العدد ( )27خريف ( 2015السنة السابعة)
)Issue 27 / Autumn 2015 (Vol 7
)Issue 27 / Autumn 2015 (Vol 7
العدد ( )27خريف ( 2015السنة السابعة)
إعادة التفكير في روحية اإلسالم
بـزوغ حـراك مـدني مجتمعي
14
10
Al-Rasid Al-Tanweeri P. O. Box: 5856 London WC1N 3XX United Kingdom
حوار مع د .فؤاد نهرا: الداعشية تنذر بهالك الثقافة الدينية
20 Phone: (+44) 20 7724 6260
ابن باجة.. الرائد في فصل الفلسفة عن الدين
للمراسلة alrasid@islam21.net www.islam21.net
27 من مهام المنبر:
املساهمة في خلق وتطوير حوار معاصر حول شؤون املسلمني رئيس التحرير د .نجاح كاظم مديرة التحرير هاجر القحطاني
هيئة التحرير عبد علي السعيدي (العراق)
عبد اللطيف طريب /
د .يـامن نـوح (مصر) موالي محمد اسماعيلي (المغرب)
االخراج الفني :رياض راضي الطباعةMBG INT-London :
ﻣﺒﺘﺪأ اﻟﻜﻼم
هل سيكون ما بعد اإلسالم السياسي تعبيراً احادي ًا؟ بات العرب والمسلمين عموما أمام مفترق طرق يعبرعن ذاته حاليا بأزمة الحضارة اإلسالمية وربما ادق بأزمة حضارة المسلمين. وثمة من يعتقد ان المنطقة في طريقها لالنحدار نحو الهاوية ،لكني بالضد من ذلك االعتقاد ،واميل إلى فكرة تبلور أفق جديد ما بعد االسالم السياسي بدأ في التشكل بعد أفوله .وقد ناقشنا في العدد ( )22من الراصد التنويري، ً تعبيرا احادي ًا هذه الرؤية .وفي هذا الصدد هناك اسئلة محددة اود طرحها ،وهي :هل ما بعد اإلسالم السياسي سيكون أم هناك تعابير اخرى؟ وكم سيلتمس روح اإلسالم من ورع المواعظ ،مقارنة بمعنى االسالم كمورد ثقافي؟ كيف يتم تفكيك القراءات السلطوية ،بضمنها السلطة الدينية ،التي كانت عام ًال حاسما في التاريخ االسالمي وتبلورها في المجال السياسي عبر الخالفة الدينية المتعاقبة على حساب االفكار والمعرفة؟ كيف سيتم التحول من اإلسالموية لمفهوم جديد أقل ادلجة وتسيس ًا لإلسالم؟ تأسست ،في تقديري ،معظم أصول اإلسالم في ظل مفاهيم قبلية سلطوية وسياسية جعلت من المعرفة المتبلورة كحقائق وقيم نهائية غير قابلة للنقاش .وخالفا القوال الرسول محمد (ص) الموثقة والواضحة في هذا الجانب ،مثا ًال ال ً حصرا «ليس منا من دعا إلى عصبية» والذي تم تفسيرها على اساس االخوة اإلسالمية ،بينما يالمس أفقها قيمة الفرد وعقله واستقالليته ،فض ًال عن حديثه الشريف «انتم اعلم بأمور ديناكم» وهذا ادى ،من بين األسباب ،إلى النظرة المقدسة للماضي ومنحه االهمية القصوى قياس ًا بالحاضر والمستقبل. البد من القول ان البيئة القبلية رسخت مفاهيم السلطة والسياسة وغياب عامل الثقافة .أي اعادة االنتاج ،ما جعل المحتوى ،كالتراث ،صورة من صور الماضي .وحتى في مراحل متقدمة كعصر ما يسمى بالنهضة ،فرغم اهمية رجال الحقبة وسعة االنجازات ،لكنها لم تكن بحجم االصالة المطلوبة ،كمحمد رشيد رضا ،الذي صاغ مصطلح السلفية أو محمد عبده الذي اعتقد ان التعليم (عدا التعليم الديني) غير نافع للمرأة ،بحيث اصبح هذا العصر هو االخر شك ًال من التراث السابق .لذا قيمة الفرد وتفاعله مع اآلخر يكون في صلب هذه القراءة الجديدة وتوافق تصور المفاهيم اإلسالمية لحقوق اإلنسان والمواطنة ،وان أي إيمان حقيقي في قيم القرآن يتطلب حرية االعتقاد والالاعتقاد ..واال ال معنى لآلية الكريمة «من شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر» أو «ال اكراه في الدين» فض ًال عن وجود اكثر من 200آية كريمة تدعو لالختالف والتنوع ،كما استنتجت من دراستي للقرآن في هذا السياق. والمؤمل في عصر ما بعد اإلسالموية ،ان يكون الصراع على معنى اإلسالم وروحه ودوره في الحياة العامة على الكلمة المكتوبة في صفحات الكتب وعبر اللقاءات الروحية أو الفكرية العميقة بين الذات واآلخر ،وليس في ساحات القتال أو عبر الوسطاء الذين يحاولون التكلم نيابة عن الله. جاء اإلسالم ،كما أعتقد ،ليس من أجل تحديد سياسة مجتمع تاريخي معين ،وانما باعتباره رسالة عالمية تعالج اإلنسانية واألخالقية والمشكالت االجتماعية .لذا تأتي أهمية التفكر في كيفية تأسيس مجتمع مدني قوامه الثقافة وحرية االفكار وليس االستبداد والهيمنة ،وإنشاء المؤسسات االجتماعية ،والمتجذرة في القيم القرآنية ،لتكون بمثابة الضوابط والتوازنات لمنع الفساد والقمع والظلم ،وحماية حقوق المواطنين وتعزيز الشفافية في االدارة العامة على كل مستوياتها. من الواضح أن مفاهيم الحرية والحقوق ال معنى لها إذا لم تكن هناك مؤسسات لحمايتهما ،هذه المؤسسات يجب أن تكون فعالة في حماية القانون األخالقي والعمل من أجل تحقيق العدالة االجتماعية ،التي هي هدف القرآن الحكيم. ما يحدث في العراق ولبنان من احتجاجات هي بدايات شعبية متواضعة ،إذا لم يتم اختراقها أو حرفها أو تشويها، ستبقى حركات اجتماعية وطنية ومدنية عابرة لالديان والطوائف والوالء العشائري والكتل السياسية ،وتمثل في الوقت ذاته النواة األولية العادة تشكل بنية المجتمعات على أساس مدني معاصر ..أي قيمة اإلنسان بما يقدم مقابل حقوقه المشروعة ..ليكون الذات المستقلة ضمن المجموعة الفاعلة 4
ﻧﺠﺎح ﻛﺎﻇﻢ
اإلسالم السياسي.. فخ السلطة والبديل المرتقب اﺗﺴﻢ أداء ﺣﺮﻛﺎت اﻹﺳﻼم اﻟﺴﻴﺎﺳﻲ إﺑﺎن ﺣﻜﻤﻬﺎ ﺑﺎﻟﺘﺨﺒﻂ واﻟﻌﺸﻮاﺋﻴﺔ وﻓﻮﺿﻰ اﻟﺨﻄﺎب ﻻ ﺗﺰال اﻟﺴﻠﻄﺎت ﻓﻲ ﺑﻠﺪاﻧﻨﺎ ﺗﺸﻴﻊ ﺛﻘﺎﻓﺔ اﻟﻘﺒﻴﻠﺔ ﻋﻠﻰ ﺣﺴﺎب ﺳﻴﺎدة اﻟﻘﺎﻧﻮن
ﻋﺒﺪﻋﻠﻲ اﻟﺴﻌﻴﺪي أستاذ جامعي ومدرب على «مهارات النجاح في عالم متغير» ـ العراق
«العدل أساس العمران» رفاعة الطهطاوي «الوطن ليس سوى حفنة من تراب عفن»!! سيد قطب حين نتحدث عن تجربة اإلسالم السياسي في الحكم ،خصوصا في العقدين األول والثاني من القرن الحادي والعشرين وبين الدولة المدنية التي يأمل الكثيرون ان تكون البديل المرتقب ،البد لنا أن نبين ولو بشكل مقتضب مالمح كل من التجربتين بكل دقة ووضوح ثم ننتهي إلى محاولة استشراف مرحلة ما بعد اإلسالم السياسي ،وهل ستكون الدولة المدنية هي البديل بالفعل ام ان واقعنا العربي ً مستعدا لخوض تلك التجربة بعد، واإلسالمي ليس أو أنه ال يملك المقومات التي يتطلبها ذلك البديل. ً شعارا ،بل هي ثقافة وسلوك فالدولة المدنية ليست وقوانين نافذة قبل كل شيء. أظهرت مرحلة ما بعد 2003في العراق وما نتج عما يعرف بـ (الربيع العربي) في اكثر من بلد وبجالء الوجه الحقيقي لحركات اإلسالم السياسي التي استولت على السلطة في العراق وفي أكثر من بلد عربي مهم كمصر وتونس وليبيا. فلقد تمخضت تجربة تلك الحركات بعد وصولها للحكم عن عدة نتائج صادمة ومخيبة للكثير من قطاعات الشعب التي راهنت يوم ًا على أن تكون تلك الحركات هي وحدها المنقذ المنتظر من عهود التسلط والدكتاتورية والفقر والحرمان والقهر .ومن بين أهم تلك النتائج ان حركات اإلسالم السياسي، وعلى عكس مدعياتها المعلنة ،فهي من ناحية، تضمر نهم ًا سلطوي ًا وشبق ًا حزبي ًا وروح ًا أقصائية، وقد اتضح ذلك من طريقة تعاطيها مع السلطة إلى الحد الذي أصبحت ممارساتها في البلدان التي حكمتها ،كمصر والعراق وتونس وغيرها مادة دسمة
للكوميديا السوداء على نمط الضحك الشبيه بالبكاء. ومن ناحية أخرى ،تبين للمتابع أن تلك الحركات تعاني من أزمات خطيرة على المستوى االخالقي والوطني وعلى صعيد الوعي بالمرحلة والمستقبل. اما على المستوى األول فهي لم تتردد في اتباع الكذب والتزوير واللعب على العواطف والنزعات الدينية والطائفية والمناطقية للحصول على اكبر قدر من األصوات ،ولعل في تجربة اإلسالمويين في العراق (من كال الطرفين) وما صاحبها من سجلت تلك السلوكيات ما يندى له الجبين .فقد ّ تلك الحركات أرقام ًا فلكية في خداع الناس وفي نهب المال العام واإلستحواذ على ممتلكات الدولة والمواطنين ،وفي التالعب بموارد البلد البشرية والمادية وأدخاله في دوامة من الفوضى والعنف واإلرهاب ،فض ًال عن المغامرة ليس بحاضراألجيال، بل حتى بمستقبلها ،كذلك الحال في مصرقبل سقوط حكومة األخوان وفي تونس ولو بشكل أخف وطئة. تقول الكاتبة اإلماراتية فاطمة المزروعي «عندما تسمع مصطلح «اإلسالم السياسي» ال تعطه أي قدسية وال تلبسه أي مهابة ،لكن لن تكون في أي يوم من األيام أمام حركة أو منظمة سلمية تهدف إلصالح المجتمع وتطوره ،بل أمام تنظيمات عسكرية تلبس رداء زاهي ًا جمي ًال ،تلتحف وتتدثر باإلسالم ،وتستتر باللباس السياسي ،وتنادى بحقها في العمل االجتماعي ،ولكن وبشكل دائم يظهرون كالحمل الوديع حتى يتمكنوا فينقضوا على مقدرات وخيرات الناس ويتحكمون فيهم وفي مآلهم ومستقبلهم ،ببساطة هذه الفئات تستخدم ديننا الحنيف لتحقيق مآربها وطموحاتها !»....وتواصل المزروعي قولها «عندما يتحقق لهم ما يصبون إليه ...فإنهم سرعان ما يلغون اآلخر تمام ًا ،اإللغاء صفة مالزمة لهم ،وقد تتطور عملية اإللغاء لتجنيد 5
السبل والوسائل لمحاربة أي صوت له طيف ولون مختلف ،ببساطة هم يضيقون باآلخر ،ويستخدمون المساحة التي تمنحها لهم الحرية فيضر باآلخرين دون هوادة أو تردد»( .فاطمة المزروعي /صحيفة الرؤية اإلماراتية 16اغسطس .)2015 أما على المستوى الوطني فجميع حركات اإلسالم السياسي ،بال استثناء ،ال تؤمن بمفهوم الوطن وال تتبنى ثقافة الموطنة مطلقا .والمطلع على أدبيات حركات اإلسالم السياسي الشيعية منها والسنية يجد انها تشترك في تأصيل مشاريعها على أسس دينية مذهبية أو حزبية يكون الوالء فيها للمذهب والحزب والجماعة ،بل وحتى للعائلة أكثر من الوطن ،حتى فكرة الوطن لديهم تشمل كل بلد يسكنه الموالون لذلك المذهب أو لتلك الجماعة. وفي هذا السياق تنقل صحيفة «نبض مصر» (29 يناير )2014عن الباحثين د .وائل نوارة ود. فيزي بابان قولهما أن «الحركات اإلسالم ّية تشارك في السياسات الوطن ّية واالنتخابات الديمقراط ّية، مع أنها ال تعترف بمبدأ الدولة القائمة على وطن جغرافي وال «بحاكمية» الديمقراط ّية .فهي تؤمن بأن كل مسلم هو جزء من «األ ّمة» .أمة اإلسالم.. أما الخالفة التي يؤمن بها اإلسالمي وانفالت قوم على مجموع المواطنين الذين يعيشون على أراض محدّ دة أو في وطن محدّ د ،بل على عقيدة طائفة من هؤالء .وقد شرح المرشد العام السابق لـ «اإلخوان المسلمين» مهدي عاكف أنه في عهد «اإلخوان المسلمين» من الممكن أن يصبح مسلم ماليزي رئيس مصر ،لكن ذلك مستحيل بالنسبة إلى مسيحي مصري!» ويقول منظر حركة اإلخوان سيد ّ قطب أنّ الوطن ليس سوى حفنة من تراب عفن»!! لقد اتسم أداء تلك الحركات واألحزاب إبان حكمها بالتخبط والعشوائية وفوضى الخطاب، األمر الذي يعكس حجم الغباء السياسي الذي طبع فترة حكمها والذي دفع حتى الكثير من انصارها للترحم على عصر الطواغيت ،إذ كان لبلدانهم في تلك الحقب القاسية بعضا من سمات الدولة ،أما في حكم اإلسالمويين ،بإستثناء التجربتين اإليرانية والتركية ،فلم يعد البلد سوى ميليشيات قتل محترفة ومافيات فساد مرعبة في غياب شبه تام للقانون والنظام ،األمر الذي جعل مقدرات الناس وحياتهم ومستقبلهم في مهب الريح. ومن ابرز مالمح الغباء السياسي أن حكم اإلسالمويين في البلدان المذكورة وفي العراق خصوصا لم يشهد تقدم ًا يذكر على صعيد التفاهم 6
بين األحزاب الحاكمة إال بما يتعلق بتعطيل القوانين الحيوية والمهمة ونخر مؤسسات الدولة وشرعنة الفساد المالي واإلدراي والتستر على القتلة واللصوص من اتباعهم وحمايتهم من طائلة الحساب ،فلم تُستثمر واردات النفط الهائلة في العراق لتنمية أي مشروع حقيقي يوفر دخ ًال بديال عن البترول ،ولم يشهد القطاع الزراعي أو الصناعي أو السياحي سوى اإلهمال الكامل ،األمر الذي أوصل البلد الى حافة اإلفالس في مرحلة هي أكثر مراحل تاريخه حراجة ،حيث يخوض حربا ضد أعتى
اﻟﻈﻠﻢ واﻟﻘﻬﺮ واﻟﺴﺮﻗﺔ ﺑﺈﺳﻢ اﻟﺴﻤﺎء ﻳﻌﺪ أﻗﺒﺢ واﺷﻨﻊ أﻧﻮاع اﻟﻈﻠﻢ وﻓﻴﻪ ﺑﺎﻟﻎ اﻹﺳﺎءة ﻟﻠﺨﺎﻟﻖ
واشرس التنظيمات اإلرهابية المدعومة عالمي ًا واقليمي ًا والتي كان بالدة من يحكمون ومناكفاتهم الدائمة هو السبب األول في إحتالل داعش لثلث مساحة البلد. بإعتقادي أن مشروع ومشروعية اإلسالم السياسي قد سقطا ،ليس بسبب المؤامرات الخارجية ،كما يردد اإلسالميون دائما حينما يصل بهم شرههم السلطوي إلى طريق مسدود ،حيث «أن المحك األساسي الختبار اإلسالميين هو فخ السلطة ،التي كانت السم الترياق الذي يميتهم ويستأصلهم» كما يقول غراهام فوللر مؤلف كتاب (مستقبل اإلسالم السياسي) .ويقول األخصائي في الجماعات اإلسالمية التونسي سامي إبراهم أن «حكم جماعات اإلسالم السياسي انتهى وأن المسألة مسألة وقت» مشي ًر إلى أن مصير حركة ً بعيدا عن «مصير حركة النهضة في تونس لن يكون اإلخوان في مصر» .ويعتبر إبراهم أن «اإلسالم السياسي قد قدم تجربة فاشلة في إدارة الشأن العام وتسيير دواليب الدولة» مضيف ًا أن التونسيين يتطلعون اليوم إلى «دولة مدنية قوية تتمتع مؤسساتها بالهيبة ....مشددين على ضرورة رحيل كافة حكومة النهضة كشرط إلخراج البالد من األزمة
وإنهاء مشروع اإلسالميين الذين نخروا مؤسسات الدولة المدنية». ولم يعد غريبا في العراق أن تكون اإلحزاب الدينية الحاكمة مضرب المثل في مخالفة الدستور والقانون وفي نهب خيرات البلد وإغراقه في بحر من الدم والدموع ،وليس غريب ًا فيه أن تكون رؤوس تلك األحزاب ذات الخلفية الدينية زعامات طاووسية منتفخة بهيلمان السلطة في إرستقراطية طبقية حزبية تعيش في برج عاجي محصنة ومرفهة ومتخمة بقائمة من المكاسب واإلمتيازات التي ال حدود لها ،تغيب في تلك الطبقة هيبة الدولة المتمثلة بالمؤسسات ليحل محلها الرموز المتمثلة برؤساء الكتل .في حين يعيش الشعب وسط حرائق هائلة ومذابح جماعية وبشكل شبه يومي ولم تشهد السنين العشر العجاف تلك استقالة مسؤول واحد أو محاسبة مفسد واحد في حالة غريبة ومريبة من أخالقيات الحكم يتميز بها من يتعاطون السياسة في العراق .بل األغرب من ذلك أن تلك الطبقة من الزعامات لم تتردد في استفزاز مشاعر الشعب وبشكل متكرر فيه الكثير من الوقاحة وقلة اللياقة، خصوصا حين ترتفع األصوات مطالبة بمحاسبة المفسدين وسراق المال العام ،تصريحات فيها
الكثير من التطاول واإلهانة للمواطنين ،مستهزئين باعداد المتظاهرين مقارنة بمن أنتخبهم ،وكأن شرعية المطالب الشعبية تقاس بعدد المتظاهرين، وكأن ما يعانيه الشعب خارج اسوار المنطقة الخضراء غائب عن بال أولئك المسؤولين .ويمكن لمن يسمع تلك التصريحات أن يدرك بوضوح حجم الوعي السياسي الذي يتمتع به من يتعاطى السياسة في العراق الجديد ويمكنه كذلك تشخيص مقدار الشعور بالمسؤولية لدى أولئك الوزراء الذين جاءت بهم الصفقات والتوافقات السياسية المقيتة
ﺣﺮﻛﺎت اﻹﺳﻼم اﻟﺴﻴﺎﺳﻲ، ﺑﻼ اﺳﺘﺜﻨﺎء ،ﻻ ﺗﺆﻣﻦ ﺑﻤﻔﻬﻮم اﻟﻮﻃﻦ وﻻ ﺗﺘﺒﻨﻰ ﺛﻘﺎﻓﺔ اﻟﻤﻮﻃﻨﺔ ﻣﻄﻠﻘﴼ
في صدفة عمياء ،كما يمكنه أن ال يعجب للحال الذي وصل اليه البلد حين يكون ّ حكامه على هذه الشاكلة. هذا هو منطق اإلسالمويين حين يستلمون السلطة ،فهم يكررون نسخة الجالد الذي توهموا يوما انهم عارضوه ،ألن من يكره الظلم لن يكون يوما من الظالمين ،ولهذا فهم العينة األكثر قبح ًا بين أنظمة الحكم ألنهم يسترون عورات فسادهم بالمقدس وال يستتر بالمقدس إال المنافقون والدجالون وكهنة المعبد .لقد عرفت بلداننا التفاوت والتمييز والفساد واإلستعباد والقهر بكل انواعه وشتى أشكاله ،غير أن الظلم والقهر والسرقة بإسم السماء يعد أقبح واشنع أنواع الظلم وفيه بالغ اإلساءة لله رب الناس كل الناس ومنتهى اإلهانة واإلستخفاف بكرامة البشر ومقدساتهم. والسؤال بعد ذلك :ما هو البديل إذن؟ هل هو استبدال النظام البرلماني بأخر رئاسي وأن العراق بحاجة لرئيس على نسخة السيسي في مصر ،كما هو مطلب معظم المتظاهرين في العراق األن ،أم أن الدولة المدنية هي الحل؟! وقبل محاولة التوصل لجواب مقبول ينبغي تبيان مالمح الدولة المدنية على وجه اإلجمال كونها الوحيدة التي لم تجربها شعوب منطقتنا بعد. وحين نحاول استجالء أهم مقومات الدولة المدنية نجد أن من أول شروطها أنها دولة ال تؤمن بنظرية التفويض األلهي للبشر كي يحكموا باسم الله (اي ليست دولة دينية) دولة قوامها اإلستقالل والسيادة والدستور ،وأن تكون حرية المواطن فيه الركن األساس ،حريته في التفكير واألعتقاد والتعليم وحق التظاهر والسفر والتملك والعبادة وممارسة الشعائر والطقوس وتكوين األحزاب ومنظمات المجتمع المدني تحت سقف القانون والدستور، وأن يكون الشعب مصدر السلطات. والدولة المدنية هي دولة المواطنة التي يتساوى فيها الجميع في الحقوق والواجبات بغض النظر عن الجنس والعرق والدين ،ليس دولة دين معين أو حزب أو طائفة أو مكون اجتماعي ما ،وأن يكون الجيش فيها حارسا للوطن ولن يكون كذلك اال حين يكون مؤسسة سيادية مستقلة غير مسيسة. الدولة المدنية هي دولة التنوع واإلختالف والتعددية الفكرية والثقافية والسياسية في فضاء الحرية الذي يغمر الجميع ،دولة ُيحترم فيها الرأي والرأي اآلخر، دولة قائمة على فصل السلطات اإلساسية الثالث التشريعة والقضائية والتنفيذية كي ال تتدخل 7
احداهما في عمل األخرى وال تطغى بعضها على بعض .إنها بأختصار دولة التداول السلمي للسلطة من خالل أنتخابات حرة ونزيهة وتكون الجهة التي ال تكسب اإلنتخابات جهة معارضة للسلطة وادائها ،وليست معارضة للدولة ،فالدول ال تسقط بسقوط الحكومات .الدولة المدنية هي دولة القانون الذي يسري على الجميع وعلى حد سواء الحاكم والمحكوم ،وبهذا تكون الدولة المدنية هي دولة العدل اإلجتماعي التي يصان فيها حق المواطن وتحترم كرامته ويؤمن فيها مستقبله ويكون فيها السلم األهلي من المقدسات التي ال يمكن المساس بها ،الدولة المدنية هي بإختصار دولة المواطن التي يصنعها وال تصنعه. ولست أبالغ حين أقول أن دولة بهذه المواصفات ال تزال حلم ًا بعيد المنال في واقعنا العربي واإلسالمي ،وفي العراق على وجه الخصوص، ً وكثيرا ما ولكن يكفي انها حلم الكثيرين.. تحولت األحالم إلى حقائق .وكل من له معرفة بالواقع السياسي واإلجتماعي يدرك ان الوصول ً بعيدا ألن طبيعة لمرحلة الدولة المدنية ال يزال المجتمع الذي أفرز نموذج الحكم الحالي ليس لديه ال الوعي الكافي وال األدوات التي تكفل قيام الدولة المدنية .فال تزال بلداننا ومنذ قرون تحكمها الزعامات الدينية والقبلية والعائلية .فال تزال معظم 8
