‫اï»&#x;ﺴﻼم ‪ .‬اï»&#x;ﻤﺤﺒﺔ ‪ .‬اï»&#x;ﺘﺴﺎﻣﺢ‬ ‫رﺳﺎﺋﻞ أﺳﺎﺳﻴﺔ ﻣﻦ ا ﺳﻼم واï»&#x;ﻤﺴﻴﺤﻴﺔ‬ ‫ï»&#x;ﺤﻤﺎﻳﺔ ا ﻃﻔﺎل ﻣﻦ‬ ‫اï»&#x;ﻌﻨﻒ واï»&#x;ﻤﻤﺎرﺳﺎت اï»&#x;ﻀﺎرة‬
3
شكر وتقدير شارك يف إعداد ومراجعة هذا الكتاب كل من السادة التالية أسماؤهم: من جامعة األزهـر
من يونيسف
من الكنيسة القبطية األرثوذكسية
أ.د /جمال الدين أبو السرور أستاذ أمراض النساء والتوليد والصحة اإلجنابية ،مدير املركز الدولي اإلسالمي للدراسات والبحوث السكانية
فيليب دوامال ممثل يونيسف
نيافة األنبا يؤانس أسقف أسيوط وتوابعها
سحر حجازي مدير برنامج اإلعالم للتنمية
نيافة ا ْالنبا يوليوس األسقف العام للخدمات االجتماعية
برونو مايس ممثل يونيسف مصر
أ.د /عبد اهلل مبروك النجار أستاذ كلية الشريعة والقانون
جيليان ويلكـوكس نائب ممثل يونيسف مصر
أ.د /عبد اهلل احلسيني هالل وزير األوقاف األسبق
كارلوس خافير اجيوالر رئيس قسم حماية الطفل وتنمية النشء
أ.د /طه مصطفى أبو كريشة نائب رئيس جامعة األزهر األسبق أ.د /حامد محمد أبو طالب عميد كلية الشريعة والقانون االسبق بالقاهرة
مجدي السندي رئيس قسم احلفاظ على حياة األطفال وتنميتهم
أ.د /مرفت محمود محمد أستاذ البحوث البيوطبية املركز الدولي اإلسالمي
نادرة زكي مدير برنامج حماية الطفل
أ.د /أحمد رجاء عبد احلميد أستاذ الصحة اإلجنابية املركز الدولي اإلسالمي
القس بولس سرور كاهن كنيسة مار جرجس جزيرة بدران أ.د /سامية قدري أستاذ علم االجتماع كلية البنات – جامعة عني شمس أ .ناهد طلعت مهنى مديرة برنامج الصحة وقضايا املرأة - أسقفية اخلدمات العامة واالجتماعية ()BLESS
سمر إبراهيم مدير مساعد برنامج اإلعالم للتنمية
التصميم
واإلخراجDesign Coordinators :
الترجمة :املركز العربي الدولي للترجمة
6
تقديم يُــدرك املؤمنــون أن األطفــال هــم نعمــة مــن اهلل ســبحانه وتعالــى .وقــد عهــد اهلل إلــى الوالديــن واألســر واملجتمــع األكبــر مبســؤولية رعايــة وحمايــة األطفــال وتنشــئتهم وســط جــو مــن االحتــرام ألنفســهم ولآلخريــن .وتُولــي الديانــة اإلســامية والديانــة املســيحية أهميــة خاصــة لــدور األســرة يف تربيــة األطفــال ،وتقــدم كل منهمــا لألمهــات واآلبــاء التوجيــه والدعــم الــذي يحتاجونــه لتربيــة أبنائهــم يف إطــار تعاليــم هاتــن الديانتــن العظيمتــن. ففــي عالــم اليــوم الــذي يــزداد عنفــا وخطــورة ،يكــون مــن أهــم واجبــات الوالديــن هــو حمايــة أطفالهــم مــن األذى وجميــع أشــكال العنــف. ويف هــذا الســياق ،انضمــت املؤسســتان الدينيتــان ،جامعــة األزهــر والكنيســة القبطيــة يف مصــر ،إلــى منظمــة األمم املتحــدة للطفولــة (يونيســف) ،الوكالــة الدوليــة املكلفــة بحمايــة حقــوق األطفــال يف جميــع البلــدان ،لتطويــر هــذا الدليــل حلمايــة األطفــال مــن مختلــف أشــكال العنــف التــي حترمهــم مــن حقوقهــم يف العيــش والنمــو والتطــور باعتبارهــم أعضــاء حاســمني يف مجتمعنــا. األطفــال ُهــم حاضرنــا ومســتقبلنا علــى حــد ســواء .وال ميكــن ألي مجتمــع أن يتطــور بطريقــة مســتدامة دون التضامــن واجلهــود الوطنيــة الكبيــرة حلمايــة األطفــال ،والتــي هــي مســؤولية حاليــة واســتثمار يف املســتقبل علــى حــد ســواء .حمايــة األطفــال مــن جميــع أشــكال احلرمــان والتمييــز والعنــف واخلطــر هــي أحــد احلقــوق األساســية املكفولــة مبوجــب االتفاقيــات الدوليــة التــي تلتــزم بهــا معظــم البلــدان ،مثــل اتفاقيــة حقــوق الطفــل، التــي أصبحــت مرجعــا جلميــع احلقــوق األساســية لألطفــال التــي ينبغــي احترامهــا وحمايتهــا وتعزيزهــا. مــن احلقائــق املقــررة أن الوفــاء بحقــوق الطفــل هــو واحــد مــن أهــم أهــداف الشــريعة اإلســامية .وهــذه األهداف تغطــي حفــظ الديــن والنفــس والعقــل والنســل واملــال .وتنــدرج جميــع احلقــوق الواجبــة جتــاه األطفــال حتــت هدف حفظهــا للنســل .واذا رجعنــا إلــى حديــث القــرآن الكــرمي والســنة النبويــة املطهــرة عــن األطفــال ،فإننــا جنــد مــن حديــث القــرآن الكــرمي عنهــم مــا يبــن أن األطفــال نعمــة مــن اهلل عــز وجــل ،وهــى نعمــة توجــب الشــكر عليهــا، ل ُملْـ ُ السـ َما َو ِ كمــا أشــار علــى ذلــك قــول اهلل تعالــى ﴿ ِ ِ ـب ات َو ْالَ ْر ِ ـب ِلَـ ْن يَ َشــاءُ ِإنَا ًثــا َويَ َهـ ُ ض يَخْ لُـ ُق َمــا يَ َشــاءُ يَ َهـ ُ ـك َّ ِلَـ ْن يَ َشــاءُ ال ُّذ ُكــو َر ( )49أَ ْو يُ َز ِّو ُج ُهـ ْم ُذ ْك َرا ًنــا َو ِإنَا ًثــا َويَ ْج َعـ ُل َمـ ْن يَ َشــاءُ َعقِ ي ًمــا ِإ َّنـ ُه َعلِيـ ٌم َقدِ يـ ٌر (.(((﴾ )50
1سورة الشورى – اآليتان 50 - 49
7 يف املســيحية ،أيضــاً ،حمايــة األطفــال هــي مبــدأ أساســي ومركــزي لــدور الكنيســة .باإلضافــة إلــى كونهــم زهــور احليــاة وجمالهــا وإشــراقها وبهجتهــا ،ميثــل األطفــال رمــز النقــاء والســبيل إلــى النجــاةِ ﴿ :إ ْن لَـ ْم تَ ْر ِج ُعــوا الس ـ َما َو ِ ات ﴾ (متــي .)3 :18 َوت َِصي ـ ُروا مِ ثْ ـ َل األَ ْوالَدِ َفل َ ـ ْن تَ ْدخُ لُــوا َمل َ ُكـ َ ـوت َّ يتنــاول هــذا الكتــاب املنهــج ملنــع جميــع أشــكال العنــف ضــد األطفــال مــن منظــور اإلســام ومنظــور املســيحية. والغــرض منــه أن يكــون مبثابــة دليــل جلميــع الذيــن يعملــون يف املجــال الواســع لرعايــة وحمايــة األطفــال ،مبــا يف ذلــك اآلبــاء واملوظفــون واملعلمــون والتربويــون واألئمــة والقساوســة وغيرهــم .وينبغــي أن يُســتخدم فيمــا يتصــل بحمايــة األطفــال مــن جميــع أشــكال العنــف واملمارســات الضــارة يف أهــم ثــاث دوائــر تســهم يف تشــكيل شــخصية الطفــل :البيئــة األســرية ،البيئــة املدرســية ،والبيئــة املجتمعيــة. وقــد بــذل العلمــاء اإلســاميون واملســيحيون واملتخصصــون يف حقــوق الطفــل املعنيــون يف البحــث عــن محتويــات الكتــاب جهــوداً عظيمــة جديــرة بالثنــاء .مثــل هــذا العمــل الشــاق ســوف يــؤدي مــن غيــر شــك ،مبشــيئة اهلل تعالــى، إلــى الغايــة العظيمــة منــه وهــي حمايــة األطفــال مــن جميــع أشــكال العنــف وآثــاره الضــارة ،ممــا يســمح لهــم أن يعيشــوا حياتهــم علــى أكمــل وجــه مــن الســامة البدنيــة والنفســية والعقليــة. واهلل تعالى من وراء هذا القصد والهادي إلى سواء السبيل. واهلل ولي التوفيق للجميع،
أ.د /أحمد محمد الطيب فضيلة اإلمام األكبر شيخ األزهر
قداسة البابا تاوضروس الثاني بابا اإلسكندرية وبطريرك الكرازة املرقسية
8
مقدمة تُولــي الديانــة اإلســامية والديانــة املســيحية قيمــة كبيــرة لألطفــال وألهميــة تربيتهــم وســط بيئــة تنعــم باألمــان واحلمايــة واألخــاق لكــي يتمكنــوا مــن حتقيــق حقوقهــم يف احليــاة والنمــاء والتطويــر وأن يكونــوا أعضــاء فاعلــن يف املجتمــع. يحــث اإلســام علــى إحســان تربيــة الطفــل ورعايتــه واالبتعــاد بــه عــن كل مــا يــؤذي حالتــه الصحيــة أو النفســية أو االجتماعيــة .فاألطفــال هبــة مــن اهلل ســبحانه وأمانــة يف أعنــاق األبويــن واملجتمــع والدولــة .يقــول تعالــى : ال ِئ َك ٌة ِغ َ ال َجا َرةُ َعلَيْ َها َم َ َّاس َو ْ ِ صو َن ال ٌظ ِش َـدا ٌد ال يَ ْع ُ ﴿ يَا أَيُّ َها ا َّلذِ ي َن آ َمنُوا ُقوا أَنْف َُس ُـك ْم َوأَ ْهلِي ُك ْم نَا ًرا َو ُقو ُد َها الن ُ َ اهلل َما أَ َم َر ُه ْم َويَ ْف َعلُو َن َما يُ ْؤ َم ُرون﴾((( ،ويقول الرسول ﴿ :كلكم راع وكلكم مسئول عن رعيته ﴾(((. وبطريقــة مماثلــة ،اســتلهمت الكنيســة املســيحية منهــج الســيد املســيح يف منــح الرعايــة واحلمايــة والتنميــة الالزمــة لألطفــال .فأكــد القديــس بولــس الرســول مســئولية اآلبــاء جتــاه األطفــال حــن خاطــب اآلبــاء بقولــه ﴿ أَ ُّي َهــا اآلبَــاءُ ،الَ تُغِ ُ يظــوا أَ ْوالَ َد ُكـ ْم ِلئَـ َّ ا يَف َْشـلُوا ﴾ (كولوســي .)21:٣ويف رســالته لكنيســة أفســس قــال ﴿ أَ ُّي َهــا اآلبَــاءُ ،الَ تُغِ ُ يظــوا أَ ْوالَ َد ُكـ ْم ،بَـ ْل َربُّو ُهـ ْم ِبتَ ْأدِ يـ ِـب الـ َّر ِّب َو ِإنْـ َذارِ ِه ﴾ ( أفســس ،)٤:٦كمــا أوصــي اإلنســان بــأن يعتنــي بأهــل بيتــه ويرعاهــم فيقــولَ ﴿ :و ِإ ْن َكا َن أَ َحـ ٌد الَ يَ ْعتَ ِنــي ب َ ميــانََ ،و ُهـ َو اص ِتــهِ َ ،والَ ِسـ َّي َما أَ ْهـ ُل بَيْ ِتــهِ َ ،ف َقـ ْد أَنْ َكـ َر ا ِإل َ ِخ َّ َشـ ٌّـر مِ ـ ْن َغيْـ ِـر ْالُؤْمِ ــنِ ﴾ ( تيموثــاوس األولــى .) 8:5 يف عالــم اليــوم ،تواجــه األســر أشــكاالً مختلفــة مــن العنــف التــي ميكــن أن تضــر بالتنميــة الفكريــة واألخالقيــة والبدنيــة لألطفــال .لذلــك ،يؤكــد كل مــن اإلســام واملســيحية ،علــى حــد ســواء ،علــى أهميــة حمايــة األطفــال مــن جميــع أشــكال العنــف. أعطــى املســيح لألطفــال مكانــة خاصــة حــن دعاهــم بصفــة خاصــة أن يأتــوا إليــهَ ﴿ ،د ُعــوا األَ ْوالَ َد يَ ْأتُــو َن ِإلَـ َّـي َوالَ َْ ـوت ا ِ هلل ﴾ (مرقــس .)14 :10كمــا أعطانــا الســيد املســيح أيضــا منوذجـاً يف كيــف تنَ ُعو ُهـ ْم ،ألَ َّن ِ ِل ِثْــل هـ ُؤالَءِ َمل َ ُكـ َ الصا ِل ـ ُحَ ،وال َّر ِ تكــون األبــوة ومــا هــي مســئولية اآلبــاء جتــاه رعايــة أبنائهــم عندمــا قــال ﴿ أَنَــا ُه ـ َو ال َّر ِ اعــي اعــي َّ الـ َر ِ الصا ِلـ ُح يَبْــذِ ُل نَف َْسـ ُه َعــنِ ْ ِ اف ﴾ (يوحنــا .)11 :10 َّ
1سورة التحرمي – اآلية 6 2أخرجه البخاري يف صحيحه ،كتاب اجلمعة ،باب اجلمعة يف القرى واملدن 249 ،248/1ح .893
9 واإلســام يف جوهــره ونصوصــه وتشــريعاته يوفــر بيئــة حاميــة لألطفــال .قــال الرســول ﴿ إن اهلل ســائل كل راع عمــا اســترعاه حفــظ أم ضيــع﴾((( .ومفهــوم حمايــة الطفــل ال يتحقــق إال مــن خــال التصــدي ألشــكال اإلســاءة والعنــف واالســتغالل التــى حتــرم الطفــل -أو تهــدد بحرمانــه -مــن أى مــن حقوقــه األساســية فــى احلصــول علــى الرعايــة الوالديــة الكافيــة حتــى فــى اختيــار اســم جميــل لــه واحلصــول علــى التعليــم واخلدمــات الصحيــة واالســتمتاع باللعــب والترفيــه والتعبيــر بحريــة عمــا يجــول فــى نفســه. هــذه التعاليــم تتماشــى مــع االتفاقيــات الدوليــة وخاصــة اتفاقيــة حقــوق الطفــل التــي تكفــل حقــوق األطفــال يف احلمايــة مــن جميــع أشــكال احلرمــان والتمييــز والعنــف واخلطــر. للتأكيــد علــى أهــل الديانتــن عــن أهميــة حمايــة األطفــال مــن العنــف ،تعــاون علمــاء الديــن واخلبــراء مــن جامعــة األزهــر ،ومــن الكنيســة القبطيــة يف مصــر ومــن يونيســف عــن كثــب لتطويــر مطبوعتــن -حمايــة األطفــال مــن العنــف يف اإلســام ،واملنظــور املســيحي حلمايــة األطفــال مــن العنــف واملمارســات الضــارة -كالهمــا باللغتــن العربيــة واالجنليزيــة ،تعكســان مواقــف هــذه األديــان بشــأن مظاهــر متعــددة مــن العنــف ضــد األطفــال. تغطــي املطبوعتــان أشــكاالً مختلفــة مــن العنــف ضــد األطفــال مثــل عمــل األطفــال ،واإلســاءة اجلنســية ،واألطفــال احملرومــن مــن الرعايــة األبويــة أو الذيــن يعيشــون يف الشــوارع ،العنــف يف األســرة واملدرســة ،واســتغالل األطفــال يف النزاعــات املســلحة واالجتــار باألطفــال ،فضــا عــن العنــف مــن خــال وســائل االعــام واإلنترنــت .كذلــك، تناقــش املطبوعتــان العــادات والتقاليــد الضــارة مثــل التمييــز بــن اجلنســن ،والتشــويه التناســلي لإلنــاث /ختــان اإلنــاث ،وزواج األطفــال والــزواج القســري .هــذه املطبوعــات ،التــي تعتمــد علــى التوالــي علــى القــرآن الكــرمي، صممــت لالســتخدام مــن قِ بــل علمــاء الديــن واألئمــة أو الكهنــة والكتــاب املقــدس ونصــوص أخــرى مقدســة ،قــد ُ وغيرهــم مــن املســؤولني عــن حمايــة ورعايــة األطفــال داخــل الديانتــن ،وخاصــة الوالديــن. وتهــدف هــذه الوثيقــة املشــتركة إلــى تبــادل الرســائل الرئيســية لهاتــن املطبوعتــن مــع جمهــور أوســع مــن النــاس واجلماعــات املعنيــة بحقــوق األطفــال .ويهــدف املؤلفــون إلــى تعميــق مفاهيــم الســام واحملبــة والتســامح التــي تشــجعها جميــع الديانــات الســماوية ،والتــي لهــا حاجــة يف جميــع أنحــاء العالــم مــن أجــل حمايــة وتنميــة ورفاهــة أثمــن ثــروة لإلنســانية ،أطفالنــا.
1أخرجه الترمذي يف سننه ،كتاب اجلهاد ،باب :ما جاء يف اإلمام 208/4عن أنس بن مالك رضي اهلل عنه.
10
أوال :المنظور اإلسالمي والمسيحي بشأن العنف ضد األطفال ً مقدمـة ويــارس يف أي مــكان العنــف ظاهــرة اجتماعيــة ،والعنــف ضــد األطفــال يف شــكل مــا أو آخــر ميكــن أن يوجــد ُ ويف أي مجتمــع .األشــكال العديــدة مــن العنــف ضــد األطفــال لهــا آثــار متباينــة ،ولكــن تداعياتهــا علــى األطفــال واملجتمــع ككل عــاد ًة مــا تكــون خطيــرة وضــارة .ســواء كان ذلــك داخــل أو خــارج البيئــة األســرية ،فــإن العنــف ضــد األطفــال لــه العديــد مــن األســباب االجتماعيــة واالقتصاديــة .تشــمل األســباب االقتصاديــة الفقــر والضغــوط املاليــة ،وعــدم القــدرة علــى العثــور علــى عمــل مربــح وســوء األحــوال املعيشــية .التقاليــد الثقافيــة هــي ســبب آخــر للعنــف ضــد األطفــال ،بحجــة احلفــاظ علــى األمنــاط الثقافيــة والتقاليــد واألعــراف الســائدة ،حتــى لــو كانــت ضــد حقــوق اإلنســان .والعنــف ميكــن أن يحــدث داخــل األســرة ألن اآلبــاء يفتقــرون إلــى القــدرة علــى ممارســة الوالديــة اإليجابيــة وتربيــة األطفــال ،مبــا يف ذلــك التهذيــب اإليجابــي .ال يوجــد أي مــكان للعقــاب البدنــي أو اللفظــي والتهذيــب ،ولكــن هنــاك مــكان للتوجيــه الســليم ،وتقــدمي النصيحــة والقــدوة احلســنة. نظــراً ملختلــف أشــكال العنــف التــي يتعــرض لهــا األطفــال يف جميــع أنحــاء العالــم ،والتــي تنتهــك حقوقهــم ،صيغــت اتفاقيــة حقــوق الطفــل لتكــون مبثابــة ميثــاق قانونــي دولــي يضمــن االعتــراف العاملــي وحمايــة حقــوق األطفــال، حيــث إنهــم بحاجــة إلــى رعايــة خاصــة وحمايــة. هــذه االتفاقيــة حتــدد األعمــال التــي تعتبــر عنفـاً ضــد األطفــال ،مبــا يف ذلــك جميــع مظاهــر العنــف أو اإليــذاء، العنــف اجلســدي أو النفســي ،اإلهمــال أو املعاملــة املنطويــة علــى إهمــال ،وســوء املعاملــة أو االســتغالل ،مبــا يف ذلــك اإلســاءة اجلنســية.
