العدد ( )28ربيع ( 2016السنة السابعة)
العدد ( )28ربيع ( 2016السنة السابعة)
المبادرة العربية لدعم التنويريين
التعليم الديني ولعبة «القرد» و«القسيس»
5
32
Al-Rasid Al-Tanweeri P. O. Box: 5856 London WC1N 3XX United Kingdom
فضل الرحمن.. حداثة التعليم الديني
35 Phone: (+44) 20 7724 6260
البشرية وقوة التعليم
للمراسلة alrasid@islam21.net www.islam21.net
28 من مهام المنبر:
املساهمة في خلق وتطوير حوار معاصر حول شؤون املسلمني رئيس التحرير د .نجاح كاظم مديرة التحرير هاجر القحطاني
هيئة التحرير عبد علي السعيدي (العراق) موالي محمد اسماعيلي (المغرب)
د .يـامن نـوح (مصر)
االخراج الفني :رياض راضي الطباعةMBG INT-London :
ﻣﺒﺘﺪأ اﻟﻜﻼم
التعليم ..فلسفة الرؤية المتكاملة أبتداء من القرن الثامن عشر ،هي غابرية االنساق والقوالب واالطر المعضلة الحضارية للمسلمين اليوم ،كما كانت ماضي ًا، ً الفكرية في الالشعور من عقل المسلم التي تفسر االمور تارة باصالة الهوية ،وتارة أخرى بالتغرب ،وانعكاس كل ذلك على دوامة النظم التربوية والتعليمية للمسلمين .مقاربة التربية والتدريب الدينيين هي تاريخية أكثر مما هي منهجية ،لذا كان التاثير على ذهنية التفكير الديني هامشي ًا .وإذا تفحصنا بجد ما موجود في أغلب النظم التعليمية ،والدينية خصوص ًا ،نراها بحق متاحف إلسالم القرون الوسطى المحنطة في داخلها مفاهيم وأفكار اناس عاشوا لزمان آخر .وقد حاول محمد عبده وغيره، اعادة اكتشاف الحداثة داخل اطار الفكر اإلسالمي التقليدي وكان ذلك بمثابة حجر االساس الفكارهم االصالحية في التعليم، لكنه لم يوفق وذلك لمقاومة التيار األكبر الذي اعتقد ان اإلصالح سينسف اإلسالم ،بينما حقيقة االمر تمثلت بخشيتهم من ان االصالح سينسف فهمهم لإلسالم. تعاد الكرة اليوم برفع شعارات «اإلصالح» و«التجديد» وغيرهما في المعرفة والتعليم مع الحفاظ على القوالب الفكرية واالطر المفاهيمية واالنساق الثقافية النابعة من ذات الذهنية القروسطية القديمة. انطالقة المنبر عام 1994كانت العتقادنا اساس ًا ان ذهنية المسلم مطلوب مراجعتها وتشذيب طرق تفكيرها وقد مثلت فاعلية مرحلته األولى الفكرية والمتجسدة في المرجعية القرآنية والحضارية والعلمية ،وكذا الحال ،كمدرسة تفكير متميزة، وجدت طريقها في التعليم والتدريب عند انتقاله للمرحلة الثانية من نشاطه. التعددية والتالقي بين الحضارات ،من اهم االسباب الجوهرية في شموخ المعرفة اإلنسانية ،كما ينص القرآن على ذلك بوضوح ال غبار عليه .واعتقاد المنبر بأن اهمية المفاهيم ذات الصلة في التبادل الثقافي والتعددية والتنوع وتوسيع افاق المعرفة ال تتم اال بتعميق العالقة مع اآلخر ،وتعزيز دور الحوار كمرتكز ألي تحول بناء في العملية التعليمية .إذ ال يحدث الرقي من استيعاب ثقافة واحدة أو النظر إلى اآلخر من خالل عدسات التغريب أو اسلمة المعرفة والجامعات ،بل تكامل المعرفة ألفضل ما موجود في كل ثقافة وحضارة لبلوغ هدف القرآن ،الوحدة في التنوع. تتميز بيداغوجيا اي مشروع تعليمي في منحه القدرة على اقتناء الطالب لكتلة من المعارف وتحدي تفكير البعد الواحد ومقاومة التكيف والتعصب واالنحياز ،أو كما يسميها فرانسس بيكون ،فيلسوف ورجل الدولة االنكليزي وصاحب مقولة «المعرفة قوة» بـ «أصنام العقل البشري» واتمام ذلك بالخبرة المباشرة والمعرفة العملية والتجريب لمنع العقل من تشويه الطبيعة الحقيقية لألشياء .لذا فثمة حاجة ماسة لحشد االدلة والبراهين وتقديم االستفسارت وطرح االسئلة الباحثة والحوار العميق والجدل في تدريب العقل على االنفتاح وارتقاء الوعي ،واالهم من كل ذلك مقاومة التلقين ،مرتع التعصب والتطرف، واالنحدار بالعقل إلى االنغالق الذي ال قدرة له في رؤية النفق ،ناهيك عن الضوء في نهايته لسبر الصورة األكبر ،أو كما تضعها حنة ارندت ،عالمة االجتماع ،في نقدها للتعليم المعاصر «إن الهدف من التعليم الشمولي ليس ً أبدا لغرس القناعات ولكن لتدمير القدرة على تشكيل أي منها». و تنبع ضرورة البيداغوجيا الحديثة في تخفيف النزعة االنقسامية أو الثنائية «هم ونحن» في السياقات الفكرية والتعليمية واالختزال أو تعيم االمور ،فض ًال عن تجنب ما يصوره علم النفس لنزعة العقل البشري في الميل إلى معرفة ما يريد واعتقاد ما يريد المرء أن يصدقه أو يراه! التعليم والتعليم الديني يجب أن يمنح القوة للوصول إلى رؤية عالمية في االمتياز والتي تشمل الحقيقة ،المعنى ،الهدف والغرض عن ماذا يعني بأن يكون المرء إنسان ًا متكام ًال في الذات واالخر .وتفحص القرآن كما يعبر ،جيرمي هانزل توماس، عنها من خالل تركيزه على المجموعة الكاملة «للملكات البشرية ـ المادية والحسية والمعرفية ،االدراك ،الخيال ،الوجدانية واألخالقية والروحية ـ وإذ تضع في االعتبار من المنظور الروحي بأن كل هذه القوى والملكات هي الهية» حيث «ليس هناك سلطة وال قوة إال بالله وحده». فلسفة الرؤية المتكاملة لملكات اإلنسان في التعليم االسالمي يتوجب ان ال تفصل بين القوى العقالنية من الخبرة المباشرة أو العملية ،والتقييم األخالقي والوعي الروحي .فالمعلم الناجح ليس الناقل للمعلومات والصاقل للمعرفة والوارف للثقافة ً عنصرا نافع ًا في المجتمع والحياة والعالم. فحسب ،بل المربي للنفوس والمطور لالخالق والنافع لشخصية المسلم حتى يكون نرمي االحجار في المياه حتى ال تحدث اهتزازات أو تتسع مدارات فحسب ،وإنما لعمل الرواج وازيز االمواج 4
ﻧﺠﺎح ﻛﺎﻇﻢ
التعليم الديني ولعبة «القرد» و«القسيس» ﻗﻴﻮد اﻟﺜﻘﺎﻓﺔ اﻟﺪﻳﻨﻴﺔ اﻟﺘﻘﻠﻴﺪﻳﺔ ﺗﺴﺘﻬﻠﻚ ﻃﺎﻗﺔ اﻟﺘﻔﻜﻴﺮ واﻻﺑﺪاع ﻣﻦ اﻟﻀﺮوري اﻧﺘﺎج ﺗﺼﻮرات ﺗﺜﻤﺮ ﻋﻦ ﻣﺼﺎﻟﺤﺔ ﺑﻴﻦ اﻟﺪﻳﻦ واﻟﻌﻠﻢ
ﻳﺎﻣﻦ ﻧﻮح أخصائي وباحث انثروبولوجي ومؤسس بيت النجاح في القاهرة ـ مصر
نهار 30حزيران (يونيو) ،1860كانت األجواء مشحونة جدا داخل متحف جامعة أوكسفورد ببريطانيا ،فقد صعد على المنصة القس الشهير «صامويل ويلبرفورس» ليتحدى عالم األحياء «توماس هاكسلي»« .ويلبرفورس» كان واحدا من أشهر متحدثي عصره ،وقدراته الجبارة على المناظرة والمناورة هي التي أهلته للقب الذي عرف به والتصق باسمه(»Soapy Sam« :أي المتفلت صعب اإلمساك به كالصابون) .بينما كان «هاكسلي» أحد أشد المتحمسين للرؤية المثيرة للجدل التي طرحها «تشارلز داروين» قبل ذلك اليوم بسبعة أشهر تقريبا عن تطور الكائنات من أصول مشتركة ،وقد استحق بسبب حماسته المفرطة ودفاعه الدائم عن صديقه «داروين» اللقب الذي صاحبه هو اآلخر( »Darwin’s bulldog« :أي الوفي لداروين مثل كلبه). كان هذا هو االجتماع السنوي للجمعية البريطانية لتطوير العلوم ،وقد كان الجدل الذي أحدثته أطروحة داروين في األوساط العلمية والدينية سر سخونة األجواء أثناء ذلك االجتماع. أكثر من ألف شخص من الشخصيات المرموقة اجتمعت في القاعة العمالقة ،وقد تردد «هاكسلي» عندما وجد أن «ويلبرفورس» مقدم على مناظرته، فـ «هاكسلي» لم يكن يجيد الحديث أمام العامة، بينما كان «ويلبرفورس» غو ًال على المنصة .احتدم النقاش حول أصل الكائنات وحول داروين ـ الذي ً حاضرا في االجتماع بسبب مرضه ـ وحول لم يكن األصل المشترك للقرد واإلنسان ،وعندها سأل «ويلبرفورس» «هاكسلي» متهكما ،إن كان يعتقد أن القرد هو جده من ناحية األم أم من ناحية األب!! السؤال كفيل بأن يجعل من «هاكسلي» أضحوكة القاعة ،ويبدو أن قسم ًا من القاعة قد ضج بالضحك بالفعل ،لكن يبدو أن القسم األكبر من الحضور أغضبه أسلوب «ويلبرفورس» الخبيث
في المناظرة .وفي غمرة االنفعال رد السير «دالتون هوكر» عالم النبات المعروف على «ويلبرفورس» بأنه يفضل أن يكون سليل قرد على أن يكون سليل قسيس!! إشكالية العلم والدين التاريخ حافل بالمعارك التي وجد فيها العلماء ورجال الدين أنفسهم وجها لوجه ،فغاليليو الذي طور حسابات «كوبرنيكوس» الفلكية واستنتج كروية األرض ودورانها في القرن السابع عشر، أجبرته الكنيسة ـ وهو في السبعين من عمره تقريب ًا ـ على الركوع على ركبتيه أمام لجنة التحقيق وإعالن «التوبة» من أفكاره العلمية التي تخالف رأي الكنيسة .وفي تسعينات القرن الماضي واجه الراحل الدكتور نصر حامد أبو زيد حكم ًا قضائي ًا بالتكفير والتفريق بينه وبين زوجته على إثر دراساته اللغوية في طبيعة النص والنص الديني. ونظرية التطور واحدة من أكثر النظريات العلمية التي أثارت جد ًال ديني ًا واسع ًا ،وأشعلت المعركة بين رجال الدين ورجال العلم .وإلى اليوم ال يزال الجدال قائم ًا في األوساط الدينية المسيحية واليهودية واإلسالمية حول مدى توافق نظرية التطور مع التصورات الدينية عن خلق العالم .فالنصوص ً تصورا عن مشهد الخلق المقدسة لهذه األديان تقدم األول يتخيله المتدينون عادة على أنه عملية تشكيل مباشر لإلنسان من الله على هيئته الحالية، وبذلك يصبح تصور داروين عن تطور الكائنات ـ بما فيها اإلنسان ـ من أصول وأسالف مشتركة مناقض ًا للتصور الذي يتبناه أتباع هذه الديانات ،ونافي ًا ـ في تصورهم ـ لدور الله في عملية الخلق ،وبالتالي داعي ًا إلى اإللحاد والخروج على األديان. هذا التناقض المتوهم أدى بطبيعة الحال إلى أن أصبح تحريم نظرية التطور من الثوابت ـ أو يكاد 5
ً ممتدا في الثقافة العامة للمسلمين ،بشكل تراهمن نقاشات مائدة العشاء في البيوت ،إلى فصول المدارس وحتى األوساط العلمية واألكاديمية في الجامعات .ففي االستبيان الذي أجراه الدكتور نضال قسوم أستاذ الفيزياء بالجامعة األمريكية بالشارقة بين الطلبة واألساتذة المسلمين عن مدى قبولهم لنظرية التطور ،أكد أكثر من 60%منهم أنهم يعتقدون أن نظرية التطور هي «مجرد نظرية ال برهان عليها» كما أعلن أكثر من 80%منهم عن عدم رغبتهم في تدريس النظرية في المدارس، أو على األقل أن يتم تدريسها على أنها «مجرد نظرية»(.)1 الثقافة الدينية والتعليم لم يعد هناك تقريب ًا اليوم أي خالف حول نظرية التطور داخل األوساط العلمية في العالم ،ولم يعد ثمة خالف حول النظر إليها باعتبارها واحدة من النظريات األم ،وباعتبارها أحدثت ثورة حقيقية في مجموعة كبيرة من العلوم ،بدءا من البيولوجيا الجزيئية وحتى الجيولوجيا واألنثروبولوجيا الطبيعية .فنظرية التطور ـ وعلى عكس ما يروج مناهضوها ـ من أكثر النظريات التي أيدتها الشواهد والدالئل العلمية على مر السنين منذ صدورها وحتى اليوم .راجع في ذلك مثال بيان الجمعية األمريكية لتطوير العلوم ( ،)AAASالذي أصدره مجلس أمناءها في شباط (فبراير) ً ،2006 ردا على بعض القضايا التي رفعها متحمسون لمنع تدريس التطور في المدارس( .)2راجع كذلك بيان الشبكة الدولية للمعاهد العلمية ()IAPالذي صدر في نفس العام حامال توقيع 68معهد وجامعة وجمعية علمية حول العالم بنفس المضمون(.)3 وفي الوقت الذي خطا فيه العالم خطوات واسعة في مجال العلوم الحيوية بعد داروين ،توقف العقل العلمي لدارسي هذه العلوم من المسلمين
ﻧﻈﺮﻳﺔ اﻟﺘﻄﻮر ﻣﻦ أﻛﺜﺮ اﻟﻨﻈﺮﻳﺎت اﻟﺘﻲ أﺷﻌﻠﺖ اﻟﻤﻌﺮﻛﺔ ﺑﻴﻦ رﺟﺎل اﻟﺪﻳﻦ واﻟﻌﻠﻤﺎء
6
عند لحظة ما قبل داروين ،متشبثين بالتناقض المتوهم بين النص الديني والنظرية العلمية، ليفقدوا بذلك كل اتصال بحركة العلوم وتطورها. ففي استبيان آخر بين طلبة الطب واألطباء أجراه سلمان حميد عام 2011في ماليزيا وعدة دول إسالمية أخرى كان بينها مصر وتركيا ،وجد أن الغالبية العظمى من األطباء وطلبة الطب يرفضون نظرية التطور ،والبعض منهم يقبل تطور الكائنات األخرى كالبكتيريا والميكروبات ،بينما يرفض تطور اإلنسان. ليس بغريب إذن في هذه اللحظة من القرن الحادي والعشرين ـ وهذا حال المجتمع العلمي في بالد المسلمين ـ إن استورد المسلمون الدواء وصدروا المرض ،وال تنتظر وهذه هي الحال أن تسمع بعلماء بيولوجيا مسلمين يأتون بجديد يطور العلم ويفيد حياة البشر .أحد التعليقات ذات الداللة الهامة وردت إلى الباحث من أحد األطباء الذين أجروا االستبيان قائ ًال بأنه يقبل بالنظرية عندما يكون في المستشفى ،بينما يرفضها عندما يعود إلى منزله(!!)4 تناقض ذكرني بمحاضرة عن التطور ألحد أساتذة جامعة القاهرة ،حين فرغ األستاذ الفاضل من قراءة الجزء الذي قام بشرحه من الكتاب المقرر ،ثم أغلق الكتاب ونظر إلى طلبته ـ الذين كنت بينهم ـ قائ ًال بكل ثقة« :وكما تعرفون جميعا فإن نظرية التطور حرام ،وما سمعتموه مني اليوم هو فقط لكي تكتبوه في االمتحان ،لكننا نعرف جميعا أن القرآن قد وضح لنا كيف خلق الله اإلنسان وأن المسألة محسومة»!! لم يفاجئني موقف األستاذ فحسب ،ولكن فاجأني الرد الجماعي للطلبة الذين أكدوا جميعا في قول واحد« :طبعا»!!!. تساءلت حينها بصدق ،كيف وصل األستاذ الكريم إلى منصبه ـ األستاذية ـ في هذا العلم بالذات وهو يحمل داخله هذا التناقض العجيب. فلعشرات السنين ظل الرجل يستذكر مواد وعلوم ًا ال يصدقها ويعتقد بحرمتها ألنها كلها قائمة على التطور في األساس ،لكنه بمنتهى االجتهاد ظل يكتبها في االمتحانات لينال الدرجة العلمية، ليصعد على منصة التدريس وكل وعيه وتفكيره منفصل عن العلم الذي يقدمه .ثم ها هو اآلن يبدأ الدائرة من جديد ليع ّلم طلبته أن يكتبوا في االمتحان ما ال يصدقونه ،وما سيرفضونه «عندما يذهبون إلى المنزل»! تناقض صارخ ،ووعي منقسم على ذاته، وانفصام يخبرنا إلى أي مدى يستنزف الصراع
مع النظرية ومع العلم وعي المسلمين وضميرهم، وكيف تستهلك قيود الثقافة الدينية التقليدية طاقة التفكير واإلبداع داخل العقول ،محاصرة كل أمل في انطالق العقل المسلم بالبحث والتفكير الحر .كأن المسلمين اليوم لم يتجاوزوا بعد يوم المناظرة الشهيرة بين «ويلبرفورس» و«هاكسلي» وقد مضى عليها أكثر من 150عام ًا!! مسؤولية التعليم الديني في أكتوبر ،2014صرح البابا فرانسيس بابا
ﻣﻦ اﻟﻀﺮوري إﻋﺎدة ﺗﻮﺟﻴﻪ ﻣﺴﺎر اﻟﻮﻋﻲ ﻟﺪى اﻟﻤﺴﻠﻤﻴﻦ ﺑﺎﺗﺠﺎه اﻟﻌﻠﻢ واﻟﻤﻌﺮﻓﺔ
الفاتيكان أن نظرية التطور ال تتعارض مع تعاليم الكنيسة وأنها ال تتعارض مع اإليمان بالله ،ليمثل بذلك نقطة تحول تاريخية في خطاب الكنيسة التي لطالما اتهمت بمعاداة العلم والنظريات العلمية منذ القصة الشهيرة مع غاليليو وحتى تشارلز داروين(.)5 ومن عجيب المفارقات أنه في نفس الفترة تقريبا ـ ايلول (سبتمبر) 2014ـ أذيع خطاب متلفز للشيخ أحمد الطيب شيخ الجامع األزهر صرح فيه أنه يعتقد أن نظرية داروين تناقض بصراحة تصور الخلق في القرآن ،وأنها نظرية تشجع على اإللحاد وإنكار وجود الله ،وأن من يؤيدونها مدعومون من الغرب ليستمر اإللحاد(!!)6 اليوم ،تقف القيادات الدينية اإلسالمية وأهل الفكر اإلسالمي والدعاة أمام مسؤولية تاريخية، عن إعادة توجيه مسار الوعي الديني لدى عامة المسلمين ،باتجاه العلم والمعرفة ،وفض االشتباك بين العلم الدين ،وإنتاج تصورات تثمر عن مصالحة بين الدين والعلم في المجمل ـ ال في التطورية وحسب ـ ولكن في كافة أوجه الوجود اإلنساني الذي يتشوق العقل إلى استكشافه، لكن يكبله الضمير الديني المنطلق من ثقافة دينية تفرض لنفسها وصاية على حركة العلم ،لتحاكم هذه
النظرية أو تلك ،وتسمح بهذه أو تلك .فكأن طالب الطب أو طالب الفيزياء في بالدنا لكي يتعلم العلم ال يحتاج إلى سؤال المراجع العلمية واألبحاث بقدر ما يحتاج إلى سؤال الفقيه!! وربــــمــــا يـــتـــجـــاوز الـــطـــمـــوح هـــنـــا م ـجــرد «التصريحات» بأن نظرية كذا أو كذا ال تتعارض مع إيمان المسلمين ،إلى انتاج تصورات مختلفة عن الوحي وطبيعته ودوره ،بشكل يحرر المسألة العلمية برمتها من المخاوف الدينية لدى عامة المؤمنين ،فال يضطر اإلنسان إلى فقدان إيمانه
ﻟﻴﺲ ﺑﻐﺮﻳﺐ ﻓﻲ ﻇﻞ اﻟﺘﺠﻬﻴﻞ اﻟﻤﺘﻌﻤﺪ أن اﺳﺘﻮرد اﻟﻤﺴﻠﻤﻮن اﻟﺪواء وﺻﺪروا اﻟﻤﺮض
إن اكتسب عقله ،وال إلى التضحية بعقله ليحتفظ بإيمانه الهوامش: .1راجع نتائج االستبيان في مقال الدكتور نضال سسوم على الرابطhttp://www.huffingto - : post.com/nidhal-guessoum/islam ،evolution_b_1175776.htmlكما راجعها في تتابه Islam›s Quantum Question: Reco - ciling Muslim Tradition and Modern Science .2راجع البيان على الرابطhttp://www. : aaas.org/sites/default/files/migrate/ uploads/0219boardstatement.pdf http://www.i - h 3 teracademies.net/File.aspx?id=6150 .4راجع عرض النتائج األولية لدراسة سلمان حميد علي الرابطhttp://c96268.r68.cf3.rackcdn. : com/Hameed-WCSJ_powerpoint.pdf .5راجع تصريح البابا علي الرابطhttps://www. : youtube.com/watch?v=7KVupdK_pBU .6راجع اللقاء المتلفز على الرابطhttps://www. : youtube.com/watch?v=EQkdS22eXHY
7
التواضع المعرفي طريق الحل الفلسفي لمحاربة العنف اﻟﻄﺮﻳﻖ ﺑﻴﻦ اﻟﺠﺰم واﺳﺘﺨﺪام اﻟﻌﻨﻒ ﻟﻴﺲ ﻋﻠﻰ ﻣﺴﺎﻓﺔ ﻛﺒﻴﺮة ﻳﻌﺘﺒﺮ اﻟﻴﻘﻴﻦ ﻏﻴﺮ ﻣﻌﺮﻓﻲ وﻣﺼﺪرﴽ ﻟﻠﺨﻄﺮ
ﻋﻠﻲ ﺑﺎﻳﺎ أستاذ فلسفة العلم وتاريخ الفکر بالمؤسسة االسالمية في لندن وزميل ابحاث اقدم في كلية السياسة والعالقات الدولية في جامعة ويستمنستر
8
اضع بعض المالحظات القصيرة على ضوء العديد من حوادث العنف التي يشهدها العالم وبوتيرة مستمرة ،كما حدث في باريس واندونيسيا وبيروت ً مؤخرا ،وعدد آخر ومنطقة الشرق االوسط وبروكسيل من الدول التي تشهد مظاهر العنف ،والبعض منها على نحو يومي .العنوان المقترح ،يبدو سه ًال من النظرة األولى ،اال انه يطرح تحدي ًا جدي ًا لکل محلل ينوي الغوص في هذا المجال. الفلسفة ،بالحد االدنى کما يفهمها الکاتب ويستخدمها في تأمالته ،هي ليست نوع ًا من «اللعب الکالمي» أو «طريقة عالجية» أو «نشاط ًا ً نظيرا لحل الکلمات المتقاطعة» أو «بذل جهد في سبيل توضيح االبهامات الداللية» بل هي جهد اصيل من اجل معالجة القضايا الحقيقية التي تنشأ عن طريق المواجهة مع االبعاد المختلفة للحقائق (حقائق طبيعية ام کانت من منشأ اجتماعي) ويتم القيام بهذا الجهد بهدف الوصول إلى طرق حل مناسبة للقضايا التي تمت االشارة إليها ،مع العلم ان الوصول إلى النجاح في هذا الطريق غير مضمون مسبق ًا. العنف ،کما أفهمه ،وبغض النظر عن تجلياته وأشکاله واقسامه المتنوعة يترافق ظاهري ًا مع استخدام القوة من قبل کائن ،بهدف تهميش أو توجيه الضرر أو ابادة امکانيات مادية ومعنوية لکائن آخر .االمکانيات المادية والمعنوية المشار إليها من ضمنها الجسد ،النسيج المادي ،الشخصية، الکرامة ،الهوية ،اإلرادة ،والوجود المعنوي. إذا اعتبرنا ان الهدف الذي أشرنا إليه في المقطع اعاله هو هدف قريب وأولي للعنف ،يمکن ان نعتبر ان انواع الهدف والنوايا الثانوية أيض ًا هي مترافقة مع ما ينتج عن اعمال العنف ،ومن بين
