Saysara7 magazine مجلة سيسرا أسسها إبراهيم الحميد أدبي الجوف

Page 1

‫مجلة سيسرا‬ ‫العدد السابع‬

‫دراسات‪:‬‬

‫‪7‬‬

‫تلويحة‬

‫لسيد البيد الشاعر‬

‫محمد الثبيتي‬

‫النادي األدبي باجلوف‬ ‫جمادى الثانية ‪1432‬هـ‬

‫دراسة في كتاب‪ :‬السلفية‬ ‫والليبرالية‬ ‫حوارات مع‪:‬‬ ‫ضيف فهد‪،‬‬ ‫ماجد الثبيتي‪،‬‬ ‫محمد جميل‪،‬‬ ‫نصار احلاج‬

‫مايو ‪2011‬م‬

‫فصل من رواية‪:‬‬ ‫إختراع موريل ألدلفو‬ ‫كاساريس‬ ‫إبداعات‬ ‫عيد اخلميسي‪،‬‬ ‫مالك اخلالدي‪،‬‬ ‫جناة املاجد‪،‬‬ ‫حضية خافي‪،‬‬ ‫علي عفيفي‬

‫ملف العدد‪:‬‬

‫الرواية المغربية‬



‫جمادى الثاني ‪1432‬هـ‬ ‫مايو ‪2011‬م‬

‫‪11‬‬

‫‪SAYSARA CULTURAL QUARTERLY‬‬

‫فصلية ثقافية تصدر عن‬ ‫نادي اجلوف األدبي الثقافي‬

‫‪SAYSARA‬‬

‫‪7‬‬

‫جمادى الثاني ‪1432‬هـ‬ ‫مايو ‪2011‬م‬

‫مجلة سيسرا‬ ‫العدد السابع‬

‫دراسات‪:‬‬

‫‪7‬‬

‫تلويحة‬

‫لسيد البيد الشاعر‬

‫محمد الثبيتي‬

‫النادي األدبي باجلوف‬ ‫جمادى الثانية ‪1432‬هـ‬ ‫مايو ‪2011‬م‬

‫د‪ .‬حامد الوردة‬ ‫د‪ .‬غربي الشمري‬ ‫حسني اخلليفة‬ ‫فارس الروضان‬ ‫جميعان الشراري‬ ‫سعود اخلضع‬ ‫أحمد القعيد‬

‫فصل من رواية‪:‬‬ ‫إختراع موريل ألدلفو‬ ‫كاساريس‬ ‫إبداعات‬ ‫عيد اخلميسي‪،‬‬ ‫مالك اخلالدي‪،‬‬ ‫جناة املاجد‪،‬‬ ‫حضية خافي‪،‬‬ ‫علي عفيفي‬

‫ملف العدد‪ :‬الرواية المغربية‬

‫غالف العدد‬

‫أعضاء مجلس اإلدارة‬

‫حوارات مع‪:‬‬ ‫ضيف فهد‪،‬‬ ‫ماجد الثبيتي‪،‬‬ ‫محمد جميل‪،‬‬ ‫نصار احلاج‬

‫رئيس التحرير‬ ‫إبراهيم بن موسى احلميد‬ ‫التحرير‬ ‫مالك اخلالدي ‪ -‬ضاري احلميد‬ ‫عصام أبو زيد ‪ -‬هشام بن شاوي‬ ‫للنشر في املجلة‬

‫نادي اجلوف األدبي الثقافي‬ ‫طريق امللك عبدالله‬ ‫جنوب شركة الكهرباء‬ ‫هاتف‪04/6257042 :‬‬ ‫فاكس‪04/6257046 :‬‬ ‫ص‪ .‬ب‪ )2505( :‬سكاكا‪ /‬اجلوف‬ ‫اململكة العربية السعودية‬ ‫موقع النادي على اإلنترنت‬ ‫‪www.adabialjouf.com‬‬ ‫البريد اإللكتروني‬

‫‪adabialjouf@gmail.com‬‬

‫‪ -‬املراسالت باسم رئيس التحرير‪.‬‬

‫‪saysaramag@gmail.com‬‬ ‫ يشترط في املواد التي ترسل إلى املجلة أن ال‬‫تكون منشورة سابق ًا‪.‬‬ ‫ يخضع نشر املواد وترتيبها العتبارات فنية‬‫بحتة‪.‬‬ ‫ امل��ق��االت املنشورة تعبر ع��ن آراء كتابها وال‬‫تعبر بالضرورة عن رأي املجلة‪.‬‬

‫سعر النسخة (‪ )10‬رياالت سعودية‬ ‫أو ما يعادلها بالعمالت األخرى‬

‫هيئة التحرير‬

‫رئيس مجلس اإلدارة‬ ‫إبراهيم بن موسى احلميد‬

‫دراسة في كتاب‪ :‬السلفية‬ ‫والليبرالية‬


‫‪SAYSARA‬‬

‫‪2‬‬

‫‪1432‬هـ جمادى الثاني‬ ‫‪2011‬م مايو‬

‫دراسات ونقد‬

‫املحتـ ـ ـ ـ ـ ـ‬

‫تلويحة وداع لسيد البيد – هشام بنشاوي ‪6......................‬‬ ‫دراسة في كتاب السلفية والليبرالية اغتيال اإلبداع في ثقافتنا‬ ‫العربية – هويدا صالح‪13........................................‬‬

‫‪25‬‬

‫ملف العدد‪ :‬الرواية المغربية‬

‫الوعي اجلمالي وسؤال التلقي‪21.................................‬‬ ‫بني البحث عن القارئ والبحث عن املوضوع ‪23..................‬‬ ‫قراءة في رواية «قاع اخلابية» ‪26.................................‬‬ ‫سؤال السرد وإنتاج املعرفة في «أوراق» عبدالله العروي‪36......‬‬ ‫شهادة ‪ -‬مصطفى لغتيري‪40.....................................‬‬ ‫شهادة ‪ -‬محمد فاهي ‪43.........................................‬‬

‫حوارات‬

‫‪25‬‬

‫مع القاص ضيف فهد – ضاري احلميد وعصام أبو زيد‪49....‬‬ ‫مع الشاعر والقاص ماجد الثبيتي –عصام أبو زيد ‪53.........‬‬ ‫مع الشاعر السوداني محمد جميل – عمر محفوظ‪57.........‬‬ ‫مع الشاعر السوداني نصار احلاج – ضاري احلميد ‪64........‬‬

‫إبداع – شعر‬

‫‪25‬‬

‫بح ٍر‪ - ...‬الطاهر لكنيزي ‪70.............................‬‬ ‫في ّ‬ ‫أي ْ‬ ‫قصائد – عيد اخلميسي ‪72.....................................‬‬ ‫لي كأسي ولي عنبي – الطيب هلو‪74............................‬‬ ‫مـ ــاء – سعيد السوقايلي ‪75......................................‬‬ ‫لوحة – بهاء الدين رمضان‪76....................................‬‬ ‫وحدي – مالك اخلالدي‪77......................................‬‬ ‫أضرحة احللم – جناة املاجد ‪78.................................‬‬ ‫نفثات – يوسف الرحيلي‪80......................................‬‬


‫‪SAYSARA‬‬

‫ـ ـ ـ ـ ــويات‬

‫جمادى الثاني ‪1432‬هـ‬ ‫مايو ‪2011‬م‬

‫‪3‬‬

‫إبداع – قصص‬

‫ما كان باألمس – حضيه خافي‪85...............................‬‬ ‫قضبان الطني – زكية جنم ‪86....................................‬‬ ‫إنـه دجـاجـة ‪ -‬سعيد بودبوز ‪90...................................‬‬ ‫عندما تيأس الروح – ماجدة اخلالدي‪97........................‬‬ ‫سيــف خشـب ‪ -‬محمد مستجاب‪99..............................‬‬

‫‪25‬‬

‫فصل من رواية‬ ‫اختراع موريل ألدلفو كاساريس (ترجمة) – أحمد مياني‪105....‬‬

‫أقواس‬ ‫املواطنة في الشعر السعودي قصيدة (وطن اجلمال) لنجاة املاجد‬ ‫أمنوذجاً ‪ -‬د‪ .‬إبراهيم الدهون ‪115...............................‬‬ ‫اجلوف في ذاكرة التاريخ واألدب – مالك اخلالدي ‪118.........‬‬ ‫بحيرة خلف التل – محمد جميل أحمد ونصار احلاج‪121.......‬‬

‫‪25‬‬

‫شهادات إبداعية‬ ‫السر – ماجد الثبيتي ‪126........................................‬‬ ‫عني لص ومخيلة محتال – ضيف فهد ‪129......................‬‬ ‫شهادة شعرية – نصار احلاج ‪131................................‬‬ ‫شهادة شعرية – محمد جميل‪137................................‬‬

‫كتب‬ ‫إعداد احملرر ‪139.................................................‬‬

‫‪25‬‬


‫‪SAYSARA‬‬

‫‪4‬‬

‫‪1432‬هـ جمادى الثاني‬ ‫‪2011‬م مايو‬

‫االفتتاحية‬ ‫‪ >.............................................................‬إبراهيم احلميد*‬ ‫ت��ظ��ل ال���رواي���ة م���ص���دراً ل�ل�إب���داع األدب���ي‬ ‫وال��ف��ن��ي‪ ،‬ودل��ي�لا إل��ى م��ف��اوز ل��م ي��در ف��ي خلد‬ ‫الكثيرين الوصول إليها؛ فهي تنقلنا بأجوائها‬ ‫الساحرة من غابات األمازون وأجواء كولومبيا‬ ‫إل��ى ش���وارع لندن وب��اري��س وج��ب��ال كليمنجارو‬ ‫وثلوج سيبيريا وجبال داغستان‪ ،‬حتى بات أدب‬ ‫الرواية يزاحم الركام الشعري الهائل في التراث‬ ‫العربي‪ ،‬وأصبح من يقول إنها دي��وان العرب‬ ‫الجديد‪ ،‬بعد أن أصبحت هاجسا للكثير من‬ ‫المبدعين‪ ،‬وأسلوبا مبتكرا لإلبداع‪ ،‬ال يضاهيه‬ ‫أي فن آخر‪ .‬وقد أصبح لكل بلد عربي روائيوه‬ ‫ومبدعوه‪ ،‬حتى باتوا يش ّكلون في مجموعهم‬ ‫ظ��اه��رة إب��داع��ي��ة م��ت��ج��ددة ف��ي س��م��اء الثقافة‬ ‫العربية؛ يزاحمون عمالقة الرواية العالميين‪،‬‬ ‫الذين طالما انفردوا بسوق ال��رواي��ة‪ ،‬وبإقبال‬ ‫الق ّراء عقوداً طويلة‪.‬‬ ‫وفي مغرب العالم العربي اليوم‪ ،‬نجد أن‬ ‫الرواية المغربية باتت تشكل عالمة مهمة في‬ ‫سماء اإلب��داع العربي‪ ،‬حتى وصل منهم اليوم‬ ‫َمن يفوز بجوائز عالمية‪ ،‬مثل‪ :‬جائزة جونكور‬ ‫الفرنسية‪ ،‬وجائزة البوكر العربية‪ ،‬وغيرهما؛‬ ‫تأكيدا على المكانة التي باتت تأخذها الرواية‬ ‫في المغرب العربي من مكانة سامية بين الفنون‬ ‫اإلبداعية‪ .‬ويحضر في سمائها اليوم أسماء‬ ‫مهمة‪ ،‬مثل‪ :‬محمد ب��رادة‪ ،‬ومحمد األشعري‪،‬‬ ‫وم���ب���ارك رب���ي���ع‪ ،‬وم��ح��م��د ع��زال��دي��ن ال���ت���ازي‪،‬‬ ‫وبنسالم حميش‪ ،‬وهشام بنشاوي‪ ،‬ينضمون إلى‬ ‫كوكبة من المبدعين المغاربة الذين سبقوهم‬ ‫* رئيس مجلس اإلدارة‪.‬‬

‫بالكتابة باللغتين العربية والفرنسية‪.‬‬ ‫ت��ض��ي��ف ال���رواي���ة ال��م��غ��رب��ي��ة م��وض��وع��ات‬ ‫ج��دي��دة ف��ي المشهد ال��روائ��ي ال��ع��رب��ي‪ ،‬مثرية‬ ‫هذا المشهد‪ ،‬بإضافات تعزز الحضور الروائي‬ ‫ال��ع��رب��ي ع��ل��ى ال��ص��ع��ي��د ال��ع��ال��م��ي؛ إذ تش ّكل‬ ‫موضوعات الهموم اليومية لإلنسان‪ ،‬والهجرة‪،‬‬ ‫والبطالة‪ ،‬واللغة‪ ،‬والهوية‪ ،‬والمرأة‪ ،‬والتنظير‬ ‫المنتهي بالفلسفة واألساطير‪ ،‬أبرز النقاشات‬ ‫التي تدور حولها الرواية المغربية‪ ،‬وإن كانت‬ ‫لكل منها موضوعاتها المتفردة التي تضيف‬ ‫الكثير؛ وقد ال يكون ذلك صحيحا دون اإلحالة‬ ‫إل��ى رواي����ات بعينها‪ ،‬ليتم تفكيكها وإحالتها‬ ‫على مشرط القارئ والناقد؛ على الرغم من‬ ‫أن فيصل د ّراج ‪-‬ف��ي كتابه (ال��ذاك��رة القومية‬ ‫في الرواية العربية من زمن النهضة إلى زمن‬ ‫ال��س��ق��وط ) وال��ص��ادر ع��ن المؤسسة العربية‬ ‫ل��ل��دراس��ات وال��ن��ش��ر‪ -‬ح���اول ق����راءة الخطاب‬ ‫الروائي العربي‪ ،‬بوصفه ظاهرة ثقافية موحدة؛‬ ‫إال أن الرواية المغربية تبقى تحتفل بالمكان‬ ‫وخصوصيته‪ ،‬إذ تخاتل معظم الروايات قراءها‬ ‫ب��م��ح��اور وم���وض���وع���ات ت��خ��ال��ف ت��ل��ك ال����رؤى‬ ‫التقليدية التي درج��ت عليها بعض ال��رواي��ات‬ ‫المشرقية‪ ،‬وبخاصة ما كتب منها في مرحلة‬ ‫الستينيات من القرن الميالدي المنصرم‪..‬‬ ‫ولهذا‪ ،‬يأتي ملف الرواية المغربية‪ ،‬الذي‬ ‫تقدمه سيسرا إلضاءة جانب من هذا الطريق‪،‬‬ ‫محمال بشهادات إبداعية وتجارب ثرية‪.‬‬


‫‪SAYSARA‬‬

‫جمادى الثاني ‪1432‬هـ‬ ‫مايو ‪2011‬م‬

‫‪5‬‬

‫دراسات ونقد‬

‫دراسات ونقد‬


‫‪SAYSARA‬‬

‫‪6‬‬

‫‪1432‬هـ جمادى الثاني‬ ‫‪2011‬م مايو‬

‫لقطة من سيرة الوجع والفجيعة‬ ‫(تلويحة وداع لسيد البيد)‬ ‫> هشام بنشاوي*‬

‫اعتراف‪:‬‬

‫ال أنكر أنني لم أسمع باسمه من قبل‪ ،‬ولم أقرأ له أي شيء‪ ،‬وهذا ليس ذنبي‪ ،‬وإنما‬ ‫تقصير اإلعالم الثقافي السعودي‪ ،‬الذي «يس ّوق» أسماء ويقبر أخرى‪ .‬لكن‪ ،‬ومن خالل‬ ‫تلصصي على بعض المتصفحات‪ ،‬لفت انتباهي مقال «مات صانع النقاد» لصالح‬ ‫الطريقي‪ ،‬وزلزلتني إشارته إلى كلمة الشاعر الكبير محمود درويش‪ ،‬عندما أجري‬ ‫معه حوارا في قرطاج‪ ،‬فسأل الصحافي‪« :‬من أين ؟»‪ ،‬فرد علي‪« :‬صحافي سعودي»‪،‬‬ ‫فقال درويش‪« :‬أها‪ ،‬من بلد الثبيتي»‪.‬‬

‫مشهد تنقصه بحيرة دموع‬ ‫(سيد البيد) في سريره‪ ،‬غب (طرده)‬ ‫بتلك الطريقة المهينة من مدينة سلطان‬ ‫ابن عبدالعزيز للخدمات اإلنسانية‪ ،‬شبه‬ ‫غائب عن الوعي‪« ،‬وجهه اليوم خارطة‬ ‫للبكاء»؛ وفي رقدته العاجزة‪ ،‬يرفع بصره‬

‫ناحية المذيع ال��واق��ف ب��ج��وار س��ري��ره‪،‬‬ ‫يحدق فيه بنظرات طفولية‪ .‬مه ً‬ ‫ال! لم‬ ‫ت��ق��ت��رب ك��ام��ي��را ال��ب��رن��ام��ج م��ن مالمحه‬ ‫ف��ي ل��ق��ط��ة م��ق��رب��ة‪ ،‬ح��ت��ى ن��ق��رأ تعابير‬ ‫وج��ه��ه وعينيه‪ .‬رب��م��ا‪ ،‬ل��م يكن المخرج‬ ‫يتوقع أن سيد البيد سيفعلها‪ ،‬ويهدينا‬ ‫مشهدا تراجيديا ذابحا‪ ،‬حتى لو كانت‬


‫‪SAYSARA‬‬

‫جمادى الثاني ‪1432‬هـ‬ ‫مايو ‪2011‬م‬

‫‪7‬‬

‫تقاسيمه ال تشي ب��أي ش��ي‪ ،‬لكن تلك‬ ‫النظرة البريئة المستطلعة أفاضت كأس‬ ‫الشجن‪ ،‬فتخيلت (سيد البيد) يتساءل‪:‬‬ ‫ّ‬ ‫المعطر‪،‬‬ ‫«هل يعود الصبا مشرعاً للغناء‬ ‫أو للبكاء الفصيح؟»‪.‬‬

‫(لألسف‪ ،‬ه��ذا الرجل شاعر كبير‪،‬‬ ‫ب���ش���ه���ادة أح���ب���ت���ه‪ ،‬ال���ذي���ن اس��ت��ض��اف��ه��م‬ ‫البرنامج‪ .‬شاعر كبير أهانه وطنه!!)‪.‬‬ ‫الرجل ‪ -‬الذي ال أعرفه‪ -‬يتخلى عن‬ ‫ش��روده ال��ب��اذخ‪ ،‬ويلتفت ناحية المذيع‪،‬‬ ‫ك��م��ا ط��ف��ل ودي������ع‪ .‬رغ���م���ا ع��ن��ي تنهمر‬ ‫وأحس أن هذا الغائب‬ ‫دمعتان حارتان‪،‬‬ ‫ُّ‬ ‫عن الوعي قد تنبأ بمعاناته في قصيدة‬ ‫فالتفت ناحية المذيع‪ ،‬وهو‬ ‫«ال��ظ��م��أ»‪،‬‬ ‫َ‬ ‫يتلو مقطعا منها‪« :‬م��اذا هنا للمستجير‬ ‫م��ن ال��ه��ج��ي��ر؟‪/‬ط��ع��ام��ه ورق‪/‬م������اذا هنا‬ ‫للمستجير م��ن الهجير؟‪/‬منامه أرق��ه‪/‬‬ ‫ماذا هنا للمستجير من الهجير؟‪ /‬مدامه‬ ‫موسيقى»‪.‬‬

