المشاكل الناتجة عن إدارة الصراع في المناطق المحررة حمص المحاصرة نموذج وتجارب

Page 1

1


‫مقدمة‪:‬‬ ‫دخلت الثورة السورية مرحلة جديدة بكل تأكيد بعد سيطرة ثوارىا على مناطق واسعة من البالد‬ ‫كانت ربت سلطة النظام‪ ,‬وبسبب تغول نظام بشار األسد على الدولة ومؤسساهتا‪ ,‬عمد منذ اليوم‬ ‫األول لتطويع مؤسسات اػبدمة العامة لصاغبو ويف سبيل ؿباربة الشعب الثائر‪ ,‬فبٌت اغبواجز‬ ‫العسكرية على أبواب تلك اؼبؤسسات ووضع القناصُت على أسطحها جاعالً منها ثكنات عسكرية‬ ‫ىدفها القنص وقطع أوصال اؼبدينة واصطياد اؼبتظاىرين واعتقال اؼبعارضُت لنظامو‪ ,‬مث عمد إىل‬ ‫إغالق تلك اؼبؤسسات داخل اؼبناطق اليت مت ربريرىا من قبضتو‪ ,‬لتزيد أعباء الثوار بذلك عبء‬ ‫جديداً يتمثل يف تقدًن منتجات اػبدمة العامة‪ ,‬ابتداءً من القضاء والسجل اؼبدين مروراً بتعبيد‬ ‫الطرقات وشق اآلبار وتوصيل الكهرباء وىكذا باذباه التعليم والصحة‪.‬‬ ‫ونتيجة ؽبذه األعباء اليت تشكلت يف وجو ثوار سورية الطاؿبُت لتحرير بلدىم من نظام األسد األمٍت‬ ‫العسكري‪ ,‬تشكلت مهام إضافية وربديات جديدة يف سبيل تقدًن اػبدمات للشعب‪ ,‬لتنتقل مرحلة‬ ‫الصراع مع األسد إىل مرحلة إدارة ؽبذا الصراع الذي امتد على أكثر من طبس سنوات‪.‬‬ ‫وتأيت ىذه الصفحات يف دراسة عملية إلدارة الصراع والتحديات واؼبشاكل الناذبة عنها‪ ,‬يف سبيل‬ ‫تسليط الضوء على صعوبة ىذه اؼبرحلة واعطاء حزمة من التوصيات يف ىذا اعبانب‪ ,‬مستخدماً‬ ‫أسلوب دراسة اغبالة –وىي ىنا ضبص القديبة‪ -‬اليت بقيت بأيد الثوار قرابة ثالث سنوات واستطاع‬ ‫النظام يف النهاية تطويع الظروف للتغلب على الثوار وإخراجهم من أرضهم مع ـبتلف األىايل‪.‬‬

‫‪2‬‬


‫فهرس الموضوعات‬ ‫مقدمة البحث‬

‫‪2‬‬

‫فهرس الموضوعات‬

‫‪3‬‬

‫أولا‬

‫من إدارة الصراع إلى إدارة المناطق‬

‫‪4‬‬

‫ثانيا‬

‫من مشكلة اإلدارة إلى مشكلة التنسيق‬

‫‪9‬‬

‫ثالثا‬

‫من مشكلة التنسيق إلى مشكلة التكتالت‬

‫‪11‬‬

‫رابع ا‬

‫من مشكلة التكتالت إلى مشكلة السياسة‬

‫‪13‬‬

‫خامسا‬

‫إدارة الحرب اإلعالمية‬

‫‪15‬‬

‫سادس ا‬

‫المناطق المحاصرة والمناطق المفتوحة‪...‬فجوة الختراق‬

‫‪19‬‬

‫سابعا‬

‫التوصيات والنتائج‬

‫‪22‬‬

‫‪3‬‬


‫أولا‪ -‬من إدارة الصراع إلى إدارة المناطق‪:‬‬ ‫ىبوض الثوار اؼبسلحون حرباً ضروس يف سبيل إخراج قوات األسد من منطقة ما‪ ,‬وما أن يبدأ الثوار‬ ‫بإعالن ىذه اؼبنطقة "منطقة ؿبررة" حىت تبدأ الصواريخ والطائرات بتدمَت تلك اؼبنطقة بشكل شبو‬ ‫تام‪ ,‬يف سبيل ربويل اؼبنطقة إىل ركام من قبل قوات األسد اليت رفعت شعار "األسد أو كبرق البلد"‬ ‫فمن ال يرضى بتواجد قوات النظام يف اؼبنطقة وتشبيحها واعتقاؽبا وتسلطها على رقاب اؼبدنيُت فعليو‬ ‫أن يواجو الصواريخ والطائرات والرباميل اؼبتفجرة‪.‬‬ ‫وما أن تستقر األمور حىت يبدأ من تبقى من سكان اؼبنطقة على قيد اغبياة أو فضلوا البقاء ربت‬ ‫القصف على النزوح والتشرد يف اجملهول‪ ,‬يبدأ ىؤالء بإعادة ترميم منازؽبم وؿبالهتم‪ ,‬وتبدأ مسَتة‬ ‫جديدة يف حياة اؼبنطقة ‪ ,‬ىي مسَتة اإلدارة اعبديدة للمنطقة‪.‬‬ ‫وماىي إال فًتة قليلة حىت نستطيع أن نلحظ أن فئات تتشارك يف إدارة اؼبنطقة تتألف من اؼبؤسسات‬ ‫اآلتية‪:‬‬ ‫الشكل رقم (‪ )1‬اؼبؤسسات اليت تتشارك إدارة اؼبنطقة احملررة‬

‫المؤسسات‬ ‫المدنية‬

‫الكتائب‬ ‫العسكرية‬

‫المؤسسات‬ ‫الشرعية‬

‫‪4‬‬


‫وتبدأ اؼبهام اؼبختلفة ؽبذه اؽبيئات بتقدًن اػبدمات العامة للمواطنُت‪ ,‬وعلى سبيل اؼبثال يف مدينة‬ ‫ضبص وبعد ربرير عدة أحياء داخل اؼبدينة‪ ,‬بقي يف اؼبنطقة احملاصرة أعداد من اؼبدنيُت يقدروا حبوايل‬ ‫طبسة أالف مدين باإلضافة إىل بضعة آالف من الثوار يف ـبتلف النشاطات األخرى‪ ,‬كذلك كان يف‬ ‫حي الوعر (الذي تفصلو عن اؼبنطقة القديبة يف ضبص بساتُت وأراضي وبتلها جيش النظام) مئات‬ ‫اآلالف من اؼبدنيُت‪ ,‬باإلضافة ؼبدنيُت آخرين يف مناطق دير بعلبة (اليت يفصلها عن اؼبنطقة القديبة‬ ‫حي البياضة احملتل من قبل اعبيش) ومناطق قريبة من اؼبنطقة احملاصرة‪ ,‬كل ىؤالء احتاجوا إىل‬ ‫خدمات كثَتة نتيجة توقف أغلب األنشطة االقتصادية منذ فًتات طويلة وانقطاع الدخل عن‬ ‫معظمهم‪ ,‬كذلك قطع ـبتلف اػبدمات اؼبقدمة من قبل مؤسسات الدولة‪.‬‬ ‫ونتيجة طول فًتة اغبصار بدت اغباجة ملحة للغاية إىل إدارة اؼبنطقة‪ ,‬باإلضافة إلدارة الصراع الدائر‬ ‫بُت الثوار والنظام‪.‬‬ ‫لقد كانت اػبدمات مقطوعة عن اؼبدينة بالكامل‪ ,‬وكان الطعام والدواء ؿبدود الكمية‪ ,‬وكان السكان‬ ‫والثوار وبتاجون إىل كل شيء وبتاجو البشر‪ ,‬يف بقعة يعد العيش فوقها من أصعب اؼبهام على وجو‬ ‫األرض‪ ,‬الطعام‪ ,‬اؼبياه الصاغبة للشرب‪ ,‬الصحة‪ ,‬التعليم‪ ,‬الكهرباء‪ ,‬وغَتىا‪.‬‬ ‫لقد اهنالت مئات القذائف يومياً على اؼبنطقة احملاصرة‪ ,‬وكان الشهداء من الشباب واألطفال والنساء‬ ‫والشيوخ‪ ,‬فالقصف ال يبيز أحداً‪ ,‬ومع ىذا بدت اغباجة ملحة يوماً بعد يوم إىل إدارة اؼبنطقة بشكل‬ ‫منظم وعقالين‪ ,‬باإلضافة إىل ربمل مسؤولية اؼبدنيُت يف اؼبناطق اليت زبضع لسيطرة النظام‪ ,‬والذي‬ ‫يتشفى منهم عن طريق القصف واالعتقال وقطع اإلمدادات والتحكم باألسعار واػبدمات الطبية‬ ‫وغَتىا‪.‬‬

