا أوىف بذروة جبل‬ ‫تبدّ ى له ج ريل‪ ،‬فقال له مثل ذلك‪.‬‬ ‫(‪ )7‬مدارج السالكني ‪.475/1‬‬


‫‪ .......................................... 011‬براءة نساء األنبياء من الزنا‪ :‬بني التحقيق والتلفيق‬

‫محى بنافض‪،‬‬ ‫فخرت مغش ايا عليها‪ ،‬فام أفاقت إال وعليها ّ‬ ‫اهلل ﷺ؟ قالت‪ :‬نعم‪ّ .‬‬ ‫محى أخذتا من أجل حديث حتدث به‪.‬‬ ‫فجاء النبي ﷺ فقال‪ :‬ما هلذه؟ قلت‪ّ :‬‬ ‫فقعدت‪ ،‬فقالت‪ :‬واهلل لئن حلفت ال تصدقوين‪ ،‬ولئن اعتذرت ال تعذروين‪،‬‬ ‫فمثيل ومثلكم كمثل يعقوب وبنيه‪ ،‬واهلل املستعان عىل تصفون‪ .‬فانرصف النبي‬ ‫ﷺ‪ ،‬فأنزل اهلل ما أنزل‪ ،‬فأخ رها‪ ،‬فقالت‪ :‬بحمد اهلل ال بحمد أحد(‪.)4‬‬ ‫ويرد عىل هذه الرواية أيض ًا عدة إشكاالت من حيث السند والداللة‪:‬‬ ‫أما من حيث السند فقد طعن علامء أهل السنة وحفاظهم يف اتصال‬ ‫سندها‪ ،‬فحكموا عليه باإلرسال؛ ملا اشتهر من أن أم رومان أم عائشة ماتت يف‬ ‫حياة النبي ݕ‪ ،‬ومّسوق تابعي‪ ،‬فال بد من سقوط واسطة أو أكثر بينهام‪ ،‬ومل‬ ‫يثبت أن مّسوق ًا ال يروي إال عن ثقة‪ ،‬فيسقط احلديث عن االعتبار وإن رواه‬ ‫البخاري يف صحيحه!‬ ‫قال اخلطيب البغدادي‪ :‬أخرج البخاري عن مّسوق عن أم رومان ݣ‬ ‫ وهي أم عائشة ‪ -‬طرف ًا من حديث اإلفك‪ ،‬وهو وهم‪ ،‬مل يسمع مّسوق من أم‬‫رومان ݣ؛ ألهنا توفيت يف عهد النبي ﷺ‪ ،‬وكان ملّسوق حني توفيت ست‬ ‫سنني‪ ،‬قال‪ :‬وخفيت هذه العلة عىل البخاري‪ ،‬وأظن مسل ًام فطن هلذه العلة‪ ،‬فلم‬ ‫صح هذا لكان مّسوق صحاب ايا‪ ،‬ال مانع له من السام من النبي‬ ‫خيرجه له‪ ،‬ولو ّ‬ ‫ﷺ‪ ،‬والظاهر أنه مرسل(‪.)7‬‬ ‫قال ابن عبد ال ر يف االستيعاب‪ :‬رواية مّسوق عن أم رومان مرسلة‪،‬‬ ‫ولعله سمع ذلك(‪.)1‬‬ ‫(‪ )4‬صحيح البخاري ‪.4415/7‬‬ ‫(‪ )7‬مقدمة فتح الباري‪.114 :‬‬ ‫(‪ )1‬االستيعاب ‪.411/1‬‬


‫وقفات مع حديث اإلفك برواية عائشة ‪011.....................................................‬‬

‫ولذلك قال ابن طاهر املقديس‪ :‬وأنكر عىل البخاري إخراج حديثه عن أم‬ ‫رومان‪ ،‬إذ كانت بال خالف قد توفيت يف عهد النبي‪ ،‬ومل يكن مّسوق حينئذ‪،‬‬ ‫وهو حديث واحد(‪.)4‬‬ ‫وقال الزركيش‪ :‬روى البخاري ألم رومان حديث ًا واحد ًا من حديث‬ ‫اإلفك من رواية مّسوق عنها‪ ،‬ومل يلقها‪ ،‬وقيل‪« :‬عن مّسوق حدثتني أم‬ ‫سامها يف السرية زينب‪ ،‬ويف‬ ‫رومان»‪ ،‬وهو وهم‪ ،‬ونقل النووي أن ابن اسحاق ّ‬ ‫الروض للسهييل اسمها دعدة‪ ،‬وذكر حممد بن سعد وغريه أن أم رومان ماتت‬ ‫يف حياة رسول اهلل ﷺ يف سنة ست من اهلجرة‪ ،‬ونزل رسول اهلل ﷺ يف ق رها‪،‬‬ ‫وهذا يقوي اإلشكال يف إخراج البخاري رواية مّسوق عنها‪ ،‬لكن أنكر قوم‬ ‫موتا يف حياة رسول اهلل ﷺ‪ ،‬منهم أبو نعيم األصفهاين‪ ،‬وال عمدة ملن أنكره إال‬ ‫رواية مّسوق(‪.)7‬‬ ‫وقد حاول ابن حجر رد هذا اإلشكال‪ ،‬وترجيح أن أم رومان بقيت حية‬ ‫بعد وفاة النبي ݕ‪ ،‬وكانت حجته نفس هذه الرواية التي هي حمل خالفنا اآلن‪،‬‬ ‫وهذه مصادرة عىل املطلوب‪.‬‬ ‫ولذلك قال ابن األثري‪ :‬من زعم أهنا توفيت يف سنة أربع أو مخس فقد‬ ‫صح أهنا كانت يف اإلفك ح ّية حينئذ‪ ،‬وكان اإلفك يف سنة ست‬ ‫وهم‪ ،‬فإنه قد ّ‬ ‫يف شعبان‪ ،‬واهلل أعلم(‪.)1‬‬ ‫أما من حيث متن احلديث فهو معارض لرواية عائشة حلادثة اإلفك‪ ،‬ففي‬ ‫(‪ )4‬اجلمع بني رجال الصحيحني ‪.141/7‬‬ ‫(‪ )7‬اإلجابة إليراد ما استدركته عائشة عىل الصحابة‪.14 :‬‬ ‫(‪ )1‬أسد الغابة ‪.174/1‬‬


‫‪ .......................................... 014‬براءة نساء األنبياء من الزنا‪ :‬بني التحقيق والتلفيق‬

‫رواية مّسوق نجد أن امرأة من األنصار هي التي زارت عائشة وأم رومان‪،‬‬ ‫وأخ رتم بام يتحدّ ث عنه الناس‪ ،‬قالت‪ :‬بينام أنا مع عائشة جالستان إذ وجلت‬ ‫علينا امرأة من األنصار وهي تقول‪ :‬فعل اهلل بفالن وفعل‪ ،‬قالت‪ :‬فقلت‪ :‬مل؟‬ ‫قالت‪ :‬إنه نمى ذكر احلديث‪ .‬فقال عائشة‪ :‬أي حديث؟ فأخ رتا‪..‬‬ ‫أما رواية الزهري ففيها أن عائشة علمت باخل ر من أم مسطح ملا خرجت‬ ‫معها للتغوط‪ ،‬ومل تكن أم رومان معهام‪ ،‬ويف رواية الزهري استأذنت عائشة‬ ‫رسول اهلل ݕ للذهاب ألبوهيا‪ ،‬والذي يظهر من رواية مّسوق أن عائشة‬ ‫كانت يف بيت أبيها ملا سمعت خ ر اإلفك‪ .‬قالت عائشة‪ :‬أقبلت أنا وأم مسطح‬ ‫قبل بيتي حني فرغنا من شأننا‪ ،‬فعثرت أم مسطح يف مرطها‪ ،‬فقالت‪ :‬تعس‬ ‫مسطح‪ ،‬فقلت هلا‪ :‬بئس ما قلت‪ ،‬أتسبني رج ً‬ ‫ال شهد بدر ًا؟! فقالت‪ :‬أي هنتاه‬ ‫ومل تسمعي ما قال؟ قالت‪ :‬وقلت‪ :‬ما قال؟ فأخ رتني بقول أهل اإلفك‪ ،‬قالت‪:‬‬ ‫عيل رسول اهلل ﷺ‬ ‫فازددت مرض ًا عىل مرىض‪ ،‬فلام رجعت إىل بيتي دخل ّ‬ ‫فس ّلم‪ ،‬ثم قال‪ :‬كيف تيكم؟ فقلت له‪ :‬أتأذن يل أن آيت أبوي؟ قالت‪ :‬وأريد أن‬ ‫أستيقن اخل ر من ق َبلهام‪ ،‬قالت‪ :‬فأذن يل رسول اهلل ﷺ‪ ،‬فقلت ألمي‪ :‬يا أمتاه‬ ‫ماذا يتحدث الناس؟ قالت‪ :‬يا بنية هوين عليك‪ ،‬فواهلل لقلام كانت امرأة قط‬ ‫وضيئة عند رجل حيبها هلا رضائر إال كثرن عليها(‪.)4‬‬ ‫وهذه العلل السندية التي ذكرناها كافية إلسقاط هذا اخل ر الذي كثري ًا ما‬ ‫يتمسك به املخالفون الذين اعت روه من أعظم فضائل عائشة ومن غرر مناقبها‪،‬‬ ‫ّ‬ ‫وسريى القارئ الكريم فيام سيأيت الطامات املوجودة يف متن حديث اإلفك‪.‬‬ ‫وهناك روايات أخر كفانا تضعيف حفاظ أهل السنة هلا مؤونة الرد‬ ‫(‪ )4‬صحيح البخاري ‪.11/1‬‬


‫وقفات مع حديث اإلفك برواية عائشة ‪016.....................................................‬‬

‫عليها‪:‬‬ ‫منها‪ :‬ما أخرجه الط راين يف معجمه الكبري بسنده عن ابن عباس‪ ،‬قال‪:‬‬ ‫إن النبي ﷺ كان إذا سافر سافر ببعض نسائه‪ ،‬ويقسم بينهم‪ ،‬فسافر بعائشة بنت‬ ‫أيب بكر‪ ،‬وكان هلا هودج‪ ،‬وكان اهلودج له رجال حيملونه ويضعونه‪ ،‬فعرس‬ ‫رسول اهلل ﷺ وأصحابه‪ ،‬وخرجت عائشة للحاجة‪ ،‬فتباعدت‪ ،‬فلم يعلم هبا‪،‬‬ ‫فاستيقظ النبي ﷺ والناس قد ارحتلوا‪ ،‬وجاء الذين حيملون اهلودج‪ ،‬فحملوه‬ ‫وال حيسبون إال أهنا فيه‪ ،‬فساروا‪ ،‬وأقبلت عائشة فوجدتم قد ارحتلوا‪ ...‬إىل‬ ‫آخر احلديث فجلست مكاهنا‪ ،‬فاستيقظ رجل من األنصار يقال له صفوان بن‬ ‫فتقرب منها‪ ،‬وكان معه بعري له‪ ،‬فلام رآها محلها‪،‬‬ ‫املعطل‪ ،‬وكان ال يقرب النساء‪ّ ،‬‬ ‫وقد كان يراها قبل احلجاب‪ ،‬وجعل يقود هبا البعري‪ ،‬حتى أتوا الناس والنبي‬ ‫فشق عليه‪ ،‬حتى اعتزهلا‪،‬‬ ‫ﷺ ومعه عائشة‪ ،‬فأكثروا القول‪ ،‬فبلغ ذلك النبي ﷺ‪ّ ،‬‬ ‫واستشار فيها زيد بن ثابت‪ ،‬فقال‪ :‬يا رسول اهلل دعها لعل اهلل أن حيدث لك‬ ‫فيها‪ .‬فقال عيل بن أيب طالب‪ :‬النساء كثري‪ .‬فحمل النبي ﷺ عليها‪ ،‬وخرجت‬ ‫عائشة ليلة متيش يف نساء‪ ،‬فعثرت أم مسطح‪ ،‬فقالت‪ :‬تعس مسطح‪ .‬فقالت‪:‬‬ ‫بئس ما قلت‪ ،‬تقولني هذا لرجل من أصحاب رسول اهلل؟! فقالت‪ :‬إنك ال‬ ‫تدرين ما يقولون‪ .‬وأخ رتا اخل ر‪ ،‬فسقطت عائشة مغش ايا عليها‪ ،‬ثم نزل القرآن‬ ‫بعذرها يف سورة النور‪ :‬ݨ ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖﭗ ݩ حتى بلغ‪ :‬ݨ ﭪ‬

‫ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰݩ ونزل‪ :‬ݨ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ݩ إىل قوله‪:‬‬ ‫ݨﮒ ﮓ ﮔ ݩ‪ ،‬وكان أبو بكر يعطي مسطح ًا وي ره ويصله‪ ،‬وكان ممن أكثر‬ ‫عىل عائشة‪ ،‬فحلف أبو بكر أال يعطيه شيئ ًا‪ ،‬فنزلت هذه اآلية‪ :‬ݨ ﮋ ﮌ ﮍ‬

‫ويبرشها‪ ،‬فجاء أبو بكر فأخ رها‬ ‫ﮎ ﮏ ﮐﮑݩ‪ ،‬فأمره النبي ﷺ أن يأتيها‬ ‫ّ‬


‫‪ .......................................... 018‬براءة نساء األنبياء من الزنا‪ :‬بني التحقيق والتلفيق‬

‫بعذرها‪ ،‬وبام أنزل اهلل‪ ،‬فقالت‪ :‬ال بحمدك‪ ،‬وال بحمد صاحبك(‪.)4‬‬ ‫قال اهليثمي مع ّلق ًا عىل هذا اخل ر‪ :‬رواه الط راين‪ ،‬وفيه إسامعيل بن حييى بن‬ ‫سلمة بن كهيل‪ ،‬وهو مرتوك(‪.)7‬‬ ‫ومنها‪ :‬ما أخرجه الط راين يف معجمه الكبري بسنده عن ابن عمر‪ ،‬قال‪:‬‬ ‫كان رسول اهلل ﷺ إذا أراد سفر ًا أقر بني نسائه أثالث ًا‪ ،‬فمن أصابته القرعة‬ ‫أخرج هبن معه‪ ،‬فكن خيرجن يسقني املاء‪ ،‬ويداوين اجلرحى‪ ،‬فلام غزا بني‬ ‫املصطلق أقر بينهن‪ ،‬فأصابت القرعة عائشة وأم سلمة‪ ،‬فأخرج هبام معه‪ ،‬فلام‬ ‫كانوا يف بعض الطريق مال رحل أم سلمة‪ ،‬فأناخوا بعريها ليصلحوا رحلها‪،‬‬ ‫وكانت عائشة تريد قضاء حاجة‪ ،‬فلام أنزلوا إبلهم قالت عائشة‪ :‬فقلت يف‬ ‫نفيس‪ :‬إىل ما يصلحوا رحل أم سلمة أقيض حاجتي‪ ،‬قالت‪ :‬فنزلت من اهلودج‪،‬‬ ‫فأخذت ما يف السطل ومل يعلموا بنزويل‪ ،‬فأتيت خربة‪ ،‬فانقطعت قالديت‪،‬‬ ‫فاحتبست يف رجعها ونظامها‪ ،‬وبعث القوم إبلهم ومضوا‪ ،‬وظنوا أين يف اهلودج‬ ‫مل أنزل‪ ،‬قالت‪ :‬فاتبعتهم حتى أعييت‪ ،‬فقدر يف نفيس أن القوم سيفقدوين‬ ‫فمر يب صفوان بن‬ ‫ويرجعون يف طلبي‪ ،‬قالت‪ :‬فنمت عىل بعض الطريق‪ّ ،‬‬ ‫املعطل‪ ،‬وكان رفيق رسول اهلل ﷺ‪ ،‬وكان سأل رسول اهلل ﷺ أن جيعله عىل‬ ‫الساقة فجعله‪ ،‬فكان إذا رحل الناس قام يصيل‪ ،‬ثم اتبعهم‪ ،‬فام سقط منهم من‬ ‫مر يب ظ ّن أين رجل‪ ،‬فقال‪ :‬يا‬ ‫يشء محله حتى يأيت به أصحابه‪ ،‬قالت عائشة‪ :‬فلام ّ‬ ‫نؤوم ًا قم‪ ،‬فإن الناس قد مضوا‪ ،‬قالت‪ :‬قلت‪ :‬إين لست رج ً‬ ‫ال‪ ،‬أنا عائشة‪ ،‬فقال‪:‬‬ ‫إنا هلل وإنا إليه راجعون‪ .‬ثم أناخ بعريه‪ ،‬فعقل يديه‪ ،‬ثم وىل عني‪ ،‬فقال‪ :‬يا أمه‬ ‫قومي فاركبي‪ ،‬فإذا ركبت فآذنيني‪ ،‬قالت‪ :‬فركبت‪ ،‬فجاء حتى ّ‬ ‫حل العقال‪ ،‬ثم‬ ‫(‪ )4‬املعجم الكبري ‪.471/71‬‬ ‫(‪ )7‬جممع الزوائد ‪.711/1‬‬


‫وقفات مع حديث اإلفك برواية عائشة ‪011.....................................................‬‬

‫بعث مجله‪ ،‬فأخذ بخطام اجلمل‪ .‬قال ابن عمر‪ :‬فام كلمها كالم ًا حتى أتى هبا‬ ‫رسول اهلل ﷺ‪ ،‬فقال عبد اهلل بن أيب بن سلول‪َ :‬ف َج َر هبا ورب الكعبة‪ .‬وأعانه‬ ‫عىل ذلك حسان بن ثابت ومسطح بن أثاثة ومحنة‪ ،‬وشا ذلك يف العسكر‪ ،‬وبلغ‬ ‫ذلك النبي ﷺ‪ ،‬وكان يف قلب النبي ﷺ ما قالوا حتى رجعوا إىل املدينة‪ ،‬وأشا‬ ‫عبد اهلل بن أيب بن سلول املنافق هذا احلديث يف املدينة‪ ،‬واشتدّ ذلك عىل رسول‬ ‫اهلل ﷺ‪ .‬قالت عائشة‪ :‬فدخلت ذات يوم أم مسطح‪ ،‬فرأتني وأنا أريد املذهب‪،‬‬ ‫فحملت معي السطل وفيه ماء‪ ،‬فوقع السطل منها‪ ،‬فقالت‪ :‬تعس مسطح‪،‬‬ ‫فقالت هلا عائشة‪ :‬سبحان اهلل تتعسني رج ً‬ ‫ال من أصحاب بدر وهو ابنك؟!‬ ‫فقالت هلا أم مسطح‪ :‬إنك سال بك السيل وأنت ال تدرين؟ فأخ رتا باخل ر‪،‬‬ ‫قالت‪ :‬فلام أخ رتني أخذتني احلمى‪ ،‬وتقبض ما كان يب‪ ،‬ومل أبعد املذهب‪ ،‬قالت‬ ‫عائشة‪ :‬وكنت أرى من النبي ﷺ جفوة‪ ،‬ومل أدر من أي يشء هي حتى حدثني‬ ‫أم مسطح‪ ،‬فعلمت أن جفوة رسول اهلل ﷺ ملا أخ رتني أم مسطح‪ ،‬قالت‬ ‫عائشة‪ :‬فقلت للنبي ﷺ يا رسول اهلل أتأذن يل أن أذهب إىل أهيل؟ قال‪ :‬اذهبي‪.‬‬ ‫فخرجت عائشة حتى أتت أباها أبا بكر ݤ‪ ،‬فقال هلا أبو بكر‪ :‬مالك؟ قالت‪:‬‬ ‫أخرجني رسول اهلل ﷺ من بيته‪ ،‬قال هلا أبو بكر‪ :‬أخرجك رسول اهلل ﷺ‬ ‫وآويك أنا؟! واهلل ال آويك حتى يأمر رسول اهلل ﷺ‪ ،‬فأمره رسول اهلل ﷺ أن‬ ‫أعزنا‬ ‫يؤوهيا‪ ،‬قال هلا أبو بكر‪ :‬واهلل ما قيل لنا هذا يف اجلاهلية قط‪ ،‬فكيف وقد ّ‬ ‫اإلسالم؟ فبكت عائشة‪ ،‬وأمها أم رومان‪ ،‬وأبو بكر‪ ،‬وعبد الرمحن‪ ،‬وبكى معهم‬ ‫أهل الدار‪ ،‬وبلغ ذلك النبي ﷺ‪ ،‬فصعد املن ر‪ ،‬فحمد اهلل وأثنى عليه‪ ،‬وقال‪ :‬يا‬ ‫أهيا الناس من يعذرين ممن يؤذيني؟ فقام إليه سعد بن معاذ‪ّ ،‬‬ ‫فسل سيفه‪ ،‬فقال‪:‬‬ ‫يا رسول اهلل أنا أعيذك منه‪ ،‬إن يكن من األوس أتيتك برأسه‪ ،‬وإن يكن من‬ ‫اخلزرج أمرتنا بأمرك فيه‪ ،‬فقام سعد بن عبادة فقال‪ :‬كذبت لعمر اهلل‪ ،‬ال تقدر‬


‫‪ .......................................... 001‬براءة نساء األنبياء من الزنا‪ :‬بني التحقيق والتلفيق‬

‫عىل قتله‪ ،‬إنام طلبتنا بذحول أنت بيننا وبينكم يف اجلاهلية‪ ،‬فقال هذا‪ :‬يا لألوس‪،‬‬ ‫وقال هذا‪ :‬يا للخزرج‪ ،‬فاضطربوا بالنعال واحلجارة‪ ،‬وتالطموا‪ ،‬فقام أسيد بن‬ ‫حضري‪ ،‬فقال‪ :‬ففيم الكالم؟ هذا رسول اهلل ﷺ يأمرنا بأمره فنفذ عن رغم أنف‬ ‫من رغم‪ .‬ونزل ج ريل ݠ وهو عىل املن ر‪ ،‬فصعد إليه أبو عبيدة فاحتضنه‪ ،‬فلام‬ ‫رسى عنه أومأ رسول اهلل ﷺ الناس مجيع ًا‪ ،‬ثم تال عليهم ما نزل به ج ريل‬ ‫ݠ‪ ،‬فنزل‪ :‬ݨ ﮙﮚ ﮛﮜﮝﮞ ﮟﮠﮡﮢﮣ ﮤ‬

‫ﮥ ﮦ ﮧ ﮨݩ إىل آخر اآليات‪ ،‬فصاح الناس‪ :‬رضينا يا رسول اهلل بام‬ ‫أنزل اهلل من القرآن‪ ،‬فقام بعضهم إىل بعض فتالزموا وتصاحلوا‪ ،‬ونزل رسول‬ ‫اهلل ﷺ عن املن ر‪ ،‬وانتظر الوحي يف عائشة‪ ،‬فبعث إىل عيل وأسامة وبريدة‪ ،‬وكان‬ ‫إذا أراد أن يستشري يف أهله مل ّ عل ايا وأسامة بعد موت أبيه زيد‪ ،‬فقال لعيل‪ :‬ما‬

‫مهني ما قال الناس فيها؟ فقال عيل‪ :‬يا رسول اهلل قد نال‬ ‫تقول يف عائشة‪ ،‬فقد أ ّ‬ ‫الناس‪ ،‬وقد ّ‬ ‫أحل لك طالقها‪ ،‬وقال ألسامة‪ :‬ما تقول أنت فيها؟ قال‪ :‬سبحان‬

‫اهلل‪ ،‬ما حيل لنا أن نتكلم هبذا‪ ،‬سبحانك هذا هبتان عظيم‪ .‬فقال ل ريرة‪ :‬ما تقولني‬ ‫يا بريرة؟ قالت‪ :‬واهلل يا رسول اهلل ما علمت عىل أهلك إال خري ًا‪ ،‬إال أهنا امرأة‬ ‫نؤوم‪ ،‬تنام حتى جتيء الداجن فتأكل عجينها‪ ،‬وإن كل يشء من هذا حتى‬ ‫جيزيك اهلل خري ًا‪ .‬فخرج النبي ﷺ حتى أتى منزل أيب بكر فدخل إليها‪ ،‬فقال هلا‪:‬‬ ‫يا عائشة إن كنت فعلت هذا األمر فقويل حتى أستغفر اهلل لك! فقالت‪ :‬واهلل ال‬ ‫أستغفر اهلل منه أبد ًا‪ ،‬إن كنت فعلته فال غفره اهلل يل‪ ،‬وما أجد مثيل ومثلكم إال‬ ‫مثل أيب يوسف‪ ،‬وذهب اسم يعقوب من األسف‪ :‬ݨ ﯹ ﯺ ﯻ ﯼ ﯽ‬

‫ﯾﯿﰀﰁﰂﰃﰄݩ‪ ،‬فبينا رسول اهلل ﷺ يكلمنا إذ نزل ج ريل‬ ‫ݠ بالوحي عىل النبي ﷺ‪ ،‬فأخذت النبي ﷺ رعشة‪ ،‬فقال أبو بكر لعائشة‪:‬‬


‫وقفات مع حديث اإلفك برواية عائشة ‪000.....................................................‬‬

‫قومي فاحتضني رسول اهلل ﷺ‪ .‬فقالت‪ :‬ال واهلل ال أدنو منه‪ ،‬فقام أبو بكر‬ ‫فاحتضن النبي ﷺ‪ ،‬فّسى عنه وهو يتبسم‪ ،‬فقال‪ :‬يا عائشة قد أنزل اهلل عذرك‪،‬‬ ‫فقالت‪ :‬بحمد اهلل ال بحمدك‪ .‬فتال عليها رسول اهلل ﷺ سورة النور إىل املوضع‬ ‫الذي انتهى إليه خ رها وعذرها وبراءتا‪ ،‬فقال رسول اهلل ﷺ‪ :‬قومي إىل البيت‪،‬‬ ‫فقامت‪ ،‬وخرج رسول اهلل ﷺ إىل املسجد‪ ،‬فأمر أبا عبيدة بن اجلراح فجمع‬ ‫عز وجل من ال راءة لعائشة‪ ،‬ونزل رسول اهلل‬ ‫الناس‪ ،‬ثم تال عليهم ما أنزل اهلل ّ‬ ‫ﷺ‪ ،‬وبعث إىل عبد اهلل بن أيب املنافق فجيء به‪ ،‬فرضبه النبي ﷺ حدّ ين‪ ،‬وبعث‬ ‫إىل حسان بن ثابت‪ ،‬ومسطح بن أثاثة‪ ،‬ومحنة بنت جحش‪ ،‬فرضبوا رضب ًا‬ ‫وجيع ًا‪ ،‬ووجئ يف رقاهبم‪ ،‬قال ابن عمر‪ :‬إنام رضب النبي ﷺ حدّ ين ألنه من‬ ‫قذف أزواج النبي ﷺ‪ ،‬فعليه حدّ ان‪ ،‬فبعث أبو بكر إىل مسطح بن أثاثة‪ ،‬فقال‪:‬‬ ‫حسان‬ ‫أخ رين عنك وأنت ابن خالتي‪ ،‬ما محلك عىل ما قلت يف عائشة؟ أما ّ‬ ‫فرجل من األنصار‪ ،‬ليس من قومي‪ ،‬وأما محنة فامرأة ضعيفة ال عقل هلا‪ ،‬وأما‬ ‫عبد اهلل بن أيب فمنافق‪ ،‬وأنت يف عيايل منذ مات أبوك‪ ،‬أنت ابن أربع حجج وأنا‬ ‫أنفق عليك‪ ،‬وأكسوك حتى بلغت‪ ،‬ما قطعت عنك نفقة إىل يومي هذا‪ ،‬واهلل‬ ‫إنك لرجل ال وصلتك بدراهم أبد ًا‪ ،‬وال عطفت عليك بخري أبد ًا‪ .‬ثم طرده أبو‬ ‫بكر‪ ،‬وأخرجه من منزله‪ ،‬فنزل القرآن‪ :‬ݨﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽݩ‬ ‫اآلية‪ ،‬فلام قال‪ :‬ݨ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐﮑݩ بكى أبو بكر‪ ،‬فقال‪ :‬أما قد نزل‬ ‫القرآن فيك ألضاعف ّن لك النفقة‪ ،‬وقد غفرت لك‪ ،‬فإن اهلل أمرين أن أغفر لك‪.‬‬ ‫وكانت امرأة عبد اهلل بن أيب منافقة معه‪ ،‬فنزل القرآن‪ :‬ݨ ﯛݩ يعني امرأة‬ ‫عبد اهلل‪ ،‬ݨ ﯜݩ يعني عبد اهلل ݨ ﯝﯞ ݩ عبد اهلل وامرأته‪،‬‬ ‫ݨ ﯠﯡ ݩ يعني عائشة وأزواج النبي ﷺ ݨ ﯥﯦ ݩ إىل آخر‬


‫‪ .......................................... 001‬براءة نساء األنبياء من الزنا‪ :‬بني التحقيق والتلفيق‬

‫اآليات(‪.)4‬‬ ‫قال اهليثمي معلق ًا عىل هذا اخل ر‪ :‬رواه الط راين‪ ،‬وفيه إسامعيل بن حييى بن‬ ‫عبيد اهلل التيمي‪ ،‬وهو كذاب(‪.)7‬‬ ‫ومنها‪ :‬ما أخرجه الط راين أيض ًا يف معجمه الكبري‪ ،‬بسنده عن حممد بن‬ ‫جحش‪ ،‬قال‪ :‬افتخرت عائشة وزينب‪ ،‬فقالت زينب‪ :‬أنا التي زوجني اهلل من‬ ‫السامء‪ .‬وقالت عائشة‪ :‬أنا التي نزل عذري حني محلني صفوان بن املعطل‪.‬‬ ‫فقالت هلا زينب‪ :‬أي يشء قلت حني ركبت؟ قالت‪ :‬قلت‪ :‬حسبي اهلل‪ ،‬ونعم‬ ‫الوكيل‪ .‬قالت‪ :‬قلت كلمة املؤمنني(‪.)1‬‬ ‫وقد ع ّلق اهليثمي عىل هذا احلديث بقوله‪ :‬رواه الط راين‪ ،‬وفيه املعىل بن‬ ‫عرفان‪ ،‬وهو مرتوك(‪.)1‬‬ ‫ومنها‪ :‬ما أخرجه أيض ًا عن ابن عباس‪ ،‬قال‪ :‬قال رسول اهلل ﷺ‪ :‬إذا كان‬ ‫يوم القيامة حدّ اهلل الذين شتموا عائشة ثامنني ثامنني عىل رؤوس اخلالئق‪،‬‬ ‫فيستوهب ريب املهاجرين منهم‪ ،‬فأستأمرك يا عائشة‪ ،‬فسمعت عائشة الكالم‬ ‫فبكت وهي يف البيت‪ ،‬وقالت‪ :‬والذي بعثك باحلق نب ايا َلّسورك أطيب إ ّيل من‬ ‫فتبسم رسول اهلل ﷺ ضاحك ًا‪ ،‬وقال‪ :‬ابنة أبيها(‪.)1‬‬ ‫رسوري‪ّ ،‬‬ ‫قال اهليثمي مع ّلق ًا عىل هذا احلديث‪ :‬رواه الط راين‪ ،‬وفيه عبد اهلل بن‬ ‫(‪)4‬املعجم الكبري ‪471/71‬‬ ‫(‪ )7‬جممع الزوائد ‪.714/1‬‬ ‫(‪ )1‬املعجم الكبري ‪.11/71‬‬ ‫(‪ )1‬جممع الزوائد ‪.714/1‬‬ ‫(‪ )1‬املعجم الكبري ‪.451/71‬‬


‫وقفات مع حديث اإلفك برواية عائشة ‪001.....................................................‬‬

‫هارون أبو علقمة الفروي‪ ،‬وهو ضعيف(‪.)4‬‬ ‫وكام يالحظ القارئ فإن هذه األحاديث خيالف بعضها بعض ًا يف تفاصيل‬ ‫احلادثة ومالبساتا‪ ،‬لكنا طوينا عنها كشح ًا ملا أعرض عنها علامء أهل السنة‬ ‫وضعفوها‪.‬‬ ‫اقيات مع حديث لإلفك‪:‬‬ ‫إذا دققنا النظر يف متن حديث اإلفك نجد أنه ال يكاد خيلو سطر منه من‬ ‫إشكال‪ ،‬وال نكاد نمر عىل عبارة منه إال وفيها كالم طويل‪ ،‬يكشف أمور ًا مل‬ ‫يلتفت إليها كثري من الذين يدندنون هبذه الرواية ويطنطنون هبا‪:‬‬ ‫الوقفة األوىل‪ :‬قالت عائشة‪« :‬كان رسول اهلل ﷺ إذا أراد سفر اا أقرع بني‬ ‫أزواجه‪ ،‬فأهين خرج سهمها خرج هبا رسول اهلل ﷺ معه‪ ،‬قالت عائشة‪ :‬فأقرع‬ ‫بيننا يف غزوة غزاها‪ ،‬فخرج فيها سهمي‪ ،‬فخرجت مع رسول اهلل ﷺ بعدما أنزل‬ ‫احلجاب‪ ،‬فكنت أمحل يف هودجي‪ ،‬وأنزل فيه»‪.‬‬ ‫يف هذه السطور ب ّينت عائشة أن حادثة اإلفك وقعت يف إحدى غزوات‬ ‫النبي ݕ‪ ،‬وقد ذكر أصحاب السري والتاريخ ورشاح احلديث هذه الغزوة‪.‬‬ ‫ورصح‬ ‫قال ابن حجر يف تعليقه عىل هذا املقطع‪ :‬هي غزوة بني املصطلق‪ّ ،‬‬

‫بذلك حممد بن إسحاق يف روايته‪ ،‬وكذا أفلح بن عبد اهلل عند الط راين‪ ،‬وعنده‬ ‫يف رواية أيب أويس‪« :‬فخرج سهم عائشة يف غزوة بني املصطلق من خزاعة»‪،‬‬ ‫وعند البزار من حديث أيب هريرة‪« :‬فأصابت عائشة القرعة يف غزوة بني‬ ‫املصطلق»(‪.)7‬‬ ‫(‪ )4‬جممع الزوائد ‪.714/1‬‬ ‫(‪ )7‬فتح الباري ‪.158/8‬‬


‫‪ .......................................... 001‬براءة نساء األنبياء من الزنا‪ :‬بني التحقيق والتلفيق‬

‫وقال العيني يف رشحه‪ :‬إرادة الغزوة املصطلقية(‪.)4‬‬ ‫وقد يطلق عىل غزوة بني املصطلق غزوة املريسيع‪ ،‬وهو ماء لبني خزاعة‪،‬‬ ‫مر به اجليش يف هذه الغزوة‪ ،‬وقد أشار النووي هلذا يف رشحه عىل مسلم‪.‬‬ ‫ّ‬ ‫وقد وقعت هذه الغزوة يف السنة اخلامسة أو السادسة للهجرة عىل‬ ‫الس َري‪.‬‬ ‫املؤرخني وأرباب ّ‬ ‫اختالف أقوال ّ‬ ‫والعجيب أن يف هذه الغزوة ذكرت عائشة فيها ثالث قصص كانت هي‬ ‫بطلة فيها‪ :‬القصة األوىل‪ :‬هي حادثة اإلفك التي نحن بصدد الكالم فيها‪.‬‬ ‫والثانية‪ :‬قصة السباق الذي حصل بينها وبني النبي ݕ‪ ،‬والثالثة‪ :‬قصة نزول‬ ‫آية التيمم بسبب عائشة وعقدها الذي سنتحدث عنه الحق ًا!‬ ‫وقد أشار ابن سعد إىل ذلك‪ ،‬فقال‪ :‬ويف هذه الغزاة سقط عقد لعائشة‪،‬‬ ‫فاحتبسوا عىل طلبه‪ ،‬فنزلت آية التيمم‪ ،‬فقال أسيد بن احلضري‪ :‬ما هي بأول‬ ‫بركتكم يا آل أيب بكر‪ .‬ويف هذه الغزاة كان حديث عائشة‪ ،‬وقول أهل اإلفك‬ ‫فيها‪ .‬قال‪ :‬وأنزل اهلل تبارك وتعاىل براءتا‪ ،‬وغاب رسول اهلل ﷺ يف غزاته هذه‬ ‫ثامنية وعرشين يوم ًا‪ ،‬وقدم املدينة هلالل شهر رمضان(‪.)7‬‬ ‫أما قصة املسابقة فقد ذكرها الواقدي يف مغازيه عند تعرضه هلذه الغزوة‪:‬‬ ‫ثم إنا رسنا مع العسكر حتى إذا نزلنا موضع ًا دمث ًا طيب ًا ذا أراك‪ ،‬قال‪ :‬يا عائشة‪،‬‬ ‫هل لك يف السباق؟ قلت‪ :‬نعم‪ .‬فتحزمت بثيايب‪ ،‬وفعل ذلك رسول اهلل ﷺ‪ ،‬ثم‬ ‫استبقنا فسبقني‪ ،‬فقال‪ :‬هذه بتلك السبقة التي كنت سبقتيني‪ .‬وكان جاء إىل‬ ‫منزل أيب ومعي يشء‪ ،‬فقال‪ :‬هلميه! فأبيت‪ ،‬فسعيت وسعى عىل أثري فسبقته‪.‬‬ ‫(‪ )4‬عمدة القاري ‪.747/41‬‬ ‫(‪ )7‬الطبقات الك رى ‪.51/7‬‬


‫وقفات مع حديث اإلفك برواية عائشة ‪001.....................................................‬‬

‫وكانت هذه الغزوة بعد أن رضب احلجاب(‪.)4‬‬ ‫وكل واحدة من هذه احلوادث الثالثة فيها كالم يطول‪ ،‬ولنا عليها‬ ‫إشكاالت كثرية جدا ا‪ ،‬إال أن موضوعنا هو حادثة اإلفك فقط‪.‬‬ ‫واملالحظ يف كل األحاديث التي ذكرتا عائشة أن النبي ݕ إذا أقر بني‬ ‫نسائه ال خيرج إال سهمها هي‪ ،‬إما منفردة أو معها غريها‪ ،‬وال تكاد جتد رواية‬ ‫واحدة عن عائشة أو غريها بخالف ذلك‪ ،‬وهذا يثري التساؤل والتشكيك‪.‬‬ ‫اللهم إال إذا كانت عائشة صادقة يف ما قالته لرسول اهلل ݕ‪ :‬ما أرى‬ ‫ربك إال يسار يف هواك(‪.)7‬‬ ‫الوقفة الثانية‪ :‬قالت عائشة‪« :‬فكنت أمحل يف هودجي وأنزل فيه‪ ،‬فرسنا‬ ‫حتى إذا فرغ رسول اهلل ﷺ من غزوته تلك وقفل‪ ،‬دنونا من املدينة قافلني‪ ،‬آذن‬ ‫ليلة بالرحيل‪ ،‬فقمت حني آذنوا بالرحيل‪ ،‬فمشيت حتى جاوزت اجليش‪ ،‬فلام‬ ‫قضيت شأين أقبلت إىل رحيل‪ ،‬فلمست صدري فإذا عقد يل من جزع ظفار قد‬ ‫انقطع‪ ،‬فرجعت‪ ،‬فالتمست عقدي‪ ،‬فحبسني ابتغاؤه»‪.‬‬ ‫هنا ال بد من الوقوف عند هذا العقد الذي حبس عائشة عن الرجو‬ ‫للمعسكر‪ ،‬ولو رجعنا قلي ً‬ ‫ال إىل قصة التيمم التي أرشنا هلا سابق ًا لعلمنا قصة‬ ‫هذا العقد الغريب!‬ ‫ففي نفس الغزوة حصلت قصة آية التيمم ب ركات هذا العقد كام رواها‬ ‫البخاري ومسلم‪ ،‬بسندمها عن عائشة ݣ أهنا قالت‪ :‬خرجنا مع رسول اهلل ﷺ‬ ‫يف بعض أسفاره‪ ،‬حتى إذا كنا بالبيداء أو بذات اجليش انقطع عقد يل‪ ،‬فأقام‬ ‫(‪ )4‬املغازي ‪.171/7‬‬ ‫(‪ )7‬صحيح البخاري ‪ ،4141/1‬صحيح مسلم ‪.4481/7‬‬


‫‪ .......................................... 004‬براءة نساء األنبياء من الزنا‪ :‬بني التحقيق والتلفيق‬

‫رسول اهلل ﷺ عىل التامسه‪ ،‬وأقام الناس معه‪ ،‬وليسوا عىل ماء‪ ،‬وليس معهم‬ ‫ماء‪ ،‬فأتى الناس أبا بكر‪ ،‬فقالوا‪ :‬أال ترى ما صنعت عائشة؟ أقامت برسول اهلل‬ ‫ﷺ وبالناس معه‪ ،‬وليسوا عىل ماء‪ ،‬وليس معهم ماء؟ فجاء أبو بكر ورسول اهلل‬ ‫ﷺ واضع رأسه عىل فخذي قد نام‪ ،‬فقال‪ :‬حبست رسول اهلل وليسوا عىل ماء‪،‬‬ ‫وليس معهم ماء؟ قالت‪ :‬فعاتبني‪ ،‬وقال ما شاء اهلل أن يقول‪ ،‬وجعل يطعنني‬ ‫بيده يف خارصيت‪ ،‬فال يمنعني من التحرك إال مكان رسول اهلل ﷺ عىل فخذي‪،‬‬ ‫فتيمموا‪،‬‬ ‫فنام رسول اهلل ﷺ حتى أصبح عىل غري ماء‪ ،‬فأنزل اهلل آية التيمم‪ّ ،‬‬ ‫فقال أسيد بن احلضري‪ :‬ما هي بأول بركتكم يا آل أيب بكر‪ .‬فقالت عائشة‪ :‬فبعثنا‬ ‫البعري الذي كنت عليه‪ ،‬فوجدنا العقد حتته(‪.)4‬‬ ‫وأنا أنزه رسول اهلل ݕ عن أن حيبس اجليش كله يف مكان ال ماء فيه‬ ‫ألجل عقد يظهر أنه ليست له تلك القيمة إرضاء لعائشة‪ ،‬ويرتك الناس‬ ‫ينتظرون‪ ،‬ويبحثون عن العقد‪ ،‬وينام هو عىل فخذ زوجته إىل الصباح!‬ ‫وكام رأينا أن هذا العقد هو سبب قصة اإلفك أيض ًا‪ ،‬حيث كان السبب يف‬ ‫ختلف عائشة عن املعسكر‪ ،‬وحصول ما حصل! والقرآن الكريم أجل وأعظم‬ ‫من أن تنزل بعض آياته بسبب عقد ال قيمة له‪.‬‬ ‫وبام أن اجليش كان قد آذن بالرحيل‪ ،‬فإن الترصف العادي ألي امرأة‬ ‫مصونة‪ ،‬أرادت أن تبحث عن عقدها أن خت ر واحدة من النساء بذلك‪ ،‬حتى ال‬ ‫يبحث الناس عنها إذا مل جيدوها يف هودجها‪ ،‬أما أن تتجاهل مشاعر الناس‪ ،‬فال‬ ‫خت ر أحد ًا بذهاهبا للبحث عن عقدها فهذا غريب جدا ا‪ ،‬وكم يف حديث اإلفك‬ ‫من غرائب!!‬ ‫(‪ )4‬صحيح البخاري ‪ ،471/4‬صحيح مسلم ‪.711/4‬‬


‫وقفات مع حديث اإلفك برواية عائشة ‪006.....................................................‬‬

‫واملحصل من كالم عائشة أن البطل احلقيقي يف القصة هو العقد الذي‬ ‫ّ‬ ‫انقطع مرتني يف نفس الغزوة‪ ،‬األوىل نزلت يف إثرها آية التيمم‪ ،‬والثانية نزلت يف‬ ‫إثرها آيات اإلفك‪ ..‬يا هلذا العقد املبارك!‬ ‫املفروض أن يتم االهتامم هبذا العقد بأن يبحث عنه ويوضع يف أحد‬ ‫املتاحف اإلسالمية ألمهيته!‬ ‫حترك يف‬ ‫والغريب يف أمر هذا العقد املبارك أن عائشة ذكرت أن اجليش ّ‬