دول العالم العربي واإلسالمي تحكمها مجموعة من األسر التي تتوارث الحكم .كما ال يزال المجتمع العربي والمسلم والى حد كبير يمنح المؤسسة الدينية ورموزها من الثقة والتقديس والطاعة والوالء أكثر مما تستحق ،واليمكن في مثل هذا الواقع ان يكون التمهيد للدولة المدنية ممكن ًا. فال تزال المناهج التربوية في معظم بلداننا مناهج تكرس ثقافة الرمز الديني او القومي أو الطائفي على حساب ثقافة المواطنة والقانون والنظام ،وال تزال مؤسسات الدولة عندنا يحكمها مزاج األفراد ونفوذهم أكثر مما يسيرها نظام داخلي يتحرك وفقه الجميع ويطبق على الجميع من حيث الحقوق والواجبات بما في ذلك رئيس المؤسسة وحتى حاكم
اﻟﺪوﻟﺔ اﻟﻤﺪﻧﻴﺔ ﻫﻲ دوﻟﺔ اﻟﻌﺪل اﻹﺟﺘﻤﺎﻋﻲ اﻟﺘﻲ ﻳﺼﺎن ﻓﻴﻬﺎ ﺣﻖ اﻟﻤﻮاﻃﻦ وﺗﺤﺘﺮم ﻛﺮاﻣﺘﻪ وﻳﺆﻣﻦ ﻓﻴﻬﺎ ﻣﺴﺘﻘﺒﻠﻪ
البالد ،وال تزال السلطات في بلداننا تشيع ثقافة القبيلة على حساب سيادة القانون ،مستفيدة من والء شيوخ القبائل والطوائف لحساباتها الحزبية والسلطوية ،كما ال يزال البحث العلمي عندنا مهم ًال ً وفقيرا مقارنة حتى ببعض دول المنطقة. خالصة القول اننا على مفترق طريقين وخيارين بعد إفالس اإلسالم السياسي ونهايته الحتمية التي باتت مسألة وقت ،ألنه قد أفلس على مستوى األطروحة واألداء ولم يعد لديه ما يقدمه. نحن بين خياري الحكم الرئاسي المركزي وهذا هو الخيار الذي يلوح في األفق ،إن خرج العراق من شبح التقسيم ،ويبقى خيار الدولة المدنية حلم ًا نتطلع جميعا لتحققه ونرجو أن يكون قريب ًا ،وهو ال شك يحتاج للكثر من العمل الجاد والتغيير الواعي الذي يشمل مناهج التعليم أوال من المراحل اإلبتدائية وحتى الجامعية ،والتركيز على قطاعي التربية والتعليم ألنهما مصنع األجيال الواعدة، وتفعيل دور القوانين والقضاء المستقل ،وال يخفى ما لوزراة الثقافة واإلعالم المهنية والمستقلة ،من دور في اإلرتقاء بوعي المجتمع واخالقياته وبذائقته الجمالية والفنية من خالل أعادة المكانة المرموقة للسينما والمسرح بالذات والفن بشكل عام ،تلك الذائقة التي كلما أرتقت كلما أصبح مواطن ًا يحترم النظام ،بل ويصبح هو النظام ذاته ،ولمثل هذا «فليعمل العاملون»
السياسي ـ الديني.. الوصاية على المجتمعات وابتزاز عواطفها ﻫﺎﺟﺮ اﻟﻘﺤﻄﺎﻧﻲ في عمر مبكر وبوعي أقرب للفطرة ،الحظت عمق البعد «السلطوي» في نظرة السياسي ـ الديني الى العالم. تشكل «الوصاية» على عقول وأنفس ومصائر االخرين، المنطق األبرز في صلة السياسي ـ الديني بمحيطه ،حيث يشكل «التعالي» السمة األعم لتموضعه في اطار الشأن العام. حين يكون السياسي ـ الديني في «حالة المعارضة» فهو يقسم مجتمعه إلى «فسطاطين» :ما هو ومن هو ضمن مجال سطوته النفسية والذهنية (مجال التأثير) ومن هو وما هو خارج مجال سطوته النفسية والذهنية (مجال التسقيط)؟ يشمل (مجال التأثير) الشركاء واالتباع والمتأثرين بهم ،وضمنه وعبره يروج السياسي -الديني لسرديته عن العالم التي ال تحتمل التباين والتعدد والتنوع اال في اطار (مجال التأثير) ولعل التحشيد الكمي هو السمة البارزة في ديناميكية هذا المجال. وعبر هذا المجال ومن خالله يمارس عملية ممنهجة السقاط الشرعية عن كل من هو أو ما هو داخل (مجال التسقيط) سواء كان نظام حكم أو منظومة مجتمعية أو ثقافية ،تمثل الشرعية االخالقية كلمة مفتاحية في هذا المجال. وحين ينتقل السياسي ـ الديني الى «حالة الحكم» فانه يقسم مجتمعه أيضا ً إلى فسطاطين :ما هو ومن هو ضمن مجال مصلحته السياسية المباشرة (مجال البراغماتية) وما هو ومن هو خارج مجال مصلحته السياسية المباشرة (مجال العبء). يدخل في (مجال البراغماتية) كل من ييسر عملية الفوز بأكبر حصة ممكنة من النفوذ والسلطة للسياسي ـ الديني ،وقد يدخل في ذلك ببساطة من كان في االمس القريب في (مجال التسقيط). ويدخل في (مجال العبء) كل من ال تثبت منفعته في عملية الفوز بأكبر حصة ممكنة من النفوذ والسلطة
للسياسي ـ الديني ..وقد يدخل في ذلك الكثير من شركاء االمس واالتباع والمتأثرين. يمكن القول ان هذا التقسيم ال يقتصر على السياسي ـ الديني ،وقد يكون ملمحا ً محددا ً للمنخرطين في صراع السلطة بشكل عام ،خصوصا أصحاب المشاريع االيديولوجية ،لكن الذي يميز السياسي ـ الديني هو االنتقال السريع والصادم من الحالة األولى إلى الثانية ،دون تبرير وجيه ودون مرحلة وسيطة وحتى من دون حياء .ذلك ان السياسي ـ الديني يمنح نفسه حصانة من المساءلة، ويخرج فعله من نسبية البشري ،إلى اطالقية المقدس بادعاء تمثله وتمثيله. واألخطر من ذلك فان السياسي ـ الديني ينقل معه الشرعية االخالقية والمجتمعية إينما ذهب .يهبها لمن يشاء وينزعها عمن يشاء. يفسر هذا حالة الصدمة والذهول وخيبة األمل العميقة التي تصيب الكثيرين من المنتمين للحركات اإلسالمية السياسية بعد وصول حركاتهم إلى السلطة ،حتى وان كان وصوال ً عابرا ً سريع االنتهاء .وتنشر هذه الحالة مشاعر الغضب واليأس وروح االنتقام في المجتمع ،فتقوض قيم التعاون والوالء لصالح االنتهازية والكراهية واالنقسام. يكتسب السياسي ـ الديني جاذبيته األولى من االستثمار في العواطف الدينية لدى العامة ،ويستخدم هذه االداة بفعالية كبيرة طيلة فترة التحشيد ،لكنه ال يبالي في االنقالب عليها ونبذها بسرعة حين يصل إلى الحكم منتصراً .بمجرد تقلب األيام يعود البتزاز العواطف الدينية للعامة من جديد ويفعل ذلك بمهارة منقطعة النظير. لذلك تتأرجح المجتمعات التي تطغى سلطة السياسي ـ الديني على مجالها العام دون سلطة القيم المدنية ،بين عواطف سياسية عنيفة ،تساهم في شقها عموديا ً وأفقيا ً بشكل خطير Hajar@islam21.net 9
إعادة التفكير في روحية اإلسالم اﻟﺘﻔﺴﻴﺮات اﻟﺘﺎرﻳﺨﻴﺔ ﻟﻠﻘﺮآن ﺗﺠﺮﻓﻨﺎ ﺑﺎﺳﺘﻤﺮار إﻟﻰ اﻟﺴﻴﺎق اﻟﻤﺘﺤﺠﺮ ﻻﺑﺪ ﻣﻦ إﻋﺎدة ﺗﻔﺴﻴﺮ اﻟﻘﺮآن ﻓﻲ ﻛﻞ ﺣﻘﺒﺔ زﻣﻨﻴﺔ ﺟﺪﻳﺪة
ﺑﺮوﻓﻴﺴﻮر ﺿﻴﺎء اﻟﺪﻳﻦ ﺳﺮدار كاتب وناقد واعالمي بريطاني ورئيس مجلس إدارة المنبر الدولي للحوار االسالمي
10
إعادة النظر بجدية لإلسالم قد طال انتظارها بعدما أعتمد المسلمون بشكل مريح ،أو باألحرى الوقوع مرة أخرى ،على التفسيرات القديمة ،ولهذا السبب أننا نشعر بعدم الثقة بالحداثة. العلماء والمفكرون اقترحوا ألكثر من قرن بأننا بحاجة إلى محاولة جادة في االجتهاد ..في النضال بعقل وإعادة التفكير ،إلصالح اإلسالم. ومع مطلع القرن الماضي ،قاد جمال الدين األفغاني ومحمد عبده ،الدعوة إلى االجتهاد الجديد ،وعلى طوال الطريق هناك العديد من المثقفين البارزين، اكاديميين وحكماء ،رسخوا هذا النداء ،منهم محمد إقبال ومالك بن نبي وعبدالقادر عودة .ومع ذلك ،فاالجتهاد هو الظاهرة الوحيدة التي فشلت المجتمعات اإلسالمية في تحقيقها ..لماذا؟ إلقاء نظرة مجردة على العالم اإلسالمي ترى ً بعيدا عن ُم ّثل وروح إلى أي مدى رحل المسلمون ً بعيدا عن كونه قوة تحرر ،وبكونه عامل اإلسالم.. اجتماعي ودينامية ثقافية وفكرية من أجل تحقيق المساواة والعدالة والقيم اإلنسانية. يبدو أن اإلسالم قد أصيب بمرض سريري، ويبدو لي أيض ًا أننا قد جسدنا كل تلك التأكيدات أو صور الغرب التاريخية والمعاصرة لإلسالم والمسلمين التي شوهنا بها لقرون عدة .إذن ال بد لي من االعتراف ،بأن الشياطين التي عرضها الغرب على شخصيتنا الجماعية ،ما زالت ماثلة في دواخلنا بقوة. ولكن إلقاء اللوم على الغرب ،أو مفهوم ً خيارا كسو ًال. الحداثة كشيء غريب علينا ،سيكون صحيح أن الغرب ،خاصة الواليات المتحدة ،لديها الكثير من االجابة على ذلك .ومن المفيد القول ان المسلمين يسارعون في توجيه أصابع االتهام إلى المظالم والهيمنة التي ارتكبتها السياسة الخارجية األمريكية واألوروبية .ومع ذلك ،فهذا جزء يمكن التغلب عليه بسهولة .ومع هذا فالهيمنة ليست مفروضة في كل الحاالت ،وفي بعض األحيان تكون مدعوة .الوضع الداخلي في اإلسالم هو بمثابة دعوة مفتوحة لتلك الهيمنة.
لقد فشلنا في االستجابة لدعوة االجتهاد وثمة أسباب عميقة ً جدا لذلك لعل من أهمها :حقيقة سياق نصوصنا المقدسة ..القرآن واحاديث النبي محمد (ص) حيث تم تجميدها ،لهذا ال يمكن للمرء أن يكون على عالقة تفسيرية مفتوحة مع النص.. باعتباره نص ًا مقدس ًا أبدي ًا. ولكن إذا كان السياق التفسيري للنص ليس سياقنا ،وليس زماننا ،إذن تفسيره ال يكاد يكون له أي معنى حقيقي أو أهمية بالنسبة لنا كما نحن عليه اآلن .التفسيرات التاريخية تجرفنا باستمرار نحو العودة إلى التاريخ ،إلى السياق المتحجر منذ فترة طويلة ،وما هو أسوأ ،يتم تعظيمها ،ندرك رومانسية السياقات بل تعظيمها التي لم تكن حتى أص ًال موجودة في التاريخ ،وهذا ما يعلل االرتباط العاطفي القوي لإلسالم لدى المسلمين .اإلسالم في حد ذاته ،نظرة عالمية ونظام لألخالق ،اضحى لديه القليل أو ال عالقة مباشرة له بحياة الناس اليومية، وبصرف النظر عن قلق واضح من الطقوس والعبادة، فان االجتهاد والتفكير الجديد غير ممكن بسبب غياب السياق الذي يمكنه ان يحدث ذلك فع ًال. تجميد التفسير وإغالق «أبواب االجتهاد» كان له تأثير مدمر على فكر وفعل المسلم .وقد أنتج ما أستطيع وصفه بثالث كوارث ميتافيزيقية :ارتفاع الشريعة إلى مستوى اإللهية ،مع ما يترتب على إزالة الوكالة (الخالفة) من المؤمنين ،والمعادلة
اﻷﻣﺔ ﻻ ﺗﻌﻨﻲ اﻟﻤﺴﻠﻤﻴﻦ ﻓﺤﺴﺐ ،واﻧﻤﺎ اﻟﺴﺎﻋﻴﻦ ﻟﺘﺤﻘﻴﻖ اﻟﻌﺪاﻟﺔ وﻧﺼﺮة اﻟﻤﻈﻠﻮﻣﻴﻦ ﻓﻲ ﻛﻞ ﻣﻜﺎن
بين اإلسالم والدولة. اسمحوا لي أن أوضح .يعتبر المسلمون، بشكل عام ،الشريعة ،بأنها «القانون اإلسالمي» وهي مقدسة .ومع ذلك ،ليس هناك شيء الهي ما يخص الشريعة .والشيء الوحيد الذي يمكن أن يوصف بأنه الهي في اإلسالم هو القرآن الكريم. الشريعة هو تشيد انساني في محاولة لفهم اإلرادة اإللهية في سياق معين .هذا هو السبب في أن الجزء األكبر من الشريعة يتكون في الواقع من الفقه ،وهو ليس أكثر من رأي قانوني من الفقهاء التقليدين .مصطلح الفقه لم يكن رائج ًا قبل العصر العباسي ،ولكن عندما تولى الفقه الشكل القانوني المنظم له ،أدرج ثالثة جوانب حيوية من المجتمع اإلسالمي في العصر العباسي .في تلك المرحلة ،كان التاريخ اإلسالمي في مرحلته التوسعية ،والفقه إدرج منطق عالمية اإلسالم في ذلك الوقت .األحكام الفقهية على حكم الردة ،على سبيل المثال ،ال تستمد من القرآن ولكن من هذا المنطق .وعالوة على ذلك ،كان العالم بسيط ًا، ويمكن بسهولة أن يقسم إلى األبيض واألسود، وبالتالي ،تقسيم العالم إلى دار إسالم ودار حرب. واالكثر من ذلك ،حيث كان واضعو القانون في تلك المرحلة ليسوا متخصصين بادارة المجتمع، وغير قادرين على رؤية العيوب الكامنة ،وما هو الجانب القانوني الذي يحتاج لتفكير جديد وإعادة صياغة ،لذا أصبح القانون مجرد نظرية .وهكذا الفقه ،كما نعرفه اليوم ،تطور على أساس تقسيم ً بعيدا بين أولئك الذين كانوا حاكمين وحدد نفسه عن المجتمع ،واولئك الذين أطروأ القانون. ماذا يعني في واقع األمر هو أنه عندما تفرض الدول اإلسالمية الشريعة تعود الشعوب إلى العيش في القرون الوسطى .يمكننا أن نرى ذلك في السعودية والسودان ،وحركة طالبان في أفغانستان ،خاصة مع التمسك الضيق بالفقه باعتبار ان الشريعة سوف تحل جميع مشاكلنا وتغدو مصدر قوة وهيبة الحكم. ارتفاع الشريعة إلى المستوى اإللهي يعني أيضاً ان المؤمنين أنفسهم ليس لديهم أي وكالة (خالفة) وبما أن القانون هو بداهة ،لذا فالناس أنفسهم ليس لديهم ما يفعلونه سوى الطاعة والتنفيذ. وبالتالي يصبح المؤمنون مستقبلين سلبين بد ًال من باحثين عن الحقيقة .في الواقع ،الشريعة ليست أكثر من مجموعة من المبادئ وإطار من القيم ،التي توفر التوجيه للمجتمعات اإلسالمية. ولكن هذه المبادئ والقيم ليست ثابتة لكنها حيوية
ومستمدة من ضمن السياقات المتغيرة .على هذا النحو ،تصبح الشريعة اإلسالمية هي منهجية حل المشكلة بد ًال من ان تكون قانون ًا .وهذا يتطلب من المؤمنين بذل قصارى جهودهم إلعادة تفسير القرآن الكريم وإلقاء نظرة على حياة النبي محمد (ص) بعيون جديدة ومختلفة .لهذا البد من إعادة تفسير القرآن من حقبة إلى حقبة ،مما يعني أن الشريعة، وبالتالي اإلسالم نفسه ،تفترض إعادة صياغته مع السياقات المتغيرة .ولعل الشيء الوحيد الذي يبقى ثابت ًا في اإلسالم هو النص القراني. اإلسالم ليس دين ًا فحسب ،وإنما هو نظرة تكاملية ،وهذا يعني ،أنه يدمج جميع جوانب الواقع من خالل توفير منظور أخالقي على كل جانب من جوانب المسعى اإلنساني .وال يقدم اإلسالم أجوبة جاهزة لجميع مشاكل اإلنسان ،بل أنه يوفر منظور أخالقي وعادل ،لكن على المسلمين السعي للعثور على إجابات لجميع مشاكل اإلنسان .فإذا كانت الشريعة اإللهية بداهة معطاة ،يتم اختزال اإلسالم إلى أيديولوجية شاملة ،وهذا بالضبط حال الحركات اإلسالمية ،خاصة الجماعة اإلسالمية (باكستان والهند) وجماعة اإلخوان المسلمين التي اختزلت اإلسالم بصورتها. وتبدو الكارثة الميتافيزيقية الثالثة في وضع هذا الفكر داخل أمة ـ دولة ما ،مع شريعة إلهية ،حينها يكون لديك «دولة إسالمية» حيث تستند جميع «الدول اإلسالمية» المعاصرة، من إيران والسعودية والسودان وما تسعى إليه باكستان إلى هذا االفتراض المثير للسخرية .وما ان يصبح اإلسالم أيديولوجية يتحول إلى برنامج ً فاقدا إنسانيته عمل مجموعة مصالح ثابتة، ويصبح ساحة معركة .تحويل اإلسالم إلى عقيدة سياسية على أساس دولة ليس فقط يحرمه من كل محتواه المعنوي واألخالقي ،بل إنه يتهكم أيض ًا
ﺗﺤﻮﻳﻞ اﻹﺳﻼم إﻟﻰ ﻋﻘﻴﺪة ﺳﻴﺎﺳﻴﺔ ﻳﺤﺮﻣﻪ ﻣﻦ ﻛﻞ ﻣﺤﺘﻮاه اﻟﻤﻌﻨﻮي واﻷﺧﻼﻗﻲ
على معظم التاريخ اإلسالمي بأنه غير إسالمي، وعندما يستعيد اإلسالميون الماضي «الذهبي» فإنهم يفعلون ذلك فقط من أجل ازدراء الحاضر واالستهزاء بالمستقبل .فكل ما بقى لنا هو الفوضى الحتمية ،كما راينا ذلك بوضوح في نظام طالبان. الرؤية الشمولية لإلسالم كدولة سيحول سياسة المسلم إلى الميتافيزيقيا في مثل هذه المشاريع، كل عمل يمكن تبريره على أنه «إسالمي» من خالل ما تمليه المصالح السياسية كما شهدنا في إيران. اوضحت الكوارث الميتافيزيقية الثالث عملية شاملة لالختزال التي أصبحت المعيار في المجتمعات اإلسالمية .العملية االختزالية نفسها هي أيض ًا ليست جديدة .أما اآلن فقد وصلت إلى حالة عبثية ،حيث أن األفكار التي كان من المفترض أن تدفع مجتمعات المسلمين نحو القيم اإلنسانية ،سارت في االتجاه المعاكس ..من الجمال البالغ الرقة في التحدي الدائم لبناء العدالة عبر الرحمة والشفقة ،نحصل على تركيز معادلة التبشير مع التطرف الذي تمارسه شريحة ترى ال حاجة للتفكر وبعيدة تمام ًا عن االدراك ألن االسئلة المهمة التي تدور في دواخلهم يعتقدون قد تمت اإلجابة عليها من قبل رجال دين تقليدين رحلوا منذ فترة طويلة ،فالسؤال أو النقاش حولها ،هو بمثابة التصويت للخطيئة. بدأت عملية االختزال مع المفهوم األساسي لرجل الدين نفسه .من هو ،من الذي جعل منه سلطة؟ في صدر اإلسالم كان رجل الدين أي شخص يحتذي بالعلم أو المعرفة ،التي وصفت بمعناها الواسع .ويمكننا أن نرى ان تصنيفات المعرفة في الوقت المبكر من قبل علماء امثال الكندي ،الفارابي ،ابن سينا ،الغزالي وابن خلدون. والواقع أن كال تعريفي المعرفة كانتا نشاطا فكري ًا ً كبيرا في اإلسالم التقليدي .لذلك كل الباحثين والفالسفة والعلماء والالهوتين ،هم علماء .ولكن بعد غلق «أبواب االجتهاد» في العصر العباسي، اختزل العلم إلى معرفة دينية ،واصبح العلماء يمثلون علماء الدين فقط. وبالمثل ،فإن فكرة اإلجماع ،الفكرة المركزية للحياة المجتمعية في اإلسالم ،قد تم اختزالها إلى إجماع قلة مختارة .اإلجماع يعني حرفي ًا إجماع الناس .ويعود المفهوم إلى ممارسة النبي محمد نفسه كقائد لنظام الحكم األصلي عند المسلمين. عندما أراد الرسول التوصل إلى قرار ،كان يدعو 11
كبيرا ً ً جدا انذاك المجتمع اإلسالمي بأسره ـ لم يكن إلى المسجد .وما يترتب من المناقشة هو عرضالحجج المؤيدة والمعارضة .وأخيرا ،فإن الجمع يتوصل إلى توافق في اآلراء .وهكذا ،فان روح الديمقراطية كانت مركزية في الحياة المجتمعية والسياسية لصدر اإلسالم .لكن مع مرور الوقت ازال رجال الدين الناس من المعادلة ،واختزل اإلجماع إلى إجماع علماء الدين. ليس من المستغرب إذن ،التسلط والثيوقراطية واالستبداد التي يسود العالم اإلسالمي .لذا يجد المجال السياسي نموذجه فيما أصبح الممارسة المقبولة وصنعة األتباع المخولة ديني ًا ،أولئك الذين يدعون احتكار شرح وتوضيح اإلسالم .ظالمية رجال الدين ،تهيمن على المجتمعات اإلسالمية لرسم خطوط التعصب وبعبثية المنطق االختزالي. ذهبت العديد من المفاهيم األخرى من خالل عملية مماثلة من االختزال .مفهوم األمة ،المجتمع الروحي العالمي للمسلمين ،قد تم اختزاله إلى المثل العليا دولة ـ امة ،الدولة قومية« :بلدي على حق خطا أم صواب» تم نقله الى «امتي على حق خطأ أم صواب» .وحتى طغاة أمثال صدام حسين تم الدفاع عنه على أساس «وعي األمة» و«وحدة األمة» .وقد تم اآلن اختزال الجهاد لمعنى واحد هو «الحرب المقدسة» .هذه الترجمة ضارة لروحانية المفهوم ومكوناته الفكرية واالجتماعية، وتم بالمقابل اختزال المفهوم إلى حرب بأية وسيلة، بما في ذلك اإلرهاب .لذلك يمكن ألي شخص اآلن أن يعلن الجهاد على أي شخص اخر ،دون أي مسبب أخالقي أو معنوي أوأي سبب آخر .ال شيء يمكن أن يكون أكثر انحراف ًا أو مرض ًا أكثر ً بعدا عن المعنى األولي من الجهاد .دالالت الجهاد األخرى ،بما في ذلك الكفاح الشخصي ،المسعى الفكري ،والبناء االجتماعي ..كلها تبخرت. االستصالح صار عادة باسم «المصلحة العامة» ً ومصدرا رئيسي ًا للشريعة اإلسالمية ،كلها اختفت من الوعي اإلسالمي ،واالجتهاد تم اختزاله إلى ما يزيد قليال عن رغبة. لكن العنف الذي يقوم على مفاهيم إسالمية مقدسة هو ضئيل بالمقارنة مع الطريقة االختزالية للقرآن وأقوال وأمثلة النبي محمد التي تلوكها األلسنة .ذلك الذي يطلق عليه العالم الراحل فضل الرحمن التعامل «الذري» مع القرآن ،اصبح اآلن هو القاعدة ..كل شيء وأي شيء تقريبا له ما يبرره باالقتباس من اآليات ومن خارج سياقها. 12
بعد احداث 11سبتمبر ،على سبيل المثال ،عدد من أنصار طالبان ،بما في ذلك عدد قليل في بريطانيا ،تم تبرير الفعل باقتباس اآلية التالية: سنلقي في قلوب الذين كفروا الرعب بما اشركوا.. (.)151، 3 ومع ذلك ،فإن الظاهر الذي ينسب إلى هذه اآلية ال شي أبعد عن الروح الحقيقية للقرآن .في هذه اآلية المعينة ،كان القرآن يخاطب النبي محمد نفسه ،نزلت عليه أثناء غزوة أحد ،عندما كان جيش ً ً ً تجهيزا عدوا أكبر ومجهز صغيرا ويواجه النبي ً جيدا .كان معني ومهتم إزاء نتيجة المعركة.