‫‪5‬‬


‫كانت كل كتيبة‪ ,‬سبتلك مركز خدمة صغَت خاص هبا (عبارة عن فريق لوجسيت وورشات)‪ ,‬يعمل على‬ ‫تأمُت الطعام واػبدمات األساسية للمقاتلُت‪ ,‬وكان اؼبدنيون يتلقون اػبدمات ذاهتا من الكتائب‬ ‫غالباً‪ ,‬كخطوط الكهرباء وتأمُت اؼبياه واػببز وغَتىا‪ ,‬األمر كان يتطلب الكثَت من اؼبال واعبهد‪.1‬‬ ‫األطباء‪ ,‬اإلعالميون‪ ,‬التقنيون ‪...‬وغَتىم كل ىؤالء كانوا يعملون جبد ودون أي كلل لتقدًن اغبد‬ ‫األدىن من اػبدمة لكافة األشخاص اؼبوجودين يف اؼبنطقة‪.‬‬ ‫لقد ُسجل يف ضبص احملاصرة فقط مائة وطبسُت حالة زواج تقريباً‪ ,‬وما يزيد عن مائة وشبانُت مولوداً‬ ‫خالل أقل من عامُت‪ ,‬كما تويف يف اؼبنطقة أكثر من ألف شخص‪ ,‬وكان ىناك مئات البيوت‪,‬‬

‫وعاعبت اؼبشايف اؼبيدانية مئات اغباالت من ـبتلف األنواع‪ ,‬أي أهنا كانت حياة كاملة الدورة‪ ,‬بوالدة‬ ‫ومعيشة يومية ووفاة‪.‬‬ ‫لقد واجو احملاصرون صعوبات كثَتة يف تأمُت الكوادر اػبدمية والفنية إلدارة اؼبنطقة‪ ,‬كما واجهوا‬ ‫صعوبات مالية‪ ,‬وصعوبات إمداد‪ ,‬باإلضافة لصعوبات اغبرب‪ ,‬فبا عقد األمر وزاد اؼبهمات اؼبرمية‬ ‫على عاتقهم‪.‬‬ ‫ويف ظل فقدان التخصصات يف غالبية اجملاالت‪ ,‬اكتسب بقيّة الثوار الكثَت من اػبربات يف ؾباالت‬ ‫إدارية متعددة‪ ,‬إال أن األمر تطلب اؼبزيد من اعبهد‪ ,‬وجعل مساحة الًتكيز أوسع‪ ,‬فبدالً من ترتيب‬ ‫األمور باذباه إدارة الصراع مع النظام وتركيز اعبهد يف ىذا اعبانب‪ ,‬تطلب منهم األمر موارد وطاقات‬ ‫يف ظل ظروف ؿبدودة اإلمكانيات إلدارة اؼبناطق‪ ,‬ومع قباحهم بتقدًن الكثَت من اػبدمات‬ ‫األساسية تطلب األمر منهم الكثَت الكثَت للنجاح بإدارة مناطق ؿباصرة ومعزولة وتتعرض لقصف‬ ‫يومي‪ ,‬مع موارد شحيحة وحرب إعالمية من قبل النظام‪ ,‬وقد حقق الثوار يف ىذا اعبانب‪ 2‬مايأيت‪:‬‬

‫‪ 1‬قد تصل مصاريف كتيبة من مائيت مقاتل إىل ما يزيد عن ثالثُت ألف دوالر شهرياً‪ ,‬كمصاريف خدمية فقط‪ ,‬وقد ساعد اغبصار كثَتاً على تقليل‬ ‫الكلفة بسبب اغبصول على كثَت من اػبدمات بشكل ؾباين‪ ,‬إال أن الكتائب استمرت بدفع مصاريف ؼبقاتليها بشكل دوري‪.‬‬ ‫‪ 2‬اغبديث ىنا عن اؼبنطقة احملاصرة بالتحديد‪.‬‬ ‫‪6‬‬


‫‪ .1‬حافظ الثوار على النظام االجتماعي القائم‪ ,‬وبقيت العالقات بُت األسر فبيزة بل تضاعفت‬ ‫العالقات بُت اؼبناطق (دبا فيها اؼبسلمُت واؼبسيحيُت يف ضبص القديبة)‪ ,‬وكذلك بُت اؼبدنيُت‬ ‫والثوار‪.‬‬ ‫‪ .2‬قدمت اؼبؤسسات الثورية خدمات طبية ؾبانية للجميع رغم ضعف اإلمكانات‪ ,‬أنقذت ىذه‬ ‫اػبدمات العديد من األرواح‪ ,‬وخففت من آالم اؼبرض واعبراح‪ ,‬وأعاق وضع اغبصار تطوير‬ ‫تلك اػبدمات حيث كانت يف حدودىا الدنيا وضمن امكانات بسيطة‪.‬‬ ‫‪ .3‬قدم الثوار خدمات تأمُت اؼبياه من اآلبار وكذلك خدمات تقدًن الكهرباء للمنازل عرب‬ ‫مولدات كهربائية طيلة عامُت كاملُت‪ ,‬وكذلك كان اغبصار ىو العائق لتطوير ىذه اػبدمات‪.‬‬ ‫‪ .4‬استطاع الثوار إدارة اؼبوارد الغذائية بشكل جيّد‪ ,‬فصمدت معهم اؼبوارد أكثر من عام ونصف‬

‫يف ظل حصار تام‪ ,‬وردبا وجد البعض أن تنظيمها كان وبتاج لبذل مزيد من اعبهد‪ ,‬إال أن‬ ‫اعبميع ُهبمع على أن اؼبوارد مل تكن عند ذلك اغبد الكايف أو اؼبتجدد‪.‬‬

‫‪ .5‬استطاع الثوار بناء نوى ؼبؤسسات أمن‪ ,‬وقضاء‪ ,‬وتوثيق‪ ,‬قدمت اػبدمات اليومية اليت‬ ‫وبتاجها الشخص العادي‪.‬‬ ‫‪ .6‬يضاف إىل ذلك اؼبكاتب اإلعالمية اليت نقلت نبوم الناس‪ ,‬وبثت أفراحهم وأتراحهم‪,‬‬ ‫ووثقت بشكل يومي‪ ,‬وفوري ؾبريات األحداث يف اؼبنطقة‪ ,‬وجعلت العامل يف غبظات كثَتة‬ ‫على احملك أمام الصمت اؼبطبق الذي رافق ـبتلف اجملازر اؼبرتكبة من النظام‪.‬‬ ‫ورغم صبيع االنتقادات اليت توجو للعمل اؼبؤسسايت يف اؼبنطقة احملاصرة‪ ,‬إال أن مستوى فبيز من‬ ‫التنظيم كان قد ساد يف تلك اؼبنطقة‪ ,‬فبا ساعد على صمودىا وتثبيتها لفًتة طويلة من الزمن‪.3‬‬

‫‪ 3‬يتساءل الكثَتون عن تلك القدرات التنظيمية اعببارة اليت وقفت وراء احملاصرين اؼبتمردين يف كل شيء‪ ,‬فرتبت أمورىم‪ ,‬ونظمت جبهاهتم‪,‬‬ ‫ؾبلس للتنسيق العسكري ومكاتب خدمية قدمت الكثَت‬ ‫واستطاعت إطباد الفنت والصراعات الداخلية ؼبواجهة عدو واحد‪ ,‬لقد كان يف ضبص احملاصرة‪ٌ ,‬‬ ‫من التنظيم ألسود شرسة تواجو أعىت آلة قمعية يف العامل‪.‬‬ ‫‪7‬‬