هذه االهداف يمکن االشارة إلى البحث عن السلطة المادية ،االستعالء األيديولوجي ،الغطرسة المالية واالقتصادية ،والشهرة والرغبة باکتساب االسم واالعتبار وغيرها من االهداف. ما ينتج عن العنف يمکن ان يظهر بأشکال مختلفة ،صريحة وظاهرة ،أو مخفية ومغطاة بأشکال متنوعة ،من بينها اللساني واللفظي ،والنفسي والروحي والفيزيائي والمادي ،ومن قبل فاعلين مختلفين سوى کانوا اشخاص ًا أو مؤسسات ،وفي مجاالت واماکن مختلفة تبدأ باألسرة ومحيط الدراسة ،وصو ًال إلى العالقات بين الحکومات ومواطنيها ،وإلى ساحة العالقات بين الشعوب والحکومات. ورغم انه يمکننا دراسة العنف كونه ظاهرة حقيقية ذات أبعاد عديدة من خالل االستفادة من العلوم التجريبية المعاصرة من بينها علم االجتماع، علم الجرائم ،علم النفس ،وعلم اإلنسان .لکن من وجهة نظر فلسفية لعله بطريقة حدسية يمکن ان نطرح هذه النظرية بحث ًا عن عنصر ضروري الزم (رغم
اﻻﻛﺜﺮﻳﺔ اﻟﺴﺎﺣﻘﺔ ﻻ ﺗﺰال ﺗﻘﺮع ﻃﺒﻮل اﻟﺘﻔﺴﻴﺮ اﻟﻤﺒﺮر ﻣﻦ اﺟﻞ ﺗﺜﺒﻴﺖ آراﺋﻬﺎ
انه ليس کافي ًا) بالنسبة لجميع السلوکيات العنفية على کل مستوى ،ومن حيث کل فاعل (افراد أو مؤسسات) من وجهة نظر وتوجه يعتبره الفالسفة الناقدون ذات التوجه العقلي تحت عنوان وجهة نظر «التفسير المبرر»(.)1 الفرد أو المؤسسة التي تعتبر نفسها مبررةبالداللة الضمنية تجد کل اآلخرين في طريق غير صحيح ،ولهذا فإنها تعتبر نفسها محقة، ولکي تعيدهم إلى الطريق الصحيح والصواب يمکنها االستفادة من أي اداة ال سيما التوسل إلى العنف ،يترافق التفسير المبرر عادة مع «اليقين» بصحة وجهة النظر أو موقف الفاعل (سواء افراد أو مؤسسات) واليقين يمکن ان يصبح األرضية من اجل اتخاذ طريق عالجية جازمة ،والطريق بين الجزم واستخدام العنف ليس على مسافة کبيرة. البعد اآلخر الذي يستفاد منه في التفسير المبرر والذي يمهد للعنف هو االلتزام بوجهة نظر حول الحقيقة والتي يعبر عنها تحت عنوان «الحقيقة الظاهرة للعيان» .اولئك الذين يلتزمون بوجهة النظر هذه يعتقدون بأن الحقيقة ظاهرة عندهم .اما الذين يعجزون عن «رؤية» الحقيقة فانهم يفتقدون إلى السعة الموجودة عند ممتلکي
الحقيقة .هؤالء االفراد يعتبرون أنفسهم من يمتلك نوع ًا من البصيرة ووجهة النظر ،مقابل اآلخرين الذين يعتبرونهم فاقدين لهکذا وجهة نظر وبصيرة ،وان التوسل للعنف ليس مسموح ًا فيه فحسب ،بل هو امر ضروري. بما ان التفسير المبرر يعطي للشخص وعداً بالوصول إلى المعرفة المبررة والحتمية واليقينية من خالل امتالك هکذا معرفة ،فإن البعد الذي يبقى لديه هو الدخول إلى ساحة العمل ..وفي هذه الساحة أيض ًا تعتبر االرادة هي قطب الرحى لألمور
ﺑﺈﻣﻜﺎن اﻟﻔﻠﺴﻔﺔ اﻟﻤﺴﺎﻋﺪة ﻓﻲ ﻣﺤﺎرﺑﺔ اﻟﻌﻨﻒ ﻋﺒﺮ ﻧﺸﺮ اﻟﻤﻌﺮﻓﺔ
کافة .االرادة أيض ًا بما أنها تعتبر نفسها مبررة وعلى هذا االساس تعتبر نفسها غنية عن اعادة النظر في آرائها وأفکارها وتقوم باستخدامها بشکل جازم. اذا کان الحدس المقترح اعاله في سبيل اصابة الواقع عندها تكون االجابة على السؤال في عنوان المقالة :کيف بإمکان الفلسفة المساعدة في محاربة العنف؟ يمکن ان نوضح انه إذا قام الفالسفة بتعليم هذه المسألة لمخاطبيهم ،کما اهتم بذلك النقاد ذوو التوجه العقالني ،بحيث ان التفسير المبرر هو غير ممکن اساس ًا بأي شکل ونحو وفي أي قالب ونمط ً استنادا إلى هذا السبب البسيط ،وهو ان کان وذلك کل وجه لتبرير ادعاء أو موقف يتم تقديمه هو أيضاً بحاجة إلى تبرير آخر ،وعلى هذا االساس يأتي التسلسل غير المتناهي ،كما ان نظرية الحقيقة الظاهرة للعيان هي غير صحيحة ،والحقيقة هي متاع بعيد المنال وال يمکن التقرب منها سوى عبر بذل الجهد واالجتهاد ،بأسلوب حدسي ،وان التوجه االرادي في غياب استخدام العقل الذي ال يعتبر ً مبررا ،يؤدي إلى تبعات خطيرة ،عندها تتأمن نفسه الفرصة من اجل ترويج وقبول ما يسميه النقاد العقالنيون «التواضع المعرفي». التواضع المعرفي قام بتوضيحه أحد علماء المعرفة البارزين في القرن العشرين في قالب العبارة التالية« :من الممکن ان أکون أنا على خطأ وأنتم على صواب ،ولکن کالنا يمکننا ان نقترب ()2 أکثر من معرفة الحقيقة من خالل بذل الجهد». إذا کانت علة العلل المعرفية للعنف وفق ًا لما ذکر في الحدس المقترح هي التوجهات التبريرية، عندها يكون هناك اسلوب اساسي للمواجهة الجذرية ضد العنف بجميع أشکاله وأنواعه ،ومن قبل أي فاعل ،وتوجيه التحذير في وجه «االستکبار المعرفي» .لکن يجب القول بحزن ان االکثرية الساحقة للفلسفة المتداولة ال تزال تقرع طبول التفسير المبرر وتستخدم اساليب تبريرية من اجل تثبيت آرائها( .)3رغم أن ليس جميع الفالسفة الذين ينادون بالتفسير المبرر ينادون باستخدام العنف أيض ًا ،رغم ان الکثير من الفالسفة الذين يبررون قد قاموا بجهود کثيرة ،خاصة في مجال فلسفة االخالق لکي يمنعوا نشوء العنف أو يقللوا من ابعاده ،لکن الحقيقة ان التفسير المبرر يصبح الممهد للقبول ً «فردا على صواب وآخرين بجزم بهذا األمر ،حيث ان على غير صواب» .لذا فان الترويج لوجهات نظر تبريرية خاصة بين من ال يأنس بدراسات انتقادية 9
يمکن ان يساعد على تسهيل نشوء العنف. ان التوجه العقلي الناقد يعتبر التبرير عم ًال غير صحيح ،ويعتبر اليقين ً امرا غير معرفي ،ويعتبر ً مصدرا للخطر ،وان التواضع التوجه االرادي االعمى ً مؤكدا في ذات المعرفي وظيفة اخالقية اساسية، الوقت ان الطريق نحو النمو النظري والمعنوي في قالب حضاري يصبح ممکن ًا عندما تتراجع السيوف (رمز العنف الفيزيائي) أمام تقدم االنتقادات العقالنية على الساحة الفکرية ،وان يقوم االفراد بتقييم أفکارهم بشکل نقدي بد ًال من التهام بعضهم البعض ،وبهذا االسلوب يعطوا االمکانية ألنفسهم ولالخرين بعد اخذ العبرة من االخطار التي تظهر عبر االنتقاد ،ان يخطو خطوة جديدة في طريق الوصول إلى الحقيقة وبناء عالم أفضل. يؤکد النقاد العقالنيون انه ال يوجد طريق لتحسين االمور سوى القبول بهذه النقطة ،حيث ان جهل کل منا ال نهاية له ،وان خالفاتنا المعرفية في القضايا العامة يجب ان توضع في النقد من قبل الجميع ،لکي نفتح طريق ًا أحيان ًا في ظل الحکمة ً صغيرا ،باتجاه الحقيقة الجماعية ،مهما کان 10
الموضوعة أمامنا .لکن حتى العمل بفتوى الحکمة الجماعية يجب ان ال نضع سالح النقد جانب ًا وان ال
ننسى التواضع المعرفي. ويلفت النقاد ذاتهم إلى نقطة مهمة ،وهي ان جميع االفراد يطالبون باالستماع إلى االستدالالت من أي صنف وانتخاب أفضله ،بل يدخلون إلى الميدان معتمدين على توجهاتهم الجزمية بهدف التدمير الفيزيائي للذين يقدمون االستدالل .في هکذا حاالت ،وفقط في هذه الحاالت ،يكون
ﺗﺘﺮاﺟﻊ اﻟﺴﻴﻮف أﻣﺎم ﺗﻘﺪم اﻟﻨﻘﺪ اﻟﻌﻘﻼﻧﻲ ﻋﻠﻰ اﻟﺴﺎﺣﺔ اﻟﻔﻜﺮﻳﺔ
الدفاع عن حرمة العقل واالستدالل عبر االعتماد على األدوات التي تليق بمواجهة التهديد الفيزيائي، وهي الفتوى التي يصادق عليها العقل
Justificationist viewpoint and justified .1 attitude
.2کارل بوبر ،اسطورة اإلطار العام :في الدفاع عن العلم والعقالنية ،طهران :دار نشر طرح نو، 1384هـ .ش. .3قدم الكاتب مقالة تحت عنوان «اليقين االعتقادي عامل مؤثر في العنف الديني والعلماني على الساحة السياسية» في مؤتمر عقد العام الماضي في جامعة اليدن تحت عنوان« :العنف السياسي :ما بعد المواجهة بين الدين والعلماني». ما ذکر في هذا المختصر يرتکز إلى حد ما على استدالل قدم في تلك المقالة التي من المقرر ان تصدر ،إلى جانب مقاالت أخرى ،في المؤتمر الذي عقد في جامعة اليدن ضمن سلسلة اصدارات ادینبور.
في هجاء التعليم التقليدي ﻫﺎﺟﺮ اﻟﻘﺤﻄﺎﻧﻲ رغم عراقة المؤسسات التعليمية الحديثة في اوروبا وامريكا ،فانها وجدت نفسها أمام تحد كبير لديمومتها وانطرحت أمامها اسئلة القيمة المضافة لوجودها الفيزيائي وتكلفة استدامتها مع توفر بدائل اسهل واقل كلفة بوصول االنترنت وتسهيله المذهل للحصول على المعلومة اينما كانت ومن قبل اي كان .ولم يتوقف االمر عند ذلك ،بل تعداه الى نوعية التعليم وصلته ببناء االقتصاد وانتاج وتراكم الثروة ،ثم صلته ببناء العلم والمعرفة والعلماء القادرين على انتاج الحلول ألزمات اإلنسان المعاصر. ما نأخذه اليوم كمسلمة في بنية المدن الحديثة من مدارس وجامعات لم يكن كذلك قبل أكثر من 500عام حين بدأت الدعوة الى التعليم العام تنتشر في اوروبا .والملفت ان يكون مصلح ديني مثل مارتن لوثر من اوائل الداعين الى التعليم العام لغرض محدد مرتبط بهاجسه االساس وهو تمكين العامة (كل فرد) من االطالع على االنجيل (النص المقدس). بذلك يرتبط التعليم مباشرة بالتمكين ،بمعنى ان ال تمكين دون تعليم ،وان التعليم الذي ال يؤدي الى تمكين هو في افضل االحوال تعليم منقوص .تمكين الفرد من نفسه وبيئته ومصيره ،كما شاءت له طبيعة خلقه وكما شاءت له ارادة خالقه. يفصل التعليم التقليدي ،خصوصا في المنطقة العربية، بين ما يمكن تسميته التعلم التقني الهادف الى تأهيل الحرفيين ابتداء من االطباء وليس انتهاء بفنيي الكهرباء، وبين التعليم الحيوي الذي يِفترض ان يهدف الى بناء مواطنين قادرين على حل مشاكلهم ومشاكل بيئاتهم واالستجابة الفعالة لتحديات الحياة على األرض .وبينما تقبع هذه البلدان في اسفل السلم من حيث جودة تخريج الحرفيين عالميا، تهمل بشكل مرعب النوع األهم :التعليم الحيوي. فيرزح الماليين من ناشئتها تحت غيوم سوداء من تعليم تقليدي ال يعجز فقط عن توفير اي اضافة نوعية فعالة لمرتاديه ،بل يساهم فعليا ً فيما يمكن تسميته «تعميم الجهل المركب» ،حيث يتخرج آالف الطلبة كل عام بوهم تمكنهم من المهارات والقدرات الالزمة لبناء حياة ناجحة ألنفسهم وألسرهم ولمجتمعاتهم ،غير انهم سرعان ما
يغرقون باالحباط وخيبة األمل من انفسهم وحكوماتهم وبيئاتهم. يقطع التعليم التقليدي ،في مجمله ،الطريق على المعرفة الفعالة بتبنيه للمسارات الموحدة وعدم تقديره للخصوصية الفردية ،ناهيك عن اغفاله عامل التطور المضطرد في العلوم والمعارف خصوصا في العقود االخيرة، وتواصل أجيال عديدة النهل من نفس المناهج الراكدة التي يزداد تاخرها عاما بعد عام ،وفي الوقت نفسه تتوقع ان تزداد تميزا ً عاما ً بعد آخر ،االمر الذي يضاعف من احباطها وشعورها بالضياع وقلة الحيلة والضعف .فيا لها من جناية بحق االجيال الجديدة وبحق المستقبل ان نتوقع مخرجات جديدة ومواكبة للعصر من مناهج متقادمة وراكدة. كذلك يفصل التعليم التقليدي في البلدان المسلمة خصوصا فصالً تعسفيا ً بين التمكن من العلوم الحديثة وبين التمكن من علوم التراث ،وفيما يحصر االخيرة ببنية مؤسساتية من الماضي ،يحاصر األولى في بنية مؤسساتية متعجرفة تنظر من برج عاجي إلى تحديات الحياة اليومية من فقر وعنف وبطالة .وبذلك يخسر التعليم مهمته األولى المتمثلة بالرفع المستمر لجودة الحياة لألفراد والمجتمعات. ومن أخطر ما يفعله التعليم التقليدي في البلدان المسلمة اهماله واستبعاده ومحاصرته لتعلم القرآن الكريم من قبل الناس ،كل الناس .حاصرا ً الصلة بهذا النص المؤسس الحيوي بالحفظ الببغاوي وفي افضل االحوال تعلم النصوص التالية عليه. يجب ان يخرج تعلم القرآن الكريم وتدبره من دائرة علوم التراث إلى دائرة التعليم الحيوي ،الذي ينبغي أن تصمم له المناهج وترصد له الموارد اذا اريد للمجتمعات المسلمة ان تلحق بعصر الدماغ والكونيات المتقدمة والنانو فيزيك والجينوم البشري. على التعليم في العراق والشام والمغرب والخليج والنيل ان يناطح الفقر والعنف والجهل .انها معركته االساس، التعليم الذي ال يفعل ذلك ال ينتج اال المختالين والجهل المركب والحروب التي ال تنتهي Hajar@islam21.net
11
حيوية تكامل المعرفة في التعليم ﻣﻦ اﺳﺒﺎب ﻧﻜﻮص اﻟﻤﺠﺘﻤﻌﺎت اﻹﺳﻼﻣﻴﺔ ﻗﻠﺔ اﻻﺳﺘﺜﻤﺎر ﻓﻲ اﻟﺘﻌﻠﻴﻢ واﺟﺐ اﻟﻤﺠﺘﻤﻌﺎت اﻹﺳﻼﻣﻴﺔ ﺗﺤﻘﻴﻖ درﺟﺔ ﻣﻦ اﻟﺘﻤﻴﺰ ﻓﻲ اﻟﻤﻌﺮﻓﺔ اﻟﻤﻌﺎﺻﺮة
ﺑﺮوﻓﻴﺴﻮر ﺿﻴﺎء اﻟﺪﻳﻦ ﺳﺮدار كاتب وناقد واعالمي بريطاني ورئيس مجلس إدارة المنبر الدولي للحوار االسالمي
12
تخلف التعليم أصبح واضح ًا اليوم في واقع المجتمعات اإلسالمية ،وليس ثمة عذر لدينا مع شيوع االمثلة الجيدة في تاريخ المسلمين في مجانية التعليم وانتشار المكتبات العامة ومراكز العلم ،مع سهولة الوصول إليها ،فض ًال عن الجهود المنظمة لحركة الترجمة وتوفر الكثير من العلوم المتراكمة في العالم. في 17حزيران (يونيو) 1744تفاوض المسؤولون في والية ماريالند وفرجينيا ،مع الهنود من االقوام الستة في النكستر بوالية بنسلفانيا بغرض اقرار معاهدة ،دعي فيها االمريكان الهنود إلى إرسال ً اعتمادا أوالدهم إلى كلية وليام وماري لتعليمهم على اساس العالم الحديث .في اليوم التالي رفض الهنود العرض: «نحن نعرف اجاللكم الكبير لنوع التعليم الذي يدرس في تلك الكليات ،وأن اعالة والحفاظ على شبابنا معكم ،سيكون مكلف ًا ً جدا .نحن مقتنعون بأن ما تقصدون فعله لنا جيد ،ونشكركم من صميم القلب ..ولكنم ،وأنتم اهل الحكمة ،تعرفون ان الدول المختلفة لديها مفاهيم مختلفة لألمور، وسوف ال تشعرون تالي ًا بالنقص عندما نقول بأن التعليم عندنا يختلف عن ما عندكم .لدينا بعض الخبرة في ذلك .فالعديد من شبابنا تمت تنشئتهم في كليات المحافظات الشمالية .وتعلموا جميع العلوم الخاصة بكم .ولكن عندما جاءوا إلينا، كانوا عدائين سيئين ،يجهلون كل وسائل العيش في الغابة ،ال يصلحون للصيد ،أو ان يكونوا مستشارين ،كانوا تماما جيدين في ال شيء.».... في دراسته للرؤية الكونية لدى سكان امريكا األصليين ،الهنود الحمر ،يقول الفيزيائي «ديفيد اف بيت» ان الثقافة الغربية لها ميل طبيعي نحو التحذير ،المساعدة ،التعليم ،اإلرشاد والتحسين ،بد ًال من السماح للناس في التعلم من تجاربهم .ويروي قصة جو كوتور ،االخصائي في العالج والعالج التقليدي ،الذي يستكشف فيها اآلثار المترتبة على هاتين الطريقتين للمعرفة والصدام بين التعليم الغربي وذلك الذي للهنود
الحمر .وتظهر القصة كيف ان تعليم الناس التقليدي الذين يرون قصص ًا متجذرة في التجارب الملموسة الخاصة بدال من إضفاء حقائق أو تطبيق تفكير منطقي مجرد .في هذه الحالة الهندي األكبر سن ًا من سكان امريكا االصليين ،واصف ًا تجربة حفيده في مدرسة محلية ،رأى أن ال حاجة لتحليل الفلسفة التربوية في المدرسة وال مناقشة القيمة النسبية الختالف وجهات النظر العالمية. ارى ان األمم المختلفة لها مفاهيم مختلفة لألمور .خالل التعليم تنقل أية أمة ،أو مجتمع، أو حضارة ،بوعي المهارات المتراكمة والمعرفة والحكمة من الماضي لألجيال المقبلة .التعليم ليس فقط للحفاظ على الهوية الثقافية واإلرث التاريخي للمجتمع ،ولكن يضمن لها البقاء كهوية مميزة. انها تقدم النظرة التي من خاللها يسعى المجتمع لحل مشاكله ،ويحدد بذلك العالقات االجتماعية والنشاط االقتصادي ،والتعبير عن منطق ذاتها، ودفع افاق المعرفة إلى اقصى حدودها ،وتستمر في العيش ككائن حي .وقد أدرك الهنود أن التعليم المقدم لهم من قبل حكومة الوالية لم يتجهز الشباب بالمهارات والمعرفة التي يحتاجونها من أجل البقاء، األسوأ أنها تهدد بقاء ثقافتهم ومجتمعهم! حكاية االقوام الستة تشير أيض ًا إلى مأزق ،إذ انهم كانوا على حق في الحكم على الطرق الجديدة
ﺛﻤﺔ ﺣﺎﺟﺔ ﻣﺎﺳﺔ ﻟﻤﺸﺮوع ﺗﻌﻠﻴﻢ ﺣﺪﻳﺚ ﻗﺎﺋﻢ ﻋﻠﻰ اﺳﺎس ﺗﻜﺎﻣﻞ اﻟﻤﻌﺮﻓﺔ ﻓﻲ اﻟﻌﺎﻟﻢ اﻹﺳﻼﻣﻲ
للمعرفة بأنها ليست مناسبة لمجتمعهم في ذلك الوقت ،لكن هذا االختيار كان للحفاظ على ثقافتهم أو إنقاذهم من التدهور الكارثي. المفارقة الكامنة التي تشكل جوهر المشكلة أمامنا ،وليس فقط في مجال معين من التعليم، ولكن أيضا في مجال أوسع للتغيير هو في المنظومة المعرفية وأثرها على ارتقاء وسقوط الحضارات. الهنود ،اقرب إلى المسلمين الذين اتبعوا ً مسارا مماث ًال في وقت الحق ،ولم يقدموا ألنفسهم أية خدمة من خالل تمسكهم بجهلم في تفاوت القوة المعززة من قبل االستعمار الذي قاد الهنود لالنقراض ،ثم المسلمين الحق ًا إلى الخضوع من أجل مواجهة هذه المفارقة األساسية .نحن بحاجة إلى تحقيق التوازن ومواجهة حقيقة أن قيمنا الروحية واألخالقية ال يمكنها البقاء على قيد الحياة مع زوال القوة لحماية المجتمعات من القهر. وثمة استنتاج ال مفر منه هو أن واجب المجتمعات اإلسالمية ادراك تقدير وتحقيق درجة من التميز في المعرفة المعاصرة. التوحيد من البديهيات األساسية في اإلسالم، ً بدءا من توحيد الله ،والمبدأ األول لإلسالم في خطة العمل يقودنا بشكل منهجي إلى وحدة الخلق (النظام الكوني) ووحدة المعرفة ،ووحدة الحياة (الوجود اإلنساني كأمانة مقدسة ،أمانة من الله ،واإلنسان بوصفه وصي ًا وخليفة ،في رحلتنا األرضية) وحدة اإلنسانية ،وأخيرا الطبيعة التكاملية في الوحي والعقل .هذه البديهيات ً ً ممتازا لكل من يسعى وراء إطارا جميعها تقدم لنا المعرفة وإصالح التعليم اإلسالمي. الطريق إلى األمام ضمن إطار شامل للوحدة،
هو «التجديد» أو «اعادة اكتشاف» هذه المهمة، مع األخذ بها إلى األمام من أسلمة إلى تكامل المعرفة .أزعم بإيجاز في نقد سابق لألسلمة ،حيث غرست بالفعل مع الميتافيزيقيا المادية والغربية، واألخالق العلمانية في تطور مستحضرات التجميل المعرفية لشد الوجه ال أكثر وال أقل .وفي أفضل األحوال سيكون إدامة االنقسام بين المعرفة العلمانية واإلسالمية ،المشروع يحرص على تجنبه. ارى أن الفردانية ال يمكن أن تفهم بشكل صحيح في حدود الحداثة ،وما بعد الحداثة والعلمانية واالختزالية والشكلية والطبيعية، والعديد من العقائد اآلخرى المنتهية التي أوصلتنا إلى حافة الفوضى في المقام األول .ولعل إنشاء المؤسسات االجتماعية واالقتصادية والسياسية والثقافية ليس فقط لتلبية احتياجات محددة وتحقيق أهداف معينة ،ولكن لتحقيق قيم معينة. إذ نسعى وراء المعرفة ليس فقط للحصول على
اﻟﺘﻠﻘﻴﻦ ﻳﻤﺜﻞ اﻟﻴﻮم اﻟﻌﺎﺋﻖ ﻧﺤﻮ ﺗﻄﻮﻳﺮ اﻟﺤﺲ واﻟﻮﻋﻲ ﻟﺪى اﻻﺟﻴﺎل اﻟﺠﺪﻳﺪة
