د.رضا صالح
ثنائية
الطب والهوى رواية
" وأن أحفظ للناس كرامتهم وأستر عوراتهم وأحفظ سرهم ؛وأن كل مارأيته أو سمعته فى مهنتى أو خارجها أو فى الحياة يجب أل ينتشر بين الناس ؛ سأحتفظ به احتفاظى بالسر ". من قسم "أبو قراط". *** إنه لمر عسير أن المرء ل يمكنه الوثوق تماما بالطباء ومع ذلك فهو ل يمكنه الستغناء عنهم يوهان غوته *** أستعيد الماضى ل لكى أفتح جراحا ولكن لكى ل تذهب التجربة هباء.. ***
1
الجزأ اللول 1 بعد حرب أكتلوبر بسنلوات قليلة؛ تلوجهت إلى مبنى اللوزارة؛كان معى صديقى باهر ،فى المبنى العتيق للوزارة الصحة بالدلور السابع كان الزحام كثيفا ،كنا لواقفين ،الطرقات تعج بالبشر ،ملوسم تلوزيع أطباء المتياز علييى أنحيياء القطيير ،ميين المفييترض أن نكتييب أسييماء المحافظييات بألوللوييية الرغبييات ،رائحيية العييرق تختلييط برلوائييح عطنيية تفييلوح ميين دلورات المييياه لوالمكيياتب القديميية لوالرضيات الخشبية التى تحدث ضجيجا لكثرة القدام التى تدهسها . كان للطبيب الحق فى قضاء ستة شهلور فييى مستشييفيات الجامعيية ،لوالسييتة شييهلور الخييرى فييى مستشييفيات لوزارة الصييحة ،قيييل لنييا – أثنيياء الدراسيية – ميين أسيياتذتنا؛ أن مستشييفيات لوزارة الصيحة تييؤلوى الطبيياء ذلوى المسييتلوى الضييعيف .شيعرت بأننييا ربمييا نفقييد التيدريب الجيييد فييى مستشفيات المنيل الجامعى لوقصر العينى القديم؛ لوهما منارة الطب فى بلدنا؛ سألت نفسى :هييل هناك خسارة حقا ؟ الجابة :ل أدرى . كتبييت فييى ألوراق الرغبييات اسييم مييدينتى فييى خانيية الرغبيية اللولييى ،لييم أتييردد سييلوى لحظييات قلئل ..كنا – أنا لوباهر -متفقين تماما فى رغباتنا ،فييى الحييال لوجييدته يقييف بجييلواري لويفييرد استمارة تدلوين الرغبات أمامه لويكتب فيها رغبته بأن يظل فى المدينة طلوال العام . سألت باهر: هل هناك خسارة يا باهر ؟ ربما ل نجد التدريب الكافى فى مدينتنا؟! رد فى إصرار: شلوف ..أى حاجة فى بلدنا أرحم من مصر..عاجبك الزحام لوالقرف لوالتعطيل فى الملواصلت لو فى كل حاجة؟ يا أخى ما فيه شييارع إل مليييان حفيير لونقيير ،لوالمجييارى طافحيية فييى كييل مكييان، لوالزحيام لوالطيلوابير عليى الجمعييات ..هنياك اللوضياع حليلوة..مفييش زحمية ال لوايلى لواليدرب الحمر لوالبساتين لوشارع قصر العينى لولوسيط البلييد ...مين ييلومين لواليدى لوقيع مين طييلوله قييدام الجمعية ،كان بسلمته نفسه يشترى لنا فراخ مستلوردة!! ياه ..أبلوك نفسه فى الفراخ!! أيلوه...أنت عارف اننا مازلنا مهاجرين فى شبرا؛ من ساعة ما خرج على المعاش ،دائما يخييرج لوهلو حاطط الكيس فى جيبه ،قلت له اننا حانرجع بلدنا؛ خل ص ما تتعبش نفسك ..قال لييى لوأنييا جاى :أنا لواخلواتك جايين لوراك. نفسه يرجع بلده.. طبعا ..بيته هناك لوأصحابه؛ لوقهلوة أتعلود يقعد عليها؛ لوجامع جنب البيت.. أنا ماشفتش أبلوك بيقعد على قهلوة.. 2
سرح باهر بعينيه؛ لوقال: لوالدى من ساعة قبلولى بالتنسيق فى كلية الطب؛ عارف عمل إيه؟ إيه؟ رمى السيجارة اللى فى أيييده تحييت رجلييه لودهسييها ،لوقييال لييى :دى آخيير سيييجارة أدخنهييا؛ ميين النهاردة ممنلوع التدخين لوقعدة القهلوة لومصاريفها؛علشان تقدر تمشى فى الكلية قلت له مهتما : لو انت عملت له إيه؟ لسه ماعملتش حاجة..أنا نالوى أرجعه لصحابه لوأخليه مبسلوط.. لواخلواتك ..حيرجعلوا السلويس؟ طبعا ..بيتنا لومصالحنا هناك؛ لو اخلواتى ممكن يكمللوا مدارسهم فى السلويس..المصيياريف هنيياك حتكلون أقل. أنهينا ألوراقنا بصعلوبة؛ لوخرجنا أنا لوباهر نستنشق أنفاسنا؛ بعد أن تسلمنا خطاب التلوجه لستلم العمل بمدينتنا. ***
3
2 كنت متفائل ،ذهبنا سلويا إلى المحطة بميدان القللييى؛حجزنييا تييذكرتين فييى مقعييدين متجييالورين؛ صعدنا التلوبيس؛ جلسنا؛ غمرنى شعلور جديد فى هذه اللحظة؛ كأنما لولدت ألو كأنما خرجت ميين دار إلى أخرى ألوسع لوأجمل لوأنقى ..يكفى أنني قد تحررت من همييلوم كييثيرة كييادت تكتييم علييى أنفاسيينا ،أقلهييا هييم المييذاكرة لوالمتحانييات ،لوتحكييم السيياتذة لوسييهر الليييالى لوجمييلود المييلواد الدراسية ..سنلوات طلويلة؛ لم نكن نلقى اهتماما من أحد؛ سلوى من أهلنا المشفقين علينا ،لوالذين لم يكن بلوسعهم منحنا أكثر من حبهم لوحدبهم لودعلواتهم ،بالضافة إلى فللوسييهم القليليية ..تحييرك التلوبيس ،عندما خرج من المدينة؛ نظرت إلى الصحراء المترامية لوقلت : احمد ربنا يا باهر رد قائل: الحمد ل ..تقصد إيه؟ حتلقى مكان تسكن فيه لما تتجلوز إن شاء ا إيه اللى فككرك؟ نظرت تجاه النافذة ،خارج التلوبيس لوقلت: شايف ..شايف الصحرا جميلة لولواسعة قد إيه؟ لومصر كلها زحام لوقرف ماتنساش إن البلد لواقعة؛ لو لسة خارجة من الحرب طبعا دى حاجة معرلوفة؛ بس إحنا لزم نفكر ،أنا فرحان بالصحراء ..تصلور يا باهر أنا فرحييان قلوى بالصحراء ليه؟ يا ترى الجيال الجاية هيرلوحلوا فين لويعمللوا إيه؟ العمل عمل ربنا أيلوه بس مانسيبش نفسنا للظرلوف؛ يعنى الخطلوة الليى احنيا عملناهيا دى جيايز تكيلون حل لوة م ن أجل أهالينا إحنا جايين علشان ظرلوفنا قالت كده كلمك صح ،لكن ما يمنعشى أنه يكلون عندنا أمل فى ظرلوف أحسن تكلون فى انتظارنا أنت لسه فيلسلوف زى ما أنت!! قلت مبتسما : 4
ل فيلسلوف لول حاجة آدى احنا بندردش.. *** عندما لوصلنا إلى المدينة؛ نزلنا من التلوبيس بالملوقف القديم؛ طلب منى باهر الذهاب معييه إلييى منزل أسرته ،كان يحن إليه كثيرا ،دائما ما يتحدث عن أسرته لوخصلوصا عن لوالده الذى كافييح كثيرا ،لولواجه عقبات الحياة بلوجه مبتسم لوقلب من حديد ،باهر له ثلثيية إخيلوة لوأربعية أخييلوات، الجميع يحتاجلون إلى رعاية الب ،ناهيك عن رعاييية لواهتمييام الم اليتى ضيحت بعمرهيا -مثيل الكثير من أمهاتنا -من أجل إطعامهم لو تنشئتهم . لوافقت على طلبه ،كيان بياهر يحميل حقيب ة صيغيرة فيى ييده ،قيال ليى تعيلودت أشييلها مين أييام التدريب تدريب إيه؟ رد: تدربنا على السعافات اللولية بعد حرب أكتلوبر فى مستشفى ناصر ،من يلومها لوأنييا دايمييا أشيييل معايا شنطة السعافات . قطعنا الطريق مين ملوقيف التيلوبيس سييرا عليى القييدام ؛عبرنييا مييدان السييعاف إليى شيارع الجيش ،كانت هناك دبابة إسرائيلية محطمة مازالت متلواجدة أمام قسم شييرطة الربعييين ،مبنييى القسم محاط بأسلوار عالية من السمنت المسلح ،لواجهة المبنى مصابة بطلقات نارية محدثة حفرا مختلفة الحجام .سرنا فى شارع الجيش حتى مسجد الربعييين ،لواسييتمر سيييرنا إلييى أن لوصييلنا إلى لورشة لوابلورات السكة الحديد بالقرب مين مسيياكن المثليث؛ معظييم المبيانى الييتى مررنييا بهيا كانت مصابة بأدران الحرب ،لم تسلم من مدافع الهالون ألو طلقات الفيكرز التى كنا نسييمع عنهييا فى حرب أكتلوبر 73لوقبلها فى حرب 67لوأيام حرب الستنزاف؛ كانت الطرقييات شييبه خالييية؛ رأينا عددا قليل من الناس كانلوا يسيرلون كالسياح ،يلوجهلون أبصارهم فى كل مكان،عيين اليمييين لوعن الشمال إلى المنازل لوالشرفات؛ يرفعلون رؤلوسهم لويتطلعلون فى تمهل إلييى مييا فعلييت تلييك اليام بالمدينة . دائرة كبيرة من الفراغ يبدلو انها فى مدخل الصارلوخ فى جانب أحد البيلوت لوقد ظهر من خللها دلولب لوشماعة مهشمان ،لوباقى محتلويييات الحجييرة كمييا هييى ،بيييت آخيير خشييبى ميين الييبيلوت البغدادلى لوقد تيدلت شيرفته لوصيار لوضيعها رأسييا؛ بي لوت عدييدة مهشيمة مين فعيل جييش م ن المرتزقة ل يعرف سلوى تنفيذ اللوامر أتى هنا فى الشرق ليعيش تحت مسمى إسرائيل ،عبرنييا شريط السكة الحديد المؤدى إلى القاهرة ،لودخلنا مدقات ترابية؛ سرنا حلوالى عشر دقائق لوسط أزقة ضيقة حتى سمعنا نداء : دكتلور بلوبه.. لوجدت باهرا يتلفت إلى المنادى؛ رجل صغير الحجم؛ مبتسم؛ أسنانه غبراء الللون متكسييرة لوقييد ارتدى جلبية لو فلوق رأسه عمامة كبيرة؛ كان لواقفا فى دكان بقالة صغير على الناصية .. 5
تساءلت :بلوبه؟ رد مسرعا : الناس اتعلودلوا ينادلوا عليا بالسم ده تعجبت من عنف الحضان التى تبادلها باهر مع الرجل أهل حاج عبده كيف حالك؟ الحمد ل..نكلورتم السلويس.. شكرا اللوالد لوالسرة كيف حالهم؟ رد باهر: بخير الحمد ل حيرجعلوا امتى؟ قريب ان شاء ا.. فيه حاجة عالوز أقلول لك عليها يا دكتلور رد باهر: خير؟ أنت درست الطب كله؟! ضحك باهر لوابتسمت أكمل الرجل: يعنى خلصت مرحلة الطفال ،لوابتديت فى طب الكبار؟ ابتسمنا ،لوقال باهر : هات من الخر ..فيه إيه يا حاج عبده؟ أبدا..صدرى تاعبنى شلوية فى الحال ،فتح باهر حقيبته الصغيرة ،لوأخرج منها سيماعة طبيية لوسييحب الرجيل إليى الييدكان لوقال له : ارفع هدلومك 6
تعجب الرجل لوهلو يرفع ملبسه ،باهر يقلول له : خد نفس كان الرجل فى غاية الطاعة لوالستسلم ،لوكان صلوت تنفسه يحدث صفيرا،سأل باهر عن لورقة ليكتب بها علجا ،قدم له عبده نلوتة صغيرة خاصة بحسابات الدكان فيه إيه يا دكتلور؟ رد باهر : المعسل تاعب صدرك كتب له علجا ؛لوأعطاه اللورقة ،لومشينا. *** قلت لباهر : أنت شجاع ليه؟ بتكتب علج لواحنا لسة داخلين امتياز. أنت عارف؛ أنا تدربت فى مستشفى شبرا أيام الصيف. *** ذهبنا إلى منزل لوالده؛ فتحنا الباب بالمفتاح ،كان منزل صغيرا ،حجراته ضيقة ،يعليلو الطيابق الرضى طابقان آخران بكل منهما شقة صغيرة.. قال باهر: الدلور الرضى كان عم عبييده عييامله مخييزن للبضيياعة؛ أخييتى الكييبيرة كييانت سيياكنة فييى الييدلور التانى ..لواحنا كنا ساكنين هنا فى الدلور التالت؛ كان عندنا عشة كبيرة فلوق السطح .تستغرب لما أحكى لك حكاية البيت؛ أبلويا رسيم اليبيت بنفسيه؛ لوكيان يشيترى الطيلوب لوالخشيب لويليم العميال صييل منييه ألودتييين لويشتغل لويبنى معاهم ،من ساعة الحفر فى الرض؛ اشتغل عامييل حفيير ،ف ك لوصالة صغيرة لوالمنافع؛ تصلور الجيش بتاعنا – أنا لو اخلواتى -معظمه كبر لوترعرع هنا ! أثناء خرلوجنا نادى علينا الحياج عبيده لتنيالول المشيرلوب؛ لوفيى ال لوداع طليب م ن بياهر سيرعة إحضار السرة إلى المدينة؛ حتى تعلود اليام الحللوة كما كانت أيام زمان. ***
7
3 لم نترك أنفسنا للذكريات ،تلوجهنا إلى مديرية الشئلون الصحية ،كانت المديرية تشغل شقتين متجالورتين بدلور أرضى ،استأجرتهما فى بيت للهالي بييالقرب ميين ميييدان النييافلورة .هنيياك سألنا عن السيد المدير ،قابلنا أحييد المييلوظفين – عرفييت أنييه يعمييل بالسييكرتارية -قييال بصييلوت حاسم: مين عالوز السيد المدير؟ قلت: احنا قال : فيه إيه؟ دكاترة ..تعيين جديد رد : نلواب لوأل أخصائيين؟ امتياز أشاح الرجل بلوجهه لوهلو يقلول: المدير مسافر رد باهر :لوالعمل؟ سيبلوا اللورق لوتعاللوا بكره *** فى اليلوم التالى كان الجلو صحلوا ،صحلوت مبكرا لكى أنجز لوأسييارع بالييذهاب إلييى المستشييفى، كنت قد اتفقت مع باهر على اللقاء هنا فى مكتب المدير العام ،قابلنيا نفيس الرجيل ،بنفيس ال لوجه قائل: البيه لسه مارجعش من المأملورية.. قال باهر : مفيش حد ينلوب عن سيادته؟ 8
حك رأسه لوقال: ندخل للدكتلور الزنفلى
قال السكرتير لوهلو يحمل ألوراقنا بيده لويتلوجه إلى الحجرة المجالورة: علشانكم بس ،علشان تقكدرلوا الخدمة بعدين.. نظر إلكى باهر لوقال: خدمة إيه؟ قلت: ملوش عارف !.. *** فى حجرة مجالورة ؛تبدلو ضيييقة لوضييع بهييا مكتبييان معييدنيان قييديمان،متجييالوران ،داخلهمييا –ألو لوراءهما -يقبييع رجلن سييمينان ،أحييدهما أصييلع لوسييمين جييدا،علييى لوجهييه ابتسييامة ل تفييارقه، لوالخر يعللو رأسه شعر أسلود كثيف ،لوجهه ناصع البيياض ؛عليى عيني ه نظيارة طبيية سيميكة؛ لوجهه ل يعبر عن شييىء ،لوإن كييان مظهييره كئيبييا ألو حزينييا لو أخييف لوزنييا ميين الرجييل اللول، الحجرة صامتة تماما ،لول يلوجد بها قطع أثاث أخرى سلوى منضدة صغيرة لوكرسيان . كان الرجل البيض الناصييع البييياض؛ ذلو النظييارة الطبييية يقييذف فييى فمييه؛ بطريقيية اتلوماتيكييية؛ قرصين من برطمان صغير فى يده ،قال دلون أن ينظر إلينا: أيلوه يا سيدى... مال السكرتير برأسه على المكتب ،لوقال لوهلو يشير بنظره إلى اللوراق فى يده: البيه لسه فى أجازة ،لوعالوزين تلوقيع سعادتك علشان يستلملوا العمل تلوقيعى انا ،البيه بيزعل يا حبيبى ،بيزعق لما أمضى على أى لورقة. ابتسم السكرتير قائل: سعادتك ..البيه يهمه التلو قيع على الماليات ،يحب يخلصها بنفسه . أمسك الرجل باللورق لولوقع عليه كمن يقلوم بعمل انتحارى؛ لوهلو يقلول: حاضر ياسيدى .. *** 9
4 باب المستشفى العملومى يؤدى إلى طريييق متسييع فييى نهييايته مبنييى المستشييفى الرئيسييى؛ لوقييد علقت عليه لفتييه سييلوداء مغييبرة كتييب عليهييا بخييط فارسييى "مستشييفى السييلويس العييام " ،علييى الجانبين مساحات خضراء لواسعة ،يتخللها مبنيان قديمان يعللوهما أسييقف ميين القرميييد؛ يحييلوى المبنيان فراندات لواسعة لوطلويلة ،تطل منها ملواسير لصرف مياه المطار ،علييى اليمييين مبنييى مكلون من ثلثة أدلوار؛ يعللوه سقف هرمى من القرميد الحمر ،لوعلى اليسييار مبنييى آخيير قييديم، ذلو أسقف شاهقة له نفس ملمح البناء إل أنه مربع الشكل تقريبييا ؛تطلعييت إلييى المبنييى الرئيسييى الكائن فى الملواجهة ،تيم بنيياؤه فييى ألواخيير الخمسييينيات ،أيييام عبييد الناصير؛ سييمعت أن المبنيى صلورة مكررة فى محافظات مصيير ؛ميأخلوذ مين دلولية مين دلول الكتلية الشيرقية؛ رلوسييا علييى الرجح ،هناك سلور أسمنتي هائل سمكه يفييلوق المييتر؛ يتصييدر السييلور بيياب المستشييفى ،لويمتييد على الجانبين ؛تطلعت إلى البناء؛ لم ينج المستشفى من الصابات التى ترصع جسده ميين جميييع النحاء تقريبا ،ندب صغيرة متفالوتة الحجم لوالعمق تتناثر علييى الحييلوائط ،رأيييت حفييرة كييبيرة بالدلور الثالث بالقرب من السقف ،لبد أن هذه الحفرة ميين طلقيية مييدفع هييالون ألو طييائرة شييبحية مارقة. *** سألت عن مكان الدارة،رد باهر: بسيطة..نسأل.. دخلنا من البلوابة الكبيرة ؛رأيت أعدادا كبيرة من البشر ،على غير ما تلوقعت ،مجملوعة يحمللون محفة ،لوعليها سيييدة حامييل تطلييق صييلوتا حييادا ،يحييالوللون الصييملود علييى السييلم بهييا ،لويجييرى لوراءها مجملوعة أخرى ،يقلول أحدهم: السانسير عطلن ..حرام عليكم.. لوقف عامل المن ليمنع باقى الفرقة من الصعلود إليى أعليى؛تعيالت الصيلوات ،بعيد قلييل رأييت البصقات تنهال ،مع الشتائم ،لوقد سد العامل مييدخل السييلم بجسييده لوالبيياقلون يحييالوللون الصييعلود، تصاعد الملوقف إلى تبادل الضرب باليدي ،لوفى الحال تدخل ألولد الحلل لوسكنت المعركة. جذبنى باهر من يدى لوقال :هيا.. كنت مشدلوها لما يحييدث؛ كييف يحييدث؟ لوأييين؟ قييى المستشيفى؟ أعيرف أن الهييدلوء أساسيى فييى المستشفيات ،لولكن! فى تلك اللحظة رأيت باهرا لوقد احتضنه شخ ص ما ،قائل له:
10
فين أيامك ،لوأزى أبلوك لوأمك؟ استأذن منى باهر لكى يسير معه. *** بحثت عن مقعد لكى أجلس عليه حتى يعلود باهر ،لييم أجييد؛ لوقفييت فييى البهييلو منتظييرا عييلودته، شاهدت سقفا صناعيا تراشقت فيه عدد من اللمبات الصغيرة المللونة تشع ضلوءا خافتا ،أحسست أن المكان رائع ،يحتاج إلى البشر؛ عندما عاد بياهر تلوجهنييا إليى حجييرة الميدير؛ قييرأت اسييمه على للوحة مثلثة تصدرت مكتبه " مراد مهران" تحتها طبيب لوجراح. نظر إلينا بعد أن خلع نظارته الطبية السميكة ؛ ،بدت عيناه الزرقالون ،كأنما نقف أمام رجييل ميين بلد اسكندنافيا ألو اسكلوتلند ،بصلعته الرائقة لولوجهه البيض المشرب بحمرة نادرة ،يكاد الييدم يضخ منه ،أكملت صلورته بذلته الزرقاء لوربطة عنقييه النيقتييان .أشيير علييى اللوراق :شييئلون عاملين -النائب الدارى. *** فى مكتب شئلون العيياملين لوأخييذت منييا ملوظفيية اللوراق؛ لونظييرت فيهييا لورحبييت بنييا ؛ لوسييجلت اسمينا فى دفتر الحضلور لوالنصراف؛ لوقالت مبتسمة : اليلوم حضلور عشان خاطركم .الحمد ل ..درمللى مش ملوجلود . سألتها : مين درمللى ؟ الستاذ درمللى مسئلول دفاتر الحضلور لوالنصراف . *** سألنا عن النائب الداري؛ قيل لنا :غالبا فى السكن سمعت أن سكن الطباء بالدلور الثالث ،لوسكن الطبيبات لوهيئيية التمريييض بالييدلور الرابييع؛ كييل دلور به ممرات تصل بينها لوبين عنييابر المرضييى؛ لييم أعييرف لميياذا اختييارلوا هييذه الدلوار لكييى تكلون سكنا ؟ *** تلوجهنا إلى السكن؛ صعدنا الدرج؛ كان نظيفا لوالردهات نظيفيية أيضييا؛ لولكيين الهييالى كييثيرلون؛ يتزاحملون على المدخل الخارجى فى انتظار السماح لهم بزيارة مرضاهم ،بالييدلور الثييانى كييان هناك تجمهر أمام الباب المؤدى إلى قسم العمليات . لوصلنا إلى الدلور الثالث ،قطعنا ردهة طلويليية ،فييى نهايتهييا تلوجييد صييالة لواسييعة ،كييان ضييلوء النهار الفياض ينسكب داخييل الصييالة ميين خلل نلوافييذ معدنييية كييبيرة بمسيياحة الحييائط أحسسييت 11
ببهجة ربما تكلون من الضلوء المتدفق من خلل تلك النلوافذ ذات الفتحات الزجاجييية لوالييتى ينفييد منها أكبر قدر من النلور . فى الركن رأيت طالولة لكرة البنج بلونج ،تبدلو الطالولة قديمية؛ عليى يمينهيا يلوجيد طقيم أنيتريه متهالك ؛ فى الملواجهة؛ لوفلوق إفريز إحييدى النلوافييذ يجلييس أحييدهم ببيجييامته ،بينمييا لوقييف أمييامه رجل مسن يتصاعد منه صلوت كالشخير ،سمعت الرجل يقلول بصلوت لواهن : تعبت قلوى يا بنى ..قاللوا لى تحت " :اللوريد هربان" اصبر شلويه يا با ..أصبر.. تعبلونى يا بيه فى الستقبال أمسك ذلو البيجامة بذراع الرجل لولف عليه حبل لوربطه ،مد الرجل ذراعه على الفريز ،بينمييا ذلو البيجامة يبدأ فى البحث عن لوريد،استمر الرجل يلقف نفسه بصعلوبة أخيرا تدفق الدم إلى المحقن الزجاجى ،لوفك الرجل الحبل. قال لنا أحدهم أهلو النائب الدارى ..الدكتلور فريد.. اللى لبس البيجامة ؟ أيلوه ..لوبيعطى الحقنة للرجل.. نظر إلينا: أهل احنا أطباء امتياز.. لوماله !..لواحنا محتاجين امتياز ..المستشفى فاضية لوجهنا إلى الحجرة التى سنسكن فيها ،لوقال لنا : إن شاء ا تنزللوا فى جدلول الستقبال من بكرة.. *** استأذن باهر لللوصلول لمقابلة صديقه طبيب السنان ،لوألوصاني باستلم الحجيرة ؛ صياح النيائب الداري على العاملة :يا زهيرة ..حضرت زهيرة مسييرعة؛ كييانت سيييدة بيضيياء ملفلوفيية القييلوام ترتدى جلبابا سمالويا ،لوطلب منها مفتاح الحجرة .
12
اختفت لو جاءت بعد لحظات لوبيدها سلسلة مفاتيح ،تلوجهت معها؛ فتحت الحجرة؛ انبعثييت منهييا رائحة عطنة ،كانت مغلقة منذ زمن؛ ،ألقيت نظرة عليها؛ يلوجد بها سييريران معييدنيان مطليييان بالللون الصفر الباهت؛ فى ملواجهة كل سرير يلوجد دلولب داخل الحائط. فتحت العاملة باب الشرفة المقابل ،انسكب النلور داخل الغرفة ؛بدت الحلوائط داكنة كالحة ،ميين أركان السقف الربعة كانت تتدلى خييلوط عنكبييلوت كيانت تغييزل خيلوطهييا عليى مهيل؛ لوالعاملية لواقفة تنظر لى لوهى تقلول : بحرية ...بحرية لوجميلة .. أحتاج إلى ساعتيين للقراءة كل يلوم لكى أراجع معللوماتى ،لوأستزيد من عللوم الطب لو اهتمامات أخرى مختلفة؛ هل يمكننى أن أستمتع بهما هنا ؟ تلوجهت للقى نظرة من الشرفة ،لوجدتها تطيل عليى عنيابر المرضيى ،لو حجيرة كيبيرة لوحيدها ملوجلودة أسفل المبنى . لوضعت حقيبتى الصغيرة لوطلبت منها أن تغير الفرش ،لونقدتها ما تيسر. ***
13
5 قيل قديما ":ليس فى المكان أبدع مما كان".. هل هذه المقلولة تنطبق فعل على ما نحن فيه؟ قال لى باهر : صلور ..بقينا ملوظفين لو لنا تلوقيع ! ل تنسى التلوقيع فى دفتر الحضلور ..ت ك بعد التلوقيع تركته لوتلوجهت إلى قسم الستقبال لوالطلوارئ ،فيى الملواجهية حجيرة بيداخلها بابيان يؤديان إلى حجرتين أخريين ،بالمدخل رأيت رجل طلويل ،شعر رأسه فيياحم ،أشييعث أهييلوج؛ له حاجبان كثيفان؛ يصل الشعر مييا بينهمييا ؛بينمييا تنتصييب بعييض الشييعرات لتبييدلو خارجيية عيين الطار معلقة فى الفضاء على جانبى اللوجه ،له نظرة حادة ،لولوجه طيب ؛يرتدى بالطلو أبيييض قديم؛ لوقد تركه مفتلوحا من المام ،عندما رآنى مرتديا البالطلو حيانى بابتسامة قائل : الدكتلور الجديد؟! نعم أهل لوسهل ..أنا خدامك عبد العال ..شغال هنا من زمان.. سألت عن الممرضة لوالطبيب الذى سييأعمل معييه ،قييال لييى -لومييازال مبتسييما -بعييد أن عرفتييه باسمى: أى حاجة تعلوزها قل لى . قلت متعجبا: أقلولك على كباية شاى مثل ؟! أكمل الرجل ابتسامته فى تلواضع لوقال : على كل حاجة ..بس أنا أقصد الشغل ..أهم حاجة .. قلت :آه..فيه حد جاى معانا زى مين؟ دكتلور مثل.. ل ..أصل الدكتلور أحمد النايب عنده ظرف فى البلد لوسافر .. مفيش حد غيره 14
أنا لوأنت لوربنا ..عالوز مين تانى؟؟ ادخل أجهز الشاى ؟ أجبت بطريقة ألوتلوماتيكية: ماشى.. *** بعد دقائق دخل اثنييان يحملن ثالثييا لوقييد تسييربلت ملبسييه بالييدماء ،لوقفييت منتصييبا لوتحيييرت ، أسرعت دقات قلبى حتى سمعتها ،طلبت منهم أن يجلسلوا؛ بينما طلييب منهييم عبييد العييال -لوهييلو مازال فى الحجرة المجالورة يعد الشاى -أن يضعلوه على الشيييزللونج الملوجييلود بلوسييط الحجييرة؛ تأخر عبد العال ثلوان حسبتها دهرا ؛أخيرا ترك ما فى يده لوعاد إلينا ليلقى نظرة على المصاب، فى الحال فتح الدلولب لوتنالول خيلوطا جراحية لوإبر ،لواطمأن على طبق كللوى بييه مييلواد مطهييرة لوآلت جراحية لوشاش لوقطن ،لضم البرة؛ لوأمسك بالمق ص لوراح يق ص شعر الرجل ،لويسأله: خناقة؟ ل كنا بنهزر.. بتهكزرلوا بإيه ؟ بشلومة حد يهزر بشلومة يا راجل يا طيب ؟ اللى حصل. *** لوقفت أنظر إلى عبد العال لوهلو يمسح ما حلول الجرح بالقطن المبلل فى مادة مطهرة لهييا رائحيية قلوية؛ ثم يدخل البرة فى فرلوة الرأس -لوالرجييل مستسييلم -يسييحبها ميين مكييان برلوزهييا بجفييت أمسكه بيده الخيرى ،ثيم يعقيد عقييدة عليى طييرف الجفيت ،لويمسيك بيالبرة لوالخيييط لويشيدهما لعلى؛ نظر لى مبتسما لوهلو يقلول : ق ص للو سمحت. فى الحال بحثت عن المق ص لوسط اللت بييالطبق الملوضييلوع علييى ترابيييزة الغيييار ،لوالتقطتييه، تجاهلت يداى المرتعشتين ،لوقمت بالمهمة .. أكمل عبد العال رتق الجرح ،أحسست بانبهار شديد نحييلوه؛ سييكلم علييى المصيياب لوأهلييه؛ لوضييع أحدهم يده فى جيب عبد العال ..غادرلوا الحجرة لوهلو يقلول لهم : دايما تغيرلوا على الجرح؛ الغيار يلوميا .. *** 15
دخل عبد العال الحجرة المجييالورة ،بعييد قليييل داعبييت رائحيية الشيياى الجميليية رأسييى ،أحسسييت بسعادة شديدة عندما خرج من الحجرة حامل كلوبين يفلوح منهما البخار المعطر بالنكهة الجاذبة، مددت يدى لواستلمت إحداهما ،بينما جلس عبد العال أمامي على مقعد جلدي قديم.. سألته :كنت هنا أيام الحرب لوالحصار؟ أشعل سيجارة لوسحب نفسا منها؛ سرح بعينيه لوقال: كنت هنا فى نفس المكان ،كان قسم الطلوارىء فى الجهة الشييرقية ،لوكييان هنيياك دكيياترة كييتير تيجى لوترلوح ،أساتذة كبار لوتمريض ،أساتذة من مصر لومن اسكندرية ،من كليات الطييب لوميين المستشفيات الكبيرة؛ العمليات كانت بالليل لوالنهار ،لوالكل شييغال ،حجييرة العمليييات كييانت زى خلية النحل ماتهداش أبدا.. لوقت الغارة كنا ننزل تحت؛ فيه مخزن كبير لوجنبه ألود عمليات ،كانت بالدلور الرضييى ،بنينييا سلور عالى حلوالين المبنى ،الحرب انتهت من 3سنين لكن السلور ملوجلود. دكتلور أيلوب كان المدير؛ كان هنا فى الحصار ؛رجل مخل ص جدا؛ كان يشيتغل زى النحلية ؛لميا سمع إن الحصار انتهى لوطريق مصر انفتح؛ اتصل بألولده فى مصر لوقال لهم إنه جيياى بكييرة، فى الليل جت له سكتة قلبية لومات من الفرحة !! ***
16
6 فى الضحى؛ حضرت ممرضة لتعمل معنا بالستقبال؛ عكرفها عبد العال بى لوقييال لييى إن اسييمها هدى؛ بعد قليل سمعت صلوت سارينة عربة السعاف ،ل إراديا لوجدت نفسى متجها إلييى بيياب الحجرة لتابع ما يحدث ،فى الحال لوصلت السيارة؛ ارتقت المطلع الدلورانى القادم ميين البلوابيية الخارجية حتى لوقفت أمام الرصيف الملواجه للحجرة التى أعمل بها؛ بعد قليل فتح السائق الباب الخلفى؛ لوجدت نفرا يخرجلون منها بسرعة ..تساند أحدهم على أذرع اثنين منهم ،أدخلييه حجييرة الكشف ،لوجدت نفسى لواقفا أمامه لفحصه ،كان يشكلو من آلم مبرحة فى جانبه اليمن لوأسفل البطن ،بعد الكشييف عليييه؛ كتبييت فييى تييذكرته أمبييلول جللوكلولينييامين باللوريييد ؛باللغيية العربييية؛ تذكرت الدراسة الطلويلة لوتعب القلب ،لوتساءلت هل الملوضلوع تييم اختصيياره فييى هييذا المشييهد؟ أين ذهبت كل هذه المحاضرات ؟ لوأين ذهبت كل تلك الليالى؛ ليييالى السييهر لوالميذاكرة ؟ عيدت إلي المريض بعد قليل ،خف اللم قليل ،بعد دقائق عالودته اللم؛ قال لى أحد أقاربه : اللوجع زاد يا باشا.. طلبت من هدى أن تحقنه بمحللول ملحى به مسكن قلوى باللوريد .. لم ينتهى اللم بالرغم من المسكنات التى تعاطاها ،ظل يعالوده؛ قمت بالكشف عليييه لوكتبييت لييه حقنه مسكنة تخلط مع أخرى لوتعطى باللوريد؛ لواستمر الرجل فى حجرة الستقبال فييترة طلويليية؛ مازال اللم مستمرا؛ طلبت من عبد العال أن يتصييرف ،أشييار علييى باسييتدعاء نييائب المسييالك؛ تساءلت : لومن النائب ؟ أجاب :الدكتلور سمير اختفى عبد العال؛ باختفائه أحسست بالضياع؛ بعييد دقييائق حضيير لومعييه الييدكتلور سييمير؛ فحيي ص المريض لوطلب قسطرة ؛ بحثت هدى عن قسطرة ،نظرت لوعلييى لوجههييا ابتسييامة شيياحبة إلييى الدكتلور سمير قائلة : مفتاح الطلوارىء مع سامية.. فين سامية؟ فى أجازة.. لوزع الدكتلور سيمير نظيرات سيريعة حيائرة بيننيا لوبيين المرييض لوأهل ه اليذين ليم يصيلهم هيذا الحلوار ،بسرعه لوجدته أمسك قلما لولورقة صييغيرة لوكتييب عليهييا كلمييا لوأعطاهييا لحييد أقييارب المريض.. هاتها بسرعه ا يخليك من أقرب أخزخانة ..
17
بعد قليل حضر الرجل لوبيده قسطرة بلولية؛ طلب الدكتلور من المريييض أن يخلييع سييرلواله ،لوفييى الحال احضر عبد العالطبقا كللويا به مطهر لوجفت؛ بينما أمسك بيييده الخييرى برطمييان الفييازلين الطبى ،أدخل الييدكتلور يييديه فيى قفييازين أحضييرهما ليه عبيد العييال ،لوأمسييك القسيطرة بييالجفت لوغمس طرف القسطرة فى الفازلين لوبيده الخييرى امسييك الحشييفة ؛ لوضييع عبييد العييال الطبييق الكللوى بين فخذى المريض ،بينما كييان الطييبيب يييلوجه مقدميية القسييطرة البلولييية لويييدفعها برفييق لتنزلق داخل مجرى البلول.. فرحت عندما شاهدت البلول يتدفق فى الطبق حتى امتل عن آخره؛ لوجرى عبدالعليم لحضار جردل ليستقبل به شلل البلول؛ استنشق الرجل نفسا عميقا كأنمييا اسييترد رلوحييه ؛لوانتظييم تنفسييه؛ لوأمسك بيد سمير محالول أن يقبلها . قال لى سمير لونحن خارجلون من الحجرة : أحيانا اللواحد يشعر أنه شيخ ألو راهب ! بدلون القسطرة ممكن العيان يفطس بسهلوله .. *** لحظت أن الدكتلور سمير يتعامل بحميمية لوصدق؛ حان آذان العصيير كييانت نلوبتجييية السييتقبال على لوشك النتهاء ،فى الساعة الثالثة صعدنا سلويا إلى السكن؛ فى الطريييق كييان يحييدثنى عين تجربته فى المستشفى . على الدرج ،قابلنا قريب لحد المرضى المحبين للدكتلور سمير؛ نظر متبسما إليه قائل : ازيك يا دكتلور ثمير؟ الحمد ل العيان بتاعنا مبثلوط منك خالث.. شكرا.. أنت اتخثثت لوأل لثه ؟ كتم سمير ابتسامة كادت تقفز على محياه : التخص ص السنة الجاية إن شاء ا نالوى تتخثث إيه؟ نثا لوأل مثالك؟ ل..أطفال ! تساءل الرجل : ليه..لثه ماككملتش؟ كتمت أنا لوسمير ضحكنا ،لواكتفينا بالبتسام . 18
7 المستشفى مجتمع صغير لكنه مفتلوح على كل أخبار المدينة لوأهمها تقريبا ،كنا نتبادل فى جلساتنا لومقابلتنا أخبار العمليات لوالحلوادث لوالرلواتب؛ لواخبييار الدارة بمييا فيهييا أخبييار المييدير العام لوحاشيته ،بالضافة إلى الخبار الشخصية التى كانت عمدة أحاديثنا ،بما فيها من الطباء لو هيئة التمريض لوالعمال لوالهالى أيضا ؛ فالمدينة ماتزال فقيرة فييى عييدد سييكانها لوفييى مبانيهييا التى تهدم معظمها بسبب الحرب ،لوفى شلوارعها لوطرقاتهيا لوأمياكن اليترفيه اليتى مياتزال شيبه منعدمة؛ كان هناك عدد مين الشييباب يييأتلون الينييا مين خييارج المستشييفى ليأنسيلوا بصييحبة فتيييات التمريض لومنهم الجادلون فى البحث عن شريكة حياة؛ بينما هناك من يأتى لمجرد قضاء ألوقييات ممتعة داخل أسلوار المستشفى. صارت المستشفى فى هذا اللوقت مكانا للتجمع لوبؤرة لهتمام الناس ،كانت أخبار العمليات ل تهم قطاع الجراحين لوحدهم بل يهتم بها جميع طاقم المستشييفى تقريبييا ؛ النجيياح فيهييا دلييل عليى التفلوق لوالتفرد ،كان هذا مقياسا للكفاءة حتى لوان كان غير معلن ،لوعلى العكييس هنيياك قليية ميين الزملء كانلوا يكرهلون منظر الدماء بل لويخافلونه أيضا .كانت الحلوادث تمثل لنا نسبة عالييية ميين أخبار المدينة ،لوخصلوصا حلوادث الطرق الصحرالوية لوأيضييا الشييعاب الممتييدة داخييل الجبييال خصلوصا جبال عتاقة لوجبل الجلليية ،طريييق القيياهرة الصييحرالوى غييير آميين فييى الكييثير ميين الملواقع نظرا لضيقه لوسلوء رصفه ،لوكذلك طريق السماعيلية ،سلواء طريق القنيياة ألو الطريييق الصحرالوى كلها طرق قديمة أبلتها الحرب؛ لولم تكن مستعدة للقيام بدلورها نظرا لضيييقها الشييديد لوكلونها طرق مفردة لوكانت هذه طامة كبرى تؤدى إلى حلوادث الصطدام خصلوصا فييى غبشيية المساء لوانعدام النارة على الطريق ،ماتزال هناك حلوادث فردية عبارة عن انفجار لغم فى أحييد الفلحين بمنطقيية الجنيياين ألو الشييللوفة ألو شييندلورة ،رأينييا منيياظر مؤسييفة لومحزنييا لحييالت بييتر لطرف ألو أكثر؛ يعيش المريض بعدها معاقا طلوال العمر ،الحادث المؤلم الذى هز لوجييدانى هييلو انفجار لغم فى طفلين شقيقين كانا يلهلوان بقطعة من الحديد بمنطقة الشللوفة انفجرت فيهما ،مات أحدهما لوعاش الخر مبتلور الذراعين ...كانت تلك اللغييام ميياتزال متلواجييدة فييى أميياكن متفرقيية ربما كانت فى قاع المدينة ألو فى القطاع الريفى ألو فى المنطقة الجبلية الييتى تعسييكر فيهييا قييلوات الدفاع ؛ أدهشنا جميعا حادث انقلب الشاحنة ماركة زل أثناء صعلودها فى طريييق ضيييق يتخلييل جبل عتاقة ،كان المصابلون بالعشرات لوقد انفجر لغم أطاح بالسيارة لومن فيهييا ،كنييا نتسييابق فييى هذا اليلوم لنقاذ مييا يمكيين إنقيياذه ،مجملوعيية ميين المصييابين دخلييلوا فييلورا الييى غييرف العمليييات؛ آخرلون تحلوللوا إلى قسم الغيارات ،الكل تقريبا تم عمل أشعات لهم لبييان ميدى إصيابات اليرأس لوالعظام ،لم يكن هناك رنين مغناطيسى ألو أشعة مقطعية ،كانت هييذه التقنييية لييم تييزل فييى طييى البحث ألو التلواجد على مييدى ضيييق فيى القلييل ميين دلول الغييرب ،كنيا نجييرى هنيا لوهنيياك نعلييق المحاليل لونسلوق العربات الصغيرة الحاملة للدلوية ،لوننقييل الكسييرة المتحركيية بالمصييابين ،لييم ننتظر العمال لعطائهم ألوامر ألو تلوجيهات لهذا الغييرض ألو ذاك ..الجميييع كييانلوا يعملييلون بنفييس الحماس لونفس الهمة لوالرلوح العالية؛ فى هذا اليلوم الذى ل ينسى شاهدت منظلومة رائعة للتعالون لوالتصدى لللم دلون تلوجيهات من أحد. *** 19
سمعنا عن المدير العام لوعن قلوة شكيمته لولسانه السليط؛ شاهدنا تلوقيعه بخط لواضح صغير بالقلم الجاف الحمر ،كان تلوقيعه بمثابية لورقية البلوسيته المشييهرة الييتى تحمييل قيمية فيى ذاتهيا، تعيلود اليدكتلور لوصييف أخصيائى الباطنية أن يق لول فيى جلسياتنا :اليداخل هنيا مفق لود لوالخيارج ملوللود ،يرد عليه باهر مستفسرا؛ أثناء الدراسيية سييمعت هييذه المقلوليية تقييال نكتيية عيين القصيير العينى؛ يرد الدكتلور لوصيف قائل إن البلوتشر؛ يعنى الجزار،أغلق الحظيييرة ،يصييطاد فقييط كييل من يأتى إليه من اللوزارة؛ لول يرخى العنان لحد. كنت قد سمعت هذا السم من قبل ،لولييم أعييرف عميين يييدلور الحييديث؛تييذكرت أننييى رأيتييه مييرة لواحدة لوكان مهرلول ليركب السيارة ،كان كالكرة التى تتدحرج ..بالفعل؛ للو خليع الرجيل بيذلته لوارتدى جلبية لوأمسك ساطلورا فى يده لصار من عتيياة الجزارييين؛ كييان منظييره ل ينييبىء عيين طب لول ديالوللو!! بعينيه الحمرالوين لو نظراته الحادة ،لولوجهه الجامد ،سمعنا إنه نادرا ما يبتسييم إل فى حضرة الحريم ...كان سمينا إلى حد مخيف ،بطنه البارز دائما يجعل الصديرى مشحلوطا إلى أعلى؛ مبرزا جزءا كبيرا من تلك الستدارة الجهنمية التى ربما تحتلوى علييى عشييرة أرغفيية بالضافة إلى الفلول لوالطعمية لوأكيلواب السيياقع لوالسيياخن لوالجاتلوهيات ،؛الييتى يحبهييا لويحيير ص على صبها فى كرشه لوحبذا للو كانت من جيلوب الخرين ..
*** كنت ذاهبا مييع سيمير لسييتلم مكافيأة المتيياز؛ قيمتهييا خمسية لوعشيرلون جنيهيا نتسييلمها بعيد الخصلومات؛ حلوالي ثلثة لوعشرين.. ،سمير كان نائبا لومرتبه أعلى قليل بعدة جنيهات؛ تحييدثنا عن زميل أراد السفر للخارج ،كان قد حصل على عقد عمل فى بلد خليجى ،كانت هييذه خطييلوة جديدة علينا ،سمعنا أنه سار فى إجراءات لعمل اخلء طرفه ،فييلوجىء فييى الخطييلوة اللولييى أن المدير العام أشر على طلبه : ألوافق بالبدل . سار يحدثنا جميعا عن هذه التأشيرة العجيبة ،صار يقلول لكل من يقابله :تعرف الستاذ بدل ؟ يتساءل السامع: بدل إيه؟ يرد الزميل غاضبا لوقد تطاير من عينيه شرر : بدل ما أقتل ..بدل انتقام ..بدل صفاقة ..بدل تحكم فى عباد ا.. يسمع السامع لوينظر شذرا الى الطبيب؛ لويسير فى حال سبيله : بدل ياناس ..بدل يا هلوه !...نصحه الدكتلور لوصيف بالذهاب الى اللوزارة .. *** 20
عاد خائبا من اللوزارة بعد أن لوعدلوه بحل المشكلة لوقاللوا له سلوف نرسل للمدير العام خطابا اطلعه السكرتير على خطاب اللوزارة : برجاء تسهيل مهمته لوشكرا . يقلول السكرتير ان المدير ضحك عندما قرأ خطاب الييلوزارة ،لوكتييم ضييحكه ،لوسييارت المييلور كما هى لم يتغير شىء؛ لولم يسافر الزميل . قال لى سمير : عدد كبير من زمايلنا سافرلوا ليه؟ علشان الفللوس ..البلد حالها تعبان .أى بلد بترلولى يدفع أضعاف أضعاف المرتب هنا. طبعا مفيش نسبه.. لوكمان يعيش فى سكن مؤثث لوله تذاكر سفر مجانية فى كل أجازة.لوميزات تانيه.. الغربة صعبة..هم بيسافرلوا قبل التخص ص؟ أحيانا . .. يعنى يشتغل ممارس عام على طلول ؟ مشلوار الدراسة لوالتخص ص مشلوار طلويل؛ لوكلنا بتصادفنا صعلوبات فى التخص ص ،يعنييى أنييا مثل.. أنت مالك؟ كنت نالوى أتخص ص نسا لولولدة .. لوإيه اللى غير مسارك؟ مش بإرادتى ..قلوانين زبانية اللوزارة.. ياسلم! لزم تكلون أمضيت كم سنة تكليييف ألو قطيياع ريفييى..لوكييم سيينة نييائب تخصيي ص ،لوالمجمييلوع ؛ لوكمان فيه حاجة مهمة !.. إيه هى؟ اللواسطة يا حبيبى !
21
ممكن اللواحد يشتغل هناك ممارس على طلول؟ رد بل مباله : لوماله؟ طالما جيبه عمران ! ***
8 أثناء الغداء؛ كنت جالسا أنا لوباهر ،كان أحد الزملء يجلس أمامى علييى نفييس المائييدة؛ عرفنييى باهر به؛ قائل : الدكتلور طه .. قلت :أهل لوسهل.. لحظت أنه قد أحضر أشياء معه ،منها م ك لحة لوضعها علييى المائييدة؛ لوفلوطيية كمييدها لواحكمهييا على ركبتيه ،لوأخرج من جيبه ملعقة خاصة لوشلوكة؛ نظرت إليه فقال بصلوت هادىء: أحب أن تكلون هذه الشياء للستعمال الشخصى تبسمت قائل: لوأنا احترم رغبتك *** كان الدكتلور طه يقضى فترة تدريبه فى قسم الجراحة مع باهر ،كان يحكى عيين ملواقييف تنييبىء عن ابتعاده التام عن منظر الدماء .هناك نظام متبع فى تدريب أطباء المتياز ،هذا النظييام يلييزم الطبيب بأن يجتاز دلورات فى أقسام أساسية لوأخرى فى أقسام اختيارية ،كان قسم الباطنة لوقسييم الجراحة لوأمراض النساء لوالتلوليد ضمن القسام الساسية التى ل بد لطبيب المتياز من المرلور عليها ،لمدة شهرين تقريبا فى كل قسم . قال ملوجها كلمه لباهر : فات علينا أسبلوعين فى قسم الجراحة ،باقي ..شهر لونصف أنت فرحان لوأل زعلن ؟ ل ..زعلن طبعا أنا أكره منظر الدم؛ لومقدرش أفتح بطن مريض الضرلورات تبيح المحظلورات؛ لونظر لى باهر قائل: على فكرة ..الدكتلور طه نلوبتجى طلوارىء ،لوسرق لوقت الغدا.. 22
يرد طه محتدا: احنا لغاية الن نجهل جسم النسان .سيبك من الجلد لوالعضم لوالدم لوالعضلت؛ أنا أقصد حاجيية تانية قلت: تقصد إيه؟ أنت سمعت عن الطب الصينى ؟ أكيد فى القصيير العينييى شييفنا عمليييات جراحييية فييى قسييم النسييا؛ كييان البنييج عبييارة بييالبر الصييينية، لوالمريضة فى كامل لوعيها ،لوتتكلم لوبطنها مفتلوحة أنا لغاية الن مقدرتش أفهم السر.. رد باهر : خبرات تاريخية متلوارثة .. أنت عارف إيه ملوجلود جلوه يا بنى ؟ دى علوالم خالقها الملولى عز لوجل ؛جسم النسان ده مقدس ل يجب العبث فيه.. أنت اخترت إيه؟ أنا ؟! أكيد باطنه الباطنة بتأككل عيش؟ ربنا يا بنى هلو اللى بيرزق. رد باهر مدعيا الشفقة : عندك حق. أم سيد حضرت فى هذه اللحظة ،جاءت تنادى الدكتلور طه: يا دكتلور طه ..الحق فيه حادثة فى الستقبال يا ساتر يا رب ! لوشك حللو علكي يا عم باهر . نفض فلوطته ،لوقام مسرعا لوهلو يقلول : عن إذنكم.. لوهرلول على السلم .
23
9 تكعلود المدير العام أن يأتى كل صباح – لومعه سكرتيره الخا ص -إلى الشييرفة البغييدادلى الخشييبية اللواسعة الملحقة بالمبنى القديم لمدرسة التمريض لوبصحبته الرجل الثانى فييى المديرييية لويييدعى خرمان ،المديرالمالى لوالدارى،صاحب العقل المدبر بالمديرية ،يحمل رأسا ضخمة على كتفيييه العريضتين ،تبدلو عيناه الماكرتان من خلل نظارته الطبية ذات الطييار السييلود الكييبير ،تعلييلو ملمحييه ابتسييامة زئبقييية ،اشييتهر خرمييان بهييلوايته للطيييلور لوخصلوصييا البييط لواللوز لوالحمييام، سمعنا أنه تم تلوظيف عدد ل بييأس بييه ميين العمييال لوالسييائقين بلواسييطة أنييلواع مختلفيية ميين ذلوات الريش . يحمل السكرتير ملفا ضخما به البلوستة ،يقلوم بعرضها على السيد المدير لوقتما يشاء الخير يجلس المدير العام هلو لوخرمان ،مع ناظر المدرسة ،يييدعى الييبرالويطى ،الييبرالويطى رجييل خشن الطباع ،ل تجده إل لوهلو يزجر تلميذا ألو يشتم آخر؛ سمعنا عنيه أن ه أحيانيا يسيتخدم الفلكية فى عقاب الطلب؛ لو ربما يكلف أحدهم بإحضار أشياء من خارج المدرسة ، ،قييد ل يييدفع لييه ثمنها ..دائما يضع الشيشة لوالتمباك لوالمعسل أمييامه ،حييتى إذا مييا حضيير المييدير العييام تركهييا جانبا ،لونفض يده ليكلون فى استقبال سيده؛ يكلييف أحييد الطلبيية بمراجعيية الفحييم لواحمييائه ،كييان الييبرالويطى ضييخم الجثيية ،يضييع نظييارة طبييية علييى عينيييه؛ منتفييخ اللوداج؛ تميييل بشييرته إلييى السمرة القاتمة ،له ذقن حليق على الدلوام؛ كان باهر يقلول إن الرجل ل ينبت له شعر فى لوجهه؛ يضحك لويقلول لهذا السبب لم يتزلوج لوقد اقترب من الستين؛ أحيانا يقلول إنه غالوى أكييل لوإمييارة على عباد ا مثل صاحبه المدير العام؛ كان يجلس على مقعد لويمد رجله على مقعد آخر ليريييح ساقيه السمينتين من الدلوالى ،يتبادل ثلثتهم النكات الفجة لوالضحكات المفتعلة لوالكلم الناشف لو سحب النفاس من نفس المبسم ،يفتح المدير الحديث: حاطط الشيشة جنبك يا برالويطى اعتقد البرالويطى أنها تهمة ،حالول أن يزيحها بيده ،يجيبه المدير : ل هاتها ،احنا مالناش نفس لول إيه؟ يبتسم البرالويطى لوتنفرج أسيياريره ،ينييادى علييى احييد الطلبيية ،يييأتى الطييالب مهييرلول لويحنييى البرالويطى رأسه ليحدثه سرا يهرلول الطالب مختفيا يمسح المدير ذقنه بيده لويقلول : اللواد عالوز يسيب البلد لويمشى يرلوح مصر.. يتساءل الناظر: مين يا باشا؟
24
اللولد بتاع النفسية يرد خرمان: ضر دكتلوراه عرفت إنه عالوز يح ك ضر عفاريت ملوش حا اخلي طرفه إل بالبدل.. ضر دكتلوراه ..يح ك يح ك يضحك خرمان لوهلو يقلول: دخلول الحمام مش زى خرلوجه يا باشا..أنا عرفت إن عنده مزرعة يا باشا يا سلم ! أيلوة عنده مزرعة فى الجناين ،لوبيربى فيها بقر لوجاملوس لوضانى .. أنت باين عليك بتحب الضانى يا خرمان طبعا يا باشا هرش المدير فى رأسه قائل : العيال دى مش تفتح مخها شلوية ؟! فين اللى يفهم يا باشا؟ يرد المدير: هم فاكرين الحكاية لعب لوأل إيه؟ أنا مستعد أكلمه يا باشا ،لوأفهمه إنى أنا اللى حاخل ص الملوضلوع .. يبتسم المدير قائل : لورينا بركاتك يا خرمان ! يفرح الثنان عندما يشاهدان كييرش السيييد المييدير لوقييد ترجييرج ميين الضييحك ،لواحميير لوجهييه، لوبانت حمالة بنطاله ،لوبدت أسنانه صفراء كاحليية اللييلون ميين أثيير المعسييل لوالتمبيياك لوالسييجائر لوباقى أنلواع الدخان؛ لوصيار طفل يمكنييه أن يقبييل أى شيىء لويلوقيع علييى أشييياء كيثيرة كيان قييد رفض التلوقيع عليها من قبل. ***
25
10 الدكتلور غربالوى طبيب الطفال يصاحب كثيرا من الطبيياء لويهييلوى جلسييات النميميية لول تفييلوته فائتية ،ل يحيب أن يكيلون جياهل بيأى حيدث فيى المستشيفى ألو خارجهيا؛ عنيدما يتحيدث اثنيان لويتصادف حضلوره؛ يمد أذنيه إلى الحلوار لوسرعان ما يمسك بتلبيب الملوضلوع لويلم بأطرافه . فى قسم الطفال الداخلى ،مثل باقى القسام الخرى؛ تلوجييد حجييرة الطييبيب لوحجييرة التمريييض لوصيدلية طلوارىء ،لوبجلوارها دلورات المياه مثل باقى القسام؛ علييى امتييداد لواحييد فييى ملوجهية عنابر المرضى ؛ بعييد النتهيياء ميين العيييادة الخارجييية ،يصييعد الغربييالوى إلييى القسييم الييداخلى، لويجلس فى حجرته ليبدأ العمييل ،تعييلود علييى أن تحضيير لييه الممرضيية أنصيياف حييالت القسييم الداخلى من العنبر الملواجه للحجرة؛ كنت جالسا معه عندما قال لنصاف : أعملى لنا بن يا أنصاف.. نظر لى لوقال: تشرب بن يا دكتلور ؟ قلت :شكرا رد بسرعة؛ لوعلى لوجهه شبح ابتسامة خابية : ضر .. البن عملوما م ك أعطتنا أنصاف ظهرها؛ لوبدأت فى تجهيز البن على السخان الكهربائى؛ أخرجت الكنكة لوالملعقة لوالفنجان لوالطبق من الدلولب ،لوفتحت علبة السكر لوالشاى؛ لوضعت الطبق على المكتب لوفلوقه الفنجان .غسلت الكنكة تحت مياه الحلوض بالحجرة ،لوضعت بها ملعقة سكر لوملعتين بن رد عليها غربالوى : خفى البن شلوية يا أنصاف ! تبتسم أنصاف قائلة :حاضر !! ظهرت العاملة لواقفة على باب الحجرة : أى خدمة يا دكتلور غربالوى ؟ هاتى الحالت يا م سيد. اختفت أم سيد لوعادت لومعها أم حاملة طفلها ،يتبعها مجملوعة أخرى من النسيياء الشيياحبات كييل منهن تحمل طفل على يديها . سماعة الغربالوى معلقة فى رقبته؛ يضعها على صدر الطفل ،تقلول له أمه: شلوف بطنه بالسماعة يا دكتلور ...بطنه لوجعاه..لويحك فى دماغه 26
يضع السماعة على بطن الطفل لودماغه أيضا.. تبكسمت لورشقته بنظرة متسائلة؛ بعد خرلوج الم قال لى : أحيانا أحط السماعة على رجله كمان يا سلم! لزم ترضى الزبلون ..شغل سلوق! فاحت رائحة القهلوة؛ لوملت المكان ،رفَعت أنصاف الكنكة من فلوق السخان؛ لوسحبت الكبس؛ لوصبت القهلوة فى الفنجان؛ تضلوعت الرائحة لوانتشرت فى أرجاء الحجرة الضيقة . لوضعت الفنجان أمام الغربالوى نظر لى الغربالوى؛ لوهلو يرشف من فنجانه قائل : بن محلوج ..دايما أشتريه من مصر أحب أشتريه من باب الللوق . *** قال لى أحد الزملء لويدعى الدكتلور زارع إن الغربالوى يدكعى أن المدير العييام صييديقه؛ يقييلول أنهما من بلد لواحد لوبينهما صلة نسب :عندما علمت ذلك قصدته فى خدمة.. قلت له :ماهى؟ قال لى : النقل من الطب اللوقائى إلى الطب العلجى .. سألته متشلوقا: لوماذا تم؟ ترك لى تليفلون المنزل لوالعيادة لوقال لى اتصل بى عند اللزلوم لوهل اتصلت به؟ نعم حالولت التصال به لولكن الرقمين غير ملوجلودين بالخدمة ! لوعندما رأيتييه؛ ذكرتييه باللوعييد لوحكيت له عن ملوضلوع التليفلونات ،لولكنه تجاهل المر لوقال لى : لوهل أنا كلمتك عن المدير ؟ نعم.. رد زارع متحسرا :
27
الغربالوى قال لى لوهلو يحك رأسه : أنا مش فاكر الملوضلوع من أصله!.
***
11 ل يمكنك الفكاك من أسر سامية ألو نسيانها بسهلولة ،تعمل ممرضة بالقسم الداخلى؛ فى أمسياتنا كانت تلوزع الحب لوالملودة علييى الحاضييرين لول تظلييم أحييدا ،لكييل منييا سييلم يييدلوي دسييم ،مييع ابتسامة مصاحبة لنظرة خارقة منها ،تلوحى بأمل لولوعد.. كنت قد تعرفت على الدكتلور طه طبيب المتياز معنا بالمستشفى؛ بدين إلى حد ما ،له لوجيه طفلولى ،يحب ان يرتدى حلة كاملة ،عندما يجلس فى العيادة كان يحر ص علييى لوجييلود شييماعة لكى يعلق عليها الجاكت ،لويرتدى البالطلو؛ كان رلومانسيا؛ يتحدث إليك كأنمييا يهمييس فييى أذنييك، رقيق الحاشية ،سريع التأثر بأى حدث ألو ملوقف يمر به .؛يهلوى سماع أم كلثييلوم لوعبييد اللوهيياب لوعيد الحليم حافظ ،كان يسميهم "الثلثي" . تكعلود طه أن يسهر كل مساء فى حجرة الطبيب النلوبتجى بقسم المراض الباطنة حتى الساعات اللولى من الصباح ،كان يضع ملفات المرضييى أمييامه علييى المكتييب ،لويحفييظ أسييماءهم لواحييدا لواحدا ،كان يهلوى هذا القسم ،لم نكن ندرى لماذا ،فالكل يتحيدث ع ن اليدخل لوالمكسيب؛ عين هلواييية المشييرط لوالمقيي ص ،أى فييرع بييه جراحيية ،الكييثير كييانلوا ل يعييترفلون للطييبيب البيياطني بكفاءته ،حتى إدارة المستشفى كانت قاصرة تقريبا على الجراحين. تصادف أن تلوزعت سامية فى هذا الشييهر نلوبتجييية سيهر فييى قسييم الباطنيية؛ كييان اليدكتلور طيه يسهر بالقسم ،كانت سامية تحضر معها الشماعة كل مساء ،يحضر هلو لومعه كتيياب لوشييريط لم كلثلوم ألو عبد اللوهاب ألو عبد الحليم ،كان يحفظ أغانيهم عن ظهر قلب ،كما كان يأخذ معه حللوى ،أحيانا يمل جيلوبه بقطع النلوجا لوالشيكلولتة *** عندما تدخل سامية الحجرة لتنفيذ العلج كانت تميل بلوسطها على المكتييب لوتمير بإصيبعها علييى سطلور الملف لتقرأ العلج المكتلوب؛ لتقلوم بتجهيزه ،بيييدها الخييرى تمسييك بييالمحقن ألو بعلبيية دلواء ،أثناء هذه الحركة يكلون طه أحيانا جالسيا إليى الناحيية الخيرى مين المكتيب؛ كيان يلحيظ صدرا نافرا بفلقته السحرية من فتحة الرقبة اللواسعة خلف البالطلو ،قد عبر عن قييلوته لوجييبرلوته بتلك الحمرة التى يصطبغ بها لوجه طه لوأذناه أيضا! شباك الحجرة مفتلوح على حديقة المستشفى اللواسعة ،لوتحته مبنى مدرسة التمريض؛ اللوقت يمر جميل لوالهلواء عليل ،لول يلوجد حسلود ألو عزلول .. 28
على كلمات الغانى ..أم كلثلوم عندما تشدلو :ياللى كان يشجيك أنينى كل ما أشكي لك أسايا.. لوعبد اللوهاب ..كل ده كان ليه لما شفت عينيه؛ اللى حيرنى لواللى سهرنى ..لوجفنه علم الغييزل؛ عندما تترك العنبر لوتنتهى النلوبتجية يفترقان ،ليذهب كل منهما إلى اسييتراحته ؛كييان يعييز عليييه الفراق ،لويغنى لها أغنية عبد الحليم .. تهجرنى ليه لما أنت حبيبى؟! .. فى تلك الليلة اشتعل قلب طه بالغرام ،عندما قرأ كلمات الغنية التى كتبتها له سامية فييى لورقيية لوتركتها على المنضدة التى كان جالسا إليها .. قدمتها إليه لوقالت له : احبها قلوى إيه هى؟ عندما غادرت سامية الحجرة إلى عنبر المرضى؛ فتح اللورقة المطلوية بعناية لوقرأ ما فيها: "بافككر فى اللى ناسينى؛ لوانسى اللى فاكرنى لوأدكلور ع اللى بايعنى؛ لوأنسى اللى شارينى !" فى الحال طلوى اللورقة مرة أخرى لوخبأها فى جيبه ،اخرج لورقة لوراح يكتب : "أتمنييى أن أتييزلوج ميين تحبنييى ،شييعلور جميييل أن يكييلون النسييان محبلوبييا ،لولكيين ! هييل هييذه مشاعرك الصادقة ؟ أرجلو أل يخلونك التقدير ألو أن تلعبى بعلواطفى !" طلوى اللورقة لوتركها فى دفتر الحلوال ،عندما عادت من العنبر ،فتحت الدفتر لسييتكمال تنفيييذ العلج رأت اللورقة ،فنظييرت إلييى طييه بعينييين تغمرهمييا الفرحيية لوالحسيياس القييلوى بالنصيير . أخذت اللورقة لوقرأتها ،لوأطالت النظر إلى أعماق طه الذى خارت قلواه لوأحمر لوجنتاه ،لوصييار كالطفل الذى اجترح ذنبا . *** استأذنت سامية لعمل كلوب من الشاى لييم يطلبييه منهييا طييه؛ غييابت قليل لوعنييدما عييادت فييلوجىء بأكلوام من البسكلوت لوالفطائر فى طبق إلى جلوار كلوب الشاى الخزفى المجهز بعناية . *** قبل أن تغادر ،لوضعت له لورقة فلوق سجلت المرضى ،كانت قد كتبتهييا أثنيياء غيابهييا ،لوقييالت له: اقرأها لما ترجع السكن. *** 29
قبيل الفحر؛ عندما عيياد طييه إلييى السييكن ،كنييت صيياحيا لوبيياب غرفتنييا مفتييلوح ،دخييل علينييا لو البتسامة تمل محياه ،قال له باهر :غريبة.. رد طه: إيه هى الغريبة؟ ما غريب إل الشيطان ابتسامتك.. ضحك طه لواقترب منا لوجلس على حرف السرير ،كانت اللورقة مطلوية فى يده ،سأله باهر : ماسك إيه يا طه؟ نظر إلى يده متحيرا لوقال فى براءة : أبدا ..شهادة حبنا قلت: شهادة حبكم ..ممكن أشلوفها ؟ قال كأنما يتمنع: دى أسرار ناس .. مد باهر يده لونزع اللورقة بلطف من يده ،لوقرأها علينا: ياللى كان يشجيك أنينىكل ماأشكى لك أسايا كان منايا يطلول حنيني للبكا لوانت معايا ! حرمتنى من نار حبك لوأنا حرمتك من دمعى ! ياما شكيت لوارتاح قلبك أيام ما كنت أبكى لوأنعى عزة جمالك فين من غير ذليل يهلواك؟ ***
30
12 فى الصباح؛ رفضت صنابير المياه بالسكن أن تبلوح بنقطة لواحدة من الماء ،بين لحظة لوأخييرى كنا نعالود السؤال عن سبب قطييع المييياه ،لييم نسييتطع التصييال مباشييرة بمسييئلولى العطييال فييى محطة المياه ،فما زالت شبكة التليفلونات معطلة ،كان البعض يقلوللون : الماسلورة الم ضربت فى شارع عرابى.. نتساءل فيما بيننا :أل يلوجد خزانات احتياطية للمياه بالمستشفى ؟ شىء أساسى لومهم .. *** فى هذا اليلوم كان الدكتلور الغربالوى يجلس فييى مكتبييه بالعيييادة الخارجييية منييذ الثامنيية لوالنصييف تقريبا؛ علم بزيارة مسئلول كبير للمستشفى هذا الصباح ،ظل جالسا يشرب قهلوته لويقييرأ جريييدة الهرام كالعادة ،لوقد ألوصى الممرضة بأن تغليق بياب العييادة لول تيدخل أحيدا إل عنيد اقيتراب ملوعد الزيارة ،اقتربت الساعة من العاشرة ،أثنيياء مييرلور المحييافظ علييى العيييادات ،لوجييد زحاما على عيادة الطفال ،تجمهرت المهات حيياملت أطفييالهن ،صييحن فييى لوجييه المحييافظ، كان الغربالوى قد بدأ فح ص الحالت منذ لحظات ،سأله المحافظ : أنت لوحدك فى العيادة؟ ل ..فيه دكتلور تانى معايا فين هلوه؟ ماجاش اكتب لى اسمه.. بسرعه ،سحب الغربالوى سلوستة حقيبته الجلديية السييلوداء اليتى ل تفيارقه أبيدا – لوكأنميا حصيل علييى أمنيتييه -لوأخييرج منهييا لورقيية فللوسييكاب مشييطلورة نصييفين ،لوكتييب عليهييا السييم ،لوبيياقى البيانات ،لونالولها لمساعد المحافظ *** فى الحال حضرت العاملة إلى السكن لتنادى على .. فى إيه يا أم محمد؟ المحافظ عندنا المحافظ؟ أيلوه 31
دى الميه مقطلوعة لوأنا منتظر الميه أما تيجى علشان ادخل الحمام.. ارتديت ملبسى مسرعا لونزلت دلون أن أغسل لوجهى. قبل أن ينتصف النهار ،أبلغنى عامييل السييلويتش أن هنيياك اسييتدعاء للمثييلول أمييام محقييق الشييئلون القانلونية بالمديرية. ***
13 حضرت لجنة من اللوزارة لكى تقف على أخبار الستعدادات الطبية بالمدينة ،لوألوصت بحضلور جميع الطباء خصلوصا رؤساء القسام لوالمعالون لورئيسة التمريض كى يييدلى كييل منهييم برأيييه فى كيفية تحسين الداء فى المستشفى ،؛ كما فهمنا.. فى هذا اليلوم جهز كل رئيس قسم تصيلوره للرقييى بالعمييل؛ بالضيافة إلييى أى طلبييات خاصيية؛ استعد الجميع ؛ لم تكن هناك قاعة مهيئة للجتماع ،قال المدير إن الجتماع سيييكلون فييى السييطح المجالور للستراحة ،فى الهلواء الطلق ، ،لم يعارضه أحد ،فلم يكن هنيياك قاعيية اجتميياع ألو أى قاعة مجهزة ،الكل فرح بهذا الحدث ،على القل سلوف يكلون هناك فرصة أكييبر للتعييارف بييين الزملء ،لوسلوف يعرض كل من الحاضرين مشاكله ،بالرغم من فكرتهم المسبقة عيين الرفييض الذى يتحلى به لسان المدير العام؛ كان الجلو معتدل؛ الجميع يتحدثلون سلويا قبيل حضلور المييدير العام؛ كان لى نصيب فييى حضييلور الجتميياع؛ بيياهر جييالس الييى جييلوارى ممسييكا بيييديه لورقيية يقرأها ،سألته عن فحلواها؛ قال: النشرة ...نشرة الجتماع لوجهييت نظييرى إليهييا ،قييرأ بيياهر بسييخرية " :لمناقشيية أحييلوال العمييل لوحييل مشيياكل العيياملين لوالرتقاء بالداء اللوظيفى ".. عدد كبير من المقاعد ،أمامها اصطف عدد من الطالولت المتلصقة؛ تم لوضع ملءة خضراء عليها بينما جلس الزائرلون لوراءها ،المدير العام بجلواره مندلوب اللوزارة ،لوآخر علييى اليمييين، بينما جلس كل من خرمان لوالبرالويطى على يسار المدير ،أما الدكتلور مراد مدير المستشفى فقد جلس فى مقاعد الحضلور . لوجدت المسئلول اللوزارى ينظر إلى المدير لويسأل: فيه كم سرير عندك يا مطرالوى ؟ فى العام لوالحميات لوالصدر ؟ ل فى المستشفى العام؟ 32
نظر المدير بدلوره إلى مدير المستشفى قائل : رد يا مراد.. قال الدكتلور مراد إن المستشفى به أكثر من ثلئمائة سريرا .. كم أسانسير ؟ رد يا مراد : اسأللونا عن عدد السانسيرات الشغالة ،لننا طلبنا اصلح الباقى من سنة. كلهم 12أسانسير منهم 2شغالين ! لم يرد المسئلول اللوزارى؛ تشاغل بالحديث مع جاره المطرالوى ،لوتجالوز الكلم قائل : حاضر حاضر ..كميات الدلوية ؟ فى الحقيقة عندنا ما يكفى . *** طبيب الجراحة ترالوده فكرة الجراحييات الميكرلوسييكلوبية ،لوجييراح آخيير يريييد إدخييال جراحييات التجميل ،بينما الدكتلور فهمى يرغب فى إنشاء قسييم لجراحييات المييخ لوالعصيياب نظييرا لكييثرة حالت الحلوادث التى تتطلب هذا التخص ص الدقيق ...طبيب الرمد كان يحلم بجهاز جديد للكشف على قاع العين؛ بينما طبيب التخدير يتكلم عن حجرة عمليات حديثة : لوالفاقة ! فين حجرة الفاقة ؟ احنا تعلودنا نخبط العيان قلمين علشان نطمئيين عليييه بعييد العملييية لونزعق فى لوشه علشيان يفيلوق؛ لوممكين نقرصيه؛ دى طيرق ميش حضيارية ؛ لوالملونيتيلورز ييا اخلواننا لزم يكلون عندنا ملونيتلورز حديثة ..مجرد نظرة فى الجهاز تعرف كل الحدلوته .. *** بانت على لوجه المسئلول إمارات الجهاد ،لوهمس الى المدير العام ،استأذن خارجا لومعه سائقه الخا ص ،بينما هرلول معه المطرالوى إلى الخارج لوعاد الى الجلسة مسرعا . *** أخذ لوضعه على المنصة؛ جلس على مقعد آخر أكبر من اللول لوأعلى ؛أحضييره لييه سييكرتيره الخا ص ،بصلوت مرتفع لولوجه كئيب قال : اللوضع زفت...
لونظر يمينا لوشمال ليتفح ص اللوجلوه..
دايما ننسى التعليمات نظر الحاضرلون بعضهم لبعض .. 33
البلطى ...البلطى لزم تتلبس ..لوالبادجات الدكتلور اللى من غير بالطلو زى الدلولة من غير علم ...فاهمين ..يتحقق من انفعالت الحضلور قائل :تنفع؟ يمصم ص البعض شفاههم لويغمغملون :ل.. أنا من هنا لورايح للو شيفت لواحيد م ن غيير البيالطلو ..ل يليلوكمن إل نفس ه .لوأشيار بسيبابته فيى الفضاء محذرا .. يسكت قليل ،لويحرك رقبته الغليظة -كجذع شجرة الجميز -يمينا لوشييمال؛ يحييدق فييى اللوجييلوه مستطلعا ردلود الفعال ؛ يستأنف: الحضييلور لوالنصييراف ..حييرام عليكييم ..الفندييية بتييلوع المجلييس المحلييى خلكييلوا رقبييتي قييد السمسمة ... يستمر الصمت لويبدلو القلق على لوجييلوه الحاضييرين ،الكييل يريييد أن يعييرض المشيياكل الحقيقييية مثلما جاء فى النشرة ،النق ص فى الجهزة لوالمعدات لوالثاثات ،لونق ص عدد الطباء؛ لوالحاجيية إلى التدريب ،لوالبعثييات الطبييية؛ لوالهتمييام بعقييد النييدلوات لوالمييؤتمرات الطبييية لنعيياش الحقييل العلمى؛ لومناقشة تلوقف إرسال أطباء من قبل اللوزارة منذ فترة طلويلة ..نظرت إلى باهر قائل: المجلس المحلى يفهم إيه فى شغلنا ؟ ما كان بلش تعب القلب 7سنين رد باهر ضاحكا: غير البتدائي لوالعدادى لوالثانلوى ...الكل جاى تفتيش ،يعنى أذي ،لواصطياد أخطاء .. لويكمل الدكتلور سمير الذى كان يجلس بجلوار باهر: ماتنسلوش الكككتاب؛ أهم مرحلة فى حياتى...فى الكتاب حفظت جزأ عم لوتبارك علييى يييد سيييدنا؛ من ساعتها حصيلتى زى ما هى فى القرآن للسف !! أكمل
:
لو التخص ص محتاج كم سنة ؟ ما دام المجلس شايف العملية سييهلة؛ مييا يجيبييلوا الحيياج فلن لول الستاذ كعلن من المجلس ..يدخل ألودة العمليات لويقلوم بالمهمة .. المفرلوض إن اللى يراجعنى ألو يشرف على شغلى يكلون مستلواه أعلى منى فى المهنة ..
***
34
14 كنت أراه أحيانا بمكتبه؛ كان يجلييس دائمييا علييى حييرف الكرسييى ،لول ينييدلق متمرغييا داخلييه ؛ مكانه الثير غرفة العمليات لوالمرلور على القسام .نادرا ما يجلس فييى المكتييب .لوجهييه الحميير لونظارته لوابتسامته لوحركيياته المحسييلوبة لوآراءه الصييائبة جعلتييه يحصييل علييى قسييط كييبير ميين احترام لوحب الخرييين؛ مثلمييا يحييدث فييى كييل مكييان ، ،هنيياك كلوكبيية ميين المحييبين ألو راغييبى الشهرة لوالمنافقين يحيطلون دائما بكل مدير ألو رئيس ،الدكتلور غربالوى طبيب الطفييال متلواجييد بصفة شبه مستديمة مع الدكتلور مراد بالمكتب -بييالرغم ميين عييدم اسييتلطافه – إل أنيه مكشييلوف اللوجه كما يقال .. قال له الغربالوى يلوما : خد راحتك فى الكرسى يا سعادة الباشا ابتسم مراد لوقهقه قائل : البلد دى ما فيش فيها مضملون يا حبيبي ،ممكن بكرة الصبح يطلع قرار بإقالتي ! *** دخل النائب الدارى ،تكلم معه الدكتلور الغربالوى ،ثم نظر إلى الدكتلور مراد لوسأله: أطباء المتياز عالوزين يستفهملوا من سعادتك على حاجة .. مد الغربالوى رقبته لوأرهف أذنه .. تساءل الدكتلور مراد : فيه حاجة ؟ عالوزين يعرفلوا إيه المقرر عليهم فى الجراحة يا باشا ؟ كان سؤال مفاجئا؛ ضحك الييدكتلور مييراد حييتى بييانت أسيينانه البيضيياء ،كييانت ضييحكة مجلجليية لورائعة ،سرت ملوجة من الضحك على لوجلوه الجللوس ؛قال: المقرر؟ هلو احنا فى مدرسة ؟ المفرلوض يتعلم ينقذ المريض.. تدخل الدكتلور الغربالوى قائل: أظن يا دكتلور مراد ل يلوجد برلوتلوكلول من اللوزارة بالتفاصيل. قال الدكتلور مراد: تفتكر يكتبلوا إيه فى التفاصيل؟ 35
نظر إليه الغربالوى قائل: الدلول كلها فيها برلوتلوكلولت نافذة ..هنا اللوضع مختلف. اسمع يا بنى ..يعنى يقدر يشخ ص زايدة لويعملها ،لويفتح خراج لو يطاهر ،لويصلح فتييق لويعمييل عمليات بلواسير لوشرخ شرجى لوغيار للجرلوح.. رد النائب الدارى لينقذ نفسه من اللورطة: يعنى نكتب الكلم ده فى لورق نلوزعه على قسم الجراحة يا باشا؟ ل با بنى الكلم ده تقريبى ،لن فيه حاجات كثير ممكن تقابل الحكيم ،تقدر تكتب : " يعرف يتصرف فى الملواقف المختلفة " *** 15 يلوم الجتماع سافرت سامية لمر مفاجىء ،لم تقابل طه لتخبره فى نفييس اليييلوم ،كييان مشييغلول فى اجتماع المدير العام الذى اسييتمر سياعات ؛خشيييت أن يعلييم طييه بسيفرها المفياجىء دلون أن تخبره،هى تعلم تماما مدى حساسيته المفرطة ،لذا كان القلق يرالودها فى اليلوم التالى للجتماع كان طه جالسا على المكتب فى القسم الييداخلى ،يعبييث بييالقلم لوالييلورق لوبعض الملفات امامه؛ عندما رأى فايزة علم منها أن سامية قد تلقت برقية من لوالدها يطلب منها أن تحضر حال.. ترى ما الذى جرى ؟ أحس بالحباط الشديد ،كيف تتصرف هكذا دلون أن تخبرنى ؟ قال : لما ترجع قلولى لها خل ص.. تساءلت فايزة بمكر: خل ص إيه يا دكتلور طه؟ خل ص لوبس ..قلولى لها كل شىء انتهى . لوأخذ يكتب بطريقة هستيرية لومتسرعة فى لورقة : " كلما بحثت عنك لوجدتك هائمة فييى ملكييلوت غريييب؛ مسييتحيل أن أقبييض بيييدى هيياتين عليييك لحتضنك ،فأنت صرت بالنسبة لى كالرلوح السارية ألو كالخيال ألو حلم فلوق المستحيل... هل استطعت أن أعكبر عنك؟ كل شىء راح لوانقضى لواللى بيننا خل ص مضى !.". طلوى اللورقة بإحكام ،لولصقها بقطعة من البلستر الطبى ،لوقال لفايزة: 36
لما تيجى اعطى لها اللورقة دى.. عاد ليفكر لويضرب أحماسا فى أسداس ،ترى ما السبب فى سفرها المفاجىء؟ *** بعد يلومين عادت من السفر؛ عندما أخذت اللورقة فتحتها أمام زميلتها قرأت سامية ":لوجدتك هائمة فى ملكلوت " .أخذن يتضاحكن لويقهقهن .لوتكمل فييايزة " مسييتحيل أن أقبض بيدى هاتين عليك لحتضنك " ياسلم ..يا سلم سكلم !! *** فى المساء تسلمت سامية عملهييا بالقسييم الييداخلى كالمعتيياد ،كييان طييه جالسييا فييى مكتييب الييدلواء الملحق بعنبر المرضى ،يقرأ فى كتيياب ،كأنمييا ل يراهييا؛ فتحييت الييدلولب ،لوأحضييرت ملفييات المرضى ،لوبدأت تقلوم بتفيذ العلج . جاهد نفسه أل يبدأها بكلم؛ اقتربت منه بحركة رشيقة؛ لوهى ترسم ابتسامة لواسعة علييى شييفتيها قائلة: أخبار الجميل إيه؟ ل جميل لول ديالوللو !! يعنى إيه؟ خل ص! خل ص إيه يا طه؟ المفرلوض تسألنى اللول ! *** هدأ طه قليل؛ رفع عينيه إليها لوهلو يمسك بكتابه : المفرلوض تقلولى لى ..إيه سبب سفرك المفاجىء ؟ ابتسمت لوهى تتطلع إلى عينيه : أبدا ..كان فيه عريس ..بابا قال لى عريس جاهز لو لقطة سكت لحظة؛ احمكر فيها لوجهه ،لوقال: بيشتغل فين؟ تاجر ..رجل أعمال لوأنتى رأيك إيه؟ 37
حدقت فى عينيه؛ لوجهت له سهما جريئا؛ لوهى تقلول : أبدا..مش عارفة..رأيك أنت إيه؟ فى تلك اللحظة ارتفع صياح أحد المرضى من العنبر المجالور ،انطفأت البتسييامة ،لوخرجييت سامية مسرعة لوهى تقلول لطه : فككر لو رد على ك! *** فى هذه الليلة ،لم يغادر طه حجرته ،كان يستمع لويعيد الكاست عدة مييرات علييى كلمييات كامييل الشنالوى التى يغنيها عبد الحليم : أنت قلبى ؛ فل تخف ..لوأجب :هل تحكبها ؟ لوالى ا ك لن لم يزل نابضا فيك حكبها ؟ لست قلبى أنا اذن ! ! ..انما أنت قلبها ! ! *****
16 38
بالدلور الرضى يلوجييد مبنييى شييئلون العيياملين؛ تعييلودت إحييدى الملوظفييات أن تييبيع لزميلتهييا لوزملئها المفارش لوجهاز العرايس لو التريننييج سييلوت لوبعييض أدلوات المطبييخ بالقسييط ،شييهريا تقف بجلوار شباك الخزينة لتصطاد أى ملوظفة مدينة لها؛ بمجرد حصلولها على المرتب؛ تتابعها الكاتبة حتى تحصل منها قسط المديلونية بالجهة الغربية؛ يلوجد جناح العيادات الخارجية ،كلوريدلور طلويل جدا ،يحلوى فييى أحييد جييلوانبه حجرات للشعة لوالتحاليل لوحجرات للشراف لوحجرة للخصائى الجتماعى ،لوحجرة للمعالون المسئلول عن العمال ،لودلورات للمياه ،لوعليى الجيانب الخير منافيذ تيؤدى إليى العييادات ،فيى مدخل الباب الخارجى للعيادات يتنياثر أنيلواع مختلفية مين البشيير ،طييلوابير تقييف لقطيع التيذكر، سيدة تجلس على باب العيادات تبيع البسكلويت لواللبان لوالطلوفى لوالنعناع ،سيييدة تفييترش الرض لترضع صغيرها .. يسد الباب جزئيا من الخارج رجل يقف أمييام عربيية يييد لوقييد ضييع عليهييا أصييناف ميين الدلوات الكهربائييية؛ مفاتيييح لومفكييات لوأسييلك كهربييية لوأكبيياس ،لوجلييد حنفييية ،لودبييابيس ،لوكراسييات لوأقلم ...لوآخر يقف على نهاية الرصيف لويضع كليما على الرض فييلوقه أدلوات خياطيية؛ إبيير لومقصات لوخيلوط مختلفة الللوان لوالحجام ،لو تلوك لوبنس شعر لوأساتك لومفارش بأللوان عديدة لوأملواس حلقة لو كريم حلقة لومعجلون أسنان لوبطاريات ترانسستلور لولعب أطفييال لوبنييس شييعر لولولعات لومقالور لومحفظة لوجلدة بطاقة لوعلب كبريت لوأشياء أخرى غير ملحلوظة. على الناحية الخرى يقف بائع البطاطا بعربه فلوقها فييرن يتصيياعد ميين مييدخنته الطلويلية دخييان الشى ..تتدافع ملوجاته فى الهلواء لوقد تضلوعت رائحتها الجميلة لوسط القيظ لوالزحام . جماهير الناس لوزحامهم الكثيف فى الصباح؛ داخل العيييادات يسييلود الحيير لوبتصييبب العييرق ميين الجميع..بالرغم مين لوجيلود عيدد مين المييرالوح ،كييانت ضييعيفة لو تكياد تلتصييق بالسيقف الهائييل الرتفاع
*** العيادة غرفتان ضيقتان ،اللولى تجلييس بهييا الممرضيية لسييتقبال الحييالت لوتسييجيل البيانييات، لوالحجرة الخرى ملحقة بها لولها باب يفتح عليى غرفية التمرييض ،العاملية يعليلو صيلوتها حينيا لوينخفض حينا لتلوقف زحف المرضى دلون نظام إلى الطبيبة الجالسة بالحجرة الداخلية كانت الدكتلورة حنان متأففة من ضييق المكيان لوالحير بيالرغم مين دلوران مرلوح ة السيقف عليى أعلى سرعة لهييا ،الرطلوبيية عالييية لو اللحظييات تمضييى ثقيليية لوالجييلو الخييانق ،بييالحجرة مكتييب متهالك؛ يعللوه الصدأ؛ يهتز لمجرد اللمس ألو الصطدام الخفيف ألو لوضع طفل عليه لفحصه..
ببياضها الشاهق لوجسمها الممشلوق كانت جالسة إليى المكتيب تتلقيى سييل م ن البشير؛ جعلهيا تنظر إلى الممرضة لوتتساءل فى تعجب لوسخط : 39
إذا كان الناس كلهم هنا؛ يعنى المصالح فاضية؟! مين بيرلوح شغله؟ تضحك الممرضة لوترد من حجرتها الضيقة الملصقة : الناس تعبانه يا دكتلوره ..ظرلوفهم لوحشه.. طلبت الدكتلورة حنان من الممرضة أن تنادى على المرضى ،رفعت الخيرة صلوتها قائلة : زغللول ....لم يرد؛ قال أحد الملوجلودين : مفيش زغللول لول ق ص لول سكللوم!* دخل رجل عجلوز له شفة أرنبية مشقلوقة لوسلم على الملوجييلودين ،اقييترب ميين الطبيبيية لومييد يييده ليصافحها ،صرخت الطبيبة عندما أحسييت يييده فييى يييدها ،كييان الرجييل مبتييلور الصييابع؛ يييده مشلوهة ليس بها سلوى أصبع لواحدة ،يتحلى بابتسامة دائمة تفترش لوجهه ،يصيير علييى السييلم بتلك اليد؛ ارتعدت الطبيبة ساحبة يدها بحركة ل ارادية مفاجئة؛ عندما أحست الصبع المخلبية التى احتلوت يدها بخشلونة .. *** بعد قليل اقتربت سيدة عجلوز لوقد أمسكت بيدها منديل لوضعته على أنفها ،نظرت إليها الطبيبة، قالت لها متسائلة باستنكار : هلوه فيه ريحه لوحشه ؟ ل يا دكتلورة... لحظت الدكتلورة أن المنديل مبقع بقطرات من الدم ؛قالت للسيدة : مالك يا ماما؟ تعبانة يا بنتى ،جسمى هبطان ..الضغط .. هاتى جهاز الضغط يا فاطمة فى القسم الهندسى يا دكتلورة شلوفى لواحد غيره مافيش يا دكتلورة _______________ *أنلواع من المعسل المصرى.
40
اتصرفى يا فاطمة أتصرف اعمل إيه يا دكتلورة ؟ قالت المريضة: ممكن أقعد يا بنتى ...لوهلوت مرتطمة ببلط الرضية . الدكتلورة حنان رقيقة جدا لوحساسة جدا لوتتجمد أطرافها عندما ترى شيئا غير عييادى؛ لييم تتخيييل أنها ستقع فى مثل هذا الملوقف . شيللوها يا فاطمة شيللوها.. هرلولت فايزة من الحجرة المجالورة؛ دخل لوراءها مجملوعة من البشر .. ألولد الحلل حمللوا السيدة مرابعة إلى حجرة الستقبال.. ***
استردت الدكتلورة حنان أنفاسها المقطلوع ة مين هيذا المشيهد الفظييع كميا تسيميه ،أخرجيت مين حقيبتها مناديل لورقية لومسحت العرق الناضح من جبينها؛ نظرت إلى العاملة لوسألتها : من فضلك هاتى لى حاجة ساقعة من الكانتين يا أم أحمد. كانتين إيه يا دكتلورة؟ الكافيتريا يعنى مفيش هنا كانتين لول كافيتريات؛ اخرج أجيب لحضرتك من بره ؟ ماشى يا أم أحمد بسرعه لوالنبى دست الدكتلورة فى يدها نقلودا.. قالت فايزة : للو كان فيه كانتين كان يشتغل تمام .الدارة مانعة الحاجات دى يا دكتلورة ليه يا فاطمة؟ ا أعلم يا دكتلوره. ***
41
العاملة الملوجلودة تتغير حسب الحلوال ،لم يعييد اللوضييع مسييتقرا كمييا كييان فييى الماضييى ،معظييم العاملت يعملن حاليا بنظام التعاقد المؤقت " كزكهرات " بمرتب بخس؛ ربما ل يكفييى للوقييايتهن من شر اللوقلوع فى الكبائر ،قدمت الدكتلورة حنان شكلوى للمعالون المسييئلول عيين العمييال يلومييا من تغيير العاملة لوغيابها المتكرر؛ رد قائل : حطى نفسك مكانى؛ قلول لى أعمل إيه ؟ الحكلومة عالوزه كييده ،العامييل الملوسييمى يحضيير علييى كيفه ،لويغيب على مزاجه. ***
17 ظل طه يكتب كلمات لوأشعارا فى قصاصات لورقية صغيرة لويقدمها لسامية ،احيانا يتركها على المكتب ،كانا سلويا فى الحجرة عندما اقتربت بلوجهها من لوجهه تماما؛ لوهيى تنظير فيى المليف الكائن أمامه على المكتب ،حالول أن يقبلها ،ابتعدت عنه مبتسمة لوهى ترفع بنصرها لوتقربه من شفتيها لوهى تشييير بييالتمنع لوالنفييى ...فييى هييذه الليليية امتقييع لوجهييه لوظييل سيياهرا حييتى مشييرق الشمس؛ كتب جزءا من قصيدة لكامل الشنالوى لوأرسلها لها مع صديقتها فايزة؛ فتحت الخطيياب أمام فايزة؛ لوبدءتا تتضاحكان؛ لوهما تقرءان : ل يي لوعينيييك يي يا حبيبة رلوحييى لم أعييد فيك هائمييا ..فاسيييترييييييييييييييييييييييييييييييييييييييييييييييييييييييييييييييييييييييييييييييييييييييييييييييييييييييييييييييييييييييييحى ! سكنت ثييلورتى فصييار سيييلواء أن تلينى ألو تجنييحى للجمييلوح ! لواهتييييدت حييييرتى فسيييكيان عنييييدى: أن تبييلوحى بالحب ألو ل تبييلوحى ! لوخيييالى الذى سما بك يلوميا ياله اليلوم من خيييال كسيييييح !! لوالمراد الذى سكييينت الحناييييا منه .. ألودعتييه مكهب اليييريح !
