حوار مع أفراد الصف بسم اهلل الرحمن الرحيم
حوار الدكتور عبد الرحمن المرسي مع أفراد الصف في حوار مع مجموعة من الشخصيات ،طرحوا تلك التساؤالت ،فأردت أن أسجل أغلبها ،وأسجل بعض الردود عليها ،أما الشباب الثائر فله مني كل التقدير واإلجالل ،وأن يمضي على ثورته حتى يحقق أهدافها كاملة بإذن اهلل. س :1أسئلة التالوم بشأن حدوث هذه المحنة ،وهى مختلفة وإن كان المعنى واحدا. أحب أن أوضح تلك المعاني األساسية:أ -المحنة مهما كان حجمها ليست دليال على الخطأ واالنحراف ،طالما كانت الجماعة متمسكة
بثوابتها ..وهذه هي طبيعة طريق الدعوة.
يقول المرشد العام األستاذ الهضيبى ” :إن من شأن أصحاب الدعوات أن تموت في سبيل مبادئها، وأال تترخص في ذلك". وأحد أركان البيعة هو :ركن التضحية. والمحنة ليست جديدة على الصف ،وهي مرحلة في تاريخ الدعوة تصهر الصف وتنقيه وتزيده قوة طالما أنه ثابت على مبادئه ودعوته – رغم أن الظاهر عكس ذلك – وهي تهيؤه لمرحلة من المسئولية ومن النصر أكبر. ب -وقد ضرب اهلل لنا مثال من ضعفاء اإليمان والمنافقين في المدينة الذين أخذوا يتالومون بعد ما حدث في غزوة ”أحد” ،ويشيعون أنهم لو لم يخرجوا لما قتلوا ( ..لو كانوا عندنا ما قتلوا .)..فرد عليهم القرآن ( ..قل لو كنتم في بيوتكم لبرز الذين كتب عليهم القتل إلى مضاجعهم.).. إن صاحب الدعوة ميزانه :هل التضحية كانت في سبيل اهلل أم ألمر آخر؟ وهل هذا الضغط جعل
اإلنسان يتخلى عن مبادئه ودعوته أم ال؟
1
حوار مع أفراد الصف
ج -والضغط النفسي السلبي للمحنة على قلوب أصحاب ،قد يجعل بعضهم يحاول البحث عن أسبابها ،ولماذا لم نتمكن من تجنبها ..إلخ. هو ضغط غير إيجابي ويهز الثبات ويفتح الباب لوساوس الشيطان ،وفي وقت المواجهة ال بد من غلق هذا الباب تماما. س :2التقدير منذ البداية كان خاطئا ،ولم نكن مستعدين ،فلماذا دفعنا بأنفسنا في هذا المعترك: (انتخابات الرئاسة – بل وفي فعاليات ثورة يناير –) ..؟ أ -أيا كان تقييم ما حدث وتقييم القرارات التي اتخذت ،فإن الميزان لدينا ليس هو نتائج األعمال، فكلها بقدر اهلل ،وإنما صحة اإلجراءات في اتخاذ القرار والتوافق مع أهدافنا وثوابتنا. وقد قال اإلمام البنا في رسالة المؤتمر الخامس: ”إن اهلل ال يحاسبنا على نتائج األعمال ،وإنما على سالمة القصد ،وصحة الخطوات”. ومن أركان صحة الخطوات هو ممارسة الشورى وااللتزام بها عند اتخاذ القرار. وهذا ما حدث في جميع القرارات التي اتخذتها الجماعة في هذا المجال. ب -الجماعة ال تعمل لمصلحتها الشخصية ،وإنما عليها تقدير مصلحة الوطن حتى ولو ضحت في
سبيل ذلك ،ومصلحة المشروع اإلسالمي بصفة عامة. ومن أمثلة ذلك – وهي كثيرة –:
دخول اإلخوان فلسطين عام 1948لمقاتلة الصهاينة ،وهم يعلمون جيدا مدى قوة تلك العصابات الصهيونية والدعم الدولي لهم ،فكان البعض يقول إن هذا القرار من اإلخوان كان خاطئا ،وأنه أظهر مدى قوتها ،وعجل بتوجيه الضربات لها في .… ،54 ،49 لكن هذا القول ليس سليما في ميزان الدعوة ،فمصلحة الوطن أن نضحي في سبيلها ،وكان ال بد من وضع األمة على طريق الجهاد الصحيح لمواجهة ذلك العدوان ،وأن تكون الجماعة في المقدمة من ذلك. ج -وفي أعقاب ثورة 25يناير ،لمحاولة إنقاذ الوطن من حكم العسكر ومن سيطرة الدولة العميقة، ولم يجد اإلخوان مناصا من تحمل المسئولية والتقدم لذلك ..وما حدث من أخطاء في التنفيذ بعد ذلك ليس مرده للقرار ،وإنما أسباب أخرى.