‫الليل‪ ،‬وأن عائشة وجدت عقدها يف تلك الليلة الظلامء‪ ،‬وهذا غريب ح اقا؛ ألنه‬ ‫كيف يمكن لعائشة أن ترى هذا العقد يف الظالم‪ ،‬اللهم إال إذا كان هذا العقد‬ ‫من النو الفوسفوري الذي ييضء يف الليل!!‬ ‫الوقفة الثالثة‪ :‬قالت عائشة‪« :‬وأقبل الرهط الذين كانوا يرحلوين‪،‬‬ ‫فاحتملوا هودجي‪ ،‬فرحلوه عىل بعريي الذي كنت أركب عليه‪ ،‬وهم حيسبون‬ ‫أين فيه‪ ،‬وكان النساء إذ ذاك خفاف اا مل هيبلن‪ ،‬ومل يغشهن اللحم‪ ،‬إنام يأكلن العلقة‬ ‫من الطعام‪ ،‬فلم يستنكر القوم خفة اهلودج حني رفعوه ومحلوه‪ ،‬وكنت جارية‬ ‫حديثة السن»‪.‬‬ ‫ذكرت عائشة يف هذا النص كيف خت ّلفت عن اجليش‪ ،‬فب ّينت أهنا ذهبت‬ ‫للبحث عن عقدها‪ ،‬فجاء الرهط املو ّكلون هبا‪ ،‬فحملوا اهلودج وهم يظنون أن‬ ‫عائشة يف داخله؛ ألهنا كانت خفيفة اللحم آنذاك‪.‬‬ ‫واملالحظة املهمة ههنا هي أن عائشة يف قصة السباق التي وقعت يف نفس‬ ‫مر ّبررت سبب سبق النبي ݕ هلا بأهنا كانت حتمل اللحم!‬ ‫هذه الغزوة كام ّ‬ ‫فقد أخرج أبو داود بسنده عن عائشة ݣ‪ :‬أهنا كانت مع النبي ﷺ يف‬ ‫سفر‪ ،‬قالت‪ :‬فسابقته فسبقته عىل رجيل‪ ،‬فلام محلت اللحم سابقته فسبقني‪،‬‬


‫‪ .......................................... 008‬براءة نساء األنبياء من الزنا‪ :‬بني التحقيق والتلفيق‬

‫فقال‪ :‬هذه بتلك السبقة(‪.)4‬‬ ‫وأخرج النسائي عن عائشة‪ :‬أهنا كانت مع رسول اهلل ﷺ يف سفر وهي‬ ‫جارية‪ ،‬فقال ألصحابه‪ :‬تقدّ موا‪ .‬ثم قال‪ :‬تعايل أسابقك‪ .‬فسابقته فسبقته عىل‬ ‫رجيل‪ ،‬فلام كان بعد خرجت معه يف سفر‪ ،‬فقال ألصحابه‪ :‬تقدّ موا‪ .‬ثم قال‪:‬‬ ‫تعايل أسابقك‪ .‬ونسبت الذي كان وقد محلت اللحم‪ ،‬فقلت‪ :‬كيف أسابقك يا‬ ‫رسول اهلل وأنا عىل هذه احلال؟! فقال‪ :‬لتفعلن‪ .‬فسابقته فسبقني‪ ،‬فقال‪ :‬هذه‬ ‫بتلك السبقة(‪.)7‬‬ ‫ففي هذه الرواية تقول عائشة‪ :‬إهنا بدينة وأن اللحم أرهقها‪ ،‬أما يف رواية‬ ‫اإلفك فتقول‪ :‬إهنا جارية خفيفة اللحم‪ ،‬وكل هذا يف نفس الغزوة!‬ ‫فأي األمرين أوىل بالتصديق‪ ،‬ما جاء يف حديث اإلفك أم ما جاء يف‬ ‫حديث السباق؟‬ ‫ثم هل يعقل أن حيمل الرجال املوكلون باهلودج هودج عائشة من دون‬ ‫أن يتأكدوا أهنا بداخله‪ ،‬وال سيام أهنا مل تكن املرأة الوحيدة يف اجليش؟ ال أظن‬ ‫أن هذا يصدر من رجل أوكل إليه النبي ݕ العناية بحمل هودج واحدة من‬ ‫زوجاته‪ ،‬فض ً‬ ‫ال عن رجال متعدّ دين اتفقت كلمتهم عىل ترك التأكد من وجود‬ ‫عائشة داخل اهلودج‪.‬‬ ‫ومن املستبعد أن يكون هؤالء الرجال الذين اعتادوا محل هودج عائشة‬ ‫مدة شهر وهي مدة غزوة بني املصطلق قد خفي عليهم أن اهلودج كان فارغ ًا‪،‬‬ ‫صححه األلباين يف صحيح سنن أيب داود ‪ ،114/7‬وسلسلة األحاديث‬ ‫(‪ )4‬سنن أيب داود ‪ّ .11/7‬‬ ‫الصحيحة ‪.711/4‬‬ ‫صححه األلباين يف سلسلة األحاديث الصحيحة ‪.711/4‬‬ ‫(‪ )7‬السنن الك رى للنسائي ‪ّ .141/1‬‬


‫وقفات مع حديث اإلفك برواية عائشة ‪001.....................................................‬‬

‫وأن حركة البعري يف هنوضه كانت خفيفة وكاشفة عن أن عائشة مل تكن يف‬ ‫اهلودج‪ ،‬وخفة حلم عائشة ال جتعل األمر يلتبس عىل هؤالء الذين صارت‬ ‫عندهم خ رة بسبب طول فرتة محلهم هلودج عائشة إن مل تكن عندهم خ رة‬ ‫سابقة‪ ،‬ولو سلمنا أن خفة حلمها جتعلهم يلتبسون يف األمر‪ ،‬فإن ذلك يدعوهم‬ ‫دائ ًام للتأكد من وجودها داخل اهلودج‪.‬‬ ‫وهل يغفل النبي ݕ فيرتك زوجته احلبيبة كام هو مشهور عند املخالفني‬ ‫وال يطمئن عليها هل ركبت أم ال؟‬ ‫نحن نعلم أن عقيدتم يف النبي أنه غري معصوم من السهو والنسيان‪،‬‬ ‫لكن ال يعقل أن يصل به األمر إىل حد نسيان امرأته يف البيداء!‬ ‫فعندهم النبي ݕ ينسى آيات القرآن‪ ،‬وينسى الصالة‪ ،‬وينسى أنه جمنب‬ ‫فيهم بالصالة بالناس وهو جنب‪ ،‬واآلن ينسى زوجته!‬ ‫وال ننسى أن يف اجليش أيض ًا أبو بكر والد عائشة‪ ،‬وكانت هناك أم سلمة‬ ‫أيض ًا‪ ،‬فهل غفل هؤالء كلهم عنها؟!‬ ‫الوقفة الرابعة‪ :‬قالت عائشة‪« :‬فبعثوا اجلمل‪ ،‬فساروا‪ ،‬ووجدت عقدي‬ ‫بعدما استمر اجليش‪ ،‬فجئت منازهلم وليس هبا منهم داع وال جميب‪ ،‬فتيممت‬ ‫منزيل الذي كنت به‪ ،‬وظننت أهنم سيفقدوين‪ ،‬فريجعون إ ّيل»‪.‬‬ ‫هذه الفقرة من أغرب فقرات حديث اإلفك‪ ،‬وال أكاد أصدق أن‬ ‫شخص ًا واعي ًا قرأ هذا احلديث فاقتنع بصدق هذه الفقرة!‬ ‫والسبب يف ذلك هو أن معنى كالم عائشة أن جيش املسلمني كان يتحرك‬ ‫بّسعة غري معتادة يف ذلك الزمان‪ ،‬وكأنه كان يتحرك بالسيارات العسكرية أو‬ ‫الد ّبابات واملص ّفحات؟‬


‫‪ .......................................... 011‬براءة نساء األنبياء من الزنا‪ :‬بني التحقيق والتلفيق‬

‫وابتعاد عائشة عن اجليش إنام كان للبحث عن عقدها ال لقضاء احلاجة‪،‬‬ ‫ومن يبحث عن حاجة فقدها يف وقت إيذان اجليش بالرحيل ال بد أن يكون‬ ‫نظره عىل اجليش أيض ًا وحتركاته‪ ،‬أما التغافل التام عن حركة اجليش يف هذه‬ ‫الصورة فهذا أمر غريب جدا ا‪.‬‬ ‫ولو افرتضنا أن اجليش حترك بّسعة فهل من املعقول أن تكون رسعته‬ ‫بحيث يغيب عىل األنظار يف دقائق‪ ،‬وال تستطيع عائشة أن تلحق به وال سيام أهنا‬ ‫كانت خفيفة اللحم كام قالت‪ ،‬وكانت تسابق النبي ݕ‪ ،‬فتسبقه؟!‬ ‫الس َري حدّ د عدد اجليش بأكثر من ألف وأربعامئة‬ ‫عل ًام أن بعض أهل ّ‬ ‫رجل‪.‬‬ ‫قال الواقدي‪ :‬كانت ليلتني من شعبان سنة مخس‪ ،‬يف سبعامئة من‬ ‫أصحابه‪ ،‬وسبى النبي ﷺ جويرية بنت احلارث‪ ،‬فأعتقها وتزوجها‪ ،‬وكانت‬ ‫األرسى أكثر من سبعامئة(‪.)4‬‬ ‫فال ندري كيف تالشى أكثر من ألفي رجل فجأة وهبذه الّسعة؟‬ ‫ويظهر من كالم عائشة أهنا مل تكن خائفة يف ذلك املكان املوحش‪ ،‬وهلذا‬ ‫رجعت إىل موضعها‪ ،‬وانتظرت رجو بعض املسلمني إليها‪ ،‬بل إهنا نامت كام‬ ‫سيأيت يف كالمها‪ ،‬مع أن طبيعة احلال تقتيض منها اخلوف والفز ‪ ،‬وحماولة‬ ‫اللحوق باجليش لتكون أقرب إليهم‪.‬‬ ‫الوقفة اخلامسة‪ :‬قالت عائشة‪« :‬فبينا أنا جالسة يف منزيل غلبتني عيني‬ ‫فنمت‪ ،‬وكان صفوان بن املعطل السلمي ثم الذكواين من وراء اجليش‪ ،‬فأصبح‬ ‫عند منزيل‪ ،‬فرأى سواد إنسان نائم‪ ،‬فعرفني حني رآين‪ ،‬وكان رآين قبل احلجاب‪،‬‬ ‫(‪ )4‬عن عمدة القاري ‪.714/41‬‬


‫وقفات مع حديث اإلفك برواية عائشة ‪010.....................................................‬‬

‫فاستيقظت باسرتجاعه حني عرفني‪ ،‬فخمرت وجهي بجلبايب‪ ،‬وواهلل ما تكلمنا‬ ‫بكلمة‪ ،‬وال سمعت منه كلمة غري اسرتجاعه‪ ،‬وهوى حتى أناخ راحلته‪ ،‬فوطئ‬ ‫عىل يدها‪ ،‬فقمت إليها فركبتها‪ ،‬فانطلق يقود يب الراحلة حتى أتينا اجليش‬ ‫موغرين يف نحر الظهرية وهم نزول»‪.‬‬ ‫سبق أن قلنا‪ :‬إن طبيعة احلال تقتيض من عائشة يف ذلك املكان املقفر‬ ‫املوحش‪ ،‬ويف الليل الدامس أن تشعر باخلوف واهللع‪ ،‬ومن العجب ح ّقا أن تنام‬ ‫عائشة يف مثل هذه احلال‪ ،‬وتستغرق يف النوم‪ ،‬لدرجة أهنا مل تشعر باقرتاب‬ ‫صفوان وهو عىل دابته منها‪ ،‬ومل تستيقظ إال عىل اسرتجاعه‪ ،‬ولعله قال كالم ًا‬ ‫قبل ذلك‪ ،‬فلام مل تسمعه اسرتجع‪ .‬والترصف املألوف يف النساء كام قلنا هو أن‬ ‫املرأة التائهة ال يستقر هلا قرار‪ ،‬وحتاول جهدها أن تلحق باجليش‪ ،‬أما أن تنام‬ ‫باطمئنان‪ ،‬وتستغرق يف النوم‪ ،‬فهذا أمر غريب غري مألوف‪.‬‬ ‫والغريب جدا ا يف هذه الفقرة أن عائشة ذكرت أن صفوان عرفها ملا‬ ‫اقرتب منها‪ ،‬مع أن سواد الليل وظلمته حتوالن كثري ًا عن معرفة أقرب النساء‬ ‫متحجبة ويف وضع النائم‪ ،‬فكيف عرفها صفوان‬ ‫إليك خصوص ًا إذا كانت املرأة‬ ‫ّ‬ ‫هبذه الّسعة قبل أن يتحدث إليها ويسمع صوتا؟!‬ ‫مضاف ًا إىل أن عائشة وصفوان حلقا باجليش موغرين يف نحر الظهرية‪.‬‬ ‫قال ابن األثري يف بيان معنى «نحر الظهرية»‪ :‬هو أن تبلغ الشمس منتهاها‬ ‫من اإلرتفا ‪ ،‬كأهنا وصلت إىل النحر‪ ،‬وهو أعىل الصدر(‪.)4‬‬ ‫وإذا الحظنا قول عائشة‪« :‬حتى إذا فرغ رسول اهلل ﷺ من غزوته تلك‬ ‫وقفل‪ ،‬دنونا من املدينة قافلني‪ ،‬آذن ليل اة بالرحيل»‪.‬‬ ‫(‪ )4‬النهاية يف غريب احلديث ‪.71/1‬‬


‫‪ .......................................... 011‬براءة نساء األنبياء من الزنا‪ :‬بني التحقيق والتلفيق‬

‫يتبني لنا أن مسري اجليش كان ليالً‪ ،‬وأن اجليش كان قريب ًا من املدينة‪ ،‬ومع‬ ‫ّ‬

‫ذلك فإن عائشة وصلت للجيش يف اليوم التايل ظهر ًا وهو بعد مل يدخل املدينة‪،‬‬

‫وهذه الفرتة كانت كافية ألن يسري اجليش أكثر من ‪ 14‬كيلو مرت ًا‪ ،‬وهذا يتناىف‬ ‫مع قوهلا‪ :‬إن اجليش دنا من املدينة‪.‬‬ ‫وبحسب هذا الكالم فإن عائشة غابت عن اجليش حوايل نصف ليلة‬ ‫ونصف يوم‪ ،‬ومل يظهر من احلديث أن النبي ݕ وغريه افتقدوا عائشة طيلة‬ ‫هذه الفرتة‪ ،‬مع أن عائشة دائ ًام ما كانت تتباهى بأن النبي ݕ كان شديد‬ ‫االهتامم هبا حتى يف أسفاره وغزواته‪.‬‬ ‫فقد أخرج البخاري بسنده عن عائشة أن النبي ﷺ كان إذا خرج أقر‬ ‫بني نسائه‪ ،‬فطارت القرعة لعائشة وحفصة‪ ،‬وكان النبي ﷺ إذا كان بالليل سار‬ ‫مع عائشة يتحدث‪ ،‬فقالت حفصة‪ :‬أال تركبني الليلة بعريي‪ ،‬وأركب بعريك‬ ‫تنظرين وأنظر؟ فقالت‪ :‬بىل‪ .‬فركبت فجاء النبي ﷺ إىل مجل عائشة وعليه‬ ‫حفصة‪ ،‬فسلم عليها‪ ،‬ثم سار حتى نزلوا‪.)4( ...‬‬ ‫فهل يغفل النبي ݕ عن زوجته كل هذه املدة وهو الذي روت أنه كان‬ ‫يسايرها ويسامرها حتى غارت حفصة‪ ،‬واحتالت عليها؟‬ ‫يتبني‬ ‫وإذا حسبنا الوقت الذي وصلت فيه عائشة وصفوان إىل اجليش‪ّ ،‬‬ ‫أهنام ّ‬ ‫تأخرا كثري ًا‪ ،‬واستغرقا وقت ًا طوي ً‬ ‫ال حتى وصال إىل اجليش‪ ،‬مع خفة سريمها‬ ‫وبطء سري اجليش‪ ،‬وهذا يثري التساؤل واالستغراب أيض ًا‪.‬‬ ‫فهل سبب التأخر هو أن عائشة نامت نوم ًا طويالً‪ ،‬وصفوان ّ‬ ‫تأخر يف‬ ‫الوصول إليها؟‬ ‫(‪ )4‬صحيح البخاري ‪.4515/1‬‬


‫وقفات مع حديث اإلفك برواية عائشة ‪011.....................................................‬‬

‫أو أهنا املسافة الفاصلة بينها وبني اجليش‪ ،‬يعني أهنم قطعوا كل هذه‬ ‫املسافة يف فرتة زمنية صغرية؟‬ ‫يف كلتا احلالتني يرد اإلشكال عىل الرواية؛ ألن صفوان كان جند ايا يف‬ ‫جيش رسول اهلل ݕ‪ ،‬وكان عىل ساقة اجليش‪.‬‬ ‫قال ابن حبان‪ :‬وكان عىل ساقة النبي ﷺ يف غزوة املريسيع(‪.)4‬‬ ‫وقال ابن عبد ال ر‪ :‬كان يكون عىل ساقة النبي ﷺ‪ ،‬ومل يتخلف بعد عن‬ ‫غزوة غزاها(‪.)7‬‬ ‫والساقة – كام قال ابن األثري – مجع سائق‪ ،‬وهم الذين يسوقون جيش‬ ‫الغزاة‪ ،‬ويكونون من ورائه حيفظونه(‪.)1‬‬ ‫ومعنى ذلك أنه يفرتض أال يكون صفوان وحده‪ ،‬وإنام معه مجاعة هم‬ ‫الساقة‪ ،‬مع أنه يظهر من حديث عائشة أن صفوان كان وحده!!‬ ‫وإذا كان لوحده كام هو ظاهر الرواية‪ ،‬فإن الذي يبقى وراء اجليش‬ ‫ليجمع ما يسقط منهم‪ ،‬وينبههم يف حال اإلغارة عليهم ال بد أن تكون املسافة‬ ‫بينه وبني اجليش قصرية‪ ،‬فإن كانت تفصله كل هذه املسافة عن اجليش فأي‬ ‫فائدة ترجى منه؟‬ ‫ثم إن عائشة أخ رت أن صفوان جاء عىل بعري‪ ،‬واملعروف أن الساقة إنام‬ ‫يركبون اخليول؛ لكي يتمكنوا من حتذير اجليش بّسعة لو دامهه عدو من خلفه‪.‬‬ ‫فهنا أمران غري مألوفني‪:‬‬ ‫(‪ )4‬الثقات ‪.417/1‬‬ ‫(‪ )7‬االستيعاب ‪.171/7‬‬ ‫(‪ )1‬النهاية يف غريب احلديث ‪.171/7‬‬


‫‪ .......................................... 011‬براءة نساء األنبياء من الزنا‪ :‬بني التحقيق والتلفيق‬

‫األمر األول‪ :‬أن صفوان كان يركب بعري ًا‪ ،‬ال فرس ًا‪.‬‬ ‫واألمر الثاين‪ :‬أن صفوان كان ّ‬ ‫متأخر ًا عن اجليش كثري ًا‪ ،‬وهو لن يتمكن‬ ‫من تنبيه اجليش لو دامهه عدو‪ ،‬فال فائدة ترجى منه حينئذ!!‬ ‫ومن هنا يظهر أن الذي وضع هذا اخل ر ليس خبري ًا يف أمور احلرب‬ ‫والقتال‪ ،‬وإال فإنه كان ينبغي له أن يتن ّبه هلذين األمرين البدهييني اللذين يعرفهام‬ ‫حتى الذي مل يرضب بسيف ومل يطعن برمح‪.‬‬ ‫أما لو قيل‪« :‬إن سبب هذه املسافة الطويلة هي رسعة اجليش» فهذا‬ ‫أعجب من األول؛ إذ أنه يلزم من هذا أن اجليش كانوا يستخدمون معدات‬ ‫متطورة مثل السيارات أو الدبابات كي يستطيعوا االبتعاد كل هذه املسافة يف‬ ‫ّ‬ ‫فرتة زمنية قليلة‪.‬‬ ‫وقول عائشة‪« :‬حتى أتينا اجليش موغرين يف نحر الظهرية وهم نزول»‬ ‫يدل عىل بعدهم عن املدينة؛ ألهنم لو كانوا قريبني منها ملا كانت هناك أي حاجة‬ ‫لنزول اجليش وهو عىل مشارفها‪ ،‬وهذا يتناىف مع قوهلا سابق ًا بقرب وصول‬ ‫اجليش من املدينة‪.‬‬ ‫الوقفة السادسة‪ :‬قالت عائشة‪« :‬فهلك من هلك‪ ،‬وكان الذي توىل كرب‬ ‫اإلفك عبد اهلل بن أيب بن سلول‪ .‬قال عروة‪ :‬أخربت أنه كان يشاع ويتحدّ ث به‬ ‫عنده‪ ،‬فيقره‪ ،‬ويستمعه‪ ،‬ويستوشيه‪ .‬وقال عروة أيض اا‪ :‬مل يسم من أهل اإلفك‬ ‫أيض اا إال حسان بن ثابت‪ ،‬ومسطح بن أثاثة‪ ،‬ومحنة بنت جحش‪ ،‬يف ناس آخرين‬ ‫ال علم يل هبم غري أهنم عصبة كام قال اهلل تعاىل‪ ،‬وإ ّن كرب ذلك يقال عبد اهلل بن‬ ‫أيب بن سلول»‪.‬‬ ‫قال ابن كثري‪ :‬ݨ ﭪ ﭫ ﭬݩ‪ ،‬قيل‪ :‬ابتدأ به‪ .‬وقيل‪ :‬الذي كان‬


‫وقفات مع حديث اإلفك برواية عائشة ‪011.....................................................‬‬

‫جيمعه‪ ،‬ويستوشيه‪ ،‬ويذيعه‪ ،‬ويشيعه‪ ،‬ݨﭮ ﭯ ﭰݩ‪ ،‬أي‪ :‬عىل ذلك‪ .‬ثم‬ ‫األكثرون عىل أن املراد بذلك إنام هو عبد اهلل بن أيب بن َسلول قبحه اهلل ولعنه‪،‬‬ ‫وهو الذي تقدم النص عليه يف احلديث(‪.)4‬‬ ‫وقال العظيم أبادي‪ :‬وقوله‪ :‬ݨ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ݩ أي حتمل معظمه‪،‬‬ ‫فبدأ باخلوض فيه‪ ،‬وأشاعه‪ ،‬وهو عبد اهلل بن أيب(‪.)7‬‬ ‫وقال العيني‪ :‬قوله‪ :‬ݨ ﭪﭫﭬ ݩ أي ع ّظمه وبدأ به‪ ،‬وهو عبد اهلل بن‬ ‫أيب‪ ،‬وقيل‪ :‬حسان بن ثابت(‪.)1‬‬ ‫حتمل‬ ‫وقال البغوي يف بيان معنى قوله تعاىل‪ :‬ݨ ﭪ ﭫ ﭬݩ‪ :‬أي ّ‬ ‫معظمه‪ ،‬فبدأ باخلوض فيه‪ ،‬قرأ يعقوب (ك ره) بضم الكاف‪ ،‬وقرأ العامة‬ ‫بالكّس‪ .‬قال الكسائي‪ :‬مها لغتان‪ .‬قال الضحاك‪ :‬قام بإشاعة احلديث وهو‬ ‫عبد اهلل بن أيب بن سلول(‪.)1‬‬ ‫حتمل معظمه‪ ،‬فبدأ‬ ‫وقال السيوطي‪ :‬ݨ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ݩ أي ّ‬ ‫باخلوض فيه وأشاعه‪ ،‬وهو عبد اهلل بن أيب(‪.)1‬‬ ‫وقد ذكرت عائشة يف هذا املقطع أن الذي توىل ك ره هو عبد اهلل بن أيب‬ ‫ابن سلول‪ ،‬لكن الذي ذكره عروة أن ابن سلول مل خيتلق احلادثة‪ ،‬ومل يقذف‬ ‫عائشة‪ ،‬بل أكثر ما يف األمر أنه كان «يتحدّ ث به عنده‪ ،‬فيقره‪ ،‬ويستمعه‪،‬‬ ‫(‪ )4‬تفسري القرآن العظيم ‪.717/1‬‬ ‫(‪ )7‬عون املعبود ‪.111/7‬‬ ‫(‪ )1‬عمدة القاري ‪.441/41‬‬ ‫(‪ )1‬تفسري النسفي ‪.784/1‬‬ ‫(‪ )1‬تفسري اجلاللني‪.111 :‬‬


‫‪ .......................................... 014‬براءة نساء األنبياء من الزنا‪ :‬بني التحقيق والتلفيق‬

‫ويستوشيه»‪ ،‬أي يستخرج احلديث بالبحث عنه كام قال ابن األثري يف النهاية‪ ،‬أي‬ ‫أنه مل يبدأ باخلوض فيه‪ ،‬فكيف توىل ك ره دون غريه من الناس الذين خاضوا‬ ‫معه يف اإلفك؟!‬ ‫ويف حديث آخر نسب مّسوق هذا الفعل حلسان بن ثابت الصحايب‪،‬‬ ‫وأقرته عائشة عىل ذلك‪ ،‬فقد أخرج البخاري ومسلم بسندمها عن مّسوق‪،‬‬ ‫ّ‬ ‫قال‪ :‬دخلنا عىل عائشة ݣ وعندها حسان بن ثابت ينشدها شعر ًا‪ ،‬يشبب‬ ‫بأبيات له‪ .‬قال‪:‬‬ ‫ان َر َز ٌ‬ ‫َح َص ٌ‬ ‫ان َما ت َز ُن بري َب ٍة‬ ‫‪.‬‬

‫َوتصبح َغر َثى من حلوم ال َغ َوافل‬ ‫‪.‬‬

‫لست كذلك! قال مّسوق‪ :‬فقلت هلا‪ :‬لـ َم تأذين‬ ‫فقالت له عائشة‪ :‬لكنك َ‬ ‫له أن يدخل عليك وقد قال اهلل‪ :‬ݨ ﭪﭫﭬ ﭭﭮ ﭯﭰ ݩ؟ فقالت‪:‬‬ ‫وأي عذاب أشد من العمى؟ قالت له‪ :‬إنه كان ينافح أو هياجي عن رسول اهلل‬ ‫ﷺ(‪.)4‬‬ ‫عز وجل بأهنم عصبة‬ ‫واقتصار عروة عىل ذكر ثالثة فقط مع ترصيح اهلل ّ‬ ‫يثري بعض التساؤل‪ ،‬فإما أن يكونوا ثالثة أو أربعة فقط‪ ،‬فتكون القصة معارضة‬ ‫لكتاب اهلل حيث ذكر أهنم عصبة‪ ،‬أو أن يكونوا أكثر من هذا العدد وفيهم من‬ ‫اختلق احلادثة‪ ،‬فيطرح هنا السؤال‪ :‬ملاذا أخفيت باقي األسامء؟‬ ‫وروجها؟‬ ‫فمن هو الشخص الذي اختلق هذه القصة ّ‬ ‫وملاذا ذكرت أسامء الذين تناقلوا اخل ر‪ ،‬ومل يذكر من اختلق هذه الكذبة‬ ‫وروج هلا؟‬ ‫ّ‬ ‫(‪ )4‬صحيح البخاري ‪ ،4755/1‬صحيح مسلم ‪.4111/1‬‬


‫وقفات مع حديث اإلفك برواية عائشة ‪016.....................................................‬‬

‫لقد حاول األمويون أن يلصقوا هذه التهمة بأمري املؤمنني عيل بن أيب‬ ‫طالب ݠ‪ ،‬وأرصوا عىل ذلك‪ ،‬فقد روى البخاري يف صحيحه بسنده عن‬ ‫الزهري‪ ،‬قال‪ :‬قال يل الوليد بن عبد امللك‪ :‬أبلغك أن عل ايا كان فيمن قذف‬ ‫عائشة؟ قلت‪ :‬ال‪ ،‬ولكن قد أخ رين رجالن من قومك‪ :‬أبو سلمة بن عبد‬ ‫الرمحن‪ ،‬وأبو بكر بن عبد الرمحن بن احلارث‪ ،‬أن عائشة ݣ قالت هلام‪ :‬كان‬ ‫عيل مس ّلام يف شأهنا‪ .‬فراجعوه فلم يرجع‪ .‬وقال‪ :‬مس ّلام بال شك فيه وعليه‪،‬‬ ‫ٌ‬ ‫(‪)4‬‬ ‫وكان يف أصل العتيق كذلك ‪.‬‬ ‫عيل‪،‬‬ ‫قال ابن حجر‪ :‬يف رواية عبد الرزاق‪« :‬فقال‪ :‬الذي توىل ك ره منهم ٌ‬

‫قلت‪ :‬ال»‪ ،‬كذا يف رواية عبد الرزاق‪ ،‬وزاد‪« :‬ولكن حدّ ثني سعيد بن املسيب‪،‬‬ ‫وعروة‪ ،‬وعلقمة‪ ،‬وعبيد اهلل‪ ،‬كلهم عن عائشة‪ ،‬قال‪ :‬الذي توىل ك ره عبد اهلل بن‬ ‫أيب‪ ،‬قال‪ :‬فام كان جرمه»‪ ،‬ويف ترمجة الزهري عن حلية أيب نعيم‪ ،‬من طريق ابن‬ ‫عيينة عن الزهري‪« :‬كنت عند الوليد بن عبد امللك‪ ،‬فتال هذه اآلية‪ :‬ݨ ﭪ‬

‫ﭫ ﭬ ﭭﭮ ﭯﭰ ݩ‪ ،‬فقال‪ :‬نزلت يف عيل بن أيب طالب‪ .‬قال الزهري‪:‬‬ ‫أصلح اهلل األمري‪ ،‬ليس األمر كذلك‪ ،‬أخ رين عروة عن عائشة‪ ،‬قال‪ :‬وكيف‬ ‫أخ رك؟ قلت‪ :‬أخ رين عروة عن عائشة أهنا نزلت يف عبد اهلل بن أيب بن سلول»‪.‬‬ ‫والبن مردويه من وجه آخر عن الزهري‪« :‬كنت عند الوليد بن عبد امللك ليلة‬ ‫من الليايل وهو يقرأ سورة النور مستلقي ًا‪ ،‬فلام بلغ هذه اآلية‪ :‬ݨﭑﭒﭓﭔ‬

‫ﭕﭖﭗݩ‪ ،‬حتى بلغ‪ :‬ݨ ﭪﭫ ﭬݩ جلس‪ ،‬ثم قال‪ :‬يا أبا بكر من توىل‬ ‫ك ره منهم؟ أليس عيل بن أيب طالب؟ قال‪ :‬فقلت يف نفيس‪ :‬ماذا أقول؟ لئن‬ ‫رشا‪ ،‬ولئن قلت‪« :‬نعم» لقد جئت بأمر‬ ‫قلت‪« :‬ال» لقد خشيت أن ألقى منه ا‬ ‫(‪ )4‬صحيح البخاري ‪.4751/1‬‬


‫‪ .......................................... 018‬براءة نساء األنبياء من الزنا‪ :‬بني التحقيق والتلفيق‬

‫عودين اهلل عىل الصدق خري ًا‪ ،‬قلت‪ :‬ال‪ ،‬قال‪ :‬فرضب‬ ‫عظيم‪ ،‬قلت يف نفيس‪ :‬لقد ّ‬ ‫بقضيبه عىل الّسير‪ ،‬ثم قال‪ :‬فمن‪ ،‬فمن؟ حتى ر ّدد ذلك مرار ًا‪ ،‬قلت‪ :‬لكن‬ ‫عبد اهلل بن أيب»(‪.)4‬‬ ‫والزهري وإن نفى أن يكون أمري املؤمنني ݠ هو الذي توىل ك ره‪ ،‬لكنه‬ ‫عيل مس ّلام يف شأهنا!‬ ‫مل ينف عنه أنه كان مس ّل ًام بام ُاتمت به‪ ،‬فإنه قال‪ :‬كان ٌ‬ ‫ولو ا ّدعى مدّ ٍ أن املقصود من اللفظ هو ت رئة أمري املؤمنني ݠ‪ ،‬سواء‬ ‫رويت بالفتح‪ ،‬بمعنى أنه َسل َم من اخلوض يف األمر‪ ،‬أو رويت باخلفض بمعنى‬ ‫أنه مس ّلم ب راءتا مما ُاتمت به‪ ،‬إال أن ابن حجر العسقالين يف الفتح أ ّكد عىل أن‬

‫هذه الكلمة رويت بالكّس ر ادا عىل من ادعى الفتح‪ ،‬بل قال‪ :‬إنه روي بلفظ‪:‬‬ ‫مسيئ ًا يف أمري!‬ ‫قال ابن حجر‪ :‬قلت‪ :‬وفيه نظر‪ ،‬فرواية الفتح تقتيض سالمته من ذلك‪،‬‬ ‫ورواية الكّس تقتيض تسليمه لذلك‪ .‬قال ابن التني‪ :‬وروي «مسيئ ًا»‪ ،‬وفيه بعد‪.‬‬ ‫قلت‪ :‬بل هو األقوى من حيث نقل الرواية‪ ،‬وقد ذكر عياض أن النسفي رواه‬ ‫عن البخاري بلفظ «مسيئ ًا»‪ .‬قال‪ :‬وكذلك رواه أبو عيل بن السكن عن‬ ‫الفربري‪ ،‬وقال األصييل بعد أن رواه بلفظ مس ّل ًام‪ :‬كذا قرأناه‪ ،‬واألعرف‬ ‫غريه(‪.)7‬‬ ‫أما الرواية بلفظ «مسيئ ًا» فقد ذكرها ابن حجر قبل هذا الكالم بأسطر‪،‬‬ ‫فقال‪ :‬وذلك أن عبد الرزاق رواه عن معمر فخالفه‪ ،‬فرواه بلفظ «مسيئ ًا»‪،‬‬ ‫كذلك أخرجه اإلسامعييل وأبو نعيم يف املستخرجني‪ ،‬وزعم الكرماين أن‬ ‫(‪ )4‬فتح الباري ‪.118/1‬‬ ‫(‪ )7‬نفس املصدر ‪.111/1‬‬


‫وقفات مع حديث اإلفك برواية عائشة ‪011.....................................................‬‬

‫املراجعة وقعت يف ذلك عند الزهري‪ ،‬قال‪ :‬وقوله‪« :‬فلم يرجع» أي مل جيب بغري‬ ‫ويقوي‬ ‫ذلك‪ ،‬قال‪ :‬وحيتمل أن يكون املراد فلم يرجع الزهري إىل الوليد‪ .‬قلت‪ّ :‬‬ ‫رواية عبد الرزاق ما يف رواية ابن مردويه املذكورة بلفظ‪« :‬إن عل ايا أساء يف‬ ‫شأين‪ ،‬واهلل يغفر له»(‪.)4‬‬ ‫وما قالوه عن أمري املؤمنني ݠ ال يدل عليه حديث عائشة بأي نحو؛‬ ‫ألن أمري املؤمنني ݠ مل يرتكب أي ذنب يف حادثة اإلفك‪ ،‬وأكثر ما هناك أنه‬ ‫قال للنبي ݕ‪« :‬إن اهلل مل يض ّيق عليه يف النساء»‪ ،‬وليس يف هذا أي اتام‬ ‫لعائشة‪.‬‬ ‫فالرواية تنسب اإلساءة ألمري املؤمنني ݠ‪ ،‬بل نجد عائشة تدعو له‬ ‫باملغفرة‪ ،‬وهنا حيق لنا أن نسأل‪ :‬ما هو اجلرم الذي ارتكبه اإلمام عيل ݠ لكي‬ ‫يستغفر له؟‬ ‫ورغم أن عائشة قالت‪« :‬وكان الذي توىل ك ر اإلفك عبد اهلل بن أيب بن‬ ‫سلول»‪ ،‬إال أن حديثها ال يظهر منه أنه افتعل اإلفك‪ ،‬وبدأ باخلوض فيه‪ ،‬وإذا‬ ‫كان هذا اإلفك قد افتعله مفتعل وهو الذي توىل ك ره‪ ،‬فإنه ال يزال غري‬ ‫معروف‪ ،‬وهذا يثري التساؤل أيض ًا واالستغراب‪.‬‬ ‫الوقفة السابعة‪ :‬قالت عائشة‪« :‬فقدمنا املدينة‪ ،‬فاشتكيت حني قدمت‬ ‫شهر اا‪ ،‬والناس يفيضون يف قول أصحاب اإلفك‪ ،‬ال أشعر بيشء من ذلك‪ ،‬وهو‬ ‫يريبني يف وجعي أين ال أعرف من رسول اهلل ﷺ اللطف الذي كنت أرى منه‬ ‫عيل رسول اهلل ﷺ فيسلم‪ ،‬ثم يقول‪« :‬كيف تيكم؟»‪،‬‬ ‫حني أشتكي‪ ،‬إنام يدخل ّ‬ ‫ثم ينرصف‪ ،‬فذلك يريبني وال أشعر بالرش»‪.‬‬

‫(‪ )4‬نفس املصدر ‪.118/1‬‬


‫‪ .......................................... 011‬براءة نساء األنبياء من الزنا‪ :‬بني التحقيق والتلفيق‬

‫يدل هذا املقطع عىل أن النبي ݕ تأ ّثر بكالم أهل اإلفك‪ ،‬بل رتّب عليه‬ ‫األثر حني جفا زوجته‪ ،‬وأصبح يعاملها بغري اللطف املعهود بينه وبينها! ونحن‬ ‫ننزه رسول اهلل ݕ عن أن يبدر منه ذلك قبل أن يتح ّقق من وقو ما يدعو إىل‬ ‫ّ‬ ‫هذا اجلفاء‪ ،‬وال سيام أن اهلل تعاىل يقول‪ :‬ݨﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ‬

‫ﭦﭧﭨﭩﭪﭫﭬﭭﭮﭯݩ [احلجرات‪.]5 :‬‬ ‫وهذا يتناىف مع ما روي عن رسول اهلل ݕ أنه قال‪ :‬خريكم خريكم‬ ‫ألهله‪ ،‬وأنا خريكم ألهيل(‪.)4‬‬ ‫بل ورد يف بعض الروايات أن النبي ݕ امتنع حتى عن الدخول يف بيت‬ ‫عائشة!‬ ‫فقد روى الط راين بسنده عن عائشة يف حديث اإلفك‪ ،‬قالت‪ :‬وكان أول‬ ‫ما أنكرت من أمر النبي ݠ أنه كان يعودين قبل ذلك إذا مرضت‪ ،‬وكان تلك‬ ‫عيل‪ ،‬وال يعودين‪ ،‬إال أنه كان يقول وهو مار‪« :‬كيف تيكم؟»‪،‬‬ ‫الليايل ال يدخل ّ‬ ‫فيسأل عني بعض أهل البيت(‪.)7‬‬

‫ونحن ننزه رسول اهلل ݕ عن كل ذلك‪ ،‬وننفي صدور مثل ذلك عنه‪.‬‬ ‫والغريب جدا يف هذا املقطع أن النبي ݕ كان إذا دخل عىل عائشة قال‪:‬‬ ‫«كيف تيكم؟»‪ ،‬وهذا يدل عىل أن عائشة كان معها مجاعة من الرجال‪ ،‬والنبي‬ ‫يسأهلم عن حال عائشة‪ ،‬ألن ضمري املخاطب يف «كيف تيكم؟» للجمع املذكر‪،‬‬ ‫وصححه األلباين‬ ‫(‪ )4‬سنن الرتمذي ‪ ،141/1‬قال الرتمذي‪ :‬هذا حديث حسن غريب صحيح‪.‬‬ ‫ّ‬ ‫يف صحيح سنن الرتمذي ‪ ،111/1‬وسلسلة األحاديث الصحيحة ‪.111/4‬‬ ‫(‪ )7‬املعجم الكبري ‪ .447/71‬قال اهليثمي ‪ :717/1‬رواه الط راين‪ ،‬ورجاله رجال الصحيح‪ ،‬إال‬ ‫أن بعض هذا خيالف ما يف الصحيح‪.‬‬


‫وقفات مع حديث اإلفك برواية عائشة ‪010.....................................................‬‬

‫ولعل هذه الفقرة أغرب ما يف احلديث كله!!‬ ‫أبوي؟ قالت‪:‬‬ ‫الوقفة الثامنة‪ :‬قالت عائشة‪« :‬فقلت له‪ :‬أتأذن يل أن آيت‬ ‫ّ‬ ‫وأريد أن أستيقن اخلرب من قبلهام‪ ،‬قالت‪ :‬فأذن يل رسول اهلل ﷺ‪ ،‬فقلت ألمي‪ :‬يا‬ ‫هوين عليك‪ ،‬فواهلل لقلام كانت امرأة قط‬ ‫ّأمتاه ماذا يتحدّ ث الناس؟ قالت‪ :‬يا بنية ّ‬ ‫وضيئة‪ ،‬عند رجل حيبها‪ ،‬هلا رضائر إال أكثرن عليها»‪.‬‬ ‫أرادت عائشة أن تستيقن اخل ر كام قالت بالذهاب إىل بيت أبوهيا‪ ،‬وقد‬ ‫والسنح بعوايل املدينة‪ ،‬وقد أكد هذه‬ ‫السنح‪ُ ،‬‬ ‫ذكر املؤرخون أن بيتهام كان يف ُ‬ ‫احلقيقة ابن كثري يف البداية والنهاية‪ :‬قالت عائشة‪ :‬فقدمنا املدينة‪ ،‬فنزلنا يف بني‬ ‫احلارث بن اخلزرج يف السنح‪ .‬قالت‪ :‬فجاء رسول اهلل ﷺ فدخل بيتنا‪ ،‬واجتمع‬ ‫إليه رجال من األنصار ونساء‪ ،‬فجاءتني أمي وأنا لفي أرجوحة بني عذقني‬ ‫يرجح يب‪ ،‬فأنزلتني من األرجوحة‪ ،‬ويل مجيمة ففرقتها‪ ،‬ومسحت وجهي بيشء‬ ‫من ماء‪.)4(...‬‬ ‫يتعرف عىل األخبار يلزمه أن يبقى‬ ‫وهذا غريب ح اقا؛ ألن الذي يريد أن ّ‬ ‫داخل املدينة‪ ،‬وال يذهب إىل أطرافها أو خارجها‪.‬‬ ‫وكيف كان فإن أم رومان أرادت التخفيف بتلك الكلامت عىل عائشة‪،‬‬ ‫بعدما علمت عائشة بام يتحدث الناس فيه‪.‬‬ ‫لكن لنا عىل كالم أم رومان مالحظتان‪:‬‬ ‫األوىل‪ :‬أهنا وصفت ابنتها عائشة بأهنا «امرأة وضيئة عند رجل حيبها»‪،‬‬ ‫ولعل من يستقرئ أحاديث عائشة جيد فيها أن عائشة كثري ًا ما كانت تتباهى‬ ‫تبني أهنا‬ ‫بجامهلا وحظوتا عند رسول اهلل ݕ‪ ،‬يف حني أننا نجد أن روايات أخر ّ‬ ‫(‪ )4‬البداية والنهاية ‪.451/1‬‬


‫‪ .......................................... 011‬براءة نساء األنبياء من الزنا‪ :‬بني التحقيق والتلفيق‬

