السلام المحبة التسامح

Page 1

‫اï»&#x;ﺴﻼÙ… ‪ .‬اï»&#x;ﻤﺤﺒﺔ ‪ .‬اï»&#x;ﺘﺴﺎﻣﺢ‬ ‫رﺳﺎﺋﻞ أﺳﺎﺳﻴﺔ ﻣﻦ ا ﺳﻼÙ… Ùˆاï»&#x;ﻤﺴﻴﺤﻴﺔ‬ ‫ï»&#x;ﺤﻤﺎﻳﺔ ا ﻃﻔﺎل ﻣﻦ‬ ‫اï»&#x;ﻌﻨï»’ Ùˆاï»&#x;ﻤﻤﺎرﺳﺎت اï»&#x;ﻀﺎرة‬





‫‪3‬‬

‫شكر وتقدير‬ ‫شارك يف إعداد ومراجعة هذا الكتاب كل من السادة التالية أسماؤهم‪:‬‬ ‫من جامعة األزهـر‬

‫من يونيسف‬

‫من الكنيسة القبطية األرثوذكسية‬

‫أ‪.‬د ‪ /‬جمال الدين أبو السرور‬ ‫أستاذ أمراض النساء والتوليد‬ ‫والصحة اإلجنابية‪ ،‬مدير املركز‬ ‫الدولي اإلسالمي للدراسات‬ ‫والبحوث السكانية‬

‫فيليب‪ ‬دوامال‬ ‫ممثل يونيسف‬

‫نيافة األنبا يؤانس‬ ‫أسقف أسيوط وتوابعها‬

‫سحر حجازي‬ ‫مدير برنامج اإلعالم للتنمية‬

‫نيافة ا ْالنبا يوليوس‬ ‫األسقف العام للخدمات‬ ‫االجتماعية‬

‫برونو مايس‬ ‫ممثل يونيسف مصر‬

‫أ‪.‬د ‪ /‬عبد اهلل مبروك النجار‬ ‫أستاذ كلية الشريعة والقانون‪ ‬‬

‫جيليان ويلكـوكس‬ ‫نائب ممثل يونيسف مصر‬

‫أ‪.‬د ‪ /‬عبد اهلل احلسيني هالل‪ ‬‬ ‫وزير األوقاف األسبق‬

‫كارلوس خافير اجيوالر‬ ‫رئيس قسم حماية الطفل‬ ‫وتنمية النشء‬

‫أ‪.‬د ‪ /‬طه مصطفى أبو كريشة‬ ‫نائب رئيس جامعة األزهر األسبق‬ ‫أ‪.‬د ‪ /‬حامد محمد أبو طالب‬ ‫عميد كلية الشريعة والقانون‬ ‫االسبق بالقاهرة‬

‫مجدي السندي‬ ‫رئيس قسم احلفاظ على حياة‬ ‫األطفال وتنميتهم‬

‫أ‪.‬د ‪ /‬مرفت محمود محمد‬ ‫أستاذ البحوث البيوطبية‬ ‫املركز الدولي اإلسالمي‬

‫نادرة زكي‬ ‫مدير برنامج حماية الطفل‬

‫أ‪.‬د ‪ /‬أحمد رجاء عبد احلميد‬ ‫أستاذ الصحة اإلجنابية‬ ‫املركز الدولي اإلسالمي‬

‫القس بولس سرور‬ ‫كاهن كنيسة مار جرجس‬ ‫جزيرة بدران‬ ‫أ‪.‬د ‪ /‬سامية قدري‬ ‫أستاذ علم االجتماع‬ ‫كلية البنات –‪ ‬جامعة عني شمس‬ ‫أ‪ .‬ناهد طلعت مهنى‬ ‫مديرة برنامج الصحة‪ ‬وقضايا‬ ‫املرأة‪ - ‬أسقفية اخلدمات العامة‬ ‫واالجتماعية (‪)BLESS‬‬

‫سمر إبراهيم‬ ‫مدير مساعد برنامج اإلعالم‬ ‫للتنمية‬

‫التصميم‬

‫واإلخراج‪Design Coordinators :‬‬

‫الترجمة‪ :‬املركز العربي الدولي للترجمة‬




‫‪6‬‬

‫تقديم‬ ‫يُــدرك املؤمنــون أن األطفــال هــم نعمــة مــن اهلل ســبحانه وتعالــى‪ .‬وقــد عهــد اهلل إلــى الوالديــن واألســر واملجتمــع‬ ‫األكبــر مبســؤولية رعايــة وحمايــة األطفــال وتنشــئتهم وســط جــو مــن االحتــرام ألنفســهم ولآلخريــن‪ .‬وتُولــي‬ ‫الديانــة اإلســامية والديانــة املســيحية أهميــة خاصــة لــدور األســرة يف تربيــة األطفــال‪ ،‬وتقــدم كل منهمــا‬ ‫لألمهــات واآلبــاء التوجيــه والدعــم الــذي يحتاجونــه لتربيــة أبنائهــم يف إطــار تعاليــم هاتــن الديانتــن العظيمتــن‪.‬‬ ‫ففــي عالــم اليــوم الــذي يــزداد عنفــا وخطــورة‪ ،‬يكــون مــن أهــم واجبــات الوالديــن هــو حمايــة أطفالهــم مــن األذى‬ ‫وجميــع أشــكال العنــف‪.‬‬ ‫ويف هــذا الســياق‪ ،‬انضمــت املؤسســتان الدينيتــان ‪ ،‬جامعــة األزهــر والكنيســة القبطيــة يف مصــر ‪ ،‬إلــى منظمــة‬ ‫األمم املتحــدة للطفولــة (يونيســف)‪ ،‬الوكالــة الدوليــة املكلفــة بحمايــة حقــوق األطفــال يف جميــع البلــدان‪ ،‬لتطويــر‬ ‫هــذا الدليــل حلمايــة األطفــال مــن مختلــف أشــكال العنــف التــي حترمهــم مــن حقوقهــم يف العيــش والنمــو‬ ‫والتطــور باعتبارهــم أعضــاء حاســمني يف مجتمعنــا‪.‬‬ ‫األطفــال ُهــم حاضرنــا ومســتقبلنا علــى حــد ســواء‪ .‬وال ميكــن ألي مجتمــع أن يتطــور بطريقــة مســتدامة دون‬ ‫التضامــن واجلهــود الوطنيــة الكبيــرة حلمايــة األطفــال‪ ،‬والتــي هــي مســؤولية حاليــة واســتثمار يف املســتقبل‬ ‫علــى حــد ســواء‪ .‬حمايــة األطفــال مــن جميــع أشــكال احلرمــان والتمييــز والعنــف واخلطــر هــي أحــد احلقــوق‬ ‫األساســية املكفولــة مبوجــب االتفاقيــات الدوليــة التــي تلتــزم بهــا معظــم البلــدان‪ ،‬مثــل اتفاقيــة حقــوق الطفــل‪،‬‬ ‫التــي أصبحــت مرجعــا جلميــع احلقــوق األساســية لألطفــال التــي ينبغــي احترامهــا وحمايتهــا وتعزيزهــا‪.‬‬ ‫مــن احلقائــق املقــررة أن الوفــاء بحقــوق الطفــل هــو واحــد مــن أهــم أهــداف الشــريعة اإلســامية‪ .‬وهــذه األهداف‬ ‫تغطــي حفــظ الديــن والنفــس والعقــل والنســل واملــال‪ .‬وتنــدرج جميــع احلقــوق الواجبــة جتــاه األطفــال حتــت هدف‬ ‫حفظهــا للنســل‪ .‬واذا رجعنــا إلــى حديــث القــرآن الكــرمي والســنة النبويــة املطهــرة عــن األطفــال‪ ،‬فإننــا جنــد مــن‬ ‫حديــث القــرآن الكــرمي عنهــم مــا يبــن أن األطفــال نعمــة مــن اهلل عــز وجــل‪ ،‬وهــى نعمــة توجــب الشــكر عليهــا‪،‬‬ ‫ل ُملْـ ُ‬ ‫السـ َما َو ِ‬ ‫كمــا أشــار علــى ذلــك قــول اهلل تعالــى ﴿ ِ ِ‬ ‫ـب‬ ‫ات َو ْالَ ْر ِ‬ ‫ـب ِلَـ ْن يَ َشــاءُ ِإنَا ًثــا َويَ َهـ ُ‬ ‫ض يَخْ لُـ ُق َمــا يَ َشــاءُ يَ َهـ ُ‬ ‫ـك َّ‬ ‫ِلَـ ْن يَ َشــاءُ ال ُّذ ُكــو َر (‪ )49‬أَ ْو يُ َز ِّو ُج ُهـ ْم ُذ ْك َرا ًنــا َو ِإنَا ًثــا َويَ ْج َعـ ُل َمـ ْن يَ َشــاءُ َعقِ ي ًمــا ِإ َّنـ ُه َعلِيـ ٌم َقدِ يـ ٌر (‪.(((﴾ )50‬‬

‫‪ 1‬سورة الشورى – اآليتان ‪50 - 49‬‬


‫‪7‬‬ ‫يف املســيحية‪ ،‬أيضــاً‪ ،‬حمايــة األطفــال هــي مبــدأ أساســي ومركــزي لــدور الكنيســة‪ .‬باإلضافــة إلــى كونهــم‬ ‫زهــور احليــاة وجمالهــا وإشــراقها وبهجتهــا‪ ،‬ميثــل األطفــال رمــز النقــاء والســبيل إلــى النجــاة‪ِ ﴿ :‬إ ْن لَـ ْم تَ ْر ِج ُعــوا‬ ‫الس ـ َما َو ِ‬ ‫ات ﴾ (متــي ‪.)3 :18‬‬ ‫َوت َِصي ـ ُروا مِ ثْ ـ َل األَ ْوالَدِ َفل َ ـ ْن تَ ْدخُ لُــوا َمل َ ُكـ َ‬ ‫ـوت َّ‬ ‫يتنــاول هــذا الكتــاب املنهــج ملنــع جميــع أشــكال العنــف ضــد األطفــال مــن منظــور اإلســام ومنظــور املســيحية‪.‬‬ ‫والغــرض منــه أن يكــون مبثابــة دليــل جلميــع الذيــن يعملــون يف املجــال الواســع لرعايــة وحمايــة األطفــال‪ ،‬مبــا يف‬ ‫ذلــك اآلبــاء واملوظفــون واملعلمــون والتربويــون واألئمــة والقساوســة وغيرهــم‪ .‬وينبغــي أن يُســتخدم فيمــا يتصــل‬ ‫بحمايــة األطفــال مــن جميــع أشــكال العنــف واملمارســات الضــارة يف أهــم ثــاث دوائــر تســهم يف تشــكيل شــخصية‬ ‫الطفــل‪ :‬البيئــة األســرية‪ ،‬البيئــة املدرســية‪ ،‬والبيئــة املجتمعيــة‪.‬‬ ‫وقــد بــذل العلمــاء اإلســاميون واملســيحيون واملتخصصــون يف حقــوق الطفــل املعنيــون يف البحــث عــن محتويــات‬ ‫الكتــاب جهــوداً عظيمــة جديــرة بالثنــاء‪ .‬مثــل هــذا العمــل الشــاق ســوف يــؤدي مــن غيــر شــك‪ ،‬مبشــيئة اهلل تعالــى‪،‬‬ ‫إلــى الغايــة العظيمــة منــه وهــي حمايــة األطفــال مــن جميــع أشــكال العنــف وآثــاره الضــارة‪ ،‬ممــا يســمح لهــم أن‬ ‫يعيشــوا حياتهــم علــى أكمــل وجــه مــن الســامة البدنيــة والنفســية والعقليــة‪.‬‬ ‫واهلل تعالى من وراء هذا القصد والهادي إلى سواء السبيل‪.‬‬ ‫واهلل ولي التوفيق للجميع‪،‬‬

‫أ‪.‬د ‪ /‬أحمد محمد الطيب‬ ‫فضيلة اإلمام األكبر شيخ األزهر‬

‫قداسة البابا تاوضروس الثاني‬ ‫بابا اإلسكندرية وبطريرك الكرازة املرقسية‬


‫‪8‬‬

‫مقدمة‬ ‫تُولــي الديانــة اإلســامية والديانــة املســيحية قيمــة كبيــرة لألطفــال وألهميــة تربيتهــم وســط بيئــة تنعــم باألمــان‬ ‫واحلمايــة واألخــاق لكــي يتمكنــوا مــن حتقيــق حقوقهــم يف احليــاة والنمــاء والتطويــر وأن يكونــوا أعضــاء فاعلــن‬ ‫يف املجتمــع‪.‬‬ ‫يحــث اإلســام علــى إحســان تربيــة الطفــل ورعايتــه واالبتعــاد بــه عــن كل مــا يــؤذي حالتــه الصحيــة أو النفســية‬ ‫أو االجتماعيــة‪ .‬فاألطفــال هبــة مــن اهلل ســبحانه وأمانــة يف أعنــاق األبويــن واملجتمــع والدولــة‪ .‬يقــول تعالــى ‪:‬‬ ‫ال ِئ َك ٌة ِغ َ‬ ‫ال َجا َرةُ َعلَيْ َها َم َ‬ ‫َّاس َو ْ ِ‬ ‫صو َن‬ ‫ال ٌظ ِش َـدا ٌد ال يَ ْع ُ‬ ‫﴿ يَا أَيُّ َها ا َّلذِ ي َن آ َمنُوا ُقوا أَنْف َُس ُـك ْم َوأَ ْهلِي ُك ْم نَا ًرا َو ُقو ُد َها الن ُ‬ ‫َ‬ ‫اهلل َما أَ َم َر ُه ْم َويَ ْف َعلُو َن َما يُ ْؤ َم ُرون﴾((( ‪ ،‬ويقول الرسول ‪ ﴿ :‬كلكم راع وكلكم مسئول عن رعيته ﴾(((‪.‬‬ ‫وبطريقــة مماثلــة‪ ،‬اســتلهمت الكنيســة املســيحية منهــج الســيد املســيح يف منــح الرعايــة واحلمايــة والتنميــة‬ ‫الالزمــة لألطفــال‪ .‬فأكــد القديــس بولــس الرســول مســئولية اآلبــاء جتــاه األطفــال حــن خاطــب اآلبــاء بقولــه‬ ‫﴿ أَ ُّي َهــا اآلبَــاءُ‪ ،‬الَ تُغِ ُ‬ ‫يظــوا أَ ْوالَ َد ُكـ ْم ِلئَـ َّ‬ ‫ا يَف َْشـلُوا ﴾ (كولوســي ‪ .)21:٣‬ويف رســالته لكنيســة أفســس قــال ﴿ أَ ُّي َهــا‬ ‫اآلبَــاءُ‪ ،‬الَ تُغِ ُ‬ ‫يظــوا أَ ْوالَ َد ُكـ ْم‪ ،‬بَـ ْل َربُّو ُهـ ْم ِبتَ ْأدِ يـ ِـب الـ َّر ِّب َو ِإنْـ َذارِ ِه ﴾ ( أفســس ‪ ،)٤:٦‬كمــا أوصــي اإلنســان بــأن يعتنــي‬ ‫بأهــل بيتــه ويرعاهــم فيقــول‪َ ﴿ :‬و ِإ ْن َكا َن أَ َحـ ٌد الَ يَ ْعتَ ِنــي ب َ‬ ‫ميــانَ‪َ ،‬و ُهـ َو‬ ‫اص ِتــهِ ‪َ ،‬والَ ِسـ َّي َما أَ ْهـ ُل بَيْ ِتــهِ ‪َ ،‬ف َقـ ْد أَنْ َكـ َر ا ِإل َ‬ ‫ِخ َّ‬ ‫َشـ ٌّـر مِ ـ ْن َغيْـ ِـر ْالُؤْمِ ــنِ ﴾ ( تيموثــاوس األولــى ‪.) 8:5‬‬ ‫يف عالــم اليــوم‪ ،‬تواجــه األســر أشــكاالً مختلفــة مــن العنــف التــي ميكــن أن تضــر بالتنميــة الفكريــة واألخالقيــة‬ ‫والبدنيــة لألطفــال‪ .‬لذلــك‪ ،‬يؤكــد كل مــن اإلســام واملســيحية‪ ،‬علــى حــد ســواء‪ ،‬علــى أهميــة حمايــة األطفــال مــن‬ ‫جميــع أشــكال العنــف‪.‬‬ ‫أعطــى املســيح لألطفــال مكانــة خاصــة حــن دعاهــم بصفــة خاصــة أن يأتــوا إليــه‪َ ﴿ ،‬د ُعــوا األَ ْوالَ َد يَ ْأتُــو َن ِإلَـ َّـي َوالَ‬ ‫َْ‬ ‫ـوت ا ِ‬ ‫هلل ﴾ (مرقــس ‪ .)14 :10‬كمــا أعطانــا الســيد املســيح أيضــا منوذجـاً يف كيــف‬ ‫تنَ ُعو ُهـ ْم‪ ،‬ألَ َّن ِ ِل ِثْــل هـ ُؤالَءِ َمل َ ُكـ َ‬ ‫الصا ِل ـ ُح‪َ ،‬وال َّر ِ‬ ‫تكــون األبــوة ومــا هــي مســئولية اآلبــاء جتــاه رعايــة أبنائهــم عندمــا قــال ﴿ أَنَــا ُه ـ َو ال َّر ِ‬ ‫اعــي‬ ‫اعــي َّ‬ ‫الـ َر ِ‬ ‫الصا ِلـ ُح يَبْــذِ ُل نَف َْسـ ُه َعــنِ ْ ِ‬ ‫اف ﴾ (يوحنــا ‪.)11 :10‬‬ ‫َّ‬

‫‪ 1‬سورة التحرمي – اآلية ‪6‬‬ ‫‪ 2‬أخرجه البخاري يف صحيحه‪ ،‬كتاب اجلمعة‪ ،‬باب اجلمعة يف القرى واملدن ‪ 249 ،248/1‬ح ‪.893‬‬


‫‪9‬‬ ‫واإلســام يف جوهــره ونصوصــه وتشــريعاته يوفــر بيئــة حاميــة لألطفــال‪ .‬قــال الرســول ﴿ إن اهلل ســائل كل راع‬ ‫عمــا اســترعاه حفــظ أم ضيــع﴾(((‪ .‬ومفهــوم حمايــة الطفــل ال يتحقــق إال مــن خــال التصــدي ألشــكال اإلســاءة‬ ‫والعنــف واالســتغالل التــى حتــرم الطفــل ‪ -‬أو تهــدد بحرمانــه ‪ -‬مــن أى مــن حقوقــه األساســية فــى احلصــول‬ ‫علــى الرعايــة الوالديــة الكافيــة حتــى فــى اختيــار اســم جميــل لــه واحلصــول علــى التعليــم واخلدمــات الصحيــة‬ ‫واالســتمتاع باللعــب والترفيــه والتعبيــر بحريــة عمــا يجــول فــى نفســه‪.‬‬ ‫هــذه التعاليــم تتماشــى مــع االتفاقيــات الدوليــة وخاصــة اتفاقيــة حقــوق الطفــل التــي تكفــل حقــوق األطفــال يف‬ ‫احلمايــة مــن جميــع أشــكال احلرمــان والتمييــز والعنــف واخلطــر‪.‬‬ ‫للتأكيــد علــى أهــل الديانتــن عــن أهميــة حمايــة األطفــال مــن العنــف ‪ ،‬تعــاون علمــاء الديــن واخلبــراء مــن جامعــة‬ ‫األزهــر‪ ،‬ومــن الكنيســة القبطيــة يف مصــر ومــن يونيســف عــن كثــب لتطويــر مطبوعتــن ‪ -‬حمايــة األطفــال مــن‬ ‫العنــف يف اإلســام ‪ ،‬واملنظــور املســيحي حلمايــة األطفــال مــن العنــف واملمارســات الضــارة ‪ -‬كالهمــا باللغتــن‬ ‫العربيــة واالجنليزيــة ‪ ،‬تعكســان مواقــف هــذه األديــان بشــأن مظاهــر متعــددة مــن العنــف ضــد األطفــال‪.‬‬ ‫تغطــي املطبوعتــان أشــكاالً مختلفــة مــن العنــف ضــد األطفــال مثــل عمــل األطفــال‪ ،‬واإلســاءة اجلنســية‪ ،‬واألطفــال‬ ‫احملرومــن مــن الرعايــة األبويــة أو الذيــن يعيشــون يف الشــوارع‪ ،‬العنــف يف األســرة واملدرســة‪ ،‬واســتغالل األطفــال‬ ‫يف النزاعــات املســلحة واالجتــار باألطفــال‪ ،‬فضــا عــن العنــف مــن خــال وســائل االعــام واإلنترنــت‪ .‬كذلــك‪،‬‬ ‫تناقــش املطبوعتــان العــادات والتقاليــد الضــارة مثــل التمييــز بــن اجلنســن‪ ،‬والتشــويه التناســلي لإلنــاث‪ /‬ختــان‬ ‫اإلنــاث‪ ،‬وزواج األطفــال والــزواج القســري‪ .‬هــذه املطبوعــات‪ ،‬التــي تعتمــد علــى التوالــي علــى القــرآن الكــرمي‪،‬‬ ‫صممــت لالســتخدام مــن قِ بــل علمــاء الديــن واألئمــة أو الكهنــة‬ ‫والكتــاب املقــدس ونصــوص أخــرى مقدســة‪ ،‬قــد ُ‬ ‫وغيرهــم مــن املســؤولني عــن حمايــة ورعايــة األطفــال داخــل الديانتــن‪ ،‬وخاصــة الوالديــن‪.‬‬ ‫وتهــدف هــذه الوثيقــة املشــتركة إلــى تبــادل الرســائل الرئيســية لهاتــن املطبوعتــن مــع جمهــور أوســع مــن النــاس‬ ‫واجلماعــات املعنيــة بحقــوق األطفــال‪ .‬ويهــدف املؤلفــون إلــى تعميــق مفاهيــم الســام واحملبــة والتســامح التــي‬ ‫تشــجعها جميــع الديانــات الســماوية‪ ،‬والتــي لهــا حاجــة يف جميــع أنحــاء العالــم مــن أجــل حمايــة وتنميــة ورفاهــة‬ ‫أثمــن ثــروة لإلنســانية‪ ،‬أطفالنــا‪.‬‬

‫‪ 1‬أخرجه الترمذي يف سننه‪ ،‬كتاب اجلهاد‪ ،‬باب‪ :‬ما جاء يف اإلمام ‪ 208/4‬عن أنس بن مالك رضي اهلل عنه‪.‬‬


‫‪10‬‬

‫أوال ‪ :‬المنظور اإلسالمي والمسيحي بشأن العنف ضد األطفال‬ ‫ً‬ ‫مقدمـة‬ ‫ويــارس يف أي مــكان‬ ‫العنــف ظاهــرة اجتماعيــة‪ ،‬والعنــف ضــد األطفــال يف شــكل مــا أو آخــر ميكــن أن يوجــد ُ‬ ‫ويف أي مجتمــع‪ .‬األشــكال العديــدة مــن العنــف ضــد األطفــال لهــا آثــار متباينــة‪ ،‬ولكــن تداعياتهــا علــى األطفــال‬ ‫واملجتمــع ككل عــاد ًة مــا تكــون خطيــرة وضــارة‪ .‬ســواء كان ذلــك داخــل أو خــارج البيئــة األســرية‪ ،‬فــإن العنــف ضــد‬ ‫األطفــال لــه العديــد مــن األســباب االجتماعيــة واالقتصاديــة‪ .‬تشــمل األســباب االقتصاديــة الفقــر والضغــوط‬ ‫املاليــة‪ ،‬وعــدم القــدرة علــى العثــور علــى عمــل مربــح وســوء األحــوال املعيشــية‪ .‬التقاليــد الثقافيــة هــي ســبب آخــر‬ ‫للعنــف ضــد األطفــال‪ ،‬بحجــة احلفــاظ علــى األمنــاط الثقافيــة والتقاليــد واألعــراف الســائدة‪ ،‬حتــى لــو كانــت‬ ‫ضــد حقــوق اإلنســان‪ .‬والعنــف ميكــن أن يحــدث داخــل األســرة ألن اآلبــاء يفتقــرون إلــى القــدرة علــى ممارســة‬ ‫الوالديــة اإليجابيــة وتربيــة األطفــال‪ ،‬مبــا يف ذلــك التهذيــب اإليجابــي‪ .‬ال يوجــد أي مــكان للعقــاب البدنــي أو‬ ‫اللفظــي والتهذيــب‪ ،‬ولكــن هنــاك مــكان للتوجيــه الســليم‪ ،‬وتقــدمي النصيحــة والقــدوة احلســنة‪.‬‬ ‫نظــراً ملختلــف أشــكال العنــف التــي يتعــرض لهــا األطفــال يف جميــع أنحــاء العالــم‪ ،‬والتــي تنتهــك حقوقهــم‪ ،‬صيغــت‬ ‫اتفاقيــة حقــوق الطفــل لتكــون مبثابــة ميثــاق قانونــي دولــي يضمــن االعتــراف العاملــي وحمايــة حقــوق األطفــال‪،‬‬ ‫حيــث إنهــم بحاجــة إلــى رعايــة خاصــة وحمايــة‪.‬‬ ‫هــذه االتفاقيــة حتــدد األعمــال التــي تعتبــر عنفـاً ضــد األطفــال‪ ،‬مبــا يف ذلــك جميــع مظاهــر العنــف أو اإليــذاء‪،‬‬ ‫العنــف اجلســدي أو النفســي‪ ،‬اإلهمــال أو املعاملــة املنطويــة علــى إهمــال‪ ،‬وســوء املعاملــة أو االســتغالل‪ ،‬مبــا يف‬ ‫ذلــك اإلســاءة اجلنســية‪.‬‬

‫موقـف اإلسـالم من العنف ضد األطفال‬ ‫تنبــع نظــرة اإلســام لألطفــال مــن نظرتــه لإلســام علــى انــه مخلــوق مكلــف مهمتــه اخلالفــة يف األرض‪ ،‬وهــو‬ ‫عامــل رئيــس ومهــم يف نظــام الكــون‪ .‬هــذه املكانــة الرفيعــة لإلنســان جعلــت اإلســام يهتــم بــه يف جميــع مراحــل‬ ‫منــوه‪ ،‬وهــذا االهتمــام باإلنســان يف كل مراحــل حياتــه يُعــد مــن املعالــم والســمات البــارزة يف أحــكام اإلســام‬ ‫وتشــريعاته ونظمــه‪.‬‬ ‫واإلســام أولــى عنايــة خاصــة باإلنســان منــذ أولــى مراحــل الطفولــة‪ ،‬والتــي تعتبــر األســاس ملــا يليهــا مــن مراحــل‬ ‫وأطــوار‪ .‬كمــا أحــاط التشــريع اإلســامي جميــع جوانــب حيــاة الطفــل بأفضــل طريقــة مــن العنايــة واحملافظــة‬