موقـف اإلسـالم من العنف ضد األطفال تنبــع نظــرة اإلســام لألطفــال مــن نظرتــه لإلســام علــى انــه مخلــوق مكلــف مهمتــه اخلالفــة يف األرض ،وهــو عامــل رئيــس ومهــم يف نظــام الكــون .هــذه املكانــة الرفيعــة لإلنســان جعلــت اإلســام يهتــم بــه يف جميــع مراحــل منــوه ،وهــذا االهتمــام باإلنســان يف كل مراحــل حياتــه يُعــد مــن املعالــم والســمات البــارزة يف أحــكام اإلســام وتشــريعاته ونظمــه. واإلســام أولــى عنايــة خاصــة باإلنســان منــذ أولــى مراحــل الطفولــة ،والتــي تعتبــر األســاس ملــا يليهــا مــن مراحــل وأطــوار .كمــا أحــاط التشــريع اإلســامي جميــع جوانــب حيــاة الطفــل بأفضــل طريقــة مــن العنايــة واحملافظــة
11 عليــه .إحــدى الضمانــات األولــى يف التشــريع اإلســامي تتعلــق باحلقــوق اجلســدية للطفــل ،فجعــل الرضاعــة ات الطبيعيــة حقــاً للطفــل علــى أمــه .وأمــر التشــريع النبيــل األم بإرضــاع طفلهــا يف قولــه تعالــىَ ﴿ :والْ َوالِــ َد ُ ـن ِل َـ ْن أَ َرا َد أَ ْن يُ ِت ـ َّم ال َّر َ اع ـ َة ،(((﴾...وجعــل للرضاعــة نفقــة واجبــة علــى والــد ـن َكامِ لَـ ْ ِ يُ ْر ِض ْع ـ َن أَ ْو َل َد ُهـ َّـن َح ْولَـ ْ ِ ض َ الطفــل املولــود فقــال تعالــىَ ...﴿ :و َعلَــى ْال َ ْولُــودِ لَـ ُه رِ ْز ُق ُهـ َّـن َوكِ ْس ـ َوتُ ُه َّن ب ْ ِال َ ْع ـ ُر ِ وف .(((﴾ ...وهنــاك صــور كثيــرة مــن التشــريعات واألحــكام يف الشــرع الشــريف التــي تهــدف إلــى احلفــاظ علــى احلقــوق اجلســدية للطفــل. كذلـك ،يكفـل التشـريع اإللهـي االحتياجـات النفسـية للطفـل بتقدميـه النمـوذج األكمـل لرعايـة الطفـل .ومن أمثلة ذلـك مـا روي مـن أحاديـث عـن تقبيـل األوالد ،حتـى أفـرد علمـاء السـنة واحلديـث أبوابـاً لهـذا املعنـى مثـل «بـاب رحمـة األوالد ومالطفتهـم ومعانقتهـم» مـن صحيـح البخـاري يف كتـاب األدب .ومـن هـذا ،حديـث تقبيـل رسـول اهلل للحسـن بـن علـي (حفيـده) وعنـده األقـرع بـن حابـس التميمـي جالسـاً .فقـال األقـرع« :إن لي عشـرة من الولـد مـا قبلـت منهـم أحـداً» .فنظـر إليـه رسـول اهلل ثـم قـال« :مـن ال يرحـم ال يُرحم» .ومن املعلـوم أن تقبيل األطفـال لـه أثـره العظيـم يف نفوسـهم ،ولهـذا فعلـه النبـي وأرشـد اآلخريـن أن يفعلـوا مثلـه مـع أوالدهـم. إن الرحمــة والعطــف واملــودة هــي مــن املشــاعر النبيلــة التــي غرســها اهلل يف قلــوب األمهــات واآلبــاء .وهــذه مشــاعر خيــرة لهــا تأثيــر كبيــر علــى تنشــئة الطفــل وتكوينــه العاطفــي .لهــذا الســبب ،جنــد أن الشــريعة ترســخ مشــاعر الرحمــة والعطــف هــذه يف كل أحكامهــا وتشــجع األمهــات واآلبــاء علــى االلتــزام بهــا. حــدد اإلســام بعــض األمــور التــي يجــب اإللتــزام بهــا يف تأديــب األطفــال ،وبصفــة خاصــة جتنــب معاملتهــم بــأي شــكل مــن أشــكال العنــف .والشــريعة تعطينــا االهتمــام الواجــب حلمايــة األطفــال مــن اإلســاءة واإلهمــال وحتــدد التدابيــر ملنــع االنــزالق يف ممارســة أي عنــف أو أذى ،جســديا كان أو نفســيا .واألســرة هــي نقطــة االنطــاق ملعاجلــة العنــف عــن طريــق احلــد مــن أســبابه ومعاجلــة آثــاره.
موقـف المسيحية من العنف ضد األطفال موقــف الســيد املســيح واضــح فيمــا يتعلــق بالعنــف ضــد األطفــال :فهــو يرفــض أي معاملــة ســيئة لهــم ،بــل حتــى يرفــض انتهارهــم .ففــي إجنيــل القديــس متــى البشــير يقــول ﴿ :حينئــذ ُقــدم إليــه أوالد لكــي يضــع يديــه عليهــم ـوت ويصلــي ،فانتهرهــم التالميــذ .أَ َّمــا يَ ُســو ُع َف َقــا َلَ :د ُعــوا األَ ْوالَ َد يَ ْأتُــو َن ِإلَـ َّـي َوالَ َتنَ ُعو ُه ـ ْم ألَ َّن ِلثْــلِ ه ـ ُؤالَءِ َمل َ ُكـ َ الس ـ َما َو ِ ات ﴾ (متــى .)14-13 :19وجعــل منهــم مثــاالً للتواضــع والبــراءة حــن دعــا ولــداً وأقامــه فــى الوســط َّ السـ َما َو ِ ضـ َع نَف َْسـ ُه مِ ثْـ َل هـ َذا الْ َولَــدِ َف ُهـ َو األَ ْع َظـ ُم ِف َمل َ ُكـ ِ وأعلــن ﴿ َف َمـ ْن َو َ ات ﴾ (متــى .)4 :18وينقــل إجنيــل ـوت َّ احت َ َضنَـ ُه ﴾ (مرقــس .)36:9 القديــس مرقــس املشــهد بتفصيــل أكبــر ﴿ َف َأ َخـ َذ َولَـ ًدا َوأَ َقا َمـ ُه ِف َو ْسـ ِـطهِ ْم ثُـ َّم ْ 1سورة البقرة – من اآلية .233 2سورة اليقرة – من اآلية .233
12 يســوع كان يعبــر بهــذا عــن احلمايــة واحلنــان والعطــف الــذي يجــب أن يُعامــل بــه األطفــال .ولــم يغــب عــن بــال الســيد املســيح أن هنــاك مــن سيســبب العثــرة لألطفــال بســبب املعاملــة الســيئة فقــال محــذراًَ ﴿ :و َمـ ْن أَ ْعثَـ َر أَ َحـ َد ـن ِبــي َف َخيْـ ٌر لَـ ُه أَ ْن يُ َعلَّـ َق ِف ُعنُقِ ــهِ َح َجـ ُر ال َّر َحــى َويُ ْغـ َر َق ِف ّ ُلــةِ الْ َب ْحـ ِـر( ﴾..متــى .) 6:18 الص َغــارِ ْالؤْمِ نـ ِ َ هـ ُؤالَءِ ِّ منــذ نشــأتها ،وحتــى يومنــا هــذا ،ســارت الكنيســة علــى خطــى الســيد املســيح .فهــي تنــادي بوجــوب العنايــة بالطفــل عنايــة فائقــة ،منــذ والدتــه بــل وقبــل والدتــه ،فــا تســمح مطلق ـاً بــأي شــكل مــن أشــكال العنــف .تهتــم الكنيســة كل االهتمــام بأســرة الطفــل منــذ حلظــة تكويــن األســرة وتتابعهــم روحي ـاً حتــى تكــون أســرة صاحلــة وبيئــة صاحلــة لتنشــئة األوالد .وحتــرص الكنيســة علــى أن يكــون الوالــدان مؤهــان لرعايــة وتربيــة أطفالهــم يف ظــل أســرة مســيحية ،مملــوءة باإلميــان واحملبــة املتبادلــة ،األســرة التــي ترفــض أي عنــف ،جســدياً كان أو نفســياً ،وتغــذي وتنمــي العالقــات الشــخصية بــن أفرادهــا .وتعلــم الكنيســة أيضــا األســر تنشــئة أبنائهــم باحلــوار والقــدوة ،مــع جتنــب أي نــوع مــن أنــواع العقــاب العنيــف .فينشــأ األطفــال يف جــو مــن احلنــان واملســامحة واالحتــرام والبــذل واألمــان. وتعهــد الكنيســة لوالــدي الطفــل أو مــن هــو مســؤول عــن تربيتــه باحملافظــة علــى ســامته والعنايــة بــه وتســليمه اإلميــان الســليم وتربيتــه يف مخافــة اهلل وحبــه .كمــا تســاعد الطفــل علــى ترســيخ مفاهيــم راســخة جتــاه نفســه (فيقبلهــا ويطورهــا) ،وجتــاه أســرته (فيحبهــا ويحترمهــا ويخدمهــا) ،وجتــاه وطنــه (فيفخــر بانتمائــه لــه ويشــارك بإيجابيــة يف خدمتــه) ،وجتــاه اآلخــر املختلــف عنــه (فيحبــه محبــة مســيحية صادقــة ،ويتعــاون معــه بانفتــاح وايجابيــة) ،وجتــاه اجلنــس (فيــدرك أن اجلنــس ليــس شــراً أو جنســاً ولكنــه مقــدس للغايــة ،كمــا يــدرك أن اإلباحيــة ليســت وســيلة لإلشــباع احلقيقــي ،وإمنــا الشــبع احلقيقــي يكمــن يف احليــاة مــع اهلل وحســب وصايــاه)، وجتــاه الــزواج (فيــدرك أنــه ســر مقــدس ،ويتعلــم احلــب والبــذل والعطــاء لشــريك احليــاة ،مــن أجــل حيــاة ملؤهــا الســعادة والفــرح).
الخالصـة اإلســام واملســيحية يدينــان أي نــوع مــن العنــف ضــد األطفــال .وتؤكــد الديانتــان علــى أهميــة معاملــة األطفــال باحلــب واحلنــان واملــودة والرحمــة .كل مــن اإلســام واملســيحية يوجبــان علــى اآلبــاء واألمهــات مســؤولية توفيــر الرعايــة ألطفالهــم جســديا وعاطفيــا وفكريــا وروحيــا ،ويؤكــدان علــى أهميــة األســرة باعتبارهــا بيئــة حاميــة ومربيــة ميكــن لألطفــال أن ينمــوا ويزدهــروا فيهــا.
13
ثانيا :زواج األطفال والزواج القسـري ً مقدمـة زواج األطفــال والــزواج القســري انتهــاكان خطيــران حلقــوق الطفــل ،الســيما الفتيــات .زواج األطفــال ،ويُشــار إليــه أيضــا بالــزواج املبكــر ،يعنــي زواج األطفــال الذيــن تقــل أعمارهــم عــن 18عام ـاً ،وهــو إجمــاع دولــي ملعنــى الطفولــة كمــا هــو متفــق عليــه يف اتفاقيــة حقــوق الطفــل .املبــررات لهــذا النــوع مــن الــزواج ميكــن أن تكــون ثقافيــة وأخالقيــة (للحفــاظ علــى العفــة والشــرف) أو اقتصاديــة .الــزواج القســري هــو الــزواج الــذي أجبــر علــى فتــاة أو امــرأة شــابة رغمــا عنهــا مــن قبــل والديهــا أو ولــي أمرهــا ،وأحيانــا يف مقابــل املــال .زواج األطفــال والــزواج القســري يحرمــان الفتيــات مــن حقوقهــن األساســية يف االختيــار ،ويف التعبيــر عــن آرائهــن والتمتــع بطفولتهــن وبالرعايــة الواجبــة لهــم كأطفــال .مثــل هــذه الزيجــات تعــرض الفتيــات للعنــف بســبب افتقارهــن إلــى النضــج البدنــي والعاطفــي وعــدم قدرتهــن علــى حتمــل مســؤوليات الــزواج وتربيــة األطفــال.
موقـف اإلسـالم من زواج األطفال والزواج القسري زواج األطفــال ليــس لــه أســاس شــرعي يف الشــريعة اإلســامية والــزواج القســري غيــر صحيــح ومحظــور بصــورة واضحــة. الطفولــة ،وهــي الفتــرة حتــى ســن 18عامــا ،تكــون عندمــا يتعلــم الفتيــان والفتيــات حتمــل مســؤولياتهم ويصبحــوا قادريــن علــى اتخــاذ القــرارات التــي تؤثــر علــى حاضرهــم ومســتقبلهم مثــل الــزواج. اإلسلام بـريء مـن عـادة زواج األطفـال ،فممارسـة التبكيـر بالـزواج لم تُذكر على اإلطلاق يف القرآن الكرمي. إضافـة إلـى ذلـك ،لـم جنـد حتديـدا لسـن الـزواج ،لكن وجدنا معياراً ال يتغير أال وهو إيناس الرشـد .وحقيقة األمـر أن التبكيـر بالـزواج لـم يكـن سـوى عـادة وليـس جـزءا مـن الشـريعة والعبـادة .واألكثـر مـن ذلـك ،أن هذه الظاهـرة لـم تقتصـر علـى املجتمـع اإلسلامي فحسـب بل تعدتـه إلى أعماق ثقافـات أخرى كثيرة. يف بعــض املناطــق ،تشــجع األمهــات واآلبــاء أبناءهــم علــى ممارســة الــزواج املبكــر وقــد يدفعــون حتــى ببناتهــم قســراً إليــه حلمايــة شــرفهن أو للتخلــص مــن عــبء إعالتهــن .هــذا التوجــه للــزواج املبكــر قــد أثبــت أنــه يــؤدي إلــى مضاعفــات وآثــار ســلبية ،ســواء حاليــة أو تراكميــة .إن تعــدد حــاالت احلمــل والرضاعــة وتداخلهــا قبــل أن يكتمــل النمــو اجلســماني للفتــاة ودون فتــرات للراحــة لتســترجع حالتهــا الغذائيــة الالزمــة للنمــو واحلمــل والرضاعــة ،يــؤدي إلــى حالــة يُطلــق عليهــا االســتنزاف الغذائــي .كذلــك فــإن مخاطــر انتقــال العــدوى مبــرض
14 اإليــدز مــن خــال املمارســة اجلنســية أعلــى بــن اإلنــاث عــن الذكــور ،وتزيــد هــذه املخاطــر بدرجــة أكبــر بالنســبة لإلنــاث الصغيــرات الالتــي لــم يكتمــل منوهــن اجلســماني متامــا والالتــي يخضعــن يف كثيــر مــن األحيــان للعالقــة اجلنســية قهــرا مــع أزواج أكبــر منهــن ســناً كانــت لهــم جتــارب جنســية ســابقة .يضــاف إلــى ذلــك املشــاكل النفســية واألســرية واالجتماعيــة املرتبطــة بهــذه الظاهــرة والناجتــة عــن عــدم اكتمــال النضــج اجلســماني والعاطفــي للــزوج أو للزوجــة .وقــد أعطــت الشــريعة احلــق وأيضــا الواجــب لألبويــن لرعايــة أطفالهــم جســديا وتربويــا ليكونــوا بعــد مرحلــة صغرهــم ســعداء يف دنياهــم وآخرتهــم. إن التبكيــر بالــزواج لــم يكــن ســوى ُعــرف وعــادة وليــس شــريعة وعبــادة .وهــي عــادة قــد تــؤدي مبــا ال يــدع مجــاالً
للشــك إلــى عواقــب غيــر صحيــة ،ولذلــك فســن الــزواج يكــون عنــد الثامنــة عشــرة .الــزواج مســؤولية دينيــة واجتماعيــة تقتضــي قــدرة واســتطاعة وموافقــة علــى القيــام بأعبائهــا مــن قيــب الــزوج والزوجــة ،فــا يصــح أن يكلــف بهــا األطفــال .قــال اهلل تعالــى ﴿ :يــا أيهــا الذيــن آمنــوا أوفــوا بالعقــود ،(((﴾ ...وقــال رســول اهلل : ﴿ يــا معشــر الشــباب مــن اســتطاع منكــم البــاءة فليتــزوج (((.﴾ ...ال يصــح أن تُكــره الفتــاة الصغيــرة علــى الــزواج، ألنــه ال تكليــف مبــا ال يطــاق ،ومــا ورد مــن األدلــة التــي متســك بهــا املجيــزون لــزواج الصغيــرة محكــوم بهــذا األصــل الشــرعي العــام .قــال اهلل تعالــى ﴿ :ال يكلــف اهلل نفســاً إال وســعها .(((﴾ ...وقــال رســول اهلل : ﴿ ال ضرر وال ضرار﴾ . وغالبــا مــا يكــون الــزواج القســري واقع ـاً علــى فتــاة صغيــرة .واألضــرار الصحيــة واالجتماعيــة الوخيمــة لــزواج األطفــال تضــع علــى عائــق الوالديــن مســؤولية كبيــرة يف هــذا الصــدد لتجنيــب أطفالهــم مغبــة هــذه العواقــب ،إذ َّ َ ـب ْ ُ ْ يقــول اهلل تعالــىَ ﴿ :وأَنْفِ ُقــوا ِف َسـبِيلِ َّ ِ ني ﴾ ال ِسـ ِن َ الل َو َل تُل ْ ُقــوا ِب َأيْدِ ي ُكـ ْم إلــى ال َّت ْهل ُ َكــةِ َوأَ ْح ِسـنُوا إ َِّن الل يُ ِحـ ُّ وإبــرام عقــد الــزواج القســري (القهــري) دون توافــر رضــا الزوجــة أمــر ال تقــره أحــكام الشــريعة ،ويُقضــى ببطالنه. قــال رســول اهلل ( ﴿ :ال تنكــح األمي ) أى الثيــب حتــى تســتأمر ،وال تنكــح البكــر حتــى تســتأذن ﴾(((.
موقـف المسيحية من زواج األطفال والزواج القسري املســيحية ال تقبــل زواج األطفــال وال الــزواج القســري وال زواج الصفقــة (زواج املعامــات) مثــل الــزواج الصيفــي، وذلــك لطبيعــة الــزواج املســيحي وقدســيته ،ولألضــرار الناجتــة عــن هــذه األنــواع مــن الــزواج .ولذلــك ،فــإن ســن الــزواج يبــدأ بعــد ســن الثمانيــة عشــرة. 1 2 3 4
سورة املائدة – من اآلية .1 أخرجه البخاري – كتاب النكاح – باب :من استطاع الباءة فليتزوج ،فتح الباري 106/9رقم .5065 سورة البقرة – من اآلية .286 أخرجه البخاري يف صحيحه – كتاب النكاح – باب :ال ينكح األب وغيره البكر والثيب إال برضاها 358/3ح ،5136بسنده عن أبي هريرة.
15 الــزواج يف املســيحية ســر مقــدس لــه عمقــه الروحــي .وقــد عبــر بولــس الرســول عــن قدســية الــزواج بتعبيريــن الســ ُّر َع ِظيــ ٌم ﴾ (أفســس )٣٢:٥؛ و﴿ ِليَ ُكــنِ الــ ِّز َوا ُج ُم َك َّر ًمــا ِعنْــ َد ُك ِّل َو ِ اح ٍــد﴾ غايــة يف األهميــة ﴿ :هــ َذا ِّ ( رســالة العبرانــن .)4:13مــن هنــا يتســامى الــزواج املســيحي ،فهــو ليــس اقتــران أجســاد فحســب ،إمنــا اقتــران أرواح ،مــن خــال الصلــوات .وتؤكــد املســيحية علــى أن ينظــر كل طــرف يف هــذه العالقــة املقدســة إلــى اآلخــر نظــرة حــب وتكــرمي ،فــكل منهمــا يكــرم اآلخــر ،يف عالقــة يعــرف كل منهمــا واجباتــه وحــدوده معرفــة جيــدة. ويأتــي يف مقدمــة هــذه الواجبــات وهــذه احلــدود العطــاء وإيثــار اآلخــر علــى الــذات .وال شــك أن مثــل هــذه العالقــة حتتــاج إلــى شــخص ناضــج – جســدياً ونفســياً وعقليـاً وروحيـاً -قــادر علــى إدراك طبيعــة هــذه العالقــة وجوهرهــا ﴿ .ليــس ج ًّيــداً أن يكــون آدم وحــده ،فأصنــع لــه ُمعينـاً نظيــرهُ ﴾ (تكويــن ِ ﴿ )18:2ل َي ُكـ ْن ِلـ ُك ِّل َو ِ احـ ٍـد ا ْم َرأَتُـهَُ ،ولْ َي ُك ـ ْن ِل ـ ُك ِّل َو ِ احـ ٍـدة َر ُجل ُ َهــا ﴾ (كورونثــوس األولــى .)2 :7 الكنيســة ال توافــق علــى الــزواج املبكــر ألنــه يف هــذه املرحلــة الشــاب أو الفتــاة لــم ينضجــا النضــج اجلســدي والنفســي والعقلــي والروحــي الــكايف الختيــار شــريك احليــاة املناســب .لذلــك ،مــن اخلطــأ أن يتــم زواج بــن شــخصني غيــر أكفــاء حلمــل مســؤولية تربيــة جيــل جديــد .فيلــزم أن يتصــف الزوجــان بحســن التدبيــر وبفهــم جيــد لألمــور ...وكل ذلــك يحتــاج إلــى نضــوج ،وإلــى قــدرة علــى مواجهــة أعباء احليــاة وحتمل أحداثهــا ومفاجآتها ومــا فيهــا مــن تغيــر وتطــور .هــذا يعنــي أن زواج الصغــار ال يقــع ضــرره علــى األزواج والزوجــات فقــط وإمنــا يقــع باألكثــر علــى نســلهم. هــذه األنــواع مــن الزيجــات ال ميكــن أن تنتــج زواجــاً ناجحــاً .فالــزواج الناجــح يُبنــى علــى التوافــق والرضــا واحلــب .يجــب أن يتذكــر األبــوان أنــه ينبغــي عليهمــا أال يختــارا مــا يناســبهما بــل مــا يناســب ابنهمــا أو ابنتهمــا، حيــث إنهــا حيــاة األبنــاء وليســت حيــاة اآلبــاء الذيــن يختــارون .فالــزواج يحتــاج أن يُبنــى علــى أســاس مــن التوافــق واملوافقــة. تهتــم الكنيســة اهتمامــا كبيــرا بهــذه القضيــة حتــى يف مراحــل مــا قبــل الــزواج ،وذلــك مــن خــال برامــج إعــداد وتأهيــل املقبلــن علــى الــزواج تأهيـ ً ا نفســياً ومعنويـاً وثقافيـاً وروحيـاً .يف نفــس الوقــت ،توضــح هــذه البرامــج أهميــة االختيــار لشــريك أو شــريكة احليــاة مــن حيــث التكافــؤ يف العمــر واملســتوى االجتماعــي واملســتوى الفكــري والثقــايف ...الــخ .ونحــن بحاجــة إلــى مزيــد مــن هــذه البرامــج الســيما يف املناطــق الريفيــة والعشــوائيات حيــث تنتشــر فيهــا ظاهــرة الــزواج املبكــر .ومــن ثــم ،فــإن االهتمــام ببرامــج املشــورة األســرية والســيما مــا يتعلــق منهــا بقضيــة االختيــار للــزواج يُعــد مطلبــاً حيويــاً كوســيلة لصــون وحــدة األســرة ولضمــان عــدم تعــرض أي مــن أفرادهــا للعنــف.