‫كانت شديدة الغرية من بقية نساء النبي ݕ‪.‬‬ ‫فقد روى ابن سعد يف طبقاته حديث ًا طوي ً‬ ‫ال ورد فيه أن عائشة غارت من‬ ‫زينب بنت جحش‪ ،‬قالت‪ :‬فأخذين ما قرب وما بعد؛ ملا يبلغنا من مجاهلا‪،‬‬ ‫زوجها اهلل من السامء‪ .‬وقلت‪:‬‬ ‫وأخرى هي أعظم األمور وأرشفها‪ :‬ما صنع هلا‪ّ ،‬‬ ‫هي تفخر علينا هبذا(‪.)4‬‬ ‫وروى ابن حجر أهنا كانت تغار من أم سلمة‪ ،‬فقال‪ :‬عن عائشة‪ ،‬قالت‪:‬‬ ‫ملا تزوج رسول اهلل ﷺ أم سلمة حزنت حزن ًا شديد ًا؛ ملا ذكر لنا يف مجاهلا‪.‬‬ ‫قالت‪ :‬فتل ّطفت هلا حتى رأيتها‪ ،‬فرأيتها أضعاف ما وصف يل يف احلسن‬ ‫واجلامل‪ .‬فقالت حفصة‪ :‬واهلل إن هذا إال الغرية‪ .‬فتلطفت هلا حفصة حتى رأتا‪،‬‬ ‫فقال يل‪ :‬ال واهلل ما هي كام تقولني‪ ،‬وإهنا جلميلة‪ .‬قالت‪ :‬فرأيتها بعد‪ ،‬فكانت كام‬ ‫قالت حفصة (‪.)7‬‬ ‫وروى الذهبي أهنا كانت تغار من صفية حيث قال‪ :‬وعن عطاء بن يسار‪،‬‬ ‫قال‪ :‬ملا قدم رسول اهلل من خي ر‪ ،‬ومعه صفية‪ ،‬أنزهلا‪ ،‬فسمع بجامهلا نساء‬ ‫األنصار‪ ،‬فجئن ينظرن إليها‪ ،‬وكانت عائشة متنقبة حتى دخلت‪ ،‬فعرفها‪ .‬فلام‬ ‫خرجت‪ ،‬خرج‪ ،‬فقال‪ :‬كيف رأيت؟‪ ،‬قالت‪ :‬رأيت هيودية‪ .‬قال‪ :‬ال تقويل هذا‪،‬‬ ‫قد أسلمت(‪.)1‬‬ ‫وروى ابن سعد أهنا كانت تغار من مارية القبطية‪ :‬فقد روى عن عائشة‪،‬‬ ‫قالت‪ :‬ما غرت عىل امرأة إال دون ما غرت عىل مارية‪ ،‬وذلك أهنا كانت مجيلة‬ ‫(‪ )4‬الطبقات الك رى ‪.447/8‬‬ ‫(‪ )7‬اإلصابة يف معرفة الصحابة ‪.111/8‬‬ ‫(‪ )1‬سري أعالم النبالء ‪.711/7‬‬


‫وقفات مع حديث اإلفك برواية عائشة ‪011.....................................................‬‬

‫من النساء جعدة‪ ،‬وأعجب هبا رسول اهلل ﷺ‪ ،‬وكان أنزهلا أول ما قدم هبا يف‬ ‫بيت حلارثة بن النعامن‪ ،‬فكانت جارتنا‪ ،‬فكان رسول اهلل عامة النهار والليل‬ ‫فحوهلا إىل العالية‪ ،‬فكان خيتلف إليها هناك‪،‬‬ ‫عندها!! حتى فرغنا هلا فجزعت‪ّ ،‬‬ ‫فكان ذلك أشد علينا‪ ،‬ثم رزق اهلل منها الولد وحرمنا منه(‪.)4‬‬ ‫وروى أيض ًا غريتا من سودة بنت زمعة‪ :‬عن عائشة أهنا كانت تقول‪ :‬ما‬ ‫من الناس امرأة أحب إ ّيل أن أكون يف مسالخها من سودة بنت زمعة‪ ،‬إال أهنا‬ ‫امرأة فيها حسد(‪.)7‬‬

‫بل إهنا كانت تغار من السيدة خدجية سالم اهلل عليها بعد موتا‪ ،‬فقد‬ ‫روى البخاري‪ :‬عن عائشة ݣ قالت‪ :‬ما غرت عىل امرأة النبي ﷺ ما غرت‬ ‫يتزوجني؛ ملا كنت أسمعه يذكرها‪ ،‬وأمره اهلل أن‬ ‫عىل خدجية‪ ،‬هلكت قبل أن ّ‬ ‫يبرشها ببيت من قصب‪ ،‬وإن كان ليذبح الشاة فيهدي يف خالئلها منها ما‬ ‫ّ‬ ‫يسعهن(‪.)1‬‬ ‫ووصل األمر أن تتطاول عىل خدجية كام روى البخاري‪ :‬عن عائشة ݣ‬ ‫قالت‪ :‬استأذنت هالة بنت خويلد أخت خدجية عىل رسول اهلل ﷺ‪ ،‬فعرف‬ ‫استئذان خدجية فارتا لذلك‪ ،‬فقال‪ :‬اللهم هالة‪ .‬قالت‪ :‬فغرت‪ ،‬فقلت‪ :‬ما تذكر‬ ‫من عجوز من عجائز قريش محراء الشدقني‪ ،‬هلكت يف الدهر‪ ،‬قد أبدلك اهلل‬ ‫خري ًا منها(‪.)1‬‬ ‫ولذلك اعرتف ابن حجر العسقالين بأن عائشة كانت تغار من كل‬ ‫(‪ )4‬الطبقات الك رى ‪.741/8‬‬ ‫(‪ )7‬نفس املصدر ‪.11/8‬‬ ‫(‪ )1‬صحيح البخاري ‪.714/1‬‬ ‫(‪ )1‬نفس املصدر ‪.714/1‬‬


‫‪ .......................................... 011‬براءة نساء األنبياء من الزنا‪ :‬بني التحقيق والتلفيق‬

‫زوجات النبي ﷺ‪ ،‬فقال‪ :‬فيه ثبوت الغرية‪ ،‬وأهنا غري مستنكر وقوعها من‬ ‫فاضالت النساء فض ً‬ ‫ال عمن دوهنن‪ ،‬وأن عائشة كانت تغار من نساء النبي ﷺ‪،‬‬ ‫لكن كانت تغار من خدجية أكثر(‪.)4‬‬ ‫فهل ذات احلسن واجلامل وذات احلظوة واملكانة عند زوجها يمكن أن‬ ‫تغار من رضائرها كل هذه الغرية؟‬ ‫املعلوم بالرضورة أن األقل حظوة عند زوجها تغار وحتسد من هي أمجل‬ ‫منها وأكثر حظوة عند زوجها‪ ،‬لكن وقو العكس غري معقول‪.‬‬ ‫عل ًام أن هذا النمط من الروايات هو الذي جعل علامء أهل السنة‬ ‫واجلامعة يتجرؤون ويصفون عائشة عىل املأل‪ ،‬وهذا ما ال يرتضيه غيور عىل‬ ‫زوجته!‬ ‫فقد أخرج الذهبي يف ميزان االعتدال‪ :‬وقال عباد بن العوام‪ :‬قلت‬ ‫لسهيل بن ذكوان‪ :‬أرأيت عائشة؟ قال‪ :‬نعم‪ ،‬قلت‪ :‬صفها يل‪ ،‬قال‪ :‬كانت أدماء‪.‬‬ ‫قال عباد‪ :‬كنا نتهمه بالكذب‪ ،‬قد كانت عائشة بيضاء شقراء(‪.)7‬‬ ‫وأخرج اخلالل يف كتاب السنة‪ :‬وقال أيب ‪ -‬يعني أمحد بن حنبل ‪:-‬‬ ‫وكانت عائشة يقال‪ :‬إهنا شقراء بيضاء(‪.)1‬‬ ‫الثانية‪ :‬قول أم رومان‪« :‬هلا رضائر إال أكثرن عليها»‪ ،‬وفيه اتام مب ّطن‬ ‫لزوجات النبي ݕ بأهنن شاركن يف اتام عائشة‪ ،‬وهذا ما مل تنقله كتب احلديث‬ ‫والسري والرتاجم‪ ،‬فالذي نقل أن من اتم عائشة فقط أربعة أشخاص معروفني‬ ‫(‪ )4‬نفس املصدر ‪.714/1‬‬ ‫(‪ )7‬ميزان االعتدال ‪.711/7‬‬ ‫(‪ )1‬السنة ‪.115/4‬‬


‫وقفات مع حديث اإلفك برواية عائشة ‪011.....................................................‬‬

‫ليس فيهم واحدة من زوجات النبي ݕ‪ ،‬فال ندري ما سبب توجيه سهام‬ ‫االتام لرضائر عائشة مع علم أم رومان ب راءتن مجيع ًا؟‬ ‫الوقفة التاسعة‪ :‬قالت عائشة‪« :‬ودعا رسول اهلل ﷺ عيل بن أيب طالب‬ ‫ݤ وأسامة بن زيد حني استلبث الوحي يسأهلام ويستشريمها يف فراق أهله‪،‬‬ ‫قالت‪ :‬فأما أسامة فأشار عىل رسول اهلل ﷺ بالذي يعلم من براءة أهله‪ ،‬وبالذي‬ ‫يعلم هلم يف نفسه‪ ،‬فقال أسامة‪ :‬أهلك وال نعلم إال خري اا‪ ،‬وأما عيل فقال‪ :‬يا‬ ‫رسول اهلل مل يض ّيق اهلل عليك‪ ،‬والنساء سواها كثري»‪.‬‬ ‫املتحري الذي ال يعلم ما‬ ‫وهنا نرى أن عائشة أظهرت النبي ݕ يف صورة‬ ‫ّ‬ ‫يفعله‪ ،‬وال جيد ح ا‬ ‫ال ملعضلته‪ ،‬رغم أهنا جمرد إشاعة تناقلها بعض السفهاء‪،‬‬ ‫وصدّ قها فسقة الناس‪ ،‬فيلتجئ إىل أمري املؤمنني ݠ وأسامة بن زيد للمشورة!‬ ‫وهنا ال بد من الوقوف عند مشورته ألسامة بن زيد‪ ،‬فإن هذا الصحايب‬ ‫اجلليل كان عمره عند وفاة النبي ݕ عرشين سنة كام قال ابن حجر يف‬ ‫اإلصابة(‪ ،)4‬وابن سعد يف الطبقات(‪ ،)7‬وروي أن عمره كان ثامنية عرشة سنة‪،‬‬ ‫وهذه احلادثة وقعت يف السنة اخلامسة أو السادسة عىل أكثر األقوال‪ ،‬فيكون‬ ‫عمره حني وقو حادثة اإلفك بني الرابعة عرشة واخلامسة عرشة‪ ،‬ومن البعيد‬ ‫جدا ا أن يستشري النبي ݕ صب ايا يف أمر مهم يتعلق بحياته الزوجية!‬ ‫واألعجب أنه يف وقت وقو هذه احلادثة كان زيد بن حارثة ‪ -‬وهو أبو‬ ‫أسامة ‪ -‬موجود ًا‪ ،‬إذ أنه تويف يف السنة الثامنة يف غزوة مؤتة‪ ،‬وهو أقرب للنبي‬ ‫ݕ من ابنه أسامة‪ ،‬فلامذا مل يسترشه؟!‬ ‫(‪ )4‬اإلصابة يف معرفة الصحابة ‪.747/4‬‬ ‫(‪ )7‬الطبقات الك رى ‪.17/1‬‬


‫‪ .......................................... 014‬براءة نساء األنبياء من الزنا‪ :‬بني التحقيق والتلفيق‬

‫كام نجد أنه أعرض عن مشورة كبار الصحابة ليعمل بام يقوله له صبي‬ ‫ربام مل يبلغ احللم بعد!‬ ‫ثم ما يلفت اإلنتباه أيض ًا هو ما قاله اإلمام عيل بن أيب طالب ݠ‪ ،‬فإن‬ ‫ظاهر كالمه أنه يشري عليه بطالقها‪ ،‬وهذا خمالف ملا يفعله العقالء فض ً‬ ‫ال عن‬ ‫املترشعة يف مثل هذه املواقف‪ ،‬من األمر بالص ر والتثبت يف األمر قبل اختاذ أي‬ ‫ّ‬

‫قرار!‬

‫وكام قلنا‪ :‬إن من مجلة دوافع وضع هذه الرواية هو الطعن يف أمري‬ ‫املؤمنني ݠ وتفضيل أسامة بن زيد عليه‪.‬‬ ‫الوقفة العارشة‪ :‬قول عائشة‪« :‬وأما عيل فقال‪ :‬يا رسول اهلل‪ ،‬مل يض ّيق اهلل‬ ‫عليك‪ ،‬والنساء سواها كثري‪ ،‬وسل اجلارية تصدقك‪ .‬قالت‪ :‬فدعا رسول اهلل ﷺ‬ ‫بريرة‪ ،‬فقال‪ :‬أي بريرة‪ ،‬هل رأيت من يشء يريبك؟ قالت له بريرة‪ :‬والذي‬ ‫بعثك باحلق ما رأيت عليها أمر اا قط أغمصه‪ ،‬غري أهنا جارية حديثة السن‪ ،‬تنام‬ ‫عن عجني أهلها‪ ،‬فتأيت الداجن فتأكله»‪.‬‬ ‫من األخطاء الشنيعة التي وردت يف رواية حادثة اإلفك هو توجيه أمري‬ ‫املؤمنني ݠ للنبي األعظم أن يسأل اجلارية بريرة‪.‬‬ ‫فاملتت ّبع ل ألخبار التارخيية يعلم أن يف هذه الفرتة أي يف السنة اخلامسة أو‬ ‫السادسة للهجرة مل تكن عائشة قد اشرتت بريرة وأعتقتها‪.‬‬ ‫ودليلنا عىل هذا ما رواه البخاري يف صحيحه‪ :‬عن ابن عباس أن زوج‬ ‫بريرة كان عبد ًا يقال له‪« :‬مغيث»‪ ،‬كأين أنظر إليه يطوف خلفها يبكي‪ ،‬ودموعه‬ ‫تسيل عىل حليته‪ ،‬فقال ﷺ لعباس‪ :‬يا عباس أال تعجب من حب مغيث بريرة‪،‬‬ ‫ومن بغض بريرة مغيث ًا؟! فقال النبي ﷺ‪ :‬لو راجعتيه‪ .‬قالت‪ :‬يا رسول اهلل ﷺ‬


‫وقفات مع حديث اإلفك برواية عائشة ‪016.....................................................‬‬

‫تأمرين؟ قال‪ :‬إنام أنا أشفع‪ .‬قالت‪ :‬ال حاجة يل(‪.)4‬‬ ‫توجه باخلطاب للعباس بن‬ ‫ولو الحظ القارئ الكريم أن رسول اهلل ݕ ّ‬ ‫عبد املطلب‪ ،‬واملعروف أن العباس قد سكن املدينة بعد فتح مكة أي يف السنة‬ ‫التاسعة للهجرة‪ ،‬وعائشة تذكر يف حديث اإلفك أن بريرة موجودة وقت‬ ‫حادثة اإلفك يف خدمة عائشة!‬ ‫وقد التفت علامء السنة هلذا اإلشكال‪ ،‬فحاولوا اجلواب عليه بعدة‬ ‫أجوبة‪ ،‬وتوجيهه بعدة توجيهات للهروب من هذا التناقض‪:‬‬ ‫قال ابن حجر يف الفتح‪ :‬وفيه داللة عىل أن قصة بريرة كانت متأخرة يف‬ ‫السنة التاسعة أو العارشة؛ إلن العباس إنام سكن املدينة بعد رجوعهم من غزوة‬ ‫الطائف‪ ،‬وكان ذلك يف أواخر سنة ثامن‪ ،‬ويؤ ّيده أيض ًا قول ابن عباس‪ :‬إنه‬ ‫شاهد ذلك‪ ،‬وهو إنام قدم املدينة مع أبويه‪ ،‬ويؤيد تأخر قصتها أيض ًا بخالف‬ ‫قول من زعم أهنا كانت قبل اإلفك أن عائشة يف ذلك الزمان كانت صغرية‪،‬‬ ‫فيبعد وقو تلك األمور‪ ،‬واملراجعة واملسارعة إىل الرشاء والعتق منها يومئذ‪،‬‬ ‫وأيض ًا فقول عائشة‪« :‬إن شاء مواليك أن أعدها هلم عدة واحدة» فيه إشارة إىل‬ ‫وقو ذلك يف آخر األمر؛ ألهنم كانوا يف أول األمر يف غاية الضيق‪ ،‬ثم حصل‬ ‫هلم التوسع بعد الفتح‪ ،‬ويف كل ذلك رد عىل من زعم أن قصتها كانت متقدّ مة‬ ‫قبل قصة اإلفك‪ ،‬ومحله عىل ذلك وقو ذكرها يف حديث اإلفك‪ ،‬وقد قدّ مت‬ ‫اجلواب عن ذلك هناك‪ ،‬ثم رأيت الشيخ تقي الدين السبكي استشكل القصة‪،‬‬ ‫جوز أهنا كانت ختدم عائشة قبل رشائها‪ ،‬أو اشرتتا ّ‬ ‫وأخرت عتقها إىل بعد‬ ‫ثم ّ‬ ‫الفتح‪ ،‬أو دام حزن زوجها عليها مدة طويلة‪ ،‬أو كان حصل الفسخ‪ ،‬وطلب أن‬ ‫(‪ )4‬صحيح البخاري ‪.414/5‬‬


‫‪ .......................................... 018‬براءة نساء األنبياء من الزنا‪ :‬بني التحقيق والتلفيق‬

‫ترده بعقد جديد‪ ،‬أو كانت لعائشة ثم باعتها‪ ،‬ثم استعادتا بعد الكتابة‪ .‬اه‬ ‫وأقوى االحتامالت األول كام ترى(‪.)4‬‬ ‫أقول‪ :‬كل هذه االحتامالت والتوجيهات هدفها احلفاظ عىل هيبة حديث‬ ‫اإلفك املشحون بالتناقضات واألخطاء التارخيية‪.‬‬ ‫وقول ابن حجر‪« :‬وأقوى االحتامالت األول» ال دليل عليه‪ ،‬وابن حجر‬ ‫مل يستدل عليه بدليل صحيح‪.‬‬ ‫واألغرب هو قول الذهبي يف بريرة‪ ،‬فبعد عرضه هلذه الروايات تن ّبه‬ ‫ّ‬ ‫فتمخض طوي ً‬ ‫ال‪ ،‬ثم أخرج لنا جواب ًا من أطرف ما يكون‪ ،‬قال يف‬ ‫لإلشكال‪،‬‬ ‫سري أعالم النبالء‪ :‬بريرة ملا أعتقتها عائشة ‪ -‬وقت باعوها ‪ -‬كان ذلك وابن‬ ‫عباس باملدينة‪ ،‬وإنام قدمها بعد عام الفتح‪ ،‬فأما اجلارية التي يف حديث اإلفك‪،‬‬ ‫التي سئلت عام تعلم من عائشة‪ ،‬فأخرى غري بريرة(‪.)7‬‬ ‫فالذهبي يقول‪ :‬إن لعائشة جارتني هلام نفس االسم‪ :‬بريرة!‬ ‫بل ا ّدعى ابن القيم أن تسمية اجلارية وهم من الرواة‪ ،‬فقال‪ :‬ومما وقع يف‬ ‫حديث اإلفك أن يف بعض طرقه أن عل ايا قال للنبي ﷺ ملا استشاره‪« :‬سل‬ ‫اجلارية تصدقك»‪ ،‬فدعا بريرة‪ ،‬فسأهلا فقالت‪ :‬ما علمت عليها إال ما يعلم‬ ‫الصائغ عىل الت ر أو كام قالت‪ .‬وقد استشكل هذا‪ ،‬فإن بريرة إنام كاتبت وعتقت‬ ‫بعد هذا بمدة طويلة‪ ،‬وكان العباس عم رسول اهلل ﷺ إذ ذاك يف املدينة‪،‬‬ ‫والعباس إنام قدم املدينة بعد الفتح‪ ،‬وهلذا قال له النبي ﷺ وقد شفع إىل بريرة‬ ‫أن تراجع زوجها‪ ،‬فأبت أن تراجعه‪« :‬يا عباس أال تعجب من بغض بريرة‬ ‫(‪ )4‬فتح الباري ‪.154/1‬‬ ‫(‪ )7‬سري أعالم النبالء ‪.141/7‬‬


‫وقفات مع حديث اإلفك برواية عائشة ‪011.....................................................‬‬

‫مغيث ًا وحبه هلا»‪ ،‬ففي قصة اإلفك مل تكن بريرة عند عائشة‪ ،‬وهذا الذي ذكروه‬ ‫إن كان الزم ًا فيكون الوهم من تسميته اجلارية‪« :‬بريرة»‪ ،‬ومل يقل له عيل‪« :‬سل‬ ‫بريرة»‪ ،‬وإنام قال‪« :‬فسل اجلارية تصدقك»‪ ،‬فظن بعض الرواة أهنا بريرة‪ ،‬فسامها‬ ‫بذلك‪ ،‬وإن مل يلزم بأن يكون طلب مغيث هلا استمر إىل [ما] بعد الفتح‪ ،‬ومل‬ ‫ييأس منها‪ ،‬زال اإلشكال‪ ،‬واهلل أعلم(‪.)4‬‬ ‫وقد وافق الزركيش ابن القيم يف حكمه عىل أن ذكر اسم بريرة وهم من‬ ‫الرواة‪ ،‬فقال‪ :‬وامل ّ‬ ‫لخص من هذا اإلشكال أن تفسري اجلارية ب ريرة مدرج يف‬ ‫احلديث من بعض الرواة‪ ،‬ظناا منه أهنا هي‪ ،‬وهذا ما يقع يف كثري من احلديث من‬ ‫تفسري بعض الرواة‪ ،‬فيظن أنه من احلديث‪ ،‬وهو نو غامض ال ينت ّبه له إال‬ ‫ّ‬ ‫احلذاق(‪.)7‬‬ ‫أقول‪ :‬إن ابن قيم اجلوزية والزركيش وصال إىل جزء احلقيقة‪ ،‬لكنهام مل‬ ‫يصال إليها كاملة‪ ،‬فالصحيح أن كل احلديث وهم يف أحسن أحواله‪ ،‬وليس‬ ‫اإلشكال فقط يف اسم اجلارية ليسهل توجيه ذلك بأهنا كانت ختدم عائشة قبل‬ ‫العتق‪ ،‬أو أن حب زوجها استمر إىل السنة التاسعة‪ ،‬أو أن هناك جاريتني هلام‬ ‫نفس االسم‪ ،‬وآخر االحتامالت أن اسم اجلارية وهم من الرواة!‬ ‫واملالحظ يف هذا املقطع هو وصف بريرة لعائشة بأهنا جارية حديثة‬ ‫السن‪ ،‬واملشهور عند أهل السنة املأخوذ من كالم عائشة نفسها أن النبي بنى هبا‬ ‫وعمرها تسع سنني‪ ،‬فيكون سنها حني وقو احلادثة أقل من أربع عرشة سنة!‬ ‫واملذكور يف الروايات املنقولة عىل لسان عائشة أهنا كثري ًا ما تؤكد عىل‬ ‫(‪ )4‬زاد املعاد ‪.744/7‬‬ ‫(‪ )7‬اإلجابة‪.71 :‬‬


‫‪ .......................................... 011‬براءة نساء األنبياء من الزنا‪ :‬بني التحقيق والتلفيق‬

‫هذا املعنى‪ ،‬أي أهنا صغرية يف السن‪ ،‬لكن نذكر عمدة املخالفني يف إثبات سنها‬ ‫تزوجني النبي ﷺ وأنا بنت ست‬ ‫وهي رواية البخاري عن عائشة ݣ قالت‪ّ :‬‬ ‫سنني‪ ،‬فقدمنا املدينة‪ ،‬فنزلنا يف بني احلرث بن خزرج‪ ،‬فوعكت‪ ،‬فتمزق شعري‪،‬‬ ‫فوىف مجيمة‪ ،‬فأتتني أمي أم رومان وإين لفي أرجوحة ومعي صواحب يل‪،‬‬ ‫فرصخت يب‪ ،‬فأتيتها ال أدري ما تريد يب‪ ،‬فأخذت بيدي حتى أوقفتني عىل باب‬ ‫الدار‪ ،‬وإين ألهنج‪ ،‬حتى سكن بعض نفيس‪ ،‬ثم أخذت شيئ ًا من ماء فمسحت‬ ‫به وجهي ورأيس‪ ،‬ثم أدخلتني الدار‪ ،‬فإذا نسوة من األنصار يف البيت‪ ،‬فقلن‪:‬‬ ‫عىل اخلري وال ركة‪ ،‬وعىل خري طائر‪ .‬فأسلمتني إليهن‪ ،‬فأصلحن من شأين‪ ،‬فلم‬ ‫يرعني إال رسول اهلل ﷺ ضحى‪ ،‬فأسلمتني إليه وأنا يومئذ بنت تسع سنني(‪.)4‬‬ ‫لكن بمراجعة بعض الروايات واألخبار التارخيية نجد أن هناك تناقض ًا‬ ‫كبري ًا يف حتديد سن عائشة عند زواجها!‬ ‫فقد روى البخاري أيض ًا عن هشام‪ ،‬عن أبيه‪ ،‬قال‪ :‬توفيت خدجية قبل‬ ‫خمرج النبي ﷺ إىل املدينة بثالث سنني‪ ،‬فلبث سنتني أو قريب ًا من ذلك‪ ،‬ونكح‬ ‫عائشة وهي بنت ست سنني‪ ،‬ثم بنى هبا وهي بنت تسع سنني(‪.)7‬‬ ‫فهذه الرواية تؤكد أن زواج النبي ݕ من عائشة كان قبل سنة من اهلجرة‬ ‫وكان عمرها ست سنوات وبنى هبا وعمرها تسع فيكون البناء يف السنة الثانية‬ ‫من اهلجرة بخالف ما أمجعوا عليه من أنه بنى هبا فور وصوله للمدينة‪.‬‬ ‫وقد التفت ابن حجر هلذا اإلشكال فقال‪ :‬فيه إشكال؛ ألن ظاهره يقتيض‬ ‫أنه مل يبن هبا إال بعد قدومه املدينة بسنتني ونحو ذلك؛ ألن قوله‪« :‬فلبث سنتني‬ ‫(‪ )4‬صحيح البخاري ‪.714/1‬‬ ‫(‪ )7‬نفس املصدر ‪.717/1‬‬


‫وقفات مع حديث اإلفك برواية عائشة ‪010.....................................................‬‬

‫أو نحو ذلك» أي بعد موت خدجية‪ ،‬وقوله‪« :‬ونكح عائشة» أي عقد عليها؛‬ ‫لقوله بعد ذلك‪« :‬وبنى هبا وهي بنت تسع»‪ ،‬فيخرج من ذلك أنه بنى هبا بعد‬ ‫قدومه املدينة بسنتني‪ ،‬وليس كذلك(‪.)4‬‬ ‫وطبع ًا حاول احلافظ ابن حجر حل هذه املعضلة‪ ،‬لكن مل يأت ببينة وال‬ ‫برهان سوى الظنون والتخمينات‪.‬‬ ‫أضف إىل ذلك أنه توجد بعض النصوص التارخيية التي تنفي صغر سن‬ ‫عائشة‪.‬‬ ‫منها‪ :‬ما رواه الط ري يف تارخيه‪ ،‬قال‪ :‬حدّ ث عيل بن حممد عمن حدثه‬ ‫ومن ذكرت من شيوخه قال‪« :‬تزوج أبو بكر يف اجلاهلية قتيلة»‪ ،‬ووافقه عىل‬ ‫ذلك الواقدي والكلبي‪ ،‬قالوا‪ :‬وهي قتيلة ابنة عبد العزى بن عبد بن أسعد بن‬ ‫وتزوج‬ ‫جابر بن مالك بن حسل بن عامر بن لؤي‪ ،‬فولدت له عبد اهلل‪ ،‬وأسامء‪ّ ،‬‬ ‫أيض ًا يف اجلاهلية أم رومان بنت عامر بن عمرية بن ذهل بن ذمهان بن احلارث بن‬ ‫غنم بن مالك بن كنانة‪ ،‬وقال بعضهم‪ :‬هي أم رومان بنت عامر بن عويمر بن‬ ‫عبد شمس بن عتاب بن أذينة بن سبيع بن دمهان بن احلارث بن غنم بن مالك بن‬ ‫كنانة‪ ،‬فولدت له عبد الرمحن وعائشة‪ ،‬فكل هؤالء األربعة من أوالده‪ ،‬ولدوا‬ ‫من زوجتيه اللتني سمينامها يف اجلاهلية(‪.)7‬‬ ‫وكالمه رصيح جدا ا يف أن عائشة ولدت يف اجلاهلية‪ ،‬وليس يف اإلسالم‪،‬‬ ‫فلو افرتضنا أهنا ولدت سنة البعثة فيكون عمرها عند انتقاهلا للمدينة وزواجها‬ ‫بالنبي ݕ أربع عرشة سنة‪ ،‬وليس تسع ًا كام هو منقول عنها!‬ ‫(‪ )4‬فتح الباري ‪.411/1‬‬ ‫(‪ )7‬تاريخ الط ري ‪.545/7‬‬


‫‪ .......................................... 011‬براءة نساء األنبياء من الزنا‪ :‬بني التحقيق والتلفيق‬

‫بل إن ابن هشام نقل يف سريته عن ابن اسحاق أن عائشة كانت يف أول‬ ‫الذين أسلموا‪ ،‬فقال‪ :‬قال ابن إسحاق‪ :‬فكان هؤالء النفر الثامنية الذين سبقوا‬ ‫الناس باإلسالم‪ ،‬فصلوا‪ ،‬وصدقوا رسول اهلل ﷺ [وصدّ قوه] بام جاءه من اهلل‪.‬‬ ‫ثم أسلم أبو عبيدة بن اجلراح‪ ،‬واسمه عامر بن عبد اهلل بن اجلراح بن هالل ابن‬ ‫أهيب بن ضبة بن احلارث بن فهر‪ .‬وأبو سلمة [واسمه] عبد اهلل بن عبد األسد‬ ‫ابن هالل بن عبد اهلل بن عمر بن خمزوم بن يقظة بن مرة بن كعب بن لؤي‪.‬‬ ‫واألرقم بن أيب األرقم‪ ،‬واسم أيب األرقم عبد مناف بن أسد ‪ -‬وكان أسد يكنى‬ ‫أبا جندب ‪ -‬بن عبد اهلل بن عمر بن خمزوم بن يقظة بن مرة بن كعب ابن لؤي‪.‬‬ ‫وعثامن بن مظعون بن حبيب بن وهب بن حذافة بن مجح بن عمرو ابن‬ ‫هصيص بن كعب بن لؤي‪ .‬وأخواه قدامة وعبد اهلل ابنا مظعون بن حبيب‪.‬‬ ‫وعبيدة بن احلارث بن املطلب بن عبد مناف بن قيص بن كالب بن مرة بن‬ ‫كعب بن لؤي‪ .‬وسعيد بن زيد بن عمرو بن نفيل بن عبد العزى بن عبد اهلل بن‬ ‫قرط بن رياح بن رزاح بن عدي بن كعب بن لؤي‪ ،‬وامرأته فاطمة بنت اخلطاب‬ ‫ابن نفيل بن عبد العزى بن عبد اهلل بن قرط بن رياح بن رزاح بن عدي بن‬ ‫كعب بن لؤي‪ ،‬أخت عمر بن اخلطاب وأسامء بنت أيب بكر وعائشة بنت أيب‬ ‫بكر‪ ،‬وهي [يومئذ] صغرية(‪.)4‬‬ ‫فلو افرتضنا أهنا أسلمت وهلا من العمر سبع سنوات عىل األقل لكان‬ ‫تزوجها النبي ݕ عرشين عام ًا!‬ ‫عمرها حينام ّ‬ ‫مؤرخي أهل السنة(‪ )7‬أن أسامء كانت أسن من عائشة‬ ‫بل نقل مجلة من ّ‬ ‫(‪ )4‬سرية ابن هشام ‪455/4‬‬ ‫(‪ )7‬البداية والنهاية ‪.184/8‬‬


‫وقفات مع حديث اإلفك برواية عائشة ‪011.....................................................‬‬

‫بعرش سنني!‬ ‫وقد أمجعوا أن أسامء ماتت سنة ‪ 17‬للهجرة‪ ،‬وعمرها مائة سنة‪ ،‬فيكون‬ ‫عمرها يف السنة األوىل من اهلجرة ثامنية وعرشون سنة‪ ،‬وبالتايل يكون عمر‬ ‫عائشة ثامنية عرش سنة‪ ،‬وليس تسع سنوات كام هو معروف ومتداول‪.‬‬ ‫كام ونحن نستبعد جدا ا أن يتزوج رسول اهلل ݕ طفلة صغرية عمرها‬ ‫ست سنني ال تفقه شيئ ًا‪ ،‬تلعب مع صوحيباتا عىل جانب الطريق‪ ،‬وهو له من‬ ‫العمر ثالث ومخسون سنة‪ ،‬فإن رسول اهلل ݕ أجل من أن يصنع ذلك؛ ألن‬ ‫هذا الفعل ال يقبل ممن هو دونه فض ً‬ ‫ال عن خاتم األنبياء واملرسلني‪ ،‬وخري اخللق‬ ‫أمجعني‪ ،‬الذي هو قدوة للعاملني‪.‬‬ ‫فهذه األدلة التي طرحناها تشكك الباحث يف مصداقية الروايات التي‬ ‫تصور عائشة كأهنا بنت صغرية تنام عىل العجني‪ ،‬أو تلعب بالدُ مى‪ ،‬أو‬ ‫باألرجوحة‪ ،‬وما شابه من الرتهات التي شحنت هبا مصادر املسلمني‪.‬‬ ‫الوقفة احلادية عرشة‪ :‬قالت عائشة‪« :‬فقام رسول اهلل ﷺ من يومه‪،‬‬ ‫فاستعذر من عبد اهلل بن أيب وهو عىل املنرب‪ ،‬فقال‪ :‬يا معرش املسلمني من يعذرين‬ ‫من رجل قد بلغني عنه أذاه يف أهيل‪ ،‬واهلل ما علمت عىل أهيل إال خري اا‪ ،‬ولقد‬ ‫ذكروا رج ا‬ ‫ال ما علمت عليه إال خري اا‪ ،‬وما يدخل عىل أهيل إال معي‪ .‬فقام سعد بن‬ ‫معاذ أخو بني عبد األشهل»(‪.)4‬‬ ‫من أعجب ما ورد يف قصة اإلفك هذا املقطع‪ ،‬حيث إن فيه عدة‬ ‫إشكاالت تسقط كل هذا احلديث‪ ،‬وتثبت اشتامله عىل أكاذيب كثرية!‬ ‫أوالا‪ :‬أنا ال نعلم ملاذا استعذر النبي من عبداهلل بن أيب فقط‪ ،‬ومل يستعذر‬ ‫(‪ )4‬صحيح البخاري ‪.18/1‬‬


‫‪ .......................................... 011‬براءة نساء األنبياء من الزنا‪ :‬بني التحقيق والتلفيق‬

‫من محنة وحسان ومسطح‪ ،‬وقد اشرتكوا كلهم يف اإلفك‪ ،‬بل إن حسان هو‬ ‫الذي توىل ك ره عىل إحدى روايتي عائشة؟‬ ‫ثاني اا‪ :‬أن النبي ݕ شهد بأنه ما علم عىل أهله إال خري ًا‪ ،‬فلامذا نجده يف‬ ‫أول احلديث قد جفا عائشة؟‬ ‫ثم إن الطامة الك رى هو كالم سعد بن معاذ وموقفه يف املسجد‪،‬‬ ‫فاملعروف عند املسلمني كافة أن سعد بن معاذ استشهد بعد غزوة بني قريضة‪،‬‬ ‫وحكمه عليهم‪ ،‬أي قبل هذه احلادثة بأكثر من سنة!‬ ‫وهذا ابن كثري ينقل لنا قصة استشهاد سعد بن معاذ‪ ،‬فيقول‪ :‬قد تقدم أن‬ ‫حبان بن العرقة لعنه اهلل رماه بسهم‪ ،‬فأصاب أكحله‪ ،‬فحسمه رسول اهلل ﷺ ك ايا‬ ‫يقر عينه من بني‬ ‫بالنار‪ ،‬فاستمسك اجلرح‪ ،‬وكان سعد دعا اهلل أن ال يميته حتى ّ‬ ‫قريظة‪ ،‬وذلك حني نقضوا ما كان بينهم وبني رسول اهلل ﷺ من العهود‬ ‫واملواثيق والذمام‪ ،‬ومالوا عليه مع األحزاب‪ ،‬فلام ذهب األحزاب وانقشعوا‬ ‫عن املدينة‪ ،‬وباءت بنو قريظة بسواد الوجه والصفقة اخلارسة يف الدنيا واآلخرة‪،‬‬ ‫وسار إليهم رسول اهلل ﷺ ليحارصهم كام تقدّ م‪ ،‬فلام ضيّق عليهم وأخذهم من‬ ‫كل جانب أنابوا أن ينزلوا عىل حكم رسول اهلل ﷺ‪ ،‬فيحكم فيهم بام أراه اهلل‪،‬‬ ‫فر ّد احلكم فيهم إىل رئيس األوس‪ ،‬وكانوا حلفاءهم يف اجلاهلية‪ ،‬وهو سعد بن‬ ‫معاذ‪ ،‬فرضوا بذلك‪ ،‬ويقال‪ :‬بل نزلوا ابتداء عىل حكم سعد؛ ملا يرجون من‬ ‫حنوه عليهم‪ ،‬وإحسانه وميله إليهم‪ ،‬ومل يعلموا بأهنم أبغض إليه من أعدادهم‬ ‫من القردة واخلنازير؛ لشدة إيامنه وصديقيته ݤ وأرضاه‪ ،‬فبعث إليه رسول اهلل‬ ‫ﷺ وكان يف خيمة يف املسجد النبوي‪ ،‬فجيء به عىل محار حتته إكاف قد وطئ‬ ‫حتته ملرضه‪ ،‬وملا قارب خيمة الرسول ﷺ أمر ݠ َمن هناك بالقيام له‪ ،‬قيل‪:‬‬


‫وقفات مع حديث اإلفك برواية عائشة ‪011.....................................................‬‬

‫لينزل من شدة مرضه‪ ،‬وقيل‪ :‬توقري ًا له بحرضة املحكوم عليهم ليكون أبلغ يف‬ ‫وأقر اهلل عينه‪ ،‬وشفى‬ ‫نفوذ حكمه‪ ،‬واهلل أعلم‪ ،‬فلام حكم فيهم بالقتل والسبي‪ّ ،‬‬ ‫صدره منهم‪ ،‬وعاد إىل خيمته من املسجد النبوي صحبة رسول اهلل ﷺ‪ ،‬دعا اهلل‬ ‫عز وجل أن تكون له شهادة‪ ،‬واختار اهلل له ما عنده‪ ،‬فانفجر جرحه من الليل‪،‬‬ ‫ّ‬ ‫فلم يزل خيرج منه الدم حتى مات ݤ(‪.)4‬‬ ‫ومن املعلوم أن غزوة بني قريظة أو غزوة اخلندق كانت يف سنة أربع أو‬ ‫مخس من اهلجرة‪ ،‬وحادثة اإلفك حدثت بعد غزوة املريسيع سنة ست من‬ ‫اهلجرة كام ذكره ابن إسحاق‪.‬‬ ‫فهل خرج سعد بن معاذ من ق ره للقيام هبذا املوقف البطويل يف مسجد‬ ‫النبي ݕ‪ ،‬أو أن َم َلك ًا خرج عىل صورته‪ ،‬أو هل هناك جواب آخر؟‬ ‫وقد ذكر ابن حجر من استشكل ذلك‪ ،‬فقال‪ :‬واستشكله ابن حزم؛‬ ‫وتعرض له ابن عبد ال ر‪ ،‬فقال‪ :‬رواية من‬ ‫العتقاده أن اخلندق قبل املريسيع‪،‬‬ ‫ّ‬ ‫روى أن سعد بن معاذ راجع يف قصة اإلفك سعد بن عبادة وهم وخطأ‪ ،‬وإنام‬ ‫راجع سعد بن عبادة أسيد بن حضري كام ذكره ابن إسحاق‪ ،‬وهو الصحيح فإن‬ ‫سعد بن معاذ مات يف منرصفهم من غزوة بني قريظة ال خيتلفون يف ذلك‪ ،‬فلم‬ ‫يدرك املريسيع وال حرضها‪ ،‬وبالغ ابن العريب عىل عادته‪ ،‬فقال‪ :‬اتفق الرواة عىل‬ ‫أن ذكر ابن معاذ يف قصة اإلفك وهم‪ ،‬وتبعه عىل هذا اإلطالق القرطبي(‪.)7‬‬ ‫التفت أهل السنة هلذا اإلشكال‪ ،‬فبحثوا عن حلول للرد عن هذه‬ ‫املعضلة‪ ،‬وأجابوا بالتايل‪:‬‬ ‫(‪ )4‬البداية والنهاية ‪.411/1‬‬ ‫(‪ )7‬فتح الباري ‪.154/8‬‬


‫‪ .......................................... 014‬براءة نساء األنبياء من الزنا‪ :‬بني التحقيق والتلفيق‬

‫اجلواب األول‪ :‬أن غزوة املريسيع كانت قبل اخلندق‪ ،‬وتبنّى هذا الرأي‬ ‫(‪)4‬‬

‫النووي‬

‫والعيني الذي قال يف رشحه عىل البخاري‪ :‬وقال القايض هذا‬

‫مشكل؛ ألن هذه القصة كانت يف غزوة املريسيع‪ ،‬وهي غزوة بني املصطلق سنة‬ ‫ست‪ ،‬وسعد بن معاذ مات يف إثر غزاة اخلندق من الرمية التي أصابته‪ ،‬وذلك يف‬ ‫هم‪ ،‬األشبه أنه غريه‪ ،‬وقال القايض يف اجلواب‪ :‬إن‬ ‫سنة أربع‪ ،‬وهلذا قيل‪َ :‬و ٌ‬ ‫موسى بن عقبة ذكر أن املريسيع سنة أربع‪ ،‬وهي سنة اخلندق‪ ،‬فيحتمل أن‬ ‫يبني صحة ما‬ ‫املريسيع وحديث اإلفك كانا يف سنة أربع قبل اخلندق‪ .‬قلت‪ :‬هذا ّ‬

‫ذكره البخاري من أنه سعد بن معاذ‪ ،‬وهو الذي يف (الصحيحني)(‪.)7‬‬

‫ويرد عىل هذا اجلواب أن حادثة اإلفك حصلت بعد فرض احلجاب‪،‬‬ ‫الس َري والتاريخ‬ ‫وبعد أن ّ‬ ‫تزوج النبي ݕ من زينب بنت جحش‪ ،‬وقد أمجع أهل ّ‬ ‫أنه ݕ تزوج منها يف سنة مخس من اهلجرة يف شهر ذي القعدة‪ ،‬وهبذا يبطل‬ ‫زعمهم أن حادثة اإلفك كانت قبل اخلندق‪.‬‬ ‫اجلواب الثاين‪ :‬ذكره البيهقي كام نقله عنه ابن حجر يف الفتح‪ ،‬حيث قال‪:‬‬ ‫وقد سلك البيهقي يف أصل اإلشكال جواب ًا آخر بناء عىل أن اخلندق قبل‬ ‫املريسيع‪ ،‬فقال‪ :‬جيوز أن يكون جرح سعد بن معاذ مل ينفجر عقب الفراغ من‬ ‫بني قريظة‪ ،‬بل ّ‬ ‫تأخر زمان ًا‪ ،‬ثم انفجر بعد ذلك‪ ،‬وتكون مراجعته يف قصة اإلفك‬ ‫يف أثناء ذلك‪ ،‬ولعله مل يشهد غزوة املريسيع ملرضه‪ ،‬وليس ذلك مانع ًا له أن‬ ‫جييب النبي ﷺ يف قصة اإلفك بام أجابه(‪.)1‬‬ ‫وهذا الرأي فاسد أيض ًا‪ ،‬وخمالف ملا ذكره أرباب السري من أن سعد ًا تويف‬ ‫(‪ )4‬رشح مسلم ‪.444/41‬‬ ‫(‪ )7‬عمدة القاري ‪.717/41‬‬ ‫(‪ )1‬فتح الباري ‪.154/8‬‬


‫وقفات مع حديث اإلفك برواية عائشة ‪016.....................................................‬‬