2
حوار مع أفراد الصف
س :3لماذا تحالفنا مع اإلسالميين ،وظهرنا بهذا المظهر الذي أثار اآلخرين (مثل ما يسمى بجمعة قندهار) ..؟ أ -الجماعة هي دعوة إسالمية ،وليست مجرد دعوة ليبرالية أو حزب سياسي ،والرصيد الشعبي لها هو اإلسالميين بقاعدتهم الواسعة العريضة – حتى وإن خرج عن ذلك بعض التجمعات –،..
ثم هي دعوة تدعو لالجتماع والتعاون مع الفئات الليبرالية أو العلمانية في المساحة المشتركة لخدمة
الوطن ،لكنها ال تبتعد وال تتبرأ وال تنفصل عن قاعدتها وظهيرها الشعبي اإلسالمي ،بل تسعى لتوسيع تلك الحضانة الشعبية. ب -كان لجوء اإلخوان لهذا الحشد ،هو في مواجهة المجلس العسكري لفرض سيطرته على الدستور واستمرار هيمنته ،وكان ذلك أحد وسائل الضغط السياسي ،وقد نجح ذلك. أما أنهم سيكون لهم رد فعل لهذا الظهور القوي ،فإنهم يعلمون عن الجماعة ومشروعها اإلسالمي أكثر مما يعلمه الكثيرون ،ولم يتوانوا يوما في التخطيط لضربها أو تحجميها. ج -من األهداف المستقبلية التي أوضح اإلمام البنا أن اإلخوان يعملون على تحقيقها هو اصطفاف العاملين في ميدان الدعوة لإلسالم ،ليكون عملهم نحو أهداف واحدة واضحة ،ووفق منهجية ورؤية واحدة وتعاون وتنسيق عالي. مع مالحظة أن كل إنجاز في هذا المجال له تكاليفه وضريبته؛ لكنه من أهداف الجماعة التي تأخذ
خطوات متدرجة.
س – 4ال بد من محاسبة القيادات التي أوصلتنا لهذه الحال ؟ أ -هناك فرق بين التقييم والتحقيق ،فالتقييم عملية أساسية مطلوبة ،لكي نخرج بالدروس المستفادة والعبر ،ونعرف مواطن الضعف والخطأ ..وعندنا نموذج آيات سورة آل عمران التي استعرضت ما حدث في غزوة أحد. أما التحقيق والمحاكمة والمحاسبة ،فإنه يكون عندما يحدث تجاوز ومخالفة للضوابط والثوابت، والجماعة تعتبر أنه ال أحد فوق المساءلة والمحاسبة ،وأن يتم ذلك بالضوابط واآلليات التي نصت عليها لوائحها. ب -وكما ذكرنا ،فإن القرار الذي تم اتخاذه باآللية الصحيحة وممارسة الشورى وتداول المعلومات بعد التحقق منها ،فإنه ال شيء عليه أو على من اتخذه ،حتى ولو ظهر أنه لم يكن هو األصوب. 3
حوار مع أفراد الصف
وعندنا في السيرة نموذجين لهذا النوع :المشاورة للخروج في غزوة أحد ،والمشاورة إلرسال أصحاب بئر معونة – حيث استشهد سبعون صحابيا – نتيجة للغدر بهم ،رغم أن رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم كان متخوفا من إرسالهم. ج -في كتابي أضواء على ثورة مصر – الطبعة الثانية – تفصيل وتوضيح لمسوغات وخلفيات اتخاذ
قرار الدخول في الرئاسة ،والذى تم بآليات الشورى الكاملة ،وكذلك مقالتي :رسالة إلى اإلخوان.