42
* * * ل ..لوعينييييك ما سللوتك عمييرى فاسييتريحى !! لوحاذرى أن تريييحى ! *** الساعة السابعة لوالربع صباحا؛ لم أسمع لطييه صييلوتا؛ كييان مين المفييرلوض أن يرتييدى ملبسييه لوينزل إلى عمله بقسم الطلوارىء من الساعة السابعة ،ذهبت إلى حجرته لو دفعت البيياب برفييق؛ رأيته مستلقيا على سريره يحدق فى قف ص الكناريا؛ كأنه لم يحس بى؛ قلت له : عندك شغل الن.. نظر لى بنصف لوعى قائل: شغل؟ آه .. تصكلور نسيت!!.. ظل محدقا فى قف ص الكناريا أمامه ..كان الذكر يلغى أنثاه؛ يقتربان من بعضهما لويضع منقيياره فى منقارها لويدلور حلولهيا لوتيدلور هيى حيلوله ،كأنهميا يستعيضييان ع ن حبسيهما ببهجية الحيب لوالفرح؛ يفرغان فيه طاقة متجددة تمكنهما من حب البقاء لوالشعلور بالسعادة مع كل صباح . قال لى : الكناريا أستاذة فى الحب لوالشاعرية .تصلور! .كائنات عجيبة جدا.. قلوم يا طه ..اللوقت ضكيق..لوكدع الكناريا لوانزل شغلك! حاضر ياسيدى .. *** حكت لنا نادية -الممرضة بقسم الطلوارىء -أنها كانت مع الدكتلور طه فى النلوبتجييية ،لحظييت بقعة الشيكلولتة التى ساحت فى جيب البالطلو ،نظرت إليه لوسألته بلهفة : إيه الللون اللى فى جيب البالطلو ده يا دكتلور طه؟ أمسك الدكتلور طه بذيل البالطلو لورفعه لوقد احمر لوجهه؛ لوقال: أبدا مفيش حاجة ..الظاهر الشاى اندلق عليه.. ** 43
18 بعد انتهاء نلوبتجية اليلوم ،فى نلك المسية الهادئة ،كانا متلواعدين على اللقيياء ،طلبييت سييامية الخرلوج مع طه لجبر ما انكسر ،تقييابل خييارج أسييلوار المستشييفى؛ عنييد ناصييية نييادى الشييرطة الملواجه للمستشفى؛ الجلو شتاء لوالشلوارع شبه خالية؛ أخذا يتمشيان بشييارع الشييهداء حييتى اتخييذا طريقهما إلى ضاحية بلورتلوفيق؛ كانت تسير بجانبه محاذية لوملصقة له ،لم يفكرا فييى ركييلوب ملواصلة ألو البحث عن تاكسى ،ترتدى المعطف الصييلوف البنييى لوتضييع قبعيية ميين نفييس اللييلون على شعرها لوقد تدلت منه خصلت كسييتنائية ناعميية ميين الخلييف لوعلييى الجييانبين ،تعلييق يييدها بمرفقه؛ الشلوارع لمعة لونظيفة ،لم يصادفا إل عدد قليل من المشاة ،الهدلوء يشمل العالم؛ قطعا عدة كيللو مترات فى الذهاب حتى ظهرت مياه القناة ،يتسع الخليج أمامهما رلويدا رلويييدا؛ بعييض السفن تبدلو مضيئة فى الفق ،على البعد تبدلو جبال عتاقة؛ طريق القنيياة محيياط بالشييجار علييى الجانبين ،حدائق كثيرة متناثرة تحيط ببيلوت الفرنسالوى المخصصة لملوظفى هيئة القنيياة ،كييل بيت عبارة عن فيلل مستقلة محاطيية بحديقيية خاصيية ،الفيلل بارتفياع دلوريين فقييط ،لهييا أسيقف مائلة من القرميد الحمر ،تزدان الحديقة عادة بشييجيرات الزينيية لوالشييجار المثمييرة ؛غالبييا ل تخللو حديقة من شجرة المانجلو الرائعة التى تعللو لوتثمر لوتقترب بثمارهييا ميين النلوافييذ لوالبييلواب، فى الملوسم يمد السكان أيديهم ليلتقطلوا أحلييى الثمييار ،هنيياك أيضييا أشييجار البرتقييال لو اليلوسييفى لوالجلوافة لوالليملون لوالعنييب بمعظيم الحييدائق ،أضييلواء فيلوانيس الطريييق تنعكييس عليى صييفحة المياه ،يرفييع طيه ياقيية الجياكت لويييدس كلتيا ييديه فييى جييلوب سيترته ؛همسييت ليه لوهيى تعبييث بأصابعها فى صدره: عالوزة أقلول لك على ملوضلوع.. إيه هلو ؟ فى البيت منتظرين منى رد. كأنما أفاق متسائل :على إيه؟ لحقت تنسى..على ملوضلوع العريس طبعا.. أبدا ..لزم نحافظ على حبنا لونحافظ على مستقبلنا.. يعنى إيه يا طه؟ يعنى تساعدينى لوتنتظرينى .. انتظرك قد إيه؟ ملوش عارف إنتى عارفة أنى لسه حادخل الجيش بعد المتياز ،لومحتاج كام سنه أككييلون نفسييى.. تكلون نفسك؟ إيه الكلم الغريب ده ياطه؟ أنت زى الفل لومييش ناقصييك حاجيية ..احنييا محتيياجين شقة؛ إذا كنت بتحبنى فعل متقلولش الكلم ده ..للو قلت أككلون نفسى لومحتاج لوقت ؛ ممكين أهليى يرفضلوا بسهلوله.. 44
*** انقشع حزن طييه بسييرعة أكييبر ممييا كييانت تتلوقييع ،أخييرج ميين جيبييه كيسييا ضييخما مليئييا بيياللب لوالسلودانى؛ بدأ يغنى لها : ضى القناديل والشارع الطويل فكرنى يا حبيبى ..بالموعد الجميل .. دى ليالى سهرناها ..وسهروا القناديل .. ضحكت قائلة :تعرف إن صلوتك جميل ! كان الشتاء يعبرعن نفسه بأمطار خفيفة؛ تناثر الرذاذ؛ عبثا حالول أن يجفف لوجهها ،كانت تضحك لوتتباعد عنه فى حياء ،اسييتمرا يتبييادلن النظييرات لوقد التمعت قطرات المطر على لوجهيهما لوملبسهما ،لم يعبئا ،لواستمرا يقزقييزان حبييات اللييب لوالسلودانى ؛كان قد ألوصاها أن تتدثر بكل ما عندها من ملبس ،قال لها : الجلو ثلج معاك باشعر بالدفا خلى بالك من نفسك حاضر؛ المهم أنت! سرت فى الجلو لسعة برد ،كانا يسرعان الخطى حتى تنقشع عنهما البرلودة ،ثم تهييدأ خطلواتهمييا ثانية؛ لوصل هذه الليلة إلى حالة من النشييلوى لوالخيييال لييم يشييعرا بهييا ميين قبييل ..ظل علييى هييذه الحال حتى قطعا المسافة دلون أن يشعرا باللوقت لوالتعب؛ من مبنى اسييتراحة هيئيية القنيياة ،حييتى لوصل إلى ملوقع المسلة لو قاعدتى النمرين البنغالين اللذين حطمتهما الحرب عند قميية الخليييج.. فى تلك المسافة لم يقابل سلوى القليل جدا من البشر ،كأنما تدثر العالم بالهدلوء ،لوصافحت الدنيا أيادى الحب لوالطمأنينة ،تطلعا إلى سفينة قادمة يشع ضلوءها منعكسا على سطح المييياه ،كييانت تعبر القنال فى هدلوء لوثبات ،قال لها : بعد الزلواج هاخدك لواطير ! على فين؟ نهاجر ..نرلوح آخر الدنيا ..نركب مركب لونلف العالم سلوا أنت خيالى قلوى ! ل أنا منتهى اللواقعية؛ بس لزم أحلم ! كل شىء عظيم دايما يبتدى بحلم ! ***
45
19 عبدلول هلو اسم الدلع لخصائي التحاليل المعملية لونائب مدير المعامل ،اسمه الحقيقى عبد الله، يحمل لوجها طفلوليا لفحته الشمس ،لوعينين صغيرتين لوأنف أفطس منبعج قليل؛ من المام تبييدلو فتحتا منخريه لواضحتين ،له أذنان طال صلواناهما لوبرزا كأذني فيل ،يقطن عبدلول هييلو لومييدير المعمل الدكتلور السيلوفى الحجرة المجالورة لحجرتنا أنا لوباهر ،للسيلوفى شخصية قلوييية؛ أحيانييا يعكنف عبدلول ألو يشتمه ،ثم يصالحه بعد ذلك ،بعدها يأتى لوقت آخر يحللو فيه الهزار .. *** كل مساء يحمل عبدلول علبتييه البلسيتيكية لويحكييم عليهييا الغطيياء؛ لويدسييها داخيل حقيبيية قماشيية معرلوفة لنا ،يخرج ليشترى نفس المأكلول :الفلول الساخن ،لوالطعمية؛ لوطقم الرغفة مع قطعة جبن لوحللوة طحينية. بعد العشاء عادة يجتمع الزملء فييى حجييرة عبييدلول لومييدير المعمييل ،لتنييالول الطعييام لواحتسيياء الشاى الذى يتقن عبدلول تجهيزه على السخان الكهربائى ،ألو للحييلوار فييى أى ملوضييلوع لوسييماع الطرائف لوالنكت . الحنش اسم الشهرة للصيدلى المدير الذى يقيلود حركية الصييدلة فيى المديريية ،كيان فيى حجيرة السيلوفى؛ تفننا معا لزجاء الييلوقت فييى الضييحك مييع عبييدلول ،دس الحنييش علبية أعيلواد الخليية الخاصة بالسيلوفى فى دلولب عبدلول؛ لواستلقى على سريره؛ دخيل علي ه عبيدلول حيامل صيينية عليها أكلواب الشاى الفارغة بعد أن غسلها لوجهزها لشرب الشاى مساء الخير يا باشا لونظر إلى السخان لوعليه الكنكة قائل : صب الشاى يا باشا ؟.. الشاى غلى ..ن ك يرد السيلوفى بل مبالة :ماشى . بدأ عبدلول يصب الشاى الحمر فى الكلواب ،تصاعدت أبخرة رائعيية النكهيية ،سييحب كييل ميين الحاضرين كلوبا ،بينما قام عبدلول بتلوصيل كلوب السيلوفى إليه لوهلو راقد فى سريرة .. قال السيلوفى – دلون أن ينظر اليه -لوهلو يعبث فى مرلوحة لورقية بيده : مين أخذ الخكلة من هنا ؟ الخلة ؟! مين فتح دلولبى فى غيابى ؟ ل يا باشا..مفيش.. دلور عليها يا عبدلول ..يمكن تكلون فى دلولبك.. 46
احتار عبدلول لواخذ يبحث عن الخلة ،أخذ يبحييث فييى كييل مكييان ،ثييم اتجييه إلييى دلولبييه حسييب نصيحة مديره ،فتح عبدلول دلولبه علييى مصييراعيه ،انكشييف كييل مييافيه؛ لمييح السيييلوفى لمبيية سهارى بجلوار حاجيات عبدلول ؛تساءل بخبث: إيه دى يا عبدلول ؟ الكباية ؟ ل يا حبيبي؛ اللى لوراها ضحك عبدلول بأريحية لوقال : دى لمبة أمى ،ملوصيانى عليها لمبه نمرة عشرة علشان النلور لما يقطع .
*** انسحب الحنش من الحجرة؛ فجأة انقطع النلور . ضحك عبدلول؛ ..لوبدأ فى إشعال لمبة أم عبدلول نمرة عشرة.. *** انتشرت فى المستشفى كرامات عبدلول ،لوأذاع الجميع الخبر ،لوقاللوا إن عبدلول لديه شىء ل *** بعد يلومين؛ فى المساء اقتحم الحنش الصيدلى حجرة عبدلول لومديره ليتساءل : فين العشا يا عبدلول؟ رد السيلوفى : عشا إيه يا بني؟عبدلول خلكفك لونسيك؟ رد الحنش :هى الكرامة دى مجانا؟ كرامة إيه؟ يرد الحنش: كرامة اللمبة نمرة عشرة.. يرد عبدلول مبتسما: ألوعى لطكيرك!! 47
تطكيرنى إيه يا بنى ؟ يرد عبدلول مبتسما: كراماتى لوصلت!! رد الحنش ساخرا: كرامات إيه يا عبدلول ...أنت صدقت نفسك لوأل إيه؟ أنا كنت سييامعكم لوانتييم بتتكلمييلوا؛ لورحييت شادد سكينة الكهربا من المدخل ،يعنى أنا صاحب الكرامة ! لوضحك؛ لونغزه فى صدره. ***
48
20 اللوحدات الصحية الريفية تابعة لمديرية الشئلون الصحية؛ فى بعض المحافظييات يكييلون للقطيياع الريفى سطلوة لوصلوت ،حيث تلوجد مساحات لواسعة من الراضى الزراعية ،لوأعداد كبيرة ميين السكان تلزمهم الخدمة الصحية ،عندما أخللو إلى نفسى -بييالرغم مين مييرلور أكييثر ميين شييهرين على اقامتى بالسكن -أجدنى مازلت ل أعرف أماكن كييثيرة فييى المستشيفى ،ليم تطأهييا قيدماى، لن أذهب بعيدا ،فكرت فى الحجرات اللولى بالكلوريدلور الذى أقيم فيه؛ تعجبت لننى ل أعييرف إن كانت كلها مشغلولة أم ل ؟ أدركت أنى ل أعرف كل من يقيملون بالحجرات المسكلونة ،أحيانييا أجد أحد البلواب ملواربا فى المساء الو الصباح المبكر ،لم أهتم بالمر . فى إحدى المسيات؛ كالعادة؛ عندما دعانا عبدلول -أنييا لوبياهر -لنشييرب الشياى فيى حجرتييه؛ شاهدت لوجهين جديدين ،سبق أن تعرفت على أحدهما؛ لوهلو طلويل لورشيق عليه مسحة هييدلوء، متبسم دائما يسمى الدكتلور زارع ،لوالخر ذلك الرجل العجلوز الهادىء الذى يقيم معه فيى نفيس الحجرة؛ لويعمل مديرا لقسم التطهير . قال لى عبدلول : الدكتلور زارع مدير مركز الفحلو ص. سألت: بحلوث إيه؟ رد: الفحلو ص ..فح ص المشتغلين بالغذية بجميع أنلواعها؛ لوالعاملين بالبحر. إيه الغرض؟ لستخراج الشهادات الصحية يعنى فح ص اكلينيكى لوفح ص معملى بالضبط.. خلى بالك معظم الباعة السريحة ضلوافرهم طلويلة . لوسللوكياتهم لوهم بيشتغللوا فى الكل مين يضييبطها؟ فييى مييرة قلييت للواحييد منهييم قيي ص ضييلوافرك لوتعالى .. رد قال لى : لواشتغل إزاى يا بيه ؟ أنا باستعملهم فى شغلى قلت : 49
بتشتغل إيه؟ بياع خضار فى السلوق..أفك بهم الحبال المربلوط بها القفا ص على العربية ،لوفى الصيف بأعكلم بهم البطيخ لوالشمام. *** سألت الدكتلور زارع : انت رفضت التخص ص؟ ل ..الحكاية غير كده. امال إيه؟ علشان تقديرى مقبلول؛ اللوزارة لوزعتنى قطاع ريفى ،لوقيت السيتلم الييدكتلور مطييرالوى زعيق فى لوشى لوقال: يا بنى البلد ما فيهاش قطيياع ريفييى زى مييا انييت فيياكر؛ لومفيهيياش لوحييدة فاضييية؛ كييل اللوحييدات مشغلولة .. قلت له بهدلوء: سمعت أن أطباء بالقطاع الريفى أقل لواحد له أكثر من 3سيينين ،المفييرلوض يكييلون فيييه عداليية؛ يعنى كل لواحد يقعد سنتين مثل فى القطاع الريفى ،علشان يشلوف مستقبله المهنييى؛ لوتخصصييه قبل ما يعدى به الزمن ،لوفى نفس اللوقت يسيب الفرصة لغيره!. رد مفزلوعا: أنت سيادتك جاى تنظم الكلون ؟! أنت مالك لومال الكلم ده يا دكتلور ..خليك فى حالك يا حبيييبي؛ مستقبل إيه لوبتاع إيه؟! لوقتك انتهى .. خرجت من المكتب لوالدم يغلى فى عرلوقى ،تماسكت لولكنى لم أتلوصل إلى حل . تساءل باهر: لوعملت إيه؟ أكمل زارع لوهلو حزين: أبدا ..تانى يلوم رحت للدكتلور سالم مدير القسم اللوقييائى ،لوعرضييت علييه الملوضييلوع قلييت لييه :حضرتك مدير القطاع اللوقائى لوالقطاع الريفى تابع للقسم اللوقائى ..يعنى المفرلوض إن القييرار يكلون من حضرتك أنت ما تزال ابتسامته المعهلودة الفارغة مرسلومة على لوجهه؛ لوهلو يقلول لى: 50
أنا ممكن اخلي البيه بلوافق لك تبقى طبيب تانى فى اللوحدة الريفية . لولوافقت؟. لوافقت طبعا ..أعمل إيه؟ كان ممكن ترلوح اللوزارة فى مصر تقدم شكلوى أنت عارف الشكالوى مصيرها إيه ؟ إيه؟ يرجعلوها فى البريد مرة تانيه للعرض على المدير العام لبداء الرأى لوالتحقيق لوالفادة . ضحك باهر : ها..ها ها..يعنى القط يمكسكلوه مفتاح الكرار...ممكن يقلول عنك ما قال مالك فى الخمر. رد زارع: المهم أنا قبلت لوقلت لنفسى معلهش يا لواد ..ممكن تكلون خطلوة ألولى للدخلول لوالعمل فى القطيياع الريفى ..أنا سمعت إن بعض الزملء مبسييلوطين جييدا لومكاسييبهم محترميية ؛علشييان كييده مييلوش عالوزين يمشلوا من هناك. تساءلت: لوعملت إيه يا دكتلور زارع ؟ رد باهر ضاحكا: باين زرعته أكلتها الدلودة!! ابتسم زارع فى حياء لوأكمل: أبدا يا اخلواننا ..اللواحد لزم يحسبها صح؛ أنا رحت لو معايا خطياب اسيتلم عم ل فيى اللوحيدة، كنت فرحان ..هناك قابلت المدير عرفت إنه شغال لوحده مفيش أطباء معاه لوساكن فلوق اللوحدة، كل أهالى البلد عارفينه. مسك الخطاب ،لو ب ص فيه لوقال لى : أنت عالوز إيه؟ تعجبت لوقلت له: أستلم عمل فى اللوحدة.. قال لى :عمل إيه؟ 51
طبيب رد بضيق :لو أنا أشتغل إيه؟ قلت له : حضرتك طبيب ألول لومدير اللوحدة؛ إذا كان فيه شك ممكن تسأل المديرية.. أخذ الخطاب لوعلى سحنته كآبة ،سكلمه للكاتب ،لولوقعت عنده بدفتر الحضلور لوالنصراف.. المهم ..بعد ما استلمت العمل لقيت نفسى لواقف لوحدي ..اشتغل عيادة المجانى الصبح لوأمشى .. سمعت عن أعداد كبيرة من البشر تأتى فى الفترة المسييائية لوطييلوال الليييل للكشييف الخصلوصييى لوالطهارات لواللولدات لوالغيارات لوخلفها ..اشتاقت نفسى للخصلوصى؛ حتى ل تمر اليييام دلون أن أحقق أى شيء..بعد يلومين سألته عن مكان أبات فيه؛ قال لى بغضب: أنت داخل على طمع بقى ..أنا سمعت إنك ساكن فى البلد هنا.. أيلوه بس المسافة بعيدة؛ لوكل يلوم آخد ساعة رايح لوساعة جاى فى الملواصلت؛ غييير مصيياريف الملواصلت ..بتاخد ن ص المرتب .. لوأنا أعمل لك إيه؟ قلت له :أنا عالوز اشتغل خصلوصي بعد الظهر لوكأنما قرصه حنش؛ قال لى بحسم لوجفاء: حاجة العمل ل تسمح يا دكتلور". *** كان عبدلول منسجما من الحكى لوكله آذان صاغية ،كييان يعلييق أحيانييا بكلمييات صييغيرة لوهييلو يجهز الشاى؛ يقلول مثل :ظلم ألو حرام .ألو عيب ..الزمالة فين؟ أخذ الدكتلور زارع رشفة من كلوب الشاى الذى أعده عبدلول؛ لوأكمل: سمعت يابنى حاجات عجب! إيه؟ بط لو لوز لوحاجات كثير بتلوصل المديرين فى بيلوتهم؛ لواطعم الفم تستحى العين! قال عبدلول لوهلو يدير الملعقة فى الكلوب: مظبلوط ! رد باهر مبتسما: 52
الكلم لوأل الشاى؟ رد عبدلول ضاحكا: التنين! قال زارع بأسى: عشان كده البلد تعبانة لوالناس دى مستقره فى لوحداتها.ماحدش يقدر يطكلعهم منها ! *** 21 تلقى عامل السلويتش مكالمة ،قال له المتحدث: المحافظة معاك أهل لوسهل يا يافندم ..أى خدمة ؟ كحلولني للمدير بسرعة حاضر كحلول العامل المكالمة إلى مكتب المدير.. عالوزين طبيب بسرعة للمحافظة خير فيه إيه؟ شخصية كبيرة محتاجه دكتلور باطني ..السيد السكرتير..السكرتير العام.. المدير ل يحب هذه الفهللوة لول يهلوى النصياع للتلوجهات غير القانلونيية ،لولكنيه يرضيخ أحيانيا من باب " الباب الذى يجىء منييه الريييح؛ سييده لواسييتريح " ..يعييرف أن السييلطة أحيانييا تفييرض طلباتها دلون قيد ألو شرط لولكن هذا جزء من المنظلومة ،اكتفى بأن قال: حاضر !.. *** طلب الدكتلور ميراد اليدكتلور كسياب رئييس قسيم الميراض الباطنيية ،تبسيم فيى لوجه ه لوأبلغ ه بالملوضلوع؛ لورجاه الذهاب إلى المحافظة للكشف على السيد السكرتير؛ لوضحك قائل : أنت تعرف إن العين ل تعللو على الحاجب ! رد بغضب ظاهر:
53
المستشييفى مفتييلوح يييا دكتييلور مييراد ..يشييرفلونا هنييا مفيييش عنييدنا كشييف منزلييى لول كشييف خصلوصى ..دى مستشفى عام ..حضرتك عارف للو حالته حادة ممكن يستدعى السييعاف لونقييلوم بعمل اللزم يرد الدكتلور مراد: الكلم ده معرلوف ،لكن! لكن إيه يا دكتلور مراد ؟ يا حبيبى احنا مش قد المناهدة !!.. اعتقد الدكتلور كساب أنه من الصعب أن يكلف أحد أطباء القسم بهذه المهميية ،؛اتصييل بالييدكتلور لوصيف لوشرح له الملوضلوع؛ لوطلب منه أن يقلوم بالمطللوب لولوعده بأن تكييلون سيييارة السييعاف تحت تصرفه فى هذه المهمة لينهى الملوقف. على العكس مما تلوقع الدكتلور كساب؛ فرح الدكتلور لوصيييف بهييذا النييداء؛ لوجهييز حقيبتييه لونييزل مسرعا ليذهب إلى المحافظة فى سيارته الخاصة . *** فى المحافظة سأل عن مكتب السيد السكرتير ،تلوجه إليه حذرا ،لوجهز كييل مييا فييى جعبتييه ميين كلم، جلس فى غرفة النتظار لوبعد حلوالي ثلث ساعة أشار إليه مدير المكتب: تفضل ..لوفتح له باب الغرفة لوتركه يدخل . كان الرجل يجلس على مكتبه الضخم ،يحيط به اثنان لوقيد انهمكيا معيه فيى الحيلوار ،لوأميامهم ألوراق على المكتب ،أشار السكرتير بالقلم فى يده ناحية الطبيب الذى بادءه بالحديت: أهل يا باشا الدكتلور رد لوصيف بصلوت خفيض: تحت أمرك أقعد ما يصحش ياباشا اغتصب الرجل ابتسامة لوقال له: اتفضل اقعد 54
جلس لوصيف على مقعييد لوثييير ،بينمييا تشيياغل الثلثيية فييى حييلوارهم ،ظييل السييكرتير منشييغل، يشرح للرجلين لويشير بالقلم فى اللوراق الملوضلوعة أمامهم على المكتب ... *** الغرفة لواسعة لوطلويلة ،خلل مجملوعة النلوافذ المتجالورة ،من مجلسه شيياهد بانلورامييا جميليية، الحدائق لوالبحر لوسفنا بعيدة؛ لوسفنا أخرى رابضة بحييلوض الترسييانة البحرييية لومييدخل المينيياء ؛ على البعد هناك أجزاء من مساكن ضاحية بلورتلوفيق تبدلو بلوضلوح كعلب الكبريت تحت لوهييج الشمس بضلوئها المبهر ،اتجه بنظره ليرى جبييال عتاقية لوقيد ظهييرت إلييى جلوارهيا لوكأنميا فيى حضنها بعض مصافى البييترلول الييتى ارتفعييت مييداخنها مشييرعة فييى السييماء ،لو انعكييس عليهييا ضلوء الشمس بللونه الفضى البهيج؛ لومن فلوهاتها تتصاعد ألسنة لهب حمراء مستديمة ل ينطفييئ لها ألوار بليل ألو نهار . فى جلوانب الحجرة لمح أصصا من النباتييات الصييناعية لونباتييات الظييل ،علييى الحييائط المييلواجه للباب خارطة كبيرة باهتة للمحافظة؛ لوفى نهاية الحجرة مكتبة تحييلوى بعييض الكتييب لوالضييابير المتفالوتة الحجام *** سلم السكرتير على الضيفين لولودعهما إلى باب الحجرة ،لوعاد ينظر إلى لوجه لوصيف قائل له: انت الطبيب؟ رد لوصيف بأدب ظاهر: نعم يا باشا.. معاك جهاز ضغط؟ طبعا يافندم عالوز أقيسه..تعرف تقيسه كلويس؟ طبعا يا باشا الجهاز اللى معاك مظبلوط؟ أكيد.. مد السكرتير ذراعه ،لوقال: طيب يلل اشتغل حاضر ..بكل ممنلونية.
55
فتح لوصيييف حقيبتييه ،لوأخييرج منهييا جهيياز الضييغط لوالسييماعة ،شييلح السييكرتير كييم القمييي ص، لوأراح ذرعه على المكتب ،ربط الطبيب جهاز الضغط حلول الذراع الممدلودة؛ لوبدأ فى القييياس، بينما استمر الرجل فى الكلم.. أنتم عاملين إيه فى المستشفى ؟ الحمد ل كله تمام ؟! الحمد ل.. رد السكرتير بغضب : أنا باسألك عشان تقلول لى كله تمام ؟! قلول لى اللى بيحصل .. بخصلو ص إيه يا باشا؟ بخصلو ص أى حاجة يا أخى ! لحظة لواحدة يا باشا.. رد السكرتير متأففا: حاضر يا سيدى ..أسكت يعنى ..أحط لسانى فى بقى ! حاضر ياسيدى ! عندما انتهى من مهمته سأله السكرتير مهتما : كم ..كم ؟ 130على 80 يعنى كلويس؟ أيلوه أكيد؟ أيلوه يا باشا.. امال إيه الصداع اللى عندى ده ..سببه إيه؟ نقيسه تانى.. أراد أن يلعب الرجل ،لويأخذه على هلواه؛ كرر نفس العملييية مسيتخدما اليذراع الخيرى لينفييى عن ذهنه تهمة الشك ،بعد أن انتهى من مهمته قال له السكرتير:
56
تشرب إيه؟ ل شكرا يا باشا لزم تشرب حاجة مال على السكرتير قائل :يا باشا اعتبرنى شربت ..بس لي طلب صغير عند سعادتك! إيه هلوه؟ أهالى حى فيصل طالبين عيادة لوانا عالوز أخدمهم بس ماعنديش شقة . أكتب لى طلب؛ لوأنا جاهز. *** خرج لوصيف من عند السييكرتير لوقلبيه يييرف ميين الفرحيية .تعجييب المييدير لومجملوعية الطبيياء المتلواجدين معه ،من هذه السرعة التى لبى بها الدكتلور لوصيف النداء ،عنييدما عيياد ميين المهميية سأله المدير : الرجل عنده إيه؟ أبدا عالوز يكشيك على ضغطه . *** 22 صحلوت من نلومى على صلوت أم كلثلوم يصدح فى الفضاء :هل رأى الحب سكارى مثلنا؟ قلت أكيد طه..طه السكران لوالمشييلوى بنييار الحييب؛ خرجييت انييا لو بيياهر ميين حجرتنييا ،بيياب حجرتييه مفتلوح؛ لوجدته يقييف أمييام المييرآه لويصييفف شييعره لوقييد تضييلوعت منييه رائحيية جميليية ،لوزجاجيية كلوللونيا ملوضلوعة على المنضدة: لسه بدرى يا طه.. بدرى من عمرك قال باهر: على فين ياعم طه؟ قال كمن يفجر هما بداخله: اسمعلوا يا اخلواننا ..أنا اتخذت القرار.. قرار إيه يا طه ؟ 57
سأله باهر . قرار العش عش إيه ؟ عش الزلوجية قلت له : زلوجية إيه يا بنى ؟ أنت لسه كلونت نفسك؟ نسيت إن الجيش منتظرك .. عارف ..عارف يا أخى ؛بس حرام علكي أما أربط بنت الناس معايا بالصلورة دى؛ لوالخير أقيلول لها باى باى! بنت الناس ؟ مين؟ لواحده أنتم عارفينها.. قلت له: قصدك سامية؟ أيلوه هيه .. رد باهر: يا بنى دا لعب عيال ل ..ملوش لعب عيال ..خل ص الجماعة جايين النهاردة من طنطا ،لولزم أقابلهم رسمى! حتقلول لهم إيه؟ حنتفق على كل الخطلوط العريضة. إيه العريضة لوالرفيعة..؟! العريضة يعنى المهر لوالشبكة لوالشقة .. يا حبيبى أنت لسه بدرى عليك.. خل ص اخدت القرار ..أنا أخدت مبلغ من لوالدى ..باع قيراطين فى البلد ،لوأعطانى ثمنهم . كان لزم يعنى ؟ كان لزم إيه؟ أبدا ..لول حاجه ..لول حاجه.. 58
سادت فترة صمت قصيرة ،كأنها زمن؛ قلت : اسمع يا طه نعم؟ فيه حاجة كنت عالوز أقلول لك عليها إيه ؟ أنت متأكد انك بتحبها لو إنها مخلصة لك لوبتحبك؟ طبعا يا حبيبى هلوه لعب عيال؟ ...فيه حاجة تانية؟ ل؛ هى دى أهم حاجة كنت عالوزك تتأكد منها عقبالك يا حبيبى ) بابتسامة عريضة( مبرلوك يا طه ..لوربنا يتمم بخير .. ***
23 الدكتلور شرف فى حجرة العمليات ،ينظر إلى ملف المريييض الملوضييلوع فييلوق الييترلوللى؛ يييردد هامسا منغما :فتق إربى ..فتق إربى.. لم يحضر الييدكتلور شييكرى طييبيب التخييدير حييتى هييذه اللحظيية ،المريييض يصييعد إلييى سييرير العمليات يدلور حلوار بين الطبيب لوالحكيمة : فين شكرى علشان ينكيم العيان .. زمانه جاى يا دكتلور شرف.. الرجل بتاع الستكشاف عمل إيه؟ حلوللوه على مصر؛ أهله أخدلوه فى عربية إسعاف لونقللوه.. ضحك بيأس؛ قائل: مفيش منه رجا.. 59
ينظر المريض الراقد على طالولة العمليات بجانب عينيه إلى الطبيب؛ لوقد تلوجس خيفة : العملية ناجحة يا دكتلور ..مالى إيدك منها.؟ عملية إيه يا حاج؟ العملية بتاعتى..عملية الفتق ..أنت مالى يدك منها ؟ مالى إيه لومالك إيه يا راجل أنت ؟!...عيب تقلول الكلم ده ! دى عملية بسيطة يقلوم بها أصغر حكيم.. *** فى اللوقت الذى يدخل فيه طبيب البنج الدكتلور شكرى السلم عليكم لوعليكم إزى الحال؟ يرد الدكتلور شرف بزهق: خكلصنا من الراجل ده؛ أسئلته كتيرة؛ نكلومه بسرعة ) يضحك( يجهز الدكتلور شكرى المحقن لويمسك ذراع المريض لويبدأ الحقن ... عد يا بابا .لواحد ..اتنين تلتة... لواحد ....اتنين... يختفى المريض فى عالم آخر يمسك الدكتلور شرف المشرط لوينظر إلى الحكيمة المساعدة لويسألها: هلوه الفتق يمين لوأل شمال يا آمال؟ تشير آمال بإصبعها: ده فتق باين فى الكيس أهه يا دكتلور شرف.. يضحك الدكتلور شرف لويقلول لوهلو يفتح بطن المريض: انتى شفتى الكيس ! قال لك من لورايا ابن اليه ! تبتسم آمال..لويكمل:
60
ماقالش ابن اليه ده..فالح بس فى الكلم الفارغ!!! لوأنت سألته يا دكتلور؟ يضحك لويقلول : أسأل إيه لوبتاع إيه... *** يمر اللوقت بطيئا ،ينقطع التيار الكهربييى فجييأة ،تميير لحظييات دلون أن يعمييل الملولييد الكهربييى، تصيح الممرضة على التلومرجى : رلوح شلوف القسم الهندسى .. يصرخ الدكتلور شرف: فين الحمار الكهربائى ؟ ينظر إلى تلومرجى العمليات :خليه يشكغل الجنرايتلور بسرعة .. يختفى التلومرجى خارجا من حجرة العمليات يمضى لوقت أطلول فى حجرة العمليات ..تنهمر حبات العرق على جبهات طاقم العملية ،يصيح الدكتلور شرف :عرق ..عرق.. تمسك الممرضة بقطعة من الدرسنج لوتمسح بها جبهة الطبيب الذى يردد: دلولة بايظة ..عالم نايمه على رلوحها ..مفيش منظلومة عمل .. تتساءل الممرضة بإبتسامة : يعنى إيه منظلومة يا دكتلور شرف ..؟ ينظر إليها نظرة سريعة لوهلو يدفع البرة فى عضلت البطن ليكمل الغرزة : منظلومة أخت هنلومة ..لوهنلومة أخت برهلومة ..هاها ها.. ل بجد ..يعنى إيه منظلومة ؟ لوانتى كمان يا آمال ..مفيش فايدة يعنى ..؟ يمسك الطبيب بالخيط لويقلوم بعمل غرزة أخرى ،لويقلول : الحمد ل اننا بالنهار لوفيه شلوية نلور من الشباك..
61
يشد الخيط بعنف ،ينقطع الخيط ،تمسح آمال العرق الهاطل ميين جبهيية الطييبيب؛ يقييلول متأذيييا بصلوت خفيض : خيط ابن لوسخة!! ***
24 فايزة الممرضة الطلويلة السمراء ،لها شعر فاحم ،لوجهها متبسم على الدلوام ،علوضها ا عن الفقر بجسد متين هائل ،لها صفان من أسنان لؤلؤية بيضاء مكتملة؛ لم يسييبق لهيا الشيكلوى ميين آلم السنان ،تقضى طلول النهار فييى شيقاء دلون كلييل ألو ملييل؛ تتمتييع بنظيير حياد لوقيدرة علييى التصرف السريع .تعرفت فايزة على أحد المرضى الذى جاء مصابا بكسلور فى عظام الفخييذ؛ كان يعمل بالبحر؛ أثناء خرلوجه من القارب قفز قفزة لواسعة ،اختل تلوازنه لولوقع انحشرت ساقه بين الحائط السمنتى لوالقارب لوتم حجزه بعنبر العظام ،ظلت ساقه مشييدلودة إلييى السييرير أكييثر من شييهرين ،كييانت فيايزة تنفييذ العلج؛ تغييير علييى الجييرلوح لوتييزرف المحياقن لوتقيلوم بتعليييق المحاليل ..لوتطمئن على قياس الحرارة لوالضغط لوالنبض؛ قال لها إن اسم الشهرة حمييام الهبيياش لو اسمه الحقيقى أحمد؛ حكى لها عن زياراته لبلد ا ،كان يسافر على البييلواخر الضييخمة الييتى ترسلو فى ملوانىء الشرق لوالغرب ،قييال لهييا إنيه عياش فييى السييكندرية ،لو حكيى عين جميال السييكندرية الييتى لولييد فيهييا ،حكييى أيضييا عيين بيييرلوت لواللذقييية لونييابلولى لورلومييا لواسييطنبلول لوهامبلورج لوغيرها. 62
جاء إلى السلويس ليعمل فى الميناء ،قال لها إنه سافر على مراكب الشرق؛ لوتمكن من النييزلول صلوع لوكلكتا لوشنغهاى لوسنغافلورة ،لوشاهد حقلول الشاى السييريلنكى ،قييال فى جدة لوعدن لوم ك أيضا إنه لم يترك دلولة من العالم لم يزرها .حكى عن حييياة المييلوانىء لوالمكاسييب الكييبيرة الييتى يجدلونها هناك ،لوع ن السيجائر الجنبيية لوالخميلور المهربية اليتى يبيعلونهيا للفنيادق لوالخميارات ..كانت فايزة تنتشى من هذه الحكايات ،لوتظل جالسة أمييامه كالطفييل مسييتمعة سيياكنة فييى عنييبر العظام؛ أحيانا ينادلون عليها لول تسمع ،يعيدلون النداء عليهييا أكييثر ميين مييرة ،أحيانييا تقييلوم رغييم أنفها؛ لتلبى النداء لوهى متضايقة؛ تعلود مسييرعة لكييى تكمييل جلسييتها معييه؛ بمييرلور اليييام نمييا برعم الحب صغيرا بينهما؛ ألورق لوازدهر ،كان حمام الهكباش ينظر إليها بكرقيية ،عنييدما يطلييب منها أى شىء ؛تنالوله كيل مايرييد؛ تعيلودت أن تحضير ليه الشيياء اليتى يحتاجهيا مين الخيارج، مأكلولت ألو مثلجات ألو شاى لوقهلوة ،حتى سييجائر مييارلبلورلو الييتى يحبهييا؛ كييانت تشييترى لييه فطيييرا بالعسييل ميين محييل بييالقرب ميين مسييجد سيييدى الغريييب ،كمييا اشييترت مقصييا لظييافره، لومعجلون أسنان لوفرشاة أسنان لوماكينة حلقة؛ كانت تاخييذ ملبسييه المتسييخة إلييى بيتهييا لتغسييلها لوتكلويها بالرغم من لوجلود مغسلة بالمستشفى ،لولوصل بها الحال إلييى ترقيييع جييلواربه لوالهتمييام بشعره لوأحضرت فرشاه لومشطا مخصلوصا له؛ لواتفقت معه علييى أن تمشييط لييه شييعره بيييديها كل صباح؛ عندما تجلس بجانبه كانت يداها تسرح فى شعره لتمسده ،كما كانت ترفض تماما أن تحاسبه علي أى مشتريات ،عندما تماثل للشفاء بدأ حمام يمشى مستندا إلى فايزة ،كييانت تسييمح له بأن يضع ذراعه حلول كتفها ،ليذهب إلى دلورة المياه ألو يتمشييى فييى الكلوريييدلور؛ أحيانييا كييان كان يستند إلى الحائط ،أحضر له أخلوه عصا ليتعكز عليها ،لولكنها رفضت أن تراه متكئا عليهييا؛ لوخبأت العكاز ،قبل أن يخرج من باب المستشفى كانا متفقين على الزلواج . *** لوالد فايزة رجل مسن يتقاضى معاشا ل يكفيه نصف شهر ،يمتلك بيتييا قييديما علييى أرض حكيير بزقاق ضيق بحى الربعين ،كان قد بنيياه بيييديه أيييام الشييباب بعييد أن نييزح ميين الصييعيد ،الييبيت مكلون من دلورين ،كل دلور عبارة عن شقة صغيرة ل تتجالوز مساحتها خمسين مترا؛ الييبيت لييه مدخل ضيق هابط تحت مستلوى الطريق الترابى ،على الداخل أن يحنى رأسييه لوجييذعه حييتى ل تصطدم جبهته بأعلى الباب ،فلوق السطح تلوجد غابيية ميين الكراكيييب ،كراسييى قديميية ،لوألييلواح خشب ،لوباب مكسلور ،لوألوانى خزفية قديمة ،لورحاية ،لوخرق قماشييية لوملبييس قديميية ،لوفييى الركن الشرقى تلوجد عشة للفراخ تحتل العشة حلوالى ربع مساحة السطح . فلوق هذا السطح تمت مراسم الفرح ،يلومها جاء الجيران لوالمعارف لوالقارب لوأقارب القييارب من المدينة لومن الصعيد؛ صعدلوا جميعا إلى سطح البيت ؛عشة الفراخ لوالبييط تحتييل ركنييا كييبيرا من السطح ،كانت هناك بعض البطات سارحة فى السييطح؛ أدخلتهييا أخييت العرلوسيية فييايزة إلييى العشيية بعييد أن لوضييعت لهييا بقايييا الطعييام ،فييى الملواجهيية لوضييع كرسيييان كييبيران للعرلوسييين؛ لواصطفت بعض مقاعد خشبية أحضرها اللولد من مقهى مجييالور للييبيت ،علييى ظهركييل مقعييد حفر اسم المقهى ،على الرض فرشت مفارش ميين الحصييير؛ دارت صييلوانى الشييربات الحميير الفاقع على الحضلور ،سيدات صعيديات يلوزعن أكلواب الشربات لويزعردن فى آن لواحد ،تضييع اللواحدة يدها أمام فمها لوتطلق الزغاريد ..عييدد كييبير ميين الطفييال قييدملوا ميين الشييارع بعرقهييم لوملبسهم المتسخة لوالتربة العالقة بهم؛ يستكمللون لهلوهم ،بييين حييين لوآخيير كييانت رلوائييح بقايييا 63
الطعام لورلوائح الطيلور لومخلفاتها المنبعثة من العشة تهب على أنلوف المدعلويين ،جيياء مطييرب صعيدى أجش الصلوت لوراح يغنى للحضلور : كخش عليا خش ..نلعب تحت الدش! بينما يتصاعد صياح أحد الديكة منتشيا لومشاركا فى الفرح :كلو كلو كلو كلولولولولو! *** لها ردفان هائلن لوساقان سمرالوان مرمريتان؛ عندما تغير ملبسها كان زلوجها حمام يطالع نهدين مدملكين بينهما شق ساحر كأنما يحلوى أسرارا مبهمة تحتاج إلى الستطلع؛ لوترنلو إلييى مستكشف لها ..أمضييت فييايزة لوعريسييها أسييبلوع العسييل فييى شييقتها الييتى جهزهييا لهييا بمسيياكن المثلث ،انقضت أجازتها بسرعة ،لوعادت لتتسلم العمل مرة أخييرى ،عنييدما تنتهييى فييايزة ميين عملها كانت كتهرع إلى المنزل ،لوتقلوم بترلويق الشقة لوإعداد الطعام لزلوجها .فى المساء ل تنس نفسها؛ كانت تتجمل لتبدلو فى أرلوع صلورة ،حتى ل يلتفت حمام إلى امرأة أخرى لوليشعر أنهييا تغنيه عن نساء العالم . *** لحظت فايزة أن زلوجها يحضيير صييناديق خشييبية لو صييناديق كرتييلون لويخبئهييا تحييت السييرير، أحيانا يلوصيها أل تقترب من شىء مما خبأه لويتركه مغلفا تغليفا جيدا ،بعد شييهلور ميين الييزلواج كانت قد جهزت العشياء لوانتظيرت زلوجهيا ،طبخيت ليه مللوخيية بيالفراخ البليدى اليتى يحبهيا، انتظرت لولم تضع لقمة فى فمها حتى يعلود فى ميعاده قرب العشاء ،ليم يحضير هيذه الليلية بيرد الكل ،لواضطرت أن تضعه فى الثلجة ،لم يعد حمام الى الييبيت ،سييأل عليييه أهلهييا لواتصييللوا بالتليفلونات ،ذهبلوا إلى مراكز الشرطة ،لم يحصللوا على خبر ،بعد منتصف الليل ذهب لوالدها لوأخلوها إلى الميناء ليبحثا عنه ،لم يتمكنا من دخلول الميناء لعدم حصلولهما على تصريح ،قبيل الفجر عادا دلون أن يتلوصل إلى شىء . فى اليلوم التالى جاءها تليفلون من أحد زملءه فى العمل يبلغها أن زلوجها حمام قبضلوا عليييه فييى العمل؛ أدخللوه الحجز ،لوتحلول إلى النيابة الييتى حييلولت الملوضييلوع إلييى المحكميية ،لوحكييم عليييه بالسجن ثلث سنلوات ،انتقل بعدها إليى سيجن الزقيازيق ليقضيى الميدة ،قيال لهيا إن الشيرطة دبرت له مقلبا اثناء خرلوجه من باب الجمرك ،لولوضعلوا له فييى جيبييه قطعيية حشيييش ،لواتهمييلوه بتهريب المخدرات لنه – كما يقلول -رفض يلوما أن يخرج معه صندلوقا خاصا بأحد الضباط. *** بدأت فايزة تشكلو لصديقتها سامية سلوء الحلوال ،فى هذا اللوقت كانت حييامل؛ انتفخييت بطنهييا، لوصارت فى اشد الحيرة لواللم ،مشييتتة الفكيير لوالبييدن بييين حملهييا الييذى يثقلهييا يلومييا بعييد يييلوم، لومشاكل زلوجها الذى اقتيد إلى غياهب السجن ، ،ظلت تتردد عليه فى سييجن الزقييازيق مييرارا، حتى بعد أن لوضعت كانت تحمل رضيعتها ،لوتسافر بهييا لزيييارة زلوجهييا فييى ملواعيييد الزيييارة، كانت تحر ص على أن تأخذ معها احلى هدية كما تقلول ،تسألها سامية عن هذه الهدييية ،تضييحك 64
فايزة من الغم قائلة :هلو لوأصحابه المساجين بيهرشلوا طلول الليل؛ قاللوا إن عندهم جرب ،لولد الحلل جابلوا لى باكتة كريم بنزانيل من الصيدلية علشان يبطللوا هرش لوحكة.. اشتعلت الحزان فى قلب فايزة ،لوخصلوصا عندما تجلس بييين زميلتهييا لويتحييدثن كالعييادة عيين حياتهن العائلية ،ل تدرى ماتقلول لول تدرى كييف تحكيى ! ينظيرن إليهيا بعيين الشيفقة لويكتفيين بالسؤال العام ،هبطت الحزان على ضرلوسها؛ تعلودت فييايزة الييتردد علييى عيييادة السيينان الييتى صارت زبلونة مستديمة لها ،تعجب طبيب السنان من " الشلوطة " التى دمرت فمها ،قييالت لييه من الحمل لواللولدة لولكنه لم يقتنع قائل لها : معقلوله اللوالدة سنانها تخسر بالشكل ده ؟! بدأ فى إجراء عمليات حشلو لوخلييع لهييا ،كمييا ظلييت تتسييلول للحصييلول علييى باكتيية ميين دهييان البنزانيل كل حين ،كما ظلت تتسلول أيضا لشراء لبن الطفيال ،لوتسيأل الصييدلى الجدييد عنيه دلوما حتى تلوفر لبنتها الرضيعة ما يكفيها ،حيث أن ثييديها اليسيير قييد جييف بعييد عملييية خييكراج أجرتها داخل المستشفى . ***
25 اقترب العيد ،طه نلوبتجي بالستقبال ،بالرغم من ضيقه من فرع الجراحة لوعدم ميله إليه؛ إل انه لوافق على العمل بقسم الجراحة بييدل ميين أحييد الييزملء؛ لحييين عييلودته ميين الجييازة ،لعييدم الحراج؛ من الصعب أن يرفض طه طلبا لحد ،كان يقرأ فى كتاب أمامه على المكتب ،قصة حياة إبراهيم المازنى جذبته عبارة قال فيها " :الطبيب ليس كمثله أحد؛ يقتل الناس لويأخذ جييزاء يده" ..ضحك كثيرا لهذه العبارة ،لوأسمعها لمن حلوله.. *** فى الضحى جاء أحد الملواطنيين يشكلو من ألم فى جنبه اليمن ،سييجل الكيياتب اسييمه بالتييذكرة، شحاتة السماك الشهير "بأبلو قطة " ،كشف الدكتلور طه عليه ،لوكتب فيى تيذكرته اشيتباه التهياب بالزائدة ،سجلت الممرضة درجة الحرارة؛ حقنته بأمبلول أترلوبين مضاد للتقلصييات ،كتييب فييى تذكرته دخلول جراحة ،مع عمل تحليل بلول كامل ؛عد كرات دم بيضاء نلوعى ،،لوكتب يلوضع تحت الملحظة مع قياس ضغط لونبض لوحرارة كل ساعتين. 65
*** قبيل العشاء؛ انتهي طه من النلوبتجية ،كان مرهقا ،صعد إلى السكن ،غييير ملبسييه بسييرعة لو تنالول لوجبة خفيفة ،لودخل فى النلوم . فى الصباح ؛ فلوجئ بالعاملة تنادى عليه فى السكن ،قام من نلومه مسرعا لو فتييح البيياب لولوقييف كالمذهلول. فيه إيه يا أم سيد ؟ ممرضة الجراحة عالوزه سيادتك عالوزانى أنا؟ أيلوه خير ؟ قالها لوفى الحال تذكر الرجل الذى تركه أمس تحت الملحظة.. خير إن شا ا.. ارتدى طه ملبسه متعجل ،تذكر المريض الذى تركه أمييس تحييت الملحظيية ،تييلوجه مسييرعا إلى قسم الجراحة ،هناك لوجد المريض مازال راقدا على سريره ،فحصييه مييرة ثانييية لولوجييد بييه علمات كلسيكية للتهاب الزائدة الدلودية . سأل الممرضة عن اخصائى جراحة ،أجابت بالنفى لن العيد كقرب لوالكل فى إجازات ،أخبرته أنها اتصلت بالدكتلور شرف من السلويتش لولكن تليفلونه ل يرد . تذكر أنه قائم بعمل زميله بقسم الجراحة ،احتار طه لوبدأ يضرب اخماسا فى أسداس فى نفس اللحظة لوجد باهرا يقف أمامه ،شعر طييه بيأن ايي أرسيله فييى اللحظيية المناسيبة؛ بياهر يهييلوى الجراحيية ،تعييلود أن يتييأخر فييي العيييادة ،كييان حريصييا علييى عمييل الطهييارات ،لوفتييح الخرريج ،لوعمل الغيارات للجرلوح ،اكتسب شعبية كبيرة ،ساعدته فيما بعد فى تخصصه الذى لوجد نفسه فيه ،كان يمتلك يدا ماهرة لوقلبا قلويا ،لوعقل متيقظا . سأله باهر: مالك؟ فيه زايده مين؟ أبلو قطة ؟ أيلوه 66
تعالى ندخل العمليات أنا لوأنت.. أنت عملتها قبل كده طبعا رد باهر بثقة: كتير *** حضر طبيب البنج ،تعقم باهر لوطه؛ عرف الجميع أن أبلو قطيه يعالييج مين مييرض السيكر ،تيم تضبيط السكر بحقن النسلولين فى المحللول ،قال أبلو قطة إنه يعانى من البلواسير أيضا ،قال لييه باهر: بعدين يابلو قطة لما نخل ص من الزايدة نشلوف البلواسير .. تلوكل الجميع على ا؛ قام طه بإجراء العملية ،لوكان باهر مساعدا لطه ،لم يكن طه مصدقا نفسه ،فتخص ص الجراحة بعيد عن ذهنه ،كان يشعر بدلوخة عندما يرى سن البرة ينغرس فييى جلد أى إنسان ،لوخصلوصا إذا كانت إبره باللوريد لوقد تدفق الدم داخلها . أمسك طه بالمشرط؛ قال له باهر: جمد قلبك أنا عارف كل الخطلوات .. أشار بالمشرط على مكان الفتح؛ لوبدأ يفتح فى حذر؛ بينما كان باهر يجفف الييدماء بقطييه الشيياش المجهزة؛ باعد بين طرفى الجلد ،فتح العضلت ،باعد بينها ثم فتح داخل البطن .. بين الحين لوالخر كان طه ينظر إلى لوجه المريض لويسأل طبيب البنج بصلوت خفيض : لسه عايش؟ يضحك الجميع؛ لوترد الممرضة التى تقلوم بمنالولة اللت : له كعمر يا دكتلور طه .. انهى الستئصال ،لواخرج الزائدة الملتهبة ،أكمل المشلوار لوقفل الجرح بإهتمام لوركلوية... *** بعد انتهاء العملية قال باهر: شفت يا سيدى العملية بسيطة لوانت كنت شايل طاجن ستك ! كلنا أسرار لوجسد النسان مقدس ! أنا دخلت عالم تانى مهمييا كييانت معللوميياتى عنييه؛ فهييى غييير كاملة !! 67
جرى طه لوراء الجسد المسجى على الترلوللى عائدا إلى سريره؛ يدفع العامل الترلوللى أمامه؛ بينما يمسك الدكتلور طه بزجاجة المحللول ،حتى لوصل الجميع إلى العنبر لوارقداه على سريره لم يغادر طه العنبر إل بعد أن اطمأن على إفاقة أبلو قطة من المخدر . *** بعد نجاح عملية الزائدة ،سبر أبلو قطة أغلوار المستشفى ،لوعرف دهاليزها ،لوتعرف على معظم الطبياء لوأطقيم التمرييض لوالمرضيى لوالعميال ،كيان يحيادث كيل النياس ،يتكليم ميع الجمييع؛ لويصادق الجميع ،تراه فى الليل لوالنهار ،ساهرا كان يضن بلوقته فى النييلوم ،صييار كييأنه فييرد عامل من أفراد المستشفى؛ كان يقف مع الممرضات أثناء تنفيذ العلج ،لويحضيير أدلوات الغيييار لوالشاش لوالقطن ،لوينقل عربة الغيار أمامه إلى الحجرات . *** عاد الدكتلور شرف رئيس قسم الجراحة بعد انتهاء إجازة العيد ،تلوجه بصحبة الطباء الصغار للمرلور على عنابر الجراحة ،اثناء مرلوره ،كتب فى تذكرة أبلو قطيية خييرلوج تحسيين ،لييم يكيين أبلو قطة مستعدا للخرلوج؛ كان قد تعلود على المستشفى لواستمرأ تلواجده فيهيا؛ استسيمح اليدكتلور شرف لتأجيل الخرلوج ؛ تبكسم قائل : يابيه الشغل نايم برة ! لوآدى اللواحد فى المستشفى يلقى له حسنة من هنا ،لوحسنة من هناك... أحمر لوجه الدكتلور شرف ،لوانتفخ قائل: انت فاكرها مألوى لوأل للوكاندة يا رلوح أمك ؟! لم يرد أبلو قطة؛ شالها فى صدره لولم ينسها له ،حزن حزنا مريرا ،طأطيأ رأسييه ،لوطلييب مين زلوجته الستعداد للخرلوج قائل : يلل يا لولية لكمى الحاجة .. لوضعت قفطانا متسخا لوسرلوال لوفانلة بيضاء داخلية لو فلوطة لوبرلوة صابلونة ،لومشطا قديما ،لو بقية علبة سجائر؛ لودستهم فى حقيبيية مدرسييية قديميية حملتهييا ،لوانسييحبا للخييرلوج إلييى الشييارع ليلواجها هملوم الحياة اليلومية ،لوطلباتها لوآلمها التى ل تنتهى . ***
68
26 فيى إحيدى العصيارى؛ كيان الهيدلوء سياريا بالمستشيفى ،فجيأة انقلبيت الحيلوال؛ مجملوع ة مين المصابين قدملوا فى حادث على طريق القاهرة ،طبيب الطلوارىء حديث العمل لوليست لديه أى خبرة ادارية ،لم تكن العامليية ملوجييلودة ،اسييتأذنت قبييل ميعادهييا بسيياعتين للييذهاب إلييى مديرييية التملوين لتجدد بطاقة التملوين ،فايزة الممرضة كان المفرلوض أن تكلون ملوجلودة لولكنها استأذنت أيضا من الصباح لكى تسافر إلى الزقازيق لزيارة زلوجهييا فييى هييذا اليييلوم فييى السييجن ،احتيياج الميير الييى عييدد إضييافى ميين الممرضييات ،ألوشييكت الشييمس علييى الغييرلوب ،تليفييلون سييكن الممرضات ل يعمل ،احتار الطبيب ،لم يكن أمامه سلوى ضاحى ...ضاحى العامل أتييى حييديثا من محافظة بجنلوب البلد ،كانت لهجته صعيدية ،اضطر الطبيب أن يكلفه بالصعلود إلى سييكن الممرضات لستدعاء عدد من الحتياطى ..صعد ضاحى بالسانسير إلى الدلور الرابييع ،خييرج من باب السانسير ليجد نفسه مباشييرة أمييام مييدخل يييؤدى إلييى سييكن الممرضييات ،أزاح البيياب العريض بيده ،لودخل إلى الكلوريدلور؛ لوجد بابا مغلقا فى ملواجهته ،لم يجييد مقبييض ألو كيياللون للباب ،رأى فقط فتحة مستديرة الشكل مكان الكاللون لوالمقبض المنزلوع ،اقترب ضاحى ميين الفتحة بهدلوء لو مد عينيه ميين خللهييا ،تسييارعت نبضييات قلبييه لوعل صييلوتها ،لوصييار يسييمعها 69
بشدة ،اعتدل بقامته؛ لوالتفت حلوله يمينا لويسارا ،كان الهدلوء سائدا ،ثنى جذعه لوعاد ليمد عينييه ليبحلق من فتحة الكاللون المخللوع؛ سمع دقات قلبه ترن فى أذنيه ،تدفق الدم إلى رأسه ،حييالول أن يمسك نفسه ،أطال النظر لوتمنى أل يتحرك من أمام الباب؛ ظل على هذه الحييال ثييلوان تمنييى للو كانت دهرا ،نصب جذعه لونظيير حييلوله متلوجسييا؛ انحنييى ثانييية لواعيياد النظيير خلل الفتحيية؛ بالداخل كانت هناك ثلثة فتيات يجلسين شييبه عاريييات بييالكيللوت لوالييبرا ،أخييذته حللوة الجسياد البيضاء الطرية اللمعة ،فى البداية لم ينظر إلييى لوجييلوههن ،أخيييرا شيياهد اللوجييلوه؛ لوجييد نفسييه يعرفهن جميعا ،لويراهن صباح مساء فى طرقات المستشفى لودهاليزها ،لكنييه لييم يكيين يعلييم أن لديهن تلك الكنلوز الخفية التى رآها مصادفة فى أمسيته تلك التى قلبت كيانه تماما ،كانت الفتيات يتحركن لويتمايلن لويتحسسن أجسادهن لويتداعبن سلويا فييلوق السييرير لوبجييانبه ،لييم يييرد أن يييترك الفتحة السحرية لولكنه خشى أن تفتح لواحدة الباب من الداخل فتراه فى ملواجهتها .. حييالول أن يهييدىء ميين رلوعييه قليل؛ حبييس أنفاسييه ،لوقييف لوتماسييك ،حييتى تهييدا دقييات قلبييه المتسارعة؛ كاد قلبه يقفز من صييدره؛ طييرق البيياب بظيياهر يييده طرقييات خفيفيية؛ فجييأة فتحييت إحداهن الباب؛ تلقت عيناها بعينى ضاحى التى امتلت رعبا .. صرخت الممرضة؛ لوشق صراخها فضاء المستشفى .. كان صلوتها حادا.. أنا ضاحى ..أنا ضاحى ..ماتخافيش ياهانم.. إيه اللى جابك هنا يا مجنلون؟! مدت أثنتان منهما أيديهما على ضاحى لوحالولت احداهما أن تجذبه من كتفه ،قالت : انا حالوديه فى داهية ! تحلول للون ضاحى إلى للون الكركم الصفر ،هرب الدم من عرلوقه ،تبدل للون لوجهه الذى كان يطفح بالاحمرار منذ لحظات إلى هذا الللون الباهت المسحلوب ..قال بصلوت خفيض : ليه يا ست هانم؟ إيه اللى جابك هنا لويالواد؟ أنا العبد المأملور ..الدكتلور أمرنى .. أنت حمار؟ ماعنكدش مخ؟ بتستهبل يابنى آدم! *** لم يتركنه أل بعد أن أخذت منه لوعدا أل يكرر فعلته الدنيئة هذه ألوحيتى يفكير فيى الخطيلو بقيدمه إلى سكن الممرضات ،قالت أحداهن: الراجل أخد منكم حاجة ؟ زكعلكم فى حاجة ..مالكم كده داخلين فيه شمال ؟! 70
*** صار ضاحى يحكى عن تجربته التى دلوخته لوتشتت فكره بسببها طلويل ،قال منبهرا : البنت اللى احنا مابنعبرهاش هنا حاجة تانية من جلوه يا اخلواننا .. يتساءل باهر متخابثا : من جلوه إيه يا ضاحى ؟ يرد ضاحى : من جلوه إيه يا أستاذ باهر ؟ حيكلون من جلوه إيه يعنى ؟ تحييت الهيدلوم ..بصيييت لجيييت المرمير ياهلولولوه !!
***
27 فى الظهيرة قابلنى باهر بلوجه مكفهر ،سألته : مالك ..؟. ل ..أبدا.. أبدا يعنى إيه؟ بعد ما خرجنا من ألودة العمليات؛ طه جرى لورا المريض عشان خايف عليييه؛ لوأنييا نزلييت ألوكقييع فى الدفتر؛ الباشكاتب اللى اسمه عكرام ،منعنى لوقال: انتهى يا دكتلور إيه اللى انتهى ؟ التلوقيع ..ممكن أسيبك تلوقع فى التأخير عشان خاطرك! 71
عشان خاطرى ! أنا خارج من العمليات يا بنى آدم.. ماعرفش حاجة غير اللورق ! يعنى أجيب لك لورقة من العيان أنى كنت معاه فى العمليات ؟ يا دكتلور بلش استخفاف للو سمحت ! *** بعد الساعة الثامنة لوالنصف كان عكرام يرفع الدفاتر لويترك فقط دفتر التأخير حتى التاسعة ،فييى التاسعة تماما يخبئ جميع الدفاتر خلف باب الحمام الملحق بحجرة مكتب المييدير الييتى ل يييدخلها أحد حتى يحضر المدير ،يضع الدفاتر أعلى طاقة صغيرة متربة تشييرف علييى الحكمييام .كييان يشعر بالنشلوة لوالنتصار عندما يهزم طبيبا ألو أى ملوظف آخر فى معركة التلوقيع . فى نفس اللوقت دخل الدكتلور فهمى .. فين الدفتر؟ رد عليه عكرام : خل ص.. خل ص إيه ؟ خلصت رلوحك.. عيب يا دكتلور.. هجم عليه فهمى؛ لوأمسكه من رقبته ،قائل: أنا طلول الليل فى الستقبال يا بنى آدم ..عيب إيه ؟ أنت تعرف العيب؟ استمر فهمى ممسكا برقبة عرام حتى برزت عينيياه؛ لواحميير لوجهييه لوتغيييرت نييبرة صييلوته لوهييلو يقلول :النجدة الحقلونى . سدد له فهمى لكمات سريعة على لوجهه لوقفاه كان طه لوباهر ينظران إلى الرجل لوهما يتشفيان .. دفع فهمى رقبة عرام لوهلو ينزع عنها ذراعه قائل : :غلور.. جرى عرام إلى التليفلون ليرفع السماعة لوهلو يقلول: لزم أطلب النجدة .. هدأه باهر لوقال له : نجدة إيه..؟ أنت غلطان. 72
***
28 بعد أقل من شهر؛ ألوائل الخريف ،عيياد أبييلو قطيية إلييى المستشييفى ،هييذه المييرة كييان يشييكلو ميين البلواسير ،تحكملها حتى بدأت تنزف دمييا ،حجييز بعنييبر الجراحيية ،صييار يكسييلم علييى الجميييع، لوكأنما عاد إلى بيته؛ هذه المرة تعكمد دخلول المستشفى فى اليلوم الذى يكييلون فيييه الييدكتلور شييرف منلوابا ،لكى يجرى له العملية هلو بنفسيه ،لوفييى ذات اليلوقت يسييتطيع أبيلو قطيية أن ينفيذ خطتييه التى أعدها للنتقام على طريقته الخاصة ؛فقد أراد أن يضرب عصفلورين بحجر لواحد . *** بعد اجراء عملية البلواسير بأيام؛ كان أبلو قطة جالسا يتحدث مع جاره فى العنبر : العالم دلول عايزين الناشف يتعجب زميله قائل: عالم مين ؟ لوناشف إيه ؟ فيه خناقة؟ 73
ل أبدا ..أقصد عالوزين البنى آدم الناشف .. علشان إيه؟ الدكتلور اللى اسمه شرف.. ماله؟ عمل لى العملية ،لومراتى بصراحة من قبل العملية لوهى غضبانة لوفى بيت أهلها.. ليه يا أبلو قطة ؟ بتقلول لى ترجع هنا لوانت سليم.. لوماله؟ أنا فكرت ان البلواسير هى السبب. السبب فى إيه؟ فى الضعف يا أخى ..الرتخا يعنى ..انا قلت بعد العملية حاكلون كلويس.. لوالدكتلور ذنبه إيه؟ ضحك ضحكة باهتة؛ لوقال بصلوت خفيض : أدارى خيبتى يا أخى ! قلت أتهم الدكتلور علشان مراتى تسكت ،لويمكن آخد منه تعلويض تعلويض؟ آه..المحامى قال لى ممكن..هات لى شهادة طبية بالعجز لوانا أقلوم باللزم! *** كنا فى السكن بعد منتصف الليل نستعد للنلوم ،سمعنا زعيقا عاليييا آتيييا مين ناحييية الشييرفة؛ قمنييا مسرعين -باهر لوأنا -لنعرف ما الملوضلوع ؟ ربما يكلون هناك مريض يسييأل عيين مسييعف ،ألو قريب لمريض حالول أن يستعرض أحباله الصلوتية لويجرب مهارته فى إرهيياب الممرضيية لويلييم العالم حلوله استجلبا للشفقة ،ألو من الممكن أن يكلون أحد المرضى أدركتيه للوث ة مفاجئية -كميا نرى أحيانا -أدخلته فى نلوبة هياج نفسى محتمل حدلوثه عند التعرض لنلواع كثيرة من الزمات ألو الضغلوط النفسية ألو الجسدية .. سمعت الصلوت مدلويا فى فضاء الليل : أبلو قطة حبيب النسلوان ..بقى َمَرة ! 74
أبلو قطة اللى كان زى الحديد ...بقى مرة!.. أبلو قطة اللى كان زى القتاية ..بقى مرة!.. ربنا المنتقم ..يارب ..أنت عارف السبب ..عارفه مين يارب؟ ...الملك الطاهر هأ .. إن شاء ا يرلوح فى مصيبة .. أنا حالوديه فى داهية.. حاشتكيه فى النيابة لوالنقابة!.. عملية بلواسير ياعالم ..عملية صغكيرة .. دا المفرلوض يشتغل فى سلخانة ...دا ملوش دكتلور ..دا أصله جزار ... فى الحال ،ارتدينا ملبسنا لونزلنا بسرعة لنستطلع المر .. *** عندما أقتربنا من العنبر ،شاهدنا الرجل؛ كان لواقفا بجلوار النافذة ،يميييل إلييى القصيير ؛مسييتدير اللوجه ،ضرب الصلع رأسه الضخم المدكلوك فلوق جذعه ،دلون رقبة ملحلوظة ، ،لوسرح إلييى نهايات فرلوة الرأس ،متين البنية بدين ،مرتديا سرلوال داخليا أبيض يصل إلييى الركبييتين؛ يعلييلوه قفطان مرفلوع إلى لوسييطه ،تييدحرجت قطييرات الييدملوع علييى لوجنييتيه ،كييأنه لييم يرنييا ،أكمييل بصلوته العريض؛ كانما يكمل سيمفلونية قد بداها لويخشى عليها من البلوار ،كان ينظيير إلييى أعلييى من النافذة المفتلوحة كأنما يكلم أحدا بعينه: الملواضيع ساحت على بعض.. أبلو قطة بقى زى أم قطة يا عالم.. أم قطة لوأبلو قطة بقلوا لواحد ...فتح لى المسائل على بعض يا ناس يا عالم ..بنتى قطة تقلول إيه على أبلوها ؟؟ يا مسلمين..يا مسيحيين ..يا يهلود...يا كفرة ..يا أي ملة فى العالم .. مين يرضى بكده؟؟ لوأجهش بالبكاء.. *** حالول باهر أن يتحدث معه ،لوقال له: ازيك يابلو قطة ؟ 75
ا يسلمك يابنى مالك فيه إيه؟ َلوَقف حالى ..ا يلوقف حاله!!. طيب أنت بتدعى عليه ليه؟ ادعى له ربنا يصلح حاله يصلح حاله علشان لوقف حالى ؟ أنتم عالوزين إيه بالظبط؟ عالوزينك بخير ..عالوز أقلول لك حاجة اتفضل أخرج باهر علبة سجائر من جيبه ،فتحها لومد يده إلى الرجل لوسأله : اسمع يا أبلو قطة ..قطة كبرت؟ أمسك أبلو قطة سيجارة لولوضعها بين شفتيه ،ألوقد باهر لولعته الرلونسلون لواقترب بها من فييم الرجل .. سحب أبلو قطة نفسا بعمق قائل: أيلوه ..بنتى قطة بقت عرلوسة .. اسمع ..الدكتلور شرف عالوز العملية تفشل؟ ل طيب تعالى أكشف عليك *** طلب باهر من الممرضة تجهيز حجرة الكشف ،دخل أبلو قطيية ،خلييع سييرلواله ،لوانقلييب علييى سرير الكشف ،صارت مقعدته فى ملواجهة الطبيب .اقترب بيده المغطاة بالقفاز ،بللييه فييى مييادة فازلينية ،أمسك منظارالشرج لواقترب من مؤخرة أبلو قطة ،لوحيالول أن ي لولجه داخيل الشيرج؛ تألوه أبلو قطة .. قال باهر لوهلو يخلع القفاز من يده : شىء جميل ..أدعى للدكتلور شرف ..العملية زى الفل. رد أبلو قطة لوهلو يرفع سرلواله : معقلولة يا باشا؟ معقلولة يا ابلو قطة 76
فيه حاجة تانية عالوز أقلول لسيادتك عليها .. إيه هى ؟ أمسك أبلو قطة بيد باهر لوسحبه جانبا لوتحدث معه همسا. ***
29 صباحا؛ بالعيادات الخارجية كان الزحام كثيفا؛ بمجرد أن انتهينا جاءنى باهر مهملوما ،قلت له: إيه الحكاية؟ سكت قليل ،لوقال: سكر أبلو قطة مرتفع جدا ،قكرب من درجة الخطلورة؛ سبحان ا ! إزاى أبلو قطة مييادخلش فييى غيبلوبة سكرية ؟! ثم ابتسم قلت :خيرا أبلو قطة طلب منى شهادتين شهادتين إيه؟ 77
ألول شهادة طبية فيها تقرير عن حالته لوثانيا ثانيا؛ شهادة فقر يقدمها للشئلون الجتماعية تعجبت .. محتاج اعانة؟ سمعنا انه تاجر سمك.. رد باهر : بيشتغل فى تنضيف السمك؛ رافض يخرج من باب المستشفى ،أما يسمع سيرة الخيرلوج يقيلول : على جثتى..أبلو قطة عبارة عن بقين كلم لوبس! قال لى عالوز تقرير طييبى لوشييهادة فقيير ملوقعيية من اتنين ملوظفين لوتختم بختم المصلحة شهادة إيه؟ شهادة فقر ! لوختم المصلحة ! *** اليلوم أثناء المرلور؛ تلوجهنا إلى عنبر الجراحة؛ جاء الدكتلور شييرف لوجلسيينا سييلويا فييى المكتييب الملحق بالقسم ،بينما لوقفت الممرضة تعرض عليه ملفات المرضى ،سمع الدكتلور شرف عيين حكاية " ابلو قطة " ،قالت الممرضة إن ابلو قطة كان قد أضرب عن الطعام من يلومين.. ياسلم! خل ص ..الملوضييلوع انتهييى ..ضيياحى لوعبييد العييال طلعييلوا أكلييلوا معيياه بالليييل لغاييية ماخلكصييلوا الشلوربة لوالسمك شلوربة لوسمك بالليل؟ أيلوه؛ مراته كانت كل يلوم تجيب له سمك ..أصله كان بياع سمك ! إيه السبب فى الضراب يا مس ؟ سمعنا إنه عالوز تعلويض تعلويض عن إيه؟ عن مضاعفات العملية تعجب الدكتلور شرف قائل: مضاعفات العملية؟! 78
نظر لنا لوتبسم .. رد باهر :عنده ضعف جنسى ! ضرب الدكتلور شرف كفا على كف ،ثم ضحك حتى كاد يستلقى ..لوقال : أبلو قطة ؟ استمر يتحايل علكى عشان أعمل له العملية؛ قلييت لييه لزم نظبييط السييكر ألول ،مخييه تاعبه؛ ماحدش ياخد على كلمه.. ضحك الدكتلور شرف لولواصل كلمه : أبلو قطة بيحالول يبرر ملوقفة ...العملية مالهاش علقة بالضعف ،السكر هلو السبب *** بكل بساطة خرج أبلو قطة من المستشفى بعد أن اقتحمه الدكتلور شرف فى نلوبة المرلور على عنييبر الجراحة ،تبسم فى لوجهه لوثكبت عينيه فى عينى أبلو قطة قائل : ازيك يا ابلو قطة ؟ ا يسلمك يابيه خرلوج النهاردة ؟! تلجلج أبلو قطة لوهلو يقلول : على راحتك يا باشا ! ***
30 فى هذا اليلوم تأخر باهر فييى السييتيقاظ صيباحا ،نظيير فيى سياعته لوقييام ليلحيق نيلوبتجيته؛ دخييل الحمام؛ حلق ذقنه لوتلوضأ لوعاد إلى حجرته ليصلى ركعتين ،ارتدى البالطلو على عجل ،تييلوجه ألول إلى مكتب الحضلور لوالنصراف للتلوقيع ،عاد متلوجهيا إليى العييادة بعيد أن لوكقيع فيى دفيتر التأخير ..فى الكلوريدلور الطلويل المؤدى إلى العيييادات الخارجييية أعييداد ميين البشيير تتكيياثر مييع مجىء الضحى ،شغل عينيه منظر أنثى ترتدى سرلوال أحميير مجسييما ،يعلييلوه بلييلوزة صييفراء قصيرة ،يبدلو معالم ردفيها الهائلين المترجرجين مييع كيل حركيية ،لوقييد علهميا خصير ضييامر، كانت مهملة الملبس ،تضع قدميها فى حييذاء مييترب يكيياد يفقييد لييلونه ،شييعرها الفيياحم الطلويييل مكشلوف مسترسل ببساطة على كتفيها ،عندما اقترب منهييا أدارت لوجههييا إليييه ،ارتسييمت عليييه ملمح البراءة لوالطفلولة ،بينما صدرها النافر يتطلع إلى الدنيا بشبق غييير مسييبلوق؛ رآهييا تسييأل أحدى الممرضات ،ثم تعلود أدراجها لوتسأل ثانية ،لوجد فى نفسه رغبة فى التعرف إليها ،ميين 79
باب حب الستطلع؛ اقترب منها كأنما مصادفة ،ابتسم فى لوجهها ،حارب نفسيه لوتجيرأ لو قيال لها برقة مصطنعة : صباح الخير.. نظرت فى عينيه نظرة جريئة؛ لوردت ببساطة لوفرح : صباح النلور ..أنت عارفنى؟ طبعا أعرفك .. ردت بسرعة: انييا شييفيقة ..شييفيقة الشييامى ..فيياكرنى ..اللييى حييدفت نفسييى ميين الييدلور التييالث لواتحجييزت فييى المستشفى .. قال كأنما أفاق من صدمة : أيلوه أيلوه.. افتكرت؟ قال مداريا أسفه لوجهله ،لومتماشيا معها: طبعا .. انت عارف إنى مازلت تحت العلج.. عند مين؟ كل الدكاترة النفسيين.. اندهش متلوجسا: كلهم ؟ طبعا كلهم ،سعدلون لوغيره لوغيره.. راجع فكره ،لوأكمل لينهى اللقاء : أى خدمة أقلوم بيها ؟ أنا عالوزه أعرف دكتلور نفسية كلويس؟ اسألى فى عيادة النفسية فى آخر الكلوريدلور .. قبل أن ينسحب قالت له : 80
أنت اسمك إيه؟ باهر ..الدكتلور باهر قالت له بابتسامة :اسمك حللو .. شكرا سلم.. ***
31 بالدلور الثالث؛ فى نهاية الكلوريييدلور بياب ييؤدى إليى سيطح جييانبي متسيع ،فيى المسياء كنيا فيى الصيف نتجمع فلوق السطح ،الجلو حار ،أطباء امتياز لونييلواب؛ لييم يكيين بالمدينيية أميياكن مناسييبة لقضاء اللوقيات؛ أحيانيا يحضير بعيض الخصيائيين هيذه الجلسيات؛ بعيد النتهياء مين أعميالهم بعيادتهم الخاصة لوخصلوصا العزاب ، ،كان حضلورهم إلى المستشفى مفيدا ؛ لمتابعة الحييالت الييتى تسييتلزم لوجييلود الخصييائى ،لوفييى نفييس الييلوقت كنييا نسييتمتع بالسييتماع إلييى حكاييياتهم لوخبراتهم ...هذا المساء كان الدكتلور شرف جالسا معنا؛ تصادف أن الجميع ميين خريجييي قصيير العينى ،تحلول الحديث إلى جلسة ذكريات .. كنا نتحدث عما يدلور لوراء الكلواليس؛ لييم يكيين الييدكتلور شييرف متزلوجييا فييى ذلييك الييلوقت ،منييذ أسابيع كنت نلوبتجيا بالطلوارىء؛ حضر شاب فى الهزيع الخير من الليل ؛مصابا برصاصة فييى البطن لوجرح قطعى بآله حادة ،كان قادما من منطقة الجناين ،لوحدث خلف بينه لوبين جيرانه، اختلفلوا على ملواعيد سقيا الرض ،تطلور الخلف من التهديد لوالشتائم إلى العصى لوالشلوم ،ثييم أخيرا استعمل الطرف الخر بندقييية خاصيية بييالغفير ،اضييطر الييدكتلور شييرف إلييى عمييل ثلث عمليات داخل المعاء استمرت العملييية اللولييى حييلوالى أربييع سيياعات ،أصيييب خللهييا بإجهيياد شديد.. سألت الدكتلور شرف عن هذه الحالة ،امتقع لوجهه لوهلو يقلول : اسمع ياسيدى .تقصد حالة الشاب المصاب بطلق نارى ؟ نعم ..إيه حكايته؟
81
أبدا عملية أخدت منى اليلوم كله؛ لكن ضميرى مرتاح لن اللولد كان فى عداد المييلوتى ..سييبحان من نكجاه ..تماثل للشفاء بعد حلوالى أسبلوعين ،كتبت له فى ملفه :خرلوج تحسن.. آخر النهار فلوجئت بزحام فى عيادتى الخاصة ،سألت ضاحى التلومرجى : إيه الحكاية يا ضاحى؟ رد ضاحى: الظاهر إنهم أقارب الشاب المصاب بطلق نارى مالهم؟ طالبين من سيادتك يستكمل حجزه فى المستشفى بدل من حجزه بالسجن.. لوالمستشفى استراحة ؟ لواحد ماسك رزمة فللوس فى يده؛ بيقلوللوا عندهم استعداد يدفعلوا المطللوب لسيادتك. قلت بغضب : قلول لهم المطللوب يمشلوا بسرعة من هنا. *** رفضلوا الخرلوج من باب العيادة خرجت من حجرة الكشف ،لولواجهتهم على باب المكتب لومسكت نفسى لوقلت: أهل لوسهل. رد أحدهم ،لوكان يرتدى تلفيعة لومعطفا باهتا الجلبييية؛ يضييع كلوفييية علييى رأسييه ،لولييه تقيياطيع حادة لوشارب طلويل مفتلول مهدل بإهمال على جانبى اللوجه: أهل بك يادكتلور . أهل لوسهل..إيه المطللوب يا جماعة؟ الرجل بتاعنا يقعد فى المستشفى . يقعد يعمل إيه ؟ يقعد فى مستشفى الحكلومة . مستشفى الحكلومة عملت له اللزم ياحاج .. ل ..لسه.. 82
لسة إيه؟ أما يخف نهائى.. أما يخف نهائى؟؟ ماهلو خف خل ص لوالحمد ل.. خد اللى أنت عالوزه ..سمعنا إنك طالب باكلو ! باكلو! مين قال لكم الكلم ده؟ سمعنا.. أمشلوا اطلعلوا بره للو سمحتم .. قبل أن ينصرفلوا انهاللوا علكى بالشتائم لوالتهديد لواللوعيد. *** يتساءل الدكتلور شرف بأسى : حكاية أبلو قطة ،لوملوضلوع الطلق النارى ،لوغيره لوغيره ..الصح فين لوالغلط فين؟ لويعالود السؤال مرة أخرى :احنا بنشتغل بدلون منظلومة ! ميع مافييا ؟ لواحيد بعيد الخدمية لوتعيب القلب مش عاجبه لوعالوز يرفع قضية تعلويض لوهمى ،لوالتانى عالوز يتحجز فى المستشفى بييدل السجن؟ مالنا لوالمشاكل دى ؟ هى دى المهنة النسانية ؟ المهنة النسانية محتاجة جلو انسانى يييا اخلواننا !! ***
قال الدكتلور أحمد النائب: أيام امتحان البكاللوريلويس كان فيه أستاذ عامل نسبة نجاح محددة سلفا فى دماغه؛ دماغه عييالوزه كده!.. قال الخشاب :في امتحان التشريح كان الدكتلور حيياطط جنبييه شييلوال ،كييان يقييلول للطييالب اللييى يدخل له : غكمض عينك ..لودكخل يدك فى الشلوال لواسحب عضمة؛ لوقلول لى كل حاجة عنها ...ألوعييى تفتييح عينك .
كان فيه أساتذه ممتازين ،حسن حمدى لوهاشم مراد مثل..
83
حسن حمدى كان المدرج كله لوالطرقات محجلوزة مسبقا قبل المحاضرة بساعات ،لويييلوم حضيير بعد غياب أكثر من أسبلوع ،يلومها اعتذر لنا لوقال إنه كان فى ليبيا مع لوفد بيجهييز لفتتيياح كلييية طب هناك أكمل أحمد : لوهاشم مراد ..ياسلم!! الراجل ده كنت حري ص أحضر محاضييراته كلهييا ،كييان المييدرج مليييان لوالممرات كلها مليانه طلبة من القصر العينى لوطلبة من عين شمس لوالزهر كمان .. لوزع عليكم الكتاب؟ رد باهر : طبعا ..من غيره كنت حاستلف علشان أشترى كتاب أنف لوأذن! قلت: الدفعة كلها استلمت الكتاب 1200 ..ألو 1300طالب؛ غير طلبة عين شمس لوالمنصلورة.. كمان بيلوزع على عين شمس لوالمنصلورة ؟ آه ..مجرد آن الطالب يثبت إنه فى كلية الطب ،كان السكرتير يسلمه الكتاب.. رد الدكتلور الطرا بيلى : الرجل ده عجيب..خالى كان زميله؛ حكى لى عنه .. سأل باهر: خالك مين؟ خالى لوكيل لوزارة الصحة؛ كان زميله فى الدفعة . قلت : أنا فاكر كان يقف فى المدرج لويشرح بهمة ،كان راجل فاهم شغله ،لو يحبه ،كان يقييلول لنييا :يييا ألولد كل لواحد فيكم عنده 24ساعة كل يلوم ،لويرفع إصبعه من باب التحذير لوالنصح: ألوعى يا بنى أى لواحديضحك عليك لويسرق منك لوقتك .لوقتك يعنى عمرك ..ألوعى أى لواحييد يضيع عمرك .أنت اللى تتحكم فى لوقتك ..لوقتك هلو عمرك ... لوكان أحيانا يشالور على السياسة من بعيد ،كنييا بعييد حييرب 73لوالبلييد كييانت مرافقهييا متردييية، لولما الطلبة تزلودها فى الكلم ؛فى مساحة الحرية ،يحب ينهى الملوضلوع بسييخرية؛ كييان يتبسييم قائل: " بس يا بنى أنت لوهلو .كل لواحد يخليه فى حاله ..البلد فيها آنلون* يحكمها". 84
الطرابيلى حكى عن السيدة التى جاءت إليه تشكلو من حكيية شييديدة بالجسييم كلييه؛ لومييرت علييى كييل العيادات تقريبا ،لولم تتحسن ،أخذت العلج ،لولم تسترح له ،كتب لها علجا ،اثنياء الكتابية كيان يشرح طريقة الستعمال :خدى الحقن كل يلومين اسمها إيه؟ أفيل أخدتها خدى دهان للوكاكلورتين استعملته خدى أقرا ص أناليرج أخدتها كتير ...ما جابتش نتيجة ادهنى كلمينا تعبت منها كل ما أنطق بكلمة تقلول :أخدته ..استعملته ..مفيش منه فايدة ! ابتسم باهر لوهلو يقلول عملت معاها إيه؟ أبدا حلولكتها الحلوض المرصلود**!!. تعجب باهر من حالة اللولدة التى هربت بملولدها بمجرد اللولدة بعد الفجر داهمتها آلم اللولدة ،بعد منتصف الليل كحجييزت فييى عنييبر الييلولدة ،تبييدلو فييى ملمحهييا بييراءة الطفلولة؛ عمرها 15سنة ،تمت لولدتها لوقت السحر فى عمق الليل ،تم تعليق محللول الجللوكلوز المحميل علييه أدلويية أخييرى ،لوتركيت بجلوارهييا ابنهييا أبيييض كالشيمع ،ذكيى الملميح؛ جميييل العينين؛ بهما زرقة السماء الصافية ،فى الصباح دخلت الممرضة الى العنبر حامليية فييى يييدها سرنجة المضاد الحيلوى لتحقنها به ،نظرت فى أنحاء العنبر لولم تجد اللوالدة الو الملوللودة قالت لها جارتها فى العنبر : بعد الفجر سحبت حقنة المحللول من ذراعها؛ لواخدت ابنها لوخرجت . *** اليلوم التالى كان أحد الرجال سائرا إلى عمله ،بجلوار شريط السكة الحديييد عنييد منطقيية الفييرز القريبة من المستشفى .اقترب ليرتلوى من حنفية ثلجة السبيل الكائن أمييام بيياب زالوييية صييغيرة، 85
عندما تعثرت قدماه فى أثمال فلوصل بكاء طفل إلى أذنه ،نظر الرجل مندهشا تحت قيدميه ليجيد لفافة من خرق يبدلو منها لوجه مضيئ يشع نلوره من لوسط الثمال ،مد يده لوأمسييك اللفافيية الييتى لورفعها برقة شديدة ،كان لوجه الطفل أبيض كالشمع ذكى الملمح؛ أدعج العينين ،فيهمييا زرقيية السماء الصافية ،ملفلوفا عدة لفات فى أثمال بالية *** قال الطرابيلى : لوصل أحد الجنلود محملول على المحفة إلى قسم الطلوارىء ،عندما رأيته كان لواعيا؛ سألته عمييا حدث ،أجابنى بأنه كان فى سبيله لتلوصيل المانة فلوقع له مالوقع سألته :إيه الملوضلوع؟ أى امانة؟ أجاب : الحمار .. حمار إيه؟ أنا متطلوع يا باشا فى شرطة المرافق ،كنييا فييى حمليية فييى السييلوق قبضيينا علييى ميلوازين كييثرة لوفاكهة لوخضار كييثير ،لكيين الفاكهيية أكييثر لوالمييلوز بالييذات كييتير لن بييياعين المييلوز معظمهييم سكريحة؛ الحملة قبضت على حمار ،لوكان فى عهدتى ،لواجب عليا أنى ألوصله لواككله لواشكربه، لولما مسكت اللجام لوشافنى الحمار؛ زغر لى فى عينييى لوعييرف أنييى غريييب عنييه ،حصييل لييه ذعر؛ حالولت أشده؛ رفصنى جامد لوسابنى لوبرطع .. ***
86
_______ *قانلون ** مستشفى أمراض جلدية بالقاهرة
32 يتفانى معظم الطباء من أجل النجاح فى علج المرضى ،القليل منهم يييؤثر الدعيية لوالراحيية، فى ألوقات الحلوادث لوالزمات تبدلو هذه الظاهرة جلييية بكيل معانيهييا؛ جهيد متلواصييل لوتفيانن مين أجل انقاذ ما يمكن انقاذه .. باقتراب العيد عانت القسام من نييدرة الطبياء ،كميا عيانت أيضيا مين قليية أعييداد الممرضييات، الغالبية من خارج المدينة ،لويرغبلون فى زيارة ذلويهم؛ كان العبء كله يقع على عدد محدلود من الطباء؛ لوخصلوصا أطباء المتياز لوالنلواب ،هم الملوجييلودلون دائمييا داخييل ردهييات المستشييفى، لوالقائملون بالعمل خلل فترات المساء لوفى عمق الليل ،كان البعييض منهييم مطللوبييا علييى مييدى أربع لوعشرين ساعة يلوميا ،لم يكن له ملواعيد الو جدلول عمل ،كنا فى ليلة القييدر ،سييافر عييدد أكبر من الطباء ،الغالبية من محافظات أخرى *** عندما سأل الدكتلور الطرابيلى خاله لوكيل اللوزارة عن السبب فى قلة عدد الطبيياء القييادمين إلييى المدينة؛ رد عليه قائل: المديرية بتاعتكم سمعتها سيئة؛ لوضحك قائل: 87
الدكاترة بيقلوللوا الداخل إليها مفقلود لوالخارج منها ملوللود!! خرج عدد من المرضى لوخصلوصا الحالت المزمنة بأقسام الباطنة لوالطفال لو بعييض حييالت العظام ،لقضاء العيد مع أقاربهم ،خلت أقسام المستشفى لوعنابرها ميين المرضييى ،اللهييم إل ميين حالت الطلوارىء التى لبد منها ،لم يلوجييد ميين الطبيياء لوالتمريييض سييلوى عييدد قليييل ،احتييار النائب الدارى فى تلوزيع الجدلول الخا ص بإجازة العيد يتساءل باهر ضاحكا : السلوايسة كل لواحد يشتغل 24ساعة ؟ يرد النائب الدارى : ل 16ساعة .. يرد باهر متهكما : ككتر خيرك.. الدكتلور شلومان ظل يعمل طلوال الليل لو النهار ،لويتلواجد بغرف العمليات لوالقسم الييداخلى فييى كل لوقت لوأى لوقييت ميين الليييل ألو النهييار؛ كييانت لييديه شييهامة غريبيية لورلوح لوثابية لوقييدرة علييى امتصا ص غضب الخرين ،كما أن لديه حاسة تقيه من اللوقلوع فييى براثيين الغضييب لوالشييكلوى، أحيانا ل يتمتع بالنلوم أكثر من نصف ساعة فقط ،تلوقظه بعييدها حاليية لولدة عادييية ألو متعسييرة، ألو حالة إجهاض حتمى ،ألو نزيف رحمى حاد .. *** كنت ملوجلودا فى نلوبتجية العمل المسائية الييتى تبييدأ ميين السيياعة الحادييية عشييرة ،حييتى السيياعة السابعة صباحا ،بعد منتصف الليل كان الجلو هادئا ،انقلبت الحيلوال فجييأة؛ حضير رجييل يشييكلو من مغ ص كلييلوى ،لوطفييل مريييض كييان ملفلوفييا عييدة لفييات ،لوسيييدة أخييرى تخييرج ميين سيييارة السعاف تعانى من نزيف يصحبها مجملوعة سيدات لوألولد لوبنييات لومعهييم رجييل يمسييك ألوراقييا بيده،؛ لوضع الرجل اللوراق على مكتبى ،لوقدم لى نفسه لوقد بدت عليه الحيرة لوالقلق: أنا جلوزها يا بيه ،رحنا للدكتلور برعى ،حط فيها حاجة لوحلولها عليكم ،البركة فيكم.. يعنى إيه؟ يعنى كانت بصريح العبارة حامل لواحنا ناس غلبة لوعندنا 7عيال لوكفاية كده يا بيه.. نظرت فى اللوراق؛ لوجدت رلوشتة علج مكتلوب فيها : نزيف رحمى... السيد الزميل 88
برجاء قبلول الحالة ،لوعمل D&Cلوشكرا.. كتبت فى التذكرة : "بالكشف الظاهرى لوجد نزيف رحمى حاد ،يتم عمييل محضيير لويسييتدعى السيييد الييدكتلور نييائب النساء لفح ص الحالة لوتقرير العلج".. *** جاء النائب الدكتلور شلومان لوتحدث معى :شييلوف النسييان المتجييبر الظلييلوم ،يكيلون فييى البداييية مجرد مضغة ،تأخذها فى معلقة الحكت بسهلولة لوتنتهى ...سبحان ا ،بعض النيياس جبييابرة.. ها ها ! طبعا قدرة ا سبحانه لوتعالى فلوق كل شىء سألت شلومان عن الدكتلور برعى قال : أنت ما تعرفلوش؟ ل مساعد أخصائى ،لسه جاى خام من بلده ،قريب الغربالوى ،تلقيه طلويل لومييلوش طييايق نفسييه، لولبس شبشب لوبنطللون لوقمي ص ن ص كم ...ألولد الحلل جابلوا له شقة فتحهييا عيييادة؛ ماصييدق البلد كلها أغراب؛ مافيش غييره فاتيح عييادة نسيا؛ اشيتغل عليهيم؛ طالميا العجلية داييرة لوالجييب عمران يبقى محتاج إيه تانى ؟ محتاج إيه ؟! إيه الحكاية يا ناس ؟ فهملوني !! عملوما أنا طلبت عمل محضر ل محضر لول حاجة ..الغى المحضر أحسن الغى المحضر ؟ آه ..أنت قدام المر اللواقع..قدام الحالة نفسها ..المهم انقاذها.. كاتب فى الرلوشته تحتاج دى & سى أيلوه..تلوسيع لوكحت بس ده شغل ايلليجال *illegal.. تقدر تثبت ؟ كلم المريضة لوجلوزها يثبت الحقيقة.. فجأة ضحك الدكتلور شلومان قائل: هى لوجلوزها لوالدكتلور فى تلواطؤ مع بعض..ساعتها ينكرلوا كلمهم يا سيدى .. ليه ؟ 89
انت غالوى لوجع دماغ ؟ لن لهم مصلحة ..هم راحلوا للدكتلور برجلهم لوطلبلوا منه العملية ..