‫مبارشة بعد قضية بني قريظة‪.‬‬ ‫قال ابن عبد ال ر‪ :‬سعد بن معاذ بن النعامن بن امرئ القيس بن زيد بن‬ ‫عبد األشهل بن جشم بن احلارث بن اخلزرج بن النبيت‪ ،‬وهو عمرو بن مالك بن‬ ‫األوس األنصاري األشهيل‪ ،‬يكنى أبا عمرو‪ ،‬وأمه كبشة بنت رافع‪ ،‬هلا صحبة‪،‬‬ ‫أسلم باملدينة بني العقبة األوىل والثانية عىل يدي مصعب بن عمري‪ ،‬وشهد بدر ًا‬ ‫وأحد ًا واخلندق‪ ،‬ورمي يوم اخلندق بسهم‪ ،‬فعاش شهر ًا‪ ،‬ثم انتقض جرحه‪،‬‬ ‫فامت منه(‪.)4‬‬ ‫وأقر اهلل عينه‪،‬‬ ‫وقال ابن كثري يف تارخيه‪ :‬فلام حكم فيهم بالقتل والسبي‪ّ ،‬‬ ‫وشفى صدره منهم‪ ،‬وعاد إىل خيمته من املسجد النبوي صحبة رسول اهلل ﷺ‪،‬‬ ‫عز وجل أن تكون له شهادة‪ ،‬واختار اهلل له ما عنده‪ ،‬فانفجر جرحه من‬ ‫دعا اهلل ّ‬ ‫الليل‪ ،‬فلم يزل خيرج منه الدم حتى مات ݤ‪ .‬قال ابن إسحاق‪ :‬فلام انقىض‬ ‫شأن بني قريظة انفجر بسعد بن معاذ جرحه‪ ،‬فامت منه شهيدا(‪.)7‬‬ ‫اجلواب الثالث‪ :‬أن ذكر سعد بن معاذ يف الرواية وهم‪ ،‬وقد تبنّى هذا‬ ‫مر جمموعة من علامء أهل السنة واجلامعة‪ ،‬منهم‪ :‬ابن حزم‪ ،‬وابن عبد‬ ‫الرأي كام ّ‬ ‫ال ر‪ ،‬وابن العريب‪.‬‬ ‫قال العيني‪ :‬وقال ابن حزم‪ :‬هذا عندنا وهم؛ ألن سعد بن معاذ مات إثر‬ ‫غزوة بني قريظة بال شك‪ ،‬وبنوقريظة كان يف آخر ذي القعدة من سنة أربع‪،‬‬ ‫فبني الغزوتني نحو من سنتني‪ ،‬والوهم مل يعر منه أحد من البرش‪ ،‬وقال ابن‬ ‫العريب‪ :‬ذكر سعد بن معاذ وهم‪ ،‬اتفق فيه الرواة‪ ،‬وقال بن عمر هم وهم وخطأ‪،‬‬ ‫(‪ )4‬االستيعاب ‪547/7‬‬ ‫(‪ )7‬البداية والنهاية ‪411/1‬‬


‫‪ .......................................... 018‬براءة نساء األنبياء من الزنا‪ :‬بني التحقيق والتلفيق‬

‫وتبعه عىل ذلك مجاعة(‪.)4‬‬ ‫هذا الوهم الثاين الذي اعرتفوا به يف هذا اخل ر‪ ،‬واحلق الذي ال مرية فيه‬ ‫أن كل هذه الواقعة وهم‪ ،‬بل إننا نجزم أهنا قصة خمتلقة‪.‬‬ ‫كام أن هناك نقطة مهمة ال بد من الوقوف عندها يف هذه الفقرة‪ ،‬وهي أن‬ ‫عائشة قالت‪« :‬إن النبي ݕ خطب وهو عىل املن ر»‪ ،‬لكن بمراجعة كتب‬ ‫التاريخ والسرية نجد أن اختاذ املسلمني للمن ر كان ّ‬ ‫متأخر ًا عن هذه احلادثة‪.‬‬ ‫فقد روى البخاري يف صحيحه بسنده‪ :‬عن سهل ݤ أن النبي ﷺ أرسل‬ ‫نجار‪ ،‬قال هلا‪ :‬مري عبدك فليعمل لنا‬ ‫إىل امرأة من املهاجرين وكان هلا غالم ّ‬ ‫أعواد املن ر‪ .‬فأمرت عبدها‪ ،‬فذهب فقطع من الطرفاء‪ ،‬فصنع له من ر ًا‪ ،‬فلام‬ ‫قضاه أرسلت إىل النبي ﷺ أنه قد قضاه‪ ،‬قال ﷺ‪ :‬أرسيل به إ ّيل‪ .‬فجاؤوا به‪،‬‬ ‫فاحتمله النبي ﷺ فوضعه حيث ترون(‪.)7‬‬ ‫وقد حدّ د املؤرخون تاريخ هذه احلادثة‪ ،‬مثل ابن اجلوزي الذي جعل‬ ‫هذه القصة يف أحداث سنة ثامنية للهجرة‪ ،‬حيث قال‪ :‬ومن احلوادث اختاذ املن ر‬ ‫لرسول اهلل ﷺ‪ ،‬وقيل‪ :‬يف سنة سبع‪ ،‬واألول أصح(‪.)1‬‬ ‫ومقصوده من قوله‪« :‬األول أصح» هو رد القول بأن النبي ݕ قد اختذ‬ ‫املن ر يف السنة السابعة للهجرة كام تبنّى ذلك ابن سعد يف طبقاته‪ ،‬وترجيح أن‬ ‫هذه احلادثة وقعت يف السنة الثامنة للهجرة‪.‬‬ ‫وقال املقريزي يف امتا األسام ‪ :‬اعلم أن املن ر النبوي عمل من طرفاء‬ ‫(‪ )4‬عمدة القاري ‪717/41‬‬ ‫(‪ )7‬صحيح البخاري ‪.471/1‬‬ ‫(‪ )1‬املنتظم يف التاريخ ‪.141/1‬‬


‫وقفات مع حديث اإلفك برواية عائشة ‪011.....................................................‬‬

‫الغابة يف سنة ثامن من اهلجرة‪ ،‬وقيل‪ :‬يف سنة سبع‪ ،‬وأن امرأة أنصارية من بني‬ ‫ساعدة أمرت غالمها حسن ًا‪ ،‬ويقال‪ :‬إبراهيم‪ ،‬فصنعه(‪.)4‬‬ ‫والسري هلذه احلقيقة‪ ،‬فحاولوا دفع هذا اإلشكال‬ ‫وقد تف ّطن أهل احلديث ّ‬ ‫كعادتم‪.‬‬ ‫فقد ذكر ابن حجر العسقالين هذا اإلشكال‪ ،‬وحاول دفعه بقوله‪ :‬وجزم‬ ‫ابن سعد بأن ذلك كان يف السنة السابعة‪ ،‬وفيه نظر‪ ،‬لذكر العباس ومتيم فيه‪،‬‬ ‫وكان قدوم العباس بعد الفتح يف آخر سنة ثامن‪ ،‬وقدوم متيم سنة تسع‪ ،‬وجزم‬ ‫ابن النجار بأن عمله كان سنة ثامن‪ ،‬وفيه نظر أيض ًا؛ ملا ورد يف حديث اإلفك يف‬ ‫الصحيحني عن عائشة‪ ،‬قالت‪« :‬فثار احليان األوس واخلزرج حتى كادوا أن‬ ‫يقتتلوا‪ ،‬ورسول اهلل ﷺ عىل املن ر‪ ،‬فنزل فخفضهم حتى سكتوا»‪ ،‬فإن محل عىل‬ ‫التجوز فيذكر املن ر‪ ،‬وإال فهو أصح مما مىض(‪.)7‬‬ ‫أي أن ذكر عائشة للمن ر يف رواية اإلفك وهم منها أو من الرواة‪ ،‬وهذا‬ ‫وهم جديد يضاف إىل القائمة السابقة‪.‬‬ ‫وقد حاول احللبي يف سريته أيض ًا رد هذا اإلشكال‪ ،‬لكن منعته رهبة‬ ‫حديث اإلفك من نسبة اخلطأ أو الوهم إليه‪ ،‬فألقى بالتهمة عىل رواة حديث‬ ‫حنني اجلذ املستفيض!‬ ‫قال يف سريته احللبية‪ :‬ويشكل عليه قول عائشة رىض اهلل تعاىل عنها يف‬ ‫قصة اإلفك‪« :‬فثار احليان األوس واخلزرج حتى كادوا أن يقتتلوا‪ ،‬ورسول اهلل‬ ‫ﷺ عىل املن ر»؛ ألن قصة اإلفك كانت يف سنة مخس‪ ،‬ثم رأيت يف كتاب الرشيعة‬ ‫(‪ )4‬إمتا االسام ‪.11/44‬‬ ‫(‪ )7‬فتح الباري ‪.114/7‬‬


‫‪ .......................................... 011‬براءة نساء األنبياء من الزنا‪ :‬بني التحقيق والتلفيق‬

‫لآلجري عن أنس بن مالك ريض اهلل تعاىل عنه‪ :‬كان ﷺ خيطب مسند ًا ظهره‬ ‫إىل خشبة‪ ،‬فلام كثر الناس قال‪ :‬ابنوا يل من ر ًا‪ ،‬فبنوا له عتبتني أي غري املسرتاح‪،‬‬ ‫فلام قام عىل املن ر خيطب حنّت اخلشبة‪ .‬احلديث‪ ،‬وعن سهل بن سعد ريض اهلل‬ ‫تعاىل عنه‪ :‬ملا كثر الناس‪ ،‬وصار جييء القوم وال يكادون يسمعون رسول اهلل‬ ‫ﷺ يف اخلطبة‪ ،‬قال الناس‪ :‬يا رسول اهلل قد كثر الناس‪ ،‬وكثري منهم ال يكاد‬ ‫يسمع كالمك‪ ،‬فلو أنك اختذت شيئ ًا ختطب عليه مرتفع ًا من األرض‪ ،‬ويسمع‬ ‫الناس كالمك‪ .‬فأرسل ﷺ إىل غالم نجار المرأة من األنصار‪ ،‬فاختذ له مرقاتني‬ ‫من طرفاء الغابة‪ ،‬فلام قام حنّت اخلشبة التي كان خيطب إليها‪ .‬هذا كالمه وهو‬ ‫موافق ملا تقدم عن األصل يف احلوادث‪ ،‬والذي ينبغي اجلمع بني الروايتني؛ ألن‬ ‫ما علم من أن اختاذ املن ر من طرفاء الغابة كان بعد اختاذه من الطني؛ ألنه أقوى‬ ‫يف االرتفا من من ر الطني‪ ،‬وكون حنني اجلذ عند اختاذ املن ر من الطرفاء من‬ ‫يتكرر‬ ‫ترصف بعض الرواة؛ ألن حنينه إنام كان عند اختاذ املن ر من الطني‪ ،‬ومل ّ‬ ‫حنينه كام تقدّ م(‪.)4‬‬ ‫ويكفينا يف إثبات بطالن كالمه نقل كالم احلافظ ابن حجر العسقالين‬ ‫الذي ر ّد عىل هذا الكالم بقوله يف الفتح‪ :‬حكى بعض أهل السري أنه ﷺ كان‬ ‫خيطب عىل من ر من طني قبل أن يتخذ املن ر الذي من خشب‪ ،‬ويعكر عليه أن يف‬ ‫األحاديث الصحيحة أنه كان يستند إىل اجلذ إذا خطب(‪.)7‬‬ ‫الوقفة الثانية عرشة‪ :‬قالت عائشة‪« :‬فقال‪ :‬أنا يا رسول اهلل أعذرك‪ ،‬فإن‬ ‫كان من األوس رضبت عنقه‪ ،‬وإن كان من إخواننا من اخلزرج أمرتنا ففعلنا‬ ‫(‪ )4‬السرية احللبية ‪.114/7‬‬ ‫(‪ )7‬فتح الباري ‪.114/7‬‬


‫وقفات مع حديث اإلفك برواية عائشة ‪010.....................................................‬‬

‫أمرك‪ .‬قالت‪ :‬فقام رجل من اخلزرج‪ ،‬وكانت أم حسان بنت عمه من فخذه‪،‬‬ ‫وهو سعد بن عبادة‪ ،‬وهو س ّيد اخلزرج‪ ،‬قالت‪ :‬وكان قبل ذلك رجالا صاحل اا‪،‬‬ ‫ولكن احتملته احلمية‪ ،‬فقال لسعد‪ :‬كذبت لعمر اهلل‪ ،‬ال تقتله‪ ،‬وال تقدر عىل‬ ‫قتله‪ ،‬ولو كان من رهطك ما أحببت أن يقتل‪ .‬فقام أسيد بن حضري‪ ،‬وهو ابن‬ ‫عم سعد‪ ،‬فقال لسعد بن عبادة‪ :‬كذبت لعمر اهلل‪ ،‬لنقتلنّه‪ ،‬فإنك منافق جتادل عن‬ ‫املنافقني‪ .‬قالت‪ :‬فثار احليان‪ :‬األوس واخلزرج‪ ،‬حتى مهوا أن يقتتلوا ورسول اهلل‬ ‫ﷺ قائم عىل املنرب‪ ،‬قالت‪ :‬فلم يزل رسول اهلل ﷺ خيفضهم حتى سكتوا‬ ‫وسكت»(‪.)4‬‬ ‫كثري ًا ما نسمع املخالفني يتشدّ قون بعدالة الصحابة‪ ،‬وجيعلوهنا حم اكا‬ ‫السني وغريه‪ ،‬فكل من يقدّ س مجيع الصحابة ويعتقد عدالتهم يعت ر‬ ‫للتمييز بني ُ‬ ‫سن ايا‪ ،‬ومن خالف يف هذا فهو خارج عن التسنن!‬ ‫رأيت الرجل ينتقص أحد ًا من‬ ‫وقد قال إمامهم أبو زرعة الرازي‪ :‬إذا‬ ‫َ‬ ‫أصحاب رسول اهلل ﷺ فاعلم أنه زنديق!(‪.)7‬‬ ‫فإذا كانت عدالة الصحابة عقيدة إسالمية حيكم عىل منكرها بالزندقة‪،‬‬ ‫فهل كان الصحابة يعتقدون بعدالة بعضهم البعض؟‬ ‫اجلواب‪ :‬طبع ًا ال‪ ،‬ودليلنا عىل هذا ‪ -‬من باب اإللزام طبع ًا ‪ -‬هو هذا‬ ‫املقطع من رواية اإلفك‪ ،‬الذي ورد فيه أن سعد بن عبادة ّ‬ ‫كذب سعد بن معاذ!‬ ‫وأن أسيد بن حضري ّ‬ ‫كذب سعد بن عبادة‪ ،‬ووصفه بأنه منافق جيادل عن‬ ‫املنافقني‪ ،‬ويرفض حكم اهلل!‬ ‫(‪ )4‬صحيح البخاري ‪.18/1‬‬ ‫(‪ )7‬الكفاية يف علم الرواية‪.51 :‬‬


‫‪ .......................................... 011‬براءة نساء األنبياء من الزنا‪ :‬بني التحقيق والتلفيق‬

‫بل نجد أن األوس واخلزرج بعد مخس سنوات من اهلجرة وثامين عرشة‬ ‫سنة من البعثة تعرتهيم محية اجلاهلية‪ ،‬وحياولون االقتتال بمحرض رسول اهلل‬ ‫ݕ!‬ ‫وبام أن هذا املقطع سبب ربكة عند املخالفني حاول بعض رشاح احلديث‬ ‫كعادتم تأويل احلديث‪ ،‬ورصفه عن ظاهره‪ ،‬فجاء املازري فأنكر أن يكون‬ ‫إطالق املنافق إطالق ًا حقيق ايا!‬ ‫قال احلافظ ابن حجر‪ :‬قال املازري‪ :‬إطالق أسيد مل يرد به نفاق الكفر‪،‬‬ ‫وإنام أراد أنه كان يظهر املودة لألوس‪ ،‬ثم ظهر منه يف هذه القصة ضد ذلك‪،‬‬ ‫فأشبه حال املنافق؛ ألن حقيقته إظهار يشء وإخفاء غريه(‪.)4‬‬ ‫فال ندري هل املازري شهد الواقعة؟ أو أنه قابل أسيد ًا وسأله عن مغزى‬ ‫كالمه‪ ،‬فأخ ره بقصده؟ أو أن القضية ال خترج عن كوهنا تأوي ً‬ ‫ال بالظن واهلوى؟‬ ‫واحلق أن هذا الذي قاله املازري مردود؛ ألن محل الكلمة عىل معنى‬ ‫جمازي دون معناها احلقيقي حيتاج إىل قرينة‪ ،‬وال توجد قرينة تدل عىل أن املراد‬ ‫باملنافق هذا املعنى املجازي الذي ذكره املازري‪ ،‬بل القرائن تدل عىل أنه أريد به‬ ‫معناه احلقيقي؛ ألهنم كانوا يف شجار وخصومة‪ ،‬وعادة املتنازعني هو استخدام‬ ‫األلفاظ الشديدة يف السب وتنقيص الطرف اآلخر‪.‬‬ ‫رشاح احلديث استنبط حك ًام رشع ايا من كالم أسيد‪،‬‬ ‫والطريف أن بعض ّ‬

‫املتعصب ملبطل!‬ ‫وهو جواز سب‬ ‫ّ‬

‫سب أسيد بن حضري سعد بن‬ ‫قال النووي‪ :‬جواز سب‬ ‫املتعصب ملبطل كام ّ‬ ‫ّ‬ ‫عبادة لتعصبه للمنافق‪ ،‬وقال‪« :‬إنك منافق جتادل عن املنافقني»‪ ،‬وأراد أنك‬ ‫(‪ )4‬فتح الباري ‪.151/8‬‬


‫وقفات مع حديث اإلفك برواية عائشة ‪011.....................................................‬‬

‫تفعل فعل املنافقني‪ ،‬ومل يرد النفاق احلقيقي (‪.)4‬‬ ‫فال أعلم كيف يمكن اجلمع بني كون كالم أسيد َس ابا لسعد وبني عدم‬ ‫محل كالمه عىل احلقيقة!‬ ‫وهكذا احلال مع كثري من الصحابة‪ ،‬حيث جيد املتت ّبع لكتب األخبار أنه‬ ‫قد نسب إليهم فعل بعض املخالفات الرشعية‪ ،‬بل بعض املوبقات‪ ،‬فإذا‬ ‫سألناهم‪ :‬كيف نجمع بني قولكم بعدالتهم وبني إثباتكم لفعلهم املوبقات؟‬ ‫أجابوا بأن الصحابة عدول‪ ،‬وقد ريض اهلل عنهم‪ ،‬وانتهى!‬ ‫واملضحك املبكي أهنم يؤولون ارتكاب بعض الصحابة للكبائر‬ ‫واملوبقات بأن مساوئهم مغمورة يف جنب حماسنهم‪ ،‬أو أهنم اجتهدوا فأخطؤوا‪،‬‬ ‫مع أن االجتهاد ال جيوز يف األحكام الرشعية الثابتة يف اإلسالم؟‬ ‫انظر إىل ما يقوله الشيخ حممد صالح العثيمني‪ ،‬حيث قال‪ :‬وال شك أنه‬ ‫حصل من بعضهم رسقة‪ ،‬ورشب مخر‪ ،‬وقذف‪ ،‬وزنى بإحصان‪ ،‬وزنى بغري‬ ‫إحصان‪ ،‬لكن كل هذه األشياء تكون مغمورة يف جنب فضائل القوم‬ ‫بني املؤلف شيئ ًا من‬ ‫وحماسنهم‪ ،‬وبعضها أقيم فيه احلدود فيكون كفارة‪ ،‬ثم ّ َ‬ ‫فضائلهم وحماسنهم بقوله‪( :‬من اإليامن باهلل ورسوله‪ ،‬واجلهاد يف سبيله‪،‬‬ ‫واهلجرة‪ ،‬والنرصة‪ ،‬والعلم النافع‪ ،‬والعمل الصالح)‪ ،‬فكل هذه مناقب‬ ‫وفضائل معلومة مشهورة‪ ،‬تغمر كل ما جاء من مساوئ القوم املح ّققة‪ ،‬فكيف‬ ‫باملساوئ غري املح ّققة‪ ،‬أو التي كانوا فيها جمتهدين متأولني‪ .‬هذا باإلضافة إىل ما‬ ‫ثبت عن النبي ݖ من قوله‪« :‬خري الناس قرين‪ ،‬ثم الذي يلوهنم‪ ،‬ثم الذي‬ ‫يلوهنم»‪ .‬أخرجه البخاري ومسلم من حديث عبد اهلل بن عمر ݡ‪ ،‬وعىل هذا‬ ‫(‪ )4‬رشح صحيح مسلم ‪.448/41‬‬


‫‪ .......................................... 011‬براءة نساء األنبياء من الزنا‪ :‬بني التحقيق والتلفيق‬

‫تثبت خرييتهم عىل غريهم من أتبا األنبياء بالنص والنظر يف أحواهلم‪ ،‬فإذا‬ ‫نظرت بعلم وبصرية وإنصاف يف حماسن القوم وما أعطاهم اهلل من فضائل‬ ‫علمت يقين ًا أهنم خري اخللق بعد األنبياء‪ ،‬فهم خري من احلواريني أصحاب‬ ‫عيسى‪ ،‬وخري من النقباء أصحاب موسى‪ ،‬وخري من الذين آمنوا مع نوح‪ ،‬ومع‬ ‫هود‪ ،‬وغريهم‪ ،‬وال يوجد أحد يف أتبا األنبياء أفضل من الصحابة ݢ(‪.)4‬‬ ‫غلوا فام هو الغلو؟‬ ‫فباهلل عليكم إن مل يكن هذا ا‬ ‫يقولون‪ :‬بعض الصحابة زنى‪ ،‬ورشب املسكر‪ ،‬ورسق‪ ،‬وقتل خ ّلص‬ ‫املؤمنني املجاهدين‪ ،‬لكنه مع ذلك أفضل من لقامن احلكيم‪ ،‬وأفضل من‬ ‫أصحاب الكهف‪ ،‬وأفضل من آسيا بنت مزاحم‪ ،‬وأفضل من مريم بنت‬ ‫عمران‪ ،‬وأفضل من األتبا املخلصني لألنبياء السابقني الذين جاهدوا بأمواهلم‬ ‫وأنفسهم‪ ،‬ومل يّسقوا‪ ،‬ومل يزنوا‪ ،‬ومل يرشبوا اخلمر‪ ،‬وكأن هؤالء مل يقرؤوا قوله‬ ‫تعاىل‪ :‬ݨﭵﭶﭷ ﭸﭹﭺﭻﭼﭽﭾﭿﮀﮁﮂ‬

‫ﮃﮄﮅﮆݩ [احلجرات‪!]41 :‬‬ ‫أال تالحظ أهيا القارئ العزيز أهنم ينظرون إىل الصحابة كأهنم رجل‬ ‫واحد‪ ،‬مع أن الذين حازوا الفضائل من الصحابة غري الزناة وشاريب اخلمر‬ ‫وقاتيل النفس املحرتمة‪ ،‬إال أهنم جعلوا اجلميع كرجل واحد له حكم واحد!!‬ ‫الوقفة الثالثة عرشة‪ :‬قالت عائشة‪« :‬فبينا نحن عىل ذلك دخل رسول اهلل‬ ‫ﷺ علينا‪ ،‬فس ّلم ثم جلس‪ .‬قالت‪ :‬ومل جيلس عندي منذ قيل ما قيل قبلها‪ ،‬وقد‬ ‫فتشهد رسول اهلل ﷺ حني‬ ‫لبث شهر اا ال يوحى إليه يف شأين بيشء‪ ،‬قالت‪:‬‬ ‫ّ‬ ‫جلس‪ ،‬ثم قال‪ :‬أما بعد يا عائشة‪ ،‬إنه بلغني عنك كذا وكذا‪ ،‬فإن كنت بريئة‬ ‫(‪ )4‬رشح العقيدة الواسطية ‪.717/7‬‬


‫وقفات مع حديث اإلفك برواية عائشة ‪011.....................................................‬‬

‫فسيربئك اهلل‪ ،‬وإن كنت أملمت بذنب فاستغفري اهلل‪ ،‬وتويب إليه‪ ،‬فإن العبد إذا‬ ‫اعرتف ثم تاب تاب اهلل عليه‪ .‬قالت‪ :‬فلام قىض رسول اهلل ﷺ مقالته قلص‬ ‫دمعي حتى ما أحس منه قطرة‪ ،‬فقلت أليب‪ :‬أجب رسول اهلل ﷺ عني فيام قال‪.‬‬ ‫فقال أيب‪ :‬واهلل ما أدري ما أقول لرسول اهلل ﷺ‪ .‬فقلت ألمي‪ :‬أجيبي رسول اهلل‬ ‫ﷺ فيام قال‪ .‬قالت أمي‪ :‬واهلل ما أدري ما أقول لرسول اهلل ﷺ‪ .‬فقلت وأنا‬ ‫جارية حديثة السن‪ ،‬ال أقرأ من القرآن كثري اا‪ :‬إين واهلل لقد علمت لقد سمعتم‬ ‫استقر يف أنفسكم‪ ،‬وصدّ قتم به‪ ،‬فلئن قلت لكم‪« :‬إين بريئة»‬ ‫هذا احلديث‪ ،‬حتى‬ ‫ّ‬ ‫ال تصدقوين‪ ،‬ولئن اعرتفت لكم بأمر واهلل يعلم أين منه بريئة لتصدقني‪ ،‬فواهلل ال‬ ‫أجد يل ولكم مث ا‬ ‫ال إال أبا يوسف حني قال‪ :‬فصرب مجيل‪ ،‬واهلل املستعان عىل ما‬ ‫تصفون»(‪.)4‬‬ ‫هذا املقطع من أكثر مقاطع احلديث طعن ًا يف رسول اهلل ݕ‪ ،‬حيث يظهر‬ ‫املتحري الشاك يف زوجته‪ ،‬مع أن موقفه يف بيت أيب بكر يتناىف‬ ‫النبي ݕ بمظهر‬ ‫ّ‬ ‫مر من قوله ݕ يف املسجد‪ :‬إنه ال يعلم عن أهله إال خري ًا؟!‬ ‫مع ما ّ‬

‫وربام يزعم بعضهم أن هذا املقطع من احلديث ال يدل عىل أن النبي ݕ‬ ‫كان قد شك يف عائشة‪ ،‬ويكفي يف رد هذا الزعم ما قاله ابن تيمية يف منهاج‬ ‫السنة‪.‬‬ ‫قال‪ :‬ويف الصحيحني‪ :‬إنه قال لعائشة ݣ يف قصة اإلفك قبل أن يعلم‬ ‫النبي براءتا وكان قد ارتاب يف أمرها‪ ،‬فقال‪ :‬يا عائشة إن كنت بريئة فسي رئك‬ ‫اهلل‪ ،‬وإن كنت أملمت بذنب فاستغفري اهلل‪ ،‬وتويب إليه‪ ،‬فإن العبد إذا اعرتف‬ ‫بذنبه ثم تاب‪ ،‬تاب اهلل عليه(‪.)7‬‬ ‫(‪ )4‬صحيح البخاري ‪.18/1‬‬ ‫(‪ )7‬منهاج السنة ‪.11/1‬‬


‫‪ .......................................... 014‬براءة نساء األنبياء من الزنا‪ :‬بني التحقيق والتلفيق‬

‫فال ندري هل خفي عىل ابن تيمية احلراين قول اهلل تعاىل‪ :‬ݨ ﭑﭒﭓ‬

‫ﭔﭕﭖﭗﭘ ﭙﭚﭛﭜݩ [احلجرات‪]47 :‬؟‬ ‫وأفضل ما قيل يف هذا الباب كالم العالمة الطباطبائي يف تفسريه حني‬ ‫ع ّلق عىل هذه النقطة‪ ،‬فقال‪ :‬وباجلملة داللة عامة الروايات عىل كون النبي‬ ‫ݖ يف ريب من أمرها إىل نزول العذر مما ال ريب فيه‪ ،‬وهذا مما جيل عنه مقامه‬ ‫ݖ‪ ،‬كيف وهو سبحانه يقول‪ :‬ݨ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ‬

‫ﭹﭺﭻﭼ ﭽ ݩ‪ ،‬فيوبخ املؤمنني واملؤمنات عىل إساءتم الظن‪ ،‬وعدم‬ ‫ر ّدهم ما سمعوه من اإلفك‪ ،‬فمن لوازم اإليامن حسن الظن باملؤمنني‪ ،‬والنبي‬ ‫ويتحرز من سوء الظن الذي من اإلثم‪ ،‬وله مقام‬ ‫ݖ أحق من ي ّتصف بذلك‪،‬‬ ‫ّ‬ ‫النبوة والعصمة اإلهلية(‪.)4‬‬ ‫بل إن األمر مل يقف عند النبي ݕ‪ ،‬فإن أبوهيا أيض ًا قد شكا فيها‪ ،‬فهي‬ ‫استقر يف أنفسكم‪،‬‬ ‫التي تقول يف نفس الرواية‪ :‬لقد سمعتم هذا احلديث حتى‬ ‫ّ‬ ‫وصدّ قتم به‪ ،‬فلئن قلت لكم‪« :‬إين بريئة» ال تصدّ قوين‪ ،‬ولئن اعرتفت لكم بأمر‬ ‫واهلل يعلم أين منه بريئة لتصدقني(‪.)7‬‬ ‫واستقر يف أنفسهام‬ ‫فهذه الكلامت واضحة يف أهنام كانا قد صدّ قا اإلفك‪،‬‬ ‫ّ‬ ‫عىل حد تعبريها‪ ،‬فهل كان أبو بكر حيتمل يف ابنته عائشة أن ترتكب الفاحشة؟‬ ‫ويقوي قولنا أن هذا احلديث كله خمتلق من أساس‪ ،‬وأن اتام‬ ‫هذا ما ال نتوقعه‪ّ ،‬‬ ‫عائشة بالزنا مل حيصل قط‪.‬‬ ‫بل ورد يف بعض الروايات أن أبا بكر كان متيقن ًا بأن عائشة قد زنت‪،‬‬ ‫(‪ )4‬تفسري امليزان ‪.444/41‬‬ ‫(‪ )7‬صحيح البخاري ‪.11/1‬‬


‫وقفات مع حديث اإلفك برواية عائشة ‪016.....................................................‬‬

‫وأهنا خانت رسول اهلل ݕ‪ ،‬وفضحت أباها يف نفسها‪ ،‬فقد روى الط راين‬ ‫عيل‪ ،‬فقال‪ :‬يا‬ ‫بسنده عن عائشة أهنا قالت فيام قالت‪ :‬إذ جاء أبو بكر‪ ،‬فدخل ّ‬

‫رسول اهلل ما تنتظر هبذه التي خانتك وفضحتني(‪.)4‬‬

‫الوقفة الرابعة عرشة‪ :‬قالت عائشة‪« :‬واهلل إن الرجل الذي قيل له ما قيل‬ ‫ليقول‪ :‬سبحان اهلل‪ ،‬فوالذي نفيس بيده ما كشفت من كنف أنثى قط‪ .‬قالت‪ :‬ثم‬ ‫قتل بعد ذلك يف سبيل اهلل»(‪.)7‬‬ ‫املقصود بالرجل هنا صفوان بن املعطل السلمي الذي ُاتم باإلفك‪ ،‬وهو‬ ‫بحسب هذا القول مل جيامع امرأة قط‪ ،‬لكن بمراجعة كتب األحاديث نجد أنه‬ ‫متزوج ًا!‬ ‫كان ّ‬ ‫فقد روى أبو داود بسند صحيح‪ :‬عن أيب سعيد‪ ،‬قال‪ :‬جاءت املرأة إىل‬ ‫النبي ﷺ ونحن عنده‪ ،‬فقالت‪ :‬يا رسول اهلل‪ ،‬إن زوجي صفوان بن املعطل‬ ‫يرضبني إذا صليت‪ ،‬ويفطرين إذا صمت‪ ،‬وال يصيل صالة الفجر حتى تطلع‬ ‫الشمس‪ ،‬قال‪ :‬وصفوان عنده‪ ،‬قال‪ :‬فسأله عام قالت‪ ،‬فقال‪ :‬يا رسول اهلل‪ ،‬أما‬ ‫قوهلا‪« :‬يرضبني إذا صليت» فإهنا تقرأ بسورتني وقد هنيتها‪ ،‬قال‪ :‬فقال‪ :‬لو كانت‬ ‫سورة واحدة لكفت الناس‪ ،‬وأما قوهلا‪« :‬يفطرين» فإهنا تنطلق فتصوم‪ ،‬وأنا‬ ‫رجل شاب فال أص ر‪ ،‬فقال رسول اهلل ﷺ يومئذ‪« :‬ال تصوم املرأة إال بإذن‬ ‫زوجها»‪ ،‬وأما قوهلا‪« :‬إين ال أصيل حتى تطلع الشمس» فإنا أهل بيت قد عرف‬ ‫لنا ذاك‪ ،‬ال نكاد نستيقظ حتى تطلع الشمس(‪.)1‬‬ ‫(‪ )4‬املعجم الكبري ‪.441/71‬‬ ‫(‪ )7‬صحيح البخاري ‪.54/1‬‬ ‫(‪ )1‬سنن أيب داود ‪ ،111/4‬صححه احلاكم يف املستدرك ‪ 547/4‬عىل رشط الشيخني‪ ،‬ووافقه‬ ‫الذهبي‪ ،‬وصححه األلباين يف سلسلته الصحيحة ‪.114/4‬‬


‫‪ .......................................... 018‬براءة نساء األنبياء من الزنا‪ :‬بني التحقيق والتلفيق‬

‫وقال القرطبي يف تفسريه‪ :‬كان له ابنان‪ ،‬يدل عىل ذلك حديثه املروي مع‬ ‫امرأته‪ ،‬وقول النبي ﷺ يف ابنيه‪ :‬هلام أشبه به من الغراب بالغراب (‪.)4‬‬ ‫رشاح احلديث‪ ،‬فحاولوا إجياد خمرج هلم‬ ‫وطبع ًا مل َ‬ ‫خيف هذا اإلشكال عىل ّ‬

‫من هذه الورطة‪ ،‬فقال ابن حجر يف اإلصابة جميب ًا عليه‪ :‬ولكن يشكل عليه أن‬ ‫عائشة قالت يف حديث اإلفك‪« :‬إن صفوان قال‪ :‬واهلل ما كشفت كنف أنثى‬ ‫قط»‪ ،‬وقد أورد هذا اإلشكال قدي ًام البخاري‪ ،‬ومال إىل تضعيف احلديث أبو‬ ‫تزوج بعد ذلك(‪.)7‬‬ ‫سعيد بذلك‪ ،‬ويمكن أن جياب بأنه ّ‬

‫ويرد عىل ابن حجر أنه قد نقل من طرق أخرى حلادثة اإلفك أن صفوان‬ ‫كان عنين ًا‪ ،‬ذكره ابن اسحاق‪ ،‬فقال‪ :‬وكانت عائشة تقول‪ :‬لقد سئل عن ابن‬ ‫املعطل فوجدوه رج ً‬ ‫ال حصور ًا ما يأيت النساء(‪.)1‬‬ ‫وقد ّبني لنا احللبي يف سريته معنى حصور ًا‪ ،‬فقال‪ :‬وذكر أن صفوان بن‬ ‫املعطل ݤ [الذي] كان اإلفك بسببه‪ ،‬ظهر أنه كان حصور ًا ال يأيت النساء‪ ،‬أي‬ ‫إنام معه مثل اهلدبة(‪ ،)1‬أي عنني‪ ،‬وقد قال الشيخ حميي الدين‪ :‬احلصور عندنا‬ ‫العنني‪ ،‬أي ويدل له ما يف البخاري أنه ݤ ما كشف كنيف امرأة قط‪ ،‬أي‬ ‫سرتها؛ ألن الكنيف الساتر(‪.)1‬‬ ‫مستقرا‪.‬‬ ‫فجواب ابن حجر ال يستقيم‪ ،‬ويبقى اإلشكال قائ ًام‪ ،‬والتعارض‬ ‫ا‬ ‫كام أن هناك نقطة أخرى مهمة يف الرواية‪ ،‬وهي قول عائشة بأنه قتل يف‬ ‫(‪ )4‬تفسري القرطبي ‪.411/47‬‬ ‫(‪ )7‬اإلصابة ‪. 118/1‬‬ ‫(‪ )1‬السرية النبوية البن هشام ‪. 111/1‬‬ ‫(‪ )1‬اهلدبة‪ :‬هوطرف الثوب‪ ،‬واملراد أن آلة صفوان رخوة مثل طرف الثوب ال تغني شيئ ًا‪.‬‬ ‫(‪ )1‬السرية احللبية ‪.541/7‬‬


‫وقفات مع حديث اإلفك برواية عائشة ‪011.....................................................‬‬

‫سبيل اهلل‪ ،‬وبالرجو إىل ترمجة صفوان يف كتب التاريخ والرتاجم نجد أن مجلة‬ ‫من العلامء ذكروا أن وفاته كانت يف سنة ستني من اهلجرة‪.‬‬ ‫فقد قال ابن األثري‪ :‬ويف سنة ستني تويف صفوان بن املعطل السلمي‬ ‫بسميساط(‪.)4‬‬ ‫ونقل الذهبي عن الواقدي قوله‪ :‬تويف سنة ستني بسميساط(‪.)7‬‬ ‫وروى ابن حجر عن الط ري‪ :‬وقيل‪ :‬سنة ستني بسميساط‪ ،‬وبه جزم‬ ‫الط ري(‪.)1‬‬ ‫ولو أضفنا إىل ما ذكرناه سابق ًا من أن عائشة توفيت يف سنة ثامن ومخسني‬ ‫للهجرة‪ ،‬يصبح قوهلا يف الرواية‪« :‬إنه استشهد يف سبيل اهلل» رمج ًا بالغيب‪ ،‬وهذا‬ ‫ما ال يرتضيه أحد‪.‬‬ ‫نعم ورد عىل بعض األقوال أن صفوان مات يف سنة تسع عرشة للهجرة‪،‬‬ ‫لكنها مل تنسب إىل أرباب السري‪ ،‬وال يمكن أن يقدّ م هذا القول عىل ما نقل عن‬ ‫الواقدي والط ري وابن األثري‪.‬‬ ‫أضف إىل هذا أنه وردت رواية يف املسند ربام يستفاد منها تأخر وفاته عن‬ ‫ما ذكروه‪:‬‬ ‫عن سالم أيب عيسى‪ ،‬قال‪ :‬ثنا صفوان بن املعطل قال‪ :‬خرجنا ح ّجاج ًا‪،‬‬ ‫فلام كنا بالعرج إذا نحن بحية تضطرب‪ ،‬فلم تلبث أن ماتت‪ ،‬فأخرج هلا رجل‬ ‫خرقة من عيبته‪ ،‬فل ّفها فيها ودفنها‪ ،‬وخدّ هلا يف األرض‪ ،‬فلام أتينا مكة فإنا‬ ‫(‪ )4‬الكامل يف التاريخ ‪.11/1‬‬ ‫(‪ )7‬تاريخ اإلسالم ‪.714/1‬‬ ‫(‪ )1‬اإلصابة ‪. 118/1‬‬


‫‪ .......................................... 041‬براءة نساء األنبياء من الزنا‪ :‬بني التحقيق والتلفيق‬

‫لباملسجد احلرام إذ وقف علينا شخص‪ ،‬فقال‪ :‬أيكم صاحب عمرو بن جابر؟‬ ‫قلنا‪ :‬ما نعرفه‪ .‬قال‪ :‬أيكم صاحب اجلان؟ قالوا‪ :‬هذا‪ .‬قال‪ :‬أما إنه جزاك اهلل‬ ‫خري ًا‪ ،‬أما إنه قد كان من آخر التسعة موت ًا الذين أتوا رسول اهلل ﷺ يستمعون‬ ‫القرآن(‪.)4‬‬ ‫ووجه االستدالل هبذه الرواية أن الراوي عن صفوان وهو سالم أيب‬ ‫عيسى ال يمكن أن يروي عنه إذا كان قد تويف يف سنة ثامين عرشة للهجرة‪.‬‬ ‫وقد تفطن ابن حجر هلذا اإلشكال‪ ،‬فحاول ر ّده بخلق شخصية جديدة‬ ‫اسمها صفوان بن املعطل‪ ،‬فقال‪ :‬قلت‪ :‬وهذا إن كان حمفوظ ًا فهو رجل آخر‬ ‫وافق اسمه صفوان بن املعطل واسم أبيه؛ ألن من يستشهد يف خالفة عمر ال‬ ‫يلحقه سالم أبو عيسى حتى حيدثه‪ ،‬ثم رأيت يف سنة قتله خالف ًا‪ ،‬وأنه عاش إىل‬ ‫خالفة معاوية‪ ،‬فاستشهد بالروم سنة ثامن ومخسني أو سنة ستني‪ ،‬فعىل هذا‬ ‫فسام مجيع من تقدّ م ذكره عنه ممكن‪ ،‬لكن يعكر عليه قول عائشة‪« :‬إنه قتل‬ ‫شهيد ًا»‪ ،‬فإن ذلك يقتيض تقدم موته عليها‪ ،‬وهي مل تبق إىل العرص املذكور(‪.)7‬‬ ‫وعليه فال يمكن اعتامد القول باستشهاد صفوان يف السنة التاسعة عرشة‪،‬‬ ‫فالقول الصحيح هو تأخر موته إىل الستني‪ ،‬وكفى هبذا موهن ًا لرواية اإلفك‪.‬‬ ‫الوقفة اخلامسة عرشة‪ :‬من األمور التي اختلف فيها أهل السنة اختالف ًا‬ ‫ رئة لعائشة‬ ‫شديد ًا هو ما حصل ألصحاب اإلفك بعد نزول اآليات القرآنية امل ّ‬ ‫كام ورد عندهم‪ ،‬فبعضهم قال‪ :‬إن النبي ݕ عفى عنهم‪ ،‬وبعض آخر قال‪ :‬إن‬ ‫رسول اهلل ݕ أقام عليهم احلد‪ ،‬ثم اختلف هؤالء أيض ًا يف من أقيم عليه احلد!‬ ‫(‪ )4‬مسند أمحد ‪.147/1‬‬ ‫(‪ )7‬تعجيل املنفعة‪.481 :‬‬


‫وقفات مع حديث اإلفك برواية عائشة ‪040.....................................................‬‬

‫أما نفي إقامة احلد فقد تبناه املاوردي كام نقله عنه القرطبي يف تفسريه‪،‬‬ ‫فقال‪ :‬اختلفوا هل حدّ النبي ﷺ أصحاب اإلفك؟ عىل قولني‪ :‬أحدمها أنه مل حيد‬ ‫أحد ًا من أصحاب اإلفك؛ ألن احلدود إنام تقام بإقرار أو بب ّينة‪ ،‬ومل يتعبده اهلل أن‬ ‫يقيمها بإخباره عنها‪ ،‬كام مل يتعبده بقتل املنافقني‪ ،‬وقد أخ ره بكفرهم(‪.)4‬‬ ‫وجزم الواقدي هبذا الرأي‪ ،‬فقال يف مغازيه‪ :‬ويقال‪ :‬إن رسول اهلل ﷺ مل‬ ‫يرضهبم‪ ،‬وهو أثبت عندنا(‪.)7‬‬ ‫عل ًام أن الروايات املخرجة يف الصحيحني خالية عن ذكر إقامة احلد عىل‬ ‫أصحاب اإلفك‪ ،‬وهبذا استدل بعضهم لنفيه‪.‬‬ ‫أما املثبتون فقد استدلوا ببعض الروايات الواردة يف كتب احلديث‪،‬‬ ‫كالذي أخرجه أبو داود‪ :‬عن عائشة‪ ،‬قالت‪ :‬ملا نزل عذري قام النبي ﷺ عىل‬ ‫املن ر‪ ،‬فذكر ذاك‪ ،‬وتال ‪ -‬تعني القرآن‪ ،‬فلام نزل من املن ر أمر بالرجلني واملرأة‬ ‫فرضبوا حدهم(‪.)1‬‬ ‫و أخرج هذه الرواية أيض ًا بقية األربعة يف سننهم(‪.)1‬‬ ‫وألجل ذلك أثبت كثري من علامء املخالفني إقامة احلد عىل من قذفوا‬ ‫عائشة‪ ،‬ولكن اختلفوا يف من أقيم عليه احلد!‬ ‫فقال بعضهم‪ :‬إن احلد أقيم عىل األربعة‪ ،‬أي حسان بن ثابت‪ ،‬ومسطح بن‬ ‫أثاثة‪ ،‬وعبد اهلل بن أيب‪ ،‬ومحنة بنت جحش‪ ،‬كام روى ابن اجلوزي يف تفسريه‪،‬‬ ‫(‪ )4‬تفسري القرطبي ‪.744/47‬‬ ‫(‪ )7‬املغازي‪.111 :‬‬ ‫(‪ )1‬سنن أيب داود ‪.118/7‬‬ ‫(‪ )1‬سنن ابن ماجة ‪ .811/7‬سنن الرتمذي ‪ .41/1‬سنن النسائي ‪.171/1‬‬


