F
املنهج املختصر يف الفقه والعقيدة والدعوة
3
املقــــــــدمـــة الحمد هلل ،والصالة والسالم على رسول هللا ،وعلى آله وصحبه ومن وااله. وبعد: بعد أن َّ ي بالنفير إلى أرض الشام ..موئل كل مجاهد ُهمام، من هللا عل َّ أرض الثغور ..معقل كل بطل غيور ،التقيت بعامة المجاهدين ،فرأيت فتيانا ً وشبابا ً وكهوالً يحترقون غيرة على دين هللا ،ورأيت أنفُسا ً ُمت َّ ِقدة ً إلقامة وتحكيم شرع هللا ،ممن هانت نفوسهم في ذات هللا ،ورخصت أرواحهم لترتفع راية الحق ،ولو على أشالئهم ودمائهم.. ولقد رأت عيني من العناية اإللهية بهؤالء المجاهدين وتيسيره ألمورهم، وحفظه وتدبيره لشؤونهم ،ما منعني من سرده إال خشية َّأال تبلغه قلوب بعض من ر َّق دينهم فيرفضونه أو يستبعدونهِ ،لبُعدهم عنه مكانا ً وحاالً.. ولعل فيما يتداوله الناس من مشاهد ُحسن الخاتمة ،وفراق الدنيا بكلمة التوحيد ،وثغور با ِسم ٍة تودع الدنيا؛ ما يفي بالمراد لمن كان له قلب أو ألقى السمع وهو شهيد.. وإنني لطالما ذ َّكرت نفسي وإخواني بعظيم فضل هللا تعالى علينا في هذه األرض المباركة ،وتدبيره لشؤوننا ،وحفظه وكالءته لنا ،ولُطفه وعطفه بنا، وفضله وكرمه علينا؛ حتى كأننا نسمع قوله ^« :عليك بالشام؛ فإنها خيرة هللا ()1 من أرضه ،يجتبي إليها خيرته من عباده؛ فإن هللا تو َّك ل لي بالشام وأهله» من النبي ^ ونراه رأي العين.. فمنذ اندالع هذه الثورة اإلسالمية المباركة ،ونحن نتفيؤ ظالل هذا التدبير اإللهي ،حيث قامت الثورة على سواعد أطفا ٍل صغار بفط ِرهم المؤمنة تحرر من الظلم والطغيان؛ النقية الطاهرة ،ال تو ُّجه لهم وال أهداف ،غير ال ُّ لتبقى ثورة الشام ناصعة البياض ،عصيَّةً على المزايدات ،فإنما اتَّقدت جذوتها
( )1رواه أحمد وأبو داود ،وقال األلباني :صحيح.
4
املقــــــــدمـــة
بأيدي البراءة ،وامتدّت جذورها من مساجد درعا؛ ليقول الثوار للعالم اليوم: ثورة الشام ثورة ٌ إسالمية.. فلم تخرج هذه الثورة من بهو الفنادق ،ولم تنطلق من المقاهي وال المواصي ،بل خرجت من أطهر بقاع األرض وأح ِبّها إلى هللا تعالى؛ ليهتف جلجلة تص ُّم آذان الطغاة والمستكبرين( :هللا الساجدون المتوضئون بها ُم ِ أكبر)! أفبعد ذلك يستطيع أحدٌ أن يزايد على كون ثورة الشام ثورة إسالم؛ لتقتلع الباطل من جذوره ،وتجتث البعث والنصيرية وأعوانهما ،بل لتجتث تحالفا ً عالميا ً لطالما لبَّس على الناس ،وخلط الحق بالباطل (ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ) [آل
عمران.]971: وبتدبير إلهي عجيب ،بدأت ثورة الشام سلمية؛ لتتقبلها قلوب الشاميين، غ ِيّبوا دهرا ً عن كثير من معالم الشريعة ،و ُ فقد ُ طمست شعيرة الجهاد، وشريعة األمر بالمعروف والنهي عن المنكر من قلوب فئام منهم ،فاستمرت الثورة لتنزع رواسب البعث من قلوب الناس ،وتسقي غراس اإليمان ونعم الغراس.. حتى إذا ما قبِلت قلوبهم الجهاد ،وأقبلت أفئدتهم على رفع لواء الحق؛ أعمى هللا قلوب طغاة الشام ،فأفرجوا عن السجناء السياسيين ،مع من فيهم من صنعوا على عين هللا أمام عين الطاغية، اإلسالميين الجهاديين ،وكأنما ُ و ُحفظوا بحفظ هللا من الفئة الباغية؛ ليقودوا مسيرة الجهاد مع م ْن م َّن هللا عليه من جند النظام ،فهداه لالنعتاق من ربقتهم ،والتحرر من عبوديتهم ،ليشكل هؤالء مع إخوانهم المجاهدين المهاجرين من مشارق األرض ومغاربها، جيشا ً إسالمياً ،صقلته التجارب ،وعلمته الحروب ،من جند األفغان ،إلى جند العراق ،وجند اليمن والجزيرة ،وسائر أجناد األرض ،وما زال الناس يعجبون من هذا التدبير اإللهي. ي كأن هللا اختار صفوة األرض لصفوة المعارك! حتى قال قائلهم :و ْ لينتشلوا األمة من قرن كامل من العبودية للغرب ،والهيمنة واالسترقاق! فلم يكن هناك أمر إال أمر أمريكا ،وال يمكن أن تطلق الجيوش العربية طلقةً إال
املنهج املختصر يف الفقه والعقيدة والدعوة
5
بإذنها ،بل سيكتب التاريخ أن الذل والهوان بلغ في هذه الحقبة إلى حدّ أن شكلت أمم الكفر مجلسا ً يُعاقِب وال يُعاقب ،ويُسائل وال يُساءل!! فمهما انتهكت الدول الخمس ذوات ما يُسمى بـ "الفيتو" أو حلفاؤها من حقوق ،ومهما قتلت من أبرياء ،وسفكت من دماء ،فال حسيب وال رقيب ،وال حساب وال عقاب! وإن من أفضال هللا تعالى في هذه الثورة المباركة :تطلُّع هؤالء الشباب والمجاهدين إلى تعلم أمور دينهم ،والتفقه فيه ،ليعبدوا هللا على علم ،ويدعوا إليه على بصيرة ،ويُجاهدوا في سبيله تحت راية بيضاء نقية.. سر ،في العقيدة سر هللا تعالى بفضله وكرمه ،هذا المنهج المي َّ وقد ي َّ والدعوة ،والعبادات والمعامالت ،واألخالق واآلداب ،مما ال يسع المسلم وال المجاهد جهله ،والكتاب عبارة عن منهج للمبتدئين في (مركز دعاة الجهاد) بسوريا ،بعض الرسائل التي يحتويها الكتاب تم إعدادها وتأليفها ،والبعض اآلخر تم تهذيبها من مؤلفات بعض علمائنا وأئمتنا الفُضالء.. وقد ض ّم الكتاب بين دفتيه: مختصرا ً في الفقه لكتابي ( الطهارة ،والصالة) . رسالة في فقه الجهاد والغنائم وبعض المسائل المعاصرة في الجهادالشامي. خمسون حديثا ً مختارة . تهذيب كتاب السياسة الشرعية ألبي عمر السيف رحمه هللا . تهذيب شرح األصول الثالثة لشيخنا علي الخضير ّفك هللا أسره . تهذيب التبيان في شرح نواقض اإلسالم لشيخنا سليمان العلوان ّفك هللا أسره. رسالة في الشركيات المنتشرة . رسالة في الديمقراطية . رسالة في الغلو في التكفير .ّ وفن الخطابة وكلمات مختارة للمتحدث رسالة في أصول الدعوةوالخطيب. تهذيب خواطر وأفكار في فقه الدعوة ألبي بصير الطرطوسي حفظههللا.
6
املقــــــــدمـــة
رسالة في المصلحة والمفسدة. تهذيب القواعد المثلى في كيفية التعامل مع الدعاة والعلماء ألبي بصيرالطرطوسي حفظه هللا. أسأل هللا ج ّل وعال أن ينفع بهذا الكتاب ،وأن يجعله منارة علم وهدى في هذه األرض المباركة ،كما نسأله سبحانه أن يجعلنا هداة مهتدين ،وأن يُلحقنا بعباده الصالحين.. وصلى هللا وسلم على نبينا محمد ،وعلى آله وصحبه أجمعين.. أخوكم/ د .عبدهللا بن محمد المحيسني رجب5435/هـ بالد الشام
املقــــــــدمـــة
8
الباب األول :الفقه
إعداد/ د .عبد الله بن محمد المحيسني
املنهج املختصر يف الفقه والعقيدة والدعوة
كتاب الطهارة
9
كتــــــاب الطهـــــــارة
51
باب املياه الطهارة :هي رفع الحدث ،وزوال الخبث.فال يكون المسلم متطهرا ً إال بأمرين: -9إذا زال الخبث عنه ،والخبث :النجاسة ،وإزالة النجاسة من باب التروك، فال يشترط في إزالتها النية ،فإذا زالت بدون فعل اآلدمي كفى. -2إذا رفع الحدث ،سواء كان أصغر أو أكبر. تنقسم المياه عند الجمهور إلى ثالثة أقسام :طهور ،وطاهر ،ونجس ،والراجحأن المياه قسمان فقط :طهور ،ونجس ،وبه قال جمع من المحققين. ال يصح رفع الحدث إال بالماء الطهور إجماعا ً.وكذلك ال يزيل النجاسة غير الماء الطهور عند الجمهور ،والراجح أن النجاسة تزول بأي مزيل ،ومتى زالت زال حكمها. ال يكره استعمال الماء الطهور إذا تغير بما يشق التحرز عنه ،كطول مكثه،أو لتساقط أوراق الشجر فيه ،ونحو ذلك. إذا بلغ الماء مقدار قلتين فوقعت فيه نجاسة ولم يتغير ريحه أو طعمه أو لونهبسبب تلك النجاسة ،فهو طهور عند الجمهور ،والراجح أن الماء ال يتنجس ما لم يتغير مطلقا ً ،سواء بلغ القلتين أو لم يبلغ.
املنهج املختصر يف الفقه والعقيدة والدعوة باب اآلنية
55
جميع األواني يجوز اتخاذها للزينة ،أو للبيع ،أو غير ذلك ،وذلك بشرط أنتكون طاهرة ،حتى لو كانت ثمينةً كالماس ،وياقوت ،وكذلك يجوز استعمالها، واالنتفاع بها ،والراجح أنه يباح استعمال اآلنية إذا كانت نجسة ،ولكن بشرط أن ال تتعدى النجاسة ،وذلك كأن تكون يابسة ،ويوضع فيها أشياء يابسات. فاألصل في جميع األواني إباحة اتخاذها واستعمالها إال آنية الذهب والفضة، والمضبب بهما ،فال يجوز اتخاذها وال استعمالها. يصح الوضوء من آنية الذهب والفضة ،لكن يأثم المكلف على استعمال إناءالذهب والفضة. يحرم استعمال آنية الفضة إال إذا كانت الفضة ضبة يسيرة لحاجة ،فإنه يجوزاستعمال هذه الضبة للحاجة. يجوز استعمال أواني الكفار سواء كانوا أصليين أو مرتدين من أهل الكتابأو من غيرهم حتى تعلم نجاستها. تباح ثياب الكفار سواء من أهل الكتاب أو من غيرهم ،سواء كانت من الثيابالتي صنعوها ،أو من الثياب التي استعملوها. طاهر في حيوان يباح استعمال جلد الميتة ،بشرط أن يكون الجلد مدبوغا ً منٍ ٍ الحياة. ٌ ُ محرمة فهو محرم، ما ق ِطع من حيوان حي فهو كميتته ،إن كانت ميتتهَّ كاإلبل والبقر والغنم ،وإن كانت ميتته مباحة فهو مباح ،كالسمك والجراد ،واستثنى الحنابلة الطريدة ،والمسك وفأرته.
كتــــــاب الطهـــــــارة
51
باب االستنجاء يستحب أن يقول المسلم عند دخول الخالء :بسم هللا ،أعوذ باهلل من الخبثوالخبائث. الخالء ال يخلو من حالتين:الحالة األولى :أن يكون مهيأ لقضاء الحاجة ،مثل :دورات المياه ،فيقول الدعاء عند إرادة دخولها. الحالة الثانية :أن يكون غير مهيأ في أصله لقضاء الحاجة ،كالصحراء ،فيقول الدعاء عند رفع ثوبه ،وتهيؤه لقضاء الحاجة. يستحب عند خروج اإلنسان من مكان قضاء الحاجة أن يقول( :غفرانك). يستحب تقديم الرجل اليسرى عند دخول الخالء ،وتقديم اليمنى عند الخروجمنه ،وذلك بعكس الدخول للمسجد وعند التنعل ،فعند الدخول للمسجد :تقدم الرجل اليمنى عند الدخول ،والرجل اليسرى عند الخروج ،وكذلك عند التنعل؛ فإذا أراد أن يلبس قدم رجله اليمنى ،وإذا أراد أن يخلعه بدأ باليسرى. يستحب لإلنسان إذا أراد أن يقضي حاجته في فضاء أن يبعد عن الناس ،وأنيستر بدنه كله؛ فال يقضي حاجته في مكان بارز ،بل يستتر وراء جدار أو وراء شجرة ،ونحوهما. يكره دخول الخالء بما فيه ذكر هللا تعالى ،إذا كان ذلك بال حاجة. ينبغي على المكلف إذا أراد أن يقضي حاجته أن يرفع ثوبه إذا دنا مناألرض ،فيكره رفع ثوبه قبل دنوه من األرض ،ويحرم إن كان هناك من ينظر إليه. يكره للمكلف أن يتكلم في الخالء ،ولو كان الكالم بغير ذكر هللا تعالى. يكره لإلنسان أن يبول في شق. مس الفرج باليمين منهي عنه لقاضي الحاجة ،سواء كان في أثناء البول أوقبله أو بعده. االستنجاء واالستجمار باليد اليمنى منهي عنه. يحرم استقبال القبلة واستدبارها حال قضاء الحاجة في الفضاء ،ويجوزاالستقبال واالستدبار داخل البنيان. يكره أن يبقى اإلنسان في الخالء بعد قضاء حاجته على حالته بال حاجة. يحرم أن يقصد اإلنسان مرافق الناس التي يرتفقون بها ،وينتفعون بها،كالطرقات ،والظل النافع الذي يستظل به الناس ،وتحت شجرة عليها ثمرة. األفضل أن يجمع بين االستجمار ،وبين االستنجاء ،وإن أراد االقتصار علىأحدهما فاالستنجاء بالماء أفضل ،ويكفي االستجمار ولو مع القدرة على الماء.
املنهج املختصر يف الفقه والعقيدة والدعوة
53
يشترط في جواز االستجمار بغير األحجار كالخرق والورق والمناديل ،أنتكون طاهرة ،منقية ،وأال تكون بعظم أو روث أو طعام أو محترم أو متصل بحيوان. يشترط لصحة االستجمار ثالث مسحات ،إما بثالثة أحجار ،وإما بحجر ذيشعب ،فتكون كل شعبة عن حجر. يصح الوضوء قبل االستنجاء أو االستجمار ،واألصل واألفضل أن يكونالوضوء بعده.
كتــــــاب الطهـــــــارة
54
باب السواك وسنن الوضوء
المستحب في السواك أن يكون عودًا لينًا ينقي الفم ،وال يجرحه ،وال يضره،وال يتفتت فيه. والمستحب أن يكون السواك بعود كاألراك والعرجون والزيتون ،واألفضلالسواك باألراك. يسن التسوك في كل وقت ،والراجح أن التسوك يسن للصائم مطلقا ً ولو بعدالزوال. يتأكد استحباب السواك في ستة مواطن:وعنددددد انتبدددداه والوضددددوء فأكددددد وعندددددد صدددددالة أو تغيدددددر نكهدددددة بعدددود مندددق طددداهر غيدددر مفسدددد ودخلدددددة بيدددددت ثدددددم عندددددد تدددددالوة الختان واجب على الذكور ،سنة في حق النساء ،فإذا خاف اإلنسان الذي لميختتن من التلف بسبب االختتان ،فال حرج عليه في تركه. يكره القزع ،وهو حلق بعض الرأس ،وترك بعضه ،فإن كان تشبُّها بالكفارمحرم. فهو َّ من سنن الوضوء: -5التسمية ،فيقول( :بسم هللا) ،قبل أن يبدأ الوضوء ،فإذا نسيه في أوله ،فال بأس أن يقوله في أثنائه. -1السواك عند الوضوء ،واألفضل أن تكون مع المضمضة من الوضوء، وتجوز قبل الوضوء مباشرة. ً -3غسل الكفين قبل الوضوء ثالث مرات ،إال أنه يجب غسل الكفين ثالثا قبل أن يغمسها في اإلناء إذا كان قائما ً من النوم ،إذا كان هذا النوم مستغرقًا ال نو ًما يرا. يس ً -4المضمضة واالستنشاق ،مع استحباب البداءة بالمضمضمة ثم االستنشاق قبل غسل الوجه. -5أن يبالغ المتوضئ في المضمضة واالستنشاق إذا لم يكن صائ ًما. -6تخليل اللحية الكثيفة ،وتخليل األصابع ،ويكون سنة في حالة أن الماء يصل إلى ما بين األصابع بنفسه ،فإن لم يكن يصل إال بالتخليل ،فهو واجب. -7أن يتيامن في وضوئه. -8الغسلة الثانية والثالثة ألعضاء الوضوء عدا الرأس ،فيمسح مرة.
املنهج املختصر يف الفقه والعقيدة والدعوة
55
باب فروض الوضوء وصفته فروض الوضوء ستة ،وهي: -9غسل الوجه بالماء. -2غسل اليدين ،ويجب إدخال المرفقين في غسل اليدين. -3يجب مسح جميع الرأس باليدين مرة واحدة ،ويمسح األذنين استحبابا ً بعد مسح الرأس. -4غسل الرجلين مع الكعبين. -5الترتيب بين هذه األعضاء ،وذلك بأن يغسل وجهه ثم يديه ،ثم يمسح رأسه، ثم يغسل رجليه على هذا الترتيب. -6المواالة ،وهي أن ال يؤخر غسل عضو حتى ينشف الذي قبله. النية شرط للطهارة من الحدث ،سواء كان حدثا ً أصغر أو أكبر. إذا نوى المسلم غسالً واجبا ً أجزأ عن المسنون لدخوله فيه. إذا اجتمعت أحداث توجب الوضوء ،فتوضأ بنية أحدها أجزأه عن البقية،وارتفعت األحداث كلها لتداخلها ،وكذلك الحال في األحداث التي توجب الغسل.
كتــــــاب الطهـــــــارة
56
باب املسح على اخلفني شروط المسح على الخفين: -9يشترط في المسح على الخفين أن يكون المسح في المدة المأذون له فيها شرعا ً ،وهي للمقيم يوم وليلة ،وللمسافر ثالثة أيام بلياليها. وبداية مدة المسح للمقيم أو المسافر ،تكون من أول حدث بعد لبس الخف ،وهو مذهب الجمهور ،والراجح أن مدة المسح تبتدئ من أول مسح بعد الحدث. -2أن يكون الملبوس طاهرا ً. -3أن يكون مباحا ً ،فال يجوز المسح على المحرم لعينه ،أو لكسبه. -4أن يكون الخف ساترا ً للمفروض ،وأال يصف البشرة الواجب سترها، والراجح أن المخرق والشفاف يجوز المسح عليه. -5يجوز مسح الجورب الصفيق ،وهو ما يصنع من صوف ،ونحوه كالجرموق ،والموق ،وغيرها ،وكذلك يجوز المسح على العمامة ،وعلى خمر النساء. -6من شروط المسح على الخفين :أن يكون المسح في الحدث األصغر دون األكبر. ويجوز المسح على الجبيرة بشرط أال تكون الجبيرة زائدة على موضع الجرح أو الكسر ،ويجوز المسح على الجبيرة في الحدث األصغر واألكبر حتى ينزعها، ٌ وقت محدد كالخفين ،بل إلى حلها ،فإذا برئ وجب إزالتها. فليس لها يجب المسح على أكثر العمامة ،فيمسح على دوائرها ،ويستحب مسح جوانبالرأس. المشروع في الخف أن يمسح ظاهر القدم ال أسفله ،ويجب أن يمسح أكثرظاهر الخف ،بينما يجب استيعاب الجبيرة بالمسح.
املنهج املختصر يف الفقه والعقيدة والدعوة
57
باب نواقض الوضوء نواقض الوضوء: -9الخارج من السبيلين. -2زوال العقل؛ بالجنون أو السكر أو اإلغماء ،والنوم إال يسير النوم. -3مس الذكر بدون حائل بالكف. -4أكل لحم اإلبل ،ويشمل النيء والمطبوخ. يحرم على المحدث حدثا ً أصغر مس المصحف وهو القرآن ،وهو مذهباألئمة األربعة. يحرم على المحدث أن يصلي ،وإن صلى فال تصح منه ،سواء كان الحدثأصغر أو أكبر ،وسواء كانت الصالة فرضا ً أو نفالً. يحرم على المحدث أن يطوف بالبيت ،فيشترط للطواف أن يكون الطائفعلى طهارة.
كتــــــاب الطهـــــــارة
58
باب الغسل موجبات الغسل: ً -9خروج المني دفقا بلذة. تغييب حشفة أصلية في فرج أصلي قبالً كان أو دبرا ً ولو من بهيمة أو -2 ُ ميت. -3الموت. ً ً -4الحيض ،فإذا انقطع د ُم الحيض انقطاعا كامال وجب عليها االغتسال. -5النفاس ،وحكمه حكم الحيض ،وهو خروج الد َِّم بسبب الوالدة ،فإذا انقطع د ُم النفساء انقطاعا ً كامالً وجب عليها االغتسال ،وإذا ولدت المرأة ولم يخرج منها د ٌم، فإنه ليس عليها غسل؛ لعدم وجود سبب الغسل ،وهو خروج الدم. يسن الغسل لمن يلي: -9من غسل ميتا ً ،والمراد من باشر في تغسيل الميت وتقليبه. -2من أفاق من جنون ،أو إغماء إن لم يكن احتلم ،فإن احتلم؛ فقد وجب عليه الغسل. -3إذا أسلم الكافر على القول الراجح ،جمعا ً بين األدلة. الغسل ينقسم إلى قسمين:غسل كامل ،وغسل مجزئ ،فالغسل الكامل :هو الذي يشتمل على الواجبات والسنن ،والغسل المجزئ :هو الذي يشتمل على الواجبات فقط. صفة الغسل الكامل هي: -9أن ينوي االغتسال قبل البدء به ،ثم يقول( :بسم هللا). -2يغسل كفيه ثالث مرات. -3يغسل ما لوثه من أثر الجنابة من فرجه وما حوله. -4يتوضأ بعد االستنجاء وضوءه للصالة. -5يصب الماء بكفيه على رأسه ثالث مرات ،مرة للجانب األيمن ،ومرة لأليسر ،ومرة للوسط. -6يعم بعد ذلك بقية بدنه ،بإفاضة الماء عليه ،غسالً ال مسحا ً ثالثا ً؛ يبدأ بشقه األيمن ثم األيسر ،ويدلك بدنه بيديه؛ ألنه أنقى ،وبه يتيقن وصول الماء إلى مغابنه وجميع بدنه ،ويتفقد أصول شعره ،وغضاريف أذنيه ،وتحت حلقه وإبطيه ،وعمق سرته ،وبين إليتيه ،وطي ركبتيه ،ويكفي الظن في اإلسباغ. صفة الغسل المجزئ: -9أن ينوي ويسمي. -2أن يعم بشرته وأصول الشعر بالغسل مرة واحدة.
املنهج املختصر يف الفقه والعقيدة والدعوة
59
السنة أن يغتسل المغتسل بصاع. يجزئ في النية أن ينوي بغسله رفع الحدثين األصغر واألكبر ،فإن حدثهيرتفع بهذا الغسل. ي َُّسن للجنب إذا أراد أن يؤخر االغتسال أن يتوضأ إذا أراد أن يأكل أو ينام أو يعاود وطء زوجته.
كتــــــاب الطهـــــــارة
11
باب التيمم التيمم بدل عن طهارة الماء في حالة عدمه ،وعند العجز عن استعماله،والراجح أن التيمم رافع للحدث؛ ألن البدل له حكم المبدل ،إال أن رفعه للحدث يكون إلى غاية وجود الماء ،فإذا وجد الماء عاد الحدث ،ووجب رفعه بالماء. يشرع التيمم إذا انعدم الماء في بيت الرجل أو رحله ،وكذلك إذا زاد ثمن الماء كثيرا ً على ثمنه المعروف ،فله أن يتيمم. وكذلك يشرع إذا كان الماء موجودا ً ،ولكنه خاف باستعماله أو طلبه ضررا ً في بدنه ،أو رفيقه ،أو حرمته ،أو ماله ،أو لخوف عطش ،أو مرض ،أو هالك ،ونحوها. إذا أصيب اإلنسان بجرح فهو على حالتين:األول :أن يكون على الجرح ضماد أو عليه جبيرة ،فهذا يمسح بالماء ،ثم يغسل الباقي. الثاني :أال يكون عليه ضماد أو جبيرة ،وهذا على حالتين أيضا ً: أ -أن ال يضره الغسل؛ فهذا يغسل الجرح. ب -أن يضره الغسل؛ فهذا يتيمم للجرح ويغسل الباقي ،ويجوز التيمم قبل الوضوء وبعده ولو بزمن كثير. يجب على المسلم أن يبحث عن الماء قبل أن يتيمم ،وأن يبذل األسباب للبحثعنه ،وال يستعجل بالتيمم قبل البحث ،فربما كان بئرا ً قريبا ً منه ،أو قرية ،أو كان معه ماء في رحله وهو ال يدري. من كان عليه أكثر من حدث ،ونوى بتيممه هذا جميع هذه األحداث أجزأه. إذا خاف المسلم من ضرر البرد لو تطهر بالماء ،فإنه حينئ ٍذ يتيمم ،وكذلك إذاُمنِع من استعمال الماء في بلد من البلدان؛ فإنه يتيمم ويصلي. من عدم الماء والتراب؛ فإنه يصلي على حاله ،وال يعيد الصالة.يشترط فيما يُتيمم به أن يكون مما تصاعد على وجه األرض ،ولو لم يكن ترابا ً. فروض التيمم: -9مسح الوجه. -2مسح الكفين إلى الكوعين ،وذلك بأن يضرب على األرض ضربة واحدة، ثم يمسح وجهه وكفيه. -3الترتيب ،وذلك بأن يكون التيمم مرتبا ً بالوجه ثم اليدين ،وهو فرض في الحدث األصغر دون األكبر. -4المواالة ،بأن ال يؤخر مسح عضو حتى ال ينشف الذي قبله لو كان مغسوالً. -5نية رفع الحدث ،وذلك على ما رجحناه من أن التيمم مطهر ورافع.
املنهج املختصر يف الفقه والعقيدة والدعوة
15
مبطالت التيمم: -9ما يبطل الوضوء. -2وجود الماء ،فإذا تيمم اإلنسان لعدم الماء ثم وجده فقد بطل تيممه ،ولو حضر الماء في الصالة؛ فإنه يبطل تيممه ،وصالته بالتالي ،ال بعد الصالة ،فلو تيمم ثم صلى وبعد الصالة وجد الماء؛ فإنه يبطل تيممه ،وال يلزمه إعادة الصالة. أما لو تيمم ألجل المرض ،فإن تيممه ال يبطل بوجود الماء ،بل يبطل ببرئه من هذا المرض.
كتــــــاب الطهـــــــارة
11
باب إزالة النجاسة يكفي في غسل جميع النجاسات :غسلة واحدة ،بشرط ذهاب عين النجاسة،فإن لم تذهب بواحدة ،فال بد من عدة غسالت ،ويجب في غسل نجاسة الكلب سبع غسالت تكون إحداها بالتراب. الراجح َّي ِ مزيل ولم يبق لها أثر أن المحل يطهر، أن عين النجاسة إذا زالت بأ ّ وال يشترط الماء ،فلو زالت النجاسة بالشمس ،أو بالريح ،أو بالدلك ،وغير ذلك كفى. ما أصابته النجاسة ،وخفي على صاحبه موضعها ،فال يخلو من حالين:األول :أن يكون محددا ً ،وهنا يجب أن يغسل حتى يجزم بزوالها. الثاني :أن يكون واسعا ً ،فإنه يتحرى ويغسل ما غلب على ظنه أن النجاسة أصابته؛ ألن غسل جميع المكان الواسع فيه صعوبة. يكفي في التطهر من بول الغالم الذكر الذي لم يأكل الطعام رشه ونضحهبالماء ،وال يُشترط غسله وفركه. ً الراجح أنه يعفى عن يسير النجاسات مطلقا ،سواء كانت في مائع أو غيره إذاكان يشق التحرز منها؛ قياسا ً على النجاسة المعفو عنها في موضع االستجمار. ال ينجس اآلدمي بالموت ،فإذا مات اآلدمي فإن جثته طاهرة ال تنجس ،سوا ًءكان مؤمنا ً أو كافرا ً ،صغيرا ً أو كبيرا ً. وأما بالنسبة للكافر؛ فهو نجس نجاسة معنوية وليست حسية. ما ال نفس له سائلة ،فإن ميتته طاهرة ،وال يشترط أن يكون ما ال نفس لهسائلة متولدا ً من طاهر؛ ألن االستحالة مطهرة على الراجح. بول ما يؤكل لحمه وروثه ومنيه طاهرة ،وكذلك مني اآلدمي طاهر،والرطوبة الخارجة من فرج المرأة طاهرة ،والهرة وسؤرها وما دونها في الخلقة طاهر. -سباع البهائم ،وسباع الطير نجسة.
املنهج املختصر يف الفقه والعقيدة والدعوة باب احليض
13
أقل ٍّسن تحيض فيه المرأة تسع سنين ،والراجح عدم التحديد لمنتهى سن الحيض عند النساء. الراجح أنه ال حد ألقل الحيض ،وأكثر مدة الحيض :خمسة عشر يوما ً. غالب الحيض ستة أيام أو سبعة. الحائض ال تصوم ،ولكن يجب عليها أن تقضي الصيام ،وال تصلي ،والتقضي الصالة. ال يجوز وطء المرأة في الفرج أثناء الحيض ،فمن فعل فإنه آثم ،وتجب عليهكفارة وهي دينار أو نصف دينار على التخيير؛ بشرط أن يكون عالما ً ،ذاكرا ً، مختارا ً. يجوز للرجل أن يستمتع بزوجته الحائض بما دون الفرج. المبتدأة :هي المرأة التي رأت الدم في زمان يمكن أن يكون هذا الدم دمحيض ،ولم تكن حاضت قبل ذلك ،فتدع الصالة والصيام ونحوهما مما يحرم على الحائض ،وتجلس جميع مدة خروج الدم ما لم تتجاوز خمسة عشر يوما ً ،فإذا تجاوزتها اغتسلت وصلت ،وكانت في حكم المستحاضة. تتميز دماء الحيض عن االستحاضة بأمور منها :باللون؛ فدم االستحاضة دمأحمر ،ودم الحيض دم أسود ،وبالرائحة؛ فدم الحيض منتن ،وبالغلظ؛ فدم الحيض غليظ. المستحاضة على ثالثة أقسام: -9مستحاضة معتادة :وهي التي كانت لها عادة سليمة قبل االستحاضة ،فإن الحيض من جاءتها االستحاضة؛ فإنها تأخذ بالعادة السابقة ،ولو كان د ُمها متميزا ً فيه ُ غيره. -2مستحاضة مم ِيّزة :وذلك فيما إذا نسيت المرأة عادتها؛ فإنها ترجع إلى التمييز بحيث ال ينقص عن أق ِّل الحيض ،وال يزيد على أكثره. ً متميزا ،فإنها تجلس غالب -3مستحاضة متح ِيّرة :وهي المبتدأة التي دمها ليس الحيض ستة أيام أو سبعة من كل شهر. إذا تغيرت العادة بزيادة ،أو تقديم أو تأخير ،فإن ذلك كله حيض ،ما لمتتجاوز الزيادة خمسة عشر يوما ً. إذا تغيرت العادة بنقص ،فما نقص عن العادة فهو طهر ،وما عاد في أيامعادتها بعد انقطاعه ،فإنها تجلسه ،كما لو لم ينقطع. -الصفرة والكدرة في زمن العادة حيض.
14
كتــــــاب الطهـــــــارة
المستحاضة ونحوها ممن به حدث دائم كمن به سلس بول ،إذا أرادت أنتصلي ،فإنها تستنجي وتنظف المخرج ،ثم تضع عليه قطنًا ،ثم تعصبه بشيء يثبت القطن ويمنع تسرب الدم ،ثم تتوضأ وجوبًا عند دخول وقت الصالة وتصلي ،ولو خرج منها د ٌم أثناء الصالة ،فال يسعها إال هذا .ولها أن تصلي فروضا ً ونوافل بهذا الوضوء ما دامت في الوقت. يستحب أن تغتسل المستحاضة لوقت كل صالة.فصل في النفاس: أكثر النفاس أربعون يو ًما ،وال حد ألقله. متى طهرت النفساء ولو قبل األربعين ،فإنها تغتسل وتصلي ،فإن عاد الدمفي األربعين جلست ،وما صامته وصلته في فترة االنقطاع صحيح. إذا عاودها دم النفاس في األربعين بعد انقطاعه ،فيكون حكمه في حكمالنفاس؛ ألنه على هيئة دم النفاس وصفته ،ووقع في زمن النفاس ،فيكون له حكمه. فتدع الصالة والصوم وتقضي الصوم بعد ذلك. النفاس كالحيض في أحكامه ،وذلك فيما يلي:فيما يحل :فيجوز لزوجها أن يستمتع منها بما دون الجماع في الفرج. وفيما يحرم :هو جماعها في الفرج ،والطالق ،ومسها المصحف ،والطواف، واللبث في المسجد. وفيما يجب :وهو الغسل عند انقطاعه ووجوب الكفارة بالوطء فيه. وفيما يسقط :وهو وجوب الصالة ،وال تقضيها.
املنهج املختصر يف الفقه والعقيدة والدعوة
كتاب الصالة
15
كتــــــاب الصــــــــــالة
16
الصالة تعريف الصالة: الصالة في اللغة :الدعاء ،وفي ال َّ ش رع :هي التعبد هلل تعالى بأقوال وأفعال معلومة مخصوصة ،مفتتحة بالتكبير ،مختتمة بالتسليم. حكم الصالة: الصالة من أعظم فرائض اإلسالم ،بل هي آكد فروضه بعد الشهادتين. فقد جعل هللا تعالى الصالة هي الركن الثاني من أركان اإلسالم بعد الشهادتين، بل هي عمود اإلسالم« ،وعموده الصالة» ،ولهذا أوجبها هللا تعالى على كل حال ،فلم تسقط حتى عن المريض ،والخائف أثناء القتال ،فيجب عليهما الصالة بحسب اإلمكان. يجب أداء الصلوات الخمس على المسلم المكلف (البالغ العاقل). ال تجب الصالة على الحائض والنفساء ،وال يجب عليهما قضاؤها باإلجماع. يجب قضاء الصالة على من زال عقله ،بأي سبب كان؛ من نوم ،أو سكر ،أوغير ذلك -سوى الجنون ،-وفي اإلغماء خالف. ال تصح الصالة من مجنون ،وال يجب عليه قضاؤها ،إال أن يفيق في وقتالصالة ،فيجب عليه قضاء صالة الوقت الذي صار فيه مكلفا ً. ال تصح الصالة من الكافر ،وال يلزمه قضاؤها بعد إسالمه مع أنه مخاطببها. يجب على ولي الصغير أن يأمر الصبي بالصالة لتمام سبع سنين ،وتعليمهإياها ،ويعلمه ما ال تتم الصالة إال به من الطهارة ،واستقبال القبلة ،وغير ذلك ،وعليه أن يضربه على تركها لتمام عشر سنين. ً ال يجوز تأخير الصالة المفروضة عمدا عن وقتها المفروض لها حتى يدخلوقت الصالة األخرى.
املنهج املختصر يف الفقه والعقيدة والدعوة باب األذان واإلقامة
17
األذان في اللغة :اإلعالم بالشيء ،وفي الشرع :اإلعالم بدخول وقت الصالة بذكر مخصوص. وأما اإلقامة :فهي التعبُّد هلل باإلعالم بالقيام إلى الصالة بذكر مخصوص. األذان واإلقامة فرضا كفاية ،فإذا قام بهما من يكفي سقط عن سائر المكلفين.وهما مشروعان للصلوات الخمس فقط ،والصلوات من حيث اإلعالم لها تنقسم إلى أربعة أقسام: القسم األول :ما يشرع له األذان واإلقامة ،وهذه الصلوات الخمس مع الجمعة. القسم الثاني :ما يشرع له اإلقامة فقط ،فيقيم لها وال يؤذن :وهي الثانية من صالتي الجمع ،وما بعد األولى من الفوائت .فإن من صلى صالتين مجموعتين أو فوائت ،فإنه يؤذن لألولى فقط ،ويقيم لكل صالة. القسم الثالث :ما يشرع لها النداء فقط بالصالة جامعة ،كصالة الكسوف. القسم الرابع :ما ال يشرع له شيء ،وهذا حال بقية الصلوات؛ إذ لم يثبت فيها شيء ،وذلك كصالة الجنازة ،والتراويح. إن أجتمع أهل بلد على ترك األذان واإلقامة قوتلوا على ذلك ،فإنه من شعائراإلسالم ،فال يجوز تعطيله. يجب األذان على جماعة الرجال المقيمين ،فخرج بذلك: -9الصبيان ،والمجانين ،فال يجب عليهم األذان ،ولكنه يصح من الطفل المميز. -2النساء :فال يجب على النساء أذان ،وال إقامة ،وال يصح أذانها للرجال باإلجماع. -3المنفرد :فإذا كان الرجل وحده ،فاألذان في حقه سنة فقط. -4المقيمون :أي أن األذان إنما يجب على المقيمين ،وهو في حق المسافرين سنة. يستحب أن يكون المؤذ ُن ص ِيّتا ً حسن الصوت أمينا ً عالما ً بالوقت. -5الصيت وهو :قوي الصوت؛ ألن المقصود باألذان اإلعالم بالصالة ،ولكن ال يجهد نفسه. ويستحب أن يكون المؤذن حسن الصوت ،ال غليظا ً؛ ألنه أرق لسامعه. ويستحب أن يؤذن على مكان مرتفع ،ليصل الصوت إلى أبعد مدى ،ويغني عن ذلك اليوم مكبرات الصوت المستخدمة اليوم في المساجد.
18
كتــــــاب الصــــــــــالة
-1األمين :والمراد أن يكون أمينا ً على الوقت؛ ألنه إذا لم يكن كذلك ،لم يهتم بأوقات الناس في عباداتهم من صالة ،وصيام ،وأن يكون أمينا ً على عورات الناس أيام أن كانوا يؤذنون على سطح المسجد ،أو منارته. -3العلم بالوقت :وهو أن يكون عارفا ً بنفسه بالعالمات التي يدخل عندها أوقات الصلوات. إذا تشاح وتنازع اثنان على األذان ،فيقدم أفضلهما في الخصال المستحبةللتأذين ،فيقدم من كان أعلى صوتا ً ،وأحسن صوتا ً ،وأكثر أمانة ،وأكثر معرفةً باألوقات. إن تساوى المؤذنان في الخصال المستحبة للتأذين ،فإننا ننظر أي هذين الشخصين أفضل في دينه ،وفي عقله ،فإنه يقدم على من دونه. فإن استوى المؤذنان في جميع الصفات السابقة ،فإننا ننتقل إلى من يختاره جيران المسجد منهما ،وحكم أكثرهم كالكل. وإذا استوى الجيران في االختيار ،فإننا حينئذ نقرع بينهما ،وأيهما خرجت له القرعة قُدِّم. لألذان ثالث صفات مشهورة ،وكلها مشروعة ،وهي:الصفة األولى :أن ألفاظ األذان المشروع خمس عشرة جملة ،وهو أذان بالل، وهي كما يلي: التكبير أربع مرات. شهادة (أن ال إله إال هللا) مرتان. شهادة (أن محمدا ً رسول هللا) مرتان. (حي على الصالة) مرتان. (حي على الفالح) مرتان. والتكبير مرتان. والتهليل مرة ً واحدة.والصفة الثانية الواردة في األذان ،وهي األذان تسع عشرة جملة مع الترجيع، وهو أذان أبي محذورة. وهو نفس الصفة الواردة في حديث بالل ،إال أن هنا زاد الترجيع ،وصفة الترجيع أن يقول( :أشهد أن ال إله إال هللا) مرتين سرا ً ،و(أشهد أن محمد رسول هللا) مرتين سرا ً ،ثم يرفع بها صوته. والصفة الثالثة :هي أن األذان سبع عشرة جملة مع الترجيع ،فهي نفس الصفة السابقة ،لكن بتثنية التكبير في أوله ،بدالً من تربيعه.
املنهج املختصر يف الفقه والعقيدة والدعوة
19
والقاعدة( :أن العبادات الواردة على وجوه متنوعة ،ينبغي لإلنسان أن يفعلها على هذه الوجوه).
31
كتــــــاب الصــــــــــالة
وتنويعها فيه فوائد: أو الا :حفظ السنة ،ونشر أنواعها بين الناس. ثانيا ا :التيسير على المكلف ،فإن بعضها قد يكون أخف من بعض فيحتاج للعمل. ثالثا ا :حضور القلب ،وعدم ملله وسآمته. رابعا ا :العمل بالشريعة على جميع وجوهها). يستحب أن يكون المؤذن متطهرا ً من الحدثين األصغر واألكبر ،وهذا باتفاقالفقهاء. يستحب أن يكون المؤذن مستقبل القبلة حال األذان. من السنة األذان قائما ً ،وأن يضع المؤذن أصبعيه في أذنيه حال األذان. يسن للمؤذن أن يلتفت برأسه وعنقه ،وشيئا ً من صدره يمينا ً وشماالً عندالحيعلتين. خير من النوم) مرتين، يسن أن يقول بعد الحيعلتين في أذان الصبح (الصالة ٌوهو ما يُسمى بالتثويب. لإلقامة ثالث صفات مشهورة ،وكلها مشروعة ،وهي:الصفة األولى :اإلقامة إحدى عشرة جملة ،وهي كما يلي: التكبير مرتين. شهادة (أن ال إله إال هللا) مرة. شهادة (أن محمدا ً رسول هللا) مرة. (حي على الصالة) مرة. (حي على الفالح) مرة. (قد قامت الصالة) مرتين. التكبير مرتين. والتهليل مرة ً واحدة.الصفة الثانية :هي أن اإلقامة عشر كلمات ،وهي نفس الصيغة السابقة ،إال أنهم قالوا إنه يقول( :قد قامت الصالة) مرة واحدة. الصفة الثالثة :نفس صيغة األذان ،مع زيادة (قد قامت الصالة) ،فتكون اإلقامة مثنى مثنى مع تربيع التكبير ،ويزيد فيها بعد حي على الفالح (قد قامت الصالة) مرتين ،فتكون بذلك سبع عشرة كلمة. السنة أن يحدر اإلقامة ،ويسرع فيها ،وال يترسَّل فيها ،بخالف األذان ،ألناإلقامة إعالم الحاضرين فلم يحتج إلى الترسل فيها. -شروط صحة األذان:
املنهج املختصر يف الفقه والعقيدة والدعوة
35
الشرط األول :الترتيب ،فال يصح األذان إال مرتبا ً ،كما جاء في اللفظ الوارد، فإن نكسه ،وقلب ألفاظ األذان كلها أو بعضها لم يصح ،وعليه إعادته مرتبا ً. الشرط الثاني :أن يكون متواليا ً ،فال يفصل بين جمل األذان بفص ٍل طويل من قول أو فعل ،فإن كان يسيرا ً بمباح فال بأس ،والضابط لمعرفة الفصل الطويل من القصير هو العرف. فإن فرق بين كلماته بسكوت يسير ،أو كالم يسير مباح لم يقطعه ،لكنه إن كان لغير حاجة ُك ِره ،وهو في اإلقامة أشد كراهة من اآلذان .وإن كان لحاجة مثل أن يرد على من سلم عليه ،أو يأمر بمعروف ،أو ينهى عن منكر بكالم قليل لم يكره. الشرط الثالث :أن يكون األذان من عد ٍل ،والعدل في اصطالح الفقهاء هو الذي يجتنب الذنوب الكبائر ،ويتحفظ من الصغائر ،ويحافظ على مروءته ،وهذا اشترطه الحنابلة ،والراجح أنه يصح أذان الفاسق ،وهو مذهب الجمهور. يُجزئ األذان من المميز للرجال ،والمميز :هو العارف الذي يميز بيناألشياء ،ويفهم الخطاب ويرد الجواب ،وقيل :التمييز يحصل ببلوغ سن السابعة. ال يجزئ األذان قبل دخول وقت الصالة ،ألنه إعالم بدخول الوقت ،فلو أذنقبل دخول الوقت لم يصح األذان ،ولم يجزئ. يستثنى من عموم عدم صحة األذان قبل دخول الوقت :األذان للفجر ،فيصحأن يؤذن المؤذن للفجر قبل دخول وقته ،ويسن األذان ثانيا ً عند دخول الوقت. يسن لسامع األذان واإلقامة أن يتابعه ،بأن يقول مثل ما يقول المؤذن سرا ً،بحيث يُسمع نفسه ،وكذلك السنة ترديد اإلقامة خلف المقيم. يقول السامع كما يقول المؤذن ،إال في( :حي على الصالة) ،و(حي على الفالح) فإنه يبدلهما بـ(ال حول وال قوة إال باهلل) ،فكلمات األذان ذكر ،فسن للسامع أن يقولها ،وكلمة الحيعلة دعاء إلى الصالة لمن سمعه ،فسن للسامع أن يستعين على هذه الدعوة بكلمة اإلعانة وهي( :ال حول وال قوة إال باهلل). سنن إجابة المؤذن :في إجابة المؤذن خمس سنن عن رسول هللا ^ ،هي: األولى :إجابة المؤذن. الثانية :الصالة على النبي ^. الثالثة :سؤال هللا تعالى لرسوله ^ الوسيلة والفضيلة ،فيقول( :اللهم رب هذه الدعوة التامة ...إلى آخره). والرابعة :أن يقول ما رواه مسلم عن النبي ^ أنه قال« :من قال حين يسمع المؤذن :أشهد أن ال اله إال هللا وحده ال شريك له ،وأن محمدا ا عبده ورسوله ،رضيت باهلل ربا ا ،وبمحمد رسو الا ،وباإلسالم دينا ا ،غفر له ذنبه» ،وذلك عقيب الشهادتين.
31
كتــــــاب الصــــــــــالة
والخامسة :أن يدعو هللا بعد ذلك كله ،قال ابن القيم ( :/فهذه خمسة وعشرون سنة في اليوم والليلة ،ال يحافظ عليها إال السابقون).
املنهج املختصر يف الفقه والعقيدة والدعوة باب شروط الصالة
33
الشرط :ما يلزم من عدمه العدم ،وال يلزم من وجوده وجود وال عدم لذاته ،فهو ما يتوقف وجود الشيء على وجوده ،فإذا عدمت الشروط أو عدم بعضها عدمت الصالة ،ولو وجدت فال يلزم من وجودها وجود الصالة. شروط الصالة ليست من الصالة ،ولكن تجب لها قبلها إال أن النية تكفي مقارنتها للصالة. ش روط الصالة: الشرط األول :اإلسالم: فالكافر ال تصح منه الصالة؛ ألن عمله مردود مهما عمل. الشرط الثاني :العقل: وضده الجنون ،فالمجنون مرفوع عنه القلم حتى يفيق ويعقل. الشرط الثالث :التمييز: وسبق تعريفه. الشرط الرابع :دخول الوقت: والمراد دخول الوقت للصالة المكتوبة خاصة ،فأما ما سواها فهو على أربعة أقسام: -9ما يصح في كل وقت :كركعتي الطواف والفوائت. -2ما يصح في غير أوقات النهي :كالنوافل المطلقة. -3ما ال يصح إال مؤقتا ً :كالرواتب والضحى. -4ما يتعلق بأسباب :كصالة الكسوف ،واالستسقاء.
34
كتــــــاب الصــــــــــالة
أحكام أوقات الصلوات: بداية وقت الظهر :من زوال الشمس :وهو ميلها إلى جهة الغرب عن وسطالسماء. ونهاية وقت الظهر :مساواة الشيء ظله .فيتساوى الشاخص المرتفع مع مثله من الظل؛ فإذا تساوى الظل والمرتفع من إنسان أو عصا أو جدار فقد انتهى وقت الظهر. يء الزوال ،والفيء :الظل الذي تقف عليه الشمس عند انتصافها والمراد :بعد ف ِ في كبد السماء ،وأما الظل فيشمل ما قبل الزوال وما بعده. السنة تعجيل صالة الظهر في أول وقتها ،فهو أفضل من تأخيرها عن أولوقتها ،وهي في ذلك كسائر الصلوات ،إال إذا كان في التأخير مصلحة شرعية. إال أنه يستحب في شدة الحر تأخير صالة الظهر إلى اإلبراد ،وذلك إلى أن تخف حرارة األرض. َّ يلي وقت صالة الظهر ،وقت صالة العصر ،وبداية صالة العصر :إذا صارظل الشيء مثله. ووقت االختيار لها -وهو الوقت الذي يجوز تأخير الصالة إلى آخره من غير عذر :-إلى أن يصير ظل الشيء مثليه ،فحينئ ٍذ ينتهي وقت العصر المختار ،والراجح تصفر الشمس. أن آخر وقت العصر المختار هو ما لم َّ ووقت الضرورة :إلى غروب الشمس ،فيمتدُّ وقت العصر االضطراري إلى غروب ال َّ شمس. يلي وقت العصر وقت المغرب بدون فاصل ،وأول وقت المغرب إذا غربتالشمس ،وآخر وقت المغرب هو ذهاب الشفق األحمر. ي ُُّسن تعجيل صالة المغرب أول وقتها ،ويستثنى من ذلك تأخير المغرب في ج ،فيؤخر المغرب ،ليجمعها مع العشاء إذا وصل ليلة مزدلفة لمن قصدها ُمحر ًما بالح ّ ِ إلى ُمزدلفة. يلي وقت المغرب وقت العشاء ،ووقت المغرب ينتهي بمغيب الشفق األحمر،وعندها يبدأ وقت العشاء ،وينتهي وقتها بطلوع الفجر الصادق ،وذلك بالنسبة لوقت الضرورة .وقيل :إن آخر وقت العشاء هو نصف الليل ،وال وقت ضرورة بعده. وتأخير العشاء إلى ثلث الليل أفضل من صالتها في َّأول الوقت؛ إن أمكن تأخير الجماعة إليه ،وسهل على الناس تأخيرها. يلي وقت العشاء وقت الفجر ،ويبدأ وقتها من طلوع الفجر الثاني ،وهوالبياض المعترض ،ويستمر إلى طلوع الشمس.
املنهج املختصر يف الفقه والعقيدة والدعوة
35
تعجيل صالة الفجر في َّأول وقتها أفضل ،وذلك بالتغليس بها في أول طلوعالفجر مع قوة الظلمة. من أدرك من الصالة ركعة كاملة من الصالة بركوعها وسجدتيها فقد أدركالصالة أدا ًء ،وإال فإنه لم يدركها ،وتكون صالته قضاء ال أدا ًء. دخول وقت الصالة شرط من شروط صحة الصالة ،فال يصلي من جهلبدخول الوقت ،ألن األصل عدم دخوله ،فإن صلى مع الشك فعليه اإلعادة إجماعا ً، وإن وافق الوقت. إن صلى الفريضة باالجتهاد فله خمس حاالت:األولى :أن يتبين أنها في الوقت؛ فتكون فرضا ً. الثانية :أن يتبين أنها قبل الوقت ،فتكون نفالً. الثالثة :أن يغلب على ظنه أنها في الوقت ،فتكون فرضا ً. الرابعة :أن يغلب على ظنه أنها قبل الوقت ،فال يحل له الدخول فيها بنية الفريضة؛ ألنه تالعب. الخامسة :أن يشك في دخول الوقت ،فال يحل له الدخول فيها بنية الفريضة. إن أدرك مكلف من أول وقت صالة الفريضة قدر ركعة ،ثم زال تكليفه،فيجب عليه قضاء تلك الصالة ،وإال فال قضاء عليه. إذا كان على اإلنسان صلوات فائتة فيجب عليه قضاؤها فورا ً وبالترتيب. يسقط الترتيب بين الصلوات في حالتين:الحالة ا ألولى :في حالة نسيان الفائتة. الحالة الثانية :إذا خشي خروج وقت الحاضرة. الشرط الخامس :الطهارة من الحدث: األكبر ،واألصغر ،فال تصح الصالة حتى يغتسل لألكبر ،ويتوضأ لألصغر. ومن نسي طهارة الحدث وصلى ناسيا ً ،فعليه أن يعيد الصالة بطهارة ،ولو خرج الوقت. الشرط السادس :الطهارة من النجس: فال تصح الصالة مع نجاسة بدن المصلي ،أو ثوبه ،أو بقعته. نجس لعينه كجلد السباع ،أو متنجسا ً بنجاسة طارئة ال من صلى في ثوبٍ يعفى عنها ،كثوب وقع عليه بول ،فيجب عليه إعادة الصالة ،فإن صلى في ثوب نجس ،ولكنه كان جاهالً ،أو ناسيا ً ،أو عادما ً لغيره؛ فال إعادة عليه. من حمل نجاسةً ال يعفى عنها وهو في صالته ،فإن صالته ال تصح ،وكذلكإذا القى النجاسة وهو في الصالة ،كأن تكون على األرض فوضع عليها ثوبه ،أو يده.
36
كتــــــاب الصــــــــــالة
إذا جعل حائالً فوق النجاسة اليابسة ،بأن فرش عليها فراشا ً طاهرا ً صفيقا ً،صحت الصالة. ً من رأى عليه نجاسة بعد أن انتهى من صالته ،وجهل وجودها وقت الصالة،أي هل كانت موجودة أثناء الصالة ،أم إنها حدثت بعد ذلك؟ فصالته صحيحة ،وال تبطل بذلك الشك العارض ،حتى ولو كان غلبة ظن. إن ع ِلم أن النجاسة كانت موجودة في أثناء الصالة ،أو قبلها ،ولكن نسي أنها عليه ،فالراجح أنه ال يعيد الصالة إذا نسي وجود النجاسة عليه ،أو جهلها ولم يعلم بها إال بعد الصالة. األماكن التي ال تصح الصالة فيها عند الحنابلة ،وتكره عند غيرهم عشرة أماكن ،هي: الموضع األول :المقبرة. ش. الموضع الثاني :ال ُح ٍ ّ الموضع الثالث :الح َّمام. المو ضع الرابع :أعطان اإلبل. الموضع الخامس :األرض المغصوبة. أسطحة ما سبق ذكره. الموضع السادسِ : الموضع السابع :فوق ظهر الكعبة ،وسيأتي. الموضع الثامن :المجزرة. الموضع التاسع :المزبلة. الموضع العاشر :قارعة الطريق. الشرط السابع :ستر العورة: فيجب ستر العورة بما ال يصف لون بشرة العورة من بياض وسواد؛ ألن الستر ال يحصل إال بذلك. عورة الرجل واألمة :من السرة إلى الركبة. المرأة الحرة عورة كلها إال وجهها ،وكفيها في الصالة. يستحب للرجل أن يصلي في ثوبين ،قميص ورداء يلتحف به ،أو إزارورداء ،أو قميص وإزار ،أو قميص وسراويل ،ونحو ذلك ،بأن يكون عليه ثوبان يصلي فيهما. وذلك لإلمام آكد؛ ألنه يقتدى به ،وبين يدي المأمومين ،وتتعلق صالتهم بصالته.
املنهج املختصر يف الفقه والعقيدة والدعوة
37
يجزئ الرجل ستر عورته في صالة النافلة -وهي ما بين السرة إلى الركبة - ،أما في الفريضة ،فال بد أن يستر كذلك أحد العاتقين عند الحنابلة ،والجمهور أن ذلك مستحب فقط في الفرض والنفل ،وهو الراجح. يستحب للمرأة أن تصلي في ثالثة أثواب ،وهي: -9درع سابغ ،يغطي البدن والرجلين. -2وخمار يغطي الرأس والعنق. -3وجلباب :وهو الملحفة تلتحف به من فوق الدرع. والواجب عليها ثوب واحد يستر جميع بدنها ،ويشترط فيه: -9أن يكون الثوب كثيفا ً :فال يصح أن تصلي المرأة في ثياب رقيقة ،يُرى جسمها منها. ً ً -2أن يكون الثوب فضفاضا ،ال ضيقا يصف العورة. -3ويشترط أن يكون الساتر ملبوسا ً ،فال تكفي الخيمة الضيقة ،والظلمة ،فإذا دخل إنسان في خيمة ضيقة عريانا ً ،وصلى مكشوف العورة ،لم تصح صالته؛ ألنها ليست سترة ،وال يسمى مستترا ً. من انكشفت عورته في الصالة فله حالتان:الحالة األولى :أن يكشف عورته متعمدا ً :فصالته باطلة ،سواء كان الكشف قليالً أو كثيرا ً ،طال الزمن أم قصر. الحالة الثانية :أن تنكشف عورته عن غير عمد ،فإن كان االنكشاف يسيرا ً في زمن يسير :فالصالة ال تبطل ،فإذا انكشفت عورته ،فسترها في الحال ،عفي عنه ،ولم تبطل صالته؛ ألنه يسير في زمن يسير. وإن كان فاحشا ً وطال الزمان :فصالته باطلة ،ولو بال قصد. من مكروهات الصالة فيما يتعلق باللباس: ف السدل ،واشتمال الصماء ،وأن يغطي المصلي وجهه بثوب في الصالة ،وك ُّ الك ِ ّم وكفته. الشرط الثامن :استقبال القبلة: واستقبال القبلة (الكعبة) في الصالة شرط من شروط الصالة ،فمن انحرف عنها متعمدا ً أو ناسيا ً ،فإن صالته تبطل. ويستثنى من بطالن الصالة بعدم استقبال القبلة مع العلم بجهتها ثالث حاالت: -9العاجز عن استقبال القبلة ،فإنه تجوز له الصالة بدون استقبالها. ً -2أن تكون الصالة بشرط أن يكون المصلي راكبا ً ال ماشيا ً ،سائرا في أثناء السفر.
38
كتــــــاب الصــــــــــالة
-3في حالة الخوف :وذلك كما لو اشتدت الحرب ،فللمحارب أن يصلي في أي اتجاه ،وال تبطل صالته بذلك؛ لسقوط االستقبال في تلك الحال. ويلزم الراكب المسافر إذا أراد أن يتنفل أن يستفتح صالته باستقبال القبلة ،ثم بعد ذلك يكون حيث كان وجهته. يلزم من أمكنه مشاهدة الكعبة إصابةُ عينِها ،أي :ببدنه كله ،بحيث ال يخرجشي ٌء منه عن الكعبة. ً وأما من كان بعيدا وال يمكنه مشاهدتها فهذا يلزمه إصابة الجهة التي تكون فيها الكعبة بالنسبة إليه ،دون عينها. من جهل اتجاه القبلة ،فله أربع حاالت: الحالة األولى :أن يجتهد في القبلة ،فيخطئ ،فهذا ال يعيد. الحالة الثانية :أن يصلي بغير اجتهاد ،وال تقليد مع قدرته على ذلك ،ويعلم أنه أخطأ جهة القبلة ،فيعيد الصالة ،ويقضيها. الحالة الثالثة :أن يصلي بغير اجتهاد ،وال تقليد مع قدرته على ذلك ،ولكنه ال يدري هل أخطأ أو أصاب ،فهذا يعيد أيضا ً. الحالة الرابعة :أن يصلي بغير اجتهاد وال تقليد مع قدرته على التقليد ،ولكنه أصاب القبلة ،فيعيد؛ ألنه ترك الواجب عليه ،وهو التقليد. الشرط التاسع :النية: فيجب أن ينوي أداء صالة معينة ،فرضا ً كانت أو نفالً ،كأن ينوي أنها الظهر مثالً. ال يشترط تخصيص النية للفرضية ،واألداء ،والقضاء ،وكذلك ال يشترط تخصيص النية لصالة النافلة وإعادة الصالة. فيكفي أن ينوي عين صالة معينة ،فينوي عين الصالة التي يريد أن يصليها، فإذا أراد أن يصلي الظهر فينوي قبلها أنها صالة الظهر ،وهكذا ،وذلك يغنيه عن اشتراط الفرضية ،أو أنها أداء ،أو قضاء ،أو إعادة. وكذلك تعيين نية صالة الوتر ،أو نية صالة سنة الفجر ،فتعيينها يغني عن نية أنها نافلة ،فال يشترط في النية إال تعيين عين المنوي فقط.
املنهج املختصر يف الفقه والعقيدة والدعوة باب صفة الصالة
39
أو الا :القيام: تسن تسوية الصف بالمناكب واألكعب عند اإلقامة وبعدها. يقول المصلي في ابتداء صالته ،سواء كان إماما ً ،أو مأموما ً ،أو منفردا ً( :هللاأكبر) ،وهو رافع يديه ،وتكون يداه حال رفعها ال يفرج بين أصابعه وال يض ّمها، ويجعلها ممدودة مستقبالً ببطونها القبلة ،وتكون مقابل منكبيه ،أو مقابل أذنيه. األفضل رفع اليدين مع التكبير ،فيرفع يديه مع ابتداء التكبير ،وينهي الرفعبإنهائه ،ويجوز أن يرفع يديه ثم يكبر ,كما يجوز أن يكبر ثم يرفع. يستحب لإلمام أن يسمع المأمومين التكبير والتسميع ،والسالم ،وقيل :إن ذلكواجب. وكذلك يستحب لإلمام أن يسمع المأمومين القراءة الجهرية من خلفه من المأمومين ليتابعوه. وأما المأموم فال يجهر في صالته كاإلمام. ال بد للمصلي أن يحرك لسانه بالحروف وينطق بها ،فال يجزئه أن ينويالقراءة واألذكار دون نطق وتلفظ بالحروف. أمر زائد ٌ على ويجزئه أن يأتي بالحروف ولو لم يسمع نفسه؛ ألن إسماع النفس ٌ القول والنطق ،فال يجب. وإذا فرغ من التكبير يقبض كوع يسراه بكف يمناه ،أو يضعها عليها وضعا ً؛أسفل صدره. يستحب للمصلي إماما ً كان ،أو مأموما ً ،أو منفردًا ،أن ينظر أثناء صالته إلىموضع سجوده. ويستحب أن يقول بعد التكبير ووضع اليدين دعاء االستفتاح ،وقد ورد فيالسنة ما يقارب عشرة من أدعية االستفتاح ،وأشهرها( :سبحانك اللّ ُه َّم ،)...و(اللهم باعد وبين خطاياي.)... والسنة في دعاء االستفتاح أن يقال سرا ً ،وهو سنة في صالة الفرض ،وصالة النفل ،وهو مختص بالركعة األولى فقط. ثم يأتي باالستعاذة سرا ً ،وهي سنة في الفريضة والنافلة لإلمام والمأموموالمنفرد. ثم يأتي بالبسملة ،واألفضل أن يجهر بها أحيانا ً ،ويسر بها أخرى جمعا ً بيناألدلة ،واألصل أال يخالف اإلمام مذهب البلد التي هو فيها من حيث الجهر واإلسرار ما دام كل منهما واردا ً؛ لئال ينفر الناس ،ويثير المغرضين بال طائل ،والمسألة فيها سعة.
41
كتــــــاب الصــــــــــالة
ثم يقرأ الفاتحة تامة بتشديداتها ،في كل ركعة فرضا ً كانت أو نفالً.بذكر أو سكو ٍ غير مشروعين وطال هذا القاطع، فإن قطع قراءة الفاتحة ٍ ت ِ فحينئ ٍذ يعيدها ،وكذلك لو ترك تشديدة حرف من الفاتحة فقرأه بالتَّخفيف ،وفي الفاتحة والرحيم ،والدّين، والرحمن، إحدى عشرة تشديدة بغير خالف ،وهي في هللا ،وربّ ، ّ ّ صراط ،والّذين ،وفي الضالين اثنتان. وإيّاك ،وإيّاك ،وال ّ من السنة قول (آمين) عقب الفاتحة ،والسنة الجهر ،ورفع الصوت بها فيالصالة الجهرية ،والسنة أن يكون تأمين المأموم مع تأمين اإلمام ،ال قبله ،وال بعده. ثم يسن له أن يقرأ بعد الفاتحة سورة ً ،واألفضل قراءة سورة كاملة فيالركعة ،ويجوز بعض سورة. صل .والمفصل :يبدأ ويسن أن تكون السورة في صالة الصبح من ِطوال المف َّ من سورة (ق) إلى آخر القرآن ،وطوال المفصل :تبدأ من سورة (ق) إلى سورة النبأ. ويسن أن يقرأ في صالة المغرب من قصار المفصل ،وهي من الضحى إلى آخر القرآن. ويسن في باقي الصلوات ،وهي :الظهر ،والعصر ،والعشاء ،أن يقرأ فيها من أوساط المفصل ،وهي من سورة (عم) ،أو النازعات إلى سورة الضحى. والجمهور -خالفا ً للحنابلة -على أنه يقرأ في صالة الظهر بطوال المفصل. السنة تطويل الركعة األولى على الثانية في الصلوات الخمس ،إال عند قراءة(سبح) ،و(الغاشية) في يوم الجمعة وفي يوم العيد ،فالغاشية أطول. السنة في حق اإلمام :التخفيف في الصالة مع اإلتمام ،ويكره لإلمام أن يسرعسرعة تمنع المأموم من فعل ما يسن. ثانيا ا :الركوع: ثم يركع مكبرا ً تكبيرة االنتقال ،ويكون التكبير أثناء االنتقال ،أي بين القياموالركوع. ويرفع يديه عند التكبير للركوع حذو منكبيه أو إلى فروع أذنيه ،ويضعهماعلى ركبتيه معتمدا ً عليهما ،أي يضغط قليالً ،وال يضعها مجرد وضع خفيف ،وتكون أصابعه مفرجة ال مضمومة. ويجعل ظهره مستويا ً ،ويجعل رأسه حيال ظهره فال يرفعه وال يخفضه،ويجافي مرفقيه عن جنبيه. ويقول في ركوعه( :سبحان ربي العظيم) مرة واحدة ،وأدنى الكمال أنيكررها ثالث مرات. ً ويشرع أن يقول أيضا« :سبحانك اللهم ربنا وبحمدك ،اللهم اغفر» ،و«سبوح قدوس رب المالئكة والروح» ،وغيرها من األذكار الواردة في الركوع.
املنهج املختصر يف الفقه والعقيدة والدعوة
45
وقد اتفق العلماء على كراهة قراءة القرآن في الركوع أو السجود ،إال إذا بآيةدعاء في السجود بنية الدعاء ال القراءة. ثالثا ا :القيام من الركوع: ثم يرفع من الركوع ،ويقول( :سمع هللا لمن حمده) بين الركنين ،رافعا ً يديه،وهذا هو الموضع الثالث من مواضع رفع اليدين في الصالة. ثم يقول( :ربنا ولك الحمد ،ملء السماء ،وملء األرض ،وملء ما شئت منشيء بعد). ويستحب أن يزيد عليه( :أهل الثناء والمجد ،أحق ما قال العبد -وكلنا لك عبد ٌ - ،اللهم ال مانع لما أعطيت ,وال معطي لما منعت ,وال ينفع ذا الجد منك الجد). وقد جاء في التحميد عند الرفع من الركوع أربع صيغ ،هي:( -9ربنا ولك الحمد)( -2 .ربنا لك الحمد)( -3 .اللهم ربنا لك الحمد)-4 . (اللهم ربنا ولك الحمد). رابعا ا :السجود: ثم يسجد في الصالة مكبرا ً ،ويجب أن يكون سجوده على سبعة أعضاء،وهي :الجبهة واألنف ،واليدين ،والركبتين :وأطراف القدمين. والسنة للمصلي أن ينزل على ركبتيه أوالً ،ثم يديه. وسنة السجود أن يبعد المصلي في حال سجوده عضديه عن جنبيه ،ويرفعويفرق بين ركبتيه ،وال يضمهما ،ويقول وهو كذلك( :سبحان ربي بطنه عن فخذيه، ِّ األعلى). من السنة في السجود االعتدال فيه ،فال يضع ذراعيه على األرض ،كما تفعلالسباع. فالسجود الموافق للسنة ما اجتمع فيه هذه الصفات: -9أن يبسط كفيه على األرض حذو منكبية ،أو حذو أذنيه -كالهما سنة ثابتة - ،مبسوطتين غير مقبوضتين ،مضمومتي األصابع إلى القبلة. -2ال يفترش ذراعيه ،بل يرفعهما ويجافي عضديه عن جنبيه ،وبطنه عن فخذيه ،وفخذيه عن ساقيه ،ما لم يؤذ أحدا ً. -3أن يثني أصابع رجليه بحيث تكون في اتجاه القبلة. -4تمكين أعضاء السجود من األرض ومباشرتها لمحل السجود. ال يجزئ السجود مع عدم استعالء األسافل على الرأس؛ ألنه ال يعد في هذهالحالة ساجدا ً ،وأما االستعالء اليسير فال بأس به ،وذلك بأن يعلو موضع رأسه على موضع قدميه يسيرا ً ،ويكره الكثير. خامسا ا :القيام من السجود:
41
كتــــــاب الصــــــــــالة
ثم يرفع رأسه من السجود إلى الجلسة بين السجدتين ،قائالً( :هللا أكبر). ويجلس مفترشا ً رجله اليسرى ،وناصبًا اليمنى ،فيخرجها من تحته ،ويثنيأصابعه نحو القبلة. ويقول في ذلك الجلوس بين السجدتين( :رب اغفر لي) ،ويكررها ،والسنةتكرارها ثالث مرات فأكثر. وفي حال جلوسه بين السجدتين يبسط كفيه على فخذيه ،أو يجعلهما على ركبتيه. سادسا ا :السجود الثاني: والسجدة الثانية كاألولى في كل شيء؛ سواء في الهيئة ،أو في األذكارالواردة ،فما وجب في األولى وجب في الثانية ،وما كان سنةً في السجدة األولى ،فهو كذلك في السجدة الثانية. سابعا ا :الركعة الثانية: ثم يرف ُع من السجود إلى الركعة الثانية قائالً( :هللا أكبر) .وينهض علىصدور قدميه ،معتمدًا على ركبتيه إن سهل عليه ذلك ،فإن شق عليه اعتمد بيديه على األرض. ويصلي الركعة الثانية كالركعة األولى ،في كل شيء عدا تكبيرة اإلحرام،ودعاء االستفتاح ،وتجديد النية ،فإنها ال تعاد في الركعة الثانية. ثامنا ا :التشهد األول: ثم بعد فراغه من الركعة الثانية يجلس للتشهد األول مفترشا ً - ،كجلوسه بينالسجدتين ،-ويضع يديه على فخذيه ،ويقبض خنصر يده اليمنى وبنصرها ،ويحلق إبهامها مع الوسطى ،وال يحركها. ويقول في جلسته تلك التشهد األول وجوبًا( :التحيات هلل ،)...وقد ورد فيالسنة صيغ كثيرة للتشهد ،عن ابن مسعود ،وابن عباس ،وعمر ،وعائشة ،وابن عمر، وغيرهم ،وبأي تشهد تش ّهد المصلي مما صح عن النبي ^ جاز.
املنهج املختصر يف الفقه والعقيدة والدعوة
43
تاسعا ا :التشهد األخير والتسليم: ويقول في التشهد األخير عقبه الصالة اإلبراهيمية( :اللهم صل على محمد...إلخ). ويسن أن يقول المصلي بعد التشهد األخير ،والصالة على النبي ^ أن يقولالدعاء المشهور االستعاذة من أربع. كما يسن للمصلي بعد التشهد األخير أن يدعو بما شاء ،واألفضل أن يكوندعاءه بما ورد. ويسن له أن يجلس متوركا ً في التشهد األخير إن كانت الصالة ذات تشهدين،والتورك هو :أن يفرش رجله اليسرى ويخرجها عن يمينه ،وينصب اليمنى ،جاعالً مقعدته على األرض. ثم بعد ذلك يسلم عن يمينه وعن شماله ،فيقول( :السالم عليكم ورحمة هللا)،وهذه إحدى صيغ السالم الواردة في السنة ،وهي األكمل. يستحب الذكر بعد الصالة ،واألذكار الواردة في ذلك كثيرة صحيحة. إذا كان المصلي في صالة ثالثية كمغرب ،أو رباعية كظهر ،نهض مكبرا ًبعد التشهد األول قائما ً على صدور قدميه ،ويرفع يديه ،ويصلى ما بقي من صالته بالفاتحة ،ويسر بالقراءة.
كتــــــاب الصــــــــــالة
44
من مكروهات الصالة
االلتفات بالرأس يمينا ً أو يسارا ً ،إال أنه يستثنى ما كان للحاجة ،فيجوزااللتفات حينئذ ،أما إذا التفت بجميع بدنه ،ففي هذه الحالة تبطل صالته ,لترك استقبال القبلة. ويكره للمصلي أن يرفع بصره إلى السماء وهو في الصالة ،وهو مذهباألئمة األربعة ،وقال ابن حزم :إنه محرم للوعيد في الحديث. ويكره في الصالة تغميض العينين. ويكره اإلقعاء في الصالة ،واإلقعاء هو :إلصاق األليتين باألرض ،ونصبالساقين ،ووضع اليدين على األرض ،كما يقعي الكلب. ويكره أن يفترش المصلي ذراعيه في السجود ،وذلك بأن يضعهما علىاألرض ،ويلصقهما بها. ويكره العبث في الصالة ما لم يكن كثيرا ً ،فإذا كان كثيرا ً أبطل الصالة،والمرجع في ذلك العرف. ويكره في الصالة التخصر ،وهو أن يضع يديه على خاصرته. ويكره أن يفرقع أصابعه في الصالة ،وأن يشبك بينها. ويكره أن يصلي حاقنا ً ،أو حاقبا ً ،فإذا وصلت المدافعة إلى درجة ال يعياإلنسان معها الصالة ،فإن الصالة تبطل في هذه الحالة على الراجح. وتكره الصالة بحضرة طعام تتوق نفسه إليه ،وهو قادر على تناوله حسا ًوشرعا ً ،فإذا اختل شرط من هذه الشروط الثالثة ،فالصالة ال تكره.
املنهج املختصر يف الفقه والعقيدة والدعوة مما يتعلق بالصالة من السنن
45
يسن لإلمام والمنفرد دون المأموم أن يرد من أراد المرور بينه وبين سترته،ورد المار ال يعد من العبث ،ويدفعه باألسهل فاألسهل ،فإن لم يندفع بسهولة ،فليدفعه بشدة ،ولو سقط المدفوع فمات ،فال شيء على الدافع. والراجح أنه يجب رد المار بين يدي المصلي؛ لقول النبي ^« :فليدفعه»، وظاهر األمر الوجوب ،وال صارف له. ويسن للمصلي أن يصلي إلى سترة ،سواء كان في سفر ،أم في حضر ،سواءخشي مارا ً ،أم لم يخش مارا ً. وأقل طول للسترة :مثل مؤخرة الرحل ،وهي تارة تكون ذراعا ً ،وتارة تكون دونه. وال حد لعرض السترة ،فيجوز أن تكون دقيقة كالسهم. والسنة الدنو من السترة ،وحد ذلك أن يجعل بينه وبينها قدر ثالثة أذرع، ويجعل بين موضع رأسه عند السجود وبين السترة ،ممر شاة. الجمهور على أن الصالة ال تبطل بمرور شيء ،والراجح أن مرور المرأةالبالغة ،والحمار ،والكلب األسود من أمام المصلي يقطع صالته ،ويبطلها. يجب على المصلي الفتح على اإلمام في الفاتحة ،ويستحب له ذلك في غيرها. وقت الفتح على اإلمام :إذا وقف اإلمام وسكت ،أما إذا كرر اآلية ورددها ،أوانتقل إلى آية أخرى ،أو شرع في الركوع فال يفتح عليه ،فيسن للمأموم أال يعجل بالفتح. تجوز الحركة اليسيرة في الصالة للحاجة ،كما أن للمصلي أثناء صالته أنيقتل الحية ،والعقرب ،والقمل ،ونحو ذلك.
46
كتــــــاب الصــــــــــالة
يشترط لبطالن الصالة بالحركة ثالثة شروط: -9أن تكون طويلة عرفا ً :أي ما اعتاد أوساط الناس أنه طويل. -2أال تكون لضرورة :كحالة خوف ،أو هرب من عد ٍو. -3أن تكون متوالية :أي بغير تفريق ،فيقوم بحركات متتابعة في ركعة واحدة. ولو عمل عمالً كثيرا ً في الصالة ساهيا ً من غير جنس الصالة ،فإن الصالة تبطل ،والحركة التي ليست من جنس الصالة تنقسم إلى خمسة أقسام: -9حركة واجبة :وهي الحركة التي يتوقف عليها صحة الصالة ،كمن صلى إلى غير القبلة فتحرك للجهة الصحيحة. -2حركة مندوبة :وهي الحركة التي يتوقف عليها كمال الصالة ،كما لو تبين له أنه متقدم على جيرانه في الصف ،فتأخره سنة. -3حركة مباحة :وهي الحركة اليسيرة للحاجة ،أو الكثيرة للضرورة .كرجل يصلي في الظل فأحس ببرودة فتقدم ،أو تأخر ،من أجل الشمس ،فهذه مباحة ،وقد نقول :إنها سنة إذا ترتب عليها خشوعه. -4حركة مكروهة :وهي الحركة اليسيرة لغير حاجة ،وال يتوقف عليها كمال الصالة .كإصالح الغترة ،ونحو ذلك. -5حركة محرمة :وهي الحركة الكثيرة المتوالية لغير ضرورة. إذا عرض أمر للمصلي في الصالة ،فإنه يسبح ،كما لو سها اإلمام فيالصالة وأراد أن يعلمه بسهوه ،أو استئذان شخص عليه ،وهو يصلي منفردا ً ،ونحو ذلك ،فيقول الرجل( :سبحان هللا) ،وتصفق المرأة. إذا احتاج المصلي للبصاق فإنه يبصق عن يساره تحت قدمه اليسرى فيمسج ٍد أرضه من التراب ،وال يبصق عن يمينه وال أمام وجهه ،وإذا كان في مسجد أرضه غير تراب ،فال يبصق في األرض ،ولكن يبصق في ثوبه. يسن للمصلي أن يتعوذ باهلل تعالى إذا مر بآية وعيد ،فله أن يقول :أعوذ باهللمن ذلك ،وأن يسأل الرحمة إذا مر بآية رحمة؛ كذكر الجنة ،فيقول :اللهم إني أسألك الجنة ،وأن يسبح عند آية تسبيح خاصة في قيام الليل ،ويجوز ذلك في الفريضة أيضا ً.
املنهج املختصر يف الفقه والعقيدة والدعوة أركان الصالة ،وواجباتها ،وسننها
47
أركان الصالة ،وهي أربعة عشر ركنا ا ،وهي: -9القيام في الفرض على القادر. -2تكبيرة اإلحرام وهي (هللا أكبر). -3قراءة الفاتحة. -4الركوع ،وأقله أن ينحني بحيث يمكنه مس ركبتيه بكفيه ،وأكمله أن يمد ظهره مستويا ً ،ويجعل رأسه حياله. -5الرفع منه. -6االعتدال قائما ً. -7السجود ،وأكمله تمكين جبهته وأنفه وكفيه وركبتيه وأطراف أصابع قدميه من محل سجوده .وأقله وضع جزء من كل عضو. -8الرفع من السجود. -1الجلوس بين السجدتين. -91الطمأنينة ،وهي السكون في كل ركن فعلي. -99التشهد األخير. -92الجلوس له وللتسليمتين. -93التسليمتان ،وهو أن يقول مرتين :السالم عليكم ورحمة هللا ،ويكفي في النفل تسليمة واحدة ،وكذا في الجنازة. -94ترتيب األركان كما سبق ،فلو سجد مثالً قبل ركوعه عمدا ً بطلت ،وسهوا ً لزمه الرجوع ليركع ثم يسجد. واجبات الصالة (عند الحنابلة ،وهي عند الجمهور سنة) ،وهي ثمانية ،وهي: -9التكبير لغير اإلحرام. -2قول( :سمع هللا لمن حمده) لإلمام وللمنفرد. -3قول( :ربنا ولك الحمد). -4قول( :سبحان ربي العظيم) مرة في الركوع. -5قول( :سبحان ربي األعلى) مرة في السجود. -6قول( :رب اغفر لي) بين السجدتين. -7التشهد األول. -8الجلوس للتشهد األول. سنن الصالة القولية ،وهي إحدى عشرة سنة ،وهي:
48
كتــــــاب الصــــــــــالة
-9قوله بعد تكبيرة اإلحرام( :سبحانك اللهم وبحمدك ،وتبارك اسمك ،وتعالى جدك ،وال إله غيرك) ،ويسمى دعاء االستفتاح. -2التعوذ. -3البسملة. -4قول :آمين. -5قراءة السورة بعد الفاتحة. -6الجهر بالقراءة لإلمام. -7قول غير المأموم بعد التحميد( :ملء السماوات ،وملء األرض ،وملء ما شئت من شيء بعد)( ،والصحيح أنه سنة للمأموم أيضا ً). -8ما زاد على المرة في تسبيح الركوع .أي التسبيحة الثانية والثالثة وما زاد على ذلك. -1ما زاد على المرة في تسبيح السجود. -91ما زاد على المرة في قوله بين السجدتين :رب اغفر لي. -99الصالة في التشهد األخير على آله ^ ،والبركة عليه وعليهم ،والدعاء بعده.
املنهج املختصر يف الفقه والعقيدة والدعوة
كتاب الجهاد
إعداد/ د .عبد الله بن محمد المحيسني
49
كتــــــاب اجلهــــــــاد
51
اجلهاد
()1
يقول ابن حزم ( : /وال إثم بعد الكفر من إثم من نهى عن جهاد الكفار ،وأمر بإسالم حريم المسلمين إليهم). هذا مختصر في بعض أبواب الجهاد للمبتدئين ،قسمناه على ثمانية أبواب ،هي: أو الا :تعريف الجهاد: الجهاد لغة :هو :بذل واستفراغ ما في الوسع والطاقة من قول أو فعل. الجهاد شرعا ا :هو :بذل الجهد من المسلمين في قتال الكفار المعاندين المحاربين ،والمرتدين ،والبغاة ونحوهم؛ إلعالء كلمة هللا تعالى. ثانيا ا :أهداف الجهاد والحكمة من مشروعيته: بين هللا تعالى الحكمة والغاية من الجهاد في سبيل هللا تعالى ،فقال سبحانه: * ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ&[األنفال ،]31:وقال تعالى* :ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ
ﮅ ﮆ&[البقرة.]913: قال الشيخ عبد العزيز بن باز ( :/الجهاد نوعان :جهاد طلب ،وجهاد دفاع، والمقصود منهما جميعا ً هو تبليغ دين هللا ،ودعوة الناس إليه ،وإخراجهم من الظلمات ()2
إلى النور ،وإعالء دين هللا في أرضه ،وأن يكون الدين كله هلل وحده. )... وذكر بعض العلماء :أن الحكمة من مشروعية الجهاد ،وأهم أهدافه ،ما يلي: الهدف األول :إعالء كلمة هللا تعالى ،ودل على ذلك الحديث المتفق عليه عن أبي موسى األشعري قال( :جاء رجل إلى النبي ^ فقال :يا رسول هللا! الرجل يقاتل للمغنم ،والرجل يقاتل ليذكر ،والرجل يقاتل ليرى مكانه ،فمن في سبيل هللا؟! قال: «من قاتل لتكون كلمة هللا هي العليا فهو في سبيل هللا»). الهدف الثاني :نصر المظلومين ،قال تعالى* :ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙﭚﭛ ﭜﭝ ﭞﭟﭠﭡﭢ ﭣﭤﭥﭦﭧﭨﭩﭪﭫﭬ
ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ&[النساء.]75: ( )1في المحلى (.)478/7 ( )2انظر :مجموع فتاوى ابن باز (.)71/98
املنهج املختصر يف الفقه والعقيدة والدعوة
55
الهدف الثالث :رد العدوان وحفظ اإلسالم ،قال هللا تعالى* :ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ&[البقرة .]914:وقال سبحانه * :ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸﭹ
ﭺ ﭻ ﭼ ﭽﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ&[الحج.]41: ثالثا ا :مراتب الجهاد: ()1
يقول ابن القيم ( : /الجهاد أربع مراتب :جهاد النفس ،وجهاد الشيطان ،وجهاد الكفار ،وجهاد المنافقين.
( )1في زاد المعاد (.)99-1/3
51
كتــــــاب اجلهــــــــاد
فجهاد النفس أربع مراتب أيضا ا: إحداها :أن يجاهدها على تعلم الهدى ودين الحق ،الذي ال فالح لها وال سعادة في معاشها ومعادها إال به ،ومتى فاتها عمله شقيت في الدارين. الثانية :أن يجاهدها على العمل به بعد علمه ،وإال فمجرد العلم بال عمل إن لم يضرها لم ينفعها. الثالثة :أن يجاهدها على الدعوة إليه وتعليمه من ال يعلمه ،وإال كان من الذين يكتمون ما أنزل هللا من الهدى والبينات ،وال ينفعه علمه ،وال ينجيه من عذاب هللا. الرابعة :أن يجاهدها على الصبر على مشاق الدعوة إلى هللا وأذى الخلق، ويتحمل ذلك كله هلل. فإذا استكمل هذه المراتب األربع صار من الربانيين ،فإن السلف مجمعون على أن العالم ال يستحق أن يسمى ربانيا ً حتى يعرف الحق ،ويعمل به ،ويعلمه ،فمن علم وعمل وعلم؛ فذاك يدعى عظيما ً في ملكوت السماوات. وأما جهاد الشيطان فمرتبتان: إحداهما :جهاده على دفع ما يلقي إلى العبد من الشبهات والشكوك القادحة في اإليمان. الثانية :جهاده على دفع ما يلقي إليه من اإلرادات الفاسدة والشهوات. فالجهاد األول يكون بعده اليقين ،والثاني يكون بعده الصبر ،قال تعالى: *ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ&[السجدة.]24: فأخبر أن إمامة الدين إنما تنال بالصبر واليقين ،فالصبر يدفع الشهوات واإلرادات الفاسدة ،واليقين يدفع الشكوك والشبهات. وأما جهاد الكفار والمنافقين فأربع مراتب: بالقلب ،واللسان ،والمال ،والنفس. وجهاد الكفار أخص باليد ،وجهاد المنافقين أخص باللسان. وأما جهاد أرباب الظلم والبدع والمنكرات فثالث مراتب: األولى :باليد إذا قدر ،فإن عجز انتقل إلى اللسان ،فإن عجز جاهد بقبله. فهذه ثالثة عشر مرتبة من الجهاد.. تعدد النوايا في الجهاد : يتضاعف أجر العمل الواحد بتعدد نيات عامله ،فالمقاتل في سبيل هللا تعالى يمكن أن يجمع نيا ٍ ت كثيرة ً عند جهاده ،كاالنقياد ألمر هللا ،وإعالء كلمته ،ونصرة المستضعفين ،وفكاك المأسورين ،وحفظ حوزة المسلمين ،وإغاظة الكافرين ،إلى غير ذلك من المقاصد التي تندرج تحت هذه العبادة ،فاستحضار النية لكل ذلك يزيد في الثواب ،فهذه دعوة لكسب مزيد من الحسنات ،نعم ..فلنكن تجار نوايا كما كان يفعل
املنهج املختصر يف الفقه والعقيدة والدعوة
53
الصحابة فهم كانوا إذا هم أحدهم بفعل أي شيء كان يعدد النواياويستحضرها فى نفسه حتى يأخذ أكثر من أجر على العمل الواحد ،وقد ورد في الحديث الصحيح: "إنما األعمال بالنيات وإنما لكل امرئ ما نوى" فعندما تتعدد النيات على العمل الواحد يتضاعف األجر فتكسب أجرا على كل نيه تنويها على نفس العمل الذي تؤديه مرة واحدة. رابعا ا :حكم الجهاد: جنس الجهاد فرض عين :إما بالقلب ،وإما باللسان ،وإما بالمال ،وإما باليد. فيجب على المسلم أن يجاهد في سبيل هللا بنوع من هذه األنواع حسب الحاجة والقدرة .واألمر بالجهاد بالنفس والمال كثير في القرآن والسنة ،وقد ثبت من حديث أنس أن النبي ^ قال« :جاهدوا المشركين بألسنتكم ،وأنفسكم ،وأموالكم ،وأيديكم» أخرجه أبو داود بسند صحيح. ()1
يقول ابن القيم ( : /والتحقيق أن جنس الجهاد فرض عين؛ إما بالقلب ،وإما باللسان ،وإما بالمال ،وإما باليد ،فعلى كل مسلم أن يجاهد بنوع من هذه األنواع). أما باعتبار أنواعه ،فالجهاد باعتبار أنواعه يختلف حكمه ،فجهاد النفس ينقسم إلى قسمين: القسم األول :جهاد الطلب: وهو طلب قتال الكفار وغزوهم في بالدهم إلعالء كلمة هللا ،وليكون الدين كله هلل -بشرط بلوغ الدعوة ،-فهذا فرض كفاية إذا قام به من يكفي سقط اإلثم عن الباقين، لقوله تعالى* :ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬﭭ&[النساء،]15: وقوله تعالى * :ﯦﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ
ﯶ ﯷ ﯸ ﯹ ﯺ ﯻ&[التوبة .]922:ولقوله ^ فيما روى البخاري عن أبي هريرة« :من آمن باهلل وبرسوله ،وأقام الصالة ،وصام رمضان ،كان حقا ا على هللا أن يدخله الجنة ،جاهد في سبيل هللا أو جلس في أرضه التي ولد فيها». شروط جهاد الطلب: وهذه الشروط هي شروط وجوب ال صحة -عدا ما يتعلق باإلسالم – أي أنّها ال تجب على من توفرت فيه ،لكنه لو جاهد؛ صح منه .
( )1في زاد المعاد (.)64/3
54
كتــــــاب اجلهــــــــاد
-5اإلسالم :وهو من شروطه؛ ألن الجهاد إنما شرع ألجل قتال الكفار، والشخص ال يخاطب بقتل نفسه ،أضف إلى ذلك كونه غير مأمون في الجهاد غالبا ً، وفي مسلم قال ^ لكافر أراد أن يصيب معه« :ارجع ،فلن أستعين بمشرك». -1العقل :فالمجنون ال يتأتى منه الجهاد ،لما روى الثالثة قال ^ « :رفع القلم عن ثالثة :عن المجنون المغلوب على عقله حتى يفيق ،وعن النائم حتى يستيقظ، وعن الصبي حتى يحتلم». -3البلوغ :وقد روى الشيخان عن ابن عمر :أن رسول هللا ^ عرضه يوم أحد وهو ابن أربع عشرة سنة ،قال :فلم يجزن ،ثم عرضني يوم الخندق وأنا ابن خمس عشرة سنة فأجازني. -4الذكورية :لقوله ^ عندما سألته عائشة :هل على النساء جهاد؟ فقال: «عليهن جهاد ال قتال فيه ،الحج والعمرة» .ولكن يمكن أن يخرجن -مع وجود األمن عليهن -للخدمة ،والمداواة ،ونحو ذلك ،فقد روى البخاري عن الربيع قالت « :كنا نغزو مع النبي ^ فنسقي القوم ونخدمهم». -5الحرية :فالمملوك منفعته لمالكه ،وفي صحيح مسلم( :بايع النبي ^ عبد على الهجرة ولم يشعر أنه عبد ،فجاء سيده يريده ،فقال ^« :بعنيه» ،فاشتراه ،ثم لم يبايع أحدًا بعد حتى يسأله« :أعبد هو؟»). -6السالمة من الضرر :كالعمى والعرج الفاحش والمرض الشديد الذي يمنعه القتال؛ لقول هللا تعالى* :ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ&[النور.]69: وقوله تعالى* :ﭖ ﭗ ﭘ&[النساء.]15: -7القدرة على مؤنة الجهاد :أي القدرة على الزاد والراحلة ونفقة عائلته؛ لقوله * :Qﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ&[التوبة .]19:وقوله تعالى* :ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ&[التوبة .]12:وكذا القدرة اإلعدادية؛ وهي آلة الحرب ،والقدرة العددية لقوله تعالى* :ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫﮬ ﮭ ﮮ
ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ&[األنفال .]66:فالعدد مشترط للثبات الواجب ،فكيف بالطلب ابتداء. القسم الثاني :جهاد الدفع: وهو قتال الدفاع عن البلد المسلم الذي وطئه الكفار ،وهو فرض عين على أهلها ممن يستطيع القتال ،فإن عجزوا تعين على من يليهم من بالد المسلمين ممن لهم قدرة على القتال ،ومحل التعين على من بقربهم إن لم يخشوا على نسائهم وبيوتهم من عدو بتشاغلهم بمعاونة من فجأهم العدو.
املنهج املختصر يف الفقه والعقيدة والدعوة
55
وهذه إحدى الحاالت التي يتعين فيها الجهاد ،فالجهاد يتعين في أربعة مواضع: -9إذا حضر المسلم المكلف القتال والتقى الزحفان وتقابل الصفان ،قال هللا تعالى * :ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ&[األنفال ،]45:وقال تعالى* :ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ
ﯶﯷ ﯸ ﯹ ﯺ&[األنفال .]96-95:وذكر النبي ^ أن التولي يوم الزحف من السبع الموبقات ،كما في الحديث المتفق عليه.
كتــــــاب اجلهــــــــاد
56
ويستثنى من تحريم الفرار ثالث حاالت: األولى :أن يكون الفرار تحرفا ً لقتال. الثانية :أن يكون الفرار تحيزا ً إلى فئة من المسلمين ،ولو بعدت. الثالثة :أن يزيد عدد الكفار على ضعف المسلمين ،فيجوز الفرار حينئذ. -2إذا حضر العدو بلدا ً من بلدان المسلمين تعين على أهل البالد قتاله وطرده منها ،ويلزم المسلمين أن ينصروا ذلك البلد إذا عجز أهله عن إخراج العدو ،ويبدأ الوجوب باألقرب فاألقرب ،قال هللا تعالى* :ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ&[التوبة.]923: - 3إذا استنفر إمام المسلمين الناس وطلب منهم ذلك ،قال هللا تعالى* :ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ&[التوبة ،]49:وقال هللا تعالى* :ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ
ﮑ ﮒ&[التوبة.]38: وعن ابن عباس ب قال :قال رسول هللا ^ « :ال هجرة بعد الفتح ،ولكن جهاد ونية ،وإذا استنفرتم فانفروا». ()1 قال الشيخ العثيمين ( : /وال يشترط أن يكون إماما ً عاما ً للمسلمين؛ ألن اإلمامة العامة انقرضت من أزمنة متطاولة ،والنبي ^ قال« :اسمعوا وأطيعوا ،ولو تأمر عليكم عبد حبشي» ،فإذا تأمر إنسان على جهة ما ،صار بمنزلة اإلمام العام، وصار قوله نافذا ً ،وأمره مطاعا ً.).. - 4إذا احتيج إليه بذاته في القتال ،كمن ال يعرف سالحا ً معينا ً سواه ،وكطالب العلم في مرحلتنا هذه في الشام ،حيث يفشوا الجهل ويغتر وتفتر همم المجاهدين مما جعل الحاجة لطالب العلم ملحة ،وال يقال أن الحاجة لطالب العلم في كل بقاع األرض فإنما قلنا بفرضيته على طالب العلم اآلن بالشام؛ ألن أهل العلم قرروا أن كل ما يحتاج إليه بذاته دفع العدو ...وجب في حقه النفر ،ونحن هنا في أرض الشام نرى الحاجة ماسة لطالب العلم المجاهدون ،ال يثبتهم في المعارك بعد هللا إال أهل ( )1في الشرح الممتع (.)92 /8
املنهج املختصر يف الفقه والعقيدة والدعوة
57
العلم والنزاعات الشرعية بينهم ال يحلها سوى طالب العلم ،وغير ذلك كثير مما يتعلق بالجهاد. شرط جهاد الدفع: قرر الفقهاء أن شروط جهاد الطلب تسقط في جهاد الدفع ،بدليل :أنه لما أغار قوم على لقاح النبي ^ تبعهم سلمة بن األكوع بغير إذن ،فاستخلص ما بأيديهم ،فمدحه النبي ^ فقال« :خير رجالتنا سلمة» رواه مسلم ،ففيه سقوط أذن ولي األمر في الدفع، وفيه كذلك عدم اشتراط القوة والعدد؛ ألنه ا كان واحدا ً في مقابل سرية. ()1 قال ابن القيم ( :فقتال الدفع أوسع من قتال الطلب وأعم وجوبا ً ،ولهذا يتعين على كل أحد ،ويعم ،فيجاهد فيه العبد بإذن سيده وبدون إذنه ،والولد بدون إذن أبويه، والغريم بغير إذن غريمه ،وهذا كجهاد المسلمين يوم أحد والخندق. وال يشترط في هذا النوع من الجهاد أن يكون العدو ضعفي المسلمين فما دون، فإنهم كانوا يوم أحد والخندق أضعاف المسلمين ،فكان الجهاد واجبا ً عليهم؛ ألنه حينئذ جهاد ضرورة ودفع ال جهاد اختيار). مسألة: إذا تيقن عدم القدرة على مقاومة العدو ،وحصول الفتنة بالدين ،وجب الفرار إلى مكان يسلمون فيه على دينهم؛ لقوله تعالى في ذلك* :ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗﮘ ﮙ ﮚ ﮛﮜ ﮝ ﮞ ﮟ&[النساء ،]17:ولقوله ^« :من سمع بالدجال فلينأ عنه»، وقول هللا Qلعيسى × في مواجهة يأجوج ومأجوج« :حرز عبادي إلى الطور». قال الكاساني في بدائع الصنائع (( :)18/7الغزاة إذا جاءهم جمع من المشركين ما ال طاقة لهم به ،وخافوهم أن يقتلوهم ،فال بأس أن ينحازوا إلى بعض أمصار المسلمين). وقال شيخ اإلسالم ابن تيمية في مجموع الفتاوى (( :)316/28ومن كان عاجزا ً عن إقامة الدين بالسلطان والجهاد؛ ففعل ما يقدر عليه من النصيحة بقلبه والدعاء لألمة ،ومحبة الخير وفعل ما يقدر عليه من الخير؛ لم يكلف ما يعجز). خامسا ا :من يمنع قتاله من الكافرين ،ويشرع قتاله من المسلمين: - 5من يمنع قتاله من الكافرين:
( )1في كتاب الفروسية (ص .)16
كتــــــاب اجلهــــــــاد
58
جاء في اإلسالم المنع من قتل بعض أنواع الكفار ،بل جعل قتلهم من أعظم الذنوب ،وهم من عرف عند العلماء بالمعصومة دماؤهم ،والمعصوم دمه من الكفار ثالثة أقسام: األول :الذمي :وهو الذي أقام بدار اإلسالم إقامة دائمة بأمان مؤبد ،ويجري عليه حكم اإلسالم. الثاني :المعاهد :وهو المقيم ببلده ،وبينه وبين أهل اإلسالم عهد ،وال يجري عليه أحكام اإلسالم. الثالث :المستأمن :وهو الكافر الحربي الذي يؤمنه أحد المسلمين ،وعرفه بعضهم بأنه الكافر الحربي الذي يدخل دار اإلسالم بغير استيطان وبأمان مؤقت. وكذلك يكون مستأمنا ً إذا رأى من المسلمين إشارة تدل على األمان ،ولو كان ذلك في أثناء الحرب. ()1
قال ابن تيمية ( :الحربي إذا قلت له أو عملت معه ما يعتقد أنه أمان ،صار له أمان). الفرق بين المستأمن وغيره: ()2
وفي الفرق بين المستأمن وغيره ،يقول ابن القيم ( :فإن األمان يجوز عقده لكل كافر ،ويعقده كل مسلم ،وال يشترط على المستأمن شيء من الشروط ،والذمة ال يعقدها إال اإلمام أو نائبه). حاالت العهد مع الكفار: لنا مع المشركين في حالة العهد ثالث حاالت: الحالة األولى :أن ال يكون بيننا وبينهم عهد ،فيجب قتالهم بعد دعوتهم إلى اإلسالم وإبائهم عنه وعن بذل الجزية ،بشرط قدرتنا على ذلك. الحالة الثانية :أن يكون بيننا وبينهم عهد محفوظ يستقيمون فيه ،فهنا يجب الوفاء لهم بعدهم ،لقوله تعالى* :ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ&[التوبة ،]7:وقوله* :ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡﮢ&[التوبة.]4:
( )1في الصارم المسلول (.)418/9 ( )2في أحكام أهل الذمة (.)9449/3
املنهج املختصر يف الفقه والعقيدة والدعوة
59
الحالة الثالثة :أن يكون بيننا وبينهم عهد نخاف خيانتهم فيه ،فهنا يجب أن ننبذ إليهم العهد ونخبرهم أنه ال عهد بيننا ،لقوله تعالى* :ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ&[األنفال.]58: ضوابط نبذ العهد: الكالم هنا عن الخديعة في العهد حق الكفار في الحرب ،وأما الخديعة في حق المسلمين ،أو في حق غير المسلمين في غير الحرب ،فهي من المحرمات المعلومات من الدين بالضرورة. وهنا ضابطان مهمان: – 9ال تجوز خديعة الكفار وغدرهم في الحرب إذا كان بينهم وبين المسلمين عهد ،حتى ولو كانت الخيانة تخشى من جانبهم .إال إذا نبذنا إليهم العهد فتجوز في حالة خشية غدرهم وخديعتهم ،قال تعالى{ :فأتموا إليهم عهدهم إلى مدتهم} [التوبة : ،]4وقال تعالى{ :فما استقاموا لكم فاستقيموا لهم} [التوبة .]7 : – 2ال يجوز نقض عهدهم بمجرد األوهام ،أو التخرصات ،بل ال من معرفة عزمهم على الخيانة بما يدل على ذلك من أمارات وعالمات. انظر لما سبق :حاشية ابن عابدين ،224 / 3شرح روض الطالب ،225 / 4 المغني ،462 / 8الموسوعة الفقهية ()34 /91
61
كتــــــاب اجلهــــــــاد
مسألة :ه ل تؤخذ الجزية من أهل الكتاب في بالد الشام اليوم؟ الذي نراه أن الكتائب المجاهدة اليوم لم يستقر لها األمر والتمكين في بالد الشام ّ فتتوطد دولة اإلسالم المو ّحدة ويستقر الحكم فيها، حتى تنتصر على النظام النصيري بحيث يكون لها القدة على حماية أرضها وشعبها وأهل الكتاب الذين يعيشون تحت كنفها من عدو داخلي أو خارجي . وعليه فال تؤخذ اليوم من أهل الكتاب المسالمين في بالد الشام جزية ألمرين: األول :أن عقد الذمة ال يكون إال من اإلمام أو نائبه ،وليس قادة الكتائب المجاهدة في هذا المحل ،حتى يقضي هللا بالنصر واجتماع أهل الحل والعقد في الشام على إمام لهم . أمر الثاني :أن الجزية مقابل أن تلتزم الدولة اإلسالمية بحماية أهل الذمة ،وهذا ٌ وفر ،يحرر كر ّ لم يستقر أيضا في بالد الشام كما هو معلوم ،فال تزال الحرب ٌّ المجاهدون بلدة وينسحبون من أخرى بحسب جهدهم وطاقتهم. -1من يشرع قتاله من المسلمين: هذه هي الطوائف التي يباح دمها من أهل القبلة ،وهي قسمان: األول :قطاع الطرق ،وهم قوم امتنعوا من طاعة اإلمام ،وخرجوا عن قبضته بغير تأويل. الثاني :البغاة ،وهم قوم يخرجون عن اإلمام الشرعي يريدون خلعه لتأويل، وفيهم منعة يحتاج في كفهم إلى جمع الجيش ،فيجب على الناس معونة إمامهم في قتالهم.