‫الصوتية‪ ،‬قبل أن أق��رأ أش��ع��اره؛ ربما‪،‬‬ ‫ألن تلك المقطوعات م��ا ت���زال تختزن‬ ‫شعلة الحياة المقدسة‪ ،‬بعد انطفائها في‬ ‫الجسد الواهن‪ .‬لذت بالشيخ «جوجل»‪،‬‬ ‫ووج��دت��ن��ي ف��ي م��وق��ع «ال��ي��وت��وب»؛ موقع‬ ‫الفضائح بامتياز‪ ..‬وجاءت الطعنة الثالثة‬ ‫من الموقع‪ ،‬ال��ذي اعتاد أن يجود على‬ ‫المتلصصين بالمسرات ال��م��ؤق��ت��ة‪ ..‬يا‬ ‫الله!‬ ‫ص��وت ب���دوي ش��ام��خ‪« ،‬م��ت��رع بلهيب‬ ‫المواويل»‪ .‬ال إرادي��ا‪ ،‬وجدتني أفكر في‬ ‫التعاسة‪ ،‬التي تنتظر الشعراء في آخر‬ ‫المطاف‪ ،‬كما كتب شاعر مغربي شاب‪،‬‬ ‫فضل أن ينتحر‪ ،‬كأنما يتمرد على هذا‬ ‫ّ‬ ‫المصير التراجيدي (المشترك)‪ ،‬الذي‬ ‫ي��ت��رب��ص ب��ال��ش��ع��راء ف��ي آخ���ر ال��م��ط��اف‪،‬‬ ‫تباعا‪ ،‬بتلك الطريقة المهينة‬ ‫فيرحلون‬ ‫ً‬ ‫في أوطان جاحدة‪ .‬وتبدأ مهزلة حراس‬ ‫المقابر‪ ..‬محترفي المراثي المتخشبة‪،‬‬ ‫والدراسات النقدية‪ ،‬المدفوعة األجر‪..‬‬ ‫متاجر ًة بجثت األعدقاء‪.‬‬

‫تتعدد األسباب والفقد واحد‬

‫محمد الثبيتي (‪2011-1952‬م) ليس‬ ‫هدية اليوتوب‪ ..‬طعنة ثالثة‪:‬‬ ‫أولهم‪ ،‬ولن يكون آخر من يغادرون دنيا‬ ‫هكذا ألفيتني أبحث ع��ن قصائده الحطام‪ ،‬بتلك الطريقة المفجعة‪ .‬وهاهو‬

‫دراسات ونقد‬

‫ح���ق���اً‪ ،‬ال��م��ش��ه��د ت��ن��ق��ص��ه موسيقى‬ ‫ت��ص��وي��ري��ة م���ؤث���رة‪ ،‬وم��م��ث��ل��ي��ن يسفحون‬ ‫بحيرة دموع اصطناعية على شفير البوح‬ ‫واالنهيار الوجداني‪ ،‬فنسارع بالبحث عن‬ ‫المناديل‪ .‬م��ع��ذرة‪ ،‬ي��ا س���ادة؛ ه��ذا ليس‬ ‫مشهدا ميلودرامياً‪ .‬إن��ه «روب��رت��اج» عن‬ ‫رج��ل كهل ممدد ‪ -‬ب�لا ح��راك تقريبا‪-‬‬ ‫على سرير‪ ،‬يشبه أس ّرة الرضع‪ ،‬محاصر‬ ‫بالوسائد‪ ،‬كما لو ك��ان رضيعا سيتقلب‬ ‫في رقدته‪ ،‬فيتأذى!‬


‫‪SAYSARA‬‬

‫‪8‬‬

‫‪1432‬هـ جمادى الثاني‬ ‫‪2011‬م مايو‬

‫في خلق أزمة‪ ،‬وتحويل «التضاريس» إلى‬ ‫وثيقة إدانة»‪.‬‬ ‫ل�����م ي���ك���ن ص���م���ت (س����ي����د ال���ب���ي���د)‬ ‫وابتعاده عن المشهد األدبي انهزاما وال‬ ‫استسالما‪ ،‬بل من أجل كتابة المزيد من‬ ‫النصوص المربكة‪ ،‬بدل خوض معارك‬ ‫دونكيشوتية‪ ،‬ونستغرب كيف يحارب رجل‬ ‫أحب وطنه بكل هذا الوله‪ ،‬فك ّرس معظم‬ ‫شعره للتغني بكل مفردات الطبيعة في‬ ‫بلده‪ ،‬حتى حبات الرمال‪ ،‬بدل أن يصنع‬ ‫شهرة زائفة‪ ،‬كأي متشاعر يكتب قصائد‬ ‫غزل‪ ،‬ال يقرأها سوى المراهقين‪.‬‬ ‫فقيد الشعر السعودي يرحل‪ ،‬مثلما رحل‬ ‫السياب وأم���ل دن��ق��ل؛ يرحلون ف��ي أوج‬ ‫عطائهم‪ ،‬والشعر العربي م��ا ي��زال في‬ ‫مسيس الحاجة إليهم‪.‬‬ ‫ت��ت��ع��دد األس���ب���اب وال���م���وت واح����د‪،‬‬ ‫والفقد واحد‪.‬‬ ‫***‬

‫أنشودة للوطن القاسي‬ ‫تألمت حين علمت أن (سيد البيد)‪،‬‬ ‫ص��اح��ب التجربة الشعرية ال�لاف��ت��ة‪ ،‬ال‬ ‫يملك شقة وال س��ي��ارة خاصة وت��ط��ارده‬ ‫ال���دي���ون‪ !!..‬وح���ورب ك��ث��ي��را‪ ،‬ف��ح��رم من‬ ‫ج���ائ���زة ن�����ادي أدب�����ي ج����دة ف���ي مطلع‬ ‫التسعينات‪ ،‬فآثر االنسحاب في صمت‪:‬‬ ‫«خ��رج��ت م��ن ب��اب خلفي بعد أن رأي��ت‬ ‫مشاهد وم�لام��ح تنز بالتوتر والرغبة‬

‫لقد انحاز الثبيتي في شعره لإلنسان‪،‬‬ ‫ولقيم الحب‪ ،‬الخير‪ ،‬والجمال والوطن؛‬ ‫فاستهل «تغريبة القوافل والمطر»‪ ،‬التي‬ ‫استلهم فيها تغريبة بني ه�لال بجملته‬ ‫الصبح‪/‬‬ ‫الشعرية الشهيرة‪« :‬أدِ ْر مهج‬ ‫ِ‬ ‫����ؤوس‪ /‬ي��دي��ر‬ ‫����ب ل��ن��ا وط��� ًن���ا ف���ي ال����ك‬ ‫ص َّ‬ ‫ْ‬ ‫الرؤوس»‪.‬‬ ‫ْ‬ ‫وف����ي رائ���ع���ت���ه «ال���ت���ض���اري���س» ق��رع‬ ‫حن إلى‬ ‫(ع ّراف الرمل) بوابة االحتمال‪ّ ،‬‬ ‫قريته األرم��ل��ة‪ ،‬واعتنق وق��ار الطفولة‪،‬‬ ‫فكتب و«ل��ل��ج��رح ب��واب��ت��ان»‪ ،‬وق���د ابتكر‬ ‫ل��ل��دم��اء ص��ه��ي�لا‪« :‬م���ن ش��ف��اه��ي تقطر‬ ‫��س‪ /‬وص��م��ت��ي ل��غ��ة ش��اه��ق��ة تتلو‪/‬‬ ‫ال��ش��م ُ‬ ‫أسارير البال ْد»‪ .‬وألنه شاعر أحب وطنه‪،‬‬ ‫أنشد ترقب بسطائه للصيف‪ ،‬الواعد‬ ‫بأفراح البدو وأعياد األيتام‪ ،‬وتكررت في‬ ‫أشعاره كلمات شجية متفردة‪ ،‬مضمخة‬ ‫بعبق السنين الخوالي‪( :‬الطفولة‪ ،‬الجرح‪،‬‬ ‫ال��ري��ح‪ ،‬ال��ش��ي��ح‪ ،‬ال��ل��ي��ل‪ ،‬ال��ن��خ��ل‪ ،‬ال��ن��اي‪،‬‬ ‫الهديل‪ ،‬األغاني‪ ،‬التمائم‪ ،‬الحناء)‪ .‬وال‬


‫‪SAYSARA‬‬

‫جمادى الثاني ‪1432‬هـ‬ ‫مايو ‪2011‬م‬

‫‪9‬‬

‫أت��ي��ت أنتعل اآلف����اق‪ ..‬أمنحه ـ ـ ــا‬ ‫جرحي‪ ..‬وأبحث فيها عن بداياتي‬ ‫يا أنت لو تسكبين البدر في كبدي‬ ‫أو تشعلين دماء البحر في ذات ـ ــي‬ ‫فلن تزيلي بقايا الرمل عن كتفي‬ ‫وال عبير الخزامي من عباءات ــي‬ ‫هذي الشقوق التي تختال في قدمي‬ ‫قصائد صاغها نبض المساف ــات‬ ‫وهذه البسمة العطشى على شفتي‬ ‫��ذري الحكايــات‬ ‫نهر من الريح ع ّ‬

‫ي��ض��اه��ي ح��ب��ه ل��ل��وط��ن س���وى إخ�لاص��ه‬ ‫لبداوته‪ ،‬وه��ذا ليس نكوصا رومانسيا‬ ‫أو رعويا‪ ،‬أو ميال للعيش البدائي‪ ،‬وإنما‬ ‫رف��ض إلغ����راءات المدينة‪ ،‬التي سلبت‬ ‫اإلنسان بساطة العيش وبراءته في حياة‬ ‫ال��ب��داوة‪ ،‬فالتشييء والتسليع‪ ،‬الظلم‪،‬‬ ‫الجوع‪ ،‬الفقر والقهر من مظاهر الحياة‬ ‫المتحضرة‪ .‬وفي قصيدته «صفحة من‬ ‫أوراق ب���دوي»‪ ،‬يعلن اف��ت��خ��اره ببدواته‪،‬‬ ‫بصحرائه وإب��ل��ه��ا وشويهاتها ف��ي نبرة‬ ‫رومانسية‪ ،‬وبلغة سهلة ممتنعة‪:‬‬

‫وب��ش��غ��ف ص���وف���ي ي��ف��ت��ت��ح ق��ص��ي��دة‬ ‫«م���وق���ف ال����رم����ال‪ ..‬م���وق���ف ال��ج��ن��اس»‬ ‫راسما صورة الوطن من منظور فلسفته‬ ‫الثبيتية‪« :‬ض�� ّم��ن��ي‪ /..‬ث��م أوق��ف��ن��ي في‬ ‫بميم وح���اءٍ‬ ‫وميم‬ ‫ٍ‬ ‫ال��رم��ال‪ /‬ودع���ان���ي‪ٍ /:‬‬ ‫ودا ْل‪/‬واستوى ساط ًعا في يقيني‪/‬وقال‪/:‬‬ ‫بنات‬ ‫أنت والنخل فرعانِ ‪/‬أنت افترعت‬ ‫َ‬ ‫‪/‬هن اعترفن‬ ‫ال�� ّن��وى‪/‬ورف��ع��ت‬ ‫النواقيس ّ‬ ‫َ‬ ‫النواميس‪/‬فاكهة‬ ‫بس ّر ال�� ّن��وى‪/‬وع��رف��ن‬ ‫َ‬ ‫ال��ف��ق��راء‪/‬وف��اك��ه��ة الشعراء‪/‬تساقيتما‬ ‫ب��ال��خ��ل��ي��ط��ي��ن‪/:‬خ��م�� ًرا ب��ري�� ًئ��ا‪ ..‬وس��ح�� ًرا‬ ‫حالل‪.»..‬‬

‫إنه ‪ -‬وبتعبير الدكتور سعد البازعي‪-‬‬ ‫أن���ا ح��ص��ان قدي ــم ف ــوق غرتـ ــه‬ ‫ت���وزع الشمس أن���وار الصباح ــات «في هذا النص المدهش ليس بعروضه‬ ‫اللغوية فحسب‪ ،‬وإن��م��ا بما تسفر عنه‬ ‫أن���ا حصـ ــان ع��ص ّ��ي ال يط ّوع ـ ــه‬ ‫تلك العروض من صور شعرية موغلة في‬ ‫بوح العناقيد أو عطر الهنيهـ ــات‬ ‫العمق والجمال معاً‪ ،‬يلتحم الشاعر‪ ،‬كما‬ ‫أتيت أرك��ض وال��ص��ح��راء تتبعن ــي‬ ‫كان يفعل دائماً‪ ،‬بصورة الوطن كما تبرز‬ ‫وأحرف الرمل تجري بين خطواتي في مفرداته الطبيعية‪ :‬النخل والرمال‬

‫دراسات ونقد‬

‫***‬


‫‪SAYSARA‬‬

‫‪10‬‬

‫‪1432‬هـ جمادى الثاني‬ ‫‪2011‬م مايو‬

‫واإلن��س��ان وال��ث��ق��اف��ة‪ .‬ال��س��ي��اق الصوفي‬ ‫للقصيدة‪ ،‬كما يبرز منذ ال��ب��دء‪ ،‬وال��ذي‬ ‫يذ ّكر بالنفري أو ابن عربي‪ ،‬ال يلبث أن‬ ‫يفضي إلى قصيدة تنحاز إلى تفاصيل‬ ‫ال��وط��ن ب��وج��وه��ه المختلفة ب��ع��ي��داً عن‬ ‫أجواء التصوف التقليدية‪ .‬النخل إحدى‬ ‫تلك التفاصيل ال��ت��ي يرسمها الشاعر شاعر‪:‬‬ ‫بغنائية عذبة»‪.‬‬ ‫ل������م ي����ب����ق م������ن خ����ي����ل ال����ف����ت����وح‬ ‫���������روج‬ ‫س�����������وى األع��������ن��������ة وال���������س‬ ‫ْ‬

‫إلى السوق‪ ،‬وكل زاده أوراقه وخطاه‪« :‬من‬ ‫يقاسمني الجوع والشعر والصعلك ْه‪ /‬من‬ ‫يقاسمني نشوة التهلك ْه؟؟»‪ ،‬ويحضر في‬ ‫القومي أيضا‪ ،‬حيث‬ ‫كتابات الثبيتي اله ُّم‬ ‫ُّ‬ ‫يكتب عن الهوان العربي في «تقاسيم»‪:‬‬

‫القصيدة تصافح البؤس اليومي‬

‫وال تسرف «التضاريس» في تأملها‬ ‫الصوفي‪ ،‬بل سرعان ما تجترح مشهدية‬ ‫س��ي��ن��م��ائ��ي��ة‪ ،‬تلقائية وم��ده��ش��ة‪ ،‬تتغنى‬ ‫ب��ال��ي��وم��ي وال��م��ن��س��ي وال��م��ه��م��ل‪ ،‬معانقة‬ ‫هموم البسطاء والمسحوقين‪ ،‬ويتماهى‬ ‫ال��ش��اع��ر م��ع ال��ن��خ��ل‪ ،‬فيعلن ع��ن رغبته‬ ‫ل��م��ص��ادق��ة ال���ش���وارع‪ ،‬ال���رم���ل‪ ،‬ال��م��زارع‬ ‫وال��ن��خ��ي��ل‪ ،‬ال��م��دي��ن��ة‪ ،‬ال��ب��ح��ر‪ ،‬السفينة‬ ‫وال��ش��اط��ئ ال��ج��م��ي��ل‪ ،‬ال��ب�لاب��ل وال��ع��زف‬ ‫وال��ه��دي��ل‪ .‬ويتباهى ال��ش��اع��ر بشموخه‪،‬‬ ‫ال���ذي يشبه ش��م��وخ ال��ن��خ��ل‪ ،‬ذي الثمر‬ ‫الخرافي والصبر الجميل‪ ،‬المتسامي في‬ ‫فضاء الليل‪ ،‬غير عابئ بالشجر الهزيل‪،‬‬ ‫الذي يغتابه والوتد الذليل‪ ،‬الذي يذمه‪.‬‬ ‫وتبلغ اللغة التصويرية المتفردة ذروتها‬ ‫في نص «تعارف»‪ ،‬وهي تغوص في بؤس‬ ‫المعيش اليومي‪ ،‬حيث الغرفة البائسة‬ ‫ال��ب��اردة‪ ،‬التي ب�لا ب��اب وال ن��واف��ذ‪ ..‬وال‬ ‫موقد وال سرير وال لوحة في الجدار وال‬ ‫مائدة‪.‬‬

‫فأنا هنا‪،‬‬ ‫���������������ر ب���������ل��������ا م������ع������ن������ى‬ ‫ش���������������ط‬ ‫ٌ‬ ‫�������������وج‬ ‫وق���������������اف���������������ي���������������ة ل�������������ج‬ ‫ْ‬

‫القصيدة‪ /‬المرأة‪/‬الوطن‬

‫تبدو عالقة (سيد البيد) بالمرأة‪/‬‬ ‫األنثى شديدة الخصوصية‪ ،‬مترفعة عن‬ ‫المادي والشهواني‪ ،‬وه��ذا ليس بغريب‬ ‫ع��ل��ى ش���اع���ر ت��ت��وس��ل ن��ص��وص��ه ب�لاغ��ة‬ ‫األس��ل��وب ال��ق��رآن��ي‪ ،‬وتستلهم ال��م��وروث‬ ‫الشعري والصوفي‪ .‬وقد علمتنا التجارب‬ ‫الشعرية القديمة أن الغزل العفيف ارتبط‬ ‫بالبداوة والصحراء وقسوة العيش؛ لذا‪،‬‬ ‫ال نستغرب أن يكون عمر بن أبي ربيعة‬ ‫وام����رؤ ال��ق��ي��س ماجنين ف��ي شعرهما‪.‬‬ ‫ه��ك��ذا يستعير الثبيتي ع��ف��ة أس�لاف��ه‪،‬‬ ‫ويكتب قصائده الغزلية بـ «لغة طعنت في‬ ‫البكاء طويال»؛ لغة يطمح أن يستهل بها‬ ‫وطنه وقلب معشوقته‪ ،‬ويثير انتباهنا أن‬ ‫الوطن يحضر قبل العشيقة في قصيدته‬ ‫وف���ي «ال��ص��ع��ل��وك « ي��ت��س��اءل (سيد ال��غ��زل��ي��ة‪ .‬ف��ل��ن��ت��أم��ل غ��زل��ه ال��رق��ي��ق في‬ ‫ال��ب��ي��د) على ل��س��ان ال��ص��ع��ل��وك‪ ،‬بعد أن قصيدته «برقيات حب إلى غائبة»‪« :‬أنا‬ ‫يفيق من الجوع والخوف ظهرا‪ ،‬فيمضي حلمك الذهبي‪ ..‬أنا‪ /‬أنا همك االزلي‪..‬‬