القرآن يطمئنه ويعده بأن العدو سيرتعب من جيش النبي القليل العدد والعدة .فاآلية ً نظرا لسياقها، إنها ليست تعليمات عامة لجميع المسلمين، ولكن تعليق ًا على ما كان يحدث في ذلك الوقت. وبالمثل يتم نقل احاديث الرسول (ص) لتبرير أكثر السلوك تطرف ًا .وتحول مظهر النبي نفسه :لحيته ومالبسه ،إلى صنم :واآلن اصبحت واجب ًا «للمسلم الحسن» أن ال تكون ليس له لحية فحسب ،ولكن طولها وشكلها مطابق ًا لهذه االمالءات أيض ًا! تم اختزال النبي إلى اإلشارات والرموز ،اما سلوكه واألبعاد المعنوية واألخالقية ألفعاله ،تواضعه ورحمته ،المبادئ العامة التي دافع عنها ،ركنت في زوايا التجاهل والنسيان. التأثير التراكمي من الكوارث الميتافيزيقية حولت عقائد اإلسالم السمحة إلى اسلحة للتشدد النفعي واإلفالس األخالقي .وألكثر من عقدين من الزمن ،أكدت في كتبي مثل «مستقبل حضارة المــسلم» ( )1979و«المســتقبل اإلسالمي»، و«شكل األفكار القادمة» ( )1985أن الحضارة اإلسالمية مجزأة ً جدا ومحطمة بشكل ما يتوجب
ﻻﺑﺪ ﻣﻦ إﻋﺎدة اﻟﻨﻈﺮ ﻓﻲ اﻹﺳﻼم وﻧﺒﺪأ ﻣﻊ ﺣﻘﻴﻘﺔ ﺑﺴﻴﻄﺔ وﻫﻲ أن اﻟﻤﺴﻠﻤﻴﻦ ﻻ ﻳﺤﺘﻜﺮون اﻟﺤﻘﻴﻘﺔ
علينا اعادة بنائها «لبنة إثر أخرى» .فمن الواضح اآلن البد من إعادة النظر في اإلسالم نفسه ،فكرة بفكرة .علينا أن نبدأ مع حقيقة بسيطة وهي أن المسلمين ال يحتكرون الحقيقة .ومثل بقية البشر، علينا النضال من أجل تحقيقها باستخدام أفكارنا ومفاهيمنا المقدسة الخاصة بنا كأدوات لفهم وإعادة تشكيل الواقع المعاصر. الطريق إلى تقدير جديد ومعاصر لإلسالم يتطلب مواجهة الكوارث الميتافيزيقية واالبتعاد عن االختزال إلى التوليف .في المقام األول، يحتم على المسلمين ،كأفراد وجماعات ،استعادة الوكالة (الخالفة) واإلصرار على حقهم وواجبهم، كمؤمنين وأهل علم ،إلعادة تفسير المصادر األساسية لإلسالم .ربما تسأل ما يجري اآلن تحت العنوان العام من الشريعة .ال يمكننا ،إذا كنا حقا ان نق ّيم إيماننا ،ترك التفسير في أيدي رجال الدين ،الشريحة األقل تعلم ًا والتي تنقصها فهم معاصر للعالم وعادة تمتاز بازدراء واحتقار جميع األفكار والمنتجات الثقافية الناتجة منه. وقد اشاع وهن اإلسالم بسبب شريحة هي أكثر دراية عن عالم القرن الحادي عشر أكثر من القرن الحادي والعشرين الذي نعيش فيه اآلن .وال يمكن أن نسمح لهذه الشريحة في دفن الفكرة النبيلة لالجتهاد في التاريخ البعيد. المسلمون في جميع أنحاء العالم لديهم مخاوف ،يتسألون عن الحالة الراهنة لشؤون اإلسالم ما يتوجب عليهم استعادة المفاهيم األساسية لإلسالم وإعادة صياغتها في سياق أوسع .اإلجماع من الضروري أن يعني إجماع جميع المواطنين في المشاركة والمساءلة للحكامة. الجهاد يجب أن يفهم في معناه الروحي الكامل، كما ان الكفاح من أجل السالم والعدالة هو واقع معاش لجميع الناس في كل مكان ،ومفهوم األمة يجب العمل عليه ليصبح أكثر من مجرد تجريد اختزالي .كما قال أنور إبراهيم «األمة ليست مجرد مجتمع لكل أولئك الذين يدعون أنهم مسلمون ،بل هو المفهوم األخالقي للكيفية التي ينبغي أن يصبح المسلمون كجماعة في عالقتها ببعضها البعض، والمجتمعات األخرى والعالم الطبيعي» .األمة ليس المسلمين فحسب ،وانما الساعين لتحقيق العدالة ونصرة المظلومين في كل مكان .بمعنى من المعاني ،فإن الحركة نحو التوليف هو التقدم نحو المعنى األولي كوسيلة معنوية واخالقية للنظر وصياغة العالم ،وكمجال للثقافة المدنية السلمية، وصيغة شاملة للمعرفة ،باعتبارها كينونة وفعل
تركيا ..ﺍنتصاﺭ ﺍإلسالميين ﺃﻡ ﺍلعلمانية؟ أﻣﻴﺮ ﺑﺎﺑﻜﺮ ﻋﺒﺪاﷲ في مجال البحث العلمي يبدأ الباحث بفرضيات ،ثم ينطلق في دروب ومتاهات بحثه باستخدام الوسائل واألدوات المناسبة للمنهﺞ الذي يختاره إلثبات صحة تلك الفرضيات أو يقوده لنفيها وإثبات عدم صحتها .واحدة من نقائﺺ اإلسالميين العرب ،التي قادت لتأخرهم وتخلفهم عن الركب في المسائل الحياتية ،هي تعاملهم مع الفرضيات كحقائق ليست قابلة للنقﺾ وبناء مواقفهم ورﺅاهم على أحكام قطعية لم تتوافر لها فرﺹ اإلختبار وقواعد التجريب لتأكيدها. من سلبيات األحكام والرﺅى القاطعة هي ما يترتب عليها من نتائﺞ خاطئة وركون إلى واقع متوهم ،مثلما يحاولون تصوير النظام السياسي التركي بـ (اإلسالمي) ،عقب فوز حزب العدالة والتنمية باألغلبية البرلمانية ورئاسة الوزراء في السنوات السابقة ،ودعمه الفوز األخير لرجب طيب أردوغان باالنتخابات الرئاسية مؤخراً. الحقيقة التي ستجيب على تساﺅلنا بأن فوز أردوغان انتصار لﻺسالميين أم العلمانية هو الوثيقة التي تحكم ذلك النظام وهي الدستور الذي أدى أردوغان بموجبه القسم كرئيس لجمهورية تركيا .في الباب األول من الدستور التركي وتحت عنوان المبادﺉ العامة تنﺺ المادة الثانية على أن «جمهورية تركيا هي دولة ديمقراطية وعلمانية واجتماعية تحكمها سيادة القانون؛ وتضع في اعتبارها مفاهيم السلم العام ،والتضامن الوطني والعدالة؛ واحترام حقوﻕ اإلنسان؛ والوالء لقومية أتاتورﻙ ،وقد أنشئت على أساس المبادﺉ األساسية المنصوﺹ عليها في الديباجة». إذا ً الدستور الذي فاز بموجبه أردوغان يقطع الشك بيقين أن دولة تركيا دولة علمانية المرجعية ديمقراطية النظام والﺅها للقومية التركية ،فهي ليست دولة ذات مرجعية دينية .هذه الحقيقة يتجاهلها اإلسالميون العرب أثناء فرحتهم بنجاح الرئيس المسلم أردوغان ،وهذا التجاهل يعمي بصائرهم عن دراسة حقيقية للواقع السياسي التركي ليستفيدوا منها في ترقية وتطوير أدائهم السياسي في بلدانهم. إذا تركنا نصوﺹ دستور الجمهورية التركية المؤكدة على علمانية الدولة جانباً ،ونظرنا في دستور حزب العدالة والتنمية نفسه تنﺺ مبادﺉ الحزب في المادة الثانية (المرتكزات األساسية للحزب) على أن «حزب العدالة والتنمية» هو تنظيم سياسي، تأسس من أجل القيام بالعمل الحزبي واألنشطة السياسية طبقًا لالئحته وبرنامجه في إطار :دستور الجمهورية التركية ،والمواثيق
الدولية المص َّدﻕ عليها من قبل مجلس األمة التركي الكبير ،وعلى رأسها «البيان الدولي لحقوﻕ اإلنسان» و«االتفاقية األوروبية لحقوﻕ اإلنسان» وقانون األحزاب السياسية ،وقوانين االنتخابات ،والقوانين واللوائح األخرى ذات الصلة. هذا النﺺ ال يحتاج إلى أي تفسير فهو واضح بما فه الكفاية ويكشف عن مدى التزام الحزب بعلمانية الدولة كما هو منصوﺹ عليها في الدستور. الثابت في النظام التركي هو ما أسسه زعيم دولتها العلمانية مصطفى كمال أتاتورﻙ .والثابت أن التطور في الدستور الدائم لجمهورية تركيا يقر وفقا ً للمبادﺉ واألسس الديمقراطية وال يخرج عن المرجعية العلمانية حتى إذا جاء على رأس النظام رئيس ذو خلفية إسالمية .وكما هو ثابت أيضا ً فﺈن المصالح العليا لتركيا سواء حكمها حزب العدالة أو غيره لن تحيد عن التزامها بالعلمانية كمرجعية ،والديمقراطية كنظام سياسي طالما هي تنظر إلى محيطها اإلقليمي وتتطلع إلى أن تكون عضوا ً مؤثرا ً ومشاركا ً في اللعبة السياسية الدولية .لعل هذا ما استدعى محمد مرسي عندما كان عضوا ً في مكتب اإلرشاد لجماعة األخوان المسلمين في العام ،2007قبل أن يتولى الرئاسة ،أن يكتب مقا ًال يهاجم فيه حزب العدالة والتنمية هجوما ً شديداً« :أن حزب العدالة والتنمية الذي يحكم ،اﻵن ،أحد المكونات السياسية للدولة التركية، بدستورها الحالي ،وبعد سقوط الخالفة اإلسالمية وصعود القومية واألتاتوركية ما زالت ،حتى اﻵن ،تقرر علمانية الدولة، بدستورها وقانونها وتوجهها نحو أوروبا ،وسعيها الحثيث لتصبح جز ًءا منها رغم االختالﻑ الب ِّين بين الشعب التركي المسلم والشعب األوروبي العلماني في الفكر والسلوﻙ». النجاح اإلقتصادي الذي حققته تركيا والنجاح السياسي الذي حققه حزب العدالة والتنمية التركي جاء نتيجة دوران العجلة العلمانية في شرايين النظام السياسي ،والتزام ذلك الحزب بقيم وقواعد النظام السياسي الديمقراطي .إذا ً على اإلسالميين في العالم العربي النظر بعمق إلى تلك التجربة بد ًال من تتملكهم النشوة الزائفة بانتصار أردوغان ،وأن يعيدوا النظر في كثير من أحكامهم القطعية حول صالحية نظامهم الذي فصلوه على مقاسهم فقط وال مكان فيه لﻶخرين سياسي وكاتب وقاﺹ من السودان
13
ﻋﻴﻦ اﻟﺮاﺻﺪ
ﻣﺎ ﺑﻌﺪ اﻻﺳﻼﻣﻮﻳﺔ
خطوة في مسار بزوغ حراك مدني مجتمعي أﺣﺪ أﻫﻢ أﺳﺒﺎب ﻓﺸﻞ اﻹﺳﻼم اﻟﺴﻴﺎﺳﻲ ﻣﻘﺎرﺑﺘﻪ واﻗﻌﺎ ﺣﺎﺿﺮا ﻣﺎض ﺑﻮاﻗﻊ ٍ ﻣﺨﺘﻠﻒ وﻣﺘﻤﺎﻳﺰ إﻣﺎ أن ﻳﺸﻬﺪ اﻹﺳﻼم اﻟﺴﻴﺎﺳﻲ وﻻدة ﺟﺪﻳﺪة ﺑﺸﻜﻞ دﻳﻤﻘﺮاﻃﻲ أو ﺳﻴﻌﻴﺶ ﻣﺮﺣﻠﺔ اﻧﺤﺴﺎر
إعداد:
ﻫﻴﺌﺔ اﻟﺘﺤﺮﻳﺮ 14
بعين ثاقبة ،ينظر فريق «الراصد التنويري» الى المشهد الثقافي والفكري في المنطقة العربية وما جاورها ،وضمن اطار ثيمة بعينها ،يطرح اسئلة محددة ليفهم من اين تأتي مساهمات الك ّتاب والمفكرين ولماذا تاتي وكيف تأتي ،وكيف يمكن قراءتها في سياق الصورة الكبرى السئلة المرحلة وأزماتها واشكاليتها. وفي هذا العدد ،يسعى الفريق الى رفد القارئ المهتم بصورة بانورامية متسعة ،تعين على تطوير تفكير اكثر اتساقاً بشأن ما يطرح من قضايا ،ال سيما في خضم هذا الضخ الالمتناهي لالفكار واالقوال والجدليات ،الغث منها والسمين ،نحو الفضاء العام لقراء العربية ،مخترقا بالطبيعة حتى فضاءاتهم الخاصة. ال يدعي الفريق ،االلمام الكامل بهذه الصورة ،ويتواضع للزعم ان هذا المسعى الشك يبقى غير كامل وخاضعاً بشكل طبيعي النحيازات البشر ونسبية اي قراءة او تأويل لواقع معين ،على ذلك سيسعد الفريق جدا ان يتفاعل القراء مع هذا التقرير ،وان يساهموا في تطويره بأي فكرة او مقترح. كتب الباحث واألكاديمي الفرنسي المعروف أوليفيه روا ،المختص في شؤون التيارات اإلسالمية ،في كتابه المعنون« :فشل اإلسالم السياسي»عن ظاهرة فشل ظاهرة اإلسالم السياسي تنبع من فشل الحركات التي تُمثلها في تحقيق هدفها الكبير والمعلن وهو إقامة الدولة اإلسالمية، وفشلها أيض ًا في تقديم أي مشروعات اجتماعية أو اقتصادية أو سياسية متكاملة .فالمسلمون األصوليون (على اختالف أطيافهم ومشاربهم وبلدانهم) يرون في اإلسالم أيديولوجيا سياسية تسمح ببناء مجتمع إسالمي انطالق ًا من الدولة. لكن فكرة الدولة اإلسالمية ،كما يجادل روا بشدة، متناقضة أص ًال ويستحيل تنفيذها ،إذ يمنح مفهوم الدولة األولوية للسياسة في شكل من أشكال الدنيوية الزمنية. وعن إعادة األسلمة في أوساط الجالية المسلمة في الغرب ،يشير أوليفيه روا إلى أنها ليست فقط احتجاج ًا اجتماعي ًا أو محاولة للتوفيق بين الوفاء لألصل والحداثة واالستقالل الفردي ،بل هي جزء من سيرورة اضمحالل الثقافات األصلية لصالح
الغربنة .فإعادة األسلمة هذه تعني أن الوعي بالهوية ً وجزءا من اإلسالمية -التي كانت ال غبار عليها مجموعة ثقافية موروثة -ال يمكنه أن يستمر إال إذا أعيدت صياغة هذه الهوية ،وهذا خارج أي سياق ثقافي بعينه ،أوروبي ًا كان أو شرقي ًا .وعليه فإعادة األسلمة مرتبطة بإرادة تحديد إسالم كوني يتجاوز اإلطارات المحلية ،ويعتبر أن االنسالخ عن البيئة األصلية يقود إلى البحث عن الكونية أكثر منه إلى الحنين لوطن أو لمجتمع ،البحث عن هذه الكونية يتم ضد الثقافتين األصلية والغربية. ويطرح الكتاب مسألة مبالغة اإلسالميين في تثمين الدولة التي أدت إلى خفض قيمة الدين ،حتى في ظل غياب أي تحول ديمقراطي ،أي فك الترابط بين الحقلين السياسي والديني. ً يحتكروا يوماً ويشدد روا على أن اإلسالميين لم التعبير الديني لوجود جهات أخرى تعبر عن الدين. وبالتالي فالتنوع داخل اإلسالم حال دون االنصهار بين الديني والسياسي .فاألحزاب اإلسالمية غير قادرة على تقديم نفسها على أنها التعبير الوحيد والشرعي لإلسالم في السياسة.
ويعتبر االيراني آصف بيات من اوائل الباحثين في «ما بعد االسالمية» الذي يشغل منصب أستاذ علم االجتماع ودراسات الشرق األوسط في جامعة إلينوي االمريكية ،إذ يشير بيات إلى ظهور نقد مكثف للنظام السياسي ما بعد الثورة في إيران داخل الحوزة الشيعية ،وذلك إلزالة الغموض عن الدولة اإلسالمية .ومن رجال الدين على سبيل المثال محسن كديور ومحمد شبستري وغيرهما التي تضافرت فيهما السلطة الدينية ولغة التمرد السياسي .فالدين كما يرى ،ليس العوبة االيديولوجية أو العكس ،مشددين في الوقت ذاته ً امتيازا جماعي ًا .وقد على ان اإلنسانية ليست أظهر كديور الذي درس على يد آية الله حسين علي منتظري ،أحد أقرب أتباع آية الله الخميني في مدينة قم الدينيةً ، نقدا قوي ًا للدولة اإلسالمية إلزالة ً وتحديدا والية الفقيه الذي الغموض عن الدولة، ً تصورا بشري ًا ،وتجريده من يعتبر في نهاية المطاف ً مؤكدا في الوقت ذاته أي مظهر من مظاهر القداسة. توافق تصور مفاهيم حقوق اإلنسان مع اإلسالم، بد ًال من وضع التصور اإلسالمي على وجه التحديد لحقوق اإلنسان. من جانبه احرز أنور إبراهيم المؤسس لحركة ائتالف باكتان راكيات (الحلف الشعبي) وهو ناشط إسالمي ووزير حكومة سابق في ماليزيا، النجاح في بناء الجسور بين مختلف الجماعات العرقية والدينية في ماليزيا ،في محاولة جادة لتحقيق التعايش في ظل حكم االكثرية المسلمة. فصلية «المسلم الناقد» الصادرة باللغة االنكليزية تطرقت إلى أسئلة جديدة حول مستقبل اإلسالم جنب ًا إلى جنب مع االحتفال بالرمز التاريخي الشهير في العقالنية اإلسالمية ابن رشد السنوية. ويعتبر المعهد المسلم جزء من اتجاه عالمي أوسع، وبشكل متميز في بريطانيا ،األمر الذي يعكس قراءات ديناميكية جديدة لإلسالم يمكنها تحقيق تطبيق أفضل المشتركات بين اإلنسانية. ويرى محمد موسى في اطروحته للدكتوراه في جامعة «أكستر» البريطانية ان العنف في الدين والسياسة يحتاج إلى رؤية نقدية .كما تتطلب العالقات بين الطوائف ،وليس فقط بين السنة ً مزيدا من االهتمام عبر أعمال نموذجية والشيعة، وعامة لبناء جسور التواصل ،وان مجرد إزالة الغموض عن السلطة الدينية يمكن أن تؤدي بشكل صحيح لزراعة إيمان حقيقي في اإلسالم من دون خوف ونفاق ..والصراع على روح االسالم يعتمد على الكلمة المكتوبة التي هي ذاتها خاضعة
للهجوم في مفارقة من نوع ما ،هو من وحي استبدال التعلم والمعرفة من قبل السلطة الزائفة الدينية من خالل القصص المفتعلة عن صدام الحضارات أو مؤامرة عالمية ضد اإلسالم والمسلمين. ويمثل كتاب «ما بعد اإلسالموية ..األوجه المتغيرة لإلسالم السياسي» ،الصادر في أواخر العام الثالث للربيع العربي محاولة مهمة لنقض االتجاه السائد من خالل إعادة قراءة تاريخ الحركات اإلسالمية في عدد من دول العالم اإلسالمي من خالل مفهوم ما بعد اإلسالموية ً منظورا إلعادة تقييم هذه الحركات ،واألهم باعتباره قراءة القوى الكامنة وراء تحوالتها وتغيراتها في
ﺳﺎﻫﻤﺖ ﺣﺮﻛﺎت اﻹﺳﻼم اﻟﺴﻴﺎﺳﻲ إﻟﻰ ﺗﺤﻮﻳﻞ اﻟﺪﻳﻦ إﻟﻰ أداة ﻣﻮاﺟﻬﺔ ﻣﻊ اﻟﻤﺠﺘﻤﻊ
سياقاتها االجتماعية والسياسية .وشارك في مشروع الكتاب الذي حرره آصف بيات ،عدد من المختصين في حركات اإلسالم السياسي من ذوي الخلفيات والمشارب البحثية المتنوعة ،حيث كتب إحسان داغي في «النسخة التركية لما بعد اإلسالموية» وجيهان توجال «اإلسالم وتخندق النزعة المحافظة التركية» وسامي زميني «ما بعد اإلسالموية المغربية :معانقة اإلتجاه أو السراب؟» حالة الحركات اإلسالمية المغربية بتاريخها منذ ما بعد االستقالل حتى وصولها إلى السلطة في أعقاب الربيع العربي وموقع ما بعد اإلسالموية من تحوالتها .كما يحلل ستيفان الكروا في دراسته: «العربية السعودية وحدود ما بعد اإلسالموية» ان المحافظية السعودية كانت السبب الرئيس لعرقلة تطور ما بعد اإلسالموية في السعودية ..وغيرها من الدراسات المفيدة حول لبنان وباكستان. وناقش عبدالعزيز العمراني ،الباحث المغربي متخصص في األدب االنكليزي ،في موقع «مؤمنون بال حدود» الفضاء العام العربي في مرحلة ما بعد اإلسالمية وما بعد العلمانية ،حيث يرى ان الدين في المجال العام على المستوى العالمي خفي ًا وسري ًا. ولكن مع عودة الدين إلى قلب الثقافة والسياسة، 15 15
