المحيسني الحلية الشرعية لمعاهد الساحة الشامية

Page 1


F


‫املنهج املختصر يف الفقه والعقيدة والدعوة‬

‫‪3‬‬

‫املقــــــــدمـــة‬ ‫الحمد هلل‪ ،‬والصالة والسالم على رسول هللا‪ ،‬وعلى آله وصحبه ومن‬ ‫وااله‪.‬‬ ‫وبعد‪:‬‬ ‫بعد أن َّ‬ ‫ي بالنفير إلى أرض الشام ‪..‬موئل كل مجاهد ُهمام‪،‬‬ ‫من هللا عل َّ‬ ‫أرض الثغور ‪ ..‬معقل كل بطل غيور‪ ،‬التقيت بعامة المجاهدين‪ ،‬فرأيت فتيانا ً‬ ‫وشبابا ً وكهوالً يحترقون غيرة على دين هللا‪ ،‬ورأيت أنفُسا ً ُمت َّ ِقدة ً إلقامة‬ ‫وتحكيم شرع هللا‪ ،‬ممن هانت نفوسهم في ذات هللا‪ ،‬ورخصت أرواحهم لترتفع‬ ‫راية الحق‪ ،‬ولو على أشالئهم ودمائهم‪..‬‬ ‫ولقد رأت عيني من العناية اإللهية بهؤالء المجاهدين وتيسيره ألمورهم‪،‬‬ ‫وحفظه وتدبيره لشؤونهم‪ ،‬ما منعني من سرده إال خشية َّأال تبلغه قلوب بعض‬ ‫من ر َّق دينهم فيرفضونه أو يستبعدونه‪ِ ،‬لبُعدهم عنه مكانا ً وحاالً‪..‬‬ ‫ولعل فيما يتداوله الناس من مشاهد ُحسن الخاتمة‪ ،‬وفراق الدنيا بكلمة‬ ‫التوحيد‪ ،‬وثغور با ِسم ٍة تودع الدنيا؛ ما يفي بالمراد لمن كان له قلب أو ألقى‬ ‫السمع وهو شهيد‪..‬‬ ‫وإنني لطالما ذ َّكرت نفسي وإخواني بعظيم فضل هللا تعالى علينا في هذه‬ ‫األرض المباركة‪ ،‬وتدبيره لشؤوننا‪ ،‬وحفظه وكالءته لنا‪ ،‬ولُطفه وعطفه بنا‪،‬‬ ‫وفضله وكرمه علينا؛ حتى كأننا نسمع قوله ^‪« :‬عليك بالشام؛ فإنها خيرة هللا‬ ‫(‪)1‬‬ ‫من أرضه‪ ،‬يجتبي إليها خيرته من عباده؛ فإن هللا تو َّك ل لي بالشام وأهله»‬ ‫من النبي ^ ونراه رأي العين‪..‬‬ ‫فمنذ اندالع هذه الثورة اإلسالمية المباركة‪ ،‬ونحن نتفيؤ ظالل هذا‬ ‫التدبير اإللهي‪ ،‬حيث قامت الثورة على سواعد أطفا ٍل صغار بفط ِرهم المؤمنة‬ ‫تحرر من الظلم والطغيان؛‬ ‫النقية الطاهرة‪ ،‬ال تو ُّجه لهم وال أهداف ‪ ،‬غير ال ُّ‬ ‫لتبقى ثورة الشام ناصعة البياض‪ ،‬عصيَّةً على المزايدات‪ ،‬فإنما اتَّقدت جذوتها‬

‫(‪ )1‬رواه أحمد وأبو داود‪ ،‬وقال األلباني‪ :‬صحيح‪.‬‬


‫‪4‬‬

‫املقــــــــدمـــة‬

‫بأيدي البراءة‪ ،‬وامتدّت جذورها من مساجد درعا؛ ليقول الثوار للعالم اليوم‪:‬‬ ‫ثورة الشام ثورة ٌ إسالمية‪..‬‬ ‫فلم تخرج هذه الثورة من بهو الفنادق‪ ،‬ولم تنطلق من المقاهي وال‬ ‫المواصي‪ ،‬بل خرجت من أطهر بقاع األرض وأح ِبّها إلى هللا تعالى؛ ليهتف‬ ‫جلجلة تص ُّم آذان الطغاة والمستكبرين‪( :‬هللا‬ ‫الساجدون المتوضئون بها ُم ِ‬ ‫أكبر)!‬ ‫أفبعد ذلك يستطيع أحدٌ أن يزايد على كون ثورة الشام ثورة إسالم؛‬ ‫لتقتلع الباطل من جذوره‪ ،‬وتجتث البعث والنصيرية وأعوانهما‪ ،‬بل لتجتث‬ ‫تحالفا ً عالميا ً لطالما لبَّس على الناس‪ ،‬وخلط الحق بالباطل (ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ‬ ‫ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ) [آل‬

‫عمران‪.]971:‬‬ ‫وبتدبير إلهي عجيب‪ ،‬بدأت ثورة الشام سلمية؛ لتتقبلها قلوب الشاميين‪،‬‬ ‫غ ِيّبوا دهرا ً عن كثير من معالم الشريعة‪ ،‬و ُ‬ ‫فقد ُ‬ ‫طمست شعيرة الجهاد‪،‬‬ ‫وشريعة األمر بالمعروف والنهي عن المنكر من قلوب فئام منهم‪ ،‬فاستمرت‬ ‫الثورة لتنزع رواسب البعث من قلوب الناس‪ ،‬وتسقي غراس اإليمان ونعم‬ ‫الغراس‪..‬‬ ‫حتى إذا ما قبِلت قلوبهم الجهاد‪ ،‬وأقبلت أفئدتهم على رفع لواء الحق؛‬ ‫أعمى هللا قلوب طغاة الشام‪ ،‬فأفرجوا عن السجناء السياسيين‪ ،‬مع من فيهم من‬ ‫صنعوا على عين هللا أمام عين الطاغية‪،‬‬ ‫اإلسالميين الجهاديين‪ ،‬وكأنما ُ‬ ‫و ُحفظوا بحفظ هللا من الفئة الباغية؛ ليقودوا مسيرة الجهاد مع م ْن م َّن هللا عليه‬ ‫من جند النظام‪ ،‬فهداه لالنعتاق من ربقتهم‪ ،‬والتحرر من عبوديتهم‪ ،‬ليشكل‬ ‫هؤالء مع إخوانهم المجاهدين المهاجرين من مشارق األرض ومغاربها‪،‬‬ ‫جيشا ً إسالمياً‪ ،‬صقلته التجارب‪ ،‬وعلمته الحروب‪ ،‬من جند األفغان‪ ،‬إلى جند‬ ‫العراق‪ ،‬وجند اليمن والجزيرة‪ ،‬وسائر أجناد األرض‪ ،‬وما زال الناس‬ ‫يعجبون من هذا التدبير اإللهي‪.‬‬ ‫ي كأن هللا اختار صفوة األرض لصفوة المعارك!‬ ‫حتى قال قائلهم‪ :‬و ْ‬ ‫لينتشلوا األمة من قرن كامل من العبودية للغرب‪ ،‬والهيمنة واالسترقاق! فلم‬ ‫يكن هناك أمر إال أمر أمريكا‪ ،‬وال يمكن أن تطلق الجيوش العربية طلقةً إال‬


‫املنهج املختصر يف الفقه والعقيدة والدعوة‬

‫‪5‬‬

‫بإذنها‪ ،‬بل سيكتب التاريخ أن الذل والهوان بلغ في هذه الحقبة إلى حدّ أن‬ ‫شكلت أمم الكفر مجلسا ً يُعاقِب وال يُعاقب‪ ،‬ويُسائل وال يُساءل!!‬ ‫فمهما انتهكت الدول الخمس ذوات ما يُسمى بـ "الفيتو" أو حلفاؤها من‬ ‫حقوق‪ ،‬ومهما قتلت من أبرياء‪ ،‬وسفكت من دماء‪ ،‬فال حسيب وال رقيب‪ ،‬وال‬ ‫حساب وال عقاب!‬ ‫وإن من أفضال هللا تعالى في هذه الثورة المباركة‪ :‬تطلُّع هؤالء الشباب‬ ‫والمجاهدين إلى تعلم أمور دينهم‪ ،‬والتفقه فيه‪ ،‬ليعبدوا هللا على علم‪ ،‬ويدعوا‬ ‫إليه على بصيرة‪ ،‬ويُجاهدوا في سبيله تحت راية بيضاء نقية‪..‬‬ ‫سر‪ ،‬في العقيدة‬ ‫سر هللا تعالى بفضله وكرمه‪ ،‬هذا المنهج المي َّ‬ ‫وقد ي َّ‬ ‫والدعوة‪ ،‬والعبادات والمعامالت‪ ،‬واألخالق واآلداب‪ ،‬مما ال يسع المسلم وال‬ ‫المجاهد جهله‪ ،‬والكتاب عبارة عن منهج للمبتدئين في (مركز دعاة الجهاد)‬ ‫بسوريا‪ ،‬بعض الرسائل التي يحتويها الكتاب تم إعدادها وتأليفها‪ ،‬والبعض‬ ‫اآلخر تم تهذيبها من مؤلفات بعض علمائنا وأئمتنا الفُضالء‪..‬‬ ‫وقد ض ّم الكتاب بين دفتيه‪:‬‬ ‫ مختصرا ً في الفقه لكتابي ( الطهارة‪ ،‬والصالة) ‪.‬‬‫ رسالة في فقه الجهاد والغنائم وبعض المسائل المعاصرة في الجهاد‬‫الشامي‪.‬‬ ‫ خمسون حديثا ً مختارة ‪.‬‬‫ تهذيب كتاب السياسة الشرعية ألبي عمر السيف رحمه هللا ‪.‬‬‫ تهذيب شرح األصول الثالثة لشيخنا علي الخضير ّ‬‫فك هللا أسره ‪.‬‬ ‫ تهذيب التبيان في شرح نواقض اإلسالم لشيخنا سليمان العلوان ّ‬‫فك هللا‬ ‫أسره‪.‬‬ ‫ رسالة في الشركيات المنتشرة ‪.‬‬‫ رسالة في الديمقراطية ‪.‬‬‫ رسالة في الغلو في التكفير ‪.‬‬‫ّ‬ ‫وفن الخطابة وكلمات مختارة للمتحدث‬ ‫ رسالة في أصول الدعوة‬‫والخطيب‪.‬‬ ‫ تهذيب خواطر وأفكار في فقه الدعوة ألبي بصير الطرطوسي حفظه‬‫هللا‪.‬‬


‫‪6‬‬

‫املقــــــــدمـــة‬

‫ رسالة في المصلحة والمفسدة‪.‬‬‫ تهذيب القواعد المثلى في كيفية التعامل مع الدعاة والعلماء ألبي بصير‬‫الطرطوسي حفظه هللا‪.‬‬ ‫أسأل هللا ج ّل وعال أن ينفع بهذا الكتاب‪ ،‬وأن يجعله منارة علم وهدى‬ ‫في هذه األرض المباركة‪ ،‬كما نسأله سبحانه أن يجعلنا هداة مهتدين‪ ،‬وأن‬ ‫يُلحقنا بعباده الصالحين‪..‬‬ ‫وصلى هللا وسلم على نبينا محمد‪ ،‬وعلى آله وصحبه أجمعين‪..‬‬ ‫أخوكم‪/‬‬ ‫د‪ .‬عبدهللا بن محمد المحيسني‬ ‫رجب‪5435/‬هـ‬ ‫بالد الشام‬



‫املقــــــــدمـــة‬

‫‪8‬‬

‫الباب األول‪ :‬الفقه‬

‫إعداد‪/‬‬ ‫د‪ .‬عبد الله بن محمد المحيسني‬


‫املنهج املختصر يف الفقه والعقيدة والدعوة‬

‫كتاب الطهارة‬

‫‪9‬‬


‫كتــــــاب الطهـــــــارة‬

‫‪51‬‬

‫باب املياه‬ ‫ الطهارة‪ :‬هي رفع الحدث‪ ،‬وزوال الخبث‪.‬‬‫فال يكون المسلم متطهرا ً إال بأمرين‪:‬‬ ‫‪ -9‬إذا زال الخبث عنه‪ ،‬والخبث‪ :‬النجاسة‪ ،‬وإزالة النجاسة من باب التروك‪،‬‬ ‫فال يشترط في إزالتها النية‪ ،‬فإذا زالت بدون فعل اآلدمي كفى‪.‬‬ ‫‪ -2‬إذا رفع الحدث‪ ،‬سواء كان أصغر أو أكبر‪.‬‬ ‫ تنقسم المياه عند الجمهور إلى ثالثة أقسام‪ :‬طهور‪ ،‬وطاهر‪ ،‬ونجس‪ ،‬والراجح‬‫أن المياه قسمان فقط‪ :‬طهور‪ ،‬ونجس‪ ،‬وبه قال جمع من المحققين‪.‬‬ ‫ ال يصح رفع الحدث إال بالماء الطهور إجماعا ً‪.‬‬‫وكذلك ال يزيل النجاسة غير الماء الطهور عند الجمهور‪ ،‬والراجح أن النجاسة‬ ‫تزول بأي مزيل‪ ،‬ومتى زالت زال حكمها‪.‬‬ ‫ ال يكره استعمال الماء الطهور إذا تغير بما يشق التحرز عنه‪ ،‬كطول مكثه‪،‬‬‫أو لتساقط أوراق الشجر فيه‪ ،‬ونحو ذلك‪.‬‬ ‫ إذا بلغ الماء مقدار قلتين فوقعت فيه نجاسة ولم يتغير ريحه أو طعمه أو لونه‬‫بسبب تلك النجاسة‪ ،‬فهو طهور عند الجمهور‪ ،‬والراجح أن الماء ال يتنجس ما لم‬ ‫يتغير مطلقا ً‪ ،‬سواء بلغ القلتين أو لم يبلغ‪.‬‬


‫املنهج املختصر يف الفقه والعقيدة والدعوة‬ ‫باب اآلنية‬

‫‪55‬‬

‫ جميع األواني يجوز اتخاذها للزينة‪ ،‬أو للبيع‪ ،‬أو غير ذلك‪ ،‬وذلك بشرط أن‬‫تكون طاهرة‪ ،‬حتى لو كانت ثمينةً كالماس‪ ،‬وياقوت‪ ،‬وكذلك يجوز استعمالها‪،‬‬ ‫واالنتفاع بها‪ ،‬والراجح أنه يباح استعمال اآلنية إذا كانت نجسة‪ ،‬ولكن بشرط أن ال‬ ‫تتعدى النجاسة‪ ،‬وذلك كأن تكون يابسة‪ ،‬ويوضع فيها أشياء يابسات‪.‬‬ ‫فاألصل في جميع األواني إباحة اتخاذها واستعمالها إال آنية الذهب والفضة‪،‬‬ ‫والمضبب بهما‪ ،‬فال يجوز اتخاذها وال استعمالها‪.‬‬ ‫ يصح الوضوء من آنية الذهب والفضة‪ ،‬لكن يأثم المكلف على استعمال إناء‬‫الذهب والفضة‪.‬‬ ‫ يحرم استعمال آنية الفضة إال إذا كانت الفضة ضبة يسيرة لحاجة‪ ،‬فإنه يجوز‬‫استعمال هذه الضبة للحاجة‪.‬‬ ‫ يجوز استعمال أواني الكفار سواء كانوا أصليين أو مرتدين من أهل الكتاب‬‫أو من غيرهم حتى تعلم نجاستها‪.‬‬ ‫ تباح ثياب الكفار سواء من أهل الكتاب أو من غيرهم‪ ،‬سواء كانت من الثياب‬‫التي صنعوها‪ ،‬أو من الثياب التي استعملوها‪.‬‬ ‫طاهر في‬ ‫حيوان‬ ‫ يباح استعمال جلد الميتة‪ ،‬بشرط أن يكون الجلد مدبوغا ً من‬‫ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫الحياة‪.‬‬ ‫ٌ‬ ‫ُ‬ ‫محرمة فهو محرم‪،‬‬ ‫ ما ق ِطع من حيوان حي فهو كميتته‪ ،‬إن كانت ميتته‬‫َّ‬ ‫كاإلبل والبقر والغنم‪ ،‬وإن كانت ميتته مباحة فهو مباح‪ ،‬كالسمك والجراد‪ ،‬واستثنى‬ ‫الحنابلة الطريدة‪ ،‬والمسك وفأرته‪.‬‬


‫كتــــــاب الطهـــــــارة‬

‫‪51‬‬

‫باب االستنجاء‬ ‫ يستحب أن يقول المسلم عند دخول الخالء‪ :‬بسم هللا‪ ،‬أعوذ باهلل من الخبث‬‫والخبائث‪.‬‬ ‫ الخالء ال يخلو من حالتين‪:‬‬‫الحالة األولى‪ :‬أن يكون مهيأ لقضاء الحاجة‪ ،‬مثل‪ :‬دورات المياه‪ ،‬فيقول الدعاء‬ ‫عند إرادة دخولها‪.‬‬ ‫الحالة الثانية‪ :‬أن يكون غير مهيأ في أصله لقضاء الحاجة‪ ،‬كالصحراء‪ ،‬فيقول‬ ‫الدعاء عند رفع ثوبه‪ ،‬وتهيؤه لقضاء الحاجة‪.‬‬ ‫ يستحب عند خروج اإلنسان من مكان قضاء الحاجة أن يقول‪( :‬غفرانك)‪.‬‬‫ يستحب تقديم الرجل اليسرى عند دخول الخالء‪ ،‬وتقديم اليمنى عند الخروج‬‫منه‪ ،‬وذلك بعكس الدخول للمسجد وعند التنعل‪ ،‬فعند الدخول للمسجد‪ :‬تقدم الرجل‬ ‫اليمنى عند الدخول‪ ،‬والرجل اليسرى عند الخروج‪ ،‬وكذلك عند التنعل؛ فإذا أراد أن‬ ‫يلبس قدم رجله اليمنى‪ ،‬وإذا أراد أن يخلعه بدأ باليسرى‪.‬‬ ‫ يستحب لإلنسان إذا أراد أن يقضي حاجته في فضاء أن يبعد عن الناس‪ ،‬وأن‬‫يستر بدنه كله؛ فال يقضي حاجته في مكان بارز‪ ،‬بل يستتر وراء جدار أو وراء‬ ‫شجرة‪ ،‬ونحوهما‪.‬‬ ‫ يكره دخول الخالء بما فيه ذكر هللا تعالى‪ ،‬إذا كان ذلك بال حاجة‪.‬‬‫ ينبغي على المكلف إذا أراد أن يقضي حاجته أن يرفع ثوبه إذا دنا من‬‫األرض‪ ،‬فيكره رفع ثوبه قبل دنوه من األرض‪ ،‬ويحرم إن كان هناك من ينظر إليه‪.‬‬ ‫ يكره للمكلف أن يتكلم في الخالء‪ ،‬ولو كان الكالم بغير ذكر هللا تعالى‪.‬‬‫ يكره لإلنسان أن يبول في شق‪.‬‬‫ مس الفرج باليمين منهي عنه لقاضي الحاجة‪ ،‬سواء كان في أثناء البول أو‬‫قبله أو بعده‪.‬‬ ‫ االستنجاء واالستجمار باليد اليمنى منهي عنه‪.‬‬‫ يحرم استقبال القبلة واستدبارها حال قضاء الحاجة في الفضاء‪ ،‬ويجوز‬‫االستقبال واالستدبار داخل البنيان‪.‬‬ ‫ يكره أن يبقى اإلنسان في الخالء بعد قضاء حاجته على حالته بال حاجة‪.‬‬‫ يحرم أن يقصد اإلنسان مرافق الناس التي يرتفقون بها‪ ،‬وينتفعون بها‪،‬‬‫كالطرقات‪ ،‬والظل النافع الذي يستظل به الناس‪ ،‬وتحت شجرة عليها ثمرة‪.‬‬ ‫ األفضل أن يجمع بين االستجمار‪ ،‬وبين االستنجاء‪ ،‬وإن أراد االقتصار على‬‫أحدهما فاالستنجاء بالماء أفضل‪ ،‬ويكفي االستجمار ولو مع القدرة على الماء‪.‬‬


‫املنهج املختصر يف الفقه والعقيدة والدعوة‬

‫‪53‬‬

‫ يشترط في جواز االستجمار بغير األحجار كالخرق والورق والمناديل‪ ،‬أن‬‫تكون طاهرة‪ ،‬منقية‪ ،‬وأال تكون بعظم أو روث أو طعام أو محترم أو متصل بحيوان‪.‬‬ ‫ يشترط لصحة االستجمار ثالث مسحات‪ ،‬إما بثالثة أحجار‪ ،‬وإما بحجر ذي‬‫شعب‪ ،‬فتكون كل شعبة عن حجر‪.‬‬ ‫ يصح الوضوء قبل االستنجاء أو االستجمار‪ ،‬واألصل واألفضل أن يكون‬‫الوضوء بعده‪.‬‬


‫كتــــــاب الطهـــــــارة‬

‫‪54‬‬

‫باب السواك وسنن الوضوء‬

‫ المستحب في السواك أن يكون عودًا لينًا ينقي الفم‪ ،‬وال يجرحه‪ ،‬وال يضره‪،‬‬‫وال يتفتت فيه‪.‬‬ ‫ والمستحب أن يكون السواك بعود كاألراك والعرجون والزيتون‪ ،‬واألفضل‬‫السواك باألراك‪.‬‬ ‫ يسن التسوك في كل وقت‪ ،‬والراجح أن التسوك يسن للصائم مطلقا ً ولو بعد‬‫الزوال‪.‬‬ ‫ يتأكد استحباب السواك في ستة مواطن‪:‬‬‫وعنددددد انتبدددداه والوضددددوء فأكددددد‬ ‫وعندددددد صدددددالة أو تغيدددددر نكهدددددة‬ ‫بعدددود مندددق طددداهر غيدددر مفسدددد‬ ‫ودخلدددددة بيدددددت ثدددددم عندددددد تدددددالوة‬ ‫ الختان واجب على الذكور‪ ،‬سنة في حق النساء‪ ،‬فإذا خاف اإلنسان الذي لم‬‫يختتن من التلف بسبب االختتان‪ ،‬فال حرج عليه في تركه‪.‬‬ ‫ يكره القزع‪ ،‬وهو حلق بعض الرأس‪ ،‬وترك بعضه‪ ،‬فإن كان تشبُّها بالكفار‬‫محرم‪.‬‬ ‫فهو‬ ‫َّ‬ ‫ من سنن الوضوء‪:‬‬‫‪ -5‬التسمية‪ ،‬فيقول‪( :‬بسم هللا)‪ ،‬قبل أن يبدأ الوضوء‪ ،‬فإذا نسيه في أوله‪ ،‬فال‬ ‫بأس أن يقوله في أثنائه‪.‬‬ ‫‪ -1‬السواك عند الوضوء‪ ،‬واألفضل أن تكون مع المضمضة من الوضوء‪،‬‬ ‫وتجوز قبل الوضوء مباشرة‪.‬‬ ‫ً‬ ‫‪ -3‬غسل الكفين قبل الوضوء ثالث مرات‪ ،‬إال أنه يجب غسل الكفين ثالثا قبل‬ ‫أن يغمسها في اإلناء إذا كان قائما ً من النوم‪ ،‬إذا كان هذا النوم مستغرقًا ال نو ًما‬ ‫يرا‪.‬‬ ‫يس ً‬ ‫‪ -4‬المضمضة واالستنشاق‪ ،‬مع استحباب البداءة بالمضمضمة ثم االستنشاق‬ ‫قبل غسل الوجه‪.‬‬ ‫‪ -5‬أن يبالغ المتوضئ في المضمضة واالستنشاق إذا لم يكن صائ ًما‪.‬‬ ‫‪ -6‬تخليل اللحية الكثيفة‪ ،‬وتخليل األصابع‪ ،‬ويكون سنة في حالة أن الماء يصل‬ ‫إلى ما بين األصابع بنفسه‪ ،‬فإن لم يكن يصل إال بالتخليل‪ ،‬فهو واجب‪.‬‬ ‫‪ -7‬أن يتيامن في وضوئه‪.‬‬ ‫‪ -8‬الغسلة الثانية والثالثة ألعضاء الوضوء عدا الرأس‪ ،‬فيمسح مرة‪.‬‬


‫املنهج املختصر يف الفقه والعقيدة والدعوة‬

‫‪55‬‬

‫باب فروض الوضوء وصفته‬ ‫فروض الوضوء ستة‪ ،‬وهي‪:‬‬ ‫‪ -9‬غسل الوجه بالماء‪.‬‬ ‫‪ -2‬غسل اليدين‪ ،‬ويجب إدخال المرفقين في غسل اليدين‪.‬‬ ‫‪ -3‬يجب مسح جميع الرأس باليدين مرة واحدة‪ ،‬ويمسح األذنين استحبابا ً بعد‬ ‫مسح الرأس‪.‬‬ ‫‪ -4‬غسل الرجلين مع الكعبين‪.‬‬ ‫‪ -5‬الترتيب بين هذه األعضاء‪ ،‬وذلك بأن يغسل وجهه ثم يديه‪ ،‬ثم يمسح رأسه‪،‬‬ ‫ثم يغسل رجليه على هذا الترتيب‪.‬‬ ‫‪ -6‬المواالة‪ ،‬وهي أن ال يؤخر غسل عضو حتى ينشف الذي قبله‪.‬‬ ‫ النية شرط للطهارة من الحدث‪ ،‬سواء كان حدثا ً أصغر أو أكبر‪.‬‬‫ إذا نوى المسلم غسالً واجبا ً أجزأ عن المسنون لدخوله فيه‪.‬‬‫ إذا اجتمعت أحداث توجب الوضوء‪ ،‬فتوضأ بنية أحدها أجزأه عن البقية‪،‬‬‫وارتفعت األحداث كلها لتداخلها‪ ،‬وكذلك الحال في األحداث التي توجب الغسل‪.‬‬


‫كتــــــاب الطهـــــــارة‬

‫‪56‬‬

‫باب املسح على اخلفني‬ ‫شروط المسح على الخفين‪:‬‬ ‫‪ -9‬يشترط في المسح على الخفين أن يكون المسح في المدة المأذون له فيها‬ ‫شرعا ً‪ ،‬وهي للمقيم يوم وليلة‪ ،‬وللمسافر ثالثة أيام بلياليها‪.‬‬ ‫وبداية مدة المسح للمقيم أو المسافر‪ ،‬تكون من أول حدث بعد لبس الخف‪ ،‬وهو‬ ‫مذهب الجمهور‪ ،‬والراجح أن مدة المسح تبتدئ من أول مسح بعد الحدث‪.‬‬ ‫‪ -2‬أن يكون الملبوس طاهرا ً‪.‬‬ ‫‪ -3‬أن يكون مباحا ً‪ ،‬فال يجوز المسح على المحرم لعينه‪ ،‬أو لكسبه‪.‬‬ ‫‪ -4‬أن يكون الخف ساترا ً للمفروض‪ ،‬وأال يصف البشرة الواجب سترها‪،‬‬ ‫والراجح أن المخرق والشفاف يجوز المسح عليه‪.‬‬ ‫‪ -5‬يجوز مسح الجورب الصفيق‪ ،‬وهو ما يصنع من صوف‪ ،‬ونحوه‬ ‫كالجرموق‪ ،‬والموق‪ ،‬وغيرها‪ ،‬وكذلك يجوز المسح على العمامة‪ ،‬وعلى خمر النساء‪.‬‬ ‫‪ -6‬من شروط المسح على الخفين‪ :‬أن يكون المسح في الحدث األصغر دون‬ ‫األكبر‪.‬‬ ‫ويجوز المسح على الجبيرة بشرط أال تكون الجبيرة زائدة على موضع الجرح‬ ‫أو الكسر‪ ،‬ويجوز المسح على الجبيرة في الحدث األصغر واألكبر حتى ينزعها‪،‬‬ ‫ٌ‬ ‫وقت محدد كالخفين‪ ،‬بل إلى حلها‪ ،‬فإذا برئ وجب إزالتها‪.‬‬ ‫فليس لها‬ ‫ يجب المسح على أكثر العمامة‪ ،‬فيمسح على دوائرها‪ ،‬ويستحب مسح جوانب‬‫الرأس‪.‬‬ ‫ المشروع في الخف أن يمسح ظاهر القدم ال أسفله‪ ،‬ويجب أن يمسح أكثر‬‫ظاهر الخف‪ ،‬بينما يجب استيعاب الجبيرة بالمسح‪.‬‬


‫املنهج املختصر يف الفقه والعقيدة والدعوة‬

‫‪57‬‬

‫باب نواقض الوضوء‬ ‫نواقض الوضوء‪:‬‬ ‫‪ -9‬الخارج من السبيلين‪.‬‬ ‫‪ -2‬زوال العقل؛ بالجنون أو السكر أو اإلغماء‪ ،‬والنوم إال يسير النوم‪.‬‬ ‫‪ -3‬مس الذكر بدون حائل بالكف‪.‬‬ ‫‪ -4‬أكل لحم اإلبل‪ ،‬ويشمل النيء والمطبوخ‪.‬‬ ‫ يحرم على المحدث حدثا ً أصغر مس المصحف وهو القرآن‪ ،‬وهو مذهب‬‫األئمة األربعة‪.‬‬ ‫ يحرم على المحدث أن يصلي‪ ،‬وإن صلى فال تصح منه‪ ،‬سواء كان الحدث‬‫أصغر أو أكبر‪ ،‬وسواء كانت الصالة فرضا ً أو نفالً‪.‬‬ ‫ يحرم على المحدث أن يطوف بالبيت‪ ،‬فيشترط للطواف أن يكون الطائف‬‫على طهارة‪.‬‬


‫كتــــــاب الطهـــــــارة‬

‫‪58‬‬

‫باب الغسل‬ ‫موجبات الغسل‪:‬‬ ‫ً‬ ‫‪ -9‬خروج المني دفقا بلذة‪.‬‬ ‫تغييب حشفة أصلية في فرج أصلي قبالً كان أو دبرا ً ولو من بهيمة أو‬ ‫‪-2‬‬ ‫ُ‬ ‫ميت‪.‬‬ ‫‪ -3‬الموت‪.‬‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫‪ -4‬الحيض‪ ،‬فإذا انقطع د ُم الحيض انقطاعا كامال وجب عليها االغتسال‪.‬‬ ‫‪ -5‬النفاس‪ ،‬وحكمه حكم الحيض‪ ،‬وهو خروج الد َِّم بسبب الوالدة‪ ،‬فإذا انقطع د ُم‬ ‫النفساء انقطاعا ً كامالً وجب عليها االغتسال‪ ،‬وإذا ولدت المرأة ولم يخرج منها د ٌم‪،‬‬ ‫فإنه ليس عليها غسل؛ لعدم وجود سبب الغسل‪ ،‬وهو خروج الدم‪.‬‬ ‫ يسن الغسل لمن يلي‪:‬‬‫‪ -9‬من غسل ميتا ً‪ ،‬والمراد من باشر في تغسيل الميت وتقليبه‪.‬‬ ‫‪ -2‬من أفاق من جنون‪ ،‬أو إغماء إن لم يكن احتلم‪ ،‬فإن احتلم؛ فقد وجب عليه‬ ‫الغسل‪.‬‬ ‫‪ -3‬إذا أسلم الكافر على القول الراجح‪ ،‬جمعا ً بين األدلة‪.‬‬ ‫ الغسل ينقسم إلى قسمين‪:‬‬‫غسل كامل‪ ،‬وغسل مجزئ‪ ،‬فالغسل الكامل‪ :‬هو الذي يشتمل على الواجبات‬ ‫والسنن‪ ،‬والغسل المجزئ‪ :‬هو الذي يشتمل على الواجبات فقط‪.‬‬ ‫ صفة الغسل الكامل هي‪:‬‬‫‪ -9‬أن ينوي االغتسال قبل البدء به‪ ،‬ثم يقول‪( :‬بسم هللا)‪.‬‬ ‫‪ -2‬يغسل كفيه ثالث مرات‪.‬‬ ‫‪ -3‬يغسل ما لوثه من أثر الجنابة من فرجه وما حوله‪.‬‬ ‫‪ -4‬يتوضأ بعد االستنجاء وضوءه للصالة‪.‬‬ ‫‪ -5‬يصب الماء بكفيه على رأسه ثالث مرات‪ ،‬مرة للجانب األيمن‪ ،‬ومرة‬ ‫لأليسر‪ ،‬ومرة للوسط‪.‬‬ ‫‪ -6‬يعم بعد ذلك بقية بدنه‪ ،‬بإفاضة الماء عليه‪ ،‬غسالً ال مسحا ً ثالثا ً؛ يبدأ بشقه‬ ‫األيمن ثم األيسر‪ ،‬ويدلك بدنه بيديه؛ ألنه أنقى‪ ،‬وبه يتيقن وصول الماء إلى مغابنه‬ ‫وجميع بدنه‪ ،‬ويتفقد أصول شعره‪ ،‬وغضاريف أذنيه‪ ،‬وتحت حلقه وإبطيه‪ ،‬وعمق‬ ‫سرته‪ ،‬وبين إليتيه‪ ،‬وطي ركبتيه‪ ،‬ويكفي الظن في اإلسباغ‪.‬‬ ‫صفة الغسل المجزئ‪:‬‬ ‫‪ -9‬أن ينوي ويسمي‪.‬‬ ‫‪ -2‬أن يعم بشرته وأصول الشعر بالغسل مرة واحدة‪.‬‬


‫املنهج املختصر يف الفقه والعقيدة والدعوة‬

‫‪59‬‬

‫ السنة أن يغتسل المغتسل بصاع‪.‬‬‫ يجزئ في النية أن ينوي بغسله رفع الحدثين األصغر واألكبر‪ ،‬فإن حدثه‬‫يرتفع بهذا الغسل‪.‬‬ ‫ ي َّ‬‫ُسن للجنب إذا أراد أن يؤخر االغتسال أن يتوضأ إذا أراد أن يأكل أو ينام أو‬ ‫يعاود وطء زوجته‪.‬‬


‫كتــــــاب الطهـــــــارة‬

‫‪11‬‬

‫باب التيمم‬ ‫ التيمم بدل عن طهارة الماء في حالة عدمه‪ ،‬وعند العجز عن استعماله‪،‬‬‫والراجح أن التيمم رافع للحدث؛ ألن البدل له حكم المبدل‪ ،‬إال أن رفعه للحدث يكون‬ ‫إلى غاية وجود الماء‪ ،‬فإذا وجد الماء عاد الحدث‪ ،‬ووجب رفعه بالماء‪.‬‬ ‫يشرع التيمم إذا انعدم الماء في بيت الرجل أو رحله‪ ،‬وكذلك إذا زاد ثمن الماء‬ ‫كثيرا ً على ثمنه المعروف‪ ،‬فله أن يتيمم‪.‬‬ ‫وكذلك يشرع إذا كان الماء موجودا ً‪ ،‬ولكنه خاف باستعماله أو طلبه ضررا ً في‬ ‫بدنه‪ ،‬أو رفيقه‪ ،‬أو حرمته‪ ،‬أو ماله‪ ،‬أو لخوف عطش‪ ،‬أو مرض‪ ،‬أو هالك‪ ،‬ونحوها‪.‬‬ ‫ إذا أصيب اإلنسان بجرح فهو على حالتين‪:‬‬‫األول‪ :‬أن يكون على الجرح ضماد أو عليه جبيرة‪ ،‬فهذا يمسح بالماء‪ ،‬ثم يغسل‬ ‫الباقي‪.‬‬ ‫الثاني‪ :‬أال يكون عليه ضماد أو جبيرة‪ ،‬وهذا على حالتين أيضا ً‪:‬‬ ‫أ‪ -‬أن ال يضره الغسل؛ فهذا يغسل الجرح‪.‬‬ ‫ب‪ -‬أن يضره الغسل؛ فهذا يتيمم للجرح ويغسل الباقي‪ ،‬ويجوز التيمم قبل‬ ‫الوضوء وبعده ولو بزمن كثير‪.‬‬ ‫ يجب على المسلم أن يبحث عن الماء قبل أن يتيمم‪ ،‬وأن يبذل األسباب للبحث‬‫عنه‪ ،‬وال يستعجل بالتيمم قبل البحث‪ ،‬فربما كان بئرا ً قريبا ً منه‪ ،‬أو قرية‪ ،‬أو كان معه‬ ‫ماء في رحله وهو ال يدري‪.‬‬ ‫ من كان عليه أكثر من حدث‪ ،‬ونوى بتيممه هذا جميع هذه األحداث أجزأه‪.‬‬‫ إذا خاف المسلم من ضرر البرد لو تطهر بالماء‪ ،‬فإنه حينئ ٍذ يتيمم‪ ،‬وكذلك إذا‬‫ُمنِع من استعمال الماء في بلد من البلدان؛ فإنه يتيمم ويصلي‪.‬‬ ‫ من عدم الماء والتراب؛ فإنه يصلي على حاله‪ ،‬وال يعيد الصالة‪.‬‬‫يشترط فيما يُتيمم به أن يكون مما تصاعد على وجه األرض‪ ،‬ولو لم يكن‬ ‫ترابا ً‪.‬‬ ‫فروض التيمم‪:‬‬ ‫‪ -9‬مسح الوجه‪.‬‬ ‫‪ -2‬مسح الكفين إلى الكوعين‪ ،‬وذلك بأن يضرب على األرض ضربة واحدة‪،‬‬ ‫ثم يمسح وجهه وكفيه‪.‬‬ ‫‪ -3‬الترتيب‪ ،‬وذلك بأن يكون التيمم مرتبا ً بالوجه ثم اليدين‪ ،‬وهو فرض في‬ ‫الحدث األصغر دون األكبر‪.‬‬ ‫‪ -4‬المواالة‪ ،‬بأن ال يؤخر مسح عضو حتى ال ينشف الذي قبله لو كان مغسوال‪ً.‬‬ ‫‪ -5‬نية رفع الحدث‪ ،‬وذلك على ما رجحناه من أن التيمم مطهر ورافع‪.‬‬


‫املنهج املختصر يف الفقه والعقيدة والدعوة‬

‫‪15‬‬

‫مبطالت التيمم‪:‬‬ ‫‪ -9‬ما يبطل الوضوء‪.‬‬ ‫‪ -2‬وجود الماء‪ ،‬فإذا تيمم اإلنسان لعدم الماء ثم وجده فقد بطل تيممه‪ ،‬ولو‬ ‫حضر الماء في الصالة؛ فإنه يبطل تيممه‪ ،‬وصالته بالتالي‪ ،‬ال بعد الصالة‪ ،‬فلو تيمم‬ ‫ثم صلى وبعد الصالة وجد الماء؛ فإنه يبطل تيممه‪ ،‬وال يلزمه إعادة الصالة‪.‬‬ ‫أما لو تيمم ألجل المرض‪ ،‬فإن تيممه ال يبطل بوجود الماء‪ ،‬بل يبطل ببرئه من‬ ‫هذا المرض‪.‬‬


‫كتــــــاب الطهـــــــارة‬

‫‪11‬‬

‫باب إزالة النجاسة‬ ‫ يكفي في غسل جميع النجاسات‪ :‬غسلة واحدة‪ ،‬بشرط ذهاب عين النجاسة‪،‬‬‫فإن لم تذهب بواحدة‪ ،‬فال بد من عدة غسالت‪ ،‬ويجب في غسل نجاسة الكلب سبع‬ ‫غسالت تكون إحداها بالتراب‪.‬‬ ‫ الراجح َّ‬‫ي ِ مزيل ولم يبق لها أثر أن المحل يطهر‪،‬‬ ‫أن عين النجاسة إذا زالت بأ ّ‬ ‫وال يشترط الماء‪ ،‬فلو زالت النجاسة بالشمس‪ ،‬أو بالريح‪ ،‬أو بالدلك‪ ،‬وغير ذلك كفى‪.‬‬ ‫ ما أصابته النجاسة‪ ،‬وخفي على صاحبه موضعها‪ ،‬فال يخلو من حالين‪:‬‬‫األول‪ :‬أن يكون محددا ً‪ ،‬وهنا يجب أن يغسل حتى يجزم بزوالها‪.‬‬ ‫الثاني‪ :‬أن يكون واسعا ً‪ ،‬فإنه يتحرى ويغسل ما غلب على ظنه أن النجاسة‬ ‫أصابته؛ ألن غسل جميع المكان الواسع فيه صعوبة‪.‬‬ ‫ يكفي في التطهر من بول الغالم الذكر الذي لم يأكل الطعام رشه ونضحه‬‫بالماء‪ ،‬وال يُشترط غسله وفركه‪.‬‬ ‫ً‬ ‫ الراجح أنه يعفى عن يسير النجاسات مطلقا‪ ،‬سواء كانت في مائع أو غيره إذا‬‫كان يشق التحرز منها؛ قياسا ً على النجاسة المعفو عنها في موضع االستجمار‪.‬‬ ‫ ال ينجس اآلدمي بالموت‪ ،‬فإذا مات اآلدمي فإن جثته طاهرة ال تنجس‪ ،‬سوا ًء‬‫كان مؤمنا ً أو كافرا ً‪ ،‬صغيرا ً أو كبيرا ً‪.‬‬ ‫وأما بالنسبة للكافر؛ فهو نجس نجاسة معنوية وليست حسية‪.‬‬ ‫ ما ال نفس له سائلة‪ ،‬فإن ميتته طاهرة‪ ،‬وال يشترط أن يكون ما ال نفس له‬‫سائلة متولدا ً من طاهر؛ ألن االستحالة مطهرة على الراجح‪.‬‬ ‫ بول ما يؤكل لحمه وروثه ومنيه طاهرة‪ ،‬وكذلك مني اآلدمي طاهر‪،‬‬‫والرطوبة الخارجة من فرج المرأة طاهرة‪ ،‬والهرة وسؤرها وما دونها في الخلقة‬ ‫طاهر‪.‬‬ ‫‪ -‬سباع البهائم‪ ،‬وسباع الطير نجسة‪.‬‬


‫املنهج املختصر يف الفقه والعقيدة والدعوة‬ ‫باب احليض‬

‫‪13‬‬

‫ أقل ٍّ‬‫سن تحيض فيه المرأة تسع سنين‪ ،‬والراجح عدم التحديد لمنتهى سن‬ ‫الحيض عند النساء‪.‬‬ ‫ الراجح أنه ال حد ألقل الحيض‪ ،‬وأكثر مدة الحيض‪ :‬خمسة عشر يوما ً‪.‬‬‫ غالب الحيض ستة أيام أو سبعة‪.‬‬‫ الحائض ال تصوم‪ ،‬ولكن يجب عليها أن تقضي الصيام‪ ،‬وال تصلي‪ ،‬وال‬‫تقضي الصالة‪.‬‬ ‫ ال يجوز وطء المرأة في الفرج أثناء الحيض‪ ،‬فمن فعل فإنه آثم‪ ،‬وتجب عليه‬‫كفارة وهي دينار أو نصف دينار على التخيير؛ بشرط أن يكون عالما ً‪ ،‬ذاكرا ً‪،‬‬ ‫مختارا ً‪.‬‬ ‫ يجوز للرجل أن يستمتع بزوجته الحائض بما دون الفرج‪.‬‬‫ المبتدأة‪ :‬هي المرأة التي رأت الدم في زمان يمكن أن يكون هذا الدم دم‬‫حيض‪ ،‬ولم تكن حاضت قبل ذلك‪ ،‬فتدع الصالة والصيام ونحوهما مما يحرم على‬ ‫الحائض‪ ،‬وتجلس جميع مدة خروج الدم ما لم تتجاوز خمسة عشر يوما ً‪ ،‬فإذا‬ ‫تجاوزتها اغتسلت وصلت‪ ،‬وكانت في حكم المستحاضة‪.‬‬ ‫ تتميز دماء الحيض عن االستحاضة بأمور منها‪ :‬باللون؛ فدم االستحاضة دم‬‫أحمر‪ ،‬ودم الحيض دم أسود‪ ،‬وبالرائحة؛ فدم الحيض منتن‪ ،‬وبالغلظ؛ فدم الحيض‬ ‫غليظ‪.‬‬ ‫المستحاضة على ثالثة أقسام‪:‬‬ ‫‪ -9‬مستحاضة معتادة‪ :‬وهي التي كانت لها عادة سليمة قبل االستحاضة‪ ،‬فإن‬ ‫الحيض من‬ ‫جاءتها االستحاضة؛ فإنها تأخذ بالعادة السابقة‪ ،‬ولو كان د ُمها متميزا ً فيه‬ ‫ُ‬ ‫غيره‪.‬‬ ‫‪ -2‬مستحاضة مم ِيّزة‪ :‬وذلك فيما إذا نسيت المرأة عادتها؛ فإنها ترجع إلى‬ ‫التمييز بحيث ال ينقص عن أق ِّل الحيض‪ ،‬وال يزيد على أكثره‪.‬‬ ‫ً‬ ‫متميزا‪ ،‬فإنها تجلس غالب‬ ‫‪ -3‬مستحاضة متح ِيّرة‪ :‬وهي المبتدأة التي دمها ليس‬ ‫الحيض ستة أيام أو سبعة من كل شهر‪.‬‬ ‫ إذا تغيرت العادة بزيادة‪ ،‬أو تقديم أو تأخير‪ ،‬فإن ذلك كله حيض‪ ،‬ما لم‬‫تتجاوز الزيادة خمسة عشر يوما ً‪.‬‬ ‫ إذا تغيرت العادة بنقص‪ ،‬فما نقص عن العادة فهو طهر‪ ،‬وما عاد في أيام‬‫عادتها بعد انقطاعه‪ ،‬فإنها تجلسه‪ ،‬كما لو لم ينقطع‪.‬‬ ‫‪ -‬الصفرة والكدرة في زمن العادة حيض‪.‬‬


‫‪14‬‬

‫كتــــــاب الطهـــــــارة‬

‫ المستحاضة ونحوها ممن به حدث دائم كمن به سلس بول‪ ،‬إذا أرادت أن‬‫تصلي‪ ،‬فإنها تستنجي وتنظف المخرج‪ ،‬ثم تضع عليه قطنًا‪ ،‬ثم تعصبه بشيء يثبت‬ ‫القطن ويمنع تسرب الدم‪ ،‬ثم تتوضأ وجوبًا عند دخول وقت الصالة وتصلي‪ ،‬ولو‬ ‫خرج منها د ٌم أثناء الصالة‪ ،‬فال يسعها إال هذا‪ .‬ولها أن تصلي فروضا ً ونوافل بهذا‬ ‫الوضوء ما دامت في الوقت‪.‬‬ ‫ يستحب أن تغتسل المستحاضة لوقت كل صالة‪.‬‬‫فصل في النفاس‪:‬‬ ‫ أكثر النفاس أربعون يو ًما‪ ،‬وال حد ألقله‪.‬‬‫ متى طهرت النفساء ولو قبل األربعين‪ ،‬فإنها تغتسل وتصلي‪ ،‬فإن عاد الدم‬‫في األربعين جلست‪ ،‬وما صامته وصلته في فترة االنقطاع صحيح‪.‬‬ ‫ إذا عاودها دم النفاس في األربعين بعد انقطاعه‪ ،‬فيكون حكمه في حكم‬‫النفاس؛ ألنه على هيئة دم النفاس وصفته‪ ،‬ووقع في زمن النفاس‪ ،‬فيكون له حكمه‪.‬‬ ‫فتدع الصالة والصوم وتقضي الصوم بعد ذلك‪.‬‬ ‫ النفاس كالحيض في أحكامه‪ ،‬وذلك فيما يلي‪:‬‬‫فيما يحل‪ :‬فيجوز لزوجها أن يستمتع منها بما دون الجماع في الفرج‪.‬‬ ‫وفيما يحرم‪ :‬هو جماعها في الفرج‪ ،‬والطالق‪ ،‬ومسها المصحف‪ ،‬والطواف‪،‬‬ ‫واللبث في المسجد‪.‬‬ ‫وفيما يجب‪ :‬وهو الغسل عند انقطاعه ووجوب الكفارة بالوطء فيه‪.‬‬ ‫وفيما يسقط‪ :‬وهو وجوب الصالة‪ ،‬وال تقضيها‪.‬‬


‫املنهج املختصر يف الفقه والعقيدة والدعوة‬

‫كتاب الصالة‬

‫‪15‬‬


‫كتــــــاب الصــــــــــالة‬

‫‪16‬‬

‫الصالة‬ ‫تعريف الصالة‪:‬‬ ‫الصالة في اللغة‪ :‬الدعاء‪ ،‬وفي ال َّ‬ ‫ش رع‪ :‬هي التعبد هلل تعالى بأقوال وأفعال‬ ‫معلومة مخصوصة‪ ،‬مفتتحة بالتكبير‪ ،‬مختتمة بالتسليم‪.‬‬ ‫حكم الصالة‪:‬‬ ‫الصالة من أعظم فرائض اإلسالم‪ ،‬بل هي آكد فروضه بعد الشهادتين‪.‬‬ ‫فقد جعل هللا تعالى الصالة هي الركن الثاني من أركان اإلسالم بعد الشهادتين‪،‬‬ ‫بل هي عمود اإلسالم‪« ،‬وعموده الصالة»‪ ،‬ولهذا أوجبها هللا تعالى على كل حال‪ ،‬فلم‬ ‫تسقط حتى عن المريض‪ ،‬والخائف أثناء القتال‪ ،‬فيجب عليهما الصالة بحسب‬ ‫اإلمكان‪.‬‬ ‫ يجب أداء الصلوات الخمس على المسلم المكلف (البالغ العاقل)‪.‬‬‫ ال تجب الصالة على الحائض والنفساء‪ ،‬وال يجب عليهما قضاؤها باإلجماع‪.‬‬‫ يجب قضاء الصالة على من زال عقله‪ ،‬بأي سبب كان؛ من نوم‪ ،‬أو سكر‪ ،‬أو‬‫غير ذلك ‪-‬سوى الجنون‪ ،-‬وفي اإلغماء خالف‪.‬‬ ‫ ال تصح الصالة من مجنون‪ ،‬وال يجب عليه قضاؤها‪ ،‬إال أن يفيق في وقت‬‫الصالة‪ ،‬فيجب عليه قضاء صالة الوقت الذي صار فيه مكلفا ً‪.‬‬ ‫ ال تصح الصالة من الكافر‪ ،‬وال يلزمه قضاؤها بعد إسالمه مع أنه مخاطب‬‫بها‪.‬‬ ‫ يجب على ولي الصغير أن يأمر الصبي بالصالة لتمام سبع سنين‪ ،‬وتعليمه‬‫إياها‪ ،‬ويعلمه ما ال تتم الصالة إال به من الطهارة‪ ،‬واستقبال القبلة‪ ،‬وغير ذلك‪ ،‬وعليه‬ ‫أن يضربه على تركها لتمام عشر سنين‪.‬‬ ‫ً‬ ‫ ال يجوز تأخير الصالة المفروضة عمدا عن وقتها المفروض لها حتى يدخل‬‫وقت الصالة األخرى‪.‬‬


‫املنهج املختصر يف الفقه والعقيدة والدعوة‬ ‫باب األذان واإلقامة‬

‫‪17‬‬

‫األذان في اللغة‪ :‬اإلعالم بالشيء‪ ،‬وفي الشرع‪ :‬اإلعالم بدخول وقت الصالة‬ ‫بذكر مخصوص‪.‬‬ ‫وأما اإلقامة‪ :‬فهي التعبُّد هلل باإلعالم بالقيام إلى الصالة بذكر مخصوص‪.‬‬ ‫ األذان واإلقامة فرضا كفاية‪ ،‬فإذا قام بهما من يكفي سقط عن سائر المكلفين‪.‬‬‫وهما مشروعان للصلوات الخمس فقط‪ ،‬والصلوات من حيث اإلعالم لها تنقسم‬ ‫إلى أربعة أقسام‪:‬‬ ‫القسم األول‪ :‬ما يشرع له األذان واإلقامة‪ ،‬وهذه الصلوات الخمس مع الجمعة‪.‬‬ ‫القسم الثاني‪ :‬ما يشرع له اإلقامة فقط‪ ،‬فيقيم لها وال يؤذن‪ :‬وهي الثانية من‬ ‫صالتي الجمع‪ ،‬وما بعد األولى من الفوائت‪ .‬فإن من صلى صالتين مجموعتين أو‬ ‫فوائت‪ ،‬فإنه يؤذن لألولى فقط‪ ،‬ويقيم لكل صالة‪.‬‬ ‫القسم الثالث‪ :‬ما يشرع لها النداء فقط بالصالة جامعة‪ ،‬كصالة الكسوف‪.‬‬ ‫القسم الرابع‪ :‬ما ال يشرع له شيء‪ ،‬وهذا حال بقية الصلوات؛ إذ لم يثبت فيها‬ ‫شيء‪ ،‬وذلك كصالة الجنازة‪ ،‬والتراويح‪.‬‬ ‫ إن أجتمع أهل بلد على ترك األذان واإلقامة قوتلوا على ذلك‪ ،‬فإنه من شعائر‬‫اإلسالم‪ ،‬فال يجوز تعطيله‪.‬‬ ‫ يجب األذان على جماعة الرجال المقيمين‪ ،‬فخرج بذلك‪:‬‬‫‪ -9‬الصبيان‪ ،‬والمجانين‪ ،‬فال يجب عليهم األذان‪ ،‬ولكنه يصح من الطفل‬ ‫المميز‪.‬‬ ‫‪ -2‬النساء‪ :‬فال يجب على النساء أذان‪ ،‬وال إقامة‪ ،‬وال يصح أذانها للرجال‬ ‫باإلجماع‪.‬‬ ‫‪ -3‬المنفرد‪ :‬فإذا كان الرجل وحده‪ ،‬فاألذان في حقه سنة فقط‪.‬‬ ‫‪ -4‬المقيمون‪ :‬أي أن األذان إنما يجب على المقيمين‪ ،‬وهو في حق المسافرين‬ ‫سنة‪.‬‬ ‫ يستحب أن يكون المؤذ ُن ص ِيّتا ً حسن الصوت أمينا ً عالما ً بالوقت‪.‬‬‫‪ -5‬الصيت وهو‪ :‬قوي الصوت؛ ألن المقصود باألذان اإلعالم بالصالة‪ ،‬ولكن‬ ‫ال يجهد نفسه‪.‬‬ ‫ويستحب أن يكون المؤذن حسن الصوت‪ ،‬ال غليظا ً؛ ألنه أرق لسامعه‪.‬‬ ‫ويستحب أن يؤذن على مكان مرتفع‪ ،‬ليصل الصوت إلى أبعد مدى‪ ،‬ويغني عن‬ ‫ذلك اليوم مكبرات الصوت المستخدمة اليوم في المساجد‪.‬‬


‫‪18‬‬

‫كتــــــاب الصــــــــــالة‬

‫‪ -1‬األمين‪ :‬والمراد أن يكون أمينا ً على الوقت؛ ألنه إذا لم يكن كذلك‪ ،‬لم يهتم‬ ‫بأوقات الناس في عباداتهم من صالة‪ ،‬وصيام‪ ،‬وأن يكون أمينا ً على عورات الناس‬ ‫أيام أن كانوا يؤذنون على سطح المسجد‪ ،‬أو منارته‪.‬‬ ‫‪ -3‬العلم بالوقت‪ :‬وهو أن يكون عارفا ً بنفسه بالعالمات التي يدخل عندها‬ ‫أوقات الصلوات‪.‬‬ ‫ إذا تشاح وتنازع اثنان على األذان‪ ،‬فيقدم أفضلهما في الخصال المستحبة‬‫للتأذين‪ ،‬فيقدم من كان أعلى صوتا ً‪ ،‬وأحسن صوتا ً‪ ،‬وأكثر أمانة‪ ،‬وأكثر معرفةً‬ ‫باألوقات‪.‬‬ ‫إن تساوى المؤذنان في الخصال المستحبة للتأذين‪ ،‬فإننا ننظر أي هذين‬ ‫الشخصين أفضل في دينه‪ ،‬وفي عقله‪ ،‬فإنه يقدم على من دونه‪.‬‬ ‫فإن استوى المؤذنان في جميع الصفات السابقة‪ ،‬فإننا ننتقل إلى من يختاره‬ ‫جيران المسجد منهما‪ ،‬وحكم أكثرهم كالكل‪.‬‬ ‫وإذا استوى الجيران في االختيار‪ ،‬فإننا حينئذ نقرع بينهما‪ ،‬وأيهما خرجت له‬ ‫القرعة قُدِّم‪.‬‬ ‫ لألذان ثالث صفات مشهورة‪ ،‬وكلها مشروعة‪ ،‬وهي‪:‬‬‫الصفة األولى‪ :‬أن ألفاظ األذان المشروع خمس عشرة جملة‪ ،‬وهو أذان بالل‪،‬‬ ‫وهي كما يلي‪:‬‬ ‫ التكبير أربع مرات‪.‬‬‫ شهادة (أن ال إله إال هللا) مرتان‪.‬‬‫ شهادة (أن محمدا ً رسول هللا) مرتان‪.‬‬‫ (حي على الصالة) مرتان‪.‬‬‫ (حي على الفالح) مرتان‪.‬‬‫ والتكبير مرتان‪.‬‬‫ والتهليل مرة ً واحدة‪.‬‬‫والصفة الثانية الواردة في األذان‪ ،‬وهي األذان تسع عشرة جملة مع الترجيع‪،‬‬ ‫وهو أذان أبي محذورة‪.‬‬ ‫وهو نفس الصفة الواردة في حديث بالل‪ ،‬إال أن هنا زاد الترجيع‪ ،‬وصفة‬ ‫الترجيع أن يقول‪( :‬أشهد أن ال إله إال هللا) مرتين سرا ً‪ ،‬و(أشهد أن محمد رسول هللا)‬ ‫مرتين سرا ً‪ ،‬ثم يرفع بها صوته‪.‬‬ ‫والصفة الثالثة‪ :‬هي أن األذان سبع عشرة جملة مع الترجيع‪ ،‬فهي نفس الصفة‬ ‫السابقة‪ ،‬لكن بتثنية التكبير في أوله‪ ،‬بدالً من تربيعه‪.‬‬


‫املنهج املختصر يف الفقه والعقيدة والدعوة‬

‫‪19‬‬

‫والقاعدة‪( :‬أن العبادات الواردة على وجوه متنوعة‪ ،‬ينبغي لإلنسان أن يفعلها‬ ‫على هذه الوجوه)‪.‬‬


‫‪31‬‬

‫كتــــــاب الصــــــــــالة‬

‫وتنويعها فيه فوائد‪:‬‬ ‫أو الا‪ :‬حفظ السنة‪ ،‬ونشر أنواعها بين الناس‪.‬‬ ‫ثانيا ا‪ :‬التيسير على المكلف‪ ،‬فإن بعضها قد يكون أخف من بعض فيحتاج للعمل‪.‬‬ ‫ثالثا ا‪ :‬حضور القلب‪ ،‬وعدم ملله وسآمته‪.‬‬ ‫رابعا ا‪ :‬العمل بالشريعة على جميع وجوهها)‪.‬‬ ‫ يستحب أن يكون المؤذن متطهرا ً من الحدثين األصغر واألكبر‪ ،‬وهذا باتفاق‬‫الفقهاء‪.‬‬ ‫ يستحب أن يكون المؤذن مستقبل القبلة حال األذان‪.‬‬‫ من السنة األذان قائما ً‪ ،‬وأن يضع المؤذن أصبعيه في أذنيه حال األذان‪.‬‬‫ يسن للمؤذن أن يلتفت برأسه وعنقه‪ ،‬وشيئا ً من صدره يمينا ً وشماالً عند‬‫الحيعلتين‪.‬‬ ‫خير من النوم) مرتين‪،‬‬ ‫ يسن أن يقول بعد الحيعلتين في أذان الصبح (الصالة ٌ‬‫وهو ما يُسمى بالتثويب‪.‬‬ ‫ لإلقامة ثالث صفات مشهورة‪ ،‬وكلها مشروعة‪ ،‬وهي‪:‬‬‫الصفة األولى‪ :‬اإلقامة إحدى عشرة جملة‪ ،‬وهي كما يلي‪:‬‬ ‫ التكبير مرتين‪.‬‬‫ شهادة (أن ال إله إال هللا) مرة‪.‬‬‫ شهادة (أن محمدا ً رسول هللا) مرة‪.‬‬‫ (حي على الصالة) مرة‪.‬‬‫ (حي على الفالح) مرة‪.‬‬‫ (قد قامت الصالة) مرتين‪.‬‬‫ التكبير مرتين‪.‬‬‫ والتهليل مرة ً واحدة‪.‬‬‫الصفة الثانية‪ :‬هي أن اإلقامة عشر كلمات‪ ،‬وهي نفس الصيغة السابقة‪ ،‬إال أنهم‬ ‫قالوا إنه يقول‪( :‬قد قامت الصالة) مرة واحدة‪.‬‬ ‫الصفة الثالثة‪ :‬نفس صيغة األذان‪ ،‬مع زيادة (قد قامت الصالة)‪ ،‬فتكون اإلقامة‬ ‫مثنى مثنى مع تربيع التكبير‪ ،‬ويزيد فيها بعد حي على الفالح (قد قامت الصالة)‬ ‫مرتين‪ ،‬فتكون بذلك سبع عشرة كلمة‪.‬‬ ‫ السنة أن يحدر اإلقامة‪ ،‬ويسرع فيها‪ ،‬وال يترسَّل فيها‪ ،‬بخالف األذان‪ ،‬ألن‬‫اإلقامة إعالم الحاضرين فلم يحتج إلى الترسل فيها‪.‬‬ ‫‪ -‬شروط صحة األذان‪:‬‬


‫املنهج املختصر يف الفقه والعقيدة والدعوة‬

‫‪35‬‬

‫الشرط األول‪ :‬الترتيب‪ ،‬فال يصح األذان إال مرتبا ً‪ ،‬كما جاء في اللفظ الوارد‪،‬‬ ‫فإن نكسه‪ ،‬وقلب ألفاظ األذان كلها أو بعضها لم يصح‪ ،‬وعليه إعادته مرتبا ً‪.‬‬ ‫الشرط الثاني‪ :‬أن يكون متواليا ً‪ ،‬فال يفصل بين جمل األذان بفص ٍل طويل من‬ ‫قول أو فعل‪ ،‬فإن كان يسيرا ً بمباح فال بأس‪ ،‬والضابط لمعرفة الفصل الطويل من‬ ‫القصير هو العرف‪.‬‬ ‫فإن فرق بين كلماته بسكوت يسير‪ ،‬أو كالم يسير مباح لم يقطعه‪ ،‬لكنه إن كان‬ ‫لغير حاجة ُك ِره‪ ،‬وهو في اإلقامة أشد كراهة من اآلذان‪ .‬وإن كان لحاجة مثل أن يرد‬ ‫على من سلم عليه‪ ،‬أو يأمر بمعروف‪ ،‬أو ينهى عن منكر بكالم قليل لم يكره‪.‬‬ ‫الشرط الثالث‪ :‬أن يكون األذان من عد ٍل‪ ،‬والعدل في اصطالح الفقهاء هو الذي‬ ‫يجتنب الذنوب الكبائر‪ ،‬ويتحفظ من الصغائر‪ ،‬ويحافظ على مروءته‪ ،‬وهذا اشترطه‬ ‫الحنابلة‪ ،‬والراجح أنه يصح أذان الفاسق‪ ،‬وهو مذهب الجمهور‪.‬‬ ‫ يُجزئ األذان من المميز للرجال‪ ،‬والمميز‪ :‬هو العارف الذي يميز بين‬‫األشياء‪ ،‬ويفهم الخطاب ويرد الجواب‪ ،‬وقيل‪ :‬التمييز يحصل ببلوغ سن السابعة‪.‬‬ ‫ ال يجزئ األذان قبل دخول وقت الصالة‪ ،‬ألنه إعالم بدخول الوقت‪ ،‬فلو أذن‬‫قبل دخول الوقت لم يصح األذان‪ ،‬ولم يجزئ‪.‬‬ ‫ يستثنى من عموم عدم صحة األذان قبل دخول الوقت‪ :‬األذان للفجر‪ ،‬فيصح‬‫أن يؤذن المؤذن للفجر قبل دخول وقته‪ ،‬ويسن األذان ثانيا ً عند دخول الوقت‪.‬‬ ‫ يسن لسامع األذان واإلقامة أن يتابعه‪ ،‬بأن يقول مثل ما يقول المؤذن سرا ً‪،‬‬‫بحيث يُسمع نفسه‪ ،‬وكذلك السنة ترديد اإلقامة خلف المقيم‪.‬‬ ‫يقول السامع كما يقول المؤذن‪ ،‬إال في‪( :‬حي على الصالة)‪ ،‬و(حي على‬ ‫الفالح) فإنه يبدلهما بـ(ال حول وال قوة إال باهلل)‪ ،‬فكلمات األذان ذكر‪ ،‬فسن للسامع أن‬ ‫يقولها‪ ،‬وكلمة الحيعلة دعاء إلى الصالة لمن سمعه‪ ،‬فسن للسامع أن يستعين على هذه‬ ‫الدعوة بكلمة اإلعانة وهي‪( :‬ال حول وال قوة إال باهلل)‪.‬‬ ‫سنن إجابة المؤذن‪ :‬في إجابة المؤذن خمس سنن عن رسول هللا ^‪ ،‬هي‪:‬‬ ‫األولى‪ :‬إجابة المؤذن‪.‬‬ ‫الثانية‪ :‬الصالة على النبي ^‪.‬‬ ‫الثالثة‪ :‬سؤال هللا تعالى لرسوله ^ الوسيلة والفضيلة‪ ،‬فيقول‪( :‬اللهم رب هذه‬ ‫الدعوة التامة‪ ...‬إلى آخره)‪.‬‬ ‫والرابعة‪ :‬أن يقول ما رواه مسلم عن النبي ^ أنه قال‪« :‬من قال حين يسمع‬ ‫المؤذن‪ :‬أشهد أن ال اله إال هللا وحده ال شريك له‪ ،‬وأن محمدا ا عبده ورسوله‪ ،‬رضيت‬ ‫باهلل ربا ا‪ ،‬وبمحمد رسو الا‪ ،‬وباإلسالم دينا ا‪ ،‬غفر له ذنبه»‪ ،‬وذلك عقيب الشهادتين‪.‬‬


‫‪31‬‬

‫كتــــــاب الصــــــــــالة‬

‫والخامسة‪ :‬أن يدعو هللا بعد ذلك كله‪ ،‬قال ابن القيم ‪( :/‬فهذه خمسة وعشرون‬ ‫سنة في اليوم والليلة‪ ،‬ال يحافظ عليها إال السابقون)‪.‬‬


‫املنهج املختصر يف الفقه والعقيدة والدعوة‬ ‫باب شروط الصالة‬

‫‪33‬‬

‫الشرط‪ :‬ما يلزم من عدمه العدم‪ ،‬وال يلزم من وجوده وجود وال عدم لذاته‪ ،‬فهو‬ ‫ما يتوقف وجود الشيء على وجوده‪ ،‬فإذا عدمت الشروط أو عدم بعضها عدمت‬ ‫الصالة‪ ،‬ولو وجدت فال يلزم من وجودها وجود الصالة‪.‬‬ ‫شروط الصالة ليست من الصالة‪ ،‬ولكن تجب لها قبلها إال أن النية تكفي مقارنتها‬ ‫للصالة‪.‬‬ ‫ش روط الصالة‪:‬‬ ‫الشرط األول‪ :‬اإلسالم‪:‬‬ ‫فالكافر ال تصح منه الصالة؛ ألن عمله مردود مهما عمل‪.‬‬ ‫الشرط الثاني‪ :‬العقل‪:‬‬ ‫وضده الجنون‪ ،‬فالمجنون مرفوع عنه القلم حتى يفيق ويعقل‪.‬‬ ‫الشرط الثالث‪ :‬التمييز‪:‬‬ ‫وسبق تعريفه‪.‬‬ ‫الشرط الرابع‪ :‬دخول الوقت‪:‬‬ ‫والمراد دخول الوقت للصالة المكتوبة خاصة‪ ،‬فأما ما سواها فهو على أربعة‬ ‫أقسام‪:‬‬ ‫‪ -9‬ما يصح في كل وقت‪ :‬كركعتي الطواف والفوائت‪.‬‬ ‫‪ -2‬ما يصح في غير أوقات النهي‪ :‬كالنوافل المطلقة‪.‬‬ ‫‪ -3‬ما ال يصح إال مؤقتا ً‪ :‬كالرواتب والضحى‪.‬‬ ‫‪ -4‬ما يتعلق بأسباب‪ :‬كصالة الكسوف‪ ،‬واالستسقاء‪.‬‬


‫‪34‬‬

‫كتــــــاب الصــــــــــالة‬

‫أحكام أوقات الصلوات‪:‬‬ ‫ بداية وقت الظهر‪ :‬من زوال الشمس‪ :‬وهو ميلها إلى جهة الغرب عن وسط‬‫السماء‪.‬‬ ‫ونهاية وقت الظهر‪ :‬مساواة الشيء ظله‪ .‬فيتساوى الشاخص المرتفع مع مثله‬ ‫من الظل؛ فإذا تساوى الظل والمرتفع من إنسان أو عصا أو جدار فقد انتهى وقت‬ ‫الظهر‪.‬‬ ‫يء الزوال‪ ،‬والفيء‪ :‬الظل الذي تقف عليه الشمس عند انتصافها‬ ‫والمراد‪ :‬بعد ف ِ‬ ‫في كبد السماء‪ ،‬وأما الظل فيشمل ما قبل الزوال وما بعده‪.‬‬ ‫ السنة تعجيل صالة الظهر في أول وقتها‪ ،‬فهو أفضل من تأخيرها عن أول‬‫وقتها‪ ،‬وهي في ذلك كسائر الصلوات‪ ،‬إال إذا كان في التأخير مصلحة شرعية‪.‬‬ ‫إال أنه يستحب في شدة الحر تأخير صالة الظهر إلى اإلبراد‪ ،‬وذلك إلى أن‬ ‫تخف حرارة األرض‪.‬‬ ‫َّ‬ ‫ يلي وقت صالة الظهر‪ ،‬وقت صالة العصر‪ ،‬وبداية صالة العصر‪ :‬إذا صار‬‫ظل الشيء مثله‪.‬‬ ‫ووقت االختيار لها ‪ -‬وهو الوقت الذي يجوز تأخير الصالة إلى آخره من غير‬ ‫عذر ‪ :-‬إلى أن يصير ظل الشيء مثليه‪ ،‬فحينئ ٍذ ينتهي وقت العصر المختار‪ ،‬والراجح‬ ‫تصفر الشمس‪.‬‬ ‫أن آخر وقت العصر المختار هو ما لم‬ ‫َّ‬ ‫ووقت الضرورة‪ :‬إلى غروب الشمس‪ ،‬فيمتدُّ وقت العصر االضطراري إلى‬ ‫غروب ال َّ‬ ‫شمس‪.‬‬ ‫ يلي وقت العصر وقت المغرب بدون فاصل‪ ،‬وأول وقت المغرب إذا غربت‬‫الشمس‪ ،‬وآخر وقت المغرب هو ذهاب الشفق األحمر‪.‬‬ ‫ ي ُّ‬‫ُسن تعجيل صالة المغرب أول وقتها‪ ،‬ويستثنى من ذلك تأخير المغرب في‬ ‫ج‪ ،‬فيؤخر المغرب‪ ،‬ليجمعها مع العشاء إذا وصل‬ ‫ليلة مزدلفة لمن قصدها ُمحر ًما بالح ّ ِ‬ ‫إلى ُمزدلفة‪.‬‬ ‫ يلي وقت المغرب وقت العشاء‪ ،‬ووقت المغرب ينتهي بمغيب الشفق األحمر‪،‬‬‫وعندها يبدأ وقت العشاء‪ ،‬وينتهي وقتها بطلوع الفجر الصادق‪ ،‬وذلك بالنسبة لوقت‬ ‫الضرورة‪ .‬وقيل‪ :‬إن آخر وقت العشاء هو نصف الليل‪ ،‬وال وقت ضرورة بعده‪.‬‬ ‫وتأخير العشاء إلى ثلث الليل أفضل من صالتها في َّأول الوقت؛ إن أمكن‬ ‫تأخير الجماعة إليه‪ ،‬وسهل على الناس تأخيرها‪.‬‬ ‫ يلي وقت العشاء وقت الفجر‪ ،‬ويبدأ وقتها من طلوع الفجر الثاني‪ ،‬وهو‬‫البياض المعترض‪ ،‬ويستمر إلى طلوع الشمس‪.‬‬


‫املنهج املختصر يف الفقه والعقيدة والدعوة‬

‫‪35‬‬

‫ تعجيل صالة الفجر في َّأول وقتها أفضل‪ ،‬وذلك بالتغليس بها في أول طلوع‬‫الفجر مع قوة الظلمة‪.‬‬ ‫ من أدرك من الصالة ركعة كاملة من الصالة بركوعها وسجدتيها فقد أدرك‬‫الصالة أدا ًء‪ ،‬وإال فإنه لم يدركها‪ ،‬وتكون صالته قضاء ال أدا ًء‪.‬‬ ‫ دخول وقت الصالة شرط من شروط صحة الصالة‪ ،‬فال يصلي من جهل‬‫بدخول الوقت‪ ،‬ألن األصل عدم دخوله‪ ،‬فإن صلى مع الشك فعليه اإلعادة إجماعا ً‪،‬‬ ‫وإن وافق الوقت‪.‬‬ ‫ إن صلى الفريضة باالجتهاد فله خمس حاالت‪:‬‬‫األولى‪ :‬أن يتبين أنها في الوقت؛ فتكون فرضا ً‪.‬‬ ‫الثانية‪ :‬أن يتبين أنها قبل الوقت‪ ،‬فتكون نفالً‪.‬‬ ‫الثالثة‪ :‬أن يغلب على ظنه أنها في الوقت‪ ،‬فتكون فرضا ً‪.‬‬ ‫الرابعة‪ :‬أن يغلب على ظنه أنها قبل الوقت‪ ،‬فال يحل له الدخول فيها بنية‬ ‫الفريضة؛ ألنه تالعب‪.‬‬ ‫الخامسة‪ :‬أن يشك في دخول الوقت‪ ،‬فال يحل له الدخول فيها بنية الفريضة‪.‬‬ ‫ إن أدرك مكلف من أول وقت صالة الفريضة قدر ركعة‪ ،‬ثم زال تكليفه‪،‬‬‫فيجب عليه قضاء تلك الصالة‪ ،‬وإال فال قضاء عليه‪.‬‬ ‫ إذا كان على اإلنسان صلوات فائتة فيجب عليه قضاؤها فورا ً وبالترتيب‪.‬‬‫ يسقط الترتيب بين الصلوات في حالتين‪:‬‬‫الحالة ا ألولى‪ :‬في حالة نسيان الفائتة‪.‬‬ ‫الحالة الثانية‪ :‬إذا خشي خروج وقت الحاضرة‪.‬‬ ‫الشرط الخامس‪ :‬الطهارة من الحدث‪:‬‬ ‫األكبر‪ ،‬واألصغر‪ ،‬فال تصح الصالة حتى يغتسل لألكبر‪ ،‬ويتوضأ لألصغر‪.‬‬ ‫ومن نسي طهارة الحدث وصلى ناسيا ً‪ ،‬فعليه أن يعيد الصالة بطهارة‪ ،‬ولو‬ ‫خرج الوقت‪.‬‬ ‫الشرط السادس‪ :‬الطهارة من النجس‪:‬‬ ‫فال تصح الصالة مع نجاسة بدن المصلي‪ ،‬أو ثوبه‪ ،‬أو بقعته‪.‬‬ ‫نجس لعينه كجلد السباع‪ ،‬أو متنجسا ً بنجاسة طارئة ال‬ ‫ من صلى في ثوب‬‫ٍ‬ ‫يعفى عنها‪ ،‬كثوب وقع عليه بول‪ ،‬فيجب عليه إعادة الصالة‪ ،‬فإن صلى في ثوب‬ ‫نجس‪ ،‬ولكنه كان جاهالً‪ ،‬أو ناسيا ً‪ ،‬أو عادما ً لغيره؛ فال إعادة عليه‪.‬‬ ‫ من حمل نجاسةً ال يعفى عنها وهو في صالته‪ ،‬فإن صالته ال تصح‪ ،‬وكذلك‬‫إذا القى النجاسة وهو في الصالة‪ ،‬كأن تكون على األرض فوضع عليها ثوبه‪ ،‬أو‬ ‫يده‪.‬‬


‫‪36‬‬

‫كتــــــاب الصــــــــــالة‬

‫ إذا جعل حائالً فوق النجاسة اليابسة‪ ،‬بأن فرش عليها فراشا ً طاهرا ً صفيقا ً‪،‬‬‫صحت الصالة‪.‬‬ ‫ً‬ ‫ من رأى عليه نجاسة بعد أن انتهى من صالته‪ ،‬وجهل وجودها وقت الصالة‪،‬‬‫أي هل كانت موجودة أثناء الصالة‪ ،‬أم إنها حدثت بعد ذلك؟ فصالته صحيحة‪ ،‬وال‬ ‫تبطل بذلك الشك العارض‪ ،‬حتى ولو كان غلبة ظن‪.‬‬ ‫إن ع ِلم أن النجاسة كانت موجودة في أثناء الصالة‪ ،‬أو قبلها‪ ،‬ولكن نسي أنها‬ ‫عليه‪ ،‬فالراجح أنه ال يعيد الصالة إذا نسي وجود النجاسة عليه‪ ،‬أو جهلها ولم يعلم بها‬ ‫إال بعد الصالة‪.‬‬ ‫األماكن التي ال تصح الصالة فيها عند الحنابلة‪ ،‬وتكره عند غيرهم عشرة‬ ‫أماكن‪ ،‬هي‪:‬‬ ‫الموضع األول‪ :‬المقبرة‪.‬‬ ‫ش‪.‬‬ ‫الموضع الثاني‪ :‬ال ُح ٍ ّ‬ ‫الموضع الثالث‪ :‬الح َّمام‪.‬‬ ‫المو ضع الرابع‪ :‬أعطان اإلبل‪.‬‬ ‫الموضع الخامس‪ :‬األرض المغصوبة‪.‬‬ ‫أسطحة ما سبق ذكره‪.‬‬ ‫الموضع السادس‪ِ :‬‬ ‫الموضع السابع‪ :‬فوق ظهر الكعبة‪ ،‬وسيأتي‪.‬‬ ‫الموضع الثامن‪ :‬المجزرة‪.‬‬ ‫الموضع التاسع‪ :‬المزبلة‪.‬‬ ‫الموضع العاشر‪ :‬قارعة الطريق‪.‬‬ ‫الشرط السابع‪ :‬ستر العورة‪:‬‬ ‫فيجب ستر العورة بما ال يصف لون بشرة العورة من بياض وسواد؛ ألن الستر‬ ‫ال يحصل إال بذلك‪.‬‬ ‫ عورة الرجل واألمة‪ :‬من السرة إلى الركبة‪.‬‬‫ المرأة الحرة عورة كلها إال وجهها‪ ،‬وكفيها في الصالة‪.‬‬‫ يستحب للرجل أن يصلي في ثوبين‪ ،‬قميص ورداء يلتحف به‪ ،‬أو إزار‬‫ورداء‪ ،‬أو قميص وإزار‪ ،‬أو قميص وسراويل‪ ،‬ونحو ذلك‪ ،‬بأن يكون عليه ثوبان‬ ‫يصلي فيهما‪.‬‬ ‫وذلك لإلمام آكد؛ ألنه يقتدى به‪ ،‬وبين يدي المأمومين‪ ،‬وتتعلق صالتهم‬ ‫بصالته‪.‬‬


‫املنهج املختصر يف الفقه والعقيدة والدعوة‬

‫‪37‬‬

‫ يجزئ الرجل ستر عورته في صالة النافلة ‪ -‬وهي ما بين السرة إلى الركبة ‪-‬‬‫‪ ،‬أما في الفريضة‪ ،‬فال بد أن يستر كذلك أحد العاتقين عند الحنابلة‪ ،‬والجمهور أن ذلك‬ ‫مستحب فقط في الفرض والنفل‪ ،‬وهو الراجح‪.‬‬ ‫ يستحب للمرأة أن تصلي في ثالثة أثواب‪ ،‬وهي‪:‬‬‫‪ -9‬درع سابغ‪ ،‬يغطي البدن والرجلين‪.‬‬ ‫‪ -2‬وخمار يغطي الرأس والعنق‪.‬‬ ‫‪ -3‬وجلباب‪ :‬وهو الملحفة تلتحف به من فوق الدرع‪.‬‬ ‫والواجب عليها ثوب واحد يستر جميع بدنها‪ ،‬ويشترط فيه‪:‬‬ ‫‪ -9‬أن يكون الثوب كثيفا ً‪ :‬فال يصح أن تصلي المرأة في ثياب رقيقة‪ ،‬يُرى‬ ‫جسمها منها‪.‬‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫‪ -2‬أن يكون الثوب فضفاضا‪ ،‬ال ضيقا يصف العورة‪.‬‬ ‫‪ -3‬ويشترط أن يكون الساتر ملبوسا ً‪ ،‬فال تكفي الخيمة الضيقة‪ ،‬والظلمة‪ ،‬فإذا‬ ‫دخل إنسان في خيمة ضيقة عريانا ً‪ ،‬وصلى مكشوف العورة‪ ،‬لم تصح صالته؛ ألنها‬ ‫ليست سترة‪ ،‬وال يسمى مستترا ً‪.‬‬ ‫ من انكشفت عورته في الصالة فله حالتان‪:‬‬‫الحالة األولى‪ :‬أن يكشف عورته متعمدا ً‪ :‬فصالته باطلة‪ ،‬سواء كان الكشف‬ ‫قليالً أو كثيرا ً‪ ،‬طال الزمن أم قصر‪.‬‬ ‫الحالة الثانية‪ :‬أن تنكشف عورته عن غير عمد‪ ،‬فإن كان االنكشاف يسيرا ً في‬ ‫زمن يسير‪ :‬فالصالة ال تبطل‪ ،‬فإذا انكشفت عورته‪ ،‬فسترها في الحال‪ ،‬عفي عنه‪ ،‬ولم‬ ‫تبطل صالته؛ ألنه يسير في زمن يسير‪.‬‬ ‫وإن كان فاحشا ً وطال الزمان‪ :‬فصالته باطلة‪ ،‬ولو بال قصد‪.‬‬ ‫من مكروهات الصالة فيما يتعلق باللباس‪:‬‬ ‫ف‬ ‫السدل‪ ،‬واشتمال الصماء‪ ،‬وأن يغطي المصلي وجهه بثوب في الصالة‪ ،‬وك ُّ‬ ‫الك ِ ّم وكفته‪.‬‬ ‫الشرط الثامن‪ :‬استقبال القبلة‪:‬‬ ‫واستقبال القبلة (الكعبة) في الصالة شرط من شروط الصالة‪ ،‬فمن انحرف‬ ‫عنها متعمدا ً أو ناسيا ً‪ ،‬فإن صالته تبطل‪.‬‬ ‫ويستثنى من بطالن الصالة بعدم استقبال القبلة مع العلم بجهتها ثالث حاالت‪:‬‬ ‫‪ -9‬العاجز عن استقبال القبلة‪ ،‬فإنه تجوز له الصالة بدون استقبالها‪.‬‬ ‫ً‬ ‫‪ -2‬أن تكون الصالة بشرط أن يكون المصلي راكبا ً ال ماشيا ً‪ ،‬سائرا في أثناء‬ ‫السفر‪.‬‬


‫‪38‬‬

‫كتــــــاب الصــــــــــالة‬

‫‪ -3‬في حالة الخوف‪ :‬وذلك كما لو اشتدت الحرب‪ ،‬فللمحارب أن يصلي في أي‬ ‫اتجاه‪ ،‬وال تبطل صالته بذلك؛ لسقوط االستقبال في تلك الحال‪.‬‬ ‫ويلزم الراكب المسافر إذا أراد أن يتنفل أن يستفتح صالته باستقبال القبلة‪ ،‬ثم‬ ‫بعد ذلك يكون حيث كان وجهته‪.‬‬ ‫ يلزم من أمكنه مشاهدة الكعبة إصابةُ عينِها‪ ،‬أي‪ :‬ببدنه كله‪ ،‬بحيث ال يخرج‬‫شي ٌء منه عن الكعبة‪.‬‬ ‫ً‬ ‫وأما من كان بعيدا وال يمكنه مشاهدتها فهذا يلزمه إصابة الجهة التي تكون فيها‬ ‫الكعبة بالنسبة إليه‪ ،‬دون عينها‪.‬‬ ‫من جهل اتجاه القبلة‪ ،‬فله أربع حاالت‪:‬‬ ‫الحالة األولى‪ :‬أن يجتهد في القبلة‪ ،‬فيخطئ‪ ،‬فهذا ال يعيد‪.‬‬ ‫الحالة الثانية‪ :‬أن يصلي بغير اجتهاد‪ ،‬وال تقليد مع قدرته على ذلك‪ ،‬ويعلم أنه‬ ‫أخطأ جهة القبلة‪ ،‬فيعيد الصالة‪ ،‬ويقضيها‪.‬‬ ‫الحالة الثالثة‪ :‬أن يصلي بغير اجتهاد‪ ،‬وال تقليد مع قدرته على ذلك‪ ،‬ولكنه ال‬ ‫يدري هل أخطأ أو أصاب‪ ،‬فهذا يعيد أيضا ً‪.‬‬ ‫الحالة الرابعة‪ :‬أن يصلي بغير اجتهاد وال تقليد مع قدرته على التقليد‪ ،‬ولكنه‬ ‫أصاب القبلة‪ ،‬فيعيد؛ ألنه ترك الواجب عليه‪ ،‬وهو التقليد‪.‬‬ ‫الشرط التاسع‪ :‬النية‪:‬‬ ‫فيجب أن ينوي أداء صالة معينة‪ ،‬فرضا ً كانت أو نفالً‪ ،‬كأن ينوي أنها الظهر‬ ‫مثالً‪.‬‬ ‫ال يشترط تخصيص النية للفرضية‪ ،‬واألداء‪ ،‬والقضاء‪ ،‬وكذلك ال يشترط‬ ‫تخصيص النية لصالة النافلة وإعادة الصالة‪.‬‬ ‫فيكفي أن ينوي عين صالة معينة‪ ،‬فينوي عين الصالة التي يريد أن يصليها‪،‬‬ ‫فإذا أراد أن يصلي الظهر فينوي قبلها أنها صالة الظهر‪ ،‬وهكذا‪ ،‬وذلك يغنيه عن‬ ‫اشتراط الفرضية‪ ،‬أو أنها أداء‪ ،‬أو قضاء‪ ،‬أو إعادة‪.‬‬ ‫وكذلك تعيين نية صالة الوتر‪ ،‬أو نية صالة سنة الفجر‪ ،‬فتعيينها يغني عن نية‬ ‫أنها نافلة‪ ،‬فال يشترط في النية إال تعيين عين المنوي فقط‪.‬‬


‫املنهج املختصر يف الفقه والعقيدة والدعوة‬ ‫باب صفة الصالة‬

‫‪39‬‬

‫أو الا‪ :‬القيام‪:‬‬ ‫ تسن تسوية الصف بالمناكب واألكعب عند اإلقامة وبعدها‪.‬‬‫ يقول المصلي في ابتداء صالته‪ ،‬سواء كان إماما ً‪ ،‬أو مأموما ً‪ ،‬أو منفردا ً‪( :‬هللا‬‫أكبر)‪ ،‬وهو رافع يديه‪ ،‬وتكون يداه حال رفعها ال يفرج بين أصابعه وال يض ّمها‪،‬‬ ‫ويجعلها ممدودة مستقبالً ببطونها القبلة‪ ،‬وتكون مقابل منكبيه‪ ،‬أو مقابل أذنيه‪.‬‬ ‫ األفضل رفع اليدين مع التكبير‪ ،‬فيرفع يديه مع ابتداء التكبير‪ ،‬وينهي الرفع‬‫بإنهائه‪ ،‬ويجوز أن يرفع يديه ثم يكبر‪ ,‬كما يجوز أن يكبر ثم يرفع‪.‬‬ ‫ يستحب لإلمام أن يسمع المأمومين التكبير والتسميع‪ ،‬والسالم‪ ،‬وقيل‪ :‬إن ذلك‬‫واجب‪.‬‬ ‫وكذلك يستحب لإلمام أن يسمع المأمومين القراءة الجهرية من خلفه من‬ ‫المأمومين ليتابعوه‪.‬‬ ‫وأما المأموم فال يجهر في صالته كاإلمام‪.‬‬ ‫ ال بد للمصلي أن يحرك لسانه بالحروف وينطق بها‪ ،‬فال يجزئه أن ينوي‬‫القراءة واألذكار دون نطق وتلفظ بالحروف‪.‬‬ ‫أمر زائد ٌ على‬ ‫ويجزئه أن يأتي بالحروف ولو لم يسمع نفسه؛ ألن إسماع النفس ٌ‬ ‫القول والنطق‪ ،‬فال يجب‪.‬‬ ‫ وإذا فرغ من التكبير يقبض كوع يسراه بكف يمناه‪ ،‬أو يضعها عليها وضعا ً؛‬‫أسفل صدره‪.‬‬ ‫ يستحب للمصلي إماما ً كان‪ ،‬أو مأموما ً‪ ،‬أو منفردًا‪ ،‬أن ينظر أثناء صالته إلى‬‫موضع سجوده‪.‬‬ ‫ ويستحب أن يقول بعد التكبير ووضع اليدين دعاء االستفتاح‪ ،‬وقد ورد في‬‫السنة ما يقارب عشرة من أدعية االستفتاح‪ ،‬وأشهرها‪( :‬سبحانك اللّ ُه َّم‪ ،)...‬و(اللهم‬ ‫باعد وبين خطاياي‪.)...‬‬ ‫والسنة في دعاء االستفتاح أن يقال سرا ً‪ ،‬وهو سنة في صالة الفرض‪ ،‬وصالة‬ ‫النفل‪ ،‬وهو مختص بالركعة األولى فقط‪.‬‬ ‫ ثم يأتي باالستعاذة سرا ً‪ ،‬وهي سنة في الفريضة والنافلة لإلمام والمأموم‬‫والمنفرد‪.‬‬ ‫ ثم يأتي بالبسملة‪ ،‬واألفضل أن يجهر بها أحيانا ً‪ ،‬ويسر بها أخرى جمعا ً بين‬‫األدلة‪ ،‬واألصل أال يخالف اإلمام مذهب البلد التي هو فيها من حيث الجهر واإلسرار‬ ‫ما دام كل منهما واردا ً؛ لئال ينفر الناس‪ ،‬ويثير المغرضين بال طائل‪ ،‬والمسألة فيها‬ ‫سعة‪.‬‬


‫‪41‬‬

‫كتــــــاب الصــــــــــالة‬

‫ ثم يقرأ الفاتحة تامة بتشديداتها‪ ،‬في كل ركعة فرضا ً كانت أو نفالً‪.‬‬‫بذكر أو سكو ٍ‬ ‫غير مشروعين وطال هذا القاطع‪،‬‬ ‫فإن قطع قراءة الفاتحة‬ ‫ٍ‬ ‫ت ِ‬ ‫فحينئ ٍذ يعيدها‪ ،‬وكذلك لو ترك تشديدة حرف من الفاتحة فقرأه بالتَّخفيف‪ ،‬وفي الفاتحة‬ ‫والرحيم‪ ،‬والدّين‪،‬‬ ‫والرحمن‪،‬‬ ‫إحدى عشرة تشديدة بغير خالف‪ ،‬وهي في هللا‪ ،‬وربّ ‪،‬‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫صراط‪ ،‬والّذين‪ ،‬وفي الضالين اثنتان‪.‬‬ ‫وإيّاك‪ ،‬وإيّاك‪ ،‬وال ّ‬ ‫ من السنة قول (آمين) عقب الفاتحة‪ ،‬والسنة الجهر‪ ،‬ورفع الصوت بها في‬‫الصالة الجهرية‪ ،‬والسنة أن يكون تأمين المأموم مع تأمين اإلمام‪ ،‬ال قبله‪ ،‬وال بعده‪.‬‬ ‫ ثم يسن له أن يقرأ بعد الفاتحة سورة ً‪ ،‬واألفضل قراءة سورة كاملة في‬‫الركعة‪ ،‬ويجوز بعض سورة‪.‬‬ ‫صل‪ .‬والمفصل‪ :‬يبدأ‬ ‫ويسن أن تكون السورة في صالة الصبح من ِطوال المف َّ‬ ‫من سورة (ق) إلى آخر القرآن‪ ،‬وطوال المفصل‪ :‬تبدأ من سورة (ق) إلى سورة النبأ‪.‬‬ ‫ويسن أن يقرأ في صالة المغرب من قصار المفصل‪ ،‬وهي من الضحى إلى‬ ‫آخر القرآن‪.‬‬ ‫ويسن في باقي الصلوات‪ ،‬وهي‪ :‬الظهر‪ ،‬والعصر‪ ،‬والعشاء‪ ،‬أن يقرأ فيها من‬ ‫أوساط المفصل‪ ،‬وهي من سورة (عم)‪ ،‬أو النازعات إلى سورة الضحى‪.‬‬ ‫والجمهور ‪ -‬خالفا ً للحنابلة ‪ -‬على أنه يقرأ في صالة الظهر بطوال المفصل‪.‬‬ ‫ السنة تطويل الركعة األولى على الثانية في الصلوات الخمس‪ ،‬إال عند قراءة‬‫(سبح)‪ ،‬و(الغاشية) في يوم الجمعة وفي يوم العيد‪ ،‬فالغاشية أطول‪.‬‬ ‫ السنة في حق اإلمام‪ :‬التخفيف في الصالة مع اإلتمام‪ ،‬ويكره لإلمام أن يسرع‬‫سرعة تمنع المأموم من فعل ما يسن‪.‬‬ ‫ثانيا ا‪ :‬الركوع‪:‬‬ ‫ ثم يركع مكبرا ً تكبيرة االنتقال‪ ،‬ويكون التكبير أثناء االنتقال‪ ،‬أي بين القيام‬‫والركوع‪.‬‬ ‫ ويرفع يديه عند التكبير للركوع حذو منكبيه أو إلى فروع أذنيه‪ ،‬ويضعهما‬‫على ركبتيه معتمدا ً عليهما‪ ،‬أي يضغط قليالً‪ ،‬وال يضعها مجرد وضع خفيف‪ ،‬وتكون‬ ‫أصابعه مفرجة ال مضمومة‪.‬‬ ‫ ويجعل ظهره مستويا ً‪ ،‬ويجعل رأسه حيال ظهره فال يرفعه وال يخفضه‪،‬‬‫ويجافي مرفقيه عن جنبيه‪.‬‬ ‫ ويقول في ركوعه‪( :‬سبحان ربي العظيم) مرة واحدة‪ ،‬وأدنى الكمال أن‬‫يكررها ثالث مرات‪.‬‬ ‫ً‬ ‫ويشرع أن يقول أيضا‪« :‬سبحانك اللهم ربنا وبحمدك‪ ،‬اللهم اغفر»‪ ،‬و«سبوح‬ ‫قدوس رب المالئكة والروح»‪ ،‬وغيرها من األذكار الواردة في الركوع‪.‬‬


‫املنهج املختصر يف الفقه والعقيدة والدعوة‬

‫‪45‬‬

‫ وقد اتفق العلماء على كراهة قراءة القرآن في الركوع أو السجود‪ ،‬إال إذا بآية‬‫دعاء في السجود بنية الدعاء ال القراءة‪.‬‬ ‫ثالثا ا‪ :‬القيام من الركوع‪:‬‬ ‫ ثم يرفع من الركوع‪ ،‬ويقول‪( :‬سمع هللا لمن حمده) بين الركنين‪ ،‬رافعا ً يديه‪،‬‬‫وهذا هو الموضع الثالث من مواضع رفع اليدين في الصالة‪.‬‬ ‫ ثم يقول‪( :‬ربنا ولك الحمد‪ ،‬ملء السماء‪ ،‬وملء األرض‪ ،‬وملء ما شئت من‬‫شيء بعد)‪.‬‬ ‫ويستحب أن يزيد عليه‪( :‬أهل الثناء والمجد‪ ،‬أحق ما قال العبد ‪ -‬وكلنا لك عبد ٌ ‪-‬‬ ‫‪ ،‬اللهم ال مانع لما أعطيت‪ ,‬وال معطي لما منعت‪ ,‬وال ينفع ذا الجد منك الجد)‪.‬‬ ‫ وقد جاء في التحميد عند الرفع من الركوع أربع صيغ‪ ،‬هي‪:‬‬‫‪( -9‬ربنا ولك الحمد)‪( -2 .‬ربنا لك الحمد)‪( -3 .‬اللهم ربنا لك الحمد)‪-4 .‬‬ ‫(اللهم ربنا ولك الحمد)‪.‬‬ ‫رابعا ا‪ :‬السجود‪:‬‬ ‫ ثم يسجد في الصالة مكبرا ً‪ ،‬ويجب أن يكون سجوده على سبعة أعضاء‪،‬‬‫وهي‪ :‬الجبهة واألنف‪ ،‬واليدين‪ ،‬والركبتين‪ :‬وأطراف القدمين‪.‬‬ ‫والسنة للمصلي أن ينزل على ركبتيه أوالً‪ ،‬ثم يديه‪.‬‬ ‫ وسنة السجود أن يبعد المصلي في حال سجوده عضديه عن جنبيه‪ ،‬ويرفع‬‫ويفرق بين ركبتيه‪ ،‬وال يضمهما‪ ،‬ويقول وهو كذلك‪( :‬سبحان ربي‬ ‫بطنه عن فخذيه‪،‬‬ ‫ِّ‬ ‫األعلى)‪.‬‬ ‫ من السنة في السجود االعتدال فيه‪ ،‬فال يضع ذراعيه على األرض‪ ،‬كما تفعل‬‫السباع‪.‬‬ ‫فالسجود الموافق للسنة ما اجتمع فيه هذه الصفات‪:‬‬ ‫‪ -9‬أن يبسط كفيه على األرض حذو منكبية‪ ،‬أو حذو أذنيه ‪ -‬كالهما سنة ثابتة ‪-‬‬ ‫‪ ،‬مبسوطتين غير مقبوضتين‪ ،‬مضمومتي األصابع إلى القبلة‪.‬‬ ‫‪ -2‬ال يفترش ذراعيه‪ ،‬بل يرفعهما ويجافي عضديه عن جنبيه‪ ،‬وبطنه عن‬ ‫فخذيه‪ ،‬وفخذيه عن ساقيه‪ ،‬ما لم يؤذ أحدا ً‪.‬‬ ‫‪ -3‬أن يثني أصابع رجليه بحيث تكون في اتجاه القبلة‪.‬‬ ‫‪ -4‬تمكين أعضاء السجود من األرض ومباشرتها لمحل السجود‪.‬‬ ‫ ال يجزئ السجود مع عدم استعالء األسافل على الرأس؛ ألنه ال يعد في هذه‬‫الحالة ساجدا ً‪ ،‬وأما االستعالء اليسير فال بأس به‪ ،‬وذلك بأن يعلو موضع رأسه على‬ ‫موضع قدميه يسيرا ً‪ ،‬ويكره الكثير‪.‬‬ ‫خامسا ا‪ :‬القيام من السجود‪:‬‬


‫‪41‬‬

‫كتــــــاب الصــــــــــالة‬

‫ ثم يرفع رأسه من السجود إلى الجلسة بين السجدتين‪ ،‬قائالً‪( :‬هللا أكبر)‪.‬‬‫ ويجلس مفترشا ً رجله اليسرى‪ ،‬وناصبًا اليمنى‪ ،‬فيخرجها من تحته‪ ،‬ويثني‬‫أصابعه نحو القبلة‪.‬‬ ‫ ويقول في ذلك الجلوس بين السجدتين‪( :‬رب اغفر لي)‪ ،‬ويكررها‪ ،‬والسنة‬‫تكرارها ثالث مرات فأكثر‪.‬‬ ‫وفي حال جلوسه بين السجدتين يبسط كفيه على فخذيه‪ ،‬أو يجعلهما على‬ ‫ركبتيه‪.‬‬ ‫سادسا ا‪ :‬السجود الثاني‪:‬‬ ‫ والسجدة الثانية كاألولى في كل شيء؛ سواء في الهيئة‪ ،‬أو في األذكار‬‫الواردة‪ ،‬فما وجب في األولى وجب في الثانية‪ ،‬وما كان سنةً في السجدة األولى‪ ،‬فهو‬ ‫كذلك في السجدة الثانية‪.‬‬ ‫سابعا ا‪ :‬الركعة الثانية‪:‬‬ ‫ ثم يرف ُع من السجود إلى الركعة الثانية قائالً‪( :‬هللا أكبر)‪ .‬وينهض على‬‫صدور قدميه‪ ،‬معتمدًا على ركبتيه إن سهل عليه ذلك‪ ،‬فإن شق عليه اعتمد بيديه على‬ ‫األرض‪.‬‬ ‫ ويصلي الركعة الثانية كالركعة األولى‪ ،‬في كل شيء عدا تكبيرة اإلحرام‪،‬‬‫ودعاء االستفتاح‪ ،‬وتجديد النية‪ ،‬فإنها ال تعاد في الركعة الثانية‪.‬‬ ‫ثامنا ا‪ :‬التشهد األول‪:‬‬ ‫ ثم بعد فراغه من الركعة الثانية يجلس للتشهد األول مفترشا ً‪ - ،‬كجلوسه بين‬‫السجدتين ‪ ،-‬ويضع يديه على فخذيه‪ ،‬ويقبض خنصر يده اليمنى وبنصرها‪ ،‬ويحلق‬ ‫إبهامها مع الوسطى‪ ،‬وال يحركها‪.‬‬ ‫ ويقول في جلسته تلك التشهد األول وجوبًا‪( :‬التحيات هلل‪ ،)...‬وقد ورد في‬‫السنة صيغ كثيرة للتشهد‪ ،‬عن ابن مسعود‪ ،‬وابن عباس‪ ،‬وعمر‪ ،‬وعائشة‪ ،‬وابن عمر‪،‬‬ ‫وغيرهم‪ ،‬وبأي تشهد تش ّهد المصلي مما صح عن النبي ^ جاز‪.‬‬


‫املنهج املختصر يف الفقه والعقيدة والدعوة‬

‫‪43‬‬

‫تاسعا ا‪ :‬التشهد األخير والتسليم‪:‬‬ ‫ ويقول في التشهد األخير عقبه الصالة اإلبراهيمية‪( :‬اللهم صل على محمد‪...‬‬‫إلخ)‪.‬‬ ‫ ويسن أن يقول المصلي بعد التشهد األخير‪ ،‬والصالة على النبي ^ أن يقول‬‫الدعاء المشهور االستعاذة من أربع‪.‬‬ ‫ كما يسن للمصلي بعد التشهد األخير أن يدعو بما شاء‪ ،‬واألفضل أن يكون‬‫دعاءه بما ورد‪.‬‬ ‫ ويسن له أن يجلس متوركا ً في التشهد األخير إن كانت الصالة ذات تشهدين‪،‬‬‫والتورك هو‪ :‬أن يفرش رجله اليسرى ويخرجها عن يمينه‪ ،‬وينصب اليمنى‪ ،‬جاعالً‬ ‫مقعدته على األرض‪.‬‬ ‫ ثم بعد ذلك يسلم عن يمينه وعن شماله‪ ،‬فيقول‪( :‬السالم عليكم ورحمة هللا)‪،‬‬‫وهذه إحدى صيغ السالم الواردة في السنة‪ ،‬وهي األكمل‪.‬‬ ‫يستحب الذكر بعد الصالة‪ ،‬واألذكار الواردة في ذلك كثيرة صحيحة‪.‬‬ ‫ إذا كان المصلي في صالة ثالثية كمغرب‪ ،‬أو رباعية كظهر‪ ،‬نهض مكبرا ً‬‫بعد التشهد األول قائما ً على صدور قدميه‪ ،‬ويرفع يديه‪ ،‬ويصلى ما بقي من صالته‬ ‫بالفاتحة‪ ،‬ويسر بالقراءة‪.‬‬


‫كتــــــاب الصــــــــــالة‬

‫‪44‬‬

‫من مكروهات الصالة‬

‫ االلتفات بالرأس يمينا ً أو يسارا ً‪ ،‬إال أنه يستثنى ما كان للحاجة‪ ،‬فيجوز‬‫االلتفات حينئذ‪ ،‬أما إذا التفت بجميع بدنه‪ ،‬ففي هذه الحالة تبطل صالته‪ ,‬لترك استقبال‬ ‫القبلة‪.‬‬ ‫ ويكره للمصلي أن يرفع بصره إلى السماء وهو في الصالة‪ ،‬وهو مذهب‬‫األئمة األربعة‪ ،‬وقال ابن حزم‪ :‬إنه محرم للوعيد في الحديث‪.‬‬ ‫ ويكره في الصالة تغميض العينين‪.‬‬‫ ويكره اإلقعاء في الصالة‪ ،‬واإلقعاء هو‪ :‬إلصاق األليتين باألرض‪ ،‬ونصب‬‫الساقين‪ ،‬ووضع اليدين على األرض‪ ،‬كما يقعي الكلب‪.‬‬ ‫ ويكره أن يفترش المصلي ذراعيه في السجود‪ ،‬وذلك بأن يضعهما على‬‫األرض‪ ،‬ويلصقهما بها‪.‬‬ ‫ ويكره العبث في الصالة ما لم يكن كثيرا ً‪ ،‬فإذا كان كثيرا ً أبطل الصالة‪،‬‬‫والمرجع في ذلك العرف‪.‬‬ ‫ ويكره في الصالة التخصر‪ ،‬وهو أن يضع يديه على خاصرته‪.‬‬‫ ويكره أن يفرقع أصابعه في الصالة‪ ،‬وأن يشبك بينها‪.‬‬‫ ويكره أن يصلي حاقنا ً‪ ،‬أو حاقبا ً‪ ،‬فإذا وصلت المدافعة إلى درجة ال يعي‬‫اإلنسان معها الصالة‪ ،‬فإن الصالة تبطل في هذه الحالة على الراجح‪.‬‬ ‫ وتكره الصالة بحضرة طعام تتوق نفسه إليه‪ ،‬وهو قادر على تناوله حسا ً‬‫وشرعا ً‪ ،‬فإذا اختل شرط من هذه الشروط الثالثة‪ ،‬فالصالة ال تكره‪.‬‬


‫املنهج املختصر يف الفقه والعقيدة والدعوة‬ ‫مما يتعلق بالصالة من السنن‬

‫‪45‬‬

‫ يسن لإلمام والمنفرد دون المأموم أن يرد من أراد المرور بينه وبين سترته‪،‬‬‫ورد المار ال يعد من العبث‪ ،‬ويدفعه باألسهل فاألسهل‪ ،‬فإن لم يندفع بسهولة‪ ،‬فليدفعه‬ ‫بشدة‪ ،‬ولو سقط المدفوع فمات‪ ،‬فال شيء على الدافع‪.‬‬ ‫والراجح أنه يجب رد المار بين يدي المصلي؛ لقول النبي ^‪« :‬فليدفعه»‪،‬‬ ‫وظاهر األمر الوجوب‪ ،‬وال صارف له‪.‬‬ ‫ ويسن للمصلي أن يصلي إلى سترة‪ ،‬سواء كان في سفر‪ ،‬أم في حضر‪ ،‬سواء‬‫خشي مارا ً‪ ،‬أم لم يخش مارا ً‪.‬‬ ‫وأقل طول للسترة‪ :‬مثل مؤخرة الرحل‪ ،‬وهي تارة تكون ذراعا ً‪ ،‬وتارة تكون‬ ‫دونه‪.‬‬ ‫وال حد لعرض السترة‪ ،‬فيجوز أن تكون دقيقة كالسهم‪.‬‬ ‫والسنة الدنو من السترة‪ ،‬وحد ذلك أن يجعل بينه وبينها قدر ثالثة أذرع‪،‬‬ ‫ويجعل بين موضع رأسه عند السجود وبين السترة‪ ،‬ممر شاة‪.‬‬ ‫ الجمهور على أن الصالة ال تبطل بمرور شيء‪ ،‬والراجح أن مرور المرأة‬‫البالغة‪ ،‬والحمار‪ ،‬والكلب األسود من أمام المصلي يقطع صالته‪ ،‬ويبطلها‪.‬‬ ‫ يجب على المصلي الفتح على اإلمام في الفاتحة‪ ،‬ويستحب له ذلك في غيرها‪.‬‬‫ وقت الفتح على اإلمام‪ :‬إذا وقف اإلمام وسكت‪ ،‬أما إذا كرر اآلية ورددها‪ ،‬أو‬‫انتقل إلى آية أخرى‪ ،‬أو شرع في الركوع فال يفتح عليه‪ ،‬فيسن للمأموم أال يعجل‬ ‫بالفتح‪.‬‬ ‫ تجوز الحركة اليسيرة في الصالة للحاجة‪ ،‬كما أن للمصلي أثناء صالته أن‬‫يقتل الحية‪ ،‬والعقرب‪ ،‬والقمل‪ ،‬ونحو ذلك‪.‬‬


‫‪46‬‬

‫كتــــــاب الصــــــــــالة‬

‫يشترط لبطالن الصالة بالحركة ثالثة شروط‪:‬‬ ‫‪ -9‬أن تكون طويلة عرفا ً‪ :‬أي ما اعتاد أوساط الناس أنه طويل‪.‬‬ ‫‪ -2‬أال تكون لضرورة‪ :‬كحالة خوف‪ ،‬أو هرب من عد ٍو‪.‬‬ ‫‪ -3‬أن تكون متوالية‪ :‬أي بغير تفريق‪ ،‬فيقوم بحركات متتابعة في ركعة واحدة‪.‬‬ ‫ولو عمل عمالً كثيرا ً في الصالة ساهيا ً من غير جنس الصالة‪ ،‬فإن الصالة‬ ‫تبطل‪ ،‬والحركة التي ليست من جنس الصالة تنقسم إلى خمسة أقسام‪:‬‬ ‫‪ -9‬حركة واجبة‪ :‬وهي الحركة التي يتوقف عليها صحة الصالة‪ ،‬كمن صلى‬ ‫إلى غير القبلة فتحرك للجهة الصحيحة‪.‬‬ ‫‪ -2‬حركة مندوبة‪ :‬وهي الحركة التي يتوقف عليها كمال الصالة‪ ،‬كما لو تبين‬ ‫له أنه متقدم على جيرانه في الصف‪ ،‬فتأخره سنة‪.‬‬ ‫‪ -3‬حركة مباحة‪ :‬وهي الحركة اليسيرة للحاجة‪ ،‬أو الكثيرة للضرورة‪ .‬كرجل‬ ‫يصلي في الظل فأحس ببرودة فتقدم‪ ،‬أو تأخر‪ ،‬من أجل الشمس‪ ،‬فهذه مباحة‪ ،‬وقد‬ ‫نقول‪ :‬إنها سنة إذا ترتب عليها خشوعه‪.‬‬ ‫‪ -4‬حركة مكروهة‪ :‬وهي الحركة اليسيرة لغير حاجة‪ ،‬وال يتوقف عليها كمال‬ ‫الصالة‪ .‬كإصالح الغترة‪ ،‬ونحو ذلك‪.‬‬ ‫‪ -5‬حركة محرمة‪ :‬وهي الحركة الكثيرة المتوالية لغير ضرورة‪.‬‬ ‫ إذا عرض أمر للمصلي في الصالة‪ ،‬فإنه يسبح‪ ،‬كما لو سها اإلمام في‬‫الصالة وأراد أن يعلمه بسهوه‪ ،‬أو استئذان شخص عليه‪ ،‬وهو يصلي منفردا ً‪ ،‬ونحو‬ ‫ذلك‪ ،‬فيقول الرجل‪( :‬سبحان هللا)‪ ،‬وتصفق المرأة‪.‬‬ ‫ إذا احتاج المصلي للبصاق فإنه يبصق عن يساره تحت قدمه اليسرى في‬‫مسج ٍد أرضه من التراب‪ ،‬وال يبصق عن يمينه وال أمام وجهه‪ ،‬وإذا كان في مسجد‬ ‫أرضه غير تراب‪ ،‬فال يبصق في األرض‪ ،‬ولكن يبصق في ثوبه‪.‬‬ ‫ يسن للمصلي أن يتعوذ باهلل تعالى إذا مر بآية وعيد‪ ،‬فله أن يقول‪ :‬أعوذ باهلل‬‫من ذلك‪ ،‬وأن يسأل الرحمة إذا مر بآية رحمة؛ كذكر الجنة‪ ،‬فيقول‪ :‬اللهم إني أسألك‬ ‫الجنة‪ ،‬وأن يسبح عند آية تسبيح خاصة في قيام الليل‪ ،‬ويجوز ذلك في الفريضة أيضا ً‪.‬‬


‫املنهج املختصر يف الفقه والعقيدة والدعوة‬ ‫أركان الصالة‪ ،‬وواجباتها‪ ،‬وسننها‬

‫‪47‬‬

‫أركان الصالة‪ ،‬وهي أربعة عشر ركنا ا‪ ،‬وهي‪:‬‬ ‫‪ -9‬القيام في الفرض على القادر‪.‬‬ ‫‪ -2‬تكبيرة اإلحرام وهي (هللا أكبر)‪.‬‬ ‫‪ -3‬قراءة الفاتحة‪.‬‬ ‫‪ -4‬الركوع‪ ،‬وأقله أن ينحني بحيث يمكنه مس ركبتيه بكفيه‪ ،‬وأكمله أن يمد‬ ‫ظهره مستويا ً‪ ،‬ويجعل رأسه حياله‪.‬‬ ‫‪ -5‬الرفع منه‪.‬‬ ‫‪ -6‬االعتدال قائما ً‪.‬‬ ‫‪ -7‬السجود‪ ،‬وأكمله تمكين جبهته وأنفه وكفيه وركبتيه وأطراف أصابع قدميه‬ ‫من محل سجوده‪ .‬وأقله وضع جزء من كل عضو‪.‬‬ ‫‪ -8‬الرفع من السجود‪.‬‬ ‫‪ -1‬الجلوس بين السجدتين‪.‬‬ ‫‪ -91‬الطمأنينة‪ ،‬وهي السكون في كل ركن فعلي‪.‬‬ ‫‪ -99‬التشهد األخير‪.‬‬ ‫‪ -92‬الجلوس له وللتسليمتين‪.‬‬ ‫‪ -93‬التسليمتان‪ ،‬وهو أن يقول مرتين‪ :‬السالم عليكم ورحمة هللا‪ ،‬ويكفي في‬ ‫النفل تسليمة واحدة‪ ،‬وكذا في الجنازة‪.‬‬ ‫‪ -94‬ترتيب األركان كما سبق‪ ،‬فلو سجد مثالً قبل ركوعه عمدا ً بطلت‪ ،‬وسهوا ً‬ ‫لزمه الرجوع ليركع ثم يسجد‪.‬‬ ‫واجبات الصالة (عند الحنابلة‪ ،‬وهي عند الجمهور سنة)‪ ،‬وهي ثمانية‪ ،‬وهي‪:‬‬ ‫‪ -9‬التكبير لغير اإلحرام‪.‬‬ ‫‪ -2‬قول‪( :‬سمع هللا لمن حمده) لإلمام وللمنفرد‪.‬‬ ‫‪ -3‬قول‪( :‬ربنا ولك الحمد)‪.‬‬ ‫‪ -4‬قول‪( :‬سبحان ربي العظيم) مرة في الركوع‪.‬‬ ‫‪ -5‬قول‪( :‬سبحان ربي األعلى) مرة في السجود‪.‬‬ ‫‪ -6‬قول‪( :‬رب اغفر لي) بين السجدتين‪.‬‬ ‫‪ -7‬التشهد األول‪.‬‬ ‫‪ -8‬الجلوس للتشهد األول‪.‬‬ ‫سنن الصالة القولية‪ ،‬وهي إحدى عشرة سنة‪ ،‬وهي‪:‬‬


‫‪48‬‬

‫كتــــــاب الصــــــــــالة‬

‫‪ -9‬قوله بعد تكبيرة اإلحرام‪( :‬سبحانك اللهم وبحمدك‪ ،‬وتبارك اسمك‪ ،‬وتعالى‬ ‫جدك‪ ،‬وال إله غيرك)‪ ،‬ويسمى دعاء االستفتاح‪.‬‬ ‫‪ -2‬التعوذ‪.‬‬ ‫‪ -3‬البسملة‪.‬‬ ‫‪ -4‬قول‪ :‬آمين‪.‬‬ ‫‪ -5‬قراءة السورة بعد الفاتحة‪.‬‬ ‫‪ -6‬الجهر بالقراءة لإلمام‪.‬‬ ‫‪ -7‬قول غير المأموم بعد التحميد‪( :‬ملء السماوات‪ ،‬وملء األرض‪ ،‬وملء ما‬ ‫شئت من شيء بعد)‪( ،‬والصحيح أنه سنة للمأموم أيضا ً)‪.‬‬ ‫‪ -8‬ما زاد على المرة في تسبيح الركوع‪ .‬أي التسبيحة الثانية والثالثة وما زاد‬ ‫على ذلك‪.‬‬ ‫‪ -1‬ما زاد على المرة في تسبيح السجود‪.‬‬ ‫‪ -91‬ما زاد على المرة في قوله بين السجدتين‪ :‬رب اغفر لي‪.‬‬ ‫‪ -99‬الصالة في التشهد األخير على آله ^‪ ،‬والبركة عليه وعليهم‪ ،‬والدعاء‬ ‫بعده‪.‬‬


‫املنهج املختصر يف الفقه والعقيدة والدعوة‬

‫كتاب الجهاد‬

‫إعداد‪/‬‬ ‫د‪ .‬عبد الله بن محمد المحيسني‬

‫‪49‬‬


‫كتــــــاب اجلهــــــــاد‬

‫‪51‬‬

‫اجلهاد‬

‫(‪)1‬‬

‫يقول ابن حزم ‪( : /‬وال إثم بعد الكفر من إثم من نهى عن جهاد الكفار‪ ،‬وأمر‬ ‫بإسالم حريم المسلمين إليهم)‪.‬‬ ‫هذا مختصر في بعض أبواب الجهاد للمبتدئين‪ ،‬قسمناه على ثمانية أبواب‪ ،‬هي‪:‬‬ ‫أو الا‪ :‬تعريف الجهاد‪:‬‬ ‫الجهاد لغة‪ :‬هو‪ :‬بذل واستفراغ ما في الوسع والطاقة من قول أو فعل‪.‬‬ ‫الجهاد شرعا ا‪ :‬هو‪ :‬بذل الجهد من المسلمين في قتال الكفار المعاندين‬ ‫المحاربين‪ ،‬والمرتدين‪ ،‬والبغاة ونحوهم؛ إلعالء كلمة هللا تعالى‪.‬‬ ‫ثانيا ا‪ :‬أهداف الجهاد والحكمة من مشروعيته‪:‬‬ ‫بين هللا تعالى الحكمة والغاية من الجهاد في سبيل هللا تعالى‪ ،‬فقال سبحانه‪:‬‬ ‫* ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ‬ ‫ﯥ ﯦ&[األنفال‪ ،]31:‬وقال تعالى‪* :‬ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ‬

‫ﮅ ﮆ&[البقرة‪.]913:‬‬ ‫قال الشيخ عبد العزيز بن باز ‪( :/‬الجهاد نوعان‪ :‬جهاد طلب‪ ،‬وجهاد دفاع‪،‬‬ ‫والمقصود منهما جميعا ً هو تبليغ دين هللا‪ ،‬ودعوة الناس إليه‪ ،‬وإخراجهم من الظلمات‬ ‫(‪)2‬‬

‫إلى النور‪ ،‬وإعالء دين هللا في أرضه‪ ،‬وأن يكون الدين كله هلل وحده‪. )...‬‬ ‫وذكر بعض العلماء‪ :‬أن الحكمة من مشروعية الجهاد‪ ،‬وأهم أهدافه‪ ،‬ما يلي‪:‬‬ ‫الهدف األول‪ :‬إعالء كلمة هللا تعالى‪ ،‬ودل على ذلك الحديث المتفق عليه عن‬ ‫أبي موسى األشعري قال‪( :‬جاء رجل إلى النبي ^ فقال‪ :‬يا رسول هللا! الرجل يقاتل‬ ‫للمغنم‪ ،‬والرجل يقاتل ليذكر‪ ،‬والرجل يقاتل ليرى مكانه‪ ،‬فمن في سبيل هللا؟! قال‪:‬‬ ‫«من قاتل لتكون كلمة هللا هي العليا فهو في سبيل هللا»)‪.‬‬ ‫الهدف الثاني‪ :‬نصر المظلومين‪ ،‬قال تعالى‪* :‬ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ‬ ‫ﭙﭚﭛ ﭜﭝ ﭞﭟﭠﭡﭢ ﭣﭤﭥﭦﭧﭨﭩﭪﭫﭬ‬

‫ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ&[النساء‪.]75:‬‬ ‫(‪ )1‬في المحلى (‪.)478/7‬‬ ‫(‪ )2‬انظر‪ :‬مجموع فتاوى ابن باز (‪.)71/98‬‬


‫املنهج املختصر يف الفقه والعقيدة والدعوة‬

‫‪55‬‬

‫الهدف الثالث‪ :‬رد العدوان وحفظ اإلسالم‪ ،‬قال هللا تعالى‪* :‬ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ‬ ‫ﮋ ﮌﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ‬ ‫ﮟ&[البقرة‪ .]914:‬وقال سبحانه‪ * :‬ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧﭨ ﭩ‬ ‫ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸﭹ‬

‫ﭺ ﭻ ﭼ ﭽﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ&[الحج‪.]41:‬‬ ‫ثالثا ا‪ :‬مراتب الجهاد‪:‬‬ ‫(‪)1‬‬

‫يقول ابن القيم ‪( : /‬الجهاد أربع مراتب‪ :‬جهاد النفس‪ ،‬وجهاد الشيطان‪ ،‬وجهاد‬ ‫الكفار‪ ،‬وجهاد المنافقين‪.‬‬

‫(‪ )1‬في زاد المعاد (‪.)99-1/3‬‬


‫‪51‬‬

‫كتــــــاب اجلهــــــــاد‬

‫فجهاد النفس أربع مراتب أيضا ا‪:‬‬ ‫إحداها‪ :‬أن يجاهدها على تعلم الهدى ودين الحق‪ ،‬الذي ال فالح لها وال سعادة‬ ‫في معاشها ومعادها إال به‪ ،‬ومتى فاتها عمله شقيت في الدارين‪.‬‬ ‫الثانية‪ :‬أن يجاهدها على العمل به بعد علمه‪ ،‬وإال فمجرد العلم بال عمل إن لم‬ ‫يضرها لم ينفعها‪.‬‬ ‫الثالثة‪ :‬أن يجاهدها على الدعوة إليه وتعليمه من ال يعلمه‪ ،‬وإال كان من الذين‬ ‫يكتمون ما أنزل هللا من الهدى والبينات‪ ،‬وال ينفعه علمه‪ ،‬وال ينجيه من عذاب هللا‪.‬‬ ‫الرابعة‪ :‬أن يجاهدها على الصبر على مشاق الدعوة إلى هللا وأذى الخلق‪،‬‬ ‫ويتحمل ذلك كله هلل‪.‬‬ ‫فإذا استكمل هذه المراتب األربع صار من الربانيين‪ ،‬فإن السلف مجمعون على‬ ‫أن العالم ال يستحق أن يسمى ربانيا ً حتى يعرف الحق‪ ،‬ويعمل به‪ ،‬ويعلمه‪ ،‬فمن علم‬ ‫وعمل وعلم؛ فذاك يدعى عظيما ً في ملكوت السماوات‪.‬‬ ‫وأما جهاد الشيطان فمرتبتان‪:‬‬ ‫إحداهما‪ :‬جهاده على دفع ما يلقي إلى العبد من الشبهات والشكوك القادحة في‬ ‫اإليمان‪.‬‬ ‫الثانية‪ :‬جهاده على دفع ما يلقي إليه من اإلرادات الفاسدة والشهوات‪.‬‬ ‫فالجهاد األول يكون بعده اليقين‪ ،‬والثاني يكون بعده الصبر‪ ،‬قال تعالى‪:‬‬ ‫*ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ&[السجدة‪.]24:‬‬ ‫فأخبر أن إمامة الدين إنما تنال بالصبر واليقين‪ ،‬فالصبر يدفع الشهوات‬ ‫واإلرادات الفاسدة‪ ،‬واليقين يدفع الشكوك والشبهات‪.‬‬ ‫وأما جهاد الكفار والمنافقين فأربع مراتب‪:‬‬ ‫بالقلب‪ ،‬واللسان‪ ،‬والمال‪ ،‬والنفس‪.‬‬ ‫وجهاد الكفار أخص باليد‪ ،‬وجهاد المنافقين أخص باللسان‪.‬‬ ‫وأما جهاد أرباب الظلم والبدع والمنكرات فثالث مراتب‪:‬‬ ‫األولى‪ :‬باليد إذا قدر‪ ،‬فإن عجز انتقل إلى اللسان‪ ،‬فإن عجز جاهد بقبله‪.‬‬ ‫فهذه ثالثة عشر مرتبة من الجهاد‪..‬‬ ‫تعدد النوايا في الجهاد ‪:‬‬ ‫يتضاعف أجر العمل الواحد بتعدد نيات عامله‪ ،‬فالمقاتل في سبيل هللا تعالى‬ ‫يمكن أن يجمع نيا ٍ‬ ‫ت كثيرة ً عند جهاده‪ ،‬كاالنقياد ألمر هللا‪ ،‬وإعالء كلمته‪ ،‬ونصرة‬ ‫المستضعفين‪ ،‬وفكاك المأسورين‪ ،‬وحفظ حوزة المسلمين‪ ،‬وإغاظة الكافرين‪ ،‬إلى غير‬ ‫ذلك من المقاصد التي تندرج تحت هذه العبادة‪ ،‬فاستحضار النية لكل ذلك يزيد في‬ ‫الثواب‪ ،‬فهذه دعوة لكسب مزيد من الحسنات‪ ،‬نعم‪ ..‬فلنكن تجار نوايا كما كان يفعل‬


‫املنهج املختصر يف الفقه والعقيدة والدعوة‬

‫‪53‬‬

‫الصحابة فهم كانوا إذا هم أحدهم بفعل أي شيء كان يعدد النواياويستحضرها فى‬ ‫نفسه حتى يأخذ أكثر من أجر على العمل الواحد‪ ،‬وقد ورد في الحديث الصحيح‪:‬‬ ‫"إنما األعمال بالنيات وإنما لكل امرئ ما نوى" فعندما تتعدد النيات على العمل‬ ‫الواحد يتضاعف األجر فتكسب أجرا على كل نيه تنويها على نفس العمل الذي تؤديه‬ ‫مرة واحدة‪.‬‬ ‫رابعا ا‪ :‬حكم الجهاد‪:‬‬ ‫جنس الجهاد فرض عين‪ :‬إما بالقلب‪ ،‬وإما باللسان‪ ،‬وإما بالمال‪ ،‬وإما باليد‪.‬‬ ‫فيجب على المسلم أن يجاهد في سبيل هللا بنوع من هذه األنواع حسب الحاجة‬ ‫والقدرة‪ .‬واألمر بالجهاد بالنفس والمال كثير في القرآن والسنة‪ ،‬وقد ثبت من حديث‬ ‫أنس أن النبي ^ قال‪« :‬جاهدوا المشركين بألسنتكم‪ ،‬وأنفسكم‪ ،‬وأموالكم‪ ،‬وأيديكم»‬ ‫أخرجه أبو داود بسند صحيح‪.‬‬ ‫(‪)1‬‬

‫يقول ابن القيم ‪( : /‬والتحقيق أن جنس الجهاد فرض عين؛ إما بالقلب‪ ،‬وإما‬ ‫باللسان‪ ،‬وإما بالمال‪ ،‬وإما باليد‪ ،‬فعلى كل مسلم أن يجاهد بنوع من هذه األنواع)‪.‬‬ ‫أما باعتبار أنواعه‪ ،‬فالجهاد باعتبار أنواعه يختلف حكمه‪ ،‬فجهاد النفس ينقسم‬ ‫إلى قسمين‪:‬‬ ‫القسم األول‪ :‬جهاد الطلب‪:‬‬ ‫وهو طلب قتال الكفار وغزوهم في بالدهم إلعالء كلمة هللا‪ ،‬وليكون الدين كله‬ ‫هلل ‪-‬بشرط بلوغ الدعوة‪ ،-‬فهذا فرض كفاية إذا قام به من يكفي سقط اإلثم عن الباقين‪،‬‬ ‫لقوله تعالى‪* :‬ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬﭭ&[النساء‪،]15:‬‬ ‫وقوله تعالى‪ * :‬ﯦﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ‬

‫ﯶ ﯷ ﯸ ﯹ ﯺ ﯻ&[التوبة‪ .]922:‬ولقوله ^ فيما روى البخاري عن أبي‬ ‫هريرة‪« :‬من آمن باهلل وبرسوله‪ ،‬وأقام الصالة‪ ،‬وصام رمضان‪ ،‬كان حقا ا على هللا أن‬ ‫يدخله الجنة‪ ،‬جاهد في سبيل هللا أو جلس في أرضه التي ولد فيها»‪.‬‬ ‫شروط جهاد الطلب‪:‬‬ ‫وهذه الشروط هي شروط وجوب ال صحة ‪ -‬عدا ما يتعلق باإلسالم – أي أنّها‬ ‫ال تجب على من توفرت فيه‪ ،‬لكنه لو جاهد؛ صح منه ‪.‬‬

‫(‪ )1‬في زاد المعاد (‪.)64/3‬‬


‫‪54‬‬

‫كتــــــاب اجلهــــــــاد‬

‫‪ -5‬اإلسالم‪ :‬وهو من شروطه؛ ألن الجهاد إنما شرع ألجل قتال الكفار‪،‬‬ ‫والشخص ال يخاطب بقتل نفسه‪ ،‬أضف إلى ذلك كونه غير مأمون في الجهاد غالبا ً‪،‬‬ ‫وفي مسلم قال ^ لكافر أراد أن يصيب معه‪« :‬ارجع‪ ،‬فلن أستعين بمشرك»‪.‬‬ ‫‪ -1‬العقل‪ :‬فالمجنون ال يتأتى منه الجهاد‪ ،‬لما روى الثالثة قال ^‪ « :‬رفع القلم‬ ‫عن ثالثة‪ :‬عن المجنون المغلوب على عقله حتى يفيق‪ ،‬وعن النائم حتى يستيقظ‪،‬‬ ‫وعن الصبي حتى يحتلم»‪.‬‬ ‫‪ -3‬البلوغ‪ :‬وقد روى الشيخان عن ابن عمر‪ :‬أن رسول هللا ^ عرضه يوم أحد‬ ‫وهو ابن أربع عشرة سنة‪ ،‬قال‪ :‬فلم يجزن‪ ،‬ثم عرضني يوم الخندق وأنا ابن خمس‬ ‫عشرة سنة فأجازني‪.‬‬ ‫‪ -4‬الذكورية‪ :‬لقوله ^ عندما سألته عائشة‪ :‬هل على النساء جهاد؟ فقال‪:‬‬ ‫«عليهن جهاد ال قتال فيه‪ ،‬الحج والعمرة»‪ .‬ولكن يمكن أن يخرجن ‪ -‬مع وجود األمن‬ ‫عليهن ‪ -‬للخدمة‪ ،‬والمداواة‪ ،‬ونحو ذلك‪ ،‬فقد روى البخاري عن الربيع قالت‪ « :‬كنا‬ ‫نغزو مع النبي ^ فنسقي القوم ونخدمهم»‪.‬‬ ‫‪ -5‬الحرية‪ :‬فالمملوك منفعته لمالكه‪ ،‬وفي صحيح مسلم‪( :‬بايع النبي ^ عبد على‬ ‫الهجرة ولم يشعر أنه عبد‪ ،‬فجاء سيده يريده‪ ،‬فقال ^‪« :‬بعنيه»‪ ،‬فاشتراه‪ ،‬ثم لم يبايع‬ ‫أحدًا بعد حتى يسأله‪« :‬أعبد هو؟»)‪.‬‬ ‫‪ -6‬السالمة من الضرر‪ :‬كالعمى والعرج الفاحش والمرض الشديد الذي يمنعه‬ ‫القتال؛ لقول هللا تعالى‪* :‬ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ&[النور‪.]69:‬‬ ‫وقوله تعالى‪* :‬ﭖ ﭗ ﭘ&[النساء‪.]15:‬‬ ‫‪ -7‬القدرة على مؤنة الجهاد‪ :‬أي القدرة على الزاد والراحلة ونفقة عائلته؛ لقوله‬ ‫‪* :Q‬ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ&[التوبة‪ .]19:‬وقوله تعالى‪* :‬ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ‬ ‫ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ&[التوبة‪ .]12:‬وكذا القدرة اإلعدادية؛ وهي‬ ‫آلة الحرب‪ ،‬والقدرة العددية لقوله تعالى‪* :‬ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫﮬ ﮭ ﮮ‬

‫ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ&[األنفال‪ .]66:‬فالعدد مشترط للثبات‬ ‫الواجب‪ ،‬فكيف بالطلب ابتداء‪.‬‬ ‫القسم الثاني‪ :‬جهاد الدفع‪:‬‬ ‫وهو قتال الدفاع عن البلد المسلم الذي وطئه الكفار‪ ،‬وهو فرض عين على‬ ‫أهلها ممن يستطيع القتال‪ ،‬فإن عجزوا تعين على من يليهم من بالد المسلمين ممن لهم‬ ‫قدرة على القتال‪ ،‬ومحل التعين على من بقربهم إن لم يخشوا على نسائهم وبيوتهم من‬ ‫عدو بتشاغلهم بمعاونة من فجأهم العدو‪.‬‬


‫املنهج املختصر يف الفقه والعقيدة والدعوة‬

‫‪55‬‬

‫وهذه إحدى الحاالت التي يتعين فيها الجهاد‪ ،‬فالجهاد يتعين في أربعة مواضع‪:‬‬ ‫‪ -9‬إذا حضر المسلم المكلف القتال والتقى الزحفان وتقابل الصفان‪ ،‬قال هللا‬ ‫تعالى‪ * :‬ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ‬ ‫ﯵ&[األنفال‪ ،]45:‬وقال تعالى‪* :‬ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ‬ ‫ﯤﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ‬

‫ﯶﯷ ﯸ ﯹ ﯺ&[األنفال‪ .]96-95:‬وذكر النبي ^ أن التولي يوم الزحف من السبع‬ ‫الموبقات‪ ،‬كما في الحديث المتفق عليه‪.‬‬


‫كتــــــاب اجلهــــــــاد‬

‫‪56‬‬

‫ويستثنى من تحريم الفرار ثالث حاالت‪:‬‬ ‫األولى‪ :‬أن يكون الفرار تحرفا ً لقتال‪.‬‬ ‫الثانية‪ :‬أن يكون الفرار تحيزا ً إلى فئة من المسلمين‪ ،‬ولو بعدت‪.‬‬ ‫الثالثة‪ :‬أن يزيد عدد الكفار على ضعف المسلمين‪ ،‬فيجوز الفرار حينئذ‪.‬‬ ‫‪ -2‬إذا حضر العدو بلدا ً من بلدان المسلمين تعين على أهل البالد قتاله وطرده‬ ‫منها‪ ،‬ويلزم المسلمين أن ينصروا ذلك البلد إذا عجز أهله عن إخراج العدو‪ ،‬ويبدأ‬ ‫الوجوب باألقرب فاألقرب‪ ،‬قال هللا تعالى‪* :‬ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ‬ ‫ﭙ ﭚ ﭛﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ&[التوبة‪.]923:‬‬ ‫‪ - 3‬إذا استنفر إمام المسلمين الناس وطلب منهم ذلك‪ ،‬قال هللا تعالى‪* :‬ﭑ‬ ‫ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ‬ ‫ﭡ&[التوبة‪ ،]49:‬وقال هللا تعالى‪* :‬ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ‬ ‫ﮀ ﮁ ﮂﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ‬