‫أن��ا‪ /‬أن��ا لحنك ال��ب��دوي‪ ..‬أن��ا‪ /‬أن��ا فرح‬ ‫الدمع في مقلتيك‪ /‬أنا وهج الوشم في‬ ‫وجنتيك‪ /‬وأنت الشباب‪ /‬وأنت السراب‪/‬‬ ‫وأنت العذاب‪ ../‬وأنت أنا!!»‪.‬‬ ‫وف�����ي ق���ص���ي���دة «أغ����ن����ي����ة» ي��ن��اج��ي‬ ‫المحبوبة القريبة من «أرقه العذب» وهي‬ ‫تحرس سهاده‪ ،‬حتى ال ينام‪ ،‬تلك الحبيبة‬ ‫التي أسكنته حدائقها‪ ،‬و«لثمت روحها‬ ‫وجعه»‪:‬‬

‫ستتضح رؤي��ة الشاعر أك��ث��ر‪ ،‬حيث‬ ‫تصير الحبيبة والغناء معادلين جماليين‬ ‫للوطن‪ ..‬فيمضي الشاعر‪ /‬المغني إلى‬ ‫المعنى‪ ،‬ممتصا الرحيق م��ن الحريق‪،‬‬ ‫مجهشا ب��ـ��ـ «ال��ل��ح��ن ال��ل��ذي��ذ»‪ .‬ي��م��ر بين‬ ‫المسالك والمهالك‪ ،‬والحبيبة هي المالذ‪،‬‬ ‫حيث ال شجر يلوذ به حمام الشاعر‪ ،‬وال‬ ‫يم يل ُّم شتات أشرعته في قصيدة «موقف‬ ‫الرمال‪ ..‬موقف الجناس»‪:‬‬ ‫حدق في أسارير الحبيبة كي‬ ‫ُأ ّ‬ ‫سميها‬ ‫ُأ ّ‬ ‫فضاقت‬ ‫ْ‬ ‫عن‬ ‫سجاياها‬ ‫األسامي‬ ‫ألفيتُ ها وطني‬ ‫وبهج َة صوتها شجني‬

‫هذه الحبيبة لن تكون سوى القصيدة‪،‬‬ ‫وهي «شهد على حد الموس» تتصادى مع‬ ‫الوطن‪ ،‬وفي «بوابة الريح» يغالي شاعرنا‬ ‫ف��ي التغزل بها (بالقصيدة‪ /‬ال��وط��ن)‪:‬‬ ‫«قصائدي أينما ينتابي قلقي‪ /‬ومنزلي‬ ‫حيثما أل��ق��ي م��ف��ات��ي��ح��ي»‪ .‬وف���ي خاتمة‬ ‫قولي‬ ‫ال��ب��واب��ة ال��ري��ح��ي��ة‪ ،‬ي��ت��س��اءل‪« :‬أي‬ ‫ّ‬ ‫أحلى عند سيدتي‪ /‬م��ا قلت للنخل أم‬ ‫ما قلت للشيح؟!»‪ .‬والنخل والشيح‪ -‬كما‬ ‫نعرف‪ -‬من مفردات الصحراء‪ /‬الوطن‪،‬‬ ‫بينما المقصود بالسيدة القصيدة‪.‬‬

‫آخر الكالم‬ ‫ال أري���د إن��ه��اء ه���ذه ال��س��ط��ور بتلك‬ ‫ال��ع��ب��ارة المستهلكة‪(« :‬س��ي��د البيد) لم‬ ‫ي��م��ت»‪ ،‬ألن م��ن يكتب ن��ص��وص��ا‪ ،‬بهذه‬ ‫ال��ع��ذوب��ة وال��ش��ج��ن‪ ،‬مسكونة بكل هذه‬ ‫��اق في قلوب محبي الشعر‪،‬‬ ‫الفجيعة‪ ،‬ب ٍ‬ ‫ول��ن يغيب س��وى بيولوجيا‪ ،‬بينما روحه‬ ‫ت��رف��رف بين كلماته كلما صافحناها‪،‬‬ ‫سيظل بيننا كـ «عاشق بكر ينام معطرا‪/‬‬ ‫بالريح‪/‬مرتديا غموض الليل»‪ .‬لن نرثيه‪،‬‬ ‫فمن يستحقون ال��رث��اء أولئك األحياء‪-‬‬ ‫األم�����وات ال���ذي���ن ح����ارب����وه‪ ..‬يستحقون‬ ‫أن نشفق عليهم ألن��ه��م أه��ان��وا شاعرا‬ ‫ك��ب��ي��را‪ ،‬وال ن���دري إن ك��ان��وا ق��د اطلعوا‬ ‫على «الرقية المك ّية»؛ هل قرأوا سطوره‬ ‫النورانية‪ ،‬وهو يتغزل بميم وك��اف وهاء‬ ‫مدينته المقدسة (مكة)؟! هل انتبهوا إلى‬ ‫استعاراته اآلسرة للغة القرآنية‪ ،‬بخالف‬ ‫شعراء كثيرين يميلون إلى اللغة التوراتية‬ ‫واألساطير؟ هل رأوا سناء الفجر‪ ،‬الذي‬ ‫فاته «إذ طالت ت��رواي��ح��ه»‪ ،‬وه��و «تلقاء‬

‫دراسات ونقد‬

‫َيا التي َس َكن َْت ُغ ْر َف ًة َ‬ ‫ال ت َُم ُّس َست َِائ ُر َها‬ ‫ود َي َكان َْت َضف َِائ ُر َها‬ ‫وحينَ َل َم ْس ُت ُق ُي ِ‬ ‫ِ‬ ‫احت َ​َج ْب ُت ِبأَ ْح َش ِائ َها أَ َ‬ ‫وعا ْم‬ ‫لف َع ٍام َ‬ ‫َف ْ‬ ‫وص ْر ُت ُأ َغنِّي ِب َ‬ ‫َين‬ ‫ِ‬ ‫ال شَ َفت ِ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َين‬ ‫ت‬ ‫ئ‬ ‫ر‬ ‫ال‬ ‫ب‬ ‫ا‬ ‫ي‬ ‫ح‬ ‫وأَ ْ َ ِ ِ ِ‬ ‫وأل ِْج ُم َبينَ َي َدي َها ُخ ُي َ‬ ‫ول ال َك َ‬ ‫ال ْم‬

‫‪SAYSARA‬‬

‫جمادى الثاني ‪1432‬هـ‬ ‫مايو ‪2011‬م‬

‫‪11‬‬


‫‪SAYSARA‬‬

‫‪12‬‬

‫‪1432‬هـ جمادى الثاني‬ ‫‪2011‬م مايو‬

‫مكة يتلو آية ال��روح» في قصيدة «بوابة‬ ‫الريح»؟‬ ‫أسمعه يشتعل غناء كالعصافير‪ ،‬وهو‬ ‫يحيي (سيد البيد)‪ ،‬ناظما مرثية خالدة‬ ‫ألولئك األح��ي��اء‪ /‬األم���وات‪ ..‬في رائعته‬ ‫«تحية لسيد البيد»‪:‬‬ ‫وشمت َ‬ ‫ُ‬ ‫دمك‬ ‫ستموت النّسو ُر التي‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫يوما‬ ‫الطفل ً‬

‫صدر حديث ًا‬ ‫عن النادي األدبي بالجوف‬ ‫الرحالة األوروبيون‬ ‫عوض البادي‬

‫عروق الثرى‬ ‫وأنتَ الذي في‬ ‫ِ‬ ‫ٌ‬ ‫تموت‬ ‫نخلة ال‬ ‫ْ‬ ‫مرح ًبا س ّيد البيد‪..‬‬ ‫نص ْبناك فوقَ‬ ‫العظيمة‬ ‫الجراح‬ ‫ِ‬ ‫إنّا َ‬ ‫ِ‬ ‫حتّى تكون سمانا وصحراءنا‬ ‫عوت‬ ‫وهوانا الذي‬ ‫يستبد فال تحتويه النُّ ْ‬ ‫ُّ‬ ‫وشمت َ‬ ‫ُ‬ ‫دمك‬ ‫ستموت النّسو ُر التي‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫يوما‬ ‫الطفل ً‬ ‫حلوق المصابيح أغنية‬ ‫وأنت الذي في‬ ‫ِ‬ ‫تموت‬ ‫ال‬ ‫ْ‬ ‫مرح ًبا سيد البيد‪..‬‬ ‫إنّا انتظرناك حتّى صحونا على وقع‬ ‫َ‬ ‫نعليك‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫الطرقات‬ ‫لخطوتك‬ ‫استكانت‬ ‫حين‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫البيوت‬ ‫عليك النوافذُ دف َء‬ ‫وألقت‬ ‫ْ‬ ‫وشمت َ‬ ‫ُ‬ ‫دمك‬ ‫ستموت النّسو ُر التي‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫يوما‬ ‫الطفل ً‬ ‫هوى ال‬ ‫وأنت الذي في قلوب الصبايا ً‬ ‫يموت‪..‬‬ ‫ْ‬


‫‪SAYSARA‬‬

‫جمادى الثاني ‪1432‬هـ‬ ‫مايو ‪2011‬م‬

‫‪13‬‬

‫جريمة تخلف المشروع النهضوي العربي‪،‬‬ ‫وأسباب انكماش أثره الثقافي‬ ‫قراءة يف كتاب‪:‬‬

‫> قراءة‪ :‬هويدا صالح ‪ -‬القاهرة*‬ ‫ف��ي لغة سهلة تبعد ك��ل البعد ع��ن التعقيد والتقعير‪،‬‬ ‫وت��راه��ن على ال��ق��ارئ ال��ع��ام غير المتخصص‪ ,‬يقدم لنا‬ ‫الكاتب عبدالله البريدي قراءته الواعية لجدلية العالقة‬ ‫بين السلفية والليبرالية وتجلياتها في ثقافتنا المعاصرة‪،‬‬ ‫وذلك في كتابه‪« :‬السلفية والليبرالية‪ :‬اغتيال اإلبداع في‬ ‫ثقافتنا العربية»‪.‬‬ ‫وفيه يطرح الباحث إشكالية كبرى‪ ,‬هي التعاطي مع التراث‬ ‫العربي اإلسالمي والحضارة الغربية المعاصرة‪ ،‬ويعدها‬ ‫أهم إشكاليات الثقافة العربية؛ ألننا نجد أنفسنا أمام موقفين كالهما محير؛ فهل‬ ‫يجب علينا وتحت دعوى المحافظة على التراث والهوية الثقافية العربية‪ ،‬أن نتجاهل‬ ‫معطيات الحضارة الغربية‪ ،‬وكل ما قدمته للبشرية‪ ،‬ونغرق في الرجعية والتخلف‪ ،‬أم‬ ‫ننسلخ عن جلدنا وهويتنا ونتجه كلية نحو الغرب حتى ال نصاب بالجمود والتخلف‬ ‫ونقع في براثن التغريب؟ أم نحن قادرون على أن نأخذ من الحضارة الغربية ما يفيد‬ ‫لحظتنا الراهنة‪ ،‬ويسمح لنا أن نواكب االعصر‪ ،‬نفيد من أطروحات الغرب الفكرية‪ ،‬فيما‬ ‫ال يضيع هويتنا الثقافية العربية واإلسالمية هذه هي اإلشكالية الكبرى‪ ،‬التي يطرحها‬ ‫علينا الباحث‪.‬‬

‫دراسات ونقد‬

‫«السلفية والليبرالية‪:‬‬ ‫اغتيال اإلبداع في ثقافتنا العربية»‬


‫‪SAYSARA‬‬

‫‪14‬‬

‫‪1432‬هـ جمادى الثاني‬ ‫‪2011‬م مايو‬

‫فئة محل اقتداء لدى مجموعة من الناس‬ ‫في جوانب معينة‪ ،‬وهو بهذا المعنى سمة‬ ‫الزمة في كل دين من األديان‪ ،‬بل هو سمة‬ ‫لكل أي��دي��ول��وج��ي��ة فلسفية أو فكرية أو‬ ‫سياسية لكل سلف‪.‬‬

‫ف��ي ه��ذا ال��ك��ت��اب‪ ،‬ح��اول الباحث أن‬ ‫يع ّرف السلفية ويوجد جذورها في التراث‬ ‫العربي‪ ،‬كما ع ّرف الليبرالية وانعكاساتها‬ ‫على الثقافة العربية المعاصرة‪ ،‬والعالقة‬ ‫الجدلية بين المفهومين‪ ،‬محاوال التحرر‬ ‫من ذلك الجمود الفكري وصوالً إلى نوع‬ ‫غ��ي��ر أن االع��ت��ب��ارات واالش��ت��راط��ات‬ ‫م��ن اإلب����داع ال��ع��رب��ي ف��ي ك��اف��ة الجوانب والمواصفات واالستحقاقات لمن ينتخب‬ ‫الفكرية والبحثية‪ :‬جاء الجزء األول من كسلف هي محل االختالف والتباين‪ ،‬ما‬ ‫الكتاب تحت عنوان‪:‬‬ ‫يجعلها مفتقرة لجهود بحثية متعمقة‪.‬‬ ‫والمحصلة النهائية ‪-‬ك��م��ا الحظها‬ ‫(السلفية والليبرالية بين الفنائية‬ ‫جلي وتشوش‬ ‫والمائية)‬ ‫المؤلف‪ -‬هي وج��ود خلط ّ‬ ‫حاول أن يعرف السلفية‪ ،‬ويعود بها إلى ظ��اه��ر ف���ي ج��ه��ود ال��ت��ع��ري��ف بالسلفية‬ ‫ّ‬ ‫جذورها فطرح تساؤالً عن ماهية السلفية‪ ،‬والتأريخ لها‪ ،‬وهو األمر الذي أوجد لديه‬ ‫لتقصي وتتبع تأريخية‬ ‫فهل السلفية هي «االتجاه الذي كان عليه (المؤلف) دافعا‬ ‫ّ‬ ‫الصحابة والتابعون لهم بإحسان‪ ،‬واألئمة هذا المصطلح‪.‬‬ ‫ف����ي ه�����ذا ال�����ش�����أن‪ ،‬وف�����ي ح��وص��ل��ة‬ ‫األربعة‪ ،‬ومن سلك نهجهم دون انحراف‬ ‫إلى مسلك مبتدع‪ ،‬كالخوارج والروافض استقراءاته للمنابع الشاملة للمصطلح‪،‬‬ ‫والمرجئة والجهمية والمعتزلة»؟ أم هي ي���ؤك���د ال���م���ؤل���ف أن����ه ل���م ي��ق��ف ع��ل��ى أي‬ ‫«موافقة الرأي للكتاب والسنّة وروحهما»؟ مصدر يتضمن اإلش��ارة إلى أن مصطلح‬ ‫أم هي حركة تطهير‪ ،‬ترجع إل��ى المنابع السلفية قد استخدم فعال حتى منتصف‬ ‫األول��ى لتنقي اإلس�لام من كل ما علق به القرن السابع الهجري‪ .‬ويرجح أن اإلمام‬ ‫م��ن خ��راف��ات وب��دع صوفية ض���ارة؛ فهي الشهير ابن تيمية (‪728-661‬هـ) أول من‬ ‫بذلك كفاح م��ن أج��ل فتح ب��اب االجتهاد استخدمه ون��ش��ره ف��ي بعض كتبه‪ ،‬ولكن‬ ‫وإنقاد المسلم من روح القطيع؟ أم هي على نطاق ضيق‪.‬‬ ‫غير ذلك؟‬ ‫وفي هذه الفترة تحديدا‪ ،‬وإلى فترات‬ ‫وفي هذا السياق‪ ،‬ومن أهم اإلشكاليات‬ ‫التي وضعها البريدي تحت أضواء التحليل‪،‬‬ ‫الخلط الواضح في الفكر السلفي‪ ،‬بين‬ ‫مصطلحي «السلف والسلفية»؛ فمصطلح‬ ‫السلف بمفهومه العام‪ ،‬يشير إلى وجود‬

‫زمنية الحقة تركز المصطلح على جانب‬ ‫العقيدة‪ ،‬من غير أن يتكئ على تحزّب أو‬ ‫تخندق؛ فغايته كانت تكثيف االهتمام على‬ ‫«آث��ار ومنهج» السلف‪ ،‬ال سيما في الشق‬ ‫العقدي‪.‬‬


‫‪SAYSARA‬‬

‫جمادى الثاني ‪1432‬هـ‬ ‫مايو ‪2011‬م‬

‫‪15‬‬

‫ابن كثير وابن الق ّيم وابن خلدون وغيرهم‪،‬‬ ‫وقد حدد هذا المفهوم‪ ،‬في ما بعد‪ ،‬بشيء‬ ‫من الذاتية وباطمئنان إلى صوابية النهج‪.‬‬

‫أو التابعين‪ ،‬لكن بعد ذك��ره العرضي في‬ ‫ومع ذل��ك‪ ،‬فإن قطاعا من المثقفين‬ ‫كتاب ابن تيمية توالى ذك��ره عند كل من ال��ع��رب ال ي��ج��دون ب���دا م��ن ال���ع���ودة إل��ى‬ ‫الكتاب‪ :‬‬

‫السلفية وال��ل��ي��ب��رال��ي��ة‪ ..‬اغتيال‬ ‫اإلبداع في ثقافتنا العربية‪.‬‬

‫المؤلف‪ :‬‬

‫عبدالله البريدي‬

‫دار النشر‪ :‬‬

‫المركز الثقافي العربي‬

‫مكان النشر‪ :‬الدار البيضاء المغرب‬ ‫الصفحات‪ 208 :‬صفحة من القطع المتوسط‬

‫دراسات ونقد‬

‫وكان القرن الـ‪ 12‬الهجري هو الفضاء‬ ‫ال���ذي ت��م��دد فيه مصطلح السلفية‪ ،‬من‬ ‫خ�لال دع���وة التجديد للشيخ محمد بن‬ ‫توجه‬ ‫عبدالوهاب (‪ 1206-1115‬هـ) الذي ّ‬ ‫ورج���وع���ا إل���ى معنى ال��س��ل��ف��ي��ة‪ ،‬وأي���اً‬ ‫ّ‬ ‫توجها ج��دي��دا‪ ،‬مع ّبرا ع��ن ال��دع��وة التي كان تعريفها‪ ،‬يقرر الكاتب في الختام أن‬ ‫العقيدة‬ ‫مع‬ ‫كبير‬ ‫مدى‬ ‫إلى‬ ‫تتنامى‬ ‫كانت‬ ‫السلفية بنسقها العام تعد البعد العقدي‬ ‫في تلك المرحلة‪.‬‬ ‫ب��ج��وان��ب��ه ال��ع��ل��م��ي��ة التفصيلية ال��رك��ي��زة‬ ‫غير أنه بدا نوع من التمايز بعد ذلك المحورية لفكرها‪ ،‬هذا إلى جانب انشغالها‬ ‫يظهر على خارطة المصطلح‪ ،‬في حركة النظري التفصيلي بعل َم ّي الحديث والفقه‪،‬‬ ‫تشبه انسحاب المصطلح‪ ،‬م��ن تجسيد وكل ذلك االنشغال مشدود إلى المسائل‬ ‫ف��ك��رة إل���ى التعبير ع��م��ن يحملها‪ ،‬وه��و واألدوات واإلشكاليات التراثية‬ ‫األمر الذي صنع (بحسب البريدي) وعاء‬ ‫التباس مفهوم الليبرالية‬ ‫لالحتواء وإلحداث التراكمية في مفردات‬ ‫ذلك الفكر‪ ،‬سواء النظرية أو المفاهيمية‬ ‫من خالل التحليل المتأني لألدبيات‬ ‫أو السلوكية‬ ‫الغربية‪ ،‬يالحظ المؤلف أن ثمة التباسا‬ ‫إذاً‪ ،‬السلفية مفهوم إشكالي بحد ذاته وغ���م���وض���ا ش���دي���دي���ن ي���ل���ف���ان م��ص��ط��ل��ح‬ ‫كونه ال يمتد بجذوره إلى السلف المقصود‪ ،‬ال��ل��ي��ب��رال��ي��ة‪ ،‬ح��ي��ث ال ات��ف��اق ح���ول ت��أري��خ‬ ‫وأنه ال ينتسب إلى أي حديث نبوي‪ ،‬ولم المصطلح‪ ،‬فضال عن تشكالته ومعانيه‬ ‫يذكره أي من أصحاب المذاهب األربعة ومبادئه ومقوماته المتضادة أحيانا‪.‬‬