‫‪11‬‬ ‫عليــه‪ .‬إحــدى الضمانــات األولــى يف التشــريع اإلســامي تتعلــق باحلقــوق اجلســدية للطفــل‪ ،‬فجعــل الرضاعــة‬ ‫ات‬ ‫الطبيعيــة حقــاً للطفــل علــى أمــه‪ .‬وأمــر التشــريع النبيــل األم بإرضــاع طفلهــا يف قولــه تعالــى‪َ ﴿ :‬والْ َوالِــ َد ُ‬ ‫ـن ِل َـ ْن أَ َرا َد أَ ْن يُ ِت ـ َّم ال َّر َ‬ ‫اع ـ َة‪ ،(((﴾...‬وجعــل للرضاعــة نفقــة واجبــة علــى والــد‬ ‫ـن َكامِ لَـ ْ ِ‬ ‫يُ ْر ِض ْع ـ َن أَ ْو َل َد ُهـ َّـن َح ْولَـ ْ ِ‬ ‫ض َ‬ ‫الطفــل املولــود فقــال تعالــى‪َ ...﴿ :‬و َعلَــى ْال َ ْولُــودِ لَـ ُه رِ ْز ُق ُهـ َّـن َوكِ ْس ـ َوتُ ُه َّن ب ْ‬ ‫ِال َ ْع ـ ُر ِ‬ ‫وف ‪ .(((﴾ ...‬وهنــاك صــور كثيــرة‬ ‫مــن التشــريعات واألحــكام يف الشــرع الشــريف التــي تهــدف إلــى احلفــاظ علــى احلقــوق اجلســدية للطفــل‪.‬‬ ‫كذلـك‪ ،‬يكفـل التشـريع اإللهـي االحتياجـات النفسـية للطفـل بتقدميـه النمـوذج األكمـل لرعايـة الطفـل‪ .‬ومن أمثلة‬ ‫ذلـك مـا روي مـن أحاديـث عـن تقبيـل األوالد‪ ،‬حتـى أفـرد علمـاء السـنة واحلديـث أبوابـاً لهـذا املعنـى مثـل «بـاب‬ ‫رحمـة األوالد ومالطفتهـم ومعانقتهـم» مـن صحيـح البخـاري يف كتـاب األدب‪ .‬ومـن هـذا‪ ،‬حديـث تقبيـل رسـول‬ ‫اهلل للحسـن بـن علـي (حفيـده) وعنـده األقـرع بـن حابـس التميمـي جالسـاً‪ .‬فقـال األقـرع‪« :‬إن لي عشـرة من‬ ‫الولـد مـا قبلـت منهـم أحـداً»‪ .‬فنظـر إليـه رسـول اهلل ثـم قـال‪« :‬مـن ال يرحـم ال يُرحم»‪ .‬ومن املعلـوم أن تقبيل‬ ‫األطفـال لـه أثـره العظيـم يف نفوسـهم‪ ،‬ولهـذا فعلـه النبـي وأرشـد اآلخريـن أن يفعلـوا مثلـه مـع أوالدهـم‪.‬‬ ‫إن الرحمــة والعطــف واملــودة هــي مــن املشــاعر النبيلــة التــي غرســها اهلل يف قلــوب األمهــات واآلبــاء‪ .‬وهــذه‬ ‫مشــاعر خيــرة لهــا تأثيــر كبيــر علــى تنشــئة الطفــل وتكوينــه العاطفــي‪ .‬لهــذا الســبب‪ ،‬جنــد أن الشــريعة ترســخ‬ ‫مشــاعر الرحمــة والعطــف هــذه يف كل أحكامهــا وتشــجع األمهــات واآلبــاء علــى االلتــزام بهــا‪.‬‬ ‫حــدد اإلســام بعــض األمــور التــي يجــب اإللتــزام بهــا يف تأديــب األطفــال‪ ،‬وبصفــة خاصــة جتنــب معاملتهــم بــأي‬ ‫شــكل مــن أشــكال العنــف‪ .‬والشــريعة تعطينــا االهتمــام الواجــب حلمايــة األطفــال مــن اإلســاءة واإلهمــال وحتــدد‬ ‫التدابيــر ملنــع االنــزالق يف ممارســة أي عنــف أو أذى‪ ،‬جســديا كان أو نفســيا‪ .‬واألســرة هــي نقطــة االنطــاق‬ ‫ملعاجلــة العنــف عــن طريــق احلــد مــن أســبابه ومعاجلــة آثــاره‪.‬‬

‫موقـف المسيحية من العنف ضد األطفال‬ ‫موقــف الســيد املســيح واضــح فيمــا يتعلــق بالعنــف ضــد األطفــال‪ :‬فهــو يرفــض أي معاملــة ســيئة لهــم‪ ،‬بــل حتــى‬ ‫يرفــض انتهارهــم‪ .‬ففــي إجنيــل القديــس متــى البشــير يقــول‪ ﴿ :‬حينئــذ ُقــدم إليــه أوالد لكــي يضــع يديــه عليهــم‬ ‫ـوت‬ ‫ويصلــي‪ ،‬فانتهرهــم التالميــذ‪ .‬أَ َّمــا يَ ُســو ُع َف َقــا َل‪َ :‬د ُعــوا األَ ْوالَ َد يَ ْأتُــو َن ِإلَـ َّـي َوالَ َتنَ ُعو ُه ـ ْم ألَ َّن ِلثْــلِ ه ـ ُؤالَءِ َمل َ ُكـ َ‬ ‫الس ـ َما َو ِ‬ ‫ات ﴾ (متــى ‪ .)14-13 :19‬وجعــل منهــم مثــاالً للتواضــع والبــراءة حــن دعــا ولــداً وأقامــه فــى الوســط‬ ‫َّ‬ ‫السـ َما َو ِ‬ ‫ضـ َع نَف َْسـ ُه مِ ثْـ َل هـ َذا الْ َولَــدِ َف ُهـ َو األَ ْع َظـ ُم ِف َمل َ ُكـ ِ‬ ‫وأعلــن ﴿ َف َمـ ْن َو َ‬ ‫ات ﴾ (متــى ‪ .)4 :18‬وينقــل إجنيــل‬ ‫ـوت َّ‬ ‫احت َ‬ ‫َضنَـ ُه ﴾ (مرقــس ‪.)36:9‬‬ ‫القديــس مرقــس املشــهد بتفصيــل أكبــر ﴿ َف َأ َخـ َذ َولَـ ًدا َوأَ َقا َمـ ُه ِف َو ْسـ ِـطهِ ْم ثُـ َّم ْ‬ ‫‪ 1‬سورة البقرة – من اآلية ‪.233‬‬ ‫‪ 2‬سورة اليقرة – من اآلية ‪.233‬‬


‫‪12‬‬ ‫يســوع كان يعبــر بهــذا عــن احلمايــة واحلنــان والعطــف الــذي يجــب أن يُعامــل بــه األطفــال‪ .‬ولــم يغــب عــن بــال‬ ‫الســيد املســيح أن هنــاك مــن سيســبب العثــرة لألطفــال بســبب املعاملــة الســيئة فقــال محــذراً‪َ ﴿ :‬و َمـ ْن أَ ْعثَـ َر أَ َحـ َد‬ ‫ـن ِبــي َف َخيْـ ٌر لَـ ُه أَ ْن يُ َعلَّـ َق ِف ُعنُقِ ــهِ َح َجـ ُر ال َّر َحــى َويُ ْغـ َر َق ِف ّ ُلــةِ الْ َب ْحـ ِـر‪( ﴾..‬متــى ‪.) 6:18‬‬ ‫الص َغــارِ ْالؤْمِ نـ ِ َ‬ ‫هـ ُؤالَءِ ِّ‬ ‫منــذ نشــأتها‪ ،‬وحتــى يومنــا هــذا‪ ،‬ســارت الكنيســة علــى خطــى الســيد املســيح‪ .‬فهــي تنــادي بوجــوب العنايــة‬ ‫بالطفــل عنايــة فائقــة‪ ،‬منــذ والدتــه بــل وقبــل والدتــه‪ ،‬فــا تســمح مطلق ـاً بــأي شــكل مــن أشــكال العنــف‪ .‬تهتــم‬ ‫الكنيســة كل االهتمــام بأســرة الطفــل منــذ حلظــة تكويــن األســرة وتتابعهــم روحي ـاً حتــى تكــون أســرة صاحلــة‬ ‫وبيئــة صاحلــة لتنشــئة األوالد‪ .‬وحتــرص الكنيســة علــى أن يكــون الوالــدان مؤهــان لرعايــة وتربيــة أطفالهــم‬ ‫يف ظــل أســرة مســيحية‪ ،‬مملــوءة باإلميــان واحملبــة املتبادلــة‪ ،‬األســرة التــي ترفــض أي عنــف ‪ ،‬جســدياً كان أو‬ ‫نفســياً‪ ،‬وتغــذي وتنمــي العالقــات الشــخصية بــن أفرادهــا‪ .‬وتعلــم الكنيســة أيضــا األســر تنشــئة أبنائهــم باحلــوار‬ ‫والقــدوة‪ ،‬مــع جتنــب أي نــوع مــن أنــواع العقــاب العنيــف‪ .‬فينشــأ األطفــال يف جــو مــن احلنــان واملســامحة‬ ‫واالحتــرام والبــذل واألمــان‪.‬‬ ‫وتعهــد الكنيســة لوالــدي الطفــل أو مــن هــو مســؤول عــن تربيتــه باحملافظــة علــى ســامته والعنايــة بــه وتســليمه‬ ‫اإلميــان الســليم وتربيتــه يف مخافــة اهلل وحبــه‪ .‬كمــا تســاعد الطفــل علــى ترســيخ مفاهيــم راســخة جتــاه نفســه‬ ‫(فيقبلهــا ويطورهــا)‪ ،‬وجتــاه أســرته (فيحبهــا ويحترمهــا ويخدمهــا)‪ ،‬وجتــاه وطنــه (فيفخــر بانتمائــه لــه ويشــارك‬ ‫بإيجابيــة يف خدمتــه)‪ ،‬وجتــاه اآلخــر املختلــف عنــه (فيحبــه محبــة مســيحية صادقــة‪ ،‬ويتعــاون معــه بانفتــاح‬ ‫وايجابيــة)‪ ،‬وجتــاه اجلنــس (فيــدرك أن اجلنــس ليــس شــراً أو جنســاً ولكنــه مقــدس للغايــة ‪ ،‬كمــا يــدرك أن‬ ‫اإلباحيــة ليســت وســيلة لإلشــباع احلقيقــي‪ ،‬وإمنــا الشــبع احلقيقــي يكمــن يف احليــاة مــع اهلل وحســب وصايــاه)‪،‬‬ ‫وجتــاه الــزواج (فيــدرك أنــه ســر مقــدس‪ ،‬ويتعلــم احلــب والبــذل والعطــاء لشــريك احليــاة‪ ،‬مــن أجــل حيــاة ملؤهــا‬ ‫الســعادة والفــرح)‪.‬‬

‫الخالصـة‬ ‫اإلســام واملســيحية يدينــان أي نــوع مــن العنــف ضــد األطفــال‪ .‬وتؤكــد الديانتــان علــى أهميــة معاملــة األطفــال‬ ‫باحلــب واحلنــان واملــودة والرحمــة‪ .‬كل مــن اإلســام واملســيحية يوجبــان علــى اآلبــاء واألمهــات مســؤولية توفيــر‬ ‫الرعايــة ألطفالهــم جســديا وعاطفيــا وفكريــا وروحيــا‪ ،‬ويؤكــدان علــى أهميــة األســرة باعتبارهــا بيئــة حاميــة‬ ‫ومربيــة ميكــن لألطفــال أن ينمــوا ويزدهــروا فيهــا‪.‬‬


‫‪13‬‬

‫ثانيا ‪ :‬زواج األطفال والزواج القسـري‬ ‫ً‬ ‫مقدمـة‬ ‫زواج األطفــال والــزواج القســري انتهــاكان خطيــران حلقــوق الطفــل‪ ،‬الســيما الفتيــات‪ .‬زواج األطفــال‪ ،‬ويُشــار‬ ‫إليــه أيضــا بالــزواج املبكــر‪ ،‬يعنــي زواج األطفــال الذيــن تقــل أعمارهــم عــن ‪ 18‬عام ـاً‪ ،‬وهــو إجمــاع دولــي ملعنــى‬ ‫الطفولــة كمــا هــو متفــق عليــه يف اتفاقيــة حقــوق الطفــل‪ .‬املبــررات لهــذا النــوع مــن الــزواج ميكــن أن تكــون ثقافيــة‬ ‫وأخالقيــة (للحفــاظ علــى العفــة والشــرف) أو اقتصاديــة‪ .‬الــزواج القســري هــو الــزواج الــذي أجبــر علــى فتــاة‬ ‫أو امــرأة شــابة رغمــا عنهــا مــن قبــل والديهــا أو ولــي أمرهــا‪ ،‬وأحيانــا يف مقابــل املــال‪ .‬زواج األطفــال والــزواج‬ ‫القســري يحرمــان الفتيــات مــن حقوقهــن األساســية يف االختيــار‪ ،‬ويف التعبيــر عــن آرائهــن والتمتــع بطفولتهــن‬ ‫وبالرعايــة الواجبــة لهــم كأطفــال‪ .‬مثــل هــذه الزيجــات تعــرض الفتيــات للعنــف بســبب افتقارهــن إلــى النضــج‬ ‫البدنــي والعاطفــي وعــدم قدرتهــن علــى حتمــل مســؤوليات الــزواج وتربيــة األطفــال‪.‬‬

‫موقـف اإلسـالم من زواج األطفال والزواج القسري‬ ‫زواج األطفــال ليــس لــه أســاس شــرعي يف الشــريعة اإلســامية والــزواج القســري غيــر صحيــح ومحظــور‬ ‫بصــورة واضحــة‪.‬‬ ‫الطفولــة‪ ،‬وهــي الفتــرة حتــى ســن ‪ 18‬عامــا‪ ،‬تكــون عندمــا يتعلــم الفتيــان والفتيــات حتمــل مســؤولياتهم‬ ‫ويصبحــوا قادريــن علــى اتخــاذ القــرارات التــي تؤثــر علــى حاضرهــم ومســتقبلهم مثــل الــزواج‪.‬‬ ‫اإلسلام بـريء مـن عـادة زواج األطفـال‪ ،‬فممارسـة التبكيـر بالـزواج لم تُذكر على اإلطلاق يف القرآن الكرمي‪.‬‬ ‫إضافـة إلـى ذلـك‪ ،‬لـم جنـد حتديـدا لسـن الـزواج‪ ،‬لكن وجدنا معياراً ال يتغير أال وهو إيناس الرشـد‪ .‬وحقيقة‬ ‫األمـر أن التبكيـر بالـزواج لـم يكـن سـوى عـادة وليـس جـزءا مـن الشـريعة والعبـادة‪ .‬واألكثـر مـن ذلـك‪ ،‬أن هذه‬ ‫الظاهـرة لـم تقتصـر علـى املجتمـع اإلسلامي فحسـب بل تعدتـه إلى أعماق ثقافـات أخرى كثيرة‪.‬‬ ‫يف بعــض املناطــق‪ ،‬تشــجع األمهــات واآلبــاء أبناءهــم علــى ممارســة الــزواج املبكــر وقــد يدفعــون حتــى ببناتهــم‬ ‫قســراً إليــه حلمايــة شــرفهن أو للتخلــص مــن عــبء إعالتهــن‪ .‬هــذا التوجــه للــزواج املبكــر قــد أثبــت أنــه يــؤدي‬ ‫إلــى مضاعفــات وآثــار ســلبية‪ ،‬ســواء حاليــة أو تراكميــة‪ .‬إن تعــدد حــاالت احلمــل والرضاعــة وتداخلهــا قبــل‬ ‫أن يكتمــل النمــو اجلســماني للفتــاة ودون فتــرات للراحــة لتســترجع حالتهــا الغذائيــة الالزمــة للنمــو واحلمــل‬ ‫والرضاعــة‪ ،‬يــؤدي إلــى حالــة يُطلــق عليهــا االســتنزاف الغذائــي‪ .‬كذلــك فــإن مخاطــر انتقــال العــدوى مبــرض‬


‫‪14‬‬ ‫اإليــدز مــن خــال املمارســة اجلنســية أعلــى بــن اإلنــاث عــن الذكــور‪ ،‬وتزيــد هــذه املخاطــر بدرجــة أكبــر بالنســبة‬ ‫لإلنــاث الصغيــرات الالتــي لــم يكتمــل منوهــن اجلســماني متامــا والالتــي يخضعــن يف كثيــر مــن األحيــان للعالقــة‬ ‫اجلنســية قهــرا مــع أزواج أكبــر منهــن ســناً كانــت لهــم جتــارب جنســية ســابقة‪ .‬يضــاف إلــى ذلــك املشــاكل النفســية‬ ‫واألســرية واالجتماعيــة املرتبطــة بهــذه الظاهــرة والناجتــة عــن عــدم اكتمــال النضــج اجلســماني والعاطفــي للــزوج‬ ‫أو للزوجــة‪ .‬وقــد أعطــت الشــريعة احلــق وأيضــا الواجــب لألبويــن لرعايــة أطفالهــم جســديا وتربويــا ليكونــوا بعــد‬ ‫مرحلــة صغرهــم ســعداء يف دنياهــم وآخرتهــم‪.‬‬ ‫إن التبكيــر بالــزواج لــم يكــن ســوى ُعــرف وعــادة وليــس شــريعة وعبــادة‪ .‬وهــي عــادة قــد تــؤدي مبــا ال يــدع مجــاالً‬

‫للشــك إلــى عواقــب غيــر صحيــة‪ ،‬ولذلــك فســن الــزواج يكــون عنــد الثامنــة عشــرة‪ .‬الــزواج مســؤولية دينيــة‬ ‫واجتماعيــة تقتضــي قــدرة واســتطاعة وموافقــة علــى القيــام بأعبائهــا مــن قيــب الــزوج والزوجــة‪ ،‬فــا يصــح أن‬ ‫يكلــف بهــا األطفــال‪ .‬قــال اهلل تعالــى‪ ﴿ :‬يــا أيهــا الذيــن آمنــوا أوفــوا بالعقــود‪ ،(((﴾ ...‬وقــال رســول اهلل ‪:‬‬ ‫﴿ يــا معشــر الشــباب مــن اســتطاع منكــم البــاءة فليتــزوج‪ (((.﴾ ...‬ال يصــح أن تُكــره الفتــاة الصغيــرة علــى الــزواج‪،‬‬ ‫ألنــه ال تكليــف مبــا ال يطــاق‪ ،‬ومــا ورد مــن األدلــة التــي متســك بهــا املجيــزون لــزواج الصغيــرة محكــوم بهــذا‬ ‫األصــل الشــرعي العــام‪ .‬قــال اهلل تعالــى‪ ﴿ :‬ال يكلــف اهلل نفســاً إال وســعها‪ .(((﴾ ...‬وقــال رســول اهلل ‪:‬‬ ‫﴿ ال ضرر وال ضرار﴾ ‪.‬‬ ‫وغالبــا مــا يكــون الــزواج القســري واقع ـاً علــى فتــاة صغيــرة‪ .‬واألضــرار الصحيــة واالجتماعيــة الوخيمــة لــزواج‬ ‫األطفــال تضــع علــى عائــق الوالديــن مســؤولية كبيــرة يف هــذا الصــدد لتجنيــب أطفالهــم مغبــة هــذه العواقــب‪ ،‬إذ‬ ‫َّ َ‬ ‫ـب ْ ُ ْ‬ ‫يقــول اهلل تعالــى‪َ ﴿ :‬وأَنْفِ ُقــوا ِف َسـبِيلِ َّ ِ‬ ‫ني ﴾‬ ‫ال ِسـ ِن َ‬ ‫الل َو َل تُل ْ ُقــوا ِب َأيْدِ ي ُكـ ْم إلــى ال َّت ْهل ُ َكــةِ َوأَ ْح ِسـنُوا إ َِّن الل يُ ِحـ ُّ‬ ‫وإبــرام عقــد الــزواج القســري (القهــري) دون توافــر رضــا الزوجــة أمــر ال تقــره أحــكام الشــريعة‪ ،‬ويُقضــى ببطالنه‪.‬‬ ‫قــال رســول اهلل ‪ ( ﴿ :‬ال تنكــح األمي ) أى الثيــب حتــى تســتأمر‪ ،‬وال تنكــح البكــر حتــى تســتأذن ﴾(((‪.‬‬

‫موقـف المسيحية من زواج األطفال والزواج القسري‬ ‫املســيحية ال تقبــل زواج األطفــال وال الــزواج القســري وال زواج الصفقــة (زواج املعامــات) مثــل الــزواج الصيفــي‪،‬‬ ‫وذلــك لطبيعــة الــزواج املســيحي وقدســيته‪ ،‬ولألضــرار الناجتــة عــن هــذه األنــواع مــن الــزواج‪ .‬ولذلــك‪ ،‬فــإن ســن‬ ‫الــزواج يبــدأ بعــد ســن الثمانيــة عشــرة‪.‬‬ ‫‪ 1‬‬ ‫ ‪2‬‬ ‫‪ 3‬‬ ‫‪ 4‬‬

‫سورة املائدة – من اآلية ‪.1‬‬ ‫أخرجه البخاري – كتاب النكاح – باب‪ :‬من استطاع الباءة فليتزوج‪ ،‬فتح الباري ‪ 106/9‬رقم ‪.5065‬‬ ‫سورة البقرة – من اآلية ‪.286‬‬ ‫أخرجه البخاري يف صحيحه – كتاب النكاح – باب‪ :‬ال ينكح األب وغيره البكر والثيب إال برضاها ‪ 358/3‬ح ‪ ،5136‬بسنده عن أبي هريرة‪.‬‬


‫‪15‬‬ ‫الــزواج يف املســيحية ســر مقــدس لــه عمقــه الروحــي‪ .‬وقــد عبــر بولــس الرســول عــن قدســية الــزواج بتعبيريــن‬ ‫الســ ُّر َع ِظيــ ٌم ﴾ (أفســس ‪)٣٢:٥‬؛ و﴿ ِليَ ُكــنِ الــ ِّز َوا ُج ُم َك َّر ًمــا ِعنْــ َد ُك ِّل َو ِ‬ ‫اح ٍــد﴾‬ ‫غايــة يف األهميــة‪ ﴿ :‬هــ َذا ِّ‬ ‫( رســالة العبرانــن ‪ .)4:13‬مــن هنــا يتســامى الــزواج املســيحي‪ ،‬فهــو ليــس اقتــران أجســاد فحســب‪ ،‬إمنــا اقتــران‬ ‫أرواح‪ ،‬مــن خــال الصلــوات‪ .‬وتؤكــد املســيحية علــى أن ينظــر كل طــرف يف هــذه العالقــة املقدســة إلــى اآلخــر‬ ‫نظــرة حــب وتكــرمي‪ ،‬فــكل منهمــا يكــرم اآلخــر‪ ،‬يف عالقــة يعــرف كل منهمــا واجباتــه وحــدوده معرفــة جيــدة‪.‬‬ ‫ويأتــي يف مقدمــة هــذه الواجبــات وهــذه احلــدود العطــاء وإيثــار اآلخــر علــى الــذات‪ .‬وال شــك أن مثــل هــذه‬ ‫العالقــة حتتــاج إلــى شــخص ناضــج – جســدياً ونفســياً وعقليـاً وروحيـاً ‪ -‬قــادر علــى إدراك طبيعــة هــذه العالقــة‬ ‫وجوهرهــا‪ ﴿ .‬ليــس ج ًّيــداً أن يكــون آدم وحــده‪ ،‬فأصنــع لــه ُمعينـاً نظيــرهُ ﴾ (تكويــن ‪ِ ﴿ )18:2‬ل َي ُكـ ْن ِلـ ُك ِّل َو ِ‬ ‫احـ ٍـد‬ ‫ا ْم َرأَتُـهُ‪َ ،‬ولْ َي ُك ـ ْن ِل ـ ُك ِّل َو ِ‬ ‫احـ ٍـدة َر ُجل ُ َهــا ﴾ (كورونثــوس األولــى ‪.)2 :7‬‬ ‫الكنيســة ال توافــق علــى الــزواج املبكــر ألنــه يف هــذه املرحلــة الشــاب أو الفتــاة لــم ينضجــا النضــج اجلســدي‬ ‫والنفســي والعقلــي والروحــي الــكايف الختيــار شــريك احليــاة املناســب‪ .‬لذلــك‪ ،‬مــن اخلطــأ أن يتــم زواج بــن‬ ‫شــخصني غيــر أكفــاء حلمــل مســؤولية تربيــة جيــل جديــد‪ .‬فيلــزم أن يتصــف الزوجــان بحســن التدبيــر وبفهــم‬ ‫جيــد لألمــور‪ ...‬وكل ذلــك يحتــاج إلــى نضــوج‪ ،‬وإلــى قــدرة علــى مواجهــة أعباء احليــاة وحتمل أحداثهــا ومفاجآتها‬ ‫ومــا فيهــا مــن تغيــر وتطــور‪ .‬هــذا يعنــي أن زواج الصغــار ال يقــع ضــرره علــى األزواج والزوجــات فقــط وإمنــا يقــع‬ ‫باألكثــر علــى نســلهم‪.‬‬ ‫هــذه األنــواع مــن الزيجــات ال ميكــن أن تنتــج زواجــاً ناجحــاً‪ .‬فالــزواج الناجــح يُبنــى علــى التوافــق والرضــا‬ ‫واحلــب‪ .‬يجــب أن يتذكــر األبــوان أنــه ينبغــي عليهمــا أال يختــارا مــا يناســبهما بــل مــا يناســب ابنهمــا أو ابنتهمــا‪،‬‬ ‫حيــث إنهــا حيــاة األبنــاء وليســت حيــاة اآلبــاء الذيــن يختــارون‪ .‬فالــزواج يحتــاج أن يُبنــى علــى أســاس مــن التوافــق‬ ‫واملوافقــة‪.‬‬ ‫تهتــم الكنيســة اهتمامــا كبيــرا بهــذه القضيــة حتــى يف مراحــل مــا قبــل الــزواج‪ ،‬وذلــك مــن خــال برامــج إعــداد‬ ‫وتأهيــل املقبلــن علــى الــزواج تأهيـ ً‬ ‫ا نفســياً ومعنويـاً وثقافيـاً وروحيـاً‪ .‬يف نفــس الوقــت‪ ،‬توضــح هــذه البرامــج‬ ‫أهميــة االختيــار لشــريك أو شــريكة احليــاة مــن حيــث التكافــؤ يف العمــر واملســتوى االجتماعــي واملســتوى الفكــري‬ ‫والثقــايف ‪...‬الــخ‪ .‬ونحــن بحاجــة إلــى مزيــد مــن هــذه البرامــج الســيما يف املناطــق الريفيــة والعشــوائيات حيــث‬ ‫تنتشــر فيهــا ظاهــرة الــزواج املبكــر‪ .‬ومــن ثــم‪ ،‬فــإن االهتمــام ببرامــج املشــورة األســرية والســيما مــا يتعلــق منهــا‬ ‫بقضيــة االختيــار للــزواج يُعــد مطلبــاً حيويــاً كوســيلة لصــون وحــدة األســرة ولضمــان عــدم تعــرض أي مــن‬ ‫أفرادهــا للعنــف‪.‬‬