‫ﮑ ﮒ&[التوبة‪.]38:‬‬ ‫وعن ابن عباس ب قال‪ :‬قال رسول هللا ^‪ « :‬ال هجرة بعد الفتح‪ ،‬ولكن جهاد‬ ‫ونية‪ ،‬وإذا استنفرتم فانفروا»‪.‬‬ ‫(‪)1‬‬ ‫قال الشيخ العثيمين ‪( : /‬وال يشترط أن يكون إماما ً عاما ً للمسلمين؛ ألن‬ ‫اإلمامة العامة انقرضت من أزمنة متطاولة‪ ،‬والنبي ^ قال‪« :‬اسمعوا وأطيعوا‪ ،‬ولو‬ ‫تأمر عليكم عبد حبشي»‪ ،‬فإذا تأمر إنسان على جهة ما‪ ،‬صار بمنزلة اإلمام العام‪،‬‬ ‫وصار قوله نافذا ً‪ ،‬وأمره مطاعا ً‪.)..‬‬ ‫‪ - 4‬إذا احتيج إليه بذاته في القتال‪ ،‬كمن ال يعرف سالحا ً معينا ً سواه‪ ،‬وكطالب‬ ‫العلم في مرحلتنا هذه في الشام‪ ،‬حيث يفشوا الجهل ويغتر وتفتر همم المجاهدين مما‬ ‫جعل الحاجة لطالب العلم ملحة‪ ،‬وال يقال أن الحاجة لطالب العلم في كل بقاع‬ ‫األرض فإنما قلنا بفرضيته على طالب العلم اآلن بالشام؛ ألن أهل العلم قرروا أن كل‬ ‫ما يحتاج إليه بذاته دفع العدو ‪ ...‬وجب في حقه النفر‪ ،‬ونحن هنا في أرض الشام‬ ‫نرى الحاجة ماسة لطالب العلم المجاهدون‪ ،‬ال يثبتهم في المعارك بعد هللا إال أهل‬ ‫(‪ )1‬في الشرح الممتع (‪.)92 /8‬‬


‫املنهج املختصر يف الفقه والعقيدة والدعوة‬

‫‪57‬‬

‫العلم والنزاعات الشرعية بينهم ال يحلها سوى طالب العلم‪ ،‬وغير ذلك كثير مما‬ ‫يتعلق بالجهاد‪.‬‬ ‫شرط جهاد الدفع‪:‬‬ ‫قرر الفقهاء أن شروط جهاد الطلب تسقط في جهاد الدفع‪ ،‬بدليل‪ :‬أنه لما أغار‬ ‫قوم على لقاح النبي ^ تبعهم سلمة بن األكوع بغير إذن‪ ،‬فاستخلص ما بأيديهم‪ ،‬فمدحه‬ ‫النبي ^ فقال‪« :‬خير رجالتنا سلمة» رواه مسلم‪ ،‬ففيه سقوط أذن ولي األمر في الدفع‪،‬‬ ‫وفيه كذلك عدم اشتراط القوة والعدد؛ ألنه ا كان واحدا ً في مقابل سرية‪.‬‬ ‫(‪)1‬‬ ‫قال ابن القيم ‪( :‬فقتال الدفع أوسع من قتال الطلب وأعم وجوبا ً‪ ،‬ولهذا يتعين‬ ‫على كل أحد‪ ،‬ويعم‪ ،‬فيجاهد فيه العبد بإذن سيده وبدون إذنه‪ ،‬والولد بدون إذن أبويه‪،‬‬ ‫والغريم بغير إذن غريمه‪ ،‬وهذا كجهاد المسلمين يوم أحد والخندق‪.‬‬ ‫وال يشترط في هذا النوع من الجهاد أن يكون العدو ضعفي المسلمين فما دون‪،‬‬ ‫فإنهم كانوا يوم أحد والخندق أضعاف المسلمين‪ ،‬فكان الجهاد واجبا ً عليهم؛ ألنه حينئذ‬ ‫جهاد ضرورة ودفع ال جهاد اختيار)‪.‬‬ ‫مسألة‪:‬‬ ‫إذا تيقن عدم القدرة على مقاومة العدو‪ ،‬وحصول الفتنة بالدين‪ ،‬وجب الفرار‬ ‫إلى مكان يسلمون فيه على دينهم؛ لقوله تعالى في ذلك‪* :‬ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗﮘ‬ ‫ﮙ ﮚ ﮛﮜ ﮝ ﮞ ﮟ&[النساء‪ ،]17:‬ولقوله ^‪« :‬من سمع بالدجال فلينأ عنه»‪،‬‬ ‫وقول هللا ‪ Q‬لعيسى × في مواجهة يأجوج ومأجوج‪« :‬حرز عبادي إلى الطور»‪.‬‬ ‫قال الكاساني في بدائع الصنائع (‪( :)18/7‬الغزاة إذا جاءهم جمع من‬ ‫المشركين ما ال طاقة لهم به‪ ،‬وخافوهم أن يقتلوهم‪ ،‬فال بأس أن ينحازوا إلى بعض‬ ‫أمصار المسلمين)‪.‬‬ ‫وقال شيخ اإلسالم ابن تيمية في مجموع الفتاوى (‪( :)316/28‬ومن كان‬ ‫عاجزا ً عن إقامة الدين بالسلطان والجهاد؛ ففعل ما يقدر عليه من النصيحة بقلبه‬ ‫والدعاء لألمة‪ ،‬ومحبة الخير وفعل ما يقدر عليه من الخير؛ لم يكلف ما يعجز)‪.‬‬ ‫خامسا ا‪ :‬من يمنع قتاله من الكافرين‪ ،‬ويشرع قتاله من المسلمين‪:‬‬ ‫‪ - 5‬من يمنع قتاله من الكافرين‪:‬‬

‫(‪ )1‬في كتاب الفروسية (ص ‪.)16‬‬


‫كتــــــاب اجلهــــــــاد‬

‫‪58‬‬

‫جاء في اإلسالم المنع من قتل بعض أنواع الكفار‪ ،‬بل جعل قتلهم من أعظم‬ ‫الذنوب‪ ،‬وهم من عرف عند العلماء بالمعصومة دماؤهم‪ ،‬والمعصوم دمه من الكفار‬ ‫ثالثة أقسام‪:‬‬ ‫األول‪ :‬الذمي‪ :‬وهو الذي أقام بدار اإلسالم إقامة دائمة بأمان مؤبد‪ ،‬ويجري‬ ‫عليه حكم اإلسالم‪.‬‬ ‫الثاني‪ :‬المعاهد‪ :‬وهو المقيم ببلده‪ ،‬وبينه وبين أهل اإلسالم عهد‪ ،‬وال يجري‬ ‫عليه أحكام اإلسالم‪.‬‬ ‫الثالث‪ :‬المستأمن‪ :‬وهو الكافر الحربي الذي يؤمنه أحد المسلمين‪ ،‬وعرفه‬ ‫بعضهم بأنه الكافر الحربي الذي يدخل دار اإلسالم بغير استيطان وبأمان مؤقت‪.‬‬ ‫وكذلك يكون مستأمنا ً إذا رأى من المسلمين إشارة تدل على األمان‪ ،‬ولو كان ذلك في‬ ‫أثناء الحرب‪.‬‬ ‫(‪)1‬‬

‫قال ابن تيمية ‪( :‬الحربي إذا قلت له أو عملت معه ما يعتقد أنه أمان‪ ،‬صار له‬ ‫أمان)‪.‬‬ ‫الفرق بين المستأمن وغيره‪:‬‬ ‫(‪)2‬‬

‫وفي الفرق بين المستأمن وغيره‪ ،‬يقول ابن القيم ‪( :‬فإن األمان يجوز عقده‬ ‫لكل كافر‪ ،‬ويعقده كل مسلم‪ ،‬وال يشترط على المستأمن شيء من الشروط‪ ،‬والذمة ال‬ ‫يعقدها إال اإلمام أو نائبه)‪.‬‬ ‫حاالت العهد مع الكفار‪:‬‬ ‫لنا مع المشركين في حالة العهد ثالث حاالت‪:‬‬ ‫الحالة األولى‪ :‬أن ال يكون بيننا وبينهم عهد‪ ،‬فيجب قتالهم بعد دعوتهم إلى‬ ‫اإلسالم وإبائهم عنه وعن بذل الجزية‪ ،‬بشرط قدرتنا على ذلك‪.‬‬ ‫الحالة الثانية‪ :‬أن يكون بيننا وبينهم عهد محفوظ يستقيمون فيه‪ ،‬فهنا يجب‬ ‫الوفاء لهم بعدهم‪ ،‬لقوله تعالى‪* :‬ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ‬ ‫ﭪ&[التوبة‪ ،]7:‬وقوله‪* :‬ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡﮢ&[التوبة‪.]4:‬‬

‫(‪ )1‬في الصارم المسلول (‪.)418/9‬‬ ‫(‪ )2‬في أحكام أهل الذمة (‪.)9449/3‬‬


‫املنهج املختصر يف الفقه والعقيدة والدعوة‬

‫‪59‬‬

‫الحالة الثالثة‪ :‬أن يكون بيننا وبينهم عهد نخاف خيانتهم فيه‪ ،‬فهنا يجب أن ننبذ‬ ‫إليهم العهد ونخبرهم أنه ال عهد بيننا‪ ،‬لقوله تعالى‪* :‬ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ‬ ‫ﮤ ﮥﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ&[األنفال‪.]58:‬‬ ‫ضوابط نبذ العهد‪:‬‬ ‫الكالم هنا عن الخديعة في العهد حق الكفار في الحرب‪ ،‬وأما الخديعة في حق‬ ‫المسلمين‪ ،‬أو في حق غير المسلمين في غير الحرب‪ ،‬فهي من المحرمات المعلومات‬ ‫من الدين بالضرورة‪.‬‬ ‫وهنا ضابطان مهمان‪:‬‬ ‫‪ – 9‬ال تجوز خديعة الكفار وغدرهم في الحرب إذا كان بينهم وبين المسلمين‬ ‫عهد‪ ،‬حتى ولو كانت الخيانة تخشى من جانبهم‪ .‬إال إذا نبذنا إليهم العهد فتجوز في‬ ‫حالة خشية غدرهم وخديعتهم ‪ ،‬قال تعالى‪{ :‬فأتموا إليهم عهدهم إلى مدتهم} [التوبة ‪:‬‬ ‫‪ ،]4‬وقال تعالى‪{ :‬فما استقاموا لكم فاستقيموا لهم} [التوبة ‪.]7 :‬‬ ‫‪ – 2‬ال يجوز نقض عهدهم بمجرد األوهام‪ ،‬أو التخرصات‪ ،‬بل ال من معرفة‬ ‫عزمهم على الخيانة بما يدل على ذلك من أمارات وعالمات‪.‬‬ ‫انظر لما سبق‪ :‬حاشية ابن عابدين ‪ ،224 / 3‬شرح روض الطالب ‪،225 / 4‬‬ ‫المغني ‪ ،462 / 8‬الموسوعة الفقهية (‪)34 /91‬‬


‫‪61‬‬

‫كتــــــاب اجلهــــــــاد‬

‫مسألة ‪ :‬ه ل تؤخذ الجزية من أهل الكتاب في بالد الشام اليوم؟‬ ‫الذي نراه أن الكتائب المجاهدة اليوم لم يستقر لها األمر والتمكين في بالد الشام‬ ‫ّ‬ ‫فتتوطد دولة اإلسالم المو ّحدة ويستقر الحكم فيها‪،‬‬ ‫حتى تنتصر على النظام النصيري‬ ‫بحيث يكون لها القدة على حماية أرضها وشعبها وأهل الكتاب الذين يعيشون تحت‬ ‫كنفها من عدو داخلي أو خارجي ‪.‬‬ ‫وعليه فال تؤخذ اليوم من أهل الكتاب المسالمين في بالد الشام جزية ألمرين‪:‬‬ ‫األول‪ :‬أن عقد الذمة ال يكون إال من اإلمام أو نائبه‪ ،‬وليس قادة الكتائب‬ ‫المجاهدة في هذا المحل‪ ،‬حتى يقضي هللا بالنصر واجتماع أهل الحل والعقد في الشام‬ ‫على إمام لهم ‪.‬‬ ‫أمر‬ ‫الثاني‪ :‬أن الجزية مقابل أن تلتزم الدولة اإلسالمية بحماية أهل الذمة‪ ،‬وهذا ٌ‬ ‫وفر‪ ،‬يحرر‬ ‫كر ّ‬ ‫لم يستقر أيضا في بالد الشام كما هو معلوم‪ ،‬فال تزال الحرب ٌّ‬ ‫المجاهدون بلدة وينسحبون من أخرى بحسب جهدهم وطاقتهم‪.‬‬ ‫‪ -1‬من يشرع قتاله من المسلمين‪:‬‬ ‫هذه هي الطوائف التي يباح دمها من أهل القبلة‪ ،‬وهي قسمان‪:‬‬ ‫األول‪ :‬قطاع الطرق‪ ،‬وهم قوم امتنعوا من طاعة اإلمام‪ ،‬وخرجوا عن قبضته‬ ‫بغير تأويل‪.‬‬ ‫الثاني‪ :‬البغاة‪ ،‬وهم قوم يخرجون عن اإلمام الشرعي يريدون خلعه لتأويل‪،‬‬ ‫وفيهم منعة يحتاج في كفهم إلى جمع الجيش‪ ،‬فيجب على الناس معونة إمامهم في‬ ‫قتالهم‪.‬‬


‫املنهج املختصر يف الفقه والعقيدة والدعوة‬

‫‪65‬‬

‫سادسا ا‪ :‬حكم األسرى‪:‬‬ ‫اإلمام مخير في األسرى بين أحد أربعة أمور‪:‬‬ ‫إما القتل‪ ،‬وإما االسترقاق‪ ،‬وإما الفداء بمال أو أسرى‪ ،‬وإما أن يمن عليهم‪ .‬وهو‬ ‫مذهب الشافعية‪ ،‬والحنابلة‪.‬‬ ‫سابعا ا‪ :‬أحكام الغنيمة والفيء‪:‬‬ ‫الغنيمة‪ :‬هي المال المأخوذ من أهل الحرب بالقتال على سبيل القهر والغلبة‪.‬‬ ‫(‪)1‬‬

‫قال القرطبي ‪( : /‬سمى الشرع الواصل من الكفار إلينا من األموال باسمين‪:‬‬ ‫غنيمة وفيئا ً‪:‬‬ ‫فالشيء الذي يناله المسلمون من عدوهم بالسعي وإيجاف الخيل والركاب يسمى‬ ‫غنيمة‪ .‬والفيء‪ :‬هو كل مال دخل على المسلمين من غير حرب وال إيجاف‪ ،‬كخراج‬ ‫األرضين‪ ،‬وجزية الجماجم‪ ،‬وخمس الغنائم)‪.‬‬ ‫الغلول‪ :‬وهو الخيانة في المغنم‪ ،‬فهو كتم الغنيمة‪ ،‬أو بعضها‪ ،‬سواء كان هذا‬ ‫األخذ من أمير الجيش‪ ،‬أو من أحد الغزاة قبل القسمة‪.‬‬ ‫والغلول من الغنيمة والفيء حرام قليله وكثيره‪ ،‬كما دل على ذلك الكتاب والسنة‬ ‫وإجماع األمة‪.‬‬

‫(‪ )1‬في الجامع ألحكام القرآن (‪.)9/8‬‬


‫كتــــــاب اجلهــــــــاد‬

‫‪61‬‬

‫وللغال من الغنيمة والفيء عقوبتان‪:‬‬ ‫العقوبة األولى‪ :‬عقوبة أخروية إذا مات ولم يتب ويتحلل مما غل‪ ،‬وهي أن‬ ‫الغال يأتي يوم القيامة بما غل يحمله معذبا ً به وموبخا ً بإظهار خيانته على رءوس‬ ‫األشهاد‪ ،‬وأنه يحرم الفوز بالشهادة‪ ،‬ويعذب في النار‪.‬‬ ‫العقوبة الثانية‪ :‬عقوبة دنيوية وتكون عامة وخاصة‪.‬‬ ‫فأما العامة‪ :‬فإن الغلول ما ظهر في قوم إال ألقي في قلوبهم الرعب وتأخر‬ ‫النصر عنهم‪ ،‬كما جاء عن ابن عباس ي قال‪( :‬ما ظهر الغلول في قوم‪ ،‬إال ألقي في‬ ‫قلوبهم الرعب‪ )..‬رواه مالك‪.‬‬ ‫وأما الخاصة‪ :‬فهي فيمن غل‪ ،‬فقد اتفق الفقهاء على أن لإلمام تعزيزه‬ ‫بالضرب‪ ،‬أو الحبس‪ ،‬أو ما يراه مناسبا ً لعقوبته‪ ،‬ورادعا ً ألمثاله‪.‬‬ ‫طريقة تقسيم الغنائم‪:‬‬ ‫اتفق عليه الفقهاء‪ ،‬من أن الغنيمة تخمس عدا األراضي‪ ،‬فخمس الغنيمة ألربابه‬ ‫الذين قال هللا تعالى فيهم‪* :‬ﭑﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ‬ ‫ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ&[األنفال‪ .]49:‬وأربعة أخماسها للغانمين الذين حضروا‬ ‫للجهاد‪ ،‬وكانوا مسلمين بالغين أحرارا ً أصحاء‪ ،‬سواء قاتلوا أو لم يقاتلوا‪.‬‬ ‫كما أن الفارس يفضل في سهمه على الراجل‪ ،‬والجمهور على أن للفارس ثالثة‬ ‫أضعاف الراجل‪ ،‬ووسائل المواصالت الحديثة‪ ،‬واآلالت القتالية المتحركة تقاس على‬ ‫الخيل في ذلك‪.‬‬ ‫يجوز تنفي ل اإلمام من الغنيمة‪ ،‬أو من يقوم مقامه للجند أو بعضهم إذا كان في‬ ‫ذلك مصلحة‪ ،‬لبأسه أو شجاعته‪ ،‬أو قيامه بمهمة ما‪ ،‬ويكون ذلك من أربعة أخماس‬ ‫الغنيمة على الراجح‪.‬‬ ‫(‪)1‬‬

‫قاله شيخ اإلسالم ‪( : /‬يجوز لإلمام أن ينفل من ظهر منه زيادة نكاية‪ :‬كسرية‬ ‫تسرت من الجيش‪ ،‬أو رجل صعد حصنا ً عاليا ً ففتحه‪ ،‬أو حمل على مقدم العدو فقتله‬ ‫فهزم العدو ونحو ذلك؛ ألن النبي ^ وخلفاءه كانوا ينفلون لذلك)‪.‬‬ ‫ الراجح‪ :‬أن القاتل يستحق سلب من قتله مطلقا ً‪ ،‬سواء كان أمير الجيش قد قاله‬‫قبل ذلك‪ ،‬أو ال‪.‬‬ ‫والسلب‪ :‬هو ما على القتيل من ثياب وسالح وساعات وخواتم ونحو ذلك‪،‬‬ ‫وكذلك ما معه من سيارة‪ ،‬أو غيرها من آالت الركوب‪.‬‬ ‫(‪ )1‬في الفتاوى (‪.)271/28‬‬


‫املنهج املختصر يف الفقه والعقيدة والدعوة‬

‫‪63‬‬

‫ اتفق الفقهاء‪ :‬أنه يجوز األكل من الغنيمة بقدر الحاجة‪ ،‬واتفقوا أنه يجوز أخذ‬‫المجاهد للسالح من الغنيمة قبل القسمة إذا احتاج إليه في قتال العدو‪ ،‬ثم يرده بعد‬ ‫القتال‪ ،‬وكذلك يجوز على الراجح استعمال األدوية من الغنيمة في أرض العدو عند‬ ‫الحاجة إلى ذلك‪.‬‬ ‫وفي تفصيل بعض المسائل مما قد يطرأ في الواقع في المسألة نذكر ما يلي‪:‬‬ ‫‪ - 5‬ما حكم األكل من الغنائم؟ وما حكم نقل األكل خارج أرض المعركة؟ وهل‬ ‫هو غلول؟‬ ‫ اتفق الفقهاء على أنه يجوز للمجاهد األكل من الغنيمة بقدر الحاجة في دار‬‫القتال عموماً‪ ،‬سواء أثناء المعركة أو قبلها أو بعدها‪ ،‬وذلك بدون إسراف وال تقتير‪،‬‬ ‫أي بقدر الحاجة فقط‪.‬‬ ‫وليس ذلك من الغلول باتفاق العلماء‪ ،‬يقول النووي – رحمه هللا – في شرح‬ ‫صحيح مسلم (‪( :)344/99‬أجمع العلماء على جواز أكل طعام الحربيين ما دام‬ ‫المسلمون في دار الحرب‪ ،‬فيأكلون منه قدر حاجتهم)‪.‬‬ ‫وقد روى البخاري عن ابن عمر رضي هللا عنهما قال‪( :‬كنا نصيب في مغازينا‬ ‫العسل والعنب فنأكل وال نرفعه)‪.‬‬ ‫فإذا وجدت لديهم مصادر أخرى سهلة من غير الغنيمة كانت أولى‪.‬‬ ‫وأما األكل المنقول خارج المعركة من مجاهدين‪:‬‬ ‫فإذا كان المجاهد في حاجة إليه‪ ،‬وليس له مصدر للطعام سواه‪ ،‬فله أن يأخذ قدر‬ ‫ما يحتاج إليه منه‪.‬‬ ‫فإذا لم يكن محتاجا ً إليه لوجود مصادر أخرى للطعام‪ ،‬أو كان قد أخذ فوق‬ ‫حاجته‪ ،‬فعليه أن يرده‪.‬‬ ‫‪ - 1‬ما حكم لبس المالبس من الغنائم؟‬ ‫ يجوز لمن كان محتاجا ً له فقط‪ ،‬دون غيره‪ ،‬فإذا لم يكن معه ثياب‪ ،‬أو كانت‬‫معه ولكنها ال تقيه من البرد ونحوه‪ ،‬فال بأس بأن يزيد إلى قدر الكفاية فقط‪ ،‬وال‬ ‫يتجاوز‪.‬‬ ‫‪ - 3‬من خرج بطعام من أرض المعركة هل يعيده؟‬ ‫ إذا كان المجاهد في حاجة إليه‪ ،‬وليس له مصدر للطعام سواه‪ ،‬فله أن يأخذ‬‫قدر ما يحتاج إليه منه‪.‬‬ ‫فإذا لم يكن محتاجا ً إليه لوجود مصادر أخرى للطعام‪ ،‬أو كان قد أخذ فوق‬ ‫حاجته‪ ،‬فعليه أن يرده‪.‬‬ ‫ا‬ ‫ا‬ ‫‪ - 4‬من قتل قتي ال فهل يأخذ سلبه؟ وهل يحتاج أن يشهد شهودا على ذلك؟ وهل‬ ‫يأخذها دون ردها للغنيمة أم يجب ردها ثم أخذها؟‬


‫‪64‬‬

‫كتــــــاب اجلهــــــــاد‬

‫‪ - 9‬سلب القتيل من لباس‪ ،‬وساعة‪ ،‬وأحذية‪ ،‬وسالح‪ ،‬وغير ذلك‪ :‬مباح لمن‬ ‫حارب الكفار دفاعا ً عن اإلسالم والمسلمين‪ ،‬وقتل منهم من يجوز قتله‪ ،‬وذلك لقوله‬ ‫صلى هللا عليه وسلم‪" :‬من قتل قتيال له عليه بينة فله سلبه"‪.‬‬ ‫فإذا قال اإلمام‪( :‬من قتل قتيال فله سلبه)‪ ،‬فإن له سلبه باالتفاق بين العلماء‪.‬‬ ‫وكذلك إذا لم يقل اإلمام ذلك عند الشافعية والحنابلة‪ ،‬فقد ذهب جمهور الفقهاء‬ ‫من الشافعية والحنابلة واألوزاعي والليث وإسحاق وأبي عبيد وأبي ثور‪ :‬إلى أن‬ ‫المسلم إذا قتل أحدا من المشركين في المعركة مقبالً على القتال فله سلبه‪ ،‬قال ذلك‬ ‫اإلمام أو لم يقل‪.‬‬ ‫‪ - 2‬اإلشهاد على السلب‪:‬‬ ‫ال تقبل دعوى القاتل أنه قتل كافرا ً إال ببيِّنة على الراجح‪ ،‬وهو قول الجمهور‬ ‫خالفا ً للمالكية‪.‬‬ ‫يقول ابن القيم – رحمه هللا ‪( :-‬وقوله صلى هللا عليه وسلم‪" :‬لهُ عل ْي ِه بيِّنةٌ"‪ ،‬فيه‬ ‫دليل على مسألتين‪:‬‬ ‫إحداهما‪ :‬أن دعوى القاتل أنه قتل هذا الكافِر‪ ،‬ال تُقبل في استحقاق سل ِب ِه‪.‬‬ ‫الثانية‪ :‬االكتفاء في ثبوت هذه الدعوى بشاهد واحد من غير يمين؛ لما ثبت في‬ ‫الصحيح عن أبى قتادة قال‪( :‬خرجنا مع رسول هللا صلى هللا عليه وسلم عام ُحنيْن‪،‬‬ ‫فلما التقينا‪ ،‬كانت للمسلمين جولةٌ‪ ،‬فرأيتُ رجالً من المشركين قد عال رجالً من‬ ‫ى‪،‬‬ ‫المسلمين‪ ،‬فاستدرتُ إليه حتى أتيتُه ِمن ورائه‪ ،‬فضربتُه على حبل عاتقه‪ ،‬وأقبل عل َّ‬ ‫فضمني ض َّمة‪ ،‬وجدتُ منها ريح الموت‪ ،‬ثم أدركه الموتُ ‪ ،‬فأرسلني‪ ،‬فلحقت عمر بن‬ ‫الخطاب فقال‪ :‬ما للناس؟ فقلت‪ :‬أمر هللا‪ ،‬ثم إن الناس رجعُوا‪ ،‬وجلس رسو ُل هللا صلى‬ ‫هللا عليه وسلم فقال‪" :‬م ْن قتل ق ِتيالً لهُ عل ْي ِه ب ِيّنةٌ‪ ،‬فلهُ سلبُهُ"‪ ،‬قال‪ :‬فقمتُ فقلت‪ :‬من‬ ‫يشهد لي؟ ثم جلست‪ ،‬ثم قال مثل ذلك قال‪ :‬فقمتُ فقلت‪ :‬من يشهد لي؟ ثم قال ذلك‬ ‫الثالثة‪ ،‬فقمتُ ‪ ،‬فقال رسول هللا صلى هللا عليه وسلم‪" :‬ما لك يا أبا قتادة؟"‪ ،‬فقصصتُ‬ ‫ب ذلك القتيل عندي‪،‬‬ ‫سول هللا‪ ،‬وسل ُ‬ ‫صة‪ ،‬فقال رجل من القوم‪ :‬صدق يا ر ُ‬ ‫عليه ال ِق َّ‬ ‫ُ‬ ‫صدِّيق‪ :‬الها هللاِ‪ ،‬إذا ً ال ي ْع ِمد ُ إلى أس ٍد ِمن أ ْس ِد هللا‬ ‫فأرضه من حقه‪ ،‬فقال أبو بكر ال ِ ّ‬ ‫يُقا ِت ُل ع ْن هللا ورسوله‪ ،‬فيُعطيك سلبه‪ ،‬فقال رسول هللا صلى هللا عليه وسلم‪:‬‬ ‫ْط ِه إيَّاهُ"‪ ،‬فأعطاني‪ ،‬فبعتُ الدرع‪ ،‬فابتعتُ ب ِه مخرفا ً في بنى سلمة‪،‬‬ ‫"صدق فأع ِ‬ ‫ألول مال تأث َّ ْلتُه في اإلسالم)‪.‬‬ ‫فإنه َّ‬ ‫‪ - 3‬هل يأخذها دون ردها للغنيمة‪ ،‬أم يجب ردها ثم أخذها؟‬ ‫نعم له أن يأخذها دون أن يردها إلى الغنيمة؛ لظاهر النصوص‪ ،‬ولفعل‬ ‫الصحابة – رضي هللا عنهم ‪ ،-‬قال النووي في شرحه على مسلم (‪:)69 / 92‬‬


‫املنهج املختصر يف الفقه والعقيدة والدعوة‬

‫‪65‬‬

‫(السلب للقاتل; ألنه أضافه إليه في الحديث‪ ،‬فقال‪" :‬يعطيك سلبه")‪ ،‬وقال صاحب‬ ‫عون المعبود (‪( :)388 / 7‬في الحديث دليل على أن السلب للقاتل‪ ،‬وأنه ال يخمس)‪.‬‬ ‫‪ - 5‬ما الحكم في مسألة (األرمن) النصارى؟ هل بيوتهم غنيمة أم تبقى لهم؟‬ ‫ تبقى لهم إذا كانوا فيها ما داموا غير معاونين للنظام‪.‬‬‫فإذا كانت مهجورة متروكة‪ :‬جاز للمجاهد استخدامها‪.‬‬ ‫فإن كانت متروكة‪ ،‬ولكنهم قد يعودون إليها‪ :‬جاز للمجاهد استخدامها عند‬ ‫الحاجة فقط‪ ،‬ثم يتركها عندما تنتهي تلك الحاجة‪.‬‬ ‫‪ - 6‬إذا وجد وقودا ا هل له أن يستخدمه في سيارته؟‬ ‫ال يخلو األمر من ثالثة أحوال‪:‬‬ ‫‪ - 9‬إذا كان من الغنيمة‪ ،‬وأموال العدو‪ ،‬فإنه يجوز له ذلك‪ ،‬وهذا مجمع عليه‪،‬‬ ‫يقول ابن حجر في فتح الباري (‪( :)394/6‬اتفق علماء األمصار على جواز أكل‬ ‫الطعام‪ ،‬وأما العلف فهو في معناه)‪ ،‬والوقود في معنى العلف هذه األيام‪ ،‬فهو المحرك‬ ‫لوسائل االنتقال اليوم‪.‬‬ ‫‪ – 2‬إذا كان من غير أموال العدو‪ ،‬فال يجوز؛ إذ هو حق لمسلم‪ ،‬فيدفع قيمته‬ ‫لصاحبه ويأخذه‪.‬‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫‪ – 3‬فإن كان يسيرا؛ كلتر أو لترين‪ ،‬وكان ال صاحب له ظاهرا؛ كأن يجده‬ ‫مرميا ً في مكان ما؛ فإنه يجوز له استخدامه؛ ألنه لقطة يسيرة‪ ،‬واللقطة اليسيرة‬ ‫(الحقيرة في عرف الناس) إذا لم يكن لها صاحب؛ يجوز أخذها‪.‬‬ ‫فإن كانت غير يسيرة‪ ،‬ولكنها مطروحة‪ ،‬وكان ال صاحب له ظاهراً؛ فإنه‬ ‫يعرفها‪ ،‬أو يتركها‪ ،‬إال إن خاف أن يأخذها النظام أو مناصروه‪ ،‬فله أخذه‪.‬‬ ‫مسألة‪ :‬هل كل ما يغنمه المجاهدون يقسم‪ ،‬حتى األموال العامة كشركات النف ط‬ ‫والغاز‪ ،‬أم أنها تكون لألهالي؟ وأين تذهب إذا لم يوجد بيت مال للمسلمين؟‬ ‫أوالً‪:‬‬ ‫األموال العامة كانت تطلق سابقا ً على مصادر بيت المال‪ ،‬ومصادره كانت‬ ‫الزكاة‪ ،‬والفيء‪ ،‬والغنائم‪.‬‬ ‫وقد زاد في األموال العامة اليوم الثروات الطبيعية الهائلة‪ ،‬ومنها النفط والغاز‪.‬‬ ‫ثانياً‪:‬‬ ‫كان العلماء السابقون يدرجون النفط في المعادن‪.‬‬ ‫والمعادن كانت بمقادير اعتيادية‪ ،‬وليس لها تلك القيمة الهائلة‪ ،‬والمقادير‬ ‫الكبيرة‪ ،‬ولهذا أجاز الجمهور تملكها لشخص واحد مع إخراج شيئا ً منها في مصارف‬ ‫شرعية‪.‬‬


‫‪66‬‬

‫كتــــــاب اجلهــــــــاد‬

‫فأوجب الحنفية الخمس إلحاقا ً لها بالركاز‪ ،‬وأوجب مالك والشافعي وأحمد‬ ‫وإسحاق فيها ربع العشر إلحاقا ً لها بزكاة النقدين‪.‬‬ ‫وهناك رأى آخر مشهور في مذهب مالك‪ ،‬وهو‪ :‬أن كل ما يخرج من باطن‬ ‫األرض فإنه يكون كله مل ًكا لبيت مال المسلمين‪ ،‬فالمناجم والبترول السائل في باطن‬ ‫األرض والغاز ملك مشترك للناس‪ ،‬فيكون في يد الدولة‪ ،‬ال في يد أشخاص‪.‬‬ ‫ثالثاً‪:‬‬ ‫التكييف الصحيح لمرجعية ثروات النفط والغاز‪:‬‬ ‫المعادن كالبترول والغاز كانت في زمان المتقدمين بمقادير اعتيادية‪ ،‬وليس لها‬ ‫تلك القيمة الهائلة‪ ،‬والمقادير الكبيرة‪.‬‬ ‫وهذه الواجب فيها أن تكون للناس جميعاً‪ ،‬وال يتملكها شخص أو فئة‪ ،‬بل تقوم‬ ‫الدولة عليها بما فيه مصلحة الناس‪.‬‬ ‫ويؤيد ذلك ما رواه الترمذي وغيره عن أبيض بن حمال المازني‪( :‬أنه استقطع‬ ‫رسول هللا ‪-‬صلى هللا عليه وسلم‪ -‬الملح الذي بمأرب فقطعه له‪ ،‬قال‪ :‬فلما ولى قيل‪ :‬يا‬ ‫رسول هللا ؛ أتدرى ما قطعت له ؟ إنما أقطعته الماء ال ِعدَّ‪ ،‬قال‪ :‬فرجعه منه)‪.‬‬ ‫والعد‪ :‬هو الدائم الذي ال ينقطع‪ ،‬فشبه الملح بالماء ال ِعدّ لعدم انقطاعه‪ ،‬فكيف‬ ‫بالذهب األسود (البترول)؟‬ ‫واسترجاع النبي صلى هللا عليه وسلم لما وهبه – رغم مشقة األمر شرعا ً‬ ‫وطبعا ً واجتماعيا ً – يبين عدم جواز بقاء مثل ذلك في يد األفراد‪.‬‬ ‫وقد بين ذلك أبو عبيد األموال ص (‪ :)289‬بأنه إنما أقطعه وهو عنده أرض‬ ‫موات يحييها "أبيض" ويعمرها‪ ،‬فلما تبين للنبي ‪-‬صلى هللا عليه وسلم‪ -‬أنه ماء عد ‪-‬‬ ‫وهو الذي له مادة ال تنقطع‪ -‬مثل ماء العيون واآلبار؛ ارتجعه منه‪ ،‬ألن سنة رسول‬ ‫هللا ‪-‬صلى هللا عليه وسلم‪ -‬في الكأل والنار والماء أن الناس جميعًا فيه شركاء‪ ،‬فكره‬ ‫أن يجعله لرجل يجوزه دون الناس‪.‬‬ ‫يقول ابن قدامة – رحمه هللا ‪ -‬في المغني (‪ ( :)975 / 6‬وأما المعادن الجارية‬ ‫كالقار والنفط والماء فهل يملكها من ظهرت في ملكه ‪ .‬فيه روايتان‪ ،‬أظهرهما‪ :‬ال‬ ‫يملكها؛ لقول النبي صلى هللا عليه وسلم‪" :‬الناس شركاء في ثالث الماء والكأل‬ ‫والنار"‪ ،‬وألنها ليست من أجزاء األرض فلم يملكها بملك األرض كالكنز)‪ .‬وهو ما‬ ‫ذهب إليه المالكية في أحد القولين كما سبق بيانه‪.‬‬ ‫ ومما يزيد األمر تأكيداً‪ :‬أن في القاعدة الشرعية المشهورة والمتفق عليها‪ :‬أنه‬‫إذا تعارضت المصلحة الخاصة مع المصلحة العامة‪ ،‬فإنها تقدم المصلحة العامة على‬ ‫المصلحة الخاصة‪.‬‬ ‫رابعاً‪:‬‬


‫املنهج املختصر يف الفقه والعقيدة والدعوة‬

‫‪67‬‬

‫إذا لم يوجد بيت مال للمسلمين بسبب عدم استقرار األمور لبقاء الحرب‪ ،‬فإن‬ ‫الجماعات القائمة تتفق على إخراج مندوبين عن كل جماعة لتكوين هيئة تكون قائمة‬ ‫على األمر‪ ،‬مع رقابة شرعية ليرى الناس الفرق في النتائج عندما يسيطر اإلسالميون‬ ‫على الثروات وبين غيرهم – وهللا أعلم ‪.-‬‬


‫كتــــــاب اجلهــــــــاد‬

‫‪68‬‬

‫ثامنا ا‪ :‬أقسام الشهداء‪:‬‬ ‫(‪)1‬‬

‫قال النووي ‪( : /‬واعلم أن الشهيد ثالثة أقسام‪:‬‬ ‫أحدها‪ :‬المقتول في حرب الكفار بسبب من أسباب القتال‪ ،‬فهذا له حكم الشهداء‬ ‫في ثواب اآلخرة وفي أحكام الدنيا‪ ،‬وهو أنه ال يغسل وال يصلى عليه‪.‬‬ ‫والثاني‪ :‬شهيد في الثواب دون أحكام الدنيا‪ ،‬وهو المبطون والمطعون وصاحب‬ ‫الهدم ومن قتل دون ماله‪ ،‬وغيرهم ممن جاءت األحاديث الصحيحة بتسميته شهيدا ً‪،‬‬ ‫فهذا يغسل ويصلى عليه‪ ,‬وله في اآلخرة ثواب الشهداء‪ ،‬وال يلزم أن يكون مثل ثواب‬ ‫األول‪.‬‬ ‫ً‬ ‫والثالث‪ :‬من غل في الغنيمة وشبهه‪ ،‬ممن وردت اآلثار بنفي تسميته شهيدا إذا‬ ‫قتل في حرب الكفار‪ ،‬فهذا له حكم الشهداء في الدنيا فال يغسل وال يصلى عليه‪ ،‬وليس‬ ‫له ثوابهم الكامل في اآلخرة)‪.‬‬ ‫مسألة‪ :‬إذا خرج المجاهد من بيته للجهاد فقتل في مقره أو قتل في سيارته‪ ،‬فهل‬ ‫هو شهيد دنيا وآخرة‪ ،‬أم شهيد آخرة فقط‪ ،‬فيغسل‪ ،‬ويكفن‪ ،‬ويصلى عليه؟‬ ‫على حسب تعريف الحنفية والمالكية يدخل المقتول في هذه الصورة في‬ ‫الشهداء الذين ال يغسلون وال يكفنون وال يصلى عليهم‪ .‬وأما على تعريف الشافعية‬ ‫والحنابلة للشهيد‪ ،‬فال تدخل هذه الصورة في شهداء المعركة؛ ألن الشهيد عندهم هو‬ ‫الذي يقتل حال قيام المعركة‪ ،‬وهذا القول هو األظهر‪ ،‬واألوفق لألدلة‪.‬‬

‫(‪ )1‬في شرح مسلم (‪.)964 /2‬‬


‫املنهج املختصر يف الفقه والعقيدة والدعوة‬

‫‪69‬‬

‫مسألة مهمة‬ ‫بطالن اشرتاط وجود اإلمام والراية ملشروعية اجلهاد يف سبيل اهلل‬ ‫نكتفي هنا بإيراد فتويان في المسألة نراهما تفصالن في الموضوع‪ ،‬وهما‪:‬‬ ‫‪ -1‬فتوى الشيخ سليمان العلوان في اشتراط الراية في جهاد الدفع‪:‬‬ ‫الشيخ سليمان بن ناصر العلوان حفظه هللا‪ ،‬السالم عليكم ورحمة هللا وبركاته‪،‬‬ ‫نحن إخوانكم من أهل السنة في العراق‪ ،‬نتساءل حول حكم دخولنا إلى مراكز التطوع‬ ‫الشعبية التي هي في الغالب تحت إدارة أعضاء حزب البعث أو ضباط في الجيش‬ ‫العراقي‪ ،‬ولكن ال يمكننا المشاركة في دفع العدو الصائل على بالدنا وحرماتنا وقتال‬ ‫الغزاة األمريكان والبريطانيين إال من خالل هذه المراكز‪ ،‬حيث يتوفر فيها التدريب‬ ‫وتأمين السالح‪ ،‬فما حكم المشاركة في هذه المراكز والحال هذه؟ وفقكم هللا للصواب‪،‬‬ ‫ونفع بكم المسلمين‪ ،‬والسالم عليكم ورحمة هللا وبركاته‪.‬‬ ‫الجواب‪:‬‬ ‫بسم هللا الرحمن الرحيم‪ ،‬اإلخوة الكرام سلمهم هللا‪ ،‬السالم عليكم ورحمة هللا‬ ‫وبركاته‪ ،‬نحن نحث المسلمين في كل مكان على مناصرة شعب العراق وعلى قتال‬ ‫الذين كفروا‪ ،‬وطردهم عن بالد المسلمين‪ ،‬وأهل العلم ال يشترطون لجهاد الدفع‬ ‫شرطا ً وال تجب له راية شرعية‪ ،‬فيدفع بحسب اإلمكان‪ ،‬وحيث تيسر توحيد راية‬ ‫شرعية دون ضرر راجح فهذا مطلب‪ ،‬وإذا تعذر ذلك أو كانت المصلحة في هذا‬ ‫الوقت تقتضي الدخول في مراكز التطوع الشعبية‪ ،‬فال مانع من هذا‪ ،‬فإن الذين‬ ‫يدخلون في هذه المراكز يهدفون إلى وسيلة قوية‪ ،‬وقوة مؤثرة في رد العدو الصائل‬ ‫وكف شره عن المسلمين وبالدهم‪.‬‬ ‫وهذا ال يعني الرضا بواقع الحال‪ ،‬أو تمرير مخالفاتهم‪ ،‬وال يقصد من وراء‬ ‫ذلك حماية األنظمة الكفرية أو تقويتها‪ ،‬واألعمال بالنيات‪ ،‬وال يختلف الفقهاء في‬ ‫مراعاة المصالح ودرء المفاسد‪ ،‬فقد أقبل العدو بطائراته ودباباته يقتل‪ ،‬ويدمر‪،‬‬ ‫ويفسد‪ ،‬ويهلك‪ ،‬وأعلن الحرب الصليبية‪ ،‬وقال أحدهم‪( :‬لن تتوقف جهودنا في تنصير‬ ‫المسلمين حتى يرتفع الصليب في سماء مكة‪ ،‬ويقام قداس األحد في المدينة)‪.‬‬ ‫ودفع هؤالء تحت أي راية مصلحة راجحة؛ ألن هؤالء الصليبيين ال يقصدون‬ ‫األنظمة وال رعاتها‪ ،‬فهم يريدون قتل المسلمين وتغيير عقائدهم ومبادئهم‪ ،‬وتركيعهم‬ ‫لعباد الصليب‪ ،‬ونهب ثرواتهم‪ ،‬والقتال لدفع عدوان الصليبيين في العراق‪ ،‬كالجهاد‬ ‫لدفع الصهاينة في فلسطين‪.‬‬ ‫والذين يمتنعون عن الجهاد في مواجهة االستعمار‪ ،‬معتذرين بالرايات‬ ‫الجاهلية‪ ،‬يعطلون حينئذ المواجهة‪ ،‬ويعززون الزحف الصليبي‪.‬‬


‫‪71‬‬

‫كتــــــاب اجلهــــــــاد‬

‫وهللا أسأل أن يحفظكم وينصركم‪ ،‬وأن يخزي عدوكم‪ ،‬ويذهب ريحهم‪ ،‬وال‬ ‫ننسى التواصي بالحق‪ ،‬فنذكر باهلل والتعلق به‪ ،‬واالجتهاد في طاعته‪ ،‬واإلكثار من‬ ‫ذكره وحمده‪ ،‬وبذل الجهد في قيام الليل‪ ،‬وصيام النهار‪ ،‬وتوجيه المؤمنين في محنهم‬ ‫ومناصحتهم والرفق بهم‪ ،‬وتوحيد الصفوف‪ ،‬وتبشير المسلمين بالنصر والتمكين‪،‬‬ ‫وحثهم على الصبر واالحتساب واإلخالص هلل‪.‬‬ ‫أخوكم‪ /‬سليمان بن ناصر العلوان (‪9424/2/9‬هـ)‪.‬‬


‫املنهج املختصر يف الفقه والعقيدة والدعوة‬

‫‪75‬‬

‫‪ -2‬في تفصيل ما سبق‪ ،‬وبسط أدلته‪ ،‬نورد هنا سؤال وإجابته من الدكتور حاكم‬ ‫المطيري‪.‬‬ ‫السؤال‪ :‬فضيلة الدكتور حاكم المطيري‪ :‬هناك من يقول بأنه ال جهاد إال بوجود‬ ‫إمام وراية‪ ،‬وإن ما سوى ذلك فهو قتال فتنة ال يعد من قتل فيه شهيدا ً‪ ،‬وإنه يحرم‬ ‫قتال العدو إذا احتل أرضا ً للمسلمين إذا لم يكن للمسلمين به طاقة‪ ،‬فما رأيكم في‬ ‫صحة هذا القول وفق أصول الشريعة وأقوال فقهائها؟‬ ‫الجواب‪ :‬الحمد هلل رب العالمين‪ ،‬وصلى هللا وسلم على نبيه األمين‪ ،‬وآله‬ ‫وصحبه أجمعين‪ .‬وبعد‪:‬‬ ‫هذا القول ال أصل له بإجماع األئمة وسلف األمة‪ ،‬بل هو قول ظاهر البطالن‪،‬‬ ‫مصادم للنصوص القطعية واألصول الشرعية والقواعد الفقهية‪ ،‬ومن ذلك‪:‬‬ ‫‪ -9‬أن النصوص القرآنية واألحاديث النبوية التي تأمر بالجهاد في سبيل هللا‬ ‫ليس فيها اشتراط شيء من ذلك‪ ،‬بل هي عامة مطلقة‪ ،‬والخطاب فيها لعموم أهل‬

‫اإليمان واإلسالم‪ ،‬كما في قوله تعالى‪* :‬ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ&[البقرة‪،]911:‬‬ ‫وقوله‪ * :‬ﯖﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ‬

‫ﯦ ﯧﯨ&[التوبة‪ ،]999:‬وكما في قوله ^‪« :‬جاهدوا المشركين بأموالكم وأنفسكم‬ ‫وألسنتكم»‪.‬‬ ‫(‪)1‬‬

‫قال ابن حزم ‪( :‬قال تعالى‪* :‬ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓﯔ&[النساء‪ ،]84:‬وهذا‬ ‫خطاب متوجه إلى كل مسلم‪ ،‬فكل أحد مأمور بالجهاد وإن لم يكن معه أحد)‪.‬‬ ‫وقال العالمة عبد الرحمن بن حسن بن الشيخ محمد بن عبد الوهاب‪( :‬وال ريب‬ ‫أن فرض الجهاد باق إلى يوم القيامة‪ ،‬والمخاطب به المؤمنون‪ ،‬فإذا كانت هناك طائفة‬ ‫مجتمعة لها منعة وجب عليها أن تجاهد في سبيل هللا بما تقدر عليه‪ ،‬ال يسقط عنها‬ ‫(‪)2‬‬

‫فرضه بحال‪ ،‬وال عن جميع الطوائف) ‪.‬‬ ‫‪ -2‬أن الجهاد نوعان‪ :‬جهاد الفتح‪ ،‬وهو طلب العدو في أرضه‪ ،‬فهذا النوع ال‬ ‫يشترط لصحته وجود اإلمام‪ ،‬بل إذا كان اإلمام قائما ً بالجهاد فإنه ال يسوغ االفتآت‬ ‫عليه والتقدم إليه إال عن إذن اإلمام ورأيه؛ إذ المرء موكول إليه‪ ،‬فاستئذانه واجب ال‬

‫(‪ )1‬في المحلى (‪.)359/7‬‬ ‫(‪ )2‬الدرر السنية (‪.)18/7‬‬


‫كتــــــاب اجلهــــــــاد‬

‫‪71‬‬

‫شرط صحة‪ ،‬فيأثم من جاهد دون إذنه‪ ،‬وجهاده صحيح‪ ،‬فإن لم يكن هناك إمام‪ ،‬أو‬ ‫فقد‪ ،‬أو قتل‪ ،‬فإن هذا الجهاد ال يتعطل‪.‬‬ ‫(‪)1‬‬

‫قال ابن قدامة ‪( :‬فإن عدم اإلمام لم يؤخر الجهاد؛ ألن مصلحته تفوت‬ ‫بتأخيره‪ ،‬وإن حصلت غنيمة قسمها أهلها على موجب أحكام الشرع)‪ .‬فلو كان وجوده‬ ‫شرطا ً لصحة الجهاد لوجب تعطيل الجهاد وتأخيره حتى يوجد اإلمام‪ ،‬ولما ساغ‬ ‫المضي فيه بدعوى المصلحة‪ ،‬ولما حلت الغنيمة‪.‬‬ ‫وكذا إذا كان اإلمام موجودا ً إال أنه تعذر‪ ،‬على أهل الجهاد استئذانه‪ ،‬فإن لهم أن‬ ‫(‪)2‬‬

‫يمضوا دون إذن اإلمام مراعاة للحاجة‪ ،‬قال ابن قدامة ‪( :‬ال يخرجون إال بإذن‬ ‫األمير‪ ،‬ألن أمر الحرب موكل إليه إال أن يتعذر استئذانه لمفاجأة عدوهم لهم‪ ،‬فال‬ ‫يجب استئذانه؛ ألن المصلحة تتعين في قتالهم والخروج إليهم لتعين الفساد في‬ ‫تركهم)‪.‬‬ ‫ً‬ ‫فلو كان وجود اإلمام وإذنه شرطا لصحة جهاد الطلب‪ ،‬لما صح الجهاد في‬ ‫حال عدم وجوده‪ ،‬ولما صح مع وجوده دون إذنه عند الحاجة‪ ،‬إذ الشرط ما يلزم من‬ ‫عدمه العدم‪ ،‬وهنا لم يبطل الفقهاء جهاد الطلب في هاتين الحالتين‪ ،‬فدل على أن‬ ‫وجوده ليس شرطا ً لصحة هذا النوع من الجهاد‪ ،‬بل المراعي في الحالتين تحقق‬ ‫المصلحة ودفع المفسدة‪ ،‬كما علل بذلك ابن قدامة‪.‬‬ ‫أما النوع الثاني‪ :‬وهو جهاد الدفع عن أرض المسلمين‪ ،‬فاألمر فيه أوضح‬ ‫وأجلى؛ إذ ال يشترط له أي شرط إطالقا ً‪ ،‬بل على كل أحد الدفع بما استطاع‪ ،‬فال‬ ‫يستأذن الولد والده وال الزوجة زوجها وال الغريم غريمه‪ ،‬وكل هؤالء أحق باإلذن‬ ‫والطاعة من اإلمام‪ ،‬ومع ذلك سقط حقهم في هذه الحال‪ ،‬إذ الجهاد فرض عين على‬ ‫الجميع فال يشترط له إذن إمام فضالً عن وجوده‪.‬‬ ‫(‪)3‬‬

‫قال شيخ اإلسالم ابن تيمية ‪( :‬أما قتال الدفع عن الحرمة والدين فواجب‬ ‫إجماعا ً‪ ،‬فالعدو الصائل الذي يفسد الدين والدنيا‪ ،‬ال شيء أوجب بعد اإليمان من دفعه‪،‬‬ ‫فال يشترط له شرط‪ ،‬بل يدفع بحسب اإلمكان)‪.‬‬ ‫وهذا هو معنى كونه فرض عين‪ ،‬فلو كان يشترط له شروط صحة‪ ،‬كوجود‬ ‫إمام أو إذنه‪ ،‬لما كان فرض عين في حال هجوم العدو على المسلمين‪ ،‬وهو ما لم يقل‬ ‫(‪ )1‬في المغني (‪.)375/91‬‬ ‫(‪ )2‬في المغني (‪.)311/91‬‬ ‫(‪ )3‬في الفتاوى المصرية (‪.)518/4‬‬


‫املنهج املختصر يف الفقه والعقيدة والدعوة‬

‫‪73‬‬

‫به أحد من علماء األمة‪ ،‬ولذا قال الماوردي‪( :‬فرض الجهاد على الكفاية‪ ،‬يتواله اإلمام‬ ‫ما لم يتعين)‪.‬‬ ‫‪ -3‬أن كتب الفقهاء قد نصت في كتاب الجهاد على شروط وجوبه‪ ،‬وعلى من‬ ‫يجب‪ ،‬ومتى يتعين‪ ،‬وليس فيها نص على اشتراط وجود اإلمام أو وجود الراية‪ ،‬وقد‬ ‫ثبت في الحديث الصحيح‪« :‬ما بال أقوام يشترطون شروطا ا ليست في كتاب هللا‪ ،‬من‬ ‫اشترط شرطا ا ليس في كتاب هللا فهو باطل»‪.‬‬ ‫وقد قال العالمة عبد الرحمن بن حسن بن محمد بن عبد الوهاب في بيان‬ ‫بطالن هذا الشرط‪( :‬بأي كتاب أم بأي حجة أن الجهاد ال يجب إال مع إمام متبع؟ هذا‬ ‫من الفرية في الدين‪ ،‬والعدول عن سبيل المؤمنين‪ ،‬واألدلة على بطالن هذا القول‬ ‫أشهر من أن تذكر‪ ،‬من ذلك‪ :‬عموم األمر بالجهاد والترغيب فيه‪ ،‬والوعيد في‬ ‫(‪)1‬‬

‫تركه) ‪.‬‬

‫(‪)2‬‬

‫وقال صديق حسن خان عن الجهاد‪( :‬هذه فريضة من فرائض الدين‪ ،‬أوجبها‬ ‫هللا على عباده من المسلمين‪ ،‬من غير تقيد بزمان أو مكان أو شخص أو عدل أو‬ ‫جور)‪.‬‬ ‫فالجهاد ماض إلى قيام الساعة‪ ،‬سواء وجد إمام أو لم يوجد‪ ،‬وسواء وجدت‬ ‫هناك راية أو لم توجد‪.‬‬ ‫(‪)3‬‬

‫وقد استدل شيخ اإلسالم ابن تيمية وابن القيم وعبد الرحمن بن حسن وغيرهم‬ ‫من األئمة‪ ،‬بقصة أبي بصير وجهاده المشركين بمن معه من المؤمنين‪ ،‬وقطعهم‬ ‫الطريق عليهم‪ ،‬حتى قال النبي ^ في شأنه‪« :‬ويل أمه‪ ،‬مسعر حرب‪ ،‬لو كان معه‬ ‫رجال»‪ ،‬ولم يكن أبو بصير تحت والية النبي ^‪ ،‬وال في دار اإلسالم‪ ،‬ولم يكن إماما ً‪،‬‬ ‫ولم تكن معه راية‪ ،‬بل كان يغير على المشركين ويقاتلهم ويغنم منهم‪ ،‬واستقل‬ ‫بحربهم‪ ،‬ومع ذلك أقره النبي ^ وأثنى عليه‪.‬‬ ‫(‪)4‬‬ ‫قال عبد الرحمن بن حسن مستدالً بهذه القصة‪( :‬فهل قال رسول هللا ^‬ ‫أخطأتم في قتال قريش ألنكم لستم مع إمام؟! سبحان هللا! ما أعظم مضرة الجهل على‬ ‫أهله؟)‪.‬‬ ‫(‪ )1‬الدرر السنية (‪.)17/7‬‬ ‫(‪ )2‬في الروضة الندية (‪.)333‬‬ ‫(‪ )3‬كما في الزاد (‪.)311/3‬‬ ‫(‪ )4‬كما في الدرر السنية (‪.)17/7‬‬


‫مخسون حديثــا جامعة‬

‫‪74‬‬

‫تهذيب شرح األصو ل الثالثةد‬

‫خمسون حديثا جامعة‬ ‫د‪ .‬عبدهللا بن محمد المحيسني‬

‫كتاب َّ‬ ‫الطـــهارة‬ ‫سول هللا‪،‬‬ ‫سول هللا ^ فقال‪ :‬يا ر ُ‬ ‫‪ - 9‬عن أبي ُهريْرة ا‪ ،‬قال‪ :‬جاء رجل إِلى ر ُ‬ ‫ب ْالبحْ ر ونحمل معنا ْالق ِليل من الماء فإِن توضأنا بِ ِه عطشنا‪ ،‬أفنتوضأ من‬ ‫إنّا نرك ُ‬ ‫َّ‬ ‫هور ماؤهُ الح ُل ميت َته»‪ .‬أخرجه ْاأل ْربعة‪،‬‬ ‫ماء ْالبحْ ر؟ فقال ر ُ‬ ‫سول هللا ^‪ُ « :‬ه َو الط ُ‬ ‫ي‪ ،‬وابْن ُخزيْمة‪ ،‬وابْن م ْنده‪ ،‬وغيرهم‪.‬‬ ‫وصححهُ ال ِت ّ ْر ِم ِذ ّ‬ ‫في الحديث دليل على جواز الوضوء بماء البحر ولو كان مالحاً‪ ،‬فكل ماء‬ ‫يجوز التطهر به‪ ،‬ما لم يتغير بطاهر‪ ،‬فيكون عصيراً‪ ،‬أو قهوة‪ ،‬فال يجوز التطهر‬ ‫به‪ ،‬أو يتغير بنجس‪ ،‬كبول مثالً‪ ،‬فال يجوز التطهر به‪ ،‬وإذا وقع في الثوب ن ّجسه‪.‬‬


‫املنهج املختصر يف الفقه والعقيدة والدعوة‬

‫‪75‬‬

‫***‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫عشر من الفط َرة‪ :‬قص‬ ‫‪ - 2‬وعن عائِشة ل‪ ،‬قالت‪ :‬قال ر ُ‬ ‫سول هللا ^‪ٌ « :‬‬ ‫ال َّ‬ ‫ار ب‪ ،‬وإعفاء اللِحْ يَة‪ ،‬والسواك واستنشاق ال َماء‪َ ،‬وغسل البراجم‪ ،‬وتقليم‬ ‫ش ِ‬ ‫اإلبِ ط‪َ ،‬وحلق ْال عَانَة‪ ،‬وانتقاص ال َماء» قال زك ِريَّا‪ :‬قال ُمصعب‪:‬‬ ‫ْاأل َ ْظفَار‪ ،‬ونتف ْ ِ‬ ‫ونسيت ْالعا ِشرة ِإ َّال أن تكون ْالمضْمضة‪ ،‬وزاد فِي ِه و ِكيع‪ :‬انتقاص الماء‪ ،‬ي ْعنِي‬ ‫ِاال ْستِ ْنجاء‪ .‬رواه مسلم‪.‬‬ ‫من سنن الفطرة التي جبل عليها اإلنسان السوي‪ :‬قص الشارب‪ ،‬وتقليم‬ ‫ْاأل ْ‬ ‫اإلبِط‪ ،‬وحلق العانة‪ ،‬وال يتجاوز بها أربعين يوما ً كحد أعلى‪.‬‬ ‫ظفار‪ ،‬ونتف ْ ِ‬ ‫كما أن منها استعمال السواك‪ ،‬والمضمضة‪ ،‬واالستنشاق‪ ،‬ومنها – وهو‬ ‫واجب ‪ :-‬إعفاء اللحية‪ ،‬وغسل البراجم (تجاعيد اليدين عند المفاصل)‪ ،‬واالستنجاء‪.‬‬


‫مخسون حديثــا جامعة‬

‫‪76‬‬

‫تهذيب شرح األصو ل الثالثةد‬

‫كتاب الصالة‬

‫سول هللا‬ ‫‪ - 3‬وعن أبي الزبير أنه سمع جابر بن عبد هللا ب يقُول‪ :‬س ِمعت ر ُ‬ ‫ص َالة» رواه مسلم‪.‬‬ ‫^ يقُول‪« :‬بَين الرجل َوبَين الش رك َو ْال ك ْف ر ترك ال َّ‬ ‫الصالة أعظم أركان اإلسالم بعد الشهادتين‪ ،‬وقد جعلها النبي صلى هللا عليه‬ ‫وسلم الحد الفاصل بين اإلسالم والكفر‪ ،‬فمن تركها على سبيل الدوام ‪ ،‬فهو كافر‪.‬‬ ‫***‬ ‫سول هللا‪ ،‬ما‬ ‫ي ومسلم‪ :‬أن أعْرابِيًا أتى النَّبِي ^ فقال‪ :‬يا ر ُ‬ ‫ار ّ‬ ‫‪ - 4‬وروى البُخ ِ‬ ‫ْ‬ ‫َّ‬ ‫َ‬ ‫ي غي َّ‬ ‫ْرهن؟ قال‪:‬‬ ‫ي؟ قال‪« :‬خمس‬ ‫صلوات فِي اليَ ْوم َوالل ْيلة»‪ ،‬قال‪ :‬هل عل َّ‬ ‫فرض هللا عل َّ‬ ‫َ‬ ‫« َال‪ِ ،‬إ َّال أَن تطوع»‪.‬‬ ‫ال يجب على المسلم من الصلوات اليومية سوى الصلوات الخمس‪ ،‬فال تجب‬ ‫الوتر خالفا ً للحنفية‪ ،‬ولكن النوافل مهمة جداً‪ ،‬فهي مكملة للفرائض عند وضعها في‬ ‫الميزان يوم القيامة‪ ،‬كما أن من داوم على النوافل استحق محبة هللا تعالى‪،‬‬ ‫وواليته‪ ،‬ولم يستطع الشيطان أن يُدخل عليه التساهل في الفرائض‪.‬‬ ‫***‬ ‫ص َالة‪ ،‬أوَ‬ ‫‪ - 5‬وعن أنس ا قال‪ :‬قال ر ُ‬ ‫عن ال َّ‬ ‫سول هللا ^‪« :‬إِذا رقد أحد ُكم َ‬ ‫ع ْن َها؛ فليصلها إِذا ذكرهَا؛ فَإِن هللا ‪ Q‬يَقُول‪* :‬ﭟ ﭠ ﭡ‬ ‫غفل َ‬ ‫ﭢ&[طه‪ .»]54:‬أخرجه مسلم‪.‬‬ ‫في الحديث أن الرجل إذا نام فخرج وقت الصالة‪ ،‬أو غفل عنها أو سها لعذر‬ ‫ما‪ :‬أنه معذور‪ ،‬وغير مآثم لعدم تعمد المعصية‪ ،‬ولكن عليه أن يصليها عندما يقوم‬ ‫من النوم أو عندما يتذكرها‪.‬‬ ‫سول هللا ^ دخل ْالمس ِْجد‪ ،‬فدخل رجل فصلّى‪ ،‬ث َّم‬ ‫‪ - 6‬عن أبي ُهريْرة ا‪ :‬أن ر ُ‬ ‫ارجع فصل‪ ،‬فَإنَّ ك لم‬ ‫سول هللا ^ (فرد ر ُ‬ ‫جاء فسلم على ر ُ‬ ‫سول هللا ^ ث َّم) قال‪ْ « :‬‬ ‫سول هللا ^؛ فسلّم عل ْي ِه‬ ‫ت ُصل»‪ .‬فرجع الرجل فصلى كما كان يُص ِلّي‪ ،‬ث َّم جاء ِإلى ر ُ‬ ‫ارجع ف صل فَإنَّ ك لم تصل»‪ .‬حتَّى‬ ‫علَيْك ال َّ‬ ‫فقال ر ُ‬ ‫س َالم»‪ ،‬ث َّم قال‪ْ « :‬‬ ‫سول هللا ^‪َ « :‬و َ‬ ‫ْ‬ ‫َّ‬ ‫ق ما أحسن غير هذا فعلمنِي‪.‬‬ ‫فعل ذ ِلك ثالث م َّرات‪ ،‬فقال الرجل‪ :‬والذِي بعثك بِالـح ّ ِ‬ ‫ْ‬ ‫ص َالة فَ كبر‪ ،‬ث َّم ا ْق َرأ َما تيَس ر َم عَ ك من القُ ْرآن‪ ،‬ث َّم اركع َحت َّى‬ ‫قال‪« :‬إِذا قُ ْم ت إِلَى ال َّ‬ ‫ارفَ ْع‬ ‫اجدا‪ ،‬ث َّم ْ‬ ‫تطمئِن َرا ِك عا‪ ،‬ث َّم ْ‬ ‫س ِ‬ ‫ارفَ ْع َحت َّى تعتدل قَائِما‪ ،‬ث َّم اسجد َحت َّى تطمئِن َ‬ ‫ْ‬ ‫ص َالتك كل َها»‪ .‬من أخرجه؟‬ ‫َحت َّى تطمئِن َجا ِلسا‪ ،‬ث َّم اف عَ ل ذَ ِل ك فِي َ‬


‫املنهج املختصر يف الفقه والعقيدة والدعوة‬

‫‪77‬‬

‫في الحديث وجوب االطمئنان في سائر أركان الصالة‪ ،‬وأن من قصر في‬ ‫شيء من ذلك بطلت صالته‪ ،‬وأقل االطمئنان بقدر تسبيحة عند جماعة من العلماء‪،‬‬ ‫أي بقدر (سبحان ربي العظيم)‪ ،‬ونحو ذلك‪.‬‬ ‫***‬ ‫صحاب‬ ‫‪ - 7‬وعن ُمح َّمد بن ع ْمرو بن عطاء‪ ،‬أنه كان جا ِلسا مع نفر من أ ْ‬ ‫ي)‪ :‬أنا كنت أحفظكم‬ ‫ذكروا صالة النَّبِي ^‪ ،‬فقال أبُو حميد (ال َّ‬ ‫النَّبِي ^‪ ،‬ف ُ‬ ‫سا ِع ِد ّ‬ ‫سول هللا ^‪ ،‬رأ ْيته‪« :‬إِذا كبر جعل يَدَ ْي ِه َحذْو َم ْن ِكبَيْه‪َ ،‬وإِذا ركع أمكن يَدَ ْي ِه‬ ‫لصالة ر ُ‬ ‫( )‬ ‫)‬ ‫(‬ ‫َ‬ ‫َّ‬ ‫ست َ​َوى َحت ى يعود كل فقار ‪2‬‬ ‫من ُر ْكبَت َ ْي ِه‪ ،‬ث َّم هصر ظهره ‪ ، 1‬فَإِذا رفع َرأسه ا ْ‬ ‫صابِع‬ ‫َم َكانَهُ‪ ،‬فَإِذا سجد وضع يَدَ ْي ِه غير مفترش َو َال قابضهما‪ ،‬واستقبل بأطراف أ َ َ‬ ‫علَى رجله ْاليُس َْرى َونصب ْاليُ ْمنَى َوإِذا‬ ‫رجلَ ْي ِه ْالق ْبلَة‪َ ،‬وإِذا جلس فِي َّ‬ ‫الر ْك عَتَي ِْن جلس َ‬ ‫علَى‬ ‫يرة قدم رجله ْاليُ ْ‬ ‫جلس فِي َّ‬ ‫(وقعد َ‬ ‫الر ْك عَة ْاأل َ ِخ َ‬ ‫س َرى‪َ ،‬ونصب ْاأل ُ ْخ َرى َ‬ ‫ي‪.‬‬ ‫ار ّ‬ ‫مقعدته)» رواهُ البُخ ِ‬ ‫في الحديث بيان صفة صالة النبي ‪ -‬صلى هللا عليه وسلم ‪ ،-‬وهي ظاهرة من‬ ‫الحديث‪.‬‬ ‫***‬ ‫‪ - 8‬عن الحكم بن ميناء أن عبد هللا بن عمر‪ ،‬وأبا ُهريْرة ي قاال‪ :‬سمعنا‬ ‫َّ‬ ‫عن َود ِعهم ال ُج ُم عَات‪ ،‬أَو‬ ‫سول هللا ^ يقُول و ُهو على أعْواد منبره‪« :‬‬ ‫ر ُ‬ ‫لينتهين أَقوام َ‬ ‫ُ‬ ‫َّ‬ ‫ليكونن من الغافلين» أخرجه ُمسلم‪.‬‬ ‫علَى قُلوبهم‪ ،‬ث َّم‬ ‫ليختمن هللا َ‬ ‫صالة الجمعة فرض بإجماع المسلمين على الرجل البالغ الحر المستوطن‬ ‫غير المريض‪ ،‬ومن العقوبات القلبية العاجلة في الدنيا على من ترك ثالث جمع‬ ‫توالياً‪ :‬أنه يُختم على قلبه‪ ،‬فيرفض الخير الذي قد يصل إليه‪ ،‬فيحرم مما يباعده عن‬ ‫النار ويدخله الجنة‪.‬‬ ‫***‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫‪ - 1‬ع ْن أ ُ ِ ّم ع ِطيَّة قال ْ‬ ‫سو ُل هللا ^ أ ْن نُ ْخ ِرج ُه َّن فِي ال ِفط ِر‬ ‫ت‪ :‬أمرنا ر ُ‬ ‫صالة‪،‬‬ ‫واألضْحى ْالعواتِق و ْال ُحيَّض وذوا ِ‬ ‫َّض في ْعت ِز ْلن ال َّ‬ ‫ُور‪ ،‬فأ َّما ْال ُحي ُ‬ ‫ت ْال ُخد ِ‬ ‫سول هللا! إِحْ دانا ال ي ُك ُ‬ ‫اب‪،‬‬ ‫ون لها ِج ْلب ٌ‬ ‫وي ْشهدْن ْالخيْر ودعْوة ْال ُم ْس ِل ِمين‪ .‬قُ ْلتُ ‪ :‬يا ر ُ‬ ‫س َها أ ُ ْخت ُ َها ِم ْن ِج ْلبَابِ َها» متفق عليه‪.‬‬ ‫قال‪ِ « :‬لت ُ ْلبِ ْ‬ ‫(‪ )9‬هصر ظهره‪ :‬أي ثناه إلى األرض‪.‬‬ ‫(‪ )2‬هي فقرات عظام الظهر‪.‬‬


‫مخسون حديثــا جامعة‬

‫‪78‬‬

‫تهذيب شرح األصو ل الثالثةد‬

‫في الحديث دليل على وجوب صالة العيد‪ ،‬وأن السنة فيها خروج المسلمين‬ ‫جميعا ً حتى من لم يكن من أهل الصالة ‪ -‬كالحائض ‪.-‬‬ ‫كما أن فيه دليل على أن أعياد المسلمين عيدان فقط‪ ،‬هما عيد الفطر‪ ،‬وعيد‬ ‫األضحى‪.‬‬ ‫ْ‬ ‫‪ - 91‬عن ِهشام بن ِإسْحاق ابْن كنانة عن أبِيه قال‪ :‬أ ْرسلنِي الو ِليد بن عقبة‬ ‫سول هللا ^‪ ،‬فأتيْته‪ ،‬فقال‪:‬‬ ‫و ُهو أ ِمير ْالمدِينة ِإلى ابْن عبَّاس يسْأله عن استسقاء ر ُ‬ ‫سول هللا ^ خرج متبذ الا متواضعا ا متضرعا ا َحت َّى أَت َى المصلَّى فَلم ْ‬ ‫يخ طب‬ ‫«إِن َر ُ‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫صلى َر ك عَتَي ِْن َك َما‬ ‫خطبتكم َهذِه‪َ ،‬ولَ ِكن لم يزل فِي الد ُّ َ‬ ‫عاء‪ ،‬والتضرع‪َ ،‬والت َّكبِير‪َ ،‬و َ‬ ‫ص ِلي فِي ْال ِعيد» أخرجه أبو داود‪ ،‬والترمذي‪ ،‬والنسائي‪ ،‬وصححه الترمذي‪،‬‬ ‫َكانَ يُ َ‬ ‫والنووي‪ ،‬وغيرهما‪.‬‬ ‫صالة االستسقاء مستحبة باتفاق العلماء‪ ،‬وصفتها هي نفس صفة صالة العيد‪،‬‬ ‫وهي أنها ركعتان جهريتان‪ ،‬يكبر فيها في األولى سبعاً‪ ،‬وفي الثانية خمسا ً غير تكبيرة‬ ‫االنتقال‪.‬‬ ‫وفي الحديث أن الخضوع والتضرع والتذلل هلل تعالى مما يقرب إجابة‬ ‫الدعاء ونزول رحمته تعالى على العباد‪.‬‬ ‫***‬ ‫‪ - 99‬وع ْن أ ُ ِ ّم ع ِطيَّة ل قال ْ‬ ‫ي ^ ون ُ‬ ‫س ُل ابْنتهُ‪ ،‬فقال‪:‬‬ ‫حْن نُغ ِ ّ‬ ‫ت‪ :‬دخل عليْنا النَّبِ ُّ‬ ‫«ا ْ‬ ‫سد ٍْر‪َ ،‬واجْ َع ْلنَ فِي‬ ‫سا‪ ،‬أ َ ْو أ َ ْكث َ َر ِم ْن ذَ ِل َك‪ ،‬إِ ْن َرأ َ ْيت ُ َّن ذَ ِل َك‪ِ ،‬ب َماءٍ َو ِ‬ ‫غ ِ‬ ‫س ْلنَ َها ث َ َالثاا‪ ،‬أ َ ْو خ َْم ا‬ ‫ور» فل َّما فر ْغنا آذنَّاهُ‪ ،‬فأ ْلقى ِإليْنا ِح ْقوهُ‪ ،‬فقال‪« :‬أ َ ْ‬ ‫ش ِع ْرنَ َها‬ ‫ورا أ َ ْو َ‬ ‫ْاْل ِخ َرةِ َكافُ ا‬ ‫ش ْيئاا ِم ْن َكافُ ٍ‬ ‫إِيَّاهُ» ُمتَّف ٌق عل ْي ِه‪.‬‬ ‫وء ِم ْن َها»‪ .‬وفِي‬ ‫اضعِ ا َ ْل ُو ُ‬ ‫ض ِ‬ ‫وفِي ِرواي ٍة لهما‪« :‬ا ْبدَأْنَ بِ َميَ ِ‬ ‫امنِ َها َو َم َو ِ‬ ‫ون‪ ،‬فأ ْلقيْناهُ خ ْلفها)‪.‬‬ ‫يِ‪( :‬فضفَّ ْرنا ش ْعرها ثالثة قُ ُر ٍ‬ ‫ار ّ‬ ‫ل ْفظٍ ِْللبُخ ِ‬ ‫غسل الميت واجب باإلجماع‪ ،‬وكذلك تكفينه والصالة عليه ودفنه كلها‬ ‫فروض واجبة‪ ،‬والسنة في غسل الميت ما جاء في الحديث‪ ،‬وأما الصالة على‬ ‫الميت فيجب بعد التكبيرة األولى الفاتحة‪ ،‬وبعد الثانية الصالة على النبي صلى هللا‬ ‫عليه وسلم‪ ،‬وبعد الثالثة الدعاء للميت‪ ،‬وبعد الرابعة الدعاء مطلقاً‪ ،‬ثم يسلم واحدة‬ ‫أو اثنتين‪ ،‬كالهما وارد وثابت‪.‬‬

‫كتاب الزكاة‬


‫املنهج املختصر يف الفقه والعقيدة والدعوة‬

‫‪79‬‬

‫س َما ُء‬ ‫سقَ ِ‬ ‫ت اَل َّ‬ ‫ي ِ ^ قال‪« :‬فِي َما َ‬ ‫‪ -51‬وع ْن سا ِل ِم ب ِْن ع ْب ِد هللا ع ْن أبِي ِه ا ع ْن النَّبِ ّ‬ ‫ف ا َ ْل عُ ْ‬ ‫عث َ ِريًّا(‪ :)1‬ا َ ْل عُ ْ‬ ‫َو ْال عُيُ ُ‬ ‫ي بِالنَّ ضْحِ(‪ :)2‬نِ ْ‬ ‫ش ُر‪َ ،‬وفِي َما ُ‬ ‫ش ِر» رواهُ‬ ‫ص ُ‬ ‫ون أ َ ْو َكانَ َ‬ ‫س ِق َ‬ ‫ي ُ‪ ،‬و ِأل ِبي د ُاود‪« :‬أ َ ْو َكانَ بَ ْع اال(‪ :)3‬ا َ ْل عُ ْ‬ ‫س َوانِي(‪ )4‬أ َ ِو‬ ‫ي بِال َّ‬ ‫ش ُر‪َ ،‬وفِي َما ُ‬ ‫ار ّ‬ ‫ا ْلبُخ ِ‬ ‫س ِق َ‬ ‫ف ا َ ْل عُ ْ‬ ‫ش ِر»‪.‬‬ ‫اَلنَّ ضْحِ‪ :‬نِ ْ‬ ‫ص ُ‬ ‫فيه وجوب إخراج العشر في زكاة الزروع والثمار إذا لم تُسْق بكلفة‬ ‫سقي بكلفة ومؤونة‪ ،‬وأما ما يشرب نصف العام‬ ‫ومؤونة‪ ،‬ونصف العشر فيما ُ‬ ‫بمؤنة‪ ،‬ونصفه بال مؤنة‪ ،‬فيجب فيه ثالثة أرباع العشر‪.‬‬ ‫***‬ ‫سو ُل هللا ^‪« :‬إِذَا َكان ْ‬ ‫َت لَ َك ِمائَت َا ِد ْره ٍَم ‪َ -‬و َحا َل‬ ‫ي ٍ ا قال‪ :‬قال ر ُ‬ ‫‪ -53‬ع ْن ع ِل ّ‬ ‫ش ْي ٌء َحت َّى يَ ُكونَ لَ َك ِع ْ‬ ‫علَي َْك َ‬ ‫ش ُرونَ‬ ‫ْس َ‬ ‫َ‬ ‫علَ ْي َها ا َ ْل َح ْو ُل ‪ -‬فَ ِفي َها َخ ْم َ‬ ‫سةُ دَ َرا ِه َم‪َ ،‬ولَي َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ْس فِي‬ ‫عل ْي َها اَل َح ْو لُ‪ ،‬فَ ِفي َها نِ ْ‬ ‫دِين ا‬ ‫سا ِ‬ ‫ص ُ‬ ‫َارا َو َحا َل َ‬ ‫َار‪ ،‬فَ َما زَ ادَ فَبِ ِح َ‬ ‫ف دِين ٍ‬ ‫ب ذ ِل َك‪َ ،‬ولي َ‬ ‫ْ‬ ‫علَ ْي ِه اَل َح ْو ُل» رواهُ أبُو د ُاود‪ ،‬و ُهو حس ٌن‪ ،‬والراجح أنه‬ ‫َما ٍل زَ َكاة ٌ َحت َّى يَ ُحو َل َ‬ ‫موقوف‪ ،‬وله حكم الرفع‪.‬‬ ‫في الحديث أن نصاب الذهب والفضة‪ ،‬والنقود‪ :‬ربع العشر (‪ ،)%2.5‬وذلك‬ ‫إذا بلغ الذهب ‪ 85‬جراماً‪ ،‬والفضة ‪ 515‬جراماً‪.‬‬ ‫سول‬ ‫‪ - 94‬وع ْن ُ‬ ‫ار‪ :‬أ َّن ر ُجلي ِْن حدَّثاهُ أنَّ ُهما أتيا ر ُ‬ ‫ي ِ ب ِْن ا ْل ِخي ِ‬ ‫عب ْي ِد هللا ب ِْن ع ِد ّ‬ ‫شئْت ُ َما‬ ‫صدق ِة‪ ،‬فقلَّب فِي ِهما ا ْلبصر‪ ،‬فرآ ُهما ج ْلدي ِْن‪ ،‬فقال‪« :‬إِ ْن ِ‬ ‫هللا ^ يسْأالنِ ِه ِمن ال َّ‬ ‫أعطيتكما‪َ ،‬و َال َح َّ‬ ‫ب» رواهُ أحْ مدُ وق َّواهُ‪ ،‬وصححه‬ ‫ظ فِي َها ِل غَنِيٍ‪َ ،‬و َال ِلقَ ِوي ٍ ُم ْكت َ ِ‬ ‫س ٍ‬ ‫غير واحد‪.‬‬ ‫إنما تشرع الزكاة على مصارفها الثمانية التي جاءت في آية الزكاة {إنما‬ ‫الصدقات للفقراء ‪ ....‬اآلية}‪ ،‬وال تجوز الزكاة على األغنياء‪ ،‬وال على األقوياء‬ ‫المكتسبين‪ ،‬وال على بني هاشم‪ ،‬إال أن عددا كثيرا ً من المحققين أجازوها أيضا ً في‬ ‫الفقراء من بني هاشم هذه األيام؛ لعدم وجود مصادر شرعية أخرى لهم كالفيء‪.‬‬

‫(‪ )9‬العثري ‪ :‬هو الذي يشرب بعروقه من غير سقي‪.‬‬ ‫(‪ )2‬أي بنضح الماء‪ ،‬ويكون بتعب أو كلفة‪ ،‬وذلك مثل ما يسقى بالمكائن‪ ،‬أو الدينمو‪.‬‬ ‫(‪ )3‬هو كالعثري ‪ :‬فهو الذي يشرب بعروقه من غير سقي‪.‬‬ ‫(‪ )4‬السانية‪ :‬هي الناضح الذي يسقى عليه‪ ،‬سواء كان من اإلبل أو البقر أو غيرهما‪.‬‬


‫‪81‬‬

‫مخسون حديثــا جامعة‬ ‫تهذيب شرح األصو ل الثالثةد‬


‫املنهج املختصر يف الفقه والعقيدة والدعوة‬ ‫كتاب الصيام‬

‫‪85‬‬

‫ضانَ إِي َماناا‬ ‫‪ - 95‬ع ْن أبِي ُهريْرة ا قال‪ :‬قال ر ُ‬ ‫ام َر َم َ‬ ‫سو ُل هللا ^‪َ « :‬م ْن َ‬ ‫ص َ‬ ‫ساباا ُ‬ ‫غ ِف َر لَهُ َما تَقَد َ​َّم ِم ْن ذَ ْنبِ ِه» ُمتَّف ٌق عل ْي ِه‪.‬‬ ‫َواحْ تِ َ‬ ‫ساباا ُ‬ ‫غ ِف َر لَهُ َما تَقَد َ​َّم‬ ‫وع ْنه أ َّن ر ُ‬ ‫ام َر َم َ‬ ‫ضانَ إِي َماناا َواحْ تِ َ‬ ‫سول هللا ^ قال‪َ « :‬م ْن قَ َ‬ ‫ِم ْن ذَ ْنبِ ِه» ُمتَّف ٌق عل ْي ِه‪.‬‬ ‫أجمعت األمة على وجوب صوم شهر رمضان‪ ،‬وعلى استحباب قيامه ولو‬ ‫فرادى‪ ،‬ومن صام رمضان إيمانا ً باهلل تعالى وبجزائه‪ ،‬واحتسابا ً واخالصا ً هلل تعالى‬ ‫في ذلك الصيام‪ ،‬فإنه يغفر له ما تقدم من ذنبه‪ ،‬وكذلك الفضل في قيام رمضان‬ ‫إيمانا ً واحتسابا ً‪.‬‬ ‫***‬ ‫سول‬ ‫ي ِ ^‪ ،‬فقال‪ :‬هل ْكتُ يا ر ُ‬ ‫‪ -56‬وع ْن أبِي ُهريْرة ا قال‪ :‬جاء ر ُج ٌل إِلى النَّبِ ّ‬ ‫هللا! قال‪َ « :‬و َما أ َ ْهلَ َك َك؟» قال‪ :‬وق ْعتُ على ا ِْمرأتِي فِي رمضان‪ ،‬فقال‪« :‬ه َْل ت َِجد ُ َما‬ ‫ت َ ْعتِ ُ‬ ‫ش ْه َري ِْن ُمتَت َابِعَي ِْن؟» قال‪ :‬ال‪.‬‬ ‫وم َ‬ ‫ق َرقَبَةا؟» قال‪ :‬ال‪ .‬قال‪« :‬فَ َه ْل ت َ ْ‬ ‫ست َِطي ُع أ َ ْن ت َ ُ‬ ‫ص َ‬ ‫ق فِي ِه‬ ‫ستِينَ ِم ْ‬ ‫قال‪« :‬فَ َه ْل ت َِجد ُ َما ت ُ ْط ِع ُم ِ‬ ‫ي ^ بِعر ٍ‬ ‫س ِكيناا؟» قال‪ :‬ال‪ .‬ث ُ َّم جلس‪ ،‬فأُتِي النَّبِ ُّ‬ ‫صد َّْق بِ َهذَا» فقال‪ :‬أعلى أ ْفقر ِمنَّا؟ فما بيْن البتيْها أ ْه ُل ب ْي ٍ‬ ‫ت أحْ و ُج‬ ‫ت ْم ٌر‪ ،‬فقال‪« :‬ت َ َ‬ ‫ْ‬ ‫ي ^ حتَّى بد ْ‬ ‫ت أ ْنيابُهُ‪ ،‬ث ُ َّم قال‪« :‬اذْهَبْ فَأ َط ِع ْمهُ أ َ ْهلَ َك» رواهُ‬ ‫ِإل ْي ِه ِمنَّا‪ .‬فض ِحك النَّبِ ُّ‬ ‫سبْعةُ‪ ،‬واللَّ ْف ُ‬ ‫ظ ِل ُم ْس ِل ٍم‪.‬‬ ‫ال َّ‬ ‫من الكبائر أن ينتهك المسلم حرمة الصيام بأكل أو شرب أو إنزال مني‪ ،‬ومن‬ ‫أعظم المفطرات الجماع – وهو غياب الحشفة في الفرج ولو لم ينزل ‪ ،-‬وفيه الكفارة‬ ‫المغلظة‪ ،‬وهي عتق رقبة‪ ،‬فإن لم يجد‪ ،‬فيصوم شهرين متتابعين ال يفطر فيهما وإال‬ ‫أعاد الصيام‪ ،‬فإن لم يستطع‪ ،‬فيطعم ستين مسكيناً‪ ،‬فإن لم يجد فهو معذور‪ ،‬وهل تبقى‬ ‫في ذمته أو ال ؟ خالف بين العلماء‪.‬‬ ‫صائِ ٌم فَأ َ َك َل‬ ‫سو ُل هللا ^‪َ « :‬م ْن نَ ِ‬ ‫‪ -57‬وع ْن أبِي ُهريْرة ا قال‪ :‬قال ر ُ‬ ‫ي َو ُه َو َ‬ ‫س َ‬ ‫سقَاهُ» ُمتَّف ٌق عل ْي ِه‪ ،‬واللَّ ْف ُ‬ ‫ظ ِل ُم ْس ِل ٍم‪.‬‬ ‫أ َ ْو ش َِر َ‬ ‫ص ْو َمهُ؛ فَإِنَّ َما أ َ ْط عَ َمهُ هللا َو َ‬ ‫ب فَ ْليُتِ َّم َ‬ ‫في الحديث دليل على أن من صام‪ ،‬ونسي أنه صائم‪ ،‬فأكل أو شرب‪ ،‬فإن‬ ‫صومه صحيح‪ ،‬فليتمه وال شيء عليه‪.‬‬


‫‪81‬‬

‫مخسون حديثــا جامعة‬ ‫تهذيب شرح األصو ل الثالثةد‬


‫املنهج املختصر يف الفقه والعقيدة والدعوة‬

‫‪83‬‬

‫كتاب الحج‬ ‫أركان الحج أربعة ‪:‬‬ ‫األول‪( :‬اإلحرام)‪ :‬وهو نية الدخول في النسك ‪.‬‬ ‫الثاني‪ :‬الوقوف بعرفة ‪.‬‬ ‫الثالث‪ :‬طواف اإلفاضة ‪.‬‬ ‫الرابع‪ :‬السعي بين الصفا والمروة ‪.‬‬ ‫***‬ ‫سول هللا ^ قال‪َ « :‬م ْن َح َّج ِ َّ​ّلِلِ فَلَ ْم يَ ْرفُ ْث َولَ ْم‬ ‫‪ -58‬ع ْن أبِي ُهريْرة ا أ َّن ر ُ‬ ‫س ْق َر َج َع َكيَ ْو ِم َولَدَتْهُ أ ُ ُّمهُ» ُمتَّف ٌق عل ْي ِه‪.‬‬ ‫يَ ْف ُ‬ ‫من أحرم بالحج أو العمرة فليجتنب الرفث‪ ،‬وهو الجماع‪ ،‬ودواعيه من قول‬ ‫أو فعل‪ ،‬وليجتنب كذلك الفسوق‪ ،‬وهي جميع المعاصي‪ ،‬ومن فعل ما سبق غفرت‬ ‫له جميع ذنوبه‪ ،‬وكتب أجر حجه كامالً‪.‬‬ ‫***‬ ‫ي ^ وقَّت ِأل ْه ِل ا ْلمدِين ِة‪ :‬ذا ْال ُحليْف ِة‪ ،‬و ِأل ْه ِل‬ ‫‪ -59‬وع ِن اِب ِْن عب ٍ‬ ‫َّاس ب‪ :‬أ َّن النَّبِ َّ‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫ال َّ‬ ‫از ِل‪ ،‬و ِأل ْه ِل اليم ِن‪ :‬يل ْملم‪ُ ،‬ه َّن ل ُه َّن و ِلم ْن أتى‬ ‫ش ِام‪ :‬ا ْلجُحْ فة‪ ،‬و ِأل ْه ِل نجْ دٍ‪ :‬ق ْرن المن ِ‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫عل ْي ِه َّن ِم ْن غي ِْر ِه َّن‪ِ ،‬م َّم ْن أراد الح َّج والعُ ْمرة‪ ،‬وم ْن كان دُون ذ ِلك ف ِم ْن حي ُ‬ ‫ْث أ ْنشأ‪،‬‬ ‫حتَّى أ ْه ُل م َّكة ِم ْن م َّكة‪ُ .‬متَّف ٌق عليْه‪.‬‬ ‫للحج مواقيت زمانية ومكانية ال يصح في غيرها‪.‬‬ ‫فالزمانية هي شهر شوال‪ ،‬وذو القعدة‪ ،‬وعشر من ذي الحجة‪.‬‬ ‫ومواقيت الحج المكانية‪ ،‬وهي‪ :‬ذو الحليفة ألهل المدينة‪ ،‬وقرن ألهل نجد‪،‬‬ ‫والجحفة ألهل الشام‪ ،‬ويلملم ألهل اليمن‪ ،‬والميقات الخامس‪ :‬هو ميقات أهل‬ ‫العراق‪ ،‬ومن جاء من جهة المشرق‪ ،‬وهو ذات عرق‪.‬‬ ‫***‬ ‫ي ^ ر ِكب حتَّى أتى ا ْلم ْوقِف‪ ،‬فجعل ب ْ‬ ‫طن ناقتِ ِه‬ ‫‪ -11‬وع ْن جابِ ٍر ب‪ :‬أ َّن النَّبِ َّ‬ ‫صخراتِ‪ ،‬وجعل حبْل ا ْل ُمشاةِ بيْن يد ْي ِه‪ ،‬واسْت ْقبل ا ْل ِقبْلة‪ ،‬فل ْم يز ْل‬ ‫صو ِ‬ ‫ا ْلق ْ‬ ‫اء ِإلى ال َّ‬ ‫ت ال َّ‬ ‫س‪ ،‬وذهب ْ‬ ‫وا ِقفا ً حتَّى غرب ِ‬ ‫ت ال ُّ‬ ‫ص ْفرة ُ ق ِليالً‪ ،‬حتَّى غاب ا ْلقُ ْر ُ‬ ‫ص‪ ،‬ودفع‪ .‬رواهُ‬ ‫ش ْم ُ‬ ‫ُم ْس ِل ٌم‪.‬‬ ‫ص َالتَنَا‬ ‫سو ُل هللا ^‪َ « :‬م ْن َ‬ ‫‪ -15‬وع ْن ُ‬ ‫ع ْروة ب ِْن ُمض ِ ّر ٍس ا قال‪ :‬قال ر ُ‬ ‫ش ِهدَ َ‬ ‫ف بِ َع َرفَةَ قَ ْب َل ذَ ِل َك لَ ْي الا أ َ ْو‬ ‫ف َم عَنَا َحت َّى نَدْفَ َع‪َ ،‬وقَ ْد َوقَ َ‬ ‫َه ِذ ِه ‪ -‬يَ ْعنِي‪ :‬بِ ْال ُم ْزدَ ِلفَ ِة ‪ -‬فَ َوقَ َ‬ ‫ي وص َّححهُ‪.‬‬ ‫ضى تَفَثَهُ» رواهُ ال ِت ّ ِ‬ ‫نَ َه ا‬ ‫ارا‪ ،‬فَقَدْ ت َ َّم َح ُّجهُ َوقَ َ‬ ‫رم ِذ ُّ‬


‫‪84‬‬

‫مخسون حديثــا جامعة‬ ‫تهذيب شرح األصو ل الثالثةد‬

‫الوقوف على عرفة أعظم أركان الحج‪ ،‬وآخر وقت للوقوف بعرفة ينتهي‬ ‫بطلوع الفجر ليلة العيد‪ ،‬فمن لم يقف بعرفة حتى طلع الفجر ليلة العيد‪ ،‬فقد فاته‬ ‫الحج‪.‬‬ ‫***‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫ّ‬ ‫ب؟‬ ‫‪ -11‬وعن اب ِْن ُ‬ ‫سول هللا ^ ُ‬ ‫عمر ب‪ :‬أ َّن ر ُ‬ ‫س ال ُمحْ ِر ُم ِم ْن ا ِلثيا ِ‬ ‫سئِل‪ :‬ما يلب ُ‬ ‫س َرا ِو َ‬ ‫س‪َ ،‬و َال‬ ‫ص‪َ ،‬و َال ا َ ْل عَ َمائِ َم‪َ ،‬و َال ال َّ‬ ‫فقال‪َ « :‬ال ت َْلبَ ُ‬ ‫سوا ْالقُ ُم َ‬ ‫يال تِ‪َ ،‬و َال ا َ ْلبَ َرانِ َ‬ ‫اف‪ ،‬إِ َّال أ َ َحد ٌ َال يَ ِجد ُ اَلنَّ ْعلَي ِْن فَ ْليَ ْلبَ ِس ْال ُخفَّي ِْن‪َ ،‬و ْليَ ْق َ‬ ‫سفَ َل مِنَ ا َ ْل َك ْعبَي ِْن»‬ ‫ط ْع ُه َما أ َ ْ‬ ‫ا َ ْل ِخفَ َ‬ ‫ُمتَّف ٌق عل ْي ِه‪ ،‬واللَّ ْف ُ‬ ‫ظ ِل ُم ْس ِل ٍم‪.‬‬ ‫في الحديث بيان ما يحرم أثناء اإلحرام‪ ،‬ومحرمات اإلحرام هي‪:‬‬ ‫‪ - 9‬لبس المالبس المخيطة (للرجل)‪ - 2 .‬قص الشعر‪.‬‬ ‫‪ - 3‬الطيب (أي وضع أي شيء ذي رائحة عطرة)‪ - 4 .‬قص األظافر‪.‬‬ ‫‪ - 5‬تغطية الرأس للرجل‪ - 6 .‬الصيد‪ - 7 .‬قطع الشجر‪.‬‬ ‫‪ - 8‬لبس الجوارب‪ ،‬والخف‪ ،‬والحذاء (الجزمة)‪ ،‬ولكن يجوز لبس أي حذاء‬ ‫يظهر فيه مشط القدم (الصندل)‪.‬‬


‫املنهج املختصر يف الفقه والعقيدة والدعوة‬ ‫كتاب ْال ِجهاد‬

‫‪85‬‬

‫‪ -13‬وعن أنس ا أن النَّبِي ^ قال‪َ « :‬جا ِهد ُوا ْال ُم ْ‬ ‫ش ركين بِأ َ ْم َوا ِل ُكم َوأ َ ْنفُس ُك ْم‬ ‫سنَتِ ُك ْم» أخرجه النسائي‪.‬‬ ‫وأ َ ْل ِ‬ ‫في الحديث أن جهاد أعداء الدين مشروع بجميع اإلمكانات‪ ،‬وفي سائر‬ ‫المجاالت‪ ،‬والمراد بالحديث الجهاد بالمعنى العام الذي يشمل مجاهدة الكفار بالنفس‬ ‫والمال واللسان‪ ،‬وأما الجهاد بالمعنى الخاص المتعارف‪ ،‬فيراد به الجهاد بالنفس‪.‬‬ ‫***‬ ‫اصي ب قال‪ :‬جاء رجل إِلى النَّبِي ^‬ ‫‪ -14‬وعن عبد هللا بن ع ْمرو بن الع ِ‬ ‫فاستأذنه فِي ْال ِجهاد‪ ،‬فقال‪« :‬أ َ َحي والداك»؟ فقال‪ :‬نعم‪ ،‬قال‪« :‬ففيهما فَ َجاهد»‪.‬‬ ‫ُمتَّفق عل ْي ِه‪.‬‬ ‫في الحديث أن الجهاد إذا كان فرض كفاية فإنه يجب فيه استئذان الوالدين‪،‬‬ ‫فإذا كان فرض عين لم يجب االستئذان‪ ،‬ويتعين الجهاد في حاالت‪:‬‬ ‫‪ - 9‬إذا حضر المسلم المكلَّف القتال والتقى الزحفان وتقابل الصفان‪.‬‬ ‫‪ - 2‬إذا حضر العدو بلدا ً من بلدان المسلمين‪.‬‬ ‫‪ - 3‬إذا استنفر إمام المسلمين الناس‪ ،‬وطلب منهم الخروج للجهاد‪.‬‬


‫مخسون حديثــا جامعة‬

‫‪86‬‬

‫تهذيب شرح األصو ل الثالثةد‬

‫كتاب البيوع‬

‫سول هللا ^ يقُو ُل عام ْالفتْحِ ‪ -‬و ُهو‬ ‫‪ -15‬وع ْن جابِ ِر ب ِْن ع ْب ِد هللا ب‪ :‬أنَّهُ س ِمع ر ُ‬ ‫ْ‬ ‫صن َِام»‪ ،‬ف ِقيل‪:‬‬ ‫ير‪َ ،‬و ْاأل َ ْ‬ ‫ِبم َّكة‪« : -‬إِ َّن هللا َو َر ُ‬ ‫سولَهُ َح َّر َم بَ ْي َع ْال َخ ْم ِر‪َ ،‬و ْال َم ْيت َ ِة‪َ ،‬وال ِخ ْن ِز ِ‬ ‫ش ُحوم ْالميْت ِة‪ ،‬فإِنَّها ت ُ ْ‬ ‫سول هللا! أرأيْت ُ‬ ‫سفُ ُن‪ ،‬ويُدْه ُن بِها ْال ُجلُودُ‪،‬‬ ‫طلى بِها ال ُّ‬ ‫يا ر ُ‬ ‫)‬ ‫(‬ ‫ُ‬ ‫سو ُل هللا ^ ِع ْند ذ ِلك‪:‬‬ ‫اس ‪ 1‬؟ فقال‪َ « :‬ال‪ُ ،‬ه َو َح َرا ٌم»‪ ،‬ث َّم قال ر ُ‬ ‫ويسْت ْ‬ ‫صبِ ُح بِها النَّ ُ‬ ‫)‬ ‫(‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫«قَات َ َل هللا اليَ ُهودَ‪ ،‬إِ َّن هللا لَ َّما َح َّر َم ُ‬ ‫عوهُ‪ ،‬فَأ َكلوا ث َ َمنَهُ» متفق‬ ‫ش ُحو َم َها َج َملوهُ ‪ ، 2‬ث َّم بَا ُ‬ ‫عليه‪.‬‬ ‫ً‬ ‫من شروط صحة البيع‪ :‬أن يكون المبيع مباحا‪ ،‬جائز التملك‪ ،‬فال يجوز بيع‬ ‫الخمر‪ ،‬والميتة‪ ،‬والخنزير‪ ،‬واألصنام؛ لكونها محرمة لذاتها‪.‬‬ ‫ومن شروطه أيضا ً أن يكون مما ينتفع به‪ ،‬فما ال ينتفع به ال يجوز بيعه‪ ،‬وال‬ ‫شراؤه‪ ،‬فال يجوز بيع الحشرات‪ ،‬والرمل‪ ،‬ونحو ذلك‪.‬‬

‫(‪ )1‬أي‪ :‬ينور الناس بها بيوتهم بإشعالها في مصباح‪.‬‬ ‫(‪ )2‬أي أذابوه‪.‬‬


‫املنهج املختصر يف الفقه والعقيدة والدعوة‬

‫‪87‬‬

‫‪ -16‬وعن أبي هريرة ا قال‪« :‬نهى رسول هللا ^ عن بيع الحصاة(‪ ،)1‬وعن‬ ‫بيع الغرر(‪ »)2‬رواه مسلم‪.‬‬ ‫من شروط صحة البيع‪ :‬أن يكون معلوم القدر‪ ،‬فال يجوز بيع ما فيه غرر أو‬ ‫جهالة‪ ،‬فمن شروطه‪ :‬أن يكون الثمن‪ ،‬والمبيع معلوماً‪ ،‬وتتم المعلومية برؤية‪ ،‬أو‬ ‫صفة‪ ،‬أو عدٍّ‪ ،‬أو وزن‪ ،‬وغير ذلك مما تتم به معلوميته‪.‬‬ ‫***‬ ‫( )‬ ‫‪ -17‬وعن أبي هريرة ا قال‪« :‬نه ى رسول هللا ^ أن يبيع حاضر لباد ‪، 3‬‬ ‫وال تناجشوا(‪ ، )4‬وال يبيع الرجل على بيع أخيه‪ ،‬وال يخطب على خطبة أخيه‪ ،‬وال‬ ‫تسأل المرأة طالق أختها لتكفأ ما في إنائها» متفق عليه‪ ،‬ولمسلم‪ « :‬ال يسم المسلم‬ ‫على سوم المسلم(‪.»)5‬‬ ‫من أسباب تحريم بعض البيوع‪ :‬الظلم‪ ،‬ومن الظلم‪ :‬االحتكار‪ ،‬والغش‪ ،‬وبيع‬ ‫المسلم على بيع أخيه‪ ،‬والنجش‪ ،‬وبيع حاضر لباد‪ ،‬وتلقي الركبان‪ .‬ومنه أيضا ً بيع‬ ‫الماء‪ ،‬والكأل العام‪ ،‬ألنه يجب بذله‪ ،‬وعدم بذله ظلم للغير؛ لالشتراك فيه‪.‬‬ ‫***‬ ‫‪ -18‬وعن معمر بن عبد هللا ا عن رسول هللا ^ قال‪ « :‬ال يحتكر إال خاطئ»‬ ‫رواه مسلم‪.‬‬ ‫المحتكر‪ :‬هو الذي يعمد إلى شراء ما يحتاج إليه الناس من الطعام فيحبسه‬ ‫ويريد إغالءه عليهم‪ ،‬فهو ظالم للخلق المشترين؛ ومن عنده طعام ال يحتاج إليه‬ ‫والناس في مخمصة‪ ،‬فإنه يجبر على بيعه للناس بقيمة المثل ‪ ،‬ومن اضطر إلى‬ ‫طعام الغير أخذه منه بغير اختياره بقيمة مثله‪ ،‬ولم يستحق إال سعره ‪.‬‬ ‫(‪ )1‬بيع الحصاة له صور‪ ،‬ومنها أن يقول‪:‬‬ ‫أرم هذه الحصاة‪ ،‬فعلى أي ثوب وقعت فهو لك بدرهم‪.‬‬ ‫أو يقول‪ :‬بعتك من هذه األرض مقدار ما تبلغ هذه الحصاة‪ ،‬إذا رميتها بكذا‪.‬‬ ‫(‪ )2‬هو كل بيع احتوى جهالة‪ ،‬أو تضمن مخاطرة‪ ،‬أو قماراً‪ ،‬وذلك بأن ال يعرف حصوله‪ ،‬أو ال‬ ‫يعرف حقيقته ومقداره‪.‬‬ ‫(‪ )3‬الحاضر‪ :‬هو من كان من أهل الحضر‪ ،‬وهي المدن والقرى‪.‬‬ ‫والبادي‪ :‬هو ساكن البادية‪ .‬وذلك من أجل مصلحة أهل السوق‪ ،‬فإنهم عندما يأتي أحد ٌ من خارج بلدتهم‪،‬‬ ‫فإن بيعه يكون أرخص‪.‬‬ ‫(‪ )4‬النجش‪ :‬هو أن يزيد أحد في سلعة‪ ،‬وليس في نفسه شراؤها‪ ،‬يريد بذلك أن ينفع البائع ويضر‬ ‫المشتري‪.‬‬ ‫(‪ )5‬هي‪ :‬أن يتساوم رجالن‪ ،‬ويتفقا على البيع‪ ،‬ولم يتم العقد بعد‪ ،‬فيأتي مشتر آخر‪ ،‬ويزيد على سوم‬ ‫األول‪ ،‬فيغري البائع فيشتريه منه‪.‬‬


‫مخسون حديثــا جامعة‬

‫‪88‬‬

‫تهذيب شرح األصو ل الثالثةد‬

‫***‬ ‫‪ -19‬وعن جابر ا قال‪ :‬لعن رسول هللا ^ آكل الربا‪ ،‬وموكله‪ ،‬وكاتبه‪،‬‬ ‫وشاهديه‪ ،‬وقال‪« :‬هم سواء» رواه مسلم‪.‬‬ ‫في الحديث دليل على تحريم التعامل بالربا بأي طريقة كانت‪ ،‬ومن أنكر‬ ‫تحريمه ممن عاش في بيئة مسلمة فإنه مرتد؛ ألن هذا من المحرمات الظاهرة‬ ‫المجمع عليها‪ .‬وفي الحديث تصريح بتحريم كتابة المبايعة بين المترابيين والشهادة‬ ‫عليها‪ ،‬وفيه تحريم اإلعانة على الباطل‪.‬‬ ‫‪ - 03‬وعن أبي رافع ‪ -‬أن النبي ^ استسلف من رجل بكراً‪ ،‬فقدمت عليه إبل من‬ ‫الصدقة‪ ،‬فأمر أبا رافع أن يقضي الرجل بكره‪ ،‬فقال‪ :‬ال أجد إال خيارا‪ ،‬قال‪« :‬أعطه إياه‪،‬‬ ‫فإن خيار الناس أحسنهم قضاء» رواه مسلم‪.‬‬ ‫في الحديث دليل على أنه إذا كان النفع أو الزيادة التي يبذلها المقترض للمقرض‬ ‫غير مشترطة‪ ،‬فال بأس بها‪ ،‬وليست من الربا‪ ،‬فالربا ما كان باشتراط مسبق‪.‬‬

‫باب التفليس واحلجر‬ ‫‪ - 35‬عن أبي بكر بن عبد الرحمن‪ ,‬عن أبي هريرة ا قال‪ :‬سمعت رسول‬ ‫هللا ^ يقول‪« :‬من أدرك ماله بعينه عند رجل قد أفلس‪ ،‬فهو أحق به من غيره»‬ ‫متفق عليه‪.‬‬ ‫يجوز ألهل الدين أن يأخذوا جميع ما يجدونه مع المفلس إال ما كان مما ال‬ ‫يستغني عنه‪ ،‬وهو المنزل‪ ،‬وستر العورة وما يقيه البرد‪ ،‬ويسد رمقه ومن يعول‪،‬‬ ‫ومن وجد ماله عنده بعينه فهو أحق به‪ ،‬وإذا نقص مال المفلس عن الوفاء بجميع‬ ‫دينه‪ :‬فإنه يقسم المال الموجود بين الغرماء‪ ،‬وإذا تبين إفالسه فال يجوز حبسه‪.‬‬

‫باب الصلح‬ ‫‪ - 31‬عن عمرو بن عوف المزني ا‪ :‬أن رسول هللا ^ قال‪« :‬الصلح جائز‬ ‫بين المسلمين‪ ،‬إال صلحا حرم حالال وأحل حراما‪ ،‬والمسلمون على شروطهم‪ ،‬إال‬ ‫شرطا حرم حالال وأحل حراما» رواه الترمذي وصححه‪.‬‬ ‫الصلح هو التوصل إلى التوافق بين المتخاصمين‪ ،‬وهو جائز إال صلحا أحل‬ ‫حراما‪ ،‬أو حرم حالال‪ ،‬ويجوز الصلح عن الدم بالمال بأقل من الدية أو أكثر‪.‬‬


‫املنهج املختصر يف الفقه والعقيدة والدعوة‬

‫‪89‬‬

‫باب احلوالة والضمان‬ ‫‪ - 33‬عن أبي هريرة ا قال‪ :‬قال رسول هللا ^‪« :‬مطل الغني ظلم‪ ،‬وإذا أتبع‬ ‫أحدكم على مليء فليتبع» متفق عليه‪ .‬وفي رواية أحمد‪« :‬فليحتل»‪.‬‬ ‫الحوالة نقل الدين من ذمة إلى ذمة‪ ،‬ويحرم على الغني القادر أن يماطل‬ ‫صاحب الحق‪ ،‬ويستحب على من أحيل بحقه على من هو قادر على السداد أن‬ ‫يحتال‪ ،‬وقال بعض العلماء أن ذلك واجب‪.‬‬

‫باب العارية‬ ‫‪ -34‬عن يعلى بن أمية ا قال‪ :‬قال رسول هللا ^‪« :‬إذا أتتك رسلي‪ ،‬فأعطهم‬ ‫ثالثين درعا»‪ ،‬قلت‪ :‬يا رسول هللا‪ ،‬أعارية مضمونة أو عارية مؤداة؟ قال‪« ::‬بل‬ ‫عارية مؤداة» رواه أحمد‪ ،‬وأبو داود‪ ،‬والنسائي‪ ،‬وصححه ابن حبان‪.‬‬ ‫العارية‪ :‬هي العين المأخوذة لالنتفاع بها مطلقًا‪ ،‬أو زمنًا معينًا بال عوض‪.‬‬ ‫واإلعارة مشروعة باإلجماع‪ ،‬وتستحب اإلعارة وال تجب‪ ،‬ويجب على المستعير أن‬ ‫يرد العارية التي استعارها بعد استيفاء نفعها‪ ،‬وال يضمن المستعير العارية إذا تلفت إال‬ ‫إذا تلفت بتفريط منه‪.‬‬

‫باب الغصب‬ ‫‪ - 35‬عن سعيد بن زيد ب‪ :‬أن رسول هللا ^ قال‪« :‬من اقتطع شبرا من‬ ‫األرض ظلما طوقه هللا إياه يوم القيامة من سبع أرضين» متفق عليه‪.‬‬ ‫قهرا بغير حق‪،‬‬ ‫الغصب هو أخذ الشيء ظل ًما‪ ،‬واالستيالء على حق غيره ً‬ ‫وهو مجمع على تحريمه‪ ،‬ومن غصب أرضا ً ولو صغيرة‪ ،‬فإنها تكون طوقا ً في‬ ‫عنقه هي وما تحتها من الطبقات الست يوم القيامة أمام األولين واآلخرين في يوم‬ ‫مقداره خمسون ألف سنة‪.‬‬


‫مخسون حديثــا جامعة‬

‫‪91‬‬

‫تهذيب شرح األصو ل الثالثةد‬

‫باب الشفعة‬ ‫‪ - 36‬عن جابر بن عبد هللا ب قال‪ - :‬قضى رسول هللا ^ بالشفعة في كل ما‬ ‫لم يقسم‪ ،‬فإذا وقعت الحدود وصرفت الطرق فال شفعة‪ .‬متفق عليه‪ ،‬واللفظ‬ ‫للبخاري‪.‬‬ ‫وفي رواية مسلم‪« :‬الشفعة في كل شرك‪ :‬أرض‪ ،‬أو ربع‪ ،‬أو حائط‪ ،‬ال‬ ‫يصلح أن يبيع حتى يعرض على شريكه»‪.‬‬ ‫وفي رواية الطحاوي‪ :‬قضى النبي ^ بالشفعة في كل شيء‪ .‬وقال ابن حجر‪( :‬رجاله‬ ‫ثقات)‪.‬‬ ‫الشفعة مأخوذة من الشفع وهو الضم‪ ،‬وإذا أراد الرجل بيع منزل أو أرض‬ ‫أتاه الجار والشريك يشفع إليه؛ ليجعله أولى به ممن بعد منه‪ ،‬فسميت شفعة‪ ،‬وسمي‬ ‫طالبها شفيعا‪ .‬فإذا وقعت القسمة فال شفعة‪ ،‬وال يحل للشريك أن يبيع حتى يؤذن‬ ‫شريكه‪ ،‬وال تبطل بالتراخي ‪.‬‬

‫باب اهلبة‬ ‫‪ - 37‬عن ابن عباس ب قال‪ :‬قال النبي ^‪« :‬العائد في هبته كالكلب يقيء‪،‬‬ ‫ثم يعود في قيئه» متفق عليه‪.‬‬ ‫وفي رواية للبخاري‪« :‬ليس لنا مثل السوء‪ ،‬الذي ي عود في هبته كالكلب يرجع‬ ‫في قيئه»‪.‬‬ ‫الهبة مندوبة باإلجماع‪ ،‬وقد يطرأ عليها ما يجعلها محرمة إذا قصد بها‬ ‫معصية أو إعانة على ظلم‪ ،‬أو قصد بها الرشوة‪.‬‬ ‫وقد تكون الهبة مكروهة إذا قصد الواهب بها الرياء والمباهاة والسمعة‪.‬‬ ‫وفي الحديث دليل على عدم جواز رجوع الواهب في هبته‪ ،‬إال األب فيما‬ ‫وهبه ولده؛ ألدلة أخرى غير هذين الحديثين‪.‬‬

‫باب اللقطة‬ ‫‪ -38‬عن زيد بن خالد الجهني ا قال‪ :‬جاء رجل إلى النبي ^ فسأله عن‬ ‫اللقطة؟ فقال‪« :‬اعرف عفاصها(‪ )1‬ووكاءها(‪ ،)2‬ثم عرفها سنة‪ ،‬فإن جاء صاحبها‬

‫(‪)1‬العفاص‪ :‬الوعاء الذي يكون فيه الشئ من جلد أو نسيج أو خشب أو غيره‪.‬‬ ‫(‪ )2‬الوكاء‪ :‬الخيط الذي يشد به على رأس الكيس والصرة‪.‬‬ ‫=‬


‫املنهج املختصر يف الفقه والعقيدة والدعوة‬

‫‪95‬‬

‫وإال فشأنك بها»‪ .‬قال‪ :‬فضالة الغنم؟ قال‪« :‬هي لك‪ ،‬أو ألخيك‪ ،‬أو للذئب»‪ .‬قال‪:‬‬ ‫فضالة اإلبل؟‬ ‫( )‬ ‫( )‬ ‫قال‪« :‬ما لك ولها؟ معها سقاؤها ‪ 1‬وحذاؤها ‪ ، 2‬ترد الماء‪ ،‬وتأكل الشجر‪،‬‬ ‫حتى يلقاها ربها(‪ »)3‬متفق عليه‪.‬‬ ‫اللقطة التي يجب تعريفها هي ما له قيمة‪ ،‬فإن كانت من طعام يبقى مثل‬ ‫التمر وما أشبهه لم يكن لواجدها أكلها إال بعد سنة‪ ،‬وإن كانت مما ال يبقى‬ ‫كالفواكه‪ ،‬فهو مخير بين أكلها وبين بيعها وحفظ ثمنها‪ ،‬وال يجوز إبقاؤها ألنها‬ ‫تتلف‪ ،‬ومتى ما عرف صاحبها غرم له قيمتها‪.‬‬ ‫واللقطة التي يجب تعريفها هي ما تتبعها نفس صاحبها‪ ،‬أي ما له قيمة‪ .‬أما‬ ‫الشيء التافه والحقير فال بأس من تملكه وأخذه دون تعريف‬

‫باب الوقف‬ ‫‪ - 39‬عن ابن عمر ب قال‪ - :‬أصاب عمر أرضا بخيبر‪ ،‬فأتى النبي ^‬ ‫يستأمره فيها‪ ،‬فقال‪ :‬يا رسول هللا‪ ،‬إني أصبت أرضا بخيبر لم أصب ماال قط هو‬ ‫أنفس عندي منه‪ .‬قال‪« :‬إن شئت حبست أصلها‪ ،‬وتصدقت بها»‪ .‬قال‪ :‬فتصدق بها‬ ‫عمر‪[ ،‬غير] أنه ال يباع أصلها‪ ،‬وال يورث‪ ،‬وال يوهب‪ ،‬فتصدق بها في الفقراء‪،‬‬ ‫وفي القربى‪ ،‬وفي الرقاب‪ ،‬وفي سبيل هللا‪ ،‬وابن السبيل‪ ،‬والضيف‪ ،‬ال جناح على‬ ‫من وليها أن يأكل منها بالمعروف‪ ،‬ويطعم صديقا ‪ -‬غير متمول ماال‪ .‬متفق عليه‪،‬‬ ‫واللفظ لمسلم‪.‬‬ ‫وفي رواية للبخاري‪( :‬تصدق بأصله‪ ،‬ال يباع وال يوهب‪ ،‬ولكن ينفق ثمره)‪.‬‬ ‫من وقف شيئا ً يكون قد منعه من أن يباع أو يوهب أو يورث‪ ،‬والوقف مما‬ ‫اختص به المسلمون‪ ،‬والوقف من فعل الخير المأمور به‪ ،‬ومن أفضل القرب‬ ‫المندوب إليها؛ ومن وضع ماال في مسجد أو في غيره وال ينتفع به أحد جاز‬ ‫صرفه في أهل الحاجات ومصالح المسلمين‪.‬‬

‫والمقصود من معرفة العفاص والوكاء تمييزهما عن غيرهما حتى ال تختلط اللقطة بمال الملتقط‪ ،‬وحتى‬ ‫يستطيع إذا جاءه صاحبها أن يستوصفه العالمات التي تميزها عن غيرها ليتبين صدقه من كذبه‪.‬‬ ‫(‪ )1‬السقاء‪ :‬وعاء الماء‪ ،‬والمراد به هنا كرشها الذي تختزن فيه الماء‪.‬‬ ‫(‪ )2‬أخفافها‪.‬‬ ‫(‪ )3‬أي صاحبها‪.‬‬


‫‪91‬‬

‫مخسون حديثــا جامعة‬ ‫تهذيب شرح األصو ل الثالثةد‬


‫املنهج املختصر يف الفقه والعقيدة والدعوة‬

‫‪93‬‬

‫كتاب النكاح‬ ‫‪ - 41‬عن عبد هللا بن مسعود ا قال لنا رسول هللا ^‪« :‬يا معشر الشباب‪ ،‬من‬ ‫استطاع منكم الباءة فليتزوج‪ ،‬فإنه أغض للبصر‪ ،‬وأحصن للفرج‪ ،‬ومن لم يستطع‬ ‫فعليه بالصوم‪ ،‬فإنه له وجاء» متفق عليه‪.‬‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫يشرع النكاح لمن استطاع عليه جسديا وماديا‪ ،‬وبجب على من خشى الوقوع‬ ‫في المعصية‪ ،‬والتبتل غير جائز إال لعجز عن القيام بما ال بد منه‪ ،‬وينبغي أن‬ ‫تكون المرأة ودودا ولودا بكرا ذات جمال وحسب ودين ومال‪ ،‬وال نكاح إال بولى‬ ‫وشاهدين‪.‬‬

‫باب اخللع‬ ‫‪ - 45‬عن ابن عباس ب‪ :‬أن امرأة ثابت بن قيس أتت النبي ^ فقالت‪ :‬يا‬ ‫رسول هللا‪ ،‬ثابت بن قيس ما أعيب عليه في خلق وال دين‪ ،‬ولكني أكره الكفر في‬ ‫اإلسالم‪ ،‬قال رسول هللا ^‪« :‬أتردين عليه حديقته؟»‪ ،‬قالت‪ :‬نعم‪ .‬قال رسول هللا ^‪:‬‬ ‫«اقبل الحديقة‪ ،‬وطلقها تطليقة» رواه البخاري‪ .‬وفي رواية له‪ :‬وأمره بطالقها‪.‬‬ ‫إذا خالع الرجل امرأته كان أمرها إليها‪ ،‬ال ترجع إليه بمجرد الرجعة‪،‬‬ ‫ويجوز الخلع بالمال بالقليل والكثير‪ ،‬وال بد فيه من التراضي بين الزوجين على‬ ‫الخلع‪ ،‬ويجوز إلزام الحاكم مع الشقاق بينهما‪ ،‬وهو فسخ ال طالق على الراجح‪.‬‬

‫باب الطالق‬ ‫‪ - 41‬عن ابن عباس ب قال‪ :‬كان الطالق على عهد رسول هللا ^ وأبي بكر‪،‬‬ ‫وسنتين من خالفة عمر‪ ،‬طالق الثالث واحدة‪ ،‬فقال عمر بن الخطاب‪ :‬إن الناس قد‬ ‫استعجلوا في أمر كانت لهم فيه أناة‪ ،‬فلو أمضيناه عليهم؟ فأمضاه عليهم‪ .‬رواه‬ ‫مسلم‪.‬‬ ‫في الحديث دليل على أن الطالق الثالث يقع واحدة فقط؛ خالفا ً لما ذهب إليه‬ ‫الجمهور‪ .‬مع اتفاقهم جميعا ً على أن السنة وقوع طلقة واحدة فقط‪ ،‬واتفقوا على أنه‬ ‫ال يجوز الطالق في الحيض‪ ،‬وال في طهر جامعها فيه ‪ -‬وهو مع ذلك يقع طلقة‬ ‫واحدة ‪.-‬‬

‫باب الرضاع‬


‫‪94‬‬

‫مخسون حديثــا جامعة‬ ‫تهذيب شرح األصو ل الثالثةد‬

‫‪ - 43‬عن ابن عباس ب‪ ،‬أن النبي ^ أريد على ابنة حمزة‪ .‬فقال‪« :‬إنها ال‬ ‫تحل لي؛ إنها ابنة أخي من الرضاعة‪ ،‬ويحرم من الرضاعة ما يحرم من النسب»‬ ‫متفق عليه‪.‬‬ ‫المحرمات بسبب الرضاع سبع نساء‪ :‬األم من الرضاع واألخت من الرضاع‬ ‫بنص القرآن‪ ،‬والبنت والعمة والخالة وبنت األخ وبنت األخت من الرضاع؛ ألن‬ ‫هؤالء الخمس يحرمن من النسب‪ ،‬ويحرم من الرضاعة ما يحرم من النسب‪.‬‬


‫املنهج املختصر يف الفقه والعقيدة والدعوة‬

‫‪95‬‬

‫كتاب الجنايات‬ ‫‪ - 44‬عن ابن مسعود ا قال‪ :‬قال رسول هللا ^‪ « :‬ال يحل دم امرئ مسلم؛‬ ‫يشهد أن ال إله إال هللا‪ ،‬وأني رسول هللا‪ ،‬إال بإحدى ثالث‪ :‬الثيب الزاني‪ ،‬والنفس‬ ‫بالنفس‪ ،‬والتارك لدينه‪ ،‬المفارق للجماعة» متفق عليه‪.‬‬ ‫القتل أعظم الجرائم في اإلسالم وفي غيره‪ ،‬وال يحل دم المسلم إال إذا زنا‬ ‫وكان محصناً‪ ،‬أو إذا قتل إنسانا ً آخر‪ ،‬أو إذا ارتد عن اإلسالم وكفر به‪ ،‬ونحو‬ ‫ذلك‪ ،‬وإال فدم المسلم محرم‪ ،‬وقاتله يستحق النار ولو كان من كان‪.‬‬

‫باب الديات‬ ‫‪ - 45‬عن أبي بكر بن محمد بن عمرو بن حزم عن أبيه عن جده ا أن النبي‬ ‫^ كتب إلى أهل اليمن‪[ ...‬فذكر الحديث]‪ ،‬وفيه‪( :‬أن من اعتبط مؤمنا قتال عن‬ ‫بينة‪ ،‬فإنه قود‪ ،‬إال أن يرضى أولياء المقتول‪ ،‬وإن في النفس الدية مائة من اإلبل‪،‬‬ ‫وفي األنف إذا أوعب جدعه الدية‪ ،‬وفي اللسان الدية‪ ،‬وفي الشفتين الدية‪ ،‬وفي‬ ‫الذكر الدية‪ ،‬وفي البيضتين الدية‪ ،‬وفي الصلب الدية‪ ،‬وفي العينين الدية‪ ،‬وفي‬ ‫الرجل الواحدة نصف الدية‪ ،‬وفي المأمومة ثلث الدية‪ ،‬وفي الجائفة ثلث الدية‪ ،‬وفي‬ ‫المنقلة خمس عشرة من اإلبل‪ ،‬وفي كل إصبع من أصابع اليد والرجل عشر من‬ ‫اإلبل‪ ،‬وفي السن خمس من اإلبل وفي الموضحة خمس من اإلبل‪ ،‬وإن الرجل يقتل‬ ‫بالمرأة‪ ،‬وعلى أهل الذهب ألف دينار) أخرجه أبو داود في «المراسيل» والنسائي‪،‬‬ ‫وفي إسناده ضعف‪ ،‬وقد اتفق العلماء على العمل به‪.‬‬ ‫الدية تجب على القاتل بسبب الجناية في القتل الخطأ وشبه العمد‪ ،‬وأما العمد‬ ‫فال يُنتقل إلى الدية إال إذا تنازل أولياء المقتول عن القصاص‪.‬‬ ‫والدية في النفس مقدارها مائة من اإلبل أو ما يعادلها من النقود‪.‬‬ ‫ ويجب مقدار الدية في النفس في حالة‪:‬‬‫إذا قطع رجل أنف رجل آخر كامالً‪ ،‬أو قطع لسانه‪ ،‬أو شفتيه‪ ،‬أو ذكره‪ ،‬أو‬ ‫خصيتيه‪ ،‬أو كسر ظهره‪ ،‬وفي العينين‪ ،‬وفي الجفنين‪ ،‬وفي األذنين‪ ،‬وفي الرجلين‪،‬‬ ‫وفي اليدين‪.‬‬ ‫ ويجب نصف الدية‪ :‬في العين الواحدة‪ ،‬واألذن الواحدة ‪ ...‬وهكذا‪.‬‬‫ وفي أصابع اليدين والرجلين الدية كاملة‪ ،‬وفي كل أصبع عشر من االبل‪.‬‬‫ وفي جميع األسنان كمال الدية‪ ،‬وفي كل سن خمس من االبل‪.‬‬‫ وفي المأمومة‪ ،‬والجائفة ثلث الدية‪ ،‬والجائفة‪ :‬هي الطعنة التي تصل‬‫الجوف‪ ،‬والمأمومة‪ :‬هي التي تصل إلى جلدة الرأس‪.‬‬


‫‪96‬‬

‫مخسون حديثــا جامعة‬ ‫تهذيب شرح األصو ل الثالثةد‬

‫ وفي المنقلة خمس عشرة من اإلبل‪ ،‬وهي التي توضح وتهشم العظم حتى‬‫ينتقل منها العظم عن موضعه‪.‬‬


‫املنهج املختصر يف الفقه والعقيدة والدعوة‬

‫‪97‬‬

‫كتاب الحدود‬ ‫باب حد الزنا‬ ‫‪ - 46‬وعن عبادة بن الصامت ا قال‪ :‬قال رسول هللا ^‪« :‬خذوا عني‪ ،‬خذوا‬ ‫عني‪ ،‬فقد جعل هللا لهن سبيال‪ ،‬البكر بالبكر‪ :‬جلد مائة‪ ،‬ونفي سنة‪ ،‬والثيب بالثيب‪:‬‬ ‫جلد مائة‪ ،‬والرجم» رواه مسلم‪.‬‬ ‫إذا زنا الرجل أو المرأة غير المتزوجين‪ ،‬واعترفا بالزنا أو شهد أربعة شهود‬ ‫به ‪ -‬بعشرة شروط ‪ :-‬كان الحد عليه أو عليها مائة جلدة‪ ،‬وإذا كان الزاني متزوجا ً‬ ‫كان حده الرجم بالحجارة‪.‬‬

‫باب حد القذف‬ ‫‪ - 47‬عن أنس بن مالك ا قال‪ :‬أول لعان كان في اإلسالم أن شريك بن‬ ‫سمحاء قذفه هالل بن أمية بامرأته‪ ،‬فقال له رسول هللا ^‪« :‬البينة وإال فحد في‬ ‫ظهرك» أخرجه أبو يعلي‪ ،‬وصححه ابن حجر‪.‬‬ ‫إذا قذف إنسان إنسانا ً بالزنا وجب عليه إثبات ذلك؛ بأن يأتي ببقية الشهود‬ ‫األربعة‪ ،‬فإن لم يفعل‪ :‬استحق أن يجلد حد القذف ثمانين جلده‪ ،‬وإذا لم يتب لم تقبل‬ ‫شهادته‪ ،‬فإن جاء بعد القذف بأربعة شهود سقط عنه الحد‪ ،‬وكذلك إذا أقر المقذوف‬ ‫بالزنا بأنه زنا‪.‬‬

‫باب حد السرقة‬ ‫‪ -48‬عن عائشة ل قالت‪ :‬قال رسول هللا ^‪ « :‬ال تقطع يد سارق إال في ربع‬ ‫دينار فصاعدا» متفق عليه‪.‬‬ ‫من سرق وهو مكلف مختار من حرز ما يقدر بربع دينار فأكثر قطعت كفه‬ ‫اليمنى إذا كانت السرقة في غير مجاعة وحاجة‪ ،‬ويكفي اإلقرار مرة واحدة أو‬ ‫شهادة عدلين‪ ،‬وليس على خائن األمانة‪ ،‬والمنتهب‪ ،‬والمختلس قطع‪ ،‬ولكن يعزر‬ ‫من فعل ذلك‪.‬‬

‫باب حد شارب املسكر‬


‫‪98‬‬

‫مخسون حديثــا جامعة‬ ‫تهذيب شرح األصو ل الثالثةد‬

‫‪ - 49‬عن أنس بن مالك ا‪ :‬أن النبي ^ أتى برجل قد شرب الخمر‪ ،‬فجلده‬ ‫بجريدتين نحو أربعين‪ .‬قال‪ :‬وفعله أبو بكر‪ ،‬فلما كان عمر استشار الناس‪ ،‬فقال‬ ‫عبد الرحمن بن عوف‪ :‬أخف الحدود ثمانون‪ ،‬فأمر به عمر‪ .‬متفق عليه‪.‬‬ ‫من شرب مسكراً‪ ،‬وهو مكلف مختار‪ُ :‬جلد ما بين أربعين إلى ثمانين جلدة‪،‬‬ ‫ويكفي إقراره مرة أو شهادة عدلين‪.‬‬

‫باب التعزير وحكم الصائل‬ ‫‪ - 51‬عن أبي بردة األنصاري ا‪ :‬أنه سمع رسول هللا ^ يقول‪ « :‬ال يجلد فوق‬ ‫عش رة أسواط‪ ،‬إال في حد من حدود هللا» متفق عليه‪.‬‬ ‫التعزير مشروع في المعاصي التي ال توجب حدا ً ثبت بالنص‪ ،‬والتعزير‬ ‫يكون بحبس أو ضرب أو نحوهما‪ ،‬وال يجاوز عشرة أسواط‪ ،‬وقد يكون التعزير‬ ‫بإهانة ونحوها ألصحاب القدر والقيمة بين الناس‪.‬‬


‫املنهج املختصر يف الفقه والعقيدة والدعوة‬

‫تهذيب كتاب‬ ‫السياسة الشرعية‬

‫للشيخ‪/‬‬ ‫أبي عمر محمد بن عبد هللا السيف‬ ‫رحمه هللا وتقبله‬

‫تهذيب‪/‬‬ ‫د‪ .‬عبد الله بن محمد المحيسني‬

‫‪99‬‬


‫تهذيب كتاب السياسة الشرعية‬

‫‪511‬‬

‫بسم هللا الرحمن‬

‫املقدمة‬

‫الرحيم‬ ‫تهذيب شرح األصول الثالثةد‬

‫الحمد هلل رب العالمين‪ ،‬والصالة والسالم على خير المرسلين‪ ،‬وإمام‬ ‫المجاهدين‪ ،‬نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين‪.‬‬ ‫أما بعد‪:‬‬ ‫فهذا الصفحات في السياسة الشرعية‪ ،‬تم اختصارها اختصارا ً شديدا ً من كتاب‬ ‫(السياسة الشرعية)‪ ،‬تأليف‪ :‬الشيخ المجاهد أبي عمر محمد بن عبد هللا السيف‪،‬‬ ‫السياسة الشرعية التي يجب على المسلمين أن يتمسكوا بها‪ ،‬وأال يحيدوا عنها إلى ما‬ ‫انتحله وافتراه الكافرون المفترون من السياسات واألنظمة والقوانين واألحكام التي‬ ‫أكثرت في األرض الفساد‪ ,‬وارتفع بسببها صوت الكفر واإللحاد‪ ,‬وقد ازداد خطرها‬ ‫واستطار شرها في هذه السنوات مع الحملة الصليبية العالمية المتحالفة مع اليهود‬ ‫والمشركين والمرتدين‪ ،‬لمحاربة اإلسالم والمسلمين‪.‬‬


‫املنهج املختصر يف الفقه والعقيدة والدعوة‬

‫‪515‬‬

‫احلكم هلل تبارك وتعاىل‬

‫إن الحكم والتشريع من خصائص األلوهية‪ ,‬ومن نازع هللا تعالى في الحكم‬ ‫والتشريع فقد تجاوز حد العبودية‪ ,‬ورام األلوهية‪ ,‬فهو طاغوت‪ ,‬وكلمة طاغوت‬ ‫مشتقة من الطغيان‪ ،‬وهو مجاوزة الحد‪ ,‬وكل من آمن بهذا الطاغوت‪ ,‬واتخذه حكما ً‬ ‫ومشرعاً‪ ,‬فقد اتخذه رباً‪ ,‬وعبده من دون هللا تعالى‪ ,‬كما قال تعالى‪* :‬ﯘ‬ ‫ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ&[التوبة‪.]39:‬‬ ‫وقد روى اإلمام أحمد والترمذي‪ ،‬عن عدي بن حاتم ا‪ ,‬أنه دخل على رسول‬ ‫هللا ^‪ ,‬وفي عنق عدي صليب من فضة‪ ,‬فقرأ رسول هللا ^ هذه اآلية‪* :‬ﯘ‬ ‫ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ&[التوبة‪ ]39:‬قال‪ :‬فقلت‪ ,‬إنهم لم يعبدوهم‪ ،‬فقال‪:‬‬ ‫«بلى‪ ،‬إنهم حرموا عليهم الحالل‪ ,‬وأحلوا لهم الحرام‪ ,‬فاتبعوهم‪ .‬فذلك عبادتهم‬ ‫إياهم»‪.‬‬ ‫وأخرج ابن جرير بإسناده‪ ،‬عن ابن عباس ب أنه قال‪« :‬لم يأمروهم أن يسجدوا‬ ‫لهم‪ ,‬ولكن أمروهم بمعصية هللا‪ ,‬فأطاعوهم‪ ,‬فسماهم هللا بذلك أربابا ا»‪.‬‬ ‫فكانت عبادتهم لهم باتباعهم في التشريع‪ ،‬وهو التحريم والتحليل‪ ,‬وقد قرن هللا‬ ‫تعالى من اتخذ األحبار والرهبان أربابا ً مشرعين‪ ،‬بمن اتخذ المسيح × ربا ً‪ ،‬فكما أن‬ ‫من عبد المسيح فقد اتخذه ربا ً وكفر باهلل العظيم‪ ,‬فكذلك من اتخذ غير هللا مشرعاً‪ ,‬فقد‬ ‫اتخذه ربا ً وعبده من دون هللا‪ ,‬وكفر كفرا ً يخرج من الملة‪.‬‬ ‫فمن تحاكم إلى غير هللا تعالى‪ ,‬واتخذ غير هللا حكما ً ومشرعاً‪ ,‬فقد أشرك باهلل‬ ‫شركا ً أكبر يخرج من ارتكبه من اإلسالم‪ ,‬كما قال تعالى‪* :‬ﯴ ﯵ ﯶ ﯷ ﯸ‬ ‫ﯹ&[الكهف‪ ,]62:‬وفي قراءة‪( :‬وال ت ُ ْش ِرك فِي ُح ْك ِم ِه أحدا ً)‪ ،‬بصيغة النهي عن اإلشراك‬ ‫باهلل تعالى في الحكم والتشريع‪ ,‬وهذه اآلية كقوله تعالى‪* :‬ﰘ ﰙ ﰚ ﰛ ﰜ‬