***
------------------*غير قانلونى
33 كان قد تم إصلح التليفلونات؛ ذهبت شفيقة إلى المستشفى ،طلبت الدكتلور باهر من السلويتش، جاءته العاملة لتبلغه إن لديه مكالمة تليفلونية ،ارتيدى ملبسييه لودس قيدميه فيى الشبشيب لوخيرج مسرعا ،ذهب إلى التليفلون الملوجلود بقاعة الطعام ،كانت المفاجأة التى كان ينتظرها فى قييرارة نفسه؛ شفيقة تسأل عنه !على الفلور تذككر قامتها لوجسدها البييض لو انحنيياءاته العجيبيية ،قييالت لييه انها ملوجلودة بالمستشفى لوتحدثه من حجرة السلويتش ؛خرج مهرلول لوطار قاطعيا درجيات السيلم أربعة اربعة .. فى هذا اللقاء الذى تم بالكلوريدلور الملواجه للسلويتش ،أخذا يتبادلن النظرات ،كييانت شييفيقة قييد اكتشفت نقطة ضعف فى باهر؛ كانت قييد اكتشييفتها منييذ زميين قبييل ذلييك فييى كييثير ميين الرجييال، عندما تسبل عينيها لوتحدق بجرأة فى عينيه ،لوتبدى اعجابها بكلمه؛ بالرغم من أنه لم يقل شيييئا تقريبا؛ كان مبهلورا لومتعجبييا ميين الملوقييف ، ،طلبييت منييه أن يسيياعدها علييى العلج ؛لحييظ أن كلماتها كانت تشلوبها الغملوض أحيانا تجرأ لونطق بكلم معسلول عن القلب لوأحلواله ،حدثها عن الغيبة الطلويلة التى تركته فيها لوحيدا مسهدا فى هذا المكان الملوحش مع المرض لواللم ! انتهييز الفرصيية لوأراد أل تضيييع ميين يييده، 90
طلب منها ميعادا آخر للقاء ،كان يظن أنها سلوف ترفض؛ لولكنها لوافقت على الفييلور لوقييد التمييع فى مقلتيها بريق كبريق النصر . *** تقابل فى حديقة المستشفى ،خلف مبنى مدرسة التمريض؛ قالت : آهل يا.. قالتها بدلل ،بنغمية سياحرة تعكجيب منهيا ..اهيتز كييانه؛ نظير فيى عينيهيا؛ كانتيا رائعيتين تماميا؛ مفعمتين بالستجابة لوالرغبة ؛ل يعرف ماذا يقلول ألو يفعل لها ؟ .. خرجا سلويا من باب المستشفى؛ عندما أحس بالحرج ،ألوقف تاكسيا ،انطلق بهما ،جلست بجلواره فى السيارة انتفض فلبه ،زاغيت نظراتيه لثيلوان؛ أسيترد عيافيته لواتزانيه عنيدما انطلقيت السييارة، كانت عيناه حيرى؛ تشاغل بالنظر خارج السيارة ،اتجه بعينيه إليها؛ تفح ص التايير الييذى ترتييديه، جذبته أللوانه الزاهية؛ كأنما اكتشف أنلواعا جديدة من القمشيية ،كييانت ملبسييها تنييبىء عيين جسييد فياض . لم تفارقها ابتسامتها؛ تساءلت بمكر جميل : مالك ؟ نظر إليها مرعلوبا؛ لوقد جف ريقه : أبدا لم يكن يصدق نفسه؛ هل هلو الذى يخرج مع هذه الفتنية الرائعيية بجمالهيا لوهيلمانهييا ؟ هيل هيلو حقييا صاحب المبادىء لوالفكارالقريبة من التزمت ؟ أحس بعد قليل بنشلوى تعم رلوحه ،لو بالدماء تسرى فى عرلوقه؛ كما شعر برغبة حقيقية فى الكلم، انتابه سرلور خفى ،كأنما لولد من جديد؛ سأل نفسه :ما الذى يحدث ؟ طييلول عمييرى أتجنييب الكلم مع الفتيييات لوالسييدات؛ كييف أتحيدث مييع المييرأة "الجنبيية" ؟ ل أكيياد أصيدق نفسيى ...هييل أنييا صاحب جاذبية مثل ؟ لم أشعر بثقة طلوال هذه السنلوات الطلويلة.....سنلوات العذاب لوالهبيياب ،هييل حقا أكلون مخطئا عندما تجالوزت الخطلوط ؟ هل أخطىء عندما أبحث عمن تحالورنى لوأحالورها ؟ لم يحصل على إجابة شافية . كانت تحدثه ببساطة شديدة ،قالت : على فين؟ ؟ نعم ؟ مش عارف ..أى مكان بعيد .. كازينلو مثل ! 91
مفيش مانع المهم نكلون لوحدنا .. فجأة مالت عليه قائلة: عربة التملوين فيها سكر لوزيت ،عملت حادثة لواتقلبت لوالسكر دخل المشرحة .. تساءل باهر مستنكرا: السكر دخل المشرحة ؟! قالت له مرة أخرى: أهلى لوالجيران عالوزين يقتللونى ،بيتجسسلوا علكى ،باسمعهم يتكلمييلوا عنيى ،جبيت لهيم مسييدس كبير أخلوفهم به . فين المسدس؟ تحت المخدة .. *** منذ هذه الليلة انقلب حال باهر ،اهتز عندما تأكد أنها مريضة ،صييار بيياهر يسييهر حييتى مطلييع الفجر ،احمرت عيناه لوقل لوزنه،كانت ملمح الرهاق لواضحة علييى لوجهييه ،لوصييار شييرها فييى تدخين السجائر لوربما أصناف أخرى كما حكى البعض. تعلودنا على ترددها كثيرا على المستشفى لوسؤالها المتكرر عن بيياهر ،صييار الجميييع يعرفييلون، لويتندرلون لويتابعلون؛ كان باهر يقلول لنا إنها مريضتى لوأتكفييل بعلجهييا ،ل ترضييى بعلج أحييد غيرك ؟ ل ..أقسمت على نفسها أن تتعاطى فقط العلج الذى أصفه لها ،اشترى باهر كتبييا فييى الطييب النفسييى ميين القيياهرة ،مثييل كتيياب " الطييب النفسييى المعاصيير " لو"المراهقييات لوالطييب النفسى" ،لوكتب للدكتلور يحى الرخالوى" :مبادىء المراض النفسية"لو"عندما يتعييرى النسييان " لو"حيرة طبيب نفسى" ،كان يسافر خصيصا لهذا ،بالرغم من انه ل ينييلوى التخصيي ص فييى هييذا الفرع ،لوصار يقرأ لويسهر حتى الفجر ليلواصل القراءة ! ***
92
34 المرة اليتيمة التى رأيت فيها المخزن كانت مع باهر ،كنييا خييارجين إلييى المدينيية لقضيياء بعييض المشالوير .قال لى باهر هيا نسأل عن المنظفات ،دايمييا ليلوجييد كلييلور لول فنيييك لول صييابلون، هل هذه الشياء ملواد محرمة ؟ هل المخزن ل يستلمها ؟ أراد أيضا أن يسأل عيين دفيياتر تسييجيل المرضى ،لوعن ألوراق للكتابة ،قال لى باهر ربما نجد فى المخييزن ؛ مخييزن المسييتلهكات يقييع فى أطراف المستشفى ،الذهاب اليه يتطلب الدلوران حلول المبنى ،فناء متسع فى مييلواجهته عييدة أبلواب ،إحداها يؤدى إلى المغسلة ،تبدلو مناشر الغسيل فييى داخييل الفنيياء ،بيياب آخيير بييه محييل صغير عرفت أنه دكان الترزى الخا ص بالمستشفى ،المكان ملىء بأشياء مسييتعملة ملقيياه جييلوار الحلوائط بل تدبير ،كراسى مستهلكة لوترابيييزات لوكشييافات عمليييات لودلواليييب لومكيياتب قديميية، لودفاتر كيبيرة أغلبهييا متهرىييء ملقيياه كيفمييا اتفييق ،ألوراق كيثيرة مبعيثرة علييى الرض ،حلولهيا لوبجلوار الحلوائط تنملو لوأعشاب نباتات عشلوائية تنملو جلوار غطاء الصرف حلول مياه هابطة ميين ماسلورة مجارى مكسلورة ،نباتات أخرى متسلقة كاللبلب تنملو على حائط المخزن ،مددت يدى لوالتقطت أحد الدفاتر الكبيرة من على الرض ،لوجدت به سجل لحلوال مرضى القسييم الييداخلى عن أعلوام سابقة ،تعجبيت ،لوضييعته مكييانه عليى الرض لوسييط المهملت ،سييبقنى بيياهر الييى المخزن؛ كان متسعا من الداخل ،له سقف شاهق الرتفياع ،الجيلو مشيبع بالرطلوبية ،لوالهيدلوء تام ،بالداخل رفلوف تمل الحلوائط لوتصل الييى السييقف ،عنييدما تصييعد بنظييرك تجييد الحييلوائط لوالرفف مغبرة بكميات هائلة من التربة ،بينما خيلوط العنكبلوت تعشش فلوق محتلويات الرفف لوتحتها أيضا . 93
داخل المخزن؛ بالملواجهة مكتب ضخم يجلس إليه شيخ ملتح ،شعر ذقنه الكثيف يكاد يصيل إليى لوسطه ،يرتدى سرلوال أبيض قصيرا؛ تعتليه جلبية قصيييرة أيضييا؛ علييى رأسييه يضييع طاقييية بيضاء؛ لف حلولها عدة أمتار من الشاش الخفيف المبرلوم بإحكام حلول الطاقية ،يتدلى منها ذيييل أبيض من الخلف ،يدس قدمه فى صندل مهمل؛ امامه دفاتر لوألوراق ملوضلوعة بإهمال ،بجانبه تلوجد عصا ملقاه على ركن الحائط .. تذهب اليه الممرضات من جميع القسام لصرف الطلبيات ،ألوراق لودفيياتر سييجلت المرضييى، لوالمخييدر الملوضييعى لوسيرنجات لوأدلوات النظافية ،مقشيات لومسياحات لوزجاجيات فنييك لوكليلور لوصابلون لوديتلول لوسافللون لوغيرها؛ ينظر إليها ثم يبعد برأسه؛ قبل أن تضع الطلب على مكتبه يقلول دلون أن ينظر إليه : مافيش صابلون ..مفيش فنيك مفيش كللور اللورق خل ص.. مفيش سرنجات !! ***
تبسمت لوقلت للشيخ لوانا أبحلق فى الحجرة : العنكبلوت هنا فى مكان أمين رد قائل بجدية تامة : حرام لمسه ،العنكبلوت حمى الرسلول ! قال له باهر : المكان محتاج ترتيب لوتنضيف تبسم الشيخ لوهلو يعبث بألوراق أمامه لولم ينطق. أكمل باهر: ممكن يجى لك تفتيش ! تحمس الشيخ لوامسك بعصاه لولكلوح بها قائل: البنى آدم ما يهمنيش؛ أنا ما خافشى ال من اللى خلقنى ! 94
*** كنا نراه أحيانا سائرا فى طرقات المستشفى ،عندما يسير كان يقتحم الهلواء بصدر منفلوخ؛ كأنما يحث الخطا إلى معركة؛ لم يكين يعيير التفات ة لحيد ،يبيدلو كعظييم م ن العظمياء ،يرتيدى زييه الرسمى الخا ص به يسير لوقد تقدمه كرشه لوانفتح صدره ،كمن سيفتح عكا؛ يهيأ للرائى أنه شيخ السلم الكمخكل ص ألو الشيخ القادم من زمن لم نعرفه بعد . ***
35 سكن الطباء ..صباحا؛ الدكتلور خشاب يرتدى ببيجييامته لويجلييس فييى كرسييى الفييلوتيه الملوجييلود بالكلوريدلور ،ينتظر الفطار؛ يمر عليه كل من يدخل ألو يخرج من الحمام..الدكتلور فهمى يضييع فلوطته على كتفه لويمر .. صباح الخير يا دكتلورخشاب صباح النلور ..استحميت ؟ أيلوه نعيما.. أنعم ا عليك أنا عالوز أستحمى. ألوعى ..الميه ساقعة ..السخان عطلن بقى له شهر.. قدم سمير من الكلوريدلور : إزيك يا دكتلور خشاب؟ الحمد ل. 95
يبتسم متسائل بمكر: أنت بايت هنا على الكرسى ؟ ل يا حبيبى ..أنا جاهز عشان عندى عمليات ..منتظر تليفلون من الخصائى تعجب فهمى لوقال: أنت لسه نايب؟ أيلوه لوسكت. الخصائى ملواليد 48لوأنت ملواليد كم؟ 43 43؟ سرح فهمى لوقال : يعنى أنت أكبر منه بخمس سنين؟ يضحك الدكتلورخشاب ضحكة كئيبة؛ لويقلول بصلوت خفيض كأنما يخرج من بطنه : إيه يعنى يا بنى؟! الطب مشيلواره طلوييل؛ أنيا كنيت ظيابط احتيياط 6سينين ،لوحضيرت الحيرب لوالحصار كله ،المفرلوض يهدلونى أعلى النياشين ..المفرلوض اكييلون مكييان عبييد الناصيير ،أنييا الزعيم ..أنلور السادات سمم أبلويا لوسمم عبد الناصر ،أنا طبيب المدينة المحاصرة ،بل فخير بل جدال ،بل منافس ! خاصة بعد أن حصلت تل أبيب منا على حق العتراف المطلق المكلون ميين 6بنلود تساءل فهمى جادا: إيه البنلود دى يا دكتلور خشاب ؟ حق اسرائيل فى الييدفاع الشييرعى عين نفسييها ،لوخصلوصييا ضييد شييبه الجزيييرة العربييية؛ لوحييق اسرائيل فى تلوجيه الضربة اللوقائية؛ لوحقها فى مياه نهر النيل ،لوحقها فى بناء المستلوطنات فييى الراضى العربية لو... لوعملت إيه يادكتلور خشاب عشان تكلون مكان عبد الناصر ؟ أنا احتفظ لنفسى بمخاطبة أعلى المسييتلويات ،أنييا أخيياطب الرئيييس المريكييى شخصيييا ،لوكنييت أخاطب عبد الناصر لوالسادات ،لولكنى بطلت أخاطب السادات ليه؟ 96
لنى أعلى منه ..أنا كنت هنا لوشفت اليهلود بعينى ..لوزعلت قلوى لما لبست ملكى لبست ملكى ليه ؟ اليهلود حاصرلوا القرية كلها ،عملت كده علشان أتفادى الرصا ص لوالقبض علكى . سرح فهمى متسائل: الحرلوب خطيرة ،أخدت كتير من أعمارنا لوجهدنا لومالنا .. ضحك الخشاب قائل : مش الحرلوب بس اللى بتاخد العمر ..الكلية كمان بتاخد العمر رد خشاب: فيه لواحد زميلنا بطل العاب ألولمبياد؛ أنا دخلت الكلية لوهلو كان فى سنة ألولى ..كلنييا عييدينا عليييه فى الكلية؛ لولسه هناك فى سنة رابعة.. هناك فين؟ مزرلوع فى المدرجات لوالمعامل لوالكافيتريات.. ..العمر فيه كم سنه يا جدعان؟! لويستمر الخشاب ضاحكا لوهلو يقلول: كل الدفعات مكرت عليه ها ها ..لوأنت كمان ..عارفه؟ إذا كنت قصر عينى أكيد تبقى عارفه .. طبعا عارفه .. آدى الطب لوأل بلش!! يرد سمير ضاحكا: أنت عارف يا دكتلور كخشخش دراسة الطب دى زى الجبنة الرلومى؛ كل ما تقدم تحللو!! ها ها ...أهلو كده الكلم!! *** تمر أمامهما زهيرة العاملة بقامتها الشاهقة لوأردافهيا الممتلئية؛ تتمتيع لوهيى فيى منتصيف العمير بصلوت متعدد الدرجات؛ من الممكن أن يصل صلوتها إلى نهاية الكلوريدلور بسييهلولة؛ تنظيير إلييى الدكتلور خشاب بلوجه صبلوح ،لوعيلون ملؤها خليط من شفقة لوعاطفة ربما تكلون مشبلوبة : تفطر يا دكتلور خشاب ؟
97
أيلوه ..بسرعة شلوية يا زهيرة عشان عندى عمليات أجيب لك الفطار هنا؟ ل فى اللوده. تستدير إلى المطبخ ،لوهى تنادى : يا سمرا ..هاتى الفطار للدكتلور خشاب بسرعه عشان عنده عمليات .. ترد السمرا من الداخل : حاضر يا أبله. يحك الدكتلور خشاب حجر بيجامته بيده اليسييرى لوهييلو جييالس فييى مكييانه يتييابع بعينيييه مييؤخرة زهيرة بحركتها الهارملونية المنتظمة. *** يلوميا تنقل السمرا حلتي الطبخ الكبيرتين من الدلور الرضى إلى الدلور الثييالث حيييث تعمييل مييع زهيرة بسكن الطباء؛ تبدأ فى لوضع حلة الخضار على البلوتاجاز حتى تحتفييظ بسييخلونتها ،بينمييا تجهز زهيرة الطباق لوالملعق لوالشلوك لوالسكاكين حسب العدد الملوجلود ،يختلف الثنان كثيرا فى إحصاء عدد الغائبين من الطباء ؛لوعدد اللوجبات التى يلييزم إعييدادها؛ العييدد الييذى يييأتى ميين المطبخ غالبا ل يكلون مطابقا لللواقع . *** الدكتلور سمير ألوصى زهيرة بالهتمام به لوإعداد لوجبة خاصة له ،كل أسبلوع يعطيها مبلغا ميين المال لكى تشترى له يلوميا ربع كيللو لحم بلدى لوسلطة خضار لوبطاطس . كان يقلول لها : اسمعى يا زهيرة؛ كل يلو م جهزى لى بفتيك لوسلطة لوبطاطس محمرة بينما يحر ص الدكتلور فهمى على استلم لوجبتي الفطار لوالغداء معا ،لويلوصى زهيرة : خلى بالك من البيض يا زهيرة .. أعمل له إيه يعنى ؟ حافظى عليه يا لوليه.. تضحك زهيرة لوتقلول : كل لواحد يحافظ على بيضه ..
98
يتسلم منها البيض المسللوق لويضعه برفق فى علبه مستطيلة مع بيياقى الطعييام ،لويغلقهييا بإحكييام ليعلود بها إلى بيته بعد انتهاء عمله . قبيل المغرب تدخل زهيرة حجرتها ،تضع بقايا الطعام لواللوجبات الييتى لييم يحضيير أصييحابها فى ألونى صغيرة ،تضع اللوانى برفق فى حقيبة كبيرة من الفيبر ،الكل يعييرف شيينطة زهيييرة، تغير ملبسها لوتخرج حاملة الحقيبة فى يدها ،عنيدما تقيترب م ن بياب المستشيفى ترفعهيا فيلوق هامتها؛ تسير بها محافظة على ثباتها ؛ ترقد الحقيبة ساكنة فيلوق حلواييية صييغيرة أعلييى رأسيها؛ بالرغم من تلك الحركة الرجراجة التى تتميز بها مؤخرتها الشامخة التى يعللوها خصر هضيم . ***
36 الدكتلور لوصيف بعيد حيلوالى شيهرين م ن لقيائه ميع السييد السيكرتير ؛تسيلم شيقته الجدييدة مين المحافظة؛ لو افتتحها عيادة بالضافة إلى العيادتين اللتين يعمل بهما فى المدينة ،هذه المرة حدفه الهلوى لكى يخدم أبناء المدينة الجديدة كما كان يقلول استطاع أن يغير سيارته المازدا لواشترى بيجلو صاللون ،سأله الدكتلور فهمى عن السييبب قييال لييه إن الصاللون أكبر ،تكحسر فهمى على المازدا قائل: للو كان معايا أختها ماكنتش أفرط فيها ..رد لوصيف : أنا ألول ما أحس إن العربية فتحت بقها؛ أرلوح بايعها على طلول ..هى سنة ألو اتنين لوأقلول لنفسى غكير يا لولد ..غكير بل لوجع دماغ أحسن حاجة المرسيدس طبعا اعمل زى برعى اشترى مرسيدس من ألول مرة.. قال فهمى لوهلو يبتسم متحسرا: برعى ! اشترى مرسيدس؟ سبحان ا أنا فاكر الشبشب لو هلو لبسه ألول ما دخل البلد. رد لوصيف بقناعة: 99
يا بنى هى دى الدنيا!! *** بعد حفل الشبكة بدأ الدكتلور طه فى تجهيز شقته فى حييى الملييك فيصييل ،صييرف كييل مييا يملييك لواستدان أيضا حتى يشترى كل الكماليات كى ينهييى المهميية لول يكييلون مقصييرا فييى شييىء كمييا يقلول ،أراد أن يبدأ الزلواج على أكمل لوجه ،سامية لها خال يعمل مديرا فى فندق شييهير بسيييدى بشر ،أكد الرجل على العرلوسين ليمضيا أسبلوعا من شهر العسل بالسكندرية مجانا.. كان الجلو باردا لوالشلوارع شبه خالية؛ فى المساء حمل الدكتلور لوصيييف العرلوسييين فييى سيييارته الجديدة ،سارت لوراءها سيارتان تحملن أهالى العرلوسين فقط؛ ،تلوجه الجميع إلييى السييتلوديلو اللوحيد المشهلور فى ذلك اللوقت ؛اسييتديلو ليليية الزفيياف؛ طيياف الجميييع سييبعة أشييلواط حييلول مقييام سييدى الغرييب ،لوثيم تجلول لوا فيى أنحياء المدينية؛ تلوجهيلوا إليى طرييق بلورتلوفييق ،لودارلوا فيى طرقاتهييا لومنتزهاتهييا الشيييقة ،كييان الجييلو بيياردا ،لوقفييلوا أمييام القنيياة لوالتقييط الييدكتلور لوصيييف للعرلوسييين بعييض الصييلور ،أخيييرا تييلوجهت الزفيية إلييى النييادى الجتميياعى بطريييق الزيتيييات لوشاطىء ركس حيث تمتع الجميع بلوجبة عشاء شهية على نفقة العريس الذى زادت ديلونه . *** لودعنا العرلوسين على باب شقتهما بحى الملك فيصل ،علم الجميع أنه سيسافر بعييد أيييام لقضيياء أسبلوع عسل فى فندق مطل على بحر إسكندرية؛ على نفقة خال العرلوس ،قال لى باهر : لوا جدع! من؟ طه ليه؟ جازف لوقابل المصاعب لوعبر.. حللوة كلمة عبر دى..عقبال عبلورك .. هلو نظامه إيه؟ عالوزين نرلوح نبارك له ! ضرلورى ،نطمئن عليه قبل ما يسافر اسكندرية .. قال باهر غابطا لومتحسرا: يا بخته ! ***
100
مسيياء يييلوم الصييباحية؛ قررنييا الييذهاب لنبييارك للعرلوسييين لنلحقهمييا قبييل أن يسييافرا ،اشييترينا شيكلولتة من محلت الرخالوى الشهيرة بالمدينة ،طرقنا الباب ،لم يفتح أحد قال باهر : ربما يكلونلوا مسافرين قلت: معقلولة ! قال سمير ضاحكا: ألو يكلونلوا ملوش فاضين لنا!! هبطنا الدرج لولوقفنا ننظر إلى الشرفة الخاصة بشقة العرلوسبن فتحت سيدة من الجيران نافذة لوأطلت علينا؛ قالت: العريس خرج الصبح لوالعرلوسة بعد الظهر..كل لواحد للوحده.. ليه؟ ملوش عارفين لوا ...العلم عند ا... عدنا نضرب أخماسا فى أسداس!! ***
37 لم أتلوقع أن تتطلور الحداث بين المريض لوذلويه ،لوبين العاملين بالستقبال لوالطلوارىء إلى هييذا الحد ،كان عبد العال فى إجازته السنلوية فى هييذا الييلوقت مسييافرا الييى الصييعيد ،كنييت أظيين أن المريض لوأهله سيمتثللون للوامر لوتلوجيهات المستشفى ؛لويلييتزملون الهييدلوء لوالسييكلون ،لعطيياء الفرصة لوتهيئة الجلو للهيئة الطبية لعمل اللزم طمعا فى علج مصابهم على اللوجه المريييح ،لييم أتخيل أن يكلون رد فعل الهالى سيكلون بهذا السللوب الييذى لييم يخطيير علييى بييالى ..لولييم أتخيييل أيضا أن رد فعل ممرض الستقبال لوالعامل سيكلون بهذا العنف أيضا.. قبل الشرلوق ،كنت مجهدا؛ اسندت بيدى لورأسيى علييى المكتيب ،كييان معيى مميرض يسيمى عليلوة ،لوضاحى العامل ،سمعت ضجيجا ،انتبهت مفزلوعييا لرى شخصييا لواقفييا أمييامى يتييدفق 101
الدم من رأسه ،فلوجئت بهذا المنظر ،سحبه عليلوة الممرض من يده حتى أدخلييه حجييرة الفحيي ص الداخلية لو أجلسه على السرير ،لولوقف يساعدنى فييى هييذه المشييكلة؛ لوأمسييك جفتييا بيييده؛ دخلييت مجملوعة يتقدمهم زعيم بصلوت جهلورى : فين الدكاترة؟ بسرعة الراجل حيملوت ..يا عالم ياهلولولوه!.. رد عليه عليلوة بحسم: الدكتلور ملوجلود جلوه مع المصاب عالوزين نشلوفه ممنلوع حالول عليلوه الممرض أن يمنعهم من الدخلول ،لولكنهم أبلوا لودفعلوه أمامهم.. رد عليهم لوهلو يدفع الزعيم: خل ص خدلوا المصاب بتاعكم رد أحدهم: ازاى الكلم ده ؟ زى الناس زى الناس مين ؟ إحنا لزم نقف جنبه لونشلوفه فيه نظام يا حاج.. نظام ؟ نظام إيه؟ علينا ! أنت حتعلمنا النظام ؟ أيلوه أعلمك النظام.. رد زعيمهم : أنت مين أنت ؟! ..حتة تمرجى هلفلوت ل رحت لول جيت؟!! ياه..أنت قليل الدب بجد.. أنا قليل الدب ؟! يا بن الكل.. أسرع عليلوة : أنت اللى ابن ستين ..
102
فلورا مد الشاب يده على الجفت الذى بيد عليلوة ،لونزعه منه لوحالول أن يضربه بييه ،فييى الحييال التقط عليلوة مقصا كبيرا من طبق الغيارات ،لولوجهييه ناحييية رأس المهيياجم؛ لييم أنتبييه إل لوالييدم يفلور من رأس الشاب ،تركت المصاب الكائن أمامى لوهرلول ت؛ فيى لميح البصير صيار أميامى مصابان بدل من لواحد.. جاء ضاحى العامل مهرلول من الخارج لوزعق فى الجميع: كله يطلع بكره يا غجر! كان زعيمهم يقف صامتا متململ ،بعد أن عبر ضاحى من أمامه ،أمسك المق ص لولوجهييه إلييى رأس ضاحى الذى انتفض لوساح الدم من جبهته مغطيا عينه اليمنييى لوشييقه اليميين حييتى غرقييت ملبسه ،ظل لواضعا يده على عينه لوهلو يقلول : عينى اتصفت يا ناس...؛لزم آخد حقي ارتبكت مما يحدث أمامى ؛صار المصابلون ثلثة ،شعرت بالدم يصعد إلى رأسى لويييزداد قلييبى لوجيبا ،سمعت دقات قلبى ،انتبهت إلى مييا حييدث،أردت أن أنفجيير سيياخطا فييى الجميييع ،الكييل يحتاجلون إلى عقاب رادع ،تماسكت لولم أبد أى مشاعر تجيياههم،سييلوى تعييبير القييرف لوالسييخط المرسلوم على اللوجه؛ بهدلوء تلوجهت إلييى المصيياب اللول؛ بييالفح ص لوجييدت أربعيية شييقلوق فييى فرلوة رأسه ،احتاجت 12غرزة ؛بعد أن أنهيت العمل معه ،اتجهت إلى زميله المصاب الثانى، لوالثالث ،ثم جلست لكتب التقارير.. *** قبيل الظهر ،جاءنى مندلوب من مدير المستشفى قلت له: يطلبنى أنا؟ نعم لو الطلوارىء ؟ سيادته عارف عارف إيه؟ ملوش عارف!! *** حجرة مدير المستشفى كانت علييى مقربيية ميين مبنييى الطييلوارىء؛ لوجييدت الييدكتلور مييراد يضييع التقارير الطبية التى كتبتها منذ قليل أمامه على المكتب ،كنييت قييد كتبييت فيهييا "جييرلوح قطعييية" بفرلوة الرأس؛ لوابتسم لوهلو يضع السيجار بييين شييفتيه ،لوقييد جلييس حيلوله أثنييان ،عرفييت منهمييا الغربالوى اخصائى الطفال. 103
انسحب الغربالوى من لسانه قائل: انت زعلن ليه من الناس دى يا دكتلور؟ قلت : ناس مين اللى أزعل منهم؟ قال لى : تفضل ..عليلوة لوضاحى عمللوا إيه؟ الصابات دى مضبلوطة كما هى.. طبعا يا باشا رد المدير : أنت زعلن منهم يا دكتلور ؟ قلت: أبدا ..كل لواحد ياخد حقه.. أيلوه بس التقارير دى تدخلهم السجن!! أنا كلمت اللولد المصاب علشان ننهى الملوضلوع قلت: الحقيقة عليلوة لوضاحى كانلوا فى ملوقف الدفاع عن النفس ،بس زلودلوها حبتين.. رد المدير بأدب :علشان خاطرى اكتب رضلوض.. كانت عينا الدكتلور مراد تشعان إنسانية لوبريقا طيبا ،فرحت عندما نظرت إلى التقرير لوقد أشيير عليه "يعاد للمناظرة" ***
104
38 يسعد عبدلول عندما يحادثه أحد ،دائما يحترم الخرين فلوق اللزم،لويعطيهم أكثر مما يسييتحقلون، لوجهه المبتسم دائما كان مثار تفكيرى لوفرحى بالحياة ؛يشعر عبدلول بالسعادة الكامنة بالرغم مين بساطة الحياة التى يحياها لوالتى تخللو تقريبييا ميين كييثير ميين المباهييج ،ل سييهر لول صييخب لول هلوايات أخرى غير العمل لواللتزام بطاعة السادة المسئلولين ،لوالييتزام بمييلواقيت الصييلة لو بيياقى الفرائض؛ إنه مثال لنسان تعشقه أى سلطة؛ ل فكر لول طملوح ،كل مييا يهمييه قضيياء ييلومه دلون مشاكل ..كان حياته طاعة عمياء لللوامر .. فين العشا يا زفت؟؟ يقلول السيلوفى آمرا ..يرد عبدلول مبتسما: حاضر يا سعادة الباشا يعلم فى قرارة نفسه أن الدنيا زائلة لوأنها دار من ل دار له .. قال لى يلوما: احنا حناخد حاجه معانا؟ أهالينا راحلوا فين؟؟ لويمصم ص شفتيه تحسرا.. 105
*** سمعنا أن عبدلول سلوف يخطب قريبا .. سأله باهر فى مكر: العرلوسة كبيرة لول صغيرة يا عبدلول؟ يرد عبدلول ضاحكا: عندها حلوالى 28 عارف يا عبدلول الراجل اللى دخل غلط؟ يبتسم عبدلول لويرد مستفهما: ل ...إيه حكايته ده؟ ما كانش عارف السكة فين..جابلوها المستشفى لوكانت حتملوت من النزيف... تدخل سمير: عرفت حا تعمل إيه ليلة الدخلة يا عبدلول ؟ يظل عبدلول مبتسما؛ لوهلو يقلول : أنت دكتلور يا أخى ..لزم أستشيرك فى الملوضلوع ده.. يضحك باهر فى خبث قائل: خدنى معاك لوأنا ألوريك السكة..عملى يعنى .. ***
39 كانت أسرة باهر قد عادت إلييى المدينيية منييذ فييترة ،أبييلوه لوأمييه اخييلوته ،اصييطحبنى معييه لزيارتهم ،قابلنى أبلوه بحفالوة بالغة ،كان رجل شهما طيبييا مكافحييا ،رأيييت علييى لوجهييه آثييار السنين لوالخبرة لوتجاعيد الزمن ،لوجلست معه على الكنبة الستمبلولى الملوجلودة فى صدر الشييقة فى ملواجهة الباب ،كان يشكلو من أحلوال الدلولة ،بالرغم من فرحه الغامر بالعلودة إلييى المدينيية؛ كان يضع الراديلو إلى جلواره دائما ،يسييتمع إل القييرآن الكريييم لوالخبييار ،كييان هالويييا للسياسيية لوسماع القرآن الكريم ،شكا لى من أن المدينة لم تأخذ حظها من إعادة البناء لوالتعمير ،قال إننييا نحتاج إلى ناس يطالبلون بحقلوقنا امام الحكلومة لوفى البرلمان ،قال لى متحسرا إن باهرا لييم يعييد يستمع إلى نصائحه .جاء اخلوته ليسلملوا علكى؛ كانلوا أربعيية ألولد هييلو أكييبرهم ،لوالبيياقى إنيياث، 106
تقريبا كان عدد البنات خمسة ،بخلف اختييه المتزلوجيية ،كييان بيياهر قييد اصييطحب شييفيقة الييى أهله ،تعرفلوا عليها لوأقنعهم بييأن يتنييالوللوا الملوضييلوع ببسيياطة متناهييية ،تكييررت زياراتهييا لهييم، تعلودلوا عليها لو بدألوا يحبلون تلواجدها معهم لوسماع حلواديتها الخيالية كما يقلوللون ،تييتراءى لهييا هللوس سمعية لوبصرية ،ميين فييرط انييدماجهم معهييا ببسيياطة؛ كييانت أحيانييا تتلواجييد فييى الييبيت لوحدها ،أخلوته فى أعمالهم لومدارسييهم ،كأنمييا صييار بيتهييا ،تييتردد عليييه فييى ألوقييات مختلفيية، تعلودلوا هذا منها ،ألوصاهم باهر أن يرأفييلوا بحالهييا لنهييا تحييت العلج؛ صييارلوا ينظييرلون إليهييا بشفقة ،لويفرحلون بتلواجدها لوسطهم ،لويجدلون معها تسليتهم لومتنفسا للضحك لوالتهريييج ،تجلييس معهم لوتبدأ الكلم لوالحكى ،تسألهم ألول : فين الشاى ؟ تضحك أم باهر قائلة : قلومى جهزيه أنت ! تنهض شفيقة ضاحكة لوهى تقلول : بالنعناع طبعا! أخلواته البنات غالبا ما يفرحن بلوجلودها لو يحدقن فى قامتها الفارعة لوأحيانييا يشيييعنها بنظييرة حسييد لوهييى متجهيية إلييى المطبييخ ،خصلوصييا عنييدما يتأكييدن ميين قلوامهييا الملفييلوف لواليتيهييا المترجرجتين؛ لوبياضها العاجى لولوسطها الرشيق. *** تطلورت العلقة بينهما ،صارا يتلقييان كيثيرا ،لوأصييبحا يظهيران سيلويا علنييا لوسيط اليزملء، عندما تتحدث الفتاة كانت كأنميا تحليم ،تنظير إليى بياهر لوتراقبيه دلوميا ،ل تنيزل عينيهيا منيه، صارت تهيم به ،لولكن هناك شيئا غير لواضح فى تلك العلقة . سألت باهر : ما حدلود علقتك بشفيقة يا باهر ؟ تبدلو علمات الحيرة لوالقلق على ملمحه لوهلو يقلول : أبدا ..علقة مريضة لوطبيب قلت متلوجسا: معقلولة ؟ البنت متعلقة بك على الخر يتمل ص من الكلم لويرد بضيق ظاهر : يا جماعة افهملونى ! الملوضلوع مجرد طبيب لومريضة ..ما فيش داعى للتلوابل . 107
أحيانا كانا لوتقف من بعيد نكتفى بملحظته لوالفرجة عليه؛ لول مانع من قليل ميين التهكييم إذا لييزم المر ،لوخصلوصا بعد أن عرفنا أن البنت عنييدها سييكيزلوفرانيا ،كنييا نييأتى بعييدها لنفنييد كلمييه لوأفعاله بعد أن يكلون اللوقت قد انتهى ،لوفى الغالب ل نجد منييه أذنييا صيياغية .كنييا نضييطر إلييى السكلوت . *** كان يفاجأ أثناء حديثه معها بلوجه غريب ألو قناع الغضب الصامت لوالشرر المتطاير من عينيها ؛يتساءل فى نفسه :ما الذى حدث؟ ماذا جنيت؟ ليدرى أى شىء عن سر هذا الغضب يريييد أن يسأل لولكن تجاربه السابقة معها فى مثل هذه الملواقف ل تنبىء بخير ،صار يخشى المبييادأة فييى الكلم لنه لن يقابل بخير كان يقابييل إمييا بالصييد الرهيييب لوالمعييان فييى الصييمت فييى البداييية .. الصمت الذى يسبق العاصفة ،أحيانا تصب عليه سيل من الشتائم لواللفاظ النابية . *** سافر معها إلى القيياهرة ليعرضييها علييى أسيياتذته فييى الكلييية ،صييار يكييثر السييفر معهييا؛ ألوشييك الخريف على النتهاء لوصار اسم شفيقة مرتبطييا باسييم بيياهر ،الكييل يعلييم ماعييدا بيياهر نفسييه، الذى كان يظن أن افعاله فى طى الكتمان ،كان يكره الحلوار معييه فييى هييذا الملوضييلوع ،اعتييبره فى النهاية ملوضلوعا شخصيا . ***
تطايرت كلمات تقلول إن شفيقة صارت حامل ،أعلن ذلك عبدلول بكل بساطة ،اسييتنكرالجميع؛ تعجبنا من لوصييلول خييبر كهييذا إلييى عبييدلول ليكييلون ألول متلقييى لييه ،تأثرنييا بشييدة ،لو لييم يصييدق البعض ،من قال لك ياعبدلول ؟ قال إنهيا جياءت إلييه لعميل اختبيار الحمييل .قيال ليى عبييدلول – بصلوت خفيض -متعجبا : التحليل إيجابى ! قالت لك مين السبب ياعبدلول ؟ قالت إنها متزلوجة بعقد عرفى باهر ؟ آه ..لوأردف متسائل: صحيح هم ملوش متجلوزين؟ احترت فى الجابة لوقلت: لوا يا عبدلول علمى علمك ! 108
*** قلق باهر قلقا شديدا لواعترته نلوبة من الحزن غيمييت علييى آفيياق حييياته؛ مييع تزايييد ثقييل الحمييل يلوميا يتفاحل ثقل المشكلة ،احتار باهر لوصار الهلع يأخذ بمجامع فكييره عنييد ذكيير هييذه البلييلوى التى كان يسميها "الرهيبة "؛ عرض علي شفيقة أن يذهب بها إلى احد زملئه ليجهضها لوأفهمها أن الملوضلوع بسيط ،لوأن هذه العمليات تجرى مرات عديدة كل يلوم فى المستشفى ،أبت شييفيقة أن تستجيب لكلمه ،اتهمته بالخسة لوالنذاليية؛ لوقييالت لييه الرجييل هييلو ميين يتحمييل نتيجيية أفعيياله! لوراحت تبلغ كل أصدقائه لومعارفه لواحدا لواحدا بما حدث صار باهر يرفض الحلوار فى هذا الملوضلوع نهائيا ،كانت قطرات العرق تبلل يديه لوجبهته عند سماع اسم شفيقة ،التى لم تتركه بل لواصلت البحييث بييدأب حييتى لوصييلت إلييى النيابيية الدارييية لوالنيابة العامة ،لورفعت الشكلوى للنقابة أيضا . حفاظا على مستقبله أقفل المطرالوى الملف قائل : اللواد اتجنن !! إيه اللى لوقكعه اللوقعة المهببة دى؟ شيزلوفرنيا ؟! مش يعقل شلوية ؟ حرام ! *** فى النيابة تم طلب باهر لوالتحقيق معه ،ألودعه لوكيل النيابة السجن أربعة أيام على ذمة التحقيييق، كان زملؤه جميعا مشفقين عليييه ،جييدد الحبييس إلييى خمسيية عشيير يلومييا آخرييين ،كيياد بيياهر أن ينهار ،تدخل الجميع من أجل انقاذه من البكاء لوالنهيييار الشييديد الييذى كييان يلزمييه؛ لو اقترحنييا تحلويله لغرفة العمليات لستئصال الزائدة الدلودية حتى يتفادى عزلة السييجن لوأسييلواره الرهيبيية، لويستمر لوجلوده بيننا داخل المستشفى . اضييطر المطييرالوى إلييى فتييح الملييف مييرة أخييرى ،لوكتييب فيييه بعييض الشييتباهات فقييط ،لن الملوضلوع بيد النيابة العامة . تم استصال الزائدة ،كل يلوم كنا نجد شرطى الحراسة المنلوب جالسيا ببيذلته السيلوداء المهملية على كرسى خشبى قصير؛ يتدلى من حزامه العريض جراب قديم يحييلوى مسدسيا ؛ فييى أغليب اللوقات يمسك بيده كلوب شاى ،لوبجلواره على الرض يضع زجاجة مياه لوكيس به طعام اليييلوم الخا ص به ،أمام باب الحجرة التى يقطنها بيياهر .كييان جميييع الييزملء يزلورلونييه يلوميييا ،صييار جزءا من أجندة عملهم لوبهار حديثهم اليلومى.. فهمى يتحدث بصلوت خفي ص: مفيش حد يتعلم ببلش ! يرد سمير متلوشحا بابتسامة أسى : السجن للجدعان! ** 109
40 باختفاء الدكتلور طه المفاجىء دارت التساؤلت لوتحركت الشييفاه لولكييت اللسيينة حكييايته ،الكييل يتكهن بما جرى ،قال فهمى: يبدلو أنه سافر يقضى شهر العسل بعيد جدا قال سمير : فيه حاجة ملوش مفهلومة ...طه مش من النلوع اللى يعمل كده؛ طه بيتى جدا.. أما عبدلول فقال: لزم نبلغ البلوليس يا أخلواننا ..احنا أكلنا عيش لوملح سلوا .أنا خايف يكلون جرى له حاجة *** تلبدت سماء طه بالغيلوم ،سافر الصعيد ،هناك صار شبحا بعد أن التهمه الفكر ؛لم يعد يعييرف له طريقا؛ بعيلون دامعة لوقلب كسير جلس يكتب خطابا إلى صديقه عبدلول ألودع الخطاب مكتب البريد؛ راح يتأمل الدنيا لو يتأمل حبه العظيم الذى أنفق فيه الييام لواللييالى، لودافع عنه لوبناه لوحارب العالم من أجله ،حالول أن يبحث عن تفسير لمييا حييدث لوكيييف حييدث ؟ أحس ان ا ربما لم يكن راضيا عنه ،ربما كان غاضباعليه؛ قال لنفسه :قد تكييلون هييذه فتنيية .. نعم لقد لوضعنى ا ملوضع اختبار ،ماذا أفعل يا الهى ؟ ل ملجأ لول منجييى منييك إل إليييك راح يدعلو ربه أن ينتشله من ألوحال الضياع إلى مرافىء الدعة لولراحيية البييال لوالسييكلون ..تمنييى فييى هذه اللحظات أن تنشق الرض لوتبتلعه ،كيف أدارى خيبتى ؟ يا للوعة قلبى ؟! تعلقت لوتشييعلقت بخيلوط عنكبلوت ..تذكر ملمح لوجلوه زملئه لوحلوارهم معه قبيل أن يقيدم عليى خطيلوبته لوقرانيه السعيد!! ملمح التعجب لوالستنكار لوالرفض لم يكن ذلك فيى بيالى مطلقيا !أينيك ييا أبيى ؟ليتنيى تعلقت بشعرة من كلمك كان الجدى بى أن أعالود حساباتى مييرة لواثنييتين لوثلثييا قبييل أن أقتحييم هذا النفق المظلم لوصل خطاب إلى عبدلول ،فضه لوقرأ ما فيه: " عزيزى عبد ا.. أعرفك أننى بخير لوقد ذهبت إلى اللوزارة لوطلبت نقلى؛ لوتركت البلد كلها ! قد تتعجب ..لولكنييى أحب أن اطمئنك أننى بخير ،بخير طالما بعدت عن الزيف لوالخداع ،كأننى كنييت مخييدرا ،قييل لى ..كيف تقبل إنسانة لوضعت فيها كييل آمالييك ،لومنحتهييا كييل ثقتييك أن تخييدعك؟ كيييف تعيييش 110
داخل بيت مبنى على الغش ؟هذا ما جعلنى أهرب أحسست أننى كالملييدلوع ،ألو كأنمييا أعيييش مييع حية رقطاء !! تخيل ...ماذا تفعل إذا اكتشفت أن النسانة الييتى أعطيتهييا نفسييك لورلوحييك تكييذب عليك ،تقر أنها عذراء لوليست كذلك ؟ للسف اكتشفت أنها تملك ميياض عريييض لييم أكيين أعلييم عنه شيئا ،اللواقع هلو خير معلم ،الحياة بكل ما فيها ،اكتشفت أننى كنت أعيش فى لوهم ..ليلة الدخلة اصطدمت بالحقيقة ،سقطت من مدينة الحلم لصطدم باللواقع؛ تنام معى كسيدة مجربة، لوليس كفتاة بكر ،لم أجد أى أثر للعذرية ،لحظت انفضاض غشاء البكارة ،بل لوعدم لوجييلوده بالمرة ،أحسست بالمرارة لوالحزن .فى صباح اليلوم التالى مباشرة قييررت أن أتييرك الييبيت دلون كلم .كثيرا ما هاجت فى نفسى ملوجات من اليأس لوالحباط كادت تعصف بى عصفا ،انتهييى بى اللوضع إلى قناعة تامة باليأس من إصلح الحلوال بهذه الصلورة ،قلت فى نفسى :ل بد ميين التغيير الكلى ،يا عزيزى عبدلول؛ أتعرف أن المراض تحط علييى الجسييد عنييدما يجتيياز الييرأس علوالم المل الجميل إلييى متاهييات اليييأس لوالملييل لوالحبيياط ؟ انتييابتنى الرغبيية فييى الهييرلوب ألو النتحار ألو الختفاء التام ... ليتك يا أبى لم تتزلوج أمى ! ياليتنى كنت ترابا ..ياليتنى كنت ترابا !! *** كتبت ألواسى نفسى :فالتسكنى يا نفس ،لولتنعمى بالراحيية لوالهييدلوء ،فالكييل إلييى فنيياء ..ل داع للخلوف ألو الحباط؛ لول للفيرح الشيديد ألو قمية النشيراح ..ل أحيد يبقيى ،فالكيل يمتطيى – إن لوافق ألو أبى – قاطرة زلواله.. فى أسلوان تسلمت خطابا إلى مركز ادفييلو؛ هنيياك تييم تييلوزيعى للعمييل بمستشييفى مركييزى بقرييية السباعية ،هنا الخضرة رائعيية تشييمل المكييان ،تتخللهييا قضييبان رفيعيية لعربييات سييكك حديييد صغيرة تنقل الفلوسفات ،طبيب المستشفى رجل جنتلمان؛ صعيدى لو فى منتهييى الدب لوالكييرم، سكنت فى عنبر المرضى ألول ليلة حتى يتم تجهيز مكان لى ،فييى المسياء كيان البعيلوض كثيفيا، كنت أخبىء جسدى كله بالغطاء ،بالرغم من ذلك كانت البعلوضة تنفث خرطلومها خلل الملءة داخل جسدى لوتخترفه بسييهلولة ،لوجييدت أن البعييلوض هنييا مختلييف اللواحييدة كييبيرة جييدا لوتبييدلو ملمحها لواضحة؛ عرفت ذلييك بعييد مييا اصييطدت لواحييدة فييى الظلم ،قمييت لوأضييأت المصييباح لورأيتها عالقة بيدى ،أطرافها طلويلة بصلورة ملحلوظة ،لم أنم هذه الليليية ،بييالرغم ميين ذلييك كييان قلبى فى راحة فى الصباح جاءت سيدة حاملة لبشة قصب لوضعته عند مدخل العنبر؛ سالتها : قصب؟ قالت أيلوه ..هدية من لولد الحلل.. بعد صلة الظهر عزمنى الدكتلور على الغداء؛ فلوجئت بصينية كييبيرة تحملهييا إحييدى العيياملت، فلوق رأسها لوضعت الصينية امامنا لوقالت : بسم ا 111
رد الدكتلور : شكرا ياأم إبراهيم ..زغالييل لومللوخيية لولحيم لوأرز محشيلو بالكبيد لوالقيلوان ص ،تلل مين أرغف ة العيش لوبصل اخضر لوطبقين من الطرشى.. تعرفت على ملوظفى المستشفى " تحياتى إلى كل الزملء.. *** بعد أيام جاء منشلور من اللوزارة للمديرية علمنا منه بالملوافقة على نقل الطبيب طه محمد بيييلومى إلى أسلوان بناء على طلبه.الكل تعجب ميين هييذا الطلييب ،فل أحييد يحييب الييذهاب إلييى المنيياطق النائية إل إذا كان مقيما هناك ،ألو ينقل نقل اداريا؛ كأن يكلون مشيياغبا لوملفييه ملىييء بييالجزاءات مثل ،ألو يكلون فى فترة انتقاليية للترقييية ،لوطيه ليم يكيين منتظيرا ترقيية ،لنييه ميازال فيى فيترة المتياز ،هلو أيضا ليس مشاغبا ميين أصييحاب الزيييارات المتكييررة للشييئلون القانلونييية ...لولكيين اللوزارة تفرح لمن يقدم لها طلبا للذهاب إلى الماكن النائية التى تفتقييد الخييدمات ..لوضييربنا كفييا بكف. *** 41 يوليييو وصييل ،اشييتد الحيير وبييدأ العييرق يسيييل علييى الجبيياه ،يقييول عييم محمييد الخفييير: الجو ماعادش زى زمان ..الدنيا تغيرت يا ولدى ! فوجئنا بانقل ب حدث داخل ردهات المستشفى ،صار الجو عبقا ،أربعة جميلت حضرن سويا من السكندرية للعمل داخل أروقة المستشفى ،أصبحنا فى وضع آخر؛ هرع الجميع للعمل والسهر بالقسام الداخلية؛ تبدلت أحوالنا وتغيرت وازدحمت عقولنا وقلوبنا باللهجات الجديدة والشفاه التى بلون الكريز ،والجسام ذوات القوام الممشوق؛ واليدى الرقيقة واللفتات المبهرة ،بالضافة الى الحداث والخبار الجديدة ..تطلعنا إلى تلك اللوجلوه الجديدة بشغف لواهتمام أقلق قدامى هيئة التمريض ،انتهى عصر اللوجلوه السمراء المجعدة لوالجسام الهزيلة، ..اشتعلت الرؤس بالحلم ،لوداخت القللوب معها لوبينها مين البيضا..؟ نسرين استلمت بقسم الباطنة آه ..من بحرى..
112
والطويلة الرشيقة نعم ..ماجدة ..موجا.. نعم... بدأت تعمل فى العظام ..مع فايزة...
وفيفيان ..فيفى ....من السيوف فى قسم المسالك
وصابرين ..صاصا السمراء من محرم بك فى قسم الصيدلية.. *** من ألول يلوم حالول فريق اسكندرية أن يثبت لوجلوده، قامت نسرين بعمل ملفات جديدة لمرضى قسم الباطنة ،اهتمت بنظافيية القسييم ،ل تحييب أن تييرى لورقة ألو غبار على الرض ألو الحلوائط..
بينما قامت ملوجا بتجدييد حجيرة الجبيس الملحقية بقسيم العظيام ،لوطلبيت طالول ة جدييدة لوتسيلمت المنشار الكهربائى الذى يسهل العمل فى حل الجبائر ،فرحت بهييا فييايزة ،فييى نفييس الييلوقت الييذى حزنت فيه على ما اصابها من مصائب ينلوء به كاهلها
فيفي تسلمت مفتاح حجرة قسم المسالك ،لوبدأت فى احضار جهاز التسجيل الخا ص بها تسمع منييه أغييانى عبييد المطلييب لومحمييد قنييديل أثنيياء العمييل ،لوضييبت دلولب الدلوييية الملوجييلود بييالحجرة، لورصت كل صنف فى مكانه ،المبلولت لوالقرا ص لوالشربة؛ كل صنف له مكان معللوم .
بينما تلوجهت صاصا إلى قسم الصيدلية الرئيسى ،بدأت تتعلم هناك أسماء الدلوية لوكيفية اسييتعمال دفاتر المخزنية ،دفتر 112أهم لواحد ،بينما استمارات 111تستعمل لستلم الدلوية لوتييدالولها بين لوحدات المديرية ***
113
42 عصرا؛ الجلو حار بالرغم من تشغيل مرلوحة السقف بالحجرة ،عند مرلورى بالكلوريدلورالجانبى رأيت باب الحجرة الثانية ملواربا؛ داخل الحجرة لمحت أحدهم جالسا إلى مكتب ر ص عليييه عييدد من الكتب لوالمراجع ،لوكتاب ضخم مفتلوح أمامه ؛ ظهر الجالس إلى المكتييب يبييدلو نيياحيتى ،لييم أكن قد تعرفت عليه حتى اليلوم .أعجبنى هذا المنظيير ،قلمييا أصييادف أحييدا هنييا يهتييم بييالقراءة الجادة حتى الن ،الكل يبحث عن العملى دلون النظرى ،بالرغم من أنهما متلزمييان ،لبييد ميين القراءة؛ لبد من القراءة كنت أقلولها لوأرددها لنفسى .. عرفت أنها حجرة الدكتلور خالد؛ سمعت عنه أنه رجل متزن؛ ينطق الكلمة بحساب ،ياخذ أملوره بنظام صارم لودقة متناهية ،تعلمت منه أشياء كثيرة ،حجرته التى رأيتها؛ تقع فى هييذا المميير الجانبى ،كنت كلما مررت بها قبل ذلك ؛أعتقد أنها خالية؛ لول احد يقيم فيها نظرا للهدلوء التييام الييذى ألحظييه ،لوالييذى أعجبنييى لوأثييار اهتمييامى،عرفييت ميين زهيييرة العامليية أن حجييرات هييذا الكلوريدلور كلها تقريبا مشغلولة ،قالت لييى إن هنيياك أطبيياء حيياجزين المكييان لويقيمييلون هنييا فقييط عندما تكلون لديهم نلوبتجية ألو عمليات طلول الليل ألو أى ظرلوف طارئة *** كان الكتلور خالد خارجا من حجرة العمليات؛ جلس فى السييتراحة المجييالورة للعمليييات يتحييدث لويدخن .. ألول مرة أقلوم بعملية انسداد معلوى فى طفل حديث اللولدة ! رد الدكتلور مراد : خلى بالك ..نجاح العملية يعتمد على المتابعة لو التمريض؛ أهم حاجة ..ال post operative عملت فيها مجهلود كبير ،ربنا يستر ! *** كنت قد تعرفت على الدكتلور خالد؛ قابلته بعد أيام فى عنبر الجراحة؛ كان مهملوما ،انفجر فجأة ليقلول : ليه زميلكم بيعمل كده ؟ 114
زميلنا مين؟ الخشاب عمل إيه؟ حالة طفلة عندها انسداد معلوى؛ دخلت من أسيبلوعين ،عمليت لهيا عمليية استكشياف لو الخشياب اشتغل معايا ،كان مساعد لى ،استمرينا فى العمليات حييلوالى 6سياعات النهيياردة سييألت عين الحالة فى القسم، الطفلة حالتها حرجة ،انسداد معلوى؛ كنت متابعها يلوم بيلوم كل يلوم أميير عليهييا مرتييين ألو تلتييه بعد 3أيام فؤجت بها مش ملوجلودة بالعنبر. هربت؟ ل ..تهرب إزاى؟ الممرضة قالت لى الدكتلور الخشاب كتب لها خرلوج لما سألته قال لى : الم كانت قلقانة على طفلها لونفسها تخرج ..كتبت إقرار لوخرجت .لزم اتصرف اتصرف إيه؟ الناس عندنا بسطاء قلوى لوما يعرفلوش حاجة ...أمييال إيييه فايييدتنا ؟ أمييا كييل لواحييد يعمل اللى نفسه فيه؟ الحالة ممكن تملوت منها لن الجرح لسه محتاج عناية لومتابعة ! *** فى مكتب المدير ظهرت علمات الضيق على لوجه الدكتلور خالد لوهلو ينفث دخان سيجارته قال له الدكتلور مراد : مالك ؟ فيه إيه؟ تأكييدت إن فيييه نيياس مييش ممكيين يتعلمييلوا ..خل ص المييخ ل يقبييل التعلييم ،كييل معللوميية جديييدة مرفلوضة؛ هؤلء محتاجين إعادة تأهيل من البداية .. تقصد إيه يا دكتلور خالد؟ حكى له القصة .. الدكتلورالخشاب كتب لها خرلوج ليه؟ سألت قاللوا لى أهلها كتبلوا إقرار لوكانلوا فاهمين إن عمرهييا قصييير؛ الييدكتلور الخشيياب قييال لهييم خدلوها لوإذا ماتت تملوت فى البيت ؛ بدل ما ترلوح المشرحة ! ككتبهم القرار لوقال لهم خدلوها. كده ببساطة ؟! 115
أكيد ماتت .انا حزين على شغلى لو مجهلودى ! قلة عقل ..أكتب مذكرة لويتحلول للتحقيق. *** 43 أرسلت قلوات المن إشارة إلى المديرية ؛تقلول : "رجاء سرعة إرسال طبيب لتلوقيع الكشف على مرضى المعسكر لوذلك للهمية لوشكرا" كنت فى قسم المراض الباطنية أمضى فييترة شييهري التييدريب ،تييم إرسييال الشييارة إلييى مييدير المستشفى الذى أرسلها بدلوره إلى رئيس قسييم المييراض الباطنييية ،حييتى يقييلوم بتييلوفير الطييبيب اللزم ... كان الدكتلور أحمد النائب قد أخلى طرفه لوسافر منذ حلوالى شهر ،لوالدكتلور سمير نقييل إلييى قسييم الجراحة لستكمال تدريبه من ألول الشهر الحالى لم يبق فى القسم سلواى لوالدكتلور لوصيف لوالدكتلور فهمى رئيس القسم ،الذى قال لى : عالوزك فى خدمه أمرك ترلوح لقلوات المن تكشف عليهم ليه؟ هم طالبين دكتلور أنا لسه امتياز؟ لوماله؟ أنا لواثق أنك حتقلوم بالمهمة على ما يرام *** صباح اليلوم التالى أخذت خطابا من المستشفى لوتلوجهت إلى مركز قلوات المن لقييلوم بمهمييتى، تعجبت من هذه المهمة لولكنى لوجدت نفسى مستعدا للقيام بها ،ل أدرى لماذا . *** عندما لوصيلت إليى الميدخل العميلومى ،قيابلت جنيديين مسيلحين يقفيان عليى البلوابية ،لواجهنيى أحدهما قائل : على فين؟ 116
قلت: أنا مطللوب هنا رد بخشلونة: يعنى إيه ؟ مجند؟ قلت : ل..طبيب طبيب؟ تحالور مع زميله الذى دخل بدلوره ،لوتركنى لواقفا أيلوه..ادخل بكلغ القائد إن الدكتلور لوصل جلست على أحد المقاعد المتهالكة بحجرة الستقبال. جاء الجندى من الداخل مناديا: خليه يدخل للباشا بسرعة.. مشى الجندى بجلوارى ،لتلوصيلي إلى القائد ،على الجانبين أرى مبييان كلهيا ميين دلور لواحييد ،ل تتميز بمسحة جمال ،فى الملواجهة؛ دخلت أكثرها تعللوه مسحة جمال؛ المبنى اللوحيد الذى يحظى بمجملوعة من أص ص الزرع على مدخله ،بعد مقابلة سريعة مع القائد ،بعثنييى مييع مرسييال إلييى الداخل؛ لكى ألوقع الكشف الطبى على المساجين . *** فى السجن كانت العتمة طاغية؛ أحسست أن الليل قد هبط بالرغم من أننا مازلنا فى الضحى، الحجييرات مزدحميية بالسييرة المتعييددة الطلوابييق؛ ثلثيية أدلوار فييى كييل سييرير ،تفصييل بييين مجملوعات الكسرة فلواصل ضيقة ل تكاد تكفى لمرلور فرد لواحد ،زحام كثيف ..لوجييدت النلوافييذ مغلقة بالمسامير من الداخل لوالخارج تقريبا ل تلوجد نلوافييذ للتهلوييية ، ،تييدافع الجميييع ميين أجييل القتراب منى؛ بعد لحظات لوجدتنى لوسط حلقة ميين البشيير ،أردت أن أنييدفع للخييارج هربييا ميين رائحة العرق لوالحرارة لوالرطلوبة ،مناظر الشباب كانت مهينيية ،أحييدهم كشييف لييى عيين بطنييه؛ رأيت فيها ندلوبا لوجرلوحا تبدلو لواضحة من الهرش المتلواصل ،سألت: انت بتستحمى ؟ ضحك الجميع من السؤال. أعدت السؤال: أنت بتاخد دش لول ل؟ ظهرت ابتسامة خابية على لوجهه؛ رد آخر من الخلف بصلوت مرتفع : 117
دش إيه اللى انت جاى تقلول عليه؟ رد ثانن من لورائى كأنما يغنى: أنت عارف حتى معنى الدش إيه؟ رد ثالث: دى حنفية لواحدة أرضى يا باشا ،لوالكل يستعملها سألت: أدخل أشلوفها؟ تفضل ! أشار لى احدهم إلى حجرة صغيرة على يمين المدخل بالكياد يسييتطيع شيخ ص لواحييد أن يييدخلها، كبنيه بلدى ،لوحنفية أرضية صغيرة مربلوطة بقطع سلك؛ تتصاعد دقات رتيبة من قطرات الماء المتهالوية من فلوهة الحنفية إلى كلوز صدىء لوضع تحتها على الرض ... لوبتستحملوا فين؟ لما نخرج من السجن شاهدت حالت مرضية أثنيياء الدراسيية كييانت تسييمى " حييالت كلسيييكية" يعنييى كييل علمييات المرض ظاهرة لومكتملة فيها تماما ،تكررت هذه الحالت اليلوم ،شاهدت علمات مختلفة ،ندلوب لوحفر لوقرح جلدية بالقدم ،لوأمييراض فطرييية مثييل التينيييا منتشييرة بصييلورة لوبائييية ،ممييا يييدعلو للتساؤل :هل هؤلء الجنلود فى دائرة النسيان أم ماذا؟ *** قبل خرلوجى من المكان،تلوجهت إلى مكتب القائد،أصييريت أن أبلغييه،حييتى يأخييذ ملوقفييا إيجابيييا، قلت له: العساكر محتاجين ميه علشان يستحملوا عندهم يا باشا ميه سخن لوبارد ،لكن مفيش فايدة يعنى إيه؟ هم بيحبلوا اللوساخة !! أمال بيقلوللوا مفيش إل حنفية لوحيدة كدابين ! لومحتاجين أدلوية ،كتبتها لسعادتك 118
رد القائد : شلوف لنا عندك فى المستشفى شلوية دلوا *** 44 فى المساء كنا فى السكن؛ سمير لوفهمى لوانا ..اقترح سمير أن نزلور جارنا الدكتلور ابراهيييم فييى حجرته؛ أقنعنى أننى سلوف أرى لوأتعرف على عالم آخر لودنيا اخرى غير الييتى يتصييارع فيهييا الناس . الدكتلور ابراهيم يبدلو رجل عجلوزا ،كل من يراه يعطيه أكبر من سنه،ل يتبادر إلى الذهن أنه طبيب؛ يرتدى ملبس قديمة رثة ؛ل يحتفى بها ،لول يهتم بمظهره؛ ربما يرتدى جلوربييا متهرئييا، ل تعرف ملبسه المكلوي لوربما ل تعرف الغسيل أيضا! يظهر شعر صدره أشييعث؛ لوقييد كسيياه الللون البيض؛ يتسييم بالهييدلوء لوالبطييء فييى الحركيية ،ل يتعجييل المييلور ،كأنمييا جيياء ميين عييالم آخر ... نظر لى الدكتلور ابراهيم للول مرة؛ لوجدته يخلع نظارته الطبية القديمة لويمسكها بيييده لويلوجههييا ناحيتى ،كان يحدق فى عينى؛ أحسسيت انيه يبحيث عين شييىء مجهييلول ،كأنمييا يخييترق أميياكن جديدة لويحالول استكشافها؛ علوالم غير معللومة لدى؛ سألته : أنت ماسك قسم الملريا؟ تبكسم لوقال : الملريا لوالفلريا *** جاء عبدلول من الخارج حامل أصناف العشياء ،لوضييع أشيياءه عليى المنضييدة؛ أمسييك الييدكتلور ابراهيم بنظارته لوأشار بها إلى عبدلول قائل : أهلو الحصالوى لوصل ..تعالى أدخل المربط.. يتجاهل عبدلول ما سمع؛ لويسأل ببساطة : أنت اكلت يا دكتلور إبراهيم؟ إحنا صايمين على طلول .. تعجب سمير لوقال: الدنيا ليل ياهيما ..صيام إيه؟ اسكت يا أبلو جهل.. 119
يضحك سمير حتى يقهقه لونحن معه؛ يسأل عبدلول هيما : تحب تاكل إيه؟ عيش لوجبنة رد فهمى: غكيير بقيى ياهيميا ..طيلول عميرك تاكيل عييش لوجبنية ...مفييش لحم ه ؟ مفييش فيراخ ؟مفييش طلواجن؟ قال هيما متبسما : ساعات أغكير ! أردف فهمى بلهفة مصطنعة: تغير إزاى؟ أغير الكل تاكل إيه؟ آكل عيش من غير جبنة !! لوضحك الجميع حتى استلقى فهمى على ظهره فلوق السرير .. *** ينظر الدكتلور ابراهيم إلكى قائل: أنت مشيت مع مشايخ؟ ل..أنا قابلت مشايخ بس ما كملتش معاهم باين عليك ضحية يرد عبدلول متعجبا :ضحية؟! أيلوه يا بنى ضحاياهم كتير؛ لول يهمهم حاجة ..نظر ناحيتى قائل: لوإيه رأيك؟ تدكخل سمير : بكطل ياهيما ..سيب الرجل فى حاله.. أكمل الدكتلور إبراهيم حلواره معى : 120
قابلت مين؟ شيخ فى مصر ...بعيد ..فى شارع مصر لوالسلودان بعيد إيه يا شيخ ! مييش بعيييد لول حاجيية ..انييت عييارف إن فيييه دكتييلور هنييا بيسييافر للشيييخ فييى السلودان فى السلودان؟! ياه!! آه ..فى الخرطلوم .بيرلوح له الخرطلوم.. لوضع الدكتلور ابراهيم ساقا فلوق ساق؛ لواعتدل فى جلسته قائل: أيلوه ياخد الطيارة لويرلوح له الخرطلوم كل سنة ..آه ..أنت فيياكر الملوضييلوع لعييب لوأل إيييه؟ أنييت مشيت معاه كتير ؟ ل..رحت مع صاحبى مرتين ألو تلته تقريبا ها ..لوشفت إيه؟ الراجل كان حالق دقنه لوبيتكلم بصلوره علمية عن سلسال النبياء لوالرسل لوعن العصييمة ،لوعيين السرائيليات المدسلوسة على كتب الحديث لوالتفسير ،حافظ التلواريخ النبياء لوالرسييل ؛لودميياغه حاضرة لوكأنه بيقرا من كتاب مفتلوح .. صليت لوراه ؟ آه ..صلته معقلولة جدا ..ل هى طلويلة لول قصيرة قلوى.. عجبك يعنى؟ أيلوه لوما كملتش معاه ليه؟ قلت : الصراحة خفت ..لقيته عارف كل حاجة ..كنت حاسس إنى عريان قدامه..كان بيتكلم مع الناس؛ لوكل لواحد يسلم عليه لويقلول له كلمتين..الغالبية كانلوا يبلوسلوا أييديه..سييألت صيياحبى الليى رحيت معاه؛ إيه الحكاية ؟ قال لى الكلمتين دلول فيهم حل لمشكلة .. *** كان باهر يعبر الكلوريدلور أمام باب الحجرة المفتلوح؛ عيياد بعييد أن انتهييى الييدرس الييذى تجرعيية بخرلوجه من الحجز لو إطلق سراحه بعد أن صكرحت شفيقة بأن أب الجنييين لواحييد آخيير خلف باهر؛ انتهت قصة مأسأة حبه العقيم ،لوعاد الى عملييه ،حييامل بييراءة قييال فيهييا القاضييى ،إنهييا 121
منحييت لييه مراعيياة لظرلوفييه؛ لولعييدم العتييداد بكلم الشيياكية ،حيييث أنهييا معرضيية للهللوس لوالخيالت التى هى علمات أكيدة لمرضها ...لوقف باهر مبتسما ،لورفع عقيرته بالغناء ..
آمنت لك يا دهر لو رجعت خنتني !* صمت قليل لوأردف: راح اللى راح ...ما بقى غير الجراح.. لونظر إلى الدكتلور إبراهيم قائل: يا هيما ..إيه الفرق بين الملريا لوالفلريا ؟ يضحك الدكتلور إبراهيم قائل: الملريا بالنهار لوالفلريا بالليل !! يضحك الجميع؛ لويرد باهر: آه يا مكار !! لوعامل نفسك أهبل ! ______ من قشتمر -نجيب محفوظ
45 البرالويطى كان يعيش بمفرده؛ أعزب فى شقة صغيرة من حجرتييين بييأعلى مدرسيية التمريييض الملصقة لمبنى المستشفى ،تعددت القلوال فى سبب اعتزاله للنساء ،قيل أن لييه تجربيية مؤلميية فى شبابه أدت إلى اعتزال الصنف كله؛ لوقبل إن عنده خلل خلقى فى الهرملونات ،تسييبب لييه فييى عنة مزمنة ،لوقيل أنه مير أييام الصيبا بقصية حيب عاصيفة؛ لوليم يتمكين مين الرتبياط رسيميا بخطيبته لوزلوجها أبلوها بابن عمها ،لوقيل أنه فقد الرغبه لوليم يعيد ليه فيى الحرييم ،ليم يعيد مين ألولى الربة ،كانت الحجرة التى يسكنها كبيرة مجالورة للسطح ،بييداخلها حجييرة أخييرى تطييل على الحديقة ،لها شرفة لوسعة سقفها مغطى بالقرميد . كان البرالويطى – مثل صديقه اللدلود المدير العييام – قابضييا علييى عييدة مناصييب فييى يييده ،فهييلو مدير لوناظر لمدرسة التمريض لومدير لقسم الحمى الصفراء لورئيس أمن المستشفى؛ لومشييرف على المخازن ،انطلوت رحلته ميع اللوظيفية ألو كيادت تنطيلوى ،ميا هيى إل شيهلور لويصيير مين أصحاب المعاشييات ،سييأل نفسييه للول مييرة – بعييد ألول نلوبيية قلبييية أصييابته -ميياذا فعلييت فييى 122
حياتك ؟ هل ناديت بمعرلوف؟ هل مددت يدك لتنقذ منكلوبا هل زرت مريضا ؟ هل ربيت يتيما ؟ إذا لم تفعل لوشاهدت صحيفة أيامك خالية فأنت إذن لم تحتك بالحياة لول بالحياء؛ كنت هاربا من اليييام يييزداد رصيييدك البنكييى كييل يييلوم ،عشييت متييدثرا بالرييياش لوالييدفء لوالكلت الجميليية لوالجازات الهادئة لو الصاخبة التى كنت تمضيها فييى شييمال البلد ألو فييى جنلوبهييا ..كلهييا كييانت على حساب الدلولة ألو حساب الخرين ،دارت عجليية الزميين بسييرعة؛ أفلتييت شييهلور لوسيينلوات، لواشتعل الرأس شيبا ! كان يحس من آن لخر بآلم ضاغطة على صدره ،يأتى إليه الدكتلور لوصيف بصحبته الممرض حامل جهاز رسم القلب ،يقلوم بعمل رسم قلب داخل حجرته بمبنى مدرسيية التمريييض ،يصييف له دلواء ،يشير البرالويطى بسبابته إلى دلولبه الضييخم الملصييق لبيياب الشييرفة ،يفتييح لوصيييف الدلولب يجده مليئا بأصناف الدلوية؛ يتخير منها ما يصلح عندما كان الطبيب يذكر له اسم دلواء ،كان البرالويطى يرد : عندى ..نادرا ما يقلول غير ملوجلود. *** تعجب باهر من ملوضلوع الحمى الصفراء هذا ؛لوقال إن هذا الرجل لوضع القسم كله فى جيبه ؛ لو ليس من اختصاصه أن يعمل فى الحمى الصفراء ألو الحمراء ! فهلو المتحكييم فييى كييل الملفييات لوله سلطة إصدار اللوامر الدارية لوما يخ ص القسم -بل لوالمستشفى -من قرارات لومييا يييدخل فيها لو ما يخرج منها . *** أهلت بدايات الشتاء ،ارتفعت حرارة البرالويطى فجأة؛ لوصار يهذى فييى منتصييف الليييل ،لييم يكن بجلواره أحد ،كما لم يحس به أحد؛ استمر يهذى حتى راح فى غيبلوبة عميقة ،فييى الصييباح تلوجه عامل النظافة ليقلوم بعمله اليلومى ،لم يخرج البرالويطى ميين حجرتييه هييذا اليييلوم ،تعجييب العامل لنه لم يتعلود على غياب البرالويطى يلوما لواحدا ،اتجييه إلييى حجرتييه؛ ظييل ينييادى لويييدق على الباب ،لم يرد أحيد ،فتيح بياب الحجيرة لوجيد اليبرالويطى مميددا عليى السيرير ،لوقيد عل شخيره ،أمسيك ييده لوحيالول أن يحركهيا؛ كيانت ثقيلية ،ليم يجيد اسيتجابة ميا ،صيارت عينياه مطفئتين لولوجهه ممتقعا ،نادى بصلوت مرتفع: الحقلوا هاتلوا السعاف ..بسرعة يا ناس ..البرالويطى انتهى.. أبلغلوا السعاف لوبحث عامل السلويتش عن رقم تليفلون ليتصل بأحد من أقييارب الييبرالويطى ،لييم يجد أى رقم له صلة بالبرالويطى ،لولم يعثر على أى اسم لى قريب له.. عندما حضر المسعفلون ،كان الشخير قد تلوقف . ***
123
صعد العمال لوالطلبة تبعهييم الييدكتلور بيياهر لوالييدكتلور سييمير لوالمعييالون ،اقتحييم الجميييع حجييرة البرالويطى المحرمة لوجاسيلوا فيهيا؛ عيثرلوا عليى أشيياء غريبية ليم تكين فيى الحسيبان ،ملبيس عسكرية لونياشييين عديييدة؛ لوأكيلوام مين المعلبييات القديمية لوأصيناف مين منتلوجيات كتييب عليهييا حرفان U&Nلوكتب لوألوراق لم تمس ،ألوراق أخرى لودلوسيهات عليها عنلواين كبيرة : الحصار -ملف المائة يلوم المم المتحدة من ذقنه لوافتل له.. تعجب الناس من هذه الملفات ،اندهش السكرتير من هذا العنلوان الخير؛ لوفتح الملف لوقرأ: " بعض أخطاء المدير العام : جمع كل السلطات فى يده؛ أكل اليلوم جاتلوهات أحضرتها رئيسة التمريض ميين الييبيت ،صييرف مكافاة لسائقه الخصلوصي ،سلم شقة للواحد غريب عن المديرية )مندلوب المديرية المالية ( يعمل نقيبا للطباء " ،النقابة عبارة عن ملف فى حجرة المدير !!" اقتحملوا الحجرة ،كأنهم مجملوعة من الثائرين ،لوجدلوا فيها الييدلولب الضييخم ،بييه علييب أدلوييية مصنفة ،المبييلولت لوالزجاجييات فييى صييف لوحييدها ،لوكييذلك القييرا ص لوالكبسييلولت ،علييى الرض بجلوار الييدلولب كييانت تلوجييد آنييية زجاجييية ضييخمة لهييا صيينبلور جييانبى ،يتييدلى منييه خرطلوم صغير ،كانت تستخدم زمان فى تحضير الدلوية ،كتب علي إحداها بخط بيياهت مزيييج صدرى لوعلى الخرى مزيج حديد ،لوثالثة كتب عليها رالوند .. استدعلوا الحنش لكى يصنف الدلوية ،جاء الحنش مسرعا من مبنى المستشفى المجيالور ،لوجيد عبلوات كتب عليها اسم منظمة المم المتحييدة ،لوأسييماء منظمييات أجنبييية أخييرى ،لوجييد كميييات كبيرة من أربطيية الشيياش لوالقطيين لوالبلسييتر الطييبى ،لوالمحيياقن الزجاجييية ،لوبلواتييق التعقيييم ، لوأصناف من الدلوية مرصلوصة فلوق ثلثة أرفف ،كل نلوع لوحده ،الرف العللوى يحتلوى على أمبييلولت الحقيين؛ منهييا أمبييلولت برلوماسيييد لوأترلوبييين لونلوفييالجين ،لوأمبييلولت مخييدر يسييمى الفاكامفين ؛أما الرف اللوسط يحلوى القرا ص لوالكبسييلولت؛ ،أقييرا ص السييبرين لوالنلوفييالجين لوعلييب نلوفيياجين ،لوأقييرا ص باراسيييتاملول ،لوالبلدلونييا لوأقييرا ص فينلوبيياربيتلون ،لوكبسييلولت المضادات الحيلوية مثل الكللورامفينكلول لوالمبيسللين لوجد أيضا زجاجات الكييلودايين لوالبيياراملول لو أنييلواع أخييرى ميين أدلوييية علج النييزلت المعلوييية لوعسر الهضم لوالحملوضة . لوحقن ستربتلوميسين لو بنسلين مائى ،لوسيدلوستين ،كانت الرفف السييفلى محتشييدة بزجاجييات الجللوكلوز لوالمحللول الملحى لوأكياس بدائل الدم لوأصناف أخرى كثيرة .. قال الحنش :معظمها انتهى تاريخه ،ربما كان يحتفظ بها للطلوارىء ..
124
دقق الحنش الرؤية فى عبلوات المحاليل لوقال ان هذه الدلوية كانت تأتى المستشفى هدايا من كل الجهات أيام الحرب ،ظل البرالويطى محتفظا بها ،كأنما يعيش على الذكرى ..تساءل أحدهم: كان مستخسرها ! تساءل آخر :لوالمخدرات ؟ رد الحنش :فيه شك فيها *** فى الضحى؛ كانت السماء تزدحم بسحب داكنة ،غابت الشمس لوكان الجلو عاصفا؛ تساقط المطر لوسط العاصييفة ،بييدألوا بتفريييغ المكييان ميين المحتلويييات ،مييازالت المطييار تهبييط بشييدة، حمللوا أكلوام الملبس؛ قذفلوا سترات لوبنطللونات لومعاطف كان يشتريها من باعيية الكييانتلو لوتجييار البالت فى بلورسييعيد ،تضيياحكلوا لوهييم يقييذفلون بييالملبس الداخلييية قطعيية قطعيية ،تتهييالوى ميين الشرفة ،نادرا ما تهبط الثللوج؛ فى هذا اليلوم كانت ندف الثلج تهبط مين السيماء ،تليت الملبيس كراتين كبيرة تحلوى معلبيات ،كراتييين لوصييناديق مختلفية تحميل علمييات دلوليية ،كييان الطلبية يرفعلون رؤسهم إلى أعلى ،مهللين لوهيم يسيتقبللون الشيياء الهابطية عليهيم م ن السيماء ،كأنميا هناك فرح ،..معظمهم شباب من تلميييذ مدرسيية التمريييض ،كييانلوا يتصييايحلون عنييدما يييرلون بنطللونا يطير فى الهلواء ألو معطفا هابطا كالبراشلوت .. جاء دلور اللوراق؛ قذفلوها من الشرفة ،طارت متفرقة لوتييلوزعت فييى جميييع النحيياء ،يضييحك اللواقفلون أسفل المبنى ناصبين جييذلوعهم ،مبحلقييين فييى السييماء ،فييى انتظييار مييا يهبييط منهييا ، هبطت عليهم أكلوام من الكراتين لو المعلبات لوالصناديق الخشبية الصييغيرة؛ لملمييلوا الزجاجييات، لولوضعلوها فى سلة ،زجاجات بيرة لوزجاجات كلوكاكلول لوبيبسى كان يحبها كثيرا ،كان يحتسى البيرة لومشرلوب الكلونياك الذى لوجدلوا زجاجاته مخبأة أسفل دلولب الملبس بحجرة النلوم ،كلما هبط شىء ارتفع صياحهم؛ صار دلوى الزجاجات عاليا ،تحطييم معظمهييا باصييطدامها بييالرض، تلطخت الملبس باللوحل؛ تعجب الجميع من تلك الشياء التى كييان الرجييل يجمعهييا لويحتفييظ بهييا فى حياته ،اعتقد البعض إنه كييان مقيياتل أثنيياء الحييرب؛ لواعتقييد آخييرلون أنييه كييان يخييبىء هييذه الملبس للمقاتلين ،لوقال ثالث إنه كان يحتفظ بملبييس كييل شييهيد يقضييى نحبييه فييى المستشييفى، لوقال رابع :ل ..بل كان هلو نفسه يرتدى هذه الملبس فى مناسبات مختلفة ..كان مقاتل خفيا . *** بعد انتهاء العرض العجيب؛ انسحب الحاضرلون رلويدا رلويدا ،اختفى الطلبيية ،اقتصييرت جنييازة البرالويطى على حاملى الخشبة؛ بالضافة إلى ثلثة ألو أربعة رجال كانلوا يتبييادللون الحميل فيمييا بينهم؛ هؤلء فقط هم الذين لوصللوا مع الجثة إلى مثلواها الخير . قال أحدهم لوهلو ينالول الخشبة إلى آخر لوقد لوجعه كتفه : المرحلوم كان باين عليه أككيل!
125
***
46 فى تلك اليام جاءنا الدكتلور صافى ضمن كلوكبة من أطباء المتياز الجدد ،صافى يحر ص علييى أناقته التى يتكلوجها علوده الرشيق لوابتسامته الخفيية اليتى تبيدى أسيينانه الناصيعة البيياض لوشييعره الفاحم الناعم المسترسل على فلوديه؛ رلوحه المرحة ،لوهدلوءه الذى ينم عن أدب جم.. كانت أقسام كثيرة فى المستشفى تعانى خلواء حادا ،اشتهرت محافظتنا فييى الييلوزارة بالسييمعة السيئة ،لم يكن أحد يقدم على التييلوجه لسييتلم العمييل فيهييا ،اللهييم إل القليييل ،تلييك السييمعة كييان للمدير العام القسط اللوفر فى إشعالها؛ بعدم إتاحة حرية الحركة سلواء للعاملين ألو الطباء لوعدم ملوافقته على ترك أحد ،كالصياد الذى ينصب شيباكا للسيمك حيتى ل يهيرب ،يحيالول المسياك بالجميع لوتحريكهم كالدمى ،فالداخل إليها مفقلود لوالخارج منها ملوللود.. *** كان قسم النفسية يعانى نقصا شديدا فى عدد الطباء؛ لم يكن بالقسم سلوى الدكتلور سعدلون ؛ هلو رئيس القسم؛ لوهلو نفسه طبيب القسم المنالوب ،هلو القسم كله؛ طبيب لواحد فقط؛ فييلوجىء صييافى بتلوزيعه على قسم النفسية لوالعصبية .. تعجب لواشتكى للنائب الدارى: أنا مش غالوى نفسية .. مش مهم تكلون غالوى.. النفسية آخر حاجة كنت أفكر فيها .. المهم تنفذ..أنت دخلت جيش؟ ل عندى إعفاء ..لوحيد عشان كده.. انا امتياز نلو برلوبليم !* *** 126
فى عيادة النفسية تعرف صافى على الطبيب اللوحيد بالقسم؛ قال له: ----------*ل مشكلة
أنا الدكتلور سعدلون ..أنا معايا ماستر من القصر العينى رد صافى بأدب: أهل لوسهل ..تشرفت بحضرتك..