د -كما نحب أن نوضح أن اختيار قيادات الجماعة يتم باالنتخاب من القاعدة وفق إجراءات الئحية محددة. ومجلس الشورى – الذي يأتي باالنتخاب من القاعدة – هو صاحب هذا الحق في اختيار أو عدم اختيار (أي تنحية) قيادات الجماعة .كما أن لهذه القيادات دورتين متتاليتين فقط حرصا على التجديد، وبالتالي ال يزايد أحد على مجلس الشورى في هذا الحق. س :5عندما ظهرت لنا بوادر الصدام والمحنة – ونحن ال نملك آليات دفعها – كان األجدر بنا االنسحاب أو إيجاد مخرج إلنقاذ الجماعة وصيانة الدماء؟ أ -إن موازين وقواعد الصراع بين الحق والباطل تختلف عن تلك التي يعتمدها الناس في تسيير أمورهم والبعد عن أي تضحية.
وآيات القرآن كثيرا ما كانت توضح ذلك ،فكان التهديد من أصحاب الباطل لألنبياء بأن يسكتوا
عن التحرك بدعوتهم ،وإال سيكون مصيرهم النفي أو القتل ،وقد حاولوا ذلك عندما لم يستجب لهم األنبياء وواصلوا دعوتهم. ب -إن أهداف الدعوة ومبادئها ال يمكن أن تساوم عليها ،مهما كانت التضحية ،وإن التمسك بحقها وشرعية وجودها والدفاع عن ذلك بالوسائل المناسبة التي يقرها الشرع ،هو حق لها مهما تعرضت من تهديد ،فأصحاب الدعوات ميزان حركتهم أمام ذلك هو الصمود والثبات. وفي هذا الوضع الحالي نحن ندافع عن المشروع اإلسالمي كله ،ونتصدى للهجمة والمؤامرة التي تستهدفه. وما االنقالب العسكري إال أداة ضمن تلك األدوات ،نحن أيضا ندافع عن إرساء مبدأ احترام إرادة األمة وحريتها وعدم خضوعها لسيطرة العسكر وحكمهم ،وعدم خضوعها وتبعيتها للدول الغربية.
4
حوار مع أفراد الصف
نحن ندافع عن الشرعية وعن إرادة األمة في اختيار حاكمها ..وبكل المقاييس اإلسالمية والديمقراطية ،هو الرئيس الشرعي الذى يجب أن تقف معه األمة في مواجهة تلك المؤامرة ،وال يجوز للجماعة التنازل عن ذلك ،وموقف الخليفة الراشد سيدنا عثمان بن عفان رضي اهلل عنه ورفضه لخلع نفسه وثباته حتى نال الشهادة قدوة ألصحاب الدعوات. س :6لماذا نحصر صمود الجماعة في صورة الحشد واالعتصامات والمظاهرات ،والدالئل كانت قوية أن العسكر سيقومون بمذبحة وسيواجهون المظاهرات بكل عنف؟ ألم يكن يكفي إصدار بيان أو أكثر كما فعل البعض؟ أ -الموازين التي تقيس بها الجماعة تلك األمور ،ليس باختيار أي طريق يكون فيه النجاة ،وإنما باستخدام الوسائل التي هي حق مشروع إلثبات الموقف ورفض المؤامرة والتصدي لها بكل وسائل النضال الدستوري والكفاح السياسي. ب -إقرار الجماعة باالعتصام في رابعة وغيرها من وسائل – ولم يتم إرغام أحد على المشاركة في ذلك – هو إعالن الرفض لهذا االنقالب وعدم الخضوع له أو السكوت ،بل بالضغط عليه ،وهذا في عرف الثوار عبر التاريخ يمثل اآللية األساسية النهيار الباطل ولو بعد حين ،وقد كانت قيادات الجماعة في المقدمة وقدمت التضحيات من الشهداء والجرحى والمعتقلين.