‫ﰝ&[الكهف‪ ,]111:‬فالشرك في التشريع والتحاكم هو من الشرك في العبادة‪ ,‬فإن التحاكم‬ ‫من العبادة‪ ,‬كما قال تعالى‪* :‬ﮈ ﮉ ﮊ ﮋﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ‬

‫ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ&[يوسف‪.]41:‬‬


‫تهذيب كتاب السياسة الشرعية‬

‫‪511‬‬

‫السياسة‬

‫تهذيب شرح األصول الثالثةد‬

‫السياسة الشرعية‪ :‬هي العمل إلقامة دين هللا في األرض‪ ،‬وإصالح أحوال‬ ‫الناس في أمور دينهم حتى تكون كلمة هللا هي العليا‪ ،‬ويقام العدل بين الناس‪ ،‬وتحكم‬ ‫شريعة اإلسالم في جميع شؤون الحياة‪ ،‬وإصالح أحوال الناس في أمور دنياهم‪،‬‬ ‫وتدبير شؤون معاشهم‪ ،‬وقد قال تعالى‪* :‬ﯘﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ‬ ‫ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭﯮ ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ ﯶ ﯷ ﯸ ﯹ ﯺ ﯻ‬ ‫ﯼ ﯽ ﯾﯿ ﰀ ﰁ ﰂ ﰃ ﰄ ﰅ ﰆ ﰇ ﰈ ﰉ ﰊ ﰋ ﰌ ﰍﰎ ﰏ ﰐ ﰑ ﰒ‬ ‫ﰓ&[النساء‪]51-58:‬‬

‫‪ ،‬وقال تبارك وتعالى‪* :‬ﯷ ﯸ ﯹ ﯺ ﯻ ﯼ ﯽ ﯾ ﯿ ﰀ‬

‫ﰁ ﰂ ﰃ ﰄ ﰅ ﰆ ﰇﰈ ﰉ ﰊ ﰋ ﰌ ﰍ ﰎ ﰏ ﰐ ﰑ ﰒ ﰓ ﰔ ﰕ‬

‫ﰖ&[ص‪.]26:‬‬ ‫قال اإلمام ابن كثير ‪ /‬في تفسيره‪( :‬هذه وصية من هللا ‪ Q‬لوالة األمور أن‬ ‫ّ‬ ‫المنزل من عنده تبارك وتعالى‪ ،‬وال يعدلوا عنه فيضلّوا عن‬ ‫يحكموا بين الناس بالحق‬ ‫سببيل هللا‪ ،‬وقد توعد تبارك وتعالى من ضل عن سبيله وتناسى يوم الحساب بالوعيد‬ ‫األكيد‪ ،‬والعذاب الشديد)‪.‬‬ ‫قال شيخ اإلسالم ابن تيمية ‪ /‬في فتاويه‪( :‬فالمقصود الواجب بالواليات إصالح‬ ‫دين الخلق‪ ،‬الذي إذا فاتهم خسروا خسرانا ً مبينا ً‪ ،‬ولم ينفعهم ما نعموا به في الدنيا‪،‬‬ ‫وإصالح ما ال يقوم الدين إال به من أمر دنياهم)‪.‬‬ ‫وقال أيضا ً‪( :‬جميع الواليات في اإلسالم مقصودها أن يكون الدين كله هلل‪ ،‬وأن‬ ‫تكون كلمة هللا هي العليا‪ ،‬فإن هللا ـ إنما خلق الخلق لذلك‪ ،‬وبه أنزل الكتب‪ ،‬وبه أرسل‬ ‫الرسل‪ ،‬وعليه جاهد الرسول والمؤمنون‪ .‬قال هللا تعالى‪* :‬ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ‬ ‫ﭸ ﭹ&[الذاريات‪ ]56:‬وقال تعالى‪* :‬ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ‬ ‫ﭟ ﭠ&[األنبياء‪ ]25:‬وقال تعالى‪* :‬ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ‬ ‫ﭾﭿ&[النحل‪ ،]36:‬وقد أخبر عن جميع المرسلين أن كالًّ منهم يقول لقومه‪* :‬ﭬ ﭭ‬

‫ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ&[األعراف‪.)]51:‬‬ ‫فتحقيق عبودية هللا تعالى‪ ،‬وتحكيم شرع هللا في األرض‪ ،‬وإقامة دولة اإلسالم‪،‬‬ ‫هو الغاية التي خلق هللا الخلق ألجلها‪ ،‬وهو مقصود الجهاد في سبيل هللا‪ ،‬وهو الهدف‬


‫املنهج املختصر يف الفقه والعقيدة والدعوة‬

‫‪513‬‬

‫السياسي الذي يجاهد ألجله المجاهدون‪ ،‬ويبذل فيه الدماء الصادقون االستشهاديون‪،‬‬ ‫كما قال تعالى‪* :‬ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝﯞ&[األنفال‪.]31:‬‬ ‫وعن أبي موسى عبد هللا بن قيس األشعري ا قال‪ :‬سئل رسول هللا ^ عن الرجل‬ ‫يقاتل شجاعة‪ ،‬ويقاتل حمية‪ ،‬ويقاتل رياء‪ ،‬أي ذلك في سبيل هللا؟ فقال رسول هللا ^‪:‬‬ ‫«من قاتل لتكون كلمة هللا هي العليا‪ ،‬فهو في سبيل هللا» متفق عليه‪.‬‬ ‫فاإلسالم دين كامل‪ ،‬ونظام شامل للحياة‪ ،‬ال يقيمه إال األقوياء الصادقون‬ ‫المجاهدون‪ ،‬فهو ال يقبل التمييع أو الهزل أو الضعف‪ ،‬وإنما جاء ليؤخذ بقوة وجد‬ ‫وصدق‪ ،‬وعندما يأخذه الصادقون بقوة‪ ،‬حينها فقط يم ّكن لهم في األرض‪ ،‬ويكونون‬ ‫أهالً لحمل الرسالة واألمانة‪.‬‬ ‫إن القوة مالزمة ألخذ هذا الدين‪ ،‬وحمل الرسالة‪ ،‬قبل التمكين في األرض وبعد‬ ‫التمكين‪ ،‬قال تعالى‪* :‬ﭑ ﭒ ﭓ ﭔﭕ&[مريم‪.]92:‬‬


‫‪514‬‬

‫تهذيب كتاب السياسة الشرعية‬ ‫الدنيوية‬ ‫تهذيب‪ :‬شرح األصول الثالثةد‬

‫السياسة وأسباب التمكين والمنافع والمصالح‬ ‫ّ‬ ‫تعطل المنافع الدنيوية‪ ،‬التي هي من وسائل إعداد القوة‪,‬‬ ‫السياسة الشرعية ال‬ ‫وبناء الدولة اإلسالمية‪ ,‬والتي منها ما هو من ضرورات الناس وحاجاتهم‪ ,‬وقد قال‬ ‫هللا تعالى‪* :‬ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ‬ ‫ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬﯭ ﯮ ﯯ ﯰ ﯱ&[البقرة‪.]212-219:‬‬ ‫قال اإلمام ابن كثير ‪ /‬في تفسيره‪( :‬الحسنة في الدنيا تشمل كل مطلوب دنيوي‪،‬‬ ‫من عافية‪ ،‬ودار رحبة‪ ،‬وزوجة حسنة‪ ،‬ورزق واسع‪ ،‬وعلم نافع‪ ،‬وعمل صالح‪،‬‬ ‫ي‪ ،‬وثناء جميل‪ .‬وأما الحسنة في اآلخرة فأعلى ذلك دخول الجنة وتوابعه‬ ‫ومركب هن ّ‬ ‫من األمن من الفزع األكبر في العرصات‪ ،‬وتيسير الحساب)‪.‬‬ ‫وأما السياسة التي تبتغي الدنيا ومتعتها فقط‪ ،‬وتعرض عن اآلخرة‪ ،‬فهي سياسة‬ ‫الكافرين‪ ،‬الذين قال هللا تعالى عنهم‪* :‬ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ‬ ‫ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ‬ ‫ﮗ&[هود‪ ,]96-95:‬وقال تعالى‪* :‬ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ‬

‫ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ&[يونس‪ ,]8-7:‬وقال‬ ‫تعالى‪* :‬ﰕ ﰕ ﰕ ﰕ ﰕ ﭪ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ&[الروم‪ ]7-6:‬وقال تعالى‪* :‬ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ‬ ‫ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ&[النجم‪.]31-21:‬‬ ‫وتأمل كيف قرن هللا تعالى بين تمكين ذي القرنين في األرض‪ ،‬وبين األسباب‬ ‫التي أعطاها إياه‪ ،‬فقال تعالى‪* :‬ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ&[الكهف‪ ،]84:‬والسبب هو ما‬ ‫يتوصل به إلى نيل الغرض والمقصود‪ ،‬فآتاه هللا من كل شيء ما يتوصل به إلى‬ ‫أغراضه وأهدافه من تقوية سلطانه‪ ،‬وإقامة العدل والنظام في األرض‪ ،‬ومنها‬ ‫األسباب التي غلب بها األعداء‪ ،‬وفتح بها البالد‪ ،‬وكف بها المفسدين في األرض‪،‬‬ ‫ومنها األسباب التي مكنته من العمران والبناء‪ ،‬واالنتقال إلى مشرق األرض‬ ‫ومغربها‪ ،‬وغيرها من األسباب‪.‬‬ ‫واألسباب التي يتسبب بها إلى تقوية الدولة‪ ،‬وتثبيت دعائمها‪ ،‬واطراد التنمية‬ ‫واإلبداع فيها‪ ،‬تكون بالعلم والتخصص‪ ،‬فإن العلم من أعظم األسباب الموصلة إلى‬ ‫تقوية الدولة في جميع المجاالت الصناعية والتقنية والطبية وغيرها‪ ،‬وتكون بالقدرة‬ ‫واالستطاعة بإعداد الجنود‪ ،‬وتوفر الصناع والعمال والمزارعين وغيرهم‪ ،‬ومن‬ ‫األسباب اآلالت واألجهزة واألموال وغيرها مما يتوصل به إلى األغراض‬ ‫والمقاصد‪.‬‬ ‫السياسة العادلة‪:‬‬


‫املنهج املختصر يف الفقه والعقيدة والدعوة‬

‫‪515‬‬

‫السياسة العادلة‪ :‬هي جزء من شرع هللا تعالى‪ ،‬وأما السياسة الظالمة فليست من‬ ‫شرع هللا تعالى‪ ،‬بل شرع هللا تعالى جاء بإنكارها وإزالتها كغيرها من المنكرات‬ ‫والمحرمات‪.‬‬ ‫ّ‬ ‫وقد قال ^‪ « :‬كانت بنو إسرائيل تسوسهم األنبياء‪ ،‬كلما هلك النبي خلفه النبي‪،‬‬ ‫وإنه ال نبي بعدي‪ ،‬وستكون خلفاء فتكثر»‪ ،‬قالوا‪ :‬فما تأمرنا؟ قال‪« :‬أوفوا ببيعة‬ ‫األول فاألول‪ ،‬وأعطوهم حقهم‪ ،‬فإن هللا سائلهم عما استرعاهم» متفق عليه‪ ،‬فوالة‬ ‫األمر في األمة يخلفون رسول هللا ^ في سياسة األمة السياسة العادلة‪.‬‬ ‫وعن عبد خير قال‪ :‬قام علي ا على المنبر‪ ،‬فذكر رسول هللا ^ فقال‪( :‬قبض‬ ‫رسول هللا ^ واستخلف أبو بكر‪ ،‬فعمل بعمله‪ ،‬وسار بسيرته حتى قبضه هللا على ذلك‪،‬‬ ‫ثم استخلف عمر فعمل بعملهما وسار بسيرتهما‪ ،‬حتى قبضه هللا على ذلك) رواه‬ ‫أحمد‪ ،‬وقال الهيثمي‪ :‬رجاله ثقات‪.‬‬ ‫وقال شيخ اإلسالم ابن تيمية ‪ /‬في فتاوىه‪( :‬ووالة األمور فينا هم خلفاء‬ ‫الرسول‪ ،‬قال النبي ^ في الصحيح‪« :‬إن بني إسرائيل كان تسوسهم األنبياء‪ ،‬كلما هلك‬ ‫النبي قام النبي‪ ،‬وأنه ال نبي بعدي‪ ،‬وسيكون خلفاء ويكثرون» قالوا‪ :‬فما تأمرونا يا‬ ‫رسول هللا؟ قال‪« :‬أوفوا بي عة األول فاألول‪ ،‬وأدوا لهم الذي لهم‪ ،‬فإن هللا سائلهم عما‬ ‫استرعاهم»‪ ،‬وقال أيضا ً‪« :‬العلماء ورثة األنبياء»‪ ،‬وروي عنه أنه قال‪« :‬وددت أني‬ ‫قد رأيت خلفائي» قالوا‪ :‬ومن خلفاءك؟ قال‪« :‬الذين يحيون سنتي يعلمونها الناس»‪،‬‬ ‫فهؤالء والة األمور بعده‪ ،‬وهم األمراء والعلماء‪.‬‬ ‫وقال الحافظ ابن حجر ‪ /‬في الفتح‪( :‬أي‪ :‬أنهم كانوا إذا ظهر فيهم فساد بعث هللا‬ ‫لهم نبيا ً يقيم لهم أمرهم‪ ،‬ويزيل ما غيّروا من أحكام الدولة‪ .‬وفيه إشارة إلى أنه ال بد‬ ‫للرعية من قائم بأمورها‪ ،‬يحملها على الطريق الحسنة‪ ،‬وينصف المظلوم من الظالم)‪.‬‬ ‫ضعف اإلنسان في إدراكه ومعرفته بالمصالح‪:‬‬ ‫هللا تعالى هو الذي خلق الخلق‪ ،‬وهو أعلم بما يصلحهم في دنياهم وآخرتهم‪ ،‬كما‬ ‫قال تعالى‪* :‬ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ&[الملك‪.]94:‬‬ ‫وقال تعالى‪* :‬ﯥ ﯦ ﯧ ﯨﯨ&[البقرة‪ ،]941:‬وقال تعالى‪* :‬ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞﭟ‬ ‫ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ&[البقرة‪ ،]296:‬فأنى لهذا اإلنسان الضعيف من كل وجه أن‬ ‫يدرك مصلحته بنفسه‪ ،‬وأن يحيط بما فيه نفعه على وجه الكمال والتمام‪ ،‬فإن اإلنسان‬ ‫ضعيف ظلوم جهول‪ ،‬كما قال هللا تبارك وتعالى‪* :‬ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯨ ﯪ ﯫ ﯬﯭ ﯮ ﯯ ﯰ‬ ‫ﯱ ﯲ&[األحزاب‪.]72:‬‬ ‫خلّي بين الناس وبين أنفسهم وتقديراتهم واستحساناتهم ألهلكوا أنفسهم‪،‬‬ ‫ولو ِ‬ ‫وألوردوها موارد الشقاء والضالل‪ ،‬فإن الناس ضعفاء في علومهم وإدراكهم‪ ،‬بل ال‬ ‫يعلمون حقيقة األرواح التي في أبدانهم‪ ،‬كما قال هللا تبارك وتعالى‪* :‬ﯮ ﯯ ﯰﯱ ﯲ ﯳ ﯴ‬


‫‪516‬‬

‫تهذيب كتاب السياسة الشرعية‬

‫الثالثةدهللا من‬ ‫األصول خلقه‬ ‫الضعيف الذي‬ ‫ﯵ ﯶ ﯷ ﯸ ﯹ ﯺ ﯻ ﯼ ﯽ&[اإلسراء‪ ،]85:‬ولكن هذا المخلوق‬ ‫تهذيب شرح‬ ‫نطفة إذا كفر جاهر بكفره‪ ،‬وخاصم ربه‪ ،‬وعارض أحكامه بأقيسته وأدلته العقلية‬ ‫الفاسدة‪ ،‬كما قال هللا تبارك وتعالى‪* :‬ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﭨ ﭩ‬ ‫ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮪ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ&[عبس‪ ،]23-97:‬وقال تعالى‪* :‬ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ‬ ‫ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﭨ ﭩ ﮤ ﮥ ﮦﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮪ&[يس‪ ،]71-77:‬فهذا الكافر‬ ‫استدل بعقله الفاسد على إنكار البعث بتشبيه قدرة الخالق بقدرة المخلوق‪.‬‬


‫املنهج املختصر يف الفقه والعقيدة والدعوة‬

‫‪517‬‬

‫مزايا الشريعة ومقاصدها‬

‫تتميز الشريعة اإلسالمية بمزايا تختلف فيها اختالفا ً كامالً عن جميع القوانين‬ ‫واألنظمة التي هي من تشريع البشر‪ ،‬ومن هذه المزايا‪:‬‬ ‫أو الا‪ :‬أن الشريعة اإلسالمية من عند هللا تعالى‪:‬‬ ‫فالقرآن كالم هللا أنزله هللا تعالى‪ ،‬وفيه علمه تبارك وتعالى‪ ،‬كما قال هللا تعالى‪:‬‬ ‫*ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔﮕ ﮖ ﮗﮘ ﮙ ﮚﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ&[النساء‪ ،]966:‬وقال تعالى‪* :‬ﭥ ﭦ‬ ‫ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ&[هود‪.]94:‬‬ ‫وهو تبارك وتعالى خالق الخلق‪ ،‬وهو أعلم بما فيه صالحهم وطهارتهم‬ ‫واستقامة أحوالهم وسعادتهم في الدنيا واآلخرة‪ ،‬وقد قال هللا تعالى‪* :‬ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ‬ ‫ﭣ&[الملك‪ ،]94:‬وقال تعالى‪* :‬ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨﯨ&[البقرة‪.]941:‬‬ ‫ثانيا ا‪ :‬تحقيق العبودية هلل تعالى وتزكية النفوس وطهارتها‪:‬‬ ‫إن الشريعة اإلسالمية جاءت لتحقيق عبودية هللا وتزكية النفوس وصالحها‪،‬‬ ‫وطهارتها من الشرك والفواحش ومساوئ األخالق‪ ،‬قال هللا تعالى‪* :‬ﭳ ﭴ ﭵ‬ ‫ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ&[الذاريات‪ ،]56:‬وقال تعالى‪* :‬ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯨ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ‬

‫ﯴ ﯵ ﯶ ﯷ ﯸ ﯹ ﯺ ﯻ ﯼ&[آل عمران‪ ،]964:‬وقال ^‪« :‬إنما بعثت ألتمم صالح األخالق»‬ ‫رواه أحمد‪.‬‬ ‫تعول على طهارة النفوس وزكاتها‪ ،‬وليس من‬ ‫وأما القوانين الوضعية فال ّ‬ ‫أهدافها صالح المجتمع واستقامته وطهارته من المنكرات‪ ،‬بل تحمي هذه القوانين‬ ‫أنواع الكفر‪ ،‬والفسوق‪ ،‬واالنحطاط األخالقي‪ ،‬مما جعل المجتمعات التي تتحاكم إليها‬ ‫تعاني من شيوع الكفر والرذيلة والفواحش‪ ،‬ومن تفكك األسرة والمجتمع‪.‬‬ ‫ثالثا ا‪ :‬تقوى هللا في السر والعلن‪:‬‬ ‫جاءت الشريعة اإلسالمية باستقامة المؤمنين‪ ،‬وتقواهم هلل في السر والعلن‪,‬‬ ‫حيث يراقب المؤمن ربه في حركاته وسكناته وفي سره وجهره‪ ,‬وقد قال هللا تعالى‪:‬‬ ‫*ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵﭶ ﭷ ﭸ‬ ‫ﭹ ﭺ ﭻ ﭼﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ&[المجادلة‪ ،]7:‬وقال رسول هللا ^‪« :‬اتق هللا حيثما كنت‪ ،‬وأتبع‬

‫السيئة الحسنة تمحها‪ ،‬وخالق الناس بخلق حسن» رواه الترمذي‪.‬‬ ‫ومن ضعف إيمانه‪ ،‬ورق خوفه من عذاب هللا‪ ,‬وارتكب المحرمات ولم يردعه‬ ‫اإليمان‪ ,‬فيردع ويكف بالحدود والعقوبات الشرعية‪.‬‬ ‫رابعا ا‪ :‬أن الشريعة جاءت بما فيه سعادة العباد في الدنيا واْلخرة‪:‬‬


‫‪518‬‬

‫تهذيب كتاب السياسة الشرعية‬

‫كما قال‬ ‫واآلخرة‪,‬‬ ‫فالشريعة جاءت بما فيه سعادة العباد وفالحهم في‬ ‫الثالثةد‬ ‫الدنيااألصول‬ ‫تهذيب شرح‬ ‫تعالى‪* :‬ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ&[النحل‪ ,]17:‬وقال تعالى‪* :‬ﮭ‬ ‫ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯨ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ‬ ‫ﯶ ﯷ ﯸ ﯹ ﯺ ﯻ ﯼ ﯽ ﯾ ﯿﰕ ﰕ ﰕ ﰕ ﰕ&[آل عمران‪.]948-946:‬‬

‫فإن القلوب فطرت على عبودية هللا واالطمئنان بذكره‪ ,‬وإذا ابتعدت القلوب عن‬ ‫عبودية هللا‪ ،‬استولت عليه الشياطين‪ ،‬وأحاطت بها الهموم والضنك في الدنيا‪ ,‬ثم‬ ‫مصير أصحابها إلى الشقاء في اآلخرة‪ ،‬وقد أخرج ابن جرير عن ابن عباس قال‪:‬‬ ‫(تضمن هللا لمن قرأ القرآن‪ ،‬واتبع ما فيه‪ ،‬أن ال يض ّل في الدنيا‪ ،‬وال يشقى في‬ ‫اآلخرة‪ ،‬ثم تال هذه اآلية‪* :‬ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ&[طه‪.)]923:‬‬ ‫خامسا ا‪ :‬موافقة الشريعة للفطرة‪:‬‬ ‫من مزايا الشريعة اإلسالمية موافقتها للفطرة‪ ،‬فهي ال تتعارض مع الفطرة‬ ‫السليمة‪ ،‬ما دام أن اإلنسان باق على أصل فطرته ولم تتغير فطرته ولم تنحرف‪ ,‬وأما‬ ‫إذا تغيرت فطرته بسبب المؤثرات المحيطة به‪ ،‬ففي هذه الحالة يعارض بعقله الفاسد‬ ‫الشريعة ويخالفها وينفر منها‪ ,‬وقد قال تعالى‪* :‬ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ‬ ‫ﭣ&[المدثر‪ ]59-41:‬فهذا اإلعراض والنفور والفرار عن الحق‪ ،‬هو بسبب تغير الفطرة‬ ‫عن أصل خلقتها‪ ,‬وقد قال تعالى‪ * :‬ﯔ ﯕ ﯖ ﯗﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯨ ﯪ ﯫ ﯬ‬ ‫ﯭ&[الروم‪.]31:‬‬ ‫وعن أبي هريرة ا قال‪ :‬قال رسول هللا ^‪« :‬ما من مولود إال يولد على الفطرة‪،‬‬ ‫فأبواه يهودانه أو ينصرانه أو يمجسانه‪ ،‬كما تنتج البهيمة بهيمة جمعاء‪ ،‬هل تحسون‬ ‫فيها من جدعاء»‪ ,‬ثم يقول‪* :‬ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣﯤ ﯥ ﯦ ﯧ&[الروم‪ ]31:‬رواه البخاري‬ ‫ومسلم واللفظ للبخاري‪.‬‬


‫املنهج املختصر يف الفقه والعقيدة والدعوة‬

‫‪519‬‬

‫سادسا ا‪ :‬كمال الشريعة اإلسالمية وشمولها ووفاؤها بجميعع األحكعام واألقضعية‬ ‫في كل زمان ومكان‪:‬‬ ‫لقد جاءت الشريعة اإلسالمية بالنصوص والقواعد العامة واألحكام الكلية‪ ،‬التي‬ ‫تندرج فيها جميع الحوادث والنوازل الطارئة إلى يوم القيامة‪ ،‬وقد هللا تعالى‪* :‬ﭻ ﭼ ﭽ‬ ‫ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅﮆ&[المائدة‪.]3:‬‬ ‫قال اإلمام الشاطبي ‪ /‬في االعتصام‪( :‬إن هللا تعالى أنزل الشريعة على رسوله‬ ‫^‪ ،‬فيها تبيان كل شىء‪ ،‬يحتاج إليه الخلق في تكاليفهم التى أمروا بها‪ ،‬وتعبداتهم التي‬ ‫طوقوها في أعناقهم‪ ،‬ولم يمت رسول هللا ^ حتى كمل الدين بشهادة هللا تعالى بذلك‪،‬‬ ‫حيث قال تعالى‪* :‬ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅﮆ&[المائدة‪ ,]3:‬فكل من زعم أنه بقي في الدين‬ ‫شيء لم يكمل فقد كذب بقوله‪* :‬ﭻ ﭼ ﭽ&[المائدة‪ ،]3:‬ولكن المراد كلياتها فلم يبق للدين‬ ‫قاعدة يحتاج إليها في الضروريات والحاجيات أو التكميليات إال وقد بينت غاية البيان‪.‬‬ ‫نعم يبقى تنزيل الجزئيات على تلك الكليات موكوالً إلى نظر المجتهد‪ ،‬فإن قاعدة‬ ‫االجتهاد أيضا ً ثابتة في الكتاب والسنة‪ ،‬فال بد من إعمالها وال يسع تركها)‪.‬‬ ‫وعن أبي ذر ا قال‪( :‬تركنا رسول هللا ^ وما طائر يقلب جناحيه في الهواء إال‬ ‫وهو يذكرنا منه علما ً‪ ،‬قال‪ :‬فقال ^‪« :‬ما بقي شيء يقرب من الجنة ويباعد من النار‬ ‫إال وقد بين لكم» رواه الطبراني في الكبير‪.‬‬


‫تهذيب كتاب السياسة الشرعية‬

‫‪551‬‬

‫احلضارة‬

‫تهذيب شرح األصول الثالثةد‬

‫إن الحضارة الحقة‪ ..‬هي الحضارة التي تنشأ لتحقيق الغاية التي خلق ألجلها‬ ‫اإلنس والجن‪ ،‬وهي عبادة هللا وحده ال شريك له‪ ،‬كما قال تعالى‪* :‬ﭳ ﭴ ﭵ‬ ‫ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ&[الذاريات‪ ,]56:‬وقال تعالى‪* :‬ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ‬

‫ﯦ&[األنعام‪ ,]963-962:‬وقال تعالى عمن ظن أن هللا تعالى خلق الخلق عبثا ً وباطالً‪ ،‬ولم‬ ‫يخلقهم لعبادته‪* :‬ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ‬ ‫ﭱ&[ص‪.]28-27:‬‬ ‫والعبادة في اإلسالم ال تعني الرهبانية‪ ،‬واالنقطاع عن إعمار األرض‪،‬‬ ‫واالستفادة من خيراتها‪ ,‬واكتشاف منافعها وكنوزها‪ ,‬فإن االنقطاع عن المصالح‬ ‫والمنافع الدنيوية ال يتوافق مع اإلسالم‪ ،‬الذي جاء لتكون كلمة هللا هي العليا‪ ,‬وتقام‬ ‫دولة اإلسالم‪ ،‬ويحكم اإلسالم في جميع شؤون الحياة‪ ،‬ويجاهد في سبيل هللا‪ ،‬وتعد‬ ‫العدة الالزمة‪ ,‬ويقام العدل بين الناس‪ ،‬ويتولى والة األمور سياسة الرعية‪ ,‬ورعاية‬ ‫شؤونهم‪ ,‬وتأدية حقوقهم‪ ,‬واإلحسان إليهم‪ ,‬وقد قال تعالى‪* :‬ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ‬ ‫ﭯﭰ ﭱ ﭲ ﭳ&[الملك‪ ،]95:‬وقال تعالى‪* :‬ﰕ ﰕ ﰕ ﰕ ﰕ ﰕ ﰕ ﰕ ﰕ ﰕﰕ ﰕ ﰕ ﰕ ﰕ ﰕ ﰕ‬ ‫ﰕ&[الجاثية‪ ,]93:‬وقال تعالى‪* :‬ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ‬ ‫ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬﯭ ﯮ ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ‬

‫ﯶ ﯷ ﯸ ﯹ ﯺ&[األنفال‪.]61:‬‬ ‫فإن إعداد القوة‪ ،‬وصناعة أنواع األسلحة‪ ،‬واستخدام وسائل اإلعالم الحديثة‪،‬‬ ‫وتصنيعها إلبالغ الدعوة وإرشاد الناس‪ ,‬والتصدي إلعالم األعداء المفسد‪ ،‬وتوفير‬ ‫جميع ما تحتاجه البالد في المجال التقني والصناعي وغيرها‪ ،‬مما يساهم في بناء‬ ‫الدولة اإلسالمية‪ ،‬وتقويتها‪ ،‬وقيادتها للبشرية‪ ،‬كل هذا من الواجبات الشرعية‪ ,‬التي ال‬ ‫يسع المسلمين تركها‪ ،‬فإن ما ال يتم الواجب إال به فهو واجب‪.‬‬ ‫كما أن العلوم الدنيوية النافعة‪ :‬كالطب‪ ,‬والصناعة‪ ,‬والزراعة وغيرها‪ ,‬هي من‬ ‫فروض الكفاية التي يجب على الدولة اإلسالمية أن تقوم بها‪ ,‬وتؤهل من الرعية من‬ ‫يقوم بهذا الفرض‪.‬‬


‫املنهج املختصر يف الفقه والعقيدة والدعوة‬

‫‪555‬‬

‫اإلمامة الكربى‬

‫اإلمامة واجبة على المسلمين‪ ،‬وهي ضرورة لقيام دينهم‪ ،‬وحكمه في األرض‪،‬‬ ‫وإصالح أمور دنياهم ومعاشهم‪ ،‬وقد قال تعالى‪* :‬ﯘﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ‬ ‫ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭﯮ ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ ﯶ ﯷ ﯸ ﯹ‬ ‫ﯺ ﯻ ﯼ ﯽ ﯾﯿ ﰀ ﰁ ﰂ ﰃ ﰄ ﰅ ﰆ ﰇ ﰈ ﰉ ﰊ ﰋ ﰌ ﰍﰎ ﰏ ﰐ‬ ‫ﰑﰒﰓ ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ‬

‫ﭯ&[النساء‪.]61-58:‬‬ ‫وقال أمير المؤمنين عمر ا‪( :‬إنه ال إسالم إال بجماعة‪ ,‬وال جماعة إال بإمارة‪ ,‬وال‬ ‫إمارة إال بطاعة‪ ,‬فمن سوده قومه على الفقه كان حياة له ولهم‪ ,‬ومن سوده قومه على غير‬ ‫فقه كان هالكا ً له ولهم) رواه الدارمي‪.‬‬ ‫وقال الماوردي ‪ /‬في األحكام السلطانية‪( :‬اإلمامة موضوعة لخالفة النبوة في‬ ‫حراسة الدين وسياسة الدنيا‪ ,‬وعقدها لمن يقوم بها من األمة واجب باإلجماع)‪.‬‬ ‫وقال شيخ اإلسالم ابن تيمية ‪ /‬في السياسة الشرعية‪( :‬يجب أن يعرف أن والية‬ ‫الناس من أعظم واجبات الدين‪ ،‬بل ال قيام للدين إال بها‪ ،‬فإن بني آدم ال تتم مصلحتهم‬ ‫إال باالجتماع لحاجة بعضهم إلى بعض‪ ،‬وال بد لهم عند االجتماع من رأس‪ ،‬حتى قال‬ ‫النبي ^‪« :‬إذا خرج ثالثة في سفر فليؤمروا أحدهم»‪ ،‬رواه أبو داود من حديث أبي‬ ‫سعيد وأبي هريرة‪.‬‬ ‫وروى اإلمام أحمد في المسند عن عبد هللا بن عمرو‪ ،‬أن النبي ^ قال‪ « :‬ال يحل‬ ‫لثالثة يكونون بفالة من األرض‪ ،‬إال أمروا عليهم أحدهم»‪ ،‬فأوجب ^ تأمير الواحد في‬ ‫االجتماع القليل العارض في السفر‪ ،‬تنبيها ً على سائر أنواع االجتماع‪ ،‬وألن هللا تعالى‬ ‫أوجب األمر بالمعروف والنهي عن المنكر‪ ،‬وال يتم ذلك إال بقوة وإمارة‪ .‬وكذلك سائر‬ ‫ما أوجبه من الجهاد والعدل وإقامة الحج والجمع واألعياد ونصر المظلوم‪ ،‬وإقامة‬ ‫الحدود‪ ،‬ال تتم إال بالقوة واإلمارة)‪.‬‬

‫شروط اخلليفة (اإلمامة الكربى)‬ ‫الشرط األول‪:‬‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫أن يكون عالما مجتهدا يستطيع االجتهاد فيما يعرض عليه من شؤون البالد‪,‬‬ ‫ويسوس الدولة سياسة شرعية‪ ,‬فكما أن العلماء ورثة األنبياء‪ ,‬فكذلك الحكام يسيرون‬ ‫في سياسة الدولة بسيرة النبي ^ وهديه‪ ,‬وال يمكن لمن يجهل أحكام الشريعة أن‬ ‫يسوس البالد والعباد سياسة شرعية‪ ,‬ولهذا فالواجب أن يكون اإلمام عالما ً مجتهدا ً‬


‫‪551‬‬

‫تهذيب كتاب السياسة الشرعية‬

‫الثالثةدﮤ ﮥﮦ ﮧ ﮨ‬ ‫األصولﮠ ﮡ ﭨ ﭩ‬ ‫شرحﮝ ﮞ ﮟ‬ ‫تهذيبﮛ ﮜ‬ ‫يقود الناس على علم وبصيرة‪ ,‬وقد قال تعالى‪* :‬ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ‬ ‫ﮩ ﮪ ﮫ ﮪ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ&[البقرة‪.]247:‬‬

‫الشرط الثاني‪:‬‬ ‫أن يكون اإلمام قويا ً في الحق ال تأخذه في هللا لومة الئم‪ ,‬وخبيرا ً مجربا ً ذا رأي‬ ‫وحكمة‪ ,‬وحسن سياسة وتصرف في تجييش الجيوش‪ ,‬وخوض الحروب‪ ,‬وحماية‬ ‫البالد‪ ,‬وردع أهل الفساد والظلم في األرض‪ ,‬واالنتصار للمظلومين‪ ,‬وأن يكون‬ ‫صارما ً حازما ً‪ ،‬ال تأخذه رأفة في تنفيذ القصاص والحدود وسائر العقوبات‪ ,‬وقد قال‬ ‫تعالى‪* :‬ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮪ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰﮱ&[البقرة‪.]247:‬‬ ‫قال اإلمام ابن كثير ‪ /‬في تفسيره‪( :‬ومن ههنا ينبغي أن يكون الملك ذا علم‬ ‫وشكل حسن وقوة شديدة في بدنه ونفسه)‪.‬‬ ‫وقال العالمة السعدي ‪ /‬في تفسيره‪( :‬فأجابهم نبيهم‪ :‬إن هللا اختاره عليكم؛ بما‬ ‫آتاه هللا من قوة العلم بالسياسة؛ وقوة الجسم‪ ،‬اللذين هما آلة الشجاعة والنجدة‪ ،‬وحسن‬ ‫التدبير‪ ،‬وأن الملك ليس بكثرة المال)‪ ,‬قال تعالى‪* :‬ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ&[القصص‪,]26:‬‬ ‫وقال تعالى‪* :‬ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ&[األحقاف‪ ,]35:‬قال ابن عباس‪( :‬ذوو الحزم والصبر)‪،‬‬ ‫والحزم‪ :‬هو ضبط األمر وتنقيحه واالحتياط فيه والحذر من الخطأ وشدة االهتمام في‬ ‫تحصيل المصلحة‪.‬‬ ‫قال ابن عطية‪( :‬الحزم جودة النظر في األمر وتنقيحه‪ ،‬والحذر من الخطأ فيه)‪,‬‬ ‫وقال رسول هللا ^‪« :‬المؤمن القوي خير وأح ب إلى هللا من المؤمن الضعيف‪ ،‬وفي‬ ‫كل خير‪ .‬احرص على ما ينفعك‪ ،‬واستعن باهلل وال تعجز‪ .‬وإن أصابك شيء فال تقل‪:‬‬ ‫لو أني فعلت كان كذا وكذا‪ ،‬ولكن قل‪ :‬قدر هللا وما شاء فعل‪ ،‬فإن (لو) تفتح عمل‬ ‫الشيطان»‪ .‬رواه مسلم‪.‬‬ ‫ومن القوة أن يكون اإلمام شجاعا ً قادرا ً على خوض الحروب ومواجهة األعداء‬ ‫من الكفار والمنافقين‪ ,‬قال شيخ اإلسالم ابن تيمية ‪ /‬في الوالة في فتاويه‪( :‬فإن عليهم‬ ‫من الصبر والحلم ما ليس على غيرهم‪ ،‬كما أن عليهم من الشجاعة والسماحة ما ليس‬ ‫على غيرهم‪ ،‬ألن مصلحة اإلمارة ال تتم إال بذلك)‪.‬‬ ‫الشرط الثالث‪:‬‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫أن يكون اإلمام تقيا عدال‪ ,‬وال خالف بين أهل العلم أن اإلمامة ال يجوز أن تعقد‬ ‫لفاسق‪ ,‬وقد قال تعالى‪* :‬ﮤﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪﮫ ﮪ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰﮱ ﯓ ﯔ ﯕﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ&[البقرة‪,]924:‬‬ ‫وقد كان الصحابة ي يختارون أفضلهم للخالفة‪ ،‬عن زهير بن معاوية عن األعمش‬ ‫قال‪ :‬قال حذيفة‪( :‬إذا كان والي القوم خيرا ً منهم لم يزالوا في علياء‪ ،‬وإذا كان واليهم‬ ‫شرا ً منهم أو قال‪ :‬شرهم لم يزدادوا إال سفاالً) التمهيد البن عبد البر‪.‬‬ ‫الشرط الرابع‪:‬‬


‫املنهج املختصر يف الفقه والعقيدة والدعوة‬

‫‪553‬‬

‫أن يكون الخليفة من صميم قريش‪ ،‬وقد قال ^‪« :‬إن هذا األمر في قريش ال‬ ‫يعاديهم أحد إال كبه هللا في النار على وجهه ما أقاموا الدين» رواه البخاري‪.‬‬ ‫والخامس‪:‬‬ ‫أن يكون اإلمام حرا ً‪.‬‬ ‫والسادس‪:‬‬ ‫ً‬ ‫أن يكون مسلما‪ ,‬فإن هللا تعالى قطع المواالة بين المسلمين والكافرين‪ ,‬فال والية‬ ‫لكافر على مسلم‪.‬‬ ‫والسابع‪:‬‬ ‫أن يكون ذكرا ً‪ ،‬لقوله ^‪« :‬لن يفلح قوم ولوا أمرهم امرأة» رواه البخاري‪.‬‬ ‫والثامن‪:‬‬ ‫أن يكون سليم األعضاء‪ ,‬ليس مصابا ً بالزمانة أو العمى أو نحوه‪ ،‬لقول هللا‬ ‫تعالى‪* :‬ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮪ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰﮱ&[البقرة‪.]247:‬‬ ‫والتاسع والعاشر‪:‬‬ ‫أن يكون بالغا ً عاقال‪ً.‬‬


‫تهذيب كتاب السياسة الشرعية‬

‫‪554‬‬

‫واجبات اإلمام‬

‫تهذيب شرح األصول الثالثةد‬

‫وهنا نذكر بعض الواجبات األساسية على اإلمام على سبيل االختصار‪:‬‬ ‫أولها‪:‬‬ ‫إقامة الدين كامالً في جميع شؤون الحياة‪ ,‬والدعوة إلى دين اإلسالم في داخل‬ ‫البالد وخارجها‪ ,‬وحفظ الدين ونصرته‪ ,‬واألمر بالمعروف والنهي عن المنكر‪,‬‬ ‫والتصدي ألهل النفاق والبدع الذين يسعون إلى اإلفساد في األرض‪ ،‬وصد الناس عن‬ ‫كتاب هللا وسنة رسول هللا ^‪ ,‬وقد أمر هللا تعالى بالدخول في اإلسالم كافة‪ ،‬فقال‬ ‫تعالى‪* :‬ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ&[البقرة‪ ,]218:‬والسلم هو اإلسالم‪ ,‬وقال‬ ‫تعالى‪ * :‬ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯨ ﯪ ﯫﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ ﯶﯷ ﯸ ﯹ ﯺ ﯻ ﯼ ﯽ‬ ‫ﯾ ﯿ ﰕﰕ ﰕ ﰕ ﰕ ﰕ ﰕ ﰕ ﰕ ﰕ&[المائدة‪.]51-41:‬‬ ‫الثاني‪:‬‬ ‫الحكم بين الناس بالعدل‪ ,‬وفصل الخصومات‪ ,‬وأداء الحقوق إلى أهلها‪ ,‬ونصرة‬ ‫المظلوم‪ ,‬وتنفيذ أحكام القضاء والقصاص والحدود وسائر العقوبات‪ ,‬وقد قال تعالى‪:‬‬ ‫* ﯘﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭﯮ ﯯ ﯰ‬

‫ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ&[النساء‪.]58:‬‬ ‫الثالث‪:‬‬ ‫تحقيق األمن في البالد‪ ,‬وبسط نفوذ الدولة‪ ،‬وسيطرتها على جميع أطراف البالد‬ ‫لمنع المفسدين والمعتدين من ترويع اآلمنين‪ ،‬واالعتداء عليهم‪ ,‬حتى ينعم الناس بنعمة‬ ‫األمن في مساكنهم‪ ،‬وأعمالهم‪ ،‬وأسفارهم‪ ,‬فإن األمن من نعم هللا على العباد‪ ،‬كما قال‬ ‫تعالى‪* :‬ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ&[قريش‪.]4-3:‬‬ ‫الرابع‪:‬‬ ‫الجهاد في سبيل هللا‪ ،‬وإعداد العدة‪ ,‬وتصنيع األسلحة بأنواعها‪ ,‬وتدريب الرجال‬ ‫البالغين القادرين على الجهاد‪ ,‬وتربيتهم التربية اإليمانية الجهادية لحماية البالد من‬ ‫األعداء المتربصين الذين يتحينون الفرص للعدوان على بالد المسلمين‪ ,‬وقد قال‬ ‫تعالى‪* :‬ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ‬ ‫ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬﯭ ﯮ ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ ﯶ ﯷ ﯸ ﯹ‬

‫ﯺ&[األنفال‪ .]61:‬والقيام بجهاد الطلب عند القدرة إلزالة الطواغيت الذين يحيلون دون‬ ‫إقامة شرع هللا في األرض وهداية الناس‪.‬‬ ‫الخامس‪:‬‬


‫املنهج املختصر يف الفقه والعقيدة والدعوة‬

‫‪555‬‬

‫تقوية اقتصاد البالد‪ ,‬وتوفير سبل العمل والمعاش من زراعة وتجارة وصناعة‬ ‫وغيرها‪ ,‬وجباية الزكاة لبيت المال‪ ,‬وصرف المال العام في مصارفه الشرعية‪,‬‬ ‫وإعطاء الناس حقوقهم من بيت المال كاملة‪ ,‬ومساعدة الفقراء والمحتاجين‪ ,‬وتلبية‬ ‫حاجاتهم‪ ,‬وتفقد أحوالهم‪ ,‬والرحمة بالرعية‪ ،‬والرفق بهم‪ ,‬وقد قال هللا تبارك وتعالى‪:‬‬ ‫*ﯘﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ&[النساء‪.]58:‬‬ ‫وأخرج ابن جرير وغيره عن علي بن أبي طالب قال‪( :‬حق على اإلمام أن‬ ‫يحكم بما أنزل هللا وأن يؤدي األمانة‪ ،‬فإذا فعل ذلك فحق على الناس أن يسمعوا له‪،‬‬ ‫وأن يطيعوا‪ ،‬وأن يجيبوا إذا دعوا)‪ ,‬وقال تعالى‪* :‬ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ‬ ‫ﭧﭨ&[آل عمران‪.]951:‬‬ ‫وقال اإلمام ابن جرير في تاريخه‪( :‬وكان عمر ا فيما ذكر عنه يعس بنفسه‬ ‫ويرتاد منازل المسلمين ويتفقد أحوالهم بيديه)‪.‬‬ ‫السادس‪:‬‬ ‫تعيين األمراء والوزراء والموظفين من األمناء أهل النصح واإلتقان في العمل‪،‬‬ ‫الذين يؤتمنون على الدولة اإلسالمية ورعاية شؤون الناس‪ ,‬وحفظ المال العام‪ ,‬وقد‬ ‫قال هللا تعالى‪* :‬ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ&[القصص‪ ,]26:‬وقال تعالى‪* :‬ﯘﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ‬ ‫ﯞ ﯟ ﯠ&[النساء‪ ,]58:‬ومن األمانات األعمال والوظائف التي يجب أن توسد إلى‬ ‫أهلها‪.‬‬ ‫السابع‪:‬‬ ‫أن يقوم اإلمام بمتابعة أعمال الدولة‪ ،‬وأال يعول على غيره في إقامة شرع هللا‪,‬‬ ‫وسياسة الدولة‪ ,‬وتصريف شؤونها‪ ,‬وتفقد أحوال البالد والرعية‪ ,‬بل يقوم بنفسه‬ ‫بمتابعة األعمال‪ ,‬وتسيير شؤون البالد‪ ,‬وإقامة العدل بين الناس‪ ,‬ومحاسبة األمراء‬ ‫والوزراء على أعمالهم‪ ,‬فإن الذمة ال تبرأ بتشاغله وغفلته عما أوجب هللا عليه‪ ,‬وقد‬ ‫قال عمر ا‪( :‬لو ماتت شاة على شط الفرات‪ ،‬لظننت أن هللا تعالى سائلي عنها يوم‬ ‫القيامة) رواه أبو نعيم في الحلية‪.‬‬


‫تهذيب كتاب السياسة الشرعية‬

‫‪556‬‬

‫حقوق اإلمام‬

‫تهذيب شرح األصول الثالثةد‬

‫أو الا‪ :‬طاعته بالمعروف‪:‬‬ ‫من حقوق اإلمام أن يطاع بالمعروف‪ ،‬كما قال تعالى‪* :‬ﯵ ﯶ ﯷ ﯸ ﯹ ﯺ‬ ‫ﯻ ﯼ ﯽ ﯾﯿ ﰀ ﰁ ﰂ ﰃ ﰄ ﰅ ﰆ ﰇ ﰈ ﰉ ﰊ ﰋ ﰌ ﰍﰎ ﰏ ﰐ ﰑ‬

‫ﰒ ﰓ&[النساء‪ ,]51:‬وعن ابن عمر ب عن النبي ^ قال‪« :‬على المرء المسلم السمع‬ ‫والطاعة فيما أحب وكره‪ ،‬إال أن يؤمر بمعصي ٍة فإذا أمر بمعصية فال سمع وال طاعة»‬ ‫متفق عليه‪ ،‬وعن أنس ا قال‪ :‬قال رسول هللا ^‪« :‬اسمعوا وأطيعوا‪ ،‬وإن استعمل عليكم‬ ‫عبد حبشى‪ ،‬كأن رأسه زبيبة» رواه البخاري‪ ,‬وعن أبي هريرة ا قال‪ :‬قال رسول هللا‬ ‫^‪« :‬من أطاعني فقد أطاع هللا‪ ،‬ومن عصاني فقد عصى هللا‪ ،‬ومن يطع األمير فقد‬ ‫أطاعني‪ ،‬ومن يعص األمير فقد عصاني» متفق عليه‪.‬‬ ‫ثانيا ا‪ :‬نصرته ومعاونته على البر والتقوى‪:‬‬ ‫تجب معاونة اإلمام على إقامة شرع هللا في جميع شؤون الحياة ونصرته في‬ ‫ذلك‪ ,‬وقد قال تعالى‪* :‬ﯭ ﯮ ﯯ ﯰﯱ ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ ﯶﯷ&[المائدة‪ ,]2:‬وقال أبو بكر الصديق ا‪:‬‬ ‫(إن أحسنت فأعينوني)‪.‬‬ ‫ثالثا ا‪ :‬النصيحة لإلمام‪:‬‬ ‫والنصح لإلمام هو شدة العناية والحرص على القيام بحقه وطاعته بالمعروف‬ ‫ومعاونته ونصرته‪ ,‬وتبيين الحق له‪ ,‬وتقويمه إذا أساء‪ ،‬وجمع الرعية حوله‪ ,‬وتجنب‬ ‫مفارقته والخروج عليه‪ ,‬وحث الناس على القيام بحقه‪ ,‬ففي صحيح مسلم عن تميم بن‬ ‫أوس الداري ا‪ ،‬أن النبي ^ قال‪« :‬الدين النصيحة» قلنا‪ :‬لمن؟ قال‪« :‬هلل‪ ،‬ولكتابه‪،‬‬ ‫ولرسوله‪ ،‬وألئمة المسلمين وعامتهم»‪.‬‬ ‫رابعا ا‪ :‬احترامه وتوقيره‪:‬‬ ‫ومن حقوق اإلمام احترامه وتوقيره وإكرامه‪ ,‬وقد قال ^‪« :‬من أهان السلطان‬ ‫أهانه هللا» رواه الترمذي‪ ،‬وقال حديث حسن‪ ,‬وقال ^‪« :‬إن من إجالل هللا تعالى‬ ‫إكرام ذى الشيبة المسلم‪ ،‬وحامل القرآن غير الغالي فيه والجافي عنه‪ ،‬وإكرام ذي‬ ‫السلطان المقسط» رواه أبو داود‪ ،‬وعن معاذ ا قال‪« :‬عهد إلينا رسول هللا ^ في‬ ‫خمس من فعل منهن كان ضامنا ا على هللا‪ :‬من عاد مريضا ا‪ ،‬أو خرج مع جنازة‪ ،‬أو‬ ‫خرج غازيا ا في سبيل هللا‪ ،‬أو دخل على إمام يريد بذلك تعزيره وتوقيره‪ ،‬أو قعد في‬ ‫بيته فيسلم الناس منه ويسلم» رواه أحمد وغيره‪.‬‬ ‫خامسا ا‪ :‬تحريم خيانته وغشه والغدر به والخروج عليه‪:‬‬


‫املنهج املختصر يف الفقه والعقيدة والدعوة‬

‫‪557‬‬

‫يحرم على المسلم أن يخلع يدا ً من طاعة‪ ,‬وأن يخرج على اإلمام المسلم ويغدر‬ ‫به‪ ,‬وقد تقدم حديث‪« :‬الدين النصيحة»‪ ,‬وقال ^‪« :‬من خلع يدا ا من طاعة‪ ،‬لقي هللا‬ ‫يوم القيامة وال حجة له‪ ،‬ومن مات وليس في عنقه بيعة‪ ،‬مات ميتة جاهلية» رواه‬ ‫مسلم‪ ,‬وعن ابن عباس ب أن رسول هللا ^ قال‪« :‬من كره من أميره شيئا ا فليصبر‪،‬‬ ‫فإنه من خرج من السلطان شبرا ا مات ميتة جاهلية» متفق عليه‪ .‬فالواجب على المسلم‬ ‫لزوم جماعة المسلمين وإمامهم وتجنب الفرقة‪ ،‬وشق الصف والخروج على اإلمام‬ ‫المسلم‪.‬‬

‫أثر صالح والة األمر في صالح األمة‪:‬‬ ‫والة األمر هم األمراء والعلماء‪ ،‬وبصالح هذين الصنفين يصلح الناس‪,‬‬ ‫وبفسادهما يفسد الناس‪ ,‬وقد جعل هللا تعالى وجوب نصرة الدين وتبليغ العلم واألمر‬ ‫بالمعروف والنهي عن المنكر على والة األمر آكد من غيرهم‪ ,‬لما اجتمع عندهم من‬ ‫العلم والقدرة والسلطان‪ ,‬قال تعالى‪* :‬ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮪﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ‬ ‫ﯜﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ&[المائدة‪ ,]63-62:‬والربانيون‪ :‬هم العلماء أصحاب الواليات‪ ,‬واألحبار‪ :‬هم‬ ‫العلماء فقط‪.‬‬ ‫قال اإلمام ابن جرير ‪ /‬في جامعه‪( :‬ربانيوهم‪ ،‬وهم أئمتهم المؤمنون‪ ،‬وساستهم‬ ‫وقوادهم)‪ .‬فالناس يطيعون والة األمر‪,‬‬ ‫العلماء بسياستهم‪ ،‬وأحبارهم‪ ،‬وهم علماؤهم ّ‬ ‫ويستجيبون لدعوتهم أكثر من غيرهم ممن لم يكن في مكانتهم وقدرهم‪..‬‬ ‫نصح اإلمام واألمراء ومحاسبتهم ومحاكمتهم‪:‬‬ ‫بعد أن بايع المسلمون أبا بكر الصديق ا بالخالفة خطب الناس خطبة عظيمة‪،‬‬ ‫جمعت أصوالً من أصول السياسة الشرعية‪ ،‬فقد روى ابن إسحاق‪ ،‬أن المسلمين بايعوا‬ ‫أبا بكر ا‪ ،‬ثم تكلم أبو بكر فحمد هللا وأثنى عليه بالذي هو أهله‪ ،‬ثم قال‪( :‬أما بعد‪ .‬أيها‬ ‫الناس! فإني قد وليت عليكم ولست بخيركم‪ ،‬فإن أحسنت فأعينوني‪ ،‬وإن أسأت فقوموني‪،‬‬ ‫الصدق أمانة والكذب خيانة‪ ،‬والضعيف فيكم قوي عندي حتى أرجع عليه حقه إن شاء‬ ‫هللا‪ ،‬والقوي فيكم ضعيف حتى آخذ الحق منه إن شاء هللا‪ ،‬ال يدع قوم الجهاد في سبيل هللا‬ ‫إال خذلهم هللا بالذل‪ ،‬وال تشيع الفاحشة في قوم إال عمهم هللا بالبالء‪ ،‬أطيعوني ما أطعت‬ ‫هللا ورسوله‪ ،‬فإذا عصيت هللا ورسوله فال طاعة لي عليكم‪ ،‬قوموا إلى صالتكم يرحمكم‬ ‫هللا)‪ .‬قال ابن كثير‪ :‬وهذا إسناد صحيح‪.‬‬ ‫فقوله ا‪( :‬قد وليت عليكم ولست بخيركم)‪ ,‬فهو ا أفضل األمة بعد نبيها ^‪ ,‬وإنما قال هذا‬ ‫لتواضعه ا‪ ,‬وهذا الذي يجب أن يكون عليه اإلمام مع رعيته‪ ،‬فيعاملهم بالتواضع واللين من‬ ‫غير ضعف‪ ,‬ويتحبب إليهم ويرحمهم‪ ,‬وقد قال تعالى‪* :‬ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ&[الشعراء‪ ,]295:‬وقال تعالى‪:‬‬ ‫*ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧﭨ&[آل عمران‪.]951:‬‬


‫‪558‬‬

‫تهذيب كتاب السياسة الشرعية‬

‫معاونة اإلمام على البر والتقوى‪:‬‬ ‫وقوله ا‪( :‬فإن أحسنت فأعينوني)‪ ,‬يدل على أن من الواجبات على الرعية في‬ ‫حق اإلمام معاونته على البر والتقوى‪ ,‬وقد قال هللا تعالى‪* :‬ﯭ ﯮ ﯯ ﯰﯱ ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ‬ ‫ﯶﯷ&[المائدة‪.]2:‬‬ ‫نصح الوالة ومحاسبتهم وتقويمهم‪:‬‬ ‫وقوله ا‪( :‬وإن أسأت فقوموني) من التقويم‪ ,‬يقال‪ :‬قومه أي عدله‪ ,‬أي‪ :‬إذا أسأت‬ ‫فعدلوني وردوني إلى الحق‪ ,‬وهذا يدل على أن األمة يجب عليها أن تقوم اإلمام‬ ‫والوالة‪ ,‬وتردهم إلى الحق‪ ,‬وتمنعهم من الظلم‪.‬‬ ‫قال شيخ اإلسالم ابن تيمية ‪ /‬في المنهاج‪( :‬فهذا من كمال عدله وتقواه‪ ،‬وواجب‬ ‫على كل إمام أن يقتدي به في ذلك‪ ،‬وواجب على الرعية أن تعامل األئمة بذلك‪ ،‬فإن‬ ‫استقام اإلمام أعانوه على طاعة هللا تعالى‪ ،‬وإن زاغ وأخطأ بينوا له الصواب ودلوه‬ ‫عليه‪ ،‬وإن تعمد ظلما ً منعوه منه بحسب اإلمكان‪ ،‬فإذا كان منقادا ً للحق كأبي بكر فال‬ ‫عذر لهم في ترك ذلك‪ ،‬وإن كان ال يمكن دفع الظلم إال بما هو أعظم فسادا ً منه‪ ،‬لم‬ ‫يدفعوا الشر القليل بالشر الكثير)‪.‬‬ ‫وتقويم اإلمام واألمراء له عدة طرق ووسائل منها‪ :‬النصيحة والتواصي بالحق‬ ‫والتواصي بالصبر‪ ,‬واألمر بالمعروف والنهي عن المنكر‪ ,‬وقد قال هللا تعالى‪* :‬ﭑ ﭒ‬ ‫ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ&[العصر‪ ,]3-9:‬وقال تعالى‪* :‬ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡﯢ ﯣ ﯤ ﯥ‬ ‫ﯦ&[األحزاب‪ .]31:‬وقال ^‪« :‬إن هللا يرضى لكم ثالثا ا‪ :‬أن تعبدوه وال تشركوا به شيئا ا‪،‬‬ ‫وأن تعتصموا بحبل هللا جميعا ا وال تفرقوا‪ ،‬وأن تناصحوا من واله هللا أمركم» أخرجه‬ ‫مسلم‪.‬‬ ‫العدل في الحكم ومساواة الناس أمام القضاء‪:‬‬ ‫وقول أبي بكر الصديق ا‪( :‬والضعيف فيكم قوي عندي حتى أرجع عليه حقه إن‬ ‫شاء هللا‪ ,‬والقوي فيكم ضعيف حتى آخذ الحق منه إن شاء هللا)‪ ،‬وهذا يدل على مساواة‬ ‫الجميع أمام القضاء دون تمييز وتفريق بين والة األمور وسائر الرعية‪ ،‬وبين األقوياء‬ ‫والضعفاء‪ ،‬فال يملك اإلمام أو غيره من الوالة حصانة تمنع من محاكمتهم والحكم‬ ‫عليهم‪ ,‬بل يمثل إمام المسلمين وسائر األمراء أمام القضاء كغيرهم من الناس‪ ,‬وقد قال‬ ‫رسول هللا ^‪« :‬أقيموا حدود هللا في القريب والبعيد‪ ،‬وال تأخذكم في هللا لومة الئم»‬ ‫رواه ابن ماجه‪.‬‬ ‫ترك الجهاد في سبيل هللا سبب للذل‪:‬‬ ‫وقول أبي بكر الصديق ا‪( :‬ال يدع قوم الجهاد في سبيل هللا‪ ،‬إال خذلهم هللا‬ ‫بالذل) يدل على أن ترك الجهاد سبب للذل وتسلط األعداء وزوال دولة اإلسالم‪ ,‬فإن‬ ‫الحق ال بد له من قوة تحميه وتدافع عنه‪ ,‬وقد قال هللا تعالى‪* :‬ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ‬ ‫تهذيب شرح األصول الثالثةد‬


‫املنهج املختصر يف الفقه والعقيدة والدعوة‬

‫‪559‬‬

‫ﯘ&[البقرة‪ ,]259:‬ولهذا كان قوام الدين بالكتاب الذي يهدي‪ ,‬وبالجهاد الذي ينصر‪ ,‬وقد‬ ‫قال رسول هللا ^‪« :‬إذا تبايعتم بالعينة‪ ،‬وأخذتم أذناب البقر‪ ،‬ورضيتم بالزرع‪ ،‬وتركتم‬ ‫الجهاد‪ ،‬سلط هللا عليكم ذ الا ال ينزعه عنكم حتى ترجعوا إلى دينكم» أخرجه أحمد‬ ‫وأبو داود‪.‬‬ ‫فالجهاد هو طريق العزة والرفعة‪ ,‬وإذا تركت األمة الجهاد طمع بها األعداء‬ ‫وحاربوا دينها‪ ,‬وتداعوا على نهب أراضيها وخيراتها كما هو مشاهد اليوم‪ ,‬فعن‬ ‫ثوبان قال‪ :‬قال رسول هللا ^‪« :‬يوشك األمم أن تداعى عليكم‪ ،‬كما تداعى األكلة إلى‬ ‫قصعتها»‪ ،‬فقال قائل‪ :‬ومن قلة نحن يومئذ؟ قال‪« :‬بل أنتم يومئذ كثير‪ ،‬ولكنكم غثاء‬ ‫كغثاء السيل‪ ،‬ولينزعن هللا من صدور عدوكم المهابة منكم‪ ،‬وليقذفن هللا في قلوبكم‬ ‫الوهن»‪ ،‬فقال قائل‪ :‬يا رسول هللا وما الوهن؟ قال‪« :‬حب الدنيا وكراهية الموت»‪.‬‬ ‫أخرجه أبو داود‪ .‬وفي رواية ألحمد‪« :‬حبكم الدنيا وكراهيتكم القتال»‪.‬‬ ‫التحذير من شيوع الفاحشة في المجتمع‪:‬‬ ‫وقول أبي بكر ا‪( :‬وال تشيع الفاحشة في قوم‪ ،‬إال عمهم هللا بالبالء) فيدعو ا إلى‬ ‫إصالح الناس وطهارتهم من الفواحش‪ ،‬فإنها ما شاعت في قوم إال كانت سببا ً للعقوبة‬ ‫والبالء العام كاإليدز وغيره‪ ،‬عن عبد هللا بن عمر قال‪ :‬أقبل علينا رسول هللا ^ فقال‪:‬‬ ‫«يا معشر المهاجرين! خمس إذا ابتليتم بهن‪ ،‬وأعوذ باهلل أن تدركوهن‪ :‬لم تظهر‬ ‫الفاحشة في قوم قط حتى يعلنوا بها‪ ،‬إال فشا فيهم الطاعون واألوجاع التي لم تكن‬ ‫مضت في أسالفهم الذين مضوا‪ .‬ولم ينقصوا المكيال والميزان‪ ،‬إال أخذوا بالسنين‬ ‫وشدة المئونة وجور السلطان عليهم‪ .‬ولم يمنعوا زكاة أموالهم‪ ،‬إال منعوا القطر من‬ ‫السماء‪ ،‬ولوال البهائم لم يمطرو‪ .‬ولم ينقضوا عهد هللا وعهد رسوله‪ ،‬إال سلط هللا‬ ‫عليهم عدوا ا من غيرهم‪ ،‬فأخذوا بعض ما في أيديهم‪ .‬وما لم تحكم أئمتهم بكتاب هللا‬ ‫ويتخيروا مما أنزل هللا‪ ،‬إال جعل هللا بأسهم بينهم» رواه ابن ماجه‪.‬‬ ‫الخالفة والملك‪:‬‬ ‫الخالفة على منهاج النبوة واجبة على األمة‪ ،‬وال يجوز تركها واستبدالها‬ ‫بالملك‪ ,‬وقد قال رسول هللا ^‪« :‬اقتدوا باللذين من بعدي‪ ،‬أبي بكر وعمر» رواه أحمد‬ ‫والترمذي واللفظ له‪ ,‬ومن االقتداء بهما أن تكون اإلمامة خالفة على منهاج النبوة‬ ‫وليست ملكاً‪ ,‬وعن العرباض بن سارية ا قال‪ :‬وعظنا رسول هللا ^ موعظة بليغة‪،‬‬ ‫وجلت منها القلوب‪ ،‬وذرفت منها العيون‪ .‬فقلنا‪ :‬يا رسول هللا! كأنها موعظة مودع‬ ‫فأوصنا‪ ،‬قال‪« :‬أوصيكم بتقوى هللا‪ ،‬والسمع والطاعة‪ ،‬وإن تأمر عليكم عبد حبشي‪،‬‬ ‫وإنه من يعش منكم فسيرى اختالفا ا كثيرا ا‪ ،‬فعليكم بسنتي‪ ،‬وسنة الخلفاء الراشدين‬ ‫المهديين‪ ،‬عضوا عليها بالنواجذ‪ ،‬وإياكم ومحدثات األمور‪ ،‬فإن كل بدعة ضاللة»‬ ‫رواه أبو داود والترمذي‪ ،‬وقال‪ :‬حديث حسن صحيح‪.‬‬


‫‪511‬‬

‫تهذيب كتاب السياسة الشرعية‬

‫الثالثةدبالتمسك‬ ‫األصول أمر‬ ‫شرح‪ ،‬الذي‬ ‫تهذيبهللا ^‬ ‫فالتمسك بسنة الخلفاء الراشدين‪ ،‬هو طاعة لرسول‬ ‫بسنتهم‪ ،‬وأكد هذا األمر بقوله‪« :‬عضوا عليها بالنواجذ»‪ ,‬وطاعة رسول هللا ^ هي‬ ‫طاعة هلل تعالى‪ ،‬كما قال تعالى‪* :‬ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖﭗ&[النساء‪ ,]81:‬ومن سنة‬ ‫الخلفاء الراشدين ي‪ :‬أن إمامتهم كانت خالفة راشدة على منهاج النبوة‪ ,‬ولم تكن ملكاً‪,‬‬ ‫فدل هذا على أن الخالفة على منهاج النبوة واجبة بالقرآن وبسنة النبي ^ وبسنة‬ ‫الخلفاء الراشدين ي أجمعين‪.‬‬ ‫سؤال اإلمارة‪:‬‬ ‫لقد نهى النبي ^ عن سؤال اإلمارة‪ ,‬كما في حديث عبد الرحمن بن سمرة ا قال‪:‬‬ ‫قال لي رسول هللا ^‪« :‬يا عبد الرحمن بن سمرة! ال تسأل اإلمارة‪ ،‬فإنك إن أعطيتها‬ ‫عن غير مسألة أعنت عليها‪ ،‬وإن أعطيتها عن مسألة وكلت إليها‪ ،‬وإذا حلفت على‬ ‫يمين فرأيت غيرها خيرا ا منها‪ ،‬فأت الذي هو خير‪ ،‬وكفر عن يمينك» متفق عليه‪.‬‬ ‫وعن أبي هريرة ا‪ ،‬أن رسول هللا ^ قال‪« :‬إنكم ستحرصون على اإلمارة‪،‬‬ ‫وستكون ندامة يوم القيامة» رواه البخاري‪.‬‬


‫املنهج املختصر يف الفقه والعقيدة والدعوة‬

‫‪515‬‬

‫اختيار اإلمام‪:‬‬ ‫يتم اختيار اإلمام عن طريقين‪ ،‬أولهما‪ :‬أن يختار أهل الحل والعقد لإلمامة‬ ‫العامة أفضل من توفرت فيه الشروط الشرعية لإلمامة‪ ,‬والطريق الثاني‪ :‬أن يستخلف‬ ‫اإلمام أفضل من توفرت فيه الشروط لإلمامة بعده‪ ،‬ويشاور في هذا أهل الحل والعقد‪،‬‬ ‫وفي حالة النزاع في أحقية من استخلفه اإلمام بعده‪ ،‬فيفصل النزاع بشرع هللا تعالى‪،‬‬ ‫لعموم قوله تعالى‪* :‬ﰀ ﰁ ﰂ ﰃ ﰄ ﰅ ﰆ ﰇ ﰈ ﰉ ﰊ ﰋ ﰌ ﰍﰎ ﰏ ﰐ‬ ‫ﰑ ﰒ ﰓ&[النساء‪.]51:‬‬ ‫قال القاضي أبو يعلى ‪ /‬في األحكام السلطانية‪( :‬واإلمامة تنعقد من وجهين‪:‬‬ ‫أحدهما باختيار أهل الحل والعقد‪ ،‬والثاني‪ :‬بعهد اإلمام من قبل‪ ،‬فأما انعقادها باختيار‬ ‫أهل الحل والعقد فال تنعقد إال بجمهور أهل الحل والعقد)‪ ،‬وقال‪( :‬وإذا اجتمع أهل‬ ‫الحل والعقد على االختيار تصفحوا أحوال أهل اإلمامة الموجود فيهم شروطها‪،‬‬ ‫فقدموا للبيعة منهم أكثرهم فضالً‪ ,‬وأكملهم شروطا ً‪ ،‬فإذا تعين لهم من بين الجماعة من‬ ‫أداهم االجتهاد إلى اختياره وعرضوها عليه‪ ,‬فإن أجاب إليها بايعوه عليها‪ ,‬وانعقدت‬ ‫له اإلمامة ببيعتهم‪ ،‬ولزم كافة األمة الدخول في بيعته واالنقياد لطاعته‪ ,‬وإن امتنع من‬ ‫اإلمامة ولم يجب إليها لم يجبر عليها‪ ،‬وعدل إلى من سواه من مستحقيها فبويع‬ ‫عليها)‪.‬‬ ‫عزل اإلمام‪:‬‬ ‫إذا طرأ على الحاكم الكفر البواح الظاهر الذي دل الكتاب والسنة على أنه من‬ ‫الكفر البواح‪ ،‬فقد خرج عن اإلمامة‪ ،‬ويجب في هذه الحالة عزل الحاكم والخروج‬ ‫عليه بالقوة عند وجود القدرة‪ ،‬كما في حديث عبادة بن الصامت ا قال‪« :‬بايعنا رسول‬ ‫هللا ^ على السمع والطاعة في العسر واليسر‪ ،‬والمنشط والمكره‪ ،‬وعلى أثرة علينا‪،‬‬ ‫وعلى أن ال ننازع األمر أهله‪ ،‬إال أن تروا كفرا ا بواحا ا عندكم من هللا تعالى فيه‬ ‫برهان‪ ،‬وعلى أن نقول بالحق أينما كنا‪ ،‬ال نخاف في هللا لومة الئم» متفق عليه‪.‬‬ ‫وقال الحافظ ابن حجر ‪ /‬في الفتح‪( :‬إذا وقع من السلطان الكفر الصريح فال‬ ‫تجوز طاعته في ذلك‪ ،‬بل تجب مجاهدته لمن قدر عليها»‪.‬‬ ‫وقال اإلمام النووي ‪ /‬في شرح مسلم‪( :‬قال القاضي عياض‪ :‬أجمع العلماء على‬ ‫أن اإلمامة ال تنعقد لكافر‪ ،‬وعلى أنه لو طرأ عليه الكفر انعزل‪ ،‬قال‪ :‬كذا لو ترك‬ ‫إقامة الصلوات والدعاء إليها)‪.‬‬ ‫والكفر البواح هو البين الواضح كتحكيم غير شرع هللا في البالد‪ ،‬أو التحاكم‬ ‫لغير شرع هللا كالقوانين أو الهيئات كهيئة األمم المتحدة ونحوها‪ ،‬أو التشريع وسن‬ ‫القوانين‪ ،‬أو مواالة الكفار ومظاهرتهم على المسلمين‪ ،‬أو ترك الصالة‪ ،‬أو صرف‬ ‫العبادة لغير هللا كدعاء األموات واالستغاثة بهم أو غيرها من نواقض اإلسالم‪ ،‬التي‬


‫‪511‬‬

‫تهذيب كتاب السياسة الشرعية‬

‫والخروج‬ ‫وخلعه‬ ‫بردته‬ ‫الثالثةد‬ ‫األصول‬ ‫الحكم شرح‬ ‫إذا فعلها الحاكم فقد ارتكب كفرا ً بواحا ً مما يوجب تهذيب‬ ‫عليه‪.‬‬ ‫فإذا لم توجد القدرة على خلعه بالقوة‪ ،‬فالواجب أن يبين للناس بطالن واليته‬ ‫على المسلمين‪ ،‬وأن ال يطاع‪ ،‬وال يعاون بما يدعم ويقوي حكومته المتسلطة على‬ ‫المسلمين‪ ،‬وأن يسعى المسلمون في حالة العجز عن قتاله إلى إعداد العدة حتى‬ ‫تحصل القدرة على جهاده وعزله بالقوة‪ ،‬وقد قال تعالى‪* :‬ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ&[التغابن‪ ,]96:‬وقال‬ ‫تعالى‪* :‬ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ&[األنفال‪.]61:‬‬ ‫وقد قال شيخ اإلسالم ابن تيمية ‪ /‬في كتاب السياسة الشرعية‪( :‬يجب االستعداد‬ ‫للجهاد بإعداد القوة ورباط الخيل في وقت سقوطه للعجز‪ ،‬فإن ما ال يتم الواجب إال‬ ‫به فهو واجب)‪.‬‬ ‫وأما إذا طرأ على اإلمام العام الفسق فال يجوز الخروج عليه بالقوة‪ ،‬التي قد‬ ‫يترتب عليها من المفاسد والمنكرات والفتن ما هو أعظم من المنكر الذي قصد إزالته‪،‬‬ ‫وقد قال ^‪« :‬من كره من أميره شيئا ا فليصبر‪ ,‬فإنه من خرج من السلطان شبرا ا مات‬ ‫ميتة جاهلية» متفق عليه‪.‬‬ ‫وقال ^‪« :‬أال من ولي عليه وال‪ ،‬فرآه يأتي شيئا ا من معصية هللا‪ ،‬فليكره ما‬ ‫يأتي من معصية هللا‪ ،‬وال ينزعن يدا ا من طاعة» رواه مسلم‪ ،‬وترك الخروج عليه ال‬ ‫يعني السكوت عن فسقه وما يرتكبه من منكرات‪ ,‬بل الواجب نصحه واإلنكار عليه‬ ‫ومحاسبته ومحاكمته‪ ,‬وأال يطاع وال يعاون في معصية هللا تعالى‪ ،‬وقد تقدم الكالم في‬ ‫هذا‪.‬‬ ‫وإذا أمكن عزل اإلمام الذي طرأ عليه الفسق دون وقوع فتنة وإراقة دماء‬ ‫ومفسدة أعظم من مفسدة إبقائه‪ ،‬ففي هذه الحالة يجب أن يعزل‪ ,‬ويولى على المسلمين‬ ‫أفضل من توفرت فيه الشروط الشرعية‪ ,‬قال الحافظ ابن حجر ‪ /‬في فتح الباري‪:‬‬ ‫(ونقل ابن التين عن الداودي قال‪ :‬الذي عليه العلماء في أمراء الجور‪ ،‬أنه إن قدر‬ ‫على خلعه بغير فتنة وال ظلم وجب‪ ،‬وإال فالواجب الصبر)‪.‬‬


‫املنهج املختصر يف الفقه والعقيدة والدعوة‬ ‫الشورى‬

‫‪513‬‬

‫الشورى في اإلسالم من قواعد الحكم الواجبة التي يقصد منها إقامة العدل‬ ‫والتحاكم إلى الشريعة اإلسالمية في جميع مجاالت الحياة‪ ،‬ومنع االستبداد والظلم‬ ‫والفساد في األرض‪ ،‬وقد أمر هللا تعالى نبيه ^ بالشورى‪ ،‬فقال تبارك وتعالى‪* :‬ﭭ ﭮ‬ ‫ﭯﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ&[آل عمران‪ ,]951:‬واألمر يقتضي الوجوب‪ ،‬واألصل أن‬ ‫األمر الموجه إلى النبي ^ يشمل األمة إال إذا دل الدليل على أن الحكم خاص به ^‪,‬‬ ‫وليس هناك دليل يقتضي التخصيص‪ ،‬فيكون األمر بالشورى من الواجبات المناطة‬ ‫باألمة‪ ،‬التي ال يجوز للحاكم تعطيلها وإلغاؤها‪.‬‬ ‫قال ابن عطية ‪ /‬في المحرر الوجيز‪( :‬والشورى من قواعد الشريعة وعزائم‬ ‫األحكام؛ من ال يستشير أهل العلم والدين فعزله واجب‪ .‬هذا ما ال خالف فيه)‪.‬‬ ‫صفات أهل الشورى‪:‬‬ ‫وأهل الشورى هم الذين اتصفوا بصفات معينة‪ ،‬جعلتهم أهالً للمشاورة والنظر‬ ‫فيما يحقق المصالح الشرعية في أمور الدولة اإلسالمية والرعية‪:‬‬ ‫ وأول صفات أهل الشورى‪ :‬العلم‪:‬‬‫فإن القرارات التي تصدر من أهل الشورى ال تخرج عن نصوص الشرع‬ ‫وأصوله العامة وتحقيق مقاصده‪ ،‬وهذا يقتضي أن يكون أعضاء الشورى من أهل‬ ‫العلم الشرعي حتى تساس أمور الدولة‪ ،‬وتنفذ أعمالها بما يوافق شرع هللا‪ ،‬ويحقق‬ ‫مقاصده‪ ,‬وقد قال هللا تعالى‪* :‬ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ&[النحل‪ ,]43:‬وعن محمد بن الحنفية عن‬ ‫علي ا قال‪( :‬قلت‪ :‬يا رسول هللا! إن نزل بنا أمر ليس فيه بيان أمر وال نهي‪ ،‬فما‬ ‫تأمرنا؟ قال‪« :‬تشاورون الفقهاء والعابدين‪ ،‬وال تمضوا فيه رأي خاصة») رواه‬ ‫الطبراني في األوسط‪ ،‬وقال عنه الهيثمي في المجمع‪ :‬ورجاله موثوقون من أهل‬ ‫الصحيح‪.‬‬ ‫ الثانية‪ :‬التقوى واألمانة‪:‬‬‫فمن صفات أهل الشورى التقوى واألمانة والجهاد في سبيل هللا‪ ،‬وأن يكونوا‬ ‫من أهل الخبرة والتجربة‪ ,‬الذين يبذلون النصيحة هلل تعالى‪ ،‬ويقولون الحق ال يخافون‬ ‫في هللا لومة الئم‪ ،‬وال يتحزبون ألحد من الناس أو لعصبية جاهلية‪ ،‬وال يبتغون على‬ ‫ما يقولون عرضا ً من الدنيا‪ ،‬وال يتبعون أهواءهم ويقدمونها على شرع هللا تعالى‪ ,‬وقد‬ ‫قال ^‪« :‬المستشار مؤتمن» رواه أبو داود وغيره‪ ,‬فالمستشار مؤتمن في االستشارة‪،‬‬ ‫فال يحابي أحدا ً‪ ،‬أو يتبع أهواء الناس‪ ،‬بل يؤدي النصيحة والمشورة التي توافق شرع‬ ‫هللا تعالى‪.‬‬ ‫‪ -‬الصفة الثالثة‪ :‬الذكورة‪:‬‬


‫‪514‬‬

‫تهذيب كتاب السياسة الشرعية‬

‫أهل الحل‬ ‫شرحليست‬ ‫فالمرأة‬ ‫األصولمنالثالثةد‬ ‫الواليات العامة مختصة بالرجال دون النساء‪ ،‬تهذيب‬ ‫والعقد‪ ،‬وليس لها البروز في محافل الرجال واالختالط بهم‪ ،‬وقد جاءت الشريعة‬ ‫بحفظ المرأة وصيانتها من الفاحشة وما يقرب إليه‪ :‬كالنظر إلى األجنبية‪ ،‬واالختالط‪،‬‬ ‫والخلوة بغير محرم‪ ،‬وسفر المرأة وحدها‪ ،‬وخروجها متبرجة‪.‬‬ ‫وهللا تعالى لم يسو المرأة بالرجل في الخلق والتكوين والقدرة‪ ،‬ولهذا جعل هللا‬ ‫تعالى للرجل من األعمال ما يناسب خلقه وتكوينه وقدرته‪ ،‬كالجهاد والواليات العامة‪,‬‬ ‫وجعل للمرأة من األعمال والمسؤوليات ما يناسب خلقها‪ ،‬وتكوينها النفسي‪ ،‬كرعاية‬ ‫بيتها‪ ،‬وتربية أبنائها‪ ،‬وطاعة زوجها‪ ،‬وبهذا تستقيم الحياة ويحصل التوازن بين بناء‬ ‫الدولة وإصالحها‪ ،‬وبين بناء األسرة الصالحة وتربيتها‪ ,‬وقد قال هللا تبارك وتعالى‪* :‬ﭑ‬ ‫ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞﭟ&[النساء‪.]34:‬‬ ‫تطبيق الشورى‪:‬‬ ‫إذا تبين لإلمام من أدلة الكتاب أو السنة أو اإلجماع أو القياس الجلي حكم حادثة‬ ‫بعينها‪ ،‬فال مجال للشورى في هذه الحالة‪ ,‬وقد قال سفيان بن عيينة ‪ /‬في قوله‪* :‬ﭭ ﭮ‬ ‫ﭯﭰ&[آل عمران‪ ]951:‬قال‪( :‬هي للمؤمنين أن يتشاوروا فيما لم يأتهم عن النبي ^ فيه أثر)‬ ‫أخرجه اإلمام ابن جرير الطبري‪ ,‬فال تجوز الشورى على مخالفة حكم هللا تعالى‪ :‬وقد‬ ‫قال هللا تبارك وتعالى‪* :‬ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠﭡ&[األحزاب‪ ,]36:‬وقال تعالى‪:‬‬ ‫*ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖﮗ ﮘ ﮙﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ&[الحجرات‪.]9:‬‬ ‫مجاالت الشورى‪:‬‬ ‫تشرع الشورى في القضاء وفي الفتوى في جميع شؤون الحياة‪ ،‬للتوصل إلى‬ ‫الحكم الشرعي إذا لم يتبين لإلمام الحكم من الكتاب أو السنة أو اإلجماع أو القياس‬ ‫الجلي المستوفي للشروط‪ ,‬وكذلك يتشاور اإلمام مع أهل الشورى في أمور الحرب‬ ‫والسلم والهدنة‪ ،‬وفي األموال العامة وصرفها‪ ،‬وفي تولية األمراء والقضاة وغيرهم‪،‬‬ ‫وفي النوازل الطارئة‪ ،‬وفي تنظيم الدولة وإدارتها‪ ،‬وتشرع الشورى في مراقبة أعمال‬ ‫اإلمام والوالة والقضاة وغيرهم ومحاسبتهم‪ ,‬وكذلك في تعيين اإلمام العام‪.‬‬ ‫قال العالمة السعدي ‪ /‬في تفسيره‪ ،‬في قوله تعالى‪* :‬ﮞ ﮟ ﮠ&[الشورى‪:]38:‬‬ ‫(وأمرهم الديني والدنيوي *ﮟ ﮠ& أي‪ :‬ال يستبد أحد منهم برأيه في أمر من األمور‬ ‫المشتركة بينهم‪ ،‬وهذا ال يكون إال فرعا ً عن اجتماعهم وتوالفهم وتواددهم وتحاببهم‪،‬‬ ‫فمن كمال عقولهم أنهم إذا أرادوا أمرا ً من األمور التي تحتاج إلى إعمال الفكر‬ ‫والرأي فيها‪ ،‬اجتمعوا لها وتشاوروا وبحثوا فيها‪ ،‬حتى إذا تبينت لهم المصلحة‬ ‫انتهزوها وبادروها‪ ،‬وذلك كالرأي في الغزو والجهاد وتولية الموظفين إلمارة أو‬ ‫قضاء أو غيرهما‪ ،‬وكالبحث في المسائل الدينية عموما ً‪ ،‬فإنها من األمور المشتركة‪،‬‬ ‫والبحث فيها لبيان الصواب مما يحبه هللا‪ ،‬وهو داخل في هذه اآلية)‪.‬‬


‫املنهج املختصر يف الفقه والعقيدة والدعوة‬ ‫حكم األمر باملعروف والنهي عن املنكر‬

‫‪515‬‬

‫األمر بالمعروف والنهي عن المنكر فرض كفاية‪ ،‬إذا قام به البعض سقط اإلثم‬ ‫عن الباقين‪ ,‬وإذا لم يقوموا به جميعا ً أثم الجميع‪ ,‬وفي المنكر المعين يأثم من علم به‬ ‫ولم ينكره مع قدرته على إنكاره‪ ،‬وقد قال هللا تعالى‪* :‬ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠﮡ ﭨ ﭩ‬ ‫ﮤ ﮥ&[آل عمران‪ ,]914:‬وقال ^‪« :‬من رأى منكم منكرا ا فليغيره بيده‪ ،‬فإن لم يستطع‬ ‫فبلسانه‪ ،‬فإن لم يستطع فبقلبه‪ ،‬وذلك أضعف اإليمان» رواه مسلم‪ ,‬فمن رأى منكرا ً‬ ‫فيغيره باليد عند االستطاعة‪ ,‬وإذا لم يستطع فبلسانه‪ ,‬فإن لم يستطع فبقلبه‪ ,‬واإلنكار‬ ‫بالقلب ال يسقط بحال‪.‬‬ ‫قلت‪ :‬واالستطاعة هنا أعم من كونها القدرة الحسية على تغيير المنكر‪ ،‬فيدخل‬ ‫فيها تقدير المصلحة والمفسدة الناتجة عن التغيير‪ ،‬فلو كان تغيير المنكر باليد سيؤدي‬ ‫منكر أعظم‪ ،‬أو تترتب عليه مفسدة متحققة أعظم منه‪ّ ،‬‬ ‫فإن المسلم في هذه الحالة‬ ‫إلى‬ ‫ٍ‬ ‫تحت حكم ( من لم يستطع )‪.‬‬ ‫وإذا كان إنكار المنكر يتطلب القدرة‪ ,‬فال شك أن السلطان أقدر من سائر‬ ‫الرعية‪ ،‬فيجب عليه وعلى جميع األمراء والوزراء من األمر بالمعروف والنهي عن‬ ‫المنكر أكثر من غيرهم‪ ،‬كما يجب على الحكومة اإلسالمية تأسيس والية الحسبة‪،‬‬ ‫وتعين المحتسبين الذين يقومون بأمر الناس بالمعروف ونهيهم عن المنكر‪.‬‬ ‫قلتُ‪ :‬ال نقول‪ :‬بوجوب إنشاء جهاز حسبة‪ ،‬ولكن ال بد من وجود من يقوم بهذه‬ ‫الشعيرة‪ ،‬ولو لم يكن جهازا ً رسميا ً‪.‬‬


‫‪516‬‬

‫تهذيب كتاب السياسة الشرعية‬ ‫المنكر‬ ‫تهذيب‪:‬شرح األصول الثالثةد‬

‫صفات وأخالق اْلمر بالمعروف والناهي عن‬ ‫ال بد لآلمر بالمعروف والناهي عن المنكر سواء كان من رجال الحسبة أو‬ ‫غيرهم أن يتحلى بالصبر‪ ,‬وأن يتحمل األذى الذي يصيبه إذا أمر الناس بالمعروف‪,‬‬ ‫ونهاهم عن المنكر‪ ,‬وقد أخبر هللا تعالى عن لقمان أنه قال البنه‪* :‬ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯨ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ‬ ‫ﯮ ﯯﯰ ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ ﯶ&[لقمان‪ ,]97:‬وينبغي أن يكون حليما ً ال يغضب لنفسه وينتقم لها‪,‬‬ ‫بل يكون غضبه وانتقامه هلل تبارك وتعالى‪.‬‬ ‫فعن عائشة ل قالت‪( :‬ما خيّر رسول هللا ^ بين أمرين قط إال أخذ أيسرهما‪ ،‬ما‬ ‫لم يكن إثما ً‪ ،‬فإن كان إثما ً كان أبعد الناس منه‪ .‬وما انتقم رسول هللا ^ لنفسه في شيء‬ ‫قط‪ ،‬إال أن تنتهك حرمة هللا‪ ،‬فينتقم هلل تعالى) متفق عليه‪.‬‬ ‫كما ال بد أن يتصف بالرفق في أمره بالمعروف ونهيه عن المنكر‪ ,‬وقد قال‬ ‫رسول هللا ^ قال‪« :‬إن هللا رفيق يحب الرفق‪ ،‬ويعطي على الرفق ماال يعطي على‬ ‫العنف‪ ،‬وما ال يعطي على ما سواه» رواه مسلم‪.‬‬ ‫كما يجب أن يكون على علم وبينة فيما يأمر به الناس من المعروف‪ ,‬وينهاهم‬ ‫عنه من المنكر‪ ،‬فال يتكلم بما ال يعلم أو بمجرد الظن‪.‬‬ ‫كما يجب على الوالة وغيرهم أن يأمروا الناس بالمعروف ويفعلوه‪ ,‬وينهاهم‬ ‫عن المنكر وال يقعوا فيه‪ ,‬وال يكونوا من الذين يأمرون الناس بالتقوى وينسون‬ ‫أنفسهم‪ ,‬وقد قال تعالى‪* :‬ﭩﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫﮪ ﮭ ﮮ ﮯ&[البقرة‪ ,]44:‬وقال تبارك وتعالى‪* :‬ﮛ‬ ‫ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﭨ ﭩ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮪ ﮭ&[الصف‪.]3-2:‬‬ ‫تقديم األهم في األمر بالمعروف والنهي عن المنكر‪:‬‬ ‫والواجب البدء باألهم فاألهم في األمر بالمعروف والنهي عن المنكر‪ ،‬فأوالً يبدأ‬ ‫بتعليم الناس اإليمان وتوحيد هللا تعالى‪ ,‬وتطهير النفوس والبالد من الشرك كدعاء‬ ‫األموات‪ ,‬واالستغاثة بهم‪ ,‬أو الذبح لهم‪ ,‬أو تحاكم إلى قوانين وضعية‪ ،‬أو عادات‬ ‫جاهلية‪ ،‬أو غيرها من أنواع الشرك‪ ،‬فإن التوحيد هو أصل دعوة األنبياء عليهم‬ ‫الصالة والسالم‪ ،‬كما قال تعالى‪* :‬ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ‬ ‫ﭾﭿ&[النحل‪ ,]36:‬وعن معاذ ا قال‪ :‬بعثني رسول هللا ^ فقال‪« :‬إنك تأتي قوما ا من‬ ‫أهل الكتاب‪ ،‬فادعهم إلى شهادة أن ال إله إال هللا‪ ،‬وأني رسول هللا‪ ،‬فإن هم أطاعوا‬ ‫لذلك‪ ،‬فأعلمهم أن هللا قد افترض عليهم خمس صلوات في كل يوم وليلة‪ ،‬فإن هم‬ ‫أطاعوا لذلك‪ ،‬فأعلمهم أن هللا قد افترض عليهم صدقةا تؤخذ من أغنيائهم فترد على‬ ‫فقرائهم‪ ،‬فإن هم أطاعوا لذلك‪ ،‬فإياك وكرائم أموالهم‪ .‬واتق دعوة المظلوم‪ ،‬فإنه ليس‬ ‫بينها وبين هللا حجاب» متفق عليه‪.‬‬


‫املنهج املختصر يف الفقه والعقيدة والدعوة‬

‫‪517‬‬

‫وال يعني دعوة الناس إلى التوحيد ترك إنكار المنكرات التي ال تصل إلى‬ ‫الشرك األكبر‪ ,‬بل المقصود أن تكون الدعوة إلى التوحيد هي األساس والقاعدة‪ ،‬التي‬ ‫يتفرع منها إنكار بقية المنكرات‪ ،‬وهذا بين في سيرة األنبياء عليهم الصالة والسالم‪،‬‬ ‫الذين كانوا يدعون إلى التوحيد‪ ،‬وينكرون الشرك‪ ،‬وينهون أيضا ً عن المعاصي‬ ‫المتفشية بين الناس‪.‬‬


‫تهذيب كتاب السياسة الشرعية‬

‫‪518‬‬

‫اجلهاد واإلعداد‬

‫تهذيب شرح األصول الثالثةد‬

‫الجهاد في سبيل هللا‪:‬‬ ‫لقد دل على جهاد الطلب وابتداء الكفار بالقتال الكتاب والسنة واإلجماع‪ ,‬فأما‬ ‫الكتاب‪ ,‬فقال هللا تعالى‪* :‬ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ&[األنفال‪,]31:‬‬ ‫وقال تعالى‪* :‬ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ‬ ‫ﮌﮍﮎﮏﮐﮑﮒﮓﮔﮕﮖﮗﮘﮙ‬

‫ﮚ&[التوبة‪ ,]21:‬وغيرها من اآليات‪ ,‬وقال ^‪« :‬أمرت أن أقاتل الناس حتى يشهدوا أن‬ ‫ال إله إال هللا وأن محمدا ا رسول هللا‪ ,‬ويقيموا الصالة‪ ,‬ويؤتوا الزكاة‪ ,‬فإذا فعلوا ذلك‪،‬‬ ‫عصموا مني دماءهم وأموالهم إال بحق اإلسالم‪ ،‬وحسابهم على هللا تعالى» رواه‬ ‫البخاري ومسلم‪.‬‬ ‫وأما حكم جهاد الطلب فهو فرض كفاية يفعل بحسب القدرة واإلمكان‪ ,‬وقد قال‬ ‫هللا تعالى‪* :‬ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ&[التغابن‪ ,]96:‬ومن فرض الكفاية تحصين الثغور وحمايتها‪ ,‬بمن‬ ‫تحصل بهم الكفاية من الجنود‪.‬‬ ‫وأما الح االت التي يتعين فيها الجهاد فهي ثالث حاالت‪:‬‬ ‫أولها‪ :‬إذا استنفر اإلمام فردا ً أو جماعة‪ ,‬فيجب على من استنفره أن ينفر للجهاد‬ ‫لقول هللا تعالى‪* :‬ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂﮃ‬ ‫ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ‬ ‫ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ‬

‫ﮣ ﮤ&[التوبة‪.]31-38:‬‬ ‫وقال ^‪ « :‬ال هجرة بعد الفتح ولكن جهاد ونية‪ ،‬وإذا استنفرتم فانفروا» رواه‬ ‫البخاري ومسلم‪.‬‬ ‫والثانية‪ :‬إذا حضر المسلم في الصف للقتال‪ ,‬وقد قال هللا تعالى‪* :‬ﯙ ﯚ‬ ‫ﯛﯜﯝﯞﯟﯠﯡﯢﯣﯤ ﯥﯦﯧﯨﯩﯪﯫﯬ‬

‫ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ ﯶﯷ ﯸ ﯹ ﯺ&[األنفال‪.]96-95:‬‬ ‫والثالثة‪ :‬أن يعتدي الكفار على بلد من بالد المسلمين‪ ,‬ففي هذه الحالة يتعين‬ ‫الجهاد باإلجماع‪ ,‬وهو من أعظم الواجبات وآكدها وهو جهاد الدفع‪ ,‬فيجب الجهاد‬


‫املنهج املختصر يف الفقه والعقيدة والدعوة‬

‫‪519‬‬

‫على أهل البلد التي اعتدى عليها الكفار أو المرتدون‪ ,‬ويتوسع الوجوب على األقرب‬ ‫فاألقرب‪ ,‬حتى تحصل الكفاية ويدفع العدو‪ ,‬فإن بالد المسلمين بمنزلة األرض‬ ‫الواحدة‪ ,‬فال عبرة في زمانا هذا بالحدود المصطنعة في بالد المسلمين التي اختطها‬ ‫الصليبيون المستعمرون وعمالؤهم لتمزيق األمة وإضعافها‪.‬‬ ‫وقد قال شيخ اإلسالم ابن تيمية في االختيارات الفقهية‪( :‬وأما قتال الدفع فهو‬ ‫أشد أنواع دفع الصائل عن الحرمة والدين فواجب إجماعا ً‪ ،‬فالعدو الصائل الذي يفسد‬ ‫الدين والدنيا ال شيء أوجب بعد اإليمان من دفعه‪ ،‬فال يشترط له شرط بل يدفع‬ ‫بحسب اإلمكان) وقال‪( :‬وإذا دخل العدو بالد اإلسالم فال ريب أنه يجب دفعه على‬ ‫األقرب فاألقرب‪ ،‬إذ بالد اإلسالم كلها بمنزلة البلدة الواحدة‪ ،‬وأنه يجب النفير إليه بال‬ ‫إذن والد وال غريم)‪.‬‬ ‫اإلعداد‪:‬‬ ‫لقد أمر هللا تعالى باإلعداد للجهاد‪ ,‬واألخذ بجميع أساليب وأسباب القوة التي‬ ‫تخيف األعداء وترهبهم وتردعهم‪ ,‬كما قال تعالى‪* :‬ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ‬ ‫ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬﯭ ﯮ ﯯ ﯰ‬

‫ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ ﯶ ﯷ ﯸ ﯹ ﯺ&[األنفال‪ ,]61:‬وقد جعل هللا تعالى علة الحكم‬ ‫إرهاب أعداء هللا وأعداء المسلمين‪ ,‬فالعلة هي اإلرهاب‪ ,‬والحكم وجوب إعداد القوة‪,‬‬ ‫والحكم يدور مع علته وجودا ً وعدماً‪ ,‬أي‪ :‬أن كل ما يحصل به إرهاب األعداء من‬ ‫أسباب القوة‪ ,‬فاألمة مأمورة بتحصيله‪ ,‬وهذا يختلف باختالف الزمان‪ ,‬فكل زمان له ما‬ ‫يناسبه من األسلحة‪ ,‬وأسباب القوة التي ترهب األعداء‪.‬‬ ‫األخالق واْلداب في الجهاد‪:‬‬ ‫وفي هذا الفصل تذكر بعض األخالق واآلداب في الجهاد على سبيل‬ ‫االختصار‪.‬‬ ‫وأولها‪ :‬اإلحسان إلى الكفار الذين لم يقاتلوا المسلمين في دينهم ولم يخرجوهم‬ ‫من ديارهم‪:‬‬ ‫لقد نهى هللا تعالى المسلم عن موالة الكفار ومودتهم‪ ،‬فقال تعالى‪* :‬ﭑﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ‬ ‫ﭗ ﭘ ﭙﭚ ﭛ ﭜ ﭝﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ&[المائدة‪ ،]59:‬فقوله تعالى‪* :‬ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ‬ ‫ﭣﭤ&[المائدة‪ ]59:‬أي‪ :‬كافر مثلهم‪ :‬كالذين يعاونون الصليبين ويظاهرونهم على المسلمين‬ ‫في العراق أو أفغانستان أو غيرها‪ ،‬وقال تعالى‪* :‬ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ‬ ‫ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﭨ ﭩ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮪ&[المائدة‪ ، ]89-81:‬فدلت اآليتان على انتفاء‬ ‫اإليمان عن الذين يوالون الكفار كاألمريكان وغيرهم‪ ،‬فانتفاء الشرط يدل على انتفاء‬ ‫المشروط‪ ،‬وهو اإليمان‪.‬‬


‫‪531‬‬

‫تهذيب كتاب السياسة الشرعية‬

‫الثالثةدﭣ ﭤ ﭥﭦ‬ ‫األصولﭠ ﭡ ﭢ‬ ‫شرح ﭝ ﭞ ﭟ‬ ‫ﭚﭛﭜ‬ ‫وقال تعالى في تحريم مودتهم‪* :‬ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ‬ ‫تهذيب‬ ‫ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽﭾ ﭿ ﮀ ﮁﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ&[المجادلة‪، ]22:‬‬

‫وأجاز هللا تعالى للمسلم أن يحسن إلى الكفار من أقاربه أو غيرهم ويصلهم إذا لم‬ ‫يقاتلوا المسلمين في دينهم ولم يخرجوهم من ديارهم‪ ،‬فقال تعالى‪* :‬ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ‬ ‫ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ&[الممتحنة‪.]8:‬‬ ‫قال ابن جرير في جامع البيان‪( :‬وأولى األقوال في ذلك بالصواب‪ ،‬قول من قال‬ ‫عني بذلك‪ :‬ال ينهاكم هللا عن الذين لم يقاتلوكم في الدين من جميع أصناف الملل‬ ‫واألديان‪ ،‬أن تبروهم وتصلوهم وتقسطوا إليهم؛ ألن هللا ‪ Q‬عم بقوله الذين لم يقاتلوكم‬ ‫في الدين‪ ،‬ولم يخرجوكم من دياركم‪ ،‬جميع من كان ذلك صفته‪ ،‬فلم يخصص به‬ ‫بعضا ً دون بعض‪ ،‬وال معنى لقول من قال ذلك منسوخ‪ ،‬ألن بر المؤمن من أهل‬ ‫الحرب ممن بينه وبينه قرابة نسب أو ممن ال قرابة بينه وبينه وال نسب غير محرم‪،‬‬ ‫وال منهي عنه إذا لم يكن في ذلك داللة له أو ألهل الحرب على عورة ألهل اإلسالم‪،‬‬ ‫أو تقوية لهم بكراع أو سالح)‪.‬‬ ‫وعن هشام بن عروة عن أبيه عن أسماء قالت‪ :‬قدمت علي أمي وهي مشركةٌ‬ ‫في عهد رسول هللا ^‪ ،‬فاستفتيت رسول هللا ^ قلت‪ :‬قدمت علي أمي وهي راغبةٌ‪،‬‬ ‫أفأصل أمي؟ قال‪« :‬نعم صلي أمك» متفق عليه‪.‬‬ ‫وقال ابن القيم ‪ /‬في أحكام أهل الذمة‪( :‬فإن هللا سبحانه لما نهى في أول السورة‬ ‫عن اتخاذ المسلمين الكفار أولياء‪ ،‬وقطع المودة بينهم وبينهم‪ ،‬توهم بعضهم أن برهم‬ ‫واإلحسان إليهم من المواالة والمودة‪ ،‬فبين هللا سبحانه أن ذلك ليس من المواالة‬ ‫المنهي عنها‪ ،‬وأنه لم ينه عن ذلك‪ ،‬بل هو من اإلحسان الذي يحبه ويرضاه‪ ،‬وكتبه‬ ‫على كل شيء‪ ،‬وإنما المنهي عنه تولي الكفار واإللقاء إليهم بالمودة)‪.‬‬ ‫وقال تعالى في بر المسلم ألبويه الكافرين‪* :‬ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔﮕ ﮖ‬ ‫ﮗ ﮘ ﮙﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟﮠ ﮡ ﭨ ﭩ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ&[لقمان‪ ،]95:‬وعن أبي هريرة ا‪ ،‬أن رسول هللا ^‬ ‫قال‪« :‬بينما رجل يمشي بطريق اشتد عليه العطش‪ ،‬فوجد بئرا ا فنزل فيها فشرب‪ ،‬ثم‬ ‫خرج فإذا كلب يلهث يأكل الثرى من العطش‪ ،‬فقال الرجل‪ :‬لقد بلغ هذا الكلب من‬ ‫العطش مثل الذي كان قد بلغ مني‪ ،‬فنزل البئر فمأل خفه ما اء ثم أمسكه بفيه‪ ،‬حتى‬ ‫رقي فسقى الكلب‪ ،‬فشكر هللا له فغفر له»‪ .‬قالوا‪ :‬يا رسول هللا إن لنا في البهائم‬ ‫أجرا ً؟! فقال‪« :‬في كل كبد رطبة أجر» متفق عليه‪ .‬والكبد الرطبة أي الحية‬ ‫كالحيوان‪ ،‬ويدخل في عموم الحديث الكافر الذمي والمعاهد واألسير‪ ،‬كما قال تعالى‪:‬‬ ‫*ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ&[اإلنسان‪.]8:‬‬ ‫الثاني‪ :‬حكم قتل نساء الكفار المحاربين وأطفالهم وشيوخهم‪:‬‬


‫املنهج املختصر يف الفقه والعقيدة والدعوة‬

‫‪535‬‬

‫ال يجوز في اإلسالم قتل نساء الكفار المحاربين أو أطفالهم أو شيوخهم قصدا ً‪،‬‬ ‫وكذا ال يجوز قتل الزمن أو األعمى أو المعتوه أو الراهب الذي يعتزل أهل دينه في‬ ‫صومعته‪ ،‬وال يعينهم على المسلمين‪ ،‬ولذا فال يعرف بفضل هللا تعالى في تاريخ‬ ‫المسلمين المجاهدين‪ ،‬وفي الفتوحات اإلسالمية أن ارتكبت إبادات جماعية في حق‬ ‫نساء الكفار المحاربين وأطفالهم وشيوخهم‪ ،‬وأما الصليبيون واليهود فتاريخهم مليء‬ ‫بالجرائم واإلبادات الجماعية إلى وقتنا هذا‪ ،‬كما في أفغانستان والبوسنة وكوسوفا‬ ‫وفلسطين والشيشان والعراق وغيرها‪ ،‬وقد قال تعالى‪* :‬ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ‬ ‫ﯵ ﯶﯷ ﯸ ﯹ ﯺ ﯻ ﯼ ﯽ&[البقرة‪.]911:‬‬ ‫وأخرج وكيع وابن أبي شيبة عن يحيى بن يحيى الغساني قال‪( :‬كتبت إلى عمر‬ ‫بن عبد العزيز أسأله عن هذه اآلية‪* :‬ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ ﯶﯷ ﯸ ﯹ‬ ‫ﯺ ﯻ ﯼ ﯽ&[البقرة‪ ]911:‬فكتب إلي أن ذلك في النساء والذرية من لم ينصب‬ ‫لك الحرب منهم)‪.‬‬ ‫وقال اإلمام ابن كثير ‪ /‬في تفسيره‪( :‬وقوله *ﯵ ﯶﯷ ﯸ ﯹ ﯺ ﯻ‬ ‫ﯼ ﯽ&[البقرة‪ ]911:‬أي‪ :‬قاتلوا في سبيل هللا وال تعتدوا في ذلك‪ ،‬ويدخل في ذلك‬ ‫ارتكاب المناهي‪ ،‬كما قاله الحسن البصري من المثلة والغلول وقتل النساء والصبيان‬ ‫والشيوخ الذين ال رأي لهم وال قتال فيهم‪ ،‬والرهبان وأصحاب الصوامع وتحريق‬ ‫األشجار وقتل الحيوان لغير مصلحة‪ ،‬كما قال ذلك ابن عباس وعمر بن عبد العزيز‬ ‫ومقاتل بن حيان وغيرهم)‪.‬‬ ‫أميرا على جيش أو سرية‪ ،‬أوصاه‬ ‫وعن بريدة ا قال‪( :‬كان رسول هللا ^ إذا أمر ً‬ ‫خيرا‪ ،‬ثم قال‪« :‬اغزوا باسم هللا في‬ ‫في خاصته بتقوى هللا‪ ،‬وبمن معه من المسلمين ً‬ ‫سبيل هللا‪ ،‬قاتلوا من كفر باهلل‪ ،‬اغزوا‪ ،‬وال تغلوا‪ ،‬وال تغدروا‪ ،‬وال تمثلوا‪ ،‬وال تقتلوا‬ ‫وليداا» أخرجه مسلم‪.‬‬ ‫وفيه النهي عن الغلول‪ ،‬وحرمة الغدر ونقض العهد‪ ،‬وتحريم التمثيل بالقتيل‬ ‫بتشويهه كقطع أطرافه أو جدع أنفه أو أذنه‪ ،‬وهو ما يفعله الصليبيون األمريكان‬ ‫والروس وغيرهم‪ ،‬والوليد المنهي عن قتله هو الصبي الذي لم يبلغ‪ ،‬وعن ابن عباس‬ ‫ب قال‪ :‬كان رسول هللا ^ إذا بعث جيوشه قال‪« :‬اخرجوا باسم هللا تقاتلون في سبيل‬ ‫هللا من كفر باهلل‪ ،‬ال تغدروا‪ ،‬وال تغلوا‪ ،‬وال تمثلوا‪ ،‬وال تقتلوا الولدان‪ ،‬وال أصحاب‬ ‫الصوامع» رواه أحمد‪.‬‬ ‫وأما إذا قاتلت المرأة من أهل الحرب أو قاتل الصبي أو الشيخ الهرم فيقتلون‬ ‫في هذه الحالة‪ ،‬وكذا إذا حرضوا الكفار المحاربين على القتال أو شاركوا بالرأي‪،‬‬


‫‪531‬‬

‫تهذيب كتاب السياسة الشرعية‬

‫الثالثةدحصنهم‬ ‫األصولعلى‬ ‫الكفار أو‬ ‫صفشرح‬ ‫وقال ابن قدامة ‪ /‬في المغني‪( :‬ولو وقفت امرأة في تهذيب‬ ‫فشتمت المسلمين أو تكشفت لهم‪ ،‬جاز رميها قصدا ً‪ ...‬وكذلك يجوز رميها إذا كانت‬ ‫تلتقط لهم السهام أو تسقيهم الماء أو تحرضهم على القتال‪ ،‬ألنها في حكم المقاتل‪،‬‬ ‫وهكذا الحكم في الصبي والشيخ‪ ،‬وسائر من منع من قتله منهم)‪.‬‬ ‫وإذا لم يتمكن المجاهدون من قتل الكفار المحاربين إال بقتل نسائهم وأطفالهم‬ ‫وشيوخهم‪ ،‬كما لو كانوا مختلطين بهم‪ ،‬وال يمكن التمييز بينهم‪ ،‬كما في البيات‪ ،‬أو‬ ‫قصف مواقعهم وحصونهم‪ ،‬أو لتترسهم بهم‪ ،‬وكذا العمليات اإلستشهادية التي‬ ‫تستهدف المحاربين منهم‪ ،‬وقد يصاب فيها من يخالطهم من نسائهم أو أطفالهم أو‬ ‫شيوخهم‪ ،‬ففي كل هذه الحاالت يجوز قتل نساء المحاربين وأطفالهم وشيوخهم تبعا ً ال‬ ‫قصدا ً‪ ،‬ويقصد في مثل هذه الحاالت قتل المقاتلين دون غيرهم‪ ،‬فعن الصعب بن‬ ‫جثامة ا قال‪ :‬سئل رسول هللا ^ عن أهل الدار من المشركين يبيتون‪ ،‬فيصيبون من‬ ‫نسائهم وذراريهم‪ ،‬فقال‪« :‬هم منهم» متفق عليه‪ ،‬والبيات‪ :‬هو الغارة ليالً‪ ،‬فال يمكن‬ ‫التمييز بين الكفار المقاتلين وبين نسائهم وذراريهم‪.‬‬ ‫الثالث‪ :‬الوفاء بالعهود‪:‬‬ ‫لقد جاءت الشريعة اإلسالمية بوجوب الوفاء بالعهود والعقود‪ ،‬وحرمة الغدر‪،‬‬ ‫فقال تعالى‪* :‬ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎﮏ&[المائدة‪ ،]9:‬وقال تعالى‪* :‬ﯚ ﯛﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ&[اإلسراء‪ ،]34:‬وقال‬ ‫تعالى‪* :‬ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ&[المؤمنون‪ ،]8:‬وعن حذيفة بن اليمان ا قال‪( :‬ما منعني أن أشهد‬ ‫بدرا ً إال أني خرجت أنا وأبي‪ ،‬حسيل‪ .‬قال‪ :‬فأخذنا كفار قريش‪ .‬قالوا‪ :‬إنكم تريدون‬ ‫محمدا ً‪ ،‬فقلنا‪ :‬ما نريده‪ .‬ما نريد إال المدينة‪ .‬فأخذوا منا عهد هللا وميثاقه لننصرفن إلى‬ ‫المدينة وال نقاتل معه‪ .‬فأتينا رسول هللا ^ فأخبرناه الخبر‪ .‬فقال‪« :‬انصرفا‪ .‬نفي‬ ‫بعهدهم‪ ،‬ونستعين هللا عليهم» رواه مسلم‪.‬‬ ‫والكفار إما أهل حرب‪ ،‬وإما أهل عهد‪ ،‬وأهل العهد ينقسمون إلى ثالثة أقسام‪،‬‬ ‫أهل هدنة‪ ،‬وأهل أمان‪ ،‬وأهل ذمة‪.‬‬ ‫فأما أهل الهدنة‪ :‬فهم الذين يقيمون في دارهم وصالحوا الدولة اإلسالمية على‬ ‫وقف الحرب إلى أجل‪ ،‬وهذه المصالحة أو المعاهدة ليست مؤبدة‪ ،‬وال يقدم عليها‬ ‫اإلمام إال إذا اقتضت المصلحة الشرعية ذلك‪ ،‬كما لو كان بالمسلمين ضعف‪ ،‬وأما في‬ ‫حال القوة فال يجوز لإلمام أن يقدم على المصالحة‪ ،‬وقد قال تعالى‪* :‬ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ‬ ‫ﭨ ﭩ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ&[محمد‪.]35:‬‬ ‫قال اإلمام ابن كثير ‪ /‬في تفسيره‪( :‬أي‪ :‬ال تضعفوا عن األعداء *ﮝ ﮞ‬ ‫ﮟ&[محمد‪ ]35:‬أي‪ :‬المهادنة والمسالمة ووضع القتال بينكم وبين الكفار في حال قوتكم‬ ‫وكثرة عددكم وعددكم‪ ...،‬ولهذا قال‪* :‬ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ&[محمد‪ ]35:‬أي‪ :‬في حال علوكم‬ ‫على عدوكم‪ ...‬فأما إذا كان الكفار فيهم قوة وكثرة بالنسبة إلى جميع المسلمين‪ ،‬ورأى‬ ‫اإلمام في المهادنة والمعاهدة مصلحة فله أن يفعل ذلك‪ ،‬كما فعل رسول هللا ^ حين‬


‫املنهج املختصر يف الفقه والعقيدة والدعوة‬

‫‪533‬‬

‫صده كفار قريش عن مكة ودعوه إلى الصلح‪ ،‬ووضع الحرب بينهم وبينه عشر‬ ‫سنين‪ ،‬فأجابهم ^ إلى ذلك)‪.‬‬ ‫وأما أهل األمان فهم الذين يعطون األمان‪ ،‬ليدخلوا دولة اإلسالم دون أن‬ ‫يستوطنوا فيها‪ :‬كالرسل‪ ،‬والتجار‪ ،‬ومن له غرض من زيارة قريب أو نحوها‪ ،‬ومن‬ ‫يعرض عليه اإلسالم والقرآن كما قال تعالى‪* :‬ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ‬ ‫ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ ﯱ ﯲﯳ ﯴ ﯵ ﯶ ﯷ ﯸ ﯹ&[التوبة‪.]6:‬‬ ‫وأما أهل الذمة فهم المقيمون في دولة اإلسالم‪ ،‬وتجري عليهم أحكام اإلسالم‪،‬‬ ‫وتؤخذ منهم الجزية‪ ،‬كما قال تعالى‪* :‬ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ‬ ‫ﮆﮇﮈﮉﮊﮋﮌﮍﮎﮏﮐﮑﮒﮓﮔﮕﮖ‬

‫ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ&[التوبة‪ ،]21:‬والجزية تؤخذ من الرجال األحرار البالغين‪ ،‬كما في‬ ‫حديث معاذ بن جبل ا قال‪ :‬بعثني النبي ^ إلى اليمن فأمرني‪« :‬أن آخذ من كل حالم‬ ‫دينارا ا أو عدله معافريا ا» رواه أبو داود وغيره‪.‬‬ ‫ويجوز برهم واإلحسان إليهم من غير مواالتهم ومودتهم‪ ،‬وتجب حمايتهم‪،‬‬ ‫ومنع التعدي عليهم في أنفسهم أو أعراضهم أو أموالهم أو تعذيبهم‪ ،‬وقد قال تعالى‪:‬‬ ‫*ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ&[الممتحنة‪.]8:‬‬ ‫الرابع‪ :‬العدل مع األعداء‪:‬‬ ‫إن المسلم يجاهد في سبيل هللا‪ ،‬ويبتغي بذلك إقامة حكم هللا في األرض‪ ،‬وهو‬ ‫في سعيه وجهاده لتحقيق هذه الغاية التي خلق هللا الخلق ألجلها يتمسك بشريعة هللا‬ ‫العادلة‪ ،‬وال يخرج عن العدل واإلنصاف مع الصديق أو العدو‪ ،‬فإن الظلم ال يحل‬ ‫مطلقا ً‪ ،‬حتى ولو اعتدى عليه الظالمون المعتدون من الصليبيين أو اليهود أو غيرهم‪،‬‬ ‫وقد قال هللا تعالى‪* :‬ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯨ ﯪ ﯫﯬ&[المائدة‪ ،]2:‬أي‪ :‬ال يحملنكم بغض الكفار‬ ‫ألجل ظلمهم وعدوانهم عليكم إذ صدوكم عن المسجد الحرام أن تعتدوا عليهم وتطلبوا‬ ‫االنتقام منهم عدوانا ً وظلما ً‪ ،‬بل الزموا اإلنصاف مع أعدائكم‪ ،‬وعاملوهم بالعدل الذي‬ ‫شرعه هللا لكم‪.‬‬


‫‪534‬‬

‫تهذيب كتاب السياسة الشرعية‬

‫قتال الطائفة الممتنعة‪:‬‬ ‫إذا امتنعت طائفة تنتسب إلى اإلسالم عن شعيرة من شعائر اإلسالم الظاهرة‪:‬‬ ‫كالصالة أو الزكاة أو صيام رمضان أو الحج أو الجهاد في سبيل هللا أو غيرها من‬ ‫الشعائر‪ ،‬فإنها تقاتل حتى يكون الدين كله هلل‪ ،‬وقد قال تعالى‪* :‬ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ‬ ‫تهذيب شرح األصول الثالثةد‬

‫ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝﯞ&[األنفال‪ ،]31:‬وقد قاتل الصحابة ي من امتنعوا عن أداء‬ ‫الزكاة‪ ،‬كما في حديث أبي هريرة ا قال‪( :‬لما توفي رسول هللا ^ واستخلف أبو بكر‬ ‫بعده‪ ،‬وكفر من كفر من العرب‪ ،‬قال عمر بن الخطاب ألبي بكر‪ :‬كيف تقاتل الناس‪،‬‬ ‫وقد قال رسول هللا ^‪« :‬أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا‪ :‬ال إله إال هللا‪ .‬فمن قال‪ :‬ال‬ ‫إله إال هللا‪ ،‬فقد عصم منى ماله ونفسه إال بحقه‪ .‬وحسابه على هللا»‪ .‬فقال أبو بكر‪:‬‬ ‫وهللا ألقاتلن من فرق بين الصالة والزكاة‪ ،‬فإن الزكاة حق المال‪ .‬وهللا لو منعوني‬ ‫عقاالً كانوا يؤدونه إلى رسول هللا ^ لقاتلتهم على منعه‪ .‬فقال عمر بن الخطاب‪ :‬فوهللا‬ ‫ما هو إال أن رأيت هللا ‪ Q‬قد شرح صدر أبي بكر للقتال‪ .‬فعرفت أنه الحق) رواه‬ ‫البخاري ومسلم‪.‬‬ ‫وأمر النبي ^ بقتال الخوارج‪ ،‬ففي الصحيحين عن سويد بن غفلة قال‪ :‬قال علي‬ ‫أخر من السماء أحبّ إلي من أن أقول عليه ما‬ ‫ا‪( :‬إذا حدثتكم عن رسول هللا ^‪ ،‬فألن ّ‬ ‫لم يقل‪ .‬وإذا حدثتكم فيما بيني وبينكم فإن الحرب خدعة‪ .‬سمعت رسول هللا ^ يقول‪:‬‬ ‫«سيخرج في آخر الزمان قوم أحداث األسنان‪ ،‬سفهاء األحالم‪ ،‬يقولون من خير قول‬ ‫البرية‪ .‬يقرؤون القرآن ال يجاوز حناجرهم‪ .‬يمرقون من الدين كما يمرق السهم من‬ ‫الرمية‪ .‬فإذا لقيتموهم فاقتلوهم‪ .‬فإن في قتلهم أجرا ا لمن قتلهم عند هللا يوم القيامة»‪.‬‬


‫املنهج املختصر يف الفقه والعقيدة والدعوة‬

‫‪535‬‬

‫تأسيس الدولة اجلديدة‬

‫إن بناء الدولة اإلسالمية وتثبيت أركانها ليحكم اإلسالم في جميع شؤونها‪،‬‬ ‫يتطلب جهودا ً كبيرة‪ ,‬وأعماالً منظمة لكي تبسط الحكومة قوتها على جميع البالد‪،‬‬ ‫وتحكم السيطرة الكاملة عليها‪ ،‬وتحول دون أي نوع من االنفالت والفوضى التي‬ ‫اعتادها البعض في أثناء الحرب‪.‬‬ ‫وفي هذا الباب بعض المعالم المهمة التي تجب العناية بها في هذه المرحلة‬ ‫التأسيسية للدولة‪.‬‬ ‫وأولها‪ :‬الصبر على االبتالء‪:‬‬ ‫من سنن هللا تعالى ابتالء أهل اإليمان حتى يميز الصادقين من الكاذبين‪،‬كما قال‬ ‫تعالى‪* :‬ﭩ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮪ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ&[العنكبوت‪ ، ]3-2:‬فالبد أن‬ ‫تبتلى الحكومة اإلسالمية الجديدة في بداية نشأتها وفي مسيرتها كلها بأعداء يتربصون‬ ‫بها ويسعون إلزالتها بشتى الوسائل‪ ،‬وهذا يحتم على والة األمر أن يكونوا على حذر‬ ‫دائم‪ ،‬وأن يعدوا العدة الالزمة لمواجهة األعداء والتصدي لمخططاتهم ومكائدهم‪ ،‬وقد‬ ‫قال تعالى‪* :‬ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﭨﭩ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮪ ﮭ&[المائدة‪ ،]44:‬واآلية تحذر من‬ ‫نوعين من األساليب التي يستخدمها األعداء للصد عن إقامة حكم هللا في األرض‪:‬‬ ‫وأولها‪ :‬التهديد والتخويف‪ ،‬ولهذا نهى هللا تعالى عن خشيتهم‪ ،‬فقال تعالى‪* :‬ﮚ‬ ‫ﮛ ﮜ ﮝ&[المائدة‪.]44:‬‬ ‫والثاني‪ :‬الترغيب بشيء من الدنيا حتى يتراجع والة األمر عن إقامة حكم هللا‬ ‫في األرض‪ ،‬وقد يسمون هذا الشيء من متاع الدنيا بالمساعدات االقتصادية‪ ،‬أو أن‬ ‫يهددوا بالحصار االقتصادي أو غيره‪ ،‬وقد حذر هللا تعالى من هذا فقال تعالى‪* :‬ﮊ ﮋ ﮌ‬ ‫ﮍ ﮎ&[البقرة‪ ،]49:‬وقال تعالى‪* :‬ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿﮀ ﮁ‬ ‫ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ&[األنفال‪ ,]36:‬وقال‬ ‫تعالى‪* :‬ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ&[المنافقون‪.]7:‬‬ ‫الثاني‪ :‬الزهد في الدنيا‪:‬‬ ‫يجب على المجاهدين أال يركنوا إلى الدنيا بعد تحقق النصر‪ ،‬بل عليهم أن‬ ‫يواصلوا سعيهم وجهادهم لتحقيق المقصود من الجهاد‪ ،‬وهو إقامة شريعة هللا تعالى‬ ‫في البالد‪ ،‬وأن يعدوا العدة‪ ،‬ويتخذوا ما يستطيعون من وسائل القوة لمواجهة األعداء‬ ‫المتربصين في الخارج واألعداء المتربصين في الداخل من المرتدين والمنافقين الذين‬ ‫سوف يسعون إلى الفتنة وإعاقة إقامة شريعة هللا في البالد‪ ،‬وقد قال تعالى عن‬ ‫المنافقين‪* :‬ﮪ ﮫ ﮪ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔﯕ ﯖ ﯗ ﯘﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ&[التوبة‪ ،]18:‬فإن الركون إلى‬ ‫الدنيا بعد النصر‪ ،‬والميل إلى الدعة والراحة وترك الجهاد‪ ،‬والغفلة عن األخطار التي‬


‫‪536‬‬

‫تهذيب كتاب السياسة الشرعية‬

‫عمران قال‪:‬‬ ‫شرحأسلم أبي‬ ‫تهذيبفعن‬ ‫تهدد اإلسالم والمسلمين من اإللقاء باألنفس إلى التهلكة‪،‬‬ ‫األصول الثالثةد‬ ‫(غزونا من المدينة نريد القسطنطينية‪ ،‬وعلى الجماعة عبد الرحمن بن خالد بن الوليد‪،‬‬ ‫العدو فقال الناس‪ :‬م ْه‪ ،‬م ْه‪،‬‬ ‫لصقُو ظهورهم بحائط المدينة‪ ،‬فحمل رجل على‬ ‫والروم ُم ِ‬ ‫ِّ‬ ‫ال إله إال هللا‪ ،‬يلقي بيديه إلى التهلكة‪ ،‬فقال أبو أيوب‪ :‬إنما نزلت هذه اآلية فينا معشر‬ ‫األنصار‪ ،‬لما نصر هللا نبيه ^ وأظهر اإلسالم‪ ،‬قلنا‪ :‬هلُ َّم نقيم في أموالنا ونصلحها‪،‬‬ ‫اّلل تعالى‪* :‬ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨﮩ&[البقرة‪ ]915:‬فاإللقاء باأليدي إلى‬ ‫فأنزل ّ‬ ‫التهلكة‪ :‬أن نقيم في أموالنا ونصلحها وندع الجهاد‪ ،‬قال أبو عمران‪ :‬فلم يزل أبو أيوب‬ ‫يجاهد في سبيل هللا حتى دفن بالقسطنطينية) رواه أبو داود‪.‬‬ ‫الثالث‪ :‬أداء األمانات إلى أهلها‪:‬‬ ‫من أداء األمانات إلى أهلها‪ :‬أن تسند الوظائف واألعمال إلى أهلها من‬ ‫المجاهدين الصادقين‪ ،‬كما قال تعالى‪* :‬ﯘﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ&[النساء‪،]58:‬‬ ‫فال يجوز أن تسند الواليات إلى القاعدين من المنافقين ومرضى القلوب‪ ،‬فإن هؤالء‬ ‫ليسوا من أهل الواليات العامة في اإلسالم‪.‬‬ ‫فبعد انتصار المجاهدين والتمكين لهم‪ ،‬سوف يسعى المنافقون إلى اإلمارة‬ ‫والوزارة‪ ,‬ويظهرون من حسن الكالم‪ ,‬والتشدق بالعبارات‪ ,‬وادعاء األعذار الكاذبة‬ ‫عن تخلفهم عن الجهاد‪ ،‬ليرضى عنهم أهل اإليمان ويقبلوا عذرهم‪ ،‬كما قال تعالى‪:‬‬ ‫* ﯞﯟ ﯠ ﯡ ﯢﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧﯨ ﯨ ﯪ ﯫﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰﯱ ﯲ ﯳ ﯴﯵ ﯶ ﯷﯸ ﯹ ﯺ ﯻ&[المنافقون‪ ,]4:‬ومنهم من‬ ‫قد يدعي كذبا ً وزورا ً بأنه قد جاهد مع المجاهدين‪ ،‬أو قام بنصرتهم ومعاونتهم‪ ،‬حتى‬ ‫يحمد بما لم يفعل‪ ،‬كما قال تعالى‪* :‬ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸﭹ ﭺ ﭻ ﭼ‬ ‫ﭽ&[آل عمران‪ ,]988:‬وقال تعالى‪ * :‬ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ‬ ‫ﮕﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﭨ ﭩ ﮤ ﮥ&[العنكبوت‪ ،]99-91:‬وقال تعالى‪* :‬ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ‬ ‫ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ&[النساء‪.]949:‬‬ ‫وغيرها من الوسائل المخادعة التي يسلكها المنافقون للتوصل إلى اإلمرة‬ ‫والوالية العامة‪ ،‬وقد أوجب هللا معاداتهم وأمر بأخذ الحذر منهم‪ ،‬ونهى عن اتخاذهم‬ ‫بطانة‪ ،‬فإن تغلغلهم في أجهزة الدولة وتبوأهم المناصب المهمة يشكل خطرا ً على‬ ‫الدولة اإلسالمية‪ ،‬ومرضا ً فتاكا ً يهدد بقاءها واستمرارها‪.‬‬ ‫الرابع‪ :‬تربية الشباب‪:‬‬ ‫يجب على والة األمر دعوة جميع أفراد الرعية من الرجال والنساء‪ ،‬وتربيتهم‬ ‫تربية إسالمية كاملة‪ ،‬مع العناية بالشباب المسلم عناية كبيرة‪ ،‬لما يملكون من قوة‬ ‫الشباب والطاقة التي تساهم وتساعد بإذن هللا في بناء الدولة اإلسالمية وتقويتها‬ ‫والدفاع عنها‪ ،‬كما أن االستجابة هلل تعالى ولرسوله ^ فيهم أكثر من الكبار الذين ألفوا‬


‫املنهج املختصر يف الفقه والعقيدة والدعوة‬

‫‪537‬‬

‫الكثير من المنكرات وهرموا فيها‪ ،‬وقد قال تعالى‪* :‬ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ‬ ‫ﯨ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭﯮ ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ&[الكهف‪.]94-93:‬‬

‫قال اإلمام ابن كثير ‪ /‬في تفسيره‪( :‬فذكر تعالى أنهم فتية وهم الشباب‪ ،‬وهم أقبل‬ ‫للحق وأهدى للسبيل من الشيوخ‪ ،‬الذين قد عتوا وانغمسوا في دين الباطل‪ ،‬ولهذا كان‬ ‫أكثر المستجيبين هلل تعالى ولرسوله ^ شبابا ً‪ ،‬وأما المشايخ من قريش‪ ،‬فعامتهم بقوا‬ ‫على دينهم‪ ،‬ولم يسلم منهم إال القليل‪ .‬وهكذا أخبر تعالى عن أصحاب الكهف أنهم‬ ‫كانوا فتية شبابا ً)‪.‬‬ ‫وقال تعالى‪* :‬ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌﮍ&[يونس‪ ،]83:‬قال العالمة السعدي ‪ /‬في‬ ‫تفسيره‪( :‬والحكمة ‪-‬وهللا أعلم‪ -‬بكونه ما آمن لموسى إال ذرية من قومه‪ ،‬إن الذرية‬ ‫والشباب أقبل للحق‪ ،‬وأسرع له انقيادا ً‪ ،‬بخالف الشيوخ ونحوهم ممن تربى على‬ ‫الكفر‪ ،‬فإنهم بسبب ما مكث في قلوبهم من العقائد الفاسدة ‪ -‬أبعد عن الحق من‬ ‫غيرهم)‪.‬‬ ‫الخامس‪ :‬أصحاب االختصاص‪:‬‬ ‫الدولة اإلسالمية في بداية نشأتها بحاجة إلى األمناء األتقياء من أصحاب‬ ‫االختصاص في شتى المجاالت القضائية والسياسية واالقتصادية واإلعالمية وغيرها‪.‬‬ ‫وإيجاد جميع أهل االختصاص من بين المجاهدين قد يتطلب أوالً سنوات في‬ ‫إعدادهم وتعليمهم وتأهيلهم‪ ،‬السيما في بعض البالد التي يقل فيها أهل االختصاص‬ ‫من بين المجاهدين بسبب انشغالهم بالجهاد ومدافعة األعداء‪.‬‬ ‫وهذا يحتم على والة األمر أن يستدعوا أهل االختصاص األتقياء األمناء من‬ ‫خارج البالد لالستفادة من علمهم وخبرتهم ومشورتهم في بناء الدولة وتقويتها‪ ،‬فإن‬ ‫هذا من التعاون على البر والتقوى الذي أمر هللا به في كتابه فقال تعالى‪* :‬ﯭ ﯮ ﯯ ﯰﯱ‬ ‫ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ ﯶﯷ ﯸ ﯹﯺ ﯻ ﯼ ﯽ ﯾ ﯿ&[المائدة‪ ،]2:‬ودولة اإلسالم األولى التي أسسها النبي ^‬ ‫جمعت األنصار من المدينة والمهاجرين الذين هاجروا إليها‪.‬‬ ‫السادس‪ :‬حسم الفتن والتصدي لألخطار في أولها‪:‬‬ ‫يجب على الحكومة اإلسالمية القضاء على الفتنة في بدايتها‪ ،‬والتصدي‬ ‫للساعين في نشرها والمتسببين فيها‪ ،‬فكل خطر يتهدد الدولة اإلسالمية يجب القضاء‬ ‫عليه واستئصاله بمجرد الشعور به قبل أن يكبر ويعظم شره‪ ،‬فعن عبد هللا بن أنيس‬ ‫قال‪( :‬بعثني رسول هللا ^ إلى خالد بن سفيان الهذلي‪ ،‬وكان نحو عرنة وعرفات‪،‬‬ ‫فقال‪« :‬اذهب فاقتله»‪ ،‬قال‪ :‬فرأيته وحضرت صالة العصر فقلت‪ :‬إني ألخاف أن‬ ‫يكون بيني وبينه ما إن أؤخر الصالة‪ ،‬فانطلقت أمشي وأنا أصلي أومئ إيماء نحوه‪،‬‬ ‫فلما دنوت منه قال لي‪ :‬من أنت؟ قلت رجل من العرب‪ ،‬بلغني أنك تجمع لهذا الرجل‬


‫‪538‬‬

‫تهذيب كتاب السياسة الشرعية‬

‫الثالثةد بسيفي‬ ‫األصول علوته‬ ‫شرحأمكنني‬ ‫حتى إذا‬ ‫فجئتك في ذاك‪ ،‬قال‪ :‬إني لفي ذاك‪ ،‬فمشيت معه ساعةتهذيب‬ ‫حتى برد)‪ .‬رواه أبو داود‪.‬‬ ‫فهذا المشرك الذي كان يسعى إلى جمع الجموع من المشركين على محاربة‬ ‫النبي ^‪ ،‬قد أمر النبي ^ بقتله قبل أن يحقق ما يريد من جمع المشركين ومحاربة‬ ‫المسلمين‪ ،‬وهكذا يجب التعامل مع من يسعى إلى تأليب الناس‪ ،‬ويحرضهم على‬ ‫محاربة الدولة اإلسالمية قبل أن تعظم فتنته ويستشري خطرها‪.‬‬