قدر أكبر من التفاهم واتخاذ إجراءات أكثر فاعلية في العالم الحقيقي ،ولتعزيز بعض المبادئ التي تدمج المعرفة مع قيمنا ،والتأكيد على الترابط بين الخلق وتضافر البشرية في تعزيز المساواة والعدالة وصون الحياة. على أية حال هناك الكثير من االسباب لهذه االزمة ،أولها االسباب الداخلية الخاصة بالمسلمين فيما يتعلق بغياب المعرفة الحديثة ،وهيمنة منظمومة واطار مفاهيمي قديم ،وتبجيل الحفظ الشفهي للقرآن ،ونفرح الن فتية صغار حفظوا كتاب الله عن ظهر قلب من الغالف إلى الغالف .لكن هذا ليس بتعليم حقيقي ،التلقين والحفظ بدأ مع القرآن واصبح المنهج الرسمي المعتمد للتعليم الديني، اصبح اليوم العائق نحو تطوير الحس والوعي اللذين يركز عليهما القران .تعلم القراءة والكتابة ليس بهدف القران فحسب ،وإنما لوالدة ثقافة ،وانتاج معرفة جديدة ليست مكتسبة وبناء حضارة فاعلة ومزدهرة .وهي االدوات االساسية التي علمها الله لنا لتسهيل التواصل ،وغرس األفكار في البشر. البد من القول ان هناك العديد من االسباب المتعلقة بنكوص المجتمعات اإلسالمية اهمها قلة االستثمار في التعليم وتعليم التلقين والحفظ والتشنج بين التراث والعصرنة والدفاع عن االستقاللية الثقافية ،إلى جانب تبعات التاريخ والتخلف وميراث االستعمار .ولعل مواجهة االمية في المجتمعات اإلسالمية اليوم تعتبر من المهام الضرورية ،ومن واجبات المؤمن والمؤمنة الحـث على التعـليم باعتبـاره مسـؤولية دينيـة ودنيوية 13
ﻋﻴﻦ اﻟﺮاﺻﺪ اﻟﺼﺪأ ﻏﻠﻒ اﻟﻌﻘﻞ اﻹﺳﻼﻣﻲ ﺣﻴﻦ ﺗﻮﻗﻒ ﻋﻦ اﻟﺘﺠﺪﻳﺪ
الفتنة الكبرى التي تعصف بنا إنطلقت من المعاهد الدينية أﻳﺔ ﺛﻘﺎﻓﺔ ﺗﻘﻮم ﻋﻠﻰ إﻋﻼء اﻟﺬات ﻫﻲ ﺛﻘﺎﻓﺔ ﻣﺘﻄﺮﻓﺔ وإﻗﺼﺎﺋﻴﺔ ﻣﻨﺎﻫﺞ اﻟﺘﻌﻠﻴﻢ اﻟﻌﺮﺑﻴﺔ ﺑﺤﺎﺟﺔ إﻟﻰ ﺛﻮرة ﺣﻘﻴﻘﻴﺔ ﺗﻘﻴﻢ اﻻﻋﺘﺒﺎر ﻟﻠﻌﻘﻞ
إعداد:
ﻫﻴﺌﺔ اﻟﺘﺤﺮﻳﺮ 14
بعين ثاقبة ،ينظر فريق «الراصد التنويري» الى المشهد الثقافي والفكري في المنطقة العربية وما جاورها ،وضمن اطار ثيمة بعينها ،يطرح اسئلة محددة ليفهم من اين تأتي مساهمات الك ّتاب والمفكرين ولماذا تاتي وكيف تأتي ،وكيف يمكن قراءتها في سياق الصورة الكبرى السئلة المرحلة وأزماتها واشكاليتها. وفي هذا العدد ،يسعى الفريق الى رفد القارئ المهتم بصورة بانورامية متسعة ،تعين على تطوير تفكير اكثر اتساقاً بشأن ما يطرح من قضايا ،ال سيما في خضم هذا الضخ الالمتناهي لالفكار واالقوال والجدليات ،الغث منها والسمين ،نحو الفضاء العام لقراء العربية ،مخترقا بالطبيعة حتى فضاءاتهم الخاصة. ال يدعي الفريق ،االلمام الكامل بهذه الصورة ،ويتواضع للزعم ان هذا المسعى الشك يبقى غير كامل وخاضعاً بشكل طبيعي النحيازات البشر ونسبية اي قراءة او تأويل لواقع معين ،على ذلك سيسعد الفريق جدا ان يتفاعل القراء مع هذا التقرير ،وان يساهموا في تطويره بأي فكرة او مقترح. يستند التعليم الديني في العالمين العربي واإلسالمي ـ غالب ًا ـ إلى النمط التقليدي الذي ال يأخذ باالعتبار الدروس األوروبية التي أجرت إصالحات ومراجعات عميقة. ويشير اصبع االتهام إلى مناهج التعليم الديني كون أن الفتنة الكبرى التي تعصف بالعالم العربي واإلسالمي إنطلقت من المعاهد اإلسالمية والقرآنية والكليات اإلسالمية التي كان بعضها يكرس األحادية ضد التعددية ،إضافة إلى عدم تصميم مناهج تعليم تنطلق من رحمة اإلسالم وإنسانيته. معضلة التعليم الديني التي بدأت منذ القرن ً فصاعدا وظلت تشكل ازمة كبيرة لعدم الثامن عشر استطاعتها تحديث حالها ،مما جعلها هي األخرى شك ًال من اشكال التراث القديم ،والبد من القول في هذا السياق انه كانت ثمة محاوالت كثيرة الصالح التعليم الديني ،خاصة تلك التي شهدها القرن التاسع عشر فيما يسمى بعصر النهضة ،والتي شملت بعض االصالحات الطفيفة من قبل الشيخ محمد عبده واقرانه التي لم يوفق لها النجاح واالستمرارية. ً ً واعتمادا على تقارير التنمية البشرية حاضرا
العربية في العقد األول من هذا القرن والصادرة عن وكالة االمم المتحدة للتنمية البشرية ،ان المخاوف الداخلية والخارجية حول تدريس اإلسالم في مدينة برمنغهام البريطانية عام 2014ال تزال ماثلة ،حيث تمت تسميتها بـ «حصان طروادة». المعضلة الكبيرة حول االتيان بنظام تعليمي ديني متجانس مع ذاته والقيم اإلسالمية واإلنسانية ما زالت تمثل عقبة كبيرة .فالكثير من المؤتمرات والندوات تعقد في هذا الشان ،كالمؤتمر الذي عقد في كلية سانت انتوني بجامعة اكسفورد ،في الفترة من 22ـ 24نيسان (أبريل) ،2014حيث نظمت حول السؤال التالي :ما هي أهداف التعليم في اإلسالم؟ كثير من المنظمات اإلسالمية حاولت معالجة االمر في تقديم رؤية معاصرة حول مشروع تعليمي ديني يلبي حاجات المسلمين، على سبيل المثال ،باشر المعهد العالمي للفكر اإلسالمي ( )IIITباالصالح التعليمي في الثمانينيات من القرن الماضي عبر مشروع اسلمة العلوم والمعارف ،وكان هناك نقد وافر لهكذا
مقاربة .وقد أوكلت مهمة إنتاج «ورقة تحليلية» لضياء الدين سردار في التعليم العالي في المجتمعات اإلسالمية لواحدة من ندوات المعهد العالمي للفكر االسالمي التي نظمت حديث ًا، حيث لخصت الحجج والنتائج ورسمت الطريق إلى األمام .وكانت النتائج النهائية هي «إعادة اختراع أنفسنا :من أسلمة المعرفة إلى تكامل المعرفة» والتي تصور المشروع الجديد على أساس «التعليم الشامل في احساس عالمي». ويرى جرمي هانزل توماس ،من المشاركين في تطوير التعليم العالي لمشروع المعهد العالمي للفكر بأن «التحول الجوهري واإلبداعي من األسلمة إلى التكامل ،سيكون ذا انعكاسات على التعليم الشامل حقا ،فهو يتفق ان يصفها بـ «اإلصالح» أو «التجديد» أو «اعادة» فض ًال ً مؤخرا عن مصطلحات أخرى استخدمت في األدب مثل «إعادة تشكيل»« ،تنشيط»« ،انتعاش»، «إعادة تصور» أو «تحويل» وحتى «الثورة». فالحاجة إلى إعادة االختراع هي المهمة هي األكثر إلحاح ًا ،ألنه كما يفسر سردار ،أية محاولة إلنتاج المعرفة التي تبدأ مع البديهيات موحدة في خطة العمل» ،على الرغم من أنها متجذرة في الفكر اإلسالمي ونظرتها العالمية ،هي كونية في جوهرها، وتركز المبادئ األولى ليس على المسلمين أو
المجتمعات اإلسالمية ،بل على البشرية جمعاء». مشروع عبدالله غل وفريقه من االتراك في التعليم والتربية جدير باالعتبار ،حيث قدم مساهمة رائدة وجديدة في العقود األربعة الماضية وانتشر من مكانه األول في الواليات المتحدة االمريكية إلى بلدان أخرى في الشرق االوسط. من جانبه يسعى المعهد االسالمي في لندن إلى االرتفاع بمهمة التعليم من خالل تجديد االطر واالنساق الفكرية عبر فعالياته ومؤتمراته وفصليته المرموقة «المسلم الناقد» حيث خصص العدد ( )15لالصالح التعليمي ،ووفر المساهمون في هذا العدد للقراء ثروة من تحليل ورؤى ،مقرونة
ﻏﺎﻟﺒﴼ ﻣﺎ ﻳﺘﻌﻠﻢ اﻷﻃﻔﺎل ﺻﺮاﺣﺔ ﻓﻲ اﻟﻤﺪارس أن اﻷدﻳﺎن اﻟﺴﻤﺎوﻳﺔ اﻷﺧﺮى ﻫﻲ أدﻳﺎن ﻣﻀﻠﻠﺔ
بالحقائق والحجج حول ما هو الخطأ وما يجب فعله للخروج من غابة االضمحالل واالنحطاط. بالمقابل تفتقر الجامعات الحديثة في العالم اإلسالمي كما تالحظ «مبروكشوفا» إلى المقاربات اإلبداعية واألساليب المبتكرة الكتساب المعرفة وإنتاجها سواء في مجال التقدم العلمي والتكنولوجي أو في الدراسات الثقافية والدينية. وتضيف ان المسلمين االوائل سعوا بهمة إلى مواءمة رسالة اإلسالم ليس فقط مع ثقافاتهم الموجودة ،ولكن أيض ًا مع الحضارات السابقة، لذا فالحاجة اليوم ماسة إلى جامعات في سياق المسلمين .ويرى «مارتن روز» في مسحه الوافر والدقيق لجامعات شمال افريقيا :مصر ،ليبيا، الجزائر ،تونس والمغرب ،تلك الدول التي كانت من أكثر الداعمين للتعليم في العالم ،إذ وضعوا باستمرار 5في المئة من موازناتهم العامة وحدود 20في المئة من انفاق الحكومة للتعليم ألكثر من نصف قرن ،ومع هذا فالمردود ،كما يرى روز ،كان هزي ًال .وربما من المناسب التطرق إلى المدراس. الندوة التي نظمها إبراهيم موسى بعنوان: «ما هي المدرسة؟» تظهر تغير المشهد بشكل كبير ،حيث طغت اآلن فورة تحتية ،كما أطلق 15
عبدالوهاب األفندي نحيبه الهادر للحاجة الملحة ً مستندا إلى ادلته من خالل فحص دقيق لإلصالح، للنماذج والمنظومات المتنافسة التي تدعي طبيعة وغرض التعليم الجامعي! «ريتشارد برنج» يطرح سؤاله« :ما هي الجامعة؟» ويجيب عليها من خالل رؤية «جون هنري نيومان» بأن الجامعة مكان تعلم المعرفة الكونية ،ورأى «جون ستيورت ميلز» بأن الجامعة هي مكان لصقل قدرات البشر .عبد القادرطيوب من جانبه يأخذ برؤى الرومي حول «الذات واآلخر» بالقول :حان الوقت إلصالح التعليم اإلسالمي وبوضوح في استخدام المنظور المقارن».. اما مجتمع من دون نظام تعليم متطور خاص به، بذريعة الحفاظ على القيم والسمات الثقافية التي تضمن بقائه ،يكون عرضة اما لالستعمار أو يفقد عناصره المميزة على الصعيد اإلنساني ،ويعاني فيه الفرد من غياب المؤسسات التعليمية المناسبة ،ويحرم من االداة االجتماعية التي يمكنه 16
من خاللها تطوير القيم الدينية والهوية الثقافية. بالمقابل يحرم المجتمع من رأس المال البشري، ما يسبب تراجع ًا على جميع الصعد ،من القيم والمهارات الالزمة إلدارة والقانون والتجارة والمالية والصناعة واإلنتاج الثقافي يصعب إصالحها الحق ًا .والتعليم ليس مجرد عملية يتم من خاللها نقل المعارف ،بل هو أيض ًا ،خاصة التعليم العالي،
اﻻﺻﻼح اﻟﺘﻌﻠﻴﻤﻲ ﻳﺠﺐ ان ﻳﻜﻮن ﺛﻮرة ﺣﻘﻴﻘﻴﺔ ﺗﻘﻮم ﻋﻠﻰ إﻋﺎدة ﺗﺄﺳﻴﺴﻪ ﻋﻠﻰ ﻗﺎﻋﺪة اﻟﻤﻮاﻃﻨﺔ
آلية يتم من خاللها إنشاء المعرفة .فالمجتمعات اإلسالمية التي لها قيم المشاركة ،من دون نظام تعليم مزدهر ،كما يشير عبدالوهاب األفندي ،تكون معرفتها قليلة ً جدا حول كيفية المشاركة .هذه هي األزمة التي تواجه المجتمعات اإلسالمية منذ القرن السابع عشر .فجميع المعارف تقريب ًا التي يمتلكها المسلمون أصبحت بين عشية وضحاها ال قيمة لها من حيث القيمة الدنيوية .ولم تكن مجرد المعرفة الدنيوية التي تبخرت من المجتمعات اإلسالمية، بل تراجع المؤسسات التعليمية اإلسالمية العظيمة، الذي وصف ذلك جورج مقدسي «في صعود الكليات « Rise of Collegeوتتآكل أيض ًا ،في تقديره للتراث اإلسالمي ،ما أدى إلى تآكل المعايير والقيم اإلسالمية ،وبالتالي انحراف المعرفة الدينية. يذكر فريد بانجواني أنه الجل اإلبقاء على المثل والقيم ،عمل المسلمون مع أتباع الديانات والثقافات األخرى لحلحة مشاكل تلك االزمان ،بينما تساهم الكثير من المؤلفات في مجال التعليم اإلسالمي اليوم في اتساع الهوة بين
متأصل فينا في هذا االتجاه كمجال ازدواجية كما يقول القرآن «وخلقنا من كل شي اثنين () 51:49 وكنت قد كتبت عن «قوة التعليم» ،في العدد ،14 واقترحت أن التفكير واالنقسام الثنائي مطمور في اعماقنا باعتبارها واحدة من الميزات الرئيسية لـ «السرد» البسيط أو «السيناريو» الذي يعطينا وسيلة للحكم والتصرف بسرعة وبشكل حاسم. «نحن» و«هم» هي دعوة قوية للتحريض على العمل ،والحكم بحزم». ويشير خالد الحروب في مقاله المنشور في صحيفة «الحياة» إلى ان التعليم (والديني ً تحديدا) نصيب ُمعتبر في ايجاد المناخات القابلة ً جزءا ليس باليسير من والمولدة للتطرف .إذ أن ثقافة التعصب والتطرف التي تتبناها منظمات التطرف وعلى قمتها «داعش» هو ُمدرس نظري ًا لطالبنا بشكل أو بآخر .قد يتم ذلك بشكل اقل بشاعة طبع ًا وبطريق أقل خشونة ،بيد ان الجذر ً واحدا .هذا الجذر وعلى وجه التحديد الفكري يظل
اإلسالم والغرب ،وفي تصور الحضارة الغربية على أنها إشكالية عميقة ،والحل هو مقاربة حصرية «إسالمية‘» ما يؤدي إلى االنقسامات الثنائية ويكون مرآة لعقيدة «صراع الحضارات». حاجة االنفتاح ،كما يرى جرمي هانزل توماس «يستوجب ضرورة التحليل العميق في تسليط الضوء على المفاهيم المحورية التي يمكن ان توجهنا إلى أفق جديد .االهمية البالغة لوجهة نظر يمكنها اتخاذ رؤية بانورامية واسعة ،لمشاهدة جميع االطراف وفي افق المسافة ،فض ًال عن عمق الميدان الذي يمنحنا التركيز الشديد عندما نحتاج لذلك ،ونحن بحاجة ،قبل كل شيء ،أن نفهم االختالف ،رغم تكامل مستويات من الوصف لواقع متعدد الطبقات ومتعدد الوجوه ،حيث ال نهائية لتنوع وتغير األشكال ،ولكنها ،مع ذلك ،لديها األصل والمركز ،وهو واقع غير قابل للتغيير والذي هو مصدر كل شيء ،وحيث كل تنوع وتعدد تجد في نهاية المطاف الوحدة والمصالحة ،لتشمل هذه الوحدة في التنوع في مجال التعليم .بالطبع االمر
هو تظهير الذات المسلمة متفوقة ومتعالية على اآلخرين ،بكونها الذات المؤمنة الوحيدة على األرض وغيرها غير مؤمن أو غير مسلم .تؤسس هذه التراتبية بطبيعة الحال لطيف من الممارسات المختلفة ضد اآلخرين تبدأ بالتعالي الشعوري عليهم واحتقارهم وتصل في اقصى صورها إلى ممارسة العنف ضدهم .أي ثقافة تقوم على إعالء الذات فوق اآلخرين عوض ان ترسي قواعد مساواة تامة معهم ،على اساس المواطنة والهوية الوطنية الحديثة المشتركة ،وقائمة على التنوع الذي يحترم ً إطارا للحياة االختالف وال يرى سوى التعايش البشرية ،هي ثقافة متطرفة وإقصائية ومآالتها «داعشية». تشير هذه األفكار الى بعض النتائج والخالصات المخيفة التي وصلت إليها الباحثة االردنية دالل
دراﺳﺔ اﻷدﻳﺎن ﺑﺎﻋﺘﺒﺎرﻫﺎ ﻣﻜ ّﻮﻧﴼ اﺟﺘﻤﺎﻋﻴﴼ وذﻫﻨﻴﴼ ﻳﺰﻳﺪ ﻣﻦ ﻣﺴﺘﻮى اﻟﻤﻌﺮﻓﺔ ﻟﺪى اﻟﻄﻠﺒﺔ
ً أخيرا حول المناهج سالمة في ورقة بحثية نشرتها المدرسية وتعزيز قيم الحوار والتسامح في االردن. النتيجة االهم هي «أن المحتوى التعليمي لكتب الصفوف المدرسية الثالثة األولى ،ال يمثل خطوة باتجاه تكريس ثقافة التسامح الديني ،واالعتراف بحق اآلخر في الوجود ،بل هو في الحقيقة يواصل تكريس القيم النقيضة لهما» .تستند الباحثة إلى تجربتها الشخصية في التعليم وتنقل انطباعاتها التي تستحق االقتباس هنا إذ تقول« :ويمكن هنا أن أستعين بخبرتي الشخصية كمعلمة لغة عربية في مدارس وزارة التربية لمدة 13سنة ،درست خاللها في محافظات المفرق وعمان وإربد ،وساعدني ذلك على تلمس أثر هذه التنشئة. في منهاج اللغة العربية القديم للصف السابع، كان هناك موضوع تعبير مقرر على الطلبة كتابته، يتعلق باالختالفات بين الشعوب في عادات األكل واللباس .د ّرست هذا الصف أكثر من ست مرات، في عدة محافظات ،وفي فترات زمنية مختلفة. وكان محزن ًا أن أقرأ في كل سنة موضوعات تعبير ينقسم فيها العالم إلى قسمين ،مسلمين وكفار. ويتح ّول فيها الحديث عن االختالف في عادات الطعام إلى مقارنات قاسية اللغة بين الكفار الذين يشربون الخمر ،ويأكلون لحوم الخنزير والحيوانات المقتولة خنق ًا ،من ناحية ،والمسلمين الذي ال يأكلون أو يشربون إال طاهرا .أما االختالف في عادات اللباس ،فيصبح مقارنة بين المسلمين الذين تلتزم نساؤهم بمالبس محتشمة ،والكفار الذين يسمح رجالهم لنسائهم بالخروج إلى الشوارع شبه عاريات .وأتذكر أن هناك من كانت تذهب ً بعيدا ،فتقارن بين المسلمين الذين يحافظون على روابطهم العائلية ،والكفار الذين يطردون بناتهم من المنزل بمجرد بلوغهن الثامنة عشرة. أيضا ،بوصفي غير محجبة في بيئات ال ُيعدّ فيها هذا ً أمرا مألوف ًا ،كان التساؤل األول الذي ً كثيرا من قبل التلميذات في المدارس وجهت به ُ التي كنت أنقل إليها يتعلق بما إذا كنت مسيحية. في واحدة من المدارس التي عملت فيها ،كانت لدي زميلتان مسيحيتان ،أخبرتني إحداهما بعد نقلي إلى المدرسة بأيام أنها سمعت التلميذات يتحدثن في ما بينهن ،ويقلن إن المعلمات المسيحيات في المدرسة ارتفع عددهن بقدومي إلى ثالث .ومرة ُوجه إلي هذا السؤال من تلميذ في الصف الثالث، أرسلوني ألشغل بدل معلمته الغائبة. السؤال هو ،ما الذي يعرفه طفل في الثامنة 17
عن الفارق بين المسيحية واإلسالم ،ليكون موضع تساؤل بالنسبة إليه دين المعلمة التي جاءت لتحل في صفه حصة واحدة بد ًال من معلمته الغائبة؟ اإلجابة هي :التنشئة. ...ليس هناك في أي موضع في هذه الكتب ما يشير إلى ضرورة تقبل اختالف المعتقدات الدينية وغير الدينية األخرى والتعايش مع أصحابها .بل نجد العكس ،إذ يتعلم التالميذ أنه من بين الكتب السماوية الثالثة ،القرآن واإلنجيل والتوراة ،فإن القرآن هو الكتاب السماوي الوحيد «الذي حفظه الله تعالى من التغيير والتحريف» .أي أن األطفال يتعلمون صراحة ،أن األديان السماوية األخرى هي أديان مضللة .وهذا ُيقال لألطفال في كتاب التربية اإلسالمية للصف الثالث» .هذا ُيقال و ُيدرس لتالميذ حول دين تالميذ آخرين يدرسون معهم في نفس المدرسة ومن المفترض انهم متساوون معهم في المواطنة والتعريف الدستوري. ما توصلت إليه الباحثة االردنية ليس حصراً على المناهج االردنية على االطالق ،بل يمكن تعميم النتائج بسهولة ومن دون التورط بأية مبالغات اكاديمية .ومعنى ذلك ان مشروع ًا ملح ًا يحتاجه العالم العربي يكون محوره اصالح التعليم، وبخاصة التعليم الديني .وهذا االصالح ليس مجرد اضفاء رتوش تجميلية هنا وهناك ،أو التمسح بقيم «التسامح والتعايش» لفظي ًا ونثرها في مقالة في كتاب ،أو قصيدة في مساق .االصالح التعليمي المطلوب يجب ان يكون ثورة حقيقية تقوم اساس ًا على نفض النظام التعليمي كله وإعادة تأسيسه على قاعدة المواطنة والمساواة والدولة المدنية، ً وبعيدا عن الشرعيات الدينية التي تستخدمها النظم الحاكمة ،أو المنظمات المتطرفة المعارضة لها .وعندما يتم إعالء قيم المواطنة والمساواة المدنية على حساب كل القيم ال ُمعرفة والمفرقة
اﻟﻤﻨﺎﻫﺞ اﻟﻌﻘﻴﻤﺔ واﻻﻗﺼﺎﺋﻴﺔ ﺗﻌﻤﻞ ﻋﻠﻰ ﺗﺠﻬﻴﺰ اﻟﻄﻠﺒﺔ وﺗﺤﻀﻴﺮﻫﻢ ﻷﻳﺔ ﻣﺸﺮوﻋﺎت ﺗﻄﺮف ﻣﺴﺘﻘﺒﻠﻴﺔ 18
األخرى بما فيها القيم الدينية ،سوف تنتج اجيا ًال ال ترى في افراد الوطن سوى مواطنين كاملي االهلية يتنافسون بحسب الكفاءة والقدرة ،وفي ميدان الحقوق والواجبات التي يكفلها وينظمها الدستور. ومن دون ان يتحقق ذلك فإن ميدان التفسير ب كي يضع ب ود ّ الديني يظل مفتوح ًا لكل من ه ّ معايير الوالء واالنتماء ،فيدخل هذا ويخرج ذاك من دوائر الوالء التي يرسمها ،وهي تفسيرات يكون التأسيس لها قد تم في مناهج التعليم التي تصنف الناس وفق معايير ال عالقة لها بالمواطنة والمساواة .على ذلك وعملي ًا ،فإن ما تقوم به منظمات التطرف و«الدوعشة» هو التفعيل العملي والميداني لما هو ُمنظر له اص ًال في التربية الطويلة والمعمقة التي يتلقاها الطالب على مقاعد الدرس. فالمناهج العقيمة والجامدة والتي تنطوي على ثقافة اقصائية كامنة تعمل على تجهيز االفراد وتحضيرهم ألية مشروعات تطرف مستقبلية .فإذا ما اشتغلت بقية عوامل على تسعير التطرف التي أشير إلى عناوينها العامة في مقدمة هذه السطور،
فإن وحدات االشتعال تكون جاهزة وال تحتاج اال إلى شرارات اإليقاد». ويختتم الحروب مقالته بأن مناهج التعليم العربية تحتاج الى ثورة حقيقية تقيم االعتبار للعقل ولدراسات النقد والفلسفة وعلوم االجتماع واالنسنة وعلم النفس والفنون ،اضافة الى العلوم التطبيقية والتقنية ،وتنطلق نحو المستقبل .وهذا
ﻣﺠﺘﻤﻊ ﻣﻦ دون ﻧﻈﺎم ﺗﻌﻠﻴﻤﻲ ﻣﺘﻄﻮر ﺳﻴﻜﻮن ﻻ ﻣﺤﺎﻟﺔ ﻋﺮﺿﺔ ﻟﻠﻬﻴﻤﻨﺔ
