1
مقدمة: دخلت الثورة السورية مرحلة جديدة بكل تأكيد بعد سيطرة ثوارىا على مناطق واسعة من البالد كانت ربت سلطة النظام ,وبسبب تغول نظام بشار األسد على الدولة ومؤسساهتا ,عمد منذ اليوم األول لتطويع مؤسسات اػبدمة العامة لصاغبو ويف سبيل ؿباربة الشعب الثائر ,فبٌت اغبواجز العسكرية على أبواب تلك اؼبؤسسات ووضع القناصُت على أسطحها جاعالً منها ثكنات عسكرية ىدفها القنص وقطع أوصال اؼبدينة واصطياد اؼبتظاىرين واعتقال اؼبعارضُت لنظامو ,مث عمد إىل إغالق تلك اؼبؤسسات داخل اؼبناطق اليت مت ربريرىا من قبضتو ,لتزيد أعباء الثوار بذلك عبء جديداً يتمثل يف تقدًن منتجات اػبدمة العامة ,ابتداءً من القضاء والسجل اؼبدين مروراً بتعبيد الطرقات وشق اآلبار وتوصيل الكهرباء وىكذا باذباه التعليم والصحة. ونتيجة ؽبذه األعباء اليت تشكلت يف وجو ثوار سورية الطاؿبُت لتحرير بلدىم من نظام األسد األمٍت العسكري ,تشكلت مهام إضافية وربديات جديدة يف سبيل تقدًن اػبدمات للشعب ,لتنتقل مرحلة الصراع مع األسد إىل مرحلة إدارة ؽبذا الصراع الذي امتد على أكثر من طبس سنوات. وتأيت ىذه الصفحات يف دراسة عملية إلدارة الصراع والتحديات واؼبشاكل الناذبة عنها ,يف سبيل تسليط الضوء على صعوبة ىذه اؼبرحلة واعطاء حزمة من التوصيات يف ىذا اعبانب ,مستخدماً أسلوب دراسة اغبالة –وىي ىنا ضبص القديبة -اليت بقيت بأيد الثوار قرابة ثالث سنوات واستطاع النظام يف النهاية تطويع الظروف للتغلب على الثوار وإخراجهم من أرضهم مع ـبتلف األىايل.
2
فهرس الموضوعات مقدمة البحث
2
فهرس الموضوعات
3
أولا
من إدارة الصراع إلى إدارة المناطق
4
ثانيا
من مشكلة اإلدارة إلى مشكلة التنسيق
9
ثالثا
من مشكلة التنسيق إلى مشكلة التكتالت
11
رابع ا
من مشكلة التكتالت إلى مشكلة السياسة
13
خامسا
إدارة الحرب اإلعالمية
15
سادس ا
المناطق المحاصرة والمناطق المفتوحة...فجوة الختراق
19
سابعا
التوصيات والنتائج
22
3
أولا -من إدارة الصراع إلى إدارة المناطق: ىبوض الثوار اؼبسلحون حرباً ضروس يف سبيل إخراج قوات األسد من منطقة ما ,وما أن يبدأ الثوار بإعالن ىذه اؼبنطقة "منطقة ؿبررة" حىت تبدأ الصواريخ والطائرات بتدمَت تلك اؼبنطقة بشكل شبو تام ,يف سبيل ربويل اؼبنطقة إىل ركام من قبل قوات األسد اليت رفعت شعار "األسد أو كبرق البلد" فمن ال يرضى بتواجد قوات النظام يف اؼبنطقة وتشبيحها واعتقاؽبا وتسلطها على رقاب اؼبدنيُت فعليو أن يواجو الصواريخ والطائرات والرباميل اؼبتفجرة. وما أن تستقر األمور حىت يبدأ من تبقى من سكان اؼبنطقة على قيد اغبياة أو فضلوا البقاء ربت القصف على النزوح والتشرد يف اجملهول ,يبدأ ىؤالء بإعادة ترميم منازؽبم وؿبالهتم ,وتبدأ مسَتة جديدة يف حياة اؼبنطقة ,ىي مسَتة اإلدارة اعبديدة للمنطقة. وماىي إال فًتة قليلة حىت نستطيع أن نلحظ أن فئات تتشارك يف إدارة اؼبنطقة تتألف من اؼبؤسسات اآلتية: الشكل رقم ( )1اؼبؤسسات اليت تتشارك إدارة اؼبنطقة احملررة
المؤسسات المدنية
الكتائب العسكرية
المؤسسات الشرعية
4
وتبدأ اؼبهام اؼبختلفة ؽبذه اؽبيئات بتقدًن اػبدمات العامة للمواطنُت ,وعلى سبيل اؼبثال يف مدينة ضبص وبعد ربرير عدة أحياء داخل اؼبدينة ,بقي يف اؼبنطقة احملاصرة أعداد من اؼبدنيُت يقدروا حبوايل طبسة أالف مدين باإلضافة إىل بضعة آالف من الثوار يف ـبتلف النشاطات األخرى ,كذلك كان يف حي الوعر (الذي تفصلو عن اؼبنطقة القديبة يف ضبص بساتُت وأراضي وبتلها جيش النظام) مئات اآلالف من اؼبدنيُت ,باإلضافة ؼبدنيُت آخرين يف مناطق دير بعلبة (اليت يفصلها عن اؼبنطقة القديبة حي البياضة احملتل من قبل اعبيش) ومناطق قريبة من اؼبنطقة احملاصرة ,كل ىؤالء احتاجوا إىل خدمات كثَتة نتيجة توقف أغلب األنشطة االقتصادية منذ فًتات طويلة وانقطاع الدخل عن معظمهم ,كذلك قطع ـبتلف اػبدمات اؼبقدمة من قبل مؤسسات الدولة. ونتيجة طول فًتة اغبصار بدت اغباجة ملحة للغاية إىل إدارة اؼبنطقة ,باإلضافة إلدارة الصراع الدائر بُت الثوار والنظام. لقد كانت اػبدمات مقطوعة عن اؼبدينة بالكامل ,وكان الطعام والدواء ؿبدود الكمية ,وكان السكان والثوار وبتاجون إىل كل شيء وبتاجو البشر ,يف بقعة يعد العيش فوقها من أصعب اؼبهام على وجو األرض ,الطعام ,اؼبياه الصاغبة للشرب ,الصحة ,التعليم ,الكهرباء ,وغَتىا. لقد اهنالت مئات القذائف يومياً على اؼبنطقة احملاصرة ,وكان الشهداء من الشباب واألطفال والنساء والشيوخ ,فالقصف ال يبيز أحداً ,ومع ىذا بدت اغباجة ملحة يوماً بعد يوم إىل إدارة اؼبنطقة بشكل منظم وعقالين ,باإلضافة إىل ربمل مسؤولية اؼبدنيُت يف اؼبناطق اليت زبضع لسيطرة النظام ,والذي يتشفى منهم عن طريق القصف واالعتقال وقطع اإلمدادات والتحكم باألسعار واػبدمات الطبية وغَتىا.