‫املنهج املختصر يف الفقه والعقيدة والدعوة‬ ‫الوعد بالتمكني وعودة اخلالفة‬

‫‪539‬‬

‫إن من خصال أهل اإليمان أن يوقنوا بوعد هللا ونصره لعباده المؤمنين‬ ‫المجاهدين‪ ،‬كما قال تعالى‪* :‬ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ‬ ‫ﭼ&[غافر‪ ,]52-59:‬وقال تعالى‪* :‬ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ&[الصافات‪,]973-979:‬‬ ‫وأما التكذيب والشك بوعد هللا ونصره فهو من صفات المنافقين الهالكين الذين قال هللا‬ ‫تعالى عنهم‪* :‬ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﭨ ﭩ ﮤﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮪ ﮭ ﮮ&[األنفال‪ ،]41:‬وقال تعالى‪* :‬ﮝ ﮞ ﮟ‬ ‫ﮠ ﮡ ﭨ ﭩ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ&[األحزاب‪ ،]92:‬وقال تعالى‪* :‬ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﭨ ﭩ ﮤ ﮥ ﮦ‬ ‫ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ&[الفتح‪.]92:‬‬ ‫إن األمة اإلسالمية أمة منصورة ومبشرة بالنصر والتمكين في كتاب ربها‬ ‫تبارك وتعالى وفي سنة رسوله ^‪ ،‬وقد تحقق لها في الواقع ما أخبر هللا به ورسوله ^‬ ‫من النصر والتمكين والبشارة باالنتصار على الفرس وعلى الروم وفتح القسطنطينية‬ ‫وغيرها من البشائر‪ ،‬وهناك بشائر سوف تتحقق في المستقبل كفتح روما وعودة‬ ‫الخالفة على منهاج النبوة وغيرها‪ ،‬وقد قال تعالى‪* :‬ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ‬ ‫ﭯ&[التوبة‪ ،]33:‬وقال تعالى‪ * :‬ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅﮆ‬ ‫ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ&[النور‪.]55:‬‬ ‫قال ابن كثير ‪ /‬في تفسيره‪( :‬هذا وعد من هللا تعالى لرسوله صلوات هللا‬ ‫وسالمه عليه بأنه سيجعل أمته خلفاء األرض‪ ،‬أي‪ :‬أئمة الناس والوالة عليهم‪ ،‬وبهم‬ ‫تصلح البالد‪ ،‬وتخضع لهم العباد‪ .‬وليبدلنهم من بعد خوفهم من الناس أمنا ً وحكما ً‬ ‫فيهم‪ ،‬وقد فعله تبارك وتعالى‪ ،‬وله الحمد والمنة‪ ،‬فإنه ^ لم يمت حتى فتح هللا عليه‬ ‫مكة وخيبر والبحرين وسائر جزيرة العرب وأرض اليمن بكمالها‪ ،‬وأخذ الجزية من‬ ‫مجوس هجر ومن بعض أطراف الشام‪ ،‬وهاداه هرقل ملك الروم‪ ،‬وصاحب مصر‬ ‫واإلسكندرية وهو المقوقس‪ ،‬وملوك عمان‪ ،‬والنجاشي ملك الحبشة الذي تملك بعد‬ ‫أصحمة ‪ /‬وأكرمه‪.‬‬ ‫ثم لما مات رسول هللا ^ واختار هللا له ما عنده من الكرامة‪ ،‬قام باألمر بعده‬ ‫خليفته أبو بكر الصديق‪ ،‬فل ّم شعث ما وهى بعد موته ^‪ ،‬وأ َّ‬ ‫طد جزيرة العرب‬ ‫ومهدها‪ ،‬وبعث الجيوش اإلسالمية إلى بالد فارس صحبة خالد بن الوليد ا‪ ،‬ففتحوا‬ ‫طرفا ً منها‪ ،‬وقتلوا خلقا ً من أهلها‪ .‬وجيشا ً آخر صحبة أبي عبيدة ا ومن اتبعه من‬ ‫األمراء إلى أرض الشام‪ ،‬وثالثا ً صحبة عمرو بن العاص ا إلى بالد مصر‪ ،‬ففتح هللا‬ ‫للجيش الشامي في أيامه بصرى ودمشق ومخاليفهما من بالد حوران وما واالها‪،‬‬ ‫وتوفاه هللا ‪ ،Q‬واختار له ما عنده من الكرامة‪.‬‬ ‫َّ‬ ‫ومن على أهل اإلسالم بأن ألهم الصديق أن يستخلف عمر الفاروق‪ ،‬فقام باألمر‬ ‫بعده قياما ً تاما ً‪ ،‬لم يدر الفلك بعد األنبياء على مثله في قوة سيرته وكمال عدله‪ .‬وت ّم‬


‫‪541‬‬

‫تهذيب كتاب السياسة الشرعية‬

‫الثالثةد وكسر‬ ‫األصولفارس‪.‬‬ ‫وأكثر إقليم‬ ‫في أيامه فتح البالد الشامية بكمالها وديار مصر إلى آخرها‬ ‫تهذيب شرح‬ ‫كسرى‪ ،‬وأهانه غاية الهوان‪ ،‬وتقهقر إلى أقصى مملكته‪ ،‬وقصر قيصر‪ ،‬وانتزع يده‬ ‫عن بالد الشام‪ ،‬وانحدر إلى القسطنطينية‪ ،‬وأنفق أموالهما في سبيل هللا‪ ،‬كما أخبر‬ ‫بذلك ووعد به رسول هللا‪ ،‬عليه من ربه أتم سالم وأزكى صالة‪.‬‬ ‫ثم لما كانت الدولة العثمانية (يعني خالفة عثمان ا) امتدت الممالك اإلسالمية‬ ‫إلى أقصى مشارق األرض ومغاربها‪ ،‬ففتحت بالد المغرب إلى أقصى ما هنالك‬ ‫األندلس وقبرص‪ ،‬وبالد القيروان‪ ،‬وبالد سبتة مما يلي البحر المحيط‪ ،‬ومن ناحية‬ ‫المشرق إلى أقصى بالد الصين‪ ،‬وقتل كسرى وباد ملكه بالكلية‪ ،‬وفتحت مدائن‬ ‫العراق وخراسان واألهواز‪ ،‬وقتل المسلمون من الترك مقتلة عظيمة جدا ً‪ ،‬وخذل هللا‬ ‫ملكهم األعظم خاقان‪ ،‬وجبى الخراج من المشارق والمغارب إلى حضرة أمير‬ ‫المؤمنين عثمان بن عفان ا‪ ،...‬ولهذا ثبت في الصحيح أن رسول هللا ^ قال‪« :‬إن هللا‬ ‫زوى لي األرض‪ ،‬فرأيت مشارقها ومغاربها‪ ،‬ويبلغ ملك أمتي ما زوى لي منها» فها‬ ‫نحن نتقلب فيما وعدنا هللا ورسوله‪ ،‬وصدق هللا ورسوله‪ ،‬فنسأل هللا اإليمان به‬ ‫وبرسوله‪ ،‬والقيام بشكره على الوجه الذي يرضيه عنا)‪.‬‬

‫انتهى تهذيب كتاب السياسة الشرعية‬


‫املنهج املختصر يف الفقه والعقيدة والدعوة‬

‫الباب الثاني‪ :‬العقيدة‬

‫‪545‬‬



‫املنهج املختصر يف الفقه والعقيدة والدعوة‬

‫تهذيب‬ ‫شرح األصول الثالثة‬ ‫للشيخ المجدد‪/‬‬ ‫محمد بن عبد الوهاب ‪/‬‬ ‫شرح الشيخ‪/‬‬ ‫علي بن خضير الخضير‬ ‫فك هللا أسره‬

‫تهذيب‪/‬‬ ‫د‪ .‬عبد الله بن محمد المحيسني‬

‫‪543‬‬


‫تهذيب شرح األصول الثالثة‬

‫‪544‬‬

‫بسم هللا الرحمن الرحيم‬

‫د‬ ‫تهذيب شرح األصول الثالثةد‬

‫املقدمة‬ ‫الحمد هلل رب العالمين‪ ،‬والصالة والسالم على أشرف األنبياء والمرسلين‪ ،‬نبينا‬ ‫محمد وعلى آله وصحبه أجمعين‪.‬‬ ‫وبعد‪:‬‬ ‫فإن كتاب (الوجازة في شرح األصول الثالثة) للشيخ علي الخضير وفقه هللا‬ ‫وفك هللا أسره‪ ،‬من الشروح المفيدة لألصول الثالثة‪ ،‬فقد أجاد فيه وأفاد‪ ،‬وهذا تهذيب‬ ‫للشرح المذكور لتقريبه للمبتدئين والعامة‪ ،‬وأسأل هللا أن ينفع بهذا المختصر‪ ،‬كما نفع‬ ‫بأصله‪.‬‬ ‫وصلى هللا على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين‪.‬‬


‫املنهج املختصر يف الفقه والعقيدة والدعوة‬

‫‪545‬‬

‫قال المصنف ‪[ :/‬بسم هللا الرحمن الرحيم‪.‬‬ ‫يجب علينا تعلم أربع مسائل‪:‬‬ ‫األولى‪ :‬العلم؛ وهو‪ :‬معرفة هللا‪ ،‬ومعرفة نبيه‪ ،‬ومعرفة دين اإلسالم باألدلة؛‬ ‫الثانية‪ :‬العمل به؛ الثالثة‪ :‬الدعوة إليه؛ الرابعة‪ :‬الصبر على األذى فيه‪ ،‬والدليل قوله‬ ‫تعالى‪ :‬بسم هللا الرحمن الرحيم *ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ&[العصر‪.]3-5:‬‬ ‫قال الشافعي ‪ :/‬لو ما أنزل هللا حجة على خلقه إال هذه السورة لكفتهم؛ وقال‬ ‫البخاري ‪ :/‬باب‪ :‬العلم قبل القول والعمل‪ ،‬والدليل قوله تعالى‪* :‬ﰊ ﰊ ﰊ ﰊ ﰊ ﰊ ﰊ‬ ‫ﰊ&[محمد‪ ]59:‬فبدأ بالعلم قبل القول والعمل]‪.‬‬ ‫الشرح‪:‬‬ ‫أفاد المصنف حكم تعلم هذه األربع المسائل وأنه واجب‪ ،‬فالعلم بالرب والدين‬ ‫والرسول ^‪ ،‬هي أصل األصول‪ ،‬وأعظم الواجبات‪.‬‬ ‫وقوله‪( :‬يجب علينا) يقصد بها جميع الخلق حتى الكفار‪ ،‬فإن الكفار مخاطبون‬ ‫ومكلفون بفروع الشريعة وأصولها‪ ،‬وحتى الجن أيضا ً فهم مخاطبون بهذه المسائل‪،‬‬ ‫كما قال تعالى‪* :‬ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ&[الذاريات‪.]56:‬‬ ‫المسائل األربع التي يجب تعلمها‪:‬‬ ‫األولى‪ :‬العلم‪ ،‬وهو‪ :‬معرفة هللا‪ ،‬ومعرفة نبيه‪ ،‬ومعرفة دين اإلسالم باألدلة‪.‬‬ ‫المصنف يقصد بالعلم هنا الشرعي‪ ،‬وحكم العلم فيه تفصيل ويختلف باختالف‬ ‫العلم‪ ،‬فمن العلم ما هو واجب‪ ،‬كعلم التوحيد‪ ،‬والعقائد‪ ،‬ومعرفة الشروط‪ ،‬واألركان‪،‬‬ ‫والواجبات‪ ،‬والعبادات الواجبة‪ ،‬والمعامالت الواجبة‪ ،‬ومعرفة المحرمات‪ ...‬إلخ‪.‬‬ ‫ومن العلم ما هو مستحب‪ ،‬كتعلم المسلم للمستحبات‪.‬‬ ‫ومن العلم ما هو فرض كفاية‪ ،‬كتعلم الطب والصناعات وعلم اللغات وغيرها‬ ‫من العلوم المباحة والنافعة للمسلمين‪.‬‬ ‫ومن العلم ما هو محرم‪ ،‬كتعلم السحر وعلم الموسيقى وعلم الربا والفن‪.‬‬ ‫وقول المصنف‪( :‬باألدلة) أي أن معرفة هذه الثالثة األصول تكون مقرونة‪.‬‬ ‫وهل يصح التقليد في العقائد؟‬ ‫الجواب‪ :‬يجوز التقليد في علم العقائد‪ ،‬بشرط أن تجزم بما قلدت به‪ ،‬وال يشترط‬ ‫أن تعرف الدليل‪.‬‬ ‫ففي الصحيحين عن أنس بن مالك قال‪ :‬بينما نحن جلوس مع النبي ^ في‬ ‫المسجد‪ ،‬دخل رجل (وهو ضمام بن ثعلبة)‪ ،‬فقال للنبي ^‪ :‬إني سائلك فمشدد عليك في‬ ‫المسألة‪ ،‬فال تجد علي في نفسك‪ ،‬فقال‪« :‬سل عما بدا لك»‪ ،‬فقال‪ :‬أسألك بربك ورب‬


‫‪546‬‬

‫تهذيب شرح األصول الثالثة‬ ‫د‬ ‫الثالثةد‬ ‫األصول‬ ‫تهذيبثمشرح‬ ‫سأله عن األركان‪.‬‬ ‫نعم»‬

‫من قبلك‪ ،‬آهلل أرسلك إلى الناس كلهم؟ فقال‪« :‬اللهم‬ ‫الحديث‪.‬‬ ‫قال النووي في شرح مسلم عند حديث ضمام بن ثعلبة‪( :‬قال أبو عمرو بن‬ ‫الصالح‪ :‬فيه داللة لما ذهب إليه أئمة العلماء‪ ،‬من أن العوام المقلدين مؤمنون‪ ،‬وأنه‬ ‫يكتفى منهم بمجرد اعتقاد الحق جزما ً من غير شك وتزلزل‪ ،‬خالفا ً لمن أنكر ذلك من‬ ‫المعتزلة‪ ،‬وذلك ألنه قرر ضمام على ما اعتمد عليه في معرفة رسالته وصدقه‪،‬‬ ‫ومجرد إخباره إياه بذلك ولم ينكر عليه‪ ،‬وال قال‪ :‬يجب عليك النظر في معجزتي‬ ‫واالستدالل باألدلة القطعية)‪.‬‬ ‫قال المصنف‪( :‬الثانية‪ :‬العمل به) أي‪ :‬من الواجب بعد العلم العمل به‪ ،‬أي‪:‬‬ ‫يجب العمل بما تعلمت‪.‬‬ ‫والعمل‪ :‬منه ما هو واجب‪ ،‬كالعمل بالواجبات والشروط والتوحيد ونحو ذلك‪.‬‬ ‫ومنه ما هو مستحب‪ ،‬كالعمل بالمستحبات‪.‬‬ ‫ومنه ما هو محرم‪ ،‬كالعمل بالشركيات أو الكبائر‪.‬‬ ‫ومنه ما هو مكروه‪ ،‬كالعمل بالمكروهات‪.‬‬ ‫عم ل صالحا ا؟‬ ‫وهل الترك يسمى عم الا؟ كمن ترك الزنا هل يقال‪ :‬إنه ِ‬ ‫الجواب فيه تفصيل‪ :‬إن تركه امتثاالً‪ ،‬مثل‪ :‬االبتعاد عن وسائل الزنا‪ ،‬فهذا عمل‬ ‫صالح‪ .‬وإن تركه عجزا ً‪ ،‬فال يدخل‪ ،‬وعلى ذلك فالترك مع النية الصالحة عمل‪ ،‬قال‬ ‫تعالى‪* :‬ﮪ ﮫ ﮪ ﮭ ﮮ&[البقرة‪.]278:‬‬ ‫قال المصنف‪( :‬الثالثة الدعوة إليه) أي‪ :‬الدعوة إلى العلم الشرعي‪ ،‬أي نشر‬ ‫العلم الذي تعلمه‪.‬‬ ‫والدعوة إلى العلم تنقسم مثل أقسام العلم‪ ،‬فالعلم الواجب الدعوة إليه واجبة‪،‬‬ ‫والعلم المستحب الدعوة إليه مستحبة‪ ،‬وما كان محرما ً فالدعوة إلى تركه واجبة‪...‬‬ ‫وهكذا‪.‬‬ ‫وعلى من تكون الدعوة؟‬ ‫على من تعلم العلم وقدر على الدعوة‪ ،‬فمن كان جاهالً ال يجب عليه الدعوة‪،‬‬ ‫ولكن يجب أن يتعلم أوالً‪ ،‬ثم بعد ذلك يدعو‪.‬‬ ‫ولمن توجه الدعوة؟‬ ‫تدعو الكافر والمسلم‪ ،‬الجاهل والمخطئ‪ ،‬والمتأول والمعاند‪.‬‬ ‫قال المصنف‪( :‬الصبر على األذى فيه) الضمير يعود إلى العلم‪ ،‬أي‪ :‬يصبر‬ ‫على ما يواجهه في طلب العلم‪ ،‬وما يصيبه من أذى في العمل بالعلم ونشره‪.‬‬ ‫واألذى أنواع‪:‬‬ ‫‪ -9‬أذى بدني‪ -2 .‬أذى مالي‪ -3 .‬أذى كالمي نفسي‪ ،‬فيصبر على ما يلقاه‪.‬‬


‫املنهج املختصر يف الفقه والعقيدة والدعوة‬

‫‪547‬‬

‫قال المصنف‪( :‬والدليل‪ :‬بسم هللا الرحمن الرحيم‪* :‬ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ&[العصر‪.)]2-9:‬‬ ‫هذا هو الدليل على المسائل األربع‪ ،‬والشاهد من السورة *ﯪ ﯫ ﯬ&[الشعراء‪،]227:‬‬ ‫وهو دليل العلم‪ ،‬ألن الشيء الذي آمنوا به علموه أوالً‪ ،‬فتكون داللتها بالالزم‪* .‬ﭔ‬ ‫ﭕ&[البقرة‪ ]25:‬دليل العمل‪* .‬ﭝ ﭞ&[العصر‪ ]3:‬يدل على الدعوة‪* .‬ﯥ ﯦ&[البلد‪ ]97:‬دليل على‬ ‫الصبر على األذى فيه‪.‬‬ ‫ثم ذكر المصنف كالم الشافعي ‪( :/‬لو ما أنزل هللا حجة على الخلق) األلف‬ ‫والالم في الخلق للعموم‪ ،‬تشمل الجن واإلنس‪( .‬إال هذه السورة لكفتهم) ألن هذه‬ ‫السورة فيها المسائل األربع‪.‬‬ ‫ثم ذكر المصنف كالم البخاري‪( :‬باب العلم قبل القول والعمل‪ ،‬فاعلم أنه ال إله‬ ‫إال هللا‪ )...‬كالم البخاري يدل على الترتيب بين المسائل األربع‪ ،‬فالعلم أوالً‪ ،‬ثم العمل‪،‬‬ ‫ثم الدعوة‪ ،‬ثم الصبر‪.‬‬


‫تهذيب شرح األصول الثالثة‬

‫‪548‬‬

‫فصل‬

‫د‬ ‫تهذيب شرح األصول الثالثةد‬

‫قال المصنف ‪[ :/‬اعلم رحمك هللا‪ :‬أنه يجب على كل مسلم ومسلمة‪ ،‬تعلم هذه‬ ‫المسائل‪ ،‬والعمل بهن‪.‬‬ ‫األولى‪ :‬أن هللا خلقنا ورزقنا‪ ،‬ولم يتركنا هم الا‪ ،‬بل أرسل إلينا رسو الا‪ ،‬فمن‬ ‫أطاعه دخل الجنة‪ ،‬ومن عصاه دخل النار‪ ،‬والدليل قوله تعالى‪* :‬ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ‬ ‫ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ&[المزمل‪.]56-55:‬‬ ‫الثانية‪ :‬أن هللا ال يرضي أن يشرك معه أحد في عبادته‪ ،‬ال ملك مقرب‪ ،‬وال‬ ‫نبي مرسل‪ ،‬فض الا عن غيرهما؛ والدليل قوله تعالى‪* :‬ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ&[الجن‪.]58:‬‬ ‫الثالثة‪ :‬أن من أطاع الرسول‪ ،‬ووحد هللا‪ ،‬ال تجوز له مواالة من حاد هللا‬ ‫ورسوله‪ ،‬ولو كان أقرب قريب‪ ،‬والدليل قوله تعالى‪* :‬ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ‬ ‫ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽﭾ ﭿ ﮀ ﮁﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ‬ ‫ﮉ&[المجادلة‪.]]11:‬‬

‫الشرح‪:‬‬ ‫هذه أصول عظيمة يجب على كل مسلم ومسلمة تعلمها والعمل بها‪.‬‬ ‫المسألة األولى‪ :‬أن هللا خلقنا لحكمة‪ ،‬وهي طاعته وعبادته‪ ،‬ورتب الجزاء على‬ ‫هذه الطاعة‪ ،‬فمن أطاعه دخل الجنة‪ ،‬ومن عصاه دخل النار‪.‬‬ ‫وهل دخول الجنة كامل أم دخول يسبقه عذاب؟‬ ‫على حسب الطاعة‪ ،‬فإن كانت طاعته كاملة فدخوله دخوالً كامالً‪ ،‬يدخل الجنة‬ ‫وال يعذب‪ ،‬وإن كانت ناقصة فدخوله ناقص‪ ،‬وهو تحت المشيئة‪ ،‬فإن شاء هللا عذبه‬ ‫ثم يدخله الجنة‪.‬‬ ‫وهل دخول النار على وجه الخلود‪ ،‬أم على وجه التعذيب ثم يخرج؟‬ ‫على حسب المعصية‪ ،‬فإن كانت المعصية شركا ً أكبر وكفرا ً أكبر فهذا يخلد في‬ ‫النار وال يخرج‪ ،‬وإن كانت المعصية من الكبائر‪ ،‬فهذا يدخل النار إذا لم يعف هللا‬ ‫عنه‪.‬‬ ‫ثم ذكر المصنف الدليل على ذلك‪ ،‬وهو قوله تعالى‪* :‬ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ‬ ‫ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ&[المزمل‪.)]96-95:‬‬ ‫المسألة الثانية‪ :‬أن هللا سبحانه ال يرضى الشرك وال يحبه‪ ،‬والشرك هو‪ :‬أن‬ ‫تجعل هلل ندا ً في األسماء والصفات أو الربوبية أو األلوهية‪ ،‬فالشرك أقسام‪:‬‬ ‫شرك في األسماء والصفات‪ ،‬وهو‪ :‬أن تجعل هلل ندا ً فيما يختص به من األسماء‬ ‫والصفات‪.‬‬ ‫ً‬ ‫شرك في الربوبية‪ ،‬وهو‪ :‬أن تجعل هلل ندا في الخلق والملك والتدبير‪.‬‬


‫املنهج املختصر يف الفقه والعقيدة والدعوة‬

‫‪549‬‬

‫شرك في األلوهية‪ ،‬وهو‪ :‬أن تجعل هلل ندا ً في الدعاء والعبادة‪ ،‬وبمعنى آخر‬ ‫دعوة غيره معه‪.‬‬ ‫قال المصنف ‪( :/‬إن هللا ال يرضى أن يشرك معه أحد في عبادته)‪.‬‬ ‫العبادة‪ :‬هي الذل والخضوع هلل بالطاعة‪ ،‬وعرفها ابن تيمية بأنها‪ :‬اسم جامع‬ ‫لكل ما يحبه هللا ويرضاه‪ ،‬من األقوال واألعمال‪ ،‬الظاهرة والباطنة‪.‬‬ ‫ثم ضرب المصنف مثالين لبيان أن هللا ال يرضى أحدا ً معه في العبادة (ال ملك‬ ‫مقرب وال نبي مرسل) ولم يرد المصنف بالمثالين أن يستوعب‪ ،‬فاهلل ال يرضى‬ ‫الصالح وال الطالح‪ ،‬وال الجن وال غير ذلك‪.‬‬ ‫والدليل على أن هللا ال يرضى الشرك قوله تعالى‪* :‬ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ‬ ‫ﭿ&[الجن‪.]98:‬‬ ‫والدعاء ينقسم إلى قسمين‪:‬‬ ‫‪ -9‬دعاء عبادة‪ -2 .‬دعاء مسألة‪.‬‬ ‫دعاء العبادة‪ :‬أن تصلي وتصوم‪ ..‬إلخ‪ .‬لو سألت المصلي‪ :‬لماذا تصلي؟ لقال‪:‬‬ ‫لكي يغفر هللا لي‪ ،‬إذا ً‪ :‬هي دعاء هللا بالمغفرة‪ ،‬كأنك قلت‪ :‬اللهم اغفر لي‪ ،‬فهي دعاء‬ ‫عملي‪.‬‬ ‫ودعاء المسألة‪ :‬المصدر بياء النداء المقتضية للطلب‪ ،‬مثل‪ :‬يا هللا وفقني‪.‬‬ ‫وكالهما صرفه لغير هللا محرم‪ ،‬وهو شرك أكبر‪.‬‬ ‫المسألة الثالثة‪( :‬أن من أطاع هللا ووحده ال يجوز له مواالة من حاد هللا‬ ‫ورسوله)‪ .‬وعنوان هذه المسألة‪ :‬أن الموحد ال يوالي أعداء هللا‪.‬‬ ‫والمواالة‪ :‬بمعنى المحبة والنصرة والمتابعة والموافقة‪.‬‬ ‫ومعنى حاد‪ :‬أي جانب وخالف‪ ،‬فالمحاد‪ :‬هو المخالف هلل ورسوله‪ ،‬فاهلل‬ ‫ورسوله في جانب وهو في جانب آخر‪ ،‬وأصناف المحادين هم‪:‬‬ ‫‪ -9‬الكافر‪ -2 .‬المنافق نفاقا ً اعتقاديا ً‪ -3 .‬المرتد‪.‬‬ ‫أما المسلم العاصي فليس محادا ً هلل‪ ،‬وإنما معه أصل محبة هللا‪ ،‬وهو في جانب‬ ‫هللا ورسوله‪ ،‬ولم يخالف كليا ً‪ ،‬وإنما عنده شيء من المخالفة‪.‬‬ ‫وما حكم مواالة من حاد هللا ورسوله؟‬ ‫فيه تفصيل حسب أقسام المواالة‪ ،‬أحيانا ً تكون كفرا ً مخرجا ً من الدين‪ ،‬وأحيانا ً‬ ‫من كبائر الذنوب‪.‬‬ ‫والمواالة تنقسم إلى قسمين‪:‬‬ ‫القسم األول‪ :‬مواالة كبرى‪ ،‬وتسمى المواالة المطلقة والعظمى‪ ،‬وتسمى التولي‬ ‫والمظاهرة‪ ،‬وهذه مخرجة من الدين‪ ،‬وهي أربعة أنواع‪:‬‬


‫‪551‬‬

‫تهذيب شرح األصول الثالثة‬ ‫د‬ ‫الثالثةد‬ ‫األصول‬ ‫مالكشرح‬ ‫أبيتهذيب‬ ‫األشجعي عن أبيه‪،‬‬

‫‪ -9‬محبة الكفار لدينهم‪ ،‬ودليله‪ :‬ما رواه مسلم عن‬ ‫أن النبي ^ قال‪« :‬من قال‪ :‬ال إله إال هللا‪ ،‬وكفر بما يعبد من دون هللا‪ ،‬حرم ماله‬ ‫ودمه‪ ،‬وحسابه على هللا تعالى»‪ ،‬الشاهد‪« :‬وكفر بما يعبد من دون هللا»‪ ،‬فهو شرط‬ ‫أن يكفر بما يعبد من دون هللا حرم ماله ودمه‪.‬‬ ‫‪ -2‬أن ينصر ويساعد الكفار على المسلمين‪ ،‬كالذي يعين اليهود على المسلمين‬ ‫في فلسطين‪ ،‬أو يعين األمريكيين على المسلمين في أفغانستان‪ ،‬وأمثال ذلك‪ ،‬ويدل‬ ‫عليه قوله تعالى‪* :‬ﭑﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙﭚ&[المائدة‪ ]59:‬وهؤالء ساعدوهم بالمال والعتاد‬ ‫والدعم‪ ،‬والمساعدة‪ :‬اسم جامع شامل للمساعدة في الجاه والمال‪ ،‬وكونه جنديا ً معهم‬ ‫وغير ذلك‪.‬‬ ‫‪ -4/3‬مواالة الموافقة والمتابعة‪ :‬ومعناها أن يتابعهم على كفرهم‪ ،‬وأن يوافقهم‬ ‫على كفرهم‪،‬‬ ‫ومنها أيضا ً‪ :‬أن يمدح مذهبهم أو يصحح مذهبهم‪ ،‬كأن يحتاج إلى مساعدة‬ ‫الكفار‪ ،‬فيثني عليهم‪.‬‬ ‫القسم الثاني‪ :‬المواالة الصغرى‪ ،‬ال ألنها من الصغائر‪ ،‬لكن للتفريق بينها وبين‬ ‫الكبرى من باب التعريف؛ ألن كل شيء له أكبر فله أصغر؛ وال يفهم منه أنها ليست‬ ‫ذنبا ً‪.‬‬ ‫والمواالة الصغرى هي‪ :‬كل ما يؤدي إلى توقير الكفار واحترامهم وتعظيمهم‪،‬‬ ‫مع بغضهم ومعاداتهم وتكفيرهم وعدم توليهم‪..‬‬ ‫وحكمها‪ :‬أنها كبيرة من كبائر الذنوب‪ ،‬والدليل على ذلك إنكار عمر بن‬ ‫الخطاب ا على أبي موسى األشعري لما جعل له كاتبا ً نصرانيا ً‪ ،‬وتال عمر على أبي‬ ‫موسى‪* :‬ﭑﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙﭚ&[المائدة‪.]59:‬‬ ‫ويستثنى من األمور السابقة‪:‬‬ ‫أن تزورهم أو تهدي إليهم من أجل دعوتهم‪ ،‬والدليل‪ :‬ما جاء في الصحيح من‬ ‫حديث سعيد بن المسيب عن أبيه‪ ،‬أن رسول هللا ^ زار عمه أبا طالب‪ ،‬وزار عليه‬ ‫الصالة والسالم ابن اليهودي فأسلم‪ ،‬رواه أحمد‪.‬‬ ‫ويجوز في حال الضرورة إذا اضطر المسلمون إلى استقدام عمال كفار وليس‬ ‫هناك مسلم يقوم بهذا العمل‪ ،‬أما السالم فال يجوز أن تبدأهم ولو من أجل الدعوة‪،‬‬ ‫والدليل قوله عليه الصالة والسالم‪ « :‬ال تبدءوا اليهود والنصارى بالسالم»‪ ،‬ويجوز‬ ‫الرد‪ ،‬ومثله المصافحة‪.‬‬ ‫قال المصنف‪( :‬ولو كان أقرب قريب) وذكر الدليل‪ ،‬وهو قوله تعالى‪* :‬ﭑ ﭒ‬ ‫ﭓ&[المجادلة‪ ]22:‬اآلية‪.‬‬


‫املنهج املختصر يف الفقه والعقيدة والدعوة‬

‫‪555‬‬

‫فصل‬

‫قال المصنف ‪[ :/‬اعلم أرشدك هللا لطاعته‪ :‬أن الحنيفية ملة إبراهيم‪ ،‬أن تعبد هللا‬ ‫مخلصا ا له الدين‪ ،‬وبذلك أمر هللا جميع الناس وخلقهم لها‪ ،‬كما قال تعالى‪* :‬ﭳ ﭴ‬ ‫ﭵﭶﭷﭸﭹ&[الذاريات‪ ،]56:‬ومعنى يعبدون‪ :‬يوحدون‪.‬‬ ‫وأعظم ما أمر هللا به التوحيد‪ ،‬وهو‪ :‬إفراد هللا بالعبادة‪ ،‬وأعظم ما نهى عنه‬ ‫الشرك وهو‪ :‬دعوة غيره معه؛ والدليل قوله تعالى‪* :‬ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ&[النساء‪.]]36:‬‬ ‫الشرح‪:‬‬ ‫لماذا ذكر المصنف ملة إبراهيم‪ ،‬واألنبياء كلهم يعبدون هللا على ملة واحدة؟‬ ‫سبب اختصاص إبراهيم عليه الصالة والسالم بنسبة الملة إليه؛ ألن الرسول‬ ‫محمدا ً ^ جاء إلى طوائف كلها تدعى أنها على ملة إبراهيم‪ ،‬فقريش تقول‪ :‬نحن على‬ ‫ملة إبراهيم ونحن أولى به‪ ،‬واليهود والنصارى كلهم يدعون أنهم على ملة إبراهيم‪،‬‬ ‫فجاء البيان لتحديد ما هي ملة إبراهيم‪ ،‬ومن أولى الناس به‪ ،‬وهو من كان على‬ ‫التوحيد وعدم الشرك‪.‬‬ ‫قال المصنف‪( :‬اعلم أرشدك هللا لطاعته‪ ،‬أن الحنيفية ملة إبراهيم)‪.‬‬ ‫قال ابن األثير في النهاية‪( :‬الحنيف المائل‪ ،‬وأصله مأخوذ من الحنف‪ ،‬وهو‬ ‫الميل‪ ،‬ومنه رجل أحنف‪ ،‬أي‪ :‬مائل قدمه) اهـ‪ ،‬فالحنيف‪ :‬هو المائل إلى التوحيد مع‬ ‫الثبات عليه‪.‬‬ ‫والملة‪ :‬مأخوذة من الملل‪ ،‬وهو التكرار والمعاودة‪ ،‬فيقال‪ :‬طريق مليل إذا تكرر‬ ‫سلوكه‪ ،‬ومنه‪ :‬الملل‪ ،‬وهو تكرار الشيء على النفس‪ ،‬هذا لغة‪ .‬واصطالحا ً‪ :‬ما تكرر‬ ‫فعله مما شرعه هللا على لسان رسوله من العقائد واألحكام‪ ،‬وهنا ما تكرر من إبراهيم‬ ‫من إظهار التوحيد والكفر‪ ،‬بالطاغوت وأهله‪.‬‬ ‫قوله‪( :‬ملة إبراهيم) إضافة بتقدير الالم‪ ،‬أي‪ :‬ملة إلبراهيم‪ ،‬والالم تفيد‬ ‫االختصاص‪ ،‬وإبراهيم عليه الصالة والسالم هو رسول من أولي العزم من الرسل‪،‬‬ ‫وهو خليل هللا عليه الصالة والسالم‪.‬‬ ‫ً‬ ‫ثم قال المصنف‪( :‬أن تعبد هللا مخلصا له الدين)‪.‬‬ ‫ملة إبراهيم ×‪ :‬هي عبادة هللا مع اإلخالص‪ ،‬ومعنى أن تعبد هللا‪ :‬أي تذل‬ ‫وتخضع هلل بالطاعة‪.‬‬ ‫(أن تعبد هللا مخلصا ً له الدين) أي‪ :‬بدون شرك‪ ،‬فمن لم يعبد هللا فليس على ملة‬ ‫إبراهيم‪ ،‬ومن عبده وأتى بشرك فليس على ملة إبراهيم‪.‬‬


‫‪551‬‬

‫تهذيب شرح األصول الثالثة‬ ‫د‬ ‫الثالثةد‬ ‫األصول‬ ‫تهذيب شرح‬ ‫إبراهيم ملة الشيطان‪،‬‬ ‫ملة‬

‫والدين يطلق على االعتقاد وال عمل والقول‪ ،‬وضد‬ ‫وهي مبنية على شيئين‪:‬‬ ‫عدم عبادة هللا‪ :‬وهو ما يسمى بالكفر والشرك‪ ،‬ويقابلها في ملة إبراهيم عبادة‬ ‫هللا‪.‬‬ ‫عبادة غيره معه‪ ،‬وهو عدم اإلخالص‪ ،‬ويقابله في ملة إبراهيم مخلصا ً له الدين‪.‬‬


‫املنهج املختصر يف الفقه والعقيدة والدعوة‬

‫‪553‬‬

‫فصل‬ ‫قال المصنف ‪[ :/‬وبذلك أمر هللا جميع الناس وخلقهم لها‪ ،‬كما قال تعالى‪* :‬ﭳ‬

‫ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ&[الذاريات‪ ]56:‬ومعنى يعبدون‪ :‬يوحدون‪ ،‬وأعظم ما أمر‬ ‫هللا به التوحيد‪ ،‬وهو إفراد هللا بالعبادة‪ ،‬وأعظم ما نهى عنه الشرك‪ ،‬وهو‪ :‬دعوة غيره‬ ‫معه؛ والدليل قوله تعالى‪* :‬ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ&[النساء‪.]]36:‬‬ ‫الشرح‪:‬‬ ‫أمر هللا بالحنيفية جميع الناس مسلمهم وكافرهم‪ ،‬وخلقهم لها‪ ،‬فعلّة الخلق عبادة‬ ‫هللا مع اإلخالص‪ ،‬والدليل على ذلك قوله تعالى‪* :‬ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ‬ ‫ﭹ&[الذاريات‪ ]56:‬قال‪( :‬ومعنى يعبدون‪ :‬يوحدون)‪ .‬وهذا مروي عن ابن عباس‪ ،‬وهذا‬ ‫تفسير للشيء ببعض أفراده‪ ،‬وإالّ فالعبادة أعم‪ ،‬وهو‪ :‬الذل والخضوع هلل بالتوحيد‬ ‫وبغير التوحيد‪ ،‬كالصالة ونحو ذلك‪.‬‬ ‫قال المصنف‪( :‬أعظم ما أمر هللا به التوحيد) المراد توحيد األلوهية؛ ألنه فسره‬ ‫بقوله‪( :‬وهو إفراد هللا بالعبادة) وكلمة (إفراد) كلمة مهمة‪ ،‬وهي تتضمن إثبات العبادة‬ ‫هلل ونفيها عما سواه‪.‬‬ ‫ثم ذكر أعظم ما نهى هللا عنه وهو الشرك‪ ،‬وهذا يدل على عظم هذه المسألة‪،‬‬ ‫فال يجوز جهلها‪.‬‬ ‫عرف‬ ‫ثم ذكر المصنف الشرك والمراد به الشرك األكبر في األلوهية؛ ألنه ّ‬ ‫الشرك األكبر فخرج به األصغر‪ ،‬فالشرك األصغر عظيم‪ ،‬لكن الشرك األكبر أعظم‬ ‫منه‪.‬‬ ‫قال المصنف‪( :‬وهو دعوة غيره معه) هذا يشمل دعاء العبادة ودعاء المسألة‪،‬‬ ‫وإذا قارنّا بين التعريفين حيث قال‪( :‬التوحيد‪ :‬إفراد هللا بالعبادة‪ ،‬والشرك دعوة غيره‬ ‫معه) د ّل على أنه يريد بدعوة غيره‪ ،‬أي‪ :‬عبادة غيره معه‪.‬‬ ‫ثم ذكر المصنف الدليل على المسألتين‪ ،‬وهو أن أعظم ما أمر هللا به التوحيد‪،‬‬ ‫وأعظم ما نهى هللا عنه الشرك‪ ،‬وهو قوله تعالى‪* :‬ﮖ ﮗ&[النساء‪ ]36:‬أمر هللا بالتوحيد‬ ‫وهو أول أمر وأعظم أمر‪* .‬ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ&[النساء‪ ]36:‬ال‪ :‬ناهية‪ ،‬فأعظم ما نهى هللا عنه‬ ‫الشرك‪.‬‬


‫تهذيب شرح األصول الثالثة‬

‫‪554‬‬

‫فصل‬

‫د‬ ‫تهذيب شرح األصول الثالثةد‬

‫قال المصنف ‪[ :/‬فإذا قيل لك‪ :‬ما األصول الثالثة التي يجب على اإلنسان‬ ‫معرفتها؟ فقل‪ :‬معرفة العبد ربه‪ ،‬ودينه‪ ،‬ونبيه محمدا ا ^]‪.‬‬ ‫الشرح‪:‬‬ ‫انتهى المصنف من المقدمة وبدأ بصلب الموضوع‪ ،‬وهو الحديث عن األصول‬ ‫الثالثة‪ ،‬وهي التي ألف المصنف الكتاب من أجل توضيحها‪.‬‬ ‫وهذه األصول الثالثة هي التي يُسأل عنها اإلنسان في قبره‪.‬‬ ‫س ّمي هذا الكتاب بذلك؛ ألن‬ ‫واألصول‪ :‬جمع أصل‪ ،‬وهو ما يبنى عليه غيره‪ ،‬و ُ‬ ‫هذه األصول هي التي يُبنى عليها الدين‪.‬‬ ‫قال المصنف‪( :‬التي يجب على اإلنسان معرفتها) بين حكم معرفتها أنه واجب‪،‬‬ ‫والمقصود بالوجوب هنا ليس الواجب االصطالحي‪ ،‬بل األمر الحتم الذي هو فرض‬ ‫عين متحتم‪.‬‬


‫املنهج املختصر يف الفقه والعقيدة والدعوة‬

‫‪555‬‬

‫فصل‬

‫قال المصنف ‪[ :/‬فإذا قيل لك‪ :‬من ربك‪ :‬فقل ربي هللا الذي رباني‪ ،‬ورب جميع‬ ‫العالمين بنعمه‪ ،‬وهو معبودي‪ ،‬ليس لي معبود سواه‪ ،‬والدليل قوله تعالى‪ * :‬ﭖ ﭗ ﭘ‬ ‫ﭙ&[الفاتحة‪ ،]1:‬وكل ما سوى هللا عالم‪ .‬وأن واحد من ذلك العالم‪.‬‬ ‫وإذا قيل لك‪ :‬بم عرفت ربك؟ فقل‪ :‬أعرفه بآياته ومخلوقاته؛ ومن آياته‪ :‬الليل‬ ‫والنهار‪ ،‬والشمس والقمر‪ ،‬ومن مخلوقاته‪ :‬السموات السبع ومن فيهن‪ ،‬واألرضون‬ ‫السبع ومن فيهن‪ ،‬وما بينهما؛ والدليل قوله تعالى‪* :‬ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ‬ ‫ﯨ ﯨ ﯪ ﯫ&[فصلت‪ ]37:‬وقوله تعالى‪* :‬ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ‬ ‫ﮜﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡﭨ ﭩ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ&[األعراف‪.]54:‬‬ ‫والرب‪ ،‬هو‪ :‬المعبود‪ ،‬والدليل قوله تعال ى‪* :‬ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﭨ ﭩ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ&[البقرة‪]15:‬‬ ‫إلى قوله تعالى‪* :‬ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ&[البقرة‪.]11:‬‬ ‫قال ابن كثير ‪ :/‬الخالق لهذه األشياء‪ ،‬هو المستحق للعبادة‪.].‬‬ ‫الشرح‪:‬‬ ‫قال المصنف‪( :‬فإذا قيل لك‪ :‬من ربك‪ :‬فقل ربي هللا الذي رباني‪ ،‬ورب جميع‬ ‫(‪)1‬‬

‫العالمين بنعمه‪ ،‬وهو معبودي‪ ،‬ليس لي معبود سواه) قال ابن األثير ‪( :‬الرب في‬ ‫اللغة يطلق على الحفظ والرعاية‪ ،‬وعلى الخالق المربي‪ ،‬والرب يطلق على المالك‬ ‫والسيد والمدبر والق ِيّم والمنعم)اهـ‪.‬‬ ‫وقول المصنف‪( :‬وهو معبودي) أي‪ :‬من أذل وأخضع له بالطاعات‪.‬‬ ‫قال المصنف‪( :‬ليس لي معبود سواه) ليس‪ :‬نفي‪ ،‬وسواه‪ :‬إثبات‪ ،‬فجمع بين‬ ‫النفي اإلثبات‪.‬‬ ‫قال‪( :‬والدليل قوله تعالى‪ * :‬ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ&[الفاتحة‪ ]2:‬وكل ما سوى هللا عالم‪ ،‬وأنا‬ ‫واحد من ذلك العالم)‪ .‬فالوجود قسمان‪ :‬رب ومربوب‪ ،‬فالرب‪ :‬هو الخالق المعبود‪،‬‬ ‫والمربوب‪ :‬هو كل ما سوى هللا‪.‬‬ ‫قال المصنف‪( :‬فإذا قيل لك‪ :‬بم عرفت ربك؟) طرح هنا سؤال وجواب حتى‬ ‫تعرف ربك باألدلة‪ ،‬ويكون إيمانك مبنيا ً على االستدالل‪ ،‬ومعنى السؤال‪ :‬ما هي‬ ‫الوسائل التي عرفت بها هللا؟‬ ‫(فقل‪ :‬عرفته بآياته ومخلوقاته) األدلة في معرفة الرب‪ ،‬وأنه الخالق المعبود‬ ‫ثالثة‪:‬‬ ‫(‪ )1‬في غريب الحديث (‪.)971/2‬‬


‫‪556‬‬

‫تهذيب شرح األصول الثالثة‬ ‫د‬ ‫تهذيب شرح األصول الثالثةد‬

‫‪ -9‬دليل فطري‪ -2 .‬دليل عقلي‪ -3 .‬دليل نقلي‪.‬‬ ‫واختار المصنف الدليل العقلي الذي دل على معرفة الرب‪ ،‬فقال‪( :‬بآياته‬ ‫ومخلوقاته)‪ ،‬وليس هو دليل عقلي صرف‪ ،‬بل عضده بآيات من القرآن‪ ،‬فمعرفته من‬ ‫الجهة العقلية بآياته ومخلوقاته‪ ،‬وهو ما يسمى بدليل األثر‪ ،‬أو دليل حدوث العالم‪.‬‬ ‫وخالصة هذا الدليل‪ :‬أنه ال بد لكل محدث من محدِث‪ ،‬وال بد لهذا الوجود من‬ ‫موجد سابق عليه‪ ،‬فهذه اآليات والمخلوقات حادثة‪ ،‬وال يمكن أن تكون جاءت من‬ ‫نفسها أو صدفة‪ ،‬بل ال بد لها من محدث وهو هللا تعالى‪ ،‬وليس المقصود فقط إثبات‬ ‫وجود هللا وأنه الخالق‪ ،‬فهذه ربوبية يُقر بها حتى الكفار‪ ،‬لكن المراد الربوبية‬ ‫واأللوهية‪ ،‬ثم عظم هذه اآليات يدل على عظم خالقها‪ ،‬وحسن هذه اآليات وإتقانها يدل‬ ‫على علم وحكمة من خلقها‪.‬‬ ‫هذا الدليل العقلي بسَّطه المؤلف بهذا التبسيط‪ ،‬وهو دليل محكم؛ ولذا قال‬ ‫األعرابي‪( :‬األثر يدل على المسير‪ ،‬والبعرة تدل على البعير)‪.‬‬ ‫الدليل الثاني الفطري‪ :‬وهو ما يجده كل مخلوق في نفسه من االعتراف باهلل‪،‬‬ ‫وبأنه الخالق المعبود‪ ،‬وهو مركوز في كل الفطر‪ ،‬قال تعالى‪* :‬ﯔ ﯕ ﯖ ﯗﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ‬ ‫ﯞﯟ&[الروم‪ ،]31:‬وفي الحديث‪ « :‬كل مولود يولد على الفطرة» متفق عليه‪ ،‬أي‪ :‬يعرف‬ ‫أنه خالق واحد معبود‪.‬‬ ‫الدليل الثالث النقلي‪ :‬وهذه أدلة كثيرة في القرآن والسنة تدل على أن هللا الخالق‬ ‫المعبود‪.‬‬ ‫قال المصنف‪( :‬بآياته ومخلوقاته) فرق المصنف بين اآليات والمخلوقات‪،‬‬ ‫فعطف المخلوقات على اآليات‪ ،‬والقاعدة‪ :‬أن العطف يقتضي المغايرة‪ ،‬فاآليات غير‬ ‫سميت السماوات‬ ‫المخلوقات‪ ،‬والمصنف اتبع النصوص في التسمية‪ ،‬ففي اآلية الثانية ُ‬ ‫وما عطف عليها مخلوقات‪ ،‬فتقيد المصنف بألفاظ القرآن‪ ،‬وإالّ فالمخلوقات التي ذكر‬ ‫المصنف هي آيات؛ لذا جمعها هللا في قوله‪* :‬ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ&[آل‬ ‫عمران‪.]911:‬‬ ‫واآليات التي ذكر المصنف أربع‪ :‬الليل والنهار‪ ،‬والشمس والقمر‪ ،‬والمخلوقات‬ ‫التي ذكر المصنف هي السماوات السبع‪ ،‬واألرضون السبع‪ ،‬وما فيهن وما بينهما‪.‬‬ ‫ثم ذكر دليلين‪ :‬الدليل األول‪* :‬ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ&[فصلت‪ ]37:‬اآلية‪ ،‬استدل بهذه اآليات على‬ ‫عرف هللا بها‪.‬‬ ‫أن هللا مستحق للعبادة‪ ،‬وأيضا ً َّ‬ ‫الدليل الثاني‪* :‬ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ&[األعراف‪ ]54:‬اآلية‪ ،‬استدل بهذه اآليات على أنه مستحق‬ ‫للعبادة‪.‬‬ ‫قال المصنف‪( :‬والرب هو المعبود) من معاني الرب أنه المعبود‪.‬‬


‫املنهج املختصر يف الفقه والعقيدة والدعوة‬

‫‪557‬‬

‫قال‪( :‬والدليل قوله تعالى‪* :‬ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ&[البقرة‪ ]29:‬إلى أن قال‪* :‬ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ&[البقرة‪)]22:‬‬ ‫أي‪ :‬اعبدوه وحده ال شريك له‪.‬‬


‫تهذيب شرح األصول الثالثة‬

‫‪558‬‬

‫فصل‬

‫د‬ ‫تهذيب شرح األصول الثالثةد‬

‫قال المصنف ‪[ :/‬قال ابن كثير‪ :‬الخالق لهذه األشياء هو المستحق للعبادة]‪.‬‬ ‫لما ذكر المصنف قول ابن كثير‪( :‬الخالق لهذه األشياء هو المستحق للعبادة)‬ ‫ذكر أنواع العبادات التي هو مستحق لها‪ ،‬فقال‪[ :‬وأنواع العبادة التي أمر هللا بها‪،‬‬ ‫مثل‪ :‬اإلسالم‪ ،‬واإليمان اإلحسان‪ ،‬ومنه الدعاء‪ ،‬والخوف‪ ،‬والرجاء‪ ،‬والتوكل‪،‬‬ ‫والرغبة‪ ،‬والرهبة‪ ،‬والخشوع‪ ،‬والخشية‪ ،‬واإلنابة‪ ،‬واالستعانة‪ ،‬واالستعاذة‪،‬‬ ‫واالستغاثة‪ ،‬والذبح‪ ،‬والنذر‪ ،‬وغير ذلك من أنواع العبادة التي أمر هللا بها‪ ،‬والدليل‬ ‫قوله تعالى‪* :‬ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ&[الجن‪.]58:‬‬ ‫فمن صرف من ذلك شيئا ا لغير هللا‪ ،‬فهو مشرك كافر؛ والدليل قوله تعالى‪* :‬ﯥ ﯦ‬ ‫ﯧ ﯨ ﯨ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ ﯱ ﯲﯳ ﯴ ﯵ ﯶ ﯷ ﯸ&[المؤمنون‪.]557:‬‬ ‫وفي الحديث‪« :‬الدعاء مخ العبادة» والدليل قوله تعالى‪* :‬ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ‬ ‫ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ&[غافر‪ ،]61:‬ودليل الخوف قوله تعالى‪* :‬ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ‬ ‫ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ&[آل عمران‪ ،]575:‬ودليل الرجاء قوله تعالى‪* :‬ﰐ ﰑ ﰒ ﰓ ﰔﰕ‬ ‫ﰖﰗ ﰘﰙ ﰚ ﰛ ﰜﰝ&[الكهف‪ ،]551:‬ودليل التوكل قوله تعالى‪* :‬ﯽ ﯾ ﯿ ﰊ ﰊ ﰊ‬

‫ﰊ&[المائدة‪ ،]13:‬وقوله تعالى‪* :‬ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮪﮭ&[الطالق‪ ]3:‬ودليل الرغبة والرهبة والخشوع‪،‬‬ ‫قوله تعالى‪* :‬ﯦ ﯧ ﯨ ﯨ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭﯮ ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ&[األنبياء‪ ،]91:‬ودليل الخشية قوله تعالى‪* :‬ﮭ ﮮ‬ ‫ﮯ&[البقرة‪ ،]551:‬ودليل اإلنابة قوله تعالى‪* :‬ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ&[الزمر‪ ،]54:‬ودليل االستعانة قوله‬ ‫تعالى‪* :‬ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ&[الفاتحة‪ ]5:‬وفي الحديث‪« :‬إذا استعنت فاستعن باهلل»‪ ،‬ودليل‬ ‫االستعاذة قوله تعالى‪* :‬ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ&[الفلق‪* ،]5:‬ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ&[الناس‪ ،]5:‬ودليل االستغاثة قوله‬ ‫تعالى‪* :‬ﭑﭒﭓﭔﭕ&[األنفال‪.]9:‬‬ ‫ودليل الذبح قوله تعالى‪* :‬ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟﯠ&[األنعام‪ ]563-561:‬ومن‬ ‫السنة قوله ^‪« :‬لعن هللا من ذبح لغير هللا»‪ ،‬ودليل النذر قوله تعالى‪* :‬ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ‬ ‫ﭠ&[اإلنسان‪.]]7:‬‬ ‫الشرح‪:‬‬ ‫ذكر المصنف هنا أربعة عشر نوعا ً من أنواع العبادة‪ ،‬ولم يقصد االستيعاب‪،‬‬ ‫وإالّ كانت أكثر من ذلك‪ ،‬وهذه األنواع هي التي يُتذلل ويخضع بها هلل‪.‬‬ ‫والعبادات مأمور بها‪ ،‬ولكن أحيانا ً أمر إيجاب‪ ،‬وأحيانا ً أمر استحباب‪.‬‬ ‫وقول المصنف‪( :‬ومنه الدعاء) أي‪ :‬ومن األنواع‪.‬‬


‫املنهج املختصر يف الفقه والعقيدة والدعوة‬

‫‪559‬‬

‫ثم سرد المصنف أنواع العبادة ثم قال‪( :‬وغير ذلك من أنواع العبادة) ألنه لم‬ ‫يرد االستيعاب‪ ،‬وإالّ فهناك غيرها‪ ،‬كالصبر وصلة الرحم‪ ..‬إلخ‪.‬‬ ‫ثم ذكر المصنف الدليل على أنه يجب صرفها هلل تعالى‪* :‬ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ‬ ‫ﭿ&[الجن‪ ،]98:‬ومعنى المساجد‪ ،‬أي‪ :‬السجود يكون هلل‪ ،‬ويقاس عليه بقية العبادات بجامع‬ ‫أنها كلها عبادة‪.‬‬ ‫ثم ذكر المصنف حكم من صرف شيئا ً من العبادات لغير هللا فقال‪( :‬فمن صرف‬ ‫منها شيئا ً لغير هللا فهو مشرك كافر)‪.‬‬ ‫يقصد المصنف هنا من قامت عليه الحجة‪ ،‬فهو مشرك كافر‪ ،‬أما من فعل‬ ‫الشرك وهو حديث عهد بكفر‪ ،‬أو عاش ونشأ في بادية بعيدة‪ ،‬أو عاش ونشأ في بالد‬ ‫الكفر‪ ،‬فهو مشرك خارج عن الملة‪ ،‬لكن ال يكفر كفر تعذيب وعقوبة‪ ،‬حتى تقام عليه‬ ‫الحجة‪ ،‬وهذا هو قول المصنف في كثير من كتبه‪ ،‬وهو قول طالبه وأحفاده‪ ،‬وهو‬ ‫قول ابن تيمية وابن القيم‪ ،‬بل وقول كل من نحفظ عنه من أهل العلم‪ ،‬ونقل اإلجماع‬ ‫عليه أئمة الدعوة‪.‬‬ ‫ثم ذكر المصنف التفصيل في أنواع العبادة‪ ،‬فذكر‪:‬‬ ‫العبادة األولى‪ :‬الدعاء‪ ،‬فمن صرف الدعاء هلل فهو موحد‪ ،‬ومن صرفه لغير هللا‬ ‫فهل يشرك أم أنه غير مشرك؟ فيه تفصيل‪:‬‬ ‫إن دعا المخلوق فيما ال يقدر عليه إال هللا‪ ،‬فهذا مشرك كافر‪ ،‬مثال‪ :‬لو دعا‬ ‫الميت أن يتوسط له يرزقه هللا ولدا ً‪ ،‬أو أن يعافيه من المرض‪ ،‬أو يدفع عنه الشرور‪،‬‬ ‫أو سأله التوسط في طلب الجنة أو المغفرة‪ ،‬فهذا شرك أكبر‪.‬‬ ‫ولو سألت المخلوق ما يقدر عليه‪ ،‬كما لو طلبت منه قرضا ً‪ ،‬فهو جائز؛ ألنه‬ ‫يقدر عليه‪ .‬ومخاطبة األموات مثل وا معتصماه‪ ...‬أو يا رسول هللا لو خرجت على‬ ‫أمتك فرأيت ما فيها من التمزق‪ ..‬أو قم يا صالح الدين ونحو ذلك‪ ..‬فإن كان عن‬ ‫اعتقاد أنهم ينفعون أو يضرون فهذا شرك أكبر‪ ،‬وإن كانت من باب الشعار في‬ ‫الحرب فال بأس‪ ،‬كما نقله أبا بطين في كتابه التقديس عن بعض الصحابة‪ ،‬وإن كان‬ ‫مجرد تعبير واستنهاض للهمم فيُبتعد عنه‪ ،‬لما فيه من التشبه بألفاظ المشركين‪ ،‬ولما‬ ‫فيه من اللبس‪.‬‬ ‫وكذلك مخاطبة الموتى من باب العظة والعبرة جائز‪ ،‬وقد كان السلف يفعلونه‬ ‫من باب وعظ أنفسهم‪.‬‬ ‫وقول بعض العوام‪ :‬خذوه يا ّ‬ ‫جن‪ ،‬إن كان عن اعتقاد فهذا شرك‪ ،‬وإن كان‬ ‫مجرد تخويف فهذا ال يجوز‪ ،‬ألمرين‪:‬‬ ‫‪ -9‬التشبه بألفاظ المشركين‪.‬‬ ‫‪ -2‬ترويع للمسلم‪.‬‬


‫تهذيب شرح األصول الثالثة‬

‫‪561‬‬

‫د‬ ‫التالي‪:‬األصول الثالثةد‬ ‫تهذيب شرح‬ ‫الترتيب‬

‫وقد ذكر المصنف أفراد العبادات مع دليلها‪ ،‬على‬ ‫‪ -9‬الدعاء وفي الحديث‪« :‬الدعاء مخ العبادة» والدليل قوله تعالى‪* :‬ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ‬ ‫ﭡﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ&[غافر‪.]61:‬‬ ‫‪ -2‬الخوف‪ ،‬ودليل الخوف قوله تعالى‪* :‬ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ‬ ‫ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ&[آل عمران‪.]975:‬‬ ‫‪ -3‬الرجاء‪ ،‬ودليل الرجاء قوله تعالى‪* :‬ﰐ ﰑ ﰒ ﰓ ﰔ ﰕ ﰖ ﰗ ﰘ ﰙ‬

‫ﰚ ﰛ ﰜ ﰝ&[الكهف‪.]991:‬‬ ‫‪ -4‬التوكل‪ ،‬ودليل التوكل قوله تعالى‪* :‬ﯽ ﯾ ﯿ ﰕ ﰕ ﰕ ﰕ&[المائدة‪ ]23:‬وقوله‬ ‫تعالى‪* :‬ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮪﮭ&[الطالق‪.]3:‬‬ ‫‪ -5‬الرغبة‪ -6 ،‬الرهبة‪ -7 ،‬الخشوع‪ ،‬ودليل الرغبة والرهبة والخشوع‪ ،‬قوله‬ ‫تعالى‪* :‬ﯦ ﯧ ﯨ ﯨ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭﯮ ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ&[األنبياء‪.]11:‬‬ ‫‪ -8‬الخشية‪ ،‬ودليل الخشية قوله تعالى‪* :‬ﮭ ﮮ ﮯ&[البقرة‪.]951:‬‬ ‫‪ -1‬اإلنابة‪ ،‬ودليل اإلنابة قوله تعالى‪* :‬ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ&[الزمر‪.]54:‬‬ ‫‪ -91‬االستعانة‪ ،‬ودليل االستعانة قوله تعالى‪* :‬ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ&[الفاتحة‪ ،]5:‬وفي‬ ‫الحديث‪« :‬إذا استعنت فاستعن باهلل»‪.‬‬ ‫‪ -99‬االستعاذة‪ ،‬ودليل االستعاذة قوله تعالى‪* :‬ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ&[الفلق‪*،]9:‬ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ‬ ‫ﮄ&[الناس‪.]9:‬‬ ‫‪ -92‬االستغاثة‪ ،‬ودليل االستغاثة قوله تعالى‪* :‬ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ‬ ‫ﭕ&[األنفال‪.]1:‬‬ ‫‪ -93‬الذبح‪ ،‬ودليل الذبح قوله تعالى‪* :‬ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟﯠ&[األنعام‪-962:‬‬ ‫‪ ، ]963‬ومن السنة قوله ^‪« :‬لعن هللا من ذبح لغير هللا»‪.‬‬ ‫‪ -94‬النذر‪ ،‬ودليل النذر قوله تعالى‪* :‬ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ&[اإلنسان‪.]7:‬‬ ‫العبادة الثانية‪ :‬الخوف‪ ،‬ومتى يكون الخوف شركا ً؟‬ ‫أن تخاف من المخلوق ما ال يقدر عليه المخلوق‪ ،‬هذا شرك أكبر‪ ،‬مثاله‪ :‬أن‬ ‫تخاف من إنسان أو جن أن يقطعوا نسلك‪ ،‬وهذا ال يقدر عليه إال هللا‪ ،‬أو تخاف أن‬ ‫يصيبك بأمراض‪ ،‬أو تخاف أن يصيبك بالفقر أو العاهات الخلقية‪ ،‬هذا كله شرك‬ ‫أكبر؛ ألنها أشياء ال يقدر عليها إال هللا‪.‬‬


‫املنهج املختصر يف الفقه والعقيدة والدعوة‬

‫‪565‬‬

‫وكذا أن تخاف من مخلوق‪ ،‬فيؤدي خوفك منه إلى أن تعمل له عبادة‪ ،‬كأن تذبح‬ ‫له‪ ،‬وكالخوف من شر الجن‪ ،‬كمن يذبح لهم إذا سكن بيتا ً وخاف أن يؤذوه‪ ،‬وحكمه‬ ‫شرك أكبر‪.‬‬ ‫واإلكراه غير الخوف‪ ،‬فمن أكره على تمزيق المصحف وإال قتل‪ ،‬فال يكفر‪.‬‬ ‫والشرك األصغر‪ :‬أن يؤدي خوفك من شخص إلى ترك واجب‪ ،‬أو فعل محرم‪،‬‬ ‫كمن حلق لحيته خوفا ً من انتقاد الناس‪ ،‬أو خاف السخرية منهم فترك األمر بالمعروف‬ ‫والنهي عن المنكر‪ ،‬أو ترك صالة الجماعة خوفا ً على المنصب‪ ،‬أو جلس عند أناس‬ ‫يسمعون األغاني فترك اإلنكار صيانة لعرضه حتى ال يتكلموا فيه فجاراهم فيه‪ ،‬أو‬ ‫قال‪ :‬استحيت! فهذا شرك أصغر‪ ،‬لما روى اإلمام أحمد مرفوعا ً‪« :‬إن هللا يقول للعبد‬ ‫يوم القيامة‪ :‬ما منعك إذا رأيت المنكر ال تغيره‪ ،‬فيقول‪ :‬ربي‪ ،‬خشية الناس‪ ،‬فيقول‬ ‫هللا‪ :‬إياي كنت أحق أن تخشى»‪.‬‬ ‫ومن العلماء من قال‪ :‬إنه محرم فقط وليس من باب الشرك‪ ،‬ألنه فعل محرم‪.‬‬ ‫أما ما يسمى بالخوف الطبيعي فهذا جائز‪ ،‬وال شيء فيه‪ ،‬كما لو خفت اللص‪،‬‬ ‫أو من حيوان مفترس‪ ،‬قال تعالى‪* :‬ﰕ ﰕ ﰕ ﰕﰕ&[القصص‪ ،]29:‬فهذا جائز بشرط أن‬ ‫ال يؤدي إلى فعل محرم‪ ،‬أو ترك الواجب‪.‬‬ ‫وهل كل أذية يخاف منها فيعمل من أجلها المحرم ويترك الواجب؟‬ ‫الجواب أنها مراتب‪:‬‬ ‫المرتبة األولى‪ :‬أذية شديدة غير محتملة‪ ،‬فهذا يجوز أن يترك من أجلها الواجب‬ ‫ويفعل المحرم‪ ،‬وهي ما تسمى باإلكراه‪ ،‬كما لو ضرب ضربا ً ال يتحمله بشرط أال‬ ‫يكون متعديا ً‪ ،‬فإن قيل‪ :‬اقتل فالنا ً‪ ،‬أو ازن بهذه المرأة‪ ،‬فال يجوز له ذلك ولو كان‬ ‫مكرها ً‪ ،‬قال تعالى‪* :‬ﯸ ﯹ ﯺ ﯻ ﯼﯽ&[األنعام‪ ،]964:‬وصح عن النبي ^ أنه قال‪ « :‬ال ضرر‬ ‫وال ضرار» رواه ابن ماجه‪.‬‬ ‫أما لو كان في حق ذاته كحلق لحيته فيجوز‪.‬‬ ‫المرتبة الثانية‪ :‬أذية فيها مشقة لكنها محتملة‪ ،‬كالضرب الذي يستطيع أن‬ ‫يتحمله‪ ،‬والسجن أياما ً معدودة‪ ،‬فهذه ال يجوز أن يخاف منها فيفعل من أجلها المحرم‪،‬‬ ‫أو يترك الواجب‪.‬‬ ‫المرتبة الثالثة‪ :‬أذية قليلة محتملة‪ ،‬كالسب والشتم والتعيير والسخرية‪ ،‬فهذه ال‬ ‫يجوز أن يخافها‪ ،‬فيفعل المحرم ويترك الواجب‪.‬‬ ‫المرتبة الرابعة‪ :‬ما يسمى بالوهن والجبن‪ ،‬كأن نخاف من كل شيء‪ ،‬وبعض‬ ‫هذه األشياء ال حقيقة لها‪ ،‬فهذه ال تجوز؛ ألنها مجرد تصورات ذهنية‪.‬‬ ‫وهل الخوف من الفصل من الوظيفة عذر في ترك الواجب أو فعل المحرم؟‬


‫‪561‬‬

‫تهذيب شرح األصول الثالثة‬ ‫د‬ ‫الثالثةد‬ ‫األصول‬ ‫شرحبعذر إن كان هذا‬ ‫تهذيبليس‬ ‫فهذا‬

‫أما إن كان يجد كسبا ً غيره كالتجارة وعمل اليد‪،‬‬ ‫الواجب واجبا ً فعليا ً‪ ،‬وإن كان ال يجد فهو عذر؛ ألنه دخل حد الضرورة وأدلتها‬ ‫معروفة‪.‬‬ ‫والخوف من الشيطان والجن كالخوف من اإلنس‪ ،‬فإن خفت منهم ماال يقدرون‬ ‫عليه فهو شرك أكبر‪ ،‬وإن خفتهم ما يقدرون عليه فهو كالخوف من اإلنس‪.‬‬ ‫وأما ما يسمى بالخوف من المواقف‪ ،‬مثل‪ :‬ما ينتاب اإلنسان من الرجفان والقلق‬ ‫لو قام يتكلم بين الناس‪ ،‬فهذا من الخوف الطبيعي‪ ،‬وال شيء فيه‪ ،‬إال إن تض َّمن ترك‬ ‫واجب أو فعل محرم‪.‬‬ ‫العبادة الثالثة‪ :‬الرجاء‪ :‬وهو وصف قائم في القلب يؤدي إلى التوقع واألمل‬ ‫والطمع‪.‬‬ ‫ومتى يكون الرجاء توحيدا ً؟‬ ‫إذا تعلق أمله باهلل فهذا توحيد‪.‬‬ ‫ومتى يكون الرجاء من الشرك؟‬ ‫فيه أحوال‪:‬‬ ‫ أن يتوقع ويطمع من مخلوق ما ال يقدر عليه إال هللا‪ ،‬مثل‪ :‬التوقع من‬‫المخلوق النصر‪ ،‬أو التوقع منه الولد‪ ،‬أو الشفاء والسالمة‪.‬‬ ‫ أن يتوقع الخير من األموات والجمادات والغائبين بغير الوسائل الحسية‪ ،‬ولو‬‫كانوا يقدرون عليه لو كانوا أحياء‪ ،‬وهذا شرك أكبر‪.‬‬ ‫ أن ترجو وتتوقع من المخلوق ما يقدر عليه مع االعتماد عليه‪ ،‬مثل‪ :‬أن تعتمد‬‫عليه أن يعطيك ماالً‪ ،‬فأنت واثق بأن يعطيك‪ ،‬أو أن تطمع في مهارة الطبيب‪ ،‬فتثق‬ ‫بحصول الشفاء‪ ،‬وهذا من الشرك األصغر‪.‬‬ ‫ أن يطمع ويتوقع ويرجو الشفاء والخير من هللا لكن بوسيلة محرمة‪ ،‬كمن‬‫لبس حلقة أو خيط على أن تكون سببا ً للشفاء‪ ،‬أو فعل ما يسمى بالشبكة يطمع من هللا‬ ‫أن تكون سبب األلفة واالشتباك بين الزوج والزوجة‪ ،‬وهذا من الشرك األصغر‪ ،‬كما‬ ‫في حديث عقبة بن عامر مرفوعا ً‪« :‬من تعلق تميمة فقد أشرك»‪ ،‬ومن أمثلة ذلك‪:‬‬ ‫الذبح هلل عند القبور ترجو من هللا الخير‪ ،‬لكنك اخترت هذا المكان لكونه أبرك‪.‬‬ ‫ثم ذكر المصنف الدليل‪* :‬ﰐ ﰑ ﰒ ﰓ ﰔ ﰕ&[الكهف‪ ]991:‬اآلية‪.‬‬ ‫العبادة الرابعة‪ :‬التوكل‪ :‬لغة هو‪ :‬التفويض‪.‬‬ ‫وشرعا ً‪ :‬االعتماد على هللا لجلب الخير ودفع الشر‪.‬‬ ‫متى يكون التوكل عبادة؟‬ ‫وفوض أمره إلى هللا‪ ،‬فهذا توحيد *ﯽ ﯾ ﯿ&[المائدة‪.]23:‬‬ ‫إذا اعتمد ّ‬ ‫ومتى يكون التوكل شركا ً؟‬


‫املنهج املختصر يف الفقه والعقيدة والدعوة‬

‫‪563‬‬

‫في هذه الحاالت‪:‬‬ ‫‪ -9‬إذا اعتمد على المخلوق فيما ال يقدر عليه إال هللا‪ ،‬كالذي يعتمد على‬ ‫المخلوق في نزول المطر وحصول الرزق أو النسل‪ ،‬أو اعتمد عليه في الشفاء‬ ‫والسالمة من األمراض‪ ،‬وهذه األمور ال يقدر عليها إال هللا‪ ،‬وهي شرك أكبر‪.‬‬ ‫‪ -2‬االعتماد على األموات والجمادات‪ ،‬كأن يثق بأن هذا الميت سوف يعطيه أو‬ ‫يدفع عنه‪ ،‬وهو شرك أكبر‪.‬‬ ‫‪ -3‬االعتماد على األسباب شرك أصغر‪ ،‬مثل‪ :‬أن يعتمد على مهارة الطبيب في‬ ‫نجاح العملية‪ ،‬ومثل الثقة بكثرة الجيش في حصول النصر‪ ،‬واالعتماد على حذاقة‬ ‫السائق في السالمة من الحوادث‪ ،‬واالعتماد على المذاكرة في النجاح‪ ،‬وهذه ظاهرة‬ ‫متفشية عند المسلمين‪ ،‬بأن يعتمد على األسباب‪.‬‬ ‫وكيف نعرف أن اإلنسان اعتمد على األسباب؟‬ ‫بالقرائن التالية‪:‬‬ ‫منه ما يتعلق بالقلب فيشعر بالراحة واالطمئنان والسكون لوجود السَّبب‪ ،‬فإذا‬ ‫وجد وثق بالنتيجة أنها سوف تترتب‪ ،‬هذا أهمها‪.‬‬ ‫أن يشعر بالقلق واالضطراب إذا تخلف السبب أن النتيجة لن تترتب‪ ،‬مثاله‪ :‬لو‬ ‫ذهب بمريض إلى طبيب ووثق أن العملية سوف تنجح وارتاح لذلك‪ ،‬فإن عمل‬ ‫العملية طبيب آخر فلن تنجح العملية‪ ،‬وهذا من الشرك األصغر‪ .‬قال تعالى‪* :‬ﯽ ﯾ‬ ‫ﯿ&[المائدة‪ ]23:‬أي‪ :‬اعتمدوا‪ .‬ومفهوم اآلية‪ :‬عدم االعتماد على األسباب‪ ،‬بل نفعل‬ ‫األسباب لكن نعتمد على هللا‪.‬‬ ‫وهناك فرق بين االرتياح لألسباب واالعتماد على األسباب‪ ،‬فلو أن شخصا ً‬ ‫أصلح سيارته وأعدها إعدادا ً جيدا ً للسفر ثم شعر باالرتياح فهذا ال شيء فيه‪ ،‬أما لو‬ ‫وثق أال يصيبه شيء ألن السيارة سليمة وجيدة‪ ،‬فهذا من االعتماد على األسباب‪.‬‬ ‫وما حكم قول‪ :‬توكل ت على هللا وعليك؟‬ ‫هذا ال يجوز‪ ،‬وهو من الشرك األصغر؛ لقوله تعالى‪* :‬ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ&[البقرة‪،]22:‬‬ ‫وقد صح عن ابن عباس في قول‪ :‬لوال هللا وفالن أنها من الشرك‪ ،‬فهذه مثلها‪ ،‬وصح‬ ‫عن السلف أن قول‪ :‬أعوذ باهلل وبك من الشرك‪ ،‬فهذه مثلها‪.‬‬ ‫وإذا عطفها فقال‪ :‬أنا متوكل على هللا ثم عليكم‪ .‬فالظاهر أنه ال يجوز؛ ألن‬ ‫المحذور في اللفظة نفسها‪ ،‬سواء أفردها أم عطفها‪.‬‬ ‫وما حكم الثقة بالنفس؟‬ ‫فيه تفصيل‪:‬‬


‫‪564‬‬

‫تهذيب شرح األصول الثالثة‬ ‫د‬ ‫الثالثةد‬ ‫األصول‬ ‫تهذيب‬ ‫ألنهشرحمن االعتماد على‬ ‫يجوز؛‬

‫إن كان بمعنى أن تعتمد على نفسك‪ ،‬فهذا ال‬ ‫األسباب‪ ،‬وإن كان بمعنى أنك مجرب لهذا األمر وتعرف من نفسك التجربة وأنه‬ ‫سهل عليك‪ ،‬فهذا جائز‪.‬‬ ‫ما حكم قول‪ :‬هذا الرجل موثوق يجب أن تثق به؟‬ ‫فيه تفصيل‪ :‬إن كان المقصود أنه أمين وال يخون ويقوم بالعمل كما ينبغي فهو‬ ‫جائز‪ ،‬أما إن كان بمعنى االعتماد عليه وأن النتيجة سوف تحصل‪ ،‬فهذا من الشرك‬ ‫األصغر‪.‬‬ ‫العبادة الخامسة‪ :‬الرغبة‪ :‬هي اإلرادة الواسعة‪ ،‬وتأتي بمعنى الحرص‪ ،‬وتأتي‬ ‫بمعنى العطاء الكثير‪ ،‬فإذا كانت في الدعاء فالرغبة فيه إطالته وكثرته والسعة فيه‪،‬‬ ‫ويسمى دعاء رغبة‪ ،‬واإلطالة في العبادة تسمى عبادة رغبة‪.‬‬ ‫ومتى تكون الرغبة توحيدا ا؟‬ ‫تكون بكثرة اإلقبال على هللا‪ ،‬وسعة اإلقبال على هللا‪ ،‬دعا ًء وعمالً وعبادة‪،‬‬ ‫يكون توحيدا ً‪.‬‬ ‫ومتى تكون الرغبة شركا ا؟‬ ‫تكون إذا أكثر إقباله على شخص معين في قضاء الحوائج المحبوبة‪ ،‬فهذا يعتبر‬ ‫شركا ً أكبر‪ ،‬مثل‪ :‬الذي يتردد على القبور ويقبل عليها إذا انتابه شيء من الحوائج‬ ‫المحبوبة‪ ،‬فهذا يكون عبادة من دون هللا‪ ،‬كالذي يكثر طلب حوائجه من الجن‬ ‫والجمادات سواء فيما ال يقدر عليه إال هللا أو غير ذلك‪.‬‬ ‫أما لو كثر اإلقبال على المخلوقين في طلب الحوائج المحبوبة وهم يقدرون‬ ‫عليها‪ ،‬فإن اعتمد عليهم فهذا شرك أصغر‪ ،‬وإن لم يعتمد عليهم فهذه من األمور التي‬ ‫تنقص التوحيد لحديث‪ « :‬ال يسترقون‪ ،‬وال يكتوون‪ ،‬وعل ى ربهم يتوكلون»‪ ،‬أما الدليل‬ ‫الذي ذكره المؤلف فقد جمع ثالث عبادات *ﯦ ﯧ ﯨ ﯨ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭﯮ&[األنبياء‪.]11:‬‬ ‫وهناك آيات نص في عبادة الرغبة‪ ،‬كقوله‪* :‬ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ&[الشرح‪* ،]8:‬ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ‬ ‫ﯙ&[القلم‪.]32:‬‬ ‫العبادة السادسة‪ :‬الرهبة‪ :‬هي الخوف الطويل والخوف الشديد‪.‬‬ ‫وما الفرق بين الخوف والرهبة؟‬ ‫ً‬ ‫الفرق زمني‪ .‬فإذا اضطرب قلبك وقلقت فترة قصيرة هذا يسمى خوفا‪ ،‬أما لو‬ ‫طال االضطراب والقلق وامتد‪ ،‬فإنه يسمى رهبة‪.‬‬ ‫وهناك فرق آخر‪ :‬أن الخوف توقع الضرر المحتمل الذي قد يقع وقد ال يقع‪،‬‬ ‫ولذا إذا تذكرت أنه سيقع قلقت‪ ،‬وإذا ذكرت أنه ال يقع اطمأننت‪.‬‬


‫املنهج املختصر يف الفقه والعقيدة والدعوة‬

‫‪565‬‬

‫أما الرهبة‪ :‬فتوقع الضرر المتيقن به؛ ولذا يطول الخوف‪ ،‬فالمحكوم عليه بالقتل‬ ‫يقينا ً راهب؛ ألن الضرر متيقن‪ ،‬فتجده دائم الخوف حتى يقتل‪ ،‬أما الذي ال يتوقع القتل‬ ‫في حقه فهذا خائف فقط‪.‬‬ ‫متى تكون الرهبة عبادة؟‬ ‫إذا طال خوفه من هللا‪.‬‬ ‫ومتى تكون الرهبة شركا ا؟‬ ‫إذا طال خوفه من صاحب القبر مثالً‪ ،‬فهذا شرك أكبر‪.‬‬ ‫وظاهر استدالل المصنف باآلية السابقة‪ :‬أن الرهبة حالة من حاالت الدعاء‪،‬‬ ‫وهناك آيات أعم‪ ،‬مثل قوله تعالى‪* :‬ﯪ ﯫ ﯬ&[النحل‪.]59:‬‬ ‫العبادة السابعة‪ :‬الخشوع‪ :‬بمعنى السكون والهدوء في القلب وفي الصوت وفي‬ ‫النظر والمشي والجوارح‪ ،‬أي‪ :‬سكون الجوارح‪.‬‬ ‫ومتى يكون الخشوع عبادة؟‬ ‫إذا وقف أمام هللا ساكنا ً هادئا ً في الجوارح فإن هذا يسمى خشوعا ً؛ ولذا‬ ‫فالمصلي خاشع في الهيئة‪ ،‬فإنه يقف في الصالة مطأطئ الرأس ينظر إلى مكان‬ ‫سجوده وهذا خشوع‪ ،‬وإذا مشى إلى الصالة مشى بهدوء‪ ،‬وغض للصوت والنظر‪،‬‬ ‫وهذا خشوع في المشي إلى الصالة‪.‬‬ ‫متى يكون الخشوع شركا ا؟‬ ‫إذا وقف أمام قبر أو شخص هادئ الحركات ساكن الجوارح فهذا خشوع‪ ،‬وإن‬ ‫لم تطلب منه شيئا ً‪ ،‬وهو من الشرك األكبر؛ ومثله‪ :‬لو مشى إلى قبر ولي من األولياء‬ ‫هادئ الجوارح ساكن القلب‪ ،‬فهذه عبادة خشوع‪ ،‬ولذا نجد عباد القبور عند القبور‬ ‫هادئين ساكنين؛ ومثله المريد والصوفي‪ ،‬أمام شيخه تجده هادئا مطأطئ الرأس ساكن‬ ‫الجوارح مع ما في قلبه من خشوع‪ ،‬فهذه عبادة خشوع من الشرك األكبر‪ ،‬والدليل‬ ‫قوله تعالى‪* :‬ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ&[األنبياء‪ .]11:‬فاألصل في الخشوع عمل قلبي تدل عليه‬ ‫الجوارح‪.‬‬ ‫العبادة الثامنة‪ :‬الخشية‪ :‬هي الخوف من الشخص‪ ،‬فإذا خفت من شخص معين‬ ‫بغض النظر عن العقوبة التي سوف يوقعها بك‪ ،‬فهذه تسمى خشية‪ ،‬وهناك فرق بين‬ ‫الخوف والخشية‪ ،‬فالخوف‪ :‬هو القلق واالضطراب من العقوبة والمكروه؛ والخشية‪:‬‬ ‫الخوف من الشخص ذاته‪ ،‬فإذا أراد زيد أن يقتلك فاضطربت وقلقت من القتل فهذا‬ ‫يسمى خوفا ً‪ ،‬أما لو خفت من زيد لذاته بغض النظر عن نوع العقوبة فيقال خشية‪،‬‬ ‫وهذا يدل عليه من القرآن قوله تعالى‪* :‬ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ&[الرعد‪ ]29:‬فجعل الخشية هلل‬ ‫والخوف للحساب‪ ،‬وقوله‪* :‬ﯻ ﯼ ﯽ ﯾ ﯿ ﰕ ﰕ&[المؤمنون‪.]57:‬‬ ‫ومتى تكون الخشية توحيدا ا؟‬


‫‪566‬‬

‫تهذيب شرح األصول الثالثة‬ ‫د‬ ‫تهذيب شرح األصول الثالثةد‬

‫إذا تعلقت خشيتك باهلل‪.‬‬ ‫ومتى تكون الخشية شركا؟ا‬ ‫إذا اضطرب قلبك من صاحب القبر أو من جماد‪ ،‬بغض النظر عما سوف يفعل‬ ‫بك‪.‬‬ ‫العبادة التاسعة‪ :‬اإلنابة‪ :‬هي الرجوع للشيء مرة بعد مرة‪.‬‬ ‫متى تكون اإلنابة توحيدا ا؟‬ ‫إذا كان يرجع إلى هللا في الملمات مرة بعد مرة‪ ،‬يقال‪ :‬أناب إلى هللا‪.‬‬ ‫متى تكون اإلنابة شركا ا؟‬ ‫إذا قصد القبر مرة بعد مرة في الملمات‪ ،‬يقال‪ :‬أناب إلى صاحب القبر‪ ،‬وإن‬ ‫كان الرجوع إليه مرة واحدة كان شركا ً أكبر‪ ،‬لكن التكرار أشد شركا ً‪.‬‬ ‫ما الفرق بين الرغبة واإلنابة؟‬ ‫الرغبة‪ :‬هي كثرة الرجوع والتردد‪ ،‬وكذلك اإلنابة‪ ،‬لكن الرغبة الرجوع في‬ ‫األمور المحبوبة‪ ،‬واإلنابة‪ :‬الرجوع في الملمات والمكروهات‪.‬‬ ‫هل اإلنابة بمعنى التوبة؟‬ ‫التوبة أخص من اإلنابة‪ ،‬فالتوبة رجوع خاص بصفة معينة‪ ،‬وهي الرجوع مع‬ ‫اإلقالع والندم‪.‬‬ ‫والدليل على التفريق بين التوبة واإلنابة‪ ،‬قوله تعالى‪* :‬ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩﯪ‬ ‫ﯫ&[ص‪ ،]24:‬أما دليل اإلنابة‪* :‬ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ&[الزمر‪.]54:‬‬ ‫العبادة العاشرة والحادية عشر والثانية عشر‪ :‬االستعانة االستعاذة االستغاثة‪:‬‬ ‫هذه عبادات متقاربة‪ ،‬واالستعانة‪ :‬هي طلب المعونة من هللا‪.‬‬ ‫واالستعاذة‪ :‬هي االلتجاء إلى هللا‪.‬‬ ‫واالستغاثة‪ :‬مأخوذة من الغوث‪ ،‬فأغاثه بمعنى أعانه ونصره وكشف الشدة‬ ‫عنه‪ ،‬ويالحظ أن هناك قاسما ً مشتركا ً بين التعاريف‪.‬‬ ‫فاالستغاثة‪ ،‬واالستعانة‪ ،‬واالستعاذة‪ :‬هي المعونة والنصرة‪ ،‬لكنها تختلف‬ ‫باعتبار الحالة والزمن؛ فإذا وقع عليك الشر وطلبت النصرة بإزالته فهذه تسمى‬ ‫استغاثة‪ ،‬فنداء الغريق يسمى استغاثة‪ ،‬أما إذا لم يقع عليك الشر حتى اآلن لكنه في‬ ‫الطريق أن يقع عليك فطلبت أن ال يقع فهذه االستعاذة‪ ،‬أما في األمور العادية إذا لم‬ ‫يقع عليك شر وال تتوقع شرا ً‪ ،‬فإنه يسمى استعانة‪.‬‬ ‫متى تكون توحيدا ا؟‬ ‫إذا استعان واستغاث واستعاذ باهلل تعالى‪.‬‬ ‫متى تكون شركا ا؟‬


‫املنهج املختصر يف الفقه والعقيدة والدعوة‬

‫‪567‬‬

‫في الحاالت اآلتية‪:‬‬ ‫إذا استعان أو استعاذ أو استغاث بالمخلوق فيما ال يقدر عليه إال هللا‪ ،‬مثل‪:‬‬ ‫االستعانة في رفع القحط‪ ،‬وهنا ال يقدر عليه إال هللا ونحو ذلك‪ .‬قال تعالى‪* :‬ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ‬ ‫ﭦ&[الفاتحة‪.]5:‬‬ ‫أما االستغاثة واالستعانة واالستعاذة بالمخلوق فيما يقدر عليه مع االعتماد عليه‪،‬‬ ‫كما لو وقعت في شدة فاستعنت بالسلطان‪ ،‬أو كدت تغرق في البحر فاستغثت بالناس‪،‬‬ ‫لكنك معتمد عليهم‪ ،‬فهذا شرك أصغر‪.‬‬ ‫وعالمة االعتماد‪ :‬أن ترتاح إنهم سوف ينقذونك‪ ،‬وتثق أن اإلنقاذ سوف يحصل‬ ‫من السلطان أو من الناس‪ ،‬كالذي يستعين بالجيش ويطمئن أن النصر سوف يحصل‪،‬‬ ‫فهذا من الشرك األصغر‪.‬‬ ‫أما إن كانت المخاطبة عن غير حضور وال سماع‪ ،‬فهذه طريقة جاهلية‪ ،‬كما‬ ‫قال تعالى‪* :‬ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ&[الجن‪ ،]6:‬فكانوا إذا نزلوا واديا ً خاطبوهم عن غير‬ ‫حضور‪ ،‬وهذا من الشرك األكبر‪ ،‬حتى لو سألتهم ما يقدرون عليه كما لو تعطلت‬ ‫سيارتك فقلت‪ :‬يا جن أعينوني‪ .‬أما لو كان ال يقدر عليه إال هللا‪ ،‬فهذا شرك أكبر‪.‬‬ ‫العبادة الثالثة عشر‪ :‬الذبح‪ :‬الذبح هو إراقة الدماء‪ ،‬وذبح العبادة‪ :‬هو ذبح‬ ‫القرابين تقربا ً إلى هللا وتعظيما ً وتذلالً بطريقة مخصوصة‪.‬‬ ‫متى يكون الذبح توحيدا ا؟‬ ‫إذا ذبح تعظيما ً هلل وتقربا ً‪.‬‬ ‫متى يكون الذبح لغير هللا شركا ا؟‬ ‫إذا ذبح لغير هللا تقربا ً وتعظيما ً‪ ،‬ومعنى تقربا ً‪ :‬أي‪ :‬حتى ينفعه لجلب خير أو‬ ‫دفع شر؛ فهدفك من وراء الذبح له أن ينفعك دنيويا ً أو أخرويا ً؛ أو يدفع شرا ً أو آفة‬ ‫عنك‪ ،‬فيقصد القرب المعنوي‪ ،‬أما تعظيما ً‪ :‬فمعناه أن يقوم في قلبه عظمته ومكانته‬ ‫فيدفعه هذا التعظيم واإلجالل إلى أن يذبح له‪.‬‬ ‫وله عدة صور‪:‬‬ ‫‪ -9‬الذبح للجن تخلصا ً من شرهم‪ ،‬أو لكي يساعدوك في شيء‪ ،‬ومثله الذبح‬ ‫للجن لفك السحر والعين‪ ،‬هنا تكون مشرك شرك أكبر‪ .‬لحديث‪« :‬لعن هللا من ذبح‬ ‫لغير هللا»‪.‬‬ ‫‪ -2‬الذبح على عتبات البيوت إذا تم بناؤها‪ ،‬أو عند تأسيس البيت لكي يسلم من‬ ‫شر الجن والحسد والعين‪ ،‬ومثله‪ :‬الذبح عند تأسيس أي شيء‪ ،‬كحفر بئر ونحو ذلك‪.‬‬ ‫‪ -3‬الذبح لألموات واألولياء على أضرحة قبورهم‪ ،‬إما تعظيما ً لهم‪ ،‬أو إجالالً‪،‬‬ ‫أو لكي ينفعوه في الدنيا أو في اآلخرة‪.‬‬


‫‪568‬‬

‫تهذيب شرح األصول الثالثة‬ ‫د‬ ‫الثالثةد‬ ‫األصول‬ ‫شرح يقصد به إهداء‬ ‫تهذيبالذبح‬ ‫فهذا‬

‫أما الذبح لألموات من باب الصدقة واألضحية‪،‬‬ ‫األجر لهم‪ ،‬ال أن الذبح ذاته لهم‪.‬‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫‪ -4‬الذبح للسلطان واألمير والكبراء تعظيما لهم أو تقربا لهم‪ ،‬كي ينفعوك في‬ ‫مال أو منصب ونحو ذلك‪ ،‬وهذا من الشرك األكبر‪ ،‬لمفهوم قوله تعالى‪* :‬ﮊ ﮋ ﮌ‬ ‫ﮍ&[الكوثر‪.]2:‬‬ ‫ونقل الشيخ سليمان الحفيد‪ ،‬في تيسر العزيز الحميد عن علماء بخارى‪( :‬أن‬ ‫الذبح عند طلعة السلطان مما أهل به لغير هللا‪ .‬وصورتها‪ :‬أن تؤخذ الذبيحة فتذبح إذا‬ ‫نزل من الطائرة‪ ،‬أو إذا دخل من الباب‪ ،‬أو عند قدومه‪ ،‬أو عند طلعته‪ ،‬وعالمة ذلك‪:‬‬ ‫أن تذبح في وجوههم وال يهمك بعد ذلك لحم هذه الذبيحة‪ ،‬فيهمك أن يعلموا أن الذبح‬ ‫لهم‪ ،‬أما لو ذبحت لهم في مكان آخر كالمسلخ مثالً‪ ،‬ثم أتيت باللحم ألكله من باب‬ ‫الضيافة‪ ،‬فهذا جائز في األصل‪ ،‬وقد يكون محرما ً إن كان فيه إسراف‪ ،‬وقد يكون‬ ‫مستحبا ً إن كان من باب إكرام الضيف‪ ،‬لورود أحاديث تحث على ذلك‪ ،‬كقوله عليه‬ ‫الصالة والسالم‪« :‬ومن كان يؤمن باهلل واليوم اْلخر‪ ،‬فليكرم ضيفه»‪ ،‬أخرجاه في‬ ‫الصحيحين من حديث أبي هريرة)‪.‬‬ ‫ومن الشرك األكبر‪ :‬أن يذكر عند الذبح غير اسم هللا‪ ،‬مثل قوله‪ :‬باسم الشعب‪،‬‬ ‫أو باسم الملك‪ ،‬أو باسم األمة‪ ،‬أو باسم المسيح‪ ،‬أو يذكر اسم هللا ويذكر معه غيره‪،‬‬ ‫وهذا شرك أكبر‪ .‬قال تعالى‪* :‬ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ&[الكوثر‪ ،]2:‬وقوله‪* :‬ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ&[البقرة‪.]22:‬‬ ‫هل ينقسم الذبح إلى شرك أكبر وشرك أصغر؟‬ ‫ال ينقسم الشرك في الذبح؛ ألنها عبادة‪ ،‬ومن صرف عبادة لغير هللا فهو شرك‬ ‫أكبر‪ ،‬أما الشرك األصغر فهو ما كان دون صرف العبادة‪.‬‬ ‫العبادة الرابعة عشر‪ :‬النذر‪ :‬هو إلزام المكلف نفسه شيئا ً ليس بواجب تعظيما ً‬ ‫للمنذور له وتقربا ً‪.‬‬ ‫متى يكون النذر توحيدا ا؟‬ ‫أما التقرب إلى هللا بالنذر بهذا المعنى فاختلف فيه أهل العلم‪ ،‬فبعضهم يكره‬ ‫النذر ابتداء‪ ،‬واختيار ابن تيمية‪ :‬أن ابتداء النذر حرام‪ ،‬لكن إذا فعله اإلنسان وجب‬ ‫الوفاء به‪ ،‬هذا إذا كان النذر ليس معصية‪ .‬لحديث ابن عمر مرفوعا ً‪« :‬إنه ال يأتي‬ ‫بخير‪ ،‬إنما يستخرج به من مال البخيل» متفق عليه‪.‬‬ ‫متى يكون النذر شركا ا؟‬ ‫إذا لزم نفسه شيئا ً لغير هللا تعظيما ً ما دام في قلبك إجالله واحترامه فدفعك إلى‬ ‫أن تنذر له‪ ،‬وتقربا ً‪ :‬وهو التماس الخير منه بهذا النذر‪.‬‬ ‫وله صور‪:‬‬ ‫كأن يقول‪ :‬إن شفى هللا مريضي‪ ،‬فلقبر الولي الفالني كذا من الغنم أو المال‪.‬‬


‫املنهج املختصر يف الفقه والعقيدة والدعوة‬

‫‪569‬‬

‫وأن يقول‪ :‬للقبر الفالني كذا من المال‪ ،‬أو للشيخ الفالني إن نجحت العملية أو‬ ‫سلمت من المرض‪.‬‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫وإذا ضاع له شيء يقدم طيبا أو ذهبا لقبر الولي حتى يجده‪.‬‬ ‫وكل هذه الصور شرك أكبر‪ .‬ومناطه القول أو الفعل وليس االعتقاد‪.‬‬ ‫ثم ذكر المصنف دليل النذر وهو قوله تعالى‪* :‬ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ&[اإلنسان‪.]7:‬‬


‫تهذيب شرح األصول الثالثة‬

‫‪571‬‬

‫األصل الثاني‬

‫د‬ ‫تهذيب شرح األصول الثالثةد‬

‫قال المصنف ‪[ :/‬األصل الثاني‪ :‬معرفة دين اإلسالم باألدلة‪ ،‬وهو االستسالم هلل‬ ‫بالتوحيد‪ ،‬واالنقياد له بالطاعة‪ ،‬والبراءة من الشرك وأهله‪ ،‬وهو ثالث مراتب‪:‬‬ ‫اإلسالم‪ ،‬واإليمان‪ ،‬واإلحسان]‪.‬‬ ‫الشرح‪:‬‬ ‫األصل الثاني‪ :‬وهو معرفة دين اإلسالم باألدلة‪ ،‬هذا هو األصل الثاني من‬ ‫األصول الثالثة‪ ،‬وهو معرفة الدين‪.‬‬ ‫والدين لغة‪ :‬يطلق على العمل والجزاء والحساب‪ .‬واصطالحا ا‪ :‬ما شرعه هللا‬ ‫من األحكام‪ ،‬واألصول واألركان على لسان رسوله‪.‬‬ ‫(دين اإلسالم) يقصد باإلسالم المعنى العام‪ ،‬فيدخل فيه اإليمان واإلحسان‬ ‫واإلسالم بالمعنى الخاص‪.‬‬ ‫(باألدلة) الباء للمصاحبة‪ :‬أي‪ :‬أن معرفتك باإلسالم مصاحبة‪.‬‬ ‫ثم عرف المصنف الدين فقال‪( :‬هو االستسالم هلل بالتوحيد‪ ،‬واالنقياد له‬ ‫بالطاعة‪ ،‬والبراءة من الشرك وأهله)‪.‬‬ ‫قوله‪( :‬االستسالم هلل) أي‪ :‬االنقياد والخضوع‪.‬‬ ‫(بالتوحيد) أي‪ :‬بإفراده باأللوهية والربوبية واألسماء والصفات‪ ،‬ويكون المعنى‬ ‫أن تذل وتخضع هلل بما يستحق من األسماء والصفات ومن الربوبية والعبادة‪.‬‬ ‫(واالنقياد له بالطاعة) االنقياد هي المالينة‪ ،‬يقال‪ :‬انقاد إذا الن‪.‬‬ ‫(بالطاعة) اسم جامع لكل ما يحبه هللا ويرضاه‪.‬‬ ‫(والبراءة من الشرك وأهله) من باب عطف الخاص على العام‪ ،‬وإالّ فإن‬ ‫البراءة من الشرك تدخل في االستسالم هلل بالتوحيد؛ ألن معنى التوحيد هو النفي وهو‬ ‫البراءة‪ ،‬واإلثبات وهو االستسالم بالتوحيد‪ ،‬لكن أفردها المصنف ألهميتها‪.‬‬ ‫أما معنى البراءة‪ :‬فبرئ بمعنى تخلص وترك‪ .‬ومنه يقال‪ :‬برئت من المرض‬ ‫إذا تخلصت منه‪ ،‬ويقال‪ :‬استبرأت المرأة إذا لم يكن في رحمها شيء‪ ،‬ويقال‪ :‬برئ من‬ ‫الدين إذا سقط وتخلص منه‪.‬‬ ‫واصطالحا ا‪ :‬هو البغض والعداوة واالبتعاد عن الشرك والمشركين‪ ،‬اعتقادا ً‬ ‫وعمالً وسكنا ً‪.‬‬ ‫وقسم المصنف البراءة إلى قسمين‪:‬‬ ‫‪ -9‬البراءة من العمل‪ ،‬وهو البراءة من الشرك والكفر‪ ،‬وهذا فرض الزم‪،‬‬ ‫كالبراءة من الديمقراطية‪ ،‬ومن البرلمانات‪ ،‬ومن الحداثة‪ ،‬ومن العلمانية‪ ...‬إلخ‪.‬‬


‫املنهج املختصر يف الفقه والعقيدة والدعوة‬

‫‪575‬‬

‫‪ -2‬البراءة من العامل‪ ،‬وهو الذي أشار إليه المصنف بقوله‪( :‬وأهله) أي‪:‬‬ ‫البراءة من المشركين والكفار‪ ،‬مثل‪ :‬أن تكره وتبغض وتعادي وتكفر العلمانيين‬ ‫والقوميين والحداثيين والرافضة‪ ،‬وتبرأ من أعمالهم‪ ،‬وتبغضهم‪ ،‬وتعاديهم‪ ،‬وتخرجهم‬ ‫من الملة‪.‬‬ ‫أما كيف البراءة في هذين القسمين فكالتالي‪:‬‬ ‫‪ -9‬البراءة القلبية‪ ،‬وهي أن تبغض المشركين والشرك بقلبك وتكرههم‪ ،‬وتتمنى‬ ‫زوالهم‪ ،‬كبغض النصارى واليهود والهندوس والشيوعيين والعلمانيين واللبراليين‬ ‫والحداثيين والرافضة‪ .‬وحكم هذا القسم فرض الزم‪ ،‬وال يمكن أن يسقط عن المسلم؛‬ ‫ألنه متعلق بالقلب‪ ،‬والدليل على ذلك حديث أبي مالك األشجعي عن أبيه مرفوعا ً‪:‬‬ ‫«من قال‪ :‬ال إله إال هللا‪ ،‬وكفر بما يعبد من دون هللا؛ حرم ماله ودمه‪ ،‬وحسابه على‬ ‫هللا تعالى» رواه مسلم‪.‬‬ ‫‪ -2‬براءة اللسان من الشرك وأهله‪ ،‬بأن تبغض الكفار ودينهم الباطل‪ ،‬وتخبر‬ ‫بأنهم كفار‪ .‬والدليل قوله تعالى‪* :‬ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ&[الكافرون‪ ]2-9:‬قل‪ :‬أي بلسانك *ﮁ ﮂ‬ ‫ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ&[الزخرف‪ ]26:‬وهذا باللسان براء من دينهم‪.‬‬ ‫لكن أقل الفرض الالزم ما تعلق بالجنس والنوع‪ ،‬بأن يذكر من األلفاظ ما يدل‬ ‫أنه ال يريدهم وال يرتاح لهم‪ ،‬وأنهم على مخالفة وضالل‪.‬‬ ‫‪ -3‬براءة الجوارح‪ ،‬وذلك باالبتعاد عنهم‪ ،‬وبمجاهدتهم بالجوارح‪ ،‬وتكسير‬ ‫معبوداتهم الشركية‪ ،‬وقتلهم‪ ،‬والدليل قوله تعالى‪* :‬ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗﭘ&[التوبة‪ .]73:‬وقوله‬ ‫عليه الصالة والسالم‪« :‬من رأى منكم منكرا ا فليغيره بيده» رواه مسلم‪.‬‬ ‫وهذا القسم يجب مع القدرة‪ ،‬ويسقط مع العجز‪.‬‬ ‫وما حكم مساكنة المشركين؟‬ ‫هي أقسام‪:‬‬ ‫ مساكنتهم محبة لهم ولدينهم‪ ،‬فهذا كفر‪ ،‬وهو مخالف ومناقض للبراءة من‬‫المشركين‪ ،‬لما جاء في حديث جرير بن عبد هللا مرفوعا ً‪« :‬أنا بريء من كل مسلم‬ ‫يقيم بين أظهر المشركين‪ ،‬قالوا‪ :‬يا رسول هللا لم؟! قال‪ :‬ال تراءى ناراهما» رواه أبو‬ ‫داود‪.‬‬ ‫ وهناك مساكنة نصرة‪ ،‬ومظاهرة‪ ،‬ومساكنة‪ ،‬ومتابعة‪ ،‬وموافقة‪ ،‬وكل هذه‬‫الخمس مخرجة من الدين؛ ألنها تولي‪ ،‬فحكمها حكمه‪ .‬قال تعالى‪* :‬ﭑﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ‬ ‫ﭙﭚ ﭛ ﭜ ﭝﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣﭤ&[المائدة‪ ،]59:‬وقوله تعالى‪* :‬ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ&[الممتحنة‪.]93:‬‬ ‫ ولكن لو ساكنهم وهو يبغضهم ويبغض دينهم وال يتوالهم‪ ،‬لكن ساكنهم‬‫لحاجة‪ ،‬مع أنه يصرح بالتبرؤ منهم‪ ،‬ويستطيع أن يجهر بدينه‪ ،‬فهذا جائز‪.‬‬


‫‪571‬‬

‫تهذيب شرح األصول الثالثة‬ ‫د‬ ‫الثالثةد‬ ‫األصول‬ ‫شرحكانت بلده بلد كفر‬ ‫تهذيب لو‬ ‫مجبر‪ ،‬كما‬

‫ أو يساكنهم من باب القهر والضرورة؛ ألنه‬‫لكن أسلم‪ ،‬ومع ذلك ال يستطيع التصريح بالبراءة منهم ومن دينهم‪ ،‬فهذا يحرم عليه‬ ‫مساكنتهم‪ ،‬وتجب عليه الهجرة مع االستطاعة‪ ،‬وإذا لم يستطع فعليه أن يبتعد ويقلل‬ ‫من مخالطتهم ويصبر‪ ،‬حتى يأتي فرج هللا‪.‬‬ ‫قوله‪( :‬وهو ‪-‬أي الدين‪ -‬ثالث مراتب) وهذا يعني أنها مراتب بعضها أعلى من‬ ‫بعض‪ ،‬إنما هي درجات ومراتب ودوائر بعضها أوسع من بعض‪.‬‬


‫املنهج املختصر يف الفقه والعقيدة والدعوة‬

‫‪573‬‬

‫فصل‬

‫قال المصنف ‪[ :/‬وكل مرتبة لها أركان‪ ،‬فأركان اإلسالم‪ :‬خمسة والدليل من‬ ‫السنة‪ :‬حديث ابن عمر ب‪ ،‬قال‪ :‬قال رسول هللا ^‪« :‬بني اإلسالم على خمس‪ ،‬شهادة‬ ‫أن ال إلَه إال هللا‪ ،‬وأن محمدا ا رسول هللا‪ ،‬وإقام الصالة‪ ،‬وإيتاء الزكاة‪ ،‬وصوم‬ ‫رمضان‪ ،‬وحج بيت هللا الحرام‪ ،‬من استطاع إليه سبي الا»‪ ،‬والدليل قوله تعالى‪* :‬ﭯ ﭰ ﭱ‬ ‫ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ&[آل عمران‪.]85:‬‬ ‫ودليل الشهادة قوله تعالى‪ * :‬ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ&[آل‬ ‫عمران‪ ]58:‬ومعناها‪ :‬ال معبود بحق إال هللا وحد النفي من اإلثبات‪ :‬ال إلَه‪ :‬نافيا ا جميع ما‬ ‫يعبد من دون هللا‪ ،‬إال هللا‪ :‬مثبتا ا العبادة هلل وحده‪ ،‬ال شريك له في عبادته‪ ،‬كما أنه ال‬ ‫شريك له في ملكه‪.‬‬ ‫وتفسيرها الذي يوضحها قوله تعالى‪* :‬ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ&[الزخرف‪]17-16:‬‬ ‫وقوله تعالى‪* :‬ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ&[آل عمران‪.]64:‬‬ ‫ودليل شهادة‪ :‬أن محمدا ا رسول هللا‪ ،‬قوله تعالى‪* :‬ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ‬ ‫ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ&[التوبة‪]518:‬‬

‫ومعنى شهادة أن محمدا ا رسول هللا‪ :‬طاعته فيما أمر‪ ،‬وتصديقه فيما أخبر‪ ،‬واجتناب‬ ‫ما عنه نهى وزجر‪ ،‬وأن ال يعبد هللا إال بما شرع]‪.‬‬


‫‪574‬‬

‫تهذيب شرح األصول الثالثة‬ ‫د‬ ‫تهذيب شرح األصول الثالثةد‬

‫الشرح‪:‬‬ ‫المرتبة األولى‪ :‬اإلسالم‪:‬‬ ‫اإلسالم لغة‪ :‬مشتق من التسليم‪ ،‬يقال‪ :‬استسلم فالن إذا انقاد وخضع‪ ،‬ومشتق‬ ‫من المهادنة‪ ،‬يقال‪ :‬تسالم بنو فالن أي تهادنوا‪ .‬واصطالحا ا‪ :‬له معنيان‪ ،‬المعنى‬ ‫الخاص والمعنى العام‪.‬‬ ‫يعرف اإلسالم بالتعريف الخاص‪ ،‬وهو‪:‬‬ ‫فإن ذكر اإليمان مع اإلسالم فهنا ّ‬ ‫االنقياد والخضوع هلل باألعمال الظاهرة كالتوحيد والصالة‪ ...‬إلخ‪.‬‬ ‫وإذا لم يذكر اإليمان مع اإلسالم‪ ،‬فإن تعريف اإلسالم يكون واسعا ً‪ ،‬ويكون‪:‬‬ ‫مطلق االنقياد لشرع هللا عمالً واعتقادا ً‪ ،‬وهذا معنى قولهم‪ :‬اإلسالم واإليمان إذا افترقا‬ ‫اجتمعا والعكس‪.‬‬ ‫قوله‪( :‬كل مرتبة لها أركان‪ ،‬وأركان اإلسالم خمسة) الركن لغة‪ :‬هو جانب‬ ‫الشيء األقوى‪ .‬واصطالحا ً‪ :‬ما كان داخالً في الشيء وما تتوقف عليه صحته‪،‬‬ ‫بمعنى‪ :‬أن اإلسالم متوقف على هذه األركان‪ ،‬وهي‪:‬‬ ‫ً‬ ‫‪ -9‬التوحيد‪ ،‬وهو شهادة أن ال إله إالّ هللا‪ ،‬وأن محمدا رسول هللا‪ -2 .‬إقام‬ ‫الصالة‪ -3 .‬إيتاء الزكاة‪ -4 .‬صوم رمضان‪ -5 .‬حج بيت هللا الحرام‪.‬‬ ‫قال المصنف‪( :‬خمسة‪ ،‬والدليل من السنة‪ :‬حديث ابن عمر ب‪ ،‬قال‪ :‬قال رسول‬ ‫هللا ^‪« :‬بني اإلسالم على خمس‪ ،‬شهادة أن ال إلَه إال هللا‪ ،‬وأن محمدا ا رسول هللا‪،‬‬ ‫وإقام الصالة‪ ،‬وإيتاء الزكاة‪ ،‬وصوم رمضان‪ ،‬وحج بيت هللا الحرام‪ ،‬من استطاع إليه‬ ‫سبي الا»‪ ،‬والدليل قوله تعالى‪* :‬ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ&[آل عمران‪.)]85:‬‬


‫املنهج املختصر يف الفقه والعقيدة والدعوة‬

‫‪575‬‬

‫ثم بدأ المصنف يذكر أدلة كل ركن‪:‬‬ ‫‪-9‬أ‪ -‬دليل الشهادة‪ ،‬قوله تعالى‪* :‬ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ&[آل‬ ‫عمران‪ ]98:‬ومعناها‪ :‬ال معبود بحق إالّ هللا؛ وحد النفي من اإلثبات‪ :‬ال إله‪ :‬نافيا ً جميع ما‬ ‫يعبد من دون هللا‪ ،‬إال هللا‪ :‬مثبتا ً العبادة هلل وحده‪ ،‬ال شريك له في عبادته‪ ،‬كما أنه ال‬ ‫شريك له في ملكه‪ .‬وتفسيرها الذي يوضحها‪ ،‬قوله تعالى‪* :‬ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ‬ ‫ﮍ&[الزخرف‪ ]27-26:‬وقوله تعالى‪* :‬ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ&[آل عمران‪.]64:‬‬ ‫‪-9‬ب‪ -‬ودليل شهادة أن محمدا ً رسول هللا‪ ،‬قوله تعالى‪* :‬ﮬ ﮭ ﮮ‬ ‫ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ&[التوبة‪]928:‬‬

‫ومعنى شهادة أن محمدا ً رسول هللا‪ :‬طاعته فيما أمر‪ ،‬وتصديقه فيما أخبر‪ ،‬واجتناب‬ ‫ما عنه نهى وزجر‪ ،‬وأن ال يعبد هللا إال بما شرع‪.‬‬ ‫والدليل قوله تعالى‪* :‬ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ&[آل عمران‪ ]98:‬ومعناها‪ :‬ال معبود بحق‬ ‫إال هللا‪ ،‬وهذا تفسير أهل السنة والجماعة لمعنى ال إله إال هللا‪.‬‬ ‫وأما األشاعرة والجهمية والرافضة والباطنية والصوفية والقبورية‪ ،‬فإنهم‬ ‫يفسرونها بـ(ال رب إال هللا) أي‪ :‬ال خالق وال متصرف إال هللا‪ ،‬وهذا انحراف خطير؛‬ ‫ألنهم يفسرون األلوهية بمعنى الربوبية‪ ،‬فيقال لهم‪ :‬الكفار مقرون بربوبية هللا‪ ،‬فعلى‬ ‫كالمهم‪ :‬إن الكفار أتوا بـ(ال إله إال هللا)!! وهذا يرده اإلجماع‪.‬‬ ‫وأما الفالسفة فيقولون‪ :‬ال موجود إال هللا‪ ،‬فمن أثبت وجود هللا فإنه موحد!!‬ ‫وعلى هذا الكالم فإبليس من الموحدين؛ ألنه يثبت وجود هللا‪.‬‬ ‫وأما عند العلمانيين‪ :‬فهو اإلقرار بربوبية هللا وبعض األمور الشخصية‪ ،‬أما‬ ‫التشريع والحكم واألمر والنهي فليس هلل!!‬ ‫قوله‪( :‬أركانها) أي‪ :‬أركان ال إله إال هللا‪:‬‬ ‫ركنان‪ :‬أ‪ -‬نفي‪ .‬ب‪ -‬إثبات‪.‬‬ ‫النفي‪ :‬قال المصنف‪( :‬ال إله‪ :‬نافيا ً جميع ما يعبد من دون هللا)‪.‬‬ ‫اإلثبات‪ :‬قال المصنف (إال هللا‪ :‬مثبتا ً العبادة هلل)‪.‬‬ ‫ثم ذكر المصنف الدليل على النفي واإلثبات‪ ،‬وهو قوله تعالى‪* :‬ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ‬ ‫ﮊ&[الزخرف‪ .]26:‬وهذا موضع النفي‪* .‬ﮋ ﮌ ﮍ&[الزخرف‪ ،]27:‬وهذا موضع اإلثبات‪.‬‬ ‫الدليل الثاني قوله تعالى‪* :‬ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ&[آل عمران‪ .]64:‬فموضع‬ ‫النفي *ﭳ ﭴ&‪ ،‬وموضع اإلثبات *ﯞ ﯟ&‪.‬‬ ‫(شهادة أن محمدا ً رسول هللا) ودليلها‪* :‬ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ&‬ ‫[التوبة‪ ]928:‬أما معناها فقال المصنف‪( :‬طاعته فيما أمر‪ ،‬وتصديقه فيما أخبر‪ ،‬واجتناب‬ ‫ما نهى عنه وزجر‪ ،‬وأال يعبد هللا إال بما شرع) اهـ‪.‬‬


‫تهذيب شرح األصول الثالثة‬

‫‪576‬‬

‫د‬ ‫شرح األصول الثالثةد‬ ‫تهذيب‬ ‫االختيار‪.‬‬

‫(طاعته فيما أمر) معنى الطاعة الموافقة على وجه‬ ‫(فيما أمر) أوامره عليه الصالة والسالم على قسمين‪:‬‬ ‫ أن يأمر به على وجه اإللزام‪ ،‬وهذا الواجب‪.‬‬‫ أن يأمر به ال على وجه اإللزام‪ ،‬وهذا المستحب‪.‬‬‫(تصديقه) في كل ما أخبر به‪ ،‬ونسبته إلى الصدق في األمور الحاضرة‬ ‫والمستقبلة والمعينة وكل شيء‪.‬‬ ‫(اجتناب ما نهى عنه وزجر) لعله يقصد بما زجر عنه الكبائر‪ ،‬وما ورد فيه‬ ‫وعيد وزواجر؛ ألن العطف يقتضي المغايرة‪.‬‬ ‫وتوحيد االتباع‪ ،‬فال يعبد هللا إال بما جاء عن رسوله ^‪.‬‬ ‫‪( -2‬الركن الثاني إقام الصالة) والدليل قوله تعالى‪* :‬ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ‬ ‫ﭨ&[البينة‪.]5:‬‬ ‫وهذا من أركان األساس‪ ،‬وتارك الصالة يكفر‪ ،‬سواء جحودا ً أو امتناعا ً أو‬ ‫كسالً‪ ،‬والدليل قوله تعالى‪* :‬ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ‬ ‫ﮠﮡ&[التوبة‪ .]99:‬ومفهوم اآلية‪ :‬إذا لم يقيموا الصالة فليسوا إخواننا بل هم كفار‪.‬‬ ‫وحديث جابر عند مسلم‪« :‬بين الرجل وبين الشرك ترك الصالة»‪ ،‬وهذا اللفظ‪( :‬ترك‬ ‫الصالة) لفظ عام يشمل التارك جحودا ً والتارك كسالً أو امتناعا ً‪ ،‬وعليه إجماع‬ ‫الصحابة والتابعين‪ ،‬وال يُلتفت لخالف من بعدهم بعد أن صح اإلجماع‪ ،‬ونقل اإلجماع‬ ‫شقيق بن عبد هللا وإسحاق بن راهويه قال‪( :‬وكذلك كان رأي أهل العلم من لدن النبي‬ ‫^ إلى زماننا هذا‪ ،‬أن تارك الصالة عمدا ً من غير عذر حتى يذهب وقتها كافر)‬ ‫(‪)1‬‬

‫اهـ ‪.‬‬

‫(‪)2‬‬

‫وقال ابن حزم ‪( :‬فروينا عن عمر بن الخطاب ا ومعاذ بن جبل وابن مسعود‬ ‫وجماعة من الصحابة ي‪ ،‬وعن ابن المبارك وأحمد بن حنبل وإسحاق بن راهويه‬ ‫رحمة هللا عليهم‪ ،‬وعن تمام سبعة عشر رجالً من الصحابة والتابعين ي‪ ،‬أن من ترك‬ ‫صالة فرض عامدا ً ذاكرا ً حتى يخرج وقتها‪ ،‬فإنه كافر مرتد) اهـ‪.‬‬ ‫ونقل اإلمام محمد بن نصر المروزي في كتابه تعظيم قدر الصالة الجزء‬ ‫الثاني‪ ،‬إجماع الصحابة أن ترك الصالة تكاسالً كفر‪.‬‬ ‫(‪ )1‬التمهيد (‪.)225/4‬‬ ‫(‪ )2‬الفصل في الملل (‪.)928/3‬‬


‫املنهج املختصر يف الفقه والعقيدة والدعوة‬

‫‪577‬‬

‫ويكفر إذا ترك صالة واحدة حتى خرج وقتها وهو متعمدا ً عالما ً‪ ،‬وإن تركها‬ ‫خفية أو يصلي أحيانا ً ويترك أحيانا ً ولم يظهر ذلك‪ ،‬فإنه يكفر كفر نفاق مخرج من‬ ‫الملة‪.‬‬ ‫‪ -3‬الركن الثالث أداء الزكاة والدليل‪* :‬ﭩ ﮤﮥ&[البينة‪.]5:‬‬ ‫وإذا تركها جحودا ً كفر إجماعا ً‪ ،‬وكذا امتناعا ً‪ ،‬وهو إجماع الصحابة في عهد‬ ‫(‪)1‬‬

‫الصديق‪ ،‬وصح من قول ابن مسعود ورواه ابن حزم عن ابن عباس‪.‬‬ ‫وإن تركها كسالً وبخالً فيكفر كفر نفاق‪ ،‬قال تعالى‪* :‬ﮒﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ‬ ‫ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﭨ ﭩ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩﮪ ﮫ ﮪ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ&[التوبة‪.]77-75:‬‬ ‫قال ابن كثير‪( :‬يقول تعالى‪ :‬ومن المنافقين من أعطى هللا عهده وميثاقه لئن‬ ‫أغناه من فضله ليصدقن من ماله وليكونن من الصالحين‪ ،‬فما وفى بما قال‪ ،‬وال صدق‬ ‫فيما ادعى‪ ،‬فأعقبهم هذا الصنيع نفاقا ً سكن في قلوبهم إلى يوم يلقوا هللا ‪ Q‬يوم‬ ‫القيامة‪ ،‬عياذا ً باهلل من ذلك) اهـ‪.‬‬ ‫وعن أبي هريرة ا قال‪« :‬أمر رسول هللا ^ بالصدقة‪ ،‬فقيل‪ :‬منع ابن جميل‪،‬‬ ‫فقال النبي ^‪ :‬ما ينقم ابن جميل‪ ،‬إال أنه كان فقيرا ا فأغناه هللا» رواه البخاري ومسلم‪،‬‬ ‫وقال تعالى‪* :‬ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ&[الماعون‪.]7-6:‬‬ ‫‪ -4‬الركن الرابع الصوم والدليل‪* :‬ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ&[البقرة‪ .]983:‬وعن ابن عباس‬ ‫وغيره مثل ذلك في تارك الزكاة والصيام‪.‬‬ ‫‪ -5‬الركن الخامس الحج والدليل‪* :‬ﮪ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ&[آل‬ ‫عمران‪.]17:‬‬ ‫(‪)2‬‬

‫قال ابن حزم ‪( :‬وروينا عن عمر ا مثل ذلك في تارك الحج) أي‪ :‬في كفر‬ ‫تارك الحج‪.‬‬ ‫أما الدليل العام على كفر من ترك الفرائض واألركان الخمسة السابقة‪ :‬قال عبد‬ ‫ي قال‪ :‬سألنا سفيان بن عيينة عن اإلرجاء‪.‬‬ ‫هللا بن أحمد‪( :‬حدَّثنا سويد بن سعيد الهرو ّ‬ ‫فقال‪ :‬يقولون‪ :‬اإليمان قو ٌل وعم ٌل‪ ،‬والمرجئة أوجبوا الجنَّة لمن شهد أ َّن ال إله إال هللا‬ ‫مصـرا بقلبه على ترك الفرائض‪ ،‬وس ّموا ترك الفرائض ذنبا ً بمنزلة ركوب المحارم‪،‬‬ ‫ًّ‬ ‫وليس بسواء؛ أل َّن ركوب المحارم من غير استحال ٍل معصية‪ ،‬وترك الفرائض متع ِ ّمدا ً‬ ‫من غير جهل وال عذر‪ ،‬هو كفر) اهـ من كتاب السنَّة لعبد هللا بن أحمد‪.‬‬ ‫(‪ )1‬الفصل في الملل (‪.)928/3‬‬ ‫(‪ )2‬الفصل في الملل (‪.)928/3‬‬


‫‪578‬‬

‫تهذيب شرح األصول الثالثة‬ ‫د‬ ‫الثالثةد‬ ‫األصول‬ ‫تهذيب‬ ‫شرح التي قال رسول‬ ‫الخمس‬ ‫ترك‬

‫سنَّة‪( :‬إنَّما الكفر في‬ ‫ي في أصول ال ُّ‬ ‫وقال الحميد ّ‬ ‫َّ‬ ‫ا‬ ‫َّ‬ ‫ي اإلسالم على خمس‪ :‬شهادة أن ال إله إ ال هللا‪ ،‬وأن مح َّمدا رسول هللا‪،‬‬ ‫هللا ^‪« :‬بُنِ َ‬ ‫ص الة‪ ،‬وإيتاء الزكاة‪ ،‬وصوم رمضان‪ ،‬وحج البيت»)‪.‬‬ ‫وإقام ال َّ‬ ‫وإن كانت طائفة ممتنعة ذات شوكة رفضت أن تلتزم الزكاة‪ ،‬أو تلتزم الصوم‬ ‫أو الحج‪ ،‬فإنها تقاتل على الكفر‪ ،‬كما أفتى بذلك ابن تيمية ‪ ،/‬وهو قتال على الردة‪،‬‬ ‫واستدل بمقاتلة الصحابة لمانعي الزكاة‪.‬‬


‫املنهج املختصر يف الفقه والعقيدة والدعوة‬ ‫فصل‬

‫‪579‬‬

‫قال المصنف ‪[ :/‬المرتبة الثانية‪ :‬اإليمان‪ ،‬وهو بضع وسبعون شعبة أعالها‬ ‫قول‪ :‬ال إلَه إال هللا‪ ،‬وأدناها إماطة األذى عن الطريق‪ ،‬والحياء شعبة من اإليمان‪،‬‬ ‫وأركانه‪ :‬ستة‪ ،‬أن تؤمن باهلل‪ ،‬ومالئكته‪ ،‬وكتبه‪ ،‬ورسله‪ ،‬واليوم اْلخر‪ ،‬والقدر خيره‬ ‫وشره كله من هللا‪ .‬والدليل قوله تعالى‪* :‬ﭑﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ‬ ‫ﭣ&[البقرة‪ ]577:‬ودليل القدر قوله تعالى‪* :‬ﰊ ﰊ ﰊ ﰊ ﰊ ﰊ&[القمر‪.]]49:‬‬ ‫الشرح‪:‬‬ ‫اإليمان لغة‪ :‬التصديق‪ ،‬قوله‪* :‬ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ&[يوسف‪ .]97:‬واصطالحا ا‪ :‬اإليمان له‬ ‫معنيان‪ :‬معنى عام وخاص‪ ،‬فإذا تفرد عن اإلسالم فيفسر بالمعنى العام‪ ،‬ويكون‬ ‫اإليمان‪ :‬قول باللسان‪ ،‬وعمل سواء بالجوارح أو القلب‪ ،‬واعتقاد بالجنان‪ .‬أي‪ :‬هو‬ ‫الخضوع واإلتيان بالدين كله عمالً واعتقادا ً‪.‬‬ ‫وأما إن اجتمع مع اإلسالم فيفسر بالتفسير الخاص‪ :‬وهو التصديق واالعتقاد بما‬ ‫جاء من شرع هللا‪ .‬وعلى ذلك‪ :‬فاإليمان يطلق على العمل الباطن‪ ،‬واإلسالم على‬ ‫األعمال الظاهرة‪.‬‬ ‫قال المصنف‪( :‬وأركانه‪ :‬ستة‪ ،‬أن تؤمن باهلل‪ ،‬ومالئكته‪ ،‬وكتبه‪ ،‬ورسله‪ ،‬واليوم‬ ‫اآلخر‪ ،‬والقدر خيره وشره كله من هللا‪ ،‬وهو يضع وسبعون شعبة) البضع‪ :‬من الثالثة‬ ‫إلى التسعة‪ ،‬والشعبة‪ :‬هي الطائفة والخصلة‪.‬‬ ‫(أعالها) أي‪ :‬أعلى ال ُّ‬ ‫شعب بمعنى اإليمان العام‪ ،‬وإالّ فإن قول‪ :‬ال إله إال هللا‬ ‫إسالم؛ ألن اإلسالم األعمال الظاهرة‪ .‬ومنه القول‪ .‬أما أعالها بالمعنى اإليمان الخاص‬ ‫فهو اعتقاد ما في شهادة أن ال إله إال هللا؛ ألن اإليمان بالمعنى الخاص هو االعتقاد‪.‬‬ ‫(أدناها) بالمعنى العام (إماطة األذى عن الطريق)‪.‬‬ ‫(والحياء شعبة من اإليمان) وهذا بالمعنى الخاص؛ ألن الحياء عمل قلب‬ ‫واعتقاد‪.‬‬ ‫والمصنف هنا ذكر ثالث جهات‪ ،‬وذكر عمل كل جهة‪ ،‬فجهة اللسان مثل‪ :‬ال‬ ‫إله إال هللا‪ ،‬وجهة الجوارح مثّل لها‪ :‬بإماطة األذى‪ ،‬وجهة القلب مثّل لها‪ :‬بالحياء‪.‬‬ ‫أما األركان فهي ستة‪ ،‬كالتالي‪:‬‬ ‫‪ -9‬أن تؤمن باهلل‪ ،‬ومعناه التصديق بأسمائه وصفاته وربوبيته وألوهيته‪.‬‬ ‫‪ -2‬اإليمان بالمالئكة‪ ،‬وهو التصديق بوجودهم وبما وكل إليهم من أعمال‪.‬‬ ‫‪ -3‬اإليمان بالكتب‪ ،‬بما نزل هللا من كتب على رسله‪.‬‬ ‫‪ -4‬اإليمان بالرسل‪ ،‬وهو التصديق بما أرسل هللا من رسل واإليمان بهم‪.‬‬


‫‪581‬‬

‫تهذيب شرح األصول الثالثة‬ ‫د‬ ‫الثالثةد‬ ‫األصول‬ ‫تهذيب شرح‬ ‫وبالحساب والعقاب‪،‬‬ ‫اآلخر‪،‬‬

‫‪ -5‬اإليمان باليوم اآلخر‪ ،‬أي‪ :‬التصديق باليوم‬ ‫والجنة والنار‪ ،‬وعذاب القبر‪.‬‬ ‫‪ -6‬أن تؤمن بالقدر خيره وشره‪ ،‬أي‪ :‬أن تصدق بما قضاه هللا وقدره‪.‬‬ ‫وكيفيه اإليمان بالقدر‪ :‬أن تؤمن أن هللا علم بالشيء قبل وجوده‪ ،‬ومشيئته له‪،‬‬ ‫وكتابته له في اللوح المحفوظ‪ ،‬وأن هللا أوجده‪.‬‬ ‫وقوله‪( :‬شره) ظاهره أن القدر فيه شر‪ ،‬ولكن هذا فيه تفصيل‪:‬‬ ‫ أما باعتبار فعل هللا وقضائه وقدره فكله خير ليس فيه شر‪ ،‬لحديث‪« :‬والشر‬‫ليس إليك»‪.‬‬ ‫‪ -‬أما باعتبار الناس ففيه شر‪ ،‬فالكفر والمعاصي وإبليس شر‪.‬‬


‫املنهج املختصر يف الفقه والعقيدة والدعوة‬ ‫فصل‬

‫‪585‬‬

‫قال المصنف ‪[ :/‬المرتبة الثالثة‪ :‬اإلحسان‪ ،‬ركن واحد‪ ،‬وهو‪ :‬أن تعبد هللا كأنك‬ ‫تراه‪ ،‬فإن لم تكن تراه فإنه يراك‪ ،‬والدليل قوله تعالى‪* :‬ﯿ ﰊ ﰊ ﰊ ﰊ ﰊ ﰊ ﰊ‬ ‫ﰊ&[النحل‪ ]518:‬وقوله تعالى‪* :‬ﮈﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓﮔ&[لقمان‪ ]11:‬وقوله تعالى‪* :‬ﮗ‬ ‫ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ&[الشعراء‪ ]159-158:‬وقوله تعالى‪* :‬ﯨ ﯨ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ‬ ‫ﯶ ﯷ ﯸ ﯹ ﯺ ﯻﯼ&[يونس‪.]65:‬‬ ‫والدليل من السنة‪ :‬حديث جبريل المشهور ×‪ ،‬عن عمر ا قال‪« :‬بينما نحن‬ ‫جلوس عند رسول هللا ^‪ ،‬إذ دخل علينا رجل‪ ،‬شديد بياض الثياب‪ ،‬شديد سواد الشعر‪،‬‬ ‫ال يرى عليه أثر السفر‪ ،‬وال يعرفه منا أحد‪ ،‬حتى جلس عند النبي ^‪ ،‬فأسند ركبتيه‬ ‫إلى ركبتيه‪ ،‬ووضع كفيه على فخذيه‪ ،‬فقال يا محمد‪ :‬أخبرني عن اإلسالم؟ قال‪ :‬أن‬ ‫تشهد أن ال إلَه إال هللا‪ ،‬وأن محمدا ا رسول هللا‪ ،‬وتقيم الصالة‪ ،‬وتؤتي الزكاة‪ ،‬وتصوم‬ ‫رمضان‪ ،‬وتحج البيت الحرام إن استطعت إليه سبي الا؛ قال صدقت‪ ،‬فعجبنا له‪ :‬يسأله‪،‬‬ ‫ويصدقه‪.‬‬ ‫قال‪ :‬أخبرني عن اإليمان؟ قال‪ :‬أن تؤمن باهلل‪ ،‬ومالئكته‪ ،‬وكتبه‪ ،‬ورسله‪،‬‬ ‫واليوم اْلخر‪ ،‬والقدر خيره وشره؛ قال‪ :‬صدقت‪ .‬قال‪ :‬أخبرني عن اإلحسان؟ قال‪ :‬أن‬ ‫تعبد هللا كأنك تراه‪ ،‬فإن لم تكن تراه‪ ،‬فإنه يراك؛ قال‪ :‬صدقت‪ .‬قال أخبرني عن‬ ‫الساعة؟ قال‪ :‬ما المسؤول عنها بأعلم من السائل‪ .‬قال‪ :‬أخبرني عن أماراتها؟ قال‪ :‬أن‬ ‫تلد األمة ربها‪ ،‬وأن ترى الحفاة‪ ،‬العراة‪ ،‬العالة‪ ،‬رعاء الشاء‪ ،‬يتطاولون في البنيان‪،‬‬ ‫فمضى فلبثنا مليا ا‪ ،‬فقال النبي ^‪ :‬يا عمر‪ :‬أتدرون من السائل؟ قلنا‪ :‬هللا ورسوله أعلم؟‬ ‫قال‪ :‬هذا جبريل‪ ،‬أتاكم يعلمكم أمر دينكم»]‪.‬‬ ‫الشرح‪:‬‬ ‫اإلحسان‪ :‬لغة‪ :‬مشتق من الحسن‪ ،‬ويطلق على اإلتقان واإلجادة‪ .‬واص طالحا ا‪:‬‬ ‫هو إتقان الظاهر والباطن‪ ،‬أي‪ :‬إتقان اإلسالم واإليمان‪ ،‬وهو أعلى المراتب‪ ،‬فإذا أتقن‬ ‫اإلنسان وأحسن في إسالمه وأتقن كذلك إيمانه‪ ،‬فإنه يكون من المحسنين‪.‬‬ ‫واإلحسان له ركن واحد‪ :‬أن تعبد هللا كأنك تراه‪ ،‬أي‪ :‬تعبد هللا عبادة متقنة‬ ‫مجردة‪ .‬ومعنى أن تعبد هللا أي‪ :‬تذل وتخضع هلل في أعمالك الظاهرة واعتقاداتك‬ ‫الباطنة‪.‬‬ ‫وهذا الركن له مرتبتان‪:‬‬ ‫(أ) مرتبة االستحضار‪ ،‬وتعريفها‪ :‬أن تعبد هللا كأنك تراه‪ ،‬فتستحضر في‬ ‫عبادتك أنك بين يدي هللا‪ ،‬وهي مرتبة المحبة والتطلع والشوق‪ ،‬وهي أكمل‪.‬‬


‫‪581‬‬

‫تهذيب شرح األصول الثالثة‬ ‫د‬ ‫الثالثةد‬ ‫األصول‬ ‫شرح عليك ويراقبك‪،‬‬ ‫تهذيبمطلع‬ ‫وتشعر أنه‬

‫(ب) مرتبة االطالع‪ ،‬وتعريفها‪ :‬أن تعبد هللا‬ ‫وهذا يورث حسن العبادة‪.‬‬ ‫ثم ذكر المصنف الدليل على ذلك‪ ،‬فبدأ بالدليل على المرتبة األولى وهي‬ ‫األفضل‪ ،‬قال تعالى‪* :‬ﯿ ﰕ ﰕ ﰕ ﰕ ﰕ ﰕ ﰕ ﰕ&[النحل‪ ]928:‬أي‪ :‬متقنون األعمال‬ ‫واالعتقادات‪.‬‬ ‫أما الدليل على المرتبة الثانية‪ ،‬فذكر المصنف دليلين‪* :‬ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ‬ ‫ﮛ&[الشعراء‪ ]298-297:‬أي‪ :‬يطلع عليك ويراقبك‪ ،‬وهذا يورث اإلحسان في اإلسالم‬ ‫واإليمان‪.‬‬ ‫والدليل الثاني‪ ،‬قوله تعالى‪* :‬ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ ﯶ ﯷ ﯸ ﯹ ﯺ ﯻﯼ&[يونس‪ ]69:‬أي‪ :‬تشعر‬ ‫أن هللا يشاهدك‪ ،‬وهذا يورث اإلحسان في األعمال واالعتقادات‪.‬‬ ‫قال المصنف‪( :‬والدليل من السنة) أي‪ :‬على مراتب الدين الثالثة‪.‬‬ ‫قوله في حديث جبريل المشهور‪( :‬إذ طلع علينا رجل) فيه‪ :‬أن المالئكة قد‬ ‫تتشكل في صورة رجال بإذن هللا‪ ،‬وقد كان جبريل يأتي على هيئة دحية الكلبي‪ ،‬وفي‬ ‫الصحيح‪ :‬أن ملكا ً جاء إلى رجال في صورة أعمى‪ ،‬وصورة أبرص‪ ،‬وصورة أقرع‪.‬‬ ‫(شديد بياض الثياب) أي‪ :‬وذلك غير معتاد للمسافر أن تكون ثيابه بيضاء‪.‬‬ ‫(شديد سواد الشعر) أي‪ :‬أن بدنه ومظاهره نظيفة‪ ،‬وهذا أول ما أشكل على‬ ‫الصحابة لكونه مسافرا ً‪ ،‬ونظيفة خالف عادة المسافر!‬ ‫(حتى جلس إلى الرسول ^) أي‪ :‬فجاء يتخطى الرقاب‪ ،‬وتخطي الرقاب يكره‬ ‫إال لحاجة‪.‬‬ ‫(فأسند ركبتيه إلى ركبتيه‪ ،‬ووضع كفيه على فخذيه) أي‪ :‬جلس كما يجلس‬ ‫المصلي في الجلسة بين السجدتين‪ ،‬والضمير في كفيه وفخذيه يعود على جبريل‪.‬‬ ‫قوله‪( :‬فقال‪ :‬يا محمد) ناداه باسمه‪ ،‬مع أن هللا قال‪* :‬ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ‬ ‫ﮃﮄ&[النور‪ ]63:‬ولم يذكر الصالة والسالم على الرسول‪ ،‬وهذا يؤيد أن الصالة والسالم‬ ‫على الرسول عند ذكر اسمه سنة مؤكدة‪ ،‬ويكون صارفا ً لألمر في قوله تعالى‪* :‬ﭼ ﭽ‬ ‫ﭾ ﭿ ﮀ&[األحزاب‪ ]56:‬إلى االستحباب‪.‬‬ ‫ثم سأله عن اإلسالم فأجابه الرسول ^‪ ،‬بأن اإلسالم هو‪ :‬الذل والخضوع هلل‬ ‫باألركان الخمسة‪ ،‬وهي‪ :‬الشهادتان والصالة والصوم والزكاة والحج‪ ،‬فقال‪:‬‬ ‫« صدقت»‪ ،‬وهذا تعجب من الصحابة؛ ألن السائل عادة ال يصحح الجواب‪.‬‬ ‫ثم سأله عن اإليمان‪ ،‬فأخبره أن اإليمان هو‪ :‬الذل والخضوع هلل باالعتقادات‬ ‫الباطنة‪.‬‬ ‫ثم سأله عن اإلحسان‪ ،‬فأخبره‪ :‬أن تذل وتخضع هلل بإتقان اإلسالم واإليمان هلل‪.‬‬