ج -الجماعة تسجل بذلك ملحمة تاريخية في الثبات والتضحية من أجل الحرية ومصلحة الوطن. د -نعلم جيدا أنه لو تنازلت الجماعة عن ذلك ،فإن خطتهم ومؤامرتهم ضد الجماعة وضد المشروع
اإلسالمي كانت ستمضي وبنفس تلك الشدة ،وبافتعال الكذب والتزوير لتبريرها. هـ – في عهد اإلمام البنا كانت تخرج المظاهرات التي تنادى بالجالء التام ،وتتعرض إلطالق الرصاص ويسقط الشهداء. ونذكر هنا مظاهرة كوبري عباس ،1946من طلبة الجامعة والتي قادها اإلخوان ،وسقط فيها أكثر من عشرين شهيدا بخالف عشرات الجرحى ...وكذلك نماذج الثورات التي دكت عروش الظالمين وقدمت اآلالف من التضحيات ،سواء من الثوار أو من الشعب. س :7الجماعة قد تصمد للمحنة ،لكن ما يتعرض له الشعب من إيذاء سيجعله ينفض عن المشروع اإلسالمي ،كما ستتم محاربة القيم اإلسالمية في المجتمع بصورة شديدة وسريعة؟ 5
حوار مع أفراد الصف
أ -ما يحدث من هذه الهجمة بكل أبعادها ليس رد فعل لرفض اإلخوان االنقالب ،وإنما هو جزء من المؤامرة والمخطط الموجه لضرب المشروع اإلسالمي في المنطقة بأسرها ،وال يقتصر فقط على ضرب اإلخوان ،وهى من القلب بالنسبة للمشروع اإلسالمي ،وإن المواجهة والصمود ومدافعة تلك المؤامرة هو واجبنا اإلسالمي الذى فرضه اهلل سبحانه وتعالى علينا ،ونحن على يقين بهزيمة تلك الهجمة وانتصار الدعوة.
ب -أما االنسحاب والتولي والسكوت ،فمرفوض( :وإن تتولوا يستبدل قوما غيركم ثم ال يكونوا أمثالكم ،)..وال يقتصر دورنا على كسر االنقالب وعودة الشرعية ،وإنما بالمحافظة على محاور المشروع اإلسالمي وعلى نشر القيم اإلسالمية وحمايتها. ج -والمحنة التي نتعرض لها اآلن ،تختلف في أوجه كثيرة عن محن ( ..– 65 – 54 – 49 إلخ) ،لكن تحمل نفس القواعد والمعاني األساسية لمواجهة المحن واالبتالءات. د -ال بد أن نعي وندرك فقه المحنة ،وأن األمور كلها بقدر اهلل ،وأنه طوال تاريخ الجماعة بعد ثباتها واجتياز اختبار المحنة ،كانت تخرج أقوى وأصلب عودا. وأن ثقتنا في نصر اهلل وفضله علينا كبيرة ال تهتز مهما حدث ،حتى ولو علقونا جميعا على المشانق، فهكذا تربينا ،وأن انهيار الباطل قادم ال محالة ولو بعد حين. س :8ما هي أبعاد الرؤية بالنسبة لتلك المحنة؟ أ -هناك أبعاد قائمة على قراءة الواقع وخلفياته ،وعلى تحديد أهداف الدعوة ،لكن هناك منطلقات تنطلق منها تلك الرؤية ،وتجعلنا نقيس المحنة بغير ما يقيسه اآلخرون. ب -قدر اهلل عز وجل أن أصحاب الدعوات سيُمتحنون امتحانات شديدة ،وستكون منهم تضحيات