يجب ان يكون ذلك على حساب مناهج التلقين والتحفيظ واإليغال في الماضي والتراث وحبس عقول التالميذ واالجيال الشابة في معلقات التغني بأمجاد الماضي .من دون ان يكون هناك مسار عريض منشغل بتطوير التعليم وتحريره من السيطرة الدينية الجامدة والمغلقة ،فإن كل جهود مكافحة التطرف وصده في المنطقة العربية لن تحقق أي نجاح طويل المدى. ويتناول كتاب «جدل التعليم الديني :التاريخ ـ النماذج ـ اإلصالح» (الكتاب الثالث بعد المئة، تموز (يوليو) )2015إحدى أهم القضايا المطروحة في المجتمعات العربية واإلسالمية منذ عقود، حيث يعالج خبرات مختلفة إلصالح التعليم الديني في الدول العربية وتركيا وإيران على مستويات ثالثة :المدارس ،الجامعات ،والمؤسسات الدينية التقليدية السن ّية والشيعية (األزهر ،النجف ،وقم). ويشير عبدالحميد األنصاري في بحثه الموسوم «التعليم الديني وعالقته بثقافة الكراهية» الصادر ضمن كتاب «جدل التعليم الديني :التاريخ النماذج
اإلصالح» عن مركز المسبار للدراسات والبحوث ـ دبي ،تموز (يوليو) )2015إلى ان الصدأ غلف العقل اإلسالمي حين توقف عن التجديد عبر ألف عام ،لهذا فالحاجة ملحة اآلن إلعادة تشغيل طاقات التجديد لتعليم ديني متطور وخطاب دعوي منفتح. ويعزز مشروع بحثي للتعليم الديني بعنوان:
إﺻﻼح اﻟﺘﻌﻠﻴﻢ اﻟﺪﻳﻨﻲ اﻟﻔﻌﻞ اﻻﻫﻢ ﻓﻲ ﺗﺠﻔﻴﻒ ﻣﻨﺎﺑﻊ اﻟﺘﻄﺮف اﻻرﻫﺎب
«التعليم الديني ..أهمية المراجعة والتجديد» الذي اشرفت عليه مؤسسة «مؤمنون بال حدود» النظرة إلى تجديد مناهج التعليم الديني ،بوصفها مسألة علمية ،تسعى ما أمكن للتخفف من إكراهات الظرف ،وسلبية تأثيره على المقاربة ً وبعيدا عن الضغوطات واإلمالءات ،التي العلمية، تحرف مسار اإلصالح نحو وجهات غير مثمرة .ومع تفاقم خطاب التشنج المذهبي في العالم العربي وما يرافقه من تفشي حركات العنف الديني ،بات من الضروري طرح اإلشكاليات التالية :أين دور إصالح التعليم الديني في تجفيف منابع التطرف؟ وفي الندوة التي أقامها منتدى لبنان للتعليم الديني في المدارس تحت عنوان« :تعليم ديني لتعميق المحبة أم لترسيخ االنقسام؟» أجمعت كلمات المشاركين على أن رسالة الدين هي التعصب نشر المحبة والتسامح والصدق ،بينما ّ واتخاذ الدين غاية بحد ذاته ،هما عكس هذه الرسالة ،ورأت أن التعليم الديني مهم إلصالح المجتمع ونشر القيم الدينية والتخفيف من العصبياتّ ،إال أن الواقع ينفي صحة هذا الكالم، والتعصب ورفض إذ نرى اليوم أن منسوب الطائفية ّ اآلخر بلغ ذروته رغم انتشار التعليم الديني في المدارس .وعرج المشاركون على قضية مهمة وهي :هل نريد أن نع ّلم أيديولوجيا دينية أم منهج التفكير الديني ،بحيث يكون الطالب هو الذي ّ يشكل معرفته الدينية ويصل إلى المعلومة وفق منهج علمي ،وهذا يعني فتح المجال أمام التفكير البشري في النص الديني على ضوء الخبرات المتراكمة والنظر للتعليم الديني كمنهج ً ونقدا، يحق ألي كان أن يمارس عليه تحلي ًال وهكذا ُندخل الدين في صلب حركة المعرفة وال نتركه خارج الحراك الفكري البشري النقدي. النقاش الذي بدأه الحضور أخذ منحى أعمق من الكلمات والشعارات التي القيت ،فأنتج مجموعة مداخالت شككت في هذه الكلمات ،وهي :هل فع ًال ترغب السلطات السياسية والدينية في أن نختار ديننا؟ هل تريدنا أن نقرأ كل شيء ،ونختار فيما بعد ،فننشأ على فكرة حرية االختيار وفق قناعات سليمة؟ أسئل ٌة طرحها الكثير من المشاركين. المتناقشون خلصوا إلى ان األديان تمثل مك ّون ًا ً حاضرا بقوة في منطقتنا ،لذلك اجتماعي ًا وذهني ًا فإن دراسة األديان باعتبارها منتج ًا ثقافي ًا تاريخي ًا يتألف من نصوص مكتوبة وطقوس ومراحل تاريخية يزيد من مستوى المعرفة لدى الطالب، أما اإليمان ،فهو عالقة روحية خاصة باإلنسان وأفكاره ال يفرضها عليه أو يع ّلمه إياها أحد 19
مأزق التعليم الديني وحتمية إصالح المناهج وآليات العمل اﻟﺘﻌﻠﻴﻢ اﻟﺪﻳﻨﻲ ﺑﺤﺎﺟﺔ ﻣﺎﺳﺔ إﻟﻰ ﻣﻨﺎﻫﺞ ﺗﺠﻌﻞ اﻹﻧﺴﺎن ﻣﻦ اوﻟﻮﻳﺎﺗﻬﺎ اﻧﻐﻼق وﺗﺤﺠﺮ اﻟﺘﻌﻠﻴﻢ اﻟﺪﻳﻨﻲ اﻧﺘﺞ أﻧﺎﺳﺎ ﻳﻘﺘﻠﻮن ﺑﺈﺳﻢ اﷲ واﻟﺪﻳﻦ
ﻣﻮﻻي ﻣﺤﻤﺪ اﺳﻤﺎﻋﻴﻠﻲ كاتب وأكاديمي مغربي، ومؤسس مركز النجاح والتنمية في مراكش ـ المغرب
20
عرت األحداث التي شهدتها المنطقة العربية واإلسالمية في السنوات األخيرة ،واقع التعليم الديني في هذه المنطقة ،حيث اتضح أن مناهج هذا األخير تعاني من مرض مزمن لم يتم التغلب عليه وعالجه منذ عقود عديدة ،إنه مرض الجمود والتكلس وتكرار المناهج ووسائل العمل ذاتها ،الشيء الذي أبقى على نفس اآلليات ونفس طرق التفكير ونفس المنهجيات التي تم اعتمادها منذ البدايات األولى لتأسيس التعليم الديني ،بعدما حصل على نوع من القداسة واإلحترام المبالغ فيه من طرف المشتغلين عليه خصوصا ،وعامة الناس على وجه العموم ،وذلك بسبب ارتباطه بالدين اإلسالمي والقرآن وتراث المسلمين ،مما أدى إلى تشكل مقاومة داخلية ألية محاولة إلصالحه ،بدعوى الخوف من تحريف المناهج والزيغ عن الطريق السوي الذي اتبعه األسالف في مرحلة التأسيس ،لذا فأي إصالح في المناهج أو آليات العمل سيكون بمثابة التهديد الكبير الذي سينال من سالمة هذا التعليم، بل يهدد ،حسب زعم الحرس القديم في المدارس الدينية ،عقيدة المسلمين وروح انتمائهم ،كونه، وفق ًا العتقادهم ،مرتبط ًا بالعقيدة وال يجب أن يتغير ،ألن العقيدة ال تتغير ،فأي تغيير أو تجديد ً خطرا حقيقي ًا على عقيدة لهذه المناهج سيشكل المسلمين وتدينهم وارتباطاتهم الروحية واإليمانية. ً مسيطرا على المشتغلين في هذا التفكير ظل حقل التعليم الديني عند المسلمين مئات السنين، مما عكس حالة من الجمود والخوف المبالغ فيه على سالمة هذه المناهج ،وكذا عقيدة المسلمين، ولعل من أبرز الصور التي تؤكد هذه األشياء ،أن منظومة التعليم الديني لم تتغير وتتطور ،وظلت متمسكة بالمناهج التي وضعها المؤسسون ،كما أن المدارس الدينية ظلت تقاوم التطورات الجديدة سواء على مستوى المناهج أو المستوى التكنولوجي ،مما جعلها تتأخر عن ركب التعليم الحديث بسنوات عديدة ،اللهم إال إذا استثنينا هنا بعض المحاوالت
الجادة التي عملت على تطوير هذه المناهج وجعلها إلى حد ما حديثة ،رغم استمرار جيوب المقاومة التي تحذر من هذه اإلصالحات التي يعتقد رافضوها أنها في طريق النيل من التعليم الديني وجعله مثل أنواع التعليم األخرى ،التي يعتبرونها حادت عن مسارها الصحيح ،وساهمت في المشاكل التي يعاني العالم ً بعيدا اإلسالمي بشكل واضح ،بل إن بعضهم يذهب في وصف المناهج التعليمية األخرى بأنها غربية وانه تم استيحاؤها من مناهج علمانية ،ستكون لعملية تطبيقها نتائج وخيمة على أبناء المسلمين وبناتهم ونسيجهم االجتماعي والثقافي. في المقابل يعتبر أصحاب اتجاه إصالح التعليم الديني ،أن عدم اإلصالح ،ستكون له تكلفة غالية ً جدا ،وقد استدلوا على ذلك بما وصل إليه شباب
المسلمين من وحشية وتطرف سببه الرئيس هو التعليم الذي تلقوه في مناهجهم الدراسية والدينية منها على وجه الخصوص ،فالشواهد كثيرة على أن التعليم الديني الجامد وغير المتطور ،كان له الدور األساس في الترويج لعدد من األفكار المدمرة التي أدت إلى كل هذه األحداث العنفية والمتطرفة التي ً كثيرا إلى المسلمين في كل بقاع العالم، أساءت وجعلتهم المتهمين األوائل في جعل هذا العالم غير مستقر ،من خالل قتل لألبرياء المسالمين، ونشوء تنظيمات متطرفة احتلت أجزاء من دول قائمة كالعراق وسوريا وليبيا وغيرها من دول منطقة الشرق األوسط وشمال إفريقيا. أزمة التعليم الديني في المنطقة العربية واإلسالمية ،ال تقتصر فقط على التعليم األساسي واالبتدائي والثانوي ،وإنما أيضا تشمل التعليم الجامعي والعالي ،الذي ُينتج في أغلبه النخبة في هذا المجال ،فجل المناهج الجامعية اتسمت بجمود كبير ،وعدم توفرها على تطبيقات عملية يمكن آن تجعل تفسيرات وأفهام هؤالء الخريجين منفتحة على أفكار جديدة ،وعلى تصورات جديدة لتأثير إيجابي وعلمي على من يتلقون هذه المناهج
من أفواه المتخرجين ،وهو ما لم يحدث لألسف الشديد ،حيث ظلت المنظومة جامدة ويتم نقلها بكل حذافيرها دون تغيير أو تطوير يتالءم مع تطورات العصر واختالف بنياته المجتمعية والفكرية ،مما أدى إلى تشكيل تصور موحد غير قابل للتغيير واالختراق بدعوى الحفاظ على الدين من التحريف والتزوير ،وهو أمر أدخل الجميع في مأزق حقيقي عندما أصبحنا نرى أناسا يقتلون بإسم الله والدين، في حين خلت مناهجنا التعليمية ما يساعد على رد هذه األفكار ،وهو الشيء الذي جعلنا نقف في منطقة رد الفعل ،مبررين قو ًال ال عم ًال ،رفضنا لكل تلك األعمال رغم عدم قدرتنا على المواجهة العلمية المبنية على منهج علمي قوي يرد على االتهامات التي تتهم المسلمين ودينهم بإنتاج أفكار تدمر اإلنسان والحضارة. تبقى اإلشارة إلى أن المشتغلين على التعليم الديني في المنطقة العربية واإلسالمية ،يجب أن يتخلصوا من معضلة صاحبتهم في العقود األخيرة، وهي إيمانهم بأنهم الحراس الشرسون لهذا التعليم من تربص المتربصين من الغرب والشرق ،فاستمرار اإليمان بنظرية المؤامرة ،خاصة في مجال التعليم لن يدفع بتطويره إلى األمام ،فالمسؤولية الحقيقية في تطوير مناهج التعليم الديني تقع علينا نحن ،وليس على أية جهة أخرى ،نحن من سيعطي المناعة لتعليمنا الديني عبر تطويره بصورة حقيقية يجعله
مرافق ًا ومتناغم ًا مع التطور الذي يحدث من حولنا، أما االعتقاد بفكر المؤامرة فلن يساهم إال في المزيد من الجمود والتخلف واإلنتظارية التي تكبل عقول المسلمين منذ مدة طويلة ،ففكر المؤامرة هذا يضر بنا نحن أو ًال كمسلمين ألنه ال يساعدنا ً بعيدا عن أي فكر آخر على تطوير أنفسنا بأنفسنا، نعتقد انه يتربص بنا ليبعدنا عن ديننا وعقيدتنا، فيما نحن الذين نساهم فيها بشكل كبير بسبب انغالقنا على أنفسنا وعدم امتالك آليات لالرتقاء والسمو بتعليمنا إلى مستوى مشرف. حاجة التعليم الديني أصبحت اليوم ملحة جداً إلى مناهج حديثة ،تدفع بتغيير األفكار والوسائل والمناهج التي لم تكن قابلة للتطور من قبل،
ﻋﺪم إﺻﻼح اﻟﺘﻌﻠﻴﻢ اﻟﺪﻳﻨﻲ ورﺑﻄﻪ ﺑﻤﺴﺘﺠﺪات اﻟﺤﻴﺎة ﺳﺘﻜﻮن ﻟﻪ ﺗﻜﻠﻔﺔ ﺳﻠﺒﻴﺔ ﻋﺎﻟﻴﺔ ﺟﺪﴽ
مناهج يجب أن تجعل اإلنسان في أول أولوياتها، فالمطلوب أن تعمل على منح اإلنسان آليات جديدة لإلبداع والتطور ،كما انه أصبح من المطلوب بشكل ملح ،التأسيس لمنهج جديد يراعي التطور الكبير الذي وصلت إليه البشرية في شتى المجاالت، تطور يفرض بال شك وقفة متأنية عند مناهج التعليم الديني المطلوب منها ان ترافق هذا التطور ً ومعاصرا، وتجعل الفهم الديني للمسلمين حديث ًا وذلك في أفق أن يلتحق المسلمون بالركب وصناعة الحضارة كما هو حال عدد من األمم األخرى التي تصالحت مع نفسها ،عبر تغيير وإصالح مناهج التعليم الديني لديها ،ووضعتها على ركب التطور والتغيير ،ما دفعها إلى االزدهار في كل المجاالت األخرى ،بسبب تحرر األذهان من القراءات القديمة والجامدة لألشياء ،وهو ما ساهم بشكل كبير جدا في التأسيس لعقل جماعي منفتح وقابل للتغيير والتطور الدائم. أزمة التعليم الديني في المنطقة العربية واإلسالمية ،ستراوح مكانها ما لم تتوفر اإلرادة الحقيقية لدى المسؤولين على قطاع التعليم الديني في التأسيس إلصالح جذري للمناهج ،ألنه من دون إصالح حقيقي ستبقى األمور على حالها ،وسنبقى نعاني من تبعات تعليم ديني جامد ومنغلق على نفسه ،يؤثر بشكل سلبي على أصحابه وحملته والمدافعين عنه قبل اآلخرين 21
اﻟﺪﻛﺘﻮر إﺑﺮاﻫﻴﻢ اﻟﻌﺎﺗﻲ ﻋﻤﻴﺪ اﻟﺪراﺳﺎت اﻟﻌﻠﻴﺎ ﻓﻲ اﻟﺠﺎﻣﻌﺔ اﻹﺳﻼﻣﻴﺔ ﻟﻠﺮاﺻﺪ اﻟﺘﻨﻮﻳﺮي:
غياب الحس النقدي أنتج متلقي ًا سلبي ًا بعيداً عن التحقق والتفكير يؤكد د .إبراهيم العاتي ان الحفظ والتلقين وترديد المعلومات هو بمثابة اآلفة التي تفتك بالتعليم ومؤسساته في العالم العربي واإلسالمي ،مشددا ً على ان التعليم الحقيقي يساهم في تحقيق العدالة باعتباره قوة فاعلة للخير .ويرى ان اصالح التعليم يبدأ من اصالح المناهج التي تراعي أن يكون هدف الجامعات ليس زيادة اعداد الخريجين ،بل تحقيق نهضة تنموية شاملة. ويعرج د .العاتي في حديثه على ضياع صوت التيار الوسطي الذي ينفتح على العصر ويقدر المتغيرات مع ضرورة الحفاظ على الثوابت ،في ظل التحارب الناشب بين الحداثة والقديم .التقته «الراصد التنويري» وكان معه هذا الحوار.
آﻳﺔ )ﻋﻠﻢ اﻹﻧﺴﺎن ﻣﺎ ﻟﻢ ﻳﻌﻠﻢ( ﺗﺸﻴﺮ ان اﻟﻌﻠﻢ واﻟﺘﻌﻠﻢ ﻻ ﺣﺪود ﻟﻬﻤﺎ اﺻﻼح اﻟﺘﻌﻠﻴﻢ ﻳﺒﺪأ اﺳﺎﺳﴼ ﻣﻦ اﺻﻼح اﻟﻤﻨﺎﻫﺞ 22
• ما أهداف التعليم في اإلسالم؟ ـ تتلخص اهداف التعليم في االسالم في التعريف بمبادئ الدين الحنيف من النواحي العقدية والشرعية والسيرة النبوية وغيرها من العلوم التي تساعد على فهم النص القرآني وتبليغه وتعليمه للمسلمين ،قال تعالى( :فلوال نفر من كل فرقة منهم طائفة ليتفقهوا في الدين ولينذروا قومهم اذا رجعوا اليهم لعلهم يحذرون) وإن كان التعليم في اإلسالم يشمل العلوم المختلفة ،وليس العلوم الدينية فقط، والمعروف أن جابر بن حيان الكيميائي الشهير قد تتلمذ على اإلمام جعفر الصادق (ع) وروى عنه الكثير من رسائله في الكيمياء. • ما هي الخصائص األساسية للتعليم الجيد بشكل عام ،والتعليم الديني خاصة؟
ـ تتمثل خصائص التعليم الجيد في: أ .عرض القضايا واألفكار بشكل حيادي وموضوعي مع احترام وجهات النظر األخرى. ب .شرح المفاهيم وتقريبها من اذهان الطلبة وربطها بالواقع المعاش. ج .االستفادة من طرق التعليم الحديثة ومناهج البحث العلمي المعاصر. أما التعليم الديني فهو الذي يعاني من ثغرات وأمراض مزمنة ولذا فان خصاص التعليم الديني وطرقه الجيدة تتمثل في: الرجوع إلى القرآن الكريم والصحيح من سنة النبي المصطفى (ص) طبق ًا لمبادئ علوم الحديث. في دراسة القضايا والمفاهيم االسالمية يجب الرجوع إلى آراء المذاهب المختلفة دونما اقصاء لمذهب معين أو تكفيره أو ما شابه ،وهذا لن يتحقق
اال باالطالع على آراء مختلف المذاهب اإلسالمية التي ينبغي الرجوع إلى مؤلفيها وعلمائها أنفسهم ال إلى ما يكتبه الخصوم عنهم. • هل باالمكان تسمية العودة إلى القرآن بـ (التنوير اإلسالمي) على غرار تسمية الدعوة الى العقل بـ (عصر االنوار الغربي)؟ ـ بداية ..متى ترك المسلمون القرآن حتى يعودوا إليه؟ القرآن كتاب المسلمين الخالد الذي انزله الله على نبيه الكريم محمد (ص) ورسم فيه طريق الهداية للناس كافة( :إن هذا القرآن يهدي للتي هي اقوم) والقرآن هو الذي يدعو المسلمين إلى االلتزام بالسنة القطعية الصحيحة (ما اتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا). ولكن اذا كان المقصود ان جماعة من المسلمين قد غالت في االعتماد على السنة حتى وان خالفت صريح القرآن ،وهو ما تقوم به الجماعات التكفيرية والوهابية المتأثرة بابن تيمية ،فقد يكون هذا الكالم مقبو ًال مع حفظ الفوارق ..ألن عصر التنوير الغربي قام على اساس التضاد مع الدين ،خاصة في نسخته الفرنسية ،وأبرز ممثليها الفيلسوف واألديب الفرنسي فولتير. • في خضم ارتفاع حدة األصوات المتطرفة، يتم تهميش أساليب التعليم المستنير دائما في المجتمعات ذات األغلبية المسلمة .أين يكمن العيب في رأيك ،هل بسبب النخبة التعليمية أو القراءة القديمة للنص الديني.. أو كالهما؟ ـ اعتقد أن السبب مشترك بين النخب التعليمية والقراءة القديمة للنص الديني .فالنخب التي تولت أمر التعليم كانت منبهرة بما رأته في الغرب دون اعتبار للواقع الموجود في المجتمعات االسالمية ،خاصة العلوم االنسانية من تربية وعلم نفس واجتماع وفلسفة ،بل حتى علوم الدين التي حاولوا أن يطوعوها للمناهج والثقافة الغربية، وخير مثال على ذلك ما كتبه طه حسين في كتابه (مستقبل الثقافة في مصر) .وكان نقيض هؤالء هم المتمسكون بالنصوص القديمة دون اعتبار لتغير الزمان واالحوال فكأنهم يعيشون في الوقت الذي نزلت فيه تلك النصوص .وقد ضاع صوت التيار الوسطي الذي ينفتح على العصر ويقدر المتغيرات مع ضرورة الحفاظ على الثوابت. • هنالك كالم كثير في أوساط المسلمين
عن (تجديد التفكير الديني) انسجاما ً مع العصر ،وهنالك من يدعو لذلك ،لكنه يرفض الخروج أو على االقل مراجعة االنساق الفكرية المكرسة تاريخيا للمسلمين ،مثل موقع التراث الديني المركزي في تكوين الهوية والعقيدة المسلمة .ما هي محدودية مثل هذا التوجه في حل ما يبدو معضلة حضارية لمسلمي اليوم ،وما هو التوجه االسلم لتجديد التفكير؟ ـ التجديد أمر راود اذهان المصلحين منذ ما يقرب من قرنين في العصر الحديث على األقل ،وهو يهتم بتسليط األضواء على جملة من المعطيات والممارسات واألفكار التي حسبها الناس على انها
اﻟﺴﻴﺎﺳﻴﻮن ﻏﺎﻟﺒﴼ ﻣﺎ ﻳﻔﻀﻠﻮن ﺗﻌﻠﻴﻢ اﻟﻨﺎس ﻃﺎﻋﺔ اﻟﺤﻜﺎم واﻟﺨﻀﻮع
من الدين ،والدين منها براء ،وانما هي أقرب إلى العادات والتقاليد التي توارثتها االجيال وتمسكوا بها ظن ًا منهم أن لها قدسية ،وشجعهم على ذلك سكوت بعض أهل العلم الذين كان المفروض بهم أن يبصروا المجتمع بحقيقة هذه الممارسات ومدى قربها أو بعدها من الدين الحنيف.
• كيف يمكننا من الناحية العملية أن نجعل التعليم قوة للخير في المجتمعات اإلسالمية لتمكين الناس من تحقيق العدالة االجتماعية ،وتقييد سلطة السياسيين والمؤسسات الدينية؟ ـ يكون التعليم قوة للخير والفائدة للجميع إذا ساهم في تحقيق العدالة ،ألن السياسيين غالب ًا ما يفضلون اشاعة وتعليم الناس طاعة الحكام والخضوع لهم حتى وان كانوا جائرين ،ويعاونهم في ذلك بعض المحسوبين على المؤسسات الدينية لوجود مصلحة مشتركة بين الطرفين ،لكننا نجد أن أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (ع) ابتدأ من أول يوم استلم فيه الخالفة تصحيح المسارات وازاحة المفسدين من الوالة والحكام ،وحينما نصحه بعض الصحابة بالتريث في ذلك حتى تستتب له األمور ألن هذه القرارات ستفتح عليه جبهات كثيرة ،قال كلمته الشهيرة( :ان في العدل سعة ومن ضاق عليه 23
ـ الغزو الثقافي الذي قام به االستعمار الغربي صحيح وموجود بنسب متفاوتة تبع ًا لقسوة تلك الدول وحدّ تها في تنفيذ مخططاتها .فاالستعمار الفرنسي مث ًال عرف بقسوته في تطبيق سياسة (الفرنسة) في الجزائر ومحو الهوية العربية واالسالمية للشعب الجزائري ،بينما كانت بريطانيا مث ًال تمارس هذا الغزو ولكن بطريقة غير مباشرة. لكن موضوع الغزو الثقافي قد ضخم بشكل كبير وأرى ان اصالح التعليم يبدأ من اصالح المناهج التي تراعي أن يكون هدف الجامعات ليس زيادة اعداد الخريجين بل تحقيق نهضة تنموية شاملة.