5
كانت كل كتيبة ,سبتلك مركز خدمة صغَت خاص هبا (عبارة عن فريق لوجسيت وورشات) ,يعمل على تأمُت الطعام واػبدمات األساسية للمقاتلُت ,وكان اؼبدنيون يتلقون اػبدمات ذاهتا من الكتائب غالباً ,كخطوط الكهرباء وتأمُت اؼبياه واػببز وغَتىا ,األمر كان يتطلب الكثَت من اؼبال واعبهد.1 األطباء ,اإلعالميون ,التقنيون ...وغَتىم كل ىؤالء كانوا يعملون جبد ودون أي كلل لتقدًن اغبد األدىن من اػبدمة لكافة األشخاص اؼبوجودين يف اؼبنطقة. لقد ُسجل يف ضبص احملاصرة فقط مائة وطبسُت حالة زواج تقريباً ,وما يزيد عن مائة وشبانُت مولوداً خالل أقل من عامُت ,كما تويف يف اؼبنطقة أكثر من ألف شخص ,وكان ىناك مئات البيوت,
وعاعبت اؼبشايف اؼبيدانية مئات اغباالت من ـبتلف األنواع ,أي أهنا كانت حياة كاملة الدورة ,بوالدة ومعيشة يومية ووفاة. لقد واجو احملاصرون صعوبات كثَتة يف تأمُت الكوادر اػبدمية والفنية إلدارة اؼبنطقة ,كما واجهوا صعوبات مالية ,وصعوبات إمداد ,باإلضافة لصعوبات اغبرب ,فبا عقد األمر وزاد اؼبهمات اؼبرمية على عاتقهم. ويف ظل فقدان التخصصات يف غالبية اجملاالت ,اكتسب بقيّة الثوار الكثَت من اػبربات يف ؾباالت إدارية متعددة ,إال أن األمر تطلب اؼبزيد من اعبهد ,وجعل مساحة الًتكيز أوسع ,فبدالً من ترتيب األمور باذباه إدارة الصراع مع النظام وتركيز اعبهد يف ىذا اعبانب ,تطلب منهم األمر موارد وطاقات يف ظل ظروف ؿبدودة اإلمكانيات إلدارة اؼبناطق ,ومع قباحهم بتقدًن الكثَت من اػبدمات األساسية تطلب األمر منهم الكثَت الكثَت للنجاح بإدارة مناطق ؿباصرة ومعزولة وتتعرض لقصف يومي ,مع موارد شحيحة وحرب إعالمية من قبل النظام ,وقد حقق الثوار يف ىذا اعبانب 2مايأيت:
1قد تصل مصاريف كتيبة من مائيت مقاتل إىل ما يزيد عن ثالثُت ألف دوالر شهرياً ,كمصاريف خدمية فقط ,وقد ساعد اغبصار كثَتاً على تقليل الكلفة بسبب اغبصول على كثَت من اػبدمات بشكل ؾباين ,إال أن الكتائب استمرت بدفع مصاريف ؼبقاتليها بشكل دوري. 2اغبديث ىنا عن اؼبنطقة احملاصرة بالتحديد. 6
.1حافظ الثوار على النظام االجتماعي القائم ,وبقيت العالقات بُت األسر فبيزة بل تضاعفت العالقات بُت اؼبناطق (دبا فيها اؼبسلمُت واؼبسيحيُت يف ضبص القديبة) ,وكذلك بُت اؼبدنيُت والثوار. .2قدمت اؼبؤسسات الثورية خدمات طبية ؾبانية للجميع رغم ضعف اإلمكانات ,أنقذت ىذه اػبدمات العديد من األرواح ,وخففت من آالم اؼبرض واعبراح ,وأعاق وضع اغبصار تطوير تلك اػبدمات حيث كانت يف حدودىا الدنيا وضمن امكانات بسيطة. .3قدم الثوار خدمات تأمُت اؼبياه من اآلبار وكذلك خدمات تقدًن الكهرباء للمنازل عرب مولدات كهربائية طيلة عامُت كاملُت ,وكذلك كان اغبصار ىو العائق لتطوير ىذه اػبدمات. .4استطاع الثوار إدارة اؼبوارد الغذائية بشكل جيّد ,فصمدت معهم اؼبوارد أكثر من عام ونصف
يف ظل حصار تام ,وردبا وجد البعض أن تنظيمها كان وبتاج لبذل مزيد من اعبهد ,إال أن اعبميع ُهبمع على أن اؼبوارد مل تكن عند ذلك اغبد الكايف أو اؼبتجدد.
.5استطاع الثوار بناء نوى ؼبؤسسات أمن ,وقضاء ,وتوثيق ,قدمت اػبدمات اليومية اليت وبتاجها الشخص العادي. .6يضاف إىل ذلك اؼبكاتب اإلعالمية اليت نقلت نبوم الناس ,وبثت أفراحهم وأتراحهم, ووثقت بشكل يومي ,وفوري ؾبريات األحداث يف اؼبنطقة ,وجعلت العامل يف غبظات كثَتة على احملك أمام الصمت اؼبطبق الذي رافق ـبتلف اجملازر اؼبرتكبة من النظام. ورغم صبيع االنتقادات اليت توجو للعمل اؼبؤسسايت يف اؼبنطقة احملاصرة ,إال أن مستوى فبيز من التنظيم كان قد ساد يف تلك اؼبنطقة ,فبا ساعد على صمودىا وتثبيتها لفًتة طويلة من الزمن.3
3يتساءل الكثَتون عن تلك القدرات التنظيمية اعببارة اليت وقفت وراء احملاصرين اؼبتمردين يف كل شيء ,فرتبت أمورىم ,ونظمت جبهاهتم, ؾبلس للتنسيق العسكري ومكاتب خدمية قدمت الكثَت واستطاعت إطباد الفنت والصراعات الداخلية ؼبواجهة عدو واحد ,لقد كان يف ضبص احملاصرةٌ , من التنظيم ألسود شرسة تواجو أعىت آلة قمعية يف العامل. 7
رغم ىذا كان ىناك صبلة من االنتقادات اليت ال يستهان هبا وجهت للعمل يف تلك اؼبناطق نستطيع تلخيصها بـ: .1تشتت اعبهد ومضاعفة العمل وتكرار ـبتلف األعمال من خالل العمل بأسلوب الكتيبة اليت تقدم خدمات لفئة معينة أو منطقة حبد ذاهتا ,فبا تسبب بإضاعة الوقت واؼبورد ,وكانت أقصى درجات التعاون ىي التنسيق دون العمل اؼبشًتك أو اؼبوحد من أجل تقدًن ىذه اػبدمات. .2عدم التوجو كبو الناس اؼبدنيُت والعسكرين إلخراج اؼبتخصصُت منهم أو اؼبؤىلُت أو حىت العمل على تطويرىم يف سبيل اؼبشاركة بأعمال إدارة وتنسيق الشؤون اؼبختلفة ,وقد أغلقت بعض الكتائب على نفسها األبواب حيث مل تقبل اؼبشاركة حىت من الغَت –اللهم إال يف ما يضمن مصلحتها اػبالصة.- .3فقدان اعبهة اؼبشرفة على ـبتلف األعمال واليت تعمل على سد الثغرات وتطوير العمل أو الرقابة عليو ,أو تنويعو ,فظل يف إطار ضيق وؿبدد. .4ضعف التعاون مع اػبارج ,وصعود سياسة اغبنق على كل من زبلف عن نصرة اؼبنطقة احملاصرة ,فبا تسبب بإضعاف التعاون فيما بعد وتقليل فرصو ,كما ضعف بشكل كبَت التواصل مع اؼبؤسسات يف ـبتلف سورية لالستفادة من ذبربتها أو عملها أو تنسيق ـبتلف األعمال اػبارجية.