لوأنت اسمك إيه؟ اسمى صافى الفقى .. كلملونى عنك ..أنت من عائلة الفقى ؟ بتلوع الزقازيق مش بتلوع اسكندرية.. أهل لوسهل .. أهل بسيادتك أنا باحب النتظام فى العمل؛ بكره تتعلود على الشغل ..أنت أسرتك عايشه فين؟ فى المهندسين لوالدك عايش؟ أيلوه بيشتغل فين؟ بيشتغل فى المارات؛ هلو لو لوالدتي تعجب الدكتلور سعدلون ،لورفع حاجبيه لوسرح بعينيه قائل: فى الخليج؟ آه ..فى المارات.. يعنى أنت عايش هنا لوحدك؟
127
تقريبا.. حك سعدلون رأسه بيده اليمنى لوسكت. *** ليلة الجمعة؛ فى عمق الليل؛ تم استدعاء الدكتلور صافى من السكن لوذلك للوجييلود مريييض نفسييى بالستقبال؛ يحالول النتحار بشرب التلوكسافين ،دخل المريض يمسكه اثنان لويحيط به أكثر ميين خمسة آخرلون ،لوهلو يحالول أن ينزع يديه من قبضاتهم ،كان يزعق محالول الفكاك : سيبلونى ياعالم لزم أقابله.. يقابل مين؟ عالوز يقابل أبلوه .. أبلوه فين؟ أبلوه مات لوهلو عالوز ينتحر علشان يشلوفه.. كتب على رلوشتة المريض هياج نفسى حاد ،لوصف له حقنة فينلوبيياربيتلون ،لييم يهييدأ المريييض لوظل على هياجه؛ ساءت حالته لوأراد ان يكسر كل ما حلوله؛ مكد يده إلى مكتب الطييبيب لوسييحب جهيياز الضييغط لوقييذفه ميين النافييذة ،لوقييذف حييذاءه لوراءه؛ لوأمسييك بملءة السييرير لوحييالول ان يقطعها لولوضعها على الرض لولوقف فلوق السييرير لواسييتعد ليبييلول عليهييا؛ قييال الييدكتلور صييافى للممرضة : خكلى ضاحى يمسكه مع قرايبه لويربطه فى السرير لواعطيه أمبلول برلوماسيد . لوكتب فى التذكرة: يستدعى اخصائى النفسية .. لودفع بها إلى الممرضة ... *** الدكتلور سعدلون غير ملوجيلود ؛ لومين الصييعب الحصييلول عليييه فييى هييذا التيلوقيت ،فييالجلو شييتاء لوالدنيا كانت تمطر منذ قليل لوالساعة حلوالى 2من صباح الجمعة ،ربما يكلون قد سافر ليقضييى الخميس لوالجمعة مع أسرته بالقاهرة .لم يكن عامل السلويتش متلواجدا ،جرى صافى بنفسه إلييى السلويتش لوفتح الباب الملوارب لواتصل بالدكتلور سعدلون.. فرح صافى عندما سمع صلوت الدكتلور سعدلون يرد عليه قائل: خير ..فيه إيه يا صافى؟ حالة هياج شديد لوالحالة خارجة عن السيطرة المريض؛ معاه قزازة تلوكسافين.. 128
اتصرف معاه يا أخى .. سيادتك مشغلول؟ أيلوه المزرعة لواخده لوقتى لوجهدى تساءل صافى: مزرعة إيه؟ مزرعتى! لوسحب نفسا من سيجارته قائل: لوفللوسى كمان قال صافى متعجبا بصلوت خفيض: ياه !! رد سعدلون مسرعا: المزرعة محتاجه إشرافى الشخصى عليها ،لومحتاجة فللوس ..أنا محتاج سيلولة سيلولة..؟؟ أيلوه..أنا عندى فى المزرعة بتاعتى ملواشييى كييتيرة ،لوجييايب للزريبيية عامييل لوللمزرعيية عامييل، يعنى بادفع مرتبين ،العمال متعبين قلوى يا صافى ،لوكمان مصاريف العلف لوخلفه.. قال صافى متبسما بأدب: أنا إيه علقتى بالملوضلوع ده ؟ يعنى ..أكيد اللوالد سايب لك شلوية بلواكى !!!.. ***
129
47 يمسك مسبحة فى يده؛ لوتعللو جبهته البيضاء زبيبة صلة ،على عينيه نظييارة طبييية تبييدلو كييبيرة الحجم؛ له لحية خفيفة سلوداء فاحمة ،تمل لوجهه ابتسامة مشرقة قلما تختفيى حيتى تحيت أحليك الظرلوف ،كان يجلس فى قسم المراض الباطنة ،فى حجرة التمريض ،إلى المكتيب الصييغير؛ ألتكفت حلوله طالبات من مدرسة التمريض ،بالضافة إلييى ممرضيية ألو اثنييتين ،لويبييدأ بمراجعيية ملفات المرضى ؛ يقرأ لواحدا لواحدا .. التهاب شعبى حاد الحمد ل الذى عافانا من الكحة لوالسخلونة لوضيق النفس غيره.. يقلب فى الملف لويقرأ : هبلوط بالقلب لوألوديما بالقدمين .. ينظر فى لوجلوه الطالبات الصغيرات المحكلى بعضها بالشييقالوة لوالبعييض الخيير يكسييلوه البييؤس، لويقلول : الحمد ل المعافى ،لوا نحن فى نعمة ،هبلوط القلب يا أختى يعنى نق ص كفيياءة القلييب ،يعنييى المضخة ضعيفة ،أصابها اللوهن لوهن يعنى إيه يا دكتلور ؟ لوهن يا بنتى يعنى ضعف ،يعنى هبلوط لوالعياذ بال ! لوإيه السبب ؟ العضلة مريضة ،من الممكن أن يكلون أحد الصمامات ألو أكييثر بييه نييلوع ميين الرتجيياع ،يعنييى الدم ل يسير فى التجاه العادى ،لويرجع مرة ثانية يا بنتى ! يعنى الدم المؤكسج ل يصييل جيييدا إلى الطراف لوالدماغ .. تسأل احداهما لوهى تبتسم : إيه هى الطراف يا دكتلور انس ؟ 130
الطراف هى الطرفين العللويين لوالطرفين السفليين ! *** تحدث جلبة فى الكلوريدلور الملواجه للحجرة الجالس بها الدكتلور انييس لوالبنييات ،يخييرج مسييرعا ليرى ما يحدث ،مريض محملول على الييترلوللى ،يييدفعه عبييدالعال بجييلواره إحييدى الممرضييات تلحق المسيرة لوهى رافعة ذراعها إلى أعلى حاملة زجاجة محللول يقطر فى ذراع الرجل ... تقدم الملف إلى الدكتلور أنس لوهى تقلول له : غيبلوبة سكرية يا دكتلور أنس نظيير الييدكتلور أنييس إلييى المريييض ،لوجههييم لدخيياله إلييى عنييبر الحييالت الحرجيية ،دخييل مييع المريض تصاحبه كلوكبة الفتيات ،مييد يييده لوجييس نبييض المريييض ؛حييرك كفييه بملواجهيية عينييى المريض ،أخرج كشافا صغيرا من جيب البالطلو ،لوأضاءه أمام عينى المريض ،أغلق الكشاف لولوضعه فى جيبه ،نظر إلي الفتيات لوقال : عندما ترين حالة مثل هذه ماذا تفعلن ؟ قالت إحداهن: أستدعى الطبيب لونظر إلى الخرى التى قالت : أعطيه أنسلولين. قال بهدلوء ألول شىء ل تنزعجن لول تفقدن أعصابكن ! طلب الدكتلور انيس سيماعة لوجهياز ضيغط ،لورفعيت الممرضية الغطياء عين صيدر المرييض لوبطنه بدا فى فحصه بالسماعة ،قال إن القلب سليم لوالحمد ل ..أراح بيياطن يييده اليسييرى علييى الناحية اليمنى من البطن لونقر نقيير خفبفييا بإصييبعه اللوسييطى اليسييرى علييى ظيياهر كفييه اليمنييى لوقال :الكبد متضخمة ..الحمد ل الذى عافانا .. اتجه إلى قدمى المريض ،ضغط عليهما برفق لواحدة إثر أخرى ؛ لوقال : ألوديما خفيفة ..لوجرح بالقدم ،يبدلو أن الحرارة مرتفعة ..نظر إلى الممرضة لوقال : مقياس الحرارة يا نيرس .. قالت بعد قياس الحرارة 38 :لو 6شرطات.. كما تلوقعت يا فتيات؛ الجرح رفع درجة الحرارة ..مطللوب غيار ألول . اتجهت الممرضة إلى الخارج لوهى تحدث نفسها : 131
إلى الجراحة .. *** بعد قليل دخلت ممرضة الجراحة تسلوق أمامها ترلوللى عليه زجاجييات لوأدلوات جراحييية لوشيياش لوقطن لوبلستر تسأل الدكتلور انس : طلبتم غيارات لمريض السكر ؟ نعم ،عندنا مريض سكرى لومحتاج إلى الغيارات على قدمه لوضعت الممرضة زجاجات لوعلبة بها أدلوات لوشاش لوقطن على المكتب نظر الدكتلور انس إلى العلبة لوأشار إلى إحدى الزجاجات قائل : ها هلو الكسجين ،ماء الكسجين ! الماء السحرى ! سألت إحدى الفتيات :يعنى إيه سحرى يا دكتلور ؟ إنه هام جدا للصابات الميكرلوبية العميقة ،ماء الكسجين يختلف عن الماء العادى يييااخلوتى ألو يا بناتى ،جزىء الماء العادى يتكلون من ذرتييى هيييدرلوجين معهمييا ذرة لواحييدة ميين الكسييجين، أما ماء الكسجين فيحتلوى على ذرتين من الهيدلوجين متحدتان مع ذرتين من الكسجين ،لو ذرة الكسجين الزائدة هى التى تقلوم بمفعلول السحر لوتقتل الميكرلوب الل هلوائى ،أى الييذى ل يحييب الهلواء ،أى الذى يخاف من الكسجين ،فهمتم يا سادة يا كرام ؟ تسأله إحداهما لوهى تشير إلى الزجاجة الخرى : لوالزجاجة التانية فيها سافللون .. نعم هلو كما تعلمتن مادة مطهرة ..عادة نضعها للجرلوح حتى تطهرها.. يتفح ص لوجلوههن مبتسما ،لويستأنف : المحللول يابنات ..نعكلق له محللول الجللوكلوز المحتلوى على كمييية ميين النسييلولين حسييب مقييياس السكر هذا المريض بائس ليه يا دكتلور ؟ حرام ! يا بنيتى بيائس لنيه مرييض سيككرى ،كميا يعيانى مين بلهارسييا قديمية أدت إليى تضيخم بالكبيد لوالطحييال ممييا أدى إليى تيلورم بالقييدمين ! مين الطيبيعى أن منيياعته الضييعيفة سيهلت للميكيرلوب الهجلوم إلى قدمه ،خصلوصا إذا كان ل يعتنى بها . تتبسم الممرضات؛ تقلول إحداهن : 132
الظهر قكرب يا دكتلور أنس .. ينظر الدكتلور أنس فى ساعته لوينظر الى المريض الذى عادت له الحييياة ؛يقييلول لييه لوهييلو يربييت على كتفه حمد ا ع السلمة يقلوم مهرلول : أشكرك يا بنتى ،سأذهب لصلة الضحى لوالحق آذان الظهر الذى ألوشك فعل! *** 48 مع انتهاء الخريف سمعنا أن إدارة المستشفى سلوف تتغير ،سمعنا عن طبيب جراح قديم سييلوف يأتى إلينا من الصعيد؛ يحمل درجة زمالة كلية الجراحين الملكية ،تعجبنا ،فى تلك اليييام كييانت تلك الدرجات العلميية الرفيعية نيادرة ،لوخصلوصيا فيى الصيعيد ،صيار الميدير الجدييد مح لورا مشتركا فى أحاديث الطباء لوالعيياملين بالمستشييفى ،لييم يكيين احييد متأكييدا؛ هيل الرجييل قييادم ميين انجلترا أم من القاهرة؛ أم هلو قادم من الصعيد؟ تنالولته اللسنة لوقاللوا إنه رجل شديد لوناصح فى عمله؛ كفاءته عالية ،فرحنييا بييالتغيير المتلوقييع، لوزادت التكهنات عندما قال أحدهم: الرجل سيقيم فى المستشفى هنا أهل لوسهل باين عليه أعزب ل ..أسرته عايشه فى مصر ملوش مهم يا إخلواننا ..المهم خبرته ،نستفيد منها . *** تسلم المدير الجديد حجرة متلواضعة فى السكن بجلوار طبيب البنج الشهير فى نهاية الكلوريدلور، لم يكن يهتم بالمظاهر كثيرا بدأت ملمحه فى الظهلور ،اسمه قمر الدين ،ينام سلويعات بالنهار لويسعى فى طرقات المستشفى ليل بعد منتصف الليييل ،أحيانييا يبييدأ جييلولته بعييد السيياعة الثانييية صييباحا ،لوأحيانييا بعييد الفجيير، البعض شاهده يتجلول خارج أسلوار المستشفى ،كان يذرعها طلول لوعرضا ،يتلوجه بعينيييه إلييى أسلوار المستشفى ،يسير من الطيلوارىء إليى العييادات الخارجيية ،إليى المعميل ،لويصيعد إليى الدلوار العليا ،يمر على عنابر المرضى فى العلج المجانى لوالعلج القتصادى ،لويسييلم علييى الجميع بصلوت يتعمد رفع صلوته حتى يكييلون كلمييه مسيييطرا لومفهلومييا؛ لوقيييل إن سييمعه ثقيييل، لوقال فهمى حتى يشعر الخرلون أنييه المييدير لويحييترملونه بمييا يليييق؛ لوقيييل لن فييى صييلوته بحيية 133
تجعله يضطر إلييى رفيع صييلوته ،يظيل سيائرا متجييلول ،فييى الظلم يييذهب ليسييير ناحيية سييلور المستشفى ،يقف قليل لويتأمل المبنى القديم لمدرسة التمريض ،يتأمل المبنى الخر المقابييل لييه، يعرف أن به لجنة القلومسيلون الطبى ،التى يرأسها طبيب يسييتحق أن يطلييق عليييه اسييم الحكيييم، كما كان يسمى الطبيب فيما مضى ،كان رئيس القلومسيلون هذا طلويل لوضخما؛ بشيلوش المحيييا، متلورد الخدين ،يحافظ دائما على إرتداء بذلته صيييفا لوشييتاء؛ فييى الشييتاء يرتييدى بييذلته الشييتلوية المصنلوعة من الصلوف النجليزي العريق ،فى الصيف كنا نراه ببذلة من قماش الييلولوتربرلوف نصف كم ،سمعنا أن له زلوجة سلورية ،كان الدكتلور قميير الييدين يتأمييل المبييانى لوالسييلوار فييى صمت لوعندما يقابله أحد كان يحيه لويسلم عليه هاشا باشا حتى لوإن كان عيامل صييغيرا؛ بكلمتيه المعتادة لوصلوته المرتفع : أهل يا سعادة البيه... يظل قمر الدين فى جلولته طلوال الليل ،تنتهى جييلولته فييى جنيياح العمليييات حيييث يييدخل لجييراء عملية ألو يساعد أحد الزملء ألو يشرف على الناحية الفنية ،عادة يظل هكذا حتى انفلق الصبح. *** يرى الناس تتحرك بالنهار فى أرلوقة المستشفى بسهلولة كما يتحركلون فى السلوق ،لم يرق له هذا اللوضع . من الناحية الشرقية؛ لوعلى يسار الداخل من الباب العملومى تلوجد المعامييل لوالقلومسيييلون الطييبى، بعييدها حديقيية تفصييل بينهييا لوبييين مبنييى المستشييفى الرئيسييى ،ميين الناحييية الغربييية يلوجييد قسييم الطلوارىء لوالستقبال *** بدأ العمل بداية غريبة؛ قلوية كما كان يقلول ،قال للمدير العام: المستشفى مفكتحة يا باشا يعنى إيه؟ يعنى لزم نفصل المستشفى عن القلومسيلون لوالمعامل لوالطلوارىء ،كل قسييم علييى حييده ،النيياس بتمشى فى المستشفى زى الشارع ،لبد من عمل أسلوار لوأبلواب داخلية ؛كده نقدر نحكمها ! *** لقى هذا الطلب هلوى فى نفس المدير العام ،لوكأنمييا غيا ص قميير الييدين فييى أعميياق المطييرالوى لوبحث عما يليق به من الللىء الفالصيلو ،لوافيق الميدير العيام؛ لوبيدأ المقيالول فيى العميل فيلورا؛ ظهرت عربات نقل تحمل كميات ضخمة الحديد ،يلوميييا كنييا نييرى الحييدادين بنظيياراتهم اللواقييية لوصلواريخ اللحام الخاصة بأضلوائها المبهرة التى بدأت تنبعث فى كل مكان .
134
فى الحال أقيمت السلوار لوالبلواب ،سلور طلويل يفصل بين مبنييى المستشييفى الرئيسييى لومعمييل التحالييل لوالقلومسييلون الطيبى؛ لوسيلور يفصيل بيين مبنيى المستشييفى مين الناحيية الغربييية لوقسييم الطلوارىء ،أبلواب حديدية داخل طرقات االمستشفى؛ باب حديد يمنع الصعلود إلى قسم العملييات من ناحية الطلوارىء ،سلور حديدى مرتفييع يفصييل بييين العيييادات الخارجييية لوقسييم الطييلوارىء، انتشرت البلواب الحديدية فييى كييل مكييان ،صييارت الحركيية مجكلوميية بتلييك البييلواب الحديدييية، تحلولت أرلوقة المستشفى إلى كانتلونات منعزلة عن بعضها ! ظهر خلل لواضح فى حركة العاملين؛ فى جلساتهم ،بدأ الطباء يتندرلون لويشكلون من هذا المر الغريب ،صار من يريد اللوصلول إليى العييادة الخارجيية م ن داخيل المستشيفى علييه أن يخيرج خارج أسلوار المستشفى لويدخل مرة أخرى من باب العيادات الخارجية ،تعلودنييا أن نتكلييم لو فييى المساء ننسى ما قلناه فى الصباح ،لم يقدم أحييد عليى الشييكلوى المكتلوبية ،صيار انتقييال الطبياء لوالتمريض لوالعمال صعبا؛ لم يعد من السهل التحرك بين أقسام المستشفى ،صار اللوصييلول إلييى غرف العمليات مشلوارا مجهدا بعد أن كان مجرد نزلول الييدرج ،عليييك أن تسييير مسييافة طلويليية إلى السلم الملوصل إلى القسييم الييداخلى ألول ثييم تهبييط مين هنيياك لوتعييلود نفييس المسييافة إلييى قسييم العمليات . *** فى سكن الطباء يحللو السهر عادة بعد منتصييف الليييل ،يكييلون الحكييى فييى الغييالب عيين أحييداث النهار ... قال باهر : الرجال كان على لوشك الملوت ! من؟ فى العيادة الخارجية ،لواحد دخل العيادة لوعنده مغ ص ،بالصدفة كييان عنييده أزميية ربييلو ،الزميية لوصلت فجأة ،رلوحه كانت طالعة؛ لوطبعا مفيش إسعافات فى العيادات ،طلبيت نقل ه للطيلوارئ؛ مفيش نقالة ،لول ترلوللى أهله داخلوا بيه لغاية ما لوصللوه هناك طبعا خرجلوا من باب العيادات للشارع ؛ لولف لوا مين بيره السيلور مسيافة لغايية ميا لوصيللوا بياب الطلوارىء .. ده كلم فارغ ..من الكلوريدلور الداخلى كانلوا يلوصللوا فى ثلوانى الباب الحديد اللى فى الكلوريدلور هلو السبب ؛البلواب الحديد كلها مقفلولة؛ لوا الرجل كييان علييى لوشك الملوت .أنا رحت معاه ،حالته صعبت على .. مفيش نقالة مفيش نقالت فى العيادة الخارجية
135
***
تبسم باهر لوهلو يقلول : الخفاش مسك فايزة لوهى قاعدة مع لواحد فى القسم الداخلى ،لوحلولها للتحقيق رد سمير: مين الخفاش؟ رد باهر ضاحكا: أنت لسة ما عرفتلوش؟ المدير الجديد يا ترى كانت قاعدة مع مين؟ لواحد من الديانة ،جاى يطلب القسط الشهرى الساعة كم ؟ الساعة كانت 2الظهر.. الراجل ده ملوش حا يهمد؟؟. ***
136
49 بالناحية الغربية من اليدلور الرضيي يلوجيد قسيم الطيلوارىء؛ فيلوقه باليدلور الثيانى تلوجيد غيرف العمليات ،بالدلور الثالث سكن الطباء ثم سكن التمريض لوالطبيبات بالدلور الرابع . كانت لوسائل العلم مشغلولة خلل اليام الماضية فى أحاديث عن غلء أسعار الملواد الغذائية أدى إلى غليان فى الشارع المصرى ،لم نعرف هل هلو غليان حقيقى أم مجييرد دعابييات دعائييية إل بعدما شاهدنا لوشهدنا ما حدث اليلوم .. بالضحى؛ شتاء يناير؛ بقسم الطييلوارىء كييان الجييلو هادئييا ،لييم يييدم الهييدلوء طييلويل؛ عبييد العييال يرتدى البالطلو البيض كالعادة؛ كان يقف على باب الحجييرة قابضييا علييى كييلوب الشيياى السيياخن بيديه الثنتين عندما سمع صياحا لوضجيجا قادما من الخارج ،قال بصلوت خفيض لوهلو خييارج من الحجرة مستطلعا: يا ساتر .. رأى زحاما؛ هناك أناس يحمللون مصابا على أكتافهم ،عندما اقتربلوا ألوسع لهم الطريييق ،أشييار لهم ليدخللوه الغرفة ،فى الحال لوضعلوه على الشيزللونج ،فى لحظات انقلبت غرفة الستقبال ميين النقيض إلى النقيض ،تبدد الهدلوء لوعلت الصلوات لوالصيحات لوالضجيج.. لوكسعلوا يا جماعة خكللوا الدكتلور يشلوفه عنده إيه يا دكتلور؟ الحقق يا عم ..هات له دم ..أصله محتاج دم؛ باين دمه اتصفى من ضرب الرصا ص لوسعلوا يا جماعه علشان الدكتلور يقدر يشلوفه النفس مكتلوم يا اخلواننا حرام عليكم 137
الخ أبلو سجارة ...اطفى السيجارة يا عم.. حالولت أن أخرجهم من الحجرة ،لم يكن المر سهل ،كان الجميع متربصين ،القليييل اسييتجابلوا لوخرجلوا من الحجرة ،أغلبهم ظللوا مرابطين معى ،باب الحجرة مازال مفتلوحا لم يمكننييا غلقييه، لم يكن هناك رجال أمن ،كان هناك شالويش النقطة فقط ،لوهلو غالبا مشغلول مع حكمييدار القسييم الذى يتصل به لويستدعيه على الدلوام . بدأت الفح ص ،لوضعت يدى على ساعد المصاب ،لم أحس نبضا،لوضعت السماعة على صدره؛ لم اسمع ضييربات قلبيه ،نظييرت إلييى عينييه كانتييا مطفييأتين ،حيالولت أن أكييذب نفسيى لوأتأكيد، أضأت الكشاف الصغير لولوجهته ناحية عينه ،لرى تفاعل البؤبؤ مع الضلوء؛ ل رد فعييل لييديه؛ اقتربت من فمه لوانفه لحس نفسا خارجا ألو داخل ...لم أجد شيئا ..أحضرت قطعة قطن صغيرة لوبرمتها لومررت بها على رملوش لوجفن المصيياب لولكيين ل أمييل يرجييى .فييى النهاييية أردت أن أقلول لهم شيللوه..لوخذلوه مثلما أتيتم به ..ل أمل فيه.. نظرت حلولى كل العيلون تتجه إلى ،علمات الغضب لوالفلوضييى تمل المكييان ،ميين الممكيين أن تتفرع من هذه التظاهرة الحقيقية مظاهر أخرى غلوغائية ،هذه الكلمات ؛ لين أسيتطيع قلولهيا ألو الفصاح عن مكنلون صدرى؛ للو قلتها ربما ينهيياللوا علييى ضييربا ألو يصيييبنى مكييرلوه بحييال ميين الحلوال.. قلت لعبد العال : إلى غرفة العمليات؛ لواستدعى له طييبيب التخييدير لوالجراحيية لوالبيياطني لوالقلييب لعمييل كلونسييلتلو عليه.. جرى الحشد لوراء الجثة ،البعض سبقلوا الجثة صعدلوا فلوق البلوابيية الحديدييية لوعبرلوهييا مرتقييين الدرج إلى الدلور الثانى حيث غرف العملييات؛ بييدأت استنشيق أنفاسيي لوأنييا أنظيير إليهيم ،جثيية صاعدة يجرى لوراءها العشرات.. *** عاد عبد العال بعد قليل لوقد خلع البالطلو لوعكلقه فى مسمار خلف باب الحجرة؛ قال لى : اخلع البالطلو لوأخرج بسرعة قلت: ليه؟ أرلوح فين؟ اخلع البالطلو اللول..لواخرج من هنا بسرعة أحسست أن الفكرة غير مقبلولة ،لولكن فى نفس اللوقت الذى خطرت لى هذه الفكييرة نفسييها علييى بالى ،لم أحكدث عبد العال بها ،لولكنى لوجدته هلو يطلب منييى ذلييك ،خشيييت ميين اللييلوم النفسييى لوالعتاب ،عندما رأيت الجماهير قادمة فى صلورة هستيرية تلوقعت أن يحدث منهم أى شىء ،ل 138
أحد مسئلول عن أى تصرف فى تلك اللحظات الصعبة ،اقتنعت فى النهاية لوسريعا؛ بأن اللوقاييية خير من العلج .. ليه يا عبد العال؟ الراجل ميت لوالناس بيتكلملوا عن التار يا خبر اسلود!! لواحنا مالنا؟ دلول ما يعرفلوش حاجة ..دلول بتلوع المظاهرة ..ممكن يعمللوا أى حاجة..أنت عارف إن الحكلومة رفعت الدقيق لوالعيش لوالسكر لوالزيت لوالبنزين .. ذهب عبد العال إلى المرحاض؛ فى لحظات رأيتهييم يهبطييلون،جيياء البعييض لوسييحبلوا النقاليية ميين داخل الغرفيية المجييالورة ،لوضييعلوا عليهييا الجثيية ،جييرلوا بهييا إلييى خييارج المستشييفى ،سييمعتهم يتصايحلون : مجلس شعب قرع لوكلوسة
لوالحرية يا ناس محبلوسة
الوعلوا تمسلوا رغيف العيش كفاية كفاية لبسنا الخيش ! *** عندما خيرج عبيد العيال كيانت الجثية قيد غيادرت محملولية عليى الكتياف لواسيتمرلوا يصييحلون لويرددلون خلف قائد لهم لويهتفلون ضد الغلء لوالقهر. كنت لواقفا – دلون البالطلو -بجلوار الباب تحت شجرة الكييافلور العتيقيية المجييالورة للمييدخل ،أتأمييل الحداث منتظرا حتى أعلود إلى عملى؛ بعدما ينتهى الملوقف بسلم. لمحهم عبد العال قبل أن يخرجلوا من الباب ،جرى لوراءهم مسرعا لوهلو يقلول : النقالة ...النقالة يا إخلواننا ..العهدة يا عالم.. لم يسأل أحد عنه ،لوسارت المظاهرة إلى خارج المستشفى ،جرى المتظاهرلون؛لوجرى لوراءهييم لوهلو يصيح: العهدة يا اخلواننا ...النقالة يا ألولد ال.. **** غاب عبيد العيال أكيثر مين سياعة؛ المكيان فيى حاجية إلي ه؛ بصيراحة هيلو دينياملو الشيغل فيى الطلوارىء؛ قلقت الممرضة لوقالت: ربما يكلون دخل فى خناقة ! *** 139
مع آذان العصر رأيته قادما يحمل النقالة على كتفه.. سألته الممرضة : إيه اللى أكخرك باعبد العال ؟ أكخرني ؟!..أنا لوصلت معاهم لغاية قسم الربعين ..فيييه كيياردلون حييلوالين القسييم؛ النيياس تحييدف الحجييارة لوالخشيياب لوكييلور محرلوقيية ..الضييباط حييالول تهدئيية الملوقييف لوقييال :الشيييلوعية لورا الحداث رد عليه ملواطن: يعنى كل الملوجلودين شيلوعيين؟ أنا سحبت النقالة؛ لوكنت عالوز استمر معاهم هناك..بس رجعت أجرى عشان ألحق الشغل ! ***
50 كان يلوما مشهلودا؛ فى ذلك اليلوم عملييت فييى المستشييفى كالنحليية ،أحمييد ايي علييى هييذا المجهييلود الكبير الذى بذلته ،كلما تيذكرت أسيأل نفسيى كييف بيذلت كيل ذليك المجهيلود خلل 24سياعة، أتعجب من خلقة ا ،يحركنى دافيع خفيى يجعلنيى أجيرى هنيا لوهنياك ،بيين العييادة الخارجيية صباحا لوالمرلور على عمليات اليلوم بالقسم الداخلى ...بعد الظهر تنالولت غداء خفيفا؛ بعده عييدت لعمل بالطلوارئ لو الباطنة بدل من الدكتلور أنس؛ كنت قد لوقعت لييه بالعمييل نيابيية عنييه قبييل أن يسافر ليحضر اجتماع إحييدى الجمعيييات الخيرييية الييتى يحتييل منصييبا رئيسيييا فيهييا ،كييانت نلوبتجية عجيبة صادفنى فيها عدة حلوادث ،أغربهييا حادثيية التسييمم بالكسكسييى الييتى جيياء فيهييا 3 عائلت مجملوع أفرادهم 17نفرا ،كل لواحد منهم محتيياج للعناييية بيه لوالكشييف عليييه مييع عميل التقارير الطبية اللزمة ،أكملت عملى لوقميت بنلوبتجيية اليدكتلور أنيس ،عنيدما هبطيت الشيمس لوجاء المساء ،بقيت فى مكانى ،حان ميعاد نلوبتجيتى الصلية حتى الصباح ...طلبييت ميين عبييد العال أن يجهز لنا كلوبين من الشاى الثقيل ،بعد عشاء خفيف من سندلوتشات الكفتيية الييتى طلبييت من عبدلول أن يشتريها لى أثناء علودته من مشلواره اليلومى المسائى .. الساعة حلوالى 3صباحا ،الجلو رائق ،الهدلوء يشمل المكان ، ،شعرت بالجهاد الشديد ،تثاءبت عدة مرات؛ طلب منى عبد العال أن أصعد إلى السكن لرتاح قليل؛ أردف: النهاردة المفرلوض تاخد ميدالية .. 140
سعدت من الكلمة؛ أحسست أنها هى الميدالية؛ لوقلت: ميدالية إيه يا عبد العال ! نظر إلى الدفتر الملوضلوع على المكتب لوقال جادا: 347حالة ..يا بلش.. الحمد ل ..المهم أن كل شىء تمام.. ا يقلويك..أطلع استريح شلوية ،أنا ملوجلود إذا كان فيه حاجة مهمة حاأقلولك لك *** فى جلوف الليل ،صعدت الدرج بصعلوبة؛ حالولت أن ألملم قلواى لوأشد سيياقاى ،تعلودنييا أل نغلييق الحجرات من الداخل حتى يمكن إخبارنا بأى شىء لعدم لوجلود اتصال تليفييلونى ، ،رددت البيياب دلون أن أغلقه بالمزلج؛ لوتلوجهت إلى السرير مشتاقا؛ أسقطت جسدى عليه .. لم أدر بنفسى إل لوقد استيقظت ،لوعبد العال يقف أمامى مضطربا ،كاننى فى حلم ،كان ينادى لو"يزغدنى" فى كتفى قائل : قلوم يا دكتلور ..البيه المدير تحت لومعاه حالة جرح قطعى ! قلت متثائبا : الساعة كم؟ قال :حلوالى أربعة.. لم أتمالييك نفسييى ميين التعييب ،سييبقنى عبييد العييال هابطييا إلييى الطييلوارىء ،قمييت لونزلييت فييلورا بملبسى للحق المصيياب لو المييدير؛ فييلوجئت بييه لوهييلو يضييع ماسييك البيير لوالجفييت فييى الطبييق الكللوى ،عندما رآنى كان قد انتهى من عمل غرزتين فى فييرلوة رأس المصيياب؛ قييال لييى بنييبرة هادئة: هات لورقة يا سعادة البيه.. تعجبت من اللهجة ،لوقلت لعبد العال :شلوف لورقة للبيه قدم له عبد العال لورقة من تذكرة علج فارغة؛ قطع المدير شريحة من اللورقة لوأخرج قلمييا ميين جيبه؛ لوكتب لوهلو يقلول بصلوت مسملوع : لونظر لى لوقال: اسمك إيه يا بيه؟ كتب اسمى فى اللورقة؛ لوقال لوهلو يكتب : 141
"يحلول سيادته للتحقيق ..غياب عن النلوبتجية " ،طلواها متأنيا ،لوأعطانى إياها قائل: سلمها يا بيه للنايب الدارى ،الصبح يا بيه ألوعى تتأخر نظرت إليه متعجبا ،لوأنا أمد يدى لخذ منه اللورقة قائل له :حاضر. لوغادر المكان. *** بعد انتهاء النلوبتجية ،صييعدت إلييى حجرتييى للقييى بجسييدى علييى السييرير؛ فييى لحظييات فقييدت ال لوعى لودخليت فيى ن لوم عمييق ،عنيدما فتحيت عينياى ،لوجيدت بياهر يقيلوم بتجهييز الشياى، اعتقدت أن الشمس أشرقت ،سألت عن الساعة أبلغنى أنها الخامسة مساء . أثناء خرلوجى من الحمام لمحت النائب الدارى ،كان يلعب البنييج بلونييج مييع سييمير فييى الردهيية اللواسعة التى رأيته فيها للمرة اللولى ،نظر لى بجانب رأسه متسائل: معك لورقة من المدير ؟ أيلوه ابتسم لوقال: خليها معاك ..عارف ليه؟ قلت :ليه؟ رد ضاحكا :علشان تكتب لنفسك جزا 5أيام ...هاها!!.. ***
51 تعجبت كثيرا من هذا التغيير الكبير الذى طرأ على شخصيه الدكتلور سييمير ،تحييلول ميين إنسييان متقلوقع يعيش لوحيدا إلى شخ ص آخر تماما ..كان سمير يحلييم بأشييياء جميليية؛ كمييا ظهييرت لييديه ملواهب اجتماعية ،كان يتابع تاريييخ الترشيييح لنتخابييات النقابيية الطبيياء؛ لويتحييدث عيين ضييآلة المرتبات ،قال للو فزت فى انتخابات نقابة الطباء على مستلوى المحافظة سأتقدم للترشيييح علييى مستلوى الجمهلورية ،أيدلونى تجدلونى ،سأطالب بأن تبدأ المرتبات بألف جنيه !! كنا نسييمع ذلييك 142
لونضحك ،البعض كان يسكت لول يرد؛ كما تبنى مشرلوع إقامة مسجد داخييل أسييلوار المستشييفى، تكلم عن فتح باب التبرع له ،لوتكلم عن البالطلو البيييض؛ قييال إن المريييض لييم يعييد يميييز بييين الطبيب لوالممرض لوفنى العلج الطبيعى لوفنى المعمل؛ الكل يرتييدى نفيس الييرداء بنفييس الليلون، المريض يطلق على أي لواحد منهم لقب دكتلور ..صارت نسبة الطبيياء الييذين يرتييدلونه أقييل ميين نسبتهم فى التخصصات الخرى ؛ باقى الفنيييين يحرصييلون علييى ارتييدائه للحصييلول علييى اللقييب المجانى الذى يدعلوهم به المرضى؛ كان سمير يطالب بأن يكلون لكييل تخصيي ص الييرداء المميييز بشكله لوللونه الخا ص به ،حتى ل يختلط الحابل بالنابل .. أحب سمير أيضا أن يتلواجد دائما بقسم المسالك البلولية ،فييى الليييل لوالنهييار كنييا نييراه لوقييد ازداد نشاطه بالقسم ،مع اليام ذاعت شهرته أكثر ميين الخصييائي ،كييان يطمئيين دائمييا علييى تييلوفير القساطر الطبية؛ حتى ل يعانى القسم عجزا فيها ،كنت معه أنييا لو فهمييى عنييدما رأينيياه لواضييعا السماعة حلول رقبته ،قال له فهمى : اسمع يا سمير؛ أنا عندى فكرة خير يا سيدى ؟.. تبدل السماعة بقسطرة تلفها على رقبتك ! يضحك سمير لويحالول أن يلكمه برفق فى صدره. *** اقترح سمير أن نذهب معه ليطلعنا على مكان المقترح لبناء المسجد ،ذهبنا إلى مكان شييبه خييال بالناحية الشمالية بالقرب من باب المستشفى العملومي ،نظر سمير لوقال : عالوزين نبنى الجامع هنا.. لوأشار بيده إلى الركن البعيد بحذاء سلور المستشفى .. تطلعت إلى مبنى أثرى له أسقف عالية مغطاة بالقرميييد المييدرج؛ ينتهييى بييإفريز كمحلكييى بييالللونين الصييفر لوالزرق ميين جميييع جييلوانبه؛ لوتتييلوزع ميييازيب مييياه المطييار بالتسييالوى علييى جميييع النلواحى؛ بالجهة الشمالية الغربية من المستشقى كان قسم التطهير لوالملريا يشييغل حيييزا كييبيرا؛ ثلث مبان قديمة متجالورة يفصل بينها طرقات بينية ضيقة؛ المبنى اللول للدارة ،لومبنييى آخيير مكتلوب عليه بخط ردىء سملوم ،رسمت على بييابه جمجمية لو ......عرفييت أنيه مخييزن للسيملوم لوالمبيدات؛ بعض الجلوليية ملقيياة جييلوار البيياب خييارج المبنييى ،أحييد العمييال رآنييا مقبلييين ناحييية المبنى؛ ركحب بنا ،لوقف معنا؛ أصر على أن يصطحبنا؛ تقاطرت نقط المياه على أكتافنييا لونحيين لوقلوف؛ رفعت رأسى إلى أعلى فلوجييدت غسيييل منشييلورا علييى حبييل ،قييال لنييا العامييل أن هييذا المبنى الثالث مخص ص حاليا لسكن العمال المغتربين سييلوف ينقلييلونهم إلييى حييى فيصييل ألو حييى الصباح فيما بعد لن رلوائح المبيدات تهب عليهم بالليل لوالنهار . *** 143
تذكرت أيام زمان ،كانت عربة التيفا * تمر أمام بيتنا محدثة ذلك الدخان الذى تعلودت عليه لولم أكرهه حتى الن؛ لنييه يييذكرنى بطفلولييتى ،كنييا نجييرى لوراء تلييك العربيية لوهييى تجييلول أنحيياء المدينة بصفة يلومييية خصلوصييا فييى الصيييف؛ أحيانييا كنييا نتييدافع لونركييض لنغييلو ص فييى دخانهييا البيض المندفع بقلوة كندف القطن المتصاعدة إلى أعلى كالسحب ،مخبئة أى شىء داخلها ،كنييا نعطس أكثر من مرة حتى تتقاطر الدملوع من عيلوننا . بالمحيط الخارجي شاهدت حديقة شبه مهملة؛ بها بعض أنلواع من النباتييات لوالشييجار المثمييرة الحديثيية بالضييافة إلييى شييجرتى النبييأ لوالتييلوت العتيقييتين ،هنيياك شييجرة لبلب تزحييف سيييقانها لوألوراقها على حرف المبنى صاعدة إلى نهايته تقريبا ،بجلوارهييا شييجرة مييانجلو قصيييرة تطييرح ثمارها كل عام ،على يسارها تكعيبة عنب ،لوعلى الطرف الخر شجرتا تين لو ليملون . *** دعانا العامل لنييدخل لولنسييلم علييى الييدكتلور إبراهيييم لونشييرب الشيياى حييتى ل يزعييل كمييا قييال، بالداخل رأيناه جالسا فى ردهة لواسعة لوسط الملوظفين لوالعمال ،بعض الجلولة بجييلوار الحييائط، السقف شاهق الرتفاع ،لوالحلوائط كالحة لوقييد عششييت العنيياكب فييى أركانهييا لو علييى المصييباح الفللورسيينت المتييدلى مين السيقف تحمليه سلسييلة مغطياة أيضييا بيبيت العنكبييلوت ،كمييا أن غطياء المصباح مغطى هلو الخيير حييتى كيياد لييلونه البيييض الصييلى يختفييى ..الرائحيية هنييا نفيياذة لول تطاق ،تكلم سمير عن تلك الرائحة ،قال إن رائحة المبيدات فظيعة؛ طلب منه اليدكتلور إبراهييم أن يجلس؛ قال سمير : انت عايش هنا إزاى ؟ رد الدكتلور إبراهيم : أنت فافى باين عليك ! انسحب العمال لوالملوظفلون فردا فردا من الحجرة بعد أن سلملوا علينا *** يحكى سمير أنه عندما قامت الحرب 73جهز الدكتلور هيما حقيبته لوقال: بكره السلويس يبقى الدم فيها للركب .. ثم غادر المدينة إلى القاهرة لوحدث الحصار بعدها بيلومين . ... بدأ الدكتلور سمير يتحدث عن القيم لوالدين لوأثره فى رقى المجتمع ،يقلوم بجمييع التبرعييات لبنيياء المسجد ،الدكتلور إبراهيم يقلول عنه إنه لوهابى 144
سأله سمير: لوهابي يعنى إيه؟ تساءل الدكتلور إبراهيم : هل الدين طقلوس؟ تصلى لوتعمل حركات ؟ ..تقلوم لوتركع لوتسجد ..أشكال ؟ تقصد إيه يعنى؟ أنت تحب المبانى لوأل المعانى؟ المعانى طبعا.. نظر إلى فهمى قائل: صاحبك سايب المعانى لومسك فى المبانى .. الدكتلور سمير؟.. المبانى مالهاش لزلوم من غير معانى . يا دكتلور ابراهيم ..نعمل المبانى لوبعدين تيجى المعانى ! آه يا حبيبى يعنى العربة قدام الحصان ! *** سمع آذان الظهر ،قام سمير قائل: الصلة الصلة .. نظر إليه إبراهيم متسائل: انت تعرف تصلى ؟ رفع سمير صلوته متأففا: أعرف أصلى ؟! أنت اتجننت باين عليك؟ ل ...اسمع ..أنت معاك معراج؟ معراج إيه؟ رد هيما بثقة: من ل معراج له فل صلة له..أنت مالكش صلة !
145
*** كان الدكتلور هيما جالسا لوضع ساقه اليمنى على فخذه اليسر ،بين الحين لوالخر يعبث بقدمه لو يمسك بجلوربه لوقد بانت أصابعه من فتحات الجلورب المتهالك ،كأنما تعمد ذلك .. نظر له سمير؛ لوأشار إلى الجلورب قائل : إيه يا هيما فتحات التهلويه عندك لواسعة قلوى ! ضحك الدكتلور إبراهيم لوقال: خليك فى المهم إيه المهم؟ المعانى لوالل المبانى ؟ المعانى طبعا! احنا مخللوقين من طين ...استحاله الطين يفهم فى الميتافيزيكز ..ما لوراء الطبيعة ! يعنى إيه؟ رد هيما ساخرا: يعنييى انييت تييرلوح تفكيير فييى البامييية لوالكلوسييا لوالعيييش لوالمييزاج لوتسييحب لييك نفسييين ،تعمييل دماغ !...هلو ده اللى الناس بتفكر فيه ! تضايق سمير قائل: طبعا ..كأمال يفكرلوا فيك؟ يتبسم هيما لوهلو يبحلق فى سمير متسائل بهدلوء: أنت باين عليك حمار!! .. حمار؟! انا حمار يا بنى آدم ؟ طيب ...يحمل كرسيا لويخكلوف به الدكتلور هيما قائل: أككسر عضمك لوأبعتك الستقبال ؟ ها ..إيه رأيك ؟ تقدر تدافع عن نفسك ؟ يدارى هيما رأسه بيديه قائل: حاسب يا أخينا.. يقلول سمير مهددا: أمسك لسانك أحسن لك ! 146
يضحك هيما فى براءة؛ لويشع من عينيه ألق طفلولى غريب لوهلو يقلول : يا بنى آدم لزم تمشى فى الطريق ..تشلوف لك سكة ؛ بعد الميلوت رايحيين فيين ؟ تعيرف تق لول لى ؟ يرد فهمى مبتسما: قلول أنت يا هيما.. ينظر إليه هيما متفحصا ،لويبتسم قائل: أنت رايح جهنم لوبئس المصير!! يبتسم فهمى بسخرية : شكرا يا مؤدب ..شكرا .. يكمل هيما كلمه ناظرا إلى سمير : أنت عمال تضرب صلة لوصلوم ...سألت نفسك أنت استفدت منهم لوأل ل؟ رد فهمى مغتاظا: أنت تقصد إيه يا جدع أنت؟ اسكت أنت ! يقلوم سمير لويعالود المساك بالكرسي لويرفعه تجاه هيما الجييالس مكييانه ؛ل يتحييرك حييتى تلمسييه أرجل الكرسى؛ لويستمر فى الضحك؛ يضحك سمير لويقلول متصنعا الجدية : ألوعلوا تمنعلونى ! سيبلونى أخكل ص عليه ؟ يبتسم هيما قائل لسمير : أقعد يا أخينا؛ خليك رزين ..فهمت الكلم؟ كلم إيه؟ يتغابى هيما متسائل: أنا قلت لك أنت إيه؟ تانى ؟ كل لواحد "يضرب"صلة لوصلوم؛ فاكر نفسه لما يصحى يلقى العكمة نزلت فلوق دماغه ! طيب نعمل إيه يا هيما ..فعل لزم النسان يستطعم العبادة لويحس بها !. 147
يشير هيما بإصبعه فى الفضاء؛ قائل : هلو ده المطللوب :أنك تحس انك ماشى فى الطريق؛ لوالدم بيجرى فى عرلوقك؛ لوإن فيه تقدم .. **
52 فككر فى رفع الخدمة لوتحسين مستلوى الداء؛ حلييم أن يتييلوفر الجهيياز المطلييلوب فييى القسييم؛سييهر طلوال الليل لكى يكتب مذكرة للعرض على السيد الدكتلور المييدير العييام ،شييطبها لوأعيياد كتابتهييا عدة مرات؛ ذهب بها إلى مكتب المدير العام ،قال له السكرتير : قدمها للستاذة جنات .. سأل على جنات فعلم أنها قابعيية فييى كشييك أسييفل المبنييى بجييلوار بلوابيية الييدخلول ،يشييغله عامييل الحراسة بعد الظهر ،فى الحييال تييلوجه إليهييا لوكلييه أمييل فييى تحقيييق المييراد ،عنييد دخييلوله إلييى الحجرة ،لوجدها جالسة إلى المكتب لوقد استندت بمرفقها إلى المكتب ؛ بينما تستند راسها بكفيهييا المضملومين على خديها ،كانت تتثاءب عندما دخل المكتب ،محدثة صلوتا ..آه آه...عنما راتييه حركت عينيها بثقل تجاهه؛ بينما تعبث بأصابعها فى عينيها؛ قال لها : استاذة جنات ..؟ كأنما صحت من نلومها قائلة ببرلود: أيلوه .. قدم لها الطلب على المكتب؛ نظرت إليه متثاقلة ؛لوقالت دلونما اهتمام : مذكرة ؟ نعم! طيب ..سيبها. لها رقم استلم ؟ ل ..لما البيه يقرأها اللول لويحدد إذا كنا نستلمها لول ل.. 148
تعجب قائل: إذا كنا نستلمها لوأل لأ؟؟! نعم؟! ده شغل معلمين !! نظرت فى عينيه دلون أن تنبس .اضطر إلى ترك المييذكرة؛ لوغييادر المكييان لوهييلو يشييعر بشييىء كالغثيان .. *** انتظر أياما على أمل أن يتصل به مكتب السيد المدير العام ؛ لم يسأل عنه أحيد ؛عيياد بعيد فيلوات أسبلوعين بالتمام لوالكمال ليسأل عما تم ... قالت له الستاذة جنات : فككرني بالملوضلوع المذكرة نظرت فى الدلوسيهات المتناثرة أمامها لوقالت: آه...أظن مازالت فى مكتب المدير .. طيب أطلع للمدير أشلوفها . أنت حر .. *** على مدخل مكتب المدير قال له الستاذ سيد السكرتير : الباشا عنده اجتماع ..ممكن سيادتك تسأل بالتليفلون لو تاخد ميعاد للمقابلة طيب إنا نفسى تسأل لى عن المذكرة لوتشلوفها راحت فين ..البيه أكشر عليها لوأل ل؟! حاضر.. *** فى المحالولة الثالثة تمكن من الدخلول إلى المدير قدمت لسعادتك مذكرة مذكرة إيه؟ 149
بخصلو ص جهاز القسم محتاجه..جهاز ثلثي البعاد.. أنت بتحلم يا بنى ؟ باين عليك أهبل.. أهبل .أنا أهبل؟! .. ل عيب ..أنت قدلوة ..حافظ على لسانك أحافظ على لسانى ؟! أنت جاى تعلمنى الدب ؟ امشي أطلع بره ! احمر لوجه الطبيب لوتغيرت سحنته؛ لوبسرعة انحنى برأسه تجاه المكتب لومد كلتييا يييديه ليمسييك بتلبيب المدير ،جذبه من ياقة قميصه ... فى الحال ارتبك المدير لونادى بأعلى صلوته : يا سيد ..يا رجب.. دخل السكرتير لومعه شاب آخر مسرعين؛ قال لهما بخلوف لوغضب : خدلوه من قدامى ..ارملوه بره ..الحيلوان!! ***
150
53 أثناء سيرنا فى ممرات المستشفى كنا نجد حجرات مغلقة ،كانت هييذه الحجييرات تييثير شييهيتنا إلييى معرفة ما بداخلها ن انشغالنا فى عملنا عادة مييا يجعلنييا ننسييى هييذا الملوضييلوع ،لييم يكيين ذا اهمييية، فالحجرات كثيرة لول يلوجد نق ص فيها؛ لول احد يعانى من الحتياج إلى حجرات اضافية ! الطرقات داخل المستشفى كثيرة لومتشعبة لول تلوجييد لفتييات تشييير إلييى الميياكن المطللوبيية؛ لوإن لوجدت فغالبا ل ينظر الناس إليها ،لوإن التفتلوا إليها فهناك نسبة كبيرة منهم ل يقرءلون ؛ الكلوريدلور الرئيسى الذى يمر بالعيادات الخارجيية ييؤدى إليى قسيم الشيعة ،غالبيا ميا يحتياج الناس إلى دليل بنفس المدخل المؤدى إلى الستقبال لوالطلوارىء كانت تلوجد حجييرات عديييدة مغلقيية ،لييم نكيين نسال لماذا ؟ قال البعض إن بها عفاريت لملوتى أثنيياء الحييرب ،لوقيياللوا إن الرلواح تييأتى بالليييل لوتحتل الحجرات لوتمنع إدارة المستشفى ميين الييدخلول إليهييا ن لوقييال آخييرلون إن بهييا بقايييا جثييث لورفات ملوتى من أيام الحرب ،لم يستقر الجميع على رأى لولكنهم قيياللوا إن فتييح هييذه الحجييرات من الممكن أن يسبب مشاكل ل حصر لها . *** احتجنا إصلح لوتغيير بعض الكلوالين لومقابض البلواب لوالشبابيك ،لن معظم الحجرات ل يغلق أبلوابها لول نلوافذها جيدا ،الشتاء على البلواب ،ذهبت مع سمير إلى القسييم الهندسييى ،لوهنيياك قابلنا رئيس القسم بكل لطف لوترحاب سأله سمير عن تلك الحجرات المغلقة ،قال : هل تحتاج ألودة ؟ ل ..لكن أسأل فقط ! تبسم الرجل قائل: بعضها فيه أدلوية من ايام الحرب ،لوبعض الحجرات بها أدلوات للقسييم الهندسييى ،مفرلوشييات لوأسرة لودلواليب لوحلوامل أطباق لوكلوملودينلو ،لوملءات سرير لوأغطية لوألحفة من أيييام الحييرب، أيام المعلونة ،فيها حاجات كثيرة اتسييرقت ،لومازلنييا نحتفييظ بييالبعض ،لوفييه عنييبر مقفييلول فيييه عفريت من أيام الحرب!.. خاف سمير لوبعد عنا قليل : عفريت ؟! ..عفريت مين ؟ الست صابرة مسك أنا سمعت عنها 151
أصابتها شظية لوهى شايلة الكل على راسها ،لورايحة عنبر المحاريق ،الشظية خرمييت حيطيية العنبر لو اختارت صابرة مسك لوحدها دلون الناس ،الشظية عملت نافلورة دم من رقبتها؛ هى ما حستش بحاجة ،الطبق لوقع من إيديها لومالت علييى السييرير ،شيياللوها علييى ألودة العمليييات ،لمييا لوصلت كان السر اللهى طلع ..العيانين شملوا بعدها ريحة قلوية ..ريحة حللوة قلوى ..فى نفييس المكان الصابة فى العنبر ،لواحد قال :ريحة مسك لوالتييانى قييال :ريحيية ياسييمين ،الغريبيية إن الريحة استمرت فى العنبر مكان بقع الدم ..استمرت على طييلول ..النيياس اتعييلودت تييدخل العنييبر بعدها عشان تتفرج على المكان لوتقكرب من السرير لوتشم ريحة المسك لوالياسييمين ! العنييبر بقييى فيه نلور طلول الليل لوالنهار من غير ما نقيد النلور ..كان فيه نلور بربييانى ! كييأن فيييه شييعلة ميين السما على شباك العنبر ،النلور داخل منها على طلول؛ ليل لونهار !! الييدكتلور المييدير اللييى مييات فى الحرب ،قال لنا يلومها سيبلوا كل حاجة زى مييا هييى لواقفلييلوا العنييبر ..السييت دى اسييمها ميين النهارده صابرة مسك ..الست دى مبرلوكة . بقع الدم سيبتلوها زى ما هى ؟ بقع الدم لوالهدلوم لوالمليات اللى مبقعة بالدم ملوجلودة بالعنبر زى ما هى !.. *** على النقيض كانت حجرة سييد ،اليذى رآه عبيدلول لوكشيف سيره ،كيان يسيتغل هيذه الحجيرات المغلقة فى ادعاء غلقها منذ زمن ،حصل سيد على طفاشة يفتييح بهييا بعييض الحجييرات المغلقيية؛ كان يللوح بها يلوما لوهلو جالس لواضعا ساقا على ساق مرتييديا البييالطلو البيييض كعييادته ،جالسييا أمام مكتب الشعة ،بالدلور الرضى؛ رآه زميلنا عبدلول؛ لفت أنظاره منظر الطفاشة التى لحت فى الهلواء لوهلو يشير بها أثناء حديثه مع عبدلول؛ سأله عبدلول : إيه دى؟ دى با فتح بيها باب البيت؛ أحيانا المفتاح يضيع ! آه طفاشة يعنى ؟ حاجة زى كده ! *** كان سيد يدخل الحجرة لومعه المزة ،ثم يقفل الباب من الداخل .. *** سيد شاب طلويل مفتلول العضلت؛ يعمل فنى أشعة ،كنا نناديه اللواد سيييد؛ لييه عينييان زرقييالوان، للونهما كللون البحر ،عميقتان بهما سحر لوغملوض ،شعره أسييلود فيياحم نيياعم لوطلويييل؛ أحيانييا يتركه متهدل على قفاه لوأحيانا على جبهته؛ يمتلك غمازتين مميزتيين فيى لوجنيتيه ،عنيدما يكيلون فى الخارج يضع نظارته البيرسلول التقليد السلوداء على عينيه ،لتزيييده سييحرا لوغملوضييا ..دائمييا يسحب كرسيه ليجلس أمام القسم بالممر الذى يعييبر منييه الهييالى ،يبييدلو المميير أمييامه كالشييارع 152
الضيق ،يرتدى بالطلو أبيض يحر ص على بياضييه لونظيافته ،يكييلويه دائمييا ،كمييا يحيير ص عليى إظهار البادج المعلق على الجيب العللوى للبالطلو لوقد ظهر علي ه اسيمه بحيرلوف كيبرى بياللغتين العربية لوالنجليزييية ،هييلوايته الحريييم ؛يحييب الكلم معهيين لوالتييلودد إليهيين ،لومحالوليية خييدمتهن لوإرشادهن ،غالبا ما تراه لواقفييا مييع أنييثى ،لوليسييت أى أنييثى ،عييادة يقييلوم سيييد باختيييار نلوعييية خاصة من الحريم ،له مذاق مميز فى تلك الناحية ،تبدلو أنها هلواية ملورلوثة ،كنا قييد سييمعنا أن أباه تزلوج أكثر من ست مرات ،لوقيل أكثر من عشرين مرة ،بالضافة إلى عدد ل يحصى ميين الرفيقات؛ كان يقلول سارحا بعينيه: الحياه بدلون ستات تبقى صحرا .. كلما حانت مناسبة للكلم كان يفخر بسيللوك لواليده ،لوأحيانيا يشييتمه ،لويقيلول كيان لوارث فليلوس كتيرة ،لوضيعها على الحريم ،يقلول فى النهاية : ل تجلوز عليه غير الرحمة .. آخر النهار ،كنا نلمحه لواقفا بصفة شبه يلومية بجلوار الكافيتريا مع سيدة جديدة؛ يلوما كييان لواقفييا مع سيدة بيضاء ممتلئة ،ترتدى بللوزة حمراء يبدلو من فتحتهييا اللواسييعة بيياض ثيدييها النييافرين؛ لوبنطللون محزق على خصيير هضيييم تبييدلو منييه عجيزتهييا لوقييد ارتفعييت إلييى مسييتلوى أعلييى ميين المسملوح به ،أصناف كثيرة أخرى من النساء؛ عندما يسأله أحد: من هذه يا سيد ؟ كان يقلول بثقة : بنت أختى .. لومن هذه يا سيد؟ دى جارتنا .. لوهذه ؟ ست غلبانة لها أب متلوفى لوجلوزها مسجلون.. لومن صاحبة الملية اللف ؟ صاحبة عيال لوعالوزة علج مجانى .. لوهكذا .. *** كان سيد يغلق الحجرة عليه من الداخل لويطيل المكلوث مع المرضى؛ لم يكتشف أحد سيير سيييد سلوى عبدلول ،عبدلول هذا الذى لم يمل عين مديره ،لوكان دائما يسخر به ،كان المفتاح اللوحيد لسرار كثيرة ،دلون أن يدرى هلو بذلك ،يبدلو أنها كانت ملوهبة منحها ا له . *** 153
54 الدكتلور شامل الصيدلى ظهر فجأة فى ردهات المستشفى ،تبدلو عليه الشهامة لوالرجلولة ،يظهر دائما بالبذلة كاملة؛ كان يكثر الكلم بقرف عن الحلوال المعيشيية؛ لوعيين الدلوليية لوعيين المهييازل التى تقع يلوميا تحت سماء مصر العزيييزة ،كييان يتحييدث بالرقييام عيين لوزراء مرتشييين لورجييال أعمال تشلوب صفقاتهم التهم ،أحيانا نتجمع فى ردهة من ردهات السكن ،ليحكى كييل لواحييد مييا يريد؛كان شامل يأخذ نصيب السد من الحكى؛ لوكلنا آذان صاغية.. مفيش صيادلة خبرة فى المديرييية غيييرى أنييا لوالحنييش؛ المييدير العييام كييان عييالوز يخلينييي مييدير للمخزن القليمى ،لوالحنش يبقى تحت إيدى؛ أنا قلت عيب لو رفضت طلبه؛ لنه ل المرلوءة لول الجدعنة تلوافق على كده..لوأل إيه رأيكم يا رجالة؟ ينظر فى أعين الحضلور؛ ثم يقلول: أنا لوافقت أخيرا أمسك صيدلية المستشفى ،حاجة كده على قدى .. *** فاطمة الحكيمة انقلب حالها بعد ضييياع كرتلونيية السييملوم ميين المخييزن،الييدكتلور شييامل الصيييدلى أرسل مذكرة فلورية -كما قال -إلى المدير العام لومييدير المستشييفى ،اسييتدعى مييدير المستشييفى مس منال لكي تبحث عن كرتلونية المخيدرات المفقيلودة ،عرفيت أن بهيا أمبيلولت " الفاكيامفين" المخييدرة؛ اسييتدعت الممرضييات لواحييدة لواحييدة لوبييدأت معهيين تحقيقييات لواسييعة ،كييانت تسييهر بالمستشفى لوتترك بيتها لتعرف أين ذهبت كرتلونة المخدرات ،طلبت تحلويييل اثنييين ميين العمييال للشئلون القانلونية ،فى النهاية لم يتم العثلور على شىء .. *** مع مقدم الشتاء ،سمعنا عن لجان الجيرد؛ هيذا العيام جياءت لجنية مين ال لوزارة ليتراجع أرصيدة المستشفى من أدلوية لوعقاقير لوملواد مخدرة لوخلفه ،تهامس الطباء لوالعامللون أيضييا بمييا يييدلور داخل اللجنة من مخالفات يسملونها "جسيمة" ؛هذه المخالفات الجسيمة كان معظمها فى الصيييدلية الخاصة بالمستشفى ،جاء التقرير النهيائى ليؤكيد هيذه المخالفيات 6 ،كراتيين مضيادات حيلويية باهظة الثمن ،لو 3كراتين زجاجات كلودافين شراب؛ لو 4باكتات من أقرا ص مخدرة لومنلومة؛ لو أمبلولت مسكن قلوى يسمى " ألفاكمفين " ،لوكميات غير محددة ميين القطيين لوالشيياش لوالبلسييتر 154
لوالجلوانتيات بالضافة إلى عدد كبير من كراتين بها زجاجات محاليييل تعلويضييية جيياءت للمدينيية على سبيل المعلونة من هيئات طبية عالمية .. *** عبدلول مصاب بصداع نصفى مزمن؛ بييين حييين لوآخيير كييان يطلييب ميين شييامل أن يحضيير ليه شريطا من أقرا ص الميجرانيل ،لو يستسمحه فى ذلك ،عندما يحضر شامل الشريط كييان يعطيييه لعبدلول أمام الجميع قائل: خد يا عبدلول ..إن شا ا يتمر فيك!!.. عبدلول كان اللوحيد تقريبا الذى يدخل حجرة الصيدلى شامل ،تعلود أن يقدم له يلوميا كلوبا من شاى العصارى على سييبيل رد الجميييل ،تنيياقلت ألسيينة العمييال لوالتمريييض لوالطبيياء ملوضييلوع ضياع كراتين الدلوية؛ صار هذا الملوضلوع حديث المستشفى ،لوأصبح مثار سخرية لواسييتنكار الجميع.. *** كان السيلوفى راقدا على سريره بينما يجهز عبدلول الشيياى؛ مييد عبييدلول يييده بكييلوب الشيياى إلييى مديره الراقد فى استرخاء قائل : أنا عالوز أقلول سيادتك على حاجة فيه إيه يا زفت؟ أنا شفت كراتين عنده كراتين إيه ؟ لوعند مين؟ كراتين الدلوا ..عند الدكتلور شامل.. الدكتلور شامل هلوه اللى بيشتكى؛ أنت عجيب قلوى! شفتها فين؟ الكراتين تحت السرير سرير مين ؟ سرير شامل انت اللوحيد اللى بتدخل عنده.. رد عبدلول متخلوفا: كأنى ما قلتش حاجة ..بعدين يفتكر أنى باتكلم عنه.. بعد أيام اختفى الدكتلور شامل من المدينة ؛ لم يترك أثرا؛ سمعنا انه سافر خارج البلد. 155
***
55 مع مقدم الخريف حان ميعاد إخلء نلواب العملوم طرفهم من المستشفى؛ لوذلك تمهيدا لعلودتهم إلى دهاليز اللوزارة لكى يعاد تلوزيعهم بالقرعة ،ألو بالختييار ؛عليى المحافظيات؛ ليعمليلوا نلوابيا فييى فييرلوع الطييب المختلفيية ؛فييى هييذه الحاليية يحصييل الطييبيب علييى لقييب نييائب تخصيي ص؛ ميين المفرلوض أن يمضى عامين ألو عاما آخر على القل فى فرع التخص ص فى إحدى المستشفيات؛ بعد عامى المتياز لو النائب العملومى؛ ثم يبدأ التفرغ للدراسة ،ثم يسمح له بدخلول المتحان بعد أن يكلون قد طلوى فى الدراسة عاما ألو عامين ألو أكثر حسب نصيبه..مشلوار طلويل ل حيل ل ه .. لول احد يبحث عن حل ،ل أحد يهتم ،الكل معتقد أن هذا من للوازم " الييدكترة " ...الدهييى ميين ذلك السفر لوالغتراب الدائم الذى يعانيه الطبيب فى رحلته ..لم يكن إخلء الطرف سييهل؛ قبيييل انتهاء مدة النيابة العملومية بأيام ،سأل الدكتلور الخشاب على إجراءات إخلء الطرف؛ فى مبنييى شئلون العاملين قالت له الملوظفة: تعمل إخلء طرف من المستشفى ألول لوثانيا؟ تعمل إخلء من المديرية خد النملوذج لواعمل اصل لو 5صلور 5صلور؟ آه .إخلء ميين المخييازن لوإخلء ميين المكتبيية لوإخلء ميين الشييئلون القانلونييية لوإخلء ميين إدارة المستشفى لوتاخدهم كلهم لوترلوح على المديرية ،تعمل إخلء من هناك! ***
الدكتلور فهمى لوالخشاب لوالطرابيلى اتفقلوا على الحضلور سلويا للقيياء المييدير للتييأثير عليييه؛ لكييى يخلى طرفهم؛ قال فهمى: الزفت ده ممكن مايلوافقش ،مش كفاية المهزلة بتاعة الساتذة لوالتحكمات الفارغة فى الكلية ؟ بعد أن تمكنلوا من مقابلته قال لهم: 156
ل يمكن أسيبكم ليه يا باشا؟ احنا معتمدين عليكم لولكن مستقبلنا يا باشا يا بنى ماله مستقبلكم ؟ هل أنا باشكغلكم عمال لول دكاترة؟ *** بعد أن خرجلوا ،فكر الخشاب قائل : الرجل بيحب البط لواللوز ،نجيب له هدية .. تضايق الطرابيلى زاعقا : هدية إيه ؟ احنا لزم ناخد حقنا ،احنا بنطلب حاجة غاط؟ لوأكمل : أنا حا تصرف يا جماعة رد الخشاب :حاتعمل إيه يعنى ؟ ربنا يسهل *** سافر الطرابيلى إلى القاهرة؛ لوعاد بعد يلوم لومعه خطيياب سييرى لوهييام للمييدير العييام؛ فييى نفييس اليلوم تم إخلء طرف الطباء الثلثة . تساءل الخشاب عن السر رد عليه فهمى قائل: أنت آخر من يعلم؟ يعلم إيه؟ يا حبيبى؛ الطرابيلى خاله لوكيل لوزارة !!.. ***
157
الجزأ الثانى 1 نزهة أسوانية انتهى عام المتياز ،تفرقنا وذهب كلل منا إلى حاله ،ظلت علقاتنا مع المستشفى والعاملين بها دون انقطاع تقريبا ،كنا نسأل عنهم ونزورهم ونتقابل سويا بين حين وآخر مع من بقى منهم، نتعرف أيضا على الزملء الجدد ،ذهبنا إلى الوزارة أنا وباهر ،قلت له :السنة طارت بسرعة؛ قال لى ..العمر بيجرى ... جرت العادة على أن يتم توزيع الخريجين على وحداتهم لحفظ الوظيفة قبل التجنيد ،بمقدم الربيع؛ قبيل معاهدة كامب ديفيد سافرنا الى الوزارة لنتعرف على أماكن توزيعنا؛زميلنا الطرابيلى لم يسافر معنا ،تعلل بوجود بعض المشاغل ..سألنى أن أبحث له عن مكان تكليفه؛ عندما وصلنا مبنى الوزارة شاهدنا بعض زملء الدراسة؛ الكل متزاحمون فى مكان ضيق يبحلقون فى كشوف ملصقةعلى سبورة باهتة معلقةعلى الحائط،بحثنا عن أسمائنا ،أخيرا وجدت الطرابيلى موزعا على محافظة سوهاج وشاهدت اسمى بقطاع ريفى أسوان ،بينما ذهب باهر إلى العريش! ؛للوهلة الولى تضايقت ثم ددهشت ،كان أول همومى أن أبلغ الطرابيلى فور عودتى مباشرة بمكان توزيعه حتى يطمئن .بمبنى الوزارة تعرفت على بعض أفراد المجموعة التى ستسافر إلى أسوان؛الردهة ضيقة ،تتصاعد دقات أحذيتنا على أرض خشبية متهالكة؛ وقفنا سويا دقائق ؛ أكد لى أكثر من زميل أن الوزارة "بزرميط" ،وأن الوسايط مازالت تلعب دورا رئيسيا فى عملية التوزيع ،وأن من ليس له ظهر من السهل أن ديضر ب على قفاه ..أخذنا الموضوع بسخرية ،انقلبت بعد لحظات إلى فرحة ،لم أستأ لبعد المسافة ،اعتبرناها جميعا فسحة، وخصوصا أن معظمنا سوف يقدم نفسه للتجنيد بعد حوالى شهر،تذكرت مثل يقول "إذا جاءتك السخرة دخدها جوده"! استلمت خطا ب التوجه إلى مديرية الشئون الصحية بأسوان ،واتفقنا على اللقاء مساء اليوم التالى فى محطة مصر استعدادا للسفر بقطار النوم . عدت إلى مدينتى وأبلغت الطرابيلى بأن تكليفه فى سوهاج ؛ضحك كثيرا،سألته عن السبب ،أجا ب :لننى لن أذهب الى الصعيد وسكت؛لم أعرف ما السر ولم أسأله عن ذلك. 158
بأسوان وصلنا الى مقر مديرية الشئون الصحية ؛انتظرنا لنتسلم خطابات التوزيع ،قالوا لنا ل تتعجلوا ،انتم معنا فى ضيافتنا اليوم ؛ تذكرت أن زميلناالدكتور طه كان قد نقل إلى أسوان ،ل أعلم إذا كان قد غادرها أم ل .انقطعت صلتى به منذ أن غادرنا بعد حادثة زواجه الشهيرة من سامية والتى لم تستمر أكثر من 48ساعة؛وطلب نقله إلى أسوان ،أسوان محافظة ممتدة وواسعة؛ بها أربعة مراكز شهيرة ادفو ودراو وكوم امبو ومركز ناصر؛ سألنا عن مكان للقامة ،قضينا ليلة فى نزل الشبا ب كيفما اتفق ،سرائر مزدوجة)بدورين (،الجو حار ولكن الطبيعة خلبة ،الناس هنا يشملهم هدوء جميل ومريح ،ل يتطاحنون ول يتشاكسون إل فيما ندر،السكون تقريبا هو السمة السائدة فى المدينة ،يكاد يكون ممل ،صباح اليوم التالى استعددنا للذها ب الى أماكن توزيعنا على أنحاء القطاع الريفى بأسوان ،تم تقسيمنا إلى عدة مجموعات ،خطا ب واحد يشمل مجموعتنا كلها ،سنذهب إلى قرية من قرى ادفو؛صباحا كان فى انتظارنا أتوبيس قديم من أتوبيسات زمان ،خاص بمديرية الشئون الصحية ،له مقدمة طويلة،نزل السائق وأدار المانيفيلة حتى يتم تشغيل الموتور ،سار بنا فى طريق أسفلتي قديم متهالك ،انتهى إلى طرق ضيقة ملتوية، القليل منها مطلى بالسفلت،سلك بنا السائق طريقا ضيقا محفوفا بالشجار ،خرجنا إلى طريق ترابي،شاهدت عن اليمين نهر النيل ؛بينما بدا اللون الخضر الجميل يكسو الناحية الخرى،ظهرت أمامنا مزارع البرسيم والكرنب والطماطم ،بعدها مساحات شاسعة للقصب وقد نهضت و تزاحمت الزعازيع الخضراء متهافتة إلى عنان السماء،كانت العربة أثناء سيرها تترك غيمة ترابية كثيفة؛ وسط مزارع القصب توجد قضبان حديدية بينها مسافة ضيقة؛ عرفت أنها لعربات صغيرة تنقل محصول القصب إلى مراكز التجميع النهائية .بالرغم من بشائر الربيع؛ إل أن الجو حار،عند وصولنا الى الوحدةالصحية طالعنا مبنى قديم يبدو أنه من المبانى التى استولت عليها الثورة؛محاط بسور منخفض يطل على النهر ويفصله عنه الطريق من الجانب الشرقى ؛أما الجانب الشمالى والغربى يطلن على مزارع هائلة للقصب . تعرفنا على مدير الوحدة ،كان شابا هادئا يرتدى تريننج سوت صيفى ،ابتسامته الواسعة أضفت سحرا على المكان ،رحب بنا وصحبنا لنتعرف على الوحدة ،صعد معنا إلى الدور الثانى ، دخلنا ردهة طويلة ملحق بآخرها عنبر متسع به عدد كبير من السرة تصطف على الجانبين، ..بالسقف المرتفع كشاف له غطاء معدنى وقد تراكمت عليه التربة والعناكب ،على أحد السرة يرقد مريض إلى جواره زجاجة محلول معلقة فى حامل معدنى ويتدلى منها انبو ب فى نهايته محقن مغروس بذراع الرجل ،اقتر ب من المريض ونزع المحقن برفق .. ،قام المريض مطيعا للمر وغادر المكان سيرا على قدميه .نزعت العاملة الغطية من فوق السرة ،واختفت بها . على العكس مما تخيلت ،من السهل قضاء الوقت بالرغم من ندرة أسبا ب الترفيه ،لم يكن الكمبيوتر أو الموبايل موجودين فى ذلك الوقت الذى يبدو بعيدا؛البعض خرج ليستكشف المكان حولنا ،آخرون خرجوا بغرض شراء حاجيات ،والبعض جلس ليمارس هواية الطاولة والشطرنج وإلقاء النكات وتبادل المعلومات والحديث عن مستقبل الطبيب فى مصر مقارنة به فى دول العالم .فى المساء ؛ فى نفس القاعة وجدنا ملءات سرير ومخدات نظيفة ،صعدنا أسررتنا ،تركنا الضاءة كماهى؛ المصابيح الصفراء تتدلى من السقف بأسلك طويلة بهت لونها من آثار الذبا ب،هناك من يخاف من الزواحف والحشرات والفئران ،خرجنا من العنبر ،تجولنا
159
حول المبنى ،فى المسافة بين السور والمبنى هناك مغسلة ومصلى صغير وحديقة مهملة ،رقدنا على النجيلة وبدأنا نحكى ؛قال فايز: تعودت الرضا بما قسم ا لى ،ليجب أن نترك أنفسنا للحزن تحت أى ظرف؛ اعتقد أن اجترار الحزن نوع من الكفر بنعمة ا ،أذكر تلك السيدة المريضة؛ سيدة مسنة ،بكت وهى تقول ان ابنها الكبير توفى منذ 4شهور ؛ ابنها الكبر عمره عشرون ،أما اخوه الصغير فقد مات منذ 3 سنوات ..قالت وهى تمسح دموعها بظاهر يدها ..لم يبق لى سوى البنتين ! بعد أيام زالت الحواجز بيننا؛ كان الدكتور خالد نجم يهوى التمثيل ،ارتدى فانلة وتركها مشلوحة ،بانت كأنه يرتدى أثمال ،فى المساء ونحن نستعد للنوم ؛كان يمسك كتيبا فى يده ويسير بيننا فى العنبر وهو يبحلق فى وجوهنا واحدا واحدا ..ويتساءل فى زمن النفتاح ؛ محتاجين نعرف أجدادنا ؛هل سمعتم الفلح الفصيح ؟ ثم يقرأ من كتا ب صغير فى يده : أيها الممدوح والذي يمدحه الممدوحون أنا ذا أتكلم ،فاسمع: أقم العدل. ارفع المعناة عني! فأنا مثقل بالهموم وبسببها أنا ضعيف!.. تفحصني ،وانظر ،أنا في بؤس! أتريد أن تكون من أهل البدية؟ أليس العار أن الميزان مائل،ومقيم العدل منحرف ! أنظر هاهو العدل يرزح تحت ثقلك مشردا من مكانه! بينما زميل فى آخر العنبر – ل أتذكر اسمه -يضع يديه تحت رأسه متحدثا أخونا خالد بيقول اننا فى عصر النفتاح ،يعنى لزم ننفتح على العالم ,أنا شخصيا أحب أهتم بالكون كله ،يهمنى أعرف احنا مين واحنا فين ؟ ورايحين على فين ؟ وايه حقيقة الحياة والموت ؟! وينظر إلى كتا ب فى يده ويقرأ"..ما أصل الكون؟هل الكون نبع من لشيء ؟ .هذاالسؤال لم يخض العلماء فيه حتي الن وتركوا هذه المسألة للغيبيات واللهيات والنظرة الفطرية .ولم يخضعوه لفرضيات علمية بل تحاشوها .لنهم لن يصلوا فيها لتفسير علمي منطقي .لن الخلق يلزمه خالق . واعتبروا أن أكبر غموض في الكون هو وجودنا في حد ذاته .لنه الحقيقة الماثلة للجميع .فأحالوا هذه المسألة اللغزية للفلسفة وعلم ماوراء الطبيعة )الميتافيزقيا( مدعين أنهم يتعاملون مع المدركات البصرية والحسية وهي تخضع للطبيعة التي تقول إن الشيء ليخلق من لشيء؛ والوجود ليعبر عن ل وجود .إل أنهم في نظرتهم لخلق الكون وفهم وجوده ما زالوا تائهين .رغم أن الصورة السائدة عن الكون منذ اللحظات الولي من وجوده لن تتغير أو تتبدل .فهذه الصورة تعود بنا إلي جزء من تريلليون تريلليون تريلليون الثانية الولي من عمر الكون الذي بلغ بليين السنين هي جملة الزمن الكوني الذي تضخم فيه الكون وتمدد لما هو عليه حاليا .لكن ماذا كان قبل هذا ؟.ل أحد يعرف.لن الخلق لم يكن بل شك من لشيء .وليس هناك نقطة محددة يمكن أن يقال أن منها بدأ الكون حقيقةالعلماء يظنون أنهم تعرفوا علي كيفية بدء الكون لكنهم لم يهتدوا إلي متي سيظل الزمن ممتدا أو ماذا يحدث عندما يصل تمدد الكون إلي الجانب الخر من 160
الفضاء .؟ .فلقد فشل جهابذة علماء الفلك في معرفة حل الغموض حول ماذا سيحدث في الجانب الخر من الزمن .وهل المجرات ستظل طائرة لتتباعد عن بعضها للبد؟.وهل سيخبو ضياؤها حتي يصبح الكون باردا ومعتما ؟.أو سيتمدد ببطء ليتوقف ويعود لسيرته الولي معرضا 10تريليون بليون نجم للنسحاق الكبيرو 100بليون مجرة أو أكثر ستختفي من الوجود ليصبح الكون صورة مرآتية منضغطة للحظة مولد انفجاره كعود علي بدء .كما كان من قبل عند بدء ظهوره ؟ .وقد يصبح كما يقال ثقبا اسود متناه .هذه التساؤلت لم يبت فيها العلماء برأي قاطع رغم طول مراقبتهم للفضاء عدة عقود .وأخيرا ..العلماء ولسيما علماء الفيزياء الفلكية يرحبون بكل جديد يكتشف في منظومة الكون ليعيدوا صياغة مجلداته .إل أن الكون سيظل مثار جدل وحدس لينتهي .لنه كون غامض ليسهل سبر أغواره أو الفصاح عن مكنوناته .وهذا الغموض يداعب عقول البشر منذ خلقوا وحتي قيام الساعة .وسيظلون محتارين فيه وحائرين معه ومختلفين حوله ! *** عقار ب الساعة تعبر منتصف الليل ،أطفأ خالد لمبة السقف الصفراء الكبيرة التى تشع المزيد من الحرارة ،اكتفينا ببصيص الضوء الفوسفورى المتهادى إلى العنبر من عمود النور الخشبى المجاور للمركز..حرصنا على أن نغطى أجسامنا تماما ،وبالرغم من ذلك يوجد هنا نوع غريب من الناموس له لدغة حادة يمكنها اختراق الجلد خلل الملءة أو البطانية بسهولة ! من الكاسيت الصغير الذى يحمله زميل خريج مدارس مير دى ديو بمدخل العنبر كنا نستمع قبل النوم إلى أغانى ومقطوعات موسيقية أثارت إعجابى ،واعجا ب عدد من الزملء ،على مدى ليال من ليالى أسوان الحارة استمعنا إلى عدد كبير من المطربين والموسيقيين العالميين مثل الفيس بريسلى وفرانك سيناترا فى ماى واى ،وفرقة البونى إم التى اشتهرت فى أواخر السبعينات ،وتعرفنا على مون ليت سوناتا – أو سوناتا ألشيارو دى لونا )ضوء القمر( لبيتهوفين ،واستمتعنا بفالس الدانو ب الزرق لشوبان ،ماريا كالس فى مدام يتر فلى؛ كنا أحيانا ننام على صوت المطربة الفرنسية إديث بياف القوى المتصاعد فى هدوء العنبر وهى تصدح le fouleالزحام –أو الحشد & la vie en roseالحياة الوردية بأغانيها Non, je ne regrette rienل ..ل أندم على شيئ C'est payé, balayé, oubliéفكرله مضى ..انقضى ..اتنسى و لويس أرمسترونج وهويغنى :ما أجمله من عالم !- !what a wonderful worldأرى السعادة فى جناح طائر محلق فى الفضاء ،فى قطرة تتساقط من ورقة شجر ساعة السحر ،فى ألوان قوس قزح وفى ابتسامات الناس وتحياتهم لبعضهم !.أزفت ساعة النوم . فى الصباح بعد خروجه من الحمام؛ وقف خالد ليمشط شعره أمام مرآة صغيرة أخرجها من حقيبته ،سمعناه ينشد من كلمات صلح جاهين وهو يضحك : عجبى يا طير يا عالي في السما طظ فيك ما تفتكرشي ربنا مصطفيك 161
برضك بتاكل دود و للطين تعود وأكمل بالفرنسية" " "Avoir dit la vérité m'a laissé sans amiقول الحقيقة يتركني بل صديق"!. ضحكنا جميعا وقمنا لنغير ملبسنا ونستعد للفطار والعمل . ---*** --عددنا حوالى ثلثين طبيبا ؛اكتشفنا أنه لم يكن لدينا عمل؛ كانت اليام تنقضى فى التجول فى السوق وأحيانا تحضير الطعام ولعب الكوتشيتة والدومينو والشطرنج ،بينما كان البعض يقضون وقتا ل بأس به فى الصلوات وتلوة القرآن ؛كان فى صحبتنا ملحظ صحى يحرص على مصاحبتنا فى السوق ؛كان الجميع يعرفونه بل استثناء ،يمد يده ليأخذ زوجا من الزغاليل أو 5بيضات ول يعط البائعة ثمنها ،تعجبت من تلك "الفردة" التى يقبلها على نفسه؛ومازلت ل أعلم هل كان يأخذ على النوتة؟أم هى فردة كما بان لى ؟ أوشكت أيام الشهر على النفاد؛قبل أن نعود الى القاهرة لنسلم أنفسنا لدارة التجنيد ،فكرنا فى زيارة معالم أسون،اختلفنا فى برنامج الزيارة ،تدخل أولد الحلل وانتهى بنا المر إلى التفاق على الذها ب الى أسوان وكوم امبو وادفو واسنا والقصر وقنا أيضا .. أثناء العودة من رحلتنا قال لى خالد " اذا كانت التماثيل حرام ،فما بال ا سبحانه خلق الجمال فى الكون ،كما وضعه فى هيئة أشكال عديدة من المخلوقات ،فى النسان والحيوان وفى الطبيعة الخلبة ؛فى الزروع والجبال والبحار والنهار ، ..وال فكان من الولى أل يخلق الجمال حتى ل ينصرف الناس عن ا ويعبدوا الجمال ! أذكر هذه اليام بشوق وأذكر أيضا هؤلء الزملء الذين سقطوا فى سجل النسيان أو الغربةأو الموت . ***
162
2 تجنيد قبيل معاهدة كامب ديفيد بشهور ؛مصادفة ؛ فى منطقة التجنيد قابلت الدكتور طه! أخذته بالحضان،مازال يميل الى البدانة بالرغم من منظره الشاحب ؛ خف وزنه كثيرا،عرفنا أن كل خريجى هذا العام تقريبا من الطب والصيدلة والطب البيطرى وطب السنان والعلوم والهندسة والتجارة والحقوق سيلحقون كضباط احتياط ،تسلمنا المخالى وضربوا لنا ميعادا لنجهز انفسنا ونستعد للسفر إلى وادى الجن ! وادى الجن؟! نعم؛كانت شهرة وادى الجن قد ذاعت بيننا كالنار فى الهشيم ،قيل لنا إنها منطقة مجهولة على الخريطة ،عرفنا أنها منطقة فى أعماق الصعيد ، وان اسمها الحقيقى غير معلن ،وأن هذا السم مجرد اسم حركى فقط ،تفاوتت الفكار عن وادى الجن ؛ البعض قال إنها منطقة مليئة بالثعالب والعقار ب والتعابين ،آخرون ادعوا انها منطقة غير موجودة على الخريطة ،زميل لنا قال انه ليمكن الخروج من السكن فى الليل هناك لن من يخرج فى الفضاء سوف يعرض نفسه للعيب الجن ووحوش البرية ،والبعض قالوا ربما تكون على حدود السودان ،وأن الوصول إليها ل يمكن إل عن طريق سيارات الجيش فقط ،ولنها منطقة عسكرية فل يمكن لى مدنى الذها ب إليها أو حتى معرفة مكانها. تجرمعنا وأندسسنا فى صناديق عربات الزل المكشوفة التى تحركت بنا من مركز التجنيد بالحلمية، أخذت تجو ب شوارع القاهرة ،لول مرة أشعر أننى بالعراء ،كانت العربات مسرعة ،ل أدرى لماذاهذه السرعة بالرغم من إتساع الوقت ،فمازلنا بعد العصر ،وسوف نأخذ قطار الصعيد فى الثامنة مساء تقريبا ،والمسافة كيلومترات ربما تعد على أصابع اليدين؛أو ربما عشرون كيلو متراعلى الكثر ،مع كل ملف أو انحناءة للعربة يتصايح الشبا ب ويتماسكون فيما بينهم خشية أن يطيرأحدنا فيهبط مرتطما بأسفلت الطريق؛وصلنا شارع رمسيس ،ثم محطة با ب الحديد حيث استقرت العربات ،قفزنا من السيارات ،لم تأت الساعة السادسة مساء ،باقى أكثر من ساعتين على ميعاد السفر. هناك عربتا قطار محجوزتان لنا ،عددنا يفوق الثلثمائة ،لم ننتظر دخوله المحطة ووقوفه بجوار الرصيف ،حملنا المخالى على أكتافنا وسرنا فى طابور واحد إلى مخازن القطار بداخل محطة مصر ،سلم عربة القطار مرتفع عن الرض بمسافة كبيرة ،بدأنا نتقاذف المخالى ونتدافع للصعود ،البعض اقتنص مقعدا وآخرون ظلوا واقفين،بعد اكثر من ساعة ؛سار القطار مسافة 163
قصيرة ثم توقف أسفل الجمالون الحديدى الشاهق الرتقاع حتى يقوم فى ميعاده وقد ازدحم بالركا ب ،بعد قليل ارتجت أرجاء المحطة بصفير القطار ،مع الرهاق جلس الواقفون فوق المخالى ،ظل الجميع يتحدثون ويتندرون ،عند منتصف الليل خفتت الصوات ،ساد الصمت مع حركة القطار الرتيبة ،كانت مناظرنا مؤسفة ونحن مرهقين مكومين كيفما اتفق على المقاعد وعلى أرض القطار أو فوق رفوف المتعة ،البعض اتخذ المخلة وسادة وأراح رأسه عليها ،فى ضحى اليوم التالى هدأ القطار من سرعته حتى وقف فى محطة رأينا اسمها مكتوبا على يافطة مثبتة بماسورتين على الرض "إسنا" ؛حملنا المخالى وغادرنا القطار. بمخرج المحطة؛ شاهدنا بعض الباعة السريحة يقفون ببضائعهم؛ أحدهم يبيع أقماع السكرالجلد وآخر يبيع العرقسوس ،وثالث يحمل قربة على ظهره ويبيع أكوا ب مياه ،هناك عربة يد عامرة باللون الخضر؛كانت عامرة بالخيار ،الرهاق والجوع والعطش قد أخذوا منا مبلغا وافرا ،هجمنا جميعا على العربة ،الكل يمد يده ،من يقضم ومن يضع فوق الميزان ومن يمل يديه قبل ان ينتهى الخيار وديقضى عليه ،ومن يبحث عن الفلوس فى جيبه..أو يبحث عن كيس أو قرطاس يضع فيه الوليمة ،وقع البائع فى حيرة بالغة ،خلل دقيقتين أو ثلثة صارت العربة جرداء ،ل أثر للون الخضر بها ،سحبها البائع وهو يتضاحك معنا سعيدا بتلك الفرصة اليتيمة التى أعتقد أنه قلما يفوز بها ،هؤلء الباعة عادوا إلى بيوتهم فى هذا اليوم مجبورى الخاطر. فى الصعيدأخذتنا السيارات المكشوفة مرة أخرى إلى حيث ل ندرى ،كلما سارت بنا تضاءل العمار ،بعد حوالى ساعة هدأت سيرها ،تقريبا انعدم العمار ،دخلنا ثكنة عسكرية؛ هبطنا من السيارات كلما نظرت حولك ل تجد سوى صحراء مترامية الطراف ،فى الشمال والجنو ب والشرق والغر ب أيضا ..ليوجد مكان على مرمى البصر يمكنك تمييز أى حياة فيه أو اللجوء إليه عند اللزوم! ،أخبرونا أننا صرنا داخل الموقع ،المبانى من دور واحد أرضى ،موزعة فى المنطقة الصحراوية الشاسعة التى نقف عليها ،المعسكر مقسم إلى شوارع وحارات؛ لون المبانى الموحد يشبه لون الرض الرملية ،يغلب عليه اللون الصفر.مجموعات المبانى من دور واحد متشابهة ،عبارة عن حجرات تفتح على الصحراء ،عندما نفتح البا ب فى الظهيرة يدخل الهواء ساخنا ،كل مجموعة من المبانى لها اسم مميز ،تتكون من عدد من تلك الحجرات التى طليت بلون أصفر باهت ربما يضاهى لون الصحراء ،تم تسكيننا فى تلك الحجرات ،كل حجرة بها سريران أو ثلثة ،هناك دول ب صغير فى الحائط ،كنا ثلثة ؛عندما دخلنا الحجرة المخصصة لنا وجدت بعض علب السالمون وفوارغ المربى الصفيح مهملة على الرض ،قال لى زميل سمعت أنهم يضعونها فى رجل السرير ويملؤنها بالماء ،لبد أيضا من إبعاد السرير عن الحائط حتى ل يتعرض لهجمات العقار ب.. صرنا طلبة ضباط احتياط ؛ فى الصباح شاهدنا رجل يقف أمام الطابور ،على كتفه 4شرائط ، قال لنا صفا ..انتباه أعرفكم بنفسى أنا باشاويش الطبلوى ،كل مجموعة مسئولة عن نضافة "الفيلل " الزم الهدوء مرنك له ..تكرر مزاحنا فى الطابور ،كنا نتندر على كلمة "الفيلل " تضايق الباشاويش وزعق فينا قائل :اسمع ياطالب؛ أنا ممكن أزحرفك وأر رقدك وأمنع عنك الميه، وأقول لك اجمع ياطالب ...هدومك وسخه ليه؟ وأحطك فى السجن! ضحك البعض ،والبعض استهجن هذه اللهجة واستاء منها ،اعتبروها ارهابا ل محل له ،كنت أنظر إلى مايدور حولى بعين المتفرج أو عين الغريب ل عين المشارك ،اعتبرت نفسى ضيفا ،فى المساء كنا نسخر من تلك 164
المصيبة أو ذلك الفخ الذى نصب لنا ،هل هذا هو التجنيد الصح؟ كان الوقت يمر ،النظام والتعب والرهاق لم يعطنا فرصة لكى نشعر بالغربة ،اليوم كله مشغول فى التدريبات والطوابير والوامر ،قبيل الغرو ب كانت تنتهى أعمال الجندية ونبدأ فى العشاء ثم نخلد إلى الراحة ثم النوم فيللتنا ،فى المساء يكون الماء مقطوعا تقريبا كل يوم ،فناطيس المياه تمل صباحا و تفرغ بعد الظهر ،ننتظر حتى تجىء عربة المياه لتمل الفنطاس ،ل أحد يعرف متى تجىء العربة ،تعودنا على تلك الحياة ،كل واحد معه زجاجة مياه احتياطى ،كان الطبلوى يقول لنا :اسمع ياطالب.. لما تسمع صوت الصفارة عفريت يشيلك من الفيلل ويحطك فى أرض الطابور ! ضحكنا ، وارتفعت أصوات ضحكاتنا ،حتى ان الطبلوى بانت على ملمحه عدوى الضحك ،ولكنه فى الحال تماسك وعاد إلى المساك بتلبيب وظيفته ،تجهم وجهه ،وقال سكوت ياطالب ..امنع الصوت منك له! . *** مع مطلع الشمس ،سمعنا الصفارة الولى ،توجهنا إلى دورة المياه ،الكل يريد أن يدخل الحمام ويحلق ذقنه والبعض يريد أن يتوضأ ،أخرج طه كريم الحلقة والفرشاه وموس الحلقة ومرآة صغيرة وضعهم على إفريز الحوض أمامه ،فتح سرسو ب المياه وبدأ فى اعمال الرغوة الكثيفة فى ذقنه ،بمجرد أن حلق جانبا واحدا انقطع السرسو ب وسمعنا صوت الصفارة ،قمنا جميعا ،قال أحد الزملء لطه ،قوم و سيب دقنك زى ما هى..الشاويش قال عفريت يشيلك !بالرغم من فقدان طه عدة كيلوجرامات إل أنه مازال سمينا ،يميل إلى القصر ،استجا ب للكلم وقام يعدو إلى أرض الطابور ،دون أن يكمل حلقته ،كان يهرول كمن يتدحرج على الطريق ونصف ذقنه اليمن محلوقا ،بينما النصف اليسر مازال مكسوا بطبقة كثيفة من رغوة ثلجية بيضاء .واجهه الباشاويش الطبلوى بوجه خشن ،عبس وتساءل منزعجا وهو يحدق فى طه :إيه ده ياطالب ؟ سايب الرغوة على دقنك ليه ؟ انتزع طه ابتسامة وقال بصوت مؤد ب : حضرتك قلت لنا على موضوع العفريت يعنى إيه ياطالب ؟ يعنى عفريت شالنى من الحمام حطنى فى أرض الطابور زعق الطبلوى فى وجهه محاول أن يتماسك من الضحك: أجرى يا طالب روح كرمل حلقتك وإياك أشوفك كده تانى !! تلك اليام عودتنا على الخشونة وقوة التحمل ،لم أكن شخصيا متبرما بها ،ولكن أحيانا أتبرم باللعقل أو اللمعقول ،فكيف يحملك عفريت من مكانك ويلقى بك على أرض الطابور ؟ صباحا تحت شمس محرقة؛ كنا واقفين فى أرض الطابور ،سمعنا الميكروفون :من يسمع اسمه ينزل أرض الطابور ،توالى النداء على عدد من السماء ،بينما سرى الهمس فى الطابور عن تلك السماء ولماذا نزل هؤلء بالذات إلى أرض الطابور ؟ استمر النداء دقائق؛ فجأة سمعت اسمى ضمن من سمعوا اسماءهم ..بعدهاسمعت النداء على باهر؛ طلب مناأن نجهز المخالى 165
ونستعد للعودة غدا للقاهرة ،تعجبت كما تعجب الجميع لهذا الخبر ..عدت ضمن من عادوا؛انتلقت يومها للقاهرة مستكمل فترة تجنيدى فى مستشفى للعاملين المدنيين بمصر العتيقة،بينما توجه باهر مع قائده الى مرسى مطروح! أتذكر أيامها كلم باهر ،وقتها تدهورت العلقات بين مصر وليبيا ،لم نكن نتوقع ذلك ،لول مرة يحدث خلف حاد بين الدولتين ،أو بين الرئيسين ،أنور السادات والقذافى ،دفع السادات بعض الحشود إلى ليبيا ،أيامها قلت لباهر ماذا ستفعل إذا قامت الحر ب ؟ وانت بالقر ب من الحدود الليبية ؟ ضحك بطريقته المتفائلة ،وقال سوف أرفع البالطو فوق سونكى البندقية واسلم نفسى للقذافى !! *** 3 استلم عمل بانتهاء التجنيد عدنا لنتسلم عملنا ،البعض من أصحا ب الحظوة حصلوا على نيابات التخصص فى فروع الطب التى يرغبونها ،أولئك هم أصحا ب المجاميع أو الوسائط العالية ،استقر معظمهم فى شمال مصر،خصوصا بالقاهرة أو السكندرية ،آخرون ذهبوا لقضاء فترات اجبارية فى الجنو ب ،عدد كبير سافر خارج البلد ،آخرون استقالوا من الحكومة بعد أن تعينوا داخل شركات ،عرفت طبيبا يعمل مترودوتيل فى فندق كبير وآخر أسعده الحظ بميراث ضخم ،يشمل عمارتين فى وسط المدينة ،و تريللة ينقل بها مواد بترولية مما جرنبه مشقة فتح العيادات والتسول،وثالث قرر العمل فى كافيتيريا بالهرم يمتلكها أحد أقاربه .اعتقدت أننا أنهينا خدمة القطاع الريفى ،لبد أن أذهب إلى الوزارة أول؛ هناك أعدنا كتابة رغباتنا ،فوجئنا بإعادة توزيعنا مرة أخرى على القطاع الريفى،استلمنا خطابات الوزارة،كنا نسمع عن أطباء قضوا ردحا هائل من أعمارهم مغمورين بالريف ،تعجبت من اطالة مدة الخدمة هكذا،انجراف الطبيب للعمل دون أن يكمل دراسته التخصصية قد يصل به إلى مرحلة اللعودة ،لبد من التفرغ للتخصص؛ الوولى أن تشجع الوزارة الخريجين على اللتحاق بالدراسات العاليا ؛قيل لنا إنها سياسة دولة! مادام الوضع هكذا ،لبد أن يكون هناك عوض عن اهدار الوقت دون دراسة ؛ طلبنا أن تكون خدمة القطاع الريفى فى مدينتنا ،وافقت الوزارةبسهولة تحسد عليها؛ كنا مشحونين بالمل فى "تكوين" مستقبلنا كما يقولون ،كيف تكون مستقبلك ؟ كان باهر يضحك متفائل وهو سعيد بعودته إلى مدينته وأهله ،كان يقول لى :احنا زى السمك نفطس لو خرجنا من هنا ! إلى المديرية عدنا ،معنا أوراقنا وثقتنا كاملة أننا ذاهبون إلى القطاع الريفى؛ مازال الدكتور مطراوى المدير العام موجودا بالمديرية ،فى اليوم الذى وصلنا فيه كان الوزير موجودا بالمدينة؛ يصاحبه المطراوى وفرقته ،لحقنا بهم فى المستشفى العام ؛كان الوزير طويل وجيها ؛سريع البديهة ؛يسير مسرعا والمطراوى كأنما يتدحرج ويتدقلق بجانبه محاول اللحاق به ،حولهما هالة من البشر ،ينظر الوزير وهو يعبر الكوريدور المؤدى الى العيادات الخارجية؛ يمد يده إلى كمر علوى أمامه ويخبطه بيده قائل ترا ب ..ترا ب يامطراوى! !نظر الوزير الى دورة مياه تنبعث منها روائح كريهة أثناء وقوفه مصادفة ،صاح موبخا..إيه الوساخة دى يا مطراوى ؟!لول مرة نشعر بانكماش المطراوى وتقلص حجمه،لم نستطع فى هذا اليوم سوى أن نضحك ونحن نشاهد أيضا أصص الزرع والورود والرياحين التى أصطفت على الجانبين والتى يبدو أنها لم تلفت 166
نظر الوزير ،بهاأصناف لم نرها فى المستشفى من قبل ،تذكرت منها حنك السبع وعباد الشمس والكاسيا والرياحين والورود ذات الرائحة الفواحة ،وأصناف أخرى لم أعرف لها أسما ،كدنا نفطس على أنفسنا من الضحك ،صاح باهر أخيرا حتى الورد مش عامل مفعول ! *** ظللنا فترة نتحدث عن وحدات القطاع الريفى بالمدينة،هناك وحدات يتبعها كثافة سكانية عالية، ووحدات أخرى على العكس،ل يتردد عليها سوى أعداد بسيطة من المرضى .بمكتب المدير العام تركنا أوراقنا ؛ فى اليوم التالى،تسلمنا خطابينا من السكرتير ،على خطابى وجدت تأشيرة بالقلم الجاف الحمر بخط واضح وصغير" يلحق بمكتب الصحة " نطقت الكلمة وقد اختلط التعجب بالضيق :مكتب الصحة !رفع باهر عينيه من على خطابه قائل فى ذهول :مستشفى الصدر ! طلبنا أن ندخل للمدير ونناقشه فى المر.. يا باشا احنا قوة قطاع ريفى.. وماله؟ وماله يعنى إيه ؟ حاجة العمل ل تسمح ،أنت عارف انت وهو ان القطاع الريفى هنا محدود ،ومليان على الخر بالدكاترة . رد باهر :أكيد الوزارة عارفة شغلها ! وزارة إيه يابنى؟ أنت عاوز تفهم وأل ل ؟ رد باهر متأففا :عاوز طبعا ! اسمع ..انت بتاع الصحة ؟ ل ..بتاع الصدر يعنى بتاع الصحة ماتكلمش وانت المسحو ب من لسانك ! انت صدر يا أخى يعنى مكان يأركلك بغاشة ! بغاشة ؟! أيوه بغاشة ..سمعت عن البغاشة وأل ل ؟! قلت لباهر مكتب الصحة يتبع الوكيل الوقائى ،سوف أدخل له ،وأناقشه فى الموضوع ،أنا ليس لدى أى فكرة عن مكاتب الصحة !عدنا الى نفس الحجرة التى رأيناها أول مرة ،هى هى لم تتغير منذ أن رأيناها عندما قدمناالى المدينةلنعمل طبيبى امتياز ،كان الطبيبان الكهلن جالسين كالحملين الوديعين ،الوكيل العلجى الدكتور الزنفلى غائب ،قابلنا الدكتور سالم الوكيل الوقائى بوجه بشوش ،بعد اللقاء تأكد لنا أنهما مازل منزوعا السلطات؛ كان كلمه كله منصبا على أن 167
النسان من الفضل أن يرضى بما قسم له ا .حاول أن يقنعنايومها أن ما يفعله ولة المور هو من ارادة ا وقدره. *** توجهت لتسلم عملى بمكتب الصحة ،بينما تسلم باهر عمله بمستشفى الصدر؛ لم أدر ما أفعل ؟ قابلنى أحدهم بشعره الفضى وأسنانه المتكسرة الصفراء ،عرفت أنه الباشكاتب ،قلت له صراحة ،أن هذا ليس مكانى ،واننى لم أكن أقصد المجىء الى هنا بعد التخرج ووجع السنين ،أنا ل أفقه أى شىء فى مكتب الصحة ! ابتسم وقال وهو يتسلم منى خطا ب استلم العمل ،ول يهمك ،حتعرف كل حاجة فى يوم واحد ،وأشار بسبابته وهو ينظر لى ويبتسم ويكمل ..ل فى ساعة واحدة ! جلست على مكتب خشبى ضخم ،تنقلت عيناى فيما حولى لتأمل حوائط باهتة عليها آثار من طلء جيرى قديم ،وجدت يداى تمتدان إلى أدراج المكتب ،أخرجت بعض الوراق القديمة ،وبدات أتفرس بها ،شهادات ميلد وشهادات وفاة ،وكيس صغير فتحته وجدت فيه ختم النسر ،قال لى الباشكاتب ،هذا عهدتى ،مددت يدى اليه وسلمته الختم ،فيما بعد عرفت أن ختم النسر هذا أهم من الطبيب وباقى الموظفين الموجودين بالمكتب كله. بعد أيام عرفت أن الباشكاتب يقوم بكل شىء ،بداية من استقبال الجمهور ومناقشته في طلبه ؛ و إعطاء الحقن بالضافة إلى ذهابه إلى المنازل حسب التفاق؛ لجراء عمليات الختان،أفهمنى أنه عملة نادرة ،يمكن بأمثاله الستغناء عن الطبيب ،اذن فالباشكاتب يعرف كل شىء! كنت أقضى الساعات فى قراءة الجرائد والمجلت ،وحل الكلمات المتقاطعة ،وأسأل من حولى أحيانا عن بطل جنو ب أفريقى يبدأ اسمه بحرف النون ،أو عن نهر شهير فى أمريكا الجنوبية ينتهى أيضا بنون ،أو عن زعيم من زعماء مؤتمر باندونج عام 1955أو عن أول رئيس لمريكا ؛ أو رواية شهيرة لفوكنر ،أو صاحب لوحة المونا ليزا ،على كل حال كان الوقت يمر ،أحيانا أتلفت حولى وفوقى لرى العناكب وهى تنسج خيوطها فى أركان السقف بتراخ وكسل ،ألحظها وقد أوقعت ذبابة فى شباكها ،كنت ألحظ التغييرات الظاهرية التى تحدث لها كل يوم ،حتى نشأت بينى وبين العناكب ألفة ،وصرت شغوفا بأحوالها .تعودت أن أوفر أصناف المشاريب المطلوبة ؛ شاى وبن ونس كافيه وغيرها ؛بعد شهور صرت أسأل نفسى ؛ وماذا بعد ؟ لم أرتح للمكان الذى أعمل فيه ،زهقت وأصابنى ملل ،أحسست أن عقد اليام ينفرط من بين يدى ،يقول المثل عندما ترى مصائب الخرين تهون عليك مصيبتك ؛ بالرغم من موافقة باهر على عمله فى مستشفى الصدر أمل فى الحصول على أى تخصص حتى ولو لم يكن يرغب فيه ،إل أن المدير المطراوى قرر أن يسد به خانة؛نقله ليعمل مديرا بوحدة رعاية أمومة وطفولة من المفترض افتتاحهامع احتفالت أكتوبر ! من حين لخر كنت أذهب انا وباهر إلى المديرية لمقابلة الوكيل الوقائى عسى أن يجد لنا حل .أثناء خروجنا من مكتبه قابلتنا موظفة جديدة ،صاحبة جسد فياض عندما تتحرك تهتز عجيزتها خيلء وعجبا !كنت أخشى أن يقوم زلزال كما كان يغنى محمد رشدى ! أردت الحوار معها ،سألتها إيه رأيك فى موضوعنا يا أستاذة؟ ردت باهتمام :أى موضوع ؟ عندما وجدتها جادة ،اضطررت أن أتكلم معها بجدية ،وشرحت لها موقفنا وعدم توزيعنا بالقطاع الريفى كما جاء فى خطا ب الوزارة؛ لمحت علمات الهتمام بادية على وجهها ،أعطتنى اسم أحد العاملين 168
بالوزارة وقالت لى اذهب اليه وقل له بطة تهديك السلم ؛سوف يساعدكم .عندما قلت لباهر ،رد ساخرا ..ربما يكون عشيقها وأل...قلت له ل يهم ،المهم اننا نسير وفقا للعقل والمنطق ،إذا كان فى هذا الطريق مصلحة لم ل نسلكه؟ للم نعرقد أنفسنا ونسير عكس التجاه؟ لم يعتقد باهر فى كلمى؛ ورفض أن يسافر معى .لم أكذ ب خبرا ،سافرت إلى القاهرة ،بالوزارة سألت عن الرجل ،دلنى أحدهم على عامل بوفيه ؛عندما وصلت إليه رأيته مسنا محنى الظهر يحمل صينية بيده ،ويتجه بها ناحية دورة المياه ،بجوارها ركن يقوم فيه بتجهيز الشاى والقهوة وباقى المشاريب للزبائن من وكلء الوزارة والموظفين والعمال ،تعجبت ،وقلت لبد انه مقلب ، وتذكرت كلم باهر وأسفت لعدم موافقته على رأيه. صباح الخير ..صباح النور يا بنى ..عم زكريا ...أيوه خدامك زكريا ..النسة بطة بتسلم عليك ..بنت أختى ؟ ا يسلمك ويسلمها ..اى خدمة أقوم بيها ؟ حكيت له الموضوع ،تعجبت عندما أخذ منى الخطا ب القديم ،وقال :تعديل .جهز لى كوبا من الشاى الثقيل ،وضعها على صينية صغيرة قدمها لى قائل اقعد هنا ،أخذ الخطا ب واختفى بين الردهات ،جلست دقائق ارشف الشاى واتفرج على المارة بالكوريدور ،وفجأة ظهر الرجل مبتسما وهو يقول :البحر الحمر ياسيدى ..جاركم.. مش بعيد ..قلت ماشى ،شكرته ،وحاولت أن أكافئه على عمله ولكنه أبى ،تركت مبلغا بسيطا على الصينية وأخذت الخطا ب وخرجت مهرول لعود إلى مدينتى استعدادا للذها ب الى البحر الحمر . ***
4 مبروك يادمهجة! عندما علم باهر ما حدث معى ،حاول أن يفعل ما فعلته ،سافر إلى الوزارة ليقابل عم زكريا أبلغوه أنه فى إجازة ،عاد من سفره بخفى حنين ،سافرت الى البحر الحمر ،برأس غار ب فرح الطبيب القاهرى الموجود بالوحدة بوصولى حتى يمكنه إخلء طرفه ؛ استلمت العمل وأقمت بمنزل مجاور للمركز،تذكرت أيام اقامتى بسكن الطباء وماكان يدور بيننا ،و تلك الرائحة الطيبة التى مازالت تتهادى إلى من نافذة البهو القديم عندما يأتى المساءيصحبها نقيق الضفادع من
169
الحديقة المجاورة ،هناك قابلت النائب الدارى لول مرة عندما كنت قادما لستلم العمل طبيب امتياز ومعى باهر. تعرفت على شخصية مهمة ،جودة عامل وطباخ أيضا ،عرفت أن له صلة قرابة بالمدير المالى ، تقريبا خاله ولكنه ل يقول صراحة ،يتصادف أن أقابله على الدرج ،أقف معه قليل ،أناوشه وأجاذبه الحديث ،اكتشفت أنه يحب القراءة ،يوميا يحمل معه الجرائد وكتابا أو أثنين ،يشتريها مبكرا من كشك الصحافة الوحيد ؛يفرح باللقاء ويشعر أن هناك متنفسا لهمومه ،يضع حقائبه وأكياس الطعام على الرض برفق حتى ل يصيبها مكروه ،يخرج منديل ليجفف عرقه. فى المساء كان الضجيج عاليا ،يقول :الشارع صار مزدحما بعد أن كان هدوءه ممل ،لم يكن يتواجد فيه سوى عدد قليل من التلميذ وبعض الموظفين والعمال السريحة؛ الن صارت عربات نقل البضائع مثل الشاحانات والثلجات ل تهدا ليل نهار ،وتتم عملية إنزال البضائع مصحوبة بصخب وأصوات رتيبة تاك تاك ،وكما أن العربة الثلجة يصاحبها صوت دوى الموتور الذى ل يطفئه السائق حتى تظل البضائع محتفظة ببرودتها ،هذه العملية عندما تحدث فى الليل فإنها تكون غاية فى الزعاج؛ ويكون من المحتم الذها ب إلى حجرة بعيدة -اذا كانت هناك حجرةخالية للنوم فيها -أو مضطرا ألجأ الى النوم متقلبا على السرير ،مع وضع الوسادة فوق رأسى حتى تغطى الذنين تماما فى محاولة لستجل ب النوم .قال لى جودة إن العربة الثلجة تخص المدير المالى للوحدة الصحية ،والمخازن والثلجة أسفل المبنى الذى نقيم فيه ،وأنه اشتراها منذ شهور قليلةلنه "غاوى تجارة". عندما استيقظ تكون الشمس غائبة؛أنتهى من الصلة و قراءة الورد يكون اللون الصفر قد بدأ يطل عبر النافذة ،اسمع صوتا مكتوما لهديل الحمام ،اصواتا صغيرة هامسة لزغاليل عرفت أنها تعشش مع أمهاتها فوق سطح مطبخى تماما ،تعبر عن فرحتها بالحنان والطعام وعن رغبتها فى المزيد؛ يحكى لى جودة ان هذا الحمام خاص بالمدير المالى وانه ل ينفق عليه مليما واحدا دائما أسمع صوت جودة وهو يتحدث فى المطبخ ويجادل العاملين الموجودين معه ،لكل منهم طلب خاص ،نادرا ما يجتمعون على صنف واحد من الطعام يطلبونه حتى ل يتعبونه معهم ، أحيانا أقابله فى السوق حامل الخضار والفاكهة واللحوم ،تكاد ساقاه ل تحملنه ،ولكنه حريص على شراء كل ما يحتاجه مطبخه العزيز. بين حين وآخر يصعد جودة ليصطاد زوجين أو ثلثة من الزغاليل ،سألته مداعبا وماذا لو وقعت فى يدك حمامة أم ؟ قال انها تحدث كثيرا ،وسكت ثم أردف سبحان ا! ،لو كانت هذه الم راقدة على بيض أو لها صغار فإن البيض يجد من يكمل المسيرة ويرقد عليه ،وكذلك الصغار ،هناك الم البديلة التى سرعان ما تقوم بالمهمة وتطعمهم كأبنائها تماما . *** أنا الن بعيد بعيد ..جنوبا بالقر ب من الساحل ،المركز الذى أعمل فيه يطل على البحر ،الشمس تغلف المكان ونشوة تسرى تنهض سيقان الزروع وتبعث الورود والرياحين من أكمامها ،تفوح بعبقها الحانى ،سطح المياه الفيروزية الممتد يبدو من تلك النافذة التى فى مواجهتى ..يوميا ينتهى 170
جودة من أعمال النظافة ؛ يجهز شاى الصباح ويضعه على المكتب ،أتطلع إلى عينيه الذابلتين وشاربه السميك المتهدل على جانبى وجهه ،كرشه المكور يدفع معطفه البيض إلى المام أى خدمة أقوم بها؟ شكرا يا جودة ..ل تنسى تجهيزالسلطة. هو يجيد الطبخ ؛ أنا ..أستطيع فقط أن أسلق البيض أو أقليه؛ أحيانا أقلى السمك بالزيت عندما يغيب جودة؛ غالبا ما نتناول طعام الغداء سويا بعد النتهاء من العيادة الصباحية التى يأتى إليها عدد ل بأس به من المرضى ،كنت أكتب لهم علجا خارجيا بالضافة إلى أدوية المركز المحدودة.أحب السمك مع الرز ،هنا تعلمت صيد السمك فى أوقات الغرو ب ،بعد أن أدمنت الصيد صرت أتناول السمك من يد جودة بصفة شبه يومية . أعشق البحر ؛ أراقب الن مجموعة من الكل ب السارحة فى تلك المسافة الفاصلة بين البحر والشاطىء ؛تأكدت أنها عائلة تحيا حياة متكاملة تماما ،بهرني منظرها وهى تعاقب أحد أفرادها يوما؛ كما بهرتنى عندما ارتفع نباحها وتجمهرت إثر إصابة أحدها بشوكة فى قدمه .عن اليمين والشمال تناثرت فيللت لعمال البترول ،تمتد مساكنهم بحذاء الشاطىء ،كل فيلل مستقلة محاطة بحديقة واسعة .بامتداد الفق هناك مدرسة ابتدائية ومحل صغير للبقالة كتب على لفتته " سوبر ماركت" ؛ يوميا فى المساء يجىء إلى المركز الستاذ على ناظر المدرسة ،يجلس معى قليل؛ نحتسى الشاى ثم يغادر ؛قال لى يوما :الولد هنا عمليون ل يريدون الندماج فى الدراسة ، أحدهم سمين ينام فى مكانه؛ عندما يكون متيقظا يعبث بساعةرقمية فى يده ،يخرج كومة من السندوتشات والعجائن من حقيبته ،عائلته تقطن إحدى الفيللت المجاورة،يجلس الستاذ معى حتى أتثاء ب ؛ يبتسم فى أد ب وينظر فى ساعته ويستأذن خارجا وهو يقول :الساعة عدت 11 ..الوقت سرقنا.. *** عادة أقابل مرضاى فى أى وقت من الليل أو النهار ،غالبا ل يأت أحد فى عمق الليل؛ اللهم إل حالت الولدة أو الحوادث أو اللم المفاجئة والمغص بأنواعه ،تعرفت هنا على مهجة ،مهجة تسكن قريبا من الوحدة ،تعودت التردد عليها ،كانت حامل ،ترعرعت بينها وبين جميع العاملين بالوحدة صداقة وحميمية ؛ تعرف تاريخ الوحدة الصحية منذ إنشائها ،تتذكر أسماء قدامى هيئة التمريض والطباء والموظفين ،تعودت تقوم بمساعدة التمريض والستجابة لطلبات الوحدة الصحية مادامت فى استطاعتها ،توجد لفتة على با ب المركز " الكشف والعلج مجانا " منذ أيام استدعيت لفيلل جارى ،كانت مهجة على وشك الولدة ؛الذها ب إلى المنازل يمثل لى مشكلة؛ وخصوصا هنا ،فاجأتها آلم الوضع ليل ،الولدة فى عمق الليل وفى هذا المكان البعيد عن التجهيزات للطوارىء المحتملة يمثل خطورة ؛ تقريبا كانت الولدة السابعة -ما شاء ا- اطمأننت على حالتها وتركت معها القابلة الشهيرة بالمدينة ،لمهجة أبناء فى المعاهد والكليات الخاصة ،طمأنت زوجها بأن الولدة طبيعية ووشيكة .