‫‪16‬‬ ‫الخالصـة‬ ‫يوافــق اإلســام واملســيحية علــى أن زواج األطفــال والــزواج القســري همــا مــن املمارســات الثقافيــة التــي ال‬ ‫أســاس لهــا يف الديــن‪ ،‬وينبغــي أن تكــون محظــورة‪ .‬مثــل هــذه الزيجــات‪ ،‬التــي غالب ـاً مــا تنطبــق علــى الفتيــات‪،‬‬ ‫حترمهــن مــن حقوقهــن يف الطفولــة ويف املوافقــة علــى الــزواج‪ .‬األطفــال دون ســن ‪ 18‬ســنة ال يتمتعــون بالنضــج‬ ‫العاطفــي أو النفســي أو الروحــي لقبــول وفهــم مســؤوليات الــزواج‪ ،‬مبــا يف ذلــك تربيــة األســرة‪ .‬والفتيــات‬ ‫الصغيــرات ليســت علــى اســتعداد للجوانــب البدنيــة والعاطفيــة مــن اإلجنــاب‪ ،‬وميكــن أن تواجهــن تعقيــدات بدنيــة‬ ‫مــدى احليــاة مــن جــراء احلمــل املبكــر‪.‬‬

‫لذلــك‪ ،‬يتوجــب علــى اآلبــاء وأوليــاء األمــور احتــرام حقــوق األطفــال يف النمــو إلــى مرحلــة البلــوغ قبــل اإلقــدام‬ ‫علــى زيجــات قــد تعرضهــم للخطــر أو لإليــذاء‪.‬‬


‫‪17‬‬

‫ثالثا ‪ :‬التشويه التناسلي لإلناث‪ /‬الختان‬ ‫ً‬ ‫مقدمـة‬ ‫تزخــر الســجالت والوثائــق التــي حتكــي تاريــخ الشــعوب وممارســاتهم الثقافيــة بالكثيــر مــن الصــور والوســائل‬ ‫املختلفــة التــي تســتخدمها هــذه الشــعوب لتغييــر أو تشــويه أجســادها ألســباب شــعائرية أو دينيــة أو ثقافيــة أو‬ ‫جماليــة أو جنســية أو عالجيــة عــن طريــق القطــع أو الشــق أو التشــريط أو تعديــل أجــزاء مــن اجلســم‪ .‬إحــدى‬ ‫هــذه املمارســات هــي التشــويه الــذي يُجــرى علــى األعضــاء التناســلية لإلنــاث والتــي تُعــرف بختــان اإلنــاث أو‬ ‫تشــويه‪ /‬بتــر األعضــاء التناســلية لألنثــى‪.‬‬ ‫ختــان اإلنــاث هــو ســلوك تقليــدي يُعتقــد خطـ ًأ أنــه يُعــد الفتــاة لتكــون امــرأة‪ .‬ويتفــاوت ســن إجــراء هــذه العمليــة‬ ‫مــا بــن ثقافــة وأخــرى‪ .‬ففــي بعــض الثقافــات تخــن الفتيــات يف بواكيــر الطفولــة‪ ،‬بينمــا قــد تتأخــر طقــوس‬ ‫اخلتــان يف ثقافــات أخــرى‪ .‬ويف الغالــب‪ ،‬يُجــرى ختــان اإلنــاث أو تشــويه‪ /‬بتــر األعضــاء التناســلية لهــن بــن ســن‬ ‫أربــع وثــاث عشــرة ســنة‪.‬‬ ‫ورغــم أن دراســات كثيــرة تشــير إلــى وجــود أنــواع عديــدة مختلفــة مــن ختــان اإلنــاث‪ ،‬إال أنــه ميكــن تصنيفهــا إلــى‬ ‫أربعــة أنــواع رئيســة‪:‬‬

‫النوع األول‬

‫يتمثل يف استئصال قلفة البظر‪ ،‬أي قطع اجللدة املستعلية من البظر‪ .‬ويف بعض‬ ‫األحيان‪ ،‬يرافق ذلك قطع جزئي أو كلي للبظر‪.‬‬

‫النوع الثاني‬ ‫(قطع البظر)‬

‫يتم فيه استئصال رأس البظر والقلفة‪ ،‬وقطع جزئي أو كامل (اخلتان) للشفرين‬ ‫الصغيرين (الشفاه املهبلية الداخلية)‪.‬‬

‫النوع الثالث‬ ‫(الفرعوني)‬

‫هو عبارة عن استئصال جزئي أو كامل لكافة األعضاء التناسلية اخلارجية‬ ‫لألنثى‪ .‬كما يستتبعه خياطة أو تضييق الفتحة املهبلية (التكبيل)‪.‬‬

‫النوع الرابع‬ ‫(غير مصنف)‬

‫يشمل عدة عمليات مثل ثَقب أو َخرق أو َقطع البظر و‪/‬أو الشفرين الصغيرين؛‬ ‫متديد البظر و‪/‬أو الشفرين؛ الكي بحرق البظر واألنسجة احمليطة به؛ كشط‬ ‫األنسجة احمليطة بفوهة املهبل أو قطع املهبل؛ أو إدخال مواد كاوية أو أعشاب‬ ‫يف املهبل لغرض ش ّده أو تضييقه‪.‬‬


‫‪18‬‬ ‫يف البــاد التــي جتــرى فيهــا عمليــة التشــويه التناســلي لإلناث‪/‬اخلتــان‪ ،‬تنتشــر كثيــر مــن املفاهيــم واملعتقــدات‬ ‫اخلاطئــة‪ .‬مــن ذلــك أن هــذه العمليــة للتجميــل أو إزالــة نتــوءات زائــدة ‪ ،‬يف حــن تؤكــد احلقائــق الطبيــة أن‬ ‫األعضــاء التــي تُــزال ليســت زوائــد بــل باألحــرى لهــا وظائــف محــددة يف جســم اإلنســان‪ .‬ويوجــد اعتقــاد آخــر‬ ‫خاطــئ أن األعضــاء التــي تُســتأصل‪ ،‬اذا تُركــت‪ ،‬ميكــن أن تكبــر وتصيــر يف حجــم األعضــاء التناســلية الذكريــة‪.‬‬ ‫وهنــاك اعتقــاد شــائع أن غيــر املختنــة غيــر قــادرة علــى التحكــم يف رغبتهــا اجلنســية‪ ،‬لكــن هــذا ليــس صحيحــا‬ ‫ألن الدمــاغ هــو الــذي يتحكــم يف الرغبــة اجلنســية‪.‬‬

‫موقـف اإلسـالم من التشويه التناسلي لإلناث‪ /‬الختان‬ ‫إن ممارســة ختــان اإلنــاث مــن أبــرز مظاهــر العنــف ضــد املــرأة والفتــاة‪ .‬فهــي تســبب مضاعفــات عديــدة جتــور‬ ‫علــى حــق املــرأة يف االســتمتاع بحياتهــا الزوجيــة‪ .‬ونظــراً لعــدم وجــود أيــة فائــدة مــن اخلتــان‪ ،‬ينبغــي رفضــه‬ ‫بوصفــه انتهــاكا خلصوصيــة األنثــى وعصمــة بدنهــا الــذي ح ـ ّرم اهلل كل مســاس ضــار أو مــؤذ لــه‪.‬‬ ‫مــن املنظــور اإلســامي‪ ،‬يخلــو القــرآن الكــرمي مــن أي نــص يتعلــق بختــان اإلنــاث‪ ،‬حتــى ولــو مــن بعيــد‪ .‬واطــاق‬ ‫وصــف «ختــان الســنة» عليــه هــو نــوع مــن اخلــداع إلضفــاء القدســية وتضليــل النــاس بزعــم أنــه مــن اإلســام‪.‬‬ ‫احلقيقــة الواضحــة هــي أن األحاديــث املنســوبة للنبــي الكــرمي يف هــذا املجــال ليــس فيهــا دليــل واحــد‬ ‫صحيــح الســند مــن مصــادر الســنة‪ .‬قــال ابــن املنــذر‪« :‬ليــس يف اخلتــان خبــر يرجــع اليــه وال ســنة تتبــع »(((‪ .‬كذلــك‬ ‫ال يوجــد يف مرويــات احلديــث دليــل واحــد صحيــح الســند ميكــن أن يســتفاد منــه حكــم شــرعي يف مســألة بالغــة‬ ‫اخلطــورة علــى احليــاة اإلنســانية كهــذه املســألة‪ .‬لقــد خلــق اهلل اإلنســان يف أحســن تقــومي‪ ،‬ولذلــك فــإن بتــر أو‬ ‫قطــع أجــزاء مهمــة مــن اجلســم هــو تغييــر خللــق اهلل وليــس مــن فضائــل األعمــال‪ .‬وقــد صــح عــن الرســول ‬ ‫(((‬ ‫حينمــا قــال‪ ﴿ :‬لعــن اهلل املغيــرات خللــق اهلل ﴾‪.‬‬ ‫ال يوجــد أي ســبب طبــي يلــزم بختــان اإلنــاث‪ ،‬بــل هــو يــؤدي إلــى كثيــر مــن املشــكالت الصحيــة التــي تؤثــر‬ ‫علــى الطفلــة يف املــدى القصيــر والبعيــد‪ .‬يقــول اهلل تعالــى يف القــرآن الكــرمي‪ ﴿ :‬يَــا أَيُّ َهــا ا َّلذِ ي ـ َن آَ َمنُــوا خُ ـ ُذوا‬ ‫ِح ْذ َر ُكـ ْم﴾(((‪ .‬وقــال رســول اهلل ‪ ﴿ :‬ال ضــرر وال ضــرار ﴾(((‪ .‬ويقــول اهلل تعالــى أيضــا‪َ ...﴿:‬و َل تُل ْ ُقــوا ِب َأيْدِ ي ُكـ ْم‬ ‫إلــى ال َّت ْهل ُ َكــةِ ‪.(((﴾...‬‬

‫ ‪1‬‬ ‫‪ 2‬‬ ‫‪ 3‬‬ ‫‪ 4‬‬ ‫‪ 5‬‬

‫نيل األوتار للشوكاني ‪113-112/1‬‬ ‫متفق عليه عن ابن مسعود‪.‬‬ ‫سورة النساء – من اآلية ‪.71‬‬ ‫أخرجه ابن ماجه يف سننه – كتاب األحكام – باب‪ :‬من بنى يف حقه ما يضر بجاره ‪ 784/2‬ح ‪ 2341‬عن ابن عباس‪.‬‬ ‫سورة البقرة – من اآلية ‪.195‬‬


‫‪19‬‬ ‫ووفقـاً ألحــكام الشــريعة‪ ،‬فــإن التخلــي عــن ختــان اإلنــاث ليــس إثمـاً‪ ،‬وليــس مــن الصــواب القــول بأنــه مــن الســنة‬ ‫أو مــن الطبيعــة البشــرية (الفطــرة)‪ .‬وال يحتــوي القــرآن علــى أي آيــات تذكــر ختــان اإلنــاث (التشــويه التناســلي‬ ‫لإلنــاث)‪ .‬كمــا أن األحاديــث التــي يُستشــهد بهــا لتشــير إلــى شــرعيته كلهــا ضعيفــة ومعيبــة‪.‬‬

‫موقـف المسيحية من التشويه التناسلي لإلناث‪ /‬الختان‬ ‫التشــويه التناســلي لإلنــاث‪ /‬اخلتــان هــو أحــد أشــكال التشــويه اجلســدي مبــا يتــاءم مــع بعــض املعتقــدات‬ ‫واملفاهيــم الثقافيــة الســائدة يف بعــض املجتمعــات وبصفــة خاصــة يف املجتمعــات ذات التقاليــد التــي تســهم يف‬ ‫تكويــن قيــم وضوابــط املجتمــع اخلاصــة بســلوك األفــراد‪ .‬هــذه املمارســة الضــارة ليــس لهــا أي ســند يف املســيحية‬ ‫علــى اإلطــاق وال توجــد آيــة واحــدة يف الكتــاب املقــدس تشــير إلــى ختــان اإلنــاث‪.‬‬ ‫املســيحية ترفــض ختــان اإلنــاث ألنــه أحــد مصــادر التمييــز والعنــف ضــد املــرأة والفتــاة‪ ،‬وألنــه يرتبــط مبنظومــة‬ ‫مــن التقاليــد والعــادات التــي حتقــر مــن كرامــة املــرأة وإنســانيتها‪ ،‬ويف الوقــت نفســه تعيــد إنتــاج النمــوذج النمطــي‬ ‫لعالقــة الرجــل واملــرأة‪ ،‬ذلــك الــذي يكــرس ســيادة الرجــل‪ .‬عندمــا خلــق اهلل اإلنســان قــال‪ ﴿ :‬نَ ْع َم ـ ُل ا ِإلنْ َســا َن‬ ‫ُ‬ ‫صــو َر ِة ا ِ‬ ‫هلل َخل َ َق ـهُ‪َ .‬ذ َك ـ ًرا َوأُنْثَــى َخل َ َق ُه ـ ْم ﴾‬ ‫صو َر ِتــهِ ‪َ .‬علَــى ُ‬ ‫صو َر ِتنَــا َك َش ـبَهِ نَا‪َ 27 ...‬ف َخل َـ َق اهلل ا ِإلنْ َســا َن َعلَــى ُ‬ ‫َعلَــى ُ‬ ‫(تكويــن ‪ )٢٧،٢٦ :1‬وقصــة اخللــق يف ســفر التكويــن توضــح أن املــرأة لهــا مكانــة وكرامــة مســاوية للرجــل‪ ،‬فقــد‬ ‫ـب‬ ‫ِســا َء ُك ْم َك َمــا أَ َحـ َّ‬ ‫خلقهــا اهلل علــى صورتــه شــأنها شــأن الرجــل‪ .‬الكتــاب املقــدس يقــول‪ ﴿ :‬أَيُّ َهــا ال ِّر َجــا ُل‪ ،‬أَ ِح ُّبــوا ن َ‬ ‫ْال َ ِســي ُح أَيْ ً‬ ‫ِيسـ َة َوأَ ْسـل َ َم نَف َْسـ ُه ألَ ْج ِل َهــا ﴾ ( أفســس ‪.)25 :5‬‬ ‫ضــا الْ َكن َ‬ ‫وال يتوقــف دور الكنيســة علــى إدانــة عمليــة ختــان اإلنــاث واعتبارهــا خطــأ وخطيئــة‪ ،‬بــل هــي تعمــل جاهــدة علــى‬ ‫نشــر التوعيــة بخطــورة هــذه العــادة‪.‬‬

‫الخالصـة‬ ‫تكــرم املســيحية واإلســام النســاء والفتيــات‪ .‬وتتفــق كل مــن الديانتــن علــى أن اهلل قــد خلــق اإلنســان يف أحســن‬ ‫صــورة وأن حرمــة جســم اإلنســان يجــب دائمــا أن تكــون محميــة مــن األذى‪.‬‬ ‫لهــذه األســباب‪ ،‬يوجــد إجمــاع دينــي علــى أن اخلتــان هــو ممارســة اجتماعيــة وثقافيــة ضــارة‪ ،‬وليــس لهــا عالقــة‬ ‫أو مبــرر يف الديــن‪ ،‬ســواء املســيحية أو اإلســام‪ .‬وبالتالــي‪ ،‬فــإن التخلــي عــن هــذه املمارســة الضــارة هــو واجــب‬ ‫دينــي وأخالقــي‪.‬‬


‫‪20‬‬

‫رابعا ‪ :‬التمييز بين األطفـال‬ ‫ً‬ ‫مقدمـة‬ ‫حقــوق اإلنســان عامليــة‪ .‬تنــص املــادة ‪ 2‬مــن "اإلعــان العاملــي حلقــوق اإلنســان" علــى‪ « :‬لــكل إنســان حــق التمتــع‬ ‫بجميــع احلقــوق واحلريــات املذكــورة يف هــذا اإلعــان‪ ،‬دومنــا متييــز مــن أي نــوع‪ ،‬كالتمييــز بســبب العنصــر أو‬ ‫اللــون أو اجلنــس أو اللغــة أو الديــن أو الــرأي السياســي أو غيــره‪ ،‬األصــل القومــي أو االجتماعــي‪ ،‬أو الثــروة‪ ،‬أو‬ ‫املولــد‪ ،‬أو أي وضــع آخــر»‬ ‫التمييــز ضــد الفئــات املســتضعفة‪ ،‬الســيما األطفــال‪ ،‬علــى أســاس العــرق أو اجلنــس أو اللــون أو الديــن أو‬ ‫اإلعاقــة أو الثــروة أو ألي ســبب آخــر هــو ظاهــرة خطيــرة للغايــة‪ .‬مثــل هــذا التمييــز يعــوق اجلهــود املبذولــة إلنهــاء‬ ‫املعانــاة املســتمرة‪ ،‬واحلرمــان والعنــف الــذي يواجهــه العديــد مــن النســاء واألطفــال‪.‬‬

‫موقـف اإلسـالم من التمييز بين األطفـال‬ ‫اإلســام يرســي مبــادئ العــدل واملســاواة كأحــد األســس الهامــة للحيــاة اإلنســانية‪ .‬وتعاليــم اإلســام تســوي بــن‬ ‫النــاس جميع ـاً يف الواجبــات واحلقــوق‪ ،‬وال مجــال للتمييــز بينهــم بســبب اختــاف اجلنــس أو النــوع أو اللــون‬ ‫أو اإلعاقــة‪ .‬تعاليــم اإلســام تكفــل املســاواة بــن النــاس جميعــا وتعتبرهــم سواســية كأســنان املشــط‪ .‬وهــم ال‬ ‫يتفاوتــون إال بالســلوك القــومي ومــا يقدمــه كل منهــم لنفســه ومجتمعــه ووطنــه مــن املنافــع االيجابيــة املعبــر عنهــا‬ ‫ـاس ِإ َّنــا َخل َ ْقنَا ُكـ ْم مِ ـ ْن َذ َكـ ٍـر َوأُنْثَــى َو َج َعلْنَا ُكـ ْم‬ ‫بالتقــوى‪ .‬يف ذلــك يقــول اهلل تعالــى يف القــرآن الكــرمي‪ ﴿ :‬يَــا أَيُّ َهــا ال َّنـ ُ‬ ‫ُش ـ ُعو ًبا َو َق َبا ِئ ـ َل ِلتَ َعا َر ُفــوا إ َِّن أَ ْك َر َم ُك ـ ْم ِعنْ ـ َد َّ ِ‬ ‫الل أَتْ َقا ُك ـ ْم‪ .(((﴾...‬وقــال الرســول ‪ ﴿ :‬يــا أيهــا النــاس إن ربكــم‬ ‫واحــد‪ ،‬وإن أباكــم واحــد‪ ،‬كلكــم آلدم‪ ،‬وآدم مــن تــراب‪ ،‬أكرمكــم عنــد اهلل أتقاكــم‪ ،‬ليــس لعربــي علــى عجمــي‪ ،‬وال‬ ‫لعجمــي علــى عربــي فضــل إال بالتقــوى﴾(((‪.‬‬ ‫يحــرم اإلســام التمييــز بــن األطفــال بســبب اختــاف النــوع‪ .‬وقــال رســول اهلل ‪ ﴿ :‬اتقــوا اهلل واعدلــوا بــن‬ ‫أوالدكــم ﴾(((‪ .‬ومــن الصــور البعيــدة عــن روح اإلســام لكنهــا مترســبة يف نفــوس ضعيفــة هــي كراهــة البنات وســوء‬ ‫معاملــة الزوجــة اذا أجنبــت بنتـاً‪ .‬وذلــك مــع أن اهلل – ســبحانه وتعالــى – هــو الــذي يصــور اخللــق يف األرحــام‪،‬‬ ‫ـام َكيْـ َ‬ ‫مــن ذكــورة أو أنوثــة‪ ،‬ومــن بيــاض أو ســواد‪ ،‬وهكــذا‪ .‬قــال ســبحانه‪ُ ﴿ :‬هـ َو ا َّلــذِ ي يُ َ‬ ‫ـف يَ َشــاءُ‬ ‫ص ِّو ُر ُكـ ْم ِف ْالَ ْر َحـ ِ‬ ‫‪ 1‬سورة احلجرات – من اآلية ‪.13‬‬ ‫‪ 2‬أخرجه أحمد يف مسند ج‪ 5‬ص ‪ – 411‬ط دار الفكر‪.‬‬ ‫‪ 3‬أخرجه مسلم يف – كتاب الهبات – باب‪ :‬كراهة تفضيل بعض األوالد يف الهبة ‪ 3421-1242/3‬عن النعمان بن بشير‪.‬‬


‫‪21‬‬ ‫َل ِإلَـ َه إ َِّل ُهـ َو الْ َع ِزيـ ُز ْ َ‬ ‫اب لَ ُهـ ْم َربُّ ُهـ ْم أَ ِّنــي‬ ‫اسـت َ​َج َ‬ ‫الكِ يـ ُم﴾(((‪ .‬اهلل يجــزي كل ذكــر أو أنثــى علــى عملــه‪ ،‬فيقــول‪َ ﴿ :‬ف ْ‬ ‫ـض‪.(((﴾»...‬‬ ‫َل أ ُ ِضيـ ُع َع َمـ َل َعامِ ـ ٍـل مِ نْ ُكـ ْم مِ ـ ْن َذ َكـ ٍـر أَ ْو أُنْثَــى بَ ْع ُ‬ ‫ض ُكـ ْم مِ ـ ْن بَ ْعـ ٍ‬ ‫يدعــو اإلســام إلــى االهتمــام برعايــة البنــات‪ ،‬كافـ ً‬ ‫ا لهــن حقوقهــن يف الرعايــة األســرية والصحيــة واالقتصاديــة‪،‬‬ ‫ومــن يغــن حقهــن فهــو آثــم‪ .‬كمــا قــرر لهــن احلقــوق العادلــة واإلنصــاف التــام‪ ،‬كمــا نــراه يف هــذا احلديــث‪ .‬عــن‬ ‫أنــس بــن مالــك – رضــي اهلل عنــه – قــال‪ :‬قــال رســول اهلل ‪ ﴿ :‬مــن عــال جاريتــن حتــى تبلغــا جــاء يــوم‬ ‫القيامــة أنــا وهــو ﴾(((‪ ،‬وضــم أصابعــه‪ .‬ويف روايــة أخــرى‪ ﴿ ،‬مــن عــال جاريتــن حتــى يــدركا دخلــت أنــا وهــو اجلنــة‬ ‫كهاتــن ﴾((( وضــم إصبعيــه ‪ .‬إن العائــل الصالــح للبنــات ســوف يكــون يف مأمــن مــن عقــاب اهلل إذا اســتقام علــى‬ ‫احلــق وأدى واجبــه جتــاه بناتــه مــن حيــث تربيتهــن واالهتمــام بهــن ورعايتهــن‪.‬‬

‫موقـف المسيحية من التمييز بين األطفـال‬ ‫املســيحية ترفــض كل أشــكال التمييــز ألن اهلل خلــق البشــر متســاوين وألنــه ال يريــد أن مييــز بــن إنســان وآخــر‪،‬‬ ‫ميــانِ ب ْ‬ ‫بســبب اللــون أو العــرق أو اجلنــس‪ 26 ﴿ .‬ألَ َّن ُك ـ ْم َجمِ ي ًعــا أَبْنَــاءُ ا ِ‬ ‫ـيح يَ ُســو َع‪ 27 .‬ألَ َّن ُكلَّ ُك ـ ُم ا َّلذِ ي ـ َن‬ ‫هلل بِا ِإل َ‬ ‫ِال َ ِسـ ِ‬ ‫تب ْ‬ ‫اعتَ َمـ ْد ُ ْ‬ ‫ـس َذ َكـ ٌر َوأُنْثَــى‪ ،‬ألَ َّن ُكـ ْم‬ ‫ْ‬ ‫ـس َعبْـ ٌد َوالَ ُحـ ٌّـر‪ .‬لَيْـ َ‬ ‫ـس يَ ُهــودِ ٌّي َوالَ يُونَا ِنـ ٌّـي‪ .‬لَيْـ َ‬ ‫ِسـتُ ُم ْال َ ِســي َح‪ 28 :‬لَيْـ َ‬ ‫ِال َ ِسـ ِ‬ ‫ـيح َقـ ْد لَب ْ‬ ‫َجمِ ي ًعــا َو ِ‬ ‫ـيح يَ ُســو َع ﴾ (غالطيــة ‪.)28-26 :3‬‬ ‫احـ ٌد ِف ْال َ ِسـ ِ‬ ‫املسيحية تؤمن بأن اهلل هو خالق اإلنسان‪ .‬وحتى عندما ميز بني الذكر واألنثى‪ ،‬جعل النوعني متشابهني لصورة‬ ‫الس َماءِ َو َعلَى الْبَ َهائ ِ​ِم‪،‬‬ ‫اهلل وساواهما ومنحهما كل الهبات والسلطات‪َ ﴿.‬فيَت َ​َسلَّ ُطو َن َعلَى َس َم ِك الْبَ ْح ِر َو َعلَى َطيْ ِر َّ‬ ‫الد َّبابَ ِ‬ ‫ض ﴾ (تكوين ‪ .)26 :1‬كل من النوعني‪ ،‬الذكر واألنثى‪،‬‬ ‫ات ا َّلتِي تَدِ ُّب َعلَى األَ ْر ِ‬ ‫َو َعلَى ُك ِّل األَ ْر ِ‬ ‫يع َّ‬ ‫ض‪َ ،‬و َعلَى َجمِ ِ‬ ‫يحمالن مسؤولية كل األعمال التي أمرهم اهلل بها ﴿ أَثْمِ ُروا َوا ْكثُ ُروا َوا ْم ُ‬ ‫ض ﴾ (تكوين ‪.)28 :1‬‬ ‫ألوا األَ ْر َ‬ ‫ثمــة إشــارة إلــى قضيــة هامــة تتعلــق بإســاءة معاملــة األطفــال وهــي التفريــق يف املعاملــة علــى أســاس النــوع‪.‬‬ ‫وهــذا يتــم تكريســه عبــر التنشــئة االجتماعيــة‪ ،‬خاصــة يف املجتمعــات التــي تفضــل إجنــاب الذكــور ألســباب‬ ‫اجتماعيــة وثقافيــة‪ ،‬األمــر الــذي يــؤدي إلــى اإلهمــال املســتمر للفتيــات‪ ،‬ســواء كان خفي ـاً أم ظاهــراً‪ .‬وهــذا لــه‬ ‫أثــره علــى إدراك الفتيــات حلقوقهــن اإلنســانية‪ ،‬حيــث كثيــراً مــا تُعامــل البنــات معاملــة األدنــى وجتــري تنشــئتهن‬ ‫اجتماعيــاً بحيــث يتــم وضعهــن يف مكانــة أقــل‪ .‬ويــؤدي التمييــز واإلهمــال يف مرحلــة الطفولــة إلــى تنامــي‬ ‫احلرمــان واالســتبعاد مــن احليــاة االجتماعيــة يف املســتقبل‪.‬‬ ‫ ‪1‬‬ ‫‪ 2‬‬ ‫‪ 3‬‬ ‫‪ 4‬‬