املنهج املختصر يف الفقه والعقيدة والدعوة
65
سادسا ا :حكم األسرى: اإلمام مخير في األسرى بين أحد أربعة أمور: إما القتل ،وإما االسترقاق ،وإما الفداء بمال أو أسرى ،وإما أن يمن عليهم .وهو مذهب الشافعية ،والحنابلة. سابعا ا :أحكام الغنيمة والفيء: الغنيمة :هي المال المأخوذ من أهل الحرب بالقتال على سبيل القهر والغلبة. ()1
قال القرطبي ( : /سمى الشرع الواصل من الكفار إلينا من األموال باسمين: غنيمة وفيئا ً: فالشيء الذي يناله المسلمون من عدوهم بالسعي وإيجاف الخيل والركاب يسمى غنيمة .والفيء :هو كل مال دخل على المسلمين من غير حرب وال إيجاف ،كخراج األرضين ،وجزية الجماجم ،وخمس الغنائم). الغلول :وهو الخيانة في المغنم ،فهو كتم الغنيمة ،أو بعضها ،سواء كان هذا األخذ من أمير الجيش ،أو من أحد الغزاة قبل القسمة. والغلول من الغنيمة والفيء حرام قليله وكثيره ،كما دل على ذلك الكتاب والسنة وإجماع األمة.
( )1في الجامع ألحكام القرآن (.)9/8
كتــــــاب اجلهــــــــاد
61
وللغال من الغنيمة والفيء عقوبتان: العقوبة األولى :عقوبة أخروية إذا مات ولم يتب ويتحلل مما غل ،وهي أن الغال يأتي يوم القيامة بما غل يحمله معذبا ً به وموبخا ً بإظهار خيانته على رءوس األشهاد ،وأنه يحرم الفوز بالشهادة ،ويعذب في النار. العقوبة الثانية :عقوبة دنيوية وتكون عامة وخاصة. فأما العامة :فإن الغلول ما ظهر في قوم إال ألقي في قلوبهم الرعب وتأخر النصر عنهم ،كما جاء عن ابن عباس ي قال( :ما ظهر الغلول في قوم ،إال ألقي في قلوبهم الرعب )..رواه مالك. وأما الخاصة :فهي فيمن غل ،فقد اتفق الفقهاء على أن لإلمام تعزيزه بالضرب ،أو الحبس ،أو ما يراه مناسبا ً لعقوبته ،ورادعا ً ألمثاله. طريقة تقسيم الغنائم: اتفق عليه الفقهاء ،من أن الغنيمة تخمس عدا األراضي ،فخمس الغنيمة ألربابه الذين قال هللا تعالى فيهم* :ﭑﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ&[األنفال .]49:وأربعة أخماسها للغانمين الذين حضروا للجهاد ،وكانوا مسلمين بالغين أحرارا ً أصحاء ،سواء قاتلوا أو لم يقاتلوا. كما أن الفارس يفضل في سهمه على الراجل ،والجمهور على أن للفارس ثالثة أضعاف الراجل ،ووسائل المواصالت الحديثة ،واآلالت القتالية المتحركة تقاس على الخيل في ذلك. يجوز تنفي ل اإلمام من الغنيمة ،أو من يقوم مقامه للجند أو بعضهم إذا كان في ذلك مصلحة ،لبأسه أو شجاعته ،أو قيامه بمهمة ما ،ويكون ذلك من أربعة أخماس الغنيمة على الراجح. ()1
قاله شيخ اإلسالم ( : /يجوز لإلمام أن ينفل من ظهر منه زيادة نكاية :كسرية تسرت من الجيش ،أو رجل صعد حصنا ً عاليا ً ففتحه ،أو حمل على مقدم العدو فقتله فهزم العدو ونحو ذلك؛ ألن النبي ^ وخلفاءه كانوا ينفلون لذلك). الراجح :أن القاتل يستحق سلب من قتله مطلقا ً ،سواء كان أمير الجيش قد قالهقبل ذلك ،أو ال. والسلب :هو ما على القتيل من ثياب وسالح وساعات وخواتم ونحو ذلك، وكذلك ما معه من سيارة ،أو غيرها من آالت الركوب. ( )1في الفتاوى (.)271/28
املنهج املختصر يف الفقه والعقيدة والدعوة
63
اتفق الفقهاء :أنه يجوز األكل من الغنيمة بقدر الحاجة ،واتفقوا أنه يجوز أخذالمجاهد للسالح من الغنيمة قبل القسمة إذا احتاج إليه في قتال العدو ،ثم يرده بعد القتال ،وكذلك يجوز على الراجح استعمال األدوية من الغنيمة في أرض العدو عند الحاجة إلى ذلك. وفي تفصيل بعض المسائل مما قد يطرأ في الواقع في المسألة نذكر ما يلي: - 5ما حكم األكل من الغنائم؟ وما حكم نقل األكل خارج أرض المعركة؟ وهل هو غلول؟ اتفق الفقهاء على أنه يجوز للمجاهد األكل من الغنيمة بقدر الحاجة في دارالقتال عموماً ،سواء أثناء المعركة أو قبلها أو بعدها ،وذلك بدون إسراف وال تقتير، أي بقدر الحاجة فقط. وليس ذلك من الغلول باتفاق العلماء ،يقول النووي – رحمه هللا – في شرح صحيح مسلم (( :)344/99أجمع العلماء على جواز أكل طعام الحربيين ما دام المسلمون في دار الحرب ،فيأكلون منه قدر حاجتهم). وقد روى البخاري عن ابن عمر رضي هللا عنهما قال( :كنا نصيب في مغازينا العسل والعنب فنأكل وال نرفعه). فإذا وجدت لديهم مصادر أخرى سهلة من غير الغنيمة كانت أولى. وأما األكل المنقول خارج المعركة من مجاهدين: فإذا كان المجاهد في حاجة إليه ،وليس له مصدر للطعام سواه ،فله أن يأخذ قدر ما يحتاج إليه منه. فإذا لم يكن محتاجا ً إليه لوجود مصادر أخرى للطعام ،أو كان قد أخذ فوق حاجته ،فعليه أن يرده. - 1ما حكم لبس المالبس من الغنائم؟ يجوز لمن كان محتاجا ً له فقط ،دون غيره ،فإذا لم يكن معه ثياب ،أو كانتمعه ولكنها ال تقيه من البرد ونحوه ،فال بأس بأن يزيد إلى قدر الكفاية فقط ،وال يتجاوز. - 3من خرج بطعام من أرض المعركة هل يعيده؟ إذا كان المجاهد في حاجة إليه ،وليس له مصدر للطعام سواه ،فله أن يأخذقدر ما يحتاج إليه منه. فإذا لم يكن محتاجا ً إليه لوجود مصادر أخرى للطعام ،أو كان قد أخذ فوق حاجته ،فعليه أن يرده. ا ا - 4من قتل قتي ال فهل يأخذ سلبه؟ وهل يحتاج أن يشهد شهودا على ذلك؟ وهل يأخذها دون ردها للغنيمة أم يجب ردها ثم أخذها؟
64
كتــــــاب اجلهــــــــاد
- 9سلب القتيل من لباس ،وساعة ،وأحذية ،وسالح ،وغير ذلك :مباح لمن حارب الكفار دفاعا ً عن اإلسالم والمسلمين ،وقتل منهم من يجوز قتله ،وذلك لقوله صلى هللا عليه وسلم" :من قتل قتيال له عليه بينة فله سلبه". فإذا قال اإلمام( :من قتل قتيال فله سلبه) ،فإن له سلبه باالتفاق بين العلماء. وكذلك إذا لم يقل اإلمام ذلك عند الشافعية والحنابلة ،فقد ذهب جمهور الفقهاء من الشافعية والحنابلة واألوزاعي والليث وإسحاق وأبي عبيد وأبي ثور :إلى أن المسلم إذا قتل أحدا من المشركين في المعركة مقبالً على القتال فله سلبه ،قال ذلك اإلمام أو لم يقل. - 2اإلشهاد على السلب: ال تقبل دعوى القاتل أنه قتل كافرا ً إال ببيِّنة على الراجح ،وهو قول الجمهور خالفا ً للمالكية. يقول ابن القيم – رحمه هللا ( :-وقوله صلى هللا عليه وسلم" :لهُ عل ْي ِه بيِّنةٌ" ،فيه دليل على مسألتين: إحداهما :أن دعوى القاتل أنه قتل هذا الكافِر ،ال تُقبل في استحقاق سل ِب ِه. الثانية :االكتفاء في ثبوت هذه الدعوى بشاهد واحد من غير يمين؛ لما ثبت في الصحيح عن أبى قتادة قال( :خرجنا مع رسول هللا صلى هللا عليه وسلم عام ُحنيْن، فلما التقينا ،كانت للمسلمين جولةٌ ،فرأيتُ رجالً من المشركين قد عال رجالً من ى، المسلمين ،فاستدرتُ إليه حتى أتيتُه ِمن ورائه ،فضربتُه على حبل عاتقه ،وأقبل عل َّ فضمني ض َّمة ،وجدتُ منها ريح الموت ،ثم أدركه الموتُ ،فأرسلني ،فلحقت عمر بن الخطاب فقال :ما للناس؟ فقلت :أمر هللا ،ثم إن الناس رجعُوا ،وجلس رسو ُل هللا صلى هللا عليه وسلم فقال" :م ْن قتل ق ِتيالً لهُ عل ْي ِه ب ِيّنةٌ ،فلهُ سلبُهُ" ،قال :فقمتُ فقلت :من يشهد لي؟ ثم جلست ،ثم قال مثل ذلك قال :فقمتُ فقلت :من يشهد لي؟ ثم قال ذلك الثالثة ،فقمتُ ،فقال رسول هللا صلى هللا عليه وسلم" :ما لك يا أبا قتادة؟" ،فقصصتُ ب ذلك القتيل عندي، سول هللا ،وسل ُ صة ،فقال رجل من القوم :صدق يا ر ُ عليه ال ِق َّ ُ صدِّيق :الها هللاِ ،إذا ً ال ي ْع ِمد ُ إلى أس ٍد ِمن أ ْس ِد هللا فأرضه من حقه ،فقال أبو بكر ال ِ ّ يُقا ِت ُل ع ْن هللا ورسوله ،فيُعطيك سلبه ،فقال رسول هللا صلى هللا عليه وسلم: ْط ِه إيَّاهُ" ،فأعطاني ،فبعتُ الدرع ،فابتعتُ ب ِه مخرفا ً في بنى سلمة، "صدق فأع ِ ألول مال تأث َّ ْلتُه في اإلسالم). فإنه َّ - 3هل يأخذها دون ردها للغنيمة ،أم يجب ردها ثم أخذها؟ نعم له أن يأخذها دون أن يردها إلى الغنيمة؛ لظاهر النصوص ،ولفعل الصحابة – رضي هللا عنهم ،-قال النووي في شرحه على مسلم (:)69 / 92
املنهج املختصر يف الفقه والعقيدة والدعوة
65
(السلب للقاتل; ألنه أضافه إليه في الحديث ،فقال" :يعطيك سلبه") ،وقال صاحب عون المعبود (( :)388 / 7في الحديث دليل على أن السلب للقاتل ،وأنه ال يخمس). - 5ما الحكم في مسألة (األرمن) النصارى؟ هل بيوتهم غنيمة أم تبقى لهم؟ تبقى لهم إذا كانوا فيها ما داموا غير معاونين للنظام.فإذا كانت مهجورة متروكة :جاز للمجاهد استخدامها. فإن كانت متروكة ،ولكنهم قد يعودون إليها :جاز للمجاهد استخدامها عند الحاجة فقط ،ثم يتركها عندما تنتهي تلك الحاجة. - 6إذا وجد وقودا ا هل له أن يستخدمه في سيارته؟ ال يخلو األمر من ثالثة أحوال: - 9إذا كان من الغنيمة ،وأموال العدو ،فإنه يجوز له ذلك ،وهذا مجمع عليه، يقول ابن حجر في فتح الباري (( :)394/6اتفق علماء األمصار على جواز أكل الطعام ،وأما العلف فهو في معناه) ،والوقود في معنى العلف هذه األيام ،فهو المحرك لوسائل االنتقال اليوم. – 2إذا كان من غير أموال العدو ،فال يجوز؛ إذ هو حق لمسلم ،فيدفع قيمته لصاحبه ويأخذه. ً ً – 3فإن كان يسيرا؛ كلتر أو لترين ،وكان ال صاحب له ظاهرا؛ كأن يجده مرميا ً في مكان ما؛ فإنه يجوز له استخدامه؛ ألنه لقطة يسيرة ،واللقطة اليسيرة (الحقيرة في عرف الناس) إذا لم يكن لها صاحب؛ يجوز أخذها. فإن كانت غير يسيرة ،ولكنها مطروحة ،وكان ال صاحب له ظاهراً؛ فإنه يعرفها ،أو يتركها ،إال إن خاف أن يأخذها النظام أو مناصروه ،فله أخذه. مسألة :هل كل ما يغنمه المجاهدون يقسم ،حتى األموال العامة كشركات النف ط والغاز ،أم أنها تكون لألهالي؟ وأين تذهب إذا لم يوجد بيت مال للمسلمين؟ أوالً: األموال العامة كانت تطلق سابقا ً على مصادر بيت المال ،ومصادره كانت الزكاة ،والفيء ،والغنائم. وقد زاد في األموال العامة اليوم الثروات الطبيعية الهائلة ،ومنها النفط والغاز. ثانياً: كان العلماء السابقون يدرجون النفط في المعادن. والمعادن كانت بمقادير اعتيادية ،وليس لها تلك القيمة الهائلة ،والمقادير الكبيرة ،ولهذا أجاز الجمهور تملكها لشخص واحد مع إخراج شيئا ً منها في مصارف شرعية.
66
كتــــــاب اجلهــــــــاد
فأوجب الحنفية الخمس إلحاقا ً لها بالركاز ،وأوجب مالك والشافعي وأحمد وإسحاق فيها ربع العشر إلحاقا ً لها بزكاة النقدين. وهناك رأى آخر مشهور في مذهب مالك ،وهو :أن كل ما يخرج من باطن األرض فإنه يكون كله مل ًكا لبيت مال المسلمين ،فالمناجم والبترول السائل في باطن األرض والغاز ملك مشترك للناس ،فيكون في يد الدولة ،ال في يد أشخاص. ثالثاً: التكييف الصحيح لمرجعية ثروات النفط والغاز: المعادن كالبترول والغاز كانت في زمان المتقدمين بمقادير اعتيادية ،وليس لها تلك القيمة الهائلة ،والمقادير الكبيرة. وهذه الواجب فيها أن تكون للناس جميعاً ،وال يتملكها شخص أو فئة ،بل تقوم الدولة عليها بما فيه مصلحة الناس. ويؤيد ذلك ما رواه الترمذي وغيره عن أبيض بن حمال المازني( :أنه استقطع رسول هللا -صلى هللا عليه وسلم -الملح الذي بمأرب فقطعه له ،قال :فلما ولى قيل :يا رسول هللا ؛ أتدرى ما قطعت له ؟ إنما أقطعته الماء ال ِعدَّ ،قال :فرجعه منه). والعد :هو الدائم الذي ال ينقطع ،فشبه الملح بالماء ال ِعدّ لعدم انقطاعه ،فكيف بالذهب األسود (البترول)؟ واسترجاع النبي صلى هللا عليه وسلم لما وهبه – رغم مشقة األمر شرعا ً وطبعا ً واجتماعيا ً – يبين عدم جواز بقاء مثل ذلك في يد األفراد. وقد بين ذلك أبو عبيد األموال ص ( :)289بأنه إنما أقطعه وهو عنده أرض موات يحييها "أبيض" ويعمرها ،فلما تبين للنبي -صلى هللا عليه وسلم -أنه ماء عد - وهو الذي له مادة ال تنقطع -مثل ماء العيون واآلبار؛ ارتجعه منه ،ألن سنة رسول هللا -صلى هللا عليه وسلم -في الكأل والنار والماء أن الناس جميعًا فيه شركاء ،فكره أن يجعله لرجل يجوزه دون الناس. يقول ابن قدامة – رحمه هللا -في المغني ( ( :)975 / 6وأما المعادن الجارية كالقار والنفط والماء فهل يملكها من ظهرت في ملكه .فيه روايتان ،أظهرهما :ال يملكها؛ لقول النبي صلى هللا عليه وسلم" :الناس شركاء في ثالث الماء والكأل والنار" ،وألنها ليست من أجزاء األرض فلم يملكها بملك األرض كالكنز) .وهو ما ذهب إليه المالكية في أحد القولين كما سبق بيانه. ومما يزيد األمر تأكيداً :أن في القاعدة الشرعية المشهورة والمتفق عليها :أنهإذا تعارضت المصلحة الخاصة مع المصلحة العامة ،فإنها تقدم المصلحة العامة على المصلحة الخاصة. رابعاً:
املنهج املختصر يف الفقه والعقيدة والدعوة
67
إذا لم يوجد بيت مال للمسلمين بسبب عدم استقرار األمور لبقاء الحرب ،فإن الجماعات القائمة تتفق على إخراج مندوبين عن كل جماعة لتكوين هيئة تكون قائمة على األمر ،مع رقابة شرعية ليرى الناس الفرق في النتائج عندما يسيطر اإلسالميون على الثروات وبين غيرهم – وهللا أعلم .-
كتــــــاب اجلهــــــــاد
68
ثامنا ا :أقسام الشهداء: ()1
قال النووي ( : /واعلم أن الشهيد ثالثة أقسام: أحدها :المقتول في حرب الكفار بسبب من أسباب القتال ،فهذا له حكم الشهداء في ثواب اآلخرة وفي أحكام الدنيا ،وهو أنه ال يغسل وال يصلى عليه. والثاني :شهيد في الثواب دون أحكام الدنيا ،وهو المبطون والمطعون وصاحب الهدم ومن قتل دون ماله ،وغيرهم ممن جاءت األحاديث الصحيحة بتسميته شهيدا ً، فهذا يغسل ويصلى عليه ,وله في اآلخرة ثواب الشهداء ،وال يلزم أن يكون مثل ثواب األول. ً والثالث :من غل في الغنيمة وشبهه ،ممن وردت اآلثار بنفي تسميته شهيدا إذا قتل في حرب الكفار ،فهذا له حكم الشهداء في الدنيا فال يغسل وال يصلى عليه ،وليس له ثوابهم الكامل في اآلخرة). مسألة :إذا خرج المجاهد من بيته للجهاد فقتل في مقره أو قتل في سيارته ،فهل هو شهيد دنيا وآخرة ،أم شهيد آخرة فقط ،فيغسل ،ويكفن ،ويصلى عليه؟ على حسب تعريف الحنفية والمالكية يدخل المقتول في هذه الصورة في الشهداء الذين ال يغسلون وال يكفنون وال يصلى عليهم .وأما على تعريف الشافعية والحنابلة للشهيد ،فال تدخل هذه الصورة في شهداء المعركة؛ ألن الشهيد عندهم هو الذي يقتل حال قيام المعركة ،وهذا القول هو األظهر ،واألوفق لألدلة.
( )1في شرح مسلم (.)964 /2
املنهج املختصر يف الفقه والعقيدة والدعوة
69
مسألة مهمة بطالن اشرتاط وجود اإلمام والراية ملشروعية اجلهاد يف سبيل اهلل نكتفي هنا بإيراد فتويان في المسألة نراهما تفصالن في الموضوع ،وهما: -1فتوى الشيخ سليمان العلوان في اشتراط الراية في جهاد الدفع: الشيخ سليمان بن ناصر العلوان حفظه هللا ،السالم عليكم ورحمة هللا وبركاته، نحن إخوانكم من أهل السنة في العراق ،نتساءل حول حكم دخولنا إلى مراكز التطوع الشعبية التي هي في الغالب تحت إدارة أعضاء حزب البعث أو ضباط في الجيش العراقي ،ولكن ال يمكننا المشاركة في دفع العدو الصائل على بالدنا وحرماتنا وقتال الغزاة األمريكان والبريطانيين إال من خالل هذه المراكز ،حيث يتوفر فيها التدريب وتأمين السالح ،فما حكم المشاركة في هذه المراكز والحال هذه؟ وفقكم هللا للصواب، ونفع بكم المسلمين ،والسالم عليكم ورحمة هللا وبركاته. الجواب: بسم هللا الرحمن الرحيم ،اإلخوة الكرام سلمهم هللا ،السالم عليكم ورحمة هللا وبركاته ،نحن نحث المسلمين في كل مكان على مناصرة شعب العراق وعلى قتال الذين كفروا ،وطردهم عن بالد المسلمين ،وأهل العلم ال يشترطون لجهاد الدفع شرطا ً وال تجب له راية شرعية ،فيدفع بحسب اإلمكان ،وحيث تيسر توحيد راية شرعية دون ضرر راجح فهذا مطلب ،وإذا تعذر ذلك أو كانت المصلحة في هذا الوقت تقتضي الدخول في مراكز التطوع الشعبية ،فال مانع من هذا ،فإن الذين يدخلون في هذه المراكز يهدفون إلى وسيلة قوية ،وقوة مؤثرة في رد العدو الصائل وكف شره عن المسلمين وبالدهم. وهذا ال يعني الرضا بواقع الحال ،أو تمرير مخالفاتهم ،وال يقصد من وراء ذلك حماية األنظمة الكفرية أو تقويتها ،واألعمال بالنيات ،وال يختلف الفقهاء في مراعاة المصالح ودرء المفاسد ،فقد أقبل العدو بطائراته ودباباته يقتل ،ويدمر، ويفسد ،ويهلك ،وأعلن الحرب الصليبية ،وقال أحدهم( :لن تتوقف جهودنا في تنصير المسلمين حتى يرتفع الصليب في سماء مكة ،ويقام قداس األحد في المدينة). ودفع هؤالء تحت أي راية مصلحة راجحة؛ ألن هؤالء الصليبيين ال يقصدون األنظمة وال رعاتها ،فهم يريدون قتل المسلمين وتغيير عقائدهم ومبادئهم ،وتركيعهم لعباد الصليب ،ونهب ثرواتهم ،والقتال لدفع عدوان الصليبيين في العراق ،كالجهاد لدفع الصهاينة في فلسطين. والذين يمتنعون عن الجهاد في مواجهة االستعمار ،معتذرين بالرايات الجاهلية ،يعطلون حينئذ المواجهة ،ويعززون الزحف الصليبي.
71
كتــــــاب اجلهــــــــاد
وهللا أسأل أن يحفظكم وينصركم ،وأن يخزي عدوكم ،ويذهب ريحهم ،وال ننسى التواصي بالحق ،فنذكر باهلل والتعلق به ،واالجتهاد في طاعته ،واإلكثار من ذكره وحمده ،وبذل الجهد في قيام الليل ،وصيام النهار ،وتوجيه المؤمنين في محنهم ومناصحتهم والرفق بهم ،وتوحيد الصفوف ،وتبشير المسلمين بالنصر والتمكين، وحثهم على الصبر واالحتساب واإلخالص هلل. أخوكم /سليمان بن ناصر العلوان (9424/2/9هـ).
املنهج املختصر يف الفقه والعقيدة والدعوة
75
-2في تفصيل ما سبق ،وبسط أدلته ،نورد هنا سؤال وإجابته من الدكتور حاكم المطيري. السؤال :فضيلة الدكتور حاكم المطيري :هناك من يقول بأنه ال جهاد إال بوجود إمام وراية ،وإن ما سوى ذلك فهو قتال فتنة ال يعد من قتل فيه شهيدا ً ،وإنه يحرم قتال العدو إذا احتل أرضا ً للمسلمين إذا لم يكن للمسلمين به طاقة ،فما رأيكم في صحة هذا القول وفق أصول الشريعة وأقوال فقهائها؟ الجواب :الحمد هلل رب العالمين ،وصلى هللا وسلم على نبيه األمين ،وآله وصحبه أجمعين .وبعد: هذا القول ال أصل له بإجماع األئمة وسلف األمة ،بل هو قول ظاهر البطالن، مصادم للنصوص القطعية واألصول الشرعية والقواعد الفقهية ،ومن ذلك: -9أن النصوص القرآنية واألحاديث النبوية التي تأمر بالجهاد في سبيل هللا ليس فيها اشتراط شيء من ذلك ،بل هي عامة مطلقة ،والخطاب فيها لعموم أهل
اإليمان واإلسالم ،كما في قوله تعالى* :ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ&[البقرة،]911: وقوله * :ﯖﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ
ﯦ ﯧﯨ&[التوبة ،]999:وكما في قوله ^« :جاهدوا المشركين بأموالكم وأنفسكم وألسنتكم». ()1
قال ابن حزم ( :قال تعالى* :ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓﯔ&[النساء ،]84:وهذا خطاب متوجه إلى كل مسلم ،فكل أحد مأمور بالجهاد وإن لم يكن معه أحد). وقال العالمة عبد الرحمن بن حسن بن الشيخ محمد بن عبد الوهاب( :وال ريب أن فرض الجهاد باق إلى يوم القيامة ،والمخاطب به المؤمنون ،فإذا كانت هناك طائفة مجتمعة لها منعة وجب عليها أن تجاهد في سبيل هللا بما تقدر عليه ،ال يسقط عنها ()2
فرضه بحال ،وال عن جميع الطوائف) . -2أن الجهاد نوعان :جهاد الفتح ،وهو طلب العدو في أرضه ،فهذا النوع ال يشترط لصحته وجود اإلمام ،بل إذا كان اإلمام قائما ً بالجهاد فإنه ال يسوغ االفتآت عليه والتقدم إليه إال عن إذن اإلمام ورأيه؛ إذ المرء موكول إليه ،فاستئذانه واجب ال
( )1في المحلى (.)359/7 ( )2الدرر السنية (.)18/7
كتــــــاب اجلهــــــــاد
71
شرط صحة ،فيأثم من جاهد دون إذنه ،وجهاده صحيح ،فإن لم يكن هناك إمام ،أو فقد ،أو قتل ،فإن هذا الجهاد ال يتعطل. ()1
قال ابن قدامة ( :فإن عدم اإلمام لم يؤخر الجهاد؛ ألن مصلحته تفوت بتأخيره ،وإن حصلت غنيمة قسمها أهلها على موجب أحكام الشرع) .فلو كان وجوده شرطا ً لصحة الجهاد لوجب تعطيل الجهاد وتأخيره حتى يوجد اإلمام ،ولما ساغ المضي فيه بدعوى المصلحة ،ولما حلت الغنيمة. وكذا إذا كان اإلمام موجودا ً إال أنه تعذر ،على أهل الجهاد استئذانه ،فإن لهم أن ()2
يمضوا دون إذن اإلمام مراعاة للحاجة ،قال ابن قدامة ( :ال يخرجون إال بإذن األمير ،ألن أمر الحرب موكل إليه إال أن يتعذر استئذانه لمفاجأة عدوهم لهم ،فال يجب استئذانه؛ ألن المصلحة تتعين في قتالهم والخروج إليهم لتعين الفساد في تركهم). ً فلو كان وجود اإلمام وإذنه شرطا لصحة جهاد الطلب ،لما صح الجهاد في حال عدم وجوده ،ولما صح مع وجوده دون إذنه عند الحاجة ،إذ الشرط ما يلزم من عدمه العدم ،وهنا لم يبطل الفقهاء جهاد الطلب في هاتين الحالتين ،فدل على أن وجوده ليس شرطا ً لصحة هذا النوع من الجهاد ،بل المراعي في الحالتين تحقق المصلحة ودفع المفسدة ،كما علل بذلك ابن قدامة. أما النوع الثاني :وهو جهاد الدفع عن أرض المسلمين ،فاألمر فيه أوضح وأجلى؛ إذ ال يشترط له أي شرط إطالقا ً ،بل على كل أحد الدفع بما استطاع ،فال يستأذن الولد والده وال الزوجة زوجها وال الغريم غريمه ،وكل هؤالء أحق باإلذن والطاعة من اإلمام ،ومع ذلك سقط حقهم في هذه الحال ،إذ الجهاد فرض عين على الجميع فال يشترط له إذن إمام فضالً عن وجوده. ()3
قال شيخ اإلسالم ابن تيمية ( :أما قتال الدفع عن الحرمة والدين فواجب إجماعا ً ،فالعدو الصائل الذي يفسد الدين والدنيا ،ال شيء أوجب بعد اإليمان من دفعه، فال يشترط له شرط ،بل يدفع بحسب اإلمكان). وهذا هو معنى كونه فرض عين ،فلو كان يشترط له شروط صحة ،كوجود إمام أو إذنه ،لما كان فرض عين في حال هجوم العدو على المسلمين ،وهو ما لم يقل ( )1في المغني (.)375/91 ( )2في المغني (.)311/91 ( )3في الفتاوى المصرية (.)518/4
املنهج املختصر يف الفقه والعقيدة والدعوة
73
به أحد من علماء األمة ،ولذا قال الماوردي( :فرض الجهاد على الكفاية ،يتواله اإلمام ما لم يتعين). -3أن كتب الفقهاء قد نصت في كتاب الجهاد على شروط وجوبه ،وعلى من يجب ،ومتى يتعين ،وليس فيها نص على اشتراط وجود اإلمام أو وجود الراية ،وقد ثبت في الحديث الصحيح« :ما بال أقوام يشترطون شروطا ا ليست في كتاب هللا ،من اشترط شرطا ا ليس في كتاب هللا فهو باطل». وقد قال العالمة عبد الرحمن بن حسن بن محمد بن عبد الوهاب في بيان بطالن هذا الشرط( :بأي كتاب أم بأي حجة أن الجهاد ال يجب إال مع إمام متبع؟ هذا من الفرية في الدين ،والعدول عن سبيل المؤمنين ،واألدلة على بطالن هذا القول أشهر من أن تذكر ،من ذلك :عموم األمر بالجهاد والترغيب فيه ،والوعيد في ()1
تركه) .
()2
وقال صديق حسن خان عن الجهاد( :هذه فريضة من فرائض الدين ،أوجبها هللا على عباده من المسلمين ،من غير تقيد بزمان أو مكان أو شخص أو عدل أو جور). فالجهاد ماض إلى قيام الساعة ،سواء وجد إمام أو لم يوجد ،وسواء وجدت هناك راية أو لم توجد. ()3
وقد استدل شيخ اإلسالم ابن تيمية وابن القيم وعبد الرحمن بن حسن وغيرهم من األئمة ،بقصة أبي بصير وجهاده المشركين بمن معه من المؤمنين ،وقطعهم الطريق عليهم ،حتى قال النبي ^ في شأنه« :ويل أمه ،مسعر حرب ،لو كان معه رجال» ،ولم يكن أبو بصير تحت والية النبي ^ ،وال في دار اإلسالم ،ولم يكن إماما ً، ولم تكن معه راية ،بل كان يغير على المشركين ويقاتلهم ويغنم منهم ،واستقل بحربهم ،ومع ذلك أقره النبي ^ وأثنى عليه. ()4 قال عبد الرحمن بن حسن مستدالً بهذه القصة( :فهل قال رسول هللا ^ أخطأتم في قتال قريش ألنكم لستم مع إمام؟! سبحان هللا! ما أعظم مضرة الجهل على أهله؟). ( )1الدرر السنية (.)17/7 ( )2في الروضة الندية (.)333 ( )3كما في الزاد (.)311/3 ( )4كما في الدرر السنية (.)17/7
مخسون حديثــا جامعة
74
تهذيب شرح األصو ل الثالثةد
خمسون حديثا جامعة د .عبدهللا بن محمد المحيسني
كتاب َّ الطـــهارة سول هللا، سول هللا ^ فقال :يا ر ُ - 9عن أبي ُهريْرة ا ،قال :جاء رجل إِلى ر ُ ب ْالبحْ ر ونحمل معنا ْالق ِليل من الماء فإِن توضأنا بِ ِه عطشنا ،أفنتوضأ من إنّا نرك ُ َّ هور ماؤهُ الح ُل ميت َته» .أخرجه ْاأل ْربعة، ماء ْالبحْ ر؟ فقال ر ُ سول هللا ^ُ « :ه َو الط ُ ي ،وابْن ُخزيْمة ،وابْن م ْنده ،وغيرهم. وصححهُ ال ِت ّ ْر ِم ِذ ّ في الحديث دليل على جواز الوضوء بماء البحر ولو كان مالحاً ،فكل ماء يجوز التطهر به ،ما لم يتغير بطاهر ،فيكون عصيراً ،أو قهوة ،فال يجوز التطهر به ،أو يتغير بنجس ،كبول مثالً ،فال يجوز التطهر به ،وإذا وقع في الثوب ن ّجسه.
املنهج املختصر يف الفقه والعقيدة والدعوة
75
*** ْ ْ عشر من الفط َرة :قص - 2وعن عائِشة ل ،قالت :قال ر ُ سول هللا ^ٌ « : ال َّ ار ب ،وإعفاء اللِحْ يَة ،والسواك واستنشاق ال َماءَ ،وغسل البراجم ،وتقليم ش ِ اإلبِ طَ ،وحلق ْال عَانَة ،وانتقاص ال َماء» قال زك ِريَّا :قال ُمصعب: ْاأل َ ْظفَار ،ونتف ْ ِ ونسيت ْالعا ِشرة ِإ َّال أن تكون ْالمضْمضة ،وزاد فِي ِه و ِكيع :انتقاص الماء ،ي ْعنِي ِاال ْستِ ْنجاء .رواه مسلم. من سنن الفطرة التي جبل عليها اإلنسان السوي :قص الشارب ،وتقليم ْاأل ْ اإلبِط ،وحلق العانة ،وال يتجاوز بها أربعين يوما ً كحد أعلى. ظفار ،ونتف ْ ِ كما أن منها استعمال السواك ،والمضمضة ،واالستنشاق ،ومنها – وهو واجب :-إعفاء اللحية ،وغسل البراجم (تجاعيد اليدين عند المفاصل) ،واالستنجاء.
مخسون حديثــا جامعة
76
تهذيب شرح األصو ل الثالثةد
كتاب الصالة
سول هللا - 3وعن أبي الزبير أنه سمع جابر بن عبد هللا ب يقُول :س ِمعت ر ُ ص َالة» رواه مسلم. ^ يقُول« :بَين الرجل َوبَين الش رك َو ْال ك ْف ر ترك ال َّ الصالة أعظم أركان اإلسالم بعد الشهادتين ،وقد جعلها النبي صلى هللا عليه وسلم الحد الفاصل بين اإلسالم والكفر ،فمن تركها على سبيل الدوام ،فهو كافر. *** سول هللا ،ما ي ومسلم :أن أعْرابِيًا أتى النَّبِي ^ فقال :يا ر ُ ار ّ - 4وروى البُخ ِ ْ َّ َ ي غي َّ ْرهن؟ قال: ي؟ قال« :خمس صلوات فِي اليَ ْوم َوالل ْيلة» ،قال :هل عل َّ فرض هللا عل َّ َ « َالِ ،إ َّال أَن تطوع». ال يجب على المسلم من الصلوات اليومية سوى الصلوات الخمس ،فال تجب الوتر خالفا ً للحنفية ،ولكن النوافل مهمة جداً ،فهي مكملة للفرائض عند وضعها في الميزان يوم القيامة ،كما أن من داوم على النوافل استحق محبة هللا تعالى، وواليته ،ولم يستطع الشيطان أن يُدخل عليه التساهل في الفرائض. *** ص َالة ،أوَ - 5وعن أنس ا قال :قال ر ُ عن ال َّ سول هللا ^« :إِذا رقد أحد ُكم َ ع ْن َها؛ فليصلها إِذا ذكرهَا؛ فَإِن هللا Qيَقُول* :ﭟ ﭠ ﭡ غفل َ ﭢ&[طه .»]54:أخرجه مسلم. في الحديث أن الرجل إذا نام فخرج وقت الصالة ،أو غفل عنها أو سها لعذر ما :أنه معذور ،وغير مآثم لعدم تعمد المعصية ،ولكن عليه أن يصليها عندما يقوم من النوم أو عندما يتذكرها. سول هللا ^ دخل ْالمس ِْجد ،فدخل رجل فصلّى ،ث َّم - 6عن أبي ُهريْرة ا :أن ر ُ ارجع فصل ،فَإنَّ ك لم سول هللا ^ (فرد ر ُ جاء فسلم على ر ُ سول هللا ^ ث َّم) قالْ « : سول هللا ^؛ فسلّم عل ْي ِه ت ُصل» .فرجع الرجل فصلى كما كان يُص ِلّي ،ث َّم جاء ِإلى ر ُ ارجع ف صل فَإنَّ ك لم تصل» .حتَّى علَيْك ال َّ فقال ر ُ س َالم» ،ث َّم قالْ « : سول هللا ^َ « :و َ ْ َّ ق ما أحسن غير هذا فعلمنِي. فعل ذ ِلك ثالث م َّرات ،فقال الرجل :والذِي بعثك بِالـح ّ ِ ْ ص َالة فَ كبر ،ث َّم ا ْق َرأ َما تيَس ر َم عَ ك من القُ ْرآن ،ث َّم اركع َحت َّى قال« :إِذا قُ ْم ت إِلَى ال َّ ارفَ ْع اجدا ،ث َّم ْ تطمئِن َرا ِك عا ،ث َّم ْ س ِ ارفَ ْع َحت َّى تعتدل قَائِما ،ث َّم اسجد َحت َّى تطمئِن َ ْ ص َالتك كل َها» .من أخرجه؟ َحت َّى تطمئِن َجا ِلسا ،ث َّم اف عَ ل ذَ ِل ك فِي َ
املنهج املختصر يف الفقه والعقيدة والدعوة
77
في الحديث وجوب االطمئنان في سائر أركان الصالة ،وأن من قصر في شيء من ذلك بطلت صالته ،وأقل االطمئنان بقدر تسبيحة عند جماعة من العلماء، أي بقدر (سبحان ربي العظيم) ،ونحو ذلك. *** صحاب - 7وعن ُمح َّمد بن ع ْمرو بن عطاء ،أنه كان جا ِلسا مع نفر من أ ْ ي) :أنا كنت أحفظكم ذكروا صالة النَّبِي ^ ،فقال أبُو حميد (ال َّ النَّبِي ^ ،ف ُ سا ِع ِد ّ سول هللا ^ ،رأ ْيته« :إِذا كبر جعل يَدَ ْي ِه َحذْو َم ْن ِكبَيْهَ ،وإِذا ركع أمكن يَدَ ْي ِه لصالة ر ُ ( ) ) ( َ َّ ست ََوى َحت ى يعود كل فقار 2 من ُر ْكبَت َ ْي ِه ،ث َّم هصر ظهره ، 1فَإِذا رفع َرأسه ا ْ صابِع َم َكانَهُ ،فَإِذا سجد وضع يَدَ ْي ِه غير مفترش َو َال قابضهما ،واستقبل بأطراف أ َ َ علَى رجله ْاليُس َْرى َونصب ْاليُ ْمنَى َوإِذا رجلَ ْي ِه ْالق ْبلَةَ ،وإِذا جلس فِي َّ الر ْك عَتَي ِْن جلس َ علَى يرة قدم رجله ْاليُ ْ جلس فِي َّ (وقعد َ الر ْك عَة ْاأل َ ِخ َ س َرىَ ،ونصب ْاأل ُ ْخ َرى َ ي. ار ّ مقعدته)» رواهُ البُخ ِ في الحديث بيان صفة صالة النبي -صلى هللا عليه وسلم ،-وهي ظاهرة من الحديث. *** - 8عن الحكم بن ميناء أن عبد هللا بن عمر ،وأبا ُهريْرة ي قاال :سمعنا َّ عن َود ِعهم ال ُج ُم عَات ،أَو سول هللا ^ يقُول و ُهو على أعْواد منبره« : ر ُ لينتهين أَقوام َ ُ َّ ليكونن من الغافلين» أخرجه ُمسلم. علَى قُلوبهم ،ث َّم ليختمن هللا َ صالة الجمعة فرض بإجماع المسلمين على الرجل البالغ الحر المستوطن غير المريض ،ومن العقوبات القلبية العاجلة في الدنيا على من ترك ثالث جمع توالياً :أنه يُختم على قلبه ،فيرفض الخير الذي قد يصل إليه ،فيحرم مما يباعده عن النار ويدخله الجنة. *** ْ ْ - 1ع ْن أ ُ ِ ّم ع ِطيَّة قال ْ سو ُل هللا ^ أ ْن نُ ْخ ِرج ُه َّن فِي ال ِفط ِر ت :أمرنا ر ُ صالة، واألضْحى ْالعواتِق و ْال ُحيَّض وذوا ِ َّض في ْعت ِز ْلن ال َّ ُور ،فأ َّما ْال ُحي ُ ت ْال ُخد ِ سول هللا! إِحْ دانا ال ي ُك ُ اب، ون لها ِج ْلب ٌ وي ْشهدْن ْالخيْر ودعْوة ْال ُم ْس ِل ِمين .قُ ْلتُ :يا ر ُ س َها أ ُ ْخت ُ َها ِم ْن ِج ْلبَابِ َها» متفق عليه. قالِ « :لت ُ ْلبِ ْ ( )9هصر ظهره :أي ثناه إلى األرض. ( )2هي فقرات عظام الظهر.
مخسون حديثــا جامعة
78
تهذيب شرح األصو ل الثالثةد
في الحديث دليل على وجوب صالة العيد ،وأن السنة فيها خروج المسلمين جميعا ً حتى من لم يكن من أهل الصالة -كالحائض .- كما أن فيه دليل على أن أعياد المسلمين عيدان فقط ،هما عيد الفطر ،وعيد األضحى. ْ - 91عن ِهشام بن ِإسْحاق ابْن كنانة عن أبِيه قال :أ ْرسلنِي الو ِليد بن عقبة سول هللا ^ ،فأتيْته ،فقال: و ُهو أ ِمير ْالمدِينة ِإلى ابْن عبَّاس يسْأله عن استسقاء ر ُ سول هللا ^ خرج متبذ الا متواضعا ا متضرعا ا َحت َّى أَت َى المصلَّى فَلم ْ يخ طب «إِن َر ُ ْ ْ صلى َر ك عَتَي ِْن َك َما خطبتكم َهذِهَ ،ولَ ِكن لم يزل فِي الد ُّ َ عاء ،والتضرعَ ،والت َّكبِيرَ ،و َ ص ِلي فِي ْال ِعيد» أخرجه أبو داود ،والترمذي ،والنسائي ،وصححه الترمذي، َكانَ يُ َ والنووي ،وغيرهما. صالة االستسقاء مستحبة باتفاق العلماء ،وصفتها هي نفس صفة صالة العيد، وهي أنها ركعتان جهريتان ،يكبر فيها في األولى سبعاً ،وفي الثانية خمسا ً غير تكبيرة االنتقال. وفي الحديث أن الخضوع والتضرع والتذلل هلل تعالى مما يقرب إجابة الدعاء ونزول رحمته تعالى على العباد. *** - 99وع ْن أ ُ ِ ّم ع ِطيَّة ل قال ْ ي ^ ون ُ س ُل ابْنتهُ ،فقال: حْن نُغ ِ ّ ت :دخل عليْنا النَّبِ ُّ «ا ْ سد ٍْرَ ،واجْ َع ْلنَ فِي سا ،أ َ ْو أ َ ْكث َ َر ِم ْن ذَ ِل َك ،إِ ْن َرأ َ ْيت ُ َّن ذَ ِل َكِ ،ب َماءٍ َو ِ غ ِ س ْلنَ َها ث َ َالثاا ،أ َ ْو خ َْم ا ور» فل َّما فر ْغنا آذنَّاهُ ،فأ ْلقى ِإليْنا ِح ْقوهُ ،فقال« :أ َ ْ ش ِع ْرنَ َها ورا أ َ ْو َ ْاْل ِخ َرةِ َكافُ ا ش ْيئاا ِم ْن َكافُ ٍ إِيَّاهُ» ُمتَّف ٌق عل ْي ِه. وء ِم ْن َها» .وفِي اضعِ ا َ ْل ُو ُ ض ِ وفِي ِرواي ٍة لهما« :ا ْبدَأْنَ بِ َميَ ِ امنِ َها َو َم َو ِ ون ،فأ ْلقيْناهُ خ ْلفها). يِ( :فضفَّ ْرنا ش ْعرها ثالثة قُ ُر ٍ ار ّ ل ْفظٍ ِْللبُخ ِ غسل الميت واجب باإلجماع ،وكذلك تكفينه والصالة عليه ودفنه كلها فروض واجبة ،والسنة في غسل الميت ما جاء في الحديث ،وأما الصالة على الميت فيجب بعد التكبيرة األولى الفاتحة ،وبعد الثانية الصالة على النبي صلى هللا عليه وسلم ،وبعد الثالثة الدعاء للميت ،وبعد الرابعة الدعاء مطلقاً ،ثم يسلم واحدة أو اثنتين ،كالهما وارد وثابت.
كتاب الزكاة
املنهج املختصر يف الفقه والعقيدة والدعوة
79
س َما ُء سقَ ِ ت اَل َّ ي ِ ^ قال« :فِي َما َ -51وع ْن سا ِل ِم ب ِْن ع ْب ِد هللا ع ْن أبِي ِه ا ع ْن النَّبِ ّ ف ا َ ْل عُ ْ عث َ ِريًّا( :)1ا َ ْل عُ ْ َو ْال عُيُ ُ ي بِالنَّ ضْحِ( :)2نِ ْ ش ُرَ ،وفِي َما ُ ش ِر» رواهُ ص ُ ون أ َ ْو َكانَ َ س ِق َ ي ُ ،و ِأل ِبي د ُاود« :أ َ ْو َكانَ بَ ْع اال( :)3ا َ ْل عُ ْ س َوانِي( )4أ َ ِو ي بِال َّ ش ُرَ ،وفِي َما ُ ار ّ ا ْلبُخ ِ س ِق َ ف ا َ ْل عُ ْ ش ِر». اَلنَّ ضْحِ :نِ ْ ص ُ فيه وجوب إخراج العشر في زكاة الزروع والثمار إذا لم تُسْق بكلفة سقي بكلفة ومؤونة ،وأما ما يشرب نصف العام ومؤونة ،ونصف العشر فيما ُ بمؤنة ،ونصفه بال مؤنة ،فيجب فيه ثالثة أرباع العشر. *** سو ُل هللا ^« :إِذَا َكان ْ َت لَ َك ِمائَت َا ِد ْره ٍَم َ -و َحا َل ي ٍ ا قال :قال ر ُ -53ع ْن ع ِل ّ ش ْي ٌء َحت َّى يَ ُكونَ لَ َك ِع ْ علَي َْك َ ش ُرونَ ْس َ َ علَ ْي َها ا َ ْل َح ْو ُل -فَ ِفي َها َخ ْم َ سةُ دَ َرا ِه َمَ ،ولَي َ ْ َ َ َ ْس فِي عل ْي َها اَل َح ْو لُ ،فَ ِفي َها نِ ْ دِين ا سا ِ ص ُ َارا َو َحا َل َ َار ،فَ َما زَ ادَ فَبِ ِح َ ف دِين ٍ ب ذ ِل َكَ ،ولي َ ْ علَ ْي ِه اَل َح ْو ُل» رواهُ أبُو د ُاود ،و ُهو حس ٌن ،والراجح أنه َما ٍل زَ َكاة ٌ َحت َّى يَ ُحو َل َ موقوف ،وله حكم الرفع. في الحديث أن نصاب الذهب والفضة ،والنقود :ربع العشر ( ،)%2.5وذلك إذا بلغ الذهب 85جراماً ،والفضة 515جراماً. سول - 94وع ْن ُ ار :أ َّن ر ُجلي ِْن حدَّثاهُ أنَّ ُهما أتيا ر ُ ي ِ ب ِْن ا ْل ِخي ِ عب ْي ِد هللا ب ِْن ع ِد ّ شئْت ُ َما صدق ِة ،فقلَّب فِي ِهما ا ْلبصر ،فرآ ُهما ج ْلدي ِْن ،فقال« :إِ ْن ِ هللا ^ يسْأالنِ ِه ِمن ال َّ أعطيتكماَ ،و َال َح َّ ب» رواهُ أحْ مدُ وق َّواهُ ،وصححه ظ فِي َها ِل غَنِيٍَ ،و َال ِلقَ ِوي ٍ ُم ْكت َ ِ س ٍ غير واحد. إنما تشرع الزكاة على مصارفها الثمانية التي جاءت في آية الزكاة {إنما الصدقات للفقراء ....اآلية} ،وال تجوز الزكاة على األغنياء ،وال على األقوياء المكتسبين ،وال على بني هاشم ،إال أن عددا كثيرا ً من المحققين أجازوها أيضا ً في الفقراء من بني هاشم هذه األيام؛ لعدم وجود مصادر شرعية أخرى لهم كالفيء.
( )9العثري :هو الذي يشرب بعروقه من غير سقي. ( )2أي بنضح الماء ،ويكون بتعب أو كلفة ،وذلك مثل ما يسقى بالمكائن ،أو الدينمو. ( )3هو كالعثري :فهو الذي يشرب بعروقه من غير سقي. ( )4السانية :هي الناضح الذي يسقى عليه ،سواء كان من اإلبل أو البقر أو غيرهما.
81
مخسون حديثــا جامعة تهذيب شرح األصو ل الثالثةد
املنهج املختصر يف الفقه والعقيدة والدعوة كتاب الصيام
85
ضانَ إِي َماناا - 95ع ْن أبِي ُهريْرة ا قال :قال ر ُ ام َر َم َ سو ُل هللا ^َ « :م ْن َ ص َ ساباا ُ غ ِف َر لَهُ َما تَقَد ََّم ِم ْن ذَ ْنبِ ِه» ُمتَّف ٌق عل ْي ِه. َواحْ تِ َ ساباا ُ غ ِف َر لَهُ َما تَقَد ََّم وع ْنه أ َّن ر ُ ام َر َم َ ضانَ إِي َماناا َواحْ تِ َ سول هللا ^ قالَ « :م ْن قَ َ ِم ْن ذَ ْنبِ ِه» ُمتَّف ٌق عل ْي ِه. أجمعت األمة على وجوب صوم شهر رمضان ،وعلى استحباب قيامه ولو فرادى ،ومن صام رمضان إيمانا ً باهلل تعالى وبجزائه ،واحتسابا ً واخالصا ً هلل تعالى في ذلك الصيام ،فإنه يغفر له ما تقدم من ذنبه ،وكذلك الفضل في قيام رمضان إيمانا ً واحتسابا ً. *** سول ي ِ ^ ،فقال :هل ْكتُ يا ر ُ -56وع ْن أبِي ُهريْرة ا قال :جاء ر ُج ٌل إِلى النَّبِ ّ هللا! قالَ « :و َما أ َ ْهلَ َك َك؟» قال :وق ْعتُ على ا ِْمرأتِي فِي رمضان ،فقال« :ه َْل ت َِجد ُ َما ت َ ْعتِ ُ ش ْه َري ِْن ُمتَت َابِعَي ِْن؟» قال :ال. وم َ ق َرقَبَةا؟» قال :ال .قال« :فَ َه ْل ت َ ْ ست َِطي ُع أ َ ْن ت َ ُ ص َ ق فِي ِه ستِينَ ِم ْ قال« :فَ َه ْل ت َِجد ُ َما ت ُ ْط ِع ُم ِ ي ^ بِعر ٍ س ِكيناا؟» قال :ال .ث ُ َّم جلس ،فأُتِي النَّبِ ُّ صد َّْق بِ َهذَا» فقال :أعلى أ ْفقر ِمنَّا؟ فما بيْن البتيْها أ ْه ُل ب ْي ٍ ت أحْ و ُج ت ْم ٌر ،فقال« :ت َ َ ْ ي ^ حتَّى بد ْ ت أ ْنيابُهُ ،ث ُ َّم قال« :اذْهَبْ فَأ َط ِع ْمهُ أ َ ْهلَ َك» رواهُ ِإل ْي ِه ِمنَّا .فض ِحك النَّبِ ُّ سبْعةُ ،واللَّ ْف ُ ظ ِل ُم ْس ِل ٍم. ال َّ من الكبائر أن ينتهك المسلم حرمة الصيام بأكل أو شرب أو إنزال مني ،ومن أعظم المفطرات الجماع – وهو غياب الحشفة في الفرج ولو لم ينزل ،-وفيه الكفارة المغلظة ،وهي عتق رقبة ،فإن لم يجد ،فيصوم شهرين متتابعين ال يفطر فيهما وإال أعاد الصيام ،فإن لم يستطع ،فيطعم ستين مسكيناً ،فإن لم يجد فهو معذور ،وهل تبقى في ذمته أو ال ؟ خالف بين العلماء. صائِ ٌم فَأ َ َك َل سو ُل هللا ^َ « :م ْن نَ ِ -57وع ْن أبِي ُهريْرة ا قال :قال ر ُ ي َو ُه َو َ س َ سقَاهُ» ُمتَّف ٌق عل ْي ِه ،واللَّ ْف ُ ظ ِل ُم ْس ِل ٍم. أ َ ْو ش َِر َ ص ْو َمهُ؛ فَإِنَّ َما أ َ ْط عَ َمهُ هللا َو َ ب فَ ْليُتِ َّم َ في الحديث دليل على أن من صام ،ونسي أنه صائم ،فأكل أو شرب ،فإن صومه صحيح ،فليتمه وال شيء عليه.
81
مخسون حديثــا جامعة تهذيب شرح األصو ل الثالثةد
املنهج املختصر يف الفقه والعقيدة والدعوة
83
كتاب الحج أركان الحج أربعة : األول( :اإلحرام) :وهو نية الدخول في النسك . الثاني :الوقوف بعرفة . الثالث :طواف اإلفاضة . الرابع :السعي بين الصفا والمروة . *** سول هللا ^ قالَ « :م ْن َح َّج ِ َّّلِلِ فَلَ ْم يَ ْرفُ ْث َولَ ْم -58ع ْن أبِي ُهريْرة ا أ َّن ر ُ س ْق َر َج َع َكيَ ْو ِم َولَدَتْهُ أ ُ ُّمهُ» ُمتَّف ٌق عل ْي ِه. يَ ْف ُ من أحرم بالحج أو العمرة فليجتنب الرفث ،وهو الجماع ،ودواعيه من قول أو فعل ،وليجتنب كذلك الفسوق ،وهي جميع المعاصي ،ومن فعل ما سبق غفرت له جميع ذنوبه ،وكتب أجر حجه كامالً. *** ي ^ وقَّت ِأل ْه ِل ا ْلمدِين ِة :ذا ْال ُحليْف ِة ،و ِأل ْه ِل -59وع ِن اِب ِْن عب ٍ َّاس ب :أ َّن النَّبِ َّ ْ ْ ال َّ از ِل ،و ِأل ْه ِل اليم ِن :يل ْملمُ ،ه َّن ل ُه َّن و ِلم ْن أتى ش ِام :ا ْلجُحْ فة ،و ِأل ْه ِل نجْ دٍ :ق ْرن المن ِ ْ ْ عل ْي ِه َّن ِم ْن غي ِْر ِه َّنِ ،م َّم ْن أراد الح َّج والعُ ْمرة ،وم ْن كان دُون ذ ِلك ف ِم ْن حي ُ ْث أ ْنشأ، حتَّى أ ْه ُل م َّكة ِم ْن م َّكةُ .متَّف ٌق عليْه. للحج مواقيت زمانية ومكانية ال يصح في غيرها. فالزمانية هي شهر شوال ،وذو القعدة ،وعشر من ذي الحجة. ومواقيت الحج المكانية ،وهي :ذو الحليفة ألهل المدينة ،وقرن ألهل نجد، والجحفة ألهل الشام ،ويلملم ألهل اليمن ،والميقات الخامس :هو ميقات أهل العراق ،ومن جاء من جهة المشرق ،وهو ذات عرق. *** ي ^ ر ِكب حتَّى أتى ا ْلم ْوقِف ،فجعل ب ْ طن ناقتِ ِه -11وع ْن جابِ ٍر ب :أ َّن النَّبِ َّ صخراتِ ،وجعل حبْل ا ْل ُمشاةِ بيْن يد ْي ِه ،واسْت ْقبل ا ْل ِقبْلة ،فل ْم يز ْل صو ِ ا ْلق ْ اء ِإلى ال َّ ت ال َّ س ،وذهب ْ وا ِقفا ً حتَّى غرب ِ ت ال ُّ ص ْفرة ُ ق ِليالً ،حتَّى غاب ا ْلقُ ْر ُ ص ،ودفع .رواهُ ش ْم ُ ُم ْس ِل ٌم. ص َالتَنَا سو ُل هللا ^َ « :م ْن َ -15وع ْن ُ ع ْروة ب ِْن ُمض ِ ّر ٍس ا قال :قال ر ُ ش ِهدَ َ ف بِ َع َرفَةَ قَ ْب َل ذَ ِل َك لَ ْي الا أ َ ْو ف َم عَنَا َحت َّى نَدْفَ َعَ ،وقَ ْد َوقَ َ َه ِذ ِه -يَ ْعنِي :بِ ْال ُم ْزدَ ِلفَ ِة -فَ َوقَ َ ي وص َّححهُ. ضى تَفَثَهُ» رواهُ ال ِت ّ ِ نَ َه ا ارا ،فَقَدْ ت َ َّم َح ُّجهُ َوقَ َ رم ِذ ُّ
84
مخسون حديثــا جامعة تهذيب شرح األصو ل الثالثةد
الوقوف على عرفة أعظم أركان الحج ،وآخر وقت للوقوف بعرفة ينتهي بطلوع الفجر ليلة العيد ،فمن لم يقف بعرفة حتى طلع الفجر ليلة العيد ،فقد فاته الحج. *** ْ ْ ّ ب؟ -11وعن اب ِْن ُ سول هللا ^ ُ عمر ب :أ َّن ر ُ س ال ُمحْ ِر ُم ِم ْن ا ِلثيا ِ سئِل :ما يلب ُ س َرا ِو َ سَ ،و َال صَ ،و َال ا َ ْل عَ َمائِ َمَ ،و َال ال َّ فقالَ « :ال ت َْلبَ ُ سوا ْالقُ ُم َ يال تَِ ،و َال ا َ ْلبَ َرانِ َ اف ،إِ َّال أ َ َحد ٌ َال يَ ِجد ُ اَلنَّ ْعلَي ِْن فَ ْليَ ْلبَ ِس ْال ُخفَّي ِْنَ ،و ْليَ ْق َ سفَ َل مِنَ ا َ ْل َك ْعبَي ِْن» ط ْع ُه َما أ َ ْ ا َ ْل ِخفَ َ ُمتَّف ٌق عل ْي ِه ،واللَّ ْف ُ ظ ِل ُم ْس ِل ٍم. في الحديث بيان ما يحرم أثناء اإلحرام ،ومحرمات اإلحرام هي: - 9لبس المالبس المخيطة (للرجل) - 2 .قص الشعر. - 3الطيب (أي وضع أي شيء ذي رائحة عطرة) - 4 .قص األظافر. - 5تغطية الرأس للرجل - 6 .الصيد - 7 .قطع الشجر. - 8لبس الجوارب ،والخف ،والحذاء (الجزمة) ،ولكن يجوز لبس أي حذاء يظهر فيه مشط القدم (الصندل).
املنهج املختصر يف الفقه والعقيدة والدعوة كتاب ْال ِجهاد
85
-13وعن أنس ا أن النَّبِي ^ قالَ « :جا ِهد ُوا ْال ُم ْ ش ركين بِأ َ ْم َوا ِل ُكم َوأ َ ْنفُس ُك ْم سنَتِ ُك ْم» أخرجه النسائي. وأ َ ْل ِ في الحديث أن جهاد أعداء الدين مشروع بجميع اإلمكانات ،وفي سائر المجاالت ،والمراد بالحديث الجهاد بالمعنى العام الذي يشمل مجاهدة الكفار بالنفس والمال واللسان ،وأما الجهاد بالمعنى الخاص المتعارف ،فيراد به الجهاد بالنفس. *** اصي ب قال :جاء رجل إِلى النَّبِي ^ -14وعن عبد هللا بن ع ْمرو بن الع ِ فاستأذنه فِي ْال ِجهاد ،فقال« :أ َ َحي والداك»؟ فقال :نعم ،قال« :ففيهما فَ َجاهد». ُمتَّفق عل ْي ِه. في الحديث أن الجهاد إذا كان فرض كفاية فإنه يجب فيه استئذان الوالدين، فإذا كان فرض عين لم يجب االستئذان ،ويتعين الجهاد في حاالت: - 9إذا حضر المسلم المكلَّف القتال والتقى الزحفان وتقابل الصفان. - 2إذا حضر العدو بلدا ً من بلدان المسلمين. - 3إذا استنفر إمام المسلمين الناس ،وطلب منهم الخروج للجهاد.
مخسون حديثــا جامعة
86
تهذيب شرح األصو ل الثالثةد
كتاب البيوع
سول هللا ^ يقُو ُل عام ْالفتْحِ -و ُهو -15وع ْن جابِ ِر ب ِْن ع ْب ِد هللا ب :أنَّهُ س ِمع ر ُ ْ صن َِام» ،ف ِقيل: يرَ ،و ْاأل َ ْ ِبم َّكة« : -إِ َّن هللا َو َر ُ سولَهُ َح َّر َم بَ ْي َع ْال َخ ْم ِرَ ،و ْال َم ْيت َ ِةَ ،وال ِخ ْن ِز ِ ش ُحوم ْالميْت ِة ،فإِنَّها ت ُ ْ سول هللا! أرأيْت ُ سفُ ُن ،ويُدْه ُن بِها ْال ُجلُودُ، طلى بِها ال ُّ يا ر ُ ) ( ُ سو ُل هللا ^ ِع ْند ذ ِلك: اس 1؟ فقالَ « :الُ ،ه َو َح َرا ٌم» ،ث َّم قال ر ُ ويسْت ْ صبِ ُح بِها النَّ ُ ) ( ْ َ ُ ُ ُ «قَات َ َل هللا اليَ ُهودَ ،إِ َّن هللا لَ َّما َح َّر َم ُ عوهُ ،فَأ َكلوا ث َ َمنَهُ» متفق ش ُحو َم َها َج َملوهُ ، 2ث َّم بَا ُ عليه. ً من شروط صحة البيع :أن يكون المبيع مباحا ،جائز التملك ،فال يجوز بيع الخمر ،والميتة ،والخنزير ،واألصنام؛ لكونها محرمة لذاتها. ومن شروطه أيضا ً أن يكون مما ينتفع به ،فما ال ينتفع به ال يجوز بيعه ،وال شراؤه ،فال يجوز بيع الحشرات ،والرمل ،ونحو ذلك.
( )1أي :ينور الناس بها بيوتهم بإشعالها في مصباح. ( )2أي أذابوه.
املنهج املختصر يف الفقه والعقيدة والدعوة
87
-16وعن أبي هريرة ا قال« :نهى رسول هللا ^ عن بيع الحصاة( ،)1وعن بيع الغرر( »)2رواه مسلم. من شروط صحة البيع :أن يكون معلوم القدر ،فال يجوز بيع ما فيه غرر أو جهالة ،فمن شروطه :أن يكون الثمن ،والمبيع معلوماً ،وتتم المعلومية برؤية ،أو صفة ،أو عدٍّ ،أو وزن ،وغير ذلك مما تتم به معلوميته. *** ( ) -17وعن أبي هريرة ا قال« :نه ى رسول هللا ^ أن يبيع حاضر لباد ، 3 وال تناجشوا( ، )4وال يبيع الرجل على بيع أخيه ،وال يخطب على خطبة أخيه ،وال تسأل المرأة طالق أختها لتكفأ ما في إنائها» متفق عليه ،ولمسلم « :ال يسم المسلم على سوم المسلم(.»)5 من أسباب تحريم بعض البيوع :الظلم ،ومن الظلم :االحتكار ،والغش ،وبيع المسلم على بيع أخيه ،والنجش ،وبيع حاضر لباد ،وتلقي الركبان .ومنه أيضا ً بيع الماء ،والكأل العام ،ألنه يجب بذله ،وعدم بذله ظلم للغير؛ لالشتراك فيه. *** -18وعن معمر بن عبد هللا ا عن رسول هللا ^ قال « :ال يحتكر إال خاطئ» رواه مسلم. المحتكر :هو الذي يعمد إلى شراء ما يحتاج إليه الناس من الطعام فيحبسه ويريد إغالءه عليهم ،فهو ظالم للخلق المشترين؛ ومن عنده طعام ال يحتاج إليه والناس في مخمصة ،فإنه يجبر على بيعه للناس بقيمة المثل ،ومن اضطر إلى طعام الغير أخذه منه بغير اختياره بقيمة مثله ،ولم يستحق إال سعره . ( )1بيع الحصاة له صور ،ومنها أن يقول: أرم هذه الحصاة ،فعلى أي ثوب وقعت فهو لك بدرهم. أو يقول :بعتك من هذه األرض مقدار ما تبلغ هذه الحصاة ،إذا رميتها بكذا. ( )2هو كل بيع احتوى جهالة ،أو تضمن مخاطرة ،أو قماراً ،وذلك بأن ال يعرف حصوله ،أو ال يعرف حقيقته ومقداره. ( )3الحاضر :هو من كان من أهل الحضر ،وهي المدن والقرى. والبادي :هو ساكن البادية .وذلك من أجل مصلحة أهل السوق ،فإنهم عندما يأتي أحد ٌ من خارج بلدتهم، فإن بيعه يكون أرخص. ( )4النجش :هو أن يزيد أحد في سلعة ،وليس في نفسه شراؤها ،يريد بذلك أن ينفع البائع ويضر المشتري. ( )5هي :أن يتساوم رجالن ،ويتفقا على البيع ،ولم يتم العقد بعد ،فيأتي مشتر آخر ،ويزيد على سوم األول ،فيغري البائع فيشتريه منه.
مخسون حديثــا جامعة
88
تهذيب شرح األصو ل الثالثةد
*** -19وعن جابر ا قال :لعن رسول هللا ^ آكل الربا ،وموكله ،وكاتبه، وشاهديه ،وقال« :هم سواء» رواه مسلم. في الحديث دليل على تحريم التعامل بالربا بأي طريقة كانت ،ومن أنكر تحريمه ممن عاش في بيئة مسلمة فإنه مرتد؛ ألن هذا من المحرمات الظاهرة المجمع عليها .وفي الحديث تصريح بتحريم كتابة المبايعة بين المترابيين والشهادة عليها ،وفيه تحريم اإلعانة على الباطل. - 03وعن أبي رافع -أن النبي ^ استسلف من رجل بكراً ،فقدمت عليه إبل من الصدقة ،فأمر أبا رافع أن يقضي الرجل بكره ،فقال :ال أجد إال خيارا ،قال« :أعطه إياه، فإن خيار الناس أحسنهم قضاء» رواه مسلم. في الحديث دليل على أنه إذا كان النفع أو الزيادة التي يبذلها المقترض للمقرض غير مشترطة ،فال بأس بها ،وليست من الربا ،فالربا ما كان باشتراط مسبق.
باب التفليس واحلجر - 35عن أبي بكر بن عبد الرحمن ,عن أبي هريرة ا قال :سمعت رسول هللا ^ يقول« :من أدرك ماله بعينه عند رجل قد أفلس ،فهو أحق به من غيره» متفق عليه. يجوز ألهل الدين أن يأخذوا جميع ما يجدونه مع المفلس إال ما كان مما ال يستغني عنه ،وهو المنزل ،وستر العورة وما يقيه البرد ،ويسد رمقه ومن يعول، ومن وجد ماله عنده بعينه فهو أحق به ،وإذا نقص مال المفلس عن الوفاء بجميع دينه :فإنه يقسم المال الموجود بين الغرماء ،وإذا تبين إفالسه فال يجوز حبسه.
باب الصلح - 31عن عمرو بن عوف المزني ا :أن رسول هللا ^ قال« :الصلح جائز بين المسلمين ،إال صلحا حرم حالال وأحل حراما ،والمسلمون على شروطهم ،إال شرطا حرم حالال وأحل حراما» رواه الترمذي وصححه. الصلح هو التوصل إلى التوافق بين المتخاصمين ،وهو جائز إال صلحا أحل حراما ،أو حرم حالال ،ويجوز الصلح عن الدم بالمال بأقل من الدية أو أكثر.
املنهج املختصر يف الفقه والعقيدة والدعوة
89
باب احلوالة والضمان - 33عن أبي هريرة ا قال :قال رسول هللا ^« :مطل الغني ظلم ،وإذا أتبع أحدكم على مليء فليتبع» متفق عليه .وفي رواية أحمد« :فليحتل». الحوالة نقل الدين من ذمة إلى ذمة ،ويحرم على الغني القادر أن يماطل صاحب الحق ،ويستحب على من أحيل بحقه على من هو قادر على السداد أن يحتال ،وقال بعض العلماء أن ذلك واجب.
باب العارية -34عن يعلى بن أمية ا قال :قال رسول هللا ^« :إذا أتتك رسلي ،فأعطهم ثالثين درعا» ،قلت :يا رسول هللا ،أعارية مضمونة أو عارية مؤداة؟ قال« ::بل عارية مؤداة» رواه أحمد ،وأبو داود ،والنسائي ،وصححه ابن حبان. العارية :هي العين المأخوذة لالنتفاع بها مطلقًا ،أو زمنًا معينًا بال عوض. واإلعارة مشروعة باإلجماع ،وتستحب اإلعارة وال تجب ،ويجب على المستعير أن يرد العارية التي استعارها بعد استيفاء نفعها ،وال يضمن المستعير العارية إذا تلفت إال إذا تلفت بتفريط منه.
باب الغصب - 35عن سعيد بن زيد ب :أن رسول هللا ^ قال« :من اقتطع شبرا من األرض ظلما طوقه هللا إياه يوم القيامة من سبع أرضين» متفق عليه. قهرا بغير حق، الغصب هو أخذ الشيء ظل ًما ،واالستيالء على حق غيره ً وهو مجمع على تحريمه ،ومن غصب أرضا ً ولو صغيرة ،فإنها تكون طوقا ً في عنقه هي وما تحتها من الطبقات الست يوم القيامة أمام األولين واآلخرين في يوم مقداره خمسون ألف سنة.
مخسون حديثــا جامعة
91
تهذيب شرح األصو ل الثالثةد
باب الشفعة - 36عن جابر بن عبد هللا ب قال - :قضى رسول هللا ^ بالشفعة في كل ما لم يقسم ،فإذا وقعت الحدود وصرفت الطرق فال شفعة .متفق عليه ،واللفظ للبخاري. وفي رواية مسلم« :الشفعة في كل شرك :أرض ،أو ربع ،أو حائط ،ال يصلح أن يبيع حتى يعرض على شريكه». وفي رواية الطحاوي :قضى النبي ^ بالشفعة في كل شيء .وقال ابن حجر( :رجاله ثقات). الشفعة مأخوذة من الشفع وهو الضم ،وإذا أراد الرجل بيع منزل أو أرض أتاه الجار والشريك يشفع إليه؛ ليجعله أولى به ممن بعد منه ،فسميت شفعة ،وسمي طالبها شفيعا .فإذا وقعت القسمة فال شفعة ،وال يحل للشريك أن يبيع حتى يؤذن شريكه ،وال تبطل بالتراخي .
باب اهلبة - 37عن ابن عباس ب قال :قال النبي ^« :العائد في هبته كالكلب يقيء، ثم يعود في قيئه» متفق عليه. وفي رواية للبخاري« :ليس لنا مثل السوء ،الذي ي عود في هبته كالكلب يرجع في قيئه». الهبة مندوبة باإلجماع ،وقد يطرأ عليها ما يجعلها محرمة إذا قصد بها معصية أو إعانة على ظلم ،أو قصد بها الرشوة. وقد تكون الهبة مكروهة إذا قصد الواهب بها الرياء والمباهاة والسمعة. وفي الحديث دليل على عدم جواز رجوع الواهب في هبته ،إال األب فيما وهبه ولده؛ ألدلة أخرى غير هذين الحديثين.
باب اللقطة -38عن زيد بن خالد الجهني ا قال :جاء رجل إلى النبي ^ فسأله عن اللقطة؟ فقال« :اعرف عفاصها( )1ووكاءها( ،)2ثم عرفها سنة ،فإن جاء صاحبها
()1العفاص :الوعاء الذي يكون فيه الشئ من جلد أو نسيج أو خشب أو غيره. ( )2الوكاء :الخيط الذي يشد به على رأس الكيس والصرة. =
املنهج املختصر يف الفقه والعقيدة والدعوة
95
وإال فشأنك بها» .قال :فضالة الغنم؟ قال« :هي لك ،أو ألخيك ،أو للذئب» .قال: فضالة اإلبل؟ ( ) ( ) قال« :ما لك ولها؟ معها سقاؤها 1وحذاؤها ، 2ترد الماء ،وتأكل الشجر، حتى يلقاها ربها( »)3متفق عليه. اللقطة التي يجب تعريفها هي ما له قيمة ،فإن كانت من طعام يبقى مثل التمر وما أشبهه لم يكن لواجدها أكلها إال بعد سنة ،وإن كانت مما ال يبقى كالفواكه ،فهو مخير بين أكلها وبين بيعها وحفظ ثمنها ،وال يجوز إبقاؤها ألنها تتلف ،ومتى ما عرف صاحبها غرم له قيمتها. واللقطة التي يجب تعريفها هي ما تتبعها نفس صاحبها ،أي ما له قيمة .أما الشيء التافه والحقير فال بأس من تملكه وأخذه دون تعريف
باب الوقف - 39عن ابن عمر ب قال - :أصاب عمر أرضا بخيبر ،فأتى النبي ^ يستأمره فيها ،فقال :يا رسول هللا ،إني أصبت أرضا بخيبر لم أصب ماال قط هو أنفس عندي منه .قال« :إن شئت حبست أصلها ،وتصدقت بها» .قال :فتصدق بها عمر[ ،غير] أنه ال يباع أصلها ،وال يورث ،وال يوهب ،فتصدق بها في الفقراء، وفي القربى ،وفي الرقاب ،وفي سبيل هللا ،وابن السبيل ،والضيف ،ال جناح على من وليها أن يأكل منها بالمعروف ،ويطعم صديقا -غير متمول ماال .متفق عليه، واللفظ لمسلم. وفي رواية للبخاري( :تصدق بأصله ،ال يباع وال يوهب ،ولكن ينفق ثمره). من وقف شيئا ً يكون قد منعه من أن يباع أو يوهب أو يورث ،والوقف مما اختص به المسلمون ،والوقف من فعل الخير المأمور به ،ومن أفضل القرب المندوب إليها؛ ومن وضع ماال في مسجد أو في غيره وال ينتفع به أحد جاز صرفه في أهل الحاجات ومصالح المسلمين.
والمقصود من معرفة العفاص والوكاء تمييزهما عن غيرهما حتى ال تختلط اللقطة بمال الملتقط ،وحتى يستطيع إذا جاءه صاحبها أن يستوصفه العالمات التي تميزها عن غيرها ليتبين صدقه من كذبه. ( )1السقاء :وعاء الماء ،والمراد به هنا كرشها الذي تختزن فيه الماء. ( )2أخفافها. ( )3أي صاحبها.
91
مخسون حديثــا جامعة تهذيب شرح األصو ل الثالثةد
املنهج املختصر يف الفقه والعقيدة والدعوة
93
كتاب النكاح - 41عن عبد هللا بن مسعود ا قال لنا رسول هللا ^« :يا معشر الشباب ،من استطاع منكم الباءة فليتزوج ،فإنه أغض للبصر ،وأحصن للفرج ،ومن لم يستطع فعليه بالصوم ،فإنه له وجاء» متفق عليه. ً ً يشرع النكاح لمن استطاع عليه جسديا وماديا ،وبجب على من خشى الوقوع في المعصية ،والتبتل غير جائز إال لعجز عن القيام بما ال بد منه ،وينبغي أن تكون المرأة ودودا ولودا بكرا ذات جمال وحسب ودين ومال ،وال نكاح إال بولى وشاهدين.
باب اخللع - 45عن ابن عباس ب :أن امرأة ثابت بن قيس أتت النبي ^ فقالت :يا رسول هللا ،ثابت بن قيس ما أعيب عليه في خلق وال دين ،ولكني أكره الكفر في اإلسالم ،قال رسول هللا ^« :أتردين عليه حديقته؟» ،قالت :نعم .قال رسول هللا ^: «اقبل الحديقة ،وطلقها تطليقة» رواه البخاري .وفي رواية له :وأمره بطالقها. إذا خالع الرجل امرأته كان أمرها إليها ،ال ترجع إليه بمجرد الرجعة، ويجوز الخلع بالمال بالقليل والكثير ،وال بد فيه من التراضي بين الزوجين على الخلع ،ويجوز إلزام الحاكم مع الشقاق بينهما ،وهو فسخ ال طالق على الراجح.
باب الطالق - 41عن ابن عباس ب قال :كان الطالق على عهد رسول هللا ^ وأبي بكر، وسنتين من خالفة عمر ،طالق الثالث واحدة ،فقال عمر بن الخطاب :إن الناس قد استعجلوا في أمر كانت لهم فيه أناة ،فلو أمضيناه عليهم؟ فأمضاه عليهم .رواه مسلم. في الحديث دليل على أن الطالق الثالث يقع واحدة فقط؛ خالفا ً لما ذهب إليه الجمهور .مع اتفاقهم جميعا ً على أن السنة وقوع طلقة واحدة فقط ،واتفقوا على أنه ال يجوز الطالق في الحيض ،وال في طهر جامعها فيه -وهو مع ذلك يقع طلقة واحدة .-
باب الرضاع
94
مخسون حديثــا جامعة تهذيب شرح األصو ل الثالثةد
- 43عن ابن عباس ب ،أن النبي ^ أريد على ابنة حمزة .فقال« :إنها ال تحل لي؛ إنها ابنة أخي من الرضاعة ،ويحرم من الرضاعة ما يحرم من النسب» متفق عليه. المحرمات بسبب الرضاع سبع نساء :األم من الرضاع واألخت من الرضاع بنص القرآن ،والبنت والعمة والخالة وبنت األخ وبنت األخت من الرضاع؛ ألن هؤالء الخمس يحرمن من النسب ،ويحرم من الرضاعة ما يحرم من النسب.
املنهج املختصر يف الفقه والعقيدة والدعوة
95
كتاب الجنايات - 44عن ابن مسعود ا قال :قال رسول هللا ^ « :ال يحل دم امرئ مسلم؛ يشهد أن ال إله إال هللا ،وأني رسول هللا ،إال بإحدى ثالث :الثيب الزاني ،والنفس بالنفس ،والتارك لدينه ،المفارق للجماعة» متفق عليه. القتل أعظم الجرائم في اإلسالم وفي غيره ،وال يحل دم المسلم إال إذا زنا وكان محصناً ،أو إذا قتل إنسانا ً آخر ،أو إذا ارتد عن اإلسالم وكفر به ،ونحو ذلك ،وإال فدم المسلم محرم ،وقاتله يستحق النار ولو كان من كان.
باب الديات - 45عن أبي بكر بن محمد بن عمرو بن حزم عن أبيه عن جده ا أن النبي ^ كتب إلى أهل اليمن[ ...فذكر الحديث] ،وفيه( :أن من اعتبط مؤمنا قتال عن بينة ،فإنه قود ،إال أن يرضى أولياء المقتول ،وإن في النفس الدية مائة من اإلبل، وفي األنف إذا أوعب جدعه الدية ،وفي اللسان الدية ،وفي الشفتين الدية ،وفي الذكر الدية ،وفي البيضتين الدية ،وفي الصلب الدية ،وفي العينين الدية ،وفي الرجل الواحدة نصف الدية ،وفي المأمومة ثلث الدية ،وفي الجائفة ثلث الدية ،وفي المنقلة خمس عشرة من اإلبل ،وفي كل إصبع من أصابع اليد والرجل عشر من اإلبل ،وفي السن خمس من اإلبل وفي الموضحة خمس من اإلبل ،وإن الرجل يقتل بالمرأة ،وعلى أهل الذهب ألف دينار) أخرجه أبو داود في «المراسيل» والنسائي، وفي إسناده ضعف ،وقد اتفق العلماء على العمل به. الدية تجب على القاتل بسبب الجناية في القتل الخطأ وشبه العمد ،وأما العمد فال يُنتقل إلى الدية إال إذا تنازل أولياء المقتول عن القصاص. والدية في النفس مقدارها مائة من اإلبل أو ما يعادلها من النقود. ويجب مقدار الدية في النفس في حالة:إذا قطع رجل أنف رجل آخر كامالً ،أو قطع لسانه ،أو شفتيه ،أو ذكره ،أو خصيتيه ،أو كسر ظهره ،وفي العينين ،وفي الجفنين ،وفي األذنين ،وفي الرجلين، وفي اليدين. ويجب نصف الدية :في العين الواحدة ،واألذن الواحدة ...وهكذا. وفي أصابع اليدين والرجلين الدية كاملة ،وفي كل أصبع عشر من االبل. وفي جميع األسنان كمال الدية ،وفي كل سن خمس من االبل. وفي المأمومة ،والجائفة ثلث الدية ،والجائفة :هي الطعنة التي تصلالجوف ،والمأمومة :هي التي تصل إلى جلدة الرأس.
96
مخسون حديثــا جامعة تهذيب شرح األصو ل الثالثةد
وفي المنقلة خمس عشرة من اإلبل ،وهي التي توضح وتهشم العظم حتىينتقل منها العظم عن موضعه.
املنهج املختصر يف الفقه والعقيدة والدعوة
97
كتاب الحدود باب حد الزنا - 46وعن عبادة بن الصامت ا قال :قال رسول هللا ^« :خذوا عني ،خذوا عني ،فقد جعل هللا لهن سبيال ،البكر بالبكر :جلد مائة ،ونفي سنة ،والثيب بالثيب: جلد مائة ،والرجم» رواه مسلم. إذا زنا الرجل أو المرأة غير المتزوجين ،واعترفا بالزنا أو شهد أربعة شهود به -بعشرة شروط :-كان الحد عليه أو عليها مائة جلدة ،وإذا كان الزاني متزوجا ً كان حده الرجم بالحجارة.
باب حد القذف - 47عن أنس بن مالك ا قال :أول لعان كان في اإلسالم أن شريك بن سمحاء قذفه هالل بن أمية بامرأته ،فقال له رسول هللا ^« :البينة وإال فحد في ظهرك» أخرجه أبو يعلي ،وصححه ابن حجر. إذا قذف إنسان إنسانا ً بالزنا وجب عليه إثبات ذلك؛ بأن يأتي ببقية الشهود األربعة ،فإن لم يفعل :استحق أن يجلد حد القذف ثمانين جلده ،وإذا لم يتب لم تقبل شهادته ،فإن جاء بعد القذف بأربعة شهود سقط عنه الحد ،وكذلك إذا أقر المقذوف بالزنا بأنه زنا.
باب حد السرقة -48عن عائشة ل قالت :قال رسول هللا ^ « :ال تقطع يد سارق إال في ربع دينار فصاعدا» متفق عليه. من سرق وهو مكلف مختار من حرز ما يقدر بربع دينار فأكثر قطعت كفه اليمنى إذا كانت السرقة في غير مجاعة وحاجة ،ويكفي اإلقرار مرة واحدة أو شهادة عدلين ،وليس على خائن األمانة ،والمنتهب ،والمختلس قطع ،ولكن يعزر من فعل ذلك.
باب حد شارب املسكر
98
مخسون حديثــا جامعة تهذيب شرح األصو ل الثالثةد
- 49عن أنس بن مالك ا :أن النبي ^ أتى برجل قد شرب الخمر ،فجلده بجريدتين نحو أربعين .قال :وفعله أبو بكر ،فلما كان عمر استشار الناس ،فقال عبد الرحمن بن عوف :أخف الحدود ثمانون ،فأمر به عمر .متفق عليه. من شرب مسكراً ،وهو مكلف مختارُ :جلد ما بين أربعين إلى ثمانين جلدة، ويكفي إقراره مرة أو شهادة عدلين.
باب التعزير وحكم الصائل - 51عن أبي بردة األنصاري ا :أنه سمع رسول هللا ^ يقول « :ال يجلد فوق عش رة أسواط ،إال في حد من حدود هللا» متفق عليه. التعزير مشروع في المعاصي التي ال توجب حدا ً ثبت بالنص ،والتعزير يكون بحبس أو ضرب أو نحوهما ،وال يجاوز عشرة أسواط ،وقد يكون التعزير بإهانة ونحوها ألصحاب القدر والقيمة بين الناس.
املنهج املختصر يف الفقه والعقيدة والدعوة
تهذيب كتاب السياسة الشرعية
للشيخ/ أبي عمر محمد بن عبد هللا السيف رحمه هللا وتقبله
تهذيب/ د .عبد الله بن محمد المحيسني
99
تهذيب كتاب السياسة الشرعية
511
بسم هللا الرحمن
املقدمة
الرحيم تهذيب شرح األصول الثالثةد
الحمد هلل رب العالمين ،والصالة والسالم على خير المرسلين ،وإمام المجاهدين ،نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين. أما بعد: فهذا الصفحات في السياسة الشرعية ،تم اختصارها اختصارا ً شديدا ً من كتاب (السياسة الشرعية) ،تأليف :الشيخ المجاهد أبي عمر محمد بن عبد هللا السيف، السياسة الشرعية التي يجب على المسلمين أن يتمسكوا بها ،وأال يحيدوا عنها إلى ما انتحله وافتراه الكافرون المفترون من السياسات واألنظمة والقوانين واألحكام التي أكثرت في األرض الفساد ,وارتفع بسببها صوت الكفر واإللحاد ,وقد ازداد خطرها واستطار شرها في هذه السنوات مع الحملة الصليبية العالمية المتحالفة مع اليهود والمشركين والمرتدين ،لمحاربة اإلسالم والمسلمين.
املنهج املختصر يف الفقه والعقيدة والدعوة
515
احلكم هلل تبارك وتعاىل
إن الحكم والتشريع من خصائص األلوهية ,ومن نازع هللا تعالى في الحكم والتشريع فقد تجاوز حد العبودية ,ورام األلوهية ,فهو طاغوت ,وكلمة طاغوت مشتقة من الطغيان ،وهو مجاوزة الحد ,وكل من آمن بهذا الطاغوت ,واتخذه حكما ً ومشرعاً ,فقد اتخذه رباً ,وعبده من دون هللا تعالى ,كما قال تعالى* :ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ&[التوبة.]39: وقد روى اإلمام أحمد والترمذي ،عن عدي بن حاتم ا ,أنه دخل على رسول هللا ^ ,وفي عنق عدي صليب من فضة ,فقرأ رسول هللا ^ هذه اآلية* :ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ&[التوبة ]39:قال :فقلت ,إنهم لم يعبدوهم ،فقال: «بلى ،إنهم حرموا عليهم الحالل ,وأحلوا لهم الحرام ,فاتبعوهم .فذلك عبادتهم إياهم». وأخرج ابن جرير بإسناده ،عن ابن عباس ب أنه قال« :لم يأمروهم أن يسجدوا لهم ,ولكن أمروهم بمعصية هللا ,فأطاعوهم ,فسماهم هللا بذلك أربابا ا». فكانت عبادتهم لهم باتباعهم في التشريع ،وهو التحريم والتحليل ,وقد قرن هللا تعالى من اتخذ األحبار والرهبان أربابا ً مشرعين ،بمن اتخذ المسيح × ربا ً ،فكما أن من عبد المسيح فقد اتخذه ربا ً وكفر باهلل العظيم ,فكذلك من اتخذ غير هللا مشرعاً ,فقد اتخذه ربا ً وعبده من دون هللا ,وكفر كفرا ً يخرج من الملة. فمن تحاكم إلى غير هللا تعالى ,واتخذ غير هللا حكما ً ومشرعاً ,فقد أشرك باهلل شركا ً أكبر يخرج من ارتكبه من اإلسالم ,كما قال تعالى* :ﯴ ﯵ ﯶ ﯷ ﯸ ﯹ&[الكهف ,]62:وفي قراءة( :وال ت ُ ْش ِرك فِي ُح ْك ِم ِه أحدا ً) ،بصيغة النهي عن اإلشراك باهلل تعالى في الحكم والتشريع ,وهذه اآلية كقوله تعالى* :ﰘ ﰙ ﰚ ﰛ ﰜ
ﰝ&[الكهف ,]111:فالشرك في التشريع والتحاكم هو من الشرك في العبادة ,فإن التحاكم من العبادة ,كما قال تعالى* :ﮈ ﮉ ﮊ ﮋﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ
ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ&[يوسف.]41:
تهذيب كتاب السياسة الشرعية
511
السياسة
تهذيب شرح األصول الثالثةد
السياسة الشرعية :هي العمل إلقامة دين هللا في األرض ،وإصالح أحوال الناس في أمور دينهم حتى تكون كلمة هللا هي العليا ،ويقام العدل بين الناس ،وتحكم شريعة اإلسالم في جميع شؤون الحياة ،وإصالح أحوال الناس في أمور دنياهم، وتدبير شؤون معاشهم ،وقد قال تعالى* :ﯘﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭﯮ ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ ﯶ ﯷ ﯸ ﯹ ﯺ ﯻ ﯼ ﯽ ﯾﯿ ﰀ ﰁ ﰂ ﰃ ﰄ ﰅ ﰆ ﰇ ﰈ ﰉ ﰊ ﰋ ﰌ ﰍﰎ ﰏ ﰐ ﰑ ﰒ ﰓ&[النساء]51-58:
،وقال تبارك وتعالى* :ﯷ ﯸ ﯹ ﯺ ﯻ ﯼ ﯽ ﯾ ﯿ ﰀ
ﰁ ﰂ ﰃ ﰄ ﰅ ﰆ ﰇﰈ ﰉ ﰊ ﰋ ﰌ ﰍ ﰎ ﰏ ﰐ ﰑ ﰒ ﰓ ﰔ ﰕ
ﰖ&[ص.]26: قال اإلمام ابن كثير /في تفسيره( :هذه وصية من هللا Qلوالة األمور أن ّ المنزل من عنده تبارك وتعالى ،وال يعدلوا عنه فيضلّوا عن يحكموا بين الناس بالحق سببيل هللا ،وقد توعد تبارك وتعالى من ضل عن سبيله وتناسى يوم الحساب بالوعيد األكيد ،والعذاب الشديد). قال شيخ اإلسالم ابن تيمية /في فتاويه( :فالمقصود الواجب بالواليات إصالح دين الخلق ،الذي إذا فاتهم خسروا خسرانا ً مبينا ً ،ولم ينفعهم ما نعموا به في الدنيا، وإصالح ما ال يقوم الدين إال به من أمر دنياهم). وقال أيضا ً( :جميع الواليات في اإلسالم مقصودها أن يكون الدين كله هلل ،وأن تكون كلمة هللا هي العليا ،فإن هللا ـ إنما خلق الخلق لذلك ،وبه أنزل الكتب ،وبه أرسل الرسل ،وعليه جاهد الرسول والمؤمنون .قال هللا تعالى* :ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ&[الذاريات ]56:وقال تعالى* :ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ&[األنبياء ]25:وقال تعالى* :ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾﭿ&[النحل ،]36:وقد أخبر عن جميع المرسلين أن كالًّ منهم يقول لقومه* :ﭬ ﭭ
ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ&[األعراف.)]51: فتحقيق عبودية هللا تعالى ،وتحكيم شرع هللا في األرض ،وإقامة دولة اإلسالم، هو الغاية التي خلق هللا الخلق ألجلها ،وهو مقصود الجهاد في سبيل هللا ،وهو الهدف
املنهج املختصر يف الفقه والعقيدة والدعوة
513
السياسي الذي يجاهد ألجله المجاهدون ،ويبذل فيه الدماء الصادقون االستشهاديون، كما قال تعالى* :ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝﯞ&[األنفال.]31: وعن أبي موسى عبد هللا بن قيس األشعري ا قال :سئل رسول هللا ^ عن الرجل يقاتل شجاعة ،ويقاتل حمية ،ويقاتل رياء ،أي ذلك في سبيل هللا؟ فقال رسول هللا ^: «من قاتل لتكون كلمة هللا هي العليا ،فهو في سبيل هللا» متفق عليه. فاإلسالم دين كامل ،ونظام شامل للحياة ،ال يقيمه إال األقوياء الصادقون المجاهدون ،فهو ال يقبل التمييع أو الهزل أو الضعف ،وإنما جاء ليؤخذ بقوة وجد وصدق ،وعندما يأخذه الصادقون بقوة ،حينها فقط يم ّكن لهم في األرض ،ويكونون أهالً لحمل الرسالة واألمانة. إن القوة مالزمة ألخذ هذا الدين ،وحمل الرسالة ،قبل التمكين في األرض وبعد التمكين ،قال تعالى* :ﭑ ﭒ ﭓ ﭔﭕ&[مريم.]92:
514
تهذيب كتاب السياسة الشرعية الدنيوية تهذيب :شرح األصول الثالثةد
السياسة وأسباب التمكين والمنافع والمصالح ّ تعطل المنافع الدنيوية ،التي هي من وسائل إعداد القوة, السياسة الشرعية ال وبناء الدولة اإلسالمية ,والتي منها ما هو من ضرورات الناس وحاجاتهم ,وقد قال هللا تعالى* :ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬﯭ ﯮ ﯯ ﯰ ﯱ&[البقرة.]212-219: قال اإلمام ابن كثير /في تفسيره( :الحسنة في الدنيا تشمل كل مطلوب دنيوي، من عافية ،ودار رحبة ،وزوجة حسنة ،ورزق واسع ،وعلم نافع ،وعمل صالح، ي ،وثناء جميل .وأما الحسنة في اآلخرة فأعلى ذلك دخول الجنة وتوابعه ومركب هن ّ من األمن من الفزع األكبر في العرصات ،وتيسير الحساب). وأما السياسة التي تبتغي الدنيا ومتعتها فقط ،وتعرض عن اآلخرة ،فهي سياسة الكافرين ،الذين قال هللا تعالى عنهم* :ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ&[هود ,]96-95:وقال تعالى* :ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ
ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ&[يونس ,]8-7:وقال تعالى* :ﰕ ﰕ ﰕ ﰕ ﰕ ﭪ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ&[الروم ]7-6:وقال تعالى* :ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ&[النجم.]31-21: وتأمل كيف قرن هللا تعالى بين تمكين ذي القرنين في األرض ،وبين األسباب التي أعطاها إياه ،فقال تعالى* :ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ&[الكهف ،]84:والسبب هو ما يتوصل به إلى نيل الغرض والمقصود ،فآتاه هللا من كل شيء ما يتوصل به إلى أغراضه وأهدافه من تقوية سلطانه ،وإقامة العدل والنظام في األرض ،ومنها األسباب التي غلب بها األعداء ،وفتح بها البالد ،وكف بها المفسدين في األرض، ومنها األسباب التي مكنته من العمران والبناء ،واالنتقال إلى مشرق األرض ومغربها ،وغيرها من األسباب. واألسباب التي يتسبب بها إلى تقوية الدولة ،وتثبيت دعائمها ،واطراد التنمية واإلبداع فيها ،تكون بالعلم والتخصص ،فإن العلم من أعظم األسباب الموصلة إلى تقوية الدولة في جميع المجاالت الصناعية والتقنية والطبية وغيرها ،وتكون بالقدرة واالستطاعة بإعداد الجنود ،وتوفر الصناع والعمال والمزارعين وغيرهم ،ومن األسباب اآلالت واألجهزة واألموال وغيرها مما يتوصل به إلى األغراض والمقاصد. السياسة العادلة:
املنهج املختصر يف الفقه والعقيدة والدعوة
515
السياسة العادلة :هي جزء من شرع هللا تعالى ،وأما السياسة الظالمة فليست من شرع هللا تعالى ،بل شرع هللا تعالى جاء بإنكارها وإزالتها كغيرها من المنكرات والمحرمات. ّ وقد قال ^ « :كانت بنو إسرائيل تسوسهم األنبياء ،كلما هلك النبي خلفه النبي، وإنه ال نبي بعدي ،وستكون خلفاء فتكثر» ،قالوا :فما تأمرنا؟ قال« :أوفوا ببيعة األول فاألول ،وأعطوهم حقهم ،فإن هللا سائلهم عما استرعاهم» متفق عليه ،فوالة األمر في األمة يخلفون رسول هللا ^ في سياسة األمة السياسة العادلة. وعن عبد خير قال :قام علي ا على المنبر ،فذكر رسول هللا ^ فقال( :قبض رسول هللا ^ واستخلف أبو بكر ،فعمل بعمله ،وسار بسيرته حتى قبضه هللا على ذلك، ثم استخلف عمر فعمل بعملهما وسار بسيرتهما ،حتى قبضه هللا على ذلك) رواه أحمد ،وقال الهيثمي :رجاله ثقات. وقال شيخ اإلسالم ابن تيمية /في فتاوىه( :ووالة األمور فينا هم خلفاء الرسول ،قال النبي ^ في الصحيح« :إن بني إسرائيل كان تسوسهم األنبياء ،كلما هلك النبي قام النبي ،وأنه ال نبي بعدي ،وسيكون خلفاء ويكثرون» قالوا :فما تأمرونا يا رسول هللا؟ قال« :أوفوا بي عة األول فاألول ،وأدوا لهم الذي لهم ،فإن هللا سائلهم عما استرعاهم» ،وقال أيضا ً« :العلماء ورثة األنبياء» ،وروي عنه أنه قال« :وددت أني قد رأيت خلفائي» قالوا :ومن خلفاءك؟ قال« :الذين يحيون سنتي يعلمونها الناس»، فهؤالء والة األمور بعده ،وهم األمراء والعلماء. وقال الحافظ ابن حجر /في الفتح( :أي :أنهم كانوا إذا ظهر فيهم فساد بعث هللا لهم نبيا ً يقيم لهم أمرهم ،ويزيل ما غيّروا من أحكام الدولة .وفيه إشارة إلى أنه ال بد للرعية من قائم بأمورها ،يحملها على الطريق الحسنة ،وينصف المظلوم من الظالم). ضعف اإلنسان في إدراكه ومعرفته بالمصالح: هللا تعالى هو الذي خلق الخلق ،وهو أعلم بما يصلحهم في دنياهم وآخرتهم ،كما قال تعالى* :ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ&[الملك.]94: وقال تعالى* :ﯥ ﯦ ﯧ ﯨﯨ&[البقرة ،]941:وقال تعالى* :ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ&[البقرة ،]296:فأنى لهذا اإلنسان الضعيف من كل وجه أن يدرك مصلحته بنفسه ،وأن يحيط بما فيه نفعه على وجه الكمال والتمام ،فإن اإلنسان ضعيف ظلوم جهول ،كما قال هللا تبارك وتعالى* :ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯨ ﯪ ﯫ ﯬﯭ ﯮ ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ&[األحزاب.]72: خلّي بين الناس وبين أنفسهم وتقديراتهم واستحساناتهم ألهلكوا أنفسهم، ولو ِ وألوردوها موارد الشقاء والضالل ،فإن الناس ضعفاء في علومهم وإدراكهم ،بل ال يعلمون حقيقة األرواح التي في أبدانهم ،كما قال هللا تبارك وتعالى* :ﯮ ﯯ ﯰﯱ ﯲ ﯳ ﯴ
516
تهذيب كتاب السياسة الشرعية
الثالثةدهللا من األصول خلقه الضعيف الذي ﯵ ﯶ ﯷ ﯸ ﯹ ﯺ ﯻ ﯼ ﯽ&[اإلسراء ،]85:ولكن هذا المخلوق تهذيب شرح نطفة إذا كفر جاهر بكفره ،وخاصم ربه ،وعارض أحكامه بأقيسته وأدلته العقلية الفاسدة ،كما قال هللا تبارك وتعالى* :ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﭨ ﭩ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮪ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ&[عبس ،]23-97:وقال تعالى* :ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﭨ ﭩ ﮤ ﮥ ﮦﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮪ&[يس ،]71-77:فهذا الكافر استدل بعقله الفاسد على إنكار البعث بتشبيه قدرة الخالق بقدرة المخلوق.