‫رغم ىذا كان ىناك صبلة من االنتقادات اليت ال يستهان هبا وجهت للعمل يف تلك اؼبناطق نستطيع‬ ‫تلخيصها بـ‪:‬‬ ‫‪ .1‬تشتت اعبهد ومضاعفة العمل وتكرار ـبتلف األعمال من خالل العمل بأسلوب الكتيبة اليت‬ ‫تقدم خدمات لفئة معينة أو منطقة حبد ذاهتا‪ ,‬فبا تسبب بإضاعة الوقت واؼبورد‪ ,‬وكانت‬ ‫أقصى درجات التعاون ىي التنسيق دون العمل اؼبشًتك أو اؼبوحد من أجل تقدًن ىذه‬ ‫اػبدمات‪.‬‬ ‫‪ .2‬عدم التوجو كبو الناس اؼبدنيُت والعسكرين إلخراج اؼبتخصصُت منهم أو اؼبؤىلُت أو حىت‬ ‫العمل على تطويرىم يف سبيل اؼبشاركة بأعمال إدارة وتنسيق الشؤون اؼبختلفة‪ ,‬وقد أغلقت‬ ‫بعض الكتائب على نفسها األبواب حيث مل تقبل اؼبشاركة حىت من الغَت –اللهم إال يف ما‬ ‫يضمن مصلحتها اػبالصة‪.-‬‬ ‫‪ .3‬فقدان اعبهة اؼبشرفة على ـبتلف األعمال واليت تعمل على سد الثغرات وتطوير العمل أو‬ ‫الرقابة عليو‪ ,‬أو تنويعو‪ ,‬فظل يف إطار ضيق وؿبدد‪.‬‬ ‫‪ .4‬ضعف التعاون مع اػبارج‪ ,‬وصعود سياسة اغبنق على كل من زبلف عن نصرة اؼبنطقة‬ ‫احملاصرة‪ ,‬فبا تسبب بإضعاف التعاون فيما بعد وتقليل فرصو‪ ,‬كما ضعف بشكل كبَت‬ ‫التواصل مع اؼبؤسسات يف ـبتلف سورية لالستفادة من ذبربتها أو عملها أو تنسيق ـبتلف‬ ‫األعمال اػبارجية‪.‬‬

‫‪8‬‬


‫ثانيا‪ -‬من مشكلة اإلدارة إلى مشكلة التنسيق‪:‬‬ ‫باإلضافة ؼبشكلة إدارة اؼبناطق احملررة واليت تأخذ مساحة وحيز كبَت من وقت الكتيبة والثوار‪ ,‬تظهر‬ ‫مشكلة جديدة يف ىذه اؼبناطق ىي مشكلة التنسيق الداخلي واػبارجي‪ ,‬وعلى سبيل اؼبثال يف ضبص‬ ‫القديبة‪ ,‬أدرك الثوار أن مسألة فك اغبصار أكرب بكثَت من إمكانيات ؾبموعات ؿباصرة يف منطقة‬ ‫جغرافية وسط ضبص‪ ,‬وربيط هبا سلسة من األطواق سبتد لعدة كيلومًتات مساحات سكنية‪ ,‬وقطع‬ ‫عسكرية‪ ,‬وأفرع أمنية‪ ,‬ونشأت اغباجة للتنسيق أكثر فأكثر مع اؼبناطق الثائرة القريبة‪.‬‬ ‫لقد كانت مشكلة التنسيق والتواصل مع تلك اؼبناطق أصعب فبا يتخيل البعض‪ ,‬فمنطقة ربتوي على‬ ‫عشرات اجملموعات اؼبقاتلة العاجزة عن فعل شيء وحدىا‪ ,‬واليت قد تكون ـبتلفة مع بعضها البعض‬ ‫يف بعض اغباالت‪ ,‬دون وجود جهة مركزية ترتب ذلك التنسيق‪ ,‬إنو أمر أصعب بكثَت من مهمة إدارة‬ ‫منطقة ؿبررة‪.‬‬ ‫لقد أنشأت اجملموعات اؼبقاتلة شركاء ؽبا يف مناطق قريبة داخل وخارج اؼبدينة‪ ,‬فأغلب الكتائب‬ ‫اؼبقاتلة يف اؼبنطقة احملاصرة‪ ,‬كانت لديها سرايا تابعة ؽبا يف منطقيت الوعر والريف الشمايل‪ ,‬مهمتهما‬ ‫األساسية ىي اإلمداد يف حاالت خاصة ونادرة ومعدودة على األصابع خالل عامُت‪ ,‬وعرب قنوات‬ ‫ضيقة تكاد يكون اإلمداد معها شبو مستحيل‪ ,‬أنفاق أرضية‪ ,‬أنابيب مياه أو صرف صحي‪ ,‬وغَتىا‬ ‫من الوسائل اليت ربتاج عبهود كبَتة يف إعدادىا‪ ,‬ومن مث التحرك عربىا‪ ,‬وفوق كل ىذا اغبفاظ على‬ ‫سريتها يف ؾبتمع ثوري شعيب‪.‬‬ ‫لقد لعبت طبقة الفنيُت اإلداريُت‪ ,‬دوراً كبَتاً يف إسبام عملية التواصل‪ ,‬وواجهت معظم اؼبناطق مشكلة‬ ‫يف إهباد أولئك الذين هبيدون التقنية بشكل جيد‪ ,‬ويستطيعون ترتيب األوراق بشكل جيد‪,‬‬ ‫وبأولويات تتناسب مع طبيعة العمل والزمن‪.‬‬

‫‪9‬‬


‫لقد كانت إدارة الصراع يف منطقة أخرى‪ ,‬دون معرفة التفاصيل اليت تتعلق باألرض واألشخاص‬ ‫وطبيعة اعببهات أشبو ما تكون باإلحبار دون بوصلة‪ ,‬لقد أعطت معظم اؼبناطق اؼبركزية للمنطقة‬ ‫احملاصرة إلهباد آليات التنسيق وازباذ القرار ‪ ,‬ولعل أبرز أسباب ىذا األمر ىي‪:‬‬ ‫‪ ‬ىدف اؼبعركة الذي يدور حول فك اغبصار عن اؼبنطقة احملاصرة‪ ,‬وبالتايل ؽبا ومن أجلها‪.‬‬ ‫‪ ‬اؽبالة اليت سبتع هبا احملاصرون‪ ,‬اؼبناضلون‪ ,‬الثوار‪ ,‬اعبائعون‪ ,‬الذين يصمدون يف وجو أعىت‬ ‫األعداء‪.‬‬ ‫‪ ‬الشخصيات القيادية اليت كانت حاضرة يف اؼبنطقة احملاصرة‪ ,‬وأقدمية تلك الشخصيات يف‬ ‫الثورة‪.‬‬ ‫كل ىذا جعل من اؼبنطقة احملاصرة تتخذ دور أكرب يف تنسيق اعبهود بُت اجملموعات يف اؼبناطق الثورية‬ ‫القريبة‪ ,‬فبا جعل بعض القرارات غَت دقيقة وأحياناً غَت صائبة‪ ,‬وأحياناً أخرى عشوائية وغَت ـبططة‬ ‫أو ذات منظور واحد‪.‬‬ ‫لقد كان من الصعب فهم طبيعة اؼبناطق الثورية القريبة من اؼبنطقة احملاصرة‪ ,‬فهي ربمل يف جوانبها‬ ‫الكثَت من العوامل اؼبتشابكة واؼبتشعبة اليت تعيق قيام جهود ضخمة كعمليات فك اغبصار‪ ,‬ويضاف‬ ‫إىل ذلك اؼبشاكل االجتماعية واالقتصادية اليت خلفها النظام يف فًتة حكمو‪ ,‬فقد عزز الفجوة بُت‬ ‫أىل الريف و أىل اؼبدينة ليستميل لو أحد الطرفُت طيلة فًتة حكمو‪.‬‬ ‫ولعل مشكلة التنسيق تكاد تكون األكرب على قائمة اؼبشاكل اليت تواجو اؼبناطق احملررة‪ ,‬حيث تعتقد‬ ‫األطراف اؼبختلفة أهنا تعمل بأمانة وصدق وترى أن اآلخرين أحياناً مقصرون يف أداء ىذه األمانة‪,‬‬ ‫فبا يصعب عملية التوصل عبهد تنسيقي مقبول‪ ,‬كما ترى يف األجسام اؼبوجودة خارج سورية حلقات‬ ‫ال يبكن العمل معها ألسباب كثَتة‪.‬‬