8
ثانيا -من مشكلة اإلدارة إلى مشكلة التنسيق: باإلضافة ؼبشكلة إدارة اؼبناطق احملررة واليت تأخذ مساحة وحيز كبَت من وقت الكتيبة والثوار ,تظهر مشكلة جديدة يف ىذه اؼبناطق ىي مشكلة التنسيق الداخلي واػبارجي ,وعلى سبيل اؼبثال يف ضبص القديبة ,أدرك الثوار أن مسألة فك اغبصار أكرب بكثَت من إمكانيات ؾبموعات ؿباصرة يف منطقة جغرافية وسط ضبص ,وربيط هبا سلسة من األطواق سبتد لعدة كيلومًتات مساحات سكنية ,وقطع عسكرية ,وأفرع أمنية ,ونشأت اغباجة للتنسيق أكثر فأكثر مع اؼبناطق الثائرة القريبة. لقد كانت مشكلة التنسيق والتواصل مع تلك اؼبناطق أصعب فبا يتخيل البعض ,فمنطقة ربتوي على عشرات اجملموعات اؼبقاتلة العاجزة عن فعل شيء وحدىا ,واليت قد تكون ـبتلفة مع بعضها البعض يف بعض اغباالت ,دون وجود جهة مركزية ترتب ذلك التنسيق ,إنو أمر أصعب بكثَت من مهمة إدارة منطقة ؿبررة. لقد أنشأت اجملموعات اؼبقاتلة شركاء ؽبا يف مناطق قريبة داخل وخارج اؼبدينة ,فأغلب الكتائب اؼبقاتلة يف اؼبنطقة احملاصرة ,كانت لديها سرايا تابعة ؽبا يف منطقيت الوعر والريف الشمايل ,مهمتهما األساسية ىي اإلمداد يف حاالت خاصة ونادرة ومعدودة على األصابع خالل عامُت ,وعرب قنوات ضيقة تكاد يكون اإلمداد معها شبو مستحيل ,أنفاق أرضية ,أنابيب مياه أو صرف صحي ,وغَتىا من الوسائل اليت ربتاج عبهود كبَتة يف إعدادىا ,ومن مث التحرك عربىا ,وفوق كل ىذا اغبفاظ على سريتها يف ؾبتمع ثوري شعيب. لقد لعبت طبقة الفنيُت اإلداريُت ,دوراً كبَتاً يف إسبام عملية التواصل ,وواجهت معظم اؼبناطق مشكلة يف إهباد أولئك الذين هبيدون التقنية بشكل جيد ,ويستطيعون ترتيب األوراق بشكل جيد, وبأولويات تتناسب مع طبيعة العمل والزمن.
9
لقد كانت إدارة الصراع يف منطقة أخرى ,دون معرفة التفاصيل اليت تتعلق باألرض واألشخاص وطبيعة اعببهات أشبو ما تكون باإلحبار دون بوصلة ,لقد أعطت معظم اؼبناطق اؼبركزية للمنطقة احملاصرة إلهباد آليات التنسيق وازباذ القرار ,ولعل أبرز أسباب ىذا األمر ىي: ىدف اؼبعركة الذي يدور حول فك اغبصار عن اؼبنطقة احملاصرة ,وبالتايل ؽبا ومن أجلها. اؽبالة اليت سبتع هبا احملاصرون ,اؼبناضلون ,الثوار ,اعبائعون ,الذين يصمدون يف وجو أعىت األعداء. الشخصيات القيادية اليت كانت حاضرة يف اؼبنطقة احملاصرة ,وأقدمية تلك الشخصيات يف الثورة. كل ىذا جعل من اؼبنطقة احملاصرة تتخذ دور أكرب يف تنسيق اعبهود بُت اجملموعات يف اؼبناطق الثورية القريبة ,فبا جعل بعض القرارات غَت دقيقة وأحياناً غَت صائبة ,وأحياناً أخرى عشوائية وغَت ـبططة أو ذات منظور واحد. لقد كان من الصعب فهم طبيعة اؼبناطق الثورية القريبة من اؼبنطقة احملاصرة ,فهي ربمل يف جوانبها الكثَت من العوامل اؼبتشابكة واؼبتشعبة اليت تعيق قيام جهود ضخمة كعمليات فك اغبصار ,ويضاف إىل ذلك اؼبشاكل االجتماعية واالقتصادية اليت خلفها النظام يف فًتة حكمو ,فقد عزز الفجوة بُت أىل الريف و أىل اؼبدينة ليستميل لو أحد الطرفُت طيلة فًتة حكمو. ولعل مشكلة التنسيق تكاد تكون األكرب على قائمة اؼبشاكل اليت تواجو اؼبناطق احملررة ,حيث تعتقد األطراف اؼبختلفة أهنا تعمل بأمانة وصدق وترى أن اآلخرين أحياناً مقصرون يف أداء ىذه األمانة, فبا يصعب عملية التوصل عبهد تنسيقي مقبول ,كما ترى يف األجسام اؼبوجودة خارج سورية حلقات ال يبكن العمل معها ألسباب كثَتة.