‫‪SAYSARA‬‬

‫‪16‬‬

‫‪1432‬هـ جمادى الثاني‬ ‫‪2011‬م مايو‬

‫القواميس اللغوية والمعاجم األجنبية‪ ،‬تأسيس آليات وإجراءات للنوعية والتبعية‬ ‫علهم بذلك أن يظفروا بمعنى اصطالحي والبناء الثقافي والسياسي في إطار نسيج‬ ‫له؟‬ ‫المجتمع وثقافته التي يؤمن بها‪.‬‬ ‫وفي هذا فقر منهجي طافح انعكس‬ ‫ع��ل��ى ك��ث��ي��ر م���ن م���واق���ف ال���ع���رب ال��ذي��ن‬ ‫يتعاطون م��ع الليبرالية ب��أق��دار وأشكال‬ ‫م��خ��ت��ل��ف��ة‪ ،‬ف��م��ن ذل���ك ق���ول أح��ده��م «أن��ا‬ ‫مسلم أوال ثم ليبرالي ثانيا‪ ،‬يعني مسلم‬ ‫مبادئ وليبرالي آليات»‪ .‬وقول آخر‪« :‬إنني‬ ‫إسالمي الفكر‪ ،‬ليبرالي التفكير؛ ألنني‬ ‫أؤمن باإلسالم محتوى فكرياً والليبرالية‬ ‫أداة للتفكير»‪ .‬وثمة مثقفون آخرون يعلنون‬ ‫ص��ب��اح م��س��اء‪ ،‬وب��ك��ل زه��و وت��ف��اخ��ر‪ ،‬أنهم‬ ‫ليبراليون ومجاالتهم ه��ي نقد لألفكار‬ ‫التي فيها اإلسالم المتطرف في المجتمع‪،‬‬ ‫إذاً‪ ،‬الليبرالية م��ف��ه��وم غ��ي��ر واض��ح‬ ‫وهي عندهم لغة للحوار والمناقشة وليس ال���م���ع���ال���م‪ ،‬ف����ت����ار ًة ي��س��ت��خ��دم ك���م���رادف‬ ‫القهر والحرب‪ ،‬إنها في نظرهم مجد ال للعلمانية‪ ،‬وت����ار ًة ك��م��رادف ل��ل��ح��ري��ة؛ أو‬ ‫يستحقه مجتمعهم العربي‪.‬‬ ‫يعرف بأنه التحرر من السلطات‪ ،‬أو عدم‬ ‫وأم��ام ه��ذه المواقف وغيرها ‪ -‬مما تدخل الحكومات في الشأن االقتصادي‬ ‫أشار إليه الكتاب ‪ -‬ال يجد البريدي حرجا واالج���ت���م���اع���ي‪ ،‬أو ي��ع��ن��ي ال��ت��س��ام��ح أو‬ ‫ف��ي التأكيد أن��ه قبالة ن��وع م��ن التشظي االنفتاح‪ ،‬أو العدالة والمساواة‪ ،‬والحقيقة‬ ‫الفكري؛ يعتز به أصحابه ويعدونه سمة أن ال��ل��ي��ب��رال��ي��ة كمصطلح دخ���ل ال��ح��ي��اة‬ ‫ب����ارزة ل��ف��ك��ره��م‪ ،‬وه���م ف��ي ذل���ك ي��ج��دون العربية كمفهوم وفكرة وليس نسقاً فكرياً‬ ‫ألن��ف��س��ه��م ع�����ذرا ف���ي ع����دم ال���ول���وج في متجانساً؛ ول��ذل��ك‪ ،‬ي��رى الباحث أن كال‬ ‫ن��ق��اش تبعات واستحقاقات ذل��ك البعد المفهومين لم يؤسسا فع ً‬ ‫ال لقاعدة فكرية‬ ‫المفاهيمي الفكري‪ ،‬فضال عن مدارسة م��ت��ط��ورة فاعلة م��ع ال��واق��ع‪ ،‬واب��ت��ع��دا في‬ ‫اإلش��ك��ال��ي��ات ال���دائ���رة ح���ول ال��م��س�� ّوغ أو الخطاب عن الجمهور المفترض التوجه‬ ‫القاعدة المفاهيمية والفلسفية التي يمكن إليه‪ ،‬وجرى تبسيط المفهومين إلى الح ّد‬ ‫أن ينطلق منها لتشييد م��ش��روع فكري األقصى مع اتساع شمولهما‪..‬هل الصراع‬ ‫م��ت��م��اس��ك‪ ،‬يفضي (ول���و ب��ع��د ح��ي��ن) إل��ى الجدلي بين السلفية والليبرالية يعطل‬ ‫وأم��ام إص��رار المثقفين العرب على‬ ‫التمسك بذلك المصطلح أو التغافل عن‬ ‫إشكاليته مع توقف ت��ام أو شبه ت��ام عن‬ ‫اإلسهام في صناعة شيء ذي بال بشأن‬ ‫الليبرالية‪ .‬يقرر المؤلف أن ُج ّل أطروحات‬ ‫التيار الليبرالي العربي لم تحظ بتنظيرات‬ ‫رص��ي��ن��ة‪ ،‬وك��ث��ي��را م��ا غلب عليها الطابع‬ ‫الصحفي المختصر‪ ،‬وق��د ال ي��ك��ون من‬ ‫العسير ع��ل��ى المحلل أن يتنبأ بظهور‬ ‫عشرات الكتب والمؤلفات عن الليبرالية‬ ‫في غضون الفترة القريبة المقبلة‪.‬‬


‫التغيير؟‬

‫‪SAYSARA‬‬

‫جمادى الثاني ‪1432‬هـ‬ ‫مايو ‪2011‬م‬

‫‪17‬‬

‫تلك األذواق أو ر ّدها‪ ،‬وبخاصة أنه يؤمن‬ ‫بتعددية المرجعيات وعدم قداستها‪.‬‬

‫دراسات ونقد‬

‫وفي الجزء الثاني الذي حمل عنوان‪:‬‬ ‫(السلفية والليبرالية بين تعطيل التغيير‬ ‫السلفية والليبرالية وضمور‬ ‫وتهميشه) يقدم البريدي األدلة على تح ّيز‬ ‫اإلبداع‬ ‫كل فئة لموقفها وموقعها‪ ،‬فغابت الصفات‬ ‫يطرح الباحث جملة من التساؤالت؛‬ ‫ال��م��ح��اي��دة ف���ي ن��م��ط ال��ت��ف��ك��ي��ر ال��ع��رب��ي‬ ‫عموماً‪ ،‬واإلس�لام��ي بشكل خ��اص‪ ،‬وبقي أولها‪َ ،‬من الذي أعاقنا فعال عن الممارسة‬ ‫موقع الباحث الحقيقي شاغراً مع بعض اإلبداعية‪ :‬السلفية أم الليبرالية أم كالهما؟‬ ‫أم تعاقبت كل من السلفية والليبرالية في‬ ‫االستثناءات القليلة‪.‬‬ ‫صدنا عن اإلب���داع في منعطفات فكرية‬ ‫إن انخفاض منسوب األنفة بحسب‬ ‫مختلفة؟‬ ‫تعبير ال��م��ؤل��ف ل��دى جملة الليبراليين‪،‬‬ ‫ب��داي��ة‪ ،‬وف��ي استهالله الحديث عن‬ ‫ج��ع��ل��ه��م ي��ع��ي��ش��ون ال��ت��س��ل��ي��م ال��م��ط��ل��ق أو‬ ‫شبهه ب��إن��ت��اج اآلخ���ر ‪-‬وب��خ��اص��ة اإلن��ت��اج العقل السلفي‪ ،‬يشير المؤلف إلى أن هذا‬ ‫الغربي‪ -‬علما وفكرا وممارسة أيضا‪ ،‬ومن العقل مثالي منجذب إل��ى مجموعة من‬ ‫ث��م ينعكس األم���ر على ال��ف��ض��اء الفكري المبادئ والتشخيص والتفكير؛ وهذا في‬ ‫والتعبوي لليبرالية ف��ي أم���ور كثيرة من حد ذاته أمر إيجابي‪ ،‬ولكن ثمة إشكاليات‬ ‫أهمها خلق بعض األقفال الذهنية‪ ،‬كقفل في التوجه المثالي المفرط؛ فمن ذلك‬ ‫«نحن لسنا مبدعين» حيث تنخفض الثقة أن��ه عقل يميل إل��ى االعتقاد ب��أن الناس‬ ‫بالذات لدرجة تكاد تصل إلى «اإليمان» ينبغي أن يتفقوا ف��ي ك��ل ش��يء تقريبا‪،‬‬ ‫ب��ان��ع��دام ال��ق��درة ع��ل��ى اإلب����داع ف��ي كافة ويضيق ذرعا باالختالفات نظرا لمحورية‬ ‫الميادين التي يوجد فيها األستاذ الغربي القيم وصحتها المطلقة؛ وهو في الوقت‬ ‫ذات���ه ل��م يستفد م��ن ال��س��ع��ة ال��ه��ائ��ل��ة في‬ ‫ويعمل فيها عبقريته‪.‬‬ ‫الفقه اإلسالمي‪ ،‬الذي يعد موطنا للتنوع‬ ‫ولئن كان العقل السلفي استرجاعيا‬ ‫المدهش في االجتهادات والتطبيقات‪.‬‬ ‫يميل إلى تعميم االستثناء‪ ،‬فكذلك العقل‬ ‫كما أن العقل السلفي قد ال يعترف وال‬ ‫الليبرالي‪ ،‬فهو استرجاعي استحضاري‬ ‫ي��ح��ض��ر ال��ت��ط��ب��ي��ق��ات ال��ج��اه��زة م��ن سلة يعالج بعض الحقائق‪ ،‬بحجة الحفاظ على‬ ‫ال��م��ن��ج��زات ال��غ��رب��ي��ة‪ ،‬وي��ل��ج��أ ك��ث��ي��را إل��ى المكتسبات القيم ّية؛ فهو يسعى دائما‬ ‫تعميم األذواق الشخصية على أنها معيار لتحقيق «المثال» أو النموذج السلفي في‬ ‫االعتدال واالنفتاح واإلنسانية‪ ،‬دون إيراد الواقع المعاش بمعايير عالية وتوقعات‬ ‫أي معايير يمكن االحتكام إليها في قبول م��رت��ف��ع��ة‪ ،‬م���ن دون م����راع����اة ل��ل��ظ��روف‬


‫‪SAYSARA‬‬

‫‪18‬‬

‫‪1432‬هـ جمادى الثاني‬ ‫‪2011‬م مايو‬

‫والمالبسات في كثير من األحيان؛ األمر وي��س��ت��ك��ش��ف ع�ل�اق���ات وط���رائ���ق وب��دائ��ل‬ ‫الذي جعل المؤلف يقرر من دون عناء أن جديدة‪.‬‬ ‫العقل السلفي «استرجاعي» ال «توليدي»‪،‬‬ ‫العقل الليبرالي ف��ي نظر البريدي‬ ‫فهو يسترجع األف��ك��ار والتطبيقات من أخفق هو اآلخر في ممارسة اإلب��داع‪ ،‬إذ‬ ‫ال���ذاك���رة ال��س��ل��ف��ي��ة وال ي��ص��ن��ع��ه��ا‪ ،‬ويلجأ الليبرالية كحركة ورؤية فكرية تنشط في‬ ‫إل��ى تعميم االستثناء عبر انتخاب بعض المجتمعات العربية من دون أن يكون لها‬ ‫السلوكيات لبعض السلف‪ ،‬محاوال تعميمها معنى واحد متماسك‪ ،‬األمر الذي يجعل‬ ‫على بقية أفراد األمة‪.‬‬ ‫هذا العقل يعجز عن الوفاء بالحد األدنى‬

‫ه���ذا ال��ل��ون م��ن التفكير ي����ؤدي إل��ى‬ ‫تشكيل أقفال ذهنية في فضائها الفكري‬ ‫وال��ت��رب��وي‪ ،‬م��ن شأنها إع��اق��ة الممارسة‬ ‫اإلبداعية بشكل كامل أو جزئي؛ يصبح‬ ‫الفكر من خاللها تقاربيا ير ّكز على إنتاج‬ ‫عدد صغير من الحلول الصحيحة‪ ،‬بدال‬ ‫من توليد أفكار جديدة ومتنوعة‪.‬‬

‫من المنهجية‪ ،‬خالفا لما هو عليه األمر‬ ‫في الغرب؛ فهو هناك‪ ،‬يجهد ألن يظهر‬ ‫ك��م��ق��دس للعلم ال��ح��دي��ث وم��ع ٍ��ل لشأنه‪،‬‬ ‫وم��ش��ي��د ب��ال��م��وض��وع��ي��ة وح���ام���ل ل��ل��وائ��ه��ا‬ ‫ومتمسك بمبادئها‪.‬‬

‫وب��ق��در ك��اف م��ن التفحص للخطاب‬ ‫العربي الليبرالي‪ ،‬ن��درك أن الكثير من‬ ‫الليبراليين ال��ع��رب ال يشتغلون ك��م��ا ال‬ ‫ي��ت��ف��ه��م��ون ع��ل��ى ن��ح��و م��ت��ع��م��ق ال��ق��ض��اي��ا‬ ‫الفلسفية والمنهجية المتعلقة بطبيعة‬ ‫العلم وأدواته‪ ،‬وحدوده وإمكاناته ونقائصه‬ ‫وإخفاقاته‪.‬‬

‫ألج���ل ذل����ك‪ ،‬ل���م ت��ف��ل��ح ال��س��ل��ف��ي��ة في‬ ‫التفريق بين الثوابت التي ال تحتمل غير‬ ‫إجابة صحيحة واح��دة‪ ،‬وبين المتغيرات‬ ‫ال��ت��ي تستوعب إج��اب��ات ك��ث��ي��رة وتحتمل‬ ‫بدائل متنوعة‪ ،‬ومالت بإفراط إلى تثبيت‬ ‫المتغيرات‪ ،‬ففقدت بذلك ال��ق��درة على‬ ‫وتعليال لهذه «الظاهرة»‪ ،‬يقرر المؤلف‬ ‫التعامل م��ع اللحظة ال��راه��ن��ة‪ ،‬وأجهزت أن العقل الليبرالي يتسم ‪-‬ضمن خصائص‬ ‫عليها بنظراتها الضيقة ف��ي كثير من متعددة‪ -‬بنزعة التعامل المرن مع النص‬ ‫المسائل والقضايا‪.‬‬ ‫الديني‪ ،‬بطريقة يشعر معها الليبراليون‬ ‫ومن ثم‪ ،‬خ ّيم التقليد‪ ،‬وضرب بأطنابه بتحقق ذواتهم عبر ممارسة عقلية يرونها‬ ‫في ال��رواق السلفي المعاصر الذي عجز م��ت��ح��ررة واع��ي��ة وج��ال��ب��ة ل��ف��ه��وم وأن��س��اق‬ ‫ع��ن ت��ج��اوز ت��خ��وم ال��وع��ظ النهضوي من جديدة للنص‪ ،‬لينعتقوا بذلك من شرنقة‬ ‫دون أن يخلق أو يشارك في خلق األسئلة النصية الضيقة التي يرمون بها خصومهم‬ ‫النهضوية الصحيحة‪ ،‬ع��ل��ى ق��اع��دة أن م���ن ال��س��ل��ف��ي��ي��ن‪ ،‬وه����م ف���ي ذل����ك يميلون‬ ‫ال��س��ؤال ال��ذك��ي يستجلب إج��اب��ات ذكية‪ ،‬وبدرجات متفاوتة من الحماسة إلى اقتحام‬


‫منطقة النص الديني باألساليب الخاطئة‪،‬‬ ‫ويخفقون في اقتحام الفضاءات الواسعة‬ ‫في مجاالت العلوم اإلنسانية واالجتماعية‬ ‫وال��ح��ق��ول الفكرية المتنوعة‪ ،‬وه��ي التي‬ ‫تفتقر إلى اإلبداع في عالمنا اإلسالمي‬

‫َمن المسئول الحقيقي عن اغتيال‬ ‫اإلبداع؟‬

‫االرت��ق��اء بالذكاء الجمعي وتحديد سلم‬ ‫األول��وي��ات‪ ،‬والوصول إلى تحديد بوصلة‬ ‫حقيقية لمعرفة ال��م��ش��اك��ل والمعيقات‬ ‫الحقيقية‪ ،‬ب��ع��ي��داً ع��ن ك��ل م��ن السلفية‬ ‫والليبرالية‪ ،‬واالنتهاء من الجمع والتصنيف‬ ‫ومراكمة المعلومات والتصانيف واالنتقال‬ ‫إلى مرحلة االستفادة من هذه التصانيف‬ ‫والتراكمات الكثيرة في عمل مفيد‪.‬‬ ‫ويستنتج الباحث في النهاية أن تخلف‬ ‫ال��م��ش��روع ال��ن��ه��ض��وي ال��ع��رب��ي‪ ،‬وأس��ب��اب‬ ‫ان��ك��م��اش أث���ره ال��ث��ق��اف��ي‪ ،‬وارت������داده‪ ،‬ك��ان‬ ‫ب��دواف��ع دينية متزمتة حيناً أو علمانية‬ ‫منزلقة إلى سلفية حيناً آخر‪ ،‬معتبراً أن‬ ‫العقل السلفي يتسم بتسليم مطلق للنص‪،‬‬ ‫رافضاً المناقشة أو النقد أو التقييم‪ ،‬ما‬ ‫يجعله مليئاً بالعواطف‪ ،‬مهمشاً للحجج‬ ‫ال��ع��ق��ل��ي��ة‪ ،‬م��ح��ت��داً ف���ي ن��ق��اش��ه‪ ،‬منفعل‬ ‫النبرة؛ وينعكس ذل��ك جفاء في التعامل‬ ‫مع المخالفين‪ ،‬وإذا كان الفكر الليبرالي‬ ‫يتسم بتعامل مرن مع النص الديني‪ ،‬إ ّال‬ ‫أن���ه ي��س��ت��خ��دم أدوات بحثية ضعيفة ال‬ ‫تم ّكنه من الفهم الجيد للنص التشريعي‪،‬‬ ‫فتأتي النتائج هزيلة‪ ،‬وربما متنافرة أحيانا‬ ‫م��ع م��ق��اص��د ال��ن��ص‪ ،‬م��ا يتيح لخصومه‬ ‫االنقضاض عليه واتهامه بالجهل‪ ،‬آخذاً‬ ‫على الفكر الليبرالي اقتحامه لمنطقة‬ ‫النص الديني بأساليب خاطئة‪ ،‬في حين‬ ‫يخفق في اقتحام الفضاءات الواسعة في‬ ‫م��ج��االت العلوم اإلنسانية واالجتماعية‬ ‫والفكرية المتنوعة المفقودة في العالمين‬ ‫العربي واإلسالمي‪.‬‬