‫املنهج املختصر يف الفقه والعقيدة والدعوة‬

‫‪583‬‬

‫ثم سأله عن الساعة فلم يجبه الرسول ^ عن هذا السؤال؛ ألنه سأل عن وقتها‪،‬‬ ‫ووقت الساعة ال يعلمه إال هللا‪.‬‬ ‫ثم سأله عن عالمات الساعة‪ ،‬فأخبره عن عالمتين‪ ،‬والجامع بين العالمتين أن‬ ‫فيها انعكاس األمور‪ ،‬فيكون أسفل الشيء أعاله!!‬ ‫العالمة األولى‪ :‬أن تلد األمة ربتها‪ ،‬بحيث يصير المربي وهي األم مربيا ً عندما‬ ‫تكثر اإلماء‪.‬‬ ‫العالمة الثانية‪ :‬أن يكون فقراء الناس هم أعالي الناس‪.‬‬ ‫ثم بعد ذلك أخبر الصحابة عن السائل أنه جبريل أتاهم يعلمهم الدين‪.‬‬ ‫وقوله في الحديث‪« :‬هللا ورسوله أعلم»‪ ،‬هذه تقال في حياة الرسول ^‪ ،‬أما بعد‬ ‫وفاة الرسول ^ فيقول من سئل عما ال يعلم‪ :‬هللا أعلم‪.‬‬


‫تهذيب شرح األصول الثالثة‬

‫‪584‬‬

‫األصل الثالث‬

‫د‬ ‫تهذيب شرح األصول الثالثةد‬

‫قال المصنف ‪[ :/‬األصل الثالث‪ :‬معرفة نبيكم محمد ^‪ ،‬وهو‪ :‬محمد بن عبد هللا‬ ‫بن عبد المطلب‪ ،‬بن هاشم‪ ،‬وهاشم من قريش‪ ،‬وقريش من العرب‪ ،‬والعرب من ذرية‬ ‫إسماعيل بن إبراهيم الخليل‪ ،‬على نبينا وعليه أفضل الصالة والسالم‪ ،‬وله من العمر‬ ‫ثالث وستون سنة‪ ،‬منها أربعون قبل النبوة‪ ،‬وثالث وعشرون نبيا ا رسو الا‪ ،‬نبئ بإقرأ‪،‬‬ ‫وأرسل بالمدثر‪ ،‬وبلده مكة‪ ،‬وهاجر إلى المدينة‪.‬‬ ‫بعثه هللا بالنذارة عن الشرك‪ ،‬ويدعو إلى التوحيد‪ ،‬والدليل قوله تعالى‪* :‬ﮪ ﮭ ﮮ‬ ‫ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ&[المدثر‪ ]7-5:‬ومعنى‪* :‬ﮯ ﮰ ﮱ&[المدثر‪]1:‬‬ ‫ينذر عن الشرك‪ ،‬ويدعو إلى التوحيد *ﯓ ﯔ ﯕ&[المدثر‪ ]3:‬أي‪ :‬عظمه بالتوحيد *ﯖ ﯗ‬ ‫ﯘ&[المدثر‪ ]4:‬أي‪ :‬طهر أعمالك عن الشرك *ﯙ ﯚ ﯛ&[المدثر‪ ]5:‬الرجز األصنام‪ ،‬وهجرها‬ ‫تركها‪ ،‬والبراءة منها وأهلها‪.‬‬ ‫أخذ على هذا عشر سنين‪ ،‬يدعو إلى التوحيد‪ ،‬وبعد العشر عرج به إلى السماء‪،‬‬ ‫وفرضت عليه ال صلوات الخمس‪ ،‬وصلى في مكة ثالث سنين]‪.‬‬ ‫الشرح‪:‬‬ ‫معرفة هذا األصل يتضمن‪:‬‬ ‫‪ -9‬العلم باسم الرسول ^ ونسبه‪.‬‬ ‫‪ -2‬كونه نبيا ً رسوالً‪.‬‬ ‫‪ -3‬معرفة هجرته‪.‬‬ ‫‪ -4‬معرفة ما أرسل به‪.‬‬ ‫‪ -5‬معرفة شيء من سيرته الذاتية‪ ،‬كعمره ومتى توفي وبلده‪.‬‬ ‫والمصنف أعطى تعريفا ً موجزا ً لسيرته عليه الصالة والسالم‪ ،‬وما الفرق بين‬ ‫هذا األصل‪ ،‬وركن شهادة أن محمدا ً رسول هللا؟!‬ ‫الفرق بينهما‪ :‬أن هذا األصل اعتقادي علمي يتعلق بالمعرفة‪ ،‬وأما ركن شهادة‬ ‫أن محمدا ً رسول هللا فهو أصل عملي‪ ،‬أي‪ :‬أنك تطيعه وتتبع أوامره‪ ،‬فهناك تعمل‪،‬‬ ‫وهنا تعتقد وتعرف‪ ،‬وفائدة هذا األصل‪ :‬علمية معرفية‪.‬‬ ‫ويجب على المسلم أن يعرف من سيرة الرسول ^ ما يسأل عنه في قبره عن‬ ‫الرسول ^‪ ،‬كما جاء من حديث أنس المتفق عليه‪« :‬إن الملكين يسأالن الميت فيقوالن‬ ‫له‪ :‬ما تقول في هذا الرجل؟ فيقول‪ :‬محمد رسول هللا»‪.‬‬ ‫ويجب على المسلم أن يعرف أنه رسول هللا‪ ،‬وأنه نبي‪ ،‬وأنه عبد هللا‪ ،‬ال ملك‪،‬‬ ‫وال إله‪ ،‬وال يُعبد‪ ،‬وال يُستغاث به‪ ،‬وال يُذبح له‪ ،‬وال يُصرف له شيء من العبادة‪،‬‬ ‫ومن صرف له شيء من العبادة فهو مشرك كافر‪.‬‬


‫املنهج املختصر يف الفقه والعقيدة والدعوة‬

‫‪585‬‬

‫ويجب على المسلم أن يعرف ما جاء به الرسول ^‪ ،‬كما جاء في حديث أسماء‬ ‫المتفق عليه‪« :‬فيسأله الملكان‪ :‬ما علمك بهذا الرجل؟ فيقول‪ :‬محمد رسول هللا‪ ،‬جاءنا‬ ‫بالبينات والهدى‪ ،‬فأجبنا وآمنا»‪.‬‬ ‫وفي حديث البراء بن عازب الطويل في مسند أحمد وغيره‪« :‬فيسأله الملكان‬ ‫فيقوالن‪ :‬ما يدريك عن هذا الرجل؟ فيقول‪ :‬قرأت كتاب هللا فآمنت وصدقت»‪.‬‬ ‫ويجب على المسلم أن يعرف أنه عربي‪ ،‬وأنه قد مات‪ ،‬كما قال تعالى‪* :‬ﰕ ﰕ‬ ‫ﰕ ﰕ ﰕ&[الزمر‪ ]31:‬وقوله‪* :‬ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃﮄ&[آل عمران‪ ،]944:‬وهو‬ ‫في قبره حي حياة برزخية‪.‬‬ ‫ويجب على المسلم أن يعرف من سيرته ما يُفرق بينه وبين مدعي النبوة‪.‬‬ ‫ثم ذكر المصنف نسبه إلى إبراهيم ×‪.‬‬ ‫ثم ذكر عمر الرسول ^ عند وفاته‪ ،‬وأنه ثالث وستون سنة‪ ،‬منها أربعون قبل‬ ‫النبوة‪ ،‬وثالث وعشرون نبيا ً رسوالً‪.‬‬ ‫وقوله‪( :‬بعثه هللا بالنذارة عن الشرك) هذا أعظم ما يجب معرفته مما جاء به‬ ‫الرسول ^‪ .‬وما جاء به الرسول هو‪ :‬الدعوة إلى التوحيد‪ ،‬والدعوة إلى إفراد هللا بما‬ ‫يستحقه من األسماء والصفات‪ ،‬والربوبية واأللوهية‪ ،‬وترك الشرك وأهله‪ .‬والدليل‬ ‫قوله تعالى‪* :‬ﮪ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ&[المدثر‪ ]2-9:‬أي‪ :‬ينذر عن الشرك *ﯓ ﯔ ﯕ&[المدثر‪ ]3:‬أي‪:‬‬ ‫عظمه بالتوحيد *ﯖ ﯗ ﯘ&[المدثر‪ ]4:‬أي‪ :‬طهر أعمالك عن الشرك‪ ،‬ويقصد بالثياب هنا‬ ‫المعنوية‪ .‬جاء بالبراءة من المشركين ومن دينهم ومن أعمالهم‪ ،‬قال تعالى‪* :‬ﯙ ﯚ‬ ‫ﯛ&[المدثر‪ ،]5:‬فيهجر األصنام‪ ،‬وجاء بالبراءة منها ومن أهلها‪.‬‬


‫تهذيب شرح األصول الثالثة‬

‫‪586‬‬

‫فصل‬

‫د‬ ‫تهذيب شرح األصول الثالثةد‬

‫قال المصنف ‪[ :/‬وبعدها أمر بالهجرة إلى المدينة‪ ،‬والهجرة‪ :‬االنتقال من بلد‬ ‫الشرك إلى بلد اإلسالم‪ ،‬وهي‪ :‬باقية إلى أن تقوم الساعة‪ ،‬والدليل قوله تعالى‪* :‬ﮀﮁ‬ ‫ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈﮉ ﮊ ﮋﮌ ﮍ ﮎﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗﮘ‬ ‫ﮙ ﮚ ﮛﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ‬

‫ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ&[النساء‪ ]99-97:‬وقوله تعالى‪:‬‬ ‫*ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ&[العنكبوت‪.]56:‬‬ ‫قال البغوي ‪ :/‬سبب نزول هذه اْلية في المسلمين الذين بمكة‪ ،‬لم يهاجروا‪،‬‬ ‫ناداهم هللا باسم اإليمان؛ والدليل على الهجرة من السنة قوله ^‪ « :‬ال تنقطع الهجرة‬ ‫حتى تنقطع التوبة‪ ،‬وال تنقطع التوبة حتى تطلع الشمس من مغربها»]‪.‬‬ ‫الشرح‪:‬‬ ‫أي بعد الثالث سنوات بعد اإلسراء والمعراج (أمر) واآلمر هو هللا ـ‪ ،‬وهذه هي‬ ‫المرحلة الوسطى من مراحل الهجرة‪ .‬فالهجرة على أنواع‪:‬‬ ‫أ‪ -‬هجرة من بالد الخوف واالضطهاد إلى بالد األمن‪ ،‬وهي الهجرة إلى‬ ‫الحبشة‪ ،‬كما هاجر الصحابة‪.‬‬ ‫ب‪ -‬الهجرة إلى المدينة فقط‪ ،‬وهي التي يتحدث عنها المصنف هنا‪ ،‬وهي‬ ‫الهجرة من بلد الشرك إلى بلد اإلسالم الوحيد‪ ،‬وهذه الهجرة باقية وهي أشد وجوبا ً؛‬ ‫ألن سببها أن يجتمع المسلمون في مكان واحد إلقامة الدين‪ ،‬وهي الهجرة التي كانت‬ ‫من بداية هجرة الرسول ^ إلى ما بعد غزوة األحزاب‪.‬‬ ‫ج‪ -‬الهجرة من بالد الفتنة‪.‬‬ ‫د‪ -‬الهجرة من بلد البدعة المكفرة الغليظة‪.‬‬ ‫هـ‪ -‬الهجرة من بلد المعاصي والبدع غير المكفرة ونحو ذلك‪.‬‬ ‫وكلما وجدت أسباب كل نوع وجبت الهجرة‪ ،‬فإذا وجد اضطهاد للمسلمين‬ ‫وليس هناك بلد إسالمي يهاجرون إليه فيهاجرون إلى أي بلد آمن ولو كان كافرا ً‪ ،‬كما‬ ‫حصل للصحابة عندما هاجروا من مكة إلى الحبشة‪ ،‬أما إذا وجد بلد إسالمي وحيد‬ ‫وهذا البلد قريب النشأة‪ ،‬فيجب الهجرة إليه ليصبح المسلمون قوة واحدة‪ ،‬كما فرضت‬ ‫الهجرة إلى المدينة وكانت قريبة النشأة‪ ،‬وهذه الهجرة حكمها حكم الجهاد‪ ،‬فإذا قوي‬ ‫المسلمون وانتشرت البالد اإلسالمية‪ ،‬فتجب الهجرة على العاجز إلى أي بلد إسالمي‪.‬‬


‫املنهج املختصر يف الفقه والعقيدة والدعوة‬

‫‪587‬‬

‫وتعريف الهجرة لغة‪ :‬الترك‪ .‬واصطالحا ا‪ :‬هي ترك ما نهى هللا عنه إلى ما أمر‬ ‫هللا به‪ ،‬وهذه الهجرة بالمعنى العام‪ ،‬وأما تعريف الهجرة بالمعنى الخاص فهي كما قال‬ ‫المصنف‪( :‬االنتقال من بلد الشرك إلى بلد اإلسالم)‪.‬‬ ‫وبلد الشرك أو بلد الكفر هي الديار التي يكون فيها الغلبة والقوة للكفار أو‬ ‫المشركين‪ ،‬وهي التي تجري فيها أحكام الكفر أو الشرك ولو كان فيها مسلمون‪ ،‬ولو‬ ‫ظهر فيها بعض خصال اإلسالم إذا كان هذا الظهور بالخصال اإلسالمية بسبب إذن‬ ‫الكفار ال بقوة المسلمين‪ ،‬وأما ديار اإلسالم فهي ما كان الغلبة والقوة للمسلمين‪ ،‬وهي‬ ‫التي تجري فيها أحكام اإلسالم‪.‬‬ ‫وهناك بلد ثالثة ال تسمى بلد شرك بإطالق‪ ،‬وال تسمى بلد إسالم بإطالق‪ ،‬وهي‬ ‫ما ظهر فيها اإلسالم وأحكام وخصال اإلسالم بقوة الرعية أو السلطان‪ ،‬وظهر فيها‬ ‫أحكام وخصال الكفر بقوة أهلها‪ ،‬بحيث ال يستطيع هؤالء منع هؤالء وبالعكس‪ ،‬فهذه‬ ‫بلد مختلطة‪ ،‬فيقضى ألهل اإلسالم حكم‪ ،‬وللكفار حكم‪ ،‬وهذا النوع من البالد حدث‬ ‫من قريب في عهد أبي العباس ابن تيمية‪ ،‬وقد سئل عن بعض البالد التي تجري فيها‬ ‫أحكام الكفر بقوة‪ ،‬وتجري أحكام وخصال اإلسالم بقوة‪ ،‬فقال‪ :‬ال تعطى حكم الكفر‬ ‫بإطالق‪ ،‬وال تعطى حكم اإلسالم بإطالق‪ ،‬وإنما كل يعامل بحسبه‪ ،‬وهي فتوى‬ ‫مشهورة في فتاواه تسمى المسألة الماردينية نسبة إلى البلد (ماردين)‪ ،‬وهي بلد شمال‬ ‫سوريا‪.‬‬ ‫وهذه تسمى بالد مختلطة ظهرت وقت التتار‪ ،‬وفي عهد أبي بكر ظهرت أحكام‬ ‫بالد الردة‪ ،‬وفي عهد علي بن أبي طالب ظهرت بالد البدعة‪ ،‬وهي بالد الخوارج‬ ‫حروراء‪.‬‬ ‫والعبرة في تحديد بالد اإلسالم يكون بجريان األحكام والحكومة‪ ،‬يدل على‬ ‫ذلك‪ :‬أن خيبر يوم فتحها الرسول اعتبرت بالد إسالم جرى فيها حكم اإلسالم‪ ،‬ولكن‬ ‫شعبها كلهم يهود‪ ،‬وقيل‪ :‬العبرة بالشعوب والرعية‪.‬‬ ‫أما قول الجغرافيين‪ :‬إن العبرة بالشعب‪ ،‬فإذا كان غالب الشعب مسلمين والحكام‬ ‫علمانيين فيقولون‪ :‬بلد إسالم‪ ،‬فهذا غير صحيح‪.‬‬ ‫وحكم الهجرة فيه تفصيل بحسب كل نوع كما يلي‪:‬‬ ‫أو الا‪ :‬الهجرة من بلد الشرك إلى بلد اٍإلسالم واجبة على القادر على الهجرة‪،‬‬ ‫وكان ال يستطيع إظهار دينه في بلد الشرك‪ ،‬ويدل عليه قوله تعالى‪* :‬ﮀ ﮁ ﮂ‬ ‫ﮃ ﮄ ﮅ&[النساء‪ ]17:‬أي‪ :‬بترك الهجرة مع القدرة عليها‪ ،‬أما إن كان في بالد‬ ‫الشرك قادرا ً على إظهار دينه‪ ،‬ويأمن على نفسه‪ ،‬فالجمهور على أنه يستحب له‬ ‫الهجرة‪ ،‬واختاره ابن قدامة في المغني‪ ،‬وابن تيمية‪ ،‬وكثير من أهل العلم‪.‬‬


‫تهذيب شرح األصول الثالثة‬

‫‪588‬‬

‫د‬ ‫الثالثةد‬ ‫األصول‬ ‫ويدلشرح‬ ‫واجبة‪ ،‬تهذيب‬ ‫على الوجوب قوله‬

‫ثانيا ا‪ :‬الهجرة من بلد البدعة إلى بلد السنة‬ ‫تعالى‪* :‬ﯷ ﯸ ﯹ ﯺ ﯻ ﯼ ﯽ ﯾ ﯿ ﰕ ﰕ ﰕ ﰕﰕ ﰕ ﰕ ﰕ ﰕ ﰕ ﰕ ﰕ ﰕ ﰕ ﰕ ﰕ&[األنعام‪.]68:‬‬ ‫(‪)1‬‬

‫ونقل ابن العربي عن ابن القاسم عن مالك قال‪( :‬ال يحل ألحد أن يقيم ببلد‬ ‫يسب فيها الصحابة) وهذا مثل البالد التي تغلّب عليها الرافضة أو الخوارج‪ ،‬وقد‬ ‫هاجر الخرقي من بغداد لما كثر فيها سب الصحابة‪.‬‬ ‫فمن ال يستطيع إظهار السنة في هذا البلد‪ ،‬وال يأمن على نفسه‪ ،‬بل تجري عليه‬ ‫البدعة‪ ،‬فيجب عليه أن يهاجر‪ ،‬وإن استطاع أن يظهر السنة‪ ،‬فيستحب له أن يهاجر‪،‬‬ ‫إال إن كان في البقاء مصلحة للمسلمين فله أن يبقى‪ ،‬كما بقي العباس في مكة‪ ،‬وكان‬ ‫على إسالمه‪.‬‬ ‫ثالثا ا‪ :‬الهجرة من بلد الخوف والظلم‪ ،‬فإذا كان في بلد مضطهد لقيامه بالدين‪ ،‬أو‬ ‫ألمره بالمعروف ونهيه عن المنكر‪ ،‬فله أن يهاجر لبلد إسالم آخر يستطيع أن يأمر‬ ‫فيه وينهى‪ ،‬قال الشوكاني في السيل الجرار الجزء الرابع بعدما تكلم عن الهجرة‪:‬‬ ‫(وليست مختصة بدار الكفر‪ ،‬بل هي شريعة قائمة وسنة ثابتة عند استعالن المنكر‪،‬‬ ‫وعدم االستطاعة للقيام بواجب األمر بالمعروف والنهي عن المنكر‪ ،‬وعدم وجود من‬ ‫يأخذ على أيدي المنتهكين لمحارم هللا‪ ،‬فحق على العبد المؤمن أن ينجو بنفسه‪ ،‬ويفر‬ ‫بدينه إن تمكن من ذلك‪ ،‬ووجد أرضا ً خالية من التظاهر بالمعاصي‪ ،‬فإن لم يجد فليس‬ ‫باإلمكان أفضل مما كان) اهـ‪.‬‬ ‫واختاره ابن العربي في أحكام القرآن‪ ،‬واستدل على ذلك بفرار إبراهيم × قال‬ ‫(‪)2‬‬

‫تعالى‪* :‬ﯨ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ&[الصافات‪ .]11:‬وذكر في تحفة األحوذي ‪( :‬أن من حكمة الهجرة‬ ‫إلى الحبشة ليسلموا من أذية ذويهم‪ ،‬ويدل عليه قوله ^‪« :‬خير مال المسلم غنم يتبع‬ ‫به شعف الجبال ومواقع القطر‪ ،‬يفر بدينه من الفتن» رواه البخاري)‪.‬‬ ‫رابعا ا‪ :‬الهجرة من بلد المعاصي التي غلب عليها الكسب الحرام‪ ،‬فهذه عدها‬ ‫بعض أهل العلم من البالد التي يهاجر منها‪ ،‬واختاره ابن العربي في أحكام القرآن‬ ‫وصديق خان في كتابه العبرة فيما جاء في الغزو والهجرة‪.‬‬ ‫ومعنى قولنا‪ :‬قادر على إظهار الدين أي‪ :‬جميع الدين‪ ،‬فاأللف والالم في الدين‬ ‫للعموم‪ ،‬فإن كان قادرا ً على إظهار الصالة واألذان ولكن غير قادر على إظهار‬ ‫التوحيد فليس بقادر‪ ،‬وإن كان قادرا ً على الصيام وغير قادر على البغض والمعاداة‬ ‫(‪ )1‬أحكام القرآن (‪.)484/9‬‬ ‫(‪.)294/5( )2‬‬


‫املنهج املختصر يف الفقه والعقيدة والدعوة‬

‫‪589‬‬

‫للكفار فليس بقادر‪ ،‬فتجب عليه الهجرة حينئذ‪ ،‬إال أن الهجرة في هذه اآلونة قد تكون‬ ‫صعبة بسبب مسائل الحدود واإلقامة والقوانين الوضعية‪.‬‬ ‫فقول المصنف‪( :‬والهجرة فريضة) فيه تفصيل‪ :‬فمن كان غير قادر على‬ ‫الهجرة فليست في حقه فرض‪ ،‬وأما إن كان قادرا ً على الهجرة وغير قادر على‬ ‫إظهار الدين فهي فرض في حقه‪.‬‬ ‫قال المصنف‪( :‬على هذه األمة) أي‪ :‬أمة اإلجابة‪.‬‬ ‫قال المصنف‪( :‬وهي باقية إلى أن تقوم الساعة) وهذا رد على من قال‪ :‬إنها‬ ‫منسوخة بعد فتح مكة‪ ،‬واستدل بقول النبي ^‪ « :‬ال هجرة بعد الفتح»‪ ،‬والصحيح أن‬ ‫معناه‪ :‬ال هجرة من مكة بعد الفتح؛ ألنها أصبحت دار إسالم‪.‬‬ ‫وقول المصنف‪( :‬إلى أن تقوم الساعة) أي‪ :‬إلى قرب قيام الساعة مادام أن‬ ‫هناك مسلمين؛ ألن من المعلوم أن الساعة تقوم على الكفار‪.‬‬ ‫واستدل المصنف على ذلك بقوله تعالى‪* :‬ﮆ ﮇ ﮈﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ‬ ‫ﮎﮏ&[النساء‪ ]17:‬أي‪ :‬ضعفاء‪ ،‬بمعنى أقلية ليس لهم أمر‪ ،‬ألنهم ضعفاء غير قادرين على‬ ‫الهجرة‪ ،‬وكثّروا سواد الكفار في معركة بدر‪ ،‬فقالت لهم المالئكة على وجه اإلنكار‪:‬‬ ‫*ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗﮘ ﮙ ﮚ ﮛﮜ&[النساء‪ ]17:‬وهذه من آيات الوعيد‪ ،‬ومذهب‬ ‫السلف إجراء آيات الوعيد على ما جاءت عليه؛ ألنه أوقع للزجر‪ ،‬لكن إذا خشي أن‬ ‫يفهم منها الخلود أو التكفير فإنها تشرح‪.‬‬ ‫ولذا قد يقول قائل‪ :‬ظاهر اآلية أنهم خالدون فيها‪ ،‬فالجواب‪ :‬أن يقال‪ :‬ال ألنه‬ ‫بإجماع أهل السنة والجماعة أنه ال خلد في النار لمن ترك الهجرة مع أنه مسلم‪ ،‬وال‬ ‫خلود على من ارتكب كبيرة من كبائر الذنوب غير مستحل لها‪ ،‬لكن إن كان ترك‬ ‫الهجرة رغبة عن اإلسالم أو مع كفر صاحبها أو كان ليس مجرد تكثير سواد الكفار‪،‬‬ ‫بل قاتل معهم وحمل السالح ورمى‪ ،‬فهذا كفر‪.‬‬ ‫وقوله تعالى‪* :‬ﮠ ﮡ&[النساء‪ ]18:‬استثنى هللا المستضعفين الذين ال‬ ‫يستطيعون الهجرة‪ .‬قوله تعالى‪* :‬ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ&[العنكبوت‪ ]56:‬هذه اآلية الثانية تدل على‬ ‫وجوب الهجرة‪.‬‬ ‫ودليل الهجرة من السنة حديث‪ « :‬ال تنقطع الهجرة حتى تنقطع التوبة»‪.‬‬


‫تهذيب شرح األصول الثالثة‬

‫‪591‬‬

‫فصل‬

‫د‬ ‫تهذيب شرح األصول الثالثةد‬

‫قال المصنف ‪[ :/‬فلما استقر بالمدينة أمر ببقية شرائع اإلسالم‪ ،‬مثل‪ :‬الزكاة‪،‬‬ ‫والصوم‪ ،‬والحج‪ ،‬واألذان‪ ،‬والجهاد‪ ،‬واألمر بالمعروف والنهي عن المنكر‪ ،‬وغير‬ ‫ذلك من شرائع اإلسالم‪ ،‬وأخذ على هذا عشر سنين‪ ،‬وبعدها توفي صالة هللا وسالمه‬ ‫عليه‪ ،‬ودينه باق‪ ،‬وهذا دينه‪ ،‬ال خير إال دل األمة عليه‪ ،‬وال شر إال حذرها منه‪.‬‬ ‫والخير الذي دلها عليه التوحيد وجميع ما يحب هللا ويرضاه‪ ،‬والشر الذي‬ ‫حذرها منه الشرك وجميع ما يكرهه هللا ويأباه‪ ،‬بعثه هللا إلى الناس كافة‪ ،‬وافترض هللا‬ ‫طاعته على جميع الثقلين‪ ،‬الجن واإلنس‪ ،‬والدليل قوله تعالى‪* :‬ﭨ ﭩ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ‬ ‫ﮩ&[األعراف‪ ]558:‬وأكمل هللا به الدين‪ ،‬والدليل قوله تعالى‪* :‬ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ‬ ‫ﮅﮆ&[المائدة‪ ،]3:‬والدليل على موته ^ قوله تعالى‪* :‬ﰊ ﰊ ﰊ ﰊ ﰊ&[الزمر‪.]]31:‬‬ ‫الشرح‪:‬‬ ‫ختم المصنف األصل الثالث بمسائل مهمة هي‪:‬‬ ‫المسألة األولى‪ :‬بيان ما جاء به الرسول ^‪ ،‬وهو أنه جاء بالتوحيد والنهي عن‬ ‫الشرك‪ ،‬وهذا إعادة مرة أخرى ألهميته‪.‬‬ ‫المسألة الثانية‪ :‬عموم بعثه الرسول ^‪ ،‬وأن هللا افترض طاعته على جميع‬ ‫الثقلين اإلنس والجن‪ ،‬والدليل على أنه مبعوث إلى الخلق عامة‪ ،‬قوله تعالى‪* :‬ﭳ‬ ‫ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ&[الذاريات‪ ]56:‬وقوله‪* :‬ﭨ ﭩ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ&[األعراف‪ ]958:‬وقوله‬ ‫تعالى‪* :‬ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ&[األحقاف‪.]21:‬‬ ‫المسألة الثالثة‪ :‬كمال الدين الذي جاء به الرسول ^‪ ،‬والدليل قوله تعالى‪* :‬ﭻ ﭼ‬ ‫ﭽ ﭾ&[المائدة‪.]3:‬‬ ‫المسألة الرابعة‪ :‬أنه ^ مات يقينا ً‪ ،‬والدليل قوله تعالى‪* :‬ﰕ ﰕ ﰕ ﰕ‬ ‫ﰕ&[الزمر‪ ]31:‬وموته ^ كموت بقية الناس‪ :‬مفارقة الروح الجسد‪ ،‬أي‪ :‬خروجها في هذه‬ ‫الحياة الدنيا‪ ،‬وليس معنى الموت هو فناء الروح‪ ،‬فإن الروح ال تفنى‪ ،‬وإنما تنتقل إلى‬ ‫المأل األعلى إن كان مؤمنا ً أو إلى ما شاء هللا من العذاب إن كان غير ذلك‪.‬‬ ‫وتلتقي الروح بعد الموت بالبدن‪ ،‬فإذا مات الميت ووضع في القبر عادت‬ ‫الروح إليه ويأتيه منكر ونكير للسؤال‪ ،‬ثم بعد ذلك تنتقل الروح إما إلى نعيم أو عذاب‬ ‫أو ما شاء هللا‪.‬‬ ‫وفي قوله تعالى‪* :‬ﰕ ﰕ ﰕ ﰕ ﰕ&[الزمر‪ ]31:‬رد على المبتدعة وعباد القبور‬ ‫الذين يستغيثون بالرسول ويقولون‪ :‬إنه لم يمت!‬


‫املنهج املختصر يف الفقه والعقيدة والدعوة‬

‫‪595‬‬

‫نعم الرسول ^ في قبره حي‪ ،‬ولكن حياة برزخية‪ ،‬ولروحه اتصال ببدنه؛ ولذا‬ ‫جاء في الحديث أن الرسول يرد على من يسلم عليه‪ ،‬وألف البيهقي رسالة في بيان‬ ‫حياة األنبياء وأنهم أحياء‪ ،‬لكن حياة برزخية‪.‬‬ ‫والسبب الوحيد للموت‪ :‬هو انتهاء األجل بما قدر هللا‪ ،‬فالمقتول مات ألنه انتهى‬ ‫أجله‪ ،‬والمريض مات ألنه انتهى أجله‪.‬‬


‫تهذيب شرح األصول الثالثة‬

‫‪591‬‬

‫فصل‬

‫د‬ ‫تهذيب شرح األصول الثالثةد‬

‫قال المصنف ‪[ :/‬والناس إذا ماتوا يبعثون‪ ،‬والدليل قوله تعالى‪* :‬ﭽﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ‬ ‫ﮄ ﮅ ﮆ&[طه‪ ]55:‬وقوله‪* :‬ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ&[نوح‪ ]58-57:‬وبعد البعث محاسبون‪،‬‬ ‫ومجزيون بأعمالهم‪ ،‬إن خيرا ا فخير‪ ،‬وإن شرا ا فشر‪ ،‬والدليل قوله تعالى‪* :‬ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ‬ ‫ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ&[النجم‪ ،]35:‬ومن كذب بالبعث كفر‪ ،‬والدليل قوله تعالى‪* :‬ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ‬ ‫ﯓ ﯔﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ&[التغابن‪.]]7:‬‬

‫الشرح‪:‬‬ ‫هذا هو القسم األخير من الكتاب‪ ،‬وذكر فيه المصنف عدة مسائل‪:‬‬ ‫المسألة األولى‪ :‬البعث وهو عودة األرواح إلى األجساد بعد النفخة األخيرة‪.‬‬ ‫وقد اختلف أهل العلم في عدد النفخات‪ ،‬فمنهم من قال‪ :‬هي نفختان‪ ،‬ومنهم من‬ ‫قال‪ :‬هي ثالث‪ ،‬والذي جعلها نفختين دمج نفختين في نفخة‪ ،‬وهذه النفخات الثالث‬ ‫هي‪:‬‬ ‫‪ -9‬نفخة الفزع في الصور‪ ،‬قال تعالى‪* :‬ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ ﯶ&[النمل‪.]87:‬‬ ‫‪ -2‬نفخة الصعق وهالك كل شيء أراد هللا هالكه‪ ،‬قال تعالى‪* :‬ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ‬ ‫ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞﭟ&[الزمر‪ ]68:‬وهاتان النفختان بعضهم يدمجهما في نفخة واحدة‪ ،‬لكن هذا‬ ‫التفصيل أكمل وهللا أعلم‪.‬‬ ‫‪ -3‬نفخة البعث‪ ،‬قال تعالى‪* :‬ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ&[يس‪.]59:‬‬ ‫والناس يبعثون من قبورهم‪ ،‬وهذا بالنسبة للمقبورين وإالّ يبعثون من أي مكان‬ ‫كانوا فيه‪.‬‬ ‫ومراحل اليوم اْلخر كالتالي‪:‬‬ ‫‪ -9‬البعث والنشور‪.‬‬ ‫‪ -2‬الحشر‪.‬‬ ‫‪ -3‬القيام‪ ،‬وهو أن يطول قيامهم بعد الحشر‪ ،‬وتدنو الشمس من الخلق‪ ،‬فيعرقون‬ ‫على قدر أعمالهم‪.‬‬ ‫ّ‬ ‫وجرها ثم تزلف الجنة‪.‬‬ ‫‪ -4‬تقريب النار‬ ‫ّ‬ ‫‪ -5‬الشفاعة الكبرى‪.‬‬ ‫‪ -6‬مجيء هللا للفصل بين الخلق‪.‬‬ ‫‪ -7‬العرضتان‪ ،‬وهي جدال ومعاريض‪.‬‬ ‫‪ -8‬العرض الثالث‪ ،‬ومنه الحساب اليسير‪ ،‬وهو التقرير وهو خاص بالمؤمنين‬ ‫المرحومين‪.‬‬


‫املنهج املختصر يف الفقه والعقيدة والدعوة‬

‫‪593‬‬

‫‪ -1‬الحساب العسير‪ ،‬وهو حساب المناقشة‪ ،‬وهذا يشمل الكفار والمنافقين‬ ‫وعصاة المؤمنين الذين لم يشأ هللا أن يستر عليهم ويغفر لهم ذنوبهم‪ ،‬وهو على‬ ‫رؤوس الخالئق‪.‬‬ ‫‪ -91‬تطاير الصحف‪.‬‬ ‫‪ -99‬الميزان‪ ،‬وذلك بعد ما أطلع الناس على أعمالهم واطلعوا على صحفهم‬ ‫وانتهت مناقشتهم‪.‬‬ ‫‪ -92‬الصراط‪.‬‬ ‫‪ -93‬ثم القنطرة‪.‬‬ ‫‪ -94‬أهل األعراف‪.‬‬ ‫‪ 95‬و ‪ -96‬الجنة أو النار‪ ،‬وذبح الموت بين الجنة والنار‪.‬‬ ‫المسألة الثانية‪ :‬الحساب‪ :‬الحساب لغة‪ :‬العد‪ .‬واصطالحا ا‪ :‬إطالع هللا العباد على‬ ‫أعمالهم خيرا ً كانت أم شرا ً على وجه التفصيل‪ ،‬قبل االنصراف من المحشر‪.‬‬ ‫والحساب عام لجميع الخلق‪ ،‬إال الذين يدخلون الجنة بغير حساب وال عذاب‪.‬‬ ‫والدليل على أن كل الخلق محاسبون قوله تعالى‪* :‬ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ&[الحجر‪ .]12:‬وما‬ ‫رواه الترمذي وحسنه مرفوعا ً‪ « :‬ال تزول قدما عبد يوم القيامة حتى يسأل‪ :‬عن عمره‬ ‫فيما أفناه‪ ،‬وعن شبابه فيما أباله‪ ،‬وعن ماله من أين اكتسبه وفيما أنفقه‪ ،‬وعن عمله‬ ‫ماذا عمل فيه»‪.‬‬ ‫والحساب ينقسم إلى أقسام‪:‬‬ ‫القسم األول‪ :‬ما يسمى العرض والتقرير‪ ،‬وهذا لبعض المؤمنين الذين شاء هللا‬ ‫أن يستر ذنوبهم ويتجاوز عنهم‪ ،‬فيحاسب هللا العبد محاسبة سرية بينه وبينه‪ .‬فتعرض‬ ‫عليه أعماله السيئة فيقال‪ :‬فعلت كذا وكذا يوم كذا وكذا‪ ،‬ويقول‪ :‬نعم‪ .‬فيقول هللا‪:‬‬ ‫سترتك في الدنيا وأنا أتجاوز عنها يوم القيامة‪.‬‬ ‫القسم الثاني‪ :‬الحساب العسير‪ ،‬وهو المناقشة العلنية كما جاء في الحديث‪« :‬من‬ ‫ع ِذ ب» وفيه يحصل الفضح بين الخالئق والتشهير لبعض الناس‪.‬‬ ‫نوقش الحساب ُ‬ ‫وذكر المصنف الدليل على ذلك قوله تعالى‪* :‬ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ‬ ‫ﮜ&[النجم‪.]39:‬‬ ‫وأطفال المسلمين إذا ماتوا ال يحاسبون؛ ألنهم في الجنة باإلجماع‪ ،‬وأما أطفال‬ ‫الكفار فقيل‪ :‬يمتحنون وهو الصحيح‪ ،‬وقيل‪ :‬غير ذلك‪.‬‬ ‫المسألة الثالثة‪ :‬من كذب بالبعث كفر‪ ،‬والدليل قوله تعالى‪* :‬ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ‬ ‫ﯔﯕ&[التغابن‪.]7:‬‬


‫تهذيب شرح األصول الثالثة‬

‫‪594‬‬

‫فصل‬

‫د‬ ‫تهذيب شرح األصول الثالثةد‬

‫قال المصنف ‪[ :/‬وأرسل هللا جميع الرسل‪ :‬مبشرين ومنذرين‪ ،‬والدليل قوله‬ ‫تعالى‪* :‬ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈﮉ&[النساء‪ ]565:‬وأولهم نوح ×‪ ،‬وآخرهم محمد ^ وهو‬ ‫خاتم النبيين‪ ،‬ال نبي بعده‪ ،‬والدليل قوله تعالى‪* :‬ﯧ ﯨ ﯨ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ ﯱ‬ ‫ﯲﯳ&[األحزاب‪.]41:‬‬ ‫والدليل على أن أولهم نوح × قوله تعالى‪* :‬ﭑﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛﭜ&[النساء‪]563:‬‬ ‫وكل أمة‪ :‬بعث هللا إليها رسو الا‪ ،‬من نوح إلى محمد‪ ،‬يأمرهم بعبادة هللا‪ ،‬وينهاهم عن‬ ‫عبادة الطاغوت‪ ،‬والدليل قوله تعالى‪* :‬ﭴ ﭵ ﭶﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼﭽ‬ ‫ﭾﭿ&[النحل‪ ،]36:‬وافترض هللا على جميع العباد‪ :‬الكفر بالطاغوت‪ ،‬واإليمان باهلل‪،‬‬ ‫قال ابن القيم ‪ :/‬معنى الطاغوت‪ :‬ما تجاوز به العبد حده‪ ،‬من معبود‪ ،‬أو متبوع‪ ،‬أو‬ ‫مطاع‪.‬‬ ‫والطواغيت كثيرة‪ ،‬ورؤوسهم خمسة‪ :‬إبليس لعنه هللا‪ ،‬ومن عبد وهو راض‪،‬‬ ‫ومن ادعى شيئا ا من علم الغيب‪ ،‬ومن دعا الناس إلى عبادة نفسه‪ ،‬ومن حكم بغير ما‬ ‫أنزل هللا؛ والدليل قوله تعالى‪* :‬ﯿ ﰊ ﰊ ﰊﰊ ﰊ ﰊ ﰊ ﰊ ﰊﰊ ﰊ ﰊ ﰊ ﰊ ﰊ ﰊ ﰊ ﰊ‬ ‫ﰊ&[البقرة‪ ]156:‬وهذا‪ :‬معنى ال إلَه إال هللا‪ ،‬وفي الحديث‪ « :‬رأس األمر اإلسالم‪،‬‬ ‫وعموده الصالة‪ ،‬وذروة سنامه الجهاد في سبيل هللا» وهللا أعلم‪ ،‬وصلى هللا على‬ ‫محمد‪ ،‬وعلى آله وصحبه]‪.‬‬ ‫الشرح‪:‬‬ ‫مهمة الرسل أن هللا أرسلهم مبشرين ومنذرين‪ ،‬يبشرون الناس بما يسرهم مثل‪:‬‬ ‫إخبارهم عن الثواب لمن أطاع هللا‪ .‬ويخوفون من عصى هللا بالنار والجزاء‪.‬‬ ‫ونوح هو أول الرسل الذين بعثهم هللا إلى قوم كفار‪ ،‬يدعوهم إلى شرع جديد‪،‬‬ ‫وآدم نبي وليس رسوالً‪.‬‬ ‫والرسل يبعثون إلى األمم الكافرة‪ ،‬أما األنبياء فيبعثون إلى المؤمنين‪.‬‬ ‫ثم بعد ذلك ذكر المصنف مسائل في معنى الطاغوت وحكمه وأنواعه‬ ‫ورؤوسه‪:‬‬ ‫المسألة األولى‪ :‬حكم الكفر الطاغوت‪ :‬الكفر بالطاغوت فرض الزم‪ ،‬وهو‬ ‫فرض عين على جميع العباد‪ ،‬أما كيفية الكفر بالطاغوت فتنقسم إلى ثالثة أقسام‪:‬‬ ‫أ‪ -‬الكفر بجنس الطاغوت بالقلب‪ ،‬وهو أن تبغضه بقلبك وتتمنى زواله وتعاديه‬ ‫وتنفر منه‪ ،‬وحكم هذا القسم فرض الزم ال يسقط بحال من األحوال حتى مع اإلكراه؛‬ ‫ألن اإلكراه ال يتصور فيه‪.‬‬


‫املنهج املختصر يف الفقه والعقيدة والدعوة‬

‫‪595‬‬

‫ب‪ -‬الكفر بجنس الطاغوت باللسان‪ ،‬وذلك بالتصريح أن الطاغوت كافر‪ ،‬وأنه‬ ‫باطل‪ ،‬وأن عابديه كفار‪ ،‬قال تعالى‪* :‬ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ&[الكافرون‪ ]2-9:‬وهذا واجب‬ ‫لكن يسقط مع العجز‪ ،‬لعموم قوله هللا تعالى‪* :‬ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ&[التغابن‪ ]96:‬بشرط أن يكون عجزا ً‬ ‫حقيقيا ً وملجئا ً‪.‬‬ ‫ج‪ -‬الكفر بالطاغوت باليد‪ ،‬وهو تحطيمه وإزالته‪ ،‬وهذا واجب مع االستطاعة‪،‬‬ ‫والدليل أن الرسول ^ حطم األصنام وأزالها في فتح مكة‪ ،‬وأرسل من يزيلها‪.‬‬ ‫المسألة الثانية‪ :‬تعريف الطاغوت‪ :‬صيغة مبالغة مشتقة من الطغيان وهي‬ ‫التجاوز واالرتفاع والزيادة‪ ،‬ومنه طغى الماء أي زاد‪ .‬واصطالحا ا‪ :‬ما تجاوز به العبد‬ ‫حده من معبود أو متبوع أو مطاع‪ ،‬وهذا تعريف ابن القيم‪ ،‬وهناك تعريف أدق من‬ ‫تعريف ابن القيم وهو‪ :‬كل مجاوزة في الكفر‪ ،‬فتارك الصالة مثالً كافر‪ ،‬وإذا دعا إلى‬ ‫ترك الصالة أو عاقب على فعله فهذا تجاوز في الكفر فهو طاغوت‪ ،‬ومن ذبح لغير‬ ‫هللا هذا شرك‪ ،‬فإذا دعا إلى الذبح لغير هللا أو زينه فقد تجاوز في الكفر فهو طاغوت‪،‬‬ ‫وإذا حلل شيئا ً فهذا تجاوز في الكفر‪.‬‬ ‫ومن تعريف ابن القيم تؤخذ أنواع الطواغيت‪ ،‬وأنها ثالثة أنواع‪:‬‬ ‫عبد من دون هللا وهو راض‪ ،‬ويشمل‬ ‫‪ -9‬طواغيت العبادة‪ ،‬وهو يشمل كل من ُ‬ ‫من دعا الناس إلى عبادة نفسه‪ ،‬ويشمل الشيطان‪ ،‬ويشمل األصنام‪.‬‬ ‫‪ -2‬طواغيت األتباع‪ ،‬وهو يشمل علماء السوء والعباد المنحرفين‪.‬‬ ‫‪ -3‬طواغيت الطاعة‪ ،‬وهو يشمل األمراء ورؤساء العشائر الذين يحللون‬ ‫ويحرمون من دون هللا‪ ،‬ويشمل الكهان والسحرة والحكام الذين يحكمون بغير ما أنزل‬ ‫هللا والمشرعين‪.‬‬ ‫المسألة الثالثة‪ :‬رؤوس الطواغيت‪ .‬الطواغيت كثيرون باعتبار العدد‪ ،‬لكن‬ ‫عرف ذلك باالستقراء‪ ،‬وزاد المصنف طاغوتا ً في رسالة‬ ‫رؤوسهم وقادتهم خمسة كما ُ‬ ‫له على هذه الخمسة‪ ،‬وهو الحاكم الجائر المغير ألحكام هللا‪ ،‬وعلى ذلك فيكونون ستة‪:‬‬ ‫‪ -9‬إبليس‪ ،‬وعبر المصنف بالشيطان وهو أعم‪ ،‬فيشمل كل مارد من الجن‬ ‫واإلنس‪ ،‬ودليل هذا القسم‪ :‬ما قاله عمر بن الخطاب ا‪( :‬الطاغوت هو الشيطان) رواه‬ ‫ابن أبي حاتم‪ ،‬ووجه كون إبليس والشيطان طاغوتا ً؛ ألنه تجاوز الكفر الذي وقع فيه‬ ‫إلى تزيين الكفر والدعوة إليه واألمر به‪ ،‬وهذا النوع إبليس والشيطان أكبر الطواغيت‬ ‫وأعظمها‪ ،‬والسبب أنه جمع معاني كثيرة من معاني الطاغوت‪ :‬فهو يدعو لعبادة‬ ‫نفسه‪ ،‬ويدعو لعبادة غيره‪ ،‬ويدعو إلى تغيير أحكام هللا‪ ،‬ويعين من يدعي علم الغيب‪.‬‬ ‫عبد وهو راض بأي نوع من أنواع العبادة‪ ،‬كمن ذُبح له‪ ،‬واستُغيث به‬ ‫‪ -2‬من ُ‬ ‫ونحو ذلك‪ ،‬في حالة كونه راض فال يدخل عيسى عليه الصالة والسالم؛ ألنه لم‬


‫‪596‬‬

‫تهذيب شرح األصول الثالثة‬ ‫د‬ ‫الثالثةد‬ ‫األصول‬ ‫هذا تهذيب‬ ‫النوع‪:‬شرحأنه رضي بالكفر‬

‫يرض بذلك ولن يرضى‪ ،‬ووجه مجاوزة الحد في‬ ‫والشرك أن يُفعل له‪.‬‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫‪ -3‬من ادعى شيئا من علم الغيب‪ ،‬سواء كان مسلما أو كافرا‪ ،‬أو رجال أو‬ ‫امرأة‪ .‬حتى لو ادعى شيئا ً بسيطا ً‪ ،‬وحتى لو ادعى علم الغيب مرة واحدة‪ ،‬وهو ينقسم‬ ‫إلى قسمين‪:‬‬ ‫أ‪ -‬ما يسمى الغيب المطلق‪ ،‬ويسمى أيضا ً غيب المستقبل‪ .‬وهو ما ال يعلمه إال‬ ‫هللا‪ ،‬وهي الخمس المجموعة في قوله تعالى‪* :‬ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ ﯵﯶ ﯷ ﯸ ﯹ ﯺ ﯻ‬ ‫ﯼﯽ ﯾ ﯿ ﰕ ﰕ ﰕ ﰕﰕ ﰕ ﰕ ﰕ ﰕ ﰕ&[لقمان‪.]34:‬‬ ‫ب‪ -‬ما يسمى الغيب النسبي‪ ،‬ويسمى بغيب الماضي والحاضر‪ ،‬وهو ما خفي‬ ‫عليك وعلمه غيرك‪ ،‬فما يدور خلف هذا الجدار هو بالنسبة لنا غيب‪ ،‬وأما بالنسبة لمن‬ ‫حضره يعتبر شهادة‪.‬‬ ‫واإلخبار عن الكسوف والخسوف ال يعتبر من ادعاء علم الغيب إن أخبر به‬ ‫عن طريق الحساب واستخدام بعض اآلالت الحديثة‪.‬‬ ‫وإخباريات األرصاد الجوية عن هبوب الريح‪ ،‬أو توقع المطر‪ ،‬أو تغيرات‬ ‫الجو‪ ،‬ال تعتبر من ادعاء علم الغيب؛ ألن هذه أمور تعرف بالحساب وتعرف باآلالت‬ ‫الحديثة‪ ،‬إال أنه ال يجوز الجزم بذلك‪ ،‬بل يربط ذلك بمشيئة هللا‪.‬‬ ‫واإلخبار عن المياه الجوفية في باطن األرض والمعادن‪ ،‬هذا إذا كانت بوسائل‬ ‫حسية حديثة فليست من ادعاء علم الغيب‪.‬‬ ‫وحكم مدعي الغيب كافر‪ ،‬وحكم من ذهب إليه فيه تفصيل‪:‬‬ ‫أ‪ -‬إن ذهب إليه وهو مصدق له أنه يعلم الغيب المطلق أو الغيب النسبي‪ ،‬فهذا‬ ‫كافر كفرا ً أكبر؛ ألنه اعتقد أن هناك من يعلم الغيب غير هللا‪ ،‬قال تعالى‪* :‬ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ‬ ‫ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰﭱ&[النمل‪.]65:‬‬ ‫ب‪ -‬إن ذهب إليه وهو يكره فعله ويعلم أنه ال يعلم الغيب‪ ،‬لكن ذهب يسأله‬ ‫حاجة دنيوية أو يسأله عالجا ً شعبيا ً‪ ،‬فهذا ارتكب كبيرة من كبائر الذنوب‪ ،‬وال تقبل له‬ ‫صالة أربعين يوما ً‪ ،‬كما جاء في حديث حفصة الذي رواه مسلم‪« :‬من أتى عرافا ا‬ ‫فسأله عن شيء لم تقبل له صالة أربعين يوما ا» أي‪ :‬ال يؤجر على صالة أربعين يوما ً‬ ‫فيصلي بدون أجر‪ ،‬ويجب عليه أن يصلي لكن ال يؤجر؛ ألن هذه السيئة ذهبت بأجر‬ ‫صالة أربعين يوما ً‪.‬‬ ‫ج‪ -‬أن يكره فعله ويعتقد أنه ال يعلم الغيب‪ ،‬ولكن ذهب للفرجة والنزهة من باب‬ ‫االستطالع‪ ،‬فهذا من كبائر الذنوب‪ ،‬وال تقبل له صالة أربعين‪ ،‬ومثله مشاهدته‬ ‫بالتلفزيون ومشاهدة ألعاب السيرك‪ ،‬ومثله من يحضر عند السحرة لكي يتفرج على‬ ‫ألعابهم البهلوانية‪ ،‬وما يقومون به من أشياء مضحكة والفتة للنظر‪.‬‬


‫املنهج املختصر يف الفقه والعقيدة والدعوة‬

‫‪597‬‬

‫قلت‪ :‬السيرك نوعان‪ ،‬نوعٌ هو من جنس أفعال السحر والشعوذة‪ ،‬وهو الغالب‪،‬‬ ‫ع هو من جنس أفعال‬ ‫فينطبق عليه الحكم السابق الذي ذكره الشيخ فك هللا أسره ‪ ،‬ونو ٌ‬ ‫خفة اليد التي يصدقها العقل وال يستحيل وقوعها ألهل الدربة والممارسة‪ ،‬فهذا إن لم‬ ‫يحتو على محرم آخر ( كصور نساء‪ ،‬أو اختالط ونحوه) فال ينطبق عليه الحكم‬ ‫السابق ‪.‬‬ ‫‪ -4‬من دعا الناس إلى عبادة نفسه‪ :‬هذا عام في كل من دعا الناس إلى أن‬ ‫يعبدوه بالمعنى العام للعبادة‪ ،‬فيدخل فيه عبادة السؤال والطلب واالستغاثة‪ ،‬كأن‬ ‫يستغيث به فيما ال يقدر عليه إال هللا‪ ،‬ويشمل العبادة بالمعنى الخاص كالذبح والنذر‪.‬‬ ‫‪ -5‬من حكم بغير ما أنزل هللا‪ ،‬وهذا هو الطاغوت الخامس على أقسام‪:‬‬ ‫أ‪ -‬أن يحكم بغير ما أنزل هللا مع اعتقاد أن هذا الذي حكم به مثل حكم هللا أو‬ ‫أحسن من حكم هللا‪ ،‬أو أنه يجوز أن يحكم به‪ ،‬فهذا كفر أكبر‪ ،‬والدليل قوله تعالى‪* :‬ﯾ ﯿ‬ ‫ﰕﰕ&[المائدة‪ ]51:‬وقوله‪* :‬ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮪ ﮭ&[المائدة‪.]44:‬‬ ‫ب‪ -‬أن يحكم بغير ما أنزل هللا أحيانا ً في قضايا معينة قليلة ليس عن قانون وال‬ ‫تعميم وال الئحة وال نظام وال عرف أو تقليد‪ ،‬وهو يعرف أن هذا الذي حكم به باطل‬ ‫وال يجوز‪ ،‬ولكنه من باب الشهوة والهوى أو الرشوة‪ ،‬فهذا كفر دون كفر‪ ،‬كأن يكون‬ ‫هنا قاض يحكم بين الناس بالشرع ودائما ً يحكم على السارق إذا ثبتت عليه السرقة‬ ‫بالقطع‪ ،‬لكن في بعض األحيان القليلة جاءه سارق قريب له أو أعطاه شيئا ً من المال‬ ‫وقد ثبتت عليه السرقة‪ ،‬فلم يحكم بقطع يده وإنما حكم عليه بالسجن والتعزير عن‬ ‫هوى ال عن قانون وال تعميم وال الئحة وال نظام وال عرف ونحو ذلك‪ ،‬وهو يعرف‬ ‫في قرارة نفسه أنه مخطئ‪ ،‬لكن الهوى والمجاملة دفعه لذلك‪ ،‬فهذا يعتبر من الكفر‬ ‫األصغر‪ ،‬وعليه يحمل قول ابن عباس أنه كفر دون كفر إن صح‪ ،‬ويحمل عليه ما‬ ‫صح عن التابعين أنه كفر دون كفر‪ ،‬وهو قول أبي مجلز التابعي لما ناقش الخوارج‬ ‫في آية‪* :‬ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮪ ﮭ&[المائدة‪.]44:‬‬ ‫ً‬ ‫ج‪ -‬من يعرف أنه مخطئ ولكنه كثيرا ما يحكم بغير ما أنزل هللا‪ ،‬مثل قاض‬ ‫يحكم على السارق بالقطع أحيانا ً‪ ،‬وإالّ فأكثر السراق يحكم عليهم بغير حكم هللا‪ ،‬فهذا‬ ‫حكمه كفر أكبر‪ ،‬وأدلته أدلة القسم األول‪ ،‬وأشد منه الذي يحكم في كل القضايا بغير‬ ‫ما أنزل هللا حتى ولو كان يعرف أنه مخطئ‪ ،‬وأن حكم هللا سبحانه أحسن‪.‬‬ ‫د‪ -‬القاضي الذي يحكم بما أنزل هللا‪ ،‬لكن في بعض القضايا يحكم بالقانون‬ ‫وبالالئحة وبالتعميم وبالنظام أو العرف والتقليد ولو مرة واحدة وهو يعرف أنه‬ ‫مخطئ‪ ،‬فهذا يكفر‪ ،‬ولو كان كل عمره يحكم بما أنزل هللا لكن في قضية واحدة حكم‬ ‫من أجل قانون أو تعميم ونحو ذلك يخالف شرع هللا فهذا يكفر؛ ألن حكمه بالقانون أو‬ ‫التعميم يتضمن الرضا بالقوانين الوضعية‪.‬‬


‫‪598‬‬

‫تهذيب شرح األصول الثالثة‬ ‫د‬ ‫الثالثةد‬ ‫األصول‬ ‫تهذيب شرح‬ ‫وهم غير قضاة وال‬ ‫الوضعية‬

‫مسألة مهمة‪ :‬المشرعون الذين يسنون القوانين‬ ‫يحكمون بها طواغيت‪ ،‬ولو سموا أنفسهم هيئة استشارية ونحو ذلك‪ ،‬فالعبرة بالمعاني‬ ‫والحقائق ال باأللفاظ‪.‬‬ ‫وشروط تسمية الشيء تشريعا ا سوا اء أكان قانونا ا أو غيره‪:‬‬ ‫أ‪ -‬أن يعين من ذي سلطة كالملك والرئيس واألمير والمدير العام ورئيس‬ ‫اللجنة‪.‬‬ ‫ب‪ -‬أن يعين إلى أناس من شأنهم أن ينفذوا كالشرطة والموظفين والقضاة‪.‬‬ ‫ج‪ -‬أن يكون بألفاظ عامة‪ ،‬مثل‪ :‬إذا جاءكم سارق فيؤخذ منه غرامة‪ ،‬أما إذا‬ ‫كان بلفظ خاص كأن يقول‪ :‬إذا جاءكم فالن وقد سرق فاتركوه؛ فهذا من الظلم وليس‬ ‫سمي تشريعا ً‪ ،‬وال يشترط أن‬ ‫من التشريع العام‪ .‬وإذا اجتمعت هذه الثالثة الشروط ُ‬ ‫يكون تحريريا ً‪ ،‬بل ولو كان شفويا ً أو عرفا ً جاريا ً أو عادة متبعة‪.‬‬ ‫قلت‪ :‬ومعرفة هذه الشروط مهمة‪ ،‬فمن خاللها يعرف طالب العلم الحكم بين ما‬ ‫سبق من اختالف في الحكم بغير ما أنزل هللا سبحانه وتعالى‪.‬‬ ‫‪ -6‬هذا الصنف السادس لم يذكره المصنف في هذا الكتاب‪ ،‬لكنه ذكره في‬ ‫رسالته عن الطواغيت ورؤوسهم‪ ،‬وهو الحاكم الجائر المغير ألحكام هللا‪ ،‬ويقصد به‬ ‫من يُشرع‪ ،‬وهذا القسم كافر بإطالق وليس فيه تفصيل‪ ،‬ولو شرع حكما ً واحدا ً يضاد‬ ‫به حكم هللا حتى ولو كان يعتقد في قرارة نفسه أن ما شرعه ال يجوز أن يحكم به‪ ،‬أو‬ ‫أن حكم هللا أفضل‪ ،‬فال عبرة باعتقاده‪ ،‬فالكفر مناط بفعله‪ ،‬وهو التشريع بغض النظر‬ ‫عما في قلبه‪ ،‬ويدل عليه قوله تعالى‪* :‬ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙﯚ&[الشورى‪ ]29:‬وقال‬ ‫تعالى‪* :‬ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ&[البقرة‪.]22:‬‬ ‫ثم ذكر المصنف الدليل على وجوب الكفر بالطاغوت‪ ،‬وهو قوله تعالى‪* :‬ﯿ ﰕ‬ ‫ﰕ ﰕﰕ ﰕ ﰕ ﰕ ﰕ ﰕﰕ ﰕ ﰕ ﰕ ﰕ ﰕ ﰕ ﰕ ﰕ ﰕ ﰕ ﰕ ﰕﰕ&[البقرة‪ ]256:‬واآلية فيها‬ ‫معنى ال إله إال هللا‪ ،‬وهو معنى الكفر بالطاغوت‪.‬‬ ‫وبهذا تم تهذيب شرح األصول الثالثة للشيخ العالمة علي بن خضير الخضير‪.‬‬ ‫والحمد هلل رب العالمين‪ ،‬وصلى هللا وسلم على نبينا محمد‪.‬‬


‫املنهج املختصر يف الفقه والعقيدة والدعوة‬

‫‪599‬‬


‫تهذيب شرح نواقض اإلسالم‬

‫‪111‬‬

‫تهذيب‬ ‫التبيان شرح نواقض اإلسالم‬

‫د‬ ‫تهذيب شرح األصول الثالثةد‬

‫تأليف الشيخ العالمة المحدث‪/‬‬ ‫سليمان بن ناصر بن عبد هللا العلوان‬ ‫فك هللا أسره‬

‫تهذيب‪/‬‬ ‫د‪ .‬عبد الله بن محمد المحيسني‬

‫كتاب‬


‫املنهج املختصر يف الفقه والعقيدة والدعوة‬

‫‪115‬‬

‫بسم هللا الرحمن الرحيم‬

‫املقدمة‬

‫الحمد هلل رب العالمين‪ ،‬والصالة والسالم على رسول رب العالمين‪ ،‬وعلى آله‬ ‫وصحبه أجمعين‪.‬‬ ‫أما بعد‪:‬‬ ‫فهذا تهذيب لكتاب التبيان شرح نواقض اإلسالم العشرة‪ ،‬التي ذكرها اإلمام‬ ‫المجدّد شيخ اإلسالم محمد بن عبد الوهاب ‪ ،/‬والشرح لفضيلة الشيخ المحدث العالمة‬ ‫سليمان بن ناصر العلوان وفقه هللا وفك هللا أسره‪.‬‬ ‫وهو شرح قد أجاد فيه شيخنا وأفاد‪ ،‬وأحببنا تهذيبه للمبتدئين والعامة‪ ،‬ليستفيد‬ ‫منه جميع العباد‪ ،‬ونسأل هللا أن يجعل عملنا خالصا ً لوجهه‪ ،‬نافعا ً لعباده‪.‬‬ ‫وصلى هللا على نبينا محمد‪ ،‬وعلى آله وصحبه وسلم تسليما ا كثيرا ا‪.‬‬


‫تهذيب شرح نواقض اإلسالم‬

‫‪111‬‬

‫شرح نواقض اإلسالم‬

‫د‬ ‫تهذيب شرح األصول الثالثةد‬

‫قال المصنف اإلمام محمد بن عبد الوهاب ‪ ،/‬المتوفى سنة (‪ 9216‬هـ الموافق‬ ‫‪9719‬م)‪[ :‬بسم هللا الرحمن الرحيم]‪.‬‬ ‫ابتدأ المصنف ‪ /‬هذه النواقض بالبسملة؛ اقتداء بالكتاب العزيز‪ ،‬وتأسيا ً بالنبي ^‬ ‫في مكاتباته ومراسالته‪.‬‬ ‫قوله‪[ :‬اعلم أن نواقض اإلسالم عشرة نواقض]‪:‬‬ ‫نواقض اإلسالم‪ :‬هي مفسداته التي متى طرأت عليه أفسدته‪ ،‬وأحبطت عمل‬ ‫صاحبه‪ ،‬وصار من الخالدين في النار‪.‬‬ ‫ُّ‬ ‫ولذلك يجب على كل مسلم ومسلمة تعلم هذه النواقض‪ ،‬وإالَّ؛ فالمسلم قد يقع‬ ‫فيها وهو ال يشعر؛ كما هو مشاهد من كثير ممن يدَّعي اإلسالم‪ ،‬وال حول وال قوة إال‬ ‫باهلل‪.‬‬ ‫ونواقض اإلسالم أكثر من عشرة‪ ،‬ولكن الشيخ ‪ /‬اختار هذه العشرة؛ إلجماع‬ ‫المسلمين عليها في الجملة؛ وألن النواقض الكثيرة التي ذكرها الفقهاء في باب حكم‬ ‫المرتد مرجعها إلى هذه العشرة‪.‬‬ ‫الناقض األول من نواقض اإلسالم‪:‬‬ ‫قال ‪[ :/‬األول‪ :‬الشرك في عبادة هللا‪ :‬قال هللا تعالى‪* :‬ﭨ ﭩ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮪ ﮭ‬ ‫ﮮﮯ&[النساء‪* ،]48:‬ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ&[المائدة‪ ،]71:‬ومنه الذبح لغير هللا‪،‬‬ ‫كمن يذبح للجن أو للقبر]‪.‬‬ ‫عصي هللا به‪،‬‬ ‫ابتدأ الشيخ ‪ /‬هذه النواقض العشرة بالشرك باهلل‪ ،‬ألنه أعظم ذنب ُ‬ ‫وهو هضم للربوبية‪ ،‬وتنقص لأللوهية‪ ،‬وهو «تسوية غير هللا باهلل فيما هو من‬ ‫خصائص هللا»‪.‬‬ ‫والشرك نوعان‪:‬‬ ‫‪ )9‬أكبر‪.‬‬ ‫‪ )2‬أصغر‪.‬‬ ‫النوع األول‪ :‬الشرك األكبر‪:‬‬ ‫الشرك األكبر ال يغفره هللا إال بالتوبة‪ ،‬وصاحبه إن لقي هللا به؛ فهو خالدٌ في‬ ‫النار أبد اآلبدين‪.‬‬ ‫قال هللا جل وعال‪* :‬ﭨ ﭩ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮪ ﮭ ﮮﮯ&[النساء‪ .]48:‬وقال تعالى‪* :‬ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ‬ ‫ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ&[الحج‪.]39:‬‬


‫املنهج املختصر يف الفقه والعقيدة والدعوة‬

‫‪113‬‬ ‫(‪)1‬‬

‫والشرك األكبر أنواعه كثيرة‪ ،‬مدارها على أربعة أنواع ‪:‬‬ ‫النوع األول‪ :‬ش رك الدعوة‪:‬‬ ‫ودليله قوله تعالى‪* :‬ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ&[العنكبوت‪.]65:‬‬ ‫قال المصنف ‪ /‬في «القواعد األربع»‪[ :‬القاعدة الرابعة‪ :‬أن مشركي زماننا‬ ‫أغلظ شركا ا من األولين؛ ألن األولين يشركون في الرخاء ويخلصون في الشدة‪,‬‬ ‫ومشركو زماننا شركهم دائما ا في الرخاء والشدة]‪.‬‬ ‫وقال ‪ /‬في مقدمة «القواعد األربع»‪[ :‬إذا دخل الشرك في العبادة فسدت؛‬ ‫كالحدث إذا دخل في الطهارة‪ ،‬فإذا عرفت أن الشرك إذا خالط العبادة أفسدها‪ ،‬وأحبط‬ ‫العمل‪ ،‬وصار صاحبه من الخالدين في النار؛ عرفت أن أهم ما عليك معرفة ذلك؛‬ ‫لعل هللا أن يخلصك من هذه الشبكة‪ ،‬وهي الشرك باهلل]‪.‬‬ ‫النوع الثاني‪ :‬شرك النية واإلرادة والقصد‪:‬‬ ‫والدليل قوله تعالى‪* :‬ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ‬ ‫ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ‬

‫ﮗ&[هود‪.]96-95:‬‬ ‫قال العالمة ابن القيم ‪( :/‬أما الشرك في اإلرادات والنيات؛ فذلك البحر الذي ال‬ ‫ساحل له‪ ،‬وقل من ينجو منه‪ ،‬من أراد بعمله غير وجه هللا‪ ،‬ونوى شيئا ً غير التقرب‬ ‫إليه‪ ،‬وطلب الجزاء منه‪ ،‬فقد أشرك في نيته وإرادته)‪.‬‬ ‫ً‬ ‫وجعل شرك النية شركا ً أكبر محمول على من كانت جميع أعماله مرادا بها‬ ‫غير وجه هللا‪ ،‬أما من طرأ عليه الرياء‪ ،‬فهو شرك أصغر‪ ،‬وسيأتي إن شاء هللا‬ ‫إيضاحه‪.‬‬ ‫النوع الثالث‪ :‬شرك الطاعة‪:‬‬ ‫وهي طاعة األحبار والرهبان في معصية هللا تعالى؛ كما قال تعالى‪* :‬ﯘ‬ ‫ﯙﯚﯛﯜﯝﯞﯟﯠﯡﯢﯣﯤﯥ‬

‫ﯦ ﯧﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬﯭ ﯮ ﯯ ﯰ ﯱ&[التوبة‪.]39:‬‬ ‫قال شيخ اإلسالم ابن تيمية ‪( :/‬وهؤالء الذين اتخذوا أحبارهم ورهبانهم أربابا ً ‪-‬‬ ‫حيث أطاعوهم في تحليل ما حرم هللا وتحريم ما أحل هللا‪ -‬يكونون على وجهين‪:‬‬ ‫(‪ )1‬انظر «مجموعة التوحيد» (ص ‪.)5‬‬


‫‪114‬‬

‫تهذيب شرح نواقض اإلسالم‬ ‫د‬ ‫الثالثةد‬ ‫التبديل‪،‬األصول‬ ‫تهذيب شرح‬ ‫تحليل‬ ‫فيعتقدون‬ ‫على‬

‫أحدهما‪ :‬أن يعلموا أنهم بدلوا دين هللا‪ ،‬فيتبعونهم‬ ‫ما حرم هللا وتحريم ما أحل هللا‪ ،‬اتباعا ً لرؤسائهم‪ ،‬مع علمهم أنهم خالفوا دين الرسل؛‬ ‫فهذا كفر‪ ،‬وقد جعله هللا ورسوله شركا ً‪ ،‬وإن لم يكونوا يصلون لهم ويسجدون لهم؛‬ ‫خالف الدين‪ -‬واعتقد ما قاله ذلك‬ ‫فكان من اتبع غيره في خالف الدين ‪-‬مع علمه أنه‬ ‫ُ‬ ‫دون ما قاله هللا ورسوله مشركا ً مثل هؤالء‪.‬‬ ‫الثاني‪ :‬أن يكون اعتقادهم وإيمانهم بتحريم الحرام وتحليل الحالل ثابتا ً‪ ،‬لكنهم‬ ‫أطاعوهم في معصية هللا‪ ،‬كما يفعل المسلم‪ ،‬ما يفعله من المعاصي التي يعتقد أنها‬ ‫(‪)1‬‬

‫معاصي؛ فهؤالء لهم حكم أمثالهم من أهل الذنوب) اهـ ‪.‬‬ ‫النوع الرابع‪ :‬شرك المحبة‪:‬‬ ‫والدليل على ذلك قوله تعالى‪* :‬ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇﮈ&[البقرة‪ ]965:‬اآلية‪.‬‬ ‫فالمشرك ‪-‬لجهله بربه‪ -‬تجده يحب اآللهة من األصنام وغيرها‪ ،‬كحب هللا‬ ‫وأعظم من ذلك‪ ،‬تجده إذا انت ُ ِهك ْ‬ ‫ت‪ ،‬يغضب لها أعظم مما يغضب هلل‪ ،‬ويستبشر لها ما‬ ‫ال يستبشر هلل‪ ،‬قال تعالى‪* :‬ﭨ ﭩ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫﮪ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ&[الزمر‪.]45:‬‬ ‫ومن الشرك األكبر أيضا ا‪ :‬الذبح لغير هللا‪ :‬ألن الذبح هلل قربة له من أجل‬ ‫القربات؛ كما قال تعالى‪* :‬ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ&[الكوثر‪ ،]2:‬وقال تعالى‪* :‬ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ‬ ‫ﯜ&[األنعام‪]962:‬؛ فالنسك هو‪ :‬الذبح‪.‬‬ ‫فمن ذبح لألولياء أو لألصنام أو للجن ‪-‬كما يفعله كثير من الجهلة عند سكنى‬ ‫المنزل‪-‬؛ فقد خرج عن اإلسالم‪ ،‬ودخل في دائرة الكفر والضالل‪ ،‬لصرفه عبادة من‬ ‫أجل العبادات لغير هللا‪.‬‬ ‫ومن ذلك‪ :‬النذر لغير هللا‪ :‬فهو شرك أكبر؛ ألن النذر عبادة؛ كما قال تعالى‪* :‬ﭙ‬ ‫ﭚ&[اإلنسان‪ ،]7:‬وقال تعالى‪* :‬ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛﭜ&[البقرة‪.]271:‬‬ ‫فمن نذر لولي الشموع أو اللحوم وغيرهما؛ فقد خلع ربقة اإلسالم من عنقه؛‬ ‫ألنه ال يجوز النذر إال هلل‪ ،‬وصرفه لغير هللا مناقض لما بعث هللا به محمدا ً ^‪ ،‬فما‬ ‫ضرا أو نفعا ً شرك أكبر مخرج عن‬ ‫يفعله عباد القبور من النذر لمن يعتقدون فيه‬ ‫ًّ‬ ‫اإلسالم‪ ،‬وال حول وال قوة إال باهلل‪.‬‬ ‫ومن ذلك‪ :‬االستعاذة واالستغاثة‪ :‬كل ذلك صرفه لغير هللا شرك‪.‬‬ ‫النوع الثاني‪ :‬الشرك األصغر‪:‬‬

‫(‪ )1‬مجموعة الفتاوى (‪.)71/7‬‬


‫املنهج املختصر يف الفقه والعقيدة والدعوة‬

‫‪115‬‬

‫وصاحبه‪ ،‬إن لقي هللا به؛ فهو تحت المشيئة إن شاء هللا عفا عنه وأدخله الجنة‪،‬‬ ‫وإن شاء عذبه‪ ،‬ولكن مآله إلى الجنة؛ ألن الشرك األصغر ال يخلد صاحبه في النار‪،‬‬ ‫ولكنه معرض للوعيد‪ ،‬فيجب الحذر منه‪.‬‬ ‫ومن أنواع الشرك األصغر‪:‬‬ ‫الحلف بغير هللا‪ :‬إن لم يقصد تعظيم المحلوف به‪ ،‬وإال صار شركا ً أكبر‪.‬‬ ‫عن ابن عمر ب‪ ،‬أن النبي ^ قال‪« :‬من حلف بغير هللا‪ ،‬فقد كفر أو أشرك»‬ ‫رواه أحمد‪ ،‬وأبو داود‪ ،‬والترمذي‪ ،‬والحاكم‪ ،‬وصححه على شرط الشيخين‪ ،‬وسكت‬ ‫عنه الذهبي‪.‬‬ ‫ومنه‪ :‬يسير الرياء والتصنع للخلق‪:‬‬ ‫س ِئل عنه؟ فقال‪:‬‬ ‫وقد قال النبي ^‪« :‬أخوف ما أخاف عليكم الشرك األصغر»‪ ،‬ف ُ‬ ‫«الرياء»‪ .‬رواه أحمد من حديث محمود بن لبيد‪ ،‬وسنده حسن‪.‬‬ ‫فإذا كان الشرك األصغر مخوفا ً على الصحابة الذين مع النبي ^‪ ،‬وأدركوا‬ ‫نزول الوحي؛ فعلى غيرهم من باب أولى ممن قل علمه وضعف إيمانه‪ ،‬وال يسلم‬ ‫المسلم من الشرك إال باإلخالص هلل‪ ،‬وبتجريد المتابعة للرسول ^‪.‬‬ ‫قال العالمة ابن القيم ‪( :/‬الشرك في العبادة قد يصدر ممن يعتقد أنه ال إله إال‬ ‫يضر وال ينفع وال يعطي وال يمنع إال هللا‪ ،‬وأنه ال إله غيره وال رب‬ ‫هللا‪ ،‬وأنه ال‬ ‫ُّ‬ ‫سواه‪ ،‬ولكن ال يخص هللا في معاملته وعبوديته‪ ،‬بل يعمل لحظ نفسه تارة‪ ،‬ولطلب‬ ‫الدنيا تارة‪ ،‬ولطلب الرفعة والمنزلة والجاه عند الخلق تارة‪ ،‬فلله من عمله وسعيه‬ ‫نصيب‪ ،‬ولنفسه وحظه وهواه نصيب‪ ،‬وللشيطان نصيب‪ ،‬وللخلق نصيب‪ ،‬وهذا حال‬ ‫أكثر الناس)‪.‬‬ ‫وهو الشرك الذي قال فيه النبي ^ فيما رواه ابن حبان في صحيحه‪« :‬الشرك‬ ‫في هذه األمة أخفى من دبيب النملة»‪ .‬قالوا‪ :‬كيف ننجو منه يا رسول هللا؟! قال‪« :‬قل‬ ‫اللهم إني أعوذ بك أن أشرك بك وأنا أعلم‪ ،‬وأستغفرك لما ال أعلم»‪ .‬فالرياء كله‬ ‫شرك‪ .‬قال تعالى‪ * :‬ﰄ ﰅ ﰆ ﰇ ﰈ ﰉ ﰊ ﰋ ﰌ ﰍ ﰎﰏ ﰐ ﰑ ﰒ ﰓ ﰔ ﰕ ﰖ ﰗ‬ ‫ﰘ ﰙ ﰚ ﰛ ﰜ ﰝ&[الكهف‪.]991:‬‬ ‫أي‪ :‬كما أنه إله واحدٌ‪ ،‬وال إله سواه؛ فكذلك ينبغي أن تكون العبادة له وحده‪،‬‬ ‫فكما تفرد باإللهية يجب أن يفرد بالعبودية؛ فالعمل الصالح هو الخالي من الرياء‬ ‫المقيد بالسنة‪.‬‬ ‫وهذا الشرك في العبادة يُبطل ثواب العمل‪ ،‬وقد يعاقب عليه إذا كان العمل‬ ‫واجبا ً‪ ،‬فإنه يُن َّز ُل منزلة من لم يعمله‪ ،‬فيعاقب على ترك األمر؛ فإن هللا سبحانه إنما‬ ‫أمر بعبادته عبادة خالصة‪ .‬قال تعالى‪* :‬ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ&[البينة‪.]5:‬‬


‫‪116‬‬

‫تهذيب شرح نواقض اإلسالم‬ ‫د‬ ‫الثالثةدغير‬ ‫األصول شيء‬ ‫شرحأتى به‬ ‫تهذيبالذي‬ ‫به‪ ،‬بل‬

‫فمن لم يخلص هلل في عبادته؛ لم يفعل ما أ ُ ِمر‬ ‫المأمور به‪ ،‬فال يصح وال يُقبل‪.‬‬ ‫ا‬ ‫ويقول هللا‪« :‬أنا أغنى الشركاء‪ ،‬فمن عمل عم ال أشرك معي فيه غيري‪ ،‬فهو‬ ‫للذي أشرك‪ ،‬وأنا منه بريء» اهـ‪ .‬رواه مسلم‪ ،‬وابن ماجة‪ ،‬والسياق قريب من سياق‬ ‫ابن ماجة‪ .‬المقصود من كالمه مختصرا ً‪.‬‬ ‫الناقض الثاني‪ :‬من نواقض اإلسالم‪:‬‬ ‫قال ‪[ :/‬من جعل بينه وبين هللا وسائط؛ يدعوهم‪ ،‬ويسألهم الشفاعة‪ ،‬ويتوكل‬ ‫عليهم؛ كفر إجماعا ا]‪.‬‬ ‫هذا الناقض من أكثر النواقض وقوعا ً وأعظمها خطرا ً على المرء‪ ،‬ألن كثيرا ً‬ ‫ممن يتسمى باسم اإلسالم وهو ال يعرف اإلسالم وال حقيقته‪ ،‬جعل بينه وبين الرب‬ ‫جل وعال وسائط يدعوهم لكشف الملمات‪ ،‬وإغاثة اللهفات‪ ،‬وتفريج الكربات‪ ،‬وهؤالء‬ ‫كفار بإجماع المسلمين؛ ألن هللا جل وعال ما أنزل الكتب وأرسل الرسل؛ إال ليعبدوه‬ ‫وحده ال شريك له‪ ،‬ولكن أبى ذلك عباد القبور‪ ،‬وجعلوا وسائط يسألونهم جلب المنافع‬ ‫ودفع المضار‪ ،‬وجعلوا ذلك هو العبادة التي أمر هللا بها‪ ،‬ومن أنكر عليهم شيئا ً من‬ ‫ذلك؛ رموه بعدم تعظيم األولياء والصالحين‪.‬‬ ‫وهم بزعمهم الفاسد ال يسألون هللا مباشرة تعظيما ً منهم هلل‪ ،‬ويقولون‪ :‬إن هللا ال‬ ‫بد له من واسطة‪ ،‬كما أن الملك ال يُسأل إال بواسطة الحجاب‪ ،‬وهللا أولى بذلك من‬ ‫الملك‪.‬‬ ‫فهم والعياذ باهلل شبهوا هللا بالمخلوق العاجز‪ ،‬ومن هذا الباب دخلوا‪ ،‬حتى‬ ‫خرجوا من اإلسالم‪ ،‬وفي الكتاب والسنة مما يبطل قولهم ويقطع دابرهم كثير‪.‬‬ ‫ومن تدبر القرآن طالبا ً للهدى ومؤثرا ً للحق‪ ،‬تبين له ذلك وتبينت له غربة‬ ‫الدين‪ ،‬وجهل كثير من الناس بدين رب العالمين‪.‬‬ ‫فمن ذلك قوله تعالى‪* :‬ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ ﯵﯶ ﯷ ﯸ ﯹ ﯺ ﯻ ﯼ ﯽ ﯾ ﯿ ﰕ ﰕ ﰕ ﰕ ﰕ ﰕ‬ ‫ﰕ ﰕ ﰕ ﰕ ﰕ ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘﭙ&[سبأ‪ .]23-22:‬وقال تعالى‪* :‬ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ‬ ‫ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯨ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ ﯱﯲ ﯳ ﯴ ﯵ ﯶ ﯷ ﯸ&[اإلسراء‪ .]57-56:‬وقال تعالى‪* :‬ﯼ ﯽ ﯾ ﯿ‬ ‫ﰕ ﰕ ﰕ ﰕ ﰕ ﰕﰕ ﰕ ﰕ ﰕ ﰕ ﰕ ﰕ ﰕ ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ‬ ‫ﭦ ﭧﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ&[يونس‪ .]917-916:‬وقال تعالى‪* :‬ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ‬ ‫ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣﯤ ﯥ ﯦ ﯧﯨ ﯨ ﯪ ﯫ ﯬ&[الزمر‪.]38:‬‬


‫املنهج املختصر يف الفقه والعقيدة والدعوة‬

‫‪117‬‬

‫والنبي ^ لما قيل له‪ :‬ما شاء هللا وشئت؛ قال‪« :‬أجعلتني هلل عد الا؟ ما شاء هللا‬ ‫(‪)1‬‬

‫وحده» ؛ ألن الواو في قوله‪« :‬وشئت»؛ تقتضي المساواة‪ ،‬وهللا جل وعال تفرد‬ ‫باإللهية‪ ،‬فيجب أن يفرد بالعبودية‪ ،‬وال يساوى بأحد من خلقه في جلب نفع أو دفع‬ ‫ضر‪.‬‬ ‫ّ‬ ‫خرجه الترمذي وحسَّنه عن ابن‬ ‫وقد قال النبي ^ في الحديث العظيم الذي َّ‬ ‫عباس‪« :‬احفظ هللا يحفظك‪ ،‬احفظ هللا تجده تُجاهك‪ ،‬وإذا سألت فاسأل هللا‪ ،‬وإذا‬ ‫استعنت فاستعن باهلل‪ ،‬واعلم أن األمة لو اجتمعت على أن ينفعوك بشيء‪ ،‬لم ينفعوك‬ ‫يضروك بشيء‪ ،‬لم يضروك إال‬ ‫إال بشيء قد كتبه هللا لك‪ ،‬وإن اجتمعوا على أن‬ ‫ُّ‬ ‫بشيء قد كتبه هللا عليك‪ُ ،‬رفِ عَ ت األقالم‪ ،‬وجفت الصحف»‪.‬‬ ‫والمشركون في قديم الدهر وحديثه إنما وقعوا في الشرك األكبر لتعلقهم بأذيال‬ ‫الشفاعة‪ ،‬والشفاعة شفاعتان‪:‬‬ ‫أ) شفاعة منفية‪ :‬وهي التي تطلب من غير هللا‪ ،‬قال تعالى‪* :‬ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ‬ ‫ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﭨ&[البقرة‪ .]254:‬وقال تعالى‪* :‬ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦﯧ ﯨ ﯨ‬ ‫ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ&[األنعام‪.]59:‬‬ ‫ب) شفاعة مثبتة‪ :‬وهي التي تطلب من هللا‪ ،‬وال تكون إال ألهل التوحيد‬ ‫واإلخالص‪ ،‬وهي مقيدة بأمرين عظيمين‪:‬‬ ‫األول‪ :‬إذن هللا للشافع‪ ،‬كما قال تعالى‪* :‬ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠﯡ&[البقرة‪.]255:‬‬ ‫الثاني‪ :‬رضا الرب عن المشفوع له؛ كما قال تعالى‪* :‬ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ‬ ‫ﭽ&[األنبياء‪ ،]28:‬أي‪ :‬قوله وعمله‪ ،‬أما المشركون؛ فتكون أعمالهم هباء منثورا ً‪ ،‬فال‬ ‫شفاعة لهم؛ معاملة لهم بنقيض قصدهم‪ ،‬فمن استعجل شيئا ً قبل أوانه؛ عوقب‬ ‫بحرمانه‪.‬‬

‫(‪ )1‬رواه أحمد (‪ 293/9‬و‪ )294‬من حديث ابن عباس وسنده حسن‪.‬‬


‫‪118‬‬

‫تهذيب شرح نواقض اإلسالم‬ ‫د‬ ‫تهذيب شرح األصول الثالثةد‬

‫الناقض الثالث من نواقض اإلسالم‪:‬‬ ‫قال ‪[ :/‬من لم يكفر المشركين‪ ،‬أو شك في كفره‪ ،‬أو صحح مذهبهم]‪.‬‬ ‫ألن هللا جل وعال كفَّرهم في آيات كثيرة من كتابه‪ ،‬وأمر بعداوتهم؛ الفترائهم‬ ‫الكذب عليه‪ ،‬ولجعلهم شركاء مع هللا‪ ،‬وادعائهم بأن له ولدا ً‪ ،‬تعالى هللا عما يقولون‬ ‫علوا كبيرا ً‪ ،‬وقد افترض هللا جل وعال على المسلمين معاداتهم وبغضهم‪ .‬وال يحكم‬ ‫ًّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫بإسالم المرء حتى يُك ِفر المشركين‪ ،‬فإن توقف في ذلك مع ظهور األمر فيهم‪ ،‬أو شك‬ ‫في كفرهم مع تبينه؛ فهو مثلهم‪.‬‬ ‫أما من صحح مذهبهم‪ ،‬واستحسن ما هم عليه من الكفر والطغيان؛ فهذا كافر‬ ‫بإجماع المسلمين؛ ألنه لم يعرف اإلسالم على حقيقته‪ ،‬وهو‪« :‬االستسالم هلل بالتوحيد‪،‬‬ ‫واالنقياد له بالطاعة‪ ،‬والبراءة من الشرك وأهله»‪ ،‬وهذا والى أهل الشرك‪ ،‬فضالً عن‬ ‫أن يكفرهم‪.‬‬ ‫وفي صحيح مسلم طارق بن أشيم ا قال‪ :‬سمعت رسول هللا ^ يقول‪« :‬من قال‪:‬‬ ‫ال إله إال هللا‪ ،‬وكفر بما يُعبد من دون هللا؛ حرم ماله ودمه‪ ،‬وحسابه على هللا»‪.‬‬ ‫فال يُكتفى بعصمة دم المسلم أن يقول‪ :‬ال إله إال هللا‪ ،‬بل ال بد أن يضيف إليها‬ ‫الكفر بما يُعبد من دون هللا‪ ،‬فإن لم يكفر بما يُعبد من دون هللا‪ ،‬لم يحرم دمه وماله‪.‬‬ ‫قال تعالى‪ * :‬ﭩ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮪ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ‬ ‫ﯣ&[الممتحنة‪.]4:‬‬ ‫هذه هي ملة إبراهيم التي من رغب عنها‪ ،‬فقد سفه نفسه‪.‬‬ ‫وقال تعالى‪* :‬ﰕ ﰕ ﰕ ﰕ ﰕ ﰕ ﰕ ﰕ ﰕ&[البقرة‪.]256:‬‬ ‫قال اإلمام محمد بن عبد الوهاب قدَّس هللا روحه‪( :‬وصفة الكفر بالطاغوت‪ :‬أن‬ ‫تعتقد بطالن عبادة غير هللا‪ ،‬وتتركها‪ ،‬وتبغضها‪ ،‬وتكفر أهلها‪ ،‬وتعاديهم)‪.‬‬ ‫وبهذا البيان يتبين لك ما عليه كثير من حكام البالد التي تنتسب إلى اإلسالم؛‬ ‫ألنهم والوا أهل اإلشراك‪ ،‬وقربوهم‪ ،‬وعظموهم‪ ،‬وجعلوا بينهم عالقات تدل على أنهم‬ ‫إخوان لهم‪ ،‬إضافة إلى ذلك‪ :‬أنهم عادوا أهل الدين وآذوهم وأودعوهم في السجون؛‬ ‫فهل يبقى إسالم بعد هذا؟!)‪.‬‬ ‫قال تعالى‪ * :‬ﭑﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙﭚ ﭛ ﭜ ﭝﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ&[المائدة‪.]59:‬‬ ‫وقال تعالى‪* :‬ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯨ ﯪ ﯫ ﯬ&[آل عمران‪.]28:‬‬ ‫فال بد لكل مسلم يدين دين اإلسالم أن يُك ِفّر المشركين‪ ،‬وأن يعاديهم‪ ،‬وأن‬ ‫يبغضهم‪ ،‬ويبغض من أحبهم‪ ،‬أو جادل عنهم‪ ،‬أو ذهب إلى ديارهم من غير عذر‬ ‫شرعي يرضاه هللا ورسوله‪.‬‬ ‫وعلى المسلمين جميعا ً أن يرجعوا إلى دينهم؛ فبه يحصل العز‪ ،‬وبه يحصل‬ ‫النصر‪ ،‬وبه تستقيم البالد‪ ،‬وبه يحصل الفرقان بين أولياء الرحمن الذين ينصرون‬


‫املنهج املختصر يف الفقه والعقيدة والدعوة‬

‫‪119‬‬

‫دينه‪ ،‬وبين أولياء الشيطان الذين ال يبالون بما جرى على الدين إذا سلمت لهم مآكلهم‬ ‫ومشاربهم‪.‬‬ ‫ّ‬ ‫وكلما أعرض الناس عن تحكيم الكتاب والسنة؛ سلط هللا عليهم عدوهم‪ ،‬فلما‬ ‫أعرض كثير من حكام الدول عن تحكيم شرع هللا ورضوا بالقوانين الوضعية‬ ‫الملعونة الملعون محكمها؛ تدهورت بالدهم وتشتتت‪ ،‬وسامهم العدو سوم العذاب من‬ ‫حيث ال يشعرون‪ ،‬وهللا المستعان‪.‬‬ ‫ويجب على كل عالم وداعية وخطيب وإمام مسجد‪ ،‬أن يبين للناس خطورة‬ ‫مواالة الكفار‪ ،‬باألدلة الشرعية من كتاب هللا وسنة رسوله‪ ،‬ويبين لهم خطورة الذهاب‬ ‫إلى ديارهم‪ ،‬أو استقدامهم إلى ديار المسلمين؛ ألن هللا قطع المواالة والصلة بين‬ ‫المسلم والكافر‪ ،‬حتى ولو كان أقرب قريب؛ كما قال تعالى‪* :‬ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ‬ ‫ﭱ ﭲﭳ&[التوبة‪ .]23:‬وقال تعالى‪ * :‬ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ‬ ‫ﭫ ﭬ ﭭ ﭮﭯ&[المجادلة‪ .]22:‬وقال تعالى‪ * :‬ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤﭥ ﭦ‬ ‫ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ&[الممتحنة‪.]9:‬‬ ‫ولذلك قال النبي ^ فيما رواه عنه الشيخان من حديث أسامة‪ « :‬ال يرث المسلم‬ ‫الكافر‪ ،‬وال الكافر المسلم»؛ لئال يقع بين المسلم والكافر عالئق؛ حسم النبي ^ المادة‬ ‫وقطع بينهما التوارث‪.‬‬ ‫ولي ْعلم كل مسلم أن الكفار من اليهود والنصارى وغيرهم لن يصطلحوا مع‬ ‫المسلمين‪ ،‬ولن يسالموهم ويرضوا عنهم؛ حتى يتبع المسلمون ملتهم‪ ،‬ويحذوا حذوهم؛‬ ‫كما قال تعالى‪ * :‬ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ‬ ‫ﭲ ﭳ&[البقرة‪.]921:‬‬ ‫فهذا تهديد من هللا ووعيد شديد على من اتبع دين الكفار‪ ،‬وأنه ليس له من دون‬ ‫هللا ولي وال نصير‪.‬‬ ‫وقد أمر النبي ^ بمفارقة المشركين؛ لئال يصير منهم‪ ،‬روى النسائي وغيره‬ ‫بسند جيد من حديث بهز بن حكيم عن أبيه عن جده‪ ،‬عن النبي ^ أنه قال‪ « :‬ال يقبل‬ ‫هللا من مشرك بعدما أسلم عم الا‪ ،‬أو يفارق المشركين إلى المسلمين»‪.‬‬ ‫ونشكوا إلى هللا جل وعال غربة الدين‪ ،‬وتغير أحوال المسلمين‪ ،‬يذهبون إلى‬ ‫ديار المشركين‪ ،‬ويجلسون معهم‪ ،‬ويؤاكلونهم‪ ،‬ويضاحكونهم!‬ ‫ونشكوا إلى هللا ما ح َّل بنا في هذا العصر الغريب‪ ،‬فقد انقلبت الموازين‪،‬‬ ‫فأصبح الكثير يتعاملون مع األسماء دون المسميات‪ ،‬ومع الدعاوي دون البينات‪ .‬فعدو‬ ‫سرا وجهارا ً قد صار مؤمنا ً موحدا ً عند الجهال‬ ‫هللا الذي يحارب الدين ليالً ونهارا ً ًّ‬ ‫المغفلين وأهل الشهوات‪ ،‬بدعوى أنه يتلفظ بالشهادتين‪ ،‬وما يغني عنه تلفظه‬ ‫بالشهادتين وقد صار جنديًّا من جنود إبليس‪ ،‬وحربا ً على هذا الدين بالنفس والمال‪،‬‬ ‫فاهلل المستعان‪.‬‬


‫تهذيب شرح نواقض اإلسالم‬

‫‪151‬‬

‫د‬ ‫تهذيب شرح األصول الثالثةد‬

‫الناقض الرابع من نواقض اإلسالم‪:‬‬ ‫قال ‪[ :/‬ومن اعتقد أن غير هدي النبي ^ أكمل من هديه‪ ،‬أو حكم غيره أحسن‬ ‫من حكمه؛ كالذي يفضل حكم الطواغيت على حكمه]‪.‬‬ ‫من نواقض اإلسالم‪ :‬من اعتقد أن غير هدي النبي ^ أكمل من هديه‪ ،‬وهذه‬ ‫مسألة عظيمة خطيرة‪ ،‬تردي بمعتقدها إلى الجحيم؛ ألن ذلك مصادمة للمنقول‬ ‫والمعقول‪.‬‬ ‫وقد كان النبي ^ يقول في خطبة الجمعة‪« :‬أما بعد؛ فإن خير الحديث كتاب هللا‪،‬‬ ‫(‪)1‬‬

‫وخير الهدي هدي محمد»‪ .‬أخرجه مسلم وغيره من حديث جابر ا‪.‬‬ ‫وال شك وال ريب أن هدي محمد ^ أكمل الهدي؛ ألنه وحي يوحى إليه؛ كما‬ ‫قال هللا جل وعال‪* :‬ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ&[النجم‪.]4:‬‬ ‫ولذلك أجمع العلماء الذين يعتد بإجماعهم‪ ،‬على أن السنة هي األصل الثاني من‬ ‫أصول التشريع اإلسالمي‪ ،‬وأنها مستقلة بتشريع األحكام‪ ،‬وهي كالقرآن في التحليل‬ ‫والتحريم‪.‬‬ ‫فكيف يكون هدي غيره أكمل من هديه‪ ،‬وهللا جال وعال قد امتن على هذه األمة‬ ‫بأن أكمل لها الدين‪ ،‬وأتم عليها النعمة‪ ،‬بواسطة نبي الرحمة محمد ^‪ ،‬قال هللا تعالى‪:‬‬ ‫*ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅﮆ&[المائدة‪.]3:‬‬ ‫فما رضيه هللا لنا؛ فنحن نرضاه؛ ألنه الدين الذي أحبه ورضيه وبعث به أفضل‬ ‫المرسلين‪ ،‬قال هللا تعالى‪* :‬ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼﭽ&[آل عمران‪ .]91:‬وقال تعالى‪* :‬ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ‬ ‫ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ&[آل عمران‪ ،]85:‬فكل من ابتغى غير هذا الدين؛ فهو من الكافرين‪.‬‬ ‫ومن نواقض اإلسالم ما بينه المؤلف ‪ /‬بقوله‪( :‬من اعتقد أن حكم غيره أحسن‬ ‫من حكمه‪ ،‬كالذي يفضل حكم الطواغيت على حكمه)‪ ،‬فهذا كافر بإجماع أهل العلم‪،‬‬ ‫ومنهم الذين يفضلون أحكام الطواغيت الوضعية على حكم رسول هللا ^‪.‬‬ ‫حكم‪ ،‬فما‬ ‫وينبغي لكل مسلم ومسلمه أن يعلم‪ :‬أن حكم هللا ورسوله مقد ٌم على كل ٍ‬ ‫من مسألة تقع بين الناس؛ إال ومردها إلى حكم هللا ورسوله‪ ،‬فمن تحاكم إلى غير حكم‬ ‫هللا ورسوله؛ فهو كافر؛ كما ذكر هللا ذلك في سورة النساء‪ ،‬فقال تعالى‪* :‬ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ‬ ‫ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ&[النساء‪ ]61:‬اآليات‪ ،‬إلى أن قال‬ ‫جل وعال‪* :‬ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯨ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ&[النساء‪.]65:‬‬ ‫فأقسم هللا جل وعال بنفسه أنهم ال يؤمنون حتى يستكملوا ثالثة أشياء‪:‬‬ ‫‪ )9‬أن يحكموا الرسول ^ في جميع األمور‪.‬‬ ‫(‪ )1‬صحيح مسلم (‪ - )953/6‬نووي‪.‬‬


‫املنهج املختصر يف الفقه والعقيدة والدعوة‬

‫‪155‬‬

‫‪ )2‬أن ال يجدوا في أنفسهم حرجا ً مما قضى به‪.‬‬ ‫‪ )3‬أن يسلموا تسليما ً كامالً لحكمه‪.‬‬ ‫وقال هللا تعالى‪* :‬ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮪ ﮭ&[المائدة‪.]44:‬‬ ‫والحكم بما أنزل هللا‪ ،‬واعتقاد أن حكم الرسول أحسن من حكم غيره‪ :‬من‬ ‫مقتضيات شهادة أن (ال إله إال هللا)‪ ،‬ومن زعم أن حكم غير الرسول أحسن من حكم‬ ‫ٌ‬ ‫شرط‬ ‫الرسول؛ فهذا لم يعرف معنى (ال إله إال هللا)‪ ،‬بل أتى بما يناقضها؛ ألن االنقياد‬ ‫من شروط هذه الكلمة العظيمة‪ ،‬فمن عرفها وعمل بها مستكمالً شروطها وأركانها؛‬ ‫فقد تبرأ من حكم غير هللا والرسول‪.‬‬ ‫وقد تغيرت األحوال‪ ،‬خصوصا ً في هذا الزمان الذي يشبه أزمان الفترات‪،‬‬ ‫فاعتاضوا عن كالم هللا ورسوله وحكم هللا ورسوله بآراء اليهود والنصارى‪ ،‬الذين ال‬ ‫يرقبون في مؤمن إالًّ وال ذمة‪ ،‬ورضوا بتحكيم آراء الرجال‪.‬‬ ‫ويدخل فيما تقدم من الكفر والضالل قول من يقول‪ :‬إن إنفاذ حكم هللا في رجم‬ ‫الزاني المحصن وقطع يد السارق ال يناسب هذا العصر الحاضر؛ فزماننا قد تغير‬ ‫عن زمن الرسول‪ ،‬والدول الغربية تعيبنا في هذا!! فهذا المارق قد زعم أن حكم أهل‬ ‫هذا العصر أحسن من حكم النبي ^ وأهدى سبيالً‪.‬‬ ‫وكذلك يدخل في ذلك من قال‪ :‬إنه يجوز في هذا العصر الحكم بغير ما أنزل‬ ‫هللا!! ألنه قد استحل محرما ً مجمعا ً على تحريمه‪.‬‬ ‫الناقض الخامس من نواقض اإلسالم‪:‬‬ ‫قال ‪[ :/‬من أبغض شيئا ا مما جاء به الرسول ^ ولو عمل به؛ كفر]‪.‬‬ ‫من نواقض اإلسالم‪ :‬بغض شيء مما جاء به الرسول ^‪ ،‬سواء كان من األقوال‬ ‫أو األفعال‪ ،‬وسواء كان أمرا ً أو نهيا ً‪ ،‬وهذا من النفاق االعتقادي الذي صاحبه في‬ ‫الدرك األسفل من النار‪.‬‬ ‫ومن ذلك‪ :‬ما يتفوه به كثير من الكتاب الملحدين من كراهيتهم لتعدد الزوجات؛‬ ‫ويحاربون تعدد الزوجات بشتى الوسائل‪ ،‬وما يعلم هؤالء أنهم يحاربون هللا ورسوله‪،‬‬ ‫وأنهم يردون على هللا أمره‪.‬‬ ‫ومثل هؤالء في الكفر والبغض لما جاء به الرسول من يكره كون المرأة ليست‬ ‫بمنزلة الرجل؛ ككرههم أن تكون دية المرأة نصف دية الرجل‪ ،‬وأن شهادة امرأتين‬ ‫بشهادة رجل واحد‪ ،‬وغير ذلك؛ فهم مبغضون لقول النبي ^‪« :‬ما رأيت من ناقصات‬ ‫عقل ودين أذهب للب الرجل الحازم من إحداكن» الحديث متفق عليه‪ ،‬من حديث أبي‬ ‫سعيد الخدري ا‪.‬‬ ‫قال هللا تعالى حاكما ً بكفر من كره ما أنزل على رسوله‪* :‬ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯨ‬ ‫ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ&[محمد‪.]1-8:‬‬


‫‪151‬‬

‫تهذيب شرح نواقض اإلسالم‬ ‫د‬ ‫شرح األصول‬ ‫تهذيب‬ ‫الثالثةدأنزل‬ ‫كراهيتهم ما‬ ‫بسبب‬ ‫منثورا ً؛‬

‫فاهلل جل وعال أحبط أعمالهم‪ ،‬وجعلها هبا ًء‬ ‫على رسوله‪ ،‬فكل من كره ما أنزل هللا؛ فعمله حابط‪ ،‬وإن عمل بما كره؛ كما قال‬ ‫تعالى‪* :‬ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯨ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ&[محمد‪.]28:‬‬ ‫وهذا من أعظم ما يخيف المسلم‪ :‬أن يكون كارها ً لما جاء به الرسول ^‪.‬‬ ‫ومما ينبغي التنبيه عليه‪ :‬أن كثيرا ً من الناس قد ال يقبل الحق ال ألنه حق‪ ،‬ولكن‬ ‫لسوء تصرف من يأمره بالمعروف أو ينهاه عن المنكر‪ ،‬أو لكون بينه وبين الناصح‬ ‫شيء ما؛ فهذا ال يسمى مبغضا ً لما جاء به الرسول ^‪.‬‬ ‫وال يلزم من ف ْعل المعصية بغض ما جاء به الرسول ^‪ ،‬فهناك من الصحابة من‬ ‫حصلت منه بعض المخالفات ‪-‬كشرب الخمر مثالً‪ -‬ولم يلزمه أحد من الصحابة بذلك‬ ‫اإللزام‪ ،‬بل لما أُتي بشارب الخمر إلى النبي ^‪ ،‬ولعنه بعض الصحابة‪ ،‬وقال‪ :‬ما أكثر‬ ‫(‪)1‬‬

‫ما يُؤتى به! نهاه النبي ^ عن لعنه‪ ،‬وقال‪« :‬إنه يحب هللا ورسوله» ‪.‬‬ ‫ومن اعتقاد أهل السنة والجماعة‪ :‬أن أهل الكبائر تحت المشيئة‪ :‬إن شاء هللا عفا‬ ‫عنهم وإن شاء عذبهم على قدر جرمهم‪ ،‬ثم مآلهم إلى الجنة‪.‬‬ ‫الناقض السادس من نواقض اإلسالم‪:‬‬ ‫قال ‪[ :/‬من استهزأ بشيء من دين الرسول ^‪ ،‬أو ثوابه‪ ،‬أو عقابه؛ كفر‪ ،‬والدليل‬ ‫قوله تعالى‪* :‬ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗﮘ&[التوبة‪.]]66-65:‬‬ ‫االستهزاء بشيء مما جاء به الرسول كفر بإجماع المسلمين‪ ،‬ولو لم يقصد‬ ‫حقيقة االستهزاء؛ كما لو هزل مازحا ً‪.‬‬ ‫وقد روى ابن جرير وابن أبي حاتم وأبو الشيخ وغيرهم‪ ،‬عن عبد هللا بن عمر‬ ‫ب قال‪ :‬قال رجل في غزوة تبوك في مجلس يوما ً‪ :‬ما رأينا مثل قرائنا هؤالء‪ :‬أرغب‬ ‫بطونا ً‪ ،‬وال أكذب ألسنا ً‪ ،‬وال أجبن عند اللقاء‪ .‬فقال رجل في المجلس‪ :‬كذبت! ولكنك‬ ‫منافق‪ ،‬ألخبرن رسول هللا ^‪ .‬فبلغ ذلك رسول هللا ^‪ ،‬ونزل القرآن‪ .‬قال عبد هللا‪ :‬فأنا‬ ‫رأيته متعلقا ً بحقب ناقة رسول هللا ^ والحجارة تنكبه وهو يقول‪ :‬يا رسول هللا! إنما‬ ‫كنا نخوض ونلعب‪ ،‬والنبي ^ يقول‪* :‬ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ&[التوبة‪.]65:‬‬ ‫فقولهم‪( :‬إنما كنا نخوض ونلعب)؛ أي‪ :‬إننا لم نقصد حقيقة االستهزاء‪ ،‬وإنما‬ ‫قصدنا الخوض واللعب‪ ،‬نقطع به عناء الطريق‪ ،‬كما في بعض روايات الحديث‪ ،‬ومع‬ ‫ذلك كفَّرهم هللا جل وعال؛ ألن هذا الباب ال يدخله الخوض واللعب؛ فهم كفروا بهذا‬ ‫الكالم‪ ،‬مع أنهم كانوا من قبل مؤمنين‪.‬‬ ‫(‪ )1‬رواه البخاري (‪/92‬رقم ‪ 6781‬الفتح) عن عمر بن الخطاب رضي هللا عنه‪.‬‬


‫املنهج املختصر يف الفقه والعقيدة والدعوة‬

‫‪153‬‬

‫فمن استهزأ بشيء مما جاء به الرسول ^؛ كاالستهزاء بالعلم الشرعي وأهله‬ ‫ألجله‪ ،‬وكاالستهزاء بثواب هللا وعقابه‪ ،‬واالستهزاء باآلمرين بالمعروف والناهين عن‬ ‫المنكر من أجل أمرهم به أو نهيهم عنه‪ ،‬وكاالستهزاء بالصالة‪ ،‬سواء كانت نافلة أو‬ ‫فريضة‪ ،‬وكذلك االستهزاء بالمصلين ألجل صالتهم‪ ،‬وكذلك االستهزاء بمن أعفى‬ ‫لحيته ألجل إعفائها‪ ،‬أو بتارك الربا ألجل تركه؛ فهو كافر‪.‬‬ ‫واالستهزاء بشيء مما جاء به الرسول ^ من صفات المنافقين؛ كما قال تعالى‪:‬‬ ‫*ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ ﯶ ﯷ ﯸ ﯹ ﯺ ﯻ ﯼ ﯽ ﯾ ﯿ ﰕ ﰕ ﰕ ﰕ ﰕ ﰕ ﰕ ﰕ ﰕ ﰕ ﰕ ﰕ ﰕ ﰕ ﰕ‬ ‫ﰕ ﰕ ﰕ ﰕ ﰕ ﰕ ﰕ ﰕ ﰕ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ&[المطففين‪.]36-21:‬‬

‫ويجب على كل مسلم أن يهجر المستهزئين بدين هللا وبما جاء به الرسول ^‪،‬‬ ‫ولو كانوا أقرب الناس إليه‪ ،‬لئال يكون منهم؛ كما قال هللا جال وعال‪* :‬ﯦ ﯧ ﯨ ﯨ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ‬ ‫ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ ﯶ ﯷ ﯸ ﯹ ﯺ ﯻﯼ ﯽ ﯾ ﯿﰕ ﰕ ﰕ ﰕ ﰕ ﰕ ﰕ ﰕ ﰕ ﰕ&[النساء‪.]941:‬‬ ‫الناقض السابع من نواقض اإلسالم‪:‬‬ ‫قال ‪[ :/‬السحر‪ ،‬ومنه الصرف والعطف‪ ،‬فمن فعله أو رضي به؛ كفر‪ ،‬والدليل‬ ‫قول هللا‪* :‬ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴﭵ&[البقرة‪.]]511:‬‬ ‫السحر يُطلق في اللغة‪ :‬على ما خفي ولطف مأخذه ودق‪.‬‬ ‫عقدٌ ورقى يتوصل بها الساحر إلى استخدام الشياطين؛‬ ‫وتعريفه في الشرع‪ُ :‬‬ ‫لتضر المسحور‪.‬‬ ‫وقال الشنقيطي ‪( :/‬اعلم أن السحر ال يمكن حدُّه بحد جامع مانع؛ لكثرة األنواع‬ ‫المختلفة الداخلة تحته‪ ،‬وال يتحقق قدر مشترك بينها يكون جامعا ً لها مانعا ً لغيرها‪،‬‬ ‫(‪)1‬‬ ‫ومن هنا اختلفت عبارات العلماء في حده اختالفا ً متباينا ً) ‪.‬‬ ‫ومن السحر‪ :‬الصرف والعطف‪:‬‬ ‫فالصرف‪ :‬صرف الرجل عما يهواه؛ كصرفه مثالً عن محبة زوجته إلى‬ ‫بغضها‪.‬‬ ‫والعطف‪ :‬عمل سحري كالصرف‪ ،‬ولكنه يعطف الرجل عما ال يهواه إلى‬ ‫محبته بطرق شيطانية‪.‬‬

‫(‪ )1‬أضواء البيان‪.)444/4( :‬‬


‫‪154‬‬

‫تهذيب شرح نواقض اإلسالم‬ ‫د‬ ‫تهذيب شرح األصول الثالثةد‬

‫وهذه مسائل مهمة تتعلق بالسحر‪:‬‬ ‫المسألة األولى‪ :‬هل للسحر حقيقة؟‬ ‫دل قوله جل وعال‪* :‬ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ&[الفلق‪ ]4:‬على أن للسحر حقيقة‪ ،‬وإال لم يأمر‬ ‫هللا باالستعاذة منه‪.‬‬ ‫وكذلك قوله تعالى‪* :‬ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽﭾ&[البقرة‪ ،]912:‬فهذه اآلية تدل عل أن‬ ‫للسحر حقيقة تكون سببا ً للتفريق بين المرء وزوجه‪.‬‬ ‫المسألة الثانية‪ :‬في حكم الساحر‪:‬‬ ‫اختلف العلماء رحمهم هللا في الساحر‪ :‬هل يكفر أم ال؟‬ ‫ظاهر كالم المصنف ‪ /‬أنه يكفر؛ لقوله تعالى‪* :‬ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ‬ ‫ﭴﭵ&[البقرة‪ ،]912:‬وهو مذهب اإلمام أحمد ‪ /‬ومالك وأبي حنيفة‪ ،‬وعليه الجمهور‪.‬‬ ‫وذهب الشافعي ‪ /‬إلى أنه إذا تعلم السحر‪ ،‬يقال له‪ :‬صف لنا سحرك‪ .‬فإن‬ ‫وصف ما يستوجب الكفر ‪-‬مثل سحر أهل بابل من التقرب للكواكب‪ ،‬وأنها تفعل ما‬ ‫يطلب منها‪-‬؛ فهو كافر‪ ،‬وإن كان ال يصل إلى حد الكفر واعتقد إباحته‪ ،‬فهو كافر‬ ‫الستحالله المحرم‪ ،‬وإال؛ فال‪.‬‬ ‫واعلم أن الساحر على كال الحالتين يجب قتله على القول الصحيح‪ ،‬ألنه مفسد‬ ‫في األرض‪ ،‬يفرق بين المرء وزوجه‪ ،‬وبقاؤه على وجه األرض فيه خطر كبير‬ ‫وفساد عظيم على األفراد والمجتمعات‪ ،‬ففي قتله قطع لفساده وإراحة للعباد والبالد‬ ‫من خبثه‪ ،‬وال خالف بين الصحابة في قتل الساحر‪.‬‬


‫املنهج املختصر يف الفقه والعقيدة والدعوة‬

‫‪155‬‬

‫المسألة الثالثة‪ :‬حل السحر عن المسحور‪:‬‬ ‫وهي النشرة‪ .‬قال العالمة ابن القيم ‪( :/‬حل السحر عن المسحور نوعان‪:‬‬ ‫أحدهما‪ :‬حل بسحر مثله‪ ،‬وهو الذي من عمل الشيطان‪ ،‬وعليه يحمل قول‬ ‫الحسن‪( :‬وهو‪ :‬ال يحل السحر إال ساحر)‪ ،‬فيتقرب الناشر والمنتشر إلى الشيطان بما‬ ‫يحب‪ ،‬فيبطل عمله عن المسحور‪.‬‬ ‫والثاني‪ :‬النشرة بالرقية والتعويذات واألدوية والدعوات المباحة؛ فهذا جائز)‪.‬‬ ‫وأما الذهاب إلى السحرة والكهان والمنجمين والعرافين لسؤالهم‪ ،‬فهذا جرم‬ ‫(‪)1‬‬

‫عظيم وخطأ كبير‪ ،‬يترتب عليه عدم قبول صالة أربعين ليلة‪ ،‬لما روى مسلم عن‬ ‫بعض أزواج النبي ^‪ ،‬عن النبي ^ قال‪« :‬من أتى عرافا ا فسأله عن شيء‪ ،‬لم تقبل له‬ ‫صالة أربعين ليلة»‪.‬‬ ‫وأما إن سألهم وصدّقهم فهو كافر بما أنزل على نبينا محمد ^‪ ،‬لما رواه‬ ‫(‪)2‬‬ ‫الحاكم عن أبي هريرة ا قال‪ :‬قال رسول هللا ^‪« :‬من أتى عرافا ا أو كاهنا ا فصدقه‬ ‫فيما يقول‪ ،‬فقد كفر بما أنزل على محمد ^»‪.‬‬ ‫الناقض الثامن من نواقض اإلسالم‪:‬‬ ‫قال ‪[ :/‬مظاهرة المشركين ومعاونتهم على المسلمين‪ ،‬والدليل قوله تعالى‪* :‬ﭟ ﭠ‬ ‫ﭡ ﭢ ﭣﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ&[المائدة‪.]]55:‬‬ ‫المظاهرة هي‪ :‬المناصرة‪ .‬ومظاهرة المشركين ومعاونتهم على المسلمين تكون‬ ‫عدد‪ ،‬وهذا من نواقض‬ ‫بكل شيء يستعينون به ويتقوون به على المسلمين من عد ٍد و ُ‬ ‫اإلسالم‪.‬‬ ‫ومعاونة الكفار على المسلمين فتنة عظيمة قد عمت في هذا الزمان‪ ،‬الذي كثر‬ ‫فيه الجهل‪ ،‬وقل فيه العلم‪ ،‬وتوافرت فيه أسباب الفتن‪ ،‬وغلب الهوى واستحكم‪،‬‬ ‫وانطمست أعالم السنن‪ ،‬وعاد اإلسالم غريبا ً كما بدأ‪ ،‬فطوبى للغرباء‪ ،‬الذين‬ ‫يصلحون ما أفسد الناس‪.‬‬ ‫الناقض التاسع من نواقض اإلسالم‪:‬‬ ‫قال ‪[ :/‬من اعتقد أن بعض الناس يسعه الخروج عن شري عة محمد ^‪ ،‬كما وسع‬ ‫الخضر الخروج عن شريعة موسى ×‪ ،‬فهو كافر]‪.‬‬

‫(‪ )1‬في صحيحه (‪.)2231‬‬ ‫(‪ )8/9( )2‬بسند صحيح‪.‬‬


‫‪156‬‬

‫تهذيب شرح نواقض اإلسالم‬ ‫د‬ ‫األصول‬ ‫شرح‬ ‫تهذيب‬ ‫الثالثةدربقة‬ ‫فقد خلع‬ ‫عنها؛‬ ‫االستغناء‬

‫من رغب الخروج عن شريعة محمد ^‪ ،‬أو ظن‬ ‫اإلسالم من عنقه‪ .‬وذلك لتضمنه تكذيب قول هللا تعالى‪* :‬ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ‬ ‫ﮆﮇ&[األنعام‪.]953:‬‬ ‫ًّ‬ ‫وأخرج أحمد وأبو داود عن ابن مسعود ا قال‪( :‬خط لنا رسول هللا ^ خطا‪ ،‬ثم‬ ‫قال‪« :‬هذا سبيل هللا»‪ ،‬ثم خط خطوطا ً عن يمينه وعن شماله‪ ،‬ثم قال‪« :‬هذه سبل‬ ‫متفرقة‪ ،‬على كل سبيل منها شيطان يدعو إليه»‪ ،‬ثم قرأ‪* :‬ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ‬ ‫ﮆﮇ&[األنعام‪.)]953:‬‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫وقد بوب اإلمام محمد بن عبد الوهاب ‪ /‬في «فضل اإلسالم» بابا عظيما‪ ،‬فقال‪:‬‬ ‫(باب وجوب االستغناء بمتابعة الكتاب عن كل ما سواه)‪.‬‬ ‫وال شك أن القرآن يأمرنا بمتابعة الرسول ^‪ ،‬وعدم الخروج عن طاعته‪ ،‬بل إن‬ ‫الخروج عن طاعته من األسباب الموجبة للنار؛ كما في صحيح البخاري عن أبي‬ ‫هريرة ا قال‪ :‬قال رسول هللا ^‪ « :‬كل أمتي يدخلون الجنة؛ إال من أبى»‪ .‬قالوا‪ :‬ومن‬ ‫يأبى يا رسول هللا؟! قال‪« :‬من أطاعني دخل الجنة‪ ،‬ومن عصاني فقد أبى»‪.‬‬ ‫فاهلل سبحانه افترض على جميع الناس طاعة رسوله ^‪ ،‬فمنهم من أطاع‪ ،‬ومنهم‬ ‫من عصى‪ ،‬وانقسمت األمة إلى قسمين‪:‬‬ ‫أ) أمة إجابة‪ ،‬وهم الذين أطاعوه واتبعوا النور الذي معه‪.‬‬ ‫ب) وأمة دعوة‪ ،‬وهم الذين استكبروا عن طاعته ومتابعته‪.‬‬ ‫واعتقاد أن بعض الناس يسعه الخروج عن شريعة محمد ^ كما وسع الخضر‬ ‫علم‬ ‫الخروج عن شريعة موسى ×‪ ،‬من أعظم أنواع النفاق واإللحاد والكفر‪ ،‬فإنه قد ُ‬ ‫باالضطرار من دين اإلسالم‪ ،‬أن رسالة محمد بن عبد هللا ^ لجميع الناس؛ عربهم‬ ‫وعجمهم‪ ،‬وملوكهم وزهادهم؛ وعلمائهم وعامتهم‪ ،‬وأنها باقية دائمة إلى يوم القيامة‪،‬‬ ‫بل عامة للثقلين الجن واإلنس‪ ،‬وأنه ليس ألحد من الخالئق الخروج عن متابعته‬ ‫وطاعته ومالزمته ما يشرعه ألمته من الدين‪ ،‬وما سنه لهم من فعل المأمورات وترك‬ ‫المحظورات‪ ،‬بل لو كان األنبياء المتقدمون قبله أحياء؛ لوجب عليهم متابعته‬ ‫ومطاوعته‪.‬‬ ‫وقد ثبت في األحاديث الصحيحة أن المسيح عيسى ابن مريم‪ :‬إذا نزل من‬ ‫السماء آخر الزمان‪ ،‬يكون متبعا ً لشريعة محمد بن عبد هللا ^‪.‬‬ ‫وأما سبب عدم متابعة الخضر × لموسى × فهو‪ :‬أن موسى × لم يكن مبعوثا ً‬ ‫إلى الخضر‪ ،‬وال أوجب هللا على الخضر متابعته وطاعته‪ ،‬بل قد ثبت في الصحيحين‬ ‫أن الخضر قال له‪« :‬يا موسى! إني على علم من علم هللا علمنيه هللا ال تعلمه‪ ،‬وأنت‬ ‫على علم من علم هللا علمكه هللا ال أعلمه»‪ ،‬وذلك أن دعوة موسى كانت خاصة‪.‬‬


‫املنهج املختصر يف الفقه والعقيدة والدعوة‬

‫‪157‬‬

‫وقد ثبت في الصحاح عن النبي ^ أنه قال‪ « :‬كان النبي يبعث إلى قومه خاصة‪،‬‬ ‫وبعثت إلى الناس عامة»‪.‬‬ ‫وبهذا يتبين أنه ال يجوز ألحد أن يدعي الخروج عن شريعة محمد‪ ،‬كما يدعيه‬ ‫غالة الصوفية‪ ،‬ويفسرون قوله تعالى‪* :‬ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ&[الحجر‪ ]11:‬أي‪ :‬العلم والمعرفة‪،‬‬ ‫ويجوزون لمن حصل عنده علم ومعرفة الخروج عن شريعة محمد ^‪ ،‬ويسقطون عنه‬ ‫التكاليف‪ ،‬وهذا كفر وخروج عن اإلسالم‪ ،‬باتفاق العلماء‪.‬‬ ‫الناقض العاشر من نواقض اإلسالم‪:‬‬ ‫قال ‪[ :/‬اإلعراض عن دين هللا تعالى؛ ال يتعلمه‪ ،‬وال يعمل به‪ ،‬والدليل قوله‬ ‫تعالى‪* :‬ﭛﭜﭝﭞﭟﭠﭡﭢﭣﭤﭥﭦﭧﭨﭩ&[السجدة‪.]]11:‬‬ ‫المراد باإلعراض الذي هو ناقض من نواقض اإلسالم‪ :‬هو اإلعراض عن تعلم‬ ‫أصل الدين الذي به يكون المرء مسلما ً‪ ،‬ولو كان جاهالً بتفاصيل الدين؛ ألن هذا قد ال‬ ‫يقوم به إال العلماء وطلبة العلم‪ .‬قال تعالى‪* :‬ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ&[األحقاف‪ ،]3:‬وقال تعالى‪* :‬ﭛ‬ ‫ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ&[السجدة‪.]22:‬‬ ‫سئل العالمة الشيخ عبد اللطيف بن عبد الرحمن بن حسن عن اإلعراض‬ ‫وقد ُ‬ ‫الذي هو ناقض من نواقض اإلسالم؟‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫فأجاب‪( :‬إن أحوال الناس تتفاوت تفاوتا عظيما‪ ،‬وتفاوتهم بحسب درجاتهم في‬ ‫اإليمان إذا كان أصل اإليمان موجودا ً‪ ،‬والتفريط والشرك إنما هو فيما دون ذلك من‬ ‫الواجبات والمستحبات‪ ،‬وأما إذا عدم األصل الذي يدخل به في اإلسالم‪ ،‬وأعرض عن‬ ‫هذا بالكلية؛ فهذا كفر إعراض‪ ،‬قال تعالى‪* :‬ﯳ ﯴ ﯵ ﯶ ﯷ ﯸ ﯹ ﯺ&[طه‪ ]924:‬اآلية)‪.‬‬ ‫قال الشيخ العالمة سليمان بن سحمان‪( :‬فتبين من كالم الشيخ‪ ،‬أن اإلنسان ال‬ ‫يكفر إال باإلعراض عن تعلم األصل الذي يدخل به اإلنسان في اإلسالم‪ ،‬ال بترك‬ ‫(‪)1‬‬

‫الواجبات والمستحبات) ‪.‬‬ ‫وقال العالمة ابن القيم ‪ /‬في مدارج السالكين‪( :‬وأما كفر اإلعراض‪ ،‬فإنه‬ ‫يُعرض بسمعه وقلبه عن الرسول؛ ال يصدقه وال يكذبه‪ ،‬وال يواليه وال يعاديه‪ ،‬وال‬ ‫يصغي إلى ما جاء به البتة) اهـ كالمه‪.‬‬ ‫حكم الهازل والجاد والخائف والمكره‪:‬‬

‫(‪ )1‬الدرر السنية (‪.)473 - 472/91‬‬


‫تهذيب شرح نواقض اإلسالم‬

‫‪158‬‬

‫ثم إن المصنف ‪ /‬لما ذكر هذه النواقض العشرة‪،‬‬ ‫(‪)1‬‬

‫د‬ ‫األصول‬ ‫قالتهذيب‬ ‫الثالثةدجميع‬ ‫فرق في‬ ‫شرحوال‬ ‫بعدها‪[ :‬‬

‫هذه النواقض بين الهازل والجاد والخائف ‪ ،‬إال المكره]‪.‬‬ ‫ودليل العذر باإلكراه‪ :‬قوله تعالى‪* :‬ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ‬ ‫ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ&[النحل‪.]916:‬‬ ‫واإلكراه يكون بالقول والفعل كما هو ظاهر اآلية‪.‬‬ ‫ثم قال الشيخ ‪[ :/‬وكلها من أعظم ما يكون خطرا ا وأكثر ما يكون وقوعا ا]‪.‬‬ ‫(كالم مهم في مسألة التكفير)‪:‬‬ ‫مكف را ا يحكم بتكفيره‪.‬‬ ‫ليس كل من فعل ِ‬ ‫إذا علم ما تقدم من النواقض التي تحبط األعمال‪ ،‬وتجعل صاحبها من الخالدين‬ ‫في النار‪ ،‬فليعلم أن المسلم قد يقول قوالً أو يفعل فعالً قد دل الكتاب والسنة وإجماع‬ ‫سلف األمة على أنه كفر ورده عن اإلسالم‪ ،‬ولكن ال تالزم عند أهل العلم بين القول‬ ‫بأن هذا كفر وبين تكفير الرجل بعينه‪.‬‬ ‫فليس كل من فعل مكفرا ً حكم بكفره؛ إذ القول أو الفعل قد يكون كفرا ً‪ ،‬لكن ال‬ ‫يطلق الكفر على القائل أو الفاعل إال بشرطه؛ ألنه ال بد أن تثبت في حقه شروط‬ ‫التكفير‪ ،‬وتنتفى موانعه؛ فالمرء قد يكون حديث عهد بإسالم‪ ،‬وقد يفعل مكفرا ً وال يعلم‬ ‫أنه مكفر‪ ،‬فإذا بُ ِيّن له؛ رجع وقد ينكر شيئا ً متأوالً أخطأ بتأويله‪ ..‬وغير ذلك من‬ ‫الموانع التي تمنع من التكفير‪.‬‬ ‫وهذا أصل عظيم‪ ،‬يجب تفهمه واالعتناء به؛ ألن التكفير ليس حقًّا للمخلوق‪،‬‬ ‫يكفر من يشاء على وفق هواه‪ ،‬بل يجب الرجوع في ذلك إلى الكتاب والسنة على فهم‬ ‫السلف الصالح‪ ،‬فمن كفّره هللا ورسوله‪ ،‬وقامت عليه الحجة؛ فهو كافر‪ ،‬ومن ال فال‪.‬‬ ‫وفي الصحيحين وغيرهما عن أبي هريرة ا‪ ،‬عن النبي ^ قال‪« :‬أسرف رجل‬ ‫على نفسه‪ ،‬فلما حضره الموت؛ أوصى بنيه؛ فقال‪ :‬إذا أنا ُم ُّ‬ ‫ت؛ فأحرقوني‪ ،‬اسحقوني‪،‬‬ ‫ي ربي؛ ليعذبني عذابا ا ما عذبه‬ ‫ثم ذروني في الريح في البحر‪ ،‬فو هللا لئن قدر عل َّ‬ ‫أحدا ا»‪ .‬قال‪« :‬ففعلوا ذلك به‪ ،‬فقال لألرض أدى ما أخذت‪ .‬فإذا هو قائم‪ ،‬فقال له‪ :‬ما‬ ‫حملك على ما صنعت؟ فقال‪ :‬خشيتك يا رب‪ ،‬فغفر له بذلك»‪.‬‬ ‫(‪)2‬‬

‫قال شيخ اإلسالم ابن تيمية ‪( : /‬فهذا رجل شك في قدرة هللا وفي إعادته إذا‬ ‫ذُ ِ ّري‪ ،‬بل اعتقد أنه ال يُعاد‪ ،‬وهذا كفر باتفاق المسلمين‪ ،‬لكن كان جاهالً ال يعلم ذلك‪،‬‬ ‫(‪ )1‬أي‪ :‬خوف المال والجاه‪.‬‬ ‫(‪ )2‬في الفتاوى (‪.)239 /3‬‬


‫املنهج املختصر يف الفقه والعقيدة والدعوة‬

‫‪159‬‬

‫وكان مؤمنا ً يخاف هللا أن يعاقبه‪ ،‬فغفر له بذلك‪ ،‬والمتأول من أهل االجتهاد الحريص‬ ‫على متابعة الرسول ^‪ ،‬أولى بالمغفرة من مثل هذا)‪.‬‬ ‫(‪)1‬‬ ‫وقال ‪( : /‬وحقيقة األمر في ذلك‪ :‬أن القول قد يكفر كفرا ً‪ ،‬فيطلق القول بتكفير‬ ‫صاحبه‪ ،‬فيقال‪ :‬من قال كذا؛ فهو كافر‪ ،‬لكن الشخص المعين الذي قاله ال يحكم بكفره‬ ‫حتى تقوم عليه الحجة التي يكفر تاركها)‪.‬‬ ‫والحاصل‪ :‬أن مذهب أهل التحقيق التفريق بين تكفير الفعل وبين تكفير الفاعل‪،‬‬ ‫وكذلك األمر في التبديع‪ ،‬هناك فرق بين تبديع القول أو الفعل‪ ،‬وبين تبديع القائل أو‬ ‫الفاعل‪ ،‬فليس كل من فعل بدعة صار مبتدعا ً‪.‬‬ ‫ومن نظر في سيرة السلف؛ عرف حقيقة هذا القول‪ ،‬وعلم أن هذا مذهبهم وهذه‬ ‫طريقتهم‪ ،‬ورأى ما هم عليه من العدل واإلنصاف وقول الحق والحرص على هداية‬ ‫الخلق‪ ،‬لما خصهم هللا به من العلم النافع والعمل الصالح‪ ،‬وهذا هو الواجب على‬ ‫جميع الخلق‪ :‬أن يكون قصدهم بيان الحق وإزهاق الباطل مع العدل واإلنصاف؛‬ ‫ليكون الدين كله هلل‪.‬‬

‫(‪ )1‬في المسائل الماردينية (ص ‪.)79‬‬


‫تهذيب شرح نواقض اإلسالم‬

‫‪111‬‬

‫خامتة‬

‫د‬ ‫تهذيب شرح األصول الثالثةد‬

‫نختم هذا الشرح بما قال الشيخ محمد بن عبد الوهاب ‪ /‬في كشف الشبهات؛ فإنه‬ ‫كالم عظيم يبين ما تقدم‪ ،‬ويزيل اللبس واإلشكال‪ ،‬لكثرة الواقعين فيه؛ إلعراضهم عن‬ ‫تعلم دينهم‪ ،‬وما أوجب هللا عليهم‪.‬‬ ‫قال ‪( :/‬ال خالف أن التوحيد البد أن يكون بالقلب واللسان والعمل‪ ،‬فإن اختل‬ ‫شيء من هذا؛ لم يكن الرجل مسلما ً‪.‬‬ ‫كافر معاندٌ؛ كفرعون وإبليس وأمثالهما‪،‬‬ ‫فإن عرف التوحيد ولم يعمل به؛ فهو‬ ‫ٌ‬ ‫كثير من الناس؛ يقولون‪ :‬هذا حق‪ ،‬ونحن نفهم هذا‪ ،‬ونشهد أنه الحق‪،‬‬ ‫وهذا يغلط فيه‬ ‫ٌ‬ ‫ولكنا ال نقدر أن نفعله‪ ،‬وال يجوز عند أهل بلدنا؛ إال من وافقهم‪ ..‬أو غير ذلك من‬ ‫األعذار‪ ،‬ولم يدر المسكين أن غالب أئمة الكفر يعرفون الحق ولم يتركوه إال لشيء‬ ‫من األعذار؛ كما قال تعالى‪* :‬ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ&[التوبة‪ ]1:‬وغير ذلك من‬ ‫اآليات؛ كقوله‪* :‬ﭔ ﭕ ﭖ ﭗﭘ&[البقرة‪.]946:‬‬ ‫فإن عمل بالتوحيد عمالً ظاهرا ً وهو ال يفهمه أو ال يعتقده بقلبه؛ فهو منافق‪،‬‬ ‫وهو شر من الكافر الخالص‪* :‬ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ&[النساء‪.]945:‬‬ ‫وهذه المسألة مسألة كبيرة طويلة‪ ،‬تتبين لك إذا تأملتها في ألسنة الناس‪ ،‬ترى‬ ‫من يعرف الحق ويترك العمل به‪ ،‬لخوف نقص دنيا أو جاه أو مداراةٍ ألحد‪ ،‬وترى‬ ‫من يعمل به ظاهرا ً ال باطنا ً‪ ،‬فإذا سألته عما يعتقد بقلبه؛ فإذا هو ال يعرفه‪.‬‬ ‫ولكن عليك بفهم آيتين من كتاب هللا‪:‬‬ ‫أوالهما‪ :‬قوله تعالى‪* :‬ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗﮘ&[التوبة‪.]66:‬‬ ‫فإذا تحققت أن بعض الصحابة الذين غزوا الروم مع الرسول ^ كفروا بسبب‬ ‫كلمة قالوها على وجه المزح واللعب؛ تبين لك أن الذي يتكلم بالكفر أو يعمل به خوفا ً‬ ‫من نقص ما ٍل أو جاه أو مداراة ألحد‪ ،‬أعظم ممن يتكلم بكلمة يمزح بها‪.‬‬ ‫واآلية الثانية‪ :‬قوله تعالى‪* :‬ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ‬ ‫ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ&[النحل‪.]917-916:‬‬ ‫فلم يعذر هللا من هؤالء إال من أكره مع كون قلبه مطمئنا ً باإليمان‪ ،‬وأما غير‬ ‫هذا؛ فقد كفر بعد إيمانه‪ ،‬سواء فعله خوفا ً أو طمعا ً أو مداراة أو مشحة بوطنه أو أهله‬ ‫أو عشيرته أو ماله أو فعله على وجه المزح أو لغير ذلك من األغراض؛ إال المكره؛‬ ‫فاآلية تدل على هذا من وجهين‪:‬‬ ‫األول‪ :‬قوله‪* :‬ﮃ ﮄ ﮅ&[النحل‪ :]916:‬فلم يستثن هللا تعالى إال المكره‪ ،‬ومعلوم أن‬ ‫اإلنسان ال يكره إال على الكالم أو الفعل‪ ،‬وأما عقيدة القلب؛ فال يكره عليها أحد‪.‬‬