‫‪11‬‬


‫ثالثا‪ -‬من مشكلة التنسيق إلى مشكلة التكتالت‪:‬‬ ‫تواجو اؼبناطق احملاصرة اؼبختلفة مشاكل إضافية ىي مشكلة التكتالت اؼبختلفة والتوجهات كبو فكر‬ ‫أو أيديولوجيا أو مؤسسة أو مكون ما‪ ,‬وقد كان يف ضبص احملاصرة‪ ,‬كتائب اسالمية وأخرى ذات‬ ‫توجو ثوري شعيب‪ ,‬وؾبموعات قائمة على أساس مناطقي رباول الدفاع عن فبتلكات أىايل اؼبنطقة‬ ‫ووجودىم مع رغبتها بنصرة اؼبظلومُت ولبوهتا الستجابة أنات اؼبعذبُت‪ ,‬ىذا خلق صعوبة يف التنسيق‬ ‫بُت كل ىؤالء اعبماعات اليت تتمتع خبلفيات ـبتلفة‪ ,‬ورغم أن اغبصار ساعد على تطوير رؤية‬ ‫مشًتكة جامعة ألغلب ىذه الفصائل إال أهنا بقيت رغم ذلك متعارضة يف كثَت من القضايا وخاصة‬ ‫تلك اليت تتعلق بازباذ موقف موحد من حدث سياسي ما‪.‬‬ ‫لقد تأثرت اؼبنطقة احملاصرة باألحداث اػبارجية أكثر فبا أثرت فيها أو كانت فاعلة فيها‪ ,‬ومل تكن‬ ‫معظم تلك اػبالفات اليت تعود الصطفافات فكرية وليدة اؼبنطقة نفسها‪.‬‬ ‫فعلى سبيل اؼبثال‪ ,‬عندما بدأ االقتتال يف مشال سورية بُت اعببهة اإلسالمية وكتائب الفاروق من جهة‬ ‫أخرى‪ ,‬وبُت جبهة النصرة وكتائب أخرى‪ ,‬وصل التنافر بُت الكتائب يف اؼبدينة ذروتو‪ ,‬ولكنو مل‬ ‫يتطور الشتباك أو عراك‪ ,‬وإمبا تباعد عن إجراء لقاءات واجتماعات دورية‪ ,‬إال أنو ظهر أن الوضع‬ ‫مرشح للتطور يف أوضاع مستقبلية‪.‬‬ ‫وقبحت اعبهود ‪-‬غبكماء اؼبنطقة اؼبقبولُت من صبيع األطراف‪ -‬بالوصول إىل بيان يؤكد على وحدة‬ ‫صبيع التكتالت يف سبيل ىدف فك اغبصار‪ ,‬ودعوة اؼبتحاربُت للتحلي بالصرب والتسامح والًتكيز‬ ‫على قضية اسقاط النظام‪.‬‬ ‫بعيداً عن تلك اغبادثة حبد ذاهتا‪ ,‬فقد كانت أيديولوجية الكتائب‪ ,‬وأحياناً "تضخم األنا" لدى بعض‬ ‫القيادات‪ ,‬تؤثر كثَتاً على عملية التنسيق بُت تلك الكتائب‪ ,‬وبالتايل إن كانت تؤثر على قضايا‬ ‫التنسيق فهي بكل تأكيد أثرت على توحيد الصف رغم وحدة اؽبدف واؼبصَت اؼبشًتك‪.‬‬ ‫‪11‬‬


‫لقد كانت حاالت الرخاء ىي األبعد يف التنسيق واألقرب للخالفات‪ ,‬وكانت تزيد حاالت التنسيق‬ ‫وتقل اػبالفات عندما يهدد اؼبنطقة ىجوم ما من قوات النظام‪ ,‬لقد كثرت اػبالفات يف منطقة الوعر‬ ‫بُت تلك التجمعات وقلت يف حي دير بعلبة وبابا عمرو‪ ,‬وكانت يف حدىا األدىن يف اؼبنطقة‬ ‫احملاصرة‪ ,‬حيث بالكاد كانت تتطور أو سبنع التواصل والتنسيق الدائمُت‪ ,‬وكأن اؼبسألة كانت تتعلق‬ ‫بدرجة اػبطر الذي يتهدد اؼبنطقة‪.‬‬ ‫لقد برزت يف ضبص‪ -‬كما يف عموم سورية‪ -‬ظاىرة " التأدجل اؼبصلحي‪ ,"4‬فمع ارتفاع تكاليف‬ ‫التسلح‪ ,‬طمع البعض بالتربعات اػبليجية دفعو "للتسلفن الربغمايت‪ ,"5‬أو حىت "التصوف الربغمايت"‬ ‫من أجل كسب رضى طالب العلم يف ضبص‪ ,‬وردبا كانت اؼبشكلة أكرب يف مسألة اؼبتجهُت كبو‬ ‫اؼبنهج السلفي‪ ,‬حيث أن اؼبزايدات يف النربة واغبديث والتصريح والتسمية أوقعت سورية كلها يف‬ ‫ورطة كبَتة‪.‬‬ ‫على سبيل اؼبثال كانت أظباء الكتائب واجملموعات يف بعض األحيان تسمى بأظباء الصحابة وىذا‬ ‫أمر طبيعي وفطري لدى كثَت من اجملموعات‪ ,‬مث بدأ األمر من أجل تثبيت انتماء الكتيبة إلضافة‬ ‫عبارة ذات داللة واضحة ككتائب كذا اإلسالمية‪ ,‬مث بدأت اؼبزاودة تتجو كبو زبصيص االسم أكثر‬ ‫ككتائب أىل اؼبنهج أو أىل األثر‪ ,‬أو كتائب الثوار االسالميُت لنصرة الدين وغَتىا‪.6‬‬ ‫ومل ينحصر األمر على االسم فقط‪ ,‬بل كانت الفيديوىات التعريفية والبيانات واػبطابات مليئة‬ ‫باؼبزاودات‪ ,‬فبا دفع الكثَت من الشباب للبحث عن األصوب واألمثل وردبا األعلى نربًة وخطاباً‪.‬‬ ‫يف نفس الوقت كان النظام يقاتل كل ىؤالء ويصفهم باإلرىابُت ويقصفهم صبيعاً دون أي سبييز‪,‬‬ ‫ولكنهم رغم ذلك مل يستطيعوا ذباوز ىذه اؼبشاكل "التكتلية" وبقيت األمور يف إطار التنسيق أحياناً‬ ‫والتنافر أحياناً أخرى والصراعات الباردة يف معظم األحيان‪.‬‬ ‫‪ 4‬اتباع هنج معُت من أجل كسب مصا ح خاصة باعبماعة ‪ ,‬وليس اقتناعاً باؼبنهج‪.‬‬ ‫‪ 5‬اتباع النهج السلفي من أجل اغبصول على تربعات خليجية‪.‬‬ ‫‪ 6‬مت افًتاض أظباء الكتائب على سبيل اؼبثال و ليس اإلشارة ألحد أو اللمز إليو ‪ ,‬وسَتد مثال عملي خاص ضبص‪.‬‬ ‫‪12‬‬


‫رابعا‪ -‬من مشكلة التكتالت إلى مشكلة السياسة‪:‬‬ ‫االصطفافات األيديولوجية جعلت من اآلراء حول ـبتلف القضايا متعددة وأحياناً متضاربة‪ ,‬وولدت‬ ‫أراءً ـبتلفة‪ ,‬وجعلت مشكلة العمل السياسي واالستفادة من األعمال العسكرية صعباً للغاية‪ ,‬لدرجة‬ ‫َّ‬ ‫أن ذبنب اػبوض يف األمور تكاد تكون أفضل من السباحة يف ؿبيط يعج بالقناديل وأظباك القرش‪.‬‬

‫مل تستفد اجملموعات العاملة يف اؼبدينة بشكل عام من أعماؽبا العسكرية لتحقيق مكاسب سياسية‪,‬‬ ‫ومل تكن الكيانات اؼبدنية اليت أخذت على عاتقها العمل السياسي وربقيق انتصارات للثورة‪ ,‬قادرة‬ ‫على اخًتاق اؼبوقف الدويل وربقيق مواقف متقدمة للثورة السورية بشكل عام‪.‬‬ ‫حصار دام أكثر من سبعمائة يوم‪ ,‬آالف الشهداء‪ ,‬وقصف كيماوي مرتُت على األقل‪ ,‬ومعارك‬ ‫متنوعة‪ ,‬وصمود‪ ,‬ويف النهاية ماىي النتيجة السياسية اليت مت اغبصول عليها من كل ىذا!؟‪ ,‬اعبميع‬ ‫كان يسأل ىذا السؤال وأكثرىم ترديداً ؽبذا ىم عموم الناس‪ ,‬لكن ىل يتحمل ثوار اؼبدينة ذنب‬ ‫عدم البحث عن حصاد سياسي‪ ,‬يف ظل وجود كيانات وفبثلُت ومفوضُت‪ ,‬أخذوا على أنفسهم‬ ‫مهمة ترتيب ىذه القضايا؟‪ ,‬دبا فيها اجملالس الثورية والعسكرية‪.‬‬ ‫"يبدو أن على ثوار اؼبدينة أن يقوموا بكل شيء بأنفسهم"‪ ,‬عبارة لطاؼبا رددىا الكثَت من قيادات‬ ‫الثوار والعاملُت فيها‪ ,‬السياسة‪ ,‬اإلعالم‪ ,‬وأمور خدمية ـبتلفة‪ ,‬من اؼبفًتض أن تكون مهمة الكيانات‬ ‫الشريكة اليت أنشئت ؼبثل ىذه اؼبسائل‪ ,‬لكن البعض اقتنع هبا وشتت جهده وعملو‪ ,‬وصرف اؼبزيد‬ ‫من الوقت على مسائل مل تكن من صلب زبصصو‪ ,‬فقد أنشأت معظم الكتائب مكاتباً سياسية‬ ‫لتقوية تواجدىا ورفع صوهتا اػباص هبا‪ ,‬حيث انعكس على كل مكتب سياسي ؽبجة خاصة بو‪,‬‬ ‫وآلية تصريح تستند إىل منهج ورؤية تلك الكتيبة وليس إىل منهج ورؤية الشعب السوري الثائر‪.‬‬ ‫لقد خاض ثوار منطقة الوعر ذبربة جيدة من ناحية إدخال البعد السياسي يف العمل العسكري‪,‬‬ ‫حيث كانوا يفاوضون عند كل عملية عسكرية على أمر ما‪ ,‬وبققونو كامالً أو منقوصاً‪ ,‬إال أهنم كانوا‬ ‫يقومون بذلك بأنفسهم عرب وسيط أو بشكل مباشر‪.‬‬ ‫‪13‬‬