171
بالمس شاهدت من نافذتى عجل سمينا بحديقة فيلل جارى ؛ ظللت أسمع خواره فى أوقات متباينة من الليل والنهار ؛ يعلو صوته فى أواخر الليل و مع مطلع الفجر ،حاولت أن أقدر ثمنه؛ تسليت بالحسبة التى أدرتها فى ذهنى ؛ وجدت المبلغ ضخما ..كان جارى يضع له كمية هائلة من البرسيم والعلف الجاف . بعد أيام جاءت بابنها الوليد إلى المركز ،ألقت السلم ؛ أزالت الوحشة من صدرى؛ رددت عليها السلم بصوت جهورى وابتسامة رسمتها على شفتى ؛ رحبت قائل: مبروك من قال لك على اسمه؟ ك! اسمه؟! أنا عاوزأبارك ل ل بارك ا فيك وعليك ،سماه أبوه مبروك على اسم جده"مبروك رابح مبروك" ؛جئت لدعوك إلى عقيقة مبروك .شكرتها ؛ تذكرت يوم أن كنا طلبة فى الكلية ،ذهبت الى باهر ولم أحلق ذقنى كما كنت أنوى ؛ كنت جالسا مع والده نتحدث سويا عندما دق جرس البا ب ودخل مصطفى وهو تلميذ بالعدادية عرفت أن والده تاجر مواشى وغنم و مريض بالربو منذ أكثر من عشرين عاما ؛طلب من باهر أن يحقن أباه ،ذهبنا اليه وحاولنا اعطاؤه حقنة بالوريد ولكن المحاولت باءت بالفشل ؛كل الوردة متخثرة وهربانة؛كدنا نيأس من حالته جلسنا معه ؛لم نصل الجمعة فجأة ظهر الدم بالمحقن ؛فرحنا و فرح الرجل ،أثناء خروجنا حلف على الطلق أل نغادر دون أن نتغدى ،روحه عادت اليه ،كان مجهزا لنا مفاجأة؛فقد ذبح خروفا ؛عدت من ذكرياتى على صوت مهجة متسائلة :عندكم ميزان؟ ميزان؟ أيوه ..عاوزه أوزن المبروك لقد تسلمت المركز قريبا وسوف نطلب ميزانا من الدارة.. ردت ساخرة: يا عيني! .وحدة صحية وتقولون مجانية ؛ ول يوجد لديكم ميزان ؟ حاولت أن أغير الموضوع ؛ قلت: هل كلكم تفهمون فى الزراعة؟ تبرسمت وقالت: تقصد إيه من سؤالك؟ أرى حدائق محيطة بالفيللت ؛ وكلها تقريبا مزروعة بطريقة ممتازة .
172
نعم .هناك جناينى مخصص ،أكثر من واحد؛ كلهم يشرفون على الحدائق ،سوف آخذ الرجل المخصص لنا هنا ليزرع لى حديقة منزلى الذى بنيته فى البلد ،لقد رفع رابح خمسة أدوار – وأشارت بأصابعها الخمسة -وحولها مساحة كبيرة خصصتها للحديقة ! ياه ؟ لبد أنه جناينى قديم! نعم! إنه يفهم فى جميع أنواع الزراعة الشتوية والصيفية ،يفهم فى زراعة الخضر والفاكهة بأنواعها ،يفهم فى الكنتالو ب والفراولة والزهور والورود بأنواعها ..قالت لى جارتى إنه يعلم أبناءه فى الكليات الخاصة ،عشرون ألفا فى العام ،وثلثون ألفا للخر ،سألته: كل عام؟ أجا ب: نعم ؛ كل عام دون السكن والمواصلت! يوم السبوع ذهبت للبى الدعوة ،نحر العجل السمين عقيقة لمبروك. *** الوقت هنا فيه متسع للقراءة والستجمام ؛ قال لى جودة أنه يحرص على الذها ب الى معرض الكتا ب ،وقال انه ينوى على إجازة موافقة لموسم المعرض ،ليشترى بعض ما ينقصه من كتب ،عندما افتتح المعرض ذهب ولكن لم يستطع شراء سوى القليل مما أعجبه ،وقال نفدت أموالى وتعجبت من ارتفاع السعار ؛ لم أتأكد ..أهو ارتفاع فى السعار ؛ أم ندرة المال فى جيبى ؟ مرت شهور ؛لحظت فى اليام الخيرة كثرة تردد مهجةعلى الوحدة ،تسألنى مهجة بإلحاح؛ وهى تنظر إلى ثدييها فى المرآة : هل لدى ثدى مهدل عن الخر ؟ ابتلعت ريقى ؛ و أعدت النظر والحسا ب تخاف من المرض اللعين ؛ ارتديت القفاز وتحسست المكان المصا ب ؛ وجدت كتلة تشى بالصلبة فى المنتصف ،حولها إفراز مدمم ،وشىء كالمخاط ..طبعا هناك فرق واضح.. لم أقل لها ذلك ؛ تركت المر غائما ؛حتى ل تفقد المرأة صوابها . قلت لها: لبد من السفر لجراء بعض التحاليل .. ***
173
عدت من إجازتي القصيرة لجد المركز وقد خرجت أمعاؤه ؛ عرفت أن المقاول قد بدأ العمل ، "أعمال التجديد والصيانة " هكذا يسمونها ، ،نزع البوا ب والشبابيك ..قام بتكسير السيراميك الرضي والحائطي.. قلت :وما الداعى؟ قالوا :هكذا المناقصة. بعدها قام بتكسير النوافذ وإزالة الملط تساءلت بدهشة ممزوجة بالحزن: النوافذ سليمة وملط الحوائط على ما يرام. رد بخشونة : لبد من اللتزام بكل البنود .أرسلت خطابا الى الوزارة أشكو فيه من التخطيط غير الواعى ، الفلوس تصرف فى غير مكانها السليم ،ول يؤخذ رأى طبيب الوحدة ،هناك نقص فى الدوية والجهزة الطبية ،وطلبت نقلى ان كان الحال سيستمر على ما هو عليه.
*** لم يغادر طيف المرأة ذهني ،هى ل تدرى ما أفكر فيه واعتقده ؛ أخاف أن ينتشر المرض اللعين فى جسدها ؛ هى ترفض أن يكون أحد ثدييها مشوها ،هذا حقها ،واجبها أيضا أن تخاف وأن يدفعها الخوف إلى البحث عن علج ؛ وهذا أيضا شعور مطلو ب ،النسان وحدة واحدة ..لن تسعد المرأة إل بتساوى الثديين ،اليمن واليسر ؛ لو ترك هكذا سوف تهاجم الخليا باقى الجسد ؛ستنفى عن الثدى الخر روعته ودفئه وليونته وتدفقه بالحياة ،ستهاجم العظام والكبد والطحال ،ستأتى على الرئتين ؛ ستقضى على البناء كله ،سينهار الجسد رويدا رويدا نعم كلنا سنسعد باعتدال الدفة ،هل افتقدنا السيمترية و صرنا كالجسد المشوه؟ مجرد أشلء متجاورة تحتاج إلى جراح ماهر ينفى عنا الخليا الكولة المتطفلة ؛ التى تنهش الجسد نهشا ! نصحتها بالسفر لعمل البحاث اللزمة ،حتى ل يميل القار ب وينقلب مع عنف أمواج الداء.. *** تناولت رشفة من فنجان القهوة الموضوع أمامى على المكتب ،سمعت طرقا خفيفا قلت :ادخل ..تبسمت وهى داخلة ؛ تبدو كأنها ل تكترث ول تعرف شيئا عما يدور داخلها ؛ انتزعت ابتسامة رسمتها على شفتى .. أمازلت هنا يا مهجة؟ نعم يا دكتور.. 174
لن يفيدك البقاء ،يجب أن تبحثى عن حل لمشاكلك ..لبد أن تذهبى إلى هناك. ل أحب السفر ،أنا فى حيرة ،أل ترى أننى قد تحسنت ؟ سكت برهة وقلت: أريدك أن تأخذى المر بجدية قالت : ذهبت إلى ضاربة الودع ،وسألت شيخا طاعنا فى السن ،وعدنى أعرابى بعلج سيحضره لى، أجلت السفر قليل! ***
5 دراسات عليا كنت أخشى أن تتسر ب السنوات وأتكاسل فى البحث عن التخصص ،بانفلت الزمن يبدأ الطموح فى الضمحلل ،وتبدأ الجذوة فى الخمود ،بعد أسابيع قليلة فوجئت بخطا ب من الوزارة،فرحت به وفتحته متلهفا ،وجدت به قرار السيد الدكتور وكيل الوزارة بالموافقة على نقلى الى الواحات على أن ينفذ ويتم اعلم الوزارة والمديرية بذلك .الواحات ! لم أطلب النقل الى الواحات !غلى الدم فى عروقى ؛بالرغم من أننى أردت السفر لرى ذلك المكان ،ولكن هذا ليس وقته ،متى أستكمل دراساتى التخصصية ؟ زبانية الوزارة ل يهمهم شىء سوى تسديد الماكن الخالية على قطعة الشطرنج دون تأمل فى مدى عقلنية القرار ،كل دفعة أطباء يتخرج فيها حوالى الفان أو أكثر ،العدد فى اللمون؛بجرة قلم تتغير مصائر؛ يرتفع ناس وينخفض أخرون ، صرت مكتئبا ،عدت إلى مدينتى لمكث فى البيت ،لم أنفذ المر،انقطعت عن العمل ؛ احتياطيا أبلغت المديرية بمرضى ،اتصل بى باهر وبرشرنى أنه توجد فرصة عمل فى مستشفى خاص بضواحى القاهرة الكبرى ،وافقت وسافرت؛عندما سألت عن مكان المستشفى لم أصدق ال عندما قال لى أكثر من واحد ان هذا المبنى القديم بداخله المستشفى ،يطل على طريق ترابى مكتظ بالناس والسيارات وباقى المركبات من كل صنف ،وهناك العديد من الباعة الجائلين ومحطة اتوبيس ،الجو مليء بالتربة والغبار وعوادم السيارات ،قابلت مدير المستشفى ،حكى لى عما أسماه هو بعض "السرار" أو "الخفايا" فى العمل ،رعرفنى بقيمة الكشف وقال لى إن الكشف ماهو إل مدخل؛ مدخل فقط لتعا ب الطبيب ،سألته ماذا تقصد؟ قال لبد من الطمئنان على المريض ،يعنى إذا كان المريض يشكو من مغص كلوى ،فل يكفى أن يأخذ حقنة لتسكين اللم 175
،بل لبد من تركيب محلول ولمانع من عمل آشعة ولبد من طلب تحاليل وهكذا ..أخذنى بعدها إلى أعلى؛ وقفنا فى صالة ضيقة تطل على ثلث مداخل لثلث حجرات معتمة باهتة اللون ، حوائطها مطلية بالجير فيما يبدو ،هناك حجرة واحدة مشغولة ،نظر إلى الحجرة المشغولة، هناك مريض يرقد وحيدا على سرير أكله الصدأ وقد تدلت أنبوبة من زجاجة محلول معلقة بحامل معدنى انغرس محقنها فى ذراعه،قال :القسم الداخلى ..لبد من المواظبة على الحضور ..أحيانا يكون عندنا عمليات ،تضايقت ،أين حجرة العمليات ؟ أخذنى إلى الدور الثانى العلوى وقال لى قسم العمليات ،حجرة فى وسطها سرير عمليات قديم ،ومصباحين وجهاز تخدير بدائى ،بينما يتدلى من السقف كشافان قديمان علهما الصدأ والتربة وخيوط العنكبوت ،أحسست بألم وانقباض ،أثناء النزول قال لى تعال لترى الصيدلية .وجدتها عبارة عن دولبين أو ثلثة بجوار مدخل المستشفى لم تلفت نظرى عند الدخول ،قلت كمان صيدلية؟! أجا ب طبعا وضحك ضحكة خائبة قائل الخدمة عندنا متكاملة ! قال لى هيا لترى باقى القسام تعجبت من كلمة "أقسام " ،نظر لى وقال الشعة فى غاية الهمية ،رأيت جهازا مركبا على ناصية عمودين بوسط الصالة ،نظر اليه وقال الشعة ..قسم الشعة ..سألت عندكم طبيب اشعة؟رد :طبيب الشعة ؟! أنا ..أنا أفهم فى الشعة كويس . تبسمت وأنا أنظر إليه ؛ كان مزيجا من الحاوى والدجال والطبيب؛ يتكلم مع المريض بما ل يعتقد هو شخصيا فيه ،أمل فى الفوز بالفلوس وطمعا فى محاولة إقناع من الممكن أن تؤدى إلى الشفاء.فى هذا الوقت كانت البلد فى حالة قلق وفوضى ،قتل السادات وتغيرت القيادة ولم تعرف الناس لها مصيرا ،فى المساء أسرعت إلى باهر وحكيت له ما حدث ،قال لى أنت ل تعرف صاحب المستشفى ،قلت ل ،أنا قابلت المدير فقط ،توقعت أن يكون هو صاحب المستشفى ، أخبرنى باهر أن صاحب المستشفى يعمل سائقا بالصحة ،كان يقضى المساء جالسا فى كشك صغير أمام بيته القديم المقام على مساحة واسعة أمام حديقة ،الدورالول والثانى مشغولن بالمستشفى ،والدور الثالث اسأجرته شركة قطاع عام ،أما الدور الرابع فكان سكنا للسطى صاحب البيت ،حكيت له عن أحوال المستشفى ؛
لم أستمر فى هذا المكان سوى اسبوعين ؛ بعدها تركته هربا ،وخصوصا انه قد جاءنى انذاران من العمل ؛ بالثالث أكون قد استنفدت انذارات الفصل من الحكومة! عرفت فيما بعد من باهر أن السطى صابر السائق صاحب المبنى صرف مبالغ طائلة كما يقول لكى يطرد الشاغلين ،دفع مبلغا كبيرا لحد المديرين لكى يوافق على إخلء "العين" ؛ وأخيرا خرج هو واسرته من الدور الرابع ،ذهب ليقيم فى شقة كان مؤجرا إياها ،كان قد استلمها من المحافظة منذ سنوات تحت بند "زواج حديث" بعد أن مضى على زواجه أكثر من 12سنة، أخلها و نقل عفشه هناك ،صار المبنى فارغا ،أخلى المستشفى وسرح الطباء ،ونفذ خطته فى إقامة مشروع عمارة ضخمة ،رأى الناس المعاول تد ب فى المبنى المتهالك ،بدأوا يتساءلون ، كثرت طلبات الحجز ،تحول السائق إلى رجل مهم ،أقام مكتبا بدل من الكشك ،وعلق عليه لفتة كبيرة "مكتب الصابر للمقاولت العمومية " يمارس فيه نشاطه و يقابل زبائنه من طالبى الشقق والمكاتب والمحلت وكذلك العمال والمقاولين. 176
نصحنى باهر أن أتخذ قرارا فى موضوع النذارات التى ترسلها المديرية ،حتى ل أفاجأ بفصلى ،تذكرت على الفور النسة بطة بمكتب المدير العام ،أخشى أن تكون قد تركت مكانها ،ذهبت اليها وجل ،لحسن الحظ كانت ماتزال موجودة ،أبلغتنى اننى تأخرت وأن الحل بيد الوزارة ، أخشى أن ترفض مساعدتى هذه المرة ،أو ربما يكون خالها عم زكريا قد ترك الديوان !فرحت عندما وجدتها رحبت برغبتى فى الذها ب إلى الوزارة واعتبرتنى مندوبا عنها لزيارة خالها ،وطلبت منى أن أوصل له رسالة ،يوم السفر عرفت ان الرسالة لفافة كبيرة ،ألصقت معها لفافة أخرى عامرة بالجمبرى والجلمبو الذى حرصت أن يكون مثلجا لقصى درجة حتى يتحمل السفر ،وضعته فى حقيبة ،وضعتها داخل علبة فوم وضعت الخير داخل كيس بلستيكى كبير وأغلقته باحكام . الجو حار ،أثناء سفرى ؛ فى محطة الباص قابلت وجها معروفا؛ الدكتور قمر الدين ،تعجبت لهذه الصدفة ،جلسنا متجاورين ،لحسن الحظ كانت السيارة مكيفة ؛ يصل الى سمعنا صوت رتيب لموتور السيارة وتبريد الهواء ؛ سألته عن أحواله ،وعن أسهل طريق للحصول على دبلوم التخصص ،فى تلك اللحظة تذكرت اننى أضعت فرصة ذهبية للحصول على التخصص عندما كنت بالمستشفى العسكرى التى تخدم العاملين المدنيين ،كان بها خليط من المدنيين والعسكريين، أيامهاتعجبت؛للمستشفى مديران؛ أحدهما مدنى والخر قائد عسكرى ،هو البريمو ،بعض الزملء المجندين استطاعوا أن يستغلوا الفرصة ويسجلوا للدراسات عليا ،كانوا يتحدثون عن )فضة (؛ عرفت أنه موظف بقسم الدراسات العليا بإحدى الجامعات ،كان يقبل تسجيل أى طبيب فى أى تخصص يريده بطريقته الخاصة التى ل نعلم عنها شيئا بصرف النظر عن مجموعه ،المهم هو قيمة ما يدفعه من "فضة" ،رفضت يومها أن أدفع على سبيل انها رشوى ،لو عادت بى اليام كنت دفعت وخرلصت نفسى ،والوزر -فى رأيى -يتحمله هو لننى مجرد صاحب حاجة ومستحق لها. قال قمر الدين "أنا لم أحصل على دبلومة فقط ،حصلت ماجستير وزمالة ؛ الفضل ان تحصل على ماجستير ثم دكتوراه "! وقال إنه يتحسر على أيام زمان ،تساءلت لماذا ؟ أخبرنى انه أحس يوما بآلم فى أسفل الظهر ،فذهب إلى عيادة طبيب عجوز شهير ،عندما عرف التومرجى أنه طبيب سأله عن نخصصه ،عندما علم أنه لم يحصل على تخصص انفتح الحوار بينهما ،قال التومرجى ان طبيبه العجوز لم يحصل أيضا على تخصص! كان قمر الدين فى بداية حياته العملية ،تعجب وأنكر هذا الكلم وقال كيف وكل أهالى المدينة يذهبون اليه ؟ ودائما عيادته مزدحمة ! قال التومرجرى ان طبيبه دايما يقرأ؛عنده كتب ومجلت طبية وكل يوم والتانى يأتى البوستجى برزمة من الكتب والمجلت الطبية ..وأكمل :أنا بعون ا ممكن أشرغل العيادة وحدى ، تعجب قمر الدين قائل كيف ؟ قال أنا عارف العلج ،مضاد وحقن هيبابيكو وشرا ب فوسفوبلكس واذا كان فيه سخونه نضيف خافض للحرارة ،وفوت علينا بعد أسبوع ،سأل قمر الدين :يعنى الشهرة دى كلها أونطه؟ رد التومرجى العجوز أيوه..أنا ممكن ألبس البالطو أقوم بنفس المهمة بس المشكلة انى ماعرفش أكتب انجليزى !كان العلج أيام زمان حسب النكتة ؛ ششربة دوبلغة ! ظل قمرالدين منصتا ،مهتما جدا ومهموما ،يكمل التومرجى مواسيا كانوا زمان يجمعوا الدكاترة ويسألوهم مين عاوز يبقى اخصائى باطنة ؟ اللى يرفع ايده يكتبوا اسمه فى التخصص. 177
مين عاوز يبقى اخصائى جراحة ؟ مين اشتغل اطفال؟ وهكذا ! ولم يكن هناك اختبارات سوى خبرته وشهادة رئيسه فى العمل! *** أحسست أنها فرصة لستفيد منه ؛كان قد استقر فى المدينة واستراح لها ،أثبت وجوده بمهارته الفائقة فى العمليات الجراحية ،الدكتور شرف ينصحنابالستفادة منه ،يقول هذاالرجل لو ترك المدينة سيكون فقده هائل ،أرجر قمر الدين عيادة واستمر يعمل بها سنوات ،تدر ب على يديه أجيال من الجراحين ،قال لى انه أثناء دراسة الماجستير كان كالعادة مكلفا بالمرور على الساتذة فى عياداتهم أو مراكزهم الطبية التى يتواجدون فيها ؛ يظل يسعى ويدور حتى يناله التعب وسط العاصمة الهوجاء المشتعلة بالزحام والضجيج ،ينتظر حتى يؤذن له تكرما بالمثول بين يدى الستاذ المبجل ،حتى إذا ما حاز ذلك الشرف الكبير وصار أمامه وجها لوجه ،دار يمخيلته أنه كان من المستحب أن يأتى معه بمصور يأخذ له صورا تذكارية مع الستاذ .يذكر أنه يوما فكر أن ينتقم من أستاذه هنا فى مصر لكثرة تغيبه وسفره ،ومواعيده المضروبة !كان هذا الستاذ ل يهتم اطلقا بالطالب ول يقيم له وزنا ويحاول أن يشعره أنه مجرد حشرة أو نكرة ل وجود له تقريبا ،يومها كان على موعد مع أستاذه؛سافر قمر الدين بالقطار من الصعيد إلى القاهرة ،بذل وقتا وجهدا ؛عندما وصل إلى الكلية قال له السكرتير إن الستاذ خرج مع أصحابه ..انتظره باقى اليوم ولكن الستاذ لم يحضر ولم يكلف خاطره بابلغ السكرتير بأنه سيتغيب ،عاد قمر الدين إلى الصعيد خائبا بخفرى حنين . فكر الدكتور قمر فى السفر الى انجلترا للحصول على الزمالة؛شجعه والده الثرى فقد كان لديه عزبة بأسيوط بها اسطبل للخيول وزريبة للعجول والضأن وأرض زراعية شاسعة يعمل بها أنفار عديدون،تعجبت من قوة ارادته واصراره؛فالثراء من الممكن أن يكون حاجبا عن بذل الجهد وتجشم عناء السفر والغربة ؛ سافر ليتعلم وليرى كيف تعامل تلك الدول المتحضرة رعاياها ؟ ،وبالفعل فى انجلترا أحس بالفارق الكبير أو "بالهروة " كما قال فى التعامل وحصل على زمالة كلية الجراحين الملكية . *** بالوزارة؛ بالدور السادس شاهدت عم زكريا؛ عادت إلرى ابتسامتى ،تفاءلت خيرا ،سلمت عليه وضعت أشيائى على الرض وذركرته بنفسى ،قال أى خدمة؟ قلت أريد أن أعود لستلم عمل فى مدينتى؛ أخذ منى الطلب واختفى فى ردهات الوزارة بعد أن ترك لى كوبا من الشاى ،جلست انتظر واتفرج على أجواء الوزارة وأنا أحتسى الشاى؛ هذه المرة تأخر،لعب الفأر فى عبى ،بين حين وآخر تمتد عيناى إلى عقار ب الساعة،بعد حوالى ساعة وجدته عائدا ،وفى يده بعض الوراق
178
خير ياعم زكريا ؟ خير ..انت تعبتنى المرة دى ...الفندية بعتوا لك انذار أول وتانى وتالت..يعنى قرار الفصل كان على مكتب الوكيل .. وبعدين إيه العمل ؟ أبدا ..دخلت للسيد الوكيل طلبت منه القرار ،ولغيته؛ ورحت للموظف وكتب خطا ب استلم عمل موجه لمديرية الشئون الصحة عندكم.نائب تخصص .أمسكت برأس عم زكريا واقتربت منه وقبلت وجهه ورأسه بحميمية.تركت الكيس البلستيكى ولفافة النسة بطة وهرولت خارجا ؛ أفكر فيم كنت أفعل لو لم أتعرف على هذا الرجل ؟ *** أخيرا صرت نائب تخصص ،وضعت قدمى على الطريق ،كان من حظ باهر أن جاءه التخصص عن طريق مستشفى الصدر ،بعد أن تركها؛يقول باهر :كأن الدولة لتريد أن تمنحنا هذا الحق فى التخصصات التى نريد ،او كأننا ننزع قطعة من جسدها ،كنا نقابل البعض متعجرفا ،يتسم بثقل الدم والغلسة ،أكمل قائل ..أكون مخطئا عندما أزعم أن الدولة هى التى ل تريد ،فهى بريئة من هذا ولكن العيب فى ممثليها الرابضين على المكاتب !" منحتنى الوزارة "نصف تفرغ" كنت أعمل فقط ثلثة أيام فى السبوع ؛تخبطت قرارات بعض المديرين ،أحدهم كان يمسك العصا من المنتصف ؛ أثناء فترة الدراسات العليا ؛حصل أحد الزملء على "نصف تفرغ "؛ كان مديرا لحدى الوحدات الصحية ،منتظما فى عمله ،معه طبيب ثان ،وقع المدير على قرار بأن يكون أحد الطبيبين مديرا للوحدة خلل الثلثة أيام الولى و الخر مديرا للثلثة الباقية من السبوع ،كانت تحدث مصادمات ومواقف غريبة ،يوقع أحدهما على قرار ،فيأتى الخر ليلغيه ،وهكذا ،استغل بعض العاملين تلك الثغرة ،وزاد التخبط و الفرقة بين الطبيبين،وأوعز البعض لكل منهما بأن الخر يتحداه ول يعمل له حسابا حتى كانت بينهما معارك لم تنته إل بنقل أحدهما بعيدا عن الخر. فى العادة يظل الطبيب نائبا فى فرع التخصص لمدة عام أو عامين أو أكثر ،ثم يتفرغ للدراسة ليحصل على دبلومة أو ماجستير فى فرع التخصص،يمر عليه عام أو عامان أو أكثرأيضا للحصول على التخصص ،عندما ينتهى منها يظل نائبا كما هو مالم يقدم أوراقه للحصول على ترقية ورقية إلى مساعد اخصائى ،كان بعض الطباء – نظرا للحالة المادية المتردية – يفضلون البقاء نوابا لطول فترة ممكنة ،ول يتقدمون بطلب الترقية حتى يتمتعوا بالقامة المجانية فى المستشفى ،والحصول على وجبات مجانية وبدلت زهيدة مقابل قيامهم بأعمال النوبتجيات ، بالنسبة للبعض الخر كان الوضع مختلفا .فى الدراسات العليا كنا نسمع عن أنواع من الرق أو الستعباد ،ل يوجد لدى الدولة مخطط قومى لتلك الدراسات والمطلو ب منها !! مازالت تقع تحت هوى الساتذة مائة بالمائة ،الستاذ هو وحده الذى يحدد نوع الدراسة وموضوعها ،بصرف النظر عن عمليتها أو دورها فى فائدة المجتمع ،كان لبد لدارس الماجستير أن يطيع طاعة عمياء ،كما كان نائب التخصص الجامعى يفعل ذلك أيضا .قابلت زميل فى الربعينات ،يميل إلى السمنة،تعرفت عليه بقصر العينى أثناء الدراسات العليا ،أعجبنى فيه نقاؤه ،وصفاء قلبه،كان 179
يقف قليل عندما نرتقى السلم ليلتقط أنفاسه ،قال لى ان قلبه متعب ،اكتشف مؤخرا أن لديه ارتجاع فى الصمام الميترالى أدى إلى هبوط وتضخم بعضلة القلب ،لذا يحاول أن يغير تخصص النساء والولدة لنه ليستطيع الستمرار فيه ،تخصص يحتاج الى الخروج والستعداد فى أى وقت ،صحته الن ل تساعده ،وخصوصا بعد اصابته بجلطة ،أصر على توصيلى بسيارته ،طلب منى دفتر المحاضرات ،كان دفترا ضخما سجلته بخط يدى ،أعطيته له بعد أن وعدنى وعدا خالصا بأنه سيعيده بعد أن يستنسخه ،بعدها غا ب ولم أعرف له أثرا ،تحريت عنه وسألت باقى الزملء ، لم يعرفه أحد سوى زميل أبلغنى أنه من دمياط عندما انتهيت من دراسة الجزأ الول ،تلقفت أنفاسى وبدأت فى الشروع للبدء فى الرسالة ،أشرف عليها أستاذان،المشرف الحقيقى الذى قام بالجهد كله هو أحد مدررسى القسم ،كان شابا وجيها ،مشحونا بالصدق والخلص ،عند القترا ب من نهاية الرسالة أوصانى بالذها ب إلى الستاذ فى عيادته لمراجعة الرسالة وعرضها عليه ،كان الوقت ظهرا ،أخذت مخطط الرسالة فى يدى وذهبت إلى عيادته ببا ب اللوق ،تعرفت على المكان عندما أشار لى أحد المارة إلى اللفتة المكتو ب عليها اسم الستاذ ،صعدت إلى العيادة وقابلت التومرجى ،كانت العيادة خالية سوى من شخص واحد كان جالسا فى الركن ،انتظرت عندما قال لى التومرجى ان سفير اليمن موجود بالداخل مع الستاذ ،خرج السفير أمامى ،لمحت رجل قصير القامة،متوشحا بحزام وقد دس فيه خنجراهائل،وخرج الستاذ فى وداعه حتى با ب العيادة ،وجدته سارحا ،ضحك وهو عائد الى مكتبه قائل دنيا !! فوراعاد الى طبيعته ولمحنى وهو يدخل حجرته وقال لى متجهماتفضل دخلت الحجرة وراءه وأشار إلى المقعد أمام مكتبه ،عندما جلس كاد رأسه الصلع أن يختبىء تحت كومة الكتب الموضوعة أمامه بطريقة بوهيمية وإهمال فوق المكتب العريض،وقد اكتفى باضاءة خافتة من أباجورة موضوعة على المكتب ؛ عرفته بنفسى ،قال لى اقرأ ..قرأت ..من الصفحة الولى ،غضب وقال مندفعا البستراكت ..اقرا الملخص يابنى ..تعجبت ولكنى استجبت فورا .عندما قرأت قاطعنى قائل كفاية very good..وقد بانت علي وجهه علمات الستحسان ،فرحت ولملمت أواقى وفى داخلى حزن دفين ،هناك تمثيليات مكرورة نقوم بها ،رسخ فى ذهنى وقتها أن رسائلنا معظمها للحصول على الشهادة فقط وأنها فى الحقيقة ل تجدى فتيل لننا تعودنا أن نلقيها فى الدرج بمجرد حصول صاحبها على الدرجة. كان باهر قد اتفق مع أحد الساتذة على أن يبدأ فى رسالة الماجستير ،وبعد شهور سافر الستاذ المشرف واحتار باهر الذى بذل مجهودا رائعا وقطع شوطا طويل فى الرسالة ،قال لى مكتئبا تأكدت أن لدي الساتذة عذرهم عندما علمت أنهم يتقاضون مبالغ تافهة مقابل الشراف على رسائل الماجستير والدكتوراة و مناقشتها،مر عام ولم يعد الستاذ ،بعد عام آخر اشتكى لرئيس القسم الذى قال له :أمامك حل من ثلثة إما ان تنتظر عودة الباشا؛ أو أن تطلب تغييره هو والرسالة ،وعند اجتماع القسم نقرر ،والحل الثالث أن تستغنى عن الرسالةوتقعد فى البيت؛وأتبع كلمه بضحكة مجلجلة ! ***
180
6 سفر وعودة بعد حصولى على الماجستير لم أعد الى المستشفى بناء على تأشيرة من مدير مغرض أراد أن يسدد بى خانة فى احدى الوحدات الصحية ،لم أمانع ؛ وقتها كنت أرغب فى رؤية الجديد ؛بالرغم من أن العمل فى الوحدات الصحية كان يسيرا؛ مرت سنوات تم اقتطاعها من العمر ؛لم تكن تجربة مفيدة طبيا أو ماليا،كانت فقط مفيدة انسانيا،مضى مايقر ب عقد من الزمن ؛ معظم الزملء كانوا قد سافروا للعمل بالخارج؛ومنهم من يستعد للسفر ومنهم من يجهز أوراقه؛ كان زميلنا طه يتردد على مكاتب الحاق العمالة بالقاهرة ،شجعنى على السفر ؛لم يستغرق بحثنا عن عقد وقتا، وجدنا عروضا كثيرة فى أماكن متفرقة بالمملكة ،سافرنا سويا ؛ البعض نسى نفسه واستمرأ الحياة هناك وقرر الستمرار حتى يقضى ا أمرا كان مفعول. *** عدت مسرعا؛ غصة فى حلقى؛ لم أرتح للغربة وتحكمات الكفيل،بعودتى تعاظم احساسى بالغربة فى أرض الوطن! ظللت أياما ل أكلم أو أقابل أحدا،مرت اليام متكاسلة ،مازالت الوضاع فى بلدنا لتسر ،مازالت أكوام القمامة وطفح المجارى وضيق الشوارع وعطانتها و حوارى الكفور وروحها المميزةبالفقر كما هى ؛ بالرغم من فرحى بأشياء كثيرة رأيتها هناك ؛ كان من المفروض -بل من السهل -ان نحققها فى بلدنا قبلهم ،ربما كان حكامنا والحرو ب التى خضناها والسرقات والقرارات المتضاربة واللعب بالمال العام والنهب المنظم الذى تعرضت له البلد ، بالضافة الى افتقادنا للطار القوى والمحكم لمشاريع فى كل المجالت؛كل ذلك كان كفيل بسرعة خرابها وابتئاس شعبها وانحطاط خدماتها! كنت اتمنى أن أغلق عينى وأفتحهما لرى غول ضخما على هيئة لودر قد أقتحم المدينة وكفورها وأزالها ،تعود اناس كثيرون على الركون الى الفراغ وعدم الجدية ،دائما يتقاطرون على السواق والمستشفيات وأقسام الشرطة والمحاكم والنيابات ! ل احد يهتم بالشأن العام ،ارتبط فى ذهنى معرفة ا بالشأن العام !ل أحد يعرف ا؟ ا هو الشأن العام ! هو الخروج من الذات ،قرأت يوماأن الحاكم هو خليفة ا المسئول عنا أمامه ،هو المسئول عن الشأن العام ومسئول عن مد اليد إلى الناس ومحاولة مساعدتهم ! بعد سنوات تركت الوحدة التى كنت أعمل بها؛ فى هذا الوقت صدر قرار بإخلء الماكن التى تشغلها وحدات حكومية بمساكن الهالى وتسليمها الى أصحابها؛تم إعادةالمبنى الى أصحابه؛لم أكن أدرى أن الصحة كانت مستأجرة للمكان ! وعرفت أن العاملين بها قد توزعواعلى المستشفى والوحدات؛فى المديرية تسلمت خطابا للعمل بالمستشفى ،استلمت العمل ،صرت سعيدا 181
بتواجدى فى مدينتى ،مفعما بالرغبة فى العطاء ،اجتاحنى شوق لمقابلة زميلنا عبدول ،ذهبت إليه؛ فى بهو المستشفى سمعت صوتا ل أجهله ينادينى ،تلف ت ت ؛كانت سيدة فى الربعينيات جالسة على كرسى متحرك ؛ ومعها فتاه تمسك بمقود الكرسى ،حدقت فى وجهها،بشرة باهتة متعضنةوعتامة داكنة حول العينين ..أنا سامية يادكتور ؛تذكرتها على الفور ،سامية ..ياه ..ونظر و ت إلى أعل ناحية الفتاة قائلة بنتى ..؛ تحدثت مباشرة معى ..شفت اللى حصل لى ؟ بولينا وفشل كلوى وقالت .. renal failureباغسل كلى ،كانت تميل إلى السمنة ،لم أكن رأيتها منذ أن غادرنا المستشفى بعد عام المتياز الى القطاع الريفى؛ ابتسمت فى وجهى ابتسامة واسعة ،حدقت فى وجهها ،شحو ب هائل ..ياااه..سنوات طويلة ياسامية ،تصفحتها ثانية ؛حفر الزمن ندوبا بأياديه العفية،لمحت على وجهها حزنا بائساوجمودا ،اتضحت لى حقيقة مشاعرها؛أبلغتنى أنها أصيبت بصدمة بعد فشل زواجها من طه ،وطلبت أجازة بدون مرتب لرعاية أمها ،ثم تزوجت من ثرى خليجى ،وسافرت معه ،هناك أنجبت له خمسة ،ثلث بنات وولدين ،ظلت تجىء الى مصر كل عامين لتزور أهلها وتحاول اسعادهم بالهدايا ،ثم تعود إلى حيث منابع البترول .بعد وفاة زوجها عادت لتكمل ما بقى لها من أيام فى مصر . خرجنا سويا أنا وعبدول وتمشينا فى شوارع المدينة ،أيام مبادرة السادات كنا نرى آثار الدمار عالقة فى كل مكان ،ولماذا نذهب بعيدا ؟ فى بيتنا اخترقت دانة سقف حجرة جدتى وهبطت لتستقر داخل الحجرة ،أدى اختلل الضغط الى تحطيم كل محتوياتها،كانت جدتى تحتفظ بالهون تحت السرير،تهشم الزجاج وتفشخ خشب الدول ب بينما صارت يد الهون كقطعة الملبن الملتوية، دخل رجال سلح المهندسين وجدوا الدانة راقدة تحت السرير ،حملوها كما هى بعد أن أبطلوا مفعولها .تغيرت معالم المدينة ؛انتهت تقريبا مناظر البيوت الخشبية البغدادلى القديمة و البيوت المهدمة من آثار الحر ب ،تم إصلح العمارة الكائنة بمدخل المدينة بمساكن حى المثلث والمتروكة لمعاينه ومشاهده الضيوف ليتعرفوا على مثل من آثار دمار الحر ب ،ازدحمت المدينة بالناس والسيارات والموتسيكلت والدراجات والحمير أيضا ..كان السيوفى قد أحيل إلى المعاش ،تسلم عبدول إدارة المعمل بدل منه ،لنه القدم ،تزوج من مدرسة متوسطة الجمال،لكنها تنعم بجمال الروح ،صار زملؤه ينادونه بأبو مايسة التى أنجبها بعد 6سنوات من الزواج. حكى لى عن نفسه وعن الزملء سمير وخشا ب وصافى وعن الدكتور فهمى والمدير الجديد؛ وحكى حكايات أخرى كثيرة ..عرفت بعض الخبار عن الدكتور شرف وقمر الدين والغرباوى ودكتوره حنان والممرضات فايزة وسامية،قررت الذها ب الى باهر فى عيادته التى علمت أنه افتتحها أثناء سفرى بالخارج ،ولكنى لم أعرف أى خبر حتى هذه اللحظة عن مريضنا الشهير "أبو قطة" ! *** كان مبنى مديرية الشئون الصحية يحتل شقتين فى عمارة للهالى وسط المدينة بجوار حديقة النافورة المتاخمة لمبنى المحافظة،تم اخلؤها وانتقل الموظفون الى مبنى قديم متهالك ببورتوفيق تابع للكارانتينا يطل على الخليج ومدخل القناة؛ بانوراما رائعة ،تشرذم الموظفون وأصحا ب الحاجة ،كل من اراد توقيعا أو تقديم طلب ؛عليه القيام برحلة الى بورتوفيق ،تم الشروع فى 182
بناء مبنى مستقل للمديرية داخل أرض خاصة تحيط بها مستشفى الحميات ومبنى ادارةالسعاف من جهة ومن الجهة الخرى مستشفى الصدر وجراجات المديرية والقسم الهندسى وقسم الصيدلة ومخازن الدوية والتموين الطبى . بالعيادة الخارجية كنت أشاهد هذا الرجل العجيب ،بعد أن خرج الى المعاش كان يحرص على تواجده يوميا باستراحة عيادة الجراحة ،يجلس مندسا وسط المرضى خارج حجرة الفحص على مقاعد النتظار ؛ يجاذبهم أطراف الحديث ،يلعب طفل أو يجيب على سؤال إحدى السيدات ، يتشمم أخبار مرضى فى حاجة الى ختان طفل أو فتح خراج صغير أو عمل غيارات للجروح والحروق ،كان يصطاد حالت الطهارة ويقوم بعمل ديباجة فى ذم الطباء ول مانع أيضا من إفتضاح أمر أحدهم أو التجنى عليه إذا لزم المر ،أوتشويه صورته لخضاع ضحيته واقتناص ما تيسر له من حالت ،كان يرتمى على مقعد من مقاعد النتظار وسط المساكين من المرضى ، يعدهم بالقيام بالمهمة ،ويطلب منهم العودة مصطحبين مريضهم الى منازلهم ؛يفرح أهل المريض أو الطفل المراد طهارته عندما يعرفون أن الرجل سيأتى إليهم فى المنزل ،يصفون له العنوان ؛ ل يكتب ول يقرأ ،يسجل العنوان فى رأسه ؛بعد انتهاء موعد العيادة كان يقضى باقى النهار وزلفا من الليل فى التجوال بدراجته البخارية شمال وجنوبا ،شرقا وغربا ؛ يقوم بتمشيط المدينة بشوارعها وكفورها وأزقتها وحاراتها بحثا عن فرائسه التى كان قد اقتنصها بالنهار .فى الطريق قال لى باهر :هذا الرجل يكسب من المهنة أكثر من رئيس القسم ! سمعت عن وفاة عبدالعال دينامو الستقبال والطوارىء بعد إحالته الى المعاش بشهور ،يبدو أن النقلة المفاجئة تسببت له فى صدمة نفسية حادة ،بعد أن كان شعلة نشاط صار ل قيمة له ول طلب عليه. *** استلم ضاحى العمل فى قسم العمليات كان مسئول عن التروللى يحمل المرضى وأنابيب غازالكسجين من والى حجرة العمليات ،ل يكف عن مديح نفسه فى محاولة منه أن يشعر الخرين يقيمته ،كان ينظر إلى المريض وهو راقد على سرير العمليات يقول مبتسما لولى ما استطاع أى مريض أن يدخل أودة العمليات ،عندما أسترجع كلمه ،يتأكد لى كم كان محقا ، مازال معظمنا يسخر من العمال المعاونة ،مازال الناس يتأذون منها ،من يتمنى أن يعمل ابن له فى نظافة الشوارع مثل أو فى المجارى ؟ ل أحد تقريبا ،ولكن كم هى جليلة تلك الخدمات التى تؤدى لنا عن طريق هذين المرفقين؛ مرفق النظافة والصرف الصحى .بالقر ب من با ب حجرة العمليات تحلق حول تروللى المريض عدد من المرافقين ،جاء ضاحى وعلى وجهه إمارات التعجل ؛أزاح التروللى بيديه ناحية حجرة العمليات قائل لهم لو سمحتم لو سمحتم ، تشبس احدهم بالتروللى وقفز وراءه إلى حجرة العمليات ،زعق فيه ضاحى وهو يشيح بيده "اقعد استريح بره لو سمحت" لم يتزحزح الرجل ،فأعاد الكلم ماسكا نفسه حتى ل ينفعل والطبيب يراقب الموقف عن قر ب بجوار ترابيزة العمليات ..بره أقعد استريح لو سمحت ؛ لم يستجب الرجل ،وكزه فى كتفه قائل بصوت أعلى ..اخرج استريح بره يا اخينا ..آوت إكسو !.. انتشرت ظاهرة العاملت بنظام العقد الموسمى ،معظم العاملت الموسميات يطوين تحت جلودهن مآسى حياتية ،سمعنا عن كثير جدا من مشاكل لهؤلء البشر وأسرهم ،ل أدرى كيف 183
يعشيون على ظهر الرض ؟كيف يتنفسون ويأكلون يشربون وماذا يلبسون وأين ينامون ؟فعل لنا ر ب اسمه الكريم ! كانت تقولها احدى العاملت عندما تسقط فى يدها قروش أو جنيهات ! العاملت الموسميات لحقوق لهن ،ل تستطيع الموسمية أن ترفع صوتها على العاملة المثبتة ، فما بالك بالمعاون ! كان المعاون ممسكا قبضته على العاملت بصورة فائقة ،أحيانا نشكو للمعاون عدم وجود عاملت ،نسمع أنه عامل" فلوردة " عليهن ،وأنه يستقطع من بعضهن مبالغ شهرية حتى ل ينقلب عليها ويريها النجوم فى عز الظهر .تذكرت معاون المستشفى القديم ،عندما أقارن بين الثنين أجد فرقا بين السماء والرض ،كان رجل ظريفا ،سمينا جدا،فى النوبتجية كنا نقضى الوقت فى الحكى ،عرفت إنه زوج لمرأتين ،يقول ان ام العيال امرأة عنيفة؛ ل تعرف شيئا عن الزوجة الجديدة ؛ ويدارى وجهه كأنما يخشى أن تسمعه ،مع اليام تبلدت وصارت عنيدة ،وانها أسمن منه ،يبتسم عندما يحكى عن زوجته الثانية ويقول انها عكس أم العيال تماما ،وان ريحها خفيف وانها مثل غصن البان ،ويدير سبابته فى الهواء ،وانها تحبه بالرغم من منظره وجسده السمين ،وانه دائما يكون أسفل منها سواء على السرير أو على الكرسى،هو يفضل الكرسى لنه أسهل وأمتع بالنسبة لهما ،أتعجب وهو يضحك بصوته الجش الغريب. ازدحمت المستشفى بالموظفين والطباء ،ازداد عدد المغتربين من باقى المحافظات؛ تبوأوا مواقع عديدة ،الغالبية كانت تخدم الهالى بضمير حى ،بينما قلة دأبوا على النهش فى جسد المدينة بصورة لم يسبق لها مثيل ،حضروا بأجسادهم دون أرواحهم التى تركوها هناك عند مساقط رؤوسهم ،جاءت مع البعض افكار غريبة و حمقاء بل و شرسة فى غالب الحايين ،النصاف هى التى قامت وتتكلم فى هذا الزمن الذى يطلق عليه جورا اسم الزمن الردىء ،يقول فهمى إن الرداءة ليست فى الزمن ولكن فى تصرفات أصحابه ومعايشيه ،تتحرك هذه الفاعي والثعالب تحت جنح الليالى الكالحة؛ لتفعيل قرارات وهمية وخرقاء من أجل رغباتهم الدفينة . فى هذه اليام أبتليت المديرية برجل قصير ذى عاهة ،كان هذا الرجل ذو العاهة خطيرا ،لم يكن يألو جهدا فى إظهار غير ما يبطن ،كان يبدو فى صورة الحكيم الهادىء او ال ب الرؤوف الحاد ب على مصلحة أبنائه ؛المشفق عليهم؛ تصادف ظهور المعونات المريكية الموجهة ،دأ ب المذكور على الهتمام بالحجر دون البشر ،اتخذ طريقة شاذة فى عمله ،عادة ما تؤدى إلى شذوذ آخر ،عندما يدخل عليه أحد الموظفين كان وجهه يحتقن ،وتتبدل سحنته ،ويبدو عليه الضيق والشمئزاز ،صار الموظفون كارهين لمقابلته ،لعلمهم بزلقة لسانه وسوء أدبه ،يتساءل البعض فى الخفاء وهم ينظرون إلى الورم بجسده ،والذى لم يتعظ به ؛ حقا إنه جبار ! أدوية كثيرة تكتب للمرضى غير متوفرة بالمستشفى ،يكتب الطبيب ويضطر المريض أن يشتريه اذا كان قادرا ، يلجأ الطبيب إلى مداراة المريض حتى يتجنب إثارة المشاكل معه،عند نقله من المديرية عرفنا أنه صار مالكا لحد الشاليهات على الخليج ؛ وعدة شقق ،وأرصدة محترمة بالبنوك .. ***
184
7 باهر وعيادته بالمقارنة بالعمر؛كانت طويلة تلك السنوات التى انطوت فى الحصول على التخصص ثم السفر؛ ولكنهاكالحلم مرت بالرغم من احساسنا فى الغربة بتوقف الزمن أحيانا ؛ بعد عودتنا؛ صارت احلمنا موجهة نحو العيادة ،نعم ؛ فتح العيادة مصدر الرزق وكيان الطبيب! مربط الفرس ،وخصوصا فى مصر ؛أحد العيون الربعة التى سمعنا عنهاوضحكنا أثناء دراستنا بالكلية ؛العيادة والعروسة والعمارة والعزبة ! هل سمعت عن طبيب مشهور دون عيادة ؟ يقول الخشا ب ان العيادة مفسدة للطبيب ،بمعنى انها قد تعلمه التجارة وتنسيه الطب ،بينما يقول فهمى إن هذا الكلم فى حقيقته فشل ،اختار معظم الطباء مواقع فى أشهر شوارع المدينة إزدحاما ،بينما استمر آخرون فى أطراف المدينة ،كان طه يقول ان الطب لبد أن يمارس من خلل المستشفيات فقط ؛دأ ب وصيف على عمله بثلث عيادات فى أماكن متفرقة بالمدينة ،البعض لم يهتم بالمكان معتمدا على أن الرزاق على ا وعلى كفاءته الشخصية التى ستجذ ب اليه المريض حتى لو كان فى آخر الدنيا ،لم يسافر باهر ،كان قد ترك دراسة الماجستير وانهمك فى عمله اليومى للحصول على ما يؤهله للزواج ؛افتتح عيادته طبيبا عاما؛كان تحتها مقهى كبير ،فى المساء نتلقى ومعنا بعض الزملء ؛نتحدث سويا عما نقابله فى حياتنا اليومية،وعن الناس والسياسة وآمالنا وأشياء أخر،سمير وفهمى يهويان الشطرنج ؛ وزارع وخشا ب ل يغيران الطاولة ،أنا وباهر نكتفى بالفرجة والتحكيم ،باهر يحتفظ بهما فى مكتبه للضيوف ،نسعد باللقاء الذى تحول مع تكاثف المشاغل الى مرتين اسبوعيا ،ثم اكتفينا باللقاء مرة واحدة ،جعبة باهر محشوة بحكايات قلما تنفد؛ يحكى لنا عن مفارقات صادفها فى عيادته،يستطيع بكل بساطة أن يمل الوقت بالحكايا الجاذبةوالنكت التى كنا أحيانا نظل منصتين لها حتى مطلع الفجر ..يضحك سمير قبل أن يحكى باهرالنكتة التى تقال عن الصعيدى الذى ذهب الى معمل التحاليل ليجرى تحليل للبول ؛ فاجأه السكرتير بطلب خمسة جنيهات،أجا ب مغتاظا كيف خمسة جنيه؟ الدكتور فى الصعيد ياخداتنين جنيه؛ وكمان البول من لعنده! فى أوائل أيام عيادته؛ كان باهر يظل جالسافى مكتبه منتظرا أى مريض،كتب على العيادة خدمة ليلية ،وجهز حجرة للقامة ،كان يقيم معه ضاحى؛ يقول عنها انها حجرة لكبار النزلء؛ ويردف معظم الوقات كنا ل نجد شيئا نفعله ،بدأنا نأكل ونأكل ،كانت البتسامة فى وجه ضاحى والكل يعوضانى عن الفراغ و الحباط الذى انغمست فيه ،نمد أيدينا لنخرج أرغفة من الثلجة ،ندخل الى المطبخ لنشعل البوتاجاز و نسخن العيش داخل الفرن ،نعود إلى الثلجة لنبحث عن غموس ، 185
جبن أو زيتون أو بيض أو خضار مطبوخ ،أو لحم ،عندما نجد لحما يكون حظنا هائل ؛ أنا ل آكل اللحم كثيرا ،ضاحى يحب اللحم ،ننشغل عن التفكير بقضم الرغفة ،وبتقشير البصل وتقطيعه ووضعه فى الطبق ،يحب ان يأكل مع التونة أو الفسيخ ،أو الرنجة ،عندما يكون هناك رنجة آكل كثيرا ؛ أمل بطنى ،أشر ب بعدها ماء حتى تنتفخ ،أقوم لتخمد حتى ل أفكر ول أصحو ول أدرك هذا الواقع الليم ،يخرج ضاحى مبكرا ليذهب إلى المستشفى ،عندما أصحو أنا أحاول أن أشغل نفسى قبل الخروج بغسل المواعين و تحضير الشاى الثقيل".. يقول أنه عندما يزهق من النتظار كان يجلس على كرسيه الثير بالشرفه ليتفرج على الطريق، يوما جاء نادل المقهى مستبشرا ويطلب الحلوة ،سأله باهر مستفسرا حلوة إيه؟ قال إنه حجز له مريضا،وقدم له المشروبات والشيشة حتى تفتح العيادة أبوابها ،وقف النادل أمام الطبيب وهو يفرك يديه ببعضهمامتبسما ومنتظرا ،اتضح ان المريض ليس مريضا بل مأمور ضرائب جاء لعمل معاينة ..أثناء فترات فراغه الطويلة كان باهر يتنقل بين المكتب والشرفة ،عندما كان جالسا بالشرفة شاهد رجل يضر ب امرأة بالبوكس فى الطريق،احتج باهر على المنظر ،حاول التدخل لردع المعتدى،رفع صوته ليهدد الرجل ؛ نظرت إليه المرأة المضروبة وزعقت فى وجهه :فيه إيه؟ واحد بيأد ب مراته ،عاوز حاجة ؟ *** قال باهر ؛كان معى سكرتيرة بالعيادة طلبت السكرتيرة سندويتش كبدة ،كما طلبت معونة ، وعلجا للرق وآخر للنحافة وحاجة للمساك؛ويكمل ..شفيقة الشامى أوقعتنى فى ورطة دون أن أدرى ،ربما تكون العاطفة الهوجاء هى السبب ،هى التى جرجرتنى اليها ،ولكن الحمد ل ! سجنت مثل سيدنا يوسف ،مع الفارق !نعم كنت فى ورطة ،ل يحلها أحد ،ول يستطيع أن يحلها أحد فى اعتقادى ،سوى الدعاء الى ا واللجوء اليه ،كثيرا ما لجأت اليه فى مواقف كثيرة ،ووجدت عنده الحلول،وكانت الحلول بسيطة وذكية وغير متوقعة أيضا ،ربما نرى المشكلة عويصة وضخمة،مثل تلك السيدة السمينة التى تعانى هبوطا فى القلب وأصيبت بانسداد فى المعاء وقالوا لها ان حياتك صارت مهددة ،جاءتنى،ركبت لها أنبوبة رايل و بعض المحاليل الوريدية ،وحقنة شرحية .فى المساء تركت العيادة سليمة،سكت قليل وأردف أكثر ما يضايقنى هو انعدام الفهم بين الطبيب والمريض؛ بعد أن كتبت العلج للطفل سألتنى أمه:كتبت للواد مضاد "حلوى"؟ أيوه..نظرت الى الروشتة فى يدها وقالت ..فين هو؟ فى الجزخانة...يعنى مش فى الروشته؟...أيوه مكتو ب فى الروشته..كم؟ 500وال 1000؟قلت ل..250 ..مصمصت شفتيها قائلة :ما يعملشى حاجة .. انتى درستى الطب ؟ طبعا احنا عارفين اسمعى ونفذى ! خرجت مزمجرة وهى تقول مش مهم ..نروح لواحد تانى ! *** 186
استرسل باهر فى حكاياته قائل أحد المرضى وصف شكواه ،ثم قال وهو يجز على أسنانه: التعب من مدة ..مدة مدة حقيقى الحرقان كتير ..كتير كتير حقيقى با رنزل دم ..دم دم حقيقى عايز علج ..علج حقيقى رد عليه باهر قائل دخد العلج..دخده حقيقى ..ان شاء ا تخف ..تخف حقيقى !. *** اتكأ بكوعه على المنضدة ؛ أشعل سيجارة ونفث دخانها فى الهواء وتبرسم قبل أن يتكلم وقال متذكرا ..يوما جاءت سيدة تشكو من زائدة جلدية بأعلى الصدر ،تتحسسها بأصابعها وتمسكها، وقالت أنا أكره الزايدة دى لن العيال بيلعبوا فيها؛ حكى عن عامل النظافة الواثق به ثقة عمياء، كان يعانى من سنط ،وتينيا ملونة ،بالرغم من فقره ؛ أصر على دفع قيمة الكشف ،قال فهمى كأنى أتعامل مع مليونير ؛حرسسنى إنه مليونير ؛ رفض أى تخفيض ..سبحان ا ؛ صرف له الصيدلى حمض السالسيليك المركز لعلج السنط ،واستمر الرجل فى استعماله يدهن به بقع التينيا أعلى صدره وكتفيه وظهره لثقته فى الطبيب بالرغم من الحريق الذى شب فيه لم يزل مستمرا فى العلج حتى احترق جلده ؛أما تلك السيدة التى بلعت اللبوس ،وذلك الطفل البائس الذى كانت أمه تصر على أن تسقيه الديتول بينما تبلل قطعة الشاش من زجاجة شرا ب الفيتامين وتضعها على الجرح ،جاءت تشكو للطبيب من أن طفلها يشكو من مرارة الدوا ،وتقول أيضا إنها تعرف أن الدوا لزم يكون مر علشان يجيب نتيجة مع الرعيل! حكى أيضا عن تلك السيدة التى جاءت تشكو من طفح جلدى وآلم ناحية البطن واللية اليمنى ،كان باهر محرجا من طلب الكشف عليها ،فى سن الشبا ب عادة يكتفى بالسؤال عن العراض والتاريخ المرضى للحالة ليتضح له التشخيص ،وخصوصا بين حريم منتصف العمر والفتيات الصغيرات ،هم لكتابة العلج ؛سألته السيدة باهتمام: مش حاكشف؟ قال أيوه ماشى .. نظرت إلى ملبسها الضيقة قائلة : أفك كل ده إزاى ؟ انتى اللى طلبتى! يعنى لزم أكشف؟ ممكن ناخد علج تجربيه الول 187
وينفع علج من غير كشف يادكتور؟ طب يالل اتفضلى اكشفى برضه عاوزنى أكشف ؟ رد بزهق ..ها ..نقفل البا ب وأل نفتحه؟ أفهم !؟.. دخلت خلف البارافان ،وبدأت فى خلع ملبسها ببطء ممل قطعة قطعة ،نظر إليها وقد تعرت تماما ..تعجب من سلوكها !قال لها غطى نفسك! وحتشوف إزاى يا دكتور ؟ حاشوف الجزأ المطلو ب بس ! حاضر .. عندما انتهى من الكشف جلس يكتب الروشتة ،وقال المس بالليل والمرهم بالنهار ؛فسألته : المس بالليل ؟ نعم طب والمرهم ؟ عكس الليل ؟ عكس الليل ؟ النهار ! يبقى بالنهار ! يعمل باهر فى عيادته بشجاعة وهمية ،كان طبيبا عموميا ،اشتهر فى الحى بصورة لفتة للنظار ،صورة قد يغبطه أو يحسده عليها زملء المهنة،يحاول جاهدا أن يقنع المريض بما ل يعرف جيدا ،أو بما ل يعتقد فيه هو شخصيا؛ أمل فى النجاة وطمعا فى إسبال راحة نفسية على المريض من الممكن أن تساعده على الشفاء ،اعترف لنا باهر ان حكاية شفيقة الشامى علمته الد ب بصرف النظر عن قسم أبو قراط! تأكد أنه لبد أن يكون هناك حدود بينه وبين المريض أو المريضة حتى ل تضطر ب المفاهيم وحتى ل تأتى الرياح بما ل تشتهى السفن ! ***
8 أبوقطة
188
أحاول أن أحافظ على ابتسامة قد تكون كسيرة على وجهى ،أتعشم بها أن أقضى لحظاتى بسلم مع نفسى ومع الخرين ،حولى أنين يتصاعد من زوايا المستشفى ،طوال عمرنا نحاول أن نقضى على اللم ،كيف نقضى على اللم ؟ إنه أزلى يتجدد بتجدد الحياة ؛ ويتناغم معها .تأتى الرياح بما ل تشتهى السفن ! حقا ؛ فجأة ظهر أبو قطة فى المستشفى بعد اختفائه سنوات طويلة، قال لى باهر هيا لنزوره ؛انه محجوز فى قسم المسالك . لم يظهر أبو قطةفى طرقات المستشفى منذ أن عامله الدكتور شرف بحزم بعد عملية البواسير التى أجراها له منذأكثر من خمسة عشر عاما وقت أن رأيناه أول مرة،كنا أطباء امتياز؛ أراد يومهاأن يشكوالدكتور شرف لنه رفض أن تكون المستشفى مأوى له دون قيد أو شرط ؛ بقسم المسالك البولية،فى ملفه قرأت كلما عاما ليصل إلى تشخيص دقيق ،ومجموعة من الفحوصات ،فحوصات للسكر والكبد والكلى وغيرها ؛هذه المرة جاء بألم بأسفل البطن ،كتب فى دوسيهه"آلم بالعانة"...دخلت الى العنبر فلم أعرفه أشارت لى الممرضة بسبابتها وهى تنادى عم أبو قطة ..رفع رأسه من السرير ،كانت تقتر ب منه وتهم لحقنه؛ سمعته كأنما يحلم بصوت مسموع ،كان يقول الحلو جاى وهو ينظر اليها كأنمابشبق ،تضايقت زوجته وحاولت اسكاته رد عليها مغتاظا:أهو كلم ...فيه ضريبه ع الكلم؟!! زمان كانوا يسيبونا نتكلم ،أعطونا حق الكلم؛ كانوا يقولوا خليهم يتكلموا ويقولوا ..طق حنك يعنى ! يعنى حضرلتك يبقى ل فعل ول كلم ! لمحت وجها شاحبا حاولت ان أقارن بينه وبين صورته القديمة فى ذهنى ،نجحت بصعوبة فى الجمع بين الصورتين . *** كان أبوقطة قد شاخ وخف وزنه كثيرا ،وتغضن جلده ،وبزرت عظام وجنتيه ،تعجبت لهذه التغيرات الشديدة ، سألته عن آلمه ،أجا ب بأنه شعر بها بعد نقل عدد من شكاير السمنت الذى اشتراه ليبنى"خارجة" مثل باقى زملءه السماكين أمام المحل الذى اشتراه فى شادر السمك،صار تاجرا بعد أن كان منظفا للسمك فقط .كان يقول لزملءه فى العنبر مشجعا أنه دخل العمليات 7مرات، ول يهمك ياجدع ،ويضحك قائل ياريح ما يهزك جبل !يضحك المرضى من كلمه المقلو ب ! قال انه مريض سكرى من زمان ولكن هذه العلمات جدت عليه،ظل يعانى من آلم خفيفة أسفل العانة ،حاول أن يتجاهلها ،ولكن اللم كان أقوى منه فاضطر إلى دخول المستشفى ،تعودنا أن نمر على الرجل بين حين وآخر لنعرف التشخيص النهائى لحالته ،اتضح أن التحاليل فى حدود المعقول ،ل مرض عضال فى الكبد أو القلب أو الكلى أو فى الدم ! كما ان نسب السكر بالدم ووظائف الكبد مرتفعة قليل.. تقافز الى ذهنه كيف سمى ابنته "قطة"؛بين اليقظة والمنام كان واقفا يتطلع إلى ذلك القط المعلق فى نهاية خيط السنار الثخين وهو يدفعه فى مجرى ل يبين إذا ما كانت مياهه ضحلة أم عميقة، الرؤيا غير واضحة ؛واقف هو فى مكان يبدو ضيقا ،ل ؛ المكان منفتح أمامه ولكنه انفتاح مخيف ،حاول أبو قطة أن يتلفت حوله ،أصابه رعب خفى؛ لمح خيال أسود لرجل رفيع ؛نائم أم متيقظ ؟ رجل أم بقايا رجل ؟ليدرى عائش أم ميت ؟لحظ حركة ل ارادية فى فخذه العارى؛ المكان شبه مظلم ينام الرجل فى صندوق منحوت فى الحائط ؟ كيف ينام هكذا ؟ يعيد النظر حوله 189
إنه داخل كهف ،هناك آخر فى ركن بعيد ماهذا؟ ربما يستريح حتى يصحو لصيد الليل ،وما صيد الليل ؟ وماهذا المكان المخيف ،كان يتساءل :من الذى اتى بى إلى هنا؟ وراءه ظلم كثيف ، ليجرؤ أن يمد نظره إلى حوائط الكهف ،السكون رهيب ،مازال يحاول الوصول إلى مياه عميقة أمل فى صيد ثمين ؛ قطة ؟ تعجب !ما الذى يمكن أن يصطاده هنا فى ذلك الماء السن؟ قفز إلى ذاكرته أصحا ب السعار العالية من التجار ورجال العمال ،يشترون بأسعار بخسة ويبيعون ،هؤلء هم القطط السمان ،؛ ،هم المفسدون الذين دهنوا الهوا دوكو! ومن خرموا القرش؛ الفهلويةالذين يعبئون الشمس فى زجاجات؛ المنتشرون على جميع الرصفة والمحلت ببضائعهم المضروبة ،وأسعارها الباهظة ! الرجل النائم فرد من عامة الشعب ،ل يستطيع أن يضر ب فى الرض ،ل يمتلك قنطارا ول دينارا ،ليس معه سوى ما يستره بالكاد .عند خروجه من الكهف ،رأى شلل هائل من المياه العذبة يتدفق امامه على الجانب الخر ،أحس بالعطش ،أقتر ب من الشلل مد يده ليرتوى ،قبل أن تصل يده إلى المياه أصابته خبطة قوية ومباغتة على ساعده ،أحس بالرعب واللم الشديد ، اصيب بشبه غيبوبة ،استفاق منها بعد لحظات ليرى تجمهرا حوله ،من هؤلء ؟لم يجرؤ على النطق ،فقط تساءل بعينيه ،أمسكه رجلن ،حولهما مجموعة أخرى من الرجال ،اقتاده الجميع إلى فتحة فى المغارة ،دخل معهم ،رأى مناظر جميلة رأى ممرا وسعا نظيفا وعلى الرض امتدت سجادة طويلة غطست فيها قدماه ،من السقف المرفوع تتدلى ثريات تشع أضواء كثيفة ،فى المواجهة كان الزعيم جالسا وسط حراسه الخاشعين فى صمت يشبه صمت القبور .أراد أن يقذف حجرا فى الماء السن ،ولكن لم تسعه الظروف .فقد استيقظ من نومه. *** بدأ أبو قطه يشكو من آلم فى العظام وأرق ،ويشير إلى أماكن غريبة فى جسده تؤلمه ،تقرر ارساله الى معهد الورام بفم الخليج .كان باهر قد دعانى للسفر فى سيارة بيجو صالون يعمل أحد أقاربه سائقا لها،اتفقناأن نأخذ "أبو قطة" معنا ،ركب معنا هو وزوجته؛ كتب عليه القدر أن يذهب إلى هناك ،فرح بالوصول؛ هناك انتابته نوبة خوف شديدة ؛ ظل قلبه يخفق وهو يطل برأسه من السيارة التى اقتربت من مدخل فم الخليج إلى الميدان الفسيح. بفم الخليج؛ وعند مدخل المعهد؛ شاهدنا امرأتين تفترشان الرض إحداهما تحمل طفل ملفوفة ذراعه بجبيرة ؛ تقول لجارتها الدكتور سا ب العيان وقال له انا شغلتى أشوف الشعة بس .ردت الولى ..الدكاترة هنا على كيفهم كل واحد يعمل مابدا له ،هوه فيه دولة ؟ مفيش دولة ياحبيبتى .. أكملت الخرى ..أيوه وا لسانى ادلدل على دكتور قالوا بردل مع صاحبه ،سألت عن صاحبه؛ قالوا لسه ماجاش وآذان الظهر قرر ب ،وحييجى امتى قالوا ما نعرفش ! كانت الجواء مزدحمة ، بقسم الطوارىء أصوات تعلو ،رجل يزعق :المحترم يضربنى بالقلم ! أنا أعرف إزاى أرد القلم ده ،وا العظيم تلتة لنا رادد القلم ده ؛ أخذ الناس يحجزونه ويبعدونه عن خصمه الضخم الذى وقف على الجانب الخر من صالة الطوارىء متحديا دون أن ينطق ،اكتفى بالبحلقة فقط ، اجلسوا المضرو ب على حافة السرير ،وأحاطوه بأيديهم وأجسامهم حتى ل يتسر ب منهم إلى عدوه ،والممرضات ذاهبات آيبات فى نفس الوقت ؛ غير عابئات بما يدور حولهن ،إحداهن تقف جوار سرير طفل تعلق له محلول الرنجر ،وتنظر إلى النبو ب لتضبط سرعة تدفقه داخل 190
الوريد،أخرى تعبر الصالة حاملة على ذراعيها كرتونة مليئة بالدوية ،بينما تقف هناك احدى العاملت مستندة على مكنستها تراقب الموقف عن كثب .سألت المسجلة الجالسة تحت النافذة البعيدة ،عرفت منها أن الرجل سب الدين للطباء والممرضات وجميع العاملين بالمستشفى ! أثناء عبور الطبيب الضخم الذى هبط بكفه على خد الرجل بعنف بعد رفضه الستجابة لتوسلت الطبيب بالكف عن السبا ب . بالداخل زحام فائق التصور ،فى كل ناحية بشر يتجنبون بصعوبة الحتكاك بعضهم البعض ،صعد السائق ليسأل عن شباك التذاكر،أشارت له احدى العاملت الى الكاونتر ،هناك كان طابور طويل ،وقف فى الطابور حتى نهايته ،بينما انتظر المريض على الدرج.حاورينى يا طيطا -الحمد ل تم عمل تحاليل دم وأشعة بالموجات الصوتية ؛ أخذنا ميعادا بعد ثلثة أسابيع؛ قبل العيد بيومين تقريبا -قالت له عاملة الكاونتر لتنس الحقن الشرجية رد :ينفع زيت خروع؟ الزحام شديد والمستشفى تبدو مثل السوق من الداخل ،زحام فى كل مكان ،فى الكوريدورات وعلى السللم ،مناظر تفوق فى بشاعتها كل ما رآه المرء فى حياته؛مرضى هائمون على وجوههم ل يعرفون لهم سبيل،هم وأقاربهم يتزاحمون فى كل مكان،على منافذ حجز التذاكر وفى الطرقات الداخلية ،وبالحجرات وطوابير لحجز الرسرة ،وطوابير على نوافذ صغيرة لستلم التحاليل والعينات ،وأيادى غليظة وأجساد تحتك بك هنا وهناك ،زحام فى كل مكان ..بالطرقات وعلى السلم وبين التواءاته رأى أناسا يفترشون البسطة ويتهيأون لنوم القيلولة؛ هل الشعب كله داخل المستشفيات؟ أحيانا يقع مريض ،فى الغالب يتم اسعافه بتركيب المحاليل له وسط المرضى المكومين على الرض ؛آخرون اسعدهم الحظ بوجود مقعد بالكافيتيريا لجأوا اليه فرحين انتظارا لدورهم ،فى حجرة واحدة إحدى الممرضات تأخذ العينات وتساعد فى عمليات البذل وتحليل صفائح الدم وإعطاء جرعات العلج الكيماوى . استطعنا بعد جهد أن نأخذ ميعادا لعمل منظار لخذ عينة من جدار المثانة البولية ،مع انكسار الشمس خرجنا مندفعين إلى شارع قصر العينى بزحامه الشديد ،غادرنا أنا وباهر لقضاء بعض المشاوير بالقاهرة بعد أن استقل أبو قطة وزوجته إحدى سيارات الجرة الى القللى لكى يعودا الى المدينة. *** بعد أيام ظهرت النتجة ايجابية لوجود خليا سرطانية متشعبة بجدار المثانة ؛نصحه الطبيب باجراء جراحةعاجلة ؛عقب إجراءها ظل أبو قطة طريح الفراش ؛لم يطرأ تحسن على حالته أخيرا عاد الى المدينة وقد تفاقم نحوله حتى صار كالشبح ،اللم مازالت تعاوده ،لم يعد قادرا على تناول الطعام؛ من حين لخر كان يدخل المستشفى لستقبال المحاليل ،الكل يعرفونه طقم الطباء والتمريض والعمال أيضا مشفقون عليه،ل يستطيع أن يهر ب من مصيره ،قال باهر الحمد ل الذى أخفى عنا توقيتات وداعنا لهذا العالم !آه لو عرف كل انسان كيف ومتى سيغادر؛ لرتجف وتوقف عن الحياة وعن الحركة تماما !اعترف أبو قطة بخطأه القديم للدكتور شرف ،وقال إنه بعد خروجه من حجرة العمليات راوده احساس جديد بفرحة الحياة ؛ فرحة الوجود ؛ فرحة الخلق ،كأنما ولد لول مرة ،تغيرت نظرته تجاه النعم التى أفاء ا بها على جميع مخلوقاته؛ كان ينتظر الساعة التى يعود فيها إلى مدينته؛ يحاول ان يقتل الوقت بشتى السبل،وهو 191
على سرير المرض،و يستمع إلى كاسيت بجواره يكرر أغنية لحمد عدوية "زحمة يادنيا زحمة ...زحمة وماعدشى رحمة ...زحمة وتاهوا الحبايب! كل يوم كان جسد أبو قطة يزداد شحوبا ،كلما اقتربت منه كنت أشعر ناحيته باليأس والوجل والضجر وخصوصاعندما يعرى جسده لتزرف له الممرضة محقنا ؛مع اليام كان وزنه يخف وصوته يخفت كأنما يتحدث إلى الداخل ؛إلى داخله هو! كنت أرى ساقيه وقد شابهتا عود القصب ،كأنما لتوجد عضلت تكسو تلك العظام ،صار فخذاه كمعصم رجل نحيل،كلما صعدت عيناى لترى وجهه ورقبته كنت أدارى أننى أدارى عيناى حتى ل تقعا على عظام وجهه الناتئة، ل أستطيع أن أتكلم ..فقط أدعو له بصوت خفيض ..أتكلم كأنما أهذى ..وانا أطالع رقبته التى صارت مثل عنق الديك وقد برزت عيناه وبانت عظمتا الترقوة بشدة ،وغارت تحتهما عضلت الصدر؛ كأنما من الممكن أن تختبىء فيهما ليمونتان !كنت أرى حركته تتباطأ و وزنه يخف حتى صار كأنما تساوى مع طفل رضيع. ***
192
9 قمر الدين والغرباوى كنت متعطشا لمعرفة -ليس لخبار المستشفى فقط؛ بل كل أخبار وأسرار المدينة؛بإحالة الدكتور مراد مهران الى المعاش تعاقب بعده عدة مديرين نادرا ما مل أحدهم مقعده بثقافة وكياسة وأد ب ؛ سافرإلى أمريكا لزيارة ابنه وللعلج أيضا ؛توفى هناك إثر عملية جراحية بالقلب . مازال الدكتور قمر الدين يواصل صولته وجولته ،ترقى ليعمل مديرا مساعدا بالمديرية ومستشارا للجراحة بالمستشفيات العامة والخاصة ؛ كانت شهرته قد ذاعت فى أنحاء المدينة، بالرغم من ارتباطه الوثيق بها؛ إل أن اسرته لم تتخل عن إقامتها بالقاهرة؛ فالعائلة تقيم بمنزله بمصر الجديدة ،سلم أمره ل وكان يسافر أسبوعيا ،الكثير من الزملءعلى شاكلته ،تعلم الكثير من الطباء على يديه .اشتكى الدكتورالغرباوى من جهله بالكثير من الخبار التى تحدث داخل المديرية؛ قال ان المدير العام السبق؛الدكتور مطراوى ؛ بالرغم من انه كان مستبدا ،إل أنه كان يحرص على ارسال مكاتبات الى جميع الوحدات تحمل أخبار مايدور بالمديرية ،كل الخبار الكبير منها والصغير ،حتى اذا ماانتقلت عاملة من وحدة قروية إلى مكان آخر أو حصل أحد العاملين على مكافأة ،كانت جميع الوحدات تبلغ بالخبر وقال إن هذا هو الطبيعى ،كلنا فى مركب واحدة؛كيف أستطيع أن أحكم على تصرفات المدير دون معرفة الظروف المحيطة ؟ كيف أطلب جهازا وأنا ل أعرف قيمة مخصصات المديرية للجهزة ؟ همس باهر متحسرا على تلك اليام بالرغم من الرداءات التى كانت تشوبها . كان يشكو من حوله ،كما يشكو ذبا ب وجهه،ظل كما هو حامل حقيبته الجلدية الصغيرة التى لم تبلى مع الزمن؛ بسوستتها اللمعة التى تحدث أزيزا زاعقا عند جذبها ،هذا الصوت صار فى مخيلتنا إيذانا بضرر واقع ل محالة بشخص أو أشخاص ما ،يحمل داخلها أوراق الفلوسكا ب المجهزة للشكاوى ،يظهر على وجه الغرباوى إمارات الفرح عندما يهم بفتحها أو غلقها ؛ ضامنا أنه يشهر سلحا يحار ب به زميل أو يوقع خصما من راتب لشخص ما مرفوض بالنسبة له. أحيانا يجو ب جنبات المستشفى وربما يتوق فى خبيئة نفسه إلى المنصب الرفيع ،يتمنى أن يعتلى كرسى الدارة ،لو حدث ستكون الكارثة ،الجميع سوف يسخطون منه ،هو يعرف ذلك تماما، ولكنه على الجانب الخر – ل يهمه ذلك ؛ يتعالى عن الجابة وينظر نظرة دونية إلى أى زميل أقل منه اداريا جاء يسأله عفويا عن شىء ما .دائما يمد عينيه وأذنيه متطلعا لما وراء الجدار بنصائحه العقيمة وتدخلته التى يقحم نفسه بها بين حين وآخر فيما يخصه ومال يخصه ،حاول الغرباوى التقر ب من قمر الدين كما حاول التقر ب ممن سبقه من مديرين ؛ كانت له أفكاره الخاصةجدا ،يقول إن فتاة التمريض ل يحب أن تدرس مواد مثل التاريخ والجغرافيا ،ول الرياضيات او العلوم أو حتى اللغات ،ويكمل كله حشو !الممرضة لن تعطى المريض كبسولة تاريخ أو حقنة جغرافيا ،و تعجب عندما استفهمت منه احداهن عن الفائدة من وضع سماعة 193
الطبيب على ساق الطفل أو على رأسه؛استشاط غضبا وهو يقول لها مين الحمار اللى عمل كده؟!