‫املنهج املختصر يف الفقه والعقيدة والدعوة‬

‫‪115‬‬

‫الثاني‪ :‬قوله تعالى‪* :‬ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ&[النحل‪ :]917:‬فصرح أن هذا الكفر‬ ‫والعذاب لم يكن بسبب االعتقاد أو الجهل أو البغض للدين أو محبة الكفر‪ ،‬وإنما سببه‬ ‫أن له في ذلك ًّ‬ ‫حظا من حظوظ الدنيا‪ ،‬فآثره على الدين‪ ،‬وهللا سبحانه أعلم‪.‬‬



‫املنهج املختصر يف الفقه والعقيدة والدعوة‬

‫الشركيات المنتشرة‬

‫إعداد‪/‬‬ ‫د‪ .‬عبد الله بن محمد المحيسني‬

‫‪113‬‬


‫الشــــركيات املنتشــرة‬

‫‪114‬‬ ‫د‬

‫املقدمة‬

‫الحمد هلل‪ ،‬والصالة والسالم على رسول هللا‪ ،‬وعلى آله وصحبه ومن وااله‪.‬‬ ‫أما بعد‪:‬‬ ‫فإن أعظم ما أمر هللا به التوحيد‪ ،‬وأعظم ما نهى هللا عنه الشرك‪ ،‬قال تعالى‪:‬‬ ‫*ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ&[النساء‪ ،]36:‬وإن أظلم الظلم‪ ،‬وأعظم اإلثم‪ :‬اإلشراك باهلل‪ ،‬قال هللا‬ ‫تعالى‪* :‬ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ&[لقمان‪ ،]93:‬وقال سبحانه‪* :‬ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ‬ ‫ﮊ&[المائدة‪ ،]72:‬وقال سبحانه‪* :‬ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ‬ ‫ﮙ&[النساء‪ ،]996:‬ولقد حذر هللا كل نبي من الشرك كما قال سبحانه‪* :‬ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ‬ ‫ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ&[الزمر‪.]66-65:‬‬ ‫وأخبر هللا أن أكثر من يؤمن به يقع في الشرك‪ ،‬فقال‪* :‬ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ‬ ‫ﭰ&[يوسف‪ ،]916:‬سواء كان شركا ً أكبر أو أصغر‪ ،‬فعلى المسلم أن يخاف على نفسه من‬ ‫الشرك كبيره وصغيره‪ ،‬يقول النبي ^‪« :‬إن أخوف ما أخاف عليكم الشرك األصغر‬ ‫الرياء‪ ،‬يقول هللا يوم القيامة إذا جزى الناس بأعمالهم‪ :‬اذهبوا إلى الذين كنتم تراءون‬ ‫في الدنيا فانظروا هل تجدون عندهم جزاء» رواه أحمد وصححه األلباني‪.‬‬ ‫وفي الحديث الصحيح عن معقل بن يسار قال‪ :‬انطلقت مع أبي بكر الصديق ا‪،‬‬ ‫إلى النبي ^‪ ،‬فقال‪« :‬يا أبا بكر! للشرك فيكم أخفى من دبيب النمل»‪ .‬فقال أبو بكر‪:‬‬ ‫وهل الشرك إال من جعل مع هللا إلها آخر؟ فقال النبي ^‪« :‬والذي نفسي بيده‪ ،‬للشرك‬ ‫أخفى من دبيب النمل‪ ،‬أال أدلك على شيء إذا قلته ذهب عنك قليله وكثيره؟ قل‪ :‬اللهم‬ ‫إني أعوذ بك أن أشرك بك وأنا أعلم‪ ،‬وأستغفرك لما ال أعلم»‪ .‬رواه البخاري في‬ ‫األدب المفرد‪.‬‬ ‫بعض صور الشرك المنتشرة بين المسلمين‬ ‫هذه بعض صور الشرك المنتشرة بين المسلمين أردت اإلشارة إليها على عجل لتكون‬ ‫على بينة من دينك‪ ،‬فتنبه يا أخي وفقك هللا!‬ ‫واعلم أن مسائل الشرك مسائل خطيرة‪ ،‬تقحمك نار جهنم‪ ،‬و أن مسائل الشرك ليست‬ ‫كصغائر الذنوب‪ ،‬فالذبح لغير هللا خلود في نار جهنم‪ ،‬ومع ذلك نرى من يستهين بذلك‪،‬‬ ‫واعلم أن انتشار الشركيات وتعود الناس عليها ال يقلل من خطرها‪ ،‬فالشرك شرك ولو‬ ‫فعله غالب أهل بلدتك‪ ،‬فحذار أن يستزلك الشيطان فتقول‪ :‬غالب أهل قريتي يفعلونه‪ ،‬قال‬ ‫هللا عن من قال مثل هذا القول‪ِ (( :‬إنَّا وجدْنا آباءنا ))[الزخرف‪.]66:‬‬ ‫فيا محب اقرأ! اقرأ هذه الرسالة وفتش في نفسك ومن حولك‪ ،‬فإن وجدت شيئا ً من هذه‬ ‫الشركيات فبادر بالتوبة إلى هللا منه‪ ،‬والتخلص منه‪ ،‬وكذلك بيتك وجيرانك ومن تحب‪.‬‬ ‫ثم اعلم رحمك هللا! أن الشرك نوعان‪ :‬أكبر وأصغر‪:‬‬


‫املنهج املختصر يف الفقه والعقيدة والدعوة‬

‫‪115‬‬

‫الشرك األكبر‪ :‬أن يجعل اإلنسان هلل نداً; إما في أسمائه وصفاته‪ ،‬فيسميه بأسماء هللا‬ ‫ويصفه بصفاته‪ ،‬قال هللا تعالى‪" :‬وهلل األسماء الحسنى فادعوه بها وذروا الذين يلحدون‬ ‫في أسمائه سيجزون ما كانوا يعملون"‪ ،‬ومن اإللحاد في أسمائه تسمية غيره باسمه‬ ‫المختص به أو وصفه بصفته كذلك‪.‬‬ ‫وإما أن يجعل له ندا ً في العبادة بأن يضرع إلى غيره تعالى من شمس أو قمر أو نبي أو‬ ‫ملك أو ولي مثالً بقربة من القرب صالة أو استغاثة به في شدة أو مكروه أو استعانة به‬ ‫في جلب مصلحة أو دعاء ميت أو غائب لتفريج كربة أو تحقيق مطلوب أو نحو ذلك هو‬ ‫من اختصاص هللا سبحانه‪ ،‬فكل هذا وأمثاله عبادة لغير هللا واتخاذ لشريك مع هللا‪ ،‬قال هللا‬ ‫تعالى‪" :‬قل إنما أنا بشر مثلكم يوحى إلي أنما إلهكم إله واحد فمن كان يرجو لقاء ربه‬ ‫فليعمل عمالً صالحا ً وال يشرك بعبادة ربه أحدا ً"‪ ،‬وأمثالها من آيات توحيد العبادة ‪.‬‬ ‫وإما أن يجعل هلل ندا ً في التشريع‪ ،‬بأن يتخذ مشرعا ً له سوى هللا أو شريكا ً هلل في التشريع‬ ‫يرتضي حكمه ويدين به في التحليل والتحريم; عبادة ً وتقربا ً وقضا ًء وفصالً في‬ ‫الخصومات‪ ،‬أو يستحله وإن لم يره ديناً‪ ،‬وفي هذا يقول تعالى في اليهود والنصارى‪:‬‬ ‫"اتخذوا أحبارهم ورهبانهم أربابا من دون هللا والمسيح ابن مريم وما أمروا إال ليعبدوا‬ ‫إلها ً واحدا ً ال إله إال هو سبحانه عما يشركون"‪ ،‬وأمثال هذا من اآليات واألحاديث التي‬ ‫جاءت في الرضا بحكم سوى حكم هللا أو اإلعراض عن التحاكم إلى حكم هللا والعدول‬ ‫عنه إلى التحاكم إلى قوانين وضعية‪ ،‬أو عادات قبلية‪ ،‬أو نحو ذلك‪ ،‬فهذه األنواع الثالثة‬ ‫هي الشرك األكبر الذي يرتد به فاعله أو معتقده عن ملة اإلسالم‪ ،‬فال يُصلى عليه إذا‬ ‫مات‪ ،‬وال يدفن في مقابر المسلمين‪ ،‬وال يورث عنه ماله‪ ،‬بل يكون لبيت مال المسلمين‪،‬‬ ‫وال تؤكل ذب يحته ويحكم بوجوب قتله ويتولى ذلك ولي أمر المسلمين إال أنه يستتاب قبل‬ ‫قتله‪ ،‬فإن تاب قبلت توبته ولم يقتل وعومل معاملة المسلمين‪.‬‬ ‫أما الشرك األصغر‪ :‬فكل ما نهى عنه الشرع مما هو ذريعة إلى الشرك األكبر ووسيلة‬ ‫للوقوع فيه وجاء في النصوص تسميته شركاً‪ ،‬كالحلف بغير هللا‪ ،‬فإنه مظنة لالنحدار إلى‬ ‫الشرك األكبر; ألن الحلف بغير هللا فيه غلو في تعظيم غير هللا‪ ،‬وقد ينتهي ذلك التعظيم‬ ‫بمن حلف بغير هللا إلى الشرك األكبر‪.‬‬ ‫ومن أمثلة ذلك‪ :‬الرياء اليسير في أفعال العبادات وأقوالها‪ ،‬كأن يطيل في الصالة أحيانا ً‬ ‫ليراه الناس‪ ،‬أو يرفع صوته بالقراءة أو الذكر أحيانا ً ليسمعه الناس فيحمدوه‪ ،‬روى اإلمام‬ ‫أحمد بإسناد حسن عن محمود بن لبيد رضي هللا عنه قال‪ :‬قال رسول هللا صلى هللا عليه‬ ‫وسلم‪" :‬إن أخوف ما أخاف عليكم الشرك األصغر‪ :‬الرياء" أما إذا كان ال يأتي بأصل‬ ‫العبادة إال رياء ولوال ذلك ما صلى وال صام وال ذكر هللا وال قرأ القرآن فهو مشرك‬ ‫شركا ً أكبر‪ ،‬وهو من المنافقين الذين قال هللا فيهم‪ " :‬ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭽ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ‬ ‫ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔﮕ‬ ‫ﮁ ﮂ ﮃ‬ ‫ﭿ ﮀ‬ ‫ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ النساء‪ " ٢٤١ - ٢٤١ :‬اآلية‪ ،‬إلى أن قال‪ " :‬ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ‬ ‫ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯨﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ‬


‫الشــــركيات املنتشــرة‬

‫‪116‬‬ ‫د‬

‫ﯰ ﯱ النساء‪ ،" ٢٤١ - ٢٤١ :‬وصدق فيهم قوله تعالى في الحديث القدسي‪" :‬أنا أغنى‬ ‫الشركاء عن الشرك‪ ،‬من عمل عمالً أشرك معي فيه غيري تركته وشركه" (رواه مسلم‬ ‫في صحيحه)‪.‬‬ ‫والشرك األصغر ال يُخرج من ارتكس فيه من ملة اإلسالم‪ ،‬ولكنه أكبر الكبائر بعد‬ ‫الشرك األكبر; ولذا قال عبد هللا بن مسعود‪" :‬ألن أحلف باهلل كاذبا ً أحب إلي من أن‬ ‫أحلف بغيره صادقاً"‪ ،‬وعلى هذا فمن أحكامه أن يعامل معاملة المسلمين فيرثه أهله‪،‬‬ ‫ويرثهم حسب ما ورد بيانه في الشرع‪ ،‬ويصلي عليه إذا مات ويدفن في مقابر المسلمين‬ ‫وتؤكل ذبيحته إلى أمثال ذلك من أحكام اإلسالم‪ ،‬وال يخلد في النار إن أدخلها كسائر‬ ‫مرتكبي الكبائر عند أهل السنة والجماعة‪ ،‬خالفا ً للخوارج والمعتزلة‪.‬‬ ‫وإليكم بعض صور الشرك المنتشرة بين كثير من المسلمين لألسف‪:‬‬ ‫واآلن أخي الحبيب لنذكر بعض صور الشرك المنتشرة لتحذرها وتحذر منها‪:‬‬ ‫‪ -1‬االستغاثة واالستجارة بغير هللا تعالى‪ :‬بدأنا باالستغاثة واالستجارة بغير هللا سبحانه‬ ‫وتعالى؛ ألن كثيرا من الناس يدعون القبور واألولياء ويستغيثون بهم عند الشدائد من‬ ‫اجد ِ َّ ِ‬ ‫ّلل فال‬ ‫دون هللا تعالى‪ ،‬وهذا شرك أكبر مخرج من الملة‪ ،‬قال هللا تعالى‪﴿ :‬وأ َّن ْالمس ِ‬ ‫اّللِ م ْن ال‬ ‫ُون َّ‬ ‫عوا مع َّ‬ ‫اّللِ أحدًا﴾[الجن‪ ،]11:‬وقال سبحانه‪﴿ :‬وم ْن أض ُّل ِم َّم ْن ي ْد ُ‬ ‫ت ْد ُ‬ ‫عو ِم ْن د ِ‬ ‫ْ‬ ‫ُ‬ ‫اس كانُوا ل ُه ْم أعْدا ًء‬ ‫يسْت ِج ُ‬ ‫يب لهُ ِإلى ي ْو ِم ال ِقيام ِة و ُه ْم ع ْن د ُعائِ ِه ْم غافِلون*و ِإذا ُح ِشر النَّ ُ‬ ‫وكانُوا بِ ِعبادتِ ِه ْم كافِ ِرين﴾ [األحقاف‪ ، ]2-5:‬فالدعاء هو العبادة ومن صرفه لغير هللا فقد‬ ‫ير عن‬ ‫عبد غير هللا وأشرك مع هللا‪ ،‬روى أبو داود وصححه األلباني عن النعمان بن ب ِش ٍ‬ ‫ست َِج بْ لكم)‬ ‫النبي ^ قال‪« :‬الدعاء هو العبادة ُ ثم قرأ قوله تعالى‪( :‬وقال رب كم ادعُوني أ ْ‬ ‫[غافر‪.»]03:‬‬ ‫‪ -6‬اعتقاد أن غير هللا بيده الضر أو النفع‪ ،‬وهذا من الشرك األكبر‪ ،‬قال سبحانه‪﴿ :‬وإِ ْن‬ ‫ِير ﴾‬ ‫ي ْمسسْك َّ‬ ‫اّللُ ِب ُ‬ ‫ض ٍ ّر فال كا ِشف لهُ ِإ َّال ُهو و ِإ ْن ي ْمسسْك ِبخي ٍْر ف ُهو على ُك ِّل ش ْيءٍ قد ٌ‬ ‫اّللُ قُ ْل أفرأ ْيت ُ ْم‬ ‫سماوا ِ‬ ‫ت و ْاأل ْرض ليقُولُ َّن َّ‬ ‫[األنعام‪ ،]11:‬وقال ‪﴿ :Q‬ولئِ ْن سأ ْلت ُه ْم م ْن خلق ال َّ‬ ‫ُون َّ ِ‬ ‫ض ِ ّر ِه أ ْو أرادنِي بِرحْ م ٍة ه ْل‬ ‫اّلل إِ ْن أرادنِي َّ‬ ‫ض ٍ ّر ه ْل ُه َّن كا ِشفاتُ ُ‬ ‫اّللُ بِ ُ‬ ‫ما ت ْد ُ‬ ‫عون ِم ْن د ِ‬ ‫ْ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫ّ‬ ‫َّ‬ ‫اّللُ عل ْي ِه يتوك ُل ال ُمتو ِكلون﴾[الزمر‪.]81:‬‬ ‫ُه َّن ُم ْم ِسكاتُ رحْ متِ ِه ق ْل ح ْسبِي َّ‬ ‫‪ -8‬قول بعضهم‪ :‬دخلت على هللا وعليك‪ ،‬ما لي إال هللا وأنت‪ ،‬هللا لي في السماء وأنت لي‬ ‫في األرض‪ ،‬وقول‪ :‬ما شاء هللا وشئت‪ ،‬وهذا من الشرك األصغر‪ ،‬روى أحمد وأبو داود‬ ‫وصححه األلباني من حديث حذيفة ا أن النبي ^ قال‪ « :‬ال تقولوا‪ :‬ما شاء هللا وشاء فالن‪،‬‬ ‫ولكن قولوا‪ :‬ما شاء هللا ثم شاء فالن»‪.‬‬ ‫‪ -4‬نسبة النعمة إلى إنسان‪ ،‬أو إلى بقعة‪ ،‬أو إلى فعل فاعل‪ ،‬أو إلى صنعة‪ ،‬أو إلى‬ ‫مخلوق‪ ،‬كل ذلك من نسبة النعم إلى غير هللا‪ ،‬وهو نوع من أنواع الشرك األصغر باهلل‪،‬‬ ‫فعن ابن عباس ا في قوله تعالى‪ ﴿ :‬فال تجْ علُوا ِ َّ​ّللِ أ ْندادا ً﴾[البقرة‪ ]66:‬قال‪( :‬األنداد هو‬ ‫الشرك أخفى من دبيب النمل على صخرة سوداء في ظلمة الليل‪ ،‬وهو أن تقول‪ :‬وهللا‬ ‫وحياتك يا فالن‪ ،‬وحياتي‪ ،‬وتقول‪ :‬ولوال كلبة هذا ألتانا اللصوص‪ ،‬ولوال البط في الدار‬


‫املنهج املختصر يف الفقه والعقيدة والدعوة‬

‫‪117‬‬

‫ألتى اللصوص‪ ،‬وقول الرجل لصاحبه‪ :‬ما شاء هللا وشئت‪ ،‬وقول الرجل‪ :‬لوال هللا‬ ‫وفالن‪ ،‬ال تجعل فيها (فالن) هذا كله شرك) رواه ابن أبي حاتم‪.‬‬ ‫‪ -5‬الغلو في قبور الصالحين‪ ،‬فمجاوزة الحد في قبور الصالحين هي مجاوزة لما أمر‬ ‫الشارع أن تكون عليه القبور؛ ألن قبور الصالحين ال تختلف عن قبور غير الصالحين‪،‬‬ ‫فالغلو فيها يكون برفعها‪ ،‬أو بالبناء عليها‪ ،‬أو باتخاذها مساجد‪ ،‬وكل هذا من الشرك‬ ‫األصغر ألنه من الوسائل المؤدية إلى الشرك األكبر‪ ،‬كالمساجد المنتشرة اآلن في الشام‪،‬‬ ‫كمسجد النبي ‪ ...‬ومسجد الولي ‪ ،....‬وقبر خالد بن الوليد‪ ،‬وقبر السيدة زينب وغيرها‬ ‫من القبور‪.‬‬ ‫ً‬ ‫ولتعلم أخي الكريم أن بناء األضرحة والمقامات على القبور ال يجوز شرعا‪ ،‬وإنما‬ ‫المطلوب أن يدفن جميع الموتى في المقابر‪ ،‬وفق سنة النبي صلى هللا عليه وسلم ‪ ،‬ال أن‬ ‫يدفن البعض في المساجد‪ ،‬أو يبنى على قبورهم قباب‪ ،‬أو مساجد‪ ،‬كما يفعل في بعض‬ ‫األماكن ‪ ،‬بحجة أن هؤالء أولياء صالحون‪.‬‬ ‫قال اإلمام ابن القيم ‪ " :‬ولم يكن من هديه صلى هللا عليه وسلم تعلية القبور وال بناؤها‬ ‫بآجر ‪ ،‬وال بحجر ولبن ‪ ،‬وال تشييدها ‪ ،‬وال تطيينها ‪ ،‬وال بناء القباب عليها ‪ ،‬فكل هذا‬ ‫بدعة مكروهة ‪ ،‬مخالفة لهديه صلى هللا عليه وسلم‪ .‬وقد بعث علي بن أبي طالب رضي‬ ‫هللا عنه إلى اليمن ‪ ،‬أال يدع تمثاالً إال طمسه ‪ ،‬وال قبرا ً مشرفا ً إال سواه" رواه مسلم‪).‬‬ ‫انتهى من زاد المعاد (‪.)564/1‬‬ ‫واعلم أخي الحبيب أن القبور التي بُنيت قبل المساجد قال بعض أهل العلم إنها تُهدم؛‬ ‫ألنها بنيت على خالف السنة‪ ،‬كما هدم النبي صلى هللا عليه وسلم مسجد الضرار‪ ،‬وقال‬ ‫بعض أهل العلم‪ :‬إن أمكن إخراج القبر وإبقاء المسجد فهو أفضل‪ ،‬ال سيما وبناء المسجد‬ ‫من جديد قد يكون مكلفا ويتعذر أو يعسر على المسلمين بناء غيره مكانه‪ ،‬فيُبقى المسجد‬ ‫ويُخرج القبر‪ ،‬وهذا الذي ينبغي اعتماده في هذا الوقت‪ ،‬ويؤيده جواز تحويل الكنيسة إلى‬ ‫مسجد‪ ،‬فمن باب أولى تحويل مسجد أهل البدع إلى مسجد على السنة‪ ،‬فينبغي للمجاهدين‬ ‫عندما يحرروا المناطق ويجدوا فيها مساجد بنيت على قبور أن ال يهدموها‪ ،‬بل يُخرجوا‬ ‫القبر ال ذي فيها ويدفنوا رفاته في مقابر المسلمين‪ ،‬ويحولوا المسجد المبتدع إلى مسجد‬ ‫سنة‪ ،‬وليحرص المجاهدون على تعليم الناس الدين الصحيح‪ ،‬وتحذيرهم من هذه البدع‬ ‫وآثارها على الدين‪ ،‬فالحكمة أن ال تهدم تلك المساجد مع إمكان تحويلها إلى مساجد سنة‪،‬‬ ‫ال سيما وهدمها ينفر الناس من المجاهدين‪ ،‬ثم إن إنكار المنكر مشروط بأال يؤدي إنكاره‬ ‫إلى منكر أعظم منه‪ ،‬والنبي صلى هللا عليه وسلم كان كثيرا ً ما يترك األمر‪ ،‬وهو يحب‬ ‫أن يأتيه‪ ،‬مخافة أن يؤدي إلى فساد أكبر‪ ،‬فعن عائشة رضي هللا عنها‪َّ :‬‬ ‫أن النبي صلى هللا‬ ‫عليه وسلم قال لها‪( :‬يا عائِشةُ‪ ،‬ل ْوال أ َّن ق ْوم ِك حد ُ‬ ‫ت ف ُهدِم‪،‬‬ ‫ِيث ع ْه ٍد ِبجا ِه ِليَّ ٍة ألم ْرتُ بِ ْالب ْي ِ‬ ‫ض‪ ،‬وجع ْلتُ لهُ بابي ِْن‪ :‬بابًا ش ْرقِيًّا وبابًا غ ْر ِبيًّا‪،‬‬ ‫فأدْخ ْلتُ فِي ِه ما أ ُ ْخ ِرج ِم ْنهُ‪ ،‬وأ ْلز ْقتُهُ ِب ْاأل ْر ِ‬ ‫فبل ْغتُ ِب ِه أساس ِإبْراهِيم) متفق عليه‪.‬‬


‫الشــــركيات املنتشــرة‬

‫‪118‬‬ ‫د‬

‫قال الحافظ ابن حجر رحمه هللا في "فتح الباري"‪" :‬ويستفاد منه ترك المصلحة ألمن‬ ‫الوقوع في المفسدة"‪ .‬وقال اإلمام النووي رحمه هللا في "شرح صحيح مسلم"‪" :‬وفي هذا‬ ‫الحديث دليل لقواعد من األحكام‪ ،‬منها‪ :‬إذا تعارضت المصالح‪ ،‬أو تعارضت مصلحة‬ ‫ومفسدة‪ ،‬وتعذر الجمع بين فعل المصلحة وترك المفسدة‪ ،‬بدئ باألهم؛ ألن النبي صلى‬ ‫هللا عليه وسلم أخبر َّ‬ ‫أن نقض الكعبة وردها إلى ما كانت عليه من قواعد إبراهيم عليه‬ ‫السالم مصلحة‪ ،‬ولكن تعارضه مفسدة أعظم منه‪ ،‬وهي خوف فتنة من أسلم قريبًا‪ ،‬وذلك‬ ‫لما كانوا يعتقدونه من فضل الكعبة فيرون تغييرها عظي ًما"‪.‬‬ ‫تنتشر فيها تلك القباب واألضرحة يُدرك أن في االستعجال‬ ‫والناظر لحال البال ِد التي‬ ‫ُ‬ ‫ُّ‬ ‫بهدمها مفاسد عظيمة‪ ،‬فطوائف من الناس متعلقون بها أشدَّ التعلق‪ ،‬ويرون تعظيمها من‬ ‫الدين‪ ،‬فهدمها قبل تبيين أمرها سيزيد من التعلُّق بها والتعصب لها‪ ،‬وسيستعدي المجتمع‬ ‫على الدعاة المصلحين والمجاهدين الصادقين بما يؤدي إلى ُكرههم والتنفير منهم‪ ،‬وفي‬ ‫ُ‬ ‫والبيان للناس حتى‬ ‫هذا من الصد عن سبيل هللا ما فيه‪ ،‬فال بد أن يسبق ذلك النص ُح‬ ‫ُ‬ ‫والتدرج‬ ‫وتحقيق هذا المقصود ال يكون إال بأخذ الناس بالرفق‬ ‫يتمكن اإليمان من القلوب‪،‬‬ ‫ُّ‬ ‫بعد عقو ٍد طويل ٍة من التجهيل والبعد عن الدين‪ ،‬وهذا أمر معلوم من سيرة أهل العلم‬ ‫رحمهم هللا تعالى‪:‬‬ ‫أ_ فهذا الخليفة عمر بن عبد العزيز رحمه هللا لما تولى الخالفة لم يتع َّجل في تغيير ما‬ ‫ضي‬ ‫أنكره ممن كان سبقه‪ ،‬فدخل عليه ابنه عبد الملك وقال له‪" :‬يا أبتِ‪ :‬ما منعك أ ْن ت ْم ِ‬ ‫ِلـما ت ُ ِريدُهُ ِمن ْالع ْد ِل؟ فوهللاِ! ما ُك ْنتُ أُبا ِلي ل ْو غل ْ‬ ‫ُور فِي ذ ِلك! فقال‪":‬يا‬ ‫ت بِي وبِك ْالقُد ُ‬ ‫ب‪ ،‬و ِإنِّي أ ُ ِريد ُ أ ْن أُحْ يِي ْاأل ْمر ِمن ْالع ْد ِل‪،‬‬ ‫ض النَّاس ِرياضة ال َّ‬ ‫ي! ِإني إِنَّما أُر ّ ِو ُ‬ ‫ص ْع ِ‬ ‫بُن َّ‬ ‫ً‬ ‫فأ ُؤ ِ ّخر ذ ِلك حتَّى أخرج معهُ طمعا ِم ْن طمعِ الدُّ ْنيا‪ ،‬في ْن ِف ُروا ِم ْن ه ِذ ِه وي ْس ُكنُوا ِله ِذهِ"‬ ‫أخرجه ابن أبي شيبة في مصنفه‪.‬‬ ‫ب_ وجاء في "البيان والتحصيل"‪" :‬سئل اإلمام مالك رحمه هللا تعالى عن الرقيق العجم‪،‬‬ ‫يُشترون في شهر رمضان‪ ،‬وهم ال يعرفون اإلسالم‪ ،‬ويرغبون فيه‪ ،‬لكن ال يفقهون ما‬ ‫يُراد منهم‪ ،‬فهل يُجبرون على الصيام أم يُطعمون؟ فقال‪ :‬أرى أن يُطعموا وال يُمنعوا‬ ‫الطعام‪ ،‬ويرفق بهم حتى يتعلموا اإلسالم‪ ،‬ويعرفوا واجباته وأحكامه"‪.‬‬ ‫ج_ قال ابن القيم رحمه هللا في "إعالم الموقعين"‪" :‬وتأخير الحدّ لعارض أمر وردت به‬ ‫الشريعة‪ ،‬كما يؤخر ‪ -‬أي الحد ‪ -‬عن الحامل والمرضع‪ ،‬وعن وقت الحر والبرد‬ ‫والمرض‪ ،‬فهذا تأخير لمصلحة المحدود‪ ،‬فتأخيره لمصلحة اإلسالم أولى"‪.‬‬ ‫واعلم أخي الحبيب أن هدي النبي صلى هللا عليه وسلم في زيارة القبور أكمل الهدي‬ ‫وأحسنه‪ ،‬قال اإلمام ابن القيم ( كان صلى هللا عليه وسلم إذا زار قبور أصحابه يزورها‬ ‫للدعاء لهم‪ ،‬والترحم عليهم‪ ،‬واالستغفار لهم ‪ ،‬وهذه هي الزيارة التي سنها ألمته ‪،‬‬ ‫وشرعها لهم ‪ ،‬وأمرهم أن يقولوا إذا زاروها ‪ " :‬السالم عليكم أهل الديار من المؤمنين‬ ‫والمسلمين ‪ ،‬وإنا إن شاء هللا بكم الحقون‪ ،‬نسأل هللا لنا ولكم العافية‪ " .‬رواه مسلم‪.‬‬


‫املنهج املختصر يف الفقه والعقيدة والدعوة‬

‫‪119‬‬

‫واعلم أخي الحبيب بارك هللا فيك أن من صور الغلو في قبور الصالحين‪ :‬أن تُجعل‬ ‫وسيلة من الوسائل التي تقرب إلى هللا جل وعال‪ ،‬أو أن يتخذ القبر أو من في القبر شفيعا ً‬ ‫لهم عند هللا جل وعال‪ ،‬أو ينذر للقبر‪ ،‬أو يذبح له‪ ،‬أو يستشفع بترابه اعتقادا ً أنه وسيلة‬ ‫عند هللا جل وعال‪.‬‬ ‫‪ -2‬التبرك بقبر النبي ^ أو التمسح به أو دعاء هللا عنده رجاء اإلجابة‪ ،‬وكذا غيره من‬ ‫قبور الصحابة واآلل واألولياء الصالحين‪ ،‬وكذا التبرك بالشجر والحجر ونحوهما‪ ،‬وكل‬ ‫هذا من الشرك األصغر‪ ،‬أما سؤال الميت فهو شرك أكبر مخرج من الملة‪.‬‬ ‫‪ -1‬السحر والكهانة والذهاب إلى المشعوذين والمنجمين‪ ،‬روى أحمد والحاكم وصححه‬ ‫األلباني من حديث أبي هريرة ا‪ ،‬أن النبي ^ قال‪« :‬من أتى عرافا ا أو كاهنا ا فصدقه بما‬ ‫يقول فقد كفر بما أنزل على محمد»‪ ،‬فبين النبي صلى هللا عليه وسلم كفر من صدَّق‬ ‫العراف أو الكاهن‪ ،‬أما من أتاه ولم يصدقه فقد ارتكب كبيرة وال تقبل له صالة أربعين‬ ‫يوما‪ ،‬روى مسلم في صحيحه عن بعض أزواج النبي صلى هللا عليه وآله وسلم عن‬ ‫النبي صلى هللا عليه وآله وسلم قال‪« :‬من أتى عرافا فسأله عن شيء‪ ،‬لم تقبل له صالة ٌ‬ ‫أربعين ليلة»‪.‬‬ ‫‪ -1‬الحلف بغير هللا تعالى كالحلف بالنبي أو بجاهه‪ ،‬وقول بعضهم‪ :‬وحياة أبوك‪ ،‬وقول‬ ‫بعضهم‪ :‬بشرفي‪ ،‬والحلف بالطالق وهو مشهور حتى صار معظما ً أشد من تعظيم الحلف‬ ‫باهلل‪ ،‬والحلف باألمانة‪ ،‬والحلف بغير هللا شرك أصغر لكن إن َّ‬ ‫عظم المحلوف به أعظم‬ ‫من تعظيمه هلل فهو شرك أكبر‪ ،‬روى أحمد والترمذي والحاكم وصححه األلباني عن ابن‬ ‫عمر ب أن النبي ^ قال‪« :‬من حلف بغير هللا فقد أشرك»‪ ،‬وفي الحديث الصحيح عن‬ ‫بريدة ا قال‪ :‬قال رسول هللا ^‪« :‬من حلف باألمانة فليس منا»‪ .‬رواه أبو داود‪.‬‬ ‫وننبه هنا على مسألة جاه النبي صلى هللا عليه وسلم‪ ،‬فال شك أن جاهه عظيم لكن ال‬ ‫يجوز الحلف بجاهه‪ ،‬وال الدعاء بجاه الحبيب‪ ،‬كمن يقول‪ :‬بجاه الحبيب أسأل هللا أن‬ ‫ينصركم وغير ذلك؛ ألن هللا أمرنا أن ندعوه وحده‪ ،‬وأن نحلف به وحده‪ ،‬وأمرنا أن‬ ‫عوهُ ِبها﴾‪ ،‬وجاء في‬ ‫نتوسل إليه بأسمائه ال بغيره من خلقه فقال‪﴿ :‬و ِ َّ​ّللِ ْاألسْما ُء ْال ُحسْنى فا ْد ُ‬ ‫فتاوى اللجنة الدائمة (‪" :)561 /1‬التوسل إلى هللا في الدعاء بجاه الرسول صلى هللا عليه‬ ‫وسلم أو ذاته أو منزلته غير مشروع؛ ألنه ذريعة إلى الشرك‪ ،‬فكان البحث فيه لبيان ما‬ ‫هو الحق من مباحث العقيدة‪ ،‬وأما التوسل إلى هللا بأسمائه جل شأنه وبصفاته وباتباع‬ ‫رسوله والعمل بما جاء به من عقيدة وأحكام فهذا مشروع"‪.‬‬ ‫‪ -9‬الذبح لغير هللا تعالى‪ ،‬وهو من الشرك األكبر؛ ألن الذبح لغير هللا تعالى عبادة‬ ‫وصرفها لغير هللا تعالى شرك‪ ،‬كالذبح للقبور واألولياء والتقرب إليهم بها‪ ،‬والذبح للجن‬ ‫تقربا ً إليهم من قبل السحرة أو من يطيعهم من الجهال الذين يأتون إليهم طلبا ً للشفاء‪،‬‬ ‫والذبح عند بناء البيت وتلطيخ دم الذبيحة على قواعد البناء عند تأسيسه‪ ،‬أو الذبح عند‬ ‫سكن البيت الجديد وتلطيخ دمه عل جدرانه من أجل حمايته من الجن‪ ،‬وهذا كله شرك ال‬ ‫يجوز‪.‬‬


‫الشــــركيات املنتشــرة‬

‫‪131‬‬ ‫د‬

‫ال‬

‫‪ -01‬النذذلغ لهللاذذا نذ علنذذلغ تذذعإىل إ و ذ ك لق ل ن ا ذ عل ذذع ذ اخلش ذ‬ ‫السج إذ ص ك أي تعإىل لهللاا ن ش كذ هبلا يُعلم أن النلغ لهللاا ن ش ك أ رب‪.‬‬

‫‪ -11‬االستهزاء بالدين وبالصالحين وبشعائر اإلسالم‪ ،‬كالصالة أو اللحية أو غير ذلك مما‬ ‫ب‬ ‫وض ون ْلع ُ‬ ‫ورد في القرآن أو السنة‪ ،‬قال هللا تعالى‪ ﴿: :‬ولئِ ْن سأ ْلت ُه ْم ليقُولُ َّن إِنَّما ُكنَّا ن ُخ ُ‬ ‫ف ع ْن‬ ‫قُ ْل أبِ َّ‬ ‫اّللِ وآياتِ ِه ور ُ‬ ‫سو ِل ِه ُك ْنت ُ ْم تسْت ْه ِزئُون * ال ت ْعتذ ُِروا ق ْد كف ْرت ُ ْم ب ْعد إِيمانِ ُك ْم إِ ْن ن ْع ُ‬ ‫طائِف ٍة ِم ْن ُك ْم نُعذِّبْ طائِفةً بِأنَّ ُه ْم كانُوا ُمجْ ِر ِمين ﴾ [التوبة‪ ، ]22-25:‬وقال سبحانه‪ ﴿ :‬إِ َّن‬ ‫الَّذِين أجْ ر ُموا كانُوا ِمن الَّذِين آمنُوا يضْح ُكون * وإِذا م ُّروا بِ ِه ْم يتغام ُزون * وإِذا ا ْنقلبُوا‬ ‫إِلى أ ْه ِل ِه ُم ا ْنقلبُوا ف ِك ِهين * وإِذا رأ ْو ُه ْم قالُوا إِ َّن هؤُال ِء لضالُّون * وما أ ُ ْر ِسلُوا عل ْي ِه ْم‬ ‫ار يضْح ُكون على ْاألرائِ ِك ي ْن ُ‬ ‫ظ ُرون * ه ْل ث ُ ّ ِوب‬ ‫حافِ ِظين * ف ْالي ْوم الَّذِين آمنُوا ِمن ْال ُكفَّ ِ‬ ‫ار ما كانُوا ي ْفعلُون﴾ [المطففين‪.]82-69:‬‬ ‫ْال ُكفَّ ُ‬ ‫‪ -16‬قول اإلنسان بعد حدوث أمر يكرهه‪ :‬لو أنني فعلت كذا لكان كذا وكذا‪ ،‬فهذا القول‬ ‫وإن كان ال يصل إلى حد الشرك األكبر إال أنه محرم؛ ألنه اعتراض على القدر‪ ،‬وقد‬ ‫يصل بصاحبه إلى الشرك األكبر‪ ،‬والنبي ^ يقول‪« :‬احرص على ما ينفعك‪ ،‬واستعن‬ ‫باهلل‪ ،‬وال تعجز‪ ،‬فإن أصابك شيء فال تقل‪ :‬لو أني فعلت كذا لكان كذا وكذا‪ ،‬ولكن قل‪:‬‬ ‫قد ر هللا وما شاء فعل‪ ،‬فإن لو تفتح عمل الشيطان» رواه مسلم‪.‬‬ ‫‪ -18‬التعلق باألسباب من دون هللا تبارك وتعالى‪ ،‬والواجب التوكل على هللا وحده‪،‬‬ ‫اّللِ فتو َّكلُوا ِإ ْن ُك ْنت ُ ْم ُمؤْ ِمنِين‬ ‫فيتعلق القلب باهلل وحده مع األخذ باألسباب الشرعية ﴿ وعلى َّ‬ ‫﴾ [المائدة‪.]68:‬‬ ‫‪ -14‬اتخاذ حلقة أو خاتم أو حبل أو أي حرز لجلب الخير أو دفع الشر‪ ،‬ومثله صورة‬ ‫العين الزرقاء التي ترسم على البيوت والسيارات لدفع العين‪ ،‬واتخاذ الحروز منتشر بين‬ ‫الناس جدا ً ‪ ،‬وهي من الشرك‪ ،‬فعن ابن مسعود ا قال‪ :‬سمعت رسول هللا ^ يقول‪« :‬إن‬ ‫الرقى والتمائم والتِ َولة شرك» رواه أحمد وأبو داود وصححه األلباني‪ ،‬والتولة‪ :‬شيء‬ ‫تصنعه بعض النساء ألزواجهن لتزداد محبته لها‪ ،‬ومن اعتقد أن هذا الحرز يؤثر بذاته‪،‬‬ ‫وينفع من دون هللا فقد وقع في الشرك األكبر‪ ،‬وإن اعتقد أنه مجرد سبب وأنه ال يؤثر‬ ‫بذاته فقد وقع في الشرك األصغر‪.‬‬ ‫فيا أخي الحبيب انزع أي حرز تلبسه من اآلن‪ ،‬واعلم أنها تضرك في دينك ودنياك وال‬ ‫تدفع البالء عنك‪ ،‬أما لبس الحلقة أو السلسلة في اليد أو القالدة في العنق للزينة فليس من‬ ‫الشرك ولكن يحرم على الرجل التشبه بالنساء‪ ،‬فإن كان فيه تشبه بالنساء فال يجوز‬ ‫للرجل أن يلبسها ففي الحديث الصحيح‪" :‬لعن هللا المتشبهين من الرجال بالنساء‪ ،‬ولعن‬ ‫هللا المتشبهات من النساء بالرجال" رواه البخاري‪.‬‬ ‫‪ -15‬قول‪ُ ( :‬م ِط ْرنا ِبن ْو ِء كذا وكذا) وإذا أراد بذلك أن النوء هو الذي أحدث المطر وهو‬ ‫المتصرف في الكون فهذا شرك أكبر‪ ،‬وإن كان قصده أن النوء سبب فهذا شرك أصغر‪،‬‬ ‫فليس للنوء تسبب بل كله من هللا ‪ ،Q‬والمشروع أن يقال‪ :‬مطرنا بفضل هللا ورحمته‪.‬‬


‫املنهج املختصر يف الفقه والعقيدة والدعوة‬

‫‪135‬‬

‫‪ -12‬اعتقاد تأثير النجوم والكواكب في الحوادث وحياة الناس‪ .‬والتنجيم‪ :‬هو االستدالل‬ ‫باألحوال الفلكية على الحوادث األرضية‪ ،‬والتنجيم يعني النظر في النجوم واجتماعها‬ ‫وافتراقها وطلوعها وغروبها وتقاربها وتباعدها وهو من دعوى علم الغيب الباطلة التي‬ ‫اّللُ وما‬ ‫سماوا ِ‬ ‫ض ْالغيْب إِ َّال َّ‬ ‫أبطلها هللا جل وعال بقوله‪﴿ :‬قُ ْل ال ي ْعل ُم م ْن فِي ال َّ‬ ‫ت و ْاأل ْر ِ‬ ‫ي ْشعُ ُرون أيَّان يُبْعثُون﴾ [النمل‪ ،]25:‬وأما مسألة األرصاد الجوية فليست من هذا الباب‪،‬‬ ‫وكل ما يعلمه أصحاب األرصاد الجوية أنهم يعرفون سنن هللا عز وجل في سرعة الريح‬ ‫وتوجه الريح‪ ،‬ويحسبون هذا بقواعد معينة‪.‬‬ ‫‪ -11‬مواالة الكفار‪ ،‬وهذه الصفة مناقضة لمفهوم الوالء والبراء في اإلسالم؛ ألن الكفار‬ ‫أعدا ٌء هلل ولرسوله وللمؤمنين‪.‬‬ ‫وهناك صور شائعة ألنواع من مواالة الكفار منها‪:‬‬ ‫‪ -1‬التعلق بهم ومحبتهم‪ ،‬خاصة مع كثرة االختالط بهم في بالدهم‪ ،‬أو في بالد المسلمين‪.‬‬ ‫‪ -6‬السفر إلى بالد الكفار لغير حاجة أو ضرورة‪ ،‬والبقاء في بالدهم مع الوقوع في‬ ‫الفتنة‪.‬‬ ‫ومغن‪.‬‬ ‫لغرض معين كالعب كرة أو ممثل‬ ‫‪ -8‬التعلق ببعض الكفار‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫‪ -4‬الثناء على الكفار وتلميع أحوالهم بما يؤدي إلى احتقار المسلمين وشريعتهم‪.‬‬ ‫‪ -5‬مناصرة الكفار ومعاونتهم على المسلمين‪ ،‬ومن ذلك نصرة النصيرية ولو كانوا‬ ‫أقارب وأصدقاء‪ ،‬فإن النصيرية كفار بإجماع العلماء‪ ،‬قال هللا تعالى‪ ﴿ :‬يا أيُّها الَّذِين آمنُوا‬ ‫ض وم ْن يتولَّ ُه ْم ِم ْن ُك ْم فإِنَّهُ ِم ْن ُه ْم إِ َّن‬ ‫ال تت َّ ِخذُوا ْالي ُهود والنَّصارى أ ْو ِلياء ب ْع ُ‬ ‫ض ُه ْم أ ْو ِليا ُء ب ْع ٍ‬ ‫اّلل ال ي ْهدِي ْالق ْوم َّ‬ ‫عون فِي ِه ْم يقُولُون‬ ‫َّ‬ ‫ار ُ‬ ‫الظا ِل ِمين * فترى الَّذِين فِي قُلُوبِ ِه ْم مر ٌ‬ ‫ض يُس ِ‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫صبِ ُحوا على ما‬ ‫صيبنا دائِرة ٌ فعسى َّ‬ ‫اّللُ أ ْن يأتِي بِالفتْحِ أ ْو أ ْم ٍر ِم ْن ِع ْن ِد ِه فيُ ْ‬ ‫ن ْخشى أ ْن ت ُ ِ‬ ‫َّ‬ ‫َّ‬ ‫أس ُّروا فِي أ ْنفُ ِس ِه ْم ناد ِ​ِمين * ويقُو ُل الذِين آمنُوا أهؤُال ِء الذِين أ ْقس ُموا ِب َّ ِ‬ ‫اّلل ج ْهد أيْمانِ ِه ْم ِإنَّ ُه ْم‬ ‫لمع ُك ْم ح ِبط ْ‬ ‫صب ُحوا خا ِس ِرين * يا أيُّها الَّذِين آمنُوا م ْن ي ْرتدَّ ِم ْن ُك ْم ع ْن دِينِ ِه‬ ‫ت أعْمالُ ُه ْم فأ ْ‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫َّ‬ ‫اّللُ ِبق ْو ٍم ي ُِحبُّ ُه ْم وي ُِحبُّونهُ أذِل ٍة على ال ُمؤْ ِمنِين أ ِع َّزةٍ على الكافِ ِرين يُجا ِهدُون‬ ‫فس ْوف يأْتِي َّ‬ ‫ض ُل َّ ِ‬ ‫اّللُ وا ِس ٌع ع ِلي ٌم * إِنَّما‬ ‫اّللِ وال يخافُون ل ْومة الئِ ٍم ذ ِلك ف ْ‬ ‫اّلل يُؤْ تِي ِه م ْن يشا ُء و َّ‬ ‫فِي س ِبي ِل َّ‬ ‫َّ‬ ‫َّ‬ ‫صالة ويُؤْ تُون َّ‬ ‫الزكاة و ُه ْم را ِكعُون * وم ْن‬ ‫و ِليُّ ُك ُم َّ‬ ‫سولُهُ والذِين آمنُوا الذِين يُ ِقي ُمون ال َّ‬ ‫اّللُ ور ُ‬ ‫ْ‬ ‫َّ‬ ‫سولهُ والذِين آمنُوا فإ ِ َّن ِح ْزب َّ ِ‬ ‫اّلل ُه ُم الغا ِلبُون﴾ [المائدة‪.]52-51:‬‬ ‫يتو َّل َّ‬ ‫اّلل ور ُ‬ ‫ْ‬ ‫‪ -19‬الرياء‪ ،‬قال هللا تعالى‪ ﴿ :‬فم ْن كان ي ْر ُجو ِلقاء ر ِبّ ِه فلي ْعم ْل عم ًال صا ِل ًحا وال يُ ْش ِر ْك‬ ‫ِب ِعبادةِ ر ِبّ ِه أحدًا﴾ [الكهف‪ ،]111:‬وعن أبي هريرة ا قال‪ :‬سمعت رسول هللا ^ يقول‪:‬‬ ‫«قال هللا تعالى‪ :‬أنا أغنى الشركاء عن الشرك‪ ،‬من عمل عم الا أشرك معي فيه غيري‬ ‫تركته وشركه»‪ ،‬رواه مسلم‪ ،‬وعن أبي سعيد مرفوعاً‪« :‬أال أخبركم بما هو أخوف عليكم‬ ‫عندي من المسيح الدجال؟» قالوا‪ :‬بلى‪ ،‬قال‪« :‬الشرك الخفي؛ يقوم الرجل فيصلي فيزين‬ ‫صالته لما يرى من نظر الرجل» رواه ابن ماجه وحسنه األلباني‪.‬‬


‫الشــــركيات املنتشــرة‬

‫‪131‬‬ ‫د‬

‫‪ -61‬التطير‪ :‬وهو التشاؤم ببعض األيام أو الشهور أو الطيور أو األسماء أو األلفاظ أو‬ ‫البقاع وغيرها‪ ،‬في السنن بسند صحيح عن ابن مسعود ا‪ ،‬أن النبي ^ قال‪« :‬الطيرة‬ ‫شرك» قال ابن مسعود‪ :‬وما منا‪ ،‬ولكن هللا يذهبه بالتوكل‪.‬‬ ‫‪ -61‬الشرك في األسماء والصفات‪ ،‬وهو تشبيه الخالق بالمخلوق أو تشبيه المخلوق‬ ‫بالخالق‪.‬‬ ‫‪ -66‬نسبة الكوارث إلى أسبابها الطبيعية‪ ،‬ال إلى هللا المتفرد بالخلق والتدبير في الكون‪.‬‬ ‫‪ -68‬عبادة الهوى واتخاذه إلها ً من دون هللا‪ ،‬كمن يترك الصالة وطاعة هللا انشغاالً بدنياه‬ ‫ون عل ْي ِه و ِك ً‬ ‫واتباعا ً لهواه‪ ،‬قال هللا تعالى‪ ﴿ :‬أرأيْت م ِن اتَّخذ إِلههُ هواهُ أفأ ْنت ت ُك ُ‬ ‫يال * أ ْم‬ ‫ب أ َّن أ ْكثر ُه ْم يسْمعُون أ ْو ي ْع ِقلُون إِ ْن ُه ْم إِ َّال ك ْاأل ْنع ِام ب ْل ُه ْم أض ُّل سبِ ً‬ ‫يال﴾‬ ‫تحْ س ُ‬ ‫[الفرقان‪.]44-48:‬‬ ‫‪ -64‬الشرك في اإلرادات والنيات‪ ،‬قال ابن القيم ‪ /‬عن هذا الشرك‪« :‬فذلك البحر الذي ال‬ ‫ساحل له‪ ،‬وق ّل من ينجو منه‪ ،‬فمن أراد بعمله غير وجه هللا‪ ،‬ونوى شيئا ً غير التقرب‬ ‫إليه‪ ،‬وطلب الجزاء منه‪ ،‬فقد أشرك في نيّته وإرادته»‪.‬‬ ‫‪ -65‬طاعة العلماء والرؤساء وغيرهم من المخلوقين في تغيير أحكام هللا‪ ،‬وهذا شركٌ‬ ‫أكبر ألن التحليل والتحريم ٌّ‬ ‫حق هلل تعالى‪ ،‬فجعله لغير هللا شرك‪ ،‬قال هللا تعالى‪ ﴿:‬أ ْم ل ُه ْم‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫ضي بيْن ُه ْم وإِ َّن‬ ‫ِّين ما ل ْم يأذ ْن بِ ِه َّ‬ ‫شركا ُء شر ُ‬ ‫اّللُ ول ْوال ك ِلمة الف ْ‬ ‫ص ِل لقُ ِ‬ ‫عوا ل ُه ْم ِمن الد ِ‬ ‫َّ‬ ‫ُ‬ ‫الظا ِل ِمين ل ُه ْم عذابٌ أ ِلي ٌم ﴾ [الشورى‪ ،]61:‬وقال ‪ Q‬عن أهل الكتاب من قبلنا‪ ﴿ :‬اتَّخذوا‬ ‫اّللِ﴾ [التوبة‪ ،]81:‬فذكر كفرهم بسبب طاعتهم لكبرائهم‬ ‫ُون َّ‬ ‫أحْ بار ُه ْم و ُر ْهبان ُه ْم أ ْربابًا ِم ْن د ِ‬ ‫في تحليل ما حرم هللا‪ ،‬وتحريم ما أحل هللا‪ ،‬وما أكثر المصائب التي عمت اليوم وطمت‬ ‫بسبب طاعة العلماء والرؤساء في معصية هللا‪ ،‬ونشاهد علماء السلطان يُل ِبّسون على‬ ‫الناس دينهم ويجعلون الفتوى متعلقة بقرار السلطان‪ ،‬إن صرح بشيء فهو الحق وإن‬ ‫منعه فهو الباطل‪ ،‬وما حسون مفتي الشام عنا ببعيد‪ ،‬فارجع أيها المسلم إلى أهل العلم‬ ‫المتجردين للحق وخذ عنهم دينك‪.‬‬ ‫ُ‬ ‫بعض أحكام‬ ‫ورفض‬ ‫‪ -62‬الحك ُم بغير ما أنزل هللا تعالى‪ ،‬وفصل الدين عن الدولة‪،‬‬ ‫ُ‬ ‫ِ‬ ‫ّلل أمر أ َّال ت ْعبُدُوا إِ َّال إِيَّاهُ ذ ِلك الدِّي ُن ْالقيِّ ُم ول ِكنَّ‬ ‫الشريعة‪ ،‬قال هللا سبحانه‪ ﴿ :‬إِ ِن ْال ُح ْك ُم إِ َّال ِ َّ ِ‬ ‫اس ال ي ْعل ُمون﴾ [يوسف‪ ،]41:‬ومن ذلك الديمقراطية التي تعني أن يحكم الشعب‬ ‫أ ْكثر النَّ ِ‬ ‫نفسه بنفسه‪ ،‬فالحكم في الديمقراطية ليس هلل بل لألغلب واألكثر‪ ،‬وهذا كفر بواح وشرك‬ ‫اّللُ فأُولئِك ُه ُم ْالكافِ ُرون﴾[المائدة‪،]44:‬‬ ‫صراح؛ ألن هللا يقول‪﴿ :‬وم ْن ل ْم يحْ ُك ْم بِما أ ْنزل َّ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫ّ‬ ‫َّ‬ ‫ُ‬ ‫ويقول‪﴿ :‬فال ور ِبّك ال يُؤْ ِمنُون حتى يُح ِك ُموك فِيما شجر بيْن ُه ْم ث َّم ال ي ِجدُوا فِي أ ْنف ِس ِه ْم‬ ‫حر ًجا ِم َّما قضيْت ويُس ِلّ ُموا ت ْس ِلي ًما﴾[النساء‪ ،]25:‬ويقول عز وجل‪ ﴿ :‬ث ُ َّم جع ْلناك على‬ ‫ش ِريع ٍة ِمن ْاأل ْم ِر فاتَّبِ ْعها وال تتَّبِ ْع أ ْهواء الَّذِين ال ي ْعل ُمون﴾ [الجاثية‪ ،]11:‬فالتحكيم‬ ‫الديمقراطي هو اتباع ألهواء الذين ال يعلمون‪ ،‬وقد أمرنا هللا أن نحكم بما أنزل فقال‪:‬‬ ‫ض ما أ ْنزل‬ ‫﴿وأ ِن احْ ُك ْم بيْن ُه ْم بِما أ ْنزل َّ‬ ‫اّللُ وال تتَّبِ ْع أ ْهواء ُه ْم واحْ ذ ْر ُه ْم أ ْن ي ْفتِنُوك ع ْن ب ْع ِ‬ ‫ُ‬ ‫اس‬ ‫اّللُ ِإليْك فإ ِ ْن تولَّ ْوا فاعْل ْم أنَّما ي ُِريد ُ َّ‬ ‫َّ‬ ‫يرا ِمن النَّ ِ‬ ‫ض ذنُوبِ ِه ْم وإِ َّن كثِ ً‬ ‫ُصيب ُه ْم بِب ْع ِ‬ ‫اّللُ أ ْن ي ِ‬


‫املنهج املختصر يف الفقه والعقيدة والدعوة‬

‫‪133‬‬

‫اّللِ ُح ْك ًما ِلق ْو ٍم يُو ِقنُون﴾[المائدة‪-49:‬‬ ‫لفا ِسقُون * أف ُح ْكم ْالجا ِه ِليَّ ِة ي ْبغُون وم ْن أحْ س ُن ِمن َّ‬ ‫‪ ،]51‬فالحكم في اإلسالم هلل العلي الكبير‪ ،‬وال يجوز أن يُعطى حق التشريع ألح ٍد من‬ ‫البشر كائنا ً من كان‪ ،‬والعمل عند الديمقراطيين على ما تختاره األغلبية ولو كان ما‬ ‫اختاروه مخالفا للحق الذي أنزله هللا‪.‬‬ ‫وقد جاء في " موسوعة األديان والمذاهب المعاصرة " (‪" : )1121 -1122 / 6‬وال شك‬ ‫في أن النظم الديمقراطية أحد صور الشرك الحديثة‪ ،‬في الطاعة‪ ،‬واالنقياد‪ ،‬أو في‬ ‫التشريع‪ ،‬حيث تُلغى سيادة الخالق سبحانه وتعالى‪ ،‬وحقه في التشريع المطلق‪ ،‬وتجعلها‬ ‫من حقوق المخلوقين‪ ،‬وهللا تعالى يقول‪﴿ :‬ما ت ْعبُدُون ِم ْن دُونِ ِه إِ َّال أسْما ًء س َّم ْيت ُ ُموها أ ْنت ُ ْم‬ ‫ّلل أمر أ َّال ت ْعبُدُوا إِ َّال إِيَّاهُ ذ ِلك الد ُ‬ ‫ان إِ ِن ْال ُح ْك ُم إِ َّال ِ َّ ِ‬ ‫ِّين ْالق ِيّ ُم‬ ‫وآباؤُ ُك ْم ما أ ْنزل َّ‬ ‫اّللُ بِها ِم ْن ُ‬ ‫س ْلط ٍ‬ ‫اس ال ي ْعل ُمون﴾ [يوسف‪ ،]41:‬ويقول تعالى‪﴿ :‬إِ ِن ْال ُح ْك ُم إِ َّال ِ َّ​ّللِ﴾ [ األنعام‪:‬‬ ‫ول ِك َّن أ ْكثر النَّ ِ‬ ‫‪ "]51‬انتهى‪.‬‬ ‫وألهمية هذا الموضوع سأفرد هذه المسألة برسالة خاصة مختصرة‬


‫‪134‬‬

‫(الدميوقراطية) طاغوت العصر‬ ‫د‬

‫(الديموقراطية)‬ ‫طـــاغوت العصر‬ ‫د‪ .‬عبدهللا بن محمد المحيسني‬

‫رســـــــــــــالة‬ ‫في الديمقراطية‬


‫املنهج املختصر يف الفقه والعقيدة والدعوة‬

‫‪135‬‬

‫(الديموقراطية) طاغوت العصر‬ ‫الحمد هلل والصالة والسالم على رسول هللا‪ ،‬وعلى آله وصحبه ومن وااله‪،‬‬ ‫وبعد ‪..‬‬ ‫فمن نعمة هللا سبحانه وتعالى أن من علينا بعمل من أعظم أعمال الدين‪ ،‬وهو‬ ‫الجهاد لتكون كلمة هللا هي العليا‪ ،‬وذلك يقتضي أن يكون الحكم هلل وحده‪ ،‬وأال‬ ‫تعلو كلمة على كلمة اإلسالم‪ ،‬وهذا األمر هو الذي ُ‬ ‫شرع من أجله الجهاد‪:‬‬ ‫(وقاتلوهم حتى ال تكون فتنة ويكون الدين كله هلل) ولكن هناك مدخل ومزلق‬ ‫شيطاني خطير‪ ،‬وفتنة بُليت بها األمة في هذا الزمن‪ ،‬أال وهي فتنة صنم‬ ‫العصر وطاغوته‪ :‬الديمقراطية‪.‬‬ ‫ُ‬ ‫فالدول الصليبية الكبرى تعمل بكل ما أوتي ْ‬ ‫ت من قوة وجبروت‪ ،‬وما أتيح لها‬ ‫من وسائل ومقومات؛ على فرض دين الديمقراطية على الشعوب المقهورة‬ ‫والمغلوبة على أمرها‪ ،‬فمن ال يأتي معها بالترغيب واإلغواء يأتي معها‬ ‫بالترهيب واتباع سياسة التجويع واالستقواء!‬ ‫فحين عجزوا عن إبعاد الناس عن دينهم وإدخالهم في النصرانية الصليبية‬ ‫صراحة‪ ،‬بحثوا عن وسيلة أخرى تسهل عليهم إبعاد الناس عن دين هللا تعالى‪،‬‬ ‫بإقحامهم في دين الديمقراطية‪ ،‬وقد كان لهم ما أرادوا في كثير من‬ ‫المجتمعات؛ حيث إن الشعوب بسبب سياسة التجهيل والتفريغ من محتواها‬ ‫سن‬ ‫روج للديمقراطية‪ ،‬ومح ِ ّ‬ ‫العقدي اإليماني التي مورست بحقها‪ ،‬فهي بين ُم ّ‬ ‫ومص ِفّق لها‪ ،‬وأحسنهم الذي يسكت عنها ولسان حاله يقول‪ :‬أمر واقع ال مردَّ‬ ‫له‪ ،‬وهي أفضل لنا من الديكتاتورية!‬ ‫جرت التجارب الديمقراطية على المسلمين‬ ‫ومما يشتد له العجب أنه رغم ما َّ‬ ‫من نتائج سيئة ووخيمة أفضت إلى الضعف واالختالف والتفرق‪ ،‬والشقاق‬ ‫والتنازع بين األخوة حيث الجماعة أصبحت جماعات‪ ،‬والحركة أصبحت‬ ‫حركات متنافرة متباغضة‪ ،‬واألخوة في بيت واحد تراهم متباغضين‬ ‫ومنقسمين؛ رغم كل ذلك وغير ذلك مما يُشين فإن القوم ال يزالون يستعذبون‬ ‫الديمقراطية وينافحون عنها كأنهـم أربابها وصانعوها!‬ ‫والعجب أنه عندما يصعد اإلسالميون في بلد باسم (الديموقراطية) تنزل‬ ‫عليهم مطارق الحديد والنار لمنعهم من حكم ذلك البلد‪ ،‬فهم إنما أرادوا‬ ‫بإدخالها على المسلمين أن يمكنوا بها األقليات الملحدة والكافرة‪ ،‬وعندما تكون‬ ‫بيد اإلسالميين ما أسرع ما يتخلصون منها!‬


‫‪136‬‬

‫(الدميوقراطية) طاغوت العصر‬ ‫د‬

‫ففي الجزائر عندما صعد اإلسالميون في التسعينات أ ُسقطوا وقُتلوا وحبسوا‬ ‫وعذبوا و ُ‬ ‫ش ّردوا تحت نظر العالم أجمع‪ ،‬فهل هذه هي الديموقراطية؟!‬ ‫و في فلسطين تمكنت حماس باسم الديموقراطية باالنتخابات‪ ،‬وهيهات ‪،..‬‬ ‫انقلبوا عليها عبر أذيالهم َّ‬ ‫وقزموهم‪ ،‬وحصروهم في غزة‪.‬‬ ‫وفي العراق عندما صعد سني علماني‪ ،‬وهو علماني يؤمن بالديموقراطية‬ ‫وبأسيادها‪ ،‬ولكنهم أسقطوه وغرسوا المالكي الرافضي غرساً‪.‬‬ ‫ثم في مصر‪ ،‬ومن أين نأتي لمصر‪ ،‬أين الديموقراطية؟ أين الحقوق؟ أين‬ ‫الحريات التي أص ُّموا أسماع الناس أنهم يدعون إليها ويحمونها وينشرون‬ ‫ثقافتها بين الشعوب؟!‬ ‫لكن لعل ما حدث في مصر هو نعمة عظيمة من هللا سبحانه وتعالى حتى‬ ‫يتبين للناس حقيقة هذا الداء الفتاك الذي أصاب األمة في مقت ٍل واغتر به‬ ‫الكثير من أبنائها ودعاتها‪.‬‬ ‫تعريف الديمقراطية‪ :‬الديمقراطية ‪ Democracy‬كلمة مشتقة من لفظتين‬ ‫يونانيتين ‪ Demos‬الشعب‪ ،‬و ‪ Kratos‬سلطة ‪ .‬ومعناها الحكم الذي تكون فيه‬ ‫السلطة للشعب‪ ،‬وتُطلق على نظام الحكم الذي يكون الشعب فيه رقيبا ً على‬ ‫أعمال الحكومة بواسطة المجالس النيابية‪ ،‬ويكون لنواب األمة سلطة إصدار‬ ‫القوانين(‪.)1‬‬ ‫نشأة الديموقراطية‪:‬‬ ‫أول من مارس الديمقراطية هم اإلغريق في مدينتي أثينا وإسبارطة‪ ،‬حيث‬ ‫كانت تقوم في كل من المدينتين حكومة يطلق عليها اصطالحا اسم "حكومة‬ ‫المدينة" أي الحكومة التي تقوم في مدينة واحدة مفردة‪ ،‬وكان كل أفراد‬ ‫الشعب من الرجال في كل من المدينتين يشاركون في حكم المدينة‪ ،‬فيجتمعون‬ ‫في هيئة "جمعية عمومية" فيتشاورون في كل أمور الحكم‪ ،‬فينتخبون الحاكم‬ ‫ويصدرون القوانين‪ ،‬فكان" حكم الشعب مطبقا بصورة مباشرة في كل من‬ ‫المدينتين‪.‬‬

‫(‪ )1‬مذاهب فكرية معاصرة‪ ،‬ص‪.978‬‬


‫املنهج املختصر يف الفقه والعقيدة والدعوة‬

‫‪137‬‬

‫واستمروا على هذه الصورة الفريدة إلى أن انتهت حكومة المدينة في كل من‬ ‫أثينا وأسبرطة حينما غلبهم المد النصراني وبرز رجال الكنيسة‪ .‬فبقيت تلك‬ ‫الحكومة في ذاكرة الناس‪ ،‬ثم كان لطغيان رجال الكنيسة فيما بعد األثر الحافز‬ ‫على الرغبة في العودة إلى تلك الحكومة الغابرة‪ ،‬وظل أهل أوربا يتوقون إلى‬ ‫الخالص من قبضة رجال الكنيسة تحت أي تيار يسوقهم فرارا ً من سلطة‬ ‫اإلقطاع والنبالء من البابوات والم ّالك الظالمون لجميع طبقات الشعوب‪.‬‬ ‫ونجم عن كثرة الضغط االنفجار الذي تمثل في الثورة الفرنسية حيث أخذ‬ ‫زعماؤها في التفتيش عن بديل لذلك‪ ،‬فوقع اختيارهم على ذلك الماضي‬ ‫الجاهلي اإلغريقي‪ ،‬ونادوا بتجديده والسير على نهجه(‪.)1‬‬ ‫مبادئ الديموقراطية ومناقضتها لدين اإلسالم‪:‬‬ ‫الديمقراطية على اختالف تشعباتها وتفسيراتها تقوم على مبادئ وأسس‪،‬‬ ‫أهمها يظهر في النقاط التالية(‪:)2‬‬ ‫أو الا‪ :‬تقوم الديمقراطية على مبدأ أن الشعب هو مصدر السلطات‪ ،‬بما في ذلك‬ ‫السلطة التشريعية‪ ،‬ويتم ذلك عن طريق اختيار ممثلين عن الشعب ينوبون‬ ‫عنه في مهمة التشريع وسن القوانين‪ ،‬وبعبارة أخرى‪ :‬فإن المشرع المطاع‬ ‫في الديمقراطية هو اإلنسان وليس هللا!‬ ‫وهذا يعني أن المألوه المعبود المطاع من جهة التشريع والتحليل والتحريم‪:‬‬ ‫هو الشعب واإلنسان والمخلوق وليس هللا تعالى‪ ،‬قال هللا تعالى‪{ :‬إن الحكم إال‬ ‫هلل أمر أن ال تعبدوا إال إياه} [يوسف‪ ،]41:‬وقال تعالى‪{ :‬وأن احكم بينهم بما‬ ‫أنزل هللا وال تتبع أهواءهم واحذرهم أن يفتنوك عن بعض ما أنزل هللا إليك}‬ ‫[المائدة‪ ،]41:‬وقال تعالى‪{ :‬اتخذوا أحبارهم ورهبانهم أربابا ً من دون هللا}‬ ‫[التوبة ‪.]39 :‬‬ ‫وجاء في الحديث الصحيح عن عدي بن حاتم لما قدم على النبي ﷺ وهو‬ ‫نصراني‪ ،‬فسمعه يقرأ هذه اآلية‪{ :‬اتخذوا أحبارهم ورهبانهم أربابا ً من دون‬ ‫هللا}‪ .‬قال‪ :‬فقلت له إنا لسنا نعبدهم‪ ،‬قال‪" :‬أليس يحرمون ما أحل هللا‬

‫(‪ )1‬المذاهب الفكرية للعواجي ‪.769 /2‬‬ ‫(‪ )2‬ما يأتي ملخص من كتاب‪ :‬حكم اإلسالم في الديمقراطية والتعددية الحزبية‪.‬‬


‫‪138‬‬

‫(الدميوقراطية) طاغوت العصر‬ ‫د‬

‫فتحرمونه‪ ،‬ويحلون ما حرم هللا فتحلون؟"‪ ،‬قال‪ :‬فقلت‪ :‬بلى‪ .‬قال‪" :‬فتلك‬ ‫عبادتهم"‪.‬‬ ‫يقول سيد قطب – رحمه هللا ‪ :-‬إن الناس في جميع األنظمة األرضية يتخذ‬ ‫بعضهم بعضا ً أربابا ً من دون هللا‪ ،‬وهذا يقع في أرقى الديمقراطيات‪ ،‬كما يقع‬ ‫في أحط الديكتاتوريات سواء‪ .‬إن أول خصائص الربوبية هو حق تعبيد‬ ‫الناس‪ ،‬حق إقامة النظم والمناهج والشرائع والقوانين والموازين‪ ،‬وهذا الحق‬ ‫في جميع األنظمة األرضية يدعيه بعض الناس في صورة من الصور‪،‬‬ ‫ويرجع األمر فيه إلى مجموعة من الناس على أي وضع من األوضاع‪ ،‬وهذه‬ ‫المجموعة التي تُخضع اآلخرين لتشريعها وقيمها وموازينها وتصوراتها هي‬ ‫األرباب األرضية التي يتخذها بعض الناس أربابا ً من دون هللا‪ ،‬وإن لم‬ ‫يسجدوا لها ويركعوا‪ ،‬فالعبودية عبادة ال يتوجه بها إال هلل ‪ .‬وأظهر خصائص‬ ‫األلوهية بالقياس إلى البشرية تعبيد العبيد‪ ،‬والتشريع لهم في حياتهم وإقامة‬ ‫الموازين لهم‪ ،‬فمن ادعى لنفسه شيئا ً من هذا كله فقد ادعى لنفسه أظهر‬ ‫خصائص األلوهية‪ ،‬وأقام لنفسه للناس إلها ً من دون هللا (‪.)1‬‬ ‫ثانيا ا‪ :‬تقوم الديمقراطية على مبدأ حرية التدين واالعتقاد‪ ،‬فللمرء في ظل‬ ‫األنظمة الديمقراطية أن يعتقد ما يشاء‪ ،‬ويتدين بالدين الذي يشاء‪ ،‬ويرتد إلى‬ ‫أي دين وقت يشاء‪ ،‬وإن كان هذا االرتداد مؤدَّاه إلى االرتداد عن دين هللا‬ ‫تعالى إلى اإللحاد وعبادة غير هللا!‬ ‫وهذا أمر ال شك في بطالنه وفساده‪ ،‬ومخالفته لكثير من النصوص الشرعية‪،‬‬ ‫إذ أن المسلم لو ارتد عن دينه إلى الكفر‪ ،‬فحكمه في اإلسالم القتل‪ ،‬كما في‬ ‫الحديث الذي يرويه البخاري وغيره‪" :‬من بدل دينه فاقتلوه"‪ ،‬ولم يقل‪:‬‬ ‫فاتركوه ألنها حريته!!‬ ‫بحرية االعتقاد والتدين‪،‬‬ ‫والفضيحة التي يمارسها الديمقراطيون أنهم يقبلون‬ ‫ّ‬ ‫واالنتقال من دين إلى دين‪ ،‬لكن ديمقراطيتهم ال تقبل وال تسمح أن يرتد نظام‬ ‫أو شعب من دين الديمقراطية إلى أي دين أو نظام آخر‪ ،‬ولو حصل مثل هذا‬ ‫سرعان ما يعلنون الحرب والعداء‪ ،‬ويمارسون الحصارات االقتصادية‬ ‫(‪ )1‬الظالل ‪.417 /9‬‬


‫املنهج املختصر يف الفقه والعقيدة والدعوة‬

‫‪139‬‬

‫وغيرها التي قد تبيد شعبا ً وجيالً بأكمله‪ ،‬كل هذا من أجل فرض الديمقراطية‬ ‫والعلمانية على تلك الشعوب المستضعفة!‬ ‫أرأيت التناقض والتغاير‪ ،‬فما يجوز لهم ال يجوز لغيرهم‪ ،‬والممنوع عن‬ ‫غيرهم جائز لهم!‪.‬‬ ‫ثالثاا‪ :‬تقوم الديمقراطية على اعتبار الشعب حكم أوحد ترد إليه النزاعات‬ ‫والخصومات؛ فإذا حصل أي اختالف أو نزاع بين الحاكم والمحكوم‪ ،‬نجد‬ ‫أن كالً من الطرفين يهدد اآلخر بالرجوع إلى إرادة الشعب‪ ،‬وإلى اختيار‬ ‫الشعب‪ ،‬ليفصل الشعب ما تم بينهما من نزاع‪.‬‬ ‫وهذا مخالف ومناقض ألصول التوحيد التي تقرر أن الحكم الذي يجب أن‬ ‫ترد إليه جميع النزاعات هو هللا تعالى وحده‪ ،‬وليس أحدا ً سواه‪ ،‬يقول هللا‬ ‫تعالى‪{ :‬وما اختلفتم فيه من شيء فحكمه إلى هللا} [الشورى‪ .]91:‬بينما‬ ‫الديمقراطية تقول‪ :‬وما اختلفتم فيه من شيء فحكمه إلى الشعب‪ ،‬وليس إلى‬ ‫أح ٍد غير الشعب!‬ ‫وقال تعالى‪{ :‬يا أيها الذي آمنوا أطيعوا هللا وأطيعوا الرسول وأولي األمر‬ ‫منكم فإن تنازعتم في شيء فردوه إلى هللا والرسول إن كنتم تؤمنون باهلل‬ ‫واليوم اآلخر} [النساء‪ .]51:‬والرد إلى هللا والرسول يكون بالرد إلى الكتاب‬ ‫والسنة‪.‬‬ ‫قال ابن القيم ‪ -‬رحمه هللا ‪( :-‬جعل هذا الرد من موجبات اإليمان ولوازمه‪،‬‬ ‫فإذا انتفى هذا الرد انتفى اإليمان ضرورة انتفاء الملزوم النتفاء اآلخر) (‪.)1‬‬ ‫رابعاا‪ :‬تقوم الديمقراطية على مبدأ حرية التعبير واإلفصاح‪ ،‬أيَّا ً كان هذا‬ ‫التعبير‪ ،‬ولو كان مفاده طعنا ً وسبا ً للذات اإللهية‪ ،‬وكتبه ورسله‪ ،‬إذ ال يوجد‬ ‫في الديمقراطية شيء مقدس يحرم الخوض فيه‪ ،‬وأي إنكار على ذلك يعني‬ ‫بر ّمته ‪!..‬‬ ‫إنكار على النظام الديمقراطي الحر ُ‬ ‫خامساا‪ :‬تقوم الديمقراطية على مبدأ الحرية الشخصية؛ فللمرء في ظل‬ ‫الديمقراطية أن يفعل ما يشاء‪ ،‬ويمارس ما يشاء‪ ،‬مالم يتعارض مع القانون‬ ‫الوضعي للبالد ‪.‬‬ ‫(‪ )1‬إعالم الموقعين ‪.51 /9‬‬


‫‪141‬‬

‫(الدميوقراطية) طاغوت العصر‬ ‫د‬

‫وهذا قول معلوم بطالنه وفساده‪ ،‬لتضمنه تحليل ما حرم هللا تعالى على العباد‪،‬‬ ‫وإطالق الحرية للمرء في أن يمارس ما يشاء ويهوى من المعاصي‬ ‫والموبقات المحرمة شرعاً‪.‬‬ ‫فالمرء في نظر اإلسالم حريته مستمدة من اإلسالم‪ ،‬وهي مقيدة بقيود الشرع‬ ‫وما يملي عليه من التزامات وواجبات وسنن‪ ،‬فليس للمسلم – إن أراد البقاء‬ ‫في دائرة اإلسالم أو أن يسمى مسلما ً – الحرية في أن يتجاوز حدود اإلسالم‬ ‫وآدابه وتعاليمه‪ ،‬ويرتكب ما يشاء من المحظورات‪ ،‬ثم بعد ذلك يصبغ على‬ ‫تصرفه هذا الشرعية أو القانونية‪ ،‬أو أنه حقه الشخصي‪ ،‬ومن خصوصياته‬ ‫التي ال حق ألح ٍد أن ينكرها عليه‪ ،‬ويقول بعد ذلك أنه مسلم‪ ،‬يتدين بدين‬ ‫اإلسالم‪ ،‬فاإلسالم وهذا الشأن ال يجتمعان أبدا ً ‪!..‬‬ ‫فمن لوازم اإليمان وشروطه التحاكم إلى شرع هللا تعالى في كـل كبيرة‬ ‫وصغيرة‪ ،‬وفي األمور العامة والخاصة‪ ،‬والرضى بحكمه‪ ،‬واالستسالم له‬ ‫تبرم أو تضايق‪ ،‬كما قال‬ ‫ظاهرا ً وباطنا ً من دون أدنى تردد أو تعقيب‪ ،‬أو أقل ُّ‬ ‫تعالى‪{ :‬فال وربك ال يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم ثم ال يجدوا في‬ ‫أنفسهم حرجا ً مما قضيت ويسلموا تسليماً} [النساء‪.]65:‬‬ ‫سادساا‪ :‬تقوم الديمقراطية على مبدأ اعتبار موقف األكثرية‪ ،‬وتب ِنّي ما تجتمع‬ ‫عليه األكثرية‪ ،‬ولو اجتمعت على الباطل والضالل‪ ،‬والكفر البواح‪ ،‬فالحق –‬ ‫في نظر الديمقراطية الذي ال يجوز االستدراك أو التعقيب عليه – هو ما‬ ‫تقرره األكثرية وتجتمع عليه ال غير!‬ ‫وهذا مبدأ باطل ال يصح على إطالقه؛ حيث أن الحق في نظر اإلسالم هو ما‬ ‫يوافق الكتاب والسنة ق َّل أنصاره أو كثروا‪ ،‬وما يخالف الكتاب والسنة فهو‬ ‫الباطل ولو اجتمعت عليه أهل األرض قاطبة‪ .‬قال ابن القيم رحمه هللا‪ :‬اعلم‬ ‫أن اإلجماع والحجة والسواد األعظم هو العالم صاحب الحق وإن كان وحده‪،‬‬ ‫وإن خالفه أهل األرض‪.‬‬ ‫سابعاا‪ :‬في الديمقراطية كل شيء – مهما سمت قداسته بما في ذلك دين هللا –‬ ‫حتى ينال القبول عند القوم يجب أن يخضع لالختيار والتصويت‪ ،‬ورفع‬ ‫األيدي وخفضها‪ ،‬واالختيار يقع دائما ً على ما تجتمع عليه األكثرية‪ ،‬وإن كان‬ ‫المختار باطالً!‪.‬‬ ‫قال تعالى‪{ :‬وهللا يحكم ال معقب لحكمه وهو سريع الحساب} [الرعد‪،]49:‬‬ ‫وقال تعالى‪{ :‬وما كان لمؤمن وال مؤمنة إذا قضى هللا ورسوله أمرا ً أن يكون‬


‫املنهج املختصر يف الفقه والعقيدة والدعوة‬

‫‪145‬‬

‫لهم الخيرة من أمرهم} [األحزاب‪ ،]36:‬وقال تعالى‪{ :‬يا أيها الذين آمنوا ال‬ ‫ترفعوا أصواتكم فوق صوت النبي وال تجهروا له بالقول كجهر بعضكم‬ ‫لبعض أن تحبط أعمالكم وأنتم ال تشعرون} [الحجرات‪ .]4:‬قال ابن القيم‪:‬‬ ‫(فإذا كان رفع أصواتهم فوق صوته سببا ً لحبوط أعمالهم فكيف تقديم آرائهم‬ ‫وعقولهم وأذواقهم‪ ،‬وسياستهم ومعارفهم على ما جاء به ورفعها عليه‪ ،‬أليس‬ ‫هذا أولى أن يكون ُمحبطا ً ألعمالهم)(‪.)1‬‬ ‫فالتصويت واالختيار يتضمن التسوية الصريحة بين شرع هللا عز وجل‬ ‫وشرع الطاغوت‪ ،‬كما‬ ‫يدل داللة صريحة على تمكين القوم من رد حكم هللا تعالى لو شاء المصوتون‬ ‫ذلك‪ ،‬وهذا يتضمن اال ستخفاف والتهكم بشرع هللا ودينه‪ ،‬وهذا مغاير لما يجب‬ ‫لدين هللا تعالى وشرعه من تعظيم وتوقير وإجالل‪ ،‬يقول تعالى‪{ :‬ومن يعظم‬ ‫شعائر هللا فإنها من تقوى القلوب} [الحج‪ .]32:‬ومن أعظم شعائر هللا التي‬ ‫يجب تعظيمها كالمه وأحكامه وشرعه‪.‬‬ ‫ثامناا‪ :‬تقوم الديمقراطية على مبدأ المساواة – في الحقوق والواجبات – بين‬ ‫جميع شرائح وأفراد المجتمع بغض النظر عن الفروق العقدية والعلمية‬ ‫واألخالقية؛ فيستوي عندهم أكفر وأفجر وأجهل الناس مع أتقى وأصلح وأعلم‬ ‫الناس!!‬ ‫وهذا النوع من المساواة ال شك في بطالنه وفساده؛ يقول تعالى‪{ :‬أفمن كان‬ ‫مؤمنا ً كمن كان فاسقا ً ال يستوون}‪ .‬ويقول‪{ :‬أفنجعل المسلمين كالمجرمين ما‬ ‫لكم كيف تحكمون} وقال تعالى‪{ :‬هل يستوي الذين يعلمون والذين ال‬ ‫يعلمون}‪ .‬وقال تعالى‪{ :‬أم نجعل الذين آمنوا وعملوا الصالحات كالمفسدين في‬ ‫األرض أم نجعل المتقين كالفجار}‪.‬‬ ‫تعقيب للشيخ محمد قطب رحمه هللا‪:‬‬ ‫يقول الشيخ محمد قطب‪ :‬هذا هو اإلسالم وهذه هي الديمقراطية في نظر‬ ‫اإلسالم‪ ،‬ومن ثم فال سبيل إلى مزج اإلسالم بالديمقراطية‪ ،‬وال سبيل إلى‬ ‫القول بأن اإلسالم نظام ديمقراطي‪ ،‬أو أنه يتقبل النظام الديمقراطي أو‬ ‫يسايره‪ ،‬لمجرد وجود شبه عارض في بعض النقاط ‪ .‬إن هذا االلتقاء‬ ‫(‪ )1‬إعالم الموقعين ‪.59/9‬‬


‫‪141‬‬

‫(الدميوقراطية) طاغوت العصر‬ ‫د‬

‫العارض بين الديمقراطية واإلسالم في الحقوق والضمانات‪ ،‬وفي مبدأ‬ ‫الشورى ال يجوز أن ينسينا حقيقتين مهمتين‪:‬‬ ‫الحقيقة األولى‪ :‬أنه ال ينبغي لنا – من الوجهة العقدية – أن نقرن النظام‬ ‫الرباني إلى نظام جاهلي‪ ،‬فضالً عن أن نحاول سند النظام الرباني بنسبته إلى‬ ‫النظا م الجاهلي‪ ،‬أو نتصور أننا نمتدح النظام الرباني بأن نقول أنه يحمل نقط‬ ‫التقاء مع النظام الجاهلي!‪.‬‬ ‫إنها الهزيمة الداخلية تندس إلى أفهامنا دون أن نحس‪ ،‬وتجعلنا نعتقد أن النظام‬ ‫الرباني في حاجة إلى دفاعنا نحن عنه وتبريره‪ ،‬كما تجعلنا نعتقد أننا نمتدح‬ ‫النظام الرباني بأن نقول للناس إنه يحتوي على الفضائل التي تحتوي عليها‬ ‫النظم السائدة اليوم‪.‬‬ ‫إنها الهزيمة التي أصابت المسلمين في مواجهة الغرب الظافر المتغلب‪ ،‬الذي‬ ‫غلب على بالد اإلسالم‪ ،‬وما كانت لتوجد في نفوسنا لو أننا واثقون في أنفسنا‬ ‫مستعلون باإليمان كما وجهنا هللا‪{ :‬وال تهنوا وال تحزنوا وأنتم األعلون إن‬ ‫كنتم مؤمنين}‪.‬‬ ‫والحقيقة الثانية‪ :‬أن هذا الشبه العارض في بعض النقاط ال يجوز أن ينسينا‬ ‫الفارق الضخم في القاعدة‪ ،‬إن القاعدة التي يقوم عليها اإلسالم تختلف اختالفا ً‬ ‫جذريا ً عن القاعدة التي تقوم عليها الديمقراطية‪.‬‬ ‫في اإلسالم يُعبد هللا وحده دون شريك‪ ،‬وتحكم شريعة هللا عنوانا ً على التوحيد‬ ‫وتحقيقا ً له في عالم الواقع‪ .‬وفي الديمقراطية يُعبد غير هللا‪ ،‬وتحكم شرائع‬ ‫البشر عنوانا ً على عبادة غير هللا وتوكيدا ً لها في عالم الواقع ‪ .‬وفي اإلسالم‬ ‫يُزكى اإلنسان ليحتفظ بإنسانيته في أحسن تقويم‪ ،‬وفي الديمقراطية ينكس‬ ‫اإلنسان فيهبط أسفل سافلين ‪.‬‬ ‫تلك فروق جوهرية في القاعدة‪ ،‬فما قيمة اللقاء العارض في بعض النقاط أيَّا ً‬ ‫كانت القيمة الذاتية لتلك النقاط ؟! وفي العالم اإلسالمي ُكتّاب ومفكرون ودعاة‬ ‫مخلصون مخدوعون في الديمقراطية‪ ،‬يقولون‪ :‬نأخذ ما فيها من خير ونترك‬ ‫ما فيها من شرور!‪ ،‬ويقولون‪ :‬نقيدها بما أنزل هللا وال نبيح اإللحاد‪ ،‬وال نبيح‬ ‫التحلل الخلقي والفوضى الجنسية!‬ ‫إنها إذا ً لن تكون الديمقراطية‪ ،‬إنما ستكون اإلسالم!‬


‫املنهج املختصر يف الفقه والعقيدة والدعوة‬

‫‪143‬‬

‫إن الديمقراطية هي حكم الشعب بواسطة الشعب‪ .‬إنها تولي الشعب سلطة‬ ‫التشريع‪ ،‬فإذا ألغي هذا األمر أو قيد فلن تكون هي الديمقراطية التي تقوم بهذا‬ ‫االسم‪.‬‬ ‫ ولست أقول إن النظم الطغيانية التي حلت محل تلك الديمقراطيات المزيفة‬‫هي خير منها‪ ،‬كال! وألف مرة كال ! فالطغيان الذي يعتقل عشرات األلوف‪،‬‬ ‫ويعذبهم أبشع تعذيب عرفته البشرية‪ ،‬ويقتل منهم من يقتل في محاكمات‬ ‫صورية أو داخل األسوار بالتعذيب‪ ،‬هو شر خالص ال خير فيه ‪ .‬ولكن أقول‬ ‫فقط‪ :‬إن البديل ليس هو الديمقراطية‪ ،‬إنما هو اإلسالم ‪.‬‬ ‫ومن كان يرى أن مشوار اإلسالم طويل‪ ،‬وأن مشوار الديمقراطية أقصر منه‬ ‫وأيسر‪ ،‬فنحن نقول له‪ :‬إن الديمقراطية ذاتها في سبيلها إلى االنهيار‪ ،‬بما‬ ‫تحمل في طياتها من ِعوج وانحراف قائم في أصـل النظام‪ .‬وسيبقى اإلسالم‪،‬‬ ‫سيبقى ألنه دين هللا‪ ،‬وألن هللا تكفل بحفظه‪ ،‬وألنه هو الشيء الوحيد الذي‬ ‫يمكن أن ينقذ البشرية كلها من ضاللها البعيد الذي لجت فيه(‪.)1‬‬ ‫من مفاسد الديموقراطية‪:‬‬ ‫ المجتمعات التي حكمها الشعب في التشريعات والقوانين لم يُر فيها إال‬‫الفساد‪ ،‬وانحالل األخالق‪ ،‬وتفسخ المجتمعات‪ ،‬فالديموقراطية تفتح الباب على‬ ‫مصراعيه للشهوات واإلباحية‪ ،‬من خمر ومجون وفسق وغير ذلك تحت‬ ‫شعار‪" :‬حماية الحرية الشخصية"‪.‬‬ ‫ كما أن الديموقراطية تفتح الباب للتفرق واالختالف‪ ،‬استجابة للمخططات‬‫االستعمارية الرامية إلى تمزيق العالم اإلسالمي إلى قوميات ووطنيات‬ ‫ودويالت وعصبيات وأحزاب‪ ،‬وفي ذلك مخالفة لقول هللا‪{ :‬وإن هذه أمتكم‬ ‫أمة واحدة وأنا ربكم فاتقون}‪.‬‬ ‫ إن من يسلك أو يتبنى النظام الديمقراطي البد له من االعتراف بالمؤسسات‬‫والمبادئ الكفرية‪ ،‬كمواثيق األمم المتحدة وقوانين مجلس األمن الدولي‪ ،‬ومن‬ ‫ضيّق عليه بحجة أنه متطرف وإرهابي وغير مؤمن بالسالم‬ ‫لم يفعل ُمنع و ُ‬ ‫العالمي والتعايش السلمي‪.‬‬ ‫(‪ )1‬مذاهب فكرية معاصرة ص (‪.)259‬‬


‫‪144‬‬

‫(الدميوقراطية) طاغوت العصر‬ ‫د‬

‫ الديمقراطية تفتح الباب على مصراعيه للردة والزندقة‪ ،‬حيث يمكن – في‬‫يكون‬ ‫ظل هذا النظام الطاغوتي ‪ -‬لكل صاحب ملة أو مذهب أو نحلة أن ّ‬ ‫حزبا ً وينشئ صحيفة تدعو إلى مروقه من دين هللا‪ ،‬بحجة إفساح المجال‬ ‫للرأي والرأي اآلخر‪.‬‬ ‫ النظام الديمقراطي يعطل األحكام الشرعية؛ من جهاد وحسبة وأمر‬‫بمعروف ونهي عن منكر وأحكام الردة والمرتد والجزية والرق؛ وغير ذلك‬ ‫من األحكام‪ ،‬بل ويوصف المرتدون والمنافقون في ظل النظام الديمقراطي‬ ‫بأنهم وطنيون وقوى خ ِيّرة ومخلصة!‬ ‫الديمقراطية واالنتخابات تعتمد على الغوغائية والكثرة بدون ضوابط شرعية‪،‬‬ ‫وعلى مبدأ الكثرة فإن أغلب األنبياء قد وقفت ضدهم الكثرة الكاثرة من‬ ‫أقوامهم‪ ،‬وكذّبوهم‪ ،‬وهللا تعالى يقول‪{ :‬وإن تطع أكثر من في األرض يضلوك‬ ‫عن سبيل هللا}!‬ ‫الديموقراطية والشورى‪:‬‬ ‫الديمقراطية ليست كالشورى التي في اإلسالم‪ ،‬وذلك من وجوه كثيرة‪ ،‬منها‪:‬‬ ‫‪ - 9‬أن الشورى فيما ال نص فيه‪ ،‬وفي تنزيل الحكم على الحوادث‬ ‫المستحدثة‪ ،‬وأما الديمقراطية فللشعب أن يلغي الثوابت‪ ،‬فحكم الشعب فوق كل‬ ‫شيء‪.‬‬ ‫‪ - 2‬أهل الشورى لهم صفات معينة من العلم واألخالق‪ ،‬وأما الديمقراطية فال‬ ‫فرق فيها بين أحد وأحد‪ ،‬فحكم العالم بحكم هللا يساوي حكم أجهل الناس دون‬ ‫فرق!‬ ‫‪ - 3‬الشورى غير ُم ِلزمة للحاكم ‪ ،‬فقد يقدِّم الحاكم رأي من قويت حجته على‬ ‫الباقين‪ ،‬بينما في الديمقراطية يصبح مجرد اتفاق األغلبية النسبية قانونا ً ملزما ً‬ ‫للناس‪.‬‬ ‫يروج له البعض من محاسن في الديمقراطية – وما أقلّها ‪ ،-‬فإن عندنا في‬ ‫فما ّ‬ ‫اإلسالم ما هو أحسن منها وأعظم‪ ،‬وأسلم وأحكم‪ ،‬وأكمل وأعدل‪.‬‬ ‫و ليحذر المسلم من أقل التفات إلى ما سوى شريعة هللا‪ ،‬فإن ما سواها هو‬ ‫الضالل والبعد‪ ،‬قال تعالى‪{ :‬فإ ِ ْن آمنُواْ ِب ِمثْ ِل ما آمنتُم بِ ِه فق ِد ا ْهتدواْ َّوإِن تولَّ ْواْ‬ ‫اح ُكم‬ ‫ق فسي ْك ِفيك ُه ُم ّ‬ ‫س ِمي ُع ْالع ِلي ُم}‪ ،‬وقال تعالى‪{ :‬وأ ِن ْ‬ ‫اّللُ و ُهو ال َّ‬ ‫فإِنَّما ُه ْم فِي ِشقا ٍ‬ ‫ض ما أنزل‬ ‫بيْن ُهم ِبما أنزل ّ‬ ‫اّللُ وال تتَّبِ ْع أ ْهواء ُه ْم و ْ‬ ‫احذ ْر ُه ْم أن ي ْفتِنُوك عن ب ْع ِ‬


‫املنهج املختصر يف الفقه والعقيدة والدعوة‬

‫‪145‬‬

‫ض ذُنُوبِ ِه ْم و ِإ َّن ك ِثيرا ً‬ ‫اّللُ ِإليْك فإِن تولَّ ْواْ فاعْل ْم أنَّما ي ُِريد ُ ّ‬ ‫ّ‬ ‫ُصيب ُهم بِب ْع ِ‬ ‫اّللُ أن ي ِ‬ ‫اس لفا ِسقُون}‪.‬‬ ‫ِ ّمن النَّ ِ‬ ‫ثم أيها المجاهد! ليكن منهجك وعقيدتك أن كل من قاتل لتكون كلمة هللا هي‬ ‫العليا فنحن معه‪ ،‬ونقاتل معه‪ ،‬وكل من خالف ذلك فإنا نتركه وننبذه ونخالفه‪،‬‬ ‫فلو أن قائدا ً في الشام اليوم أعلن نظام الديمقراطية تحت أي سبب أو عذر‬ ‫فإننا ننشق منه جميعاً‪ ،‬ونخالفه جميعاً‪ ،‬وننابذه العداء جميعاً‪ ،‬بذلك نكون قد‬ ‫قاتلنا لتكون كلمة هللا هي العليا‪.‬‬ ‫أسأل هللا أن يوفقنا وإياكم لما يحب ويرضى‪ ،‬وصل على محمد‪ ،‬وعلى آله‬ ‫وصحبه أجمعين‪.‬‬

‫الباب الثالث‪:‬‬ ‫أصول الدعوة‬



‫املنهج املختصر يف الفقه والعقيدة والدعوة‬

‫أهمية الدعوة وفضلها وكيف تكون داعية‬

‫إعداد‪/‬‬ ‫د‪ .‬عبد الله بن محمد المحيسني‬

‫‪147‬‬


‫أهمية الدعوة وفضلــها‬

‫‪148‬‬ ‫‪HGJHG‬‬

‫د‬

‫أمهية الدعوة وفضلها وكيف تكون داعية‬ ‫الحمد هلل رب العالمين‪ ،‬والصالة والسالم على المبعوث رحمة للعالمين‪ ،‬وعلى آله‬ ‫وصحبه ومن اتبع سبيلهم إلى يوم الدين‪ ،‬أما بعد‪:‬‬ ‫فإن الدعوة إلى هللا من أهم المهمات‪ ،‬والناس في كل زمان ومكان في أشد الحاجة إليها‪،‬‬ ‫فإن هللا سبحانه وتعالى إنما خلق الجن واإلنس ليعبدوه وحده ال شريك له‪ ،‬وليعظموا‬ ‫اإل ْنس إِ َّال‬ ‫أمره ونهيه‪ ،‬وليعرفوه بأسمائه وصفاته‪ ،‬كما قال عز وجل‪{ :‬وما خل ْقتُ ْال ِج َّن و ْ ِ‬ ‫اس ا ْعبُدُوا ربَّ ُك ُم الَّذِي خلق ُك ْم والَّذِين ِم ْن ق ْب ِل ُك ْم‬ ‫ُون} ‪ ،‬وقال عز وجل‪{ :‬يا أيُّها النَّ ُ‬ ‫ِلي ْعبُد ِ‬ ‫ْ‬ ‫َّ‬ ‫ْ‬ ‫ُ‬ ‫َّ‬ ‫َّ‬ ‫{اّللُ الذِي خلق سبْع سماوا ٍ‬ ‫ض ِمثل ُه َّن يتنز ُل‬ ‫لعلَّ ُك ْم تتقون} ‪ ،‬وقال عز وجل‪َّ :‬‬ ‫ت و ِمن األ ْر ِ‬ ‫اّلل ق ْد أحاط بِ ُك ِّل ش ْيءٍ ِع ْل ًما} ‪.‬‬ ‫ِير وأ َّن َّ‬ ‫ْاأل ْم ُر بيْن ُه َّن ِلت ْعل ُموا أ َّن َّ‬ ‫اّلل على ُك ِّل ش ْيءٍ قد ٌ‬ ‫وقد أرسل هللا الرسل ليبينوا للناس األمر الذي ُخلقوا من أجله ‪ ،‬حتى يعبدوا هللا على‬ ‫بصيرة‪ ،‬والدعوة إلى هللا هي طريقة الرسل وأتباعهم كما قال هللا سبحانه‪{ :‬قُ ْل ه ِذ ِه سبِي ِلي‬ ‫عو إِلى َّ ِ‬ ‫صيرةٍ أنا وم ِن اتَّبعنِي} فبين سبحانه أن الرسول صلى هللا عليه وسلم‬ ‫أ ْد ُ‬ ‫اّلل على ب ِ‬ ‫يدعو على بصيرة‪ ،‬وأن أتباعه كذلك يدعون إلى هللا‪ ،‬فأتباع الرسول صلى هللا عليه وسلم‬ ‫هم الدعاة إلى سبيله على بصيرة‪ ،‬والبصيرة هي العلم بما يدعو إليه وما ينهى عنه‪.‬‬

‫بيان حكم الدعوة إلى هللا عز وجل‪:‬‬ ‫قد دلت األدلة من الكتاب والسنة على وجوب الدعوة إلى هللا عز وجل‪ ،‬وأنها من‬ ‫عون إِلى ْالخي ِْر‬ ‫الفرائض‪ ،‬واألدلة في ذلك كثيرة‪ ،‬منها‪ :‬قوله سبحانه‪{ :‬و ْلت ُك ْن ِم ْن ُك ْم أ ُ َّمةٌ ي ْد ُ‬ ‫وف وي ْنه ْون ع ِن ْال ُم ْنك ِر وأُولئِك ُه ُم ْال ُم ْف ِل ُحون} ‪ ،‬ومنها‪ :‬قوله جل وعال‪:‬‬ ‫ويأ ْ ُم ُرون بِ ْالم ْع ُر ِ‬ ‫ع إِلى سبِي ِل ر ِبّك بِ ْال ِح ْكم ِة و ْالم ْو ِعظ ِة ْالحسن ِة وجاد ِْل ُه ْم بِالَّتِي هِي أحْ س ُن} ‪ ،‬ومنها‪ :‬قوله‬ ‫{ا ْد ُ‬ ‫ع إِلى ر ِبّك وال ت ُكون َّن ِمن ْال ُم ْش ِر ِكين}‪.‬‬ ‫عز وجل‪{ :‬وا ْد ُ‬ ‫وصرح العلماء أن الدعوة إلى هللا عز وجل فرض كفاية‪ ،‬بالنسبة إلى األقطار التي يقوم‬ ‫فيها الدعاة‪ ،‬فإن كل دولة وكل مدينة وكل قرية ومنطقة تحتاج إلى الدعوة‪ ،‬فإذا قام بها‬ ‫من يكفي سقط اإلثم عن الباقين‪ ،‬وصارت الدعوة في حق الباقين سنة مؤكدة‪ ،‬وعمال‬ ‫صالحا جليال‪ ،‬وإذا لم يقم أهل المنطقة المعينة بالدعوة على التمام‪ ،‬صار اإلثم عاما‪،‬‬ ‫وصار واجب على كل إنسان أن يقوم بالدعوة حسب طاقته وإمكانه‪ ،‬وعند قلة الدعاة‪،‬‬ ‫وعند كثرة المنكرات‪ ،‬وعند غلبة الجهل ‪ -‬كحالنا اليوم ‪ -‬تكون الدعوة فرض عين على‬ ‫كل واحد بحسب طاقته‪.‬‬

‫فضل الدعوة إلى هللا عز وجل‬

‫ورد في فضل الدعوة والدعاة آيات وأحاديث كثيرة‪ ،‬من ذلك قوله جل وعال‪{ :‬وم ْن‬ ‫أحْ س ُن ق ْو ًال ِم َّم ْن دعا ِإلى َّ ِ‬ ‫اّلل وع ِمل صا ِل ًحا وقال ِإنَّنِي ِمن ْال ُم ْس ِل ِمين}‪ ،‬وقال النبي الكريم‬ ‫عليه الصالة والسالم‪« :‬من دل على خير فله مثل أجر فاعله» رواه مسلم ‪ ،‬وقال عليه‬ ‫الصالة والسالم‪« :‬من دعا إلى هدى كان له من األجر مثل أجور من تبعه ال ينقص ذلك‬


‫املنهج املختصر يف الفقه والعقيدة والدعوة‬

‫‪149‬‬

‫من أجورهم شيئا ومن دعا إلى ضاللة كان عليه من اإلثم مثل آثام من تبعه ال ينقص‬ ‫ذلك من آثامهم شيئا» أخرجه مسلم ‪.‬‬ ‫وصح عنه عليه الصالة والسالم أنه قال لعلي رضي هللا عنه وأرضاه‪ « :‬فوهللا ألن‬ ‫يهدي هللا بك رجال واحدا خير لك من حمر النعم» متفق عليه‪ ،‬وهذا أيضا يدلنا على‬ ‫فضل الدعوة إلى هللا وما فيها من الخير العظيم‪ ،‬وأن الداعي إلى هللا جل وعال يعطى‬ ‫مثل أجور من هداه هللا على يديه ولو كثروا‪.‬‬

‫كيفية الدعوة وأسلوبها‪:‬‬

‫اعلم رحمك هللا أن من الواجبات المتحتمات اليوم أن نكون جميعا ً دعاة في سبيل هللا‪ ،‬ال‬ ‫سيما مع الواقع وتغريب الناس الذي مر على األمة بما استطعنا‪ ،‬فقد قال النبي صلى هللا‬ ‫عليه وسلم‪ { :‬بلغوا عني ولو آية }‪ ،‬فمن المفاهيم الخاطئة أن يظن البعض أن الداعية ال‬ ‫بد أن يكون خريجا ً من الجامعات أو دكتورا ً حتى يقوم بالدعوة إلى هللا‪ ،‬وهذا مفهوم‬ ‫خاطئ‪ ،‬فأنت عندما ترى رجال لم يذهب إلى الصالة بعد األذان فتدعوه إلى الصالة فأنت‬ ‫من أحسن الناس قوال تدعو إلى هللا‪ ،‬وعندما تعلم برجل يغش فتنصحه وتقول له‪ :‬اتق هللا‬ ‫فقد دعوته إلى هللا وذكرته باهلل فأنت من الدعاة إلى هللا‪ ،‬وحين ترى مدخنا ً مثال فتبتسم‬ ‫في وجهه وتنهاه فأنت داعية إلى هللا ولو كنت عاميا ً ال تقرأ وال تكتب‪ ،‬وأنت حينما ترى‬ ‫سارقا ً فتنكر عليه وتعظه فأنت داعية إلى هللا‪ ،‬وهكذا‪.‬‬ ‫ومن المفاهيم الخاطئة أن يظن البعض أنه ال بد أن يكون الداعية إلى هللا تقيا ً نقيا ً لم يقع‬ ‫منه أي ذنب حتى يدعو إلى هللا‪ ،‬ولو كان األمر كذلك لما دعا أحد إلى هللا بعد النبي‬ ‫محمد صلى هللا عليه وسلم‪ ،‬إذ ال معصوم إال األنبياء‪ .‬فمن الذي ما ساء قط؟! ومن له‬ ‫الحسنى فقط؟‬ ‫فكل بني آدم خطاء وخير الخطائين التوابون‪ ،‬وروى مسلم في صحيحه عن أبي هريرة‬ ‫رضي هللا عنه قال‪ :‬قال رسول هللا صلى هللا عليه وسلم‪« :‬والذي نفسي بيده لو لم تذنبوا‬ ‫لذهب هللا بكم‪ ،‬ولجاء بقوم يذنبون‪ ،‬فيستغفرون هللا فيغفر لهم»‪ ،‬وروى البخاري ومسلم‬ ‫عن عائشة رضي هللا عنها قالت‪ :‬قال رسول هللا صلى هللا عليه وسلم‪« :‬سددوا وقاربوا‪،‬‬ ‫وأبشروا »‪ ،‬فليحرص الداعية على تقوى هللا ما استطاع‪ ،‬وليسدد ويقارب فالكمال‬ ‫عزيز‪ ،‬ومن غلب خيره شره فهو من الصالحين‪ ،‬فليكن أيضا من المصلحين ما استطاع‪،‬‬ ‫وهذا ال يعني تقحم باب الدعوة لكل من هب ودب‪ ،‬ولكن ك ٌل يدعو إلى هللا يما يحسن‪،‬‬ ‫ولو بآية أو حديث‪ ،‬ولو بأمر بالمعروف أو نهي عن منكر‪ ،‬وهنا سنبين بعض أساليب‬ ‫الدعوة‪ ،‬جعلنا هللا وإياكم من الدعاة المصلحين‪.‬‬ ‫ل قد بين هللا عز وجل كيفية الدعوة وأسلوبها في كتابه الكريم‪ ،‬وفيما جاء في سنة نبيه‬ ‫ع إِلى سبِي ِل ر ِبّك بِ ْال ِح ْكم ِة‬ ‫عليه الصالة والسالم‪ ،‬ومن أوضح ذلك قوله جل وعال‪{ :‬ا ْد ُ‬ ‫و ْالم ْو ِعظ ِة ْالحسن ِة وجاد ِْل ُه ْم بِالَّتِي هِي أحْ س ُن}‪ ،‬فأوضح سبحانه الكيفية التي ينبغي أن‬ ‫يتصف بها الداعية ويسلكها‪ ،‬يبدأ أوال بالحكمة‪ ،‬والمراد بها‪ :‬األدلة المقنعة الواضحة‬ ‫الكاشفة للحق‪ ،‬والداحضة للباطل؛ ولهذا قال بعض المفسرين‪ :‬المعنى‪ :‬باألدلة من الكتاب‬


‫أهمية الدعوة وفضلــها‬

‫‪151‬‬ ‫‪HGJHG‬‬

‫د‬

‫والسنة‪ ،‬فعلى الداعية إلى هللا عز وجل أن يدعو بالحكمة‪ ،‬ويبدأ بها‪ ،‬ويعنى بها‪ ،‬فإذا كان‬ ‫المدعو عنده بعض الجفاء واالعتراض دعوته بالموعظة الحسنة‪ ،‬باآليات واألحاديث‬ ‫التي فيها الوعظ والترغيب‪ ،‬فإن كان عنده شبهة جادلته بالتي هي أحسن‪ ،‬وال تغلظ‬ ‫عليه‪ ،‬بل تصبر عليه وال تعجل وال تعنف‪ ،‬بل تجتهد في كشف الشبهة‪ ،‬وإيضاح األدلة‬ ‫باألسلوب الحسن‪.‬‬ ‫وقد أم ر هللا جل وعال موسى وهارون لما بعثهما إلى فرعون أن يقوال له قوال لينا وهو‬ ‫أطغى الطغاة‪ ،‬فقال سبحانه‪{ :‬فقُوال لهُ ق ْو ًال ل ِيّنًا لعلَّهُ يتذ َّك ُر أ ْو ي ْخشى} ‪ ،‬وقال هللا سبحانه‬ ‫اّلل ِل ْنت ل ُه ْم ول ْو ُك ْنت ف ًّ‬ ‫في نبيه محمد عليه الصالة والسالم‪{ :‬فبِما رحْ م ٍة ِمن َّ ِ‬ ‫ظا غ ِليظ‬ ‫ب ال ْنفضُّوا ِم ْن ح ْو ِلك}‪.‬‬ ‫ْالق ْل ِ‬ ‫لكن إذا ظهر من المدعو العناد والظلم‪ ،‬فال مانع من اإلغالظ عليه‪ ،‬كما قال هللا سبحانه‪:‬‬ ‫ب إِ َّال بِالَّتِي هِي أحْ س ُن إِ َّال الَّذِين ظل ُموا ِم ْن ُه ْم}‪.‬‬ ‫{وال تُجا ِدلُوا أ ْهل ْال ِكتا ِ‬ ‫والشيء الذي يجب على الدعاة أن يدعو الناس إليه يوضحوه لهم‪ ،‬هو صراط هللا‬ ‫ع إِلى‬ ‫المستقيم‪ ،‬وهو اإلسالم دين هللا الحق‪ ،‬هذا هو محل الدعوة‪ ،‬كما قال سبحانه‪{ :‬ادْ ُ‬ ‫ُ‬ ‫اإل ْنسان ل ِفي ُخس ٍْر * إِ َّال الَّذِين آمنُوا وع ِملوا‬ ‫سبِي ِل ر ِبّك}‪ ،‬وقال‪ {:‬و ْالع ْ‬ ‫ص ِر * إِ َّن ْ ِ‬ ‫صب ِْر }‪ ،‬فالتواصي يجب أن يكون بالحق الذي‬ ‫صا ِلحا ِ‬ ‫ق وتواص ْوا بِال َّ‬ ‫ال َّ‬ ‫ت وتواص ْوا بِ ْالح ّ ِ‬ ‫أنزله هللا وجاء به رسول هللا صلى هللا عليه وسلم‪ ،‬وهذا هو سبيل هللا الذي تجب الدعوة‬ ‫إليه‪ ،‬ال إلى مذهب فالن وال إلى رأي فالن‪ ،‬ولكن إلى دين هللا‪ ،‬إلى صراط هللا‪ ،‬وهو ما‬ ‫دل عليه القرآن العظيم‪ ،‬والسنة المطهرة الثابتة عن رسول هللا عليه الصالة والسالم‪،‬‬ ‫وعلى رأس ذلك الدعوة إلى العقيدة الصحيحة‪ ،‬إلى اإلخالص هلل وتوحيده بالعبادة‪،‬‬ ‫واإليمان به وبرسله وكتبه‪ ،‬واإليمان باليوم اآلخر والقدر خيره وشره‪ ،‬واإليمان بكل ما‬ ‫أخبر هللا به ورسوله‪ ،‬ويدخل في ذلك أيضا الدعوة إلى ما أوجب هللا من إقامة الصالة‪،‬‬ ‫وإيتاء الزكاة‪ ،‬وصوم رمضان‪ ،‬وحج البيت ‪ ...‬إلى غير ذلك‪.‬‬ ‫ويدخل أيضا في ذلك الدعوة إلى الجهاد في سبيل هللا‪ ،‬واألمر بالمعروف والنهي عن‬ ‫المنكر‪ ،‬واألخذ بما شرع هللا في الطهارة والصالة‪ ،‬والمعامالت‪ ،‬والنكاح والطالق‪،‬‬ ‫والجنايات‪ ،‬والنفقات‪ ،‬والحرب والسلم‪ ،‬وفي كل شيء؛ ألن دين هللا عز وجل دين شامل‪،‬‬ ‫يشمل مصالح العباد في المعاش والمعاد‪ ،‬ويشمل كل ما يحتاج إليه الناس في أمر دينهم‬ ‫ودنياهم‪ ،‬ويدعو إلى مكارم األخالق ومحاسن األعمال‪ ،‬وينهى عن سفاسف األخالق‬ ‫وعن سيئ األعمال‪ ،‬فهو عبادة وحكم‪ ،‬يكون عابدا مصليا صائما‪ ،‬ويكون حاكما بشرع‬ ‫هللا منفذا ألحكامه عز وجل‪ .‬وهو عبادة وجهاد‪ ،‬يدعو إلى هللا‪ ،‬ويجاهد في سبيل هللا من‬ ‫خرج عن دين هللا‪ .‬وهو مصحف وسيف‪ ،‬يتأمل القرآن ويتدبره وينفذ أحكامه بالقوة‪ ،‬ولو‬ ‫بالسيف إذا دعت الحاجة إليه‪ .‬وهو سياسة واجتماع‪ ،‬فهو يدعو إلى األخالق الفاضلة‬ ‫ص ُموا‬ ‫واألخوة اإليمانية‪ ،‬والجمع بين المسلمين والتأليف بينهم‪ ،‬كما قال جل وعال‪{ :‬واعْت ِ‬ ‫ِبح ْب ِل َّ ِ‬ ‫اّلل ج ِميعًا وال تف َّرقُوا} فدين هللا يدعو إلى االجتماع‪ ،‬وإلى السياسة الصالحة‬ ‫الحكيمة‪ ،‬التي تجمع وال تفرق‪ ،‬تؤلف وال تباعد‪ ،‬تدعو إلى صفاء القلوب‪ ،‬واحترام‬


‫املنهج املختصر يف الفقه والعقيدة والدعوة‬

‫‪155‬‬

‫األخوة اإلسالمية‪ ،‬والتعاون على البر والتقوى‪ ،‬والنصح هلل ولعباده‪ ،‬وهو أيضا يدعو‬ ‫إلى أداء األمانة والحكم بالشريعة‪ ،‬وترك الحكم بغير ما أنزل هللا عز وجل‪ ،‬كما قال‬ ‫اس أ ْن تحْ ُك ُموا‬ ‫اّلل يأ ْ ُم ُر ُك ْم أ ْن تُؤدُّوا ْاألمانا ِ‬ ‫سبحانه‪{ :‬إِ َّن َّ‬ ‫ت إِلى أ ْه ِلها وإِذا حك ْمت ُ ْم بيْن النَّ ِ‬ ‫بِ ْالع ْد ِل‪.‬‬ ‫وعلى المسلم أن يأخذ اإلسالم كله وال يأخذ جانبا دون جانب‪ ،‬ال يأخذ العقيدة ويدع‬ ‫األحكام واألعمال‪ ،‬وال يأخذ األعمال واألحكام ويدع العقيدة‪ ،‬بل يأخذ اإلسالم كله‪،‬‬ ‫عقيدة‪ ،‬وعمال‪ ،‬وعبادة‪ ،‬وجهادا‪ ،‬واجتماعا‪ ،‬وسياسة‪ ،‬واقتصادا وغير ذلك‪ ،‬يأخذه من كل‬ ‫س ْل ِم كافَّةً وال تتَّبِعُوا ُخ ُ‬ ‫ت‬ ‫طوا ِ‬ ‫الوجوه كما قال سبحانه‪{ :‬يا أيُّها الَّذِين آمنُوا ا ْد ُخلُوا فِي ال ِ ّ‬ ‫ال َّ‬ ‫ان إِنَّهُ ل ُك ْم عد ٌُّو ُمبِ ٌ‬ ‫ين} قال المفسرون‪ :‬معنى ذلك‪ :‬ادخلوا في اإلسالم جميعه‪ ،‬يقال‬ ‫شيْط ِ‬ ‫لإلسالم‪ِ :‬سلم؛ ألنه طريق السالمة‪ ،‬وطريق النجاة في الدنيا واآلخرة‪ ،‬فهو سلم وإسالم‪،‬‬ ‫فاإلسالم يدعو إلى السلم‪ ،‬يدعو إلى حقن الدماء بما شرع من الحدود والقصاص والجهاد‬ ‫الشرعي الصادق‪ ،‬فهو ِسلم وإسالم‪ ،‬وأمن وإيمان؛ ولهذا قال جل وعال‪{ :‬ا ْد ُخلُوا فِي‬ ‫س ْل ِم كافَّةً} أي‪ :‬ادخلوا في جميع شعب اإليمان‪ ،‬ال تأخذوا بعضا وتدعوا بعضا‪ ،‬عليكم‬ ‫ال ِ ّ‬ ‫ُ‬ ‫َّ‬ ‫ت ال َّ‬ ‫ان} يعني‪ :‬المعاصي التي حرمها هللا‬ ‫أن تأخذوا باإلسالم كله‪{ ،‬وال تتبِعُوا ُخطوا ِ‬ ‫شيْط ِ‬ ‫عز وجل فإن الشيطان يدعو إلى المعاصي وإلى ترك دين هللا كله‪ ،‬فهو أعدى عدو؛‬ ‫ولهذا يجب على المسلم أن يتمسك باإلسالم كله‪ ،‬وأن يدين باإلسالم كله‪ ،‬وأن يعتصم‬ ‫بحبل هللا عز وجل‪ ،‬وأن يحذر أسباب الفرقة واالختالف في جميع األحوال‪ ،‬وعليه أن‬ ‫يحكم شرع هللا في العبادات‪ ،‬وفي المعامالت‪ ،‬وفي النكاح والطالق‪ ،‬وفي النفقات‪ ،‬وفي‬ ‫الرضاع‪ ،‬وفي السلم والحرب‪ ،‬ومع العدو والصديق‪ ،‬وفي الجنايات‪ ،‬وفي كل شيء‪.‬‬ ‫والواجب على الداعي إلى هللا أن يدعو إلى اإلسالم كله‪ ،‬وال يفرق بين الناس‪ ،‬وأن ال‬ ‫يكون متعصبا لمذهب دون مذهب‪ ،‬أو لقبيلة دون قبيلة‪ ،‬أو لشيخه أو رئيسه أو غير ذلك‪،‬‬ ‫بل الواجب أن يكون هدفه إثبات الحق وإيضاحه‪ ،‬واستقامة الناس عليه‪ ،‬وإن خالف رأي‬ ‫اّللِ‬ ‫فالن أو فالن‪ ،‬وبهذا يكون له شرف الدعوة إلى هللا { وم ْن أحْ س ُن ق ْو ًال ِم َّم ْن دعا ِإلى َّ‬ ‫وع ِمل صا ِل ًحا وقال إِنَّنِي ِمن ْال ُم ْس ِل ِمين}‪.‬‬

‫ونلخص بعض أساليب الدعوة في هذه النقاط‪:‬‬

‫أسلوب النصيحة بالرفق والحكمة والموعظة الحسنة‪ ،‬فاهلل رفيق يحب الرفق ويعطي‬ ‫على الرفق ما ال يعطي على ما سواه‪ ،‬والكلمة الطيبة صدقة‪ ،‬وتبسمك في وجه‬ ‫المنصوح صدقة‪ ،‬والهدية بين يدي النصيحة مؤثرة‪ ،‬ومن أحسن أساليب الدعوة إهداء‬ ‫الشريط أو المطوية أو الكتيب‪ ،‬فتكون داعية وإن لم تتكلم‪ ،‬ومن أساليب الدعوة المؤثرة‬ ‫الرسالة المكتوبة إلى شخص بعينه‪ ،‬وكذلك دعوة المنصوح إلى بيتك إلكرامه ثم نصحه‬ ‫بحكمة‪ ،‬ومن أعظم األساليب المؤثرة في المدعو أن تسلم عليه وتصافحه وتبش في‬ ‫وجهه وتكرمه ولو بتطييبه بعطر ثم تنصحه فإنه يتأثر وال بد‪.‬‬ ‫‪ )1‬عرض المسألة المراد الدعوة إليها‪ ،‬ومعرفة ما يحتاجه المدعو فيها‪ ،‬فإن كان‬ ‫منكرا لها فتحتاج أن تثبت له الحكم الشرعي باألدلة‪ ،‬ويُجادل بالتي هي أحسن‪،‬‬


‫أهمية الدعوة وفضلــها‬

‫‪151‬‬ ‫‪HGJHG‬‬

‫‪)6‬‬

‫‪‬‬

‫‪‬‬

‫‪‬‬

‫د‬

‫وإن كان مقرا فتحتاج أن تذكره بأسلوب حسن مؤثر‪ ،‬فمثالً إذا تريد تنصح شابا ً‬ ‫يلبس حلقة يعتقد أنها تنفعه وال يعلم بأنها من الشرك‪ ،‬فتبحث معه حكم المسألة‬ ‫وأدلتها وتبين له حكمها ثم تنصحه بترك ذلك‪ ،‬أما إذا تريد تنصح شابا متهاونا‬ ‫بالصالة ويعلم خطؤه فتذكره بأهميتها وتبين له حكم التهاون بها وتعظه‬ ‫وتنصحه‪ ،‬وهكذا‪.‬‬ ‫توطين النفس على تحمل األذى‪ ،‬فالناس مختلفون في قبول الدعوة‪ ،‬ومنهم طغاة‬ ‫ومجرمون‪ ،‬ومنهم غالظ القلوب فحشاء األخالق بذيئون اللسان‪ ،‬فعلى الداعية‬ ‫أن يدفع بالتي هي أحسن‪ ،‬وهذا مما يؤثر في المدعو أو فيمن حوله‪ ،‬يقول هللا‬ ‫س ِيّئةُ ادْف ْع بِالَّتِي هِي أحْ س ُن فإِذا الَّذِي بيْنك‬ ‫تعالى‪ { :‬وال تسْت ِوي ْالحسنةُ وال ال َّ‬ ‫ي ح ِمي ٌم * وما يُلقَّاها إِ َّال الَّذِين صب ُروا وما يُلقَّاها إِ َّال ذُو ح ٍ ّ‬ ‫ظ‬ ‫وبيْنهُ عداوة ٌ كأنَّهُ و ِل ٌّ‬ ‫ع ِظ ٍيم }‪ ،‬وليتذكر الداعية إلى هللا ما تحمله النبي صلى هللا عليه وسلم في سبيل‬ ‫الدعوة إلى هللا‪ ،‬وهذه نماذج من صبره عليه الصالة والسالم‪:‬‬ ‫في الصحيحين عن ابن مسعود رضي هللا عنه قال‪(( :‬بينا النبي صلى هللا عليه‬ ‫وسلم ساجد وحوله ناس من قريش‪ ،‬جاء عقبة بن أبي معيط بسلى جزور‪،‬‬ ‫فقذفه على ظهر النبي صلى هللا عليه وسلم فلم يرفع رأسه‪ ،‬فجاءت فاطمة‬ ‫عليها السالم فأخذته من ظهره‪ ،‬ودعت على من صنع)) ‪.‬‬ ‫في الص حيحين عن عائشة رضدي هللا عنهدا أنهدا قالدت‪(( :‬يدا رسدول هللا هدل أتدى‬ ‫عليك يوم كان أشد من يوم أحد؟ فقال صلى هللا عليه وسلم‪ :‬لقدد لقيدت مدن قومدك‬ ‫ما لقيت‪ ،‬وكان أشد ما لقيت مدنهم يدوم العقبدة‪ ،‬إذ عرضدت نفسدي علدى ابدن عبدد‬ ‫ياليل بن عبد كالل‪ :‬فلم يجبني إلى ما أردت‪ ،‬فانطلقدت وأندا مهمدوم علدى وجهدي‬ ‫فلم أستفق إال بقرن الثعالب‪ ،‬فرفعت رأسي فإذا بسحابة قد أظلتندي‪ ،‬فنظدرت فدإذا‬ ‫فيها جبريل‪ ،‬فناداني فقال‪ :‬إن هللا قد سدمع قدول قومدك لدك ومدا ردوا عليدك‪ ،‬وقدد‬ ‫ي‪ ،‬ثدم‬ ‫بعث إليك ملك الجبال لتأمره بما شئت فيهم فناداني ملدك الجبدال‪ ،‬فسدلم علد َّ‬ ‫قال‪ :‬يا محمد إن هللا قد سمع قول قومك لك‪ ،‬وأندا ملدك الجبدال‪ ،‬وقدد بعثندي ربدك‬ ‫إليددك لتددأمرني بددأمرك فمددا شددئت؟ إن شددئت أن أطبددق علدديهم األخشددبين‪ ،‬فقددال لدده‬ ‫رسول هللا صلى هللا عليه وسلم‪ :‬بدل أرجدو أن يخدرج هللا مدن أصدالبهم مدن يعبدد‬ ‫هللا تعالى وحده ال يشرك به شيئًا))‪.‬‬ ‫روى البخاري عن عروة بدن الزبيدر قدال‪ :‬قلدت لعبدد هللا بدن عمدرو بدن العداص‪:‬‬ ‫أخبرنددي بأشددد شدديءٍ صددنعه المشددركون برسددول هللا صددلى هللا عليدده وسددلم؟ قددال‪:‬‬ ‫((بينا رسول هللا وسلم يصلي بفناء الكعبة؛ إذ أقبل عقبة بن أبدي معديط وهدو مدن‬ ‫الكفار‪ ،‬فأخذ بمنكب رسول هللا صلى هللا عليه وسلم‪ ،‬ولوى ثوبه في عنقه‪ ،‬فخنقه‬ ‫خنقًا شديدًا))‪.‬‬


‫املنهج املختصر يف الفقه والعقيدة والدعوة‬

‫‪153‬‬

‫وقد علَّم النبي صلى هللا عليه وسلم أصحابه كيف يصبرون في مختلف األمور‬ ‫وضروبها‪ ،‬وعلمهم الصبر من أجل هذا الدين‪ ،‬والتضحية في سبيله‪ ،‬وللصحابة رضي‬ ‫هللا عنهم مواقف كثيرة جدًّا في الصبر على الدعوة إلى هللا‪ ،‬وإليك نماذج من صبرهم‬ ‫رضي هللا عنهم وأرضاهم‪:‬‬ ‫‪ ‬آل ياسر رضي هللا عنهم ‪ -‬عمدار‪ ،‬وأبدوه ياسدر‪ ،‬وأمده سدمية – كدان يعدذبهم‬ ‫المشركون بسبب إيمانهم فيصمدون‪.‬‬ ‫‪ ‬بالل بن رباح رضي هللا عنه كان يعذب من أجل إيمانه فيصدبر‪ ،‬فكدان أميدة‬ ‫بن خلف يخرجه إذا حميت الظهيرة فيطرحه على ظهره في بطحاء مكدة ثدم‬ ‫يأمر بالصخرة العظيمة على صدره ثم يقول‪ :‬ال يزال على ذلك حتى يمدوت‬ ‫أو يكفر بمحمد‪ ،‬فيقول وهو في ذلك‪ :‬أحد أحد‪ .‬وقال ابدن مسدعود عدن بدالل‪:‬‬ ‫هانت عليه نفسه في هللا‪ ،‬وهان على قومه‪ ،‬فأعطوه الولدان‪ ،‬فجعلوا يطوفون‬ ‫به في شعاب مكة‪ ،‬وهو يقول‪ :‬أحد أحد‪.‬‬

‫فن الخطابة‪:‬‬

‫هذا مبحث مهم جدا ً أال وهو فن الخطابة‪ ،‬والخطابة من أعظم أساليب الدعوة إلى هللا‪،‬‬ ‫وال شك أن للخطابة أعظم األثر في الدفاع عن األديان وفي الدعوة إليها‪ ،‬سواء كانت‬ ‫صحيحة أو باطلة‪ ،‬فقد اعتمدت األمم والشعوب على الخطابة إلقناع الجماهير وإثارتها‬ ‫وجعلها تتبنى ما يرمي إليه الخطيب من أهداف‪ ،‬بل كان األنبياء عليهم الصالة والسالم‬ ‫يحرصون على الخطابة لدعوة أقوامهم إلى عبادة هللا وتحذيرهم من الشرك والمنكرات‬ ‫كما قصه هللا علينا كثيرا في كتابه الكريم ال سيما في قصة النبي شعيب عليه الصالة‬ ‫والسالم الذي يسمى خطيب األنبياء‪.‬‬ ‫وكان العرب قبل اإلسالم مشهورين بالخطابة ويتنافسون فيها ويتفنون في أساليبها‪.‬‬ ‫ولما جاء اإلسالم كان للخطابة في اإلسالم المكانة العظيمة‪ ،‬ولها الدور الرئيس في نشر‬ ‫اإلسالم وتثبيت المسلمين عليه وتذكيرهم بأحكامه‪ ،‬وقد كان النبي صلى هللا عليه وسلم‬ ‫يخطب في المشركين ويدعوهم إلى اإلسالم‪ ،‬وكان يخطب في الوفود القادمة وفي‬ ‫الجيوش الذاهبة‪.‬‬ ‫ووسيلة الخطابة من أهم وسائل الدعوة في اإلسالم الرتباطها بصالة الجمعة؛ حيث‬ ‫يحرص المسلمون على سماعها‪ ،‬فعلى الدعاة أن يعتنوا بالخطابة لعرض اإلسالم‬ ‫وتعليمه للناس‪ ،‬فالمسلمون اليوم في أمس الحاجة إلى دعاة خطباء بلغاء يعنون بالخطابة‬ ‫عناية فائقة‪.‬‬ ‫أخي طالب العلم طالب المعهد الشرعي وفقك هللا وسددك‪ ،‬بعد دراستك في هذا المعهد‬ ‫واطالعك على ما ال يسع المسلم جهله‪ ،‬فال شك أنك تدرك حجم المسؤولية عليك في‬ ‫إصالح المجتمع‪ ،‬وإن أعظم نقطة تستطيع من خاللها أن توصل صوتك إلى األمة هي‬


‫أهمية الدعوة وفضلــها‬

‫‪154‬‬ ‫‪HGJHG‬‬

‫د‬

‫المنبر‪ ،‬حيث يجتمع الناس ليسمعوا منك ما تقول‪ ،‬وكذلك الشأن بعد الصلوات الخمس‪،‬‬ ‫وكذلك دورك ال بد أن يكون قويا ً بارزا ً في زيارة المجاهدين من الجيش الحر وغيره من‬ ‫الكتائب في تحريضهم على الجهاد وتعليمهم‪ ،‬ألجل هذا كله كان لزاما ً عليك كطالب علم‬ ‫أن تتعلم الخطابة‪ ،‬وإنني في هذه العجالة أضع لك معالم على طريق الخطابة لتستقي‬ ‫منها الدرب فتجد المسير‪.‬‬ ‫أخي طالب العلم! شأن الخطابة ليس كما تتصور‪ ،‬فكل هؤالء الخطباء كانوا في يوم ما‬ ‫مثلك تماما ً يهابون الحديث أمام الناس‪ ،‬وإني أريد منك بعد هذا المعهد أن تنطلق في‬ ‫بيوت هللا تعلم الناس دينهم‪ ،‬فذلك فرض عين عليك‪ ،‬فاستعن باهلل وال تعجز‪ ،‬وكأني بك‬ ‫تقول‪ :‬كيف أبدا وأنا جاهز ألن أكون خطيبا ً بإذن هللا؟‬ ‫أقول‪ :‬أي أخي وفقك هللا! اعلم أن للخطبة ركنين أساسيين‪:‬‬ ‫الركن األول‪ :‬كتابة الخطبة وإعدادها‪.‬‬ ‫الركن الثاني‪ :‬أسلوب الخطيب في إلقاء الخطبة التي كتبها‪.‬‬ ‫وقد اختصرت لك شيئا ً من الطريق لشدة الحاجة إلى الخطباء‪ ،‬فأعددت لك عشر خطب‬ ‫متنوعة حرصا ً على سرعة قيامك بواجبك في الدعوة إلى هللا‪ ،‬مع تأكيدي الشديد عليك‬ ‫أن ال تعتمد على هذه العشر الكلمات التي كتبتها ولكن لتكن هذه العشر الكلمات هي‬ ‫مدرج االنطالق‪ ،‬وقبل الدخول في تفاصيل الركنين السابقين‪ ،‬أعني كتابة الخطبة‬ ‫وأسلوب إلقائها‪ ،‬أقول لك ما يبسط لك األمر‪ :‬أتدري أنك اآلن تستطيع أن تكون خطيباً‪،‬‬ ‫نعم غدا ً بإذن هللا تستطيع أن تلقي خطبة‪ ،‬فقط احفظ واحدة من هذه العشر الكلمات‬ ‫وكررها مائة مرة حفظاً‪ ،‬ستأخذ من وقتك قرابة الخمس ساعات مثال‪ ،‬وبعد ضبطها ألقها‬ ‫على نفسك بصوت عال في مكان خال‪ ،‬ثم صل مع الجماعة في مسجد ولتكن هذه‬ ‫الجماعة قليلة‪ ،‬وألقها عليهم حفظا ً بعد الصالة قائماً‪ ،‬وبهذا فأنت خطيب‪ ،‬ولكن تحتاج أن‬ ‫تطور نفسك‪.‬‬ ‫وبعد هذا نشرع في شرح هذين الركنين للخطيب‪ ،‬كتابة الخطبة‪ ,‬وأسلوب الخطبة‪،‬‬ ‫باختصار غير مخل إن شاء هللا‪.‬‬ ‫الركن األول‪ :‬إعداد الخطبة‪ :‬اعلم يا طالب العلم أن الخطب تحتاج منك عدة أمور‪:‬‬ ‫أولها‪ :‬معرفة حال الجمهور لتختار لهم الموضوع الذي يستفيدون منه‪.‬‬ ‫األمر الثاني‪ :‬أن تختار على ضوء ذلك بعد معرفة الجمهور عنوان الخطبة الذي تتحدث‬ ‫عنه‪.‬‬ ‫األمر الثالث‪ :‬أن تجمع المادة حول الموضوع الذي تريد أن تتحدث عنه من النت‪ ،‬أو‬ ‫مما عندك من الكتب المتوفرة‪ ،‬وعلى الخطيب أن يجتهد في تحضير الخطبة‪ ،‬ويكثر من‬ ‫اف و ِعي ِد‬ ‫آن م ْن يخ ُ‬ ‫االستشهاد بالقرآن العظيم فله سلطان عظيم على القلوب { فذ ِ ّك ْر ِب ْالقُ ْر ِ‬ ‫}‪ ،‬ويكثر من االستدالل بالسنة مع تحري الصحة والبعد عن األحاديث الضعيفة‬ ‫والروايات اإلسرائيلية والقصص الخرافية‪.‬‬