‫أدرك ثوار اؼبنطقة احملاصرة أن عليهم القيام بعمليات تفاوض سياسي‪ ,‬بل ردبا ىرعوا إىل القطاف‬ ‫بعد انتهاء موسم اغبصاد‪ ,‬فأتت شبار العملية السياسية الضخمة اليت أداروىا عرب مفاوضات مع‬ ‫النظام بواسطة اعببهة اإلسالمية‪ ,‬أعطت خروجهم من اؼبنطقة احملاصرة ساؼبُت‪ ,‬بينما كان من اؼبمكن‬ ‫–ردبا‪ -‬أن وبصلوا على مكاسب حقيقة لو استخدم ىذا األمر بشكل أبكر من تلك اؼبرحلة اليت‬ ‫قرروا فيها أن يفعلوا ىذا‪.‬‬ ‫لقد تأسس (االئتالف الوطٍت لقوى الثورة) والثوار يف مدينة ضبص يف حصارىم يأملون أن يقدم ؽبم‬ ‫بعض اؼبكتسبات‪ ,‬وكان قبلو اجمللس الوطٍت السوري‪ ,‬وكذلك كيانات ثورية وسياسية أخرى‪ ,‬إال أن‬ ‫إطار التعاون والتنسيق مع ىذه الكيانات كان يف حدوده الدنيا‪ ,‬وردبا يقع اللوم أيضاً على الكيانات‬ ‫السياسية اؼبوجودة خارجاً حيث مل تقًتب من الشعب الثائر ومعاناتو سباماً‪ ,‬إال أهنا تكلمت بصوتو‬ ‫وعرفت أؼبو‪.‬‬

‫‪14‬‬


‫خامسا‪ -‬إدارة الحرب اإلعالمية‪:‬‬ ‫يُعترب اإلعالم جبهة من جبهات اغبرب‪ ,‬سواءً كانت تلك اغبرب حرباً تقليدية أو عصابات‪ ,‬ويعترب‬

‫من عناصر القوة وجود كادر إعالمي مؤىل يشارك يف خوض اؼبعركة اإلعالمية على جبهات الكلمة‬ ‫اؼبسموعة (الفيديو‪ ,‬الوثائقي‪ ,‬الراديو‪ ,‬اػبرب‪ )...‬أو الكلمة اؼبقروءة (كتب‪ ,‬ؾبالت‪.)...‬‬ ‫لعب اإلعالم دوراً ؿبرضاً يف ضبص بداية الثورة‪ ,‬لقد اعتمد ذلك التحريض على الصورة العاطفية اليت‬ ‫ذبيّش اؼبشاعر‪ ,‬لقد خاطب اغبواس‪ ,‬بالصورة والصوت والكلمة‪ ,‬واستطاع اإلعالم أن وبرك الناس‪,‬‬ ‫وأن هبند عدد كبَت من الشباب يف سبيل اؼبعركة‪ ,‬لكن ىذا التجنيد كان مبٌت على أساس اؼبشاعر‬ ‫وىباطب القلوب أكثر فبا ىباطب العقول‪ ,‬فبا جعل كثَتاً من الشباب الذين شاركوا بالثورة يف‬ ‫البدايات يكتفون بالدعاء للثوار بالنصر بعد أن ارتقعت سوية العنف اؼبمارس من قبل النظام‪.‬‬ ‫نتيجة قلة اػبربة بشكل أساسي‪ ,‬وقع اإلعالم يف مطبات كثَتة يف ضبص‪ ,‬فبا أثر على ظبعتو وشكلو‪,‬‬ ‫ولعل أبرز ىذه اؼبطبات ىي‪:‬‬ ‫‪ .1‬اػبداع والتضليل‪ :‬يف منتصف شهر أيلول عام‪ ,2111‬استلمت عائلة زينب جثة ابنتها‬ ‫البالغة من العمر عشرين عاماً‪ ,‬بعد أكثر من شهرين على فقداهنا‪ ,‬بعد أن اختطفتها قوات‬ ‫الشبيحة للضغط على أخيها ؿبمد لتسليم نفسو‪ ,‬لقد بدت اعبثة مشوىة‪ ,‬ومقطعة األيدي‬ ‫واألرجل‪ ,‬ومطموسة اؼبعامل‪ ,‬قام األىل بتصوير اعبثة مث اػبروج إىل لبنان وعرض الصور على‬ ‫اإلعالم‪.‬‬ ‫بعد عدة أيام من انتشار القصة يف ـبتلف الصحف والقنوات‪ ,‬أخرج النظام زينب على‬ ‫شاشة التلفزيون لتنفي موهتا وتؤكد أهنا على قيد اغبياة!‪ ,‬وأهنا ىربت من اؼبنزل بسبب‬ ‫الضغوط اؼبمارسة عليها من قبل األىل!‪.‬‬ ‫لقد استطاع النظام أن يشوه صورة اإلعالميُت اؼبشاركُت يف ضبلة زينب‪ ,‬وضرب مصداقية‬ ‫الوسائل اليت أخرجت القصة للعامل‪.‬‬ ‫‪15‬‬


‫لقد استطاع النظام أن يضلل اإلعالميُت يف ىذه النقطة بسبب عدم خربهتم‪ ,‬وقدرهتم على‬ ‫التأكد من اػبرب وااللتفات ؼبثل ىذه اؼبسألة‪.‬‬ ‫‪ .2‬اؼببالغة‪ :‬ودبا أن اػبطاب اإلعالمي يف ضبص قام على أسس عاطفية فقد وقع يف كثَت من‬ ‫اؼبخالفات اليت أدت ؼببالغات غَت مقبولة‪ ,‬حيث أن األسس العاطفية تعٍت استخدام كلمات‬ ‫وصفية وليست ذات داللة كمية ؿبددة‪ ,‬فتهييج اؼبشاعر يعتمد على اؼببالغة يف الوصف فبا‬ ‫هبعل اإلنسان يصل دبشاعره إىل مستوى مرتفع حبسب استجابتو للخطاب العاطفي‪.‬‬ ‫ىذا األمر ساىم يف تعزيز مسائل اؼببالغة‪ ,‬ففي تاريخ‪ 2112-2-2‬وقعت ؾبزرة يف حي‬ ‫اػبالدية حبمص‪ ,‬نتيجة قصف النظام للحي للمرة األوىل بقذائف اؽباون‪ ,‬فبا تسب باستشهاد‬ ‫وجرح العشرات‪ ,‬األمر الذي دفع اإلعالميُت للحديث عن اؼبشهد بأقوى عبارات الوصف‪,‬‬ ‫األمر الذي جعل رقم الشهداء يقدر بأكرب من العدد اغبقيقي بكثَت‪.‬‬ ‫‪ .3‬الًتكيز على جانب واحد‪ :‬لقد بقي إعالم ضبص فًتة طويلة ىباطب اآلخر بأسلوب واحد‪,‬‬ ‫ىو أسلوب االستجداء والشفقة‪ ,‬فوجو صرخاتو اؼبكتوبة واؼبسموعة واؼبشاىدة يف ىذا‬ ‫اعبانب‪ ,‬فلم يكن الًتكيز على ـبتلف جوانب القضية‪ ,‬دبا فيها عدالة اؼبسألة‪ ,‬والرد على‬ ‫أكاذيب النظام واهتاماتو‪ ,‬باإلضافة إىل الرسائل اؼبوجهة للمقاتلُت واؼبدنيُت ‪ ,‬واالىتمام‬ ‫بإعالم الداخل ورفع الروح اؼبعنوية بدل تثبيط نبم الناس باغبديث العاطفي احملزن‪.‬‬ ‫مع بدء العمليات العسكرية‪ ,‬قام الثوار بعمليات استهداف وقصف ؼبواقع ىامة‪ ,‬فقتلوا شخصيات‬ ‫كبَتة يف جيش النظام وأمنو وموظفيو‪ ,‬وكذلك ىاصبوا نقاط بارزة‪ ,‬لكن اإلعالم مل يتطرق إىل أنبية‬ ‫ذكر ىذه األعمال‪ ,‬بسبب‪:‬‬ ‫‪ .1‬خوفو من أن يتهم بأنو إرىايب‪ ,‬وقد كانت االىداف يف ؾبملها أىدافاً مشروعة‪.‬‬ ‫‪ .2‬كذلك أتى خوفو من كونو ال يريد أن يركز على قضية التسلح بل على موضوع سلمية‬ ‫التظاىرات‪ ,‬علماً أن ىذه األىداف اليت تتعرض ؽبجوم أتى استهدافها ليالً غالباً ويف أوقات‬ ‫‪16‬‬