املنهج املختصر يف الفقه والعقيدة والدعوة
517
مزايا الشريعة ومقاصدها
تتميز الشريعة اإلسالمية بمزايا تختلف فيها اختالفا ً كامالً عن جميع القوانين واألنظمة التي هي من تشريع البشر ،ومن هذه المزايا: أو الا :أن الشريعة اإلسالمية من عند هللا تعالى: فالقرآن كالم هللا أنزله هللا تعالى ،وفيه علمه تبارك وتعالى ،كما قال هللا تعالى: *ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔﮕ ﮖ ﮗﮘ ﮙ ﮚﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ&[النساء ،]966:وقال تعالى* :ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ&[هود.]94: وهو تبارك وتعالى خالق الخلق ،وهو أعلم بما فيه صالحهم وطهارتهم واستقامة أحوالهم وسعادتهم في الدنيا واآلخرة ،وقد قال هللا تعالى* :ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ&[الملك ،]94:وقال تعالى* :ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨﯨ&[البقرة.]941: ثانيا ا :تحقيق العبودية هلل تعالى وتزكية النفوس وطهارتها: إن الشريعة اإلسالمية جاءت لتحقيق عبودية هللا وتزكية النفوس وصالحها، وطهارتها من الشرك والفواحش ومساوئ األخالق ،قال هللا تعالى* :ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ&[الذاريات ،]56:وقال تعالى* :ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯨ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ
ﯴ ﯵ ﯶ ﯷ ﯸ ﯹ ﯺ ﯻ ﯼ&[آل عمران ،]964:وقال ^« :إنما بعثت ألتمم صالح األخالق» رواه أحمد. تعول على طهارة النفوس وزكاتها ،وليس من وأما القوانين الوضعية فال ّ أهدافها صالح المجتمع واستقامته وطهارته من المنكرات ،بل تحمي هذه القوانين أنواع الكفر ،والفسوق ،واالنحطاط األخالقي ،مما جعل المجتمعات التي تتحاكم إليها تعاني من شيوع الكفر والرذيلة والفواحش ،ومن تفكك األسرة والمجتمع. ثالثا ا :تقوى هللا في السر والعلن: جاءت الشريعة اإلسالمية باستقامة المؤمنين ،وتقواهم هلل في السر والعلن, حيث يراقب المؤمن ربه في حركاته وسكناته وفي سره وجهره ,وقد قال هللا تعالى: *ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ&[المجادلة ،]7:وقال رسول هللا ^« :اتق هللا حيثما كنت ،وأتبع
السيئة الحسنة تمحها ،وخالق الناس بخلق حسن» رواه الترمذي. ومن ضعف إيمانه ،ورق خوفه من عذاب هللا ,وارتكب المحرمات ولم يردعه اإليمان ,فيردع ويكف بالحدود والعقوبات الشرعية. رابعا ا :أن الشريعة جاءت بما فيه سعادة العباد في الدنيا واْلخرة:
518
تهذيب كتاب السياسة الشرعية
كما قال واآلخرة, فالشريعة جاءت بما فيه سعادة العباد وفالحهم في الثالثةد الدنيااألصول تهذيب شرح تعالى* :ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ&[النحل ,]17:وقال تعالى* :ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯨ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ ﯶ ﯷ ﯸ ﯹ ﯺ ﯻ ﯼ ﯽ ﯾ ﯿﰕ ﰕ ﰕ ﰕ ﰕ&[آل عمران.]948-946:
فإن القلوب فطرت على عبودية هللا واالطمئنان بذكره ,وإذا ابتعدت القلوب عن عبودية هللا ،استولت عليه الشياطين ،وأحاطت بها الهموم والضنك في الدنيا ,ثم مصير أصحابها إلى الشقاء في اآلخرة ،وقد أخرج ابن جرير عن ابن عباس قال: (تضمن هللا لمن قرأ القرآن ،واتبع ما فيه ،أن ال يض ّل في الدنيا ،وال يشقى في اآلخرة ،ثم تال هذه اآلية* :ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ&[طه.)]923: خامسا ا :موافقة الشريعة للفطرة: من مزايا الشريعة اإلسالمية موافقتها للفطرة ،فهي ال تتعارض مع الفطرة السليمة ،ما دام أن اإلنسان باق على أصل فطرته ولم تتغير فطرته ولم تنحرف ,وأما إذا تغيرت فطرته بسبب المؤثرات المحيطة به ،ففي هذه الحالة يعارض بعقله الفاسد الشريعة ويخالفها وينفر منها ,وقد قال تعالى* :ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ&[المدثر ]59-41:فهذا اإلعراض والنفور والفرار عن الحق ،هو بسبب تغير الفطرة عن أصل خلقتها ,وقد قال تعالى * :ﯔ ﯕ ﯖ ﯗﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯨ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ&[الروم.]31: وعن أبي هريرة ا قال :قال رسول هللا ^« :ما من مولود إال يولد على الفطرة، فأبواه يهودانه أو ينصرانه أو يمجسانه ،كما تنتج البهيمة بهيمة جمعاء ،هل تحسون فيها من جدعاء» ,ثم يقول* :ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣﯤ ﯥ ﯦ ﯧ&[الروم ]31:رواه البخاري ومسلم واللفظ للبخاري.
املنهج املختصر يف الفقه والعقيدة والدعوة
519
سادسا ا :كمال الشريعة اإلسالمية وشمولها ووفاؤها بجميعع األحكعام واألقضعية في كل زمان ومكان: لقد جاءت الشريعة اإلسالمية بالنصوص والقواعد العامة واألحكام الكلية ،التي تندرج فيها جميع الحوادث والنوازل الطارئة إلى يوم القيامة ،وقد هللا تعالى* :ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅﮆ&[المائدة.]3: قال اإلمام الشاطبي /في االعتصام( :إن هللا تعالى أنزل الشريعة على رسوله ^ ،فيها تبيان كل شىء ،يحتاج إليه الخلق في تكاليفهم التى أمروا بها ،وتعبداتهم التي طوقوها في أعناقهم ،ولم يمت رسول هللا ^ حتى كمل الدين بشهادة هللا تعالى بذلك، حيث قال تعالى* :ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅﮆ&[المائدة ,]3:فكل من زعم أنه بقي في الدين شيء لم يكمل فقد كذب بقوله* :ﭻ ﭼ ﭽ&[المائدة ،]3:ولكن المراد كلياتها فلم يبق للدين قاعدة يحتاج إليها في الضروريات والحاجيات أو التكميليات إال وقد بينت غاية البيان. نعم يبقى تنزيل الجزئيات على تلك الكليات موكوالً إلى نظر المجتهد ،فإن قاعدة االجتهاد أيضا ً ثابتة في الكتاب والسنة ،فال بد من إعمالها وال يسع تركها). وعن أبي ذر ا قال( :تركنا رسول هللا ^ وما طائر يقلب جناحيه في الهواء إال وهو يذكرنا منه علما ً ،قال :فقال ^« :ما بقي شيء يقرب من الجنة ويباعد من النار إال وقد بين لكم» رواه الطبراني في الكبير.
تهذيب كتاب السياسة الشرعية
551
احلضارة
تهذيب شرح األصول الثالثةد
إن الحضارة الحقة ..هي الحضارة التي تنشأ لتحقيق الغاية التي خلق ألجلها اإلنس والجن ،وهي عبادة هللا وحده ال شريك له ،كما قال تعالى* :ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ&[الذاريات ,]56:وقال تعالى* :ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ
ﯦ&[األنعام ,]963-962:وقال تعالى عمن ظن أن هللا تعالى خلق الخلق عبثا ً وباطالً ،ولم يخلقهم لعبادته* :ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ&[ص.]28-27: والعبادة في اإلسالم ال تعني الرهبانية ،واالنقطاع عن إعمار األرض، واالستفادة من خيراتها ,واكتشاف منافعها وكنوزها ,فإن االنقطاع عن المصالح والمنافع الدنيوية ال يتوافق مع اإلسالم ،الذي جاء لتكون كلمة هللا هي العليا ,وتقام دولة اإلسالم ،ويحكم اإلسالم في جميع شؤون الحياة ،ويجاهد في سبيل هللا ،وتعد العدة الالزمة ,ويقام العدل بين الناس ،ويتولى والة األمور سياسة الرعية ,ورعاية شؤونهم ,وتأدية حقوقهم ,واإلحسان إليهم ,وقد قال تعالى* :ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯﭰ ﭱ ﭲ ﭳ&[الملك ،]95:وقال تعالى* :ﰕ ﰕ ﰕ ﰕ ﰕ ﰕ ﰕ ﰕ ﰕ ﰕﰕ ﰕ ﰕ ﰕ ﰕ ﰕ ﰕ ﰕ&[الجاثية ,]93:وقال تعالى* :ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬﯭ ﯮ ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ
ﯶ ﯷ ﯸ ﯹ ﯺ&[األنفال.]61: فإن إعداد القوة ،وصناعة أنواع األسلحة ،واستخدام وسائل اإلعالم الحديثة، وتصنيعها إلبالغ الدعوة وإرشاد الناس ,والتصدي إلعالم األعداء المفسد ،وتوفير جميع ما تحتاجه البالد في المجال التقني والصناعي وغيرها ،مما يساهم في بناء الدولة اإلسالمية ،وتقويتها ،وقيادتها للبشرية ،كل هذا من الواجبات الشرعية ,التي ال يسع المسلمين تركها ،فإن ما ال يتم الواجب إال به فهو واجب. كما أن العلوم الدنيوية النافعة :كالطب ,والصناعة ,والزراعة وغيرها ,هي من فروض الكفاية التي يجب على الدولة اإلسالمية أن تقوم بها ,وتؤهل من الرعية من يقوم بهذا الفرض.
املنهج املختصر يف الفقه والعقيدة والدعوة
555
اإلمامة الكربى
اإلمامة واجبة على المسلمين ،وهي ضرورة لقيام دينهم ،وحكمه في األرض، وإصالح أمور دنياهم ومعاشهم ،وقد قال تعالى* :ﯘﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭﯮ ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ ﯶ ﯷ ﯸ ﯹ ﯺ ﯻ ﯼ ﯽ ﯾﯿ ﰀ ﰁ ﰂ ﰃ ﰄ ﰅ ﰆ ﰇ ﰈ ﰉ ﰊ ﰋ ﰌ ﰍﰎ ﰏ ﰐ ﰑﰒﰓ ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ
ﭯ&[النساء.]61-58: وقال أمير المؤمنين عمر ا( :إنه ال إسالم إال بجماعة ,وال جماعة إال بإمارة ,وال إمارة إال بطاعة ,فمن سوده قومه على الفقه كان حياة له ولهم ,ومن سوده قومه على غير فقه كان هالكا ً له ولهم) رواه الدارمي. وقال الماوردي /في األحكام السلطانية( :اإلمامة موضوعة لخالفة النبوة في حراسة الدين وسياسة الدنيا ,وعقدها لمن يقوم بها من األمة واجب باإلجماع). وقال شيخ اإلسالم ابن تيمية /في السياسة الشرعية( :يجب أن يعرف أن والية الناس من أعظم واجبات الدين ،بل ال قيام للدين إال بها ،فإن بني آدم ال تتم مصلحتهم إال باالجتماع لحاجة بعضهم إلى بعض ،وال بد لهم عند االجتماع من رأس ،حتى قال النبي ^« :إذا خرج ثالثة في سفر فليؤمروا أحدهم» ،رواه أبو داود من حديث أبي سعيد وأبي هريرة. وروى اإلمام أحمد في المسند عن عبد هللا بن عمرو ،أن النبي ^ قال « :ال يحل لثالثة يكونون بفالة من األرض ،إال أمروا عليهم أحدهم» ،فأوجب ^ تأمير الواحد في االجتماع القليل العارض في السفر ،تنبيها ً على سائر أنواع االجتماع ،وألن هللا تعالى أوجب األمر بالمعروف والنهي عن المنكر ،وال يتم ذلك إال بقوة وإمارة .وكذلك سائر ما أوجبه من الجهاد والعدل وإقامة الحج والجمع واألعياد ونصر المظلوم ،وإقامة الحدود ،ال تتم إال بالقوة واإلمارة).
شروط اخلليفة (اإلمامة الكربى) الشرط األول: ً ً أن يكون عالما مجتهدا يستطيع االجتهاد فيما يعرض عليه من شؤون البالد, ويسوس الدولة سياسة شرعية ,فكما أن العلماء ورثة األنبياء ,فكذلك الحكام يسيرون في سياسة الدولة بسيرة النبي ^ وهديه ,وال يمكن لمن يجهل أحكام الشريعة أن يسوس البالد والعباد سياسة شرعية ,ولهذا فالواجب أن يكون اإلمام عالما ً مجتهدا ً
551
تهذيب كتاب السياسة الشرعية
الثالثةدﮤ ﮥﮦ ﮧ ﮨ األصولﮠ ﮡ ﭨ ﭩ شرحﮝ ﮞ ﮟ تهذيبﮛ ﮜ يقود الناس على علم وبصيرة ,وقد قال تعالى* :ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮩ ﮪ ﮫ ﮪ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ&[البقرة.]247:
الشرط الثاني: أن يكون اإلمام قويا ً في الحق ال تأخذه في هللا لومة الئم ,وخبيرا ً مجربا ً ذا رأي وحكمة ,وحسن سياسة وتصرف في تجييش الجيوش ,وخوض الحروب ,وحماية البالد ,وردع أهل الفساد والظلم في األرض ,واالنتصار للمظلومين ,وأن يكون صارما ً حازما ً ،ال تأخذه رأفة في تنفيذ القصاص والحدود وسائر العقوبات ,وقد قال تعالى* :ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮪ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰﮱ&[البقرة.]247: قال اإلمام ابن كثير /في تفسيره( :ومن ههنا ينبغي أن يكون الملك ذا علم وشكل حسن وقوة شديدة في بدنه ونفسه). وقال العالمة السعدي /في تفسيره( :فأجابهم نبيهم :إن هللا اختاره عليكم؛ بما آتاه هللا من قوة العلم بالسياسة؛ وقوة الجسم ،اللذين هما آلة الشجاعة والنجدة ،وحسن التدبير ،وأن الملك ليس بكثرة المال) ,قال تعالى* :ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ&[القصص,]26: وقال تعالى* :ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ&[األحقاف ,]35:قال ابن عباس( :ذوو الحزم والصبر)، والحزم :هو ضبط األمر وتنقيحه واالحتياط فيه والحذر من الخطأ وشدة االهتمام في تحصيل المصلحة. قال ابن عطية( :الحزم جودة النظر في األمر وتنقيحه ،والحذر من الخطأ فيه), وقال رسول هللا ^« :المؤمن القوي خير وأح ب إلى هللا من المؤمن الضعيف ،وفي كل خير .احرص على ما ينفعك ،واستعن باهلل وال تعجز .وإن أصابك شيء فال تقل: لو أني فعلت كان كذا وكذا ،ولكن قل :قدر هللا وما شاء فعل ،فإن (لو) تفتح عمل الشيطان» .رواه مسلم. ومن القوة أن يكون اإلمام شجاعا ً قادرا ً على خوض الحروب ومواجهة األعداء من الكفار والمنافقين ,قال شيخ اإلسالم ابن تيمية /في الوالة في فتاويه( :فإن عليهم من الصبر والحلم ما ليس على غيرهم ،كما أن عليهم من الشجاعة والسماحة ما ليس على غيرهم ،ألن مصلحة اإلمارة ال تتم إال بذلك). الشرط الثالث: ً ً أن يكون اإلمام تقيا عدال ,وال خالف بين أهل العلم أن اإلمامة ال يجوز أن تعقد لفاسق ,وقد قال تعالى* :ﮤﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪﮫ ﮪ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰﮱ ﯓ ﯔ ﯕﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ&[البقرة,]924: وقد كان الصحابة ي يختارون أفضلهم للخالفة ،عن زهير بن معاوية عن األعمش قال :قال حذيفة( :إذا كان والي القوم خيرا ً منهم لم يزالوا في علياء ،وإذا كان واليهم شرا ً منهم أو قال :شرهم لم يزدادوا إال سفاالً) التمهيد البن عبد البر. الشرط الرابع:
املنهج املختصر يف الفقه والعقيدة والدعوة
553
أن يكون الخليفة من صميم قريش ،وقد قال ^« :إن هذا األمر في قريش ال يعاديهم أحد إال كبه هللا في النار على وجهه ما أقاموا الدين» رواه البخاري. والخامس: أن يكون اإلمام حرا ً. والسادس: ً أن يكون مسلما ,فإن هللا تعالى قطع المواالة بين المسلمين والكافرين ,فال والية لكافر على مسلم. والسابع: أن يكون ذكرا ً ،لقوله ^« :لن يفلح قوم ولوا أمرهم امرأة» رواه البخاري. والثامن: أن يكون سليم األعضاء ,ليس مصابا ً بالزمانة أو العمى أو نحوه ،لقول هللا تعالى* :ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮪ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰﮱ&[البقرة.]247: والتاسع والعاشر: أن يكون بالغا ً عاقالً.
تهذيب كتاب السياسة الشرعية
554
واجبات اإلمام
تهذيب شرح األصول الثالثةد
وهنا نذكر بعض الواجبات األساسية على اإلمام على سبيل االختصار: أولها: إقامة الدين كامالً في جميع شؤون الحياة ,والدعوة إلى دين اإلسالم في داخل البالد وخارجها ,وحفظ الدين ونصرته ,واألمر بالمعروف والنهي عن المنكر, والتصدي ألهل النفاق والبدع الذين يسعون إلى اإلفساد في األرض ،وصد الناس عن كتاب هللا وسنة رسول هللا ^ ,وقد أمر هللا تعالى بالدخول في اإلسالم كافة ،فقال تعالى* :ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ&[البقرة ,]218:والسلم هو اإلسالم ,وقال تعالى * :ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯨ ﯪ ﯫﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ ﯶﯷ ﯸ ﯹ ﯺ ﯻ ﯼ ﯽ ﯾ ﯿ ﰕﰕ ﰕ ﰕ ﰕ ﰕ ﰕ ﰕ ﰕ ﰕ&[المائدة.]51-41: الثاني: الحكم بين الناس بالعدل ,وفصل الخصومات ,وأداء الحقوق إلى أهلها ,ونصرة المظلوم ,وتنفيذ أحكام القضاء والقصاص والحدود وسائر العقوبات ,وقد قال تعالى: * ﯘﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭﯮ ﯯ ﯰ
ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ&[النساء.]58: الثالث: تحقيق األمن في البالد ,وبسط نفوذ الدولة ،وسيطرتها على جميع أطراف البالد لمنع المفسدين والمعتدين من ترويع اآلمنين ،واالعتداء عليهم ,حتى ينعم الناس بنعمة األمن في مساكنهم ،وأعمالهم ،وأسفارهم ,فإن األمن من نعم هللا على العباد ،كما قال تعالى* :ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ&[قريش.]4-3: الرابع: الجهاد في سبيل هللا ،وإعداد العدة ,وتصنيع األسلحة بأنواعها ,وتدريب الرجال البالغين القادرين على الجهاد ,وتربيتهم التربية اإليمانية الجهادية لحماية البالد من األعداء المتربصين الذين يتحينون الفرص للعدوان على بالد المسلمين ,وقد قال تعالى* :ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬﯭ ﯮ ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ ﯶ ﯷ ﯸ ﯹ
ﯺ&[األنفال .]61:والقيام بجهاد الطلب عند القدرة إلزالة الطواغيت الذين يحيلون دون إقامة شرع هللا في األرض وهداية الناس. الخامس:
املنهج املختصر يف الفقه والعقيدة والدعوة
555
تقوية اقتصاد البالد ,وتوفير سبل العمل والمعاش من زراعة وتجارة وصناعة وغيرها ,وجباية الزكاة لبيت المال ,وصرف المال العام في مصارفه الشرعية, وإعطاء الناس حقوقهم من بيت المال كاملة ,ومساعدة الفقراء والمحتاجين ,وتلبية حاجاتهم ,وتفقد أحوالهم ,والرحمة بالرعية ،والرفق بهم ,وقد قال هللا تبارك وتعالى: *ﯘﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ&[النساء.]58: وأخرج ابن جرير وغيره عن علي بن أبي طالب قال( :حق على اإلمام أن يحكم بما أنزل هللا وأن يؤدي األمانة ،فإذا فعل ذلك فحق على الناس أن يسمعوا له، وأن يطيعوا ،وأن يجيبوا إذا دعوا) ,وقال تعالى* :ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧﭨ&[آل عمران.]951: وقال اإلمام ابن جرير في تاريخه( :وكان عمر ا فيما ذكر عنه يعس بنفسه ويرتاد منازل المسلمين ويتفقد أحوالهم بيديه). السادس: تعيين األمراء والوزراء والموظفين من األمناء أهل النصح واإلتقان في العمل، الذين يؤتمنون على الدولة اإلسالمية ورعاية شؤون الناس ,وحفظ المال العام ,وقد قال هللا تعالى* :ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ&[القصص ,]26:وقال تعالى* :ﯘﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ&[النساء ,]58:ومن األمانات األعمال والوظائف التي يجب أن توسد إلى أهلها. السابع: أن يقوم اإلمام بمتابعة أعمال الدولة ،وأال يعول على غيره في إقامة شرع هللا, وسياسة الدولة ,وتصريف شؤونها ,وتفقد أحوال البالد والرعية ,بل يقوم بنفسه بمتابعة األعمال ,وتسيير شؤون البالد ,وإقامة العدل بين الناس ,ومحاسبة األمراء والوزراء على أعمالهم ,فإن الذمة ال تبرأ بتشاغله وغفلته عما أوجب هللا عليه ,وقد قال عمر ا( :لو ماتت شاة على شط الفرات ،لظننت أن هللا تعالى سائلي عنها يوم القيامة) رواه أبو نعيم في الحلية.
تهذيب كتاب السياسة الشرعية
556
حقوق اإلمام
تهذيب شرح األصول الثالثةد
أو الا :طاعته بالمعروف: من حقوق اإلمام أن يطاع بالمعروف ،كما قال تعالى* :ﯵ ﯶ ﯷ ﯸ ﯹ ﯺ ﯻ ﯼ ﯽ ﯾﯿ ﰀ ﰁ ﰂ ﰃ ﰄ ﰅ ﰆ ﰇ ﰈ ﰉ ﰊ ﰋ ﰌ ﰍﰎ ﰏ ﰐ ﰑ
ﰒ ﰓ&[النساء ,]51:وعن ابن عمر ب عن النبي ^ قال« :على المرء المسلم السمع والطاعة فيما أحب وكره ،إال أن يؤمر بمعصي ٍة فإذا أمر بمعصية فال سمع وال طاعة» متفق عليه ،وعن أنس ا قال :قال رسول هللا ^« :اسمعوا وأطيعوا ،وإن استعمل عليكم عبد حبشى ،كأن رأسه زبيبة» رواه البخاري ,وعن أبي هريرة ا قال :قال رسول هللا ^« :من أطاعني فقد أطاع هللا ،ومن عصاني فقد عصى هللا ،ومن يطع األمير فقد أطاعني ،ومن يعص األمير فقد عصاني» متفق عليه. ثانيا ا :نصرته ومعاونته على البر والتقوى: تجب معاونة اإلمام على إقامة شرع هللا في جميع شؤون الحياة ونصرته في ذلك ,وقد قال تعالى* :ﯭ ﯮ ﯯ ﯰﯱ ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ ﯶﯷ&[المائدة ,]2:وقال أبو بكر الصديق ا: (إن أحسنت فأعينوني). ثالثا ا :النصيحة لإلمام: والنصح لإلمام هو شدة العناية والحرص على القيام بحقه وطاعته بالمعروف ومعاونته ونصرته ,وتبيين الحق له ,وتقويمه إذا أساء ،وجمع الرعية حوله ,وتجنب مفارقته والخروج عليه ,وحث الناس على القيام بحقه ,ففي صحيح مسلم عن تميم بن أوس الداري ا ،أن النبي ^ قال« :الدين النصيحة» قلنا :لمن؟ قال« :هلل ،ولكتابه، ولرسوله ،وألئمة المسلمين وعامتهم». رابعا ا :احترامه وتوقيره: ومن حقوق اإلمام احترامه وتوقيره وإكرامه ,وقد قال ^« :من أهان السلطان أهانه هللا» رواه الترمذي ،وقال حديث حسن ,وقال ^« :إن من إجالل هللا تعالى إكرام ذى الشيبة المسلم ،وحامل القرآن غير الغالي فيه والجافي عنه ،وإكرام ذي السلطان المقسط» رواه أبو داود ،وعن معاذ ا قال« :عهد إلينا رسول هللا ^ في خمس من فعل منهن كان ضامنا ا على هللا :من عاد مريضا ا ،أو خرج مع جنازة ،أو خرج غازيا ا في سبيل هللا ،أو دخل على إمام يريد بذلك تعزيره وتوقيره ،أو قعد في بيته فيسلم الناس منه ويسلم» رواه أحمد وغيره. خامسا ا :تحريم خيانته وغشه والغدر به والخروج عليه:
املنهج املختصر يف الفقه والعقيدة والدعوة
557
يحرم على المسلم أن يخلع يدا ً من طاعة ,وأن يخرج على اإلمام المسلم ويغدر به ,وقد تقدم حديث« :الدين النصيحة» ,وقال ^« :من خلع يدا ا من طاعة ،لقي هللا يوم القيامة وال حجة له ،ومن مات وليس في عنقه بيعة ،مات ميتة جاهلية» رواه مسلم ,وعن ابن عباس ب أن رسول هللا ^ قال« :من كره من أميره شيئا ا فليصبر، فإنه من خرج من السلطان شبرا ا مات ميتة جاهلية» متفق عليه .فالواجب على المسلم لزوم جماعة المسلمين وإمامهم وتجنب الفرقة ،وشق الصف والخروج على اإلمام المسلم.
أثر صالح والة األمر في صالح األمة: والة األمر هم األمراء والعلماء ،وبصالح هذين الصنفين يصلح الناس, وبفسادهما يفسد الناس ,وقد جعل هللا تعالى وجوب نصرة الدين وتبليغ العلم واألمر بالمعروف والنهي عن المنكر على والة األمر آكد من غيرهم ,لما اجتمع عندهم من العلم والقدرة والسلطان ,قال تعالى* :ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮪﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ&[المائدة ,]63-62:والربانيون :هم العلماء أصحاب الواليات ,واألحبار :هم العلماء فقط. قال اإلمام ابن جرير /في جامعه( :ربانيوهم ،وهم أئمتهم المؤمنون ،وساستهم وقوادهم) .فالناس يطيعون والة األمر, العلماء بسياستهم ،وأحبارهم ،وهم علماؤهم ّ ويستجيبون لدعوتهم أكثر من غيرهم ممن لم يكن في مكانتهم وقدرهم.. نصح اإلمام واألمراء ومحاسبتهم ومحاكمتهم: بعد أن بايع المسلمون أبا بكر الصديق ا بالخالفة خطب الناس خطبة عظيمة، جمعت أصوالً من أصول السياسة الشرعية ،فقد روى ابن إسحاق ،أن المسلمين بايعوا أبا بكر ا ،ثم تكلم أبو بكر فحمد هللا وأثنى عليه بالذي هو أهله ،ثم قال( :أما بعد .أيها الناس! فإني قد وليت عليكم ولست بخيركم ،فإن أحسنت فأعينوني ،وإن أسأت فقوموني، الصدق أمانة والكذب خيانة ،والضعيف فيكم قوي عندي حتى أرجع عليه حقه إن شاء هللا ،والقوي فيكم ضعيف حتى آخذ الحق منه إن شاء هللا ،ال يدع قوم الجهاد في سبيل هللا إال خذلهم هللا بالذل ،وال تشيع الفاحشة في قوم إال عمهم هللا بالبالء ،أطيعوني ما أطعت هللا ورسوله ،فإذا عصيت هللا ورسوله فال طاعة لي عليكم ،قوموا إلى صالتكم يرحمكم هللا) .قال ابن كثير :وهذا إسناد صحيح. فقوله ا( :قد وليت عليكم ولست بخيركم) ,فهو ا أفضل األمة بعد نبيها ^ ,وإنما قال هذا لتواضعه ا ,وهذا الذي يجب أن يكون عليه اإلمام مع رعيته ،فيعاملهم بالتواضع واللين من غير ضعف ,ويتحبب إليهم ويرحمهم ,وقد قال تعالى* :ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ&[الشعراء ,]295:وقال تعالى: *ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧﭨ&[آل عمران.]951:
558
تهذيب كتاب السياسة الشرعية
معاونة اإلمام على البر والتقوى: وقوله ا( :فإن أحسنت فأعينوني) ,يدل على أن من الواجبات على الرعية في حق اإلمام معاونته على البر والتقوى ,وقد قال هللا تعالى* :ﯭ ﯮ ﯯ ﯰﯱ ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ ﯶﯷ&[المائدة.]2: نصح الوالة ومحاسبتهم وتقويمهم: وقوله ا( :وإن أسأت فقوموني) من التقويم ,يقال :قومه أي عدله ,أي :إذا أسأت فعدلوني وردوني إلى الحق ,وهذا يدل على أن األمة يجب عليها أن تقوم اإلمام والوالة ,وتردهم إلى الحق ,وتمنعهم من الظلم. قال شيخ اإلسالم ابن تيمية /في المنهاج( :فهذا من كمال عدله وتقواه ،وواجب على كل إمام أن يقتدي به في ذلك ،وواجب على الرعية أن تعامل األئمة بذلك ،فإن استقام اإلمام أعانوه على طاعة هللا تعالى ،وإن زاغ وأخطأ بينوا له الصواب ودلوه عليه ،وإن تعمد ظلما ً منعوه منه بحسب اإلمكان ،فإذا كان منقادا ً للحق كأبي بكر فال عذر لهم في ترك ذلك ،وإن كان ال يمكن دفع الظلم إال بما هو أعظم فسادا ً منه ،لم يدفعوا الشر القليل بالشر الكثير). وتقويم اإلمام واألمراء له عدة طرق ووسائل منها :النصيحة والتواصي بالحق والتواصي بالصبر ,واألمر بالمعروف والنهي عن المنكر ,وقد قال هللا تعالى* :ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ&[العصر ,]3-9:وقال تعالى* :ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ&[األحزاب .]31:وقال ^« :إن هللا يرضى لكم ثالثا ا :أن تعبدوه وال تشركوا به شيئا ا، وأن تعتصموا بحبل هللا جميعا ا وال تفرقوا ،وأن تناصحوا من واله هللا أمركم» أخرجه مسلم. العدل في الحكم ومساواة الناس أمام القضاء: وقول أبي بكر الصديق ا( :والضعيف فيكم قوي عندي حتى أرجع عليه حقه إن شاء هللا ,والقوي فيكم ضعيف حتى آخذ الحق منه إن شاء هللا) ،وهذا يدل على مساواة الجميع أمام القضاء دون تمييز وتفريق بين والة األمور وسائر الرعية ،وبين األقوياء والضعفاء ،فال يملك اإلمام أو غيره من الوالة حصانة تمنع من محاكمتهم والحكم عليهم ,بل يمثل إمام المسلمين وسائر األمراء أمام القضاء كغيرهم من الناس ,وقد قال رسول هللا ^« :أقيموا حدود هللا في القريب والبعيد ،وال تأخذكم في هللا لومة الئم» رواه ابن ماجه. ترك الجهاد في سبيل هللا سبب للذل: وقول أبي بكر الصديق ا( :ال يدع قوم الجهاد في سبيل هللا ،إال خذلهم هللا بالذل) يدل على أن ترك الجهاد سبب للذل وتسلط األعداء وزوال دولة اإلسالم ,فإن الحق ال بد له من قوة تحميه وتدافع عنه ,وقد قال هللا تعالى* :ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ تهذيب شرح األصول الثالثةد
املنهج املختصر يف الفقه والعقيدة والدعوة
559
ﯘ&[البقرة ,]259:ولهذا كان قوام الدين بالكتاب الذي يهدي ,وبالجهاد الذي ينصر ,وقد قال رسول هللا ^« :إذا تبايعتم بالعينة ،وأخذتم أذناب البقر ،ورضيتم بالزرع ،وتركتم الجهاد ،سلط هللا عليكم ذ الا ال ينزعه عنكم حتى ترجعوا إلى دينكم» أخرجه أحمد وأبو داود. فالجهاد هو طريق العزة والرفعة ,وإذا تركت األمة الجهاد طمع بها األعداء وحاربوا دينها ,وتداعوا على نهب أراضيها وخيراتها كما هو مشاهد اليوم ,فعن ثوبان قال :قال رسول هللا ^« :يوشك األمم أن تداعى عليكم ،كما تداعى األكلة إلى قصعتها» ،فقال قائل :ومن قلة نحن يومئذ؟ قال« :بل أنتم يومئذ كثير ،ولكنكم غثاء كغثاء السيل ،ولينزعن هللا من صدور عدوكم المهابة منكم ،وليقذفن هللا في قلوبكم الوهن» ،فقال قائل :يا رسول هللا وما الوهن؟ قال« :حب الدنيا وكراهية الموت». أخرجه أبو داود .وفي رواية ألحمد« :حبكم الدنيا وكراهيتكم القتال». التحذير من شيوع الفاحشة في المجتمع: وقول أبي بكر ا( :وال تشيع الفاحشة في قوم ،إال عمهم هللا بالبالء) فيدعو ا إلى إصالح الناس وطهارتهم من الفواحش ،فإنها ما شاعت في قوم إال كانت سببا ً للعقوبة والبالء العام كاإليدز وغيره ،عن عبد هللا بن عمر قال :أقبل علينا رسول هللا ^ فقال: «يا معشر المهاجرين! خمس إذا ابتليتم بهن ،وأعوذ باهلل أن تدركوهن :لم تظهر الفاحشة في قوم قط حتى يعلنوا بها ،إال فشا فيهم الطاعون واألوجاع التي لم تكن مضت في أسالفهم الذين مضوا .ولم ينقصوا المكيال والميزان ،إال أخذوا بالسنين وشدة المئونة وجور السلطان عليهم .ولم يمنعوا زكاة أموالهم ،إال منعوا القطر من السماء ،ولوال البهائم لم يمطرو .ولم ينقضوا عهد هللا وعهد رسوله ،إال سلط هللا عليهم عدوا ا من غيرهم ،فأخذوا بعض ما في أيديهم .وما لم تحكم أئمتهم بكتاب هللا ويتخيروا مما أنزل هللا ،إال جعل هللا بأسهم بينهم» رواه ابن ماجه. الخالفة والملك: الخالفة على منهاج النبوة واجبة على األمة ،وال يجوز تركها واستبدالها بالملك ,وقد قال رسول هللا ^« :اقتدوا باللذين من بعدي ،أبي بكر وعمر» رواه أحمد والترمذي واللفظ له ,ومن االقتداء بهما أن تكون اإلمامة خالفة على منهاج النبوة وليست ملكاً ,وعن العرباض بن سارية ا قال :وعظنا رسول هللا ^ موعظة بليغة، وجلت منها القلوب ،وذرفت منها العيون .فقلنا :يا رسول هللا! كأنها موعظة مودع فأوصنا ،قال« :أوصيكم بتقوى هللا ،والسمع والطاعة ،وإن تأمر عليكم عبد حبشي، وإنه من يعش منكم فسيرى اختالفا ا كثيرا ا ،فعليكم بسنتي ،وسنة الخلفاء الراشدين المهديين ،عضوا عليها بالنواجذ ،وإياكم ومحدثات األمور ،فإن كل بدعة ضاللة» رواه أبو داود والترمذي ،وقال :حديث حسن صحيح.
511
تهذيب كتاب السياسة الشرعية
الثالثةدبالتمسك األصول أمر شرح ،الذي تهذيبهللا ^ فالتمسك بسنة الخلفاء الراشدين ،هو طاعة لرسول بسنتهم ،وأكد هذا األمر بقوله« :عضوا عليها بالنواجذ» ,وطاعة رسول هللا ^ هي طاعة هلل تعالى ،كما قال تعالى* :ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖﭗ&[النساء ,]81:ومن سنة الخلفاء الراشدين ي :أن إمامتهم كانت خالفة راشدة على منهاج النبوة ,ولم تكن ملكاً, فدل هذا على أن الخالفة على منهاج النبوة واجبة بالقرآن وبسنة النبي ^ وبسنة الخلفاء الراشدين ي أجمعين. سؤال اإلمارة: لقد نهى النبي ^ عن سؤال اإلمارة ,كما في حديث عبد الرحمن بن سمرة ا قال: قال لي رسول هللا ^« :يا عبد الرحمن بن سمرة! ال تسأل اإلمارة ،فإنك إن أعطيتها عن غير مسألة أعنت عليها ،وإن أعطيتها عن مسألة وكلت إليها ،وإذا حلفت على يمين فرأيت غيرها خيرا ا منها ،فأت الذي هو خير ،وكفر عن يمينك» متفق عليه. وعن أبي هريرة ا ،أن رسول هللا ^ قال« :إنكم ستحرصون على اإلمارة، وستكون ندامة يوم القيامة» رواه البخاري.
املنهج املختصر يف الفقه والعقيدة والدعوة
515
اختيار اإلمام: يتم اختيار اإلمام عن طريقين ،أولهما :أن يختار أهل الحل والعقد لإلمامة العامة أفضل من توفرت فيه الشروط الشرعية لإلمامة ,والطريق الثاني :أن يستخلف اإلمام أفضل من توفرت فيه الشروط لإلمامة بعده ،ويشاور في هذا أهل الحل والعقد، وفي حالة النزاع في أحقية من استخلفه اإلمام بعده ،فيفصل النزاع بشرع هللا تعالى، لعموم قوله تعالى* :ﰀ ﰁ ﰂ ﰃ ﰄ ﰅ ﰆ ﰇ ﰈ ﰉ ﰊ ﰋ ﰌ ﰍﰎ ﰏ ﰐ ﰑ ﰒ ﰓ&[النساء.]51: قال القاضي أبو يعلى /في األحكام السلطانية( :واإلمامة تنعقد من وجهين: أحدهما باختيار أهل الحل والعقد ،والثاني :بعهد اإلمام من قبل ،فأما انعقادها باختيار أهل الحل والعقد فال تنعقد إال بجمهور أهل الحل والعقد) ،وقال( :وإذا اجتمع أهل الحل والعقد على االختيار تصفحوا أحوال أهل اإلمامة الموجود فيهم شروطها، فقدموا للبيعة منهم أكثرهم فضالً ,وأكملهم شروطا ً ،فإذا تعين لهم من بين الجماعة من أداهم االجتهاد إلى اختياره وعرضوها عليه ,فإن أجاب إليها بايعوه عليها ,وانعقدت له اإلمامة ببيعتهم ،ولزم كافة األمة الدخول في بيعته واالنقياد لطاعته ,وإن امتنع من اإلمامة ولم يجب إليها لم يجبر عليها ،وعدل إلى من سواه من مستحقيها فبويع عليها). عزل اإلمام: إذا طرأ على الحاكم الكفر البواح الظاهر الذي دل الكتاب والسنة على أنه من الكفر البواح ،فقد خرج عن اإلمامة ،ويجب في هذه الحالة عزل الحاكم والخروج عليه بالقوة عند وجود القدرة ،كما في حديث عبادة بن الصامت ا قال« :بايعنا رسول هللا ^ على السمع والطاعة في العسر واليسر ،والمنشط والمكره ،وعلى أثرة علينا، وعلى أن ال ننازع األمر أهله ،إال أن تروا كفرا ا بواحا ا عندكم من هللا تعالى فيه برهان ،وعلى أن نقول بالحق أينما كنا ،ال نخاف في هللا لومة الئم» متفق عليه. وقال الحافظ ابن حجر /في الفتح( :إذا وقع من السلطان الكفر الصريح فال تجوز طاعته في ذلك ،بل تجب مجاهدته لمن قدر عليها». وقال اإلمام النووي /في شرح مسلم( :قال القاضي عياض :أجمع العلماء على أن اإلمامة ال تنعقد لكافر ،وعلى أنه لو طرأ عليه الكفر انعزل ،قال :كذا لو ترك إقامة الصلوات والدعاء إليها). والكفر البواح هو البين الواضح كتحكيم غير شرع هللا في البالد ،أو التحاكم لغير شرع هللا كالقوانين أو الهيئات كهيئة األمم المتحدة ونحوها ،أو التشريع وسن القوانين ،أو مواالة الكفار ومظاهرتهم على المسلمين ،أو ترك الصالة ،أو صرف العبادة لغير هللا كدعاء األموات واالستغاثة بهم أو غيرها من نواقض اإلسالم ،التي
511
تهذيب كتاب السياسة الشرعية
والخروج وخلعه بردته الثالثةد األصول الحكم شرح إذا فعلها الحاكم فقد ارتكب كفرا ً بواحا ً مما يوجب تهذيب عليه. فإذا لم توجد القدرة على خلعه بالقوة ،فالواجب أن يبين للناس بطالن واليته على المسلمين ،وأن ال يطاع ،وال يعاون بما يدعم ويقوي حكومته المتسلطة على المسلمين ،وأن يسعى المسلمون في حالة العجز عن قتاله إلى إعداد العدة حتى تحصل القدرة على جهاده وعزله بالقوة ،وقد قال تعالى* :ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ&[التغابن ,]96:وقال تعالى* :ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ&[األنفال.]61: وقد قال شيخ اإلسالم ابن تيمية /في كتاب السياسة الشرعية( :يجب االستعداد للجهاد بإعداد القوة ورباط الخيل في وقت سقوطه للعجز ،فإن ما ال يتم الواجب إال به فهو واجب). وأما إذا طرأ على اإلمام العام الفسق فال يجوز الخروج عليه بالقوة ،التي قد يترتب عليها من المفاسد والمنكرات والفتن ما هو أعظم من المنكر الذي قصد إزالته، وقد قال ^« :من كره من أميره شيئا ا فليصبر ,فإنه من خرج من السلطان شبرا ا مات ميتة جاهلية» متفق عليه. وقال ^« :أال من ولي عليه وال ،فرآه يأتي شيئا ا من معصية هللا ،فليكره ما يأتي من معصية هللا ،وال ينزعن يدا ا من طاعة» رواه مسلم ،وترك الخروج عليه ال يعني السكوت عن فسقه وما يرتكبه من منكرات ,بل الواجب نصحه واإلنكار عليه ومحاسبته ومحاكمته ,وأال يطاع وال يعاون في معصية هللا تعالى ،وقد تقدم الكالم في هذا. وإذا أمكن عزل اإلمام الذي طرأ عليه الفسق دون وقوع فتنة وإراقة دماء ومفسدة أعظم من مفسدة إبقائه ،ففي هذه الحالة يجب أن يعزل ,ويولى على المسلمين أفضل من توفرت فيه الشروط الشرعية ,قال الحافظ ابن حجر /في فتح الباري: (ونقل ابن التين عن الداودي قال :الذي عليه العلماء في أمراء الجور ،أنه إن قدر على خلعه بغير فتنة وال ظلم وجب ،وإال فالواجب الصبر).
املنهج املختصر يف الفقه والعقيدة والدعوة الشورى
513
الشورى في اإلسالم من قواعد الحكم الواجبة التي يقصد منها إقامة العدل والتحاكم إلى الشريعة اإلسالمية في جميع مجاالت الحياة ،ومنع االستبداد والظلم والفساد في األرض ،وقد أمر هللا تعالى نبيه ^ بالشورى ،فقال تبارك وتعالى* :ﭭ ﭮ ﭯﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ&[آل عمران ,]951:واألمر يقتضي الوجوب ،واألصل أن األمر الموجه إلى النبي ^ يشمل األمة إال إذا دل الدليل على أن الحكم خاص به ^, وليس هناك دليل يقتضي التخصيص ،فيكون األمر بالشورى من الواجبات المناطة باألمة ،التي ال يجوز للحاكم تعطيلها وإلغاؤها. قال ابن عطية /في المحرر الوجيز( :والشورى من قواعد الشريعة وعزائم األحكام؛ من ال يستشير أهل العلم والدين فعزله واجب .هذا ما ال خالف فيه). صفات أهل الشورى: وأهل الشورى هم الذين اتصفوا بصفات معينة ،جعلتهم أهالً للمشاورة والنظر فيما يحقق المصالح الشرعية في أمور الدولة اإلسالمية والرعية: وأول صفات أهل الشورى :العلم:فإن القرارات التي تصدر من أهل الشورى ال تخرج عن نصوص الشرع وأصوله العامة وتحقيق مقاصده ،وهذا يقتضي أن يكون أعضاء الشورى من أهل العلم الشرعي حتى تساس أمور الدولة ،وتنفذ أعمالها بما يوافق شرع هللا ،ويحقق مقاصده ,وقد قال هللا تعالى* :ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ&[النحل ,]43:وعن محمد بن الحنفية عن علي ا قال( :قلت :يا رسول هللا! إن نزل بنا أمر ليس فيه بيان أمر وال نهي ،فما تأمرنا؟ قال« :تشاورون الفقهاء والعابدين ،وال تمضوا فيه رأي خاصة») رواه الطبراني في األوسط ،وقال عنه الهيثمي في المجمع :ورجاله موثوقون من أهل الصحيح. الثانية :التقوى واألمانة:فمن صفات أهل الشورى التقوى واألمانة والجهاد في سبيل هللا ،وأن يكونوا من أهل الخبرة والتجربة ,الذين يبذلون النصيحة هلل تعالى ،ويقولون الحق ال يخافون في هللا لومة الئم ،وال يتحزبون ألحد من الناس أو لعصبية جاهلية ،وال يبتغون على ما يقولون عرضا ً من الدنيا ،وال يتبعون أهواءهم ويقدمونها على شرع هللا تعالى ,وقد قال ^« :المستشار مؤتمن» رواه أبو داود وغيره ,فالمستشار مؤتمن في االستشارة، فال يحابي أحدا ً ،أو يتبع أهواء الناس ،بل يؤدي النصيحة والمشورة التي توافق شرع هللا تعالى. -الصفة الثالثة :الذكورة:
514
تهذيب كتاب السياسة الشرعية
أهل الحل شرحليست فالمرأة األصولمنالثالثةد الواليات العامة مختصة بالرجال دون النساء ،تهذيب والعقد ،وليس لها البروز في محافل الرجال واالختالط بهم ،وقد جاءت الشريعة بحفظ المرأة وصيانتها من الفاحشة وما يقرب إليه :كالنظر إلى األجنبية ،واالختالط، والخلوة بغير محرم ،وسفر المرأة وحدها ،وخروجها متبرجة. وهللا تعالى لم يسو المرأة بالرجل في الخلق والتكوين والقدرة ،ولهذا جعل هللا تعالى للرجل من األعمال ما يناسب خلقه وتكوينه وقدرته ،كالجهاد والواليات العامة, وجعل للمرأة من األعمال والمسؤوليات ما يناسب خلقها ،وتكوينها النفسي ،كرعاية بيتها ،وتربية أبنائها ،وطاعة زوجها ،وبهذا تستقيم الحياة ويحصل التوازن بين بناء الدولة وإصالحها ،وبين بناء األسرة الصالحة وتربيتها ,وقد قال هللا تبارك وتعالى* :ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞﭟ&[النساء.]34: تطبيق الشورى: إذا تبين لإلمام من أدلة الكتاب أو السنة أو اإلجماع أو القياس الجلي حكم حادثة بعينها ،فال مجال للشورى في هذه الحالة ,وقد قال سفيان بن عيينة /في قوله* :ﭭ ﭮ ﭯﭰ&[آل عمران ]951:قال( :هي للمؤمنين أن يتشاوروا فيما لم يأتهم عن النبي ^ فيه أثر) أخرجه اإلمام ابن جرير الطبري ,فال تجوز الشورى على مخالفة حكم هللا تعالى :وقد قال هللا تبارك وتعالى* :ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠﭡ&[األحزاب ,]36:وقال تعالى: *ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖﮗ ﮘ ﮙﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ&[الحجرات.]9: مجاالت الشورى: تشرع الشورى في القضاء وفي الفتوى في جميع شؤون الحياة ،للتوصل إلى الحكم الشرعي إذا لم يتبين لإلمام الحكم من الكتاب أو السنة أو اإلجماع أو القياس الجلي المستوفي للشروط ,وكذلك يتشاور اإلمام مع أهل الشورى في أمور الحرب والسلم والهدنة ،وفي األموال العامة وصرفها ،وفي تولية األمراء والقضاة وغيرهم، وفي النوازل الطارئة ،وفي تنظيم الدولة وإدارتها ،وتشرع الشورى في مراقبة أعمال اإلمام والوالة والقضاة وغيرهم ومحاسبتهم ,وكذلك في تعيين اإلمام العام. قال العالمة السعدي /في تفسيره ،في قوله تعالى* :ﮞ ﮟ ﮠ&[الشورى:]38: (وأمرهم الديني والدنيوي *ﮟ ﮠ& أي :ال يستبد أحد منهم برأيه في أمر من األمور المشتركة بينهم ،وهذا ال يكون إال فرعا ً عن اجتماعهم وتوالفهم وتواددهم وتحاببهم، فمن كمال عقولهم أنهم إذا أرادوا أمرا ً من األمور التي تحتاج إلى إعمال الفكر والرأي فيها ،اجتمعوا لها وتشاوروا وبحثوا فيها ،حتى إذا تبينت لهم المصلحة انتهزوها وبادروها ،وذلك كالرأي في الغزو والجهاد وتولية الموظفين إلمارة أو قضاء أو غيرهما ،وكالبحث في المسائل الدينية عموما ً ،فإنها من األمور المشتركة، والبحث فيها لبيان الصواب مما يحبه هللا ،وهو داخل في هذه اآلية).
املنهج املختصر يف الفقه والعقيدة والدعوة حكم األمر باملعروف والنهي عن املنكر
515
األمر بالمعروف والنهي عن المنكر فرض كفاية ،إذا قام به البعض سقط اإلثم عن الباقين ,وإذا لم يقوموا به جميعا ً أثم الجميع ,وفي المنكر المعين يأثم من علم به ولم ينكره مع قدرته على إنكاره ،وقد قال هللا تعالى* :ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠﮡ ﭨ ﭩ ﮤ ﮥ&[آل عمران ,]914:وقال ^« :من رأى منكم منكرا ا فليغيره بيده ،فإن لم يستطع فبلسانه ،فإن لم يستطع فبقلبه ،وذلك أضعف اإليمان» رواه مسلم ,فمن رأى منكرا ً فيغيره باليد عند االستطاعة ,وإذا لم يستطع فبلسانه ,فإن لم يستطع فبقلبه ,واإلنكار بالقلب ال يسقط بحال. قلت :واالستطاعة هنا أعم من كونها القدرة الحسية على تغيير المنكر ،فيدخل فيها تقدير المصلحة والمفسدة الناتجة عن التغيير ،فلو كان تغيير المنكر باليد سيؤدي منكر أعظم ،أو تترتب عليه مفسدة متحققة أعظم منهّ ، فإن المسلم في هذه الحالة إلى ٍ تحت حكم ( من لم يستطع ). وإذا كان إنكار المنكر يتطلب القدرة ,فال شك أن السلطان أقدر من سائر الرعية ،فيجب عليه وعلى جميع األمراء والوزراء من األمر بالمعروف والنهي عن المنكر أكثر من غيرهم ،كما يجب على الحكومة اإلسالمية تأسيس والية الحسبة، وتعين المحتسبين الذين يقومون بأمر الناس بالمعروف ونهيهم عن المنكر. قلتُ :ال نقول :بوجوب إنشاء جهاز حسبة ،ولكن ال بد من وجود من يقوم بهذه الشعيرة ،ولو لم يكن جهازا ً رسميا ً.
516
تهذيب كتاب السياسة الشرعية المنكر تهذيب:شرح األصول الثالثةد
صفات وأخالق اْلمر بالمعروف والناهي عن ال بد لآلمر بالمعروف والناهي عن المنكر سواء كان من رجال الحسبة أو غيرهم أن يتحلى بالصبر ,وأن يتحمل األذى الذي يصيبه إذا أمر الناس بالمعروف, ونهاهم عن المنكر ,وقد أخبر هللا تعالى عن لقمان أنه قال البنه* :ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯨ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯﯰ ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ ﯶ&[لقمان ,]97:وينبغي أن يكون حليما ً ال يغضب لنفسه وينتقم لها, بل يكون غضبه وانتقامه هلل تبارك وتعالى. فعن عائشة ل قالت( :ما خيّر رسول هللا ^ بين أمرين قط إال أخذ أيسرهما ،ما لم يكن إثما ً ،فإن كان إثما ً كان أبعد الناس منه .وما انتقم رسول هللا ^ لنفسه في شيء قط ،إال أن تنتهك حرمة هللا ،فينتقم هلل تعالى) متفق عليه. كما ال بد أن يتصف بالرفق في أمره بالمعروف ونهيه عن المنكر ,وقد قال رسول هللا ^ قال« :إن هللا رفيق يحب الرفق ،ويعطي على الرفق ماال يعطي على العنف ،وما ال يعطي على ما سواه» رواه مسلم. كما يجب أن يكون على علم وبينة فيما يأمر به الناس من المعروف ,وينهاهم عنه من المنكر ،فال يتكلم بما ال يعلم أو بمجرد الظن. كما يجب على الوالة وغيرهم أن يأمروا الناس بالمعروف ويفعلوه ,وينهاهم عن المنكر وال يقعوا فيه ,وال يكونوا من الذين يأمرون الناس بالتقوى وينسون أنفسهم ,وقد قال تعالى* :ﭩﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫﮪ ﮭ ﮮ ﮯ&[البقرة ,]44:وقال تبارك وتعالى* :ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﭨ ﭩ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮪ ﮭ&[الصف.]3-2: تقديم األهم في األمر بالمعروف والنهي عن المنكر: والواجب البدء باألهم فاألهم في األمر بالمعروف والنهي عن المنكر ،فأوالً يبدأ بتعليم الناس اإليمان وتوحيد هللا تعالى ,وتطهير النفوس والبالد من الشرك كدعاء األموات ,واالستغاثة بهم ,أو الذبح لهم ,أو تحاكم إلى قوانين وضعية ،أو عادات جاهلية ،أو غيرها من أنواع الشرك ،فإن التوحيد هو أصل دعوة األنبياء عليهم الصالة والسالم ،كما قال تعالى* :ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾﭿ&[النحل ,]36:وعن معاذ ا قال :بعثني رسول هللا ^ فقال« :إنك تأتي قوما ا من أهل الكتاب ،فادعهم إلى شهادة أن ال إله إال هللا ،وأني رسول هللا ،فإن هم أطاعوا لذلك ،فأعلمهم أن هللا قد افترض عليهم خمس صلوات في كل يوم وليلة ،فإن هم أطاعوا لذلك ،فأعلمهم أن هللا قد افترض عليهم صدقةا تؤخذ من أغنيائهم فترد على فقرائهم ،فإن هم أطاعوا لذلك ،فإياك وكرائم أموالهم .واتق دعوة المظلوم ،فإنه ليس بينها وبين هللا حجاب» متفق عليه.
املنهج املختصر يف الفقه والعقيدة والدعوة
517
وال يعني دعوة الناس إلى التوحيد ترك إنكار المنكرات التي ال تصل إلى الشرك األكبر ,بل المقصود أن تكون الدعوة إلى التوحيد هي األساس والقاعدة ،التي يتفرع منها إنكار بقية المنكرات ،وهذا بين في سيرة األنبياء عليهم الصالة والسالم، الذين كانوا يدعون إلى التوحيد ،وينكرون الشرك ،وينهون أيضا ً عن المعاصي المتفشية بين الناس.
تهذيب كتاب السياسة الشرعية
518
اجلهاد واإلعداد
تهذيب شرح األصول الثالثةد
الجهاد في سبيل هللا: لقد دل على جهاد الطلب وابتداء الكفار بالقتال الكتاب والسنة واإلجماع ,فأما الكتاب ,فقال هللا تعالى* :ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ&[األنفال,]31: وقال تعالى* :ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌﮍﮎﮏﮐﮑﮒﮓﮔﮕﮖﮗﮘﮙ
ﮚ&[التوبة ,]21:وغيرها من اآليات ,وقال ^« :أمرت أن أقاتل الناس حتى يشهدوا أن ال إله إال هللا وأن محمدا ا رسول هللا ,ويقيموا الصالة ,ويؤتوا الزكاة ,فإذا فعلوا ذلك، عصموا مني دماءهم وأموالهم إال بحق اإلسالم ،وحسابهم على هللا تعالى» رواه البخاري ومسلم. وأما حكم جهاد الطلب فهو فرض كفاية يفعل بحسب القدرة واإلمكان ,وقد قال هللا تعالى* :ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ&[التغابن ,]96:ومن فرض الكفاية تحصين الثغور وحمايتها ,بمن تحصل بهم الكفاية من الجنود. وأما الح االت التي يتعين فيها الجهاد فهي ثالث حاالت: أولها :إذا استنفر اإلمام فردا ً أو جماعة ,فيجب على من استنفره أن ينفر للجهاد لقول هللا تعالى* :ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ
ﮣ ﮤ&[التوبة.]31-38: وقال ^ « :ال هجرة بعد الفتح ولكن جهاد ونية ،وإذا استنفرتم فانفروا» رواه البخاري ومسلم. والثانية :إذا حضر المسلم في الصف للقتال ,وقد قال هللا تعالى* :ﯙ ﯚ ﯛﯜﯝﯞﯟﯠﯡﯢﯣﯤ ﯥﯦﯧﯨﯩﯪﯫﯬ
ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ ﯶﯷ ﯸ ﯹ ﯺ&[األنفال.]96-95: والثالثة :أن يعتدي الكفار على بلد من بالد المسلمين ,ففي هذه الحالة يتعين الجهاد باإلجماع ,وهو من أعظم الواجبات وآكدها وهو جهاد الدفع ,فيجب الجهاد
املنهج املختصر يف الفقه والعقيدة والدعوة
519
على أهل البلد التي اعتدى عليها الكفار أو المرتدون ,ويتوسع الوجوب على األقرب فاألقرب ,حتى تحصل الكفاية ويدفع العدو ,فإن بالد المسلمين بمنزلة األرض الواحدة ,فال عبرة في زمانا هذا بالحدود المصطنعة في بالد المسلمين التي اختطها الصليبيون المستعمرون وعمالؤهم لتمزيق األمة وإضعافها. وقد قال شيخ اإلسالم ابن تيمية في االختيارات الفقهية( :وأما قتال الدفع فهو أشد أنواع دفع الصائل عن الحرمة والدين فواجب إجماعا ً ،فالعدو الصائل الذي يفسد الدين والدنيا ال شيء أوجب بعد اإليمان من دفعه ،فال يشترط له شرط بل يدفع بحسب اإلمكان) وقال( :وإذا دخل العدو بالد اإلسالم فال ريب أنه يجب دفعه على األقرب فاألقرب ،إذ بالد اإلسالم كلها بمنزلة البلدة الواحدة ،وأنه يجب النفير إليه بال إذن والد وال غريم). اإلعداد: لقد أمر هللا تعالى باإلعداد للجهاد ,واألخذ بجميع أساليب وأسباب القوة التي تخيف األعداء وترهبهم وتردعهم ,كما قال تعالى* :ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬﯭ ﯮ ﯯ ﯰ
ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ ﯶ ﯷ ﯸ ﯹ ﯺ&[األنفال ,]61:وقد جعل هللا تعالى علة الحكم إرهاب أعداء هللا وأعداء المسلمين ,فالعلة هي اإلرهاب ,والحكم وجوب إعداد القوة, والحكم يدور مع علته وجودا ً وعدماً ,أي :أن كل ما يحصل به إرهاب األعداء من أسباب القوة ,فاألمة مأمورة بتحصيله ,وهذا يختلف باختالف الزمان ,فكل زمان له ما يناسبه من األسلحة ,وأسباب القوة التي ترهب األعداء. األخالق واْلداب في الجهاد: وفي هذا الفصل تذكر بعض األخالق واآلداب في الجهاد على سبيل االختصار. وأولها :اإلحسان إلى الكفار الذين لم يقاتلوا المسلمين في دينهم ولم يخرجوهم من ديارهم: لقد نهى هللا تعالى المسلم عن موالة الكفار ومودتهم ،فقال تعالى* :ﭑﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙﭚ ﭛ ﭜ ﭝﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ&[المائدة ،]59:فقوله تعالى* :ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣﭤ&[المائدة ]59:أي :كافر مثلهم :كالذين يعاونون الصليبين ويظاهرونهم على المسلمين في العراق أو أفغانستان أو غيرها ،وقال تعالى* :ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﭨ ﭩ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮪ&[المائدة ، ]89-81:فدلت اآليتان على انتفاء اإليمان عن الذين يوالون الكفار كاألمريكان وغيرهم ،فانتفاء الشرط يدل على انتفاء المشروط ،وهو اإليمان.
531
تهذيب كتاب السياسة الشرعية
الثالثةدﭣ ﭤ ﭥﭦ األصولﭠ ﭡ ﭢ شرح ﭝ ﭞ ﭟ ﭚﭛﭜ وقال تعالى في تحريم مودتهم* :ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ تهذيب ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽﭾ ﭿ ﮀ ﮁﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ&[المجادلة، ]22:
وأجاز هللا تعالى للمسلم أن يحسن إلى الكفار من أقاربه أو غيرهم ويصلهم إذا لم يقاتلوا المسلمين في دينهم ولم يخرجوهم من ديارهم ،فقال تعالى* :ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ&[الممتحنة.]8: قال ابن جرير في جامع البيان( :وأولى األقوال في ذلك بالصواب ،قول من قال عني بذلك :ال ينهاكم هللا عن الذين لم يقاتلوكم في الدين من جميع أصناف الملل واألديان ،أن تبروهم وتصلوهم وتقسطوا إليهم؛ ألن هللا Qعم بقوله الذين لم يقاتلوكم في الدين ،ولم يخرجوكم من دياركم ،جميع من كان ذلك صفته ،فلم يخصص به بعضا ً دون بعض ،وال معنى لقول من قال ذلك منسوخ ،ألن بر المؤمن من أهل الحرب ممن بينه وبينه قرابة نسب أو ممن ال قرابة بينه وبينه وال نسب غير محرم، وال منهي عنه إذا لم يكن في ذلك داللة له أو ألهل الحرب على عورة ألهل اإلسالم، أو تقوية لهم بكراع أو سالح). وعن هشام بن عروة عن أبيه عن أسماء قالت :قدمت علي أمي وهي مشركةٌ في عهد رسول هللا ^ ،فاستفتيت رسول هللا ^ قلت :قدمت علي أمي وهي راغبةٌ، أفأصل أمي؟ قال« :نعم صلي أمك» متفق عليه. وقال ابن القيم /في أحكام أهل الذمة( :فإن هللا سبحانه لما نهى في أول السورة عن اتخاذ المسلمين الكفار أولياء ،وقطع المودة بينهم وبينهم ،توهم بعضهم أن برهم واإلحسان إليهم من المواالة والمودة ،فبين هللا سبحانه أن ذلك ليس من المواالة المنهي عنها ،وأنه لم ينه عن ذلك ،بل هو من اإلحسان الذي يحبه ويرضاه ،وكتبه على كل شيء ،وإنما المنهي عنه تولي الكفار واإللقاء إليهم بالمودة). وقال تعالى في بر المسلم ألبويه الكافرين* :ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟﮠ ﮡ ﭨ ﭩ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ&[لقمان ،]95:وعن أبي هريرة ا ،أن رسول هللا ^ قال« :بينما رجل يمشي بطريق اشتد عليه العطش ،فوجد بئرا ا فنزل فيها فشرب ،ثم خرج فإذا كلب يلهث يأكل الثرى من العطش ،فقال الرجل :لقد بلغ هذا الكلب من العطش مثل الذي كان قد بلغ مني ،فنزل البئر فمأل خفه ما اء ثم أمسكه بفيه ،حتى رقي فسقى الكلب ،فشكر هللا له فغفر له» .قالوا :يا رسول هللا إن لنا في البهائم أجرا ً؟! فقال« :في كل كبد رطبة أجر» متفق عليه .والكبد الرطبة أي الحية كالحيوان ،ويدخل في عموم الحديث الكافر الذمي والمعاهد واألسير ،كما قال تعالى: *ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ&[اإلنسان.]8: الثاني :حكم قتل نساء الكفار المحاربين وأطفالهم وشيوخهم:
املنهج املختصر يف الفقه والعقيدة والدعوة
535
ال يجوز في اإلسالم قتل نساء الكفار المحاربين أو أطفالهم أو شيوخهم قصدا ً، وكذا ال يجوز قتل الزمن أو األعمى أو المعتوه أو الراهب الذي يعتزل أهل دينه في صومعته ،وال يعينهم على المسلمين ،ولذا فال يعرف بفضل هللا تعالى في تاريخ المسلمين المجاهدين ،وفي الفتوحات اإلسالمية أن ارتكبت إبادات جماعية في حق نساء الكفار المحاربين وأطفالهم وشيوخهم ،وأما الصليبيون واليهود فتاريخهم مليء بالجرائم واإلبادات الجماعية إلى وقتنا هذا ،كما في أفغانستان والبوسنة وكوسوفا وفلسطين والشيشان والعراق وغيرها ،وقد قال تعالى* :ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ ﯶﯷ ﯸ ﯹ ﯺ ﯻ ﯼ ﯽ&[البقرة.]911: وأخرج وكيع وابن أبي شيبة عن يحيى بن يحيى الغساني قال( :كتبت إلى عمر بن عبد العزيز أسأله عن هذه اآلية* :ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ ﯶﯷ ﯸ ﯹ ﯺ ﯻ ﯼ ﯽ&[البقرة ]911:فكتب إلي أن ذلك في النساء والذرية من لم ينصب لك الحرب منهم). وقال اإلمام ابن كثير /في تفسيره( :وقوله *ﯵ ﯶﯷ ﯸ ﯹ ﯺ ﯻ ﯼ ﯽ&[البقرة ]911:أي :قاتلوا في سبيل هللا وال تعتدوا في ذلك ،ويدخل في ذلك ارتكاب المناهي ،كما قاله الحسن البصري من المثلة والغلول وقتل النساء والصبيان والشيوخ الذين ال رأي لهم وال قتال فيهم ،والرهبان وأصحاب الصوامع وتحريق األشجار وقتل الحيوان لغير مصلحة ،كما قال ذلك ابن عباس وعمر بن عبد العزيز ومقاتل بن حيان وغيرهم). أميرا على جيش أو سرية ،أوصاه وعن بريدة ا قال( :كان رسول هللا ^ إذا أمر ً خيرا ،ثم قال« :اغزوا باسم هللا في في خاصته بتقوى هللا ،وبمن معه من المسلمين ً سبيل هللا ،قاتلوا من كفر باهلل ،اغزوا ،وال تغلوا ،وال تغدروا ،وال تمثلوا ،وال تقتلوا وليداا» أخرجه مسلم. وفيه النهي عن الغلول ،وحرمة الغدر ونقض العهد ،وتحريم التمثيل بالقتيل بتشويهه كقطع أطرافه أو جدع أنفه أو أذنه ،وهو ما يفعله الصليبيون األمريكان والروس وغيرهم ،والوليد المنهي عن قتله هو الصبي الذي لم يبلغ ،وعن ابن عباس ب قال :كان رسول هللا ^ إذا بعث جيوشه قال« :اخرجوا باسم هللا تقاتلون في سبيل هللا من كفر باهلل ،ال تغدروا ،وال تغلوا ،وال تمثلوا ،وال تقتلوا الولدان ،وال أصحاب الصوامع» رواه أحمد. وأما إذا قاتلت المرأة من أهل الحرب أو قاتل الصبي أو الشيخ الهرم فيقتلون في هذه الحالة ،وكذا إذا حرضوا الكفار المحاربين على القتال أو شاركوا بالرأي،
531
تهذيب كتاب السياسة الشرعية
الثالثةدحصنهم األصولعلى الكفار أو صفشرح وقال ابن قدامة /في المغني( :ولو وقفت امرأة في تهذيب فشتمت المسلمين أو تكشفت لهم ،جاز رميها قصدا ً ...وكذلك يجوز رميها إذا كانت تلتقط لهم السهام أو تسقيهم الماء أو تحرضهم على القتال ،ألنها في حكم المقاتل، وهكذا الحكم في الصبي والشيخ ،وسائر من منع من قتله منهم). وإذا لم يتمكن المجاهدون من قتل الكفار المحاربين إال بقتل نسائهم وأطفالهم وشيوخهم ،كما لو كانوا مختلطين بهم ،وال يمكن التمييز بينهم ،كما في البيات ،أو قصف مواقعهم وحصونهم ،أو لتترسهم بهم ،وكذا العمليات اإلستشهادية التي تستهدف المحاربين منهم ،وقد يصاب فيها من يخالطهم من نسائهم أو أطفالهم أو شيوخهم ،ففي كل هذه الحاالت يجوز قتل نساء المحاربين وأطفالهم وشيوخهم تبعا ً ال قصدا ً ،ويقصد في مثل هذه الحاالت قتل المقاتلين دون غيرهم ،فعن الصعب بن جثامة ا قال :سئل رسول هللا ^ عن أهل الدار من المشركين يبيتون ،فيصيبون من نسائهم وذراريهم ،فقال« :هم منهم» متفق عليه ،والبيات :هو الغارة ليالً ،فال يمكن التمييز بين الكفار المقاتلين وبين نسائهم وذراريهم. الثالث :الوفاء بالعهود: لقد جاءت الشريعة اإلسالمية بوجوب الوفاء بالعهود والعقود ،وحرمة الغدر، فقال تعالى* :ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎﮏ&[المائدة ،]9:وقال تعالى* :ﯚ ﯛﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ&[اإلسراء ،]34:وقال تعالى* :ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ&[المؤمنون ،]8:وعن حذيفة بن اليمان ا قال( :ما منعني أن أشهد بدرا ً إال أني خرجت أنا وأبي ،حسيل .قال :فأخذنا كفار قريش .قالوا :إنكم تريدون محمدا ً ،فقلنا :ما نريده .ما نريد إال المدينة .فأخذوا منا عهد هللا وميثاقه لننصرفن إلى المدينة وال نقاتل معه .فأتينا رسول هللا ^ فأخبرناه الخبر .فقال« :انصرفا .نفي بعهدهم ،ونستعين هللا عليهم» رواه مسلم. والكفار إما أهل حرب ،وإما أهل عهد ،وأهل العهد ينقسمون إلى ثالثة أقسام، أهل هدنة ،وأهل أمان ،وأهل ذمة. فأما أهل الهدنة :فهم الذين يقيمون في دارهم وصالحوا الدولة اإلسالمية على وقف الحرب إلى أجل ،وهذه المصالحة أو المعاهدة ليست مؤبدة ،وال يقدم عليها اإلمام إال إذا اقتضت المصلحة الشرعية ذلك ،كما لو كان بالمسلمين ضعف ،وأما في حال القوة فال يجوز لإلمام أن يقدم على المصالحة ،وقد قال تعالى* :ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﭨ ﭩ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ&[محمد.]35: قال اإلمام ابن كثير /في تفسيره( :أي :ال تضعفوا عن األعداء *ﮝ ﮞ ﮟ&[محمد ]35:أي :المهادنة والمسالمة ووضع القتال بينكم وبين الكفار في حال قوتكم وكثرة عددكم وعددكم ...،ولهذا قال* :ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ&[محمد ]35:أي :في حال علوكم على عدوكم ...فأما إذا كان الكفار فيهم قوة وكثرة بالنسبة إلى جميع المسلمين ،ورأى اإلمام في المهادنة والمعاهدة مصلحة فله أن يفعل ذلك ،كما فعل رسول هللا ^ حين
املنهج املختصر يف الفقه والعقيدة والدعوة
533
صده كفار قريش عن مكة ودعوه إلى الصلح ،ووضع الحرب بينهم وبينه عشر سنين ،فأجابهم ^ إلى ذلك). وأما أهل األمان فهم الذين يعطون األمان ،ليدخلوا دولة اإلسالم دون أن يستوطنوا فيها :كالرسل ،والتجار ،ومن له غرض من زيارة قريب أو نحوها ،ومن يعرض عليه اإلسالم والقرآن كما قال تعالى* :ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ ﯱ ﯲﯳ ﯴ ﯵ ﯶ ﯷ ﯸ ﯹ&[التوبة.]6: وأما أهل الذمة فهم المقيمون في دولة اإلسالم ،وتجري عليهم أحكام اإلسالم، وتؤخذ منهم الجزية ،كما قال تعالى* :ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆﮇﮈﮉﮊﮋﮌﮍﮎﮏﮐﮑﮒﮓﮔﮕﮖ
ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ&[التوبة ،]21:والجزية تؤخذ من الرجال األحرار البالغين ،كما في حديث معاذ بن جبل ا قال :بعثني النبي ^ إلى اليمن فأمرني« :أن آخذ من كل حالم دينارا ا أو عدله معافريا ا» رواه أبو داود وغيره. ويجوز برهم واإلحسان إليهم من غير مواالتهم ومودتهم ،وتجب حمايتهم، ومنع التعدي عليهم في أنفسهم أو أعراضهم أو أموالهم أو تعذيبهم ،وقد قال تعالى: *ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ&[الممتحنة.]8: الرابع :العدل مع األعداء: إن المسلم يجاهد في سبيل هللا ،ويبتغي بذلك إقامة حكم هللا في األرض ،وهو في سعيه وجهاده لتحقيق هذه الغاية التي خلق هللا الخلق ألجلها يتمسك بشريعة هللا العادلة ،وال يخرج عن العدل واإلنصاف مع الصديق أو العدو ،فإن الظلم ال يحل مطلقا ً ،حتى ولو اعتدى عليه الظالمون المعتدون من الصليبيين أو اليهود أو غيرهم، وقد قال هللا تعالى* :ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯨ ﯪ ﯫﯬ&[المائدة ،]2:أي :ال يحملنكم بغض الكفار ألجل ظلمهم وعدوانهم عليكم إذ صدوكم عن المسجد الحرام أن تعتدوا عليهم وتطلبوا االنتقام منهم عدوانا ً وظلما ً ،بل الزموا اإلنصاف مع أعدائكم ،وعاملوهم بالعدل الذي شرعه هللا لكم.
534
تهذيب كتاب السياسة الشرعية
قتال الطائفة الممتنعة: إذا امتنعت طائفة تنتسب إلى اإلسالم عن شعيرة من شعائر اإلسالم الظاهرة: كالصالة أو الزكاة أو صيام رمضان أو الحج أو الجهاد في سبيل هللا أو غيرها من الشعائر ،فإنها تقاتل حتى يكون الدين كله هلل ،وقد قال تعالى* :ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ تهذيب شرح األصول الثالثةد
ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝﯞ&[األنفال ،]31:وقد قاتل الصحابة ي من امتنعوا عن أداء الزكاة ،كما في حديث أبي هريرة ا قال( :لما توفي رسول هللا ^ واستخلف أبو بكر بعده ،وكفر من كفر من العرب ،قال عمر بن الخطاب ألبي بكر :كيف تقاتل الناس، وقد قال رسول هللا ^« :أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا :ال إله إال هللا .فمن قال :ال إله إال هللا ،فقد عصم منى ماله ونفسه إال بحقه .وحسابه على هللا» .فقال أبو بكر: وهللا ألقاتلن من فرق بين الصالة والزكاة ،فإن الزكاة حق المال .وهللا لو منعوني عقاالً كانوا يؤدونه إلى رسول هللا ^ لقاتلتهم على منعه .فقال عمر بن الخطاب :فوهللا ما هو إال أن رأيت هللا Qقد شرح صدر أبي بكر للقتال .فعرفت أنه الحق) رواه البخاري ومسلم. وأمر النبي ^ بقتال الخوارج ،ففي الصحيحين عن سويد بن غفلة قال :قال علي أخر من السماء أحبّ إلي من أن أقول عليه ما ا( :إذا حدثتكم عن رسول هللا ^ ،فألن ّ لم يقل .وإذا حدثتكم فيما بيني وبينكم فإن الحرب خدعة .سمعت رسول هللا ^ يقول: «سيخرج في آخر الزمان قوم أحداث األسنان ،سفهاء األحالم ،يقولون من خير قول البرية .يقرؤون القرآن ال يجاوز حناجرهم .يمرقون من الدين كما يمرق السهم من الرمية .فإذا لقيتموهم فاقتلوهم .فإن في قتلهم أجرا ا لمن قتلهم عند هللا يوم القيامة».
املنهج املختصر يف الفقه والعقيدة والدعوة
535
تأسيس الدولة اجلديدة
إن بناء الدولة اإلسالمية وتثبيت أركانها ليحكم اإلسالم في جميع شؤونها، يتطلب جهودا ً كبيرة ,وأعماالً منظمة لكي تبسط الحكومة قوتها على جميع البالد، وتحكم السيطرة الكاملة عليها ،وتحول دون أي نوع من االنفالت والفوضى التي اعتادها البعض في أثناء الحرب. وفي هذا الباب بعض المعالم المهمة التي تجب العناية بها في هذه المرحلة التأسيسية للدولة. وأولها :الصبر على االبتالء: من سنن هللا تعالى ابتالء أهل اإليمان حتى يميز الصادقين من الكاذبين،كما قال تعالى* :ﭩ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮪ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ&[العنكبوت ، ]3-2:فالبد أن تبتلى الحكومة اإلسالمية الجديدة في بداية نشأتها وفي مسيرتها كلها بأعداء يتربصون بها ويسعون إلزالتها بشتى الوسائل ،وهذا يحتم على والة األمر أن يكونوا على حذر دائم ،وأن يعدوا العدة الالزمة لمواجهة األعداء والتصدي لمخططاتهم ومكائدهم ،وقد قال تعالى* :ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﭨﭩ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮪ ﮭ&[المائدة ،]44:واآلية تحذر من نوعين من األساليب التي يستخدمها األعداء للصد عن إقامة حكم هللا في األرض: وأولها :التهديد والتخويف ،ولهذا نهى هللا تعالى عن خشيتهم ،فقال تعالى* :ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ&[المائدة.]44: والثاني :الترغيب بشيء من الدنيا حتى يتراجع والة األمر عن إقامة حكم هللا في األرض ،وقد يسمون هذا الشيء من متاع الدنيا بالمساعدات االقتصادية ،أو أن يهددوا بالحصار االقتصادي أو غيره ،وقد حذر هللا تعالى من هذا فقال تعالى* :ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ&[البقرة ،]49:وقال تعالى* :ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ&[األنفال ,]36:وقال تعالى* :ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ&[المنافقون.]7: الثاني :الزهد في الدنيا: يجب على المجاهدين أال يركنوا إلى الدنيا بعد تحقق النصر ،بل عليهم أن يواصلوا سعيهم وجهادهم لتحقيق المقصود من الجهاد ،وهو إقامة شريعة هللا تعالى في البالد ،وأن يعدوا العدة ،ويتخذوا ما يستطيعون من وسائل القوة لمواجهة األعداء المتربصين في الخارج واألعداء المتربصين في الداخل من المرتدين والمنافقين الذين سوف يسعون إلى الفتنة وإعاقة إقامة شريعة هللا في البالد ،وقد قال تعالى عن المنافقين* :ﮪ ﮫ ﮪ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔﯕ ﯖ ﯗ ﯘﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ&[التوبة ،]18:فإن الركون إلى الدنيا بعد النصر ،والميل إلى الدعة والراحة وترك الجهاد ،والغفلة عن األخطار التي
536
تهذيب كتاب السياسة الشرعية
عمران قال: شرحأسلم أبي تهذيبفعن تهدد اإلسالم والمسلمين من اإللقاء باألنفس إلى التهلكة، األصول الثالثةد (غزونا من المدينة نريد القسطنطينية ،وعلى الجماعة عبد الرحمن بن خالد بن الوليد، العدو فقال الناس :م ْه ،م ْه، لصقُو ظهورهم بحائط المدينة ،فحمل رجل على والروم ُم ِ ِّ ال إله إال هللا ،يلقي بيديه إلى التهلكة ،فقال أبو أيوب :إنما نزلت هذه اآلية فينا معشر األنصار ،لما نصر هللا نبيه ^ وأظهر اإلسالم ،قلنا :هلُ َّم نقيم في أموالنا ونصلحها، اّلل تعالى* :ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨﮩ&[البقرة ]915:فاإللقاء باأليدي إلى فأنزل ّ التهلكة :أن نقيم في أموالنا ونصلحها وندع الجهاد ،قال أبو عمران :فلم يزل أبو أيوب يجاهد في سبيل هللا حتى دفن بالقسطنطينية) رواه أبو داود. الثالث :أداء األمانات إلى أهلها: من أداء األمانات إلى أهلها :أن تسند الوظائف واألعمال إلى أهلها من المجاهدين الصادقين ،كما قال تعالى* :ﯘﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ&[النساء،]58: فال يجوز أن تسند الواليات إلى القاعدين من المنافقين ومرضى القلوب ،فإن هؤالء ليسوا من أهل الواليات العامة في اإلسالم. فبعد انتصار المجاهدين والتمكين لهم ،سوف يسعى المنافقون إلى اإلمارة والوزارة ,ويظهرون من حسن الكالم ,والتشدق بالعبارات ,وادعاء األعذار الكاذبة عن تخلفهم عن الجهاد ،ليرضى عنهم أهل اإليمان ويقبلوا عذرهم ،كما قال تعالى: * ﯞﯟ ﯠ ﯡ ﯢﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧﯨ ﯨ ﯪ ﯫﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰﯱ ﯲ ﯳ ﯴﯵ ﯶ ﯷﯸ ﯹ ﯺ ﯻ&[المنافقون ,]4:ومنهم من قد يدعي كذبا ً وزورا ً بأنه قد جاهد مع المجاهدين ،أو قام بنصرتهم ومعاونتهم ،حتى يحمد بما لم يفعل ،كما قال تعالى* :ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ&[آل عمران ,]988:وقال تعالى * :ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﭨ ﭩ ﮤ ﮥ&[العنكبوت ،]99-91:وقال تعالى* :ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ&[النساء.]949: وغيرها من الوسائل المخادعة التي يسلكها المنافقون للتوصل إلى اإلمرة والوالية العامة ،وقد أوجب هللا معاداتهم وأمر بأخذ الحذر منهم ،ونهى عن اتخاذهم بطانة ،فإن تغلغلهم في أجهزة الدولة وتبوأهم المناصب المهمة يشكل خطرا ً على الدولة اإلسالمية ،ومرضا ً فتاكا ً يهدد بقاءها واستمرارها. الرابع :تربية الشباب: يجب على والة األمر دعوة جميع أفراد الرعية من الرجال والنساء ،وتربيتهم تربية إسالمية كاملة ،مع العناية بالشباب المسلم عناية كبيرة ،لما يملكون من قوة الشباب والطاقة التي تساهم وتساعد بإذن هللا في بناء الدولة اإلسالمية وتقويتها والدفاع عنها ،كما أن االستجابة هلل تعالى ولرسوله ^ فيهم أكثر من الكبار الذين ألفوا
املنهج املختصر يف الفقه والعقيدة والدعوة
537
الكثير من المنكرات وهرموا فيها ،وقد قال تعالى* :ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯨ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭﯮ ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ&[الكهف.]94-93:
قال اإلمام ابن كثير /في تفسيره( :فذكر تعالى أنهم فتية وهم الشباب ،وهم أقبل للحق وأهدى للسبيل من الشيوخ ،الذين قد عتوا وانغمسوا في دين الباطل ،ولهذا كان أكثر المستجيبين هلل تعالى ولرسوله ^ شبابا ً ،وأما المشايخ من قريش ،فعامتهم بقوا على دينهم ،ولم يسلم منهم إال القليل .وهكذا أخبر تعالى عن أصحاب الكهف أنهم كانوا فتية شبابا ً). وقال تعالى* :ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌﮍ&[يونس ،]83:قال العالمة السعدي /في تفسيره( :والحكمة -وهللا أعلم -بكونه ما آمن لموسى إال ذرية من قومه ،إن الذرية والشباب أقبل للحق ،وأسرع له انقيادا ً ،بخالف الشيوخ ونحوهم ممن تربى على الكفر ،فإنهم بسبب ما مكث في قلوبهم من العقائد الفاسدة -أبعد عن الحق من غيرهم). الخامس :أصحاب االختصاص: الدولة اإلسالمية في بداية نشأتها بحاجة إلى األمناء األتقياء من أصحاب االختصاص في شتى المجاالت القضائية والسياسية واالقتصادية واإلعالمية وغيرها. وإيجاد جميع أهل االختصاص من بين المجاهدين قد يتطلب أوالً سنوات في إعدادهم وتعليمهم وتأهيلهم ،السيما في بعض البالد التي يقل فيها أهل االختصاص من بين المجاهدين بسبب انشغالهم بالجهاد ومدافعة األعداء. وهذا يحتم على والة األمر أن يستدعوا أهل االختصاص األتقياء األمناء من خارج البالد لالستفادة من علمهم وخبرتهم ومشورتهم في بناء الدولة وتقويتها ،فإن هذا من التعاون على البر والتقوى الذي أمر هللا به في كتابه فقال تعالى* :ﯭ ﯮ ﯯ ﯰﯱ ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ ﯶﯷ ﯸ ﯹﯺ ﯻ ﯼ ﯽ ﯾ ﯿ&[المائدة ،]2:ودولة اإلسالم األولى التي أسسها النبي ^ جمعت األنصار من المدينة والمهاجرين الذين هاجروا إليها. السادس :حسم الفتن والتصدي لألخطار في أولها: يجب على الحكومة اإلسالمية القضاء على الفتنة في بدايتها ،والتصدي للساعين في نشرها والمتسببين فيها ،فكل خطر يتهدد الدولة اإلسالمية يجب القضاء عليه واستئصاله بمجرد الشعور به قبل أن يكبر ويعظم شره ،فعن عبد هللا بن أنيس قال( :بعثني رسول هللا ^ إلى خالد بن سفيان الهذلي ،وكان نحو عرنة وعرفات، فقال« :اذهب فاقتله» ،قال :فرأيته وحضرت صالة العصر فقلت :إني ألخاف أن يكون بيني وبينه ما إن أؤخر الصالة ،فانطلقت أمشي وأنا أصلي أومئ إيماء نحوه، فلما دنوت منه قال لي :من أنت؟ قلت رجل من العرب ،بلغني أنك تجمع لهذا الرجل
538
تهذيب كتاب السياسة الشرعية
الثالثةد بسيفي األصول علوته شرحأمكنني حتى إذا فجئتك في ذاك ،قال :إني لفي ذاك ،فمشيت معه ساعةتهذيب حتى برد) .رواه أبو داود. فهذا المشرك الذي كان يسعى إلى جمع الجموع من المشركين على محاربة النبي ^ ،قد أمر النبي ^ بقتله قبل أن يحقق ما يريد من جمع المشركين ومحاربة المسلمين ،وهكذا يجب التعامل مع من يسعى إلى تأليب الناس ،ويحرضهم على محاربة الدولة اإلسالمية قبل أن تعظم فتنته ويستشري خطرها.
املنهج املختصر يف الفقه والعقيدة والدعوة الوعد بالتمكني وعودة اخلالفة
539
إن من خصال أهل اإليمان أن يوقنوا بوعد هللا ونصره لعباده المؤمنين المجاهدين ،كما قال تعالى* :ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ&[غافر ,]52-59:وقال تعالى* :ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ&[الصافات,]973-979: وأما التكذيب والشك بوعد هللا ونصره فهو من صفات المنافقين الهالكين الذين قال هللا تعالى عنهم* :ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﭨ ﭩ ﮤﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮪ ﮭ ﮮ&[األنفال ،]41:وقال تعالى* :ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﭨ ﭩ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ&[األحزاب ،]92:وقال تعالى* :ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﭨ ﭩ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ&[الفتح.]92: إن األمة اإلسالمية أمة منصورة ومبشرة بالنصر والتمكين في كتاب ربها تبارك وتعالى وفي سنة رسوله ^ ،وقد تحقق لها في الواقع ما أخبر هللا به ورسوله ^ من النصر والتمكين والبشارة باالنتصار على الفرس وعلى الروم وفتح القسطنطينية وغيرها من البشائر ،وهناك بشائر سوف تتحقق في المستقبل كفتح روما وعودة الخالفة على منهاج النبوة وغيرها ،وقد قال تعالى* :ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ&[التوبة ،]33:وقال تعالى * :ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ&[النور.]55: قال ابن كثير /في تفسيره( :هذا وعد من هللا تعالى لرسوله صلوات هللا وسالمه عليه بأنه سيجعل أمته خلفاء األرض ،أي :أئمة الناس والوالة عليهم ،وبهم تصلح البالد ،وتخضع لهم العباد .وليبدلنهم من بعد خوفهم من الناس أمنا ً وحكما ً فيهم ،وقد فعله تبارك وتعالى ،وله الحمد والمنة ،فإنه ^ لم يمت حتى فتح هللا عليه مكة وخيبر والبحرين وسائر جزيرة العرب وأرض اليمن بكمالها ،وأخذ الجزية من مجوس هجر ومن بعض أطراف الشام ،وهاداه هرقل ملك الروم ،وصاحب مصر واإلسكندرية وهو المقوقس ،وملوك عمان ،والنجاشي ملك الحبشة الذي تملك بعد أصحمة /وأكرمه. ثم لما مات رسول هللا ^ واختار هللا له ما عنده من الكرامة ،قام باألمر بعده خليفته أبو بكر الصديق ،فل ّم شعث ما وهى بعد موته ^ ،وأ َّ طد جزيرة العرب ومهدها ،وبعث الجيوش اإلسالمية إلى بالد فارس صحبة خالد بن الوليد ا ،ففتحوا طرفا ً منها ،وقتلوا خلقا ً من أهلها .وجيشا ً آخر صحبة أبي عبيدة ا ومن اتبعه من األمراء إلى أرض الشام ،وثالثا ً صحبة عمرو بن العاص ا إلى بالد مصر ،ففتح هللا للجيش الشامي في أيامه بصرى ودمشق ومخاليفهما من بالد حوران وما واالها، وتوفاه هللا ،Qواختار له ما عنده من الكرامة. َّ ومن على أهل اإلسالم بأن ألهم الصديق أن يستخلف عمر الفاروق ،فقام باألمر بعده قياما ً تاما ً ،لم يدر الفلك بعد األنبياء على مثله في قوة سيرته وكمال عدله .وت ّم
541
تهذيب كتاب السياسة الشرعية
الثالثةد وكسر األصولفارس. وأكثر إقليم في أيامه فتح البالد الشامية بكمالها وديار مصر إلى آخرها تهذيب شرح كسرى ،وأهانه غاية الهوان ،وتقهقر إلى أقصى مملكته ،وقصر قيصر ،وانتزع يده عن بالد الشام ،وانحدر إلى القسطنطينية ،وأنفق أموالهما في سبيل هللا ،كما أخبر بذلك ووعد به رسول هللا ،عليه من ربه أتم سالم وأزكى صالة. ثم لما كانت الدولة العثمانية (يعني خالفة عثمان ا) امتدت الممالك اإلسالمية إلى أقصى مشارق األرض ومغاربها ،ففتحت بالد المغرب إلى أقصى ما هنالك األندلس وقبرص ،وبالد القيروان ،وبالد سبتة مما يلي البحر المحيط ،ومن ناحية المشرق إلى أقصى بالد الصين ،وقتل كسرى وباد ملكه بالكلية ،وفتحت مدائن العراق وخراسان واألهواز ،وقتل المسلمون من الترك مقتلة عظيمة جدا ً ،وخذل هللا ملكهم األعظم خاقان ،وجبى الخراج من المشارق والمغارب إلى حضرة أمير المؤمنين عثمان بن عفان ا ،...ولهذا ثبت في الصحيح أن رسول هللا ^ قال« :إن هللا زوى لي األرض ،فرأيت مشارقها ومغاربها ،ويبلغ ملك أمتي ما زوى لي منها» فها نحن نتقلب فيما وعدنا هللا ورسوله ،وصدق هللا ورسوله ،فنسأل هللا اإليمان به وبرسوله ،والقيام بشكره على الوجه الذي يرضيه عنا).