11
ثالثا -من مشكلة التنسيق إلى مشكلة التكتالت: تواجو اؼبناطق احملاصرة اؼبختلفة مشاكل إضافية ىي مشكلة التكتالت اؼبختلفة والتوجهات كبو فكر أو أيديولوجيا أو مؤسسة أو مكون ما ,وقد كان يف ضبص احملاصرة ,كتائب اسالمية وأخرى ذات توجو ثوري شعيب ,وؾبموعات قائمة على أساس مناطقي رباول الدفاع عن فبتلكات أىايل اؼبنطقة ووجودىم مع رغبتها بنصرة اؼبظلومُت ولبوهتا الستجابة أنات اؼبعذبُت ,ىذا خلق صعوبة يف التنسيق بُت كل ىؤالء اعبماعات اليت تتمتع خبلفيات ـبتلفة ,ورغم أن اغبصار ساعد على تطوير رؤية مشًتكة جامعة ألغلب ىذه الفصائل إال أهنا بقيت رغم ذلك متعارضة يف كثَت من القضايا وخاصة تلك اليت تتعلق بازباذ موقف موحد من حدث سياسي ما. لقد تأثرت اؼبنطقة احملاصرة باألحداث اػبارجية أكثر فبا أثرت فيها أو كانت فاعلة فيها ,ومل تكن معظم تلك اػبالفات اليت تعود الصطفافات فكرية وليدة اؼبنطقة نفسها. فعلى سبيل اؼبثال ,عندما بدأ االقتتال يف مشال سورية بُت اعببهة اإلسالمية وكتائب الفاروق من جهة أخرى ,وبُت جبهة النصرة وكتائب أخرى ,وصل التنافر بُت الكتائب يف اؼبدينة ذروتو ,ولكنو مل يتطور الشتباك أو عراك ,وإمبا تباعد عن إجراء لقاءات واجتماعات دورية ,إال أنو ظهر أن الوضع مرشح للتطور يف أوضاع مستقبلية. وقبحت اعبهود -غبكماء اؼبنطقة اؼبقبولُت من صبيع األطراف -بالوصول إىل بيان يؤكد على وحدة صبيع التكتالت يف سبيل ىدف فك اغبصار ,ودعوة اؼبتحاربُت للتحلي بالصرب والتسامح والًتكيز على قضية اسقاط النظام. بعيداً عن تلك اغبادثة حبد ذاهتا ,فقد كانت أيديولوجية الكتائب ,وأحياناً "تضخم األنا" لدى بعض القيادات ,تؤثر كثَتاً على عملية التنسيق بُت تلك الكتائب ,وبالتايل إن كانت تؤثر على قضايا التنسيق فهي بكل تأكيد أثرت على توحيد الصف رغم وحدة اؽبدف واؼبصَت اؼبشًتك. 11
لقد كانت حاالت الرخاء ىي األبعد يف التنسيق واألقرب للخالفات ,وكانت تزيد حاالت التنسيق وتقل اػبالفات عندما يهدد اؼبنطقة ىجوم ما من قوات النظام ,لقد كثرت اػبالفات يف منطقة الوعر بُت تلك التجمعات وقلت يف حي دير بعلبة وبابا عمرو ,وكانت يف حدىا األدىن يف اؼبنطقة احملاصرة ,حيث بالكاد كانت تتطور أو سبنع التواصل والتنسيق الدائمُت ,وكأن اؼبسألة كانت تتعلق بدرجة اػبطر الذي يتهدد اؼبنطقة. لقد برزت يف ضبص -كما يف عموم سورية -ظاىرة " التأدجل اؼبصلحي ,"4فمع ارتفاع تكاليف التسلح ,طمع البعض بالتربعات اػبليجية دفعو "للتسلفن الربغمايت ,"5أو حىت "التصوف الربغمايت" من أجل كسب رضى طالب العلم يف ضبص ,وردبا كانت اؼبشكلة أكرب يف مسألة اؼبتجهُت كبو اؼبنهج السلفي ,حيث أن اؼبزايدات يف النربة واغبديث والتصريح والتسمية أوقعت سورية كلها يف ورطة كبَتة. على سبيل اؼبثال كانت أظباء الكتائب واجملموعات يف بعض األحيان تسمى بأظباء الصحابة وىذا أمر طبيعي وفطري لدى كثَت من اجملموعات ,مث بدأ األمر من أجل تثبيت انتماء الكتيبة إلضافة عبارة ذات داللة واضحة ككتائب كذا اإلسالمية ,مث بدأت اؼبزاودة تتجو كبو زبصيص االسم أكثر ككتائب أىل اؼبنهج أو أىل األثر ,أو كتائب الثوار االسالميُت لنصرة الدين وغَتىا.6 ومل ينحصر األمر على االسم فقط ,بل كانت الفيديوىات التعريفية والبيانات واػبطابات مليئة باؼبزاودات ,فبا دفع الكثَت من الشباب للبحث عن األصوب واألمثل وردبا األعلى نربًة وخطاباً. يف نفس الوقت كان النظام يقاتل كل ىؤالء ويصفهم باإلرىابُت ويقصفهم صبيعاً دون أي سبييز, ولكنهم رغم ذلك مل يستطيعوا ذباوز ىذه اؼبشاكل "التكتلية" وبقيت األمور يف إطار التنسيق أحياناً والتنافر أحياناً أخرى والصراعات الباردة يف معظم األحيان. 4اتباع هنج معُت من أجل كسب مصا ح خاصة باعبماعة ,وليس اقتناعاً باؼبنهج. 5اتباع النهج السلفي من أجل اغبصول على تربعات خليجية. 6مت افًتاض أظباء الكتائب على سبيل اؼبثال و ليس اإلشارة ألحد أو اللمز إليو ,وسَتد مثال عملي خاص ضبص. 12
رابعا -من مشكلة التكتالت إلى مشكلة السياسة: االصطفافات األيديولوجية جعلت من اآلراء حول ـبتلف القضايا متعددة وأحياناً متضاربة ,وولدت أراءً ـبتلفة ,وجعلت مشكلة العمل السياسي واالستفادة من األعمال العسكرية صعباً للغاية ,لدرجة َّ أن ذبنب اػبوض يف األمور تكاد تكون أفضل من السباحة يف ؿبيط يعج بالقناديل وأظباك القرش.