‫بعيدة عن أوقات التظاىرات كذلك يف مناطق بعيدة عن مناطق التظاىرات‪ ,‬وال يعٍت‬ ‫استهداف ىذه األىداف أي طعن بسلمية التظاىرات‪ ,‬وإن كان إبراز ىذه األعمال صورة‬ ‫جيدة من صور الرد على استهداف التظاىرات السلمية نفسها والتأكيد على عدم سكوت‬ ‫الثوار على مثل ىذا‪.‬‬ ‫‪ .3‬كذلك كان اعبهاز اإلعالمي اؼبرتبط بالثوار اغباملُت للسالح ضعيفاً‪ ,‬وسبيز بقلة التنسيق بُت‬ ‫الثوار واإلعالميُت يف مرحلة البداية بشكل خاص‪.‬‬ ‫ومع انتشار العمل اؼبسلح بشكل واسع‪ ,‬انقسم اإلعالم إىل إعالم مدين وآخر عسكري‪ ,‬وصار لكل‬ ‫كتيبة فريق إعالمي مستقل‪ ,‬وقد كانت مهمة ىذه الفرق تًتكز حول مسألة إشهار الكتيبة وأعماؽبا‬ ‫بشكل أساسي وتأخَت أىداف إرىاب العدو أو دعوة اؼبقاتلُت لعمل ما‪ ,‬وأيضاً كان التنسيق بُت‬ ‫الفرق العاملة يف ـبتلف الكتائب يكاد يكون معدوماً‪ ,‬فبا سبب تكراراً لكثَت من األفكار واؼبواد‬ ‫وإضاعة للجهد واؼبال‪.‬‬ ‫كما غاب اعبهاز اؼبنسق بُت الفرق اإلعالمية اؼبدنية‪ ,‬وتركز العمل على نقل أحداث القصف‬ ‫وانتهاكات النظام يف ؾبمل األعمال اإلعالمية‪ ,‬مع تطور ملحوظ يف نقل أحداث معينة بعينها‪ ,‬لكن‬ ‫بدا عليها غياب الربنامج الرئيسي للعمل واػبطة الواسعة للنشاط اإلعالمي يف ـبتلف مناطق ضبص‪.‬‬ ‫وقد وقع كثَتٌ من اإلعالميُت فريسة ألجهزة االستخبارات الدولية‪ ,‬فكانوا يف بعض اغباالت عُت‬ ‫ىذه األجهزة يف مناطق تواجد الثوار دون أن يشعروا‪ ,‬فنقلوا ؽبم معلومات قد تكون مشهورة بُت‬ ‫السكان إال أهنا مل تكن مشهورة إىل ذلك اغبد الذي زبرج فيو إىل دولة أخرى‪ ,‬وقد تكون مغريات‬ ‫النقل بسيطة‪ ,‬كالدافع يف نقل اؼبعلومات إىل ـبتلف اعبهات وإيصال الصوت إىل ـبتلف بقاع‬ ‫األرض‪ ,‬أو بسبب إعادة شحن جهاز االنًتنت الذي ثقل على اإلعالميُت دفع كلفتو‪ ,‬أو لغَتىا من‬ ‫األسباب البسيطة‪.‬‬

‫‪17‬‬


‫وقد سانبت قلة من اإلعالميُت أيضاً بفتح جبهات واسعة يف الصراع بُت "اؼبتخالفُت" وتعزيز ذلك‬ ‫الشقاق بدل ردمو والًتكيز على اؽبدف األساسي اؼبتمثل بإسقاط النظام‪ ,‬فبثوا اػبالف ونقلوا اآلراء‬ ‫دون ذبميل بل وأحياناً دببالغة وزيادة‪ ,‬ولعل أبرز أسباب ىذا األمر كان‪:‬‬ ‫‪ .1‬رغبة اإلعالمي بأن ربيط بو ىالة الوجود واالىتمام‪ ,‬بنقل الغريب من األحداث وما يشد‬ ‫الناس من مشاكل ومصائب وخالفات‪.‬‬ ‫‪ .2‬الكبت الذي تعرض لو السوريون يف عهد النظام‪ ,‬والذي دفع اعبميع –دبا فيهم اإلعالميُت‪-‬‬ ‫للتعبَت عن رأيهم بدون أي قيود وبأقصى حد فبكن من التعبَت‪ ,‬حىت لو كان ضاراً بالثورة‬ ‫وأىدافها‪.‬‬ ‫‪ .3‬ضعف البصَتة للبعض‪ ,‬واعبهل باألىداف اغبقيقية للعمل اإلعالمي الثوري‪.‬‬ ‫‪ .4‬غياب اؼبوجو واؼبؤثر يف اػبطاب اإلعالمي‪.‬‬ ‫مع كل ىذا‪ ,‬فقد خاطر اإلعالميون بأرواحهم وما يبلكون من موارد وقدرات‪ ,‬لنقل صورة واحدة أو‬ ‫أكثر‪ ,‬واستشهد منهم العشرات يف ـبتلف اؼبواقع لنقل حدث أو إرسال خرب‪ ,‬ورافقوا العسكريُت‬ ‫واؼبدنيُت يف ـبتلف األحداث‪ ,‬وقدموا مبوذجاً عالياً من التضحية والعطاء‪.‬‬ ‫كذلك خاض النظام حرباً نفسية من غَت قتال ضد ثوار اؼبدينة‪ ,‬فكانت رسالتو وخطابو يًتكز من‬ ‫حيث اؼببدأ على‪:‬‬ ‫‪ .1‬ضبلة السالح ىم من الرعاع‪ ,‬اللصوص‪ ,‬مدمٍت اؼبخدرات‪ ,‬أصحاب اؼبصا ح اػباصة‪ ,‬وليس‬ ‫ؽبم قضية‪.‬‬ ‫‪ .2‬السالح يتدفق من اػبارج‪ ,‬عرب دول تريد لسورية اػبراب والدمار‪ ,‬ويتقاضى ضبلة السالح‬ ‫مبالغ من أجهزة استخبارات خارجية‪.‬‬ ‫‪ .3‬ىناك أجانب تابعُت ألجهزة ـبابرات أجنبية بُت اجملموعات اؼبسلحة‪ ,‬ضباطاً أو عسكريُت‪,‬‬ ‫يدربون الناس على القتال ضد الدولة‪.‬‬ ‫‪18‬‬