‫‪ .......................................... 041‬براءة نساء األنبياء من الزنا‪ :‬بني التحقيق والتلفيق‬

‫فقال‪ :‬وروى أبو صالح عن ابن عباس أن رسول اهلل [ﷺ] جلد عبد اهلل بن أيب‪،‬‬ ‫ومسطح بن أثاثة‪ ،‬وحسان بن ثابت‪ ،‬ومحنة‪ ،‬فأما الثالثة فتابوا‪ ،‬وأما عبد اهلل‬ ‫فامت منافق ًا(‪.)4‬‬ ‫وقال بعضهم‪ :‬إن احلد أقيم عىل ثالثة‪ :‬حسان بن ثابت‪ ،‬ومسطح بن‬ ‫أثاثة‪ ،‬ومحنة بنت جحش‪ ،‬لكن نفوه عن ابن أيب بن سلول‪ ،‬ولذلك قال‬ ‫القرطبي‪ :‬قلت‪ :‬املشهور من األخبار واملعروف عند العلامء أن الذي حدّ ‪:‬‬ ‫حسان‪ ،‬ومسطح‪ ،‬ومحنة‪ ،‬ومل يسمع بحدّ لعبد اهلل بن أيب(‪.)7‬‬ ‫وأنكر بعضهم إقامة احلد عىل حسان‪ ،‬بل أنكروا خوضه يف اإلفك أص ً‬ ‫ال‪،‬‬ ‫كام نقل ذلك ابن عبد ال ر‪ ،‬فقال‪ :‬أمر النبي ﷺ بالذين رموا عائشة باإلفك حني‬ ‫الس َري والعلم‬ ‫نزل القرآن ب راءتا‪ ،‬فجلدوا احلد ثامنني فيام ذكر مجاعة من أهل ّ‬ ‫باخل ر‪ ،‬وقال قوم‪ :‬إن حسان بن ثابت مل جيلد معهم‪ ،‬وال يصح عنه أنه خاض‬ ‫يف اإلفك والقذف‪ ،‬ويزعمون أنه القائل‪:‬‬ ‫ذاق عبد اهلل ما َ‬ ‫لقد َ‬ ‫كان أه َله‬ ‫‪.‬‬

‫ومحنة إذا قالوا هجري ًا ومسطح‬

‫(‪)1‬‬

‫كام أنكر بعضهم إقامة احلد عىل مسطح بن أثاثة‪ ،‬وأثبته للثالثة‪ :‬حسان بن‬ ‫‪.‬‬

‫ثابت‪ ،‬وعبد اهلل بن أيب‪ ،‬ومحنة بنت جحش‪ ،‬ومنهم القشريي الذي قال‪ :‬والذي‬ ‫ثبت يف األخبار أنه رضب ابن أيب‪ ،‬ورضب حسان ومحنة‪ ،‬وأما مسطح فلم‬ ‫يثبت عنه قذف رصيح‪ ،‬ولكنه كان يسمع ويشيع من غري ترصيح(‪.)1‬‬ ‫(‪ )4‬زاد املسري ‪.111/1‬‬ ‫(‪ )7‬تفسري القرطبي ‪.744/47‬‬ ‫(‪ )1‬االستيعاب ‪.4881/1‬‬ ‫(‪ )1‬تفسري القرطبي ‪.744/47‬‬


‫وقفات مع حديث اإلفك برواية عائشة ‪041.....................................................‬‬

‫وبعد كل هذا اخلالف يف حد القذف حيق لنا أن نتساءل‪ :‬هل خفي إقامة‬ ‫احلد عىل الناس حتى اختلفوا فيه كل هذا اخلالف؟‬ ‫هل اهتموا بنقل قصة رجم ماعز‪ ،‬وحد الغامدية‪ ،‬واملخزومية‪ ،‬ومل ينقلوا‬ ‫حد بعض آخر من الصحابة‪ ،‬الذين قذفوا زوجة نبيهم يف حادثة فريدة أثارت‬ ‫الرأي العام‪ ،‬وكانت حديث الساعة طيلة شهر أو أكثر؟!‬ ‫بعدما درسنا حادثة اإلفك‪ ،‬ووقفنا عدة وقفات مع فقراتا‪ ،‬مل يبق لنا إال‬ ‫ودونتها‬ ‫أن نحكم بأن هذه القصة خمتلقة مكذوبة‪ ،‬حاكتها بعض العقول‪ّ ،‬‬ ‫األقالم املأجورة يف كتب املسلمني‪ ،‬فصارت عند املخالفني من مس ّلامت الدين‪.‬‬ ‫وقد يقول املخالف‪ :‬إن علامء السنة قد ردوا عىل هذه اإلشكاالت كلها‪،‬‬ ‫فنجيبه بأن نفس اجتام هذا العدد الكبري من اإلشكاالت يف رواية واحدة‬ ‫باعرتاف املخالفني هو أك ر دليل عىل صحة ما ذكرناه‪ ،‬خصوص ًا أهنم التجؤوا‬ ‫يف ردودهم إىل االحتامالت واالستحسانات وإحياء املوتى وخلق شخصيات‬ ‫من عدم!‬ ‫وبعد هذا البيان يبقى سؤال مهم جيول يف خلد القارئ الكريم‪ ،‬وهو أنه‬ ‫إذا مل تكن عائشة هي املقذوفة يف قصة اإلفك فمن هي زوجة النبي ݕ التي‬ ‫ُاتمت بالزنا؟‬ ‫ويف من نزلت اآليات العرش من سورة النور؟‬ ‫وما هي الدواعي وراء قذف هذه املرأة ال ريئة؟‬ ‫هذا ما سنكشف عنه النقاب يف البحوث اآلتية‪.‬‬



‫لتيصة لحليقيقة حلادثة لإلفك‬ ‫روى أهل السنة والشيعة بأسانيد صحيحة وطرق مستفيضة أن مارية‬ ‫ونصت روايات الشيعة عىل أن آيات‬ ‫القبطية ݣ قد قذفها بعض الصحابة‪ّ ،‬‬ ‫سورة النور قد نزلت فيها‪ ،‬ومل تنزل يف عائشة!‬ ‫ولذلك قال عيل بن إبراهيم القمي يف تفسريه‪ :‬فإن العامة رووا أهنا نزلت‬ ‫يف عائشة‪ ،‬وما رميت به يف غزوة بني املصطلق من خزاعة‪ ،‬وأما اخلاصة فإهنم‬ ‫رووا أهنا نزلت يف مارية القبطية(‪.)4‬‬ ‫وقال الشيخ املفيد ݞ يف كتاب أ ّلفه لتبيان هذه احلادثة‪ :‬واحلديث‬ ‫مشهور‪ ،‬وتفصيله عند أهل العلم مذكور‪ .‬فقال السائل‪ :‬هذا اخل ر عندكم‬ ‫ثابت‪ ،‬صحيح؟ قلت‪ :‬أجل‪ ،‬هو خ ر مس ّلم‪ ،‬يصطلح عىل ثبوته اجلميع(‪.)7‬‬ ‫وسنذكر إن شاء اهلل يف ما يأيت طرق احلديث عند أهل السنة والشيعة‪.‬‬ ‫رالية قذف مارية عند أهل لتسنة‪:‬‬ ‫أما أهل السنة فقد تش ّبثوا برواية عائشة رغم ما فيها من اإلشكاالت‪،‬‬ ‫وغضوا أبصارهم عن الروايات املوجودة يف كتبهم التي تؤ ّكد أن املقذوفة هي‬ ‫مارية القبطية!‬ ‫فقد روى مسلم يف صحيحه‪ :‬عن أنس أن رج ً‬ ‫ال كان ي ّتهم بأم ولد رسول‬ ‫عيل فإذا هو يف‬ ‫اهلل ﷺ‪ ،‬فقال رسول اهلل ﷺ ل َعيل‪ :‬اذهب فارضب عنقه‪ .‬فأتاه ٌ‬ ‫(‪ )4‬تفسري القمي ‪.11/7‬‬ ‫(‪ )7‬رسالة حول خ ر مارية‪.48 :‬‬


‫‪ .......................................... 044‬براءة نساء األنبياء من الزنا‪ :‬بني التحقيق والتلفيق‬ ‫(‪)4‬‬ ‫ رد فيها‪ ،‬فقال له عيل‪ :‬اخرج‪ .‬فناوله يده فأخرجه فإذا هو جمبوب‬ ‫ركى يت ّ‬

‫عيل عنه‪ ،‬ثم أتى النبي ﷺ فقال‪ :‬يا رسول اهلل إنه ملجبوب‪،‬‬ ‫ليس له َذ َكر‪،‬‬ ‫ّ‬ ‫فكف ٌ‬ ‫ما له َذ َكر(‪.)7‬‬

‫والرواية رصحية يف أن املقذوفة ليست عائشة‪ ،‬بل هي أم ولد لرسول اهلل‬ ‫ݕ‪ ،‬واملعروف أن الوحيدة التي أنجبت ولد ًا لرسول اهلل ݕ بعد خدجية بنت‬ ‫خويلد هي مارية القبطية‪.‬‬ ‫تبني لنا تفاصيل هذه الواقعة وحيثياتا‪ ،‬وفيها‬ ‫وقد وردت أخبار أخر ّ‬ ‫ترصيح باسم مارية‪.‬‬ ‫منها‪ :‬ما رواه الط راين يف األوسط‪ :‬عن أنس بن مالك قال‪ :‬كانت رسية‬ ‫النبي ﷺ أم إبراهيم يف مرشبة هلا‪ ،‬وكان قبطي يأوي إليها‪ ،‬ويأتيها باملاء‬ ‫واحلطب‪ ،‬فقال الناس يف ذلك‪ :‬علج يدخل عىل علجة‪ .‬فبلغ ذلك النبي ﷺ‪،‬‬ ‫فأرسل عيل بن أيب طالب‪ ،‬فأمره بقتله‪ ،‬فانطلق فوجده عىل نخلة‪ ،‬فلام رأى‬ ‫القبطي السيف مع عيل وقع‪ ،‬فألقى الكساء الذي كان عليه‪ ،‬واقتحم‪ ،‬فإذا هو‬ ‫جمبوب‪ ،‬فرجع عيل إىل النبي ﷺ‪ ،‬فقال‪ :‬يا رسول اهلل أرأيت إذا أمرت أحدنا‬ ‫بأمر ثم رأى غري ذلك‪ ،‬أيراجعك؟ قال‪ :‬نعم‪ .‬فأخ ره بام رأى من القبطي‪ ،‬قال‪:‬‬ ‫فولدت أم إبراهيم إبراهيم‪ ،‬فكان النبي ﷺ منه يف شك حتى جاءه ج ريل ݠ‪،‬‬ ‫ّ‬ ‫فاطمأن إىل ذلك(‪.)1‬‬ ‫فقال‪ :‬السالم عليك يا أبا إبراهيم‪.‬‬ ‫وروى اهليثمي يف جممعه‪ :‬عن عيل بن أيب طالب قال‪ :‬كثر عىل مارية أم‬ ‫إبراهيم يف قبطي ابن عم هلا كان يزورها وخيتلف إليها‪ ،‬فقال يل رسول اهلل ﷺ‪:‬‬ ‫(‪ )4‬الركية‪ :‬هي البئر‪ ،‬ومجعه ركى وركايا‪.‬‬ ‫(‪ )7‬صحيح مسلم ‪.441/8‬‬ ‫(‪ )1‬املعجم األوسط ‪.14/1‬‬


‫القصة احلقيقية حلادثة اإلفك ‪046................................................................‬‬

‫خذ هذا السيف فانطلق‪ ،‬فإن وجدته عندها فاقتله‪ .‬قال‪ :‬قلت‪ :‬يا رسول اهلل‬ ‫أكون يف أمرك إذا أرسلتني كالسكة املحامة‪ ،‬ال يثنيني يشء حتى أميض ملا أمرتني‬ ‫به‪ ،‬أم الشاهد يرى ما ال يرى الغائب؟ قال‪ :‬بل الشاهد يرى ما ال يرى الغائب‪.‬‬ ‫ّ‬ ‫متوشح ًا السيف‪ ،‬فوجدته عندها‪ ،‬فاخرتطت السيف‪ ،‬فلام رآين أقبلت‬ ‫فأقبلت‬ ‫نحوه عرف أين أريده‪ ،‬فأتى نخلة فرقى‪ ،‬ثم رمى بنفسه عىل قفاه‪ ،‬ثم شغر‬ ‫برجله فإذا هو أجب أمسح‪ ،‬ما له قليل وال كثري‪ ،‬فغمدت السيف‪ ،‬ثم أتيت‬ ‫رسول اهلل ﷺ فأخ رته‪ ،‬فقال‪ :‬احلمد هلل الذي يرصف عنا أهل البيت(‪.)4‬‬ ‫وهنا تأيت األسئلة تباع ًا‪:‬‬ ‫من الذي قذف مارية؟‬ ‫ترصح باسم القاذف؟‬ ‫وهل وردت أخبار من طرق أهل السنة ّ‬ ‫وملاذا قذفت مارية دون غريها من نساء النبي ݕ؟‬ ‫ثم لو س ّلمنا باحلادثة فهل هناك دليل عىل أن مارية القبطية هي املعنية‬ ‫بآيات اإلفك؟‬ ‫كل هذه األسئلة أجوبتها يف رواية أخرجها احلاكم النيسابوري يف‬ ‫مستدركه حيث روى‪ :‬عن عائشة ݣ قالت‪ :‬أهديت مارية إىل رسول اهلل ﷺ‬ ‫ومعها ابن عم هلا‪ ،‬قالت‪ :‬فوقع عليها وقعة‪ ،‬فاستمرت حام ً‬ ‫ال‪ ،‬قالت‪ :‬فعزهلا‬ ‫عند ابن عمها‪ .‬قالت‪ :‬فقال أهل اإلفك والزور‪ :‬من حاجته إىل الولد ا ّدعى ولد‬ ‫غريه‪ .‬وكانت أمة قليلة اللبن‪ ،‬فابتاعت له ضائنة لبون‪ ،‬فكان يغذى بلبنها‪،‬‬ ‫عيل النبي ﷺ ذات يوم‪ ،‬فقال‪:‬‬ ‫فحسن عليه حلمه‪ .‬قالت عائشة ݣ‪ :‬فدخل به ّ‬

‫كيف ترين؟ فقلت‪ :‬من غذى بلحم الضأن حيسن حلمه‪ .‬قال‪ :‬وال ّ‬ ‫الش َبه؟‬ ‫(‪ )4‬جممع الزوائد ‪.171/1‬‬


‫‪ .......................................... 048‬براءة نساء األنبياء من الزنا‪ :‬بني التحقيق والتلفيق‬

‫قالت‪ :‬فحملني ما حيمل النساء من الغرية أن قلت‪ :‬ما أرى شبه ًا‪ .‬قالت‪ :‬وبلغ‬ ‫رسول اهلل ﷺ ما يقول الناس‪ ،‬فقال لعيل‪ :‬خذ هذا السيف فانطلق‪ ،‬فارضب‬ ‫عنق ابن عم مارية حيث وجدته‪ .‬قالت‪ :‬فانطلق فإذا هو يف حائط عىل نخلة‬ ‫خيرتف رطب ًا‪ ،‬قال‪ :‬فلام نظر إىل عيل ومعه السيف استقبلته رعدة‪ ،‬قال‪ :‬فسقطت‬ ‫عز وجل له ما للرجال يشء ممسوح(‪.)4‬‬ ‫اخلرقة‪ ،‬فإذا هو مل خيلق اهلل ّ‬ ‫وقد أجابت هذه الرواية عىل كل األسئلة السابقة‪ ،‬فالذي رمى أم ابراهيم‬ ‫جمموعة من الناس نعتتهم عائشة بأهنم أهل إفك وزور‪ ،‬وهذه التسمية مشعرة‬ ‫بأن هذه احلادثة هي السبب يف نزول اآليات القرآنية!‬ ‫ثم إن نفي الشبه من عائشة بني إبراهيم وبني رسول اهلل ݕ كان تأييد ًا‬ ‫لقول املنافقني ‪ -‬وإن كان منشؤه الغرية ‪ -‬فلذلك أراد رسول اهلل ݕ أن يقطع‬ ‫دابر الفتنة‪ ،‬ويبني للناس حقيقة األمر‪.‬‬ ‫وقد حاول بعض علامء أهل السنة الطعن يف هذا اخل ر ملا حيمله من‬ ‫مضامني خطرية ختالف ما يذهبون إليه‪ ،‬ومنهم األلباين الذي تصدّ ى هلذا األمر‪،‬‬ ‫فقال يف سلسلته الضعيفة‪ :‬قلت‪ :‬وللحديث أصل صحيح‪ ،‬زاد عليه ابن األرقم‬ ‫يتعمد الكذب‬ ‫هذا زيادات منكرة‪ ،‬تدل عىل أنه س ّيئ احلفظ جدا ا‪ ،‬أو أنه‬ ‫ّ‬ ‫والزيادة هلوى يف نفسه‪ ،‬ثم حيتج هبا أهل األهواء! فأنا أسوق لك النص‬ ‫ليتبني لك تلك الزيادات املنكرة‪ ،‬فروى ثابت عن أنس‪ :‬أن‬ ‫الصحيح للحديث؛ ّ‬ ‫رج ً‬ ‫ال كان ي ّتهم بأم ولد رسول اهلل ﷺ‪ ،‬فقال رسول اهلل ﷺ لعيل‪ :‬اذهب‬ ‫ رد فيها‪ ،‬فقال له عيل‪ :‬اخرج‪ .‬فناوله‬ ‫فارضب عنقه‪ .‬فأتاه عيل فإذا هو يف ركي يت ّ‬ ‫عيل عنه‪ ،‬ثم أتى النبي ﷺ‬ ‫يده‪ ،‬فأخرجه‪ ،‬فإذا هو حمبوب ليس له َذ َكر‪،‬‬ ‫ّ‬ ‫فكف ٌ‬ ‫(‪ )4‬املعجم األوسط ‪.14/1‬‬


‫القصة احلقيقية حلادثة اإلفك ‪041................................................................‬‬

‫فقال‪ :‬يا رسول اهلل! إنه ملحبوب‪ ،‬ما له ذكر‪ .‬أخرجه مسلم (‪ ،)441/8‬واحلاكم‬ ‫(‪ ،)14-11/1‬وأمحد (‪ ،)784/1‬وابن عبد ال ر يف ترمجة مارية من االستيعاب‬ ‫(‪ ،)4147/1‬كلهم عن عفان‪ ،‬حدثنا محاد بن سلمة‪ ،‬أخ رنا ثابت‪ ...‬وقال‬ ‫احلاكم‪« :‬صحيح عىل رشط مسلم‪ ،‬ومل خيرجاه»! فوهم يف استدراكه عىل مسلم!‬ ‫وقال ابن عبد ال ر‪« :‬وروى األعمش هذا احلديث‪ ،‬فقال فيه‪ :‬قال عيل‪ :‬يا رسول‬ ‫اهلل! أكون كالسكة املحامة‪ ،‬أو الشاهد يرى ما ال يرى الغائب؟ فقال‪ :‬بل الشاهد‬ ‫يرى ما ال يرى الغائب‪ .‬قلت‪ :‬هذه الزيادة مل أقف عليها من رواية األعمش‪،‬‬ ‫وإنام من رواية غريه من حديث عيل نفسه‪ ،‬وقد مىض خترجيه يف الصحيحة برقم‬ ‫تفرد هبا ابن األرقم يف‬ ‫(‪ ،)4141‬وليس فيه أيض ًا تلك الزيادات املنكرة التي ّ‬ ‫هذا احلديث‪ .‬وأشدها نكارة ما ذكره عن عائشة أهنا قالت‪ :‬ما أرى ش َب َه ًا(‪.)4‬‬ ‫وال ندري هل غفل األلباين أو تغافل عن أن هذه الزيادة مل ينفرد هبا‬ ‫سليامن بن األرقم األنصاري كي تكون من مناكريه‪ ،‬بل توبع عليها!‬ ‫فقد روى ابن أيب عاصم‪ :‬عن حممد بن حييى الباهيل‪ ،‬نا يعقوب بن حممد‬ ‫سامه‪ ،‬عن الليث بن سعد‪ ،‬عن الزهري‪ ،‬عن عروة‪ ،‬عن عائشة ريض‬ ‫عن رجل ّ‬ ‫اهلل تعاىل عنها‪ ،‬قالت‪ :‬أهدى ملك من بطارقة الروم يقال له املقوقس جارية‬ ‫تسمى مارية‪ ،‬وأهدى إليه معها ابن عم هلا شا ابا‪ ،‬فدخل‬ ‫قبطية من بنات امللوك ّ‬ ‫رسول اهلل ﷺ منها ذات مدخل خلوة فأصاهبا‪ ،‬فحملت إبراهيم‪ .‬قالت عائشة‬ ‫ريض اهلل تعاىل عنها‪ :‬فلام استبان محلها جزعت من ذلك‪ ،‬فسكت رسول اهلل ﷺ‬ ‫حتى ولدت‪ ،‬فلم يكن ألمه لبن‪ ،‬فاشرتى له ضائنة لبون ًا‪ ،‬فغذي منها الصبي‪،‬‬ ‫فصلح عليه جسمه‪ ،‬وحسن حلمه‪ ،‬وصفا لونه‪ ،‬فجاء به ذات يوم حيمله عىل‬ ‫(‪ )4‬سلسلة األحاديث الضعيفة ‪.144/44‬‬


‫‪ .......................................... 061‬براءة نساء األنبياء من الزنا‪ :‬بني التحقيق والتلفيق‬

‫عنقه‪ ،‬فقال‪ :‬يا عائشة كيف ترين الشبه؟ فقالت وأنا غريى‪ :‬ما أرى شبه ًا‪.‬‬ ‫فقال‪ :‬وال اللحم؟ فقلت‪ :‬لعمري فمن يغذى بألبان الضأن ليحسن حلمه(‪.)4‬‬ ‫ويف طبقات ابن سعد‪ :‬أخ رنا حممد بن عمر قال‪ :‬حدثني حممد بن‬ ‫عبد اهلل‪ ،‬عن الزهري‪ ،‬عن عروة‪ ،‬عن عائشة‪ ،‬قالت‪ :‬ملا ولد إبراهيم جاء به‬ ‫رسول اهلل ﷺ إ ّيل‪ ،‬فقال‪ :‬انظري إىل شبهه يب‪ .‬فقلت‪ :‬ما أرى شبه ًا‪ .‬فقال رسول‬ ‫أبيض‬ ‫اهلل ﷺ‪ :‬أال ترين إىل بياضه وحلمه؟ فقلت‪ :‬إنه من قرص عليه اللقاح ّ‬ ‫وسمن(‪.)7‬‬ ‫أضف إىل هذا أن السيوطي نقل هذا اخل ر عن غري عائشة كام يف الدر‬ ‫املنثور‪ ،‬قال‪ :‬أخرج ابن مردويه عن أنس أن النبي ﷺ أنزل أم إبراهيم منزل أيب‬ ‫أيوب‪ ،‬قالت عائشة ݣ‪ :‬فدخل النبي ﷺ بيتها يوم ًا فوجد خلوة‪ ،‬فأصاهبا‪،‬‬ ‫فحملت بإبراهيم‪ ،‬قالت عائشة‪ :‬فلام استبان محلها فزعت من ذلك‪ ،‬فمكث‬ ‫رسول اهلل ﷺ حتى ولدت‪ ،‬فلم يكن ألمه لبن‪ ،‬فاشرتى له ضائنة يغذى منها‬ ‫الصبي‪ ،‬فصلح عليه جسمه‪ ،‬وحسن حلمه‪ ،‬وصفا لونه‪ ،‬فجاء به يوم ًا حيمله عىل‬ ‫عنقه‪ ،‬فقال‪ :‬يا عائشة كيف تري ّ‬ ‫الش َبه؟ فقلت‪ :‬أنا غريي(‪ )1‬ما أدري شبه ًا‪.‬‬ ‫فقال‪ :‬وال باللحم؟ فقلت‪ :‬لعمري ملن تغذى بألبان الضأن ليحسن حلمه‪ .‬قال‪:‬‬ ‫رس إليها‬ ‫فجزعت عائشة ݣ وحفصة من ذلك‪ ،‬فعاتبته حفصة‪ّ ،‬‬ ‫فحرمها‪ ،‬وأ ّ‬

‫رسا‪ ،‬فأفشته إىل عائشة ݣ‪ ،‬فنزلت آية التحريم‪ ،‬فأعتق رسول اهلل ﷺ رقبة(‪.)1‬‬ ‫ا‬

‫فهذان طريقان ال يوجد هبام سليامن بن األرقم األنصاري‪ ،‬وطريق آخر‬ ‫(‪ )4‬اآلحاد واملثاين‪.541 :‬‬ ‫(‪ )7‬الطبقات الك رى ‪.411/4‬‬ ‫(‪ )1‬كذا يف املصدر‪ ،‬والصحيح كام مر‪ :‬فقلت وأنا غَ َريى‪ :‬ما أرى شبه ًا‪.‬‬ ‫(‪ )1‬الدر املنثور ‪.714/5‬‬


‫القصة احلقيقية حلادثة اإلفك ‪060................................................................‬‬

‫مروي عن غري عائشة‪ ،‬فال ع رة بتضعيف األلباين هلذه الزيادة؛ ألهنا ليست مما‬ ‫تفرد هبا هذا الراوي‪ ،‬ثم كالم األلباين ومن سبقوه مشعر بأن تضعيفهم له ناتج‬ ‫ّ‬ ‫عن س رهم ملروياته وتقييمهم هلا‪ ،‬ال عن تقييمهم لشخصه‪ ،‬ولذلك مل يصفوه‬ ‫بالكذب أو بالوضع‪ ،‬وإنام جرحوه بقوهلم‪« :‬مرتوك احلديث»‪ ،‬وهذا ظاهر يف‬ ‫أنه من جهة مضمون حديثه‪ ،‬ال من جهة صدقه ونقله‪.‬‬ ‫وعليه‪ ،‬فضعف رواية سليامن بن األرقم ينج ر بالطريقني الذين‬ ‫أوردنامها‪ ،‬فيكون احلديث صحيح ًا‪ ،‬خصوص ًا أن هذه القصة هي حمل اتفاق‬ ‫بني الفريقني‪ ،‬فقد أخرجها الشيعة بعدة طرق عن أئمة اهلدى صلوات اهلل‬ ‫عليهم‪.‬‬ ‫عل ًام أنه توجد روايات أخرى ربام تعت ر كشواهد مؤ ّيدة ومعضدة هلذا‬ ‫اخل ر‪:‬‬ ‫منها‪ :‬ما رواه ابن سعد يف طبقاته‪ :‬عن عائشة قالت‪ :‬ما غرت عىل امرأة‬ ‫إال دون ما غرت عىل مارية‪ ،‬وذلك أهنا كانت مجيلة من النساء جعدة‪ ،‬وأعجب‬ ‫هبا رسول اهلل ﷺ‪ ،‬وكان أنزهلا أول ما قدم هبا يف بيت حلارثة بن النعامن‪ ،‬فكانت‬ ‫جارتنا‪ ،‬فكان رسول اهلل عامة النهار والليل عندها‪ ،‬حتى فرغنا هلا‪ ،‬فجزعت‪،‬‬ ‫فحوهلا إىل العالية‪ ،‬فكان خيتلف إليها هناك‪ ،‬فكان ذلك أشد علينا‪ ،‬ثم رزق اهلل‬ ‫ّ‬ ‫منها الولد وحرمنا منه(‪.)4‬‬ ‫وقال احللبي‪ :‬ويف سنة ثامن من اهلجرة أي من ذي احلجة ولدت له ﷺ‬ ‫مارية القبطية ريض اهلل تعاىل عنها ‪ -‬وكان ﷺ معجب ًا هبا؛ ألهنا كانت بيضاء‬ ‫وعق عنه ﷺ بكبشني يوم سابعه‪ ،‬وحلق رأسه‪ ،‬وتصدّ ق‬ ‫مجيلة ‪ -‬ولده إبراهيم‪ّ ،‬‬ ‫(‪ )4‬الطبقات الك رى ‪.747/8‬‬


‫‪ .......................................... 061‬براءة نساء األنبياء من الزنا‪ :‬بني التحقيق والتلفيق‬

‫بزنة شعره فضة عىل املساكني‪ ،‬وأمر بشعره فدفن يف األرض‪ ،‬أي وغارت نساؤه‬ ‫ﷺ ورىض عنهن من ذلك‪ ،‬وال كعائشة ريض اهلل تعاىل عنها حتى إنه ﷺ قال‬ ‫هلا‪ :‬انظري إىل شبهه‪ ،‬فقالت ما أرى شيئ ًا(‪.)4‬‬ ‫وروى ابن أيب عاصم‪ :‬عن الزهري عن أنس بن مالك ريض اهلل تعاىل‬ ‫عنه‪ ،‬قال‪ :‬ملا ولدت أم إبراهيم‪ ،‬كأنه وقع يف نفس النبي ﷺ من ذلك يشء‪،‬‬ ‫حتى جاءه ج ريل ݠ فقال‪ :‬السالم عليك يا أبا إبراهيم(‪.)7‬‬ ‫فكل هذه األخبار تتعاضد لتبني لنا احلقيقة كاملة‪ ،‬وهي أن مارية القبطية‬ ‫واتم النبي ݕ يف ولده إبراهيم!‬ ‫قد قذفت‪ُ ،‬‬ ‫نرجح كفة هذه الطائفة من الروايات‪ ،‬وبيانه أن‬ ‫كل هذه التفاصيل جتعلنا ّ‬ ‫أهل السنة قد اتفقوا أن عائشة قذفت‪ ،‬ومارية قذفت كذلك‪ ،‬والعقل حيكم بأن‬ ‫تدخل الوحي بحيث تنزل عرش آيات أو أكثر ال بد أن يكون يف القضية األخطر‬ ‫واألهم‪ ،‬ولعل قذف زوجة نبي من أنبياء اهلل يف غاية اخلطورة‪ ،‬لكن األخطر منه‬ ‫هو أن ينسب ابنه لغريه كام حصل يف إبراهيم ݠ‪ ،‬فهذا األخري هو قذف‬ ‫مر ّكب!‬ ‫ثم بمالحظة الروايات نجد أن الدافع لقذف مارية موجود‪ ،‬حيث ذكرت‬ ‫الروايات أنه الغرية منها ومن مجاهلا‪ ،‬إضافة إىل أن مارية كانت الوحيدة التي‬ ‫حتسس من مسألة خالفة‬ ‫أنجبت للنبي ݕ بعد خدجية‪ ،‬عل ًام أن قريش ًا كانت ّ‬ ‫الرسول األكرم ݕ‪ ،‬لذلك كان هناك ختوف من وجود ولد له‪.‬‬ ‫فالعقلية اجلاهلية مل تفهم النبوة حق فهمها‪ ،‬بل إهنم كانوا يعتقدون أهنا‬ ‫(‪ )4‬السرية احللبية ‪. 111/1‬‬ ‫(‪ )7‬اآلحاد و املثاين‪.541 :‬‬


‫القصة احلقيقية حلادثة اإلفك ‪061................................................................‬‬

‫ملك وحكم لكن بأسلوب جديد‪ ،‬ولذلك ارتكز يف أذهاهنم أن اخلليفة من‬ ‫يفّس فرح‬ ‫بعده سيكون أحد أبنائه‪ ،‬حاله حال امللوك السابقني‪ ،‬وهذا ما ّ‬ ‫مرشكي قريش بموت أوالده حتى نعتوه باألبرت كام يف سورة الكوثر‪.‬‬ ‫ألجل ذلك كانت أفضل طريقة للتخلص من االمتداد الطبيعي ملحمد‬ ‫ݕ املتم ّثل يف ابنه هو الطعن يف نسبه كام حصل مع مارية‪ ،‬ولذلك حسمت‬ ‫احلكمة اإلهلية خطة هؤالء بدليل ملموس‪ ،‬وهو إثبات أن املتهم جمبوب‪ ،‬مع‬ ‫فضح هؤالء بإنزال قرآن يتىل يكون شاهد ًا عىل ما اقرتفته أيدهيم إىل قيام‬ ‫الساعة‪.‬‬ ‫أما قصة عائشة فال يمكن أن تكون هي بنفسها سبب ًا لنزول عرش آيات‬ ‫من القرآن‪:‬‬ ‫أوالا‪ :‬ألن قصة عائشة مل ترو إال من قبل عائشة فقط‪ ،‬مما جيعلنا نشكك يف‬ ‫مصداقيتها‪ ،‬بخالف قصة مارية فإهنا رويت من قبل رواة متعددين غري مارية‪.‬‬ ‫ثاني اا‪ :‬اضطراب قصة عائشة واشتامهلا عىل خمالفات تارخيية كثرية ذكرناها‬ ‫فيام سبق متنع من تصديقها‪.‬‬ ‫وثالث اا‪ :‬أن الدافع التام عائشة بالزنا مفقود‪ ،‬فلم تذكر عائشة يف روايتها‬ ‫سبب ًا مقبوالً للطعن فيها‪ ،‬فكوهنا رجعت للمدينة مع صفوان عىل مجل ال يعني‬ ‫أهنا م ّتهمة بالزنا‪ ،‬وال يدل من قريب وال من بعيد عىل أهنا فعلت الفاحشة‪ ،‬فإن‬ ‫مثل هذه احلادثة لو حدثت يف جمتمعاتنا املعارصة ملا حصلت أي تمة للمرأة‪،‬‬ ‫وما أكثر ما تصعد النساء املصونات يف عرصنا يف سيارات يقودها رجال‬ ‫أجانب‪ ،‬فال يتهمن بيشء ما دامت املرأة مصونة‪ ،‬فض ً‬ ‫ال عام إذا كان الرجل أيض ًا‬ ‫صاحل ًا‪ ،‬فكيف يمكن أن نتعقل حصول االتام بالزنا لزوجة رسول اهلل ݕ من‬


‫‪ .......................................... 061‬براءة نساء األنبياء من الزنا‪ :‬بني التحقيق والتلفيق‬

‫قبل جمتمع (صالح) هو خري القرون كام يقول أهل السنة؟!‬ ‫إضافة إىل أن الذين اتموا عائشة ال مصلحة هلم يف األمر‪ ،‬بل هناك‬ ‫مفسدة كبرية‪ ،‬فمسطح بن أثاثة هو ربيب أيب بكر‪ ،‬ويف اتامه البنته قطع لرزقه‪،‬‬ ‫وحسان بن ثابت هو شاعر النبي ݕ‪ ،‬وله حظوة عنده‪ ،‬وبفعلته هذه سيفقد‬ ‫عمة‬ ‫هذه املكانة عند رسول اهلل ݕ‪ ،‬أما محنة فأمها أميمة بنت عبد املطلب ّ‬ ‫النبي ݕ‪ ،‬وأختها زينب بنت جحش زوجة رسول اهلل ݕ‪ ،‬ثم إن محنة كانت‬ ‫حتت طلحة الذي هو ابن عم عائشة!‬ ‫نرجح رواية قذف مارية املشهورة والصحيحة عند‬ ‫كل هذه األمور جتعلنا ّ‬ ‫أهل السنة والشيعة‪.‬‬ ‫رالية قذف مارية عند لتشقعة‪:‬‬ ‫استفاضت طرق رواية قذف مارية عند الشيعة‪ ،‬ورواها جمموعة من أئمة‬ ‫أهل البيت ݜ منهم‪:‬‬ ‫‪ -0‬أمري املؤمنني عيل بن أيب طالب ݠ‪ :‬كام رواه الرشيف املرتىض ݞ‬ ‫يف أماليه‪ .‬قال‪ :‬روى حممد بن احلنفية عن أبيه أمري املؤمنني ݠ قال‪ :‬كان قد‬ ‫كثر عىل مارية القبطية أم إبراهيم يف ابن عم هلا قبطي كان يزورها وخيتلف إليها‪،‬‬ ‫فقال يل النبي عليه الصالة والسالم‪ :‬خذ هذا السيف وانطلق به‪ ،‬فإن وجدته‬ ‫عندها فاقتله‪ .‬قلت‪ :‬يا رسول اهلل أكون يف أمرك كالسكة املحامة‪ ،‬أميض ملا‬ ‫أمرتني‪ ،‬أم الشاهد يرى ما ال يرى الغائب؟ فقال النبي عليه الصالة والسالم‪:‬‬ ‫بل الشاهد يرى ما ال يرى الغائب‪ .‬فأقبلت ّ‬ ‫متوشح ًا بالسيف‪ ،‬فوجدته عندها‪،‬‬ ‫فاخرتطت السيف‪ ،‬فلام أقبلت نحوه علم أين أريده‪ ،‬فأتى نخلة‪ ،‬فرقى إليها‪ ،‬ثم‬ ‫رمى بنفسه عىل قفاه‪ ،‬وشغر برجليه‪ ،‬فإذا إنه أجب أمسح‪ ،‬ما له مما للرجال‬


‫القصة احلقيقية حلادثة اإلفك ‪061................................................................‬‬

‫قليل وال كثري‪ ،‬فغمدت السيف‪ ،‬ورجعت إىل النبي ﷺ فأخ رته‪ ،‬فقال‪ :‬احلمد‬ ‫هلل الذي يرصف عنا أهل البيت(‪.)4‬‬ ‫وروى الشيخ الصدوق ݞ عن أمري املؤمنني ݠ قال‪ :‬نشدتكم باهلل هل‬ ‫علمتم أن عائشة قالت لرسول اهلل ݕ‪ :‬إن إبراهيم ليس منك‪ ،‬وإنه ابن فالن‬ ‫القبطي‪ .‬قال‪ :‬يا عيل اذهب فاقتله‪ .‬فقلت‪ :‬يا رسول اهلل إذا بعثتني أكون كاملسامر‬ ‫املحمى يف الوبر أو أتث ّبت؟ قال‪ :‬ال بل تث ّبت‪ .‬فذهبت‪ ،‬فلام نظر إ ّيل استند إىل‬ ‫حائط‪ ،‬فطرح نفسه فيه‪ ،‬فطرحت نفيس عىل أثره‪ ،‬فصعد عىل نخل وصعدت‬ ‫خلفه‪ ،‬فلام رآين قد صعدت رمى بإزاره‪ ،‬فإذا ليس له يشء مما يكون للرجال‪،‬‬ ‫فجئت فأخ رت رسول اهلل ݕ‪ ،‬فقال‪ :‬احلمد هلل الذي رصف عنا السوء أهل‬ ‫البيت؟ فقالوا‪ :‬اللهم ال‪ .‬فقال‪ :‬اللهم اشهد(‪.)7‬‬ ‫‪ -1‬اإلمام أبو جعفر حممد بن عيل الباقر ݠ‪ :‬فقد روى عيل بن إبراهيم‬ ‫القمي يف تفسريه‪ :‬عن زرارة‪ ،‬قال‪ :‬سمعت أبا جعفر ݠ يقول‪ :‬ملا هلك‬ ‫إبراهيم ابن رسول اهلل ݕ حزن عليه رسول اهلل ݕ حزن ًا شديد ًا‪ ،‬فقالت‬ ‫عايشة‪ :‬ما الذي حيزنك عليه‪ ،‬فام هو إال ابن جريح‪ .‬فبعث رسول اهلل ݕ عل ايا‬ ‫ݠ وأمره بقتله‪ ،‬فذهب عيل إليه ومعه السيف‪ ،‬وكان جريح القبطي يف حائط‪،‬‬ ‫فرضب عيل باب البستان‪ ،‬فأقبل إليه جريح ليفتح له الباب‪ ،‬فلام رأى عل ايا عرف‬ ‫عيل عىل احلائط‪ ،‬ونزل إىل‬ ‫يف وجهه ّ‬ ‫الرش‪ ،‬فأدبر راجع ًا ومل يفتح الباب‪ ،‬فوثب ٌ‬ ‫البستان واتبعه‪ ،‬ووىل جريح مدبر ًا‪ ،‬فلام خيش أن يرهقه صعد يف نخلة‪ ،‬وصعد‬

‫عيل يف أثره‪ ،‬فلام دنا منه رمى جريح بنفسه من فوق النخلة‪ ،‬فبدت عورته‪ ،‬فإذا‬ ‫ٌ‬

‫ليس له ما للرجال وال له ما للنساء‪ ،‬فانرصف عيل إىل النبي ݕ‪ ،‬فقال‪ :‬يا‬ ‫(‪ )4‬أمايل املرتىض ‪.11/4‬‬ ‫(‪ )7‬اخلصال‪.151 :‬‬


‫‪ .......................................... 064‬براءة نساء األنبياء من الزنا‪ :‬بني التحقيق والتلفيق‬

‫رسول اهلل إذا بعثتني يف األمر أكون فيه كاملسامر املحمى‪ ،‬أم أثبت؟ قال‪ :‬ال بل‬ ‫أثبت(‪ ،)4‬قال‪ :‬والذي بعثك باحلق ما له ما للرجال وما له ما للنساء‪ ،‬فقال‪:‬‬ ‫احلمد هلل الذي رصف عنا السوء أهل البيت(‪.)7‬‬ ‫وقد روى الشيخ الصدوق ݞ يف علله عن الباقر ݠ رواية أخرى(‪،)1‬‬ ‫وكذلك املريزا النوري الط ريس يف املستدرك(‪.)1‬‬ ‫‪ -1‬اإلمام جعفر بن حممد الصادق ݠ‪ :‬فقد روى القمي عن عبد اهلل بن‬ ‫بكري‪ ،‬قال‪ :‬قلت أليب عبد اهلل ݠ‪ :‬جعلت فداك كان رسول اهلل ݕ أمر بقتل‬ ‫القبطي‪ ،‬وقد علم أهنا قد كذبت عليه‪ ،‬أو مل يعلم‪ ،‬وإنام دفع اهلل عن القبطي‬ ‫القتل بتثبت عيل ݠ؟ فقال‪ :‬بىل‪ ،‬قد كان واهلل أعلم‪ ،‬ولو كانت عزيمة من‬ ‫رسول اهلل ݕ القتل ما رجع عيل ݠ حتى يقتله‪ ،‬ولكن إنام فعل رسول اهلل‬ ‫ݕ لرتجع عن ذنبها‪ ،‬فام رجعت وال اشتدّ عليها قتل رجل مسلم بكذهبا(‪.)1‬‬ ‫‪ -1‬اإلمام احلسن بن عيل العسكري ݠ‪ :‬وهو ما رواه الط ري الشيعي‬ ‫حيث قال‪ :‬وبلغ اخل ر الرضا عيل بن موسى ݠ‪ ،‬وما صنع بابنه حممد ݠ‪،‬‬ ‫فقال‪ :‬احلمد هلل‪ .‬ثم التفت إىل بعض َمن بحرضته من شيعته‪ ،‬فقال‪ :‬هل علمتم‬ ‫ما قد رميت به مارية القبطية‪ ،‬وما ا ُدعي عليها يف والدتا إبراهيم ابن رسول‬ ‫فخ رنا لنعلم‪ .‬قال‪ :‬إن مارية ملا أهديت إىل‬ ‫اهلل؟ قالوا‪ :‬ال يا سيدنا‪ ،‬أنت أعلم‪ّ ،‬‬ ‫قسمه ّن رسول اهلل عىل أصحابه‪،‬‬ ‫جدّ ي رسول اهلل ݕ‪ ،‬أهديت مع جو ٍار ّ‬ ‫(‪ )4‬كذا يف املصدر‪ ،‬ولعله‪« :‬أتث ّبت» كام ورد يف اخلصال وغريه‪.‬‬ ‫(‪ )7‬تفسري القمي ‪.444/7‬‬ ‫(‪ )1‬علل الرشائع ‪.184/7‬‬ ‫(‪ )1‬مستدرك الوسائل ‪.11/48‬‬ ‫(‪ )1‬تفسري القمي ‪.141/7‬‬