‫سورة آل عمران – اآلية ‪.6‬‬ ‫سورة آل عمران – من اآلية ‪.195‬‬ ‫املقصود باجلاريتني (البنتان)‪.‬‬ ‫رواه مسلم يف صحيحه – كتاب البر – باب‪ :‬فضل اإلحسان الى البنات‪ ،2028-2027/4 ،‬ح ‪.4631‬‬


‫‪22‬‬ ‫لقــد ســاوى اهلل بــن البشــر‪ ،‬ولــم يشــأ أن مييــز بــن إنســان وآخــر ال حســب اللــون أو اجلنــس أو النــوع‪ .‬ومــع‬ ‫ذلــك‪ ،‬ســعى البشــر طــوال تاريــخ البشــرية إلــى التمييــز بــن بعضهــم وفق ـاً ملبــررات اجتماعيــة وثقافيــة‪ .‬ولكــي‬ ‫يتــم محــو صــور التمييــز هــذه‪ ،‬البــد أن يؤمــن البشــر جميعـاً يف كل أرجــاء املســكونة بــأن وجــود التنــوع هــو مــن‬ ‫أجــل التكامــل والتعــاون والتســاند بــل حتــى للوحــدة‪ .‬وهــذا لــن يتأتــى إال باحتــرام تعاليــم األديــان وباحتــرام كافــة‬ ‫املواثيــق الدوليــة حلقــوق اإلنســان عامــة وحلقــوق الفئــات املســتضعفة خاصــة‪ ،‬والتــي ُيــارس ضدهــا صــور مــن‬ ‫التمييــز علــى أســاس النــوع أو الطبقــة أو اللــون أو الديــن‪.‬‬ ‫دور الكنيســة هــو مكافحــة جميــع أشــكال التمييــز بــن األطفــال‪ .‬ولهــذا‪ ،‬فالكنيســة حتــرص علــى تشــجيع اآلبــاء‬ ‫علــى االهتمــام بالطريقــة التــي ير ّبــون بهــا أطفالهــم مــن الذكــور واإلنــاث دون أدنــى تفرقــة‪ .‬وتقــدم الكنيســة‬ ‫أنشــطة متنوعــة لتعليــم الســيدات واملتزوجــن حديث ـاً وأوليــاء األمــور واألســر‪ ،‬وذلــك لرفــع وعيهــم باملســؤولية‬ ‫الوالديــة وضــرورة عــدم التفرقــة بــن األطفــال حتــى ينمــو اجليــل اجلديــد وهــو يحتــرم االختــاف ويحتــرم‬ ‫اآلخريــن‪.‬‬

‫الخالصـة‬ ‫يؤمــن اإلســام واملســيحية بــأن اهلل خلــق الذكــور واإلنــاث متســاوين‪ .‬كل مــن الديانيــن ترفــض أي شــكل مــن‬ ‫أشــكال التمييــز علــى أســاس اجلنــس أو النــوع أو اللــون أو الديــن أو اإلعاقــة أو الثــروة أو أي ســبب آخــر‪.‬‬ ‫املمارســات التــي متيــز ضــد النســاء والفتيــات تســتند علــى العــرف وليــس علــى الديــن‪ ،‬وأنــه مــن املهــم توعيــة‬ ‫النــاس بــاألذى الناجــم عــن هــذا التمييــز‪.‬‬


‫‪23‬‬

‫خامسا ‪ :‬عمـل األطفـال‬ ‫ً‬ ‫مقدمـة‬ ‫ميكــن تعريــف عمــل األطفــال بأنــه أي عمــل يحــرم األطفــال مــن حقوقهــم األساســية أو طفولتهــم‪ ،‬أو ينــال‬ ‫مــن كرامتهــم أو يلحــق بهــم الضــرر اجلســدي أو النفســي‪ .‬وتشــمل األمثلــة علــى ذلــك األعمــال التــي تســبب‬ ‫الضــرر البدنــي أو النفســي أو االجتماعــي‪ ،‬أو التــي حتــرم األطفــال مــن احلــق يف اللعــب والتمتــع بوقتهــم‬ ‫وطفولتهــم‪ ،‬واألعمــال التــي تعــوق تعليمهــم‪ ،‬والتــي حترمهــم مــن فرصــة االلتحــاق باملدرســة أو جتبرهــم علــى‬ ‫تــرك التعليــم مبكــراً‪ ،‬واألعمــال التــي جتبرهــم علــى العمــل الشــاق لســاعات طويلــة‪ ،‬وأبرزهــا عمــل األطفــال‬ ‫يف املنــازل أو اســتخدامهم يف التســول واســتجداء التبرعــات أو اســتغاللهم يف النزاعــات املســلحة‪.‬‬

‫موقـف اإلسـالم من عمـل األطفـال‬ ‫عمــل األطفــال أمــر مقبــول يف اإلســام ليشــغلوا أنفســهم طواعي ـ ًة بالعمــل الــذي يناســب أعمارهــم وقدراتهــم‬ ‫الشــخصية طاملــا هــذا ال يتعــارض مــع حقوقهــم يف التعليــم واللعــب أو التمتــع بطفولتهــم‪ .‬بــل قــد يكــون هــذا يف‬ ‫الواقــع ضروري ـاً لتنميــة مهاراتهــم وتوســيع مداركهــم واإلســهام يف تكوينهــم البدنــي واإلدراكــي والعاطفــي‪.‬‬ ‫تكليــف األطفــال ببعــض األعمــال اليســيرة التــي تكســبهم املهــارات احلياتيــة أمـ ٌر نافــع طاملــا ال يشــق عليهــم أو‬ ‫يحرمهــم مــن حقوقهــم‪ .‬اخلليفــة الثالــث عثمــان بــن عفــان (رضــي اهلل عنــه) قــال‪ ﴿ :‬ال تكلفــوا الصغيــر الكســب‪،‬‬ ‫فإنــه إذا لــم يجــد ســرق‪ ،‬وع ّفــوا إذ أعفكــم اهلل‪ ،‬وعليكــم مــن املطاعــم مبــا طــاب منهــا﴾(((‪ .‬ومشــاركة الطفــل يف‬ ‫هــذه األعمــال ترتقــي بقدراتــه وتنمــي مهاراتــه وتزيــد مــن خبراتــه وتســهم يف منــوه العقلــي والنفســي والبدنــي‬ ‫واالجتماعــي‪ .‬كمــا يرســخ فيهــم القيــم البنــاءة كالثقــة بالنفــس واالعتــزاز بهــا‪ ،‬احتــرام اآلخريــن واملســؤولية‬ ‫االجتماعيــة والتعــاون والتضامــن والتســامح‪.‬‬ ‫اإلســـام حـ ّرم اســتغالل األطفــال يف األعمــال الشــاقة أو اخلطيــرة أو التــي تنــال مــن حقوقهــم املشــروعة‪ .‬قــال‬ ‫اهلل تعالــى‪َ ﴿ :‬ل يُ َك ُلِّــف اهلل نَف ًْســا إ َِّل ُو ْسـَـع َها ﴾((( و﴿‪َ ...‬و َمــا َج َع ـ َل َعلَيْ ُك ـ ْم ِف الدِّيــنِ مِ ـ ْن َح ـ َر ٍج‪ .(((﴾...‬وقــال‬ ‫رســول اهلل ‪ ﴿ :‬ليــس منــا مــن لــم يرحــم صغيرنــا ﴾(((‪.‬‬ ‫ ‪1‬‬ ‫‪ 2‬‬ ‫‪ 3‬‬ ‫‪ 4‬‬

‫أخرجه مالك يف املوطأ – كتاب االستئذان – باب‪ :‬األمر بالرفق باململوك ‪ 981/2‬ح ‪ 42‬ط عيسى احللبي‪.‬‬ ‫سورة البقرة – من اآلية ‪.286‬‬ ‫سورة احلج – من اآلية ‪.78‬‬ ‫رواه الترمذي – كتاب البر – باب‪ :‬ما جاء يف رحمة الصبيان‪.1920 – 322/4 ،‬‬


‫‪24‬‬ ‫يتعــارض اســتغالل األطفــال يف العمــل مــع االلتزامــات األساســية لتوفيــر احلمايــة لهــم وإعدادهــم للمســتقبل‪.‬‬ ‫وهــو يخالــف حقوقهــم التــي تضمــن التنشــئة الســليمة ليصبحــوا أعضــاء صاحلــن يف مجتمــع قــوي وناجــح يتمتــع‬ ‫فيــه اجلميــع بالســامة واألمــن والســعادة واالســتقرار‪ .‬وهــو ال يتفــق أيضـاً مــع حقهــم يف اإلنفــاق عليهــم مــن قبــل‬ ‫والديهــم حتــى يكونــوا قادريــن علــى االعتمــاد علــى أنفســهم‪ .‬كمــا أنــه يتعــارض مــع حقهــم يف العيــش بكرامــة ويف‬ ‫ظــروف مالئمــة تتفــق مــع احتياجاتهــم لتنميــة وتطويــر إدراكهــم العقلــي‪ ،‬للظــروف التــي توفــر لهــم فرصــا كافيــة‬ ‫للتعلــم والنضــج‪ .‬إضافــة إلــى هــذا‪ ،‬فــإن تكليفهــم بالعمــل يلحــق الضــرر بهــم‪ ،‬وإحلــاق الضــرر ممنــوع امتثــاالً‬ ‫لقــول الرســول ‪ ﴿ :‬ال ضــرر وال ضــرار ﴾(((‪ .‬وعمــل األطفــال الشــاق هــو نــوع مــن الظلــم االجتماعــي يح ّرمــه‬ ‫َ‬ ‫﴿‪...‬ل ت َْظ ِل ُمــو َن َو َل ت ُْظل َ ُمــو َن ﴾(((‪.‬‬ ‫اإلســام باعتبــاره مــن أســوأ األفعال‪.‬قــال اهلل تعالــى‪:‬‬ ‫إن اآلثــار اخلطيــرة الناجمــة عــن عمــل األطفــال الشــاق تدفعنــا للدعــوة إلــى تصــدي الدولــة واملجتمــع لهــذه‬ ‫الظاهــرة والقضــاء علــى أســبابها‪ .‬مــن واجــب الدولــة مســاعدة األســر األكثــر فقــراً حلمايــة أطفالهــم مــن الدفــع‬ ‫راع وكلكــم مســئول عــن رعيتــه‪.‬‬ ‫بهــم إلــى العمــل وحرمانهــم مــن التعليــم‪ .‬ويف ذلــك قــال الرســول ‪ ﴿ :‬كلكــم ٍ‬ ‫راع يف بيتــه ومســئول عــن رعيتــه واملــرأة يف بيتهــا راعيــة ومســئولة عــن رعيتهــا ﴾((( ‪.‬‬ ‫الرجــل ٍ‬

‫موقـف المسيحية من عمـل األطفـال‬ ‫ممارســة تشــغيل األطفــال‪ ،‬ســواء كان بأجــر أو بــدون أجــر‪ ،‬هــو ظاهــرة اجتماعيــة مرتبطــة بطبيعــة األنشــطة‬ ‫االقتصاديــة للعديــد مــن املجتمعــات‪ ،‬والســيما املجتمعــات الزراعيــة التــي يتقاســم فيهــا اآلبــاء واألبنــاء العمــل‬ ‫الزراعــي‪ .‬وعلــى مــر التاريــخ‪ ،‬دأبــت هــذه املجتمعــات علــى إشــراك األطفــال يف األعمــال التــي تتناســب مــع‬ ‫أعمارهــم‪ ،‬دون قســر أو ضغــط ودون أن يؤثــر ذلــك علــى منوهــم العقلــي أو البدنــي أو النفســي‪ ،‬وإمنــا مــن‬ ‫أجــل أن يتعلمــوا مبــادئ التعــاون وحتمــل املســؤولية‪ ،‬وتقاســم العمــل والقيــم اإليجابيــة األخــرى‪ .‬وقــد أعطــى لنــا‬ ‫الكتــاب املقــدس منــاذج ألطفــال قامــوا بــأداء هــذه األدوار كجــزء مــن طبيعــة احليــاة عاشــوها يف مجتمعاتهــم‪.‬‬ ‫ِــي‬ ‫ص ُموئِيــ ُل يَخْ ــدِ ُم أَ َمــا َم الــ َّر ِّب َو ُهــ َو َ‬ ‫صموئيــل النبــي كان يخــدم يف الهيــكل وهــو طفــل صغيــر‪َ ﴿ :‬و َكا َن َ‬ ‫صب ٌّ‬ ‫ُمتَ َمن ِْطـ ٌق ِب َأ ُفـ ٍ‬ ‫ص ُموئِيـ ُل َفتَزَايَـ َد‬ ‫ـود مِ ـ ْن َك َّتـ ٍ‬ ‫ـي َ‬ ‫ـان ﴾ (صموئيــل األول ‪ ، )18 :2‬ومــع ذلــك كان صموئيــل ﴿ َوأَ َّمــا َّ‬ ‫الص ِبـ ُّ‬ ‫ص َ‬ ‫ُ​ُ‬ ‫ـاس أَيْ ً‬ ‫ضــا ﴾ (صموئيــل األول ‪)26 :2‬‬ ‫ال ًحــا لَ ـ َدى ال ـ َّر ِّب َوال َّنـ ِ‬ ‫ن ـ ًّوا َو َ‬ ‫وكان أيضـاً داود النبــي يف صبــاه راعيـاً لألغنــام ثــم أصبــح ملــكاً وقائــداً للجيــش وقــال عنــه اهلل ﴿ فتشــت قلــب‬ ‫داود عبــدي فوجدتــه حســب قلبــي ﴾‪ ،‬فقــد كان الطفــل يســوع يســاعد أبويــه يف العمــل ولكــن ذلــك لــم يكــن علــى‬ ‫‪ 1‬رواه أحمد ‪ 313/1‬رقم ‪ ،2867‬وابن ماجه يف سننه ‪ 784/2‬ح ‪ ،2340‬قال البوصيري‪( :‬هذا اسناد رجاله ثقات إال أنه منقطع)‪.‬‬ ‫‪ 2‬سورة البقرة – من اآلية ‪.279‬‬ ‫‪ 3‬أخرجه البخاري يف صحيحه‪ ،‬كتاب اجلمعة‪ ،‬باب‪ :‬اجلمعة يف القرى واملدن ‪ 249 ،248/1‬ح ‪.893‬‬


‫‪25‬‬ ‫حســاب منــوه النفســي واجلســدي والعقلــي‪ ،‬فقــد ذكــر الكتــاب املقــدس كيــف متــت تربيتــه تربيــة متوازنــة ﴿ َوأَ َّمــا‬ ‫ال ْك َمــةِ َوالْ َقا َمــةِ َوال ِّن ْع َمــةِ ‪ِ ،‬عنْـ َد ا ِ‬ ‫يَ ُســو ُع َفـ َكا َن يَتَ َقـ َّـد ُم ِف ْ ِ‬ ‫ـاس ﴾ ( لوقــا ‪.)52 :2‬‬ ‫هلل َوال َّنـ ِ‬ ‫مــع أن الكنيســة تقــر بأهميــة العمــل‪ ،‬إال أنهــا ترفــض تعــرض األطفــال ألي صــورة مــن صــور احلرمــان أو العنــف‬ ‫أو االســتغالل وأي عمــل يؤثــر علــى منوهــم الروحــي والنفســي واجلســدي‪ .‬ولذلــك‪ ،‬فللكنيســة دور تلعبــه‪ .‬عندمــا‬ ‫كان طفـ ً‬ ‫ا‪ ،‬عمــل الســيد املســيح مــع يوســف النجــار وكان داود يف صغــره راعيـاً لألغنــام‪ .‬وعمــل بولــس الرســول‬ ‫كصانــع للخيــام‪ ،‬وعمــل بطــرس وأنــداروس ويعقــوب ويوحنــا يف صيــد األســماك‪ .‬كل هــؤالء عملــوا يف أعمــال‬ ‫لــم تتعــارض مــع منوهــم الروحــي أو النفســي أو اجلســدي‪ .‬فقــد كان هــذا العمــل جــزءاً مــن طبيعــة احليــاة‬ ‫االقتصاديــة واالجتماعيــة يف مجتمعاتهــم‪.‬‬ ‫وللكنيســة دور هــام جتــاه الفئــات التــي تطلــق عليهــا الفئــات األ ْولــى بالرعايــة أو األكثــر اســتحقاقاً‪ ،‬عمـ ً‬ ‫ا بقــول‬ ‫الســيد املســيح ﴿ ال يحتــاج األصحــاء إلــى طبيــب بــل املرضــى ﴾ (متــى ‪ .)12 : 9‬وملــا كان األطفــال العاملــون‬ ‫يواجهــون العديــد مــن صــور املعانــاة واملشــقة لكونهــم أطفــاالً يقــع علــى كاهلهــم مــا ال طاقــة لهــم بــه ولكونهــم‬ ‫فقــراء‪ ،‬فــإن الكنيســة توليهــم رعايــة خاصــة‪ .‬وتقــوم الكنيســة أيض ـاً بدعــم الوالديــن مــن خــال تقــدمي الدعــم‬ ‫املــادي لهــم ملســاعدتهم يف رعايــة األطفــال وجتنبهــم الدفــع بهــم إلــى العمــل‪ ،‬ومتــد لهــم الدعــم املعنــوي مــن خــال‬ ‫زيــادة التوعيــة الوالديــة بأهميــة تعليــم أوالدهــم واحملافظــة علــى حياتهــم وعــدم الــزج بهــم يف أعمــال تعــرض‬ ‫حياتهــم للخطــر‪.‬‬

‫الخالصـة‬ ‫اإلســام واملســيحية كالهمــا يدينــان أي عمــل لألطفــال مــن شــأنه أن يســتغلهم جســديا ومعنويــا ويحرمهــم‬ ‫مــن حقوقهــم األساســية‪ ،‬الســيما مــن الطفولــة والتعليــم‪ .‬وتقــر الديانتــان بقيمــة إشــراك األطفــال يف األعمــال‬ ‫البســيطة التــي تســاعد أســرهم ومجتمعاتهــم وتســمح لهــم بتنميــة املهــارات احلياتيــة اإليجابيــة‪ .‬ويف الوقــت‬ ‫نفســه‪ ،‬يتفهــم اإلســام واملســيحية األســباب االقتصاديــة التــي تدفــع باألســر إلــى الــزج بأبنائهــم للعمــل‪ ،‬ويحثــان‬ ‫علــى تقــدمي الدعــم لهــذه األســر والدعــوة إلــى إلغــاء عمــل األطفــال‪.‬‬


‫‪26‬‬

‫سادسا ‪ :‬اإلساءة الجنسية لألطفـال‬ ‫ً‬ ‫مقدمـة‬ ‫اإلســاءة اجلنســية هــي أي ســلوك جنســي غيــر الئــق مــع طفــل مــن نفــس النــوع أو النــوع اآلخــر‪ ،‬مثــل ملــس‬ ‫األعضــاء اجلنســية للطفــل أو إجبــاره علــى مالمســة األعضــاء اجلنســية للكبــار‪ .‬ويشــمل الســلوك غيــر الالئــق‬ ‫املضاجعــة اجلنســية ‪ ،‬ســفاح القربــى ‪ ،‬االغتصــاب أو االســتغالل اجلنســي‪ .‬كمــا تشــمل اإلســاءة اجلنســية أيضـاً‬ ‫اســتخدام القــوة أو الرشــوة أو التهديــد أو اخلديعــة أو الضغــط علــى الطفــل إلجبــاره علــى االشــتراك يف نشــاط‬ ‫جنســي‪ .‬وهــذا يحــدث عندمــا يقــوم أحــد الكبــار أو أحــد األطفــال باســتخدام طفــل آخــر للحصــول علــى متعــة‬ ‫جنســية‪ .‬وتترتــب علــى هــذه اجلرميــة أضــرار بالغــة اخلطــورة علــى األطفــال واملجتمــع‪ ،‬بــدءاً بضــرر اآلالم‬ ‫النفســية الشــديدة لألطفــال الضحيــة التــي ميكــن أن تؤرقهــم طــوال حياتهــم‪.‬‬

‫موقـف اإلسـالم من اإلسـاءة الجنسية لألطفال‬ ‫حــذر اإلســام األمهــات واآلبــاء مــن االنشــغال عــن أطفالهــم‪ ،‬ممــا قــد يــؤدي إلــى تعرضهــم لإلســاءة اجلنســية‪.‬‬ ‫ـاس َو ْ ِ‬ ‫ال َجــا َرةُ ﴾(((‪ .‬وقــال رســول‬ ‫قــال اهلل تعالــى‪ ﴿ :‬يَــا أَيُّ َهــا ا َّلذِ يـ َن آَ َمنُــوا ُقــوا أَنْف َُسـ ُك ْم َوأَ ْهلِي ُكـ ْم نَــا ًرا َو ُقو ُد َهــا ال َّنـ ُ‬ ‫اهلل ‪ ﴿ :‬كفــى باملــرء إثمـاً أن يضيــع مــن يقــوت ﴾(((‪ .‬وقــال أيضـاً ‪ ﴿ :‬أكرمــوا أبناءكــم وأحســنوا أدبهــم ﴾(((‪.‬‬ ‫هنــاك ضــرورة لالهتمــام بزيــادة التوعيــة اجلنســية لألطفــال املناســبة لســنهم ومبــا يتماشــى مــع تعاليــم اإلســام‬ ‫ومبادئــه‪ .‬ينبغــي علــى األســر واملعلمــن والدعــاة واملوجهــن جميع ـاً أن ينشــروا هــذه الثقافــة واملعلومــات مبــا‬ ‫فيهــا احتــرام اآلخريــن‪ .‬يجــب أن يقومــوا بتثقيــف الشــباب واملراهقــن حلمايتهــم مــن تعلــم هــذه املعلومــات مــن‬ ‫اآلخريــن‪ ،‬فيضلــون‪ .‬ينبغــي أن يكــون األســلوب املســتخدم غيــر مثيــر وغيــر مهيــج‪ ،‬مــع مراعــاة ســن املتلقــي‪ .‬فمــا‬ ‫يُقــال للطفــل يختلــف عمــا يُقــال للشــخص املراهــق أو الشــاب‪.‬‬ ‫يف غيــاب الرعايــة األســرية‪ ،‬قــد يتــردى الشــباب واملراهقــون – ســواء بقصــد أو بــدون قصــد – يف مبــاءة الصــور‬ ‫واألفــام اجلنســية‪ ،‬واملجــات واملواقــع التــي تنشــر صــوراً فاضحــة‪ .‬وقــد يــؤدي هــذا إلــى اإلســاءة اجلنســية‬ ‫لألطفــال‪ .‬لــذا‪ ،‬حــث اإلســام الشــباب واملراهقــن علــى مــلء أوقــات فراغهــم بأنشــطة مفيــدة حتميهــم مــن‬

‫‪ 1‬سورة التحرمي – من اآلية ‪.6‬‬ ‫‪ 2‬سنن أبي داود‪ ،‬يف كتاب الزكاة – باب‪ :‬صلة الرحم‪ ،‬ج‪ 2‬ص ‪ 132‬رقم ‪.1692‬‬ ‫‪ 3‬ابن ماجه يف سننه – كتاب األدب – باب‪ :‬بر الوالد واإلحسان الى البنات ‪ 2211/2‬ح ‪ 3671‬عن أنس رضي اهلل عنه‪.‬‬


‫‪27‬‬ ‫الســلوكيات الضــارة‪ .‬قــال رســول اهلل ‪ ﴿ :‬نعمتــان مغبــون فيهمــا كثيــر مــن النــاس‪ ،‬الصحــة والفــراغ ﴾(((‪.‬‬ ‫وقــال أيضـاً ‪ ﴿ :‬ال تــزول قدمــا عبــد يــوم القيامــة حتــى يُســأل عــن أربــع‪ :‬عــن عمــره فيــم أفنــاه وعــن شــبابه فيــم‬ ‫أبــاه وعــن مالــه مــن أيــن اكتســبه وفيــم أنفقــه وعــن علمــه مــاذا عمــل بــه ﴾(((‪.‬‬

‫مــن العوامــل الرئيســية لوقــوع جرميــة اإلســاءة اجلنســية لألطفــال عــدم وجــود أنشــطة متــأ وقــت فراغهــم‬ ‫مبــا يفيدهــم‪ ،‬ويجعلهــم فريســة لتأثيــرات ســيئة أو يف بعــض األحيــان فريســة ألقرانهــم الذيــن يحاولــون تزيــن‬ ‫االعتــداء اجلنســي لهــم‪ .‬وقــد عالــج اإلســام مشــكلة وقــت الفــراغ بــأن نصــح الوالديــن مبالعبــة أبنائهــم‬ ‫وشــغل وقتهــم بأنشــطة تفيدهــم‪.‬‬ ‫حـرم وجـ ّرم اإلسـاءة اجلنسـية لألطفـال ملـا يترتـب عليهـا مـن مخاطـر جسـيمة‪ ،‬كمـا يف اآليـة القرآنيـة‬ ‫اإلسلام ّ‬ ‫(((‬ ‫اح َشـ ًة َو َسـا َء َسـب ً‬ ‫الكرميـة ‪َ ﴿ :‬و َل تَ ْق َربُـوا ال ِّزنَـا ِإ َّن ُـه َكا َن َف ِ‬ ‫ِيل ﴾ ‪ .‬ويف وصفـه لعبـاد الرحمـن يقـول تعالـى ‪:‬‬ ‫ِال ِّـق َو َل يَ ْزنُو َن َو َم ْن يَ ْف َع ْل َذل َ‬ ‫الل ِإلَ ًهـا آَ َخ َـر َو َل يَ ْقتُلُـو َن ال َّن َفْـس ا َّلتِـي َحـ َّر َم اهلل إ َِّل ب ْ َ‬ ‫﴿ َوا َّلذِ َيـن َل يَ ْد ُعـو َن َمـ َع َّ ِ‬ ‫ِك يَل ْ َق‬ ‫اع ْ‬ ‫أَثَا ًمـا (‪ )68‬يُ َ‬ ‫اب يَـ ْو َم الْقِ يَا َمـةِ َويَخْ لُـ ْد فِ يـهِ ُم َها ًنـا (‪ .(((﴾ )69‬وقـد وضـع اإلسلام عقوبـات جزائيـة‬ ‫ض َ‬ ‫ـف لَـ ُه الْ َعـ َذ ُ‬ ‫لهـذه اجلرميـة اخلطيـرة ملـا يترتـب عليهـا مـن آثـار مدمـرة للطفـل املجنـي عليـه‪ ،‬والتي هي مبثابـة جرمية قتل‪.‬‬