‫واستمر إعالم النظام‪ ,‬يردد آخباره ونشراتو وأفالمو ومقاالتو حول ىذه األىداف فًتة طويلة من الزمن‬ ‫والوقت‪ ,‬حىت اقتنع هبا البعض وصار بعضهم يصدقها مربراً تركو االلتحاق بالثورة أو خوفو من ضبل‬ ‫السالح‪.‬‬ ‫مث تطور اػبطاب اإلعالمي للنظام أكثر فأكثر‪ ,‬وصار أقرب من الواقع واؼبعرفة بو‪ ,‬فصار يشهر‬ ‫بالثوار باالسم وينشر اإلشاعات حوؽبم‪ ,‬ويستخدم الصفحات الثورية اؼبزيّفة لإلعالن عن ىذه‬ ‫اإلشاعات ويبٍت اغبسابات اإللكًتونية لنشرىا وتعزيزىا‪ ,‬ويقدمها بأسلوب جيد مقبول للناس‪ ,‬حىت‬ ‫صار كثَتٌ من شرفاء الثورة لصوصاً أو خونةً يف أعُت الناس‪ ,‬مستغالً بذلك طول فًتة الثورة وحبث‬ ‫الناس عن أسباب اػبذالن اؼبادية‪ ,‬فوجدوا أن أكرب األسباب قد تكون فساد الثوار أنفسهم‪ ,‬واعبميع‬ ‫يعلم بالتفكَت العلمي اجملرد أن معظم العامل وبارب من وراء بشار‪ ,‬دبا فيو كثَتٌ من الدول اليت تدعي‬

‫أهنا صديقة للشعب السوري‪ ,‬وأن الثورة يتيمة من اليوم األول‪ ,‬وأن ما يقدمو الثوار على اعببهات من‬ ‫تضحيات ىو السبب األول واألخَت واألساسي والثانوي لبقاء الثورة مشتعلة ملتهبة‪.‬‬

‫سادسا‪ -‬المناطق المحاصرة والمناطق المفتوحة‪ ...‬فجوة الختراق‪:‬‬ ‫لطاؼبا بقيت فكرة ( اجملتمعات اؼبغلقة‪ ,‬الدولة اؼبغلقة‪ ,‬اغبدود اؼبغلقة‪ )... ,‬نظريةً حبتةً‪ ,‬يستخدمها‬ ‫األكاديبيون يف دراستهم لتبسيط دراسة "الظاىرة"‪ ,‬فاغبركية الدائمة ربد من قدرة الدارس على‬ ‫استخالص النتائج‪ ,‬ومع تطور األحداث يف الثورة السورية‪ ,‬بدأت تنشأ ظاىرة اؼبناطق احملاصرة‪ ,‬واليت‬ ‫تعترب تطبيقاً عملياً لتلك الفكرة النظرية‪.‬‬ ‫اغبركية والقدرة على الدخول واػبروج عرب "اؼبنفذ‪/‬اؼبنافذ" إىل اؼبناطق اؼبفتوحة ربمل يف إهبابياهتا‬ ‫الكثَتة جرثومة االخًتاق‪ ,‬اعبرثومة اليت زرعها النظام‪ ,‬وعمل على نشرىا‪ ,‬حىت صارت مرضاً حقيقياً‬ ‫ينتشر يف كل اجملتمعات الثورية اؼبفتوحة‪ ,‬وإن كانت اجملتمعات اؼبغلقة تنتاهبا نوبات مرضية يف أوقات‬ ‫معينة‪ ,‬إال أهنا معافاة ‪-‬غالباً‪ -‬من مرض االخًتاق‪ ,‬وتلك النوبات إمبا تصيبها عرب "اؼبنافذ‬

‫‪19‬‬


‫االفًتاضية"‪ ,‬فالتواصل عرب االنًتنت‪ ,‬وأجهزة اؽباتف‪ ,‬والربامج اليت تعتمد على الشبكة‪ ...‬ىي أحد‬ ‫أىم أسباب اخًتاق تلك اجملتمعات احملاصرة واليت يصعب الوصول إليها "فيزيائياً" يف أغلب األحيان‪.‬‬ ‫االخًتاق من وجهة نظر النظام ليس ىو ذلك االخًتاق التقليدي‪ ,‬الذي ىبطر على بال البعض‪,‬‬ ‫فاؼبخربون التقليديون واغبصول على اؼبعلومات ىي أول ما يتبادر إىل ذىن القارئ عند اغبديث عن‬ ‫موضوع االخًتاق‪ ,‬إال أن األمر يف اجملتمعات اؼبفتوحة أكرب من ذلك بكثَت‪ ,‬وقد ال يبلك البعض‬ ‫اعبرأة على القول أننا نعيش ونتعامل مع مؤسسات جزء منها ـبًتق "من أطبص القدمُت حىت‬ ‫النخاع"‪ ,‬بل إن مؤسسات ثورية أو عسكرية أو مدنية‪ ,‬مت انشاءىا من قبل النظام نفسو‪ ,‬وال يقتصر‬ ‫األمر على انضمام بعض الكتائب اؼبنشأة من قبل النظام إىل تنظيمات معينة‪ ,‬وال على زرع قيادات‬ ‫نوعية يف مؤسسات عسكرية‪ ,‬بل إىل كيانات وأفراد يعملون مع النظام‪ ,‬بل ىم جزء من ذلك‬ ‫"النظام ‪ /‬اؼبنظومة األمنية"‪ ,‬وال تقتصر أعماؽبا على نقل اؼبعلومات بل تتعدى ذلك إىل تنفيذ برامج‪.‬‬ ‫إن طبيعة اؼبناطق اؼبغلقة‪ ,‬تسهل على اؼبنتقلُت عرب اؼبنافذ التعامل مع الطرفُت (الثوار و النظام)‪,‬‬ ‫وذبعل من األمر سهالً واعتيادياً‪ ,‬النزوح والتغَت الدائم للسكن يف تلك اجملتمعات بسبب طبيعة‬ ‫اؼبعارك‪ ,‬أمر آخر هبعل من الصعوبة دبكان التعرف على الوافدين اعبدد‪ ,‬الرغبة يف إبقاء شعرة معاوية‬ ‫بُت مؤسسات الدولة اػبدمية اليت يديرىا النظام وبُت تلك اؼبناطق سبب أخر لتوسيع ىوة االخًتاق‬ ‫بُت اؼبناطق اؼبفتوحة ونظَتهتا اؼبغلقة‪.‬‬ ‫قد يكون اؽبدف النهائي لذلك االخًتاق اعبذري ىو تثبيط الثورة‪ ,‬وإحباط أعماؽبا‪ ,‬ووقف تدفقها‬ ‫اعبارف‪ ,‬وإن حجم االخًتاق لتلك اؼبؤسسات يقدم سبباً عظيماً من أسباب طول أمد ثورة الكرامة‪,‬‬ ‫وقد يكون اؽبدف النهائي لكل ذلك االخًتاق ىو فرملة الثورة وربويلها عن مسارىا (االنقالب‬ ‫عليها)‪.‬‬ ‫اؼبناطق احملاصرة على الرغم من الويالت اليت تعيشها إال أهنا تعيش يف مستوى أفضل بكثَت من‬ ‫مثيالهتا اؼبفتوحة من حيث االخًتاق‪ ,‬وبُت ىذه اجملتمعات وتلك فجوة واسعة‪ ,‬وبكل تأكيد ليس‬ ‫‪21‬‬


‫اغبل بأن ندفع بإغالق اؼبناطق اؼبفتوحة‪ ,‬بل دعونا نستعَت من تلك اؼبناطق احملاصرة مصطلحاً قريباً‬ ‫ىو مصطلح "التحصُت"‪ ,‬ربصُت اجملتمعات اؼبغلقة ومؤسساهتا اؼبختلفة‪ ,‬ضد جرثومة االخًتاق تلك‪,‬‬ ‫من خالل نظام ضبط وتدقيق واستعالم ومراقبة‪.‬‬ ‫لقد استطاع الثوار اؼبوجودون يف اؼبنطقة احملاصرة‪ ,‬أن ينظفوا بيئتهم بشكل واسع من االخًتاقات حىت‬ ‫ضعف التواجد االستخبارايت على األرض‪ ,‬وقد استفادوا من ذلك بشكل كبَت‪ ,‬بينما بقيت البيئات‬ ‫اؼبفتوحة كحي الوعر مثالً عظيمة االخًتاق‪ ,‬ومل تنشئ يف ىذه البيئات اؼبغلقة أي تنظيمات متطرفة‬ ‫أو يدخل إليها أجانب أو متطوعُت مهما كانت جنسيتهم‪ ,‬وكانت ىذه ميزة يبكن استثمارىا‬ ‫والعمل عليها‪.‬‬