كبيرة ،فهل نحن على استعداد أن نكون من أصحاب الدعوات ،وقد جعلنا الجهاد والتضحية من أركان البيعة ،وهتفنا في شعاراتنا بأن الموت في سبيل اهلل أسمى أمانينا. ج -قدر اهلل عز وجل أنه مهما أصابت الفئة المؤمنة من إيذاء من أعداء اإلسالم ،فلن يكون ذلك سوى ” أذى ”” :لن يضروكم إال أذى”. وأنه مهما كانت كثرتهم وقوتهم ،فإن أسباب الفشل ليست بسبب عنف الهجمة ،وإنما هي تنشأ من داخل الصف إذا حل به التنازع ،وفقد معين الصبر والثبات ،وحاد عن ثوابته وأهداف دعوته ،ولجأت
6
حوار مع أفراد الصف
القلوب وتعلقت بغير اهلل ،وإذا لم يبذل جهده البشرى معتبرا سنن اهلل في الكون أو افتتن بهذا الجهد ،أو اهتز يقينه باهلل … إلخ. وقد تحدث للصف بعض العثرات أو التنازع فيكون هذا نذير خطر له ،فال يلبث أن يرجع ويثوب إلى منطلقاته اإليمانية ويوحد صفه ليستقيم على أمر اهلل ،واهلل عز وجل هو الذي يقدر النصر بالكيفية
والتوقيت ،وفق حكمته ومشيئته .وواجبنا هو الصبر والثبات وبذل الجهد وعدم التراجع.
وأن اهلل عز وجل يحفظ دينه ويحمي األمة اإلسالمية ويمكن لها في األرض ،وأن هذه التضحيات التي يقدمها الدعاة ستكون نورا ووقودا يحفظ هذه القيم اإلسالمية ويعلي من شأنها ،ويوقظ الشعوب اإلسالمية لتزداد تمسكا بها وحرصا عليها. س :9لماذا فشلنا؟ أ -يحاول أصحاب هذا التساؤل إلقاء التبعة كلها على الجماعة ،كما أن تعميم الفشل أمر غير صحيح ،فهناك أمور نجحنا فيها ،وما هذا الصمود في استمرار الثورة إال نموذج له ،..وهناك أيضا إخفاقات. ب -نعم هناك نقاط ضعف وأخطاء غير متعمدة ،كانت ضمن المشهد ،وكان هناك أوجه قصور ،وال بد من البحث في أسباب كل ذلك وكيفية عالجه ،وقد كان الدافع وراء هذا األداء الذي ظهرت أخطاؤه
هو محاولة تجنب الصراع في المجتمع أو الصدام مع أحد ،مما أدى إلى الفشل وعدم القدرة على إحباط الثورة المضادة. ج -ونحن ال نتهرب من ذلك ،وندعو إلى التقييم الصحيح للخروج بالدروس والعبر ،كما أن التقييم له أسس صحيحة ،وليس تقييما باالنطباع أو بمعلومات غير كاملة ،وال بد أن يشمل جمع وتسجيل رؤية وشهادات العناصر األساسية التي كانت ضمن المشهد لتتم اإلحاطة بكل المعلومات ،وقد بدأ في ذلك عدد من القيادات الذين سمحت لهم الظروف بذلك بصورة فردية ،إلى أن يتم تكوين لجنة عليا تتمكن من أخذ شهادات جميع القيادات. د -لكن النقطة الهامة ،أال يغيب عنا أننا نواجه دولة عميقة خطيرة ،تملك تقريبا كل شيء: (المؤسسات السيادية – المال – اإلعالم – االقتصاد – السالح – ..إلخ). وأننا نواجه مؤامرة دولية على األمة اإلسالمية ،وعلى المنطقة العربية على وجه الخصوص.