كان الغرباوى ينادى أحيانا بضرورة تكليف حارس لكل طبيب مهم،نوع من التملق ،تظاهر قمر الدين بالموافقة على ذلك وهو يبتسم طبعايابيه؛واجب عالحكومة! يردالغرباوى متضاحكا : ولكنى أخاف من الحارس ياباشا ،ربما يتآمر علرى! تولى الدارة أثناء غيا ب قمر الدين الذى سافر مع ابنه إلى لندن لستكمال تعليمه الطب ،قام الغرباوى فى فترة وجيزة بإصدار تعليمات وقرارات أسخطت العاملين والطباء والتمريض أيضا ،أغلق با ب مكتبه عليه ومنع الدخول إليه إل بإذن مسبق من السكرتاربة ،كماأصدر قرارا بإحكام قبضته على دفاتر الحضور والنصراف ،وأصر على تواجدها على مكتبه ،أحكم قبضته على بوابات المستشفى و منع دخول الطباء والمرضى بسياراتهم داخل أسوار المستشفى ،كما وقف حائل دون دخول عدد من الطباء إلى سكنهم وقرر إخراج العديد منهم لعدم انطباق شروط القامة عليهم ،وقال لبد أن نوفر قيمة الوجبات التى تصرف لهم دون وجه حق ! لم يكن أحد يعلم مسبقا أن هناك شروطا مكتوبة للقامة فى السكن سوى أن الطبيب المقيم يحتاجه العمل خلل 24ساعة ،كان بين الحين والخر يخرج من حقيبته العجيبة منشورات وقرارات وزارية وأوراقا قديمة متهرئة يستشهد بها بما يقول ،قال عنه الدكتور صافى انه مصا ب بداء جنون العظمة ؛الميجالومانيا؛عندما عاد قمر الدين من رحلته للخارج ؛ وصلته شكاوى ضد الغرباوى، تبسم قمرابتسامة عريضة وقال بصوته ذى النغمات المتصاعدة ..ل يابكوات ..الخوف ممنوع ...كله كأن لم يكن! قال فهمى دنيا عجيبة ..قمر الدين صاحب فكرة الحواجزوالبوا ب؛ غرير رأيه فيها واقتنع بأنها فكرة غلط ،بينما الغرباوى تمسك بالفكرة الغلط وحاول ينفذها ! كان الغرباوى حريصا على كسب ثقة رؤساءه وإرضاءهم بشتى الطرق؛لم يتخيل أبدا أن يعادى مديرا له ،كان الليل قد انتصف عندما احتار أحد أطباء الطوارىء فى حالة مجموعة من الطفال فى حالة اشتباه تسمم "بالكسكسى "؛استدعى الغرباوى الذى لم يكن موجودا فى هذا اليوم ،كان مسافرا قريته ولم يكن اسمه مكتوبا فى قائمة الستدعاء الليلى ،وصلت المشكلة للمدير العام ،بعد عودته من السفر سارع الغرباوى الى مكتب المدير العام ليبرىء ساحته ،واثناء وجود المدير العام أمام الغرباوى ،وجه اليه اللوم على غيابه واكتفى بهذا ،فى لحظتها سمعنا أنه أصيب بدوخة أو شبه غيبوبةوعرق غزير ووقع على الرض مغشيا عليه بالرغم من اننا لم نسمع أنه يعانى من أمراض السكر أو الضغط ،أفاق بصعوبة بمساعدة عدة صفعات وحقن عضلى ،بعدها طلب النقل الى بلدته ،قيل أنه لم يتحمل نتيجة هذا الموقف وقيل أيضا إن زوجته هى التى طلبت النقل لتكون قريبة من أهلها بالريف .تذكرت قصة للديب الروسى أنطون تشيكوف عنوانها )موت موظف( تحكي عن شخص بسيط تمني أن يشاهد إحدى حفلت الوبرا؛وعندما تحقق له ذلك؛ وأثناء العرض حدث أن عطس الرجل فجأة وببساطة مثلما يفعل كل الناس ،لكنه لسوء حظه فعل ذلك في )قفا( جنرال رفيع المنزلة كان يجلس أمامه مباشرة واعتبر الموظف المهذ ب فعلته البيولوجية المحضة نوعا من سوء الد ب ،فخشي أن يبطش به الجنرال الذي لم يكترث للمر ،وعندمااعتذر 194
له لم يبد الجنرال اهتماما؛فكر الموظف أن يذهب إليه في اليوم التالي ليعتذر له؛ وعندما فعل نهره الجنرال بشدةعلى المل فسقط المسكين ميتا من الخوف! *** بمناسبة خروج الدكتور قمر الدين الى المعاش ،تم اختيار قاعة ملحقة بحجرةالمدير لعمل حفل صغير ولكن الدارة اعتذرت لشغل القاعةفى ذلك اليوم ،وقالت السكرتيرة ان هناك اجتماعات اخرى ستعقد فى هذا الوقت ،تقرر عمل الحفل فى العيادة الخارجية ؛حملت طبيبتان التورتة والهدايا والمرطبات إلى هناك ،كان المرضى يلقون النظر إليها ،طلبت فاطمة الممرضة من العاملة إحضار مقاعد إضافية من الحجرات المجاورة ،ازدحمت الحجرة الضيقة بعدد قليل من الحضور ،قام الدكتور صافى ليلقى كلمة ،وقف فجأة وكأنما كان يبحث عن مايك؛ ضحكنا، تغيرت سحنته ليبدى وجها جادا ،قال أننا هنا نعيش فى عصر ل نظير له ،عصر الكوسة والقرع ؛ ل يخفى عليكم ان سلطة الطبيب العادى صارت معدومة وحقوقه مهضومة ؛ فهل من الممكن أن تدلونى عن سبب ما للهيلمان الموجود فى مكتب المدير ،مجموعة من فتيات السكرتارية يحيط نفسه بهن كأنه هارون الرشيد ،أو ربما يكون شهر يار ،والقسام كما ترون فارغة عاجزة؛ ل يوجد لها سند من اتصال ،ول تنال حظا من المدادت السنوية ؛المخصصات السنوية تصرف على مكتب المدير وأعوانه فقط!؟ دهانات وأثاثات جديدة ،ويغلق ويرش بالمبيد ؛ ثم يرش بالمعطر ذى الرائحة الذكية ،انتظارا لسيادةذلك الذى ربما يحضر بعد فراغه أو ل ؛ مع ذلك يظل المكتب مضيئا وأجهزة التكييف تعمل ،وهل تدفع من جيبك يا أخى ؟ بينما تترك باقى القسام تعج بالضجيج والزحام ؛تحوم حولها القطط ويشملها الهمال والحر والذبا ب ..اننى أدعوكم أيها الزملء والزميلت أن تنفضوا عن أيديكم الكسل ،وأن تطرحوا الجبن جانبا ؛ وتتعرفوا على أجهزة الدولة الرقابية وتعرفونها بمشاكلكم التى تعشش معكم وتتفاقم ،لبد من تفعيل التفتيش المالى و الدارى ..ضحك باهر قائل :التفتيش المالى والدارى عارف كل حاجة ...يمكننا الستعانة بالرقابة الدارية ،وشكاوى المحافظة وامن الدولة ،بل ورئاسة الجمهورية ،وإبلغهم عن الفساد المالى والدارى ..مصمص الجميع شفاههم ،وقال البعض برافو ..خطبة عصماء! قال باهر :نسيتم الدكتور قمر !..هيا لنلتهم التورتة .لم نجد سوى هذا الجمع الضئيل؛ سلمنا عليه وتوقعنا أن يسافر إلى القاهرة حيث يقضى بقية عمره بين أفراد أسرته متمتعا؛ ولكن يبدو أن أهله تعودوا على غيابه ،كما تعودوا على غلته التى ظل يرسلها لهم بانتظام على مدار سنوات عديدة.ظل خادما وفيا ،استمر بعد خروجه الى المعاش يعمل فى المستشفيات الخاصة نهارا وليل ،سائراعلى قدميه ؛ متنقل بين تلك المستشفى وذلك المستوصف ،ليست هناك مسافات بعيدة بينها؛لم يحب امتلك السيارات أو قيادتها ،كنا نراه يسير وسط المدينة يسلم على هذا وذاك ،ليل تكون عيادته هى الملذ والمأوى حيث يضع رحاله ويقضى بقية ليله مع مرضاه العديدين إلى أن يتثاء ب ويقع على سريره من شدة الرهاق والتعب ،يظل راقدا حتى مطلع النهار . ***
195
فى اليام الخيرة كان قمر الدين يحكى حلما غريبا أو رؤية كما قال – يحكيها للدكتور صافى ، ويقول له يابنى خلل 3ليالى أحلم بأنى شايل بلطة تقيلة ،أرفعها بصعوبة ،وعرمال أحرت فى البحر ! كل ليله أصحى من النوم وأنا مفزوع ! كان صافى يحاول أن يطمئنه قائل حضرتك محتاج شوية راحة ؛ تغيير جو ..ده مجرد إرهاق ،يتركه قمر الدين وهو غير مقتنع قائل ل يابيك ..ل..دا حلم عمرى ماشفته ..كابوس تقصد ؟ ..دى حاجه جديده عليا.. الدكتور غرباوى طبيب الطفال تعلو عيادته عيادة قمر الدين ؛اعتاد من حين لخر أن يلقى السلم أثناء طلوعه أو نزوله على السلم ؛كان مكتب قمر الدين مطل على با ب العيادة مباشرة ، انتهت حياةقمر الدين نهاية بائسة ؛ مرت أيام دون أن تفتح عيادته ،اتصل به الغرباوى تليفونيا لم يرد عليه أحد ،اتصل بأسرته بالقاهرة،قالوا إنه لم يزرهم منذ اكثر من شهرين ،عاود القترا ب عرله يسمع صوتا ؛ اثناء اقترابه من با ب العيادة اشتم رائحة كريهة ،أبلغ الشرطة التى وصلت بعد فترة لتكسر با ب الشقة وتجد الرجل ملقي على أرض الصالة وقد فاحت رائحته؛ قيل أنه أصيب بأزمة قلبية مفاجئة ولم يجد من يسعفه ،سافرنا معه الى القاهرة بمدافن البساتين كان معى باهر وخشا ب وطه وفهمى وآخرين؛ كنت متعجبا من أحوال الدنيا وأنا سائر فى جنازته؛،بعد انتهاء الجنازة وقفنا بجوار أحد السوار ،بالقر ب من المدفن كان باهر يمد يده لشجرة تنبت وحيدة بين الرصيف وأسفلت الطريق ،التقط منها وريقات ،فركها بيده ليشمها ،سرح بذهنه وهو يقول هذه الشجرة تذكرنى رائحتها بطفولتى ،عندما كنت أذهب مع أهلى لزيارة مقبرة جدتى ؛مازالت موجودة كما هى؛ كنت أقطف أوراقها وأشمها ؛مازالت رائحتها عالقة بأنفى حتى الن! ***
196
10 الدكتور عايش مع تباشير اللفية الثالثة ؛ ظهر بيننا الدكتور عايش؛ جاءمنتدبا من محافظة جنو ب سيناء ليتسلم عمله نائبا لطب العيون بالمدينة ،كان قد قدم طلبا للوزير لنقله إلى الشرقية ؛حيث أن أسرته ومهبط رأسه وقراريط والده هناك؛ متزوج من رئيسة تمريض تعمل بمركز طبى بالسماعيلية حيث استأجرا شقة بها؛نظرا للشتات الذى يكاد يخنقه كان عايش كثير الغيا ب ودائم الطلب للجازات بأنواعها،للسف جاء قرار الوزارة بندبه الى السويس ،لحظت نظارته الطبية السميكة المنكفأة على شحو ب بالوجه وتغضنات وهالت سوداء حول العينين لحظت شيبا ظاهرا بدا مهاجرا إلى فوديه؛ سألته:انت نايب ؟..ضحك ضحكة شبه هستيرية وقال :أنا كنت فى القطاع الريفى ،يعنى كنت "مرمى" فى الجنو ب ،وحدق فى عينى ،ارتسم تحت نظارته الطبية شبح ابتسامة آسفة . فى تلك الونة ظهرالعلج بالليزر على استحياء فى مصر ،سألته ان كان قد تدر ب على الليزر ؟ ضحك عايش قائل انه فكر فى عمل الليزر ،سافر إلى مستشفى خاص للعيون فى مصر الجديدة ،قام بالكشف عليه أستاذ دكتور ،تعجب من كثرة الجهزة التى رآها – أكثرها يرآه لول مرة– فى تخصصه،اعتقد أنه كطبيب سوف ل يتقاضى منه أتعابا! قال ان المشكلة ان المستشفى ل يعلن عن أسعاره يتم تسجيل رقم المريض بالرشيف ،ثم يجلس بصالة النتظار حيث تنبعث موسيقى خفيفة ،العاملت يمسحن البلط بزيهن الرسمى بينما تقف الرئيسة لتشرف عليهن ،الكل يعمل بجد ونشاط ،السيراميك يلتمع فى الرضية والحوائط ، ،مقابض البوا ب تلمع جيدا بعد علجها بالطلء ،الكل يسيرون فى حركة منتظمة،النداء بالميكروفون بصوت رقيق على المرضى ،المريض ينتقل فى العادة من حجرة الى حجرة فى نظام بديع ،لكل حجرة تخصص معين ،قياس النظر ثم حجرة قياس ضغط العين ،وعمليات المياه البيضاء بالموجات الصوتية وزرع العدسات وزرع القرنية وعلج القرنية المخروطية والعدسات اللصقة الصلبة واللينة وقسم الشبكية وعلح الحول والكشف على الطفال بدون مخدر باستخدام المصباح الشقى المتحرك والكمبيوتر المتحرك !! الستاذ ل يتحدث مع أهل المريض ،يتعامل مع الموظفين بحزم شديد؛ يراجع الماديات كل صغيرة وكبيرة وعلى الطبيعة يناقشها فى مجلس الدارة ؛ يوصى كل موظف أل يدلى بمعلومات عن أى شىء ل يخصه ،يعنى ليس من حق كاتب الحسابات أن يقول لك عن سعر 197
شىء غير الذى يخصك ول تدلك الممرضة عن سعر العملية مثل ولو بالتقريب؛ هناك توجيهات مشددة بالسربة التامة و بأل يتخطى أى واحد حدود عمله ،ل توجد قائمة أسعار داخل المستشفى بعد أن تم الكشف عليه ،قال له الطبيب ان حالته مناسبة جدا لعمل الليزر ،أعطاه الشيت مكتوبا عليه نوع العمليه وفى أعله"حسابات "توجه الى قسم الحسابات فقال له المحاسب بعد أن أعطاه الورقة 6آلف جنيه؛ اعتقد أنه سوف يسترد أتعابه أو أن المستشفى سوف يقول له نحن ل نأخذ أتعابا من الزملء كما أوصى أبوقراط صاحب القسم ،خسر الرهان مع زوجته التى لم تعتقد فى افكاره وهى تصر على تسميتها "أفكار بالية"، انزعج عايش وصعد الدم الى وجهه وأنتابه حرج شديد ،الفاتورة باهظة! الطبيب ل يبالى ول يراعى جيب المريض؛ لم ينفعه أبو قراط ،وقال فى نفسه ل أبو قراط ول أم قراط ،خلص انتهى! ل أدرى لماذا يصرون على ذلك القسم حتى الن؟!طلب الورقة من الموظف وهو يعتذر مرددا حاضرا حااروح مشوار فى البلد وأرجع فى يوم تانى ! *** أخرج من جيب سترته ورقة مطوية؛ فردها وقدمها لى قائل :أنا طلبت من المديرأجازة؛رفض ، نصحته أن يذهب إلى نائب المدير ،وبالفعل وقع له نائب المدير على الطلب فورا؛ غرباوى نائب المدير كان يفرح بالتوقيع على الطلبات بالرغم من تناكته ،فرح عايش فرحا شديدا؛وجدته جاءنى و قد انحنى فجأة على رقبتى يقبلها و الدموع تطفر من عينيه ،كدت أبكى معه ،تماسكت وقلت له :أجازة سعيدة ..ربنا يوفقك رد قائلأنااسمى عايش بس أنا مش عايش ،تبدلت سحنته وهو يغير مجرى الحديث ،لم يمكنه ترك زوجته التى أوشكت على الولدة ،الوقت ضيق وهو فى احتياج إلى أتعا ب الطبيب الذى سيجرى العملية القيصرية ومصروفات القامة بالمستشفى ،وهلم جرا.. قرر أن يسافر إلى والده ؛ بقريته التابعة لمركز فاقوس ليقترض منه مبلغا من المال -إن وجد- من المفترض أن يقضى مشواره فى القرية ؛ ثم يعود فى نفس اليوم إلى السماعيلية ،ليلحق بزوجته التى تنتظر الحادث السعيد هذه الليلة ،وخصوصا أن أقاربها يقيمون فى المنوفية ؛ وليس لها أحد فى السماعيلية سوى زملء العمل بالمركز الطبى .لم يجد مع أبيه ما يحتاج إليه من مال،أخيرا لم يجد مفرا من السفر إلى السويس التى تسلم عمله بها منذ شهور -ليقبض مرتبه البالغ 506جنيها وستة وسبعون قرشا ؛ لم يدر ما فائدة القروش ،بل لم يدر ما فائدة الشلن أو البريزة ؟! جازف وقرر أن يستأجر سيارة لتسعفه حتى يعود الى زوجته التى تعانى آلم المخاض ؛ اتفق مع صديق طفولته الذى يعمل سائقا لعربة أوبل قديمة ؛على أن يدفع له الجرة حين ميسرة ؛ تعرجب الرجل ؛ ولكنه وافق فورا لعتبارات عديدة .
198
فى الطريق إلى المدينة ،تأمل أحوال الدنيا ؛ ونظر إلى السائق؛ وسأله: أنت مبسوط ؟ رد السائق متبسما ؛ وهو ينظر إليه بطرف عينه: الحمد ل.. انت عندك أولد؟ أيوه كم عيل؟ خمسة؛ وبنتين.. مستريح فى شغلك ؟ الحمد ل.. بتكسب كويس ..؟ مستورة.. بتعمل كام فى الشهر ؟ لعب الفأر فى عب السائق ،نظر إلى صديقه القديم بارتيا ب ؛ وقال: حضرتك غريرت الطب واشتغلت فى الضرايب؟ ل أمال إيه الحكاية؟ حكاية إيه؟ إيه السئلة دى كلها؟ موش عارف أقول لك إيه ؛ يا رجل؛ تعرف أنى باشتغل دكتور فى المستشفى العام طبعا عارف ..دا شىء يشرفنا و ابنى التانى جاى فى السكة.. ربنا يسعدك.. تصور ..أنا مازلت على قوة جنو ب سينا .. 199
يعنى إيه؟ يعنى كنت أعمل هناك ؛ تسلمت العمل هناك .. وبتشتغل فى السويس؟ آه.. موش كنت فى مستشفى الطور؟ أيوه يا سيدى ...والدرجة بتاعتى لسة هناك الدرجة هناك ؟ ,وانت جيت من غير درجة ؟ هى الحكومة كده لزم تدوخك ،وإل ماتبقاش حكومة !! يا سلم ! *** استأنف الدكتور عايش حواره : أنت عمرك قدى تقريبا .. أيوه حوالى 38 أيوه تنحنح الطبيب ؛ و أكمل حديثه لجاره قائل : لو جالك ضيوف فى البلد ،على القل موش حتشترى لهم حتة لحمة ؛ 2كيلو مثل ؟؟ أيوه.. وكمان يعنى شوية خضار وفاكهة مثل .. أيوه.. حسبة كم؟ مش أقل من 100جنيه طيب وإذا كان مرتبك بالحوافز 406تعمل إيه؟ ضحك وقال :
200
..406؟ أسيب لهم البيت وأمشى !! هوه ده مربط الفرس ؛ تسيب لهم البيت وتمشى ؛ بس تروح فين؟ أى حته..أى داهية.. أنا بافكر فى أى حتة دى ؛ بس مش لقى .. *** فى المدينة ؛ عبرت السيارة الوبل القديمة با ب المستشفى ؛ بسائقها ذى الجلبية السكروتة والطاقية ؛ وقد تصببت قطرات العرق من جبينه. ظبط السائق الدركسيون بحركة تمثيلية ؛ أوقف السيارة فى منتصف المدخل ،فى مواجهة البا ب العمومى تماما؛ فتح الدكتور عايش بابه وخرج متباهيا ،وهو فى بدلته الكاملة ؛ قال للسائق : انتظرنى شوية..داخل أقبض ؛ وراجع البلد معاك إن شاء ا.. *** تأخر عايش فى العودة ،ترك السائق سيارته ،ودخل ليبحث عنه فى ردهات المستشفى ،وجد زحاما شديدا ،أناس كثيرين وجلبة ؛ سمع صياحا يأتيه من كل مكان ؛ قال لنفسه: إيه الزيطة دى كرلتها ؟ كان يسأل كل من يقابله: الدكتور عايش فين؟ الدكتور عايش مين؟ بتاع فاقوس آسف ..ويمضى الى حاله.. فى كوريدور طويل قابل آنسة ترتدى بالطو أبيض؛ سألها: ما تعرفيش يا أختى الدكتور عايش؟ مين الدكتور عايش؟ بتاع فاقوس قطبت جبينها متسائلة بتاع فاقوس مين؟
201
أيوه فاقوس.. ل وا. *** فى أحد الممرات ؛ وبالصدفة ؛ سمع هرجا ومرجا ،تلفت إلى الحجرة ،كان مكتوبا عليها " أجور ومرتبات" سمع صوت الدكتور عايش عاليا : " أنا حاوريله..أنا حاوديه فى داهية ..يشطب عليا ليه؟ كل الناس بتغيب ؛اشمعنى أنا أما أغيب يشطب عليا ..دى مؤامرة ...أقبض 126جنيه..أعمل بيهم إيه؟ أشترى بيهم لب و سودانى ! دا أنا جايب سواق من البلد ؛ ووعدته بستين جنيه..كفاية الولد فى السماعيلية ومراتى بتولد ؛ وأنا قاعد فى السويس ...ا يخر ب بيوتكم "... *** انسحب السائق إلى سيارته فى هدوء ؛ جلس على مقعده ليتصفح الجريدة حتى عاد الدكتور عايش منتفخ الوداج؛ فتح با ب السيارة وجذبه وراءه بشدة بعد أن جلس ،قال للسائق دون أن يتلفت إليه: يلل بينا .. نظر السائق إليه مشفقا ؛ وسأله: عاوز تروح فين؟ فى أى داهية.. *** سمعنا أن زوجته-بعد ولدتها -فازت بعقد عمل بالخليج؛ سافرت تاركة له ولدا وبنتين ،ليعيشوا مع جدهم وجدتهم ،وقبل ثورة يناير بعامين تقريبا ؛ بعد رحلة عذا ب سافر هو ليلحق بزوجته فى الغربة بعد أن بحثت له عن عقد عمل داخلى ،استطاع أخيرا أن يستقدم أبناءه الثلثة الى المملكة؛ لم يفكر فى العودةإلى موطنه حتى الن؛بلغنى أنه ل ينزل أجازته حتى يستفيد بالبدل المادى الذى يخصصه له صاحب المستوصف الذى يعمل به هناك. ***
202
11 عقم ادارى كل محاطط بالبهة يمكنه التحكم فيمن تحته؛ من تحته سوف تكون مشاكله أعظم إن عاند فى شىء أو ركب دماغه؛ يتذكر أولو النهى ما حدث بين عبد الناصر وعبد الحكيم عامر قائد القوات المسلحة ،سلطةالخير وقوته أدت إلى انفراط المر ؛ لبد إذن من تغيير القادة قبل أن تستفحل أياديهم وتقوى شوكتهم ،لبد أيضا من تعيين شخصيات ضعيفةأو كائنات مدجنة تتصف بالولء حتى يمكن التحكم فيها ،لبد أن يكون المدير شخصية تافهة ؛ دون أن يطلب أى شىء تعود أن يرسل الموظفين والطباء ،وخصوصا الطباء لتقديمهم للمحاكمة فى ساحة الشئون القانونية بالمحافظة ،و أن يلغى الشئون القانونية الخاصة بالمديرية،تجنبا للمسئولية حتى ل يغضب المحافظ عليه ،تعود أفراد المجلس المحلى ،أن يتدخلوا فى شئون الطب ،وذلك من با ب الوجاهة وحب الظهور؛ حق مكتسب منحته لهم ظروف الدولة السيئة والتى ربما تزداد سوءا فى بعض المناحى التى ل يتطرق إليها التشريع إل فيما ندر " كله على قديمه! " يقول خشا ب ان الوزارة كعادتها؛ دأبت على سلوك عام فى الحكومة؛ترسل أحد ألضيشها ليكون على رأس العمل مديرا عاما ،ليتكسب من وظيفته ،مقابل الوفاء بالدين والولء لرؤساءه، ظل هذا النظام متبعا قبل الثورة ،بل وربما من قبل أمحوتب ،واستمر بعد الثورة حتى يومنا هذا ،المديرالعام الجديد ل يعرف شيئا عن طبيعة المحافظة وقد ل يهمه مصلحتها ،هو فقط يقضى فترة عمله محاول أن يدرأ عن نفسه الشبهات وغالبا ليجمع أيضا أقصى ما يمكن جمعه ، يعود به لسرته وأهله و إلى أساطين الوزارة أيضا .يتساءل خشا ب أل يوجد عندنا رجال فى المديرية ؟ نحن هنا نعايش كل كبيرة وصغيرة ،يرد عليه فهمى قائل "كل كلمك ده طظ عند الوزارة!المهم عندهم المجاملت والولء يابنى ،يجيبوا واحد يعرفوه يشتغل معهم ويعطوه شلوت لفوق ،مجاملة يعنى ،وإياك تحاربنا ! عاوزهم يحيبوا واحد زيك ما يعرفوش عنه حاجة ؟! وبعدين يخالفهم ويغرررقهم ويوقعهم فى شر أعمالهم ؟!" *** لم يستشعر الوكيل الوقائى خيرا عندما نظرت له زوجته وهى ممسكة بسماعة التليفون ترد على مكالمة أتت فى الصباح ،كان الفطار معدا وهو جالس بإريحية يمزق رغيفا بيديه؛كأنما انتبه عندما أشارت له زوجته قائلة همساإنها مكالمة من مكتب المحافظ،رد بصوت خفيض يا فتاح يا عليم ..تمنى من ا أن يكون الموضوع هينا ؛ اليوم سبت وأيام السبت أجازة للدارة ولكنها عمل لمن تحت الدارة !؟ لن يستمتع باجازته على مايبدو ،رد عليه المتحدث بدون مقدمات يبلغه أن المحافظ يطلب طبيبا للسفر الن؛ الن ! قال ان الطبيب سيعبر إلى الضفة الخرى من القناة ، سيعبر نفق أحمد حمدى ثم يتوجه إلى الشط ،وهناك سيقابل شكوى الهالى ،لم ينس أن يبلغه أن الطلب عاجل ،يبدو أن هناك مرض منتشر .هناك شكوى فى مكتب السيد المحافظ ؛ شكوى ؟ المحافظ يطلب طبيبا على الفور ،يقول ان هناك انفلونزا الماعز ! ما للمحافظ والماعز؟ هل تأكد أنها انفلونزا ماعز ؟ ارتعد قلبه؛ونظر الى طبق الفول الموضوع على المنضدة بحزن ،دس لقمة فى فمة وتفكر فى تسييس الطب وتطبيب السياسة ؛ ظل كأنمايهذى؛ ا يخر ب بيوتكم ،زمان لم يكن لهذه الجهات هيمنة؛ الن توجد سيطرة ،ل توجد فرصة ليدرس الشكوى ويأخذها مأخذ 203
الجد،أى طبيب وأى تخصص أرسل ؟ ل يعلم شيئا ؟ هناك طبيب الصحة ،من المفروض أن يعلم هو بالحالة ويقوم بعمل بلغ فى حالة انتشار وباء أو عدوى؛ لكن !منذ شهور انتهى المر بزميل لنا إلى نفيه خارج المحافظة ،بعيدا ،إلى أطراف الصحراء الغربية بالواحات .المجلس المحلى ومكتب المحافظ هما اللذان لبد أن يعمل لهما-هذه اليام -ألف حسا ب ! بعد أن أعيته التصالت التليفونية اتصل الوكيل الوقائى بالدكتور خشا ب الذى كان يستعد للخروج الى المعاش ؛رد قائل انه لن يسافر ولن ينفذ المطلو ب! لنه ل يفهم أعراض ذلك المرض وليس من تخصصه ؛حاول الوكيل أن يقنعه بالسفر حتى ينهى المهمة ،ولكن الخشا ب أبى !وقال انها مسألة مبدأ !
بعد هذا الحدث ؛تم تغيير المدير العام بأصابع خفية داخل أروقةالوزارة ،يأتى مدير جديد من هناك ؛يسقط من عطل؛ فى كل مرة لبد أن يأتى للمديرية مدير من خارج المحافظة ل يعرف شيئا عنها ؛ نادرا ما يكون مهتما بالمصلحةالعامة،يبدأ التعرف على المدينة وعلى العمل وعلى الموظفين والطباء من ألف باء. أرسل المديرالجديد اشارات الى رؤساء القسام للحضور مبكرا للهمية ،قبل أن تستقر الشمس فى كبد السماء ويتحور لونها الذهبي وتتلشى رائحة البكور الجميلة؛الكل يتساءل ويتهامس ،البعض يتوجس خيفة من تعليمات أخرى جديدة ،قيل أن هناك باقة من القرارات سوف تطبق على المدينة كنموذج سوف يحتذى به فى باقى المحافظات ،يتم الن عمل وحدات صحية منتشرة فى جميع أنحاء المحافظة ؛ سوف يزيد سعر الكشف داخل المستشفى الى أضعاف ما هو عليه الن ،سيعالج كل مواطن برقمه القومى الذى يحمل معه كل تاريخه المرضى؛ سيتم توزيع كل مواطن على طبيب السرة،سيكون دخول المريض الى المستشفى بخطا ب تحويل من الوحدات الصحية للحياء ،سيتم عمل تسعير جديد لكشف الخصائى والستشارى ،سينتهى العهد القديم الى البد ،لن تعد المستشفى وخصوصا عياداتها كسوق الكانتو فى زحامها المرير ،سيختفى هذا التكدس الدائم على نوافذ حجز التذاكر ونوافذ صرف الدوية،فى الجتماع؛ كان الدكتور أنس مصرا على تواجد عدد من المرضى لعرض شكواهم امام المدير الجديد،ظن أن المدير سيسعد بنشاط مرؤوسيه ،لتفكيرهم فى مصلحة العمل وخوفهم عليه ،ومحاولتهم تحسين الداء.سكت المدير طويل ثم رفع رأسه وتفحص الموجودين قائل بصوت مرتفع :الوزارة زعلنة جدا من نسبة غيا ب الطباء ،و فيه اقتراح وزارى بعمل كاميرات لتصوير حجرة التوقيع بدفتر الحضور! كل من يدخل الحجرة سيتم تصويره يوميا ؛ وسيتم ميكنة الحضور و النصراف ،لن يستطيع أحد أن يوقع لزميله كما يحدث الن ..الكاميرات ستصور الجميع ،من ل يظهر فى الكادر فهو غائب ! بين لحظة وأخرى كان أنس يرفع يده تأدبا حتى ديسمح له بالكلم ،تجاهل المدير يد أنس المشهرة مرارا وتساءل عمن يقوم بعمل نسبة الحوافز؛ قيل له كل رئيس قسم يقوم بذلك؛ تفاءل وقال :عظيم ..من الممكن جدا ومن حق كل رئيس قسم عندما يمر على القسم الخاص به أن يوقع الجزاء المناسب على من يغيب أو يهمل فى أداء واجبه ...كل رئيس قسم من حضراتكم له السلطة فى رفع الجزاء المناسب الى مدير المستشفى ،ومدير المستشفى من حقه أن ينفذ أو ل 204
..قال فهمى مندفعا وإذا أجاد يكون من حق رئيس القسم اعطاءه مكافأة ! كأنمافوجىء المدير بالسؤال ثم رد متلجلجا نبقى نشوف الموضوع ده ..حسب الميزانية ..خلينا فى الجزاء دلوقتى! *** صارت المسائل شيلنى وأشيلك ..ضحكت فى كمى عندما دعى لى رجل طيب قائل :ربنا يعرلى مراتبك وتبقى مديرها ! تأكدنا من هذه الظاهرة التى شاعت فى ادارتنا ..ل يهتم المدير ول يعبأ بالمذكرات والشكاوى التى تصل إليه من مرؤسيه ،المهم ما يهبط عليه من فوق؛الوزارة والمحافظ وتوابعه ،من سكرتارية وأعضاء المجلس المحلى ،يخشى عصا غليظة تهبط على أم رأسه من عطل ،فتحيله إلى الشئون القانونية أو تخلعه -بين عشية وضحاها -خلعا من كرسيه ؛ يد من حديد يخاف بطشها فيكون كل همه السعى لتقصى أخبارها وتهيئة كل ما فى وسعه للذود عن منصبه وعن نفسه ،يتسرمع لنداءات اليد الباطشة ،يتشمم طلباتها ويجيبها حتى وإن كانت على خطأ ،يسارع إلى تقديم قرابين على سبيل السترضاء من آن لخر ؛ قد تكون هدايا عينية أو معنوية يقدمها للحاشية ،أو أطباء وموظفين يتبرع بتحويلهم إلى السيد الجالس على عرشه لكى يتخذ فيهم ما يريد من قرارات ،ل يألوا جهدا فى محاولت التقر ب إلى الكبار ؛اما من تحته ،فهو كفيل بهم؛يفرح لبند من البنود التائهة قد تتفتق عنه مخيلة باشكاتب ،أو مندو ب مشتروات أو حارس صندوق ،يحشو له كرشه وزيادة ،مكسب يسيل له لعابه يحرر به شيكا محترما كل حين فى سرية تامة ؛ يمنحه للسيد المبجل ،تدخلت اليد الثمة فى أعمال المستشفى وطلبت تحويل أطباء وموظفين وتمريض إلى الشئون القانونية تارة بالمحافظة وأخرى إلى النيابة الدارية ،وقد يأمر السيد المبجل بنقلهم خارج الدائرة إلى الصعيد أو الوادى لذنب لم يرتكبوه ،هذا النوع صدمنا به الزمن وصدعنا ،كما كان فتنة لنا. صرنا نعانى نقصا فى الدوات والجهزة ،لم تجد بعض الطبيبات مقاعد للجلوس ،عندما سألن المدير قال ت ر صرفوا ..أحضرت زميلة مقعدين من منزلها،ل يوجد بالعيادة سوى مكتب معدنى أكل الصدأ أطرافه ،وثلثة مقاعد قديمة أصابتها النيميا وأعتلها البلى والفناء ،هناك كرسى قديم تكسرت قاعدته الخشبية ،كالعادة ظل كما هو بالرغم من ابلغ ادارة القسم الهندسى ،لم يعبأ أحد، لم يأت نجار أو عامل أو مشرف ليراه ويتخذ فيه قرارا ،بمرور الوقت غاصت قاعدته الخشبية وظهرت أطرافها حادة،اثناء جلوس زميلة انقطعت جوبتها من أثر الخشب المتكسرالمسنون ، قرر الدكتور صافى الذها ب بنفسه إلى القسم الهندسى لصلح الكرسى ،أجابه الموظف لبد من مكاتبة ؛ ونحن كما تعلم ل نعترف إل بتوقيع المدير شخصيا على المكاتبات .غضب زاعقا وهل هذا يحتاج الى مكاتبة ؟ عاد و طلب من الممرضة كتابة مذكرة وتقديمها للمدير لصلح الكرسى أو توفير آخر بديل؛ ردت قائلة ل يا دكتور ممكن نطلب تغيير"الدقرصة" ،اكتب بخطك الجميل ! لم يمانع ؛حرر مذكرة للمدير كتب فيها"نرجو من سيادتكم اصدار توجيهاتكم الكريمة للقسم الهندسى لصلح الكرسى خشية أن يكون مصيره التكهين؛ وذلك بتركيب قاعدة خشبية ل تتكلف سوى 5جنيهات وتفضلوا " لم تذهب الممرضة بالمذكرة للمدير ،قالت لصافى ان المدير لن يهتم عندما يرانى ! ذهب بنفسه إلى حجرة المدير الذى أشر عليها "مدير مالى وادارى" وطلب منه تقديمها لمكتب المدير المالى والدارى،قال له صافى:سيادتك تبعتها فى المكان المناسب ،المذكرة موجودة على مكتبك، 205
تصرف فيها ،أنا مهمتى انتهت !المهم إصلح الكرسى .رد المدير وهو يمد يده بالمذكرة ليسلمها لصافى :خدها معاك ،خد المذكرة ..شعر بغصة ،رد متعجبا..ليس من واجبى أن أترك عملى وأقوم بوظيفة العامل ،ثم ان القرص الخشبى ل يساوى أكتر من خمسه جنيه ! رد المدير الغاوى ينقط بطاقيته! رد صافى متعجبا ومغتاظا الغاوى ؟طاقيته! انا ل اتكلم فى مسائل شخصية ولكننى أتكلم فى مصلحة العمل .قاوم نفسه وأمسك المذكرة متجها لحجرة المدير المالى والدارى ؛ هرش المديرالمالى ذقنه وهو يحدق فى المذكرة؛ وأخيرا أشر عليها بعد أن فحصها جيدا :القسم الهندسى ؛شكره صافى وهم بالخروج ،مد المدير المالى يده بالورقة قائل :ل ..خدها معاك..آخدها ليه ؟ رد سلمها فى القسم الهندسى؛ رد المدير المالى هذاآخر كلم عندى .سحب صافى المذكرة ؛ وبانت على ملمحه علمات الضجر ،أخذ يسب الدارة والحكومةوالظروف التى جعلته يقف أمام أمثال هؤلءالنصاف ليطلب !حدج المدير المالى الطبيب بنظرة من تحت نظارته والقلم فى يده قائل :اجراءات حكومية ..سيادتك أول مرة تتعامل مع الحكومة؟! لم يتعرض صافى من قبل الى إهمال وسوء ادارة وإنكار مثل ما صادفه فى تلك اللحظة التى كان الموت أهون عنده من ذلك الغبن والستغباءالذى صادفه من المدير وعصابته. *** الدكتور سمير يعمل بقسم المسالك البولية ؛تحدث عن فكرة تكوين مكتبة صغيرة بكل قسم يوضع بها المراجع الساسية المطلوبة للطبيب فى تخصصه ،ارتاح صافى لتلك الفكرة؛عافت نفسه عن كتابةأى طلب للدارة؛كتب سمير "نرجو توفير دول ب خشبى أو معدنى – صاج -وذلك لحاجة القسم الشديدة لوضع البلطى والعهد مثل جهاز الضغط والسماعة وبعض الكتب التى أحضرها الطباء تمهيدا لعمل مكتبة صغيرة بالقسم " مهر سمير المذكرة باسمه؛ سلمها لسكرتارية المدير لتكون أمامه فى ملف البوستة.
12 هرمى و فهمى 206
تعودت المديرية أن تخاطب القسام المختلفة سنويا وذلك لكتابة وحصر الجهزة الزائدة والمطلوبةأيضا ،كان فهمى يكتب بانتظام طلبات باحتياجات القسم ،لم يجد مرة واحدة ردا على مكاتباته ،لم يقل له أحد كخ ول دح،ما يحدث كان يتكرر فى معظم القسام تقريبا ،يقول فهمى": مثل كل عام ملت اليوم بيان النواقص المطلوبة للعمل ،منذ زمن تطلب الوزارة بيان هذه النواقص دوريا من المديرين ،ومازال كل شىء كما هو عليه . كانت هناك معاول خفية تود أن تحيل المكان الى مجرد هيكل خا طل من المعنى؛ حر ب شديدة تدور أحيانا فى الخفاء وأحيانا قليلة فى العلن ،شلة المنتفعين تسعد باستمرار أن يظل الوضع كما هو عليه،بل وانتكاسته إلى أقصى درجة ،هناك نقص متعمد فى أشياء بسيطة وهامة مثل الشاش والقطن والمطهرات والبر ،نقص فى المخدر الموضعى،والمخدر العام ؛تلوث بغرف العمليات ،نقص فى اليدى العاملة الفعلية بالرغم من كثافة العدد الموجود وتكالبه على موظف الخزينة ساعة الحصول على المرتبات والحوافز ..داوم فهمى على ارسال مذكرات بالنواقص الى المدير العام،لم يكن أحد يعيره التفاتا ،انتهت أجهزة قريمة تحتاج إلى قطع غيار بسيطة ،تلك الجهزة تساوى عشرات أو مئات اللف من الجنيهات ،أكلها الصدأ حتى تحول بعضها إلى التكهين؛ بعد أن صارت غير ذات جدوى.يتعجب فهمى ويتساءل عن معاييراختيار المديرين ؛من المفترض انه مع الزمن تتبلور تلك المعايير ؛ وكل جديد يأت بجديده،ولكن تأتى الرياح بما ل تشهى السفن ! فهمى هو المدير الذى أطيح به فى تزامن مع الطاحة بصدام حسين لنه تعود على الشجاعة والصراحة و المواجهة ،ظل يحار ب رؤساء النفاق ويحتقرهم ؛ يسير حامل فوق كتفيه هموما يعتصر بها رأسه. تعرود الناس على قراءة أخبار زيارة المحافظين والمسئولين للمستشفيات ،ربما كانت مشاكل الناس وشكاواهم المتكررة من سوء الخدمة الطبية هى التى تلجىء المسئولين إلى حمل هرواتهم الغليظة والتوجه مباشرة فى مهمة سهلة لضر ب عدة عصافير بحجر واحد؛ ربما للهاء الناس ومتابعة العاملين فى الحقل المطلو ب وكسب ثقة الجماهير وإرضاء الجالس على العرش، بصرف النظر عما تحصله الخزينة من خصومات من مخصصات طوابير الطباء والعاملين . للسف لم يستمر فهمى في الدارة أكثر من ثلثة أشهر ،وشى به زميله الصغير عند المدير العام ،وقال إنه كان يمنح أجازات استثنائية لبعض الموظفات ،بل ويسمح لهن بالحضور متأخرا ويقمن بالتوقيع فى الدفتر بصورة عادية مثل باقى الزملء ،كان يقدر ظروفهن السيئة ويستجيب سريعا للدواعى النسانية ؛البعض يريدون النفاذ من هذه الثغرة لينعموا بأكبر عدد من أيام الغيا ب وأكثر ساعات تأخير متعللين بأسبا ب وهمية ،فهمى يكتشفها بحدسه وفطرته الطبيعية بسهولة .تقول له بعض الموظفات اننا) لزم نشيل بعض( ،تمت ازاحة فهمى عن الدارة عن طريق محافظ المدينة وعرين مكانه شابا صغيرا كان مشهورا بولئه الشديد ،خاصةولءه الشد للمحافظ ،تنردر الجميع بذلك الولء ! جاء هذا المدير الشا ب بعد ستة أو سبعة مديرين خلل السنوات الثلث الفائتة ،تحدث فهمى وأفاض غيظا وكمدا ،أوشك الفجر على النبلج وهو يتحدث ..يقول إنها صورة مهينة ومبتذلة ،نحتاج إلى أن نبتدىء من اللف باء ،ماالذى يفهمه هذا فى الدارة ؟ كان حزينا وصادقا عندما حكى عن حلمه الذى رآه ؛ قال شاهدت فى منامى انى دخلت بسيارتى مكانا شعبيا ضيق الحارات ؛تتحرك فيه السيارة بصعوبة ،اعترضتنى تلل من الرتش والطو ب ،حاولت الرجوع ولم استطع؛ اشاروا على بأن أخرج من السيارة واصلى ،كنت 207
أظن أنهم سيربطون السيارة فى السجادة ،وأتحرك بها بيسر ،انتبهت من صلتى على صوت السيارة وهى تقفز ،نظرت الى قائدها فوجدته طفل صغيرا جالسا على عجلة القيادة ،كاد أن يؤذى نفسه والخرين ،نظرت الى وجهه لتحقق منه رأيت وجه المدير الجديد ؛ اتكأ على المكتب بكوعيه قائل لن أدخل لبارك له ..انه من دور أولدى تعلم الطب على أيدينا ؛ نحتاج إلى مراجعة التوصيف الوظيفى ،وإعادة وضع كل شىء فى مكانه السليم ،قال حزينا ..نحن أمة لم تعرف هويتها حتى الن !" كان يتطلع إلى الكمال ؛ ل يمد يده ول يكذ ب ول ينافق ،لم يدع التقصير يتطرق إلى أفعاله ؛ أنعم ا عليه بالصحة والستر .على مكتبه وضع رأسه بين يديه ؛نظر فى فنجان القهوة أمامه، سحب رشفة ،بدا طعم البن باهتا ،له رائحة دخيلة ،تذكر أيام الطاحونة النحاسية اللمعة التى كانت تضعها جدته فى حجرها عندما تفترش شمس الضحى صحن البيت ؛ يجلس جوارها ليشم رائحة البن المتضوعة؛ كانت شهية آسرة . حكى قصة الرجل الذى حضر الى المستشفى يشكو من آلم فى الجانب اليمن ،يقول أهله انه يعانى من المصران العور ؛ بعد الملحظة رفض فهمى أن يستأصل له الزائدة ،وقال انه ل يعانى من زائدة ،تناول علجا ،وغادر المستشفى ،ولكن المريض لم يشكر الطبيب ولم يقتنع ، أصر على أنه مصا ب بالتها ب بالزائدة ،ويخشى من انفجارها ،توجه أقاربه بالشكوى الى مكتب المحافظ الذى اتصل تليفونيا بالمستشفى ،طلب حضور رئيس القسم فورا من منزله ، وفتح حجرة العمليات لزالة الزائدة ،لم يتكلم أحد ،ظل فهمى يتعجب من المر؛ تدخل السياسة فى كل شىء ،إلى حد التدخل فى حجرة العمليات وفى التخصص الذى يحتاجه المريض ،تم التحقيق مع فهمى بعدها داخل ردهات المحافظة حيث طاقم المحققين ل يمكنه إل أن يجامل السيد الكبير ،تم الكتفاء بتوجيه اللوم إلى فهمى هذه المرة ،مع التحذير من تكرارها ،فهمى هذا الذى يعرفه الصغير والكبير ،والذى عمت خدماته ومحبته الجميع .لم يستطع احد العتراض على كلم الكبير ،بعد ان أجريت العملية عاودت المريض آلمه المبرحة ،اتضح أن تقرحات القولون هى السبب . كان يهيؤ لفهمى أن أى فكرة تخطر له ،بمجرد أن ينطقها وقبل أن يكتبها سوف تتلقاها إدارة المستشفى كما يتلقى التلميذ المجد فيض العلم من أستاذه ،وينفذه بعد أن يحفظه عن ظهر قلب؛ أستاء كثيرا من الهمال الضار ب فى زوايا المستشفى وأقسامها ،لم يكن يتخيل أن يصل الحال إلى ما هو عليه الن ؛ قليلون يمسكون بمقاعد السلطة خشية أن تنزاح من تحت مؤخراتهم، يعينهم على ذلك قدراتهم الخارقة على المداهنة وحب التسلق ،وصفات أخرى مثل النانية والوصولية وإزدراء الخرين ..لحظ أنهم يتقاسمون تلك الصفات ،كما يتقاسمون أموال عوائد المستشفى فيما بينهم ،الغالبية الباقية ل يبقى لهم سوى الفتات؛أصحا ب الفتات هؤلء غالبا ما تلهيهم مشاغلهم اليومية ،لديهم من القناعة ما يغنيهم عن مجردالتفكير فى القترا ب من السلطة ،يدفعهم إحساس بأن السلطة صارت قرينة الطمع والجشع وأنها فى حقيقتها تكليف يجب أل يقبله سوى من لديه المقدرة على القيام بأعبائها والوفاء بمقتضياتها ،و يكون مستعدا لخوض معارك شريفة وقاسية من أجل إحقاق الحق ومحاولة وضع المور فى نصابها،فى الغالب ل يرضى عن ذلك ولة المر ،لنهم محاطون بفرقة من المهللين المطبلين من أصحا ب المطامع و حاشية السوء التى ترافقهم وتقوم بتوجيههم. 208
*** بالعيادة الخارجية حجرات صغيرةمكررة؛ أكد فهمى أنه لم يشعر بهويته فى ذلك المكان الضيق الكئيب فى نهاية الكوريدور ،المفروض أن يتسع لعدد كبير من الطباء ،من الفضل توزيعهم على أيام الشهر ؛ كل يوم تحضر مجموعة صغيرة للعمل ،ظل فهمى يحكى ..قال ان المدير أوصى بخصم يوم من راتبه لنه ادعى أن المرضى لم يفحصوا لن السرة كانت مرتبة والملءات مفروشة بنظام ،فى يوم تا طل تركت الممرضة السرة دون ترتيب ،تم خصم ثلثة أيام من راتبها للهمال ! برافو ! يقول فهمى إن الدولة تمر بحالت غريبة مرهقة ،ل نظام ) كله على كله ( نعم ! متى يأتى من يخرلصنا من هذا الهم الثقيل؟ لم نجد أحدا نتحدث اليه ،ادارة زئبقية ،ل يمكن الحوار أو التفاهم معها ،كلما حاولت القترا ب منها و شرح مشاكل القسم ومشاكل الطباء أجدها تتسر ب ، كل سؤال مجا ب عنه مقدما ،ول وقت لدينا لهذه المشكلت البسيطة ،يكفينا الشكاوى العليا؛ من الوزارة والمحافظ وأعضاء المجلس الذين يشوهون صورتنا ،تريدون أجهزة ؟ حسنا عندما تأتى الميزانية الجديدة ،أكتب كل ما تريد ،يقول السيد مدير التخطيط بعد ضحكة عالية ،قد تنتهى بشخرة او ربما هىء لى أننى سمعتها كذلك ؛ أوراق طلبات القسام ؟ ! ها !..إنها تلقى إما الى الزبالة أو إلى باعة الترمس ،ها ..باعة الترمس يرفضونها هذه اليام يضعون الترمس فى أطباق فوم مغلفة؛ وأكياس بلستيكية معقمة !" *** مرت شهور؛صارت انتخابات المجالس المحلية و احتفالت اكتوبر على البوا ب؛كدأ ب كل عام لستعراض إنجازات أغلبها وهمية ،فقط لكسب عطف الرؤساء و ذر الرماد فى العيون ،عرفنا أن المحافظ سيزور المستشفى ليحاور الطباء ،بحجة الهتمام بالوضاع ،وتعويض النواقص؛ مرت اليام ،تم العلن عن زيارته للمستشفى ،فرح البعض ،بينما توجس الخرون خيفة من شروره ؛الكل يتساءل عن أهمية تلك الزيارة ؛وعن علقتها بالنتخابات ،كان المدير منتظرا كما انتظر باقى الطباء تلك الزيارة الميمونة ،قال البعض :المفتشون فى الطريق ،مدير العيادات يراقب العمال والطباء ويلحظ النظافة ،كان يحمل مع العمال أصص الزهور؛ وهو بالبالطو البيض ؛ ويضعها فى مدخل المستشفى،حضر حشد كبير كانت الستعدادات على قدم وساق ،الطريق لبد أن تكون وردية أمامه ،ل تقع عيناه إل على كل جميل ؛النظافة ،ملءات السرائر البيضاء الجديدة خرجت من توها من المخازن ،يوم اللقاء أبدى المحافظ إهتماما بالطباء ،تذكرت قصة الثعلب المكار والحلة فوق النار التى كانت تدررس لنا فى سنة أولى ابتدائى ،كان الثعلب ينتظر الرنب ليوقعه فى الحلة المليئة بالماء المغلى ،سوف يذهب ليفتتح أحد المراكز الطبية التى تم تجديدها ،بالمستشفى اصطفت الممرضات والعاملت على جانبى الطريق ، بابتسامات غريبة على وجوههن ،فى الضحى وصل موكب المحافظ محاطا بالسدنة وأعوانه فى المقدمة والى جانبه مدير المستشفى والوكلء ،تسبقهم كاميرات القنوات التليفزيونية. كان صافى قد حرر مذكرة طلب فيها أن يكون منصب المدير العام و مدير المستشفى أيضا- بالنتخا ب ؛يبدو أن صافى تأثر بشجاعة فهمى؛ ظل فهمى طوال الليل يكتب المذكرة ويعيد صياغتهاأخذ صافى المذكرتين ووضعهما فى جيب البالطو استعدادا لتقديمهما –ان سنحت 209
الظروف –للمحافظ .عندما وصل الموكب اقتر ب صافى من ساعى المحافظ ،ودس المذكرتين فى يده متبسما ،تحرك الموكب إلى داخل ردهات المستشفى وقاعتها ،معالى المحافظ يبدى اعجابا بحجرات الرعاية الفائقة ،وبعدد السرة والتجهيزات ،فهمى الذى كان يعافر وسط الزحام حتى صار قا ب قوسين أو أدنى من المحافظ اندفع قائل :يا باشا ما يغرركش المناظر دى ..كل ده قرع احنا فاهمينه ،السراير دى أصل جايبنها من قسم الجراحة ،وبعد ما تمشى سيادتك هايرجعوا يشيلوها ؛ ...وفجأة وقبل أن يكمل كلمته نغزه أحد الطباء فى كتفه ،أزاحه المدير والوكلء بعنف بأياديهم؛بينما نظر إليه المحافظ بقرف واستغرا ب شديدين ،من ذا الذى سيبطل اخراج المسرحية الهزلية! بسرعة سحبه اثنان من الجوقة حتى يكون بعيدا عن كاميرات التليفزيون التى كانت تسجل الحدث .قال المدير :ل يا باشا ...دا طول عمره يتاع مشاكل ؛ غاوى مشاكل ؛ دايما يحب يضر ب كرسى فى الكلو ب .. انتقل الموكب الى قاعة الجتماعات ،تحدث المحافظ بصوته الرخيم ،ل ليس رخيما بل هو صوت مبحوح ،كأنه صادر عن حنجرة منهكة بشتى أنواع المخدرات ،ربما كان كذلك؛ بدأ كلمه بأنه ل يريد أن يؤذى أحدا ،وأنه يمكنه أن ينقل أعداد ل حصر لها خارج المحافظة ،وأن لديه السلطة لكى يفعل ؛وزع نظرات حارقة على الحضور قائل الن ! سكت الجميع كأن على رؤوسهم الطير ،كيف يحصل المسئول عن كل هذه السلطات المخيفة ؟وكيف تستخدم السلطات هكذا دون حسا ب فى بلدنا ؟ قال أنس هامساإنها بلدهم وليست بلدنا ! فى تلك الجلسة تحدث المحافظ عن آليات التطوير ،وان صندوق المحافظة يمكنه المساهمة ؛ فى نهاية الجلسة قال من لديه طلبات فليطلبها منى ؛ اكتبوا لى طلباتكم وانا كفيل بتوفير ما تريدون! فرح البعض باللقاء الذى أحيا فى نفوسهم المل وأزال بعض مخاوفهم ،طلبوا توفير بعض الجهزة؛ تحمسواوتكلمواعن طلباتهم؛ قرر آخرون متابعة الموقف والنظر من بعيد. هذه المرة التى احتك فيها فهمى بالمحافظ كانت هى الفاصلة ؛المرة الولى بخصوص موضوع الزائدة الدودية ،فى اليوم التالى على الفور ؛ استبقل فهمى خبر نزعه للمرة الثانية بقلب منفطر ؛ المرة الولى من ادارة المستشفى ؛هذه المرة من ادارة القسم ،لم يكن حزينا على نفسه ولكن على النظام العام؛ ظل يردد كلما عن الدكتاتورية والرغبة الجامحة فى التشفى وحب للسيطرة ؛ وتلك التوجهات سخيفة ،أسلو ب غليظ بصوت أحمق خشن ،الرجل يظن انه مازال قائدا لسرية عسكرية ،بالرغم من الفروق بين الحياة المدنية بأشكالها المتعددة والحياة العسكرية؛ أصدر أمرا خاطئا فى عرف الطباء ،هناك منظومة يسير عليها العمل ،يبدو أن ألم المحافظ الكبر هو احساسه الدفين بعدم فهمه وإصراره على تدخله فى عمل الطباء الذى اتضح من طريقة نطقه وتعامله ،يجلس كالسد الجريح فى عرين هش!معروف أن لكل تخصص رجاله الذين يفتون فيه ،وأن الطبيب له مركز اجتماعى من المفروض أن يحظى باحترام لشهادته ومجهوده الذهنى وانفاقه الوقت والجهد لتحقيق رسالته ،لم يعجب هذا الضابط العجوز عدم النصياع للمر ،اعتقد أنها مهانة او ربما مذله ،ل إراديا تطفح سلوكياته معربرة عن مركبات نقص قد تبدو فى شخصيته بذلك العنف الذى يتخذه تجاه الخرين ،يظن أن هذا هو الصح الذى يجب أن يسرى ،يقول فهمى لسنا فى خندق أو معسكر حتى يهرول الجميع على الفور لتلبية طلبه ،ولماذا ؟ هل يفهم هو فى كل مجال من مجالت الحياة ؟ هل معنى وجوده على رئاسة المحافظة أنه أستاذ فى الطب وفى التدريس وفى الزراعة والصناعة والقتصاد والفلك وعلم البراج والصرف الصحى أيضا ؟!!! 210
هل هناك داع لذلك ؟ الحل يجب أن يكون فى أيدى المتخصصين ،عليك فقط أن تعرض المشاكل وتنتظر الحلول من المتخصصين ،أنت لست متخصصا ،المفروض أنك ادارى فقط ،تذركر فهمى أنه سبق له الذها ب مع حملت طبية و قوافل إلى سيناء والقطاع الريفى ،هناك كانوا يعالجون أبناء الشط ؛وصلت القوافل الى القطاع الريفى وحمامات فرعون ورأس سدر ،كانت قوافل مجهزا لها ،تقوم بواجب مشهود .تعجب فهمى من سلوك المحافظ ،ظل يتحدث مع زملئة مستنكرا فعلته ؛ كان يقول هو يفهم إيه فى الطب ؟ واحد عسكرى إيه اللى حشره وسط الدكاترة ؟ شىء غريب ،الغالبية توافقه على كلمه ،ولكنهم – بعيدا عنه -ل يعترفون به ول يقولون للمدير ما يتسترون عليه ،اتخذت تصرفاتنا أشكال غريبة ،الكل صار غاية همه أن يلحق بمن فوقه و يسترضيه ،شىء غريب وشاذ !كأنما كان مطلوبا منه أن يسير وسط قطيع،لم تطاوعه نفسه للسير فى طابور مغمى العينين تائه الخطى ،ل يدرى له هدفا واضحا ! *** لم يكن لمدير القسم أو مدير العيادات أو الستقبال أى سلطات مادية،ولم يكن يتحكم فى أى جنيه يصرف من خزينة المستشفى ،عليه فقط تقديم الطلبات ،أو رفع الشكاوى ،أقسم فهمى ال يدخل إلى المدير اللهم إل إذا طلبه؛ لم يتعود أن يطلب مصلحة شخصية ؛ولم يسأل عن علوة أو مكافة طوال مدة خدمته ،أغناه ا عن ذلك ،كان يتذكر دائما قول زميله الذى أحيل قبله إلى المعاش ،إن مال الحكومة مال وقف ،ول يجوز العتداء عليه ،فهو مثل من يسرق من المسجد تماما إل من أضطر.
بعد تسليم تلك المذكرة كان فهمى يبيت متوجسا؛صار يكلم نفسه؛ربما أعجب المحافظ بتلك المذكرة المنسقة التى كتبتها ،ربما يبث لنا خبرا بوصول النواقص التى طلبها؛ اتصل بأطباء القسم وب رشرهم خيرا ،وقال لهم أعتقد ان الرجل سيوافق على طلباتنا ،وقال لهم علينا أن نكون على مستوى المسئولية الجديدة الملقاه على عاتقنا ... بعد شهور من تقديم المذكرة ؛كان فهمى جالسا مع مدير العيادات ،يتحدث معه عن آماله فى تحديث القسم وما يتطلبه ذلك من جهد بسيط قبل خروجه الى المعاش ،تبسم مدير العيادات ونظر إلى مجموعة ملفات ملقاه على مكتبه واخذ يبحث فيها وهو يقول :فكررتنى ! تقريبا لك ورق عندى .سأله فهمى عما يبحث ؟ قال انه يبحث عن الشكوى التى سلمها للمحافظ...الشكوى التى سلمتها للمحافظ؟ تعجب وقال إنها ليست شكوى ولكنها مذكرة لتحديث الخدمات بالقسم ! من المفروض أن يوافق عليها كما وعد ؛ثم يرسلهاالى المدير العام للنظر وابداء الرأى؛أو يصرعدها الى الوزارة ول يعيدها اليك.نظر مدير العيادات اليه وقال بلهجة متعادلة ل تنم عن شىء :المحافظ ررجعها إلى مدير المستشفى الذى أرسلها بدوره إلرى بصفتى مديرا للعيادات !". تذكر أنه كتب المذكرةوقدمها قبيل انتخابات المجالس المحلية ؛ وأن رد المحافظ كان تاليا للنتخابات ؛ساوره احساس بأنه كان متسرعا وانه احتسى البالوظة !أحس أنها مهزلة ..وأى مهزلة تلك ؟!
211
فيما بعد سمعنا أن المدير أمسك بمذكرة فهمى ومزقها وضحك ضحكة مستهزئة وهو يقذفها بجواره فى سلة المهملت .بينما ظل فهمى مترقبا الرد على مذكرته بقلب تأرجح بين القلق والفرح والوجل والسرور . *** 13 صافى وسعدون كنت أتمشى فى شوارع المدينة وطرقاتها؛أتأمل ما طرأ عليها ؛ أثناء سيرى بشارع عرابى لم أجد اليافطة الخشبية السوداء المتربة المعروفةباسم الدكتور سعدون أخصائى ورئيس قسم المراص النفسية والعصبية ،كنت أعرف أن عيادته ظلت مغلقة منذ مدة طويلة ،اليوم دفتحت وأضيئت أنوارها،وتغيرت اللفتات الخشبية السوداء القديمة المغبرة بلفتات نيون هائلة و نظيفة باسم " دكتور صافى الفقى " نفسية وعصبية ..صعدت لسلم عليه وأهنئه؛اشترى العيادة من سعدون بمبلغ ضخم وافتتحها أثناء وجودى بالخارج ،لم أتعجب عندما علمت أن سعدون أنهى علقته بالطب وتفرغ لرعاية مزرعته وزرائبه ومواشيه التى تدر عليه لبنا خالصا ؛ قيل فى سبب اعتزاله أنه أصيب بإكتئا ب تفاعلى حاد بعدإصابة ابنه فى حادث سيارة،أعقبته نوبات من النسيان ؛ أخيرا ربما عاد الرجل المناسب الى المكان المناسب ،قال لى صافى مهموما إن الدكتور سعدون يحتاج إلى اشعة مقطعية على المخ ،وربما يحتاج إلى علج مزمن؛ لقى صافى عقبات خلل حياته العملية،الن صار رئيسا للقسم ،وجوده وسط عدد من المهرجين والفاقين أضاع عليه فرصا غالية كان يمكنه التقدم عن طريقها والسفر للخارج وإكمال مسيرته العلميه وأبحاثه التى ظل يحلم بها زمنا طويل،ظل محافظا على تلك الحاسة الرقيقة الغالية من الثقة بالنفس والعتداد بالكرامة بالرغم من تهاوى طموحاته على واقع مرير ؛ظل مناضل فى تخصصه الذى لم يختاره بإرادته الخالصة ؛وتقدم للدرسات العليا وحصل عليها ،حتى استقر بالمدينة . آن أوان الفجر ؛توجهنا للصلة ،أثناء خروجنا من المسجد تهادت نسمة رطبة؛ قال صافى ان الحياة أحيانا رائعة دون تدخل البشر؛دون ردود لفعال الناس ومكرهم،أردت أن أستبطن ذلك النطباع الرائع المتجرد من المشاعر السيئة بكافة أنواعها .لبد من اعادة النظر كل حين ،نادرا ما نتجه داخلنا؛ داخل أنفسنا وأجسادنا ،إل إذا حدث ألم لى سبب،نقص ما ؛ جسدى كالصداع أو وجع السنان او مغص كلوى أو معوى أو التها ب أعصا ب ،أو حادثة أو نقص معنوى أو مادى ، ربما يكون اللم النفسي أشد من اللم الجسدى وأعظم ضراوة ،نادرا مانحاول أن نرقدر ذلك الجسد الذى نتمتع خلله ويحملنا ويتجه بنا أينما أردنا إل إذا أصابه مكروه ،نشعر بالرهاق ثم نذهب فى النوم ،أثناءه تتم داخلنا عمليات كيمائية رهيبة ومعقدة للغاية ،وكل ذلك ونحن نيام نغط فى النوم والحلم أو الرؤى ،يأخذ الجسد راحته ويستعد ليعيد الركرة فى اليوم التالى .قال انه يميل إلى العلج الروحانى ؛فى بعض الحيان يؤمن بعلج الروح بالبكاء كما يبكى الشيعة على المام الحسين ،يقول إن البكاء له علقة قوية بارتقاء الروح ،أحيانا يهمس للمريض فى أذنه طالبا منه أن يقف فى الشرفة أو الشباك وينظر إلى الجو المحيط لكى تنتظم دورته الدموية وتهدأ روحه، أحيانا يتحدث عن الدكتور سعدون بحزن وهو يقول انه أصيب بمرض الزهايمر ،وهو يعتبر 212
مرض مستعصى ومن أكثر المراض شيوعا عند الشيخوخة .ويقول ان المرض صار أكثر شيوعا هذه اليام فقد أصيب 26مليون شخص على مستوى العالم ،وهذا العدد يمكن أن يكون أربعة أمثاله بحلول .!!2050 *** عقد المدير اجتماعا بدعوى رفع كفاءة القسام ،لبد من استغلل أموال المعونة وإل تعود ثانية إلى الوزارة ! وظائف جديدة لم نكن نسمع عنها ،سال لعا ب الكثيرين ،دأفردت مكاتب مكيفة لما يسمى أقسام الجوودة ،تعجب الدكتور صافى ولم تطاوعه نفسه بالذها ب إلى هذا الجتماع؛ فى البداية كان متشجعا على الذها ب ،أثناء الحوار أحس أنه ل حوار هناك ،فقط مجموعة من التهديدات بالخصم من المرتب أو الحوافز لمن تسول له نفسه السير فى طرقات المستشفى دون أن يرتدى البالطو أو حتى دون أن يكون البادج معلقا على صدره ،أحيانا يلقي المدير التعليمات والنصائح كمن يتقيؤها ،ويدير رأسه إلى الحضور كأنهم تلميذ الفصل ،تدور الفكار فى رؤوسهم وتنحبس ،القليل منهم يتحدث بنوع من التهكم ،تنقلب الجلسة إلى كوميديا سوداء ،اسمع يا اخانا دعنا ننتهى ،من فضلك ،نريد أن ننهى هذه الجلسة وحياة أبوك ،وراس أبوك يا اخى ادخل فى المهم ..يتحدث عن الجودة ،معايير الجودة وأقسامها ؛ وصناديق الزبالة الخاصة بها ، يتذكر صافى المقعد المكسور ،وبا ب الغرفة الذى ل يغلق جيدا ،والمكتب الذى أكله الصدأ ، يتعجب ،أنتم تتكلمون عن معايير الجودة ؟ أين ذهبت تلك الطلبات التى سبق أن قدمنا ها لكم ؟ وقدمناها أيضا لمديركم ؟ فقط تريدون ارضاء الدارة العليا ؟ أقلية فقط هم من يفهمون ،سدنة المدير وأعوانه ،الباقى وهم الغلبية ل يفهمون ،ول يعتقدون فى جدوى هذا الكلم ..أنتم ل تسمعون ! ل تريدون أن تسمعوا ،ل يهم نوعية الداء ،فقط تريدون أن تتكلموا ،أن تفرضوا وتنشروا ما يكفل حمايتكم من كل شر يأتى من تحت أو فوق ! صاح صافى :وهل الجودة تحتاج إلى أقسام ؟ يجلس مدير الجودة فى مكتبه المكيف ومعه عدد من السكرتيرات ليقبض آخر الشهر مالذ وطا ب له ،يصل ما يحصل عليه أضعاف أضعاف ما يحصل عليه زملؤه من نفس الدفعة أو القدم حتى الواصل الى نهاية المربوط ليبلغ معشار ما يحصل عليه هؤلء الفاكون ،تسارعت الحركة داخل وخارج ردهات المديرين ،وتفننوا فى عمل الجتماعات والعلن عن مشروعات وهمية ،تعودوا على ازالة سيراميك وبلط الحوائط والرضيات وتغييره فقط لتنفيذ البنود ،حتى تستنفد الميزانية بصورة رسمية ل تشوبها شائبة، كانوا يصرفون بدلت حضور جلسات بصورة دمبالغ فيها ،مبالغ لم يحلموا بها من قبل،أحيانا تكون بواكى من الوراق الخضراء ،كان المدير العام يهوى النجازات البنائية بصورة لم يسبق لها مثيل ،أراد أن يضر ب عصفورين بحجر ،تكتب له أمام المجلس المحلى ،وتكتب أيضا امام س المستفيدين من المقاولين الذين أسندت إليهم أعمال بمليين المحافظ ،والهم كونه على رأ ل الجنيهات؛ كاشن يصله نصيبه من الكعكة متمثل فى شيكات أو مبانى سواء كانت بعيدة أو قريبة من البحر فى صورة شقة أو شاليه فى أحد المنتجعات أوالقرى المنتشرة على ساحل البحر .كان يهتم بالمبانى دون المعانى ،لن المبانى تدر عليه دخل يسيل له لعابه ،وقد بنى له أحدهم شاليه فى السخنة ،ولم يهتم بشراء أدوية ربما ل يصل ثمنها إلى معشار ما ينفق فى تغيير البلط وعمل المبانى ،ول ينفق على الموظفين والعاملين ويرفض اعطاؤهم أى منح ،يرفض المكافآت 213
التشجيعية ،اللهم إل إذا كان داخل فيها ،ويسخر من طلبات الموظفين ،ول يبالى بهم ،كما كانت يده سريعة فى التوقيع على الجزاءات .. *** يحاول صافى أن يجيب عن أسئلة كثيرة يواجههاخلل حياته اليومية ؛ كان يجيب عن كثرة السهر وهل تؤثر على التركيز ؟ وما علج الخوف من الفشل ؟ وهل قضم الظافر يعتبر حالة نفسية ؟ وما هى القيم ؟ وهل من الصحيح نفسيا أن ينتقد النسان نفسه كثيرا ؟وما هى الشخصية الفطرية العفوية ؟ وهل للحب درجات ؟ ولماذا تقل القدرة على الحفظ كلما تقدم العمر ؟ وما افضل طريقة لحفظ القرآن الكريم ؟ يقول البعض عن طريق الستماع ،المسلمون في روسيا يحفظون القرآن كامل عن طريق السماع؛ بل ويتقنون التجويد بمخارج حروفه؛ المقصود هو استماع القرآن في جميع الوقات ,في المنزل وأثناء القيادة والذها ب للمدرسة وأثناء العمل.. الخ .كان يقول للمريض ويشرح له ..كن حازما من غير عنف ،حاول ان يكون لك دور ومكانة ،هناك اسلو ب بسيط للتأمل ،أمل كأسك حتى تفيض لمساعدة الخرين ،كيف تنشط ملكاتك البداعية؟ كيف تستفيد من الفشل؟ ابحث عن مواهبك ،الصداقة فن ،كيف تتواصل اجتماعيا؟ أن تكون ايجابيا ؛معناه ان تعيش سعيدا ! قال إن أسرع طريق لتفتيت الشخصية والفكر هى المشاكل والفقر و العيش وسط الضوضاء والفكار المتناقضة والشد والجذ ب من جهات مختلفة؛وكذا انعدام اليمان بال عز وجل مما يؤثر تأثيرا سلبيا على النفس والعقل والجسد ؛ كل أولئك فى آن واحد؛تحدث عن الدكتورسعدون وقال مسكين سعدون ! حاول أن يبتزنى عندما كنت حديث العهد بالمدينة ! عندما علم ان والد ر ى يعملن بالخليج سألنى عن" السيولة " ؛عن البواكى التى ربما تركها لى أبى !تعجبت من جرأته وحديثه معى بتلك الصورة !وخصوصا انها كانت أول مقابلة للتعارف بينى وبينه ،كيف يطلب منى هذاالطلب؟ بالطبع تجاهلت كلمه ،عرفت أن زوجته مديرة فى إحدى الشركات الملحية المرموقة وتتقاضى مرتبها بالدولر ،يقول إنها بخيلة ول تنفق على البيت جنيها واحدا ؛وقال ان لديه ولد واحد ،يتعلم فى مدارس البومباستير ،كان حادث ابنه مدمرا لصحته النفسية بل لحياته كلها ،بعدها صار زبونا مستديما للمصحات القاهرية التى أنفق عليها ماتدره المزرعة والزريبة ودخل العمارة التى ورثها والراتب أيضا . ظل صافى مجاهدا ،معظم أهالى المدينة يعانون كما يقول من * aggressivenessسببته لهم ظروف الحر ب والحياة الصعبة والضياع الذى كابده الكثيرون خلل سنوات التهجير وما بعدها، كل هذا زرع فى نفوسهم اليأس والخوف ،الخوف شعور مدمر ،يوقف النسان فى محله ويحبس صوته؛ و يجعله يحاول الختباء ؛ الخوف شىء فظيع ،ينأى بالنسان عن الحياة ؛عن معاملة البشر ؛ إحساس يجثم على الصدر بعدم جدوى التعامل أو الحوار مع الناس ،أو مع كثير من الناس ؛ إحساس بأن خروجك إلى العالم ،ومحاولة التفاهم لقضاء مصالحك البسيطة سوف يكون فيه قهر لك ،وإيقاف وتعطيل كبير ،الخوف هنا من الصطدام بالمعوقات أو بمعنى أصح الصطدام بالمعوقين الذين ل يستحيون من تعطيل مصالح البشر..كان يجلس طويل مع مرضاه مانحا أى مريض وقتا طويل؛ يسهر كثيرا ،كان يخدم المرضى ويتعاطف معهم ويعمل بدأ ب وانتظام أملته عليه تربيته المستقيمة وخلقه الرفيع ،ومع ذلك عندما يدخل العنبر يصا ب بنوع من 214
الحباط لملحظة التردى فى متاهات وفظائع القهر والهمال ؛ترقى حتى صار رئيس القسم ، أثبت تفوقا وجدارة وخصوصا بعد أن غادر الدكتور سعدون المدينة وباع كل مايملك بعد مروره بتلك الزمة النفسية الحادة وانفاقه كل ما يملك لعلج ابنه الذى باء بالفشل . اتجهت بنا أقدامنا لنكمل حديثنا على مقهى شهير بالكورنيش ؛كانت جلستنا أمام الشاطىء تماما؛ شهدنا فى تلك اللحظات بزوغ قرص الشمس ؛بينما استمر صافى متحدثا عن أهمية كلمات الطبيب؛يقول انت ل تعرف مدى تأثيرك على من حولك ،الكلمة الواحدة من الممكن أن ترفع معنويات المريض ،وعلى العكس من الممكن أن "تجيبه الرض"،تنرغص عليه عيشته؛كيف ؟ان ماتقوله يصير مثار حديث الناس ،يتمنى كل يوم أن يفعل شيئا مغايرا؛ ربما تمنى أن يأتى بما لم تأت به الوائل !أن يطور القسم ويطور الخدمات التى يقدمها للناس بخصوص النواحى النفسية والعصبية ،أن تكون الخدمة متكاملة ،يقول ان المشاكل المادية أرهقت الناس ،وتسببت لهم فى أمراض نفسية وحوادث عديدة ،يقول إذا زادت نسبة المشاكل العائلية؛ الطلق والمشاجرات والكتئا ب النفسى والنتحار ،فابحث عن الفقر ! لو كان الفقر رجل لقتلته!قال له باهر يوما أردت أن أجعل صندوقا فى قسم المراض النفسية ،هذا الصندوق مخصص للمرضى ،يدفع فيه القادرون ،ويأخذ منه المرضى أصحا ب المشاكل المادية النفسية ،رد عليه فهمى ،من المؤكد أن تسعين فى المئة من المشاكل ستختفى تحت ابتسامة المريض أو المريضة وهو يقبض فى يده المبلغ الذى ينتشله من الجب الذى وقع فيه! يسأل نفسه :ما الذى يمكننى فعله اليوم ليخلد ذكراى ؟ ما ذلك الشىء المغاير الذى يجب على فعله ويكون فى الوقت نفسه مفيدا للناس ،يتذكر الية الكريمة "ل خير فى كثير من نجواهم إل من أمر بصدقة أو إصلح "..يتأمل قليل ،ويقول وجدتها ! فعل نادر جدا من يأمر بصدقة ،وأندر منه من يأمر بإصلح ،إل من رحم ربى ! يساءل نفسه:أن تقهرك ذبابة أو نملة أو برغوث أو ميكرو ب أو فيروس ،أو طفل مريض جسديا او نفسيا ،أو تضطر للمعيشة مع أحمق ،أو تعامل من يستغبى عليك ويستهبل ،أو تنزلق قدمك فتصا ب بكسر أو مرض يغير مجرى حياتك؛ساعتها تضطر للوقوف حائرا أمام ما يجرى فى العالم ! وفى النهاية لبد أن نخفف عن أنفسنا بأن تتعامل مع الدنيا بعين الغريب ل عين المقيم ،فى الحقيقة كلنا زوار لهذا العالم ؛كلنا غرباء !قبل خروجنا من المقهى سأل النادل الذى دخل فجأة ليجمع الفوارغ : قل لى يا فوزى.. نعم يا باشا.. البن اليومين دول ماله ؟ ل طعم ول ريحه!.. يا باشا فيه ناس تخلطه بالفول السودانى؛ وناس تحط عليه فول تدميس محمص ،وناس تحط عليه حاجات غريبة ؛ وأهى أرزاق !! أرزاق ؟! يأخذ صافى نفسا عميقا ؛ نغادر المقهى سويا ؛يقول لى فهمى أنا أبحث عن فنجان قهوة لم يفقد نكهته بعد! *** 215
*عنف-تهجم
14 سمير وسيارته دائما تجد ابتسامته الصافيه تعبر إلى قلبك ببساطة متناهية ،ل يتأخر عن خدمة إنسان ،كان كريما مفعما بإنسانية طاغية غريبة تسرى فى دمه حتى النخاع ،تعلو نظارته الطبيه عينان ملؤهما بشر وأمل ،تراجع شعر رأسه إلى الخلف قليل معلما عن صلع وراثى غير مذموم؛مع مقتل السادات حصل سمير على تفرغ لدراسة جراحة المسالك البولية ؛كان والده يساعده شهريا بمنحه مائة جنيها ينفقها مع راتبه الذى لم يصل وقتهاالى ذلك المبلغ ،بعد وفاة أبيه بدأ يحس بغبن اليام وآلم الحاجة ،اضطر أن يغير سلوكه وأن يضغط كل نفقاته. رفع سمير مذكرةلمكتب المدير ،كانت مذيلة بخط دقيق "صورة مرسلة الى مكتب المدير العام"- "صورة مرسلة الى مكتب السيد المحافظ " ،كان يمر على سكرتارية المدير ،ويلقى التحية ،ينظر فى وجوه السكرتيرات ،ربما يجد لديهن إجابة ؛ تكررإرسال المذكرات إلى مدير المستشفى والمدير العام دون جدوى ،وكان يضع رقم تليفونه ،عل وعسى أن يلق اهتماما من أحد ،لم يسأل عنه أحد،هذه المرة كان البا ب مواربا ،لم يقل له المدير تفضل ،تشاغل بالحديث التليفونى ..أيوه يا ستى حاضر من عينيه ،أى خدمة تانى ...أحس بغصة ،جلس مؤمل أن ينظرإليه ،بعد حين انتهت المكالمة،قال للمدير بصوت مبحوح قليل :عملت لنا إيه فى المذكرة يا باشا ؟ مذكرة إيه يا دكتور ؟ طلب تحسين القسم،دول ب المكتبة ..أدوات العمل ..؟ عمل أسود ومهبب !..أنتم مش هتبطلوا طلبات ؟ من امتى لبيت لنا طلب ؟ انا عارف ؟ هو مخى دفتر يا آخى ؟ الجهزة المكتوبة فى المذكرة أساسية ،ومش غالية ،كلها لمصلحة المريض اسأل السكرتيرة عن المذكرة أنا ..أسأل السكرتيرة ؟ما تسألها حضرتك هى السكرتيرة بتاعتى وأل بتاعتك؟ يا آخى بلش دوشة بقى ..أنت إيه ؟ فى نفس الوقت دخل دكتور غرباوى وعلى سحنته ابتسامة ماكرة وتعلقت عيناه بالمدير قائل : عملت لك المطلو ب يا باشا 216
رد المدير وهو ينظر فى ورقة أمامه إيه ! كله تمام ؟ عيب يا باشا . انت ولد لرعيب ! تربيتك يا باشا ..نجيب الفطار دلوقتى وأل كمان شوية ؟ ل ..خللى الفطار كمان شوية ياغرباوى. يعنى معقولة الباشا يقعد على لحم بطنه ل هات لنا بسكوت بسكوت مع شاى وأل حاجة ساقعة؟ حاجة ساقعة أحسن ماشى ب خارجا من الحجرة . قام سمير دون أن يقول شيئا ؛ه ب *** كان الرد قاسيا ،لحسن الحظ لم تنل هذه القسوة كاتب المذكرة وجها لوجه؛ ولكنه سمع بها بعد حين ،ذلك لنه لم يصله رد او يفاتحه أحد فى شىء ؛ أبلغته احدى الممرضات؛ مصادفة كانت توقع طلبا من المدير الذى كان متواجدا هو ونائبه فى المكتب ؛ الول ينظر فى البوسته المكومة أمامه ،بين حين وآخر يلتف بكرسيه ويدور إلى الخلف دورات كاملة ،التمعت عيناه ببريق غريب ونظر إلى نائبه و على الفور سحب بأنفه كما هائل من الهواء محدثا شخيرا نتنا وضحك وهو يلقى بالورقة أمامه ،وقعت الورقة على الرض ووطى نائبه الغرباوى ليسترجعها ،انفجر المدير بالضحك ؛ ثم أتبع ضحكته بشخرة هائلة قائل وهو يضر ب كفا على كف : المحافظ ررجع لى المذكرة .. يتساءل الغرباوى متشوقاومبتسما وهو ينظر فى الورقة : فيه إيه ؟ فيه إيه يا باشا؟ مكتبة ! احنا هنا فى دكرتا ب ؟ فاكر الفندى اللى كلمنى عن الكرسى ؛كرسى إيه ؟ أشتغل لهم نجار أحسن ؟ ما ياخد الكرسى هوه ويصرلحه !!دار بمقعده دورة كاملة وأكمل: الفندى طالب مكتبة !..حيقلبها مدرسة ! عالم ولد قحبة صحيح! *** 217
سمير يأمل منذ زمن بعد حصوله على التخصص أن يشترى سيارة،كان يقول ان المظهر مهم جدا للطبيب ،ويقول لن يحترمك الناس طالما منظرك وهندامك غير مقنع ،السيارة جزء مهم من شخصية الطبيب ! جمع مبلغا صغيرا ،أختفى يومين ،أخيرا ظهر بسيارة بيضاء،أو كأنها بيضاء؛قال إنها سيارة سيات مستعملة ليقضى بها مشاويره ،بالرغم من أنها قديمة وباهتة اللون؛ إل أنه لم يكن يخفى فرحته بها ،كان يتكلم عنها ول يمل من الكلم ،ذهبنا للقائه على المقهى لنتفرج عليها ونهنئه على إقتنائها ،قال إنها لقطة ،اشتريتها من واحد مسافر الخارج ،سأله باهر سافر وأل لسه؟ نظر إلى الرض وسرح قائل مش عارف ؛ هو أنا هاشتغل مخبر عليه؟ يهمك فى حاجة ان سافر وال ل ؟ رد باهر ضاحكا كلهم بيقولوا لدواعى السفر ! أكمل سمير رحت للميكانيكى ؛ محتاجة إصلحات بسيطة ،اسطوانة دبرياج ،واربعة فرد كاوتش مبدئيا ،بعدين محتاجة "شوية "سمكرة ودوكو! دارى باهر ضحكته ونظر حوله وهو يقول مبروك ..ألف مبروك !بسيطة فعل ،مع اليام وجدنا معلومات سمير اتسعت واتسع أفقه بخصوص جميع مستلزمات السيارات والورش الصناعية الموجودة بالمدينة بأنواعها ،وصار الكلم عن كل ما يختص بالسيارات هو عمدة حديثه ليل نهار. كان يعدد لنا أنواع الكاوتش المصرى والمستورد ويقول ان المصرى يستحمل لكنه ناشف ،المستورد حلو بس غالى ،يضحك ويقول الغالى تمنه فيه !..ل يزهق ول يمل من ذكر أصناف الصنايعية وحكاياته معهم ؛ مثل السروجى الذى يجلس معه بورشته ،و الكهربائى الذى يسهر معه على القهوة ،والسمكرى صاحب المزاج العالى الذى تعود أن يزعق فى وجهه لضعف سمعه ،وكانت جلسته المفضلة صباحا فى مقهاه حيث يقابل الميكانيكى قبل الذها ب الى المستشفى ؛ يحتسيان القهوة سويا ويتبادلن الكلم فى سياسة الدولة وما يجرى فيها ؛ كان الميكانيكى هو الوحيد الذى يتكلم معه فى السياسة لنه يحبها . قبل أن ديرفع آذان الفجر ،جاء النادل بصينية الشاى الثانية ،انتقل بنا سمير إلى حكاية أخرى؛ قال إن مريضا فى سقف الخمسينيات حكى له أنه أثناء وقوفه بالحمام تحت سيل المياه المتدفقة على جسده من الدش ؛ كانت زوجته قد خلعت ملبسها وصارت عارية بصدرها البيض الناهد وفخذيها المرمريين تدلك له ظهره وكتفيه بالسفنجة ،تعجب لحوالها ؛ لم تكن تقف عارية هكذا معه فى الحمام منذ بداية زواجهما وهو سليم! الن؛ والن فقط ،بعد أن احتبس بوله ودخلت فيه أنبوبة يتدفق منها البول وصار حبيسا تظهر له مفاتنها بهذه الصورة ،تقف أمامه دون إحراج بعد أن كانت تتخفى منه وترهقه فى الوصول اليها وتتمنع عليه بحجج كثيرة منهاالمحافظةعلى الوضوء ونيةالصلة وبصورة مؤسفة ،حتى كاد أن يسب وضوءها وصلتها تلك التى تتحجج بها عن عمد أو حماقة لتمنعه من الستمتاع بها،لم يشعر أنه هنأ بها ولم تشعره أنه رجلها طوال تلك السنين! كانت حياته معها حياة واجب فقط ،حياة ميكانيكية قد تكون خالية تماما من العاطفة ،فى تلك اللحظات فركر أنه ربما أخذها العطف عليه أو الشفقة لجله ،أو ربما تكون أحست بقيمته ؟! تعجب من سلوكها ،أراد أن يضع يده على جسدها ،لم يستطع؛ منعه اللم وأعضاؤه المشغولة؛ فقد كان يمسك بيده أنبو ب القسطرة المتدلى من عضوه حامل فى نهايته كيس البول البلستيكى ! أكمل سمير ..هذا الرجل أصيب باحتقان وتضخم بالبروستات غالبا من تصرفات زوجته وممانعاتها المتكررة ،أما الخر فقد كان واقفا أمامى ،شلح جلبيته ،وأظهر سرواله ،ساعدته زوجته فى إسقاط السروال ،وبسرعة كانت تقوم بكل شىء ،رأيتها وقد ثنت وسطها وهبطت 218
بعودها إلى مستوى وسط زوجها ،وحدقت فى عضوه ،وأمسكته بيدها ،ونظرت لى قائلة ،هنا الوجع يا دكتور ..ل مش وجع ..حرقان ،وسرحت بيدها إلى الخصيتين وهى تقول كان هنا الول ،وبعدين وصل هنا ،وهى تجدد نظراتها فى عينى كأنما تتأكد أننى معها متابعا لما تقول ،وكأنما تستفهم أيضا عن انطباع كلمها على وجهى " حرقان ساعة ما يكون معاى ،ويزيد مع الحرمام ،لما يدخل الحمام ..والرجل واقف كما هو كالصنم ،مسقطا سرواله شالحا جلبيته بكلتى يديه ،وقد برزت عيناه محدقا فى اللشىء ..بينما ترفع المرأةالكيس وتمسكه بأصبعيها وهى تنظر إلرى ووسطها مازال محنيا " هنا فيه شحشمار وقشر ،بعدها حكة شديدة وحرقان يا دكتور ".. *** حكى سمير عن الرجل الذى حاول أن يدس قسطرة بولية لنفسه داخل حمام المسجد ،تعلق بحائط المسجد ،أدار عينيه بحثا عمن ينقذه ،كان يتألم ويئن ،تغيرت مشيته داخل الرواق ،كان الناس ينظرون اليه فى تعجب ،لم يستطع المشى ،ظن البعض أنه لص؛ قرفص ثم ارتأى له أن يجلس ربما يخف اللم ،على العكس كان يصيح متألما ،أنظار الجلوس تشيعه فى كل حركة ،أحاطه نفران ،أحدهما عامل المسجد ؛قال متألما الحقنى وحياتك ،اختفى العامل وجاء بقسطرة بولية من صيدلية مجاورة ،عرض عليه العامل أن يساعده فى ادخال القسطرة ،دخل معه الحمام وحاول أن يدسها له ،صاح الرجل صيحة أفزعت الجميع ،حمله العامل والمصلين الى ساحة المسجدالخارجية بعد أن شاهدوه ينزف دما.قال أحدهم هو جاى يوسخ الجامع؟! سكت سمير قليل ثم ضحك قبل أن ينطق ؛قال ان سيدة ريفية حضرت اليه فى العيادة محرولة من أحد المستوصفات ،اشتكت من مغص كلوى متكرر ،وعندما فرغ من الكشف وكتابة العلج ، نظرت السيدة الى ابنتها قائلة البنت دى عندها حرقان فى البول ..طلب منها تحليل ،ثم التفتت السيدة الى الولد الصغير قائلة والولد بيشخ على نفسه بالليل ! ثلث قنابل طبية قابلة للنفجار تهديها اليك السيدة فى ثوان وبكل بساطة ! *** استأنف وهو يرشف الشاى" ..كان معى بالعيادة سكرتير نشيط ،شا ب أعتمد عليه فى أشياء كثيرة ،يتعامل مع الناس بلباقة ،وخطه جميل،وهذا نادر هذه اليام ،وسريع البديهة ،يستطيع أن يفرغ البيانات الخاصة بالمرضى ويجهز مطالبات الشركات؛ ويذهب إلى كل جهة ليسلم لها المطالبة الخاصة بها ،بل وأرسله أحيانا إلى السوق إذا تعذرنا فى طلب شىء مستعجل ،كان ل يهدأ ؛ دائما يعمل دون أن أطلب منه عمل ،فى أوقات فراغه كنت أراه ممسكا بقطعة قطن أو فوطة منداة و يمسح بها المقابض ،ويزيل التربة من التابلوهات المعلقة على الحوائط ،ويمسح الزجاج ول يكف عن استخدام المنفضة الخاصة بمقاعد النتريه ،عند فراغه يحضر القلم الشينى وورقا مقوى ليعيد كتابة يفط صغيرة بعنوان وتليفون العيادة وموعيدها ،يوزعها على المرضى وأقاربهم ،لم أكن أطلب منه هذه الشياء ،ولكنها طبيعة تسرى فى دمه ،من المؤكد أنه نشأ عليها ،وجد يوما أحد المرضى دخل إلى المطبخ ليحصل على كو ب ماء فانزعج بشدة ،بعدها وجدته كتب يافطة "ممنوع الدخول" بخط عريض وعلقها على با ب المطبخ !