العدل فالجور عليه أضيق). • في التقاليد اإلسالمية وحديث النبي، كمثال في هذا السياق «اطلبوا العلم من المهد إلى اللحد» هناك تركيز على التحقيق المفتوح والتعلم مدى الحياة .أنها تدور حول االعتقاد بأن الرحلة الالنهائية من الوعي والنضج سوف تطور البشر روحيا ً وفكرياً. وبعبارة أخرى توجه البحث المستمر والمتجدد عن المعارف الجديدة .هل من الممكن التوفيق بين مثل هذه الفرضية مع مبادئ التربية اإلسالمية العالقة عموما في الذهنية والمعرفة السائدة للعصور الوسطى؟ ـ ان حديث الرسول (ص) الذي أشرتم إليه هو فع ًال يعني استمرارية العلم والتعلم مدى الحياة ،وهذا يعني استيعاب المعطيات الجديدة واالكتشافات التي يجود بها العلم كل يوم بل كل ساعة .وآية (علم اإلنسان ما لم يعلم) تعني ان العلم والتعلم ال حدود لهما. • في تجربتي التعليمية على مستوى التعليم العالي (الجامعي) عادة ما ادفع الطلبة على أهمية «كيف تفكر» بدال عن «بماذا تفكر» لتطوير القدرة على حل المشاكل .وأن يصبح الطلبة خالقين ،وعقولهم مدربة ومبدعة في تطوير الحلول العصية .هل من الممكن بالتالي للتعليم عموما والتربية اإلسالمية بشكل خاص تحقيق هذه األهداف للشباب وكيف يتم ذلك عملياً؟ ـ ما افهمه من (كيف تفكر) هو سؤال عن المنهج (وبماذا تفكر) سؤال عن المحتوى وكالهما مهمان ،لكن المنهج وطريقة التفكير هي التي تنقص الدعاة في ايصال المعلومات والمضامين التربوية والخلقية الرائعة التي أمر بها الدين الحنيف إلى الشباب بصورة صحيحة وتتناسب مع تفكيرهم الحديث والمجتمعات المتطورة التي يعيشون فيها. • التربية اإلسالمية حاليا ً تستند إلى حد كبير على عناصر الهوية واألصالة ..وتركز كثيرا ً على افتراض ان االستعمار الغربي (الغزو الغربي) كان للسيطرة على عقول المسلمين. مع هذا االنتشار الواسع للمفهوم والمتجذر في التعليم الحديث والديني ،كيف /أين 24
نبدأ إصالح التعليم؟ وكيف لنا المواءمة بين األهداف المتنافسة لتشكيل الهوية والتنمية االستقاللية الذاتية لدى الطلبة؟
ﻓﻲ دراﺳﺔ اﻟﻘﻀﺎﻳﺎ اﻟﻤﻬﻤﺔ ﻳﺠﺐ اﻟﺮﺟﻮع إﻟﻰ آراء اﻟﻤﺬاﻫﺐ اﻟﻤﺨﺘﻠﻔﺔ دوﻧﻤﺎ اﻗﺼﺎء ﻟﻤﺬﻫﺐ أو ﺗﻜﻔﻴﺮه
• المشكلة مع التعليم عموما والتعليم اإلسالمي على وجه الخصوص اليوم أنهما يفتقران لطرق التدريس الحديثة التي ال تفضي بما فيه الكفاية لتطوير التفكير النقدي الحقيقي واالبتكار للطلبة على حد سواء .قراءة القرآن الكريم تشير بوضوح إلى دور التفكير الجدلي في سمو إيمان اإلنسان، وبالتالي على أهمية دور التربية اإلسالمية في مقاومة التلقين وتعلم الحفظ، والتعلم المتمحور حول المعلم ،واالستماع السلبي ...الخ .ما هو رأيك؟ وإذا كنت توافق فكيف يمكننا تنفيذ ذلك عمليا من حيث التعليم والتعلم والتقييم ...؟ ـ ان طريقة الحفظ والتلقين وترديد المعلومات كما يرددها الببغاء هي اآلفة التي تفتك بالتعليم ومؤسساته في العالم العربي واإلسالمي ،وان غياب الحس النقدي لدى الطالب ينتج شخص ًا سلبي ًا يتلقى ما يتعلمه دونما تحقق أو تمحيص .ولعل هذا يفسر األجيال التي يجندونها في العمليات االنتحارية التي تفتك بالمدنيين األبرياء ،ويخدعونهم ببضع ً تنفيذا كلمات مضللة يقولها هذا الشيخ أو ذاك ألجندات سياسية مشبوهة
بطاقة • • • • • • •
ولد في مدينة النجف االشرف (العراق) حصل على شهادة البكالوريوس من جامعة دمشق ،وشهادتي الماجستير والدكتوراه من جامعة عين شمس (القاهرة) امتهن التدريس في جامعات الجزائر وليبيا ولندن والعراق اشرف وناقش على العديد من رسائل الماجستير والدكتوراه يشغل حاليا ً منصب عميد الدراسات العليا في الجامعة العالمية للعلوم اإلسالمية في لندن عضو الجمعية الفلسفية العربية في عمان (االردن) صدرت له العديد من الكتب واالبحاث والدراسات
ﺛﻼﺛﺔ ﻣﺸﺎﻫﺪ ﻣﻦ ﺗﺠﺮﺑﺔ ﺷﺨﺼﻴﺔ ﻓﻲ اﻟﻴﻮﻧﺎن
الديني والمدني في مسار االندماج اﻟﺘﻮاﺻﻞ ﻣﻊ اﻟﻤﺠﺘﻤﻊ اﻟﺠﺪﻳﺪ ﺑﺼﻮرة اﻳﺠﺎﺑﻴﺔ ﻻ ﻳﻠﻐﻲ اﻟﻬﻮﻳﺔ اﻻﺣﻜﺎم اﻟﻤﺴﺒﻘﺔ ﺑﺎﻣﻜﺎﻧﻬﺎ ﺗﺤﻮﻳﻞ )اﻵﺧﺮ( إﻟﻰ ﻋﺪو
ﻣﻌﺎوﻳﺔ ﻣﺤﻤﺪﻳﻦ أﺣﻤﺪ صحفي سوداني وناشط في حقوق اإلنسان
المشهد األول: في الوقت الذي كانت احدى الجمعيات العربية في اليونان ،تعلن شكواها من صعوبة جمع ما تحتاجه من المال من االعضاء ،رغم الحماس الذي ادى لتأسيسها ،انفتح النقاش حول دعم مص ّلى صغير في المدينة .تواصل النقاش بحماس ،وانتهى بقرار شراء المصلى الذي كان في االصل مح ًال ً صغيرا مستأجرا حتى ذلك الحين .وخالل تجاري ًا اجتماع حاشد بعد الصالة ،جمع المصلون ثمنه الذي كان يزيد قلي ًال عن ثالثين الف يورو ،وهو مبلغ كبير ً جدا ،كون اغلبيتهم من العمال البسطاء الذين ال يزيد دخل أي منهم عن الحد االدنى لالجور. وبلغ الحماس لجمع المبلغ ً حدا ان تبرع البعض منهم براتب شهر كامل ،وتم فعال شراء المكان .المفارقة ان من سعى ونظم الحملة هي نفسها الجمعية التي ظلت وإلى حين تجميد نشاطها ،تشتكي من عزوف اعضائها عن تسديد مساهماتهم المالية ،وهي الدخل الوحيد لبقائها ،شأنها شأن المصلـّى .فالدولة ً واحدا لجمعيات المهاجرين اليونانية ال تدفع سنتا ومؤسساتهم المختلفة ،ناهيك عن امتناعها عن تسهيل بناء مسجد واحد في البالد كلها. ال يعكس المشهد األول ً أمرا غير اعتيادي للوهلة األولى .فالناس تحرص على اداء شعائرها
الدينية في زمن اتسع فيه التديـّن ،حتى اصبحت مرجعياتنا في الحياة اليومية فتاوى الفضائيات، ورسائل مواقع التواصل االجتماعي .ولكن االمر يختلف عندما نعلم ان متحمسي شراء المصلـّى هم ذاتهم من مؤسسي وأعضاء الجمعية المذكورة. وأمام ضغوط الحياة في المجتمع الغربي ومتطلباته ربما يكون السؤال المنطقي هو :لماذا ال يتوزع الحرص الشديد والتضحيات كذلك لتأمين المسجد حد ملكيته ،بالتساوي مع متطلبات الجمعية ً ً كبيرا من جهدا ومواصلة نشاطها ،رغم انها تبذل اجل حقوقهم بما في ذلك حق بناء مسجد بشكل قانوني ،خصوصا وان مجرد الجهد الذي ُبذل من اجل تأسيسها يعكس بوضوح مدى الحاجة إليها؟ لعل طرح االمر في صورة مفاضلة بينهما قد يـُغضب البعض ،وفي افضل االحوال قد يقود إلى جدل عقيم .ولكن التأني قد يقود إلى نقاش مفيد بين الديني ممث ًال في المسجد ،والمدني ممث ًال في الجمعية ،في اطار الجدل المحتدم حول االندماج في مجتمعاتنا الجديدة .ولتسهيل هذه الفرضية ربما يتطلب االمر تغيير صيغة السؤال إلى الشكل 25
ً دورا التالي :هل يمكن ان تلعب المؤسسات تكاملي ًا في عملية مشتركة وحيوية ومزدوجة أيضاً، مثل التواصل مع المجتمع الجديد بصورة أفضل، وفي الوقت نفسه الحفاظ على الهوية؟ ً بالطبع حسن النية وحدها ليس كافيا للوصول بمثل فرضية كهذه ،إلى نهايتها ،فاالمر يتطلب كذلك التركيز على النقاط المشتركة ،خصوصا وان «العوامل الخارجية» ليست مواتية .إذ نعلم ان قضية المسجد قد تم تسييسها وانتهت إلى انطباع راسخ مفاده انه خطر يهدد الدولة والمجتمع ،في بلد ال يقبل االندماج من اساسه. احدى اقوى النقاط المشتركة هي ان المسجد ً مسجدا في الصيغة اليونانية على االقل ،ليس تقليدي ًا بالمفهوم الموجود في البالد االصلية للمهاجرين .فالمساجد تقوم فعلي ًا بسلسلة من النشاطات ذاتها التي تقوم بها الجاليات التقليدية. فهي تنظم الرحالت الجماعية ،وتقيم المخيمات لالطفال في الصيف ،ولديها ورشات لتعليم اللغة العربية والدين االسالمي ،ونشاطات خيرية أخرى مختلفة للمساعدات االجتماعية .المشهد التالي قد يقدم دلي ًال عملي ًا. المشهد الثاني في صيف عام 2012كانت وزارة الداخلية اليونانية تستعد الجراء حملة ارشاد قانوني لنحو 5آالف مهاجر .كانت المعضلة الكبرى هي كيف تجد هذا العدد الكبير في غضون ثالثة أشهر .فقد كشفت المحاوالت األولى عن ان جمعيات الجاليات ال تستطيع ان تجمع مثل هذا العدد ،فض ًال عن معاناتها للعثور على مكان لعقد الندوات. استنجدت بي مسؤولة مكتب االندماج االجتماعي بالوزارة المشرفة على المشروع ،وسألتني إن كان هناك ح ًال .أجبتها على الفور« :المساجد هي الحل» .كنت أعرف انها سوف تفاجىء ،فالجواب له وقع خاص وحساسية خاصة أيض ًا ،ثم أننا بصدد أمر يخص الشؤون المدنية ،وال عالقة له بالدين. لكني تمكنت من اقناعها بحجة ان المساجد أو المصليـّات مؤسسة بموجب قانون الجمعيات االهلية ،وبالتالي فانها ال تختلف عن وضعية الجاليات .كان هذا وال يزال الحل الذي تم العثور عليه لاللتفاف على ممانعة السلطات السماح ببناء مساجد في البالد. رغم االرتياح الذي بدا عليها ،اال انها لم تكن تخفي تهيبها إثر مجموعة من اسئلة طرحتها ومنها: 26
هل سيقبلون في مثل النشاط ،وكم من الوقت سوف نحتاج حتى نجمع عناوينهم ،ونتفق معهم؟ كانت اجابتي واضحة ،وهي اننا نتعامل حاليا مع جميع ً مسجدا تابعا للبنغال ،و26 المساجد وهي 36 ً ً مسجدا باكستاني ًا ،و 12تابعا للعرب .واوضحت ان متوسط عدد من يرتادها للصالة بنحو 100 مصل أيام الجمع .هذا يعني ان ثمة أكثر من 6 آالف مصل ،أي أكثر من العدد المطلوب .كانت التجربة األولى في مسجد باكستاني والتي أدت إلى تبني الفكرة وتعميمها ،بل شملت فيما بعد كنائس المهاجرين المسيحيين أيض ًا ،علما بأن جزء منها يعاني ذات معاناة المساجد اإلسالمية من حيث االفتقار إلى التصريح الرسمي ،فلجأت هي
اﻟﺪور اﻟﺨﺎﻃﺊ ﻟﻠﻤﺴﺎﺟﺪ ادى إﻟﻰ اﻧﻄﺒﺎع راﺳﺦ ﻣﻔﺎده اﻧﻬﺎ ﺧﻄﺮ ﻳﻬﺪد اﻟﻤﺠﺘﻤﻊ اﻟﺠﺪﻳﺪ
األخرى إلى حلول المساجد اإلسالمية ..أي صيغة الجمعيات االهلية أيض ًا. هذه الواقعة تشير إلى مدى امكانية المساجد، ليس فقط في استيعاب ادوار جديدة غير تقليدية، قد يؤدي الى تحسين خطابها ليس فقط في اتجاه القضايا الحيوية للمصلين ،بل واالقتراب من مؤسسات الدولة ،وتشكيل الواقع غير التقليدي الذي تفرضه شروط العيش في مجتمع مختلف بشكل ايجابي .كما انها تدل أيض ًا على ان أي دور يمكن تلعبه جري ًا على هذا المثال ،يتطلب ان يأتي في اطر معينة ،ال تتعارض مع المهمة االساسية للمسجد. اذا كان هذا المثال يقدم صورة متفائلة عما يمكن ان يحصل فيما لو تواصلت الجهود وفق هذه النظرة ،اال انه ال يجب ان يخدعنا باالعتقاد السريع ً بعيدا عن ان االمور بهذه السهولة .فالمسجد ال يزال مثل هذا التفاؤل .وهذا ينقلنا إلى المشهد األخير. المشهد الثالث: في العام الماضي 2015فوجئت باتصاالت هاتفية متواصلة من عدد من ائمة ومسؤولي مصل ّيات مختلفة في العاصمة أثينا ،طالبوني فيها مساعدتهم لضمهم إلى برنامج احدى المنظمات الطوعية اليونانية لتبني أطفال الالجئين السوريين
ممن تخلفوا عن عوائلهم أو علقوا في البالد لوحدهم لسبب من االسباب .كان اهتمامهم ببرامج المنظمات الطوعية اليونانية مفاجئ ًا ،لكونهم بعيدين عن هذا العالم تماما ،ولذلك اصررت على معرفة مصدر الخبر الذي انتشر على شكل شائعة .كان الغرض من السؤال هو معرفة هذا االهتمام المفاجىء ،وكان ً موحدا من الجميع ،وهو انه من غير المقبول الرد ترك هؤالء األطفال السر مسيحية. بنفس طريقة المشهد األول ،فان النظر إلى هذه الواقعة للوهلة األولى ال يدل أيض ًا على امر مستغرب .غير ان قراءتها مقرونة بجوانب أخرى جارية في الواقع تعكس مدى اشكاليتها .فمع تدفق مئات االالف من الالجئين واغلبهم من المسلمين ،اصبح من المألوف متابعة مئات من ً افرادا قصص المتطوعين اليونانيين واالوروبيين، وجماعات ،منظمين وغير منظمين ،نساء ورجاالً، الذين هبوا النقاذ ومساعدة الوافدين الهاربين من الحرب ،وصارعوا االهوال والموت ،ووصلوا إلى أرض ال يعرفون عنها شيئ ًا من دون عدة أو عتاد .كل المتطوعين كانوا وما زالوا موجودين في عمليات االغاثة ،اال المساجد مع استثناءات بالطبع .وحتى عندما اهتموا بها فان الدافع لم يكن االنقاذ ،أو المساعدة ،وانما الحيلولة دون احتمال تنصير أطفال مسلمين علقوا لوحدهم
في البالد .المفارقة ان االمر لم يكن شائعة في حقيقة االمر .فالمصدر الحقيقي للخبر كان اعالن ًا نشرته وذكرت فيه بشكل واضح ان منظمة يونانية غير حكومية ،تبحث عن عائالت مسلمة الستضافة أطفال علقوا بالبالد ،لفترة محدودة حتى يتم العثور على عوائلهم ،وذلك في اطار برنامج حكومي لرعاية هؤالء االطفال. ال جدال في ان هذه الواقعة تتعارض تمام ًا مع المشهد الثاني .إذ فيما يعكس األخير امكانية االنفتاح والتعاون مع الغير خارج القضايا الدينية، من داخل الدور الدينية ،فان المشهد األخير ال يعكس فقط االنغالق والتقوقع ،والخوف من اآلخر ،بل يطرح اشكاليات طبيعة المفاهيم
ﺑﺎﻣﻜﺎن اﻟﺤﺪاﺛﺔ دﻓﻊ اﻟﻤﺴﺎﺟﺪ إﻟﻰ اﻟﻘﻴﺎم ﺑﺄدوار ﻏﻴﺮ ﺗﻘﻠﻴﺪﻳﺔ وﺗﺤﺴﻴﻦ ﺧﻄﺎﺑﻬﺎ
السائدة ،وتأثيراتها على المجتمع الذي يعشون فيه ،وعلى المسلمين انفسهم في وقت واحد. يطرح الحدث طريقة تلقي المعلومة ،وكيفية نشرها وتوزيعها ،وغياب القدرة على تقصي الحقائق وتحري الدقة ،وهي أقل ما ينبغي ان يتصف به قادة الجماعات .ويطرح أيض ًا الفشل في استخدام القيم المشتركة لالديان ،كوسيلة من وسائل تسهيل حياة المسلمين في مجتمع غير مسلم .فاالديان تشترك في قيم رعاية اإلنسان ،وتقديم االغاثة والمعونة، وتحض على التضامن والتكافل االجتماعي ،بل ً مبتكرا من انواع ربما كان يمكن ان تنبت نوع ًا التعاون المشترك لفهم افضل للعالقة بين الطرفين. تدل الواقعة أيض ًا على رسوخ األفكار المسبقة تجاه الطرف اآلخر ،وسيادة «التفكير التآمري» في تفسير نوايا اآلخرين ،ما يؤدي إلى التسرع في إلقاء االحكام المسبقة ،وتحويل اآلخر إلى «عدو» بغض النظر عن نواياه الحقيقية .تلك فجوة تحتاج إلى تصحيح ،ليس فقط النها عقبة حقيقية أمام ايجاد حلول لفتح قنوات للتواصل والتفاهم والعمل المشترك مع المجتمعات الغربية التي تعيش فيها، بل النها أيض ًا عقبة في الوسط اإلسالمي المغترب نفسه ،كونها تتصرف صدى لالشكاليات السائدة في البلدان االصلية ،بد ًال من ان تتحول إلى قفزة على الركود 27
ﻗﻮة »اﻟﺘﻌﻠﻴﻢ«
التعليم المتطور يدفع البشرية نحو اتساع البصيرة والتكامل اﻟﻤﻌﺮﻓﺔ داﺧﻞ اﻟﻜﺎﺋﻦ ﺗﺘﺠﻠﻰ ﻓﻲ اﻟﻨﺰاﻫﺔ اﻟﺸﺨﺼﻴﺔ ﺗﺸﻴﺮ اﺣﺼﺎءات اﻟﺘﻌﻠﻴﻢ اﻟﻰ ﻗﻠﺔ إﻧﺘﺎج اﻟﻤﻌﺮﻓﺔ ﻓﻲ اﻟﻌﺎﻟﻢ اﻹﺳﻼﻣﻲ
ﺟﻴﺮﻣﻲ ﻫﺎﻧﺰل ﺗﻮﻣﺎس
28
احتل على الصفحة الرئيسية لصحيفة الـ «تايمز» اللندنية خبر اثار انتباهي حق ًا ،إذ جاء فيه أن المتحف البريطاني سمح باعارة إحدى منحوتات البارثينون الرخامية إلى متحف «إرميتاج» في سان بطرسبرغ في روسيا. لعل الخبر دفعني إلى البحث عن الكيفية التي ظهرت بها األعمال الفنية في هذا المتحف الذي تأسس عام 1764في عهد كاثرين العظيمة الذي مكن روسيا من المشاركة في فترة التنوير األوروبية. وال بد من التأكيد على استمرارية رمزية هذا المكان في فترة ازدادت فيها المخاوف من اندالع حرب باردة جديدة بين موسكو والغرب .بالمقابل يؤمن نيل ماكجريجور ،مدير المتحف البريطاني ،بأن العالقة مع المتاحف هي المثال الشاخص على دور الثقافة وقوتها في بناء الجسور بين األمم ،والذي يعد ً أمرا مهم ًا في أوقات يزداد فيها التوتر والتمزق السياسي. تمت استعارة الشكل الشبيه باإلله ليكون ً رمزا يمثل نهر إ ّليسوس ..وهو احد االنهار التي
نبعت بالقرب من روما في العصور القديمة .وهنا تحديدا ووفق ًا ألفالطون (كما يصف ماكجريجور) فإن سقراط وفيدروس قد تحدثا تحت ظالل أشجار الدلب التي نبتت على ضفاف النهر ،حيث بحثا قيمة الجمال وأخالقية الحب .وعلى هذا النحو فإن القيم الرئيسية للحوار والنقاش قد تمثلت في يومنا هذا في تحقيق المثل العليا لالستفسارات الفكرية والحرية السياسية ،وهي رموز بليغة وعميقة ،وتعد من القيم االساسية في أثينا القديمة وفي التنوير األوروبي. اآلن ،ال أرغب في اضعاف نقطة ماكجريجور حول قداسة الجدلية ،بل على العكس تماما ،فمن باب البديهية أن آخذ كالمه كمثال على ما أريد قوله عن قوة التعليم .بالرغم من ذلك فإنه من الجيد أن نتذكر بأن سقراط قد تم إعدامه لكونه (حسب ما ذكر أفالطون) كان نقطة اإلزعاج للدولة آنذاك،
أيضا فقد كان المصدر الرئيسي لحشد الجماهير وتحريكها ،وأخيرا كان شوكة في جسد الدولة .لذا فإن المفكرين األحرار كضياء الدين سردار الذي كتب في مقدمة مقاله «نقد المسلم» :أن المفكرين األحرار يتم النظر إليهم باعتبارهم الخطر الحقيقي الذي يتحدى التفكير التقليدي واألرثوذكسية ووجهات النظر السائدة ،واضاف إنها نتيجة غير مفاجئة من خلط ورق اللعب .في حالة سقراط، فإن األثينيين المشهورين كانوا يبدون حمقى أمام حكمته المتناقضة نوعا ما ،وقد كانت واحدة من جرائمه كفيلسوف وناقد اجتماعي وأخالقي أنه كان عديم التقوى من وجهة نظر الدولة ،إذ أنه لم يؤمن قط باآللهة السائدة في تلك الحقبة. نحن بحاجة ألن نأخذ بنظر االعتبار أن سقراط لم يكن مجرد شخص ذاتي التحفيز وعامل محرض للعامة ،ومفتون ًا بذكائه وأفكاره الخاصة، أو إبداعية نهجه وميله للراديكالية ،وال حرية فكره والتفاته لبناء أيدولوجية عقائدية يفترض من خاللها الوقوف ضد الخرافة في الدين .ولو كان سقراط بيننا اليوم ،لنشاهده في موقف غير متفق مع قواعد النقد المحايد ،ولكان خانع ًا أمام النصر الذي حققته قيم التن ّور أو العلمانية اإلنسانية أو المادية العلمية أو أية أصوليات أخرى ،سواء كانت علمانية أو
ﻟﻴﺲ ﻫﻨﺎك أﻳﺔ ﺟﺎﻣﻌﺔ ﻋﺮﺑﻴﺔ ﻓﻲ ﺗﺼﻨﻴﻒ أﻓﻀﻞ ٢٠٠ﺟﺎﻣﻌﺔ ﻋﻠﻰ اﻟﺼﻌﻴﺪ اﻟﻌﺎﻟﻤﻲ
دينية .وفي النهاية فإن سقراط يعد آخر شخص من الممكن أن يكون نرجسي ًا ،ليس فقط ألنه ال يمتلك أي اهتمام بأن يكون بمكانة اجتماعية أو شعبية متميزة ،ولكن ألنه كان دائما يعترف بأنه ال يزال يجهل الكثير. إدراك اإلمكانات البشرية أعتبر شخصي ًا ان بديهية التعليم النوعي (جودة التعليم) ال يمكن إال أن تستند إلى فهم ناضج من مجموعة كاملة من القوى والملكات البشرية ـ المادية والحسية والمعرفية ،االدراك، الخيال ،الوجدانية واألخالقية والروحية ـ وإذ تضع في االعتبار أن من المنظور الروحي كل هذه القوى والملكات هي أوقاف الهية و«ليس هناك سلطة وال قوة إال بالله وحده». مفهوم وممارسة التعليم الشمولي ،وبتعبير ادق الكلي أو المتكامل ،هو جزء ال يتجزأ من الرؤية الشاملة لملكات اإلنسان في اإلسالم .فالنصائح المتكررة في القرآن الستخدام الملكات أتيحت لنا لتحقيق المعرفة وإدراك الحقيقة ،وتشمل هذه الحواس التي تمكننا من التعلم عن طريق المالحظة المباشرة والخبرة ،وكذلك من خالل التعليمات على أساس اللغة التداولية أو عقالنية الملكة (العقل) والتي تمكننا من التفكير واالستفسار والتحليل واالنخراط في عملية جدلية. هل اإلبداع جانب من جوانب االمتياز والتفوق البشري أو ما يجري تصوره باعتباره مجرد براعة من دون أي اعتبار أو فكرة لألغراض التي يتم استخدامها؟
هناك فارق مهم بين االحتراف واالمتياز.. المافيا على سبيل المثال فيها رجال محترفون للقتل ،هل باالمكان القول بأنهم من المحترفين الجيدين .الفرق هو أن جوهر االمتياز ليس مجرد اإلتقان الشخصي للمهارة أو الفاعلية في إنجاز مهمة ،بل يشمل تميز شخصية اإلنسان التي تملك ً بعدا اخالقي ًا ،وفي نهاية المطاف البعد الروحي مهمة التعليم كتاب هاري لويس «تميز بال روح» يوجه نقداً قوي ًا للتعليم العالي في أمريكا ،فحرم الكلية أصبح للحفالت المستمرة ،والكثير من يلقي اللوم على الطلبة أنفسهم ،مما يوحي بأن هذا الجيل كسول وهدفه الترفيه والمتعة وال يهتم بأي شيء آخر سوى ذاته .ووفقا للويس «لقد نسيت الكليات في أمريكا أن المهمة األساسية للتعليم الجامعي
اﻟﺘﻌﻠﻴﻢ اﻟﻨﻮﻋﻲ ﻳﺴﺘﻨﺪ إﻟﻰ ﻣﺠﻤﻮﻋﺔ ﻛﺎﻣﻠﺔ ﻣﻦ اﻟﻘﻮى واﻟﻤﻠﻜﺎت اﻟﺒﺸﺮﻳﺔ
هي تحويل المراهقين إلى راشدين ،لمساعدتهم على النمو ولمعرفة من هم ،للبحث عن الهدف األكبر في حياتهم ،ومغادرة الكلية كبشر أفضل». ويرى لويس أن الكليات فشلت في تدريب الطلبة حول أسباب التعليم الذي يفترض من الطلبة العراك مع أسئلة أعمق في المعنى والغاية والغرض .على سبيل المثال ال الحصر لم تعد جامعة هارفارد تدرس األمور التي من شأنها أن تحرر العقل والروح البشرية. تأسست جامعة هارفارد عام 1636في كامبرج ،ماستيوشيس ،وهي اقدم مؤسسة تعليمية في الواليات المتحدة ،فيما تعتبر جامعة كامبرج في انكلترا أقدم منها ،إذ تأسست عام ،1209 واقدم بكثير من االثنتين هي جامعة القرويين في فاس في المغرب التي تأسست عام 859واالزهر في مصر عام .970جامعة هارفارد جاءت الرابعة في تصنيف الجامعات العالمية (كيو اس) والثانية في تصنيف (ذي اج اي) بينما كامبرج جاءت الخامسة والثانية على التوالي .الجامعة األولى كان معهد التكنولوجيا (أم أي تي) في ماستيوشيس وكاليفورنيا الثانية .الجامعة األولى في العالم اإلسالمي جاءت في موقع 151وفقا لنظام التصنيف ذاته ،ولم تكن هناك أية جامعة من العالم العربي في تصنيف أفضل 200جامعة. في كثير من األحيان تشير تلك االحصاءات الى الجمود الفكري وقلة إنتاج المعرفة في العالم اإلسالمي ،رغم التحفظات التي لها ما يبررها حول صحة التصنيف العالمي ،فان الترتيب هو مقياس عالمي معترف به على نطاق واسع عن جودة التعليم على المستوى الجامعي ،ومؤشر على وجود أزمة عميقة داخل المجتمعات اإلسالمية .وحتى مع ذلك ،فان نقد امثال لويس هي مهمة بغرض افتراض أن الدواء الشافي للتعليم في العالم اإلسالمي هو مضاهاة دون تمحيص النماذج الغربية ،كما لو أن المعيار الرئيسي لـ «النجاح» في «الحاق البطة العرجاء» أي المؤسسات اإلسالمية في الترتيب العالمي على النحو المحدد من قبل أنظمة الترتيب الدولية والمعايير. التعليم المتطور يقدم لنا عمق واتساع البصيرة التي تمكننا من الرؤية التي تدفع البشرية نحو التطور على اكثر من صعيد للوصول إلى تكامل أفضل ما هو موجود في كل ثقافة وحضارة فصلية «المسلم الناقد»عدد ،14نيسان (ابريل) 2015ـ «بتصرف» 29
اﻟﺴﻠﻴﻤﺎﻧﻴﺔ ﺗﺤﺘﻀﻦ ٢٢٠ﺷﺎﺑﴼ ﻋﺮاﻗﻴﴼ ﻓﻲ اﻟﻤﺨﻴﻢ اﻟﻮﻃﻨﻲ اﻷول ﻣﻊ »اﻟﻨﺠﺎح ﻓﻲ ﻋﺎﻟﻢ ﻣﺘﻐﻴﺮ«
بناء قدرات جيل جديد قادر على تطوير حلول فعالة ألزمات المنطقة
احتضنت مدينة السليمانية ،العاصمة الثقافية القليم كردستان العراق220 ، ً وكردا ،شيعة وسنة ،وذلك ألربعة أيام متتالية من شاب ًا وشابة عراقيين ،عرب ًا 17ـ 20آذار (مارس) .2016 وخالل األيام األربعة شارك الشباب العراقيون ،موزعين على 12 مجموعة ،في 12حصة تدريبية مكثفة على برنامج النجاح في عالم متغير، قاد التدريب 14مدرب ًا ومدربة مكرسين من العراق ،مصر ،السودان ،االردن، فلسطين ،والمغرب. تم اختيار المشاركين في المخيم من عشرة االف شاب عراقي استهدفتهم حملة وطنية للتعريف ببرنامج النجاح في عالم متغير استمرت لعام كامل بين 30
2014و .2015وساهمت في الحملة الوطنية بيوت النجاح في كردستان، بغداد ،ديالى ،ذي قار ،والبصرة. شارك في االفتتاح الرسمي لمخيم النجاح الدكتور ليث كبة راعي البرنامج ،والسيد هافال ابو بكر رئيس مجلس محافظة السليمانية، والدكتور لقمان فيلي سفير جمهورية العراق في واشنطن ،باالضافة إلى شخصيات سياسية وثقافية وعلمية مرموقة في كردستان ،مع حضور بارز لمنظمات المجتمع المدني الفاعلة في االقليم. يهدف برنامج النجاح في عالم متغير إلى بناء قدرات جيل جديد من الفاعلين المجتمعيين في منطقة الشرق االوسط وشمال افريقيا قادر على تطوير حلول فعالة ألزماته وأزمات بيئاته المحلية عبر تواصل أنجع مع ثقافته المحلية، ومعطيات العصر وعلومه ،والعالم من حوله.