‫دراسات ونقد‬

‫في الجزء الرابع يرى البريدي أن إخفاق‬ ‫كل من النموذجين السلفي والليبرالي في‬ ‫تقديم نتاج إبداعي نوعياً‪ ،‬سببه االنكفاء‬ ‫الذاتي وتن ّوع طرق التناول‪ ،‬ولهذا‪ ،‬يصنف‬ ‫المشتغلين ب��ال��ن��ت��اج ال��ث��ق��اف��ي إل���ى ثالثة‬ ‫مستويات‪ ،‬ويوسع المستوى األول ليشمل‬ ‫كل مشتغل بالثقافة أو منتج أو مروج لها‪،‬‬ ‫وه��م م��ن ن��م��ط‪ :‬الباحثين والصحافيين‬ ‫والمراجعين للنتاجات الفكرية؛ وفضيلتهم‬ ‫أن لديهم حساسية جيدة في استبصار‬ ‫الخلل واإلشارة إليه من دون التطرق إلى‬ ‫حل أو مناقشة المشكلة‪ ،‬إال فيما ندر‪.‬‬ ‫أما المستوى الثاني‪ ،‬فهم الباحثون الذين‬ ‫يجعلون همهم إيجاد طريقة تفكير لمقاربة‬ ‫المشكلة مدار البحث‪ .‬والمستوى الثالث‬ ‫ه��م المتخصصون األك��ادي��م��ي��ون ال��ذي��ن‬ ‫لديهم القدرة على استبصار المشكالت‬ ‫واقتراح الحلول لها والخروج بنسق فكري‬ ‫متجانس وبرؤية شاملة لموضوع البحث‪.‬‬ ‫وي���رى د‪ .‬ال��ب��ري��دي أن��ه إذا ك��ان لكل من‬ ‫المستويين األول وال��ث��ان��ي اإلس��ه��ام��ات‬ ‫المفيدة والجيدة في العملية اإلبداعية؛‬ ‫ف��إن الفئة الثالثة تقع عليها مسؤولية‬

‫‪SAYSARA‬‬

‫جمادى الثاني ‪1432‬هـ‬ ‫مايو ‪2011‬م‬

‫‪19‬‬


‫‪SAYSARA‬‬

‫‪20‬‬

‫‪1432‬هـ جمادى الثاني‬ ‫‪2011‬م مايو‬

‫ملف الرواية المغربية‬

‫ملف الرواية املغربية‬


‫‪SAYSARA‬‬

‫جمادى الثاني ‪1432‬هـ‬ ‫مايو ‪2011‬م‬

‫‪21‬‬

‫الرواية المغربية المعاصرة‪:‬‬

‫الوعي الجمالي وسؤال التلقي‬

‫قطرة ضوء في حقل ألغام‬ ‫كثيرا على صفحات‬ ‫«مصر تكتب ولبنان يطبع والمغرب يقرأ»‪ ،‬عبارة ت��رددت ً‬ ‫المالحق الثقافية للصحف المغربية في أواخر ثمانينات القرن الماضي‪ ،‬في‬ ‫إشارة إلى احتكار المشرق العربي للريادة الثقافية‪ ،‬حيث كانت الرواية مصرية‬ ‫بامتياز‪ ،‬والشعر عراقيا أو فلسطينيا‪ ..‬وبفضل التحوالت السوسيوثقافية‪،‬‬ ‫االقتصادية والسياسية العميقة‪ ،‬التي شهدتها المجتمعات العربية‪ ،‬بدأت بعض‬ ‫األطراف تفرض وجودها على خارطة اإلبداع‪ ،‬سارقة شعلة التميز من المركز؛‬ ‫وهكذا‪ ،‬صار بإمكان دارس األدب الحديث عن رواية لبنانية أو سورية مثال‪...‬‬ ‫ف���ي م���غ���رب ال��ت��س��ع��ي��ن��ات‪ ،‬ب���رزت‬ ‫ع��دة أص��وات روائ��ي��ة ج��دي��دة‪ ،‬مغربية‬ ‫المالمح والخصوصية‪ ،‬كامتداد لجيل‬ ‫ال��م��ؤس��س��ي��ن‪ ،‬وإن ل���م ي��ح��ظ اإلب����داع‬ ‫ال��م��غ��رب��ي ‪ -‬ب��ص��ف��ة ع��ام��ة ‪ -‬بنفس‬ ‫المكانة‪ ،‬التي يتمتع بها النقد األدبي‬

‫المغربي في المشهد األدب��ي العربي‪.‬‬ ‫وف���ي األل��ف��ي��ة ال��ج��دي��دة‪ ،‬ت��زاي��د ع��دد‬ ‫ال��روائ��ي��ي��ن‪ ،‬ح��ت��ى ص���ار م��ن الصعب‬ ‫متابعتهم ن��ق��دي��ا‪ ،‬وس��اه��م ال��روائ��ي��ون‬ ‫ال��ج��دد م��ع األس���ات���ذة م��ح��م��د ب����رادة‪،‬‬ ‫مبارك ربيع‪ ،‬أحمد المديني‪ ،‬محمد‬

‫ملف الرواية املغربية‬

‫> إعداد‪ :‬سيسرا ‪ -‬املغرب*‬


‫‪SAYSARA‬‬

‫‪22‬‬

‫‪1432‬هـ جمادى الثاني‬ ‫‪2011‬م مايو‬

‫ع��زال��دي��ن ال���ت���ازي‪ ،‬ال��م��ي��ل��ودي شغموم‬ ‫وغ��ي��ره��م ف���ي رف���د ال��ت��ج��رب��ة ال��روائ��ي��ة‬ ‫الجديدة في المغرب‪ .‬وعبر تراكم نوعي‬ ‫استطاع أن يخلخل مفاهيم الواقع ويطرح‬ ‫أسئلة ال���ذات والمجتمع‪ ،‬ول��ج��أ أغلب‬ ‫الروائيين إلى التجريب كاختيار جمالي‬ ‫وأيديولوجي للتعبير عن مغرب التحوالت‪،‬‬ ‫العميقة وسريعة اإليقاع‪ .‬وقد ساهم تنوع‬ ‫الخلفيات االجتماعية والثقافية‪ ،‬وتباين‬ ‫أعمار الروائيين في إث��راء مسروداتهم‪،‬‬ ‫وتعدد اللغات والمنظورات‪ ،‬الفضاءات‬ ‫والثيمات‪..‬‬ ‫هكذا‪ ،‬لم تعد ال��رواي��ة في المغرب‬ ‫ح��ك��را على بعض ال��روائ��ي��ي��ن‪ ،‬ب��ل صار‬ ‫يكتبها دارس القانون‪ ،‬الطب‪ ،‬الهندسة‪،‬‬ ‫الفلسفة‪ ،‬التاريخ‪ ،‬والقادمون من اإلعالم‪،‬‬ ‫الشعر‪ ،‬القصة القصيرة‪ ،‬وحتى من بعض‬ ‫الحرف اليدوية‪ ،‬وصرنا نقرأ عن مواضيع‬ ‫ألول مرة يكتب عنها‪ ،‬كالهجرة السرية‬ ‫وال��ت��ط��رف ال��دي��ن��ي‪ ..‬ول��م يعد ال��روائ��ي‬ ‫المغربي أسير عقدة المشرق‪ ،‬وإن كان‬ ‫القارئ المغربي ‪ -‬والعربي عموما‪ -‬يميل‬ ‫إل��ى ال��رواي��ة المشرقية والعالمية‪ ،‬ألن‬ ‫بعض الروايات المغربية ‪ -‬من منظوره‪-‬‬ ‫تغالي في التجريب وتفتقد إلى الحكاية‪،‬‬ ‫علما أن هذا القارئ ال يهمه في األساس‬ ‫سوى متعة الحكي‪.‬‬

‫المغربية‪ ،‬ستنفتح أمامنا الكثير من‬ ‫األب����واب‪ /‬المتاهات‪ ،‬التي يمكن أن‬ ‫نلجها ل�لإل��م��ام بفسيفساء المشهد‬ ‫ال��روائ��ي ب��ال��م��غ��رب‪ .‬ق��د ي��ق��ول قائل‪:‬‬ ‫ك��ان باإلمكان مقاربة مالمح الرواية‬ ‫النسوية في المغرب‪ ،‬أو هوية الرواية‪،‬‬ ‫التي يكتبها مغاربة باللغة الفرنسية أو‬ ‫اإلسبانية أو الهولندية‪ ،‬أو على األقل‪،‬‬ ‫م��ع��ال��ج��ة ال��ت�لاق��ح األج��ن��اس��ي وم��دى‬ ‫اس��ت��ف��ادة ال��رواي��ة م��ن باقي األشكال‬ ‫التعبيرية كالمسرح‪ ،‬السينما والشعر‪،‬‬ ‫أو استلهام الرواية للفلسفة‪ /‬التاريخ‪/‬‬ ‫التراث‪ /‬األسطورة‪ ،‬أو إشكالية الرواية‬ ‫والسيرة الذاتية‪ /‬التخييل الذاتي‪ ،‬أو‬ ‫ال��رواي��ة وال��م��ذك��رات‪ /‬أدب السجون‪،‬‬ ‫وهذه األخيرة حققت مقروئية جيدة‪،‬‬ ‫في مستهل األلفية الثالثة‪ ،‬مع اتساع‬ ‫هامش الحرية‪ ،‬وإن جنحت أغلب كتب‬ ‫المعتقلين السابقين وضحايا سنوات‬ ‫ال��رص��اص إل��ى المذكرات‪ ،‬وافتقدت‬ ‫الجماليات الروائية‪...‬‬

‫إنه م��أزق فعال‪ ،‬ستجد نفسك كمن‬ ‫يمشي ف��ي حقل م��ن األل���غ���ام‪ ...‬أسئلة‬ ‫كثيرة ستتفجر أم��ام��ك‪ ،‬ول��ن تكفي كل‬ ‫صفحات المجلة لإللمام بمالمح الرواية‬ ‫المغربية وانشغاالتها‪ ،‬وبكل ألوان طيف‬ ‫المشهد الروائي بالمغرب‪ .‬الحيز هنا ال‬ ‫نعترف بقصورنا الفادح وإغفالنا يتسع سوى ألن نسكب قطرة ضوء‪ ..‬من‬ ‫ل��ل��ك��ث��ي��ر م���ن األس���ئ���ل���ة ال���م���ؤرق���ة في منظور س��ؤال التلقي وال��وع��ي الجمالي‬ ‫ه���ذا ال��م��ل��ف‪ ،‬فبمجرد ذك���ر ال��رواي��ة بالكتابة‪.‬‬


‫‪SAYSARA‬‬

‫جمادى الثاني ‪1432‬هـ‬ ‫مايو ‪2011‬م‬

‫‪23‬‬

‫الرواية المغربية المعاصرة‪:‬‬

‫بين البحث عن القارئ والبحث عن الموضوع‬ ‫> محمد املزديوي ‪ -‬مغربي مقيم في باريس‬

‫وألن الحرية ضرورية في كتابة الرواية‪ ،‬فليس ثمة ما يدهش حين نعلم أن الرواية‬ ‫المغربية التي حققت شهرة عالمية‪ ،‬ليست سوى «الخبز الحافي» للراحل محمد‬ ‫شكري‪ ،‬ولن ندخل في جدل عميق حول تحديد جنس «الخبز الحافي» هل هي رواية‬ ‫أم سيرة ذاتية أم أنها تخييل ذاتي‪.‬‬ ‫المهم هو أن الحرية‪ ،‬التي تدفقت بها معروفة وم��ط��روق��ة‪ ،‬وه��و السبب ال��ذي‬ ‫الرواية‪ ،‬منحتها مقروئية كبرى‪ ،‬وجعلت يجعل ال��ق��ارئ العربي ال يتذكر بالفعل‬ ‫القارئ‪ ،‬المغربي والعربي والغربي يحس رواي�������ات ص���دم���ت���ه‪ .‬وال���ص���دم���ة‪ ،‬ه��ن��ا‪،‬‬ ‫بالمفهوم اإليجابي‪.‬‬ ‫بأنه يالمس أدبا حقيقيا‪.‬‬ ‫ب��اإلض��اف��ة إل���ى غ��ي��اب ال��ح��ري��ة في‬ ‫الكتابة الروائية‪ ،‬يسو ُد نوع من الرقابة‬ ‫ال��ذات��ي��ة‪ .‬فيبدأ الكاتب ف��ي لعب أدوار‬ ‫مختلفة‪ :‬دور المفتش والكاتب والقارئ‬ ‫وغيرها من األدوار‪ ،‬حتى يخرج للعلن‬ ‫نوعا من المسخ الكتابي‪.‬‬ ‫وه���ذا ال��ن��زوع إل��ى ال��رق��اب��ة الذاتية‬ ‫يدفع الكاتب إلى االشتغال على مواضيع‬

‫وإذا ك���ان ال��ق��ارئ ال��م��غ��رب��ي يتذكر‬ ‫أس���م���اء رواي������ات م��ع��ي��ن��ة‪ ،‬ف�لأن��ه��ا‪ ،‬في‬ ‫الغالب‪ ،‬كانت تُد ّرس في الثانوية أو في‬ ‫الجامعات‪ ،‬وليس ألنها أ ّثرت عليه أو أنه‬ ‫اكتشفها بمفرده‪.‬‬ ‫ول��ي��س م��س��ت��غ��رب��ا أن ن��ج��د ال��ح��ري��ة‬ ‫في ميدان آخر غير الرواية‪ .‬فالمتتبع‪،‬‬ ‫ه��ذه األي���ام‪ ،‬للمدونات يجد فيها جرأة‬

‫ملف الرواية املغربية‬

‫لكأنّ الروايات العربية والمغربية‪ ،‬حين تُكتَب تكون عيون مؤلفيها مفتوحة على‬ ‫الجوائز‪ ،‬التي بدأت تنتعش وتتوالد هذه األيام وتفسد ذوق القراءة وجوهر الكتابة‬ ‫نثر العا َلم في مواجهة ذاتية الشاعر‪.‬‬ ‫اإلبداعية في صميمها‪ .‬ال رواية من دون حرية‪ُ .‬‬ ‫حوارية الرواية وتدفق الشخوص والمواقف في مواجهة «رسالة» الشعر الوهمية‪.‬‬


‫‪SAYSARA‬‬

‫‪24‬‬

‫‪1432‬هـ جمادى الثاني‬ ‫‪2011‬م مايو‬

‫متصاعدة في تناول كل القضايا‪ ،‬بل إن‬ ‫هذه المدونات ساعدت (أو دفعت) بعض‬ ‫ال ُكتّاب إل��ى الجرأة في تناول القضايا‬ ‫الجنسية والدينية واالجتماعية‪.‬‬ ‫وما دمنا في إطار الرواية المغربية‪،‬‬ ‫فلنعترف أن تراكمها بطي ٌء للغاية‪ ،‬إذ ال‬ ‫تصدر أكثر من عشر روايات في السنة‬ ‫في المغرب‪ ،‬وهو ما ال يبشر بمستقبل‬ ‫زاهر للرواية المغربية‪ .‬كما أن محدودية‬ ‫ال��ق��راءة تشكل عائقا آخ��ر‪ ،‬إذ ال يطبع‬ ‫أكثر م��ن ألفي نسخة ل��ل��رواي��ة‪ ،‬ف��ي بلد‬ ‫يتجاوز سكانه ‪ 32‬مليون نسمة‪.‬‬

‫بيدرو بارامو‪ ،‬البسيط‪ ،‬حسب ما يبدو‪،‬‬ ‫ولكنه أخضعه إلع��داد ج ّيد‪ ،‬ثم إن��ه لم‬ ‫يكتب شيئا بقية ح��ي��ات��ه‪ .‬ح��ي��ن ق��رأتُ�� ُه‬ ‫أحسست بالغيرة‪ ،‬ومن الج ّيد أن تحس‬ ‫ُ‬ ‫بالغيرة م��ن ك��ب��ار ال�� ُك�� ّت��اب‪ .‬أتفهم كونه‬ ‫ت��وق��ف ع��ن ال��ك��ت��اب��ة ب��ع��د ه���ذا ال��كِ ��ت��اب‪:‬‬ ‫ت��ن��ت��اب��ن��ي رغ���ب��� ٌة م��س��ت��م��رة ف���ي ال��ت��وق��ف‬ ‫عن الكتابة‪ ،‬لكني أواص��ل الكتابة ألني‬ ‫أ ُ ِح ُّسني ال أمتلك شيئا‪ .‬أنا ال أعرف فعل‬ ‫شيء آخر‪ :‬ال أستطيع البقاء في البيت‬ ‫وتأمل السقف‪ ،‬بينما الجميع يعمل‪ .‬لكن‬ ‫الرغبة في التوقف حاضرةٌ)‪.‬‬ ‫إن صاحب اليتيمة «بيدرو بارامو»‪،‬‬ ‫ما كان ليصبح أسطورة لو أن األمر كان‬ ‫فقط بالتراكم‪ ،‬بل إن سبب ذيوع روايته‬ ‫ه��و خلقه أو ت��ط��وي��ره لمفهوم الواقعة‬ ‫السحرية‪ ،‬وهو ما سيعترف به‪ ،‬الحقا‪،‬‬ ‫غ��اب��ري��ي��ل غ��ارس��ي��ا م��ارك��ي��ز‪ ،‬ح��ي��ن أك��د‬ ‫على دور رولفو في كتابة «مائة عام من‬ ‫العزلة»‪.‬‬