16 الخالصـة يوافــق اإلســام واملســيحية علــى أن زواج األطفــال والــزواج القســري همــا مــن املمارســات الثقافيــة التــي ال أســاس لهــا يف الديــن ،وينبغــي أن تكــون محظــورة .مثــل هــذه الزيجــات ،التــي غالب ـاً مــا تنطبــق علــى الفتيــات، حترمهــن مــن حقوقهــن يف الطفولــة ويف املوافقــة علــى الــزواج .األطفــال دون ســن 18ســنة ال يتمتعــون بالنضــج العاطفــي أو النفســي أو الروحــي لقبــول وفهــم مســؤوليات الــزواج ،مبــا يف ذلــك تربيــة األســرة .والفتيــات الصغيــرات ليســت علــى اســتعداد للجوانــب البدنيــة والعاطفيــة مــن اإلجنــاب ،وميكــن أن تواجهــن تعقيــدات بدنيــة مــدى احليــاة مــن جــراء احلمــل املبكــر.
لذلــك ،يتوجــب علــى اآلبــاء وأوليــاء األمــور احتــرام حقــوق األطفــال يف النمــو إلــى مرحلــة البلــوغ قبــل اإلقــدام علــى زيجــات قــد تعرضهــم للخطــر أو لإليــذاء.
17
ثالثا :التشويه التناسلي لإلناث /الختان ً مقدمـة تزخــر الســجالت والوثائــق التــي حتكــي تاريــخ الشــعوب وممارســاتهم الثقافيــة بالكثيــر مــن الصــور والوســائل املختلفــة التــي تســتخدمها هــذه الشــعوب لتغييــر أو تشــويه أجســادها ألســباب شــعائرية أو دينيــة أو ثقافيــة أو جماليــة أو جنســية أو عالجيــة عــن طريــق القطــع أو الشــق أو التشــريط أو تعديــل أجــزاء مــن اجلســم .إحــدى هــذه املمارســات هــي التشــويه الــذي يُجــرى علــى األعضــاء التناســلية لإلنــاث والتــي تُعــرف بختــان اإلنــاث أو تشــويه /بتــر األعضــاء التناســلية لألنثــى. ختــان اإلنــاث هــو ســلوك تقليــدي يُعتقــد خطـ ًأ أنــه يُعــد الفتــاة لتكــون امــرأة .ويتفــاوت ســن إجــراء هــذه العمليــة مــا بــن ثقافــة وأخــرى .ففــي بعــض الثقافــات تخــن الفتيــات يف بواكيــر الطفولــة ،بينمــا قــد تتأخــر طقــوس اخلتــان يف ثقافــات أخــرى .ويف الغالــب ،يُجــرى ختــان اإلنــاث أو تشــويه /بتــر األعضــاء التناســلية لهــن بــن ســن أربــع وثــاث عشــرة ســنة. ورغــم أن دراســات كثيــرة تشــير إلــى وجــود أنــواع عديــدة مختلفــة مــن ختــان اإلنــاث ،إال أنــه ميكــن تصنيفهــا إلــى أربعــة أنــواع رئيســة:
النوع األول
يتمثل يف استئصال قلفة البظر ،أي قطع اجللدة املستعلية من البظر .ويف بعض األحيان ،يرافق ذلك قطع جزئي أو كلي للبظر.
النوع الثاني (قطع البظر)
يتم فيه استئصال رأس البظر والقلفة ،وقطع جزئي أو كامل (اخلتان) للشفرين الصغيرين (الشفاه املهبلية الداخلية).
النوع الثالث (الفرعوني)
هو عبارة عن استئصال جزئي أو كامل لكافة األعضاء التناسلية اخلارجية لألنثى .كما يستتبعه خياطة أو تضييق الفتحة املهبلية (التكبيل).
النوع الرابع (غير مصنف)
يشمل عدة عمليات مثل ثَقب أو َخرق أو َقطع البظر و/أو الشفرين الصغيرين؛ متديد البظر و/أو الشفرين؛ الكي بحرق البظر واألنسجة احمليطة به؛ كشط األنسجة احمليطة بفوهة املهبل أو قطع املهبل؛ أو إدخال مواد كاوية أو أعشاب يف املهبل لغرض ش ّده أو تضييقه.
18 يف البــاد التــي جتــرى فيهــا عمليــة التشــويه التناســلي لإلناث/اخلتــان ،تنتشــر كثيــر مــن املفاهيــم واملعتقــدات اخلاطئــة .مــن ذلــك أن هــذه العمليــة للتجميــل أو إزالــة نتــوءات زائــدة ،يف حــن تؤكــد احلقائــق الطبيــة أن األعضــاء التــي تُــزال ليســت زوائــد بــل باألحــرى لهــا وظائــف محــددة يف جســم اإلنســان .ويوجــد اعتقــاد آخــر خاطــئ أن األعضــاء التــي تُســتأصل ،اذا تُركــت ،ميكــن أن تكبــر وتصيــر يف حجــم األعضــاء التناســلية الذكريــة. وهنــاك اعتقــاد شــائع أن غيــر املختنــة غيــر قــادرة علــى التحكــم يف رغبتهــا اجلنســية ،لكــن هــذا ليــس صحيحــا ألن الدمــاغ هــو الــذي يتحكــم يف الرغبــة اجلنســية.
موقـف اإلسـالم من التشويه التناسلي لإلناث /الختان إن ممارســة ختــان اإلنــاث مــن أبــرز مظاهــر العنــف ضــد املــرأة والفتــاة .فهــي تســبب مضاعفــات عديــدة جتــور علــى حــق املــرأة يف االســتمتاع بحياتهــا الزوجيــة .ونظــراً لعــدم وجــود أيــة فائــدة مــن اخلتــان ،ينبغــي رفضــه بوصفــه انتهــاكا خلصوصيــة األنثــى وعصمــة بدنهــا الــذي ح ـ ّرم اهلل كل مســاس ضــار أو مــؤذ لــه. مــن املنظــور اإلســامي ،يخلــو القــرآن الكــرمي مــن أي نــص يتعلــق بختــان اإلنــاث ،حتــى ولــو مــن بعيــد .واطــاق وصــف «ختــان الســنة» عليــه هــو نــوع مــن اخلــداع إلضفــاء القدســية وتضليــل النــاس بزعــم أنــه مــن اإلســام. احلقيقــة الواضحــة هــي أن األحاديــث املنســوبة للنبــي الكــرمي يف هــذا املجــال ليــس فيهــا دليــل واحــد صحيــح الســند مــن مصــادر الســنة .قــال ابــن املنــذر« :ليــس يف اخلتــان خبــر يرجــع اليــه وال ســنة تتبــع »((( .كذلــك ال يوجــد يف مرويــات احلديــث دليــل واحــد صحيــح الســند ميكــن أن يســتفاد منــه حكــم شــرعي يف مســألة بالغــة اخلطــورة علــى احليــاة اإلنســانية كهــذه املســألة .لقــد خلــق اهلل اإلنســان يف أحســن تقــومي ،ولذلــك فــإن بتــر أو قطــع أجــزاء مهمــة مــن اجلســم هــو تغييــر خللــق اهلل وليــس مــن فضائــل األعمــال .وقــد صــح عــن الرســول ((( حينمــا قــال ﴿ :لعــن اهلل املغيــرات خللــق اهلل ﴾. ال يوجــد أي ســبب طبــي يلــزم بختــان اإلنــاث ،بــل هــو يــؤدي إلــى كثيــر مــن املشــكالت الصحيــة التــي تؤثــر علــى الطفلــة يف املــدى القصيــر والبعيــد .يقــول اهلل تعالــى يف القــرآن الكــرمي ﴿ :يَــا أَيُّ َهــا ا َّلذِ ي ـ َن آَ َمنُــوا خُ ـ ُذوا ِح ْذ َر ُكـ ْم﴾((( .وقــال رســول اهلل ﴿ :ال ضــرر وال ضــرار ﴾((( .ويقــول اهلل تعالــى أيضــاَ ...﴿:و َل تُل ْ ُقــوا ِب َأيْدِ ي ُكـ ْم إلــى ال َّت ْهل ُ َكــةِ .(((﴾...
1 2 3 4 5
نيل األوتار للشوكاني 113-112/1 متفق عليه عن ابن مسعود. سورة النساء – من اآلية .71 أخرجه ابن ماجه يف سننه – كتاب األحكام – باب :من بنى يف حقه ما يضر بجاره 784/2ح 2341عن ابن عباس. سورة البقرة – من اآلية .195
19 ووفقـاً ألحــكام الشــريعة ،فــإن التخلــي عــن ختــان اإلنــاث ليــس إثمـاً ،وليــس مــن الصــواب القــول بأنــه مــن الســنة أو مــن الطبيعــة البشــرية (الفطــرة) .وال يحتــوي القــرآن علــى أي آيــات تذكــر ختــان اإلنــاث (التشــويه التناســلي لإلنــاث) .كمــا أن األحاديــث التــي يُستشــهد بهــا لتشــير إلــى شــرعيته كلهــا ضعيفــة ومعيبــة.
موقـف المسيحية من التشويه التناسلي لإلناث /الختان التشــويه التناســلي لإلنــاث /اخلتــان هــو أحــد أشــكال التشــويه اجلســدي مبــا يتــاءم مــع بعــض املعتقــدات واملفاهيــم الثقافيــة الســائدة يف بعــض املجتمعــات وبصفــة خاصــة يف املجتمعــات ذات التقاليــد التــي تســهم يف تكويــن قيــم وضوابــط املجتمــع اخلاصــة بســلوك األفــراد .هــذه املمارســة الضــارة ليــس لهــا أي ســند يف املســيحية علــى اإلطــاق وال توجــد آيــة واحــدة يف الكتــاب املقــدس تشــير إلــى ختــان اإلنــاث. املســيحية ترفــض ختــان اإلنــاث ألنــه أحــد مصــادر التمييــز والعنــف ضــد املــرأة والفتــاة ،وألنــه يرتبــط مبنظومــة مــن التقاليــد والعــادات التــي حتقــر مــن كرامــة املــرأة وإنســانيتها ،ويف الوقــت نفســه تعيــد إنتــاج النمــوذج النمطــي لعالقــة الرجــل واملــرأة ،ذلــك الــذي يكــرس ســيادة الرجــل .عندمــا خلــق اهلل اإلنســان قــال ﴿ :نَ ْع َم ـ ُل ا ِإلنْ َســا َن ُ صــو َر ِة ا ِ هلل َخل َ َق ـهَُ .ذ َك ـ ًرا َوأُنْثَــى َخل َ َق ُه ـ ْم ﴾ صو َر ِتــهِ َ .علَــى ُ صو َر ِتنَــا َك َش ـبَهِ نَاَ 27 ...ف َخل َـ َق اهلل ا ِإلنْ َســا َن َعلَــى ُ َعلَــى ُ (تكويــن )٢٧،٢٦ :1وقصــة اخللــق يف ســفر التكويــن توضــح أن املــرأة لهــا مكانــة وكرامــة مســاوية للرجــل ،فقــد ـب ِســا َء ُك ْم َك َمــا أَ َحـ َّ خلقهــا اهلل علــى صورتــه شــأنها شــأن الرجــل .الكتــاب املقــدس يقــول ﴿ :أَيُّ َهــا ال ِّر َجــا ُل ،أَ ِح ُّبــوا ن َ ْال َ ِســي ُح أَيْ ً ِيسـ َة َوأَ ْسـل َ َم نَف َْسـ ُه ألَ ْج ِل َهــا ﴾ ( أفســس .)25 :5 ضــا الْ َكن َ وال يتوقــف دور الكنيســة علــى إدانــة عمليــة ختــان اإلنــاث واعتبارهــا خطــأ وخطيئــة ،بــل هــي تعمــل جاهــدة علــى نشــر التوعيــة بخطــورة هــذه العــادة.
الخالصـة تكــرم املســيحية واإلســام النســاء والفتيــات .وتتفــق كل مــن الديانتــن علــى أن اهلل قــد خلــق اإلنســان يف أحســن صــورة وأن حرمــة جســم اإلنســان يجــب دائمــا أن تكــون محميــة مــن األذى. لهــذه األســباب ،يوجــد إجمــاع دينــي علــى أن اخلتــان هــو ممارســة اجتماعيــة وثقافيــة ضــارة ،وليــس لهــا عالقــة أو مبــرر يف الديــن ،ســواء املســيحية أو اإلســام .وبالتالــي ،فــإن التخلــي عــن هــذه املمارســة الضــارة هــو واجــب دينــي وأخالقــي.
20
رابعا :التمييز بين األطفـال ً مقدمـة حقــوق اإلنســان عامليــة .تنــص املــادة 2مــن "اإلعــان العاملــي حلقــوق اإلنســان" علــى « :لــكل إنســان حــق التمتــع بجميــع احلقــوق واحلريــات املذكــورة يف هــذا اإلعــان ،دومنــا متييــز مــن أي نــوع ،كالتمييــز بســبب العنصــر أو اللــون أو اجلنــس أو اللغــة أو الديــن أو الــرأي السياســي أو غيــره ،األصــل القومــي أو االجتماعــي ،أو الثــروة ،أو املولــد ،أو أي وضــع آخــر» التمييــز ضــد الفئــات املســتضعفة ،الســيما األطفــال ،علــى أســاس العــرق أو اجلنــس أو اللــون أو الديــن أو اإلعاقــة أو الثــروة أو ألي ســبب آخــر هــو ظاهــرة خطيــرة للغايــة .مثــل هــذا التمييــز يعــوق اجلهــود املبذولــة إلنهــاء املعانــاة املســتمرة ،واحلرمــان والعنــف الــذي يواجهــه العديــد مــن النســاء واألطفــال.
موقـف اإلسـالم من التمييز بين األطفـال اإلســام يرســي مبــادئ العــدل واملســاواة كأحــد األســس الهامــة للحيــاة اإلنســانية .وتعاليــم اإلســام تســوي بــن النــاس جميع ـاً يف الواجبــات واحلقــوق ،وال مجــال للتمييــز بينهــم بســبب اختــاف اجلنــس أو النــوع أو اللــون أو اإلعاقــة .تعاليــم اإلســام تكفــل املســاواة بــن النــاس جميعــا وتعتبرهــم سواســية كأســنان املشــط .وهــم ال يتفاوتــون إال بالســلوك القــومي ومــا يقدمــه كل منهــم لنفســه ومجتمعــه ووطنــه مــن املنافــع االيجابيــة املعبــر عنهــا ـاس ِإ َّنــا َخل َ ْقنَا ُكـ ْم مِ ـ ْن َذ َكـ ٍـر َوأُنْثَــى َو َج َعلْنَا ُكـ ْم بالتقــوى .يف ذلــك يقــول اهلل تعالــى يف القــرآن الكــرمي ﴿ :يَــا أَيُّ َهــا ال َّنـ ُ ُش ـ ُعو ًبا َو َق َبا ِئ ـ َل ِلتَ َعا َر ُفــوا إ َِّن أَ ْك َر َم ُك ـ ْم ِعنْ ـ َد َّ ِ الل أَتْ َقا ُك ـ ْم .(((﴾...وقــال الرســول ﴿ :يــا أيهــا النــاس إن ربكــم واحــد ،وإن أباكــم واحــد ،كلكــم آلدم ،وآدم مــن تــراب ،أكرمكــم عنــد اهلل أتقاكــم ،ليــس لعربــي علــى عجمــي ،وال لعجمــي علــى عربــي فضــل إال بالتقــوى﴾(((. يحــرم اإلســام التمييــز بــن األطفــال بســبب اختــاف النــوع .وقــال رســول اهلل ﴿ :اتقــوا اهلل واعدلــوا بــن أوالدكــم ﴾((( .ومــن الصــور البعيــدة عــن روح اإلســام لكنهــا مترســبة يف نفــوس ضعيفــة هــي كراهــة البنات وســوء معاملــة الزوجــة اذا أجنبــت بنتـاً .وذلــك مــع أن اهلل – ســبحانه وتعالــى – هــو الــذي يصــور اخللــق يف األرحــام، ـام َكيْـ َ مــن ذكــورة أو أنوثــة ،ومــن بيــاض أو ســواد ،وهكــذا .قــال ســبحانهُ ﴿ :هـ َو ا َّلــذِ ي يُ َ ـف يَ َشــاءُ ص ِّو ُر ُكـ ْم ِف ْالَ ْر َحـ ِ 1سورة احلجرات – من اآلية .13 2أخرجه أحمد يف مسند ج 5ص – 411ط دار الفكر. 3أخرجه مسلم يف – كتاب الهبات – باب :كراهة تفضيل بعض األوالد يف الهبة 3421-1242/3عن النعمان بن بشير.
21 َل ِإلَـ َه إ َِّل ُهـ َو الْ َع ِزيـ ُز ْ َ اب لَ ُهـ ْم َربُّ ُهـ ْم أَ ِّنــي اسـت ََج َ الكِ يـ ُم﴾((( .اهلل يجــزي كل ذكــر أو أنثــى علــى عملــه ،فيقــولَ ﴿ :ف ْ ـض.(((﴾»... َل أ ُ ِضيـ ُع َع َمـ َل َعامِ ـ ٍـل مِ نْ ُكـ ْم مِ ـ ْن َذ َكـ ٍـر أَ ْو أُنْثَــى بَ ْع ُ ض ُكـ ْم مِ ـ ْن بَ ْعـ ٍ يدعــو اإلســام إلــى االهتمــام برعايــة البنــات ،كافـ ً ا لهــن حقوقهــن يف الرعايــة األســرية والصحيــة واالقتصاديــة، ومــن يغــن حقهــن فهــو آثــم .كمــا قــرر لهــن احلقــوق العادلــة واإلنصــاف التــام ،كمــا نــراه يف هــذا احلديــث .عــن أنــس بــن مالــك – رضــي اهلل عنــه – قــال :قــال رســول اهلل ﴿ :مــن عــال جاريتــن حتــى تبلغــا جــاء يــوم القيامــة أنــا وهــو ﴾((( ،وضــم أصابعــه .ويف روايــة أخــرى ﴿ ،مــن عــال جاريتــن حتــى يــدركا دخلــت أنــا وهــو اجلنــة كهاتــن ﴾((( وضــم إصبعيــه .إن العائــل الصالــح للبنــات ســوف يكــون يف مأمــن مــن عقــاب اهلل إذا اســتقام علــى احلــق وأدى واجبــه جتــاه بناتــه مــن حيــث تربيتهــن واالهتمــام بهــن ورعايتهــن.
موقـف المسيحية من التمييز بين األطفـال املســيحية ترفــض كل أشــكال التمييــز ألن اهلل خلــق البشــر متســاوين وألنــه ال يريــد أن مييــز بــن إنســان وآخــر، ميــانِ ب ْ بســبب اللــون أو العــرق أو اجلنــس 26 ﴿ .ألَ َّن ُك ـ ْم َجمِ ي ًعــا أَبْنَــاءُ ا ِ ـيح يَ ُســو َع 27 .ألَ َّن ُكلَّ ُك ـ ُم ا َّلذِ ي ـ َن هلل بِا ِإل َ ِال َ ِسـ ِ تب ْ اعتَ َمـ ْد ُ ْ ـس َذ َكـ ٌر َوأُنْثَــى ،ألَ َّن ُكـ ْم ْ ـس َعبْـ ٌد َوالَ ُحـ ٌّـر .لَيْـ َ ـس يَ ُهــودِ ٌّي َوالَ يُونَا ِنـ ٌّـي .لَيْـ َ ِسـتُ ُم ْال َ ِســي َح 28 :لَيْـ َ ِال َ ِسـ ِ ـيح َقـ ْد لَب ْ َجمِ ي ًعــا َو ِ ـيح يَ ُســو َع ﴾ (غالطيــة .)28-26 :3 احـ ٌد ِف ْال َ ِسـ ِ املسيحية تؤمن بأن اهلل هو خالق اإلنسان .وحتى عندما ميز بني الذكر واألنثى ،جعل النوعني متشابهني لصورة الس َماءِ َو َعلَى الْبَ َهائ ِِم، اهلل وساواهما ومنحهما كل الهبات والسلطاتَ ﴿.فيَت ََسلَّ ُطو َن َعلَى َس َم ِك الْبَ ْح ِر َو َعلَى َطيْ ِر َّ الد َّبابَ ِ ض ﴾ (تكوين .)26 :1كل من النوعني ،الذكر واألنثى، ات ا َّلتِي تَدِ ُّب َعلَى األَ ْر ِ َو َعلَى ُك ِّل األَ ْر ِ يع َّ ضَ ،و َعلَى َجمِ ِ يحمالن مسؤولية كل األعمال التي أمرهم اهلل بها ﴿ أَثْمِ ُروا َوا ْكثُ ُروا َوا ْم ُ ض ﴾ (تكوين .)28 :1 ألوا األَ ْر َ ثمــة إشــارة إلــى قضيــة هامــة تتعلــق بإســاءة معاملــة األطفــال وهــي التفريــق يف املعاملــة علــى أســاس النــوع. وهــذا يتــم تكريســه عبــر التنشــئة االجتماعيــة ،خاصــة يف املجتمعــات التــي تفضــل إجنــاب الذكــور ألســباب اجتماعيــة وثقافيــة ،األمــر الــذي يــؤدي إلــى اإلهمــال املســتمر للفتيــات ،ســواء كان خفي ـاً أم ظاهــراً .وهــذا لــه أثــره علــى إدراك الفتيــات حلقوقهــن اإلنســانية ،حيــث كثيــراً مــا تُعامــل البنــات معاملــة األدنــى وجتــري تنشــئتهن اجتماعيــاً بحيــث يتــم وضعهــن يف مكانــة أقــل .ويــؤدي التمييــز واإلهمــال يف مرحلــة الطفولــة إلــى تنامــي احلرمــان واالســتبعاد مــن احليــاة االجتماعيــة يف املســتقبل. 1 2 3 4
سورة آل عمران – اآلية .6 سورة آل عمران – من اآلية .195 املقصود باجلاريتني (البنتان). رواه مسلم يف صحيحه – كتاب البر – باب :فضل اإلحسان الى البنات ،2028-2027/4 ،ح .4631
22 لقــد ســاوى اهلل بــن البشــر ،ولــم يشــأ أن مييــز بــن إنســان وآخــر ال حســب اللــون أو اجلنــس أو النــوع .ومــع ذلــك ،ســعى البشــر طــوال تاريــخ البشــرية إلــى التمييــز بــن بعضهــم وفق ـاً ملبــررات اجتماعيــة وثقافيــة .ولكــي يتــم محــو صــور التمييــز هــذه ،البــد أن يؤمــن البشــر جميعـاً يف كل أرجــاء املســكونة بــأن وجــود التنــوع هــو مــن أجــل التكامــل والتعــاون والتســاند بــل حتــى للوحــدة .وهــذا لــن يتأتــى إال باحتــرام تعاليــم األديــان وباحتــرام كافــة املواثيــق الدوليــة حلقــوق اإلنســان عامــة وحلقــوق الفئــات املســتضعفة خاصــة ،والتــي ُيــارس ضدهــا صــور مــن التمييــز علــى أســاس النــوع أو الطبقــة أو اللــون أو الديــن. دور الكنيســة هــو مكافحــة جميــع أشــكال التمييــز بــن األطفــال .ولهــذا ،فالكنيســة حتــرص علــى تشــجيع اآلبــاء علــى االهتمــام بالطريقــة التــي ير ّبــون بهــا أطفالهــم مــن الذكــور واإلنــاث دون أدنــى تفرقــة .وتقــدم الكنيســة أنشــطة متنوعــة لتعليــم الســيدات واملتزوجــن حديث ـاً وأوليــاء األمــور واألســر ،وذلــك لرفــع وعيهــم باملســؤولية الوالديــة وضــرورة عــدم التفرقــة بــن األطفــال حتــى ينمــو اجليــل اجلديــد وهــو يحتــرم االختــاف ويحتــرم اآلخريــن.