تدريبي ًا في منطقة الشرق االوسط وشمال افريقيا ً مرورا بالجزائر وتونس من المغرب وموريتانيا، والسودان إلى مصر وفلسطين ولبنان واالردن والعراق والخليج .وتعرف هذه المراكز باسم بيوت وفرق النجاح ،وتنضوي تحت مظلة شبكة نجاح21 االقليمية التي يدير أعمالها مجلس ادارة منتخب وفريق تنفيذي شاب في عمان. الجدير ذكره ان جامعة التنمية البشرية في السليمانية برئاسة الدكتور مريوان أحمد رشيد قد تبرعت باستضافة المخيم لأليام األربعة
تأتي قيمة «النجاح في عالم متغير» المضافة من فهمه لواقع السياق المسلم المعاصر وتعقيدات الوضع السياسي والمجتمعي في منطقة الشرق االوسط ،حيث يقدم البرنامج مقاربة ناجعة الشكالية التحول الثقافي من بنى تقليدية متجذرة في زخم الماضي إلى بنى حديثة نموذجها في المستقبل، وذلك عبر معالجة دقيقة ،علمية ومنهجية لموضوع تطوير االداء الفردي وبناء المجموعة الحيوية. يرعى المنبر الدولي للحوار االسالمي في لندن برنامج النجاح في عالم متغير ،الذي انطلق رسميا ً مركزا وفريق ًا في 2008وتد ّرب عليه حاليا 18
31
ﺗﺤﺖ ﺷﻌﺎر »ﻧﺤﻮ ﻣﺄﺳﺴﺔ ﻗﻴﻢ اﻟﺘﻨﻮﻳﺮ اﻟﺪﻳﻨﻲ ﻓﻲ اﻟﺜﻘﺎﻓﺔ اﻟﻌﺮﺑﻴﺔ اﻟﻤﻌﺎﺻﺮة«
المبادرة العربية لدعم التنويريين التربويين تعقد اللقاء التداولي األول في عمان
ﺗﻘﺮﻳﺮ :ﺧﺎﻟﺪ ﺑﺸﻴﺮ المنبر الدولي للحوار اإلسالمي عمان ـ األردن في ّ
32
شهدت المنطقة في العقود األربعة الماضية ً متزايدا على التدين وظهرت العشرات من اقبا ًال حركات اإلسالم السياسي ،اال ان برامج التعليم والتثقيف الديني المتنور بقيت ضعيفة نسبي ًا، وازدادت ضعف ًا وتراجع ًا أمام حركات الغلو والتطرف والعنف والتعصب التي اخترقت العديد من المؤسسات الدينية التقليدية ،وتغلبت على برامج التعليم الديني الرسمي في المدارس ،وتجاوزت برامج التعليم الديني التقليدي في المساجد. لذا نشهد اليوم أشد أشكال التشويه لإلسالم وأعنف درجات التمزيق لمجتمعات المسلمين وأقبح صور استباحة لألنفس باسم اإلسالم من قبل غالة المسلمين. ايقظتنا هذه التحديات الوجودية العميقة وحملتنا مسؤولية توجيه نداء إلى المؤسسات والجمعيات التربوية التي تؤمن بالقرآن كمرجعية قيمية عليا جامعة بين المسلمين كافة ومؤسسة ومحددة للفهم واالجتهاد الديني ،وتؤمن أيض ًا
بالعلم والحضارة كمرجعيات كونية مشتركة جامعة بين الناس كافة. نحترم تراث المسلمين الديني واختالف مذاهبهم واجتهاداتهم وتنوع ثقافاتهم وننظر إليها كمنتوجات ثقافية بشرية وليدة لظروف محلية ،ويشوبها النقص ويعتريها الضعف وتستلزم التحديث المستمر وتقبل النقد والتمحيص وال يجوز حصر الفهم فيها ،وال تغليب أي منها على مرجعيات القرآن والعلوم والحضارة. كتب الكثير من المفكرين والمثقفين والناشطين واإلعالميين في ذلك وأنتجوا كم ًا هائال ًمن ادبيات التحديث والتنوير ،لكن لم تتحول أفكارهم بعد إلى برامج تربوية فاعلة ،كما حاول الكثير ترويج برامج تربوية تحديثية عند الشباب ،اال انها بقيت محدودة التأثير بسبب عجزها أو تجنبها مقاربة التراث الديني ومصادره. في هذا السياق دعا المنبر الدولي للحوار اإلسالمي نخبة من المشتغلين على مسألة التنوير الديني في المنطقة العربية من ذوي المساهمات التربوية والتعليمية إلى المشاركة في اجتماع تداولي هدفه بلورة الئحة مبادئ عامة ،وانشاء رابطة مهنية للمؤسسات المساهمة في التربية والتعليم والتثقيف الديني الملتزمة بمرجعيات القرآن والعلم والحضارة، وتحديد أولويات وحاجات مشتركة فيما بينهم، ووضع برنامج وقواعد للعمل والتعاون بين المشاريع والمبادرات التنويرية في المنطقة. عقد االجتماع على مدى يومي 21ـ 22تشرين الثاني (نوفمبر) 2015في مدينة عمان ،االردن، وشمل جلسات عامة وورش ًا دراسية مصغرة للخروج بصيغة اجرائية فعالة لتأسيس رابطة مهنية لجمع ودعم وبناء القدرات المؤسساتية لمبادرات التنوير المعنية بالتثقيف والتعليم بين المسلمين في المنطقة العربية. ً حضر اللقاء التداولي 40مشاركا ممثلين الكثر من 30جمعية فاعلة في حقل الحوار والتربية
والتنوير في كل من مصر ،االردن ،السودان ،تونس، الجزائر ،المغرب ،السعودية ،البحرين ،االمارات، باالضافة إلى شخصيات مستقلة. ناقش المشاركون في الجلسة األولى «مبادئ التنوير وقيمه المشتركة الكبرى» والمعتمدة عند رواد مشاريع التربية والتثقيف التنويري من أساتذة ومفكرين وكتّاب في المنطقة العربية .كما تناول المشاركون في الجلسة الثانية تصوراتهم عن «الصيغ االجرائية» االنسب واألكفا لتاسيس رابطة هدفها دعم المبادرات التنويرية وتنسيق جهود الرواد ،التشبيك بينهم ،تعزيز وبناء قدراتهم المنظماتية ،وكذلك وضعهم على خارطة التأثير في الحراك الثقافي والمجتمعي. أثار المشاركون العديد من االسئلة حول موضوع اللقاء وحول مفهوم «التنوير الديني» وحول «القيم المشتركة» .وفي هذا السياق ناقش المشاركون بحرية ومسؤولية مرتكزات التنوير واشكالياته مثل مقاربة التراث ومرجعية القرآن الكريم في مقاربات «التنوير الديني» ومناهج التعاطي معه. حرص المنبر والمشاركون على نجاح اللقاء ً حوارا عملي ًا من اجل اعداد الئحة مبادئ وجعله والئحة نظام داخلي ومأسسة واطالق مبادرة للتنويريين العاملين في برامج التعليم الديني والمدني والتثقيف بكافة اشكاله. استفاد المشاركون من فرصة اللقاء في بناء عالقات تفاهم وثقة واستثمروا جلسات اللقاء
بكفاءة عالية وسهلوا بذلك مهمة صياغة تصور مشترك عن ما تمخض عنه االجتماع ووضع برنامج متابعة واقعي الطالق المبادرة. شمل برنامج المتابعة وضع مسودة الميثاق التاسيسي الذي سيؤطر ترشيح واختيار االعضاء والتحضير للقاء تشاوري للشباب دون سن 30 عام ًا المهتمين بالمبادرة يتبعه اجتماع عام الطالق المبادرة رسمي ًا في صيف 2016يتم فيه اختيار فريقها التنفيذي وهيكليتها االدارية وتحديد استراتيجية عملها للعام المقبل. حقق لقاء عمان التشاوري األهداف التالية: tتمثيل شريحة متميزة من 9بلدان عربية، باالضافة إلى مشاركة نوعية من تركيا. tتعزيز أهمية البعد التربوي والتثقيفي في مبادرات «التنوير الديني». tالخروج بتصور أولي مشترك حول الصيغة االجرائية للتنسيق والتشبيك بين الفاعلين وتحقيق قيمة مضافة في اللقاء والتأكيد على القيم المشتركة التي تجمعهم. tتوافق معظم المشاركين على انشاء «رابطة مهنية» لكي يعززوا بواسطتها برامج التنوير في المنطقة العربية. tقبول المشاركين الراغبين في االستمرار في المبادرة كاعضاء مؤسسين لها. tالتطلع إلى تنظيم حوارات معمقة حول
القضايا االشكالية المحددة لما يمكن تسميته «التنوير الديني» اإلسالمي وعلى رأسها مقاربة الموروث الديني وحرية الراي واالجتهاد. tمنح دور أساسي للشباب في تنظيم اللقاء والمساهمة فيه. tاالحتفاء بالتنوع واالختالف كأحد اهم قيم التنوير المشتركة. وستمثل «الرابطة» المنشودة القيم المشتركة العضائها وستفتح أبوابها النضمام أعضاء جدد وستحتضن أطياف «التنوير الديني» في المنطقة العربية ولن تحصر «الرابطة» نفسها في مدرسة فكرية محددة واحدة ،وسيحافظ اعضاء الرابطة على مساراتهم المستقلة وخصوصية مقارباتهم لمسألة «التنوير الديني في التربية والتثقيف» ضمن الئحة مبادئ عامة وقيم مشتركة. الجدير بالذكر ان المنبر الدولي للحوار اإلسالمي ،منظمة غير ربحية تأسست في لندن عام 1994من قبل نخبة من الفاعلين والمثقفين المسلمين الذين كتبوا عن المأزق الحضاري الذي يمر به المسلمون المعاصرون ،واعتمدوا المنبر فضاء للحوار النقدي الجاد بين المسلمين ،واصدر المنبر نشرة اسالم 21وانتج برامج تربوية متعددة وأدار حوارات معمقة بين المسلمين عن مسائل جوهرية مثل الحداثة واالستبداد 33
االنعكاس الثقافي للتعليم ﻋﺒﺪاﻟﺴﻼم اﻟﺰﻏﻴﺒﻲ تعاود قضايا االصالح والمعرفة والتعليم والتربية ،في خضم الخراب والقتل واألفكار المسمومة التي يعيشها معظم العالم االسالمي اليوم ،ويفرض طرحها في الحاضر الماثل ،كما انطلقت في القرن الثامن عشر وتبلورت فيما ما يسمى بعصر النهضة في القرن التاسع عشر. من نافلة القول انه خالل النصف الثاني من القرن التاسع عشر ،برز خمسة مسلمين اصالحيين على وجه الخصوص، حيث عمدوا إلى صياغة موقف ايجابي لإلسالم من العلم ونشر المعرفة ،معتقدين ان الدنو من الطبيعة ال تقف دونه حواجز ،وهم :سيد احمد خان ،سيد أمير علي في الهند ،جمال
34
الدين االفغاني من ايران ،نامق كمال في تركيا ،والشيخ محمد عبده (تلميذ االفغاني) في مصر .ودفاع الخمسة كان عن العلوم وتدريسها وتطويرها ،كما دافعوا عن عملية اقتباس الذهنية العلمية عند الغرب. محمد عبده على وجه الخصوص كان طرازا ً رفيعا ً من المصلحين ،وقد سبق زمانه ودافع عن حرية االرادة اإلنسانية والمقاربة العلمية ،وحاول اعادة االعتبار للنزعة العقلية على النمط المعتزلي ليدخلها ضمن اطار السلفية اإلسالمية من دون نجاح يذكر ،إذ قام باصالح االدارة وطرح األفكار الجدية والرائدة في المؤسسة وخارجها ،لكنه لم يجر تحديثا ً في
مجال الفلسفة ،ولم يكن رجل تربية بصورتها المعاصرة .فرغم كتابته «رسالة التوحيد» كان في االساس ذا ثقافة تقليدية. ال محمد عبده وال سيد خان وال حتى المحدثين المسلمين االتراك التقليديين امثال جودت باشا ونامق كمال كانوا من مؤيدي فكرة تعليم النساء ،رغم انهم جميعا كانوا يناصرون فكرة تربية تقليدية ومنزلية. تبعهم بعد ذلك الشاعر والفيلسوف محمد اقبال ،في بنجاب الهند (باكستان) الذي اتى بأفكار جديدة وتنويرية ،لكنه لم يقم بصياغة فلسفة تربوية ،كما لم يضع برنامجا ً لتربية المسلمين .وكان شديد االنتقاد وقوي التعبير وحتى نافذ الصبر ازاء اشكال التربية القائمة -السلفي والصوفي والحديث البدايات المتواضعة النطالق األفكار والدعوة للعقل آنذاك لم تتعمق أو تنتشر الحداث ثورة فكرية وعقلية تنعكس ثقافيا ً في قيام نظام تعليمي تربوي حديث .أفكار تناغم الشكل وليس المحتوى ..أفكار خدشت السطح فحسب ،لذا كانت متجانسة مع التراث ،وبالتالي ما يسمى بعصرالنهضة كان بأفضل حال شكالً من اشكال الماضي أو التراث. ولعل االصالح الحقيقي كان بحاجة ماسة إلى تغيير المناهج التعليمية باعتباره الخطوة األولى في مسار التغيير، إضافة إلى نشر المعرفة التنويرية باتجاه تعميمها ،مما يعود بالنفع على مساحة التفكير بغية تفاعلها ،خاصة إثر شيوع ظاهرة العنف والقتل واإلرهاب والتكفير ،إلى مستويات يصعب تصديقها حقاً ،االمر الذي نتج عنه كل هذه الصور المسيئة لالسالم والمسلمين. المشروع الحقيقي الذي تحتاجه المنطقة بأسرها يتمثل باصالح التعليم ،خاصة الديني ،وان يكون ذلك االصالح عميقا ً وجوهريا ً ليصل إلى متن المشكلة ،ليغدو تاليا ً بمثابة انتفاضة تعمل على ارساء قواعد المساواة بين المواطنين واعالء المعرفة الحقة التي بامكانها انتاج اجيال من المتعلمين تجمعهم خيمة المواطنة واالنتماء والهوية الوطنية والشعور بالمسؤولية.. وتضع العقل في اولويات مهامها في بناء اإلنسان * صحافي وكاتب ليبي
فضل الرحمن مالك.. الحداثة جوهر التعليم الديني فضل الرحمن مالك المعروف بفضل الرحمن، ً متميزا في كان عالم ًا مرموق ًا في اإلسالم وباحث ًا التعليم الديني ،فض ًال عن انه كان مسؤو ًال تربوي ًا باكستاني ًا. ولد فضل الرحمن في منطقة الهزارة التي تحولت الحق ًا إلى باكستان .كان والده ،موالنا شهاب الدين باحث ًا ذائع الشهرة آنذاك .درس فضل الرحمن في ديوبند وحقق رتبة العليم ،من خالل دراسته للشريعة اإلسالمية (الفقه ،الحديث ،التفسير القرآني، المنطق ،والفلسفة) .انتقل بعدها إلى جامعة البنجاب لدراسة اللغة العربية ،ثم أكمل تعليمه في جامعة أكسفورد ،حيث نال شهادة الدكتواره عن ابن سينا ،ليمتهن التدريس للمرة األولى في جامعة دورهام البريطانية ،حيث علم فيها الفارسية والفلسفة اإلسالمية ،ثم في جامعة ماكغيل االمريكية ،التي علم فيها الدراسات اإلسالمية حتى عام .1961 عاد إلى باكستان بناء على طلب من الرئيس أيوب خان ليرأس المعهد المركزي للبحوث اإلسالمية في مدينة كراتشي الذي أنشئ من قبل الحكومة الباكستانية من أجل تنفيذ مبادئ اإلسالم في التعامل اليومي لألمة .أعاق الوضع السياسي في باكستان ،فضل الرحمن ،من إحراز أي تقدم في هذا المسعى ،واستقال من منصبه في ايلول (سبتمبر) عام .1968ليعود إلى التدريس في جامعة كاليفورنيا االمريكية كأستاذ زائر لسنة واحدة ،وانتقل بعدها إلى جامعة شيكاغو عام 1969واصبح االستاذ المتميز للفكر اإلسالمي. يعتبر حجر االساس في بناء قسم دراسات الشرق األدنى في جامعة شيكاغو ،الذي ال يزال من بين األفضل في العالم .كما أصبح فضل الرحمن ً مؤيدا إلصالح النظام السياسي اإلسالمي ،وشغل منصب مستشار في وزارة الخارجية االمريكية. تميزت كتاباته باالبداع واألصالة وكتب ان مقاطعة الحداثة من قبل المسلمين دليل على ابتسارهم العقلي ،وان المجتمعات اإلسالمية
قد بدأت باالنحطاط منذ اللحظة التي فقد فيها «العلماء» المسلمون القدرة على رؤية التماسك العقالني ،وشرعوا بمقاربة االيات القرآنية بمعزل عن بعضها البعض ،وعن سياقها التاريخي. كان من اعالم الباحثين في التربية والتعليم الديني االسالمي ،ويوضح كتابه المعنون «في اإلسالم والحداثة» المترجم إلى العربية عام 1982 فقدان النزعة العقلية اإلسالمية التي تمثل جوهر التربية اإلسالمية في تطوير االهداف والمعيارية والمنظومة الفكرية .وتنظر هذه الدراسة للحداثة الكالسيكية والتربية وتشرع في بداية نشوء • • • • • • •
المدارس اإلسالمية تاريخي ًا وكيفية تطورتها ،كما ويبحث بعمق الحداثة المعاصرة وانظمة التعليم الديني في العالم اإلسالمي من العالم العربي إلى باكستان والهند واندونيسيا إلى ايران وتركيا.. ً مرورا من مدارس الدوباندي في الهند إلى االزهر بالحوزات الشيعية .ويقترح في النهاية مقومات نظام تعليم ديني حديث في اإلسالم. ومن دراساته األخرى اإلسالم :الفلسفة والعقيدة ،والنبوة في اإلسالم :الفلسفة والسلفية، ثيمات الكبرى للقرآن الكريم ،المنهج اإلسالمي في التاريخ ،الصحة والطب في التراث اإلسالمي، مفترق طرق حانة المشارك ،الربا والفائدة ،الدراسات اإلسالمية. نالت كتاباته وأفكاره حتى بعد وفاته االهتمام الكبير من قبل علماء وباحثي اإلسالم والشرق األدنى ،واطلقت صحيفة «مسلم نيوز» البريطانية اسمه على احدى جوائزها في «االبداع في الفكر» وال تزال إسهاماته في جامعة شيكاغو واضحة في البرامج المتميزة في دراسات اإلسالم وتخليدا لذاكرته ،تحمل المنطقة المشتركة في مركز دراسات الشرق األوسط في جامعة شيكاغو اسمه. رحل فضل الرحمن في احدى مستشفيات شيكاغو إثر مضاعفات جراحة لتغيير شرايين التاجية ،ودفن في مقبرة أرلينغتون
ولد فضل الرحمن في منطقة الهزارة في مقاطعة الحدود الشمالية الغربية (باكستان حالياً) في 21ايلول (سبتمبر) .1921 درس في بالده ثم أكمل تعليمه في جامعة أكسفورد ،حيث نال شهادة الدكتواره عن ابن سينا. امتهن التدريس في جامعات بريطانيا وامريكا. رأس المعهد المركزي للبحوث اإلسالمية في مدينة كراتشي. شغل منصب مستشار في وزارة الخارجية االمريكية. د ّون العديد من المؤلفات حول دور اإلسالم في الحياة اليومية رحل في شيكاغو في 26تموز (يوليو) ،1988ودفن في مقبرة أرلينغتون االمريكية. 35
ﺧﺸﺒﺔ اﻟﻤﺴﺮح اﻟﻌﺮﺑﻲ ﻣﻴﺪان ﻟﻤﻮاﺟﻬﺔ اﻟﺘﻄﺮف اﻟﺪﻳﻨﻲ
لغة الحوار تقارع لغة التكفير والقتل ﺑﺎﻣﻜﺎن اﻟﻤﺴﺮح ﺗﻌﺮﻳﺔ اﻻرﻫﺎب وﻓﻀﺢ دواﻓﻌﻪ ﺗﻄﻠﻖ اﻟﻤﺴﺮﺣﻴﺔ ﺟﺮس اﻻﻧﺬار ﻟﻤﻮاﺟﻬﺔ ﻇﺎﻫﺮة ﺗﺠﻨﻴﺪ اﻟﺸﺒﺎب
ﻧﺎﺻﺮ اﻟﺮاﻣﻲ دويتشه فيله
36
كيف يمكن إقناع الشباب العربي بعدم االرتماء في أحضان الجماعات المتطرفة؟ سؤال يؤرق فنانين مسرحيين في العالم العربي ،ناصر الرامي التقى في الرباط عددأ منهم وحاورهم حول مدى تقديم المسرح بدائل ثقافية للشباب العربي في مواجهة التطرف. ثوب أبيض ألقي على شيخ كهل ،وفتاة في ريعان شبابها ،وطفل ما زال في عنفوان براءته، كلهم يصارعون بكل ما أوتوا من قوة للخروج من تحت هذا الثوب األبيض الذي هو عبارة عن كفن جماعي ،وبالفعل تنجح الشخصيات في فتق الثوب األبيض ،وكأنها بعثت من جديد بعد أن ً مشهدا من راحت ضحية عمليات إرهابية ،كان هذا مسرحية «إكسيكلوسيف» للمخرج العراقي حيدر منعثر ،الذي شارك أخيرا في مهرجان المسرح العربي في الرباط. تخرج شخصيات المسرحية وهي تتطلع نحو سماء ملبدة ،كما هي سماء العراق وسوريا التي تحتلها أعمدة دخان المعارك ،وأعالم سوداء لتنظيم «داعش» اإلرهابي. المسرحية العراقية التي حبست أنفاس المشاهدين ألنها تقارب موضوعا أصبح يؤثث أيام
المواطن العربي ،الذي يرى كل يوم شرق حضارته وهو يهوي نحو ظالم دامس تغذيه نزعات متطرفة، أصبحت تتالعب بعقول شباب المنطقة ،بل تروضها حتى تحولوا إلى آالت للقتل والتخريب ،وحلم واحد يراودهم هو «إقامة الخالفة». هي إذن لغة اإلبداع في مواجهة لغة القتل ،لغة الحوار تقارع لغة التكفير ،لغة االنفتاح مقابل لغة التعصب ،الحوار بين هذه الثنائيات المتباينة ّ شكل عمود المسرحية العراقية التي تحاكم اإلرهاب فوق خشبة المسرح. التطرف الذي يعيش بيننا ال يكاد يمر يوم إال وتستفيق دولة عربية على خبر هجرة العشرات من شبابها نحو سوريا والعراق للقتال إلى جانب تنظيم «داعش» ،تاركين أسرا ال تهتدي إلى جواب عن سبب هجرة أبنائها نحو جحيم «داعش» ،ولعل مسرحية «إكسيكلوسيف» « ،»Exclusiveتحاول اإلجابة عن هذا السؤال من خالل تشريح نفسية الشباب المتطرف ،وحالة الفصام التي يعيشها بين تسليم عقله لخطاب ديني متطرف ال مكان فيه للمنطق ،وبين قلوبهم التي تهفو إلى
الوصول إلى الخالص ،وهو في حالته الموت التي تعتبر مرحلة لنقله نحو الجنة ،وهو ما يعتبر منطق ًا تبسيطي ًا للدين وألفكاره ،ولمعنى الموت والحياة لهذا نجد المسرحية تقدم هؤالء اإلرهابيين وهم يعيشون داخل األحياء ،وتارة بين أكواخ الفقراء وتارة أخرى في قصور األغنياء ،يقضون يومهم في مدرجات الجامعة أو في المساجد ،وكأن المخرج العراقي يريد أن ينبه إلى أن المتطرف ليس بالضرورة هو صاحب اللحية الكثة والزي األفغاني، بل إن التطرف أصبح يعيش بين ظهرانينا وإن اختلف لبوسه. تقدم المسرحية العديد من المشاهد التي تظهر كيف أن التفكير المتطرف أصبح يقتحم بيوت األسر العربية ،بل يخترق عقول صغارهم قبل كبارهم، ً حاضرا في الحياة اليومية للمواطن العربي وأصبح البسيط ،وهي محاولة من المخرج العراقي لتنبيه المواطن العربي إلى الخطر المحدق به ،ويقدم له وصفة لمواجهة هذا التطرف الذي أصبح يتربص به في كل نواحي حياته. المسرح ضد اإلرهاب الدرس الذي قدمته المسرحية العراقية «إكسيكلوسيف» للمواطن العربي حول ضرورة اليقظة والحذر لمواجهة التطرف المحدق به، أكد عليه المسرحي العربي المقيم في ألمانيا عبدالفتاح الديوري ومدير مسرح البافليون بمدينة
هانوفر األلمانية ،حيث اعتبر أن دوره كمسرحي هو تقديم نموذج حقيقي وإيجابي للحضارة العربية واإلسالمية ،وإقناع المشاهد العربي ،خصوصا الشباب أن دينهم ليس دين إرهاب ،بل هو دين تسامح ،قائ ًال« :اعتقد أن خشبة المسرح هي أفضل مكان للقيام بهذا الدور». ولفت المسرحي األلماني من أصل مغربي ،إلى أن الشباب العربي يشعر بنوع من الغبن ألنه مهمش من الحياة السياسية واالقتصادية واالجتماعية، لذلك يقترح على جميع المسرحيين العرب أن يقدموا لهؤالء الشباب خشبة المسرح للتعبير عن آرائهم ،واكتشاف أنفسهم من جديد« ،وأن يرفعوا صوتهم ويعبروا عن آالمهم وضجرهم من الواقع». يضيف الديوري قبل أن يفصح عن قناعته بأنه إن لم يتم احتواء الشباب ويعيد إدماجه في الشأن
اﻟﻤﺴﺮح ﻫﻮ ﻟﻐﺔ اﻹﺑﺪاع ﻓﻲ ﻣﻮاﺟﻬﺔ اﻟﻘﺘﻞ واﻟﺘﻜﻔﻴﺮ واﻟﺘﻌﺼﺐ
العام لبلده ،وإال سيجد البديل في التطرف« ،لذلك على الدول أن ال تشعر الشاب أنه غريب في بلده وأن تمنحه فضاء للتعبير عن نفسه ،والمسرح أهل للقيام بهذا الدور». قيم المسرح في مواجهة التطرف من جهته يقدم عبداللطيف ندير الناقد المسرحي المغربي معادلة يقابل فيها بين قيم المسرح وقيم التطرف الديني ،فاألول يقوم على الصوت والمختلف ،وحرية الرأي والحوار الجماعي وعلى الجمال ،بينما يعتمد التطرف على الرأي الواحد ويؤمن بالمطلق واليقين ،لذلك يخلص المسرحي المغربي إلى أن المعادلة مختلفة بين المسرح والتطرف سواء من حيث المنهج والبعد القيمي «لهذا على المسرح أن يواجه التطرف». غير أن هذه المواجهة لن تستقيم في المجتمعات العربية التي «ال تحضر فيها ثقافة الحوار والخالف إال من إعادة تأهيل الشباب العربي في المدارس والجامعات» يؤكد ندير ،الذي يرى أن العمل يجب أن ينصب أوال على تكريس مبادئ التربية الفنية في المدارس ،وعدم التركيز على التلقين والشحن عوض تنمية الحس النقدي والجمالي لدى الطفل العربي ،ومن دون االعتماد على هذه المنهجية «فال يمكن للمسرح العربي أن ينجح في مهمته ضد التطرف دون الدخول إلى المدرسة» 37
ثقافة المكان اﻟﻤﻠﻒ ﻣﻦ اﻋﺪاد: ﻧﺠﺎح اﻟﺮاﺿﻲ
اتسع الكالم في العقود الثالثة الماضية عن تريف المدن في المنطقة العربية وتفسخ ثقافة المدينة وسيادة قيم البداوة والقبلية ،وييشير البعض الى عالقة هذه الظاهرة باالرهاب والتطرف وارتفاع منسوب العنف في العقدين الماضين خصوصا في المدن المحاذية الطراف الصحراء. نظرة سريعة اليوم الى السياسة واالجتماع والثقافة ،إلى جانب النشاطات االخرى عند العرب نالحظ تراجع مفهوم الدولة وتفكك النسيج المجتمعي لصالح صيغ قبلية وثقافة بدوية تغلبية واالكثر بطريركية ،والتي تعززت بسب تأكل المدن .بالمقابل يطغى جوهر العشائرية والطائفة والقرابة في تركيبات االحزاب السياسية وفي مؤسسات الدولة ..تراجع االنتاج الثقافي على كل الصعد: الموسيقى ،التشكيل ،السينما ،المسرح ،الشعر ،الرواية ،بعدما خطت خطوات متميزة في مسار متصاعد في مصر ،تونس ،سوريا، والعراق في منتصف القرن الماضي .في العراق ،على سبيل المثال، اصبحت موسيقى الجوبي البدوية األصل ،سائدة في تفاصيل الفن العراقي بعد ان كانت بعيدة عن المراكز الحضرية ،مقتصرة في القرى القصية قبل ثالثة عقود .وكذا هو الحال مع اللباس والقيم والسلوك والعالقة مع االخر. ويروي السابقون عن تجوال قبائل البدو العربية في الصحراء الشاسعة التي تتم اليوم من الريف صوب مراكز المدن ،مجسدة التاريخ وفاقدة للجغرافية ،بل غياب الوعي لجوهرالمكان واالنتماء إليه ،إضافة إلى تغلغل البداوة وصو ًال إلى عمق عقلنا الباطن. ثقافة المكان هــــي الــشــخــصــيــة الــــــمــــــجــــــســــــدة لـــخـــصـــوصـــيـــات الــــمــــوضــــع الــتــي تشكل الهوية واحداً 38
من مكوناته ،لكن اذا كانت حركة اإلنسان في حدود الفراغ وانعدام وجود مرساة لجذوره ،فكيف سيصنع المكان شخصية ساكنيه ،وهذا ما يجعل ضبابية الرؤى في توثيق ثقافة الشعب او في رسم لوحات الفن والمعمار والزخرفة والنحت المعبرة عن مشاعرهم واحاسيسهم وانفعاالتهم وخواطرهم. االستقرار في االمكنة متجسد اليوم ،شك ًال وليس مضموناً، حالة ذهن غير قادرة على ترجمة الثقافة واقع ًا أو توثيق عقالنية تاريخ هذه الشعوب أو تحفيز البداعاتهم وخالقيتهم وغير ذلك. تاريخي ًا المكان أقدم من اإلنسان ،واإلنسان بوجوده وكينونته في المكان يعيد تشكيله وفق ًا لثقافته .المكان ثابت الحتوائه لألشياء الحسية المستقرة ،ويعتبر صورة أولية ترجع إلى قوة الحساسية الظاهرة التي تشمل حواسنا ،على عكس الزمان الذي يدركه اإلنسان إدراك ًا غير مباشر من خالل فعله فيه. وجود اإلنسان في المكان أدى إلى تعضيد العالقة بينهما، ً واحدا من القضايا التي التي أخذت في التنامي حتى أصبح المكان يخترقها اإلنسان بالبحث بغية التعمق في هذا المحسوس وتمام إدراكه .مما ترتب عليه وجود دراسات كثيرة عنيت بالمكان في مختلف المجاالت. البد من القول في بداية هذا الملف ان المكان لم يكن ملموس ًا في االبــداع العربي قبل ثالثة عقود تــحــديـ ً ـدا .ويــرجــع الفضل فــي احتفاء الــثــقــافــة الـعــربــيــة بــالــمــكــان إلــى الكاتب غالب هلسا ،الذي تـــرجـــم كـــتـــاب غــاســتــون بـــاشـــالر «جــمــالــيــات المكان» الصادر في بــغــداد .إذ لم يكن الـــمـــكـــان شــاغــ ًال فكري ًا أو فلسفي ًا أو نـــقـــديـــ ًا لــدى الكثير من الكتّاب والشعراء
اإلنسان ومتغيرات المكان
القراءة الثقافية تعتمد عادة وفي المقام األول على تراكم الماضي من العمل ،وتتكون من العديد من الطبقات الثقافية التي لكل منها سياقها وظروفها الخاصة ،مع مالحظة أن هذه السياقات يمكن ان تكون جمالية في بعض األحيان ،أو نفسية ،أو اجتماعية احيانا أخرى ،وايديولوجيا بعض األحيان ،لغوية في جميع الحاالت.