7
حوار مع أفراد الصف
هـ – كما نريد أن نلفت أن ما يحدث حاليا ليس عنوانه الفشل ،فحتى اآلن الجماعة ودوائرها والعناصر الوطنية المتحالفة معها ،ما زالت صامدة وترفض االنقالب ،وتنزل للشارع رغم القتل واالعتقال، بل إن الفشل هو فشل االنقالب في إخضاع هذه الجموع الثائرة رغم كل ما فعل ،ورغم التأييد والدعم الدولى له.
والجماعة وسط هذا الضغط ،وتلك المحنة ،تسجل صفحة مشرقة من تاريخها في الحرص على
مصلحة الوطن ،وفي تقديم التضحيات ،وفي القدرة على الصمود والثبات ،وعلى النزول للشارع وقيادة الجماهير. س :10هل نجحت المؤامرة الدولية ضد المشروع اإلسالمي ،وهل لم يكن لدينا رؤية بشأن ذلك؟ أ -نحتاج أن نقرأ المشهد بصورة أوسع وأعمق: كانت ثورة 25يناير تمثل خروجا على المنظومة التي تحكم مصر ،والمدعومة من الخارج ،وكان للشباب ولإلخوان المسلمين دورا فعاال فيها وفي إفشال محاولة استيعابها أو إيقاف نتائجها ،والتي تمثلت في وصول أول رئيس مدني منتخب انتخابا حرا لمصر ،لتبدأ معه المعركة مع الدولة العميقة وهيمنة الدول الغربية – على األخص أمريكا – على القرار فيها. وتم تطمين جميع تلك الدول على المعاهدات واالتفاقيات وعلى المصالح الدولية ،وتأجيل أى
إجراءات تحدث هزة دولية ،لكن الموقف األيديولوجي كان هو األساس ،والحرص على بقاء المنظومة الفاسدة في منهجية الحكم في مصر. وتم اتخاذ قرار االنقالب من أمريكا ودعم إقليمي ،وتنفيذ القوى األساسية في مصر – المؤسسة العسكرية واألمنية – ،وتشجيع األحزاب والكنيسة وفلول النظام السابق والشخصيات العلمانية ..إلخ. ب -كان في حساباتهم أن اإلخوان سترفض وتعترض قليال ثم تسكت ،مثلما حدث في ،1954 وتتحمل هذا الضغط ،لكن المفاجأة لديهم أن استراتيجية اإلخوان تغيرت ،وأنها قررت المواجهة واالستمرار فيها بكل وسائل النضال الدستوري والكفاح السياسي .وقدمت – وما زالت – الكثير من التضحيات ومعها القوى الوطنية الرافضة لالنقالب ،لتمثل أطول وأقوى نموذج مواجهة في تاريخ مصر. ج -إن هناك منجزات حقيقية لثورة الشرعية على أرض الواقع: ذلك الشباب الثائر ،والذي سوف يشكل مستقبل مصر وقيادته في المستقبل.