الخالصـة يؤمــن اإلســام واملســيحية بــأن اهلل خلــق الذكــور واإلنــاث متســاوين .كل مــن الديانيــن ترفــض أي شــكل مــن أشــكال التمييــز علــى أســاس اجلنــس أو النــوع أو اللــون أو الديــن أو اإلعاقــة أو الثــروة أو أي ســبب آخــر. املمارســات التــي متيــز ضــد النســاء والفتيــات تســتند علــى العــرف وليــس علــى الديــن ،وأنــه مــن املهــم توعيــة النــاس بــاألذى الناجــم عــن هــذا التمييــز.
23
خامسا :عمـل األطفـال ً مقدمـة ميكــن تعريــف عمــل األطفــال بأنــه أي عمــل يحــرم األطفــال مــن حقوقهــم األساســية أو طفولتهــم ،أو ينــال مــن كرامتهــم أو يلحــق بهــم الضــرر اجلســدي أو النفســي .وتشــمل األمثلــة علــى ذلــك األعمــال التــي تســبب الضــرر البدنــي أو النفســي أو االجتماعــي ،أو التــي حتــرم األطفــال مــن احلــق يف اللعــب والتمتــع بوقتهــم وطفولتهــم ،واألعمــال التــي تعــوق تعليمهــم ،والتــي حترمهــم مــن فرصــة االلتحــاق باملدرســة أو جتبرهــم علــى تــرك التعليــم مبكــراً ،واألعمــال التــي جتبرهــم علــى العمــل الشــاق لســاعات طويلــة ،وأبرزهــا عمــل األطفــال يف املنــازل أو اســتخدامهم يف التســول واســتجداء التبرعــات أو اســتغاللهم يف النزاعــات املســلحة.
موقـف اإلسـالم من عمـل األطفـال عمــل األطفــال أمــر مقبــول يف اإلســام ليشــغلوا أنفســهم طواعي ـ ًة بالعمــل الــذي يناســب أعمارهــم وقدراتهــم الشــخصية طاملــا هــذا ال يتعــارض مــع حقوقهــم يف التعليــم واللعــب أو التمتــع بطفولتهــم .بــل قــد يكــون هــذا يف الواقــع ضروري ـاً لتنميــة مهاراتهــم وتوســيع مداركهــم واإلســهام يف تكوينهــم البدنــي واإلدراكــي والعاطفــي. تكليــف األطفــال ببعــض األعمــال اليســيرة التــي تكســبهم املهــارات احلياتيــة أمـ ٌر نافــع طاملــا ال يشــق عليهــم أو يحرمهــم مــن حقوقهــم .اخلليفــة الثالــث عثمــان بــن عفــان (رضــي اهلل عنــه) قــال ﴿ :ال تكلفــوا الصغيــر الكســب، فإنــه إذا لــم يجــد ســرق ،وع ّفــوا إذ أعفكــم اهلل ،وعليكــم مــن املطاعــم مبــا طــاب منهــا﴾((( .ومشــاركة الطفــل يف هــذه األعمــال ترتقــي بقدراتــه وتنمــي مهاراتــه وتزيــد مــن خبراتــه وتســهم يف منــوه العقلــي والنفســي والبدنــي واالجتماعــي .كمــا يرســخ فيهــم القيــم البنــاءة كالثقــة بالنفــس واالعتــزاز بهــا ،احتــرام اآلخريــن واملســؤولية االجتماعيــة والتعــاون والتضامــن والتســامح. اإلســـام حـ ّرم اســتغالل األطفــال يف األعمــال الشــاقة أو اخلطيــرة أو التــي تنــال مــن حقوقهــم املشــروعة .قــال اهلل تعالــىَ ﴿ :ل يُ َك ُلِّــف اهلل نَف ًْســا إ َِّل ُو ْسـَـع َها ﴾((( و﴿َ ...و َمــا َج َع ـ َل َعلَيْ ُك ـ ْم ِف الدِّيــنِ مِ ـ ْن َح ـ َر ٍج .(((﴾...وقــال رســول اهلل ﴿ :ليــس منــا مــن لــم يرحــم صغيرنــا ﴾(((. 1 2 3 4
أخرجه مالك يف املوطأ – كتاب االستئذان – باب :األمر بالرفق باململوك 981/2ح 42ط عيسى احللبي. سورة البقرة – من اآلية .286 سورة احلج – من اآلية .78 رواه الترمذي – كتاب البر – باب :ما جاء يف رحمة الصبيان.1920 – 322/4 ،
24 يتعــارض اســتغالل األطفــال يف العمــل مــع االلتزامــات األساســية لتوفيــر احلمايــة لهــم وإعدادهــم للمســتقبل. وهــو يخالــف حقوقهــم التــي تضمــن التنشــئة الســليمة ليصبحــوا أعضــاء صاحلــن يف مجتمــع قــوي وناجــح يتمتــع فيــه اجلميــع بالســامة واألمــن والســعادة واالســتقرار .وهــو ال يتفــق أيضـاً مــع حقهــم يف اإلنفــاق عليهــم مــن قبــل والديهــم حتــى يكونــوا قادريــن علــى االعتمــاد علــى أنفســهم .كمــا أنــه يتعــارض مــع حقهــم يف العيــش بكرامــة ويف ظــروف مالئمــة تتفــق مــع احتياجاتهــم لتنميــة وتطويــر إدراكهــم العقلــي ،للظــروف التــي توفــر لهــم فرصــا كافيــة للتعلــم والنضــج .إضافــة إلــى هــذا ،فــإن تكليفهــم بالعمــل يلحــق الضــرر بهــم ،وإحلــاق الضــرر ممنــوع امتثــاالً لقــول الرســول ﴿ :ال ضــرر وال ضــرار ﴾((( .وعمــل األطفــال الشــاق هــو نــوع مــن الظلــم االجتماعــي يح ّرمــه َ ﴿...ل ت َْظ ِل ُمــو َن َو َل ت ُْظل َ ُمــو َن ﴾(((. اإلســام باعتبــاره مــن أســوأ األفعال.قــال اهلل تعالــى: إن اآلثــار اخلطيــرة الناجمــة عــن عمــل األطفــال الشــاق تدفعنــا للدعــوة إلــى تصــدي الدولــة واملجتمــع لهــذه الظاهــرة والقضــاء علــى أســبابها .مــن واجــب الدولــة مســاعدة األســر األكثــر فقــراً حلمايــة أطفالهــم مــن الدفــع راع وكلكــم مســئول عــن رعيتــه. بهــم إلــى العمــل وحرمانهــم مــن التعليــم .ويف ذلــك قــال الرســول ﴿ :كلكــم ٍ راع يف بيتــه ومســئول عــن رعيتــه واملــرأة يف بيتهــا راعيــة ومســئولة عــن رعيتهــا ﴾((( . الرجــل ٍ
موقـف المسيحية من عمـل األطفـال ممارســة تشــغيل األطفــال ،ســواء كان بأجــر أو بــدون أجــر ،هــو ظاهــرة اجتماعيــة مرتبطــة بطبيعــة األنشــطة االقتصاديــة للعديــد مــن املجتمعــات ،والســيما املجتمعــات الزراعيــة التــي يتقاســم فيهــا اآلبــاء واألبنــاء العمــل الزراعــي .وعلــى مــر التاريــخ ،دأبــت هــذه املجتمعــات علــى إشــراك األطفــال يف األعمــال التــي تتناســب مــع أعمارهــم ،دون قســر أو ضغــط ودون أن يؤثــر ذلــك علــى منوهــم العقلــي أو البدنــي أو النفســي ،وإمنــا مــن أجــل أن يتعلمــوا مبــادئ التعــاون وحتمــل املســؤولية ،وتقاســم العمــل والقيــم اإليجابيــة األخــرى .وقــد أعطــى لنــا الكتــاب املقــدس منــاذج ألطفــال قامــوا بــأداء هــذه األدوار كجــزء مــن طبيعــة احليــاة عاشــوها يف مجتمعاتهــم. ِــي ص ُموئِيــ ُل يَخْ ــدِ ُم أَ َمــا َم الــ َّر ِّب َو ُهــ َو َ صموئيــل النبــي كان يخــدم يف الهيــكل وهــو طفــل صغيــرَ ﴿ :و َكا َن َ صب ٌّ ُمتَ َمن ِْطـ ٌق ِب َأ ُفـ ٍ ص ُموئِيـ ُل َفتَزَايَـ َد ـود مِ ـ ْن َك َّتـ ٍ ـي َ ـان ﴾ (صموئيــل األول ، )18 :2ومــع ذلــك كان صموئيــل ﴿ َوأَ َّمــا َّ الص ِبـ ُّ ص َ ُُ ـاس أَيْ ً ضــا ﴾ (صموئيــل األول )26 :2 ال ًحــا لَ ـ َدى ال ـ َّر ِّب َوال َّنـ ِ ن ـ ًّوا َو َ وكان أيضـاً داود النبــي يف صبــاه راعيـاً لألغنــام ثــم أصبــح ملــكاً وقائــداً للجيــش وقــال عنــه اهلل ﴿ فتشــت قلــب داود عبــدي فوجدتــه حســب قلبــي ﴾ ،فقــد كان الطفــل يســوع يســاعد أبويــه يف العمــل ولكــن ذلــك لــم يكــن علــى 1رواه أحمد 313/1رقم ،2867وابن ماجه يف سننه 784/2ح ،2340قال البوصيري( :هذا اسناد رجاله ثقات إال أنه منقطع). 2سورة البقرة – من اآلية .279 3أخرجه البخاري يف صحيحه ،كتاب اجلمعة ،باب :اجلمعة يف القرى واملدن 249 ،248/1ح .893
25 حســاب منــوه النفســي واجلســدي والعقلــي ،فقــد ذكــر الكتــاب املقــدس كيــف متــت تربيتــه تربيــة متوازنــة ﴿ َوأَ َّمــا ال ْك َمــةِ َوالْ َقا َمــةِ َوال ِّن ْع َمــةِ ِ ،عنْـ َد ا ِ يَ ُســو ُع َفـ َكا َن يَتَ َقـ َّـد ُم ِف ْ ِ ـاس ﴾ ( لوقــا .)52 :2 هلل َوال َّنـ ِ مــع أن الكنيســة تقــر بأهميــة العمــل ،إال أنهــا ترفــض تعــرض األطفــال ألي صــورة مــن صــور احلرمــان أو العنــف أو االســتغالل وأي عمــل يؤثــر علــى منوهــم الروحــي والنفســي واجلســدي .ولذلــك ،فللكنيســة دور تلعبــه .عندمــا كان طفـ ً ا ،عمــل الســيد املســيح مــع يوســف النجــار وكان داود يف صغــره راعيـاً لألغنــام .وعمــل بولــس الرســول كصانــع للخيــام ،وعمــل بطــرس وأنــداروس ويعقــوب ويوحنــا يف صيــد األســماك .كل هــؤالء عملــوا يف أعمــال لــم تتعــارض مــع منوهــم الروحــي أو النفســي أو اجلســدي .فقــد كان هــذا العمــل جــزءاً مــن طبيعــة احليــاة االقتصاديــة واالجتماعيــة يف مجتمعاتهــم. وللكنيســة دور هــام جتــاه الفئــات التــي تطلــق عليهــا الفئــات األ ْولــى بالرعايــة أو األكثــر اســتحقاقاً ،عمـ ً ا بقــول الســيد املســيح ﴿ ال يحتــاج األصحــاء إلــى طبيــب بــل املرضــى ﴾ (متــى .)12 : 9وملــا كان األطفــال العاملــون يواجهــون العديــد مــن صــور املعانــاة واملشــقة لكونهــم أطفــاالً يقــع علــى كاهلهــم مــا ال طاقــة لهــم بــه ولكونهــم فقــراء ،فــإن الكنيســة توليهــم رعايــة خاصــة .وتقــوم الكنيســة أيض ـاً بدعــم الوالديــن مــن خــال تقــدمي الدعــم املــادي لهــم ملســاعدتهم يف رعايــة األطفــال وجتنبهــم الدفــع بهــم إلــى العمــل ،ومتــد لهــم الدعــم املعنــوي مــن خــال زيــادة التوعيــة الوالديــة بأهميــة تعليــم أوالدهــم واحملافظــة علــى حياتهــم وعــدم الــزج بهــم يف أعمــال تعــرض حياتهــم للخطــر.
الخالصـة اإلســام واملســيحية كالهمــا يدينــان أي عمــل لألطفــال مــن شــأنه أن يســتغلهم جســديا ومعنويــا ويحرمهــم مــن حقوقهــم األساســية ،الســيما مــن الطفولــة والتعليــم .وتقــر الديانتــان بقيمــة إشــراك األطفــال يف األعمــال البســيطة التــي تســاعد أســرهم ومجتمعاتهــم وتســمح لهــم بتنميــة املهــارات احلياتيــة اإليجابيــة .ويف الوقــت نفســه ،يتفهــم اإلســام واملســيحية األســباب االقتصاديــة التــي تدفــع باألســر إلــى الــزج بأبنائهــم للعمــل ،ويحثــان علــى تقــدمي الدعــم لهــذه األســر والدعــوة إلــى إلغــاء عمــل األطفــال.
26
سادسا :اإلساءة الجنسية لألطفـال ً مقدمـة اإلســاءة اجلنســية هــي أي ســلوك جنســي غيــر الئــق مــع طفــل مــن نفــس النــوع أو النــوع اآلخــر ،مثــل ملــس األعضــاء اجلنســية للطفــل أو إجبــاره علــى مالمســة األعضــاء اجلنســية للكبــار .ويشــمل الســلوك غيــر الالئــق املضاجعــة اجلنســية ،ســفاح القربــى ،االغتصــاب أو االســتغالل اجلنســي .كمــا تشــمل اإلســاءة اجلنســية أيضـاً اســتخدام القــوة أو الرشــوة أو التهديــد أو اخلديعــة أو الضغــط علــى الطفــل إلجبــاره علــى االشــتراك يف نشــاط جنســي .وهــذا يحــدث عندمــا يقــوم أحــد الكبــار أو أحــد األطفــال باســتخدام طفــل آخــر للحصــول علــى متعــة جنســية .وتترتــب علــى هــذه اجلرميــة أضــرار بالغــة اخلطــورة علــى األطفــال واملجتمــع ،بــدءاً بضــرر اآلالم النفســية الشــديدة لألطفــال الضحيــة التــي ميكــن أن تؤرقهــم طــوال حياتهــم.
موقـف اإلسـالم من اإلسـاءة الجنسية لألطفال حــذر اإلســام األمهــات واآلبــاء مــن االنشــغال عــن أطفالهــم ،ممــا قــد يــؤدي إلــى تعرضهــم لإلســاءة اجلنســية. ـاس َو ْ ِ ال َجــا َرةُ ﴾((( .وقــال رســول قــال اهلل تعالــى ﴿ :يَــا أَيُّ َهــا ا َّلذِ يـ َن آَ َمنُــوا ُقــوا أَنْف َُسـ ُك ْم َوأَ ْهلِي ُكـ ْم نَــا ًرا َو ُقو ُد َهــا ال َّنـ ُ اهلل ﴿ :كفــى باملــرء إثمـاً أن يضيــع مــن يقــوت ﴾((( .وقــال أيضـاً ﴿ :أكرمــوا أبناءكــم وأحســنوا أدبهــم ﴾(((. هنــاك ضــرورة لالهتمــام بزيــادة التوعيــة اجلنســية لألطفــال املناســبة لســنهم ومبــا يتماشــى مــع تعاليــم اإلســام ومبادئــه .ينبغــي علــى األســر واملعلمــن والدعــاة واملوجهــن جميع ـاً أن ينشــروا هــذه الثقافــة واملعلومــات مبــا فيهــا احتــرام اآلخريــن .يجــب أن يقومــوا بتثقيــف الشــباب واملراهقــن حلمايتهــم مــن تعلــم هــذه املعلومــات مــن اآلخريــن ،فيضلــون .ينبغــي أن يكــون األســلوب املســتخدم غيــر مثيــر وغيــر مهيــج ،مــع مراعــاة ســن املتلقــي .فمــا يُقــال للطفــل يختلــف عمــا يُقــال للشــخص املراهــق أو الشــاب. يف غيــاب الرعايــة األســرية ،قــد يتــردى الشــباب واملراهقــون – ســواء بقصــد أو بــدون قصــد – يف مبــاءة الصــور واألفــام اجلنســية ،واملجــات واملواقــع التــي تنشــر صــوراً فاضحــة .وقــد يــؤدي هــذا إلــى اإلســاءة اجلنســية لألطفــال .لــذا ،حــث اإلســام الشــباب واملراهقــن علــى مــلء أوقــات فراغهــم بأنشــطة مفيــدة حتميهــم مــن
1سورة التحرمي – من اآلية .6 2سنن أبي داود ،يف كتاب الزكاة – باب :صلة الرحم ،ج 2ص 132رقم .1692 3ابن ماجه يف سننه – كتاب األدب – باب :بر الوالد واإلحسان الى البنات 2211/2ح 3671عن أنس رضي اهلل عنه.
27 الســلوكيات الضــارة .قــال رســول اهلل ﴿ :نعمتــان مغبــون فيهمــا كثيــر مــن النــاس ،الصحــة والفــراغ ﴾(((. وقــال أيضـاً ﴿ :ال تــزول قدمــا عبــد يــوم القيامــة حتــى يُســأل عــن أربــع :عــن عمــره فيــم أفنــاه وعــن شــبابه فيــم أبــاه وعــن مالــه مــن أيــن اكتســبه وفيــم أنفقــه وعــن علمــه مــاذا عمــل بــه ﴾(((.
مــن العوامــل الرئيســية لوقــوع جرميــة اإلســاءة اجلنســية لألطفــال عــدم وجــود أنشــطة متــأ وقــت فراغهــم مبــا يفيدهــم ،ويجعلهــم فريســة لتأثيــرات ســيئة أو يف بعــض األحيــان فريســة ألقرانهــم الذيــن يحاولــون تزيــن االعتــداء اجلنســي لهــم .وقــد عالــج اإلســام مشــكلة وقــت الفــراغ بــأن نصــح الوالديــن مبالعبــة أبنائهــم وشــغل وقتهــم بأنشــطة تفيدهــم. حـرم وجـ ّرم اإلسـاءة اجلنسـية لألطفـال ملـا يترتـب عليهـا مـن مخاطـر جسـيمة ،كمـا يف اآليـة القرآنيـة اإلسلام ّ ((( اح َشـ ًة َو َسـا َء َسـب ً الكرميـة َ ﴿ :و َل تَ ْق َربُـوا ال ِّزنَـا ِإ َّن ُـه َكا َن َف ِ ِيل ﴾ .ويف وصفـه لعبـاد الرحمـن يقـول تعالـى : ِال ِّـق َو َل يَ ْزنُو َن َو َم ْن يَ ْف َع ْل َذل َ الل ِإلَ ًهـا آَ َخ َـر َو َل يَ ْقتُلُـو َن ال َّن َفْـس ا َّلتِـي َحـ َّر َم اهلل إ َِّل ب ْ َ ﴿ َوا َّلذِ َيـن َل يَ ْد ُعـو َن َمـ َع َّ ِ ِك يَل ْ َق اع ْ أَثَا ًمـا ( )68يُ َ اب يَـ ْو َم الْقِ يَا َمـةِ َويَخْ لُـ ْد فِ يـهِ ُم َها ًنـا ( .(((﴾ )69وقـد وضـع اإلسلام عقوبـات جزائيـة ض َ ـف لَـ ُه الْ َعـ َذ ُ لهـذه اجلرميـة اخلطيـرة ملـا يترتـب عليهـا مـن آثـار مدمـرة للطفـل املجنـي عليـه ،والتي هي مبثابـة جرمية قتل.