‫القصة احلقيقية حلادثة اإلفك ‪066................................................................‬‬ ‫(‪)4‬‬

‫وظ ّن‬

‫بامرية من دوهنن‪ ،‬وكان معها خادم يقال له (جريح) يؤ ّدهبا بآداب‬

‫امللوك‪ ،‬وأسلمت عىل يد رسول اهلل ݕ‪ ،‬وأسلم جريح معها‪ ،‬وحسن إيامهنام‬ ‫وإسالمهام‪ ،‬فملكت مارية قلب رسول اهلل ݕ‪ ،‬فحسدها بعض أزواج رسول‬ ‫اهلل ݕ‪ ،‬فأقبلت زوجتان من أزواج رسول اهلل إىل أبوهيام تشكوان رسول اهلل‬ ‫سولت هلام أنفسهام أن‬ ‫ݕ فعله وميله إىل مارية‪ ،‬وإيثاره إياها عليهام‪ ،‬حتى ّ‬ ‫يقوال‪« :‬إن مارية إنام محلت بإبراهيم من جريح»‪ ،‬وكانوا ال يظنون جرحي ًا خادم ًا‬ ‫زمن ًا‪ ،‬فأقبل أبوامها إىل رسول اهلل ݕ وهو جالس يف مسجده‪ ،‬فجلسا بني يديه‪،‬‬ ‫قاال‪ :‬يا رسول اهلل‪ ،‬ما حيل لنا وال يسعنا أن نكتمك ما ظهرنا عليه من خيانة‬ ‫واقعة بك‪ .‬قال‪ :‬وماذا تقوالن؟! قاال‪ :‬يا رسول اهلل‪ ،‬إن جرحي ًا يأيت من مارية‬ ‫الفاحشة العظمى‪ ،‬وإن َمحلها من جريح‪ ،‬وليس هو منك يا رسول اهلل‪ ،‬فأربدّ‬ ‫وتلون لعظم ما تلقياه به‪ ،‬ثم قال‪ :‬وحيكام ما تقوالن؟!‬ ‫وجه رسول اهلل ݕ‪ّ ،‬‬ ‫فقاال‪ :‬يا رسول اهلل‪ ،‬إننا خلفنا جرحي ًا ومارية يف مرشبة‪ ،‬وهو يفاكهها ويالعبها‪،‬‬ ‫ويروم منها ما تروم الرجال من النساء‪ ،‬فابعث إىل جريح فإنك جتده عىل هذه‬ ‫احلال‪ ،‬فانفذ فيه حكمك وحكم اهلل تعاىل‪ .‬فقال النبي ݕ‪ :‬يا أبا احلسن‪ ،‬خذ‬ ‫معك سيفك ذا الفقار‪ ،‬حتى متيض إىل مرشبة مارية‪ ،‬فإن صادفتها وجرحي ًا كام‬ ‫ومر‬ ‫يصفان فامخدمها رضب ًا‪ .‬فقام عيل واتشح بسيفه‪ ،‬وأخذه حتت ثوبه‪ ،‬فلام وىل ّ‬ ‫من بني يدي رسول اهلل أتى إليه راجع ًا‪ ،‬فقال له‪ :‬يا رسول اهلل‪ ،‬أكون فيام أمرتني‬ ‫كالسكة املحامة يف النار‪ ،‬أو الشاهد يرى ما ال يرى الغائب؟ فقال النبي ݕ‪:‬‬ ‫فديتك يا عيل‪ ،‬بل الشاهد يرى ما ال يرى الغائب‪ .‬قال‪ :‬فأقبل عيل ݠ وسيفه‬ ‫تسور من فوق مرشبة مارية‪ ،‬وهي جالسة وجريح معها‪ ،‬يؤ ّدهبا‬ ‫يف يده حتى ّ‬ ‫شح‪.‬‬ ‫(‪ )4‬كذا يف املصدر‪ ،‬ولعله‪« :‬ض ّن» بمعنى ّ‬


‫‪ .......................................... 068‬براءة نساء األنبياء من الزنا‪ :‬بني التحقيق والتلفيق‬

‫بآداب امللوك‪ ،‬ويقول هلا‪« :‬أعظمي رسول اهلل‪ ،‬وكنّيه وأكرميه»‪ ،‬ونحو من هذا‬ ‫الكالم‪ ،‬حتى نظر جريح إىل أمري املؤمنني وسيفه مشهر بيده‪ ،‬ففز منه جريح‪،‬‬ ‫وأتى إىل نخلة يف دار املرشبة فصعد إىل رأسها‪ ،‬فنزل أمري املؤمنني إىل املرشبة‪،‬‬ ‫وكشف الريح عن أثواب جريح‪ ،‬فانكشف ممسوح ًا‪ .‬فقال‪ :‬انزل يا جريح‪.‬‬ ‫فقال‪ :‬يا أمري املؤمنني‪ ،‬آمن عىل نفيس؟ قال‪ :‬آمن عىل نفسك‪ .‬قال‪ :‬فنزل جريح‪،‬‬ ‫وأخذ بيده أمري املؤمنني‪ ،‬وجاء به إىل رسول اهلل ݕ‪ ،‬فأوقفه بني يديه‪ ،‬وقال له‪:‬‬ ‫يا رسول اهلل‪ ،‬إن جرحي ًا خادم ممسوح‪ .‬فوىل النبي بوجهه إىل اجلدار‪ ،‬وقال‪ :‬حل‬ ‫هلام يا جريح‪ ،‬واكشف عن نفسك حتى يتبني كذهبام‪ ،‬وحيهام ما أجرأمها عىل اهلل‬ ‫وعىل رسوله‪ .‬فكشف جريح عن أثوابه‪ ،‬فإذا هو خادم ممسوح كام وصف‪،‬‬ ‫فسقطا بني يدي رسول اهلل‪ ،‬وقاال‪ :‬يا رسول اهلل‪ ،‬التوبة‪ ،‬استغفر لنا فلن نعود‪.‬‬ ‫فقال رسول اهلل ݕ‪ :‬ال تاب اهلل عليكام‪ ،‬فام ينفعكام استغفاري ومعكام هذه‬ ‫اجلرأة عىل اهلل وعىل رسوله؟! قاال‪ :‬يا رسول اهلل‪ ،‬فإن استغفرت لنا رجونا أن‬ ‫يغفر لنا ربنا‪ ،‬وأنزل اهلل اآلية التي فيها‪ :‬ݨﭗ ﭘݩ‪ ،‬قال الرضا عيل بن‬ ‫موسى ݠ‪ :‬احلمد هلل الذي جعل ّيف ويف ابني حممد أسوة برسول اهلل وابنه‬ ‫إبراهيم(‪.)4‬‬ ‫إذن فرواية قذف مارية رويت عند الشيعة اإلمامية بسبعة طرق‪ ،‬ورواها‬ ‫عند أهل السنة ثالثة من الصحابة‪ ،‬هم‪ :‬أنس‪ ،‬وعائشة‪ ،‬وأمري املؤمنني ݠ‪،‬‬ ‫فاخل ر حمل اتفاق عند الفريقني‪.‬‬ ‫إشكاالت حول خرب مارية‪:‬‬ ‫حاول بعضهم التشكيك يف صحة خ ر قذف مارية ݣ بطرح بعض‬ ‫(‪ )4‬دالئل اإلمامة‪.181 :‬‬


‫القصة احلقيقية حلادثة اإلفك ‪061................................................................‬‬

‫اإلشكاالت الواهية حول متنه‪ ،‬التي ال ترقي لتكون نقوض ًا تبطل هذه احلقيقة‬ ‫التارخيية‪ ،‬منها‪:‬‬ ‫‪ -0‬عدد القاذفني‪ :‬أن اهلل تعاىل ذكر يف آيات اإلفك أن الذين جاؤوا‬ ‫باإلفك عصبة‪ ،‬والعصبة هي اجلامعة‪ ،‬يف حني أن خ ر مارية مل يوضح لنا عدد‬ ‫يبني أهنم عصبة‪ ،‬بل يظهر من الروايات أن القاذفة ملارية واحدة أو‬ ‫القاذفني‪ ،‬ومل ّ‬ ‫اثنتان‪ ،‬وهذا خالف ظاهر اآليات الرشيفة‪.‬‬ ‫واجلواب‪ :‬أن روايات قذف مارية ذكرت بعض األسامء‪ ،‬ومل تذكرها‬ ‫كلها‪ ،‬وإثبات يشء ال ينفي ما سواه‪ ،‬فالع رة بام ورد يف كتاب اهلل من أن القاذفني‬ ‫تبني من هم هؤالء العصبة‪ ،‬وإنام ذكرت من‬ ‫هم عصبة‪ ،‬والروايات الشيعية مل ّ‬ ‫افتعل اإلفك فقط‪.‬‬ ‫مع أن العصبة الذين جاؤوا باإلفك يراد هبم من خاض يف اإلفك‪ ،‬ومن‬ ‫روج له وأذاعه بني الناس‪ ،‬وإال فإن كل األخبار إنام يفتعلها يف البداية شخص‬ ‫ّ‬ ‫واحد‪ ،‬ثم يقوم آخرون بإذاعتها ونرشها‪ ،‬فيكونون رشكاء فيها؛ ألن الوظيفة‬ ‫الرشعية يف أمثال هذه األمور هي كتامهنا وعدم إشاعتها‪ ،‬ومن أشاعها فهو‬ ‫صح إطالق العصبة عىل كل من خاض يف اإلفك وأذاعه‪.‬‬ ‫رشيك فيها‪ ،‬وهلذا ّ‬ ‫أما روايات أهل السنة فقد ذكرت فيها عبارات ظاهرة يف أن القاذفني‬ ‫كانوا مجاعة كبرية‪ ،‬كقول عائشة‪ :‬قال أهل اإلفك والزور من حاجته إىل الولد‬ ‫ا ّدعى ولد غريه‪ ،)4(...‬وكذا ما ورد يف رواية أنس‪ ،‬حيث قال‪ :‬فقال الناس يف‬ ‫ذلك‪ :‬علج يدخل عىل علجة‪.)7(...‬‬ ‫(‪ )4‬املستدرك عىل الصحيحني ‪.11/1‬‬ ‫(‪ )7‬املعجم األوسط ‪.81/1‬‬


‫‪ .......................................... 081‬براءة نساء األنبياء من الزنا‪ :‬بني التحقيق والتلفيق‬

‫ويمكن أن يراد بالعصبة معناها املجازي‪ ،‬فأطلق عىل الواحد؛ ألن ما‬ ‫فعله من إثارة اإلفك وإذاعته كأنه فعل عصبة‪ ،‬مثل قوله تعاىل‪ :‬ݨﯶ ﯷ ﯸ‬ ‫ﯹﯺﯻﯼﯽﯾﯿ ﰀﰁﰂﰃﰄﰅ‬

‫ﰆݩ [آل عمران‪ ،]411 :‬حيث أطلق الناس عىل واحد(‪.)4‬‬ ‫‪ -1‬األمر بقتل القبطي‪ :‬فإن النبي ݕ أمر أمري املؤمنني ݠ بقتل جريح‬ ‫القبطي‪ ،‬مع أن القبطي بريء مما قذف به من الزنا‪ ،‬وقتل ال ريء ال يصدر من‬ ‫رسول اهلل ݕ‪ ،‬وعليه فال يمكن التصديق هبذه الرواية‪.‬‬ ‫واجلواب‪ :‬أن النبي ݕ مل يأمر بقتل القبطي عىل كل حال كام زعم‬ ‫املشكل‪ ،‬وإنام أمر بالتثبت يف األمر‪ ،‬ليكون حجة دامغة عىل أهل اإلفك‪ ،‬وقد‬ ‫فهم أمري املؤمنني ݠ هذا املعنى‪ ،‬فقال‪ :‬يا رسول اهلل‪ ،‬أكون فيام أمرتني‬ ‫كالسكة املحامة يف النار‪ ،‬أو الشاهد يرى ما ال يرى الغائب؟ فقال النبي ݕ‪:‬‬ ‫فديتك يا عيل‪ ،‬بل الشاهد يرى ما ال يرى الغائب(‪.)7‬‬ ‫أي تث ّبت يف األمر‪ ،‬وال تقتل القبطي إال بسبب صحيح‪.‬‬ ‫فكالم الرسول األكرم ݕ األول ظاهر يف أنه أمر بقتل القبطي‪ ،‬لكن‬ ‫فهم أمري املؤمنني ݠ هو الفيصل هنا‪ ،‬خصوص ًا إذا اقرتن بتقرير النبي ݕ كام‬ ‫ذكرنا يف الرواية السابقة‪.‬‬ ‫وقد أحكم الشيخ املفيد ݞ اجلواب عىل هذا التساؤل بقوله‪ :‬إن أمر‬ ‫(‪ )4‬قال القرطبي يف تفسريه ‪ :711/1‬قوله تعاىل‪ :‬ݨ ﯶ ﯷ ﯸ ﯹݩ‪ ،‬فقال جماهد ومقاتل‬ ‫وعكرمة والكلبي‪ :‬هو نعيم بن مسعود األشجعي‪ .‬واللفظ عام‪ ،‬ومعناه خاص‪ ،‬كقوله‪ :‬ݨ ﭩ‬

‫ﭪﭫݩ [النساء‪ ،]11 :‬يعني حممد ًا ﷺ‪ .‬السدي‪ :‬هو أعرايب جع َل له جعل عىل ذلك‪.‬‬ ‫(‪ )7‬دالئل اإلمامة‪.181 :‬‬


‫القصة احلقيقية حلادثة اإلفك ‪080................................................................‬‬

‫احلكامء يف اإلطالق والتقييد‪ ،‬واإلمجال والتفصيل بحسب معرفة املأمور‪،‬‬ ‫وحكمته وذكائه واالختصار‪ ،‬فإن كان يف الوسط منه احتاج إىل تأكيد وزيادة‬ ‫بيان‪ ،‬وإن كان دون ذلك احتيج معه إىل الرشح والتفصيل واإلعادة للمقام‬ ‫والتكرار‪ ،‬حاالً بعد حال‪ ،‬وبحسب الثقة به يف الطاعة أيض ًا‪ ،‬والسكون إىل‬ ‫سداده خيتلف ما ذكرناه‪ ،‬فهذا ّبني يتفق عليه كافة أهل النظر ومجهور العقالء‪،‬‬ ‫فال حاجة بنا إىل تكليف دليل عليه ملا وصفناه‪ ،‬فإذا كان األمر فيه عىل ما قدمناه‬ ‫مل َ ينكر أن يكون النبي ݕ أطلق األمر بقتل القبطي ‪ -‬وإن كان الرشط الزم ًا ‪-‬‬

‫لعلمه بأن أمري املؤمنني ݠ يعرف ذلك‪ ،‬وال حيتاج فيه إىل ذكره له يف نفس‬ ‫الكالم‪ ،‬ولو كان غري أمري املؤمنني ݠ املأمور ممن ال يؤمن عليه فهم الرشط‬ ‫والتعليق بمطلق األمر باإلقدام‪ ،‬عىل غري الصواب ‪ -‬يق ّيد له الكالم‪ ،‬بجعل‬ ‫الرشط فيه ظاهر ًا‪ ،‬ومل جيد عنه حميص ًا(‪.)4‬‬ ‫وقد طرح هذا اإلشكال قدي ًام عىل اإلمام جعفر بن حممد الصادق ݠ‪:‬‬ ‫قال عبد اهلل بن بكري‪ :‬قلت أليب عبد اهلل ݠ‪ :‬جعلت فداك كان رسول اهلل ݕ‬ ‫أمر بقتل القبطي وقد علم أهنا قد كذبت عليه‪ ،‬أو مل يعلم وإنام دفع اهلل عن‬ ‫القبطي القتل بتث ُبت عيل ݠ؟ فقال‪ :‬بىل قد كان واهلل أعلم‪ ،‬ولو كانت عزيمة‬ ‫من رسول اهلل ݕ القتل ما رجع عيل ݠ حتى يقتله‪ ،‬ولكن إنام فعل رسول‬ ‫اهلل ݕ لرتجع عن ذنبها‪ ،‬فام رجعت وال اشتدّ عليها قتل رجل مسلم‬ ‫بكذهبا(‪.)7‬‬

‫مع أن النبي لو أخ ر الناس ابتدا ًء أن جرحي ًا القبطي بريء مما قذف به‪،‬‬ ‫مر سيش ّككون يف كالم النبي‪ ،‬وسيدّ عون أن حبه للولد‬ ‫فإن أهل اإلفك كام ّ‬ ‫(‪ )4‬رسالة حول خ ر مارية‪.74 :‬‬ ‫(‪ )7‬تفسري القمي ‪.141/7‬‬


‫‪ .......................................... 081‬براءة نساء األنبياء من الزنا‪ :‬بني التحقيق والتلفيق‬

‫ رئ جرحي ًا‪ ،‬لكنه ملا أمر بقتله بحسب الظاهر أراد أن يثبت للناس براءته‬ ‫جعله ي ّ‬ ‫عمل ايا بام يقطع إرجاف املرجفني وقول األفاكني‪ ،‬ولذلك أمر أمري املؤمنني‬ ‫بالتثبت يف األمر قبل قتله؛ لعلمه ݕ بأن اهلل تعاىل سيكشف احلال واضح ًا‬ ‫للناس‪.‬‬ ‫خاصا بمرويات الشيعة فقط كي يصبح‬ ‫عل ًام أن هذا اإلشكال ليس‬ ‫ا‬ ‫مسقط ًا للرواية الشيعية عن االعتبار وموهن ًا هلا‪ ،‬بل إن روايات أهل السنة‬ ‫مشتملة أيض ًا عىل أمر النبي ݕ عل ايا ݠ بقتل القبطي‪ ،‬كام ورد ذلك يف‬ ‫صحيح مسلم‪ :‬عن أنس أن رج ً‬ ‫ال كان ي ّتهم بأم ولد رسول اهلل ﷺ‪ ،‬فقال‬ ‫رسول اهلل ﷺ لعيل‪ :‬اذهب فارضب عنقه(‪.)4‬‬ ‫‪ -1‬عدم إقامة احلد عىل القاذف‪ :‬فلم تتحدّ ث الروايات الشيعية وال‬ ‫السنية عن إقامة حد القذف عىل املتهمني ملارية بالزنا‪ ،‬مع أن اهلل تعاىل يقول‪:‬‬ ‫ݨ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛﮜ‬

‫ﮝ ﮞ ﮟ ݩ [النور‪ ،]1 :‬ورسول اهلل ݕ ال يمكن أن يع ّطل حدا ا من‬ ‫حدود اهلل تعاىل‪.‬‬ ‫واجلواب‪ :‬أن عدم وجود روايات تتحدّ ث حول إقامة احلد ال يعني عدم‬ ‫وقو هذا األمر‪ ،‬فربام يكون النبي ݕ قد أقام احلد عىل املفرتين لكن مل ينقل‬ ‫ذلك‪ ،‬أو نقل ومل يصل إلينا‪.‬‬ ‫ولعل القارئ املتت ّبع يعلم ما واجهه سلف الشيعة من قتل وترشيد وتتبع‬ ‫كانت نتيجته ضيا جزء كبري من تراث أهل البيت ݜ‪ ،‬وكام يقول املناطقة‪:‬‬ ‫عدم الوجدان ال يدل عىل عدم الوجود‪.‬‬ ‫(‪ )4‬صحيح مسلم ‪.441/8‬‬


‫القصة احلقيقية حلادثة اإلفك ‪081................................................................‬‬

‫كام أنه جيوز لإلمام تأجيل احلد‪ ،‬أو تعطيله إذا رأى مصلحة يف ذلك‪ ،‬أو‬ ‫كان فيه مفسدة عظيمة جيب دفعها‪ ،‬وليس يف هذا تعطيل حلدود اهلل وال خمالفة‬ ‫ألحكامه‪.‬‬ ‫ولذلك قال ابن حجر يف معرض حديثه عن قضية اليهودي الذي سحر‬ ‫النبي ݕ كام يدّ عون‪ :‬وقد تقدّ م يف كتاب اجلزية قول ابن شهاب‪ :‬إن النبي ﷺ‬ ‫مل يقتله‪ ،‬وأخرج ابن سعد من مرسل عكرمة أيض ًا أنه مل يقتله‪ ،‬ونقل عن‬ ‫الواقدي أن ذلك أصح من رواية من قال‪ :‬إنه قتله‪ ،‬ومن ثم حكى عياض يف‬ ‫الشفاء قولني‪ :‬هل قتل أم مل يقتل؟ وقال القرطبي‪ :‬ال حجة عىل مالك من هذه‬ ‫القصة؛ ألن ترك قتل لبيد بن األعصم كان خلشية أن يثري بسبب قتله فتنة‪ ،‬أو‬ ‫لئال ينفر الناس عن الدخول يف اإلسالم‪ ،‬وهو من جنس ما راعاه النبي ﷺ من‬ ‫منع قتل املنافقني‪ ،‬حيث قال‪ :‬ال يتحدّ ث الناس أن حممد ًا يقتل أصحابه(‪.)4‬‬ ‫ولذلك رووا أن رسول اهلل ݕ امتنع عن تغيري بناء الكعبة خوف ًا من‬ ‫املنافقني الذي يرت ّبصون باإلسالم الدوائر كام أخرج مسلم يف صحيحه عن‬ ‫عائشة‪ :‬قالت‪ :‬قال رسول اهلل ﷺ‪ :‬يا عائشة لوال أن قومك حديثو عهد برشك‪،‬‬ ‫هلدمت الكعبة‪ ،‬فألزقتها باألرض‪ ،‬وجعلت هلا بابني‪ :‬باب ًا رشق ايا‪ ،‬وباب ًا غرب ايا‪،‬‬ ‫وزدت فيها ستة أذر من احلجر‪ ،‬فإن قريش ًا اقترصتا حيث بنت الكعبة(‪.)7‬‬ ‫فتأجيل إقامة احلد ال خيتلف اثنان يف أنه جائز إذا كان مع ّل ً‬ ‫ال بسبب‬ ‫بالنسبة للحاكم‪ ،‬فكيف بس ّيد الرسل الذي قال اهلل فيه‪ :‬ݨ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ‬

‫ﭠﭡﭢﭣﭤݩ [النجم‪.]1 ،1 :‬‬ ‫(‪ )4‬فتح الباري ‪.411/44‬‬ ‫(‪ )7‬صحيح مسلم ‪.18/1‬‬


‫‪ .......................................... 081‬براءة نساء األنبياء من الزنا‪ :‬بني التحقيق والتلفيق‬

‫واجلواب الثالث هو‪ :‬إمكانية تقدم آيات اإلفك عن ترشيع حد القذف‪،‬‬ ‫فإن آيات اإلفك منفصلة عن اآليات التي تسبقها كام أشار العالمة الطباطبائي‬ ‫ݞ بقوله‪ :‬والعارف بأساليب الكالم ال يرتاب يف أن قوله‪ :‬ݨ ﭑ ﭒ ﭓ‬

‫ﭔݩ اآليات منقطعة عام قبلها(‪.)4‬‬ ‫وإال فرويات السنة والشيعة عىل حدّ سواء‪ ،‬مل ترد فيها إشارة عىل أن آية‬ ‫القذف كانت موجودة‪ ،‬بل إن الواقعة تنفي هذا رصاحة‪ ،‬ففي احلالتني مل يقم‬ ‫املتهمون ب ّينة عىل فريتهم‪ ،‬وبالتايل يكون حدهم القذف‪ ،‬سواء ّبرأ اهلل املقذوفة‬ ‫ رئها!‬ ‫أم مل ي ّ‬ ‫وال توجد عندنا رواية تظهر تاريخ نزول آية احلد‪ ،‬وقد ذكرنا سابق ًا‬ ‫اختالف أهل السنة يف إقامة احلد عىل أهل اإلفك‪.‬‬ ‫هذه هي أهم اإلشكاالت التي ذكرت عىل رواية قذف مارية القبطية‪،‬‬ ‫تبني للقارئ العزيز ضعفها‪ ،‬فال يصح رد هذا اخل ر الصحيح بأمثال هذه‬ ‫وقد ّ‬ ‫اإلشكاالت الواهية‪ ،‬كام ال يصح بأمثال هذه اإلشكاالت ترجيح رواية عائشة‬ ‫التي ب ّينا للقارئ ما فيها من اإلشكاالت السندية والتارخيية وغريها‪.‬‬

‫(‪ )4‬تفسري امليزان ‪.441/41‬‬


‫لإلفك لجملهول يف كحب أهل لتسنة‬ ‫ذكرنا يف ما سبق عقيدة أهل السنة يف نساء األنبياء عامة‪ ،‬وذكرنا‬ ‫اخلالف الذي وقعوا فيه والذي وصل يف بعض األحيان إىل تكفري وتضليل‬ ‫بعضهم بعض ًا‪ ،‬لكن تبقى اإلشارة إىل مروياتم بخصوص زوجات النبي ݕ‬ ‫مهام جدا ا لكشف زيف الشعارات التي يرفعها بعضهم كنرصة أمهات‬ ‫أمر ًا ا‬ ‫املؤمنني‪ ،‬والدفا عن عرض رسول اهلل ݕ وأمثال ذلك‪ ،‬مع أن الدافع‬ ‫األساس لكل هذه احلمالت املسعورة هو حماربة الشيعة فقط‪ ،‬وإثارة الفتن‬ ‫الطائفية ال غري‪.‬‬ ‫ولذلك ارتأينا ذكر مجلة من األحاديث الصحيحة عند أهل السنة‪ ،‬التي‬ ‫تشتمل عىل ذكر أمور خادشة للحياء منسوبة إىل بعض أمهات املؤمنني؛ ليعلم‬ ‫الباحث املنصف من هو الذي يطعن حقيقة يف زوجات األنبياء ݜ!‬ ‫‪ -0‬يدخل عليهن الرب والفاجر‪:‬‬ ‫وردت عدة روايات يف صحاح أهل السنة واجلامعة تثبت أن نساء النبي‬ ‫ݕ كان يدخل عليهن ال ر والفاجر!‬ ‫فقد روى البخاري يف صحيحه‪ :‬عن أنس قال‪ :‬قال عمر ݤ‪ :‬وافقت اهلل‬ ‫يف ثالث‪ ،‬أو وافقني ريب يف ثالث‪ .‬قلت‪ :‬يا رسول اهلل لو اختذت من مقام‬ ‫أمرت‬ ‫إبراهيم مصىل‪ ،‬وقلت‪ :‬يا رسول اهلل يدخل عليك ال ر والفاجر‪ ،‬فلو‬ ‫َ‬ ‫أمهات املؤمنني باحلجاب‪ ،‬فأنزل اهلل آية احلجاب(‪.)4‬‬ ‫(‪ )4‬صحيح البخاري ‪.411/1‬‬


‫‪ .......................................... 084‬براءة نساء األنبياء من الزنا‪ :‬بني التحقيق والتلفيق‬

‫وروى أمحد بن حنبل‪ :‬عن أنس قال‪ :‬قال عمر ݤ‪ :‬وافقت ريب يف‬ ‫ثالث‪ .‬قلت‪ :‬يا رسول اهلل لو اختذنا من مقام إبراهيم مصىل‪ ،‬فنزلت‪ :‬ݨ ﯣ‬

‫ﯤ ﯥ ﯦ ﯧﯨݩ‪ ،‬وقلت‪ :‬يا رسول اهلل إن نساءك يدخل عليهن ال ر‬ ‫والفاجر‪ ،‬فلو أمرتن أن حيتجبن‪ .‬فنزلت آية احلجاب(‪.)4‬‬ ‫وال ندري ملاذا يدخل الفجار عىل نساء رسول اهلل ݕ؟! وملاذا كان‬ ‫الرسول ݕ ال يغار عىل نسائه؟!‬ ‫ونحن نتساءل‪ :‬من هم هؤالء الفجار الذين كانوا يدخلون عىل زوجات‬ ‫رسول اهلل ݕ؟ فإن األمر ال خيلو‪ ،‬إما أن يكونوا من الكفار أو املنافقني‪ ،‬أو من‬ ‫سائر الصحابة؟‬ ‫فإن كانوا من الكفار أو املنافقني فهذا مستغرب جدا ا؛ ألننا ال نرى أي‬ ‫سبب لدخول الكفار واملنافقني عىل زوجات رسول اهلل ݕ‪ ،‬وملاذا يأذن رسول‬ ‫اهلل ݕ هلؤالء بالدخول عىل نسائه؟!‬ ‫وإن كان هؤالء الفجار من الصحابة فال بد أن نقول بسقوط نظرية عدالة‬ ‫مجيع الصحابة؛ ألن الفاجر ال يكون عدالً مرض ايا عند اهلل تعاىل‪ ،‬إذ كيف يكون‬ ‫هؤالء عدوالً مرض ّيني وعمر بن اخلطاب يصفهم بأهنم فجار‪ ،‬وال يرىض‬ ‫بدخوهلم عىل زوجات رسول اهلل ݕ؟!‬ ‫ثم ملاذا نجد هذا اإلرصار الشديد من عمر‪ ،‬وال نجد نظريه عند رسول‬ ‫اهلل ݕ؟ فهل كان عمر بن اخلطاب أكثر غرية منه؟ أم ماذا؟‬ ‫ولعل بعض الروايات قد أعطتنا نامذج عن غرية عمر‪.‬‬ ‫منها‪ :‬ما رواه النسائي والط راين وغريمها‪ :‬عن عائشة قالت‪ :‬كنت آكل‬ ‫(‪ )4‬صحيح البخاري ‪.411/1‬‬


‫اإلفك املجهول يف كتب أهل السنة ‪086..........................................................‬‬ ‫(‪)4‬‬ ‫فمر عمر ݤ‪ ،‬فدعاه فأكل‪ ،‬فأصابت إصبعه‬ ‫مع النبي ﷺ َحي َس ًا يف قعب‪ّ ،‬‬

‫إصبعي‪ ،‬فقال‪ :‬حس أو أوه‪ ،‬لو أطا فيكن ما رأتكن عني‪ .‬فنزل احلجاب(‪.)7‬‬ ‫يتحّس عىل عدم غرية النبي‬ ‫فهذه الرواية الصحيحة تؤكد أن عمر كان‬ ‫ّ‬ ‫ݕ‪ ،‬ويأسف ملا يراه من اختالط يف البيت النبوي!‬ ‫أليس هذا طعن ًا مر ّكب ًا‪ :‬طعن يف النبي ݕ‪ ،‬وطعن يف زوجاته؟‬ ‫‪ -1‬جيالسن املخنّثني‪:‬‬ ‫من مجلة الطعون يف نساء النبي ݕ زعمهم أن بعض املخنّثني يدخلون‬ ‫عىل زوجات نب ّينا ݕ‪ ،‬فقد ذكر لنا البخاري خمنّث ًا كان عند أم سلمة عياذ ًا باهلل!‬ ‫فقد روى يف صحيحه بسنده عن زينب بنت أيب سلمة‪ ،‬عن أمها أم‬ ‫عيل النبي ﷺ وعندي خمنّث‪ ،‬فسمعته يقول لعبد اهلل بن أمية‪ :‬يا‬ ‫سلمة‪ :‬دخل ّ‬

‫عبد اهلل أرأيت إن فتح اهلل عليكم الطائف غد ًا‪ ،‬فعليك بابنة غيالن‪ ،‬فإهنا تقبل‬ ‫بأربع وتدبر بثامن‪ .‬فقال النبي ﷺ‪ :‬ال يدخل ّن هؤالء عليكن‪ .‬قال ابن عيينة‪:‬‬ ‫وقال ابن جريج‪ :‬املخنّث هيت(‪.)1‬‬ ‫أوالا‪ :‬وقبل بيان وجه النكارة يف هذا اخل ر ال بد من الوقوف عىل معنى‬ ‫املخنّث‪.‬‬ ‫قال ابن حجر العسقالين‪ :‬املخنّث بكّس النون وبفتحها من يشبه خلقه‬ ‫(‪ )4‬احليس‪ :‬طعام متخذ من متر وأقط وسمن ودقيق‪.‬‬ ‫(‪ )7‬السنن الك رى للنسائي ‪ .111/5‬املعجم الصغري ‪ .81/4‬املعجم األوسط ‪ .484/7‬قال‬ ‫اهليثمي يف جممع الزوائد ‪ :15/1‬رواه الط راين يف األوسط‪ ،‬ورجاله رجال الصحيح‪ ،‬غري‬ ‫موسى بن أيب كثري‪ ،‬وهو ثقة‪ .‬وقال السيوطي يف الدر املنثور ‪ :514/5‬وأخرج النسائي وابن‬ ‫أيب حاتم والط راين وابن مردويه بسند صحيح عن عائشة‪ ...‬الخ‪.‬‬ ‫(‪ )1‬صحيح البخاري ‪.447/1‬‬


‫‪ .......................................... 088‬براءة نساء األنبياء من الزنا‪ :‬بني التحقيق والتلفيق‬

‫النساء يف حركاته وكالمه وغري ذلك‪ ،‬فإن كان من أصل اخللقة مل يكن عليه‬ ‫لوم‪ ،‬وعليه أن يتك ّلف إزالة ذلك‪ ،‬وإن كان بقصد منه وتكلف له فهو املذموم‪،‬‬ ‫ويطلق عليه اسم خمنث‪ ،‬سواء فعل الفاحشة أو مل يفعل‪ .‬قال ابن حبيب‪:‬‬ ‫التكّس يف‬ ‫املخنّث هو املؤنث من الرجال وإن مل تعرف منه الفاحشة‪ ،‬مأخوذ من‬ ‫ُ‬ ‫امليش وغريه‪ ،‬وسيأيت يف كتاب األدب لعن من فعل ذلك(‪.)4‬‬ ‫وقال الشوكاين‪ :‬خمنّث‪ :‬بفتح النون وكّسها‪ ،‬والفتح املشهور‪ ،‬وهو الذي‬ ‫ويتكّس يف مشيته‪ ،‬ويتثنّى فيها كالنساء‪ ،‬وقد يكون خلق ًة‪ ،‬وقد‬ ‫يلني يف قوله‪،‬‬ ‫ّ‬ ‫يكون تصنُع ًا من الفسقة‪ ،‬ومن كان ذلك فيه خلقة فالغالب من حاله أنه ال إرب‬ ‫له يف النساء(‪.)7‬‬ ‫إذن املخنّث هو الذي يتش ّبه بالنساء أو يشبههن‪ ،‬سواء كان عامد ًا متصنّع ًا‬ ‫أم كان من أصل اخللقة‪ ،‬وعليه فعلينا متييز حال املخنّث الذي زعموا أنه كان‬ ‫جيالس أم سلمة عياذا باهلل!‬ ‫فنقول‪ :‬إن حممد شمس احلق العظيم آبادي قد كفانا هذه املهمة بتعريف‬ ‫املخنّثني من الصحابة‪ ،‬ومنهم هيت املذكور يف رواية البخاري‪.‬‬ ‫قال يف عون املعبود‪ :‬واملخنث اسمه هي ٌت بكّس اهلاء وسكون الياء آخر‬ ‫احلروف‪ ،‬وبعدها تاء ثالث احلروف‪ ،‬هكذا ذكره البخاري وغريه‪ ،‬وقيل‪ :‬اسمه‬ ‫ماتع‪ .‬وقيل‪ :‬إنه هنب باهلاء وبعدها نون ساكنة وباء موحدة‪ ،‬وذكر بعضهم أن‬ ‫هيت ًا وهنب ًا وماتع ًا أسامء لثالثة من املخنّثني كانوا عىل عهد رسول اهلل ﷺ‪ ،‬ومل‬ ‫يكونوا يزنون (ي ّتهمون) بالفاحشة الك رى‪ ،‬إنام كان تأنيثهم لين ًا يف القول‪،‬‬ ‫(‪ )4‬فتح الباري ‪.717/1‬‬ ‫(‪ )7‬نيل األوطار ‪.715/5‬‬


‫اإلفك املجهول يف كتب أهل السنة ‪081..........................................................‬‬

‫وخضاب ًا يف األيدي واألرجل كخضاب النساء‪ ،‬ولعب ًا كلعبهم(‪.)4‬‬ ‫بل إن الذي يظهر من الروايات أن هناك خمنث ًا آخر اسمه ماتع‪ ،‬وثالث‬ ‫اسمه هنب‪ ،‬ورابع اسمه أنة‪ ،‬ولعل املتت ّبع جيد خمنثني آخرين كانو من مجلة‬ ‫الصحابة‪.‬‬ ‫قال ابن حجر‪ :‬وحكى أبو موسى املديني يف كون ماتع لقب هيت‪ ،‬أو‬ ‫بالعكس‪ ،‬أو أهنام اثنان خالف ًا‪ ،‬وجزم الواقدي بالتعدد‪ ،‬فإنه قال‪ :‬كان هيت‬ ‫موىل عبد اهلل بن أيب أمية‪ ،‬وكان ماتع موىل فاختة‪ ،‬وذكر أن النبي ﷺ نفامها مع ًا‬ ‫إىل احلمى‪ ،‬وذكر البارودي يف (الصحابة) من طريق إبراهيم بن مهاجر عن أيب‬ ‫بكر بن حفص‪ :‬أن عائشة قالت ملخنث كان باملدينة يقال له أ ّنة بفتح اهلمزة‬ ‫وتشديد النون‪ :‬أال تد ّلنا عىل امرأة نخطبها عىل عبد الرمحن بن أيب بكر؟ قال‪:‬‬ ‫بىل‪ ،‬فوصف امرأة تقبل بأربع وتدبر بثامن‪ ،‬فسمعه النبي ﷺ فقال‪ :‬يا أنة اخرج‬ ‫من املدينة إىل محراء األسد‪ ،‬وليكن هبا منزلك‪.‬‬ ‫إىل أن قال‪ :‬وأخرج أبو داود من حديث أيب هريرة‪ :‬أن النبي ﷺ أيت‬ ‫بمخنّث قد خضب يديه ورجليه‪ ،‬فقيل‪ :‬يا رسول اهلل إن هذا يتش ّبه بالنساء‪،‬‬ ‫فنفاه إىل النقيع‪ ،‬فقيل‪ :‬أال تقتله؟ فقال‪ :‬إين هنيت عن قتل املصلني(‪.)7‬‬ ‫وظاهر حديث البخاري أن ختنث هيت ليس َخلق ايا‪ ،‬وإنام هو تصنع منه‬ ‫وفسق كام قال ابن حجر العسقالين‪ ،‬فيكون مصداق ًا حلديث عمر‪ :‬يدخل‬ ‫عليهن ال ر والفاجر!‬ ‫وقد ورد يف كتب السرية أن هذا املخنّث طرده نبي الرمحة ݕ من املدينة‬ ‫(‪ )4‬عون املعبود ‪.481/41‬‬ ‫(‪ )7‬فتح الباري ‪.717/1‬‬


‫‪ .......................................... 011‬براءة نساء األنبياء من الزنا‪ :‬بني التحقيق والتلفيق‬

‫ومنعه منها‪ ،‬وذكروا عدة أسباب لطرده خلّصها النووي بقوله‪ :‬قال العلامء‪:‬‬ ‫وإخراجه ونفيه كان لثالثة معان‪ :‬أحدها‪ :‬املعنى املذكور يف احلديث أنه كان‬ ‫ي َظن أنه من غري أوىل اإلربة‪ ،‬وكان منهم ويتكتم بذلك‪ ،‬والثاين‪ :‬وصفه النساء‬ ‫وحماسنهن وعوراتن بحرضة الرجال‪ ،‬وقد هني أن تصف املرأة املرأ َة لزوجها‪،‬‬ ‫فكيف إذا وصفها الرجل للرجال‪ ،‬والثالث‪ :‬أنه ظهر له منه أنه كان ي ّطلع من‬ ‫النساء وأجسامهن وعوراتن عىل ما ال يطلع عليه كثري من النساء‪ ،‬فكيف‬ ‫الرجال‪ ،‬ال سيام عىل ما جاء يف غري مسلم أنه وصفها حتى وصف ما بني‬ ‫رجليها‪ ،‬أي فرجها وحواليه‪ ،‬واهلل أعلم(‪.)4‬‬ ‫إذن فالنووي يقول رصاحة‪ :‬إن هذا املخنث من أويل اإلربة‪ ،‬وإنه كان‬ ‫ي ّطلع عىل عورات النساء‪ ،‬ويصفهن للرجال!‬ ‫فمن يزعم أن هذا املخنّث يرت ّدد عىل البيت النبوي‪ ،‬وجيالس نساء النبي‬ ‫ݕ‪ ،‬ويراهن ويرونه‪ ،‬فإنه يطعن طعن ًا واضح ًا يف رسول اهلل ݕ ويف نسائه‬ ‫املصونات‪.‬‬ ‫فأي طعن أوضح هذا يف أمهات املؤمنني؟!‬ ‫وقد نقل لنا ابن عبد ال ر نموذج ًا من وصف هذا الصحايب املخنّث‬ ‫للنساء بل لدقائق أجساد النساء‪ ،‬فقال‪ :‬ويف رواية ابن الكلبي والواقدي أن هيت ًا‬ ‫هذا املخنث قال لعبد اهلل بن أيب أمية وهو أخو أم سلمة ألبيها‪ ،‬وأمة عاتكة‪ :‬يا‬ ‫عبد اهلل ‪ -‬وهو عند رسول اهلل ﷺ يف بيت أم سلمة ‪ -‬إن افتتحتم الطائف‬ ‫فعليك ببادية بنت غيالن بن سلمة الثقفي‪ ،‬فإهنا تقبل بأربع‪ ،‬وتدبر بثامن‪ ،‬مع‬ ‫ثغر كاالقحوان‪ ،‬إن قعدت تثنّت‪ ،‬وإن تكلمت تغنّت‪ ،‬بني رجليها مثل اإلناء‬ ‫(‪ )4‬رشح مسلم ‪.451/41‬‬


‫اإلفك املجهول يف كتب أهل السنة ‪010..........................................................‬‬

‫املكفو‪ .‬ورسول اهلل ﷺ يسمع‪ ،‬فقال رسول اهلل ﷺ‪ :‬لقد غلغلت النظر إليها يا‬ ‫تزوجها‬ ‫عدو اهلل‪ .‬ثم أجاله عن املدينة إىل احلمى‪ .‬قال‪ :‬فلام افتتحت الطائف ّ‬ ‫عبد الرمحن بن عوف‪ ،‬فولدت له برهية‪ .‬هذا قول ابن الكلبي‪ ،‬قال‪ :‬ومل يزل‬ ‫هيت بذلك املكان حتى قبض رسول اهلل ﷺ(‪.)4‬‬ ‫وقد ذكر ابن حجر أنموذج ًا من وصف هذا الصحايب املخنّث للنساء‪ ،‬بل‬ ‫لدقائق أجسادهن‪ ،‬فقال‪ :‬وحاصله أنه وصفها بأهنا مملوءة البدن‪ ،‬بحيث يكون‬ ‫لبطنها عكن‪ ،‬وذلك ال يكون إال للسمينة من النساء‪ ،‬وجرت عادة الرجال‬ ‫غالب ًا يف الرغبة فيمن تكون بتلك الصفة‪ ،‬وعىل هذا فقوله يف حديث سعد‪« :‬إن‬ ‫أقبلت قلت‪ :‬متيش بست‪ ،‬وإن أدبرت قلت‪ :‬متيش بأربع»‪ ،‬كأنه يعني يدهيا‬ ‫ورجليها وطريف ذاك منها مقبلة ورد فيها مدبرة‪ ،‬وإنام نقص إذا أدبرت ألن‬ ‫الثديني حيتجبان حينئذ‪ .‬وذكر ابن الكلبي يف الصفة املذكورة زيادة بعد قوله‪:‬‬ ‫«وتدبر بثامن»‪ :‬بثغر كاألقحوان‪ ،‬إن قعدت تثنّت‪ ،‬وإن تكلمت تغنّت‪ ،‬وبني‬ ‫رجليها مثل اإلناء املكفوء‪ .‬مع شعر آخر‪ .‬وزاد املديني من طريق يزيد بن‬ ‫رومان عن عروة مرس ً‬ ‫ال يف هذه القصة‪ :‬أسفلها كثيب‪ ،‬وأعالها عسيب‪.‬‬ ‫غلغلت النظر‬ ‫ثم قال‪ :‬وزاد ابن الكلبي يف حديثه‪ :‬فقال النبي ﷺ‪ :‬لقد‬ ‫َ‬ ‫إليها يا عدو اهلل‪ .‬ثم أجاله عن املدينة إىل احلمى(‪.)7‬‬ ‫قلت‪ :‬من كان هبذه الصفة من وصف حماسن النساء هبذا النحو املشني ال‬ ‫يمكن أن نصدق أنه كان جيالس نساء رسول اهلل ݕ‪ ،‬ويتحدث معهن‪ ،‬ومن‬ ‫قال غري ذلك فال نراه إال متجرئ ًا عىل الطعن يف عرض رسول اهلل ݕ ويف‬ ‫نسائه‪.‬‬ ‫(‪ )4‬االستذكار ‪.781/1‬‬ ‫(‪ )7‬فتح الباري ‪.441/1‬‬