انتهى تهذيب كتاب السياسة الشرعية
املنهج املختصر يف الفقه والعقيدة والدعوة
الباب الثاني :العقيدة
545
املنهج املختصر يف الفقه والعقيدة والدعوة
تهذيب شرح األصول الثالثة للشيخ المجدد/ محمد بن عبد الوهاب / شرح الشيخ/ علي بن خضير الخضير فك هللا أسره
تهذيب/ د .عبد الله بن محمد المحيسني
543
تهذيب شرح األصول الثالثة
544
بسم هللا الرحمن الرحيم
د تهذيب شرح األصول الثالثةد
املقدمة الحمد هلل رب العالمين ،والصالة والسالم على أشرف األنبياء والمرسلين ،نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين. وبعد: فإن كتاب (الوجازة في شرح األصول الثالثة) للشيخ علي الخضير وفقه هللا وفك هللا أسره ،من الشروح المفيدة لألصول الثالثة ،فقد أجاد فيه وأفاد ،وهذا تهذيب للشرح المذكور لتقريبه للمبتدئين والعامة ،وأسأل هللا أن ينفع بهذا المختصر ،كما نفع بأصله. وصلى هللا على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
املنهج املختصر يف الفقه والعقيدة والدعوة
545
قال المصنف [ :/بسم هللا الرحمن الرحيم. يجب علينا تعلم أربع مسائل: األولى :العلم؛ وهو :معرفة هللا ،ومعرفة نبيه ،ومعرفة دين اإلسالم باألدلة؛ الثانية :العمل به؛ الثالثة :الدعوة إليه؛ الرابعة :الصبر على األذى فيه ،والدليل قوله تعالى :بسم هللا الرحمن الرحيم *ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ&[العصر.]3-5: قال الشافعي :/لو ما أنزل هللا حجة على خلقه إال هذه السورة لكفتهم؛ وقال البخاري :/باب :العلم قبل القول والعمل ،والدليل قوله تعالى* :ﰊ ﰊ ﰊ ﰊ ﰊ ﰊ ﰊ ﰊ&[محمد ]59:فبدأ بالعلم قبل القول والعمل]. الشرح: أفاد المصنف حكم تعلم هذه األربع المسائل وأنه واجب ،فالعلم بالرب والدين والرسول ^ ،هي أصل األصول ،وأعظم الواجبات. وقوله( :يجب علينا) يقصد بها جميع الخلق حتى الكفار ،فإن الكفار مخاطبون ومكلفون بفروع الشريعة وأصولها ،وحتى الجن أيضا ً فهم مخاطبون بهذه المسائل، كما قال تعالى* :ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ&[الذاريات.]56: المسائل األربع التي يجب تعلمها: األولى :العلم ،وهو :معرفة هللا ،ومعرفة نبيه ،ومعرفة دين اإلسالم باألدلة. المصنف يقصد بالعلم هنا الشرعي ،وحكم العلم فيه تفصيل ويختلف باختالف العلم ،فمن العلم ما هو واجب ،كعلم التوحيد ،والعقائد ،ومعرفة الشروط ،واألركان، والواجبات ،والعبادات الواجبة ،والمعامالت الواجبة ،ومعرفة المحرمات ...إلخ. ومن العلم ما هو مستحب ،كتعلم المسلم للمستحبات. ومن العلم ما هو فرض كفاية ،كتعلم الطب والصناعات وعلم اللغات وغيرها من العلوم المباحة والنافعة للمسلمين. ومن العلم ما هو محرم ،كتعلم السحر وعلم الموسيقى وعلم الربا والفن. وقول المصنف( :باألدلة) أي أن معرفة هذه الثالثة األصول تكون مقرونة. وهل يصح التقليد في العقائد؟ الجواب :يجوز التقليد في علم العقائد ،بشرط أن تجزم بما قلدت به ،وال يشترط أن تعرف الدليل. ففي الصحيحين عن أنس بن مالك قال :بينما نحن جلوس مع النبي ^ في المسجد ،دخل رجل (وهو ضمام بن ثعلبة) ،فقال للنبي ^ :إني سائلك فمشدد عليك في المسألة ،فال تجد علي في نفسك ،فقال« :سل عما بدا لك» ،فقال :أسألك بربك ورب
546
تهذيب شرح األصول الثالثة د الثالثةد األصول تهذيبثمشرح سأله عن األركان. نعم»
من قبلك ،آهلل أرسلك إلى الناس كلهم؟ فقال« :اللهم الحديث. قال النووي في شرح مسلم عند حديث ضمام بن ثعلبة( :قال أبو عمرو بن الصالح :فيه داللة لما ذهب إليه أئمة العلماء ،من أن العوام المقلدين مؤمنون ،وأنه يكتفى منهم بمجرد اعتقاد الحق جزما ً من غير شك وتزلزل ،خالفا ً لمن أنكر ذلك من المعتزلة ،وذلك ألنه قرر ضمام على ما اعتمد عليه في معرفة رسالته وصدقه، ومجرد إخباره إياه بذلك ولم ينكر عليه ،وال قال :يجب عليك النظر في معجزتي واالستدالل باألدلة القطعية). قال المصنف( :الثانية :العمل به) أي :من الواجب بعد العلم العمل به ،أي: يجب العمل بما تعلمت. والعمل :منه ما هو واجب ،كالعمل بالواجبات والشروط والتوحيد ونحو ذلك. ومنه ما هو مستحب ،كالعمل بالمستحبات. ومنه ما هو محرم ،كالعمل بالشركيات أو الكبائر. ومنه ما هو مكروه ،كالعمل بالمكروهات. عم ل صالحا ا؟ وهل الترك يسمى عم الا؟ كمن ترك الزنا هل يقال :إنه ِ الجواب فيه تفصيل :إن تركه امتثاالً ،مثل :االبتعاد عن وسائل الزنا ،فهذا عمل صالح .وإن تركه عجزا ً ،فال يدخل ،وعلى ذلك فالترك مع النية الصالحة عمل ،قال تعالى* :ﮪ ﮫ ﮪ ﮭ ﮮ&[البقرة.]278: قال المصنف( :الثالثة الدعوة إليه) أي :الدعوة إلى العلم الشرعي ،أي نشر العلم الذي تعلمه. والدعوة إلى العلم تنقسم مثل أقسام العلم ،فالعلم الواجب الدعوة إليه واجبة، والعلم المستحب الدعوة إليه مستحبة ،وما كان محرما ً فالدعوة إلى تركه واجبة... وهكذا. وعلى من تكون الدعوة؟ على من تعلم العلم وقدر على الدعوة ،فمن كان جاهالً ال يجب عليه الدعوة، ولكن يجب أن يتعلم أوالً ،ثم بعد ذلك يدعو. ولمن توجه الدعوة؟ تدعو الكافر والمسلم ،الجاهل والمخطئ ،والمتأول والمعاند. قال المصنف( :الصبر على األذى فيه) الضمير يعود إلى العلم ،أي :يصبر على ما يواجهه في طلب العلم ،وما يصيبه من أذى في العمل بالعلم ونشره. واألذى أنواع: -9أذى بدني -2 .أذى مالي -3 .أذى كالمي نفسي ،فيصبر على ما يلقاه.
املنهج املختصر يف الفقه والعقيدة والدعوة
547
قال المصنف( :والدليل :بسم هللا الرحمن الرحيم* :ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ&[العصر.)]2-9: هذا هو الدليل على المسائل األربع ،والشاهد من السورة *ﯪ ﯫ ﯬ&[الشعراء،]227: وهو دليل العلم ،ألن الشيء الذي آمنوا به علموه أوالً ،فتكون داللتها بالالزم* .ﭔ ﭕ&[البقرة ]25:دليل العمل* .ﭝ ﭞ&[العصر ]3:يدل على الدعوة* .ﯥ ﯦ&[البلد ]97:دليل على الصبر على األذى فيه. ثم ذكر المصنف كالم الشافعي ( :/لو ما أنزل هللا حجة على الخلق) األلف والالم في الخلق للعموم ،تشمل الجن واإلنس( .إال هذه السورة لكفتهم) ألن هذه السورة فيها المسائل األربع. ثم ذكر المصنف كالم البخاري( :باب العلم قبل القول والعمل ،فاعلم أنه ال إله إال هللا )...كالم البخاري يدل على الترتيب بين المسائل األربع ،فالعلم أوالً ،ثم العمل، ثم الدعوة ،ثم الصبر.
تهذيب شرح األصول الثالثة
548
فصل
د تهذيب شرح األصول الثالثةد
قال المصنف [ :/اعلم رحمك هللا :أنه يجب على كل مسلم ومسلمة ،تعلم هذه المسائل ،والعمل بهن. األولى :أن هللا خلقنا ورزقنا ،ولم يتركنا هم الا ،بل أرسل إلينا رسو الا ،فمن أطاعه دخل الجنة ،ومن عصاه دخل النار ،والدليل قوله تعالى* :ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ&[المزمل.]56-55: الثانية :أن هللا ال يرضي أن يشرك معه أحد في عبادته ،ال ملك مقرب ،وال نبي مرسل ،فض الا عن غيرهما؛ والدليل قوله تعالى* :ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ&[الجن.]58: الثالثة :أن من أطاع الرسول ،ووحد هللا ،ال تجوز له مواالة من حاد هللا ورسوله ،ولو كان أقرب قريب ،والدليل قوله تعالى* :ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽﭾ ﭿ ﮀ ﮁﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ&[المجادلة.]]11:
الشرح: هذه أصول عظيمة يجب على كل مسلم ومسلمة تعلمها والعمل بها. المسألة األولى :أن هللا خلقنا لحكمة ،وهي طاعته وعبادته ،ورتب الجزاء على هذه الطاعة ،فمن أطاعه دخل الجنة ،ومن عصاه دخل النار. وهل دخول الجنة كامل أم دخول يسبقه عذاب؟ على حسب الطاعة ،فإن كانت طاعته كاملة فدخوله دخوالً كامالً ،يدخل الجنة وال يعذب ،وإن كانت ناقصة فدخوله ناقص ،وهو تحت المشيئة ،فإن شاء هللا عذبه ثم يدخله الجنة. وهل دخول النار على وجه الخلود ،أم على وجه التعذيب ثم يخرج؟ على حسب المعصية ،فإن كانت المعصية شركا ً أكبر وكفرا ً أكبر فهذا يخلد في النار وال يخرج ،وإن كانت المعصية من الكبائر ،فهذا يدخل النار إذا لم يعف هللا عنه. ثم ذكر المصنف الدليل على ذلك ،وهو قوله تعالى* :ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ&[المزمل.)]96-95: المسألة الثانية :أن هللا سبحانه ال يرضى الشرك وال يحبه ،والشرك هو :أن تجعل هلل ندا ً في األسماء والصفات أو الربوبية أو األلوهية ،فالشرك أقسام: شرك في األسماء والصفات ،وهو :أن تجعل هلل ندا ً فيما يختص به من األسماء والصفات. ً شرك في الربوبية ،وهو :أن تجعل هلل ندا في الخلق والملك والتدبير.
املنهج املختصر يف الفقه والعقيدة والدعوة
549
شرك في األلوهية ،وهو :أن تجعل هلل ندا ً في الدعاء والعبادة ،وبمعنى آخر دعوة غيره معه. قال المصنف ( :/إن هللا ال يرضى أن يشرك معه أحد في عبادته). العبادة :هي الذل والخضوع هلل بالطاعة ،وعرفها ابن تيمية بأنها :اسم جامع لكل ما يحبه هللا ويرضاه ،من األقوال واألعمال ،الظاهرة والباطنة. ثم ضرب المصنف مثالين لبيان أن هللا ال يرضى أحدا ً معه في العبادة (ال ملك مقرب وال نبي مرسل) ولم يرد المصنف بالمثالين أن يستوعب ،فاهلل ال يرضى الصالح وال الطالح ،وال الجن وال غير ذلك. والدليل على أن هللا ال يرضى الشرك قوله تعالى* :ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ&[الجن.]98: والدعاء ينقسم إلى قسمين: -9دعاء عبادة -2 .دعاء مسألة. دعاء العبادة :أن تصلي وتصوم ..إلخ .لو سألت المصلي :لماذا تصلي؟ لقال: لكي يغفر هللا لي ،إذا ً :هي دعاء هللا بالمغفرة ،كأنك قلت :اللهم اغفر لي ،فهي دعاء عملي. ودعاء المسألة :المصدر بياء النداء المقتضية للطلب ،مثل :يا هللا وفقني. وكالهما صرفه لغير هللا محرم ،وهو شرك أكبر. المسألة الثالثة( :أن من أطاع هللا ووحده ال يجوز له مواالة من حاد هللا ورسوله) .وعنوان هذه المسألة :أن الموحد ال يوالي أعداء هللا. والمواالة :بمعنى المحبة والنصرة والمتابعة والموافقة. ومعنى حاد :أي جانب وخالف ،فالمحاد :هو المخالف هلل ورسوله ،فاهلل ورسوله في جانب وهو في جانب آخر ،وأصناف المحادين هم: -9الكافر -2 .المنافق نفاقا ً اعتقاديا ً -3 .المرتد. أما المسلم العاصي فليس محادا ً هلل ،وإنما معه أصل محبة هللا ،وهو في جانب هللا ورسوله ،ولم يخالف كليا ً ،وإنما عنده شيء من المخالفة. وما حكم مواالة من حاد هللا ورسوله؟ فيه تفصيل حسب أقسام المواالة ،أحيانا ً تكون كفرا ً مخرجا ً من الدين ،وأحيانا ً من كبائر الذنوب. والمواالة تنقسم إلى قسمين: القسم األول :مواالة كبرى ،وتسمى المواالة المطلقة والعظمى ،وتسمى التولي والمظاهرة ،وهذه مخرجة من الدين ،وهي أربعة أنواع:
551
تهذيب شرح األصول الثالثة د الثالثةد األصول مالكشرح أبيتهذيب األشجعي عن أبيه،
-9محبة الكفار لدينهم ،ودليله :ما رواه مسلم عن أن النبي ^ قال« :من قال :ال إله إال هللا ،وكفر بما يعبد من دون هللا ،حرم ماله ودمه ،وحسابه على هللا تعالى» ،الشاهد« :وكفر بما يعبد من دون هللا» ،فهو شرط أن يكفر بما يعبد من دون هللا حرم ماله ودمه. -2أن ينصر ويساعد الكفار على المسلمين ،كالذي يعين اليهود على المسلمين في فلسطين ،أو يعين األمريكيين على المسلمين في أفغانستان ،وأمثال ذلك ،ويدل عليه قوله تعالى* :ﭑﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙﭚ&[المائدة ]59:وهؤالء ساعدوهم بالمال والعتاد والدعم ،والمساعدة :اسم جامع شامل للمساعدة في الجاه والمال ،وكونه جنديا ً معهم وغير ذلك. -4/3مواالة الموافقة والمتابعة :ومعناها أن يتابعهم على كفرهم ،وأن يوافقهم على كفرهم، ومنها أيضا ً :أن يمدح مذهبهم أو يصحح مذهبهم ،كأن يحتاج إلى مساعدة الكفار ،فيثني عليهم. القسم الثاني :المواالة الصغرى ،ال ألنها من الصغائر ،لكن للتفريق بينها وبين الكبرى من باب التعريف؛ ألن كل شيء له أكبر فله أصغر؛ وال يفهم منه أنها ليست ذنبا ً. والمواالة الصغرى هي :كل ما يؤدي إلى توقير الكفار واحترامهم وتعظيمهم، مع بغضهم ومعاداتهم وتكفيرهم وعدم توليهم.. وحكمها :أنها كبيرة من كبائر الذنوب ،والدليل على ذلك إنكار عمر بن الخطاب ا على أبي موسى األشعري لما جعل له كاتبا ً نصرانيا ً ،وتال عمر على أبي موسى* :ﭑﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙﭚ&[المائدة.]59: ويستثنى من األمور السابقة: أن تزورهم أو تهدي إليهم من أجل دعوتهم ،والدليل :ما جاء في الصحيح من حديث سعيد بن المسيب عن أبيه ،أن رسول هللا ^ زار عمه أبا طالب ،وزار عليه الصالة والسالم ابن اليهودي فأسلم ،رواه أحمد. ويجوز في حال الضرورة إذا اضطر المسلمون إلى استقدام عمال كفار وليس هناك مسلم يقوم بهذا العمل ،أما السالم فال يجوز أن تبدأهم ولو من أجل الدعوة، والدليل قوله عليه الصالة والسالم « :ال تبدءوا اليهود والنصارى بالسالم» ،ويجوز الرد ،ومثله المصافحة. قال المصنف( :ولو كان أقرب قريب) وذكر الدليل ،وهو قوله تعالى* :ﭑ ﭒ ﭓ&[المجادلة ]22:اآلية.
املنهج املختصر يف الفقه والعقيدة والدعوة
555
فصل
قال المصنف [ :/اعلم أرشدك هللا لطاعته :أن الحنيفية ملة إبراهيم ،أن تعبد هللا مخلصا ا له الدين ،وبذلك أمر هللا جميع الناس وخلقهم لها ،كما قال تعالى* :ﭳ ﭴ ﭵﭶﭷﭸﭹ&[الذاريات ،]56:ومعنى يعبدون :يوحدون. وأعظم ما أمر هللا به التوحيد ،وهو :إفراد هللا بالعبادة ،وأعظم ما نهى عنه الشرك وهو :دعوة غيره معه؛ والدليل قوله تعالى* :ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ&[النساء.]]36: الشرح: لماذا ذكر المصنف ملة إبراهيم ،واألنبياء كلهم يعبدون هللا على ملة واحدة؟ سبب اختصاص إبراهيم عليه الصالة والسالم بنسبة الملة إليه؛ ألن الرسول محمدا ً ^ جاء إلى طوائف كلها تدعى أنها على ملة إبراهيم ،فقريش تقول :نحن على ملة إبراهيم ونحن أولى به ،واليهود والنصارى كلهم يدعون أنهم على ملة إبراهيم، فجاء البيان لتحديد ما هي ملة إبراهيم ،ومن أولى الناس به ،وهو من كان على التوحيد وعدم الشرك. قال المصنف( :اعلم أرشدك هللا لطاعته ،أن الحنيفية ملة إبراهيم). قال ابن األثير في النهاية( :الحنيف المائل ،وأصله مأخوذ من الحنف ،وهو الميل ،ومنه رجل أحنف ،أي :مائل قدمه) اهـ ،فالحنيف :هو المائل إلى التوحيد مع الثبات عليه. والملة :مأخوذة من الملل ،وهو التكرار والمعاودة ،فيقال :طريق مليل إذا تكرر سلوكه ،ومنه :الملل ،وهو تكرار الشيء على النفس ،هذا لغة .واصطالحا ً :ما تكرر فعله مما شرعه هللا على لسان رسوله من العقائد واألحكام ،وهنا ما تكرر من إبراهيم من إظهار التوحيد والكفر ،بالطاغوت وأهله. قوله( :ملة إبراهيم) إضافة بتقدير الالم ،أي :ملة إلبراهيم ،والالم تفيد االختصاص ،وإبراهيم عليه الصالة والسالم هو رسول من أولي العزم من الرسل، وهو خليل هللا عليه الصالة والسالم. ً ثم قال المصنف( :أن تعبد هللا مخلصا له الدين). ملة إبراهيم × :هي عبادة هللا مع اإلخالص ،ومعنى أن تعبد هللا :أي تذل وتخضع هلل بالطاعة. (أن تعبد هللا مخلصا ً له الدين) أي :بدون شرك ،فمن لم يعبد هللا فليس على ملة إبراهيم ،ومن عبده وأتى بشرك فليس على ملة إبراهيم.
551
تهذيب شرح األصول الثالثة د الثالثةد األصول تهذيب شرح إبراهيم ملة الشيطان، ملة
والدين يطلق على االعتقاد وال عمل والقول ،وضد وهي مبنية على شيئين: عدم عبادة هللا :وهو ما يسمى بالكفر والشرك ،ويقابلها في ملة إبراهيم عبادة هللا. عبادة غيره معه ،وهو عدم اإلخالص ،ويقابله في ملة إبراهيم مخلصا ً له الدين.
املنهج املختصر يف الفقه والعقيدة والدعوة
553
فصل قال المصنف [ :/وبذلك أمر هللا جميع الناس وخلقهم لها ،كما قال تعالى* :ﭳ
ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ&[الذاريات ]56:ومعنى يعبدون :يوحدون ،وأعظم ما أمر هللا به التوحيد ،وهو إفراد هللا بالعبادة ،وأعظم ما نهى عنه الشرك ،وهو :دعوة غيره معه؛ والدليل قوله تعالى* :ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ&[النساء.]]36: الشرح: أمر هللا بالحنيفية جميع الناس مسلمهم وكافرهم ،وخلقهم لها ،فعلّة الخلق عبادة هللا مع اإلخالص ،والدليل على ذلك قوله تعالى* :ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ&[الذاريات ]56:قال( :ومعنى يعبدون :يوحدون) .وهذا مروي عن ابن عباس ،وهذا تفسير للشيء ببعض أفراده ،وإالّ فالعبادة أعم ،وهو :الذل والخضوع هلل بالتوحيد وبغير التوحيد ،كالصالة ونحو ذلك. قال المصنف( :أعظم ما أمر هللا به التوحيد) المراد توحيد األلوهية؛ ألنه فسره بقوله( :وهو إفراد هللا بالعبادة) وكلمة (إفراد) كلمة مهمة ،وهي تتضمن إثبات العبادة هلل ونفيها عما سواه. ثم ذكر أعظم ما نهى هللا عنه وهو الشرك ،وهذا يدل على عظم هذه المسألة، فال يجوز جهلها. عرف ثم ذكر المصنف الشرك والمراد به الشرك األكبر في األلوهية؛ ألنه ّ الشرك األكبر فخرج به األصغر ،فالشرك األصغر عظيم ،لكن الشرك األكبر أعظم منه. قال المصنف( :وهو دعوة غيره معه) هذا يشمل دعاء العبادة ودعاء المسألة، وإذا قارنّا بين التعريفين حيث قال( :التوحيد :إفراد هللا بالعبادة ،والشرك دعوة غيره معه) د ّل على أنه يريد بدعوة غيره ،أي :عبادة غيره معه. ثم ذكر المصنف الدليل على المسألتين ،وهو أن أعظم ما أمر هللا به التوحيد، وأعظم ما نهى هللا عنه الشرك ،وهو قوله تعالى* :ﮖ ﮗ&[النساء ]36:أمر هللا بالتوحيد وهو أول أمر وأعظم أمر* .ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ&[النساء ]36:ال :ناهية ،فأعظم ما نهى هللا عنه الشرك.
تهذيب شرح األصول الثالثة
554
فصل
د تهذيب شرح األصول الثالثةد
قال المصنف [ :/فإذا قيل لك :ما األصول الثالثة التي يجب على اإلنسان معرفتها؟ فقل :معرفة العبد ربه ،ودينه ،ونبيه محمدا ا ^]. الشرح: انتهى المصنف من المقدمة وبدأ بصلب الموضوع ،وهو الحديث عن األصول الثالثة ،وهي التي ألف المصنف الكتاب من أجل توضيحها. وهذه األصول الثالثة هي التي يُسأل عنها اإلنسان في قبره. س ّمي هذا الكتاب بذلك؛ ألن واألصول :جمع أصل ،وهو ما يبنى عليه غيره ،و ُ هذه األصول هي التي يُبنى عليها الدين. قال المصنف( :التي يجب على اإلنسان معرفتها) بين حكم معرفتها أنه واجب، والمقصود بالوجوب هنا ليس الواجب االصطالحي ،بل األمر الحتم الذي هو فرض عين متحتم.
املنهج املختصر يف الفقه والعقيدة والدعوة
555
فصل
قال المصنف [ :/فإذا قيل لك :من ربك :فقل ربي هللا الذي رباني ،ورب جميع العالمين بنعمه ،وهو معبودي ،ليس لي معبود سواه ،والدليل قوله تعالى * :ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ&[الفاتحة ،]1:وكل ما سوى هللا عالم .وأن واحد من ذلك العالم. وإذا قيل لك :بم عرفت ربك؟ فقل :أعرفه بآياته ومخلوقاته؛ ومن آياته :الليل والنهار ،والشمس والقمر ،ومن مخلوقاته :السموات السبع ومن فيهن ،واألرضون السبع ومن فيهن ،وما بينهما؛ والدليل قوله تعالى* :ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯨ ﯪ ﯫ&[فصلت ]37:وقوله تعالى* :ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡﭨ ﭩ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ&[األعراف.]54: والرب ،هو :المعبود ،والدليل قوله تعال ى* :ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﭨ ﭩ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ&[البقرة]15: إلى قوله تعالى* :ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ&[البقرة.]11: قال ابن كثير :/الخالق لهذه األشياء ،هو المستحق للعبادة.]. الشرح: قال المصنف( :فإذا قيل لك :من ربك :فقل ربي هللا الذي رباني ،ورب جميع ()1
العالمين بنعمه ،وهو معبودي ،ليس لي معبود سواه) قال ابن األثير ( :الرب في اللغة يطلق على الحفظ والرعاية ،وعلى الخالق المربي ،والرب يطلق على المالك والسيد والمدبر والق ِيّم والمنعم)اهـ. وقول المصنف( :وهو معبودي) أي :من أذل وأخضع له بالطاعات. قال المصنف( :ليس لي معبود سواه) ليس :نفي ،وسواه :إثبات ،فجمع بين النفي اإلثبات. قال( :والدليل قوله تعالى * :ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ&[الفاتحة ]2:وكل ما سوى هللا عالم ،وأنا واحد من ذلك العالم) .فالوجود قسمان :رب ومربوب ،فالرب :هو الخالق المعبود، والمربوب :هو كل ما سوى هللا. قال المصنف( :فإذا قيل لك :بم عرفت ربك؟) طرح هنا سؤال وجواب حتى تعرف ربك باألدلة ،ويكون إيمانك مبنيا ً على االستدالل ،ومعنى السؤال :ما هي الوسائل التي عرفت بها هللا؟ (فقل :عرفته بآياته ومخلوقاته) األدلة في معرفة الرب ،وأنه الخالق المعبود ثالثة: ( )1في غريب الحديث (.)971/2
556
تهذيب شرح األصول الثالثة د تهذيب شرح األصول الثالثةد
-9دليل فطري -2 .دليل عقلي -3 .دليل نقلي. واختار المصنف الدليل العقلي الذي دل على معرفة الرب ،فقال( :بآياته ومخلوقاته) ،وليس هو دليل عقلي صرف ،بل عضده بآيات من القرآن ،فمعرفته من الجهة العقلية بآياته ومخلوقاته ،وهو ما يسمى بدليل األثر ،أو دليل حدوث العالم. وخالصة هذا الدليل :أنه ال بد لكل محدث من محدِث ،وال بد لهذا الوجود من موجد سابق عليه ،فهذه اآليات والمخلوقات حادثة ،وال يمكن أن تكون جاءت من نفسها أو صدفة ،بل ال بد لها من محدث وهو هللا تعالى ،وليس المقصود فقط إثبات وجود هللا وأنه الخالق ،فهذه ربوبية يُقر بها حتى الكفار ،لكن المراد الربوبية واأللوهية ،ثم عظم هذه اآليات يدل على عظم خالقها ،وحسن هذه اآليات وإتقانها يدل على علم وحكمة من خلقها. هذا الدليل العقلي بسَّطه المؤلف بهذا التبسيط ،وهو دليل محكم؛ ولذا قال األعرابي( :األثر يدل على المسير ،والبعرة تدل على البعير). الدليل الثاني الفطري :وهو ما يجده كل مخلوق في نفسه من االعتراف باهلل، وبأنه الخالق المعبود ،وهو مركوز في كل الفطر ،قال تعالى* :ﯔ ﯕ ﯖ ﯗﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞﯟ&[الروم ،]31:وفي الحديث « :كل مولود يولد على الفطرة» متفق عليه ،أي :يعرف أنه خالق واحد معبود. الدليل الثالث النقلي :وهذه أدلة كثيرة في القرآن والسنة تدل على أن هللا الخالق المعبود. قال المصنف( :بآياته ومخلوقاته) فرق المصنف بين اآليات والمخلوقات، فعطف المخلوقات على اآليات ،والقاعدة :أن العطف يقتضي المغايرة ،فاآليات غير سميت السماوات المخلوقات ،والمصنف اتبع النصوص في التسمية ،ففي اآلية الثانية ُ وما عطف عليها مخلوقات ،فتقيد المصنف بألفاظ القرآن ،وإالّ فالمخلوقات التي ذكر المصنف هي آيات؛ لذا جمعها هللا في قوله* :ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ&[آل عمران.]911: واآليات التي ذكر المصنف أربع :الليل والنهار ،والشمس والقمر ،والمخلوقات التي ذكر المصنف هي السماوات السبع ،واألرضون السبع ،وما فيهن وما بينهما. ثم ذكر دليلين :الدليل األول* :ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ&[فصلت ]37:اآلية ،استدل بهذه اآليات على عرف هللا بها. أن هللا مستحق للعبادة ،وأيضا ً َّ الدليل الثاني* :ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ&[األعراف ]54:اآلية ،استدل بهذه اآليات على أنه مستحق للعبادة. قال المصنف( :والرب هو المعبود) من معاني الرب أنه المعبود.
املنهج املختصر يف الفقه والعقيدة والدعوة
557
قال( :والدليل قوله تعالى* :ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ&[البقرة ]29:إلى أن قال* :ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ&[البقرة)]22: أي :اعبدوه وحده ال شريك له.
تهذيب شرح األصول الثالثة
558
فصل
د تهذيب شرح األصول الثالثةد
قال المصنف [ :/قال ابن كثير :الخالق لهذه األشياء هو المستحق للعبادة]. لما ذكر المصنف قول ابن كثير( :الخالق لهذه األشياء هو المستحق للعبادة) ذكر أنواع العبادات التي هو مستحق لها ،فقال[ :وأنواع العبادة التي أمر هللا بها، مثل :اإلسالم ،واإليمان اإلحسان ،ومنه الدعاء ،والخوف ،والرجاء ،والتوكل، والرغبة ،والرهبة ،والخشوع ،والخشية ،واإلنابة ،واالستعانة ،واالستعاذة، واالستغاثة ،والذبح ،والنذر ،وغير ذلك من أنواع العبادة التي أمر هللا بها ،والدليل قوله تعالى* :ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ&[الجن.]58: فمن صرف من ذلك شيئا ا لغير هللا ،فهو مشرك كافر؛ والدليل قوله تعالى* :ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯨ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ ﯱ ﯲﯳ ﯴ ﯵ ﯶ ﯷ ﯸ&[المؤمنون.]557: وفي الحديث« :الدعاء مخ العبادة» والدليل قوله تعالى* :ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ&[غافر ،]61:ودليل الخوف قوله تعالى* :ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ&[آل عمران ،]575:ودليل الرجاء قوله تعالى* :ﰐ ﰑ ﰒ ﰓ ﰔﰕ ﰖﰗ ﰘﰙ ﰚ ﰛ ﰜﰝ&[الكهف ،]551:ودليل التوكل قوله تعالى* :ﯽ ﯾ ﯿ ﰊ ﰊ ﰊ
ﰊ&[المائدة ،]13:وقوله تعالى* :ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮪﮭ&[الطالق ]3:ودليل الرغبة والرهبة والخشوع، قوله تعالى* :ﯦ ﯧ ﯨ ﯨ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭﯮ ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ&[األنبياء ،]91:ودليل الخشية قوله تعالى* :ﮭ ﮮ ﮯ&[البقرة ،]551:ودليل اإلنابة قوله تعالى* :ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ&[الزمر ،]54:ودليل االستعانة قوله تعالى* :ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ&[الفاتحة ]5:وفي الحديث« :إذا استعنت فاستعن باهلل» ،ودليل االستعاذة قوله تعالى* :ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ&[الفلق* ،]5:ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ&[الناس ،]5:ودليل االستغاثة قوله تعالى* :ﭑﭒﭓﭔﭕ&[األنفال.]9: ودليل الذبح قوله تعالى* :ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟﯠ&[األنعام ]563-561:ومن السنة قوله ^« :لعن هللا من ذبح لغير هللا» ،ودليل النذر قوله تعالى* :ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ&[اإلنسان.]]7: الشرح: ذكر المصنف هنا أربعة عشر نوعا ً من أنواع العبادة ،ولم يقصد االستيعاب، وإالّ كانت أكثر من ذلك ،وهذه األنواع هي التي يُتذلل ويخضع بها هلل. والعبادات مأمور بها ،ولكن أحيانا ً أمر إيجاب ،وأحيانا ً أمر استحباب. وقول المصنف( :ومنه الدعاء) أي :ومن األنواع.
املنهج املختصر يف الفقه والعقيدة والدعوة
559
ثم سرد المصنف أنواع العبادة ثم قال( :وغير ذلك من أنواع العبادة) ألنه لم يرد االستيعاب ،وإالّ فهناك غيرها ،كالصبر وصلة الرحم ..إلخ. ثم ذكر المصنف الدليل على أنه يجب صرفها هلل تعالى* :ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ&[الجن ،]98:ومعنى المساجد ،أي :السجود يكون هلل ،ويقاس عليه بقية العبادات بجامع أنها كلها عبادة. ثم ذكر المصنف حكم من صرف شيئا ً من العبادات لغير هللا فقال( :فمن صرف منها شيئا ً لغير هللا فهو مشرك كافر). يقصد المصنف هنا من قامت عليه الحجة ،فهو مشرك كافر ،أما من فعل الشرك وهو حديث عهد بكفر ،أو عاش ونشأ في بادية بعيدة ،أو عاش ونشأ في بالد الكفر ،فهو مشرك خارج عن الملة ،لكن ال يكفر كفر تعذيب وعقوبة ،حتى تقام عليه الحجة ،وهذا هو قول المصنف في كثير من كتبه ،وهو قول طالبه وأحفاده ،وهو قول ابن تيمية وابن القيم ،بل وقول كل من نحفظ عنه من أهل العلم ،ونقل اإلجماع عليه أئمة الدعوة. ثم ذكر المصنف التفصيل في أنواع العبادة ،فذكر: العبادة األولى :الدعاء ،فمن صرف الدعاء هلل فهو موحد ،ومن صرفه لغير هللا فهل يشرك أم أنه غير مشرك؟ فيه تفصيل: إن دعا المخلوق فيما ال يقدر عليه إال هللا ،فهذا مشرك كافر ،مثال :لو دعا الميت أن يتوسط له يرزقه هللا ولدا ً ،أو أن يعافيه من المرض ،أو يدفع عنه الشرور، أو سأله التوسط في طلب الجنة أو المغفرة ،فهذا شرك أكبر. ولو سألت المخلوق ما يقدر عليه ،كما لو طلبت منه قرضا ً ،فهو جائز؛ ألنه يقدر عليه .ومخاطبة األموات مثل وا معتصماه ...أو يا رسول هللا لو خرجت على أمتك فرأيت ما فيها من التمزق ..أو قم يا صالح الدين ونحو ذلك ..فإن كان عن اعتقاد أنهم ينفعون أو يضرون فهذا شرك أكبر ،وإن كانت من باب الشعار في الحرب فال بأس ،كما نقله أبا بطين في كتابه التقديس عن بعض الصحابة ،وإن كان مجرد تعبير واستنهاض للهمم فيُبتعد عنه ،لما فيه من التشبه بألفاظ المشركين ،ولما فيه من اللبس. وكذلك مخاطبة الموتى من باب العظة والعبرة جائز ،وقد كان السلف يفعلونه من باب وعظ أنفسهم. وقول بعض العوام :خذوه يا ّ جن ،إن كان عن اعتقاد فهذا شرك ،وإن كان مجرد تخويف فهذا ال يجوز ،ألمرين: -9التشبه بألفاظ المشركين. -2ترويع للمسلم.
تهذيب شرح األصول الثالثة
561
د التالي:األصول الثالثةد تهذيب شرح الترتيب
وقد ذكر المصنف أفراد العبادات مع دليلها ،على -9الدعاء وفي الحديث« :الدعاء مخ العبادة» والدليل قوله تعالى* :ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ&[غافر.]61: -2الخوف ،ودليل الخوف قوله تعالى* :ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ&[آل عمران.]975: -3الرجاء ،ودليل الرجاء قوله تعالى* :ﰐ ﰑ ﰒ ﰓ ﰔ ﰕ ﰖ ﰗ ﰘ ﰙ
ﰚ ﰛ ﰜ ﰝ&[الكهف.]991: -4التوكل ،ودليل التوكل قوله تعالى* :ﯽ ﯾ ﯿ ﰕ ﰕ ﰕ ﰕ&[المائدة ]23:وقوله تعالى* :ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮪﮭ&[الطالق.]3: -5الرغبة -6 ،الرهبة -7 ،الخشوع ،ودليل الرغبة والرهبة والخشوع ،قوله تعالى* :ﯦ ﯧ ﯨ ﯨ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭﯮ ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ&[األنبياء.]11: -8الخشية ،ودليل الخشية قوله تعالى* :ﮭ ﮮ ﮯ&[البقرة.]951: -1اإلنابة ،ودليل اإلنابة قوله تعالى* :ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ&[الزمر.]54: -91االستعانة ،ودليل االستعانة قوله تعالى* :ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ&[الفاتحة ،]5:وفي الحديث« :إذا استعنت فاستعن باهلل». -99االستعاذة ،ودليل االستعاذة قوله تعالى* :ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ&[الفلق*،]9:ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ&[الناس.]9: -92االستغاثة ،ودليل االستغاثة قوله تعالى* :ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ&[األنفال.]1: -93الذبح ،ودليل الذبح قوله تعالى* :ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟﯠ&[األنعام-962: ، ]963ومن السنة قوله ^« :لعن هللا من ذبح لغير هللا». -94النذر ،ودليل النذر قوله تعالى* :ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ&[اإلنسان.]7: العبادة الثانية :الخوف ،ومتى يكون الخوف شركا ً؟ أن تخاف من المخلوق ما ال يقدر عليه المخلوق ،هذا شرك أكبر ،مثاله :أن تخاف من إنسان أو جن أن يقطعوا نسلك ،وهذا ال يقدر عليه إال هللا ،أو تخاف أن يصيبك بأمراض ،أو تخاف أن يصيبك بالفقر أو العاهات الخلقية ،هذا كله شرك أكبر؛ ألنها أشياء ال يقدر عليها إال هللا.
املنهج املختصر يف الفقه والعقيدة والدعوة
565
وكذا أن تخاف من مخلوق ،فيؤدي خوفك منه إلى أن تعمل له عبادة ،كأن تذبح له ،وكالخوف من شر الجن ،كمن يذبح لهم إذا سكن بيتا ً وخاف أن يؤذوه ،وحكمه شرك أكبر. واإلكراه غير الخوف ،فمن أكره على تمزيق المصحف وإال قتل ،فال يكفر. والشرك األصغر :أن يؤدي خوفك من شخص إلى ترك واجب ،أو فعل محرم، كمن حلق لحيته خوفا ً من انتقاد الناس ،أو خاف السخرية منهم فترك األمر بالمعروف والنهي عن المنكر ،أو ترك صالة الجماعة خوفا ً على المنصب ،أو جلس عند أناس يسمعون األغاني فترك اإلنكار صيانة لعرضه حتى ال يتكلموا فيه فجاراهم فيه ،أو قال :استحيت! فهذا شرك أصغر ،لما روى اإلمام أحمد مرفوعا ً« :إن هللا يقول للعبد يوم القيامة :ما منعك إذا رأيت المنكر ال تغيره ،فيقول :ربي ،خشية الناس ،فيقول هللا :إياي كنت أحق أن تخشى». ومن العلماء من قال :إنه محرم فقط وليس من باب الشرك ،ألنه فعل محرم. أما ما يسمى بالخوف الطبيعي فهذا جائز ،وال شيء فيه ،كما لو خفت اللص، أو من حيوان مفترس ،قال تعالى* :ﰕ ﰕ ﰕ ﰕﰕ&[القصص ،]29:فهذا جائز بشرط أن ال يؤدي إلى فعل محرم ،أو ترك الواجب. وهل كل أذية يخاف منها فيعمل من أجلها المحرم ويترك الواجب؟ الجواب أنها مراتب: المرتبة األولى :أذية شديدة غير محتملة ،فهذا يجوز أن يترك من أجلها الواجب ويفعل المحرم ،وهي ما تسمى باإلكراه ،كما لو ضرب ضربا ً ال يتحمله بشرط أال يكون متعديا ً ،فإن قيل :اقتل فالنا ً ،أو ازن بهذه المرأة ،فال يجوز له ذلك ولو كان مكرها ً ،قال تعالى* :ﯸ ﯹ ﯺ ﯻ ﯼﯽ&[األنعام ،]964:وصح عن النبي ^ أنه قال « :ال ضرر وال ضرار» رواه ابن ماجه. أما لو كان في حق ذاته كحلق لحيته فيجوز. المرتبة الثانية :أذية فيها مشقة لكنها محتملة ،كالضرب الذي يستطيع أن يتحمله ،والسجن أياما ً معدودة ،فهذه ال يجوز أن يخاف منها فيفعل من أجلها المحرم، أو يترك الواجب. المرتبة الثالثة :أذية قليلة محتملة ،كالسب والشتم والتعيير والسخرية ،فهذه ال يجوز أن يخافها ،فيفعل المحرم ويترك الواجب. المرتبة الرابعة :ما يسمى بالوهن والجبن ،كأن نخاف من كل شيء ،وبعض هذه األشياء ال حقيقة لها ،فهذه ال تجوز؛ ألنها مجرد تصورات ذهنية. وهل الخوف من الفصل من الوظيفة عذر في ترك الواجب أو فعل المحرم؟
561
تهذيب شرح األصول الثالثة د الثالثةد األصول شرحبعذر إن كان هذا تهذيبليس فهذا
أما إن كان يجد كسبا ً غيره كالتجارة وعمل اليد، الواجب واجبا ً فعليا ً ،وإن كان ال يجد فهو عذر؛ ألنه دخل حد الضرورة وأدلتها معروفة. والخوف من الشيطان والجن كالخوف من اإلنس ،فإن خفت منهم ماال يقدرون عليه فهو شرك أكبر ،وإن خفتهم ما يقدرون عليه فهو كالخوف من اإلنس. وأما ما يسمى بالخوف من المواقف ،مثل :ما ينتاب اإلنسان من الرجفان والقلق لو قام يتكلم بين الناس ،فهذا من الخوف الطبيعي ،وال شيء فيه ،إال إن تض َّمن ترك واجب أو فعل محرم. العبادة الثالثة :الرجاء :وهو وصف قائم في القلب يؤدي إلى التوقع واألمل والطمع. ومتى يكون الرجاء توحيدا ً؟ إذا تعلق أمله باهلل فهذا توحيد. ومتى يكون الرجاء من الشرك؟ فيه أحوال: أن يتوقع ويطمع من مخلوق ما ال يقدر عليه إال هللا ،مثل :التوقع منالمخلوق النصر ،أو التوقع منه الولد ،أو الشفاء والسالمة. أن يتوقع الخير من األموات والجمادات والغائبين بغير الوسائل الحسية ،ولوكانوا يقدرون عليه لو كانوا أحياء ،وهذا شرك أكبر. أن ترجو وتتوقع من المخلوق ما يقدر عليه مع االعتماد عليه ،مثل :أن تعتمدعليه أن يعطيك ماالً ،فأنت واثق بأن يعطيك ،أو أن تطمع في مهارة الطبيب ،فتثق بحصول الشفاء ،وهذا من الشرك األصغر. أن يطمع ويتوقع ويرجو الشفاء والخير من هللا لكن بوسيلة محرمة ،كمنلبس حلقة أو خيط على أن تكون سببا ً للشفاء ،أو فعل ما يسمى بالشبكة يطمع من هللا أن تكون سبب األلفة واالشتباك بين الزوج والزوجة ،وهذا من الشرك األصغر ،كما في حديث عقبة بن عامر مرفوعا ً« :من تعلق تميمة فقد أشرك» ،ومن أمثلة ذلك: الذبح هلل عند القبور ترجو من هللا الخير ،لكنك اخترت هذا المكان لكونه أبرك. ثم ذكر المصنف الدليل* :ﰐ ﰑ ﰒ ﰓ ﰔ ﰕ&[الكهف ]991:اآلية. العبادة الرابعة :التوكل :لغة هو :التفويض. وشرعا ً :االعتماد على هللا لجلب الخير ودفع الشر. متى يكون التوكل عبادة؟ وفوض أمره إلى هللا ،فهذا توحيد *ﯽ ﯾ ﯿ&[المائدة.]23: إذا اعتمد ّ ومتى يكون التوكل شركا ً؟
املنهج املختصر يف الفقه والعقيدة والدعوة
563
في هذه الحاالت: -9إذا اعتمد على المخلوق فيما ال يقدر عليه إال هللا ،كالذي يعتمد على المخلوق في نزول المطر وحصول الرزق أو النسل ،أو اعتمد عليه في الشفاء والسالمة من األمراض ،وهذه األمور ال يقدر عليها إال هللا ،وهي شرك أكبر. -2االعتماد على األموات والجمادات ،كأن يثق بأن هذا الميت سوف يعطيه أو يدفع عنه ،وهو شرك أكبر. -3االعتماد على األسباب شرك أصغر ،مثل :أن يعتمد على مهارة الطبيب في نجاح العملية ،ومثل الثقة بكثرة الجيش في حصول النصر ،واالعتماد على حذاقة السائق في السالمة من الحوادث ،واالعتماد على المذاكرة في النجاح ،وهذه ظاهرة متفشية عند المسلمين ،بأن يعتمد على األسباب. وكيف نعرف أن اإلنسان اعتمد على األسباب؟ بالقرائن التالية: منه ما يتعلق بالقلب فيشعر بالراحة واالطمئنان والسكون لوجود السَّبب ،فإذا وجد وثق بالنتيجة أنها سوف تترتب ،هذا أهمها. أن يشعر بالقلق واالضطراب إذا تخلف السبب أن النتيجة لن تترتب ،مثاله :لو ذهب بمريض إلى طبيب ووثق أن العملية سوف تنجح وارتاح لذلك ،فإن عمل العملية طبيب آخر فلن تنجح العملية ،وهذا من الشرك األصغر .قال تعالى* :ﯽ ﯾ ﯿ&[المائدة ]23:أي :اعتمدوا .ومفهوم اآلية :عدم االعتماد على األسباب ،بل نفعل األسباب لكن نعتمد على هللا. وهناك فرق بين االرتياح لألسباب واالعتماد على األسباب ،فلو أن شخصا ً أصلح سيارته وأعدها إعدادا ً جيدا ً للسفر ثم شعر باالرتياح فهذا ال شيء فيه ،أما لو وثق أال يصيبه شيء ألن السيارة سليمة وجيدة ،فهذا من االعتماد على األسباب. وما حكم قول :توكل ت على هللا وعليك؟ هذا ال يجوز ،وهو من الشرك األصغر؛ لقوله تعالى* :ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ&[البقرة،]22: وقد صح عن ابن عباس في قول :لوال هللا وفالن أنها من الشرك ،فهذه مثلها ،وصح عن السلف أن قول :أعوذ باهلل وبك من الشرك ،فهذه مثلها. وإذا عطفها فقال :أنا متوكل على هللا ثم عليكم .فالظاهر أنه ال يجوز؛ ألن المحذور في اللفظة نفسها ،سواء أفردها أم عطفها. وما حكم الثقة بالنفس؟ فيه تفصيل:
564
تهذيب شرح األصول الثالثة د الثالثةد األصول تهذيب ألنهشرحمن االعتماد على يجوز؛
إن كان بمعنى أن تعتمد على نفسك ،فهذا ال األسباب ،وإن كان بمعنى أنك مجرب لهذا األمر وتعرف من نفسك التجربة وأنه سهل عليك ،فهذا جائز. ما حكم قول :هذا الرجل موثوق يجب أن تثق به؟ فيه تفصيل :إن كان المقصود أنه أمين وال يخون ويقوم بالعمل كما ينبغي فهو جائز ،أما إن كان بمعنى االعتماد عليه وأن النتيجة سوف تحصل ،فهذا من الشرك األصغر. العبادة الخامسة :الرغبة :هي اإلرادة الواسعة ،وتأتي بمعنى الحرص ،وتأتي بمعنى العطاء الكثير ،فإذا كانت في الدعاء فالرغبة فيه إطالته وكثرته والسعة فيه، ويسمى دعاء رغبة ،واإلطالة في العبادة تسمى عبادة رغبة. ومتى تكون الرغبة توحيدا ا؟ تكون بكثرة اإلقبال على هللا ،وسعة اإلقبال على هللا ،دعا ًء وعمالً وعبادة، يكون توحيدا ً. ومتى تكون الرغبة شركا ا؟ تكون إذا أكثر إقباله على شخص معين في قضاء الحوائج المحبوبة ،فهذا يعتبر شركا ً أكبر ،مثل :الذي يتردد على القبور ويقبل عليها إذا انتابه شيء من الحوائج المحبوبة ،فهذا يكون عبادة من دون هللا ،كالذي يكثر طلب حوائجه من الجن والجمادات سواء فيما ال يقدر عليه إال هللا أو غير ذلك. أما لو كثر اإلقبال على المخلوقين في طلب الحوائج المحبوبة وهم يقدرون عليها ،فإن اعتمد عليهم فهذا شرك أصغر ،وإن لم يعتمد عليهم فهذه من األمور التي تنقص التوحيد لحديث « :ال يسترقون ،وال يكتوون ،وعل ى ربهم يتوكلون» ،أما الدليل الذي ذكره المؤلف فقد جمع ثالث عبادات *ﯦ ﯧ ﯨ ﯨ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭﯮ&[األنبياء.]11: وهناك آيات نص في عبادة الرغبة ،كقوله* :ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ&[الشرح* ،]8:ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ&[القلم.]32: العبادة السادسة :الرهبة :هي الخوف الطويل والخوف الشديد. وما الفرق بين الخوف والرهبة؟ ً الفرق زمني .فإذا اضطرب قلبك وقلقت فترة قصيرة هذا يسمى خوفا ،أما لو طال االضطراب والقلق وامتد ،فإنه يسمى رهبة. وهناك فرق آخر :أن الخوف توقع الضرر المحتمل الذي قد يقع وقد ال يقع، ولذا إذا تذكرت أنه سيقع قلقت ،وإذا ذكرت أنه ال يقع اطمأننت.
املنهج املختصر يف الفقه والعقيدة والدعوة
565
أما الرهبة :فتوقع الضرر المتيقن به؛ ولذا يطول الخوف ،فالمحكوم عليه بالقتل يقينا ً راهب؛ ألن الضرر متيقن ،فتجده دائم الخوف حتى يقتل ،أما الذي ال يتوقع القتل في حقه فهذا خائف فقط. متى تكون الرهبة عبادة؟ إذا طال خوفه من هللا. ومتى تكون الرهبة شركا ا؟ إذا طال خوفه من صاحب القبر مثالً ،فهذا شرك أكبر. وظاهر استدالل المصنف باآلية السابقة :أن الرهبة حالة من حاالت الدعاء، وهناك آيات أعم ،مثل قوله تعالى* :ﯪ ﯫ ﯬ&[النحل.]59: العبادة السابعة :الخشوع :بمعنى السكون والهدوء في القلب وفي الصوت وفي النظر والمشي والجوارح ،أي :سكون الجوارح. ومتى يكون الخشوع عبادة؟ إذا وقف أمام هللا ساكنا ً هادئا ً في الجوارح فإن هذا يسمى خشوعا ً؛ ولذا فالمصلي خاشع في الهيئة ،فإنه يقف في الصالة مطأطئ الرأس ينظر إلى مكان سجوده وهذا خشوع ،وإذا مشى إلى الصالة مشى بهدوء ،وغض للصوت والنظر، وهذا خشوع في المشي إلى الصالة. متى يكون الخشوع شركا ا؟ إذا وقف أمام قبر أو شخص هادئ الحركات ساكن الجوارح فهذا خشوع ،وإن لم تطلب منه شيئا ً ،وهو من الشرك األكبر؛ ومثله :لو مشى إلى قبر ولي من األولياء هادئ الجوارح ساكن القلب ،فهذه عبادة خشوع ،ولذا نجد عباد القبور عند القبور هادئين ساكنين؛ ومثله المريد والصوفي ،أمام شيخه تجده هادئا مطأطئ الرأس ساكن الجوارح مع ما في قلبه من خشوع ،فهذه عبادة خشوع من الشرك األكبر ،والدليل قوله تعالى* :ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ&[األنبياء .]11:فاألصل في الخشوع عمل قلبي تدل عليه الجوارح. العبادة الثامنة :الخشية :هي الخوف من الشخص ،فإذا خفت من شخص معين بغض النظر عن العقوبة التي سوف يوقعها بك ،فهذه تسمى خشية ،وهناك فرق بين الخوف والخشية ،فالخوف :هو القلق واالضطراب من العقوبة والمكروه؛ والخشية: الخوف من الشخص ذاته ،فإذا أراد زيد أن يقتلك فاضطربت وقلقت من القتل فهذا يسمى خوفا ً ،أما لو خفت من زيد لذاته بغض النظر عن نوع العقوبة فيقال خشية، وهذا يدل عليه من القرآن قوله تعالى* :ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ&[الرعد ]29:فجعل الخشية هلل والخوف للحساب ،وقوله* :ﯻ ﯼ ﯽ ﯾ ﯿ ﰕ ﰕ&[المؤمنون.]57: ومتى تكون الخشية توحيدا ا؟
566
تهذيب شرح األصول الثالثة د تهذيب شرح األصول الثالثةد
إذا تعلقت خشيتك باهلل. ومتى تكون الخشية شركا؟ا إذا اضطرب قلبك من صاحب القبر أو من جماد ،بغض النظر عما سوف يفعل بك. العبادة التاسعة :اإلنابة :هي الرجوع للشيء مرة بعد مرة. متى تكون اإلنابة توحيدا ا؟ إذا كان يرجع إلى هللا في الملمات مرة بعد مرة ،يقال :أناب إلى هللا. متى تكون اإلنابة شركا ا؟ إذا قصد القبر مرة بعد مرة في الملمات ،يقال :أناب إلى صاحب القبر ،وإن كان الرجوع إليه مرة واحدة كان شركا ً أكبر ،لكن التكرار أشد شركا ً. ما الفرق بين الرغبة واإلنابة؟ الرغبة :هي كثرة الرجوع والتردد ،وكذلك اإلنابة ،لكن الرغبة الرجوع في األمور المحبوبة ،واإلنابة :الرجوع في الملمات والمكروهات. هل اإلنابة بمعنى التوبة؟ التوبة أخص من اإلنابة ،فالتوبة رجوع خاص بصفة معينة ،وهي الرجوع مع اإلقالع والندم. والدليل على التفريق بين التوبة واإلنابة ،قوله تعالى* :ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩﯪ ﯫ&[ص ،]24:أما دليل اإلنابة* :ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ&[الزمر.]54: العبادة العاشرة والحادية عشر والثانية عشر :االستعانة االستعاذة االستغاثة: هذه عبادات متقاربة ،واالستعانة :هي طلب المعونة من هللا. واالستعاذة :هي االلتجاء إلى هللا. واالستغاثة :مأخوذة من الغوث ،فأغاثه بمعنى أعانه ونصره وكشف الشدة عنه ،ويالحظ أن هناك قاسما ً مشتركا ً بين التعاريف. فاالستغاثة ،واالستعانة ،واالستعاذة :هي المعونة والنصرة ،لكنها تختلف باعتبار الحالة والزمن؛ فإذا وقع عليك الشر وطلبت النصرة بإزالته فهذه تسمى استغاثة ،فنداء الغريق يسمى استغاثة ،أما إذا لم يقع عليك الشر حتى اآلن لكنه في الطريق أن يقع عليك فطلبت أن ال يقع فهذه االستعاذة ،أما في األمور العادية إذا لم يقع عليك شر وال تتوقع شرا ً ،فإنه يسمى استعانة. متى تكون توحيدا ا؟ إذا استعان واستغاث واستعاذ باهلل تعالى. متى تكون شركا ا؟
املنهج املختصر يف الفقه والعقيدة والدعوة
567
في الحاالت اآلتية: إذا استعان أو استعاذ أو استغاث بالمخلوق فيما ال يقدر عليه إال هللا ،مثل: االستعانة في رفع القحط ،وهنا ال يقدر عليه إال هللا ونحو ذلك .قال تعالى* :ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ&[الفاتحة.]5: أما االستغاثة واالستعانة واالستعاذة بالمخلوق فيما يقدر عليه مع االعتماد عليه، كما لو وقعت في شدة فاستعنت بالسلطان ،أو كدت تغرق في البحر فاستغثت بالناس، لكنك معتمد عليهم ،فهذا شرك أصغر. وعالمة االعتماد :أن ترتاح إنهم سوف ينقذونك ،وتثق أن اإلنقاذ سوف يحصل من السلطان أو من الناس ،كالذي يستعين بالجيش ويطمئن أن النصر سوف يحصل، فهذا من الشرك األصغر. أما إن كانت المخاطبة عن غير حضور وال سماع ،فهذه طريقة جاهلية ،كما قال تعالى* :ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ&[الجن ،]6:فكانوا إذا نزلوا واديا ً خاطبوهم عن غير حضور ،وهذا من الشرك األكبر ،حتى لو سألتهم ما يقدرون عليه كما لو تعطلت سيارتك فقلت :يا جن أعينوني .أما لو كان ال يقدر عليه إال هللا ،فهذا شرك أكبر. العبادة الثالثة عشر :الذبح :الذبح هو إراقة الدماء ،وذبح العبادة :هو ذبح القرابين تقربا ً إلى هللا وتعظيما ً وتذلالً بطريقة مخصوصة. متى يكون الذبح توحيدا ا؟ إذا ذبح تعظيما ً هلل وتقربا ً. متى يكون الذبح لغير هللا شركا ا؟ إذا ذبح لغير هللا تقربا ً وتعظيما ً ،ومعنى تقربا ً :أي :حتى ينفعه لجلب خير أو دفع شر؛ فهدفك من وراء الذبح له أن ينفعك دنيويا ً أو أخرويا ً؛ أو يدفع شرا ً أو آفة عنك ،فيقصد القرب المعنوي ،أما تعظيما ً :فمعناه أن يقوم في قلبه عظمته ومكانته فيدفعه هذا التعظيم واإلجالل إلى أن يذبح له. وله عدة صور: -9الذبح للجن تخلصا ً من شرهم ،أو لكي يساعدوك في شيء ،ومثله الذبح للجن لفك السحر والعين ،هنا تكون مشرك شرك أكبر .لحديث« :لعن هللا من ذبح لغير هللا». -2الذبح على عتبات البيوت إذا تم بناؤها ،أو عند تأسيس البيت لكي يسلم من شر الجن والحسد والعين ،ومثله :الذبح عند تأسيس أي شيء ،كحفر بئر ونحو ذلك. -3الذبح لألموات واألولياء على أضرحة قبورهم ،إما تعظيما ً لهم ،أو إجالالً، أو لكي ينفعوه في الدنيا أو في اآلخرة.
568
تهذيب شرح األصول الثالثة د الثالثةد األصول شرح يقصد به إهداء تهذيبالذبح فهذا
أما الذبح لألموات من باب الصدقة واألضحية، األجر لهم ،ال أن الذبح ذاته لهم. ً ً -4الذبح للسلطان واألمير والكبراء تعظيما لهم أو تقربا لهم ،كي ينفعوك في مال أو منصب ونحو ذلك ،وهذا من الشرك األكبر ،لمفهوم قوله تعالى* :ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ&[الكوثر.]2: ونقل الشيخ سليمان الحفيد ،في تيسر العزيز الحميد عن علماء بخارى( :أن الذبح عند طلعة السلطان مما أهل به لغير هللا .وصورتها :أن تؤخذ الذبيحة فتذبح إذا نزل من الطائرة ،أو إذا دخل من الباب ،أو عند قدومه ،أو عند طلعته ،وعالمة ذلك: أن تذبح في وجوههم وال يهمك بعد ذلك لحم هذه الذبيحة ،فيهمك أن يعلموا أن الذبح لهم ،أما لو ذبحت لهم في مكان آخر كالمسلخ مثالً ،ثم أتيت باللحم ألكله من باب الضيافة ،فهذا جائز في األصل ،وقد يكون محرما ً إن كان فيه إسراف ،وقد يكون مستحبا ً إن كان من باب إكرام الضيف ،لورود أحاديث تحث على ذلك ،كقوله عليه الصالة والسالم« :ومن كان يؤمن باهلل واليوم اْلخر ،فليكرم ضيفه» ،أخرجاه في الصحيحين من حديث أبي هريرة). ومن الشرك األكبر :أن يذكر عند الذبح غير اسم هللا ،مثل قوله :باسم الشعب، أو باسم الملك ،أو باسم األمة ،أو باسم المسيح ،أو يذكر اسم هللا ويذكر معه غيره، وهذا شرك أكبر .قال تعالى* :ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ&[الكوثر ،]2:وقوله* :ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ&[البقرة.]22: هل ينقسم الذبح إلى شرك أكبر وشرك أصغر؟ ال ينقسم الشرك في الذبح؛ ألنها عبادة ،ومن صرف عبادة لغير هللا فهو شرك أكبر ،أما الشرك األصغر فهو ما كان دون صرف العبادة. العبادة الرابعة عشر :النذر :هو إلزام المكلف نفسه شيئا ً ليس بواجب تعظيما ً للمنذور له وتقربا ً. متى يكون النذر توحيدا ا؟ أما التقرب إلى هللا بالنذر بهذا المعنى فاختلف فيه أهل العلم ،فبعضهم يكره النذر ابتداء ،واختيار ابن تيمية :أن ابتداء النذر حرام ،لكن إذا فعله اإلنسان وجب الوفاء به ،هذا إذا كان النذر ليس معصية .لحديث ابن عمر مرفوعا ً« :إنه ال يأتي بخير ،إنما يستخرج به من مال البخيل» متفق عليه. متى يكون النذر شركا ا؟ إذا لزم نفسه شيئا ً لغير هللا تعظيما ً ما دام في قلبك إجالله واحترامه فدفعك إلى أن تنذر له ،وتقربا ً :وهو التماس الخير منه بهذا النذر. وله صور: كأن يقول :إن شفى هللا مريضي ،فلقبر الولي الفالني كذا من الغنم أو المال.
املنهج املختصر يف الفقه والعقيدة والدعوة
569
وأن يقول :للقبر الفالني كذا من المال ،أو للشيخ الفالني إن نجحت العملية أو سلمت من المرض. ً ً وإذا ضاع له شيء يقدم طيبا أو ذهبا لقبر الولي حتى يجده. وكل هذه الصور شرك أكبر .ومناطه القول أو الفعل وليس االعتقاد. ثم ذكر المصنف دليل النذر وهو قوله تعالى* :ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ&[اإلنسان.]7:
تهذيب شرح األصول الثالثة
571
األصل الثاني
د تهذيب شرح األصول الثالثةد
قال المصنف [ :/األصل الثاني :معرفة دين اإلسالم باألدلة ،وهو االستسالم هلل بالتوحيد ،واالنقياد له بالطاعة ،والبراءة من الشرك وأهله ،وهو ثالث مراتب: اإلسالم ،واإليمان ،واإلحسان]. الشرح: األصل الثاني :وهو معرفة دين اإلسالم باألدلة ،هذا هو األصل الثاني من األصول الثالثة ،وهو معرفة الدين. والدين لغة :يطلق على العمل والجزاء والحساب .واصطالحا ا :ما شرعه هللا من األحكام ،واألصول واألركان على لسان رسوله. (دين اإلسالم) يقصد باإلسالم المعنى العام ،فيدخل فيه اإليمان واإلحسان واإلسالم بالمعنى الخاص. (باألدلة) الباء للمصاحبة :أي :أن معرفتك باإلسالم مصاحبة. ثم عرف المصنف الدين فقال( :هو االستسالم هلل بالتوحيد ،واالنقياد له بالطاعة ،والبراءة من الشرك وأهله). قوله( :االستسالم هلل) أي :االنقياد والخضوع. (بالتوحيد) أي :بإفراده باأللوهية والربوبية واألسماء والصفات ،ويكون المعنى أن تذل وتخضع هلل بما يستحق من األسماء والصفات ومن الربوبية والعبادة. (واالنقياد له بالطاعة) االنقياد هي المالينة ،يقال :انقاد إذا الن. (بالطاعة) اسم جامع لكل ما يحبه هللا ويرضاه. (والبراءة من الشرك وأهله) من باب عطف الخاص على العام ،وإالّ فإن البراءة من الشرك تدخل في االستسالم هلل بالتوحيد؛ ألن معنى التوحيد هو النفي وهو البراءة ،واإلثبات وهو االستسالم بالتوحيد ،لكن أفردها المصنف ألهميتها. أما معنى البراءة :فبرئ بمعنى تخلص وترك .ومنه يقال :برئت من المرض إذا تخلصت منه ،ويقال :استبرأت المرأة إذا لم يكن في رحمها شيء ،ويقال :برئ من الدين إذا سقط وتخلص منه. واصطالحا ا :هو البغض والعداوة واالبتعاد عن الشرك والمشركين ،اعتقادا ً وعمالً وسكنا ً. وقسم المصنف البراءة إلى قسمين: -9البراءة من العمل ،وهو البراءة من الشرك والكفر ،وهذا فرض الزم، كالبراءة من الديمقراطية ،ومن البرلمانات ،ومن الحداثة ،ومن العلمانية ...إلخ.
املنهج املختصر يف الفقه والعقيدة والدعوة
575
-2البراءة من العامل ،وهو الذي أشار إليه المصنف بقوله( :وأهله) أي: البراءة من المشركين والكفار ،مثل :أن تكره وتبغض وتعادي وتكفر العلمانيين والقوميين والحداثيين والرافضة ،وتبرأ من أعمالهم ،وتبغضهم ،وتعاديهم ،وتخرجهم من الملة. أما كيف البراءة في هذين القسمين فكالتالي: -9البراءة القلبية ،وهي أن تبغض المشركين والشرك بقلبك وتكرههم ،وتتمنى زوالهم ،كبغض النصارى واليهود والهندوس والشيوعيين والعلمانيين واللبراليين والحداثيين والرافضة .وحكم هذا القسم فرض الزم ،وال يمكن أن يسقط عن المسلم؛ ألنه متعلق بالقلب ،والدليل على ذلك حديث أبي مالك األشجعي عن أبيه مرفوعا ً: «من قال :ال إله إال هللا ،وكفر بما يعبد من دون هللا؛ حرم ماله ودمه ،وحسابه على هللا تعالى» رواه مسلم. -2براءة اللسان من الشرك وأهله ،بأن تبغض الكفار ودينهم الباطل ،وتخبر بأنهم كفار .والدليل قوله تعالى* :ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ&[الكافرون ]2-9:قل :أي بلسانك *ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ&[الزخرف ]26:وهذا باللسان براء من دينهم. لكن أقل الفرض الالزم ما تعلق بالجنس والنوع ،بأن يذكر من األلفاظ ما يدل أنه ال يريدهم وال يرتاح لهم ،وأنهم على مخالفة وضالل. -3براءة الجوارح ،وذلك باالبتعاد عنهم ،وبمجاهدتهم بالجوارح ،وتكسير معبوداتهم الشركية ،وقتلهم ،والدليل قوله تعالى* :ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗﭘ&[التوبة .]73:وقوله عليه الصالة والسالم« :من رأى منكم منكرا ا فليغيره بيده» رواه مسلم. وهذا القسم يجب مع القدرة ،ويسقط مع العجز. وما حكم مساكنة المشركين؟ هي أقسام: مساكنتهم محبة لهم ولدينهم ،فهذا كفر ،وهو مخالف ومناقض للبراءة منالمشركين ،لما جاء في حديث جرير بن عبد هللا مرفوعا ً« :أنا بريء من كل مسلم يقيم بين أظهر المشركين ،قالوا :يا رسول هللا لم؟! قال :ال تراءى ناراهما» رواه أبو داود. وهناك مساكنة نصرة ،ومظاهرة ،ومساكنة ،ومتابعة ،وموافقة ،وكل هذهالخمس مخرجة من الدين؛ ألنها تولي ،فحكمها حكمه .قال تعالى* :ﭑﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙﭚ ﭛ ﭜ ﭝﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣﭤ&[المائدة ،]59:وقوله تعالى* :ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ&[الممتحنة.]93: ولكن لو ساكنهم وهو يبغضهم ويبغض دينهم وال يتوالهم ،لكن ساكنهملحاجة ،مع أنه يصرح بالتبرؤ منهم ،ويستطيع أن يجهر بدينه ،فهذا جائز.
571
تهذيب شرح األصول الثالثة د الثالثةد األصول شرحكانت بلده بلد كفر تهذيب لو مجبر ،كما
أو يساكنهم من باب القهر والضرورة؛ ألنهلكن أسلم ،ومع ذلك ال يستطيع التصريح بالبراءة منهم ومن دينهم ،فهذا يحرم عليه مساكنتهم ،وتجب عليه الهجرة مع االستطاعة ،وإذا لم يستطع فعليه أن يبتعد ويقلل من مخالطتهم ويصبر ،حتى يأتي فرج هللا. قوله( :وهو -أي الدين -ثالث مراتب) وهذا يعني أنها مراتب بعضها أعلى من بعض ،إنما هي درجات ومراتب ودوائر بعضها أوسع من بعض.
املنهج املختصر يف الفقه والعقيدة والدعوة
573
فصل
قال المصنف [ :/وكل مرتبة لها أركان ،فأركان اإلسالم :خمسة والدليل من السنة :حديث ابن عمر ب ،قال :قال رسول هللا ^« :بني اإلسالم على خمس ،شهادة أن ال إلَه إال هللا ،وأن محمدا ا رسول هللا ،وإقام الصالة ،وإيتاء الزكاة ،وصوم رمضان ،وحج بيت هللا الحرام ،من استطاع إليه سبي الا» ،والدليل قوله تعالى* :ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ&[آل عمران.]85: ودليل الشهادة قوله تعالى * :ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ&[آل عمران ]58:ومعناها :ال معبود بحق إال هللا وحد النفي من اإلثبات :ال إلَه :نافيا ا جميع ما يعبد من دون هللا ،إال هللا :مثبتا ا العبادة هلل وحده ،ال شريك له في عبادته ،كما أنه ال شريك له في ملكه. وتفسيرها الذي يوضحها قوله تعالى* :ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ&[الزخرف]17-16: وقوله تعالى* :ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ&[آل عمران.]64: ودليل شهادة :أن محمدا ا رسول هللا ،قوله تعالى* :ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ&[التوبة]518:
ومعنى شهادة أن محمدا ا رسول هللا :طاعته فيما أمر ،وتصديقه فيما أخبر ،واجتناب ما عنه نهى وزجر ،وأن ال يعبد هللا إال بما شرع].
574
تهذيب شرح األصول الثالثة د تهذيب شرح األصول الثالثةد
الشرح: المرتبة األولى :اإلسالم: اإلسالم لغة :مشتق من التسليم ،يقال :استسلم فالن إذا انقاد وخضع ،ومشتق من المهادنة ،يقال :تسالم بنو فالن أي تهادنوا .واصطالحا ا :له معنيان ،المعنى الخاص والمعنى العام. يعرف اإلسالم بالتعريف الخاص ،وهو: فإن ذكر اإليمان مع اإلسالم فهنا ّ االنقياد والخضوع هلل باألعمال الظاهرة كالتوحيد والصالة ...إلخ. وإذا لم يذكر اإليمان مع اإلسالم ،فإن تعريف اإلسالم يكون واسعا ً ،ويكون: مطلق االنقياد لشرع هللا عمالً واعتقادا ً ،وهذا معنى قولهم :اإلسالم واإليمان إذا افترقا اجتمعا والعكس. قوله( :كل مرتبة لها أركان ،وأركان اإلسالم خمسة) الركن لغة :هو جانب الشيء األقوى .واصطالحا ً :ما كان داخالً في الشيء وما تتوقف عليه صحته، بمعنى :أن اإلسالم متوقف على هذه األركان ،وهي: ً -9التوحيد ،وهو شهادة أن ال إله إالّ هللا ،وأن محمدا رسول هللا -2 .إقام الصالة -3 .إيتاء الزكاة -4 .صوم رمضان -5 .حج بيت هللا الحرام. قال المصنف( :خمسة ،والدليل من السنة :حديث ابن عمر ب ،قال :قال رسول هللا ^« :بني اإلسالم على خمس ،شهادة أن ال إلَه إال هللا ،وأن محمدا ا رسول هللا، وإقام الصالة ،وإيتاء الزكاة ،وصوم رمضان ،وحج بيت هللا الحرام ،من استطاع إليه سبي الا» ،والدليل قوله تعالى* :ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ&[آل عمران.)]85:
املنهج املختصر يف الفقه والعقيدة والدعوة
575
ثم بدأ المصنف يذكر أدلة كل ركن: -9أ -دليل الشهادة ،قوله تعالى* :ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ&[آل عمران ]98:ومعناها :ال معبود بحق إالّ هللا؛ وحد النفي من اإلثبات :ال إله :نافيا ً جميع ما يعبد من دون هللا ،إال هللا :مثبتا ً العبادة هلل وحده ،ال شريك له في عبادته ،كما أنه ال شريك له في ملكه .وتفسيرها الذي يوضحها ،قوله تعالى* :ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ&[الزخرف ]27-26:وقوله تعالى* :ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ&[آل عمران.]64: -9ب -ودليل شهادة أن محمدا ً رسول هللا ،قوله تعالى* :ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ&[التوبة]928:
ومعنى شهادة أن محمدا ً رسول هللا :طاعته فيما أمر ،وتصديقه فيما أخبر ،واجتناب ما عنه نهى وزجر ،وأن ال يعبد هللا إال بما شرع. والدليل قوله تعالى* :ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ&[آل عمران ]98:ومعناها :ال معبود بحق إال هللا ،وهذا تفسير أهل السنة والجماعة لمعنى ال إله إال هللا. وأما األشاعرة والجهمية والرافضة والباطنية والصوفية والقبورية ،فإنهم يفسرونها بـ(ال رب إال هللا) أي :ال خالق وال متصرف إال هللا ،وهذا انحراف خطير؛ ألنهم يفسرون األلوهية بمعنى الربوبية ،فيقال لهم :الكفار مقرون بربوبية هللا ،فعلى كالمهم :إن الكفار أتوا بـ(ال إله إال هللا)!! وهذا يرده اإلجماع. وأما الفالسفة فيقولون :ال موجود إال هللا ،فمن أثبت وجود هللا فإنه موحد!! وعلى هذا الكالم فإبليس من الموحدين؛ ألنه يثبت وجود هللا. وأما عند العلمانيين :فهو اإلقرار بربوبية هللا وبعض األمور الشخصية ،أما التشريع والحكم واألمر والنهي فليس هلل!! قوله( :أركانها) أي :أركان ال إله إال هللا: ركنان :أ -نفي .ب -إثبات. النفي :قال المصنف( :ال إله :نافيا ً جميع ما يعبد من دون هللا). اإلثبات :قال المصنف (إال هللا :مثبتا ً العبادة هلل). ثم ذكر المصنف الدليل على النفي واإلثبات ،وهو قوله تعالى* :ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ&[الزخرف .]26:وهذا موضع النفي* .ﮋ ﮌ ﮍ&[الزخرف ،]27:وهذا موضع اإلثبات. الدليل الثاني قوله تعالى* :ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ&[آل عمران .]64:فموضع النفي *ﭳ ﭴ& ،وموضع اإلثبات *ﯞ ﯟ&. (شهادة أن محمدا ً رسول هللا) ودليلها* :ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ& [التوبة ]928:أما معناها فقال المصنف( :طاعته فيما أمر ،وتصديقه فيما أخبر ،واجتناب ما نهى عنه وزجر ،وأال يعبد هللا إال بما شرع) اهـ.
تهذيب شرح األصول الثالثة
576
د شرح األصول الثالثةد تهذيب االختيار.
(طاعته فيما أمر) معنى الطاعة الموافقة على وجه (فيما أمر) أوامره عليه الصالة والسالم على قسمين: أن يأمر به على وجه اإللزام ،وهذا الواجب. أن يأمر به ال على وجه اإللزام ،وهذا المستحب.(تصديقه) في كل ما أخبر به ،ونسبته إلى الصدق في األمور الحاضرة والمستقبلة والمعينة وكل شيء. (اجتناب ما نهى عنه وزجر) لعله يقصد بما زجر عنه الكبائر ،وما ورد فيه وعيد وزواجر؛ ألن العطف يقتضي المغايرة. وتوحيد االتباع ،فال يعبد هللا إال بما جاء عن رسوله ^. ( -2الركن الثاني إقام الصالة) والدليل قوله تعالى* :ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﭨ&[البينة.]5: وهذا من أركان األساس ،وتارك الصالة يكفر ،سواء جحودا ً أو امتناعا ً أو كسالً ،والدليل قوله تعالى* :ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠﮡ&[التوبة .]99:ومفهوم اآلية :إذا لم يقيموا الصالة فليسوا إخواننا بل هم كفار. وحديث جابر عند مسلم« :بين الرجل وبين الشرك ترك الصالة» ،وهذا اللفظ( :ترك الصالة) لفظ عام يشمل التارك جحودا ً والتارك كسالً أو امتناعا ً ،وعليه إجماع الصحابة والتابعين ،وال يُلتفت لخالف من بعدهم بعد أن صح اإلجماع ،ونقل اإلجماع شقيق بن عبد هللا وإسحاق بن راهويه قال( :وكذلك كان رأي أهل العلم من لدن النبي ^ إلى زماننا هذا ،أن تارك الصالة عمدا ً من غير عذر حتى يذهب وقتها كافر) ()1
اهـ .
()2
وقال ابن حزم ( :فروينا عن عمر بن الخطاب ا ومعاذ بن جبل وابن مسعود وجماعة من الصحابة ي ،وعن ابن المبارك وأحمد بن حنبل وإسحاق بن راهويه رحمة هللا عليهم ،وعن تمام سبعة عشر رجالً من الصحابة والتابعين ي ،أن من ترك صالة فرض عامدا ً ذاكرا ً حتى يخرج وقتها ،فإنه كافر مرتد) اهـ. ونقل اإلمام محمد بن نصر المروزي في كتابه تعظيم قدر الصالة الجزء الثاني ،إجماع الصحابة أن ترك الصالة تكاسالً كفر. ( )1التمهيد (.)225/4 ( )2الفصل في الملل (.)928/3
املنهج املختصر يف الفقه والعقيدة والدعوة
577
ويكفر إذا ترك صالة واحدة حتى خرج وقتها وهو متعمدا ً عالما ً ،وإن تركها خفية أو يصلي أحيانا ً ويترك أحيانا ً ولم يظهر ذلك ،فإنه يكفر كفر نفاق مخرج من الملة. -3الركن الثالث أداء الزكاة والدليل* :ﭩ ﮤﮥ&[البينة.]5: وإذا تركها جحودا ً كفر إجماعا ً ،وكذا امتناعا ً ،وهو إجماع الصحابة في عهد ()1
الصديق ،وصح من قول ابن مسعود ورواه ابن حزم عن ابن عباس. وإن تركها كسالً وبخالً فيكفر كفر نفاق ،قال تعالى* :ﮒﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﭨ ﭩ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩﮪ ﮫ ﮪ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ&[التوبة.]77-75: قال ابن كثير( :يقول تعالى :ومن المنافقين من أعطى هللا عهده وميثاقه لئن أغناه من فضله ليصدقن من ماله وليكونن من الصالحين ،فما وفى بما قال ،وال صدق فيما ادعى ،فأعقبهم هذا الصنيع نفاقا ً سكن في قلوبهم إلى يوم يلقوا هللا Qيوم القيامة ،عياذا ً باهلل من ذلك) اهـ. وعن أبي هريرة ا قال« :أمر رسول هللا ^ بالصدقة ،فقيل :منع ابن جميل، فقال النبي ^ :ما ينقم ابن جميل ،إال أنه كان فقيرا ا فأغناه هللا» رواه البخاري ومسلم، وقال تعالى* :ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ&[الماعون.]7-6: -4الركن الرابع الصوم والدليل* :ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ&[البقرة .]983:وعن ابن عباس وغيره مثل ذلك في تارك الزكاة والصيام. -5الركن الخامس الحج والدليل* :ﮪ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ&[آل عمران.]17: ()2
قال ابن حزم ( :وروينا عن عمر ا مثل ذلك في تارك الحج) أي :في كفر تارك الحج. أما الدليل العام على كفر من ترك الفرائض واألركان الخمسة السابقة :قال عبد ي قال :سألنا سفيان بن عيينة عن اإلرجاء. هللا بن أحمد( :حدَّثنا سويد بن سعيد الهرو ّ فقال :يقولون :اإليمان قو ٌل وعم ٌل ،والمرجئة أوجبوا الجنَّة لمن شهد أ َّن ال إله إال هللا مصـرا بقلبه على ترك الفرائض ،وس ّموا ترك الفرائض ذنبا ً بمنزلة ركوب المحارم، ًّ وليس بسواء؛ أل َّن ركوب المحارم من غير استحال ٍل معصية ،وترك الفرائض متع ِ ّمدا ً من غير جهل وال عذر ،هو كفر) اهـ من كتاب السنَّة لعبد هللا بن أحمد. ( )1الفصل في الملل (.)928/3 ( )2الفصل في الملل (.)928/3
578
تهذيب شرح األصول الثالثة د الثالثةد األصول تهذيب شرح التي قال رسول الخمس ترك
سنَّة( :إنَّما الكفر في ي في أصول ال ُّ وقال الحميد ّ َّ ا َّ ي اإلسالم على خمس :شهادة أن ال إله إ ال هللا ،وأن مح َّمدا رسول هللا، هللا ^« :بُنِ َ ص الة ،وإيتاء الزكاة ،وصوم رمضان ،وحج البيت»). وإقام ال َّ وإن كانت طائفة ممتنعة ذات شوكة رفضت أن تلتزم الزكاة ،أو تلتزم الصوم أو الحج ،فإنها تقاتل على الكفر ،كما أفتى بذلك ابن تيمية ،/وهو قتال على الردة، واستدل بمقاتلة الصحابة لمانعي الزكاة.
املنهج املختصر يف الفقه والعقيدة والدعوة فصل
579
قال المصنف [ :/المرتبة الثانية :اإليمان ،وهو بضع وسبعون شعبة أعالها قول :ال إلَه إال هللا ،وأدناها إماطة األذى عن الطريق ،والحياء شعبة من اإليمان، وأركانه :ستة ،أن تؤمن باهلل ،ومالئكته ،وكتبه ،ورسله ،واليوم اْلخر ،والقدر خيره وشره كله من هللا .والدليل قوله تعالى* :ﭑﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ&[البقرة ]577:ودليل القدر قوله تعالى* :ﰊ ﰊ ﰊ ﰊ ﰊ ﰊ&[القمر.]]49: الشرح: اإليمان لغة :التصديق ،قوله* :ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ&[يوسف .]97:واصطالحا ا :اإليمان له معنيان :معنى عام وخاص ،فإذا تفرد عن اإلسالم فيفسر بالمعنى العام ،ويكون اإليمان :قول باللسان ،وعمل سواء بالجوارح أو القلب ،واعتقاد بالجنان .أي :هو الخضوع واإلتيان بالدين كله عمالً واعتقادا ً. وأما إن اجتمع مع اإلسالم فيفسر بالتفسير الخاص :وهو التصديق واالعتقاد بما جاء من شرع هللا .وعلى ذلك :فاإليمان يطلق على العمل الباطن ،واإلسالم على األعمال الظاهرة. قال المصنف( :وأركانه :ستة ،أن تؤمن باهلل ،ومالئكته ،وكتبه ،ورسله ،واليوم اآلخر ،والقدر خيره وشره كله من هللا ،وهو يضع وسبعون شعبة) البضع :من الثالثة إلى التسعة ،والشعبة :هي الطائفة والخصلة. (أعالها) أي :أعلى ال ُّ شعب بمعنى اإليمان العام ،وإالّ فإن قول :ال إله إال هللا إسالم؛ ألن اإلسالم األعمال الظاهرة .ومنه القول .أما أعالها بالمعنى اإليمان الخاص فهو اعتقاد ما في شهادة أن ال إله إال هللا؛ ألن اإليمان بالمعنى الخاص هو االعتقاد. (أدناها) بالمعنى العام (إماطة األذى عن الطريق). (والحياء شعبة من اإليمان) وهذا بالمعنى الخاص؛ ألن الحياء عمل قلب واعتقاد. والمصنف هنا ذكر ثالث جهات ،وذكر عمل كل جهة ،فجهة اللسان مثل :ال إله إال هللا ،وجهة الجوارح مثّل لها :بإماطة األذى ،وجهة القلب مثّل لها :بالحياء. أما األركان فهي ستة ،كالتالي: -9أن تؤمن باهلل ،ومعناه التصديق بأسمائه وصفاته وربوبيته وألوهيته. -2اإليمان بالمالئكة ،وهو التصديق بوجودهم وبما وكل إليهم من أعمال. -3اإليمان بالكتب ،بما نزل هللا من كتب على رسله. -4اإليمان بالرسل ،وهو التصديق بما أرسل هللا من رسل واإليمان بهم.
581
تهذيب شرح األصول الثالثة د الثالثةد األصول تهذيب شرح وبالحساب والعقاب، اآلخر،
-5اإليمان باليوم اآلخر ،أي :التصديق باليوم والجنة والنار ،وعذاب القبر. -6أن تؤمن بالقدر خيره وشره ،أي :أن تصدق بما قضاه هللا وقدره. وكيفيه اإليمان بالقدر :أن تؤمن أن هللا علم بالشيء قبل وجوده ،ومشيئته له، وكتابته له في اللوح المحفوظ ،وأن هللا أوجده. وقوله( :شره) ظاهره أن القدر فيه شر ،ولكن هذا فيه تفصيل: أما باعتبار فعل هللا وقضائه وقدره فكله خير ليس فيه شر ،لحديث« :والشرليس إليك». -أما باعتبار الناس ففيه شر ،فالكفر والمعاصي وإبليس شر.
املنهج املختصر يف الفقه والعقيدة والدعوة فصل
585
قال المصنف [ :/المرتبة الثالثة :اإلحسان ،ركن واحد ،وهو :أن تعبد هللا كأنك تراه ،فإن لم تكن تراه فإنه يراك ،والدليل قوله تعالى* :ﯿ ﰊ ﰊ ﰊ ﰊ ﰊ ﰊ ﰊ ﰊ&[النحل ]518:وقوله تعالى* :ﮈﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓﮔ&[لقمان ]11:وقوله تعالى* :ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ&[الشعراء ]159-158:وقوله تعالى* :ﯨ ﯨ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ ﯶ ﯷ ﯸ ﯹ ﯺ ﯻﯼ&[يونس.]65: والدليل من السنة :حديث جبريل المشهور × ،عن عمر ا قال« :بينما نحن جلوس عند رسول هللا ^ ،إذ دخل علينا رجل ،شديد بياض الثياب ،شديد سواد الشعر، ال يرى عليه أثر السفر ،وال يعرفه منا أحد ،حتى جلس عند النبي ^ ،فأسند ركبتيه إلى ركبتيه ،ووضع كفيه على فخذيه ،فقال يا محمد :أخبرني عن اإلسالم؟ قال :أن تشهد أن ال إلَه إال هللا ،وأن محمدا ا رسول هللا ،وتقيم الصالة ،وتؤتي الزكاة ،وتصوم رمضان ،وتحج البيت الحرام إن استطعت إليه سبي الا؛ قال صدقت ،فعجبنا له :يسأله، ويصدقه. قال :أخبرني عن اإليمان؟ قال :أن تؤمن باهلل ،ومالئكته ،وكتبه ،ورسله، واليوم اْلخر ،والقدر خيره وشره؛ قال :صدقت .قال :أخبرني عن اإلحسان؟ قال :أن تعبد هللا كأنك تراه ،فإن لم تكن تراه ،فإنه يراك؛ قال :صدقت .قال أخبرني عن الساعة؟ قال :ما المسؤول عنها بأعلم من السائل .قال :أخبرني عن أماراتها؟ قال :أن تلد األمة ربها ،وأن ترى الحفاة ،العراة ،العالة ،رعاء الشاء ،يتطاولون في البنيان، فمضى فلبثنا مليا ا ،فقال النبي ^ :يا عمر :أتدرون من السائل؟ قلنا :هللا ورسوله أعلم؟ قال :هذا جبريل ،أتاكم يعلمكم أمر دينكم»]. الشرح: اإلحسان :لغة :مشتق من الحسن ،ويطلق على اإلتقان واإلجادة .واص طالحا ا: هو إتقان الظاهر والباطن ،أي :إتقان اإلسالم واإليمان ،وهو أعلى المراتب ،فإذا أتقن اإلنسان وأحسن في إسالمه وأتقن كذلك إيمانه ،فإنه يكون من المحسنين. واإلحسان له ركن واحد :أن تعبد هللا كأنك تراه ،أي :تعبد هللا عبادة متقنة مجردة .ومعنى أن تعبد هللا أي :تذل وتخضع هلل في أعمالك الظاهرة واعتقاداتك الباطنة. وهذا الركن له مرتبتان: (أ) مرتبة االستحضار ،وتعريفها :أن تعبد هللا كأنك تراه ،فتستحضر في عبادتك أنك بين يدي هللا ،وهي مرتبة المحبة والتطلع والشوق ،وهي أكمل.
581
تهذيب شرح األصول الثالثة د الثالثةد األصول شرح عليك ويراقبك، تهذيبمطلع وتشعر أنه
(ب) مرتبة االطالع ،وتعريفها :أن تعبد هللا وهذا يورث حسن العبادة. ثم ذكر المصنف الدليل على ذلك ،فبدأ بالدليل على المرتبة األولى وهي األفضل ،قال تعالى* :ﯿ ﰕ ﰕ ﰕ ﰕ ﰕ ﰕ ﰕ ﰕ&[النحل ]928:أي :متقنون األعمال واالعتقادات. أما الدليل على المرتبة الثانية ،فذكر المصنف دليلين* :ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ&[الشعراء ]298-297:أي :يطلع عليك ويراقبك ،وهذا يورث اإلحسان في اإلسالم واإليمان. والدليل الثاني ،قوله تعالى* :ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ ﯶ ﯷ ﯸ ﯹ ﯺ ﯻﯼ&[يونس ]69:أي :تشعر أن هللا يشاهدك ،وهذا يورث اإلحسان في األعمال واالعتقادات. قال المصنف( :والدليل من السنة) أي :على مراتب الدين الثالثة. قوله في حديث جبريل المشهور( :إذ طلع علينا رجل) فيه :أن المالئكة قد تتشكل في صورة رجال بإذن هللا ،وقد كان جبريل يأتي على هيئة دحية الكلبي ،وفي الصحيح :أن ملكا ً جاء إلى رجال في صورة أعمى ،وصورة أبرص ،وصورة أقرع. (شديد بياض الثياب) أي :وذلك غير معتاد للمسافر أن تكون ثيابه بيضاء. (شديد سواد الشعر) أي :أن بدنه ومظاهره نظيفة ،وهذا أول ما أشكل على الصحابة لكونه مسافرا ً ،ونظيفة خالف عادة المسافر! (حتى جلس إلى الرسول ^) أي :فجاء يتخطى الرقاب ،وتخطي الرقاب يكره إال لحاجة. (فأسند ركبتيه إلى ركبتيه ،ووضع كفيه على فخذيه) أي :جلس كما يجلس المصلي في الجلسة بين السجدتين ،والضمير في كفيه وفخذيه يعود على جبريل. قوله( :فقال :يا محمد) ناداه باسمه ،مع أن هللا قال* :ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃﮄ&[النور ]63:ولم يذكر الصالة والسالم على الرسول ،وهذا يؤيد أن الصالة والسالم على الرسول عند ذكر اسمه سنة مؤكدة ،ويكون صارفا ً لألمر في قوله تعالى* :ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ&[األحزاب ]56:إلى االستحباب. ثم سأله عن اإلسالم فأجابه الرسول ^ ،بأن اإلسالم هو :الذل والخضوع هلل باألركان الخمسة ،وهي :الشهادتان والصالة والصوم والزكاة والحج ،فقال: « صدقت» ،وهذا تعجب من الصحابة؛ ألن السائل عادة ال يصحح الجواب. ثم سأله عن اإليمان ،فأخبره أن اإليمان هو :الذل والخضوع هلل باالعتقادات الباطنة. ثم سأله عن اإلحسان ،فأخبره :أن تذل وتخضع هلل بإتقان اإلسالم واإليمان هلل.
املنهج املختصر يف الفقه والعقيدة والدعوة
583
ثم سأله عن الساعة فلم يجبه الرسول ^ عن هذا السؤال؛ ألنه سأل عن وقتها، ووقت الساعة ال يعلمه إال هللا. ثم سأله عن عالمات الساعة ،فأخبره عن عالمتين ،والجامع بين العالمتين أن فيها انعكاس األمور ،فيكون أسفل الشيء أعاله!! العالمة األولى :أن تلد األمة ربتها ،بحيث يصير المربي وهي األم مربيا ً عندما تكثر اإلماء. العالمة الثانية :أن يكون فقراء الناس هم أعالي الناس. ثم بعد ذلك أخبر الصحابة عن السائل أنه جبريل أتاهم يعلمهم الدين. وقوله في الحديث« :هللا ورسوله أعلم» ،هذه تقال في حياة الرسول ^ ،أما بعد وفاة الرسول ^ فيقول من سئل عما ال يعلم :هللا أعلم.
تهذيب شرح األصول الثالثة
584
األصل الثالث
د تهذيب شرح األصول الثالثةد
قال المصنف [ :/األصل الثالث :معرفة نبيكم محمد ^ ،وهو :محمد بن عبد هللا بن عبد المطلب ،بن هاشم ،وهاشم من قريش ،وقريش من العرب ،والعرب من ذرية إسماعيل بن إبراهيم الخليل ،على نبينا وعليه أفضل الصالة والسالم ،وله من العمر ثالث وستون سنة ،منها أربعون قبل النبوة ،وثالث وعشرون نبيا ا رسو الا ،نبئ بإقرأ، وأرسل بالمدثر ،وبلده مكة ،وهاجر إلى المدينة. بعثه هللا بالنذارة عن الشرك ،ويدعو إلى التوحيد ،والدليل قوله تعالى* :ﮪ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ&[المدثر ]7-5:ومعنى* :ﮯ ﮰ ﮱ&[المدثر]1: ينذر عن الشرك ،ويدعو إلى التوحيد *ﯓ ﯔ ﯕ&[المدثر ]3:أي :عظمه بالتوحيد *ﯖ ﯗ ﯘ&[المدثر ]4:أي :طهر أعمالك عن الشرك *ﯙ ﯚ ﯛ&[المدثر ]5:الرجز األصنام ،وهجرها تركها ،والبراءة منها وأهلها. أخذ على هذا عشر سنين ،يدعو إلى التوحيد ،وبعد العشر عرج به إلى السماء، وفرضت عليه ال صلوات الخمس ،وصلى في مكة ثالث سنين]. الشرح: معرفة هذا األصل يتضمن: -9العلم باسم الرسول ^ ونسبه. -2كونه نبيا ً رسوالً. -3معرفة هجرته. -4معرفة ما أرسل به. -5معرفة شيء من سيرته الذاتية ،كعمره ومتى توفي وبلده. والمصنف أعطى تعريفا ً موجزا ً لسيرته عليه الصالة والسالم ،وما الفرق بين هذا األصل ،وركن شهادة أن محمدا ً رسول هللا؟! الفرق بينهما :أن هذا األصل اعتقادي علمي يتعلق بالمعرفة ،وأما ركن شهادة أن محمدا ً رسول هللا فهو أصل عملي ،أي :أنك تطيعه وتتبع أوامره ،فهناك تعمل، وهنا تعتقد وتعرف ،وفائدة هذا األصل :علمية معرفية. ويجب على المسلم أن يعرف من سيرة الرسول ^ ما يسأل عنه في قبره عن الرسول ^ ،كما جاء من حديث أنس المتفق عليه« :إن الملكين يسأالن الميت فيقوالن له :ما تقول في هذا الرجل؟ فيقول :محمد رسول هللا». ويجب على المسلم أن يعرف أنه رسول هللا ،وأنه نبي ،وأنه عبد هللا ،ال ملك، وال إله ،وال يُعبد ،وال يُستغاث به ،وال يُذبح له ،وال يُصرف له شيء من العبادة، ومن صرف له شيء من العبادة فهو مشرك كافر.
املنهج املختصر يف الفقه والعقيدة والدعوة
585
ويجب على المسلم أن يعرف ما جاء به الرسول ^ ،كما جاء في حديث أسماء المتفق عليه« :فيسأله الملكان :ما علمك بهذا الرجل؟ فيقول :محمد رسول هللا ،جاءنا بالبينات والهدى ،فأجبنا وآمنا». وفي حديث البراء بن عازب الطويل في مسند أحمد وغيره« :فيسأله الملكان فيقوالن :ما يدريك عن هذا الرجل؟ فيقول :قرأت كتاب هللا فآمنت وصدقت». ويجب على المسلم أن يعرف أنه عربي ،وأنه قد مات ،كما قال تعالى* :ﰕ ﰕ ﰕ ﰕ ﰕ&[الزمر ]31:وقوله* :ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃﮄ&[آل عمران ،]944:وهو في قبره حي حياة برزخية. ويجب على المسلم أن يعرف من سيرته ما يُفرق بينه وبين مدعي النبوة. ثم ذكر المصنف نسبه إلى إبراهيم ×. ثم ذكر عمر الرسول ^ عند وفاته ،وأنه ثالث وستون سنة ،منها أربعون قبل النبوة ،وثالث وعشرون نبيا ً رسوالً. وقوله( :بعثه هللا بالنذارة عن الشرك) هذا أعظم ما يجب معرفته مما جاء به الرسول ^ .وما جاء به الرسول هو :الدعوة إلى التوحيد ،والدعوة إلى إفراد هللا بما يستحقه من األسماء والصفات ،والربوبية واأللوهية ،وترك الشرك وأهله .والدليل قوله تعالى* :ﮪ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ&[المدثر ]2-9:أي :ينذر عن الشرك *ﯓ ﯔ ﯕ&[المدثر ]3:أي: عظمه بالتوحيد *ﯖ ﯗ ﯘ&[المدثر ]4:أي :طهر أعمالك عن الشرك ،ويقصد بالثياب هنا المعنوية .جاء بالبراءة من المشركين ومن دينهم ومن أعمالهم ،قال تعالى* :ﯙ ﯚ ﯛ&[المدثر ،]5:فيهجر األصنام ،وجاء بالبراءة منها ومن أهلها.
تهذيب شرح األصول الثالثة
586
فصل
د تهذيب شرح األصول الثالثةد
قال المصنف [ :/وبعدها أمر بالهجرة إلى المدينة ،والهجرة :االنتقال من بلد الشرك إلى بلد اإلسالم ،وهي :باقية إلى أن تقوم الساعة ،والدليل قوله تعالى* :ﮀﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈﮉ ﮊ ﮋﮌ ﮍ ﮎﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗﮘ ﮙ ﮚ ﮛﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ
ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ&[النساء ]99-97:وقوله تعالى: *ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ&[العنكبوت.]56: قال البغوي :/سبب نزول هذه اْلية في المسلمين الذين بمكة ،لم يهاجروا، ناداهم هللا باسم اإليمان؛ والدليل على الهجرة من السنة قوله ^ « :ال تنقطع الهجرة حتى تنقطع التوبة ،وال تنقطع التوبة حتى تطلع الشمس من مغربها»]. الشرح: أي بعد الثالث سنوات بعد اإلسراء والمعراج (أمر) واآلمر هو هللا ـ ،وهذه هي المرحلة الوسطى من مراحل الهجرة .فالهجرة على أنواع: أ -هجرة من بالد الخوف واالضطهاد إلى بالد األمن ،وهي الهجرة إلى الحبشة ،كما هاجر الصحابة. ب -الهجرة إلى المدينة فقط ،وهي التي يتحدث عنها المصنف هنا ،وهي الهجرة من بلد الشرك إلى بلد اإلسالم الوحيد ،وهذه الهجرة باقية وهي أشد وجوبا ً؛ ألن سببها أن يجتمع المسلمون في مكان واحد إلقامة الدين ،وهي الهجرة التي كانت من بداية هجرة الرسول ^ إلى ما بعد غزوة األحزاب. ج -الهجرة من بالد الفتنة. د -الهجرة من بلد البدعة المكفرة الغليظة. هـ -الهجرة من بلد المعاصي والبدع غير المكفرة ونحو ذلك. وكلما وجدت أسباب كل نوع وجبت الهجرة ،فإذا وجد اضطهاد للمسلمين وليس هناك بلد إسالمي يهاجرون إليه فيهاجرون إلى أي بلد آمن ولو كان كافرا ً ،كما حصل للصحابة عندما هاجروا من مكة إلى الحبشة ،أما إذا وجد بلد إسالمي وحيد وهذا البلد قريب النشأة ،فيجب الهجرة إليه ليصبح المسلمون قوة واحدة ،كما فرضت الهجرة إلى المدينة وكانت قريبة النشأة ،وهذه الهجرة حكمها حكم الجهاد ،فإذا قوي المسلمون وانتشرت البالد اإلسالمية ،فتجب الهجرة على العاجز إلى أي بلد إسالمي.