‫موقـف المسيحية من اإلسـاءة الجنسية لألطفال‬ ‫ترفــض املســيحية وتديــن بشــدة اإلســاءة اجلنســية لألطفــال ألنهــا تنتهــك قدســية جســد اإلنســان وحيــاة‬ ‫ن الَ‬ ‫األســرة‪ ،‬ولكونهــا فعــا لــه أثــار ســلبية خطيــرة ومدمــرة علــى األطفــال‪ ﴿ .‬أَ ْم لَ ْس ـتُ ْم تَ ْعل َ ُمــو َن أَ َّن َّ‬ ‫الظ ِ ِ‬ ‫ال ـ َ‬ ‫ـان َوالَ َف ِ‬ ‫اس ـقُو َن َوالَ َم ْأبُونُــو َن َوالَ ُم َ‬ ‫ـور ‪.....‬‬ ‫ـوت اهللِ؟ الَ ت َِضلُّــوا‪ :‬الَ ُزنَــاةٌ َوالَ َع َب ـ َدةُ أَ ْوثَـ ٍ‬ ‫ض ِ‬ ‫اج ُعــو ُذ ُكـ ٍ‬ ‫يَ ِرثُــو َن َمل َ ُكـ َ‬ ‫ـوت ا ِ‬ ‫هلل ﴾ (رســالة كورونثــوس األولــى ‪.) 10-9 : 6‬‬ ‫يَ ِرثُــو َن َمل َ ُكـ َ‬ ‫أعطــى اهلل الطاقــة اجلنســية للبشــر حتــى تثــري حياتهــم‪ .‬لقــد خلــق اهلل اجلنــس يف اإلنســان ليدخــل مــن‬ ‫خاللــه احلــب إلــى الطبيعــة اإلنســانية ويخــرج اإلنســان مــن عزلتــه الداخليــة فاحتـاً آفــاق التحــرر مــن الذاتيــة‬ ‫واالنفتــاح علــى اآلخريــن‪ .‬وتكويــن أســرة هــو جتســيد ملعانــي احلــب واالحتــاد واملشــاركة والبــذل والعطــاء‪.‬‬ ‫لهــذا‪ ،‬قدســت الكنيســة اجلنــس ووضعــت تقنين ـاً ملمارســته مــن خــال ســر الزيجــة الــذي تباركــه الكنيســة‬ ‫السـ ُّر َع ِظيـ ٌم ﴾ (أفســس ‪ِ ﴿ ،) 32 : 5‬ليَ ُكــنِ الـ ِّز َوا ُج ُم َك َّر ًمــا ِعنْـ َد ُك ِّل َو ِ‬ ‫نـ ٍـس‪.‬‬ ‫احـ ٍـد‪َ ،‬و ْال َ ْ‬ ‫ض َجـ ُع َغيْـ َر َ ِ‬ ‫﴿ هـ َذا ِّ‬ ‫َوأَ َّمــا الْ َع ِ‬ ‫اهـ ُرو َن َوال ُّزنَــاةُ َف َسـ َيدِ ينُ ُه ُم اهللُ ﴾ ) رســالة العبرانيــن ‪.)4 :13‬‬ ‫ ‪1‬‬ ‫‪ 2‬‬ ‫‪ 3‬‬ ‫‪ 4‬‬

‫أخرجه البخاري يف صحيحه – كتاب الرقاق – باب‪ :‬ما جاء يف الصحة والفراغ وال عيش إال عيش اآلخرة‪ 177/4 ،‬ح ‪.6412‬‬ ‫أخرجه أبو يعلي يف مسنده ‪ 351/13‬ح ‪ 4734‬عن أبي بررذة وقال محققه اسناده حسن‪.‬‬ ‫سورة اإلسراء – اآلية ‪.32‬‬ ‫سورة الفرقان – اآليتان ‪.69-68‬‬


‫‪28‬‬ ‫وألن الـزواج املقـدس يسـاعد علـى حيـاة الطهـارة ‪ ،‬فـإن أي انتهـاك لهـذا اإلطار املقدس للجنس ترفضه الكنيسـة‬ ‫ويدخـل يف إطـار «الزنـا» الـذي نهـى اهلل عنـه يف العهـد القـدمي يف الوصيـة ﴿ الَ تَـزْنِ ﴾ (خـروج ‪)14 :20‬‬ ‫و(التثنية ‪ .)18 :5‬ويف العهد اجلديد‪ ،‬اتسع مفهوم الزنا ليشمل مجرد الشهوة أو التفكير يف الزنا‪ .‬يقول السيد‬ ‫املسـيح يف املوعظة على اجلبل‪َ ﴿ :‬ق ْد َسِـم ْعتُ ْم أَ َّن ُه قِ ي َل ِلل ْ ُق َد َماءِ ‪ :‬الَ تَزْنِ ‪َ 28 .‬وأَ َّما أَنَا َف َأ ُقو ُل لَ ُك ْم‪ :‬إ َِّن ُك َّل َم ْن يَن ُْظ ُر‬ ‫ِإلَى ا ْم َرأَةٍ ِليَ ْشتَهِ يَ َها‪َ ،‬ف َق ْد َزنَى ِب َها ِف َقل ْ ِبهِ ﴾ (متى ‪)28-27 : 5‬‬ ‫وتزيــد بشــاعة خطيئــة الزنــا إذا حدثــت مــع احملرمــات أو كانــت بخــاف الطبيعــة ‪ ،‬حســبما شــرح بولــس الرســول‬ ‫يف رســالته إلــى روميــة‪.‬‬ ‫اإلســاءة اجلنســية لألطفــال تتعــدى كســر الوصيــة وارتــكاب اخلطيــة التــي نهــى عنهــا الكتــاب املقــدس بعهديــه‬ ‫القــدمي واجلديــد‪ .‬مثــل هــذه األفعــال تدمــر النفــس والــروح واجلســد بصــور شــتى‪ ،‬ولهــذا الســبب ال يتوقــف دور‬ ‫الكنيســة علــى رفــض هــذه املمارســات واإلبــاغ عنهــا للجهــات املعنيــة‪ .‬الكنيســة تعمــل دائم ـاً علــى زيــادة وعــي‬ ‫النــاس مــن خــال العديــد مــن اآلليــات التــي تســاعد علــى احلــد مــن انتشــار هــذه املمارســات وحمايــة األطفــال‬ ‫منهــا‪.‬‬

‫الخالصـة‬ ‫يعتبــر اإلســام واملســيحية اإلســاءة اجلنســية علــى األطفــال واحــداً مــن أخطــر االنتهــاكات حلقــوق الطفــل‬ ‫بســبب اآلثــار الفوريــة والدائمــة مــدى احليــاة‪ ،‬املاديــة والنفســية‪ ،‬التــي تلحــق باألطفــال األبريــاء‪ .‬ينبغــي علــى‬ ‫اآلبــاء واألســر توفيــر البيئــة احلاميــة ألطفالهــم وزيــادة توعيتهــم بهــذه املمارســات‪.‬‬


‫‪29‬‬

‫سابعا ‪ :‬غياب الرعاية األسرية وأطفال الشوارع‬ ‫ً‬ ‫مقدمـة‬ ‫يعــرف ’أطفــال الشــوارع’ بأنهــم األطفــال الذيــن يعيشــون يف الشــارع بصفــة دائمــة أو شــبه دائمــة يف ظــل تواصــل‬ ‫أســري منتظــم ومنقطــع أو منعــدم؛ ويعرفــون أيضــاً بأنهــم األطفــال الذيــن يعملــون يف الشــارع طــوال اليــوم‬ ‫ويعــودون ألســرهم يف البيــت للنــوم‪.‬‬ ‫تُعــد ظاهــرة ’أطفــال الشــوارع’ واحــدة مــن املشــكالت االجتماعيــة الكبــرى التــي تظهــر يف املجتمعــات الناميــة‬ ‫عامـ ًة بســبب تدنــي أوضــاع بعــض اجلماعــات والفئــات االجتماعيــة وإفقارهــا ومــن ثــم أدت إلــى حتــوالت بنائيــة‬ ‫واقتصاديــة وأزمــات سياســية واجتماعيــة‪.‬‬ ‫وتؤكــد الدراســات أن األطفــال الذيــن يعيشــون يف الشــوارع يتعرضــون ملشــاكل ومخاطــر تتمثــل يف االعتــداء‬ ‫اجلنســي والتحــرش‪ ،‬اإلهانــة املســتمرة‪ ،‬املشــاجرات اليوميــة‪ ،‬مواجهــة الشــرطة والتعــرض للقبــض بتهمــة التشــرد‬ ‫والتعــرض إلســاءة املعاملــة يف أقســام الشــرطة‪ ،‬وخطــر التعــرض إلدمــان املخــدرات‪ ،‬فضــا عــن ســوء التغذيــة‬ ‫واألميــة‪.‬‬

‫موقـف اإلسـالم من غياب الرعاية األسرية وأطفال الشوارع‬ ‫حــق الطفــل يف الرعايــة الوالديــة – ســواء كانــت أصيلــة أم بديلــة – يدخــل ضمــن مجموعــة احلقــوق ذات‬ ‫األهميــة املتميــزة يف التشــريع اإلســامي ألنهــا تكفــل لــه احليــاة اآلمنــة بدنيـاً ونفســياً‪ .‬ال شــك أن وجــود الوالديــن‬ ‫يف حيــاة الطفــل ميثــل أهميــة خاصــة لضمــان منــوه علــى النحــو الســليم‪ ،‬الســيما إذا كان الوالــدان علــى قــدر‬ ‫مــن الوعــي واملســؤولية ميكنهمــا مــن أداء دورهمــا يف تنشــئة الطفــل وتربيــة الطفــل بطريقــة صحيحــة وصحيــة‪.‬‬ ‫أســباب غيــاب الرعايــة األســرية لألطفــال عديــدة وغالبـاً مــا إلــى نزولهــم إلــى الشــوارع‪ .‬مــن ضمــن هذه األســباب‬ ‫النزاعــات الزوجيــة والعائليــة‪ ،‬وتفــكك وحــدة األســرة وزيــادة معــدالت الطــاق‪ .‬وهنــاك ســبب آخــر لغيــاب‬ ‫الرعايــة األســرية هــو عــدم معرفــة نســب الطفــل‪ ،‬فيُســمى الطفــل املهجــور أو املتخلــى عنــه ’لقيــط’‪ .‬أمــا اذا‬ ‫كان والــدا الطفــل أو أحدهمــا مفقــوداً (متــويف)‪ ،‬فيُســمى يتيم ـاً‪ .‬وقــد قــرر اإلســام لهذيــن النوعــن احلــق يف‬ ‫الرعايــة الوالديــة البديلــة‪.‬‬


‫‪30‬‬ ‫يشــمل منهــج التشــريع اإلســامي حلمايــة األطفــال فاقــدي الرعايــة الوالديــة املســتوى األســري ومؤسســات‬ ‫الرعايــة االجتماعيــة‪ .‬علــى املســتوى األســري‪ ،‬س ـنّت الشــريعة جملــة مــن الوســائل لتحقيــق تلــك الرعايــة‬ ‫تشــمل اإلقــرار بنســب الطفــل مجهــول النســب‪ ،‬والرضــاع‪ ،‬وكفالــة اليتيــم‪ .‬وحيثمــا تكــون الرعايــة البديلــة‬ ‫لألطفــال فاقــدي الرعايــة األســرية ســيتم تنفيذهــا داخــل مؤسســات الرعايــة االجتماعيــة‪ ،‬فــإن الدولــة هــي‬ ‫التــي تضطلــع بهــا متوي ـ ً‬ ‫ا وتنفيــذاً ورقابــة ومحاســبة‪ .‬هــذه العايــة تقــوم بتنفيذهــا مؤسســات عامــة قــادرة‬ ‫علــى اســتيعاب األطفــال فاقــدي الرعايــة الوالديــة يف أبنيــة تشــبه الوحــدات التــي تعيــش فيهــا األســرة‬ ‫العاديــة‪.‬‬ ‫األطفــال الذيــن يعيشــون يف الشــوارع واألطفــال فاقــدو الرعايــة الوالديــة لهــم حــق علــى املجتمــع والدولــة يوجــب‬ ‫منحهــم مشــروعات وخدمــات تكفــل لهــم حيــاة آمنــة وكرميــة‪ .‬قــال اهلل تعالــى‪َ ...﴿ :‬وتَ َعا َونُــوا َعلَــى الْ ِبـ ِّر َوال َّت ْقـ َوى‬ ‫ِصـ َـا ٌح لَ ُه ـ ْم َخيْـ ٌر َو ِإ ْن ت َُخال ُ‬ ‫ِطو ُه ـ ْم‬ ‫َو َل تَ َعا َونُــوا َعلَــى ْ ِ‬ ‫الثْـ ِـم َوالْ ُع ـ ْد َوانِ ‪ (((﴾...‬و ﴿‪َ ...‬ويَ ْس ـ َألُونَ َك َعــنِ الْيَتَا َمــى ُق ـ ْل إ ْ‬ ‫َف ِإخْ وانُ ُكـم َواهلل يَعل َـم ْالُف ِْسـ َد مِ ـ َن ْالُص ِلــح َولَـو َشــاء اهلل َلَ ْعنَتَ ُكـم إ َِّن َّ َ‬ ‫الل َع ِزيـ ٌز َحكِ يــم﴾(((‪.‬‬ ‫ْ ُ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ْ ِ ْ‬ ‫َ ْ‬ ‫إن خطــورة اآلثــار املترتبــة علــى ظاهــرة األطفــال فاقــدي الرعايــة األســرية تدفعنــا إلــى بــذل كل اجلهــود‬ ‫املمكنــة يف التصــدي لهــذه الظاهــرة والقضــاء عليهــا مــن جذورهــا‪ .‬وميكــن حتقيــق ذلــك بااللتــزام بالتشــريعات‬ ‫اإلســامية اخلاصــة بتنظيــم العالقــات األســرية‪ ،‬والعنايــة بتربيــة األطفــال وحمايــة حقوقهــم ورفاههــم‪ .‬ويكــون‬ ‫أيضــا بترســيخ اإلميــان بأهميــة هــذه القضيــة وبالعمــل اجلــاد املخلــص مــن أجلهــا‪ ،‬وايجــاد وعــي عــام بخطــورة‬ ‫مــا يترتــب عليهــا مــن أثــار‪ .‬هــذه هــي مهمــة املجتمــع بأســره‪ :‬قادتــه وهيئاتــه التشــريعية والتنفيذيــة ومنظماتــه‬ ‫املدنيــة وجمعياتــه اخليريــة مــع علمــاء الدعــوة اإلســامية وعلمــاء الفكــر وعلمــاء التربيــة واإلعــام‪.‬‬

‫موقـف المسيحية من غياب الرعاية األسرية وأطفال الشوارع‬ ‫تدعــو املســيحية إلــى احلــب والرحمــة جتــاه الفئــات املســتضعفة والفقيــرة‪ ،‬الســيما األكثــر فقــراً مثــل اليتامــى‬ ‫واملســاكني والغربــاء والضالــن‪ .‬يقــول اهلل لشــعبه بعــد خروجهــم مــن أرض مصــر‪ ﴿ :‬وإذا افتقــر أخــوك وقصــرت‬ ‫يــده عنــدك‪ ،‬فأعضــده غريبـاً أو مســتوطناً فيعيــش معــك ال تأخــذ منــه ربــا وال مرابحــة‪ ،‬بــل اخــش الهــك‪ ،‬فيعــش‬ ‫ِــع خُ بْــز َ‬ ‫َك‪َ ،‬وأَ ْن تُ ْد ِخــ َل‬ ‫أخــوك معــك ﴾ (الالويــن ‪ .)36-35 :25‬ويقــول أشــعيا النبــي‪ :‬أَلَيْ َ‬ ‫ــس أَ ْن تَ ْك ِســ َر ِلل ْ َجائ ِ‬ ‫لمِ َ‬ ‫ني التَّائِهِ َــن ِإلَــى بَيْت َ‬ ‫اضــى َعــ ْن َ ْ‬ ‫ــت ُع ْريَا ًنــا أَ ْن تَ ْك ُســوهُ‪َ ،‬وأَ ْن الَ تَتَ َغ َ‬ ‫ــك‪( .‬أشــعياء ‪.)7 :58‬‬ ‫ْال َ َســاكِ َ‬ ‫ِــك؟ ِإ َذا َرأَيْ َ‬ ‫ويزخــر الكتــاب املقــدس باآليــات والتعاليــم واألمثــال التــي تدعــو إلــى ذلــك ﴿ ُطوبَــى لِل ُّر َح َمــاءِ ‪ ،‬ألَ َّن ُهـ ْم يُ ْر َح ُمــو َن ﴾‬ ‫(متــى ‪ُ ﴿ ،)7 :5‬كونُــوا ُر َح َمــا َء َك َمــا أَ َّن أَبَا ُك ـ ْم أَيْ ً‬ ‫ضــا َر ِحي ـ ٌم ﴾ (لوقــا ‪.)36 :6‬‬ ‫‪ 1‬سورة املائدة – من اآلية ‪.2‬‬ ‫‪ 2‬سورة البقرة – من اآلية ‪.220‬‬


‫‪31‬‬ ‫الكنيســة لهــا دور هــام تلعبــه جتــاه أطفــال الشــوارع الذيــن بــا مــأوى‪ .‬فهــي تعمــل جاهــدة إلــى إعــادة هــؤالء‬ ‫األطفــال ودمجهــم يف الكنيســة واملجتمــع‪ .‬كمــا حتــاول لــم شــملهم علــى أســرهم إن أمكــن ذلــك‪ ،‬وخلــق فــرص‬ ‫للعمــل والتعليــم لهــم ولذويهــم حتــى يتســنى رعايــة الطفــل ومتكينــه مــن احلصــول علــى حقوقــه الطبيعيــة‪ ،‬وحتــى‬ ‫ينمــو يف بيئــة صحيــة ويتربــى تربيــة متوازنــة يف كافــة النواحــي املاديــة والتعليميــة والترفيهيــة‪ .‬وتبــدأ خدمــة‬ ‫هــؤالء األطفــال مــن خــال مــدارس األحــد التــي تســعى إلــى دمــج كل األطفــال‪ ،‬الســيما األكثــر احتياجـاً‪ ،‬عمـ ً‬ ‫ا‬ ‫بقــول الســيد املســيح‪ ﴿ :‬الَ يَ ْحتَــا ُج األَ ِص َّحــاءُ ِإلَــى َطبِيــب بَــلِ ْال َ ْر َ‬ ‫ضــى ﴾ (متــى ‪.)12 :9‬‬ ‫ال تتوقــف النظــرة املســيحية عنــد اإلحســان والشــفقة‪ ،‬لكنهــا متتــد إلــى العمــل‪ ،‬كمــا يقــول معلمنــا يوحنــا احلبيــب‪:‬‬ ‫ـب بِالْ ـ َك َ‬ ‫ال ِم َوالَ بِاللِّ َســانِ ‪ ،‬بَ ـ ْل بِالْ َع َمــلِ َو ْ َ‬ ‫الــقِّ ﴾ (رســالة يوحنــا األولــى ‪ .)18 : 3‬وهنــاك حاجــة ماســة‬ ‫﴿ الَ نُ ِحـ َّ‬ ‫إلــى زيــادة البرامــج واملســاعدات مــن أجــل هــؤالء األطفــال وأســرهم‪ ،‬مــع التركيــز علــى املناطــق احلضريــة التــي‬ ‫تتركــز فيهــا هــذه الظاهــرة‪ .‬وينبغــي أن تشــمل هــذه البرامــج التأهيــل والتدريــب والتعليــم‪ ،‬مــن أجــل إعــادة دمــج‬ ‫هــؤالء األطفــال يف املجتمــع ومســاعدتهم للحصــول علــى مســتحقاتهم االجتماعيــة‪.‬‬

‫الخالصـة‬ ‫يتفــق اإلســام واملســيحية متام ـاً علــى أهميــة إظهــار الرحمــة والشــفقة لألطفــال الذيــن يعيشــون بــدون رعايــة‬ ‫والديــة‪ ،‬مبــا فيهــم أولئــك الذيــن يعيشــون يف الشــارع‪ .‬وتتفــق الديانتــان علــى أن هــؤالء األطفــال لديهــم احلــق يف‬ ‫الرعايــة البديلــة‪ .‬وهمــا أيضــا يعتقــدان أن الدولــة يجــب أن تلعــب دورا هامــا يف منــع والتصــدي لظاهــرة األطفــال‬ ‫الذيــن يعيشــون يف الشــوارع مــن خــال ضمــان تلبيــة احتياجاتهــم وحقوقهــم كمــا نصــت عليهــا اتفاقيــة حقــوق‬ ‫الطفــل‪.‬‬


‫‪32‬‬

‫ثامـنا ‪ :‬العنـف في األسرة ضد األطفال‬ ‫ً‬ ‫مقدمـة‬ ‫يشــير مفهــوم العنــف يف األســرة ضــد األطفــال إلــى العنــف الــذي يقــع داخــل األســرة أو العائلــة‪ .‬قــد يتخــذ هــذا‬ ‫شــك ً‬ ‫ال مــن أشــكال اإليــذاء العاطفــي أو اإلهمــال أو اإليــذاء اجلســدي أو اإليــذاء اجلنســي‪ .‬ويعتبــر أي عنــف‬ ‫ميــارس مــن قبــل شــخص لــه ســلطة أو قــوة غيــر متكافئــة ضــد قاصــر يف األســرة عنفـاً أســرياً‪ .‬هــذا النــوع مــن‬ ‫العنــف هــو شــكل مــن أشــكال العــدوان الــذي ال متلــك الضحيــة أي وســيلة لصــده أو مقاومتــه‪ ،‬ولــه تأثيــر مباشــر‬ ‫علــى حيــاة الطفــل وســلوكه بشــكل عــام‪.‬‬ ‫وقــد أشــار تقريــر األمــن العــام لــأمم املتحــدة عــن العنــف ضــد األطفــال أن أكثــر ضحايــا العنــف يف األســرة هــم‬ ‫مــن األطفــال‪ ،‬إمــا نتيجــة لالعتــداء املباشــر أو اإلهمــال‪ .‬املاليــن مــن األطفــال هــم ضحايــا العنــف بــكل أنواعــه‬ ‫واآلالف مــن األطفــال ميوتــون بــن يــدي والديهــم نتيجــة لهــذا العنــف‪.‬‬

‫موقـف اإلسـالم من العنف في األسرة ضد األطفال‬ ‫إن الوقايــة الفاعلــة مــن العنــف يف األســرة ضــد األطفــال تكمــن يف الوعــي التربــوي الــذي يرتكــز علــى املنهــج‬ ‫اإلســامي‪ .‬فقــد أرســى اإلســام األســس واملبــادئ والنصــوص التــي متنــع العنــف يف األســرة بــأي شــكل‪ ،‬بــل‬ ‫وتوفــر التوجيــه إلــى أي مــن األفــراد الذيــن يرغبــون يف القيــام مبســؤولياتهم جتــاه األطفــال ورفاههــم وال‬ ‫يهملونهــم‪ .‬اإلســام يحــث األمهــات واآلبــاء علــى رعايــة أطفالهــم وأن يكونــوا قــدوة حســنة لهــم‪ .‬يقــول رســول اهلل‬ ‫ ‪ ﴿ :‬كفــى باملــرء إثم ـاً أن يضيــع مــن يقــوت ﴾(((‪.‬‬ ‫ومــن القواعــد العامــة التــي تضمنتهــا الشــريعة اإلســامية أنــه ال يجــوز إحلــاق الضــرر بالنفــس أو بالغيــر‪.‬‬ ‫وبالتالــي‪ ،‬ال يجــوز ألحــد والــدي الطفــل أن يضربــه‪ .‬الضــرر النفســي كالضــرر اجلســدي‪ ،‬كالهمــا ممنــوع‬ ‫شــرعاً‪ .‬فاإلســام يأمــر بالرفــق والرحمــة والعطــف يف معاملــة األطفــال ومراعــاة التطــور الطبيعــي حلياتهــم‬ ‫واحتياجاتهــم املختلفــة‪ .‬فاحلكمــة والبصيــرة ضروريتــان لبنــاء الثقــة بالنفــس والقــدرة علــى مواجهــة احليــاة‪.‬‬ ‫قــال رســول اهلل ‪ ﴿ :‬ليــس منــا مــن لــم يرحــم صغيرنــا ﴾((( ‪ .‬وجــاء يف األثــر بيــان الطريقــة املثلــى يف تنشــئة‬ ‫األطفــال يقــول‪ ﴿ :‬العبــه ســبعاً‪ ،‬وأدبــه ســبعاً‪ ،‬وصاحبــه ســبعاً‪ ،‬ثــم اتــرك حبلــه علــى غاربــه ﴾ (((‪.‬‬ ‫‪ 1‬سنن أبي داود‪ ،‬يف كتاب الزكاة – باب‪ :‬صلة الرحم‪ ،‬ج ‪ 2‬ص ‪ 132‬رقم ‪.1692‬‬ ‫‪ 2‬رواه الترمذي – كتاب البر – باب‪ :‬ما جاء يف رحمة املسلمني ‪ 323-322/4‬ح ‪ 1924‬عن ابن عمر وقال الترمذي حديث حسن صحيح‪.‬‬ ‫‪ 3‬نقل عن سيدنا عمر‪ ،‬أو علي‪ ،‬وقيل هو من كالم عبد امللك بن مروان (غرر اخلصائص الواضحة) محمد بن ابراهيم الكتبي ص ‪.718‬‬


‫‪33‬‬ ‫يجــب علــى اآلبــاء أن يتجنبــوا أي نــوع مــن العقوبــة البدنيــة والنفســية ألطفالهــم‪ ،‬وخاصــة عندمــا تكــون هنــاك‬ ‫وســائل أخــرى متاحــة لتربيــة األطفــال مثــل حجــب املكافــآت‪ ،‬وتقــدمي النصــح والهجــر املؤقــت واحلرمــان‬ ‫املشــروط مــن اللعــب أو الترفيــه أو وســائل أخــرى ميكــن للطفــل أن يشــعر أنهــا عقــاب‪ .‬هــذه اخليــارات ميكــن‬ ‫أن تكــون أكثــر فعاليــة مــن العقــاب البدنــي يف حتقيــق الهــدف مــن تربيــة األطفــال‪.‬‬ ‫وبجانــب النهــي عــن العنــف النفســي جــاء األمــر باملعاشــرة باملعــروف خللــق جــو مــن الطمأنينــة للطفــل‪ .‬قــال اهلل‬ ‫تعالــى‪ ...﴿ :‬وعاشــرونهن باملعــروف‪ .(((﴾...‬ومــن املعلــوم أن العنــف ضــد الطفــل هــو عنــف موجــه أيضـاً ضــد األم‬ ‫التــي ينفطــر قلبهــا حــن تــرى أي مكــروه ضــد طفلهــا‪ .‬وباملثــل‪ ،‬العنــف ضــد األم أمــام الطفــل هــو عنــف نفســي‬ ‫موجــه ضــد الطفــل‪ .‬كافــة أشــكال ذلــك العنــف ممنوعــة‪.‬‬ ‫ومــن أهــم وســائل الوقايــة هــي مــا يجــب أن تقــوم بــه الدولــة حلمايــة األطفــال مــن حــدوث العنــف‪ .‬وهــذا ينطلــق‬ ‫مــن املســؤولية العامــة التــي بينهــا الرســول يف حديثــه‪ ﴿ :‬كلكــم راع وكل راع مســئول عــن رعيتــه ﴾‪ .‬وقــال‬ ‫أيضـاً‪ ﴿ :‬إن اهلل ســائل كل راع عمــا اســترعاه حفــظ أم ضيــع حتــى يســأل الرجــل عــن أهــل بيتــه ﴾‪.‬‬