‫‪ .......................................... 011‬براءة نساء األنبياء من الزنا‪ :‬بني التحقيق والتلفيق‬

‫‪ -1‬رضاع الكبري‪:‬‬ ‫مما يضحك الثكىل قضية رضا الكبري التي نسبت زور ًا وهبتان ًا لرسول‬ ‫اهلل ݕ‪ ،‬وملخصها أنه جيوز للرجل البالغ أن يرضع من املرأة األجنبية مخس‬ ‫رضعات مشبعات‪ ،‬فتصري أمه من الرضاعة‪ ،‬وحترم عليه‪ ،‬وجيوز له حينئذ النظر‬ ‫للمح َرم!‬ ‫إليها وملسها كام جيوز ذلك َ‬ ‫والعمدة يف رضا الكبري ما رواه مسلم وغريه‪ :‬عن عائشة أن سامل ًا موىل‬ ‫أيب حذيفة كان مع أيب حذيفة وأهله يف بيتهم‪ ،‬فأتت (تعني ابنة سهيل) النبي‬ ‫ﷺ‪ ،‬فقالت‪ :‬إن سامل ًا قد بلغ ما يبلغ الرجال‪ ،‬وعقل ما عقلوا‪ ،‬وإنه يدخل‬ ‫علينا‪ ،‬وإين أظن أن يف نفس أيب حذيفة من ذلك شيئ ًا‪ .‬فقال هلا النبي ﷺ‪:‬‬ ‫أرضعيه حترمي عليه‪ ،‬ويذهب الذي يف نفس أيب حذيفة‪ .‬فرجعت فقالت‪ :‬إين‬ ‫قد أرضعته‪ ،‬فذهب الذي يف نفس أيب حذيفة(‪.)4‬‬ ‫واستناد ًا هلذا احلديث أفتى مجع من فقهاء أهل السنة بأنه إذا أرضعت‬ ‫املرأة رج ً‬ ‫ال حرم عليها‪ ،‬وهذه مسألة فقهية ليس هذا الكتاب مكان ًا لنقاشها من‬ ‫حيث صحة الفتوى أو فسادها‪ ،‬لكن الذي جيب أن يشار إليه هو نسبة العمل‬ ‫هبذه الفتوى لعائشة زوجة رسول اهلل ݕ!‬ ‫فقد أكدت مروياتم أهنا ‪ -‬عياذا باهلل ‪ -‬تبنّت هذا الرأي‪ ،‬وعملت به‪،‬‬ ‫حتى أخرج أبو داود وأمحد بن حنبل وغريمها حديث ًا جاء فيه‪ :‬فبذلك كانت‬ ‫عائشة تأمر بنات أخواتا وبنات إخوتا(‪ )7‬أن يرضعن من أح ّبت عائشة أن‬ ‫يراها ويدخل عليها وإن كان كبري ًا مخس رضعات‪ ،‬ثم يدخل عليها‪ ،‬وأبت أم‬ ‫(‪ )4‬صحيح مسلم ‪.458/1‬‬ ‫(‪ )7‬كذا يف سنن أيب داود‪ ،‬ويف مسند أمحد‪ :‬كانت عائشة تأمر أخواتا وبنات أخواتا‪ ...‬الخ‪.‬‬


‫اإلفك املجهول يف كتب أهل السنة ‪011..........................................................‬‬

‫سلمة وسائر أزواج النبي ﷺ أن يدخلن عليهن بتلك الرضاعة أحد ًا من الناس‬ ‫حتى يرضع يف املهد‪ ،‬وقلن لعائشة‪ :‬واهلل ما ندري‪ ،‬لعلها كانت رخصة من‬ ‫رسول اهلل ﷺ لسامل من دون الناس(‪.)4‬‬ ‫وأخرج مالك حديث ًا آخر جاء فيه‪ :‬فأخذت بذلك عائشة أم املؤمنني‬ ‫فيمن كانت حتب أن يدخل عليها من الرجال‪ ،‬فكانت تأمر أختها أم كلثوم بنت‬ ‫أيب بكر الصديق وبنات أخيها أن يرضعن من أح ّبت أن يدخل عليها من‬ ‫الرجال(‪.)7‬‬ ‫والسؤال الذي يطرح نفسه هو‪ :‬ما هو الداعي أن يرى الرجال عائشة‪ ،‬أو‬ ‫يدخلوا عليها؟‬ ‫أليس دخوهلم عليها وتكليمهم إياها من وراء حجاب كافي ًا؟‬ ‫وهل كانت عائشة حتب دخول بعض الرجال عليها لتحتال لذلك بأمر‬ ‫أخواتا وبناتن بإرضا أولئك الرجال؟‬ ‫إن رضا الكبري ال يرضاه لنفسه من كان عنده يشء من الغرية عىل نسائه‬ ‫وبناته‪ ،‬وكيف يصدق مؤمن أن واحدة من زوجات رسول اهلل ݕ كانت تقول‬ ‫به‪ ،‬وتعمل به‪ ،‬فيدخل عليها الرجال األجانب املرتضعني من أخواتا وبنات‬ ‫أخواتا‪ ،‬فريون منها ما يراه املحارم منها!!‬ ‫بل إن بعضهم نسب لعائشة أهنا كانت هي بنفسها ترضع األجانب عياذ ًا‬ ‫باهلل!‬ ‫(‪ )4‬سنن أيب داود ‪ .771/7‬صححه األلباين يف صحيح سنن أيب داود ‪ .188/7‬مسند أمحد بن‬ ‫حنبل ‪ ،714/5‬قال شعيب األرنؤوط‪ :‬حديث صحيح‪ ،‬وهذا إسناد جيد‪.‬‬ ‫(‪ )7‬املوطأ ‪.545/7‬‬


‫‪ .......................................... 011‬براءة نساء األنبياء من الزنا‪ :‬بني التحقيق والتلفيق‬

‫فقد أخرج مسلم يف صحيحه بسنده عن زينب بنت أم سلمة‪ ،‬قالت‪:‬‬ ‫قالت أم سلمة لعائشة‪ :‬إنه يدخل عليك الغالم األيفع الذي ما أحب أن يدخل‬ ‫عيل‪ .‬قال‪ :‬فقالت عائشة‪ :‬أما لك يف رسول اهلل ﷺ أسوة؟ قالت‪ :‬إن امرأة أيب‬ ‫ّ‬

‫حذيفة قالت‪ :‬يا رسول اهلل إن سامل ًا يدخل عيل وهو رجل‪ ،‬ويف نفس أيب حذيفة‬ ‫منه يشء‪ .‬فقال رسول اهلل ﷺ‪ :‬أرضعيه حتى يدخل عليك(‪.)4‬‬ ‫تأست بزوجة أيب حذيفة يف إرضاعها لسامل‬ ‫فظاهر الرواية أن عائشة ّ‬ ‫مبارشة‪ ،‬وليس بواسطة أحد‪ ،‬فتكون هي قد أرضعت هذا الغالم اليافع الذي‬ ‫الحظته أم سلمة!‬ ‫قال موسى شاهني يف رشحه عىل مسلم تعليق ًا عىل هذه الرواية‪ :‬وكانت‬ ‫عائشة ݣ ترى أن إرضا الكبري حيرمه‪ ،‬وأرضعت غالم ًا فع ً‬ ‫ال‪ ،‬وكان يدخل‬ ‫عليها‪ ،‬وأنكر بقية أمهات املؤمنني ذلك كام يظهر من الرواية الثانية عرش والثالثة‬ ‫عرش(‪.)7‬‬ ‫وقال الشيخ حممد الطاهر ابن عاشور‪ :‬وكانت عائشة أم املؤمنني إذا‬ ‫تأولت ذلك من إذن النبي ﷺ‬ ‫أرادت أن يدخل عليها أحد احلجاب أرضعته‪ّ .‬‬ ‫ني أن‬ ‫لسهلة زوج أيب حذيفة‪ ،‬وهو رأي مل يوافقها عليه أمهات املؤمنني‪ ،‬و َأ َب َ‬ ‫يدخل أحد عليهن بذلك‪ ،‬وقال به الليث بن سعد بإعامل رضا الكبري(‪.)1‬‬ ‫والذي يزعم أن األجانب يلتقمون صدر زوجة نب ّيهم وخيتلون هبن أليس‬ ‫أوىل بالرد عليه بدالً من اختالق األكاذيب ونسبتها للشيعة واالجتار بإهيام‬ ‫(‪ )4‬صحيح مسلم ‪.451/1‬‬ ‫(‪ )7‬فتح املنعم ‪.577/1‬‬ ‫(‪ )1‬تفسري التحرير والتنوير ‪.11/1‬‬


‫اإلفك املجهول يف كتب أهل السنة ‪011..........................................................‬‬

‫العوام بالرد عليهم؟‬ ‫ راقة كنرصة أم‬ ‫هل جيرؤ أحد بعد هذه احلقائق أن يرفع شعاراته ال ّ‬ ‫املؤمنني! ولن نخذلك يا أماه‪ ،‬والدفا عن عرض رسول اهلل ݕ!؟‬ ‫وأنا ال أدري هل غفل موسى شاهني وابن عاشور أو تغافال عن أن‬ ‫عائشة مل يكن هلا لبن‪ ،‬فكيف تتمكن من إرضا كبري أو صغري؟!‬ ‫واملضحك املبكي يف قصة رضا الكبري ما وصل إليه ابن حزم‪ ،‬حيث إنه‬ ‫استند عىل روايات رضا الكبري ليفتي بفتوى غريبة جدا ا!‬ ‫قال ابن حجر يف الفتح‪ :‬وأما ابن حزم فاستدل بقصة سامل عىل جواز مس‬ ‫األجنبي ثدي األجنبية‪ ،‬والتقام ثدهيا إذا أراد أن يرتضع منها مطلق ًا(‪.)4‬‬ ‫ومن جهتي فليس لدي تعليق عىل هذا الكالم اخلطري إال حديث رسول‬ ‫اهلل ݕ‪ ،‬حيث روي عنه أنه قال‪ :‬ال تبكوا عىل الدين إذا وليه أهله‪ ،‬ولكن ابكوا‬ ‫عليه إذا وليه غري أهله(‪.)7‬‬ ‫وبأمثال هذه الفتاوى وهذه اآلراء التي متس رسول اهلل ݕ حيق لكل‬ ‫غيور أن يبكي عىل هذا الدين صباح ًا ومسا ًء‪.‬‬ ‫‪ -1‬تعليم الغسل للرجال‪:‬‬ ‫من مجلة ما نسب لعائشة أيض ًا يف كتب أهل السنة أهنا كانت تع ّلم الرجال‬ ‫كيفية الغسل!‬ ‫فقد أخرج البخاري يف صحيحه بسنده عن أيب بكر بن حفص‪ ،‬قال‪:‬‬ ‫سمعت أبا سلمة يقول‪ :‬دخلت أنا وأخو عائشة عىل عائشة‪ ،‬فسأهلا أخوها عن‬ ‫(‪ )4‬فتح الباري ‪.471/1‬‬ ‫(‪ )7‬املستدرك عىل الصحيحني ‪.141/1‬‬


‫‪ .......................................... 014‬براءة نساء األنبياء من الزنا‪ :‬بني التحقيق والتلفيق‬

‫غسل النبي ﷺ‪ ،‬فدعت بإناء نحو من صا ‪ ،‬فاغتسلت‪ ،‬وأفاضت عىل رأسها‪،‬‬ ‫وبيننا وبينها حجاب(‪.)4‬‬ ‫وقد حاول بعضهم أن خي ّفف من نكارة هذا اخل ر‪ ،‬فقال‪ :‬إهنا اغتسلت‬ ‫من وراء حجاب‪ ،‬وهذا ال ضري فيه‪.‬‬ ‫ولكن من الواضح أن الغرض من اغتساهلا أمامهام هو تعليمهام الغسل‬ ‫الصحيح بصورة َع َملية‪ ،‬فإذا كان احلجاب يسرتها عنهم كل ايا فكيف سيتم‬ ‫التعليم؟‬ ‫ولذلك قال القايض عياض يف تعليقه عىل اخل ر‪ :‬ظاهر احلديث أهنام رأيا‬ ‫عملها يف رأسها وأعايل جسدها مما حيل لذي املحرم النظر إليه من ذات املحرم‪،‬‬ ‫وكان أحدمها أخاها من الرضاعة كام ذكر‪ ،‬قيل‪ :‬اسمه عبد اهلل بن يزيد‪ ،‬وكان‬ ‫أبو سلمة ابن أختها من الرضاعة‪ ،‬أرضعته أم كلثوم بنت أيب بكر‪ .‬قال القايض‪:‬‬ ‫ولوال أهنام شاهدا ذلك ورأياه مل يكن الستدعائها املاء وطهارتا بحرضتام‬ ‫معنى‪ ،‬إذ لو فعلت ذلك كله يف سرت عنهام لكان عبث ًا‪ ،‬ورجع احلال إىل وصفها‬ ‫له‪ ،‬وإنام فعلت السرت ليسرت أسافل البدن‪ ،‬وما ال حيل للمحرم نظره‪ ،‬واهلل‬ ‫أعلم(‪.)7‬‬ ‫ولعل القارئ اللبيب قد التفت إىل أن أحد الرجلني ال توجد بينه وبينها‬ ‫قرابة‪ ،‬فادعاء أنه رضع من أم كلثوم رضاعة كبري جمرد احتامل ال دليل عليه!‬ ‫أتعجب من أمثال هذه التوجيهات الباردة؛ إذ كيف يسوغ لرجل‬ ‫مع أين ّ‬ ‫بالغ غريب أن يرتضع من أم كلثوم بنت أيب بكر رضا كبري ليدخل عىل عائشة‬ ‫(‪ )4‬صحيح البخاري ‪.58/4‬‬ ‫(‪ )7‬رشح مسلم ‪.1/1‬‬


‫اإلفك املجهول يف كتب أهل السنة ‪016..........................................................‬‬

‫ويرى أعايل جسدها من دون حجاب؟!‬ ‫‪ -1‬اصطياد شباب قريش‪:‬‬ ‫من مجلة الروايات املسيئة لعائشة ما رواه ابن أيب شيبة يف مصنّفه‪ :‬عن‬ ‫(‪)4‬‬

‫شوفت‬ ‫عامر بن عمران رجل من زيد اهلل عن امرأة منهم عن عائشة أهنا ّ‬ ‫جارية‪ ،‬وطافت هبا‪ ،‬وقالت‪ :‬لعلنا نصطاد هبا شباب قريش(‪.)7‬‬

‫ولعل هذا اخل ر ال حيتاج إىل بيان أكثر وال لتوضيح‪ ،‬فهو ظاهر الداللة يف‬ ‫أن عائشة كانت تز ّين اجلارية لتصطاد شباب ًا من قريش!‬ ‫واملد ّقق يف اخل ر يالحظ قوله‪« :‬هبا»‪ ،‬وليس «هلا»‪ ،‬أي أن الصيد لن يكون‬ ‫جمرد وسيلة ال أكثر!‬ ‫للجارية‪ ،‬بل هي ّ‬ ‫عل ًام أن إيرادي هلذا اخل ر كان بسبب كتاب قرأته أسامه صاحبه (تنبيه‬ ‫املسلمني إىل معتقد الشيعة الرافضة يف أمهات املؤمنني) َش َحنه صاحبه‬ ‫(الدكتور)‬

‫(‪)1‬‬

‫بمجموعة من األحاديث والروايات من كتب الشيعة‪ ،‬لكنه مل‬

‫يرا األمانة العلمية يف النقل‪ ،‬ومل ّ‬ ‫املترشعة يف الكتابة‪ ،‬فصار خيرت‬ ‫يتوخ مسلك‬ ‫ّ‬ ‫األكاذيب وينسبها إىل الشيعة!‬ ‫حتى إنه جعل باب ًا يف كتابه أسامه‪ :‬الشيعة االثنا عرشية ينسبون عائشة إىل‬ ‫الفاحشة(‪ ،)1‬ذكر فيه جمموعة من الروايات‪ ،‬منها‪ :‬وذكر أمحد بن عيل الط ريس‬ ‫وهو من علامئهم أيض ًا ‪ -‬أن عائشة ز ّينت يوم ًا جارية كانت عندها‪ ،‬وقالت‪:‬‬ ‫شوفت‪ :‬أي ز ّينت‪.‬‬ ‫(‪ّ )4‬‬ ‫(‪ )7‬مصنف ابن أيب شيبة ‪.154/1‬‬ ‫(‪ )1‬املؤلف هو عبد القادر بن حممد عطا‪.‬‬ ‫(‪ )1‬تنبيه املسلمني إىل معتقد الشيعة الرافضة يف أمهات املؤمنني‪.475 :‬‬


‫‪ .......................................... 018‬براءة نساء األنبياء من الزنا‪ :‬بني التحقيق والتلفيق‬

‫لعلنا نصطاد هبا شباب ًا من شباب قريش‪ ،‬بأن يكون مشغوف ًا هبا(‪.)4‬‬ ‫عل ًام أن الط ريس مل خيرج هذا اخل ر‪ ،‬بل رواه احلافظ ابن أيب شيبة كام‬ ‫ذكرنا سابق ًا‪ ،‬وال ندري هل هذا من استغفال القراء والضحك عليهم‪ ،‬أو أنه‬ ‫من باب رمتني بدائها وانسلت؟‬ ‫ثم قال بعد ذلك‪ :‬فقاتلهم اهلل كيف حفظوا النبي ﷺ يف زوجته وأحب‬ ‫الناس إليه‪ ،‬لقد رموها بأشد مما رماها به رأس املنافقني وأتباعه يف زمن رسول‬ ‫اهلل ﷺ(‪.)7‬‬ ‫نشكر هذا الدكتور عىل التعليق اللطيف‪ ،‬وقد أوردنا كالمه هنا كي‬ ‫ودونوه يف‬ ‫نخاطب به أهل السنة الذين نسبوا هذا الفعل القبيح إىل عائشة‪ّ ،‬‬ ‫مصنّفاتم وكتبهم‪.‬‬ ‫‪ -4‬نقل عائشة احلوادث اجلنسية التي وقعت بينها وبني رسول اهلل ݕ‪:‬‬ ‫من األمور املهمة التي أمجع عليها املسلمون كافة هو حرمة نقل الرجل أو‬ ‫املرأة تفاصيل حياتم الزوجية اخلاصة‪ ،‬وقد وردت أحاديث كثرية يف الوعيد‪،‬‬ ‫منها‪ :‬ما أخرجه مسلم يف صحيحه‪ :‬عن عبد الرمحن بن سعد‪ ،‬قال‪ :‬سمعت أبا‬ ‫سعيد اخلدري يقول‪ :‬قال رسول اهلل ﷺ‪ :‬إن من أرش الناس عند اهلل منزلة يوم‬ ‫القيامة الرجل يفيض إىل امرأته وتفيض إليه‪ ،‬ثم ينرش رسها(‪.)1‬‬ ‫وروى أمحد يف مسنده‪ :‬عن أسامء بنت يزيد أهنا كانت عند رسول اهلل ﷺ‬ ‫والرجال والنساء قعود عنده‪ ،‬فقال‪ :‬لعل رج ً‬ ‫ال يقول ما يفعل بأهله‪ ،‬ولعل‬ ‫(‪ )4‬نفس املصدر‪.417 :‬‬ ‫(‪ )7‬نفس املصدر‪.417 :‬‬ ‫(‪ )1‬صحيح مسلم ‪.411/1‬‬


‫اإلفك املجهول يف كتب أهل السنة ‪011..........................................................‬‬

‫امرأة خت ر بام فعلت مع زوجها‪ ،‬ف َأ َر ّم(‪ )4‬القوم‪ ،‬فقلت‪ :‬إين واهلل يا رسول اهلل‬ ‫إهنن ليقلن‪ ،‬وإهنم ليفعلون‪ .‬قال‪ :‬فال تفعلوا‪ ،‬فإنام ذلك مثل الشيطان لقي‬ ‫شيطانة يف طريق‪ ،‬فغشيها والناس ينظرون(‪.)7‬‬ ‫وبناء عىل ذلك قال الشوكاين يف نيل األوطار‪ :‬واحلديثان يدالن عىل‬ ‫حتريم إفشاء أحد الزوجني ملا يقع بينهام من أمور اجلام ؛ وذلك ألن كون الفاعل‬ ‫لذلك من أرش الناس‪ ،‬وكونه بمنزلة شيطان لقي شيطانة‪ ،‬فقىض حاجته منها‪،‬‬ ‫والناس ينظرون من أعظم األدلة الدالة عىل حتريم نرش أحد الزوجني لألرسار‬ ‫الواقعة بينهام الراجعة إىل الوطء ومقدّ ماته(‪.)1‬‬ ‫ورغم كل هذا الوعيد والتحذير إال أن كتب احلديث مل ختل من نسبة هذا‬ ‫املحرم إىل عائشة‪ ،‬بل جعلوها مرجع ًا هلذه األمور ومفزع ًا هلم يف‬ ‫الفعل الشنيع‬ ‫ّ‬ ‫هذه القضايا‪ ،‬وإليكم بعض األمثلة‪:‬‬ ‫‪ -0‬تقبيل النبي ݕ هلا‪ :‬فقد وردت روايات كثرية حول تقبيل الرسول‬ ‫األكرم ݕ لعائشة‪ ،‬منها‪ :‬ما أخرجه مسلم يف صحيحه عن عائشة‪ ،‬قالت‪ :‬كنت‬ ‫أرشب وأنا حائض‪ ،‬ثم أناوله النبي ﷺ‪ ،‬فيضع فاه عىل موضع يف‪ ،‬فيرشب‪،‬‬ ‫وأتعرق العرق(‪ )1‬وأنا حائض‪ ،‬ثم أناوله النبي ﷺ‪ ،‬فيضع فاه عىل موضع يف(‪.)1‬‬ ‫وأخرج أمحد يف مسنده‪ :‬عن طلحة عن عائشة‪ ،‬قالت‪ :‬أهوى إ ّيل رسول‬ ‫اهلل ﷺ ليقبلني‪ ،‬فقلت‪ :‬إين صائمة! قال‪ :‬وأنا صائم‪ .‬قالت‪ :‬فأهوى إ ّيل‬ ‫(‪َ )4‬أ َر ّم القوم‪ :‬أي سكتوا‪ ،‬وروي‪ :‬فأزم‪ ،‬وهي بمعناها‪.‬‬ ‫(‪ )7‬مسند أمحد ‪.115/5‬‬ ‫(‪ )1‬نيل األوطار ‪.114/5‬‬ ‫(‪ )1‬أتعرق‪ :‬آكل ما عىل العظم من اللحم‪ ،‬العرق‪ :‬العظم إذا أخذ عنه معظم اللحم‪.‬‬ ‫(‪ )1‬صحيح مسلم ‪.451/4‬‬


‫‪ .......................................... 111‬براءة نساء األنبياء من الزنا‪ :‬بني التحقيق والتلفيق‬

‫فق ّبلني(‪.)4‬‬ ‫كام أخرج أيض ًا‪ :‬عن مصد أيب حييى األنصاري عن عائشة‪ :‬أن رسول‬ ‫ويمص لساهنا(‪.)7‬‬ ‫اهلل ﷺ كان يق ّبلها وهو صائم‪،‬‬ ‫ُ‬ ‫‪ -1‬ما يفعله النبي ݕ يف حيضها‪ :‬نقل عن عائشة تفاصيل احلياة‬ ‫الزوجية اخلاصة يف فرتة احليض‪ ،‬منها ما أخرجه البخاري يف صحيحه‪ :‬عن‬ ‫إبراهيم عن األسود عن عائشة ݣ‪ ،‬قالت‪ :‬كان النبي ﷺ يبارشين وأنا‬ ‫حائض(‪.)1‬‬ ‫وأخرج أبو داود السجستاين يف مسنده‪ :‬عن عائشة‪ ،‬قالت‪ :‬أخ رك بام‬ ‫صنع رسول اهلل ﷺ؟ دخل فمىض إىل مسجده ‪ - ،‬قال أبو داود تعني مسجد‬ ‫بيته ‪ -‬فلم ينرصف حتى غلبتني عيني وأوجعه ال رد‪ ،‬فقال‪:‬ادين مني‪ ،‬فقلت‪:‬‬ ‫إين حائض‪ ،‬فقال‪ :‬وإن‪ ،‬اكشفي عن فخذيك‪ .‬فكشفت فخذي‪ ،‬فوضع خدّ ه‬ ‫وصدره عىل فخذي‪ ،‬وحنيت عليه حتى دفئ ونام(‪.)1‬‬ ‫تفاصيل أخرى‪ :‬روي أيض ًا عن عائشة أمور أخرى خملة باألدب وخادشة‬ ‫للحياء‪ ،‬منها‪ :‬ما أخرجه أمحد بن حنبل يف مسنده‪ :‬عبد الرمحن بن القاسم عن‬ ‫أبيه عن عائشة زوج النبي ﷺ‪ ،‬قالت‪ :‬إذا جاوز اخلتان اخلتان فقد وجب‬ ‫الغسل‪ ،‬فعلته أنا ورسول اهلل ﷺ‪ ،‬واغتسلنا(‪.)1‬‬ ‫وغريها من الروايات الكثرية التي خيجل اإلنسان من كتابتها وتدوينها يف‬ ‫(‪ )4‬مسند أمحد ‪.411/5‬‬ ‫(‪ )7‬نفس املصدر ‪.471/5‬‬ ‫(‪ )1‬صحيح البخاري ‪.715/7‬‬ ‫(‪ )1‬سنن أيب داود ‪.51/4‬‬ ‫(‪ )1‬مسند أمحد ‪.454/5‬‬


‫اإلفك املجهول يف كتب أهل السنة ‪110..........................................................‬‬

‫هذا الوريقات‪ ،‬وقد التفت أهل السنة إىل أن هذه األحاديث ختدش احلياء‪،‬‬ ‫فظهرت منهم بعض الكلامت التي تثبت الورطة التي وقعوا فيها‪:‬‬ ‫منها‪ :‬ما ذكره البيهقي يف سننه‪ :‬سفيان قال‪ :‬قلت لعبد اهلل بن القاسم‪:‬‬ ‫أخ رك أبوك عن عائشة‪ :‬أن رسول اهلل ﷺ كان يقبلها وهو صائم؟ قال‪ :‬فطأطأ‬ ‫رأسه واستحى‪ ،‬وسكت قلي ً‬ ‫ال‪ ،‬ثم قال‪ :‬نعم(‪.)4‬‬ ‫ركز أهيا القارئ عىل َر ّدة فعل الراوي عبد اهلل بن القاسم الذي «طأطأ‬ ‫يكرر ما سمعه من أبيه حياء رغم أنه جمرد‬ ‫رأسه حياء»‪ ،‬أي أنه مل يستطع أن ّ‬ ‫ناقل‪ ،‬فكيف بنسبة هذا الكالم المرأة حتدّ ث هبذا اليشء أمام الرجال وهي‬ ‫طرف يف ما حصل؟!‬ ‫كام أن النووي ذكر يف رشحه عىل مسلم ما يؤكد هذا املعنى‪ ،‬فقال‪( :‬عن‬ ‫عائشة قالت‪ :‬كان رسول اهلل ﷺ يق ّبل إحدى نسائه وهو صائم‪ ،‬ثم تضحك)‪،‬‬ ‫قال القايض‪ :‬قيل‪ :‬حيتمل ضحكها التعجب ممن خالف يف هذا‪ .‬وقيل‪ :‬التعجب‬ ‫من نفسها حيث جاءت بمثل هذا احلديث الذي يستحي من ذكره‪ ،‬ال سيام‬ ‫حديث املرأة به عن نفسها للرجال‪ ،‬لكنها اضطرت إىل ذكره لتبليغ احلديث‬ ‫فتتعجب من رضورة احلال املضطرة هلا إىل ذلك(‪.)7‬‬ ‫والعلم‪،‬‬ ‫ّ‬ ‫قد يقول قائل‪ :‬إن هذا من باب تبليغ العلم وتعليم الناس أحكام دينهم‪،‬‬ ‫وهذا مما أمر به اجلميع‪ :‬رجال ونساء‪ ،‬فام املانع أن تبلغ عائشة ما تعلمته من‬ ‫النبي ݕ للناس؟‬ ‫اجلواب‪ :‬أننا مل نمنع تعليمها للناس أحكام دينهم‪ ،‬لكن اإلشكال يف‬ ‫(‪ )4‬معرفة السنن واآلثار ‪.454/5‬‬ ‫(‪ )7‬رشح مسلم ‪.745/1‬‬


‫‪ .......................................... 111‬براءة نساء األنبياء من الزنا‪ :‬بني التحقيق والتلفيق‬

‫الطريقة التي نسبت إليها يف إيصال هذه األحكام إىل الناس‪ ،‬فلو سأهلا أحد‬ ‫حول حكم ما فاجلواب يكون بكلمة‪ :‬جيوز أو ال جيوز‪ ،‬أما أن حتكي ما حصل‬ ‫بينها وبني نبي الرمحة ݕ مع التأكيد عىل حرمة هذا فهذا طعن رصيح يف‬ ‫عائشة‪ ،‬وجرأة عىل مقام رسول اهلل ݕ‪.‬‬ ‫وهذه األحاديث هي التي جعلت الغرب يسيئون لالسالم ولشخصية‬ ‫رسول اهلل ݕ‪ ،‬كام صنع سلامن رشدي يف كتابه (آيات شيطانية)(‪ )4‬والكاتبة‬ ‫املرصية التي أ ّلفت كتاب ًا أسمته (احلب واجلنس يف حياة النبي)(‪ )7‬وغريمها‪.‬‬ ‫بل نجد بعض من ع ّ ر عنهم باحلفاظ أمثال عالء الدين مغلطاي يتأثر‬ ‫الصحاح حول حب النبي ݕ‬ ‫هبذه األحاديث وهذه القصص التي شحنت ّ‬ ‫لعائشة ومعارشته هلا‪ ،‬فأدرج قصتها يف كتابه (الواضح املبني يف ذكر من استشهد‬ ‫من املحبني)‪ ،‬مما جعل أهل السنة يثورون عليه‪ ،‬ويعاقبونه عىل ذلك كام نقل ابن‬ ‫العامد احلنبيل‪ ،‬حيث قال‪ :‬فلام كان يف سنة مخس وأربعني وقف له العالئي ملا‬ ‫تعرض فيه لذكر الصدّ يقة عائشة‬ ‫رحل إىل القاهرة عىل كتاب مجعه يف العشق‪ّ ،‬‬ ‫ريض اهلل تعاىل عنها‪ ،‬فأنكر عليه ذلك‪ ،‬ورفع أمره إىل املوفق احلنبيل‪ ،‬فاعتقله‬ ‫عزره‪ ،‬فانترص له ابن البابا‪ ،‬وخ ّلصه(‪.)1‬‬ ‫بعد أن ّ‬ ‫والعجيب أن هذا الكالم ال أثر له يف كل الطبعات املوجودة لكتاب‬ ‫تعرض فيه‬ ‫(‪ )4‬كتاب للمؤلف ال ريطاين من أصل هندي سلامن رشدي صدر يف سنة ‪4188‬م‪ّ ،‬‬ ‫بأبشع الصور حلياة النبي ݕ لكن بصورة قصصية‪.‬‬ ‫ضمنته كل ما يتعلق باجلنس‬ ‫(‪ )7‬كتاب للمؤلفة املرصية بسنت رشاد‪ ،‬صدر يف سنة ‪7448‬م‪ّ ،‬‬ ‫والعالقات الزوجية مستندة إىل أحاديث عائشة‪ ،‬ومنع الكتاب من قبل األزهر واحلكومة‬ ‫املرصية‪ ،‬وصدرت فتاوى هبدر دم املؤلفة رغم أهنا جمرد ناقلة!‬ ‫(‪ )1‬شذرات الذهب ‪.188/5‬‬


‫اإلفك املجهول يف كتب أهل السنة ‪111..........................................................‬‬

‫الواضح املبني‪ ،‬ولعل األيدي غري األمينة قد تالعبت هبا كام اعتدنا منهم ذلك‪.‬‬ ‫وقد حاول املحيش اهلروب من هذه احلقيقة عند عرضه هلذه احلادثة‪،‬‬ ‫فقال‪ :‬مل يرد مثل هذا القول يف الكتاب‪ ،‬فربام يكون قد عدل عنه‪ ،‬أو حذفه‬ ‫الناسخ‪ ،‬أو يكون ضمن الورقة التي مل ترد يف تصوير املخطوط يف أوله‪ ،‬وهذا‬ ‫بعيد(‪.)4‬‬ ‫فكل ما ذكرناه هو إفك حقيقي يف حق البيت النبوي وباخلصوص يف حق‬ ‫عائشة‪ ،‬وال أدري كيف يرىض علامء أهل السنة بمثل هذه األقوال املوجودة يف‬ ‫كتبهم دون تنقيح أو توضيح هلذه األمور الشنيعة التي خيجل اإلنسان عن نقلها‬ ‫فض ً‬ ‫ال عن تبنيها ونسبتها لنساء النبي ݕ‪.‬‬

‫(‪ )4‬الواضح املبني ‪.44‬‬



‫اأزالجه أمهاهتم!‬ ‫كثري ًا ما نسمع خمالفي الشيعة يصفون عائشة وغريها بأهنا أمهم‪ ،‬وقد‬ ‫سألت كثري ًا منهم حول معنى هذه التسمية وحدودها‪ ،‬فلم أجد جواب ًا خالي ًا من‬ ‫فكرروه من دون أن‬ ‫النقض واإلشكال؛ فعرفت أهنم تل ّقوا ذلك عن السابقني‪ّ ،‬‬

‫يفهموا له معنى صحيح ًا‪.‬‬

‫وكام هو معلوم فإن أصل هذا االطالق هو قوله‪ :‬ݨﯘ ﯙ ﯚ‬

‫ﯛ ﯜﯝ ﯞ ﯟﯠݩ [األحزاب‪ ،]5 :‬ففي هذه اآلية املباركة وصف اهلل‬ ‫سبحانه زوجات النبي ݕ باألمهات‪ ،‬ولكن لنا وقفات مع هذه اآلية الكريمة‪،‬‬ ‫فنقول‪:‬‬ ‫ال خيلو إما أن يكون إطالق األمهات عليهن إطالق ًا حقيق ايا‪ ،‬فيجب‬ ‫ترتيب كل أحكام األم احلقيقية عليهن‪ ،‬أو أن يكون إطالق ًا جماز ايا؛ لوجود‬ ‫معني‪.‬‬ ‫عالقة شبه بينهن وبني األم احلقيقية يف مورد ّ‬ ‫طبع ًا الوجه األول ال يقول به أحد؛ ألن األم احلقيقية هي التي ولدت كام‬ ‫عز من قائل‪ :‬ݨﭮ ﭯ ﭰ ﭱ‬ ‫رصح اهلل تعاىل بذلك يف حمكم التنزيل‪ ،‬فقال ّ‬ ‫ّ‬

‫ﭲݩ [املجادلة‪ ،]7 :‬وألجل ذلك مل يقل عامل معروف بوجوب ترتيب أحكام‬ ‫األم احلقيقية عىل نساء النبي ݕ‪ ،‬وهلذا رضب عليهن احلجاب كام نص عليه‬ ‫القرآن الكريم‪ ،‬يف قوله تعاىل‪ :‬ݨﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ‬

‫ﮤ ﮥ ﮦ ﮧﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔݩ‬


‫‪ .......................................... 114‬براءة نساء األنبياء من الزنا‪ :‬بني التحقيق والتلفيق‬ ‫[األحزاب‪:‬‬

‫‪ ،]11‬ولو كان حكمهن هو حكم األمهات احلقيقيات جلاز النظر‬

‫إليهن‪ ،‬وملسهن‪ ،‬واخللوة هبن‪ ،‬كام جاز ذلك مع األمهات احلقيقيات‪ ،‬وهذا ال‬ ‫يقول به أحد؛ ألنه خمالف لنص الكتاب بل إلمجا املسلمني‪.‬‬ ‫إذن يبقى الوجه الثاين‪ ،‬وهو أن إطالق األمهات عليهن إطالق جمازي؛‬ ‫لعالقة املشاهبة بني زوجات النبي ݕ مع األمهات احلقيقيات يف أمر خاص‪،‬‬ ‫وهو أن حرمة نكاحهن كحرمة نكاح األمهات احلقيقيات‪ ،‬ال أكثر من ذلك‪،‬‬ ‫فاملعنى‪ :‬وأزواجه مثل أمهاتم‪.‬‬ ‫قال القرطبي‪ :‬قال تعاىل‪ :‬ݨﯞﯟﯠݩ أي مثل أمهاتم(‪.)4‬‬ ‫ووجه ّ‬ ‫نص‬ ‫الش َبه هذا إنام هو يف حرمة التزويج هبم ال أكثر من ذلك‪ ،‬وقد ّ‬ ‫مفّسي أهل السنة عىل هذا املعنى‪:‬‬ ‫بعض ّ‬ ‫قال الط ري‪ :‬ݨ ﯞ ﯟﯠݩ يقول‪ :‬وحرمة أزواجه حرمة أمهاتم‬ ‫عليهم‪ ،‬يف أهنن حيرم عليهن نكاحهن من بعد وفاته‪ ،‬كام حيرم عليهم نكاح‬ ‫أمهاتم(‪.)7‬‬ ‫وإنام حرم نكاحهن بعد رسول اهلل ݕ ألن ذلك يؤذيه‪ ،‬كام قال تعاىل‪:‬‬ ‫ݨﯬﯭ ﯮﯯﯰﯱﯲﯳﯴﯵﯶ ﯷﯸﯹﯺﯻﯼ‬

‫ﯽﯾﯿﰀݩ [األحزاب‪.]11 :‬‬ ‫ولكن ربام يقال‪ :‬ملاذا ش ّبهن باألمهات‪ ،‬ومل يش ّبهن باألخوات‪ ،‬أو‬ ‫العامت‪ ،‬أو اخلاالت أو غريهن من املحارم الاليت ال جيوز نكاحهن‪.‬‬ ‫(‪ )4‬تفسري القرطبي ‪.111/5‬‬ ‫(‪ )7‬تفسري الط ري ‪.411/74‬‬


‫اإلفك املجهول يف كتب أهل السنة ‪116..........................................................‬‬

‫واجلواب عن ذلك واضح‪ ،‬فإن نكاح األمهات شنيع قبيح ال تفعله حتى‬ ‫عيل كظهر أمي»؛‬ ‫البهائم‪ ،‬ولذلك كان أهل اجلاهلية يظاهرون بقوهلم‪« :‬أنت ّ‬

‫لعظم وقبح هذا الفعل بخصوصه‪.‬‬

‫مفّسي أهل السنة من أن تشبيههن باألمهات‬ ‫أما ما ادعاه كثري من ّ‬ ‫يستلزم وجوب تعظيمهن واحرتامهن وبرهن كاألمهات احلقيقيات‪ ،‬فهذا ال‬ ‫دليل عليه‪ ،‬بل قام الدليل عىل خالفه عىل لسان عائشة!‬ ‫فإهنا ذكرت أهنا ليست أ اما للمؤمنات كام ورد يف عدة أخبار‪:‬‬ ‫منها‪ :‬ما أخرجه ابن سعد‪ :‬عن مّسوق‪ ،‬قال‪ :‬قالت امرأة لعائشة‪ :‬يا أمه‪،‬‬ ‫قالت‪ :‬إين لست بأمك‪ ،‬إنام أنا أم رجالكم(‪.)4‬‬ ‫وأخرج أمحد بن حنبل‪ :‬عن مليس أهنا قالت‪ :‬سألت عائشة‪ ،‬قالت‪ :‬قلت‬ ‫هلا‪ :‬املرأة تصنع الدهن حتبب إىل زوجها‪ ،‬فقالت‪ :‬أميطي عنك تلك التي ال ينظر‬ ‫عز وجل إليها‪ ،‬قالت‪ :‬وقالت امرأة لعائشة‪ :‬يا أمه‪ .‬فقالت عائشة‪ :‬إين لست‬ ‫اهلل ّ‬ ‫بأمكن‪ ،‬ولكني أختكن(‪.)7‬‬ ‫وقد اعرتف املخالفون بصحة هذه األخبار ومتامية داللتها عىل انتفاء‬ ‫كوهنن أمهات للمؤمنات‪.‬‬ ‫قال ابن كثري‪ :‬وهل يقال هلن‪« :‬أمهات املؤمنات»‪ ،‬فيدخل النساء يف مجع‬ ‫املذكر السامل تغليب ًا؟ فيه قوالن‪َ ،‬ص ّح عن عائشة ݣ أهنا قالت‪ :‬ال يقال ذلك‪.‬‬ ‫وهذا أصح الوجهني يف مذهب الشافعي ݤ(‪.)1‬‬ ‫(‪ )4‬الطبقات الك رى ‪.51/8‬‬ ‫(‪ )7‬مسند أمحد ‪.415/5‬‬ ‫(‪ )1‬تفسري ابن كثري ‪.111/1‬‬


‫‪ .......................................... 118‬براءة نساء األنبياء من الزنا‪ :‬بني التحقيق والتلفيق‬

‫ولذلك جزم ابن اجلوزي بأن معنى األمومة حرمة النكاح فقط‪ ،‬فقال يف‬ ‫تفسريه‪ :‬يف حتريم نكاحهن عىل التأبيد‪ ،‬ووجوب إجالهلن وتعظيمهن‪ ،‬وال‬ ‫جتري عليهن أحكام األمهات يف كل يشء‪ ،‬إذ لو كان كذلك ملا جاز ألحد أن‬ ‫يتزوج بناتن‪ ،‬ولورثن املسلمني‪ ،‬وجلازت اخللوة هبن‪ .‬وقد روى مّسوق عن‬ ‫ّ‬ ‫عائشة أن امرأة قالت‪ :‬يا أماه‪ ،‬فقالت‪ :‬لست لك بأم‪ ،‬إنام أنا أم رجالكم‪ .‬فبان‬ ‫هبذا احلديث أن معنى األمومة حتريم نكاحهن فقط(‪.)4‬‬ ‫وعليه فتشبيههن باألمهات إنام هو يف حرمة النكاح فقط‪ ،‬وهو خاص‬ ‫بحياة زوجات النبي ݕ‪ ،‬ومقصور عىل من عارصهن‪ ،‬أما بعد وفاتن فال‬ ‫معنى ألمومتهن لنا يف هذا العرص؛ النتفاء احلكم بانتفاء موضوعه‪.‬‬ ‫أما ما رواه الشيخ الصدوق ݞ من أن أمومة املؤمنني رشف كام ورد عىل‬ ‫لسان إمامنا صاحب األمر ݗ كام يف قصة لقائه مع سعد‪ ،‬حيث جاء يف اخل ر‪:‬‬ ‫فوض رسول اهلل ݕ حكمه إىل‬ ‫فأخ رين يا ابن موالي عن معنى الطالق الذي ّ‬ ‫أمري املؤمنني ݠ‪ ،‬قال‪ :‬إن اهلل تقدّ س اسمه ع ّظم شأن نساء النبي ݕ‪،‬‬ ‫فخصهن برشف األمهات‪ ،‬فقال رسول اهلل‪ :‬يا أبا احلسن إن هذا الرشف ٍ‬ ‫باق‬ ‫ّ‬ ‫هلن ما دمن اهلل عىل الطاعة(‪ ،)7‬فأيتهن عصت اهلل بعدي باخلروج عليك فأطلق‬ ‫هلا يف األزواج(‪ ،)1‬وأسقطها من رشف أمومة املؤمنني(‪.)1‬‬ ‫نص عىل ذلك‬ ‫فجوابه‪ :‬أن هذه الرواية ضعيفة السند‪ ،‬بل موضوعة كام ّ‬ ‫مجلة من علامئنا األبرار‪:‬‬ ‫(‪ )4‬زاد املسري ‪.487/5‬‬ ‫(‪ )7‬كذا يف املصدر‪ ،‬ويف االحتجاج ‪ :714/7‬ما دمن هلل عىل طاعة‪.‬‬ ‫(‪)1‬كذا يف املصدر‪ ،‬ويف االحتجاج ‪ :714/7‬فط ّلقها من األزواج‪.‬‬ ‫(‪ )1‬كامل الدين ومتام النعمة‪.111 :‬‬