وارتبط هذا التراكم مع تحوالت التسلسل المتكرر من سياقات الطبقة الثقافية في الجزيرة العربية التي أصبحت في نهاية المطاف نمط ًا متسلط ًا .هذه الحالة الثقافية توغلت في االعماق لماضي العرب في التراث ،وهو سياق الوقوف أمام أنقاض الماضي (االطالل ـ نحيب عن ذكرى حبيب ومنزل )...المتجسد في بداية
حياتهم األولية ،في المقام األول ،المعجون بالبدواة والمصبوب بقوالب الصحراء التي هي في حاجة للغور في اسبارها لفهمها ثم استيعابها .التراكم المذكورأعاله متألف من تحويل سياق الحياة إلى السياق االجتماعي بسب الطبيعة القاحلة للبيئة الصحراوية وتدافع القبائل من مكان إلى آخر بحث ًا عن الماء والغذاء .المغادرة إلى أماكن جديدة وتحول السياق االجتماعي إلى السياق النفسي، كما تعبر عن ذاتها في الحنين الشديد لالماكن السابقة .وهذا يمكن رؤيته بوضوح ،كما قيل ،على نمط األدب ،الذي أوصل الشعر الجاهلي ،الى مرتبة التقديس من قبل الشعراء العرب المعاصرين حتى وقت قريب .تكرار الحنين إلى االماكن السابقة في تجوال البدو تركت بصمانها في جعلها سلطة ثقافية تقود نفسي ًا قبل ان تكون عقالني ًا. التوق إلى أنقاض القديم ليست مكان ًا في القول، بل زمن ًا ماضي ًا في القول. المكان ليس له قيمة عند البدو بسبب تغيره وال ُيبنى على أساس الجغرافية الحسية ،على سبيل المثال ،كما في الصين أو أوروبا ،فالبدو ال يحبذون الجغرافية وتعاملهم مع التاريخ تعامل ارتجالي ـ مقتصر على الجانب الماضي ..فالمكان ً متغيرا كما ليس ثابت ًا ،بالمقابل االنسان ليس ينبغي
اﻟﻤﻜﺎن ﻓﻲ ﻣﻠﺤﻤﺔ ﻛﻠﻜﺎﻣﺶ جاء في اللغة ان الملحمة هي الواقعة العظيمة ،وهي قصيدة قصصية وهي طويلة تختلط فيها الحقائق واالساطير وتتغلغل العقائد الدينية والروحية في ثناياها. وملحمة كلكامش واحدة من عيون االدب السومري العراقي القديم وابدع نتاج ادبي عرفته المالحم البدائية بمادتها األسطورية والدينية واالجتماعية، كما تعد اقدم نتاج ادبي عثر عليه بعد الطوفان ،فهي تعود في زمن الى االلف الثالث قبل الميالد. ويتعدد المكان في الملحمة من غابة األرز ،جيل ماتشو ،حديقة االلهة، بحر الموت ،مصب األنهار والوعد بالخلود. ولعل األماكن األسطورية كانت عقبة في طريق كلكامش في رحلته في البحث عن الخلود .رغم ان األماكن المعنية ال وجود لها في الواقع من قبل البشر. هذه األماكن وصفت بالضخامة والسعة بما يفوق الصور .واإلشارة الى ان هذه األماكن لم يطأها احد قبل كلكامش. في جوانب كثيرة من الملحمة نستخلص جوانب إنسانية مميزة جرت في
تلك األماكن فيها نكبات الدهر وذكر الموت وحياة االنسان بكل أشكالها.
39
في سماء كل مدينة ثمة نجمة تدلني على دروبها ﺟﻤﺎل ﺣﻴﺪر «إنّما هذه األسفار ك ّلها قناطر وجسور نعبر عليها إلى ذواتنا وأنفسنا»
ﻣﺤﻲ اﻟﺪﻳﻦ ﺑﻦ ﻋﺮﺑﻲ
أفترش المدن التي أزورها ،أتسكع في دوربها وحاراتها ،تدفعني رغبة محمومة بولوج أبوابها ً سائرا صوب األواصر المغلقة ،والبوح بأسرارها.. التي توشج شكلها المرئي وجوهرها المخفي. ً صورا جاهزة ت لها كثيرة هي المدن التي رسم ُ قبل لقائها ،غير أن الغوص في معالمها يشتت أبعاد تلك الصورة ويمنحها ألوان ًا أخرى ،إذ ثمة مسافة تفصل بين المعرفة القصية وتلك المرئية عن كثب. ُمدني حقيقية أبحث فيها عما ال يراه سواي، وسرعان ما تغزل األيام حكاياتنا المشتركة على منوال األلفة .لمدني عبق خاص يدلني عليها ،عبق يمكث في المخيلة ،إنه عبق الناس المنتشر عبر األزمنة ..عبق يتسرب في مشاهد وروائح وأصوات وذاكرة. كثيرة هي المدن التي زرتها والتي غدت صنواً للتكوين الوجداني الذي مدّ ني بعاطفة من العسير ان تنضب ،حاضنة رؤى ومواقف حميمة وذكريات ثرية تزداد نضارة مع تقادم األعوام. المدينة التي نحب هي التي نستطيع فيها تحقيق ذواتنا ،لذا أحاول فك طالسم كل مدينة، أعانقها وأحتويها ثم أنحتها في ذاكرتي .ولكن أين يكمن سر ارتباطنا بالمكان ،هل يكمن في الذكريات أم في األحداث ..أم باالثنين مع ًا؟ غالب ًا ما أتساءل في سري :لماذا أحب هذه المدينة وأنفر من غيرها؟ بين المدن والناس عالقة مؤثرة .فهي ال تستمد هويتها من شكلها الظاهري فحسب ،وإنما من ناسها .فالمدينة تكتسب جماليتها من ثقافة ساكنيها قبل أن تكتسبها من أشكالها المرئية. إنها مستودع ذكريات الناس التي مرت على عجل ..وتلك التي تعاود المجيء. المدن بمعالمها وناسها وجغرافيتها وتاريخها 40
ً جزءا أثرت قطع ًا في تكويني وتركت كل مدينة ً يسيرا ،في ذاتي ،كما أنها من روحها ،مهما كان بلورت وعيي وزادته خبرة ورسخت معرفته ،لهذا سرعان ما تنعقد عالقة حميمة بيننا .كثيرة هي ت علن ًا عشقي لها وارتباطي بها.. المدن التي أعلن ُ أنا المنفي عن مكانه األول ،والبعيد عن مدينته حتى قبل ان تتشكل المالمح األولى لوعيه الفكري والثقافي .لذا كنت أبحث عن ظالل مدينتي بين المدن التي زرتها. للمدن مفردات معنية بها ،مفردات تحمل ً رموزا وإشارات تشي بقيمتها اإلنسانية والتاريخية وتقاطعها مع الحاضر .وما من مدينة دون دالالت تحمل ذاتها وتعكس نسقها .والمدن من دون
اﻟﻤﺘﺴﻠﻞ ﺧﻠﺴﺔ ﻻ ﻳﻮدع ﻋﺎدة اﻷﺷﻴﺎء اﻟﺠﻤﻴﻠﺔ اﻟﻘﺮﻳﺒﺔ ﻣﻦ روﺣﻪ
إشارات هي عمياء ،ال ترى ما يجري في جوفها. ورغم أن المدن بعثرتني في كل الجهات ،غير أن لي في كل سماء مدينة نجمة تدلني على دروبها، باعتبارها البوصلة التي تشير صوب جهة العشق.. عشق المدن. ً أقطن مدنا وأهجر أخرى ،إال أن اللهفة هي ذاتها حين ألتقيها ثانية ،سر خفي يشدني إليها، سر مختزن بين طيات الذاكرة ،يتأجج مع كل لقاء. أينما سافرت أقارن معالم المدن بمدينتي، ألتبسها بالمدن الجديدة ،إنه وهم المخيلة ،أو وهم الذاكرة ،أو كأنه اعتذار من مكان غادرته على عجل ،وضعت أشيائي في حقيبتي ،لكن مالعب طفولتي وذكريات صباي ووجوه أهلي وأصدقائي ما زالت هناك .فالمتسلل خلسة ال يودع عادة األشياء ً مقيدا فيها حتى الجميلة القريبة من روحه ،بل يظل مماته. المكان األول ال يزال هو األجمل ،رغم أني غادرته منذ زمن بعيد .طفولتي لم تخرج منه بعد، فحين عدت إليه بعد مساحة زمنية طويلة ..طويلة، كأني عدت إلى أعوام طفولتي التي يشدني الحنين إليها .في حين يمثل المكان الثاني مساحة الوعي التي تمتد بين طيات العمر المتبقي ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ * من مقدمة كتاب «حكايات مدن ..بين الهامش والمتن» الصادر عن دبي الثقافية،دار الصدى2013 ،
الماضي البدوي وحواضر اإلسالم البدو ال يعيرون أهمية لعامل الوقت في الحاضر أو المستقبل ً نظرا إلى األفق الالنهائي لوسع وتمدد الصحراء ،وكذلك لحنينهم الشديد إلى الماضي .ما هو أمامهم محجوب وغير معروف ،لذا هم غير قادرين على قراءة أو توقع المستقبل ،وبالتالي ال شيء سوى الدوران في الماضي والتماهي معه ،كصفة أساسية من حياة البدو الرحل .الطابع التكويني هذا يتجلى في بداوة السلوك والقيم والحياة والنظرة للعالم .ولذا فالجوهر النفسي لمصطلح «السلفية» المشتقة من الكلمة العربية ،السلف ،ويعني األول أو السابق، حيث يتم استخدامها لإلشارة من قبل المسلمين الذين يرحلون إلى الوراء في التاريخ اإلسالمي المبكر في بحثهم عن الرموز ،معتبرين تلك الحقبة على شكل سلسلة ثابتة من األطر التي تصور المجتمع المثالي الذي يتوجب نسخ ظروفه االجتماعية والسياسية بكل تفاصيله الدقيقة. وبعبارة أخرى ،فإن السلفيين ـ الوهابيين الذين يعيشون في حقبة زمنية قائمة على المثل المتخيلة كالخالفة ،وتعليمات ابن تيمية ومحمد عبدالوهاب، والعديد من الرموز األخرى .وعلى حد تعبير المفكر اإلسالمي المعاصر ،ضياء الدين سردار« :عقلية المتطرفين هي غير تاريخية .تمقت التاريخ وتستنزفه من كل إنسانيته وأي محتوى إنساني» .وقد انعكس هذا على الموجة األولى من االستبداد الثقافي للخوارج عند الدعوة للقراءة الحرفية وتجريد النص
من أي معنى أو سياق .عاشوا خالل السنوات األولى لإلسالم وقتلوا ،كما هو موثق ،الخليفتين الثالث والرابع من الخالفة الراشدة .وكان تصميمهم على قتل أي شخص ال يتفق معهم. أعتقد الخوارج ان التاريخ قد توقف بعد وفاة النبي محمد (ص) وماتبعه بعد ذلك ،قولهم المشهور «الحكم لله وحده» وهم وحدهم لهم الحق في ترجمة الحكم .ولتحقيق هذه الغاية ،عاثوا فسادا باستهدافهم األبرياء ،بمن فيهم النساء واألطفال. والسؤال الذي ينبري جلي ًا بين طيات الحدث هو: لماذا األولين أفضل من االخرين ..اال يتناقض هكذا منطق مع العدالة االلهية والسنن الحياتية والتاريخية ،ثم أليس الحديث الموثق للرسول (ص) «طوبى للغرباء »..ويعني مسلمي المستقبل ويصفهم باالخوان مقارنة بمرادف الصحابة لوصف معاصري الرسول من المسلمين؟ النظرة المقدسة للسابق تبعها منطق افضلية علوم األولين التي اصبحت ثقافة وانعكاسات كل ذلك على الثقافة والحياة واألدب وبالتالي المكان .وال نقصد الرسول والقرآن يقول «ولكم في رسول الله اسوة حسنة» أو الخلفاء الراشدين ،وإنما ذهنية االمتثال ً حاضرا أو مستقب ًال .وقد في القدوة ماضي ًا وليس يسأل القارئ ما عالقة هذا الموضوع بثقافة المكان، ً كثيرا من الممارسات والتفاسير اليوم والجواب ان وفي بقاع شتى من العالم االسالمي الشاسعة متأثرة
اﻟﻌﺼﺎ اﻟﺴﺤﺮﻳﺔ خارج سوق الحوت في بنغازي كانت ثمة عجوز سمراء ،تفترش األرض وتبيع الفول الساخن في قراطيس للمارة ،إلى جانب «الكاكاوية» التي كانت تمنحني بعض حبيباتها من حين آلخر .كفان سمراوان وعروق بارزة تنبأ عن ماضي سحيق وحياة لم تكن يسيرة ،يمتد الكف بمحبة لتمنح الطفل الذي كنته ،حبوب الكاكاوية ،إنه المذاق الراسخ في مخيلتي .تتسع األعوام ..تجري الهثة ،لكن المذاق يرقد عميق ًا بين تجاويف ذاكرة الطفل. عابرون ،عاطلون ،موظفون ،طلبة ..يشكلون معا نبض المكان ،غير ان العجوز كانت محوره المخفي .تحرك المكان بعصا سحرية ،عصا ال أحد يراها سوى الطفل الذي يشد قبضته على حبوب الكاكاوية خشية من ان تنسل ،بعدما انسلت االزمنة بين يديه في مفارق الغربة.
ﻋﺒﺪاﻟﺴﻼم اﻟﺰﻏﻴﺒﻲ
شك ًال ومحتوى بثقافة المسلمين العرب وقبائلهم في الجزيرة في فترة األجيال الثالثة األولى على اساس انها اإلسالم الكامل والمتكامل والخاتم لكل الحقائق ..أي إسالم الجزيرة العربية ولفترة معينة من الزمن ،مع اهمال تام لفهم مكانهم وبالتالي ابتكار ثقافتهم ..أي تغليب ماض معين من الجزيرة العربية على كافة حاضراألماكن المختلفة في العالم اإلسالمي .وما نراه اليوم امتثال كامل لكافة فصائل العنف المسلحة في طول العالم األسالمي وعرضه، المطبق لحذافير البداوة الوهابية ،على أساس انها اإلسالم الكامل ،بينما واقع الحال هي تطبيق ألعراف وعادات قبائل شبه الجزيرة العربية ،كقول الرسول «اتركوها ،أي القبلية ،فانها نتنة» في مطلع اإلسالم مطعمة بشي من التيمية والوهابية فيما بعد! لم يتمكن اإلسالم ان يصبح حضارة كبيرة اال عند خروجه من شبه الجزيرة العربية ووصوله الى بالد الشام وتبلوره كحضارة عالمية في العراق.. ومثلت المنطقتان االخيرتان مراكز الحضارات السابقة وجسدت النشاط الحضري .دمشق كأقدم مدينة في العالم أو دور أكد وسومر وبابل في تمهيد القيم المدنية الول مرة في تاريخ القاموس البشري أو حضارة بغداد فيما بعد .وما مجاميع العنف اليوم ذات المرجعية الوهابية السعودية في المعتقد والتفكير والقيم وما شابه اال محاولة الرجاع المسلمين إلى الفترة البدوية االولى لمهد اإلسالم. فالعالقة كما يبدو وثيقة بين تآكل المدن وارتفاع نسبة اإلرهاب والتطرف ..بادية الصحراء مرتع خصب لداعش وأمثالها ،هل هي مجرد الصدفة وجود القاعدة في صحراء الجزائر ومالي (المدنية المتآكلة) أو حركة بوكو حرام في براري نيجيريا أو الشباب المسلم في صحارى الصومال أو وجود داعش في الرمادي والموصل (على اطراف الصحراء) أو في المنطقة الشرقية من سوريا أو مدينة الزرقاء الصحراوية في االردن ودورها في مركزية منظري ونشطاء القاعدة وداعش ..فالخطر بهذه المجاميع الجهادية ليس بنيتها التنظيمية ،ولكن حالة الوعي التي تمثلها مكون ًا وباء سياسي ًا ينهش المنطقة غير مكترث بجغرافيتها طالما يحقق فترة تاريخية معينة يسود فيها اإلسالم البدوي 41
المدن الحضارية الزاهية باآلخر ً وأبدا تزهو بالغريب المدن الحضارية دائم ًا (أو اآلخر) وتتوهج بالثقافات المختلفة وابداعات اإلنسان المتنوعة ،لندن وباريس ونيويورك وغيرها اصبحت الكوزموبولتية جزءا من نسيجها ،والتعددية قسم ًا من تكوينها ،والجمعية (نسبة إلى الجمع) من حصة تراثها .تلحظ في ذات المكان ،وفي آن واحد ،كثافة ابداعية تعكس كرنفال رواد المكان اآلتي من خلفيات ثقافية وأفكارهم وهمومهم لتصيغ ً بعيدا عن صورة بانورامية ثقافية متعددة األلوان، عقلية التآمر أو الشعور بالنقص أو الغزو لتشبك نسيج الحياة وتعيش أسئلة الواقع وتحدياته.. وطالما استوقفني مرادف الغزو ..كالغزو الفكري أو الغزو الحضاري وغيرها في ثقافتنا ،أليس معنى الكلمة هو امتطاء الخيول السارعة ،المشتق من ثقافة البدو عند هجوم القبائل لبعضها البعض، ليصبح فيما بعد جزءا من ذهنيتنا ونمط تفكيرنا. والمكان كما قيل دالة حركية ثقافية ذات قوانين معرفية تفصح عن فعلها عبر الحوار وأشكاله ،وتشارك في تكوينها ثقافات المكان. فالغريب يستطيع التعبير عن إنسانيته وترابطه 42
مع اآلخر ،وان رفض من قبل االخير لعنصريته أو الالمباالة وما شابه ،ولكن لتواجده في ذات مكان اآلخر. العالقة الواضحة بين مالمح الشخصية أو بعضها ،والمكان الذي يقطنه وثقافته اليومية في االمتزاج في الشخصية وكل افرازاتها على الحياة. ثقافة وحياة المكان لها نكهتها ،سلب ًا أو ايجاب ًا ،في مزاج االنسان أو «نشوة االختالط المصطنع» كما صاغها الفيلسوف الفرنسي جان بودريار أو «سفينة نوح المتناقضة» في وصفه لمدنية نيويورك ،لكن تبقى القدرة على فن التفكير في األشياء وتحليلها وتأملها واالبداع والخالقية للغريب وابن المكان، ربما في اوروبا أكثر من امريكا ،عن تلك في المدن المترحلة ،لعالمنا الذي يعيش الخراب وصناعة الموت وعدم المقدرة لمجرد العيش باكله ونومه فقط ..سبات حياتي ان صح التعبير. ً شعورا عن تاريخ المباني ومعماريتها تعطي وثقافة المكان ،اما الشوارع والطرقات في المدن الحديثة تحولت إلى مسارات لمستقبل اإلنسان واصبحت قنوات التواصل بين االماكن عبر الزمن.