‫‪21‬‬


‫سابعا‪ :‬التوصيات والنتائج‪:‬‬ ‫يبكننا أن نستخلص بسهولة صعوبة األدوار اؼبطلوب من الثائر أن يلعبها يف اؼبناطق احملررة‪ ,‬ويف نفس‬ ‫الوقت استحالة تفرد شخص أو كيان بالعمل على ربقيق اقبازات تذكر‪ ,‬وإنو البد من التعاون بُت‬ ‫اؼبؤسسات اؼبدنية والعسكرية والشرعية واعتماد مبدأ التخصص يف العمل من أجل الوصول إىل صيغة‬ ‫انتاجية مفيدة ومثمرة‪ ,‬كما يبكن أن نضع التوصيات اآلتية‪:‬‬ ‫‪ .1‬البد من وصول الكتيبة واؼبؤسسة واؽبيئة الشرعية وأي كيان آخر على األرض لقناعة مفادىا‬ ‫ضرورة العمل اؼبشًتك وعلى أعلى مستوى بُت ـبتلف القطاعات اؼبوجودة يف اؼبنطقة احملررة‪.‬‬ ‫كذلك البد من التعاون والتكامل بُت اؼبؤسسات يف الداخل واؼبؤسسات يف اػبارج‪ ,‬فبينما‬ ‫يطلب من اؼبؤسسات يف خارج سورية أن تكون أكثر قرباً من معاناة الناس يف الداخل السوري‪,‬‬ ‫يطلب من مؤسسات الداخل اإليبان بالدور الذي تلعبو اؼبؤسسات خارج سورية وأنبية ىذا‬ ‫الدور وتكاملو‪.‬‬ ‫‪ .2‬ال يبكن لفصيل ما أو مؤسسة أن تلغي األخرى‪ ,‬وعلى اعبميع أن يعملوا يف إطار صيغة‬ ‫تنافسية يف اجملاالت اؼبتشاهبة لتقدًن اػبدمة األفضل واألداء األعلى بأقل كلفة فبكنة‪.‬‬ ‫‪ .3‬البد أن تكون يف ـبتلف اؼبناطق احملررة جهة ما عليا (ؾبلس ؿبلي‪ ,‬ؾبلس عسكري‪ ,‬ىيئة‬ ‫مدنية‪ ).....‬لتنسيق األداء وتطويره والرقابة عليو‪ ,‬وسد الفراغات والثغرات والعمل على‬ ‫تنظيم سَت األحداث واألعمال‪.‬‬ ‫‪ .4‬بناء اسًتاتيجية لتنمية (سبل العيش) من خالل ؾبموعة من برامج عمل ومشاريع يسهم هبا‬ ‫صبيع الفاعلُت األساسيُت يف قطاع (سبل العيش واإلنعاش اؼببكر) هتدف بشكل أساس إىل‬ ‫القضاء على مواطن الضعف االقتصادي لدى السكان يف األجل القصَت من خالل توليد‬ ‫فرص العمل وتعزيز مبدأ االعتماد على الذات ووقف استنزاف أصوؽبم ومدخراهتم والتقليل‬ ‫من االعتماد على اؼبساعدات اؼبادية واإلغاثية ‪.‬وتدعيم قدرهتم على امتصاص الصدمات‬ ‫‪22‬‬


‫الناصبة عن تدىور سبل العيش وفقداهنا يف األجل الطويل‪ ,‬وضمان ربقيق التنمية اؼبستدامة‬ ‫مستقبال يف ىذه اؼبناطق بعد توقف اغبرب‪.‬‬ ‫‪ .5‬اؼبعاناة اؼبستمرة من القصف الذي يؤدي إىل تدمَت البٌت التحتية‪ ,‬واؼبنشآت‪ ,‬واؼبؤسسات‪,‬‬ ‫والعمل يصبح صعباً ربت القصف‪ ,‬باإلضافة إىل ضعف التمويل ‪ ,‬حيث ال تستطيع أي‬ ‫جهة مدنية مستقلة تغطية كافة أعباء اؼبناطق احملررة من النواحي اػبدمية ‪ ,‬فال بد ؼبنظمات‬ ‫اجملتمع الدويل الداعمة النظر يف حال الشعب السوري والعمل لتأمُت أىم النواحي اػبدمية يف‬ ‫اغبياة‪.‬‬ ‫‪ .6‬كانت ؾبموعات الثوار يف سورية ىي األسرع حىت اآلن يف كثَت من األحيان من االئتالف أو‬ ‫التعرف على االحتياجات وتلبيتها‪ .‬وكانت سباقة يف معاعبة اغباجة إىل‬ ‫اجمللس الوطٍت يف ّ‬ ‫إهباد أجهزة أمنية ونظام قضائي‪ ,‬وتوفَت الغذاء والوقود‪ ,‬والفصل يف اؼبنازعات‪ ,‬ومنع النهب‬ ‫يف األحياء والقرى الواقعة ربت سيطرهتا‪ ,‬كذلك القيام بأعمال اإلغاثة اإلنسانية واػبدمات‬ ‫واؼبصاغبة وتسوية اؼبنازعات‪ ,‬والدعوة الدينية والفتاوى‪ ,‬وصوال إىل الدعوة إلنشاء قوة شرطة‬ ‫تنفيذية‪ ,‬وعلى اغبكومة السورية اؼبؤقتة واعبهات اؼبدنية األخرى دعم ومأسسة ىذه‬ ‫الكيانات‪ ,‬حبسب األولوية‪ ,‬وتنظيمها ضمن إطار خدمة اؼبواطن‪.‬‬ ‫تكرس اؽبيئات السياسية سواء اجمللس الوطٍت السوري أو اإلئتالف الوطٍت‬ ‫‪ .7‬يف اؼبقابل‪ ,‬مل ّ‬ ‫نفسها دبا فيو الكفاية للقيام هبذه اؼبهمة‪ .‬فقد وفّرا بعضاً فبا لديهما من سبويل ألفراد أو عبان‬ ‫داخل سورية الستخدامو يف عمليات اإلغاثة‪ ,‬لكنهما فشال يف إنشاء قاعدة دعم لوجسيت‬ ‫مهمة يف جنوب شرق تركيا حيث كانت الفرصة ساكبة للقيام بذلك نظراً لعالقات العمل‬ ‫اعبيدة مع السلطات الًتكية‪ ,‬واليت ظبحت باالنتقال إىل سورية من دون قيود تقريباً منذ أن‬ ‫انتزع الثوار السيطرة على اؼبعابر اغبدودية‪.‬‬ ‫‪ - 8‬االسًتاتيجية اإلعالمية مطلوبة دائماً ويتضاعف طلبها وأنبيتها خالل اغبروب‪ ,‬فكيف إن‬ ‫كانت اغبربُ تشن من قبل دول كربى كروسيا ومعها إيران واؼبليشيات الطائفية‪ ,‬كل ىذا يستدعي‬ ‫‪23‬‬


‫إسًتاتيجية إعالمية ثورية موحدة ومركزة ونشطة يتم السهر عليها ليل هنار ‪ ,‬وبناء على ذلك يبكن‬ ‫إطالق غرفة عمليات إعالمية مشًتكة وموحدة تضم كل الفصائل الثورية ومؤسسات اؼبعارضة يف‬ ‫سورية‪ ,‬حبيث يفرز كل فصيل أو صباعة أو مؤسسة عضواً منها لتشكيل غرفة عمليات إعالمية‬ ‫مشًتكة على وسائل التواصل االجتماعي وغَتىا ‪ ,‬و أن تقوم ىذه الغرفة بدراسة كل اؼبعطيات‬ ‫السياسية والعسكرية اليومية وتقدًن النصائح للناشطُت على "الفيسبوك والتويًت" وغَتنبا ليخدم بذلك‬ ‫اؼبستوى احمللي السوري‪ ,‬أو اؼبستوى العريب أو الدويل‪ ,‬من دفع ألكاذيب‪ ,‬أو تأكيد على وقائع‪,‬‬ ‫باإلضافة إىل ربديد (ىاشتاغات(أسبوعية أو يومية أو شهرية ترد على كل الشبهات واألكاذيب‪.‬‬ ‫‪ – 9‬أن تعمل اؽبيئة السياسية اؼبمثلة للثورة السورية على ازباذ اؼبناطق احملررة قاعدة النطالق عملها‬ ‫‪ ,‬وأن ال تبقى حبيسة دول اعبوار ‪ ,‬وأن تكون إدارة اؼبناطق احملررة بؤرة الًتكيز يف أعماؽبا ومؤسبراهتا ‪,‬‬ ‫فمثال قبحت ىيئة التفاوض بالًتكيز على اعبانب اإلنساين ومعاناتو يف اؼبناطق احملاصرة يف إظهار‬ ‫حجم الكارثة اؼبًتتبة على ذلك‪.‬‬

‫‪24‬‬


Turn static files into dynamic content formats.

Create a flipbook
Issuu converts static files into: digital portfolios, online yearbooks, online catalogs, digital photo albums and more. Sign up and create your flipbook.