موقـف المسيحية من اإلسـاءة الجنسية لألطفال ترفــض املســيحية وتديــن بشــدة اإلســاءة اجلنســية لألطفــال ألنهــا تنتهــك قدســية جســد اإلنســان وحيــاة ن الَ األســرة ،ولكونهــا فعــا لــه أثــار ســلبية خطيــرة ومدمــرة علــى األطفــال ﴿ .أَ ْم لَ ْس ـتُ ْم تَ ْعل َ ُمــو َن أَ َّن َّ الظ ِ ِ ال ـ َ ـان َوالَ َف ِ اس ـقُو َن َوالَ َم ْأبُونُــو َن َوالَ ُم َ ـور ..... ـوت اهللِ؟ الَ ت َِضلُّــوا :الَ ُزنَــاةٌ َوالَ َع َب ـ َدةُ أَ ْوثَـ ٍ ض ِ اج ُعــو ُذ ُكـ ٍ يَ ِرثُــو َن َمل َ ُكـ َ ـوت ا ِ هلل ﴾ (رســالة كورونثــوس األولــى .) 10-9 : 6 يَ ِرثُــو َن َمل َ ُكـ َ أعطــى اهلل الطاقــة اجلنســية للبشــر حتــى تثــري حياتهــم .لقــد خلــق اهلل اجلنــس يف اإلنســان ليدخــل مــن خاللــه احلــب إلــى الطبيعــة اإلنســانية ويخــرج اإلنســان مــن عزلتــه الداخليــة فاحتـاً آفــاق التحــرر مــن الذاتيــة واالنفتــاح علــى اآلخريــن .وتكويــن أســرة هــو جتســيد ملعانــي احلــب واالحتــاد واملشــاركة والبــذل والعطــاء. لهــذا ،قدســت الكنيســة اجلنــس ووضعــت تقنين ـاً ملمارســته مــن خــال ســر الزيجــة الــذي تباركــه الكنيســة السـ ُّر َع ِظيـ ٌم ﴾ (أفســس ِ ﴿ ،) 32 : 5ليَ ُكــنِ الـ ِّز َوا ُج ُم َك َّر ًمــا ِعنْـ َد ُك ِّل َو ِ نـ ٍـس. احـ ٍـدَ ،و ْال َ ْ ض َجـ ُع َغيْـ َر َ ِ ﴿ هـ َذا ِّ َوأَ َّمــا الْ َع ِ اهـ ُرو َن َوال ُّزنَــاةُ َف َسـ َيدِ ينُ ُه ُم اهللُ ﴾ ) رســالة العبرانيــن .)4 :13 1 2 3 4
أخرجه البخاري يف صحيحه – كتاب الرقاق – باب :ما جاء يف الصحة والفراغ وال عيش إال عيش اآلخرة 177/4 ،ح .6412 أخرجه أبو يعلي يف مسنده 351/13ح 4734عن أبي بررذة وقال محققه اسناده حسن. سورة اإلسراء – اآلية .32 سورة الفرقان – اآليتان .69-68
28 وألن الـزواج املقـدس يسـاعد علـى حيـاة الطهـارة ،فـإن أي انتهـاك لهـذا اإلطار املقدس للجنس ترفضه الكنيسـة ويدخـل يف إطـار «الزنـا» الـذي نهـى اهلل عنـه يف العهـد القـدمي يف الوصيـة ﴿ الَ تَـزْنِ ﴾ (خـروج )14 :20 و(التثنية .)18 :5ويف العهد اجلديد ،اتسع مفهوم الزنا ليشمل مجرد الشهوة أو التفكير يف الزنا .يقول السيد املسـيح يف املوعظة على اجلبلَ ﴿ :ق ْد َسِـم ْعتُ ْم أَ َّن ُه قِ ي َل ِلل ْ ُق َد َماءِ :الَ تَزْنِ َ 28 .وأَ َّما أَنَا َف َأ ُقو ُل لَ ُك ْم :إ َِّن ُك َّل َم ْن يَن ُْظ ُر ِإلَى ا ْم َرأَةٍ ِليَ ْشتَهِ يَ َهاَ ،ف َق ْد َزنَى ِب َها ِف َقل ْ ِبهِ ﴾ (متى )28-27 : 5 وتزيــد بشــاعة خطيئــة الزنــا إذا حدثــت مــع احملرمــات أو كانــت بخــاف الطبيعــة ،حســبما شــرح بولــس الرســول يف رســالته إلــى روميــة. اإلســاءة اجلنســية لألطفــال تتعــدى كســر الوصيــة وارتــكاب اخلطيــة التــي نهــى عنهــا الكتــاب املقــدس بعهديــه القــدمي واجلديــد .مثــل هــذه األفعــال تدمــر النفــس والــروح واجلســد بصــور شــتى ،ولهــذا الســبب ال يتوقــف دور الكنيســة علــى رفــض هــذه املمارســات واإلبــاغ عنهــا للجهــات املعنيــة .الكنيســة تعمــل دائم ـاً علــى زيــادة وعــي النــاس مــن خــال العديــد مــن اآلليــات التــي تســاعد علــى احلــد مــن انتشــار هــذه املمارســات وحمايــة األطفــال منهــا.
الخالصـة يعتبــر اإلســام واملســيحية اإلســاءة اجلنســية علــى األطفــال واحــداً مــن أخطــر االنتهــاكات حلقــوق الطفــل بســبب اآلثــار الفوريــة والدائمــة مــدى احليــاة ،املاديــة والنفســية ،التــي تلحــق باألطفــال األبريــاء .ينبغــي علــى اآلبــاء واألســر توفيــر البيئــة احلاميــة ألطفالهــم وزيــادة توعيتهــم بهــذه املمارســات.
29
سابعا :غياب الرعاية األسرية وأطفال الشوارع ً مقدمـة يعــرف ’أطفــال الشــوارع’ بأنهــم األطفــال الذيــن يعيشــون يف الشــارع بصفــة دائمــة أو شــبه دائمــة يف ظــل تواصــل أســري منتظــم ومنقطــع أو منعــدم؛ ويعرفــون أيضــاً بأنهــم األطفــال الذيــن يعملــون يف الشــارع طــوال اليــوم ويعــودون ألســرهم يف البيــت للنــوم. تُعــد ظاهــرة ’أطفــال الشــوارع’ واحــدة مــن املشــكالت االجتماعيــة الكبــرى التــي تظهــر يف املجتمعــات الناميــة عامـ ًة بســبب تدنــي أوضــاع بعــض اجلماعــات والفئــات االجتماعيــة وإفقارهــا ومــن ثــم أدت إلــى حتــوالت بنائيــة واقتصاديــة وأزمــات سياســية واجتماعيــة. وتؤكــد الدراســات أن األطفــال الذيــن يعيشــون يف الشــوارع يتعرضــون ملشــاكل ومخاطــر تتمثــل يف االعتــداء اجلنســي والتحــرش ،اإلهانــة املســتمرة ،املشــاجرات اليوميــة ،مواجهــة الشــرطة والتعــرض للقبــض بتهمــة التشــرد والتعــرض إلســاءة املعاملــة يف أقســام الشــرطة ،وخطــر التعــرض إلدمــان املخــدرات ،فضــا عــن ســوء التغذيــة واألميــة.
موقـف اإلسـالم من غياب الرعاية األسرية وأطفال الشوارع حــق الطفــل يف الرعايــة الوالديــة – ســواء كانــت أصيلــة أم بديلــة – يدخــل ضمــن مجموعــة احلقــوق ذات األهميــة املتميــزة يف التشــريع اإلســامي ألنهــا تكفــل لــه احليــاة اآلمنــة بدنيـاً ونفســياً .ال شــك أن وجــود الوالديــن يف حيــاة الطفــل ميثــل أهميــة خاصــة لضمــان منــوه علــى النحــو الســليم ،الســيما إذا كان الوالــدان علــى قــدر مــن الوعــي واملســؤولية ميكنهمــا مــن أداء دورهمــا يف تنشــئة الطفــل وتربيــة الطفــل بطريقــة صحيحــة وصحيــة. أســباب غيــاب الرعايــة األســرية لألطفــال عديــدة وغالبـاً مــا إلــى نزولهــم إلــى الشــوارع .مــن ضمــن هذه األســباب النزاعــات الزوجيــة والعائليــة ،وتفــكك وحــدة األســرة وزيــادة معــدالت الطــاق .وهنــاك ســبب آخــر لغيــاب الرعايــة األســرية هــو عــدم معرفــة نســب الطفــل ،فيُســمى الطفــل املهجــور أو املتخلــى عنــه ’لقيــط’ .أمــا اذا كان والــدا الطفــل أو أحدهمــا مفقــوداً (متــويف) ،فيُســمى يتيم ـاً .وقــد قــرر اإلســام لهذيــن النوعــن احلــق يف الرعايــة الوالديــة البديلــة.
30 يشــمل منهــج التشــريع اإلســامي حلمايــة األطفــال فاقــدي الرعايــة الوالديــة املســتوى األســري ومؤسســات الرعايــة االجتماعيــة .علــى املســتوى األســري ،س ـنّت الشــريعة جملــة مــن الوســائل لتحقيــق تلــك الرعايــة تشــمل اإلقــرار بنســب الطفــل مجهــول النســب ،والرضــاع ،وكفالــة اليتيــم .وحيثمــا تكــون الرعايــة البديلــة لألطفــال فاقــدي الرعايــة األســرية ســيتم تنفيذهــا داخــل مؤسســات الرعايــة االجتماعيــة ،فــإن الدولــة هــي التــي تضطلــع بهــا متوي ـ ً ا وتنفيــذاً ورقابــة ومحاســبة .هــذه العايــة تقــوم بتنفيذهــا مؤسســات عامــة قــادرة علــى اســتيعاب األطفــال فاقــدي الرعايــة الوالديــة يف أبنيــة تشــبه الوحــدات التــي تعيــش فيهــا األســرة العاديــة. األطفــال الذيــن يعيشــون يف الشــوارع واألطفــال فاقــدو الرعايــة الوالديــة لهــم حــق علــى املجتمــع والدولــة يوجــب منحهــم مشــروعات وخدمــات تكفــل لهــم حيــاة آمنــة وكرميــة .قــال اهلل تعالــىَ ...﴿ :وتَ َعا َونُــوا َعلَــى الْ ِبـ ِّر َوال َّت ْقـ َوى ِصـ َـا ٌح لَ ُه ـ ْم َخيْـ ٌر َو ِإ ْن ت َُخال ُ ِطو ُه ـ ْم َو َل تَ َعا َونُــوا َعلَــى ْ ِ الثْـ ِـم َوالْ ُع ـ ْد َوانِ (((﴾...و ﴿َ ...ويَ ْس ـ َألُونَ َك َعــنِ الْيَتَا َمــى ُق ـ ْل إ ْ َف ِإخْ وانُ ُكـم َواهلل يَعل َـم ْالُف ِْسـ َد مِ ـ َن ْالُص ِلــح َولَـو َشــاء اهلل َلَ ْعنَتَ ُكـم إ َِّن َّ َ الل َع ِزيـ ٌز َحكِ يــم﴾(((. ْ ُ َ ْ ْ ِ ْ َ ْ إن خطــورة اآلثــار املترتبــة علــى ظاهــرة األطفــال فاقــدي الرعايــة األســرية تدفعنــا إلــى بــذل كل اجلهــود املمكنــة يف التصــدي لهــذه الظاهــرة والقضــاء عليهــا مــن جذورهــا .وميكــن حتقيــق ذلــك بااللتــزام بالتشــريعات اإلســامية اخلاصــة بتنظيــم العالقــات األســرية ،والعنايــة بتربيــة األطفــال وحمايــة حقوقهــم ورفاههــم .ويكــون أيضــا بترســيخ اإلميــان بأهميــة هــذه القضيــة وبالعمــل اجلــاد املخلــص مــن أجلهــا ،وايجــاد وعــي عــام بخطــورة مــا يترتــب عليهــا مــن أثــار .هــذه هــي مهمــة املجتمــع بأســره :قادتــه وهيئاتــه التشــريعية والتنفيذيــة ومنظماتــه املدنيــة وجمعياتــه اخليريــة مــع علمــاء الدعــوة اإلســامية وعلمــاء الفكــر وعلمــاء التربيــة واإلعــام.
موقـف المسيحية من غياب الرعاية األسرية وأطفال الشوارع تدعــو املســيحية إلــى احلــب والرحمــة جتــاه الفئــات املســتضعفة والفقيــرة ،الســيما األكثــر فقــراً مثــل اليتامــى واملســاكني والغربــاء والضالــن .يقــول اهلل لشــعبه بعــد خروجهــم مــن أرض مصــر ﴿ :وإذا افتقــر أخــوك وقصــرت يــده عنــدك ،فأعضــده غريبـاً أو مســتوطناً فيعيــش معــك ال تأخــذ منــه ربــا وال مرابحــة ،بــل اخــش الهــك ،فيعــش ِــع خُ بْــز َ َكَ ،وأَ ْن تُ ْد ِخــ َل أخــوك معــك ﴾ (الالويــن .)36-35 :25ويقــول أشــعيا النبــي :أَلَيْ َ ــس أَ ْن تَ ْك ِســ َر ِلل ْ َجائ ِ لمِ َ ني التَّائِهِ َــن ِإلَــى بَيْت َ اضــى َعــ ْن َ ْ ــت ُع ْريَا ًنــا أَ ْن تَ ْك ُســوهَُ ،وأَ ْن الَ تَتَ َغ َ ــك( .أشــعياء .)7 :58 ْال َ َســاكِ َ ِــك؟ ِإ َذا َرأَيْ َ ويزخــر الكتــاب املقــدس باآليــات والتعاليــم واألمثــال التــي تدعــو إلــى ذلــك ﴿ ُطوبَــى لِل ُّر َح َمــاءِ ،ألَ َّن ُهـ ْم يُ ْر َح ُمــو َن ﴾ (متــى ُ ﴿ ،)7 :5كونُــوا ُر َح َمــا َء َك َمــا أَ َّن أَبَا ُك ـ ْم أَيْ ً ضــا َر ِحي ـ ٌم ﴾ (لوقــا .)36 :6 1سورة املائدة – من اآلية .2 2سورة البقرة – من اآلية .220
31 الكنيســة لهــا دور هــام تلعبــه جتــاه أطفــال الشــوارع الذيــن بــا مــأوى .فهــي تعمــل جاهــدة إلــى إعــادة هــؤالء األطفــال ودمجهــم يف الكنيســة واملجتمــع .كمــا حتــاول لــم شــملهم علــى أســرهم إن أمكــن ذلــك ،وخلــق فــرص للعمــل والتعليــم لهــم ولذويهــم حتــى يتســنى رعايــة الطفــل ومتكينــه مــن احلصــول علــى حقوقــه الطبيعيــة ،وحتــى ينمــو يف بيئــة صحيــة ويتربــى تربيــة متوازنــة يف كافــة النواحــي املاديــة والتعليميــة والترفيهيــة .وتبــدأ خدمــة هــؤالء األطفــال مــن خــال مــدارس األحــد التــي تســعى إلــى دمــج كل األطفــال ،الســيما األكثــر احتياجـاً ،عمـ ً ا بقــول الســيد املســيح ﴿ :الَ يَ ْحتَــا ُج األَ ِص َّحــاءُ ِإلَــى َطبِيــب بَــلِ ْال َ ْر َ ضــى ﴾ (متــى .)12 :9 ال تتوقــف النظــرة املســيحية عنــد اإلحســان والشــفقة ،لكنهــا متتــد إلــى العمــل ،كمــا يقــول معلمنــا يوحنــا احلبيــب: ـب بِالْ ـ َك َ ال ِم َوالَ بِاللِّ َســانِ ،بَ ـ ْل بِالْ َع َمــلِ َو ْ َ الــقِّ ﴾ (رســالة يوحنــا األولــى .)18 : 3وهنــاك حاجــة ماســة ﴿ الَ نُ ِحـ َّ إلــى زيــادة البرامــج واملســاعدات مــن أجــل هــؤالء األطفــال وأســرهم ،مــع التركيــز علــى املناطــق احلضريــة التــي تتركــز فيهــا هــذه الظاهــرة .وينبغــي أن تشــمل هــذه البرامــج التأهيــل والتدريــب والتعليــم ،مــن أجــل إعــادة دمــج هــؤالء األطفــال يف املجتمــع ومســاعدتهم للحصــول علــى مســتحقاتهم االجتماعيــة.
الخالصـة يتفــق اإلســام واملســيحية متام ـاً علــى أهميــة إظهــار الرحمــة والشــفقة لألطفــال الذيــن يعيشــون بــدون رعايــة والديــة ،مبــا فيهــم أولئــك الذيــن يعيشــون يف الشــارع .وتتفــق الديانتــان علــى أن هــؤالء األطفــال لديهــم احلــق يف الرعايــة البديلــة .وهمــا أيضــا يعتقــدان أن الدولــة يجــب أن تلعــب دورا هامــا يف منــع والتصــدي لظاهــرة األطفــال الذيــن يعيشــون يف الشــوارع مــن خــال ضمــان تلبيــة احتياجاتهــم وحقوقهــم كمــا نصــت عليهــا اتفاقيــة حقــوق الطفــل.
32
ثامـنا :العنـف في األسرة ضد األطفال ً مقدمـة يشــير مفهــوم العنــف يف األســرة ضــد األطفــال إلــى العنــف الــذي يقــع داخــل األســرة أو العائلــة .قــد يتخــذ هــذا شــك ً ال مــن أشــكال اإليــذاء العاطفــي أو اإلهمــال أو اإليــذاء اجلســدي أو اإليــذاء اجلنســي .ويعتبــر أي عنــف ميــارس مــن قبــل شــخص لــه ســلطة أو قــوة غيــر متكافئــة ضــد قاصــر يف األســرة عنفـاً أســرياً .هــذا النــوع مــن العنــف هــو شــكل مــن أشــكال العــدوان الــذي ال متلــك الضحيــة أي وســيلة لصــده أو مقاومتــه ،ولــه تأثيــر مباشــر علــى حيــاة الطفــل وســلوكه بشــكل عــام. وقــد أشــار تقريــر األمــن العــام لــأمم املتحــدة عــن العنــف ضــد األطفــال أن أكثــر ضحايــا العنــف يف األســرة هــم مــن األطفــال ،إمــا نتيجــة لالعتــداء املباشــر أو اإلهمــال .املاليــن مــن األطفــال هــم ضحايــا العنــف بــكل أنواعــه واآلالف مــن األطفــال ميوتــون بــن يــدي والديهــم نتيجــة لهــذا العنــف.
موقـف اإلسـالم من العنف في األسرة ضد األطفال إن الوقايــة الفاعلــة مــن العنــف يف األســرة ضــد األطفــال تكمــن يف الوعــي التربــوي الــذي يرتكــز علــى املنهــج اإلســامي .فقــد أرســى اإلســام األســس واملبــادئ والنصــوص التــي متنــع العنــف يف األســرة بــأي شــكل ،بــل وتوفــر التوجيــه إلــى أي مــن األفــراد الذيــن يرغبــون يف القيــام مبســؤولياتهم جتــاه األطفــال ورفاههــم وال يهملونهــم .اإلســام يحــث األمهــات واآلبــاء علــى رعايــة أطفالهــم وأن يكونــوا قــدوة حســنة لهــم .يقــول رســول اهلل ﴿ :كفــى باملــرء إثم ـاً أن يضيــع مــن يقــوت ﴾(((. ومــن القواعــد العامــة التــي تضمنتهــا الشــريعة اإلســامية أنــه ال يجــوز إحلــاق الضــرر بالنفــس أو بالغيــر. وبالتالــي ،ال يجــوز ألحــد والــدي الطفــل أن يضربــه .الضــرر النفســي كالضــرر اجلســدي ،كالهمــا ممنــوع شــرعاً .فاإلســام يأمــر بالرفــق والرحمــة والعطــف يف معاملــة األطفــال ومراعــاة التطــور الطبيعــي حلياتهــم واحتياجاتهــم املختلفــة .فاحلكمــة والبصيــرة ضروريتــان لبنــاء الثقــة بالنفــس والقــدرة علــى مواجهــة احليــاة. قــال رســول اهلل ﴿ :ليــس منــا مــن لــم يرحــم صغيرنــا ﴾((( .وجــاء يف األثــر بيــان الطريقــة املثلــى يف تنشــئة األطفــال يقــول ﴿ :العبــه ســبعاً ،وأدبــه ســبعاً ،وصاحبــه ســبعاً ،ثــم اتــرك حبلــه علــى غاربــه ﴾ (((. 1سنن أبي داود ،يف كتاب الزكاة – باب :صلة الرحم ،ج 2ص 132رقم .1692 2رواه الترمذي – كتاب البر – باب :ما جاء يف رحمة املسلمني 323-322/4ح 1924عن ابن عمر وقال الترمذي حديث حسن صحيح. 3نقل عن سيدنا عمر ،أو علي ،وقيل هو من كالم عبد امللك بن مروان (غرر اخلصائص الواضحة) محمد بن ابراهيم الكتبي ص .718
33 يجــب علــى اآلبــاء أن يتجنبــوا أي نــوع مــن العقوبــة البدنيــة والنفســية ألطفالهــم ،وخاصــة عندمــا تكــون هنــاك وســائل أخــرى متاحــة لتربيــة األطفــال مثــل حجــب املكافــآت ،وتقــدمي النصــح والهجــر املؤقــت واحلرمــان املشــروط مــن اللعــب أو الترفيــه أو وســائل أخــرى ميكــن للطفــل أن يشــعر أنهــا عقــاب .هــذه اخليــارات ميكــن أن تكــون أكثــر فعاليــة مــن العقــاب البدنــي يف حتقيــق الهــدف مــن تربيــة األطفــال. وبجانــب النهــي عــن العنــف النفســي جــاء األمــر باملعاشــرة باملعــروف خللــق جــو مــن الطمأنينــة للطفــل .قــال اهلل تعالــى ...﴿ :وعاشــرونهن باملعــروف .(((﴾...ومــن املعلــوم أن العنــف ضــد الطفــل هــو عنــف موجــه أيضـاً ضــد األم التــي ينفطــر قلبهــا حــن تــرى أي مكــروه ضــد طفلهــا .وباملثــل ،العنــف ضــد األم أمــام الطفــل هــو عنــف نفســي موجــه ضــد الطفــل .كافــة أشــكال ذلــك العنــف ممنوعــة. ومــن أهــم وســائل الوقايــة هــي مــا يجــب أن تقــوم بــه الدولــة حلمايــة األطفــال مــن حــدوث العنــف .وهــذا ينطلــق مــن املســؤولية العامــة التــي بينهــا الرســول يف حديثــه ﴿ :كلكــم راع وكل راع مســئول عــن رعيتــه ﴾ .وقــال أيضـاً ﴿ :إن اهلل ســائل كل راع عمــا اســترعاه حفــظ أم ضيــع حتــى يســأل الرجــل عــن أهــل بيتــه ﴾.