وسائط النقل من السيارة ،إلى القطار والطائرة تربط اإلنسان باآلخر ،اقتصادي ًا واجتماعي ًا وثقافي ًا، واضعة مسارات االنسنة المشتركة مادي ًا ،بدني ًا وفيزيائي ًا ،فض ًال عن االنترنت والبريد االلكتروني وغيرها في ترابط المسار اإلنساني افتراضي ًا. نحن ازاء ثقافة متجددة برموزها ووسائلها تسرع كلها نحو المستقبل في اماكن العالم الحية ..لو تفحصنا تاريخ مدننا المشعة كبغداد قبل خراب المغول 1258أو االندلس لرأيت بوتقتها في تعدد االجناس والثقافات في اقامة الحضارات الكبرى، وكذا كان الحال مع دمشق وبيروت والقاهرة والعديد من مدن شمال افريقيا ،وصو ًال إلى االمبراطورية ً حاضرا الرومانية وغيرها .وعكسها في اماكننا التي تمحي االثار الماضية بذريعة الشرع ،وتدمر المباني والمعمار بحجة الدين ،وتمنع المسارات الزمنية والمكانية بتهم اإليمان .إذن كيف يمكننا اقامة ثقافة المكان مع ثقافة الغائية كهذه ،ثقافة خاصة بذوات مكبلة في تاريخ معين ،وعقول تشيح ً بعيدا عن معنى الحياة وحركتها الطبيعية التي يلعب اإلنسان فيها الدور االساس؟
إﺻﺪارات االسالم والعلمانية
في كتابه «االسالم والعلمانية» الصادر حديث ًا عن دار الساقي ،يؤكد اوليفييه روا (ترجمة صالح االشمر) انه ال يوجد دين علماني بين االديان التوحيدية المنزلة ،فكل دين توحيدي يدعي انه ينطق بالحقيقة ،وان لديه ما يقوله في مجمل افعال اإلنسان وتصرفاته. ويشير الكاتب إلى ان المجتمعات المسلمة صنعت اشكا ًال من الدنيوية خاصة بها ،إذ ال شيء في آلية العمل السياسي إسالمي في ذاته ،غير ان ً مؤكدا ان اإلسالم عرف القانون واالعراف مطبوعة في الصميم بطابع اإلسالم، الدنيوية بالفعل سواء من وجهة نظر سياسية أو اجتماعية ،إذ ان العقيدة اإلسالمية غنية ومعقدة بما فيه الكفاية للسير في اتجاهات مختلفة ،حيث يجد المسلمون أنفسهم اليوم في وضع مماثل لوضع الكاثوليك في القرن التاسع عشر :يندمجون في العلمانية وفق سيرورة سياسية ،اذ ان السياسي هو الذي يحدد مكان كل من الديني والسياسي ،وليس العكس. ً استنادا الى هذه الحقائق يخلص المؤلف الى ان المعركة الراهنة ضد ً كثيرا من اشكال ما يعرف االسالم تسهم في انغالقه على نفسه ،في حين ان
بأنه عودة الديني هو على وجه الدقة محاوالت للخروج من تلك الهوية المجوهرة التي تريد ان يكون اإلسالم ثقافة ودين ًا وطائفة في الوقت نفسه .وما أصولية هذه االيام ،بكل اشكالها ،إال محاولة للرد على الدنيوية والعلمانية بوضع الهوية الدينية في الصدارة.
الصراع واالعتراف
يناقش أكسل هونيث في كتابه «الصراع من أجل االعتراف -القواعد األخالقية للمآزم االجتماعية» الصادر عن المكتبة الشرقية في بيروت ،ترجمة جورج كتورة ،األسس والمنظورات الفلسفية لالعتراف ً بدءا من هيغل وصو ًال إلى الثالثي كارل ماركس وجورج سوريل وجان بول سارتر ،محل ًال البنى
السياسية واألخالقية والذاتية للصراع من أجل االعتراف وأشكال االنكسارات ومدى انعكاسها على الهوية الفردية والجمعية. يتميز الكتاب بقدرته على استنهاض األفكار وتوليدها ،ووصل أحياناً إلى درجات عالية من الصعوبة بالنسبة لغير المتخصصين في هذا الحقل المعرفي الواسع والمعقد. يجادل هونيث المقاربات النظرية لـ «مفهوم االعتراف التذاوتي» كما صاغها ماركس (صراع الطبقات ،تحقيق الذات عبر العمل) وسوريل (المكافحة ضد النزعات النفعية ،العمل االجتماعي) وسارتر (المسألة اليهودية ،والحركة االستعمارية) في أعمالهم الفلسفية .ويسجل على الفالسفة الثالثة أن خالصاتهم حول االعتراف ظلت غامضة ولم يستطيعوا االرتقاء بها إلى مستوى تفسير أعلى. يذكر ان هونيث ينتمي إلى الجيل الثالث من «مدرسة فرانكفورت» النقدية ،وترتكز اغلب أعماله إلى الفلسفة السياسية واألخالقية الهادفة إلى تكريس االعتراف المتبادل بأشكال الحياة اإلنسانية.
النفط ..ناقوس الخطر
في كتابه المعنون« :ناقوس النفط وخطر النضوب» الصادر عن دار الفرات في بيروت ،يسلط الباحث عاصم المصري الضوء على الطاقة (نفط وغاز) كونها مملوكة لبضع شركات متعددة الجنسيةً ، بدءا من المسح إلى اإلنتاج والتسويق وما يتبعها من صناعات ،وأن ريعها يصب ويتجه إلدامة الهيمنة وإحكام القبضة على الحكام والحقول والممرات ،وهو ما يعكس تفاقم الفساد والدمار. ً ً ويؤكد الكاتب ان النفط اوجد اقتصادا ريعيا أسهم في وباء التضخم ،ومنح القوى العالمية الكبرى قدرة التحكم بصمامات الطاقة ومسار أنابيبهاوطرق نقلها. ولفت المصري النظر في تحليله لمدخالت ومكونات سعر بيع النفط العربي ،إلى حقيقة ما تقوله األرقام والوقائع والعقود ،بأن الشركات النفطية هي المنتج والمشتري ،ومن يملك المعلومات ووسائل الخدمة واالستخراج والنقل والمصافي ومحطات الوقود والمصانع البتروكيماوية، وأن عائد البلد المنتج لم يتجاوز إبان أزمة النفط أكثر من 15%من سعر بيع البرميل ،وأن هذا الدخل تسرب ً فورا إلى خزائن البنوك العالمية عبر التبذير االستهالكي ونفقات التسليح والحماية ،وانخفاض سعر العملة. ونبه المؤلف إلى أهمية امتالك الشعوب لمواردها ،وجعل الطاقة أداة بناء ال وسيلة دمار. 43
الحداثة والقرآن
ً اعتمادا على الكاتبين اإليرانيين عبدالكريم سروش ومحمد مجتهد شبستري ،عالوة على محاضرات ألحمد القبانجي ،ينطلق كتاب سعيد ناشيد «الحداثة والقرآن» الصادر عن دار التنوير ،ليؤكد أن مسألة اختالف التأويالت ال معنى لها إذا لم نقم بتحييد القرآن داخل البوتقة اإليمانية –اإلسالمية. ويؤكد ناشيد أن هذه المقاربة للقرآن ال تعني بأي حال من األحوال االنتقاص من الذات اإللهية ،فالقرآن «خطاب نسبي أمام إطالقية الذات اإللهية ،ومحدود أمام المحدودية العوالم الممكنة» .بل إن االنتقاص يكون فعلي ًا عند «تقديس النص» بدل «تقديس الله» بحيث يصل إلى درجة «عبادة النص» كما يفعل السلفيون والمتطرفون ،بل وحتى المعتدلون بهذه الدرجة أو تلك. يدعو الكاتب إلى تكريس االعتدال باعتبار أن المسلم العادي ال يميل إلى خطاب التشدد .وفي المقابل ينتظر الناس سماع خطاب معتدل وواضح أيض ًا .وهذا غير متوافر في الواقع أو ليس بعد .وتقوم دعوة ناشيد على أن اإلسالم يمتد على طول األديان التوحيدية ابتداء من إبراهيم واختتام ًا بمحمد (ص) ناسف ًا في الوقت ذاته مفهوم التأويل اللغوي ،ليكرس بد ًال منه صيغة شبه -صوفية للدين تكون فيها األولوية للروح الشعرية التي أقصاها اإلسالميون من الحقلين الديني والالهوتي فاتحين الباب على مصراعيه أمام الكهنة وتجار األوهام.
الموت األسود
يعد تهجير اإليزيديين من قراهم وبلداتهم إثر سيطرة تنظيم داعش اإلرهابي على الموصل ،الكارثة اإلنسانية األهم التي شهدها هذا القرن .ورغم استعادة مناطق واسعة من محيط جبل سنجار ،ما زال مركز قضاء جبل سنجار خاضع ًا لسيطرة التنظيم االرهابي .وتشير اإلحصاءات غير الرسمية إلى أن عدد النازحين اإليزيديين يبلغ 75بالمئة من مجموع الطائفة وتعيش النسبة الباقية تحت قبضة «داعش» أو في مناطق خارج العراق. في كتابه المعنون« :الموت األسود :مآسي نساء اإليزيدية في قبضة داعش» الصادر عن مطبعة خاني في دهوك ،العراق ،يوثق اإلعالمي العراقي خضر دوملي شهادات اإليزيديات اللواتي تمكن من الهروب من داعش .وقد أجريت المقابالت مع 44
الناجيات الهاربات من تلعفر أو الموصل أو مدينة الرقة السورية. جاء خطف اإليزيديات من سنجار ضمن خطة ممهنجة ،تضمنت مراحل عدة، كما يؤكد دوملي ،حيث أشارت التقديرات األولية إلى ان أكثر من 5االف امرأة وطفل إيزيدي اختطفهم «داعش» وفق ًا لمعلومات وشهادات جمعها نشطاء وناشطات من المخيمات وأماكن وجود النازحين ،وعدد آخر من الجهات والمراكز والمؤسسات والشخصيات .نفذ حكم اإلعدام في أكثر من 400 رجل بحسب شهود عيان نجوا من مجزرة قرية كوجو جنوب مدينة سنجار، و ُنقلت النساء واألطفال الى مواقع مختلفة بغية تشتيتهم وتفتيت العوائل. تبرز الشهادات التي أدلت بها الفتيات الناجيات حجم المآسي التي تعرضن لها. وتحت عنوان «عودة زمن العبيد» ،يلفت الكاتب إلى تحويل عوائل ً عبيدا في مزارع ومعامل تابعة لقيادات «داعش» ضمن المناطق بكاملها التي سيطروا عليها .سعى التنظيم اإلرهابي من خالل سبي النساء وخطف األطفال إلى تحقيق أمرين :توزيع المختطفات على أمرائه وتجنيد األطفال األيزيديين ليصبحوا مقاتلين ،حيث تبرز شهادات األطفال تلقيهم تدريبات على السالح في مراكز ومدارس خاصة بالتنظيم اإلرهابي. تأتي أهمية الكتاب من أنه يوثق ألبشع الجرائم المرتكبة بحق اإليزيديات، ويعتبر خطوة متواضعة تحتاج الستكمال عبر تأسيس أرشيف رسمي يؤرخ لمأساة اإليزيدية أحدى أقدم الديانات في العالم.
صناعة اإلرهاب
وصناعه ـ المرشد /الطاغية/ يعلن علي حرب في كتابه «اإلرهاب ُ المثقف» الصادر عن الدار العربية للعلوم ـ ناشرون ،انتماءه إلى فلسفة االختالف التفاضلي ،التي تميز بين العبارة والداللة ،الكلمة واالشارة ،في المنحى السيميولوجي النتاج المعنى النقدي. يربط حرب في مقدمة كتابه األصولية بالعنف .وفي تساؤله عن عالقة االسالم واالرهاب ،يقدم الكاتب مطالعة نقدية للحركات والمنظمات االسالمية ،كذلك للمفردات المعتادة في التراث االسالمي ،فض ًال عما جرى تعريبه أو تركيبه من جانب الغربيين من مصطلحات. ويرى حرب بأن العرب ،ال سيما المثقف العربي قد تعاطوا مع األزمة بالمقلوب ،إذ حسبوا المشكلة ح ًال في عالم آخذ في التشكل من جديد، بصورة تنفتح معها اآلفاق لوالدة انماط واشكال وأساليب مختلفة من التخيل والتفكير أو التأليف والتركيب أو التقدير والتدبير .والرهان برأيه هو االنخراط في المناقشات العالمية الدائرة ،على وقع التحديات الجسيمة والتحوالت الهائلة ،من أجل صوغ ما تحتاج إليه إدارة الشأن العالمي. ولكن ماذا عن التأثير الخارجي؟ يعترف حرب في نهاية كتابه حين يتساءل: هل من صنع اإلرهاب ورعاه ودعمه واستثمره هو الذي سيقوم بمحاربته. مع ذلك ،تظل صناعة اإلرهاب ،بالنسبة إليه حرب محلية ،واإلرهابي هو صنيعة المؤسسة الدينية فقط ،وبالرغم من تحميل األصوليين مسؤولية خراب ً وأخيرا. البالد والعباد باعتبارهم صناع اإلرهاب أو ًال
الطائفية في العالم اإلسالمي
وترفرف عليها رايات السالم ،الذي ال تزال تلفه غمامات من ضباب السالم الذي يحلم به البسطاء والفقراء والمهمشون ،ولكنه ال يزال أقرب إلى سراب بعيد عن التحقيق ،على نحو ما يومئ إليه عنوان الكتاب ،بل تزيد من وطأة هذا الشعور باإلحباط حقيقة أن آمال السالم كانت أكثر من متقدّ ة في وجدان الماليين من سكان عالمنا قبل عقود قليلة ماضية.
حقيقة اإلسالموفوبيا يتناول كتاب «الطائفية في العالم اإلسالمي» تحرير وتقديم ومشاركة د. فؤاد كاظم جابر ،الظاهرة بمستويات عدة في محاولة للوصول إلى تحقيق قدر أكبر من الفهم الصحيح ،عبر مشاركة متخصصين للنظر إلى زوايا تكوين الوعي الشعبي والفعل السياسي والتوجه االعالمي وبلورة الصورة النمطية بين المجتمعات االسالمية .المساهمات البحثية التي احتواها الكتاب هي باالساس األوراق المقدمة إلى مؤتمر عقد في نيسان (أبريل) 2013 تحت عنوان« :المشكلة الطائفية في العالم اإلسالمي ..الخطاب الديني والسياسي» .ضم الكتاب ثالثة محاور ،جاء المحور األول بعنوان :الطائفية: الظاهرة ،الجذور ،األسباب ،ساهم فيه :د .عبد علي سفيح الزم ،د .عبدالحسن األمين ،د .رشيد الخ ّيون ،فيما كان عنوان المحور الثاني :نماذج من الخطاب الطائفي ،شارك فيه :د .حمزة الحسن ،د .محمد نعمان مقبل النعماني ،د. يسرى بن الهذيلي ،د .عباس جعفر اإلمامي .اما المحور الثالث فكان بعنوان: تحليل الخطاب الطائفي ،وضم مساهمة كل من :د .نصر الدين بن غنيسة ود. فؤاد جابر كاظم .واختتم الكتاب بسرد سيرة الباحثين المشاركين .الكتاب من اصدار مركز الدراسات االكاديمية الشيعية.
يبين آالن غريش في كتابه «اإلسالم والجمهورية والعالم» الصادر عن دار الساقي ،ترجمة جالل بدلة ،أن ثمة إسالموفوبيا حقيقية تجتاح الغرب، لكن هذا الرعب من اإلسالمويين ،وهو ليس في الواقع سوى إرث الكولونيالية وهيمنة القوى االمبريالية على الشرق األوسط .ويعيد غريش التصاعد في اعتناق هذه المبادئ إلى اعتداءات 11ايلول (سبتمبر) 2001على ً مؤكدا إنه ال ريب بأن هذه االعتداءات أطلقت العنان للحديث سلب ًا نيويورك. عن اإلسالم ،وتسمية اآلخر بالعدو.
الفالسفة والحب
غمامة السالم
يطل كتاب ”ضباب السالم“ للسياسي والمفكر الفرنسي جان ماري جويهينو ،الصادر باللغة االنكليزية عن مؤسسة بروكنغز في نيويورك ،على قضايا الحرب والسالم من منظور القرن الحادي والعشرين. تتوالى الفصول االثنا عشر التي تتألف منها مادة هذا الكتاب ،وقد خصصها المؤلف لتحليل عمليات حفظ السالم الدولية ،عبر خارطة عالمنا ابتداء من أفغانستان بعد حادثة الحادي عشر من سبتمبر ،2001وحتى الحالة السورية التي ما برحت ماثلة حتى المرحلة الراهنة ،بعد مرحلة حافلة قوامها ثماني سنوات كاملة أمضاها وكي ًال لألمين العام لألمم المتحدة ،مسؤو ًال عن عمليات حفظ السالم التي كان يتم االضطالع بها على الصعيد الدولي. ويوضح المؤلف كيف أن التصرف االنفرادي لقوى عالمية كبرى ،خالل السنوات األولى من األلفية الراهنة ،أدى إلى نشوء أجواء من التوتر بين هذه القوى واألمم المتحدة والتي كان من عواقب هذه الفجوة أن دفع العالم ثمن ًا فادح ًا ،تبددت في غماره آمال الشعوب في أن تنعم بحياة من االستقرار
تطرح أود النسوالن وماري لومونييه في عملهما المشترك «الفالسفة والحب :الحب من سقراط إلى سيمون دو بوفوار» الصادر عن «دار التنوير» ترجمة دينا مندور ،موضوع الحب كما عرفه الفالسفة ،حيث اختارت الباحثتان الفرنسيتان نماذج لحاالت عشقية مضطربة ،باستثناء الفيلسوف الدنماركي كيركيغارد التائه في «الحب المطلق» .بعدما مرتا على حاالت عدة من العشق عاشها الفالسفة في ازمنة متمايزة. سلط الكتاب الضوء على الثنائي مارتن هايدغر وحنة أرندت ،وجان بول سارتر وسيمون دي بوفوار ،الذي شكل عالمة فارقة في الكتاب تخللها الحب والكره في خطاب الفالسفة والروابط اإلنسانية .لم يكن ثمة حب خالص. جريمة عدم االخالص حضرت وإن ظهرت «المرأة الفيلسوفة» كحضور عشقي منتج لألفكار لدى هايدغر وسارتر .تأسست هذه النزوات الحيوية والحسية على اتفاق بين «الفالسفة المتحضرين» .حافظ هايدغر على زواجه بعدما استسلمت لسحره الفلسفي نساء كثيرات .كانت تفصله عن زوجته فوارق طبقية .وصفتهما أرندت بأنها حالة كالسيكية من االرتباط النخبوي. تنم قصص الفالسفة مع الحب عن حيوات متداخلة ومعقدة ،وتعبر عن أنماط عشقية ال تكتسب صفة الفرادة بقدر ما تعكس طبقات النفس البشرية. 45
أفـكـار بصـوت هـادئ 46
وضع اليد على موضع األلم وﻻء ﻓﻴﺼﻞ ال يأتي ذكر مفردة اإلصالح في مجال ما ،إال نتيجة حتمية وحل مطلوب لمعالجة امر ما ،اثر تعرضه لمجموعة متغيرات بلغت مع الزمن مرحلة ال بد له معها من التّغير ،أو إلفتقار األساس لعوامل الحماية ،أو لخلل تتضح مالمحه جل ّية مع تطور العوامل السياسية واإلجتماعية واإلقتصادية ،والذي بدوره يتحول إلى عقبة تحول دون مواكبته إلحتياجات المجتمع ،لتدفعه تاليا ً إما للمغاالة في الرفض والتحرر الخالي من أي ضوابط أخالقية ودينية ،أو إلى التط ّرف المقيت الذي يتّصف بالجمود ورفض اآلخر وتجريمه لمجرد اإلختالف ،لنحصد بيئة بمزيج متضارب ومتناقض ضد أي موروث سواء كان إيجابيا ً أو سلبياً ،وإما متطرف يعاني من فقدان حالة الوسطية ،فأما العلماني المنتفض ّ متشبث بفكر أو معتقد رافضا ً ألي لغة للتفاهم أو التعايش السلمي مع من يخالفونه في إنتمائه. ولمحاولة إيجاد الحلول ال بد من وضع اليد على موضع األلم ،وذلك بالعودة إلى ال ّلبنة األساسية لمناهجنا الدينية الدراسية التي تعاني من كونها ذات طابع نمطي ،وخالية من لغة التحفيز وإستثارة التساؤالت ،وتعاني أيضا ً من جمود يجعل من المتلقي آلة حفظ صماء دون تحريض لقدراته الفكرية على المقارنة والبحث ،لغة المسار الواحد ،فينتفي عند المتعلم وجود مسارات أخرى تخدم الغاية السامية نفسها وإن كانت ال تتقاطع معه بما يشاكله أو يشابهه. ّ مؤطرة محددة وترتكز على فكرة الثواب المنهج الديني المتبع في الغالب األعم يس ّلط الضوء على تشريعات والعقاب والوعيد لمن يخالفها ،لذلك نجد أغلب هذه التشريعات ليس لها إرتباط بجوهر الدين ،وإنما بمن يفسره على هواه ،مستندا ً إلى فكرة الحقيقة الواحدة المطلقة غير القابلة للتجديد أو حتى للنقاش ،خالية من المرونة المطلوبة لنشهد ظاهرة اإلصطدام بالواقع .إذ أن تلك المبادئ التي يٌرفض المساس بها كانت تناسب مرحلة تاريخية معينة لها أسبابها ومبرراتها وبيئتها التي تناسب تشريعها. ولكي يتم تحصين مجتمعاتنا ضد هذه اآلفة الخطيرة وتقليل حجم الهوة المتصدعة ،ال بد من حزمة إصالحات شاملة إلعادة تحديث المناهج الدينية المتبعة ،واإلبتعاد عن تعمد سرد المعلومة الدينية باللفظ الصعب والمبهم الذي يحتمل التأويالت ،كذلك االبتعاد عن لغة التعصب والعودة إلى علم األصول األساسي ،والكف عن محاكمة اآلخرين بناء على أفكارهم ومعتقداتهم ..وهذا ال يعني إلغاء هويتنا ،وإنما صقلها بما ال يتعارض مع المفاهيم األساسية. بالمقابل فتح باب اإلجتهاد واإلجماع والقياس كأدوات متاحة لكل طالب علم متخصص ،وعدم حصرها برجل الدين وجعلها حكرا ً عليه، فتغدو بذلك الرقابة من الجميع على الجميع ،ويغلق باب العبثية في اإلفتاء بسبب غياب الرقيب والمحاسب. نتائج هذا اإلصالح تتضح جليا ً على المدى الطويل وكنتائج متدرجة ،إذ إن عملية البناء ،كما يعلم الجميع ،ليست بتلك السهولة وتحتاج إلى تظافر جهود كل األطراف ،على العكس من عملية الهدم التي تحدث في طرفة عين. نحن بحاجة إلى إصالح بفكر إسالمي مستنير يتسق مع العقل ،ويحقق الروح السمحاء والمنهج الوسطي المعتدل الذي ال يعادي العلم والمرأة واألديان األخرى ،إضافة إلى مزج العلم مع التشريع اإلسالمي ،والكف عن إلقاء التهم على اآلخر ،واإلبتعاد عن نظرية المؤامرة. بهذا فقط سنكون قادرين على تجاوز هذه اآلفة الخطيرة التي تحصد شبابنا بفكرهم وأرواحهم
The International Forum for Islamic Dialogue (IFID) • A Non-profit organization based in London- United Kingdom. We depend primarily, in implementing activities across the world, on establishing working partnerships with nongovernmental organizations that share our vision and goals. • The International Forum for Islamic Dialogue (IFID) believes that the way to a better future for Muslims lies through the efforts of modernization and enlightenment which renew a sound relationship between Muslims and their current geographical location in addition to their heritage. • Thus, IFID concentrates primarily on developing a culture of dialogue among Muslims themselves, and aims to build bridges between the trends of modernization in contemporary Islamic thought across the world and create opportunities for dialogue between them. • IFID believes that attempts to modernise Islam cannot be effective without understanding the Muslim mind (in the current time), but also believes that the approach to the Muslim mind not be effective without approaching the religious component, leading thus to a need to re-read the founding text for this religious component and specifically the Holy Quran. • IFID also attempts to bridge the gap between the elite and social change by adopting a method of training workshops based on contemporary values and methods of empowerment, modernization, and effective civic participation in public affairs. To achieve this goal it uses participatory workshops that target the basic foundations to plant these values and approaches to the elements of civic culture in general among contemporary Muslims, especially younger generations.
Current Activities 1. IFID developed a course for skills “Success in a changing world”, aimed at young Muslims from varying and different backgrounds. Training sessions adopt the latest training methods on the development of thinking skills and raising the efficiency of performance on the individual and community levels. The approach is characterized by a unique component of the impact of religious thinking and behaviour of the individual and groups. The Forum has two programs (The Arab Programme for Arabic-speaking countries) and (The English Programme for Britain and the English-speaking countries). 2. IFID established and supervises the work of a network of volunteers involved in the training session on skills for “Success in a changing world”,
which includes members from Egypt, Iraq, Morocco, Sudan, Tunisia, Algeria, Bahrain, and Lebanon. And the Network is to pursue the development and implementation of training programs in the countries concerned. 3. IFID publishes and distributes a Arabic magazine “Al Rassid Al Tanweeri” or the “Enlightened Monitor” and a magazine ((Islam 21)) in English. The magazines are concerned with monitoring the latest versions of enlightened thought in the Islamic world. 4. IFID established a website in Arabic and another in English to monitor the latest versions of enlightened thought in the Islamic world and the website is updated regularly. www.ifidonline.com/m1. 5. IFID established a Website dedicated to its Training Course Network in the Arab region (Skills for Success in a Changing World). The website has an Arabic news section that includes documentation of visits to the countries concerned in addition to the Graduate Forum. 6. IFID established a Website dedicated to its training course programme for skills to “Success in a changing world” that includes an English news network and documentation of the training courses in Britain and Europe in addition to the Graduate Forum. 7. IFID organizes educational/ social trips for graduates of training courses in London - United Kingdom. 8. IFID founded a (Research Unit) for the purpose of research and issuing papers on the education received by Muslims in the West from official sources (government schools) and informal (civil, educational institutions, mosques, etc.). 9. IFID organises seminars for researchers and those involved in the affairs of efforts to modernize religious thought and public education and education for Muslim generations.
Past Activities:
1. “Friday Notes” Entries are generally articles written by Muslims from several countries, on issues of contemporary Islamic concern. These articles are sent by e-mail on Friday, to all the participants in our site. 2. Hosting seminars dealing with specific aspects related to the current rate of Muslims and the dissemination of the proceedings and the results and submitting them to individuals or organizations concerned. 3. “Islam youth 21” publications, which focuses on the Islamic identity of Muslim youth perspective.
alrasid@islam21.net www.islam21.net Al-Rasid Al-Tanweeri P. O. Box: 5856, London WC1N 3XX, United Kingdom Phone: (+44) 20 7724 6260