أصبح المجال العام يعيد تعريف نفسه دون تهميش الدين .وبعد الربيع العربي استوعب المجال العام تيارين يتطوران باطراد ،هما :ما بعد اإلسالمية وما بعد العلمانية ،وهما يعيدان تشكيل العالم العربي من جديد ،لذلك فإننا نشهد بوادر بزوغ فجر ليبرالية عربية جديدة ،تستأنف مسيرة الليبراليين العرب األوائل منذ القرن الثامن العشر ،كما ب ّين ألبرت حوراني في عمله الرائد «الفكر العربي في العصر الليبرالي» 1798ـ .1939 د .احمد جميل عزم أكد من جانبه في مقاله المعنون «ما بعد الصحوة اإلسالمية» في صحيفة «الغد» ان انتهاء الصحوة اإلسالمية أمر حتمي. فالصحوة هي بداية تعقبها مراحل متممة أو تعقبها عودة للنوم .تماما كما يحدث لإلنسان ،فهو يصحو ثم ينطلق ألطوار أخرى من الحياة أو يعود للنوم. ووصف المرحلة منذ السبعينيات باعتبارها زمن «الصحوة اإلسالمية» وهي مرحلة أفرزت «حركة إسالمية» وجي ًال متكام ًال وأنساق ًا اجتماعية وثقافية وسياسية وحركات وأحزاب ًا وفصائل وقيادات جماهيرية ّ ومنظرين. واآلن إما أن تكون هذه «الصحوة» قد انتقلت من المرحلة األولى بما فيها من شعارات وحماسة وطموح ،إلى مرحلة برامج عملية مثمرة أو أنّ «الحركة» ستنتهي كما انتهت مرحلة «المد» اليساري والقومي قبلها .وبكلمات أخرى ،إما أن ترتقي الحركية اإلسالمية لطور ما بعد «الصحوة» أو سيأتي بديل لها ،كما كانت هي بديال للمدين القومي واليساري .ويستنتج «بأننا أمام شكل جديد لظاهرة اإلسالم السياسي ،يقوم على فهم األفراد للدين ونصوصه بأنفسهم أكثر من اعتمادهم على فهم حركات مس ّيسة ،أو أننا أمام تراجع تلك الظاهرة لصالح واقع جديد ال يزال غير واضح المعالم». وفي مقاله المعنون« :ما بعد اإلسالم السياسي» في صحيفة «الحياة» يؤكد إبراهيم غرايبة ان مسؤولية نشوء ظاهرة اإلسالم السياسي تتحملها الحكومات كما الجماعات ،ففي سعي الحكومات الجتذاب تأييد المتدينين وحشدهم في الصراع ،ساهمت في نمو اإلسالم السياسي، بل في تضخيم دور الدين في السلطة وفي الحياة العامة واليومية وتحويله إلى أداة هيمنة ومواجهة مع المجتمعات والمعارضات. كانت جماعة «اإلخوان المسلمين» في نشأتها وروايتها الملهمة تقول إنها تسعى الى استئناف 16
الخالفة اإلسالمية ،ولقيت في ذلك تشجيع ًا وترحيب ًا من األنظمة السياسية في مصر وغيرها من الدول ذات األنظمة السياسية المحافظة والتي رأت فيها شريك ًا في مشروعها االجتماعي وفي مواجهتها مع التيارات السياسية واالجتماعية ً تهديدا للبنية االجتماعية الجديدة التي كانت تبدو والهيكلية للنخب والسلطات .ثم تحولت الجماعة إلى عبء على نفسها وعلى الدول والمنظومة السياسية واالجتماعية .وبالطبع فإن الخيار األفضل لم يكن المواجهة واالضطهاد ،ما ساهم في
ﺳﺎﻫﻤﺖ اﻟﺴﻠﻄﺎت ﻓﻲ ﺗﻀﺨﻴﻢ دور اﻟﺪﻳﻦ ﻓﻲ اﻟﺤﻴﺎة اﻟﻴﻮﻣﻴﺔ وﺗﺤﻮﻳﻠﻪ إﻟﻰ أداة ﻣﻮاﺟﻬﺔ ﺿﺪ ﺧﺼﻮﻣﻬﺎ
إنشاء ظاهرة الجماعات القتالية والتكفيرية ،وفي تنامي الكراهية واالنقسام االجتماعي ،وأسوأ من ذلك هشاشة المجتمعات وعجزها عن حماية وتنظيم شؤونها ،واستيعاب الحداثة ،ومواجهة أخطار الفقر والتهميش. بدوره قارب الكاتب واإلعالمي األردني، حاتم الهرش األسئلة المطروحة ،منطلق ًا من أن «كبرى حركات اإلسالم السياسي جماعة اإلخوان المسلمين ،تواجه أشد لحظات وجودها خطورة» موضح ًا أن «كل المقاربات التي تطرح لدحض هذا الطرح من طرف الجماعة ،تقع في إشكالية اجترار خطابات المحنة وتجاربها في خمسينيات القرن الماضي مع اختالف الواقع الحالي». واعتبر الهرش أن «هذا الطرح هو دليل إدانة لسلوك الجماعة السياسي في الميدان ،لسببين :أولهما استبطان خطابات المحنة دون إقناع مؤيدي التنظيم وجماهيره بأدوات تم تجاوزها ،وثانيهما :مقاربة واقع ماض بواقع حاضر مختلف تمام االختالف». وأشار الهرش في حديثه إلى أن جماعة اإلخوان حينما يغيب دورها الميداني ،كما في العراق وسوريا ،فإن ذلك يقود إلى نشوء خطابات جهادية تمأل الفراغ في تلك الدول ،سرعان ما تجد من
يلتف حولها ،وبالتالي يفقد اإلخوان وجودهم إال بشكل عابر ال يؤبه له ،وغير مؤثر في الواقع. وفي تقييمه ألداء اإلخوان في الدول المختلفة ،رأى الهرش أن اإلخوان فشلوا في إدارة الحالة اليمنية، وفشلوا كذلك في مصر بصرف النظر عن المالبسات، واكتفت النهضة التونسية بوزير واحد ،وهي أبعد ما تكون عما يصفونه بالتشاركية والتعددية ،طبعا هم ليسوا جزءا من المعادلة في سوريا والعراق. وخلص الهرش إلى القول «اإلخوان في عموم تلك الدول ،إما أن يشهدوا والدة جديدة بفعل ميداني يتجاوز خطابات المحنة ،أو سيعيشون مرحلة االنحسار التي عاشها القوميون واليساريون في سبعينيات القرن الماضي بعد هزيمة .67 وفي مقاله «أسباب فشل اإلسالم السياسي.. من الربيع العربي إلى دولة داعش» يكتب علي أنوزال في موقع «هنا صوتك» االلكتروني ،ان الفشل هو ما يجمع تجارب اإلسالم السياسي في تجارب عدة ،إذ يقول« :تقييم تجارب اإلسالم السياسي في الحكم يختلف من دولة إلى أخرى، ويبقى ما يجمع بينها كلها هو الفشل الذي كان مآلها كقدر محتوم عليها .وال يمكن الحسم بأن هذا الفشل ُفرض عليها ،ألن ذلك سيسقط مسؤولية
اإلسالم السياسي في تحمل خسائر فشله في تدبير الحكم». ويضيف« :ما هو ملموس ،هو أن اإلسالم السياسي حمل معه إلى السلطة والمسؤولية أسباب فشله البنيوية والموضوعية ،من قبيل انعدام ثقافة الديمقراطية عند هذا التيار ،وغروره المفرط بقوته المفترضة في الشارع ،وضعف كفاءة أطره ،وقلة تجاربه في التدبير أو انعدامها في كثير من الحاالت ،وانتهازية ونفاق بعض فصائله ،وانسياقه وراء شعارات قواعده شبه األمية ،وتشبثه بأفكاره القطعية وأحكامه المسبقة ،وعدم وضوح رؤاه ،وفي حاالت أخرى سعيه إلى الغموض والتقية. «أثبتت تجارب حكم اإلسالميين مدى محدودية شعاراتهم التي كانوا يلخصونها في عبارة «اإلسالم هو الحل» .أما الديمقراطية التي كان يعاديها غالتهم ،فبفضلها وصلوا إلى الحكم أو على األقل أتاحت لهم فرصة التعبير عن آرائهم بدون خوف من االعتقال أو المنع أو المصادرة. وقد آن األوان ليعود الجميع إلى شعار محايد، يجمع أكثر مما يفرق ،ال يستثني وال يقصي أي أحد ،أال وهو شعار« :الديمقراطية هي الحل» . فال بديل عن هذا الحل ما بين جمهوريات الخوف التي سقط بعضها ،وما زال بعضها اآلخر يترنح، أو دولة «داعش» التي فتحت في جدار الفوضى العربية ثقب ًا أسود سيبتلع الجميع». وتالزم ًا مع فوز حزب الحرية والعدالة التركي الممثل لإلسالم السياسي ،في االنتخابات البرلمانية األخيرة ،يكتب عريب الرنتاوي في مقال تحت عنوان« :اإلسالم السياسي بين التعريب والتتريك» في صحيفة «الدستور» االردنية ،حيث يقول« :يصر الرئيس التركي رجب طيب أردوغان ـ من حيث يدري أو ال يدري ـ على تبديد قوة «النموذج التركي» في إرساء دعائم العيش والتعايش بين
ﻟﻢ ﺗﻘﺪم ﺗﺮﻛﻴﺎ ﺣﺘﻰ ﻓﻲ ذروة ﺻﻌﻮد اﻟﻌﺪاﻟﺔ واﻟﺘﻨﻤﻴﺔ اﻟﻨﻤﻮذج اﻷﻓﻀﻞ ﻟﻠﺪﻳﻤﻘﺮاﻃﻴﺔ
اإلسالم والديمقراطية ،اإلسالم والعلمانية ،اإلسالم ومنظومة الحريات والحقوق التي استقرت عليها البشرية جمعاء ..ما كان يعتبر نموذجا قاب ًال لالحتذاء طوال أكثر من عشر سنوات ،بات اليوم، نسخة غير مزيدة ،وغير منقحة ،من أنماط وتجارب الحكم التي انتشرت في العالم العربي طيلة سنوات الركود واالستنقاع الطويلة ..وال أدري إن كان بعض أصدقائنا األتراك ،ما زالوا مستمسكين بنظرتهم «االستعالئية» للفوارق والفجوات بين السياقين الحضاريين العربي والتركي. حكومة العدالة والتنمية ،تستعير كثير من األساليب غير الديمقراطية ،التي انتهجتها أنظمة وحكومات عربية لتكريس سلطتها وتفوقها ..تحكم سيطرتها على القضاء وتتبعه للسلطة التنفيذية.. تشن أبشع الحروب على اإلعالم والصحافة المستقلة واإلنترنت وتحيل البالد إلى أكبر سجن للصحفيين في العالم ،وقد كشفت التشريعات والتسريبات األخيرة ،بعض ًا من الفصول المر ّوعة للعالقة بين اإلعالم والسلطة في أنقرة ،ولقد قرأنا ً مهددا عن تدخالت شخصية سافرة لرئيس الحكومة ً ومتوعدا صحفا ومحطات تلفزيونية. خالصة القول :إن تركيا لم تقدم حتى في ذروة صعود العدالة والتنمية النموذج األفضل للديمقراطية ،لكنها قدمت أفضل محاولة للمصالحة بين اإلسالم السياسي والديمقراطية.. أما اليوم ،فإن هذا «النموذج» يكاد ينهار بسبب نجاح الحزب في تقليم أظافر خصومه ومجادليه، وإضعاف مؤسسات الدولة والمجتمع العلمانية واإلجهاز على استقالليتها ،ما يؤكد حقيقة أن أكثر طبعات «اإلسالم السياسي» حداثة ومدنية، قابلة لالنتكاس والتراجع إلى خطاب مذهبي وسلفي أحيان ًا ،إن لم تجد على األرض ،قوى معادلة لها في النفوذ واالنتشار ،قادرة على لجم شهيتها المفتوحة للهيمنة واالستحواذ و«التمكين» بداللة اتجاه اإلسالم السياسي التركي إلى نوع من «التعريب» وهو الذي كان يتطلع إلى «تتريك» اإلسالم السياسي العربي. لكن مع ذلك ،هناك أخبار جيدة تأتي من تركيا ،عن «مقاومة» القوى المدنية والعلمانية والديمقراطية التركية لنزعات الهيمنة األردوغانية، تدفع للتفاؤل ،بل وتشكل النصف المآلن من كأس الماء ،مع علمنا بأن معركة هذه القوى ما زالت صعبة وطويلة ،وقد تحتاج ألكثر من دورة انتخابية قادمة» 17
ال خيار أمام حركات اإلسالم السياسي إال بتأسيس مجتمعات مدنية اﻟﻄﺮﻳﻖ ﻹﺛﺒﺎت اﻟﺬات ﻟﻴﺲ ﺑﺎﻟﺴﻴﻄﺮة اﻟﻜﻠﻴﺔ ﻋﻠﻰ اﻟﺴﻠﻄﺔ، ﺑﻞ ﺑﺎﻟﻌﻤﻞ اﻟﺠﻤﺎﻋﻲ ﻋﻘﻠﻴﺔ اﻟﻤﻈﻠﻮﻣﻴﺔ اﻟﺘﻲ ﻋﺎﺷﺖ ﻓﻲ ﻇﻠﻬﺎ اﻟﺤﺮﻛﺎت اﻹﺳﻼﻣﻴﺔ ﺗﺤﻮﻟﺖ إﻟﻰ ﺗﺴﻠﻂ
ﻣﻮﻻي ﻣﺤﻤﺪ اﺳﻤﺎﻋﻴﻠﻲ كاتب وأكاديمي مغربي، ومدير مركز النجاح والتنمية في مراكش ـ المغرب
18
من يتابع مسار الحركات اإلسالمية منذ نشأتها إلى اآلن ،سيقف عند مفارقات عديدة ال حصر لها، فالبدايات كانت ذات طابع إحتفالي بهذا المولود الجديد ،لكن ما لبثت أن تحولت بعد ذلك لحالة من الصدام وتصفية الحسابات ،مما شكل نكسة إستمرت لعقود ،والتي أدت تالي ًا إلى تماسك رهيب في الصفوف الداخلية لهذه الحركات ،ما أعطاها نفس ًا ً متجددا في العيش ،وقدرة كبيرة على تحمل الصعاب التي تمر بها ،فقد واجهت غالبية حركات اإلسالم السياسي المنتشرة في المجال الجغرافي المتوسطي رغبة كبيرة من خصومها في إبادتها ومحوها من على وجه البسيطة ،لكن تشبعها بأدبيات شرعية وأصولية أجل أكثر من مرة تلك اإلبادة المنشودة من اعدائها ،بل وجعل هذه الحركات قريبة لعيش حالة من التكيف مع األوضاع والمستجدات التي تصادفها ،فامتلكت آليات منضبطة للمواجهة ،ما منحها حالة من التعاطف من قبل شرائح من الناس العاديين الذين آمنوا في أكثر من بلد أن الخالص سيكون على أيدي هؤالء ،وان الدولة لن يصلح حالها إال بتسلم هؤالء للسلطة وتدبير شؤون البالد بد ًال من المجموعات الحاكمة التي يصفونها غالبا بالفاسدة وأنها سبب محنة الشعوب وتخلفها ،وهنا تظهر حالة مصر جلية بشكل كبير .فرغم أن الدولة كانت تواجه حركة اإلخوان المسلمين بالقوة ،إال أنها ظلت متوغلة في صفوف الطبقات الشعبية ،بل حتى بعض الطبقات الميسورة والتي ظهرت فيما بعد إلى الوجود بعد ثورة 25يناير. وضع الحركات اإلسالمية األخرى في حوض المتوسط ليس أفضل من حال الحركة اإلسالمية ذات الطابع الحركي في مصر ،فالتاريخ يد ّون بمداد من دم ،ما تعرض له أتباع وأعضاء الحركات اإلسالمية في كل من سوريا وليبيا والمغرب وغيرها من الدول العربية ،وهو ما كان له اثر عكسي أدى فيما بعد إلى بروز حركات ذات توجهات إنقالبية قامت بمحاوالت عديدة لقلب أنظمة حكم قائمة ،مما جعل هذه األفكار
تتوغل أكثر وأكثر في صفوف األعضاء والمنتسبين خصوصا مع ترديد شعارات ضخمة من قبيل «اإلسالم هو الحل». أردوغان ..إسالمي في دولة علمانية على عكس غالبية تجارب اإلسالم السياسي المعروفة عبر العالم ،شكلت تجربة حزب العدالة والتنمية التركي نوع ًا من اإلستثناء ،فرغم أن الحزب اإلسالمي تم حله أكثر من مرة عبر تدخل من المؤسسة العسكرية ،إال أن ثلة من الشباب األتراك آنذاك بقيادة رجب طيب اردوغان تمردوا على زعيمهم وأبيهم الروحي نجم الدين أربكان وقاموا بتأسيس حزب جديد يحمل إسم العدالة والتنمية ،سرعان ما اكتسح في اإلنتخابات التي تلت تأسيسه ،فظن اغلب المتتبعين بأن الجيش التركي سيخرج من ثكناته مرة أخرى ليحل هذا الحزب ،وينهي قصة هذه اإلنتخابات كما كان يفعل من قبل ،إال أن شيئا من ذلك لم يقع، فقد تسلم أردوغان السلطة في دولة تتنفس علمانية، وقد كان لتوجه أردوغان لزيارة قبر مؤسس الدولة العلمانية في تركيا مصطفى كمال أتاتورك ووضع إكلي ًال من الزهور على قبره ،إشارة مختلفة تماما إلى الخصوم مفادها أن تعامل الحزب اإلسالمي سيكون مختلف ًا تماما هذه المرة ،وهو ما أثبتته األيام فيما بعد ،فقد نجح حزب العدالة والتنمية التركي في النأي
ﺛﻤﺔ رؤﻳﺔ ﻟﺪى ﺑﻌﺾ أﺗﺒﺎع اﻹﺳﻼم اﻟﺴﻴﺎﺳﻲ ﺗﺘﻤﺜﻞ ﺑﺄن اﻟﺘﻔﺎﻫﻢ ﻣﻊ ﺟﻤﻴﻊ اﻷﻃﺮاف ﻫﻮ اﻟﺤﻞ
بنفسه عن األمور التي ستشعل فتيل الفتنة كتغيير هوية البلد العلمانية أو محاولة أسلمة الدولة بين عشية وضحاها ،وقد توجه العمل إلى بناء نموذج إقتصادي تركي خاص يصبغه هذا الحزب بصبغته، ويحقق نوعا من التنمية للشعب التركي مما يمكنه من دعم كبير لتعزيز العديد من اإلصالحات التي كانت أبرزها أبعاد الجيش تماما عن السياسة. شكلت تجربة اإلسالم السياسي في تركيا حديث القاصي والداني ،وأصبحت حديث العالم ،ألنها فعال حاولت أن تسير بخطى حثيثة إلى تأسيس نموذج إسالمي يؤمن بالمدنية والحرية والقيم الكونية التي يتشاركها العالم بأسره ،فنجح وحكم البلد ألكثر من عشر سنوات واليزال ،خاصة مع فوزه في االنتخابات البرلمانية األخيرة. ً أخيرا في هذه وقد وجد أتباع التيار اإلسالمي ً منقذا لما يؤمنون به ،فقد تجد شخصا في التجربة المغرب أو تونس يدافع بشراسة عن أردوغان وحزبه رغم عدم علمه كيف تجري األمور ،ليس لشيء إال أن هذا الرجل ينتمي إلى عائلة اإلسالم السياسي وحقق كل هذه النجاحات. «الربيع العربي» المحرقة والفهم الكبير كان للحراك الذي شهدته غالبية الدول العربية قبل سنوات دور كبير في إبراز المكون اإلسالمي إلى العلن بعد عقود من العمل السري والقمع ،فقد تأكد للجميع أثناء هذا الحراك وبعده ،أن اإلسالميين فاعل أساسي ال يمكن تجاوزه سواء في الميدان أثناء الحراك أو في الحكم وممارسة السلطة فيما بعد ،وكان للزخم الذي حظيت به حركات اإلسالم السياسي مفعول السحر في جعل هؤالء يتسلمون
مناصب المسؤولية في أغلب تلك الدول التي شهدت ً حاضرا بقوة الحراك ،وقد كان نموذج مصر مرة أخرى بإنتخاب رئيس «إخواني» على رأس الجمهورية، كما سجلت نجاحات ألحزاب إسالمية في دول شمال إفريقيا األخرى ،إال عقلية المظلومية التي عاشت في ظلها الحركات اإلسالمية لعقود ،تحولت لنوع من التفكير التسلطي عند بعض الحركات ومحاولة السيطرة على منافذ الحياة والسلطة ،بل وتغييرها بشكل سريع ،مما أدى إلى اندالع انتفاضة شعبية أخرى تطالب بازاحة اإلسالم السياسي عن السلطة وخلع الرئيس مرسي من منصبه وأعادة مصر إلى حالة شبيهة بما عاشته في عهد جمال عبدالناصر. ما وقع في مصر كانت له وقع جرس اإلنذار حيث فهمت أحزاب إسالمية أخرى في دول عديدة ،أن الطريق إلثبات الذات ليس بالسيطرة الكلية على السلطة ،وفهمت أيض ًا أن العمل التشاركي هو من
ﺑﺪاﻳﺎت اﻹﺳﻼم اﻟﺴﻴﺎﺳﻲ ﻛﺎﻧﺖ ذات ﻃﺎﺑﻊ إﺣﺘﻔﺎﻟﻲ ﻟﻜﻦ ﻣﺎ ﻟﺒﺜﺖ أن ﺗﺤﻮﻟﺖ إﻟﻰ ﺣﺎﻟﺔ ﺻﺪام
سيكون بال شك في صالح شعوب هذه الدول وحتى في صالح أحزابهم وكياناتهم ،فكان في تصرف حزب العدالة والتنمية المغربي وحركة النهضة التونسية ً عددا من التنازالت، كثير من الحكمة ،حيث قدما مما أدى بالحزبين إلى نسج تجربة جديدة أقرب إلى المدنية منها إلى حكم إسالمي يعرف الجميع المقومات التي يقوم عليها وفق ما تسطره األدبيات المتوارثة منذ عصور مضت. كانت للتطورات األخيرة التي شهدها العالم بأسره ،وباألخص منطقة الشرق األوسط وشمال إفريقيا ،دور كبير في تشكيل رؤية جديدة لدى أتباع اإلسالم السياسي ،مفادها أن العيش في هذه الفضاءات لن يكون بتوجه أو معتقد واحد ،وان قوة هذا الفضاء في تعايش من يسكنونه ،وذلك لن يتأتى إال بتفاهم جميع األطراف فيه ،تفاهم يكون مبين ًا على قيم المدنية والبناء والتنوير والحداثة، ً بعيدا عن اإليديولوجيات التي ال تنفع إال في إذكاء نعرات العنف والقتل ونفي اآلخر ،نعرات تحرق األخضر واليابس ،وال تبقي وال تذر. ال خيار إذن أمام حركات اإلسالم السياسي في المنطقة ،إال بتأسيس ذكاء جماعي يسير واثقا إلى بناء دول ومجتمعات مدنية تسمو على كل الجزئيات التي ال تنفع ،وترفع من قيم التسامح وحب اآلخر والديمقراطية ،وغيرها من القيم الكونية التي خلقت الرخاء والتقدم واإلزدهار لشعوب أخرى نضرب بها المثل ،فيما نحن عاجزون على أن نكون مثلهم، فحيا إذن على المدنية التي تحيينا وتجعل لوجودنا كإنسان معنى ،حينها سنستحق عن جدارة لقب خلفاء الله في هذه األرض 19
اﻟﺪﻛﺘﻮر ﻓﺆاد ﻧﻬﺮا اﻟﻤﺘﺨﺼﺺ ﻓﻲ اﻟﻌﻠﻮم اﻟﺴﻴﺎﺳﻴﺔ واﻟﻌﻼﻗﺎت اﻟﺪوﻟﻴﺔ ﻟـ »اﻟﺮاﺻﺪ اﻟﺘﻨﻮﻳﺮي«:
الداعشية تنذر بهالك الثقافة الدينية وترسخ ظاهرة العداء للمسلمين يشير الدكتور فؤاد نهرا المتخصﺺ في العلوم السياسية والعالقات الدولية ،في حواره مع «الراصد التنويري» إلى ان المشكلة التي تحاصر اإلسالم كدين وهوية تكمن في دائرة اوسع بكثير من دائرة اإلسالم السياسي ،وتتمثل بمنع أية قراءة لكتاب اهلل وسنته مختلفة عن تلك التي صاغها االئمة األربعة االوائل منذ االلفية األولى .لكنه يؤكد في الوقت ذاته ان المجتمع اإلسالمي يملك الثروات الفكرية والثقافية الالزمة ،وان ثروات التجديد الفكرية موجودة لكن ما يدفنها هو الواقع االجتماعي والسياسي ،وذهنية متشبثة بتراثها الديني .التقته «الراصد التنويري» وكان معه هذا الحوار..