مل تستفد اجملموعات العاملة يف اؼبدينة بشكل عام من أعماؽبا العسكرية لتحقيق مكاسب سياسية, ومل تكن الكيانات اؼبدنية اليت أخذت على عاتقها العمل السياسي وربقيق انتصارات للثورة ,قادرة على اخًتاق اؼبوقف الدويل وربقيق مواقف متقدمة للثورة السورية بشكل عام. حصار دام أكثر من سبعمائة يوم ,آالف الشهداء ,وقصف كيماوي مرتُت على األقل ,ومعارك متنوعة ,وصمود ,ويف النهاية ماىي النتيجة السياسية اليت مت اغبصول عليها من كل ىذا!؟ ,اعبميع كان يسأل ىذا السؤال وأكثرىم ترديداً ؽبذا ىم عموم الناس ,لكن ىل يتحمل ثوار اؼبدينة ذنب عدم البحث عن حصاد سياسي ,يف ظل وجود كيانات وفبثلُت ومفوضُت ,أخذوا على أنفسهم مهمة ترتيب ىذه القضايا؟ ,دبا فيها اجملالس الثورية والعسكرية. "يبدو أن على ثوار اؼبدينة أن يقوموا بكل شيء بأنفسهم" ,عبارة لطاؼبا رددىا الكثَت من قيادات الثوار والعاملُت فيها ,السياسة ,اإلعالم ,وأمور خدمية ـبتلفة ,من اؼبفًتض أن تكون مهمة الكيانات الشريكة اليت أنشئت ؼبثل ىذه اؼبسائل ,لكن البعض اقتنع هبا وشتت جهده وعملو ,وصرف اؼبزيد من الوقت على مسائل مل تكن من صلب زبصصو ,فقد أنشأت معظم الكتائب مكاتباً سياسية لتقوية تواجدىا ورفع صوهتا اػباص هبا ,حيث انعكس على كل مكتب سياسي ؽبجة خاصة بو, وآلية تصريح تستند إىل منهج ورؤية تلك الكتيبة وليس إىل منهج ورؤية الشعب السوري الثائر. لقد خاض ثوار منطقة الوعر ذبربة جيدة من ناحية إدخال البعد السياسي يف العمل العسكري, حيث كانوا يفاوضون عند كل عملية عسكرية على أمر ما ,وبققونو كامالً أو منقوصاً ,إال أهنم كانوا يقومون بذلك بأنفسهم عرب وسيط أو بشكل مباشر. 13
أدرك ثوار اؼبنطقة احملاصرة أن عليهم القيام بعمليات تفاوض سياسي ,بل ردبا ىرعوا إىل القطاف بعد انتهاء موسم اغبصاد ,فأتت شبار العملية السياسية الضخمة اليت أداروىا عرب مفاوضات مع النظام بواسطة اعببهة اإلسالمية ,أعطت خروجهم من اؼبنطقة احملاصرة ساؼبُت ,بينما كان من اؼبمكن –ردبا -أن وبصلوا على مكاسب حقيقة لو استخدم ىذا األمر بشكل أبكر من تلك اؼبرحلة اليت قرروا فيها أن يفعلوا ىذا. لقد تأسس (االئتالف الوطٍت لقوى الثورة) والثوار يف مدينة ضبص يف حصارىم يأملون أن يقدم ؽبم بعض اؼبكتسبات ,وكان قبلو اجمللس الوطٍت السوري ,وكذلك كيانات ثورية وسياسية أخرى ,إال أن إطار التعاون والتنسيق مع ىذه الكيانات كان يف حدوده الدنيا ,وردبا يقع اللوم أيضاً على الكيانات السياسية اؼبوجودة خارجاً حيث مل تقًتب من الشعب الثائر ومعاناتو سباماً ,إال أهنا تكلمت بصوتو وعرفت أؼبو.
14
خامسا -إدارة الحرب اإلعالمية: يُعترب اإلعالم جبهة من جبهات اغبرب ,سواءً كانت تلك اغبرب حرباً تقليدية أو عصابات ,ويعترب
من عناصر القوة وجود كادر إعالمي مؤىل يشارك يف خوض اؼبعركة اإلعالمية على جبهات الكلمة اؼبسموعة (الفيديو ,الوثائقي ,الراديو ,اػبرب )...أو الكلمة اؼبقروءة (كتب ,ؾبالت.)... لعب اإلعالم دوراً ؿبرضاً يف ضبص بداية الثورة ,لقد اعتمد ذلك التحريض على الصورة العاطفية اليت ذبيّش اؼبشاعر ,لقد خاطب اغبواس ,بالصورة والصوت والكلمة ,واستطاع اإلعالم أن وبرك الناس, وأن هبند عدد كبَت من الشباب يف سبيل اؼبعركة ,لكن ىذا التجنيد كان مبٌت على أساس اؼبشاعر وىباطب القلوب أكثر فبا ىباطب العقول ,فبا جعل كثَتاً من الشباب الذين شاركوا بالثورة يف البدايات يكتفون بالدعاء للثوار بالنصر بعد أن ارتقعت سوية العنف اؼبمارس من قبل النظام. نتيجة قلة اػبربة بشكل أساسي ,وقع اإلعالم يف مطبات كثَتة يف ضبص ,فبا أثر على ظبعتو وشكلو, ولعل أبرز ىذه اؼبطبات ىي: .1اػبداع والتضليل :يف منتصف شهر أيلول عام ,2111استلمت عائلة زينب جثة ابنتها البالغة من العمر عشرين عاماً ,بعد أكثر من شهرين على فقداهنا ,بعد أن اختطفتها قوات الشبيحة للضغط على أخيها ؿبمد لتسليم نفسو ,لقد بدت اعبثة مشوىة ,ومقطعة األيدي واألرجل ,ومطموسة اؼبعامل ,قام األىل بتصوير اعبثة مث اػبروج إىل لبنان وعرض الصور على اإلعالم. بعد عدة أيام من انتشار القصة يف ـبتلف الصحف والقنوات ,أخرج النظام زينب على شاشة التلفزيون لتنفي موهتا وتؤكد أهنا على قيد اغبياة! ,وأهنا ىربت من اؼبنزل بسبب الضغوط اؼبمارسة عليها من قبل األىل!. لقد استطاع النظام أن يشوه صورة اإلعالميُت اؼبشاركُت يف ضبلة زينب ,وضرب مصداقية الوسائل اليت أخرجت القصة للعامل. 15
لقد استطاع النظام أن يضلل اإلعالميُت يف ىذه النقطة بسبب عدم خربهتم ,وقدرهتم على التأكد من اػبرب وااللتفات ؼبثل ىذه اؼبسألة. .2اؼببالغة :ودبا أن اػبطاب اإلعالمي يف ضبص قام على أسس عاطفية فقد وقع يف كثَت من اؼبخالفات اليت أدت ؼببالغات غَت مقبولة ,حيث أن األسس العاطفية تعٍت استخدام كلمات وصفية وليست ذات داللة كمية ؿبددة ,فتهييج اؼبشاعر يعتمد على اؼببالغة يف الوصف فبا هبعل اإلنسان يصل دبشاعره إىل مستوى مرتفع حبسب استجابتو للخطاب العاطفي. ىذا األمر ساىم يف تعزيز مسائل اؼببالغة ,ففي تاريخ 2112-2-2وقعت ؾبزرة يف حي اػبالدية حبمص ,نتيجة قصف النظام للحي للمرة األوىل بقذائف اؽباون ,فبا تسب باستشهاد وجرح العشرات ,األمر الذي دفع اإلعالميُت للحديث عن اؼبشهد بأقوى عبارات الوصف, األمر الذي جعل رقم الشهداء يقدر بأكرب من العدد اغبقيقي بكثَت. .3الًتكيز على جانب واحد :لقد بقي إعالم ضبص فًتة طويلة ىباطب اآلخر بأسلوب واحد, ىو أسلوب