موقـف المسيحية من العنف في األسرة ضد األطفال تدعـو املسـيحية إلـى عالقـة سـوية بين اآلبـاء واألبنـاء تراعـي احلقـوق والواجبـات املتبادلة .وترفض الكنيسـة كل أشـكال العنـف ضـد األطفـال داخـل األسـرة ،حيـث تؤثـر سـلباً علـى منـو األطفال العاطفي واجلسـدي والنفسـي. يزخــر الكتــاب املقــدس بالتعاليــم عــن هــذه القضيــة ويدعــو إلــى كافــة احلقــوق التــي نصــت عليهــا املواثيــق اط ـ ً ـتَ ،فبَ ِ ـب الْبَ َّنــا ُؤو َن ﴾ (مزمــور .)1 :127 الدوليــة .ففــي كتــاب املزاميــر نقــرأِ ﴿ :إ ْن لَـ ْم يَـ ْ ِ ـن ال ـ َّر ُّب الْبَيْـ َ ا يَتْ َعـ ُ واملقصــود بالبنائــن اآلبــاء الذيــن يحملــون علــى أكتافهــم مســؤولية تربيــة أبنائهــم وتوفيــر احتياجاتهــم املاديــة واملعنويــة بتحمــل وصبــر ،طالبــن معونــة اهلل .وعندمــا يدعــو الكتــاب املقــدس األبــاء لتربيــة أبنائهــم يقــول: ﴿ َوأَنْتُـ ْم أَيُّ َهــا اآلبَــاءُ ،الَ تُغِ ُ يظــوا أَ ْوالَ َد ُك ـ ْم ،بَ ـ ْل َربُّو ُه ـ ْم ِبتَ ْأدِ يـ ِـب ال ـ َّر ِّب َو ِإنْـ َذارِ ِه ﴾ (أفســس .)4 : 6هــذا يعنــي أن تتماشــى مــع طريقــة الــرب ومــن أجــل تنفيــذ وصايــاه؛ ولتقــومي ســلوكهم حســب طريــق الــرب ،ال يتــم العقــاب إن لــم يســبقه اإلنــذار .يجــب تعريــف القضيــة وتوضيحهــا بطريقــة مقنعــة .هكــذا يكــون تأديــب الــرب وإنــذاره. ويقــول أيضـاً الكتــاب املقــدسَ ﴿ :ر ِّب الْ َولَـ َد ِف َط ِريقِ ــهِ َ ،ف َمتَــى َشــا َخ أَيْ ً ضــا الَ يَ ِحيـ ُد َعنْـ ُه ﴾ (األمثــال .)6 :22لــم ي ُقــل الكتــاب املقــدس «يف طريقــك» ،كمــا يفعــل كل اآلبــاء ،لكــي يســير األوالد علــى دربهــم ويضعوهــم يف قوالــب يــرون أنهــا األفضــل لهــم ،وإمنــا قــال رب الولــد «يف طريقــه» الــذي يختــاره بنفســه وبحريتــه .وهــذه هــي نفــس املبــادئ التــي تنــص عليهــا املعاهــدات والقوانــن املعنيــة بحقــوق األطفــال. 1سورة النساء – من اآلية .19
34 الكتــاب املقــدس يؤكــد احلاجــة إلــى عالقــة ســوية بــن اآلبــاء واألبنــاء تراعــي احلقــوق والواجبــات املتبادلــة .يقــول ـاك َوأ ُ َّمـ َ بولــس الرســول 1﴿ :أَيُّ َهــا األَ ْوالَ ُد ،أَ ِطي ُعــوا َوالِدِ ي ُك ـ ْم ِف ال ـ َّر ِّب ألَ َّن ه ـ َذا َحــقٌّ «2 .أَ ْكـ ِـر ْم أَبَـ َ ـي ـك» ،ا َّل ِتــي ِهـ َ ض ﴾ (أفســس .)3-1 :6ويؤكــد ـي يَ ُكــو َن لَ ُك ـ ْم َخيْ ـ ٌرَ ،وتَ ُكونُــوا ِط ـ َوا َل األَ ْع َمــارِ َعلَــى األَ ْر ِ أَ َّو ُل َو ِص ٍ َّيــة ِب َو ْعـ ٍـدِ «3 ،ل َكـ ْ ـت أَ ْر َمل َـ ٌة لَ َهــا أَ ْوالَ ٌد أَ ْو ذلــك معلمنــا بولــس الرســول يف رســالته إلــى تلميــذه تيموثــاوس بقولــه َ ﴿ :ولكِ ـ ْن ِإ ْن َكانَـ ْ صا ِل ـ ٌح َو َم ْقبُــو ٌل أَ َمــا َم ا ِ هلل ﴾ َح َف ـ َدةٌَ ،فلْيَتَ َعلَّ ُمــوا أَ َّوالً أَ ْن يُ َو ِّق ـ ُروا أَ ْه ـ َل بَيْتِهِ ـ ْم َويُو ُفــوا َوالِدِ يهِ ـ ِـم ْال ُ َكا َف ـ َأةَ ،ألَ َّن ه ـ َذا َ ( تيموثــاوس األولــى .)4 :5ويف مقابــل طاعــة األبنــاء علــى اآلبــاء أن يقدمــوا احلــب والعطــف مــع الضبــط والتوجيــه ال العنــف والقســوة ولذلــك يدعوهــم بولــس الرســول ﴿ َوأَنْتُ ـ ْم أَيُّ َهــا اآلبَــاءُ ،الَ تُغِ ُ يظــوا أَ ْوالَ َد ُك ـ ْم ،بَ ـ ْل يــب الــ َّر ِّب َو ِإنْــ َذارِ ِه ﴾ (أفســس )4 :6ويقــول أيضــا : َر ُّبو ُهــ ْم ِبتَ ْأدِ ِ
﴿ أَيُّ َها اآلبَاءُ ،الَ تُغِ ُ يظوا أَ ْوالَ َد ُك ْم ِلئَ َّ ال يَف َْشلُوا ﴾) كولوسي .)21 :3
الخالصـة يف اإلســام واملســيحية ،الوالــدان مســئوالن عــن حمايــة أطفالهمــا وتربيتهــم يف جــو مــن احلــب والعطــف ،دون اللجــوء إلــى أشــكال مــن العنــف اجلســدي أو النفســي أو غيرهمــا .الديانتــان كلتاهمــا تشــجبان هــذه املمارســات بــكل صــدق وترفضــان جميــع أشــكال العنــف ضــد األطفــال داخــل األســرة والعائلــة ،ألن ذلــك يشــكل انتهــاكا حلقوقهــم التــي تؤثــر ســلباً علــى النمــو العاطفــي واجلســدي والنفســي لألطفــال.
35
تاسـعا :العنف في المدارس والمؤسسـات التربوية ً مقدمـة تُعــد املدرســة ثانــي أهــم مؤسســات التنشــئة االجتماعيــة لألطفــال بعــد األســرة ينمــو األطفــال فيهــا جســمياً وعقليــا ،ونفســياً ،وتنمــو ذواتهــم االجتماعيــة يف إطــار مــن القيــم اإليجابيــة القائمــة علــى التســامح ،الســام،
احلــوار ،القبــول ،املشــاركة وغيرهــا مــن القيــم التــي تخلــق املواطــن الصالــح والشــخصية املتوازنــة ولــن يتأتــي ذلــك إال مــن خــال أســاليب تربويــة قائمــة علــى احلــوار وإكســاب املهــارات والطــرق التربويــة يف تغييــر الســلوك والتحفيــز علــى الســلوكيات املرغوبــة وليــس أســلوب التربيــة القائــم علــى العنــف مــن خــال الضــرب ،التخويــف والتهديــد التــي عهــدت العديــد مــن املــدارس علــى إتباعهــا يف التربيــة .وهــي تــؤدي إلــى نتائــج ســلبية علــى األطفــال الواقــع عليهــم العنــف وعلــى اآلخريــن. إن أشــكال العنــف املوجــودة يف املــدارس بدنيــة ونفســية وعــادة مــا يحــدث هــذان الشــكالن معــا وتضمــن األشــكال التــي يرتكبهــا املدرســون ،موظفــي املــدارس أو التالميــذ أنفســهم مثــل عقوبــة اإليــذاء البدنــي واملعاملــة القاســية واملهينــة والعنــف اجلنســي والعنــف املســتند إلــى النــوع االجتماعــي والترهيــب والبلطجــة.
وميــارس العنــف داخــل املــدارس ليــس فقــط مــن قبــل املعلمــن للتالميــذ ،وإمنــا مــن قبــل التالميــذ جتــاه املعلمــن. أو مــن قبــل التالميــذ بعضهــم البعــض .والعنــف املدرســي ســلوك يــؤدى إلــى إحلــاق الضــرر إمــا بالطــاب أو املعلمــن أو مقتنيــات املدرســة ،وهــو مــن أخطــر أشــكال العنــف لكونــه يُ َعـ ِـو ُق عمليــة التعلــم باملدرســة ومــن ثَ ـ َّم عــدم قيــام املدرســة بدورهــا.
المنظور اإلسالمي حول العنف في المدارس يعتبــر املعلــم حجــر الزاويــة فــى العمليــة التعليميــة فــى مواجهــة ســلوك العنــف مــن خــال ممارســته ألدواره باعتبــاره قــدوة لتالميــذه ،ومثـ ً ا أعلــى يحتــذى ،يغلــب جانــب الرحمــة والشــفقة ،واللــن والرفــق والعطــف ،وهــو توجــه عــام جنــده فــى توجيهــات النبــى ،قــال ﴿ :مــن أ ُ ْع ِطـ ّـى الرفــق فقــد أ ُ ْع ِطـ ّـى حظــه مــن اخليــر ،ومــن ُحـ ِـر َم الرفــق فقــد ُحـ ِـر َم حظــه مــن اخليــر﴾((( .وفــى ســيرة الرســول الكثيــر مــن النمــاذج التــى تفيــد فــى معاجلــة العنــف أظهــر فيهــا الرفــق ،لــو اقتــدى املعلمــون بهــا لــكان فيهــا أعظــم الفائــدة لنجــاح املعلــم فــى مهمتــه ،والنظــام التعليمــى فــى رؤيتــه ورســالته. 1أخرجه الترمذي يف سننه – كتاب البر – باب :ما جاء يف الرفق 367/4ح 2013وحسنه الترمذي.
36 نظــراً ألهميــة جماعــة الرفــاق يف تنشــئة الطفــل ،كان علــى األســرة تشــجيع انتســاب الطفــل ملثــل هــذه اجلماعــات لكــن عليهــا مالحظــة ســلوكه وتطــور مفاهيمــه واجتاهاتــه دائمـاً حتــى ميكنهــا التدخــل يف الوقــت املناســب وحتــى ال تأتــى الريــاح مبــا ال تشــتهيه األســرة ،ومــا ال تقبلــه عاداتهــا وتقاليدهــا وقيمهــا ،وحتــى يكــون مــا يتعلمــه مــن جماعــة الرفــاق فــى اجتاهــه اإليجابــي نظــراً ألن انحــراف الطفــل قــد يكــون إفــرازاً طبيعي ـاً للصحبــة الســيئة، قــال اهلل تعالــىَ ﴿ :وتَ َعا َونُــوا َعلَــى الْ ِبـ ِّر َوال َّت ْقـ َوى َو َل تَ َعا َونُــوا َعلَــى ْالثْـ ِـم َوالْ ُعـ ْد َوانِ (((﴾..وفــى ذلــك يقــول الرســول ﴿ :املــرء علــى ديــن خليلــه فلينظــر أحدكــم مــن يخالــل ﴾ (((. مــن األســاليب التربويــة ملواجهــة العنــف املدرســي اكتشــاف امليــول العدوانيــة مبكــرا وعالجهــا .قــال اهلل تعالــى: ﴿ يَــا أَ ُّي َهــا ا َّلذِ يــ َن آ َمنُــوا خُ ــ ُذوا ِح ْذ َر ُكــ ْم (((﴾...وقــال أيضــاً ﴿ :يَــا أَ ُّي َهــا ا َّلذِ يــ َن آ َمنُــوا ُقــوا أَنْف َُســ ُك ْم َوأَ ْهلِي ُكــ ْم َّــاس َو ْ ال َجــا َرةُ .(((﴾..وميكــن أن تتضمــن هــذه األســاليب تبنــى خطــة حلمايــة األطفــال مــن نَــا ًرا َو ُقو ُد َهــا الن ُ العنــف ،ونشــر ثقافــة التســامح ،واحلــرص علــى إقامــة عالقــات طيبــة دافئــة وآمنــة بــن أفــراد األســرة ومجتمــع املدرســة ،وتقــدمي الدعــم النفســي الــازم لضحايــا العنــف فــى املدرســة واملجتمــع ،واســتخدام املناهــج الدراســية واألســاليب التربويــة يف مواجهــة العنــف ،وتفعيــل دور اإلخصائــى االجتماعــي واإلخصائــى النفســي باملــدارس، وتأكيــد قيــم املســاواة بــن اجلميــع يف احلقــوق والواجبــات ،وتنميــة معــارف وقــدرات ومهــارات كافــة الكــوادر البشــرية التــي تتعامــل مــع األطفــال. إن ظاهــرة العنــف يف املــدارس تتعــدد صورهــا وأشــكالها ،كمــا تتعــدد مســبباتها الثقافيــة واالجتماعيــة واالجتاهــات اخلاطئــة يف التربيــة ،وال شــك أن مواجهــة ســلوك العنــف ضــد األطفــال أو احلــد منــه يحتــاج إلــى تبنــى أســاليب مختلفــة أو اســتراتيجيات ال تركــز فقــط علــى مواجهــة ســلوك العنــف أو احلــد منــه (اجلانــب العالجــي( ،وإمنــا يف البحــث عــن عواملــه ومســبباته والقضــاء عليــه )اجلانــب الوقائــي) جتنبـاً لألضــرار النفســية واالجتماعيــة واجلســدية الناجمــة عــن تعرضهــم للعنــف فضـ ً ا عــن كفالــة حقوقهــم األساســية التــي حددهــا لهــم الشــرع والقانــون واملواثيــق الدوليــة ،وذلــك حتــى ميكــن ملؤسســات التربيــة املختلفــة كاملدرســة واملنــوط بهــا عمليــة التنشــئة االجتماعيــة القيــام بدورهــا خيــر قيــام.
موقف الكنيسة من العنف في المدرسة تؤمـن الكنيسـة أن املـدارس يجـب أن تكـون أماكـن آمنـة حيـث ميكـن لألطفـال تعلـم وتنميـة إمكانياتهـم الكاملـة. ﴿ ُه َو َذا الْبَنُو َن مِ ي َراثٌ مِ ْن ِعنْدِ ال َّر ِّب( ﴾...مزمور .)3 :127وال ميكن إال أن يتم ذلك يف بيئة خالية من العنف. 1 2 3 4
سورة املائدة – من اآلية .2 أخرجه الترمذي يف سننه – كتاب الزهد – باب :رقم 45ج 4ص 589ح ،2378وقال الترمذي :حسن صحيح. سورة النساء – من اآلية .71 سورة التحرمي – من اآلية .6
37 والكنيســة تديــن بشــدة جميــع أشــكال العنــف واإليــذاء يف املــدارس ﴿ .اُنْ ُظـ ُروا ،الَ َ ْ الص َغــارِ ، تتَقِ ـ ُروا أَ َحـ َد هـ ُؤالَءِ ِّ ألَ ِّنــي أَ ُقــو ُل لَ ُكـ ْم :إ َِّن َم َ السـ َما َو ِ السـ َما َو ِ ات ﴾ (متــى .) 10:18 ات ُك َّل ِحـ ٍ ـن يَن ُْظـ ُرو َن َو ْجـ َه أَ ِبــي ا َّلــذِ ي ِف َّ ال ِئ َكتَ ُهـ ْم ِف َّ وتؤكــد الكنيســة علــى أهميــة احلــوار واإلقنــاع يف عمليــة التربيــة .كمــا أنهــا تشــترك مــع املدرســة يف إعــداد أجيــال صاحلــة للمســتقبل مــن خــال مــا تقــوم بــه مــن أدوار تعليميــة وتثقيفيــة وترفيهيــة صحيــة وأيضـاً تســاهم يف تنميــة املواهــب والقــدرات وإصــاح االنحرافــات التــي قــد يولدهــا أســلوب التربيــة يف األســرة أو يف املدرســة. الكنيســة تخلــق أجــواء قائمــة علــى روح احملبــة واالنفتــاح واحلريــة والتســامح ،أجــواء ال يوجــد بهــا مــكان للعقــاب والتأديــب البدنــي واإليــذاء اللفظــي بــل للتوجيــه واإلرشــاد والقــدوة الصاحلــةُ ﴿ .كونُــوا ُر َح َمــا َء َك َمــا أَ َّن أَبَا ُك ـ ْم أَيْ ً ضــا َر ِحي ـ ٌم ﴾ (لوقــا .)36 :6 وأيــا كانــت صــور العنــف يف املدرســة وأســبابه فالبــد مــن مقاومتهــا بــكل الطــرق وميكــن حتقيــق ذلــك مــن خــال طــرق وقايــة مثــل نشــر ثقافــة التســامح ونبــذ العنــف و ترويــج ثقافــة حقــوق اإلنســان وهــذه كلهــا تنمــي اجلانــب القيمــي واألخالقــي لــدى التالميــذ .كمــا ينبغــي علــى اإلدارة املدرســية تدريــب املعلمــن علــى كيفيــة التعامــل مــع خصائــص املراحــل العمريــة املختلفــة وللتدريــب علــى مهــارات التواصــل الفعــال لألســاليب التربيــة غيــر العنيفــة. واجلديــر بالذكــر أن لبعــض الكنائــس دورا فعــاال يف الشــراكة مــع بعــض املــدارس يف تنميــة قــدرات املعلمــن ويف توعيــة أوليــاء األمــور بأدوارهــم التربويــة وكيفيــة التعامــل مــع التالميــذ .وتســهم بذلــك مــن خــال عقــد النــدوات وورش العمــل. وال يتوقــف األمــر علــى األســاليب الوقائيــة بــل ينبغــي تقــدمي الدعــم لتعديــل الســلوكيات العنيفــة وذلــك مــن خــال تقــدمي املشــورة واإلحالــة .كذلــك تفعيــل القوانــن والقــرارات التــي حتمــي التالميــذ واملواطنــن باملدرســة.
الخالصـة كل أشــكال العنــف املدرســي ُمدانــة ،ســواء اقترفهــا املعلمــون جتــاه تالميذهــم ،أو التالميــذ جتــاه معلميهــم ،أو جتــاه بعضهــم البعــض. واإلســام واملســيحية كالهمــا يعــزز ثقافــة واالحتــرام والتســامح يف املــدارس مــن خــال اجلهــود املبذولــة ملنــع ومعاجلــة جميــع أنــواع العنــف يف املــدارس .وهــذه اجلهــود يجــب أن تشــمل جميــع األطــراف املعنيــة ،مبــا يف ذلــك املعلمــون واآلبــاء واإلخصائيــون النفســيون واإلخصائيــون االجتماعيــون ،مــن أجــل أن ينظــر األطفــال واملعلمــون للمــدارس كمــاذ للتعلــم.
38
عاشـرا :األطـفال في النـزاعات المسـلحة وغيرها ً مقدمة يعانـى األطفـال فـى أكثـر مـن خمسين دولـة يف العالـم مـن النزاعات املسـلحة أو من تأثيراتها .وبحسـب تقديرات منظمـة يونيسـف ،فقـد زادت يف العقـود األخيـرة نسـبة الضحايـا املدنيين يف النزاعـات املسـلحة بصـورة كبيـرة، وأصبحـت تقـدر اآلن بأكثـر مـن 90مـن املائـة .وميثـل األطفـال مـا يقـرب مـن نصـف هـؤالء الضحايـا ،وأجبـر مـا يقدر بنحو 20مليون طفل على الفرار من ديارهم بسـبب النزاعات وانتهاكات حقوق اإلنسـان .البعض يعيشـون الجئين يف بلـدان مجـاورة واآلخـرون نزحـوا داخليـاً داخـل حدودهـم الوطنيـة .وبحسـب التقريـر السـنوي للممثلـة اخلاصـة لألمين العـام املعنيـة باألطفـال والنزاعـات املسـلحة ،فـإن مـا ال يقـل عـن نصـف أو أكثـر مـن نصـف األشـخاص الذيـن أرغمـوا علـى الفـرار مـن ديارهـم بسـبب النزاعـات املسـلحة ويقيمون داخل بالدهم كأشـخاص مشـردين داخليـاً ،واملقـدر عددهـم 27,1مليـون شـخص يف جميـع أنحـاء العالـم ،هـم مـن األطفـال. لقــد مــات أكثــر مــن مليونــي طفــل كنتيجــة مباشــرة للنزاعــات املســلحة خــال العقــد املاضــي ،وأصيــب مــا يزيــد علــى ثالثــة أمثــال هــذا العــدد ،أي مــا ال يقــل عــن 6ماليــن طفــل ،بعجــز دائــم أو بإصابــات خطيــرة .إضافــة إلــى ذلــك ،أصبــح أكثــر مــن مليــون طفــل يتامــى أو منفصلــن عــن ذويهــم ،ويتعــرض ثمانيــة آالف إلــى عشــرة آالف طفــل كل عــام للقتــل أو بتــر األعضــاء بســبب األلغــام األرضيــة. ويقــدر عــدد األطفــال اجلنــود بنحــو 300ألــف طفــل دون ســن 18ســنة) مــن البنــن والبنــات) ،يتورطــون يف أكثــر مــن 30نزاعـاً علــى مســتوى العالــم .ويُســتخدم األطفــال كمحاربــن ،أو حمالــن ،أو طباخــن ،أو يســتغلون جنســيا .ويتعــرض بعضهــم للتجنيــد القســري أو اخلطــف ،وآخــرون يدفعهــم الفقــر وإســاءة املعاملــة والتمييــز إلــى االنضمــام للمحاربــن ،أو الســعي للثــأر بســبب العنــف الــذي ُسـلِط عليهــم وعلــى أســرهم. حــدث كل ذلــك رغــم دخــول البروتوكــول االختيــارى التفاقيــة حقــوق الطفــل بشــأن تــورط األطفــال يف النزاعــات املســلحة حيــز التنفيــذ عــام .2002هــذا البروتوكــول مينــع إشــراك األطفــال أقــل مــن 18ســنة يف أعمــال عدائيــة ويطالــب الــدول برفــع ســن التجنيــد اإلجبــاري واملشــاركة املباشــرة يف النزاعــات إلــى 18ســنة .كمــا يطالــب الــدول األطــراف فيــه برفــع احلــد األدنــى لســن التجنيــد الطوعــي عــن احلــد األدنــى الراهــن البالــغ 15ســنة. وخــال النزاعــات املســلحة ،تتعــرض الفتيــات والنســاء ملخاطــر االغتصــاب واالســتغالل اجلنســي واالجتــار واإلذالل والتشــويه اجلنســي .لقــد أصبــح اســتخدام االغتصــاب وغيــره مــن أشــكال العنــف ضــد النســاء إســتراتيجية يف احلــروب تســتخدمها كل األطــراف.