اﻟﻤﺸﻜﻠﺔ ﻻ ﺗﻜﻤﻦ ﻓﻲ اﻹﺳﻼم، إﻧﻤﺎ ﻓﻲ ﻗﻮاﻟﺐ اﻟﺘﻔﺴﻴﺮ اﻟﺠﺎﻣﺪة ﻓﻼﺳﻔﺔ اﻟﻘﺮون اﻟﻤﺎﺿﻴﺔ ذﻫﺒﻮا أﺑﻌﺪ ﻣﻤﺎ ﻧﺘﺠﺮأ ﻋﻠﻴﻪ اﻟﻴﻮم 20
• فشل اإلسالم السياسي ال سيما في الشرﻕ األوسط اوجد فراغا ً وعنفاً ،كيف يكون المسار إلى األمام برأيك؟ ـ يتعسر على أي باحث ان يقدم اجابة جازمة حاسمة فيما يتعلق بالمستقبل السياسي ،السيما وان غالبية االحداث التي قلبت جغرافية المنطقة السياسية لم تكن متوقعة .فمن كان يتصور ان حركة االخوان المسلمين في مصر ستواجه مليونية جديدة بعد ما ال يزيد عن عام من اكتساحها لغالبية أصوات الناخبين؟ ومن كان يتوقع ان ينتشر تنظيم ما يسمى بالدولة االسالمية بهذه السرعة ويلقى ً متزايدا من افواج متزايدة من المسلحين؟ ومن دعما كان يتوقع استفحال صراع مذهبي دموي وعبثي بين
السنة والشيعة ..وهو ليس بينهما وانما بين الذين استغلوا الهويات المذهبية؟ من كان يتوقع ان تعود تونس خالل فترة وجيزة إلى علمانية متشددة تحت حكم التيار البورغيبي بعد ان منحت الثقة لحركة النهضة قبل ثالثة اعوام؟ ثم انه ال بد من تعريف اإلسالم السياسي .وفيه قد نضم كل من اراد ان يجعل اإلسالم مرجع ًا عقائدي ًا أساسي ًا في المسار السياسي وفي ممارسة السلطة السياسية .وتحت مظلة هذا المصطلح نكتشف قائمة واسعة من التيارات التي تتراوح ما بين المجددين من جهة ،والسلفيين من جهة ثانية .إذن الفشل هو أساس ًا فشل تيار محدد داخل اطار اإلسالم السياسي والممثل في جماعات االخوان المسلمين،
اساس توجهه السياسي يقضي بنقض الفكر العربي االشتراكي الذي انتشر في الستينات ،ثم بنقض الفكر الليبرالي ..وهو التيار الذي لم يستطع ان يبقى في السلطة .فال بد من تحليل امبيريقي دقيق فيما يتعلق بكل حالة. فيما يتعلق بمصر ،تعددت األسباب ومنها ان الحركة بعد ان ساهمت في تعزيز االجماع الديمقراطي وبعد ان اقتربت من التيارات الليبرالية، اندفعت في االتجاه النقيض بدافع من قوة التيار السلفي ،لكنها تحركت في ظل جهاز دولة بنيت ثقافته على اساس المواجهة معها منذ الخمسينات، وبادرت باالصالحات في بنية اقتصادية ـ اجتماعية متأزمة ،ومع صعوبة التوفيق بين ارضاء القاعدة الشعبية على المدى القصير من جهة واتخاذ القرارات الصعبة من جهة ثانية ،وأخيرا لم يحسم االتجاه األكثر اعتدا ًال المعركة السياسية داخل الحركة. وفي ليبيا تظهر أسباب مختلفة تماما ،حيث ان الحركة اإلسالمية التي فشلت ً مرارا في االنتخابات لصالح االحزاب الليبرالية عمدت إلى االلتفاف على السلطة من خالل التصدي العادة توحيد السلطة في مرحلة أولى ومن ثم من خالل االلتفاف على األحزاب المنتصرة في صناديق االقتراع بفضل تحالفها مع العشائر. اما ازمة التيار المذكور فتتمثل في ازمتين: أوالهما تكمن في اغالق باب االجتهاد في األبواب االساسية مما يضع التجديد الفكري والسياسي خارج دائرتها ويعطي االحزاب غير الدينية ومنها ً جديدا كما في تونس. العلمانية دفع ًا اما ثانيتهما فتتمثل في غياب أو ضعف الرؤية االستراتيجية فيما يتعلق بسياسات التنمية والتطوير .فان سلمنا مع علي عبدالرازق ان الله سبحانه وتعالى ترك امر القضايا االقتصادية واالدارية للعمران البشري وجدنا ان التركيز على «اإلسالم هو الحل في السياسة واالقتصاد» اغنى أحيان ًا عن طرح االشكاليات االساسية في قضايا عملية حاسمة. لكن القدرة على صياغة سياسات اقتصادية واجتماعية متسقة وموفقة ال يتنافى مع البقاء في ظل االنظمة الدينية التقليدية ،وهذا ما يبينه التطور األخير للتجارب الخليجية .وان عممنا هذه المقاربة وجدنا ان العديد من الدول الناشئة ومنها الصين تعتمد على انظمة توتاليتارية .ونذكر أيض ًا روسيا حيث احتكار السلطة وتنامي سلطة الكنيسة االرثوذوكسية ،والهند حيث انتصر الهندوس األشد
تطرف ًا مع انتخاب نارندرا مودي .المسألة هي كيفية ترسيخ بنية سياسية ديمقراطية سليمة. اقترح ان ينظر الى التجربة التركية التي امتدت بين عامي ٢٠٠٢و ٢٠١٣وحاولت ان اتناولها من خالل دراسة كيفية التوفيق بين اإلسالم السياسي والديمقراطية والتنمية في دولة ذات تراث سياسي علماني. • ما زالت تيارات االسالم السياسي تعتمد على قوالبها القديمة ونماذجها التي عفا عليها الزمن ..قوالب ليست قادرة على فهم السلطة أو تنسيق العملية السياسية لتوفير األسس الحقيقية للمجتمع .االمر الذي أدى إلى فراغ مجتمعي حقيقي تم ملؤه
ﻻﺑﺪ ﻣﻦ ﻗﺮاءة ﻣﻌﺎﺻﺮة ﻟﻠﻘﺮآن ﻟﻴﺒﻘﻰ اﻹﺳﻼم ﻗﺎدرﴽ ﻋﻠﻰ ﻣﻮاﺟﻬﺔ ﺗﺤﺪﻳﺎت اﻟﻘﺮن
من قبل جماعات ارهابية متطرفة .هل توافق على ذلك؟ ـ اوافق ،مع العلم انه ليس الطابع الديني لفكر هذه الحركات هو الذي افشلها وانما اعتقادها ان االزمة سببها ابتعاد المجتمع عن اإليمان والدين الصحيح ،وهذا ما يصرفها عن كثير من االشكاليات االمبيريقية الملموسة .وهي مأساة تشاركها فيها االنظمة االيديولوجية المتكاملة التي ال ترى أحيان ًا ان التفاصيل الصغيرة هي القادرة على ترجيح كفة ميزان المسار السياسي واالقتصادي. ثم اني اختلف الن هذه الحركات تطورت اثناء العقدين االخيرين وعدلت من نظرتها الكلية إلى االمور .على سبيل المثال فان تجربة االخوان المسلمين في مصر تختلف نوعي ًا عما كانت عليه تجربة جبهة االنقاذ في الجزائر ،ونحن نتذكر مقولة زعماء هذه األخيرة الذين قالوا «هذه أول انتخابات ديمقراطية وان شاء الله تكون آخرها» .لم يسلك اخوان مصر هذا النهج عام 2012وان صدر العديد من المؤلفات التي تتهمم باالزدواجية والتقية والنزعة إلى االستئثار بالسلطة .المشكلة كانت في ضعف منظومتها الفكرية ،وانهم ظنوا ان العمل ً امتدادا لعملهم السياسي في السلطة سيشكل االجتماعي على األرض. ثم ان المشكلة تكمن في دائرة اوسع بكثير من دائرة اإلسالم السياسي وهي دائرة الذين ال 21
يؤذنون ألحد بتقديم قراءات لكتاب الله وسنته تكون مختلفة عن تلك التي صاغها االئمة االربعة االوائل منذ االلفية األولى .ولذلك فانه البد من كسر الجليد في هذا الميدان من اجل ان يظل ديننا ً قادرا على مواجهة تحديات القرن وعلى الحنيف االجابة على انتقادات غير المسلمين التي تزداد شدة يوما بعد يوم. • عندما تصبح الخطوط أو الحدود غير واضحة بين الجماعات اإلرهابية مثل (داعش) أو طالبان ،والجماعات غير العنيفة مثل تنظيم اإلخوان المسلمين ،والجماعة االسالمية ..ما ادى إلى شيوع المجاميع األولى كبديل مشروع لدى جمهور عريﺾ .هل باالمكان توضيح ذلك؟ ـ ليست التنظيمات االرهابية مجرد امتداد لتيارات اإلسالم السياسي ،وانما هي من مخلفات واقع معقد .فمثال ظاهرة داعش هي نتيجة عوامل كثيرة انها تتغذى يوميا من الواقع المأساوي والال انساني الذي شهده الشعب العراقي منذ احتالل 2003والشعب السوري منذ ،2011مما ادى إلى انكماش وتضييق فكري وتأويل االحداث طائفي ًا وعلى سبيل الخطأ بأنها حرب ابادة للمسلمين السنة ،استغلته منظمات وجهات مجهولة تتالعب بالفكر الديني وتستخدمه لتعبئة الحقد الواقع والحكام قبضتها بالرعب المنظم. ان الداعشية تؤدي الى هالك الثقافة الدينية، ً زورا انها ألن ممارساتها الهمجية التي تدعي تطبيق ًا للدين تنمي العداء لإلسالم في العالم أجمع، وتؤدي إلى ارتداد العديد من المسلمين عن دينهم. وال ارى ظاهرة داعش تنبثق من االسالم السياسي ،وهذه مقوالت العلمانيين المتشددين أو الذين يساوون ً زورا بينها وبين خالفة الراشدين. هل يدعو اإلسالم السياسي إلى قتل المخالفين في الفكر وإلى تصفية االسرى والتمثيل بالجثث وختان االناث واحياء سوق النخاسة ،وهي ممارسات تناقض ابسط البديهيات في ممارسة الدولة اإلسالمية األولى؟ يكفي ان ننظر إلى معاملة الرسول (ص) لالسرى واالقليات والخصوم السياسيين لنرى الفرق شاسعا بينهما. • لعب الدين دائما ً دورا ً رئيسا ً في التركيبة االجتماعية والنفسية للمجتمعات في الشرﻕ األوسط ،وهي المنطقة التي شهدت 22
والدة الديانات الثالث الكبرى ،ولهذا السبب تبدو اإلصالحات الدينية صعبة للغاية. بالمقابل استوردت اوروبا الدين ،وربما ذلك ما جعل المهمة أسهل بكثير .كيف يمكن انجاز إصالحات جذرية في تعاطينا مع اإلسالم، كيف يمكننا المضي قدما في حقبة ما بعد اإلسالموية لتحقيق هذا الهدﻑ الحيوي ـ هذا تفسير سهل للغاية يرد المسألة إلى االختالف بين ذهنية اوروبية تواقة إلى احكام العقل من جهة ،وذهنية متشبثة بتراثها الديني من جهة ثانية .هكذا اختزل المؤرخ ارنست رينان االختالف بين الشرق والغرب .لكن االمور هي أكثر تعقيدا .فاسباب تأصل الفكر الديني في الوطن العربي مختلفة .اتت العلمنة في الغرب كنتيجة تناقضات سياسية ،حيث انتفض المجتمع على سلطة الكنيسة في فرنسا مث ًال .وشهدت بعض ً مسارا مماث ًال .لنعد إلى تركيا الدول اإلسالمية في بداية القرن العشرين ،شرط ان نتجنب الحديث عن العلمنة كمؤامرة .اما الوطن العربي فكان اهتمامه االساسي في القرن العشرين هو استعادة هويته وتثبيتها ،وكذلك استعادة وحدته ،مما غيب التناقض بين المجتمع المدني والسلطات الدينية. واتوقع لألسباب نفسها ان ينفجر الصراع مستقب ًال بين النخبة الدينية والمجتمع المدني في ايران. • كيف يمكننا إنشاء المؤسسات االجتماعية ،والمتجذرة في المصادر اإلسالمية ،لمنع الفساد والقمع والظلم وحماية حقوﻕ المواطنين وتعزيز الشفافية في الحكم؟ ـ هذا ممكن لكنه يتطلب مستوى غير مسبوق من التقاطع والتكامل بين تدبر واضح في علوم الدين من جهة ،وتمكن من العلوم اإلنسانية
الدنيوية من جهة ثانية .فال يكفي العودة إلى مبادئ المعاملة اإلسالمية المنبثقة من القرأن الكريم والسنة النبوية الشريفة من اجل مكافحة الفساد ،لطالما اننا وجدنا من بدا انهم متدينين ملتزمين غرقوا في الفساد االداري والمالي ،وانما ال بد من صياغة آليات مستمدة من علم االجتماع الحديث .وبهذا الصدد يبدو العلمانيون أحيانا أكثر وعي ًا بهذه القضايا.
ﺗﻌﺘﻘﺪ ﺣﺮﻛﺎت اﻹﺳﻼم اﻟﺴﻴﺎﺳﻲ ان ﺳﺒﺐ ازﻣﺎت اﻟﻤﺠﺘﻤﻊ ﻫﻮ اﺑﺘﻌﺎده ﻋﻦ اﻹﻳﻤﺎن
• فشلت تجربة اإلسالم السياسي على صعيد السلطة في ايجاد سياسات وبرامﺞ الستيعاب الطاقات الكبرى للمجتمع ،ما أدى تاليا ً إلى صعود تيارات مناهضة للدين كمنظومة قيم وهوية ..ما رأيكم؟ ـ االجابة على السؤال تتطلب تعريف ًا مسبق ًا لمن هو مضاد للقيم الدينية .هل تعتبرون التيارات اليسارية والعلمانية معادية لإلسالم؟ ال اعتقد ذلك وانما ارى فيها نظرة مختلفة إلى عالقة الدين بالمجتمع .كذلك االمر بالنسبة إلى القوائم الليبرالية في مصر اآلن والتي يصنفها السلفيون
مغايرة ومعاصرة .كيف ترى االمر؟ ـ ال يمكنني ايجازه ببضع اسطر .فالمهمة صعبة ومعقدة للغاية .اما القضية فسيحسمها الواقع السياسي ،حيث ان الهزائم المتتالية للمجتمع المسلم ستدفعنا إلى مسار يشبه ذلك الذي سلكه علماء وفالسفة النهضة منذ رفاعة الطهطاوي.
بأنها حاملة للفكر الغربي المفكك لإلسالم .في الواقع يظل الخوف على الهوية العربية اشد بحيث انه ما تم تفكيكه في الكثير من الدول هو المرجع القومي العربي .دستور العراق لعام ٢٠٠٥الغى االشارة إلى األمة العربية ولم يلغ االسالم كمصدر اساسي .كذلك الدستور المغربي الراهن يضع العربية واالمازيغية على قدم المساواة ..الخ. • ثمة حاجة لتمكين واعطاء القوة لألفراد ومنظمات المجتمع المدني في معظم الدول اإلسالمية ،هذا االمر يتطلب طرح مفاهيم اإلسالم كمنبع ثقافي محرر من الوعي التقليدي والفهم المبسط؟ ـ نجد منابع التحرر في صميم الفكر اإلسالمي الذي يعزز مكانة الفرد بوجه العائلة والقبيلة والذي يدعو إلى رفض الظلم ويتوجه بالالئمة إلى الذين تتوفاهم المالئكة ظالمي انفسهم ،ويدعو إلى مواكبة العقل لإليمان .لكن المأساة تكمن في التحجر الذي يغلق هذه المبادئ المحررة لإلنسان في قوالب تكون دقتها التنظيمية التي ينظمها
بعض الفقهاء أعظم من ان يستطيع المؤمن ان يخرج من اسر التاريخ. • الوضع الراهن فــي الشرﻕ األوسط عاجز عــن االستمرار مــا يتطلــب اصالحــا ً هيكليا ً عضويــا ً فــي الجانــب الثقافــي للخطــاب اإلسالمي ،مما يمهد األساس لبنية اجتماعية
• ثمة حاجة ماسة العادة النظر بصورة جذرية في معاني رسالة اإلسالم في الفترة التي تعقب «ما بعد االسالموية» هل يمتلك المسلمون ما يلزم لبناء هكذا مهمة شاقة، كيف ،ومن أين نبدأ؟ ـ نعم المجتمع االسالمي يملك الثروات الفكرية والثقافية الالزمة .ويكفي ان نعود إلى تراث العصور الذهبية لنجد ان الفالسفة ورجال الدين ذهبوا ابعد بكثير مما نتجرأ عليه اليوم في التأويل والتفسير والتكييف .ثم ان المشكلة ال تكمن في المعاني الغنية والعميقة لرسالة اإلسالم ،وانما في القوالب التي وضعت فيها بمقتضى فكر محافظ يكرر كل يوم ان كل محدثة بدعة وفي كل بدعة ً عددا ضاللة وكل ضاللة في النار .عرفت وقرأت ً كبيرا من المفكرين المسلمين ومنهم االسالميين كاد ان يكفرهم اآلخرون في التسعينات من القرن الماضي :من محمد احمد خلف الله إلى حسن حنفي ً مرورا بمحمود طه ونوال سعداوي وغيرهم .اعتقد ان ثروات التجديد الفكرية موجودة لكن ما يدفنها هو الواقع االجتماعي والسياسي ،ألن النخبة المستنيرة ستبقى عاجزة ان لم تتفاعل مع المجتمع ككل. أي لم تصل إلى الحجم الحرج والمطلوب الحداث ً تعقيدا ولالسف تنطلق هذه التغير .االمور هي اكثر الديناميكية أحيان ًا من حقول الدمار التي خلفتها الحركات المتطرفة
بطاقة • • • • • • • •
أستاذ جامعي متخصﺺ في العلوم السياسية والعالقات الدولية في احدى جامعات باريس. حصل على شهادة الدكتوراه في الفلسفة السياسية من الجامعة العاشرة في باريس حصل على شهادة ماجستير في العلوم السياسية وأخرى في القانون التجاري الدولي شغل منصب المدير اإلكاديمي في مركز الدراسات االستراتيجية الديبلوماسية شغل منصب محاضر أقدم في معهد جامعة «ديافروسيون دس ماتريس» نشر أكثر من 60ورقة علمية في سياسات التعليم والعولمة والتطوير والسياسة االوروبية في الشرﻕ األوسط وغيرها نشر 7كتب متخصصة في اللغتين العربية والفرنسية في سياسات العولمة والتعليم في البلدان النامية والسياسة الخارجية االمريكية في الشرﻕ األوسط وغيرها. أشرﻑ على عدد من رسائل الدكتوراه في جامعات فرنسية. 23
أتفق مع الجميع ..وأختلف مع الجميع ﻻ ُﻣﻌﻠّﻢ ﻟﻸﺧﻼق ﻛﺎﻟﺼﻤﺖ ،ﻓﺎﻟﺼﻤﺖ ﻟﻐﺔ ﺣﻴﺚ ﺗﻔﺸﻞ اﻟﻠﻐﺔ اﻟﻔﺸﻞ اﻟﺤﻘﻴﻘﻲ ﻫﻮ اﻟﻌﺠﺰ ﻋﻦ اﻛﺘﺸﺎف اﻟﻔﺸﻞ أو اﻟﺘـﻨﻜﺮ ﻟﻪ
د .ﻋﺒﺪاﻟﺠﺒﺎر اﻟﺮﻓﺎﻋﻲ
24
بسم الله الرحمن الرحيم السالم عليكم ورحمة الله وبركاته فوجئت بعد أقل من 24ساعة بتداول هذه الرسالة الخاصة ،في وسائل االتصال األلكترونية عندما راسلني بعض تالمذتي وأصدقائي يطلب مني توضيحات بشأن مناسبة هذه الرسالة .كما فوجئت الحق ًا بتفشي نشرها في مجموعات الواتس أب وڤايبر ،والفيس بوك ،وغيرها من وسائل التواصل.. واقترح بعض األصدقاء اصدارها مع التعقيبات في كراس ..كل ذلك اضطرني لوضعها في متناول القراء* . صديقي العزيز: ً مبادرتك غالية ،أثارت شيئا مما هو غاطس في ذاكرتي ،من لواعج األسى الذي يغرق فيه العراق.. فيما يلي جواب كتبته على ما تفضلت به من نقل تحيات وتبجيل صديقنا المشترك ،فوجدتها مناسبة جميلة للبوح ببعض جروح الروح ،وأنين تراب وطننا جميع ًا العراق ،الذي إن غرق غرقنا مع ًا ،وإن نجا نجونا مع ًا ..تحياتي ودعواتي لصديقنا القديم، الذي مضى على صداقتنا مع ًا ما يقارب 40عام ًا، متمني ًا التفضل بإيصال هذه الرسالة له. أخي الكريم: أنا أصغي لصوت عميق صباح كل يوم ،وهو علي :إن الحياة قصيرة ً جدا ،الموت مباغت، يلح ّ سيداهمني في أية لحظة ،لكن ال يبقى في ضمير األيام إ ّال المنجز الحقيقي ،والموقف الشهم، وعالقات الثقة الصادقة ..أنت تدري صدر لي حتى ً مجلدا ،في 42عنوان ًا لكتاب ،مع المجلة اليوم 65 الفصلية (قضايا اسالمية معاصرة) التي مضى عليها عشرون عام ًا ،وك ّرمها (المعهد البابوي في الڤاتيكان بروما) بإصدار كتابه السنوي عام 2012
لمختارات من نصوصها باإليطالية واالنكليزية والفرنسية ،بوصفها المجلة األولى في الدراسات الدينية بالعربية في ربع القرن األخير ،مضاف ًا إلى تسجيل رسائل ماجستير في جامعات لبنانية وعراقية ولندن وباريس حولها ،وحول التفكير الديني لصاحبها ..مع كل ذلك أنا صامت ،ال تجدني في تلفزيون أو راديو ،أو منبر ،والقليل الذي أنشره في الصحافة محو ُره مشاغلي الفكرية ..تعلمت أنه: ال ُمع ّلم لألخالق كالصمت ،فالصمت لغة حيث تفشل اللغة ..ال ُمع ّلم لألخالق كاإلصغاء لصوت الضمير ..تنضب األخالق لحظة تكون حيا ُة مع ّلمي خارج األخالق ..تجربة حياتي تُختَصر في األخالق َ أن السالم الروحي الذي أعيشه إنما تحقق لحظة ِ ضوضاء ت حياتي صوت غفران ،يتحدث إلى أصبح ْ يضج بكل هذا القبح والعداء والتعصب والدم عالم ّ ٍ كل ّ المسفوح ..قلبي يمحو ّ غل وحقد ،كي ال يتسمم فيموت ..أخالقي يغذيها على الدوام العف ُو والعبور والتغافل ،وتك ّرسها مداوا ُة االساءة باإلحسان.. أحرص باستمرار على تطهير ضميري مما يلوثه
ﻻ ﻳﺒﻘﻰ ﻓﻲ ﺿﻤﻴﺮ اﻷﻳﺎم إﻻ اﻟﻤﻨﺠﺰ اﻟﺤﻘﻴﻘﻲ واﻟﻤﻮﻗﻒ اﻟﺸﻬﻢ وﻋﻼﻗﺎت اﻟﺜﻘﺔ اﻟﺼﺎدﻗﺔ
من تعصبات وكراهية وعدوان ..أبادر للصفح على الدوام ،وإن كان الصفح في مفهومي غير النسيان، فأنا ال أنسى مواقف البشر ،لذلك ال أضعهم كلهم في سلة واحدة ،وانما أحرص على أن أراهم كما هم: الجميل جميل ،القبيح قبيح .الخائن خائن ،األمين أمين .الغادر غادر ،الوفي وفي .المحسن محسن، المسئ مسئ ..لكني د ّربت نفسي سنوات طويلة، فت ّربيت مثلما يتربى المرتاضون ،بحيث أصبحت أرى :ما هو مضئ قبل ما هو مظلم ،ما هو جميل قبل ما هو قبيح ،ما هو ايجابي قبل ما هو سلبي، ما هو مريح قبل ما هو مزعج ،في شخصياتهم،كي أحاول رسم صوري لنفسي عنهم ،تسمح لي بقبولهم والتعامل معهم كما هم ،بال معاناة وألم من عاهاتهم ،أو نفور وقطيعة من عقدهم ..أعيش سالم ًا روحي ًا ،لم أظفر به إ ّال بمش ّقة بالغة ،ومراجعة نقدية قاسية لتجاربي ومواقفي وأفكاري ،أعانني عليه تربيتي لذاتي على :االعتراف بعجزي ،والبوح بضعفي البشري ،والجهر بفضح أخطائي ،واإلعالن عن تناقضات ومفارقات سلوكي ..ع ّلمتني تجارب الحياة أن االعتراف بالفشل ،والتحري عن أسبابه هو بوابة النجاح ،بل أدركت أن الفشل الحقيقي هو العجز عن اكتشاف الفشل ،أو التنكر له.. االعتراف بالفشل يخلصنا من تكرار الطرق الخاطئة سهل للوصول إلى أهدافنا ،وبلوغ أحالمنا ..إن ما ّ