‫ولعل ثمة من يزعم أن بقاء روايتين‬ ‫مغربيتين (م��ح��م��د األش��ع��ري وبنسالم‬ ‫حميش) في التصفية النهائية لجائزة‬ ‫البوكر العربية‪ -‬البريطانية (ه��ذا على‬ ‫اف��ت��راض حيادية لجنة تحكيم الجائزة‬ ‫وجدية أعضائها)‪ ،‬ما يدل‪ ،‬نسبيا‪ ،‬على‬ ‫بعض عافية للرواية المغربية‪ .‬لكن هذه‬ ‫الشجرة ال يمكنها أن تخفي غابة انسداد‬ ‫إن من بين هموم ال��رواي��ة المغربية‬ ‫أفق الرواية المغربية وع��دم مقروئيتها‬ ‫إن وجدت‪ .‬وليس الك ّم وحده (حتى وإن ل��ي��س غ��ي��اب ال���ج���رأة‪ ،‬ف��ه��ي ج��ري��ئ��ة إل��ى‬ ‫تحدثنا عنه من قبل)‪ ،‬من يحسم األمر‪ ،‬درج���ات ك��ب��ي��رة‪ ،‬ول��ك��ن الثيمة ه��ي التي‬ ‫ولنا في مثال المكسيكي خوان رولفو ما ال تتطور كثيرا‪ .‬وإذا كانت الرواية هي‬ ‫يؤكد أن األدب الرفيع‪ ،‬ال عالقة له بالكم صدى للرواية (وليس فقط للواقع‪ ،‬كما‬ ‫يقول البعض‪ ،‬حيث نقرأ روايات واقعية‬ ‫وال بالجوائز وال بالتسليع‪.‬‬ ‫يتحدث ال��روائ��ي البرتغالي الكبير فجة‪ ،‬أي نقل فوتوغرافي ألشياء الواقع)‪،‬‬ ‫أنطونيو لوبو أنطونيش عن خوان رولفو‪ :‬فالكتابة تكتب نفسها أيضا‪ ،‬ولعل كتابة‬ ‫(المكسيكي خ��وان رولفو كتب في سن رواي���ة داخ���ل رواي���ة ه��ي أي��ض��ا ج��زء من‬ ‫الخامسة والثالثين هذا الكتاب الرائع‪ ،‬صميم الكتابة الروائية واإلبداع‪.‬‬


‫كما أن الروائيين المغاربيين‪ ،‬وبحكم‬ ‫ال��ق��رب الجغرافي والبعد االستعماري‪،‬‬ ‫ي��ن��ظ��رون باستمرار إل��ى ت��ج��ارب فرنسا‬ ‫وهو ما يعني‪ ،‬نظريا على األقل‪ ،‬استعارة‬ ‫األشكال الكتابية‪ ،‬واستيراد موضوعاتها‬ ‫المتجددة‪ .‬ولع ّل الحديث القديم المتجدد‬ ‫ع��ن الكتابة األوتوبيوغرافية والتخييل‬ ‫الذاتي‪ ،‬دليل على هجرة التجارب والطرق‬ ‫الكتابية‪.‬‬

‫قبل األوان‪ ،‬أي قبل أن يصبح موضة‪ ،‬هذه‬ ‫األيام‪ .‬ومن يقرأ الرواية الجديدة لحسن‬ ‫نجمي‪ ،‬سيُعجب باالشتغال الدقيق على‬ ‫ال��رواي��ة‪ ،‬وبالكم الهائل من المرجعيات‪،‬‬ ‫وحتما سيخرج القارئ بعد القراءة بنوع‬ ‫من المتعة‪ ،‬التي هي ضرورية في الرواية‪،‬‬ ‫ون��وع من الرغبة في معرفة الكثير عن‬ ‫محطات ال ت���زال مجهولة م��ن تاريخنا‬ ‫الحديث والمعاصر‪.‬‬ ‫ك��م��ا أن االش���ت���غ���ال ع��ل��ى م��وض��وع‬ ‫ال��ه��ج��رة‪ ،‬وه���و م��وض��وع ب��ك��ر‪ ،‬يمكنه أن‬ ‫يفتح ال��رواي��ة المغربية على أف��ق لم يتم‬ ‫ارتياده من قبل‪ ،‬وهذا هو ديدن الروائي‬ ‫علي أفيالل‪ ،‬المقيم في فرنسا‪ .‬إذ يُثري‬ ‫المكتبة‪ ،‬منذ عشرين سنة‪ ،‬بما يتجاوز ‪23‬‬ ‫رواية‪ ،‬عن الهجرة والمهاجرين‪ .‬ومن يقرأ‬ ‫كتاباته عن باريس وعن العمال المغاربة‬ ‫المهاجرين ومعاناتهم وع��ن انسحاقهم‬ ‫وعالقاتهم مع المحيط الغربي (المعادي‬ ‫ف��ي معظم األح���ي���ان)‪ ،‬يكتشف آف��اق��ا ال‬ ‫توجد في رواية « الحي الالتيني» للراحل‬ ‫سهيل إدريس‪ ،‬والتي تعتبر عالمة فارقة‬ ‫في الكتابة الروائية‪.‬‬

‫المطلوب م��ن ال��رواي��ة ال��ج��دي��دة أن‬ ‫تخترع مواضيع ج��دي��دة ك��ي تخلق ق��راء‬ ‫ج��ددا‪ ،‬وه��و ما ح��دا بالشاعر وال��روائ��ي بمثابة خاتمة‪:‬‬ ‫المغربي حسن نجمي في روايته الجديدة‬ ‫ال تزال الرواية المغربية في بداياتها‪،‬‬ ‫(ج��ي��رت��رود‪ /‬ال��م��رك��ز ال��ث��ق��اف��ي ال��ع��رب��ي) وه��ي ب��داي��ات م��ت��رددة‪ ،‬كما ه��و ش��أن كل‬ ‫إل��ى أن يغوص في موضوع جديد‪ ،‬وهو جنس كتابي ج��دي��د‪ .‬كما أن المعوقات‬ ‫موضوع فنانة أمريكية أقامت بالمغرب كثيرة ج��دا ويصعب ح��ص�� ُره��ا‪ .‬لعل من‬ ‫وتعرفت على شاب مغربي‪ ،‬في ما يشبه بينها‪ ،‬التسرع في الكتابة وقلة ال��ق�� ّراء‪،‬‬ ‫حداثة مبكرة أو ح��وار ثقافي وحضاري وأيضا عدم االشتغال على الكتابة‪ ،‬إذ ال‬

‫ملف الرواية املغربية‬

‫استعادة التاريخ القديم والقريب‪،‬‬ ‫شيء جديد ويفتح أفقا جديدا للرواية‪ .‬وقد‬ ‫اشتغل روائيون مغاربة عديدون (بن سالم‬ ‫حميش‪ ،‬كمال الخمليشي وآخ��رون) على‬ ‫استعادة التاريخ أو توظيفه (ابن خلدون‬ ‫والدول البربرية في المغرب وغيرها من‬ ‫المواضيع)‪ .‬لكن تبقى الصياغة والتوظيف‬ ‫الجيد هما المح ّددان لخلق قارئ مغربي‬ ‫جديد تروقه هذه الكتابات وهذه التجارب‬ ‫والمغامرات الكتابية‪ ،‬ويقطع مع الذائقة‬ ‫المحفوظية (نجيب محفوظ وواقعيته‬ ‫البورجوازية)‪.‬‬

‫‪SAYSARA‬‬

‫جمادى الثاني ‪1432‬هـ‬ ‫مايو ‪2011‬م‬

‫‪25‬‬


‫‪SAYSARA‬‬

‫‪26‬‬

‫‪1432‬هـ جمادى الثاني‬ ‫‪2011‬م مايو‬

‫يزال العديدون من ال ُكتّاب يتصورون أن‬ ‫الرواية هي مسألة إلهام‪ ،‬وليست عملية‬ ‫م��رك��ب��ة م��ن ق����راءة وتخطيط وج����ذاذات‬ ‫وتنقيح وغيرها (يُنصح ب��ق��راءة طريقة‬ ‫األمريكي ريموند كارفر في الكتابة)‪.‬‬ ‫كما أن خ��وف الكتاب من المغامرة‬ ‫ومن التجريبية‪ ،‬يجعل الروايات المغربية‬

‫تتشابه وت��ت��واج��د ف��ي ن��ف��س المستوى‪.‬‬ ‫كما أن الحريات التي تم إنجازها على‬ ‫المستوى االجتماعي (حرية المرأة وشيوع‬ ‫الديمقراطية ووسائل اإلعالم وغيرها)‪،‬‬ ‫ل��م تجد ص��داه��ا ف��ي الكتابة‪ .‬ف��ي حين‬ ‫أن الكتابة هي التي يجب أن تكون رائدة‬ ‫ونبوئية‪ ،‬أي سابقة على عصرها‪.‬‬

‫دراسة نقدية‬

‫قراءة في رواية «قاع الخابية»‬

‫(‪)1‬‬

‫للكاتب عبداللطيف اللعبين ‪ ..‬بطعم الذاكرة‬ ‫> إبراهيم احلجري‬ ‫جاءت رواية «قاع الخابية» لتعزز غزارة اإلنتاج اإلبداعي‬ ‫الثر‪ ،‬ال��ذي عودنا عليه الشاعر وال��روائ��ي عبداللطيف‬ ‫اللعبي باللغتين الفرنسية والعربية‪ ،‬وقد قام بالترجمة‬ ‫العربية لهذه الرواية الكاتب حسان بورقية‪ ،‬بحس إبداعي‬ ‫متميز‪ ،‬وبحرص بليغ على الحفاظ على مقومات النص‬ ‫ال���روائ���ي‪ ،‬ون��ق��ل أج����واء محكيه‪ ،‬ب��أق��ص��ى م��ا يمكن من‬ ‫األمانة; وقد وفق في ذلك بالنظر إلى السالسة اللغوية‬ ‫واالنسجام في الترابط ووضوح المعاني وتناسق العناصر المشكلة للعمل الروائي‪ ،‬ما;‬ ‫يدل على أن المترجم قد تعايش مع أجواء الرواية مدة طويلة‪ ،‬ونظر إليها في شموليتها‪،‬‬ ‫وسعى إلى تمثلها في تمظهرها العام‪ ،‬في ارتباطها اللهجي والفصحي; في تزاوج متفرد‬ ‫وغريب‪ ،‬ورؤيتها للعالم‪ ،‬انطالقا من الموقع الذي تحتله بين أعمال المبدع‪ .‬وقد حاولت‬ ‫هذه الرواية أن تغطي مساحة زمنية ت��راوح بين األربعينيات والتسعينيات من القرن‬ ‫الماضي; ويتضح ذلك من خالل حضور مؤشرات التواجد االستعماري قبل إبعاد الملك‬ ‫ابن يوسف إلى جزيرة مدغشقر ثم عودته إلى أرض الوطن‪ ،‬انتهاء بمؤشر سقوط جدار‬ ‫برلين‪ .‬تأتي وقائع وأحداث الرواية في شكل رغبة جامحة في التذكر واسترجاع الماضي‬ ‫التليد‪ ،‬والتقاط اللحظات المعتمة‪ ،‬قصد إعتاقها من أسر السهو والنسيان‪.‬‬


‫ال��ح��ي؛ ل��ذل��ك ك��ان��ت التفاصيل ممتعة‬ ‫وشيقة؛ تحسس القارئ بأنها ال تحتاط‬ ‫منه أو تتحفظ من شغبه‪ ،‬تهمس له بنحو‬ ‫كبير‪ ،‬فيفرح لفرح المحكي ويحزن لحزنه‬ ‫ويخاف لخوفه‪ ،‬إنها (أي الكتابة السردية‬ ‫هنا) تؤسس عالقتها بالقارئ على منطق‬ ‫األلفة والحميمية واالن��س��ج��ام‪ ،‬ولِ�� َم ال‪،‬‬ ‫أَليست تحكي عنه أي��ض��ا وتشركه في‬ ‫كمائنها الملتبسة والمتشبعة؟ إن الكتابة‬ ‫في هذه «القاع» تنبني على استراتيجية‬ ‫الخطاب الجمعي والدينامكية المجتمعية‬ ‫وكذا التحوالت والتعالقات والصراعات‪،‬‬ ‫التي كانت تحكم فترة معينة عاشها جيل‬ ‫م��ن المغاربة (وال��ع��رب أي��ض��ا) بالوتيرة‬ ‫ذات��ه��ا وال��ن��ش��ي��د نفسه وي��ش��ده��م إليها‬ ‫الحنين ذات���ه‪ .‬وم��ا يمكن تسجيله بهذا‬ ‫الخصوص‪ ،‬أن مالمح ه��ذه ال��رواي��ة لم‬ ‫ت��خ��رج ع��ن السياق ال��ت��داول��ي وال��دالل��ي‬ ‫وال��ش��ك��ل��ي‪ ،‬ال���ذي ي��ؤط��ر ك��ت��اب��ات روائ��ي��ة‬ ‫مغربية مجايلة لعبد اللطيف اللعبي‪،‬‬ ‫بل تحكمها الهواجس واألح�لام ذاتها‪..‬‬ ‫وربما حتى الوقائع المسرودة تتشابه‪،‬‬ ‫وإن فرق بينها الزمان والمكان‪.‬‬

‫ت��ن��س��اب ال��ح��ك��اي��ة ف���ي رواي�����ة «ق���اع‬ ‫يشكل ال��ح��ك��ي ُه��ن��ا تفصيال الفتا‬ ‫الخابية» رقراقة عذبة كما لو كان الواقع لوقائع وأحداث َم َّر بها البطل (ناموس)‬ ‫نفسه هو الذي يسردها ويخيط لُ َح َمها‪ ،‬ال في أدق مجرياتها‪ ،‬والبد من التأكيد هنا‬ ‫تكلف وال مبالغة‪ ،‬تروي بالتلقائية نفسها على الطابع التسجيلي للكتابة الروائية‪،‬‬ ‫التي يحكي بها طفل صغير مغامراته إذ ال يبتعد الحكي في (ق��اع الخابية)‪،‬‬ ‫الشيطانية في باحات المدرسة وأزق��ة ب��خ��ص��وص ه���ذا ال��وس��م أو ال��ط��اب��ع عن‬

‫ملف الرواية املغربية‬

‫َم����� ْن ي��ت��أم��ل ع��ن��ون��ة ه����ذه ال���رواي���ة‬ ‫ويقارنها بالمحتوى العام للمسرود يلقى‬ ‫صعوبة في إيجاد الخيط الرابط الذي‬ ‫يَ ْحب ُ‬ ‫ِك َمقُولة «قاع الخابية»‪ ،‬بارتحاالت‬ ‫المعنى عبر ن��ت��وءات المسار ال��س��ردي‪،‬‬ ‫م��ا يجعل العنونة معبرا م��وارب��ا وعتبة‬ ‫مضللة ال تقود المتلقي إلى بر النص‪ ،‬بل‬ ‫تجعله يعي ُد الكرة لبناء تمثل مغاير‪ ،‬ليس‬ ‫بالضرورة هو ما افترضه مسبقا بنا ًء‬ ‫على مؤشرات خارجية؛ غير أن السارد‬ ‫في خاتمة النص الروائي يتطرق إلى هذا‬ ‫الموضوع ليحسم في أمر ذبذبات الحيرة‬ ‫واالرتباك والتشويش التي تعترض الرحلة‬ ‫القرائية؛ إذ يحيل المتلقي على نادرة من‬ ‫ن���وادر ج��ح��ا‪ ،‬ث��م يثبتها ب��ن��ص��ه��ا(‪ .)2‬وقد‬ ‫��س��اِرد بعدا‬ ‫اتخذت هذه العنونة لدى ال َّ‬ ‫تأويليا عميقا يحمل بين ثناياه إشارات‬ ‫النقد الالذع والسخرية المرة‪ ،‬لسذاجة‬ ‫الناس وتعاليهم التافه‪ ،‬وانصرافهم إلى‬ ‫القشور بدل االنشغال باألسئلة الحقيقية‬ ‫التي يُلح واقعهم في طرحها‪ ،‬فارين نحو‬ ‫الهوامش االستسالمية‪ ،‬اعتقادا بشطارة‬ ‫واهية‪.‬‬

‫‪SAYSARA‬‬

‫جمادى الثاني ‪1432‬هـ‬ ‫مايو ‪2011‬م‬

‫‪27‬‬


‫‪SAYSARA‬‬

‫‪28‬‬

‫‪1432‬هـ جمادى الثاني‬ ‫‪2011‬م مايو‬

‫باقي الروايات المغربية لكتاب من جيل‬ ‫عبداللطيف اللعبي(‪ ،)3‬لكن التسجيل في‬ ‫ه��ذا المنحى ال يجب أن يفهم بمعناه‬ ‫التاريخي التقريري‪ ،‬ف�لا يهم ال��روائ��ي‬ ‫كتابة تاريخ تلك التجربة‪ ،‬بكيفية مجردة‬ ‫ومحايدة؛ بل ما كان يهمه ويعنيه أكثر هو‬ ‫طريقته هو‪ ،‬وقناعته في فهم األحداث‬ ‫وصياغتها فنيا‪ ،‬وبمعنى أدق‪ ،‬أيدولوجياً‪،‬‬ ‫ه��ذا ه��و السبب ال���ذي جعله بالضبط‬ ‫ي��ح��اول تحويل ال��ت��اري��خ إل��ى ف��ن‪ ،‬والفن‬ ‫إلى تاريخ‪ ،‬عن طريق المزج بينهما في‬ ‫عملية فكرية هجينة‪ ،‬أث��م��رت تشكيال‬ ‫آخر مشوها ليس بفن وال بتاريخ(‪ ،)4‬إنه‬ ‫حسب اللعبي رواي��ة وكفى‪ ،‬هكذا يجب‬ ‫أن نفهمها نحن أيضا‪ ،‬فال يضير الرواية‬ ‫أن تستلهم موادها من مجاالت مجاورة‬ ‫وتوظفها توظيفا هادفا وموحيا‪ ،‬فعلى‬ ‫العكس من ذل��ك‪ ،‬يمكن أن تكون خاثرة‬ ‫وغنية أكثر مما يحتمل الواقع والتاريخ‬ ‫نفسيهما؛ ي��م��ك��ن��ن��ا‪ ،‬ب��ع��ب��ارة أخ����رى أن‬ ‫نسميها رواية ذاتية العتبارين أساسين‪:‬‬ ‫ أنها تحكي عن تمثالت الذات للواقع‬‫وال��ت��اري��خ واألش��ي��اء ف��ي سيرورتها‬ ‫التاريخية والزمنية‪ ،‬وتسرد الذاتي‬ ‫بصيغة الروائي‪ ،‬حتى ال نقول إنها‬ ‫سيرة ذاتية‪.‬‬ ‫ أن تبرز العالقات الشائكة بين األفراد‬‫والجماعات بفاس العتيقة‪ ،‬إبان فترة‬ ‫حرجة من تاريخ الوطن‪ ،‬حيث كانت‬