‫موقـف المسيحية من العنف في األسرة ضد األطفال‬ ‫تدعـو املسـيحية إلـى عالقـة سـوية بين اآلبـاء واألبنـاء تراعـي احلقـوق والواجبـات املتبادلة‪ .‬وترفض الكنيسـة كل‬ ‫أشـكال العنـف ضـد األطفـال داخـل األسـرة‪ ،‬حيـث تؤثـر سـلباً علـى منـو األطفال العاطفي واجلسـدي والنفسـي‪.‬‬ ‫يزخــر الكتــاب املقــدس بالتعاليــم عــن هــذه القضيــة ويدعــو إلــى كافــة احلقــوق التــي نصــت عليهــا املواثيــق‬ ‫اط ـ ً‬ ‫ـت‪َ ،‬فبَ ِ‬ ‫ـب الْبَ َّنــا ُؤو َن ﴾ (مزمــور ‪.)1 :127‬‬ ‫الدوليــة‪ .‬ففــي كتــاب املزاميــر نقــرأ‪ِ ﴿ :‬إ ْن لَـ ْم يَـ ْ ِ‬ ‫ـن ال ـ َّر ُّب الْبَيْـ َ‬ ‫ا يَتْ َعـ ُ‬ ‫واملقصــود بالبنائــن اآلبــاء الذيــن يحملــون علــى أكتافهــم مســؤولية تربيــة أبنائهــم وتوفيــر احتياجاتهــم املاديــة‬ ‫واملعنويــة بتحمــل وصبــر‪ ،‬طالبــن معونــة اهلل‪ .‬وعندمــا يدعــو الكتــاب املقــدس األبــاء لتربيــة أبنائهــم يقــول‪:‬‬ ‫﴿ َوأَنْتُـ ْم أَيُّ َهــا اآلبَــاءُ‪ ،‬الَ تُغِ ُ‬ ‫يظــوا أَ ْوالَ َد ُك ـ ْم‪ ،‬بَ ـ ْل َربُّو ُه ـ ْم ِبتَ ْأدِ يـ ِـب ال ـ َّر ِّب َو ِإنْـ َذارِ ِه ﴾ (أفســس ‪ .)4 : 6‬هــذا يعنــي أن‬ ‫تتماشــى مــع طريقــة الــرب ومــن أجــل تنفيــذ وصايــاه؛ ولتقــومي ســلوكهم حســب طريــق الــرب‪ ،‬ال يتــم العقــاب‬ ‫إن لــم يســبقه اإلنــذار‪ .‬يجــب تعريــف القضيــة وتوضيحهــا بطريقــة مقنعــة‪ .‬هكــذا يكــون تأديــب الــرب وإنــذاره‪.‬‬ ‫ويقــول أيضـاً الكتــاب املقــدس‪َ ﴿ :‬ر ِّب الْ َولَـ َد ِف َط ِريقِ ــهِ ‪َ ،‬ف َمتَــى َشــا َخ أَيْ ً‬ ‫ضــا الَ يَ ِحيـ ُد َعنْـ ُه ﴾ (األمثــال ‪ .)6 :22‬لــم‬ ‫ي ُقــل الكتــاب املقــدس «يف طريقــك»‪ ،‬كمــا يفعــل كل اآلبــاء‪ ،‬لكــي يســير األوالد علــى دربهــم ويضعوهــم يف قوالــب‬ ‫يــرون أنهــا األفضــل لهــم‪ ،‬وإمنــا قــال رب الولــد «يف طريقــه» الــذي يختــاره بنفســه وبحريتــه‪ .‬وهــذه هــي نفــس‬ ‫املبــادئ التــي تنــص عليهــا املعاهــدات والقوانــن املعنيــة بحقــوق األطفــال‪.‬‬ ‫‪ 1‬سورة النساء – من اآلية ‪.19‬‬


‫‪34‬‬ ‫الكتــاب املقــدس يؤكــد احلاجــة إلــى عالقــة ســوية بــن اآلبــاء واألبنــاء تراعــي احلقــوق والواجبــات املتبادلــة‪ .‬يقــول‬ ‫ـاك َوأ ُ َّمـ َ‬ ‫بولــس الرســول‪ 1﴿ :‬أَيُّ َهــا األَ ْوالَ ُد‪ ،‬أَ ِطي ُعــوا َوالِدِ ي ُك ـ ْم ِف ال ـ َّر ِّب ألَ َّن ه ـ َذا َحــقٌّ ‪«2 .‬أَ ْكـ ِـر ْم أَبَـ َ‬ ‫ـي‬ ‫ـك»‪ ،‬ا َّل ِتــي ِهـ َ‬ ‫ض ﴾ (أفســس ‪ .)3-1 :6‬ويؤكــد‬ ‫ـي يَ ُكــو َن لَ ُك ـ ْم َخيْ ـ ٌر‪َ ،‬وتَ ُكونُــوا ِط ـ َوا َل األَ ْع َمــارِ َعلَــى األَ ْر ِ‬ ‫أَ َّو ُل َو ِص ٍ َّيــة ِب َو ْعـ ٍـد‪ِ «3 ،‬ل َكـ ْ‬ ‫ـت أَ ْر َمل َـ ٌة لَ َهــا أَ ْوالَ ٌد أَ ْو‬ ‫ذلــك معلمنــا بولــس الرســول يف رســالته إلــى تلميــذه تيموثــاوس بقولــه ‪َ ﴿ :‬ولكِ ـ ْن ِإ ْن َكانَـ ْ‬ ‫صا ِل ـ ٌح َو َم ْقبُــو ٌل أَ َمــا َم ا ِ‬ ‫هلل ﴾‬ ‫َح َف ـ َدةٌ‪َ ،‬فلْيَتَ َعلَّ ُمــوا أَ َّوالً أَ ْن يُ َو ِّق ـ ُروا أَ ْه ـ َل بَيْتِهِ ـ ْم َويُو ُفــوا َوالِدِ يهِ ـ ِـم ْال ُ َكا َف ـ َأةَ‪ ،‬ألَ َّن ه ـ َذا َ‬ ‫( تيموثــاوس األولــى ‪ .)4 :5‬ويف مقابــل طاعــة األبنــاء علــى اآلبــاء أن يقدمــوا احلــب والعطــف مــع الضبــط‬ ‫والتوجيــه ال العنــف والقســوة ولذلــك يدعوهــم بولــس الرســول ﴿ َوأَنْتُ ـ ْم أَيُّ َهــا اآلبَــاءُ‪ ،‬الَ تُغِ ُ‬ ‫يظــوا أَ ْوالَ َد ُك ـ ْم‪ ،‬بَ ـ ْل‬ ‫يــب الــ َّر ِّب َو ِإنْــ َذارِ ِه ﴾ (أفســس ‪ )4 :6‬ويقــول أيضــا ‪:‬‬ ‫َر ُّبو ُهــ ْم ِبتَ ْأدِ ِ‬

‫﴿ أَيُّ َها اآلبَاءُ‪ ،‬الَ تُغِ ُ‬ ‫يظوا أَ ْوالَ َد ُك ْم ِلئَ َّ‬ ‫ال يَف َْشلُوا ﴾) كولوسي ‪.)21 :3‬‬

‫الخالصـة‬ ‫يف اإلســام واملســيحية‪ ،‬الوالــدان مســئوالن عــن حمايــة أطفالهمــا وتربيتهــم يف جــو مــن احلــب والعطــف‪ ،‬دون‬ ‫اللجــوء إلــى أشــكال مــن العنــف اجلســدي أو النفســي أو غيرهمــا‪ .‬الديانتــان كلتاهمــا تشــجبان هــذه املمارســات‬ ‫بــكل صــدق وترفضــان جميــع أشــكال العنــف ضــد األطفــال داخــل األســرة والعائلــة‪ ،‬ألن ذلــك يشــكل انتهــاكا‬ ‫حلقوقهــم التــي تؤثــر ســلباً علــى النمــو العاطفــي واجلســدي والنفســي لألطفــال‪.‬‬


‫‪35‬‬

‫تاسـعا ‪ :‬العنف في المدارس والمؤسسـات التربوية‬ ‫ً‬ ‫مقدمـة‬ ‫تُعــد املدرســة ثانــي أهــم مؤسســات التنشــئة االجتماعيــة لألطفــال بعــد األســرة ينمــو األطفــال فيهــا جســمياً‬ ‫وعقليــا‪ ،‬ونفســياً‪ ،‬وتنمــو ذواتهــم االجتماعيــة يف إطــار مــن القيــم اإليجابيــة القائمــة علــى التســامح‪ ،‬الســام‪،‬‬

‫احلــوار‪ ،‬القبــول‪ ،‬املشــاركة وغيرهــا مــن القيــم التــي تخلــق املواطــن الصالــح والشــخصية املتوازنــة ولــن يتأتــي‬ ‫ذلــك إال مــن خــال أســاليب تربويــة قائمــة علــى احلــوار وإكســاب املهــارات والطــرق التربويــة يف تغييــر الســلوك‬ ‫والتحفيــز علــى الســلوكيات املرغوبــة وليــس أســلوب التربيــة القائــم علــى العنــف مــن خــال الضــرب‪ ،‬التخويــف‬ ‫والتهديــد التــي عهــدت العديــد مــن املــدارس علــى إتباعهــا يف التربيــة‪ .‬وهــي تــؤدي إلــى نتائــج ســلبية علــى‬ ‫األطفــال الواقــع عليهــم العنــف وعلــى اآلخريــن‪.‬‬ ‫إن أشــكال العنــف املوجــودة يف املــدارس بدنيــة ونفســية وعــادة مــا يحــدث هــذان الشــكالن معــا وتضمــن األشــكال‬ ‫التــي يرتكبهــا املدرســون‪ ،‬موظفــي املــدارس أو التالميــذ أنفســهم مثــل عقوبــة اإليــذاء البدنــي واملعاملــة القاســية‬ ‫واملهينــة والعنــف اجلنســي والعنــف املســتند إلــى النــوع االجتماعــي والترهيــب والبلطجــة‪.‬‬

‫وميــارس العنــف داخــل املــدارس ليــس فقــط مــن قبــل املعلمــن للتالميــذ‪ ،‬وإمنــا مــن قبــل التالميــذ جتــاه املعلمــن‪.‬‬ ‫أو مــن قبــل التالميــذ بعضهــم البعــض‪ .‬والعنــف املدرســي ســلوك يــؤدى إلــى إحلــاق الضــرر إمــا بالطــاب أو‬ ‫املعلمــن أو مقتنيــات املدرســة‪ ،‬وهــو مــن أخطــر أشــكال العنــف لكونــه يُ َعـ ِـو ُق عمليــة التعلــم باملدرســة ومــن ثَ ـ َّم‬ ‫عــدم قيــام املدرســة بدورهــا‪.‬‬

‫المنظور اإلسالمي حول العنف في المدارس‬ ‫يعتبــر املعلــم حجــر الزاويــة فــى العمليــة التعليميــة فــى مواجهــة ســلوك العنــف مــن خــال ممارســته ألدواره‬ ‫باعتبــاره قــدوة لتالميــذه‪ ،‬ومثـ ً‬ ‫ا أعلــى يحتــذى‪ ،‬يغلــب جانــب الرحمــة والشــفقة‪ ،‬واللــن والرفــق والعطــف‪ ،‬وهــو‬ ‫توجــه عــام جنــده فــى توجيهــات النبــى ‪ ،‬قــال ‪ ﴿ :‬مــن أ ُ ْع ِطـ ّـى الرفــق فقــد أ ُ ْع ِطـ ّـى حظــه مــن اخليــر‪ ،‬ومــن‬ ‫ُحـ ِـر َم الرفــق فقــد ُحـ ِـر َم حظــه مــن اخليــر﴾(((‪ .‬وفــى ســيرة الرســول الكثيــر مــن النمــاذج التــى تفيــد فــى معاجلــة‬ ‫العنــف أظهــر فيهــا الرفــق‪ ،‬لــو اقتــدى املعلمــون بهــا لــكان فيهــا أعظــم الفائــدة لنجــاح املعلــم فــى مهمتــه‪ ،‬والنظــام‬ ‫التعليمــى فــى رؤيتــه ورســالته‪.‬‬ ‫‪ 1‬أخرجه الترمذي يف سننه – كتاب البر – باب‪ :‬ما جاء يف الرفق ‪ 367/4‬ح ‪ 2013‬وحسنه الترمذي‪.‬‬


‫‪36‬‬ ‫نظــراً ألهميــة جماعــة الرفــاق يف تنشــئة الطفــل‪ ،‬كان علــى األســرة تشــجيع انتســاب الطفــل ملثــل هــذه اجلماعــات‬ ‫لكــن عليهــا مالحظــة ســلوكه وتطــور مفاهيمــه واجتاهاتــه دائمـاً حتــى ميكنهــا التدخــل يف الوقــت املناســب وحتــى‬ ‫ال تأتــى الريــاح مبــا ال تشــتهيه األســرة‪ ،‬ومــا ال تقبلــه عاداتهــا وتقاليدهــا وقيمهــا‪ ،‬وحتــى يكــون مــا يتعلمــه مــن‬ ‫جماعــة الرفــاق فــى اجتاهــه اإليجابــي نظــراً ألن انحــراف الطفــل قــد يكــون إفــرازاً طبيعي ـاً للصحبــة الســيئة‪،‬‬ ‫قــال اهلل تعالــى‪َ ﴿ :‬وتَ َعا َونُــوا َعلَــى الْ ِبـ ِّر َوال َّت ْقـ َوى َو َل تَ َعا َونُــوا َعلَــى ْالثْـ ِـم َوالْ ُعـ ْد َوانِ ‪ (((﴾..‬وفــى ذلــك يقــول الرســول‬ ‫ ‪ ﴿ :‬املــرء علــى ديــن خليلــه فلينظــر أحدكــم مــن يخالــل ﴾ (((‪.‬‬ ‫مــن األســاليب التربويــة ملواجهــة العنــف املدرســي اكتشــاف امليــول العدوانيــة مبكــرا وعالجهــا‪ .‬قــال اهلل تعالــى‪:‬‬ ‫﴿ يَــا أَ ُّي َهــا ا َّلذِ يــ َن آ َمنُــوا خُ ــ ُذوا ِح ْذ َر ُكــ ْم‪ (((﴾...‬وقــال أيضــاً‪ ﴿ :‬يَــا أَ ُّي َهــا ا َّلذِ يــ َن آ َمنُــوا ُقــوا أَنْف َُســ ُك ْم َوأَ ْهلِي ُكــ ْم‬ ‫َّــاس َو ْ‬ ‫ال َجــا َرةُ‪ .(((﴾..‬وميكــن أن تتضمــن هــذه األســاليب تبنــى خطــة حلمايــة األطفــال مــن‬ ‫نَــا ًرا َو ُقو ُد َهــا الن ُ‬ ‫العنــف‪ ،‬ونشــر ثقافــة التســامح‪ ،‬واحلــرص علــى إقامــة عالقــات طيبــة دافئــة وآمنــة بــن أفــراد األســرة ومجتمــع‬ ‫املدرســة‪ ،‬وتقــدمي الدعــم النفســي الــازم لضحايــا العنــف فــى املدرســة واملجتمــع‪ ،‬واســتخدام املناهــج الدراســية‬ ‫واألســاليب التربويــة يف مواجهــة العنــف‪ ،‬وتفعيــل دور اإلخصائــى االجتماعــي واإلخصائــى النفســي باملــدارس‪،‬‬ ‫وتأكيــد قيــم املســاواة بــن اجلميــع يف احلقــوق والواجبــات‪ ،‬وتنميــة معــارف وقــدرات ومهــارات كافــة الكــوادر‬ ‫البشــرية التــي تتعامــل مــع األطفــال‪.‬‬ ‫إن ظاهــرة العنــف يف املــدارس تتعــدد صورهــا وأشــكالها‪ ،‬كمــا تتعــدد مســبباتها الثقافيــة واالجتماعيــة‬ ‫واالجتاهــات اخلاطئــة يف التربيــة‪ ،‬وال شــك أن مواجهــة ســلوك العنــف ضــد األطفــال أو احلــد منــه يحتــاج إلــى‬ ‫تبنــى أســاليب مختلفــة أو اســتراتيجيات ال تركــز فقــط علــى مواجهــة ســلوك العنــف أو احلــد منــه (اجلانــب‬ ‫العالجــي(‪ ،‬وإمنــا يف البحــث عــن عواملــه ومســبباته والقضــاء عليــه )اجلانــب الوقائــي) جتنبـاً لألضــرار النفســية‬ ‫واالجتماعيــة واجلســدية الناجمــة عــن تعرضهــم للعنــف فضـ ً‬ ‫ا عــن كفالــة حقوقهــم األساســية التــي حددهــا لهــم‬ ‫الشــرع والقانــون واملواثيــق الدوليــة‪ ،‬وذلــك حتــى ميكــن ملؤسســات التربيــة املختلفــة كاملدرســة واملنــوط بهــا عمليــة‬ ‫التنشــئة االجتماعيــة القيــام بدورهــا خيــر قيــام‪.‬‬

‫موقف الكنيسة من العنف في المدرسة‬ ‫تؤمـن الكنيسـة أن املـدارس يجـب أن تكـون أماكـن آمنـة حيـث ميكـن لألطفـال تعلـم وتنميـة إمكانياتهـم الكاملـة‪.‬‬ ‫﴿ ُه َو َذا الْبَنُو َن مِ ي َراثٌ مِ ْن ِعنْدِ ال َّر ِّب‪( ﴾...‬مزمور ‪ .)3 :127‬وال ميكن إال أن يتم ذلك يف بيئة خالية من العنف‪.‬‬ ‫‪ 1‬‬ ‫ ‪2‬‬ ‫‪ 3‬‬ ‫‪ 4‬‬

‫سورة املائدة – من اآلية ‪.2‬‬ ‫أخرجه الترمذي يف سننه – كتاب الزهد – باب‪ :‬رقم ‪ 45‬ج ‪ 4‬ص ‪589‬ح ‪ ،2378‬وقال الترمذي‪ :‬حسن صحيح‪.‬‬ ‫سورة النساء – من اآلية ‪.71‬‬ ‫سورة التحرمي – من اآلية ‪.6‬‬


‫‪37‬‬ ‫والكنيســة تديــن بشــدة جميــع أشــكال العنــف واإليــذاء يف املــدارس‪ ﴿ .‬اُنْ ُظـ ُروا‪ ،‬الَ َ ْ‬ ‫الص َغــارِ ‪،‬‬ ‫تتَقِ ـ ُروا أَ َحـ َد هـ ُؤالَءِ ِّ‬ ‫ألَ ِّنــي أَ ُقــو ُل لَ ُكـ ْم‪ :‬إ َِّن َم َ‬ ‫السـ َما َو ِ‬ ‫السـ َما َو ِ‬ ‫ات ﴾ (متــى ‪.) 10:18‬‬ ‫ات ُك َّل ِحـ ٍ‬ ‫ـن يَن ُْظـ ُرو َن َو ْجـ َه أَ ِبــي ا َّلــذِ ي ِف َّ‬ ‫ال ِئ َكتَ ُهـ ْم ِف َّ‬ ‫وتؤكــد الكنيســة علــى أهميــة احلــوار واإلقنــاع يف عمليــة التربيــة‪ .‬كمــا أنهــا تشــترك مــع املدرســة يف إعــداد‬ ‫أجيــال صاحلــة للمســتقبل مــن خــال مــا تقــوم بــه مــن أدوار تعليميــة وتثقيفيــة وترفيهيــة صحيــة وأيضـاً تســاهم‬ ‫يف تنميــة املواهــب والقــدرات وإصــاح االنحرافــات التــي قــد يولدهــا أســلوب التربيــة يف األســرة أو يف املدرســة‪.‬‬ ‫الكنيســة تخلــق أجــواء قائمــة علــى روح احملبــة واالنفتــاح واحلريــة والتســامح‪ ،‬أجــواء ال يوجــد بهــا مــكان للعقــاب‬ ‫والتأديــب البدنــي واإليــذاء اللفظــي بــل للتوجيــه واإلرشــاد والقــدوة الصاحلــة‪ُ ﴿ .‬كونُــوا ُر َح َمــا َء َك َمــا أَ َّن أَبَا ُك ـ ْم‬ ‫أَيْ ً‬ ‫ضــا َر ِحي ـ ٌم ﴾ (لوقــا ‪.)36 :6‬‬ ‫وأيــا كانــت صــور العنــف يف املدرســة وأســبابه فالبــد مــن مقاومتهــا بــكل الطــرق وميكــن حتقيــق ذلــك مــن خــال‬ ‫طــرق وقايــة مثــل نشــر ثقافــة التســامح ونبــذ العنــف و ترويــج ثقافــة حقــوق اإلنســان وهــذه كلهــا تنمــي اجلانــب‬ ‫القيمــي واألخالقــي لــدى التالميــذ‪ .‬كمــا ينبغــي علــى اإلدارة املدرســية تدريــب املعلمــن علــى كيفيــة التعامــل مــع‬ ‫خصائــص املراحــل العمريــة املختلفــة وللتدريــب علــى مهــارات التواصــل الفعــال لألســاليب التربيــة غيــر العنيفــة‪.‬‬ ‫واجلديــر بالذكــر أن لبعــض الكنائــس دورا فعــاال يف الشــراكة مــع بعــض املــدارس يف تنميــة قــدرات املعلمــن ويف‬ ‫توعيــة أوليــاء األمــور بأدوارهــم التربويــة وكيفيــة التعامــل مــع التالميــذ‪ .‬وتســهم بذلــك مــن خــال عقــد النــدوات‬ ‫وورش العمــل‪.‬‬ ‫وال يتوقــف األمــر علــى األســاليب الوقائيــة بــل ينبغــي تقــدمي الدعــم لتعديــل الســلوكيات العنيفــة وذلــك مــن خــال‬ ‫تقــدمي املشــورة واإلحالــة‪ .‬كذلــك تفعيــل القوانــن والقــرارات التــي حتمــي التالميــذ واملواطنــن باملدرســة‪.‬‬

‫الخالصـة‬ ‫كل أشــكال العنــف املدرســي ُمدانــة‪ ،‬ســواء اقترفهــا املعلمــون جتــاه تالميذهــم‪ ،‬أو التالميــذ جتــاه معلميهــم‪ ،‬أو‬ ‫جتــاه بعضهــم البعــض‪.‬‬ ‫واإلســام واملســيحية كالهمــا يعــزز ثقافــة واالحتــرام والتســامح يف املــدارس مــن خــال اجلهــود املبذولــة ملنــع‬ ‫ومعاجلــة جميــع أنــواع العنــف يف املــدارس‪ .‬وهــذه اجلهــود يجــب أن تشــمل جميــع األطــراف املعنيــة‪ ،‬مبــا يف ذلــك‬ ‫املعلمــون واآلبــاء واإلخصائيــون النفســيون واإلخصائيــون االجتماعيــون‪ ،‬مــن أجــل أن ينظــر األطفــال واملعلمــون‬ ‫للمــدارس كمــاذ للتعلــم‪.‬‬


‫‪38‬‬

‫عاشـرا ‪ :‬األطـفال في النـزاعات المسـلحة وغيرها‬ ‫ً‬ ‫مقدمة‬ ‫يعانـى األطفـال فـى أكثـر مـن خمسين دولـة يف العالـم مـن النزاعات املسـلحة أو من تأثيراتها‪ .‬وبحسـب تقديرات‬ ‫منظمـة يونيسـف‪ ،‬فقـد زادت يف العقـود األخيـرة نسـبة الضحايـا املدنيين يف النزاعـات املسـلحة بصـورة كبيـرة‪،‬‬ ‫وأصبحـت تقـدر اآلن بأكثـر مـن ‪ 90‬مـن املائـة‪ .‬وميثـل األطفـال مـا يقـرب مـن نصـف هـؤالء الضحايـا‪ ،‬وأجبـر مـا‬ ‫يقدر بنحو ‪ 20‬مليون طفل على الفرار من ديارهم بسـبب النزاعات وانتهاكات حقوق اإلنسـان‪ .‬البعض يعيشـون‬ ‫الجئين يف بلـدان مجـاورة واآلخـرون نزحـوا داخليـاً داخـل حدودهـم الوطنيـة‪ .‬وبحسـب التقريـر السـنوي للممثلـة‬ ‫اخلاصـة لألمين العـام املعنيـة باألطفـال والنزاعـات املسـلحة‪ ،‬فـإن مـا ال يقـل عـن نصـف أو أكثـر مـن نصـف‬ ‫األشـخاص الذيـن أرغمـوا علـى الفـرار مـن ديارهـم بسـبب النزاعـات املسـلحة ويقيمون داخل بالدهم كأشـخاص‬ ‫مشـردين داخليـاً‪ ،‬واملقـدر عددهـم ‪ 27,1‬مليـون شـخص يف جميـع أنحـاء العالـم‪ ،‬هـم مـن األطفـال‪.‬‬ ‫لقــد مــات أكثــر مــن مليونــي طفــل كنتيجــة مباشــرة للنزاعــات املســلحة خــال العقــد املاضــي‪ ،‬وأصيــب مــا يزيــد‬ ‫علــى ثالثــة أمثــال هــذا العــدد‪ ،‬أي مــا ال يقــل عــن ‪ 6‬ماليــن طفــل‪ ،‬بعجــز دائــم أو بإصابــات خطيــرة‪ .‬إضافــة إلــى‬ ‫ذلــك‪ ،‬أصبــح أكثــر مــن مليــون طفــل يتامــى أو منفصلــن عــن ذويهــم‪ ،‬ويتعــرض ثمانيــة آالف إلــى عشــرة آالف‬ ‫طفــل كل عــام للقتــل أو بتــر األعضــاء بســبب األلغــام األرضيــة‪.‬‬ ‫ويقــدر عــدد األطفــال اجلنــود بنحــو ‪ 300‬ألــف طفــل دون ســن ‪ 18‬ســنة) مــن البنــن والبنــات)‪ ،‬يتورطــون يف‬ ‫أكثــر مــن ‪ 30‬نزاعـاً علــى مســتوى العالــم‪ .‬ويُســتخدم األطفــال كمحاربــن‪ ،‬أو حمالــن‪ ،‬أو طباخــن‪ ،‬أو يســتغلون‬ ‫جنســيا‪ .‬ويتعــرض بعضهــم للتجنيــد القســري أو اخلطــف‪ ،‬وآخــرون يدفعهــم الفقــر وإســاءة املعاملــة والتمييــز إلــى‬ ‫االنضمــام للمحاربــن‪ ،‬أو الســعي للثــأر بســبب العنــف الــذي ُسـلِط عليهــم وعلــى أســرهم‪.‬‬ ‫حــدث كل ذلــك رغــم دخــول البروتوكــول االختيــارى التفاقيــة حقــوق الطفــل بشــأن تــورط األطفــال يف النزاعــات‬ ‫املســلحة حيــز التنفيــذ عــام ‪ .2002‬هــذا البروتوكــول مينــع إشــراك األطفــال أقــل مــن ‪ 18‬ســنة يف أعمــال عدائيــة‬ ‫ويطالــب الــدول برفــع ســن التجنيــد اإلجبــاري واملشــاركة املباشــرة يف النزاعــات إلــى ‪ 18‬ســنة‪ .‬كمــا يطالــب الــدول‬ ‫األطــراف فيــه برفــع احلــد األدنــى لســن التجنيــد الطوعــي عــن احلــد األدنــى الراهــن البالــغ ‪ 15‬ســنة‪.‬‬ ‫وخــال النزاعــات املســلحة‪ ،‬تتعــرض الفتيــات والنســاء ملخاطــر االغتصــاب واالســتغالل اجلنســي واالجتــار‬ ‫واإلذالل والتشــويه اجلنســي‪ .‬لقــد أصبــح اســتخدام االغتصــاب وغيــره مــن أشــكال العنــف ضــد النســاء‬ ‫إســتراتيجية يف احلــروب تســتخدمها كل األطــراف‪.‬‬