علي هذا العبور الشاق ،هو اكتشافي أن الحياة ّ مليئة بالشر ،وأن االنسان كائن تمتلئ ذاته بالدوافع المتناقضة ،والرغبات المتضادة ،وأن االجتماع البشري حلبة تدافع وصراع ،ال يك ّ ف البشر فيها عن توظيف مختلف الوسائل بغية بلوغ أهدافهم ،وغالب ًا ما يتلفع ذلك الصراع بغطاء يخفي كل فظاعاته، وتختبئ ـ بخبث ـ تحته كل الشناعات المتوحشة.. علي مواق ُ ف الغدر والكيد والتآمر ـ من لقد وفر ْ ت ّ بعض من كنت أحسبهم أقرب األصدقاء ـ الكثي َر من
اﻟﺘﺎرﻳﺦ ﻻ ﻳﺴﻤﺢ أن ﻳُﺨﻠّﺪ أي اﺳﻢ ﻻ ﻳﺤﻔﺮ ﺗﻮﻗﻴﻌﻪ ﻋﻠﻰ اﻟﺼﺨﺮ ﺑﺄﻇﻔﺎره
الجهود في اكتشاف النزعات العدوانية المختبئة في النفس البشرية ،كما نبهني عل ُم النفس الحديث إلى الدوافع المتضادة في النفس البشرية ،وكيف تفضحها الهفوات وفلتات اللسان والنسيانُّ .. كل ذلك وغيره هتك شيئ ًا من طبقات األقنعة الزائفة، التي كانت تحجب عني الصور َة الحقيقية لإلنسان، وو ّفر لي القدرة على التعامل مع كل شخص بما يشبهه وينشده ،ال بما يشبهني وأنشده ،ال بمعنى النفاق في مواقفي أو تغييب شخصيتي ،وإنما ً وحذرا من انتهاك خصوصيته، احترام ًا لكرامته، لذلك لم أحرص على أن يكون صديقي أو تلميذي أو ولدي ،نسخة محاكية لي ،كما حرصت على الدوام أال أكون نسخة آلبائي ولمع ّلمي وأصدقائي، تبقى دائم ًا مسافة لن تتالشى بيني وبينهم: «هم هم ،وأنا أنا» ..كل ذلك في إطار حياتي الروحية األخالقية ،ومعايير القيم االلهية الرحمانية اإلنسانية التي أدين بها ..نواميس األخالق الكونية علمتني :أن الكراهية ال تنتج في عالقتي باآلخر إ ّال كراهية مضاعفة ،تمرض القلب ،وتسمم الروح ،وأن الحب ال ينتج في عالقتي باآلخر إ ّال حب ًا مضاعف ًا، يشفي الروح ،ويبهج القلب ..تعلمت أنه ليس بوسعي االحتماء من االغتراب -الذي يجتاح حياة 25
كل إنسان ـ والشعور باألمان ،إ ّال بالمحبة واإليمان. صديقي الغالي: ً أنت من أصدقائي األعــزاء منذ 30عاما في المنفى ،هل لديك أية معلومة اني انتميت إلى حزب عراقي ،أو مارست عم ًال سياسي ًا ،استهدفت فيه حزب الدعوة ،وحاولت تسقيطه ،أو تفرغت للكتابة ضده ،مثلما فعلت معظم الشخصيات التي انقطعت عن الحزب ،فانشق بعضهمّ ، وشكل جماعة مناهضة للدعوة باسم الدعوة ،بل تحالف مع الغير للعمل ضد الدعوة ..كما تعلم ،أنا استطيع أن أفعل كل ذلك، لكن رسالتي في الحياة خارج هذا العبث الغرائبي، ً غــدا ،بوسائل وتكديس الغنائم الوسخة للورثة ليست بريئة ونزيهة ،بل قذرة ..نعم؛ لدي وجهات نظر واجتهادات في بناء بلدي ،كما لدي عالقات وصداقات ال تتطابق كلها مع رؤية الدعوة ومواقفها وحساسياتها ..فأنا؛ أتفق مع الجميع وأختلف مع الجميع ،بمعنى ان شعار حياتي األبدي« :أسير مع الجميع وخطوتي وحدي» ..لم أجد فالح ًا لدنياي وآخرتي في هذه الجماعات ،فتخليت عنها نهائي ًا سنة ..1985منذ ذلك التاريخ وأنا أعيش بهدوء وطمأنينة ،تترسخ ثقتي بالله ،ويتكرس حبي لله واإلنسان والعالم كل يوم ..انتميت لحزب الدعوة اإلســالمــيــة فــي النصف الــثــانــي مــن سبعينيات القرن الماضي ،في ظروف هي األشــرس واألعنف في مالحقة البعث الصدامي للدعاة ،كان الشهيد حسين معن مسؤولي ،ونهضت بمسؤولية الحزب ً عضوا في في مدينة الرفاعي وقتئذ ،ثم أصبحت اللجنة المركزية للحزب بالكويت ،مــدة إقامتي هــنــاك ،ثــم ع ـضـ ً ـوا فــي لجنة الــدعــوة فــي سوريا سنة ..1984ابتعدت عن التنظيم في منتصف الثمانينات « ،»1985من دون الدخول في ضجيج وصــخــب وصـــراع أو مــعــارك ،مثلما فعل بعض رفاقي ،ممن تركوا الدعوة ،وتورط بعضهم اآلخر بما تعرفه أنت من مغانم مسمومة في الوطن والمنفى.. وبالتدريج نأيت عن العمل السياسي ،وانصرفت للمشاغل العلمية في الحوزة ،واإلنتاج الفكري.. كنت وما زلت يهمني االحتفاظ بكل ما هو إنساني في عالقاتي االجتماعية وصداقاتي التاريخية مع أولئك الناس ،الذين أمضيت معهم تجربة من أخصب تجارب حياتي ..أنت تدري كل وقتي منذ ثالثين عاما مستهلك للعمل في الدراسة والتدريس في الحوزة والجامعة ،والمطالعة والكتابة ..كم اشتاق إليك وإلى األصدقاء المهذبين ،ممن أجد في 26
أﻟﻮذ ﺑﺎﻟﻜﺘﺎﺑﺔ اﻟﺘﻲ أﺟﺪ ﻓﻴﻬﺎ أﺣﻴﺎﻧﴼ دوا ًء ﻟﺸﺊ ﻣﻦ ﻣﻮاﺟﻊ اﻟﺮوح وﺷﻨﺎﻋﺎت اﻟﻌﺎﻟﻢ
اللقاء بهم كل مرة راحة ،وأنا اذهب إلى البيت فأنام بسالم ،بعد كل لقاء بهم ،لكني دائم ًا أعتذر منك ومنهم ،ولعلكم تحسبوني أتهرب من اللقاء؛ لكن يسرقني عن التواصل معكم العمل المزمن ..حاولت دواء لشئ أن ألوذ بالكتابة ،التي أجد فيها أحيان ًا ً ً مبكرا ت من مواجع الروح وشناعات العالم ..تنبه ُ إلى أن النجاح ليس ثمرة الموهبة وحدها ،الموهبة ت بال مثابرة بمثابة األلماس الغاطس في طبقا ٍ ّ يتكشف إ ّال بالحفر العميق قصية من األرض ،ال ٍ ً ّ تتكشف به الموهبة هو جدا ،الحفر العميق الذي الجدية والمثابرة ..بال مثابرة ال تسمح ذاكرة األيام أن تحمل بصمتنا ..التاريخ ال يسمح أن ُيخ ّلد أي اســم ال يحفر توقيعه على الصخر بأظفاره ،وال ينحت صورته على الحجر بأسنانه ..من مهنـــة أبي َ الحقل في فالحــة األرض ،التي ال يبرح صاح ُبها إلى الليل كل يوم ،ليعو َد إليه في الصباح الباكر كل يــوم ،تدربت من فالحة األرض على أال أبرح
ً مجددا ،حين أقرأ ال الكتاب َة حين أكتب إ ّال للكتابة أنتهي من قراءة نص إ ّال وأبدأ من جديد قراءة نص آخر ،حين أعمل ال أنتهي من عمل إ ّال وأبدأ من جديد في العمل الذي يليه ..منذ شهرين كنت أعمل يومي ًا 15ساعة ،مشغو ًال بتحرير كتابي الجديد عن «الدين والظمأ األنطولوجي للمقدس» .وحاجة الكائن البشري األبدية للدين ..فرغت منه قبل أمس ،والحمد لله ذهب لبيروت للطباعة ..ربما ينفع من يهتم بدراسة مأزق الدين والتدين في عالم اإلسالم اليوم ..يتضمن فص ًال في 60صفحة ،هو محاولة أولية للحديث عن رحلتي الروحية األخالقية الفكرية ،أي سيرة للعقل والروح والقلب ،يمكنك والقراء االطالع عليها ،لمعرفة ما ربما هو محتجب من ذاتي ،وكي تشاهد ما نسجته دروب أحالمي، ورسمته خــرائــط أيــامــي ،وتك ّلمت عنه أقدامي الحافية ،التي لم يرهقها تراب األزقة ..لله الحمد، منذ أمس بدأت بتحرير كتاب آخر ،وهكذا لدي برنامج يغطي كل ما تبقى من أيامي ..أنا سعيد في حياتي ،أعيش سكينة وطمأنينية ،أمضي في نهاري ،بعد أن أصلي الفجر ،في نشوة اإلدمان على العمل ،أنام وأصحو بسالم ،من دون خطايا انتهاكات لكرامة الناس تالحقني ،أو كوابيس سرقة الوطن تطاردني ..نعم ،ال يقلقني إ ّال مصير وطننا العراق ،أنا قلق على مصيرنا الروحي األخالقي العقلي ،مذعور مما قد نهوي إليه ،لنسقط في قاع تلك الهاوية السوداء ،فندفن دنيانا وآخرتنا وديننا في مقبرة وطننا العراق. أليس «الحجر الذي أهمله البناؤون هو حجر الزاوية»! أليس «من ثمارهم تعرفونهم»! ب َأ ْو َأ ْل َقى « ِإ َّن ِفي َذ ِل َك لَ ِذ ْك َرى ِل َم ْن َكا َن لَ ُه َق ْل ٌ ال َّس ْم َع َو ُه َو َشهِ يدٌ» كل الود واالمتنان والدعاء
أﻧﺎ ﻣﺬﻋﻮر ﻣﻤﺎ ﻗﺪ ﻧﻬﻮي إﻟﻴﻪ ﻟﻨﺴﻘﻂ ﻓﻲ ﻗﺎع اﻟﻬﺎوﻳﺔ اﻟﺴﻮداء
عبدالجبار الرفاعي 2015/9/2
* المقال هو عبارة عن جواب د .عبدالجبار الرفاعي لتحية وتبجيل تلقاهما من صديق قديم (عضو فاعل ومؤثر في قيادة حزب الدعوة منذ ١٩٨٠حتى اليوم) عبر صديق مشترك.
ابن باجة.. الرائد في فصل الفلسفة عن الدين يعتبر أبو بكر محمد بن يحيى بن الصائغ الملقب بابن باجة التجيبي من أبرز فالسفة المسلمين ،اهتم بالطب والرياضيات والفلك واالدب والموسيقى ،كان أحد وزراء وقضاة الدولة المرابطية ،عرف عند الغرب باسم آفيمبس. ذاعت شهرته الفلسفية في األخالق ،واتصلت ً مباشرا ،وذلك من خالل رسائله ومؤلفاته به اتصا ًال الفلسفية األخالقية ،خصوص ًا تلك التي ُعرفت بالرسائل اإللهية في العالمين العربي والغربي، والتي اشتهرت أكثر في األندلس بسب اشتغال معظم الفقهاء والعلماء في العالم االسالمي بالعلوم القديمة وتحريهم الكتب والمعارف والتآليف في ميدان الفلسفة. ويسرد ابن أبي أصيبعة الئحة بثمانية وعشرين باجة ،تقع في ثالث فئات مؤلف ًا ينسبها إلى ابن ّ مختلفة :شروح أرسطوطاليس ،تآليف اشراقية، ومصنفات طبية .فمن تآليفه في الطب :كالم على شيء من كتاب األدوية المفردة لجالينوس ،كتاب التجربتين على أدوية ابن وافد ،وكتاب اختصار الحاوي للرازي وكالم في المزاج بما هو طبي. باجة ،أوالهما: قيمتان أساسيتان لفلسفة ابن ّ أنه بنى الفلسفة العقلية على أسس الرياضيات والطبيعيات ،فنزع عن الفلسفة اإلسالمية سيطرة الجدل ،وخلع عليها لباس العلم .وثانيتهما: أنه أول فيلسوف في اإلسالم فصل بين الدين والفلسفة في البحث ،وانصرف إلى العقل ،ولهذا اتهم باإللحاد والخروج عن تعاليم الدين ،وقد الم أبو حامد الغزالي لميله إلى التصوف .كما كان لكتاباته االثر الكبير على إبن رشد. أكد ابن باجة إن اإلنسان يستطيع بلوغ السعادة عن طريق العلم والتفكير ال بإماتة الحواس وتجسيم الخيال ،كما يفعل المتصوفة ،وقد رأى أن الغزالي خدع نفسه ،وخدع الناس حين قال في كتابه «المنقذ
من الضالل» إنه بالخلوة ينكشف العالم لإلنسان. وقد تبلورت فلسفته في اإلنسان باعتبار «كل حي يشارك الجمادات في أمور ،وكل إنسان يشارك الحيوان في أمور ..لكن اإلنسان يتميز عن الحيوان غير الناطق والجماد والنبات بالقوة الفكرية ،وال يكون إنسانا إال بها» تأثر ابن باجة بالتراث األفالطوني واألرسطي، وتــاثــر كــذلــك بفلسفة أهــل الــمــشــرق ،خصوص ًا الفارابي .ولعل الجانب اإللهي واألخالقي يتوضح
عنده في رسائله اإللهية ،خاصة رسائله «رسالة الــــوداع» و«رســالــة االتــصــال» ورســالــة «تدبير المتوحد». ويالحظ أن استخدام ابن باجة لفظة التوحد على نحوين أخالقيين :النحو االجتماعي األخالقي، والنحو المدني األخالقي .ومؤدى التوحد آخر األمر ،اتحاد العقل اإلنساني بالفعل ،والنظر من هذه الجهة عنده هو «الحياة اآلخرة ،وهي السعادة القصوى المتوحدة» .والتوحد االجتماعي ،هو الجزء الكبير من الرسالة الموسومة «تدبير المتوحد» وتقرير مبادئها إنما يتصل بالبحث عن األفعال التي تخص اإلنسان والتي تقود إلى البحث عن الغايات التي تليق باإلنسان ،أي عن الصور الروحانية. وألن اإلنسان المتوحد يستجيب إلى مراعاة الظروف المدنية ،فعليه إذا ما تنافت مع الطبيعة العقلية الروحانية اإللهية االنفصا ُل عنها ،تحقيق ًا لغاياته اإلنسانية العقلية المثلى. في كتابه «تدبير المتوحد» يقول ابن باجة: «فأما هرمس ،فإنه في الطرف األقصى من هذا الصنف» .وهرمس والهرامسة في المصادر العربية، يردون نموذج ًا للزهد والورع ،وهو يشير في مطلع «رسالة الوداع» إلى ما قاله أرسطو في الرسالة الحادية عشرة من «كتاب األخالق». وان اختلف المؤرخون حول والدته فقد أجمعوا على أن وفاته كانت في مدينة فاس بالمغرب
•
ولد في سرقسطة ،االندلس 1095ميالدي
•
اتهم باإللحاد لفصله الدين عن الفلسفة
•
تبدو فلسفته األخالقية متأثرة بتفسير األخالﻕ لغريغوريوس
•
تعتبر «رسالة الوداع»« ،رسالة االتصال» ،ورسالة «تدبير المتوحد» من أهم مؤلفاته. مات مسموما ً عام 1138ميالدي في مدينة فاس.
•
27
اإلحساس بالجمال سر اإلرتقاء باإلنسان اﻟﺠﻤﺎل ﺻﻴﺮورة اﻟﺤﻖ ﻟﻠﻮﺻﻮل إﻟﻰ اﻟﺨﻴﺮ ﺗﺘﺼﺤﺮ اﻟﺮوح ﻣﺘﻰ اﻓﺘﻘﺪ اﻟﺠﻤﺎل ﻣﻦ ﺛﻘﺎﻓﺔ اﻹﻧﺴﺎن
ﺣﺴﻴﻦ اﻟﺴﻜﺎﻓﻲ كاتب وفوتوغرافي عراقي tصور المقال بعدسة الكاتب
28
قد يظن البعض ان الحديث عن الجمال يكون من باب الترف ،السيما في مثل هذه الظروف الحرجة التي تمر بها الكثير من شعوبنا بسبب العنف والفساد ،ولكن عند التمعن والنظر إلى أبعد من النتائج الطافية على السطح ،والتي ال تمنحنا حقيقة ما يجري ،وإنما علينا اإلهتمام باآلليات غير المنظورة ،عندها سنجد ،ان األسباب العميقة هي المحرك الحقيقي لكثير من الكوارث والمصائب التي انهكتنا ،ومن بينها غياب اإلحساس بالجمال ألن من يحس بالجمال ويعشقه ال يمكن ان يميل إلى القبح والبشاعة ،فالحب احساس بالجمال، والمحب ال يمكن ان يكون قاسي ًا مؤذي ًا ،والفضيلة ً فاسدا. من الجمال ،ومحب الفضيلة ال يكون فاإلحساس بالجمال وحب الجميل ،سر اإلرتقاء باإلنسان .فالله تعالى وصف نفسه بالجميل «الله جميل ويحب الجمال». (إذا ما انحرف اإلنسان ..فعلى الجمال أن ينقذه) (ال شيء غير الجمال بقادر على أن يجعل ً سعيدا) العالم بأسره الفيلسوف والشاعر فردريك شيلر ليس من باب المصادفة أو المجاملة ان يطرح هذا المفكر والشاعر الكبير ،مقوالته هذه. فاالحساس بالجمال يسمو باإلنسان ويهذبه ،ومن
هذا المنطلق أكد «كونفيشيوس» على ان اإلنسان الذي ال يمتلك القدرة على إدراك الجمال وتذوقه ،ال موضع له في المجتمع. ً لذلك ال يمكن تصور الخير منفصال عن الجمال، فالجمال فعل وسلوك وصيرورة الحق للوصول إلى الخير .وال يتحدد الخير بنتيجة الفعل بل الفعل ذاته (أي الجمال) فهو الخير لما يحققه من كمال لذلك الشىء. ويذهب الفيلسوف «نيتشه» إلى أهمية تأثير القبح والجمال على اإلنسان وطاقاته النفسية والروحية ،حيث يؤكد« :بإمكاننا أن نقيس مفعول ً منهارا ،يستشعر حتم ًا القبح ،فحيثما يغدو المرء انه قرب شيء «قبيح» .فإحساسه بالقوة ،وإرادة القوة لديه ،وشجاعته ونخوته كلها تنهار مع القبح، وترتفع مع الجمال…» ما أعظم هذه المالحظات من فيلسوف كبير مثل «فردريك نيتشه» إذن اإلحساس ونعمر بالجمال يمنحنا الطاقة اإليجابية لكي نبدع ّ األرض التي أوكل الله تعالى إعمارها إلى اإلنسان. على عكس ال ُقبح الذي تنهار أمامه شجاعتنا ونخوتنا ،حتى يستلمنا العنف والفساد .وقد إلتفت بعض علماء المسلمين إلى أهمية الجمال وتأثيره على نفوسنا وسلوكنا. فهذا العالم أبو حامد الغزالي يرى أن الجمال ينقسم إلى قسمين :جمال الصورة الظاهرة المدركة بعين الرأس ،وجمال الصورة الباطنية المدركة بعين
القلب ونور البصيرة .أما «ابن القيم الجوزية» فيرى أن الجمال الباطن هو المحبوب لذاته وهو، جمال العلم والعقل والجود والعفة والشجاعة ..وهذا الجمال الباطن يزيد الصورة الظاهرة وأن لم تكن ذات جمال. وليس بالمستغرب ان تجد في ثنايا شروح الفارابي عن الله خط ًا فلسفي ًا عن الجمال ،والخط نفسه تالحظه عند الفيلسوف ابن سينا الذي تبنى وجهة نظر الفارابي وطورها .ومتى ما ُطرد الجمال من ثقافة اإلنسان ،عندها يبدأ التصحر القاتل زحفه نحو كل مفردة من مفردات هذا اإلنسان وكل ما بناه وتبناه من قيم وديانات ومبادئ خيرة ،فيصبح الدم المسفوح ظلم ًا هو المعادل للحبر الذي ينشر
كلمة طيبة أو يبني صرح ًا فني ًا جمي ًال ،وتضحى االشالء البشرية المتناثرة هي المقابل النتشار األلوان والخطوط والزخارف على خزفيات ولوحات وجداريات تس ّبح للجميل المبدع الخالق ،ويصبح الدين المختطف والذي أزهقت روحه هو البديل لدين الرحمة والمروءة والجمال. الفن والجمال الفن بوصفه ظاهرة نوعية وكيفية ال يمكن للجميل ان يقاس فيه بالكم بل بالكيف ،ومعايير الجميل فيه تخضع لعوامل ذاتية وموضوعية مع ًا. ومسيرة الفن ،لها عالقة وثيقة بتطور الحس الجمالي لإلنسان ،والجميل قائم أساس ًا على
العالقة التطورية بين الشكل والحاجة الجمالية. وقد إلتفت اإلنسان إلى ان الفن وسيلة طيعة لإلرتواء الجمالي والفكري ،ومهما كان الموضوع الذي يتناوله فانه البد ان يقدم الفكرة بطريقة جميلة ،وإحساس الفنان الجمالي هو الذي يقوده نحو استيعابه لالشكال والكيفية التي تظهر بها، فيعول على ذخيرته الفنية ليبدع ما هو جميل ليقترب من كون الفن هو التثمين الجمالي للظواهر واالحداث والصور الخيالية ،وحتى الفنان الذي يكون هدفه األول محاكاة الطبيعة ،فان احساسه الفني والجمالي يدفعانه نحو االبتعاد عن هذه المحاكاة ،ليصل إلى خلق المرئي ال نسخه ،مما يدفعه إلى تكثيف مظاهر الطبيعة بطريقة معينة ويختار اجزاء معينة ،ويحذف ويضيف بما يجعل العمل الفني مكتم ًال جمي ًال. فليس في الطبيعة ما يمكن ان يوصف بشكل مطلق بأنه اما ان يكون جمي ًال أو قبيح ًا ،فالجمال والقبح ال يكون من الخصائص المتعلقة بالمادة أو الطبيعة ،لكن الفنان هو الذي يخلع عليها هذه الخصائص من خالل إحساسه نحو المثيرات الخارجية ،والعمل الفني وسيط لجعل أحاسيسه الجمالية مرئية وبعيدة عن المباشرة والنفعية والغرضية ،ليبقى الفن نوع ًا من النشاط الحر يقوم به الخيال والعقل ،كما ذهب «عمانؤيل كانط» إلى ً مؤكدا ان أهمية الخيال كقدرة على التشكيل ذلك، وإدراك العالقات وإظهار األفكار الجديدة وإيجاد تناغم جديد بين العناصر الفنية ،وذلك لما للخيال من قدرة على حل كثير من المشكالت التي تشغل بال الفنان ووسيلة إليجاد حل فني عند وقوفه ضد المحاكاة ورغبته في تجاوز الواقع الخارجي 29
اإلبداع العملي وتجلياته ً جيدا عندما كنت في طور االعداد لدراسة أتذكر الماجستير في اختصاص االلكترونيات في احدى جامعات مانتشسر البريطانية تعرفت على بيرس، الشاب البريطاني في االقسام الداخلية التي كنت اقطنها ،ليخبرني عن اطروحته في موضوع اإلبداع .Innovationلم اكن افقه بالكامل مغزى اإلبداع وانا في بداية العشرينيات من عمري ،كما لم اكن واعي ًا في تدريس وتنظير هذا الميدان العملي، فض ًال عن انعكاساته الهائلة على االنسان المعاصر ومجتمعه .ونرى اليوم في مجتمعات الغرب والشرق المتقدمة تبدو اقسام اإلبداع جزءا من بنية المجتمع في الجامعات ،معاهد البحوث ،والشركات. اإلبداع سمة حياة اإلنسان منذ فجر التاريخ وعالقته المباشرة باالنفتاح والنقد ،مثلما شهدته تجارب عصر التنوير والنهضة االوروبية .واليوم يرعى اإلبداع رعاية تامة من قبل الدول والحكومات للحفاظ ليس على وضعها التنافسي في االقتصاد فحسب، بل في خانة األفكار والمفاهيم لدعم الجانب الثقافي، وفي ميدان التباري بين األمم والشعوب. تقول اآلية القرآنية «الله بديع السموات واألرض» ..وفي الحديث القدسي ،حيث ينطق النبي كالم الله ،يسأل أتباع اإلسالم لتقليد الله ،وهو ما يعني ،في هذه الحالة بالذات ،أن يكونوا مبدعين كخالقهم لتحسين ظروفهم على أرض الواقع. في هذه الدراسة السريعة عن االبداع نحاول تسليط الضوء على المبدعين من العلماء والتقنيين ورجال التغير االجتماعي فيما يتعلق بطرق حياتهم، خلفياتهم ،انجازاتهم ،ومحاوالتهم المستمرة لبلوغ اهدافهم ،وكيف يمكننا فهم نفسيتهم وطريقة تفكيرهم؟ كمحاولة جادة في انبعاث موجات اإلبداع في اعمالنا وحياتنا على أكثر من صعيد.