39 المنظور اإلسالمي لألطفال في النزاعات المسلحة مينــع اإلســام تعريــض األطفــال أو النســاء أو الشــيوخ للخطــر أثنــاء احلــروب أو لكافــة صــور النزاعــات املســلحة وغيرهــا .إن مبــادئ الشــريعة اإلســامية تكفــل منــع العنــف ضــد األطفــال أثنــاء النزاعــات املســلحة والصراعــات السياســية واالضطرابــات الداخليــة علــى نحــو يفــوق مــا هــو مقــرر لذلــك فــى األنظمــة القانونيــة املعمــول بهــا. مــن املعلــوم أن امتنــاع املتحاربــن (دولــة أو غيــر دولــة) عــن جتنيــد األطفــال يعتبــر مــن أهــم واجباتهــا حيــال األطفــال .وهــذا ميثــل أهــم حقــوق األطفــال جتــاه الــدول التــي يوجــدون بهــا .وقــد جــاء فــى احلديــث الصحيــح ـت علــى رســول اهلل يــوم أُحــد وأنــا ابــن أربــع عشــرة ســنة عــن ابــن عمــر -رضــي اهلل عنهمــا – قــال﴿ : ْ عرضـ ُ فلــم يجزنــي ﴾(((؛ أى أنــه عــرض نفســه للمشــاركة يف القتــال يــوم غــزوة أحــد .يــدل هــذا احلديــث علــى أن الطفــل ال يجــوز إشــراكه يف األعمــال احلربيــة. وقــد اتفــق الفقهــاء علــى أن الطفــل ال جهــاد عليــه ،فــا يجــوز إشــراكه يف احلــروب أو جتنيــده فيهــا ســواء ـس رضــي بذلــك أو لــم يــرض ،وقــد حكــى هــذا اإلجمــاع ابــن رشــد وغيــره ،وهــو مــا يوافــق قــول اهلل تعالــى ﴿ :لَيْـ َ ص ُحــوا ِ َّ ِ الض َع َفــاءِ َو َل َعلَــى ْال َ ْر َ ل َو َر ُســولِهِ َمــا َعلَــى َعلَــى ُّ ضــى َو َل َعلَــى ا َّلذِ يـ َن َل يَ ِجـ ُدو َن َمــا يُنْفِ ُقــو َن َحـ َر ٌج ِإ َذا نَ َ ُْْ ال ِ ِ ِيل َواهلل َغ ُفــو ٌر َر ِحيـ ٌم ﴾((( ،ومــن ثــم يكــون حــق األطفــال فــى حمايتهــم مــن األعمــال احلربيــة ني مِ ـ ْن َسـب ٍ ســن َ قائمــا علــى ســند صحيــح مــن كتــاب اهلل تعالــى ،وســنة نبيــه وإجمــاع علمــاء أمتــه. وال يقتصــر حــق األطفــال علــى مجــرد البعــد بهــم عــن التجنيــد يف األعمــال احلربيــة ،وإمنــا يجــب علــى املجتمــع أن يكفــل لهــم وســائل احلمايــة التــي تؤمــن خوفهــم مــن فــزع األعمــال احلربيــة وتوفــر لهــم دفء األســرة .يجــب أال يفــرق بــن الطفــل ووالدتــه ،وذلــك ملــا روى عــن الرســول أنــه قــال ﴿ :مــن فــرق بــن األم وولدهــا فــرق اهلل بينــه وبــن أحبتــه يف اجلنــة ﴾(((. وفــى جميــع األحــوال ،يجــب ضمــان مــا يلــزم األطفــال مــن املــأكل واملشــرب وامللبــس واملــأوى والعــاج واخلدمــات التعليميــة ،باإلضافــة إلــى التأهيــل النفســي الــذي يعالــج مــا قــد تخلفــه صدمــات احلــرب فــى نفوســهم مــن آثــار. وفــى احلــاالت التــي يحــرم األطفــال فيهــا مــن آبائهــم بســبب األعمــال القتاليــة ،يجــب أن توفــر لهــم الدولــة مــكان اإليــواء اآلمــن ،وأن تدبــر مــن يكفلــون لهــم املعاملــة األســرية احلانيــة مبــا يرقــى ألن يكــون بديــا عــن فقدهــم آلبائهــم وأمهاتهــم. 1أخرجه البخاري يف صحيحه – كتاب الشهادات – باب :بلوغ الصبيان وشهادتهم 168/2ح 264عن ابن عمر رضي اهلل عنهما. 2سورة التوبة – اآلية .91 3صحيح أخرجه الترمذي يف سننه – ج 4ص 134كتاب السير – باب :يف كراهية يبني السيء وحسنه الترمذي – رقم .1566
40 يف اإلســام ،احلــرب ليســت غايــة يف ذاتهــا ،ولكنهــا وســيلة للدفــاع ومنــع الظلــم ور ّد التعــدي والدفــاع عــن النفــس مــن املعتديــن الظاملــن الذيــن يباغتــون غيرهــم ،ويقهرونهــم ،ويفرضــون إرادتهــم عليهــم .وهنــا يكــون الــرد اعتَـ َدى َعلَيْ ُكـ ْم ، (((﴾...وقولــه اعتَـ ُدوا َعلَيْــهِ ِبثْــلِ َمــا ْ اعتَـ َدى َعلَيْ ُكـ ْم َف ْ مشــروعا وذلــك لقولــه تعالــىَ ...﴿ :ف َمــنِ ْ تعالــىَ ﴿ :و َجـزَاءُ َسـ ِّيئَ ٍة َسـ ِّيئَ ٌة مِ ثْل ُ َهــا .(((﴾...فقــد دلــت هاتــان اآليتــان الكرميتــان وغيرهمــا مــن اآليــات واألدلــة األخــرى مــن ســنة النبــي ،علــى أن ر ّد اإلســاءة مبثلهــا ودون حيــف أو جتــاوز مــن األمــور املباحــة .لكــن هــذه اإلباحــة ال متتــد إلــى األشــخاص الذيــن ال يقاتلــون ،وكبــار الســن ،والرهبــان والزهــاد وأمثالهــم ممــن ال يشــتركون فــى األعمــال احلربيــة مبــا فيهــم األطفــال والنســاء ،لقــول اهلل تعالــىَ ﴿ :و َقا ِتلُــوا ِف َسـبِيلِ َّ ِ الل ا َّلذِ يـ َن يُ َقا ِتلُونَ ُكـ ْم َو َل تَعتَـ ُدوا إ َِّن َّ َ الل َل يُ ِ ُّحــب ْال ُ ْعتَدِ َيــن ﴾(((. ْ ولنفــس املقاصــد التــي ترمــى إلــى احملافظــة علــى حقــوق األطفــال وإبعــاد شــبح التفزيــع عنهــم ،حــرم اإلســام قتــل النســاء يف احلــروب ،ألنهــن غالبــا مــا يكــن مســؤوالت عــن أطفــال ويتعلقــن بهــم ،وترتبــط بهــن حياتهــم.
موقف المسيحية من النزاعات المسلحة وغيرها الس َ ال ِم ،ألَ َّن ُه ْم أَبْنَا َء ا ِ هلل يُ ْد َع ْو َن ﴾ (متي )٩ :٥ ﴿ ُطوبَى ل َ ِصانِعِ ي َّ املســيحية ترفــض النزاعــات املســلحة وتديــن بشــدة أي شــكل مــن أشــكال إيــذاء أو اســتخدام أو اإلســاءة أو اســتغالل األطفــال مــن قبــل أي أطــراف متورطــة يف هــذه النزاعــات. املســيحية تنبـــذ احلــروب والصراعــات ألنهــا رســالة ســام ،فقــد وعــد الســيد املســيح بــأن يتــرك لنــا الســام: ا ًما أَتْ ـ ُر ُك لَ ُك ـ ْمَ .س ـ َ ﴿ َس ـ َ ـس َك َمــا يُ ْع ِطــي الْ َعالَ ـ ُم أ ُ ْع ِطي ُك ـ ْم أَنَــا ﴾ ( يوحنــا .)٢7 :14ويقــول امِ ي أ ُ ْع ِطي ُك ـ ْم .لَيْـ َ معلمنــا بولــس الرســول عــن ســام اهللَ ﴿ :و َسـ َ هلل ا َّلــذِ ي يَ ُفــو ُق ُك َّل َع ْقــل ،يَ ْح َفـ ُ ا ُم ا ِ ـيح ـظ ُقلُوبَ ُكـ ْم َوأَ ْف َكا َر ُكـ ْم ِف ْال َ ِسـ ِ يَ ُســو َع ﴾ (فليبــي .)7 :4 ويؤكد لنا الكتاب املقدس نبذ العنف والقسوة منذ بدء اخلليقة .فعندما قام قايني وقتل أخاه هابيل ،قال الرب لقاينيَ 9 ﴿ :ف َقا َل ال َّر ُّب ِل َقا ِينيَ« :أَيْ َن َهابِي ُل أَخُ َ س أَنَا ألَ ِخي؟» َ 10ف َقا َلَ « :ما َذا َف َعل ْ َت؟ وك؟» َف َقا َل« :الَ أَ ْعل َ ُم! أَ َحارِ ٌ اها ِلتَ ْقبَ َل َد َم أَ ِخ َ ص ْو ُت َد ِم أَ ِخ َ يك مِ ْن ضَ 11 .فاآل َن َمل ْ ُعو ٌن أَنْ َت مِ َن األَ ْر ِ صارِ ٌخ ِإلَ َّي مِ َن األَ ْر ِ ض ا َّلتِي َفت ََح ْت َف َ يك َ َ ض الَ تَ ُعو ُد تُ ْع ِط َ ض ﴾ ( تكوين . )12-9 :4 يَدِ َكَ 12 .متَى َعمِ ل ْ َت األَ ْر َ يك ُق َّوتَ َها .تَا ِئ ًها َو َهارِ ًبا تَ ُكو ُن ِف األَ ْر ِ
1سورة البقرة – من اآلية .194 2سورة الشورى – من اآلية .40 3سورة البقرة – اآلية .190
41 ويرين ــا الكت ــاب املق ــدس أن اهلل يجع ــل م ــن نفس ــه املداف ــع ع ــن ضحاي ــا الظل ــم م ــن جان ــب بن ــي البش ــر .فيق ــول الشــ ُّر ِإلَ ــى َه َ س ــفر املزامي ــر ﴿ َر ُجــ ُل ُّ الظل ْـ ِـم يَ ِصيــ ُدهُ َّ ني ـت أَ َّن الــ َّر َّب يُ ْج ـ ِـري ُح ْك ًم ــا ِلل ْ َم َس ــاكِ ِ الكِ ــهِ َ 12 .قــ ْد َع ِل ْم ـ ُ ـن ﴾ ( مزم ــور .)12-11 :140 َو َح ًّق ــا ِلل ْ َبائ ِِس ـ َ و املسـيحية ترفـض احلـروب والصراعـات ،وتديـن الـزج بالضعفـاء ،والسـيما األطفـال ،يف مثـل هـذه احلـروب. فعندمـا حـارب شـعب إسـرائيل الفلسـطينيني أيـام شـاول امللـك ،أرسـل “يسـى البيتلحمـي» أوالده الكبـار للحـرب ولـم يرسـل ابنـه الصغيـر داود النبـي يف ذلـك الوقـت حلداثتـه وصغـر سـنهَ ﴿ :و َدا ُو ُد ُه َو ابْ ُن ذل َ ِـك ال َّر ُجلِ األَ ْف َرات ِِّي مِ ـ ْن بَيْ ِـت َ ْ َّـاس. ين الن ِ ـام َشـا ُو َل َقـ ْد َشـا َخ َو َكبِـ َر بَ ْ َ اسـ ُم ُه يَ َّسـى َولَـ ُه ثَ َما ِنيَـ ُة بَن َ ل ِـم يَ ُهـو َذا ا َّلـذِ ي ْ ِينَ .و َكا َن ال َّر ُجـ ُل ِف أَ َّي ِ الـ ْر ِبَ .وأَ ْسـ َماءُ بَنِيـهِ ال َّث َ ـب بَنُـو يَ َّسـى ال َّث َ الثَـةِ ا َّلذِ يـ َن َذ َهبُـوا ِإلَـى ْ َ الثَـ ُة الْكِ َبـا ُر َوتَ ِب ُعـوا َشـا ُو َل ِإلَـى ْ َ الـ ْر ِب: َ 13و َذ َه َ الصغِ يـ ُرَ .وال َّث َ الثَـ ُة الْكِ بَـا ُر َذ َهبُـوا َو َرا َء َشـا ُو َل15. ِيـآب الْ ِب ْكـ ُرَ ،وأَبِينَـا َد ُ أَل ُ اب ثَانِيـهِ َ ،و َش َّـم ُة ثَا ِلثُ ُه َمـاَ 14 .و َدا ُو ُد ُهـ َو َّ ـب َويَ ْرجـ ُع مِ ـ ْن ِعنْـدِ َشـا ُو َل ِليَ ْر َعـى َغنَـ َم أَ ِبيـهِ ِف بَيْ ِـت َ ْ ل ٍم ﴾ ( صموئيـل األول .)15-12 :17 َوأَ َّمـا َدا ُو ُد َفـ َكا َن يَ ْذ َه ُ وتقــوم الكنيســة مبســاعدة األســر واألطفــال الذيــن يعانــون مــن التشــرد وذلــك مــن خــال اخلدمــات التــي تقدمهــا للمشــردين والالجئــن عبــر مؤسســاتها املتنوعــة وغيرهــا مــن املنظمــات غيــر احلكوميــة والتابعــة للكنائــس املختلفــة .وتديــر هــذه املنظمــات العديــد مــن البرامــج التــي ترعــي ضحايــا النزاعــات املســلحة ،والســيما األطفــال والنســاء ،حيــث أنهــم الفئــات األضعــف واألولــى بالرعايــة.
الخالصة اإلســام واملســيحية يتفقــان علــى أنــه ال يجــوز إشــراك األطفــال يف احلــروب أو الصراعــات ،وعلــى أن األطفــال والنســاء والفئــات املســتضعفة األخــرى الذيــن يتأثــرون بالصــراع يســتحقون حمايــة خاصــة ،مبــا يف ذلــك املــأوى وغيرهــا مــن أشــكال الرعايــة واملســاعدة .وهمــا يدينــان بصفــة خاصــة اســتخدام االغتصــاب وغيــره مــن أشــكال العنــف ضــد النســاء والفتيــات مــن قبــل اجلنــود وغيرهــم مــن املقاتلــن .وتتفــق كلتــا الديانتــن علــى أهميــة البروتوكــول االختيــاري التفاقيــة حقــوق الطفــل بشــأن اشــتراك األطفــال يف الصراعــات املســلحة ،الــذي يحظــر إشــراك األطفــال أقــل مــن 18ســنة يف أعمــال عدائيــة ويطالــب الــدول برفــع ســن التجنيــد اإلجبــاري واملشــاركة املباشــرة يف النزاعــات إلــى 18ســنة .كمــا يطالــب البروتوكــول الــدول األطــراف برفــع احلــد األدنــى لســن التجنيــد الطوعــي عــن احلــد األدنــى الراهــن البالــغ 15ســنة.
42
حادي عشـر :اإلتجـار باألطـفال مقدمة يقصــد باالجتــار باألطفــال أي فعــل أو تعامــل يتــم مبقتضــاه نقــل طفــل مــن جانــب أي شــخص أو مجموعــة مــن األشــخاص إلــى شــخص آخــر لقــاء مكافــأة أو أي شــكل مــن أشــكال العــوض .كمــا ميكــن أن يكــون أيضـاً بيــع طفــل أو شــراؤه أو عرضــه للبيــع ،أو تســليمه أو تســلمه أو نقلــه ،أو اســتغالله جنس ـ ًيا أو جتاريــا أو اقتصاديــا ،أو يف األبحــاث والتجــارب العلميــة ،أو يف غيــر ذلــك مــن األغــراض غيــر املشــروعة ،بغــض النظــر عــن وقــوع اجلرميــة يف اخلــارج مــن عدمــه. ويعرفــه بروتوكــول األمم املتحــدة املكمــل التفاقيــة األمم املتحــدة ضــد اجلرميــة املنظمــة العابــرة للحــدود الوطنيــة لعــام 2000واخلــاص مبنــع وقمــع ومعاقبــة االجتــار باألطفــال بأنــه« :جتنيــد أشــخاص أو نقلهــم أو إيواؤهــم أو اســتقبالهم بواســطة التهديــد بالقــوة أو اســتعمالها أو غيــر ذلــك مــن أشــكال القســر واالختطــاف أو االحتيــال أو اخلــداع أو إســاءة اســتعمال الســلطة أو إســاءة اســتغالل حالــة اســتضعاف أو بإعطــاء أو تلقــى مبالــغ ماليــة أو مزايــا لنيــل موافقــة شــخص لــه ســيطرة علــى شــخص آخــر لغــرض االســتغالل». ويشــمل االســتغالل «االســتغالل اجلنســي أو الســخرة أو اخلدمــة قســرا أو االســترقاق أو املمارســات الشــبيهة بالــرق أو االســتعباد أو التســول أو نــزع األعضــاء أو األنســجة البشــرية أو جــزء منهــا». وتنطــوي عمليــة االجتــار باألطفــال علــى اســتخدام القــوة أو اإلقنــاع أو التحايــل أو تلقــى عطايــا أو فوائــد .و أحيانــاً تشــترك األســرة وأخــرون يف هــذه اجلرميــة ،وقــد تكــون مببــادرة مــن الطفــل نفســه .وعندمــا يتولــى شــخص مــا مهمــة نقــل الطفــل ،قــد يتنــاوب أفــراد مختلفــون ،وفــى نقــاط مختلفــة مــن مســار نقلــه وتســليمه يف عمليــة النقــل واملتاجــرة .وقــد يكــون هنــاك وكيــل الســتقبال األطفــال وتوصيلهــم إلــى نهايــة املســار التــي هــي عــادة جلنــة دائمــة مهمتهــا االســتقبال .وقــد يســاعد آخــرون يف عمليــة االجتــار بتزويــر وثائــق ومســتندات الســفر .ولهــذا تــرى منظمــة العمــل الدوليــة أن الطفــل ضحيــة االجتــار هــو مــن يتعــرض لنقلــه مــن مــكان إقامتــه بقصــد اســتغالله .ويُعتبــر شــريكاً يف اجلرميــة كل مــن يســهم أو يســتفيد مــن هــذه املمارســة .وهــؤالء األطــراف قــد يشــملون أوليــاء األمــور واألوصيــاء والتجــار والوســطاء الذيــن يوفــرون وثائــق الســفر والذيــن يقومــون بنقــل األطفــال ورشــوة املســئولني احلكوميــن وأصحــاب العمــل ومــزوري املســتندات.
43 المنظور اإلسالمي لالتجار في األطفال: هنــاك عــدة أغــراض لالجتــار باألطفــال وهــى الظاهــرة التــي تشــغل بــال كافــة املنظمــات املعنيــة بحقــوق الطفــل ومنظمــات املجتمــع املدنــي بصفــة عامــة .وهــذه األغــراض متثــل أعراضــاً لبعــض األمــراض اخلطيــرة التــي انتشــرت يف كافــة البلــدان ،الناميــة منهــا واملتقدمــة .وتشــمل بعــض هــذه األغــراض :االســتغالل اجلنســي مبــا فيــه الــزواج املوســمي وزواج القاصــرات؛ التســول؛ العمالــة الرخيصــة؛ التبنــي؛ اســتعمال األطفــال كمصــدر لنقــل األعضــاء؛ واســتغالل األطفــال فــى النزاعــات املســلحة والصراعــات السياســية واالضطرابــات الداخليــة. االجتــار باألطفــال نــوع مــن اإلفســاد يف األرض ،ألنــه يجعــل اإلنســان الــذي كرمــه اهلل نوعــا مــن األشــياء التــي تُبــاع وتُشــترى .قــال اهلل تعالــىَ ﴿ :ولَ َق ـ ْد َك َّر ْمنَــا بَ ِنــي آَ َد َم َو َح َملْنَا ُه ـ ْم ِف الْبَ ـ ِّر َوالْبَ ْحـ ِـر َو َر َز ْقنَا ُه ـ ْم مِ ـ َن َّ الط ِّيبَـ ِ ـات َّ َ ـب مـ ْن َخل َ ْقنَــا تَف ِْضيـ ًـا﴾((( .وقــال أيضـاًَ ...﴿ :و َل تَبْـ ِـغ الْ َف َســا َد ِف ْالَ ْر ِ َو َف َّضلْنَا ُهـ ْم َعلَــى َكثِيـ ٍـر ِ َّ ض إ َِّن الل َل يُ ِحـ ُّ ْالُف ِْســدِ ي َن﴾(((. وقــال رســول اهلل ﴿ :ثالثــة أنــا خصمهــم يــوم القيامــة ،منهــم رجــل أعطــى بــى ثــم غــدر ،ورجــل بــاع حــراً وأكل ثمنــه ،ورجــل اســتأجر أجيــراً فاســتوفى منــه ولــم يعطــه أجــره ﴾((( وال يســوغ القــول بكفايــة العقوبــات التــي قررهــا القانــون -وهــى الســجن واحلبــس والغرامــة -للــردع يف تلــك اجلرميــة اإلنســانية الكبــرى .بــل األحــرى أن يكــون ذلــك بشــرح النصــوص اإلســامية عــن بشــاعة هــذه اجلرائــم .فهــذا هــو النهــج التشــريعي املالئــم لتجــرمي وعقــاب هــذه األعمــال اخلطيــرة. معاجلــة ظاهــرة االجتــار باألطفــال تقتضــى بجانــب السياســة العقابيــة الزاجــرة ملرتكبيهــا تعاونــا بــن الــدول الثْ ِــم واملجتمعــات يف القضــاء عليهــا .قــال اهلل تعالــىَ ...﴿ :وتَ َعا َونُــوا َعلَــى الْبِــ ِّر َوال َّتقْــ َوى َو َل تَ َعا َونُــوا َعلَــى ْ ِ َوالْ ُعـ ْد َوانِ .(((﴾...وقــال الرســول ﴿ :كلكــم راع وكلكــم مســئول عــن رعيتــه﴾((( .وقــال أيضـاً ﴿ :إن اهلل ســائل كل راع عمــا اســترعاه حفــظ أم ضيــع حتــى يســأل الرجــل عــن أهــل بيتــه﴾(((.