االستجداء والشفقة ,فوجو صرخاتو اؼبكتوبة واؼبسموعة واؼبشاىدة يف ىذا اعبانب ,فلم يكن الًتكيز على ـبتلف جوانب القضية ,دبا فيها عدالة اؼبسألة ,والرد على أكاذيب النظام واهتاماتو ,باإلضافة إىل الرسائل اؼبوجهة للمقاتلُت واؼبدنيُت ,واالىتمام بإعالم الداخل ورفع الروح اؼبعنوية بدل تثبيط نبم الناس باغبديث العاطفي احملزن. مع بدء العمليات العسكرية ,قام الثوار بعمليات استهداف وقصف ؼبواقع ىامة ,فقتلوا شخصيات كبَتة يف جيش النظام وأمنو وموظفيو ,وكذلك ىاصبوا نقاط بارزة ,لكن اإلعالم مل يتطرق إىل أنبية ذكر ىذه األعمال ,بسبب: .1خوفو من أن يتهم بأنو إرىايب ,وقد كانت االىداف يف ؾبملها أىدافاً مشروعة. .2كذلك أتى خوفو من كونو ال يريد أن يركز على قضية التسلح بل على موضوع سلمية التظاىرات ,علماً أن ىذه األىداف اليت تتعرض ؽبجوم أتى استهدافها ليالً غالباً ويف أوقات 16
بعيدة عن أوقات التظاىرات كذلك يف مناطق بعيدة عن مناطق التظاىرات ,وال يعٍت استهداف ىذه األىداف أي طعن بسلمية التظاىرات ,وإن كان إبراز ىذه األعمال صورة جيدة من صور الرد على استهداف التظاىرات السلمية نفسها والتأكيد على عدم سكوت الثوار على مثل ىذا. .3كذلك كان اعبهاز اإلعالمي اؼبرتبط بالثوار اغباملُت للسالح ضعيفاً ,وسبيز بقلة التنسيق بُت الثوار واإلعالميُت يف مرحلة البداية بشكل خاص. ومع انتشار العمل اؼبسلح بشكل واسع ,انقسم اإلعالم إىل إعالم مدين وآخر عسكري ,وصار لكل كتيبة فريق إعالمي مستقل ,وقد كانت مهمة ىذه الفرق تًتكز حول مسألة إشهار الكتيبة وأعماؽبا بشكل أساسي وتأخَت أىداف إرىاب العدو أو دعوة اؼبقاتلُت لعمل ما ,وأيضاً كان التنسيق بُت الفرق العاملة يف ـبتلف الكتائب يكاد يكون معدوماً ,فبا سبب تكراراً لكثَت من األفكار واؼبواد وإضاعة للجهد واؼبال. كما غاب اعبهاز اؼبنسق بُت الفرق اإلعالمية اؼبدنية ,وتركز العمل على نقل أحداث القصف وانتهاكات النظام يف ؾبمل األعمال اإلعالمية ,مع تطور ملحوظ يف نقل أحداث معينة بعينها ,لكن بدا عليها غياب الربنامج الرئيسي للعمل واػبطة الواسعة للنشاط اإلعالمي يف ـبتلف مناطق ضبص. وقد وقع كثَتٌ من اإلعالميُت فريسة ألجهزة االستخبارات الدولية ,فكانوا يف بعض اغباالت عُت ىذه األجهزة يف مناطق تواجد الثوار دون أن يشعروا ,فنقلوا ؽبم معلومات قد تكون مشهورة بُت السكان إال أهنا مل تكن مشهورة إىل ذلك اغبد الذي زبرج فيو إىل دولة أخرى ,وقد تكون مغريات النقل بسيطة ,كالدافع يف نقل اؼبعلومات إىل ـبتلف اعبهات وإيصال الصوت إىل ـبتلف بقاع األرض ,أو بسبب إعادة شحن جهاز االنًتنت الذي ثقل على اإلعالميُت دفع كلفتو ,أو لغَتىا من األسباب البسيطة.
17
وقد سانبت قلة من اإلعالميُت أيضاً بفتح جبهات واسعة يف الصراع بُت "اؼبتخالفُت" وتعزيز ذلك الشقاق بدل ردمو والًتكيز على اؽبدف األساسي اؼبتمثل بإسقاط النظام ,فبثوا اػبالف ونقلوا اآلراء دون ذبميل بل وأحياناً دببالغة وزيادة ,ولعل أبرز أسباب ىذا األمر كان: .1رغبة اإلعالمي بأن ربيط بو ىالة الوجود واالىتمام ,بنقل الغريب من األحداث وما يشد الناس من مشاكل ومصائب وخالفات. .2الكبت الذي تعرض لو السوريون يف عهد النظام ,والذي دفع اعبميع –دبا فيهم اإلعالميُت- للتعبَت عن رأيهم بدون أي قيود وبأقصى حد فبكن من التعبَت ,حىت لو كان ضاراً بالثورة وأىدافها. .3ضعف البصَتة للبعض ,واعبهل باألىداف اغبقيقية للعمل اإلعالمي الثوري. .4غياب اؼبوجو واؼبؤثر يف اػبطاب اإلعالمي. مع كل ىذا ,فقد خاطر اإلعالميون بأرواحهم وما يبلكون من موارد وقدرات ,لنقل صورة واحدة أو أكثر ,واستشهد منهم العشرات يف ـبتلف اؼبواقع لنقل حدث أو إرسال خرب ,ورافقوا العسكريُت واؼبدنيُت يف ـبتلف األحداث ,وقدموا مبوذجاً عالياً من التضحية والعطاء. كذلك خاض النظام حرباً نفسية من غَت قتال ضد ثوار اؼبدينة ,فكانت رسالتو وخطابو يًتكز من حيث اؼببدأ على: .1ضبلة السالح ىم من الرعاع ,اللصوص ,مدمٍت اؼبخدرات ,أصحاب اؼبصا ح اػباصة ,وليس ؽبم قضية. .2السالح يتدفق من اػبارج ,عرب دول تريد لسورية اػبراب والدمار ,ويتقاضى ضبلة السالح مبالغ من أجهزة استخبارات خارجية. .3ىناك أجانب تابعُت ألجهزة ـبابرات أجنبية بُت اجملموعات اؼبسلحة ,ضباطاً أو عسكريُت, يدربون الناس على القتال ضد الدولة. 18
واستمر إعالم النظام ,يردد آخباره ونشراتو وأفالمو ومقاالتو حول ىذه األىداف فًتة طويلة من الزمن والوقت ,حىت اقتنع هبا البعض وصار بعضهم يصدقها مربراً تركو االلتحاق بالثورة أو خوفو من ضبل السالح. مث تطور اػبطاب اإلعالمي للنظام أكثر فأكثر ,وصار أقرب من الواقع واؼبعرفة بو ,فصار يشهر بالثوار باالسم وينشر اإلشاعات حوؽبم ,ويستخدم الصفحات الثورية اؼبزيّفة لإلعالن عن ىذه اإلشاعات ويبٍت اغبسابات اإللكًتونية لنشرىا وتعزيزىا ,ويقدمها بأسلوب جيد مقبول للناس ,حىت صار كثَتٌ من شرفاء الثورة لصوصاً أو خونةً يف أعُت الناس ,مستغالً بذلك طول فًتة الثورة وحبث الناس عن أسباب اػبذالن اؼبادية ,فوجدوا أن أكرب األسباب قد تكون فساد الثوار أنفسهم ,واعبميع يعلم بالتفكَت العلمي اجملرد أن معظم العامل وبارب من وراء بشار ,دبا فيو كثَتٌ من الدول اليت تدعي
أهنا صديقة للشعب السوري ,وأن الثورة يتيمة من اليوم األول ,وأن ما يقدمو الثوار على اعببهات من تضحيات ىو السبب األول واألخَت واألساسي والثانوي لبقاء الثورة مشتعلة ملتهبة.