اللعب عند لقائي الباحثين المتمرسين ،في بداية حياتي المهنية وانهماكي في بحوث المايكرو ـ الكترونية، جذب انتباهي استخدام مرداف اللعب Playمن قبل 30
اﻟﻤﻠﻒ ﻣﻦ اﻋﺪاد: ﻧﺠﺎح اﻟﺮاﺿﻲ
هؤالء وما كانوا يقصدونه ،عندما فهمت ذلك بعدئذ، هو المحاولة والمنافسة ..أو لنقل اللعب المنضبط لإلبداع ..أي طرح تساؤل كما عند االطفال الصغار «ماذا إذا» إذ تحتاج لعب األطفال االلكترونية وغيرها إلى الخيال الخصب ..كذا الحال في رحلة اللعب في خيال البحث التي تحتاج للرؤية والتنظيم واالنضباط والتكتيك واالستراتيجية. قال افالطون يكون الرجل أقرب إلى الله عندما يلعب ..وبمعنى افالطوني ومجازي ان المبدعين هم زمالء الله في «خلق» العالم ،أي في إبداع بناء األرض وتعميرها .جارلس تاونس مبتكر الليز ،قال «لم أشعر أبدا أنني حقا عملت أي شيء ..كلها كانت لعبة» .عبر اللعب (أو الفعل) نكتشف ونبدع ونعبر عما حولنا من أشياء ومشاعر وانجازات ..وهو تعبير عن الحرية ،حرية التفكر وحرية الفعل .فالعقل يكون مبدع ًا في والفعل والمحاولة ،والعمل ال ينجز اال في بيئة ديناميكية ومنفتحة تتجاوز مرحلة التغيير لتصل إلى اعتاب مرحلة مبدعة وجديدة. يبدو ان مراحل الطفولة للمبدعين وغيرهم من القادة االجتماعيين والسياسيين الكبار مختلفة ،بالتأكيد الجينات الوراثية لعبت ً دورا رئيسي ًا ..والواضح ان دوافع اإلبداع ال يعيقها الوضع االجتماعي أو تختنق بسبب الخوف وغيرها ،لكن يبدو ان األسر التي تدعم التعلم والفضول تستثمر في مستقبل االبداع وكذلك احصائيات اعداد المبدعين أكبر في بيئات حرة عن غيرها. نحتاج إلى اإلبداع النه يدفع إلى التقدم المعرفي والفنون والتنظيم ويهيىء لظروف عمل أفضل .وبعض الدراسات تتحدث عن االفرازات االيجابية لهذا الميدان على الجوانب النفسية والثقافية لإلنسان .كما يحدث ً مزيدا من المقاومة ويستفز الكثير، اإلبداع (األفكار) خصوصا أصحاب المصالح المتضررة منه ..لكن التغير سمة الحياة وال يتمكن اإلنسان من ايقاف حركته .وقد طبق اإلبداع على الصعيد االجتماعي في السنين األخيرة عبر مشاريع الدماغ االجتماعي والريادة االجتماعية، التي تعرف بأنها حل المشكالت المجتمعية بطرق مبدعة.
كيف يفكرون ،وكيف يختارون طرق التفكير؟
ظل غاندي حتى نهاية عمره محاو ًال اإلبداع في كيفية التعامل مع الذات للخروج بصورة جديدة .كان دائم التركيز على االمور الشخصية والذاتية .روحانيته والكتب الكثيرة التي قراها وتعلم منها ،مزج بين ذاته والعالم الخارجي ،وهي تجارب أولية في الحق والحقيقة ،كما يسميها غاندي ،لهذا ركز على الذات أو العامل الداخلي ،ولعل عشقه للتعلم وميله للتفكر مكنه من استخدام احتياط هائل من الحدس. اما جون بيرس ،المبدع في صنع االجهزة االلكترونية ،واالهم ربما ابداعه في الكتابة ،سينس فكشن ،كفكرة االقمار الصناعية ،سواتل االتصاالت، في عام 1954قبل ان تصبح واقع ًا من قبل الروس عام 1957عبر سبوتينك ..يقول «يبدو لي ان شيئ ًا داخل قبضتي ،ولكنها ليست ذلك في ذات الوقت ،ما يستحق المواصلة» وقال تاونز «ابقى في الميدان حتى لم يعد مثيراً لالهتمام» أي ال شي بقى فيه لالكتشاف .بينما كانت االختراعات بالنسبة كارفرميد هي األشياء التي «فقط كان ينبغي القيام بها» ولعل إبداعه في الجمع بين العلوم والهندسة الجهزة الرقائق االلكترونية قد غيرت حياتنا كبشر .صارع كارفرميد األفكار طوال يومه، واعترف «اشعر ان شيئا ما يزعجني ألني ال افهم.. يجب أن تكون هناك طريقة أفضل»... «تبدو األشياء دائم ًا وكانها مستحيلة إلى ان نقوم بها» كما قال نيلسون مانديال ،القائد االفريقي الراحل .مما يوضح ان االصرار والتحدي والمتابعة والجهد الشاق وطالقة الحركة وتعددية الجوانب في الشخصية والثقافة ،فض ًال عن طريقة تفكر مختلفة تنتج االبداع بشكل أو آخر .ويمكن اضافة نهم (شره)
الفضول في المعرفة ،والفكر الثاقب ،وزج النفس في التحديات وتدريبها كفن ومهارة في ذلك. اإلبداع تعريف ًا :عملية الحصول أو توفر األفكار والرؤى ذات القيمة ثم تحققها لتالمس حياة الكثير من الناس وإحداث فروقات ايجابية في العالم ..أي األعمال التي تتمحور حول الجانب االنساني (الفعل اإلنساني) مثا ًال :رواية ،لوحة ،فيلم ،شعر ،مسرحية، ابداع تقني كاالنترنت. والمبدعون يغيرون األمور على جبهة واسعة ،لذا بحكم التعريف ،اختيار مساحة كبيرة ذات انعكاسات كبيرة على الحياة والتاريخ واالنسان. المبدعون يرون األشياء بشكل مختلف ،وتبدو حتى لزمالهم المتميزين ،غير منطقية ،ويضعون المشكلة في فضاء مفاهيم مغاير تمام ًا ،وهذا ال يحدث ان لم يكونوا في غمر المشكلة ،إضافة إلى تملكهم القدرة الفكرية لوضع األمور معا بطرق جديدة. فعند ميد «عندما تفكر حول مشكلة ما ،تملي عقلك بافكار حول الموضوع وفجاة يأتي الحل المناسب». المبدعون يقولون «المحاولة األولى لرؤية المشكلة ككل ومن ثم العمل على رسم التفاصيل المتعلقة بذلك الكل ،وهذا ليس عند القادة السياسيين والناشطين االجتماعيين المبدعين فحسب ،بل حتى مع األكثر ابداع ًا كالعلماء والفيزيائيين ،حيث يرأون النقطة األولى ككل ومن ثم يرسمون التفاصيل .بينما في المقابل ،العديد من الناشطين والمهندسين وغيرهم ينظرون أوال للحصول على تفاصيل يمكن التعرف عليها بوضوح لوضعها معا كنقطة للبداية. ماسارو ايبوكا ،مؤسس شركة سوني اليابانية، الشركة الرائدة األولى في صنع أول راديو ترانزستور
وابداعات اخرى في االجهزة االلكترونية ،يقول «أفكر في الموضوع الذي اعمل فيه وانتظر حتى أحصل على الرؤية التي تنير طبيعتها الشاملة .واتواصل بهذا مع العاملين معي ،ونعمل معا لتحديد اتجاه واضح لحلها ،لنستكشف فيها مختلف البدائل الممكنة» المبدعون يميلون إلى التعامل مع المشاكل التي لها آثار واسعة النطاق .هذه المشاكل ليست فنية أو تقنية فقط ،ولكن كما يصفها نيشيزاوا ،المحدث لثورة في الطاقة وااللكترونيات والطريقة التي غيرت االتصاالت في تكنولوجيا األلياف البصرية ،يصفها بأنها «معنى عملي لتحسين الظروف المعيشية لكل إنسان ..والننا في اليابان بلد فقير في الموارد الطبيعية ،بضمنها الطعام ،لذلك يجب علينا ابتكار وابتداع وتطوير تقنيات جديدة» يعتبر االعتراف والمكأفاة بمثابة تحفيز االبداع ولكنهما ليستا المحرك الرئيسي .يقول ابوكا «اختراع وصنع أشياء جديدة تعد واحدة من أكبر األفراح في حياتي» بينما يقول بيريس« :أنا ال أحب رؤية األشياء التي لن تكون هناك بدوني» بكلمات أخرى تركوا خلفهم ميراث ًا تخلد فيه اسماؤهم. لدى المبدع عقل النظم ،فهو يرى األمور من حيث كيفية ارتباطها ببعض لتوليد النتيجة لذلك ،ويتصور حالة أو ضرب Gestaltجديد يغير ما حولها. والمقصد النهائي لهكذا نظام يعتمد على مدى اتساع تفكير المبدع ..كمثال التفكر في جميع أجزاء الطائرة في العمل بكفاءة ومرونة معا لجعلها تحلق بيسر وامان .أو يمكن أن يتصور المرء ان الطائرة تمثل نظام نقل مفيد في جلب الناس معا ولكن تقنيتها تعتمد أيض ًا على الوقود والحاجة لبناء المطارات والتلوث والضجيج التي تعملها وغيرها ،أو التفكر في كفاءة نظام السيارة واجزائها ككل لجعلها حديثة ،اقتصادية، صديقة للبيئة .ولعل السياسة المبدعة من قبل أية حكومة تتبلور في دراسة انعكاساتها الشاملة على المجتمع واالقتصاد والبيئة .ونتذكر كم كان الثمن باهظ ًا لسياسة مارغريت تاتشر ،رئيسة وزراء بريطانيا األسبق ،في سياستها للضريبة الفردية Poll Tax قبل عقدين ونيف .فالمبتدع يتجاوز االختراع للنظر في تأثيره وافرازاته على النظام العام كام ًال. «الرؤية من دون تنفيذ مج ّرد حلم ،والتنفيذ من دون رؤية مج ّرد مضيعة للوقت ،أما الرؤية والتنفيذ مجتمعان ،فيمكن أن يغيرا العالم» كما يؤكد نيلسون مانديال .في المقابل يفكر الناشطون والفنيون والمهندسون في حدود النظم الكاملة ،وتنصب جهودهم واهتمامهم حول نشاطهم أو التصميم الجيد للقطع ً حصرا ،فرامل السيارة أو الجزئية المكونة ،مثا ًال ال الشبكات االلكترونية للطائرات. 31
االصرار على تحقيق النجاح مقومات النجاح في تقديري هي ممارسة طرق تفكر جديدة والجرأة باالفصاح عن االفكار التي تتبناها وعدم التردد في ممارستها وانزالها الى الواقع العملي .واالهم من ذلك رحابة الصدر في تقبل الفشل وخيبة األمل والمحاولة ثانية وثالثة.. إلى ان يتحقق ما تريد انجازه .مؤسس شركة سوني اليابانية ،ماسورا ابوكا ،قال «حاالت الفشل في مسيرة عملي ال تعد وال تحصى ،وال اجعلها (حاالت الفشل) ان تزعجني ،ولم اعان من االرهاق من اعادة المحاوالت»... وبهذا الصدد أيض ًا يقول نيلسون مانديال «العظمة في هذه الحياة ليست في التعثر ،ولكن في القيام بعد كل مرة نتعثر فيها ..قمة المجد ليست في عدم اإلخفاق أو الفشل بل في القيام بعد كل عثرة». وضرب المهاتما غاندي أمثلة رائعة على تحدي األيام واالصرار على اعادة المحاولة ،وأحيانا اصراره يصل إلى حدود العناد .كان غاندي يتمتع بفردانية كبيرة تمنحه المرونة الضرورية والحرية من الضغوط الخارجية والتطوير االكبر لقدراته النوعية الداخلية ..فكان فردا فوق الجميع تكمن قوته في ان الجميع فوق فردانيته والفشل غالبا ما يكون ناتج عن الفرد أو المجموعة التي ال تعرف ما تريد أو كيف تصل إلى االمور .وكما ذكرنا في مناسبات أخرى فان مقياس النجاح هو كيفية التعامل مع خيبة امالنا أو فشلنا في اداء االمور ،لكن الفشل الوحيد كما يقال هو فشل عدم المحاولة ،والشخص الذي ال يحاول أو يخاطر بشي ال يفعل شيئ ًا أو يتعلم شيئا أو يعيش شيئا. كثير من الناس ال يحاولون التعلم من الحاالت السلبية ،وخيبة األمل في كيفية التعامل مع الفشل وانعكاساته النفسية .وقد اثبت األبحاث انه غالبا ما يتم تجاهل المعلومات المفيدة بسب قلة الجهود أو عدم التركيز .والتجارب الناجحة ً حافزا لحل لالبداع والنضوج تجد من الخالف المشكلة وليس لتأجيل أو اعادة فشل .سيكولوجية اإلبداع يجب ان ال تركز فقط على النمط المعرفي وذهنية التفكر ،ولكن أيض ًا صفة العمل ..أي ما يكفي من الثقة بالنفس للشعور بالقدرة على حل 32
المشكلة إذا تمسك بها وحاول مرات عديدة ومن زاويا متباينة. توماس اديسون ،مكتشف المصباح الكهربائي، أكد ان نسبة العبقرية هي واحد في المئة ،بينما 99في المئة المتبقية هي عرق وجهود ،وهذا يترك المجال للجهد في اإلبداع واستثمار الوقت للعمل. اإلبداع ال يرى الوجود إذا ال يشتمل على نوع من التحدي ،وعيش التحدي بكل صعوباته ،والفضول وروح اللعب المنضبطة ..وهذا ما يكسب االبداع معنى في أهميته للتطور اإلنساني .جون كوك المبدع في الكومبيوتر يقول« :أنا أستمتع عندما اكتشف اخطائي ،ألن ذلك تعلم» وكان قد نشر العشرات من براعات االختراع في هذا الميدان،
اﻟﻌﻤﻞ ﻻ ﻳﻨﺠﺰ اﻻ ﻓﻲ ﺑﻴﺌﺔ دﻳﻨﺎﻣﻴﻜﻴﺔ ﻣﻨﻔﺘﺤﺔ ﺗﺘﺠﺎوز ﻣﺮﺣﻠﺔ اﻟﺘﻐﻴﻴﺮ
وكما راى فان السعي المتواصل يجب ادراك أن «الحلول تأتي من خالل العمل المتواصل ..ال ومضات درامية من الخيال» اإلبداع يعني انك ترى المشكلة كفرصة عملية للتطور ،وعادة ما اقول لطالبي في الصفوف المنتهية من البكالوريس والماجستير والدكتوراه عند اداء مشاريعهم العملية كجزء من دراساتهم، ان المشروع الناجح والمستمر هو المشروع الذي ي ّولد مشاكل ويمتلك اآللية ،آلية الفشل ،للتعامل مع المشكلة وحلها وتطوير الذهن وبالتالي ارتقاء المشروع ..أي النضوج من خالل الصعوبة .فعند حل أي مشكلة يتوخى أحيان ًا وربما غالبا عدم االسترشاد بقواعد أو أي فلسفة معينة ..أي العمل بعقل مفتوح ودينامية عالية. وثمة حاجة ماسة أو ًال للدوافع الذاتية ،أي الحافز ،والحذار ان يكون الباحث ،مجرد متتبع للتعاليم ،وفي النهاية عدم القدرة على االبتكار واإلبداع .المكافآت واالعتراف هي واحدة من الدوافع الجوهرية لجعل الباحث مبدع ًا ،فض ًال عن القناعة الداخلية والرضى النفسي التي تزرع الثقة بالذات والقدرة على تحدي المخاطر والسعي للتفوق ..وهذا ال يتم إذا لم يكن الباحث يشعر بالحرية والسيطرة في ظروف عمله وتخصصه ما ينمي العقل ويطور سمات الشخصية.
ﻋﺸﻖ ﻏﺎﻧﺪي ﻟﻠﺘﻌﻠﻢ وﻣﻴﻠﻪ ﻟﻠﺘﻔﻜﺮ ﻣﻜﻨﻪ ﻣﻦ اﺳﺘﺨﺪام اﺣﺘﻴﺎط ﻫﺎﺋﻞ ﻣﻦ اﻟﺤﺪس
ثاني ًا :الثقافة العامة لالبداع والعمل واألرضية للبيئة الحاضنة في دعم اإلبداع وتشجيع الروح المستقلة وتوفير الحرية الالزمة« .المال لن يصنع النجاح ،إنما الحر ّية إلنتاج المال تصنع النجاح» كما في يؤكد نيلسون مانديال. وقد أظهر نجاح األصالة في االبداعات أن تكون نتائج البيئة العامة معتمدة على وضع أهداف واضحة ،وتشخيص معايير عالية ،وتوفير فرص لالبداع ،وكيفة رعاية الموهوبين ودعمهم واستخدامهم لحل المشاكل في اتباع االطر المؤسسة من قبلهم .واالهم هو كيفية التعامل مع مالحظات واقتراحات العاملين .كان اليابانيون رائدون في تاسيس مفهوم ما يسمى سيطرة الجودة Quality Controlذات التطبيقات العملية في العالم ،حيث أنهم يشجعون األفكار من قبل العاملين في الخطوط األمامية لتحسين صناعتهم وتطوير امور حياتهم .على سبيل المثال، شركة تويوتا غورب تبنت 80في المئة من األفكار (بمجموعها كانت )47ويتميز الصينيون كذلك في السماع لمالحظات الموظفين والعاملين .وبعد دراسة هذه التجارب بدأ االمريكان واالوروبيون التعلم من هكذا ذهنية عمل. يقــول اليابانيــون اننا نرحب بالشكـــاوى من العمال ،حيث أن كل شكوى تمثل فكرة كامنة للتطوير وفرصة محتملة للتحسين ،بينما في الغرب ولغاية اآلن ومن خالل عملي المهني لسنين طويلة نكون سعداء اذا لم تكن هناك أي شكوى ،وأحيان ًا من اداء الشيء ذاته ً مرارا. تحسين الجودة في العمل هو مزيج من اإلبداع والتحسينات اإلضافية العملية في المنتج ما يجد قيم جديدة من خالل تلبية االحتياجات ،وتوليد أدوات جديدة وخفض التكاليف وتعزيز نوعية حياة اإلنسان بالذات كمحاولة السعاده.
البدعة البدعة وتنظيراتها ضد المبدأ القرآني عندما يقول في آية واضحة «بديع السموات واألرض» وفي آيات أخرى يظهر الله (جل جالله) بصورة واضحة ابداعاته في اإلنسان والطبيعة والكون ..وبما ان اإلنسان خليفة الله على األرض وانعكاس لعظمته في الحياة الدنيا ،فان اإلبداع مفروض ان يكون جزءا من سماته. ولو تفحصنا مسألة البدعة من ناحية فقهية بالذات لوجدنا كبار المحقيقن من علماء اإلسالم كافة اعطوا كلهم البدعة معنى اصولي ًا بسيط ًا ال تترتب عليه كل هذه االشكاالت. ً استنادا للحديث وتاريخيا تطور مفهوم البدعة «كل بدعة ضاللة وكل ضاللة في النار» وال نعرف مدى توثيق هذا الحديث .والتفصيل في البدع وانواعها وما
شابه يجعل المجتمع في عقله الباطني ان صح التعبير أو بشكل ال ارادي يعوق اإلبداع والتفكير والتجديد، فض ًال عن انه اسلوب فاعل السكات اآلخر ومصادرة حقه في الراي والتفكير .وسؤالي الذي طالما رددته: أليس الكالم فيها باستمرار ،بل التفصيل في امورها هو بدعة بحد ذاته؟ ان تطوير مفاهيم البدعة وما تبعها وعودتها بشدة اليوم توضح مرة أخرى غياب العقل وانتشار حس النقل الذي يردد االمور بحرفيتها التي صيغت قبل 1400سنة .والتطور األخير كان انعكاس جلي لنمو السلفية والوهابية باشكالها المختلفة في العقدين الماضين خصوصا .وهو الطغيان المتلبس بالدين في القتل وقطع الرقاب وسفك الدماء وتكفير الناس تارة، واغتيال العقل ،ووقف الفكر ،تارة أخرى. 33
المنبر الدولي للحوار االسالمي يمكن اعتبار المنبر كمؤسسة حديثة تسعى في كافة مشاريعها المختلفة لإلبداع والتعامل مع التحديات بروح الثقة في حل المشاكل لتجاوز الصعوبات واالرتقاء بعملها الجل النجاح والتقدم والتحديث .لذا كانت قادرة على المرونة الدينامكية في التطور عبر مراحل عملها من منظمة فكرية، ولحد ما نخبوية ،إلى منظمة شباب ثم منظمة جماهيرية ،فض ًال عن انها بشكل أو بآخر مركز تفكير مرموق. يطبق المنبر نظم العقل لإلدارة الجيدة التي يمكن توعية عامليها وشركائها في كيفية رؤية المنظمة والمشروع وما حولهما كنظام عمل متكامل مع األهداف المبتغاة ..أي تجاوز اإلبداع للنظر في تأثيرها على النظام وما حوله ..ومن الجانب العملي التدريب والتوعية لرؤية الصورة الكبيرة والدفع صوب التجريب والمحاولة للتجديد والتطوير وتشجيع الجميع (الموظفين والشركاء) على المشاركة في التحسين المستمر للعمل من خالل توفير البيئة الحاضنة والمناسبة لتعزيز الطاقات وتؤكيد حضورها في التعبير عن مواهبهم وانجاز مساهماتهم وادراك طاقاتهم الكامنة ،ما يجعل رؤية المنبر متميزة ،ومقاربته منهجية في قراءة التاريخ على نصاب علمي حضاري ،وليس مقاربة تاريخية قائمة على اشكال السجال والخالف وغير ذلك، وتجسد ذلك في جرأة وإبداع األفكار والمفاهيم في محطتها الفكرية أو في مقاربة التدريب والفعل في برنامج النجاح ،المشروع التعليمي العميق، أو مبادرته واحتضانه لمشروع شبكة النجاح ورؤية 34
21وغيرهما التي تهدف في كالنيته ومشاريعها، كصورة مصغرة ،في كيفية اعادة تشكل حديث لبنية المجتمعات العربية وتكون المنفذ المطل على كل جديد وتميز لكل الناس ،والشباب على وجه الخصوص. المصادر
IEEE, Spectrum, Innovative Genius, December 1991, p23-35 Louis Fisher, The Life of Mahatma Gandhi Harper Collins Publisher, First published 1951, 3 impression 2008
https://www.nelsonmandela.org/ content/page/biography https://en.wikipedia.org/wiki/ Nelson_Mandela
نجاح كاظم ،الهند ،دار الحكمة2014 ، شيخ فيصل مولوي ،الوسط البحرينية ،عدد 2003 ،168 نجاح كاظم ،مجلة النور ،عدد ،152يناير 2004
Peter F. Drucker, Innovation and Entrepreneurship, HarperCollins books, 2006
إﺻﺪارات تطور القرآن
«القرآن في مسار تطوره ـ في تحليل البنية اللفظية والموضوعية» للمهندس مهدي بازركان (أول رئيس وزراء بعد الثورة اإلسالمية) االصدار الجديد لمركز الحضارة لتنمية الفكر اإلسالمي .يعتبر محاولة لبحث التطور الذي خضع له نزول القرآن على مستوى االلفاظ وبنية الجملة القرآنية ،كما على مستوى الموضوعات المتنوعة التي اهتم بها. ويتلخص موضوع الكتاب في سؤالين ،األول :هل التنوع والكثرة في صور القرآن ومعانيه صدفة ،أم في مسار تحقيق هدف مترتب ومتدرج تسود ظاهرة من التطور؟ والثاني :ان القرآن نزل على مدى 23سنة هي عمر الرسالة النبوية ،وهو محكوم بالتطور وبعبارة أخرى :بـ «التكامل» ،فهل هذا التطور بشري ام الهي؟ ويشير الكاتب إلى ان اآلثار التي تترتب على اكتشاف نظام النزول القرآني كثيرة ،ابرزها انه يسمح بتقديم بعض المعايير لتحديد تاريخ نزول السور بل اآليات ولو على نحو التقريب القريب من الدقة ،بالحد االدنى. اعتمد المؤلف منهج ًا احصائي ًا رقمي ًا رياضي ًا جسده في حسابات وجداول ومنحنيات ،يمكننا اعتباره نظرية جديدة في فهم مسار تطور الفاظ القرآن وجمله وموضوعاته.