219
لم تدم أيامه كثيرا ،كان يتحدث مع المترددين ويقيم صداقات ،ويتبادل معهم أرقام التلفونات،أحيانا أرد على تليفون فأجده يسألنى عنه .يوما ما وصى أحد المترددين ،وكان يعمل مديرا بإحدالمصانع ،ليجد له عمل ،وبالفعل بعد مدة جاء الرجل الى العيادة وطلب منى الذها ب معه للكشف على والدته ،وفى نفس اليوم طلب من السكرتير الحضور إلى مصنعه وتقديم الوراق والستعداد للختبار الشخصى . *** ركبت مع الرجل فى سيارته؛ بعد قليل مرق بجوارنا ميكروباس مسرعا يقوده شا ب صغير السن ،حدق فيه الرجل قائل : يبدو انه واحد من سواقين الستاذ مكاوى مكاوى مين ؟ الستاذ مكاوى البحيرى معكم فى المديرية ...مدير الجراج أه ..أعرفه .. يبقى جارى ...راجل سركرة نظرت فى عينى الرجل وقلت : أنت السركرة.. *** بعد أن خرجنا من الشوارع المزدحمة؛ أخذ نفسا عميقا ,أصبحنا على طريق متسع تحفه الشجار من الناحية اليمنى ،على الناحية اليسرى تظهر أجزاء من البحر ؛ ثم تختفى لتعود للظهور ثانية حسب المنشآت المتناثرة هنا وهناك ،والتى تحجب الستمتاع بالرؤيا ؛ القليل منها مبان قديمة مثل كبائن الكبانون ،يليها بعض مبان خشبية لها تاريخ يتسم بالسحر والغموض ، زمان كنت أرى سيدات عجائز محسورات الرأس بيض الشعور ،يسرن حافيات على رمال الشاطىء الرمادية تحت أشعة شمس الصيف البهيجة ؛ أو يجلسن سويا للتحدث بلغة غير مفهومة ،يحيطهن جرو أليف يهتز ذيله وهو يتابعهن ،فى رقبته سلسلة ،بعض الشاليهات متناثرة هنا وهناك ،أكثرها مصايف خاصة بوحدات عسكرية ،تحتل قطاعا كبيرا من الشاطىء ،البعض الخر يتبع الشركات الصناعية ..اغلب المبانى أصبحت أسمنتية تأخذ أشكال متنافرة ، ل يوجد تناسق بينها ،بها عشوائية فجة ؛ حجبت سطح المياه عن السائرين فى ذلك الطريق الطويل الواصل إلى التكة والسخنة والغردقة ؛ حتى راس بناس وحليب وشلتين جنوبا ..مع اتساع الطريق حكى لى عن والدته؛ وعن أشياء أخر ؛ قال: الحمد ل ..الحاجة تعبانة شويه .. سلمتها ألف سلمة 220
سنها كبير ؛ كتر خيرها ربنا يديها الصحة عدت التمانين ...يا ترى احنا حنوصل التمانين وال ل ؟ العمار بيد ا ربنا يديك الصحة .. ديك النهار تزحلقت ؛ وقعت على السيراميك ..الدكاترة قالوا عندها كسر فى عضمة الفخذ غيروا لها المفصل ورركبوا واحد صناعى فين ؟ فى مفصل الفخد ل ..أقصد أى مستشفى ؟ آه ..فى دار الشفا والل الشقا)...ضحك( ودلوقتى ..عامله إيه ؟ الحمد ل ،بعد العملية المساك زاد ؛ كان عندها إمساك من زمان قالوا بلش دوا ؛ ونعمل لها حقنه شرجية ... الحاجة تعبت قوى من المساك ،الحقنة الشرجية عملت مضاعفات ازاى ؟ عملت ناسور من قدام ياه ... سألت الدكاترة إيه اللى حصل ؟ قالوا أبدا .من الحقنة،أصل الحاجة صحتها موش ول بد وبعدين ؟ أنا ماسكتش ..لن إحنا تعبنا فى حكاية البراز ؛ ولما هى كمان تعبت اضطريت أسألهم تانى.. قالوا لك إيه ؟ قالوا انه ناسور اجرامى .. إجرامي ؟؟ آه 221
وبعدين عملت إيه ؟ قالوا مين عمل لها الحقنة ؟ قلت الممرضة .قالوا اسمها إيه ؟ قلت أظن سامية ...مس سامية اتخذت معاها إجراءات ؟ ل .. ليه ؟ ***
سألت عنها قالوا سافرت بعقد عمل للسعودية! بعد أن تفادى اللورى الذى جنح أمامنا فى الملف ،نظر إلرى مستأنفا كلمه :
أصل الحارجة زمان كان عندها شرخ شرجى ؛ كشفت عند الدكتور اللى مات اسمه إيه ؟ كان فاتح فين ؟ فى شارع الجيش .. الحواش؟ آه الحواش..برافو عليك ،قال المساك عمل شرخ شرجى ؛ قلنا وبعدين ؟ قال محتاجة جراحة ، سأل :عندها كم سنه؟ قلت له خمسة وتمانين ؛ قال لى دى ست كبيرة ومقدرشى أعمل لها عمليه .. وبعدين ؟ ول قبلين ؛ سكتنا.. انقشعت غمة الغابة السمنتية قليل ؛ على الفق ظهرت أسرا ب من الطيور ؛ تبدو معلقة بيد القدرة فى السماء ؛ بعضها يهوى فجأة إلى سطح الماء ،لون السماء رائع الزرقة ؛ تتخلله ندف من السحب البيض التى تسير الهوينى نحو الجنو ب ،إلى الغر ب تبدو جبال عتاقة ؛ وقد اكتست بألوان رائعة ..على السفح شجيرات خضر ونخيل ،بالقر ب من الطريق ،محلت مستحدثة للكنتاكى والبيتزا ،وسوبر ماركت ،ونقطة إسعاف . أكمل سمير :قال لى جارى من ساعة ما تعبت وأنا جنبها ؛ هى أهم من كل حاجة .. ربنا يبارك لك ،مفيش أغلى من الم طبعا أخيرا أخذنا دورانا عنيفا بعد نجاتنا من أحد المطبات العالية ،واتجهنا ناحية المسكن ؛ حيث استقرت السيارة جواره.. خرجت مع الرجل ،تمم على البوا ب ؛ وصعدنا الدرج سويا".. 222
***
أستأنف سمير متذكرا ؛عندما علمت بخبر استعداد السكرتير لللتحاق بالمصتع كأنما مرت غمامة أمام عينى ،لم أستطع أن أمنعه من البحث عن مستقبله ،فهو مازال شابا ،ويحمل دبلوما صناعيا،كان أسفى لفراقه أعظم من فرحى لتوظيفه .جاءت لنا بعده سيدة تدعى سيدة ؛ تحمل نبرات صوتها قدرا ل بأس به من الحزن والشجن و هموم الحياة ؛ اكتشفت ان قدراتها محدودة جدا ،خطها كبير جدا ويشبه آثار أرجل الطيور على الرض ،لن تستطيع تسجيل الحالت ،هذه واحدة ،اكتشفت بعدها انها ل تحسن تحضير فنجان قهوة ،قالت لى عندما سألتها عن " الوش " : هما بيعملوه إزاى ؟ ت وسك د قلت لها :هما ...بيعملوه زى الناس ؛ تبسم د ت. نظر و ت لى عاتبة :ل صحيح هوه الوش بيطلع إزاى ؟ بيطلع من تحت لفوق ! ضحكت ،قلت لها زودى البن شوية ،وما تغليش الكنكة كتير قوى . يوما طلبتنى تليفونيا ،واستعجلتنى للحضور إلى العيادة ،قلت لها حاضر انا جاى فى السكة ، ياريت تحضرى لى فنجان القهوة حاضر . عند وصولى إلى المكتب لم اشم رائحة البن الفواحة ،ولم أجد فنجان القهوة .سألتها :مفيش بن ؟ البن خلص ؟ ل أبدا أنا ماعرفتش ادخل المطبخ من أصله ليه ؟ البا ب مقفول ومكتو ب عليه "ممنوع الدخول "! *** أنفق سمير علي سيارته مبالغ كبيرة وتعب من أجل إصلح حالها ،و تعلم فيها ومنها كل ما يخص السيارات من فنون السمكرة والدوكو والميكانيكا والكهربا والسروجى والكاوتش ...أخيرا دبت فى نفسه ثقة عمياء فيها ،يوماأراد أن يسافر بها الى القاهرة ،وبالفعل نرفذ ما أراد .أثناء عودته من القاهرة تعطل فى الطريق ،لم يكن معه أحد ،خرج من السيارة ،حاول إصلحها ،هبط الليل طاغيا ،كان القمر هلل رفيعا فى كبد السماء ،بانت النجوم كثيرة واضحة ؛ أحاطه الظلم من كل جانب ،أخرج كشافا صغيرا من حقيبته الطبية ،وعبثا حاول أن يلفت به انتباه السيارات 223
المارقة ؛ لم يعيره أحد أى انتباه ،الناس تخاف من الليل ومقالبه ،كل المسافرين يبغون الوصول بسلم ،ل أحد يهوى المغامرات فى مثل هذا الليل البهيم ،ل أحد يقف ! تمنى أن يصلح العطل بنفسه،سحب الدواسة ووضعها تحت سيارته ،نام عليها وقد برز نصف جسده على الطريق،فجأة دهمته سيارة نقل مسرعة ،بالطبع لم يحصل أحد على رقمها ،وحتى لو حصل ؛ فقد سبق السيف العزل ! انتهت قصة حياة سمير ،حضرت زوجته من القاهرة لتقبل العزاء وتجمع ماتبقى من حوائج زوجها ،تطوع أحد الزملء لجمع مبلغ لتلك السرة المنكوبة ،رآه عبدول وقد فرد منديل بيديه ،كان يمر به على الزملء بالعيادات الخارجية ليجمع ما تيسر.. ***
15 مكاوى و الدكتورة حنان كنت أراه متنطعا فى ردهات المستشفى ؛لم أكن أعرف وظيفته بالضبط ؛ دائما يركن سيارته بهدوء تام جوار مدخل العيادات؛ تعجبت وتضايقت؛ الدنيا ل ينقصها زحام ،أل يوجد لديه قليل من الدم ؟ يحاول القترا ب من الرصيف ؛يحضن سيارته ببطء شديد كأنما يدخل إلى جاراجه الخاص جدا ؛ ينظر إلى السيارة ،يخرج الغطاء ؛ يمرر يده عليها ليطمئن على أبوابها الخمسة ، ويبدأ فى تغطيتها كمن يغطى ابنا له ،يخاف عليه من تلونات الطبيعة والناس ؛ يخشى عليها من البرد والسرقة والعين ،يتمخض ويمسح أنفه بمنديل ورقى ؛ يستدير ليقذف المنديل كيفما اتفق ليسقط فى وسط الطريق ؛ أراقبه مغتاظا ؛ وأحاول أن أفتش فى ذاكرتى عن وظيفته التى استطاع من خللها اجتل ب تلك السيارة المرسيدس الفارهة ،لم أعثر على شىء سوى معرفتى القديمة له ؛ نجارا بالقسم الهندسى. سألته مبتسما : أنت فين حاليا ؟ مدير إدارة إدارة ؟ نعم ..إدارة القسم الهندسى ا !!! يرد :للسف أولد الحرام ماسابوش لولد الحلل حاجة !! 224
بالرغم من أنى لم أفهم مقصدة ؛إل أننى لم أجادله؛يقول عن نفسه انه خادم الكل ؛ عرفت أنه كان بدرجة مدير مساعد ،نجار قديم ولكنه توظف فى القسم الهندسى سائقا ،ترقى حتى صار مسئول عن جراج المديرية؛ تحت إدارته عدد غير قليل من العمال والسواقين ،كما يشرف على ورش المصلحة التى يعمل بها نفر من الميكانيكية والكهربائية وفنيو السمكرة والدوكو وغيرهم لصلح وصيانة السيارات .استطاع أن يشترى 3سيارت ميكروباس تويوتا ؛ تبادل العمل عليها سائقو المصلحة ...عند خروج السائق للعمل على السيارةالميكروباس كان مكاوى يكتب له مهمة فى دفتر المأموريات ؛ ليرصد له بدل نقديا ,فى حالة حدوث أى عطل فى أحد الميكروباسات يقوم بإصلحه داخل المصلحة ...تقريبا كل شىء يتم مجانا لمجاملة السيد مكاوى ،فى فترة قياسية استطاع أن يشترى ثلث شقق فاخرة بأسماء أبنائه الصغار ،مع هذا ؛ فعندما يمرض أى فرد من عائلته كان يلجأ إلى المستشفى الحكومى ،ويبدو بصورة مزرية ل تنبىء عن وضعه المادى المستريح ,ل يجد لحساسه بالفقر بديل؛فقد سرى فى دمه وأصبح مدمنا له . فى العام الماضى هنأه زملؤه على ترقيته وحصوله على جائزة الموظف المثالى ،بعد التوقيع فى دفتر الحضور يمر على زملئه فى أماكنهم المختلفة. أحمد أفندى ؛ صباح الفل..فى الكوريدور،ل ينسى أن يلقى الصباح على عامل البوفيه: عم محمد ..واحد شاى وحياتك .. حال يا أستاذ مكاوى إيه الخبار؟ الحوافز توصل بكره الخزنة مقفولة ؟ الستاذ عادل فى البنك ل تنسى فلوس الجمعية يوم الرواتب.. حاضر.--***-فى المكتب المجاور تراه الدكتورة حنان التى تنتظر المكتبة بفروغ صبر ،تريد أن تجعلها تحفة تزين بها الصالون ،وتضع داخلها التليفزيون والفيديو كما وعدهامكاوى. ل تنس مكان الريسيفر يا أستاذ مكاوى.تتسع ابتسامته قائل : حاضر يا ست الكل .. والزجاج ،فاميه عسلى وحياتك225
6ميللى يا دكتورة .. سمعت إن السعر ده مبالغ فيه.. لما تشوفى الصنعة ،تعرفى مدى معزتكم عندى ؛ الفلوس مش كل حاجة . حنشوف..اليام بيننا..---***--يتجه إلى مكتب المدير العام ،يحدثه السكرتير : صباح الخير يا مكاوى أفندى صباح النور الباشا مشغول ؟ ل ..يتصنع ابتسامة عريضة،يدخل مباشرة قائل من وراء البارافان : صباح الفل يا سعادة الباشا ..يرد المدير العام دون أن يرفع عينيه من على الوراق التى أمامه صباح النور يا سى مكاوى. أى خدمات ياباشا ؟ أبدا ..و رصلت الولد المدرسة لن الباص عطلن ،وربما يحتاجك فى العودة .. يشير مكاوى إلى عينيه بسبابته قائل: -من عيرنى الثنين..
***
بعد مروره المعتاد؛ يعود إلى مكتبه؛ يلقى نظرة سريعة على العاملين معه قائل: أى خدمات يا أولد ؟ يلزم شىء؟ يرد أحدهم قائل : شكرا يا أستاذ مكاوى أنا فى التأمين الصحى ،سلم .. مع السلمة
226
*** بعيادة التأمين الصحى يقدم مكاوى بطاقتين صحيتين؛ واحدة له؛ والخرى باسم زوجته ؛ ليحصل على علج مضاعف لمرض الصدفية التى أصابته بعد انشغاله المحموم بجمع المال ، تقريبا لم يكن ينام أكثر من ساعتين أو ثلثة يوميا ،منذ سنوات؛ فوجىء بقشور تصحبها حكة ؛ وقد سرحت فى أنحاء جسده مكونة جزرا متناثرة ،عندما يصحو من نومه كان يجد الوسادة مليئة بقشور زغبية صغيرة ،ظل مصرا على أن يخدم الدنيا إلى حد الثمالة . *** نحن عادة لنسير سوى فى خط محفوظ من والى ..ونظل نكرر السير فى هذا الخط ربما لسنوات دون أن ندرى أن معلوماتنا تتحجر عن باقى القسام ،نادرا ما يغير أحد فى هذا سوى لطلب شىء أو زيارة تفقدية ،يوما حاولت أن أكسر هذا الروتين؛ فى عيادة الباطنة رأيتها جالسة أمامى على المكتب ،نظرت إلى وجهها وقد تغير وتعجبت من أفاعيل الزمن ،أوشكت معالمهاعلى الشيخوخة ،سألت نفسى ترى هى أم ليست هى ؟ امتل وجهها بالدهن الذى غطى الوجنتين والرقبة ؛ كان خمارها الرحب مهدل على جسدها ،تأكدت من أنها هى هى لن اسمها كان محفورا على اللفتة النحاسية الصغيرة الكائنة أمامها فوق المكتب "د.حنان سعفان" تبسمت عندما رأيتها تضع علبا فارغة من الدوية أمامها ،قالت انها تحتار عندما يطلب منها المريض المرهم الصفر،أو البرشام أبو كرتونةحمرا ،أو الحبه الطويله شويه دى ..أو الحقن اللى ضربتها بتوجع!! قالت لها الممرضة "الحسن يادكتورة نجيب من الصيدلية علب فاضيةمن البرشام والدوا والحقن اللى حضرتك بتكتبيهم للعيانين ،ونحطهم هنا على المكتب " .فرحت الدكتورة حنان بهذا القتراح ،ووضعت أمامها مجموعة من عبوات الدوية الفارغة ،وبعض النابيب والمبولت ،وتمسك الدواء بيديها سائلة المريض : عاوز من ده وأل من ده؟ تقول لها الممرضة وهى تضحك :انت كده ريحتى نفسك أعمل إيه ؟ المريض غالبا ينسى صورة العلج ودايما يوصف الدوا لكن الواقع أسهل من الوصف.. لها حكاية غريبة،الفضل أن أسجل فقط خطوطهاالعريضة ،احتفاظا منى بالسر ،كانت قد اختفت من المستشفى زمنا طويل ،علمت أنها سافرت خارج البلد ،فى الخليج تزوجت من شامل الصيدلى ،كانت الحياة هناك على مايرام ،ولكنهما لم يرزقا بذرية؛ بعد عودتهما من الخارج افتتح شامل صيدلية،بعدها مات فى حادث سيارة على طريق القاهرة ،اكتسبت سحنتها جمودا وهدوءا طاغيا ،مع اليام صارت بدينة كما صارت أقل حسا وأكثر واقعية؛ عندما ديقهر النسان يساوره الحساس بالهوان الشديد ؛أو إنه لشىء .ربمايريدأن يختفى من على ظهر الرض ،يعربر عن قهره بمعاقبة نفسه بطرق مختلفة ،يكون أشهرها تناول الطعام بشراهة ؛ يتناول الطعام ليقضى على إحساس بالموات ؛بالغبن ؛بالضياع ،بالرغبة الدفينة والحادة فى النتقام ،يفقد بالتدريج احساسه بالحياة ،ينقلب إلى شكل فقط ماتت فيه الروح ؛شكل مجرد من المحتوى .تعودت أن تحضر السندوتشات معها وأحيانا تطلب من العاملة أن تشترى كميات كبيرة من الفول والطعمية والجبن والحلوى والمرطبات ،بعد انتهاء العيادة كانت تجلس مع الممرضة 227
والعاملة ،يبدآن فى ازدراد الطعام بشغف؛ تأتى المرطبات ثم الشاى الذى تقوم العاملة بإعداده، مع الوقت صارت فيما يبدو صداقة وطيدة ،كانت تتحدث معهن عن أسعار الذهب والمشغولت الذهبية بالخليج وما احضرته معها من هناك ،كانت تقول ان هذه الساور ؛ وترفع ذراعيها إلى أعلى لتريهن عددا هائل منها ؛ هذه الساور يسمونها هناك بناجر ؛ هى كل ما طلعت به من غربتى ،لم يمر سوى شهران على عودتها من الغربة واستلم العمل حتى سمعنا بوجودها فى غرفة الحالت العاجلة لوجود جروح قطعية فى يدها وجسدها بعد تعرضها للسرقة على يد اثنين يستقلن احد الموتسكلت فى أطراف المدينة بينما كانت ذاهبة الى عملها بالمستشفى ؛كما أصيبت برضوض باليدين والساقين وكدمات شديدة بالركبة ؛نصحها طبيب العظام والدكتور فهمى بعمل علج طبيعى للركبة ،اتضح أن احد السارقين هو زوج العاملة التى كانت تأكل يوميا مع الدكتورة حنان التى لم تكن تبخل عليها بشىء .شىء غريب فعل ! من يرى بلوة غيره تهون عليه بلوته ! حقا؛ الدكتورة حنان تحكى للممرضة موضوعا جديدا،قالت لها ان حالتها النفسية والمزاجية تحت الصفر ،كانت تشكو لها من أصهار أخيها الصغر الذى تعتبره بمثابة ابنها ،كان أخوها قد خطب عروسة فى احدى مراكز المنوفية ،تعتبر الدكتورة حنان نفسها أما بديلة عن الم المتوفاة ،تجشمت السفر إليهم فى أعماق الريف ،متهيئة للفرحة وحسن الحتفاء بها ؛حاملة معها الهدايا ،أخذت للعروسة علبة مكياج كبيرة ،وكميات من السماك والجمبرى ،وأقمشة وشيكولتة من النوع الممتاز ،ظلت الدموع محبوسة فى مآقيها وهى تحكى ،حتى تفجرت فجأة وهى تقول صعبت على نفسى ،لم يقابلوننى بامتنان ،قليلو الصل ! *** كان مكاوى قد عرف كل شىء عن الدكتورة حنان،وعرف أنها ورثت صيدلية عن زوجها ، وكانت تفكر فى بيعها ،أراد هو أن يشتريها ،ولكن يبدو أن المبلغ المطلو ب هائل! بدأ يتردد كثيرا على عيادة الدكتورة حنان عارضا خدماته عليها ،كانت تتعجب من كثرة تردده ،كان يتولى اصلح سيارتها وغسيلها وتشحيمها ويعرض عليها خدماته فى توضيب البيت واصلح الثاث وأحضر لها غلية كهربائية )بويلر (هدية لتجهيز الشاى بالعيادة،استطاع فى فترة وجيزة أن يستميل قلبها اليه ،اخيرا فوجىء الجميع بزواجه منها بعد أن اشترطت عليه أن يترك العمل بالخشب والزجاج ،وأن يكتفى بالعمل فى الصيدلية الكائنة بطريق الجناين و التى كانت نصيبها من تركة زوجها المرحوم شامل ،زواجها الجديد انتشلها من قاع الجب ،كانت نقلة لم تحلم بها من قبل.كما استطاع مكاوى أن يحقق آماله دون أن يرهق عقله فى تدبير الثمن الباهظ الذى كان مطلوبا ،مؤكدا فوزه بالثلثة ؛الدكتورة حنان والصيدلية والهم هو لقب دكتور الذى اكتسبه من خلل صموده و دأبه على التواجد بالصيدليةليل نهار بعد أن كتب علي لفتة بالخط العريض "خدمة ليلية ". ***
16 228
الدكتور خشا ب دائما يبدو محاول أل يعترف بهذا الواقع الذى يلجمه؛ل يعترف بالزمن الذى ذهب أدراج الرياح، ل يعترف بأن ما حدث هو إهانة له ؛ أو إهانات متكررة له،أبطل مفعول ذاته ؛تقهقر وانسحب مداريا شعورا خفيا بالذل والفشل ؛كسرت نفسه من الداخل ؛شرخ عميق ل يستطيع ؛بالرغم من محاولته ؛أن يداريه أو يتغلب عليه،غير مقتنع بتلك الشخصيات الكاريكاتورية الهزيلة التى يراها تتشقلب وتتفوه حوله بما يليق وما ل يليق ؛عاش داخل محارة خلقتها أحداث الزمن؛ فصلته عن العالم ؛تعود أن يتناسى تلك اللحظات السخيفة التى كثيرا ماتجرأ عليه خللها الخرون ،كانوا ينهشونه بألفاظ بذيئة ويشبهونه تشبيهات رزيلة. مساء جاءنى اتصال تليفونى يسألنى المتحدث بصوت أجش إن كنت أعرفه أم ل ؛ للوهلة الولى لم أعرف الصوت ؛ أردف :نسيت الخشا ب ؟ أهل دكتور خشا ب..رحبت به ،بالرغم مما ذكر آنفا إل أن الدكتور خشا ب له كاريزمة خاصة ؛تذكرت تاريخا عريضا بالمستشفى وسكن الطباء! عرفت أنه فى الجناين ؛أردت أن أراه وأن أتحدث معه؛ قررت الذها ب اليه؛اصطحبت معى باهر ؛فى الطريق شعرنا بالحر الشديد ؛أوقفنا السيارة أمام محل آيس كريم؛اتبعنا الوصف حتى وصلنا الى العنوان ،هناك سألنا عنه ،قال بعض الصبية عم خشا ب فى الرض،أجبت مستنكرا :فى الرض؟ ..أيوه بيسقى..النهاردة ميعاد السقيا بتاعه ..مشى أمامنا اثنان من الصبية؛ تبعتهما حتى أوصلونا إليه،كنت متشوقا لرؤيته ،عن بعد شاهدته منحنيا على الرض ،لحظت بيده فأسا ؛ كان يعزق بها ،نادى أحد الصبيين عليه آبا..يابا ..تعجبت! أبوك ؟ أبو هذا الطفل الريفى؟ لم تكن للخشا ب علقة بالريف من قبل ،تلفت الينا قبل أن يعتدل من ركوعه ،شاهدت لحية بيضاء شعساء،قد تشعب لونها البيض الثلجى ليصل إلى منابت الشعر ،ترك الفأس المدلة من يده تقع على الرض ،وظهرت ملمح ابتسامة على وجهه وقدم إلينا ،كان يرتدى جلبية مخططة ويسحب شبشبا مهمل فى قدمه ،نظر لى ضاحكا ..أهل بالباشا ..مد يده وتصافحنا بالحضان ، قلت :باشا؟!ازيك ياخشا ب ؟ ايه الحكاية ؟ أبدا ...الدنيا تغيرت ؛سلم على باهر وسار أمامنا إلى الظل ..تحت شجرة كافور سامقة جلسنا على مفرش موضوع على الرض ،قال لحد الصبية روح خرلى أمك تجهز الشاى..طظ فى الدنيا ضحك باهر ،أردف الخشا ب مطامعنا فيها كبيرة وهى جزمة ..كان يتكلم كأنه داعر يفتش فى افكاره ويعرضها على من حوله ويتفنن فى عرضها دون انتظار أجر منهم ! أو كانه نبى يحمل هدايا مجانية ؛ يعرض هدايته على الناس دون مقابل ؛ لنهم فى الحقيقة لن يستطيعوا أن يوفوه اجره ،قال انه توجد صيدلية بالمنطقة تعود الناس أن يلجأوا لعامل بالصيدلية كان يرتدى بالطو ابيض ،وينادونه بلقب دكتور مكاوى؛ يلجأون اليه للكشف والعلج ،لديه بالصيدلية سماعة وجهاز ضغط وترمومتر وبالطبع الشاش والقطن والمطهرات ؛الميكروكروم والبيتادين والسافلون والديتول والمراهم بانواعها ،وبعض الدوات اللزمة لعمل تحاليل سريعة للكشف عن السكر والسيتون فى الدم و البول ،امتنع الناس تقريبا عن الذها ب الى العيادات فى القرى المجاورة ال قليل .مرت سنوات والدكتور خشا ب بالمستشفى مازال نائبا؛ كان يعمل أحيانا فى عيادة الخصائى أثناء غيابه ،حكى لنا ذلك الموقف الرهيب الذى تعرض له عندما كان صاحب العيادة على سفر ؛هرم ليفتح لمريض خراجا صغيرا بقناة الذن الخارجية ،جلس المريض على الشيزلونج وشرع خشا ب فى رش أذنه بمخدر موضعى ،أخذ يتحاور مع المريض ويسأله عن 229
الطقس وعما أكل اليوم وعن رأيه فى السياسة ،أدخل مسبرا فى قناة الذن ،تأوه المريض ثم أغمض عينيه وأدار رأسه ولم يرد،شعر الخشا ب بالهلع الشديد عندما سكت المريض ،أمسك الخشا ب بفكيه وحاول أن يضغط عليه ،نادى ،زعق فى وجه المريض؛ لم يرد بالرغم من كونه مازال جالسا على الشيزلونج ،اطمأن الخشا ب إلى جلوس المريض مما يدل على أنه مازال واعيا ،اقتنع بتفسيره العلمى إنها مجرد نوبة رد فعل مؤقت لللم الناتج عن الحقن ،نطق بصوت مسموع ..شوك Neurogenic shock .نادى على المريض مرة ثانية بصوت أعلى ،اقتر ب منه وربت على صدغيه ،مال المريض بوسطه وفجأة سقط على الرض فاقدا الوعى ،برك الخشا ب بركبتيه على الرض أمام مريضه و سحب سماعته بسرعة ووضعها على صدر المريض كأنما يرجوه أن ينتبه ،وضع أصابعه على معصمه ليتحسس النبض ليعرف قوته وسرعته ،نظر فى ساعة يده ،بعدها لطم المريض لطمة على خده جعلته يتأوه..آه..أراد خشا ب أن يشتمه قائل قوم يابن ال....أمسك لسانه فى اللحظة الخيرة حتى ل ينطقها ،ربما يكون أبواه بريئين من ذنبه ،و حتى ل يبدو صفيقا أمام زبائنه ،اكتفى بوضع غيار على الخراج وأشار على أهله أن يحضروه فى يوم آخر وحدد لهم اليوم ،انتظرنا أن يكمل حكايته ،أخذته نوبه من الضحك وكأنما ينظر إلى داخله ..اديتهم ميعاد يكون صاحب العيادة رجع ها ها! تابع المريض بعينيه وقد أحاطه ذووه كأنما يزفونه سائرا على قدميه؛ بمجرد خروجهم من با ب العيادة هرول الخشا ب إلى الحمام ليفك حسرته وهو ينطق بالشهادتين! استوفى الخشا ب مدة النيابة ولم يتمكن من الحصول على ديلوم التخصص ،فى أعماقه كان يشعر بضياع ،سنوات الحر ب ومشاكله ،والمشاكل العائلية التى مر بها كانت أسبابا مؤهلة لحساس بالحباط ،كان أحيانا يلجأ إلى حيلته التى دهىء له أنه اكتشفها ؛ عندما تضيق به الدنيا يبتعد قليل عن الناس ،وسيلة سهلة صعبة فى آن واحد ؛يبتعد عن الضوضاء ،يغلق عليه محارته لينعم بالهدوء ،كل الناس تفعل هذا ولكنه لم يدرك هذه البديهية إل متأخرا بعد أن صار كيانه بل كيان ، كان يقول إن والده ضحية من ضحايا العمل السياسى أيام عبد الناصر ،دخل السجن مددا طويلة ، شعر الخشا ب بالرهاق ،غادر المستشفى مضطرا ،لم يتخذ أى قرار إل بعد انفراط عقد المسائل وانبعاجها فصارت روحه كإطار الكاوتشوك المنبعج المهلهل الذى يشبه البطيخة ؛ يجعل الراكب يشعر بحركة رجراجة عجيبة مموجة غير مستقرة ،ل يجدى معه أى حل سوى خلعه بعد أن تهرأ وصار مصدرا لللم والخسائر المضاعفة ،ارتبط خشا ب بالمدينة ارتباطا يقول عنه أنه كاثوليكى! ويقول ضاحكا إنها مدينة الغريب؛ كنا نسمع منه ول نلقى بال ،أرادت الوزارة أن ترسله إلى منطقة نائية ولكننا فوجئنا بعودته ،تعجب البعض من عودته هذه ،وقلنا نريد أن تغذى المستشفى بأصحا ب الخبرات ،ل العكس ،المهم أنه انتقل إلى وحدة خارج المستشفى . الهدوء يشملنا ،العصافير وأبو قردان وصوت خرير المياه وحفيف الشجار حولنا ؛ بين لحظة وأخرى ينعق حمار أو تتهادى إلينا نسمة خريفية .ضحكنا؛قال باهر وهو يلعق اليس كريم بالفروت سالت :الدنيا لتساوى ..هى فعل جزمة ،علينا أن نقلعها ونلبس واحدة جديدة ،جلد ماعز تكون فرنيه ..ها ها ..وأشار إلى خشا ب..هذا المسكين الذى خرج إلى المعاش ول يعرف يشخر ول يقول أحه ؛ ول يعرف يعمل فلوس ول حتى قلة أد ب ! من المفروض أن يشتغل حرامى ولكنه ل ينفع ،لنه لم يتعود !!
230
أتى الولد بصينية الشاى ،وضعها أمامنا على الرض ،حدثنا الخشا ب عن الظروف التى مر بها ؛ طلق زوجته أثناء حملها؛جاء الى المدينة ليعمل نائبا بالمستشفى،انتقل منهاالى الطب الوقائى ،كانت الوزارة تلعبه؛ كما تلعب غيره ممن ل واسطة لهم ،لعبة القصاء ،طالما لم يبد حماسا لنيل درجة التخصص فى فرع الطب الذى اختاره أو دزرج فيه حسب مجموعه ،تغيرت به المواقع؛ ألحق الخشا ب بمكتب لستخراج الشهادات الصحية ،حيث أوهموه أنه سيجد فيه راحة ومتنفسا .. قضى ردحا من الزمن داخل مبنى كريه تحت السلم؛ حجرتين ودورة مياه تفوح روائحها بين حين وآخر،علقت عليه لفتة خشبية صغيرة" مكتب فحص العاملين بالغذية" كان معه طاقم من عمال وفنيين وباشكاتب للوحدة ،كان الباشكاتب حريصا على كسب ثقة الطبيب وإدخال السرور على نفسه بشتى الطرق؛أحيانا بالنكات الفاحشة أوالسجائر واكوا ب الشاى وفناجين القهوة ،يطمئنه دائما على سير العمل بالمكتب ،ويطلب منه أن يأخذ راحته فى الحضور والنصراف ،ظل يوقع على شهادات خلو من المراض ،كان يقابل طوائف البشر المتعاملين مع الطعام ؛ سماكين وجزارين وأصحا ب متاجر الغذية مثل البقالين والفرانين والطباخين وباعة الخضار والفاكهة والباعة الجائلين وكذلك المسافرين بالبحر أصحا ب جوازات السفر البحرية السوداء وغيرهم .تعرود أن يضع إلى جوار مكتبه كشافا يشع ضوءا مبهرا موجها ناحية وجه المنتفع لكى يستطيع أن يكتشف أى مرض ظاهرى ،أو علمة من علمات المراض الباطنية ،وفى نفس الوقت يضايق هذا الضوء المبهر النظر ،مما يجعل المنتفع ل يطيل الكلم مع الطبيب ،تؤخذ عينات بول وبراز ودم ،ثم يذهب طالب الشهادة الى مستشفى الصدر لعمل الشعات المطلوبة ،تعود النتائج بعد أيام ،أحيانا يصر صاحب الشهادة على محاولة استلمها فى نفس اليوم إما بدفع مبلغ أو الوقوف والتذلل أو المشاجرة ،كان البعض يحاول أن يضع عملت ورقية داخل ملف الشهادة القديمة ،لكى ينهى طلبه فى أسرع وقت ،كان الخشا ب يرفض هذا السلوك بشدة ،معظم الناس فى عجلة ،الكل يريد ان يقضى مصلحته فى نفس اليوم ،بينما يقتضى النظام المعمول به أن ينتظر عدة أيام حتى تظهر نتيجة الفحوص؛ زهق من المكان بعد أن أمضى فيه عدة أشهر،أخيرا تناهى إلى سمعه أن الباشكاتب يفتح الدرج الخاص به أمام الزائرين ،ويطلب مبالغ مالية مدعيا أنها رسوم خاصة بالطبيب بينما ل يعلم هو عنها شيئا،لم يستطع أن يثبت ذلك ،كان الباشكاتب ل يتورع عن استخراج الشهادات فى نفس اليوم فى غيا ب الطبيب ،ويختمها بخاتم النسر الشهير المستقر داخل درج مكتبه ،دون انتظار لنتائج التحاليل ؛ يوما عرضت عليه موظفة بدينة نفسها عليه،مقابل غض البصر عن مواعيد حضورها وانصرافها ،تأذى عند سماعه كلمها وشعر بالغرابة فى سلوك البشر ،سحب ختم النسر من الباشكاتب ووضعه فى مكتبه وأغلق عليه بالمفتاح؛ بعدها قال لى عبدول إنه من دواعى سرور الخشا ب انه لم يستمر طويل فى هذا الموقع؛ فقد سرت شائعة تقول إنه يعطل مصالح العباد و يفرض إتاوات على أصحابها مما سررع بنقله وانتشاله من مكانه اللعين ببيرالسلم. *** تعرجب الخشا ب من ذلك المشوار الطويل الذى كانت تقطعه زهيرة العاملة يوميا ،ظل معجبا بها من أيام تواجده بالمستشفى ،كانت تجهز الوجبات للطباء ،وتحكى له انها كانت تقضى أكثر من ساعتين ذهابا وإيابا من وإلى المستشفى ،فى الوصول إلى المحطة وانتظار المواصلة ،بالرغم من أن مرتبها ربما ل يتبقى منه سوى الفتات بعد اقتطاع مصروفات النتقال.انتهى الحال 231
بالخشا ب خير مآل ،كنا نلحظ مراقبته لزهيرةوشغفه بها واقترابه منها ونظراته الغارقة فى الشبق ،تنشئته الدينية كانت تزجره عن الوقوع فى الفحشاء ،لم يرد أن يخالف ما نشأ عليه من احترام للصول وتقدير للدين ،طال نظره وانتظاره لحبيبة قلبه ،لم يتكلم مع أحد ،ولم يصارح أحدا حتى إذا ما حانت الفرصة ،كان على وشك الخروج الى المعاش ؛جاءت المناسبة وأفصح لهاعن رغبته؛ فى البداية قوبل بمضايقات الزملء وتعليقاتهم الغليظة ،وإيماءاتهم وغمزهم ولمزهم ،كأنما أراد أن يخرج من مشواره الطبى بغنيمة ما ؛ دله حدسه على تلك المرأة التى أعجبته ، وافقت زهيرة على الفور بعد أن طلق الطب وخلعته مديرية الشئون الصحية ،تزوج زهيرة وذهب ليعيش معها فى بيتها الريفى بقرية فايد المتاخمة لشاطىء البحيرات المرة ،بتحويشة العمر اشترى فدادين تعد على أصابع اليد ؛أرض شبه بور تحيط بيتها ،ور ب ضارة نافعة ،يبدو أن ددبعده عن مجال الطب وزواجه من زهيرة فتحا له أبوا ب الجنة ،تلك الزيجة التى تعرض بموجبها لهانات وتقريع ل حد له من الجميع ،هى السبب فى ذلك الفتح الذى هبط عليه من السماء كماء منهمر ،تغيرت حياته كثيرا ،فقد ارتبط بالريف والزراعة وتربية الطيور والحيوانات ،كل ما يشمل حياة القرية ؛يكفى أنه كان مشاركا فى حر ب العبور ! تذكرت انه قال لى يوما ان الديان تهتم ببناء الروح والنفس والعقل والجسم ،وقال يومها انه كأنما تعرض إلى اعتقال وتعذيب داخل المستشفى ؛ وأحس بالغربة ،لم يتعرض لمثل تلك الصدمة عندما شارك فى حر ب 73 مع انتهاءالغزو المريكى للعرق؛ أحيل الى المعاش ،يبدو أن الخشا ب قرر التحدث مع نفسه كثيرا ،أحيانا بدون صوت ،وغالبا بصوت ظاهر ،كان من يراه يظنه مجنونا أو فاقدا للهلية؛ كان يقول إن البلد فى حاجة لمن يخرج بها من المستنقع ،لم تعد الشعارات تجدى؛ الجنة هى بلدنا ! وممكن يكون ترابها زعفران ،واللى يشر ب من النيل لزم يرجع تانى ! كل الكلم ده انتهت صلحيته ! البلد فى حاجة لقائد كل همه ..الحساس بالبشر ؛ احساس عارم بمعاناة الناس؛زعيم يخرجنا من الزحام القاتل ..زعيم يبحث عن متنفس جديد للعباد ،يؤسس مدنا جديدة يحوطها بالمزارع والمصانع ويرسل الشبا ب اليها ،ويكون من وظيفة وزارة الشبا ب ليس إقامة مباريات كرة وهجص فقط ،ولكن مراعاتهم وتوظيفهم وإعادة توزيعهم على أرض مصر ليعيشوا مثل البشر ! أعتاد على نظرات مستهجنة من الناس ،بمرور الزمن أقنع نفسه أنه :ل يهم ! الناس لن ينفعونى بشىء ولو اجتمعوا عليه ،طالما أن ا لم يكتبه لى ،والعكس صحيح ،هكذا تعلمنا ،اذا شاءت القدار لشىء أن يحدث فإنه ل محالة واقع رغم أنف الجميع ،اتخذ سمته مظهرا صوفيا بأسلوبه وملبسه البسيط الذى نادرا ما يغيره ،بنى بيتا مسلحا وسط أرضه الزراعية ،حيث نوى قضاء باقى حياته ،لم تمض سنوات قليلة حتى شاهد قصورا بازغة فى المنطقة المجاورة ،انتشرت سريعا كألسنة اللهب على ساحل البحر ،تعجب لهذا التغيير الذى حدث ،جاء إليه أحد السماسرة قائل إن أرضك فى لسان الوزراء ...لسان الوزراء !! نعم،ومن حسن حظك أنك داخل فى طرف اللسان،فى كردون اللسان ،نمرتك تكسب البريمو !! *** 232
17 خطا ب لم يرسل فى اجنماع مع المدير العام ؛ وقف فهمى وقد التمعت جبهته بقطرات عرق باردة ،قال بصوت شبه محتبس : أرجو اذا سمحتم لى ؛أن أتقدم بطلب الجهزة التى يحتاجها القسم .. قول ياسيدى ... نطلب توفير جهاز كرايوثيرابى* ،cryotherapyمع توفير مشتملته وهى .. قاطعه الباشا مستفسرا : جهاز الكرايو إيه؟ 233
كرايوثيرابى يا باشا تغيرت معالم وجه الباشا وهو يتساءل و يدير عينيه فى الحضور محاول استمالتهم اليه : بيقول إيه ؟ جهاز كى بالتبريد يا سيدى أشاح بيده ممسكا بالقلم قائل بصوت جهورى : وإيه لزومه ده؟ كى للزوائد والورام الجلدية الصغيرة زوايد إيه وزفت إيه ! خليك فى المهم يادكتور … تعجب فهمى واحتقن وجهه وماشل على زميله قائل بصوت خفيض :واضح انى وقعت مع واحد حمار يقول فهمى لم أفهم ما الذى جرنى من قدمي لدخل تلك الحجرة الموبوءة؛ حجرة المدير؛ تلك الرأس العفنة !! كيف بال تسير المور إذا كان المدير على هذه الشاكلة ،لو كان المر بيدى لتقدم بقرار يلزم أى مدير مفترض؛ كرايوثيرابى :الكى بالتبريد بأن يعرض على كونسلتو من أشهر أطباء النفس قبل أن يجلس على الكرسى ،المدير سلطة ووظيفة خطيرة ؛ من الممكن أن يرقى بالمكان الذى يديره أو يهوى به إلى قيعان سحيقة من الظلمات ليس لها قرار.لو كان قطاعا خاصا لفرورت معظم هؤلء الشاوس الرابضين كالسودالمريضة فى أماكنهم .لمست كلماته وترا فى نفسى ،هؤلء يمثلون طابورا خامسا؛ جماعات الفرتة يوزعونها فيما بينهم ،ول يدعون غريبا عنهم يقبل عليهم ويمد يده ،يقطعونها قبل أن يمدها". *** سرى بنا الليل حتى وصلت أسماعنا تواشيح الفجر،فض فهمى ورقة أخرجها من جيبه ،قال إنها صورة خطا ب أراد أن يرسله للمدير ،ولكنه لم يفعل؛ وبدأ يقرأعلينا.. "أردت أن أعرف ما الذى جعلك تتجاهل المذكرة التى حررتها لك ؛ كما تتجاهل حضورى؛ ول تنظر ناحيتى ؛ بالرغم من أنك ترانى؛ هل لني أمامك ؟ وربما لنك تعلم تماما أنى سوف اتقدم إليك بطلبات ؛ أنا أعلم أن صاحب الطلبات ضيف ثقيل ،على العموم أنا ل أريد هذه الطلبات لبيتى ؛ و ل أريدها لنفسى ؛ فقط هى أدوات للعمل ؛ بل أقل شيء من المفروض أن يتوافر للعمل ،لخدمة الجمهور ؛ هى أشياء أساسية ؛ مثل السكن والكل والشر ب والملبس ؛ آه ..لقد قلت السكن ،يعنى المكان ؛ المفروض أول أن يكون هناك مكان نستطيع فيه أن نقوم بالعمل ، وما بالك يا سيدي إذا كان المكان ضيقا وقميئا ول يمكن أن يتسع لنصف هذا العدد من الطباء 234
والتمريض ،وما بالك إذا كان المفروض أن يستقبل أيضا الجمهور من أصحا ب الحاجات ؟ المكان متران فى ثلثة ،أى ستة أمتار مربعة ،هل تكفى لتواجد حوالى ثمانية موظفين ورئيسهم ؟ وعامل وسكرتير؟ هل تكفى ؟ وكيف يدار العمل إذا لم يكن هناك مكان للموظف ؟ الدولة كلها فى حاجة إلى إعادة توضيب البيت من الداخل ،إلى إعادة غربلة كاملة ،تشمل الناس والوظائف والماكن والمهمات والمكانيات أو أدوات العمل وكل شىء !...هل نحن فى تدهور شديد ؟ هل ل ندرى إلى أين ذاهبون ؟ كل هذه مشاكل حلها هين ولكن الدارة تستمرىء الكسل ،ول تكلف نفسها بالواجب ،وتستهين بالموظف وام الموظف ،كما تستهين بالجمهور أيضا ؛ أين ذهبت القدوة ؟ وكيف يتولد النتماء ؟ سبق أن قلت لك سيدى إن المقاعد والمكاتب صارت غير صالحة للستعمال ،المقاعد تحطمت وناءت بأحمالها وبها نقص شديد ،وبعض الموظفين يجلسون فوق المكتب ،أتكلم على مستوى الوحدة التى أعمل بها ؛ ليس لى شان بباقى مصالح الديوان ،قلت لك ان الموظفين يحتاجون إلى مقاعد ومكاتب للجلوس إليها وانجاز أعمالهم أمام الجمهور،وهذا يتطلب أمرا مهما وبسيطا ؛ الصيانة ،الصيانة عندنا فى نوم عميق ؛ ل توجد صيانة تقريبا ، زهقت من النداء لصلح حنفية أو دورة مياة غارقة بها سيفون يحتاج إلى مسمار أو صامولة ! نظرت إلى وعبست ،ولم ترد؛ فقط تحركت بمكتبك الجلدي المبطن الناعم ذى الظهر المرتفع ، ودرت به نصف دورة ؛ أكملتها إلى دورة كاملة ،أعدت الدورة مرة أخرى ،ظللت متفرجا عليك ،منتظرا أن يلهمك ا بالفرج والحل ،أخيرا أعطيتنى ظهرك ولم ترد ! عدت بوجهك لتنظر إلى الملعقة التى أدرتها فى "المج" الموضوع على مكتبك ،يتصاعد منه ألسنة البخار ،لتذيب بها سكرك ،رفعت المج إلى فمك ببطء وتلذذ ،لتحتسى "نس كافيهك " قبل أن يبرد ،أعرف أنك تفضله أحيانا بدل من "الكباتشينو" الذى ل تجيد تحضيره أم ابراهيم ؛ تفضلت وتكرمت وقلت لى بعدها دعنى أفكر ! تركتك شهورا بعدها ،لم يسكت عنى موظفو وحدتى ،كنت أراهم متزاحمين أترك لهم المكان ،اخجل من نظراتهم وأحزن لرؤياهم ؛ يخيفني منظرهم ،أترك لهم مكتبى ليجلسوا عليه ،وأقف فى الطرقة مستندا على الحائط ،اضطررت إلى توزيعهم على أيام السبوع ،ل يمكنهم التواجد سويا ،إلى من يلجئون بعد ا ؟ فأنا المدير المسئول عنهم ،قلت لهم أرسلوا شكاوى ،فلما فعلوا لم يرد عليهم أحد ،سألوا عنها بعدما زهقوا نهرتهم وقلت لهم لبد أن ترسل عن طريق الدارة ! أعدت الطلب ثانية ،وكتبته هذه المرة ،لننى أحسست أن وجودى ربما ل يسعدك ،كتبت مذكرة عرلها تحظى باهتماممكم وسط مشاغلكم الجمة أعانكم ا عليها .. بالمصادفة كنت مارا أمام مكتبكم الموقر ،نادت على إحدى سكرتيرات مكتبكم الجميلت قائلة.. لك طلب عندى ..أظن ذلك ..ل أدرى ربما ورقة أشر عليها المدير ! توجهت إليها مبتهجا بالنظر إلى الملف الذى يعلو مكتبها النيق ،ظللت واقفا أمامها حتى تكرمت ووضعت كو ب الشاى من يديها جانبا ؛ وأنهت حوارا مع زميلتها الواقفة أمام ماكينة التصوير العاطلة ،تحاول تشغيلها ،ثم تفضلت ومدت يدها إلى الملف ،وقلبت فى الوراق فترة حتى اهتدت أخيرا إلى المذكرة التى تناسيتها أنا يأسا ،رأيت توقيعك عليها منذ أسبوعين فائتين ،كتبت بخطك : مخازن ..أتدرى ماذا حدث بعد تأشيرتك الميمونة ؟ سألت السكرتيرة الجميلة بصوت مسموع ،بعد أن رسمت شبح ابتسامة على شفتى حتى ل أكون ثقيل :ولم لم تأخذ المذكرة سبيلها إلى المخازن ؟ يبدو أنها لم تسمع من الضوضاء ،أعدت عليها كلمى ؛ قلت لها أليس هناك أحد من العمال يرسلهاإلى المخازن؟ أين عامل البوستة ؟ المدهش أن الجابة جاهزة يا سيدى على
235
لسان طويل ل يعجز عن الردح ؛ تعجبت وهى ترشف الشاى قائلة إن طلباتى غير معقولة ..ل يوجد عمال ! وأننى أطلب الكثير !! أكمل و ت :وهل نحن المحتاجون أم أنت؟ أنت الذى تسأل عن طلبك وتجرى وراءه !! قلت فى نفسى :فعل فعل أترك عملى و أنا بدرجة " كبير " ؛ وأمسك بالورقة وأجرى بها بين المكاتب ؟ ! الكبير يترك عمله ويهرول بحثا عن الموظفين ويستعطفهم ،وأين ذهبت باقى المنظومة ؟ هل صارت فاسدة ؟ مهزلة ! أين طابور العمال وأين طابور الداريين ؟ أكيد لم تجدى من يربيك !!؛ أنا متأكد تماما أنها لم يسبق لها التدريب على أعمال السكرتارية ؛ بل لم يسبق لها التعامل باحترام مع الناس ،العاملة الواقفة أمامها تدور بأكوا ب الشاى والقهوة فقط ،لها حجرة صغيرة ملحقة بالمكتب ،ولها أيضا نفوذ أقوى من أى "كبير" ،ل أدرى لم اخترع جهابذة الحكومة هذه التسمية السخيفة ! ربما ليكون شبيها بخيل الحكومة الذى ل يحتاج سوى طلقة واحدة عندما يصير "كبيرا "! هذه العاملة ؛ ل يستطيع أحد أن يرفع صوته عليها أو يطلب منها طلبا ،فهى تقوم بخدمة مكتب المدير وتساعدها زميلتها ،ليس لها علقة بعمل آخر ،تقوم فقط بأعمال خاصة أخرى لهم فى المكتب المصون ،ول تكلف السكرتيرة خاطرها وتطلب منها عمل ،تعجبت وكيف لى أل تعجب ؟ بل قرفت ؛فى الحقيقة أردت أن أزيح أكوا ب الشاى والسندوتشات التى يتعاطونها حتى منتصف النهار ،أردت أن أزيحها بيدى؛ لتتحطم على الرض واسمع صوت زجاجها المتكسر وأرى الهلع فى عيونهن ،كما أردت ان أستمتع بصيحات الذعر والدهشة وأن أراها فى عيون سكرتيراتك الحسناوات ،وهن يتصايحن فى قلق وينظرن إلى الكوا ب المتكسرة والشاى منسكبا على الرض ،مع السندوتشات آخذا معه الوراق والضابير ،ليسقط على السجادة الجديدة التى تم فرشها منذ أسابيع ؛ خصيصا ،ككل عام لمكتب المدير .. كل عام تأتى الميزانية لتوضيب مكتب السيد المدير ،أمازلنا فراعنة ؟ الجميع يسبح بحمد المدير ويطلق البخور حوله ويدور فى دائرته وإل ! أريد أن أسأل :متى يبدأ العمل ؟ سؤال بسيط سوف تتهمني بالجنون إذا ما سمعته ؛ متى يبدأ العمل حقا ؟ ل إجابة ! أنت تنظر إلى باستغرا ب ، بتعجب ،ربما بكراهية ،سمها ما تشاء ،فقد أصابني اليأس ،حقا متى يبدأ ؟ سألت نفسى : أليست لدينا منظومة عمل ؟ الخطا ب يصل ممهورا إلرى أم إلى السيد أمين المخازن،أمين المخازن غير موجود فى الغالب ،لنه يبحث عن لقمة عيشه كما تعلم،ويعمل سائقا لحد الميكروباسات التى ترمح فى المدينة .إن كان حظ خطابى سعيدا وتصادف أن كان سيادته موجودا ،بدوره سوف يؤشر عليه ،ويكتب بالطبع :الصنف غير موجود ،من المفروض ،فى حالة التفاؤل العظمى ،أن تعود المذكرة مرة أخرى مع العامل او العاملة إلى سيادتكم لكى يعاد توجيهها الى المديرية لتدرج فى طلبات العام القادم إن شاء ا ؛ أى فى الموازنة الجديدة ،لم يحدث شىء من هذا ؛ مر المر مرور الكرام . أتدرى ماذا فعلت أنا يا سيادة المدير ؟ ل تدرى طبعا ،أنت معذور لنك مشغول ،لنك ل تدرى ما وظيفتك بالضبط ! ول تدرى ما إمكانياتك ؛ بل وليس لديك الرغبة فى أن تكون جادا ، تحب الواجهة ،فقط الواجهة المضيئة ،وتوقيعاتك التى تتفضل وتقوم بها كل يوم ،والتى ينتفخ بسببها جيبك كل شهر ،آه بل كل أيام !! ...أمسكت بحزمة أعمال ثقيلة عليك أراهن أنك 236
لتدرى ماهى وان دريت فأنت ل تعرف ماذا تفعل بها ؟ ول تدرى كيف تحملها أو تتحملها ؛ هل تدرك ما يحمله توقيعك من نفع للكثيرين ؟ أم هل تدرك ما قد يحمله نفس التوقيع من أذى للكثيرين ؟؟ أنت ل تدرى مصير هذا الخطا ب ؛ أقول لك و أمرى إلى ا ؛ فقد استرجعته من السكرتيرة ،وخرجت من المكتب ،تماسكت حتى ل أفقد أهليتى وعقلى ؛ أو دأتهم بالعقوق ،وقبل أن أخطو أول خطوة لى خارج مكتبكم الموقر أصابنى أسى ورغبة دفينة فى التشفى ،وبدأت أمزقه بأصابعى تمزيقا بطيئا ؛حتى صار قطعا صغيرة أصابها البلل من عرق بارد ينضح من يدى ؛ ل تدرى كم كنت محرجا ! ساعتها ..ساعتها فقط ؛ تناسيت توترى وانقباضى ؛ وواصلت التمزيق؛ حتى تحول الخطا ب إلى عشرات القطع الصغيرة نثرت بقاياها وبعثرتها فى الهواءل اراديا بطريقة أقر ب إلى السلوك الهستيري .نظرت إليها حتى تهدأ نفسى ؛ وتستريح أعصابي،أليس ا بكاف عبده ؟ وتفضلوا".. ***
237
18 دكتور زارع –عريس الد ب احتجت يوما إلى شهادة ميلد لبن جارى ،توجهت مصطحبا جارى ومعى باهر إلى المركز الطبى ،وصلنا إلى منزل أثرى على ناصية زقاق ،قال لى باهر هنا ،وأشار إلى مبنى عتيق له بابان ،دخلنا من با ب ضيق فى المواجهة ،ارتقينا الدرج؛ بالداخل رأيت الدكتور زارع ،بنظارته الطبية السميكة التى رأيته بها منذ زمن ،وشعر رأسه الكثيف ولحيته الهوجاء ،بعد أن قضى عام المتياز أعفى من الخدمة العسكرية بسبب عيب فى البصار ؛ جاء توظيفه نائبا للجراحة فى الجامعة ،فى نفس الوقت الذى كان على علقة عاطفية مع احدى الزميلت بالجامعة ،رفض أبوها تزويجها له ،مما أصابه بنوع من الكتئا ب الحاد والعزلة ،تم سحب البساط من تحت قدميه بتعيين نجل أحد الساتذة ،بعد استبعاده من الجامعة ذهب ليعمل بوزارة الصحة حيث تم توزيعه نائبا للجراحة ،أصيب باكتئا ب تفاعلى ورفض العمل بفرع الجراحةالذى كان يرغب التخصص فيه،كانت هوايته الولى هى الد ب ؛عقب حصوله على الثانوية العامة لم يوافق أبوه على دخوله كلية الدا ب متعلل بخسارة المجموع الكبير ! تم انتدابه الى المركز الطبى ؛ دخلنا حجرته، وسلمنا عليه كانت هناك مجموعة من الكتب والجرائد متناثرة فوق مكتب خشبى قديم؛ بعد أن جلسنا طلب لنا الشاى ،يتحدث أحيانا بيأس عن أحوال الطباء صار يشبه أبا الهول فى جلسته،كل يوم يجلس نفس الجلسة وقد مل جيوبه بالصبر؛تعلم أن يجيب على المرضى بهدوء أقر ب إلى الجمود ،لم يعد يبالى بردود أفعال الناس سواء شكروه أم شتموه ،صار الثنان عنده سواء ،كان هذا المنظر يشغلنا ،كان الدكتور أنس يكثر الكلم عنه،قال انه بجلسته هذه أهدى لى خدمة جليلة ؛ فقد كان السبب المباشر فى هروبى للعمل خارج البلد ،بماذا يداوى الناس ؟ ل يوجد فى صيدلية المركز سوى أقراص السلفا و النوفالجين والسبرين والجريزوفلفين وأمبولت أمينوفيلين التى تستخدم لعلج الربو الشعبى والتروبين والجلوكولينامين المسكن للمغص ،كان يعرف أن السلفا والنوفالجين والجريزوفلفين قد بطل استعمالهم فى دول كثيرة ،ولكنه ل يستطيع أن يقف مكتوف اليدى أمام هذا المد البشرى الذى أمامه؛ يقول زارع انت هنا بين فكى الرحى ؛بين الحكومة والناس ،أنت المفصل الذى يقع العبء عليه ؛ل تستطيع أن تؤدى خدمة معقولة ومن ناحية أخرى ل تحصل على مايقيم أودك أنت وعائلتك! كما أنه من المفروض أل يخالف المنشور الدارى الذى يقضى بمنع كتابة أى دواء من خارج أسوار المستشفى؛ كان كمن دخل فى قفص محكم ،لم يستطع الخروج منه ،من المفروض أن يسير كالبلياتشو على الحبال !عندما ينتهى من عيادته؛ فى الغالب كان يجد عددا من شرائط البرشام وتذاكر المرضى ملقاه على الرض .وهو سائر فى الكوريدور بالقر ب من الصيدلية . أكمل زارع ؛سأحكى لكم عما جرى ؛يومها دخلت الحمام ،توضأت ثم صليت ؛ قبيل الشروق تطر ب الدنيا وتتجمل بموسيقى علوية ترصدها الرواح الشفافة ،أعددت كوبا من الشاى ؛ تطلعت إلى القراءة ؛ وضعت أمامى المصحف ورواية عزازيل ؛تعودت أن أقرأ صباحا مع الهدوء وتنفس الصبح البديع المفعم بزقزقة العصافير ،جاءتنى مكالمة أنت فين ؟ عاوزينك دلوقتى خير ؟ 238
حالة مستعجلة بدل من أن أجلس إلى مكتبى ،نحيت الجريدة جانبا ؛ ارتديت ملبسى ؛ وخرجت الى المكتب على عجل ،متوجها الى عربة السعاف .تبسم زارع وهو يقول سمعتم عن شاعر اسمه السبيعى ؟ كان أحدهم ينادى يادكتور يادكتور ..التفت لرى صاحب الصوت الغليظ ؛ على وجهه ابتسامة واسعة يادكتور يادكتور ..وقفت ..أخذنى بالحضان ازيك يا دكتور ..نسيت أخوك السبيعى؟ إحنا مع بعض من زمان ..ابتدائي و اعدادى وثانوى ..فاكر الستاذ سمير صميده مدرس الفرنساوى ...كومان تابيل تو ؟ جى ما بيل سبيئى... وضحك ضحكة مجلجلة بصوت أجش.. ابتسمت ؛ فتشجع وأكمل كلمه: يا سلم!! أيام ! أهل ..أهل ..فرصة سعيدة ..أخشى أل أتأخر عن الميعاد ،تمشينا سويا حتى وقفنا جوار السيارة تحت شجرة نبأ عتيقة أمام المركزالطبى .. نظر إلى وقال : على فكرة ،أنا با كتب شعر ...شعر بالعروض زى الخليل بن أحمد ما قال ..كتبت عنالزوجة ..والعاطفة ..ابتسم قائل : أنا عاطفى قوى ؛ لكن شكلى كده ...إحنا كنا زمل ؛ لكن أنا دخلت معهد صحى ؛ معاياتخصص تحاليل بول وبراز ودم ؛ أسمع :يا نبع الحياة والوئام المنزلى.. سألتلك بال بغير تطفلل.. لِلم الجاعورة ؟ والطفال تتململ .؟.
سألته : المدام نكدية؟ زاغت عيناه قائل : أبدا دى غلبانة جدا ...بس لسانها سليط ،أعوذ بال من صنف الحريم .. 239
..... أستأنف كلمه: نعمل إيه يا دكتور ؟ نكتب شعر وقصص ..الهواية أحسن شىء فى الدنيا؛ أصل العيال كبرت ؛ عندى محمد مدرس وأحمد محاسب والبنت فى الدبلوم ..لزم الواحد يمارس هوايته ..أنا أعرف انك أديب كبير) ضحكت (استأنف كلمه ؛ ل وا أنا قريت لك قصة فى مجلة مشهورة عن الخوة اللى اختلفوا على الميراث ..ا يقطع الميراث وسنينه ؛ البيت بتاعنا عامل لنا مشاكل كبيرة ...أخويا مش عاوز يشوفنا عشان ساكن بره البيت . سألت : ليه ساكن بره البيت ؟ الموجود 3شقق وهو الخ الرابع نعمل إيه ؟ آدى ا وآدى حكمته ،وا العظيم أنا نفسى أسيبالبيت ويسكن مكانى.. نظرت إلى الساعة فى يدى وقلت : أستأذن أنا ؛ فرصة سعيدة يا أستاذ سبيعى.. فاكر عم أحمد بتاع البطاطا ؟ والشيخ غريب بتاع سندوتشات الفول والطعمية السخنة ؟ فىفسحة المدرسة ..يا سلم راحت فين اليام دى ؟ مش عارف..نظر إلرى مليا وقال بصوته الجش : أنا مازلت أغنى فى الفراح؛ لكن نشاطى الفنى قل ؛ موش زى زمان ؛ عند الحبايب فقط ..كلسنة وأنت طيب .فتحت با ب السيارة ،وحاولت الدخول ،أمسك با ب السيارة واستأنف كلمه : كنت عاوز اسرمعك حته للست!أنت مطر ب وعازف كمان ؟ أيوه ؛ أنا عندى عود من أيام المرحوم جدى ؛ عاوز أدندن ،وقال بصوت تخين أجش وقداندمج تماما وأخذ نفسا عميقا وأغمض عينيه وبانت أسنانه صفراء داكنة من أثر النيكوتين والمعسل الذى يبدو أنه يلزمه بل انقطاع ؛ رفع عقيرته : أطاوع فى هواك قلبى وأنسى الكل علشانك ..وأدوق المر فى حبى ..بكاس صدك وهجرانك ... يا سلم يا سلم .. لكن باين عليك مستعجل ،طب خد دى ... خليها يوم تانى240
كل سنة وانت طيب ،حا تدبح خروف العيد إن شاء ا... طب ماتنساس بيت الكلوى والفروة ! حاضر ياعم ..وانطلقت بنا السيارة .عندماوصلت إلى مكان الحادث عرفت التى :لمياء بنت ظريفة بالصف الرابع البتدائي،تجرى وتلعب مع زميلتها قبل جرس المدرسة وأثناء الفسحة ،وبعد انتهاء اليوم الدراسى .لمياء مفعمة بالحيوية وتحب صديقاتها والحياة جدا جدا ...فى هذا الصباح الخريفى الجميل حلقت الشمس فوق مشرقها ،وفاضت باشعتها الذهبية على الكون ،لم تشعر لمياء بالنسمة الباردة التى سرت فى الفضاء ،ظلت للحظات تتأمل قطرات الندى التى تلمع على أوراق خضراء لنبات برى نبت جوار منزل صديقتها نهال ؛ كانت تنتظر مقدم أتوبيس المدرسة ؛ بعد قليل راحت تحث الخطى هى ونهال ليحلقا بالوتوبيس الذى شاهداه عن بعد ،سمعت نداء ، وقفت لترى من ينادى عليها ،التفتت وراءها ،تقهقرت ،فى نفس الوقت تحركت الحافلة إلى الوراء لتفادى زحاما مباغتا أمامها..اصطدمت مؤخرةالحافلة بظهر لمياء التى اختفت تحت العجلت مباشرة . *** ضحك زارع فجأة وهو يقول عندما عدت من تلك المأساة؛وفى نفس اليوم ؛ لم يكن عامل المركز موجودا أثناء مداهمة الحملة التفتيشية للمكان قبيل العصر ،كان الموظفون قد غادروا ،دخل المفتش الدارى بصحبته كاتب المديرية والسائق ،شاهدوا التليفزيون يبث ارساله دون أن يكون هناك أحد بالحجرة ،نادى المفتش : ياريس يا عم ..فيه حد هنا .. لم يرد أحد ،نظر المفتش إلى التليفزيون ومد يده الى الزر وأغلقه ؛ ثم نظر الى السائق قائل : شيل التليفزيون وحطه فى العربية..حمل السائق التليفزيون العهدة وخرج الجميع ،..قبيل ركوبهم سيارة التفتيش تذكر سائقها أنه نسى مفاتيح السيارة فوق المنضدة بالمركز الطبى،عاد لياخذها ؛ كان العامل قد عاد من مطعم الفول و الفلفل محمل بسندويش؛ وقفت اللقمة فى حلقه عندما لحظ اختفاءالتليفزيون العهدة . *** سار في در ب اللم وحيدا؛الى سقف الخمسين ولم يتزوج حتى الن ،يتخيلها وهى تقتر ب منه يفوح عطرها الذكى ؛تحكى له؛ لم يتخل عن العيش فى الماضى؛ كان تمرسكه بالعقل أو ما يدعى أنه العقل يبدو انه قلة عقل ،كان يجب أن يغير الطريق وبسرعة قبل أن تزداد القروح وتنفتح الجروح،كل نقطة تؤدى الى نقاط أخرى ،كل شارع يوصل الى شارع آخر أو ربما الى ميدان ، زقاق ،كما أن كل ثانية تؤدى الى ثانية أخرة وكل دقيقة توصل الى دقيقة أخرى وكل عام بلشك 241
متبوع بعام يليه ،قال بعد تنهيدة ونفس عميق .. :أحكى لكم عن ذهابى الى النيابة ،سألنى الوكيل :ما المشكلة ؟ قلت إننى كتبت شهادة وفاة لحدى السيدات بسببها دخلت غرفة الحجز، قلت لوكيل النيابة ان رجل وامرأتين حضروا إلى مكتب الصحة ،وفى عيونهم دموع ونحيب ،أبلغوا عن حالة وفاة ،ذهبت معهم لمعاينة الحالة ؛ ورأيت سيدة راقدة فى السرير فاقدة الحياة ،جسدها مغطى تماما ماعدا وجهها ،على الفور حررت لهم شهادة الوفاة ؛شددت على أيادى الباكين مواسيا وغادرت .بعدها بأيام استدعتنى النيابة ،خفق قلبى وغاص فى قدماى وتعجبت ،ما السبب ؟ هناك عرفت ان السيدة المتوفاة لم تكن وفاتها طبيعية ،أبلغ زوجها عن أخيها الذى تشاجر معها على الميراث بعد وفاة أبيهم ،هربت صاعدة الى السطح خوفا منه ،كان يجرى وراءها وفى يده ساطور ليخيفها ،السطح لم يكن مسورا ،اتجه و ت الى عشة الفراخ المجاورة لنهاية السطح حتى سقطت من حافته؛هبطت مرتطمة بالطوار فاقدة للحياة . أكمل زارع أحاول أن استجمع مايجب على عمله ،أل أضيع فرصة للتآخى أو للمكسب الدنيوى أو الخروى ،حسب سلة وجوده؛ المكسب الدنيوى ان كان محفوفا بنية العطاء فهو أخروى أيضا أو مشترك ،ل انفصال حقيقيا بين دنيا وآخرة ،إل إذا أصررنا على ذلك ،ما يجب اليوم أن انجز ،عدد من اللقاءات والعمال؛ تخيلت الشخاص المتعلقة بانجازى ،رئيسة التمريض ،ممرضة المركز ،المرضى وذويهم؛عامل النظافة ،مأمور الضرائب ،أوقفت الجميع صفا فى ذاكرتى؛ محاول أل يقع واحد منهم ،كم عددهم ؟ستة أو سبعة ربما!صاروا نقاطا فى ذهنى استحضرتهم مساء أمس ،واليوم أعيد استحضارهم حتى ل أنسى منهم أحدا ،من الممكن أن أكتبهم ولكنى أردت أن أعول على ذاكرتى وأستعيد بناءها وتدريبها ،تبهرنى القرارات الهادئة البسيطة العميقة ايضا ،فهى توفر مزيدا من الوقت والجهد واللم أيضا . كنت أقرأ فى الرواية ،بعد أن انهى فصل أو أثنين اقوم واحملها لخبئها فى مكتبتى لكى ل يطلبها منى أحد قبل أن انتهى من قراءتها ،بعد فصلين أو ثلثة قررت أن أتركها كما هى على المكتب حتى تكون فى متناولى ،بالرغم من عشرات الناس التى تدخل المركز لم أجد أحدا ينظر إليها أو يحفل بها ،أو حتى ينظر إلى أى كتا ب موضوع هنا أو هناك؛ ل أحد يلتفت إلى الكتب عموما .تحسرت .ل أحد يهتم بالقراءة. ***
242
19 د.أنس تضوعت نسمة من أعماق الماضي مشبعة برؤى ومشاهد حفرت نفسها فى المخيلة بأمكنة وأزمنة لم يتغير طعمها رغم البلى الذى تراكم على النفس مع طى اليام واليالى ،صارت هذه النسمة المتنفس الوحيد المتبقي للحساس بفعل الكينونة والوجود ؛ صارت معينا على البقاء ومضادا للنضو ب والتحلل والضمحلل .... .نسمة من الماضى ،كانت الروح تروى بمدد السماء ،كما كانت الرض روضا شاسعا كل ما فيه جميل ،ل فكر إل فى حب أو لعب ،ول هم يؤرق وجود النسان . صرت أتردد على المستشفى ،زحام قاتل وحر شديد ،جاء الدكتور أنس مهرول ووجهه يبدى علمات الدهشة ،قال لى اننا نسىء إلى الدين ،تعجب عندما سمع حكاية السيدة المنقبة التى جاءت فى حالة ولدة ،طلب منى الحضور لمشاهدة مزرعته التى يقول إن قلبه ينشرح عندما يتواجد فيها ،يوم الجمعة سرت فى طرق ترابية ضيقة متفرعة من طريق الجناين ،طريق أسفلتى يشغل شريطا ضيقا على يمينه شيدت عمارات وراءها أماكن ريفية وأرض شحيحة الخضرة؛ على يساره الترعة؛ ليوجد سور بين الطريق والترعة ،لم يعد هناك مجال لتوسيع هذا الطريق الذى بالكاد يسع سيارتين ،المطبات متنوعة وعديدة؛ وصلت بعد عناء .على الرض جلسنا متجاورين ،أمامنا مروج خضر ،حولنا شجيرات المانجو تصطف موزعة فى أرجاء المزرعة ،نسمات ربيعية تهل علينا ،منذ قليل كان الجو مغبرا برياح متربة ،كان ابنه من زوجته الولى مشغول داخل السيارة الجديدة ذات الدفع الرباعى ،كان فرحا بها؛ وقف ليس ببعيد يراقب الصدامات المامية والخلفية ،ممسكا بيده مفتاحا كبيرا يمر به على أجزاء السيارة ،نظر لوالده وقال له :لقد أعدت المقاعد إلى أماكنها ،قال لى أنس :لقد أحضرتهاله ليقضى بها مشاويره داخل مصر ،حارثة يحسن الستماع إلى نصائحى ،أود أن أسقيه عصارة تجاربى فى الحياة ، هكذا كان المرحوم والدى ،كانت المسبحة ل تفارق أنامله ،دائم الذكر والشكر ،كان يكثر الصلة 243
على الرسول ،يقول سيدنا وتاج رأسنا؛سرح قائل لبد من تعديد الصلوات لمضاعفة الجر،كان يقول "اللهم صل على سيدنا محمد عدد ما ذكره الذاكرون وغفل عن ذكره الغافلون.يامقلب القلو ب ثبت قلوبنا على دينك اللهم إنك عفو كريم تحب العفو فأعف عنا " كانت المنقبة بالعيادة ووجهها مغطى بالكامل ،طلب الدكتور أنس أن تكشف وجهها فرفضت ،هو يعرف أن غالبية المنقبات يرفضن اظهار وجوههن،سأل الممرضة عن علمات فى وجهها تساعدة فى تشخيص الحالة ؛ تساءل كيف يفكر هؤلء الناس ؟ الوجه الوجه ..نتعرف منه على الشخصية كما نعرف منه العمر التقريبى و المشاعر ؛اللم والفرح والضيق والمكر ..والشحو ب والوهن والنيميا والصفراء ..أمراض كثيرة تشخص عن طريق الوجه،تذكر أنس ذهابه منذ سنوات مع أخيه ليخطب له ،حمد ا أن أخاه لم يصاهر تلك العائلة ،قال أنس عندما خرجنا من عندهم نظرت الى أخي متسائل ..أنت عرفت عنهم حاجة؟ يعنى ؟! يعنى فهمتهم ؟ يعنى ؟! كل حاجة يعنى ؟ يعنى إيه ؟ طبعا لسه!.. *** كان والد العروسة قد احتجز سيدات السرة فى حجرة ،قبيل انصرافنا قال لنا مبتسما : أحب أعررفكم على حريم العيلة .. خرجن طابورا واحدا ،كنا نسمع هسيسهن مختلطا بشىء من الضحك ،دون أن نتحدث إلى احداهن أو نرى منهن شيئا ،فقط كانت أمى تقول أهل وسهل ..ردا على قول والد العروس :دى فاطمة ..أخت العروسة ودى شيماء أخت العروسة ..ودى نفيسة بنت عم العروسة ودى أسماء زوجة خال العروسة ودى ....حتى انتهى الطابور .ولم نرى أو نعرف أى شىء عن أى واحدة.. أردف والد العروس قبل ان نخرج: لول غلوتكم عندى ما كنتش أخليهم يطلعوا قدامكم!! حصلت البركة .. فى الخارج تلقفنا أنفاسنا . ***
244
تقريبا هجر أنس الطب الحديث ،كان يقرأ العراض الجانبية لحد الدوية من النشرة ،يقول من الممكن أن يتسبب هذا الدواء فى قلة الشهية او زيادتها ،كما قد يتسبب فى ظهورأعراض نفسية مثل القلق وعدم الراحة وحلم غريبة ونقص فى الرغبة الجنسية ،وأرق ونعاس ودوخة ورعشة ،والتها ب الجيو ب النفية والتثاؤ ب ،وغثيان واسهال وامساك وقىء وجفاف الفم وزيادة العرق ،وألم المفاصل والعضلت ،والرهاق وزيادة الوزن كما أن وقف الدواء فجأة من الممكن أن يتسبب فى دوخة واضطرابات حسية وأرق وكوابيس وأرق وتوتر ورعشة وصداع واضطرابات بصرية ..الخ الخ ...ويقول عاوز ايه أكتر من كده؟! كان يتحدث عن علج السنان دون فتح الفم ؛بأن يفرك قطعة ثلج على باطن يده على المنطقة العشائية التى بين البهام والسبابة ،وعندما اصيب ابن خالته بحرق على فرن البوتاجاز طلب منه ان يفرك اصبعه جيدا ويضع عليه قطعة ثلج ،عندما جاءه مريض يخاف من الحقن ،سأله هل تخاف من الحقنة؟ قال ومن ل يخاف منها ? .قال له أنس بإمكانك التخلص من الخوف واللم عن طريق السعال أثناء اخذالحقنة .اقتنع أنس بالعلج الشعبى صار يعالج مرضاه بالعشا ب ،نادرا ما يلجأ إلى الدوية الحديثة ،يقول إن معظمها كيماويات ضارة ،كان الدكتور ابراهيم يساعده ويؤيده فى هذا التجاه ،يقول له ل تكتب الدوية التقيلة ،عليك فقط بالدوية البسيطة ،حتى ل تتسبب فى مضاعفات ، الجسم البشرى مقدس ،اكتب فقط علج ظاهرى؛ مسكنات مع "شوية" فيتامينات! كان أنس يتكلم عن فوائد الميرامية وعن علج الديدان بالزنجبيل وعن زيت الخروع وفوائده كمسهل للبطن وفى علج تقرحات الجلد وتكلم عن فوائد التمر هندى ؛ وتكلم عن الماريجوانا وزراق العين واللم الروماتزمية وبعض التشنجات ،وذكر نبات الخشخاش وقال انه من فصيلة الخشخاشيات ويتميز بعصارة لبنية مخدرة ،وله زهور لمعة قصيرة العمر ،وتذكر لوحة زهرة الخشخاش للفنان فان جوخ،أغلب تعامله مع العطار ،نادرا ما يصف ادوية تصرف من الصيدلية؛ كان يجهز بعض التركيبات الطبيعية ويمنحها للمرضى دون مقابل ،يتحدث عن فوائد الجنزبيل ويقول انه يعالج اضطرابات المعدة ويمنع السهال والصداع ويخفف آلم العمود الفقرى ،وهذا علج تخفيف احتقان النف ...هل تعاني من احتقان النف المزمن ولم تنفع معك الدوية،إليك طريقة أرخص وأسرع وأسهل للتخفيف من ضغط الجيو ب؛ قم بدفع لسانك ضد سقف فمك بالتناو ب ،ثم اضغط بين حواجبك بإصبع واحد .هذا يسبب هز عظمة فومر التي تمر عبر الممرات النفية إلى الفم، وهذه الهزات تسبب تحرك الحتقان ،بعد 20ثانية ستشعر بأن الحتقان بدء بالتحلل..أفتى بوصفة مجربة لستخراج النيكوتين وآثار التدخين من الرئتين ؛بأن يغلى كأس حليب في قدر وكذلك يغلى كأس ماء في قدر آخر وعندما يصل كل منهما لدرجة الغليان يخلط كل من الحليب والماء في قدر آخر ويستنشق البخار الناتج من الخليط لمدة 10دقائق؛وتكرر هذه العملية لمدة 10أيام متتالية ،ستخرج جميع الوساخ العالقة في الرئتين بجميع ألوانها بطريقة مدهشة وكثيفة ؛وبعد مضي فترة الي 10أيام سيكره المدخن طعم السجائر؛وكان يصف علجا للشعر الشيب عبارة عن 4ملعق كبيرة من المرامية،نصف فنجان من الماء 2،ملعقة كبيرة من الحنة،وملعقة صغيرة من القرنفل+نصف فنجان من الشاي المغلي ؛ يغلي نبات المرامية جيدا ثم يترك ليبرد ثم يصفى ويضاف لة القرنفل والشاي المغلي مع التقليب ثم تضاف الحنة وتوضع على الرأس لمدة 30دقيقة ،وللتخلص من قشرة الشعر:مقادير متساوية من ماء الورد وماء عادي وخل التفاح؛ تدلك بها فروة الرأس ،وقال انه توجد وصفة مجربة للشعر الجاف و المتضرر و الخشن ؛ زبادى وصفار بيض وملعقتين زيت زيتون وملعقة عسل نحل ومايونيز طبيعى ". 245
كانت وجهة نظر أنس معقولة لنه قال ان ا خلق لنا تلك المخلوقات لنستفيد منها ونتعلم أيضا منها ،فهى سبقتنا فى العلم بأشياء كثيرة ،زعم باهر أن هذا جهل ،وتشاجر يوما مع أنس بسبب العلج العشبى هذا ،قال باهر بأسلو ب خشن ما الفرق اذن بين النسان والحيوان ؟ الحيوان يتناول علج عشبى لحالته ؛ كنت مؤيدا أنس ،بالرغم من المنافع الرائعة والعديدة لطرق الطب الحديثة؛ قلت لباهر ان الطبيعة هى الصل وهى الفطرة؛ دعنا من وقت لخر نغير الزاوية التى ننظر بها الى الحياة ! تكلم أنس عن خليط من عصير الليمون وفص ثوم وزنجبيل وملعقة من زيت الزيتون النقي وقال انه خليط ممتاز لتنظيف الكبد ،حيث يؤخذ هذا الكو ب من الخليط على الريق قبل الفطار بساعة ...وينصح باستعمال هذه العملية مرة كل ستة شهور؛وقال إن الفراولة مفيدة للقلب ،وذلك لنها من أفضل مضادات الكسدة ،وغنية باللياف الغذائية القابلة للذوبان، وهذه اللياف تعمل على تخفيض معدل الكوليسترول في الدم ،وزيادة كفاءة الدورة الدموية. قرر أن يعطى محاضرات مجانية ،طلب عمل خدميا فى مدرسة التمريض ،وقال إنها زكاة عنه وعن أولده ،لن ا أكرمه ولنه تمنى أن يرتفع مستوى التمريض فى مصر. *** فوجىء الجيران بوفاة الدكتور أنس ،قالت الممرضة إنه توفى وهو جالس على مكتبه ،وقال الجار اننى سمعت صفيره فى ذلك اليوم؛ مثل كل يوم ؛ وهو يقفز درجات السلم صاعدا إلى عيادته. ***
20 مجلس محلي بالسمن والسكر لم تعد المناصب تهم الكثيرين ،وخصوصا أنه ل يوجد لها مقابل مادى ،لم يعد منصب مدير المستشفى يثير لعا ب الغالبية؛ خصوصا بعدما تدخلت المحليات فى الطب والمستشفيات بصورة سافرة ،وأيضا لشتراط غلق عيادة الطبيب الذى يقبل المنصب .دأبت المجالس المحلية وغيرها على الخوض فى أمور المستشفى والصحة ؛يلوكونها ؛ خاصة وأن عقولهم ل تجد متنفسا إل فيما 246
تستقوى عليه ،مثلهم مثل المحافظ تماما ،حبا فى الظهور ؛عادة ل يجد الواحد منهم شيئا يلوكه ويتقر ب به إلى العامة والنخبة أيضا ويخوض فيه آمنا من كل شر سوى كلمة الصحة والمرض والمستشفى !! كان الدكتور شرف -لسؤ حظه –هو مندو ب الصحة فى المجلس الذى دأ ب فى تلك اليام على الخوض بجهل أو بدون فى أمور الطب وجعل أعضاؤه المستشفى علكة يلوكونها أو أيقونة يتغنون بهاليل نهار،خاصة عندما تصدأ عقولهم ول يجد بعضهم شيئا يظهرون به جديتهم واهتمامهم ويقضون به أوقاتهم سوى مراجهة عدد الموتى والمصابين والتحصينات والتطعيمات والعتراض عليها ،يخوضون فى الدوية ونوعياتها ومدى فاعليتها دون علم أو فكر ،يتكلمون عن الصحة والمرض والهمال ،تهر ب معظم الطباء من الدارة ،ولم يقبل عليها سوى عدد قليل ممن كادوا يهجرون الطب وقد بهرتهم الموال والسلطة والبوا ب الخلفية للسياسة . يتقلقل أحدهم ويتململ كثيرا فى جلسته أثناءالجتماع؛ يبدو منظره كاريكاتوريا للغاية ،ثا طن يمسح عرقه بخرقة ،وآخر يتكلم فى الهاتف بصوت مسموع ،أحيانا يصرخ فى وجه محدثه حتى يسمعه ويستجيب لندائه ،أثنان يتحدثان سويا ويتضاحكان وينتشيان بضحكهما ،بعيدان تماما عما يدور فى المجلس ،المناقشة تدور الن عن اللجنة الصحية ،كان المتحدث هو بائع جندوفلى قديم ،يقول ان حجرة العمليات ليست مجهزة تجهيزا جيدا ،وينقصها أشياء كثيرة ،ياه ..هل دخل الجندوفلى إلى حجرة العمليات وعلم ما بها ؟ وعلم النواقص التى بها؟ الطبيب العام؛ غير المتخصص ربما ل يعرف نواقص حجرة العمليات ،فما بال هذا الجندوفلى العجيب ؟ ربما أبلغه أحد الطباء أو الممرضين بهذا الكلم لكى يدلى به ويتقيؤه فى المجلس ،يتكلم آخر عن حجرة الفاقة بجهل ؛ ربما أبلغه أحدهم أن إنعاش المريض لم يكن كافيا،أى أنه لم يصل إلى مرحلة النتعاش وربماقال له عقله إن المريض الخارج من العمليات يجب أن يصل إلى حد الفرفشة مثل!. وقف شرف حائرا ،كيف يرد على مثل هذا الهراء ؟! كان يبحث عن وسيلة مناسبة للرد على هذا الكلم ،نظر إلى المتحدث الذى ل يريد أن يكف عن إطلق الرذاذ من فمه لتوزيعه بالتساوى على المجاورين له كلما التفت يمنة أو يسرة ،يدقق فى عينيه الحمراوين اللتين يعلوهما حاجبان كثيفان أشعثان فيكتئب ويلعن دخوله كلية الطب ،يكتئب مرة ثانية لحزنه على ما انفقه عليه والده من جهد ومال؛ ويكتئب ثالثا لما أنفق هو من سنوات عمره مجدا فى مراحل التعليم ،ضاعت فى هذه اللحظة آمال كبرى وانتثرت على أشواك الواقع هباء أمام هذا الذى ل يكاد يميز بين اللف وكوز الذرة كما يقولون .اكتأ ب رابعا لذلك النظام الذى سمح لمثال هؤلء"الكوادر" أن يسيطروا على مقادير المور ؛ وأن يتدخلوا فيما ل يعنيهم ،وفيما ل يفهمون،ويكتئب خامسا لعدم سفره للخارج والبعد عن هذه المهاترات التى يشعر أنه ل ناقة له فيها ول جمل وأن المسائل ل يمكنها أن تحل هكذا بمثل هذه الطرق البعيدة عن الصوا ب مع انعدام وجود نظام صريح يوضح الحقوق والواجبات ينطبق على الجميع دون اسنثناء . *** عند وفاة أبى قطة كان الدكتور شرف مديرا للمستشفى وقداقتر ب من سن المعاش،أصر على حضور العزاء ،كلية الطب تستعد لشراك المستشفى العام فى برامجها العلجية والتعليمية ، 247
لتصبح مستشفى جامعى على مستوى مرموق ،وبدأت فى عمل بعض التجهيزات للعمل الجاد، خطة لتدريب طلبة الطب فى عنابر المستشفى وأقسامها،وبدأت تكوين مكتبة طبية ،كما وعدت بفتح أقسام جديدة لم تكن موجودة بالمستشفى مثل جراحة المخ والعصا ب وأمراض القلب والقساطر التشخيصية والعلجية والجراحات الميكروسكوبية ،وجراحة الوعية الدموية ،و قسم التحاليل الباثولوجية؛تجمع بعض الطباء وتجمهروا لمحاربة الفكرة ،وتزعمهم الدكتور شرف وأرسلوا طلبا للمحافظ لمنع دخول أطباء الجامعة الى المستشفى ،تعجب البعض؛ فهمى يقول ان الدكتور شرف يخشى من أطباء الجامعةالذين قد يتسببوا فى بوار عياداتنا نحن أطباء الوزارة، سوف تسحب مرضى العيادات من أطباء الصحة ،حار ب دخول طلبة الطب الى ردهات المستشفى ،سعى البعض الى المحافظ لينهى ما سموه العتداء على أطباء المدينة ،لم تتمسك ادارة الجامعة بموقفها؛ وتركت المستشفى؛فجأة توقف العمل وضاعت الكتب ،وكانت خسارة لم نشعر بها ال بعد ضياعها .تذكرت كيف كان الدكتورشرف يحاربها وهو الذى كان فرحا بمجىء قمر الدين الى المدينة ليدر ب جراحيها المبتدئين ،بالرغم من عدم اقتناع الكثير من الزملء بهذا المنطق الذى انساقوا وراءه مما اورثهم قليل من السف لضياع فرصة المنفعة العامة . *** فى ذلك الوقت سمعنا عن وفاة "أبو قطة"؛فى سرادق العزاء أثار انتباهنا ذلك الرجل الذى حمل صينية مليئة بأكوا ب الشربات كانت تتوهج عاكسة أضواءها المنكسرة على أعين المعزين ؛تبادل المعزون الكلم والسؤال فيما بينهم عن هذا الرجل وعن فعلته العجيبة ؛تعرف عليه البعض؛ كان الرجل عضوا فى أحد المجالس المحلية ؛ وما أن تحرك خطوات داخل السرادق حتى قام المعزون من مقاعدهم وهاجموا الرجل ؛انفلتت الصينية من بين يدية ووقعت على الرض ،ووقع الرجل جوارها؛ وتكسرت الكوا ب واصطبغت بدلة الدكتور شرف كما اصطبغت السجادة باللون الحمر القرمزى ،عندما سألنا من هذا الذى يجرؤ على تلك الفعلة ،قالوا إنه أخو المرحوم أبو قطة،ظل طوال حياته على خلف مع أخيه على الميراث! ***
21 شامخ كفته!