‫‪39‬‬ ‫المنظور اإلسالمي لألطفال في النزاعات المسلحة‬ ‫مينــع اإلســام تعريــض األطفــال أو النســاء أو الشــيوخ للخطــر أثنــاء احلــروب أو لكافــة صــور النزاعــات املســلحة‬ ‫وغيرهــا‪ .‬إن مبــادئ الشــريعة اإلســامية تكفــل منــع العنــف ضــد األطفــال أثنــاء النزاعــات املســلحة والصراعــات‬ ‫السياســية واالضطرابــات الداخليــة علــى نحــو يفــوق مــا هــو مقــرر لذلــك فــى األنظمــة القانونيــة املعمــول بهــا‪.‬‬ ‫مــن املعلــوم أن امتنــاع املتحاربــن (دولــة أو غيــر دولــة) عــن جتنيــد األطفــال يعتبــر مــن أهــم واجباتهــا حيــال‬ ‫األطفــال‪ .‬وهــذا ميثــل أهــم حقــوق األطفــال جتــاه الــدول التــي يوجــدون بهــا‪ .‬وقــد جــاء فــى احلديــث الصحيــح‬ ‫ـت علــى رســول اهلل يــوم أُحــد وأنــا ابــن أربــع عشــرة ســنة‬ ‫عــن ابــن عمــر ‪ -‬رضــي اهلل عنهمــا – قــال‪﴿ :‬‬ ‫ْ‬ ‫عرضـ ُ‬ ‫فلــم يجزنــي ﴾(((؛ أى أنــه عــرض نفســه للمشــاركة يف القتــال يــوم غــزوة أحــد‪ .‬يــدل هــذا احلديــث علــى أن الطفــل‬ ‫ال يجــوز إشــراكه يف األعمــال احلربيــة‪.‬‬ ‫وقــد اتفــق الفقهــاء علــى أن الطفــل ال جهــاد عليــه‪ ،‬فــا يجــوز إشــراكه يف احلــروب أو جتنيــده فيهــا ســواء‬ ‫ـس‬ ‫رضــي بذلــك أو لــم يــرض‪ ،‬وقــد حكــى هــذا اإلجمــاع ابــن رشــد وغيــره‪ ،‬وهــو مــا يوافــق قــول اهلل تعالــى‪ ﴿ :‬لَيْـ َ‬ ‫ص ُحــوا ِ َّ ِ‬ ‫الض َع َفــاءِ َو َل َعلَــى ْال َ ْر َ‬ ‫ل َو َر ُســولِهِ َمــا َعلَــى‬ ‫َعلَــى ُّ‬ ‫ضــى َو َل َعلَــى ا َّلذِ يـ َن َل يَ ِجـ ُدو َن َمــا يُنْفِ ُقــو َن َحـ َر ٌج ِإ َذا نَ َ‬ ‫ُْْ‬ ‫ال ِ ِ‬ ‫ِيل َواهلل َغ ُفــو ٌر َر ِحيـ ٌم ﴾(((‪ ،‬ومــن ثــم يكــون حــق األطفــال فــى حمايتهــم مــن األعمــال احلربيــة‬ ‫ني مِ ـ ْن َسـب ٍ‬ ‫ســن َ‬ ‫قائمــا علــى ســند صحيــح مــن كتــاب اهلل تعالــى‪ ،‬وســنة نبيــه وإجمــاع علمــاء أمتــه‪.‬‬ ‫وال يقتصــر حــق األطفــال علــى مجــرد البعــد بهــم عــن التجنيــد يف األعمــال احلربيــة‪ ،‬وإمنــا يجــب علــى املجتمــع‬ ‫أن يكفــل لهــم وســائل احلمايــة التــي تؤمــن خوفهــم مــن فــزع األعمــال احلربيــة وتوفــر لهــم دفء األســرة‪ .‬يجــب‬ ‫أال يفــرق بــن الطفــل ووالدتــه‪ ،‬وذلــك ملــا روى عــن الرســول أنــه قــال‪ ﴿ :‬مــن فــرق بــن األم وولدهــا فــرق‬ ‫اهلل بينــه وبــن أحبتــه يف اجلنــة ﴾(((‪.‬‬ ‫وفــى جميــع األحــوال‪ ،‬يجــب ضمــان مــا يلــزم األطفــال مــن املــأكل واملشــرب وامللبــس واملــأوى والعــاج واخلدمــات‬ ‫التعليميــة‪ ،‬باإلضافــة إلــى التأهيــل النفســي الــذي يعالــج مــا قــد تخلفــه صدمــات احلــرب فــى نفوســهم مــن آثــار‪.‬‬ ‫وفــى احلــاالت التــي يحــرم األطفــال فيهــا مــن آبائهــم بســبب األعمــال القتاليــة‪ ،‬يجــب أن توفــر لهــم الدولــة مــكان‬ ‫اإليــواء اآلمــن‪ ،‬وأن تدبــر مــن يكفلــون لهــم املعاملــة األســرية احلانيــة مبــا يرقــى ألن يكــون بديــا عــن فقدهــم‬ ‫آلبائهــم وأمهاتهــم‪.‬‬ ‫‪ 1‬أخرجه البخاري يف صحيحه – كتاب الشهادات – باب‪ :‬بلوغ الصبيان وشهادتهم ‪ 168/2‬ح ‪ 264‬عن ابن عمر رضي اهلل عنهما‪.‬‬ ‫‪ 2‬سورة التوبة – اآلية ‪.91‬‬ ‫‪ 3‬صحيح أخرجه الترمذي يف سننه – ج ‪ 4‬ص ‪ 134‬كتاب السير – باب‪ :‬يف كراهية يبني السيء وحسنه الترمذي – رقم ‪.1566‬‬


‫‪40‬‬ ‫يف اإلســام‪ ،‬احلــرب ليســت غايــة يف ذاتهــا‪ ،‬ولكنهــا وســيلة للدفــاع ومنــع الظلــم ور ّد التعــدي والدفــاع عــن النفــس‬ ‫مــن املعتديــن الظاملــن الذيــن يباغتــون غيرهــم ‪ ،‬ويقهرونهــم‪ ،‬ويفرضــون إرادتهــم عليهــم‪ .‬وهنــا يكــون الــرد‬ ‫اعتَـ َدى َعلَيْ ُكـ ْم‪ ، (((﴾...‬وقولــه‬ ‫اعتَـ ُدوا َعلَيْــهِ ِبثْــلِ َمــا ْ‬ ‫اعتَـ َدى َعلَيْ ُكـ ْم َف ْ‬ ‫مشــروعا وذلــك لقولــه تعالــى‪َ ...﴿ :‬ف َمــنِ ْ‬ ‫تعالــى‪َ ﴿ :‬و َجـزَاءُ َسـ ِّيئَ ٍة َسـ ِّيئَ ٌة مِ ثْل ُ َهــا‪ .(((﴾...‬فقــد دلــت هاتــان اآليتــان الكرميتــان وغيرهمــا مــن اآليــات واألدلــة‬ ‫األخــرى مــن ســنة النبــي ‪ ،‬علــى أن ر ّد اإلســاءة مبثلهــا ودون حيــف أو جتــاوز مــن األمــور املباحــة‪ .‬لكــن هــذه‬ ‫اإلباحــة ال متتــد إلــى األشــخاص الذيــن ال يقاتلــون‪ ،‬وكبــار الســن‪ ،‬والرهبــان والزهــاد وأمثالهــم ممــن ال يشــتركون‬ ‫فــى األعمــال احلربيــة مبــا فيهــم األطفــال والنســاء‪ ،‬لقــول اهلل تعالــى‪َ ﴿ :‬و َقا ِتلُــوا ِف َسـبِيلِ َّ ِ‬ ‫الل ا َّلذِ يـ َن يُ َقا ِتلُونَ ُكـ ْم‬ ‫َو َل تَعتَـ ُدوا إ َِّن َّ َ‬ ‫الل َل يُ ِ ُّحــب ْال ُ ْعتَدِ َيــن ﴾(((‪.‬‬ ‫ْ‬ ‫ولنفــس املقاصــد التــي ترمــى إلــى احملافظــة علــى حقــوق األطفــال وإبعــاد شــبح التفزيــع عنهــم‪ ،‬حــرم اإلســام‬ ‫قتــل النســاء يف احلــروب‪ ،‬ألنهــن غالبــا مــا يكــن مســؤوالت عــن أطفــال ويتعلقــن بهــم‪ ،‬وترتبــط بهــن حياتهــم‪.‬‬

‫موقف المسيحية من النزاعات المسلحة وغيرها‬ ‫الس َ‬ ‫ال ِم‪ ،‬ألَ َّن ُه ْم أَبْنَا َء ا ِ‬ ‫هلل يُ ْد َع ْو َن ﴾ (متي ‪)٩ :٥‬‬ ‫﴿ ُطوبَى ل َ‬ ‫ِصانِعِ ي َّ‬ ‫املســيحية ترفــض النزاعــات املســلحة وتديــن بشــدة أي شــكل مــن أشــكال إيــذاء أو اســتخدام أو اإلســاءة أو‬ ‫اســتغالل األطفــال مــن قبــل أي أطــراف متورطــة يف هــذه النزاعــات‪.‬‬ ‫املســيحية تنبـــذ احلــروب والصراعــات ألنهــا رســالة ســام‪ ،‬فقــد وعــد الســيد املســيح بــأن يتــرك لنــا الســام‪:‬‬ ‫ا ًما أَتْ ـ ُر ُك لَ ُك ـ ْم‪َ .‬س ـ َ‬ ‫﴿ َس ـ َ‬ ‫ـس َك َمــا يُ ْع ِطــي الْ َعالَ ـ ُم أ ُ ْع ِطي ُك ـ ْم أَنَــا ﴾ ( يوحنــا ‪ .)٢7 :14‬ويقــول‬ ‫امِ ي أ ُ ْع ِطي ُك ـ ْم‪ .‬لَيْـ َ‬ ‫معلمنــا بولــس الرســول عــن ســام اهلل‪َ ﴿ :‬و َسـ َ‬ ‫هلل ا َّلــذِ ي يَ ُفــو ُق ُك َّل َع ْقــل‪ ،‬يَ ْح َفـ ُ‬ ‫ا ُم ا ِ‬ ‫ـيح‬ ‫ـظ ُقلُوبَ ُكـ ْم َوأَ ْف َكا َر ُكـ ْم ِف ْال َ ِسـ ِ‬ ‫يَ ُســو َع ﴾ (فليبــي ‪.)7 :4‬‬ ‫ويؤكد لنا الكتاب املقدس نبذ العنف والقسوة منذ بدء اخلليقة‪ .‬فعندما قام قايني وقتل أخاه هابيل‪ ،‬قال الرب‬ ‫لقايني‪َ 9 ﴿ :‬ف َقا َل ال َّر ُّب ِل َقا ِينيَ‪« :‬أَيْ َن َهابِي ُل أَخُ َ‬ ‫س أَنَا ألَ ِخي؟» ‪َ 10‬ف َقا َل‪َ « :‬ما َذا َف َعل ْ َت؟‬ ‫وك؟» َف َقا َل‪« :‬الَ أَ ْعل َ ُم! أَ َحارِ ٌ‬ ‫اها ِلتَ ْقبَ َل َد َم أَ ِخ َ‬ ‫ص ْو ُت َد ِم أَ ِخ َ‬ ‫يك مِ ْن‬ ‫ض‪َ 11 .‬فاآل َن َمل ْ ُعو ٌن أَنْ َت مِ َن األَ ْر ِ‬ ‫صارِ ٌخ ِإلَ َّي مِ َن األَ ْر ِ‬ ‫ض ا َّلتِي َفت َ​َح ْت َف َ‬ ‫يك َ‬ ‫َ‬ ‫ض الَ تَ ُعو ُد تُ ْع ِط َ‬ ‫ض ﴾ ( تكوين ‪. )12-9 :4‬‬ ‫يَدِ َك‪َ 12 .‬متَى َعمِ ل ْ َت األَ ْر َ‬ ‫يك ُق َّوتَ َها‪ .‬تَا ِئ ًها َو َهارِ ًبا تَ ُكو ُن ِف األَ ْر ِ‬

‫‪ 1‬سورة البقرة – من اآلية ‪.194‬‬ ‫‪ 2‬سورة الشورى – من اآلية ‪.40‬‬ ‫‪ 3‬سورة البقرة – اآلية ‪.190‬‬


‫‪41‬‬ ‫ويرين ــا الكت ــاب املق ــدس أن اهلل يجع ــل م ــن نفس ــه املداف ــع ع ــن ضحاي ــا الظل ــم م ــن جان ــب بن ــي البش ــر‪ .‬فيق ــول‬ ‫الشــ ُّر ِإلَ ــى َه َ‬ ‫س ــفر املزامي ــر ﴿ َر ُجــ ُل ُّ‬ ‫الظل ْـ ِـم يَ ِصيــ ُدهُ َّ‬ ‫ني‬ ‫ـت أَ َّن الــ َّر َّب يُ ْج ـ ِـري ُح ْك ًم ــا ِلل ْ َم َس ــاكِ ِ‬ ‫الكِ ــهِ ‪َ 12 .‬قــ ْد َع ِل ْم ـ ُ‬ ‫ـن ﴾ ( مزم ــور ‪.)12-11 :140‬‬ ‫َو َح ًّق ــا ِلل ْ َبائ ِ​ِس ـ َ‬ ‫و املسـيحية ترفـض احلـروب والصراعـات‪ ،‬وتديـن الـزج بالضعفـاء‪ ،‬والسـيما األطفـال‪ ،‬يف مثـل هـذه احلـروب‪.‬‬ ‫فعندمـا حـارب شـعب إسـرائيل الفلسـطينيني أيـام شـاول امللـك‪ ،‬أرسـل “يسـى البيتلحمـي» أوالده الكبـار للحـرب‬ ‫ولـم يرسـل ابنـه الصغيـر داود النبـي يف ذلـك الوقـت حلداثتـه وصغـر سـنه‪َ ﴿ :‬و َدا ُو ُد ُه َو ابْ ُن ذل َ‬ ‫ِـك ال َّر ُجلِ األَ ْف َرات ِِّي‬ ‫مِ ـ ْن بَيْ ِـت َ ْ‬ ‫َّـاس‪.‬‬ ‫ين الن ِ‬ ‫ـام َشـا ُو َل َقـ ْد َشـا َخ َو َكبِـ َر بَ ْ َ‬ ‫اسـ ُم ُه يَ َّسـى َولَـ ُه ثَ َما ِنيَـ ُة بَن َ‬ ‫ل ِـم يَ ُهـو َذا ا َّلـذِ ي ْ‬ ‫ِين‪َ .‬و َكا َن ال َّر ُجـ ُل ِف أَ َّي ِ‬ ‫الـ ْر ِب‪َ .‬وأَ ْسـ َماءُ بَنِيـهِ ال َّث َ‬ ‫ـب بَنُـو يَ َّسـى ال َّث َ‬ ‫الثَـةِ ا َّلذِ يـ َن َذ َهبُـوا ِإلَـى ْ َ‬ ‫الثَـ ُة الْكِ َبـا ُر َوتَ ِب ُعـوا َشـا ُو َل ِإلَـى ْ َ‬ ‫الـ ْر ِب‪:‬‬ ‫‪َ 13‬و َذ َه َ‬ ‫الصغِ يـ ُر‪َ .‬وال َّث َ‬ ‫الثَـ ُة الْكِ بَـا ُر َذ َهبُـوا َو َرا َء َشـا ُو َل‪15.‬‬ ‫ِيـآب الْ ِب ْكـ ُر‪َ ،‬وأَبِينَـا َد ُ‬ ‫أَل ُ‬ ‫اب ثَانِيـهِ ‪َ ،‬و َش َّـم ُة ثَا ِلثُ ُه َمـا‪َ 14 .‬و َدا ُو ُد ُهـ َو َّ‬ ‫ـب َويَ ْرجـ ُع مِ ـ ْن ِعنْـدِ َشـا ُو َل ِليَ ْر َعـى َغنَـ َم أَ ِبيـهِ ِف بَيْ ِـت َ ْ‬ ‫ل ٍم ﴾ ( صموئيـل األول ‪.)15-12 :17‬‬ ‫َوأَ َّمـا َدا ُو ُد َفـ َكا َن يَ ْذ َه ُ‬ ‫وتقــوم الكنيســة مبســاعدة األســر واألطفــال الذيــن يعانــون مــن التشــرد وذلــك مــن خــال اخلدمــات التــي تقدمهــا‬ ‫للمشــردين والالجئــن عبــر مؤسســاتها املتنوعــة وغيرهــا مــن املنظمــات غيــر احلكوميــة والتابعــة للكنائــس‬ ‫املختلفــة‪ .‬وتديــر هــذه املنظمــات العديــد مــن البرامــج التــي ترعــي ضحايــا النزاعــات املســلحة‪ ،‬والســيما األطفــال‬ ‫والنســاء‪ ،‬حيــث أنهــم الفئــات األضعــف واألولــى بالرعايــة‪.‬‬

‫الخالصة‬ ‫اإلســام واملســيحية يتفقــان علــى أنــه ال يجــوز إشــراك األطفــال يف احلــروب أو الصراعــات‪ ،‬وعلــى أن األطفــال‬ ‫والنســاء والفئــات املســتضعفة األخــرى الذيــن يتأثــرون بالصــراع يســتحقون حمايــة خاصــة‪ ،‬مبــا يف ذلــك املــأوى‬ ‫وغيرهــا مــن أشــكال الرعايــة واملســاعدة‪ .‬وهمــا يدينــان بصفــة خاصــة اســتخدام االغتصــاب وغيــره مــن أشــكال‬ ‫العنــف ضــد النســاء والفتيــات مــن قبــل اجلنــود وغيرهــم مــن املقاتلــن‪ .‬وتتفــق كلتــا الديانتــن علــى أهميــة‬ ‫البروتوكــول االختيــاري التفاقيــة حقــوق الطفــل بشــأن اشــتراك األطفــال يف الصراعــات املســلحة‪ ،‬الــذي يحظــر‬ ‫إشــراك األطفــال أقــل مــن ‪ 18‬ســنة يف أعمــال عدائيــة ويطالــب الــدول برفــع ســن التجنيــد اإلجبــاري واملشــاركة‬ ‫املباشــرة يف النزاعــات إلــى ‪ 18‬ســنة‪ .‬كمــا يطالــب البروتوكــول الــدول األطــراف برفــع احلــد األدنــى لســن التجنيــد‬ ‫الطوعــي عــن احلــد األدنــى الراهــن البالــغ ‪ 15‬ســنة‪.‬‬


‫‪42‬‬

‫حادي عشـر ‪ :‬اإلتجـار باألطـفال‬ ‫مقدمة‬ ‫يقصــد باالجتــار باألطفــال أي فعــل أو تعامــل يتــم مبقتضــاه نقــل طفــل مــن جانــب أي شــخص أو مجموعــة مــن‬ ‫األشــخاص إلــى شــخص آخــر لقــاء مكافــأة أو أي شــكل مــن أشــكال العــوض‪ .‬كمــا ميكــن أن يكــون أيضـاً بيــع طفــل‬ ‫أو شــراؤه أو عرضــه للبيــع‪ ،‬أو تســليمه أو تســلمه أو نقلــه‪ ،‬أو اســتغالله جنس ـ ًيا أو جتاريــا أو اقتصاديــا‪ ،‬أو يف‬ ‫األبحــاث والتجــارب العلميــة‪ ،‬أو يف غيــر ذلــك مــن األغــراض غيــر املشــروعة‪ ،‬بغــض النظــر عــن وقــوع اجلرميــة‬ ‫يف اخلــارج مــن عدمــه‪.‬‬ ‫ويعرفــه بروتوكــول األمم املتحــدة املكمــل التفاقيــة األمم املتحــدة ضــد اجلرميــة املنظمــة العابــرة للحــدود الوطنيــة‬ ‫لعــام ‪ 2000‬واخلــاص مبنــع وقمــع ومعاقبــة االجتــار باألطفــال بأنــه‪« :‬جتنيــد أشــخاص أو نقلهــم أو إيواؤهــم أو‬ ‫اســتقبالهم بواســطة التهديــد بالقــوة أو اســتعمالها أو غيــر ذلــك مــن أشــكال القســر واالختطــاف أو االحتيــال أو‬ ‫اخلــداع أو إســاءة اســتعمال الســلطة أو إســاءة اســتغالل حالــة اســتضعاف أو بإعطــاء أو تلقــى مبالــغ ماليــة أو‬ ‫مزايــا لنيــل موافقــة شــخص لــه ســيطرة علــى شــخص آخــر لغــرض االســتغالل‪».‬‬ ‫ويشــمل االســتغالل «االســتغالل اجلنســي أو الســخرة أو اخلدمــة قســرا أو االســترقاق أو املمارســات الشــبيهة‬ ‫بالــرق أو االســتعباد أو التســول أو نــزع األعضــاء أو األنســجة البشــرية أو جــزء منهــا»‪.‬‬ ‫وتنطــوي عمليــة االجتــار باألطفــال علــى اســتخدام القــوة أو اإلقنــاع أو التحايــل أو تلقــى عطايــا أو فوائــد‪ .‬و‬ ‫أحيانــاً تشــترك األســرة وأخــرون يف هــذه اجلرميــة‪ ،‬وقــد تكــون مببــادرة مــن الطفــل نفســه‪ .‬وعندمــا يتولــى‬ ‫شــخص مــا مهمــة نقــل الطفــل‪ ،‬قــد يتنــاوب أفــراد مختلفــون‪ ،‬وفــى نقــاط مختلفــة مــن مســار نقلــه وتســليمه‬ ‫يف عمليــة النقــل واملتاجــرة‪ .‬وقــد يكــون هنــاك وكيــل الســتقبال األطفــال وتوصيلهــم إلــى نهايــة املســار التــي‬ ‫هــي عــادة جلنــة دائمــة مهمتهــا االســتقبال‪ .‬وقــد يســاعد آخــرون يف عمليــة االجتــار بتزويــر وثائــق ومســتندات‬ ‫الســفر‪ .‬ولهــذا تــرى منظمــة العمــل الدوليــة أن الطفــل ضحيــة االجتــار هــو مــن يتعــرض لنقلــه مــن مــكان إقامتــه‬ ‫بقصــد اســتغالله‪ .‬ويُعتبــر شــريكاً يف اجلرميــة كل مــن يســهم أو يســتفيد مــن هــذه املمارســة‪ .‬وهــؤالء األطــراف‬ ‫قــد يشــملون أوليــاء األمــور واألوصيــاء والتجــار والوســطاء الذيــن يوفــرون وثائــق الســفر والذيــن يقومــون بنقــل‬ ‫األطفــال ورشــوة املســئولني احلكوميــن وأصحــاب العمــل ومــزوري املســتندات‪.‬‬


‫‪43‬‬ ‫المنظور اإلسالمي لالتجار في األطفال‪:‬‬ ‫هنــاك عــدة أغــراض لالجتــار باألطفــال وهــى الظاهــرة التــي تشــغل بــال كافــة املنظمــات املعنيــة بحقــوق الطفــل‬ ‫ومنظمــات املجتمــع املدنــي بصفــة عامــة‪ .‬وهــذه األغــراض متثــل أعراضــاً لبعــض األمــراض اخلطيــرة التــي‬ ‫انتشــرت يف كافــة البلــدان‪ ،‬الناميــة منهــا واملتقدمــة‪ .‬وتشــمل بعــض هــذه األغــراض‪ :‬االســتغالل اجلنســي مبــا‬ ‫فيــه الــزواج املوســمي وزواج القاصــرات؛ التســول؛ العمالــة الرخيصــة؛ التبنــي؛ اســتعمال األطفــال كمصــدر لنقــل‬ ‫األعضــاء؛ واســتغالل األطفــال فــى النزاعــات املســلحة والصراعــات السياســية واالضطرابــات الداخليــة‪.‬‬ ‫االجتــار باألطفــال نــوع مــن اإلفســاد يف األرض‪ ،‬ألنــه يجعــل اإلنســان الــذي كرمــه اهلل نوعــا مــن األشــياء التــي‬ ‫تُبــاع وتُشــترى‪ .‬قــال اهلل تعالــى‪َ ﴿ :‬ولَ َق ـ ْد َك َّر ْمنَــا بَ ِنــي آَ َد َم َو َح َملْنَا ُه ـ ْم ِف الْبَ ـ ِّر َوالْبَ ْحـ ِـر َو َر َز ْقنَا ُه ـ ْم مِ ـ َن َّ‬ ‫الط ِّيبَـ ِ‬ ‫ـات‬ ‫َّ َ‬ ‫ـب‬ ‫مـ ْن َخل َ ْقنَــا تَف ِْضيـ ًـا﴾(((‪ .‬وقــال أيضـاً‪َ ...﴿ :‬و َل تَبْـ ِـغ الْ َف َســا َد ِف ْالَ ْر ِ‬ ‫َو َف َّضلْنَا ُهـ ْم َعلَــى َكثِيـ ٍـر ِ َّ‬ ‫ض إ َِّن الل َل يُ ِحـ ُّ‬ ‫ْالُف ِْســدِ ي َن﴾(((‪.‬‬ ‫وقــال رســول اهلل‪ ﴿ :‬ثالثــة أنــا خصمهــم يــوم القيامــة‪ ،‬منهــم رجــل أعطــى بــى ثــم غــدر‪ ،‬ورجــل بــاع حــراً وأكل‬ ‫ثمنــه‪ ،‬ورجــل اســتأجر أجيــراً فاســتوفى منــه ولــم يعطــه أجــره ﴾((( وال يســوغ القــول بكفايــة العقوبــات التــي‬ ‫قررهــا القانــون ‪ -‬وهــى الســجن واحلبــس والغرامــة ‪ -‬للــردع يف تلــك اجلرميــة اإلنســانية الكبــرى‪ .‬بــل األحــرى‬ ‫أن يكــون ذلــك بشــرح النصــوص اإلســامية عــن بشــاعة هــذه اجلرائــم‪ .‬فهــذا هــو النهــج التشــريعي املالئــم‬ ‫لتجــرمي وعقــاب هــذه األعمــال اخلطيــرة‪.‬‬ ‫معاجلــة ظاهــرة االجتــار باألطفــال تقتضــى بجانــب السياســة العقابيــة الزاجــرة ملرتكبيهــا تعاونــا بــن الــدول‬ ‫الثْ ِــم‬ ‫واملجتمعــات يف القضــاء عليهــا‪ .‬قــال اهلل تعالــى‪َ ...﴿ :‬وتَ َعا َونُــوا َعلَــى الْبِــ ِّر َوال َّتقْــ َوى َو َل تَ َعا َونُــوا َعلَــى ْ ِ‬ ‫َوالْ ُعـ ْد َوانِ ‪ .(((﴾...‬وقــال الرســول‪ ﴿ :‬كلكــم راع وكلكــم مســئول عــن رعيتــه﴾(((‪ .‬وقــال أيضـاً‪ ﴿ :‬إن اهلل ســائل كل‬ ‫راع عمــا اســترعاه حفــظ أم ضيــع حتــى يســأل الرجــل عــن أهــل بيتــه﴾(((‪.‬‬