‫املنهج املختصر يف الفقه والعقيدة والدعوة‬

‫‪155‬‬

‫األمر الرابع‪ :‬بعد أن تجمع المادة تضع عناصر الخطبة التي ستتحدث عنها‪ ،‬وعلى‬ ‫الخطيب أن يجتهد في تنسيق الخطبة‪ ،‬فينظم أجزاءها‪ ،‬ويحكم تركيبها‪ ،‬ويربط بعضها‬ ‫ببعض‪ ،‬وينبغي أن تكون الخطبة‪ :‬منظمة األفكار ‪ ،‬ومسلسلة‪ ،‬ومترابطة ووافية‪ ،‬وأن‬ ‫يتجنب االستطراد الذي يخرجه عن الموضوع إلى موضوع آخر فآخر‪ ،‬وينبغي أن تكون‬ ‫الخطبة قصيرة ما أمكن‪ ،‬فخير الكالم ما قل ودل‪.‬‬ ‫فعلى سبيل المثال‪ :‬اخترت موضوع الصالة‪ ،‬ثم جمعت المادة حوله من النت وغير ذلك‬ ‫من الكتب‪ ،‬وقرأت ما جمعت‪ ،‬تضع بعد ذلك عناصر الخطبة‪ ،‬وليكن على سبيل المثال‪:‬‬ ‫العنصر األول‪ :‬أهمية الصالة‪ ،‬العنصر الثاني‪ :‬فضلها‪ ،‬ثم حكم تاركها‪ ،‬ثم قصص‬ ‫المتهاونين فيها‪ ،‬ثم كيف تحافظ عليها‪ ،‬هذه الخمسة العناصر تحددها ثم تبدأ تكتب في كل‬ ‫عنصر منها‪ ،‬وبعد جمع العناصر تبدأ بصياغة الخطبة وكتابتها مما جمعت‪.‬‬ ‫وتحتاج كل خطبة لعدة أمور‪:‬‬ ‫األمر األول‪ :‬المقدمة‪.‬‬ ‫األمر الثاني‪ :‬مدخل الموضوع‪.‬‬ ‫األمر الثالث‪ :‬صلب الموضوع‪.‬‬ ‫األمر الرابع‪ :‬الخالصة‪ ،‬ثم الخاتمة‪.‬‬ ‫وسنتكلم عن كل محور من هذه بإيجاز‪.‬‬ ‫المحور األول‪ :‬المقدمة‪ :‬وهناك مقدمة نبوية مأثورة عن النبي صلى هللا عليه وسلم وهي‬ ‫المقدمة المشهورة‪" :‬إن الحمد هلل نحمده ونستعينه ونستغفره‪ ،‬ونعوذ باهلل من شرور‬ ‫أنفسنا‪ ،‬ومن سيئات أعمالنا‪ ،‬من يهده هللا فال مضل له‪ ،‬ومن يضلل فال هادي له‪ ،‬وأشهد‬ ‫أن ال إله إال هللا‪ ،‬وحده ال شريك له‪ ،‬وأشهد أن محمدا ً عبده ورسوله‪{ .‬يا أيُّها الَّذِين آمنُوا‬ ‫اس اتَّقُوا ربَّ ُك ُم الَّ ِذي خلق ُك ْم‬ ‫ات َّقُوا َّ‬ ‫اّلل ح َّق تُقاتِ ِه وال ت ُموت ُ َّن إِ َّال وأ ْنت ُ ْم ُم ْس ِل ُمون} ‪{ ،‬يا أيُّها النَّ ُ‬ ‫َّ‬ ‫احدةٍ وخلق ِم ْنها ز ْوجها وب َّ‬ ‫اّلل الذِي‬ ‫ث ِم ْن ُهما ِرجاالً كثِيرا ً ونِسا ًء واتَّقُوا َّ‬ ‫ِم ْن ن ْف ٍس و ِ‬ ‫َّ‬ ‫ُ‬ ‫اّلل وقُولوا ق ْوالً‬ ‫اّلل كان عل ْي ُك ْم رقِيباً} ‪ .‬يا أيُّها الذِين آمنُوا اتَّقُوا َّ‬ ‫تساءلُون بِ ِه و ْاأل ْرحام إِ َّن َّ‬ ‫سولهُ فق ْد فاز ف ْوزا ً‬ ‫صلِحْ ل ُك ْم أعْمال ُك ْم وي ْغ ِف ْر ل ُك ْم ذُنُوب ُك ْم وم ْن ي ُِطعِ َّ‬ ‫سدِيدا ً * يُ ْ‬ ‫اّلل ور ُ‬ ‫ع ِظيماً} ‪.‬‬ ‫أما بعد‪ :‬فإن خير الحديث كالم هللا‪ ،‬وخير الهدي هدي محمد‪ ،‬وشر األمور محدثاتها وكل‬ ‫محدثة بدعة وكل بدعة ضاللة‪.‬‬ ‫وإن شئت فضع مقدمة من تعبيرك ما تشاء من صيغ البالغة في الحمدلة والصالة على‬ ‫النبي صلى هللا عليه وسلم‪ ،‬ومما يستحسن في هذه المقدمة أن تشير إشارة غير مباشرة‬ ‫إلى الموضوع الذي تريد أن تتحدث عنه‪ ،‬فحينما تريد أن تتحدث عن المطر مثالً فإنك‬ ‫تتحدث عن منزل الغيث فتقول‪ :‬الحمد هلل منزل الغيث باسط رحمته في األرض وغير‬ ‫ذلك ويسمى هذا النوع البالغي ببراعة االستهالل‪.‬‬


‫أهمية الدعوة وفضلــها‬

‫‪156‬‬ ‫‪HGJHG‬‬

‫د‬

‫األمر الثاني بعد كتابة المقدمة تبدأ في مدخل الموضوع‪ ،‬كل أمر تريد أن تتحدث عنه ال‬ ‫بد أن تدخل إليه بطريقة بالغية تحبب الناس وتشوقهم لسماع ما عندك‪ ،‬والمدخل مهم‬ ‫جداً‪ ،‬بل هو فيما أرى سر نجاح الخطيب‪ ،‬والمدخل للموضوع له عدة أساليب‪:‬‬ ‫منها األسلوب المباشر‪ ،‬حينما تريد أن تتحدث مثال عن الصالة وتقول‪ :‬بسم هللا الرحمن‬ ‫الرحيم وبعد المقدمة نتحدث عن الصالة!! هذا األسلوب يفتر الناس ويملهم ولن تجد‬ ‫إقباالً من الناس لسماع خطبتك‪ ،‬لكن ثمة أساليب أخر تستطيع أن تستفيد منها في‬ ‫خطابتك وكلماتك حتى يُقبل الناس على ما تقول أو تكتب‪.‬‬ ‫ً‬ ‫فمن األمثلة المناسبة في هذا الباب‪ :‬البداءة بصيغة االستفهام‪ ،‬مثال حينما تريد أن تتحدث‬ ‫عن الصالة تقول‪ :‬أمر جلل وخطب عظيم حل بنا‪ ،‬يتقاعس الناس عنه ويتهاونون به‬ ‫وهو من دعائم اإلسالم وأركانه العظام!! أتدرون ما هذا األمر؟! أتعلمون ما هذا الذي قد‬ ‫تقاعس الناس عنه وتهاونوا به؟!!‬

‫لهنع الوالىل‪.‬‬

‫ومن األمثلة المناسبة أيضا‪ :‬أن تبدأ بقصة مناسبة للموضوع‪ ،‬فبعد المقدمة فورا ً تبدأ‬ ‫بالقصة ‪ ،‬فمثال تذكر قصة حقيقية عن رجل من عامة الناس كان مفرطا ً في صالته ‪،....‬‬ ‫فالقصة مما يشد انتباه الناس‪.‬‬ ‫ً‬ ‫ومن األمثلة المناسبة أيضا‪ :‬أن تبدأ بالتحذير‪ ،‬مثال تقول‪ :‬حلت المصيبة‪ ،‬أو كارثة ستحل‬ ‫باألمة‪ ،‬أو أمر من تركه فقد توعده هللا بالويل والعذاب‪ ،‬ونحو هذه العبارات التحذيرية‪.‬‬ ‫ومن األمثلة المناسبة أيضا‪ :‬أن تبدأ بالتعجب‪ ،‬كأن تبدأ متعجبا ً من غير أن تذكر لفظ‬ ‫الصالة تشويقا للناس حتى يعرفوا األمر المتعجب منه فتقول‪ :‬ما للناس ولها؟! ما للناس‬ ‫ولها؟! ما للناس قد ذهبوا عنها وهي سر قوتهم وهي قربهم من ربهم؟! ثم تدخل في‬ ‫الموضوع‪.‬‬ ‫ومن األمثلة المناسبة أيضا‪ :‬أن تذكر الناس بنعم هللا عليهم ثم تذكر أن من هذه النعم التي‬ ‫يغفل عنها كثير من الناس وال يقومون بشكرها كذا وكذا‪.‬‬ ‫وبعد مدخل الموضوع تنتقل إلى صلب الموضوع وهو الحديث مثال عن الصالة‪،‬‬ ‫فتطرح المحاور التي ذكرناها‪ :‬أهمية الصالة وفضلها وحكم التارك لها والمتهاون فيها‬ ‫وقصص بعض المتهاونين فيها‪ ،‬وتكون المحاور بترتيب وتسلسل مع تضمينها آيات‬ ‫وأحاديث ومقوالت وأبيات شعرية مناسبة إن تيسر ذلك‪.‬‬ ‫ثم بعد ذلك تذكر الخالصة‪ ،‬وحتى ال يتشتت الموضوع لدى المستمع تجعل الخالصة في‬ ‫دقيقة مثال‪ ،‬ثم تبين المطلوب من المستمعين وتختم بالدعاء وسؤال هللا الكريم من فضله‪،‬‬ ‫وما أحسن أن يكون الدعاء متضمنا للمطلوب من المستمعين بعد سماعهم الخطبة كأن‬ ‫تخطب عن الصالة ثم تدعو‪:‬‬ ‫اللهم اجعلنا من المقيمي الصالة ومن ذرياتنا ربنا إنك سميع الدعاء‪ ،‬اللهم اجعلنا من‬ ‫الذين يقيمون الصالة ويحافظون عليها في أوقاتها‪ ،‬اللهم وفقنا لذكرك وشكرك وحسن‬


‫املنهج املختصر يف الفقه والعقيدة والدعوة‬

‫‪157‬‬

‫عبادتك‪ ،‬اللهم إنا نعوذ بك أن تشغلنا أموالنا وأوالدنا عن ذكرك وطاعتك‪ ،‬اللهم اجعلنا‬ ‫من الصالحين الذي ال تلهيهم تجارة وال بيع عن ذكر هللا وإقام الصالة وإيتاء الزكاة‪.‬‬ ‫وهذه عشر كلمات كتبتها ليحفظها المبتدئون ويلقونها في المساجد والمحافل‪ ،‬اسأل هللا‬ ‫تعالى أن ينفع بها ‪:‬‬

‫التوحيد‬


‫أهمية الدعوة وفضلــها‬

‫‪158‬‬ ‫‪HGJHG‬‬

‫د‬

‫الحمد هلل حمدا كثيرا طيبا مباركا فيه‪ ،‬وأشهد أن ال إله إال هللا وحده ال شدريك‬ ‫لده‪ ،‬وال ندد لده‪ ،‬وال ولدد لده‪ ،‬وأشدهد أن محمددا عبدده ورسدوله‪ ،‬صدلى هللا عليدده‬ ‫وعلى آله وصحبه وسلَّم تسليما كثيرا‪ ،‬أما بعد‪:‬‬ ‫فأيهددا األخددوة المسددلمون أحددب أن أذكددركم بددأعظم أمددر فددي اإلسددالم أال وهددو‬ ‫التوحيددد الددذي هددو حددق هللا علددى العبيددد‪ ،‬وكددل نبددي بعثدده هللا بالتوحيددد كمددا قددال‬ ‫اجتنِبُدوا َّ‬ ‫س ً‬ ‫الطدا ُ‬ ‫غوت﴾‪،‬‬ ‫دوال أ ِن ا ْعبُدد ُوا َّ‬ ‫اّلل و ْ‬ ‫سبحانه‪ ﴿ :‬ولق ْد بعثْندا فِدي ُكد ِّل أ ُ َّمد ٍة ر ُ‬ ‫وأعظم ما أمر هللا به التوحيد‪ ،‬وأعظم ما نهى عنده الشدرك‪ ،‬يقدول هللا سدبحانه‪:‬‬ ‫اّلل وال ت ُ ْش ِر ُكوا ِب ِه ش ْيئًا﴾‪.‬‬ ‫﴿ وا ْعبُد ُوا َّ‬ ‫والتوحيد هو إفراد هللا بالعبادة‪ ،‬وإخالص األعمال له وحده ال شريك له‪.‬‬ ‫إن خطر الوقوع في الشرك ليس كالوقوع في بقية المعاصي‪ ،‬وإن الكبدائر مدع‬ ‫خطورتها وعظدم ُجرمهدا عندد هللا إال أنهدا أخدف مدن أن يقدع اإلنسدان ‪ -‬ال قددر‬ ‫هللا‪ -‬فددددي عبددددادة قبددددر‪ ،‬أو دعدددداء ولددددي أو أن يصدددددق السددددحرة والمنجمددددين‬ ‫والمشعوذين‪ ،‬وهذا ليس تهوينا ً من شدأن بقيدة الكبدائر‪ ،‬بقددر مدا هدو بيدان لشددة‬ ‫خطورة الشرك وأنه ُموبِق لصاحبه‪ ،‬فالشـرك أظلدم الظلدم‪ ،‬وأعظدم اإلثدم‪ ،‬قدال‬ ‫ش ْدرك ل ُ‬ ‫ظ ْلد ٌم ع ِظدي ٌم﴾‪ ،‬وقدال سدبحانه‪ِ ﴿ :‬إنَّدهُ م ْ‬ ‫هللا تعالى‪ِ ﴿ :‬إ َّن ال ِ ّ‬ ‫دن يُ ْش ِدر ْك ِب َّ ِ‬ ‫داّلل فقد ْد‬ ‫دار ومدا ِل َّ‬ ‫لظدا ِل ِمين ِم ْ‬ ‫دار﴾‪ ،‬وقدال سدبحانه‪:‬‬ ‫ح َّرم َّ‬ ‫اّللُ عليْد ِه ْالجنَّدة ومدأْواهُ النَّ ُ‬ ‫دن أ ْنص ٍ‬ ‫دن يشدا ُء وم ْ‬ ‫﴿إِ َّن هللا ال ي ْغ ِف ُر أ ْن يُ ْشرك بِ ِه وي ْغ ِف ُدر مدا د ُون ذ ِلدك ِلم ْ‬ ‫دن يُ ْش ِدر ْك بِداهللِ‬ ‫فق ْد ض َّل ضال ًال ب ِعيددًا﴾‪ ،‬ولقدد حدذر هللا كدل نبدي مدن الشدرك كمدا قدال سدبحانه‪:‬‬ ‫وحي إِليْك وإِلى الَّذِين ِم ْن ق ْب ِلك لئِ ْن أ ْشر ْكت لي ْحبط َّن عملُك ولت ُكون َّن ِمن‬ ‫﴿ولق ْد أ ُ ِ‬ ‫اّلل فا ْعبُ ْد و ُك ْن ِمن ال َّ‬ ‫شا ِك ِرين﴾‪.‬‬ ‫ْالخا ِس ِرين * ب ِل َّ‬ ‫أيها اإلخوة الكرام اعلموا أن الشرك نوعان‪:‬‬ ‫النددوع األول‪ :‬شددرك أكبددر‪ ،‬وهددو عبددادة غيددر هللا معدده بص دـرف أي نددوع مددن‬ ‫العبدددادات لغيدددر هللا‪ ،‬كددددعاء غيدددر هللا والدددذبح لغيدددر هللا واعتقددداد أن غيدددر هللا‬ ‫داجد ِ َّ ِ‬ ‫عوا‬ ‫ّلل فدال تد ْد ُ‬ ‫يتصدـرف فدي الكددون مدع هللا‪ ،‬يقددول هللا سدبحانه‪ ﴿ :‬وأ َّن ْالمسد ِ‬ ‫مع َّ ِ‬ ‫اّلل أحدًا ﴾‪.‬‬ ‫والنوع الثاني‪ :‬شرك أصغر وهو كل وسيلة إلى الشرك األصدغر مثدل الحلدف‬ ‫بغير هللا كالنبي وجاه النبي وقول‪ :‬وحياتدك والحلدف بالكعبدة واألماندة والدرأس‬ ‫والوجه واألوالد وغير ذلدك‪ ،‬روى البخداري ومسدلم عدن عبدد هللا بدن عمدر أن‬ ‫النبددي ﷺ قددال‪« :‬مددن كددان حالفددا فليحلددف بدداهلل أو ليصددمت»‪ ،‬وروى أبددو داود‬


‫املنهج املختصر يف الفقه والعقيدة والدعوة‬

‫‪159‬‬

‫بسند صدحيح عدن بريددة رضدي هللا عنده قدال‪ :‬قدال رسدول هللا ﷺ‪« :‬مدن حلدف‬ ‫باألمانة فليس منا»‪.‬‬ ‫ومددددن الشددددـرك األصددددغر‪ :‬الريدددداء باألعمددددال‪ ،‬قددددال هللا تعددددالى مخبددددرا عددددن‬ ‫عون َّ‬ ‫اّلل و ُهددو خددا ِد ُ‬ ‫المنددافقين‪﴿:‬إِ َّن ْال ُمنددافِ ِقين يُخددا ِد ُ‬ ‫صددالةِ‬ ‫ع ُه ْم وإِذا قددا ُموا إِلددى ال َّ‬ ‫اّلل ِإ َّال ق ِلد ً‬ ‫ديال﴾‪ ،‬وروى أحمددد بسددند‬ ‫قددا ُموا ُكسددالى يُددرا ُءون النَّ داس وال ي د ْذ ُك ُرون َّ‬ ‫حسن عن محمود بن لبيدد رضدي هللا عنده أن رسدول هللا ﷺ قدال‪ " :‬إن أخدوف‬ ‫ما أخاف عليكم الشـرك األصغر " قالوا‪ :‬ومدا الشدرك األصدغر يدا رسدول هللا؟‬ ‫داس بأعمدالهم‪:‬‬ ‫قال‪ " :‬الرياء‪ ،‬يقول هللا عدز وجدل لهدم يدوم القيامدة إذا ُج ِدزي النَّ ُ‬ ‫اذهبوا إلى الذين كنتم تراءون في الدنيا فانظروا هل تجدون عندهم جزاء "‪.‬‬ ‫ومن الشرك األصغر‪ :‬تعليق التمائم والحروز واعتقداد أنهدا سدبب لددفع الدبالء‪،‬‬ ‫أمددا مددن اعتقددد أنهددا تنفددع وتددؤثر بددذاتها فهددذا شددرك أكبددر‪ ،‬روى أبددو داود بسددند‬ ‫صددحيح عددن عبددد هللا بددن مسددعود رض دي هللا عندده قددال‪ :‬سددمعت رسددول هللا ﷺ‬ ‫يقول‪« :‬إن الرقى‪ ،‬والتمائم‪ ،‬وال ِت ّولة شرك»‪ ،‬والتولة شيء من السدحر تصدنعه‬ ‫بعض النساء يتحببن به إلى أزواجهن‪.‬‬ ‫أيهددا المسددلمون إن هللا ال يقبددل مددن العمددل إال مددا كددان خالصددا لدده وابتُغددي بدده‬ ‫وجهه‪ ،‬فاإلخالص هو طريق الخالص‪ ،‬فلنحرص أيها اإلخوة على اإلخدالص‬ ‫في جميع أقوالنا وأعمالنا‪ ،‬فدإن هللا يقدول فدي كتابده العظديم‪ ﴿ :‬فم ْ‬ ‫دن كدان ي ْر ُجدو‬ ‫ِلقاء ر ِبّ ِه ف ْلي ْعم ْل عم ًال صا ِل ًحا وال يُ ْش ِر ْك ِب ِعبدادةِ ر ِبّد ِه أحددًا﴾‪ ،‬وروى مسدلم عدن‬ ‫أبي هريرة رضي هللا عنده قدال‪ :‬قدال رسدول هللا ﷺ‪« :‬قدال هللا تبدارك وتعدالى‪:‬‬ ‫شركاء عن ال ّ‬ ‫أنا أغنى ال ّ‬ ‫شرك‪ ،‬من ع ِمدل عمدال أشدرك فيده معدي غيدري تركتُده‬ ‫وشركه»‪.‬‬ ‫فما أجمل أن تكون أعمالنا خالصةً هلل وحده‪ ،‬ال نرجو أحدا ً وال نخاف مخلوقاً‪،‬‬ ‫بل تبقى القلوب باهلل وحده معلقة‪ ،‬واألعمال نحوه متو ّجهة‪ ،‬والصدور بتوحيدده‬ ‫ُمنشرحة‪..‬‬ ‫اللهم ارزقنا اإلخالص في القول والعمل‪ ،‬ونعوذ بدك اللهدم أن نشدرك بدك شديئا‬ ‫ونحن نعلم‪ ،‬ونستغفرك لما ال نعلم‪.‬‬ ‫ماذا يعني تطبيق الشريعة؟‬


‫أهمية الدعوة وفضلــها‬

‫‪161‬‬ ‫‪HGJHG‬‬

‫د‬

‫الحمد هلل أحمده على نعمائه‪ ،‬وأشكره علدى آالئده‪ ،‬وأشدهد أن ال إلده إال هللا‪ ،‬لده‬ ‫الملددك فددي أرضدده وسددمائه‪ ،‬وأشددهد أن محمدددا عبددده ورسددوله‪ ،‬صددلى هللا عليدده‬ ‫وعلى آله وصحبه ومن اتبع سبيلهم واهتددى بهدديهم‪ ،‬وسدلم تسدليما كثيدرا‪ ،‬أمدا‬ ‫بعد‪:‬‬ ‫إن هددذه الثددورة المباركددة والجهدداد العظدديم انطلددق مددن المسدداجد ال مددن الفنددادق‪،‬‬ ‫وهدفه هو إسقاط النظام الكافر الفاجر وتحكديم شدرع هللا ‪ ،‬فتبًّدا لمدن ال يريددها‬ ‫إسددالمية‪ ،‬تبًّددا لمددن يريددد أن يتسددلل علددى دمدداء الشددهداء ويتسددلق علددى جثددث‬ ‫األبطددال ليجعلهددا بعددد هددذه التضددحيات مدنيددة ال دينيددة الديمقراطيددة‪﴿ ،‬أف ُح ْكددم‬ ‫ْالجا ِه ِليَّ ِة ي ْبغُون وم ْن أ ْحس ُن ِمن َّ ِ‬ ‫اّلل ُح ْك ًما ِلق ْو ٍم يُوقِنُون﴾‪.‬‬ ‫لقد جاء اإلسالم ليُخرج الناس من عبادة العباد إلدى عبدادة رب العبداد‪ ،‬وليسدت‬ ‫الحرية أن يكون اإلنسان عبدا لشيطانه وشهواته وهواه‪ ،‬بل حقيقة الحريدة هدي‬ ‫التجرد من عبودية كل أحدد إال هللا‪ ،‬وف ْهد ُم الحريدة بأنهدا الخدروج عدن أمدر هللا؛‬ ‫دن اتَّخدذ‬ ‫ف ْه ٌم باطل‪ ،‬وعبودية للدنفس وجعلهدا شدريكا هلل‪ ،‬قدال تعدالى‪﴿ :‬أفرأيْدت م ِ‬ ‫اّللُ علددى ِع ْلد ٍدم وخددتم علددى سد ْدم ِع ِه وق ْلبِد ِه وجعددل علددى بصد ِدر ِه‬ ‫إِلهدهُ هددواهُ وأضددلَّهُ َّ‬ ‫دن ي ْهدِيد ِه ِمد ْ‬ ‫ِغشدداوة ً فمد ْ‬ ‫دن ب ْعد ِد َّ ِ‬ ‫اّلل أفددال تددذ َّك ُرون﴾‪ .‬فمددن سد َّدوغ لنفسدده أن يقددول أو‬ ‫يفعل مدا يشداء فقدد أقدر بعبوديتده لهدواه وشديطانه‪ ،‬وهدذا أضدل النداس كمدا قدال‬ ‫سبحانه‪ ﴿ :‬فإ ِ ْن لد ْم يسْدت ِجيبُوا لدك فداعْل ْم أنَّمدا يتَّبِعُدون أ ْهدواء ُه ْم وم ْ‬ ‫دن‬ ‫دن أضد ُّل ِم َّم ِ‬ ‫اّلل ال ي ْهدِي ْالق ْوم َّ‬ ‫اتَّبع هواهُ ِبغي ِْر ُهدًى ِمن َّ ِ‬ ‫الظا ِل ِمين﴾‪.‬‬ ‫اّلل ِإ َّن َّ‬ ‫والحرية في اإلسالم مقيدة بأن تفعل ما تشاء مما لم يحرمه هللا‪ ،‬وبهدذا تنضدبط‬ ‫الحيدداة‪ ،‬ويأخددذ كددل ذي حددق حقدده‪ ،‬وال يظلددم أحددد أحدددا‪ ،‬وال يددؤذي أحددد أحدددا‪،‬‬ ‫فيأخذ كل إنسان حقه من المبداح وال يضدر غيدره‪ ،‬فلديس مدن الحريدة أن تضدر‬ ‫غيرك وال تضر حتى نفسك‪.‬‬ ‫أيهددا المسددلمون إن المددرجفين يريدددون أن يصددوروا اإلسددالم علددى أندده يسددوق‬ ‫للمجددازر وقطددع الرقدداب‪ ،‬كددال وهللا بددل جدداءت أحكددام اإلسددالم لضددبط الدددين‬ ‫والدنيا‪ ،‬فاإلسالم جاء بجلب المصالح للعباد وتكميلهدا‪ ،‬ودفدع المفاسدد وتقليلهدا‪،‬‬ ‫سواء في دينهم ودنياهم‪ ،‬وما أمرنا الشرع إال بما ينفعنا في دينندا ودنياندا‪ ،‬ومدا‬ ‫نهانا إال عما يضرنا‪ ،‬قال هللا تعالى‪ ﴿ :‬إِ َّن هذا ْالقُ ْرآن ي ْهدِي ِللَّتِي ِهي أ ْقدو ُم﴾ أي‬ ‫ألحسن الخصال فدي كدل شديء‪ ،‬سدواء لألفدراد واألسدر والمجتمعدات والددول‪،‬‬ ‫والحدود التي شرعها هللا لمن ارتكب كبائر الفواحش هي زواجر تدردع النداس‬ ‫عن المحدارم‪ ،‬وهدي مدانع مدن الجريمدة علدى مسدتوى الفدرد والجماعدة‪ ،‬ولديس‬


‫املنهج املختصر يف الفقه والعقيدة والدعوة‬

‫‪165‬‬

‫المراد مدن إقامتهدا التشدفي وتعدذيب النداس‪ ،‬وإيقداعهم فدي الحدرج‪ ،‬إنمدا المدراد‬ ‫منها أن تسود الفضيلة‪.‬‬ ‫فالشريعة تأمر بالستر والتوبة إلى هللا‪ ،‬أما من أظهر الفدواحش أو ظهدر للنداس‬ ‫منه ذلك‪ ،‬فإنه يجب إقامة الحد عليه إذا وصل األمر إلى الحداكم حتدى ال تشديع‬ ‫الفاحشة في المجتمع‪.‬‬ ‫والنهي عن الفاحشة والجريمدة ال يكفدي لحمدل النداس علدى تركهدا‪ ،‬فدإن النداس‬ ‫مختلفددون فددي ضددبط نفوسددهم عددن الفددواحش‪ ،‬فمددن الندداس مددن يكرههددا ويبتعددد‬ ‫عنها‪ ،‬ومن الناس من قد يسعى إليها‪ ،‬بل ومن الناس من يدعو غيره إليها‪ ،‬فدال‬ ‫بددد مددن وجددود رادع يضددبط أصددحاب القلددوب المريضددة مددن الوقددوع فددي هددذه‬ ‫الفواحش والجرائم التي تضر الفرد والمجتمع‪.‬‬ ‫اإلسددالم هددو ديددن الرحمددة‪ ،‬ومددا أرسددل هللا تعددالى نبيدده محمدددا ً ﷺ إال رحمددة‬ ‫إن ٍ‬ ‫للعالمين‪ ،‬وكلما بدادرت األمدة بتطبيدق هديده وتحكديم شدريعته ّ‬ ‫عدزت وارتفعدت‬ ‫على سدائر األمدم‪ .‬فشدريعته ﷺ كلهدا رحمدة‪ ،‬ودعوتده رحمدة‪ ،‬وسديرته رحمدة‪،‬‬ ‫وأقوالدده رحمددة‪ ،‬وأفعالدده رحمددة‪ ،‬وكددل مددا أمددر بدده وجوب دا ً أو اسددتحبابا ً ففعلدده‬ ‫رحمة‪ ،‬وكل ما نهى عنه تحريما ً أو تنزيها ً فتركه رحمة‪.‬‬ ‫سبحان ربك رب العزة عما يصدفون‪ ،‬وسدالم علدى المرسدلين‪ ،‬والحمدد هلل رب‬ ‫العالمين‪.‬‬


‫أهمية الدعوة وفضلــها‬

‫‪161‬‬ ‫‪HGJHG‬‬

‫د‬

‫حكم الديمقراطية‬ ‫الحمد هلل‪ ،‬والصالة والسالم على رسول هللا‪ ،‬وعلى آله وصحبه‪ ،‬أما بعد‪:‬‬ ‫فيددا أيهددا األخددوة الكددرام أحددب أن أتكلددم معكددم عددن أمددر مهددم كثددر فيدده الخلددط‪،‬‬ ‫والتبس فيه األمر على كثير من الناس‪ ،‬إنها الديمقراطية‪ ،‬ما هي حقيقتها؟ ومدا‬ ‫اإلسالم؟‬ ‫حكمها في ٍ‬ ‫أيهددا األخددوة الكددرام‪ :‬الديمقراطيددة تعنددي حكددم الشددعب نفسدده بنفسدده‪ ،‬وهددي بهددذا‬ ‫المعنى تندافي اإلسدالم وتناقضده؛ إذ إن المرجدع فدي الحكدم فدي اإلسدالم هدو هلل‬ ‫تعالى وحدده‪ ،‬قدال تعدالى‪( :‬ومدا ْ‬ ‫اختل ْفدت ُ ْم فِيد ِه ِم ْ‬ ‫اّللِ)‪ ،‬وقدال‬ ‫دن شد ْيءٍ ف ُح ْك ُمدهُ ِإلدى َّ‬ ‫تعالى‪( :‬فال ور ِبّك ال يُؤْ ِمنُون حتَّى يُح ِ ّك ُموك فِيمدا شدجر بيْدن ُه ْم ثُد َّم ال ي ِجدد ُوا فِدي‬ ‫أ ْنفُ ِس ِه ْم حرجا ً ِم َّما قضيْت ويُس ِلّ ُموا ت ْس ِليماً)‪ ،‬فدالحالل مدا أحلده هللا‪ ،‬والحدرام مدا‬ ‫حرمه هللا‪ ،‬والدين ما شرعه هللا‪.‬‬ ‫إن المرجع في التشدريع عندد المسدلمين هدو كتداب هللا وسدنة رسدوله ﷺ ‪ ،‬قدال‬ ‫سدولُهُ أ ْمدرا ً أ ْن ي ُكدون ل ُهد ُم‬ ‫تعالى‪( :‬وما كان ِل ُمؤْ ِم ٍن وال ُمؤْ ِمند ٍة ِإذا قضدى َّ‬ ‫اّللُ ور ُ‬ ‫ْال ِخيددرة ُ ِمد ْ‬ ‫دن أ ْمد ِدر ِه ْم)‪ ،‬وقددال تعددالى‪( :‬ف دإ ِ ْن تندداز ْعت ُ ْم فِددي ش د ْيءٍ فد ُدردُّوهُ إِلددى َّ ِ‬ ‫اّلل‬ ‫ْددر وأ ْحس ُ‬ ‫سددو ِل ِإ ْن ُك ْنددت ُ ْم تُؤْ ِمنُددون ِب َّ ِ‬ ‫ددن تددأ ْ ِويالً)‪،‬‬ ‫الر ُ‬ ‫و َّ‬ ‫ددر ذ ِلددك خي ٌ‬ ‫دداّلل و ْالي ْددو ِم ْاآل ِخ ِ‬ ‫والمرجع في الديمقراطية إنما هدو للشدعب ولألغلبيدة‪ ،‬فمدا قررتده األغلبيدة هدو‬ ‫الحق ولو كان باطال مخالفا لكتاب هللا وسنة رسول هللا!!‬ ‫ْ‬ ‫أيهددا المسددلمون ال يشددك مسددلم أن الحكددم هلل ال لألغلبيددة‪ِ ﴿ :‬إ ِن ال ُح ْك د ُم ِإ َّال ِ َّ ِ‬ ‫ّلل ﴾‪،‬‬ ‫فالتشريع والتحليل والتحريم حق خالص هلل‪ ،‬ومدن صدرف هدذا الحدق لغيدر هللا‬ ‫فقد أشرك مع هللا غيره‪ ،‬فإن العبادة هلل وحده والحكم له وحده‪ ،‬وهللا ال يرضدى‬ ‫أن يشددرك معدده أحددد فددي عبادتدده قددال هللا تعددالى‪ ﴿ :‬فمد ْ‬ ‫دن كددان ي ْر ُجددو ِلقدداء ر ِبّ د ِه‬ ‫ف ْلي ْعم ْل عم ًال صا ِل ًحا وال يُ ْش ِر ْك بِ ِعبدادةِ ر ِبّد ِه أحددًا ﴾ وكدذا ال يرضدى أن يشدرك‬ ‫معه أحدا ً في حكمه‪ ،‬كما قال سبحانه‪﴿:‬وال يُ ْش ِركُ فِي ُح ْك ِم ِه أحدًا ﴾‪.‬‬ ‫أيهددا األخددوة المصددلون اعلمددوا بددارك هللا فدديكم أن خالصددة الدددين اإلسددالمي‬ ‫شيئان‪:‬‬ ‫أن يكون الحكم هلل وحده وأن تكون العبادة هلل وحده قال هللا تعدالى‪ِ ﴿ :‬إ ِن ْال ُح ْكد ُم‬ ‫إِ َّال ِ َّ​ّللِ أمر أ َّال ت ْعبُد ُوا إِ َّال إِيَّاهُ ذ ِلك الدّ ُ‬ ‫اس ال ي ْعل ُمون ﴾‪.‬‬ ‫ِين ْالق ِيّ ُم ول ِك َّن أ ْكثر النَّ ِ‬ ‫واعلموا أيها المسلمون أنه قد أجمع العلماء على كفدر مدن شدر َّ‬ ‫ع للنداس شدرعا‬ ‫لددم يددأذن بدده هللا‪ ،‬وأعددرض عددن شددرع هللا ولددم يحكددم بدده كمددا أمددر هللا‪ ،‬قددال هللا‬ ‫اّللُ ول ْدوال ك ِلمدةُ‬ ‫سبحانه‪ ﴿ :‬أ ْم ل ُه ْم ُ‬ ‫ِين مدا لد ْم يدأْذ ْن ِبد ِه َّ‬ ‫شركا ُء شر ُ‬ ‫عوا ل ُه ْم ِمن الددّ ِ‬


‫املنهج املختصر يف الفقه والعقيدة والدعوة‬

‫‪163‬‬

‫ضي بيْن ُه ْم و ِإ َّن َّ‬ ‫اب أ ِلدي ٌم ﴾‪ ،‬وقدال سدبحانه‪ ﴿ :‬وم ْ‬ ‫دن لد ْم‬ ‫الظا ِل ِمين ل ُه ْم عذ ٌ‬ ‫ْالف ْ‬ ‫ص ِل لقُ ِ‬ ‫اّللُ فأُولئِك ُه ُم ْالكافِ ُرون﴾‪.‬‬ ‫ي ْح ُك ْم بِما أ ْنزل َّ‬ ‫ض لحكد ِدم هللاِ‪،‬‬ ‫النداس‬ ‫أيهدا المسدلمون‪ :‬ال يجدوز أن يُقددَّ ُم حكد ُم‬ ‫واختيدار ُه ُم ال ُمنداقِ ُ‬ ‫ُ‬ ‫ِ‬ ‫دق؛ فقدد نشدئوا بدين‬ ‫ولو كان حك ُم الشعو ِ‬ ‫ب ُمقدَّ ًما لكان األنبيا ُء خارجين عن الح ّ ِ‬ ‫دور ُه ْم عليد ِه‪ ،‬قدال تعدالى‪ ﴿ :‬يدا‬ ‫أقوام أجمعت أغلبيتهم على الباط ِل‪ ,‬أو كان ُج ْم ُه ُ‬ ‫ٍ‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫َّ‬ ‫سو ٍل ِإال كانُوا بِ ِه يسْت ْه ِزئُون﴾ ‪ ،‬وقال سدبحانه‬ ‫حسْرة ً على ال ِعبا ِد ما يأتِي ِه ْم ِم ْن ر ُ‬ ‫ُضلُّوك ع ْ‬ ‫اّللِ إِ ْن يتَّبِعُدون إِ َّال‬ ‫دن سدبِي ِل َّ‬ ‫وتعالى‪﴿ :‬وإِ ْن ت ُ ِط ْع أ ْكثر م ْن فِي ْاأل ْر ِ‬ ‫ضي ِ‬ ‫َّ‬ ‫صدون ﴾‪ ،‬وعدن عبدد هللا بدن عبداس رضدي هللا عنده قدال‪:‬‬ ‫الظ َّن و ِإ ْن ُه ْم ِإ َّال ي ْخ ُر ُ‬ ‫عرضدت علدي األمدم فرأيدت النبدي ومعده الدرهط‪ ،‬والنبدي‬ ‫قال رسول هللا ﷺ‪ُ « :‬‬ ‫ومعه الرجل والرجالن‪ ،‬والنبي وليس معه أحد » متفق عليه‪.‬‬ ‫أيهدددا المسدددلمون ال شدددك أن الدددنظم الديمقراطيدددة تُلغدددي سددديادة الخدددالق سدددبحانه‬ ‫وتعالى‪ ،‬وحقه في التشريع المطلق‪ ،‬وتُجعل من حقدوق المخلدوقين‪ ،‬وهللا تعدالى‬ ‫يقول‪ِ ﴿ :‬إ ِن ْال ُح ْك ُم ِإ َّال ِ َّ​ّللِ﴾‪.‬‬ ‫وقد يقول قائل‪ :‬ما الفرق بين الشورى والديمقراطية؟!‬ ‫فنقول‪ :‬الشورى في اإلسالم تختلف عن الديمقراطية الغربية في أمور منها‪:‬‬ ‫‪ – 9‬أن الشدددورى إنمدددا تكدددون فدددي االجتهاديدددات وفيمدددا ال ندددص فيددده‪ ،‬بينمدددا‬ ‫الديمقراطيددة تجعددل للشددعب أن يقددرر مخالفددة أحكددام الش دـريعة ومددا وردت بدده‬ ‫النصوص ما دام ذلك رأي األغلبية!‬ ‫‪ – 2‬أن الشورى في الشريعة اإلسالمية تكون بين المسلمين ممدن لهدم صدفات‬ ‫معينة على حسب الموضوع المتشاور فيه‪ ،‬وال يُشاور كل أحد ولو كان كدافرا ً‬ ‫أو جدداهال بمددا يتشدداور فيدده‪ ،‬قددال سددبحانه‪﴿ :‬والَّددذِين اسْددتجابُوا ِلددر ِبّ ِه ْم وأقددا ُموا‬ ‫صالة وأ ْم ُر ُه ْم ُ‬ ‫شورى بيْن ُه ْم﴾‪ ،‬بينمدا فدي الديمقراطيدة الحكدم للشدعب كلده ولدو‬ ‫ال َّ‬ ‫كدان مدنهم المسدلم و الكدافر أو العدالم والجاهدل أو التقدي و الفداجر‪ ،‬وهللا يقددول‪:‬‬ ‫﴿قُ ْل ه ْل يسْت ِوي الَّذِين ي ْعل ُمون والَّذِين ال ي ْعل ُمون ﴾‪ ،‬ويقدول‪﴿ :‬أفن ْجعد ُل ْال ُمسْد ِل ِمين‬ ‫ك ْال ُم ْج ِر ِمين * ما ل ُك ْم كيْف ت ْح ُك ُمدون﴾‪ ،‬ويقدول‪ ﴿ :‬أ ْم ن ْجعد ُل الَّدذِين آمنُدوا وع ِملُدوا‬ ‫ض أ ْم ن ْجع ُل ْال ُمت َّ ِقين ك ْالفُ َّجا ِر﴾‪.‬‬ ‫صا ِلحا ِ‬ ‫ال َّ‬ ‫ت ك ْال ُم ْف ِسدِين فِي ْاأل ْر ِ‬ ‫أيها المسلمون إن الفالح في السعي إلى تحكيم شرع هللا وحدده‪ ،‬يقدول سدبحانه‪:‬‬ ‫احددذ ْر ُه ْم أ ْن ي ْفتِنُددوك عد ْ‬ ‫دن‬ ‫اح ُك د ْم ب ْيددن ُه ْم ِبمددا أ ْنددزل َّ‬ ‫اّللُ وال تت َّ ِبد ْدع أ ْهددواء ُه ْم و ْ‬ ‫﴿وأ ِن ْ‬ ‫ض‬ ‫اّللُ إِل ْيددك ف دإ ِ ْن تولَّد ْدوا فدداعْل ْم أنَّمددا ي ُِري دد ُ َّ‬ ‫دض مددا أ ْنددزل َّ‬ ‫ُصدديب ُه ْم بِددب ْع ِ‬ ‫ب ْعد ِ‬ ‫اّللُ أ ْن ي ِ‬


‫أهمية الدعوة وفضلــها‬

‫‪164‬‬ ‫‪HGJHG‬‬

‫د‬

‫اس لفا ِسقُون * أف ُح ْكم ْالجا ِه ِليَّ ِة ي ْبغُون وم ْن أ ْحس ُ‬ ‫دن ِمدن‬ ‫ذُنُوبِ ِه ْم و ِإ َّن كثِ ً‬ ‫يرا ِمن النَّ ِ‬ ‫اّللِ ُح ْك ًما ِلق ْو ٍم يُوقِنُون﴾‪.‬‬ ‫َّ‬ ‫وصلى هللا وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين‪.‬‬


‫املنهج املختصر يف الفقه والعقيدة والدعوة‬

‫‪165‬‬

‫الصالة‬ ‫الحمد هلل الذي أنزل على عبده الكتاب ولم يجعل له عوجا‪ ،‬وأشهد أن ال إله إال هللا وحده‬ ‫ال شريك له‪ ،‬له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير‪ ،‬وأشهد أن محمدًا عبده‬ ‫ورسوله‪ ،‬أرسله هللا بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله‪ ،‬صلى هللا عليه وعلى آله‬ ‫وصحابته ومن اتبعهم بإحسان إلى يوم الدين‪.‬‬ ‫حياكم هللا أيها اإلخوة المصلون‪ ،‬هذه كلمة مختصرة عن عمود هذا الدين‪ ،‬عن سبب‬ ‫عظيم من أسباب النصر والتمكين‪ ،‬الصالة التي هي ركن من أركان اإلسالم‪ ،‬فمن‬ ‫حفظها فقد حفظ دينه‪ ،‬ومن أضاعها فهو لما سواها أضيع‪ ،‬وهي أول ما يُسأل عنه العبد‬ ‫يوم القيامة من عمله‪ ،‬فإن صلحت صلح سائر عمله‪ ،‬وإن فسدت فسد سائر عمله‪.‬‬ ‫كم في األمة اإلسالمية ممن شاب حمل من اإلسالم اسمه ورسمه لكنه لم يدخل في قلبه‬ ‫ولبّه‪ ،‬إن لُبّ اإلسالم وعموده الصالة‪ ،‬وبها يفرق بين الكافر والمسلم‪ ،‬روى الترمذي‬ ‫بسند صحيح عن بريدة رضي هللا عنه قال‪ :‬قال رسول هللا ﷺ‪« :‬العهد الذي بيننا وبينهم‬ ‫الصالة‪ ،‬فمن تركها فقد كفر»‪.‬‬ ‫أيها المسلمون‪ :‬إن الصالة صلة بين العبد وبين ربه‪ ،‬وقد أمرنا هللا بالمحافظة عليها فقال‪:‬‬ ‫﴿حافِ ُ‬ ‫صالةِ ْال ُوسْطى وقُو ُموا ِ َّ​ّللِ قانِتِين﴾‪ ،‬ووصف هللا المؤمنين‬ ‫صلوا ِ‬ ‫ت وال َّ‬ ‫ظوا على ال َّ‬ ‫بقوله‪ ﴿ :‬والَّذِين ُه ْم على صالتِ ِه ْم يُحافِ ُ‬ ‫ظون﴾‪ ،‬وقد توعّد هللا من يتهاون بالصالة فقال‪﴿ :‬‬ ‫فو ْي ٌل ِل ْل ُمص ِلّين * الَّذِين ُه ْم ع ْن صالتِ ِه ْم سا ُهون ﴾‪.‬‬ ‫هللا يريد منا أن نحافظ على الصلوات الخمس‪ ،‬ال أن نصلي أحيانا ونترك أحيانا‪ ،‬هللا يريد‬ ‫منا أن نهتم بالصالة فنقيمها بأركانها وشروطها وواجباتها‪ ،‬ونحرص على أدائها في‬ ‫صالة كان ْ‬ ‫ت على ْال ُمؤْ ِمنِين ِكتابًا م ْوقُوتًا﴾‪.‬‬ ‫أوقاتها‪ ،‬قال سبحانه‪ ﴿ :‬إِ َّن ال َّ‬ ‫أيها األخوة الكرام إن التهاون بالصالة من صفات المنافقين كما قال تعالى‪ ﴿ :‬إِ َّن‬ ‫صالةِ قا ُموا ُكسالى يُرا ُءون النَّاس‬ ‫عون َّ‬ ‫اّلل و ُهو خا ِد ُ‬ ‫ْال ُمنافِ ِقين يُخا ِد ُ‬ ‫ع ُه ْم و ِإذا قا ُموا ِإلى ال َّ‬ ‫اّلل إِ َّال ق ِل ً‬ ‫يال ﴾‪.‬‬ ‫وال ي ْذ ُك ُرون َّ‬ ‫وروى البخاري ومسلم عن أبي هريرة رضي هللا عنه قال‪ :‬قال رسول هللا صلى هللا‬ ‫عليه وآله وسلم‪« :‬إن أثقل الصالة على المنافقين صالة العشاء‪ ،‬وصالة الفجر‪ ،‬ولو‬ ‫يعلمون ما فيهما ألتوهما ولو حبوا‪ - ،‬أي لو يعلم المنافقين ما فيهما من األجر والبركة‬ ‫ألتوا الصالة في المساجد ولو حبوا‪ ، -‬قال ﷺ‪« :‬ولقد هممت أن آمر بالصالة‪ ،‬فتقام‪ ،‬ثم‬ ‫آمر رجال فيصلي بالناس‪ ،‬ثم أنطلق معي برجال معهم حزم من حطب إلى قوم ال‬ ‫يشهدون الصالة‪ ،‬فأحرق عليهم بيوتهم بالنار»‪.‬‬ ‫وروى ابن ماجه وصححه األلباني عن ابن عباس رضي هللا عنهما عن النبي ﷺ قال‪:‬‬ ‫«من سمع النداء فلم يأته‪ ،‬فال صالة له‪ ،‬إال من عذر»‪ ،‬وروى الحاكم وصححه األلباني‬


‫أهمية الدعوة وفضلــها‬

‫‪166‬‬ ‫‪HGJHG‬‬

‫د‬

‫عن أبي موسى األشعري رضي هللا عنه قال‪ :‬قال رسول هللا ﷺ‪« :‬من سمع النداء‬ ‫فارغا صحيحا فلم يجب فال صالة له»‪.‬‬ ‫وروى مسلم عن أبي هريرة رضي هللا عنه قال‪ :‬أتى النبي ﷺ رجل أعمى‪ ،‬فقال‪ :‬يا‬ ‫رسول هللا‪ ،‬إنه ليس لي قائد يقودني إلى المسجد‪ ،‬فسأل رسول هللا ﷺ أن يرخص له‪،‬‬ ‫فيصلي في بيته‪ ،‬فرخص له‪ ،‬فلما ولى‪ ،‬دعاه‪ ،‬فقال‪« :‬هل تسمع النداء بالصالة؟» قال‪:‬‬ ‫نعم‪ ،‬قال‪« :‬فأجب»‪ ،‬فانظروا رحمكم هللا هذا الرجل أعمى وهو معذور وقد رخص له‬ ‫النبي ﷺ في الصالة في بيته لكن أمره بعد ذلك بالصالة مع الجماعة حتى ال يفوته‬ ‫أجرها العظيم‪ ،‬فأمره نبي الرحمة بالعزيمة حتى ال يخسر فضيلة الجماعة؛ فإن الصالة‬ ‫في الجماعة أفضل من صالة المنفرد بخمس وعشرين ضعفا وفي رواية‪ :‬بسبع وعشرين‬ ‫ضعفا‪ ،‬فلنحرص على الصالة في بيوت هللا‪.‬‬ ‫سره أن يلقى‬ ‫روى مسلم في صحيحه عن عبد هللا بن مسعود رضي هللا عنه قال‪« :‬من َّ‬ ‫هللا غدا مسلما‪ ،‬فليحافظ على هؤالء الصلوات حيث ينادى بهن‪ ،‬فإن هللا شرع لنبيكم ﷺ‬ ‫سنن الهدى‪ ،‬وإنهن من سنن الهدى‪ ،‬ولو أنكم صليتم في بيوتكم كما يصلي هذا المتخلف‬ ‫في بيته‪ ،‬لتركتم سنة نبيكم‪ ،‬ولو تركتم سنة نبيكم لضللتم‪ ،‬وما من رجل يتطهر فيحسن‬ ‫الطهور‪ ،‬ثم يعمد إلى مسجد من هذه المساجد‪ ،‬إال كتب هللا له بكل خطوة يخطوها حسنة‪،‬‬ ‫ويرفعه بها درجة‪ ،‬ويحط عنه بها سيئة‪ ،‬ولقد رأيتُنا وما يتخلف عنها إال منافق معلوم‬ ‫النفاق‪ ،‬ولقد كان الرجل يؤتى به يُهادى بين الرجلين حتى يقام في الصف»‪.‬‬ ‫أيها المسلمون اعلموا رحمكم هللا أنه يجب على المسلم أن يقيم الصالة ويأمر غيره بإقامة‬ ‫صطبِ ْر‬ ‫صالةِ وا ْ‬ ‫الصالة‪ ،‬كل منا يأمر من يقدر على أمره‪ ،‬قال هللا تعالى‪ ﴿ :‬وأْ ُم ْر أ ْهلك بِال َّ‬ ‫عليْها ﴾‪ ،‬وروى أبو داود عن عبد هللا بن عمرو بن العاص رضي هللا عنهما قال‪ :‬قال‬ ‫رسول هللا ﷺ‪« :‬مروا أوالدكم بالصالة وهم أبناء سبع سنين‪ ،‬واضربوهم عليها وهم‬ ‫أبناء عشر»‪.‬‬ ‫فما أجمل أن تكون البيوت عامرة ً بذكر هللا وأهلها مداومون على الصالة‪ ،‬ما أجمل أن‬ ‫يعتاد األبناء على الصالة وعلى طاعة هللا منذ نعومة أظفارهم‪..‬‬ ‫إن من أراد أن يتذوق طعم السعادة الحقيقية فليتذوق لذة الخشوع في الصالة‪ ،‬ولذة‬ ‫المناجاة بين يدي هللا‪ ،‬إنها لتمحو األعضاء من آثامها‪ ،‬وتغسل القلوب من همومها‬ ‫وأسقامها‪ ،‬وتزكي النفوس وتنهاها عن آثامها‪( :‬إن الصالة تنهى عن الفحشاء والمنكر)‪..‬‬ ‫ولذا ما اتبع أحد األهواء وال انقاد عبد للشهوات إال بقدر إضاعته للصلوات؛ كما قال‬ ‫العليم الخبير سبحانه‪( :‬فخلف من بعدهم خلف أضاعوا الصالة واتبعوا الشهوات‪.)..‬‬ ‫اللهم وفقنا إلقامة الصالة ومن ذرياتنا ربنا إنك سميع الدعاء‪ ،‬اللهم أعنا على ذكرك‬ ‫وشكرك وحسن عبادتك‪ ،‬اللهم أعز اإلسالم والمسلمين‪ ،‬اللهم وحد كلمتهم وقيادتهم‪ ،‬اللهم‬ ‫هيئ لهذه األمة أمر رش ٍد يُعز فيه أهل طاعتك‪ ،‬ويُذل فيه أهل معصيتك‪ ،‬اللهم ول علينا‬


‫املنهج املختصر يف الفقه والعقيدة والدعوة‬

‫‪167‬‬

‫خيارنا وال تول علينا شرارنا‪ ،‬اللهم ول علينا الذين إن مكنتهم في األرض أقاموا الصالة‬ ‫وآتوا الزكاة وأمروا بالمعروف ونهوا عن المنكر‪.‬‬ ‫هذا وصلوا وسلموا على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين‪ ،‬والحمد هلل رب العالمين‪.‬‬


‫أهمية الدعوة وفضلــها‬

‫‪168‬‬ ‫‪HGJHG‬‬

‫د‬

‫بر الوالدين‬ ‫الحمددد هلل الددذي أمرنددا ببد ِ ّدر الوالدددين ونهانددا عددن عقوقهمددا‪ ،‬وقددرن حقهمددا بحقدده‬ ‫سبحانه‪ ،‬والصالة والسالم على نبي الرحمة الذي أوصى بالوالدين‪ ،‬وعلى آلده‬ ‫وأصحابه الكرام البررة‪ ،‬أما بعد‪:‬‬ ‫ي العمدل أحدبّ‬ ‫ي ﷺ‪ :‬أ ّ‬ ‫وفي الصحيحين عن عبد هللا بن مسعود قال‪ :‬سألت النّبد ّ‬ ‫إلددى هللا ّ‬ ‫بددر‬ ‫ي؟ قددال‪ّ « :‬‬ ‫عددز وجدد ّل؟ قددال‪« :‬ال ّ‬ ‫صددالة علددى وقتهددا»‪ .‬قددال‪ :‬ثدد ّم أ ّ‬ ‫ي؟ قددال‪« :‬الجهدداد فددي سددبيل هللا»‪ ،‬فجعددل النبددي ﷺ بددر‬ ‫الوالدددين»‪ .‬قددال‪ :‬ث د ّم أ ّ‬ ‫الوالدين أفضل من الجهاد في سبيل هللا!!‬ ‫خير عاجل فدي الددنيا وآجد ٍل فدي اآلخدرة‪ ،‬وقدد أمرندا هللا‬ ‫بر الوالدين سبب لكل ٍ‬ ‫اّلل وال ت ُ ْشد ِدر ُكوا ِب د ِه ش ديْئا ً‬ ‫ببرهمددا فددي آيددات كثيددرة فددي كتابدده فقددال‪﴿ :‬وا ْعبُ دد ُوا َّ‬ ‫وبِ ْالوا ِلدددي ِْن ِإ ْحسدداناً﴾ أي أحسددنوا إليهمددا بكددل مددا تسددتطيعونه مددن القددول اللددين‬ ‫واألفعال الحسنة التي تدخل السرور إلى قلبيهما‪.‬‬ ‫ْ‬ ‫ُ‬ ‫وقال سدبحانه‪﴿ :‬وقضدى ربُّدك أ َّال ت ْعبُدد ُوا ِإ َّال ِإيَّداهُ و ِبالوا ِلددي ِْن ِإ ْحسدانا ً ِإ َّمدا يد ْبلغ َّن‬ ‫ف وال ت ْنه ْر ُهمدا وقُ ْ‬ ‫ِع ْندك ْال ِكبر أحد ُ ُهما أ ْو ِكال ُهمدا فدال تقُ ْ‬ ‫دل ل ُهمدا ق ْدو ًال‬ ‫دل ل ُهمدا أ ُ ّ ٍ‬ ‫ك ِريما ً * و ْ‬ ‫الر ْحمد ِة وقُ ْ‬ ‫ارح ْم ُهمدا كمدا ربَّيدا ِني‬ ‫اخ ِف ْ‬ ‫دل ربّ ِ ْ‬ ‫ض ل ُهما جناح الذُّ ِّل ِمن َّ‬ ‫ص ِغيرا ً ﴾‪.‬‬ ‫وفدي الصددحيحين أيضددا عدن أبددي هريددرة رضدي هللا عندده قددال‪ :‬جداء رجددل إلددى‬ ‫رسددول هللا ﷺ فقددال‪ :‬يددا رسددول هللا‪ ،‬مددن أحددق الندداس بحسددن صددحابتي؟ قددال‪:‬‬ ‫«أمك» قال‪ :‬ثم من؟ قال‪« :‬ثم أمدك» قدال‪ :‬ثدم مدن؟ قدال‪« :‬ثدم أمدك» قدال‪ :‬ثدم‬ ‫من؟ قال‪« :‬ثم أبوك»‪.‬‬ ‫إن رضددا هللا فددي رضددا الوالدددين وسددخطه فددي سددخطهما‪ ،‬فدداهلل هللا فددي برهمددا‬ ‫واإلحسان إليهما‪ ،‬وليس البر ترك العقوق فقدط‪ ،‬بدل البدر أعلدى مدن ذلدك‪ ،‬البدر‬ ‫أن تحسددن إليهمددا بكددل مددا تسددتطيعه‪ ،‬وأن تصدداحبهما معروفددا ولددو كددان فيهمددا‬ ‫قسوة عليدك‪ ،‬بدل ولدو كاندا ظدالمين لدك‪ ،‬بدل ولدو كاندا كدافرين بداهلل‪ ،‬فحقهمدا ال‬ ‫اإل ْنسددان‬ ‫يسددقط علددى أوالدهمددا بحددال أبدددا‪ ،‬قددال هللا سددبحانه وتعددالى‪ ﴿:‬وو َّ‬ ‫صديْنا ْ ِ‬ ‫بِوا ِلد ْي ِه حملتْهُ أ ُ ُّمهُ و ْهنًا على و ْه ٍن وفِصدالُهُ فِدي عدامي ِْن أ ِن ا ْشد ُك ْر ِلدي و ِلوا ِلدديْك‬ ‫ير * وإِ ْن جاهداك على أ ْن ت ُ ْش ِرك بِي ما ليْس لك بِ ِه ِع ْل ٌم فال ت ُ ِط ْع ُهمدا‬ ‫ص ُ‬ ‫ي ْالم ِ‬ ‫إِل َّ‬ ‫اح ْب ُهما فِي الدُّ ْنيا م ْع ُروفًا﴾ فلم يجعدل هللا شدركهما بده عدذرا ً ومبدررا ً لشديء‬ ‫وص ِ‬ ‫من العقوق أو سوء المعاملة!‬


‫املنهج املختصر يف الفقه والعقيدة والدعوة‬

‫‪169‬‬

‫أيها المسلم أسدرع فدي تلبيدة نددائهما‪ ،‬وافدرح إن أمدراك بدأمر مبداح‪ ،‬واحدرص‬ ‫على مسداعدتهما فدي أعمالهمدا‪ ،‬وإن أمدراك بدأمر محدرم فتلطدف فدي االعتدذار‬ ‫لهمددا‪ ،‬وإيدداك أن تُحزنهمددا أو تزعجهمددا بددأي حددال مددن األحددوال‪ ،‬وأصددلح ذات‬ ‫بينهما‪ ،‬وعلمهمدا مدا يجهالنده مدن أمدور الددين‪ ،‬وأمرهمدا بدالمعروف‪ ،‬وانههمدا‬ ‫عددن المنكددر بمنتهددى اللطددف واإلشددفاق والرفددق‪ ،‬واصددبر عليهمددا إذا لددم يقددبال‪،‬‬ ‫واحرص على الجلوس معهما وإيناسدهما بالحدديث المبداح الدذي يستأنسدان بده‪،‬‬ ‫واحددرص علددى مشدداورتهما فددي أمددورك وحدددثهما عددن أحوالددك وأخبددارك ولددو‬ ‫بالهاتف إن كنت بعيدا عنهما‪.‬‬ ‫والحذر كل الحذر التقصير في حقهما‪ ،‬بدل الحدذر ِمدن نهرهمدا ورفدع الصدوت‬ ‫عليهما‪ ،‬واحذر من مقاطعتهما أو منازعتهما الحديث‪ ،‬واحذر من العبوس عندد‬ ‫لقائهما‪ ،‬بل تودد لهما وتحبب إليهما وابتسم فدي كالمدك معهمدا‪ ،‬وتواضدع لهمدا‬ ‫واجلس بين أيديهما بأدب واحترام‪.‬‬ ‫واحرص كل الحرص على كثرة الدعاء واالستغفار لهما فدي حياتهمدا‪ ،‬وكدذلك‬ ‫بعد موتهما‪ ،‬فأعظم هدية تقدمها لهما بعد موتهما أن تدعو لهمدا وتسدتغفر لهمدا‬ ‫يرا﴾‪ ،‬وقدل‪﴿ :‬‬ ‫وتتصدق عنهما ولو بالقليل‪﴿ ،‬وقُ ْل ربّ ِ ْ‬ ‫ارح ْم ُهما كما ربَّيا ِني ص ِغ ً‬ ‫ي وأ ْن أعْمددل‬ ‫ي وعلددى وا ِلددد َّ‬ ‫ربّ ِ أ ْو ِز ْعنِددي أ ْن أ ْشدد ُكر نِ ْعمتددك الَّتِددي أ ْنع ْمددت علدد َّ‬ ‫صا ِل ِحين﴾‪.‬‬ ‫صا ِل ًحا ت ْرضاهُ وأد ِْخ ْلنِي بِر ْحمتِك فِي ِعبادِك ال َّ‬ ‫اللهم وفقنا جميعا لل ِبر بوالدينا واإلحسان إليهما في حياتهما وبعد موتهما‪ ،‬اللهم‬ ‫اغفر آلبائنا وأمهاتنا وارحمهم برحمتك يا أرحم الراحمين‪.‬‬


‫أهمية الدعوة وفضلــها‬

‫‪171‬‬ ‫‪HGJHG‬‬

‫د‬

‫استنفار الهمم للجهاد في سبيل هللا‬ ‫الحمد هلل الذي شرع الجهاد لتكون كلمة هللا هي العليا‪ ،‬وفضَّل المجاهدين علدى‬ ‫القاعدددين أجددرا عظيمددا‪ ،‬وأشددهد أن ال إلدده إال هللا العزيددز الجبددار‪ ،‬وأشددهد أن‬ ‫محمدًا عبد ُه ورسدوله‪ ،‬بلَّدغ الرسدالة‪ ،‬وأدى األماندة‪ ،‬ونصدح األمدة‪ ،‬وجاهدد فدي‬ ‫َّ‬ ‫هللا َّ‬ ‫وعدزروه‬ ‫حق جهاده‪ ،‬صلى هللا عليه‪ ،‬وعلى آله‪ ،‬وأصحابه‪ ،‬الذين آمنوا به‬ ‫ونصروه‪ ،‬واتبعوا النور الذي أُنزل معده‪ ،‬والدذين هداجروا وجاهددوا فدي سدبيل‬ ‫هللا بددأموالهم وأنفسددهم؛ أقدددموا حددين أحجددم الندداس‪ ،‬وآمنددوا حددين كفددر الندداس‪،‬‬ ‫وأنفقوا حين بخل الناس‪ ،‬فأقام هللا بهم المعوج‪ ،‬ورفع بهم لواء الحق‪ ،‬وبعد‪:‬‬ ‫أيها اإلخدوة المؤمندون‪ ،‬يقدول هللا تعدالى آمدرا لندا‪ ﴿ :‬يدا أيُّهدا الَّدذِين آمنُدوا ُكونُدوا‬ ‫أ ْنصدار َّ ِ‬ ‫صد ْدر ُك ْم‬ ‫ص ُدروا َّ‬ ‫اّلل ي ْن ُ‬ ‫اّلل ﴾‪ ،‬ويقدول سدبحانه‪ ﴿ :‬يدا أيُّهدا الَّدذِين آمنُدوا ِإ ْن ت ْن ُ‬ ‫ويُث ِبّ ْ‬ ‫ت أ ْقدام ُك ْم﴾ فيا من يريد أن ينصره هللا وأن يثبته على دينه كن مدن أنصدار‬ ‫هللا‪ ،‬كن من أنصار الدين وحماة العقيدة‪ ،‬كن من المجاهدين في سبيل هللا‪.‬‬ ‫إن الجهاد فريضة على هذه األمة كمدا هدو فريضدة علدى مدن قبلهدا مدن األمدم‪،‬‬ ‫يقول سبحانه‪ُ ﴿:‬كتِب عل ْي ُك ُم ْال ِقتا ُل و ُهدو ُك ْدرهٌ ل ُكد ْم وعسدى أ ْن ت ْكر ُهدوا شد ْيئًا و ُهدو‬ ‫اّللُ ي ْعل ُم وأ ْنت ُ ْم ال ت ْعل ُمون﴾‪.‬‬ ‫خي ٌْر ل ُك ْم وعسى أ ْن ت ُ ِحبُّوا ش ْيئًا و ُهو ش ٌّر ل ُك ْم و َّ‬ ‫بددل اسددمعوا أيهددا اإلخددوة إلددى قددول هللا فددي المنددافقين المثبّطددين والمعد ّدوقين عددن‬ ‫دل لد ْ‬ ‫الجهدداد فددي غددزوة األحددزاب [الخندددق]‪ ﴿ :‬قُد ْ‬ ‫ار إِ ْن فددر ْرت ُ ْم ِمددن‬ ‫دن يد ْنفع ُك ُم ْال ِفددر ُ‬ ‫ت أ ِو ْالقتْ ِل و ِإذًا ال تُمتَّعُون ِإ َّال ق ِل ً‬ ‫صد ُم ُك ْم ِمدن َّ ِ‬ ‫اّلل ِإ ْن‬ ‫ْالم ْو ِ‬ ‫يال * قُ ْل م ْن ذا الَّذِي ي ْع ِ‬ ‫ُون َّ ِ‬ ‫ديرا‬ ‫أراد بِ ُك ْم ُ‬ ‫ص ً‬ ‫اّلل و ِليًّا وال ن ِ‬ ‫سو ًءا أ ْو أراد بِ ُك ْم ر ْحمةً وال ي ِجد ُون ل ُه ْم ِم ْن د ِ‬ ‫‪ ﴾...‬اآليات‪.‬‬ ‫وال ينبغددي أن يكددون أوليدداء الشدديطان أكثددر ُجددرأة ً وإقددداما ً مددن أوليدداء الددرحمن‪:‬‬ ‫اّللِ والَّدذِين كف ُدرواْ يُقداتِلُون فِدي سدبِي ِل َّ‬ ‫الطدا ُ‬ ‫ت‬ ‫غو ِ‬ ‫﴿الَّذِين آمنُواْ يُقاتِلُون فِدي سدبِي ِل ّ‬ ‫ان ِإ َّن كيْد ال َّ‬ ‫فقاتِلُواْ أولياء ال َّ‬ ‫ان كدان ضد ِعيفاً﴾‪ ،‬وعدن جدا ِبر بْدن عبْد ِد هللاِ‬ ‫شيْط ِ‬ ‫شيْط ِ‬ ‫ي ﷺ يقُولُ‪« :‬ال تزا ُل طائِفةٌ ِم ْ‬ ‫دن أ ُ َّمتِدي يُقداتِلُون‬ ‫رضي هللا عنه قال‪ :‬س ِم ْعتُ النَّ ِب َّ‬ ‫ق ظا ِه ِرين ِإلى ي ْو ِم ْال ِقيام ِة» رواه مسلم‬ ‫على ْالح ّ ِ‬ ‫أيها المسلمون اعلمدوا أن الجهداد خيدر لندا فدي الددنيا واآلخدرة‪ ،‬قدال هللا تعدالى‪:‬‬ ‫صون ِبنا ِإالَّ ِإ ْحدى ْال ُحسْنيي ِْن﴾‪ ،‬إما النصر والعيش بكرامدة وعدزة‪،‬‬ ‫﴿قُ ْل ه ْل تربَّ ُ‬ ‫وإمدددا الشدددهادة والجندددة‪ ،‬فالجهددداد فدددي سدددبيل هللا هدددو التجدددارة الرابحدددة مدددع هللا‬ ‫فأبشروا‪ ﴿ :‬يا أيُّها الَّذِين آمنُوا ه ْل أد ُلُّ ُكد ْم علدى تِجدارةٍ ت ُ ْن ِجدي ُك ْم ِم ْ‬ ‫ديم *‬ ‫دن عدذا ٍ‬ ‫ب أ ِل ٍ‬


‫املنهج املختصر يف الفقه والعقيدة والدعوة‬

‫‪175‬‬

‫سو ِل ِه وتُجا ِهد ُون فِي سبِي ِل َّ ِ‬ ‫تُؤْ ِمنُون بِ َّ ِ‬ ‫ْدر ل ُكد ْم‬ ‫اّلل ور ُ‬ ‫اّلل بِأ ْموا ِل ُك ْم وأ ْنفُ ِس ُك ْم ذ ِل ُكد ْم خي ٌ‬ ‫إِ ْن ُك ْنت ُ ْم ت ْعل ُمون ‪.﴾ ...‬‬ ‫وما أكثر اآليات الكريمات في كتاب هللا والتي تحث على الجهداد‪ ،‬ومدا كثرتهدا‬ ‫إال داللدددة واضدددحة علدددى فضدددل هدددذه الشدددعيرة العظيمدددة فدددي ديدددن هللا‪ ،‬وهدددذه‬ ‫األحاديث الصحاح في الترغيب في الجهداد وبيدان فضدائله ومناقدب أهلده‪ ،‬عدن‬ ‫سيد المجاهدين ﷺ‪:‬‬ ‫فع د ْ‬ ‫اّللِ ﷺ ‪ ،‬فقددال‪:‬‬ ‫سددو ِل َّ‬ ‫دن أبِددي ُهر ْيددرة رضددي هللا عندده قددال‪ :‬جدداء ر ُجد ٌل إِلددى ر ُ‬ ‫الجهاد؟ قدال‪« :‬ال أ ِجددُهُ‪ ،‬ه ْ‬ ‫دل تسْدت ِطي ُع ِإذا خدرج ال ُمجا ِهدد ُ‬ ‫د ُلَّنِي على عم ٍل ي ْع ِد ُل ِ‬ ‫صوم وال ت ُ ْف ِطر؟! » رواه البخاري‬ ‫أ ْن ت ْد ُخل مس ِْجدك فتقُوم وال ت ْفتُر‪ ،‬وت ُ‬ ‫وعن معاذ بن جبل رضي هللا عنه قال‪ :‬كنا مع رسول هللا ﷺ فدي غدزوة تبدوك‬ ‫س ْاأل ْمد ِدر‪:‬‬ ‫فقددال لددي‪ « :‬أال أد ُلُّددك علددى رأْ ِس ْاأل ْمد ِدر وع ُمددو ِد ِه وذ ُ ْروةِ سددن ِ‬ ‫ام ِه؟ رأْ ُ‬ ‫ام ِه‪ْ :‬ال ِجهددداد ُ فِدددي سددد ِبي ِل هللاِ » رواه‬ ‫صدددالةُ‪ ،‬وذ ُ ْروة ُ سدددن ِ‬ ‫اإل ْسدددال ُم‪ ،‬وع ُمدددودُهُ‪ :‬ال َّ‬ ‫ِْ‬ ‫الترمذي وصححه األلباني‬ ‫ي ﷺ قدال‪« :‬مدن مدات ولدم ُ‬ ‫يغدز‪ ،‬ولدم‬ ‫وع ْن أبِي ُهريْرة رضي هللا عنه أ َّن النَّبِد َّ‬ ‫يُحدّ ْ‬ ‫ِث به ن ْفسهُ‪ ،‬مات على ُ‬ ‫ش ْعبة من النفاق» رواه مسلم‬ ‫اّلل ﷺ قددال‪ِ « :‬ربددا ُ‬ ‫وعد ْ‬ ‫ط يد ْدو ٍم فِددي سدبِي ِل َّ ِ‬ ‫سددول َّ ِ‬ ‫اّلل‬ ‫دن سد ْه ِل رضددي هللا عندده أ َّن ر ُ‬ ‫الر ْوحةُ ي ُرو ُحها ْالعبْدد ُ ِفدي سد ِبي ِل َّ ِ‬ ‫ْدر‬ ‫خي ٌْر ِم ْن الدُّ ْنيا وما عليْها ‪ ,‬و َّ‬ ‫اّلل و ْالغددْوة ُ خي ٌ‬ ‫ِم ْن الدُّ ْنيا وما فِيها» متفق عليه‬ ‫ي ﷺ قال‪« :‬ما ِم ْن أ ْهد ِل ْالجنَّد ِة أحدد ٌ‬ ‫وع ْن أن ِس ب ِْن مالِكٍ رضي هللا عنه أ َّن النَّ ِب َّ‬ ‫س ُّرهُ أ ْن ي ْر ِجع إِلى الدُّ ْنيا ولهُ عشرة ُ أ ْمثا ِلها إِ َّال ال َّ‬ ‫ش ِهيد‪ ،‬فإِنَّهُ ودَّ ل ْو أنَّدهُ ُردَّ إِلدى‬ ‫ي ُ‬ ‫الدُّ ْنيا فقُ ِتل ش ِهيدًا ع ْشر م َّرا ٍ‬ ‫دن ْال ِم ْقدد ِام‬ ‫ت ِلما يرى ِمن ْالف ْ‬ ‫ض ِل» متفق عليه‪ .‬وع ِ‬ ‫ي ِ قال‪ :‬قال ﷺ‪ِ « :‬إ َّن ِلل َّ‬ ‫ش ِهي ِد ِع ْندد هللاِ ع َّدز وجد َّل أ ْن يُ ْغفدر‬ ‫ب ِْن م ْعدِي ك ِرب ْال ِك ْن ِد ّ‬ ‫دان‪ ،‬ويُجدار‬ ‫لهُ فِي أ َّو ِل د ْفع ٍة ِم ْن د ِم ِه‪ ،‬ويرى م ْقعدهُ ِمن ْالجنَّ ِة‪ ،‬ويُحلَّى ُحلَّة ْ ِ‬ ‫اإليم ِ‬ ‫دار‬ ‫ِم ْن عذا ِ‬ ‫ب ْالقب ِْدر‪ ،‬ويدأْمن ِمدن ْالفدزعِ ْاأل ْكب ِدر ‪ ،‬ويُوضدع علدى رأْ ِسد ِه تدا ُج ْالوق ِ‬ ‫دور‬ ‫ْالياقُوتةُ ِم ْنهُ خي ٌْر ِمن الدُّ ْنيا وما ِفيها‪ ،‬ويُز َّوج اثْنتي ِْن وس ْب ِعين ز ْوجدةً ِمدن ْال ُح ِ‬ ‫اربِ ِه » رواه أحمد وصححه األلباني‬ ‫ين‪ ،‬ويُشفَّع فِي س ْب ِعين ِإ ْنسانًا ِم ْن أق ِ‬ ‫ْال ِع ِ‬ ‫فيا أيها المسلمون لنكن جميعا من المجاهدين فدي سدبيل هللا‪ ،‬يقدول هللا سدبحانه‪:‬‬ ‫﴿ يا أيُّها الَّذِين آمنُوا ما ل ُك ْم ِإذا قِيل ل ُك ُم ا ْن ِف ُروا فِي س ِبي ِل َّ ِ‬ ‫ض‬ ‫اّلل اثَّاق ْلت ُ ْم ِإلدى ْاأل ْر ِ‬


‫أهمية الدعوة وفضلــها‬

‫‪171‬‬ ‫‪HGJHG‬‬

‫د‬

‫ضيت ُ ْم بِ ْالحياةِ الدُّ ْنيا ِمن ْاآل ِخرةِ فما متاعُ ْالحياةِ الدُّ ْنيا فِي ْاآل ِخرةِ ِإ َّال ق ِلي ٌل ‪﴾...‬‬ ‫أر ِ‬ ‫اآليات‪.‬‬ ‫ولددديكن جهادندددا إلعدددالء كلمدددة هللا‪ ،‬روى البخددداري ومسدددلم عد ْ‬ ‫ددن أ ِبدددي ُموسدددى‬ ‫اّلل ﷺ‪« :‬م ْ‬ ‫اّللِ‬ ‫سدو ُل َّ ِ‬ ‫دن قاتدل ِلت ُكدون ك ِلمدةُ َّ‬ ‫األشعري رضي هللا عنه قال‪ :‬قدال ر ُ‬ ‫ِهي ْالعُ ْليا ف ُهو فِي سبِي ِل َّ ِ‬ ‫اّلل»‪.‬‬ ‫اللهم لك الحمدد أن يسدرت لندا أسدباب الجهداد‪ ،‬اللهدم ارزقندا الجهداد فدي سدبيلك‬ ‫مخلصين لك‪ ،‬وصلى هللا وسلم على محمد وآله وصحبه أجمعين‪..‬‬


‫املنهج املختصر يف الفقه والعقيدة والدعوة‬

‫‪173‬‬

‫تزكية النفوس‬ ‫الحمد هلل القائل‪( :‬إن هللا ال يغيّر ما بقوم حتى يغيروا مدا بأنفسدهم)‪ ،‬وصدلى هللا‬ ‫وسددلم علددى نبينددا محمددد الددذي امددتن هللا بدده علددى المددؤمنين يتلددو علدديهم آياتدده‬ ‫ويزكيهم ويعلمهم الكتاب والحكمة‪ ،‬ورضي هللا عدن صدحابته الدذين امدتحن هللا‬ ‫قلوبهم للتقوى‪ ،‬وعن آل بيته الذين طهرهم هللا تطهيرا‪ ،‬أما بعد‪:‬‬ ‫فقد حذرنا هللا من نفوسنا فقال‪( :‬ولقد خلقنا اإلنسان ونعلم ما توسدوس بده نفسده‬ ‫ونحن أقرب إليه من حبل الوريد)‪ ،‬وقال‪( :‬واعلموا أن هللا يعلدم مدا فدي أنفسدكم‬ ‫فاحذروه)‪:‬‬ ‫وقد ذكر هللا أربع آيات في القرآن وذكرها أيضا في صحف إبدراهيم وموسدى‪،‬‬ ‫فمدددا هدددذه اآليدددات؟! قدددال هللا سدددبحانه‪( :‬قدددد أفلدددح مدددن تزكى*وذكدددر اسدددم ربددده‬ ‫فصلى*بل تؤثرون الحياة الدنيا*واآلخرة خير وأبقى*إن هذا) أي المدذكور مدن‬ ‫اآليات األربع (لفي الصحف األولى *صحف إبراهيم وموسى)‪.‬‬ ‫دس ومددا سددواها*فألهمها‬ ‫(قددد أفلددح مددن تزكددى) أي ز َّكددى نفسدده‪ ،‬كمددا قددال‪( :‬ونفد ٍ‬ ‫فجورها وتقواها*قد أفلح من زكاها*وقد خاب من دساها) أي قد فاز مدن ز ّكدى‬ ‫سددس نفسدده أي أخفاهددا‬ ‫نفسدده بالطاعددات وتددرك المعاصددي‪ ،‬وقددد خسددر مددن د ّ‬ ‫وقذّرها بالمعاصي‪.‬‬ ‫أيها األخوة الكرام‪ :‬بل إن جميع العبادات في اإلسدالم فدإن المقصدود بهدا زكداة‬ ‫النفوس؛ حتى زكاة المال المقصود بها زكاة النفس‪ ،‬كمدا قدال تعدالى‪( :‬خدذ مدن‬ ‫أموالهم صدقة تطهرهم وتزكيهم بها)‪ ،‬وحتى صدقات التطوع يُقصد بهدا زكداة‬ ‫النفس‪ ،‬قال تعالى‪( :‬الذي يؤتي ماله يتزكى)‪.‬‬ ‫كما حرم هللا المحرمات إال لتزكية النفوس كمدا قدال هللا تعدالى‪ ( :‬قدل للمدؤمنين‬ ‫يغضوا من أبصارهم ويحفظوا فروجهم ذلدك أزكدى لهدم)‪ ،‬وقدال سدبحانه‪(:‬وإذا‬ ‫سألتموهن متاعا فاسألوهن من وراء حجاب ذلكم أطهر لقلوبكم وقلوبهن)‪.‬‬ ‫أيها األخوة إن من أعظم مقاصد بِعثة النبي ﷺ تزكية النفوس كما بدين هللا ذلدك‬ ‫فقددال‪( :‬هددو الددذي بعددث فددي األميددين رسددوال مددنهم يتلددو علدديهم آياتدده ويددزكيهم‬ ‫ويعلمهم الكتاب والحكمة)‪.‬‬ ‫وأما قوله تعالى‪ ( :‬فال تزكوا أنفسكم هو أعلم بمدن اتقدى)‪ ،‬فالمقصدود بالتزكيدة‬ ‫هنا‪ :‬المدح‪.‬‬ ‫ف دالنفس مكمددن الش دـر‪ ،‬كسددلة عددن الخيددر‪ ،‬نشددطة إلددى المعاصددي‪( ،‬إن الددنفس‬ ‫أل ّمارة ٌ بالسوء إال ما رحم ربي)‪ ،‬فهي تحتداج إلدى مجاهددة لتلدزم سدبيل الرشدد‬


‫أهمية الدعوة وفضلــها‬

‫‪174‬‬ ‫‪HGJHG‬‬

‫د‬

‫فتفلح‪ ،‬قال سبحانه‪ (:‬وم ْن يُوق ُ‬ ‫ش َّح ن ْف ِس ِه فأُولئِك ُه ُم ْال ُم ْف ِل ُحدون) ‪ ،‬فعلدى العاقدل‬ ‫ُروض نفسده علدى طاعدة هللا‪ ،‬ويُلزمهدا فعدل الخيدر وإن كرهدت‪ ،‬فإنهدا‬ ‫منا أن ي ّ‬ ‫سوف تعتاد الخير وتألفه‪ ،‬قال سبحانه‪( :‬واصبر نفسك مع الدذين يددعون ربهدم‬ ‫بالغداة والعشي) أي احبسها على الطاعة ألن طبيعتها الكسل والتثاقل عنها!‬ ‫وعليه أن يفطمها عن المعاصي والشهوات وإن أحبّتها‪ ،‬قال هللا سدبحانه‪(:‬فأما‬ ‫من خاف مقام ربه ونهى النفس عن الهوى فإن الجنة هي المأوى)‪.‬‬ ‫فطمه ينف ِط ِم‬ ‫رضعه شبَّ على حبّ ِ الرضاعِ وإن ت ِ‬ ‫والنفس كالطف ِل إن ت ُ ِ‬ ‫سدده لوام دةً تلومدده علددى فعددل المعصددية‪،‬‬ ‫ومددن شددرع فددي تزكيددة نفسدده تصددير نف ُ‬ ‫وتلومه على التفريط في الطاعة‪ ،‬وقد أقسدم هللا بهدذه الدنفس التدي بددأت تتزكدى‬ ‫فقال‪( :‬ال أقسم بيوم القيامة* وال أقسم بالنفس اللوامة)‪ .‬ثم إن استمر فدي تزكيدة‬ ‫نفسه صارت نفسا ً مطمئنةً بذكر هللا وطاعة هللا‪ ،‬وتُب َّ‬ ‫شر عندد موتهدا ببشدارتين‪:‬‬ ‫بشدددارة مدددن مالئكدددة المدددوت‪ ،‬وبشدددارة مدددن هللا جدددل جاللددده‪(:‬يا أيتهدددا الدددنفس‬ ‫المطمئنة*ارجعي إلى ربك راضية مرضية) هذه بشارة من المالئكة‪ ،‬ثم يقدول‬ ‫هللا لتلك الروح الطيبة‪( :‬فادخلي في عبادي*وادخلي جنتي)‪.‬‬ ‫وأخيددرا أيهددا األخددوة كيددف نزكددي أنفسددنا؟ نزكيهددا بفعددل الطاعددة‪ ،‬واإلكثددار مددن‬ ‫التقرب بالنوافل بعد الفرائض‪ ،‬ونزكيها بترك المعاصي‪ ،‬فنعصي نفوسنا حدين‬ ‫تميل إلى فعل الشر وترك الخير‪.‬‬ ‫ُ‬ ‫ُورث الذل إدمانُها‬ ‫رأيتُ الذنوب تُميتُ القلوب وقد ي‬ ‫وخير لنف ِسك ِعصيانُها‬ ‫ب‬ ‫ٌ‬ ‫ب حياة ُ القلو ِ‬ ‫وتركُ الذنو ِ‬ ‫ب هللا‪ ،‬قددال هللا‪( :‬أفددال‬ ‫وأعظ د ُم مددا يزكددي النفددوس ويُصددلح القلددوب‪ :‬تد ُ‬ ‫ددبر كتددا ِ‬ ‫يتدبرون القرآن)‪ ،‬وقال‪( :‬يا أيها الناس قد جاءتكم موعظة من ربكم وشفاء لما‬ ‫فددي الصدددور وهدددى ورحمددة للمددؤمنين)‪ ،‬فددالقرآن شددفاء لمددا فددي القلددوب مددن‬ ‫الشهوات والشبهات‪ ،‬وهدى من كل ضاللة‪.‬‬ ‫ومن أعظم ما يزكي النفدوس‪ :‬الددعاء‪ ،‬قدال هللا‪( :‬يدا أيهدا الدذين آمندوا ال تتبعدوا‬ ‫خطددوات الشدديطان ومددن يتبددع خطددوات الشدديطان فإندده يددأمر بالفحشدداء والمنكددر‬ ‫ولوال فضل هللا عليكم ورحمته ما زكى منكم من احد أبدا ولكدن هللا يزكدي مدن‬ ‫يشاء وهللا سميع عليم) ختم هللا هذه اآلية بقولده‪( :‬وهللا سدميع علديم) إشدارة إلدى‬ ‫دعاء هللا بتزكية النفس‪ ،‬فهو سميع الدعاء وهو عليم بمن يسدتحق الهدايدة‪ ،‬وقدد‬ ‫كان ﷺ يقول‪( :‬اللهم آت نفسي تقواها‪ ،‬وزكها أنت خير من زكاها‪ ،‬أندت وليهدا‬ ‫وموالها)‪.‬‬


‫املنهج املختصر يف الفقه والعقيدة والدعوة‬

‫‪175‬‬

‫اللهم آت نفوسنا تقواها‪ ،‬وزكها أنت خير من زكاها‪ ،‬أنت وليها وموالها‪ .‬اللهم‬ ‫حبددب إلينددا اإليمددان وزيندده فددي قلوبنددا‪ ،‬وكددره إلينددا الكفددر والفسددوق والعصدديان‪،‬‬ ‫واجعلنا من الراشدين‪.‬‬


‫أهمية الدعوة وفضلــها‬

‫‪176‬‬ ‫‪HGJHG‬‬

‫د‬

‫موعظة سورة العصر‬ ‫ُطع ُم‪ ،‬م َّن عليْندا فهددانا‪ ،‬وأ ْ‬ ‫ُط ِع ُم وال ي ْ‬ ‫الحمد هلل الذي ي ْ‬ ‫طعمندا وسدقانا‪ ،‬و ُكد َّل بدالءٍ‬ ‫دور‪ ،‬وال ُمسْدت ْغنًى ع ْندهُ‪،‬‬ ‫حس ٍن أبْالنا‪ْ ،‬الح ْمد ُ ِ َّ​ّللِ غيْر ُمدودَّعٍ‪ ،‬وال ُمكداف ٍئ وال م ْكفُ ٍ‬ ‫ّلل الَّذِي أ ْ‬ ‫طعم ِمن َّ‬ ‫الطع ِام‪ ،‬وسقى ِمن ال َّ‬ ‫ْالح ْمد ُ ِ َّ ِ‬ ‫ب‪ ،‬وكسا ِمن ْالعُ ْريِ‪ ،‬وهددى‬ ‫شرا ِ‬ ‫ض ً‬ ‫يال‪ ،‬الحمد هلل‬ ‫ِمن الضَّالل ِة‪ ،‬وب َّ‬ ‫ير ِم ْن خ ْل ِق ِه ت ْف ِ‬ ‫صر ِمن ْالعمى‪ ،‬وفضَّل على كثِ ٍ‬ ‫رب العالمين‪ ،‬والصالة والسالم على أشرف المرسلين‪ ،‬سيدنا محمد وعلى آله‬ ‫وأصحابه أجمعين‪ ،‬أما بعد‪:‬‬ ‫فيددا أيهددا المسددلمون نتدددبر معكددم فددي هددذه الدددقائق سددورة قصدديرة لكنهددا تشددمل‬ ‫الدين كله‪ ،‬سورة عظيمة قال عنها اإلمدام الشدافعي رحمده هللا‪ :‬لدو تف ّكدر النداس‬ ‫في سورة العصر لكفتْ ُهم!!‬ ‫ص ِدر * ِإ َّن‬ ‫إنها سورة العصر‪ ،‬يقول هللا سبحانه‪﴿ :‬بسم هللا الدرحمن الدرحيم و ْالع ْ‬ ‫ت وتواص ْددوا بِ ْ‬ ‫ق‬ ‫صددا ِلحا ِ‬ ‫ْددر * إِ َّال الَّددذِين آمنُددوا وع ِملُددوا ال َّ‬ ‫ا ْ ِإل ْنسددان ل ِفددي ُخس ٍ‬ ‫ددالح ّ ِ‬ ‫صب ِْر ﴾‪.‬‬ ‫وتواص ْوا ِبال َّ‬ ‫فددي هددذه السددورة أقسددم هللا بالعصددر وهددو الددزمن كمددا يُقددال‪ :‬عصددر التقدددم‪ :‬أي‬ ‫زمنه‪.‬‬ ‫على أي شيء أقسم هللا؟! نحن نصدق هللا وإن لم يُقسم فلماذا أقسم؟!!‬ ‫أقسم هللا على خبر مخيف‪ ،‬وقد أ ّكده بالقسم لبيان أهميته‪ ،‬أقسم جل جالله علدى‬ ‫اإل ْنسدان‬ ‫أن جميع الناس في خسارة!! كل الناس فدي ضدالل!! ﴿ و ْالع ْ‬ ‫ص ِدر * ِإ َّن ْ ِ‬ ‫ل ِفي ُخس ٍْر﴾‪.‬‬ ‫ثدددم اسدددتثنى النددداجين مدددن الخسدددارة اسدددتثنا ًء فقدددال‪ِ ﴿ :‬إ َّال الَّدددذِين آمنُدددوا وع ِملُدددوا‬ ‫ت‪ .﴾...‬كما فدي سدورة التدين‪( :‬لقدد خلقندا اإلنسدان فدي أحسدن تقدويم ثدم‬ ‫صا ِلحا ِ‬ ‫ال َّ‬ ‫رددناه أسفل سافلين إال‪)..‬‬ ‫فاألصل الغالب في الناس الخسدران والضدالل‪ ،‬كمدا قدال سدبحانه‪ ﴿ :‬ومدا أ ْكث ُدر‬ ‫صددت بِ ُمددؤْ ِمنِين﴾‪ ،‬وقددال عددز وجددل‪ ﴿ :‬وإِ ْن ت ُ ِطد ْدع أ ْكثددر مد ْ‬ ‫دن فِددي‬ ‫داس ولد ْدو حر ْ‬ ‫النَّد ِ‬ ‫ُضددلُّوك عد ْ‬ ‫اّللِ﴾‪ ،‬وقددال‪( :‬وقليددل مددن عبددادي الشددكور) وقددال‬ ‫دن س د ِبي ِل َّ‬ ‫ْاأل ْر ِ‬ ‫ضي ِ‬ ‫ت وق ِلي ٌل ما ُه ْم﴾‪.‬‬ ‫صا ِلحا ِ‬ ‫سبحانه‪ِ ﴿ :‬إ َّال الَّذِين آمنُوا وع ِملُوا ال َّ‬ ‫فالناجون من الخسارة قليل وهم الذين اتصفوا بأربع صدفات بينهدا هللا فدي هدذه‬ ‫السورة وهي‪:‬‬ ‫‪ -9‬اإليمان باهلل ومالئكته وكتبه ورسله واليوم اآلخر والقدر خيره وشره‪.‬‬


‫املنهج املختصر يف الفقه والعقيدة والدعوة‬

‫‪177‬‬

‫‪ -2‬العمددل الصددالح‪ ،‬وهددو الخددالي مددن الريدداء المقيددد بالسددنة‪ ،‬فلدديس اإليمددان‬ ‫بالتمني وال بالتحلي ولكن ما وقدر فدي القلدب وصددقه العمدل‪ ،‬وأعظدم األعمدال‬ ‫بعددد الشددهادتين‪ :‬إقامددة الصددلوات الخمددس فددي أوقاتهددا‪ ،‬وصددوم شددهر رمضددان‪،‬‬ ‫وإيتدداء الزكدداة علددى مددن ملددك نصددابا‪ ،‬وحددج البيددت الحددرام لمددن اسددتطاع إليدده‬ ‫سبيال‪.‬‬ ‫‪ -3‬التواصي بالحق‪ ،‬فالددين النصديحة‪ ،‬ومدن صدفات المدؤمنين والمؤمندات‬ ‫األمدددر بدددالمعروف والنهدددي عدددن المنكدددر كمدددا قدددال هللا سدددبحانه‪﴿ :‬و ْال ُمؤْ ِمنُدددون‬ ‫ض يددأ ْ ُم ُرون ِب ْ‬ ‫ددر‬ ‫و ْال ُمؤْ ِمندداتُ ب ْع ُ‬ ‫ددالم ْع ُر ِ‬ ‫ضدد ُه ْم أ ْو ِليددا ُء ب ْعدد ٍ‬ ‫ددن ْال ُم ْنك ِ‬ ‫وف وي ْنه ْددون ع ِ‬ ‫صالة ويُؤْ تُون َّ‬ ‫اّللُ﴾‪.‬‬ ‫سولهُ أُولئِك سي ْرح ُم ُه ُم َّ‬ ‫الزكاة وي ُِطيعُون َّ‬ ‫اّلل ور ُ‬ ‫ويُ ِقي ُمون ال َّ‬ ‫‪ -4‬التواصي بالصبر‪ ،‬والصبر ثالثة أقسام‪:‬‬ ‫صددبر علددى الطاعددات‪ :‬فالطاعددات فيهددا نددوع مشددقة فتحتدداج إلددى صددبر‬ ‫أ‪-‬‬ ‫سددماوا ِ‬ ‫علددى أدائهددا كمددا قددال سددبحانه‪﴿ :‬ربُّ ال َّ‬ ‫ض ومددا بيْن ُهمددا فا ْعبُ د ْدهُ‬ ‫ت و ْاأل ْر ِ‬ ‫صط ِب ْر ِل ِعبادتِ ِه ه ْل ت ْعل ُم لهُ س ِميًّا ﴾‪.‬‬ ‫وا ْ‬ ‫صبر عن المعاصي‪ :‬فالنفس أمارة بالسوء فعلى المسلم أن ينهى نفسده‬ ‫ب‪-‬‬ ‫عن هواها‪ ،‬قال سبحانه‪﴿ :‬فأ َّما م ْن طغى * وآثر ْالحياة الدُّ ْنيا * فإ ِ َّن ْالج ِحيم ِهي‬ ‫ْالمأْوى* وأ َّما م ْ‬ ‫دن ْالهدوى * فدإ ِ َّن ْالجنَّدة ِهدي‬ ‫دن خداف مقدام ر ِبّد ِه ونهدى الدنَّ ْفس ع ِ‬ ‫ْالمأْوى ﴾‪.‬‬ ‫صبر علدى أقددار هللا المؤلمدة‪ ،‬فداهلل يبتلدي عبداده بمدا يشداء كمدا وعددنا‬ ‫ج‪-‬‬ ‫دس‬ ‫بذلك فقال‪﴿ :‬ولن ْبلُونَّ ُك ْم بِش ْيءٍ ِمن ْالخ ْو ِ‬ ‫ف و ْال ُجوعِ ون ْق ٍ‬ ‫ص ِمن ْاأل ْمدوا ِل و ْاأل ْنفُ ِ‬ ‫ت وب ِ ّ‬ ‫صديبةٌ قدالُوا ِإنَّدا ِ َّ ِ‬ ‫ّلل و ِإنَّدا ِإليْد ِه‬ ‫والثَّمرا ِ‬ ‫ش ِر ال َّ‬ ‫صا ِب ِرين * الَّدذِين ِإذا أصدابتْ ُه ْم ُم ِ‬ ‫اجعُون﴾‪.‬‬ ‫ر ِ‬ ‫فما أعظدم هدذه السدورة ومدا أكثدر معانيهدا‪ ،‬ومدا أنفعهدا لمدن عمدل بهدا وجعلهدا‬ ‫قانون حياة!!‬

‫حكم التجسس على المسلمين ومواالة النظام الكافر‬


‫أهمية الدعوة وفضلــها‬

‫‪178‬‬ ‫‪HGJHG‬‬

‫د‬

‫الحمد هلل والصالة والسالم على رسول هللا وعلى آله وصدحبه ومدن وااله‪ ،‬أمدا‬ ‫بعد‪:‬‬ ‫فإن من نواقض اإلسالم الخطيدرة‪ ،‬ومبطالتده الكبيدرة‪ ،‬مدواالة الكفدار مدن دون‬ ‫المؤمنين‪ ،‬ومناصرتهم ومعاونتهم على أهل اإلسالم‪ ،‬وهذا كفر صريح‪ ،‬سدواء‬ ‫كددان أولئددك الكفددار يهددودا ً أو نصددارى أو مجوس دا ً أو مشددركين أو نُصدديريين أو‬ ‫مرتدين‪.‬‬ ‫ولقد حذر هللا في كتابه العظيم من مواالة الكافرين عموما فقال‪﴿ :‬يدا أيُّهدا الَّدذِين‬ ‫ُون ْال ُمددؤْ ِمنِين أت ُ ِريددد ُون أن ت ْجعلُددواْ ِ ّ ِ‬ ‫ّلل‬ ‫آمنُددواْ ال تت َّ ِخددذُواْ ْالكددافِ ِرين أ ْو ِليدداء ِمددن د ِ‬ ‫س ْلطانًا ُّمبِينًا﴾‪.‬‬ ‫عل ْي ُك ْم ُ‬ ‫ضد ُه ْم‬ ‫وقال سبحانه‪﴿ :‬يا أيُّها الَّذِين آمنُواْ ال تت َّ ِخذُواْ ْالي ُهدود والنَّصدارى أ ْو ِليداء ب ْع ُ‬ ‫اّلل ال ي ْه ددِي ْالقد ْدوم َّ‬ ‫الظددا ِل ِمين *‬ ‫دض ومددن يتددولَّ ُهم ِ ّمددن ُك ْم فإِنَّ دهُ ِم د ْن ُه ْم ِإ َّن ّ‬ ‫أ ْو ِليدداء ب ْعد ٍ‬ ‫صديبنا دائِدرة ٌ‬ ‫ار ُ‬ ‫فترى الَّذِين فِي قُلُوبِ ِه ْم مر ٌ‬ ‫عون فِي ِه ْم يقُولُون ن ْخشدى أ ْن ت ُ ِ‬ ‫ض يُس ِ‬ ‫ص ِب ُحوا على ما أس ُّروا فِي أ ْنفُ ِسد ِه ْم‬ ‫فعسى َّ‬ ‫اّللُ أ ْن يأْتِي ِب ْالفتْحِ أ ْو أ ْم ٍر ِم ْن ِع ْن ِد ِه فيُ ْ‬ ‫ناد ِ​ِمين ﴾‪.‬‬ ‫إن مواالة الكفار خيانة هلل ولرسوله وللمؤمنين‪ ،‬وهي من صفات المنافقين كمدا‬ ‫يرا ِ ّم ْن ُه ْم يتولَّ ْون الَّذِين كف ُدرواْ لبِدئْس مدا قددَّم ْ‬ ‫ت‬ ‫قال هللا عنهم في كتابه‪﴿ :‬ترى كثِ ً‬ ‫ب ُهد ْم خا ِلدد ُون*ول ْو كددانُوا يُؤْ ِمنُددون‬ ‫سد ُه ْم أن سد ِدخط ّ‬ ‫ل ُهد ْم أنفُ ُ‬ ‫اّللُ علد ْي ِه ْم وفِددي ْالعددذا ِ‬ ‫يرا ِ ّم ْن ُه ْم فا ِسقُون﴾‪ ،‬وقدال‬ ‫نزل ِإل ْي ِه ما اتَّخذُو ُه ْم أ ْو ِلياء ولـ ِك َّن كثِ ً‬ ‫ي ِ وما أ ُ ِ‬ ‫ِباهلل والنَّ ِب ّ‬ ‫تعالى‪﴿ :‬ب ِ ّ‬ ‫ش ِر ْال ُمنافِ ِقين بِأ َّن ل ُه ْم عدذابًا أ ِلي ًما*الَّدذِين يت َّ ِخدذُون ْالكدافِ ِرين أ ْو ِليداء ِمدن‬ ‫ُون ْال ُمؤْ ِم ِنين أيبْتغُون ِعند ُه ُم ْال ِع َّزة فإ ِ َّن ال ِع َّزة ِ ّ ِ‬ ‫ّلل ج ِميعًا﴾‪.‬‬ ‫د ِ‬ ‫وإن من مواالة الكافرين‪ :‬التجسس لهم على المسدلمين‪ ،‬وهدذا مدن أعظدم أندواع‬ ‫المناصرة للكفار؛ ألنهم بذلك يصلون إلى ما ال تستطيع أن تصل إليه جيوشدهم‬ ‫أو تقنيدداتهم‪ ،‬ورب خبددر واحددد ينقلدده جاسددوس لهددم تحدددث بدده مددن النكايددة فددي‬ ‫المسلمين ما ال ت ُحدثده اآلالف المؤلفدة مدن ُجندودهم المجنددة‪ ،‬وقدد ذهدب بعدض‬ ‫درر علددى‬ ‫أهدل العلمدداء إلددى وجددوب قتددل الجاسدوس إذا ترتددب علددى تجسسدده ضد ٌ‬ ‫المسلمين‪ ،‬وجعلوه في حكم المحارب‪ ،‬قال اإلمدام الدذهبي رحمده هللا فدي كتابده‬ ‫ٌ‬ ‫وهدن علدى اإلسدالم وأهلده‪ ،‬وقتدلٌ‪ ،‬أو‬ ‫الكبائر‪ ":‬إذا ترتب على فعدل الجاسدوس‬ ‫دب‪ ،‬فهددذا ممددن سددعى فددي األرض فسددادا ً وأهلددك الحددرث والنسددل‬ ‫ي‪ ،‬أو نهد ٌ‬ ‫سددب ٌ‬ ‫فيتعددين قتلُدده "‪ ،‬فالحددذر الحددذر مددن مددواالة أعددداء هللا بالتجسددس لهددم‪ ،‬ال تددوال‬ ‫الكافر ولدو كدان قريبدك أو جدارك‪ ،‬قدال هللا تعدالى‪﴿ :‬ال ت ِجدد ُ ق ْو ًمدا يُؤْ ِمنُدون ِب َّ ِ‬ ‫داّلل‬


‫املنهج املختصر يف الفقه والعقيدة والدعوة‬

‫‪179‬‬

‫و ْاليد ْدو ِم ْاآل ِخد ِدر يُددوادُّون مد ْ‬ ‫سددولهُ ولد ْدو كددانُوا آبدداء ُه ْم أ ْو أبْندداء ُه ْم أ ْو‬ ‫دن حددادَّ َّ‬ ‫اّلل ور ُ‬ ‫ددروحٍ ِم ْندددهُ‬ ‫اإليمدددان وأيَّدددد ُه ْم بِد ُ‬ ‫إِ ْخدددوان ُه ْم أ ْو ع ِشددديرت ُه ْم أُولئِدددك كتدددب فِدددي قُلُدددوبِ ِه ُم ْ ِ‬ ‫ويُد ِْخلُ ُه ْم جنَّا ٍ‬ ‫ضدوا‬ ‫ضي َّ‬ ‫اّللُ عد ْن ُه ْم ور ُ‬ ‫ت ت ْج ِري ِم ْن ت ْحتِها ْاأل ْنه ُ‬ ‫ار خا ِلدِين فِيها ر ِ‬ ‫اّلل أال إِ َّن ِح ْزب َّ ِ‬ ‫ب َّ ِ‬ ‫اّلل ُه ُم ْال ُم ْف ِل ُحون﴾‪ ،‬فالمؤمن ال يوالي الكدافر‬ ‫ع ْنهُ أُولئِك ِح ْز ُ‬ ‫ولو كان أبداه أو ولدده أو أخداه أو قريبده أو مدن قبيلتده‪ ،‬وقدد قتدل أبدو عبيددة بدن‬ ‫الجراح رضي هللا عنه أباه الكدافر فدي غدزوة بددر‪ ،‬كدان يحيدد عنده وكدان أبدوه‬ ‫يتعرض له‪ ،‬فتقدم إليه فقتلده فدي سدبيل إعدالء كلمدة هللا‪ ،‬وأوثدق عدرى اإليمدان‬ ‫الحب في هللا والبغض في هللا‪ ،‬تُحب المؤمن في هللا ولدو كدان بعيددا مدن نسدبك‬ ‫وبلدك‪ ،‬وتُبغض الكافر في هللا ولو كان أقرب الناس إليك‪.‬‬ ‫أيها األخوة الكرام‪ :‬يجب أن نفرق بين مواالة الكفار المحداربين وبدين التعدايش‬ ‫مع الكفار غير المحاربين‪ ،‬فال حرج علدى المسدلم فدي العمدل عندد الكفدار غيدر‬ ‫المحاربين في كل عمل مباح‪ ،‬وإنما يحرم العمل مع الكفدار المحداربين فدي أي‬ ‫مجال فيه أدنى إعان ٍة لهم في حربهم على المسلمين‪.‬‬ ‫فيا أيها المسلمون‪ :‬ال يجوز لكم أن تعملوا مدع هدذا النظدام الكدافر المحدارب هلل‬ ‫ولرسوله وللمؤمنين‪ ،‬كيف تعمل معه وتعينه على ظلمه وفساده وسدفكه للددماء‬ ‫وانتهاكه لألعراض؟!‬ ‫كيف تتعداون مدع مدن أهلدك الحدرث والنسدل وسدعى فدي األرض فسدادا وهللا ال‬ ‫يحب الفساد؟!‬ ‫ان‬ ‫يقول هللا تعالى‪ ﴿ :‬وتعاونُوا على ْالبِ ِ ّر والت َّ ْقوى وال تعاونُوا على ْ ِ‬ ‫اإلثْ ِم و ْالعُددْو ِ‬ ‫ب﴾‪ ،‬ويقول سبحانه‪ ﴿ :‬وال ت ْركنُوا ِإلى الَّذِين ظل ُمدوا‬ ‫اّلل ِإ َّن َّ‬ ‫واتَّقُوا َّ‬ ‫اّلل شدِيد ُ ْال ِعقا ِ‬ ‫اّلل ِمد ْ‬ ‫دار ومددا ل ُكد ْم ِمد ْ‬ ‫ُون َّ ِ‬ ‫دن أ ْو ِليدداء ث ُد َّم ال ت ُ ْنصد ُدرون﴾ وقددال تعددالى‪:‬‬ ‫فتم َّ‬ ‫سد ُك ُم النَّد ُ‬ ‫دن د ِ‬ ‫﴿ومن يتولهم منكم فإنه منهم﴾"‪.‬‬ ‫أيها المسلمون إن الكافرين يدوالي بعضدهم بعضدا‪ ،‬وينصدر بعضدهم بعضدا فدي‬ ‫حرب اإلسالم والمسلمين‪ ،‬ونحن أحق منهم بدأن يدوالي بعضدنا بعضدا‪ ،‬فدإن لدم‬ ‫دض ِإ َّال‬ ‫نفعل فاسمعوا ما قال هللا محذرا لنا‪ ﴿ :‬والَّدذِين كف ُدروا ب ْع ُ‬ ‫ضد ُه ْم أ ْو ِليدا ُء ب ْع ٍ‬ ‫ير ﴾‪.‬‬ ‫ض وفساد ٌ كبِ ٌ‬ ‫ت ْفعلُوهُ ت ُك ْن فِتْنةٌ فِي ْاأل ْر ِ‬ ‫اللهم اهدنا لمواالة أوليائك ومعداداة أعددائك‪ ،‬اللهدم اجعلندا مدن أنصدارك وممدن‬ ‫يحب المجاهدين في سبيلك‪ ،‬اللهم مكن لعبادك الصدالحين‪ ،‬واجعلهدم مدن الدذين‬ ‫إن مكنتهم في األرض أقداموا الصدالة وآتدوا الزكداة وأمدروا بدالمعروف ونهدوا‬ ‫عن المنكر‪ ،‬وهلل عاقبة األمور‪.‬‬


‫أهمية الدعوة وفضلــها‬

‫‪181‬‬ ‫‪HGJHG‬‬

‫د‬


‫املنهج املختصر يف الفقه والعقيدة والدعوة‬

‫تهذيب‬ ‫خواطر وأفكار‬ ‫في فقه الدعوة إلى هللا‬ ‫للشيخ‪/‬‬ ‫عبد المنعم مصطفى حليمة‬ ‫(أبو بصير الطرطوسي)‬ ‫حفظه هللا‬ ‫تهذيب‪/‬‬ ‫د‪ .‬عبد الله بن محمد المحيسني‬

‫‪185‬‬


‫تهذيب خواطر وأفكار يف فقه الدعوة إىل اهلل‬

‫‪181‬‬

‫بسم هللا الرحمن الرحيم‬

‫د‬

‫تهذيب شرح األصول الثالثةد‬

‫املقدمة‬

‫تهذيب‬

‫الحمد هلل‪ ،‬والصالة على رسول هللا‪ ،‬وعلى آله وصحبه ومن اتبع هداه‪.‬‬ ‫أما بعد‪:‬‬ ‫الضَّوابطُ املُثلَى‬ ‫فهذه جملة من الخواطر واألفكار والتوجيهات الهامة‪ ،‬تتعلق بفقه الدعوة إلى هللا‬ ‫والعلما‬ ‫الدعا ِة‬ ‫هللاةِأنالتعامُ ِل‬ ‫تعالى‪ ،‬ينبغي لمن يسيروا في طريق الدعوةيفإلىكيفيِّ‬ ‫بهاءِ‪ ،‬فهي‬ ‫ويعملوا‬ ‫يتفطنوامعلها‪،‬‬ ‫التالية‪:‬‬ ‫للعالم منهم تذكير‪ ،‬والغافل منهم تنبيه‪ ،‬أسجلها في النقاط د‬ ‫‪ )1‬اعلم أن الدعوة إلى هللا تعالى وإلى توحيده أشرف وأحسن عمل على اإلطالق؛‬ ‫الثالثةد‬ ‫تهذيب‬ ‫ويسير على‬ ‫األصول يرثهم‬ ‫شرح ‪-‬ومن‬ ‫والسالم‬ ‫وهو عمل األنبياء والرسل عليهم الصالة‬ ‫نهجهم من العلماء العاملين‪ -‬قال تعالى‪(:‬ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ‬ ‫)[فصلت‪ .]88:‬وقال تعالى‪* (:‬ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠﮡ ﭨ ﭩ ﮤ )[آل‬ ‫عمران‪.]114:‬‬ ‫وقال النبي ^‪« :‬أفضلكم من تعلم القرآن وعلمه» رواه البخاري‪.‬‬ ‫وقال ^‪« :‬إن العالم ليستغفر له من في السماوات ومن في األرض‪ ،‬حتى‬ ‫الحيتان في الماء‪ ،‬وفضل العالم على العابد كفضل القمر على سائر الكواكب‪ ،‬وإن‬ ‫العلماء ورثة األنبياء‪ ،‬إن األنبياء لم يورثوا دينارا ا وال درهما ا‪ ،‬إنما ورثوا العلم‪ ،‬فمن‬ ‫(‪)1‬‬

‫أخذه أخذ بحظ وافر» ‪.‬‬ ‫وقال ^‪« :‬فضل العالم على العابد‪ ،‬كفضلي على أدناكم‪ ،‬إن هللا ومالئكته وأهل‬ ‫السماوات واألرض حتى النملة في جحرها‪ ،‬وحتى الحوت‪ ،‬ليصلون على معلمي‬ ‫(‪)2‬‬

‫الناس الخير» ‪.‬‬ ‫وهذا داع للداعية إلى هللا تعالى أن يرتفع بهمته‪ ،‬وأخالقه‪ ،‬وسلوكه إلى مستوى‬ ‫األمانة الملقاة على عاتقه‪ ،‬فأعماله تصدق أقواله‪ ،‬وأقواله تصدق أعماله‪ ،‬قال تعالى‪:‬‬ ‫*ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﭨ ﭩ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮪ ﮭ&[الصف‪.]3-2:‬‬ ‫وقال ^‪« :‬يجاء برجل فيطرح في النار‪ ،‬فيطحن فيها كما يطحن الحمار برحاه‪،‬‬ ‫فيطيف به أهل النار‪ ،‬فيقولون‪ :‬أي فالن‪ ،‬ألست كنت تأمر بالمعروف وتنهى عن‬ ‫المنكر؟ فيقول‪ :‬إني كنت آمر بالمعروف وال أفعله‪ ،‬وأنهى عن المنكر وأفعله!» رواه‬ ‫البخاري‪.‬‬ ‫(‪ )1‬رواه أبو داود‪ ،‬وهو في صحيح الترغيب‪.)71( :‬‬ ‫(‪ )2‬رواه الترمذي‪ ،‬وهو في صحيح الجامع‪.)9838( :‬‬


‫املنهج املختصر يف الفقه والعقيدة والدعوة‬

‫‪183‬‬

‫‪ )6‬اعلم أن الغاية من الدعوة إلى هللا تعالى‪ ،‬هي إخراج العباد من عبادة العباد إلى‬ ‫عبادة رب العباد‪ ،‬ومن جور األديان إلى عدل اإلسالم‪ ،‬ومن ضيق الدنيا إلى‬ ‫سعة الدنيا واآلخرة‪.‬‬ ‫فغاية الدعوة إلى هللا تعريف العباد بالغاية التي خلقوا ألجلها‪ ،‬ومن ثم هدايتهم‬ ‫إليها‪ ،‬وترغيبهم وتشويقهم بها‪ ،‬وتحذيرهم من عواقب ومغبة مخالفتها‪.‬‬ ‫قلت ‪ :‬وأهداف الداعية في دعوته هدفان‪ :‬األول‪ :‬أن يعذر أمام هللا‪ ،‬ثانياً‪ :‬أن‬ ‫يخرج الناس من الظلمات إلى النور‪ ،‬ويجمع ذلك قول هللا سبحانه وتعالى‪ (( :‬قالُوا‬ ‫م ْعذِرة ً ِإلى ر ِبّ ُك ْم ولعلَّ ُه ْم يتَّقُون ))[األعراف‪ ،]964:‬ومن أجل هذا الخلق وقع بعض‬ ‫الدعاة من الطرفين في الخطأ ولسنا مكلفين لتغيير دين هللا ليتوب الناس ويهتدوا‪،‬‬ ‫وأيضا ً لسنا ممن يدعوا هللا فقط ألجل أن يلقي التبعة عن عنقه‪.‬‬ ‫هذه مهمة األنبياء وورثتهم من العلماء والدعاة من لدن آدم × وإلى قيام‬ ‫الساعة‪ ،‬ال مهمة لهم سواها‪.‬‬

‫قال تعالى‪* :‬ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾﭿ&[النحل‪.]36:‬‬ ‫وقال تعالى‪* :‬ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ&[الذاريات‪.]56:‬‬ ‫وقال تعالى‪* :‬ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﭨ ﭩ ﮤﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ&[البينة‪.]5:‬‬ ‫فغاية الداعية إلى هللا تحقيق التوحيد‪ ،‬وحمل الناس على التوحد‪ ،‬فالوحدة‬ ‫والتوحد بين المسلمين مطلب عظيم‪ ،‬وغاية نبيلة‪ ،‬لكن ال يجب أن تكون هذه الغاية‬ ‫على حساب الغاية األعظم؛ أال وهي غاية التوحيد‪ ،‬أو أن يسعى إليها بمنأى عن‬ ‫التوحيد‪ ،‬فهذا ال يمكن تحقيقه‪ ،‬فنهايته إلى فشل وتفرق‪ ،‬ثم هو عمل غير مبارك‪ ،‬وهو‬ ‫مخالف لما كان عليه النبي ^ من منهج في توحيده لكلمة المسلمين‪ ،‬إذ لم يكن من‬ ‫مسعى النبي ^ أن يوحد الكلمة ويجمع الشمل تحت أي راية أو شعار أو دين غير‬ ‫راية التوحيد‪ ،‬وكلمة وشعار التوحيد‪ ،‬ودين رب العالمين‪ ،‬قال تعالى‪* :‬ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ‬ ‫ﭶﭷ&[آل عمران‪.]913:‬‬ ‫فلم يأت األمر باالعتصام مجردا ً‪ ،‬بل جاء مقيدا ً *ﭲ ﭳ&[آل عمران‪ ،]913:‬وحبل هللا‬ ‫هو القرآن‪.‬‬ ‫وقال تعالى‪* :‬ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣﭤ&[المائدة‪ .]94:‬فلما نسوا‬ ‫حظا ً من الدين والتوحيد ‪-‬وليس كل الدين‪ -‬كانت النتيجة جزاء على نسيانهم‬ ‫وإعراضهم لهذا الحظ من الدين أن أغرى هللا تعالى بينهم *ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣﭤ&[المائدة‪،]94:‬‬ ‫وهذا ليس لهم وحسب‪ ،‬بل لو أن أمة اإلسالم وقعت في شيء من ذلك؛ فنست حظا ً‬ ‫من الدين والتوحيد‪ ،‬فحينئذ تكون العقوبة أن يغري هللا تعالى فيما بينهم العداوة‬ ‫والبغضاء والتنازع والتفرق‪.‬‬


‫‪184‬‬

‫تهذيب خواطر وأفكار يف فقه الدعوة إىل اهلل‬ ‫د‬

‫ولما أبى دعاة القومية العربية إال أن يوحدوا العرب على المعصية‪ ،‬بمنأى عن‬ ‫الثالثةد‬ ‫األصول‬ ‫تهذيبا ً شرح‬ ‫وانقساما ً‬ ‫على بعض‪..‬‬ ‫بعضهم‬ ‫الدين والتوحيد‪ ،‬باؤوا بالفشل الذريع‪ ،‬وازدادوا تفرق‬ ‫وال يزالون!‬ ‫تهذيب‬ ‫‪ )8‬مراعاة األهم فاألهم في الدعوة إلى هللا تعالى‪ ،‬وبحسب نوع وحاجة الطرف‬ ‫الضَّوابطُ املُثلَى‬ ‫المقابل المراد دعوته إلى هللا تعالى‪.‬‬ ‫فإن كان كافرا ً لم يسبق له أن دخل اإلسالم‪ ،‬فتنحصر الدعوة معه حينئذ على‬ ‫يف كيفيِّةِ التعامُ ِل مع الدعا ِة والعلماءِ‬ ‫تعريفه بالمعبود بحق ـ‪ ،‬ومن ثم حمله على االستجابة لشهادة التوحيد (أشهد أن ال إله‬ ‫إال هللا‪ ،‬وأشهد أن محمدا ً رسول هللا)‪ ،‬ولمتطلباتها‪.‬‬ ‫د‬ ‫وكل األنبياء كانوا ال يقبلون من أقوامهم عمالً إال بعد أن يجيبوهم أوالً إلى ال‬ ‫تهذيب شرح األصول الثالثةد‬ ‫إله إال هللا‪ ،‬كما قال تعالى‪* :‬ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ‬ ‫ﭾﭿ&[النحل‪ .]36:‬وقال تعالى‪* :‬ﭪ ﭫ ﭬ&[آل عمران‪ ]64:‬هكذا نبتدئ معهم الخطاب‪،‬‬ ‫فنقول لهم‪* :‬ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂﮃ&[آل عمران‪ ]64:‬ال نتعدى‬ ‫هذا الخطاب التوحيدي إلى غيره قبل أن يجيبونا إليه *ﮃ ﮄ&[آل عمران‪]32:‬؛ وأعرضوا‬ ‫عن التوحيد ال نخوض معهم في بقية واجبات الدين ونوافله‪ ،‬وال نبحث عن قواسم‬ ‫وعوامل مشتركة تجمع بين أهل الشرك والتنديد وبين أهل التوحيد‪ ،‬بل نقول لهم كما‬ ‫أمرنا ربنا أن نقول‪* :‬ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ&[آل عمران‪ .]64:‬ونقول لهم‪* :‬ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ&[مريم‪.]48:‬‬ ‫ونقول لهم‪* :‬ﭩ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩﮪ ﮫ ﮪ ﮭ&[األنبياء‪.]67:‬‬ ‫فعجبا ً لمن ينفقون األوقات واألموال الطائلة في سبيل ما يسمى (حوار‬ ‫األديان)‪ ،‬فيتكلمون مع الكفار في كل شيء إال في التوحيد!!‬ ‫وعن ابن عباس قال‪ :‬قال رسول هللا ^ لمعاذ بن جبل حين بعثه إلى اليمن‪:‬‬ ‫«إنك ستأتي قوما ا من أهل الكتاب؛ فإذا جئتهم فادعهم إلى أن يشهدوا أن ال إله إال هللا‬ ‫وأن محمدا ا رسول هللا‪ ،‬فإن هم أطاعوا لك بذلك‪ ،‬فأخبرهم أن هللا قد فرض عليهم‬ ‫خمس صلوات في كل يوم وليلة‪ ،‬فإن هم أطاعوا لك بذلك‪ ،‬فأخبرهم أن هللا قد فرض‬ ‫عليهم صدقةا‪ ،‬تؤخذ من أغنيائهم فترد على فقرائهم‪ ،‬فإن هم أطاعوا لك بذلك‪ ،‬فإياك‬ ‫وكرائم أموالهم‪ ،‬واتق دعوة المظلوم‪ ،‬فإنه ليس بينه وبين هللا حجاب» متفق عليه‪.‬‬ ‫فتأمل هذا التسلسل في الدعوة إلى هللا تعالى؛ فليكن أول ما يدعوهم إليه شهادة‬ ‫(أن ال إله إال هللا‪ ،‬وأن محمدا ً رسول هللا) فإن أجابوه إليها‪ ،‬دعاهم إلى ما بعدها‪،‬‬ ‫بحسب التسلسل الوارد في الحديث‪ ،‬وإن لم يجيبوه إليها يمسك عن الدعوة إلى ما‬ ‫سواها‪ ،‬ألن االلتزام بما سوى التوحيد من دون التوحيد ال ينفع صاحبه في شيء‪ ،‬كما‬ ‫قال تعالى‪* :‬ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ&[األنعام‪ .]88:‬وقال تعالى‪* :‬ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ‬ ‫ﭻ&[الفرقان‪.]23:‬‬


‫املنهج املختصر يف الفقه والعقيدة والدعوة‬

‫‪185‬‬

‫وقد عرضت على النبي ^ مصالح الدنيا كلها من دون ال إله إال هللا‪ ،‬فأباها‪،‬‬ ‫وأبى إال أن تكون أوالً ال إله إال هللا‪ ،‬فأتته الدنيا بعد ذلك صاغرة راغمة‪.‬‬ ‫عرض على النبي صلى هللا‬ ‫قلت‪ :‬وفي سورة الكافرون مثال واضح لذلك حين ُ‬ ‫عليه وسلم أن يدخل الناس كلهم في دينه سنة‪ ،‬ويتركونه سنة‪ ،‬فهذه مصلحة ربما لو‬ ‫عرضت على بعضنا اليوم لقبلها باسم مصلحة الدعوة‪ ،‬لكن النبي صلى هللا عليه وسلم‬ ‫ُ‬ ‫رفضها‪ ،‬فال مساومة على التوحيد والعقيدة‪.‬‬ ‫وهكذا يقال أيضا ً لطواغيت العصر‪ :‬أن أجيبوا أوالً إلى ال إله إال هللا‪ ،‬وادخلوا‬ ‫في سلمها كافة‪ ،‬ثم بعدها ال يكون إال خيرا ً‪ ،‬وال نقبل أن تثار المعركة مع هؤالء‬ ‫الطغاة على أنها معركة من أجل الحريات أو من أجل بعض الكراسي والمناصب‬ ‫السيادية والمكاسب الدنيوية بعيدا ً عن ال إله إال هللا!‬ ‫فمشكلتنا مع طغاة الحكم هؤالء هي ال إله إال هللا‪ ،‬من المعبود بحق هللا أم‬ ‫الطاغوت؟ من المطاع لذاته في األرض هللا أم الطاغوت؟ فيمن يعقد فيه الوالء‬ ‫والبراء هللا أم الطاغوت؟ لمن السيادة؟ لمن الحكم؟ لمن حق التشريع والتحليل‬ ‫والتحريم هلل أم للطاغوت؟‬ ‫هذه هي مشكلتنا األساسية مع كل الطغاة‪ ،‬فإن أجابوا صادقين عما تقدم من‬ ‫أسئلة بجواب واحد‪ :‬هو هللا وحده‪ ،‬حينئذ كفى هللا المؤمنين القتال‪ ،‬وانقلبت المعارضة‬ ‫إلى موافقة‪ ،‬والتأمت الصفوف‪ ،‬وانتهت المنازعات والمناكفات‪ ،‬وانقلبنا جميعا ً أخوة‬ ‫في هللا متحابين متآلفين‪.‬‬ ‫وإن كان الجواب خالف ذلك‪ :‬هو الطاغوت وحزبه‪ ،‬حينئذ نقول لهم ما قال‬ ‫إبراهيم × ومن آمن معه لقومهم‪ * :‬ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ‬ ‫ﯣ&[الممتحنة‪.]4:‬‬ ‫حينئذ يعمل بسنة التدافع بين الحق والباطل‪ ،‬حتى ال تغرق سفينة اإلنسانية في‬ ‫أوحال الكفر‪ ،‬والشرك‪ ،‬واإللحاد‪ ،‬والفجور‪ ،‬والفساد‪ ،‬كما قال تعالى‪* :‬ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ‬ ‫ﮗ ﮘ ﮙ ﮚﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ&[األنبياء‪.]98:‬‬ ‫ال ينفع حينئذ الحديث عن المشاركة في الحكم‪ ،‬وال الحديث عن التعايش بين‬ ‫الحق والباطل‪ ،‬وال البحث عن القواسم المشتركة التي تجمع بين الحق والباطل‪ ،‬وال‬ ‫الحديث عن المكاسب والمصالح التي تتأتى من هذه الوظيفة السيادية أو تلك‪ ،‬كما ال‬ ‫ينفع الحديث عن الفساد الوظيفي‪ ،‬واإلصالحات في بعض مرافق الحياة‪ ،‬فمعركة‬ ‫الحق مع الباطل ليست حول بعض المكاسب والوظائف والحصص والفتات الذي‬ ‫يرمى من قبل الطغاة على العتبات‪ ،‬فهذا كله من قبيل ترقيع ما ال يمكن ترقيعه؛ ألن‬ ‫أصل األصول مخروم عند القوم!‬ ‫وإن االبتداء بفروع الدين ومسائله الفقهية العملية قبل ال إله إال هللا‪ ،‬مع من يفقد‬ ‫ال إله إال هللا‪ ،‬يترتب عليه صعوبة انقياد المدعو إلى اإلسالم‪ ،‬إذ تراه عند مورد كل‬


‫‪186‬‬

‫تهذيب خواطر وأفكار يف فقه الدعوة إىل اهلل‬ ‫د‬

‫مسألة من مسائل الدين يرى من حقه أن يطرح عليك عدة أسئلة اعتراضية تعقيبية‪:‬‬ ‫تهذيب شرح‬ ‫الثالثةدمن الداعية‬ ‫األصولتستهلك‬ ‫التساؤالت التي‬ ‫لماذا‪ ..‬وكيف‪ ..‬وما هي الحكمة‪ ..‬وغير ذلك من‬ ‫يعني دخوله في اإلسالم‪،‬‬ ‫وقته وجهده كله ثم في النهاية اقتناعه بها ‪-‬لو اقتنع بها‪ -‬التهذيب‬ ‫بخالف من يبدأ معه بال إله إال هللا‪ ،‬فإن اقتنع بها ومن ثم نطق بها‪ ،‬دخل اإلسالم‪،‬‬ ‫َّوابطُ املُثل‬ ‫اللحظةَىاألولى من نطقه‬ ‫وسهل انقياده لجميع مسائل الدين وفروعه؛ ألنه يعلمالضمنذ‬ ‫أمر هللا‬ ‫لجميع ما‬ ‫واالنقياد‬ ‫االستسالم‬ ‫والعلماءِ‬ ‫الدعا ِة‬ ‫التعامُ ِل مع‬ ‫الشهادةكيفيِّةِ‬ ‫لشهادة التوحيد أن من مقتضيات هذه يف‬ ‫به‪ ،‬واالنتهاء عما نهى عنه من غير تعقيب وال اعتراض وال حرج‪.‬‬ ‫التسليم ألوامر هللا واالنقياد‪،‬‬ ‫قلت‪ :‬ومما يجب على الداعية حمل الناس على د‬ ‫وغرس ذلك في قلوبهم وهذه من الطوام والمصائب التي بليت بها األمة‪ ،‬وإنك لتعجب‬ ‫الثالثةد‬ ‫األصول‬ ‫هذا العالج؟‬ ‫صرفت‬ ‫شرح‪ :‬لما‬ ‫تهذيبطبيبه‬ ‫من المريض بين يدي الطبيب يستنكف عن سؤال‬ ‫ولكن تجده في أوامر هللا سبحانه كثير اإللحاح والجدال يبحث عن مخرج أو تأويل‬ ‫ليعرض عن أمر هللا سبحانه وتعالى‪.‬‬ ‫‪ )4‬إن كان المدعو مسلما ً ومن أهل القبلة ينبغي النظر إلى جوانب القصور‬ ‫والتفريط عنده‪ ،‬فيعطى ما يناسبه‪ ،‬وهذا يستدعي تشخيصا ً دقيقا ً من الداعية لحالة‬ ‫الشخصية التي يدعوها ويوجه لها الخطاب؛ هل تقصيره يأتي من جهة اإليمان‬ ‫واالعتقاد‪ ،‬أم من جهة التفريط ببعض واجبات الدين‪ ،‬وأركانه‪ ..‬أم من جهة‬ ‫مقارفة بعض الذنوب والمنكرات؟ وهل انحرافاته من جهة الشبهات أم من جهة‬ ‫الشهوات؟ فيحدد جانب الخلل والتقصير لديه ليعطيه ما يناسبه من التوجيه‬ ‫والوعظ‪.‬‬ ‫إن لم يحصل ذلك من قبل الداعية‪ ،‬يكون حينئذ مثله مثل الطبيب الذي يضع‬ ‫الدواء في غير موضعه المناسب‪ ،‬فيصرف دواء آالم الرأس على آالم البطن‪ ،‬ودواء‬ ‫آالم البطن على آالم الرأس!‬ ‫من هنا ندرك سبب اختالف وتنوع وصايا النبي المصطفى ^ ألصحابه‪،‬‬ ‫بحسب حاجة كل صحابي وما يناسبه؛ إذ كان من الصحابة من يقول للنبي ^‪ :‬أوصني‬ ‫يا رسول هللا! فيقول له النبي ^‪ « :‬ال تغضب» رواه البخاري‪.‬‬ ‫وبعضهم يقول‪ :‬أوصني يا رسول هللا! فيقول له‪« :‬أوصيك بتقوى هللا‪ ،‬فإنه‬ ‫رأس كل شيء‪ ،‬وعليك بالجهاد فإنها رهبانية اإلسالم‪ ،‬وعليك بذكر هللا وتالوة القرآن‬ ‫فإنه روحك في السماء‪ ،‬وذكرك في األرض» رواه أحمد وحسنه األلباني‪.‬‬ ‫وهكذا كان النبي ^ يوصي كل إنسان بما يناسبه ويحتاجه‪ ،‬وهذا فقه عظيم‬ ‫ينبغي للدعاة أن يتنبهوا له‪.‬‬ ‫‪ )5‬استخدام الترغيب‪ ،‬ونصوص الوعد‪ ،‬في مواطن اليأس والقنوط‪ ،‬واستخدام‬ ‫الترهيب ونصوص الوعيد في مواطن الجفاء والتفريط‪ ،‬لتعتدل األمور‪ ،‬وتجنح‬ ‫المواقف واألحوال‪ ،‬إلى الوسطية من غير إفراط وال تفريط‪.‬‬


‫املنهج املختصر يف الفقه والعقيدة والدعوة‬

‫‪187‬‬

‫والداعية الذي ال يتنبه لهذا المنهج في الدعوة إلى هللا تعالى‪ ،‬يزيد الطين بلة‪،‬‬ ‫ويعين أهل اليأس والقنوط على يأسهم وقنوطهم من رحمة هللا‪ ،‬كما يعين أهل التفريط‬ ‫والجفاء والغفلة على تفريطهم وجفائهم وغفلتهم‪ ،‬وطول األمل والرجاء‪.‬‬ ‫فمن عرف بشدة الخوف من ذنوبه‪ ،‬إلى درجة اليأس والقنوط من رحمة هللا‬ ‫تعالى‪ ،‬فالسنة في دعوة هذا أن يذكر بأن هللا تعالى غفور رحيم‪ ،‬وأن رحمته وسعت‬ ‫كل شيء‪ ،‬وأن هللا تعالى يغفر الذنوب لمن تاب وأناب‪.‬‬ ‫ومن عرف بطول األمل والرجاء‪ ،‬واالنغماس في المعاصي والشهوات إلى‬ ‫درجة االستهانة والالمباالة‪ ،‬فهذا وأمثاله السنة في دعوتهم أن يذكروا بأن هللا تعالى‬ ‫شديد العقاب‪ ،‬وأن يبين لهم نصوص الوعيد التي تبين ما أعد هللا تعالى للعصاة‬ ‫والمجرمين من العذاب األليم‪.‬‬ ‫كذلك يقال في أهل الغلو وأهل اإلرجاء‪ ،‬فالفريق األول يكون الحديث معهم عن‬ ‫سعة رحمة هللا تعالى‪ ،‬وعن حبه تعالى للعذر‪ ،‬والفريق اآلخر يكون الحديث معهم عن‬ ‫أهمية العمل‪ ،‬وعن الوعيد الشديد لمن يفرط بالعمل باإليمان‪ ،‬أو يقصر في القيام‬ ‫بالواجبات‪ ،‬ليحمل كل طرف منهما على التوسط واالعتدال‪ ،‬من غير جنوح إلى‬ ‫إفراط أو تفريط‪.‬‬ ‫‪ )2‬اعتماد الخطاب الدعوي الذي يتسم بالحكمة والموعظة الحسنة‪ ،‬ومجادلة‬ ‫اآلخرين المخالفين بالتي هي أحسن‪ ،‬كما قال تعالى)ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮪﮭ ﮮ ﮯ ﮰ‬ ‫ﮱﯓ&)[النحل‪ .]165:‬ومن المجادلة بالتي هي أحسن‪ :‬انتقاء أقوى التعابير‬ ‫وأحسنها وأجودها وأرفقها التي بها تقوم الحجة على اآلخرين‪ ،‬وتكون سببا ً في‬ ‫أطرهم إلى الحق‪ ،‬وترغيبهم به حتى لو استدعت الحكمة نوع لين ورفق في‬ ‫خطاب الطغاة الظالمين‪ ،‬وكان ذلك أدعى لهم لإلنصات واإلصغاء لنداء الحق‪،‬‬ ‫كما قال تعالى لموسى وهارون عليهما الصالة والسالم‪(:‬ﭨ ﭩ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮪ ﮭ‬ ‫ﮮ ﮯ )طه‪.]44-48:‬‬ ‫فالرفق ما يكون في شيء إال زانه‪ ،‬وال ينزع من شيء إال شانه‪ ،‬وما ينجزه‬ ‫الداعية للدعوة واألمة عن طريق الرفق ال ينجزه عن طريق العنف‪ ،‬لذا يجب عليه‬ ‫أن يتحلى بالرفق في أموره كلها‪ ،‬ويكون الرفق بالنسبة له شعارا ً ومنهج حياة‪ ،‬وما‬ ‫سواه حالة استثنائية طارئة ومؤقتة سرعان ما تنقضي وتزول بزوال أسبابها‪.‬‬ ‫قال النبي ^‪« :‬إن هللا رفيق يحب الرفق‪ ،‬ويعطي على الرفق ما ال يعطي على‬ ‫العنف‪ ،‬وما ال يعطي على ما سواه» رواه مسلم‪ ،‬وقال ^‪« :‬إن الرفق ال يكون في‬ ‫شيء إال زانه‪ ،‬وال ينزع من شيء إال شانه» رواه مسلم‪ ،‬وقال ^‪« :‬من يحرم الرفق‬ ‫يحرم الخير» رواه مسلم‪.‬‬ ‫فالرفق أصل ومنهج‪ ،‬يتحلى به الداعية إلى هللا في جميع أحواله ودعوته‪،‬‬ ‫والشدة حالة استثنائية طارئة‪ ،‬يلجأ إليها بشروطها وقيودها‪.‬‬