‫الهوية المغربية في امتحان صعب‬ ‫أمام التكالب االستعماري واجتياح‬ ‫العدو (اآلخر) للبالد (األنا)‪ .‬أضف‬ ‫إل��ى ذل��ك أن��ه��ا ت��ص��ور ال��ح��ي��اة على‬ ‫بساطتها وتلقائيتها بفاس العتيقة‪،‬‬ ‫تؤسس صمودها أمام المحتل‬ ‫وهي ِ ّ‬ ‫بطريقة أهلها الخاصة في التفكير‬ ‫والمواجهة‪ .‬إنها (أي الرواية) تكاد‬ ‫تكون نوستالجيا ذاتية‪.‬‬ ‫تصبح ف��اس‪ ،‬الفضاء المؤطر لفعل‬ ‫ال��س��رد داخ����ل ال���رواي���ة‪ ،‬م��رك�� َز ال��ر ْؤي��ة‬ ‫وبؤرة التصدع الكوني الداخلي للكتابة‪،‬‬ ‫وق��د كانت ه��ذه المدينة بحكم موقعها‬ ‫الثقافي والتاريخي‪ ،‬مؤهلة دائما لتحتل‬ ‫هذا الموقع في الكتابة الروائية المغربية‬ ‫لكونها معبر التاريخ والفكر لدى اإلنسان‬ ‫المغربي‪ ،‬ولبنة أساسية في ُم َش ِ ّك َ‬ ‫الت‬ ‫ال�����ذات ال��ه��وي��ة وال����ذاك����رة ل��ي��س فقط‬ ‫بالنسبة للكتاب والمبدعين فحسب‪ ،‬بل‬


‫ان���ط�ل�اق���ا م���ن ت��م��ث�لات��ه ل��ل��ق��ض��اي��ا‬ ‫المطروحة‪ ،‬ونظرة اآلخرين إليه‪.‬‬ ‫ حكاية األس��رة الفاسية المحافظة‬‫ع��ل��ى ال��ت��ق��ال��ي��د‪ ،‬وه����ي ت��وض��ع في‬ ‫موقع التحدي‪ ،‬أمام غزو اآلخر بكل‬ ‫ترسانته الفكرية والبشرية والمادية‪،‬‬ ‫وتصورها الساذج لقضية (اآلخ��ر)‬ ‫الموازي والمرادف للشيطان‪.‬‬ ‫ ح��ك��اي��ة ت��ش��ك��ل ال��ق��ض��ي��ة ال��وط��ن��ي��ة‬‫م��ع ح��ل��ول ف��ت��رة ح��رج��ة م��ن ت��اري��خ‬ ‫المقاومة الوطنية‪ ،‬وانفجار الوضع‬ ‫عقب نفي األس���رة الملكية وإبعاد‬ ‫رم��ز ال��ب�لاد محمد ب��ن يوسف إلى‬ ‫جزيرة «مدغشقر»‪.‬‬ ‫إال أن ه���ذه ال��ح��ك��اي��ات متجانسة‬ ‫بعضها ُم َ‬ ‫��ض�� َّم�� ٌن ف��ي بعض‪،‬‬ ‫وم��ت��داخ��ل��ة‬ ‫ُ‬ ‫وم��ت��وازي��ة ف��ي ن��ف��س اآلن ألن��ه��ا تضيء‬ ‫بعضها بعضاً‪ ،‬وتتعالق بشكل الفت كأنها‬ ‫محبوكة بخيط رفيع منطقه االستذكار‬ ‫واالسترجاع (‪.)Flash-back‬‬

‫ف��م��ن��ط��ق ال���ح���ك���ي ل����م ي���ك���ن ي��ن��ب��ن��ي‬ ‫على أس���اس فعل االس��ت��ش��راف والتنبؤ‬ ‫واالستقبال بقدر ما كان يتألف ويتأسس‬ ‫على فعل التذكر واالس��ت��رج��اع‪ ،‬تنطلق‬ ‫ حكاية فاس‪ ،‬وهي المدينة الشعبية الكتابة من حدث راهن يبث على شاشة‬‫ال��ع��ت��ي��ق��ة‪ ،‬إب����ان ف��ت��رة م���ن أص��ع��ب التلفاز‪« :‬كنت بفاس عندما تم اإلعالن‬ ‫المراحل التاريخية وأحلكها‪.‬‬ ‫عن سقوط جدار برلين‪ .‬وكانت العائلة‪،‬‬ ‫‪ -‬ح��ك��اي��ة ن��ام��وس ال��ط��ف��ل المشاكس ذاك ال��ص��ب��اح‪ ،‬مجتمعة‪ ،‬ف��ي بيت أب��ي‪،‬‬

‫ملف الرواية املغربية‬

‫بالنسبة للمغاربة قاطبة‪ ،‬حيثما َحلّ ُوا‬ ‫وارتحلوا‪ .‬ومع أن فاس اليوم ليست هي‬ ‫ف��اس األم���س‪ ،‬ف��إن صورتها الماضوية‬ ‫��س��ارد في‬ ‫م��ا ت��زال ط��ر ّي��ة ف��ي مفكرة ال َّ‬ ‫«ق��اع الخابية»‪ ،‬ب��ل تفاصيلها المتلفعة‬ ‫ب��ت�لاوي��ن ال��ذك��ري��ات جميلها وسيئها‪،‬‬ ‫ُحلوها و ُم��ره��ا‪ ،‬وبكل رده��ات��ه��ا الغاربة‬ ‫المرتبطة بالمواقف والسلوكات المنهدة‬ ‫والمنفرطة‪ ،‬يحضر كل ذلك جيدا ويبرز‬ ‫في اآلن؛ كأنما قد وقع للتو ُمحمال بكل‬ ‫أناسيم البساطة المجبول عليها أهل‬ ‫ف��اس‪ ،‬وبكل مظاهر الحياة المتواضعة‬ ‫منطبعة ف��ي تصرفات ال�� ّنَ��اس و َف ْهمِ هِ م‬ ‫ل�لأح��داث وال��ظ��واه��ر‪ ،‬وفلسفتهم تجاه‬ ‫الكون والمحيط اللذين يَ ُح َفّا وجودهم‬ ‫األنطلوجي‪ .‬وقد أص ّر السارد‪ ،‬على أن‬ ‫يبرر تمظهر الحياة هذه كما كان يقرأها‬ ‫هو في عيون اآلخ��ري��ن‪ ،‬من دون تأويل‬ ‫أو تدخل‪ ،‬وكأنما ترك لتلك الحياة حرية‬ ‫انكتابها بطريقتها ال��خ��اص��ة م��ن دون‬ ‫أن ي��ردع فيها تلك الحيوية اآلنية التي‬ ‫تستلهمها من اندفاع اللحظة وانجراف‬ ‫األحداث‬ ‫وتفجرها الدائم كنبع ال يقاوم‪،‬‬ ‫ُّ‬ ‫إن الكتابة هنا تعكس دالل��ي��ا س��ي��رورة‬ ‫حكايات متعددة ومتوازية‪:‬‬

‫‪SAYSARA‬‬

‫جمادى الثاني ‪1432‬هـ‬ ‫مايو ‪2011‬م‬

‫‪29‬‬


‫‪SAYSARA‬‬

‫‪30‬‬

‫‪1432‬هـ جمادى الثاني‬ ‫‪2011‬م مايو‬

‫والتلفزيون مولعاً سلفا‪ .‬وم��ع ذل��ك لم‬ ‫يكن أحد حولي مهتما بالصور التاريخية‬ ‫التي تتوالى على الشاشة»‪ ،5‬ثم تسبح‬ ‫بعد ذلك في الذاكرة تستلهم بعضاً مِ َّما‬ ‫تختزنه م��ن أح���داث ووق��ائ��ع الم��ع��ة في‬ ‫تاريخ المغرب الحديث‪« :‬كنا في نهاية‬ ‫شهر يوليو‪ ،‬مع اقتراب اكتمال البدر‪ ،‬مر‬ ‫اآلن عام على خلع ملك البالد عن عرشه‬ ‫ونفيه‪ ،‬ك��ان اآلن تحت مراقبة مشددة‪،‬‬ ‫ف��ي ج��زي��رة إفريقية بعيدة يلح إدري��س‬ ‫���اس��� َك���ار‪ .‬وكنت‬ ‫ع��ل��ى تسميتها م����دام ك ْ‬ ‫أسخر‪ ،‬مع بقية متعلمي األسرة‪ ،‬من هذا‬ ‫التلفظ المبتكر»‪ ،6‬بين هذين الحدثين‬ ‫تتشابك األحداث وتتعالق وتتعقد أحيانا‬ ‫حينما تنفتح على جو األسر والعالقات‬ ‫السرية بين أفرادها وكيفية فهم األطفال‬ ‫ل���ه���ذه ال���ع�ل�اق���ات‪ ،‬وف����ي ه����ذا ك��ل��ه كنا‬ ‫نصادف شعورين متباينين‪ ،‬األول يحيل‬ ‫على العشق العجيب للطفولة والماضي‪،‬‬ ‫والثاني يحيل على السخرية من أنماط‬ ‫التفكير السائدة آن��ذاك وأساليب فهم‬ ‫النَّاس لألشياء والعالقات بينها‪.‬‬ ‫تنهض عملية الحكي برمتها على‬ ‫إب����راز م��ق��وم��ات ال��ش��خ��ص��ي��ة المغربية‬ ‫(ال��ف��اس��ي��ة ع��ل��ى ال��خ��ص��وص) م��ن جهة‪،‬‬ ‫وم��ن جهة ثانية تصوير ف��اس كمدينة‬ ‫إس���ت���رات���ي���ج���ي���ة ف����ي ج���س���د ال���ح���ض���ارة‬ ‫المغربية فهي تتوافر على أقدم جامعة‪،‬‬ ‫ما يجعلها بؤرة لجذب طالب العلم أينما‬

‫كانوا‪ ،‬وهي أول عاصمة لدولة منظمة‬ ‫بالمغرب‪ ،‬ومن ثم فاختيار فاس لم يكن‬ ‫رهينا بشرط االنتماء‪ ،‬بل بمعرفة الكاتب‬ ‫لوزنها الثقيل في ميزان الحضارة والفكر‬ ‫والتاريخ‪ .‬ففي الوقت الذي كنا ننتظر من‬ ‫ال��س��ارد أن يدخلنا ف��ي جوها القدسي‬ ‫الشهير‪ ،‬وبخاصة أنها حافلة تاريخيا‬ ‫بالعديد م��ن رج���االت التصوف والدين‬ ‫والفقه‪ ،‬بقدر ما كنا ننتظر أن نجول عبر‬ ‫المتن الحكائي تفاصيل مسارات الفكر‬ ‫وت��ح��والت��ه‪ ،‬رح���اب ال��ج��وام��ع والكتاتيب‬ ‫والمدارس وأخيرا قبلة الثقافة والمعرفة‬ ‫«جامع القرويين»‪ ،‬فإذا بنا نجد أنفسنا‬ ‫نذرع الشوارع والباحات‪ ،‬وردهات اللعب‬ ‫الطفولي المفعم بالكثير م��ن الشغب‬ ‫والمشاكسة والشيطنة‪ ،‬كنا نفعل ذلك من‬ ‫خالل مقاس طفل قاس برهافته وحدسه‬


‫‪SAYSARA‬‬

‫جمادى الثاني ‪1432‬هـ‬ ‫مايو ‪2011‬م‬

‫‪31‬‬

‫ملف الرواية املغربية‬

‫وج���س���ارت���ه أي���ض���ا‪ ،‬ال��ط��ف��ل‬ ‫عن األنظار ألكتشف محتوى‬ ‫ال��ذي ك��ان يقودنا عبر هذه‬ ‫العلبة‪ .‬عندما وصلت أعاله‪،‬‬ ‫التفاصيل الهامشية وكله‬ ‫مقطوع األنفاس باالنفعال‬ ‫غ��ب��ط��ة وب��ش��ر ب��م��ا يكتشف‬ ‫أك��ث��ر م��ن ال��ت��س��ل��ق‪ ،‬أخ��ذت‬ ‫ويضع ويحقق‪ ،‬فكنا كأنما‬ ‫الوقت الكافي للتنعم بتلك‬ ‫نعيش معه طفولته القاسية‬ ‫ال��ل��ح��ظ��ة ال��م��ت��م��ي��زة‪ .‬كانت‬ ‫ونلتذ بها ونحزن لما يعيق‬ ‫تلك هي المرة األول��ى التي‬ ‫سحر توثبها‪ ،‬ونفرح لما قد‬ ‫أت��وص��ل فيها ب��م��راس��ل��ة‪...‬‬ ‫تصادف من نجاحات‪ ،‬أ َو لم‬ ‫أخ��ي��را اس��ت��خ��رج��ت الهدية‬ ‫يقدنا الطفل (ناموس) إلى أن نعيش معه المتاق إليها‪ :‬صابونة معطرة (كادوم)»‪.8‬‬ ‫مرحلة ف��رح حقيقية وه��و يفوز بجائزة‬ ‫وك��ان (ن��ام��وس) ف��ي ك��ل م��رة يحيلنا‬ ‫مسابقة نظمتها إذاع���ة طنجة آن��ذاك‪ :‬إل��ى ال��م��ش ِ ّ��ك�لات الجوهرية للشخصية‬ ‫«ب��ع��د ع���دة م���ح���اوالت ال ط��ائ��ل تحتها الفاسية‪ ،‬انطالقا من مرحلة الطفولة التي‬ ‫وأسابيع مرت في الرصد‪ ،‬سعدت أخيرا كان يعيشها‪ ،‬وكذا مراحل الكبر والبلوغ‬ ‫بإعطاء ال��ج��واب الصحيح وبالفوز في التي ك��ان يحياها آخ��رون قريبون منه‪،‬‬ ‫ال��ق��رع��ة‪ ،‬ويالمفارقة! ل��م أعلم بالخبر كإدريس‪ ،‬وغيثة‪ ،‬والسي محمد‪ ،‬عسالة‪،‬‬ ‫مباشرة‪ ،‬إنما جاءني عبر أح��د الرفاق وال��م��ع��ل��م س��ي ال�����داودي‪ ،‬عبداللطيف‪،‬‬ ‫ال��ذي علمه من رفيق كان قد علمه من زهور‪ ،‬الطويسة‪ ،‬زوجة األخ (اللة زينب)‬ ‫رفيق ثالث‪ .‬كان اسمي‪ ،‬وإن ُح ّرف قليال‪ ،‬الحاج محمد‪ ...‬حيث يعمد السارد إلى‬ ‫قد التقط تماما (‪ )...‬على هذا الجمر سرد مراحل االلتماع األساسية في حياة‬ ‫(‪)7‬‬ ‫عشت أسبوعين ال م��ت��ن��اه��ي��ي��ن» لقد الطفل ناموس واقتناصها‪ ،‬على اعتبار أن‬ ‫عشنا مع الطفل ناموس (ولسنا ندري ل َم الطفولة مرحلة مهمة واستراتيجية في‬ ‫ِ َ‬ ‫سمي بهذا االسم‪ ،‬ألِخـفّته أم لشيطنته حياة اإلن��س��ان‪ .‬فذكر لحظات اإلش��راق‬ ‫وج��س��ارت��ه؟) مرحلتين متداخلتين من في الصبا المتواضع حيث االنسالل إلى‬ ‫المشاعر‪ :‬مرحلة الفرح وقد فاز بجائزة األزقة للعب مع أبناء الحومات ال ُمجاورة‪،‬‬ ‫لطالما حلم بها وج ّد للظفر بها‪ ،‬ومرحلة والتلصص على مجالس الكبار وما يروج‬ ‫اإلخ��ف��اق لعدم سماعه الخبر مباشرة‪ ،‬بينهم من نقاشات ومواضيع‪ ،‬ثم االنشداد‬ ‫ولكون اسمه ُح��� ّرف‪ ،‬وك��ون انتظاره قد إلى اختراق أجواء بعيدة‪ ،‬حيث األسواق‬ ‫طال كثيرا‪ ،‬ثم أخيرا كون هذه الجائزة والحالقي والمحجات البشرية الضخمة‪،‬‬ ‫بخسة جدا‪« :‬كنت بحاجة إلى االختفاء‬


‫‪SAYSARA‬‬

‫‪32‬‬

‫‪1432‬هـ جمادى الثاني‬ ‫‪2011‬م مايو‬

‫قصد ممارسة الشغب الطفولي وأيضا‬ ‫للتملص من الحصار الذي تفرضه عليه‬ ‫الل��ة غيثة ف��ي ال���دار‪ ،‬وف��ي ال��وق��ت ذات��ه‬ ‫ك��ان ن��ام��وس يشحذ شخصيته ويغنيها‬ ‫من خالل اطالعه على تفاصيل الكبار‬ ‫وانشغاالتهم‪:‬‬ ‫االس���ت��� ْم���تَ���اع ب��ج��ل��س��ات ال���دردش���ة‬ ‫ ‬‫ْ‬ ‫وم��ن��اق��ش��ة أم����ور ال���دي���ن وال��ج��ن��س‬ ‫والحياة‪.‬‬ ‫ االط����ل���اع ع���ل���ى أش����ك����ال ال���ح���ي���اة‬‫ومعاناتها وأنماطها بمدينته‪ ،‬وكيفية‬ ‫م��واج��ه��ت��ه��ا م����ن ط�����رف اآلخ���ري���ن‬ ‫(إدري����س‪ ،‬ح��رب��ه‪ ،‬الطفل ال�� َك��راب‪،‬‬ ‫الحالق الدكالي‪.)...‬‬ ‫ االنفتاح على قضية الوطن والتنصت‬‫ع��ل��ى م��س��أل��ة االس��ت��ع��م��ار‪ ،‬وكيفية‬ ‫مواجهته من طرف الوطنيين‪.‬‬ ‫ تسلق الرغبات واالنشغال بالجسد‬‫وإغراءاته وحاجاته الداخلية‪ ،‬وقد‬ ‫ب��دا ذل��ك جليا م��ن خ�لال مراقبته‬ ‫لطريقة تَ�� َز ّيُ��ن أم��ه ووق��وف��ه��ا أم��ام‬ ‫المرآة‪« :‬يجد غيثة هناك‪ ،‬جالسة‬ ‫ع��ل��ى ف�����راش ص��غ��ي��ر‪ ،‬الب���س���ة كما‬ ‫ت��ل��ب��س ف���ي ال��م��ن��اس��ب��ات ال��ك��ب��ي��رة‪،‬‬ ‫م��ع��ص��وب��ة ال�����رأس ب��م��ن��دي��ل أص��ف��ر‬ ‫زع���ف���ران���ي‪ .‬وع���ل���ى م��ن��دي��ل م��ط��رز‬ ‫مسرح فوق الزليج‪ ،‬تضع عدة زينتها‬ ‫المتواضعة‪ ،‬مكحلة‪ ،‬قطعة سواك‪،‬‬