8
حوار مع أفراد الصف
هذا التفاعل اإليجابي القوي من المرأة بكل أعمارها السنية ،واستمرار ثورتها ونزولها للشارع بهذا الحجم الكبير رغم ما تتعرض له من قتل وإيذاء واعتقال. هذا اإلصرار القوي المستمر من الثوار على المقاومة ورفض االنقالب ،رغم مضي هذه المدة، ورغم قوة البطش – وقد مضى أكثر من عامين .-
بدأ يحدث الفرز ويتضح لشرائح في الشعب ،أنها معركة ضد اإلسالم وقيمه ،وليست ضد اإلخوان
فقط. بل وبدأ الخالف بين شركاء األمس االنقالبيين حول الكعكة ،وقد كان كل منهم يحلم بنصيبه منها ،فإذا بهم يستيقظون على حقيقة غابت عنهم ،أن الجيش ال يسمح بالمشاركة ،وإذا أعطى شيئا فهو الفتات. بدأ يظهر بوضوح – رغم كل وسائل الدعم الخارجي – أن أسس استقرار دولة االنقالب وقدرتها على الصمود وسد العجز االقتصادي ،غير متوفرة ،بل تتدهور بسرعة ،وأصبحت تشكل عبئا عليهم. تم كشف جميع األقنعة – رغم وسائل التجميل اإلعالمية – فظهرت مؤسسات الدولة العميقة على حقيقتها ،وفى مقدمتها (القضاء – الداخلية – الجيش – اإلعالم – ..إلخ). بل تم كشف األقنعة عن تلك األحزاب والشخصيات الليبرالية أو العلمانية ،والتي كانت تدعي الديمقراطية والتمسك بالحريات ،فظهر كذبها بتأييدها لالنقالب ،وانتهت كواقع وتأثير في المستقبل السياسى في الشعب المصري.
والتيارات اإلسالمية التي – لسبب ما – وقفت مع االنقالب ،في حيرة من أمرها وفي وضع حرج، وهي ترى االنقالبين والعلمانيين يحاولون تغيير القيم اإلسالمية في المجتمع. خاتمة :نوضح بها بعض القواعد والمعاني اإلسالمية في هذا الشأن: إن الدعوة لها موازين أخرى في التعامل مع األحداث ،وهي مستمدة من ربانية الدعوة ،وهي ليست بديال عن السنن الكونية ،وإنما هي ضابط حاكم وفوق هذه الموازين المادية توجهها وال تلغيها: أ -طوال الفترة المكية ،كان دور الصحابة هو التحرك بالدعوة ،والترابط فيما بينهم والتربية على معانى اإليمان ،والصبر والثبات وتحمل األذى والتعذيب ...ولم يطلب أحد منهم من رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم ،أن يتم تحديد موعد النصر وال كيف سيتم.
9
حوار مع أفراد الصف
فقد كانوا من االستضعاف وقلة الوسائل ما ال يساعد على ذلك ،لكن كان لديهم اليقين بنصر اهلل، والتمكين لدعوته. ب -من هذه الموازين :فإنه عند وجود خيارات أمام الجماعة ،فإنها تختار وفقا لتأثير ذلك على مشروعها اإلسالمي وتقدمه أو عدم تأثيره السلبي عليه .وأن تستمر البوصلة نحو تحقيق أهدافها هاديا لها في مسيرتها وحركتها وال تنحرف عن ذلك.