سادسا -المناطق المحاصرة والمناطق المفتوحة ...فجوة الختراق: لطاؼبا بقيت فكرة ( اجملتمعات اؼبغلقة ,الدولة اؼبغلقة ,اغبدود اؼبغلقة )... ,نظريةً حبتةً ,يستخدمها األكاديبيون يف دراستهم لتبسيط دراسة "الظاىرة" ,فاغبركية الدائمة ربد من قدرة الدارس على استخالص النتائج ,ومع تطور األحداث يف الثورة السورية ,بدأت تنشأ ظاىرة اؼبناطق احملاصرة ,واليت تعترب تطبيقاً عملياً لتلك الفكرة النظرية. اغبركية والقدرة على الدخول واػبروج عرب "اؼبنفذ/اؼبنافذ" إىل اؼبناطق اؼبفتوحة ربمل يف إهبابياهتا الكثَتة جرثومة االخًتاق ,اعبرثومة اليت زرعها النظام ,وعمل على نشرىا ,حىت صارت مرضاً حقيقياً ينتشر يف كل اجملتمعات الثورية اؼبفتوحة ,وإن كانت اجملتمعات اؼبغلقة تنتاهبا نوبات مرضية يف أوقات معينة ,إال أهنا معافاة -غالباً -من مرض االخًتاق ,وتلك النوبات إمبا تصيبها عرب "اؼبنافذ
19
االفًتاضية" ,فالتواصل عرب االنًتنت ,وأجهزة اؽباتف ,والربامج اليت تعتمد على الشبكة ...ىي أحد أىم أسباب اخًتاق تلك اجملتمعات احملاصرة واليت يصعب الوصول إليها "فيزيائياً" يف أغلب األحيان. االخًتاق من وجهة نظر النظام ليس ىو ذلك االخًتاق التقليدي ,الذي ىبطر على بال البعض, فاؼبخربون التقليديون واغبصول على اؼبعلومات ىي أول ما يتبادر إىل ذىن القارئ عند اغبديث عن موضوع االخًتاق ,إال أن األمر يف اجملتمعات اؼبفتوحة أكرب من ذلك بكثَت ,وقد ال يبلك البعض اعبرأة على القول أننا نعيش ونتعامل مع مؤسسات جزء منها ـبًتق "من أطبص القدمُت حىت النخاع" ,بل إن مؤسسات ثورية أو عسكرية أو مدنية ,مت انشاءىا من قبل النظام نفسو ,وال يقتصر األمر على انضمام بعض الكتائب اؼبنشأة من قبل النظام إىل تنظيمات معينة ,وال على زرع قيادات نوعية يف مؤسسات عسكرية ,بل إىل كيانات وأفراد يعملون مع النظام ,بل ىم جزء من ذلك "النظام /اؼبنظومة األمنية" ,وال تقتصر أعماؽبا على نقل اؼبعلومات بل تتعدى ذلك إىل تنفيذ برامج. إن طبيعة اؼبناطق اؼبغلقة ,تسهل على اؼبنتقلُت عرب اؼبنافذ التعامل مع الطرفُت (الثوار و النظام), وذبعل من األمر سهالً واعتيادياً ,النزوح والتغَت الدائم للسكن يف تلك اجملتمعات بسبب طبيعة اؼبعارك ,أمر آخر هبعل من الصعوبة دبكان التعرف على الوافدين اعبدد ,الرغبة يف إبقاء شعرة معاوية بُت مؤسسات الدولة اػبدمية اليت يديرىا النظام وبُت تلك اؼبناطق سبب أخر لتوسيع ىوة االخًتاق بُت اؼبناطق اؼبفتوحة ونظَتهتا اؼبغلقة. قد يكون اؽبدف النهائي لذلك االخًتاق اعبذري ىو تثبيط الثورة ,وإحباط أعماؽبا ,ووقف تدفقها اعبارف ,وإن حجم االخًتاق لتلك اؼبؤسسات يقدم سبباً عظيماً من أسباب طول أمد ثورة الكرامة, وقد يكون اؽبدف النهائي لكل ذلك االخًتاق ىو فرملة الثورة وربويلها عن مسارىا (االنقالب عليها). اؼبناطق احملاصرة على الرغم من الويالت اليت تعيشها إال أهنا تعيش يف مستوى أفضل بكثَت من مثيالهتا اؼبفتوحة من حيث االخًتاق ,وبُت ىذه اجملتمعات وتلك فجوة واسعة ,وبكل تأكيد ليس 21
اغبل بأن ندفع بإغالق اؼبناطق اؼبفتوحة ,بل دعونا نستعَت من تلك اؼبناطق احملاصرة مصطلحاً قريباً ىو مصطلح "التحصُت" ,ربصُت اجملتمعات اؼبغلقة ومؤسساهتا اؼبختلفة ,ضد جرثومة االخًتاق تلك, من خالل نظام ضبط وتدقيق واستعالم ومراقبة. لقد استطاع الثوار اؼبوجودون يف اؼبنطقة احملاصرة ,أن ينظفوا بيئتهم بشكل واسع من االخًتاقات حىت ضعف التواجد االستخبارايت على األرض ,وقد استفادوا من ذلك بشكل كبَت ,بينما بقيت البيئات اؼبفتوحة كحي الوعر مثالً عظيمة االخًتاق ,ومل تنشئ يف ىذه البيئات اؼبغلقة أي تنظيمات متطرفة أو يدخل إليها أجانب أو متطوعُت مهما كانت جنسيتهم ,وكانت ىذه ميزة يبكن استثمارىا والعمل عليها.