املنهج املختصر يف الفقه والعقيدة والدعوة
587
وتعريف الهجرة لغة :الترك .واصطالحا ا :هي ترك ما نهى هللا عنه إلى ما أمر هللا به ،وهذه الهجرة بالمعنى العام ،وأما تعريف الهجرة بالمعنى الخاص فهي كما قال المصنف( :االنتقال من بلد الشرك إلى بلد اإلسالم). وبلد الشرك أو بلد الكفر هي الديار التي يكون فيها الغلبة والقوة للكفار أو المشركين ،وهي التي تجري فيها أحكام الكفر أو الشرك ولو كان فيها مسلمون ،ولو ظهر فيها بعض خصال اإلسالم إذا كان هذا الظهور بالخصال اإلسالمية بسبب إذن الكفار ال بقوة المسلمين ،وأما ديار اإلسالم فهي ما كان الغلبة والقوة للمسلمين ،وهي التي تجري فيها أحكام اإلسالم. وهناك بلد ثالثة ال تسمى بلد شرك بإطالق ،وال تسمى بلد إسالم بإطالق ،وهي ما ظهر فيها اإلسالم وأحكام وخصال اإلسالم بقوة الرعية أو السلطان ،وظهر فيها أحكام وخصال الكفر بقوة أهلها ،بحيث ال يستطيع هؤالء منع هؤالء وبالعكس ،فهذه بلد مختلطة ،فيقضى ألهل اإلسالم حكم ،وللكفار حكم ،وهذا النوع من البالد حدث من قريب في عهد أبي العباس ابن تيمية ،وقد سئل عن بعض البالد التي تجري فيها أحكام الكفر بقوة ،وتجري أحكام وخصال اإلسالم بقوة ،فقال :ال تعطى حكم الكفر بإطالق ،وال تعطى حكم اإلسالم بإطالق ،وإنما كل يعامل بحسبه ،وهي فتوى مشهورة في فتاواه تسمى المسألة الماردينية نسبة إلى البلد (ماردين) ،وهي بلد شمال سوريا. وهذه تسمى بالد مختلطة ظهرت وقت التتار ،وفي عهد أبي بكر ظهرت أحكام بالد الردة ،وفي عهد علي بن أبي طالب ظهرت بالد البدعة ،وهي بالد الخوارج حروراء. والعبرة في تحديد بالد اإلسالم يكون بجريان األحكام والحكومة ،يدل على ذلك :أن خيبر يوم فتحها الرسول اعتبرت بالد إسالم جرى فيها حكم اإلسالم ،ولكن شعبها كلهم يهود ،وقيل :العبرة بالشعوب والرعية. أما قول الجغرافيين :إن العبرة بالشعب ،فإذا كان غالب الشعب مسلمين والحكام علمانيين فيقولون :بلد إسالم ،فهذا غير صحيح. وحكم الهجرة فيه تفصيل بحسب كل نوع كما يلي: أو الا :الهجرة من بلد الشرك إلى بلد اٍإلسالم واجبة على القادر على الهجرة، وكان ال يستطيع إظهار دينه في بلد الشرك ،ويدل عليه قوله تعالى* :ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ&[النساء ]17:أي :بترك الهجرة مع القدرة عليها ،أما إن كان في بالد الشرك قادرا ً على إظهار دينه ،ويأمن على نفسه ،فالجمهور على أنه يستحب له الهجرة ،واختاره ابن قدامة في المغني ،وابن تيمية ،وكثير من أهل العلم.
تهذيب شرح األصول الثالثة
588
د الثالثةد األصول ويدلشرح واجبة ،تهذيب على الوجوب قوله
ثانيا ا :الهجرة من بلد البدعة إلى بلد السنة تعالى* :ﯷ ﯸ ﯹ ﯺ ﯻ ﯼ ﯽ ﯾ ﯿ ﰕ ﰕ ﰕ ﰕﰕ ﰕ ﰕ ﰕ ﰕ ﰕ ﰕ ﰕ ﰕ ﰕ ﰕ ﰕ&[األنعام.]68: ()1
ونقل ابن العربي عن ابن القاسم عن مالك قال( :ال يحل ألحد أن يقيم ببلد يسب فيها الصحابة) وهذا مثل البالد التي تغلّب عليها الرافضة أو الخوارج ،وقد هاجر الخرقي من بغداد لما كثر فيها سب الصحابة. فمن ال يستطيع إظهار السنة في هذا البلد ،وال يأمن على نفسه ،بل تجري عليه البدعة ،فيجب عليه أن يهاجر ،وإن استطاع أن يظهر السنة ،فيستحب له أن يهاجر، إال إن كان في البقاء مصلحة للمسلمين فله أن يبقى ،كما بقي العباس في مكة ،وكان على إسالمه. ثالثا ا :الهجرة من بلد الخوف والظلم ،فإذا كان في بلد مضطهد لقيامه بالدين ،أو ألمره بالمعروف ونهيه عن المنكر ،فله أن يهاجر لبلد إسالم آخر يستطيع أن يأمر فيه وينهى ،قال الشوكاني في السيل الجرار الجزء الرابع بعدما تكلم عن الهجرة: (وليست مختصة بدار الكفر ،بل هي شريعة قائمة وسنة ثابتة عند استعالن المنكر، وعدم االستطاعة للقيام بواجب األمر بالمعروف والنهي عن المنكر ،وعدم وجود من يأخذ على أيدي المنتهكين لمحارم هللا ،فحق على العبد المؤمن أن ينجو بنفسه ،ويفر بدينه إن تمكن من ذلك ،ووجد أرضا ً خالية من التظاهر بالمعاصي ،فإن لم يجد فليس باإلمكان أفضل مما كان) اهـ. واختاره ابن العربي في أحكام القرآن ،واستدل على ذلك بفرار إبراهيم × قال ()2
تعالى* :ﯨ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ&[الصافات .]11:وذكر في تحفة األحوذي ( :أن من حكمة الهجرة إلى الحبشة ليسلموا من أذية ذويهم ،ويدل عليه قوله ^« :خير مال المسلم غنم يتبع به شعف الجبال ومواقع القطر ،يفر بدينه من الفتن» رواه البخاري). رابعا ا :الهجرة من بلد المعاصي التي غلب عليها الكسب الحرام ،فهذه عدها بعض أهل العلم من البالد التي يهاجر منها ،واختاره ابن العربي في أحكام القرآن وصديق خان في كتابه العبرة فيما جاء في الغزو والهجرة. ومعنى قولنا :قادر على إظهار الدين أي :جميع الدين ،فاأللف والالم في الدين للعموم ،فإن كان قادرا ً على إظهار الصالة واألذان ولكن غير قادر على إظهار التوحيد فليس بقادر ،وإن كان قادرا ً على الصيام وغير قادر على البغض والمعاداة ( )1أحكام القرآن (.)484/9 (.)294/5( )2
املنهج املختصر يف الفقه والعقيدة والدعوة
589
للكفار فليس بقادر ،فتجب عليه الهجرة حينئذ ،إال أن الهجرة في هذه اآلونة قد تكون صعبة بسبب مسائل الحدود واإلقامة والقوانين الوضعية. فقول المصنف( :والهجرة فريضة) فيه تفصيل :فمن كان غير قادر على الهجرة فليست في حقه فرض ،وأما إن كان قادرا ً على الهجرة وغير قادر على إظهار الدين فهي فرض في حقه. قال المصنف( :على هذه األمة) أي :أمة اإلجابة. قال المصنف( :وهي باقية إلى أن تقوم الساعة) وهذا رد على من قال :إنها منسوخة بعد فتح مكة ،واستدل بقول النبي ^ « :ال هجرة بعد الفتح» ،والصحيح أن معناه :ال هجرة من مكة بعد الفتح؛ ألنها أصبحت دار إسالم. وقول المصنف( :إلى أن تقوم الساعة) أي :إلى قرب قيام الساعة مادام أن هناك مسلمين؛ ألن من المعلوم أن الساعة تقوم على الكفار. واستدل المصنف على ذلك بقوله تعالى* :ﮆ ﮇ ﮈﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎﮏ&[النساء ]17:أي :ضعفاء ،بمعنى أقلية ليس لهم أمر ،ألنهم ضعفاء غير قادرين على الهجرة ،وكثّروا سواد الكفار في معركة بدر ،فقالت لهم المالئكة على وجه اإلنكار: *ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗﮘ ﮙ ﮚ ﮛﮜ&[النساء ]17:وهذه من آيات الوعيد ،ومذهب السلف إجراء آيات الوعيد على ما جاءت عليه؛ ألنه أوقع للزجر ،لكن إذا خشي أن يفهم منها الخلود أو التكفير فإنها تشرح. ولذا قد يقول قائل :ظاهر اآلية أنهم خالدون فيها ،فالجواب :أن يقال :ال ألنه بإجماع أهل السنة والجماعة أنه ال خلد في النار لمن ترك الهجرة مع أنه مسلم ،وال خلود على من ارتكب كبيرة من كبائر الذنوب غير مستحل لها ،لكن إن كان ترك الهجرة رغبة عن اإلسالم أو مع كفر صاحبها أو كان ليس مجرد تكثير سواد الكفار، بل قاتل معهم وحمل السالح ورمى ،فهذا كفر. وقوله تعالى* :ﮠ ﮡ&[النساء ]18:استثنى هللا المستضعفين الذين ال يستطيعون الهجرة .قوله تعالى* :ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ&[العنكبوت ]56:هذه اآلية الثانية تدل على وجوب الهجرة. ودليل الهجرة من السنة حديث « :ال تنقطع الهجرة حتى تنقطع التوبة».
تهذيب شرح األصول الثالثة
591
فصل
د تهذيب شرح األصول الثالثةد
قال المصنف [ :/فلما استقر بالمدينة أمر ببقية شرائع اإلسالم ،مثل :الزكاة، والصوم ،والحج ،واألذان ،والجهاد ،واألمر بالمعروف والنهي عن المنكر ،وغير ذلك من شرائع اإلسالم ،وأخذ على هذا عشر سنين ،وبعدها توفي صالة هللا وسالمه عليه ،ودينه باق ،وهذا دينه ،ال خير إال دل األمة عليه ،وال شر إال حذرها منه. والخير الذي دلها عليه التوحيد وجميع ما يحب هللا ويرضاه ،والشر الذي حذرها منه الشرك وجميع ما يكرهه هللا ويأباه ،بعثه هللا إلى الناس كافة ،وافترض هللا طاعته على جميع الثقلين ،الجن واإلنس ،والدليل قوله تعالى* :ﭨ ﭩ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ&[األعراف ]558:وأكمل هللا به الدين ،والدليل قوله تعالى* :ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅﮆ&[المائدة ،]3:والدليل على موته ^ قوله تعالى* :ﰊ ﰊ ﰊ ﰊ ﰊ&[الزمر.]]31: الشرح: ختم المصنف األصل الثالث بمسائل مهمة هي: المسألة األولى :بيان ما جاء به الرسول ^ ،وهو أنه جاء بالتوحيد والنهي عن الشرك ،وهذا إعادة مرة أخرى ألهميته. المسألة الثانية :عموم بعثه الرسول ^ ،وأن هللا افترض طاعته على جميع الثقلين اإلنس والجن ،والدليل على أنه مبعوث إلى الخلق عامة ،قوله تعالى* :ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ&[الذاريات ]56:وقوله* :ﭨ ﭩ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ&[األعراف ]958:وقوله تعالى* :ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ&[األحقاف.]21: المسألة الثالثة :كمال الدين الذي جاء به الرسول ^ ،والدليل قوله تعالى* :ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ&[المائدة.]3: المسألة الرابعة :أنه ^ مات يقينا ً ،والدليل قوله تعالى* :ﰕ ﰕ ﰕ ﰕ ﰕ&[الزمر ]31:وموته ^ كموت بقية الناس :مفارقة الروح الجسد ،أي :خروجها في هذه الحياة الدنيا ،وليس معنى الموت هو فناء الروح ،فإن الروح ال تفنى ،وإنما تنتقل إلى المأل األعلى إن كان مؤمنا ً أو إلى ما شاء هللا من العذاب إن كان غير ذلك. وتلتقي الروح بعد الموت بالبدن ،فإذا مات الميت ووضع في القبر عادت الروح إليه ويأتيه منكر ونكير للسؤال ،ثم بعد ذلك تنتقل الروح إما إلى نعيم أو عذاب أو ما شاء هللا. وفي قوله تعالى* :ﰕ ﰕ ﰕ ﰕ ﰕ&[الزمر ]31:رد على المبتدعة وعباد القبور الذين يستغيثون بالرسول ويقولون :إنه لم يمت!
املنهج املختصر يف الفقه والعقيدة والدعوة
595
نعم الرسول ^ في قبره حي ،ولكن حياة برزخية ،ولروحه اتصال ببدنه؛ ولذا جاء في الحديث أن الرسول يرد على من يسلم عليه ،وألف البيهقي رسالة في بيان حياة األنبياء وأنهم أحياء ،لكن حياة برزخية. والسبب الوحيد للموت :هو انتهاء األجل بما قدر هللا ،فالمقتول مات ألنه انتهى أجله ،والمريض مات ألنه انتهى أجله.
تهذيب شرح األصول الثالثة
591
فصل
د تهذيب شرح األصول الثالثةد
قال المصنف [ :/والناس إذا ماتوا يبعثون ،والدليل قوله تعالى* :ﭽﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ&[طه ]55:وقوله* :ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ&[نوح ]58-57:وبعد البعث محاسبون، ومجزيون بأعمالهم ،إن خيرا ا فخير ،وإن شرا ا فشر ،والدليل قوله تعالى* :ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ&[النجم ،]35:ومن كذب بالبعث كفر ،والدليل قوله تعالى* :ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ&[التغابن.]]7:
الشرح: هذا هو القسم األخير من الكتاب ،وذكر فيه المصنف عدة مسائل: المسألة األولى :البعث وهو عودة األرواح إلى األجساد بعد النفخة األخيرة. وقد اختلف أهل العلم في عدد النفخات ،فمنهم من قال :هي نفختان ،ومنهم من قال :هي ثالث ،والذي جعلها نفختين دمج نفختين في نفخة ،وهذه النفخات الثالث هي: -9نفخة الفزع في الصور ،قال تعالى* :ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ ﯶ&[النمل.]87: -2نفخة الصعق وهالك كل شيء أراد هللا هالكه ،قال تعالى* :ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞﭟ&[الزمر ]68:وهاتان النفختان بعضهم يدمجهما في نفخة واحدة ،لكن هذا التفصيل أكمل وهللا أعلم. -3نفخة البعث ،قال تعالى* :ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ&[يس.]59: والناس يبعثون من قبورهم ،وهذا بالنسبة للمقبورين وإالّ يبعثون من أي مكان كانوا فيه. ومراحل اليوم اْلخر كالتالي: -9البعث والنشور. -2الحشر. -3القيام ،وهو أن يطول قيامهم بعد الحشر ،وتدنو الشمس من الخلق ،فيعرقون على قدر أعمالهم. ّ وجرها ثم تزلف الجنة. -4تقريب النار ّ -5الشفاعة الكبرى. -6مجيء هللا للفصل بين الخلق. -7العرضتان ،وهي جدال ومعاريض. -8العرض الثالث ،ومنه الحساب اليسير ،وهو التقرير وهو خاص بالمؤمنين المرحومين.
املنهج املختصر يف الفقه والعقيدة والدعوة
593
-1الحساب العسير ،وهو حساب المناقشة ،وهذا يشمل الكفار والمنافقين وعصاة المؤمنين الذين لم يشأ هللا أن يستر عليهم ويغفر لهم ذنوبهم ،وهو على رؤوس الخالئق. -91تطاير الصحف. -99الميزان ،وذلك بعد ما أطلع الناس على أعمالهم واطلعوا على صحفهم وانتهت مناقشتهم. -92الصراط. -93ثم القنطرة. -94أهل األعراف. 95و -96الجنة أو النار ،وذبح الموت بين الجنة والنار. المسألة الثانية :الحساب :الحساب لغة :العد .واصطالحا ا :إطالع هللا العباد على أعمالهم خيرا ً كانت أم شرا ً على وجه التفصيل ،قبل االنصراف من المحشر. والحساب عام لجميع الخلق ،إال الذين يدخلون الجنة بغير حساب وال عذاب. والدليل على أن كل الخلق محاسبون قوله تعالى* :ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ&[الحجر .]12:وما رواه الترمذي وحسنه مرفوعا ً « :ال تزول قدما عبد يوم القيامة حتى يسأل :عن عمره فيما أفناه ،وعن شبابه فيما أباله ،وعن ماله من أين اكتسبه وفيما أنفقه ،وعن عمله ماذا عمل فيه». والحساب ينقسم إلى أقسام: القسم األول :ما يسمى العرض والتقرير ،وهذا لبعض المؤمنين الذين شاء هللا أن يستر ذنوبهم ويتجاوز عنهم ،فيحاسب هللا العبد محاسبة سرية بينه وبينه .فتعرض عليه أعماله السيئة فيقال :فعلت كذا وكذا يوم كذا وكذا ،ويقول :نعم .فيقول هللا: سترتك في الدنيا وأنا أتجاوز عنها يوم القيامة. القسم الثاني :الحساب العسير ،وهو المناقشة العلنية كما جاء في الحديث« :من ع ِذ ب» وفيه يحصل الفضح بين الخالئق والتشهير لبعض الناس. نوقش الحساب ُ وذكر المصنف الدليل على ذلك قوله تعالى* :ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ&[النجم.]39: وأطفال المسلمين إذا ماتوا ال يحاسبون؛ ألنهم في الجنة باإلجماع ،وأما أطفال الكفار فقيل :يمتحنون وهو الصحيح ،وقيل :غير ذلك. المسألة الثالثة :من كذب بالبعث كفر ،والدليل قوله تعالى* :ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔﯕ&[التغابن.]7:
تهذيب شرح األصول الثالثة
594
فصل
د تهذيب شرح األصول الثالثةد
قال المصنف [ :/وأرسل هللا جميع الرسل :مبشرين ومنذرين ،والدليل قوله تعالى* :ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈﮉ&[النساء ]565:وأولهم نوح × ،وآخرهم محمد ^ وهو خاتم النبيين ،ال نبي بعده ،والدليل قوله تعالى* :ﯧ ﯨ ﯨ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ ﯱ ﯲﯳ&[األحزاب.]41: والدليل على أن أولهم نوح × قوله تعالى* :ﭑﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛﭜ&[النساء]563: وكل أمة :بعث هللا إليها رسو الا ،من نوح إلى محمد ،يأمرهم بعبادة هللا ،وينهاهم عن عبادة الطاغوت ،والدليل قوله تعالى* :ﭴ ﭵ ﭶﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼﭽ ﭾﭿ&[النحل ،]36:وافترض هللا على جميع العباد :الكفر بالطاغوت ،واإليمان باهلل، قال ابن القيم :/معنى الطاغوت :ما تجاوز به العبد حده ،من معبود ،أو متبوع ،أو مطاع. والطواغيت كثيرة ،ورؤوسهم خمسة :إبليس لعنه هللا ،ومن عبد وهو راض، ومن ادعى شيئا ا من علم الغيب ،ومن دعا الناس إلى عبادة نفسه ،ومن حكم بغير ما أنزل هللا؛ والدليل قوله تعالى* :ﯿ ﰊ ﰊ ﰊﰊ ﰊ ﰊ ﰊ ﰊ ﰊﰊ ﰊ ﰊ ﰊ ﰊ ﰊ ﰊ ﰊ ﰊ ﰊ&[البقرة ]156:وهذا :معنى ال إلَه إال هللا ،وفي الحديث « :رأس األمر اإلسالم، وعموده الصالة ،وذروة سنامه الجهاد في سبيل هللا» وهللا أعلم ،وصلى هللا على محمد ،وعلى آله وصحبه]. الشرح: مهمة الرسل أن هللا أرسلهم مبشرين ومنذرين ،يبشرون الناس بما يسرهم مثل: إخبارهم عن الثواب لمن أطاع هللا .ويخوفون من عصى هللا بالنار والجزاء. ونوح هو أول الرسل الذين بعثهم هللا إلى قوم كفار ،يدعوهم إلى شرع جديد، وآدم نبي وليس رسوالً. والرسل يبعثون إلى األمم الكافرة ،أما األنبياء فيبعثون إلى المؤمنين. ثم بعد ذلك ذكر المصنف مسائل في معنى الطاغوت وحكمه وأنواعه ورؤوسه: المسألة األولى :حكم الكفر الطاغوت :الكفر بالطاغوت فرض الزم ،وهو فرض عين على جميع العباد ،أما كيفية الكفر بالطاغوت فتنقسم إلى ثالثة أقسام: أ -الكفر بجنس الطاغوت بالقلب ،وهو أن تبغضه بقلبك وتتمنى زواله وتعاديه وتنفر منه ،وحكم هذا القسم فرض الزم ال يسقط بحال من األحوال حتى مع اإلكراه؛ ألن اإلكراه ال يتصور فيه.
املنهج املختصر يف الفقه والعقيدة والدعوة
595
ب -الكفر بجنس الطاغوت باللسان ،وذلك بالتصريح أن الطاغوت كافر ،وأنه باطل ،وأن عابديه كفار ،قال تعالى* :ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ&[الكافرون ]2-9:وهذا واجب لكن يسقط مع العجز ،لعموم قوله هللا تعالى* :ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ&[التغابن ]96:بشرط أن يكون عجزا ً حقيقيا ً وملجئا ً. ج -الكفر بالطاغوت باليد ،وهو تحطيمه وإزالته ،وهذا واجب مع االستطاعة، والدليل أن الرسول ^ حطم األصنام وأزالها في فتح مكة ،وأرسل من يزيلها. المسألة الثانية :تعريف الطاغوت :صيغة مبالغة مشتقة من الطغيان وهي التجاوز واالرتفاع والزيادة ،ومنه طغى الماء أي زاد .واصطالحا ا :ما تجاوز به العبد حده من معبود أو متبوع أو مطاع ،وهذا تعريف ابن القيم ،وهناك تعريف أدق من تعريف ابن القيم وهو :كل مجاوزة في الكفر ،فتارك الصالة مثالً كافر ،وإذا دعا إلى ترك الصالة أو عاقب على فعله فهذا تجاوز في الكفر فهو طاغوت ،ومن ذبح لغير هللا هذا شرك ،فإذا دعا إلى الذبح لغير هللا أو زينه فقد تجاوز في الكفر فهو طاغوت، وإذا حلل شيئا ً فهذا تجاوز في الكفر. ومن تعريف ابن القيم تؤخذ أنواع الطواغيت ،وأنها ثالثة أنواع: عبد من دون هللا وهو راض ،ويشمل -9طواغيت العبادة ،وهو يشمل كل من ُ من دعا الناس إلى عبادة نفسه ،ويشمل الشيطان ،ويشمل األصنام. -2طواغيت األتباع ،وهو يشمل علماء السوء والعباد المنحرفين. -3طواغيت الطاعة ،وهو يشمل األمراء ورؤساء العشائر الذين يحللون ويحرمون من دون هللا ،ويشمل الكهان والسحرة والحكام الذين يحكمون بغير ما أنزل هللا والمشرعين. المسألة الثالثة :رؤوس الطواغيت .الطواغيت كثيرون باعتبار العدد ،لكن عرف ذلك باالستقراء ،وزاد المصنف طاغوتا ً في رسالة رؤوسهم وقادتهم خمسة كما ُ له على هذه الخمسة ،وهو الحاكم الجائر المغير ألحكام هللا ،وعلى ذلك فيكونون ستة: -9إبليس ،وعبر المصنف بالشيطان وهو أعم ،فيشمل كل مارد من الجن واإلنس ،ودليل هذا القسم :ما قاله عمر بن الخطاب ا( :الطاغوت هو الشيطان) رواه ابن أبي حاتم ،ووجه كون إبليس والشيطان طاغوتا ً؛ ألنه تجاوز الكفر الذي وقع فيه إلى تزيين الكفر والدعوة إليه واألمر به ،وهذا النوع إبليس والشيطان أكبر الطواغيت وأعظمها ،والسبب أنه جمع معاني كثيرة من معاني الطاغوت :فهو يدعو لعبادة نفسه ،ويدعو لعبادة غيره ،ويدعو إلى تغيير أحكام هللا ،ويعين من يدعي علم الغيب. عبد وهو راض بأي نوع من أنواع العبادة ،كمن ذُبح له ،واستُغيث به -2من ُ ونحو ذلك ،في حالة كونه راض فال يدخل عيسى عليه الصالة والسالم؛ ألنه لم
596
تهذيب شرح األصول الثالثة د الثالثةد األصول هذا تهذيب النوع:شرحأنه رضي بالكفر
يرض بذلك ولن يرضى ،ووجه مجاوزة الحد في والشرك أن يُفعل له. ً ً ً ً -3من ادعى شيئا من علم الغيب ،سواء كان مسلما أو كافرا ،أو رجال أو امرأة .حتى لو ادعى شيئا ً بسيطا ً ،وحتى لو ادعى علم الغيب مرة واحدة ،وهو ينقسم إلى قسمين: أ -ما يسمى الغيب المطلق ،ويسمى أيضا ً غيب المستقبل .وهو ما ال يعلمه إال هللا ،وهي الخمس المجموعة في قوله تعالى* :ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ ﯵﯶ ﯷ ﯸ ﯹ ﯺ ﯻ ﯼﯽ ﯾ ﯿ ﰕ ﰕ ﰕ ﰕﰕ ﰕ ﰕ ﰕ ﰕ ﰕ&[لقمان.]34: ب -ما يسمى الغيب النسبي ،ويسمى بغيب الماضي والحاضر ،وهو ما خفي عليك وعلمه غيرك ،فما يدور خلف هذا الجدار هو بالنسبة لنا غيب ،وأما بالنسبة لمن حضره يعتبر شهادة. واإلخبار عن الكسوف والخسوف ال يعتبر من ادعاء علم الغيب إن أخبر به عن طريق الحساب واستخدام بعض اآلالت الحديثة. وإخباريات األرصاد الجوية عن هبوب الريح ،أو توقع المطر ،أو تغيرات الجو ،ال تعتبر من ادعاء علم الغيب؛ ألن هذه أمور تعرف بالحساب وتعرف باآلالت الحديثة ،إال أنه ال يجوز الجزم بذلك ،بل يربط ذلك بمشيئة هللا. واإلخبار عن المياه الجوفية في باطن األرض والمعادن ،هذا إذا كانت بوسائل حسية حديثة فليست من ادعاء علم الغيب. وحكم مدعي الغيب كافر ،وحكم من ذهب إليه فيه تفصيل: أ -إن ذهب إليه وهو مصدق له أنه يعلم الغيب المطلق أو الغيب النسبي ،فهذا كافر كفرا ً أكبر؛ ألنه اعتقد أن هناك من يعلم الغيب غير هللا ،قال تعالى* :ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰﭱ&[النمل.]65: ب -إن ذهب إليه وهو يكره فعله ويعلم أنه ال يعلم الغيب ،لكن ذهب يسأله حاجة دنيوية أو يسأله عالجا ً شعبيا ً ،فهذا ارتكب كبيرة من كبائر الذنوب ،وال تقبل له صالة أربعين يوما ً ،كما جاء في حديث حفصة الذي رواه مسلم« :من أتى عرافا ا فسأله عن شيء لم تقبل له صالة أربعين يوما ا» أي :ال يؤجر على صالة أربعين يوما ً فيصلي بدون أجر ،ويجب عليه أن يصلي لكن ال يؤجر؛ ألن هذه السيئة ذهبت بأجر صالة أربعين يوما ً. ج -أن يكره فعله ويعتقد أنه ال يعلم الغيب ،ولكن ذهب للفرجة والنزهة من باب االستطالع ،فهذا من كبائر الذنوب ،وال تقبل له صالة أربعين ،ومثله مشاهدته بالتلفزيون ومشاهدة ألعاب السيرك ،ومثله من يحضر عند السحرة لكي يتفرج على ألعابهم البهلوانية ،وما يقومون به من أشياء مضحكة والفتة للنظر.
املنهج املختصر يف الفقه والعقيدة والدعوة
597
قلت :السيرك نوعان ،نوعٌ هو من جنس أفعال السحر والشعوذة ،وهو الغالب، ع هو من جنس أفعال فينطبق عليه الحكم السابق الذي ذكره الشيخ فك هللا أسره ،ونو ٌ خفة اليد التي يصدقها العقل وال يستحيل وقوعها ألهل الدربة والممارسة ،فهذا إن لم يحتو على محرم آخر ( كصور نساء ،أو اختالط ونحوه) فال ينطبق عليه الحكم السابق . -4من دعا الناس إلى عبادة نفسه :هذا عام في كل من دعا الناس إلى أن يعبدوه بالمعنى العام للعبادة ،فيدخل فيه عبادة السؤال والطلب واالستغاثة ،كأن يستغيث به فيما ال يقدر عليه إال هللا ،ويشمل العبادة بالمعنى الخاص كالذبح والنذر. -5من حكم بغير ما أنزل هللا ،وهذا هو الطاغوت الخامس على أقسام: أ -أن يحكم بغير ما أنزل هللا مع اعتقاد أن هذا الذي حكم به مثل حكم هللا أو أحسن من حكم هللا ،أو أنه يجوز أن يحكم به ،فهذا كفر أكبر ،والدليل قوله تعالى* :ﯾ ﯿ ﰕﰕ&[المائدة ]51:وقوله* :ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮪ ﮭ&[المائدة.]44: ب -أن يحكم بغير ما أنزل هللا أحيانا ً في قضايا معينة قليلة ليس عن قانون وال تعميم وال الئحة وال نظام وال عرف أو تقليد ،وهو يعرف أن هذا الذي حكم به باطل وال يجوز ،ولكنه من باب الشهوة والهوى أو الرشوة ،فهذا كفر دون كفر ،كأن يكون هنا قاض يحكم بين الناس بالشرع ودائما ً يحكم على السارق إذا ثبتت عليه السرقة بالقطع ،لكن في بعض األحيان القليلة جاءه سارق قريب له أو أعطاه شيئا ً من المال وقد ثبتت عليه السرقة ،فلم يحكم بقطع يده وإنما حكم عليه بالسجن والتعزير عن هوى ال عن قانون وال تعميم وال الئحة وال نظام وال عرف ونحو ذلك ،وهو يعرف في قرارة نفسه أنه مخطئ ،لكن الهوى والمجاملة دفعه لذلك ،فهذا يعتبر من الكفر األصغر ،وعليه يحمل قول ابن عباس أنه كفر دون كفر إن صح ،ويحمل عليه ما صح عن التابعين أنه كفر دون كفر ،وهو قول أبي مجلز التابعي لما ناقش الخوارج في آية* :ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮪ ﮭ&[المائدة.]44: ً ج -من يعرف أنه مخطئ ولكنه كثيرا ما يحكم بغير ما أنزل هللا ،مثل قاض يحكم على السارق بالقطع أحيانا ً ،وإالّ فأكثر السراق يحكم عليهم بغير حكم هللا ،فهذا حكمه كفر أكبر ،وأدلته أدلة القسم األول ،وأشد منه الذي يحكم في كل القضايا بغير ما أنزل هللا حتى ولو كان يعرف أنه مخطئ ،وأن حكم هللا سبحانه أحسن. د -القاضي الذي يحكم بما أنزل هللا ،لكن في بعض القضايا يحكم بالقانون وبالالئحة وبالتعميم وبالنظام أو العرف والتقليد ولو مرة واحدة وهو يعرف أنه مخطئ ،فهذا يكفر ،ولو كان كل عمره يحكم بما أنزل هللا لكن في قضية واحدة حكم من أجل قانون أو تعميم ونحو ذلك يخالف شرع هللا فهذا يكفر؛ ألن حكمه بالقانون أو التعميم يتضمن الرضا بالقوانين الوضعية.
598
تهذيب شرح األصول الثالثة د الثالثةد األصول تهذيب شرح وهم غير قضاة وال الوضعية
مسألة مهمة :المشرعون الذين يسنون القوانين يحكمون بها طواغيت ،ولو سموا أنفسهم هيئة استشارية ونحو ذلك ،فالعبرة بالمعاني والحقائق ال باأللفاظ. وشروط تسمية الشيء تشريعا ا سوا اء أكان قانونا ا أو غيره: أ -أن يعين من ذي سلطة كالملك والرئيس واألمير والمدير العام ورئيس اللجنة. ب -أن يعين إلى أناس من شأنهم أن ينفذوا كالشرطة والموظفين والقضاة. ج -أن يكون بألفاظ عامة ،مثل :إذا جاءكم سارق فيؤخذ منه غرامة ،أما إذا كان بلفظ خاص كأن يقول :إذا جاءكم فالن وقد سرق فاتركوه؛ فهذا من الظلم وليس سمي تشريعا ً ،وال يشترط أن من التشريع العام .وإذا اجتمعت هذه الثالثة الشروط ُ يكون تحريريا ً ،بل ولو كان شفويا ً أو عرفا ً جاريا ً أو عادة متبعة. قلت :ومعرفة هذه الشروط مهمة ،فمن خاللها يعرف طالب العلم الحكم بين ما سبق من اختالف في الحكم بغير ما أنزل هللا سبحانه وتعالى. -6هذا الصنف السادس لم يذكره المصنف في هذا الكتاب ،لكنه ذكره في رسالته عن الطواغيت ورؤوسهم ،وهو الحاكم الجائر المغير ألحكام هللا ،ويقصد به من يُشرع ،وهذا القسم كافر بإطالق وليس فيه تفصيل ،ولو شرع حكما ً واحدا ً يضاد به حكم هللا حتى ولو كان يعتقد في قرارة نفسه أن ما شرعه ال يجوز أن يحكم به ،أو أن حكم هللا أفضل ،فال عبرة باعتقاده ،فالكفر مناط بفعله ،وهو التشريع بغض النظر عما في قلبه ،ويدل عليه قوله تعالى* :ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙﯚ&[الشورى ]29:وقال تعالى* :ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ&[البقرة.]22: ثم ذكر المصنف الدليل على وجوب الكفر بالطاغوت ،وهو قوله تعالى* :ﯿ ﰕ ﰕ ﰕﰕ ﰕ ﰕ ﰕ ﰕ ﰕﰕ ﰕ ﰕ ﰕ ﰕ ﰕ ﰕ ﰕ ﰕ ﰕ ﰕ ﰕ ﰕﰕ&[البقرة ]256:واآلية فيها معنى ال إله إال هللا ،وهو معنى الكفر بالطاغوت. وبهذا تم تهذيب شرح األصول الثالثة للشيخ العالمة علي بن خضير الخضير. والحمد هلل رب العالمين ،وصلى هللا وسلم على نبينا محمد.
املنهج املختصر يف الفقه والعقيدة والدعوة
599
تهذيب شرح نواقض اإلسالم
111
تهذيب التبيان شرح نواقض اإلسالم
د تهذيب شرح األصول الثالثةد
تأليف الشيخ العالمة المحدث/ سليمان بن ناصر بن عبد هللا العلوان فك هللا أسره
تهذيب/ د .عبد الله بن محمد المحيسني
كتاب
املنهج املختصر يف الفقه والعقيدة والدعوة
115
بسم هللا الرحمن الرحيم
املقدمة
الحمد هلل رب العالمين ،والصالة والسالم على رسول رب العالمين ،وعلى آله وصحبه أجمعين. أما بعد: فهذا تهذيب لكتاب التبيان شرح نواقض اإلسالم العشرة ،التي ذكرها اإلمام المجدّد شيخ اإلسالم محمد بن عبد الوهاب ،/والشرح لفضيلة الشيخ المحدث العالمة سليمان بن ناصر العلوان وفقه هللا وفك هللا أسره. وهو شرح قد أجاد فيه شيخنا وأفاد ،وأحببنا تهذيبه للمبتدئين والعامة ،ليستفيد منه جميع العباد ،ونسأل هللا أن يجعل عملنا خالصا ً لوجهه ،نافعا ً لعباده. وصلى هللا على نبينا محمد ،وعلى آله وصحبه وسلم تسليما ا كثيرا ا.
تهذيب شرح نواقض اإلسالم
111
شرح نواقض اإلسالم
د تهذيب شرح األصول الثالثةد
قال المصنف اإلمام محمد بن عبد الوهاب ،/المتوفى سنة ( 9216هـ الموافق 9719م)[ :بسم هللا الرحمن الرحيم]. ابتدأ المصنف /هذه النواقض بالبسملة؛ اقتداء بالكتاب العزيز ،وتأسيا ً بالنبي ^ في مكاتباته ومراسالته. قوله[ :اعلم أن نواقض اإلسالم عشرة نواقض]: نواقض اإلسالم :هي مفسداته التي متى طرأت عليه أفسدته ،وأحبطت عمل صاحبه ،وصار من الخالدين في النار. ُّ ولذلك يجب على كل مسلم ومسلمة تعلم هذه النواقض ،وإالَّ؛ فالمسلم قد يقع فيها وهو ال يشعر؛ كما هو مشاهد من كثير ممن يدَّعي اإلسالم ،وال حول وال قوة إال باهلل. ونواقض اإلسالم أكثر من عشرة ،ولكن الشيخ /اختار هذه العشرة؛ إلجماع المسلمين عليها في الجملة؛ وألن النواقض الكثيرة التي ذكرها الفقهاء في باب حكم المرتد مرجعها إلى هذه العشرة. الناقض األول من نواقض اإلسالم: قال [ :/األول :الشرك في عبادة هللا :قال هللا تعالى* :ﭨ ﭩ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮪ ﮭ ﮮﮯ&[النساء* ،]48:ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ&[المائدة ،]71:ومنه الذبح لغير هللا، كمن يذبح للجن أو للقبر]. عصي هللا به، ابتدأ الشيخ /هذه النواقض العشرة بالشرك باهلل ،ألنه أعظم ذنب ُ وهو هضم للربوبية ،وتنقص لأللوهية ،وهو «تسوية غير هللا باهلل فيما هو من خصائص هللا». والشرك نوعان: )9أكبر. )2أصغر. النوع األول :الشرك األكبر: الشرك األكبر ال يغفره هللا إال بالتوبة ،وصاحبه إن لقي هللا به؛ فهو خالدٌ في النار أبد اآلبدين. قال هللا جل وعال* :ﭨ ﭩ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮪ ﮭ ﮮﮯ&[النساء .]48:وقال تعالى* :ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ&[الحج.]39:
املنهج املختصر يف الفقه والعقيدة والدعوة
113 ()1
والشرك األكبر أنواعه كثيرة ،مدارها على أربعة أنواع : النوع األول :ش رك الدعوة: ودليله قوله تعالى* :ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ&[العنكبوت.]65: قال المصنف /في «القواعد األربع»[ :القاعدة الرابعة :أن مشركي زماننا أغلظ شركا ا من األولين؛ ألن األولين يشركون في الرخاء ويخلصون في الشدة, ومشركو زماننا شركهم دائما ا في الرخاء والشدة]. وقال /في مقدمة «القواعد األربع»[ :إذا دخل الشرك في العبادة فسدت؛ كالحدث إذا دخل في الطهارة ،فإذا عرفت أن الشرك إذا خالط العبادة أفسدها ،وأحبط العمل ،وصار صاحبه من الخالدين في النار؛ عرفت أن أهم ما عليك معرفة ذلك؛ لعل هللا أن يخلصك من هذه الشبكة ،وهي الشرك باهلل]. النوع الثاني :شرك النية واإلرادة والقصد: والدليل قوله تعالى* :ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ
ﮗ&[هود.]96-95: قال العالمة ابن القيم ( :/أما الشرك في اإلرادات والنيات؛ فذلك البحر الذي ال ساحل له ،وقل من ينجو منه ،من أراد بعمله غير وجه هللا ،ونوى شيئا ً غير التقرب إليه ،وطلب الجزاء منه ،فقد أشرك في نيته وإرادته). ً وجعل شرك النية شركا ً أكبر محمول على من كانت جميع أعماله مرادا بها غير وجه هللا ،أما من طرأ عليه الرياء ،فهو شرك أصغر ،وسيأتي إن شاء هللا إيضاحه. النوع الثالث :شرك الطاعة: وهي طاعة األحبار والرهبان في معصية هللا تعالى؛ كما قال تعالى* :ﯘ ﯙﯚﯛﯜﯝﯞﯟﯠﯡﯢﯣﯤﯥ
ﯦ ﯧﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬﯭ ﯮ ﯯ ﯰ ﯱ&[التوبة.]39: قال شيخ اإلسالم ابن تيمية ( :/وهؤالء الذين اتخذوا أحبارهم ورهبانهم أربابا ً - حيث أطاعوهم في تحليل ما حرم هللا وتحريم ما أحل هللا -يكونون على وجهين: ( )1انظر «مجموعة التوحيد» (ص .)5
114
تهذيب شرح نواقض اإلسالم د الثالثةد التبديل،األصول تهذيب شرح تحليل فيعتقدون على
أحدهما :أن يعلموا أنهم بدلوا دين هللا ،فيتبعونهم ما حرم هللا وتحريم ما أحل هللا ،اتباعا ً لرؤسائهم ،مع علمهم أنهم خالفوا دين الرسل؛ فهذا كفر ،وقد جعله هللا ورسوله شركا ً ،وإن لم يكونوا يصلون لهم ويسجدون لهم؛ خالف الدين -واعتقد ما قاله ذلك فكان من اتبع غيره في خالف الدين -مع علمه أنه ُ دون ما قاله هللا ورسوله مشركا ً مثل هؤالء. الثاني :أن يكون اعتقادهم وإيمانهم بتحريم الحرام وتحليل الحالل ثابتا ً ،لكنهم أطاعوهم في معصية هللا ،كما يفعل المسلم ،ما يفعله من المعاصي التي يعتقد أنها ()1
معاصي؛ فهؤالء لهم حكم أمثالهم من أهل الذنوب) اهـ . النوع الرابع :شرك المحبة: والدليل على ذلك قوله تعالى* :ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇﮈ&[البقرة ]965:اآلية. فالمشرك -لجهله بربه -تجده يحب اآللهة من األصنام وغيرها ،كحب هللا وأعظم من ذلك ،تجده إذا انت ُ ِهك ْ ت ،يغضب لها أعظم مما يغضب هلل ،ويستبشر لها ما ال يستبشر هلل ،قال تعالى* :ﭨ ﭩ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫﮪ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ&[الزمر.]45: ومن الشرك األكبر أيضا ا :الذبح لغير هللا :ألن الذبح هلل قربة له من أجل القربات؛ كما قال تعالى* :ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ&[الكوثر ،]2:وقال تعالى* :ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ&[األنعام]962:؛ فالنسك هو :الذبح. فمن ذبح لألولياء أو لألصنام أو للجن -كما يفعله كثير من الجهلة عند سكنى المنزل-؛ فقد خرج عن اإلسالم ،ودخل في دائرة الكفر والضالل ،لصرفه عبادة من أجل العبادات لغير هللا. ومن ذلك :النذر لغير هللا :فهو شرك أكبر؛ ألن النذر عبادة؛ كما قال تعالى* :ﭙ ﭚ&[اإلنسان ،]7:وقال تعالى* :ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛﭜ&[البقرة.]271: فمن نذر لولي الشموع أو اللحوم وغيرهما؛ فقد خلع ربقة اإلسالم من عنقه؛ ألنه ال يجوز النذر إال هلل ،وصرفه لغير هللا مناقض لما بعث هللا به محمدا ً ^ ،فما ضرا أو نفعا ً شرك أكبر مخرج عن يفعله عباد القبور من النذر لمن يعتقدون فيه ًّ اإلسالم ،وال حول وال قوة إال باهلل. ومن ذلك :االستعاذة واالستغاثة :كل ذلك صرفه لغير هللا شرك. النوع الثاني :الشرك األصغر:
( )1مجموعة الفتاوى (.)71/7
املنهج املختصر يف الفقه والعقيدة والدعوة
115
وصاحبه ،إن لقي هللا به؛ فهو تحت المشيئة إن شاء هللا عفا عنه وأدخله الجنة، وإن شاء عذبه ،ولكن مآله إلى الجنة؛ ألن الشرك األصغر ال يخلد صاحبه في النار، ولكنه معرض للوعيد ،فيجب الحذر منه. ومن أنواع الشرك األصغر: الحلف بغير هللا :إن لم يقصد تعظيم المحلوف به ،وإال صار شركا ً أكبر. عن ابن عمر ب ،أن النبي ^ قال« :من حلف بغير هللا ،فقد كفر أو أشرك» رواه أحمد ،وأبو داود ،والترمذي ،والحاكم ،وصححه على شرط الشيخين ،وسكت عنه الذهبي. ومنه :يسير الرياء والتصنع للخلق: س ِئل عنه؟ فقال: وقد قال النبي ^« :أخوف ما أخاف عليكم الشرك األصغر» ،ف ُ «الرياء» .رواه أحمد من حديث محمود بن لبيد ،وسنده حسن. فإذا كان الشرك األصغر مخوفا ً على الصحابة الذين مع النبي ^ ،وأدركوا نزول الوحي؛ فعلى غيرهم من باب أولى ممن قل علمه وضعف إيمانه ،وال يسلم المسلم من الشرك إال باإلخالص هلل ،وبتجريد المتابعة للرسول ^. قال العالمة ابن القيم ( :/الشرك في العبادة قد يصدر ممن يعتقد أنه ال إله إال يضر وال ينفع وال يعطي وال يمنع إال هللا ،وأنه ال إله غيره وال رب هللا ،وأنه ال ُّ سواه ،ولكن ال يخص هللا في معاملته وعبوديته ،بل يعمل لحظ نفسه تارة ،ولطلب الدنيا تارة ،ولطلب الرفعة والمنزلة والجاه عند الخلق تارة ،فلله من عمله وسعيه نصيب ،ولنفسه وحظه وهواه نصيب ،وللشيطان نصيب ،وللخلق نصيب ،وهذا حال أكثر الناس). وهو الشرك الذي قال فيه النبي ^ فيما رواه ابن حبان في صحيحه« :الشرك في هذه األمة أخفى من دبيب النملة» .قالوا :كيف ننجو منه يا رسول هللا؟! قال« :قل اللهم إني أعوذ بك أن أشرك بك وأنا أعلم ،وأستغفرك لما ال أعلم» .فالرياء كله شرك .قال تعالى * :ﰄ ﰅ ﰆ ﰇ ﰈ ﰉ ﰊ ﰋ ﰌ ﰍ ﰎﰏ ﰐ ﰑ ﰒ ﰓ ﰔ ﰕ ﰖ ﰗ ﰘ ﰙ ﰚ ﰛ ﰜ ﰝ&[الكهف.]991: أي :كما أنه إله واحدٌ ،وال إله سواه؛ فكذلك ينبغي أن تكون العبادة له وحده، فكما تفرد باإللهية يجب أن يفرد بالعبودية؛ فالعمل الصالح هو الخالي من الرياء المقيد بالسنة. وهذا الشرك في العبادة يُبطل ثواب العمل ،وقد يعاقب عليه إذا كان العمل واجبا ً ،فإنه يُن َّز ُل منزلة من لم يعمله ،فيعاقب على ترك األمر؛ فإن هللا سبحانه إنما أمر بعبادته عبادة خالصة .قال تعالى* :ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ&[البينة.]5:
116
تهذيب شرح نواقض اإلسالم د الثالثةدغير األصول شيء شرحأتى به تهذيبالذي به ،بل
فمن لم يخلص هلل في عبادته؛ لم يفعل ما أ ُ ِمر المأمور به ،فال يصح وال يُقبل. ا ويقول هللا« :أنا أغنى الشركاء ،فمن عمل عم ال أشرك معي فيه غيري ،فهو للذي أشرك ،وأنا منه بريء» اهـ .رواه مسلم ،وابن ماجة ،والسياق قريب من سياق ابن ماجة .المقصود من كالمه مختصرا ً. الناقض الثاني :من نواقض اإلسالم: قال [ :/من جعل بينه وبين هللا وسائط؛ يدعوهم ،ويسألهم الشفاعة ،ويتوكل عليهم؛ كفر إجماعا ا]. هذا الناقض من أكثر النواقض وقوعا ً وأعظمها خطرا ً على المرء ،ألن كثيرا ً ممن يتسمى باسم اإلسالم وهو ال يعرف اإلسالم وال حقيقته ،جعل بينه وبين الرب جل وعال وسائط يدعوهم لكشف الملمات ،وإغاثة اللهفات ،وتفريج الكربات ،وهؤالء كفار بإجماع المسلمين؛ ألن هللا جل وعال ما أنزل الكتب وأرسل الرسل؛ إال ليعبدوه وحده ال شريك له ،ولكن أبى ذلك عباد القبور ،وجعلوا وسائط يسألونهم جلب المنافع ودفع المضار ،وجعلوا ذلك هو العبادة التي أمر هللا بها ،ومن أنكر عليهم شيئا ً من ذلك؛ رموه بعدم تعظيم األولياء والصالحين. وهم بزعمهم الفاسد ال يسألون هللا مباشرة تعظيما ً منهم هلل ،ويقولون :إن هللا ال بد له من واسطة ،كما أن الملك ال يُسأل إال بواسطة الحجاب ،وهللا أولى بذلك من الملك. فهم والعياذ باهلل شبهوا هللا بالمخلوق العاجز ،ومن هذا الباب دخلوا ،حتى خرجوا من اإلسالم ،وفي الكتاب والسنة مما يبطل قولهم ويقطع دابرهم كثير. ومن تدبر القرآن طالبا ً للهدى ومؤثرا ً للحق ،تبين له ذلك وتبينت له غربة الدين ،وجهل كثير من الناس بدين رب العالمين. فمن ذلك قوله تعالى* :ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ ﯵﯶ ﯷ ﯸ ﯹ ﯺ ﯻ ﯼ ﯽ ﯾ ﯿ ﰕ ﰕ ﰕ ﰕ ﰕ ﰕ ﰕ ﰕ ﰕ ﰕ ﰕ ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘﭙ&[سبأ .]23-22:وقال تعالى* :ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯨ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ ﯱﯲ ﯳ ﯴ ﯵ ﯶ ﯷ ﯸ&[اإلسراء .]57-56:وقال تعالى* :ﯼ ﯽ ﯾ ﯿ ﰕ ﰕ ﰕ ﰕ ﰕ ﰕﰕ ﰕ ﰕ ﰕ ﰕ ﰕ ﰕ ﰕ ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ&[يونس .]917-916:وقال تعالى* :ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣﯤ ﯥ ﯦ ﯧﯨ ﯨ ﯪ ﯫ ﯬ&[الزمر.]38:
املنهج املختصر يف الفقه والعقيدة والدعوة
117
والنبي ^ لما قيل له :ما شاء هللا وشئت؛ قال« :أجعلتني هلل عد الا؟ ما شاء هللا ()1
وحده» ؛ ألن الواو في قوله« :وشئت»؛ تقتضي المساواة ،وهللا جل وعال تفرد باإللهية ،فيجب أن يفرد بالعبودية ،وال يساوى بأحد من خلقه في جلب نفع أو دفع ضر. ّ خرجه الترمذي وحسَّنه عن ابن وقد قال النبي ^ في الحديث العظيم الذي َّ عباس« :احفظ هللا يحفظك ،احفظ هللا تجده تُجاهك ،وإذا سألت فاسأل هللا ،وإذا استعنت فاستعن باهلل ،واعلم أن األمة لو اجتمعت على أن ينفعوك بشيء ،لم ينفعوك يضروك بشيء ،لم يضروك إال إال بشيء قد كتبه هللا لك ،وإن اجتمعوا على أن ُّ بشيء قد كتبه هللا عليكُ ،رفِ عَ ت األقالم ،وجفت الصحف». والمشركون في قديم الدهر وحديثه إنما وقعوا في الشرك األكبر لتعلقهم بأذيال الشفاعة ،والشفاعة شفاعتان: أ) شفاعة منفية :وهي التي تطلب من غير هللا ،قال تعالى* :ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﭨ&[البقرة .]254:وقال تعالى* :ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦﯧ ﯨ ﯨ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ&[األنعام.]59: ب) شفاعة مثبتة :وهي التي تطلب من هللا ،وال تكون إال ألهل التوحيد واإلخالص ،وهي مقيدة بأمرين عظيمين: األول :إذن هللا للشافع ،كما قال تعالى* :ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠﯡ&[البقرة.]255: الثاني :رضا الرب عن المشفوع له؛ كما قال تعالى* :ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ&[األنبياء ،]28:أي :قوله وعمله ،أما المشركون؛ فتكون أعمالهم هباء منثورا ً ،فال شفاعة لهم؛ معاملة لهم بنقيض قصدهم ،فمن استعجل شيئا ً قبل أوانه؛ عوقب بحرمانه.
( )1رواه أحمد ( 293/9و )294من حديث ابن عباس وسنده حسن.
118
تهذيب شرح نواقض اإلسالم د تهذيب شرح األصول الثالثةد
الناقض الثالث من نواقض اإلسالم: قال [ :/من لم يكفر المشركين ،أو شك في كفره ،أو صحح مذهبهم]. ألن هللا جل وعال كفَّرهم في آيات كثيرة من كتابه ،وأمر بعداوتهم؛ الفترائهم الكذب عليه ،ولجعلهم شركاء مع هللا ،وادعائهم بأن له ولدا ً ،تعالى هللا عما يقولون علوا كبيرا ً ،وقد افترض هللا جل وعال على المسلمين معاداتهم وبغضهم .وال يحكم ًّ ّ ّ بإسالم المرء حتى يُك ِفر المشركين ،فإن توقف في ذلك مع ظهور األمر فيهم ،أو شك في كفرهم مع تبينه؛ فهو مثلهم. أما من صحح مذهبهم ،واستحسن ما هم عليه من الكفر والطغيان؛ فهذا كافر بإجماع المسلمين؛ ألنه لم يعرف اإلسالم على حقيقته ،وهو« :االستسالم هلل بالتوحيد، واالنقياد له بالطاعة ،والبراءة من الشرك وأهله» ،وهذا والى أهل الشرك ،فضالً عن أن يكفرهم. وفي صحيح مسلم طارق بن أشيم ا قال :سمعت رسول هللا ^ يقول« :من قال: ال إله إال هللا ،وكفر بما يُعبد من دون هللا؛ حرم ماله ودمه ،وحسابه على هللا». فال يُكتفى بعصمة دم المسلم أن يقول :ال إله إال هللا ،بل ال بد أن يضيف إليها الكفر بما يُعبد من دون هللا ،فإن لم يكفر بما يُعبد من دون هللا ،لم يحرم دمه وماله. قال تعالى * :ﭩ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮪ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ&[الممتحنة.]4: هذه هي ملة إبراهيم التي من رغب عنها ،فقد سفه نفسه. وقال تعالى* :ﰕ ﰕ ﰕ ﰕ ﰕ ﰕ ﰕ ﰕ ﰕ&[البقرة.]256: قال اإلمام محمد بن عبد الوهاب قدَّس هللا روحه( :وصفة الكفر بالطاغوت :أن تعتقد بطالن عبادة غير هللا ،وتتركها ،وتبغضها ،وتكفر أهلها ،وتعاديهم). وبهذا البيان يتبين لك ما عليه كثير من حكام البالد التي تنتسب إلى اإلسالم؛ ألنهم والوا أهل اإلشراك ،وقربوهم ،وعظموهم ،وجعلوا بينهم عالقات تدل على أنهم إخوان لهم ،إضافة إلى ذلك :أنهم عادوا أهل الدين وآذوهم وأودعوهم في السجون؛ فهل يبقى إسالم بعد هذا؟!). قال تعالى * :ﭑﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙﭚ ﭛ ﭜ ﭝﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ&[المائدة.]59: وقال تعالى* :ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯨ ﯪ ﯫ ﯬ&[آل عمران.]28: فال بد لكل مسلم يدين دين اإلسالم أن يُك ِفّر المشركين ،وأن يعاديهم ،وأن يبغضهم ،ويبغض من أحبهم ،أو جادل عنهم ،أو ذهب إلى ديارهم من غير عذر شرعي يرضاه هللا ورسوله. وعلى المسلمين جميعا ً أن يرجعوا إلى دينهم؛ فبه يحصل العز ،وبه يحصل النصر ،وبه تستقيم البالد ،وبه يحصل الفرقان بين أولياء الرحمن الذين ينصرون
املنهج املختصر يف الفقه والعقيدة والدعوة
119
دينه ،وبين أولياء الشيطان الذين ال يبالون بما جرى على الدين إذا سلمت لهم مآكلهم ومشاربهم. ّ وكلما أعرض الناس عن تحكيم الكتاب والسنة؛ سلط هللا عليهم عدوهم ،فلما أعرض كثير من حكام الدول عن تحكيم شرع هللا ورضوا بالقوانين الوضعية الملعونة الملعون محكمها؛ تدهورت بالدهم وتشتتت ،وسامهم العدو سوم العذاب من حيث ال يشعرون ،وهللا المستعان. ويجب على كل عالم وداعية وخطيب وإمام مسجد ،أن يبين للناس خطورة مواالة الكفار ،باألدلة الشرعية من كتاب هللا وسنة رسوله ،ويبين لهم خطورة الذهاب إلى ديارهم ،أو استقدامهم إلى ديار المسلمين؛ ألن هللا قطع المواالة والصلة بين المسلم والكافر ،حتى ولو كان أقرب قريب؛ كما قال تعالى* :ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲﭳ&[التوبة .]23:وقال تعالى * :ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮﭯ&[المجادلة .]22:وقال تعالى * :ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ&[الممتحنة.]9: ولذلك قال النبي ^ فيما رواه عنه الشيخان من حديث أسامة « :ال يرث المسلم الكافر ،وال الكافر المسلم»؛ لئال يقع بين المسلم والكافر عالئق؛ حسم النبي ^ المادة وقطع بينهما التوارث. ولي ْعلم كل مسلم أن الكفار من اليهود والنصارى وغيرهم لن يصطلحوا مع المسلمين ،ولن يسالموهم ويرضوا عنهم؛ حتى يتبع المسلمون ملتهم ،ويحذوا حذوهم؛ كما قال تعالى * :ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ&[البقرة.]921: فهذا تهديد من هللا ووعيد شديد على من اتبع دين الكفار ،وأنه ليس له من دون هللا ولي وال نصير. وقد أمر النبي ^ بمفارقة المشركين؛ لئال يصير منهم ،روى النسائي وغيره بسند جيد من حديث بهز بن حكيم عن أبيه عن جده ،عن النبي ^ أنه قال « :ال يقبل هللا من مشرك بعدما أسلم عم الا ،أو يفارق المشركين إلى المسلمين». ونشكوا إلى هللا جل وعال غربة الدين ،وتغير أحوال المسلمين ،يذهبون إلى ديار المشركين ،ويجلسون معهم ،ويؤاكلونهم ،ويضاحكونهم! ونشكوا إلى هللا ما ح َّل بنا في هذا العصر الغريب ،فقد انقلبت الموازين، فأصبح الكثير يتعاملون مع األسماء دون المسميات ،ومع الدعاوي دون البينات .فعدو سرا وجهارا ً قد صار مؤمنا ً موحدا ً عند الجهال هللا الذي يحارب الدين ليالً ونهارا ً ًّ المغفلين وأهل الشهوات ،بدعوى أنه يتلفظ بالشهادتين ،وما يغني عنه تلفظه بالشهادتين وقد صار جنديًّا من جنود إبليس ،وحربا ً على هذا الدين بالنفس والمال، فاهلل المستعان.
تهذيب شرح نواقض اإلسالم
151
د تهذيب شرح األصول الثالثةد
الناقض الرابع من نواقض اإلسالم: قال [ :/ومن اعتقد أن غير هدي النبي ^ أكمل من هديه ،أو حكم غيره أحسن من حكمه؛ كالذي يفضل حكم الطواغيت على حكمه]. من نواقض اإلسالم :من اعتقد أن غير هدي النبي ^ أكمل من هديه ،وهذه مسألة عظيمة خطيرة ،تردي بمعتقدها إلى الجحيم؛ ألن ذلك مصادمة للمنقول والمعقول. وقد كان النبي ^ يقول في خطبة الجمعة« :أما بعد؛ فإن خير الحديث كتاب هللا، ()1
وخير الهدي هدي محمد» .أخرجه مسلم وغيره من حديث جابر ا. وال شك وال ريب أن هدي محمد ^ أكمل الهدي؛ ألنه وحي يوحى إليه؛ كما قال هللا جل وعال* :ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ&[النجم.]4: ولذلك أجمع العلماء الذين يعتد بإجماعهم ،على أن السنة هي األصل الثاني من أصول التشريع اإلسالمي ،وأنها مستقلة بتشريع األحكام ،وهي كالقرآن في التحليل والتحريم. فكيف يكون هدي غيره أكمل من هديه ،وهللا جال وعال قد امتن على هذه األمة بأن أكمل لها الدين ،وأتم عليها النعمة ،بواسطة نبي الرحمة محمد ^ ،قال هللا تعالى: *ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅﮆ&[المائدة.]3: فما رضيه هللا لنا؛ فنحن نرضاه؛ ألنه الدين الذي أحبه ورضيه وبعث به أفضل المرسلين ،قال هللا تعالى* :ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼﭽ&[آل عمران .]91:وقال تعالى* :ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ&[آل عمران ،]85:فكل من ابتغى غير هذا الدين؛ فهو من الكافرين. ومن نواقض اإلسالم ما بينه المؤلف /بقوله( :من اعتقد أن حكم غيره أحسن من حكمه ،كالذي يفضل حكم الطواغيت على حكمه) ،فهذا كافر بإجماع أهل العلم، ومنهم الذين يفضلون أحكام الطواغيت الوضعية على حكم رسول هللا ^. حكم ،فما وينبغي لكل مسلم ومسلمه أن يعلم :أن حكم هللا ورسوله مقد ٌم على كل ٍ من مسألة تقع بين الناس؛ إال ومردها إلى حكم هللا ورسوله ،فمن تحاكم إلى غير حكم هللا ورسوله؛ فهو كافر؛ كما ذكر هللا ذلك في سورة النساء ،فقال تعالى* :ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ&[النساء ]61:اآليات ،إلى أن قال جل وعال* :ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯨ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ&[النساء.]65: فأقسم هللا جل وعال بنفسه أنهم ال يؤمنون حتى يستكملوا ثالثة أشياء: )9أن يحكموا الرسول ^ في جميع األمور. ( )1صحيح مسلم ( - )953/6نووي.
املنهج املختصر يف الفقه والعقيدة والدعوة
155
)2أن ال يجدوا في أنفسهم حرجا ً مما قضى به. )3أن يسلموا تسليما ً كامالً لحكمه. وقال هللا تعالى* :ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮪ ﮭ&[المائدة.]44: والحكم بما أنزل هللا ،واعتقاد أن حكم الرسول أحسن من حكم غيره :من مقتضيات شهادة أن (ال إله إال هللا) ،ومن زعم أن حكم غير الرسول أحسن من حكم ٌ شرط الرسول؛ فهذا لم يعرف معنى (ال إله إال هللا) ،بل أتى بما يناقضها؛ ألن االنقياد من شروط هذه الكلمة العظيمة ،فمن عرفها وعمل بها مستكمالً شروطها وأركانها؛ فقد تبرأ من حكم غير هللا والرسول. وقد تغيرت األحوال ،خصوصا ً في هذا الزمان الذي يشبه أزمان الفترات، فاعتاضوا عن كالم هللا ورسوله وحكم هللا ورسوله بآراء اليهود والنصارى ،الذين ال يرقبون في مؤمن إالًّ وال ذمة ،ورضوا بتحكيم آراء الرجال. ويدخل فيما تقدم من الكفر والضالل قول من يقول :إن إنفاذ حكم هللا في رجم الزاني المحصن وقطع يد السارق ال يناسب هذا العصر الحاضر؛ فزماننا قد تغير عن زمن الرسول ،والدول الغربية تعيبنا في هذا!! فهذا المارق قد زعم أن حكم أهل هذا العصر أحسن من حكم النبي ^ وأهدى سبيالً. وكذلك يدخل في ذلك من قال :إنه يجوز في هذا العصر الحكم بغير ما أنزل هللا!! ألنه قد استحل محرما ً مجمعا ً على تحريمه. الناقض الخامس من نواقض اإلسالم: قال [ :/من أبغض شيئا ا مما جاء به الرسول ^ ولو عمل به؛ كفر]. من نواقض اإلسالم :بغض شيء مما جاء به الرسول ^ ،سواء كان من األقوال أو األفعال ،وسواء كان أمرا ً أو نهيا ً ،وهذا من النفاق االعتقادي الذي صاحبه في الدرك األسفل من النار. ومن ذلك :ما يتفوه به كثير من الكتاب الملحدين من كراهيتهم لتعدد الزوجات؛ ويحاربون تعدد الزوجات بشتى الوسائل ،وما يعلم هؤالء أنهم يحاربون هللا ورسوله، وأنهم يردون على هللا أمره. ومثل هؤالء في الكفر والبغض لما جاء به الرسول من يكره كون المرأة ليست بمنزلة الرجل؛ ككرههم أن تكون دية المرأة نصف دية الرجل ،وأن شهادة امرأتين بشهادة رجل واحد ،وغير ذلك؛ فهم مبغضون لقول النبي ^« :ما رأيت من ناقصات عقل ودين أذهب للب الرجل الحازم من إحداكن» الحديث متفق عليه ،من حديث أبي سعيد الخدري ا. قال هللا تعالى حاكما ً بكفر من كره ما أنزل على رسوله* :ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯨ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ&[محمد.]1-8:
151
تهذيب شرح نواقض اإلسالم د شرح األصول تهذيب الثالثةدأنزل كراهيتهم ما بسبب منثورا ً؛
فاهلل جل وعال أحبط أعمالهم ،وجعلها هبا ًء على رسوله ،فكل من كره ما أنزل هللا؛ فعمله حابط ،وإن عمل بما كره؛ كما قال تعالى* :ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯨ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ&[محمد.]28: وهذا من أعظم ما يخيف المسلم :أن يكون كارها ً لما جاء به الرسول ^. ومما ينبغي التنبيه عليه :أن كثيرا ً من الناس قد ال يقبل الحق ال ألنه حق ،ولكن لسوء تصرف من يأمره بالمعروف أو ينهاه عن المنكر ،أو لكون بينه وبين الناصح شيء ما؛ فهذا ال يسمى مبغضا ً لما جاء به الرسول ^. وال يلزم من ف ْعل المعصية بغض ما جاء به الرسول ^ ،فهناك من الصحابة من حصلت منه بعض المخالفات -كشرب الخمر مثالً -ولم يلزمه أحد من الصحابة بذلك اإللزام ،بل لما أُتي بشارب الخمر إلى النبي ^ ،ولعنه بعض الصحابة ،وقال :ما أكثر ()1
ما يُؤتى به! نهاه النبي ^ عن لعنه ،وقال« :إنه يحب هللا ورسوله» . ومن اعتقاد أهل السنة والجماعة :أن أهل الكبائر تحت المشيئة :إن شاء هللا عفا عنهم وإن شاء عذبهم على قدر جرمهم ،ثم مآلهم إلى الجنة. الناقض السادس من نواقض اإلسالم: قال [ :/من استهزأ بشيء من دين الرسول ^ ،أو ثوابه ،أو عقابه؛ كفر ،والدليل قوله تعالى* :ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗﮘ&[التوبة.]]66-65: االستهزاء بشيء مما جاء به الرسول كفر بإجماع المسلمين ،ولو لم يقصد حقيقة االستهزاء؛ كما لو هزل مازحا ً. وقد روى ابن جرير وابن أبي حاتم وأبو الشيخ وغيرهم ،عن عبد هللا بن عمر ب قال :قال رجل في غزوة تبوك في مجلس يوما ً :ما رأينا مثل قرائنا هؤالء :أرغب بطونا ً ،وال أكذب ألسنا ً ،وال أجبن عند اللقاء .فقال رجل في المجلس :كذبت! ولكنك منافق ،ألخبرن رسول هللا ^ .فبلغ ذلك رسول هللا ^ ،ونزل القرآن .قال عبد هللا :فأنا رأيته متعلقا ً بحقب ناقة رسول هللا ^ والحجارة تنكبه وهو يقول :يا رسول هللا! إنما كنا نخوض ونلعب ،والنبي ^ يقول* :ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ&[التوبة.]65: فقولهم( :إنما كنا نخوض ونلعب)؛ أي :إننا لم نقصد حقيقة االستهزاء ،وإنما قصدنا الخوض واللعب ،نقطع به عناء الطريق ،كما في بعض روايات الحديث ،ومع ذلك كفَّرهم هللا جل وعال؛ ألن هذا الباب ال يدخله الخوض واللعب؛ فهم كفروا بهذا الكالم ،مع أنهم كانوا من قبل مؤمنين. ( )1رواه البخاري (/92رقم 6781الفتح) عن عمر بن الخطاب رضي هللا عنه.
املنهج املختصر يف الفقه والعقيدة والدعوة
153
فمن استهزأ بشيء مما جاء به الرسول ^؛ كاالستهزاء بالعلم الشرعي وأهله ألجله ،وكاالستهزاء بثواب هللا وعقابه ،واالستهزاء باآلمرين بالمعروف والناهين عن المنكر من أجل أمرهم به أو نهيهم عنه ،وكاالستهزاء بالصالة ،سواء كانت نافلة أو فريضة ،وكذلك االستهزاء بالمصلين ألجل صالتهم ،وكذلك االستهزاء بمن أعفى لحيته ألجل إعفائها ،أو بتارك الربا ألجل تركه؛ فهو كافر. واالستهزاء بشيء مما جاء به الرسول ^ من صفات المنافقين؛ كما قال تعالى: *ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ ﯶ ﯷ ﯸ ﯹ ﯺ ﯻ ﯼ ﯽ ﯾ ﯿ ﰕ ﰕ ﰕ ﰕ ﰕ ﰕ ﰕ ﰕ ﰕ ﰕ ﰕ ﰕ ﰕ ﰕ ﰕ ﰕ ﰕ ﰕ ﰕ ﰕ ﰕ ﰕ ﰕ ﰕ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ&[المطففين.]36-21:
ويجب على كل مسلم أن يهجر المستهزئين بدين هللا وبما جاء به الرسول ^، ولو كانوا أقرب الناس إليه ،لئال يكون منهم؛ كما قال هللا جال وعال* :ﯦ ﯧ ﯨ ﯨ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ ﯶ ﯷ ﯸ ﯹ ﯺ ﯻﯼ ﯽ ﯾ ﯿﰕ ﰕ ﰕ ﰕ ﰕ ﰕ ﰕ ﰕ ﰕ ﰕ&[النساء.]941: الناقض السابع من نواقض اإلسالم: قال [ :/السحر ،ومنه الصرف والعطف ،فمن فعله أو رضي به؛ كفر ،والدليل قول هللا* :ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴﭵ&[البقرة.]]511: السحر يُطلق في اللغة :على ما خفي ولطف مأخذه ودق. عقدٌ ورقى يتوصل بها الساحر إلى استخدام الشياطين؛ وتعريفه في الشرعُ : لتضر المسحور. وقال الشنقيطي ( :/اعلم أن السحر ال يمكن حدُّه بحد جامع مانع؛ لكثرة األنواع المختلفة الداخلة تحته ،وال يتحقق قدر مشترك بينها يكون جامعا ً لها مانعا ً لغيرها، ()1 ومن هنا اختلفت عبارات العلماء في حده اختالفا ً متباينا ً) . ومن السحر :الصرف والعطف: فالصرف :صرف الرجل عما يهواه؛ كصرفه مثالً عن محبة زوجته إلى بغضها. والعطف :عمل سحري كالصرف ،ولكنه يعطف الرجل عما ال يهواه إلى محبته بطرق شيطانية.
( )1أضواء البيان.)444/4( :
154
تهذيب شرح نواقض اإلسالم د تهذيب شرح األصول الثالثةد
وهذه مسائل مهمة تتعلق بالسحر: المسألة األولى :هل للسحر حقيقة؟ دل قوله جل وعال* :ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ&[الفلق ]4:على أن للسحر حقيقة ،وإال لم يأمر هللا باالستعاذة منه. وكذلك قوله تعالى* :ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽﭾ&[البقرة ،]912:فهذه اآلية تدل عل أن للسحر حقيقة تكون سببا ً للتفريق بين المرء وزوجه. المسألة الثانية :في حكم الساحر: اختلف العلماء رحمهم هللا في الساحر :هل يكفر أم ال؟ ظاهر كالم المصنف /أنه يكفر؛ لقوله تعالى* :ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴﭵ&[البقرة ،]912:وهو مذهب اإلمام أحمد /ومالك وأبي حنيفة ،وعليه الجمهور. وذهب الشافعي /إلى أنه إذا تعلم السحر ،يقال له :صف لنا سحرك .فإن وصف ما يستوجب الكفر -مثل سحر أهل بابل من التقرب للكواكب ،وأنها تفعل ما يطلب منها-؛ فهو كافر ،وإن كان ال يصل إلى حد الكفر واعتقد إباحته ،فهو كافر الستحالله المحرم ،وإال؛ فال. واعلم أن الساحر على كال الحالتين يجب قتله على القول الصحيح ،ألنه مفسد في األرض ،يفرق بين المرء وزوجه ،وبقاؤه على وجه األرض فيه خطر كبير وفساد عظيم على األفراد والمجتمعات ،ففي قتله قطع لفساده وإراحة للعباد والبالد من خبثه ،وال خالف بين الصحابة في قتل الساحر.
املنهج املختصر يف الفقه والعقيدة والدعوة
155
المسألة الثالثة :حل السحر عن المسحور: وهي النشرة .قال العالمة ابن القيم ( :/حل السحر عن المسحور نوعان: أحدهما :حل بسحر مثله ،وهو الذي من عمل الشيطان ،وعليه يحمل قول الحسن( :وهو :ال يحل السحر إال ساحر) ،فيتقرب الناشر والمنتشر إلى الشيطان بما يحب ،فيبطل عمله عن المسحور. والثاني :النشرة بالرقية والتعويذات واألدوية والدعوات المباحة؛ فهذا جائز). وأما الذهاب إلى السحرة والكهان والمنجمين والعرافين لسؤالهم ،فهذا جرم ()1
عظيم وخطأ كبير ،يترتب عليه عدم قبول صالة أربعين ليلة ،لما روى مسلم عن بعض أزواج النبي ^ ،عن النبي ^ قال« :من أتى عرافا ا فسأله عن شيء ،لم تقبل له صالة أربعين ليلة». وأما إن سألهم وصدّقهم فهو كافر بما أنزل على نبينا محمد ^ ،لما رواه ()2 الحاكم عن أبي هريرة ا قال :قال رسول هللا ^« :من أتى عرافا ا أو كاهنا ا فصدقه فيما يقول ،فقد كفر بما أنزل على محمد ^». الناقض الثامن من نواقض اإلسالم: قال [ :/مظاهرة المشركين ومعاونتهم على المسلمين ،والدليل قوله تعالى* :ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ&[المائدة.]]55: المظاهرة هي :المناصرة .ومظاهرة المشركين ومعاونتهم على المسلمين تكون عدد ،وهذا من نواقض بكل شيء يستعينون به ويتقوون به على المسلمين من عد ٍد و ُ اإلسالم. ومعاونة الكفار على المسلمين فتنة عظيمة قد عمت في هذا الزمان ،الذي كثر فيه الجهل ،وقل فيه العلم ،وتوافرت فيه أسباب الفتن ،وغلب الهوى واستحكم، وانطمست أعالم السنن ،وعاد اإلسالم غريبا ً كما بدأ ،فطوبى للغرباء ،الذين يصلحون ما أفسد الناس. الناقض التاسع من نواقض اإلسالم: قال [ :/من اعتقد أن بعض الناس يسعه الخروج عن شري عة محمد ^ ،كما وسع الخضر الخروج عن شريعة موسى × ،فهو كافر].
( )1في صحيحه (.)2231 ( )8/9( )2بسند صحيح.
156
تهذيب شرح نواقض اإلسالم د األصول شرح تهذيب الثالثةدربقة فقد خلع عنها؛ االستغناء
من رغب الخروج عن شريعة محمد ^ ،أو ظن اإلسالم من عنقه .وذلك لتضمنه تكذيب قول هللا تعالى* :ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆﮇ&[األنعام.]953: ًّ وأخرج أحمد وأبو داود عن ابن مسعود ا قال( :خط لنا رسول هللا ^ خطا ،ثم قال« :هذا سبيل هللا» ،ثم خط خطوطا ً عن يمينه وعن شماله ،ثم قال« :هذه سبل متفرقة ،على كل سبيل منها شيطان يدعو إليه» ،ثم قرأ* :ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆﮇ&[األنعام.)]953: ً ً وقد بوب اإلمام محمد بن عبد الوهاب /في «فضل اإلسالم» بابا عظيما ،فقال: (باب وجوب االستغناء بمتابعة الكتاب عن كل ما سواه). وال شك أن القرآن يأمرنا بمتابعة الرسول ^ ،وعدم الخروج عن طاعته ،بل إن الخروج عن طاعته من األسباب الموجبة للنار؛ كما في صحيح البخاري عن أبي هريرة ا قال :قال رسول هللا ^ « :كل أمتي يدخلون الجنة؛ إال من أبى» .قالوا :ومن يأبى يا رسول هللا؟! قال« :من أطاعني دخل الجنة ،ومن عصاني فقد أبى». فاهلل سبحانه افترض على جميع الناس طاعة رسوله ^ ،فمنهم من أطاع ،ومنهم من عصى ،وانقسمت األمة إلى قسمين: أ) أمة إجابة ،وهم الذين أطاعوه واتبعوا النور الذي معه. ب) وأمة دعوة ،وهم الذين استكبروا عن طاعته ومتابعته. واعتقاد أن بعض الناس يسعه الخروج عن شريعة محمد ^ كما وسع الخضر علم الخروج عن شريعة موسى × ،من أعظم أنواع النفاق واإللحاد والكفر ،فإنه قد ُ باالضطرار من دين اإلسالم ،أن رسالة محمد بن عبد هللا ^ لجميع الناس؛ عربهم وعجمهم ،وملوكهم وزهادهم؛ وعلمائهم وعامتهم ،وأنها باقية دائمة إلى يوم القيامة، بل عامة للثقلين الجن واإلنس ،وأنه ليس ألحد من الخالئق الخروج عن متابعته وطاعته ومالزمته ما يشرعه ألمته من الدين ،وما سنه لهم من فعل المأمورات وترك المحظورات ،بل لو كان األنبياء المتقدمون قبله أحياء؛ لوجب عليهم متابعته ومطاوعته. وقد ثبت في األحاديث الصحيحة أن المسيح عيسى ابن مريم :إذا نزل من السماء آخر الزمان ،يكون متبعا ً لشريعة محمد بن عبد هللا ^. وأما سبب عدم متابعة الخضر × لموسى × فهو :أن موسى × لم يكن مبعوثا ً إلى الخضر ،وال أوجب هللا على الخضر متابعته وطاعته ،بل قد ثبت في الصحيحين أن الخضر قال له« :يا موسى! إني على علم من علم هللا علمنيه هللا ال تعلمه ،وأنت على علم من علم هللا علمكه هللا ال أعلمه» ،وذلك أن دعوة موسى كانت خاصة.
املنهج املختصر يف الفقه والعقيدة والدعوة
157
وقد ثبت في الصحاح عن النبي ^ أنه قال « :كان النبي يبعث إلى قومه خاصة، وبعثت إلى الناس عامة». وبهذا يتبين أنه ال يجوز ألحد أن يدعي الخروج عن شريعة محمد ،كما يدعيه غالة الصوفية ،ويفسرون قوله تعالى* :ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ&[الحجر ]11:أي :العلم والمعرفة، ويجوزون لمن حصل عنده علم ومعرفة الخروج عن شريعة محمد ^ ،ويسقطون عنه التكاليف ،وهذا كفر وخروج عن اإلسالم ،باتفاق العلماء. الناقض العاشر من نواقض اإلسالم: قال [ :/اإلعراض عن دين هللا تعالى؛ ال يتعلمه ،وال يعمل به ،والدليل قوله تعالى* :ﭛﭜﭝﭞﭟﭠﭡﭢﭣﭤﭥﭦﭧﭨﭩ&[السجدة.]]11: المراد باإلعراض الذي هو ناقض من نواقض اإلسالم :هو اإلعراض عن تعلم أصل الدين الذي به يكون المرء مسلما ً ،ولو كان جاهالً بتفاصيل الدين؛ ألن هذا قد ال يقوم به إال العلماء وطلبة العلم .قال تعالى* :ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ&[األحقاف ،]3:وقال تعالى* :ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ&[السجدة.]22: سئل العالمة الشيخ عبد اللطيف بن عبد الرحمن بن حسن عن اإلعراض وقد ُ الذي هو ناقض من نواقض اإلسالم؟ ً ً فأجاب( :إن أحوال الناس تتفاوت تفاوتا عظيما ،وتفاوتهم بحسب درجاتهم في اإليمان إذا كان أصل اإليمان موجودا ً ،والتفريط والشرك إنما هو فيما دون ذلك من الواجبات والمستحبات ،وأما إذا عدم األصل الذي يدخل به في اإلسالم ،وأعرض عن هذا بالكلية؛ فهذا كفر إعراض ،قال تعالى* :ﯳ ﯴ ﯵ ﯶ ﯷ ﯸ ﯹ ﯺ&[طه ]924:اآلية). قال الشيخ العالمة سليمان بن سحمان( :فتبين من كالم الشيخ ،أن اإلنسان ال يكفر إال باإلعراض عن تعلم األصل الذي يدخل به اإلنسان في اإلسالم ،ال بترك ()1
الواجبات والمستحبات) . وقال العالمة ابن القيم /في مدارج السالكين( :وأما كفر اإلعراض ،فإنه يُعرض بسمعه وقلبه عن الرسول؛ ال يصدقه وال يكذبه ،وال يواليه وال يعاديه ،وال يصغي إلى ما جاء به البتة) اهـ كالمه. حكم الهازل والجاد والخائف والمكره:
( )1الدرر السنية (.)473 - 472/91
تهذيب شرح نواقض اإلسالم
158
ثم إن المصنف /لما ذكر هذه النواقض العشرة، ()1
د األصول قالتهذيب الثالثةدجميع فرق في شرحوال بعدها[ :
هذه النواقض بين الهازل والجاد والخائف ،إال المكره]. ودليل العذر باإلكراه :قوله تعالى* :ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ&[النحل.]916: واإلكراه يكون بالقول والفعل كما هو ظاهر اآلية. ثم قال الشيخ [ :/وكلها من أعظم ما يكون خطرا ا وأكثر ما يكون وقوعا ا]. (كالم مهم في مسألة التكفير): مكف را ا يحكم بتكفيره. ليس كل من فعل ِ إذا علم ما تقدم من النواقض التي تحبط األعمال ،وتجعل صاحبها من الخالدين في النار ،فليعلم أن المسلم قد يقول قوالً أو يفعل فعالً قد دل الكتاب والسنة وإجماع سلف األمة على أنه كفر ورده عن اإلسالم ،ولكن ال تالزم عند أهل العلم بين القول بأن هذا كفر وبين تكفير الرجل بعينه. فليس كل من فعل مكفرا ً حكم بكفره؛ إذ القول أو الفعل قد يكون كفرا ً ،لكن ال يطلق الكفر على القائل أو الفاعل إال بشرطه؛ ألنه ال بد أن تثبت في حقه شروط التكفير ،وتنتفى موانعه؛ فالمرء قد يكون حديث عهد بإسالم ،وقد يفعل مكفرا ً وال يعلم أنه مكفر ،فإذا بُ ِيّن له؛ رجع وقد ينكر شيئا ً متأوالً أخطأ بتأويله ..وغير ذلك من الموانع التي تمنع من التكفير. وهذا أصل عظيم ،يجب تفهمه واالعتناء به؛ ألن التكفير ليس حقًّا للمخلوق، يكفر من يشاء على وفق هواه ،بل يجب الرجوع في ذلك إلى الكتاب والسنة على فهم السلف الصالح ،فمن كفّره هللا ورسوله ،وقامت عليه الحجة؛ فهو كافر ،ومن ال فال. وفي الصحيحين وغيرهما عن أبي هريرة ا ،عن النبي ^ قال« :أسرف رجل على نفسه ،فلما حضره الموت؛ أوصى بنيه؛ فقال :إذا أنا ُم ُّ ت؛ فأحرقوني ،اسحقوني، ي ربي؛ ليعذبني عذابا ا ما عذبه ثم ذروني في الريح في البحر ،فو هللا لئن قدر عل َّ أحدا ا» .قال« :ففعلوا ذلك به ،فقال لألرض أدى ما أخذت .فإذا هو قائم ،فقال له :ما حملك على ما صنعت؟ فقال :خشيتك يا رب ،فغفر له بذلك». ()2
قال شيخ اإلسالم ابن تيمية ( : /فهذا رجل شك في قدرة هللا وفي إعادته إذا ذُ ِ ّري ،بل اعتقد أنه ال يُعاد ،وهذا كفر باتفاق المسلمين ،لكن كان جاهالً ال يعلم ذلك، ( )1أي :خوف المال والجاه. ( )2في الفتاوى (.)239 /3
املنهج املختصر يف الفقه والعقيدة والدعوة
159
وكان مؤمنا ً يخاف هللا أن يعاقبه ،فغفر له بذلك ،والمتأول من أهل االجتهاد الحريص على متابعة الرسول ^ ،أولى بالمغفرة من مثل هذا). ()1 وقال ( : /وحقيقة األمر في ذلك :أن القول قد يكفر كفرا ً ،فيطلق القول بتكفير صاحبه ،فيقال :من قال كذا؛ فهو كافر ،لكن الشخص المعين الذي قاله ال يحكم بكفره حتى تقوم عليه الحجة التي يكفر تاركها). والحاصل :أن مذهب أهل التحقيق التفريق بين تكفير الفعل وبين تكفير الفاعل، وكذلك األمر في التبديع ،هناك فرق بين تبديع القول أو الفعل ،وبين تبديع القائل أو الفاعل ،فليس كل من فعل بدعة صار مبتدعا ً. ومن نظر في سيرة السلف؛ عرف حقيقة هذا القول ،وعلم أن هذا مذهبهم وهذه طريقتهم ،ورأى ما هم عليه من العدل واإلنصاف وقول الحق والحرص على هداية الخلق ،لما خصهم هللا به من العلم النافع والعمل الصالح ،وهذا هو الواجب على جميع الخلق :أن يكون قصدهم بيان الحق وإزهاق الباطل مع العدل واإلنصاف؛ ليكون الدين كله هلل.
( )1في المسائل الماردينية (ص .)79
تهذيب شرح نواقض اإلسالم
111
خامتة
د تهذيب شرح األصول الثالثةد
نختم هذا الشرح بما قال الشيخ محمد بن عبد الوهاب /في كشف الشبهات؛ فإنه كالم عظيم يبين ما تقدم ،ويزيل اللبس واإلشكال ،لكثرة الواقعين فيه؛ إلعراضهم عن تعلم دينهم ،وما أوجب هللا عليهم. قال ( :/ال خالف أن التوحيد البد أن يكون بالقلب واللسان والعمل ،فإن اختل شيء من هذا؛ لم يكن الرجل مسلما ً. كافر معاندٌ؛ كفرعون وإبليس وأمثالهما، فإن عرف التوحيد ولم يعمل به؛ فهو ٌ كثير من الناس؛ يقولون :هذا حق ،ونحن نفهم هذا ،ونشهد أنه الحق، وهذا يغلط فيه ٌ ولكنا ال نقدر أن نفعله ،وال يجوز عند أهل بلدنا؛ إال من وافقهم ..أو غير ذلك من األعذار ،ولم يدر المسكين أن غالب أئمة الكفر يعرفون الحق ولم يتركوه إال لشيء من األعذار؛ كما قال تعالى* :ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ&[التوبة ]1:وغير ذلك من اآليات؛ كقوله* :ﭔ ﭕ ﭖ ﭗﭘ&[البقرة.]946: فإن عمل بالتوحيد عمالً ظاهرا ً وهو ال يفهمه أو ال يعتقده بقلبه؛ فهو منافق، وهو شر من الكافر الخالص* :ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ&[النساء.]945: وهذه المسألة مسألة كبيرة طويلة ،تتبين لك إذا تأملتها في ألسنة الناس ،ترى من يعرف الحق ويترك العمل به ،لخوف نقص دنيا أو جاه أو مداراةٍ ألحد ،وترى من يعمل به ظاهرا ً ال باطنا ً ،فإذا سألته عما يعتقد بقلبه؛ فإذا هو ال يعرفه. ولكن عليك بفهم آيتين من كتاب هللا: أوالهما :قوله تعالى* :ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗﮘ&[التوبة.]66: فإذا تحققت أن بعض الصحابة الذين غزوا الروم مع الرسول ^ كفروا بسبب كلمة قالوها على وجه المزح واللعب؛ تبين لك أن الذي يتكلم بالكفر أو يعمل به خوفا ً من نقص ما ٍل أو جاه أو مداراة ألحد ،أعظم ممن يتكلم بكلمة يمزح بها. واآلية الثانية :قوله تعالى* :ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ&[النحل.]917-916: فلم يعذر هللا من هؤالء إال من أكره مع كون قلبه مطمئنا ً باإليمان ،وأما غير هذا؛ فقد كفر بعد إيمانه ،سواء فعله خوفا ً أو طمعا ً أو مداراة أو مشحة بوطنه أو أهله أو عشيرته أو ماله أو فعله على وجه المزح أو لغير ذلك من األغراض؛ إال المكره؛ فاآلية تدل على هذا من وجهين: األول :قوله* :ﮃ ﮄ ﮅ&[النحل :]916:فلم يستثن هللا تعالى إال المكره ،ومعلوم أن اإلنسان ال يكره إال على الكالم أو الفعل ،وأما عقيدة القلب؛ فال يكره عليها أحد.
املنهج املختصر يف الفقه والعقيدة والدعوة
115
الثاني :قوله تعالى* :ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ&[النحل :]917:فصرح أن هذا الكفر والعذاب لم يكن بسبب االعتقاد أو الجهل أو البغض للدين أو محبة الكفر ،وإنما سببه أن له في ذلك ًّ حظا من حظوظ الدنيا ،فآثره على الدين ،وهللا سبحانه أعلم.
املنهج املختصر يف الفقه والعقيدة والدعوة
الشركيات المنتشرة
إعداد/ د .عبد الله بن محمد المحيسني
113
الشــــركيات املنتشــرة
114 د
املقدمة
الحمد هلل ،والصالة والسالم على رسول هللا ،وعلى آله وصحبه ومن وااله. أما بعد: فإن أعظم ما أمر هللا به التوحيد ،وأعظم ما نهى هللا عنه الشرك ،قال تعالى: *ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ&[النساء ،]36:وإن أظلم الظلم ،وأعظم اإلثم :اإلشراك باهلل ،قال هللا تعالى* :ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ&[لقمان ،]93:وقال سبحانه* :ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ&[المائدة ،]72:وقال سبحانه* :ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ&[النساء ،]996:ولقد حذر هللا كل نبي من الشرك كما قال سبحانه* :ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ&[الزمر.]66-65: وأخبر هللا أن أكثر من يؤمن به يقع في الشرك ،فقال* :ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ&[يوسف ،]916:سواء كان شركا ً أكبر أو أصغر ،فعلى المسلم أن يخاف على نفسه من الشرك كبيره وصغيره ،يقول النبي ^« :إن أخوف ما أخاف عليكم الشرك األصغر الرياء ،يقول هللا يوم القيامة إذا جزى الناس بأعمالهم :اذهبوا إلى الذين كنتم تراءون في الدنيا فانظروا هل تجدون عندهم جزاء» رواه أحمد وصححه األلباني. وفي الحديث الصحيح عن معقل بن يسار قال :انطلقت مع أبي بكر الصديق ا، إلى النبي ^ ،فقال« :يا أبا بكر! للشرك فيكم أخفى من دبيب النمل» .فقال أبو بكر: وهل الشرك إال من جعل مع هللا إلها آخر؟ فقال النبي ^« :والذي نفسي بيده ،للشرك أخفى من دبيب النمل ،أال أدلك على شيء إذا قلته ذهب عنك قليله وكثيره؟ قل :اللهم إني أعوذ بك أن أشرك بك وأنا أعلم ،وأستغفرك لما ال أعلم» .رواه البخاري في األدب المفرد. بعض صور الشرك المنتشرة بين المسلمين هذه بعض صور الشرك المنتشرة بين المسلمين أردت اإلشارة إليها على عجل لتكون على بينة من دينك ،فتنبه يا أخي وفقك هللا! واعلم أن مسائل الشرك مسائل خطيرة ،تقحمك نار جهنم ،و أن مسائل الشرك ليست كصغائر الذنوب ،فالذبح لغير هللا خلود في نار جهنم ،ومع ذلك نرى من يستهين بذلك، واعلم أن انتشار الشركيات وتعود الناس عليها ال يقلل من خطرها ،فالشرك شرك ولو فعله غالب أهل بلدتك ،فحذار أن يستزلك الشيطان فتقول :غالب أهل قريتي يفعلونه ،قال هللا عن من قال مثل هذا القولِ (( :إنَّا وجدْنا آباءنا ))[الزخرف.]66: فيا محب اقرأ! اقرأ هذه الرسالة وفتش في نفسك ومن حولك ،فإن وجدت شيئا ً من هذه الشركيات فبادر بالتوبة إلى هللا منه ،والتخلص منه ،وكذلك بيتك وجيرانك ومن تحب. ثم اعلم رحمك هللا! أن الشرك نوعان :أكبر وأصغر:
املنهج املختصر يف الفقه والعقيدة والدعوة
115
الشرك األكبر :أن يجعل اإلنسان هلل نداً; إما في أسمائه وصفاته ،فيسميه بأسماء هللا ويصفه بصفاته ،قال هللا تعالى" :وهلل األسماء الحسنى فادعوه بها وذروا الذين يلحدون في أسمائه سيجزون ما كانوا يعملون" ،ومن اإللحاد في أسمائه تسمية غيره باسمه المختص به أو وصفه بصفته كذلك. وإما أن يجعل له ندا ً في العبادة بأن يضرع إلى غيره تعالى من شمس أو قمر أو نبي أو ملك أو ولي مثالً بقربة من القرب صالة أو استغاثة به في شدة أو مكروه أو استعانة به في جلب مصلحة أو دعاء ميت أو غائب لتفريج كربة أو تحقيق مطلوب أو نحو ذلك هو من اختصاص هللا سبحانه ،فكل هذا وأمثاله عبادة لغير هللا واتخاذ لشريك مع هللا ،قال هللا تعالى" :قل إنما أنا بشر مثلكم يوحى إلي أنما إلهكم إله واحد فمن كان يرجو لقاء ربه فليعمل عمالً صالحا ً وال يشرك بعبادة ربه أحدا ً" ،وأمثالها من آيات توحيد العبادة . وإما أن يجعل هلل ندا ً في التشريع ،بأن يتخذ مشرعا ً له سوى هللا أو شريكا ً هلل في التشريع يرتضي حكمه ويدين به في التحليل والتحريم; عبادة ً وتقربا ً وقضا ًء وفصالً في الخصومات ،أو يستحله وإن لم يره ديناً ،وفي هذا يقول تعالى في اليهود والنصارى: "اتخذوا أحبارهم ورهبانهم أربابا من دون هللا والمسيح ابن مريم وما أمروا إال ليعبدوا إلها ً واحدا ً ال إله إال هو سبحانه عما يشركون" ،وأمثال هذا من اآليات واألحاديث التي جاءت في الرضا بحكم سوى حكم هللا أو اإلعراض عن التحاكم إلى حكم هللا والعدول عنه إلى التحاكم إلى قوانين وضعية ،أو عادات قبلية ،أو نحو ذلك ،فهذه األنواع الثالثة هي الشرك األكبر الذي يرتد به فاعله أو معتقده عن ملة اإلسالم ،فال يُصلى عليه إذا مات ،وال يدفن في مقابر المسلمين ،وال يورث عنه ماله ،بل يكون لبيت مال المسلمين، وال تؤكل ذب يحته ويحكم بوجوب قتله ويتولى ذلك ولي أمر المسلمين إال أنه يستتاب قبل قتله ،فإن تاب قبلت توبته ولم يقتل وعومل معاملة المسلمين. أما الشرك األصغر :فكل ما نهى عنه الشرع مما هو ذريعة إلى الشرك األكبر ووسيلة للوقوع فيه وجاء في النصوص تسميته شركاً ،كالحلف بغير هللا ،فإنه مظنة لالنحدار إلى الشرك األكبر; ألن الحلف بغير هللا فيه غلو في تعظيم غير هللا ،وقد ينتهي ذلك التعظيم بمن حلف بغير هللا إلى الشرك األكبر. ومن أمثلة ذلك :الرياء اليسير في أفعال العبادات وأقوالها ،كأن يطيل في الصالة أحيانا ً ليراه الناس ،أو يرفع صوته بالقراءة أو الذكر أحيانا ً ليسمعه الناس فيحمدوه ،روى اإلمام أحمد بإسناد حسن عن محمود بن لبيد رضي هللا عنه قال :قال رسول هللا صلى هللا عليه وسلم" :إن أخوف ما أخاف عليكم الشرك األصغر :الرياء" أما إذا كان ال يأتي بأصل العبادة إال رياء ولوال ذلك ما صلى وال صام وال ذكر هللا وال قرأ القرآن فهو مشرك شركا ً أكبر ،وهو من المنافقين الذين قال هللا فيهم " :ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭽ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔﮕ ﮁ ﮂ ﮃ ﭿ ﮀ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ النساء " ٢٤١ - ٢٤١ :اآلية ،إلى أن قال " :ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯨﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ
الشــــركيات املنتشــرة
116 د
ﯰ ﯱ النساء ،" ٢٤١ - ٢٤١ :وصدق فيهم قوله تعالى في الحديث القدسي" :أنا أغنى الشركاء عن الشرك ،من عمل عمالً أشرك معي فيه غيري تركته وشركه" (رواه مسلم في صحيحه). والشرك األصغر ال يُخرج من ارتكس فيه من ملة اإلسالم ،ولكنه أكبر الكبائر بعد الشرك األكبر; ولذا قال عبد هللا بن مسعود" :ألن أحلف باهلل كاذبا ً أحب إلي من أن أحلف بغيره صادقاً" ،وعلى هذا فمن أحكامه أن يعامل معاملة المسلمين فيرثه أهله، ويرثهم حسب ما ورد بيانه في الشرع ،ويصلي عليه إذا مات ويدفن في مقابر المسلمين وتؤكل ذبيحته إلى أمثال ذلك من أحكام اإلسالم ،وال يخلد في النار إن أدخلها كسائر مرتكبي الكبائر عند أهل السنة والجماعة ،خالفا ً للخوارج والمعتزلة. وإليكم بعض صور الشرك المنتشرة بين كثير من المسلمين لألسف: واآلن أخي الحبيب لنذكر بعض صور الشرك المنتشرة لتحذرها وتحذر منها: -1االستغاثة واالستجارة بغير هللا تعالى :بدأنا باالستغاثة واالستجارة بغير هللا سبحانه وتعالى؛ ألن كثيرا من الناس يدعون القبور واألولياء ويستغيثون بهم عند الشدائد من اجد ِ َّ ِ ّلل فال دون هللا تعالى ،وهذا شرك أكبر مخرج من الملة ،قال هللا تعالى﴿ :وأ َّن ْالمس ِ اّللِ م ْن ال ُون َّ عوا مع َّ اّللِ أحدًا﴾[الجن ،]11:وقال سبحانه﴿ :وم ْن أض ُّل ِم َّم ْن ي ْد ُ ت ْد ُ عو ِم ْن د ِ ْ ُ اس كانُوا ل ُه ْم أعْدا ًء يسْت ِج ُ يب لهُ ِإلى ي ْو ِم ال ِقيام ِة و ُه ْم ع ْن د ُعائِ ِه ْم غافِلون*و ِإذا ُح ِشر النَّ ُ وكانُوا بِ ِعبادتِ ِه ْم كافِ ِرين﴾ [األحقاف ، ]2-5:فالدعاء هو العبادة ومن صرفه لغير هللا فقد ير عن عبد غير هللا وأشرك مع هللا ،روى أبو داود وصححه األلباني عن النعمان بن ب ِش ٍ ست َِج بْ لكم) النبي ^ قال« :الدعاء هو العبادة ُ ثم قرأ قوله تعالى( :وقال رب كم ادعُوني أ ْ [غافر.»]03: -6اعتقاد أن غير هللا بيده الضر أو النفع ،وهذا من الشرك األكبر ،قال سبحانه﴿ :وإِ ْن ِير ﴾ ي ْمسسْك َّ اّللُ ِب ُ ض ٍ ّر فال كا ِشف لهُ ِإ َّال ُهو و ِإ ْن ي ْمسسْك ِبخي ٍْر ف ُهو على ُك ِّل ش ْيءٍ قد ٌ اّللُ قُ ْل أفرأ ْيت ُ ْم سماوا ِ ت و ْاأل ْرض ليقُولُ َّن َّ [األنعام ،]11:وقال ﴿ :Qولئِ ْن سأ ْلت ُه ْم م ْن خلق ال َّ ُون َّ ِ ض ِ ّر ِه أ ْو أرادنِي بِرحْ م ٍة ه ْل اّلل إِ ْن أرادنِي َّ ض ٍ ّر ه ْل ُه َّن كا ِشفاتُ ُ اّللُ بِ ُ ما ت ْد ُ عون ِم ْن د ِ ْ ُ ُ ّ َّ اّللُ عل ْي ِه يتوك ُل ال ُمتو ِكلون﴾[الزمر.]81: ُه َّن ُم ْم ِسكاتُ رحْ متِ ِه ق ْل ح ْسبِي َّ -8قول بعضهم :دخلت على هللا وعليك ،ما لي إال هللا وأنت ،هللا لي في السماء وأنت لي في األرض ،وقول :ما شاء هللا وشئت ،وهذا من الشرك األصغر ،روى أحمد وأبو داود وصححه األلباني من حديث حذيفة ا أن النبي ^ قال « :ال تقولوا :ما شاء هللا وشاء فالن، ولكن قولوا :ما شاء هللا ثم شاء فالن». -4نسبة النعمة إلى إنسان ،أو إلى بقعة ،أو إلى فعل فاعل ،أو إلى صنعة ،أو إلى مخلوق ،كل ذلك من نسبة النعم إلى غير هللا ،وهو نوع من أنواع الشرك األصغر باهلل، فعن ابن عباس ا في قوله تعالى ﴿ :فال تجْ علُوا ِ َّّللِ أ ْندادا ً﴾[البقرة ]66:قال( :األنداد هو الشرك أخفى من دبيب النمل على صخرة سوداء في ظلمة الليل ،وهو أن تقول :وهللا وحياتك يا فالن ،وحياتي ،وتقول :ولوال كلبة هذا ألتانا اللصوص ،ولوال البط في الدار
املنهج املختصر يف الفقه والعقيدة والدعوة
117
ألتى اللصوص ،وقول الرجل لصاحبه :ما شاء هللا وشئت ،وقول الرجل :لوال هللا وفالن ،ال تجعل فيها (فالن) هذا كله شرك) رواه ابن أبي حاتم. -5الغلو في قبور الصالحين ،فمجاوزة الحد في قبور الصالحين هي مجاوزة لما أمر الشارع أن تكون عليه القبور؛ ألن قبور الصالحين ال تختلف عن قبور غير الصالحين، فالغلو فيها يكون برفعها ،أو بالبناء عليها ،أو باتخاذها مساجد ،وكل هذا من الشرك األصغر ألنه من الوسائل المؤدية إلى الشرك األكبر ،كالمساجد المنتشرة اآلن في الشام، كمسجد النبي ...ومسجد الولي ،....وقبر خالد بن الوليد ،وقبر السيدة زينب وغيرها من القبور. ً ولتعلم أخي الكريم أن بناء األضرحة والمقامات على القبور ال يجوز شرعا ،وإنما المطلوب أن يدفن جميع الموتى في المقابر ،وفق سنة النبي صلى هللا عليه وسلم ،ال أن يدفن البعض في المساجد ،أو يبنى على قبورهم قباب ،أو مساجد ،كما يفعل في بعض األماكن ،بحجة أن هؤالء أولياء صالحون. قال اإلمام ابن القيم " :ولم يكن من هديه صلى هللا عليه وسلم تعلية القبور وال بناؤها بآجر ،وال بحجر ولبن ،وال تشييدها ،وال تطيينها ،وال بناء القباب عليها ،فكل هذا بدعة مكروهة ،مخالفة لهديه صلى هللا عليه وسلم .وقد بعث علي بن أبي طالب رضي هللا عنه إلى اليمن ،أال يدع تمثاالً إال طمسه ،وال قبرا ً مشرفا ً إال سواه" رواه مسلم). انتهى من زاد المعاد (.)564/1 واعلم أخي الحبيب أن القبور التي بُنيت قبل المساجد قال بعض أهل العلم إنها تُهدم؛ ألنها بنيت على خالف السنة ،كما هدم النبي صلى هللا عليه وسلم مسجد الضرار ،وقال بعض أهل العلم :إن أمكن إخراج القبر وإبقاء المسجد فهو أفضل ،ال سيما وبناء المسجد من جديد قد يكون مكلفا ويتعذر أو يعسر على المسلمين بناء غيره مكانه ،فيُبقى المسجد ويُخرج القبر ،وهذا الذي ينبغي اعتماده في هذا الوقت ،ويؤيده جواز تحويل الكنيسة إلى مسجد ،فمن باب أولى تحويل مسجد أهل البدع إلى مسجد على السنة ،فينبغي للمجاهدين عندما يحرروا المناطق ويجدوا فيها مساجد بنيت على قبور أن ال يهدموها ،بل يُخرجوا القبر ال ذي فيها ويدفنوا رفاته في مقابر المسلمين ،ويحولوا المسجد المبتدع إلى مسجد سنة ،وليحرص المجاهدون على تعليم الناس الدين الصحيح ،وتحذيرهم من هذه البدع وآثارها على الدين ،فالحكمة أن ال تهدم تلك المساجد مع إمكان تحويلها إلى مساجد سنة، ال سيما وهدمها ينفر الناس من المجاهدين ،ثم إن إنكار المنكر مشروط بأال يؤدي إنكاره إلى منكر أعظم منه ،والنبي صلى هللا عليه وسلم كان كثيرا ً ما يترك األمر ،وهو يحب أن يأتيه ،مخافة أن يؤدي إلى فساد أكبر ،فعن عائشة رضي هللا عنهاَّ : أن النبي صلى هللا عليه وسلم قال لها( :يا عائِشةُ ،ل ْوال أ َّن ق ْوم ِك حد ُ ت ف ُهدِم، ِيث ع ْه ٍد ِبجا ِه ِليَّ ٍة ألم ْرتُ بِ ْالب ْي ِ ض ،وجع ْلتُ لهُ بابي ِْن :بابًا ش ْرقِيًّا وبابًا غ ْر ِبيًّا، فأدْخ ْلتُ فِي ِه ما أ ُ ْخ ِرج ِم ْنهُ ،وأ ْلز ْقتُهُ ِب ْاأل ْر ِ فبل ْغتُ ِب ِه أساس ِإبْراهِيم) متفق عليه.