المكتبة في الليل
ينطلق ألبرتو مانغويل في كتابة «المكتبة في الليل» من عدة محاور في الحديث عن المكتبة فيبدأ بالمكتبة كميثولوجيا ومكان وسلطة وشكل وذهن، وهوية ،واألهم كوطن .بهذه التصنيفات قسم كتابه الصادر بنسخته العربية الصادر عن دار الساقي في بيروت ،ترجمة أحمد م .أحمد ،والذي خصصه عن المكتبات جاع ًال منها مملكة مستقلة بحد ذاتها. ت رحلتي منذ سنوات قليلة، لماذا كتب هذا الكتاب تحديدا يقول «بدأ ُ
ً ليس لكي أصن َ مجلدا آخر إلى ف تاريخ ًا آخر للمكتبات ،وليس لكي أضيف مجموعة تكنولوجيا المكتبات المتنامية بشكل مثير للريبة ،بل بكل بساطة لكي ُأقدّ م بيان ًا عن أسباب دهشتي». ً مستشهدا يلخص مانغويل تجربته الشخصية وعالقته بالكتب والمكتبة في كل فصل من الفصول بالكثير من الحكايا واألساطير وروايات التاريخ فيما يخص هذا المجال .ففي فصل « المكتبة كذهن « يقول : «كما كيافيللي ،أجلس بين كتبي أغلب األوقات .وفي حين أنني أفضل الكتابة صباح ًا ،إال أنني استمتع بالقراءة لي ًال في الصمت الكثيف». أحتوى الكتاب على عدد ال بأس به من الصور لمكتبات ووثائق تاريخية حول العالم تحدث عنها الكاتب في مؤلفه هذا مثل مقصورات الكتب في المكتبة الوطنية الفرنسية ومخططة مكتبة برغامون ،قاعة القراءة في مكتبة حبت في موريتانيا ،مكتبة كوزيت في ممفيس ،مكتبة الكونغرس في واشنطن ،مكتبة الملك في قصر بكنغهام في لندن ،مكتبة كاتلونيا في برشلونة ..وغيرها لم يمر الكتاب دون ذكر ما آلت اليه حال مكتبة بغداد الوطنية فعاد مانغويل بالتاريخ إلى سنة 2003حين سلبت ونهبت وثائق المكتبة الوطنية والمتحف األثري .ويروي بحسرة بالغة تأثره بهذا الحدث الجلل فيقول «خالل ساعات قليلة أرسل إلى غياهب النسيان الكثير من التاريخ المو َثق للجنس البشري» ووصف هذه الخسارة بأنها خسارة للعراق ولإلنسانية.
مستقبل الصحافة
150عام ًا مرت منذ بدايات الصحافة ،ثم تلتها التحوالت في دخول الراديو ثم التلفزيون مع عقود القرن العشرين حلبة العمل اإلعالمي ،ومن ثم اقتحام التكنولوجيا ،خاصة منجزاتها في سبل التواصل اإللكترونية حقبة السنوات األخيرة من القرن الماضي ،وهو ما ارتبط بتحوالت بالغة الخطورة على مهنة الصحافة التي بدأت بالطبع باعتبارها حرفة جمع وجلب األخبار .فإذا باإلعالم الجديد يتحول بها إلى أداة للتواصل والتفاعل والتعمق واالستقصاء. حول هذا الشأن يجمع كتاب البروفيسور ميتشل ستيفنس الصادر عن جامعة كولومبيا في نيويورك تحت عنوان« :ما بعد األخبار :مستقبل الصحافة» بين التحليل التاريخي والتوجه المستقبلي ،خاصة حين يستوفي جوانب من بحثه بشأن الصحافة ومستقبلها. يرى المؤلف ان لم يعد اإلعالم على اختالف السبل والوسائل والقنوات واألساليب -هو مصدر األخبار أو المعلومات المقدمة لجماهير 35
المستهلكين .لقد استجدت على حياة الناس ،مع نهايات القرن الماضي سبل أكثر دينامية وأعمق كفاءة وأشد قدرة على توصيل األخبار وطرح المعلومات، وتميزت بخاصيتين :أوالهما تتمثل في الموافاة اللحظية بالخبر ،وتتمثل الثانية في إمكانية التحديث المستمر ،فيما تتمثل الميزة الثالثة في سهولة عملية التلقي للخبر. ويعمد المؤلف إلى اقتراح مصطلح «صحافة العقل» باعتبارها إعالم االستنارة والتعمق في طرح القضايا الحياتية واتباع األسلوب الموضوعي في معالجة ظواهر ومشكالت المجتمع ،وعدم االقتصار ـ كما كانت الحال في الماضي ـ على مجرد جمع المعلومات وحشد التفاصيل عما يقع هنا أو هناك. لعل األجيال الشابة تفضل ومضة الكومبيوتر على سطور الكتاب ،لذا كانت الحاجة لنوعية جديدة من الصحافة واإلعالم تتجاوز صحافة األنباء إلى صحافة المشاركة والتفاعل والسرعة اللحظية.
العراق :صناعة الدولة واألمة
غالب ًا ما تكثر األسئلة عن أسباب وجذور تأجيج الشقاق في المجتمع العراقي ،ويحاول كتاب الباحث خليل فضل عثمان المعنون« :الطائفية في العراق :صناعة الدولة واألمة منذ العام »1920الذي صدر باللغة اإلنكليزية ً مؤخرا عن دار «راوتليدج» البريطانية ،يكتسي أهمية خاصة .يوظف الكاتب منهجيات البحث العلمي لنبش الجذور المتشعبة لظاهرة الطائفية السياسية في العراق وتشابك هذه الظاهرة وتداخلها مع عملية وضع أركان مؤسسات الدولة العراقية الحديثة المتواصلة منذ نحو تسعة عقود. يعود الباحث بنا في الفصول االستهاللية لكتابه إلى البدايات التاريخية للشرخ الطائفي ،وتطور هذا الشرخ في سياق ّ تكشف تاريخ العراق فصو ًال في العصور اإلسالمية المتالحقة وصو ًال إلى فشل الدولة الحديثة منذ تأسيسها في إدارة التعدد الطائفي والعرقي. وينتقل بنا بعد ذلك إلى تحليل التركيبة الطائفية والعرقية للنخب السياسية التي حكمت العراق الحديث ،مقدم ًا تحلي ًال معمق ًا لتركز مقاليد السلطة والقرار السياسي في أيدي العرب السنّة حتى عام 2003وكيف فاقمت هذه الهيمنة من عزلة الدولة عن المجتمع. ولما كان التعليم في نظر بعض علماء ومنظري التنمية السياسية أداة لتحقيق التجانس في مجتمع متنوع ،فإن عثمان يعكف على تفكيك السرديات التاريخية التي اع ُت ِمدت في المناهج التعليمية في العراق ليوضح كيف أنها أحيت وغذت اإلرث العصبوي الطائفي .ويتقصى كيف ساهمت هيمنة مفردات الخطاب الرسمي على المناهج الدراسية في فترة ما قبل .2003 وال يغفل عثمان دور األساطير اإليديولوجية في صياغة رؤى للهوية الجمعية في العراق متشاحنة في أحيان كثيرة على أساس خطوط تماس طائفية .ويشرح في 36
السياق الخطاب العروبي الذي قدم للدولة العراقية التي ُأسست في أعقاب الحرب ً مظهرا الدور الذي لعبه التوظيف العالمية األولى صرح ًا إيديولوجي ًا تستند إليه، السياسي لمفاهيم من قبيل مفهوم «الشعوبية» في التمويه على اتجاهات طائفية ُمض َم َرة ساهمت في زرع بذور انعدام الثقة بين الجماعات األهلية الطائفية.
عصور األدب العربي
تعدد الباحثة العراقية هدى التميمي في كتابها المعنون« :األدب العربي ً مؤخرا عن دار الساقي ،الفترات الزمنية والتاريخية التي عبر العصور» الصادر ً شهدها األدب العربي ،أبتداء من العصر الجاهلي مرورا باإلسالمي واألموي والعباسي واألندلسي وصو ًال إلى العصر الحديث ،شارحة ميزات كل عصر، ومفصلة أنواع الشعر والنثر ،ومتحدثة عن نوابغه من الشعراء والكت ّاب ،مع االشارة إلى نشأة ونضج وانحطاط تلك األدب. جهدت الكاتبة على الوقوف على القضايا األدبية العامة من خالل بعض المسائل األدبية البارزة التي تشكل محاور رئيسية في أدب هذه العصور، وكان ظهورها نتيجة مؤثرات سياسية واجتماعية وحضارية وجمالية وطبيعية مختلفة ،ساهمت في كل عصر على ظهورها بالشكل الذي وجدت عليه. وتشغل الكاتبة منصب رئيس قسم اللغة العربية في مركز الدراسات العربية واإلسالمية في الجامعة الوطنية االسترالية في كانبيرا.
السلطة والعنف
ضمن سلسلة «نصوص انتروبولوجية» صدر حديث ًا عن دار نقوش كتاب بعنوان« :السلطة والعنف والجنس» ألستاذ علم النفس اإلجتماعي عبدالرزاق عمار .يشكل الكتاب دراسة تفكيكية في عالقة السلطة بالهوس الجنسي وما يتخللها من عنف .يحملنا األكاديمي التونسي بين ثنايا الفلسفة والتجارب السياسية والتاريخ باحث ًا عن تجليات العالقة بين مكونات منظومة تتشابك فيها العناصر ويتداخل الجنس والعنف والسلطة. وللتأكيد على فرضياته المقترحة ،يغوص الكاتب في ثنايا التاريخ العربي اإلسالمي ،خصوص ًا العصرين األموي والعباسي ،وكذلك زمن خالفة عثمان بن عفان والبويهيين واالتراك ،وصراع المذاهب وما رافقه من استبداد وقمع للحريات وللفكر اآلخر.
الكتاب رحلة موجعة في ثنايا االستبداد العربي الذي كان غالب ًا مرتبط ًا بالهوس بالعنف من خالل القتل والسحل والتفنن في تصفية الخصوم والتفنن في التمتع بالجواري والغلمان في منحى من العنف والتسلط .يذهب عبد الرزاق عمار إلى أن السلطة بما هي عنف في وجه من وجوهها .وم ّثل ظهور المتصوفة رد فعل على هذا االستبداد والعنف المادي والرمزي ،إذ يفقد االنسان ثقته بنفسه وبقدراته ويستقيل من المجتمع ويدخل في حياة روحية أخرى .إنها نفس منظومة االستبداد والقهر وإهانة المواطن الذي ما زال محروم ًا في العالم العربي من حقوق المواطنة ومقموع ًا من السلطة أو من التيارات الدينية التي تمارس الرقابة الدينية كوكيل باسم الله.
رؤية للقرن العشرين
يبحث مراد وهبة في كتابه الصادر حديث ًا عن الهيئة المصرية العامة للكتاب بعنوان« :زمن األصولية ..رؤية للقرن العشرين» في معنى األصولية الدينية مع انتقالها إلى الدول العربية واإلسالمية التي توجهت رأس ًا إلى االستيالء على السلطة السياسية ،وعلى المجال العام ،لتفرض رؤيتها من الداخل والخارج، ومن هنا تولد العنف وصو ًال إلى أحداث 11سبتمبر 2001وما بعدها .ويحتوي الكتاب على مجموعة من المقاالت المستقلة التي تتناول جميع القضايا المعلقة باألصولية ،تبدأ بمقالة «ثورة فكرية» من بداية القرن العشرين ،حيث كانت بريطانيا هي الدولة الوحيدة المتحكمة ،في حين كانت ألمانيا الباع األكبر في الفكر ،ومن جانبها كانت أمريكا ال تزال قابعة بين حدودها. وينتقل الكاتب من تفسير األصولية إلى محاولة إيجاد الحلول ،إذ يؤكد في مقالة «صراع األصوليات» أنه رأى أن األعوام المقبلة ستكون «صراع أصوليات» ليقرر في فصل «إبداع» كيف يمكن التحرر من آفة الدوغماطيقية ،ثم يتساءل في فصل «صراع أم حوار» هل الثقافات يمكن أن تتعايش وتلتقي بالحوار؟
اإلرهاب والثقافة
في كتابه «اإلرهاب والثقافة :محاولة في الفهم» الصادر عن دار نينوى في دمشق ،يضع محسن بوعزيزي مفردة «اإلرهاب» على طاولة التشريح ،في محاولة لتفكيك آلياتها وفهم جذورها التاريخية ومرجعياتها الراهنة .اإلرهاب
ً حاضرا ،هو أهم إيديولوجية مدمرة ،بوصفها تتكئ باطمئنان على كما يتبدى ثقافة موروثة تنهل من «التقاء وتقاطع بين عنف تاريخي كامن في رحم الثقافة ورهانات خارجية تبحث عن مسالك الهيمنة». يتساءل بوعزيزي «كيف يمكن لمجتمعات شديدة التمسك بهويتها وثقافتها أن تفعل كل شيء لفنائها فتقيم مذبحة لتراثها؟» ساعي ًا إلى قراءة ً محددا الظاهرة بأنها ولدت من رحم الثقافة اإلسالمية، سوسيو ثقافية لالرهاب كذلك إيقاظ ما ترسب من عنف وتناقض كامنين في الثقافة ،وإذكاء صراعات ً مجددا. كانت هاجعة في الذاكرة بين المذاهب والقوميات واالثنيات وشحذها يحدد الكاتب محددات االرهاب بأنه بحاجة إلى شيوخ يهللون لألصول والتط ّرف ورفض الحداثة بقصد بعث الخالفة اإلسالمية ،وترسيخ ثقافة ماضوية صارمة متشدّ دة وتكفير اآلخر. ً ً حاضرا بات شبح اإلرهاب عابرا للقارات ،باعتماده الوحشية من جهة، جهة ثانية .هكذا أضحت الصورة سالح ًا فتاك ًاً ، نظرا والوسائط الرقمية من ٍ إلى قوة تأثيرها .وبمعنى آخر صارت الحرب مشهدية ،تتطلب أقصى حاالت الفتنة البصرية «حرب تنظر إلى نفسها في المرآة» كي تتحقق من قوة إغوائها رقمي ًا ،إذ تلجأ الصورة إلى إثارة الرعب لدى اآلخر بغية بث الرعب فيه .من جهة أخرى ،كما يرصد الباحث «تاريخ الدم وبعض تمثالته في الثقافة العربية» ٍ ً مستشهدا باألشعار واألمثال وبعض النصوص التي شاعت في حياتنا اليومية.
آلة النهب
تناقض ملموس تعانيه قارة أفريقيا ،بين ثرواتها الطبيعية ،وبين أحوال الفقر المدقع والتخلف الشديد التي يحاصرها .ولعل كتاب الصحافي اإلنكليزي توم بيرغيس المعنون« :آلة النهب ـ بارونات الحرب ،نخبة األقلية، الشركات ،المهربون» يستقصي ظاهرة التناقض ويعزوها إلى آلة النهب التي تنفذها عناصر من األقلية االنتهازية من النخبة األفريقية النافذة ،إضافة إلى عالقات المصالح التآمرية بين تلك األقليات ،وبين عناصر اجنبية. وبرغم أن القارة عاشت مع انتصاف القرن العشرين مد االستقالل والتحرر من نير االستعمار ،إال أن هذا التحرر السياسي الذي حمل العديد من عناصرها الوطنية إلى مقاعد السلطة لم تواكبه أجندة االستقالل االقتصادي والتقدم والعدل االجتماعي .ولعل الحروب األهلية ،سواء بين النظم السياسية الحاكمة وبين الجماعات المسلحة ،أو في ما بين الجماعات المسلحة ذاتها ،ساهمت في تردي اوضاع القارة وسكانها .لهذا ال عجب أن أفريقيا ،بكل ثرائها ،ال تزال قابعة عند أدنى المراتب من حيث التنمية االقتصادية. ويصف الكتاب أحوال الدول المحظوظة بمناجم الماس والنحاس والحديد واليورانيوم ،وآبار البترول ،بأنها ال تزال هي األفقر بين مجموعة الدول األفريقية ،بعد أن تعرضت صناعاتها المحلية إلى االنسحاق ،بفعل عمليات النهب والتآمر واالستنزاف. 37
أفـكـار بصـوت هـادئ 38
اتجاهات إسالمية في الدولة المدنية ﻣﺼﻄﻔﻰ ﺣﺒﻴﺐ الدولة المدنية في العراﻕ حلم يراود الكثيرين ،ومضمون هذا الحلم أن تكون الدولة المدنية قائمة باعتبارها ظاهرة حضارية تقوم على مجموعة من قيم الحرية والصدﻕ والعلمية في طرح المشكالت وعالجها ،فالدولة القائمة اليوم في العراﻕ هي دولة مدنية بدرجة معينة ،ووصفها بالدينية ليس دقيقاً ،ألن قوى دينية تملك تأثيرا في مجريات األمور شريكة في العملية السياسية ،أما دخول المرجعية الدينية على الخط فهو ترجمة لما تمليه الظروﻑ المتجددة وهي تبدو ذات خطاب مدني يتجلى بالتركيز على التغيير واإلصالح والدعوة إلى االستماع لصوت الناس ومطالبهم العادلة المتم ّثلة بالعدالة ومكافحة الفساد وتطوير النظام االداري واالقتصادي وغيره. ولعل االلتباس الحاصل لدى البعﺾ مرده إلى إسقاطات الممارسة الديمقراطية الناشئة في العراﻕ وسوء تقدير المعنيين وضآلة خبرتهم وعدم مناسبتهم للموقع الذي هم فيه ،ويتحمل رموز االتجاه اإلسالمي واالتجاهات السياسية األخرى ممن يتقلد مناصب عالية ،مسؤولية ذلك. إن الظرﻑ الذي ولدت فيه الدولة العراقية من جديد بعد سحق الدكتاتورية المتلبسة برداء القومية ،لم يتح لألحزاب اإلسالمية المجال لطرح النظرية اإلسالمية في الحكم ،فالفكر العملي قد تبدل تماما ،ومثلما انسلخ االتجاه اليساري من التحالف مع الرأسمالية إلى التحالف معها لبناء الديمقراطية وإطالﻕ الحريات ،تحول اإلسالميون من تبني هدﻑ الدولة اإلسالمية إلى بناء دولة المواطنة الحاضنة للجميع ،وااللتزام بالديمقراطية وإن طوقت وقيدت ببدعة التوافق على قاعدة: تحملني وأحملك. ال بد للمرء أن يقف اليوم مع الدعوة للدولة المدنية خاصة ونحن في مفرﻕ طرﻕ ومواجهة أمام التحديات الكبرى كحالة البناء الهزيل للدولة الجديدة ،وتحديات االٍرهاب التي توجت باحتالل عدواني سافر ألكثر من ثلث البالد .وباعتبار أن الدولة المدنية هي دولة اإلنسان يتساوى فيها الجميع بغﺾ النظر عن قوميتهم ودينهم ومذهبهم ،ويحكم بينهم قاعدة «قيمة كل امرى ما يحسنه» ،فان الدين من وجهة حضارية ال يخالف هذه العناوين ،فالدين في مفهومه الحضاري ال يقف عند الممارسة الطقوسية والعبادية ،بل يتعداها ليكون قوام حياة الناس في الدولة المدنية. ليس مقبوال ً لدولة ذات منهﺞ ديمقراطي وتعبر المؤسسات الرسمية فيها عن إرادة حرة للشعب عبر عنها من خالل سب متفاوتة من الوعي الثقافي والديني واالجتماعي ،أن نصنفها كدولة دينية ،ولعل ما أبعد الديمقراطية صناديق االقتراع ب ِن َ عن مضمونها هو تحويرها إلى التوافق وعدم اعتماد األغلبية بصورها المعروفة في إقرار القوانين أو اتخاذ القرارات والتوصيات، وهذا ليس مسؤولية التيار الديني فقط ،بل التكتل االجتماعي بألوانه المختلفة الذي انعكس على المؤسسة الرسمية وغير الحكومية ،فهناﻙ مجموعات تنتمي إلى مذهب ديني لكن فاعليتها السياسية هي بموازاة غيرها داخل الحكومة أو البرلمان .لذا تجد المسلم والمسيحي والصابئي وااليزيدي بمذاهبهم المتعددة .وعلى الرغم من توصيف مدني ألحزاب معروفة نجد الجذر المذهبي ضاربا ً في أعماقها .وضمن هذا التنوع يحدث التنافس الذي نتمناه لكن بحدود منظومة قواعد تتخطى االنتماءات الفرعية. وال بد من اإلشارة الى أن السياسة ليست حكرا ً على المشتغل بالسياسة.. فالقضايا الكبرى قد تتطلب تدخل عناصر تبدو منعزلة لكنها تملك التأثير ومن واجبها التدخل لدفع الضرر ،كما في الدعوة الى الجهاد لمواجهة المعتدين، داعش وأمثالها ،وهنا كان االختبار للشعب الذي لم يتردد في تلبية نداء المرجع األعلى بالجهاد حسب االستطاعة ،واالستعداد لذلك وهو ما يطلق عليه الجهاد الكفائي ،فهل التدخل واستثمار التأثير الكبير للدفاع عن الوطن يجعل العراﻕ دولة دينية أو ثيوقراطية كما يحلو للبعﺾ أن يصرح؟ وسبقت اإلشارة إلى أن األحزاب اإلسالمية ومضمون الخطاب الديني للمرجعية ليست اليوم في وارد دولة إسالمية مثلما كانت هدفا ً في بواكير المعارضة يوم كان الصراع محتدما ً مع الدكتاتورية ،وبطبيعة الحال فالتصور اإلسالمي بعد الدكتاتورية هو اإلسالم كان مسألة مبدئية لكنها ال تفرض بالقوة ،بل تتحق عبر اﻵليات الديمقراطية وتفتح الطريق أمام التغيير والتطور. كاتب وباحث عراقي
The International Forum for Islamic Dialogue (IFID) • A Non-profit organization based in London- United Kingdom. We depend primarily, in implementing activities across the world, on establishing working partnerships with nongovernmental organizations that share our vision and goals. • The International Forum for Islamic Dialogue (IFID) believes that the way to a better future for Muslims lies through the efforts of modernization and enlightenment which renew a sound relationship between Muslims and their current geographical location in addition to their heritage. • Thus, IFID concentrates primarily on developing a culture of dialogue among Muslims themselves, and aims to build bridges between the trends of modernization in contemporary Islamic thought across the world and create opportunities for dialogue between them. • IFID believes that attempts to modernise Islam cannot be effective without understanding the Muslim mind (in the current time), but also believes that the approach to the Muslim mind not be effective without approaching the religious component, leading thus to a need to re-read the founding text for this religious component and specifically the Holy Quran. • IFID also attempts to bridge the gap between the elite and social change by adopting a method of training workshops based on contemporary values and methods of empowerment, modernization, and effective civic participation in public affairs. To achieve this goal it uses participatory workshops that target the basic foundations to plant these values and approaches to the elements of civic culture in general among contemporary Muslims, especially younger generations.
Current Activities 1. IFID developed a course for skills “Success in a changing world”, aimed at young Muslims from varying and different backgrounds. Training sessions adopt the latest training methods on the development of thinking skills and raising the efficiency of performance on the individual and community levels. The approach is characterized by a unique component of the impact of religious thinking and behaviour of the individual and groups. The Forum has two programs (The Arab Programme for Arabic-speaking countries) and (The English Programme for Britain and the English-speaking countries). 2. IFID established and supervises the work of a network of volunteers involved in the training session on skills for “Success in a changing world”,
which includes members from Egypt, Iraq, Morocco, Sudan, Tunisia, Algeria, Bahrain, and Lebanon. And the Network is to pursue the development and implementation of training programs in the countries concerned. 3. IFID publishes and distributes a Arabic magazine “Al Rassid Al Tanweeri” or the “Enlightened Monitor” and a magazine ((Islam 21)) in English. The magazines are concerned with monitoring the latest versions of enlightened thought in the Islamic world. 4. IFID established a website in Arabic and another in English to monitor the latest versions of enlightened thought in the Islamic world and the website is updated regularly. www.ifidonline.com/m1. 5. IFID established a Website dedicated to its Training Course Network in the Arab region (Skills for Success in a Changing World). The website has an Arabic news section that includes documentation of visits to the countries concerned in addition to the Graduate Forum. 6. IFID established a Website dedicated to its training course programme for skills to “Success in a changing world” that includes an English news network and documentation of the training courses in Britain and Europe in addition to the Graduate Forum. 7. IFID organizes educational/ social trips for graduates of training courses in London - United Kingdom. 8. IFID founded a (Research Unit) for the purpose of research and issuing papers on the education received by Muslims in the West from official sources (government schools) and informal (civil, educational institutions, mosques, etc.). 9. IFID organises seminars for researchers and those involved in the affairs of efforts to modernize religious thought and public education and education for Muslim generations.
Past Activities:
1. “Friday Notes” Entries are generally articles written by Muslims from several countries, on issues of contemporary Islamic concern. These articles are sent by e-mail on Friday, to all the participants in our site. 2. Hosting seminars dealing with specific aspects related to the current rate of Muslims and the dissemination of the proceedings and the results and submitting them to individuals or organizations concerned. 3. “Islam youth 21” publications, which focuses on the Islamic identity of Muslim youth perspective.
alrasid@islam21.net www.islam21.net Al-Rasid Al-Tanweeri P. O. Box: 5856, London WC1N 3XX, United Kingdom Phone: (+44) 20 7724 6260