1 2 3 4 5 6
سورة اإلسراء – اآلية .70 سورة القصص – من اآلية .77 كتاب صحيح البخارى – كتاب البيوع – باب :إثم من باع حراً. سورة املائدة – من اآلية .2 أخرجه البخارى يف صحيحه ،كتاب اجلمعة ،باب :اجلمعة يف القرى واملدن 249 ،248/1ح .893 أخرجه ابن حبان يف صحيحه ،باب :يف اخلالفة واإلمارة 344/10ح .4492ورواه الترمذي 208/4رقم .1705
44 موقف المسيحية من االتجار باألطفال املســيحية ترفــض وتديــن بشــدة أي شــكل مــن أشــكال االجتــار باألطفــال أو بالبشــر وذلــك انطالقــا مــن الكرامــة التــي يحظــى بهــا اجلســد اإلنســاني ،فلقــد خلــق اهلل اإلنســان علــى صورتــه ومثالــه ﴿ ..نَ ْع َم ـ ُل ا ِإلنْ َســا َن َعلَــى صو َر ِتنَــا َك َشـبَهِ نَا( ﴾..تكويــن )26 :1ووهبــه احلريــة واخللــود والعقــل والــذي جمــع يف كيــان واحــد املــادة متمثلــة ُ َ ضَ ،ونَ َفـ َخ ِف أَنْفِ ــهِ نَ َسـ َم َة َح َيــاةٍ . يف جســده والــروح التــي أخذهــا مــن اهلل ﴿ َو َج َبـ َل الـ َّر ُّب ا ِإللـ ُه آ َد َم تُ َرا ًبــا مِ ـ َن األ ْر ِ صــا َر آ َد ُم نَف ًْســا َح َّيـ ًة ﴾ (تكويــن .)7 :2وهكــذا ،اكتســب اجلســد كرامــة خاصــة ،ولهــذا ترفــض املســيحية فكــرة َف َ ـض أَ َحـ ٌد َج َسـ َدهُ َقـ ُّ ـط ،بَـ ْل يَقُوتُـ ُه َويُ َر ِّبيــهِ َ ،ك َمــا الـ َّر ُّب تعذيــب اجلســد أو إهانتــه وأيضـاً االجتــار بــه ﴿ َف ِإ َّنـ ُه لَـ ْم يُبْغِ ـ ْ أَيْ ً ِيســةِ ﴾ (أفســس .)29 :5 ضــا ِلل ْ َكن َ واملســيحية تقــدس اجلســد ،حيــث إن الــروح القــدس يســكن فيــه ﴿ ،أَ َمــا تَ ْعل َ ُمــو َن أَ َّن ُك ـ ْم َهيْ ـ َك ُل اهللَِ ،و ُرو ُح ا ِ هلل وح الْ ُقـ ُد ِس ا َّلــذِ ي يَ ْسـ ُك ُن فِ ي ُكـ ْم؟ ﴾ ( كورنثــوس األولــى )16 :3و﴿ أَ ْم لَ ْسـتُ ْم تَ ْعل َ ُمــو َن أَ َّن َج َسـ َد ُك ْم ُهـ َو َهيْـ َك ٌل لِلـ ُّر ِ فِ ي ُك ـ ُم ،ا َّلــذِ ي لَ ُك ـ ْم مِ ـ َن اهللَِ ،وأَ َّن ُك ـ ْم لَ ْس ـتُ ْم ألَنْف ُِس ـ ُك ْم ؟﴾ ( كورنثــوس األولــى .)19 :6لــذا ترفــض املســيحية أن يضــر اإلنســان اجلســد بــأي شــكل ،ســواء باإلســاءة لــه أو اســتغالله أو اســتخدامه يف ارتــكاب اخلطيــة ﴿ ِإ ْن َكا َن هلل َف َسيُف ِْسـ ُدهُ اهللُ ،ألَ َّن َهيْـ َك َل ا ِ أَ َحـ ٌد يُف ِْسـ ُد َهيْـ َك َل ا ِ س ا َّلــذِ ي أَنْتُـ ْم ُهـ َو ﴾ ( كورنثــوس األولــى )17 :3و هلل ُم َقـ َّـد ٌ ضــا َء زَا ِنيَـ ٍـة؟ َح َ ـيح َوأَ ْج َعل ُ َهــا أَ ْع َ ـيح؟ أَفَآخُ ـ ُذ أَ ْع َ ـي أَ ْع َ اشــا !﴾ ضــا َء ْال َ ِسـ ِ ضــاءُ ْال َ ِسـ ِ أَلَ ْس ـتُ ْم تَ ْعل َ ُمــو َن أَ َّن أَ ْج َســا َد ُك ْم ِهـ َ (كورنثــوس األولــى .)15 :6 الكنيســة ترفــض التجــارة يف األطفــال أو أعضائهــم ،بوصفهــا شــك ً ال مــن أشــكال العبوديــة املعاصــرة واالســترقاق، حيــث يتحــول األطفــال إلــى ســلعة تُبــاع وتُشــتري .وإن كانــت الكنيســة توافــق وتبــارك عمليــات نقــل وزراعــة األعضــاء ألن فيهــا إنقــاذ حيــاة إنســان وهــو أمــر ال يتعــارض مــع الديــن ،وكذلــك ألن االســتعانة بالعلــم مــن أجــل حيــاة اإلنســان ال يتعــارض إطالق ـاً مــع الديــن .إال أنهــا ال توافــق علــى التجــارة باألعضــاء البشــرية.
الخالصة اإلســام واملســيحية يتحــدان يف إدانــة كافــة صــور االجتــار بالبشــر ،الذيــن هــم خلــق اهلل ،فــا ميكــن أن يُباعــوا أو يُشــتروا .جميــع أشــكال االجتــار بالبشــر لهــا آثــار مدمــرة علــى الرفــاه البدنــي والنفســي لألطفــال .فهــي متثــل انتهــاكا حلقوقهــم األساســية يف الرعايــة الصحيــة ،والتعليــم ،وفــرص العمــل وغيرهــا مــن احلقــوق االجتماعيــة والسياســية .كمــا تديــن كلتــا العقيدتــن اســتخدام األطفــال كمصــدر لعمليــات زرع األعضــاء غيــر املشــروعة. وباإلضافــة إلــى مكافحــة املجرمــن الذيــن يســتفيدون مــن االجتــار بالبشــر ،فمــن املهــم التصــدي ألســباب االجتــار باألطفــال ،التــي تشــمل الفقــر واالفتقــار إلــى الوعــي االجتماعــي وتدنــي مســتويات التعليــم.
45
ثاني عشـر :العنف ضد األطفال من خالل التليفزيون واإلنترنت مقدمة كان لالبتــكارات يف تكنولوجيــا االتصــاالت (التليفزيــون املتصــل باألقمــار الصناعيــة ،اإلنترنــت ،وســائل اإلعــام االجتماعيــة ،الهواتــف اخللويــة ،وألعــاب الكمبيوتــر ،ومــا إلــى ذلــك) آثــار مفيــدة كثيــرة يف مجتمعنــا .فقــد بــات النــاس قادريــن علــى التواصــل مــع بعضهــم البعــض آني ـاً ،عبــر البلــدان وعبــر الكــرة األرضيــة ،وعلــى مشــاركة املعلومــات واحلفــاظ علــى االتصــاالت اإلنســانية واألســرية الهامــة ،والتعــرف علــى الثقافــات األخــرى ومتابعــة األحــداث العامليــة والوطنيــة .ورغــم هــذه اإليجابيــات إال أن هــذا التقــدم التكنولوجــي يضــع العديــد مــن التحديات للمجتمعــات ،الســيما األطفــال ،الفئــة املســتضعفة مــن جانــب التكنولوجيــا احلديثــة .فاألطفــال يتأثــرون إلــى حــد كبيــر بوســائل االتصــال احلديثــة والتــي ميكــن أن يكــون لهــا تأثيــر ســلبي خاصــة إذا لــم يتــم إرشــادهم ومراقبــة فتــرات اســتخدامهم لهــذه الوســائل واملــواد التــي يشــاهدونها مــن قبــل أوليــاء أمورهــم أو مــن يرعاهــم .إن كثــرة االســتخدام لهــذه الوســائل لإلتصــال ميكــن أن تفصلهــم عــن أســرهم وعــن أصدقائهــم ،بحيــث يعيشــون يف عزلــة ووحشــة ،بــدال مــن أن يعيشــوا حيــاة التواصــل املباشــر مــع البشــر اآلخريــن. وترجــع التهديــدات التــي يواجههــا األطفــال بســبب اإلنترنــت ومــن خــال تكنولوجيــا االتصــاالت إلــى التعــرض للمشــاهد العنيفــة ،مبــا فيهــا تلــك التــي يتعرضــون لهــا عــن طريــق الفيديــو واأللعــاب ،باإلضافــة إلــى مــواد حتتــوي علــى مشــاهد عنــف جنســي ،أو اإلســاءة اجلنســية لألطفــال واملشــاهد اإلباحيــة. وهنــاك أيضــا مخاطــر مســتحدثة منهــا تعــرض األطفــال لالبتــزاز والبلطجــة علــى شــبكات اإلنترنــت ،وهــي اســتخدام وســائل التواصــل االجتماعــي ملضايقــة األطفــال مــن خــال الكشــف عــن املعلومــات الشــخصية ،ونشــر الشــائعات ،وتوزيــع صــور أو أفــام غيــر الئقــة بهــدف اإلضــرار بصــورة الطفــل وســمعته. ميكــن لألطفــال أيضــا أن يتعرضــوا إلــى مخاطــر الدخــول يف عالقــات جنســية مــع أشــخاص خطريــن ممــن يقومــون بإغــراء األطفــال و اســتدراجهم ووضعهــم يف مواقــف خطيــرة مثــل اإلســاءة اجلنســية ،واالســتغالل واالبتــزاز .وهنــاك أيض ـاً مخاطــر تعــرض األطفــال لصــور أو مشــاهد غايــة يف العنــف قــد تكــون مؤملــة وضــارة لألطفــال وميكــن أن تســهم أيضــا يف تطبيــع العنــف.
46 المنظور اإلسالمي للعنف ضد األطفال من خالل التليفزيون واإلنترنت ميكــن للوالديــن عمــل احلمايــة ضــد عــدد مــن العوامــل حــن يرصــدان عالقــة أطفالهــم مــع األشــكال املختلفــة مــن وســائل اإلعــام ســواء التليفزيــون أو اإلنترنــت ،وذلــك يف إطــار مجموعــة مــن األمــور يجــب جتنبهــا وأخــرى يجــب تفعيلهــا .وهــذا املوضــوع هــو مــن صميــم مســؤولية الوالديــن حيــث يقــول اهلل تعالــى ﴿ :يَــا أَيُّ َهــا ا َّلذِ يـ َن آَ َمنُــوا ال َجــارةُ َعلَي َهــا َم َل ِئ َك ـ ٌة ِغـ َـا ٌظ ِش ـ َدا ٌد َل يَعصــو َن َّ َ الل َمــا أَ َم َر ُه ـ ْم ـاس َو ْ ِ َ ْ ُ ْ ُقــوا أَنْف َُس ـ ُك ْم َوأَ ْهلِي ُك ـ ْم نَــا ًرا َو ُقو ُد َهــا ال َّنـ ُ َويَ ْف َعلُــو َن َمــا يُ ْؤ َمـ ُرونَ﴾((( ،ويقــول الرســول ﴿ :كلكــم راع وكلكــم مســئول عــن رعيتــه ﴾(((. إن تعريــض الطفــل ملــواد متنوعــة ومناقشــة مضمونهــا معــه هــو الســبيل األمثــل لتعريــف الطفــل أن العالــم ليــس مكان ـاً مثالي ـاً كمــا أنــه ليــس مكان ـاً وحشــياً ،بــل هــو ببســاطة مــكان يوجــد فيــه اخليــر والشــر .وعليــه ،ينبغــي أن يتــم تدعيــم قــدرة الطفــل علــى التمييــز بــن اخليــر والشــر ،وتلقينــه ســلوكيات يقــوم بهــا عندمــا يشــاهد أي ســلوك ســيء .وعلــى الوالديــن جتنــب اســتخدام التليفزيــون كجليســة أطفــال ،وهــو مــا يُعــد منوذج ـاً واضح ـاً لتخلــى األبويــن عــن مســئوليتهما جتــاه األبنــاء ويُعــد مخالفـاً لقــول الرســول ﴿ :إن اهلل ســائل كل راع عمــا اســترعاه حفــظ أم ضيــع حتــى يســأل الرجــل عــن أهــل بيتــه ﴾((( .وعلــى األبويــن اتبــاع سياســة الترشــيد وحتديــد عــدد ســاعات اســتخدام التليفزيــون واإلنترنــت ،و جتنــب تشــغيل التليفزيــون علــى الــدوام ،وجتنــب تخصيــص أجهــزة لألطفــال. للوقاية من األخطار الناجمة عن العنف يف وسائل اإلعالم ،ينبغي للوالدين طرح أسئلة للمناقشة ،وعرض وجهة النظر السليمة ،وعدم اللجوء للصمت .ينبغى للوالدين واألطفال مشاهدة التليفزيون دائماً مع بعضهم ،فوجود الوالدين يسمح لهما بتقدمي النصح وتوجيه األطفال امتثاالً لقول الرسول ﴿ :الدين النصيحة ﴾(((.
وينبغي منح األطفال بدائل ترفيهية أخرى ،مثل ممارسة األلعاب ،أو اصطحابهم إلى حديقة ،أو قراءة الكتب والقصص ،وتنمية هواياتهم .وينبغي لآلباء أيضاً منح أطفالهم الفرصة للحوار واملناقشة ،فهذا يعزز لديهم التفكير النقدى ومينحهم القدرة على التمييز العقالنى بني اخلطأ والصواب .كذلك ينبغي أن يشارك الوالدان أطفالهما يف أنشطتهم اإللكترونية ،ومشاركتهم ألعاب الفيديو ،وإضافتهم كأصدقاء على الشبكات االجتماعية ومراسلتهم على بريدهم اإللكترونى ،واالستفسار عن أنشطتهم اإللكترونية ومراقبتها ،ومراقبة صفحات أصدقائهم. 1 2 3 4
سورة التحرمي – اآلية .6 أخرجه البخارى يف صحيحه – كتاب اجلمعة – باب :اجلمعة يف القرى واملدن 249-248/1ح .893 أخرجه ابن حبان يف صحيحه ،باب :يف اخلالفة واإلمارة 344/10ح .4492ورواه الترمذي 208/4رقم .1705 أخرجه مسلم يف صحيحه :كتاب اإلميان – باب :بيان أن الدين النصيحة 74/1ح 55بسنده عن متيم الداري.
47 علــى الوالديــن أيضــا أن يكونــا دائم ـاً علــى وعــى بآخــر التطــورات التكنولوجيــة احلديثــة ،وأال ميتنعــا عــن تقــدمي الدعــم الدينــي واألخالقــي ألطفالهــم. وأخيــراً ،علــى الوالديــن مراقبــة أنشــطة أطفالهــم دون معاقبتهــم ،فاإلفــراط فــى العقــاب يدفــع الطفــل إلــى تبنــى الســلوكيات التــي يُعاقــب عليهــا ،ويجعلــه يتحــن الفرصــة ملمارســة هــذا الفعــل عنــد غيــاب الوالديــن. ال ميكــن معاجلــة العنــف بعنــف مضــاد ،يقــول الرســول :ﷺ « إن الرفــق ال يكــون فــى شــيء إال زانــه ومــا نــزع مــن شــيء إال شــانه» ويقــول أيض ـاً – صلــوات اهلل وســامه عليــه «:إن اهلل إذا أحــب أهــل بيــت أدخــل عليهــم الرفــق».
موقف المسيحية من العنف ضد األطفال من خالل التليفزيون وشبكة االنترنت املســيحية تنبــذ العنــف املوجــه ضــد األطفــال مــن خــال التليفزيــون وترفــض االســتخدام اخلاطــئ لشــبكة الد ْهــ َر ،بَــ ْل تَ َغ َّيــ ُروا َعــ ْن َشــ ْك ِل ُك ْم ِبت َْجدِ يــدِ أَ ْذ َها ِن ُكــ ْم ﴾ (روميــة .)2 :12 االنترنــت ﴿ .الَ ت َُشــاكِ لُوا هــ َذا َّ غيــر أن املســيحية ال ترفــض هــذا العالــم اجلديــد بــكل معطياتــه ،وإمنــا تؤكــد علــى حتدياتــه وتدعــو األطفــال والشــباب إلــى أن يجاهــدوا لكــي يواجهــوا حتديــات هــذا العصــر -كمــا يقــول األنبــا موســي أســقف الشــباب: “يصيــر ملح ـاً ينتشــر ويــذوب يف حــب ،نــوراً يهــزم فلــول الظــام ،خميــرة فيهــا احليــاة اإللهيــة الكامنــة ،رائحــة ذكيــة رائحــة املســيح ،رســالة معروفــة ومقــروءة مــن جميــع النــاس ،وأخيــراً ســفيراً ميثــل اهلل يف كل مــكان يذهــب إليــه نقي ـاً وطاهــراً ومقدس ـاً « .ويضيــف األنبــا موســى يف كتاباتــه لألطفــال “ :أحبائــي ،أنتــم ذخيــرة املســتقبل يف األســرة والكنيســة واملجتمــع ..لذلــك فأنتــم األمــل يف حيــاة مقدســة وســعيدة ألنكــم متلكــون الطاقــة واحللــم ،وكل مــا نترجــاه منكــم أن يكــون كل منكــم شــخصية بطريقــة مســيحية متكاملــة .حــن تشــبع أرواحكــم باملســيح ،وتســتنير أذهانكــم باإلجنيــل ،وتنضبــط نفوســكم بعمــل الــروح القــدس ،وتصلــح أجســادكم بالرياضــة ،وبالبعــد عــن التدخــن واخلمــر واملخــدرات والدنــس ،هكــذا تكــون لكــم الشــخصية املؤثــرة والناجحــة ضَ ،ولكِ ـ ْن ِإ ْن َف َسـ َد ْ ِ يلَّـ ُح؟ “﴾ يف الكنيســة واملجتمــع .فكمــا يقــول الكتــاب املقــدس ﴿ :أنْتُـ ْم مِ ل ْـ ُح األَ ْر ِ الل ْـ ُح َف ِب َمــا َذا ُ َ (متي ﴿ ،)١٣:٥أَنْتُ ْم نُو ُر الْ َعالَ ِم ﴾ (متي .)١٤:٥ وإميانـاً مــن الكنيســة بدورهــا جتــاه األطفــال والشــباب ،وإميانـاً بخطــورة التحديــات التــي تفرضهــا طبيعــة احليــاة احلديثــة وتأثيــرات وســائل اإلعــام وتكنولوجيــا االتصــال احلديثــة ،فإنهــا تســعى مــن خــال مهرجانــات األطفــال والشــباب إلــى تربيــة األجيــال اجلديــدة تربيــة جتمــع بــن التحلــي بــروح العصــر مــع احلفــاظ علــى القيــم الروحيــة واالجتماعيــة األصيلــة .وتقــوم الكنيســة بذلــك مــن خــال تدريــب هــؤالء الفتيــة علــى الرياضــات الروحيــة والفنيــة والرياضيــة لتصريــف فائــض الطاقــة مــن خــال اإلبــداع واألنشــطة اإليجابيــة النافعــة.
48
واجلديــر بالذكــر ،أنــه توجــد جلنــة للطفولــة يف كل إيبارشــية تتولــى شــئون الطفولة وتعد للمؤمتــرات واملهرجانات لألطفــال بصفــة عامــة واألطفــال املبدعــن علــى وجــه اخلصــوص .كمــا تتولــى هــذه اللجــان نشــر نتائــج هــذه املهرجانــات وإبداعــات األطفــال يف كل املجــاالت ،وتعمــل علــى إصــدار املجــات الثقافيــة وإنتــاج املــواد التربويــة املختلفــة التــي تعمــل علــى تربيــة أجيــال تتحلــى بــروح العصــر مــع احتفاظهــا بالقيــم الروحيــة واالجتماعيــة املســيحية.
الخالصة اإلســام واملســيحية يعترفــان بقيمــة األشــكال اجلديــدة مــن التكنولوجيــا واالتصــاالت ،ولكنهمــا يحــذران مــن األخطــار والتحديــات التــي متثلهــا أيضــا .كمــا تشــجعان األســر علــى االســتمرار يف املشــاركة يف حيــاة أطفالهــم – عبــر اإلنترنــت وخارجهــا -ومواصلــة غــرس القيــم الروحيــة واالجتماعيــة اإليجابيــة يف نفوســهم.
****************