الشــــركيات املنتشــرة
118 د
قال الحافظ ابن حجر رحمه هللا في "فتح الباري"" :ويستفاد منه ترك المصلحة ألمن الوقوع في المفسدة" .وقال اإلمام النووي رحمه هللا في "شرح صحيح مسلم"" :وفي هذا الحديث دليل لقواعد من األحكام ،منها :إذا تعارضت المصالح ،أو تعارضت مصلحة ومفسدة ،وتعذر الجمع بين فعل المصلحة وترك المفسدة ،بدئ باألهم؛ ألن النبي صلى هللا عليه وسلم أخبر َّ أن نقض الكعبة وردها إلى ما كانت عليه من قواعد إبراهيم عليه السالم مصلحة ،ولكن تعارضه مفسدة أعظم منه ،وهي خوف فتنة من أسلم قريبًا ،وذلك لما كانوا يعتقدونه من فضل الكعبة فيرون تغييرها عظي ًما". تنتشر فيها تلك القباب واألضرحة يُدرك أن في االستعجال والناظر لحال البال ِد التي ُ ُّ بهدمها مفاسد عظيمة ،فطوائف من الناس متعلقون بها أشدَّ التعلق ،ويرون تعظيمها من الدين ،فهدمها قبل تبيين أمرها سيزيد من التعلُّق بها والتعصب لها ،وسيستعدي المجتمع على الدعاة المصلحين والمجاهدين الصادقين بما يؤدي إلى ُكرههم والتنفير منهم ،وفي ُ والبيان للناس حتى هذا من الصد عن سبيل هللا ما فيه ،فال بد أن يسبق ذلك النص ُح ُ والتدرج وتحقيق هذا المقصود ال يكون إال بأخذ الناس بالرفق يتمكن اإليمان من القلوب، ُّ بعد عقو ٍد طويل ٍة من التجهيل والبعد عن الدين ،وهذا أمر معلوم من سيرة أهل العلم رحمهم هللا تعالى: أ_ فهذا الخليفة عمر بن عبد العزيز رحمه هللا لما تولى الخالفة لم يتع َّجل في تغيير ما ضي أنكره ممن كان سبقه ،فدخل عليه ابنه عبد الملك وقال له" :يا أبتِ :ما منعك أ ْن ت ْم ِ ِلـما ت ُ ِريدُهُ ِمن ْالع ْد ِل؟ فوهللاِ! ما ُك ْنتُ أُبا ِلي ل ْو غل ْ ُور فِي ذ ِلك! فقال":يا ت بِي وبِك ْالقُد ُ ب ،و ِإنِّي أ ُ ِريد ُ أ ْن أُحْ يِي ْاأل ْمر ِمن ْالع ْد ِل، ض النَّاس ِرياضة ال َّ ي! ِإني إِنَّما أُر ّ ِو ُ ص ْع ِ بُن َّ ً فأ ُؤ ِ ّخر ذ ِلك حتَّى أخرج معهُ طمعا ِم ْن طمعِ الدُّ ْنيا ،في ْن ِف ُروا ِم ْن ه ِذ ِه وي ْس ُكنُوا ِله ِذهِ" أخرجه ابن أبي شيبة في مصنفه. ب_ وجاء في "البيان والتحصيل"" :سئل اإلمام مالك رحمه هللا تعالى عن الرقيق العجم، يُشترون في شهر رمضان ،وهم ال يعرفون اإلسالم ،ويرغبون فيه ،لكن ال يفقهون ما يُراد منهم ،فهل يُجبرون على الصيام أم يُطعمون؟ فقال :أرى أن يُطعموا وال يُمنعوا الطعام ،ويرفق بهم حتى يتعلموا اإلسالم ،ويعرفوا واجباته وأحكامه". ج_ قال ابن القيم رحمه هللا في "إعالم الموقعين"" :وتأخير الحدّ لعارض أمر وردت به الشريعة ،كما يؤخر -أي الحد -عن الحامل والمرضع ،وعن وقت الحر والبرد والمرض ،فهذا تأخير لمصلحة المحدود ،فتأخيره لمصلحة اإلسالم أولى". واعلم أخي الحبيب أن هدي النبي صلى هللا عليه وسلم في زيارة القبور أكمل الهدي وأحسنه ،قال اإلمام ابن القيم ( كان صلى هللا عليه وسلم إذا زار قبور أصحابه يزورها للدعاء لهم ،والترحم عليهم ،واالستغفار لهم ،وهذه هي الزيارة التي سنها ألمته ، وشرعها لهم ،وأمرهم أن يقولوا إذا زاروها " :السالم عليكم أهل الديار من المؤمنين والمسلمين ،وإنا إن شاء هللا بكم الحقون ،نسأل هللا لنا ولكم العافية " .رواه مسلم.
املنهج املختصر يف الفقه والعقيدة والدعوة
119
واعلم أخي الحبيب بارك هللا فيك أن من صور الغلو في قبور الصالحين :أن تُجعل وسيلة من الوسائل التي تقرب إلى هللا جل وعال ،أو أن يتخذ القبر أو من في القبر شفيعا ً لهم عند هللا جل وعال ،أو ينذر للقبر ،أو يذبح له ،أو يستشفع بترابه اعتقادا ً أنه وسيلة عند هللا جل وعال. -2التبرك بقبر النبي ^ أو التمسح به أو دعاء هللا عنده رجاء اإلجابة ،وكذا غيره من قبور الصحابة واآلل واألولياء الصالحين ،وكذا التبرك بالشجر والحجر ونحوهما ،وكل هذا من الشرك األصغر ،أما سؤال الميت فهو شرك أكبر مخرج من الملة. -1السحر والكهانة والذهاب إلى المشعوذين والمنجمين ،روى أحمد والحاكم وصححه األلباني من حديث أبي هريرة ا ،أن النبي ^ قال« :من أتى عرافا ا أو كاهنا ا فصدقه بما يقول فقد كفر بما أنزل على محمد» ،فبين النبي صلى هللا عليه وسلم كفر من صدَّق العراف أو الكاهن ،أما من أتاه ولم يصدقه فقد ارتكب كبيرة وال تقبل له صالة أربعين يوما ،روى مسلم في صحيحه عن بعض أزواج النبي صلى هللا عليه وآله وسلم عن النبي صلى هللا عليه وآله وسلم قال« :من أتى عرافا فسأله عن شيء ،لم تقبل له صالة ٌ أربعين ليلة». -1الحلف بغير هللا تعالى كالحلف بالنبي أو بجاهه ،وقول بعضهم :وحياة أبوك ،وقول بعضهم :بشرفي ،والحلف بالطالق وهو مشهور حتى صار معظما ً أشد من تعظيم الحلف باهلل ،والحلف باألمانة ،والحلف بغير هللا شرك أصغر لكن إن َّ عظم المحلوف به أعظم من تعظيمه هلل فهو شرك أكبر ،روى أحمد والترمذي والحاكم وصححه األلباني عن ابن عمر ب أن النبي ^ قال« :من حلف بغير هللا فقد أشرك» ،وفي الحديث الصحيح عن بريدة ا قال :قال رسول هللا ^« :من حلف باألمانة فليس منا» .رواه أبو داود. وننبه هنا على مسألة جاه النبي صلى هللا عليه وسلم ،فال شك أن جاهه عظيم لكن ال يجوز الحلف بجاهه ،وال الدعاء بجاه الحبيب ،كمن يقول :بجاه الحبيب أسأل هللا أن ينصركم وغير ذلك؛ ألن هللا أمرنا أن ندعوه وحده ،وأن نحلف به وحده ،وأمرنا أن عوهُ ِبها﴾ ،وجاء في نتوسل إليه بأسمائه ال بغيره من خلقه فقال﴿ :و ِ َّّللِ ْاألسْما ُء ْال ُحسْنى فا ْد ُ فتاوى اللجنة الدائمة (" :)561 /1التوسل إلى هللا في الدعاء بجاه الرسول صلى هللا عليه وسلم أو ذاته أو منزلته غير مشروع؛ ألنه ذريعة إلى الشرك ،فكان البحث فيه لبيان ما هو الحق من مباحث العقيدة ،وأما التوسل إلى هللا بأسمائه جل شأنه وبصفاته وباتباع رسوله والعمل بما جاء به من عقيدة وأحكام فهذا مشروع". -9الذبح لغير هللا تعالى ،وهو من الشرك األكبر؛ ألن الذبح لغير هللا تعالى عبادة وصرفها لغير هللا تعالى شرك ،كالذبح للقبور واألولياء والتقرب إليهم بها ،والذبح للجن تقربا ً إليهم من قبل السحرة أو من يطيعهم من الجهال الذين يأتون إليهم طلبا ً للشفاء، والذبح عند بناء البيت وتلطيخ دم الذبيحة على قواعد البناء عند تأسيسه ،أو الذبح عند سكن البيت الجديد وتلطيخ دمه عل جدرانه من أجل حمايته من الجن ،وهذا كله شرك ال يجوز.
الشــــركيات املنتشــرة
131 د
ال
-01النذذلغ لهللاذذا نذ علنذذلغ تذذعإىل إ و ذ ك لق ل ن ا ذ عل ذذع ذ اخلش ذ السج إذ ص ك أي تعإىل لهللاا ن ش كذ هبلا يُعلم أن النلغ لهللاا ن ش ك أ رب.
-11االستهزاء بالدين وبالصالحين وبشعائر اإلسالم ،كالصالة أو اللحية أو غير ذلك مما ب وض ون ْلع ُ ورد في القرآن أو السنة ،قال هللا تعالى ﴿: :ولئِ ْن سأ ْلت ُه ْم ليقُولُ َّن إِنَّما ُكنَّا ن ُخ ُ ف ع ْن قُ ْل أبِ َّ اّللِ وآياتِ ِه ور ُ سو ِل ِه ُك ْنت ُ ْم تسْت ْه ِزئُون * ال ت ْعتذ ُِروا ق ْد كف ْرت ُ ْم ب ْعد إِيمانِ ُك ْم إِ ْن ن ْع ُ طائِف ٍة ِم ْن ُك ْم نُعذِّبْ طائِفةً بِأنَّ ُه ْم كانُوا ُمجْ ِر ِمين ﴾ [التوبة ، ]22-25:وقال سبحانه ﴿ :إِ َّن الَّذِين أجْ ر ُموا كانُوا ِمن الَّذِين آمنُوا يضْح ُكون * وإِذا م ُّروا بِ ِه ْم يتغام ُزون * وإِذا ا ْنقلبُوا إِلى أ ْه ِل ِه ُم ا ْنقلبُوا ف ِك ِهين * وإِذا رأ ْو ُه ْم قالُوا إِ َّن هؤُال ِء لضالُّون * وما أ ُ ْر ِسلُوا عل ْي ِه ْم ار يضْح ُكون على ْاألرائِ ِك ي ْن ُ ظ ُرون * ه ْل ث ُ ّ ِوب حافِ ِظين * ف ْالي ْوم الَّذِين آمنُوا ِمن ْال ُكفَّ ِ ار ما كانُوا ي ْفعلُون﴾ [المطففين.]82-69: ْال ُكفَّ ُ -16قول اإلنسان بعد حدوث أمر يكرهه :لو أنني فعلت كذا لكان كذا وكذا ،فهذا القول وإن كان ال يصل إلى حد الشرك األكبر إال أنه محرم؛ ألنه اعتراض على القدر ،وقد يصل بصاحبه إلى الشرك األكبر ،والنبي ^ يقول« :احرص على ما ينفعك ،واستعن باهلل ،وال تعجز ،فإن أصابك شيء فال تقل :لو أني فعلت كذا لكان كذا وكذا ،ولكن قل: قد ر هللا وما شاء فعل ،فإن لو تفتح عمل الشيطان» رواه مسلم. -18التعلق باألسباب من دون هللا تبارك وتعالى ،والواجب التوكل على هللا وحده، اّللِ فتو َّكلُوا ِإ ْن ُك ْنت ُ ْم ُمؤْ ِمنِين فيتعلق القلب باهلل وحده مع األخذ باألسباب الشرعية ﴿ وعلى َّ ﴾ [المائدة.]68: -14اتخاذ حلقة أو خاتم أو حبل أو أي حرز لجلب الخير أو دفع الشر ،ومثله صورة العين الزرقاء التي ترسم على البيوت والسيارات لدفع العين ،واتخاذ الحروز منتشر بين الناس جدا ً ،وهي من الشرك ،فعن ابن مسعود ا قال :سمعت رسول هللا ^ يقول« :إن الرقى والتمائم والتِ َولة شرك» رواه أحمد وأبو داود وصححه األلباني ،والتولة :شيء تصنعه بعض النساء ألزواجهن لتزداد محبته لها ،ومن اعتقد أن هذا الحرز يؤثر بذاته، وينفع من دون هللا فقد وقع في الشرك األكبر ،وإن اعتقد أنه مجرد سبب وأنه ال يؤثر بذاته فقد وقع في الشرك األصغر. فيا أخي الحبيب انزع أي حرز تلبسه من اآلن ،واعلم أنها تضرك في دينك ودنياك وال تدفع البالء عنك ،أما لبس الحلقة أو السلسلة في اليد أو القالدة في العنق للزينة فليس من الشرك ولكن يحرم على الرجل التشبه بالنساء ،فإن كان فيه تشبه بالنساء فال يجوز للرجل أن يلبسها ففي الحديث الصحيح" :لعن هللا المتشبهين من الرجال بالنساء ،ولعن هللا المتشبهات من النساء بالرجال" رواه البخاري. -15قولُ ( :م ِط ْرنا ِبن ْو ِء كذا وكذا) وإذا أراد بذلك أن النوء هو الذي أحدث المطر وهو المتصرف في الكون فهذا شرك أكبر ،وإن كان قصده أن النوء سبب فهذا شرك أصغر، فليس للنوء تسبب بل كله من هللا ،Qوالمشروع أن يقال :مطرنا بفضل هللا ورحمته.
املنهج املختصر يف الفقه والعقيدة والدعوة
135
-12اعتقاد تأثير النجوم والكواكب في الحوادث وحياة الناس .والتنجيم :هو االستدالل باألحوال الفلكية على الحوادث األرضية ،والتنجيم يعني النظر في النجوم واجتماعها وافتراقها وطلوعها وغروبها وتقاربها وتباعدها وهو من دعوى علم الغيب الباطلة التي اّللُ وما سماوا ِ ض ْالغيْب إِ َّال َّ أبطلها هللا جل وعال بقوله﴿ :قُ ْل ال ي ْعل ُم م ْن فِي ال َّ ت و ْاأل ْر ِ ي ْشعُ ُرون أيَّان يُبْعثُون﴾ [النمل ،]25:وأما مسألة األرصاد الجوية فليست من هذا الباب، وكل ما يعلمه أصحاب األرصاد الجوية أنهم يعرفون سنن هللا عز وجل في سرعة الريح وتوجه الريح ،ويحسبون هذا بقواعد معينة. -11مواالة الكفار ،وهذه الصفة مناقضة لمفهوم الوالء والبراء في اإلسالم؛ ألن الكفار أعدا ٌء هلل ولرسوله وللمؤمنين. وهناك صور شائعة ألنواع من مواالة الكفار منها: -1التعلق بهم ومحبتهم ،خاصة مع كثرة االختالط بهم في بالدهم ،أو في بالد المسلمين. -6السفر إلى بالد الكفار لغير حاجة أو ضرورة ،والبقاء في بالدهم مع الوقوع في الفتنة. ومغن. لغرض معين كالعب كرة أو ممثل -8التعلق ببعض الكفار ٍ ٍ -4الثناء على الكفار وتلميع أحوالهم بما يؤدي إلى احتقار المسلمين وشريعتهم. -5مناصرة الكفار ومعاونتهم على المسلمين ،ومن ذلك نصرة النصيرية ولو كانوا أقارب وأصدقاء ،فإن النصيرية كفار بإجماع العلماء ،قال هللا تعالى ﴿ :يا أيُّها الَّذِين آمنُوا ض وم ْن يتولَّ ُه ْم ِم ْن ُك ْم فإِنَّهُ ِم ْن ُه ْم إِ َّن ال تت َّ ِخذُوا ْالي ُهود والنَّصارى أ ْو ِلياء ب ْع ُ ض ُه ْم أ ْو ِليا ُء ب ْع ٍ اّلل ال ي ْهدِي ْالق ْوم َّ عون فِي ِه ْم يقُولُون َّ ار ُ الظا ِل ِمين * فترى الَّذِين فِي قُلُوبِ ِه ْم مر ٌ ض يُس ِ ْ ْ صبِ ُحوا على ما صيبنا دائِرة ٌ فعسى َّ اّللُ أ ْن يأتِي بِالفتْحِ أ ْو أ ْم ٍر ِم ْن ِع ْن ِد ِه فيُ ْ ن ْخشى أ ْن ت ُ ِ َّ َّ أس ُّروا فِي أ ْنفُ ِس ِه ْم ناد ِِمين * ويقُو ُل الذِين آمنُوا أهؤُال ِء الذِين أ ْقس ُموا ِب َّ ِ اّلل ج ْهد أيْمانِ ِه ْم ِإنَّ ُه ْم لمع ُك ْم ح ِبط ْ صب ُحوا خا ِس ِرين * يا أيُّها الَّذِين آمنُوا م ْن ي ْرتدَّ ِم ْن ُك ْم ع ْن دِينِ ِه ت أعْمالُ ُه ْم فأ ْ ْ ْ َّ اّللُ ِبق ْو ٍم ي ُِحبُّ ُه ْم وي ُِحبُّونهُ أذِل ٍة على ال ُمؤْ ِمنِين أ ِع َّزةٍ على الكافِ ِرين يُجا ِهدُون فس ْوف يأْتِي َّ ض ُل َّ ِ اّللُ وا ِس ٌع ع ِلي ٌم * إِنَّما اّللِ وال يخافُون ل ْومة الئِ ٍم ذ ِلك ف ْ اّلل يُؤْ تِي ِه م ْن يشا ُء و َّ فِي س ِبي ِل َّ َّ َّ صالة ويُؤْ تُون َّ الزكاة و ُه ْم را ِكعُون * وم ْن و ِليُّ ُك ُم َّ سولُهُ والذِين آمنُوا الذِين يُ ِقي ُمون ال َّ اّللُ ور ُ ْ َّ سولهُ والذِين آمنُوا فإ ِ َّن ِح ْزب َّ ِ اّلل ُه ُم الغا ِلبُون﴾ [المائدة.]52-51: يتو َّل َّ اّلل ور ُ ْ -19الرياء ،قال هللا تعالى ﴿ :فم ْن كان ي ْر ُجو ِلقاء ر ِبّ ِه فلي ْعم ْل عم ًال صا ِل ًحا وال يُ ْش ِر ْك ِب ِعبادةِ ر ِبّ ِه أحدًا﴾ [الكهف ،]111:وعن أبي هريرة ا قال :سمعت رسول هللا ^ يقول: «قال هللا تعالى :أنا أغنى الشركاء عن الشرك ،من عمل عم الا أشرك معي فيه غيري تركته وشركه» ،رواه مسلم ،وعن أبي سعيد مرفوعاً« :أال أخبركم بما هو أخوف عليكم عندي من المسيح الدجال؟» قالوا :بلى ،قال« :الشرك الخفي؛ يقوم الرجل فيصلي فيزين صالته لما يرى من نظر الرجل» رواه ابن ماجه وحسنه األلباني.
الشــــركيات املنتشــرة
131 د
-61التطير :وهو التشاؤم ببعض األيام أو الشهور أو الطيور أو األسماء أو األلفاظ أو البقاع وغيرها ،في السنن بسند صحيح عن ابن مسعود ا ،أن النبي ^ قال« :الطيرة شرك» قال ابن مسعود :وما منا ،ولكن هللا يذهبه بالتوكل. -61الشرك في األسماء والصفات ،وهو تشبيه الخالق بالمخلوق أو تشبيه المخلوق بالخالق. -66نسبة الكوارث إلى أسبابها الطبيعية ،ال إلى هللا المتفرد بالخلق والتدبير في الكون. -68عبادة الهوى واتخاذه إلها ً من دون هللا ،كمن يترك الصالة وطاعة هللا انشغاالً بدنياه ون عل ْي ِه و ِك ً واتباعا ً لهواه ،قال هللا تعالى ﴿ :أرأيْت م ِن اتَّخذ إِلههُ هواهُ أفأ ْنت ت ُك ُ يال * أ ْم ب أ َّن أ ْكثر ُه ْم يسْمعُون أ ْو ي ْع ِقلُون إِ ْن ُه ْم إِ َّال ك ْاأل ْنع ِام ب ْل ُه ْم أض ُّل سبِ ً يال﴾ تحْ س ُ [الفرقان.]44-48: -64الشرك في اإلرادات والنيات ،قال ابن القيم /عن هذا الشرك« :فذلك البحر الذي ال ساحل له ،وق ّل من ينجو منه ،فمن أراد بعمله غير وجه هللا ،ونوى شيئا ً غير التقرب إليه ،وطلب الجزاء منه ،فقد أشرك في نيّته وإرادته». -65طاعة العلماء والرؤساء وغيرهم من المخلوقين في تغيير أحكام هللا ،وهذا شركٌ أكبر ألن التحليل والتحريم ٌّ حق هلل تعالى ،فجعله لغير هللا شرك ،قال هللا تعالى ﴿:أ ْم ل ُه ْم ْ ْ ُ ُ ضي بيْن ُه ْم وإِ َّن ِّين ما ل ْم يأذ ْن بِ ِه َّ شركا ُء شر ُ اّللُ ول ْوال ك ِلمة الف ْ ص ِل لقُ ِ عوا ل ُه ْم ِمن الد ِ َّ ُ الظا ِل ِمين ل ُه ْم عذابٌ أ ِلي ٌم ﴾ [الشورى ،]61:وقال Qعن أهل الكتاب من قبلنا ﴿ :اتَّخذوا اّللِ﴾ [التوبة ،]81:فذكر كفرهم بسبب طاعتهم لكبرائهم ُون َّ أحْ بار ُه ْم و ُر ْهبان ُه ْم أ ْربابًا ِم ْن د ِ في تحليل ما حرم هللا ،وتحريم ما أحل هللا ،وما أكثر المصائب التي عمت اليوم وطمت بسبب طاعة العلماء والرؤساء في معصية هللا ،ونشاهد علماء السلطان يُل ِبّسون على الناس دينهم ويجعلون الفتوى متعلقة بقرار السلطان ،إن صرح بشيء فهو الحق وإن منعه فهو الباطل ،وما حسون مفتي الشام عنا ببعيد ،فارجع أيها المسلم إلى أهل العلم المتجردين للحق وخذ عنهم دينك. ُ بعض أحكام ورفض -62الحك ُم بغير ما أنزل هللا تعالى ،وفصل الدين عن الدولة، ُ ِ ّلل أمر أ َّال ت ْعبُدُوا إِ َّال إِيَّاهُ ذ ِلك الدِّي ُن ْالقيِّ ُم ول ِكنَّ الشريعة ،قال هللا سبحانه ﴿ :إِ ِن ْال ُح ْك ُم إِ َّال ِ َّ ِ اس ال ي ْعل ُمون﴾ [يوسف ،]41:ومن ذلك الديمقراطية التي تعني أن يحكم الشعب أ ْكثر النَّ ِ نفسه بنفسه ،فالحكم في الديمقراطية ليس هلل بل لألغلب واألكثر ،وهذا كفر بواح وشرك اّللُ فأُولئِك ُه ُم ْالكافِ ُرون﴾[المائدة،]44: صراح؛ ألن هللا يقول﴿ :وم ْن ل ْم يحْ ُك ْم بِما أ ْنزل َّ ُ ُ ّ َّ ُ ويقول﴿ :فال ور ِبّك ال يُؤْ ِمنُون حتى يُح ِك ُموك فِيما شجر بيْن ُه ْم ث َّم ال ي ِجدُوا فِي أ ْنف ِس ِه ْم حر ًجا ِم َّما قضيْت ويُس ِلّ ُموا ت ْس ِلي ًما﴾[النساء ،]25:ويقول عز وجل ﴿ :ث ُ َّم جع ْلناك على ش ِريع ٍة ِمن ْاأل ْم ِر فاتَّبِ ْعها وال تتَّبِ ْع أ ْهواء الَّذِين ال ي ْعل ُمون﴾ [الجاثية ،]11:فالتحكيم الديمقراطي هو اتباع ألهواء الذين ال يعلمون ،وقد أمرنا هللا أن نحكم بما أنزل فقال: ض ما أ ْنزل ﴿وأ ِن احْ ُك ْم بيْن ُه ْم بِما أ ْنزل َّ اّللُ وال تتَّبِ ْع أ ْهواء ُه ْم واحْ ذ ْر ُه ْم أ ْن ي ْفتِنُوك ع ْن ب ْع ِ ُ اس اّللُ ِإليْك فإ ِ ْن تولَّ ْوا فاعْل ْم أنَّما ي ُِريد ُ َّ َّ يرا ِمن النَّ ِ ض ذنُوبِ ِه ْم وإِ َّن كثِ ً ُصيب ُه ْم بِب ْع ِ اّللُ أ ْن ي ِ
املنهج املختصر يف الفقه والعقيدة والدعوة
133
اّللِ ُح ْك ًما ِلق ْو ٍم يُو ِقنُون﴾[المائدة-49: لفا ِسقُون * أف ُح ْكم ْالجا ِه ِليَّ ِة ي ْبغُون وم ْن أحْ س ُن ِمن َّ ،]51فالحكم في اإلسالم هلل العلي الكبير ،وال يجوز أن يُعطى حق التشريع ألح ٍد من البشر كائنا ً من كان ،والعمل عند الديمقراطيين على ما تختاره األغلبية ولو كان ما اختاروه مخالفا للحق الذي أنزله هللا. وقد جاء في " موسوعة األديان والمذاهب المعاصرة " (" : )1121 -1122 / 6وال شك في أن النظم الديمقراطية أحد صور الشرك الحديثة ،في الطاعة ،واالنقياد ،أو في التشريع ،حيث تُلغى سيادة الخالق سبحانه وتعالى ،وحقه في التشريع المطلق ،وتجعلها من حقوق المخلوقين ،وهللا تعالى يقول﴿ :ما ت ْعبُدُون ِم ْن دُونِ ِه إِ َّال أسْما ًء س َّم ْيت ُ ُموها أ ْنت ُ ْم ّلل أمر أ َّال ت ْعبُدُوا إِ َّال إِيَّاهُ ذ ِلك الد ُ ان إِ ِن ْال ُح ْك ُم إِ َّال ِ َّ ِ ِّين ْالق ِيّ ُم وآباؤُ ُك ْم ما أ ْنزل َّ اّللُ بِها ِم ْن ُ س ْلط ٍ اس ال ي ْعل ُمون﴾ [يوسف ،]41:ويقول تعالى﴿ :إِ ِن ْال ُح ْك ُم إِ َّال ِ َّّللِ﴾ [ األنعام: ول ِك َّن أ ْكثر النَّ ِ "]51انتهى. وألهمية هذا الموضوع سأفرد هذه المسألة برسالة خاصة مختصرة
134
(الدميوقراطية) طاغوت العصر د
(الديموقراطية) طـــاغوت العصر د .عبدهللا بن محمد المحيسني
رســـــــــــــالة في الديمقراطية
املنهج املختصر يف الفقه والعقيدة والدعوة
135
(الديموقراطية) طاغوت العصر الحمد هلل والصالة والسالم على رسول هللا ،وعلى آله وصحبه ومن وااله، وبعد .. فمن نعمة هللا سبحانه وتعالى أن من علينا بعمل من أعظم أعمال الدين ،وهو الجهاد لتكون كلمة هللا هي العليا ،وذلك يقتضي أن يكون الحكم هلل وحده ،وأال تعلو كلمة على كلمة اإلسالم ،وهذا األمر هو الذي ُ شرع من أجله الجهاد: (وقاتلوهم حتى ال تكون فتنة ويكون الدين كله هلل) ولكن هناك مدخل ومزلق شيطاني خطير ،وفتنة بُليت بها األمة في هذا الزمن ،أال وهي فتنة صنم العصر وطاغوته :الديمقراطية. ُ فالدول الصليبية الكبرى تعمل بكل ما أوتي ْ ت من قوة وجبروت ،وما أتيح لها من وسائل ومقومات؛ على فرض دين الديمقراطية على الشعوب المقهورة والمغلوبة على أمرها ،فمن ال يأتي معها بالترغيب واإلغواء يأتي معها بالترهيب واتباع سياسة التجويع واالستقواء! فحين عجزوا عن إبعاد الناس عن دينهم وإدخالهم في النصرانية الصليبية صراحة ،بحثوا عن وسيلة أخرى تسهل عليهم إبعاد الناس عن دين هللا تعالى، بإقحامهم في دين الديمقراطية ،وقد كان لهم ما أرادوا في كثير من المجتمعات؛ حيث إن الشعوب بسبب سياسة التجهيل والتفريغ من محتواها سن روج للديمقراطية ،ومح ِ ّ العقدي اإليماني التي مورست بحقها ،فهي بين ُم ّ ومص ِفّق لها ،وأحسنهم الذي يسكت عنها ولسان حاله يقول :أمر واقع ال مردَّ له ،وهي أفضل لنا من الديكتاتورية! جرت التجارب الديمقراطية على المسلمين ومما يشتد له العجب أنه رغم ما َّ من نتائج سيئة ووخيمة أفضت إلى الضعف واالختالف والتفرق ،والشقاق والتنازع بين األخوة حيث الجماعة أصبحت جماعات ،والحركة أصبحت حركات متنافرة متباغضة ،واألخوة في بيت واحد تراهم متباغضين ومنقسمين؛ رغم كل ذلك وغير ذلك مما يُشين فإن القوم ال يزالون يستعذبون الديمقراطية وينافحون عنها كأنهـم أربابها وصانعوها! والعجب أنه عندما يصعد اإلسالميون في بلد باسم (الديموقراطية) تنزل عليهم مطارق الحديد والنار لمنعهم من حكم ذلك البلد ،فهم إنما أرادوا بإدخالها على المسلمين أن يمكنوا بها األقليات الملحدة والكافرة ،وعندما تكون بيد اإلسالميين ما أسرع ما يتخلصون منها!
136
(الدميوقراطية) طاغوت العصر د
ففي الجزائر عندما صعد اإلسالميون في التسعينات أ ُسقطوا وقُتلوا وحبسوا وعذبوا و ُ ش ّردوا تحت نظر العالم أجمع ،فهل هذه هي الديموقراطية؟! و في فلسطين تمكنت حماس باسم الديموقراطية باالنتخابات ،وهيهات ،.. انقلبوا عليها عبر أذيالهم َّ وقزموهم ،وحصروهم في غزة. وفي العراق عندما صعد سني علماني ،وهو علماني يؤمن بالديموقراطية وبأسيادها ،ولكنهم أسقطوه وغرسوا المالكي الرافضي غرساً. ثم في مصر ،ومن أين نأتي لمصر ،أين الديموقراطية؟ أين الحقوق؟ أين الحريات التي أص ُّموا أسماع الناس أنهم يدعون إليها ويحمونها وينشرون ثقافتها بين الشعوب؟! لكن لعل ما حدث في مصر هو نعمة عظيمة من هللا سبحانه وتعالى حتى يتبين للناس حقيقة هذا الداء الفتاك الذي أصاب األمة في مقت ٍل واغتر به الكثير من أبنائها ودعاتها. تعريف الديمقراطية :الديمقراطية Democracyكلمة مشتقة من لفظتين يونانيتين Demosالشعب ،و Kratosسلطة .ومعناها الحكم الذي تكون فيه السلطة للشعب ،وتُطلق على نظام الحكم الذي يكون الشعب فيه رقيبا ً على أعمال الحكومة بواسطة المجالس النيابية ،ويكون لنواب األمة سلطة إصدار القوانين(.)1 نشأة الديموقراطية: أول من مارس الديمقراطية هم اإلغريق في مدينتي أثينا وإسبارطة ،حيث كانت تقوم في كل من المدينتين حكومة يطلق عليها اصطالحا اسم "حكومة المدينة" أي الحكومة التي تقوم في مدينة واحدة مفردة ،وكان كل أفراد الشعب من الرجال في كل من المدينتين يشاركون في حكم المدينة ،فيجتمعون في هيئة "جمعية عمومية" فيتشاورون في كل أمور الحكم ،فينتخبون الحاكم ويصدرون القوانين ،فكان" حكم الشعب مطبقا بصورة مباشرة في كل من المدينتين.
( )1مذاهب فكرية معاصرة ،ص.978
املنهج املختصر يف الفقه والعقيدة والدعوة
137
واستمروا على هذه الصورة الفريدة إلى أن انتهت حكومة المدينة في كل من أثينا وأسبرطة حينما غلبهم المد النصراني وبرز رجال الكنيسة .فبقيت تلك الحكومة في ذاكرة الناس ،ثم كان لطغيان رجال الكنيسة فيما بعد األثر الحافز على الرغبة في العودة إلى تلك الحكومة الغابرة ،وظل أهل أوربا يتوقون إلى الخالص من قبضة رجال الكنيسة تحت أي تيار يسوقهم فرارا ً من سلطة اإلقطاع والنبالء من البابوات والم ّالك الظالمون لجميع طبقات الشعوب. ونجم عن كثرة الضغط االنفجار الذي تمثل في الثورة الفرنسية حيث أخذ زعماؤها في التفتيش عن بديل لذلك ،فوقع اختيارهم على ذلك الماضي الجاهلي اإلغريقي ،ونادوا بتجديده والسير على نهجه(.)1 مبادئ الديموقراطية ومناقضتها لدين اإلسالم: الديمقراطية على اختالف تشعباتها وتفسيراتها تقوم على مبادئ وأسس، أهمها يظهر في النقاط التالية(:)2 أو الا :تقوم الديمقراطية على مبدأ أن الشعب هو مصدر السلطات ،بما في ذلك السلطة التشريعية ،ويتم ذلك عن طريق اختيار ممثلين عن الشعب ينوبون عنه في مهمة التشريع وسن القوانين ،وبعبارة أخرى :فإن المشرع المطاع في الديمقراطية هو اإلنسان وليس هللا! وهذا يعني أن المألوه المعبود المطاع من جهة التشريع والتحليل والتحريم: هو الشعب واإلنسان والمخلوق وليس هللا تعالى ،قال هللا تعالى{ :إن الحكم إال هلل أمر أن ال تعبدوا إال إياه} [يوسف ،]41:وقال تعالى{ :وأن احكم بينهم بما أنزل هللا وال تتبع أهواءهم واحذرهم أن يفتنوك عن بعض ما أنزل هللا إليك} [المائدة ،]41:وقال تعالى{ :اتخذوا أحبارهم ورهبانهم أربابا ً من دون هللا} [التوبة .]39 : وجاء في الحديث الصحيح عن عدي بن حاتم لما قدم على النبي ﷺ وهو نصراني ،فسمعه يقرأ هذه اآلية{ :اتخذوا أحبارهم ورهبانهم أربابا ً من دون هللا} .قال :فقلت له إنا لسنا نعبدهم ،قال" :أليس يحرمون ما أحل هللا
( )1المذاهب الفكرية للعواجي .769 /2 ( )2ما يأتي ملخص من كتاب :حكم اإلسالم في الديمقراطية والتعددية الحزبية.
138
(الدميوقراطية) طاغوت العصر د
فتحرمونه ،ويحلون ما حرم هللا فتحلون؟" ،قال :فقلت :بلى .قال" :فتلك عبادتهم". يقول سيد قطب – رحمه هللا :-إن الناس في جميع األنظمة األرضية يتخذ بعضهم بعضا ً أربابا ً من دون هللا ،وهذا يقع في أرقى الديمقراطيات ،كما يقع في أحط الديكتاتوريات سواء .إن أول خصائص الربوبية هو حق تعبيد الناس ،حق إقامة النظم والمناهج والشرائع والقوانين والموازين ،وهذا الحق في جميع األنظمة األرضية يدعيه بعض الناس في صورة من الصور، ويرجع األمر فيه إلى مجموعة من الناس على أي وضع من األوضاع ،وهذه المجموعة التي تُخضع اآلخرين لتشريعها وقيمها وموازينها وتصوراتها هي األرباب األرضية التي يتخذها بعض الناس أربابا ً من دون هللا ،وإن لم يسجدوا لها ويركعوا ،فالعبودية عبادة ال يتوجه بها إال هلل .وأظهر خصائص األلوهية بالقياس إلى البشرية تعبيد العبيد ،والتشريع لهم في حياتهم وإقامة الموازين لهم ،فمن ادعى لنفسه شيئا ً من هذا كله فقد ادعى لنفسه أظهر خصائص األلوهية ،وأقام لنفسه للناس إلها ً من دون هللا (.)1 ثانيا ا :تقوم الديمقراطية على مبدأ حرية التدين واالعتقاد ،فللمرء في ظل األنظمة الديمقراطية أن يعتقد ما يشاء ،ويتدين بالدين الذي يشاء ،ويرتد إلى أي دين وقت يشاء ،وإن كان هذا االرتداد مؤدَّاه إلى االرتداد عن دين هللا تعالى إلى اإللحاد وعبادة غير هللا! وهذا أمر ال شك في بطالنه وفساده ،ومخالفته لكثير من النصوص الشرعية، إذ أن المسلم لو ارتد عن دينه إلى الكفر ،فحكمه في اإلسالم القتل ،كما في الحديث الذي يرويه البخاري وغيره" :من بدل دينه فاقتلوه" ،ولم يقل: فاتركوه ألنها حريته!! بحرية االعتقاد والتدين، والفضيحة التي يمارسها الديمقراطيون أنهم يقبلون ّ واالنتقال من دين إلى دين ،لكن ديمقراطيتهم ال تقبل وال تسمح أن يرتد نظام أو شعب من دين الديمقراطية إلى أي دين أو نظام آخر ،ولو حصل مثل هذا سرعان ما يعلنون الحرب والعداء ،ويمارسون الحصارات االقتصادية ( )1الظالل .417 /9
املنهج املختصر يف الفقه والعقيدة والدعوة
139
وغيرها التي قد تبيد شعبا ً وجيالً بأكمله ،كل هذا من أجل فرض الديمقراطية والعلمانية على تلك الشعوب المستضعفة! أرأيت التناقض والتغاير ،فما يجوز لهم ال يجوز لغيرهم ،والممنوع عن غيرهم جائز لهم!. ثالثاا :تقوم الديمقراطية على اعتبار الشعب حكم أوحد ترد إليه النزاعات والخصومات؛ فإذا حصل أي اختالف أو نزاع بين الحاكم والمحكوم ،نجد أن كالً من الطرفين يهدد اآلخر بالرجوع إلى إرادة الشعب ،وإلى اختيار الشعب ،ليفصل الشعب ما تم بينهما من نزاع. وهذا مخالف ومناقض ألصول التوحيد التي تقرر أن الحكم الذي يجب أن ترد إليه جميع النزاعات هو هللا تعالى وحده ،وليس أحدا ً سواه ،يقول هللا تعالى{ :وما اختلفتم فيه من شيء فحكمه إلى هللا} [الشورى .]91:بينما الديمقراطية تقول :وما اختلفتم فيه من شيء فحكمه إلى الشعب ،وليس إلى أح ٍد غير الشعب! وقال تعالى{ :يا أيها الذي آمنوا أطيعوا هللا وأطيعوا الرسول وأولي األمر منكم فإن تنازعتم في شيء فردوه إلى هللا والرسول إن كنتم تؤمنون باهلل واليوم اآلخر} [النساء .]51:والرد إلى هللا والرسول يكون بالرد إلى الكتاب والسنة. قال ابن القيم -رحمه هللا ( :-جعل هذا الرد من موجبات اإليمان ولوازمه، فإذا انتفى هذا الرد انتفى اإليمان ضرورة انتفاء الملزوم النتفاء اآلخر) (.)1 رابعاا :تقوم الديمقراطية على مبدأ حرية التعبير واإلفصاح ،أيَّا ً كان هذا التعبير ،ولو كان مفاده طعنا ً وسبا ً للذات اإللهية ،وكتبه ورسله ،إذ ال يوجد في الديمقراطية شيء مقدس يحرم الخوض فيه ،وأي إنكار على ذلك يعني بر ّمته !.. إنكار على النظام الديمقراطي الحر ُ خامساا :تقوم الديمقراطية على مبدأ الحرية الشخصية؛ فللمرء في ظل الديمقراطية أن يفعل ما يشاء ،ويمارس ما يشاء ،مالم يتعارض مع القانون الوضعي للبالد . ( )1إعالم الموقعين .51 /9
141
(الدميوقراطية) طاغوت العصر د
وهذا قول معلوم بطالنه وفساده ،لتضمنه تحليل ما حرم هللا تعالى على العباد، وإطالق الحرية للمرء في أن يمارس ما يشاء ويهوى من المعاصي والموبقات المحرمة شرعاً. فالمرء في نظر اإلسالم حريته مستمدة من اإلسالم ،وهي مقيدة بقيود الشرع وما يملي عليه من التزامات وواجبات وسنن ،فليس للمسلم – إن أراد البقاء في دائرة اإلسالم أو أن يسمى مسلما ً – الحرية في أن يتجاوز حدود اإلسالم وآدابه وتعاليمه ،ويرتكب ما يشاء من المحظورات ،ثم بعد ذلك يصبغ على تصرفه هذا الشرعية أو القانونية ،أو أنه حقه الشخصي ،ومن خصوصياته التي ال حق ألح ٍد أن ينكرها عليه ،ويقول بعد ذلك أنه مسلم ،يتدين بدين اإلسالم ،فاإلسالم وهذا الشأن ال يجتمعان أبدا ً !.. فمن لوازم اإليمان وشروطه التحاكم إلى شرع هللا تعالى في كـل كبيرة وصغيرة ،وفي األمور العامة والخاصة ،والرضى بحكمه ،واالستسالم له تبرم أو تضايق ،كما قال ظاهرا ً وباطنا ً من دون أدنى تردد أو تعقيب ،أو أقل ُّ تعالى{ :فال وربك ال يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم ثم ال يجدوا في أنفسهم حرجا ً مما قضيت ويسلموا تسليماً} [النساء.]65: سادساا :تقوم الديمقراطية على مبدأ اعتبار موقف األكثرية ،وتب ِنّي ما تجتمع عليه األكثرية ،ولو اجتمعت على الباطل والضالل ،والكفر البواح ،فالحق – في نظر الديمقراطية الذي ال يجوز االستدراك أو التعقيب عليه – هو ما تقرره األكثرية وتجتمع عليه ال غير! وهذا مبدأ باطل ال يصح على إطالقه؛ حيث أن الحق في نظر اإلسالم هو ما يوافق الكتاب والسنة ق َّل أنصاره أو كثروا ،وما يخالف الكتاب والسنة فهو الباطل ولو اجتمعت عليه أهل األرض قاطبة .قال ابن القيم رحمه هللا :اعلم أن اإلجماع والحجة والسواد األعظم هو العالم صاحب الحق وإن كان وحده، وإن خالفه أهل األرض. سابعاا :في الديمقراطية كل شيء – مهما سمت قداسته بما في ذلك دين هللا – حتى ينال القبول عند القوم يجب أن يخضع لالختيار والتصويت ،ورفع األيدي وخفضها ،واالختيار يقع دائما ً على ما تجتمع عليه األكثرية ،وإن كان المختار باطالً!. قال تعالى{ :وهللا يحكم ال معقب لحكمه وهو سريع الحساب} [الرعد،]49: وقال تعالى{ :وما كان لمؤمن وال مؤمنة إذا قضى هللا ورسوله أمرا ً أن يكون
املنهج املختصر يف الفقه والعقيدة والدعوة
145
لهم الخيرة من أمرهم} [األحزاب ،]36:وقال تعالى{ :يا أيها الذين آمنوا ال ترفعوا أصواتكم فوق صوت النبي وال تجهروا له بالقول كجهر بعضكم لبعض أن تحبط أعمالكم وأنتم ال تشعرون} [الحجرات .]4:قال ابن القيم: (فإذا كان رفع أصواتهم فوق صوته سببا ً لحبوط أعمالهم فكيف تقديم آرائهم وعقولهم وأذواقهم ،وسياستهم ومعارفهم على ما جاء به ورفعها عليه ،أليس هذا أولى أن يكون ُمحبطا ً ألعمالهم)(.)1 فالتصويت واالختيار يتضمن التسوية الصريحة بين شرع هللا عز وجل وشرع الطاغوت ،كما يدل داللة صريحة على تمكين القوم من رد حكم هللا تعالى لو شاء المصوتون ذلك ،وهذا يتضمن اال ستخفاف والتهكم بشرع هللا ودينه ،وهذا مغاير لما يجب لدين هللا تعالى وشرعه من تعظيم وتوقير وإجالل ،يقول تعالى{ :ومن يعظم شعائر هللا فإنها من تقوى القلوب} [الحج .]32:ومن أعظم شعائر هللا التي يجب تعظيمها كالمه وأحكامه وشرعه. ثامناا :تقوم الديمقراطية على مبدأ المساواة – في الحقوق والواجبات – بين جميع شرائح وأفراد المجتمع بغض النظر عن الفروق العقدية والعلمية واألخالقية؛ فيستوي عندهم أكفر وأفجر وأجهل الناس مع أتقى وأصلح وأعلم الناس!! وهذا النوع من المساواة ال شك في بطالنه وفساده؛ يقول تعالى{ :أفمن كان مؤمنا ً كمن كان فاسقا ً ال يستوون} .ويقول{ :أفنجعل المسلمين كالمجرمين ما لكم كيف تحكمون} وقال تعالى{ :هل يستوي الذين يعلمون والذين ال يعلمون} .وقال تعالى{ :أم نجعل الذين آمنوا وعملوا الصالحات كالمفسدين في األرض أم نجعل المتقين كالفجار}. تعقيب للشيخ محمد قطب رحمه هللا: يقول الشيخ محمد قطب :هذا هو اإلسالم وهذه هي الديمقراطية في نظر اإلسالم ،ومن ثم فال سبيل إلى مزج اإلسالم بالديمقراطية ،وال سبيل إلى القول بأن اإلسالم نظام ديمقراطي ،أو أنه يتقبل النظام الديمقراطي أو يسايره ،لمجرد وجود شبه عارض في بعض النقاط .إن هذا االلتقاء ( )1إعالم الموقعين .59/9
141
(الدميوقراطية) طاغوت العصر د
العارض بين الديمقراطية واإلسالم في الحقوق والضمانات ،وفي مبدأ الشورى ال يجوز أن ينسينا حقيقتين مهمتين: الحقيقة األولى :أنه ال ينبغي لنا – من الوجهة العقدية – أن نقرن النظام الرباني إلى نظام جاهلي ،فضالً عن أن نحاول سند النظام الرباني بنسبته إلى النظا م الجاهلي ،أو نتصور أننا نمتدح النظام الرباني بأن نقول أنه يحمل نقط التقاء مع النظام الجاهلي!. إنها الهزيمة الداخلية تندس إلى أفهامنا دون أن نحس ،وتجعلنا نعتقد أن النظام الرباني في حاجة إلى دفاعنا نحن عنه وتبريره ،كما تجعلنا نعتقد أننا نمتدح النظام الرباني بأن نقول للناس إنه يحتوي على الفضائل التي تحتوي عليها النظم السائدة اليوم. إنها الهزيمة التي أصابت المسلمين في مواجهة الغرب الظافر المتغلب ،الذي غلب على بالد اإلسالم ،وما كانت لتوجد في نفوسنا لو أننا واثقون في أنفسنا مستعلون باإليمان كما وجهنا هللا{ :وال تهنوا وال تحزنوا وأنتم األعلون إن كنتم مؤمنين}. والحقيقة الثانية :أن هذا الشبه العارض في بعض النقاط ال يجوز أن ينسينا الفارق الضخم في القاعدة ،إن القاعدة التي يقوم عليها اإلسالم تختلف اختالفا ً جذريا ً عن القاعدة التي تقوم عليها الديمقراطية. في اإلسالم يُعبد هللا وحده دون شريك ،وتحكم شريعة هللا عنوانا ً على التوحيد وتحقيقا ً له في عالم الواقع .وفي الديمقراطية يُعبد غير هللا ،وتحكم شرائع البشر عنوانا ً على عبادة غير هللا وتوكيدا ً لها في عالم الواقع .وفي اإلسالم يُزكى اإلنسان ليحتفظ بإنسانيته في أحسن تقويم ،وفي الديمقراطية ينكس اإلنسان فيهبط أسفل سافلين . تلك فروق جوهرية في القاعدة ،فما قيمة اللقاء العارض في بعض النقاط أيَّا ً كانت القيمة الذاتية لتلك النقاط ؟! وفي العالم اإلسالمي ُكتّاب ومفكرون ودعاة مخلصون مخدوعون في الديمقراطية ،يقولون :نأخذ ما فيها من خير ونترك ما فيها من شرور! ،ويقولون :نقيدها بما أنزل هللا وال نبيح اإللحاد ،وال نبيح التحلل الخلقي والفوضى الجنسية! إنها إذا ً لن تكون الديمقراطية ،إنما ستكون اإلسالم!
املنهج املختصر يف الفقه والعقيدة والدعوة
143
إن الديمقراطية هي حكم الشعب بواسطة الشعب .إنها تولي الشعب سلطة التشريع ،فإذا ألغي هذا األمر أو قيد فلن تكون هي الديمقراطية التي تقوم بهذا االسم. ولست أقول إن النظم الطغيانية التي حلت محل تلك الديمقراطيات المزيفةهي خير منها ،كال! وألف مرة كال ! فالطغيان الذي يعتقل عشرات األلوف، ويعذبهم أبشع تعذيب عرفته البشرية ،ويقتل منهم من يقتل في محاكمات صورية أو داخل األسوار بالتعذيب ،هو شر خالص ال خير فيه .ولكن أقول فقط :إن البديل ليس هو الديمقراطية ،إنما هو اإلسالم . ومن كان يرى أن مشوار اإلسالم طويل ،وأن مشوار الديمقراطية أقصر منه وأيسر ،فنحن نقول له :إن الديمقراطية ذاتها في سبيلها إلى االنهيار ،بما تحمل في طياتها من ِعوج وانحراف قائم في أصـل النظام .وسيبقى اإلسالم، سيبقى ألنه دين هللا ،وألن هللا تكفل بحفظه ،وألنه هو الشيء الوحيد الذي يمكن أن ينقذ البشرية كلها من ضاللها البعيد الذي لجت فيه(.)1 من مفاسد الديموقراطية: المجتمعات التي حكمها الشعب في التشريعات والقوانين لم يُر فيها إالالفساد ،وانحالل األخالق ،وتفسخ المجتمعات ،فالديموقراطية تفتح الباب على مصراعيه للشهوات واإلباحية ،من خمر ومجون وفسق وغير ذلك تحت شعار" :حماية الحرية الشخصية". كما أن الديموقراطية تفتح الباب للتفرق واالختالف ،استجابة للمخططاتاالستعمارية الرامية إلى تمزيق العالم اإلسالمي إلى قوميات ووطنيات ودويالت وعصبيات وأحزاب ،وفي ذلك مخالفة لقول هللا{ :وإن هذه أمتكم أمة واحدة وأنا ربكم فاتقون}. إن من يسلك أو يتبنى النظام الديمقراطي البد له من االعتراف بالمؤسساتوالمبادئ الكفرية ،كمواثيق األمم المتحدة وقوانين مجلس األمن الدولي ،ومن ضيّق عليه بحجة أنه متطرف وإرهابي وغير مؤمن بالسالم لم يفعل ُمنع و ُ العالمي والتعايش السلمي. ( )1مذاهب فكرية معاصرة ص (.)259
144
(الدميوقراطية) طاغوت العصر د
الديمقراطية تفتح الباب على مصراعيه للردة والزندقة ،حيث يمكن – فييكون ظل هذا النظام الطاغوتي -لكل صاحب ملة أو مذهب أو نحلة أن ّ حزبا ً وينشئ صحيفة تدعو إلى مروقه من دين هللا ،بحجة إفساح المجال للرأي والرأي اآلخر. النظام الديمقراطي يعطل األحكام الشرعية؛ من جهاد وحسبة وأمربمعروف ونهي عن منكر وأحكام الردة والمرتد والجزية والرق؛ وغير ذلك من األحكام ،بل ويوصف المرتدون والمنافقون في ظل النظام الديمقراطي بأنهم وطنيون وقوى خ ِيّرة ومخلصة! الديمقراطية واالنتخابات تعتمد على الغوغائية والكثرة بدون ضوابط شرعية، وعلى مبدأ الكثرة فإن أغلب األنبياء قد وقفت ضدهم الكثرة الكاثرة من أقوامهم ،وكذّبوهم ،وهللا تعالى يقول{ :وإن تطع أكثر من في األرض يضلوك عن سبيل هللا}! الديموقراطية والشورى: الديمقراطية ليست كالشورى التي في اإلسالم ،وذلك من وجوه كثيرة ،منها: - 9أن الشورى فيما ال نص فيه ،وفي تنزيل الحكم على الحوادث المستحدثة ،وأما الديمقراطية فللشعب أن يلغي الثوابت ،فحكم الشعب فوق كل شيء. - 2أهل الشورى لهم صفات معينة من العلم واألخالق ،وأما الديمقراطية فال فرق فيها بين أحد وأحد ،فحكم العالم بحكم هللا يساوي حكم أجهل الناس دون فرق! - 3الشورى غير ُم ِلزمة للحاكم ،فقد يقدِّم الحاكم رأي من قويت حجته على الباقين ،بينما في الديمقراطية يصبح مجرد اتفاق األغلبية النسبية قانونا ً ملزما ً للناس. يروج له البعض من محاسن في الديمقراطية – وما أقلّها ،-فإن عندنا في فما ّ اإلسالم ما هو أحسن منها وأعظم ،وأسلم وأحكم ،وأكمل وأعدل. و ليحذر المسلم من أقل التفات إلى ما سوى شريعة هللا ،فإن ما سواها هو الضالل والبعد ،قال تعالى{ :فإ ِ ْن آمنُواْ ِب ِمثْ ِل ما آمنتُم بِ ِه فق ِد ا ْهتدواْ َّوإِن تولَّ ْواْ اح ُكم ق فسي ْك ِفيك ُه ُم ّ س ِمي ُع ْالع ِلي ُم} ،وقال تعالى{ :وأ ِن ْ اّللُ و ُهو ال َّ فإِنَّما ُه ْم فِي ِشقا ٍ ض ما أنزل بيْن ُهم ِبما أنزل ّ اّللُ وال تتَّبِ ْع أ ْهواء ُه ْم و ْ احذ ْر ُه ْم أن ي ْفتِنُوك عن ب ْع ِ
املنهج املختصر يف الفقه والعقيدة والدعوة
145
ض ذُنُوبِ ِه ْم و ِإ َّن ك ِثيرا ً اّللُ ِإليْك فإِن تولَّ ْواْ فاعْل ْم أنَّما ي ُِريد ُ ّ ّ ُصيب ُهم بِب ْع ِ اّللُ أن ي ِ اس لفا ِسقُون}. ِ ّمن النَّ ِ ثم أيها المجاهد! ليكن منهجك وعقيدتك أن كل من قاتل لتكون كلمة هللا هي العليا فنحن معه ،ونقاتل معه ،وكل من خالف ذلك فإنا نتركه وننبذه ونخالفه، فلو أن قائدا ً في الشام اليوم أعلن نظام الديمقراطية تحت أي سبب أو عذر فإننا ننشق منه جميعاً ،ونخالفه جميعاً ،وننابذه العداء جميعاً ،بذلك نكون قد قاتلنا لتكون كلمة هللا هي العليا. أسأل هللا أن يوفقنا وإياكم لما يحب ويرضى ،وصل على محمد ،وعلى آله وصحبه أجمعين.
الباب الثالث: أصول الدعوة
املنهج املختصر يف الفقه والعقيدة والدعوة
أهمية الدعوة وفضلها وكيف تكون داعية
إعداد/ د .عبد الله بن محمد المحيسني
147
أهمية الدعوة وفضلــها
148 HGJHG
د
أمهية الدعوة وفضلها وكيف تكون داعية الحمد هلل رب العالمين ،والصالة والسالم على المبعوث رحمة للعالمين ،وعلى آله وصحبه ومن اتبع سبيلهم إلى يوم الدين ،أما بعد: فإن الدعوة إلى هللا من أهم المهمات ،والناس في كل زمان ومكان في أشد الحاجة إليها، فإن هللا سبحانه وتعالى إنما خلق الجن واإلنس ليعبدوه وحده ال شريك له ،وليعظموا اإل ْنس إِ َّال أمره ونهيه ،وليعرفوه بأسمائه وصفاته ،كما قال عز وجل{ :وما خل ْقتُ ْال ِج َّن و ْ ِ اس ا ْعبُدُوا ربَّ ُك ُم الَّذِي خلق ُك ْم والَّذِين ِم ْن ق ْب ِل ُك ْم ُون} ،وقال عز وجل{ :يا أيُّها النَّ ُ ِلي ْعبُد ِ ْ َّ ْ ُ َّ َّ {اّللُ الذِي خلق سبْع سماوا ٍ ض ِمثل ُه َّن يتنز ُل لعلَّ ُك ْم تتقون} ،وقال عز وجلَّ : ت و ِمن األ ْر ِ اّلل ق ْد أحاط بِ ُك ِّل ش ْيءٍ ِع ْل ًما} . ِير وأ َّن َّ ْاأل ْم ُر بيْن ُه َّن ِلت ْعل ُموا أ َّن َّ اّلل على ُك ِّل ش ْيءٍ قد ٌ وقد أرسل هللا الرسل ليبينوا للناس األمر الذي ُخلقوا من أجله ،حتى يعبدوا هللا على بصيرة ،والدعوة إلى هللا هي طريقة الرسل وأتباعهم كما قال هللا سبحانه{ :قُ ْل ه ِذ ِه سبِي ِلي عو إِلى َّ ِ صيرةٍ أنا وم ِن اتَّبعنِي} فبين سبحانه أن الرسول صلى هللا عليه وسلم أ ْد ُ اّلل على ب ِ يدعو على بصيرة ،وأن أتباعه كذلك يدعون إلى هللا ،فأتباع الرسول صلى هللا عليه وسلم هم الدعاة إلى سبيله على بصيرة ،والبصيرة هي العلم بما يدعو إليه وما ينهى عنه.
بيان حكم الدعوة إلى هللا عز وجل: قد دلت األدلة من الكتاب والسنة على وجوب الدعوة إلى هللا عز وجل ،وأنها من عون إِلى ْالخي ِْر الفرائض ،واألدلة في ذلك كثيرة ،منها :قوله سبحانه{ :و ْلت ُك ْن ِم ْن ُك ْم أ ُ َّمةٌ ي ْد ُ وف وي ْنه ْون ع ِن ْال ُم ْنك ِر وأُولئِك ُه ُم ْال ُم ْف ِل ُحون} ،ومنها :قوله جل وعال: ويأ ْ ُم ُرون بِ ْالم ْع ُر ِ ع إِلى سبِي ِل ر ِبّك بِ ْال ِح ْكم ِة و ْالم ْو ِعظ ِة ْالحسن ِة وجاد ِْل ُه ْم بِالَّتِي هِي أحْ س ُن} ،ومنها :قوله {ا ْد ُ ع إِلى ر ِبّك وال ت ُكون َّن ِمن ْال ُم ْش ِر ِكين}. عز وجل{ :وا ْد ُ وصرح العلماء أن الدعوة إلى هللا عز وجل فرض كفاية ،بالنسبة إلى األقطار التي يقوم فيها الدعاة ،فإن كل دولة وكل مدينة وكل قرية ومنطقة تحتاج إلى الدعوة ،فإذا قام بها من يكفي سقط اإلثم عن الباقين ،وصارت الدعوة في حق الباقين سنة مؤكدة ،وعمال صالحا جليال ،وإذا لم يقم أهل المنطقة المعينة بالدعوة على التمام ،صار اإلثم عاما، وصار واجب على كل إنسان أن يقوم بالدعوة حسب طاقته وإمكانه ،وعند قلة الدعاة، وعند كثرة المنكرات ،وعند غلبة الجهل -كحالنا اليوم -تكون الدعوة فرض عين على كل واحد بحسب طاقته.
فضل الدعوة إلى هللا عز وجل
ورد في فضل الدعوة والدعاة آيات وأحاديث كثيرة ،من ذلك قوله جل وعال{ :وم ْن أحْ س ُن ق ْو ًال ِم َّم ْن دعا ِإلى َّ ِ اّلل وع ِمل صا ِل ًحا وقال ِإنَّنِي ِمن ْال ُم ْس ِل ِمين} ،وقال النبي الكريم عليه الصالة والسالم« :من دل على خير فله مثل أجر فاعله» رواه مسلم ،وقال عليه الصالة والسالم« :من دعا إلى هدى كان له من األجر مثل أجور من تبعه ال ينقص ذلك
املنهج املختصر يف الفقه والعقيدة والدعوة
149
من أجورهم شيئا ومن دعا إلى ضاللة كان عليه من اإلثم مثل آثام من تبعه ال ينقص ذلك من آثامهم شيئا» أخرجه مسلم . وصح عنه عليه الصالة والسالم أنه قال لعلي رضي هللا عنه وأرضاه « :فوهللا ألن يهدي هللا بك رجال واحدا خير لك من حمر النعم» متفق عليه ،وهذا أيضا يدلنا على فضل الدعوة إلى هللا وما فيها من الخير العظيم ،وأن الداعي إلى هللا جل وعال يعطى مثل أجور من هداه هللا على يديه ولو كثروا.
كيفية الدعوة وأسلوبها:
اعلم رحمك هللا أن من الواجبات المتحتمات اليوم أن نكون جميعا ً دعاة في سبيل هللا ،ال سيما مع الواقع وتغريب الناس الذي مر على األمة بما استطعنا ،فقد قال النبي صلى هللا عليه وسلم { :بلغوا عني ولو آية } ،فمن المفاهيم الخاطئة أن يظن البعض أن الداعية ال بد أن يكون خريجا ً من الجامعات أو دكتورا ً حتى يقوم بالدعوة إلى هللا ،وهذا مفهوم خاطئ ،فأنت عندما ترى رجال لم يذهب إلى الصالة بعد األذان فتدعوه إلى الصالة فأنت من أحسن الناس قوال تدعو إلى هللا ،وعندما تعلم برجل يغش فتنصحه وتقول له :اتق هللا فقد دعوته إلى هللا وذكرته باهلل فأنت من الدعاة إلى هللا ،وحين ترى مدخنا ً مثال فتبتسم في وجهه وتنهاه فأنت داعية إلى هللا ولو كنت عاميا ً ال تقرأ وال تكتب ،وأنت حينما ترى سارقا ً فتنكر عليه وتعظه فأنت داعية إلى هللا ،وهكذا. ومن المفاهيم الخاطئة أن يظن البعض أنه ال بد أن يكون الداعية إلى هللا تقيا ً نقيا ً لم يقع منه أي ذنب حتى يدعو إلى هللا ،ولو كان األمر كذلك لما دعا أحد إلى هللا بعد النبي محمد صلى هللا عليه وسلم ،إذ ال معصوم إال األنبياء .فمن الذي ما ساء قط؟! ومن له الحسنى فقط؟ فكل بني آدم خطاء وخير الخطائين التوابون ،وروى مسلم في صحيحه عن أبي هريرة رضي هللا عنه قال :قال رسول هللا صلى هللا عليه وسلم« :والذي نفسي بيده لو لم تذنبوا لذهب هللا بكم ،ولجاء بقوم يذنبون ،فيستغفرون هللا فيغفر لهم» ،وروى البخاري ومسلم عن عائشة رضي هللا عنها قالت :قال رسول هللا صلى هللا عليه وسلم« :سددوا وقاربوا، وأبشروا » ،فليحرص الداعية على تقوى هللا ما استطاع ،وليسدد ويقارب فالكمال عزيز ،ومن غلب خيره شره فهو من الصالحين ،فليكن أيضا من المصلحين ما استطاع، وهذا ال يعني تقحم باب الدعوة لكل من هب ودب ،ولكن ك ٌل يدعو إلى هللا يما يحسن، ولو بآية أو حديث ،ولو بأمر بالمعروف أو نهي عن منكر ،وهنا سنبين بعض أساليب الدعوة ،جعلنا هللا وإياكم من الدعاة المصلحين. ل قد بين هللا عز وجل كيفية الدعوة وأسلوبها في كتابه الكريم ،وفيما جاء في سنة نبيه ع إِلى سبِي ِل ر ِبّك بِ ْال ِح ْكم ِة عليه الصالة والسالم ،ومن أوضح ذلك قوله جل وعال{ :ا ْد ُ و ْالم ْو ِعظ ِة ْالحسن ِة وجاد ِْل ُه ْم بِالَّتِي هِي أحْ س ُن} ،فأوضح سبحانه الكيفية التي ينبغي أن يتصف بها الداعية ويسلكها ،يبدأ أوال بالحكمة ،والمراد بها :األدلة المقنعة الواضحة الكاشفة للحق ،والداحضة للباطل؛ ولهذا قال بعض المفسرين :المعنى :باألدلة من الكتاب
أهمية الدعوة وفضلــها
151 HGJHG
د
والسنة ،فعلى الداعية إلى هللا عز وجل أن يدعو بالحكمة ،ويبدأ بها ،ويعنى بها ،فإذا كان المدعو عنده بعض الجفاء واالعتراض دعوته بالموعظة الحسنة ،باآليات واألحاديث التي فيها الوعظ والترغيب ،فإن كان عنده شبهة جادلته بالتي هي أحسن ،وال تغلظ عليه ،بل تصبر عليه وال تعجل وال تعنف ،بل تجتهد في كشف الشبهة ،وإيضاح األدلة باألسلوب الحسن. وقد أم ر هللا جل وعال موسى وهارون لما بعثهما إلى فرعون أن يقوال له قوال لينا وهو أطغى الطغاة ،فقال سبحانه{ :فقُوال لهُ ق ْو ًال ل ِيّنًا لعلَّهُ يتذ َّك ُر أ ْو ي ْخشى} ،وقال هللا سبحانه اّلل ِل ْنت ل ُه ْم ول ْو ُك ْنت ف ًّ في نبيه محمد عليه الصالة والسالم{ :فبِما رحْ م ٍة ِمن َّ ِ ظا غ ِليظ ب ال ْنفضُّوا ِم ْن ح ْو ِلك}. ْالق ْل ِ لكن إذا ظهر من المدعو العناد والظلم ،فال مانع من اإلغالظ عليه ،كما قال هللا سبحانه: ب إِ َّال بِالَّتِي هِي أحْ س ُن إِ َّال الَّذِين ظل ُموا ِم ْن ُه ْم}. {وال تُجا ِدلُوا أ ْهل ْال ِكتا ِ والشيء الذي يجب على الدعاة أن يدعو الناس إليه يوضحوه لهم ،هو صراط هللا ع إِلى المستقيم ،وهو اإلسالم دين هللا الحق ،هذا هو محل الدعوة ،كما قال سبحانه{ :ادْ ُ ُ اإل ْنسان ل ِفي ُخس ٍْر * إِ َّال الَّذِين آمنُوا وع ِملوا سبِي ِل ر ِبّك} ،وقال {:و ْالع ْ ص ِر * إِ َّن ْ ِ صب ِْر } ،فالتواصي يجب أن يكون بالحق الذي صا ِلحا ِ ق وتواص ْوا بِال َّ ال َّ ت وتواص ْوا بِ ْالح ّ ِ أنزله هللا وجاء به رسول هللا صلى هللا عليه وسلم ،وهذا هو سبيل هللا الذي تجب الدعوة إليه ،ال إلى مذهب فالن وال إلى رأي فالن ،ولكن إلى دين هللا ،إلى صراط هللا ،وهو ما دل عليه القرآن العظيم ،والسنة المطهرة الثابتة عن رسول هللا عليه الصالة والسالم، وعلى رأس ذلك الدعوة إلى العقيدة الصحيحة ،إلى اإلخالص هلل وتوحيده بالعبادة، واإليمان به وبرسله وكتبه ،واإليمان باليوم اآلخر والقدر خيره وشره ،واإليمان بكل ما أخبر هللا به ورسوله ،ويدخل في ذلك أيضا الدعوة إلى ما أوجب هللا من إقامة الصالة، وإيتاء الزكاة ،وصوم رمضان ،وحج البيت ...إلى غير ذلك. ويدخل أيضا في ذلك الدعوة إلى الجهاد في سبيل هللا ،واألمر بالمعروف والنهي عن المنكر ،واألخذ بما شرع هللا في الطهارة والصالة ،والمعامالت ،والنكاح والطالق، والجنايات ،والنفقات ،والحرب والسلم ،وفي كل شيء؛ ألن دين هللا عز وجل دين شامل، يشمل مصالح العباد في المعاش والمعاد ،ويشمل كل ما يحتاج إليه الناس في أمر دينهم ودنياهم ،ويدعو إلى مكارم األخالق ومحاسن األعمال ،وينهى عن سفاسف األخالق وعن سيئ األعمال ،فهو عبادة وحكم ،يكون عابدا مصليا صائما ،ويكون حاكما بشرع هللا منفذا ألحكامه عز وجل .وهو عبادة وجهاد ،يدعو إلى هللا ،ويجاهد في سبيل هللا من خرج عن دين هللا .وهو مصحف وسيف ،يتأمل القرآن ويتدبره وينفذ أحكامه بالقوة ،ولو بالسيف إذا دعت الحاجة إليه .وهو سياسة واجتماع ،فهو يدعو إلى األخالق الفاضلة ص ُموا واألخوة اإليمانية ،والجمع بين المسلمين والتأليف بينهم ،كما قال جل وعال{ :واعْت ِ ِبح ْب ِل َّ ِ اّلل ج ِميعًا وال تف َّرقُوا} فدين هللا يدعو إلى االجتماع ،وإلى السياسة الصالحة الحكيمة ،التي تجمع وال تفرق ،تؤلف وال تباعد ،تدعو إلى صفاء القلوب ،واحترام
املنهج املختصر يف الفقه والعقيدة والدعوة
155
األخوة اإلسالمية ،والتعاون على البر والتقوى ،والنصح هلل ولعباده ،وهو أيضا يدعو إلى أداء األمانة والحكم بالشريعة ،وترك الحكم بغير ما أنزل هللا عز وجل ،كما قال اس أ ْن تحْ ُك ُموا اّلل يأ ْ ُم ُر ُك ْم أ ْن تُؤدُّوا ْاألمانا ِ سبحانه{ :إِ َّن َّ ت إِلى أ ْه ِلها وإِذا حك ْمت ُ ْم بيْن النَّ ِ بِ ْالع ْد ِل. وعلى المسلم أن يأخذ اإلسالم كله وال يأخذ جانبا دون جانب ،ال يأخذ العقيدة ويدع األحكام واألعمال ،وال يأخذ األعمال واألحكام ويدع العقيدة ،بل يأخذ اإلسالم كله، عقيدة ،وعمال ،وعبادة ،وجهادا ،واجتماعا ،وسياسة ،واقتصادا وغير ذلك ،يأخذه من كل س ْل ِم كافَّةً وال تتَّبِعُوا ُخ ُ ت طوا ِ الوجوه كما قال سبحانه{ :يا أيُّها الَّذِين آمنُوا ا ْد ُخلُوا فِي ال ِ ّ ال َّ ان إِنَّهُ ل ُك ْم عد ٌُّو ُمبِ ٌ ين} قال المفسرون :معنى ذلك :ادخلوا في اإلسالم جميعه ،يقال شيْط ِ لإلسالمِ :سلم؛ ألنه طريق السالمة ،وطريق النجاة في الدنيا واآلخرة ،فهو سلم وإسالم، فاإلسالم يدعو إلى السلم ،يدعو إلى حقن الدماء بما شرع من الحدود والقصاص والجهاد الشرعي الصادق ،فهو ِسلم وإسالم ،وأمن وإيمان؛ ولهذا قال جل وعال{ :ا ْد ُخلُوا فِي س ْل ِم كافَّةً} أي :ادخلوا في جميع شعب اإليمان ،ال تأخذوا بعضا وتدعوا بعضا ،عليكم ال ِ ّ ُ َّ ت ال َّ ان} يعني :المعاصي التي حرمها هللا أن تأخذوا باإلسالم كله{ ،وال تتبِعُوا ُخطوا ِ شيْط ِ عز وجل فإن الشيطان يدعو إلى المعاصي وإلى ترك دين هللا كله ،فهو أعدى عدو؛ ولهذا يجب على المسلم أن يتمسك باإلسالم كله ،وأن يدين باإلسالم كله ،وأن يعتصم بحبل هللا عز وجل ،وأن يحذر أسباب الفرقة واالختالف في جميع األحوال ،وعليه أن يحكم شرع هللا في العبادات ،وفي المعامالت ،وفي النكاح والطالق ،وفي النفقات ،وفي الرضاع ،وفي السلم والحرب ،ومع العدو والصديق ،وفي الجنايات ،وفي كل شيء. والواجب على الداعي إلى هللا أن يدعو إلى اإلسالم كله ،وال يفرق بين الناس ،وأن ال يكون متعصبا لمذهب دون مذهب ،أو لقبيلة دون قبيلة ،أو لشيخه أو رئيسه أو غير ذلك، بل الواجب أن يكون هدفه إثبات الحق وإيضاحه ،واستقامة الناس عليه ،وإن خالف رأي اّللِ فالن أو فالن ،وبهذا يكون له شرف الدعوة إلى هللا { وم ْن أحْ س ُن ق ْو ًال ِم َّم ْن دعا ِإلى َّ وع ِمل صا ِل ًحا وقال إِنَّنِي ِمن ْال ُم ْس ِل ِمين}.
ونلخص بعض أساليب الدعوة في هذه النقاط:
أسلوب النصيحة بالرفق والحكمة والموعظة الحسنة ،فاهلل رفيق يحب الرفق ويعطي على الرفق ما ال يعطي على ما سواه ،والكلمة الطيبة صدقة ،وتبسمك في وجه المنصوح صدقة ،والهدية بين يدي النصيحة مؤثرة ،ومن أحسن أساليب الدعوة إهداء الشريط أو المطوية أو الكتيب ،فتكون داعية وإن لم تتكلم ،ومن أساليب الدعوة المؤثرة الرسالة المكتوبة إلى شخص بعينه ،وكذلك دعوة المنصوح إلى بيتك إلكرامه ثم نصحه بحكمة ،ومن أعظم األساليب المؤثرة في المدعو أن تسلم عليه وتصافحه وتبش في وجهه وتكرمه ولو بتطييبه بعطر ثم تنصحه فإنه يتأثر وال بد. )1عرض المسألة المراد الدعوة إليها ،ومعرفة ما يحتاجه المدعو فيها ،فإن كان منكرا لها فتحتاج أن تثبت له الحكم الشرعي باألدلة ،ويُجادل بالتي هي أحسن،
أهمية الدعوة وفضلــها
151 HGJHG
)6
د
وإن كان مقرا فتحتاج أن تذكره بأسلوب حسن مؤثر ،فمثالً إذا تريد تنصح شابا ً يلبس حلقة يعتقد أنها تنفعه وال يعلم بأنها من الشرك ،فتبحث معه حكم المسألة وأدلتها وتبين له حكمها ثم تنصحه بترك ذلك ،أما إذا تريد تنصح شابا متهاونا بالصالة ويعلم خطؤه فتذكره بأهميتها وتبين له حكم التهاون بها وتعظه وتنصحه ،وهكذا. توطين النفس على تحمل األذى ،فالناس مختلفون في قبول الدعوة ،ومنهم طغاة ومجرمون ،ومنهم غالظ القلوب فحشاء األخالق بذيئون اللسان ،فعلى الداعية أن يدفع بالتي هي أحسن ،وهذا مما يؤثر في المدعو أو فيمن حوله ،يقول هللا س ِيّئةُ ادْف ْع بِالَّتِي هِي أحْ س ُن فإِذا الَّذِي بيْنك تعالى { :وال تسْت ِوي ْالحسنةُ وال ال َّ ي ح ِمي ٌم * وما يُلقَّاها إِ َّال الَّذِين صب ُروا وما يُلقَّاها إِ َّال ذُو ح ٍ ّ ظ وبيْنهُ عداوة ٌ كأنَّهُ و ِل ٌّ ع ِظ ٍيم } ،وليتذكر الداعية إلى هللا ما تحمله النبي صلى هللا عليه وسلم في سبيل الدعوة إلى هللا ،وهذه نماذج من صبره عليه الصالة والسالم: في الصحيحين عن ابن مسعود رضي هللا عنه قال(( :بينا النبي صلى هللا عليه وسلم ساجد وحوله ناس من قريش ،جاء عقبة بن أبي معيط بسلى جزور، فقذفه على ظهر النبي صلى هللا عليه وسلم فلم يرفع رأسه ،فجاءت فاطمة عليها السالم فأخذته من ظهره ،ودعت على من صنع)) . في الص حيحين عن عائشة رضدي هللا عنهدا أنهدا قالدت(( :يدا رسدول هللا هدل أتدى عليك يوم كان أشد من يوم أحد؟ فقال صلى هللا عليه وسلم :لقدد لقيدت مدن قومدك ما لقيت ،وكان أشد ما لقيت مدنهم يدوم العقبدة ،إذ عرضدت نفسدي علدى ابدن عبدد ياليل بن عبد كالل :فلم يجبني إلى ما أردت ،فانطلقدت وأندا مهمدوم علدى وجهدي فلم أستفق إال بقرن الثعالب ،فرفعت رأسي فإذا بسحابة قد أظلتندي ،فنظدرت فدإذا فيها جبريل ،فناداني فقال :إن هللا قد سدمع قدول قومدك لدك ومدا ردوا عليدك ،وقدد ي ،ثدم بعث إليك ملك الجبال لتأمره بما شئت فيهم فناداني ملدك الجبدال ،فسدلم علد َّ قال :يا محمد إن هللا قد سمع قول قومك لك ،وأندا ملدك الجبدال ،وقدد بعثندي ربدك إليددك لتددأمرني بددأمرك فمددا شددئت؟ إن شددئت أن أطبددق علدديهم األخشددبين ،فقددال لدده رسول هللا صلى هللا عليه وسلم :بدل أرجدو أن يخدرج هللا مدن أصدالبهم مدن يعبدد هللا تعالى وحده ال يشرك به شيئًا)). روى البخاري عن عروة بدن الزبيدر قدال :قلدت لعبدد هللا بدن عمدرو بدن العداص: أخبرنددي بأشددد شدديءٍ صددنعه المشددركون برسددول هللا صددلى هللا عليدده وسددلم؟ قددال: ((بينا رسول هللا وسلم يصلي بفناء الكعبة؛ إذ أقبل عقبة بن أبدي معديط وهدو مدن الكفار ،فأخذ بمنكب رسول هللا صلى هللا عليه وسلم ،ولوى ثوبه في عنقه ،فخنقه خنقًا شديدًا)).
املنهج املختصر يف الفقه والعقيدة والدعوة
153
وقد علَّم النبي صلى هللا عليه وسلم أصحابه كيف يصبرون في مختلف األمور وضروبها ،وعلمهم الصبر من أجل هذا الدين ،والتضحية في سبيله ،وللصحابة رضي هللا عنهم مواقف كثيرة جدًّا في الصبر على الدعوة إلى هللا ،وإليك نماذج من صبرهم رضي هللا عنهم وأرضاهم: آل ياسر رضي هللا عنهم -عمدار ،وأبدوه ياسدر ،وأمده سدمية – كدان يعدذبهم المشركون بسبب إيمانهم فيصمدون. بالل بن رباح رضي هللا عنه كان يعذب من أجل إيمانه فيصدبر ،فكدان أميدة بن خلف يخرجه إذا حميت الظهيرة فيطرحه على ظهره في بطحاء مكدة ثدم يأمر بالصخرة العظيمة على صدره ثم يقول :ال يزال على ذلك حتى يمدوت أو يكفر بمحمد ،فيقول وهو في ذلك :أحد أحد .وقال ابدن مسدعود عدن بدالل: هانت عليه نفسه في هللا ،وهان على قومه ،فأعطوه الولدان ،فجعلوا يطوفون به في شعاب مكة ،وهو يقول :أحد أحد.
فن الخطابة:
هذا مبحث مهم جدا ً أال وهو فن الخطابة ،والخطابة من أعظم أساليب الدعوة إلى هللا، وال شك أن للخطابة أعظم األثر في الدفاع عن األديان وفي الدعوة إليها ،سواء كانت صحيحة أو باطلة ،فقد اعتمدت األمم والشعوب على الخطابة إلقناع الجماهير وإثارتها وجعلها تتبنى ما يرمي إليه الخطيب من أهداف ،بل كان األنبياء عليهم الصالة والسالم يحرصون على الخطابة لدعوة أقوامهم إلى عبادة هللا وتحذيرهم من الشرك والمنكرات كما قصه هللا علينا كثيرا في كتابه الكريم ال سيما في قصة النبي شعيب عليه الصالة والسالم الذي يسمى خطيب األنبياء. وكان العرب قبل اإلسالم مشهورين بالخطابة ويتنافسون فيها ويتفنون في أساليبها. ولما جاء اإلسالم كان للخطابة في اإلسالم المكانة العظيمة ،ولها الدور الرئيس في نشر اإلسالم وتثبيت المسلمين عليه وتذكيرهم بأحكامه ،وقد كان النبي صلى هللا عليه وسلم يخطب في المشركين ويدعوهم إلى اإلسالم ،وكان يخطب في الوفود القادمة وفي الجيوش الذاهبة. ووسيلة الخطابة من أهم وسائل الدعوة في اإلسالم الرتباطها بصالة الجمعة؛ حيث يحرص المسلمون على سماعها ،فعلى الدعاة أن يعتنوا بالخطابة لعرض اإلسالم وتعليمه للناس ،فالمسلمون اليوم في أمس الحاجة إلى دعاة خطباء بلغاء يعنون بالخطابة عناية فائقة. أخي طالب العلم طالب المعهد الشرعي وفقك هللا وسددك ،بعد دراستك في هذا المعهد واطالعك على ما ال يسع المسلم جهله ،فال شك أنك تدرك حجم المسؤولية عليك في إصالح المجتمع ،وإن أعظم نقطة تستطيع من خاللها أن توصل صوتك إلى األمة هي
أهمية الدعوة وفضلــها
154 HGJHG
د
المنبر ،حيث يجتمع الناس ليسمعوا منك ما تقول ،وكذلك الشأن بعد الصلوات الخمس، وكذلك دورك ال بد أن يكون قويا ً بارزا ً في زيارة المجاهدين من الجيش الحر وغيره من الكتائب في تحريضهم على الجهاد وتعليمهم ،ألجل هذا كله كان لزاما ً عليك كطالب علم أن تتعلم الخطابة ،وإنني في هذه العجالة أضع لك معالم على طريق الخطابة لتستقي منها الدرب فتجد المسير. أخي طالب العلم! شأن الخطابة ليس كما تتصور ،فكل هؤالء الخطباء كانوا في يوم ما مثلك تماما ً يهابون الحديث أمام الناس ،وإني أريد منك بعد هذا المعهد أن تنطلق في بيوت هللا تعلم الناس دينهم ،فذلك فرض عين عليك ،فاستعن باهلل وال تعجز ،وكأني بك تقول :كيف أبدا وأنا جاهز ألن أكون خطيبا ً بإذن هللا؟ أقول :أي أخي وفقك هللا! اعلم أن للخطبة ركنين أساسيين: الركن األول :كتابة الخطبة وإعدادها. الركن الثاني :أسلوب الخطيب في إلقاء الخطبة التي كتبها. وقد اختصرت لك شيئا ً من الطريق لشدة الحاجة إلى الخطباء ،فأعددت لك عشر خطب متنوعة حرصا ً على سرعة قيامك بواجبك في الدعوة إلى هللا ،مع تأكيدي الشديد عليك أن ال تعتمد على هذه العشر الكلمات التي كتبتها ولكن لتكن هذه العشر الكلمات هي مدرج االنطالق ،وقبل الدخول في تفاصيل الركنين السابقين ،أعني كتابة الخطبة وأسلوب إلقائها ،أقول لك ما يبسط لك األمر :أتدري أنك اآلن تستطيع أن تكون خطيباً، نعم غدا ً بإذن هللا تستطيع أن تلقي خطبة ،فقط احفظ واحدة من هذه العشر الكلمات وكررها مائة مرة حفظاً ،ستأخذ من وقتك قرابة الخمس ساعات مثال ،وبعد ضبطها ألقها على نفسك بصوت عال في مكان خال ،ثم صل مع الجماعة في مسجد ولتكن هذه الجماعة قليلة ،وألقها عليهم حفظا ً بعد الصالة قائماً ،وبهذا فأنت خطيب ،ولكن تحتاج أن تطور نفسك. وبعد هذا نشرع في شرح هذين الركنين للخطيب ،كتابة الخطبة ,وأسلوب الخطبة، باختصار غير مخل إن شاء هللا. الركن األول :إعداد الخطبة :اعلم يا طالب العلم أن الخطب تحتاج منك عدة أمور: أولها :معرفة حال الجمهور لتختار لهم الموضوع الذي يستفيدون منه. األمر الثاني :أن تختار على ضوء ذلك بعد معرفة الجمهور عنوان الخطبة الذي تتحدث عنه. األمر الثالث :أن تجمع المادة حول الموضوع الذي تريد أن تتحدث عنه من النت ،أو مما عندك من الكتب المتوفرة ،وعلى الخطيب أن يجتهد في تحضير الخطبة ،ويكثر من اف و ِعي ِد آن م ْن يخ ُ االستشهاد بالقرآن العظيم فله سلطان عظيم على القلوب { فذ ِ ّك ْر ِب ْالقُ ْر ِ } ،ويكثر من االستدالل بالسنة مع تحري الصحة والبعد عن األحاديث الضعيفة والروايات اإلسرائيلية والقصص الخرافية.
املنهج املختصر يف الفقه والعقيدة والدعوة
155
األمر الرابع :بعد أن تجمع المادة تضع عناصر الخطبة التي ستتحدث عنها ،وعلى الخطيب أن يجتهد في تنسيق الخطبة ،فينظم أجزاءها ،ويحكم تركيبها ،ويربط بعضها ببعض ،وينبغي أن تكون الخطبة :منظمة األفكار ،ومسلسلة ،ومترابطة ووافية ،وأن يتجنب االستطراد الذي يخرجه عن الموضوع إلى موضوع آخر فآخر ،وينبغي أن تكون الخطبة قصيرة ما أمكن ،فخير الكالم ما قل ودل. فعلى سبيل المثال :اخترت موضوع الصالة ،ثم جمعت المادة حوله من النت وغير ذلك من الكتب ،وقرأت ما جمعت ،تضع بعد ذلك عناصر الخطبة ،وليكن على سبيل المثال: العنصر األول :أهمية الصالة ،العنصر الثاني :فضلها ،ثم حكم تاركها ،ثم قصص المتهاونين فيها ،ثم كيف تحافظ عليها ،هذه الخمسة العناصر تحددها ثم تبدأ تكتب في كل عنصر منها ،وبعد جمع العناصر تبدأ بصياغة الخطبة وكتابتها مما جمعت. وتحتاج كل خطبة لعدة أمور: األمر األول :المقدمة. األمر الثاني :مدخل الموضوع. األمر الثالث :صلب الموضوع. األمر الرابع :الخالصة ،ثم الخاتمة. وسنتكلم عن كل محور من هذه بإيجاز. المحور األول :المقدمة :وهناك مقدمة نبوية مأثورة عن النبي صلى هللا عليه وسلم وهي المقدمة المشهورة" :إن الحمد هلل نحمده ونستعينه ونستغفره ،ونعوذ باهلل من شرور أنفسنا ،ومن سيئات أعمالنا ،من يهده هللا فال مضل له ،ومن يضلل فال هادي له ،وأشهد أن ال إله إال هللا ،وحده ال شريك له ،وأشهد أن محمدا ً عبده ورسوله{ .يا أيُّها الَّذِين آمنُوا اس اتَّقُوا ربَّ ُك ُم الَّ ِذي خلق ُك ْم ات َّقُوا َّ اّلل ح َّق تُقاتِ ِه وال ت ُموت ُ َّن إِ َّال وأ ْنت ُ ْم ُم ْس ِل ُمون} { ،يا أيُّها النَّ ُ َّ احدةٍ وخلق ِم ْنها ز ْوجها وب َّ اّلل الذِي ث ِم ْن ُهما ِرجاالً كثِيرا ً ونِسا ًء واتَّقُوا َّ ِم ْن ن ْف ٍس و ِ َّ ُ اّلل وقُولوا ق ْوالً اّلل كان عل ْي ُك ْم رقِيباً} .يا أيُّها الذِين آمنُوا اتَّقُوا َّ تساءلُون بِ ِه و ْاأل ْرحام إِ َّن َّ سولهُ فق ْد فاز ف ْوزا ً صلِحْ ل ُك ْم أعْمال ُك ْم وي ْغ ِف ْر ل ُك ْم ذُنُوب ُك ْم وم ْن ي ُِطعِ َّ سدِيدا ً * يُ ْ اّلل ور ُ ع ِظيماً} . أما بعد :فإن خير الحديث كالم هللا ،وخير الهدي هدي محمد ،وشر األمور محدثاتها وكل محدثة بدعة وكل بدعة ضاللة. وإن شئت فضع مقدمة من تعبيرك ما تشاء من صيغ البالغة في الحمدلة والصالة على النبي صلى هللا عليه وسلم ،ومما يستحسن في هذه المقدمة أن تشير إشارة غير مباشرة إلى الموضوع الذي تريد أن تتحدث عنه ،فحينما تريد أن تتحدث عن المطر مثالً فإنك تتحدث عن منزل الغيث فتقول :الحمد هلل منزل الغيث باسط رحمته في األرض وغير ذلك ويسمى هذا النوع البالغي ببراعة االستهالل.
أهمية الدعوة وفضلــها
156 HGJHG
د
األمر الثاني بعد كتابة المقدمة تبدأ في مدخل الموضوع ،كل أمر تريد أن تتحدث عنه ال بد أن تدخل إليه بطريقة بالغية تحبب الناس وتشوقهم لسماع ما عندك ،والمدخل مهم جداً ،بل هو فيما أرى سر نجاح الخطيب ،والمدخل للموضوع له عدة أساليب: منها األسلوب المباشر ،حينما تريد أن تتحدث مثال عن الصالة وتقول :بسم هللا الرحمن الرحيم وبعد المقدمة نتحدث عن الصالة!! هذا األسلوب يفتر الناس ويملهم ولن تجد إقباالً من الناس لسماع خطبتك ،لكن ثمة أساليب أخر تستطيع أن تستفيد منها في خطابتك وكلماتك حتى يُقبل الناس على ما تقول أو تكتب. ً فمن األمثلة المناسبة في هذا الباب :البداءة بصيغة االستفهام ،مثال حينما تريد أن تتحدث عن الصالة تقول :أمر جلل وخطب عظيم حل بنا ،يتقاعس الناس عنه ويتهاونون به وهو من دعائم اإلسالم وأركانه العظام!! أتدرون ما هذا األمر؟! أتعلمون ما هذا الذي قد تقاعس الناس عنه وتهاونوا به؟!!