21
سابعا :التوصيات والنتائج: يبكننا أن نستخلص بسهولة صعوبة األدوار اؼبطلوب من الثائر أن يلعبها يف اؼبناطق احملررة ,ويف نفس الوقت استحالة تفرد شخص أو كيان بالعمل على ربقيق اقبازات تذكر ,وإنو البد من التعاون بُت اؼبؤسسات اؼبدنية والعسكرية والشرعية واعتماد مبدأ التخصص يف العمل من أجل الوصول إىل صيغة انتاجية مفيدة ومثمرة ,كما يبكن أن نضع التوصيات اآلتية: .1البد من وصول الكتيبة واؼبؤسسة واؽبيئة الشرعية وأي كيان آخر على األرض لقناعة مفادىا ضرورة العمل اؼبشًتك وعلى أعلى مستوى بُت ـبتلف القطاعات اؼبوجودة يف اؼبنطقة احملررة. كذلك البد من التعاون والتكامل بُت اؼبؤسسات يف الداخل واؼبؤسسات يف اػبارج ,فبينما يطلب من اؼبؤسسات يف خارج سورية أن تكون أكثر قرباً من معاناة الناس يف الداخل السوري, يطلب من مؤسسات الداخل اإليبان بالدور الذي تلعبو اؼبؤسسات خارج سورية وأنبية ىذا الدور وتكاملو. .2ال يبكن لفصيل ما أو مؤسسة أن تلغي األخرى ,وعلى اعبميع أن يعملوا يف إطار صيغة تنافسية يف اجملاالت اؼبتشاهبة لتقدًن اػبدمة األفضل واألداء األعلى بأقل كلفة فبكنة. .3البد أن تكون يف ـبتلف اؼبناطق احملررة جهة ما عليا (ؾبلس ؿبلي ,ؾبلس عسكري ,ىيئة مدنية ).....لتنسيق األداء وتطويره والرقابة عليو ,وسد الفراغات والثغرات والعمل على تنظيم سَت األحداث واألعمال. .4بناء اسًتاتيجية لتنمية (سبل العيش) من خالل ؾبموعة من برامج عمل ومشاريع يسهم هبا صبيع الفاعلُت األساسيُت يف قطاع (سبل العيش واإلنعاش اؼببكر) هتدف بشكل أساس إىل القضاء على مواطن الضعف االقتصادي لدى السكان يف األجل القصَت من خالل توليد فرص العمل وتعزيز مبدأ االعتماد على الذات ووقف استنزاف أصوؽبم ومدخراهتم والتقليل من االعتماد على اؼبساعدات اؼبادية واإلغاثية .وتدعيم قدرهتم على امتصاص الصدمات 22
الناصبة عن تدىور سبل العيش وفقداهنا يف األجل الطويل ,وضمان ربقيق التنمية اؼبستدامة مستقبال يف ىذه اؼبناطق بعد توقف اغبرب. .5اؼبعاناة اؼبستمرة من القصف الذي يؤدي إىل تدمَت البٌت التحتية ,واؼبنشآت ,واؼبؤسسات, والعمل يصبح صعباً ربت القصف ,باإلضافة إىل ضعف التمويل ,حيث ال تستطيع أي جهة مدنية مستقلة تغطية كافة أعباء اؼبناطق احملررة من النواحي اػبدمية ,فال بد ؼبنظمات اجملتمع الدويل الداعمة النظر يف حال الشعب السوري والعمل لتأمُت أىم النواحي اػبدمية يف اغبياة. .6كانت ؾبموعات الثوار يف سورية ىي األسرع حىت اآلن يف كثَت من األحيان من االئتالف أو التعرف على االحتياجات وتلبيتها .وكانت سباقة يف معاعبة اغباجة إىل اجمللس الوطٍت يف ّ إهباد أجهزة أمنية ونظام قضائي ,وتوفَت الغذاء والوقود ,والفصل يف اؼبنازعات ,ومنع النهب يف األحياء والقرى الواقعة ربت سيطرهتا ,كذلك القيام بأعمال اإلغاثة اإلنسانية واػبدمات واؼبصاغبة وتسوية اؼبنازعات ,والدعوة الدينية والفتاوى ,وصوال إىل الدعوة إلنشاء قوة شرطة تنفيذية ,وعلى اغبكومة السورية اؼبؤقتة واعبهات اؼبدنية األخرى دعم ومأسسة ىذه الكيانات ,حبسب األولوية ,وتنظيمها ضمن إطار خدمة اؼبواطن. تكرس اؽبيئات السياسية سواء اجمللس الوطٍت السوري أو اإلئتالف الوطٍت .7يف اؼبقابل ,مل ّ نفسها دبا فيو الكفاية للقيام هبذه اؼبهمة .فقد وفّرا بعضاً فبا لديهما من سبويل ألفراد أو عبان داخل سورية الستخدامو يف عمليات اإلغاثة ,لكنهما فشال يف إنشاء قاعدة دعم لوجسيت مهمة يف جنوب شرق تركيا حيث كانت الفرصة ساكبة للقيام بذلك نظراً لعالقات العمل اعبيدة مع السلطات الًتكية ,واليت ظبحت باالنتقال إىل سورية من دون قيود تقريباً منذ أن انتزع الثوار السيطرة على اؼبعابر اغبدودية. - 8االسًتاتيجية اإلعالمية مطلوبة دائماً ويتضاعف طلبها وأنبيتها خالل اغبروب ,فكيف إن كانت اغبربُ تشن من قبل دول كربى كروسيا ومعها إيران واؼبليشيات الطائفية ,كل ىذا يستدعي 23
إسًتاتيجية إعالمية ثورية موحدة ومركزة ونشطة يتم السهر عليها ليل هنار ,وبناء على ذلك يبكن إطالق غرفة عمليات إعالمية مشًتكة وموحدة تضم كل الفصائل الثورية ومؤسسات اؼبعارضة يف سورية ,حبيث يفرز كل فصيل أو صباعة أو مؤسسة عضواً منها لتشكيل غرفة عمليات إعالمية مشًتكة على وسائل التواصل االجتماعي وغَتىا ,و أن تقوم ىذه الغرفة بدراسة كل اؼبعطيات السياسية والعسكرية اليومية وتقدًن النصائح للناشطُت على "الفيسبوك والتويًت" وغَتنبا ليخدم بذلك اؼبستوى احمللي السوري ,أو اؼبستوى العريب أو الدويل ,من دفع ألكاذيب ,أو تأكيد على وقائع, باإلضافة إىل ربديد (ىاشتاغات(أسبوعية أو يومية أو شهرية ترد على كل الشبهات واألكاذيب. – 9أن تعمل اؽبيئة السياسية اؼبمثلة للثورة السورية على ازباذ اؼبناطق احملررة قاعدة النطالق عملها ,وأن ال تبقى حبيسة دول اعبوار ,وأن تكون إدارة اؼبناطق احملررة بؤرة الًتكيز يف أعماؽبا ومؤسبراهتا , فمثال قبحت ىيئة التفاوض بالًتكيز على اعبانب اإلنساين ومعاناتو يف اؼبناطق احملاصرة يف إظهار حجم الكارثة اؼبًتتبة على ذلك.
24