‫اإلفك املجهول يف كتب أهل السنة ‪111..........................................................‬‬

‫منهم‪ :‬النجايش الذي قال يف ترمجة سعد بن عبد اهلل‪ :‬ورأيت بعض‬ ‫أصحابنا يض ّعفون لقاءه أليب حممد ݠ‪ ،‬ويقولون‪ :‬هذه حكاية موضوعة‬ ‫عليه(‪.)4‬‬ ‫ولفظ «أصحابنا» يدل عىل أن الذين ضعفوا هذا اخل ر جمموعة من علامء‬ ‫الطائفة األجالء‪.‬‬ ‫تعرض يف رجاله‬ ‫كام أن فقيه عرصه ووحيد دهره السيد اخلوئي ݞ قد ّ‬ ‫وبني وجه ضعفها‪ ،‬فقال‪ :‬وهذه الرواية ضعيفة السند جدا ا‪ ،‬فإن‬ ‫هلذه الرواية‪ّ ،‬‬

‫حممد بن بحر بن سهل الشيباين مل يو ّثق‪ ،‬وهو متهم بالغلو‪ ،‬وغريه من رجال‬ ‫سند الرواية جماهيل‪ ،‬عىل أهنا قد اشتملت عىل أمرين ال يمكن تصديقهام‪:‬‬ ‫أحدمها‪ :‬حكايتها صد احلجة سالم اهلل عليه أباه من الكتابة‪ ،‬واإلمام‬ ‫ݠ كان يشغله ب َرد الرمانة الذهبية! إذ يقبح صدور ذلك من الصبي املميّز‪،‬‬ ‫فكيف ممن هو عامل بالغيب وبجواب املسائل الصعبة؟‬ ‫الثاين‪ :‬حكايتها عن موت أمحد بن إسحاق يف زمان العسكري ݠ‪ ،‬مع‬ ‫أنك عرفت يف ترمجته أنه عاش إىل ما بعد العسكري ݠ(‪.)7‬‬ ‫ثم متنها ال يدل عىل ما يذهب إليه هذا املستشكل‪ ،‬فاملقصود من الرشف‬ ‫هنا هو الرشف االجتامعي الذي يتحقق باالقرتان بالنبي ݕ كام هو الرشف‬ ‫بالنسبة للسادة أو (األرشاف) اليوم‪ ،‬فال يعني هذا أهنم فوق بقية البرش‪ ،‬أو أهنم‬ ‫رتمون لكوهنم من ذرية رسول اهلل ݕ‪،‬‬ ‫فوق املعصية واخلطأ‪ ،‬بل إهنم حي َ‬ ‫ولذلك كان األمر بتطليق عائشة هو إهناء ألي يشء يمكن أن تتمسك به جلمع‬ ‫(‪ )4‬رجال النجايش‪.411 :‬‬ ‫(‪ )7‬معجم رجال احلديث ‪.87/1‬‬


‫‪ .......................................... 101‬براءة نساء األنبياء من الزنا‪ :‬بني التحقيق والتلفيق‬

‫الناس حوهلا يف حرهبا ضد أمري املؤمنني ݠ‪.‬‬ ‫إذن فأمومة املؤمنني هي حكم رشعي‪ ،‬انتهى أمد العمل به بموت‬ ‫زوجات النبي ݕ‪ ،‬وليست مقام ًا إهل ايا أو ترشيف ًا ربان ايا هلن‪ ،‬فال يصح لشخص‬ ‫أن يدّ عي أن واحدة من نساء النبي ݕ أمه‪ ،‬إال بمعنى أهنا مثل أمه حيرم عليه‬ ‫نكاحها لو عارصها‪ ،‬وإن كان التزويج هبا اآلن ليس حمل ابتالء‪.‬‬


‫ع ْودٌ عفى بدء‬ ‫َ‬ ‫الشيعة اإلمامية االثنا عرشية ينزهون زوجات األنبياء عن الزنا‪ ،‬وما ورد‬ ‫يف كتبهم من روايات ظاهرها خيالف هذا الكالم فهي إما ضعيفة سند ًا‪ ،‬أو ال‬ ‫تدل عىل املطلوب‪.‬‬ ‫أما الذين يرفعون شعار الدفا عن بعض زوجات رسول اهلل ݕ من‬ ‫الطوائف األخرى فإهنم وإن كانوا يف الظاهر يدّ عون أهنم يدافعون عىل نساء‬ ‫األنبياء ݜ وباخلصوص زوجات نب ّينا حممد ݕ‪ ،‬إال أن كتبهم احلديثية‬ ‫وصحاحهم مشتملة عىل أحاديث كثرية ال ختلو من الطعن الرصيح املكشوف‬ ‫مر بيان ذلك‪.‬‬ ‫يف رسول اهلل ݕ‪ ،‬ويف بعض زوجاته كام ّ‬ ‫ولذلك فنحن ندعو هؤالء إما إىل مراجعة كتبهم وتنقيتها من هذه‬ ‫يسمى‬ ‫الروايات واآلراء املسيئة لرسول اهلل ݕ ولنسائه‪ ،‬وإن وردت فيام ّ‬ ‫بالصحيحني أو كانت صحيحة السند؛ ألن األمر يدور بني مراعاة مؤلفي هذه‬ ‫الكتب ورواة تلك األحاديث‪ ،‬أو مراعاة رسول اهلل ݕ‪ ،‬ومراعاة النبي ݕ‬ ‫أوىل وأهم‪.‬‬ ‫وإذا أبوا ذلك فعليهم أن يتوقفوا عن رفع هذه الشعارات املز ّيفة الكاذبة‬ ‫التي طاملا خدعوا هبا عوامهم‪ ،‬والتي ال يريدون هبا يف احلقيقة إال إثارة الفتنة‬ ‫الطائفية والكيد للشيعة الذين هم برآء من كل ما يلصقه هؤالء هبم‪ ،‬ولئن صدر‬ ‫يشء من اإلساءة من بعض الشيعة‪ ،‬فإن أضعاف ذلك صدر من بعض املنتسبني‬ ‫إىل مذهب أهل السنة‪ ،‬ومل حيرك هؤالء ساكن ًا‪ ،‬ومل تأخذهم الغرية عىل نساء‬


‫‪ .......................................... 101‬براءة نساء األنبياء من الزنا‪ :‬بني التحقيق والتلفيق‬

‫نب ّيهم كام يدعون‪.‬‬ ‫ونحن بيّنّنا فيام سبق رأي علامء الشيعة يف زوجات األنبياء عامة‪ ،‬ويف‬ ‫رصح به أساطني‬ ‫زوجات رسول اهلل ݕ خاصة‪ ،‬وكل من يقول خالف ما ّ‬

‫علامء املذهب فإن رأيه شاذ‪ ،‬ال يلزم به الشيعة‪ ،‬وهو مردود عىل قائله‪.‬‬

‫عز وجل اهلداية جلميع املسلمني يف العامل‪ ،‬وأن يرهيم احلق ح اقا‬ ‫نسأل اهلل ّ‬ ‫ويرزقهم اتباعه‪ ،‬ويؤلف بني قلوهبم‪ ،‬إنه سميع جميب الدعوات‪.‬‬ ‫اللهم كن لوليك احلجة بن احلسن صلواتك عليه وعىل آبائه يف هذه‬ ‫الساعة ويف كل ساعة ول ايا وحافظ ًا وقائد ًا ونارص ًا ودلي ً‬ ‫ال وعين ًا‪ ،‬حتى تسكنه‬ ‫أرضك طوع ًا‪ ،‬ومتتعه فيها طوي ً‬ ‫ال‪ ،‬برمحتك يا أرحم الرامحني‪.‬‬


‫لملصادر‬ ‫‪ -4‬القرآن الكريم‪.‬‬ ‫(أ)‬ ‫‪ -7‬األمايل‪ :‬عيل بن احلسني املوسوي املعروف بالرشيف املرتىض‪ -‬منشورات‬ ‫آية اهلل املرعيش النجفي‪ -‬الطبعة األوىل ‪.4171‬‬ ‫‪ -1‬أعيان الشيعة‪ :‬السيد حمسن األمني العاميل‪ -‬دار التعارف للمطبوعات‪،‬‬ ‫بريوت لبنان‪ -‬الطبعة األوىل‪.‬‬ ‫‪ -1‬اإلصابة يف متييز الصحابة‪ :‬أمحد بن عيل بن حجر العسقالين‪ -‬دار الكتب‬ ‫العلمية‪ ،‬بريوت لبنان‪ -‬الطبعة األوىل ‪.4141‬‬ ‫‪ -1‬األمايل‪ :‬أبو جعفر حممد بن احلسن الطويس‪ -‬مؤسسة البعثة للطباعة والنرش‬ ‫والتوزيع‪ -‬الطبعة األوىل ‪.4141‬‬ ‫‪ -5‬أضواء البيان يف إيضاح القرآن بالقرآن‪ :‬حممد األمني بن حممد املختار‬ ‫الشنقيطي‪ -‬جممع الفقه اإلسالمي‪ ،‬جدة‪.‬‬ ‫‪ -1‬االستيعاب يف معرفة األصحاب‪ :‬يوسف بن عبد اهلل بن عبد ال ر‪ -‬دار‬ ‫اجليل‪ ،‬بريوت لبنان‪ -‬الطبعة األوىل‪.4117‬‬ ‫‪ -8‬أسد الغابة يف معرفة الصحابة‪ :‬جمد الدين املبارك بن حممد بن األثري‪ -‬دار‬ ‫الكتب العلمية‪ ،‬بريوت لبنان‪.‬‬ ‫‪ -1‬اإلجابة إليراد ما استدركته عائشة عىل الصحابة‪ :‬بدر الدين حممد بن‬


‫‪ .......................................... 101‬براءة نساء األنبياء من الزنا‪ :‬بني التحقيق والتلفيق‬

‫عبد اهلل الزركيش‪ -‬املكتب اإلسالمي‪ -‬الطبعة الرابعة ‪.7444‬‬ ‫‪ -44‬إمتاع األسامع‪ :‬تقي الدين أمحد بن عيل املقريزي‪ -‬دار الكتب العلمية‪،‬‬ ‫بريوت لبنان ‪ -‬الطبعة األوىل ‪.4111‬‬ ‫‪ -44‬أجوبة املسائل يف الفكر والعقيدة والتاريخ واألخالق‪ :‬املرجع الديني‬ ‫السيد حممد صادق احلسيني الروحاين‪.‬‬ ‫‪ -47‬اآلحاد واملثاين‪ :‬أمحد بن عمرو الضحاك بن أيب عاصم‪ -‬دار الدراية للطبع‬ ‫والنرش والتوزيع‪ ،‬الرياض السعودية‪ -‬الطبعة األوىل‪.4114‬‬ ‫‪ -41‬أمايل املرتىض‪ :‬الرشيف عيل بن احلسني املوسوي املرتىض‪ -‬املكتبة‬ ‫العرصية‪ ،‬بريوت لبنان‪.‬‬ ‫‪ -41‬االستذكار‪ :‬أبو عمر يوسف بن عبد اهلل بن عبد ال ر‪ -‬دار قتيبة للطباعة‬ ‫والنرش والتوزيع‪.‬‬ ‫‪ -41‬االحتجاج‪ :‬الشيخ أبو منصور أمحد بن عيل الط ريس‪ -‬مكتبة دار املجتبى‪،‬‬ ‫النجف األرشف العراق‪ -‬الطبعة األوىل‪.4114‬‬ ‫(ب)‬ ‫‪ -45‬بحار األنوار اجلامعة لدرر األئمة األطهار‪ :‬العالمة حممد باقر املجليس‪-‬‬ ‫دار إحياء الرتاث العريب‪ ،‬بريوت لبنان‪.‬‬ ‫‪ -41‬البداية والنهاية‪ :‬أبو الفداء إسامعيل بن كثري الدمشقي‪ -‬دار إحياء الرتاث‬ ‫العريب‪ ،‬بريوت لبنان‪ -‬الطبعة األوىل ‪.4148‬‬ ‫(ت)‬ ‫‪ -48‬التبيان يف تفسري القرآن‪ :‬الشيخ حممد بن احلسن الطويس‪ -‬دار إحياء‬


‫املصادر ‪101....................................................................................‬‬

‫الرتاث العريب‪ -‬الطبعة األوىل‪.‬‬ ‫‪ -41‬تفسري عيل بن إبراهيم ‪ :‬عيل بن إبراهيم بن هاشم القمي‪ -‬مؤسسة دار‬ ‫الكتاب للطباعة والنرش‪ -‬الطبعة الثالثة ‪.4141‬‬ ‫‪ -74‬تفسري العيايش‪ :‬حممد بن مسعود العيايش‪ -‬مؤسسة األعلمي‬ ‫للمطبوعات‪ ،‬بريوت لبنان‪ -‬الطبعة الثانية ‪4114‬هـ‪.‬‬ ‫‪ -74‬تلخيص احلبري يف ختريج أحاديث الرافعي الكبري‪ :‬أمحد بن عيل بن حجر‬ ‫العسقالين‪ -‬دار الفكر للنرش و التوزيع‪.‬‬ ‫‪ -77‬تفسري القرآن العظيم‪ :‬أبو الفداء إسامعيل بن كثري الدمشقي‪ -‬دار املعرفة‬ ‫للطباعة والنرش والتوزيع‪ ،‬بريوت لبنان‪ -‬الطبعة األوىل ‪.4117‬‬ ‫‪ -71‬تفسري السمرقندي‪ :‬أبو الليث نرص بن حممد السمرقندي‪ -‬دار الكتب‬ ‫العلمية‪ -‬الطبعة األوىل ‪.4111‬‬ ‫‪ -71‬تفسري القرآن العظيم مسند اا‪ :‬عبد الرمحن بن حممد بن أيب حاتم الرازي‪-‬‬ ‫دار الفكر للطباعة والنرش والتوزيع‪.‬‬ ‫‪ -71‬تفسري عبد الرزاق‪ :‬عبد الرزاق بن مهام الصنعاين‪ -‬مكتبة الرشد للنرش‬ ‫والتوزيع‪ -‬الطبعة األوىل ‪.4181‬‬ ‫‪ -75‬تاريخ اإلسالم ووفايات املشاهري واألعالم‪ :‬شمس الدين حممد بن أمحد بن‬ ‫عثامن الذهبي‪ -‬دار الكتاب العريب‪-‬الطبعة الثانية ‪.4118‬‬ ‫‪ -71‬تفسري اجلاللني‪ :‬جالل الدين السيوطي‪ ،‬وجالل الدين حممد بن أمحد‬ ‫املحىل‪ -‬دار الفكر‪ ،‬بريوت لبنان‪.‬‬ ‫‪ -78‬تاريخ الطربي‪ :‬حممد بن جرير الط ري‪ -‬دار الكتب العلمية‪ ،‬بريوت‬ ‫لبنان‪ -‬الطبعة األوىل ‪.4141‬‬


‫‪ .......................................... 104‬براءة نساء األنبياء من الزنا‪ :‬بني التحقيق والتلفيق‬

‫‪ -71‬تعجيل املنفعة بزوائد رجال األئمة األربعة‪ :‬أمحد بن عيل بن حجر‬ ‫العسقالين‪ -‬دار الكتاب العريب‪ ،‬بريوت لبنان‪.‬‬ ‫‪ -14‬تفسري التحرير والتنوير‪ :‬االمام حممد طاهر بن عاشور‪ -‬مؤسسة التاريخ‬ ‫العريب‪ ،‬بريوت لبنان‪.‬‬ ‫(ث)‬ ‫‪ -14‬الثقات‪ :‬أبو حاتم حممد بن حبان البستي‪ -‬دار الفكر‪ ،‬بريوت لبنان‪-‬‬ ‫حتقيق رشف الدين أمحد‪ -‬الطبعة األوىل‪.4111‬‬ ‫(ج)‬ ‫‪ -17‬جامع الشتات‪ :‬حممد بن إسامعيل بن احلسني اخلاجوئي‪ -‬سلسلة آثار‬ ‫املحقق اخلاجوئي‪ -‬الطبعة األوىل‪.‬‬ ‫‪ -11‬اجلامع ألحكام القرآن‪ :‬حممد بن أمحد األنصاري القرطبي‪ -‬دار إحياء‬ ‫الرتاث العريب‪ ،‬بريوت لبنان‪ -‬الطبعة االوىل ‪.4181‬‬ ‫‪ -11‬اجلامع الصحيح‪ :‬حممد بن إسامعيل البخاري‪ -‬دار الفكر للطباعة والنرش‬ ‫والتوزيع‪ -‬الطبعة األوىل ‪.4184‬‬ ‫‪ -11‬اجلامع الصحيح‪ :‬مسلم بن احلجاج النيسابوري‪ -‬دار الفكر للطباعة‬ ‫والنرش والتوزيع‪ -‬الطبعة األوىل ‪.4184‬‬ ‫‪ -15‬جامع البيان عن تأويل آي القرآن‪ :‬أبو جعفر حممد بن جرير الط ري‪ -‬دار‬ ‫الفكر للطباعة والنرش والتوزيع‪ -‬الطبعة األوىل ‪.4111‬‬ ‫‪ -11‬اجلمع بني رجال الصحيحني‪ :‬حممد بن طاهر املقديس‪ -‬دار الكتب‬ ‫العلمية‪ ،‬بريوت لبنان‪ -‬الطبعة الثانية ‪.4141‬‬


‫املصادر ‪106....................................................................................‬‬

‫(ح)‬ ‫‪ -18‬احلصون املنيعة يف براءة عائشة الصديقة‪ :‬حممد عارف الدمشقي‬ ‫الشافعي‪ -‬دار الكتب العلمية‪.‬‬ ‫‪ -11‬احلب واجلنس يف حياة النبي‪ :‬بسنت الرشاد‪ -‬دار حورية للنرش والتوزيع‪،‬‬ ‫امبابة مرص‪.‬‬ ‫(خ)‬ ‫‪ -14‬اخلصال‪ :‬الشيخ حممد بن عيل بن احلسني بن بابويه الصدوق‪ -‬مؤسسة‬ ‫األعلمي للمطبوعات‪ -‬حتقيق عيل أك ر غفاري‪.‬‬ ‫(د)‬ ‫‪ -14‬دروس متهيدية يف القواعد الرجالية‪ :‬الشيخ باقر اإليرواين‪ -‬مكتبة دار‬ ‫اجلوادين ݟ ‪ -‬الطبعة الثانية‪.‬‬ ‫‪ -17‬الدر املنثور يف التفسري باملاثور‪ :‬جالل الدين عبد الرمحن السيوطي‪ -‬دار‬ ‫الفكر‪ ،‬بريوت لبنان‪.‬‬ ‫‪ -11‬دالئل اإلمامة‪ :‬أبو جعفر حممد بن جرير الط ري الصغري‪ -‬مؤسسة‬ ‫األعلمي للمطبوعات‪ ،‬بريوت لبنان‪ -‬الطبعة الثانية ‪.4188‬‬ ‫(ذ)‬ ‫‪ -11‬الذريعة إىل تصانيف الشيعة‪ :‬آغا بزرك الطهراين‪ -‬دار األضواء‪ ،‬بريوت‬ ‫لبنان‪ -‬الطبعة الثالثة ‪.4141‬‬


‫‪ .......................................... 108‬براءة نساء األنبياء من الزنا‪ :‬بني التحقيق والتلفيق‬

‫(ر)‬ ‫‪ -11‬روح املعاين يف تفسري القرآن العظيم والسبع املثاين‪ :‬شهاب الدين حممود بن‬ ‫عبداهلل اآللويس‪ -‬دار إحياء الرتاث العريب‪ ،‬بريوت‪.‬‬ ‫‪ -15‬رسالة حول خرب مارية‪ :‬الشيخ حممد بن حممد بن النعامن املفيد‪ -‬مؤسسة‬ ‫التاريخ العريب‪ -‬الطبعة األوىل‪.‬‬ ‫(ز)‬ ‫‪ -11‬زاد املعاد يف هدي خري العباد‪ :‬حممد بن أيب بكر بن قيم اجلوزية‪ -‬دار‬ ‫الفجر للرتاث‪ ،‬القاهرة‪ -‬الطبعة الثانية ‪.7444‬‬ ‫‪ -18‬زاد املسري يف علم التفسري‪ :‬أبو الفرج عبد الرمحن بن اجلوزي‪ -‬دار الفكر‬ ‫للطباعة والنرش والتوزيع‪ ،‬بريوت لبنان‪ -‬الطبعة األوىل ‪.4181‬‬ ‫(س)‬ ‫‪ -11‬كتاب سليم بن قيس‪ :‬سليم بن قيس اهلاليل العامري‪ -‬مطبعة اهلادي‪ ،‬قم‬ ‫إيران‪ -‬الطبعة األوىل ‪4174‬هـ‪.‬‬ ‫‪ -14‬سلسلة األحاديث الصحيحة ويشء من فقهها وفوائدها‪ :‬حممد نارص‬ ‫الدين األلباين‪ -‬مكتبة املعارف‪ -‬الطبعة األوىل ‪.4111‬‬ ‫‪ -14‬سري أعالم النبالء‪ :‬شمس الدين حممد بن أمحد بن عثامن الذهبي‪ -‬مؤسسة‬ ‫الرسالة‪ ،‬بريوت لبنان‪ -‬الطبعة التاسعة ‪.4111‬‬ ‫‪ -17‬سنن أيب داود‪ :‬سليامن بن األشعث السجستاين‪ -‬دار الفكر‪ ،‬بريوت لبنان‬ ‫ حتقيق حممد حميي الدين عبد احلميد ‪ -‬تعليق كامل احلوت‪.‬‬‫‪ -11‬السنن الكربى‪ :‬أمحد بن شعيب النسائي‪ -‬دار الكتب العلمية‪ ،‬بريوت‬


‫املصادر ‪101....................................................................................‬‬

‫لبنان‪ -‬الطبعة األوىل ‪.4114‬‬ ‫‪ -11‬سنن الرتمذي‪ :‬حممد بن عيسى بن سورة الرتمذي‪ -‬دار الفكر‪ ،‬بريوت‬ ‫لبنان‪ -‬حتقيق عبد الوهاب عبد اللطيف‪.‬‬ ‫‪ -11‬السرية النبوية‪ :‬عبد امللك بن هشام بن أيوب احلمريي‪ -‬دار الكتب‬ ‫العلمية‪ ،‬بريوت لبنان‪.‬‬ ‫‪ -15‬السنة‪ :‬أمحد بن حممد بن هارون اخلالل‪ -‬دار الراية للنرش والتوزيع‪،‬‬ ‫الرياض السعودية‪ -‬الطبعة اخلامسة ‪.7441‬‬ ‫‪ -15‬السرية احللبية يف سرية األمني املأمون‪ :‬عيل بن برهان الدين احللبي‬ ‫الشافعي‪ -‬املطبعة األزهرية بمرص‪ -‬الطبعة الثانية ‪.4117‬‬ ‫(ش)‬ ‫‪ -11‬رشح أصول الكايف‪ :‬املوىل حممد صالح املازندراين‪ -‬مؤسسة التاريخ‬ ‫العريب‪ -‬الطبعة الثانية ‪.7448‬‬ ‫‪ -18‬رشح مشكل اآلثار‪ :‬أبو جعفر أمحد بن حممد الطحاوي‪ -‬مؤسسة‬ ‫الرسالة‪ -‬الطبعة األوىل ‪.4141‬‬ ‫‪ -11‬رشح صحيح مسلم‪ :‬أبو زكريا حييى بن رشف النووي‪ -‬دار الكتاب‬ ‫العريب‪ ،‬بريوت لبنان‪ -‬الطبعة األوىل ‪.4181‬‬ ‫‪ -54‬رشح العقيدة الواسطية‪ :‬حممد بن صالح بن عثيمني‪ -‬مؤسسة الرسالة‬ ‫للطباعة والنرش والتوزيع‪.‬‬ ‫‪ -54‬شذرات الذهب يف أخبار من ذهب‪ :‬أبو الفالح عبد احلي بن العامد‬ ‫احلنبيل‪ -‬دار الكتب العلمية‪ ،‬بريوت لبنان‪.‬‬


‫‪ .......................................... 111‬براءة نساء األنبياء من الزنا‪ :‬بني التحقيق والتلفيق‬

‫(ص)‬ ‫‪ -57‬الصحاح تاج اللغة وصحاح العربية‪ :‬إسامعيل بن محاد اجلوهري‪ -‬دار‬ ‫العلم للماليني‪ ،‬القاهرة‪ -‬الطبعة الرابعة ‪.4181‬‬ ‫‪ -51‬صحيح سنن أيب داود‪ :‬حممد نارص الدين األلباين‪ -‬مكتبة املعارف‬ ‫بالرياض‪ -‬الطبعة الثانية ‪7444‬م‪.‬‬ ‫‪ -51‬صحيح سنن الرتمذي‪ :‬حممد نارص الدين األلباين‪ -‬مكتبة املعارف‬ ‫بالرياض‪ -‬الطبعة الثانية ‪7444‬م‪.‬‬ ‫(ض)‬ ‫‪ -51‬الضعفاء الكبري‪ :‬حممد بن عمرو العقييل‪ -‬دار الكتب العلمية‪ ،‬بريوت‬ ‫لبنان‪ -‬الطبعة الثانية ‪.4118‬‬ ‫(ط)‬ ‫‪ -55‬الطبقات الكربى‪ :‬حممد بن سعد بن منيع البغدادي‪ -‬دار صادر‪ ،‬بريوت‬ ‫لبنان‪ -‬الطبعة األوىل ‪.4158‬‬ ‫(ع)‬ ‫‪ -51‬علل الرشائع‪ :‬حممد بن عيل بن بابويه الصدوق‪ -‬مؤسسة األعلمي‬ ‫للمطبوعات‪ ،‬بريوت لبنان‪.‬‬ ‫‪ -58‬عيون أخبار الرضا‪ :‬الشيخ حممد بن عيل بن بابويه الصدوق‪ -‬مؤسسة‬ ‫األعلمي للمطبوعات‪ ،‬بريوت لبنان‪ -‬الطبعة األوىل ‪4141‬هـ‬


‫املصادر ‪110....................................................................................‬‬

‫‪ -51‬عمدة القاري يف رشح صحيح البخاري‪ :‬بدر الدين حممد بن أمحد العيني‪-‬‬ ‫دار إحياء الرتاث العريب‪ ،‬بريوت لبنان‪.‬‬ ‫‪ -14‬عون املعبود يف رشح سنن أيب داود‪ :‬حممد شمس احلق العظيم آبادي‪ -‬دار‬ ‫الكتب العلمية‪ ،‬بريوت لبنان‪ -‬الطبعة الثانية ‪.4111‬‬ ‫(ف)‬ ‫‪ -14‬فتح القدير اجلامع بني فني الرواية والدراية من علم التفسري‪ :‬حممد بن‬ ‫عيل الشوكاين‪ -‬طبعة دار الفكر‪ -‬الطبعة االوىل‪.4141‬‬ ‫‪ -17‬فقيه من ال حيرضه الفقيه‪ :‬حممد بن عيل بن بابويه الصدوق‪ -‬دار األضواء‬ ‫للطباعة والنرش والتوزيع‪ -‬الطبعة الثانية‪.7444‬‬ ‫‪ -11‬فتح الباري يف رشح صحيح البخاري‪ :‬أمحد بن عيل بن حجر العسقالين‪-‬‬ ‫دار املعرفة للطباعة والنرش‪ ،‬بريوت لبنان‪ -‬الطبعة الثانية‪.‬‬ ‫‪ -11‬فتح املنعم يف رشح صحيح مسلم‪ :‬موسى شاهني الشني‪ -‬دار الرشوق‪-‬‬ ‫الطبعة األوىل‪.7447‬‬ ‫‪ -11‬الفهرست‪ :‬أبو العباس أمحد بن عيل النجايش‪ -‬مؤسسة األعلمي‬ ‫للمطبوعات‪ ،‬بريوت لبنان‪ -‬الطبعة األوىل ‪.4114‬‬ ‫(ق)‬ ‫‪ -15‬قرب اإلسناد‪ :‬عبد اهلل بن جعفر احلمريي‪ -‬مؤسسة آل البيت إلحياء‬ ‫الرتاث‪ -‬الطبعة األوىل ‪.4141‬‬ ‫‪ -11‬القاموس املحيط‪ :‬حممد بن يعقوب الفريوزآبادي‪ -‬مؤسسة الرسالة‪-‬‬ ‫الطبعة الثامنة ‪.7441‬‬


‫‪ .......................................... 111‬براءة نساء األنبياء من الزنا‪ :‬بني التحقيق والتلفيق‬

‫(ك)‬ ‫‪ -18‬الكشاف عن حقائق التنزيل وعيون األقاويل يف وجوه التأويل‪ :‬جار اهلل‬ ‫حممود بن عمر الزخمرشي‪ -‬دار الكتاب العريب‪ ،‬بريوت لبنان ‪.7448‬‬ ‫‪ -11‬الكايف‪ :‬حممد بن يعقوب الكليني‪ -‬دار األضواء للطباعة والنرش‬ ‫والتوزيع‪ -‬الطبعة الثانية‪.7444‬‬ ‫‪ -84‬كليات يف علم الرجال‪ :‬الشيخ جعفر السبحاين‪ -‬مؤسسة النرش‬ ‫اإلسالمي‪ -‬الطبعة الثالثة ‪.4141‬‬ ‫‪ -84‬الكفاية يف علم الرواية‪ :‬اخلطيب أبو بكر أمحد بن عيل البغدادي‪ -‬دار‬ ‫الكتاب العريب‪ ،‬بريوت لبنان‪ -‬الطبعة األوىل ‪.4181‬‬ ‫‪ -87‬الكامل يف التاريخ‪ :‬عز الدين عيل بن حممد ابن األثري‪ -‬دار صادر للطباعة‬ ‫والنرش‪ ،‬بريوت لبنان‪ -‬الطبعة األوىل ‪.4151‬‬ ‫‪ -81‬كامل الدين ومتام النعمة‪ :‬الشيخ حممد بن عيل بن احلسني بن بابويه‬ ‫الصدوق‪ -‬دار املرتىض‪ ،‬بريوت لبنان‪ -‬الطبعة األوىل ‪.7441‬‬ ‫(ل)‬ ‫‪ -81‬لسان العرب‪ :‬مجال الدين حممد بن مكرم بن منظور األفريقي‪ -‬نرش أدب‬ ‫احلوزة‪ -‬الطبعة األوىل ‪.4141‬‬ ‫(م)‬ ‫‪ -81‬جممع البيان يف تفسري القرآن‪ :‬الفضل بن احلسن الط ريس‪ -‬مؤسسة‬ ‫األعلمي للمطبوعات‪ -‬الطبعة األوىل‪.‬‬ ‫‪ -85‬جممع البحرين‪ :‬الشيخ فخر الدين الطرحيي‪ -‬النارش مرتضوي‪ -‬حتقيق‬


‫املصادر ‪111....................................................................................‬‬

‫السيد أمحد احلسيني‪ -‬الطبعة األوىل ‪.4154‬‬ ‫‪ -81‬امليزان يف تفسري القرآن‪ :‬السيد حممد حسني الطباطبائي‪ -‬مؤسسة األعلمي‬ ‫للمطبوعات‪ ،‬بريوت لبنان‪ -‬الطبعة األوىل ‪.4111‬‬ ‫‪ -88‬معاين األخبار‪ :‬الشيخ حممد بن عيل بن بابويه الصدوق‪ -‬مؤسسة التاريخ‬ ‫العريب‪ ،‬بريوت لبنان‪ -‬الطبعة األوىل ‪.4114‬‬ ‫‪ -81‬مفاتيح الغيب‪ :‬فخر الدين حممد بن عمر الرازي‪ -‬دار إحياء الرتاث‬ ‫العريب‪ ،‬بريوت لبنان‪ -‬الطبعة األوىل ‪7448‬م‬ ‫‪ -14‬مدارك التنزيل وحقائق التأويل‪ :‬أبو ال ركات عبد اهلل بن أمحد النسفي‪-‬‬ ‫دار النفائس‪ ،‬بريوت لبنان‪.‬‬ ‫‪ -14‬مقاييس اللغة‪ :‬أبو احلسني أمحد بن فارس بن زكريا‪ -‬دار احلديث‪،‬‬ ‫القاهرة‪ -‬الطبعة األوىل ‪.7448‬‬ ‫‪ -17‬املستدرك عىل الصحيحني‪ :‬أبو عبد اهلل احلاكم النيسابوري‪ -‬دار املعرفة‬ ‫للنرش والتوزيع‪ ،‬بريوت لبنان‪.‬‬ ‫‪ -11‬مشارق أنوار اليقني يف أرسار أمري املؤمنني ݠ‪ :‬احلافظ رجب ال ريس‪-‬‬ ‫مؤسسة األعلمي للمطبوعات‪ -‬الطبعة األوىل ‪.4111‬‬ ‫‪ -11‬مرقاة املفاتيح يف رشح مشكاة املصابيح‪ :‬املال عيل بن سلطان حممد‬ ‫القاري‪ -‬دار الكتب العلمية‪ ،‬بريوت لبنان‪ -‬الطبعة األوىل ‪.7444‬‬ ‫‪ -11‬املسند‪ :‬إسحاق بن إبراهيم بن راهويه‪ -‬مكتبة اإليامن‪ ،‬املدينة املنورة‪-‬‬ ‫الطبعة األوىل ‪.4114‬‬ ‫‪ -15‬ميزان االعتدال يف نقد الرجال‪ :‬حممد بن أمحد بن عثامن الذهبي‪ -‬دار‬ ‫املعرفة للطباعة والنرش‪ ،‬بريوت لبنان‪.‬‬ ‫‪ -11‬املعجم الكبري‪ :‬أبو القاسم سليامن بن أمحد الط راين‪ -‬مكتبة ابن تيمية‪،‬‬


‫‪ .......................................... 111‬براءة نساء األنبياء من الزنا‪ :‬بني التحقيق والتلفيق‬

‫القاهرة ‪ -‬الطبعة الثانية‪.‬‬ ‫‪ -18‬املحىل يف رشح املجىل باآلثار باحلجج واآلثار‪ :‬عيل بن أمحد بن سعيد بن‬ ‫حزم األندليس‪ -‬دار الفكر‪.‬‬ ‫‪ -11‬املعجم األوسط‪ :‬أبو القاسم سليامن بن أمحد الط راين‪ -‬دار احلرمني‬ ‫للطباعة والنرش والتوزيع‪ -‬الطبعة األوىل ‪.4111‬‬ ‫‪ -444‬معجم رجال احلديث‪ :‬السيد أبو القاسم املوسوي اخلوئي‪ -‬دار املحجة‬ ‫البيضاء للطباعة والنرش والتوزيع‪.‬‬ ‫‪ -444‬مدارج السالكني بني منازل إياك نعبد وإياك نستعني‪ :‬حممد بن أيب بكر‬ ‫ابن قيم اجلوزية‪ -‬دار الكتاب العريب‪ ،‬بريوت لبنان‪ -‬الطبعة الثانية‬ ‫‪.4111‬‬ ‫‪ -447‬جممع الزوائد ومنبع الفوائد‪ :‬نور الدين عيل بن أيب بكر اهليثمي‪ -‬دار‬ ‫الكتب العلمية‪ ،‬بريوت لبنان‪ -‬الطبعة األوىل ‪.4188‬‬ ‫‪ -441‬املغازي‪ :‬حممد بن عمر بن واقد املعروف بالواقدي ‪ -‬دار عامل الكتب‪-‬‬ ‫الطبعة الثالثة ‪ -4181‬حتقيق مارسدن جونز‪.‬‬ ‫‪ -441‬املنتظم يف تاريخ امللوك واألمم‪ :‬أبو الفرح عبد الرمحن بن عيل بن‬ ‫اجلوزي‪ -‬دار الكتب العلمية‪ ،‬بريوت لبنان‪ -‬الطبعة االوىل‪.4117‬‬ ‫‪ -441‬منهاج السنة النبوية‪ :‬أمحد بن عبد احلليم ابن تيمية‪ -‬دار احلديث‪،‬‬ ‫القاهرة مرص‪ -‬الطبعة األوىل ‪.7441‬‬ ‫‪ -445‬مستدرك الوسائل‪ :‬املريزا حسني النوري الط ريس‪ -‬مؤسسة آل البيت‬ ‫ݜ إلحياء الرتاث‪.‬‬ ‫‪ -441‬املوطأ‪ :‬اإلمام مالك بن أنس‪ -‬دار إحياء الرتاث العريب‪ ،‬بريوت لبنان‪-‬‬ ‫الطبعة األوىل ‪.4145‬‬


‫املصادر ‪111....................................................................................‬‬

‫‪ -448‬املسند‪ :‬أبو عبد اهلل أمحد بن حنبل الشيباين‪ -‬مؤسسة قرطبة‪ ،‬القاهرة‬ ‫مرص‪ -‬حتقيق شعيب األرنؤوط‪.‬‬ ‫‪ -441‬املصنف يف األحاديث واآلثار‪ :‬عبد اهلل حممد بن أيب شيبة‪ -‬دار الفكر‬ ‫للنرش والتوزيع‪ ،‬بريوت لبنان‪.‬‬ ‫(ن)‬ ‫‪ -444‬النهاية يف غريب احلديث واألثر‪ :‬جمد الدين املبارك بن حممد اجلزري‬ ‫املعروف بابن األثري‪ -‬املكتبة العلمية‪ ،‬بريوت لبنان‪ -‬الطبعة األوىل‬ ‫‪.4111‬‬ ‫‪ -444‬نيل األوطار من أحاديث سيد األخيار‪ :‬حممد بن عيل بن حممد‬ ‫الشوكاين‪ -‬دار اجليل‪ ،‬بريوت لبنان‪ -‬الطبعة األوىل‪.4111‬‬ ‫( هـ )‬ ‫‪ -001‬اهلداية الكربى‪ :‬أبو عبد اهلل احلسني بن محدان اخلصيبي‪ -‬مؤسسة البالغ‬ ‫للطباعة والنرش والتوزيع‪ ،‬بريوت لبنان‪ -‬الطبعة الرابعة ‪.4114‬‬ ‫(و)‬ ‫‪ -001‬الواضح املبني يف ذكر من استشهد من املحبني‪ :‬عالء الدين مغلطاي بن‬ ‫مليح احلنفي‪ -‬منشورات دار الكتب العلمية‪ ،‬بريوت لبنان‪.‬‬



‫لتيهرس‬ ‫اإلهداء ‪1 ......................................................................................................‬‬ ‫مقدمة ‪1 ........................................................................................................‬‬ ‫عقيدة الشيعة يف براءة نساء األنبياء ݜ ‪1 ......................................................‬‬ ‫اجلهة األوىل‪ :‬يف إمكان وقو الزنا من زوجات األنبياء ‪1 .............................‬‬ ‫اجلهة الثانية‪ :‬يف ثبوت الزنا ‪41....................................................................‬‬ ‫أقوال علامء الشيعة يف تنزيه نساء األنبياء عن الزنا ‪41.......................................‬‬ ‫شهادات اآلخرين ب راءة الشيعة من الطعن يف نساء النبي ݕ ‪71...................‬‬ ‫التباس يف فهم آيات من القرآن الكريم‪71.......................................................‬‬ ‫احتجاجات بأحاديث خمتلفة‪14....................................................................:‬‬ ‫الشبهة األوىل‪ :‬رواية تفسري القمي يف اتام عائشة‪14....................................‬‬ ‫الشبهة الثانية‪ :‬زواج العامرية والكنـدية بعد رسول اهلل ݕ ‪11....................‬‬ ‫الشبهة الثالثة‪ :‬مجع عائشة أربعني دينار ًا من خيانة ‪14...................................‬‬ ‫الشبهة الرابعة‪ :‬قول اإلمام ݠ‪ :‬ما عنى باخليانة إال الفاحشة ‪11..................‬‬ ‫الشبهة اخلامسة‪ :‬نوم النبي ݕ‪ ،‬وعيل ݠ‪ ،‬وعائشة يف حلاف واحد ‪54...........‬‬ ‫الشبهة السادسة‪ :‬جلوس أمري املؤمنني ݠ بني النبي ݕ وبني عائشة ‪51..........‬‬ ‫شبهات أخر‪51........................................................................................... :‬‬ ‫جواز الكفر يستلزم جواز الزنا باألولوية ‪51................................................‬‬


‫‪ .......................................... 118‬براءة نساء األنبياء من الزنا‪ :‬بني التحقيق والتلفيق‬

‫زنا الزوجة غري من ّفر بعد وفاة زوجها ‪58....................................................‬‬ ‫عقيدة أهل السنة يف نساء األنبياء ݜ ‪14.......................................................‬‬ ‫القول األول‪ :‬عصمة نساء األنبياء ݜ من الزنا‪14.....................................‬‬ ‫القول الثاين‪ :‬إمكان صدور الزنا من نساء األنبياء ݜ‪11............................‬‬ ‫القول الثالث‪ :‬وقو الزنا من بعض نساء األنبياء ݜ ‪11............................‬‬ ‫وقفات مع حديث اإلفك برواية عائشة‪81.....................................................‬‬ ‫حديث اإلفك ‪81......................................................................................‬‬ ‫إشكاالت يف سند احلديث‪15.....................................................................‬‬ ‫وقفات مع حديث اإلفك‪441 ...................................................................‬‬ ‫القصة احلقيقية حلادثة اإلفك ‪451 ..................................................................‬‬ ‫رواية قذف مارية عند أهل السنة ‪451 ........................................................‬‬ ‫رواية قذف مارية عند الشيعة‪411 ..............................................................‬‬ ‫إشكاالت حول خ ر مارية ‪418 .................................................................‬‬ ‫اإلفك املجهول يف كتب أهل السنة ‪481 .........................................................‬‬ ‫‪ -4‬يدخل عليهن ال ر والفاجر ‪481 ...........................................................‬‬ ‫‪ -7‬جيالسن املخنّثني ‪481 ...........................................................................‬‬ ‫‪ -1‬رضا الكبري ‪417 ...............................................................................‬‬ ‫‪ -1‬تعليم الغسل للرجال ‪411 ...................................................................‬‬ ‫‪ -1‬اصطياد شباب قريش‪411 ...................................................................‬‬ ‫‪ -5‬نقل عائشة احلوادث اجلنسية التي وقعت بينها وبني رسول اهلل ݕ ‪418‬‬ ‫وأزواجه أمهاتم! ‪741 .................................................................................‬‬


‫املصادر ‪111....................................................................................‬‬

‫َعو ٌد عىل بدء‪744 ..........................................................................................‬‬ ‫املصادر ‪741 .................................................................................................‬‬ ‫الفهرس ‪771 ................................................................................................‬‬


Turn static files into dynamic content formats.

Create a flipbook
Issuu converts static files into: digital portfolios, online yearbooks, online catalogs, digital photo albums and more. Sign up and create your flipbook.