لهنع الوالىل.
ومن األمثلة المناسبة أيضا :أن تبدأ بقصة مناسبة للموضوع ،فبعد المقدمة فورا ً تبدأ بالقصة ،فمثال تذكر قصة حقيقية عن رجل من عامة الناس كان مفرطا ً في صالته ،.... فالقصة مما يشد انتباه الناس. ً ومن األمثلة المناسبة أيضا :أن تبدأ بالتحذير ،مثال تقول :حلت المصيبة ،أو كارثة ستحل باألمة ،أو أمر من تركه فقد توعده هللا بالويل والعذاب ،ونحو هذه العبارات التحذيرية. ومن األمثلة المناسبة أيضا :أن تبدأ بالتعجب ،كأن تبدأ متعجبا ً من غير أن تذكر لفظ الصالة تشويقا للناس حتى يعرفوا األمر المتعجب منه فتقول :ما للناس ولها؟! ما للناس ولها؟! ما للناس قد ذهبوا عنها وهي سر قوتهم وهي قربهم من ربهم؟! ثم تدخل في الموضوع. ومن األمثلة المناسبة أيضا :أن تذكر الناس بنعم هللا عليهم ثم تذكر أن من هذه النعم التي يغفل عنها كثير من الناس وال يقومون بشكرها كذا وكذا. وبعد مدخل الموضوع تنتقل إلى صلب الموضوع وهو الحديث مثال عن الصالة، فتطرح المحاور التي ذكرناها :أهمية الصالة وفضلها وحكم التارك لها والمتهاون فيها وقصص بعض المتهاونين فيها ،وتكون المحاور بترتيب وتسلسل مع تضمينها آيات وأحاديث ومقوالت وأبيات شعرية مناسبة إن تيسر ذلك. ثم بعد ذلك تذكر الخالصة ،وحتى ال يتشتت الموضوع لدى المستمع تجعل الخالصة في دقيقة مثال ،ثم تبين المطلوب من المستمعين وتختم بالدعاء وسؤال هللا الكريم من فضله، وما أحسن أن يكون الدعاء متضمنا للمطلوب من المستمعين بعد سماعهم الخطبة كأن تخطب عن الصالة ثم تدعو: اللهم اجعلنا من المقيمي الصالة ومن ذرياتنا ربنا إنك سميع الدعاء ،اللهم اجعلنا من الذين يقيمون الصالة ويحافظون عليها في أوقاتها ،اللهم وفقنا لذكرك وشكرك وحسن
املنهج املختصر يف الفقه والعقيدة والدعوة
157
عبادتك ،اللهم إنا نعوذ بك أن تشغلنا أموالنا وأوالدنا عن ذكرك وطاعتك ،اللهم اجعلنا من الصالحين الذي ال تلهيهم تجارة وال بيع عن ذكر هللا وإقام الصالة وإيتاء الزكاة. وهذه عشر كلمات كتبتها ليحفظها المبتدئون ويلقونها في المساجد والمحافل ،اسأل هللا تعالى أن ينفع بها :
التوحيد
أهمية الدعوة وفضلــها
158 HGJHG
د
الحمد هلل حمدا كثيرا طيبا مباركا فيه ،وأشهد أن ال إله إال هللا وحده ال شدريك لده ،وال ندد لده ،وال ولدد لده ،وأشدهد أن محمددا عبدده ورسدوله ،صدلى هللا عليدده وعلى آله وصحبه وسلَّم تسليما كثيرا ،أما بعد: فأيهددا األخددوة المسددلمون أحددب أن أذكددركم بددأعظم أمددر فددي اإلسددالم أال وهددو التوحيددد الددذي هددو حددق هللا علددى العبيددد ،وكددل نبددي بعثدده هللا بالتوحيددد كمددا قددال اجتنِبُدوا َّ س ً الطدا ُ غوت﴾، دوال أ ِن ا ْعبُدد ُوا َّ اّلل و ْ سبحانه ﴿ :ولق ْد بعثْندا فِدي ُكد ِّل أ ُ َّمد ٍة ر ُ وأعظم ما أمر هللا به التوحيد ،وأعظم ما نهى عنده الشدرك ،يقدول هللا سدبحانه: اّلل وال ت ُ ْش ِر ُكوا ِب ِه ش ْيئًا﴾. ﴿ وا ْعبُد ُوا َّ والتوحيد هو إفراد هللا بالعبادة ،وإخالص األعمال له وحده ال شريك له. إن خطر الوقوع في الشرك ليس كالوقوع في بقية المعاصي ،وإن الكبدائر مدع خطورتها وعظدم ُجرمهدا عندد هللا إال أنهدا أخدف مدن أن يقدع اإلنسدان -ال قددر هللا -فددددي عبددددادة قبددددر ،أو دعدددداء ولددددي أو أن يصدددددق السددددحرة والمنجمددددين والمشعوذين ،وهذا ليس تهوينا ً من شدأن بقيدة الكبدائر ،بقددر مدا هدو بيدان لشددة خطورة الشرك وأنه ُموبِق لصاحبه ،فالشـرك أظلدم الظلدم ،وأعظدم اإلثدم ،قدال ش ْدرك ل ُ ظ ْلد ٌم ع ِظدي ٌم﴾ ،وقدال سدبحانهِ ﴿ :إنَّدهُ م ْ هللا تعالىِ ﴿ :إ َّن ال ِ ّ دن يُ ْش ِدر ْك ِب َّ ِ داّلل فقد ْد دار ومدا ِل َّ لظدا ِل ِمين ِم ْ دار﴾ ،وقدال سدبحانه: ح َّرم َّ اّللُ عليْد ِه ْالجنَّدة ومدأْواهُ النَّ ُ دن أ ْنص ٍ دن يشدا ُء وم ْ ﴿إِ َّن هللا ال ي ْغ ِف ُر أ ْن يُ ْشرك بِ ِه وي ْغ ِف ُدر مدا د ُون ذ ِلدك ِلم ْ دن يُ ْش ِدر ْك بِداهللِ فق ْد ض َّل ضال ًال ب ِعيددًا﴾ ،ولقدد حدذر هللا كدل نبدي مدن الشدرك كمدا قدال سدبحانه: وحي إِليْك وإِلى الَّذِين ِم ْن ق ْب ِلك لئِ ْن أ ْشر ْكت لي ْحبط َّن عملُك ولت ُكون َّن ِمن ﴿ولق ْد أ ُ ِ اّلل فا ْعبُ ْد و ُك ْن ِمن ال َّ شا ِك ِرين﴾. ْالخا ِس ِرين * ب ِل َّ أيها اإلخوة الكرام اعلموا أن الشرك نوعان: النددوع األول :شددرك أكبددر ،وهددو عبددادة غيددر هللا معدده بص دـرف أي نددوع مددن العبدددادات لغيدددر هللا ،كددددعاء غيدددر هللا والدددذبح لغيدددر هللا واعتقددداد أن غيدددر هللا داجد ِ َّ ِ عوا ّلل فدال تد ْد ُ يتصدـرف فدي الكددون مدع هللا ،يقددول هللا سدبحانه ﴿ :وأ َّن ْالمسد ِ مع َّ ِ اّلل أحدًا ﴾. والنوع الثاني :شرك أصغر وهو كل وسيلة إلى الشرك األصدغر مثدل الحلدف بغير هللا كالنبي وجاه النبي وقول :وحياتدك والحلدف بالكعبدة واألماندة والدرأس والوجه واألوالد وغير ذلدك ،روى البخداري ومسدلم عدن عبدد هللا بدن عمدر أن النبددي ﷺ قددال« :مددن كددان حالفددا فليحلددف بدداهلل أو ليصددمت» ،وروى أبددو داود
املنهج املختصر يف الفقه والعقيدة والدعوة
159
بسند صدحيح عدن بريددة رضدي هللا عنده قدال :قدال رسدول هللا ﷺ« :مدن حلدف باألمانة فليس منا». ومددددن الشددددـرك األصددددغر :الريدددداء باألعمددددال ،قددددال هللا تعددددالى مخبددددرا عددددن عون َّ اّلل و ُهددو خددا ِد ُ المنددافقين﴿:إِ َّن ْال ُمنددافِ ِقين يُخددا ِد ُ صددالةِ ع ُه ْم وإِذا قددا ُموا إِلددى ال َّ اّلل ِإ َّال ق ِلد ً ديال﴾ ،وروى أحمددد بسددند قددا ُموا ُكسددالى يُددرا ُءون النَّ داس وال ي د ْذ ُك ُرون َّ حسن عن محمود بن لبيدد رضدي هللا عنده أن رسدول هللا ﷺ قدال " :إن أخدوف ما أخاف عليكم الشـرك األصغر " قالوا :ومدا الشدرك األصدغر يدا رسدول هللا؟ داس بأعمدالهم: قال " :الرياء ،يقول هللا عدز وجدل لهدم يدوم القيامدة إذا ُج ِدزي النَّ ُ اذهبوا إلى الذين كنتم تراءون في الدنيا فانظروا هل تجدون عندهم جزاء ". ومن الشرك األصغر :تعليق التمائم والحروز واعتقداد أنهدا سدبب لددفع الدبالء، أمددا مددن اعتقددد أنهددا تنفددع وتددؤثر بددذاتها فهددذا شددرك أكبددر ،روى أبددو داود بسددند صددحيح عددن عبددد هللا بددن مسددعود رض دي هللا عندده قددال :سددمعت رسددول هللا ﷺ يقول« :إن الرقى ،والتمائم ،وال ِت ّولة شرك» ،والتولة شيء من السدحر تصدنعه بعض النساء يتحببن به إلى أزواجهن. أيهددا المسددلمون إن هللا ال يقبددل مددن العمددل إال مددا كددان خالصددا لدده وابتُغددي بدده وجهه ،فاإلخالص هو طريق الخالص ،فلنحرص أيها اإلخوة على اإلخدالص في جميع أقوالنا وأعمالنا ،فدإن هللا يقدول فدي كتابده العظديم ﴿ :فم ْ دن كدان ي ْر ُجدو ِلقاء ر ِبّ ِه ف ْلي ْعم ْل عم ًال صا ِل ًحا وال يُ ْش ِر ْك ِب ِعبدادةِ ر ِبّد ِه أحددًا﴾ ،وروى مسدلم عدن أبي هريرة رضي هللا عنده قدال :قدال رسدول هللا ﷺ« :قدال هللا تبدارك وتعدالى: شركاء عن ال ّ أنا أغنى ال ّ شرك ،من ع ِمدل عمدال أشدرك فيده معدي غيدري تركتُده وشركه». فما أجمل أن تكون أعمالنا خالصةً هلل وحده ،ال نرجو أحدا ً وال نخاف مخلوقاً، بل تبقى القلوب باهلل وحده معلقة ،واألعمال نحوه متو ّجهة ،والصدور بتوحيدده ُمنشرحة.. اللهم ارزقنا اإلخالص في القول والعمل ،ونعوذ بدك اللهدم أن نشدرك بدك شديئا ونحن نعلم ،ونستغفرك لما ال نعلم. ماذا يعني تطبيق الشريعة؟
أهمية الدعوة وفضلــها
161 HGJHG
د
الحمد هلل أحمده على نعمائه ،وأشكره علدى آالئده ،وأشدهد أن ال إلده إال هللا ،لده الملددك فددي أرضدده وسددمائه ،وأشددهد أن محمدددا عبددده ورسددوله ،صددلى هللا عليدده وعلى آله وصحبه ومن اتبع سبيلهم واهتددى بهدديهم ،وسدلم تسدليما كثيدرا ،أمدا بعد: إن هددذه الثددورة المباركددة والجهدداد العظدديم انطلددق مددن المسدداجد ال مددن الفنددادق، وهدفه هو إسقاط النظام الكافر الفاجر وتحكديم شدرع هللا ،فتبًّدا لمدن ال يريددها إسددالمية ،تبًّددا لمددن يريددد أن يتسددلل علددى دمدداء الشددهداء ويتسددلق علددى جثددث األبطددال ليجعلهددا بعددد هددذه التضددحيات مدنيددة ال دينيددة الديمقراطيددة﴿ ،أف ُح ْكددم ْالجا ِه ِليَّ ِة ي ْبغُون وم ْن أ ْحس ُن ِمن َّ ِ اّلل ُح ْك ًما ِلق ْو ٍم يُوقِنُون﴾. لقد جاء اإلسالم ليُخرج الناس من عبادة العباد إلدى عبدادة رب العبداد ،وليسدت الحرية أن يكون اإلنسان عبدا لشيطانه وشهواته وهواه ،بل حقيقة الحريدة هدي التجرد من عبودية كل أحدد إال هللا ،وف ْهد ُم الحريدة بأنهدا الخدروج عدن أمدر هللا؛ دن اتَّخدذ ف ْه ٌم باطل ،وعبودية للدنفس وجعلهدا شدريكا هلل ،قدال تعدالى﴿ :أفرأيْدت م ِ اّللُ علددى ِع ْلد ٍدم وخددتم علددى سد ْدم ِع ِه وق ْلبِد ِه وجعددل علددى بصد ِدر ِه إِلهدهُ هددواهُ وأضددلَّهُ َّ دن ي ْهدِيد ِه ِمد ْ ِغشدداوة ً فمد ْ دن ب ْعد ِد َّ ِ اّلل أفددال تددذ َّك ُرون﴾ .فمددن سد َّدوغ لنفسدده أن يقددول أو يفعل مدا يشداء فقدد أقدر بعبوديتده لهدواه وشديطانه ،وهدذا أضدل النداس كمدا قدال سبحانه ﴿ :فإ ِ ْن لد ْم يسْدت ِجيبُوا لدك فداعْل ْم أنَّمدا يتَّبِعُدون أ ْهدواء ُه ْم وم ْ دن دن أضد ُّل ِم َّم ِ اّلل ال ي ْهدِي ْالق ْوم َّ اتَّبع هواهُ ِبغي ِْر ُهدًى ِمن َّ ِ الظا ِل ِمين﴾. اّلل ِإ َّن َّ والحرية في اإلسالم مقيدة بأن تفعل ما تشاء مما لم يحرمه هللا ،وبهدذا تنضدبط الحيدداة ،ويأخددذ كددل ذي حددق حقدده ،وال يظلددم أحددد أحدددا ،وال يددؤذي أحددد أحدددا، فيأخذ كل إنسان حقه من المبداح وال يضدر غيدره ،فلديس مدن الحريدة أن تضدر غيرك وال تضر حتى نفسك. أيهددا المسددلمون إن المددرجفين يريدددون أن يصددوروا اإلسددالم علددى أندده يسددوق للمجددازر وقطددع الرقدداب ،كددال وهللا بددل جدداءت أحكددام اإلسددالم لضددبط الدددين والدنيا ،فاإلسالم جاء بجلب المصالح للعباد وتكميلهدا ،ودفدع المفاسدد وتقليلهدا، سواء في دينهم ودنياهم ،وما أمرنا الشرع إال بما ينفعنا في دينندا ودنياندا ،ومدا نهانا إال عما يضرنا ،قال هللا تعالى ﴿ :إِ َّن هذا ْالقُ ْرآن ي ْهدِي ِللَّتِي ِهي أ ْقدو ُم﴾ أي ألحسن الخصال فدي كدل شديء ،سدواء لألفدراد واألسدر والمجتمعدات والددول، والحدود التي شرعها هللا لمن ارتكب كبائر الفواحش هي زواجر تدردع النداس عن المحدارم ،وهدي مدانع مدن الجريمدة علدى مسدتوى الفدرد والجماعدة ،ولديس
املنهج املختصر يف الفقه والعقيدة والدعوة
165
المراد مدن إقامتهدا التشدفي وتعدذيب النداس ،وإيقداعهم فدي الحدرج ،إنمدا المدراد منها أن تسود الفضيلة. فالشريعة تأمر بالستر والتوبة إلى هللا ،أما من أظهر الفدواحش أو ظهدر للنداس منه ذلك ،فإنه يجب إقامة الحد عليه إذا وصل األمر إلى الحداكم حتدى ال تشديع الفاحشة في المجتمع. والنهي عن الفاحشة والجريمدة ال يكفدي لحمدل النداس علدى تركهدا ،فدإن النداس مختلفددون فددي ضددبط نفوسددهم عددن الفددواحش ،فمددن الندداس مددن يكرههددا ويبتعددد عنها ،ومن الناس من قد يسعى إليها ،بل ومن الناس من يدعو غيره إليها ،فدال بددد مددن وجددود رادع يضددبط أصددحاب القلددوب المريضددة مددن الوقددوع فددي هددذه الفواحش والجرائم التي تضر الفرد والمجتمع. اإلسددالم هددو ديددن الرحمددة ،ومددا أرسددل هللا تعددالى نبيدده محمدددا ً ﷺ إال رحمددة إن ٍ للعالمين ،وكلما بدادرت األمدة بتطبيدق هديده وتحكديم شدريعته ّ عدزت وارتفعدت على سدائر األمدم .فشدريعته ﷺ كلهدا رحمدة ،ودعوتده رحمدة ،وسديرته رحمدة، وأقوالدده رحمددة ،وأفعالدده رحمددة ،وكددل مددا أمددر بدده وجوب دا ً أو اسددتحبابا ً ففعلدده رحمة ،وكل ما نهى عنه تحريما ً أو تنزيها ً فتركه رحمة. سبحان ربك رب العزة عما يصدفون ،وسدالم علدى المرسدلين ،والحمدد هلل رب العالمين.
أهمية الدعوة وفضلــها
161 HGJHG
د
حكم الديمقراطية الحمد هلل ،والصالة والسالم على رسول هللا ،وعلى آله وصحبه ،أما بعد: فيددا أيهددا األخددوة الكددرام أحددب أن أتكلددم معكددم عددن أمددر مهددم كثددر فيدده الخلددط، والتبس فيه األمر على كثير من الناس ،إنها الديمقراطية ،ما هي حقيقتها؟ ومدا اإلسالم؟ حكمها في ٍ أيهددا األخددوة الكددرام :الديمقراطيددة تعنددي حكددم الشددعب نفسدده بنفسدده ،وهددي بهددذا المعنى تندافي اإلسدالم وتناقضده؛ إذ إن المرجدع فدي الحكدم فدي اإلسدالم هدو هلل تعالى وحدده ،قدال تعدالى( :ومدا ْ اختل ْفدت ُ ْم فِيد ِه ِم ْ اّللِ) ،وقدال دن شد ْيءٍ ف ُح ْك ُمدهُ ِإلدى َّ تعالى( :فال ور ِبّك ال يُؤْ ِمنُون حتَّى يُح ِ ّك ُموك فِيمدا شدجر بيْدن ُه ْم ثُد َّم ال ي ِجدد ُوا فِدي أ ْنفُ ِس ِه ْم حرجا ً ِم َّما قضيْت ويُس ِلّ ُموا ت ْس ِليماً) ،فدالحالل مدا أحلده هللا ،والحدرام مدا حرمه هللا ،والدين ما شرعه هللا. إن المرجع في التشدريع عندد المسدلمين هدو كتداب هللا وسدنة رسدوله ﷺ ،قدال سدولُهُ أ ْمدرا ً أ ْن ي ُكدون ل ُهد ُم تعالى( :وما كان ِل ُمؤْ ِم ٍن وال ُمؤْ ِمند ٍة ِإذا قضدى َّ اّللُ ور ُ ْال ِخيددرة ُ ِمد ْ دن أ ْمد ِدر ِه ْم) ،وقددال تعددالى( :ف دإ ِ ْن تندداز ْعت ُ ْم فِددي ش د ْيءٍ فد ُدردُّوهُ إِلددى َّ ِ اّلل ْددر وأ ْحس ُ سددو ِل ِإ ْن ُك ْنددت ُ ْم تُؤْ ِمنُددون ِب َّ ِ ددن تددأ ْ ِويالً)، الر ُ و َّ ددر ذ ِلددك خي ٌ دداّلل و ْالي ْددو ِم ْاآل ِخ ِ والمرجع في الديمقراطية إنما هدو للشدعب ولألغلبيدة ،فمدا قررتده األغلبيدة هدو الحق ولو كان باطال مخالفا لكتاب هللا وسنة رسول هللا!! ْ أيهددا المسددلمون ال يشددك مسددلم أن الحكددم هلل ال لألغلبيددةِ ﴿ :إ ِن ال ُح ْك د ُم ِإ َّال ِ َّ ِ ّلل ﴾، فالتشريع والتحليل والتحريم حق خالص هلل ،ومدن صدرف هدذا الحدق لغيدر هللا فقد أشرك مع هللا غيره ،فإن العبادة هلل وحده والحكم له وحده ،وهللا ال يرضدى أن يشددرك معدده أحددد فددي عبادتدده قددال هللا تعددالى ﴿ :فمد ْ دن كددان ي ْر ُجددو ِلقدداء ر ِبّ د ِه ف ْلي ْعم ْل عم ًال صا ِل ًحا وال يُ ْش ِر ْك بِ ِعبدادةِ ر ِبّد ِه أحددًا ﴾ وكدذا ال يرضدى أن يشدرك معه أحدا ً في حكمه ،كما قال سبحانه﴿:وال يُ ْش ِركُ فِي ُح ْك ِم ِه أحدًا ﴾. أيهددا األخددوة المصددلون اعلمددوا بددارك هللا فدديكم أن خالصددة الدددين اإلسددالمي شيئان: أن يكون الحكم هلل وحده وأن تكون العبادة هلل وحده قال هللا تعدالىِ ﴿ :إ ِن ْال ُح ْكد ُم إِ َّال ِ َّّللِ أمر أ َّال ت ْعبُد ُوا إِ َّال إِيَّاهُ ذ ِلك الدّ ُ اس ال ي ْعل ُمون ﴾. ِين ْالق ِيّ ُم ول ِك َّن أ ْكثر النَّ ِ واعلموا أيها المسلمون أنه قد أجمع العلماء على كفدر مدن شدر َّ ع للنداس شدرعا لددم يددأذن بدده هللا ،وأعددرض عددن شددرع هللا ولددم يحكددم بدده كمددا أمددر هللا ،قددال هللا اّللُ ول ْدوال ك ِلمدةُ سبحانه ﴿ :أ ْم ل ُه ْم ُ ِين مدا لد ْم يدأْذ ْن ِبد ِه َّ شركا ُء شر ُ عوا ل ُه ْم ِمن الددّ ِ
املنهج املختصر يف الفقه والعقيدة والدعوة
163
ضي بيْن ُه ْم و ِإ َّن َّ اب أ ِلدي ٌم ﴾ ،وقدال سدبحانه ﴿ :وم ْ دن لد ْم الظا ِل ِمين ل ُه ْم عذ ٌ ْالف ْ ص ِل لقُ ِ اّللُ فأُولئِك ُه ُم ْالكافِ ُرون﴾. ي ْح ُك ْم بِما أ ْنزل َّ ض لحكد ِدم هللاِ، النداس أيهدا المسدلمون :ال يجدوز أن يُقددَّ ُم حكد ُم واختيدار ُه ُم ال ُمنداقِ ُ ُ ِ دق؛ فقدد نشدئوا بدين ولو كان حك ُم الشعو ِ ب ُمقدَّ ًما لكان األنبيا ُء خارجين عن الح ّ ِ دور ُه ْم عليد ِه ،قدال تعدالى ﴿ :يدا أقوام أجمعت أغلبيتهم على الباط ِل ,أو كان ُج ْم ُه ُ ٍ ْ ْ َّ سو ٍل ِإال كانُوا بِ ِه يسْت ْه ِزئُون﴾ ،وقال سدبحانه حسْرة ً على ال ِعبا ِد ما يأتِي ِه ْم ِم ْن ر ُ ُضلُّوك ع ْ اّللِ إِ ْن يتَّبِعُدون إِ َّال دن سدبِي ِل َّ وتعالى﴿ :وإِ ْن ت ُ ِط ْع أ ْكثر م ْن فِي ْاأل ْر ِ ضي ِ َّ صدون ﴾ ،وعدن عبدد هللا بدن عبداس رضدي هللا عنده قدال: الظ َّن و ِإ ْن ُه ْم ِإ َّال ي ْخ ُر ُ عرضدت علدي األمدم فرأيدت النبدي ومعده الدرهط ،والنبدي قال رسول هللا ﷺُ « : ومعه الرجل والرجالن ،والنبي وليس معه أحد » متفق عليه. أيهدددا المسدددلمون ال شدددك أن الدددنظم الديمقراطيدددة تُلغدددي سددديادة الخدددالق سدددبحانه وتعالى ،وحقه في التشريع المطلق ،وتُجعل من حقدوق المخلدوقين ،وهللا تعدالى يقولِ ﴿ :إ ِن ْال ُح ْك ُم ِإ َّال ِ َّّللِ﴾. وقد يقول قائل :ما الفرق بين الشورى والديمقراطية؟! فنقول :الشورى في اإلسالم تختلف عن الديمقراطية الغربية في أمور منها: – 9أن الشدددورى إنمدددا تكدددون فدددي االجتهاديدددات وفيمدددا ال ندددص فيددده ،بينمدددا الديمقراطيددة تجعددل للشددعب أن يقددرر مخالفددة أحكددام الش دـريعة ومددا وردت بدده النصوص ما دام ذلك رأي األغلبية! – 2أن الشورى في الشريعة اإلسالمية تكون بين المسلمين ممدن لهدم صدفات معينة على حسب الموضوع المتشاور فيه ،وال يُشاور كل أحد ولو كان كدافرا ً أو جدداهال بمددا يتشدداور فيدده ،قددال سددبحانه﴿ :والَّددذِين اسْددتجابُوا ِلددر ِبّ ِه ْم وأقددا ُموا صالة وأ ْم ُر ُه ْم ُ شورى بيْن ُه ْم﴾ ،بينمدا فدي الديمقراطيدة الحكدم للشدعب كلده ولدو ال َّ كدان مدنهم المسدلم و الكدافر أو العدالم والجاهدل أو التقدي و الفداجر ،وهللا يقددول: ﴿قُ ْل ه ْل يسْت ِوي الَّذِين ي ْعل ُمون والَّذِين ال ي ْعل ُمون ﴾ ،ويقدول﴿ :أفن ْجعد ُل ْال ُمسْد ِل ِمين ك ْال ُم ْج ِر ِمين * ما ل ُك ْم كيْف ت ْح ُك ُمدون﴾ ،ويقدول ﴿ :أ ْم ن ْجعد ُل الَّدذِين آمنُدوا وع ِملُدوا ض أ ْم ن ْجع ُل ْال ُمت َّ ِقين ك ْالفُ َّجا ِر﴾. صا ِلحا ِ ال َّ ت ك ْال ُم ْف ِسدِين فِي ْاأل ْر ِ أيها المسلمون إن الفالح في السعي إلى تحكيم شرع هللا وحدده ،يقدول سدبحانه: احددذ ْر ُه ْم أ ْن ي ْفتِنُددوك عد ْ دن اح ُك د ْم ب ْيددن ُه ْم ِبمددا أ ْنددزل َّ اّللُ وال تت َّ ِبد ْدع أ ْهددواء ُه ْم و ْ ﴿وأ ِن ْ ض اّللُ إِل ْيددك ف دإ ِ ْن تولَّد ْدوا فدداعْل ْم أنَّمددا ي ُِري دد ُ َّ دض مددا أ ْنددزل َّ ُصدديب ُه ْم بِددب ْع ِ ب ْعد ِ اّللُ أ ْن ي ِ
أهمية الدعوة وفضلــها
164 HGJHG
د
اس لفا ِسقُون * أف ُح ْكم ْالجا ِه ِليَّ ِة ي ْبغُون وم ْن أ ْحس ُ دن ِمدن ذُنُوبِ ِه ْم و ِإ َّن كثِ ً يرا ِمن النَّ ِ اّللِ ُح ْك ًما ِلق ْو ٍم يُوقِنُون﴾. َّ وصلى هللا وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
املنهج املختصر يف الفقه والعقيدة والدعوة
165
الصالة الحمد هلل الذي أنزل على عبده الكتاب ولم يجعل له عوجا ،وأشهد أن ال إله إال هللا وحده ال شريك له ،له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير ،وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله ،أرسله هللا بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله ،صلى هللا عليه وعلى آله وصحابته ومن اتبعهم بإحسان إلى يوم الدين. حياكم هللا أيها اإلخوة المصلون ،هذه كلمة مختصرة عن عمود هذا الدين ،عن سبب عظيم من أسباب النصر والتمكين ،الصالة التي هي ركن من أركان اإلسالم ،فمن حفظها فقد حفظ دينه ،ومن أضاعها فهو لما سواها أضيع ،وهي أول ما يُسأل عنه العبد يوم القيامة من عمله ،فإن صلحت صلح سائر عمله ،وإن فسدت فسد سائر عمله. كم في األمة اإلسالمية ممن شاب حمل من اإلسالم اسمه ورسمه لكنه لم يدخل في قلبه ولبّه ،إن لُبّ اإلسالم وعموده الصالة ،وبها يفرق بين الكافر والمسلم ،روى الترمذي بسند صحيح عن بريدة رضي هللا عنه قال :قال رسول هللا ﷺ« :العهد الذي بيننا وبينهم الصالة ،فمن تركها فقد كفر». أيها المسلمون :إن الصالة صلة بين العبد وبين ربه ،وقد أمرنا هللا بالمحافظة عليها فقال: ﴿حافِ ُ صالةِ ْال ُوسْطى وقُو ُموا ِ َّّللِ قانِتِين﴾ ،ووصف هللا المؤمنين صلوا ِ ت وال َّ ظوا على ال َّ بقوله ﴿ :والَّذِين ُه ْم على صالتِ ِه ْم يُحافِ ُ ظون﴾ ،وقد توعّد هللا من يتهاون بالصالة فقال﴿ : فو ْي ٌل ِل ْل ُمص ِلّين * الَّذِين ُه ْم ع ْن صالتِ ِه ْم سا ُهون ﴾. هللا يريد منا أن نحافظ على الصلوات الخمس ،ال أن نصلي أحيانا ونترك أحيانا ،هللا يريد منا أن نهتم بالصالة فنقيمها بأركانها وشروطها وواجباتها ،ونحرص على أدائها في صالة كان ْ ت على ْال ُمؤْ ِمنِين ِكتابًا م ْوقُوتًا﴾. أوقاتها ،قال سبحانه ﴿ :إِ َّن ال َّ أيها األخوة الكرام إن التهاون بالصالة من صفات المنافقين كما قال تعالى ﴿ :إِ َّن صالةِ قا ُموا ُكسالى يُرا ُءون النَّاس عون َّ اّلل و ُهو خا ِد ُ ْال ُمنافِ ِقين يُخا ِد ُ ع ُه ْم و ِإذا قا ُموا ِإلى ال َّ اّلل إِ َّال ق ِل ً يال ﴾. وال ي ْذ ُك ُرون َّ وروى البخاري ومسلم عن أبي هريرة رضي هللا عنه قال :قال رسول هللا صلى هللا عليه وآله وسلم« :إن أثقل الصالة على المنافقين صالة العشاء ،وصالة الفجر ،ولو يعلمون ما فيهما ألتوهما ولو حبوا - ،أي لو يعلم المنافقين ما فيهما من األجر والبركة ألتوا الصالة في المساجد ولو حبوا ، -قال ﷺ« :ولقد هممت أن آمر بالصالة ،فتقام ،ثم آمر رجال فيصلي بالناس ،ثم أنطلق معي برجال معهم حزم من حطب إلى قوم ال يشهدون الصالة ،فأحرق عليهم بيوتهم بالنار». وروى ابن ماجه وصححه األلباني عن ابن عباس رضي هللا عنهما عن النبي ﷺ قال: «من سمع النداء فلم يأته ،فال صالة له ،إال من عذر» ،وروى الحاكم وصححه األلباني
أهمية الدعوة وفضلــها
166 HGJHG
د
عن أبي موسى األشعري رضي هللا عنه قال :قال رسول هللا ﷺ« :من سمع النداء فارغا صحيحا فلم يجب فال صالة له». وروى مسلم عن أبي هريرة رضي هللا عنه قال :أتى النبي ﷺ رجل أعمى ،فقال :يا رسول هللا ،إنه ليس لي قائد يقودني إلى المسجد ،فسأل رسول هللا ﷺ أن يرخص له، فيصلي في بيته ،فرخص له ،فلما ولى ،دعاه ،فقال« :هل تسمع النداء بالصالة؟» قال: نعم ،قال« :فأجب» ،فانظروا رحمكم هللا هذا الرجل أعمى وهو معذور وقد رخص له النبي ﷺ في الصالة في بيته لكن أمره بعد ذلك بالصالة مع الجماعة حتى ال يفوته أجرها العظيم ،فأمره نبي الرحمة بالعزيمة حتى ال يخسر فضيلة الجماعة؛ فإن الصالة في الجماعة أفضل من صالة المنفرد بخمس وعشرين ضعفا وفي رواية :بسبع وعشرين ضعفا ،فلنحرص على الصالة في بيوت هللا. سره أن يلقى روى مسلم في صحيحه عن عبد هللا بن مسعود رضي هللا عنه قال« :من َّ هللا غدا مسلما ،فليحافظ على هؤالء الصلوات حيث ينادى بهن ،فإن هللا شرع لنبيكم ﷺ سنن الهدى ،وإنهن من سنن الهدى ،ولو أنكم صليتم في بيوتكم كما يصلي هذا المتخلف في بيته ،لتركتم سنة نبيكم ،ولو تركتم سنة نبيكم لضللتم ،وما من رجل يتطهر فيحسن الطهور ،ثم يعمد إلى مسجد من هذه المساجد ،إال كتب هللا له بكل خطوة يخطوها حسنة، ويرفعه بها درجة ،ويحط عنه بها سيئة ،ولقد رأيتُنا وما يتخلف عنها إال منافق معلوم النفاق ،ولقد كان الرجل يؤتى به يُهادى بين الرجلين حتى يقام في الصف». أيها المسلمون اعلموا رحمكم هللا أنه يجب على المسلم أن يقيم الصالة ويأمر غيره بإقامة صطبِ ْر صالةِ وا ْ الصالة ،كل منا يأمر من يقدر على أمره ،قال هللا تعالى ﴿ :وأْ ُم ْر أ ْهلك بِال َّ عليْها ﴾ ،وروى أبو داود عن عبد هللا بن عمرو بن العاص رضي هللا عنهما قال :قال رسول هللا ﷺ« :مروا أوالدكم بالصالة وهم أبناء سبع سنين ،واضربوهم عليها وهم أبناء عشر». فما أجمل أن تكون البيوت عامرة ً بذكر هللا وأهلها مداومون على الصالة ،ما أجمل أن يعتاد األبناء على الصالة وعلى طاعة هللا منذ نعومة أظفارهم.. إن من أراد أن يتذوق طعم السعادة الحقيقية فليتذوق لذة الخشوع في الصالة ،ولذة المناجاة بين يدي هللا ،إنها لتمحو األعضاء من آثامها ،وتغسل القلوب من همومها وأسقامها ،وتزكي النفوس وتنهاها عن آثامها( :إن الصالة تنهى عن الفحشاء والمنكر).. ولذا ما اتبع أحد األهواء وال انقاد عبد للشهوات إال بقدر إضاعته للصلوات؛ كما قال العليم الخبير سبحانه( :فخلف من بعدهم خلف أضاعوا الصالة واتبعوا الشهوات.).. اللهم وفقنا إلقامة الصالة ومن ذرياتنا ربنا إنك سميع الدعاء ،اللهم أعنا على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك ،اللهم أعز اإلسالم والمسلمين ،اللهم وحد كلمتهم وقيادتهم ،اللهم هيئ لهذه األمة أمر رش ٍد يُعز فيه أهل طاعتك ،ويُذل فيه أهل معصيتك ،اللهم ول علينا
املنهج املختصر يف الفقه والعقيدة والدعوة
167
خيارنا وال تول علينا شرارنا ،اللهم ول علينا الذين إن مكنتهم في األرض أقاموا الصالة وآتوا الزكاة وأمروا بالمعروف ونهوا عن المنكر. هذا وصلوا وسلموا على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين ،والحمد هلل رب العالمين.
أهمية الدعوة وفضلــها
168 HGJHG
د
بر الوالدين الحمددد هلل الددذي أمرنددا ببد ِ ّدر الوالدددين ونهانددا عددن عقوقهمددا ،وقددرن حقهمددا بحقدده سبحانه ،والصالة والسالم على نبي الرحمة الذي أوصى بالوالدين ،وعلى آلده وأصحابه الكرام البررة ،أما بعد: ي العمدل أحدبّ ي ﷺ :أ ّ وفي الصحيحين عن عبد هللا بن مسعود قال :سألت النّبد ّ إلددى هللا ّ بددر ي؟ قددالّ « : عددز وجدد ّل؟ قددال« :ال ّ صددالة علددى وقتهددا» .قددال :ثدد ّم أ ّ ي؟ قددال« :الجهدداد فددي سددبيل هللا» ،فجعددل النبددي ﷺ بددر الوالدددين» .قددال :ث د ّم أ ّ الوالدين أفضل من الجهاد في سبيل هللا!! خير عاجل فدي الددنيا وآجد ٍل فدي اآلخدرة ،وقدد أمرندا هللا بر الوالدين سبب لكل ٍ اّلل وال ت ُ ْشد ِدر ُكوا ِب د ِه ش ديْئا ً ببرهمددا فددي آيددات كثيددرة فددي كتابدده فقددال﴿ :وا ْعبُ دد ُوا َّ وبِ ْالوا ِلدددي ِْن ِإ ْحسدداناً﴾ أي أحسددنوا إليهمددا بكددل مددا تسددتطيعونه مددن القددول اللددين واألفعال الحسنة التي تدخل السرور إلى قلبيهما. ْ ُ وقال سدبحانه﴿ :وقضدى ربُّدك أ َّال ت ْعبُدد ُوا ِإ َّال ِإيَّداهُ و ِبالوا ِلددي ِْن ِإ ْحسدانا ً ِإ َّمدا يد ْبلغ َّن ف وال ت ْنه ْر ُهمدا وقُ ْ ِع ْندك ْال ِكبر أحد ُ ُهما أ ْو ِكال ُهمدا فدال تقُ ْ دل ل ُهمدا ق ْدو ًال دل ل ُهمدا أ ُ ّ ٍ ك ِريما ً * و ْ الر ْحمد ِة وقُ ْ ارح ْم ُهمدا كمدا ربَّيدا ِني اخ ِف ْ دل ربّ ِ ْ ض ل ُهما جناح الذُّ ِّل ِمن َّ ص ِغيرا ً ﴾. وفدي الصددحيحين أيضددا عدن أبددي هريددرة رضدي هللا عندده قددال :جداء رجددل إلددى رسددول هللا ﷺ فقددال :يددا رسددول هللا ،مددن أحددق الندداس بحسددن صددحابتي؟ قددال: «أمك» قال :ثم من؟ قال« :ثم أمدك» قدال :ثدم مدن؟ قدال« :ثدم أمدك» قدال :ثدم من؟ قال« :ثم أبوك». إن رضددا هللا فددي رضددا الوالدددين وسددخطه فددي سددخطهما ،فدداهلل هللا فددي برهمددا واإلحسان إليهما ،وليس البر ترك العقوق فقدط ،بدل البدر أعلدى مدن ذلدك ،البدر أن تحسددن إليهمددا بكددل مددا تسددتطيعه ،وأن تصدداحبهما معروفددا ولددو كددان فيهمددا قسوة عليدك ،بدل ولدو كاندا ظدالمين لدك ،بدل ولدو كاندا كدافرين بداهلل ،فحقهمدا ال اإل ْنسددان يسددقط علددى أوالدهمددا بحددال أبدددا ،قددال هللا سددبحانه وتعددالى ﴿:وو َّ صديْنا ْ ِ بِوا ِلد ْي ِه حملتْهُ أ ُ ُّمهُ و ْهنًا على و ْه ٍن وفِصدالُهُ فِدي عدامي ِْن أ ِن ا ْشد ُك ْر ِلدي و ِلوا ِلدديْك ير * وإِ ْن جاهداك على أ ْن ت ُ ْش ِرك بِي ما ليْس لك بِ ِه ِع ْل ٌم فال ت ُ ِط ْع ُهمدا ص ُ ي ْالم ِ إِل َّ اح ْب ُهما فِي الدُّ ْنيا م ْع ُروفًا﴾ فلم يجعدل هللا شدركهما بده عدذرا ً ومبدررا ً لشديء وص ِ من العقوق أو سوء المعاملة!
املنهج املختصر يف الفقه والعقيدة والدعوة
169
أيها المسلم أسدرع فدي تلبيدة نددائهما ،وافدرح إن أمدراك بدأمر مبداح ،واحدرص على مسداعدتهما فدي أعمالهمدا ،وإن أمدراك بدأمر محدرم فتلطدف فدي االعتدذار لهمددا ،وإيدداك أن تُحزنهمددا أو تزعجهمددا بددأي حددال مددن األحددوال ،وأصددلح ذات بينهما ،وعلمهمدا مدا يجهالنده مدن أمدور الددين ،وأمرهمدا بدالمعروف ،وانههمدا عددن المنكددر بمنتهددى اللطددف واإلشددفاق والرفددق ،واصددبر عليهمددا إذا لددم يقددبال، واحرص على الجلوس معهما وإيناسدهما بالحدديث المبداح الدذي يستأنسدان بده، واحددرص علددى مشدداورتهما فددي أمددورك وحدددثهما عددن أحوالددك وأخبددارك ولددو بالهاتف إن كنت بعيدا عنهما. والحذر كل الحذر التقصير في حقهما ،بدل الحدذر ِمدن نهرهمدا ورفدع الصدوت عليهما ،واحذر من مقاطعتهما أو منازعتهما الحديث ،واحذر من العبوس عندد لقائهما ،بل تودد لهما وتحبب إليهما وابتسم فدي كالمدك معهمدا ،وتواضدع لهمدا واجلس بين أيديهما بأدب واحترام. واحرص كل الحرص على كثرة الدعاء واالستغفار لهما فدي حياتهمدا ،وكدذلك بعد موتهما ،فأعظم هدية تقدمها لهما بعد موتهما أن تدعو لهمدا وتسدتغفر لهمدا يرا﴾ ،وقدل﴿ : وتتصدق عنهما ولو بالقليل﴿ ،وقُ ْل ربّ ِ ْ ارح ْم ُهما كما ربَّيا ِني ص ِغ ً ي وأ ْن أعْمددل ي وعلددى وا ِلددد َّ ربّ ِ أ ْو ِز ْعنِددي أ ْن أ ْشدد ُكر نِ ْعمتددك الَّتِددي أ ْنع ْمددت علدد َّ صا ِل ِحين﴾. صا ِل ًحا ت ْرضاهُ وأد ِْخ ْلنِي بِر ْحمتِك فِي ِعبادِك ال َّ اللهم وفقنا جميعا لل ِبر بوالدينا واإلحسان إليهما في حياتهما وبعد موتهما ،اللهم اغفر آلبائنا وأمهاتنا وارحمهم برحمتك يا أرحم الراحمين.
أهمية الدعوة وفضلــها
171 HGJHG
د
استنفار الهمم للجهاد في سبيل هللا الحمد هلل الذي شرع الجهاد لتكون كلمة هللا هي العليا ،وفضَّل المجاهدين علدى القاعدددين أجددرا عظيمددا ،وأشددهد أن ال إلدده إال هللا العزيددز الجبددار ،وأشددهد أن محمدًا عبد ُه ورسدوله ،بلَّدغ الرسدالة ،وأدى األماندة ،ونصدح األمدة ،وجاهدد فدي َّ هللا َّ وعدزروه حق جهاده ،صلى هللا عليه ،وعلى آله ،وأصحابه ،الذين آمنوا به ونصروه ،واتبعوا النور الذي أُنزل معده ،والدذين هداجروا وجاهددوا فدي سدبيل هللا بددأموالهم وأنفسددهم؛ أقدددموا حددين أحجددم الندداس ،وآمنددوا حددين كفددر الندداس، وأنفقوا حين بخل الناس ،فأقام هللا بهم المعوج ،ورفع بهم لواء الحق ،وبعد: أيها اإلخدوة المؤمندون ،يقدول هللا تعدالى آمدرا لندا ﴿ :يدا أيُّهدا الَّدذِين آمنُدوا ُكونُدوا أ ْنصدار َّ ِ صد ْدر ُك ْم ص ُدروا َّ اّلل ي ْن ُ اّلل ﴾ ،ويقدول سدبحانه ﴿ :يدا أيُّهدا الَّدذِين آمنُدوا ِإ ْن ت ْن ُ ويُث ِبّ ْ ت أ ْقدام ُك ْم﴾ فيا من يريد أن ينصره هللا وأن يثبته على دينه كن مدن أنصدار هللا ،كن من أنصار الدين وحماة العقيدة ،كن من المجاهدين في سبيل هللا. إن الجهاد فريضة على هذه األمة كمدا هدو فريضدة علدى مدن قبلهدا مدن األمدم، يقول سبحانهُ ﴿:كتِب عل ْي ُك ُم ْال ِقتا ُل و ُهدو ُك ْدرهٌ ل ُكد ْم وعسدى أ ْن ت ْكر ُهدوا شد ْيئًا و ُهدو اّللُ ي ْعل ُم وأ ْنت ُ ْم ال ت ْعل ُمون﴾. خي ٌْر ل ُك ْم وعسى أ ْن ت ُ ِحبُّوا ش ْيئًا و ُهو ش ٌّر ل ُك ْم و َّ بددل اسددمعوا أيهددا اإلخددوة إلددى قددول هللا فددي المنددافقين المثبّطددين والمعد ّدوقين عددن دل لد ْ الجهدداد فددي غددزوة األحددزاب [الخندددق] ﴿ :قُد ْ ار إِ ْن فددر ْرت ُ ْم ِمددن دن يد ْنفع ُك ُم ْال ِفددر ُ ت أ ِو ْالقتْ ِل و ِإذًا ال تُمتَّعُون ِإ َّال ق ِل ً صد ُم ُك ْم ِمدن َّ ِ اّلل ِإ ْن ْالم ْو ِ يال * قُ ْل م ْن ذا الَّذِي ي ْع ِ ُون َّ ِ ديرا أراد بِ ُك ْم ُ ص ً اّلل و ِليًّا وال ن ِ سو ًءا أ ْو أراد بِ ُك ْم ر ْحمةً وال ي ِجد ُون ل ُه ْم ِم ْن د ِ ﴾...اآليات. وال ينبغددي أن يكددون أوليدداء الشدديطان أكثددر ُجددرأة ً وإقددداما ً مددن أوليدداء الددرحمن: اّللِ والَّدذِين كف ُدرواْ يُقداتِلُون فِدي سدبِي ِل َّ الطدا ُ ت غو ِ ﴿الَّذِين آمنُواْ يُقاتِلُون فِدي سدبِي ِل ّ ان ِإ َّن كيْد ال َّ فقاتِلُواْ أولياء ال َّ ان كدان ضد ِعيفاً﴾ ،وعدن جدا ِبر بْدن عبْد ِد هللاِ شيْط ِ شيْط ِ ي ﷺ يقُولُ« :ال تزا ُل طائِفةٌ ِم ْ دن أ ُ َّمتِدي يُقداتِلُون رضي هللا عنه قال :س ِم ْعتُ النَّ ِب َّ ق ظا ِه ِرين ِإلى ي ْو ِم ْال ِقيام ِة» رواه مسلم على ْالح ّ ِ أيها المسلمون اعلمدوا أن الجهداد خيدر لندا فدي الددنيا واآلخدرة ،قدال هللا تعدالى: صون ِبنا ِإالَّ ِإ ْحدى ْال ُحسْنيي ِْن﴾ ،إما النصر والعيش بكرامدة وعدزة، ﴿قُ ْل ه ْل تربَّ ُ وإمدددا الشدددهادة والجندددة ،فالجهددداد فدددي سدددبيل هللا هدددو التجدددارة الرابحدددة مدددع هللا فأبشروا ﴿ :يا أيُّها الَّذِين آمنُوا ه ْل أد ُلُّ ُكد ْم علدى تِجدارةٍ ت ُ ْن ِجدي ُك ْم ِم ْ ديم * دن عدذا ٍ ب أ ِل ٍ
املنهج املختصر يف الفقه والعقيدة والدعوة
175
سو ِل ِه وتُجا ِهد ُون فِي سبِي ِل َّ ِ تُؤْ ِمنُون بِ َّ ِ ْدر ل ُكد ْم اّلل ور ُ اّلل بِأ ْموا ِل ُك ْم وأ ْنفُ ِس ُك ْم ذ ِل ُكد ْم خي ٌ إِ ْن ُك ْنت ُ ْم ت ْعل ُمون .﴾ ... وما أكثر اآليات الكريمات في كتاب هللا والتي تحث على الجهداد ،ومدا كثرتهدا إال داللدددة واضدددحة علدددى فضدددل هدددذه الشدددعيرة العظيمدددة فدددي ديدددن هللا ،وهدددذه األحاديث الصحاح في الترغيب في الجهداد وبيدان فضدائله ومناقدب أهلده ،عدن سيد المجاهدين ﷺ: فع د ْ اّللِ ﷺ ،فقددال: سددو ِل َّ دن أبِددي ُهر ْيددرة رضددي هللا عندده قددال :جدداء ر ُجد ٌل إِلددى ر ُ الجهاد؟ قدال« :ال أ ِجددُهُ ،ه ْ دل تسْدت ِطي ُع ِإذا خدرج ال ُمجا ِهدد ُ د ُلَّنِي على عم ٍل ي ْع ِد ُل ِ صوم وال ت ُ ْف ِطر؟! » رواه البخاري أ ْن ت ْد ُخل مس ِْجدك فتقُوم وال ت ْفتُر ،وت ُ وعن معاذ بن جبل رضي هللا عنه قال :كنا مع رسول هللا ﷺ فدي غدزوة تبدوك س ْاأل ْمد ِدر: فقددال لددي « :أال أد ُلُّددك علددى رأْ ِس ْاأل ْمد ِدر وع ُمددو ِد ِه وذ ُ ْروةِ سددن ِ ام ِه؟ رأْ ُ ام ِهْ :ال ِجهددداد ُ فِدددي سددد ِبي ِل هللاِ » رواه صدددالةُ ،وذ ُ ْروة ُ سدددن ِ اإل ْسدددال ُم ،وع ُمدددودُهُ :ال َّ ِْ الترمذي وصححه األلباني ي ﷺ قدال« :مدن مدات ولدم ُ يغدز ،ولدم وع ْن أبِي ُهريْرة رضي هللا عنه أ َّن النَّبِد َّ يُحدّ ْ ِث به ن ْفسهُ ،مات على ُ ش ْعبة من النفاق» رواه مسلم اّلل ﷺ قددالِ « :ربددا ُ وعد ْ ط يد ْدو ٍم فِددي سدبِي ِل َّ ِ سددول َّ ِ اّلل دن سد ْه ِل رضددي هللا عندده أ َّن ر ُ الر ْوحةُ ي ُرو ُحها ْالعبْدد ُ ِفدي سد ِبي ِل َّ ِ ْدر خي ٌْر ِم ْن الدُّ ْنيا وما عليْها ,و َّ اّلل و ْالغددْوة ُ خي ٌ ِم ْن الدُّ ْنيا وما فِيها» متفق عليه ي ﷺ قال« :ما ِم ْن أ ْهد ِل ْالجنَّد ِة أحدد ٌ وع ْن أن ِس ب ِْن مالِكٍ رضي هللا عنه أ َّن النَّ ِب َّ س ُّرهُ أ ْن ي ْر ِجع إِلى الدُّ ْنيا ولهُ عشرة ُ أ ْمثا ِلها إِ َّال ال َّ ش ِهيد ،فإِنَّهُ ودَّ ل ْو أنَّدهُ ُردَّ إِلدى ي ُ الدُّ ْنيا فقُ ِتل ش ِهيدًا ع ْشر م َّرا ٍ دن ْال ِم ْقدد ِام ت ِلما يرى ِمن ْالف ْ ض ِل» متفق عليه .وع ِ ي ِ قال :قال ﷺِ « :إ َّن ِلل َّ ش ِهي ِد ِع ْندد هللاِ ع َّدز وجد َّل أ ْن يُ ْغفدر ب ِْن م ْعدِي ك ِرب ْال ِك ْن ِد ّ دان ،ويُجدار لهُ فِي أ َّو ِل د ْفع ٍة ِم ْن د ِم ِه ،ويرى م ْقعدهُ ِمن ْالجنَّ ِة ،ويُحلَّى ُحلَّة ْ ِ اإليم ِ دار ِم ْن عذا ِ ب ْالقب ِْدر ،ويدأْمن ِمدن ْالفدزعِ ْاأل ْكب ِدر ،ويُوضدع علدى رأْ ِسد ِه تدا ُج ْالوق ِ دور ْالياقُوتةُ ِم ْنهُ خي ٌْر ِمن الدُّ ْنيا وما ِفيها ،ويُز َّوج اثْنتي ِْن وس ْب ِعين ز ْوجدةً ِمدن ْال ُح ِ اربِ ِه » رواه أحمد وصححه األلباني ين ،ويُشفَّع فِي س ْب ِعين ِإ ْنسانًا ِم ْن أق ِ ْال ِع ِ فيا أيها المسلمون لنكن جميعا من المجاهدين فدي سدبيل هللا ،يقدول هللا سدبحانه: ﴿ يا أيُّها الَّذِين آمنُوا ما ل ُك ْم ِإذا قِيل ل ُك ُم ا ْن ِف ُروا فِي س ِبي ِل َّ ِ ض اّلل اثَّاق ْلت ُ ْم ِإلدى ْاأل ْر ِ
أهمية الدعوة وفضلــها
171 HGJHG
د
ضيت ُ ْم بِ ْالحياةِ الدُّ ْنيا ِمن ْاآل ِخرةِ فما متاعُ ْالحياةِ الدُّ ْنيا فِي ْاآل ِخرةِ ِإ َّال ق ِلي ٌل ﴾... أر ِ اآليات. ولددديكن جهادندددا إلعدددالء كلمدددة هللا ،روى البخددداري ومسدددلم عد ْ ددن أ ِبدددي ُموسدددى اّلل ﷺ« :م ْ اّللِ سدو ُل َّ ِ دن قاتدل ِلت ُكدون ك ِلمدةُ َّ األشعري رضي هللا عنه قال :قدال ر ُ ِهي ْالعُ ْليا ف ُهو فِي سبِي ِل َّ ِ اّلل». اللهم لك الحمدد أن يسدرت لندا أسدباب الجهداد ،اللهدم ارزقندا الجهداد فدي سدبيلك مخلصين لك ،وصلى هللا وسلم على محمد وآله وصحبه أجمعين..
املنهج املختصر يف الفقه والعقيدة والدعوة
173
تزكية النفوس الحمد هلل القائل( :إن هللا ال يغيّر ما بقوم حتى يغيروا مدا بأنفسدهم) ،وصدلى هللا وسددلم علددى نبينددا محمددد الددذي امددتن هللا بدده علددى المددؤمنين يتلددو علدديهم آياتدده ويزكيهم ويعلمهم الكتاب والحكمة ،ورضي هللا عدن صدحابته الدذين امدتحن هللا قلوبهم للتقوى ،وعن آل بيته الذين طهرهم هللا تطهيرا ،أما بعد: فقد حذرنا هللا من نفوسنا فقال( :ولقد خلقنا اإلنسان ونعلم ما توسدوس بده نفسده ونحن أقرب إليه من حبل الوريد) ،وقال( :واعلموا أن هللا يعلدم مدا فدي أنفسدكم فاحذروه): وقد ذكر هللا أربع آيات في القرآن وذكرها أيضا في صحف إبدراهيم وموسدى، فمدددا هدددذه اآليدددات؟! قدددال هللا سدددبحانه( :قدددد أفلدددح مدددن تزكى*وذكدددر اسدددم ربددده فصلى*بل تؤثرون الحياة الدنيا*واآلخرة خير وأبقى*إن هذا) أي المدذكور مدن اآليات األربع (لفي الصحف األولى *صحف إبراهيم وموسى). دس ومددا سددواها*فألهمها (قددد أفلددح مددن تزكددى) أي ز َّكددى نفسدده ،كمددا قددال( :ونفد ٍ فجورها وتقواها*قد أفلح من زكاها*وقد خاب من دساها) أي قد فاز مدن ز ّكدى سددس نفسدده أي أخفاهددا نفسدده بالطاعددات وتددرك المعاصددي ،وقددد خسددر مددن د ّ وقذّرها بالمعاصي. أيها األخوة الكرام :بل إن جميع العبادات في اإلسدالم فدإن المقصدود بهدا زكداة النفوس؛ حتى زكاة المال المقصود بها زكاة النفس ،كمدا قدال تعدالى( :خدذ مدن أموالهم صدقة تطهرهم وتزكيهم بها) ،وحتى صدقات التطوع يُقصد بهدا زكداة النفس ،قال تعالى( :الذي يؤتي ماله يتزكى). كما حرم هللا المحرمات إال لتزكية النفوس كمدا قدال هللا تعدالى ( :قدل للمدؤمنين يغضوا من أبصارهم ويحفظوا فروجهم ذلدك أزكدى لهدم) ،وقدال سدبحانه(:وإذا سألتموهن متاعا فاسألوهن من وراء حجاب ذلكم أطهر لقلوبكم وقلوبهن). أيها األخوة إن من أعظم مقاصد بِعثة النبي ﷺ تزكية النفوس كما بدين هللا ذلدك فقددال( :هددو الددذي بعددث فددي األميددين رسددوال مددنهم يتلددو علدديهم آياتدده ويددزكيهم ويعلمهم الكتاب والحكمة). وأما قوله تعالى ( :فال تزكوا أنفسكم هو أعلم بمدن اتقدى) ،فالمقصدود بالتزكيدة هنا :المدح. ف دالنفس مكمددن الش دـر ،كسددلة عددن الخيددر ،نشددطة إلددى المعاصددي( ،إن الددنفس أل ّمارة ٌ بالسوء إال ما رحم ربي) ،فهي تحتداج إلدى مجاهددة لتلدزم سدبيل الرشدد
أهمية الدعوة وفضلــها
174 HGJHG
د
فتفلح ،قال سبحانه (:وم ْن يُوق ُ ش َّح ن ْف ِس ِه فأُولئِك ُه ُم ْال ُم ْف ِل ُحدون) ،فعلدى العاقدل ُروض نفسده علدى طاعدة هللا ،ويُلزمهدا فعدل الخيدر وإن كرهدت ،فإنهدا منا أن ي ّ سوف تعتاد الخير وتألفه ،قال سبحانه( :واصبر نفسك مع الدذين يددعون ربهدم بالغداة والعشي) أي احبسها على الطاعة ألن طبيعتها الكسل والتثاقل عنها! وعليه أن يفطمها عن المعاصي والشهوات وإن أحبّتها ،قال هللا سدبحانه(:فأما من خاف مقام ربه ونهى النفس عن الهوى فإن الجنة هي المأوى). فطمه ينف ِط ِم رضعه شبَّ على حبّ ِ الرضاعِ وإن ت ِ والنفس كالطف ِل إن ت ُ ِ سدده لوام دةً تلومدده علددى فعددل المعصددية، ومددن شددرع فددي تزكيددة نفسدده تصددير نف ُ وتلومه على التفريط في الطاعة ،وقد أقسدم هللا بهدذه الدنفس التدي بددأت تتزكدى فقال( :ال أقسم بيوم القيامة* وال أقسم بالنفس اللوامة) .ثم إن استمر فدي تزكيدة نفسه صارت نفسا ً مطمئنةً بذكر هللا وطاعة هللا ،وتُب َّ شر عندد موتهدا ببشدارتين: بشدددارة مدددن مالئكدددة المدددوت ،وبشدددارة مدددن هللا جدددل جاللددده(:يا أيتهدددا الدددنفس المطمئنة*ارجعي إلى ربك راضية مرضية) هذه بشارة من المالئكة ،ثم يقدول هللا لتلك الروح الطيبة( :فادخلي في عبادي*وادخلي جنتي). وأخيددرا أيهددا األخددوة كيددف نزكددي أنفسددنا؟ نزكيهددا بفعددل الطاعددة ،واإلكثددار مددن التقرب بالنوافل بعد الفرائض ،ونزكيها بترك المعاصي ،فنعصي نفوسنا حدين تميل إلى فعل الشر وترك الخير. ُ ُورث الذل إدمانُها رأيتُ الذنوب تُميتُ القلوب وقد ي وخير لنف ِسك ِعصيانُها ب ٌ ب حياة ُ القلو ِ وتركُ الذنو ِ ب هللا ،قددال هللا( :أفددال وأعظ د ُم مددا يزكددي النفددوس ويُصددلح القلددوب :تد ُ ددبر كتددا ِ يتدبرون القرآن) ،وقال( :يا أيها الناس قد جاءتكم موعظة من ربكم وشفاء لما فددي الصدددور وهدددى ورحمددة للمددؤمنين) ،فددالقرآن شددفاء لمددا فددي القلددوب مددن الشهوات والشبهات ،وهدى من كل ضاللة. ومن أعظم ما يزكي النفدوس :الددعاء ،قدال هللا( :يدا أيهدا الدذين آمندوا ال تتبعدوا خطددوات الشدديطان ومددن يتبددع خطددوات الشدديطان فإندده يددأمر بالفحشدداء والمنكددر ولوال فضل هللا عليكم ورحمته ما زكى منكم من احد أبدا ولكدن هللا يزكدي مدن يشاء وهللا سميع عليم) ختم هللا هذه اآلية بقولده( :وهللا سدميع علديم) إشدارة إلدى دعاء هللا بتزكية النفس ،فهو سميع الدعاء وهو عليم بمن يسدتحق الهدايدة ،وقدد كان ﷺ يقول( :اللهم آت نفسي تقواها ،وزكها أنت خير من زكاها ،أندت وليهدا وموالها).
املنهج املختصر يف الفقه والعقيدة والدعوة
175
اللهم آت نفوسنا تقواها ،وزكها أنت خير من زكاها ،أنت وليها وموالها .اللهم حبددب إلينددا اإليمددان وزيندده فددي قلوبنددا ،وكددره إلينددا الكفددر والفسددوق والعصدديان، واجعلنا من الراشدين.
أهمية الدعوة وفضلــها
176 HGJHG
د
موعظة سورة العصر ُطع ُم ،م َّن عليْندا فهددانا ،وأ ْ ُط ِع ُم وال ي ْ الحمد هلل الذي ي ْ طعمندا وسدقانا ،و ُكد َّل بدالءٍ دور ،وال ُمسْدت ْغنًى ع ْندهُ، حس ٍن أبْالناْ ،الح ْمد ُ ِ َّّللِ غيْر ُمدودَّعٍ ،وال ُمكداف ٍئ وال م ْكفُ ٍ ّلل الَّذِي أ ْ طعم ِمن َّ الطع ِام ،وسقى ِمن ال َّ ْالح ْمد ُ ِ َّ ِ ب ،وكسا ِمن ْالعُ ْريِ ،وهددى شرا ِ ض ً يال ،الحمد هلل ِمن الضَّالل ِة ،وب َّ ير ِم ْن خ ْل ِق ِه ت ْف ِ صر ِمن ْالعمى ،وفضَّل على كثِ ٍ رب العالمين ،والصالة والسالم على أشرف المرسلين ،سيدنا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين ،أما بعد: فيددا أيهددا المسددلمون نتدددبر معكددم فددي هددذه الدددقائق سددورة قصدديرة لكنهددا تشددمل الدين كله ،سورة عظيمة قال عنها اإلمدام الشدافعي رحمده هللا :لدو تف ّكدر النداس في سورة العصر لكفتْ ُهم!! ص ِدر * ِإ َّن إنها سورة العصر ،يقول هللا سبحانه﴿ :بسم هللا الدرحمن الدرحيم و ْالع ْ ت وتواص ْددوا بِ ْ ق صددا ِلحا ِ ْددر * إِ َّال الَّددذِين آمنُددوا وع ِملُددوا ال َّ ا ْ ِإل ْنسددان ل ِفددي ُخس ٍ ددالح ّ ِ صب ِْر ﴾. وتواص ْوا ِبال َّ فددي هددذه السددورة أقسددم هللا بالعصددر وهددو الددزمن كمددا يُقددال :عصددر التقدددم :أي زمنه. على أي شيء أقسم هللا؟! نحن نصدق هللا وإن لم يُقسم فلماذا أقسم؟!! أقسم هللا على خبر مخيف ،وقد أ ّكده بالقسم لبيان أهميته ،أقسم جل جالله علدى اإل ْنسدان أن جميع الناس في خسارة!! كل الناس فدي ضدالل!! ﴿ و ْالع ْ ص ِدر * ِإ َّن ْ ِ ل ِفي ُخس ٍْر﴾. ثدددم اسدددتثنى النددداجين مدددن الخسدددارة اسدددتثنا ًء فقدددالِ ﴿ :إ َّال الَّدددذِين آمنُدددوا وع ِملُدددوا ت .﴾...كما فدي سدورة التدين( :لقدد خلقندا اإلنسدان فدي أحسدن تقدويم ثدم صا ِلحا ِ ال َّ رددناه أسفل سافلين إال).. فاألصل الغالب في الناس الخسدران والضدالل ،كمدا قدال سدبحانه ﴿ :ومدا أ ْكث ُدر صددت بِ ُمددؤْ ِمنِين﴾ ،وقددال عددز وجددل ﴿ :وإِ ْن ت ُ ِطد ْدع أ ْكثددر مد ْ دن فِددي داس ولد ْدو حر ْ النَّد ِ ُضددلُّوك عد ْ اّللِ﴾ ،وقددال( :وقليددل مددن عبددادي الشددكور) وقددال دن س د ِبي ِل َّ ْاأل ْر ِ ضي ِ ت وق ِلي ٌل ما ُه ْم﴾. صا ِلحا ِ سبحانهِ ﴿ :إ َّال الَّذِين آمنُوا وع ِملُوا ال َّ فالناجون من الخسارة قليل وهم الذين اتصفوا بأربع صدفات بينهدا هللا فدي هدذه السورة وهي: -9اإليمان باهلل ومالئكته وكتبه ورسله واليوم اآلخر والقدر خيره وشره.
املنهج املختصر يف الفقه والعقيدة والدعوة
177
-2العمددل الصددالح ،وهددو الخددالي مددن الريدداء المقيددد بالسددنة ،فلدديس اإليمددان بالتمني وال بالتحلي ولكن ما وقدر فدي القلدب وصددقه العمدل ،وأعظدم األعمدال بعددد الشددهادتين :إقامددة الصددلوات الخمددس فددي أوقاتهددا ،وصددوم شددهر رمضددان، وإيتدداء الزكدداة علددى مددن ملددك نصددابا ،وحددج البيددت الحددرام لمددن اسددتطاع إليدده سبيال. -3التواصي بالحق ،فالددين النصديحة ،ومدن صدفات المدؤمنين والمؤمندات األمدددر بدددالمعروف والنهدددي عدددن المنكدددر كمدددا قدددال هللا سدددبحانه﴿ :و ْال ُمؤْ ِمنُدددون ض يددأ ْ ُم ُرون ِب ْ ددر و ْال ُمؤْ ِمندداتُ ب ْع ُ ددالم ْع ُر ِ ضدد ُه ْم أ ْو ِليددا ُء ب ْعدد ٍ ددن ْال ُم ْنك ِ وف وي ْنه ْددون ع ِ صالة ويُؤْ تُون َّ اّللُ﴾. سولهُ أُولئِك سي ْرح ُم ُه ُم َّ الزكاة وي ُِطيعُون َّ اّلل ور ُ ويُ ِقي ُمون ال َّ -4التواصي بالصبر ،والصبر ثالثة أقسام: صددبر علددى الطاعددات :فالطاعددات فيهددا نددوع مشددقة فتحتدداج إلددى صددبر أ- سددماوا ِ علددى أدائهددا كمددا قددال سددبحانه﴿ :ربُّ ال َّ ض ومددا بيْن ُهمددا فا ْعبُ د ْدهُ ت و ْاأل ْر ِ صط ِب ْر ِل ِعبادتِ ِه ه ْل ت ْعل ُم لهُ س ِميًّا ﴾. وا ْ صبر عن المعاصي :فالنفس أمارة بالسوء فعلى المسلم أن ينهى نفسده ب- عن هواها ،قال سبحانه﴿ :فأ َّما م ْن طغى * وآثر ْالحياة الدُّ ْنيا * فإ ِ َّن ْالج ِحيم ِهي ْالمأْوى* وأ َّما م ْ دن ْالهدوى * فدإ ِ َّن ْالجنَّدة ِهدي دن خداف مقدام ر ِبّد ِه ونهدى الدنَّ ْفس ع ِ ْالمأْوى ﴾. صبر علدى أقددار هللا المؤلمدة ،فداهلل يبتلدي عبداده بمدا يشداء كمدا وعددنا ج- دس بذلك فقال﴿ :ولن ْبلُونَّ ُك ْم بِش ْيءٍ ِمن ْالخ ْو ِ ف و ْال ُجوعِ ون ْق ٍ ص ِمن ْاأل ْمدوا ِل و ْاأل ْنفُ ِ ت وب ِ ّ صديبةٌ قدالُوا ِإنَّدا ِ َّ ِ ّلل و ِإنَّدا ِإليْد ِه والثَّمرا ِ ش ِر ال َّ صا ِب ِرين * الَّدذِين ِإذا أصدابتْ ُه ْم ُم ِ اجعُون﴾. ر ِ فما أعظدم هدذه السدورة ومدا أكثدر معانيهدا ،ومدا أنفعهدا لمدن عمدل بهدا وجعلهدا قانون حياة!!
حكم التجسس على المسلمين ومواالة النظام الكافر
أهمية الدعوة وفضلــها
178 HGJHG
د
الحمد هلل والصالة والسالم على رسول هللا وعلى آله وصدحبه ومدن وااله ،أمدا بعد: فإن من نواقض اإلسالم الخطيدرة ،ومبطالتده الكبيدرة ،مدواالة الكفدار مدن دون المؤمنين ،ومناصرتهم ومعاونتهم على أهل اإلسالم ،وهذا كفر صريح ،سدواء كددان أولئددك الكفددار يهددودا ً أو نصددارى أو مجوس دا ً أو مشددركين أو نُصدديريين أو مرتدين. ولقد حذر هللا في كتابه العظيم من مواالة الكافرين عموما فقال﴿ :يدا أيُّهدا الَّدذِين ُون ْال ُمددؤْ ِمنِين أت ُ ِريددد ُون أن ت ْجعلُددواْ ِ ّ ِ ّلل آمنُددواْ ال تت َّ ِخددذُواْ ْالكددافِ ِرين أ ْو ِليدداء ِمددن د ِ س ْلطانًا ُّمبِينًا﴾. عل ْي ُك ْم ُ ضد ُه ْم وقال سبحانه﴿ :يا أيُّها الَّذِين آمنُواْ ال تت َّ ِخذُواْ ْالي ُهدود والنَّصدارى أ ْو ِليداء ب ْع ُ اّلل ال ي ْه ددِي ْالقد ْدوم َّ الظددا ِل ِمين * دض ومددن يتددولَّ ُهم ِ ّمددن ُك ْم فإِنَّ دهُ ِم د ْن ُه ْم ِإ َّن ّ أ ْو ِليدداء ب ْعد ٍ صديبنا دائِدرة ٌ ار ُ فترى الَّذِين فِي قُلُوبِ ِه ْم مر ٌ عون فِي ِه ْم يقُولُون ن ْخشدى أ ْن ت ُ ِ ض يُس ِ ص ِب ُحوا على ما أس ُّروا فِي أ ْنفُ ِسد ِه ْم فعسى َّ اّللُ أ ْن يأْتِي ِب ْالفتْحِ أ ْو أ ْم ٍر ِم ْن ِع ْن ِد ِه فيُ ْ ناد ِِمين ﴾. إن مواالة الكفار خيانة هلل ولرسوله وللمؤمنين ،وهي من صفات المنافقين كمدا يرا ِ ّم ْن ُه ْم يتولَّ ْون الَّذِين كف ُدرواْ لبِدئْس مدا قددَّم ْ ت قال هللا عنهم في كتابه﴿ :ترى كثِ ً ب ُهد ْم خا ِلدد ُون*ول ْو كددانُوا يُؤْ ِمنُددون سد ُه ْم أن سد ِدخط ّ ل ُهد ْم أنفُ ُ اّللُ علد ْي ِه ْم وفِددي ْالعددذا ِ يرا ِ ّم ْن ُه ْم فا ِسقُون﴾ ،وقدال نزل ِإل ْي ِه ما اتَّخذُو ُه ْم أ ْو ِلياء ولـ ِك َّن كثِ ً ي ِ وما أ ُ ِ ِباهلل والنَّ ِب ّ تعالى﴿ :ب ِ ّ ش ِر ْال ُمنافِ ِقين بِأ َّن ل ُه ْم عدذابًا أ ِلي ًما*الَّدذِين يت َّ ِخدذُون ْالكدافِ ِرين أ ْو ِليداء ِمدن ُون ْال ُمؤْ ِم ِنين أيبْتغُون ِعند ُه ُم ْال ِع َّزة فإ ِ َّن ال ِع َّزة ِ ّ ِ ّلل ج ِميعًا﴾. د ِ وإن من مواالة الكافرين :التجسس لهم على المسدلمين ،وهدذا مدن أعظدم أندواع المناصرة للكفار؛ ألنهم بذلك يصلون إلى ما ال تستطيع أن تصل إليه جيوشدهم أو تقنيدداتهم ،ورب خبددر واحددد ينقلدده جاسددوس لهددم تحدددث بدده مددن النكايددة فددي المسلمين ما ال ت ُحدثده اآلالف المؤلفدة مدن ُجندودهم المجنددة ،وقدد ذهدب بعدض درر علددى أهدل العلمدداء إلددى وجددوب قتددل الجاسدوس إذا ترتددب علددى تجسسدده ضد ٌ المسلمين ،وجعلوه في حكم المحارب ،قال اإلمدام الدذهبي رحمده هللا فدي كتابده ٌ وهدن علدى اإلسدالم وأهلده ،وقتدلٌ ،أو الكبائر ":إذا ترتب على فعدل الجاسدوس دب ،فهددذا ممددن سددعى فددي األرض فسددادا ً وأهلددك الحددرث والنسددل ي ،أو نهد ٌ سددب ٌ فيتعددين قتلُدده " ،فالحددذر الحددذر مددن مددواالة أعددداء هللا بالتجسددس لهددم ،ال تددوال الكافر ولدو كدان قريبدك أو جدارك ،قدال هللا تعدالى﴿ :ال ت ِجدد ُ ق ْو ًمدا يُؤْ ِمنُدون ِب َّ ِ داّلل
املنهج املختصر يف الفقه والعقيدة والدعوة
179
و ْاليد ْدو ِم ْاآل ِخد ِدر يُددوادُّون مد ْ سددولهُ ولد ْدو كددانُوا آبدداء ُه ْم أ ْو أبْندداء ُه ْم أ ْو دن حددادَّ َّ اّلل ور ُ ددروحٍ ِم ْندددهُ اإليمدددان وأيَّدددد ُه ْم بِد ُ إِ ْخدددوان ُه ْم أ ْو ع ِشددديرت ُه ْم أُولئِدددك كتدددب فِدددي قُلُدددوبِ ِه ُم ْ ِ ويُد ِْخلُ ُه ْم جنَّا ٍ ضدوا ضي َّ اّللُ عد ْن ُه ْم ور ُ ت ت ْج ِري ِم ْن ت ْحتِها ْاأل ْنه ُ ار خا ِلدِين فِيها ر ِ اّلل أال إِ َّن ِح ْزب َّ ِ ب َّ ِ اّلل ُه ُم ْال ُم ْف ِل ُحون﴾ ،فالمؤمن ال يوالي الكدافر ع ْنهُ أُولئِك ِح ْز ُ ولو كان أبداه أو ولدده أو أخداه أو قريبده أو مدن قبيلتده ،وقدد قتدل أبدو عبيددة بدن الجراح رضي هللا عنه أباه الكدافر فدي غدزوة بددر ،كدان يحيدد عنده وكدان أبدوه يتعرض له ،فتقدم إليه فقتلده فدي سدبيل إعدالء كلمدة هللا ،وأوثدق عدرى اإليمدان الحب في هللا والبغض في هللا ،تُحب المؤمن في هللا ولدو كدان بعيددا مدن نسدبك وبلدك ،وتُبغض الكافر في هللا ولو كان أقرب الناس إليك. أيها األخوة الكرام :يجب أن نفرق بين مواالة الكفار المحداربين وبدين التعدايش مع الكفار غير المحاربين ،فال حرج علدى المسدلم فدي العمدل عندد الكفدار غيدر المحاربين في كل عمل مباح ،وإنما يحرم العمل مع الكفدار المحداربين فدي أي مجال فيه أدنى إعان ٍة لهم في حربهم على المسلمين. فيا أيها المسلمون :ال يجوز لكم أن تعملوا مدع هدذا النظدام الكدافر المحدارب هلل ولرسوله وللمؤمنين ،كيف تعمل معه وتعينه على ظلمه وفساده وسدفكه للددماء وانتهاكه لألعراض؟! كيف تتعداون مدع مدن أهلدك الحدرث والنسدل وسدعى فدي األرض فسدادا وهللا ال يحب الفساد؟! ان يقول هللا تعالى ﴿ :وتعاونُوا على ْالبِ ِ ّر والت َّ ْقوى وال تعاونُوا على ْ ِ اإلثْ ِم و ْالعُددْو ِ ب﴾ ،ويقول سبحانه ﴿ :وال ت ْركنُوا ِإلى الَّذِين ظل ُمدوا اّلل ِإ َّن َّ واتَّقُوا َّ اّلل شدِيد ُ ْال ِعقا ِ اّلل ِمد ْ دار ومددا ل ُكد ْم ِمد ْ ُون َّ ِ دن أ ْو ِليدداء ث ُد َّم ال ت ُ ْنصد ُدرون﴾ وقددال تعددالى: فتم َّ سد ُك ُم النَّد ُ دن د ِ ﴿ومن يتولهم منكم فإنه منهم﴾". أيها المسلمون إن الكافرين يدوالي بعضدهم بعضدا ،وينصدر بعضدهم بعضدا فدي حرب اإلسالم والمسلمين ،ونحن أحق منهم بدأن يدوالي بعضدنا بعضدا ،فدإن لدم دض ِإ َّال نفعل فاسمعوا ما قال هللا محذرا لنا ﴿ :والَّدذِين كف ُدروا ب ْع ُ ضد ُه ْم أ ْو ِليدا ُء ب ْع ٍ ير ﴾. ض وفساد ٌ كبِ ٌ ت ْفعلُوهُ ت ُك ْن فِتْنةٌ فِي ْاأل ْر ِ اللهم اهدنا لمواالة أوليائك ومعداداة أعددائك ،اللهدم اجعلندا مدن أنصدارك وممدن يحب المجاهدين في سبيلك ،اللهم مكن لعبادك الصدالحين ،واجعلهدم مدن الدذين إن مكنتهم في األرض أقداموا الصدالة وآتدوا الزكداة وأمدروا بدالمعروف ونهدوا عن المنكر ،وهلل عاقبة األمور.
أهمية الدعوة وفضلــها
181 HGJHG
د
املنهج املختصر يف الفقه والعقيدة والدعوة
تهذيب خواطر وأفكار في فقه الدعوة إلى هللا للشيخ/ عبد المنعم مصطفى حليمة (أبو بصير الطرطوسي) حفظه هللا تهذيب/ د .عبد الله بن محمد المحيسني
185
تهذيب خواطر وأفكار يف فقه الدعوة إىل اهلل
181
بسم هللا الرحمن الرحيم
د
تهذيب شرح األصول الثالثةد
املقدمة
تهذيب
الحمد هلل ،والصالة على رسول هللا ،وعلى آله وصحبه ومن اتبع هداه. أما بعد: الضَّوابطُ املُثلَى فهذه جملة من الخواطر واألفكار والتوجيهات الهامة ،تتعلق بفقه الدعوة إلى هللا والعلما الدعا ِة هللاةِأنالتعامُ ِل تعالى ،ينبغي لمن يسيروا في طريق الدعوةيفإلىكيفيِّ بهاءِ ،فهي ويعملوا يتفطنوامعلها، التالية: للعالم منهم تذكير ،والغافل منهم تنبيه ،أسجلها في النقاط د )1اعلم أن الدعوة إلى هللا تعالى وإلى توحيده أشرف وأحسن عمل على اإلطالق؛ الثالثةد تهذيب ويسير على األصول يرثهم شرح -ومن والسالم وهو عمل األنبياء والرسل عليهم الصالة نهجهم من العلماء العاملين -قال تعالى(:ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ )[فصلت .]88:وقال تعالى* (:ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠﮡ ﭨ ﭩ ﮤ )[آل عمران.]114: وقال النبي ^« :أفضلكم من تعلم القرآن وعلمه» رواه البخاري. وقال ^« :إن العالم ليستغفر له من في السماوات ومن في األرض ،حتى الحيتان في الماء ،وفضل العالم على العابد كفضل القمر على سائر الكواكب ،وإن العلماء ورثة األنبياء ،إن األنبياء لم يورثوا دينارا ا وال درهما ا ،إنما ورثوا العلم ،فمن ()1
أخذه أخذ بحظ وافر» . وقال ^« :فضل العالم على العابد ،كفضلي على أدناكم ،إن هللا ومالئكته وأهل السماوات واألرض حتى النملة في جحرها ،وحتى الحوت ،ليصلون على معلمي ()2
الناس الخير» . وهذا داع للداعية إلى هللا تعالى أن يرتفع بهمته ،وأخالقه ،وسلوكه إلى مستوى األمانة الملقاة على عاتقه ،فأعماله تصدق أقواله ،وأقواله تصدق أعماله ،قال تعالى: *ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﭨ ﭩ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮪ ﮭ&[الصف.]3-2: وقال ^« :يجاء برجل فيطرح في النار ،فيطحن فيها كما يطحن الحمار برحاه، فيطيف به أهل النار ،فيقولون :أي فالن ،ألست كنت تأمر بالمعروف وتنهى عن المنكر؟ فيقول :إني كنت آمر بالمعروف وال أفعله ،وأنهى عن المنكر وأفعله!» رواه البخاري. ( )1رواه أبو داود ،وهو في صحيح الترغيب.)71( : ( )2رواه الترمذي ،وهو في صحيح الجامع.)9838( :
املنهج املختصر يف الفقه والعقيدة والدعوة
183
)6اعلم أن الغاية من الدعوة إلى هللا تعالى ،هي إخراج العباد من عبادة العباد إلى عبادة رب العباد ،ومن جور األديان إلى عدل اإلسالم ،ومن ضيق الدنيا إلى سعة الدنيا واآلخرة. فغاية الدعوة إلى هللا تعريف العباد بالغاية التي خلقوا ألجلها ،ومن ثم هدايتهم إليها ،وترغيبهم وتشويقهم بها ،وتحذيرهم من عواقب ومغبة مخالفتها. قلت :وأهداف الداعية في دعوته هدفان :األول :أن يعذر أمام هللا ،ثانياً :أن يخرج الناس من الظلمات إلى النور ،ويجمع ذلك قول هللا سبحانه وتعالى (( :قالُوا م ْعذِرة ً ِإلى ر ِبّ ُك ْم ولعلَّ ُه ْم يتَّقُون ))[األعراف ،]964:ومن أجل هذا الخلق وقع بعض الدعاة من الطرفين في الخطأ ولسنا مكلفين لتغيير دين هللا ليتوب الناس ويهتدوا، وأيضا ً لسنا ممن يدعوا هللا فقط ألجل أن يلقي التبعة عن عنقه. هذه مهمة األنبياء وورثتهم من العلماء والدعاة من لدن آدم × وإلى قيام الساعة ،ال مهمة لهم سواها.
قال تعالى* :ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾﭿ&[النحل.]36: وقال تعالى* :ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ&[الذاريات.]56: وقال تعالى* :ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﭨ ﭩ ﮤﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ&[البينة.]5: فغاية الداعية إلى هللا تحقيق التوحيد ،وحمل الناس على التوحد ،فالوحدة والتوحد بين المسلمين مطلب عظيم ،وغاية نبيلة ،لكن ال يجب أن تكون هذه الغاية على حساب الغاية األعظم؛ أال وهي غاية التوحيد ،أو أن يسعى إليها بمنأى عن التوحيد ،فهذا ال يمكن تحقيقه ،فنهايته إلى فشل وتفرق ،ثم هو عمل غير مبارك ،وهو مخالف لما كان عليه النبي ^ من منهج في توحيده لكلمة المسلمين ،إذ لم يكن من مسعى النبي ^ أن يوحد الكلمة ويجمع الشمل تحت أي راية أو شعار أو دين غير راية التوحيد ،وكلمة وشعار التوحيد ،ودين رب العالمين ،قال تعالى* :ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶﭷ&[آل عمران.]913: فلم يأت األمر باالعتصام مجردا ً ،بل جاء مقيدا ً *ﭲ ﭳ&[آل عمران ،]913:وحبل هللا هو القرآن. وقال تعالى* :ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣﭤ&[المائدة .]94:فلما نسوا حظا ً من الدين والتوحيد -وليس كل الدين -كانت النتيجة جزاء على نسيانهم وإعراضهم لهذا الحظ من الدين أن أغرى هللا تعالى بينهم *ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣﭤ&[المائدة،]94: وهذا ليس لهم وحسب ،بل لو أن أمة اإلسالم وقعت في شيء من ذلك؛ فنست حظا ً من الدين والتوحيد ،فحينئذ تكون العقوبة أن يغري هللا تعالى فيما بينهم العداوة والبغضاء والتنازع والتفرق.
184
تهذيب خواطر وأفكار يف فقه الدعوة إىل اهلل د
ولما أبى دعاة القومية العربية إال أن يوحدوا العرب على المعصية ،بمنأى عن الثالثةد األصول تهذيبا ً شرح وانقساما ً على بعض.. بعضهم الدين والتوحيد ،باؤوا بالفشل الذريع ،وازدادوا تفرق وال يزالون! تهذيب )8مراعاة األهم فاألهم في الدعوة إلى هللا تعالى ،وبحسب نوع وحاجة الطرف الضَّوابطُ املُثلَى المقابل المراد دعوته إلى هللا تعالى. فإن كان كافرا ً لم يسبق له أن دخل اإلسالم ،فتنحصر الدعوة معه حينئذ على يف كيفيِّةِ التعامُ ِل مع الدعا ِة والعلماءِ تعريفه بالمعبود بحق ـ ،ومن ثم حمله على االستجابة لشهادة التوحيد (أشهد أن ال إله إال هللا ،وأشهد أن محمدا ً رسول هللا) ،ولمتطلباتها. د وكل األنبياء كانوا ال يقبلون من أقوامهم عمالً إال بعد أن يجيبوهم أوالً إلى ال تهذيب شرح األصول الثالثةد إله إال هللا ،كما قال تعالى* :ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾﭿ&[النحل .]36:وقال تعالى* :ﭪ ﭫ ﭬ&[آل عمران ]64:هكذا نبتدئ معهم الخطاب، فنقول لهم* :ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂﮃ&[آل عمران ]64:ال نتعدى هذا الخطاب التوحيدي إلى غيره قبل أن يجيبونا إليه *ﮃ ﮄ&[آل عمران]32:؛ وأعرضوا عن التوحيد ال نخوض معهم في بقية واجبات الدين ونوافله ،وال نبحث عن قواسم وعوامل مشتركة تجمع بين أهل الشرك والتنديد وبين أهل التوحيد ،بل نقول لهم كما أمرنا ربنا أن نقول* :ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ&[آل عمران .]64:ونقول لهم* :ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ&[مريم.]48: ونقول لهم* :ﭩ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩﮪ ﮫ ﮪ ﮭ&[األنبياء.]67: فعجبا ً لمن ينفقون األوقات واألموال الطائلة في سبيل ما يسمى (حوار األديان) ،فيتكلمون مع الكفار في كل شيء إال في التوحيد!! وعن ابن عباس قال :قال رسول هللا ^ لمعاذ بن جبل حين بعثه إلى اليمن: «إنك ستأتي قوما ا من أهل الكتاب؛ فإذا جئتهم فادعهم إلى أن يشهدوا أن ال إله إال هللا وأن محمدا ا رسول هللا ،فإن هم أطاعوا لك بذلك ،فأخبرهم أن هللا قد فرض عليهم خمس صلوات في كل يوم وليلة ،فإن هم أطاعوا لك بذلك ،فأخبرهم أن هللا قد فرض عليهم صدقةا ،تؤخذ من أغنيائهم فترد على فقرائهم ،فإن هم أطاعوا لك بذلك ،فإياك وكرائم أموالهم ،واتق دعوة المظلوم ،فإنه ليس بينه وبين هللا حجاب» متفق عليه. فتأمل هذا التسلسل في الدعوة إلى هللا تعالى؛ فليكن أول ما يدعوهم إليه شهادة (أن ال إله إال هللا ،وأن محمدا ً رسول هللا) فإن أجابوه إليها ،دعاهم إلى ما بعدها، بحسب التسلسل الوارد في الحديث ،وإن لم يجيبوه إليها يمسك عن الدعوة إلى ما سواها ،ألن االلتزام بما سوى التوحيد من دون التوحيد ال ينفع صاحبه في شيء ،كما قال تعالى* :ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ&[األنعام .]88:وقال تعالى* :ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ&[الفرقان.]23:
املنهج املختصر يف الفقه والعقيدة والدعوة
185
وقد عرضت على النبي ^ مصالح الدنيا كلها من دون ال إله إال هللا ،فأباها، وأبى إال أن تكون أوالً ال إله إال هللا ،فأتته الدنيا بعد ذلك صاغرة راغمة. عرض على النبي صلى هللا قلت :وفي سورة الكافرون مثال واضح لذلك حين ُ عليه وسلم أن يدخل الناس كلهم في دينه سنة ،ويتركونه سنة ،فهذه مصلحة ربما لو عرضت على بعضنا اليوم لقبلها باسم مصلحة الدعوة ،لكن النبي صلى هللا عليه وسلم ُ رفضها ،فال مساومة على التوحيد والعقيدة. وهكذا يقال أيضا ً لطواغيت العصر :أن أجيبوا أوالً إلى ال إله إال هللا ،وادخلوا في سلمها كافة ،ثم بعدها ال يكون إال خيرا ً ،وال نقبل أن تثار المعركة مع هؤالء الطغاة على أنها معركة من أجل الحريات أو من أجل بعض الكراسي والمناصب السيادية والمكاسب الدنيوية بعيدا ً عن ال إله إال هللا! فمشكلتنا مع طغاة الحكم هؤالء هي ال إله إال هللا ،من المعبود بحق هللا أم الطاغوت؟ من المطاع لذاته في األرض هللا أم الطاغوت؟ فيمن يعقد فيه الوالء والبراء هللا أم الطاغوت؟ لمن السيادة؟ لمن الحكم؟ لمن حق التشريع والتحليل والتحريم هلل أم للطاغوت؟ هذه هي مشكلتنا األساسية مع كل الطغاة ،فإن أجابوا صادقين عما تقدم من أسئلة بجواب واحد :هو هللا وحده ،حينئذ كفى هللا المؤمنين القتال ،وانقلبت المعارضة إلى موافقة ،والتأمت الصفوف ،وانتهت المنازعات والمناكفات ،وانقلبنا جميعا ً أخوة في هللا متحابين متآلفين. وإن كان الجواب خالف ذلك :هو الطاغوت وحزبه ،حينئذ نقول لهم ما قال إبراهيم × ومن آمن معه لقومهم * :ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ&[الممتحنة.]4: حينئذ يعمل بسنة التدافع بين الحق والباطل ،حتى ال تغرق سفينة اإلنسانية في أوحال الكفر ،والشرك ،واإللحاد ،والفجور ،والفساد ،كما قال تعالى* :ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ&[األنبياء.]98: ال ينفع حينئذ الحديث عن المشاركة في الحكم ،وال الحديث عن التعايش بين الحق والباطل ،وال البحث عن القواسم المشتركة التي تجمع بين الحق والباطل ،وال الحديث عن المكاسب والمصالح التي تتأتى من هذه الوظيفة السيادية أو تلك ،كما ال ينفع الحديث عن الفساد الوظيفي ،واإلصالحات في بعض مرافق الحياة ،فمعركة الحق مع الباطل ليست حول بعض المكاسب والوظائف والحصص والفتات الذي يرمى من قبل الطغاة على العتبات ،فهذا كله من قبيل ترقيع ما ال يمكن ترقيعه؛ ألن أصل األصول مخروم عند القوم! وإن االبتداء بفروع الدين ومسائله الفقهية العملية قبل ال إله إال هللا ،مع من يفقد ال إله إال هللا ،يترتب عليه صعوبة انقياد المدعو إلى اإلسالم ،إذ تراه عند مورد كل
186
تهذيب خواطر وأفكار يف فقه الدعوة إىل اهلل د
مسألة من مسائل الدين يرى من حقه أن يطرح عليك عدة أسئلة اعتراضية تعقيبية: تهذيب شرح الثالثةدمن الداعية األصولتستهلك التساؤالت التي لماذا ..وكيف ..وما هي الحكمة ..وغير ذلك من يعني دخوله في اإلسالم، وقته وجهده كله ثم في النهاية اقتناعه بها -لو اقتنع بها -التهذيب بخالف من يبدأ معه بال إله إال هللا ،فإن اقتنع بها ومن ثم نطق بها ،دخل اإلسالم، َّوابطُ املُثل اللحظةَىاألولى من نطقه وسهل انقياده لجميع مسائل الدين وفروعه؛ ألنه يعلمالضمنذ أمر هللا لجميع ما واالنقياد االستسالم والعلماءِ الدعا ِة التعامُ ِل مع الشهادةكيفيِّةِ لشهادة التوحيد أن من مقتضيات هذه يف به ،واالنتهاء عما نهى عنه من غير تعقيب وال اعتراض وال حرج. التسليم ألوامر هللا واالنقياد، قلت :ومما يجب على الداعية حمل الناس على د وغرس ذلك في قلوبهم وهذه من الطوام والمصائب التي بليت بها األمة ،وإنك لتعجب الثالثةد األصول هذا العالج؟ صرفت شرح :لما تهذيبطبيبه من المريض بين يدي الطبيب يستنكف عن سؤال ولكن تجده في أوامر هللا سبحانه كثير اإللحاح والجدال يبحث عن مخرج أو تأويل ليعرض عن أمر هللا سبحانه وتعالى. )4إن كان المدعو مسلما ً ومن أهل القبلة ينبغي النظر إلى جوانب القصور والتفريط عنده ،فيعطى ما يناسبه ،وهذا يستدعي تشخيصا ً دقيقا ً من الداعية لحالة الشخصية التي يدعوها ويوجه لها الخطاب؛ هل تقصيره يأتي من جهة اإليمان واالعتقاد ،أم من جهة التفريط ببعض واجبات الدين ،وأركانه ..أم من جهة مقارفة بعض الذنوب والمنكرات؟ وهل انحرافاته من جهة الشبهات أم من جهة الشهوات؟ فيحدد جانب الخلل والتقصير لديه ليعطيه ما يناسبه من التوجيه والوعظ. إن لم يحصل ذلك من قبل الداعية ،يكون حينئذ مثله مثل الطبيب الذي يضع الدواء في غير موضعه المناسب ،فيصرف دواء آالم الرأس على آالم البطن ،ودواء آالم البطن على آالم الرأس! من هنا ندرك سبب اختالف وتنوع وصايا النبي المصطفى ^ ألصحابه، بحسب حاجة كل صحابي وما يناسبه؛ إذ كان من الصحابة من يقول للنبي ^ :أوصني يا رسول هللا! فيقول له النبي ^ « :ال تغضب» رواه البخاري. وبعضهم يقول :أوصني يا رسول هللا! فيقول له« :أوصيك بتقوى هللا ،فإنه رأس كل شيء ،وعليك بالجهاد فإنها رهبانية اإلسالم ،وعليك بذكر هللا وتالوة القرآن فإنه روحك في السماء ،وذكرك في األرض» رواه أحمد وحسنه األلباني. وهكذا كان النبي ^ يوصي كل إنسان بما يناسبه ويحتاجه ،وهذا فقه عظيم ينبغي للدعاة أن يتنبهوا له. )5استخدام الترغيب ،ونصوص الوعد ،في مواطن اليأس والقنوط ،واستخدام الترهيب ونصوص الوعيد في مواطن الجفاء والتفريط ،لتعتدل األمور ،وتجنح المواقف واألحوال ،إلى الوسطية من غير إفراط وال تفريط.
املنهج املختصر يف الفقه والعقيدة والدعوة
187
والداعية الذي ال يتنبه لهذا المنهج في الدعوة إلى هللا تعالى ،يزيد الطين بلة، ويعين أهل اليأس والقنوط على يأسهم وقنوطهم من رحمة هللا ،كما يعين أهل التفريط والجفاء والغفلة على تفريطهم وجفائهم وغفلتهم ،وطول األمل والرجاء. فمن عرف بشدة الخوف من ذنوبه ،إلى درجة اليأس والقنوط من رحمة هللا تعالى ،فالسنة في دعوة هذا أن يذكر بأن هللا تعالى غفور رحيم ،وأن رحمته وسعت كل شيء ،وأن هللا تعالى يغفر الذنوب لمن تاب وأناب. ومن عرف بطول األمل والرجاء ،واالنغماس في المعاصي والشهوات إلى درجة االستهانة والالمباالة ،فهذا وأمثاله السنة في دعوتهم أن يذكروا بأن هللا تعالى شديد العقاب ،وأن يبين لهم نصوص الوعيد التي تبين ما أعد هللا تعالى للعصاة والمجرمين من العذاب األليم. كذلك يقال في أهل الغلو وأهل اإلرجاء ،فالفريق األول يكون الحديث معهم عن سعة رحمة هللا تعالى ،وعن حبه تعالى للعذر ،والفريق اآلخر يكون الحديث معهم عن أهمية العمل ،وعن الوعيد الشديد لمن يفرط بالعمل باإليمان ،أو يقصر في القيام بالواجبات ،ليحمل كل طرف منهما على التوسط واالعتدال ،من غير جنوح إلى إفراط أو تفريط. )2اعتماد الخطاب الدعوي الذي يتسم بالحكمة والموعظة الحسنة ،ومجادلة اآلخرين المخالفين بالتي هي أحسن ،كما قال تعالى)ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮪﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱﯓ&)[النحل .]165:ومن المجادلة بالتي هي أحسن :انتقاء أقوى التعابير وأحسنها وأجودها وأرفقها التي بها تقوم الحجة على اآلخرين ،وتكون سببا ً في أطرهم إلى الحق ،وترغيبهم به حتى لو استدعت الحكمة نوع لين ورفق في خطاب الطغاة الظالمين ،وكان ذلك أدعى لهم لإلنصات واإلصغاء لنداء الحق، كما قال تعالى لموسى وهارون عليهما الصالة والسالم(:ﭨ ﭩ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮪ ﮭ ﮮ ﮯ )طه.]44-48: فالرفق ما يكون في شيء إال زانه ،وال ينزع من شيء إال شانه ،وما ينجزه الداعية للدعوة واألمة عن طريق الرفق ال ينجزه عن طريق العنف ،لذا يجب عليه أن يتحلى بالرفق في أموره كلها ،ويكون الرفق بالنسبة له شعارا ً ومنهج حياة ،وما سواه حالة استثنائية طارئة ومؤقتة سرعان ما تنقضي وتزول بزوال أسبابها. قال النبي ^« :إن هللا رفيق يحب الرفق ،ويعطي على الرفق ما ال يعطي على العنف ،وما ال يعطي على ما سواه» رواه مسلم ،وقال ^« :إن الرفق ال يكون في شيء إال زانه ،وال ينزع من شيء إال شانه» رواه مسلم ،وقال ^« :من يحرم الرفق يحرم الخير» رواه مسلم. فالرفق أصل ومنهج ،يتحلى به الداعية إلى هللا في جميع أحواله ودعوته، والشدة حالة استثنائية طارئة ،يلجأ إليها بشروطها وقيودها.