‫ ‪1‬‬ ‫‪ 2‬‬ ‫‪ 3‬‬ ‫‪ 4‬‬ ‫‪ 5‬‬ ‫‪ 6‬‬

‫سورة اإلسراء – اآلية ‪.70‬‬ ‫سورة القصص – من اآلية ‪.77‬‬ ‫كتاب صحيح البخارى – كتاب البيوع – باب‪ :‬إثم من باع حراً‪.‬‬ ‫سورة املائدة – من اآلية ‪.2‬‬ ‫أخرجه البخارى يف صحيحه‪ ،‬كتاب اجلمعة‪ ،‬باب‪ :‬اجلمعة يف القرى واملدن ‪ 249 ،248/1‬ح ‪.893‬‬ ‫أخرجه ابن حبان يف صحيحه‪ ،‬باب‪ :‬يف اخلالفة واإلمارة ‪ 344/10‬ح ‪ .4492‬ورواه الترمذي ‪ 208/4‬رقم ‪.1705‬‬


‫‪44‬‬ ‫موقف المسيحية من االتجار باألطفال‬ ‫املســيحية ترفــض وتديــن بشــدة أي شــكل مــن أشــكال االجتــار باألطفــال أو بالبشــر وذلــك انطالقــا مــن الكرامــة‬ ‫التــي يحظــى بهــا اجلســد اإلنســاني‪ ،‬فلقــد خلــق اهلل اإلنســان علــى صورتــه ومثالــه ‪ ﴿ ..‬نَ ْع َم ـ ُل ا ِإلنْ َســا َن َعلَــى‬ ‫صو َر ِتنَــا َك َشـبَهِ نَا‪( ﴾..‬تكويــن ‪ )26 :1‬ووهبــه احلريــة واخللــود والعقــل والــذي جمــع يف كيــان واحــد املــادة متمثلــة‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ض‪َ ،‬ونَ َفـ َخ ِف أَنْفِ ــهِ نَ َسـ َم َة َح َيــاةٍ ‪.‬‬ ‫يف جســده والــروح التــي أخذهــا مــن اهلل ﴿ َو َج َبـ َل الـ َّر ُّب ا ِإللـ ُه آ َد َم تُ َرا ًبــا مِ ـ َن األ ْر ِ‬ ‫صــا َر آ َد ُم نَف ًْســا َح َّيـ ًة ﴾ (تكويــن ‪ .)7 :2‬وهكــذا‪ ،‬اكتســب اجلســد كرامــة خاصــة‪ ،‬ولهــذا ترفــض املســيحية فكــرة‬ ‫َف َ‬ ‫ـض أَ َحـ ٌد َج َسـ َدهُ َقـ ُّ‬ ‫ـط‪ ،‬بَـ ْل يَقُوتُـ ُه َويُ َر ِّبيــهِ ‪َ ،‬ك َمــا الـ َّر ُّب‬ ‫تعذيــب اجلســد أو إهانتــه وأيضـاً االجتــار بــه ﴿ َف ِإ َّنـ ُه لَـ ْم يُبْغِ ـ ْ‬ ‫أَيْ ً‬ ‫ِيســةِ ﴾ (أفســس ‪.)29 :5‬‬ ‫ضــا ِلل ْ َكن َ‬ ‫واملســيحية تقــدس اجلســد‪ ،‬حيــث إن الــروح القــدس يســكن فيــه‪ ﴿ ،‬أَ َمــا تَ ْعل َ ُمــو َن أَ َّن ُك ـ ْم َهيْ ـ َك ُل اهللِ‪َ ،‬و ُرو ُح ا ِ‬ ‫هلل‬ ‫وح الْ ُقـ ُد ِس ا َّلــذِ ي‬ ‫يَ ْسـ ُك ُن فِ ي ُكـ ْم؟ ﴾ ( كورنثــوس األولــى ‪ )16 :3‬و﴿ أَ ْم لَ ْسـتُ ْم تَ ْعل َ ُمــو َن أَ َّن َج َسـ َد ُك ْم ُهـ َو َهيْـ َك ٌل لِلـ ُّر ِ‬ ‫فِ ي ُك ـ ُم‪ ،‬ا َّلــذِ ي لَ ُك ـ ْم مِ ـ َن اهللِ‪َ ،‬وأَ َّن ُك ـ ْم لَ ْس ـتُ ْم ألَنْف ُِس ـ ُك ْم ؟﴾ ( كورنثــوس األولــى ‪ .)19 :6‬لــذا ترفــض املســيحية أن‬ ‫يضــر اإلنســان اجلســد بــأي شــكل‪ ،‬ســواء باإلســاءة لــه أو اســتغالله أو اســتخدامه يف ارتــكاب اخلطيــة ﴿ ِإ ْن َكا َن‬ ‫هلل َف َسيُف ِْسـ ُدهُ اهللُ‪ ،‬ألَ َّن َهيْـ َك َل ا ِ‬ ‫أَ َحـ ٌد يُف ِْسـ ُد َهيْـ َك َل ا ِ‬ ‫س ا َّلــذِ ي أَنْتُـ ْم ُهـ َو ﴾ ( كورنثــوس األولــى ‪ )17 :3‬و‬ ‫هلل ُم َقـ َّـد ٌ‬ ‫ضــا َء زَا ِنيَـ ٍـة؟ َح َ‬ ‫ـيح َوأَ ْج َعل ُ َهــا أَ ْع َ‬ ‫ـيح؟ أَفَآخُ ـ ُذ أَ ْع َ‬ ‫ـي أَ ْع َ‬ ‫اشــا !﴾‬ ‫ضــا َء ْال َ ِسـ ِ‬ ‫ضــاءُ ْال َ ِسـ ِ‬ ‫أَلَ ْس ـتُ ْم تَ ْعل َ ُمــو َن أَ َّن أَ ْج َســا َد ُك ْم ِهـ َ‬ ‫(كورنثــوس األولــى ‪.)15 :6‬‬ ‫الكنيســة ترفــض التجــارة يف األطفــال أو أعضائهــم‪ ،‬بوصفهــا شــك ً‬ ‫ال مــن أشــكال العبوديــة املعاصــرة واالســترقاق‪،‬‬ ‫حيــث يتحــول األطفــال إلــى ســلعة تُبــاع وتُشــتري‪ .‬وإن كانــت الكنيســة توافــق وتبــارك عمليــات نقــل وزراعــة‬ ‫األعضــاء ألن فيهــا إنقــاذ حيــاة إنســان وهــو أمــر ال يتعــارض مــع الديــن‪ ،‬وكذلــك ألن االســتعانة بالعلــم مــن أجــل‬ ‫حيــاة اإلنســان ال يتعــارض إطالق ـاً مــع الديــن‪ .‬إال أنهــا ال توافــق علــى التجــارة باألعضــاء البشــرية‪.‬‬

‫الخالصة‬ ‫اإلســام واملســيحية يتحــدان يف إدانــة كافــة صــور االجتــار بالبشــر‪ ،‬الذيــن هــم خلــق اهلل‪ ،‬فــا ميكــن أن يُباعــوا‬ ‫أو يُشــتروا‪ .‬جميــع أشــكال االجتــار بالبشــر لهــا آثــار مدمــرة علــى الرفــاه البدنــي والنفســي لألطفــال‪ .‬فهــي متثــل‬ ‫انتهــاكا حلقوقهــم األساســية يف الرعايــة الصحيــة‪ ،‬والتعليــم‪ ،‬وفــرص العمــل وغيرهــا مــن احلقــوق االجتماعيــة‬ ‫والسياســية‪ .‬كمــا تديــن كلتــا العقيدتــن اســتخدام األطفــال كمصــدر لعمليــات زرع األعضــاء غيــر املشــروعة‪.‬‬ ‫وباإلضافــة إلــى مكافحــة املجرمــن الذيــن يســتفيدون مــن االجتــار بالبشــر‪ ،‬فمــن املهــم التصــدي ألســباب االجتــار‬ ‫باألطفــال‪ ،‬التــي تشــمل الفقــر واالفتقــار إلــى الوعــي االجتماعــي وتدنــي مســتويات التعليــم‪.‬‬


‫‪45‬‬

‫ثاني عشـر ‪ :‬العنف ضد األطفال من خالل التليفزيون واإلنترنت‬ ‫مقدمة‬ ‫كان لالبتــكارات يف تكنولوجيــا االتصــاالت (التليفزيــون املتصــل باألقمــار الصناعيــة ‪ ،‬اإلنترنــت‪ ،‬وســائل اإلعــام‬ ‫االجتماعيــة‪ ،‬الهواتــف اخللويــة‪ ،‬وألعــاب الكمبيوتــر‪ ،‬ومــا إلــى ذلــك) آثــار مفيــدة كثيــرة يف مجتمعنــا‪ .‬فقــد بــات‬ ‫النــاس قادريــن علــى التواصــل مــع بعضهــم البعــض آني ـاً‪ ،‬عبــر البلــدان وعبــر الكــرة األرضيــة‪ ،‬وعلــى مشــاركة‬ ‫املعلومــات واحلفــاظ علــى االتصــاالت اإلنســانية واألســرية الهامــة‪ ،‬والتعــرف علــى الثقافــات األخــرى ومتابعــة‬ ‫األحــداث العامليــة والوطنيــة‪ .‬ورغــم هــذه اإليجابيــات إال أن هــذا التقــدم التكنولوجــي يضــع العديــد مــن التحديات‬ ‫للمجتمعــات‪ ،‬الســيما األطفــال‪ ،‬الفئــة املســتضعفة مــن جانــب التكنولوجيــا احلديثــة‪ .‬فاألطفــال يتأثــرون إلــى حــد‬ ‫كبيــر بوســائل االتصــال احلديثــة والتــي ميكــن أن يكــون لهــا تأثيــر ســلبي خاصــة إذا لــم يتــم إرشــادهم ومراقبــة‬ ‫فتــرات اســتخدامهم لهــذه الوســائل واملــواد التــي يشــاهدونها مــن قبــل أوليــاء أمورهــم أو مــن يرعاهــم‪ .‬إن كثــرة‬ ‫االســتخدام لهــذه الوســائل لإلتصــال ميكــن أن تفصلهــم عــن أســرهم وعــن أصدقائهــم ‪ ،‬بحيــث يعيشــون يف عزلــة‬ ‫ووحشــة ‪ ،‬بــدال مــن أن يعيشــوا حيــاة التواصــل املباشــر مــع البشــر اآلخريــن‪.‬‬ ‫وترجــع التهديــدات التــي يواجههــا األطفــال بســبب اإلنترنــت ومــن خــال تكنولوجيــا االتصــاالت إلــى التعــرض‬ ‫للمشــاهد العنيفــة‪ ،‬مبــا فيهــا تلــك التــي يتعرضــون لهــا عــن طريــق الفيديــو واأللعــاب ‪ ،‬باإلضافــة إلــى مــواد‬ ‫حتتــوي علــى مشــاهد عنــف جنســي‪ ،‬أو اإلســاءة اجلنســية لألطفــال واملشــاهد اإلباحيــة‪.‬‬ ‫وهنــاك أيضــا مخاطــر مســتحدثة منهــا تعــرض األطفــال لالبتــزاز والبلطجــة علــى شــبكات اإلنترنــت‪ ،‬وهــي‬ ‫اســتخدام وســائل التواصــل االجتماعــي ملضايقــة األطفــال مــن خــال الكشــف عــن املعلومــات الشــخصية‪ ،‬ونشــر‬ ‫الشــائعات‪ ،‬وتوزيــع صــور أو أفــام غيــر الئقــة بهــدف اإلضــرار بصــورة الطفــل وســمعته‪.‬‬ ‫ميكــن لألطفــال أيضــا أن يتعرضــوا إلــى مخاطــر الدخــول يف عالقــات جنســية مــع أشــخاص خطريــن ممــن‬ ‫يقومــون بإغــراء األطفــال و اســتدراجهم ووضعهــم يف مواقــف خطيــرة مثــل اإلســاءة اجلنســية‪ ،‬واالســتغالل‬ ‫واالبتــزاز‪ .‬وهنــاك أيض ـاً مخاطــر تعــرض األطفــال لصــور أو مشــاهد غايــة يف العنــف قــد تكــون مؤملــة وضــارة‬ ‫لألطفــال وميكــن أن تســهم أيضــا يف تطبيــع العنــف‪.‬‬


‫‪46‬‬ ‫المنظور اإلسالمي للعنف ضد األطفال من خالل التليفزيون واإلنترنت‬ ‫ميكــن للوالديــن عمــل احلمايــة ضــد عــدد مــن العوامــل حــن يرصــدان عالقــة أطفالهــم مــع األشــكال املختلفــة‬ ‫مــن وســائل اإلعــام ســواء التليفزيــون أو اإلنترنــت‪ ،‬وذلــك يف إطــار مجموعــة مــن األمــور يجــب جتنبهــا وأخــرى‬ ‫يجــب تفعيلهــا‪ .‬وهــذا املوضــوع هــو مــن صميــم مســؤولية الوالديــن حيــث يقــول اهلل تعالــى‪ ﴿ :‬يَــا أَيُّ َهــا ا َّلذِ يـ َن آَ َمنُــوا‬ ‫ال َجــارةُ َعلَي َهــا َم َل ِئ َك ـ ٌة ِغـ َـا ٌظ ِش ـ َدا ٌد َل يَعصــو َن َّ َ‬ ‫الل َمــا أَ َم َر ُه ـ ْم‬ ‫ـاس َو ْ ِ َ‬ ‫ْ ُ‬ ‫ْ‬ ‫ُقــوا أَنْف َُس ـ ُك ْم َوأَ ْهلِي ُك ـ ْم نَــا ًرا َو ُقو ُد َهــا ال َّنـ ُ‬ ‫َويَ ْف َعلُــو َن َمــا يُ ْؤ َمـ ُرونَ﴾(((‪ ،‬ويقــول الرســول ‪ ﴿ :‬كلكــم راع وكلكــم مســئول عــن رعيتــه ﴾(((‪.‬‬ ‫إن تعريــض الطفــل ملــواد متنوعــة ومناقشــة مضمونهــا معــه هــو الســبيل األمثــل لتعريــف الطفــل أن العالــم ليــس‬ ‫مكان ـاً مثالي ـاً كمــا أنــه ليــس مكان ـاً وحشــياً‪ ،‬بــل هــو ببســاطة مــكان يوجــد فيــه اخليــر والشــر‪ .‬وعليــه‪ ،‬ينبغــي‬ ‫أن يتــم تدعيــم قــدرة الطفــل علــى التمييــز بــن اخليــر والشــر‪ ،‬وتلقينــه ســلوكيات يقــوم بهــا عندمــا يشــاهد أي‬ ‫ســلوك ســيء‪ .‬وعلــى الوالديــن جتنــب اســتخدام التليفزيــون كجليســة أطفــال‪ ،‬وهــو مــا يُعــد منوذج ـاً واضح ـاً‬ ‫لتخلــى األبويــن عــن مســئوليتهما جتــاه األبنــاء ويُعــد مخالفـاً لقــول الرســول ‪ ﴿ :‬إن اهلل ســائل كل راع عمــا‬ ‫اســترعاه حفــظ أم ضيــع حتــى يســأل الرجــل عــن أهــل بيتــه ﴾(((‪ .‬وعلــى األبويــن اتبــاع سياســة الترشــيد وحتديــد‬ ‫عــدد ســاعات اســتخدام التليفزيــون واإلنترنــت‪ ،‬و جتنــب تشــغيل التليفزيــون علــى الــدوام‪ ،‬وجتنــب تخصيــص‬ ‫أجهــزة لألطفــال‪.‬‬ ‫للوقاية من األخطار الناجمة عن العنف يف وسائل اإلعالم‪ ،‬ينبغي للوالدين طرح أسئلة للمناقشة‪ ،‬وعرض وجهة‬ ‫النظر السليمة‪ ،‬وعدم اللجوء للصمت‪ .‬ينبغى للوالدين واألطفال مشاهدة التليفزيون دائماً مع بعضهم‪ ،‬فوجود‬ ‫الوالدين يسمح لهما بتقدمي النصح وتوجيه األطفال امتثاالً لقول الرسول ‪ ﴿ :‬الدين النصيحة ﴾(((‪.‬‬

‫وينبغي منح األطفال بدائل ترفيهية أخرى‪ ،‬مثل ممارسة األلعاب‪ ،‬أو اصطحابهم إلى حديقة‪ ،‬أو قراءة‬ ‫الكتب والقصص‪ ،‬وتنمية هواياتهم‪ .‬وينبغي لآلباء أيضاً منح أطفالهم الفرصة للحوار واملناقشة‪ ،‬فهذا يعزز‬ ‫لديهم التفكير النقدى ومينحهم القدرة على التمييز العقالنى بني اخلطأ والصواب‪ .‬كذلك ينبغي أن يشارك‬ ‫الوالدان أطفالهما يف أنشطتهم اإللكترونية‪ ،‬ومشاركتهم ألعاب الفيديو‪ ،‬وإضافتهم كأصدقاء على الشبكات‬ ‫االجتماعية ومراسلتهم على بريدهم اإللكترونى‪ ،‬واالستفسار عن أنشطتهم اإللكترونية ومراقبتها‪ ،‬ومراقبة‬ ‫صفحات أصدقائهم‪.‬‬ ‫ ‪1‬‬ ‫‪ 2‬‬ ‫‪ 3‬‬ ‫‪ 4‬‬

‫سورة التحرمي – اآلية ‪.6‬‬ ‫أخرجه البخارى يف صحيحه – كتاب اجلمعة – باب‪ :‬اجلمعة يف القرى واملدن ‪ 249-248/1‬ح ‪.893‬‬ ‫أخرجه ابن حبان يف صحيحه‪ ،‬باب‪ :‬يف اخلالفة واإلمارة ‪ 344/10‬ح ‪ .4492‬ورواه الترمذي ‪ 208/4‬رقم ‪.1705‬‬ ‫أخرجه مسلم يف صحيحه‪ :‬كتاب اإلميان – باب‪ :‬بيان أن الدين النصيحة ‪ 74/1‬ح ‪ 55‬بسنده عن متيم الداري‪.‬‬


‫‪47‬‬ ‫علــى الوالديــن أيضــا أن يكونــا دائم ـاً علــى وعــى بآخــر التطــورات التكنولوجيــة احلديثــة‪ ،‬وأال ميتنعــا عــن‬ ‫تقــدمي الدعــم الدينــي واألخالقــي ألطفالهــم‪.‬‬ ‫وأخيــراً‪ ،‬علــى الوالديــن مراقبــة أنشــطة أطفالهــم دون معاقبتهــم‪ ،‬فاإلفــراط فــى العقــاب يدفــع الطفــل إلــى‬ ‫تبنــى الســلوكيات التــي يُعاقــب عليهــا‪ ،‬ويجعلــه يتحــن الفرصــة ملمارســة هــذا الفعــل عنــد غيــاب الوالديــن‪.‬‬ ‫ال ميكــن معاجلــة العنــف بعنــف مضــاد‪ ،‬يقــول الرســول‪ :‬ﷺ « إن الرفــق ال يكــون فــى شــيء إال زانــه ومــا‬ ‫نــزع مــن شــيء إال شــانه» ويقــول أيض ـاً – صلــوات اهلل وســامه عليــه ‪«:‬إن اهلل إذا أحــب أهــل بيــت أدخــل‬ ‫عليهــم الرفــق»‪.‬‬

‫موقف المسيحية من العنف ضد األطفال من خالل التليفزيون وشبكة االنترنت‬ ‫املســيحية تنبــذ العنــف املوجــه ضــد األطفــال مــن خــال التليفزيــون وترفــض االســتخدام اخلاطــئ لشــبكة‬ ‫الد ْهــ َر‪ ،‬بَــ ْل تَ َغ َّيــ ُروا َعــ ْن َشــ ْك ِل ُك ْم ِبت َْجدِ يــدِ أَ ْذ َها ِن ُكــ ْم ﴾ (روميــة ‪.)2 :12‬‬ ‫االنترنــت‪ ﴿ .‬الَ ت َُشــاكِ لُوا هــ َذا َّ‬ ‫غيــر أن املســيحية ال ترفــض هــذا العالــم اجلديــد بــكل معطياتــه‪ ،‬وإمنــا تؤكــد علــى حتدياتــه وتدعــو األطفــال‬ ‫والشــباب إلــى أن يجاهــدوا لكــي يواجهــوا حتديــات هــذا العصــر ‪ -‬كمــا يقــول األنبــا موســي أســقف الشــباب‪:‬‬ ‫“يصيــر ملح ـاً ينتشــر ويــذوب يف حــب‪ ،‬نــوراً يهــزم فلــول الظــام‪ ،‬خميــرة فيهــا احليــاة اإللهيــة الكامنــة‪ ،‬رائحــة‬ ‫ذكيــة رائحــة املســيح‪ ،‬رســالة معروفــة ومقــروءة مــن جميــع النــاس‪ ،‬وأخيــراً ســفيراً ميثــل اهلل يف كل مــكان‬ ‫يذهــب إليــه نقي ـاً وطاهــراً ومقدس ـاً «‪ .‬ويضيــف األنبــا موســى يف كتاباتــه لألطفــال‪ “ :‬أحبائــي‪ ،‬أنتــم ذخيــرة‬ ‫املســتقبل يف األســرة والكنيســة واملجتمــع‪ ..‬لذلــك فأنتــم األمــل يف حيــاة مقدســة وســعيدة ألنكــم متلكــون‬ ‫الطاقــة واحللــم‪ ،‬وكل مــا نترجــاه منكــم أن يكــون كل منكــم شــخصية بطريقــة مســيحية متكاملــة‪ .‬حــن تشــبع‬ ‫أرواحكــم باملســيح‪ ،‬وتســتنير أذهانكــم باإلجنيــل‪ ،‬وتنضبــط نفوســكم بعمــل الــروح القــدس‪ ،‬وتصلــح أجســادكم‬ ‫بالرياضــة‪ ،‬وبالبعــد عــن التدخــن واخلمــر واملخــدرات والدنــس‪ ،‬هكــذا تكــون لكــم الشــخصية املؤثــرة والناجحــة‬ ‫ض‪َ ،‬ولكِ ـ ْن ِإ ْن َف َسـ َد ْ ِ‬ ‫يلَّـ ُح؟ “﴾‬ ‫يف الكنيســة واملجتمــع‪ .‬فكمــا يقــول الكتــاب املقــدس‪ ﴿ :‬أنْتُـ ْم مِ ل ْـ ُح األَ ْر ِ‬ ‫الل ْـ ُح َف ِب َمــا َذا ُ َ‬ ‫(متي ‪ ﴿ ،)١٣:٥‬أَنْتُ ْم نُو ُر الْ َعالَ ِم ﴾ (متي ‪.)١٤:٥‬‬ ‫وإميانـاً مــن الكنيســة بدورهــا جتــاه األطفــال والشــباب‪ ،‬وإميانـاً بخطــورة التحديــات التــي تفرضهــا طبيعــة احليــاة‬ ‫احلديثــة وتأثيــرات وســائل اإلعــام وتكنولوجيــا االتصــال احلديثــة‪ ،‬فإنهــا تســعى مــن خــال مهرجانــات األطفــال‬ ‫والشــباب إلــى تربيــة األجيــال اجلديــدة تربيــة جتمــع بــن التحلــي بــروح العصــر مــع احلفــاظ علــى القيــم الروحيــة‬ ‫واالجتماعيــة األصيلــة‪ .‬وتقــوم الكنيســة بذلــك مــن خــال تدريــب هــؤالء الفتيــة علــى الرياضــات الروحيــة والفنيــة‬ ‫والرياضيــة لتصريــف فائــض الطاقــة مــن خــال اإلبــداع واألنشــطة اإليجابيــة النافعــة‪.‬‬


‫‪48‬‬

‫واجلديــر بالذكــر‪ ،‬أنــه توجــد جلنــة للطفولــة يف كل إيبارشــية تتولــى شــئون الطفولة وتعد للمؤمتــرات واملهرجانات‬ ‫لألطفــال بصفــة عامــة واألطفــال املبدعــن علــى وجــه اخلصــوص‪ .‬كمــا تتولــى هــذه اللجــان نشــر نتائــج هــذه‬ ‫املهرجانــات وإبداعــات األطفــال يف كل املجــاالت‪ ،‬وتعمــل علــى إصــدار املجــات الثقافيــة وإنتــاج املــواد التربويــة‬ ‫املختلفــة التــي تعمــل علــى تربيــة أجيــال تتحلــى بــروح العصــر مــع احتفاظهــا بالقيــم الروحيــة واالجتماعيــة‬ ‫املســيحية‪.‬‬

‫الخالصة‬ ‫اإلســام واملســيحية يعترفــان بقيمــة األشــكال اجلديــدة مــن التكنولوجيــا واالتصــاالت‪ ،‬ولكنهمــا يحــذران مــن‬ ‫األخطــار والتحديــات التــي متثلهــا أيضــا‪ .‬كمــا تشــجعان األســر علــى االســتمرار يف املشــاركة يف حيــاة أطفالهــم‬ ‫– عبــر اإلنترنــت وخارجهــا ‪ -‬ومواصلــة غــرس القيــم الروحيــة واالجتماعيــة اإليجابيــة يف نفوســهم‪.‬‬

‫****************‬



Turn static files into dynamic content formats.

Create a flipbook
Issuu converts static files into: digital portfolios, online yearbooks, online catalogs, digital photo albums and more. Sign up and create your flipbook.