ج -ومنها أيضا :إذا واجهت الجماعة عدة خيارات صعبة في أمور هامة ،فإنها تعود إلى الثوابت والضوابط األساسية في دعوتها لتكون ميزانا لها ،ال تخرج عنه في اختياراتها وتزداد تمسكا بتلك الضوابط. د – ومنها أيضا :إذا واجهت موقف صعبا انسدت أمامها الطرق ،فإنها تثبت مكانها وتصمد وتلتف حول رايتها وتحرص على تماسك صفها حتى تزول تلك المحنة أو ذلك الموقف وتتضح لها الرؤية كاملة. هـ – وهذه نماذج من السيرة ومن تاريخ الدعوة توضح ذلك: – في غزو األحزاب واجه الصحابة موقفا صعبا ،ووضع الرسول صلى اهلل عليه وسلم أمامهم خيار أن يعطوا ثلث ثمار المدينة غطفان لكي تنسحب – وقد وافقت – وبالتالي تقل أعداد الجبهة المعادية المحاصرة لهم ،وقد يتسبب هذا في انسحابها بالكامل. ولم يكن هناك خيار آخر إال الصمود أمام عشرة أالف من الكفار ،والفئة الصامدة المدافعة عن
اقتحام الخندق تزيد قليال عن الثالثمائة. فماذا كان خيار قادة األنصار؟
كان الخيار المطروح فيه خطة للنجاة ،لكن فيه حط من شأن الدعوة والدولة اإلسالمية وهيبتها ،وال يستقيم مع عزة الدعوة ،فرفضوا ذلك باإلجماع ،ولم يكن لديهم وقتها أي خطة كيف يهزمون العشرة آالف ويرغمونهم على االنسحاب؟ ،ليس أمامهم إال الصمود والثبات. وعندما اجتازوا هذا االختبار ،جاءهم النصر من عند اهلل من حيث ال يتصورون. – عند تآمر بني النضير في محاولة قتل رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم وفي وقت كانت الظروف صعبة على المسلمين بعد ما حدث في غزوة أحد ،وكان هؤالء اليهود من القوة العسكرية ومن دعم المنافقين لهم ،ما جعل الصحابة في تقديرهم أنه ال يمكن إخراجهم ”ما ظننتم أن يخرجوا” .. وكان الميزان والقناعة عند بني النضير ،أنهم يملكون القوة وأنهم لن ينهزموا” ،وظنوا أنهم مانعتهم حصونهم من اهلل،”.. 10
حوار مع أفراد الصف
وكانت هناك أيضا خيارات متعددة خالف إعالن الحرب والمواجهة وطلب إجالئهم ،كان هناك خيار تسليم من قام بالمحاولة ومحاكمته ،كان هناك خيار دفع غرامة مالية مع االعتذار منهم ،كان هناك خيار السكوت مع توجيه تأنيب لهم ..،إلخ. لكن خيار المواجهة كان هو الخيار الصحيح الذي يحقق هيبة الدولة وإعزاز وضعها ،وأن أى خيار
غيره كان فيه إضعاف لعزة اإلسالم وهيبته. ومن تاريخ الدعوة المعاصرة نذكر:
– كان أمام اإلمام البنا أن يترك قضية فلسطين ،وأال يدفع كتائب اإلخوان لمقاتلة الصهاينة ،وهو يعلم ما سيترتب على ذلك ،ويكتفى ببعض البيانات لكي يجنب الجماعة المحنة .لكن هذا الخيار كان مرفوضا ألنه يخالف أهداف الدعوة وضوابطها كما أوضحنا سابقا. – كان أمام اإلخوان في عامي ( )54 – 53عدم االعتراض على اتفاقية الجالء التي عقدها عبد الناصر ،لكن األستاذ الهضيبى وقيادة اإلخوان رفضوا السكوت وأظهروا الخلل الذي فيها ،ألن هذا هو واجب الجماعة (وقد تكرر ذلك الموقف منهم عندما هاجموا اتفاقية كامب ديفيد ،وأظهروا ما فيها من خلل)، وقال لهم األستاذ الهضيبي وقتها أن يستعدوا للموت في سبيل مبادئهم وال يجوز لهم السكوت والتماس الرخص لذلك.
كما كان أمامهم السكوت على أفعال عبد الناصر وسيطرة العسكر وضرب الحريات السياسية ،أو
مجاراته ومهادنته والدخول في هيئة التحرير التي أنشأها ،حيث دعاهم عبد الناصر لذلك … ،إلخ، لكنهم رفضوا هذا الخيار استنادا إلى مبادئهم ودعوتهم وصمدوا في السجون طوال أكثر من عشرين عاما. هكذا هو تاريخ الدعوة وتلك هي مبادئها ورؤيتها ،واهلل غالب على أمره ،ولكن أكثر الناس ال يعلمون. واهلل أكبر وهلل الحمد.
11