188
تهذيب خواطر وأفكار يف فقه الدعوة إىل اهلل د
ومن ثمرات الرفق والدعوة إلى هللا تعالى بالحكمة والموعظة الحسنة :تجنيب عدواًاألصول الحق شرح السفهاء من الكافرين والمجرمين من أن يسبواتهذيب الثالثةدعلم ،وهذا وجهالة بغير تعالى* :ﮪ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ مطلب ينبغي للداعية إلى هللا تعالى أن يحرص عليه ،كما قال تهذيب ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘﯙ&[األنعام.]918: كلماتطُ اهللاملُثلَى )1ومن المجادلة بالتي هي أحسن :اللجوء إلى الضَّواب تعالى في محاججة اآلخرين ،وقيام الحجة عليهم ،حتى لو كان اآلخرون ال يؤمنون باهلل تعالى ،وال يف كيفيِّةِ التعامُ ِل مع الدعا ِة والعلماءِ بكتبه وكلماته ،فإن لكلمات هللا تعالى أبلغ األثر وأتمه وأكمله عندما تخاطب به اآلخرين ،وهي أشد عليهم وطأ ً من كالم البشر ،مهمادعال كعب هؤالء البشر، قال تعالى*( :ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥﭦ)[األنعام .]19:أي :ومن بلغه القرآن من الثالثةد تهذيب ﮗﮘﮙﮚ األصول ﮔﮕ ﮖ شرح ﮒ ﮓ ﮏﮐﮑ اإلنس والجن ،وقال تعالى(:ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮛ ﮜ)[الحشر.]61: ولما كان المشركون ال يقوون على مواجهة جاذبية وأثر القرآن الكريم ،اتفقوا فيما بينهم إذا سمعوا النبي ^ يتلو القرآن أن يلغوا ،ويشغبوا ،وأن ترتفع أصواتهم حتى ال يسمع الناس القرآن ،كما قال تعالى* :ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ&[فصلت.]26: ومن أساليب القرآن التي ينبغي للداعية أن يتفطن لها :االستدالل بتوحيد الربوبية ( الذي هو اإليمان بأن هللا تعالى هو المتفرد بالخلق ) على توحيد األلوهية ( الذي هو اإليمان ّ بأن هللا تعالى هو المستحق للعبادة دون ما سواه ) ،إذ غالب الكفرة والمشركين يؤمنون بالربوبية ،لكنهم يشركون ويجادلون في األلوهية ،قال تعالى* :ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘﯙ ﯚ ﯛ ﯜ&[العنكبوت .]69:وقال تعالى* :ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫﮪ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣﯤ ﯥ ﯦ ﯧﯨ ﯨ ﯪ ﯫ ﯬ&[الزمر .]38:فاهلل تعالى يعلمنا كيف نحاور الكفار والمشركين ،وكيف نستدل على بطالن شركهم ،بما آمنوا به وسلموا. )1كثير من الناس بذور الخير كامنة في نفوسهم ،سرعان ما تظهر وتنبت وتعطي عطاءها وثمارها إذا ما صادفت محبا ً صادقا ً في حبها ،وإرادة الخير لها. سرعان ما تنبت وتثمر إذا ما صادفت بسمة صادقة ،أو لمسة حنان صادقة من محب ومشفق يريد لها الخير. المرء إذا أحب إنسانا ً ،أحب االستماع إليه ،وأحسن اإلنصات إليه ،ثم هو لو أخطأ توسع له في التأويل واألعذار ،والعكس كذلك إذا أبغض إنسانا ً -وإن كان محقا ً- كره االستماع إليه ،ولو أخطأ لضيق عليه األعذار وساحة التأويل ،بل لو أصاب الحق لقلل من قيمة ذلك ،وظن فيه الظنون! وهذا يعني أن الداعية إلى هللا ال تنتهي مهمته عند البيان وحسب ،وإنما يجب عليه مع البيان أن يظهر حبا ً صادقا ً للناس ،وغيرة صادقة على أحوالهم ومعاشهم، وشؤون حياتهم ودينهم ،فيعطيهم من اهتمامه وإقباله عليهم بكليته ما استطاع ،فيألم
املنهج املختصر يف الفقه والعقيدة والدعوة
189
لما يألمون ،ويسر لما يسرهم مما ليس فيه معصية هلل تعالى ،فيعيش -صادقا ً -همومهم بحلوها ومرها ،فينتزع منهم أوالً حبهم واحترامهم ،فيكون بعد ذلك نفع عطائه -بإذن ربه -مضاعفا ً أضعافا ً كثيرة. هذا المعنى تتمثل أسمى معانيه وأصدقها وأعظمها في شخص الحبيب محمد ^، كما قال تعالى* :ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ&[التوبة]928:؛ أي :يصعب ويشتد عليه *ﮋ
ﮌ&[آل عمران]998:
أي :ما يشق عليكم *ﯖ ﯗ ﯘ
ﯙ ﯚ ﯛ&[التوبة.]928: قال النبي ^« :ترى المؤمنين في تراحمهم وتوادهم ،وتعاطفهم ،كمثل الجسد، إذا اشتكى عضوا ا ،تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى» متفق عليه .والداعية إلى هللا تعالى أولى المؤمنين بهذه الصفة ،وهذا الخلق. أما الداعية الذي يأبى أن ينزل إلى الشارع ليعايش واقع الناس ،ويأنف أن يعيش همومهم ومشاكلهم ،ولو أراد أن يخاطب الناس ال يخاطبهم إال في الصاالت المكيفة ،ومن وراء الحواجز ،والجدر ،والشاشات ،فال يصح أن يسمى داعية إلى هللا. والداعية المحب للناس الذي يشاركهم همومهم وأحزانهم ،يكسب من الناس ثقتهم وتأييدهم ودعمهم له ولدعوته لو داهمته الخطوب ،ويكون الناس وراء هذا الداعية ركنا ً شديدا ً يغضبون له ولحرماته ،والداعية -وبخاصة في مرحلة االستضعاف -يحتاج -كسبب -إلى هذه الحصانة ،وإلى هذا الركن الشديد من الجماهير يجيره ويحميه من بطش الطغاة الظالمين ،ومبدأ الجوار وطلب النصرة والحماية كان معموالً به في عهد النبي ^ وما بعده ،والحافظ أوالً وآخرا ً الذي يجير وال يجار عليه هو هللا تعالى وحده. قلت :واعلم رحمك هللا أن نفوس الناس لها مفتاح ،فمتى ما رزقك هللا القدرة على فتحه استطعت أن تغرس فيها ما تشاء ،ومفتاح القلوب الخلق الحسن ،فإذا ما أردت دعوة فرد أو جماعة فابحث عن الوسيلة التي تفتح بها القلوب أوالً ،ثم ادلف إلى نصيحتك ومما تفتح به القلوب ،الهدية ،فكم من الناس تؤثر فيه الهدية وتأسره ،واالبتسامة أثناء توجيه النصيحة ،والثناء على الشخص أو الجماعة أو البلدة المراد دعوتهم ،ومن تأمل حال النبي صلى هللا عليه وسلم وجد كثيرا ً ما يثني على صحاب الفضل ،فقد أثنى على عائشة وذكر ّ أن فضلها على النساء كفضل الثريد على سائر الطعام ،وقال في عثمان يوم ذر بأنه أصدق لهجة ...الخ . ضر عثمان ما فعل بعد اليوم ،وأثنى على أبي ّ العسرة :ما ّ ومنها استغالل اإلساءة ،فالداعية معرض لإلساءة من قبل المدعوين ،فلو استغل هذه اإلساءة وقابلها باإلحسان لوجد لها أثرا ً بالغاً.
191
تهذيب خواطر وأفكار يف فقه الدعوة إىل اهلل د
ومنها أي :من أساليب كسب قلوب الناس ،تلطيف النصيحة بشيء من لين الكالم ،ومنها الثالثةد تهذيبعدمشرح الناس ،ومنها األصول أمام الجهر بها الحرص على عدم إطالة النصيحة ،والحرص على تبيين الشفقة في النصح ال التعالي والتشفي. تهذيب )9اعتماد الوسطية في الدعوة إلى هللا تعالى التي تعني التزام غرز الحق من غير َّواب.طُ املُثلَى جنوح ،إلى إفراط أو تفريط ،وال ميل إلى غلو أوالض جفاء قلت :وقد فهم بعض الناس بالوسطية بتقديم التنازالت والتمسك بالدين تشدداً، الدعا ِة التعامُ ِل وهذا لبس للحق بالباطل ،فالوسطية هي يف كيفيِّ والعلماءِالمحكم المتشابه مع يرد النص الوقوفةِ عند والتسليم ألمر هللا ورسوله. د إذ كثير من الناس في كثير من مسائل الدين هم فيها إلى مذهبين :إما إلى غلو الثالثةد أصحابه األصولأعز وأقل شرح وما تهذيببينهما، وإفراط ،وإما إلى جفاء وتفريط ..والحق وسط وأنصاره! هذا المنهج الوسطي في الدعوة إلى هللا تعالى -القائم على التوسط واالعتدال من غير جنوح إلى إفراط أو تفريط -ينبغي للداعية أن ينتهجه ويتحلى ويتزين به ،ألنه األقرب إلى فطرة الناس ،وإلى استجابتهم ،وألنه هو المنهج الحق القائم على العدل الذي ارتضاه هللا تعالى لعباده ،وإن سخطه الساخطون ،كما قال تعالى* :ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ&[البقرة.]943: ً ً قال عبد الرحمن السعدي في تفسيره( :أي :عدال خيارا ،وما عدا الوسط فأطراف داخلة تحت الخطر .فجعل هللا هذه األمة وسطا ً في كل أمور الدين؛ وسطا ً في األنبياء بين من غال فيهم كالنصارى وبين من جفاهم كاليهود ،بأن آمنوا بهم كلهم على الوجه الالئق بذلك .ووسطا ً في الشريعة ال تشديدات اليهود وآصارهم وال تهاون النصارى. وفي باب الطهارة والمطاعم ال كاليهود الذين ال تصح لهم صالة إال في بيعهم وكنائسهم وال يطهرهم الماء من النجاسات ،وقد حرمت عليهم الطيبات عقوبة لهم، وال كالنصارى الذين ال ينجسون شيئا ً ،وال يحرمون شيئا ً ،بل أباحوا ما دب ودرج. بل طهارتهم أكمل طهارة وأتمها ،وأباح هللا لهم الطيبات من المطاعم والمشارب والمالبس والمناكح وحرم عليهم الخبائث من ذلك ،فلهذه األمة من الدين أكمله ومن األخالق أجلها ،ومن األعمال أفضلها ،ووهبهم هللا من العلم والحلم والعدل واإلحسان ما لم يهبه ألمة سواهم ،فلذلك كانوا *ﭬ ﭭ&[البقرة ،]943:كاملين معتدلين ،ليكونوا *ﭯ ﭰ ﭱ&[البقرة ،]943:بسبب عدالتهم وحكمهم بالقسط ،يحكمون على الناس من سائر أهل األديان وال يحكم عليهم غيرهم) اهـ. وقال النبي ^« :إياكم والغلو في الدين ،فإنما هلك من كان قبلكم بالغلو في الدين» رواه أحمد وصححه األلباني.
املنهج املختصر يف الفقه والعقيدة والدعوة
195
فالوسطية الشرعية الحقة هي التوسط والوقوف وسطا ً بين منهجين باطلين، وليست الوسطية بمعنى محاولة اإلصالح والتقارب والتقريب بين الحق والباطل في نقطة وسط كما يفسرها ،ويدعو لها أهل البدع واألهواء ،فهذه وسطية باطلة، واإلسالم يبرأ منها ومن أهلها. )11انتهاج مبدأ التيسير على العباد ما أمكن لذلك سبيالً ،ما لم يكن إثما ً ،أو يؤدي إلى إثم ،فحينئذ على الداعية الجاد أن ينأى بنفسه عن العمل واإلفتاء بتيسير يؤدي إلى الوقوع في المحظور. وهذا منهج في الدعوة إلى هللا تعالى على الداعية أن ينتهجه ،ويعتمده كعامل من عوامل الترجيح وتحديد المواقف ،إذا ما عرض عليه أمران كل منهما حق ومشروع ،فينظر حينئذ إلى أيسرهما وأقربهما إلى التيسير فيأخذ به ،وبخاصة إذا اشتدت األمور وضاقت على الناس ،فحينئذ قد يرقى العمل بالتيسير إلى درجة الوجوب ،كما في القاعدة الفقهية( :إذا ضاقت اتسعت) .والقاعدة األخرى التي تقول: (الضرورات تبيح المحظورات) .على قدر الضرورة ،بالقدر الذي به تندفع وتزول. قال تعالى* :ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ&[الشرح .]6-5:فالعسر إذا جاء وأطل بظالله يتبعه التيسير واليسر بإذن هللا ،وما غلب عسر يسرين ..وما ينبغي له أن يغلب! وصح عن النبي ^ أنه قال« :ادعوا الناس ،وبشروا وال تنفروا ،ويسروا وال تعسروا» رواه مسلم .وقال ^« :إن الدين يسر ،ولن يشاد الدين أحد إال غلبه» رواه البخاري. وفي قصة األعرابي الذي بال في المسجد النبوي ،قال رسول هللا ^« :دعوه وأهريقوا على بوله دلوا ا من ماء ،فإنما بعثتم ميسرين ،ولم تبعثوا معسرين» رواه البخاري .فاعتبر ^ منعه من إتمام بوله -وفي أقدس مكان بعد الحرم المكي -نوعا ً من التعسير المنافي للتيسير الذي يؤدي بصاحبه إلى الضرر. وعن عائشة ل ،أنها قالت« :ما خير رسول هللا ^ بين أمرين إال أخذ أيسرهما، ما لم يكن إثما ا كان أبعد الناس منه» متفق عليه. )11كذلك مما يجب أن ينضبط عند الداعية إلى هللا مسألة الغضب ،وتحديد المواقف من اآلخرين واألحداث ،فيجتهد -ما استطاع -أن ال يغضب لنفسه وحظوظه ،وإنما يكون غضبه هلل تعالى وحده ،إذا ما انتهكت حرماته أو شيء منها ،فعن عائشة ل أنها قالت« :ما انتقم رسول هللا ^ لنفسه ،إال أن تنتهك حرمة هللا فينتقم هلل بها» متفق عليه. فالغضب مذموم ،والشريعة قد نهت عنه ،إال ما كان هلل تعالى ،وانتصارا ً لحرماته ،حتى الغضب هلل تعالى يجب أن يكون باعتدال وعدل من غير إفراط وال تفريط ،أو يوضع الغضب في غير موضعه الصحيح ،حيث ال ينبغي للداعية أن
191
تهذيب خواطر وأفكار يف فقه الدعوة إىل اهلل د
يغضب إذا ما حصل تجاوز أو تقصير في بعض النوافل ،أو مسائل الفروع ،كما بالتوحيداألصول تهذيب شرح الثالثةد الكلية. وبأصول الدين يغضب عندما يكون التقصير أو المخالفة لها مساس تهذيب ،فإن كان يزال عن واعلم أن المهم في عملية إنكار المنكر أن يزال المنكر طريق الرفق ،والكلمة الطيبة ،أو اإلشارة ،والتلميح ونحو ذلك ..ال يجوز حينئذ أن طُ املُثل الضَّواب َى -بخالف الرفق- لذاته يراد تزيله عن طريق الشدة ،واستخدام العنف ،ألن العنف ال يعالج إال التعامُبهِ.ل مع الدعا ِة والعلماءِ وإنما يطلب لغيره ،وكان هذا الغير ال يزاليفوالكيفيِّةِ قلت :وهذا خيط دقيق وحد رقيق يجب التنبيه له في الفرق بين غضب هللا وغضب النفس غضبا ً هلل ،ولعل في النفس ،فحذار من الخلط بينهما والتأويل النفس بجعل غضب د حديث األعرابي الذي جر عنق النبي صلى هللا عليه وسلم وطالق ابن عمر داللة على تهذيب شرح األصول الثالثةد ذلك. فعن أنس بن مالك رضي هللا عنه ،قال" :كنت أمشي مع النبي صلى هللا عليه وسلم ي ،فجذبه جذبةً شديدةً ،حتى نظرت إلى ي غليظ الحاشية ،فأدركه أعراب ٌّ وعليه بُرد ٌ نجران ٌّ َّ الرداء من شدَّة جذبته ،ث َّم صفحة عاتق النَّبي صلى هللا عليه وسلم قد أثرت به حاشية ِ ّ قالُ :م ْر لي من مال هللا الذي عندك .فالتفت إليه ،فضحك ،ث َّم أمر له بعطاء" متفق عليه عن عبدهللا بن عمر رضي هللا عنهما قال :كانت تحتي امرأة ،وكنت أحبها ،وكان عمر يكرهها ،فقال لي :طلقها ،فأبيت ،فأتى عمر رضي هللا عنه النبي صلى هللا عليه وسلم ي. فذكر ذلك له ،فقال النبي صلى هللا عليه وسلم "طلقها" ح ّ سنه األلبان ّ )16لكي ينجح الداعية في دعوته :ال بد له من أن يتحقق له اإللمام الوافي بالواقع الذي يعايشه ،ويتعامل معه ،ويريد معالجته؛ ما هي صفته؟ وما هي جوانب النقص والقصور فيه؟ وما حجم هذا النقص ونوعه؟ وأثره؟ ومن ثم اإللمام الدقيق بمجموع النصوص الشرعية ذات العالقة بهذا الواقع ،فيجمع بين فقه الواقع وبين فقه النص ذي العالقة بهذا الواقع ،وأيما خلل أو نقص في أي جانب من الجانبي اآلنفي الذكر ،سيوقع الداعية في أخطاء جسيمة ال تحمد عقباها ،وهو مثله حينئذ كمثل من يضع الدواء في غير موضعه ،وقبل أن يشخص الداء وموضعه ،وأنى لهذا أن يفلح أو يصيب في عالجه لمن يريد عالجه؟! فالحكم على الشيء فرع من تصوره. عن أبي عبيدة بن حذيفة قال :جاء رجل إلى حذيفة بن اليمان ،وأبو موسى األشعري قاعد ،فقال :أرأيت رجالً ضرب بسيفه غضبا ً هلل حتى قتل ،أفي الجنة أم في النار؟ فقال أبو موسى :في الجنة .قال حذيفة :استفهم الرجل وأفهمه ما تقول .قال أبو موسى :سبحان هللا! كيف قلت؟! قال :قلت :رجالً ضرب بسيفه غضبا ً هلل حتى قتل، أفي الجنة أم في النار؟ فقال أبو موسى :في الجنة .قال حذيفة :استفهم الرجل وأفهمه ما تقول ،حتى فعل ذلك ثالث مرات ،فلما كان في الثالثة ،قال :وهللا ال تستفهمه! فدعا به حذيفة ،فقال :رويدك ،إن صاحبك لو ضرب بسيفه حتى ينقطع ،فأصاب الحق
املنهج املختصر يف الفقه والعقيدة والدعوة
193
حتى يقتل عليه فهو في الجنة ،وإن لم يصب الحق ،ولم يوفقه هللا للحق ،فهو في النار .ثم قال :والذي نفسي بيده! ليدخلن النار في مثل الذي سألت عنه أكثر من كذا ()1
وكذا . )18يستحسن من الداعية ليفهم عنه أن يجتهد ما استطاع في االبتعاد عن التعبيرات المتشابهة حمالة األوجه والمعاني ،وأن يكون كالمه محكما ً واضحا ً غير متشابه، ال يحتمل إال فهما ً واحدا ً ،وتفسيرا ً واحدا ً ،أما إن أكثر من الكالم المتشابه حمال األوجه والمعاني ،يفهم عنه خطأ ،ويؤدي إلى تشويش السامعين ممن يريد دعوتهم ،فال يفقهون عنه شيئا ً ،وقد يحملهم أسلوبه هذا على رد الحق ،وعلى معارضة الحق بالحق ،وضرب اآليات بعضها ببعض. ً ولقد كان من سنة النبي ^ في كثير من األحيان إذا تكلم بكلمة أعادها ثالثا لتفهم عنه ،كما قال أنس بن مالك « :كان ^ إذا تكلم بكلمة أعادها ثالثا ا؛ حتى تفهم عنه» ()2
البخاري .و« كان ^ ال يراجع بعد ثالث» . وفي األثر عن ابن مسعود ا( :ما من رجل يحدث قوما ً حديثا ً ال تبلغه عقولهم، إال كان فتنة لبعضهم) ،وعن علي بن أبي طالب ا ،قال( :حدثوا الناس بما يعرفون، أتحبون أن يكذب هللا ورسوله) رواه البخاري. )14يجب على الداعية أن يتصرف بمسؤولية نحو دينه ،وأمته ،والناس أجمعين، ومن ذلك أن ينظر إلى مآالت مواقفه وكلماته وفتاويه ،إذ أحيانا ً ال يكفي أن يوافق الحق فيما يقول أو يفعل ،وإنما عليه أيضا ً أن ينظر إلى نتائج كلماته وأفعاله ،كيف ستفهم وكيف ستفسر ،وهل ستصب في مصلحة الدين والدعوة واألمة أو أنها سيترتب عليها من المفاسد ما يفوق المصالح؟ وهل سيستفيد منها العدو على عدوانه ،ويتقوى بها الظالم على ظلمه ..فيكون اإلمساك حينئذ هو األولى ،وهو األسلم ..أو أن العواقب والمآالت على خالف ذلك؟ كل هذا ينبغي أن يكون نصب عيني الداعية إلى هللا تعالى وهو يدعو إلى هللا. فقد صح عن النبي ^ ،أنه أمسك عن قتل رأس النفاق ابن سلول ،رغم بالغ أذاه وطعنه وغمزه ،حتى ال يقال :إن محمدا ً يقتل أصحابه! فإذا كان قتل منافق معلوم النفاق سيؤدي إلى فتنة وتفرق وتقاتل األصحاب واإلخوان ،وأن يتحدث الناس أن المسلمين يقتلون بعضهم بعضا ً ،وفي ذلك من التنفير
( )1أخرجه محمد بن وضاح القرطبي ،في كتابه النافع :البدع والنهي عنها. ( )2صحيح الجامع.)4859( :
تهذيب خواطر وأفكار يف فقه الدعوة إىل اهلل
194
د
والضرر ما فيه؛ فاألولى حينئذ اإلمساك عن قتل هذا المنافق الذي يظهر نفاقه وإن شرح األصول الثالثةد كان في األصل قتله جائزاً ،فليس كل جائز يجبتهذيب القيام به! الداعية أن يتوخى الوقت -95لكي تتأتى الثمرة المرجوة من الدعوة ،علىتهذيب والظرف المناسبين للدعوة والوعظ واإلرشاد ،فال يحدث الناس في أوقات إدبارهم عليهم املُثلَى الضَّوابطُ حديثهم ،ولكن ينتظر وانشغالهم عنه ،أو وهم في حديث من أحاديثهم فيقطع بالسؤال؛ بادروه مع ،أو لعليه منهم نوع إقبال والتفاتة ،ورغبة في والعلماءِ الدعا ِة أقبلوامُ ًِ فإذاةِ التعا االستماع؛كيفيِّ يف أقبل عليهم وباشرهم اإلجابة بلغة سهلة يفهمونها بعيدا عن التكلف والتشدق، المسائل ،وال يملهم الحديث، والتفيهق ،ثم يجتهد أن ال يكثر عليهم ،وال يشعب عليهم د وكثرة الكالم ينسي بعضه بعضا ً ،فيقل حينئذ النفع من حديثه وكلماته. الثالثةد األصول جمعة مرة ً ،فإن أبيت شرح كل تهذيبالناس وعن عكرمة أن ابن عباس قال له( :حدث فمرتين ،فإن أكثرت فثالث مرات ،وال تمل الناس هذا القرآن ،وال ألفينك تأتي القوم وهم في حديث من حديثهم ،فتقص عليهم ،فتقطع عليهم حديثهم فتملهم ،ولكن أنصت، فإذا أمروك فحدثهم وهم يشتهونه ،وانظر السجع من الدعاء فاجتنبه ،فإني عهدت رسول هللا ^ وأصحابه ال يفعلون ذلك) رواه البخاري. وعن شقيق قال :كان عبد هللا بن مسعود يذكر الناس في كل خميس ،فقال له رجل :يا أبا عبد الرحمن! لوددت أنك ذكرتنا في كل يوم .قال( :أما إنه يمنعني من ذلك أني أكره أن أملكم ،وإني أتخولكم بالموعظة كما كان رسول هللا ^ يتخولنا بها، مخافة السآمة علينا) رواه البخاري. ً وقال ^( :هلك المتنطعون! قالها ثالثا) رواه مسلم .ومن التنطع :التكلف، والغلو ،والمبالغة في طلب الشيء. وعن أنس بن مالك قال :كنا عند عمر ا فقال( :نهينا عن التكلف) رواه البخاري. ثم إنه إذا حدث الناس ينبغي أن يقبل عليهم بوجهه وحديثه ليعم جميع الحضور ،وال يقتصر إقباله على شخص واحد دون غيره ،أو يكون وجهه وبصره في اتجاه ،ومن يستمعون إليه ممن يخاطبهم في اتجاه آخر ،عن أبي حبيب بن أبي ثابت قال( :كانوا -أي الصحابة -يحبون إذا حدث الرجل ،أن ال يقبل على الرجل ()1
الواحد ،ولكن ليعمهم) .
( )1صحيح األدب المفرد.)171( :
املنهج املختصر يف الفقه والعقيدة والدعوة
195
وينبغي للداعية في المجالس العامة :أن يرمي على مسامع الحضور عبارات قصيرة ومثيرة ،تستدعي من اآلخرين نوع إقبال وفضول وسؤال ،فيكون ذلك سببا ً للبداية في اإلفاضة والتوسع في الدعوة إلى هللا. ثم عليه إن تكلم أن ال يلتفت بالتعليق والتعقيب على المداخالت والكلمات التي تصرفه بعيدا ً عن موضوعه األساس الذي انتقاه لهذا المجلس أو ذاك ،بل إن من الحضور من يكون هذا هو غرضه؛ وهو أن يشتت الداعية عن فكرته األساس، وموضوعه األساس؛ أال وهو الدعوة إلى هللا تعالى ،فإن لم يتنبه الداعية لذلك؛ فحينئذ ال يثبت له قرار على موضوع محدد ،وينفض المجلس من دون أن يفهم عنه شيء! -96الكالم منه ما يكون مبعثه من الفم ،ومنه ما يكون مبعثه من القلب ،فما كان مبعثه من الفم من غير حرارة تنبعث من القلب ،يصل إلى اآلذان وحسب ،وما يصل لآلذان يصل فاترا ً ذابالً ال ينتفع منه ،وما كان مبعثه من القلب ،فإنه يصل إلى قلب المخاطب وال بد ،وما يصل إلى القلب يتبعه فقه وتدبر وعمل ،فحديث الروح للروح ،وحديث القلب للقلب؛ أنفع من حديث الشفاه البارد! والداعية يحصل له هذا وذاك؛ فلما يشعر أن كالمه يخرج من قلبه يستمر في كالمه إلى نهايته ،ويعلم أن الكالم الذي يخرج من قلبه يستقر في قلب المخاطب بإذن هللا ،وإذا وقع في حالة فتور وشعر أن كالمه يخرج من فيه وحسب ،من غير استحضار لما يقول في قلبه ،فليتوقف وليمسك عن الكالم؛ ألن كالمه حينئذ قد يصل إلى اآلذان لكن ال يصل إلى القلوب. -97يجب على الداعية وهو ينطلق في عمله الدعوي أن يحافظ على أمرين: أولهما :أن ينطلق للدعوة إلى هللا قدر استطاعته ،فيبذل قصارى جهده في خدمة الدعوة ،لقوله تعالى* :ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ&[التغابن .]96:ولقوله ^« :وما أمرتكم به ،فأتوا منه ما استطعتم» متفق عليه. ثانيا ا :أن ال يعطي العدو ذريعة الستئصاله ،مقابل ال شيء يذكر ،أو مقابل نفع غير ذي بال ال يستحق تلك التضحية ،كأن يقول مثالً كلمات في مواطن ال تقدم وال تؤخر ،وتكون سببا ً في اعتقاله وتجميد عمله الدعوي لعشر سنوات أو أكثر!! وقد صح عن النبي ^ أنه قال « :ال ينبغي لمؤمن أن يذل نفسه» ،قالوا :وكيف ()1
يذل نفسه؟ قال« :يتعرض من البالء لما ال يطيق» . أي :ال ينبغي أن يستشرف مواطن بالء ال طاقة له بها ،قد تكون سببا ً في فتنته، أو ارتداده وانتكاسته ..أو توقفه عن العطاء ..لكن إن نزل بساحته البالء من غير ( )1صحيح سنن ابن ماجه.)3243( :
تهذيب خواطر وأفكار يف فقه الدعوة إىل اهلل
196
د
استشراف وال سعي منه نحوه ،فهنا عليه أن يصبر ويحتسب ،ويثبت ،فالمؤمن مبتلى، الثالثةد األمثل فاألمثل، األصول ثم شرحاألنبياء، تهذيببالء ويبتلى على قدر دينه ،كما في الحديث« :أشد الناس ا بالؤه ،وإن كان في دينه يبتلى الرجل على حسب دينه ،فإن كان في دينه صلبا اشتد تهذيب رقةا ابتلي على قدر دينه ،فما يبرح البالء بالعبد حتى يتركه يمشي على األرض وما ()1
الضَّوابطُ املُثلَى
عليه خطيئة» . والمواقف المواطن لمن لذا فأحيانا ً تقتضي الحكمة والعلماءِ مع الدعا ِة كثيرمُ ِ في التعا والمصلحةكيفيِّةِ يف االقتصار على التلميح واإلشارة ،التي بها يفهم اللبيب والعاقل المراد ،وتصل الرسالة لمن يريد أن يعرف الحق ،إذ أحيانا ً ال تسمح الظروف أن د يقف الداعية عند كل حدث أو جزئية فيفصل. تهذيب شرح األصول الثالثةد وعلى الداعية -وبخاصة في مرحلة االستضعاف ،وما قبل التمكين -أن يحسن التمييز بين من يسأل استرشادا ً من أجل العمل ،فيقبل عليه بكليته ،فيجيبه عما يسأله عنه ،أيا ً كان سؤاله ،وبين من يسأل فتنة وترفا ً ،ومن قبيل االستجرار وحفر الحفر، فهذا يعرض عنه ،وال ينشغل به وال يلتفت إليه ،وال ألسئلته أيا ً كانت أسئلته. كما على الداعية أن يراجح -قبل اإلقدام -بين حجم التضحية الناجمة عن صدعه وبيانه ،وبين المصلحة الناجمة عن ذلك الصدع والبيان ،فينظر إن كانت تلك المصلحة تستحق تلك التضحية أم ال ،فيقدم ما رجحت مصلحته ونفعه على ضرره، ويدفع ما رجح ضرره على نفعه. -98ال ينبغي للداعية إلى هللا تعالى أن يقلل من شأن نفسه ،فيبخسها حقها ومكانتها ،فيعتقد أنه ال شيء ،أو أن التحديات المحيطة به أكبر منه ،وأكبر مما يملك من طاقات وإمكانيات ،فيهيمن عليه اإلحباط واليأس ،فقليل منه ،مع قليل غيره من الدعاة ،قد يبارك هللا به ،ويصبح بإذن هللا كثيرا ً وكبيرا ً ،وذا بال وأثر على واقع وحياة الناس ،فكم من خير عظيم كانت بدايته جهد فرد ال يؤبه له ،وكم من خير لم تظهر آثاره وثماره إال بعد حين ،وربما بعد رحيل صاحبه ،فعليك الغرس ،وعلى هللا تعالى الزرع واإلنبات ،فلله األمر من قبل ومن بعد ،يضع القبول لمن يشاء ،ووقتما يشاء ،وحيثما يشاء. وعندما يتسلل القنوط واليأس إلى نفس الداعية ،يكون ذلك بمثابة اإلعالن عن الهزيمة واالنتكاس والفشل والهروب من الواقع وتحمل تبعاته ،وتفريغ ميادينه للباطل وأهله ،ويكون بمثابة اإلعالن عن انتصار الباطل وأهله؛ لذا فإن العدو يعمل جاهدا ً من أجل تدمير معنويات الدعاة إلى هللا ،وحملهم على القنوط واليأس من النصر أو ( )1صحيح سنن الترمذي.)9156( :
املنهج املختصر يف الفقه والعقيدة والدعوة
197
الظفر بشيء ،ليثنيهم عن مهمتهم ودعوتهم ،فعلى الدعاة أن يتفطنوا لهذا ،وأن يحذروه أشد الحذر ،وأن يعلم كل واحد منهم أنه على ثغر عظيم من ثغور األمة واإلسالم ،فليحذر أن تؤتى األمة واإلسالم من قبل ثغره .قال تعالى* :ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ&[الحجر.]56: ثم إن من صفات الغرباء الذين أثنى النبي ^ عليهم خيرا ً ،أنهم يتصدرون مهمة إصالح ما يفسده الناس ،وأن من يعصيهم أكثر ممن يطيعهم ،وما يصدهم ذلك عن دينهم ومهمتهم ،قال النبي ^« :إن اإلسالم بدأ غريبا ا ،وسيعود غريبا ا كما بدأ ،فطوبى للغرباء ،قيل :من هم يا رسول هللا؟ قال :أناس صالحون في أناس سوء كثير ،من يعصيهم أكثر ممن يطيعهم» أحمد. -91ينبغي على الداعية أن يكون عالميا ً في دعوته ،أي :أن يكون العالم كله هدفا ً لدعوته ،واألرض كلها ميدانا ً وساحةً لدعوته ،فال تقتصر دعوته على قرية دون قرية ،وال على بلدة دون بلدة ،وال على قوم دون قوم ،بل يكون الناس كلهم -على اختالف ألوانهم ،وأجناسهم ،ولغاتهم ،وانتماءاتهم -أينما كانوا هدفا ً لدعوته اقتدا ًء بالنبي ^ الذي قال فيه ربه * :Qﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ&[األنبياء .]917:وقال تعالى* :ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ&[سبأ.]28: وأيضا ً على الداعية أن يكون عالميا ً في همومه ،أي :أن تكون اهتماماته وهمومه شاملة لجميع هموم ومشاكل وآالم المسلمين على اختالف ألوانهم وأجناسهم، ولغاتهم ،وأينما كانوا ،قال تعالى* :ﯜ ﯝ ﯞ&[الحجرات.]91: قال ^« :ترى المؤمنين في تراحمهم ،وتوادهم ،وتعاطفهم ،كمثل الجسد ،إذا اشتكى عضوا ا تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى» متفق عليه. ومن ذلك :أن ال تقتصر عداوة الداعية لطاغوت معين دون بقية طواغيت األرض. -21من مهام الداعية التي تساعده على الدعوة إلى هللا تعالى :أن يتعرف على قدرات ومكامن طاقات من يدعوهم ،ليقوم بتنشيطها وتجنيدها وتوظيفها في الدعوة إلى هللا ،فالمهم الدعوة إلى هللا ،ومصلحة الدعوة إلى هللا ،واستمرار الدعوة إلى هللا بأفضل وأقوى الطرق ،وليس احتكار الدعوة لنفسه أو لمجموعة أشخاص دون الناس! قلت :وأقل ما يجب عليه أن يحرص على تعلم أحكام ما هو بصدد الدعوة إليه أواإلنكار فيه ،فإذا ما ذهب إلى منطقة الربا فيها فاش فليتعلم مسائل الربا وأحكامه وهكذا. فالداعية المخلص :هو الذي يفرح لكل خير ولكل إنجاز يخدم الدعوة إلى هللا، سواء تحقق هذا اإلنجاز على يده أم على يد غيره.
198
تهذيب خواطر وأفكار يف فقه الدعوة إىل اهلل د
وعلى القادة أن يشجعوا غيرهم من الدعاة إلى هللا ،وأن يصفوهم بكلمات الثالثةد األصول التعزيز والتشجيع ،فمن أخطاء بعض القادة أنهتهذيب وتصغير جميع تحقير شرحعلى يحرص تهذيبإنسانا ً ضعيفا ً في كثير من أمامه ،ولو أراد أن يستخلف من ينوب عنه تراه يستخلف من مواهبه؛ ليضمن عدم المنافسة والندية ،وليبقى هو المتفرد والمميز في القيادة والالمسؤولطُ املُثلَى الضَّواب يعرف عند موت هذا وتصدر المجالس ،وخطر هذا المسلك األناني الداعية أو غيابه غيابا ً قسريا ً ،ليشكل رحيله فراغا ً قات ً والعلماءِأنجزه الدعا ِةجميع ما لقدمعيوقف التعاالمُ ِ يف كيفيِّةِ وابتدأه من أعمال دعوية ،النتفاء وجود القوي األمين الذي يستخلفه في ذلك! بالعمل الدعوي ،تنهار كليا ً وكثير من األحزاب والجماعات المعاصرة والمعنية د أو تضعف ضعفا ً شديدا ً بسبب رحيل مؤسسها األول ،وذلك لعدم اهتمامه بالخليفة أو تهذيب شرح األصول الثالثةد بمن يرثه في القيادة. -29ليس في ديننا شيء يخجل منه ،فكل ما في اإلسالم حق وجميل؛ ألنه صادر عن الحق الجميل ـ ،قال تعالى* :ﭹ ﭺ ﭻﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ&[غافر.]21: وقال تعالى* :ﯾ ﯿ ﰕﰕ ﰕ ﰕ ﰕ ﰕ ﰕ ﰕ ﰕ ﰕ&[المائدة .]51:وقال تعالى* :ﯸ ﯹ ﯺ ﯻﯼ ﯽ ﯾ ﯿ ﰕ ﰕﰕ ﰕ ﰕ ﰕ&[يونس.]32: وبالتالي ال ينبغي للداعية وهو يدعو إلى هللا تعالى ،أن يكتم شيئا ً من دين هللا تعالى خجالً من اآلخرين ،كأن يتوقف عن الحكم على الكافرين بأنهم من أهل السعير، أو يكتم حكم هللا تعالى في بعض الحدود الشرعية مرضاة ألهواء من يدعوهم ،أو خوفا ً من نقدهم ،قال تعالى* :ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ&[المنافقون.]8: -22من األمور التي ينبغي أن تنضبط عند الدعاة إلى هللا تعالى :قضية كيفية التعامل مع أهل المنكر ،فإذا لمس الداعية أن الذي يقارف بعض المنكرات يستفيد من مجالسته ،وأنه يحسن اإلصغاء ،وأن احتمال هدايته وإقالعه عن المنكر ممكنة ،لكنه يحتاج إلى شيء من التواصل واإلقبال والمجالسة ،والحديث؛ فحينئذ ال حرج عليه لو أقبل عليه ،وجالسه بالقدر الذي يسمح بتحقيق الغاية المرجوة؛ وهي أطره إلى الحق، وإقالعه عن المنكر ،بشرطين :أن ال يشاركه في شيء من منكره وباطله ،وأن ال يجلس معه في مجلس منكر تدار فيه المنكرات ،كمقارعة الخمور ،واللعب بالميسر، ونحو ذلك. فالعمل على هداية الناس ،وأطرهم إلى الحق يحتاج لنوع خلطة ال بد منها ،قال النبي ^« :المؤمن الذي يخالط الناس ويصبر على أذاهم ،أعظم أجرا ا من المؤمن الذي ال يخالط الناس ،وال يصبر على أذاهم» رواه أحمد وصححه األلباني. والدعوة ليست مقصورة على الصالحين وحسب ،وإنما هي شاملة للصالحين والطالحين ،والناس أجمعين ،قال تعالى* :ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ&[األنبياء .]917:وهذا يحتاج لنوع خلطة وال بد.
املنهج املختصر يف الفقه والعقيدة والدعوة
199
أما إن وجد صاحب المنكر يتسم بالكبر والعناد ،واإلعراض ،وأنه ال يستفيد من مجالسته ونصحه ،فحينئذ يفتقد المبرر من مواصلة مجالسته ومخالطته ،ولو أبى إال أن يجالسه ،ويؤاكله ،ويشاربه ،ويمازحه وهو على هذا الوصف ،يحمل عليه الوعيد الوارد في قوله تعالى* :ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ&[المائدة.]71-78: فإن قيل :هل التعامل مع أهل البدع واألهواء من حيث الخلطة واالعتزال كالتعامل مع أهل المعاصي؟ أقول :يميز بين األتباع من أهل البدع واألهواء ،وبين دعاتهم ورؤسائهم، فينظر في األتباع ممن يحسن اإلصغاء ،ويحرص على االستفادة ،ويسأل استرشادا ً، وكان ضحية تلبيس كبار دعاتهم؛ فيقبل عليه محادثة ومجالسة بالقدر الذي يكفي لدعوة أمثاله ،أما إن كان من رؤساء أهل البدع واألهواء وكبار دعاتهم ،ورؤوس فتنتهم ،ثم عرف بالكبر والعناد والجهل؛ فهذا يعتزل كليا ً ،فال يحادث وال يجالس وال يسمع منه في شيء ،قال الحسن البصري( :ال تجالس صاحب بدعة ،فإنه يمرض قلبك). -23ينبغي على الداعية أن يتعامل مع نتائج أعماله بين المحاسبة والتفويض، فيجري بين الفينة واألخرى عملية محاسبة وتقييم منصفة وجريئة لنتائج أعماله بشكل دوري ،فما كانت نتائجه سلبية وغير مرضية يعزو ذلك ابتداء إلى التقصير من عند نفسه ،ثم يجتهد في البحث عن جوانب القصور والخلل فيصلحها ليستأنف بإذن هللا عمالً جديدا ً إيجابيا ً وناجحا ً ،فإن لم يجد -بعد الفحص والتدقيق -في نفسه وجهده واجتهاده تقصيرا ً وال خلالً ،فليفوض األمر إلى هللا ،فإن النتائج بيد هللا *ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ&[البقرة.]296: وللنصر والتمكين سنن ونواميس ال تحابي أحدا ً ،من حققها في نفسه وواقعه تحقق له النصر والتمكين ،ومن تنكبها وخالفها لم يتحقق له النصر والتمكين ،قال تعالى* :ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ&[محمد .]7:مفهوم المخالفة إن لم تنصروا هللا ال ينصركم، وال يثبت أقدامكم ..وحينئذ ال يحق لكم أن تسألوا عن نصر هللا لكم ..وذلك ألنكم لم تحققوا شرط نصر هللا لكم بنصركم هلل .Q قال تعالى * :ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ
ﯥ&[األنفال .]61:فإعداد القوة -المادية والمعنوية منها سواء -ناموس من نواميس النصر والتمكين ،فمن تنكبه وتخلف عنه ،أضل طريق النصر والتمكين. -24لكي تكلل عملية الدعوة إلى هللا تعالى بالنجاح ،وتؤتي ثمارها المرجوة بإذن هللا تعالى ،ال بد للداعية من أن يتحلى بجملة من األخالق الحميدة ،التي تساعده على أداء مهمته الدعوية بطريقة جيدة وفاعلة ..والتي تحبب الناس به وبدعوته،
311
تهذيب خواطر وأفكار يف فقه الدعوة إىل اهلل د
فالحق إن لم يكلل بجملة من األخالق الحميدة التي تزينه وتجمله ،قد ال يكفي لترغيب تهذيب شرح األصول الثالثةد الناس به ،والدخول فيه. الخطاب موجه لسيد الخلق، قال تعالى* :ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧﭨ&[آل عمران .]951:وهذا تهذيب أنه لو كان فيه هذا الخلق وحسب *ﭢ ﭣ ﭤ&[آل عمران ]951:النفض الناس من حوله، َّوابطُ املُثل وتركوه بمفرده حتى لو كان رسول هللا ..فكيف بمن الض وكيفَىلو اجتمعت فيمن سواه.. سواه صفات أخالقية منفرة أخرى غير الفظاظة وغلظة القلب ..ال شك حينئذ أن وأشدِ.ل مع الدعا ِة والعلماءِ أكثرالتعامُ كيفيِّةِ يف عوامل تنفير الناس ،وصدهم عن دين هللا ستكون اجتمعت فيه صلوات ربي لكن سيدنا سيد الخلق لما كان على خلق عظيم ،قد د وسالمه عليه كمال معالي األخالق ،كما وصفه ربه * :Qﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ&[القلم .]4:كان األصولفيالثالثةد ذلك من جملة األسباب العظيمة التي وضعتتهذيب األرض ،وبين شرحالقبول لإلسالم الناس. وفي الحديث ،عن أنس ا قال « :كان رسول هللا ^ أحسن الناس خلقا ا» متفق عليه. ً وعن عبد هللا بن عمرو بن العاص ب قال :لم يكن رسول هللا ^ فاحشا وال متفحشا ً ،وكان يقول« :إن من خيا ركم أحسنكم أخالقا ا» متفق عليه. قال عبد هللا بن المبارك في تفسير حسن الخلق( :هو طالقة الوجه ،وبذل المعروف ،وكف األذى). ومن أجمل ما يزين الداعية ،وخطابه الدعوي :العدل ،والرقي في الخطاب من غير فحش وال بذاءة ،ومن أكثر ما يشين الداعية وخطابه الدعوي :الظلم ،والهبوط والفحش في القول والتعبير! العدل؛ فال يجنح -في حكمه على األشياء والمواقف -إلى إفراط أو تفريط ،فال يكبر الصغير والصغائر ،وال يصغر الكبير والكبائر ،بل يلتزم جادة العدل في السخط والرضى ،في السلم والحرب ،ومع العدو والحبيب سواء ،فيشهد على المحسن بأنه محسن ،وعلى المسيء بأنه مسيء أيا ً كان هذا المحسن وهذا المسيء ،كما قال تعالى: *ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮪ ﮭ ﮮ ﮯﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝﯞ ﯟ ﯠﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ&[المائدة.]8: وقال تعالى* :ﭺﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ&[النحل.]11: كما ينبغي عليه :أن ينأى بنفسه عن موارد التهم والظنون والشبهات ،التي تجعله ودينه عرضةً لغيبة المستغيبين ،وخوض الخائضين ،ومن ذلك أن يعتزل مجالس وقصور الطغاة اآلثمين ،وينزه نفسه ودينه عن عطائهم المشوب بالحرام ،والمشروط بارتكاب الحرام ،ككتمان الحق ،ومواكبة الظالمين والمفسدين على ظلمهم وفسادهم ،فقد
املنهج املختصر يف الفقه والعقيدة والدعوة
315
صح عن النبي ^ أنه قال« :سيكون أمراء تعرفون وتنكرون ،فمن نابذهم نجا ،ومن ()1 اعتزلهم سلم ،ومن خالطهم هلك» . -25وفي الختام نذكر مسألة مصلحة الدعوة التي جنح فيها كثير من الناس إلى إفراط أو تفريط؛ فريق حمل مصلحة الدعوة على مصلحته الشخصية أو الحزبية ،فما وافق مصلحته الشخصية أو الحزبية فثم مصلحة الدعوة ،وما عارض مصلحته الشخصية أو الحزبية ،تنتفي حينئذ مصلحة الدعوة ،وينتفي معها الحديث عن مصلحة الدعوة ،فيجعل من مصلحة الدعوة مطية لمآربه الشخصية والحزبية وحسب! وفريق مقابل جنح إلى التفريط ،كردة فعل لصنيع الطرف السابق؛ فعد مصلحة الدعوة وثن يعبد ،يستتر به ،يجب هدمه وإزالته ،إذ ال قيمة وال اعتبار في تفكير وأدبيات هذا الفريق من الناس لمصلحة الدعوة ،وال للحديث عن مصلحة الدعوة، والحديث عن مصلحة الدعوة عندهم سبة وتهمة! وكال الفريقين على خطأ ،والحق وسط بينهما ،وبيان ذلك :أن مصلحة الدعوة إلى هللا تعالى ،هي من مصلحة الدين ،ومصلحة التوحيد ،وعباد هللا المؤمنين ،والناس أجمعين ..ال يمكن تجاهلها وعدم اعتبارها ..فاإلسالم جاء بضرورة مراعاة المصالح وتقديمها ،ودفع المفاسد ..وأعظم المصالح التي ينبغي مراعاتها والعمل من أجلها مصلحة الدعوة والدين ..فعند التعارض واستحالة التوفيق تقدم مصلحة الدين والتوحيد على ما سواها من المصالح ...ومصلحة األمة على مصلحة قطر أو جماعة من الجماعات أو حزب من األحزاب المنسوبة لألمة ..ومصلحة الجماعة على مصلحة الفرد ..والمصلحة األكبر على ما دونها من المصالح ،وهكذا. وعليه فأقول :ال يجوز أن تستغل مصلحة الدعوة للمصالح الشخصية أو المصالح الحزبية الضيقة؛ فنصور مصالحنا الشخصية والحزبية على أنها هي مصلحة الدعوة ،ومصلحة الدعوة على أنها هي مصالحنا الشخصية والحزبية.. فحينئذ نسيء لمصلحة الدعوة جدا ً ،ونصيبها بمقتل عظيم ،وتكون مصلحة الدعوة بمثابة كلمة حق يراد بها باطل ..كما ال يجوز أن نلغي مصلحة الدعوة من فقهنا وفكرنا وأدبياتنا ..بزعم أن فريقا ً من الناس يسيء استخدام فقه مصلحة الدعوة ،وأنه يجيرها لمصالحه الشخصية أو الحزبية ..ولو جاز ذلك لجاز القول بإلغاء كثير من المفاهيم اإلسالمية العامة ،بزعم أن من الناس من يسيء فهم واستخدام تلك المفاهيم..وهذا ال يقول به عاقل!
( )1رواه الطبراني ،صحيح الجامع.)3669( :
311
تهذيب خواطر وأفكار يف فقه الدعوة إىل اهلل د
قلت :واعلم وفقك هللا أن دين هللا بضاعة ال تحتاج لتبديل وال تغيير وال تحريف ،فهي الثالثةد األصول فالدين دين هللا، الناس، شرحإنقاذ تهذيبتريد ماء زالل ،فحذار أن تغير فيه فتهلك نفسك بحجة أنك فإذا قبله الناس فذلك ما وإنما نحن دعاة إليه نعرضه كما يريد هللا ال كما نريد نحن، تهذيب نبغي ،وإال فقد أعذرنا أمام هللا. أيهاطُ املُثل الضَّواب َى مهمتك ،فاحرص الداعي واعلم أن دين هللا قد فطرت عليه النفوس ،فقد يسر هللا لك على عرضه بما يحببه إلى القلوب دون تبديل أو تغيير فيه ،فهذا القرآن أعظم كالم التعامُ ِل مع والعلماءِالدعوة الدعا}ِ،ة فلنزين بأصواتكم كيفيِّةِالقرآن وأجمله يقول لنا نبينا صلى هللا عليه وسلم{ :يفزينوا بأخالقنا. د ً وإني ألضرب مثال للداعية في دعوته فأقول :إن ما تدعو إليه هو ماء صافي زالل، الثالثةد شرح النفوس برغم األصولتتقبله متسخ لم تهذيبناء وإنك أنت إناء هذا الماء ،فالماء الصافي إذا قدم في إ صفاء الماء ،فلنطيب أنفسنا ودعوتنا ولنبدأ بأنفسنا ،رزقنا هللا وإياكم القبول. ومما يذكر به الداعية أن يراوح في دعوته بين الوعظ والتربية والترهيب والترغيب، والحجج العقلية والشرعية ،وأن ال يغفل الداعية جانب الوعظ واإلكثار من الرقائق ،فإن القلوب إذا النت انفتحت لقبول الحق ،وأن مما ابتليت به األمة أن احتقر الناس الوعظ وعد ّوه منقصة وصار يقال للواعظ فالن واعظ على سبيل التقليل من قدره ،وهللا المستعان ،وقد جعل هللا نبيه واعظا ً وسماه واعظاً (( :ا ْدعُ ِإلى سبِي ِل ر ِبّك بِ ْال ِح ْكم ِة و ْالم ْو ِعظ ِة ْالحسن ِة ))[النحل.]165: ومن األمور الهامة نقطة أخرى :أن يستحضر الداعية أنه حين ينكر منكرا ً ويأمر بالمعروف وهو يرجوا النجاة لنفسه أوالً ،ثم نجاة المدعو (( :م ْعذِرة ً ِإلى ر ِبّ ُك ْم ولعلَّ ُه ْم يتَّقُون ))[األعراف ،]124:فاستحضار هذين األصلين يجعل عند الداعية وزنا ً في دعوته فال يتنازل في دين هللا ألجل الناس ،فيهلك هو لينجو غيره ،وال يغلظ في دعوته رجاء أن يقبل المذنب ويتقي هللا. َّ وهذان المقصدان (( :م ْعذِرة ً ِإلى ر ِبّ ُك ْم ولعل ُه ْم يتَّقُون ))[األعراف ،]124:متى ما جنح الداعية إلى أحدهما دون اآلخر فقد تأثير دعوته ،فمن يدعو الناس من باب (( :م ْعذِرة ً ِإلى ر ِبّ ُك ْم )) تجده أنه كأنما يؤدي وظيفة ،فال يحرص على أساليب الدعوة ،وال يحرص على هداية الناس ،إنما يدعو إلبراء الذمة ،ومن غلب جانب (( :لعلَّ ُه ْم يتَّقُون )) تجد أنه يحرص على دعوة الناس وهدايتهم ،فيقدم التنازالت والقرابين بالتضحية بأوامر هللا وأوامر رسوله صلى هللا عليه وسلم ،كمن يستخدم الغناء والمزامير والنساء وغير ذلك في دعوته إلى هللا من أجل أن يرجع الناس ،أو يخرج الناس بحسب زعمه إلى دين هللا سبحانه وتعالى. أمر مهم هو مسألة الم صلحة ومن المهم في هذا الباب التنبيه باختصار إلى ٍ والمفسدة: والحمد هلل رب العالمين،، وصلى هللا وسلم على نبينا محمد ،وعلى آله وصحبه أجمعين.
املنهج املختصر يف الفقه والعقيدة والدعوة
تهذيب الضَّواب ُ ط ال ُمثلى والعلماء ِ في كيف ِيّ ِة التعا ُم ِل مع الدعاةِ للشيخ/ عبد المنعم مصطفى حليمة (أبو بصير الطرطوسي) حفظه هللا تهذيب/ د .عبد الله بن محمد المحيسني
313
تهذيب الضَّوابطُ املُثلَى يف كيفيِّةِ التعامُ ِل مع الدعا ِة والعلماءِ
314
املقدمة
د تهذيب شرح األصول الثالثةد
تهذيب
الحمد هلل وحده ،والصالة والسالم على من ال نبي بعده ،وعلى آله وصحبه. الضَّوابطُ املُثلَى أما بعد: والعلماءِوما يجب الدعا ِةيجب لهم ..وما والعلماءمع الدعاةالتعامُ ِل حقوقكيفيِّةِ فقد كثر الحديث والسؤال عن يف عليهم ..وعن اللحوم المسمومة وغير المسمومة! د وكثير من الناس -كعادتهم -فريقان :فريق يجنح إلى اإلفراط والغلو في الطاعة الثالثةد الداعية الذي األصولشيخه ..أو شرحُقال في تهذيبأن ي والوالء والتقديس ..وعلى حساب الحق ..فال يقبل يهواه ..نقدا ً ..وال نصحا ً ..وال توجيها ً ..وال أن يُقال عنه أخطأ والصواب كذا! أما الفريق اآلخر الذي يجنح للتفريط ..يتمثل في شريحة من الناس ال تقيم للعلماء العاملين وزنا ً وال قيمة وال احتراما ً ..فأحدهم ألدنى خالف ..أو ألي اجتهاد معتبر يصدر عن ذاك العالم أو الداعية ال يفهمه أو قد ال يروق له ..تراه ال يتورع عن الطعن والتشهير واالستخفاف به ..وبعلمه ..ويعلن البراء منه ..والحرب عليه! والحق وسط بين الفريقين والمنهجين ..ال إلى هؤالء وال إلى هؤالء ..ومن غير جنوح إلى إفراط وال تفريط ..نجتهد في أن نُظهر هذا المنهج الوسطي الحق الذي يحدد صفة وكيفية التعامل مع الدعاة والعلماء ..ويبين ما لهم وما عليهم ..من خالل ذكر الضوابط التالية ..راجيا ً من هللا تعالى السداد والتوفيق.
املنهج املختصر يف الفقه والعقيدة والدعوة
315
الضابط األول: يجب أن يعلم الجميع أن للعلماء العاملين الصادعين بالحق مكانتهم الرفيعة، وحقوقهم المحفوظة في اإلسالم. فهم أولي األمر ..وهم القادة ..وهم األمناء على دين هللا في أرضه ..وهم الطليعة النخبة الذين يتقدمون األمة في ميادين الجهاد والصدع بالحق ..ونحو كل خير ..وهم الطائفة المنصورة الظاهرة بالحق ال يضرهم من خالفهم وال من خذلهم؛ لذا فلهم من األمة التوقير ،واالحترام ،واإلكرام ،واإلجالل ،قال تعالى* :ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ&[فصلت.]33: ليستغفر له من في السماوات ومن وقد صح عن النبي ^ أنه قال« :إن العا ِل َم ُ سائر في األرض ،حتى الحيتان في الما ِء ،وفضل العالم على العابد كفضل القمر على ِ الكواكب ،وإن العلما َء ورثةُ األنبياء ،إن األنبياء لم يورثوا دينارا ا وال درهما ا ،وإنما ()1
وافر» . ورثوا العلم ،فمن أخذه أخذ بحظٍ ٍ َ وقال ^« :ليس من أمتي من لم ي ُِج َّل كبيرنا ،ويرحم صغيرنا ،ويعرف ()2 لعالمنا» .أي :يعرف لعالمنا حقه من توقير وتكريم واحترام .وقال ^« :إن من إكرام ذي الشيب ِة المسلم ،وحامل القرآن غير الغالي فيه والجافي عنه، إجالل هللا َ ()3 س ط» . وإكرام ذي السلطان ال ُمق ِ فالذي يتطاول على هذا الصنف من العلماء العاملين بالطعن ،والسب ،والتهكم، أو التشهير ..إثمه مغلظ ومضاعف ..فقد صح عن النبي ^ أنه قال« :إن هللا تعالى قال :من عادى لي وليا ا فقد آذنته بالحرب» رواه البخاري. الضابط الثاني: إن إجالل واحترام وإكرام العلماء يتفاضل ويزيد وينقص بحسب قِدم السيرة العلمية ،والدعوية ،والجهادية لكل عالم؛ فحق العالم العامل المجاهد أعظم وأغلظ من حق العالم القاعد عن الجهاد ..ولكل فضله ..وكذلك من كان له السبق في الدعوة إلى هللا تعالى والجهاد في سبيله ..فله زيادة حق وفضل على من كان حديث عهد مع العلم والدعوة إلى هللا تعالى والجهاد في سبيله ..والنصوص الشرعية قد دلت على ذلك.
( )1أخرجه أبو داود ،والترمذي ،وابن ماجه ،وابن حبان ،صحيح الترغيب.)68( : ( )2أخرجه أحمد وغيره ،صحيح الترغيب.)16( : ( )3صحيح سنن أبي داود.)4153( :
316
تهذيب الضَّوابطُ املُثلَى يف كيفيِّةِ التعامُ ِل مع الدعا ِة والعلماءِ د تهذيب شرح األصول الثالثةد
قال تعالى* :ﯳ ﯴ ﯵ ﯶ ﯷ ﯸ ﯹ ﯺ ﯻﯼ ﯽ ﯾ ﯿ ﰕ ﰕ ﰕ ﰕ ﰕ ﰕﰕ ﰕ ﰕ ﰕ ﰕﰕ ﰕ تهذيب والمثوبة والدرجة -بين من ﰕ ﰕ ﰕ ﰕ&[الحديد .]91:فميز هللا تعالى -من حيث األجر
أجرا ً َى وأرفع مكانة -وبين آمن وأنفق وقاتل في سبيل هللا قبل فتح مكة -فهؤالء أعظمطُ املُثل الضَّواب من آمن وأنفق وقاتل في سبيل هللا بعد فتح مكة ،وكالً وعد هللاُ الجنة. يف كيفيِّةِ التعامُ ِل مع الدعا ِة والعلماءِ وقال تعالى* :ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬﭭد ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ
تهذيب شرح الثالثةدوأنفسهم على األصولبأموالهم المجاهدين ﭴ ﭵ&[النساء .]15:فاآلية صريحة في تفضيل القاعدين من المؤمنين.
املنهج املختصر يف الفقه والعقيدة والدعوة
317
الضابط الثالث: من عقيدة أهل السنة والجماعة أن كل إنسان مهما كانت مرتبته ودرجة تحصيله العلمية ،يُخطئ ويُصيب ،يؤخذ منه ما أصاب فيه ،ويُرد عليه ما أخطأ فيه.. عدا النبي المصطفى ^ الذي ال ينطق عن الهوى *ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ&[النجم.]4: لذا جاءت النصوص الشرعية مبينة أن الطاعة ال تكون على اإلطالق ،وإنما تكون في المعروف ،وأنه ال طاعة لمخلوق في معصية الخالق ،فقد صح عن النبي ^ أنه قال « :ال طاعة في معصية هللا ،إنما الطاعةُ في المعروف» متفق عليه .وقال ^: «السم ُع والطاعة على المرء المسلم فيما أحبَّ أو كره ،ما لم يُؤمر بمعصي ٍة ،فإذا أُمر بمعصية فال سمع وال طاعة» متفق عليه. ومن الشرك الذي وقع فيه أهل الكتاب أنهم أطاعوا علماءهم وأحبارهم ورهبانهم طاعة مطلقة في كل ما يصدر عنهم من حق أو باطل ،فاتخذوهم بذلك أربابا ً من دون هللا ،كما قال تعالى عنهم* :ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ&[التوبة .]39:وذلك لما أحلوا لهم الحرام فاتبعوهم وأطاعوهم على التحليل ،وحرموا عليهم الحالل فاتبعوهم وأطاعوهم على التحريم ..ذلك معنى اتخاذهم إياهم أربابا ً من دون هللا. وهذا معتقد سيئ وباطل ينبغي على المسلمين أن يحذروه ويجتنبوه ..فمن وقع فيه وتخلق به من المسلمين ،وتعامل مع العلماء كما تعامل أهل الكتاب مع أحبارهم ورهبانهم فأطاعهم في كل ما يصدر عنهم من حق أو باطل ،من صواب أو خطأ ،فقد وقع في الشرك ،واتخذ العلماء أربابا ً من دون هللا تعالى. ومنه نستفيد أن الحق أولى باالتباع وااللتزام ..وأنه ال بد من أن يُقال للعالم: أصبت فيما قد أصاب فيه ووافق الحق ،وأخطأت فيما قد أخطأ فيه وخالف الحق.. وهذا ال يتعارض أبدا ً مع حقوقه المحفوظة؛ فاحترام العالم شيء ،وإنصاف الحق منه شيء آخر. فديننا قائم على النصيحة واألمر بالمعروف والنهي عن المنكر ،فقد صح عن النبي ^ أنه قال« :الدين النصيحة» قلنا :لمن؟ قال« :هلل ،ولكتابه ،ول رسوله ،وألئمة المسلمين ،وعامتهم» رواه مسلم. الضابط الرابع: ً ً العلماء الذين يخلطون في دعوتهم ومنهجهم حقا وباطال ..سنة وبدعة ..هل من حقوقهم التوقير واالحترام واإلكرام مثل العلماء العاملين؟ الجواب :ال بد من النظر إلى كمية ونوعية البدعة أو الباطل الذي يتصف به منهج أولئك العلماء المراد تقييمهم؛ وهم ثالثة أصناف:
318
تهذيب الضَّوابطُ املُثلَى يف كيفيِّةِ التعامُ ِل مع الدعا ِة والعلماءِ د تهذيب شرح األصول الثالثةد
أو الا :عالم تغلب حسناته على سيئاته ،والبدع التي يتصف بها هي بدع عملية أو تهذيب والصحة ،فالعالم الذي هذا بدع ال مساس لها بالتوحيد واألصول ..وأصوله يغلب ‘ة وانحرافاته ..ويُحكم على ضالالتهطُ املُثلَى وصفه يُحذر من بدعته ومن أخطائه ..ومن الضَّواب شذوذاته باألوصاف الشرعية التي تستحقها ..مع بقاء االحترام والتقدير لشخصه اإلسالمِة والعلماءِ علىمع الدعا التعامُ ِل كيفيِّةِ والمسلمين ..وإن خير يعم كعالم من علماء المسلمين بقدر ما يُظهريفمن كان ال يجوز أن يحظى من التقدير واالحترام الذي يحظاه العالم العامل المجاهد. د فالوالية والمحبة وكذلك االحترام واإلكرام والتقدير يتذبذب صعودا ً وهبوطا ً، وعمل صالح يرتد تقوى الداعية من زيادة ونقصانا ً بحسب ما يظهر من ذاك العالم أو الثالثةد األصول تهذيب شرح على نفسه واألمة بالخير واالستقامة والصالح ،قال تعالى* :ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅﮆ&[الحجرات.]93: فكما أن اإليمان يزيد بالطاعات وينقص بالذنوب واآلثام ،كذلك الوالء والبراء، والمحبة والجفاء؛ يتذبذب بين الزيادة والنقصان بحسب ما يظهر لنا من ذاك العالم أو الشخص المراد مواالته من تقوى وصالح أو خالف ذلك؛ فإن أظهر لنا اليوم مواقف إيمانية صالحة ..مباشرة يزداد حبنا ووالؤنا له ،فإن أظهر لنا في اليوم التالي خالف ذلك من المواقف اآلثمة والمنحرفة مباشرة يضعف حبنا ووالؤنا له بقدر ما يُظهر لنا من تلك المواقف المنحرفة ،وهذا هو المراد من قوله ^« :أوثق عرى اإليمان: ()1
المواالة في هللا ،والمعاداة في هللا ،والحب في هللا ،والبغض في هللا» .وقوله ^: ()2
«من أحبَّ هلل ،وأبغض هلل ،وأعطى هلل ،ومنع هلل ،فقد استكمل اإليمان» .وما أقل من يفعل ذلك في زماننا! ثانيا ا :عالم تغلب سيئاته على حسناته ،والبدع واألهواء التي يدعو إليها ،لها مساس بالتوحيد واألصول ،وكانت أصوله التي ينطلق منها أغلبها فاسدة وباطلة لكنها لم تبلغ به درجة الكفر والخروج من اإلسالم ،فالعالم الذي هذا وصفه ال يؤخذ عنه علم؛ لتوفر هذا العلم عند غيره من العلماء ،ومن مصادر أخرى تخلو مما يتصف به من بدع وأهواء وانحرافات ،وألن األخذ عنه في كثير من األحيان ال يمكن من دون الوقوف على شيء من بدعه وأهوائه وشذوذاته. وال يجوز احترامه وتبجيله أو إضفاء ألقاب المديح والثناء الحسن عليه؛ ألن ذلك فيه عون له على باطله وبدعته ،ومنهجه الفاسد الباطل ،وفيه إضالل لألتباع الذين قد يفسرون هذا المديح أو االحترام أنه تعديل لمنهجه وباطله وبدعته! ( )1أخرجه الطبراني وغيره ،السلسلة الصحيحة.)118( : ( )2أخرجه أبو داود وغيره ،السلسلة الصحيحة.)381( :
املنهج املختصر يف الفقه والعقيدة والدعوة
319
وفي األثر( :من وقر صاحب بدعة ،فقد أعان على هدم اإلسالم) .ألنه بتوقيره لصاحب البدعة يكون عونا ً للمبتدع على بدعته ،كما يكون سببا ً لنشر بدعته وضالالته بين الناس ..وما من بدعة تنتشر وتسود إال وتندرس مقابلها سنة من السنن! ثالثا ا :عالم بلغ به طغيانه وانحرافه أن يكون ركنا ً من أركان أنظمة الحكم والكفر ..وبوقا ً من أبواق الطواغيت الظالمين ،يبرر لهم كفرهم وطغيانهم وظلمهم، فهذا الصنف من الشيوخ أو الناس ال غيبة لهم وال حرمة ..فضالً عن أن نلزم الناس باحترامهم وتبجيلهم وإكرامهم لكونهم يرتدون ثوب وعمامة العلماء ،ويُنادون بألقاب العلماء! ومن الظلم والجهل أن تُحمل النصوص الشرعية التي قيلت في العلماء العاملين المجاهدين الصادعين بالحق على علماء السوء والضاللة ..والشقاق والنفاق الذين هم السبب األكبر في انتكاسة األمة ،واستعالء أنظمة الكفر على سدة الحكم في بالد المسلمين ،وهؤالء ال تُحمل عليهم مقولة :لحوم العلماء مسمومة ،بل هم يدخلون دخوالً كليا ً في الملعونين الوارد ذكرهم في قوله تعالى* :ﮠ ﮡ ﭨ ﭩ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮪ ﮭ ﮮﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ&[البقرة.]951: وقد صح عن النبي ^ أنه قال« :سيكون بعدي أمراء ،فمن دخل عليهم فصدَّقهم بكذبهم ،وأعانهم على ظلمهم؛ فليس مني ولستُ منه ،وليس بوار ٍد علي الحوض، ومن لم يدخل عليهم ولم ي ُعنهم على ظلمهم ،ولم يصدقهم بكذبهم؛ فهو مني وأنا منه، ()1
وهو وارد ٌ علي الحوض» .وهذا فيمن يدخل على أئمة الجور من المسلمين فيصدقهم بكذبهم ،فكيف بمن يدخل على أئمة الكفر والظلم والطغيان فيصدقهم بكفرهم وكذبهم؟!! ()2
وقال ^« :إن أخوف ما أخاف على أمتي ك َّل منافق عليم اللسان» .فالنبي ^ يخافه على أمته ويُحذِّر منه؛ ألن عامة المسلمين يظنونه عالما ً يستحق التوقير واالحترام واإلكرام والمتابعة لما يرون من طالقة وفصاحة في لسانه وهو يتكلم.. ولما يرون عليه من لباس وسمت العلماء ..وهو في حقيقته منافق متذبذب ال إلى هؤالء وال إلى هؤالء ..تارة تراه يؤصل للكفر ويدعو له ..وتارة تراه يؤصل لإليمان ويدعو له ..فالحذر الحذر! ( )1صحيح سنن الترمذي.)9843( : ( )2أخرجه أحمد وغيره ،السلسلة الصحيحة.)9193( :
351
الضابط الخامس:
تهذيب الضَّوابطُ املُثلَى يف كيفيِّةِ التعامُ ِل مع الدعا ِة والعلماءِ د تهذيب شرح األصول الثالثةد
تهذيب؟ وهل يليق بالمسلم أن هل السب والطعن واللعن محرم على اإلطالق أو ال يطعن أو يسب أو يلعن اآلخرين؟! الضَّوابطُ املُثلَى
الجواب فيه تفصيل :فلعن وسبّ من ال يجوز لعنه وسبه شرعا ً ال يجوز والعلماءِ مع الدعا التعامُ ِل كيفيِّةِ يعود وزره ولعنه ِة وسبه ولغيره، لنفسه االقتراب منها ،ومن يفعل ويتجرأ فهو يفظالم خرجت اللعنة من فِي صاحبها عليه ليبوء بإثمه ،فقد صح اعن النبي ^ أنه قال« :إذا د نظرت ،فإن وجدت مسلكا في الذي ُوجهت إليه ،وإال عادت إلى الذي خرجت ()1
منه» .
تهذيب شرح األصول الثالثةد
( )1أخرجه أحمد وغيره ،السلسلة الصحيحة.)9261( :
املنهج املختصر يف الفقه والعقيدة والدعوة
355
ويجوز الطعن ،والسبُّ ،واللعن بضوابط أربعة: أو الا :أن يكون المطعون والملعون ممن أجاز الشارع لعنه والطعن به. ثانيا ا :أن يكون الطعن والسب واللعن مبعثه الغضب لحرمات هللا تعالى. ثالثا ا :أن يكون الطعن واللعن والسب سببا ً معينا ً على زجر المطعون والملعون من االسترسال في غيه وظلمه ،وفجوره. اآلخر هللا Q رابعا ا :أن ال يؤدي سب ولعن من يجوز سبه ولعنه إلى أن يسب ُ أو دينه أو رسوله ،لقوله تعالى* :ﮪ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘﯙ&[األنعام .]918:فاهلل تعالى نهى عن سبهم لعلة وليس لذات السبّ ِ ،وهي* :ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘﯙ&[األنعام ]918:فإن انتفت هذه العلة ،وأُمن عدم وقوعها ..جاز سبهم والطعن بهم. وبهذه الضوابط األربعة يجوز الطعن ،والسب ،واللعن ،وإليك بعض األدلة على ذلك: قال ^« :إذا رأيتم الرجل يتعزى بعزاء الجاهلية ،فأعضوه بِ َه ِن أبيه وال ()1 تكنوا» .قال ابن األثير في النهاية( :التعزي االنتماء واالنتساب إلى القوم «فأعضوه عض أير أبيك!!» اهـ. بهن أبيه» أي قولوا: َّ هذا هو عالج ودواء من يتفاخر ويتماجد ويتعصب لقومه أو قبيلته أو آبائه في الباطل ،أن يقال له بكل صراحة ووضوح :اذهب عض أير أبيك!! فهو أزجر له وأبكت عن استرساله وتماجده بالباطل وبجاهليته! وعن أبي هريرة قال :قال رجل :يا رسول هللا! إن لي جارا ً يؤذيني ،فقال: «انطلق فأخرج متاعك في الطريق» ،فانطلق فأخرج متاعه ،فاجتمع الناس عليه، فقالوا :ما شأنك؟ قال :لي جار يؤذيني ،فذكرت للنبي ^ فقال« :انطلق فأخرج متاعك إلى الطريق» فجعلوا يقولون :اللهم العنه ،اللهم أخزه ،فبلغه فأتاه فقال :ارجع إلى ()2
منزلك ،فوهللا ال أوذيك . فتأمل كيف أن الصحابة لعنوا هذا المؤذي لجاره ..وكيف أن لعنه أتى بثماره، وكان سببا ً في نهي ذاك المؤذي لجاره عن غيه وظلمه! وفي صحيح البخاري :أن عبد هللا بن مسعود ا قال« :لعن هللا الواشمات والمستوشمات ،والمتنمصات والمتفلجات لل ُحسن ،المغيرات لخلق هللا ،مالي ال ألعن من لعن رسو ُل هللا ،وهو في كتاب هللا؟!». ( )1أخرجه أحمد والترمذي ،صحيح الجامع.)9787( : ( )2صحيح األدب المفرد.)12( :
351
تهذيب الضَّوابطُ املُثلَى يف كيفيِّةِ التعامُ ِل مع الدعا ِة والعلماءِ د الثالثةد األصول تهذيب شرح ()1
تهذيبلعنتهم» .أي :حقت. وقال ^« :من آذى المسلمين في طرقهم ،وجبت عليه واألحاديث التي تجيز اللعن في مواضع وصفات محددة كثيرة ،لكن ال يليق فقدطُ املُث الضَّواب صحلَىعن النبي ^ أنه قال: بأخالق المسلم أن يكون السب واللعن ديدنه وعادته، ()2
بالبذيء» الدعا ِة .والعلماءِ والمُ ِل مع بالفاحش،التعا «ليس المؤمن بالط عَّان ،وال بالل عَّان ،واليف كيفيِّةِ
والطعَّان واللعَّان من صيغ المبالغة؛ أي :كثير الطعن واللعن ،فيلعن من ال د يجوز له لعنه. رواه مسلم. القيامة» شفعاء يوم وقال ^« :إن الل عَّانين ال يكونون شهداء وال الثالثةد األصول تهذيب شرح ق أن يكون ل عَّانا ا» رواه مسلم. وقال ^ « :ال ينبغي لصدي ٍ وفي صحيح البخاري عن أنس ا قال« :لم يكن رسول هللا ^ فاحشا ا ،وال لعَّانا ا، وال سبَّابا ا». فإن قيل :هل اللعن العام يستلزم دائما ً لعن المعين الذي يقع بما يستدعي اللعن.. أو أن هناك موانع تمنع من لعن المعين رغم إتيانه لفع ٍل يستوجب اللعن؟ أقول :ال يمكن أن نعطل النصوص الشرعية ..ونجعل اللعن دائما ً لعنا ً عاما ً ال يمكن أن يتنزل على أصحابه ومستحقيه ..فهذا خالف السنة كما تقدم ،كما أنه ال يصح أن نحمل اللعن العام على األشخاص بأعيانهم مطلقا ً ودائما ً من دون النظر في الشروط والموانع ،وهذه الشروط والموانع ألخصها في النقاط التالية: -9أن يكون اللعن في موضع قد أجاز الشارع لعنه ..فمن لعن من ال يُشرع لعنه ..عاد عليه لعنه ،كما تقدم في الحديث« :إذا خرجت اللعنة من فِي صاحبها نظرت ،فإن وجدت مسلكا ا في الذي ُوجهت إليه ،وإال عادت إلى الذي خرجت منه». -2أن ال يكون من وقع في الفعل الذي يستوجب اللعن ..متأوالً أو جاهالً ال يقدر أن يدفع عن نفسه الجهل فيما قد خالف فيه مما يستدعي اللعن؛ فمن وقع في مخالفة عن جهل معجز ال يمكن دفعه يُرفع عنه التكليف والمؤاخذة إلى حين توفر القدرة على دفع الجهل بالعلم ،كاألعرابي الذي بال في مسجد الرسول ^ ..فنهى النبي ^ عن زرمه وتوبيخه واكتفى بتعليمه ،قال هللا تعالى * :ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣﯤ&[البقرة.]286: -3مما يمنع اللعن عن المعين أن يكون هذا المعين -ممن وقع فيما يستوجب اللعن -من ذوي الحسنات الكثيرة ،وله سابقة بالء وجهاد في سبيل هللا ..فالحسنات - ( )1السلسلة الصحيحة.)2214( : ( )2أخرجه أحمد وغيره ،السلسة الصحيحة.)321( :
املنهج املختصر يف الفقه والعقيدة والدعوة
353
في كثير من األحيان -كلما تعاظمت تشفعت لصاحبها عند موارد الشبهات وحصول الزلل والوقوع في الخطأ ،كما في قصة حاطب بن أبي بلتعة عندما راسل كفار قريش يخبرهم فيها عن توجه النبي ^ لغزو مكة ..فقد تذكر له النبي ^ شهوده وقعة بدر العظيمة ،فقال ^« :إنه شهد بدرا ا ،وما يدريك لعل هللا قد اطلع على أهل بدر ،فقال: اعملوا ما شئتم فقد غفرت لكم». وفي الحديث الذي أخرجه البخاري في صحيحه ،عن عمر بن الخطاب ا ،أن رجالً كان على عهد النبي ^ اسمه عبد هللا ،وكان يُلقب حمارا ً ،وكان يُضحك رسول هللا ^ ،وكان النبي ^ قد جلده في الشراب ،فأتي به يوما ً فأمر به ف ُجلد ،فقال رجل من القوم: اللهم العنه ،ما أكثر ما يؤتى به! فقال النبي ^ « :ال تلعنوه ،فوهللا ما علمتُ إال أنه يُحبُّ هللاَ ورسولَه». فرغم أن شارب الخمر قد لُعن -في نصوص أخرى -لعنا ً عاما ً ،إال أن النبي ^ منع من حمل هذا اللعن على هذا الصحابي لوجود حسنة عظيمة عنده؛ وهي أنه يحب هللا ورسوله ،وكذلك لقيام الحد عليه ،فالحد يُكفر الذنب عن صاحبه ويُطهره. -4أن يكون الفعل الذي يستوجب اللعن صفة الزمة للفاعل ..يستعلن به ويُباهي ..وال يستحي من سوء وقبح صنيعه ..فهذا الذي يستحق اللعن ..وليس من تصدر عنه المخالفة على وجه الندرة مع االستحياء من فعله ..وسرعة المبادرة إلى االستغفار والتوبة. فالعفو يدرك كل مسلم من أمة محمد ^ إال المجاهر بذنبه ومعصيته المستعلن بها ،كما في الحديث الصحيح « :كل أمتي معافى إال المجاهرين ،وإن من المجاهرة أن يعمل الرجل بالليل عم الا ،ثم يصبح وقد ستره هللا ،فيقول :يا فالن ،عملت البارحة كذا وكذا ،وقد بات يستره ربه ،ويصبح يكشف ستر هللا عنه» رواه البخاري. وفي الحديث الصحيح« :من ستر مسلما ا ستره هللا يوم القيامة» رواه البخاري. ومن لوازم الستر عدم لعنه على المأل وبين الناس ،إذ ال يمكن أن يجتمع لعن وستر آن معا ً. في ٍ وبهذا يتبين كيفية الجمع بين النصوص التي توجب اللعن ،وبين النصوص التي توجب ستر المسلم ،حيث يُعمل بالنصوص التي توجب اللعن عندما يمارس الفعل الذي يستوجب اللعن على وجه العادة والوقاحة والمجاهرة وعدم االستحياء من هللا تعالى وال من عباد هللا تعالى ،بينما يُعمل بالنصوص التي توجب ستر المسلم عندما يقع المسلم بالذنب أو المخالفة -التي تستوجب اللعن -على وجه الندرة ..وتُعد منه هفوة وزلة يستحي من ظهورها ،وال يستعلن بها أمام الناس. فمثالً يوجد فرق بين من تقع منه بعض األوساخ في طريق المسلمين على غير وجه العادة وال القصد ..فهذا ال يجوز لعنه ..وبين من يجمع أوساخ بيته ودكانه
تهذيب الضَّوابطُ املُثلَى يف كيفيِّةِ التعامُ ِل مع الدعا ِة والعلماءِ
354
د تهذيب شرح األصول الثالثةد
يوم -عن سابق إصرار وعمد -في طريق الناس ويؤذيهم بها وال ليضعها في كل ٍ يبالي بنقد وال نصح؛ فهذا يجوز لعنه عمالً بالحديث .تهذيب َى تكفيره ،فاللعن شيء المعين تنبيه :اعلم أن اللعن غير التكفير؛ فال يلزم من لعنطُ املُثل الضَّواب والتكفير شيء آخر ،فالتكفير وتبعاته أغلظ من اللعن؛ لذا فإن احتياطات التكفير أشد يف كيفيِّةِ التعامُ ِل مع الدعا ِة والعلماءِ وأغلظ من احتياطات اللعن. الضابط السادس: د من يتتبع سيرة بعض الصحابة ومن بعدهم من أهل العلم ،يجد أن لهم أحيانا ً الثالثةدلحكمة نعرفها األصولقد تكون البعض.. بعضهمشرح بعض المالسنات واإلطالقات الشديدة بحق تهذيب أو ال نعرفها ،أو لعلة ومآرب في نفوسهم نعرفها أو ال نعرفها ..وإذا كنا نحن المسلمين مطالبين باحترام العلماء وإكرامهم فعالم ال نجد أحيانا ً مثل هذا االحترام المتبادل للعلماء بعضهم مع بعض؛ حيث نجد بعض المالسنات واإلطالقات الشديدة بحق بعضهم البعض؟! فالجواب :أن هذه الشدة والمالسنة التي قد تحصل من عالم نحو عالم آخر قد تكون لما يعلمه هذا العالم عن العالم اآلخر من مزالق ،وانحرافات ،أو بدع ،أو تقصير ونحو ذلك ..هو يعلمها ونحن ال نعلمها ..وتستدعي وتبرر له شرعا ً -من قبيل تحذير العامة من أخطائه وانحرافاته وإنصاف الحق -مثل هذه اإلطالقات الشديدة بحق ذلك العالم. ومن ذلك :ما نعرفه عن علم الجرح والتعديل الذي تميزت به أمة اإلسالم، والمليء باإلطالقات الشديدة على بعض أهل العلم ..لضرورة ضبط النقل ..وتمييز الحديث الصحيح من الحسن ،من الضعيف ،من الموضوع! وقد تكون هذه الشدة والمالسنة من قبيل التذكير أو النصح والزجر للعالم اآلخر الذي وقع في التقصير أو المخالفة ،وهذا يقع أحيانا ً خاصة من جهة الفاضل نحو المفضول ،فالعالم إن لم يجد عالما ً آخر يذكره عند النسيان ،وينصحه ويسدده عند وقوعه في الخطأ والزلل ..قد يتمادى في باطله وال تؤمن عليه فتنة الطغيان ،فها هو عبادة بن الصامت ا يقول لمعاوية ابن أبي سفيان ا -بسبب خالف بينهما على معنى الربا( :-أحدثك عن رسول هللا ^ وتحدثني عن رأيك؟! ال أساكنك بأرض لك علي فيها ()1
إمرة) . وها هو العالم المجاهد الزاهد عبد هللا بن المبارك يقول البن علية وهو من كبار أهل العلم ،لما رضي لنفسه أن يتولى القضاء عند هارون الرشيد: ( )1صحيح سنن ابن ماجه.)98( :
املنهج املختصر يف الفقه والعقيدة والدعوة
355
دددددم لدددددده بازيددددددا ً ددددددداكين يصددددددددطادُ أمددددددددوال المسد يددددددا جاعددددددل العلد ِ ِ َّ ددددددددددـدين ددددددددددذهب بالد بحيدددددددددددـل ٍة تد احتددددددددددـلت للددددددددددـدُّنيا ولددددددددددذاتها ُ ِ المجاندددددددددددددددـين كدددددددددددددددـنت دواء فصددددـرت مجنونددددا ً بهددددا بعددددـدما ِ ددديرين دددون وابددددن سد أيددددددن رواياتُددددددك فيمددددددا مضددددددـى عدددن ابددددن عد ٍ ِ ددددـالطين ب السد أيددددددن رواياتُددددددك فددددددي سددددددردِها فدددددي تد ِ ددددرك أبدددددوا ِ ِ ددددين إن قلدددددت أُكرهدددددت فدددددذا باطددددد ٌل ز َّل حمد ُ ددددار العلد ِ ددددم فدددددي الطد ِ فلما وقف على هذه األبيات قام من مجلس القضاء فوطئ بساط الرشيد ،وقال: ()1
هللا ،هللا ،ارحم شيبتي ،فإني ال أصبر على القضاء . فقد كانت كلمات ابن المبارك /شديدة ً وقاسية ..لكنها آتت أكلها وثمارها! والشاهد :أن مثل هذه الشدة والمالسنة قد تحصل بين أهل العلم ..فال ينبغي أن نضخم األمور ونثير الشغب عصبية لطرف على طرف ،أو لعالم على عالم ..فإن أدركنا الحكمة منها يكون ذلك خيرا ً ..وإن لم ندرك الحكمة منها ..وقصرت أفهامنا عن إدراك المراد منها ..فالواجب حينئ ٍذ يحتم علينا أن نحسن الظن بالجميع ..ونحترم الجميع ..وندعو للجميع ..ونترحم على الجميع. *ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ&[الحشر.]91: وصلى هللا على سيدنا ونبينا محمد ،وعلى آله وصحبه وسلم. وآخر دعوانا أن الحمد هلل رب العالمين.
( )1انظر :كتاب الزهد البن المبارك( ،ص.)59
356
فهـــــــــرس املوضــوعــــــــــات
فهرس الموضوعات الباب األول :الفقه 8 ........................................ ................................ كتاب الطهارة 9 ............................................. ................................ باب المياه 91 ............................................. ................................ باب اآلنية 99 ............................................. ................................ باب االستنجاء 92 ........................................ ................................ باب السواك وسنن الوضوء 94 .......................... ................................ من سنن الوضوء94 .............................. ................................ :باب فروض الوضوء وصفته 95 ........................ ................................ فروض الوضوء ستة ،وهي95 ..................... ................................ : باب المسح على الخفين 96 ............................... ................................ شروط المسح على الخفين96 ....................... ................................ : باب نواقض الوضوء 97 ................................. ................................ نواقض الوضوء97 ................................. ................................ : باب الغسل 98 ............................................ ................................ موجبات الغسل98 ................................... ................................ : يسن الغسل لمن يلي98 ........................... ................................ : صفة الغسل الكامل هي98 ........................ ................................ :صفة الغسل المجزئ98 ............................. ................................ : باب التيمم 21 ............................................. ................................ فروض التيمم21 ..................................... ................................ : مبطالت التيمم29 .................................... ................................ : باب إزالة النجاسة 22 .................................... ................................ باب الحيض 23 ........................................... ................................ المستحاضة على ثالثة أقسام23 .................... ................................ : فصل في النفاس24 .................................. ................................ : كتاب الصالة 15 ........................................... ................................ الصالة 26 ................ ................................ ................................ تعريف الصالة26 ................................... ................................ : حكم الصالة26 ...................................... ................................ : باب األذان واإلقامة 27 ................................... ................................ شروط صحة األذان31 ........................... ................................ :باب شروط الصالة 33 ................................... ................................
املنهج املختصر يف الفقه والعقيدة والدعوة
357
الشرط األول :اإلسالم33 ............................ ................................ : الشرط الثاني :العقل33 .............................. ................................ : الشرط الثالث :التمييز33 ............................ ................................ : الشرط الرابع :دخول الوقت33 ...................... ................................ : الشرط الخامس :الطهارة من الحدث35 ............................................. : الشرط السادس :الطهارة من النجس35 ............................................. : الشرط السابع :ستر العورة36 ....................... ................................ : الشرط الثامن :استقبال القبلة37 ..................... ................................ : الشرط التاسع :النية38 ............................... ................................ : باب صفة الصالة 31 ..................................... ................................ أوالً :القيام31 ........................................ ................................ : ثانيا ً :الركوع41 ...................................... ................................ : ثالثا ً :القيام من الركوع49 ........................... ................................ : رابعا ً :السجود49 .................................... ................................ : خامسا ً :القيام من السجود49 ......................... ................................ : سادسا ً :السجود الثاني42 ............................ ................................ : سابعا ً :الركعة الثانية42 .............................. ................................ : ثامنا ً :التشهد األول42 ............................... ................................ : تاسعا ً :التشهد األخير والتسليم43 .................... ................................ : من مكروهات الصالة 44 ................................. ................................ مما يتعلق بالصالة من السنن 45 ......................... ................................ أركان الصالة ،وواجباتها ،وسننها 47 ................... ................................ أركان الصالة ،وهي أربعة عشر ركناً ،وهي47 ................................... : واجبات الصالة (عند الحنابلة ،وهي عند الجمهور سنة) ،وهي ثمانية ،وهي47 . : سنن الصالة القولية ،وهي إحدى عشرة سنة ،وهي47 ............................. : كتاب الجهاد 49 ............................................ ................................ الجهاد 51 .................. ................................ ................................ أوالً :تعريف الجهاد51 .............................. ................................ : ثانيا ً :أهداف الجهاد والحكمة من مشروعيته51 .................................... : ثالثا ً :مراتب الجهاد59 ............................... ................................ : رابعا ً :حكم الجهاد53 ................................ ................................ : خامسا ً :من يمنع قتاله من الكافرين ،ويشرع قتاله من المسلمين57 ................ : سادسا ً :حكم األسرى69 ............................. ................................ : سابعا ً :أحكام الغنيمة والفيء69 ..................... ................................ :
358
فهـــــــــرس املوضــوعــــــــــات
ثامنا ً :أقسام الشهداء68 .............................. ................................ : مسألة مهمة 61 ........................................... ................................ بطالن اشتراط وجود اإلمام والراية لمشروعية الجهاد في سبيل هللا 61 ............... تهذيب كتاب السياسة الشرعية 99 ........................................................ المقدمة 911 .............. ................................ ................................ الحكم هلل تبارك وتعالى 919 ............................. ................................ السياسة 912 .............. ................................ ................................ السياسة وأسباب التمكين والمنافع والمصالح الدنيوية914 ......................... : السياسة العادلة914 ................................. ................................ : ضعف اإلنسان في إدراكه ومعرفته بالمصالح915 ................................ : مزايا الشريعة ومقاصدها 917 ........................... ................................ أوالً :أن الشريعة اإلسالمية من عند هللا تعالى917 ................................ : ثانيا ً :تحقيق العبودية هلل تعالى وتزكية النفوس وطهارتها917 .................... : ثالثا ً :تقوى هللا في السر والعلن917 ................ ................................ : رابعا ً :أن الشريعة جاءت بما فيه سعادة العباد في الدنيا واآلخرة917 ............ : خامسا ً :موافقة الشريعة للفطرة918 ................ ................................ : سادسا ً :كمال الشريعة اإلسالمية وشمولها ووفاؤها بجميع األحكام واألقضية في كل زمان ومكان911 ............................... ................................ : الحضارة 991 ............................................ ................................ اإلمامة الكبرى 999 ...................................... ................................ شروط الخليفة (اإلمامة الكبرى) 999 ................... ................................ الشرط األول999 ................................... ................................ : الشرط الثاني992 ................................... ................................ : الشرط الثالث992 ................................... ................................ : الشرط الرابع992 ................................... ................................ : والخامس993 ....................................... ................................ : والسادس993 ........................................ ................................ : والسابع993 ......................................... ................................ : والثامن993 ......................................... ................................ : والتاسع والعاشر993 ............................... ................................ : واجبات اإلمام 994 ....................................... ................................ حقوق اإلمام 996 ......................................... ................................ أوالً :طاعته بالمعروف996 ........................ ................................ : ثانيا ً :نصرته ومعاونته على البر والتقوى996 ..................................... :
املنهج املختصر يف الفقه والعقيدة والدعوة
359
ثالثا ً :النصيحة لإلمام996 ........................... ................................ : رابعا ً :احترامه وتوقيره996 ........................ ................................ : خامسا ً :تحريم خيانته وغشه والغدر به والخروج عليه996 ....................... : أثر صالح والة األمر في صالح األمة997 ........................................ : نصح اإلمام واألمراء ومحاسبتهم ومحاكمتهم997 ................................. : معاونة اإلمام على البر والتقوى998 ............... ................................ : نصح الوالة ومحاسبتهم وتقويمهم998 .............. ................................ : العدل في الحكم ومساواة الناس أمام القضاء998 .................................. : ترك الجهاد في سبيل هللا سبب للذل998 ............................................ : التحذير من شيوع الفاحشة في المجتمع991 ........................................ : الخالفة والملك991 .................................. ................................ : سؤال اإلمارة921 ................................... ................................ : اختيار اإلمام929 .................................... ................................ : عزل اإلمام929 ..................................... ................................ : الشورى 923 .............. ................................ ................................ صفات أهل الشورى923 ............................ ................................ : تطبيق الشورى924 ................................. ................................ : مجاالت الشورى924 ............................... ................................ : حكم األمر بالمعروف والنهي عن المنكر 925 .......................................... صفات وأخالق اآلمر بالمعروف والناهي عن المنكر926 ........................ : تقديم األهم في األمر بالمعروف والنهي عن المنكر926 ........................... : الجهاد واإلعداد 928 ..................................... ................................ الجهاد في سبيل هللا928 ............................. ................................ : وأما الحاالت التي يتعين فيها الجهاد فهي ثالث حاالت928 ....................... : اإلعداد921 .......................................... ................................ : األخالق واآلداب في الجهاد921 .................... ................................ : قتال الطائفة الممتنعة934 ........................... ................................ : تأسيس الدولة الجديدة 935 ............................... ................................ وأولها :الصبر على االبتالء935 ................... ................................ : الثاني :الزهد في الدنيا935 .......................... ................................ : الثالث :أداء األمانات إلى أهلها936 ................. ................................ : الرابع :تربية الشباب936 ........................... ................................ : الخامس :أصحاب االختصاص937 ................ ................................ : السادس :حسم الفتن والتصدي لألخطار في أولها937 ............................. :
311
فهـــــــــرس املوضــوعــــــــــات
الوعد بالتمكين وعودة الخالفة 931 ..................... ................................ الباب الثاني :العقيدة 545 .................................. ................................ تهذيب شرح األصول الثالثة 543 ........................................................ المقدمة 944 .............. ................................ ................................ فصل 948 ................ ................................ ................................ فصل 959 ................ ................................ ................................ فصل 953 ................ ................................ ................................ فصل 954 ................ ................................ ................................ فصل 955 ................ ................................ ................................ فصل 958 ................ ................................ ................................ األصل الثاني 971 ....................................... ................................ فصل 973 ................ ................................ ................................ فصل 971 ................ ................................ ................................ فصل 989 ................ ................................ ................................ األصل الثالث 984 ....................................... ................................ فصل 986 ................ ................................ ................................ فصل 911 ................ ................................ ................................ فصل 912 ................ ................................ ................................ فصل 914 ................ ................................ ................................ تهذيب كتاب التبيان شرح نواقض اإلسالم 111 .......................................... المقدمة 219 .............. ................................ ................................ شرح نواقض اإلسالم 212 ............................... ................................ الناقض األول من نواقض اإلسالم212 ............................................ : الناقض الثاني :من نواقض اإلسالم216 ........................................... : الناقض الثالث من نواقض اإلسالم218 ............................................ : الناقض الرابع من نواقض اإلسالم291 ............................................ : الناقض الخامس من نواقض اإلسالم299 .......................................... : الناقض السادس من نواقض اإلسالم292 .......................................... : الناقض السابع من نواقض اإلسالم293 ............................................ : الناقض الثامن من نواقض اإلسالم295 ............................................ : الناقض التاسع من نواقض اإلسالم295 ............................................ : الناقض العاشر من نواقض اإلسالم297 ........................................... : خاتمة 221 ................ ................................ ................................ الشركيات المنتشرة 113 ................................... ................................
املنهج املختصر يف الفقه والعقيدة والدعوة
315
المقدمة 224 ............... ................................ ................................ (الديموقراطية) طـــاغوت العصر 134 .................................................. الباب الثالث :أصول الدعوة 145 ......................................................... أهمية الدعوة وفضلها وكيف تكون داعية 147 ........................................... تهذيب خواطر وأفكار في فقه الدعوة إلى هللا 185 ....................................... المقدمة 282 ............... ................................ ................................ والعلماء 313 ..................... ِ تهذيب ال ضَّواب طُ ال ُمثلَى في كيفيِ ِة التعا ُم ِل مع الدعاةِ المقدمة 314 ............... ................................ ................................ الضابط األول315 ................................... ................................ : الضابط الثاني315 ................................... ................................ : الضابط الثالث317 .................................. ................................ : الضابط الرابع317 .................................. ................................ : الضابط الخامس391 ................................ ................................ : الضابط السادس394 ................................ ................................ : فهرس الموضوعات 356 ................................. ................................