248
مع التقدم فى العمر ؛ سقط عديد من الزملء ،الحياة قصيرة ،يبدو أننا فى العادة ل نحافظ عليها ،البعض هرولوا وراء المال وآخرون وراء المال والنساء وثلة أدمنوا المخدرات ،أما الناصحون أوالذين أدعو النصح -فقد لهثوا -جملة واحدة -وراء تلك الهداف جميعا حتى كانتمصارعهم فى انتظارهم عند أقر ب فرصة متاحة لشبح المرض أو الموت . كان معى فهمى أثناء عبورالطريق؛سمعنا صوتا عنيفا لسارينة ؛ كان كالرعد؛ صاعقا ،ظننته من تريللة ضخمة ،على الفور مرق موتوسيكل مقتربا منا بصوره مخيفة ،مرق كالصاروخ ، سائقه شا ب يبدو أنه ل يعبأ بشىء ،كانوا ثلثة يمتطون المتوسيكل ،ل يشعر سائقه أنه أحدث خطأ يجب العتذار عنه ،قال فهمى مصيبة أننا صرنا ل نعبأ بتقييم افعالنا ،نتجاهل فطرتنا أو ربما نفقدها ،الصح والغلط من المور الواضحة ،ولكن معظمنا صار يتجاهلها؛ ل نهتم بعلقاتنا ، القط عندما يسرق سمكة حتى ولو كانت عفنة مثل يشعر بالذنب ،يرتعد جسده ؛ ينظر فى جميع التجاهات كى يتأكد أنه ل توجد عصا ستهبط على نافوخه ،يظل يترقب حتى إذا لم يجد صاحبا لغنيمته فاز بها ؛ يقريم الفعال صح!! ضاع منا التقييم؛ تجاهلنا التفريق بين الصح والغلط! هل افتقدنا الميزان ؟! هذه اليام سمعنا عن قدوم موجة حارة من الشرق ،الناس ل تطيق بعضها ،ولكنى لحظت أن الناس تصبر كمن وقع فى مصيبة ،ولم يجد من يحلها له ،والكل يحاول مثل الغرقى ،أن يخرجوا بسلم من هذا الجب الباهت الضيق الحار المكتوم المصحو ب للسف ب"التناكة" من بعض الموظفين .استضافنى فهمى مصادفة بعيادة الجراحة لنحتسى القهوة سويا قبل أن أذهب الى عيادتى ،بعيادة الجراحةدخل أحد الطباء؛الدكتور شامخ ! اسمه شامخ عبد القوى ،لكن الكل يناديه "شامخ كفته "؛ كان رأسه مرفوعا؛ ل تغادر السيجارة شفتيه ،فهمى يغير له على قروح نادرة بفروة رأسه ؛عقب مغادرته قال لى فهمى ل تعجبنى طريقة كلمه ول حياته ،كان مخاتل ومتصنعا ،ظل غير قانع بما هو فيه لم يصل يوما الى حد القناعة ،يقال انه فى صغره كان يتمنى أكل اللحم ،عندما رأيناه كان يأكل الكفتةيومياتقريبا ،بمرور اليام؛عندما امتل الديب فريزر باللحوم وغيرها لم يستطع التمتع بها ؛بالرغم من كونه بخيل كما يقول المقربون منه؛ إل أنه ينفق أموال كثيرة للطمئنان على صحته بالتردد على الطباء ومعامل التحاليل ومراكز الشعة وغيرها من المصحات وعيادات الطب الطبيعى ،أصيب بفيروس كبدى جعل وجهه شاحبا،صار يكره اللحوم ،كماأصيب بآلم مزمنة فى المفاصل شخصت فى البداية روماتويد ؛سافر للعلج فى مصحة تسخالطوبو التى ذهب اليها جمال عبد الناصر فى التحاد السوفييتى سابقا،لم يبخل أيضا فى التردد على علج العشا ب والسحر والدجل وغيرها .. أحس كأن وهجا يخرج من قفاه بالرغم من التيار البارد القادم من جهاز التكييف بمنزله ،كل يوم يقف أمام المرآة ،يراقب التطورات التى تحدث جسده؛ يحفظ كل الغضون والخاديد التى حفرها الزمن بسحنته ،يلحظ المفاصل والعظام والجهاز الهضمى وما حوى ؛ المعدة والكبد والمرارة والقولون ،يبحث أى شكوى بالقلب ؛ بعد أن يضع رأسه على الوسادة لينام يسمع وجيب قلبه ،كل الجهزة تعمل ،الفكار فى العقل تتناطح ،يحاول أن يبحث عن أى خلل ،يحسب لنفسه عدد مرات التبول ،أتى بمخبار مدرج ليجمع فيه كميات البول اليومية ،كتب فى ورقة عدد وتواريخ وساعات الخراج ؛ وعلرقهاعلى الحائط ! صار مثل الخائف من العفريت ،آه سوف يطلع له ! 249
تعود البعض على استحلبه بالتحايل عليه بشتى الطرق .عرفنا أنه يستخدم شاي مخفض للسكر مثل شاي الزعتر والنعناع ،دائما غير راض ،غير راض عن نفسه ،ول عن رزقه ول عن غيره ،دائم الشكوى ،صارت قسمات وجهه منفرة وأصبح النظر إليه مزعجا ،قد يصيب النسان بعدوى عدم الرضى والجشع والطمع ،إذا رآه أحد ربما يشعر بالضطرا ب باقى يومه؛ تعود أن يرتدى البدلة الكاملة سواء فى الصيف أو الشتاء ،فوقها البالطو البيض المخصوص ،ياقة منشاة بلون أبيض ناصع ،ونظرة متعالية من وراء زجاج نظارته الطبية المربوطة بسلسلة تختبىء نهايتها تحت ياقة البالطو ،قامة عالية ونظرة أكثر تعاليا ،كان يحرص على متابعة أخبار الدولة ،ويتكلم فى السياسة كمن يريد أل يفصح عن شىء ما. يقول فهمى ل أذكر أنى رأيت فمه دون سيجارة ،عندما تأكد أن الناس عبارة عن قوالب ل يمكن تغييرها بسهولة ،بل ليس سهل أن تغير عادة واحدة لدي أحدهم ؛بدأ يعانى من نوبات صداع سببها ارتفاع ضغط الدم ،كما أصيب بالسكر ،على جبهته تقطيبة سكنت وجهه ولم تفارقه ،دائما يشخط وينطر ،كان محبا للدارة،ليس حبا فى الصلح أوهواية فى منفعة الخرين ،ولكنها هواية "المريسة" والتسلط على عباد ا،ومحاولة اليقاع بالفرائس البشرية؛حار ب حتى حصل على حجرة مكتب قريبة من مكتب المدير ؛عمل فيها نائبا للخير؛ ظل يمارس عمله معتبرا نفسه أهم من المدير نفسه؛ يقول عن وظيفته إنها غاية فى الهمية،ويتعجب قائل حتعملوا إيه من غيرى ؟لم يعرف أحد ما الذى يقصده بهذه الجملة ،ول مايدور داخل هذه الحجرة ول بهذا المكتب المستولى عليه والذى ظل مدافعا عنه ،سمعت العاملة تقول إنه يغلق البا ب و يتكلم مع المريض كمن يقذف عليه لهيبا من نار السموم؛وحتى يتنصل من مسئوليته؛ كان يتكبر على المريض معليا صوته مشعرا إياه بالذنب ويحمله مسئولية مرضه بل ويتمادى فى أسلوبه المستفز حتى يفقد المريض الثقة فى امكانية الشفاء،دائما يقدم كلمة بالحديث عن التكلفة ؛حتى ل يحدث خلف فيما بعد ،لبد من التفاق ،يطلب أرقاما فلكية من المرضى ،تنتفخ أوداجه ويتحرك كالطاووس وهو يلقى قنبلته وتعليماته على رأس المريض .قال فهمى أنه كان يتفق على عمليات الجهاض ويتفاوض ماليا أو جنسيا أو الثنين معا ! صار يهوى نساء السوق وعرقهن وروائحهن الغير مقبولة ،مثل الكبابجى الذى صار زاهدا فى الكبا ب وقد اشتاق إلى سندوتش فلفل .بعدها بدأ يشكو من عدم شعوره بلذة تجاه الشياء الملذة ،فهو يراها وتتكرر رؤاها ليل نهار أثناء عمله اليومى. فى تلك اليام كانت المديرية تستقبل وفودا من الوزارة على فترات متقاربة ،قيل إن المدينة موضوعة على قائمة المحافظات التى سيجرى عليها تجربة التطوير ،بدأت الوزارة بإرسال وفود لتدريب الكوادر ،تنازل له المدير عن بعض المهام،تجنبا لشروره؛ منها حضور المؤتمرات التى استفحلت موجتها ،صارت ظاهرة فى كل الوزارات تقريبا؛ كان هناك مؤتمرات للمرأة ،والطفل والتأمينات الجتماعية والصناعة والزراعة والعلوم والطب وكل فروع الحياة؛ كان الكلم شائعا عن كيفية تجنب العدوى ،الدكتور شامخ يحرص دائما على مظهر السلسلة التى تتدلى من نظارته ،يكلف سائقه أن يلزم السيارة منتظرا خروجه فى أى لحظه ؛ تأتى دعوات لحضور مؤتمرات ،ولم يسأل نفسه عن أهميتها..فقط يقرأ نرجو ترشيح أحد أو أثنين من لحضور مؤتمر ؛ كان المدير يلشحه تفاديا لشرورة وارضاء لغروره لحضور المؤتمرات الطبية والمشاركة فيها ،كان شامخ يقابل زملءه فى الدفعة يلقون محاضرات داخل قاعات الكليات 250
وقاعات المؤتمرات بالفنادق الكبرى والمنتجعات ،يسلمون عليه وأحيانا يتجاهلونه فيذكرهم بنفسه ..يؤثر نفسه وسائقه الذى تعود مسايرته فى الطبع -بحضور المؤتمرات ،عادة ل يطلع باقى طاقم الطباء على كل ما يجىء من مخاطبات،الكثير من المخاطبات قد تهم أحدا غيره من العاملين ،من المفترض على القل؛أن تعلق البيانات العمومية والنشرات الدورية فى لوحة ليستدل بها العمال على سير العمل ،وليتعرفوا على كل صغيرة وكبيرة ،ويعرف كل منهم أين يضع قدميه،كأنما يحدث نفسه :وما الذى أستفيده من هذا؟ الكل سوف يتقاطرون على مكتبى لكى يتناقشوا معى ويطلبون منى كذا وكذا ويقدموا عرائض بطلباتهم ،وشكاوى لمساواتهم بغيرهم واقتراحات وهمية لحل المشاكل القائمة الكل قبض الريح..ليس فى المكان أبدع مما كان ..ما الذى أستفيده من هذا سوى وجع الدماغ ؟ ويعتبرها من أسرار العمل .فى الغالب ل يدرى أحد من الطباء شيئا عن هذه المؤتمرات ،سرا يأخذ بعضه أو ربما يكون معه السائق ،يحادثه أحيانا: ل تبلغ أحدا عن هذا المؤتمر طبعا يافندم أنا أحبك لذا أكتب اسمك لتحضر معى ولكنى ل أفعل شيئا وهل طلب منك أحد شيئا؟ ل المهم المتعة.. فى القاعة يدخل الثنان ،يجلسان فى مكان جانبى أو كيفما اتفق ،ينظر إلى المحاضر بذهن شارد ،ربما ل يدر مايقول ؛ ول يسمع أيضا فى دورة تدريبية شهيرة مخصصة للطريقة المثلى لغسيل اليدى ،كانت المدربة تشرح كيفية غسيل اليدى جيدا ،وكيف أن معظم الحضور ل يجيدون غسل إياديهم؛ طلبت من واحدة توضيح طريقة غسيل اليدى ،كانت تشرح الغسيل بالمطهرات ،وتوضح كيفية الهتمام بالمناطق الخفية باليدين وطرق الوصول إليها ،والتى ل نهتم بها وننساها عادة ل نأخذ بالنا منها ! قهقه أحد الحاضرين قائل : احنا محتاجين تدريب على المهم ! نظرت إليه المدربة قائلة بسخرية وضيق : إيه هو المهم يا باشا ؟ التطور الحاصل فى العالم يا أستاذة ! 251
دكتورة من فضلك ! أكيد يا دكتورة سمعتى عن الليزر وسمعتى عن استخداماته فى جميع فروع الطب ،ياترى إيه هو موقف الوزارة من الليزر واجهزة الشعة المتطورة الثلثية البعاد وغيرها ؟ دا مش شغلى !! ونظرت إلى السبورة وهى تمسح ما كتبت لتبدا من جديد . *** ينظر شامخ إلى ساعته ،يميل على سائقه ،يهمس إليه: الغدا الساعة كم؟ ل أعرف سعادتك.. القاعة مكيفة والزحام شديد ..متى تنتهى هذه المرأة؟ تبدو محاضرة مهمة كان غيرها أشطر ..وهل تفيد المؤتمرات البلد ؟ ينتظر شامخ ساعة الغداء ،يفكر فيها بتلمظ ؛بانتهاء المحاضرة ،يقوم مسرعاصاحبا سائقه إلى با ب الخروج ،يتجه الثنان إلى قاعة الطعام ،يتطلع إلى كل مافيها بسرعة وشغف ،تدور عيناه فى كل اتجاه،يلحظ عدد الموائد ،يتجه مسرعا ناحية أكوام الطباق يتبسم باحثا عن صحبه ليهمس إليه :أهوى البوفيه المفتوح.. *** مع اليام بدأ يشعر بآلم فى العمود الفقرى والضلوع ،تزداد هذه اللم مع المجهود ،تحليل الدم أظهر وجود انيميا وهبوط بوظائف الكلى ،أصيب بعدهابجروح فى فروة الرأس ،قام فهمى بعمل غيارات يوميه له ،كان يشعر بنتوءات صغيرة ،يقول ان الجروح ل تلتئم ،بالرغم من عدم اصابته بمرض السكر،عرض نفسه على قمر الدين الذى نصحه بعمل أشعة سينية ومقطعيةواختبارات للدم أظهرت ارتفاع نسبة الكالسيوم وحدوث مشاكل فى الكلى ؛اتضح اصابته بمرض يسمى mm ***
252
22 مراسلت الطرابيلى عاد من لندن حامل شهادة دكتوراه فى جراحة اليد ؛ تخصص نادر يغبطه الكثيرون؛تسلم العمل بالمستشفى ؛تقديرا له عين نائبا أول للمدير ؛ تذكرت عندما كلفنى بإبلغه عن مكان توزيعه فى القطاع الريفى؛ عرفت بعدهاالسبب فى عدم اهتمامه؛فقد كان يخطط للسفر والدراسة فى لندنالمهمة التى ساعده فيها خاله وكيل الوزار. فتح عيادته ولكنه لم يوفق بها ،يقول ان امكانيات العيادة أكبر من امكانيات المدينة؛العيادة تحتاج الى العاصمة ،كان باحثا عن الجديد ،دائما ينظر الى المام ويتطلع الى المستقبل ،أحيانا يدفعه حب التطور إلى التهور ،طلب من مدير االمديرية بعض الجهزة ،مثل الميكروسكو ب الجراحى ؛حاول المدير ان يبعد الدوشة عنه قائل ان لديه اجهزة ل تعمل؛ليس لها وظيفة وتحتاج الى مركز كبير أو مستشفى متخصص ،لم يشعر المدير أنه مؤهل لشراء أجهزة ثمينة ،ولم يقدر هذه المهمة التى يحملها ،تفتق ذهنه عن طلب عمل دراسة جدوى للجهاز ،تحير الطرابيلى وقال نحن جهة خدمية ،ولسنا جهة اسثمارية ،كيف يطلب منى هذا الطلب الغريب ؟ كان خاله وكيل الوزارة قد أحيل إلى المعاش منذ أعوام؛ حاول النقل الى القاهرة ولكنه فؤجىءبعقبات ادارية ،لم يشعر بالرتياح للسفاف الذى يعامل به البشر أوقاتهم فى مصر؛ اكتفى بمشواره فى المدينة خصوصا بعد أن داعبته الشركات الطبية مداعبات ثقيلة ونصبت عليه احداها فى عدة مطالبات ،أخيرا قرر أن يمتنع عن التعامل مع الشركات ،قال إن بعض مرضى الشركات يتحايلون لصرف أدوية لقاربهم وأحيانا يصرفون أدوية لستبدالها فى الصيدلية بزجاجات الكولونيا ومعاجين السنان وادوات التجميل ،والبعض يطلب أدوية مرتفعة الثمن بدون أى مبرر؛ وعليك أن تنبح صوتك طول الليل والنهار مع هؤلء،الطمع و الفقر هما السببان الرئيسيان ؛يكفى واحد من هذه العينة لكى يفسد عليك يومك ،كما أن كل جنيه يصل اليك عن طريق اى شركة يسرمع فى الضرائب ،هذه ليست مشكلة ،ولكن المشكلة ان سهوت عن قيده ،وبالتالى لم تبلغ به ،فمن الممكن أن يتسبب لك فى ازمة ،حتى وان اكتشفوا أنك لم تسجل حفنة جنيهات تعد على أصابع اليد الواحدة حصلت عليها يوما ما من احدى الجهات ؛ساعتها ينظرون اليك بعيون الريبة! أرادت بعض المصانع والشركات أن تيسر المور عليها ،ول تتعاقد مباشرة مع عشرات الطباء حتى ل يتطلب المر طوابير هائلة من الموظفين لمراجعة فواتير المطالبات وتحرير 253
الشيكات وغيرها ،آثرت أن توكل هذه العملية إلى شركات خاصة تتعامل مع الطباء ،الشركات الطبية الخاصة تتسابق للفوز بالتعاقدات مع المصانع والتجمعات لعلج العاملين لديها بقيمة سنوية ،تصل اليها بطرق عجيبة ،لتنتزع منها عقودا لعلج العاملين بمليين الجنيهات سنويا، وتتعهد بذلك ،وتقوم على الجانب الخر بإرسال مندوبيها للتعاقد مع الطباء ،صار الطبيب موكول إلى شركة طبية لخذ حقوقه منها ،كان المفترض – مثل نظام المزادات – أن تدفع الشركة للطبيب تأمينا مبدئيا ليكون تحت يده فى حالة عدم التزام الشركة بالعقد ،ولكن هذا ل يحدث نظرا لعدم تدخل نقابة الطباء ولكثرة أعداد الطباء وتكالبهم وسهولة موافقتهم وحسن ظنهم وربما لعدم فراغهم من ناحية أخرى .قال الطرابيلى عندما زهقت من احدى الشركات أرسلت شكوى لصاحب المصنع ،وهاهى صورتها،أخرج ورقة من جيبه وفتحها ليقرأها علينا .. السيد المحترم ..بعد التحية ..تعاقدت مع شركة علج طبى مسئولة عن علج الحالت المرضية فى عيادتى ،استمر سيل الموظفين والعمال يزحمون العيادة ،ظللت فى خدمتهم سنوات ، أرسلت خللها خمسة مطالبات ،لم يصلنى الرد ،اتصلت تليفونيا من مدينتى لمقر الشركة بالقاهرة ،ولكنى لم أسعد سوى بردود مطاطية ،أعدت التصال مرات عديدة ،وفى كل مرة كنت أسمع النسر ماشين ،واطلب الرقم الداخلى ،بعدها غالبا ينقطع التصال ول يرد احد ، أعيد المحاولة مرات أخرى ،ومن الجائز أن يرد أحدهم متساءل أيوه أى خدمة ؟ أقول أنا فلن واتحدث بخصوص كذا كذا حاضر حاول أن تتصل برقم كذا ... اتصل بالرقم المطلو ب ممكن يرد قائل : أيوه أى خدمة ؟ أنا أسأل عن مستحقاتى ؟ الموضوع عند النسة فلنة ..و ر صرلنى بها لو سمحت ..أصلها فى اجتماع ..ممكن حضرتك تتصل بها بعد نص ساعة .. فى المحاولة التالية يجد التليفون مغلقا ..ممكن ترد بعد المحاولة العاشرة قائلة : سوف تصلك الشيكات السبوع القادم أفرح ،وتمر السابيع دون أى رد ..لست أدرى أى أسبوع قادم؟ سافرت لصل الى مقر الشركة بالقاهرة لستلم الشيكات كما وعدت الموظفة ،بحثت عن مقر الشركة وتعجبت أخيرا عندما وصلت الى المقر بصعوبة بمدينة نصر ،فالشقة بابها مغلق ول توجد لفته ،فقط رقم الشقة ،بالداخل راودنى احساس غريب ،كأننى فى المكان الخطأ ،عرفت الموظفة بنفسى وسألت عن مستحقاتى ولكن لم أجد منها ردا مقنعا ،طلبت مقابلة السيد صاحب الشركة ،قالت لى انه غير موجود ،انه اليوم مسافر ؛أين ؟ فى السخنة ،طلبت رقم تليفونه، ولكنها أجابت :ممنوع !تعجبت وأسفت لهذا المسلك ،أحسست أننى صغير فى نظر نفسى ،دخل أحدهم من الغرفة المجاورة راسما على ثغره شبه ابتسامة يقول انه مندو ب الشركة ووعدنى بأنه سوف يأتى الى المدينة ومعه الشيكات بعد يومين ،لم يصل فى الميعاد ،اضطررت إزاء هذا 254
الموقف إلى قبول الحالت الحادة فقط ،بعد أسبوعين تقريبا جاءنى مندو ب الشركة حانقا ورافعا صوته فى العيادة ،وقائل بصيغة تهديديه: أنا كنت راجع بالشيك تانى مصر!.. تضاحكت معه ،ورحبت به ،وبعدها وجدته يسلمنى شيكا واحدا من أصل خمسة شيكات متقاربة فى القيمة مطلوبة من الشركة ،ولم أر وجهه بعدها ، ..ولم يصلنى باقى مستحقاتى بعدها حتى الن،..اتصلت بالشركة ولكن بدون فائدة ..أرجو اتخاذ اللزم نحو هذه الشركة ،والمطالبة بإعادة الحقوق لصحابها حتى يتسنى لنا تقديم الخدمة الطبية على أحسن وجه وتفضلوا بقبول الحترام". ماذا تم بعدها ؟ انتظرت أياما وأسابيع ،ولكن للسف؛ل أحد هناك! *** قال الطرابيلى :قيامى بدور مدير مناو ب للمستشفى كان تجربةأتاحت لى التعرف على أشياء جديدة ،كانت المقارنة ل تغادر ذهنى أثناء حركتى فى الكائنات الكبيرة المتراصة والتى تقع تحت مسمى المستشفى العام.فى السابق كانت المستشفى وحدة واحدة كبيرة ولكنها الن صارت عدة وحدات متجاورة ،قمت بزيارة أماكن لم أدخلها من قبل ،فى دفتر الملحظات كتبت هناك مبنى كبير :مبنى الحروق ،أردت أن أزور المحاريق ؛ ووجدت إحدى الممرضات جالسة فى مدخل البهو ،سألتها عن المرضى وقالت ل يوجد مرضى ..صعدت معها لرى القسم وأتعرف عليه ،وكان معنا شخص ثالث ،وجدت امكانيات هائلة غير مستغلة ،وأجهزة أوشكت على الصدأ وأماكن يمكن استخدامها،أرجو مراجعة الجهزة والمكانيات للحفاظ عليها والقيام على صيانتها حتى ل تتعرض للتكهين .فى المساء صعدت إلى القسام الداخلية ؛ الجراحة – المسالك – العظام ؛لم أجد مسئولى القسام ؛ أردت أن اطلب أحدهم عن طريق أحد العمال أو العاملت قال لى ممرض الجراحة :ل يوجد عمال سهرانين؛ تعجبت ماذا نفعل لو أردنا استدعاء إحدى الممرضات أو الطباء مثل من الستراحة ؟ أو إذا أردنا حمل مريض لنقله او القيام بأعمال النظافة اذا ما أخرج المريض أو رجع طعاما من جوفه أو كان هناك دم او مخاط على الرض ؟ هذا بالضافة الى أعمال االنظافة العادية . أثناء المرور لحظ المدير العام -بعين ثاقبة – وجود بعض السرة والجهزة التى تحتاج إلى إصلح أو تكهين ؛ ملقاه فى الكوريدور المؤدى إلى المطبخ والمغسلة ،وعدت سيادته بعمل اللزم؛ سألت نفسى كيف يتم عمل اللزم؟ فى حجرة عمليات أمراض النساء :تحتاج الرضيات الخشبية إلى إصلح ؛ويحتاج الكشاف الى مجموعة من اللمبات الزئبقية ؛ويحتاج سرير العمليات بالحجرة اليمنى إلى اصلح ايضا.أخيرا :حجرة اقامة المدير المنو ب بالدور الرابع بعيدة و محدوفة فى أقصى المستشفى و ياليتها تطل على الواجهة؛دخلت من البا ب الخارجى للقسم فوجدت تلل من العهد :أثاثات ودفاتر وحضانات أذن لبد من غلق البا ب الخارجى حتى ل يضيع شىء وماذا يحدث لو جاء أحد العاملين ليستدعى المدير المناو ب لن يستطيع دخول المكان 255
إل إذا اتصل به عن طريق الموبايل .عندماأغلقت البا ب الخارجى شعرت أننى فى وحشة شديدة وعزلة تبعث على القلق ؛ لم أستطع البقاء فترة طويلة بالمكان .ماذا أفعل لو حدث لى مكروه -ل قدر ا؟ -أو انقطع صوت الموبايل ؟" *** أعلنت الحر ب أوارها على الطرابيلى بعد كتابة هذا الخطا ب الذى اطلع عليه المدير العام ،فى جلسة ودية عرضه على المحافظ الذى أشر بالموافقة على نقل الطبيب المذكور الى الواحات .عندما علم الطرابيلى استبد به اللم والحيرة ؛أراد أن يستقيل من الحكومة ويفتح عيادة بالقاهرة ،قال ربما أعود لعمل فى لندن ،ل يوجد وجه للمقارنة بيننا وبينهم ،الدقائق والثوانى هناك لها قيمتها؛ المواعيد تدل على الشخصية ،هنا ل تستطيع أن تتحكم فى المواعيد ،اعتدل طرابيلى فى جلسته ؛ كان كلمه همسا. كان جالسا معنا عندما رن هاتفه؛ كان المتحدث يعرض عليه عقد عمل بالمملكة ،يومها صار سعيدا ،فتح له القدر طاقة كان يتوقعها،عقد عمل فى المملكة ،بمشقة اعترف لفهمى أنه ظل يراسل عددا من المراكز الطبية مثل المستشفيات والمستوصفات بالدول العربية والجنبية سرا ؛ سوف يخرج اذن من عنق الزجاجة ،ويذهب هناك ؛ليعود غريبا كما كان .استقال من الحكومة- مثل الكثيرين -وسافر ليعمل بمستشفى الملك فهد بالرياض ،عاش فى ذلك الكيان الذى يتفاعل مع العالم ويأتى إليه الناس من أركان الدنيا للعمل والحياة ،هناك كان سعيدا بالنظام والسهولة التى يجدها فى عمله و قضاء حوائجه. فى إجازته كان يحكى عن أحوال المملكة ويتكلم مذهول أو كالمذهول ،كان يتخيل انها مازالت صحراء وسيارات فارهة فقط ،يقول ان المملكة لم تهمل تاريخها وعاداتها ،فمازال الناس يتهيؤن لرحلت البر ،يأخذون سيارتهم الجيمس GMCويحملون بهاالخيام وعدة الصيد والشى ؛ البعض منهم يذهب إلى أماكن صيد الغزال أو الرانب البرية ،ينصبون خيامهم ويقيمون فيها ويشعلون النار نهارا لطهو الطعام ،وتجهيز الشاى والهيل الذى يضعونه على القهوة العربى ،و ليل ليستدفئوا بها ولتكون لهم أنسا وهم يقصون حكاياتهم! يقول أنس إن أهم مالحظه فى المملكة هو اهتمامهم البالغ بإنشاء شبكة بنية أساسية وطرق وكبارى هائلة وواسعة ،تشمل كل المدن ومعظم القرى والماكن النائية أيضا ،ولحظ وجود عدد كبير من الحدائق العامة التى اختفت معظمها من مدننا،كما اهتموا بإنشاء مطارات فى كل المدن الكبيرة تقريبا ،كذلك مخرات للسيول و نقلوا تكنولوجيا معظم ميادين الحياة ،توجد لديهم مصانع عديدة ومزارع للكتفاء بمعظم المواد الزراعية ول ينفى ذلك انفتاحهم على العالم ،على الشرق والغر ب ؛وتعميق التبادل الثقافى والتجارى بعد أن توفت والدته ومرض أبوه ؛عبر در ب اللم وحيدا؛ فى غربته ألح عليه هاجس الزواج ،؛ رزقه ا بممرضة فليبينية كانت تعمل معه فى المستشفى ،أصا ب سهم كيوبيد قلبيهما ،يتخيلها وهى تقتر ب منه يفوح عطرها الذكى ؛عندما حكى لها عن قصته رحبت بالزواج منه و بخدمة أبيه ،فى اجازته جاءت معه إلى مصر واعتنت بوالده كأبيها تماما ،بالرغم من فروق الزمان والمكان والعشرة إل أنه تأكد لديه أخيرا أن هؤلء الجانب جبلوا على النظام ،يغرس أهلهم فى نفوسهم أساسيات الحياة الكريمة ،عرف أن الخير موجود فى كل مكان! 256
***
23 عيادة حارجية كتب الدكتور نجيب محفوظ طبيب أمراض النساء الشهير فى كتابه حياة طبيب فصل عن وجوده بمستشفى السويس طبيب امتياز ،قرأت هذا الفصل وأعدت قراءته؛قال إنه قدم بالقطار الى المدينة فى اوائل القرن العشرين ،كان طبيب ثان المستشفى بعد الدكتور كريزويل ،كان يمارس جميع فروع الطب ،ويعمل دمبرنجا أيضا كما قال،ول يقتصر عمله على المستشفى فقط ،بل تجاوزه إلى مكتب الصحة والكرنتينا ليكون مسئول عن مرضى السفن السارحة من وإلى أعالى البحار ،ولدى الجاليات الجنبية التى كانت منتشرة بالمدينة ،سمى الروائى نجيب محفوظ باسمه ،وهو اسم مركب ،تيمنا بهذا الطبيب العظيم الذى قام بعملية توليده عام 1911 الطبيب العام كان ومازال هو عمدة الشغل فى جميع الوحدات الصحية تقريبا ،هو طبيب السرة ومفتش الصحة وطبيب الصحة المدرسية ووحدات المومة والطفولة ،من الملحظ أن طبيب زمان كان أكثر علما وعمل ومشقة . *** الطابور طويل؛ "سليم النجدى "..صاحت الممرضة عندك إيه يا سيد سليم؟ "حكة شديدة ؛ أنا والولد أيضا "... فحصته ،و قلت له وبيدى القلم لكتب الروشتة "لبد من مراعاة النظافة ؛الستحمام يوميا بالماء الدافىء والصابون الطبى ،وقص الظافر واستعمال الدهان مع غلى الملبس وتغييرها ".. لحسن حظى شكرنى المريض وخرج داعيا لى . *** 257
المريض التالى سألته عندك أيه ؟ رد بكآبة :قول لى ما عندكش ايه !أكمل :عاوز أقول لك حاجة ؛ أول كرتر النابيب،النابيب فاضية – ثانيا اوعى تقول ان احنا بنيجو هنا بدل ما نقعدو ع القهوه ! يوم كباقى اليام ،ولكن مزيدا من الغرابة والفهلوة،تحولت كآبتى إلى ابتسامة عندما قال لى :اكتب لى واحد أبو فاس لو سمحت ! *** أما هذا الدمحرير فقد قال :لما ألبس الكلسون الصوف أهرش ..عاوز علج ،نصحته ببساطه أل يرتدى الصوف على الجلد مباشرة ،أجا ب مشاكسا بس أنا عاوز علج ايه هروه العلج؟ عدت أقول : ماتلبسهوش.. وبعدين يادكتور؟ ما استعملش علج؟ أيوه والهرش ؟ حايخف ان شاء ا من غير علج أيوه ازاى يا دكتور ؟ استفزنى ،ولكننى لم أنطق ،اكتفيت بسبه سرا ،هناك كلم كثير يقال صمتا ،أحيانا تكون لغةالصمت أكثر صراحة وعمقا من الكلم .. *** كنت أفحص أحد المرضى عندما هب الخير قائل :بسرعة والنبى احسن المكنة بره ؛رفعت سماعتى من جسد المريض متعجبا ،بينما أكمل زميل المريض كلمه ..أصل المكنة جديدة وقبلها كان عنده مكنة اتسرقت من شهر .تبسمت قائل حاضر حاضر ..ماتخافش يابنى ..حدثت خناقة خارج الحجرة والمريض مستمر فى كلمه .أما المريض التالى لم يتكلم واكتفى بتقديم ورقة وضعها على المكتب ،قرأتها "..أعانى منذ فترة من هرش حول الشرج من جميع النواحى الخاصة به مع احساس بسيط جدا جدا بحرقان من داخله وفى الفترة الخيرة ارتفع الهرش إلى الليتين ،كذلك ضعف القدرة على النتصا ب فنرجو العلج اللزم والرشيد لتلك الحالت ولسيادتكم خالص الشكر والحترام" . *** حشر نفسه وسط الزحام قائل : 258
انا كنت ماشى جنب المستشفى قلت أدخل أكشف على الولد ،أخرج من جيبه عدة روشتات من المركز الطبى ومستشفى الصدر والحميات والتأمين الصحى كل الماكن دى كشفت فيها على ابنك؟ آه ربنا يخلى لنا الريس الريس مين؟ الريس طيب كده العلج يلغبط بعضه أنتو الدكاترة؛ وانتو عارفين كل حاجة كتبت له علجا وأنا أقول الدوا والدهان مرتين يوميا والحقن كل يومين؛أمسك الروشتة وقربها من عينيه ضاغطا بسبابته عليها ،نظر إلرى سائل : هو فين الدوا؟ فى الروشتة آه ..يعاود النظر إلى الروشته قائل : والحقن؟ كل يومين فيه دهان ؟ أيوه ..مرتين يوميا مفيش مرهم؟ أيوه المرهم تدهنه.. يخرج من الحجرة ويعود قبل غلق البا ب يتساءل ؟ المرهم قبل النوم وأل بعده؟! ***
أما تلك السيدة التى تشكو من حاجة طالعه من جوه ،كانت تشير بيديها إلى نفسها :شطة وحرقان هنا وهنا؛ مابانامش؛ أخدت حاجات كتيره أخدت منومات برشام وحقن ودهانات قالوا لى آخد فوار أخدت مافيش فايدة؛ زاد عليا ،اخدت يوروسولفين وكالمينا وفوار فروته،وباخد اللهم صلى 259
على حضرة النبى مدارت للبول ولى كل كام يوم صندوق بيريل باشربه على 4-3أيام مافيش فايدة ؛قالت ان شقتها على السطح ،قالت انها جنب الشمس ،وكانت مصابة بالتها ب حرارى علجه الرئيسى هو دخولها تحت الدش أو غطسها فى البانيو ،مع البعد عن الشمس وباقى مصادر الحرارة الشديدة ..بعد أن أخذت تذكرة العلج استمرت واقفة وقالت لى :أنت فاكرنى؟ ،حدقت فى وجهها لكى أتأمل ملمحها ،ولكن لم تسعفنى الذاكرة ،تأسفت لها قالت إنها أخت شفيقة ،صمتت قليل وأردفت شفيقة الشامى ،تعجبت قائل أهل وسهل ،كانت ملمح وجهها متغضنة ،تذكرت أنى قابلتها مع أختها وقت حدوث المشكلة الكبرى لباهر ،سألتها عن شفيقة؛ أطرقت قائلة ل يرحمها؛ قالت إن شفيقة ظلت تتردد على المستشفى حاملة طفلها على ذراعها ،ساءت حالتها النفسية واستمرت فى تدهور ،فى ذلك اليوم كانت فى صحبة أختها ؛قالت ان ثمن تذكرة علج هى السبب فى وفاتها ،تعجبت ؛هزت يدها بالتذكرة التى فى يدها وقالت ورقة زى دى هى السبب ! حدقت فى عينيها متعجبا ؛أكملت أنهما منذ سنوات كانا سويا عندما دخل با ب العيادات الخارجية ،أثناءوجودهما أمام شباك التذاكر أوقعها حظها السىء فى موظف سمج ،قال لها ان ميعاد تذاكر العلج المجانى انتهى ول يوجد الن سوى تذاكر العلج القتصادى،طلب منها ثلث جنيهات لكى يقطع لها تذكرة ،لم يكن معها المبلغ ،خرجت حائرة من با ب المستشفى حاملة طفلها تكاد أن تبكى ؛ جرت لتعبر الطريق انزلقت قدمها من الطوار لتقع أسفل عجلت سيارة مارقة،وأكملت أختها أنها لن تنس أبدا صوت قرقعة عظامها ول نافورة الدم التى انفجرت من رأسها لتغرق اسفلت الطريق ،فى تلك اللحظات تحولت فيها حياة مشتعلة إلى جثة هامدة؛ جرت أختهالتنتشل الطفلة ؛ وجدتها سليمة تماما وهى تبكى على حافة الطوار .هذه الحكاية جعلتنى أعيش أوقاتا متخمة بحزن دفين ودموع أغرقت وسادتى سرا .لم أستطع أن أبرىء نفسى مما حدث؛ لماذا لم أكن موجودا فى تلك اللحظة ؟كان من الممكن جدا أن أدفع لها ثمن التذكرة عن طيب خاطر،مازلت أشعر أننى ضلع فى تلك المأساة بالرغم من وقوعها بعيدا عنى ولكن ل أدرى كيف؟ ***
24 تأمين صحى تباينت طبائع الجيل الجديد ،الغالبية يأتون محملين بآمال وأحلم وطموحات ،يظن البعض أنهم سيجدون الطريق مفروشة بالورود؛مفعمة بالسلسة واليسر ،يعتقدون فى حسن نوايا الخرين تجاههم ،ل يدركون معنى الكسل والتعطيل والحقد والروتين الحكومى المعشش داخل خليا البعض ،مما غير سلوكيات الكثيرين منهم ؛يقول فهمى " معظم الطباء صاروا يحبون الكسب السريع ،هم نتاج حركة المجتمع والبيئة التى نشأوا فيها،لم يأتوا بجديد ،ولكنها أمراض تراكمت على أجسادنا فصارت تنخر فيها حتى كدنا نصل إلى القاع ،تراوحت أفكار الناس بين أقصى اليمين إلى أقصى اليسار،تأرجحت موازين الحياة ،لم يعد لديهم ميزان يزنون به أفعالهم سوى 260
ميزان واحد هو المال ،صار كل شىء عرضة للمدح والنتقاص فى آن ،عدد غير قليل صار يمتدح الهرو ب من المستشفى للعمل الخاص فى العيادات الشاملة والمستوصفات والمستشفيات الخاصة بالرغم من تعرض حياة الكثيرين للخطر لغيا ب الطبيب عن النوبتجية ،إل أن النفس البشرية غالبا ما تقيسها بالمردود المالى ،أحيانا تشعر أن العطاء والتضحية صارا أثرا من آثار الماضى ! يسيل اللعا ب إزاء الحاجة و إغراء المال؛ قلما يستطيع أحد مقاومته ويقنع بما فى اليد من مبالغ هزيلة يتسلمها من عمله الحكومى .الجيل الجديد يرفض بشدة العمل بأجر زهيد،يقولون انه استغلل بشع للطبيب ،بالرغم من تحسن التأمين الصحى وتكاثر خدماته التى ل يلحظها سوى من استفاد منها والقائمين عليها فى هدوء " . أثناء الهجوم الميريكى على العراق عام 2003؛انشغل الناس بوسائل العلم ،كنا نقضى معظم أوقاتنا أمام التليفزيون ،كنت قادما ناحيةالعيادات عندما لحظت سيدة تفترش الرض تبيع الجبن والبيض أمام المدخل وعامل يجلس على الرصيف ؛ معه رجل آخر تدلى شعر ذقنه الذى كاد يلمس الرض ؛ كان جالسا على السفلت مستندا بظهره الى الرصيف ،لحظتنى عاملة ضخمة ذات صوت غليظ ،وابتسمت على الفور عندما رأتنى ،ربما تكون ابتسامتها للفرحة ، ،وربما يكون ضحكا على عبطى وسذاجتى ،وربما تكون تشجيعا لى على أن اهرش بيدى فى جيبى لكى تحصل على مبلغ بسيط.وصلت الى مبنى العيادة الثرى فى مواجهة المدخل ،أحب أن أتأمله، تمت إزالة باقى المبانى القديمة ،أشعر بالسف عندما تزال مثل تلك المبانى الثرية المتينة ،يكفى أنها قطعة من التاريخ ،تذكرنا بأيام السبع بنات ،ومستشفى الهلل الحمر ،والماميرات الفرنساوية اللتى كن يبذلن حياتهن من أجل البشر ،كان المكان نظيفا لمعا؛هادئا ،السقف شاهق الرتفاع والحجرات واسعة توحى بالبهة والحرية وقيمة النسان ؛من السقف تتدلى سلسلة حديدية تحمل مصباحا عتيقا من بقايا الزمن الضائع ،جلست إلى المكتب ،لحظت وراءه نافذة خشبية مرتفعة مدعمة من الداخل بسلك قديم مانع لدخول الحشرات ،على الحائط الجانبى توجد لوحة اعلنات قديمة ،مروحة السقف قديمة ل تعمل ،عندما دخل الصيف ،طلبنا مروحة ،ل يوجد؛ ننتظر الخطة ،عندما انتهى عمر بعض المصابيح الفلورسنت طلبنا لمبة عادية ،شاهدت نفس التأشيرة :فى الميزانية الجديدة .. *** نظام العمل لدينا مازال فى مرحلة التجربة ؛شىء غريب ؛يحتاج إلى المزيد من التجديد ،أو قل التجربة والمشاهدة والستنتاج ؛ مازال معظم الطباء هنا يعملون بنظام التعاقد ،يتهر ب منه معظم الطباء لجراءاته المملة وعدم جدواه المادية ،الطبيب يقدم الطلب الى الهيئة فتطلب منه أوراقاعديدة ،منها موافقة جهة عمله على التعاقد بعد مواعيد العمل الرسمية،وشهادات التخرج والقيد بنقابة الطباءوغيرها.كل عام يجدد طلب كل هذه الواق مع تجديد العقد .روتين سخيف يسىء التعامل مع البشر ،كل انسان من المفروض أن يعرف ماله وما عليه ،بالعيادة زحام كثيف ،غرفة الفحص مفتوحة على مصراعيها،الحجرة شبه معتمة ؛ فقط يدخلها بصيص من الضوء خلل سلك النافذة الضيق الملىء بالتربة المتراكمة على مدار السنين ! أوقدت النور ،الضاء خافتة؛ السقف التاريخى الهائل الرتفاع ..الغرفة بها سرير كشف وبارافان ودول ب بالركن ، ومكتب وكرسى معدنى واحد فاقد لمسند الظهر ،فقط ماسورتان معدنيتان بارزتان من قاعدة الكرسى ،فوق المكتب مجموعة من الرغفة البلدى التى تم فردها لتهويتها،هناك حقيبة مهملة 261
تحت المكتب وقد بانت منها أكياس الطرشى و الطعمية بزيتها المعهود مبقعا الورقة ،رائحة العيش والطعمية والباذنجان المقلى والجبنة القديمة تفوح مختلطة بروائح عرق تنبعث داخل الحجرة ،قماش البرافان مشحوط ول يقوم بمهمته فى ستر المريض ،وراء البرفان سيدة نائمة على السرير ،تغط فى نوم عميق ،شىء معتاد،بحثت عن ممرضة ،جاءت بعد دقائق صعبة، جلست تتربسم وهى تتحدث إلى دون ان يلفت نظرها شىء ،سألتها ان كان هناك احد ينام فى الحجرة ؛ أبدت استفهاما وتعجبا ؛ سألتها بسرعة وانا أشير ناحية السرير أن توقظ السيدة،أفاقت السيدة من سباتها وهو لتدرى أين هى ؟ اعتدلت فى جلستها وبالكاد عاد إليها وعيها ؛خرجت تاركة ملءة السرير مكومة وراءها بإهمال ومدلة على الرض،قماش البرفان أيضا ساقط على الرض ،التفتت الممرضة الناحية الخرى دون أن يلفت ذلك نظرها ،أو كأنما ذلك ؛واتجهت إلى ركن الحجرة؛ قمت بنفسى رفعت الملءة من على الرض وفرشتها على السرير ،أجذبها وأعدلها حتى نحظى بالحد الدنى من احترام المرضى للعملية الطبية برمتها ،أضبط البرافان، أدكك فيه قماشه البيض ،بينما تنشغل الممرضة بفتح دولبها واخراج الدفاتر لنبدأ العمل ! كل هذا وبا ب الحجرة مفتوح؛ ل أريد أن أغلقه لسبب بسيط ،هو أنه اذا أغلق يحتاج إلى مقبض لكى يفتح ،ول يوجد هذا المقبض فقد ضاع؛ ول بديل له كما سمعت ،أسأل عن كرسى لجلس عليه، ألقى بنظره إلى خارج الحجرة ،تتحرك الممرضة بضجر باحثة عن مقعد ،كان أحد المرضى قد سحب كرسى الطبيب ل "يمدد" عليه ساقيه المتعبتين.المرضى يتحدثون كعادتهم بأصوات زاعقةبالستراحةالمواجهة لحجرة الكشف..دخلت إحدى الممرضات وهى تتضاحك وجمعت المأكولت واندارت خارجة .استاء أحد المرضى مما يرى ،رفع عقيرته مستنكرا بالشتائم ،سب الوزارة والعاملين ولم ينج رئيس الجمهورية من ألفاظه ،جاءت فايزة الهوا من حجرتها البعيدة ، من عتاولة التمريض القدامى ،وقفت على با ب حجرة الفحص ،انتظرت حتى أنهى الرجل موشحه ،وتصدرت لكلماته قائلة ..اللى مش عاجبه يرحل من هنا ،أحسن وا العظيم أحط فى ايده الحديد ،كل واحد يقعد بأدبه ،هى سايبه والل سايبه ؟؟ أنا أقدر بعون ا أجيب لمك مصيبة!!! ..أنت شايف نفسك وأل ايه ؟ ل يا اخويا ..ان كنت مش قادر تلم نفسك أجيب لك اللى يلمك !!!..واندارت ناحيتى وهى تقول : الحكومة بنت الكلب خرلت الناس تتنطط علينا !!.. *** استعدادا للعمل؛ لم يكن دفتر قيد الحالت موجودا أمامها ،ول توجد سماعة أو جهاز لقياس الضغط أو الحرارة. سألتها : أين الدفتر يا مدام ؟ أى دفتر ؟ دفتر التسجيل.. ياه ..لقد نسيت !! 262
توجه و ت إلى الدول ب ؛ فتحته وأخرجت الدفتر وجلست . تعجبت قائل :و باقى الحاجات ؟ "حاضر " ..وقامت لتحضر الترمومتر والسماعة الطبية وجهاز ضغط الدم . *** بدأت تنادى على المرضى ؛ تعجبت من ذلك المريض الضخم ذى اللحية الهائلة الشعثاء ،عندما نظرت الى صورته فى دفتر علجه ،تبرسم قائل صورتى القديمة بدون لحية ..أيام الجهل ،وضحك،سألته عن شكواه أجا ب بأن زوجته ذهبت للكشف والعلج ؛كانت تشكو من طفح جلدى حول الماكن التناسلية ،سألتها الطبيبة عن زوجها ،وطلبت منها أن يذهب للفحص والعلج ،وقال انه لم يكن يريد أن يحضر ،ثم قال أريد أن تكشف على ..وافقته وسألته عن شكواه ،أجابنى بأنها بثور حول المناطق التناسلية ،وهو يلحظها فى زوجاته؛ تأكدت من وجود حالة عدوى فى السرة ،فجر قنبلته عندما قال وهو مازال محتفظا بابتسامته الخائبة :على فكرة أنا متزوج من ثلثة ..وأردف اللهم لحسد! ونظر فى عينى ،كانت عينى مليئة بالحزن والقرف واليأس من تلك الجثة ،ربما يكون هو الذى جلب ذلك المرض لتلك النسوة،أو ربما تكون إحداهن هى التى أتت به! يظل هذا المرض يتنقل بين أفراد السرة الواسعة ككرة البنج بونج ،بينما يظل هارون الرشيد العصرى شاردا،ل يعبأ ول يشغله سوى إشباع رغباته،من خلل إدعاء اتباع "سنة ا ورسوله". *** "سامح العمورى ".. "نعم".. سألته " :تفضل يا سامح ..ما الذى جاء بك ؟" "جئت بالتاكسى يا دكتور" تبسمت قائل : ل ..أقصد شكواك ..عندك إيه يا سامح ؟ "غليان فى الرأس ،وقشور بالفروة ".. بعد الفحص ،أمسكت القلم " مس وكبسولت ؛ وراحة يومان ..اللى بعده ؟" *** تحيرت مع تلك السيدة التى جاءت تشكو من اسمرار الوجه وطلبت علجا "لتبييض" وجهها ، أخبرتها أنه ل يوجد بالحكومة حل وافيا لهذه الحالة ،موضوع تجميل !وافقتها على كتابة علج خارجي ؛ لم يكن أمامى على المكتب سوى دفاتر التأمين الصحى ،رفعت رأسى إلى لوحة العلنات المثبتة بالحائط الجانبى ،وجدت ورقة قديمة مكتو ب عليها ،دققت النظر فيها فرأيت أنها إشارة من مدير العيادة إلى العيادات المختلفة للفادة بأن المريض فلن الفلنى زائر ،ول 263
يجوز أن يعالج لدينا أكثر من ثلثة شهور من تاريخه ،وممهورة باسم مدير المستشفى والتاريخ فى مارس عام ألف وتسعمائة وست وثمانون .سحبت الورقة وبدأت أكتب عليها العلج ،وإذا با لمريضة تتذمر فجأة ،و تدير وجهها إلى با ب الحجرة وتقول بصوت جهورى حتى يسمعها الجمهور :أمال فاتحينه ليه؟! ما تقفلوه أحسن! *** بعد انتهاء المرضى؛فى لحظة هدوءمالت الممرضة بجذعها على المكتب قائلة أنت لم تبارك لى .. قلت علم ؟ قالت : على الزواج ,ألم تعلم أنى تزوجت ؟ مبروك ..ألف مبروك ..ولكنى أعرف أنك متزوجة منذ شهور ل ..لقد أفترقنا وتزوجت سيد سيده.. سيد سيده؟ نعم.. ربما يكون هذا هو الزواج السابع أو التاسع على أرجح تقدير ,بل ربما كان العاشر مثل ،طالما كانت تحكى عن تاريخها مع الزواج !. أنا ل أحب غير الحلل طبعا؛ أنعم وأكرم ,لكن ترى من هو العريس المحظوظ ؟ أنت تعرفه ! ل أعرف ..من تقصدين؟ لقد رأيته قبل ذلك ..أتذكر ذلك الرجل الذى حضر إلى العيادة من حوالى شهرين؟ وكانت بطاقته الصحية بدون صورة ؟ أجبت : نعم ..نعم ذلك الشا ب الضخم ..الذى يعمل بالمن نعم هو 264
إن سنه صغيرة .. ل يضر سألتها :وكيف حالك معه؟ ابتسمت من تحت نظارتها الطبية الكبيرة وقالت بصوت خفيض :الحمد ل ..ربنا يديمها نعمة يا سلم يبدو انه عريس لقطة !! نعم ؛ فعل ..صحته ما شاء ا .الشر برة وبعيد ،قوى ..قوى جدا ... ا !!! أى وا العظيم ؛ يظل طول الليل صاحيا ،ل يشبع من شىء !! *** هي فى سقف الربعينات ،لم تعدم مسحة جمال ،منذ شهور قليلة ؛ كانت فرحتها غامرة بآخر زواج لها ،فقد تزوجت عدة مرات من قبل ،قالت لصديقاتها : "مختلف عن غيره ؛ أحسن منهم ..و عفى !!" عندما يسمعن عن فتوة العريس ،وعن فحولته فى جولته الخاصة؛ كن يتعجبن؛ ويغبطنها *** والحكاية من شهور؛أنه دخل العيادة بعد النداء قائل : " أنا وليد " سألته : "ما شكواك يا وليد ؟" "أشكو من حرقان شديد بمجرى البول؛ مع صعوبة التبول وإفراز لزج ".. "هل أنت متزوج ؟" "ل " "أين تعمل ؟" " فى الداخلية ..فى مباحث الدا ب ".. نظرت إليه الممرضة وقد جذبها الرد : "صحيح ؟؟" 265
تبسم وليد ؛ أردفت : " يعنى يمكنكم القبض على مرتكبى الفواحش !!" "طبعا ..هذا عملنا " " طيب أنا أريد منك طلبا" " أمرك " " المر ل ..أريد ،."..وأخذته جانبا لتسر إليه بحديث. *** قال وليد بصوت مسموع : " لبد من البلغ ،وكتابة اسم وعنوان المبلغ ورقم تليفونه أيضا ..وان لم يكن صحيحا فالحذر واجب حتى ل تقعين تحت طائلة القانون ". " لماذا؟ " " هناك بلغات كيدية وكاذبة ..كما تعلمين " ""....... " هناك طريقة أخرى للقبض عليهما ما هى؟ يمكن عمل المطلو ب وديا "... قال لها ذلك؛ وشكرنى وخرج مؤديا تحية من الرأس بطريقة تمثيلية .تابعته -هو خارج من الحجرة -محاول تخيل تلك الوظيفة الجهنمية التى يقوم بها السيد وليد ... *** بعدها لم تأتى سيرته شهورا ،أخيرا لمحتها مهمومة ،سألتها : ما أخبار العريس ؟ ماذا ؟ ل تتحدثين عنه هذه اليام ؟!! أسكت ..اكتشفت انه مدمن ،و يريد أيضا أن يأتى بسيدة أخرى معى ! أجبت كأننى غير مصدق :
266
كيف ؟ أى وا ..يريد أن يأتى بسيدة أخرى وننام سويا على سرير واحد !! وأنت ..ماذا كان موقفك ؟ ماذا سيكون موقفى ؟ ما الذى تتوقعه؟ طبعا رفضت.. طبعا تعجبت حينها من التطور المفاجىء الغريب للحداث ؛ لم يكن قد مضى سوى شهور قليلة على زواجها من ذلك الموظف المحترم صاحب الملك كما كانت تقول .. ..تبسمت يومها قائل : " من المؤكد أنها عين وأصابتكما يا مدام ؟". أريد أن أبلغ عنه عن من ؟ عن هذا الذى ابتليت به ما الموضوع ؟ أراد أن يستولى على مرتبى كما تعلم ؛ والدهى انه يغيب فى بعض الليالى ،عرفت انه يذهب إلى منزل طليقته ،ويبيت عندها ... ربما يكون قد ردها إلى عصمته.. ل ..ل يستطيع يا دكتور إل بمحلل ،لقد طلقها طلقا بائنا ... هل تأكدت من هذا ؟ طبعا لقد اشترطت عليه ذلك قبل الزواج ،ورأيت وثيقة الطلق بعينى هاتين !! اتضحت الرؤيا؛ وبدأت المعارك مع هذا الزوج ,بعد أن تأكد لها أنه طامع فى مالها؛ وصلت إلى المحكمة بعد أن مرت بقسم الشرطة لتحرر له محضر اعتداء ؛ أخذوا عليه تعهدا ،بعد أن تم حجزه واستجوابه ..على الفور توجه بها المحامى إلى محكمة السرة .فى دعواها أمام محكمة السرة قالت انه يريد أن ينهب أموالها ،وانه تعدى عليها بالضر ب واللكم؛ وأكدت كلمها بشهادة طبية. بعد شهور ؛ حضر إلى العيادة ؛ لم أتعرف عليه ،تبسمت الممرضة فى خبث طفولى ؛ نظرت إليه متطلعة ،وقالت : 267
وليد ...سيادتك فاكره ؟ حملقت فيه وتبسمت قائل : ما شكواك المرة دى يا وليد ؟ قال :
أبدا ...حرقان فى البول ,و..
قاطعنى ؛ وهو ينظر إلى الممرضة التى تعلقت عيناها بعينى ؛ وقد ارتسمت نفس البتسامة المتسائلة فى خبث ودهاء على وجهها ,قلت: الكبسولت والفوار 3مرات يوميا مع مراعاة الخلص فى العمل ؛ و تحرى المتهمين جيدا .. بعد أن غادر وليد ،نظرت إليها متسائل : ما الذى تم فى الموضوع ؟ قالت وهى تلملم الدفاتر وتضعها فى الدول ب : أبدا يا دكتور...أمازلت تذكر ؟ لقد حاولنا إثبات التهمة ،ولكن وليدا أقنعنى -بطريقته -أن أتجاهل الموضوع كما ترى... *** قبل أن ينتهى ذلك اليوم بأحداثه ،جاء المدير الدارى ليطلعنى على مكتو ب من رئاسة الهيئة للتوقيع عليه بالعلم ،ضحك بصوت رنان ،نظر الينا وهو يقول تفضلوا ..نفس العقلية القديمة .. مافيش فايدة ... خير با استاذ أحمد ؟! خير ..وأمسك الورقة وقرأها أمامنا " ..مكتب مدير الهيئة ..برجاء العلم بأنه يتعين على جميع الفروع بضرورة إعادة تحصيل طابع الخمسة قروش من كل منتفع ،بالضافة إلى ما يدفعه فى كل عيادة حسب نوع العيادة التى يدخلها ..ويرجى توقيع جميع العاملين طرفكم بالعلم والتنبيه مشددا على تحصيل الشلن ،ويعتبر عدم تحصيله اهدارا للمال العام .وسيحول كل من تسول له نفسه التغاضى عن تحصيل الشلن إلى اللجنة التأديبية ،برجاء التوقيع بالعلم والتنفيذ " .مدير الهيئة ؛ قرأته و تبسمت ،وقعت عليه بالعلم ،العيادة أو المستشفى مكان من المفروض أن يجد فيه المرضى الراحة التى ل يجدها فى مكان آخر ،على العكس؛ المريض يعانى من من اللف والدوران حول نفسه ،..كلنا يعرف مدى الحيرة والعذا ب الذى يكابده بعض المرضى من كبار السن والمصابين عندما يطلب منهم هذه الطلبات ،مثل أن يعود إلى موظفة التسجيل ويدفع لتمام توقيع الكشف عليه ،المريض أحيانا يقطع المسافة إلى العيادة بطلوع الروح ،فما بالك بعودته لقطع تذكرة ؟ عند اقترابى من با ب الخروج سمعت ضجيجا ،قال لى الموظف الدارى بالصدفة أخبرنا أحد المترددين أن سيدة توفت منذ أكثر من 7سنين وابنتها مازالت تأتى بانتظام الى عيادة التأمين الصحى لصرف علجهاالشهرى! 268
*** 25 حواديت طبية وغير.. ضحى أحد أيام نهايات العقد الول من القرن الحادى والعشرين ؛ قمت أنظر خلل زجاج نافذة حجرة الطباء المغلق ،تذكرت صديقى باهر بعد أن سافر ؛جاءت ذكراه طاغية؛كنت صريحا وصادقا مع نفسك ياباهر ؛تعترف بسهولة ؛تريد أن تفرغ حمل ثقيل ؛كنت تبلغنى أسرارا عن نفسك ،ل أريد أن أبوح بها ولكنى سأروى بعضها لكى أرتاح ،بعد زواجك بزمن صرت تشكو من تقطيع البول واحتباسه فى بعض الحيان ،وتكرار دخولك دورة المياه حتى أنك قلت لى أردت ان أحمل معى دورة مياة ! فوجدت الحل؛سألتك وما هو ؟ أجبتنى بأنك جهزت دورقا أو برطمانا فارغا ولم تنس أن تحكم غطاءه ،وكنت تضعه فى السيارة – أثناء حديثك كنت تتلفت يمينا ويسارا للجالسين حولنا ،حتى تتأكد من أنه ل أحد يتنصت علينا – وتكمل كلمك ..كنت تضعه أسفل المقعد أثناء القيادة ،حتى اذا ما شعرت برغبة طارئة فى التبول ،توقفت على جانب خال من الطريق ،وفتحت سوستة البنطلون واقتربت بالبرطمان ليستقبل بولك ! تقول إن زوجتك تعودت أن تتجاوز عن انفعالتك العنترية وزلتك التى تصف معظمها أنها "صبيانية "؛ وتدع المور تمر فى هدوء ،تخالف الصوا ب،بالرغم من انك تعلم يقينا أنك مخطىء .بعد حين تقتر ب هى منك وتحوطك بابتسامة مشرقة ،وتسامرك كأن شيئا لم يكن ! كنت أيامهاتحكى لناأنك تتمسك بالصعود ؛مشكلتك أنك لم تكن تتحكم فى نفسك،ل تهدأ ثورتك ال بعد بلوغ القمة ،دائما تتسارع انفاسك وتلهث كأنما تتذوق الحياة للمرة الولى ،كالطفل المتلثم ثدى أمه بعد طول فراق وجوع وهزال!ما اعظم غرورك ! ل أنسى ضحكتك المجلجلة عندما قلت لى إنه مع الشيخوخة يضمر كل عضو فى النسان ما عدا غدة البروستات فانها تنتفش وتكبر حتى يمكنها أن تسد مجرى البول ! مع الوقت ارتفعت المبانى حول مبنى المستشفى الرئيسى ،تقلصت رئة المستشفى ،المبانى الجديدةش دتضم الى ادارتها ،انحسرت تلك المساحة الرائعة التى كانت تحتلها الحديقة داخل أسوار المستشفى ،كما اختفى الملعب واحتل مكانه بناءان برزا بصورة مستفزة ل جمال فيها ول تناسق بينها وبين المبنى الرئيسى ؛مبنى الطوارىء ،ومبنى آخر يشمل حالت غسيل الكلوى وحالت القلب،قامت ببنائه شركة لنتاج الزيوت ،كما تم بناء مبنى آخر لقسم الشعة ،تم إدخال الرنين المغناطيسى وأنواع أخرى من الشعة التشخيصية لم تكن موجودة من قبل .المبنى الثالث نبتت فكرته بعد أن شب حريق بشركة لتكرير البترول،وتحول ثلثة أو أربعة مصابين بحروق من الدرجات المختلفة الى المستشفى ،يومها كثر الكلم عن سوء الخدمة بالمستشفى وعدم وجود قسم مخصوص للحروق ،هاجت نقابة العاملين ،ورفع المر للمحافظ الذى وافق على إنشاء مبنى خاص للحروق . امتل المكان بالتربة والوراق والكياس ونفايات أخرى مختلفة ،هناك دوامة هوائية عجيبة ، تدور خللها النفايات والوارق والكياس حول مركز متناثرة ،إنها دوامتنا اليومية؛ تبسمت وجلست ل ألوى على شىء !قال الدكتور ابراهيم وهو يرفع عينه عن مجلة طبية قديمة كان يتصفحها :هل سمعتم عن الزمبوك والسوبر ساليسيل ؛قال انه قرص ذو كسوة معدنية يحتوى 269
على سلسلت الصوديوم وبارامينوبنزوات الصوديوم وفيتامين أ وج وأسيتوفيناتون ونياسيناميد . معامل أدوية دوش بمصر "أولد جورجى دوش"؛ ورأى بالصحيفة إعلنا عن لزقة أبو الهول porous plasterوقال صافى قرأت عن خناقة بين طبيبين بالمشارط داخل غرفة العمليات أثناء إجراء جراحة لحد المرضى؟وان طبيب الشعة الوحيد بالمستشفى قدم استقالته بعد خلفه مع مديرية الصحة ،الطباء والمرضى ل يجدون تقارير لفلم الشعة؛ مستشفى بالجيزة محاطة بترعة يعوم فيها حيوانات نافقة وقمامة وتنبعث منها روائح كريهة ،المستشفى كبير وبه حوالى 700سرير ،كان البا ب مفتوحا أمام كل الناس ل أحد يسألك أين تذهب؛يجلس رجل ضعيف البنية أسفل شجرة ،أخذناه معنا إلى مكانه بالعنبر ،أرسرة قديمة وغيارات قذرة ودورات مياه غير آدمية ،احدهم يتدلى من أنفه خرطوم للتنفس الصناعى ! يتمنى دخول قاعة العلج المميز ولكنه حرم منها لنه ليمتلك اللف جنيه التى طلبوها منه ". فهمى يجلس منحشرا جوار ابراهيم وشومان على حرف الفوتيه القديم الذى تقتر ب قاعدته من الرض ،أرجل الفوتيه مفككة وتحتاج إلى تثبيت بالغراء كما نصح موظف القسم الهندسى وأخذ بعضه وغادر ولم يفعل شيئا ،كانت جميع مقاعد الحجرة مشغولة بأكثر من عشرة أطباء ، يتصاعد نغم الحوار مع حرارة الجو ويتحدث الجميع فى شتى الشئون؛ سياسة اقتصاد طب مشاكل اجتماعية ..كل مناحى الحياة ..اهتمامهم بأحوال العمل ل يخرج عادة عن دائرة الحديث والشكوى ،ل يأخذ منهم الحديث عن الحوال المستشفى سوى لحظات قليلة ،لم يكن أحد مهتما الهتمام الكافى ليأس الجميع من الصلح ،يقول فهمى أننا نفتقد الشجاعة؛شومان يدعى بأنه ل أحد ديبقى على الحكومة وأن البلد فى خطر ،أن ولة المور أصبحوا فى هذه اليام من المتسلقين المتحذلقين الذين يمتلكون المقدرة على الرقص على جميع الحبال،الكل يخشى الصدام مع المدراء حتى ل يحدث له مثل ما حدث مع الطرابيلى الذى أتاه قرار بنقله الى الوادى الجديد؛ يقول البعض يستاهل! من الذى جعله يتصدر ؟ وهل هذه دولة ؟ يقول آخر يا جماعة إذا لم يكن عندنا أمثاله سوف ل نرى أى بادرة إصلح ..من هنا ورايح تعوردوا الضر ب على القفا! *** كانت هذه الحجرة التى نجلس فيها بالدور الرابع من المبنى مجاورة لعنابر المرضى ومخصصة للتمريض وحفظ الملفات ،بها دول ب صغير لدوية الطوارىء؛ ألغيت صيدلية الطوارىء وضمت ملفات الجراحة مع ملفات الباطنة فى حجرة واحدة؛ حدث تراشق بعدها بين تمريض القسمين لتداخل الملفات والمهمات وضياع بعضها ؛ الحجرة بعيدة جدا عن مبنى الدارة الموجود بالدور الرضى ،جاء اختيارها على حسب قول أحد الطباء الساخرين ضربة معلم ؛ الحجرة ضيقة ومزدحمة ،فقد تم أعطاء الطباء شلوتاو إبعادهم من حجرتهم المجاورة لمكتب المدير بالدور الرضى إلى أعلى !! ..،تأسف أنس عندما أخبره فهمى أن المحافظ عاقبه بخصم عشرة أيام من راتبه ،قال:تخيل يا أخى احنا بقينا ملطشة ! رئيس القسم ومدير المستشفى والمدير العام والمحافظ و أصحا ب دبلومات التجارة كمان من حقهم يخصموا للدكاترة .تدريجبا انسحب الدكتور فهمى من عمل الواجب كما يقول وعندما سأله ابراهيم أجا ب :ل أسمع ل أرى ل أتكلم .. يابنى أحسن حاجة فى البلد دى انك تركبر...تديها الطارشة تاخد مرتبك وحوافزك وكل شىء على ما يرام؛تفتح بقك تاخد على دماغك !.. 270
*** أثناء خروجى لحظت أحدهم ،رأيته مرارا فى قاعات انتظار وردهات العيادات المختلفة ،كان طويل يرتدى بدلة كاملة وكرافت ،لترى عينيه من خلل نظارته الشمسية التى يحرص على عدم خلعها،يلمع باقى سواد شعره المصبوغ الممشط بعد فراغ المنطقةالمامية منه؛يحرص على لصق خصلة منه لتقليص الفراغ المتوسط ؛كما تعود أن يداوم على الظهور بذقن حليق تفوح منه رائحة بارفان رخيص ،دائما ل تغادر وجهه ابتسامة زئبقية بينما تتسكع عيناه فى شتى التجاهات باحثا عن مزة ،اذا صادفته أى أنثى حاول أن يلفت نظرها ؛ يقف ليبادلها حديثا،حتى إذا ما تعذر الحوار ولم يستطع أن يكمل معها؛ أحيانا ل تتوانى احداهن عن زجره ،مع ابتسامة أى واحدة ؛ فى الحال يدس يده فى جيب الجاكت ليخرج لها ما تيسر من الحلوى؛طوفى وماستيكه وبسكوت شمعدان وهولز وهوهوز وغيره؛ يضعها فى يدها التى يكون قد أحاط معصمها بيده الخرى. *** تحت شمس الظهيرة تجلس الممرضات فى شرفة واسعة ملحقة بعنبر الولدة ،يصل اليهن أصوات تعودن عليها ؛صراخ سيدة أو اثنتين،أو ربما أكثر ؛من حالت الولدة وعمليات القيصرية ،ليمنعهن ذلك من الحديث فى شتى المواضيع ،كان باهر جالسا فى مكتبه عندما سمعهن وهن يتحاورن معا ؛ كان قد انتهى من الفحص عندما سحبت التلميذة ملفا من فوق الكومودينو ،عندماانتهى ميعاد الدرس العملى للتلميذات سمعت نداء من زميلتها بحجرة مجاورة ،خرجت لتلحق زميلتها ،ونسيت الملف ؛بينما جلست الممرضات سويا دار بينهن حوار ؛تتساءل فاطمة عن البمباظ ؛بينما تختبر فيفى زميلتها قائلة إيه هوه البيض السكندرانى ؟ احتارت موجا فى الفرق بين السالوبيت و السالوتيب ،وقالت نسرين ان خطيب ابنتها ماهر قلبه اسود وبتاع نسوان ..ردت عليها فاطمة اعصرى عليه ليمونه بنزهير ،حد لقى؟ انتى لو شاطرة ؛بكره تعلميه الد ب وتخليه يمشى جنب الحيط !بينما تضحك صاصا وتقول ان زوجها حسنى يقول عن نفسه انه صار طرطورا ،ضحكن وسألنها كيف تقول ذلك ،أجابت ان عمله ملحظ فى مطبخ المستشفى ؛كان المتعهد يأتى بالخضر وآخر يأتى باللحوم وثالث يأتى بالبقول وهكذا ،كانت الوجبات تحضر خطوة خطوة ،من أول استلم الخضار وغسله وتقطيعة واستلم اللحوم وتقطيعها وتسويتها حتى تفوح رائحة الطعام متضوعة فى أرجاء المكان !أخيرا غيروا النظام ولم يعد هناك مجال للطبخ والمراجعة والمرور على حلل الطبيخ ورائحته الفواحة وحسا ب الكميات المطلوبة ،الن لم يعد المطبخ كما كان ،كله وجبات جاهزة من الخارج ،الملحظ لم يعد له فائدة ،ل يحتاج المر سوى عاملت لتوصيل الوجبات الجاهزة إلى مرضى القسام.فى الليل كان يقول لها حسنى حزيناان النظام الجديد جعله طرطورا .فى تلك اللحظة صار هرج ومرج ؛أقار ب مريضة حضروا الى المستشفى ليشكوا من عدم السؤال عن مريضتهم المحجوزة منذ أربعة أيام ؛لم تتناول المريضة علجا لمدة أربعة أيام ،لم يحضر اليها أحد ،لن اسمها لم يدرج فى كشف العلج اليومى ،تورمت قدماها ،وكادت ان تلفظ أنفاسها ،لم يسأل أحد إل عندما تشاجر أقاربها وعل صوتهم فى ردهات المستشفى . أما هذا الخبر المزعج فقدألقته فايزة بهدوء تام عن زوجها الذى خرج من السجن مصابا بفشل كلوى!وقالت ان ابنتها تزوجت ومات زوجها بعد الفرح بأسبوعين ،ماجدةالمشهورة 271
بموجاالسكندرانية تزوجت واستقرت بالمدينة لديهاالن خمسة أولد ،ترعرعوا وبدأت معهم رحلة البحث عن عمل وعن زواج أيضا ،وصافى تزوجت وعاشت بالسيوف بالسكندرية ،نسمة من نسمات البحر مرت من هنا،أما ضاحى فقد تورمت بطنه وقدماه ،اختفى ولم يعد يظهر فى جنبات المستشفى إل لماما ،وبدا بعد مدة عاجزا عن الحركة للنبعاج الشديد فى كرشه ،ظل يعانى من استسقاء سببه تليف وتضخم بالكبد والطحال من أثر بلهارسيا قديمة ،عاودته غيبوبة كبدية ؛ الكل كان يعطف عليه ويزوره ولكن المرض بالرغم من ذلك تغلغل المرض و توفى متأثرا بهبوط حاد بالقلب اثر نوبة نزيف مفاجئة أدت إلى هبوط حاد بالقلب والدورة الدموية . نسرين التى تأخرت فى الزواج ؛رزقت بطفل جميل ؛كان سلوتها فى حياتها ،ابنها الوحيد سيدخل k.gالعام القادم ؟توفى إثر حمى مفاجئة ؛ نعم ...عرفت الخبر متأخرا ،ذهبت إلي مكانها لعزيها لم أجدها ،سألت بعض زميلتها عنها قالوا لقد غابت لغيا ب زوجها عن الحياة ، مات متأثرا بوفاة ابنه ،وجدوا جثته على السرير وهو يحتضن صورة ابنه بين يديه ! رابع يوم وفاة الطفل ! خلعت فايزةأسنانها العائمة ،وانتظرت لكى تركب طقم أسنان كانت فترة انتظارها فترة حرجة ؛ كانت تحاول أن تتجنب الناس ؛تغضن وجهها وصارت هتماء ،تكرمش جلدها وضمرت شفتاها إلى الداخل ،وبانت خيوط التجاعيد حول العين والفم . غادرت مس منال المدينة إلى القاهرة لستئصال الثدى ،ومتابعة العلج الكيماوى والشعاعى ، مكثت فى القاهرة فى شقة اختها بالوراق ،صارت بائسة خصوصا بعدما سقط شعر رأسها كأنما حلقته بالموس ؛عاشت فترة امتدت إلى أكثر من ست سنوات قبل أن تغادر عالمنا. فى نهاية الموسم خلت المستشفى من النوا ب تقريبا ،استعانت ادارة المستشفى بنوا ب من قسم النفسية ليعملوا فى تخصص العظام ،تم تكليف الخصائيين للعمل لسد العجز ،رفض أحد الخصائيين العمل فى الستقبال ،تضايق المدير منه وتوجه إلى عريف نقطة المستشفى وقام بتحرير محضر له ؛فى النقطة طلب الطبيب تحويله إلى النيابة ! ***
272
26 عيادتى جاءتنى العيادة مع زوجها وابنتها ،طلبت الكشف على ابنتها ،كنت قد رأيتها وسط العداد الكبيرة داخل ردهات المستشفى ،أوقفتنى بالكوريدور طلبت منى أن أكتب لها العلج واعتذرت لتأخيرها ،عدت معها ثانية وهى تحكى لى هذه الحكاية ...تحدثت بسرعة عن مرض زوجها ، وعن انعدام التعليم داخل المدارس ،و عن أشياء كثيرة ،قالت أيضا إنها تساعد اولدها فى المذاكرة ؛ وقالت من المفروض آخد 3شهادات؛الطب البيطرى والحاسب ولسانس آدا ب.. ياسلم! طبعا ..تصور ان المذاكرة لذيذة ..انا ماكنتش أعرف أن الحصان ينام وهو واقف ازاى ؟ *** كنت أتردد على منزل عجوز ملزم للفراش ،كان يعانى من مشاكل صحية عديدة ،السكر مرتفع جدا والضغط كذلك والكبد لم يبق منه شىء كما يقول؛ وشرايين القلب تضيق عليه؛ ودوالى الساقين وتورمهما؛نظرت الي هذا الجسد السمين وقلت له: وتعانى أيضا من السمنة ! رد حائرا: نعم نعم.. رأيت قدميه متورمتين بصورة بشعة وينز منهما سائل اصفر لزج ؛ تكاثر الذبا ب حول الجرح كما انتشرت بالحجرة المغلقة رائحة مقبضةكئيبة،طلبت من زوجته أن تفتح النافذة؛بذلت جهدا فى إرتقاءالكنبة ومدت يدها الى النافذة المتربة وكأنما تفتحها لول مرة ..وقالت أخاف عليه من البرد ،رابطة نفسى جنبه يمكن ربنا ينفخ فى صورته ،بعد أسبوعين شاهدت مأتما فى ذلك المكان قتذكرت العجوز على الفور ؛ قيل لى إنها زوجة العجوز المريض. *** ماتش الهلى والزمالك ،الشوارع هادئة سوى صراخ يتصاعد من هنا وهناك مع كل لعبة حلوة أو لعبة قالشة أو جون حقيقى؛أصوات تعلو وهتافات تصدر من المقاهى والمحلت أسفل عيادتى 273
بالميدان الفسيح .جاءنى مريض وسط الماتش ،سألته عن شكواه ،تبسم ونظر حوله وقال بعينين سارحتين :انت عارف ..قلت :عارف إيه؟ أجا ب ببساطة :نفس الشكوى ...هى هى لم تتغير .تبسمت بدورى متسائل :نفس الشكوى ؟ فقال نعم !..نفس الشكوى اللى جيت لك بها من 4 سنين من 4سنين؟ تقريبا ربما 5أو 7سنين حاجججة كده..أنت نسيتنى وأل إيه ؟ انت فاكر انا حكيت لك على موضوعين .. خير ؟! الولنى خلص والتانى ..التالى لسة ..نص نص ..الولنى مش هانتكلم فيه دلوقتى ليه؟ لنه بقى أحسن الحمد ل والتانى ؟ التانى أشد من الولنى ..بقى له مده معايا ..سنين .. ياه.. اه وا رن الموبايل ،أخرجه من جيبه ونظر فيه؛ثم نظر ناحيتى مبتسما وهو يقول : الحكومة ..المدام عاوزه تطمن على !.. على الولنى وال التانى ؟ الولنى طبعا .. مش الولنى بقى كويس ؟ ل هو لسه فيه شويه وضع الموبايل على أذنه وقال : أيوه..أنا هنا عند الدكتور فى العيادة ..آه فى أوده الكشف ..آه حيكشف عليا أهو ..نعم ؟ الولنى ..آه آه ..ما حكيت له على الولنى والتانى كمان .. دق التومرجى على با ب الحجرة قائل : لو سمحت يادكتور الناس اللى بره مستعجلين .. *** أوشك الليل على النتصاف ؛ العيادة خالية ؛قبل الغلق أرسلت التومرجى ليشترى عقارا من الصيدلية ،فى ذلك الوقت المتأخر ؛ جلست وحدى ،تضاءلت وتباعدت أصوات السيارات والمارة بالطريق؛ و ساد الهدوء؛ دخل العيادة وجه عرفته منذ سنين ،وجدته يسرع قائل :يا ساتر ..يا ساتر ..
274
قمت من مكتبى ،رأيته أمامى متوجها مباشرة إلى حجرة الفحص ،وقد رسم ابتسامة عريضة على وجهه يميل برأسه على كتفه ؛ كما يضع على ظهره "عباية" صوفية محترمة ،حليق الذقن ،تلتمع عيناه ببريق الصحة والعافية ،يصحب معه صبيا .. على الفور تذكرته ...كان كثير التردد على المستشفى سلم على بحرارة واشتياق ،وقابلته بالمثل ؛ جلس أمامى هو ابنه.. سألته عن أحواله وأحوال أسرته ،أدام الحمد والثناء على ا .. الحمد ل ...نحمد ا يا باشا فينك دلوقتى ؟ وا فى شركة مع واحد ...الحمد ل الرجل سايبنى على حريتى الحمد ل؛ رجل محترم ما يتخيرش عن سيادتك ومستورة وزى الفل قبل يده باطنا وظاهرا وأردف : مرتبى ماكنتش أحلم بيه ...الحمد ل ؛ زائد المعاش ..أنت عارف أنا طلعت معاش مبكر بدرجة مدير عام... عال عال وعندى فى البلد حتة أرض تيجى عشر فدادين مزروعة والحمد ل ... عال عال ... يا باشا ربك مابينساش حد "..ول ينسى ربك أحدا ".. ونعم بال.. أهل وسهل ..قدمت له البمبونيرة الموجودة على المكتب ؛ التقط منها حبات ؛ وقال لبنه: خد خد يا ياسر من عمك .. مد ياسر يده وأخذ.. الحمد ل لقيناك فى البرد ده .. خير إن شاء ا ؟ يا باشا الولد مانامش طول الليل سلمته عمال يهرش من امبارح ،ومرعو ب قوى ؛ وأمه خايفه عليه ...أنت عارف قلب الم طبعا 275
طبعا ..طبعا.. *** كشفت على الصبى ووصفت له علجا ماعندكش حاجة إسعاف يا باشا ؟ ربما الجزخانة تكون قافلة دلوقت ...أنت كلك بركة ... مددت يدى إلى الدول ب القائم جواري وسحبت منه علبه دواء ؛ وقلت له : مضاد للحساسية .. وكتبت عليها وأنا أكمل: معلقة مرتين يوميا.. ابتسم ابتسامة عريضة ،ومال برأسه على كتفه : مش عارفين نعمل معاك إيه يا باشا ...كلك واجب وا ...كلك واجب ... العفو يا أخى ..العفو أمسكت أنبوبة كانت موضوعة أمامى على المكتب ،وقدمتها له قائل : والدهان صباحا ومساء .. ازدادت ابتسامته اتساعا وقال : وكمان مرهم؟! دى حاجه بسيطة.. أخذ الدواء وأسقطه فى جيب العباءة الضخم ؛ وهو يقوم من كرسيه مادا ذراعيه الثنتين ليسلم علرى ؛ شد علي يدى بحرارة قائل : أنا مش عارف أقول لك إيه ...أنا متشكر قوى ...تحب يجيلك امتى استشاره يا باشا ؟ بعد يومين ... حاضر ..أن متشكر قوى ..السلم عليكمنظرت إليه ،أردت أن أذكره بشىء قد نسيه ،كان قد منحنى ظهره ،وأتجه مهرول إلى البا ب ،حبست الكلمة فى حلقى ،وقلت :وعليكم السلم.. ***
276
27 سنوات مارقة كالبرق انطوت سنوات طويلة من أعمارنا و حياتنا الوظيفية ،ل أدر كيف انطوت بهذه السرعة هكذا ؟!بعد ثورة يناير وجدتنى أسير وسط حشود ضخمة ،قام الموظفون فى كل قطاع بوقفات ومظاهرات لرفع الظلم الواقع عليهم ،قامت ثورة غير متوقعة ضد المدير؛ تدافعوا باليدى والمناكب نحو مكتبه ؛ عندما رآهم لعب الفار فى عبه ،حاول أن يتخفى تحت ابتسامة صفراء باهتة ،استمر العمال و الممرضات فى الغليان والعصيان ،حاول الخروج من بينهم ،جرى الى الخارج وبدأ يوسع خطوته فى الكوريدور،عندما لمحوا الذعر باديا على ملمحه ؛ تشجعوا على العدو وراءه ومحاولة اللحاق به ،تصاعدت الهتافات ضده هو والمدير العام ،خارج المستشفى ؛ فى الطريق أمسكوا بياقة سترته ،فجأ سقطت السترة ،تتدافعوها باليدى ،طارت السترة فى الفضاء ،تصاعدت صياحاتهم وهتافاتهم ،كلب سلطة! أوقعوه على الرض ،لحق المحافظش المطرود أذنادبه ،ظل مختبئا كالفأر فى إحدى ثكنات الجيش حماية له من غضب الجماهير، تعودنا أن نرى كل مسئول فى تلك الحقبة السمجة – قبل الثورة -مهموما فقط بإرضاء رؤساءه ، عادة ل يلقى بال إلى من تحت قيادته ،كان هم المدير إرضاء المحافظ ؛ بالمثل كان هم المحافظ فقط إرضاء الرئيس ،هناك ردود جاهزة من المحيطين ،الموضوع تحت السيطرة !حلينا المشكلة ياريس ،تمام يافندم! فى نفس الوقت الذى ل يتذكر فيه الريس الفرق بين التمام واليمام والحمام ! *** كنت حريصا على أن أظل ممعنا النظر الى أسفل كى ل أصطدم بحجر أو أقع فى حفرة أو مجرور للصرف ،على جانب الطريق يوجد صندوق زبالة ضخم وقد انقلب على الرض وخرجت أحشاؤه ؛ تناثرت كميات النفايات و أوراق وأكياس بلستيكية وبقايا طعام ومخلفات بشرية؛كرتون وزجاج ومخلفات معدنية كانز وغيرها .قررت أن أضع لسانى فى فمى وأغلقه ،ل
277
فائدة حتى الن ،يبدو أن الثورات تحتاج إلى أعوام طويلة حتى تؤتى ثمارها ؛فلننتظر ،ان كان فى العمر بقية ؛ لنرى ! صباحا كان الجو باردا ،تركت السيارة تحت المظلة أمام حديقة مهملة بمدخل المستشفى ، توجهت إلى العيادة الخارجية ،سائرا تحت شمس الصباح بأشعتها الدافئة ،جوار مدرسة التمريض سمعت طفل يبكى ،فى طفولتنا ذاقت الياتنا المررين من تلك المحاقن الغليظة التى تزرفها إيادى خشنة ،كنا نجهش بالبكاء ،البكاء يغسل اللم ويشفى ما فى الصدور ،البكاء ضرورى فى أحيان كثيرة ،ينقى الروح ويصفيها ويرقى بها ؛عدت من سرحتى على من ينادى باسمى ،هذا الصوت ل أجهله ،انتبهت اليه ،كان كأنما يبكى؛ نعم انه هو سيد فنى الشعة ؛الدون جوان القديم ! كنا نسميه بين أنفسنا وأحيانا نناديه "الواد سيد" بالرغم من أنه يكبرنا بعامين أو ثلثة،تبادلنا الحضان ،تعجبت من الزمن الذى حفر فى وجهه آثارا عميقة ،اكتسب نظرة متحجرة ،وقفنا سويا لدقائق ،لحظت صلعته التى سرحت بعنف إلى قفاه ،نطقه للكلمات فيه ثأثأة ،نظرت فى فمه أثناء الكلم لحظت طقم أسنان لمع ،قال لى أنا كنت محتاجك من زمان ! خير ..أنت واحشنى .. قبل سفر سيد للخارج ،كان مقدرا أن يغيب عن البلد عاما أو اثنين فقط على أكثر تقدير ،لكى يشترى شقة ،كان شراء شقة واسعة هو أمله الوحيد فى الحياة ،كان آخر العام يحسب ما ادخره ، يعود الى مصر فى اجازة يجد أن السعار قد ارتفعت،يضطر للعودة عاما آخر،استمر هناك أكثر من عشرين عاما ،لم يكن يظن أنه سيتحمل الغربة كل هذه السنوات.حاولت أن أتضاحك معه ؛ قلت له عجنتهم ياسيد ؟ ابتسم بمرارة ياريتنى ما سافرت وياريتنى ما عجنتهم ! ليه ياسيد ؟ انا تعبان ،وعاوز علج لحالتى .. مالك ؟ حكى لى سيد عن سبب تركيب الطقم ،كان قد تزوج قبل سفره من فنية تعمل بمركز البحوث ،حدثت مشادات عائلية متكررة؛ قال لى إنها رفضت أن تصطحبه هناك ،صار حزينا ،أصيب بداء الفكر ،فى غربته لحظ أسنانه تتهاوى تدريجيا ،دأ ب على زيارة عيادات السنان ،كانت تقريبا المرة الوحيدة التى كان يخرج منها من منزله خلف خروجه لعمله هناك ،انتهت بخلع جميع أسنانه ،كما انتهت حياته الزوجية بولد وبنتين ؛ بعد أن كبر البناء قرر الزواج من ممرضة كانت تعمل معه فى الخارج ؛ ولم يكن قد أغلق البا ب نهائيا أمام حياته الزوجية الولى ، وخصوصا أن أولده فى سن الزواج ؛ وصلت المور بينه وبين زوجته الولى إلى الحافة عندما أجريت له عملية قلب مفتوح بالخارج ولم تسأل عنه الزوجة الفاضلة -كان بين الموت والحياة - ساعتها اخذ قرارا فوريا بالطلق البائن ،مع موافقة الولد الذين كانوا قد تزوجوا. حاولت ان اتبسم فى وجهه ؛ قال أنه يعانى من ضعف جنسى ،وضعف إبصار ،تطور معه لنه كما يقول ل يحافظ على نظام غذائى وخصوصا أن الطباء اكتشفوا أنه مريض سكرى؛قال انه استعمل عسل النحل المخلوط بحب الرشاد وبلح البلوط وأوصاه الدكتور أنس يشربه لمدة اسبوعين .. 278
سألنى عن عبدول قلت اننى صرت أراه مصادفة بعد خروجه إلى المعاش ،أحيانا أراه واقفا فى طابور العيش بالمخبز القريب من السوق ،ممسكا عدة أكياس بلستيكية بيده ،كان يقف بصبر ودأ ب وثبات ؛بعد أن يفوز بالرغفة يجاهد بالنتظار" لتهويتها" ؛يفردهاعلى ورقة جريده بالية أو قفص،بعد دقائق يلملمها استعدادا للنتقال إلى السوق المجاورة لستكمال شراء الطلبات . فى أيام عمله الخيرة ؛ بعد أن تسربت السنوات؛ استعد سيد للخروج للمعاش؛ كان ذاهبا إلى المديرية لخلء طرفه ،انتابته نوبة بكاء هستيرى ،ربما تكون نوبة فرح لخروجه واقفا على قدميه ؛ لم يعرف كيف يميز بين مشاعره المتناقضة هذه ؛ نظر؛ وكأنما لول مرة إلى نخلة باسقة فى مدخل المستشفى الجانبى ،رأفع رأسه حتى أدرك ببصره منتهى اختراقها للفضاء ،ذر عينيه لكى يحميهما من ضوء الشمس المبهر ،تأمل الفضاء ليرى قبة السماء الزرقاء و اتساعها من جديد ،كأنما يراها لول مرة !لحظ السحا ب يمر مسرعا؛سقطت عيناه على الجريد الخضر وسبائط البلح الحمر وهى تتدلى فى صورة خشعت لها روحه. ذهب لستكمال أوراق الخروج من الوظيفة بنفسه ؛ ظن أنه من المفروض أل ينشغل الموظف بغير عمله ،وأن يساعده مكان عمله على التفرغ للعمل فقط ،ول يشغل باله بأى شىء يأكل وقته وجهده .فى المكتب قالت له الموظفة :حتوحشنا ياسيد ماتشوفيش وحش يا أستاذه.. أستاذة ؟ أنت نسيت اسمى وأل إيه يا سيد؟ ل أبدا ..مين حضرتك ؟ أنا سلوى .. ياه..ازيك يامدام سلوى !.. اسمع !..هات إخلء طرف من جهة عملك ،تجيبه وتيجى ،الملف ناقص ،هات لى الجور المتغيرة يعنى إيه ؟ روح لمدام ليلى تفهمك.. مدام ليلى فى أجازة ،فى اليوم التالى حضرت مدام ليلى ..أحضر إخلء طرف من مكان عمله . حدقت فيه وقالت: اعمل اخلء طرف من المديرية ،وبعدها روح مكان عملك عشان الجور المتغيرة ..وصرور الورق كله،وهات بطاقة رقم قومى جديدة ..انت اشتغلت فين ؟ أنا ؟ فين ؟ فى أماكن كثيرة تبع للمديرية .. تروح لمسئول شئون العاملين فى كل وحدة اشتغلت فيها وتطلب منه الجور المتغيرة . 279
فيه موظفين طلعوا معاش . مش مهم شوف الموظف المسئول . *** نظر فى قرار المعاش ؛ وقرأ نصه" :بعدالطلع تقرر إنهاء خدمة سيد على محمد الزنكلونى..اعتبارا من تاريخ كذا لبلوغه السن القانونى مع رفع اسمه من عداد العاملين بالمديرية وإخلء درجته فى الميزانية " .قال سيد فى سره طظ ! أعطته سلوى طلب استرداد وطلب بيان أجازات وبيان مفردات مرتب؛وطلبت منه بيان تدرج المرتب من الموظفة المسئولة .. انت اشتغلت فى الخارج ؟ آه ..قد إيه؟ 23سنة ...فين الورق اللى رجعت بيه؟..
..واشتغلت فى الوحدات ؟ ..آه ..زمان
دا فى أول تعيينى ...من 36سنة!" استكملت طريقى إلى العيادة الخارجية وقد تهادت إلى خيالى ذكريات أعوام مضت ،كانت على العموم حلوة بالرغم مما شابها من علقم فى أحايين كثيرة ... انتهت
معلومات الكاتب السم
:د .رضا صالح محمد خليفة
المهنة
:رئيس قسم المراض الجلدية – مستشفى التأمين الصحى -عضو اتحاد الكتا ب
تليفون :
-062 3326444محمول 01002416478
العنوان البريدى 2 :شارع المرور –عمارة بنزايون –السويس -مصر نشر الكترونى : فى مواقع عديدة منها : القصة العربية -مجلة أفق اللكترونية – موقع أنهار -مجلة الثقافة الحديثة العراقية -مجلة العربى الحر -موقع أوتاد -موقع مجلة أبسو العراقية )مجلة الثقافة الحرة( -موقع مجلة بيسان- موقع الروائى -موقع الورشة الثقافى... 280
نشر ورقى : صحف ومجلت عربية: مجلة العربى) الكويت(عدد ديسمبر 2005قصة شيء معتاد&قصة حكى لى صديق ) -اختيار يوسف القعيد( عدد أغسطس - 2007الثقافة الجديدة )عراقية( -مجلة لها ) السعودية( - الجزيرة الثقافية ) الرياض( وغيرها
صحف قومية ومحلية: قصة آه منها
أخبار الد ب
2005-2-20
وقصة ل أحد مطلقا 2005-10-16 وقصة القافلة
2008 -5 - 18
رجل منزوع قلبك أبيض
وغيرها
جريدة القاهرة -المساء جريدة الوعى
-السويس
جريدة الرأى الخر -السويس جريدة سواسية جريدة صوت السويس بالضافة إلى جرائد ومجلت أخرى
كتب : مجموعة قصصية بعنوان ":آه منها" عن دار "قراءة" 2006 النسخة كاملة من رواية فضاءات مدينة –دار الياسمين للنشر 2012 حكايات البالطو البيض " رواية" دار شرقيات 2012تحت الطبع :
281
شارع الفنارات -رواية بيتنا القديم
-رواية
خارج نطاق الخدمة -مجموعة قصصية مطلو ب آنسة
-مجموعة قصصية
بريد الكترونى redasaleh51@yahoo.com د.رضا صالح
282