‫‪188‬‬

‫تهذيب خواطر وأفكار يف فقه الدعوة إىل اهلل‬ ‫د‬

‫ومن ثمرات الرفق والدعوة إلى هللا تعالى بالحكمة والموعظة الحسنة‪ :‬تجنيب‬ ‫عدواًاألصول‬ ‫الحق شرح‬ ‫السفهاء من الكافرين والمجرمين من أن يسبواتهذيب‬ ‫الثالثةدعلم‪ ،‬وهذا‬ ‫وجهالة بغير‬ ‫تعالى‪* :‬ﮪ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ‬ ‫مطلب ينبغي للداعية إلى هللا تعالى أن يحرص عليه‪ ،‬كما قال‬ ‫تهذيب‬ ‫ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘﯙ&[األنعام‪.]918:‬‬ ‫كلماتطُ اهللاملُثلَى‬ ‫‪ )1‬ومن المجادلة بالتي هي أحسن‪ :‬اللجوء إلى الضَّواب‬ ‫تعالى في محاججة‬ ‫اآلخرين‪ ،‬وقيام الحجة عليهم‪ ،‬حتى لو كان اآلخرون ال يؤمنون باهلل تعالى‪ ،‬وال‬ ‫يف كيفيِّةِ التعامُ ِل مع الدعا ِة والعلماءِ‬ ‫بكتبه وكلماته‪ ،‬فإن لكلمات هللا تعالى أبلغ األثر وأتمه وأكمله عندما تخاطب به‬ ‫اآلخرين‪ ،‬وهي أشد عليهم وطأ ً من كالم البشر‪ ،‬مهمادعال كعب هؤالء البشر‪،‬‬ ‫قال تعالى‪*( :‬ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥﭦ)[األنعام‪ .]19:‬أي‪ :‬ومن بلغه القرآن من‬ ‫الثالثةد‬ ‫تهذيب‬ ‫ﮗﮘﮙﮚ‬ ‫األصول ﮔﮕ ﮖ‬ ‫شرح ﮒ ﮓ‬ ‫ﮏﮐﮑ‬ ‫اإلنس والجن‪ ،‬وقال تعالى‪(:‬ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ‬ ‫ﮛ ﮜ)[الحشر‪.]61:‬‬ ‫ولما كان المشركون ال يقوون على مواجهة جاذبية وأثر القرآن الكريم‪ ،‬اتفقوا‬ ‫فيما بينهم إذا سمعوا النبي ^ يتلو القرآن أن يلغوا‪ ،‬ويشغبوا‪ ،‬وأن ترتفع أصواتهم‬ ‫حتى ال يسمع الناس القرآن‪ ،‬كما قال تعالى‪* :‬ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ&[فصلت‪.]26:‬‬ ‫ومن أساليب القرآن التي ينبغي للداعية أن يتفطن لها‪ :‬االستدالل بتوحيد‬ ‫الربوبية ( الذي هو اإليمان بأن هللا تعالى هو المتفرد بالخلق ) على توحيد األلوهية (‬ ‫الذي هو اإليمان ّ‬ ‫بأن هللا تعالى هو المستحق للعبادة دون ما سواه ) ‪ ،‬إذ غالب الكفرة‬ ‫والمشركين يؤمنون بالربوبية‪ ،‬لكنهم يشركون ويجادلون في األلوهية‪ ،‬قال تعالى‪* :‬ﮭ‬ ‫ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘﯙ ﯚ ﯛ ﯜ&[العنكبوت‪ .]69:‬وقال تعالى‪* :‬ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫﮪ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ‬ ‫ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣﯤ ﯥ ﯦ ﯧﯨ ﯨ ﯪ ﯫ ﯬ&[الزمر‪ .]38:‬فاهلل تعالى يعلمنا‬ ‫كيف نحاور الكفار والمشركين‪ ،‬وكيف نستدل على بطالن شركهم‪ ،‬بما آمنوا به‬ ‫وسلموا‪.‬‬ ‫‪ )1‬كثير من الناس بذور الخير كامنة في نفوسهم‪ ،‬سرعان ما تظهر وتنبت وتعطي‬ ‫عطاءها وثمارها إذا ما صادفت محبا ً صادقا ً في حبها‪ ،‬وإرادة الخير لها‪.‬‬ ‫سرعان ما تنبت وتثمر إذا ما صادفت بسمة صادقة‪ ،‬أو لمسة حنان صادقة من‬ ‫محب ومشفق يريد لها الخير‪.‬‬ ‫المرء إذا أحب إنسانا ً‪ ،‬أحب االستماع إليه‪ ،‬وأحسن اإلنصات إليه‪ ،‬ثم هو لو‬ ‫أخطأ توسع له في التأويل واألعذار‪ ،‬والعكس كذلك إذا أبغض إنسانا ً ‪-‬وإن كان محقا ً‪-‬‬ ‫كره االستماع إليه‪ ،‬ولو أخطأ لضيق عليه األعذار وساحة التأويل‪ ،‬بل لو أصاب الحق‬ ‫لقلل من قيمة ذلك‪ ،‬وظن فيه الظنون!‬ ‫وهذا يعني أن الداعية إلى هللا ال تنتهي مهمته عند البيان وحسب‪ ،‬وإنما يجب‬ ‫عليه مع البيان أن يظهر حبا ً صادقا ً للناس‪ ،‬وغيرة صادقة على أحوالهم ومعاشهم‪،‬‬ ‫وشؤون حياتهم ودينهم‪ ،‬فيعطيهم من اهتمامه وإقباله عليهم بكليته ما استطاع‪ ،‬فيألم‬


‫املنهج املختصر يف الفقه والعقيدة والدعوة‬

‫‪189‬‬

‫لما يألمون‪ ،‬ويسر لما يسرهم مما ليس فيه معصية هلل تعالى‪ ،‬فيعيش ‪-‬صادقا ً‪ -‬همومهم‬ ‫بحلوها ومرها‪ ،‬فينتزع منهم أوالً حبهم واحترامهم‪ ،‬فيكون بعد ذلك نفع عطائه ‪-‬بإذن‬ ‫ربه‪ -‬مضاعفا ً أضعافا ً كثيرة‪.‬‬ ‫هذا المعنى تتمثل أسمى معانيه وأصدقها وأعظمها في شخص الحبيب محمد ^‪،‬‬ ‫كما قال تعالى‪* :‬ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ&[التوبة‪]928:‬؛ أي‪ :‬يصعب‬ ‫ويشتد عليه *ﮋ‬

‫ﮌ&[آل عمران‪]998:‬‬

‫أي‪ :‬ما يشق عليكم *ﯖ ﯗ ﯘ‬

‫ﯙ ﯚ ﯛ&[التوبة‪.]928:‬‬ ‫قال النبي ^‪« :‬ترى المؤمنين في تراحمهم وتوادهم‪ ،‬وتعاطفهم‪ ،‬كمثل الجسد‪،‬‬ ‫إذا اشتكى عضوا ا‪ ،‬تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى» متفق عليه‪ .‬والداعية إلى‬ ‫هللا تعالى أولى المؤمنين بهذه الصفة‪ ،‬وهذا الخلق‪.‬‬ ‫أما الداعية الذي يأبى أن ينزل إلى الشارع ليعايش واقع الناس‪ ،‬ويأنف أن‬ ‫يعيش همومهم ومشاكلهم‪ ،‬ولو أراد أن يخاطب الناس ال يخاطبهم إال في الصاالت‬ ‫المكيفة‪ ،‬ومن وراء الحواجز‪ ،‬والجدر‪ ،‬والشاشات‪ ،‬فال يصح أن يسمى داعية إلى هللا‪.‬‬ ‫والداعية المحب للناس الذي يشاركهم همومهم وأحزانهم‪ ،‬يكسب من الناس‬ ‫ثقتهم وتأييدهم ودعمهم له ولدعوته لو داهمته الخطوب‪ ،‬ويكون الناس وراء هذا‬ ‫الداعية ركنا ً شديدا ً يغضبون له ولحرماته‪ ،‬والداعية ‪-‬وبخاصة في مرحلة‬ ‫االستضعاف‪ -‬يحتاج ‪-‬كسبب‪ -‬إلى هذه الحصانة‪ ،‬وإلى هذا الركن الشديد من الجماهير‬ ‫يجيره ويحميه من بطش الطغاة الظالمين‪ ،‬ومبدأ الجوار وطلب النصرة والحماية كان‬ ‫معموالً به في عهد النبي ^ وما بعده‪ ،‬والحافظ أوالً وآخرا ً الذي يجير وال يجار عليه‬ ‫هو هللا تعالى وحده‪.‬‬ ‫قلت‪ :‬واعلم رحمك هللا أن نفوس الناس لها مفتاح‪ ،‬فمتى ما رزقك هللا القدرة على فتحه‬ ‫استطعت أن تغرس فيها ما تشاء‪ ،‬ومفتاح القلوب الخلق الحسن‪ ،‬فإذا ما أردت دعوة فرد‬ ‫أو جماعة فابحث عن الوسيلة التي تفتح بها القلوب أوالً‪ ،‬ثم ادلف إلى نصيحتك ومما‬ ‫تفتح به القلوب‪ ،‬الهدية‪ ،‬فكم من الناس تؤثر فيه الهدية وتأسره‪ ،‬واالبتسامة أثناء توجيه‬ ‫النصيحة‪ ،‬والثناء على الشخص أو الجماعة أو البلدة المراد دعوتهم‪ ،‬ومن تأمل حال‬ ‫النبي صلى هللا عليه وسلم وجد كثيرا ً ما يثني على صحاب الفضل‪ ،‬فقد أثنى على عائشة‬ ‫وذكر ّ‬ ‫أن فضلها على النساء كفضل الثريد على سائر الطعام‪ ،‬وقال في عثمان يوم‬ ‫ذر بأنه أصدق لهجة ‪...‬الخ ‪.‬‬ ‫ضر عثمان ما فعل بعد اليوم‪ ،‬وأثنى على أبي ّ‬ ‫العسرة‪ :‬ما ّ‬ ‫ومنها استغالل اإلساءة‪ ،‬فالداعية معرض لإلساءة من قبل المدعوين‪ ،‬فلو استغل هذه‬ ‫اإلساءة وقابلها باإلحسان لوجد لها أثرا ً بالغاً‪.‬‬


‫‪191‬‬

‫تهذيب خواطر وأفكار يف فقه الدعوة إىل اهلل‬ ‫د‬

‫ومنها أي‪ :‬من أساليب كسب قلوب الناس‪ ،‬تلطيف النصيحة بشيء من لين الكالم‪ ،‬ومنها‬ ‫الثالثةد‬ ‫تهذيبعدمشرح‬ ‫الناس‪ ،‬ومنها‬ ‫األصول أمام‬ ‫الجهر بها‬ ‫الحرص على عدم إطالة النصيحة‪ ،‬والحرص على‬ ‫تبيين الشفقة في النصح ال التعالي والتشفي‪.‬‬ ‫تهذيب‬ ‫‪ )9‬اعتماد الوسطية في الدعوة إلى هللا تعالى التي تعني التزام غرز الحق من غير‬ ‫َّواب‪.‬طُ املُثلَى‬ ‫جنوح‪ ،‬إلى إفراط أو تفريط‪ ،‬وال ميل إلى غلو أوالض‬ ‫جفاء‬ ‫قلت‪ :‬وقد فهم بعض الناس بالوسطية بتقديم التنازالت والتمسك بالدين تشددا‪ً،‬‬ ‫الدعا ِة‬ ‫التعامُ ِل‬ ‫وهذا لبس للحق بالباطل‪ ،‬فالوسطية هي يف كيفيِّ‬ ‫والعلماءِالمحكم‬ ‫المتشابه‬ ‫مع يرد‬ ‫النص‬ ‫الوقوفةِ عند‬ ‫والتسليم ألمر هللا ورسوله‪.‬‬ ‫د‬ ‫إذ كثير من الناس في كثير من مسائل الدين هم فيها إلى مذهبين‪ :‬إما إلى غلو‬ ‫الثالثةد أصحابه‬ ‫األصولأعز وأقل‬ ‫شرح وما‬ ‫تهذيببينهما‪،‬‬ ‫وإفراط‪ ،‬وإما إلى جفاء وتفريط‪ ..‬والحق وسط‬ ‫وأنصاره!‬ ‫هذا المنهج الوسطي في الدعوة إلى هللا تعالى ‪-‬القائم على التوسط واالعتدال من‬ ‫غير جنوح إلى إفراط أو تفريط‪ -‬ينبغي للداعية أن ينتهجه ويتحلى ويتزين به‪ ،‬ألنه‬ ‫األقرب إلى فطرة الناس‪ ،‬وإلى استجابتهم‪ ،‬وألنه هو المنهج الحق القائم على العدل‬ ‫الذي ارتضاه هللا تعالى لعباده‪ ،‬وإن سخطه الساخطون‪ ،‬كما قال تعالى‪* :‬ﭪ ﭫ ﭬ‬ ‫ﭭ&[البقرة‪.]943:‬‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫قال عبد الرحمن السعدي في تفسيره‪( :‬أي‪ :‬عدال خيارا‪ ،‬وما عدا الوسط‬ ‫فأطراف داخلة تحت الخطر‪ .‬فجعل هللا هذه األمة وسطا ً في كل أمور الدين؛ وسطا ً‬ ‫في األنبياء بين من غال فيهم كالنصارى وبين من جفاهم كاليهود‪ ،‬بأن آمنوا بهم كلهم‬ ‫على الوجه الالئق بذلك‪ .‬ووسطا ً في الشريعة ال تشديدات اليهود وآصارهم وال تهاون‬ ‫النصارى‪.‬‬ ‫وفي باب الطهارة والمطاعم ال كاليهود الذين ال تصح لهم صالة إال في بيعهم‬ ‫وكنائسهم وال يطهرهم الماء من النجاسات‪ ،‬وقد حرمت عليهم الطيبات عقوبة لهم‪،‬‬ ‫وال كالنصارى الذين ال ينجسون شيئا ً‪ ،‬وال يحرمون شيئا ً‪ ،‬بل أباحوا ما دب ودرج‪.‬‬ ‫بل طهارتهم أكمل طهارة وأتمها‪ ،‬وأباح هللا لهم الطيبات من المطاعم والمشارب‬ ‫والمالبس والمناكح وحرم عليهم الخبائث من ذلك‪ ،‬فلهذه األمة من الدين أكمله ومن‬ ‫األخالق أجلها‪ ،‬ومن األعمال أفضلها‪ ،‬ووهبهم هللا من العلم والحلم والعدل واإلحسان‬ ‫ما لم يهبه ألمة سواهم‪ ،‬فلذلك كانوا *ﭬ ﭭ&[البقرة‪ ،]943:‬كاملين معتدلين‪ ،‬ليكونوا *ﭯ ﭰ‬ ‫ﭱ&[البقرة‪ ،]943:‬بسبب عدالتهم وحكمهم بالقسط‪ ،‬يحكمون على الناس من سائر أهل‬ ‫األديان وال يحكم عليهم غيرهم) اهـ‪.‬‬ ‫وقال النبي ^‪« :‬إياكم والغلو في الدين‪ ،‬فإنما هلك من كان قبلكم بالغلو في‬ ‫الدين» رواه أحمد وصححه األلباني‪.‬‬


‫املنهج املختصر يف الفقه والعقيدة والدعوة‬

‫‪195‬‬

‫فالوسطية الشرعية الحقة هي التوسط والوقوف وسطا ً بين منهجين باطلين‪،‬‬ ‫وليست الوسطية بمعنى محاولة اإلصالح والتقارب والتقريب بين الحق والباطل في‬ ‫نقطة وسط كما يفسرها‪ ،‬ويدعو لها أهل البدع واألهواء‪ ،‬فهذه وسطية باطلة‪،‬‬ ‫واإلسالم يبرأ منها ومن أهلها‪.‬‬ ‫‪ )11‬انتهاج مبدأ التيسير على العباد ما أمكن لذلك سبيالً‪ ،‬ما لم يكن إثما ً‪ ،‬أو يؤدي‬ ‫إلى إثم‪ ،‬فحينئذ على الداعية الجاد أن ينأى بنفسه عن العمل واإلفتاء بتيسير‬ ‫يؤدي إلى الوقوع في المحظور‪.‬‬ ‫وهذا منهج في الدعوة إلى هللا تعالى على الداعية أن ينتهجه‪ ،‬ويعتمده كعامل‬ ‫من عوامل الترجيح وتحديد المواقف‪ ،‬إذا ما عرض عليه أمران كل منهما حق‬ ‫ومشروع‪ ،‬فينظر حينئذ إلى أيسرهما وأقربهما إلى التيسير فيأخذ به‪ ،‬وبخاصة إذا‬ ‫اشتدت األمور وضاقت على الناس‪ ،‬فحينئذ قد يرقى العمل بالتيسير إلى درجة‬ ‫الوجوب‪ ،‬كما في القاعدة الفقهية‪( :‬إذا ضاقت اتسعت)‪ .‬والقاعدة األخرى التي تقول‪:‬‬ ‫(الضرورات تبيح المحظورات)‪ .‬على قدر الضرورة‪ ،‬بالقدر الذي به تندفع وتزول‪.‬‬ ‫قال تعالى‪* :‬ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ&[الشرح‪ .]6-5:‬فالعسر إذا جاء وأطل بظالله يتبعه‬ ‫التيسير واليسر بإذن هللا‪ ،‬وما غلب عسر يسرين‪ ..‬وما ينبغي له أن يغلب!‬ ‫وصح عن النبي ^ أنه قال‪« :‬ادعوا الناس‪ ،‬وبشروا وال تنفروا‪ ،‬ويسروا وال‬ ‫تعسروا» رواه مسلم‪ .‬وقال ^‪« :‬إن الدين يسر‪ ،‬ولن يشاد الدين أحد إال غلبه» رواه‬ ‫البخاري‪.‬‬ ‫وفي قصة األعرابي الذي بال في المسجد النبوي‪ ،‬قال رسول هللا ^‪« :‬دعوه‬ ‫وأهريقوا على بوله دلوا ا من ماء‪ ،‬فإنما بعثتم ميسرين‪ ،‬ولم تبعثوا معسرين» رواه‬ ‫البخاري‪ .‬فاعتبر ^ منعه من إتمام بوله ‪-‬وفي أقدس مكان بعد الحرم المكي‪ -‬نوعا ً من‬ ‫التعسير المنافي للتيسير الذي يؤدي بصاحبه إلى الضرر‪.‬‬ ‫وعن عائشة ل‪ ،‬أنها قالت‪« :‬ما خير رسول هللا ^ بين أمرين إال أخذ أيسرهما‪،‬‬ ‫ما لم يكن إثما ا كان أبعد الناس منه» متفق عليه‪.‬‬ ‫‪ )11‬كذلك مما يجب أن ينضبط عند الداعية إلى هللا مسألة الغضب‪ ،‬وتحديد‬ ‫المواقف من اآلخرين واألحداث‪ ،‬فيجتهد ‪-‬ما استطاع‪ -‬أن ال يغضب لنفسه‬ ‫وحظوظه‪ ،‬وإنما يكون غضبه هلل تعالى وحده‪ ،‬إذا ما انتهكت حرماته أو شيء‬ ‫منها‪ ،‬فعن عائشة ل أنها قالت‪« :‬ما انتقم رسول هللا ^ لنفسه‪ ،‬إال أن تنتهك حرمة‬ ‫هللا فينتقم هلل بها» متفق عليه‪.‬‬ ‫فالغضب مذموم‪ ،‬والشريعة قد نهت عنه‪ ،‬إال ما كان هلل تعالى‪ ،‬وانتصارا ً‬ ‫لحرماته‪ ،‬حتى الغضب هلل تعالى يجب أن يكون باعتدال وعدل من غير إفراط وال‬ ‫تفريط‪ ،‬أو يوضع الغضب في غير موضعه الصحيح‪ ،‬حيث ال ينبغي للداعية أن‬


‫‪191‬‬

‫تهذيب خواطر وأفكار يف فقه الدعوة إىل اهلل‬ ‫د‬

‫يغضب إذا ما حصل تجاوز أو تقصير في بعض النوافل‪ ،‬أو مسائل الفروع‪ ،‬كما‬ ‫بالتوحيداألصول‬ ‫تهذيب شرح‬ ‫الثالثةد الكلية‪.‬‬ ‫وبأصول الدين‬ ‫يغضب عندما يكون التقصير أو المخالفة لها مساس‬ ‫تهذيب‪ ،‬فإن كان يزال عن‬ ‫واعلم أن المهم في عملية إنكار المنكر أن يزال المنكر‬ ‫طريق الرفق‪ ،‬والكلمة الطيبة‪ ،‬أو اإلشارة‪ ،‬والتلميح ونحو ذلك‪ ..‬ال يجوز حينئذ أن‬ ‫طُ املُثل‬ ‫الضَّواب‬ ‫َى ‪-‬بخالف الرفق‪-‬‬ ‫لذاته‬ ‫يراد‬ ‫تزيله عن طريق الشدة‪ ،‬واستخدام العنف‪ ،‬ألن العنف ال‬ ‫يعالج إال‬ ‫التعامُبه‪ِ.‬ل مع الدعا ِة والعلماءِ‬ ‫وإنما يطلب لغيره‪ ،‬وكان هذا الغير ال يزاليفوالكيفيِّةِ‬ ‫قلت‪ :‬وهذا خيط دقيق وحد رقيق يجب التنبيه له في الفرق بين غضب هللا وغضب‬ ‫النفس غضبا ً هلل‪ ،‬ولعل في‬ ‫النفس‪ ،‬فحذار من الخلط بينهما والتأويل النفس بجعل غضب د‬ ‫حديث األعرابي الذي جر عنق النبي صلى هللا عليه وسلم وطالق ابن عمر داللة على‬ ‫تهذيب شرح األصول الثالثةد‬ ‫ذلك‪.‬‬ ‫فعن أنس بن مالك رضي هللا عنه‪ ،‬قال‪" :‬كنت أمشي مع النبي صلى هللا عليه وسلم‬ ‫ي‪ ،‬فجذبه جذبةً شديدةً‪ ،‬حتى نظرت إلى‬ ‫ي غليظ الحاشية‪ ،‬فأدركه أعراب ٌّ‬ ‫وعليه بُرد ٌ نجران ٌّ‬ ‫َّ‬ ‫الرداء من شدَّة جذبته‪ ،‬ث َّم‬ ‫صفحة عاتق النَّبي صلى هللا عليه وسلم قد أثرت به حاشية ِ ّ‬ ‫قال‪ُ :‬م ْر لي من مال هللا الذي عندك‪ .‬فالتفت إليه‪ ،‬فضحك‪ ،‬ث َّم أمر له بعطاء" متفق عليه‬ ‫عن عبدهللا بن عمر رضي هللا عنهما قال‪ :‬كانت تحتي امرأة‪ ،‬وكنت أحبها‪ ،‬وكان عمر‬ ‫يكرهها‪ ،‬فقال لي‪ :‬طلقها‪ ،‬فأبيت‪ ،‬فأتى عمر رضي هللا عنه النبي صلى هللا عليه وسلم‬ ‫ي‪.‬‬ ‫فذكر ذلك له‪ ،‬فقال النبي صلى هللا عليه وسلم "طلقها" ح ّ‬ ‫سنه األلبان ّ‬ ‫‪ )16‬لكي ينجح الداعية في دعوته‪ :‬ال بد له من أن يتحقق له اإللمام الوافي بالواقع‬ ‫الذي يعايشه‪ ،‬ويتعامل معه‪ ،‬ويريد معالجته؛ ما هي صفته؟ وما هي جوانب‬ ‫النقص والقصور فيه؟ وما حجم هذا النقص ونوعه؟ وأثره؟ ومن ثم اإللمام‬ ‫الدقيق بمجموع النصوص الشرعية ذات العالقة بهذا الواقع‪ ،‬فيجمع بين فقه‬ ‫الواقع وبين فقه النص ذي العالقة بهذا الواقع‪ ،‬وأيما خلل أو نقص في أي‬ ‫جانب من الجانبي اآلنفي الذكر‪ ،‬سيوقع الداعية في أخطاء جسيمة ال تحمد‬ ‫عقباها‪ ،‬وهو مثله حينئذ كمثل من يضع الدواء في غير موضعه‪ ،‬وقبل أن‬ ‫يشخص الداء وموضعه‪ ،‬وأنى لهذا أن يفلح أو يصيب في عالجه لمن يريد‬ ‫عالجه؟! فالحكم على الشيء فرع من تصوره‪.‬‬ ‫عن أبي عبيدة بن حذيفة قال‪ :‬جاء رجل إلى حذيفة بن اليمان‪ ،‬وأبو موسى‬ ‫األشعري قاعد‪ ،‬فقال‪ :‬أرأيت رجالً ضرب بسيفه غضبا ً هلل حتى قتل‪ ،‬أفي الجنة أم في‬ ‫النار؟ فقال أبو موسى‪ :‬في الجنة‪ .‬قال حذيفة‪ :‬استفهم الرجل وأفهمه ما تقول‪ .‬قال أبو‬ ‫موسى‪ :‬سبحان هللا! كيف قلت؟! قال‪ :‬قلت‪ :‬رجالً ضرب بسيفه غضبا ً هلل حتى قتل‪،‬‬ ‫أفي الجنة أم في النار؟ فقال أبو موسى‪ :‬في الجنة‪ .‬قال حذيفة‪ :‬استفهم الرجل وأفهمه‬ ‫ما تقول‪ ،‬حتى فعل ذلك ثالث مرات‪ ،‬فلما كان في الثالثة‪ ،‬قال‪ :‬وهللا ال تستفهمه! فدعا‬ ‫به حذيفة‪ ،‬فقال‪ :‬رويدك‪ ،‬إن صاحبك لو ضرب بسيفه حتى ينقطع‪ ،‬فأصاب الحق‬


‫املنهج املختصر يف الفقه والعقيدة والدعوة‬

‫‪193‬‬

‫حتى يقتل عليه فهو في الجنة‪ ،‬وإن لم يصب الحق‪ ،‬ولم يوفقه هللا للحق‪ ،‬فهو في‬ ‫النار‪ .‬ثم قال‪ :‬والذي نفسي بيده! ليدخلن النار في مثل الذي سألت عنه أكثر من كذا‬ ‫(‪)1‬‬

‫وكذا ‪.‬‬ ‫‪ )18‬يستحسن من الداعية ليفهم عنه أن يجتهد ما استطاع في االبتعاد عن التعبيرات‬ ‫المتشابهة حمالة األوجه والمعاني‪ ،‬وأن يكون كالمه محكما ً واضحا ً غير متشابه‪،‬‬ ‫ال يحتمل إال فهما ً واحدا ً‪ ،‬وتفسيرا ً واحدا ً‪ ،‬أما إن أكثر من الكالم المتشابه حمال‬ ‫األوجه والمعاني‪ ،‬يفهم عنه خطأ‪ ،‬ويؤدي إلى تشويش السامعين ممن يريد‬ ‫دعوتهم‪ ،‬فال يفقهون عنه شيئا ً‪ ،‬وقد يحملهم أسلوبه هذا على رد الحق‪ ،‬وعلى‬ ‫معارضة الحق بالحق‪ ،‬وضرب اآليات بعضها ببعض‪.‬‬ ‫ً‬ ‫ولقد كان من سنة النبي ^ في كثير من األحيان إذا تكلم بكلمة أعادها ثالثا لتفهم‬ ‫عنه‪ ،‬كما قال أنس بن مالك‪ « :‬كان ^ إذا تكلم بكلمة أعادها ثالثا ا؛ حتى تفهم عنه»‬ ‫(‪)2‬‬

‫البخاري‪ .‬و« كان ^ ال يراجع بعد ثالث» ‪.‬‬ ‫وفي األثر عن ابن مسعود ا‪( :‬ما من رجل يحدث قوما ً حديثا ً ال تبلغه عقولهم‪،‬‬ ‫إال كان فتنة لبعضهم)‪ ،‬وعن علي بن أبي طالب ا‪ ،‬قال‪( :‬حدثوا الناس بما يعرفون‪،‬‬ ‫أتحبون أن يكذب هللا ورسوله) رواه البخاري‪.‬‬ ‫‪ )14‬يجب على الداعية أن يتصرف بمسؤولية نحو دينه‪ ،‬وأمته‪ ،‬والناس أجمعين‪،‬‬ ‫ومن ذلك أن ينظر إلى مآالت مواقفه وكلماته وفتاويه‪ ،‬إذ أحيانا ً ال يكفي أن‬ ‫يوافق الحق فيما يقول أو يفعل‪ ،‬وإنما عليه أيضا ً أن ينظر إلى نتائج كلماته‬ ‫وأفعاله‪ ،‬كيف ستفهم وكيف ستفسر‪ ،‬وهل ستصب في مصلحة الدين والدعوة‬ ‫واألمة أو أنها سيترتب عليها من المفاسد ما يفوق المصالح؟ وهل سيستفيد منها‬ ‫العدو على عدوانه‪ ،‬ويتقوى بها الظالم على ظلمه‪ ..‬فيكون اإلمساك حينئذ هو‬ ‫األولى‪ ،‬وهو األسلم‪ ..‬أو أن العواقب والمآالت على خالف ذلك؟ كل هذا ينبغي‬ ‫أن يكون نصب عيني الداعية إلى هللا تعالى وهو يدعو إلى هللا‪.‬‬ ‫فقد صح عن النبي ^‪ ،‬أنه أمسك عن قتل رأس النفاق ابن سلول‪ ،‬رغم بالغ أذاه‬ ‫وطعنه وغمزه‪ ،‬حتى ال يقال‪ :‬إن محمدا ً يقتل أصحابه!‬ ‫فإذا كان قتل منافق معلوم النفاق سيؤدي إلى فتنة وتفرق وتقاتل األصحاب‬ ‫واإلخوان‪ ،‬وأن يتحدث الناس أن المسلمين يقتلون بعضهم بعضا ً‪ ،‬وفي ذلك من التنفير‬

‫(‪ )1‬أخرجه محمد بن وضاح القرطبي‪ ،‬في كتابه النافع‪ :‬البدع والنهي عنها‪.‬‬ ‫(‪ )2‬صحيح الجامع‪.)4859( :‬‬


‫تهذيب خواطر وأفكار يف فقه الدعوة إىل اهلل‬

‫‪194‬‬

‫د‬

‫والضرر ما فيه؛ فاألولى حينئذ اإلمساك عن قتل هذا المنافق الذي يظهر نفاقه وإن‬ ‫شرح األصول الثالثةد‬ ‫كان في األصل قتله جائزاً‪ ،‬فليس كل جائز يجبتهذيب‬ ‫القيام به!‬ ‫الداعية أن يتوخى الوقت‬ ‫‪ -95‬لكي تتأتى الثمرة المرجوة من الدعوة‪ ،‬علىتهذيب‬ ‫والظرف المناسبين للدعوة والوعظ واإلرشاد‪ ،‬فال يحدث الناس في أوقات إدبارهم‬ ‫عليهم املُثلَى‬ ‫الضَّوابطُ‬ ‫حديثهم‪ ،‬ولكن ينتظر‬ ‫وانشغالهم عنه‪ ،‬أو وهم في حديث من أحاديثهم فيقطع‬ ‫بالسؤال؛‬ ‫بادروه‬ ‫مع‪ ،‬أو‬ ‫لعليه‬ ‫منهم نوع إقبال والتفاتة‪ ،‬ورغبة في‬ ‫والعلماءِ‬ ‫الدعا ِة‬ ‫أقبلوامُ ًِ‬ ‫فإذاةِ التعا‬ ‫االستماع؛كيفيِّ‬ ‫يف‬ ‫أقبل عليهم وباشرهم اإلجابة بلغة سهلة يفهمونها بعيدا عن التكلف والتشدق‪،‬‬ ‫المسائل‪ ،‬وال يملهم الحديث‪،‬‬ ‫والتفيهق‪ ،‬ثم يجتهد أن ال يكثر عليهم‪ ،‬وال يشعب عليهم د‬ ‫وكثرة الكالم ينسي بعضه بعضا ً‪ ،‬فيقل حينئذ النفع من حديثه وكلماته‪.‬‬ ‫الثالثةد‬ ‫األصول‬ ‫جمعة مرة ً‪ ،‬فإن أبيت‬ ‫شرح كل‬ ‫تهذيبالناس‬ ‫وعن عكرمة أن ابن عباس قال له‪( :‬حدث‬ ‫فمرتين‪ ،‬فإن أكثرت فثالث مرات‪ ،‬وال تمل الناس هذا القرآن‪ ،‬وال ألفينك تأتي القوم‬ ‫وهم في حديث من حديثهم‪ ،‬فتقص عليهم‪ ،‬فتقطع عليهم حديثهم فتملهم‪ ،‬ولكن أنصت‪،‬‬ ‫فإذا أمروك فحدثهم وهم يشتهونه‪ ،‬وانظر السجع من الدعاء فاجتنبه‪ ،‬فإني عهدت‬ ‫رسول هللا ^ وأصحابه ال يفعلون ذلك) رواه البخاري‪.‬‬ ‫وعن شقيق قال‪ :‬كان عبد هللا بن مسعود يذكر الناس في كل خميس‪ ،‬فقال له‬ ‫رجل‪ :‬يا أبا عبد الرحمن! لوددت أنك ذكرتنا في كل يوم‪ .‬قال‪( :‬أما إنه يمنعني من‬ ‫ذلك أني أكره أن أملكم‪ ،‬وإني أتخولكم بالموعظة كما كان رسول هللا ^ يتخولنا بها‪،‬‬ ‫مخافة السآمة علينا) رواه البخاري‪.‬‬ ‫ً‬ ‫وقال ^‪( :‬هلك المتنطعون! قالها ثالثا) رواه مسلم‪ .‬ومن التنطع‪ :‬التكلف‪،‬‬ ‫والغلو‪ ،‬والمبالغة في طلب الشيء‪.‬‬ ‫وعن أنس بن مالك قال‪ :‬كنا عند عمر ا فقال‪( :‬نهينا عن التكلف) رواه‬ ‫البخاري‪.‬‬ ‫ثم إنه إذا حدث الناس ينبغي أن يقبل عليهم بوجهه وحديثه ليعم جميع‬ ‫الحضور‪ ،‬وال يقتصر إقباله على شخص واحد دون غيره‪ ،‬أو يكون وجهه وبصره‬ ‫في اتجاه‪ ،‬ومن يستمعون إليه ممن يخاطبهم في اتجاه آخر‪ ،‬عن أبي حبيب بن أبي‬ ‫ثابت قال‪( :‬كانوا ‪-‬أي الصحابة‪ -‬يحبون إذا حدث الرجل‪ ،‬أن ال يقبل على الرجل‬ ‫(‪)1‬‬

‫الواحد‪ ،‬ولكن ليعمهم) ‪.‬‬

‫(‪ )1‬صحيح األدب المفرد‪.)171( :‬‬


‫املنهج املختصر يف الفقه والعقيدة والدعوة‬

‫‪195‬‬

‫وينبغي للداعية في المجالس العامة‪ :‬أن يرمي على مسامع الحضور عبارات‬ ‫قصيرة ومثيرة‪ ،‬تستدعي من اآلخرين نوع إقبال وفضول وسؤال‪ ،‬فيكون ذلك سببا ً‬ ‫للبداية في اإلفاضة والتوسع في الدعوة إلى هللا‪.‬‬ ‫ثم عليه إن تكلم أن ال يلتفت بالتعليق والتعقيب على المداخالت والكلمات التي‬ ‫تصرفه بعيدا ً عن موضوعه األساس الذي انتقاه لهذا المجلس أو ذاك‪ ،‬بل إن من‬ ‫الحضور من يكون هذا هو غرضه؛ وهو أن يشتت الداعية عن فكرته األساس‪،‬‬ ‫وموضوعه األساس؛ أال وهو الدعوة إلى هللا تعالى‪ ،‬فإن لم يتنبه الداعية لذلك؛ فحينئذ‬ ‫ال يثبت له قرار على موضوع محدد‪ ،‬وينفض المجلس من دون أن يفهم عنه شيء!‬ ‫‪ -96‬الكالم منه ما يكون مبعثه من الفم‪ ،‬ومنه ما يكون مبعثه من القلب‪ ،‬فما‬ ‫كان مبعثه من الفم من غير حرارة تنبعث من القلب‪ ،‬يصل إلى اآلذان وحسب‪ ،‬وما‬ ‫يصل لآلذان يصل فاترا ً ذابالً ال ينتفع منه‪ ،‬وما كان مبعثه من القلب‪ ،‬فإنه يصل إلى‬ ‫قلب المخاطب وال بد‪ ،‬وما يصل إلى القلب يتبعه فقه وتدبر وعمل‪ ،‬فحديث الروح‬ ‫للروح‪ ،‬وحديث القلب للقلب؛ أنفع من حديث الشفاه البارد!‬ ‫والداعية يحصل له هذا وذاك؛ فلما يشعر أن كالمه يخرج من قلبه يستمر في‬ ‫كالمه إلى نهايته‪ ،‬ويعلم أن الكالم الذي يخرج من قلبه يستقر في قلب المخاطب بإذن‬ ‫هللا‪ ،‬وإذا وقع في حالة فتور وشعر أن كالمه يخرج من فيه وحسب‪ ،‬من غير‬ ‫استحضار لما يقول في قلبه‪ ،‬فليتوقف وليمسك عن الكالم؛ ألن كالمه حينئذ قد يصل‬ ‫إلى اآلذان لكن ال يصل إلى القلوب‪.‬‬ ‫‪ -97‬يجب على الداعية وهو ينطلق في عمله الدعوي أن يحافظ على أمرين‪:‬‬ ‫أولهما‪ :‬أن ينطلق للدعوة إلى هللا قدر استطاعته‪ ،‬فيبذل قصارى جهده في خدمة‬ ‫الدعوة‪ ،‬لقوله تعالى‪* :‬ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ&[التغابن‪ .]96:‬ولقوله ^‪« :‬وما أمرتكم به‪ ،‬فأتوا منه ما‬ ‫استطعتم» متفق عليه‪.‬‬ ‫ثانيا ا‪ :‬أن ال يعطي العدو ذريعة الستئصاله‪ ،‬مقابل ال شيء يذكر‪ ،‬أو مقابل نفع‬ ‫غير ذي بال ال يستحق تلك التضحية‪ ،‬كأن يقول مثالً كلمات في مواطن ال تقدم وال‬ ‫تؤخر‪ ،‬وتكون سببا ً في اعتقاله وتجميد عمله الدعوي لعشر سنوات أو أكثر!!‬ ‫وقد صح عن النبي ^ أنه قال‪ « :‬ال ينبغي لمؤمن أن يذل نفسه»‪ ،‬قالوا‪ :‬وكيف‬ ‫(‪)1‬‬

‫يذل نفسه؟ قال‪« :‬يتعرض من البالء لما ال يطيق» ‪.‬‬ ‫أي‪ :‬ال ينبغي أن يستشرف مواطن بالء ال طاقة له بها‪ ،‬قد تكون سببا ً في فتنته‪،‬‬ ‫أو ارتداده وانتكاسته‪ ..‬أو توقفه عن العطاء‪ ..‬لكن إن نزل بساحته البالء من غير‬ ‫(‪ )1‬صحيح سنن ابن ماجه‪.)3243( :‬‬


‫تهذيب خواطر وأفكار يف فقه الدعوة إىل اهلل‬

‫‪196‬‬

‫د‬

‫استشراف وال سعي منه نحوه‪ ،‬فهنا عليه أن يصبر ويحتسب‪ ،‬ويثبت‪ ،‬فالمؤمن مبتلى‪،‬‬ ‫الثالثةد‬ ‫األمثل فاألمثل‪،‬‬ ‫األصول ثم‬ ‫شرحاألنبياء‪،‬‬ ‫تهذيببالء‬ ‫ويبتلى على قدر دينه‪ ،‬كما في الحديث‪« :‬أشد الناس‬ ‫ا‬ ‫بالؤه‪ ،‬وإن كان في دينه‬ ‫يبتلى الرجل على حسب دينه‪ ،‬فإن كان في دينه صلبا اشتد‬ ‫تهذيب‬ ‫رقةا ابتلي على قدر دينه‪ ،‬فما يبرح البالء بالعبد حتى يتركه يمشي على األرض وما‬ ‫(‪)1‬‬

‫الضَّوابطُ املُثلَى‬

‫عليه خطيئة» ‪.‬‬ ‫والمواقف‬ ‫المواطن‬ ‫لمن‬ ‫لذا فأحيانا ً تقتضي الحكمة‬ ‫والعلماءِ‬ ‫مع الدعا ِة‬ ‫كثيرمُ ِ‬ ‫في التعا‬ ‫والمصلحةكيفيِّةِ‬ ‫يف‬ ‫االقتصار على التلميح واإلشارة‪ ،‬التي بها يفهم اللبيب والعاقل المراد‪ ،‬وتصل الرسالة‬ ‫لمن يريد أن يعرف الحق‪ ،‬إذ أحيانا ً ال تسمح الظروف أن د‬ ‫يقف الداعية عند كل حدث‬ ‫أو جزئية فيفصل‪.‬‬ ‫تهذيب شرح األصول الثالثةد‬ ‫وعلى الداعية ‪-‬وبخاصة في مرحلة االستضعاف‪ ،‬وما قبل التمكين‪ -‬أن يحسن‬ ‫التمييز بين من يسأل استرشادا ً من أجل العمل‪ ،‬فيقبل عليه بكليته‪ ،‬فيجيبه عما يسأله‬ ‫عنه‪ ،‬أيا ً كان سؤاله‪ ،‬وبين من يسأل فتنة وترفا ً‪ ،‬ومن قبيل االستجرار وحفر الحفر‪،‬‬ ‫فهذا يعرض عنه‪ ،‬وال ينشغل به وال يلتفت إليه‪ ،‬وال ألسئلته أيا ً كانت أسئلته‪.‬‬ ‫كما على الداعية أن يراجح ‪-‬قبل اإلقدام‪ -‬بين حجم التضحية الناجمة عن‬ ‫صدعه وبيانه‪ ،‬وبين المصلحة الناجمة عن ذلك الصدع والبيان‪ ،‬فينظر إن كانت تلك‬ ‫المصلحة تستحق تلك التضحية أم ال‪ ،‬فيقدم ما رجحت مصلحته ونفعه على ضرره‪،‬‬ ‫ويدفع ما رجح ضرره على نفعه‪.‬‬ ‫‪ -98‬ال ينبغي للداعية إلى هللا تعالى أن يقلل من شأن نفسه‪ ،‬فيبخسها حقها‬ ‫ومكانتها‪ ،‬فيعتقد أنه ال شيء‪ ،‬أو أن التحديات المحيطة به أكبر منه‪ ،‬وأكبر مما يملك‬ ‫من طاقات وإمكانيات‪ ،‬فيهيمن عليه اإلحباط واليأس‪ ،‬فقليل منه‪ ،‬مع قليل غيره من‬ ‫الدعاة‪ ،‬قد يبارك هللا به‪ ،‬ويصبح بإذن هللا كثيرا ً وكبيرا ً‪ ،‬وذا بال وأثر على واقع‬ ‫وحياة الناس‪ ،‬فكم من خير عظيم كانت بدايته جهد فرد ال يؤبه له‪ ،‬وكم من خير لم‬ ‫تظهر آثاره وثماره إال بعد حين‪ ،‬وربما بعد رحيل صاحبه‪ ،‬فعليك الغرس‪ ،‬وعلى هللا‬ ‫تعالى الزرع واإلنبات‪ ،‬فلله األمر من قبل ومن بعد‪ ،‬يضع القبول لمن يشاء‪ ،‬ووقتما‬ ‫يشاء‪ ،‬وحيثما يشاء‪.‬‬ ‫وعندما يتسلل القنوط واليأس إلى نفس الداعية‪ ،‬يكون ذلك بمثابة اإلعالن عن‬ ‫الهزيمة واالنتكاس والفشل والهروب من الواقع وتحمل تبعاته‪ ،‬وتفريغ ميادينه للباطل‬ ‫وأهله‪ ،‬ويكون بمثابة اإلعالن عن انتصار الباطل وأهله؛ لذا فإن العدو يعمل جاهدا ً‬ ‫من أجل تدمير معنويات الدعاة إلى هللا‪ ،‬وحملهم على القنوط واليأس من النصر أو‬ ‫(‪ )1‬صحيح سنن الترمذي‪.)9156( :‬‬


‫املنهج املختصر يف الفقه والعقيدة والدعوة‬

‫‪197‬‬

‫الظفر بشيء‪ ،‬ليثنيهم عن مهمتهم ودعوتهم‪ ،‬فعلى الدعاة أن يتفطنوا لهذا‪ ،‬وأن‬ ‫يحذروه أشد الحذر‪ ،‬وأن يعلم كل واحد منهم أنه على ثغر عظيم من ثغور األمة‬ ‫واإلسالم‪ ،‬فليحذر أن تؤتى األمة واإلسالم من قبل ثغره‪ .‬قال تعالى‪* :‬ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ‬ ‫ﭼ&[الحجر‪.]56:‬‬ ‫ثم إن من صفات الغرباء الذين أثنى النبي ^ عليهم خيرا ً‪ ،‬أنهم يتصدرون مهمة‬ ‫إصالح ما يفسده الناس‪ ،‬وأن من يعصيهم أكثر ممن يطيعهم‪ ،‬وما يصدهم ذلك عن‬ ‫دينهم ومهمتهم‪ ،‬قال النبي ^‪« :‬إن اإلسالم بدأ غريبا ا‪ ،‬وسيعود غريبا ا كما بدأ‪ ،‬فطوبى‬ ‫للغرباء‪ ،‬قيل‪ :‬من هم يا رسول هللا؟ قال‪ :‬أناس صالحون في أناس سوء كثير‪ ،‬من‬ ‫يعصيهم أكثر ممن يطيعهم» أحمد‪.‬‬ ‫‪ -91‬ينبغي على الداعية أن يكون عالميا ً في دعوته‪ ،‬أي‪ :‬أن يكون العالم كله‬ ‫هدفا ً لدعوته‪ ،‬واألرض كلها ميدانا ً وساحةً لدعوته‪ ،‬فال تقتصر دعوته على قرية دون‬ ‫قرية‪ ،‬وال على بلدة دون بلدة‪ ،‬وال على قوم دون قوم‪ ،‬بل يكون الناس كلهم ‪-‬على‬ ‫اختالف ألوانهم‪ ،‬وأجناسهم‪ ،‬ولغاتهم‪ ،‬وانتماءاتهم‪ -‬أينما كانوا هدفا ً لدعوته اقتدا ًء‬ ‫بالنبي ^ الذي قال فيه ربه ‪* :Q‬ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ&[األنبياء‪ .]917:‬وقال تعالى‪* :‬ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ‬ ‫ﮫ&[سبأ‪.]28:‬‬ ‫وأيضا ً على الداعية أن يكون عالميا ً في همومه‪ ،‬أي‪ :‬أن تكون اهتماماته‬ ‫وهمومه شاملة لجميع هموم ومشاكل وآالم المسلمين على اختالف ألوانهم وأجناسهم‪،‬‬ ‫ولغاتهم‪ ،‬وأينما كانوا‪ ،‬قال تعالى‪* :‬ﯜ ﯝ ﯞ&[الحجرات‪.]91:‬‬ ‫قال ^‪« :‬ترى المؤمنين في تراحمهم‪ ،‬وتوادهم‪ ،‬وتعاطفهم‪ ،‬كمثل الجسد‪ ،‬إذا‬ ‫اشتكى عضوا ا تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى» متفق عليه‪.‬‬ ‫ومن ذلك‪ :‬أن ال تقتصر عداوة الداعية لطاغوت معين دون بقية طواغيت‬ ‫األرض‪.‬‬ ‫‪ -21‬من مهام الداعية التي تساعده على الدعوة إلى هللا تعالى‪ :‬أن يتعرف على‬ ‫قدرات ومكامن طاقات من يدعوهم‪ ،‬ليقوم بتنشيطها وتجنيدها وتوظيفها في الدعوة‬ ‫إلى هللا‪ ،‬فالمهم الدعوة إلى هللا‪ ،‬ومصلحة الدعوة إلى هللا‪ ،‬واستمرار الدعوة إلى هللا‬ ‫بأفضل وأقوى الطرق‪ ،‬وليس احتكار الدعوة لنفسه أو لمجموعة أشخاص دون الناس!‬ ‫قلت‪ :‬وأقل ما يجب عليه أن يحرص على تعلم أحكام ما هو بصدد الدعوة إليه‬ ‫أواإلنكار فيه‪ ،‬فإذا ما ذهب إلى منطقة الربا فيها فاش فليتعلم مسائل الربا وأحكامه‬ ‫وهكذا‪.‬‬ ‫فالداعية المخلص‪ :‬هو الذي يفرح لكل خير ولكل إنجاز يخدم الدعوة إلى هللا‪،‬‬ ‫سواء تحقق هذا اإلنجاز على يده أم على يد غيره‪.‬‬


‫‪198‬‬

‫تهذيب خواطر وأفكار يف فقه الدعوة إىل اهلل‬ ‫د‬

‫وعلى القادة أن يشجعوا غيرهم من الدعاة إلى هللا‪ ،‬وأن يصفوهم بكلمات‬ ‫الثالثةد‬ ‫األصول‬ ‫التعزيز والتشجيع‪ ،‬فمن أخطاء بعض القادة أنهتهذيب‬ ‫وتصغير جميع‬ ‫تحقير‬ ‫شرحعلى‬ ‫يحرص‬ ‫تهذيبإنسانا ً ضعيفا ً في كثير‬ ‫من أمامه‪ ،‬ولو أراد أن يستخلف من ينوب عنه تراه يستخلف‬ ‫من مواهبه؛ ليضمن عدم المنافسة والندية‪ ،‬وليبقى هو المتفرد والمميز في القيادة‬ ‫والالمسؤولطُ املُثلَى‬ ‫الضَّواب‬ ‫يعرف عند موت هذا‬ ‫وتصدر المجالس‪ ،‬وخطر هذا المسلك األناني‬ ‫الداعية أو غيابه غيابا ً قسريا ً‪ ،‬ليشكل رحيله فراغا ً قات ً‬ ‫والعلماءِأنجزه‬ ‫الدعا ِةجميع ما‬ ‫لقدمعيوقف‬ ‫التعاالمُ ِ‬ ‫يف كيفيِّةِ‬ ‫وابتدأه من أعمال دعوية‪ ،‬النتفاء وجود القوي األمين الذي يستخلفه في ذلك!‬ ‫بالعمل الدعوي‪ ،‬تنهار كليا ً‬ ‫وكثير من األحزاب والجماعات المعاصرة والمعنية د‬ ‫أو تضعف ضعفا ً شديدا ً بسبب رحيل مؤسسها األول‪ ،‬وذلك لعدم اهتمامه بالخليفة أو‬ ‫تهذيب شرح األصول الثالثةد‬ ‫بمن يرثه في القيادة‪.‬‬ ‫‪ -29‬ليس في ديننا شيء يخجل منه‪ ،‬فكل ما في اإلسالم حق وجميل؛ ألنه‬ ‫صادر عن الحق الجميل ـ‪ ،‬قال تعالى‪* :‬ﭹ ﭺ ﭻﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ&[غافر‪.]21:‬‬ ‫وقال تعالى‪* :‬ﯾ ﯿ ﰕﰕ ﰕ ﰕ ﰕ ﰕ ﰕ ﰕ ﰕ ﰕ&[المائدة‪ .]51:‬وقال تعالى‪* :‬ﯸ ﯹ ﯺ ﯻﯼ ﯽ ﯾ‬ ‫ﯿ ﰕ ﰕﰕ ﰕ ﰕ ﰕ&[يونس‪.]32:‬‬ ‫وبالتالي ال ينبغي للداعية وهو يدعو إلى هللا تعالى‪ ،‬أن يكتم شيئا ً من دين هللا‬ ‫تعالى خجالً من اآلخرين‪ ،‬كأن يتوقف عن الحكم على الكافرين بأنهم من أهل السعير‪،‬‬ ‫أو يكتم حكم هللا تعالى في بعض الحدود الشرعية مرضاة ألهواء من يدعوهم‪ ،‬أو‬ ‫خوفا ً من نقدهم‪ ،‬قال تعالى‪* :‬ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ&[المنافقون‪.]8:‬‬ ‫‪ -22‬من األمور التي ينبغي أن تنضبط عند الدعاة إلى هللا تعالى‪ :‬قضية كيفية‬ ‫التعامل مع أهل المنكر‪ ،‬فإذا لمس الداعية أن الذي يقارف بعض المنكرات يستفيد من‬ ‫مجالسته‪ ،‬وأنه يحسن اإلصغاء‪ ،‬وأن احتمال هدايته وإقالعه عن المنكر ممكنة‪ ،‬لكنه‬ ‫يحتاج إلى شيء من التواصل واإلقبال والمجالسة‪ ،‬والحديث؛ فحينئذ ال حرج عليه لو‬ ‫أقبل عليه‪ ،‬وجالسه بالقدر الذي يسمح بتحقيق الغاية المرجوة؛ وهي أطره إلى الحق‪،‬‬ ‫وإقالعه عن المنكر‪ ،‬بشرطين‪ :‬أن ال يشاركه في شيء من منكره وباطله‪ ،‬وأن ال‬ ‫يجلس معه في مجلس منكر تدار فيه المنكرات‪ ،‬كمقارعة الخمور‪ ،‬واللعب بالميسر‪،‬‬ ‫ونحو ذلك‪.‬‬ ‫فالعمل على هداية الناس‪ ،‬وأطرهم إلى الحق يحتاج لنوع خلطة ال بد منها‪ ،‬قال‬ ‫النبي ^‪« :‬المؤمن الذي يخالط الناس ويصبر على أذاهم‪ ،‬أعظم أجرا ا من المؤمن‬ ‫الذي ال يخالط الناس‪ ،‬وال يصبر على أذاهم» رواه أحمد وصححه األلباني‪.‬‬ ‫والدعوة ليست مقصورة على الصالحين وحسب‪ ،‬وإنما هي شاملة للصالحين‬ ‫والطالحين‪ ،‬والناس أجمعين‪ ،‬قال تعالى‪* :‬ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ&[األنبياء‪ .]917:‬وهذا يحتاج‬ ‫لنوع خلطة وال بد‪.‬‬


‫املنهج املختصر يف الفقه والعقيدة والدعوة‬

‫‪199‬‬

‫أما إن وجد صاحب المنكر يتسم بالكبر والعناد‪ ،‬واإلعراض‪ ،‬وأنه ال يستفيد من‬ ‫مجالسته ونصحه‪ ،‬فحينئذ يفتقد المبرر من مواصلة مجالسته ومخالطته‪ ،‬ولو أبى إال‬ ‫أن يجالسه‪ ،‬ويؤاكله‪ ،‬ويشاربه‪ ،‬ويمازحه وهو على هذا الوصف‪ ،‬يحمل عليه الوعيد‬ ‫الوارد في قوله تعالى‪* :‬ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁﮂ ﮃ ﮄ ﮅ‬ ‫ﮆ ﮇ&[المائدة‪.]71-78:‬‬ ‫فإن قيل‪ :‬هل التعامل مع أهل البدع واألهواء من حيث الخلطة واالعتزال‬ ‫كالتعامل مع أهل المعاصي؟‬ ‫أقول‪ :‬يميز بين األتباع من أهل البدع واألهواء‪ ،‬وبين دعاتهم ورؤسائهم‪،‬‬ ‫فينظر في األتباع ممن يحسن اإلصغاء‪ ،‬ويحرص على االستفادة‪ ،‬ويسأل استرشادا ً‪،‬‬ ‫وكان ضحية تلبيس كبار دعاتهم؛ فيقبل عليه محادثة ومجالسة بالقدر الذي يكفي‬ ‫لدعوة أمثاله‪ ،‬أما إن كان من رؤساء أهل البدع واألهواء وكبار دعاتهم‪ ،‬ورؤوس‬ ‫فتنتهم‪ ،‬ثم عرف بالكبر والعناد والجهل؛ فهذا يعتزل كليا ً‪ ،‬فال يحادث وال يجالس وال‬ ‫يسمع منه في شيء‪ ،‬قال الحسن البصري‪( :‬ال تجالس صاحب بدعة‪ ،‬فإنه يمرض‬ ‫قلبك)‪.‬‬ ‫‪ -23‬ينبغي على الداعية أن يتعامل مع نتائج أعماله بين المحاسبة والتفويض‪،‬‬ ‫فيجري بين الفينة واألخرى عملية محاسبة وتقييم منصفة وجريئة لنتائج أعماله بشكل‬ ‫دوري‪ ،‬فما كانت نتائجه سلبية وغير مرضية يعزو ذلك ابتداء إلى التقصير من عند‬ ‫نفسه‪ ،‬ثم يجتهد في البحث عن جوانب القصور والخلل فيصلحها ليستأنف بإذن هللا‬ ‫عمالً جديدا ً إيجابيا ً وناجحا ً‪ ،‬فإن لم يجد ‪-‬بعد الفحص والتدقيق‪ -‬في نفسه وجهده‬ ‫واجتهاده تقصيرا ً وال خلالً‪ ،‬فليفوض األمر إلى هللا‪ ،‬فإن النتائج بيد هللا *ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ‬ ‫ﭭ&[البقرة‪.]296:‬‬ ‫وللنصر والتمكين سنن ونواميس ال تحابي أحدا ً‪ ،‬من حققها في نفسه وواقعه‬ ‫تحقق له النصر والتمكين‪ ،‬ومن تنكبها وخالفها لم يتحقق له النصر والتمكين‪ ،‬قال‬ ‫تعالى‪* :‬ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ&[محمد‪ .]7:‬مفهوم المخالفة إن لم تنصروا هللا ال ينصركم‪،‬‬ ‫وال يثبت أقدامكم‪ ..‬وحينئذ ال يحق لكم أن تسألوا عن نصر هللا لكم‪ ..‬وذلك ألنكم لم‬ ‫تحققوا شرط نصر هللا لكم بنصركم هلل ‪.Q‬‬ ‫قال تعالى‪ * :‬ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ‬

‫ﯥ&[األنفال‪ .]61:‬فإعداد القوة ‪-‬المادية والمعنوية منها سواء‪ -‬ناموس من نواميس‬ ‫النصر والتمكين‪ ،‬فمن تنكبه وتخلف عنه‪ ،‬أضل طريق النصر والتمكين‪.‬‬ ‫‪ -24‬لكي تكلل عملية الدعوة إلى هللا تعالى بالنجاح‪ ،‬وتؤتي ثمارها المرجوة‬ ‫بإذن هللا تعالى‪ ،‬ال بد للداعية من أن يتحلى بجملة من األخالق الحميدة‪ ،‬التي تساعده‬ ‫على أداء مهمته الدعوية بطريقة جيدة وفاعلة‪ ..‬والتي تحبب الناس به وبدعوته‪،‬‬


‫‪311‬‬

‫تهذيب خواطر وأفكار يف فقه الدعوة إىل اهلل‬ ‫د‬

‫فالحق إن لم يكلل بجملة من األخالق الحميدة التي تزينه وتجمله‪ ،‬قد ال يكفي لترغيب‬ ‫تهذيب شرح األصول الثالثةد‬ ‫الناس به‪ ،‬والدخول فيه‪.‬‬ ‫الخطاب موجه لسيد الخلق‪،‬‬ ‫قال تعالى‪* :‬ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧﭨ&[آل عمران‪ .]951:‬وهذا تهذيب‬ ‫أنه لو كان فيه هذا الخلق وحسب *ﭢ ﭣ ﭤ&[آل عمران‪ ]951:‬النفض الناس من حوله‪،‬‬ ‫َّوابطُ املُثل‬ ‫وتركوه بمفرده حتى لو كان رسول هللا‪ ..‬فكيف بمن الض‬ ‫وكيفَىلو اجتمعت فيمن‬ ‫سواه‪..‬‬ ‫سواه صفات أخالقية منفرة أخرى غير الفظاظة وغلظة القلب‪ ..‬ال شك حينئذ أن‬ ‫وأشد‪ِ.‬ل مع الدعا ِة والعلماءِ‬ ‫أكثرالتعامُ‬ ‫كيفيِّةِ‬ ‫يف‬ ‫عوامل تنفير الناس‪ ،‬وصدهم عن دين هللا ستكون‬ ‫اجتمعت فيه صلوات ربي‬ ‫لكن سيدنا سيد الخلق لما كان على خلق عظيم‪ ،‬قد د‬ ‫وسالمه عليه كمال معالي األخالق‪ ،‬كما وصفه ربه ‪* :Q‬ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ&[القلم‪ .]4:‬كان‬ ‫األصولفيالثالثةد‬ ‫ذلك من جملة األسباب العظيمة التي وضعتتهذيب‬ ‫األرض‪ ،‬وبين‬ ‫شرحالقبول‬ ‫لإلسالم‬ ‫الناس‪.‬‬ ‫وفي الحديث‪ ،‬عن أنس ا قال‪ « :‬كان رسول هللا ^ أحسن الناس خلقا ا» متفق‬ ‫عليه‪.‬‬ ‫ً‬ ‫وعن عبد هللا بن عمرو بن العاص ب قال‪ :‬لم يكن رسول هللا ^ فاحشا وال‬ ‫متفحشا ً‪ ،‬وكان يقول‪« :‬إن من خيا ركم أحسنكم أخالقا ا» متفق عليه‪.‬‬ ‫قال عبد هللا بن المبارك في تفسير حسن الخلق‪( :‬هو طالقة الوجه‪ ،‬وبذل‬ ‫المعروف‪ ،‬وكف األذى)‪.‬‬ ‫ومن أجمل ما يزين الداعية‪ ،‬وخطابه الدعوي‪ :‬العدل‪ ،‬والرقي في الخطاب من غير‬ ‫فحش وال بذاءة‪ ،‬ومن أكثر ما يشين الداعية وخطابه الدعوي‪ :‬الظلم‪ ،‬والهبوط والفحش في‬ ‫القول والتعبير!‬ ‫العدل؛ فال يجنح ‪-‬في حكمه على األشياء والمواقف‪ -‬إلى إفراط أو تفريط‪ ،‬فال‬ ‫يكبر الصغير والصغائر‪ ،‬وال يصغر الكبير والكبائر‪ ،‬بل يلتزم جادة العدل في السخط‬ ‫والرضى‪ ،‬في السلم والحرب‪ ،‬ومع العدو والحبيب سواء‪ ،‬فيشهد على المحسن بأنه‬ ‫محسن‪ ،‬وعلى المسيء بأنه مسيء أيا ً كان هذا المحسن وهذا المسيء‪ ،‬كما قال تعالى‪:‬‬ ‫*ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮪ ﮭ ﮮ ﮯﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝﯞ ﯟ ﯠﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ&[المائدة‪.]8:‬‬ ‫وقال تعالى‪* :‬ﭺﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ&[النحل‪.]11:‬‬ ‫كما ينبغي عليه‪ :‬أن ينأى بنفسه عن موارد التهم والظنون والشبهات‪ ،‬التي تجعله‬ ‫ودينه عرضةً لغيبة المستغيبين‪ ،‬وخوض الخائضين‪ ،‬ومن ذلك أن يعتزل مجالس‬ ‫وقصور الطغاة اآلثمين‪ ،‬وينزه نفسه ودينه عن عطائهم المشوب بالحرام‪ ،‬والمشروط‬ ‫بارتكاب الحرام‪ ،‬ككتمان الحق‪ ،‬ومواكبة الظالمين والمفسدين على ظلمهم وفسادهم‪ ،‬فقد‬


‫املنهج املختصر يف الفقه والعقيدة والدعوة‬

‫‪315‬‬

‫صح عن النبي ^ أنه قال‪« :‬سيكون أمراء تعرفون وتنكرون‪ ،‬فمن نابذهم نجا‪ ،‬ومن‬ ‫(‪)1‬‬ ‫اعتزلهم سلم‪ ،‬ومن خالطهم هلك» ‪.‬‬ ‫‪ -25‬وفي الختام نذكر مسألة مصلحة الدعوة التي جنح فيها كثير من الناس إلى‬ ‫إفراط أو تفريط؛ فريق حمل مصلحة الدعوة على مصلحته الشخصية أو الحزبية‪ ،‬فما‬ ‫وافق مصلحته الشخصية أو الحزبية فثم مصلحة الدعوة‪ ،‬وما عارض مصلحته‬ ‫الشخصية أو الحزبية‪ ،‬تنتفي حينئذ مصلحة الدعوة‪ ،‬وينتفي معها الحديث عن مصلحة‬ ‫الدعوة‪ ،‬فيجعل من مصلحة الدعوة مطية لمآربه الشخصية والحزبية وحسب!‬ ‫وفريق مقابل جنح إلى التفريط‪ ،‬كردة فعل لصنيع الطرف السابق؛ فعد مصلحة‬ ‫الدعوة وثن يعبد‪ ،‬يستتر به‪ ،‬يجب هدمه وإزالته‪ ،‬إذ ال قيمة وال اعتبار في تفكير‬ ‫وأدبيات هذا الفريق من الناس لمصلحة الدعوة‪ ،‬وال للحديث عن مصلحة الدعوة‪،‬‬ ‫والحديث عن مصلحة الدعوة عندهم سبة وتهمة!‬ ‫وكال الفريقين على خطأ‪ ،‬والحق وسط بينهما‪ ،‬وبيان ذلك‪ :‬أن مصلحة الدعوة‬ ‫إلى هللا تعالى‪ ،‬هي من مصلحة الدين‪ ،‬ومصلحة التوحيد‪ ،‬وعباد هللا المؤمنين‪ ،‬والناس‬ ‫أجمعين‪ ..‬ال يمكن تجاهلها وعدم اعتبارها‪ ..‬فاإلسالم جاء بضرورة مراعاة المصالح‬ ‫وتقديمها‪ ،‬ودفع المفاسد‪ ..‬وأعظم المصالح التي ينبغي مراعاتها والعمل من أجلها‬ ‫مصلحة الدعوة والدين‪ ..‬فعند التعارض واستحالة التوفيق تقدم مصلحة الدين والتوحيد‬ ‫على ما سواها من المصالح‪ ...‬ومصلحة األمة على مصلحة قطر أو جماعة من‬ ‫الجماعات أو حزب من األحزاب المنسوبة لألمة‪ ..‬ومصلحة الجماعة على مصلحة‬ ‫الفرد‪ ..‬والمصلحة األكبر على ما دونها من المصالح‪ ،‬وهكذا‪.‬‬ ‫وعليه فأقول‪ :‬ال يجوز أن تستغل مصلحة الدعوة للمصالح الشخصية أو‬ ‫المصالح الحزبية الضيقة؛ فنصور مصالحنا الشخصية والحزبية على أنها هي‬ ‫مصلحة الدعوة‪ ،‬ومصلحة الدعوة على أنها هي مصالحنا الشخصية والحزبية‪..‬‬ ‫فحينئذ نسيء لمصلحة الدعوة جدا ً‪ ،‬ونصيبها بمقتل عظيم‪ ،‬وتكون مصلحة الدعوة‬ ‫بمثابة كلمة حق يراد بها باطل‪ ..‬كما ال يجوز أن نلغي مصلحة الدعوة من فقهنا‬ ‫وفكرنا وأدبياتنا‪ ..‬بزعم أن فريقا ً من الناس يسيء استخدام فقه مصلحة الدعوة‪ ،‬وأنه‬ ‫يجيرها لمصالحه الشخصية أو الحزبية‪ ..‬ولو جاز ذلك لجاز القول بإلغاء كثير من‬ ‫المفاهيم اإلسالمية العامة‪ ،‬بزعم أن من الناس من يسيء فهم واستخدام تلك‬ ‫المفاهيم‪..‬وهذا ال يقول به عاقل!‬

‫(‪ )1‬رواه الطبراني‪ ،‬صحيح الجامع‪.)3669( :‬‬


‫‪311‬‬

‫تهذيب خواطر وأفكار يف فقه الدعوة إىل اهلل‬ ‫د‬

‫قلت‪ :‬واعلم وفقك هللا أن دين هللا بضاعة ال تحتاج لتبديل وال تغيير وال تحريف‪ ،‬فهي‬ ‫الثالثةد‬ ‫األصول‬ ‫فالدين دين هللا‪،‬‬ ‫الناس‪،‬‬ ‫شرحإنقاذ‬ ‫تهذيبتريد‬ ‫ماء زالل‪ ،‬فحذار أن تغير فيه فتهلك نفسك بحجة أنك‬ ‫فإذا قبله الناس فذلك ما‬ ‫وإنما نحن دعاة إليه نعرضه كما يريد هللا ال كما نريد نحن‪،‬‬ ‫تهذيب‬ ‫نبغي‪ ،‬وإال فقد أعذرنا أمام هللا‪.‬‬ ‫أيهاطُ املُثل‬ ‫الضَّواب‬ ‫َى مهمتك‪ ،‬فاحرص‬ ‫الداعي‬ ‫واعلم أن دين هللا قد فطرت عليه النفوس‪ ،‬فقد يسر هللا لك‬ ‫على عرضه بما يحببه إلى القلوب دون تبديل أو تغيير فيه‪ ،‬فهذا القرآن أعظم كالم‬ ‫التعامُ ِل مع‬ ‫والعلماءِالدعوة‬ ‫الدعا}‪ِ،‬ة فلنزين‬ ‫بأصواتكم‬ ‫كيفيِّةِالقرآن‬ ‫وأجمله يقول لنا نبينا صلى هللا عليه وسلم‪{ :‬يفزينوا‬ ‫بأخالقنا‪.‬‬ ‫د‬ ‫ً‬ ‫وإني ألضرب مثال للداعية في دعوته فأقول‪ :‬إن ما تدعو إليه هو ماء صافي زالل‪،‬‬ ‫الثالثةد‬ ‫شرح‬ ‫النفوس برغم‬ ‫األصولتتقبله‬ ‫متسخ لم‬ ‫تهذيبناء‬ ‫وإنك أنت إناء هذا الماء‪ ،‬فالماء الصافي إذا قدم في إ‬ ‫صفاء الماء‪ ،‬فلنطيب أنفسنا ودعوتنا ولنبدأ بأنفسنا‪ ،‬رزقنا هللا وإياكم القبول‪.‬‬ ‫ومما يذكر به الداعية أن يراوح في دعوته بين الوعظ والتربية والترهيب والترغيب‪،‬‬ ‫والحجج العقلية والشرعية‪ ،‬وأن ال يغفل الداعية جانب الوعظ واإلكثار من الرقائق‪ ،‬فإن‬ ‫القلوب إذا النت انفتحت لقبول الحق‪ ،‬وأن مما ابتليت به األمة أن احتقر الناس الوعظ‬ ‫وعد ّوه منقصة وصار يقال للواعظ فالن واعظ على سبيل التقليل من قدره‪ ،‬وهللا‬ ‫المستعان‪ ،‬وقد جعل هللا نبيه واعظا ً وسماه واعظاً‪ (( :‬ا ْدعُ ِإلى سبِي ِل ر ِبّك بِ ْال ِح ْكم ِة‬ ‫و ْالم ْو ِعظ ِة ْالحسن ِة ))[النحل‪.]165:‬‬ ‫ومن األمور الهامة نقطة أخرى‪ :‬أن يستحضر الداعية أنه حين ينكر منكرا ً ويأمر‬ ‫بالمعروف وهو يرجوا النجاة لنفسه أوالً‪ ،‬ثم نجاة المدعو‪ (( :‬م ْعذِرة ً ِإلى ر ِبّ ُك ْم ولعلَّ ُه ْم‬ ‫يتَّقُون ))[األعراف‪ ،]124:‬فاستحضار هذين األصلين يجعل عند الداعية وزنا ً في دعوته‬ ‫فال يتنازل في دين هللا ألجل الناس‪ ،‬فيهلك هو لينجو غيره‪ ،‬وال يغلظ في دعوته رجاء أن‬ ‫يقبل المذنب ويتقي هللا‪.‬‬ ‫َّ‬ ‫وهذان المقصدان‪ (( :‬م ْعذِرة ً ِإلى ر ِبّ ُك ْم ولعل ُه ْم يتَّقُون ))[األعراف‪ ،]124:‬متى ما جنح‬ ‫الداعية إلى أحدهما دون اآلخر فقد تأثير دعوته‪ ،‬فمن يدعو الناس من باب‪ (( :‬م ْعذِرة ً‬ ‫ِإلى ر ِبّ ُك ْم )) تجده أنه كأنما يؤدي وظيفة‪ ،‬فال يحرص على أساليب الدعوة‪ ،‬وال يحرص‬ ‫على هداية الناس‪ ،‬إنما يدعو إلبراء الذمة‪ ،‬ومن غلب جانب‪ (( :‬لعلَّ ُه ْم يتَّقُون )) تجد أنه‬ ‫يحرص على دعوة الناس وهدايتهم‪ ،‬فيقدم التنازالت والقرابين بالتضحية بأوامر هللا‬ ‫وأوامر رسوله صلى هللا عليه وسلم‪ ،‬كمن يستخدم الغناء والمزامير والنساء وغير ذلك‬ ‫في دعوته إلى هللا من أجل أن يرجع الناس‪ ،‬أو يخرج الناس بحسب زعمه إلى دين هللا‬ ‫سبحانه وتعالى‪.‬‬ ‫أمر مهم هو مسألة الم صلحة‬ ‫ومن المهم في هذا الباب التنبيه باختصار إلى ٍ‬ ‫والمفسدة‪:‬‬ ‫والحمد هلل رب العالمين‪،،‬‬ ‫وصلى هللا وسلم على نبينا محمد‪ ،‬وعلى آله وصحبه أجمعين‪.‬‬


‫املنهج املختصر يف الفقه والعقيدة والدعوة‬

‫تهذيب‬ ‫الضَّواب ُ‬ ‫ط ال ُمثلى‬ ‫والعلماء‬ ‫ِ‬ ‫في كيف ِيّ ِة التعا ُم ِل مع الدعاةِ‬ ‫للشيخ‪/‬‬ ‫عبد المنعم مصطفى حليمة‬ ‫(أبو بصير الطرطوسي)‬ ‫حفظه هللا‬ ‫تهذيب‪/‬‬ ‫د‪ .‬عبد الله بن محمد المحيسني‬

‫‪313‬‬


‫تهذيب الضَّوابطُ املُثلَى يف كيفيِّةِ التعامُ ِل مع الدعا ِة والعلماءِ‬

‫‪314‬‬

‫املقدمة‬

‫د‬ ‫تهذيب شرح األصول الثالثةد‬

‫تهذيب‬

‫الحمد هلل وحده‪ ،‬والصالة والسالم على من ال نبي بعده‪ ،‬وعلى آله وصحبه‪.‬‬ ‫الضَّوابطُ املُثلَى‬ ‫أما بعد‪:‬‬ ‫والعلماءِوما يجب‬ ‫الدعا ِةيجب لهم‬ ‫‪ ..‬وما‬ ‫والعلماءمع‬ ‫الدعاةالتعامُ ِل‬ ‫حقوقكيفيِّةِ‬ ‫فقد كثر الحديث والسؤال عن يف‬ ‫عليهم‪ ..‬وعن اللحوم المسمومة وغير المسمومة!‬ ‫د‬ ‫وكثير من الناس ‪-‬كعادتهم‪ -‬فريقان‪ :‬فريق يجنح إلى اإلفراط والغلو في الطاعة‬ ‫الثالثةد الداعية الذي‬ ‫األصولشيخه‪ ..‬أو‬ ‫شرحُقال في‬ ‫تهذيبأن ي‬ ‫والوالء والتقديس‪ ..‬وعلى حساب الحق‪ ..‬فال يقبل‬ ‫يهواه‪ ..‬نقدا ً‪ ..‬وال نصحا ً‪ ..‬وال توجيها ً‪ ..‬وال أن يُقال عنه أخطأ والصواب كذا!‬ ‫أما الفريق اآلخر الذي يجنح للتفريط‪ ..‬يتمثل في شريحة من الناس ال تقيم‬ ‫للعلماء العاملين وزنا ً وال قيمة وال احتراما ً‪ ..‬فأحدهم ألدنى خالف‪ ..‬أو ألي اجتهاد‬ ‫معتبر يصدر عن ذاك العالم أو الداعية ال يفهمه أو قد ال يروق له‪ ..‬تراه ال يتورع‬ ‫عن الطعن والتشهير واالستخفاف به‪ ..‬وبعلمه‪ ..‬ويعلن البراء منه‪ ..‬والحرب عليه!‬ ‫والحق وسط بين الفريقين والمنهجين‪ ..‬ال إلى هؤالء وال إلى هؤالء‪ ..‬ومن غير‬ ‫جنوح إلى إفراط وال تفريط‪ ..‬نجتهد في أن نُظهر هذا المنهج الوسطي الحق الذي‬ ‫يحدد صفة وكيفية التعامل مع الدعاة والعلماء‪ ..‬ويبين ما لهم وما عليهم‪ ..‬من خالل‬ ‫ذكر الضوابط التالية‪ ..‬راجيا ً من هللا تعالى السداد والتوفيق‪.‬‬


‫املنهج املختصر يف الفقه والعقيدة والدعوة‬

‫‪315‬‬

‫الضابط األول‪:‬‬ ‫يجب أن يعلم الجميع أن للعلماء العاملين الصادعين بالحق مكانتهم الرفيعة‪،‬‬ ‫وحقوقهم المحفوظة في اإلسالم‪.‬‬ ‫فهم أولي األمر‪ ..‬وهم القادة‪ ..‬وهم األمناء على دين هللا في أرضه‪ ..‬وهم‬ ‫الطليعة النخبة الذين يتقدمون األمة في ميادين الجهاد والصدع بالحق‪ ..‬ونحو كل‬ ‫خير‪ ..‬وهم الطائفة المنصورة الظاهرة بالحق ال يضرهم من خالفهم وال من خذلهم؛‬ ‫لذا فلهم من األمة التوقير‪ ،‬واالحترام‪ ،‬واإلكرام‪ ،‬واإلجالل‪ ،‬قال تعالى‪* :‬ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ‬ ‫ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ&[فصلت‪.]33:‬‬ ‫ليستغفر له من في السماوات ومن‬ ‫وقد صح عن النبي ^ أنه قال‪« :‬إن العا ِل َم‬ ‫ُ‬ ‫سائر‬ ‫في األرض‪ ،‬حتى الحيتان في الما ِء‪ ،‬وفضل العالم على العابد كفضل القمر على‬ ‫ِ‬ ‫الكواكب‪ ،‬وإن العلما َء ورثةُ األنبياء‪ ،‬إن األنبياء لم يورثوا دينارا ا وال درهما ا‪ ،‬وإنما‬ ‫(‪)1‬‬

‫وافر» ‪.‬‬ ‫ورثوا‬ ‫العلم‪ ،‬فمن أخذه أخذ بحظٍ‬ ‫ٍ‬ ‫َ‬ ‫وقال ^‪« :‬ليس من أمتي من لم ي ُِج َّل كبيرنا‪ ،‬ويرحم صغيرنا‪ ،‬ويعرف‬ ‫(‪)2‬‬ ‫لعالمنا» ‪ .‬أي‪ :‬يعرف لعالمنا حقه من توقير وتكريم واحترام‪ .‬وقال ^‪« :‬إن من‬ ‫إكرام ذي الشيب ِة المسلم‪ ،‬وحامل القرآن غير الغالي فيه والجافي عنه‪،‬‬ ‫إجالل هللا‬ ‫َ‬ ‫(‪)3‬‬ ‫س ط» ‪.‬‬ ‫وإكرام ذي السلطان ال ُمق ِ‬ ‫فالذي يتطاول على هذا الصنف من العلماء العاملين بالطعن‪ ،‬والسب‪ ،‬والتهكم‪،‬‬ ‫أو التشهير‪ ..‬إثمه مغلظ ومضاعف‪ ..‬فقد صح عن النبي ^ أنه قال‪« :‬إن هللا تعالى‬ ‫قال‪ :‬من عادى لي وليا ا فقد آذنته بالحرب» رواه البخاري‪.‬‬ ‫الضابط الثاني‪:‬‬ ‫إن إجالل واحترام وإكرام العلماء يتفاضل ويزيد وينقص بحسب قِدم السيرة‬ ‫العلمية‪ ،‬والدعوية‪ ،‬والجهادية لكل عالم؛ فحق العالم العامل المجاهد أعظم وأغلظ من‬ ‫حق العالم القاعد عن الجهاد‪ ..‬ولكل فضله‪ ..‬وكذلك من كان له السبق في الدعوة إلى‬ ‫هللا تعالى والجهاد في سبيله‪ ..‬فله زيادة حق وفضل على من كان حديث عهد مع العلم‬ ‫والدعوة إلى هللا تعالى والجهاد في سبيله‪ ..‬والنصوص الشرعية قد دلت على ذلك‪.‬‬

‫(‪ )1‬أخرجه أبو داود‪ ،‬والترمذي‪ ،‬وابن ماجه‪ ،‬وابن حبان‪ ،‬صحيح الترغيب‪.)68( :‬‬ ‫(‪ )2‬أخرجه أحمد وغيره‪ ،‬صحيح الترغيب‪.)16( :‬‬ ‫(‪ )3‬صحيح سنن أبي داود‪.)4153( :‬‬


‫‪316‬‬

‫تهذيب الضَّوابطُ املُثلَى يف كيفيِّةِ التعامُ ِل مع الدعا ِة والعلماءِ‬ ‫د‬ ‫تهذيب شرح األصول الثالثةد‬

‫قال تعالى‪* :‬ﯳ ﯴ ﯵ ﯶ ﯷ ﯸ ﯹ ﯺ ﯻﯼ ﯽ ﯾ ﯿ ﰕ ﰕ ﰕ ﰕ ﰕ ﰕﰕ ﰕ ﰕ ﰕ ﰕﰕ ﰕ‬ ‫تهذيب‬ ‫والمثوبة والدرجة ‪ -‬بين من‬ ‫ﰕ ﰕ ﰕ ﰕ&[الحديد‪ .]91:‬فميز هللا تعالى ‪ -‬من حيث األجر‬

‫أجرا ً‬ ‫َى وأرفع مكانة ‪ -‬وبين‬ ‫آمن وأنفق وقاتل في سبيل هللا قبل فتح مكة ‪ -‬فهؤالء‬ ‫أعظمطُ املُثل‬ ‫الضَّواب‬ ‫من آمن وأنفق وقاتل في سبيل هللا بعد فتح مكة‪ ،‬وكالً وعد هللاُ الجنة‪.‬‬ ‫يف كيفيِّةِ التعامُ ِل مع الدعا ِة والعلماءِ‬ ‫وقال تعالى‪* :‬ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞﭟ‬ ‫ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬﭭد ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ‬

‫تهذيب شرح‬ ‫الثالثةدوأنفسهم على‬ ‫األصولبأموالهم‬ ‫المجاهدين‬ ‫ﭴ ﭵ&[النساء‪ .]15:‬فاآلية صريحة في تفضيل‬ ‫القاعدين من المؤمنين‪.‬‬


‫املنهج املختصر يف الفقه والعقيدة والدعوة‬

‫‪317‬‬

‫الضابط الثالث‪:‬‬ ‫من عقيدة أهل السنة والجماعة أن كل إنسان مهما كانت مرتبته ودرجة‬ ‫تحصيله العلمية‪ ،‬يُخطئ ويُصيب‪ ،‬يؤخذ منه ما أصاب فيه‪ ،‬ويُرد عليه ما أخطأ فيه‪..‬‬ ‫عدا النبي المصطفى ^ الذي ال ينطق عن الهوى *ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ&[النجم‪.]4:‬‬ ‫لذا جاءت النصوص الشرعية مبينة أن الطاعة ال تكون على اإلطالق‪ ،‬وإنما‬ ‫تكون في المعروف‪ ،‬وأنه ال طاعة لمخلوق في معصية الخالق‪ ،‬فقد صح عن النبي ^‬ ‫أنه قال‪ « :‬ال طاعة في معصية هللا‪ ،‬إنما الطاعةُ في المعروف» متفق عليه‪ .‬وقال ^‪:‬‬ ‫«السم ُع والطاعة على المرء المسلم فيما أحبَّ أو كره‪ ،‬ما لم يُؤمر بمعصي ٍة‪ ،‬فإذا أُمر‬ ‫بمعصية فال سمع وال طاعة» متفق عليه‪.‬‬ ‫ومن الشرك الذي وقع فيه أهل الكتاب أنهم أطاعوا علماءهم وأحبارهم‬ ‫ورهبانهم طاعة مطلقة في كل ما يصدر عنهم من حق أو باطل‪ ،‬فاتخذوهم بذلك‬ ‫أربابا ً من دون هللا‪ ،‬كما قال تعالى عنهم‪* :‬ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ‬ ‫ﯞ&[التوبة‪ .]39:‬وذلك لما أحلوا لهم الحرام فاتبعوهم وأطاعوهم على التحليل‪ ،‬وحرموا‬ ‫عليهم الحالل فاتبعوهم وأطاعوهم على التحريم‪ ..‬ذلك معنى اتخاذهم إياهم أربابا ً من‬ ‫دون هللا‪.‬‬ ‫وهذا معتقد سيئ وباطل ينبغي على المسلمين أن يحذروه ويجتنبوه‪ ..‬فمن وقع‬ ‫فيه وتخلق به من المسلمين‪ ،‬وتعامل مع العلماء كما تعامل أهل الكتاب مع أحبارهم‬ ‫ورهبانهم فأطاعهم في كل ما يصدر عنهم من حق أو باطل‪ ،‬من صواب أو خطأ‪ ،‬فقد‬ ‫وقع في الشرك‪ ،‬واتخذ العلماء أربابا ً من دون هللا تعالى‪.‬‬ ‫ومنه نستفيد أن الحق أولى باالتباع وااللتزام‪ ..‬وأنه ال بد من أن يُقال للعالم‪:‬‬ ‫أصبت فيما قد أصاب فيه ووافق الحق‪ ،‬وأخطأت فيما قد أخطأ فيه وخالف الحق‪..‬‬ ‫وهذا ال يتعارض أبدا ً مع حقوقه المحفوظة؛ فاحترام العالم شيء‪ ،‬وإنصاف الحق منه‬ ‫شيء آخر‪.‬‬ ‫فديننا قائم على النصيحة واألمر بالمعروف والنهي عن المنكر‪ ،‬فقد صح عن‬ ‫النبي ^ أنه قال‪« :‬الدين النصيحة» قلنا‪ :‬لمن؟ قال‪« :‬هلل‪ ،‬ولكتابه‪ ،‬ول رسوله‪ ،‬وألئمة‬ ‫المسلمين‪ ،‬وعامتهم» رواه مسلم‪.‬‬ ‫الضابط الرابع‪:‬‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫العلماء الذين يخلطون في دعوتهم ومنهجهم حقا وباطال‪ ..‬سنة وبدعة‪ ..‬هل من‬ ‫حقوقهم التوقير واالحترام واإلكرام مثل العلماء العاملين؟‬ ‫الجواب‪ :‬ال بد من النظر إلى كمية ونوعية البدعة أو الباطل الذي يتصف به‬ ‫منهج أولئك العلماء المراد تقييمهم؛ وهم ثالثة أصناف‪:‬‬


‫‪318‬‬

‫تهذيب الضَّوابطُ املُثلَى يف كيفيِّةِ التعامُ ِل مع الدعا ِة والعلماءِ‬ ‫د‬ ‫تهذيب شرح األصول الثالثةد‬

‫أو الا‪ :‬عالم تغلب حسناته على سيئاته‪ ،‬والبدع التي يتصف بها هي بدع عملية أو‬ ‫تهذيب‬ ‫والصحة‪ ،‬فالعالم الذي هذا‬ ‫بدع ال مساس لها بالتوحيد واألصول‪ ..‬وأصوله يغلب ‘ة‬ ‫وانحرافاته‪ ..‬ويُحكم على‬ ‫ضالالتهطُ املُثلَى‬ ‫وصفه يُحذر من بدعته ومن أخطائه‪ ..‬ومن الضَّواب‬ ‫شذوذاته باألوصاف الشرعية التي تستحقها‪ ..‬مع بقاء االحترام والتقدير لشخصه‬ ‫اإلسالمِة والعلماءِ‬ ‫علىمع الدعا‬ ‫التعامُ ِل‬ ‫كيفيِّةِ‬ ‫والمسلمين‪ ..‬وإن‬ ‫خير يعم‬ ‫كعالم من علماء المسلمين بقدر ما يُظهريفمن‬ ‫كان ال يجوز أن يحظى من التقدير واالحترام الذي يحظاه العالم العامل المجاهد‪.‬‬ ‫د‬ ‫فالوالية والمحبة وكذلك االحترام واإلكرام والتقدير يتذبذب صعودا ً وهبوطا ً‪،‬‬ ‫وعمل صالح يرتد‬ ‫تقوى‬ ‫الداعية من‬ ‫زيادة ونقصانا ً بحسب ما يظهر من ذاك العالم أو‬ ‫الثالثةد‬ ‫األصول‬ ‫تهذيب شرح‬ ‫على نفسه واألمة بالخير واالستقامة والصالح‪ ،‬قال تعالى‪* :‬ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅﮆ&[الحجرات‪.]93:‬‬ ‫فكما أن اإليمان يزيد بالطاعات وينقص بالذنوب واآلثام‪ ،‬كذلك الوالء والبراء‪،‬‬ ‫والمحبة والجفاء؛ يتذبذب بين الزيادة والنقصان بحسب ما يظهر لنا من ذاك العالم أو‬ ‫الشخص المراد مواالته من تقوى وصالح أو خالف ذلك؛ فإن أظهر لنا اليوم مواقف‬ ‫إيمانية صالحة‪ ..‬مباشرة يزداد حبنا ووالؤنا له‪ ،‬فإن أظهر لنا في اليوم التالي خالف‬ ‫ذلك من المواقف اآلثمة والمنحرفة مباشرة يضعف حبنا ووالؤنا له بقدر ما يُظهر لنا‬ ‫من تلك المواقف المنحرفة‪ ،‬وهذا هو المراد من قوله ^‪« :‬أوثق عرى اإليمان‪:‬‬ ‫(‪)1‬‬

‫المواالة في هللا‪ ،‬والمعاداة في هللا‪ ،‬والحب في هللا‪ ،‬والبغض في هللا» ‪ .‬وقوله ^‪:‬‬ ‫(‪)2‬‬

‫«من أحبَّ هلل‪ ،‬وأبغض هلل‪ ،‬وأعطى هلل‪ ،‬ومنع هلل‪ ،‬فقد استكمل اإليمان» ‪ .‬وما أقل‬ ‫من يفعل ذلك في زماننا!‬ ‫ثانيا ا‪ :‬عالم تغلب سيئاته على حسناته‪ ،‬والبدع واألهواء التي يدعو إليها‪ ،‬لها‬ ‫مساس بالتوحيد واألصول‪ ،‬وكانت أصوله التي ينطلق منها أغلبها فاسدة وباطلة لكنها‬ ‫لم تبلغ به درجة الكفر والخروج من اإلسالم‪ ،‬فالعالم الذي هذا وصفه ال يؤخذ عنه‬ ‫علم؛ لتوفر هذا العلم عند غيره من العلماء‪ ،‬ومن مصادر أخرى تخلو مما يتصف به‬ ‫من بدع وأهواء وانحرافات‪ ،‬وألن األخذ عنه في كثير من األحيان ال يمكن من دون‬ ‫الوقوف على شيء من بدعه وأهوائه وشذوذاته‪.‬‬ ‫وال يجوز احترامه وتبجيله أو إضفاء ألقاب المديح والثناء الحسن عليه؛ ألن‬ ‫ذلك فيه عون له على باطله وبدعته‪ ،‬ومنهجه الفاسد الباطل‪ ،‬وفيه إضالل لألتباع‬ ‫الذين قد يفسرون هذا المديح أو االحترام أنه تعديل لمنهجه وباطله وبدعته!‬ ‫(‪ )1‬أخرجه الطبراني وغيره‪ ،‬السلسلة الصحيحة‪.)118( :‬‬ ‫(‪ )2‬أخرجه أبو داود وغيره‪ ،‬السلسلة الصحيحة‪.)381( :‬‬


‫املنهج املختصر يف الفقه والعقيدة والدعوة‬

‫‪319‬‬

‫وفي األثر‪( :‬من وقر صاحب بدعة‪ ،‬فقد أعان على هدم اإلسالم)‪ .‬ألنه بتوقيره‬ ‫لصاحب البدعة يكون عونا ً للمبتدع على بدعته‪ ،‬كما يكون سببا ً لنشر بدعته‬ ‫وضالالته بين الناس‪ ..‬وما من بدعة تنتشر وتسود إال وتندرس مقابلها سنة من‬ ‫السنن!‬ ‫ثالثا ا‪ :‬عالم بلغ به طغيانه وانحرافه أن يكون ركنا ً من أركان أنظمة الحكم‬ ‫والكفر‪ ..‬وبوقا ً من أبواق الطواغيت الظالمين‪ ،‬يبرر لهم كفرهم وطغيانهم وظلمهم‪،‬‬ ‫فهذا الصنف من الشيوخ أو الناس ال غيبة لهم وال حرمة‪ ..‬فضالً عن أن نلزم الناس‬ ‫باحترامهم وتبجيلهم وإكرامهم لكونهم يرتدون ثوب وعمامة العلماء‪ ،‬ويُنادون بألقاب‬ ‫العلماء!‬ ‫ومن الظلم والجهل أن تُحمل النصوص الشرعية التي قيلت في العلماء العاملين‬ ‫المجاهدين الصادعين بالحق على علماء السوء والضاللة‪ ..‬والشقاق والنفاق الذين هم‬ ‫السبب األكبر في انتكاسة األمة‪ ،‬واستعالء أنظمة الكفر على سدة الحكم في بالد‬ ‫المسلمين‪ ،‬وهؤالء ال تُحمل عليهم مقولة‪ :‬لحوم العلماء مسمومة‪ ،‬بل هم يدخلون‬ ‫دخوالً كليا ً في الملعونين الوارد ذكرهم في قوله تعالى‪* :‬ﮠ ﮡ ﭨ ﭩ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮪ ﮭ‬ ‫ﮮﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ&[البقرة‪.]951:‬‬ ‫وقد صح عن النبي ^ أنه قال‪« :‬سيكون بعدي أمراء‪ ،‬فمن دخل عليهم فصدَّقهم‬ ‫بكذبهم‪ ،‬وأعانهم على ظلمهم؛ فليس مني ولستُ منه‪ ،‬وليس بوار ٍد علي الحوض‪،‬‬ ‫ومن لم يدخل عليهم ولم ي ُعنهم على ظلمهم‪ ،‬ولم يصدقهم بكذبهم؛ فهو مني وأنا منه‪،‬‬ ‫(‪)1‬‬

‫وهو وارد ٌ علي الحوض» ‪ .‬وهذا فيمن يدخل على أئمة الجور من المسلمين‬ ‫فيصدقهم بكذبهم‪ ،‬فكيف بمن يدخل على أئمة الكفر والظلم والطغيان فيصدقهم بكفرهم‬ ‫وكذبهم؟!!‬ ‫(‪)2‬‬

‫وقال ^‪« :‬إن أخوف ما أخاف على أمتي ك َّل منافق عليم اللسان» ‪ .‬فالنبي ^‬ ‫يخافه على أمته ويُحذِّر منه؛ ألن عامة المسلمين يظنونه عالما ً يستحق التوقير‬ ‫واالحترام واإلكرام والمتابعة لما يرون من طالقة وفصاحة في لسانه وهو يتكلم‪..‬‬ ‫ولما يرون عليه من لباس وسمت العلماء‪ ..‬وهو في حقيقته منافق متذبذب ال إلى‬ ‫هؤالء وال إلى هؤالء‪ ..‬تارة تراه يؤصل للكفر ويدعو له‪ ..‬وتارة تراه يؤصل لإليمان‬ ‫ويدعو له‪ ..‬فالحذر الحذر!‬ ‫(‪ )1‬صحيح سنن الترمذي‪.)9843( :‬‬ ‫(‪ )2‬أخرجه أحمد وغيره‪ ،‬السلسلة الصحيحة‪.)9193( :‬‬


‫‪351‬‬

‫الضابط الخامس‪:‬‬

‫تهذيب الضَّوابطُ املُثلَى يف كيفيِّةِ التعامُ ِل مع الدعا ِة والعلماءِ‬ ‫د‬ ‫تهذيب شرح األصول الثالثةد‬

‫تهذيب؟ وهل يليق بالمسلم أن‬ ‫هل السب والطعن واللعن محرم على اإلطالق أو ال‬ ‫يطعن أو يسب أو يلعن اآلخرين؟!‬ ‫الضَّوابطُ املُثلَى‬

‫الجواب فيه تفصيل‪ :‬فلعن وسبّ من ال يجوز لعنه وسبه شرعا ً ال يجوز‬ ‫والعلماءِ‬ ‫مع الدعا‬ ‫التعامُ ِل‬ ‫كيفيِّةِ‬ ‫يعود وزره‬ ‫ولعنه ِة وسبه‬ ‫ولغيره‪،‬‬ ‫لنفسه‬ ‫االقتراب منها‪ ،‬ومن يفعل ويتجرأ فهو يفظالم‬ ‫خرجت اللعنة من فِي صاحبها‬ ‫عليه ليبوء بإثمه‪ ،‬فقد صح اعن النبي ^ أنه قال‪« :‬إذا د‬ ‫نظرت‪ ،‬فإن وجدت مسلكا في الذي ُوجهت إليه‪ ،‬وإال عادت إلى الذي خرجت‬ ‫(‪)1‬‬

‫منه» ‪.‬‬

‫تهذيب شرح األصول الثالثةد‬

‫(‪ )1‬أخرجه أحمد وغيره‪ ،‬السلسلة الصحيحة‪.)9261( :‬‬


‫املنهج املختصر يف الفقه والعقيدة والدعوة‬

‫‪355‬‬

‫ويجوز الطعن‪ ،‬والسبُّ ‪ ،‬واللعن بضوابط أربعة‪:‬‬ ‫أو الا‪ :‬أن يكون المطعون والملعون ممن أجاز الشارع لعنه والطعن به‪.‬‬ ‫ثانيا ا‪ :‬أن يكون الطعن والسب واللعن مبعثه الغضب لحرمات هللا تعالى‪.‬‬ ‫ثالثا ا‪ :‬أن يكون الطعن واللعن والسب سببا ً معينا ً على زجر المطعون والملعون‬ ‫من االسترسال في غيه وظلمه‪ ،‬وفجوره‪.‬‬ ‫اآلخر هللا ‪Q‬‬ ‫رابعا ا‪ :‬أن ال يؤدي سب ولعن من يجوز سبه ولعنه إلى أن يسب‬ ‫ُ‬ ‫أو دينه أو رسوله‪ ،‬لقوله تعالى‪* :‬ﮪ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘﯙ&[األنعام‪ .]918:‬فاهلل‬ ‫تعالى نهى عن سبهم لعلة وليس لذات السبّ ِ ‪ ،‬وهي‪* :‬ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘﯙ&[األنعام‪ ]918:‬فإن‬ ‫انتفت هذه العلة‪ ،‬وأُمن عدم وقوعها‪ ..‬جاز سبهم والطعن بهم‪.‬‬ ‫وبهذه الضوابط األربعة يجوز الطعن‪ ،‬والسب‪ ،‬واللعن‪ ،‬وإليك بعض األدلة‬ ‫على ذلك‪:‬‬ ‫قال ^‪« :‬إذا رأيتم الرجل يتعزى بعزاء الجاهلية‪ ،‬فأعضوه بِ َه ِن أبيه وال‬ ‫(‪)1‬‬ ‫تكنوا» ‪ .‬قال ابن األثير في النهاية‪( :‬التعزي االنتماء واالنتساب إلى القوم «فأعضوه‬ ‫عض أير أبيك!!» اهـ‪.‬‬ ‫بهن أبيه» أي قولوا‪:‬‬ ‫َّ‬ ‫هذا هو عالج ودواء من يتفاخر ويتماجد ويتعصب لقومه أو قبيلته أو آبائه في‬ ‫الباطل‪ ،‬أن يقال له بكل صراحة ووضوح‪ :‬اذهب عض أير أبيك!! فهو أزجر له‬ ‫وأبكت عن استرساله وتماجده بالباطل وبجاهليته!‬ ‫وعن أبي هريرة قال‪ :‬قال رجل‪ :‬يا رسول هللا! إن لي جارا ً يؤذيني‪ ،‬فقال‪:‬‬ ‫«انطلق فأخرج متاعك في الطريق»‪ ،‬فانطلق فأخرج متاعه‪ ،‬فاجتمع الناس عليه‪،‬‬ ‫فقالوا‪ :‬ما شأنك؟ قال‪ :‬لي جار يؤذيني‪ ،‬فذكرت للنبي ^ فقال‪« :‬انطلق فأخرج متاعك‬ ‫إلى الطريق» فجعلوا يقولون‪ :‬اللهم العنه‪ ،‬اللهم أخزه‪ ،‬فبلغه فأتاه فقال‪ :‬ارجع إلى‬ ‫(‪)2‬‬

‫منزلك‪ ،‬فوهللا ال أوذيك ‪.‬‬ ‫فتأمل كيف أن الصحابة لعنوا هذا المؤذي لجاره‪ ..‬وكيف أن لعنه أتى بثماره‪،‬‬ ‫وكان سببا ً في نهي ذاك المؤذي لجاره عن غيه وظلمه!‬ ‫وفي صحيح البخاري‪ :‬أن عبد هللا بن مسعود ا قال‪« :‬لعن هللا الواشمات‬ ‫والمستوشمات‪ ،‬والمتنمصات والمتفلجات لل ُحسن‪ ،‬المغيرات لخلق هللا‪ ،‬مالي ال ألعن‬ ‫من لعن رسو ُل هللا‪ ،‬وهو في كتاب هللا؟!»‪.‬‬ ‫(‪ )1‬أخرجه أحمد والترمذي‪ ،‬صحيح الجامع‪.)9787( :‬‬ ‫(‪ )2‬صحيح األدب المفرد‪.)12( :‬‬


‫‪351‬‬

‫تهذيب الضَّوابطُ املُثلَى يف كيفيِّةِ التعامُ ِل مع الدعا ِة والعلماءِ‬ ‫د‬ ‫الثالثةد‬ ‫األصول‬ ‫تهذيب شرح‬ ‫(‪)1‬‬

‫تهذيبلعنتهم» ‪ .‬أي‪ :‬حقت‪.‬‬ ‫وقال ^‪« :‬من آذى المسلمين في طرقهم‪ ،‬وجبت عليه‬ ‫واألحاديث التي تجيز اللعن في مواضع وصفات محددة كثيرة‪ ،‬لكن ال يليق‬ ‫فقدطُ املُث‬ ‫الضَّواب‬ ‫صحلَىعن النبي ^ أنه قال‪:‬‬ ‫بأخالق المسلم أن يكون السب واللعن ديدنه وعادته‪،‬‬ ‫(‪)2‬‬

‫بالبذيء»‬ ‫الدعا ِة‪ .‬والعلماءِ‬ ‫والمُ ِل مع‬ ‫بالفاحش‪،‬التعا‬ ‫«ليس المؤمن بالط عَّان‪ ،‬وال بالل عَّان‪ ،‬واليف كيفيِّةِ‬

‫والطعَّان واللعَّان من صيغ المبالغة؛ أي‪ :‬كثير الطعن واللعن‪ ،‬فيلعن من ال‬ ‫د‬ ‫يجوز له لعنه‪.‬‬ ‫رواه مسلم‪.‬‬ ‫القيامة»‬ ‫شفعاء يوم‬ ‫وقال ^‪« :‬إن الل عَّانين ال يكونون شهداء وال‬ ‫الثالثةد‬ ‫األصول‬ ‫تهذيب شرح‬ ‫ق أن يكون ل عَّانا ا» رواه مسلم‪.‬‬ ‫وقال ^‪ « :‬ال ينبغي لصدي ٍ‬ ‫وفي صحيح البخاري عن أنس ا قال‪« :‬لم يكن رسول هللا ^ فاحشا ا‪ ،‬وال لعَّانا ا‪،‬‬ ‫وال سبَّابا ا»‪.‬‬ ‫فإن قيل‪ :‬هل اللعن العام يستلزم دائما ً لعن المعين الذي يقع بما يستدعي اللعن‪..‬‬ ‫أو أن هناك موانع تمنع من لعن المعين رغم إتيانه لفع ٍل يستوجب اللعن؟‬ ‫أقول‪ :‬ال يمكن أن نعطل النصوص الشرعية‪ ..‬ونجعل اللعن دائما ً لعنا ً عاما ً ال‬ ‫يمكن أن يتنزل على أصحابه ومستحقيه‪ ..‬فهذا خالف السنة كما تقدم‪ ،‬كما أنه ال‬ ‫يصح أن نحمل اللعن العام على األشخاص بأعيانهم مطلقا ً ودائما ً من دون النظر في‬ ‫الشروط والموانع‪ ،‬وهذه الشروط والموانع ألخصها في النقاط التالية‪:‬‬ ‫‪ -9‬أن يكون اللعن في موضع قد أجاز الشارع لعنه‪ ..‬فمن لعن من ال يُشرع‬ ‫لعنه‪ ..‬عاد عليه لعنه‪ ،‬كما تقدم في الحديث‪« :‬إذا خرجت اللعنة من فِي صاحبها‬ ‫نظرت‪ ،‬فإن وجدت مسلكا ا في الذي ُوجهت إليه‪ ،‬وإال عادت إلى الذي خرجت منه»‪.‬‬ ‫‪ -2‬أن ال يكون من وقع في الفعل الذي يستوجب اللعن‪ ..‬متأوالً أو جاهالً ال‬ ‫يقدر أن يدفع عن نفسه الجهل فيما قد خالف فيه مما يستدعي اللعن؛ فمن وقع في‬ ‫مخالفة عن جهل معجز ال يمكن دفعه يُرفع عنه التكليف والمؤاخذة إلى حين توفر‬ ‫القدرة على دفع الجهل بالعلم‪ ،‬كاألعرابي الذي بال في مسجد الرسول ^‪ ..‬فنهى النبي‬ ‫^ عن زرمه وتوبيخه واكتفى بتعليمه‪ ،‬قال هللا تعالى‪ * :‬ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ‬ ‫ﯣﯤ&[البقرة‪.]286:‬‬ ‫‪ -3‬مما يمنع اللعن عن المعين أن يكون هذا المعين ‪-‬ممن وقع فيما يستوجب‬ ‫اللعن‪ -‬من ذوي الحسنات الكثيرة‪ ،‬وله سابقة بالء وجهاد في سبيل هللا‪ ..‬فالحسنات ‪-‬‬ ‫(‪ )1‬السلسلة الصحيحة‪.)2214( :‬‬ ‫(‪ )2‬أخرجه أحمد وغيره‪ ،‬السلسة الصحيحة‪.)321( :‬‬


‫املنهج املختصر يف الفقه والعقيدة والدعوة‬

‫‪353‬‬

‫في كثير من األحيان‪ -‬كلما تعاظمت تشفعت لصاحبها عند موارد الشبهات وحصول‬ ‫الزلل والوقوع في الخطأ‪ ،‬كما في قصة حاطب بن أبي بلتعة عندما راسل كفار قريش‬ ‫يخبرهم فيها عن توجه النبي ^ لغزو مكة‪ ..‬فقد تذكر له النبي ^ شهوده وقعة بدر‬ ‫العظيمة‪ ،‬فقال ^‪« :‬إنه شهد بدرا ا‪ ،‬وما يدريك لعل هللا قد اطلع على أهل بدر‪ ،‬فقال‪:‬‬ ‫اعملوا ما شئتم فقد غفرت لكم»‪.‬‬ ‫وفي الحديث الذي أخرجه البخاري في صحيحه‪ ،‬عن عمر بن الخطاب ا‪ ،‬أن‬ ‫رجالً كان على عهد النبي ^ اسمه عبد هللا‪ ،‬وكان يُلقب حمارا ً‪ ،‬وكان يُضحك رسول هللا‬ ‫^‪ ،‬وكان النبي ^ قد جلده في الشراب‪ ،‬فأتي به يوما ً فأمر به ف ُجلد‪ ،‬فقال رجل من القوم‪:‬‬ ‫اللهم العنه‪ ،‬ما أكثر ما يؤتى به! فقال النبي ^‪ « :‬ال تلعنوه‪ ،‬فوهللا ما علمتُ إال أنه يُحبُّ‬ ‫هللاَ ورسولَه»‪.‬‬ ‫فرغم أن شارب الخمر قد لُعن ‪-‬في نصوص أخرى‪ -‬لعنا ً عاما ً‪ ،‬إال أن النبي ^‬ ‫منع من حمل هذا اللعن على هذا الصحابي لوجود حسنة عظيمة عنده؛ وهي أنه يحب‬ ‫هللا ورسوله‪ ،‬وكذلك لقيام الحد عليه‪ ،‬فالحد يُكفر الذنب عن صاحبه ويُطهره‪.‬‬ ‫‪ -4‬أن يكون الفعل الذي يستوجب اللعن صفة الزمة للفاعل‪ ..‬يستعلن به‬ ‫ويُباهي‪ ..‬وال يستحي من سوء وقبح صنيعه‪ ..‬فهذا الذي يستحق اللعن‪ ..‬وليس من‬ ‫تصدر عنه المخالفة على وجه الندرة مع االستحياء من فعله‪ ..‬وسرعة المبادرة إلى‬ ‫االستغفار والتوبة‪.‬‬ ‫فالعفو يدرك كل مسلم من أمة محمد ^ إال المجاهر بذنبه ومعصيته المستعلن‬ ‫بها‪ ،‬كما في الحديث الصحيح‪ « :‬كل أمتي معافى إال المجاهرين‪ ،‬وإن من المجاهرة‬ ‫أن يعمل الرجل بالليل عم الا‪ ،‬ثم يصبح وقد ستره هللا‪ ،‬فيقول‪ :‬يا فالن‪ ،‬عملت البارحة‬ ‫كذا وكذا‪ ،‬وقد بات يستره ربه‪ ،‬ويصبح يكشف ستر هللا عنه» رواه البخاري‪.‬‬ ‫وفي الحديث الصحيح‪« :‬من ستر مسلما ا ستره هللا يوم القيامة» رواه البخاري‪.‬‬ ‫ومن لوازم الستر عدم لعنه على المأل وبين الناس‪ ،‬إذ ال يمكن أن يجتمع لعن وستر‬ ‫آن معا ً‪.‬‬ ‫في ٍ‬ ‫وبهذا يتبين كيفية الجمع بين النصوص التي توجب اللعن‪ ،‬وبين النصوص التي‬ ‫توجب ستر المسلم‪ ،‬حيث يُعمل بالنصوص التي توجب اللعن عندما يمارس الفعل‬ ‫الذي يستوجب اللعن على وجه العادة والوقاحة والمجاهرة وعدم االستحياء من هللا‬ ‫تعالى وال من عباد هللا تعالى‪ ،‬بينما يُعمل بالنصوص التي توجب ستر المسلم عندما‬ ‫يقع المسلم بالذنب أو المخالفة ‪-‬التي تستوجب اللعن‪ -‬على وجه الندرة‪ ..‬وتُعد منه‬ ‫هفوة وزلة يستحي من ظهورها‪ ،‬وال يستعلن بها أمام الناس‪.‬‬ ‫فمثالً يوجد فرق بين من تقع منه بعض األوساخ في طريق المسلمين على غير‬ ‫وجه العادة وال القصد‪ ..‬فهذا ال يجوز لعنه‪ ..‬وبين من يجمع أوساخ بيته ودكانه‬


‫تهذيب الضَّوابطُ املُثلَى يف كيفيِّةِ التعامُ ِل مع الدعا ِة والعلماءِ‬

‫‪354‬‬

‫د‬ ‫تهذيب شرح األصول الثالثةد‬

‫يوم ‪-‬عن سابق إصرار وعمد‪ -‬في طريق الناس ويؤذيهم بها وال‬ ‫ليضعها في كل ٍ‬ ‫يبالي بنقد وال نصح؛ فهذا يجوز لعنه عمالً بالحديث‪ .‬تهذيب‬ ‫َى تكفيره‪ ،‬فاللعن شيء‬ ‫المعين‬ ‫تنبيه‪ :‬اعلم أن اللعن غير التكفير؛ فال يلزم من‬ ‫لعنطُ املُثل‬ ‫الضَّواب‬ ‫والتكفير شيء آخر‪ ،‬فالتكفير وتبعاته أغلظ من اللعن؛ لذا فإن احتياطات التكفير أشد‬ ‫يف كيفيِّةِ التعامُ ِل مع الدعا ِة والعلماءِ‬ ‫وأغلظ من احتياطات اللعن‪.‬‬ ‫الضابط السادس‪:‬‬ ‫د‬ ‫من يتتبع سيرة بعض الصحابة ومن بعدهم من أهل العلم‪ ،‬يجد أن لهم أحيانا ً‬ ‫الثالثةدلحكمة نعرفها‬ ‫األصولقد تكون‬ ‫البعض‪..‬‬ ‫بعضهمشرح‬ ‫بعض المالسنات واإلطالقات الشديدة بحق تهذيب‬ ‫أو ال نعرفها‪ ،‬أو لعلة ومآرب في نفوسهم نعرفها أو ال نعرفها‪ ..‬وإذا كنا نحن‬ ‫المسلمين مطالبين باحترام العلماء وإكرامهم فعالم ال نجد أحيانا ً مثل هذا االحترام‬ ‫المتبادل للعلماء بعضهم مع بعض؛ حيث نجد بعض المالسنات واإلطالقات الشديدة‬ ‫بحق بعضهم البعض؟!‬ ‫فالجواب‪ :‬أن هذه الشدة والمالسنة التي قد تحصل من عالم نحو عالم آخر قد‬ ‫تكون لما يعلمه هذا العالم عن العالم اآلخر من مزالق‪ ،‬وانحرافات‪ ،‬أو بدع‪ ،‬أو‬ ‫تقصير ونحو ذلك‪ ..‬هو يعلمها ونحن ال نعلمها‪ ..‬وتستدعي وتبرر له شرعا ً ‪-‬من قبيل‬ ‫تحذير العامة من أخطائه وانحرافاته وإنصاف الحق‪ -‬مثل هذه اإلطالقات الشديدة‬ ‫بحق ذلك العالم‪.‬‬ ‫ومن ذلك‪ :‬ما نعرفه عن علم الجرح والتعديل الذي تميزت به أمة اإلسالم‪،‬‬ ‫والمليء باإلطالقات الشديدة على بعض أهل العلم‪ ..‬لضرورة ضبط النقل‪ ..‬وتمييز‬ ‫الحديث الصحيح من الحسن‪ ،‬من الضعيف‪ ،‬من الموضوع!‬ ‫وقد تكون هذه الشدة والمالسنة من قبيل التذكير أو النصح والزجر للعالم اآلخر‬ ‫الذي وقع في التقصير أو المخالفة‪ ،‬وهذا يقع أحيانا ً خاصة من جهة الفاضل نحو‬ ‫المفضول‪ ،‬فالعالم إن لم يجد عالما ً آخر يذكره عند النسيان‪ ،‬وينصحه ويسدده عند‬ ‫وقوعه في الخطأ والزلل‪ ..‬قد يتمادى في باطله وال تؤمن عليه فتنة الطغيان‪ ،‬فها هو‬ ‫عبادة بن الصامت ا يقول لمعاوية ابن أبي سفيان ا ‪-‬بسبب خالف بينهما على معنى‬ ‫الربا‪( :-‬أحدثك عن رسول هللا ^ وتحدثني عن رأيك؟! ال أساكنك بأرض لك علي فيها‬ ‫(‪)1‬‬

‫إمرة) ‪.‬‬ ‫وها هو العالم المجاهد الزاهد عبد هللا بن المبارك يقول البن علية وهو من‬ ‫كبار أهل العلم‪ ،‬لما رضي لنفسه أن يتولى القضاء عند هارون الرشيد‪:‬‬ ‫(‪ )1‬صحيح سنن ابن ماجه‪.)98( :‬‬


‫املنهج املختصر يف الفقه والعقيدة والدعوة‬

‫‪355‬‬

‫دددددم لدددددده بازيددددددا ً‬ ‫ددددددداكين‬ ‫يصددددددددطادُ أمددددددددوال المسد‬ ‫يددددددا جاعددددددل العلد ِ‬ ‫ِ‬ ‫َّ‬ ‫ددددددددددـدين‬ ‫ددددددددددذهب بالد‬ ‫بحيدددددددددددـل ٍة تد‬ ‫احتددددددددددـلت للددددددددددـدُّنيا ولددددددددددذاتها‬ ‫ُ‬ ‫ِ‬ ‫المجاندددددددددددددددـين‬ ‫كدددددددددددددددـنت دواء‬ ‫فصددددـرت مجنونددددا ً بهددددا بعددددـدما‬ ‫ِ‬ ‫ددديرين‬ ‫دددون وابددددن سد‬ ‫أيددددددن رواياتُددددددك فيمددددددا مضددددددـى‬ ‫عدددن ابددددن عد ٍ‬ ‫ِ‬ ‫ددددـالطين‬ ‫ب السد‬ ‫أيددددددن رواياتُددددددك فددددددي سددددددردِها‬ ‫فدددددي تد ِ‬ ‫ددددرك أبدددددوا ِ‬ ‫ِ‬ ‫ددددين‬ ‫إن قلدددددت أُكرهدددددت فدددددذا باطددددد ٌل‬ ‫ز َّل حمد ُ‬ ‫ددددار العلد ِ‬ ‫ددددم فدددددي الطد ِ‬ ‫فلما وقف على هذه األبيات قام من مجلس القضاء فوطئ بساط الرشيد‪ ،‬وقال‪:‬‬ ‫(‪)1‬‬

‫هللا‪ ،‬هللا‪ ،‬ارحم شيبتي‪ ،‬فإني ال أصبر على القضاء ‪.‬‬ ‫فقد كانت كلمات ابن المبارك ‪ /‬شديدة ً وقاسية‪ ..‬لكنها آتت أكلها وثمارها!‬ ‫والشاهد‪ :‬أن مثل هذه الشدة والمالسنة قد تحصل بين أهل العلم‪ ..‬فال ينبغي أن‬ ‫نضخم األمور ونثير الشغب عصبية لطرف على طرف‪ ،‬أو لعالم على عالم‪ ..‬فإن‬ ‫أدركنا الحكمة منها يكون ذلك خيرا ً‪ ..‬وإن لم ندرك الحكمة منها‪ ..‬وقصرت أفهامنا‬ ‫عن إدراك المراد منها‪ ..‬فالواجب حينئ ٍذ يحتم علينا أن نحسن الظن بالجميع‪ ..‬ونحترم‬ ‫الجميع‪ ..‬وندعو للجميع‪ ..‬ونترحم على الجميع‪.‬‬ ‫*ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ&[الحشر‪.]91:‬‬ ‫وصلى هللا على سيدنا ونبينا محمد‪ ،‬وعلى آله وصحبه وسلم‪.‬‬ ‫وآخر دعوانا أن الحمد هلل رب العالمين‪.‬‬

‫(‪ )1‬انظر‪ :‬كتاب الزهد البن المبارك‪( ،‬ص‪.)59‬‬


‫‪356‬‬

‫فهـــــــــرس املوضــوعــــــــــات‬

‫فهرس الموضوعات‬ ‫الباب األول‪ :‬الفقه ‪8 ........................................ ................................‬‬ ‫كتاب الطهارة ‪9 ............................................. ................................‬‬ ‫باب المياه ‪91 ............................................. ................................‬‬ ‫باب اآلنية ‪99 ............................................. ................................‬‬ ‫باب االستنجاء ‪92 ........................................ ................................‬‬ ‫باب السواك وسنن الوضوء ‪94 .......................... ................................‬‬ ‫ من سنن الوضوء‪94 .............................. ................................ :‬‬‫باب فروض الوضوء وصفته ‪95 ........................ ................................‬‬ ‫فروض الوضوء ستة‪ ،‬وهي‪95 ..................... ................................ :‬‬ ‫باب المسح على الخفين ‪96 ............................... ................................‬‬ ‫شروط المسح على الخفين‪96 ....................... ................................ :‬‬ ‫باب نواقض الوضوء ‪97 ................................. ................................‬‬ ‫نواقض الوضوء‪97 ................................. ................................ :‬‬ ‫باب الغسل ‪98 ............................................ ................................‬‬ ‫موجبات الغسل‪98 ................................... ................................ :‬‬ ‫ يسن الغسل لمن يلي‪98 ........................... ................................ :‬‬‫ صفة الغسل الكامل هي‪98 ........................ ................................ :‬‬‫صفة الغسل المجزئ‪98 ............................. ................................ :‬‬ ‫باب التيمم ‪21 ............................................. ................................‬‬ ‫فروض التيمم‪21 ..................................... ................................ :‬‬ ‫مبطالت التيمم‪29 .................................... ................................ :‬‬ ‫باب إزالة النجاسة ‪22 .................................... ................................‬‬ ‫باب الحيض ‪23 ........................................... ................................‬‬ ‫المستحاضة على ثالثة أقسام‪23 .................... ................................ :‬‬ ‫فصل في النفاس‪24 .................................. ................................ :‬‬ ‫كتاب الصالة ‪15 ........................................... ................................‬‬ ‫الصالة ‪26 ................ ................................ ................................‬‬ ‫تعريف الصالة‪26 ................................... ................................ :‬‬ ‫حكم الصالة‪26 ...................................... ................................ :‬‬ ‫باب األذان واإلقامة ‪27 ................................... ................................‬‬ ‫ شروط صحة األذان‪31 ........................... ................................ :‬‬‫باب شروط الصالة ‪33 ................................... ................................‬‬


‫املنهج املختصر يف الفقه والعقيدة والدعوة‬

‫‪357‬‬

‫الشرط األول‪ :‬اإلسالم‪33 ............................ ................................ :‬‬ ‫الشرط الثاني‪ :‬العقل‪33 .............................. ................................ :‬‬ ‫الشرط الثالث‪ :‬التمييز‪33 ............................ ................................ :‬‬ ‫الشرط الرابع‪ :‬دخول الوقت‪33 ...................... ................................ :‬‬ ‫الشرط الخامس‪ :‬الطهارة من الحدث‪35 ............................................. :‬‬ ‫الشرط السادس‪ :‬الطهارة من النجس‪35 ............................................. :‬‬ ‫الشرط السابع‪ :‬ستر العورة‪36 ....................... ................................ :‬‬ ‫الشرط الثامن‪ :‬استقبال القبلة‪37 ..................... ................................ :‬‬ ‫الشرط التاسع‪ :‬النية‪38 ............................... ................................ :‬‬ ‫باب صفة الصالة ‪31 ..................................... ................................‬‬ ‫أوالً‪ :‬القيام‪31 ........................................ ................................ :‬‬ ‫ثانيا ً‪ :‬الركوع‪41 ...................................... ................................ :‬‬ ‫ثالثا ً‪ :‬القيام من الركوع‪49 ........................... ................................ :‬‬ ‫رابعا ً‪ :‬السجود‪49 .................................... ................................ :‬‬ ‫خامسا ً‪ :‬القيام من السجود‪49 ......................... ................................ :‬‬ ‫سادسا ً‪ :‬السجود الثاني‪42 ............................ ................................ :‬‬ ‫سابعا ً‪ :‬الركعة الثانية‪42 .............................. ................................ :‬‬ ‫ثامنا ً‪ :‬التشهد األول‪42 ............................... ................................ :‬‬ ‫تاسعا ً‪ :‬التشهد األخير والتسليم‪43 .................... ................................ :‬‬ ‫من مكروهات الصالة ‪44 ................................. ................................‬‬ ‫مما يتعلق بالصالة من السنن ‪45 ......................... ................................‬‬ ‫أركان الصالة‪ ،‬وواجباتها‪ ،‬وسننها ‪47 ................... ................................‬‬ ‫أركان الصالة‪ ،‬وهي أربعة عشر ركناً‪ ،‬وهي‪47 ................................... :‬‬ ‫واجبات الصالة (عند الحنابلة‪ ،‬وهي عند الجمهور سنة)‪ ،‬وهي ثمانية‪ ،‬وهي‪47 . :‬‬ ‫سنن الصالة القولية‪ ،‬وهي إحدى عشرة سنة‪ ،‬وهي‪47 ............................. :‬‬ ‫كتاب الجهاد ‪49 ............................................ ................................‬‬ ‫الجهاد ‪51 .................. ................................ ................................‬‬ ‫أوالً‪ :‬تعريف الجهاد‪51 .............................. ................................ :‬‬ ‫ثانيا ً‪ :‬أهداف الجهاد والحكمة من مشروعيته‪51 .................................... :‬‬ ‫ثالثا ً‪ :‬مراتب الجهاد‪59 ............................... ................................ :‬‬ ‫رابعا ً‪ :‬حكم الجهاد‪53 ................................ ................................ :‬‬ ‫خامسا ً‪ :‬من يمنع قتاله من الكافرين‪ ،‬ويشرع قتاله من المسلمين‪57 ................ :‬‬ ‫سادسا ً‪ :‬حكم األسرى‪69 ............................. ................................ :‬‬ ‫سابعا ً‪ :‬أحكام الغنيمة والفيء‪69 ..................... ................................ :‬‬


‫‪358‬‬

‫فهـــــــــرس املوضــوعــــــــــات‬

‫ثامنا ً‪ :‬أقسام الشهداء‪68 .............................. ................................ :‬‬ ‫مسألة مهمة ‪61 ........................................... ................................‬‬ ‫بطالن اشتراط وجود اإلمام والراية لمشروعية الجهاد في سبيل هللا ‪61 ...............‬‬ ‫تهذيب كتاب السياسة الشرعية ‪99 ........................................................‬‬ ‫المقدمة ‪911 .............. ................................ ................................‬‬ ‫الحكم هلل تبارك وتعالى ‪919 ............................. ................................‬‬ ‫السياسة ‪912 .............. ................................ ................................‬‬ ‫السياسة وأسباب التمكين والمنافع والمصالح الدنيوية‪914 ......................... :‬‬ ‫السياسة العادلة‪914 ................................. ................................ :‬‬ ‫ضعف اإلنسان في إدراكه ومعرفته بالمصالح‪915 ................................ :‬‬ ‫مزايا الشريعة ومقاصدها ‪917 ........................... ................................‬‬ ‫أوالً‪ :‬أن الشريعة اإلسالمية من عند هللا تعالى‪917 ................................ :‬‬ ‫ثانيا ً‪ :‬تحقيق العبودية هلل تعالى وتزكية النفوس وطهارتها‪917 .................... :‬‬ ‫ثالثا ً‪ :‬تقوى هللا في السر والعلن‪917 ................ ................................ :‬‬ ‫رابعا ً‪ :‬أن الشريعة جاءت بما فيه سعادة العباد في الدنيا واآلخرة‪917 ............ :‬‬ ‫خامسا ً‪ :‬موافقة الشريعة للفطرة‪918 ................ ................................ :‬‬ ‫سادسا ً‪ :‬كمال الشريعة اإلسالمية وشمولها ووفاؤها بجميع األحكام واألقضية في‬ ‫كل زمان ومكان‪911 ............................... ................................ :‬‬ ‫الحضارة ‪991 ............................................ ................................‬‬ ‫اإلمامة الكبرى ‪999 ...................................... ................................‬‬ ‫شروط الخليفة (اإلمامة الكبرى) ‪999 ................... ................................‬‬ ‫الشرط األول‪999 ................................... ................................ :‬‬ ‫الشرط الثاني‪992 ................................... ................................ :‬‬ ‫الشرط الثالث‪992 ................................... ................................ :‬‬ ‫الشرط الرابع‪992 ................................... ................................ :‬‬ ‫والخامس‪993 ....................................... ................................ :‬‬ ‫والسادس‪993 ........................................ ................................ :‬‬ ‫والسابع‪993 ......................................... ................................ :‬‬ ‫والثامن‪993 ......................................... ................................ :‬‬ ‫والتاسع والعاشر‪993 ............................... ................................ :‬‬ ‫واجبات اإلمام ‪994 ....................................... ................................‬‬ ‫حقوق اإلمام ‪996 ......................................... ................................‬‬ ‫أوالً‪ :‬طاعته بالمعروف‪996 ........................ ................................ :‬‬ ‫ثانيا ً‪ :‬نصرته ومعاونته على البر والتقوى‪996 ..................................... :‬‬


‫املنهج املختصر يف الفقه والعقيدة والدعوة‬

‫‪359‬‬

‫ثالثا ً‪ :‬النصيحة لإلمام‪996 ........................... ................................ :‬‬ ‫رابعا ً‪ :‬احترامه وتوقيره‪996 ........................ ................................ :‬‬ ‫خامسا ً‪ :‬تحريم خيانته وغشه والغدر به والخروج عليه‪996 ....................... :‬‬ ‫أثر صالح والة األمر في صالح األمة‪997 ........................................ :‬‬ ‫نصح اإلمام واألمراء ومحاسبتهم ومحاكمتهم‪997 ................................. :‬‬ ‫معاونة اإلمام على البر والتقوى‪998 ............... ................................ :‬‬ ‫نصح الوالة ومحاسبتهم وتقويمهم‪998 .............. ................................ :‬‬ ‫العدل في الحكم ومساواة الناس أمام القضاء‪998 .................................. :‬‬ ‫ترك الجهاد في سبيل هللا سبب للذل‪998 ............................................ :‬‬ ‫التحذير من شيوع الفاحشة في المجتمع‪991 ........................................ :‬‬ ‫الخالفة والملك‪991 .................................. ................................ :‬‬ ‫سؤال اإلمارة‪921 ................................... ................................ :‬‬ ‫اختيار اإلمام‪929 .................................... ................................ :‬‬ ‫عزل اإلمام‪929 ..................................... ................................ :‬‬ ‫الشورى ‪923 .............. ................................ ................................‬‬ ‫صفات أهل الشورى‪923 ............................ ................................ :‬‬ ‫تطبيق الشورى‪924 ................................. ................................ :‬‬ ‫مجاالت الشورى‪924 ............................... ................................ :‬‬ ‫حكم األمر بالمعروف والنهي عن المنكر ‪925 ..........................................‬‬ ‫صفات وأخالق اآلمر بالمعروف والناهي عن المنكر‪926 ........................ :‬‬ ‫تقديم األهم في األمر بالمعروف والنهي عن المنكر‪926 ........................... :‬‬ ‫الجهاد واإلعداد ‪928 ..................................... ................................‬‬ ‫الجهاد في سبيل هللا‪928 ............................. ................................ :‬‬ ‫وأما الحاالت التي يتعين فيها الجهاد فهي ثالث حاالت‪928 ....................... :‬‬ ‫اإلعداد‪921 .......................................... ................................ :‬‬ ‫األخالق واآلداب في الجهاد‪921 .................... ................................ :‬‬ ‫قتال الطائفة الممتنعة‪934 ........................... ................................ :‬‬ ‫تأسيس الدولة الجديدة ‪935 ............................... ................................‬‬ ‫وأولها‪ :‬الصبر على االبتالء‪935 ................... ................................ :‬‬ ‫الثاني‪ :‬الزهد في الدنيا‪935 .......................... ................................ :‬‬ ‫الثالث‪ :‬أداء األمانات إلى أهلها‪936 ................. ................................ :‬‬ ‫الرابع‪ :‬تربية الشباب‪936 ........................... ................................ :‬‬ ‫الخامس‪ :‬أصحاب االختصاص‪937 ................ ................................ :‬‬ ‫السادس‪ :‬حسم الفتن والتصدي لألخطار في أولها‪937 ............................. :‬‬


‫‪311‬‬

‫فهـــــــــرس املوضــوعــــــــــات‬

‫الوعد بالتمكين وعودة الخالفة ‪931 ..................... ................................‬‬ ‫الباب الثاني‪ :‬العقيدة ‪545 .................................. ................................‬‬ ‫تهذيب شرح األصول الثالثة ‪543 ........................................................‬‬ ‫المقدمة ‪944 .............. ................................ ................................‬‬ ‫فصل ‪948 ................ ................................ ................................‬‬ ‫فصل ‪959 ................ ................................ ................................‬‬ ‫فصل ‪953 ................ ................................ ................................‬‬ ‫فصل ‪954 ................ ................................ ................................‬‬ ‫فصل ‪955 ................ ................................ ................................‬‬ ‫فصل ‪958 ................ ................................ ................................‬‬ ‫األصل الثاني ‪971 ....................................... ................................‬‬ ‫فصل ‪973 ................ ................................ ................................‬‬ ‫فصل ‪971 ................ ................................ ................................‬‬ ‫فصل ‪989 ................ ................................ ................................‬‬ ‫األصل الثالث ‪984 ....................................... ................................‬‬ ‫فصل ‪986 ................ ................................ ................................‬‬ ‫فصل ‪911 ................ ................................ ................................‬‬ ‫فصل ‪912 ................ ................................ ................................‬‬ ‫فصل ‪914 ................ ................................ ................................‬‬ ‫تهذيب كتاب التبيان شرح نواقض اإلسالم ‪111 ..........................................‬‬ ‫المقدمة ‪219 .............. ................................ ................................‬‬ ‫شرح نواقض اإلسالم ‪212 ............................... ................................‬‬ ‫الناقض األول من نواقض اإلسالم‪212 ............................................ :‬‬ ‫الناقض الثاني‪ :‬من نواقض اإلسالم‪216 ........................................... :‬‬ ‫الناقض الثالث من نواقض اإلسالم‪218 ............................................ :‬‬ ‫الناقض الرابع من نواقض اإلسالم‪291 ............................................ :‬‬ ‫الناقض الخامس من نواقض اإلسالم‪299 .......................................... :‬‬ ‫الناقض السادس من نواقض اإلسالم‪292 .......................................... :‬‬ ‫الناقض السابع من نواقض اإلسالم‪293 ............................................ :‬‬ ‫الناقض الثامن من نواقض اإلسالم‪295 ............................................ :‬‬ ‫الناقض التاسع من نواقض اإلسالم‪295 ............................................ :‬‬ ‫الناقض العاشر من نواقض اإلسالم‪297 ........................................... :‬‬ ‫خاتمة ‪221 ................ ................................ ................................‬‬ ‫الشركيات المنتشرة ‪113 ................................... ................................‬‬


‫املنهج املختصر يف الفقه والعقيدة والدعوة‬

‫‪315‬‬

‫المقدمة ‪224 ............... ................................ ................................‬‬ ‫(الديموقراطية) طـــاغوت العصر ‪134 ..................................................‬‬ ‫الباب الثالث‪ :‬أصول الدعوة ‪145 .........................................................‬‬ ‫أهمية الدعوة وفضلها وكيف تكون داعية ‪147 ...........................................‬‬ ‫تهذيب خواطر وأفكار في فقه الدعوة إلى هللا ‪185 .......................................‬‬ ‫المقدمة ‪282 ............... ................................ ................................‬‬ ‫والعلماء ‪313 .....................‬‬ ‫ِ‬ ‫تهذيب ال ضَّواب طُ ال ُمثلَى في كيفيِ ِة التعا ُم ِل مع الدعاةِ‬ ‫المقدمة ‪314 ............... ................................ ................................‬‬ ‫الضابط األول‪315 ................................... ................................ :‬‬ ‫الضابط الثاني‪315 ................................... ................................ :‬‬ ‫الضابط الثالث‪317 .................................. ................................ :‬‬ ‫الضابط الرابع‪317 .................................. ................................ :‬‬ ‫الضابط الخامس‪391 ................................ ................................ :‬‬ ‫الضابط السادس‪394 ................................ ................................ :‬‬ ‫فهرس الموضوعات ‪356 ................................. ................................‬‬


Turn static files into dynamic content formats.

Create a flipbook
Issuu converts static files into: digital portfolios, online yearbooks, online catalogs, digital photo albums and more. Sign up and create your flipbook.