‫��ح��ي��ف��ة ط��ي��ن��ي��ة ص��غ��ي��رة مطلية‬ ‫ص َ‬ ‫ُ‬ ‫(‪)9‬‬ ‫بقشرة صبغ قرمزي (عكار)‪، »...‬‬ ‫لكن اإلح��س��اس ال���ذي فجر يقظة‬ ‫غرائزه وف��ورة حواسه اإليروتيكية‬ ‫ه��و ْ‬ ‫اش��تِ��ع��ال اإله��اج��ات الخارجية‬ ‫اآلتية عن األصدقاء وملفوظات األم‬ ‫والبالغين والحاليقية(‪ ،)11‬واحتكاكه‬ ‫رفقة األصدقاء بالنساء المتحررات‬ ‫م���ن ال��ل��ب��اس ال��ت��ق��ل��ي��دي ف���ي زح���ام‬ ‫السوق‪ « ،‬والواقع أنه بدأ يكتشف‬ ‫م��ح��اس��ن��ه‪ .‬ي���داه أوال‪ ،‬ال��ل��ت��ان لهما‬ ‫شكل متناغم‪ ،‬فرجاله‪ ،‬اللتان قضى‬ ‫بأنهما جميلتان بما فيه الكفاية‪.‬‬ ‫ومن ثم جنوحه إلى مالمسة خديه‪،‬‬ ‫شفتيه‪ ،‬وشيئا فشيئا صدره وبطنه‪.‬‬ ‫عندما يبلغ وس��ط ج��س��ده ي��ت��ردد‪،‬‬ ‫خصوصا وأن النبض ثمة أقوى وأن‬ ‫لعب‬ ‫تصلبا عذبا ينتظر أن يمسك ويُ َ‬ ‫به في الهواء الطلق‪ ،‬ويعرض ألشعة‬ ‫الشمس كي يعرش أكثر‪ .‬هنا تتوقف‬ ‫الجرأة‪ .‬وما يستخلصه ناموس من‬ ‫ذل��ك هو انسجام رائ��ق مع جسده‪،‬‬ ‫هاهو ذا يتملكه ويسكنه بينما كان‬ ‫فيما مضى غريبا عنه شيئا ما»(‪.)12‬‬ ‫ ول��وج��ه تجربة اخ��ت��راق مؤسسات‬‫مجتمعية يطبعها االخ��ت�لاط سواء‬ ‫مع الجنس اآلخر (اللطيف) أو مع‬ ‫اآلخ���ر (ال��م��س��ت��ع��م��ر)‪ ،‬ون��ذك��ر هنا‪:‬‬ ‫المدرسة والسينما والحلقة ودور‬


‫‪SAYSARA‬‬

‫جمادى الثاني ‪1432‬هـ‬ ‫مايو ‪2011‬م‬

‫‪33‬‬

‫الجذبة (الحضرة)‪ ،‬وغيرها‪ ،‬وقد‬ ‫كرست‪ ،‬هذه المؤسسات‪ ،‬لديه شغف‬ ‫االنغماس ف��ي الحياة واكتشافها‪.‬‬ ‫وال��م�لاح��ظ أن الكتابة ع��ن ال��ذات‬ ‫لم تتجاوز فترة المراهقة‪ ،‬أي أنها‬ ‫يتناغم البعدان الداخلي والخارجي‬ ‫شارفت ذلك الخيط المشترك بين ف���ي ال���ن���ص ب��ش��ك��ل م��ث��ي��ر‪ ،‬ف��ه��و ب��ق��در‬ ‫طفولة تنقضي وشباب يبزغ بفورة م���ا ي��ك��ش��ف ع���ن واق�����ع ك��ات��ب��ه ال��خ��اص‬ ‫وعنف ف��ي أي��ام عصيبة م��ن نهاية والشخصي‪ ،‬فإنه يعمل‪ ،‬في اآلن ذاته‪،‬‬ ‫األربعينيات وب��داي��ة الخمسينيات‪ ،‬ع��م��ل ال��م��ن��ارة ف��ي م��س��ح إن����اري متتابع‬ ‫ال��ف��ت��رة ال��ت��ي ت��أج��ج ف��ي��ه��ا ال��ك��ف��اح لكثافات ال��واق��ع االجتماعي المعتمة‪،‬‬ ‫ال��وط��ن��ي وت���ده���ورت ف��ي��ه��ا ال��ح��ال��ة فهو (أي ال��ن��ص ال��روائ��ي) إن���ارة لعتمة‬ ‫االجتماعية للمواطنين‪ ،‬هكذا كانت ال����ذات‪ ،‬وإن����ارة لعتمة ال���واق���ع‪ .14‬فهو‬ ‫الطفولة في هذا النص ممزقة بين شهادة هذه الذات عن ذاتها وعن مرحلة‬ ‫متطلبات الذات ويقظة حس وطني شهدتها‪ ،‬بالعالقات الفارقة للشخصيات‬ ‫واجتماعي وفكري سابق عن أوانه‪ .‬وللمجتمع معاً؛ ثم بعد ذلك يتحول النص‬ ‫ لقد استغل ال��روائ��ي كامل قدراته من الذاتي إلى العام ليصبح سيرة لجيل‬‫ع��ل��ى ال��ت��ول��ي��ف ب��ي��ن أش��ي��اء ال��ع��ال��م بكامله‪ ،‬حوصر في حيز المكان والزمان‬ ‫وأشيائه هو‪ ،‬بما فيها قدرته على المحددين؛ حامال ومتحم ً‬ ‫ال ما حفل به‬ ‫التخييل الذي يعتبر منتوجه من خلق ه��ذا الحيز م��ن ع��واص��ف وارت��ج��اج��ات‬ ‫ومخلوقات حقيقة واقعة وحادثة‪ ،‬ال��ص��ع��ود وال��ه��ب��وط‪ .‬وع��ل��ي��ه‪ ،‬ف��إن رواي��ة‬ ‫رغ�����م ع�����دم خ��ض��وع��ه��ا ل��ل��ح��واس «ق��اع الخابية» تنبني أساسا على سيرة‬ ‫المباشرة‪ .‬إن ذلك يندرج‪ ،‬إذا شئنا‪ ،‬ذات معينة (ن��ام��وس)‪ ،‬ال���ذي يمكن أن‬ ‫ف��ي خ��ان��ة ال�لاوع��ي وتجلياته عبر يحيل‪ ،‬ف��ي غالبية األم���ر‪ ،‬على الكاتب‬ ‫األح�لام والكوابيس غير الخاضعة الفعلي نفسه‪ ،‬إ ّال أنها تتعدى حدودها‬ ‫بدورها لحواس اإلدراك المباشر‪ .‬لتتصل ب��ذوات اآلخ��ري��ن‪ ،‬ما دام المناخ‬ ‫إذاً‪ ،‬نحن بصدد حقائق وإن كانت ال العام له من السطوة والجبروت بحيث‬ ‫تمسك من الخارج إال أنها‪ ،‬وضمن ب���ات ال��م��ش��ك��ل األول لخصوصية ه��ذه‬ ‫إدراك م��ع��ي��ن‪ ،‬ت��م��س��ك ب��ج��وان��ي��ة ال��ذوات جميعا‪ ،‬وبذلك ال نكون بصدد‬ ‫ال���ك���ات���ب‪ .‬ح��ق��ائ��ق ت��ش��ك��ل��ت ك��ن��ت��اج ح��ي��اة واح���دة م��ف��ردة‪ ،‬ب��ل ح��ي��ال حيوات‬ ‫طبيعي لمناخات الكاتب الخاصة‪،‬‬ ‫لكنها طفقت تعمل‪ ،‬بوعيه أو بال‬ ‫وعيه‪ ،‬على تشكيله وتشكيل نصه‬ ‫بالعموم والتفاصيل(‪.)13‬‬

‫ملف الرواية املغربية‬


‫‪SAYSARA‬‬

‫‪34‬‬

‫‪1432‬هـ جمادى الثاني‬ ‫‪2011‬م مايو‬

‫متعددة ومتنوعة وفقا لطبائع االشتباك‬ ‫الحياتي الواقعي بالنص المهجن بين‬ ‫م��ن ي��ف��ع��ل��ون ب��ه وي��ت��ف��اع��ل��ون م��ع��ه‪ ،‬وم��ن ‪ -‬نغولها بالمقدس والمدنس والخرافة‬ ‫يفعل بهم ويتفاعل معهم‪ .‬يخيل لقارئ‬ ‫والشعوذة والتقاليد البالية‪ ،‬حيث‬ ‫هذا القاع أيضا أن فاس المدينة تكتب‬ ‫مجامع الحضرة والجذبة المختلطة‬ ‫ذاتها وتتذكر عمارتها وصريخها ونغولها‬ ‫بين النساء (الل��ة ميرة) وال��رج��ال‪،‬‬ ‫المكشوف ب��ال��ن��اس وال����دواب ووطأتها‬ ‫وك��ذا االحتفاء بالحجيج واإلي��م��ان‬ ‫تحت نير االستعمار‪ ،‬وقد تحيلنا البنيات‬ ‫ب��ال��خ��راف��ة والميتافيزيقا؛ كظهور‬ ‫الداللية للنص على سمات مميزة َو َس َم ْت‬ ‫ال��م��ل��ك ال��م��خ��ل��وع ب���ن ي���وس���ف في‬ ‫المدينة‪:‬‬ ‫ال��ق��م��ر‪ ،‬ث��م ال��ح��رص على االنتقاء‬ ‫ اع��ت��م��اد اق��ت��ص��اده��ا ع��ل��ى ال��ت��ج��ارة‬‫ال��ص��ع��ب ل��زوج��ة االب����ن م��ن ط��رف‬ ‫البسيطة وممارسة الحرف التقليدية‬ ‫األم‪ ،‬وغ���ي���ره���ا م����ن ال��ت��ف��اص��ي��ل‬ ‫(صناعة الجلد م��ث�لا)‪ ،‬م��ا يضطر‬ ‫المشوقة والغنية ال��ت��ي تحفل بها‬ ‫معه قاطنوها إل��ى القناعة بعيش‬ ‫السيرة الروائية‪ ،‬عبر مواقع فاس‬ ‫شعبي بسيط وتافه‪ ،‬لكنهم مع ذلك‬ ‫األثرية الشهيرة (القرويين ‪ -‬حرم‬ ‫يبدون سعداء بفقرهم‪ ،‬فرحين بما‬ ‫م����والي إدري�����س‪ -‬س��ي��دي ح����رازم‪-‬‬ ‫يملكون من بساطة وعيال‪.‬‬ ‫س��وق السقاطين‪ -‬بوجلود‪ -‬جنان‬ ‫السبيل‪ -‬البطحاء‪ -‬عقيبة السبع‪-‬‬ ‫ س��ي��ادة النفاق األخ�لاق��ي والتحايل‬‫عين الخيل‪ -‬عين علو‪ -‬زنقة فاس‪-‬‬ ‫على القيم م��ن خ�لال التظاهر في‬ ‫اللمطيين‪ -‬باب الجيسة‪ .)...‬ومن‬ ‫الخارج بالرزانة والحكمة والعقيدة‪،‬‬ ‫ي��ت��أم��ل ال��زخ��م ال��ث��ر م��ن األح����داث‬ ‫ثم ممارسة ضد ذلك خفية (الكالم‬ ‫وال���وق���ائ���ع وال��ت��ف��اص��ي��ل واألم��ك��ن��ة‬ ‫النابي الرائج بين الحرفيين‪ -‬نطق‬ ‫والملفوظات والمحفوظات‪ ،‬التي‬ ‫األم غيثة ب��إي��ح��اءات جنسية أم��ام‬ ‫تعتمر النص السيري وال��روائ��ي ال‬ ‫األسرة التزيين أمام الغرباء ‪-‬بداية‬ ‫يسعه إال أن يسلم بالمقدرة العالية‬ ‫س���ف���ور ال���ن���س���اء‪ -‬ال���ت���ع���اي���ر ب��ك�لام‬ ‫والخارقة لذاكرة كاتب عاش أغلب‬ ‫إيروتيكي وملفوظات جنسية تخل‬ ‫عمره خارج المغرب‪.‬‬ ‫بالحياء ‪-‬تبول النساء المكشوف على‬

‫ال��ذه��اب المختلط إل��ى السينما‪-‬‬‫عراء النساء أمام الرجال)‪.‬‬

‫قارعات الطرق‪ -‬االنتظار الجماعي‬ ‫إن الطريقة التي التقطت بها هذه‬ ‫لدم الشرف ليلة زفاف السي محمد الوقائع الساطعة ليس في حياة ناموس‬


‫‪SAYSARA‬‬

‫جمادى الثاني ‪1432‬هـ‬ ‫مايو ‪2011‬م‬

‫‪35‬‬

‫ تعليقه على استمتاع األه��ل بسرد الخابية) كتابة الذات في تشكلها أم ذات‬‫الكتابة أثناء تشكلها‪.‬‬ ‫العم قصة حجه‪.‬‬

‫ملف الرواية املغربية‬

‫وح�����ده‪ ،‬ب���ل ب��ال��ن��س��ب��ة ل��م��ج��اي��ل��ي��ه ك��اف��ة‪ - ،‬ان��ت��ق��اده لطريقة تفسير أه��ل فاس‬ ‫وب��خ��اص��ة م��ن ال��ف��اس��ي��ي��ن‪ ،‬يجعلنا نؤكد‬ ‫مسألة ظهور الملك المبعد محمد‬ ‫ع��ل��ى أه��م��ي��ة س��ي��ك��ول��وج��ي��ة ال���ذاك���رة في‬ ‫ابن يوسف في القمر‪.‬‬ ‫اجتياح الجانب السير‪ -‬ذاتي(‪ )15‬في «قاع‬ ‫الخابية»‪ ،‬إذ تُعزى ذاكرة السيرة الذاتية‪ - :‬تعليقه على كيفية تمييز الناس بين‬ ‫اخ��ت��ي��ار ح���زب االس��ت��ق�لال وح���زب‬ ‫‪ Autobiographical memory‬إلى تذكر‬ ‫ُ‬ ‫س‬ ‫األحداث التي يخبرها الشخص ويعيشها‬ ‫الشورى واالستقالل آنذاك‪ ،‬وأ ُس ُ‬ ‫مباشرة‪ ،‬وليست التي يسمعها عن اآلخرين‪،‬‬ ‫هذا االختيار‪.‬‬ ‫كما هي الحال في الذكريات الومضية‪.‬‬ ‫ انتقاده لطريقة تَ�� َز ّيُ��نِ أم��ه وطريقة‬‫وق��د ع�� ّرف بريور (‪ )Brewer,1986‬هذه‬ ‫اخ��ت��ي��اره��ا واخ��ت��ب��اره��ا ل��زوج��ة األخ‬ ‫الذاكرة بأنها‪« :‬ذاكرة المعلومات المتعلقة‬ ‫(الل���ة زي��ن��ب) وتصرفها إزاء وال��ده‬ ‫بالذات»‪ .‬فهذه الذاكرة تتضمن الذكريات‬ ‫إدريس‪.‬‬ ‫أو األحداث الشخصية الفريدة والمتميزة‪،‬‬ ‫الخاصة بالشخص نفسه‪ ،‬والتي عاشها‬ ‫يخيل إلينا أن سيرة «ناموس» شديدة‬ ‫في مرحلة ما من حياته‪ ،‬وأصبحت في‬ ‫البيئية تحكي ع��ن أح���داث حياتية كما‬ ‫ت��اري��خ��ه ال��ش��خ��ص��ي‪ ،‬وال��م��رت��ب��ط��ة ب��ذات‬ ‫لو كانت محكومة تماما بظروف الحياة‬ ‫ال��ش��خ��ص وم��خ��ط��ط��ات��ه ال��ذات��ي��ة ‪Self-‬‬ ‫‪ ،schemas‬وتعتبر هذه الذكريات بمثابة االجتماعية التي أحاطت به(‪.)17‬‬ ‫تمثالت عقلية معقدة ل��ع��دد متنوع من‬ ‫هكذا‪ ،‬تختزل رواي��ة «ق��اع الخابية»‬ ‫المعلومات الخاصة بأحداث معقدة تعتبر ع��وال��م وأس�����رار ث���رة ال يحصيها ال��ع��د‪،‬‬ ‫متيسرة بالنسبة إلى هذا الشخص‪ ،‬وقد‬ ‫متداخلة ومتوالدة بكثافة وتعقد مثلما‬ ‫تتضمن أوص��اف��ا أو ش��روح��ات مختلفة‬ ‫لو كانت تختزل العالم بأسره في عقود‬ ‫ل��ل��ح��دث نفسه (‪Different lenels of‬‬ ‫عصيبة من التاريخ الذات المغربية وتشكل‬ ‫‪ .)descriptions‬وه���ذا م��ا ك��ان يحصل‬ ‫لناموس في العديد من المناسبات إذ كان الهوية أمام تناطح أحداث بحجم الجبال‪،‬‬ ‫ينصرف إلى إبداء آرائه في وقائع معينة في حين كانت الشخصية المغربية تتهيأ‬ ‫وأح��داث خاصة تمر به أو يشه َد َها‪ ،‬من الح��ت��ض��ان ه���ذا ال��ع��ال��م االن��ت��ه��اك��ي‪ ،‬في‬ ‫منظور الطفل الذي يتسلق مدراج العمر تسارع وتيرة تحوله ببساطتها وتلقائيتها‬ ‫شيئا فشيئا‪ ،‬نذكر من ذلك مثال‪:‬‬ ‫ال��م��ع��ه��ودة؛ فلسنا ن���دري إن ك��ان��ت (ق��اع‬


‫‪SAYSARA‬‬

‫‪36‬‬

‫‪1432‬هـ جمادى الثاني‬ ‫‪2011‬م مايو‬

‫دراسة نقدية‪..‬‬

‫سؤال السرد وإنتاج المعرفة‬ ‫في «أوراق» عبداهلل العروي‬ ‫> عبدالغني فوزي ‪ -‬املغرب‬

‫مدخل‪:‬‬ ‫الورقة التي أثيرها حول «أوراق» عبدالله العروي‪ ،‬هي أشبه ما تكون بمالحظات‬ ‫متناثرة‪ ،‬السعي منها اإلح��اط��ة بتركيبة ه��ذا المؤلف المغاير م��ن حيث المتن‬ ‫السردي المتعدد الصوت والمرجع (فكري‪ ،‬تاريخي‪ ،‬أدبي)‪ .‬هذا‪ ،‬فضال‪ ،‬عن بنيته‬ ‫السردية المنشطرة والمنكسرة‪ .‬وهي بذلك تخرج عن طريقة المحكيات التقليدية‪،‬‬ ‫الموسومة بالخطية ومبدأ السببية‪.‬‬ ‫وض����رورة ع��ل��ى رأس ه���ذه ال��م�لاح��ظ��ات‪،‬‬ ‫التنصيص على مكانة عبدالله ال��ع��روي‬ ‫الفكرية والتاريخية‪ ،‬إذ هو صاحب‬ ‫طرح فكري إلى جانب طروحات‬ ‫فكرية أخرى لمعاصريه يتمثل‬ ‫سؤال النهضة العربية؛ وما‬ ‫ي���واك���ب ه����ذا األخ���ي���ر من‬ ‫أسئلة أخرى كسؤال الهوية‬ ‫وال���ذات‪ .‬وعليه‪ ،‬قد نلمس‬ ‫ف����ي إج���اب���ات���ه رف���ض���ا ل��ك��ل‬ ‫المنظومات الفكرية الجاهزة‬ ‫(ال���ن���م���وذج ال��س��ل��ف��ي‪ ،‬ال��ت��ق��ن��ي‪،‬‬ ‫الماركسي)؛ داعيا إلى إعادة البناء‬ ‫وفق الخصوصية العربية‪.‬‬ ‫تستند الفكرة عند عبدالله العروي على‬ ‫المعطى التاريخي؛ وهو في هذا السياق يعد‬ ‫عند أهل االختصاص‪ ،‬صاحب مدرسة تاريخية‬ ‫ح���ررت ال��ح��دث م��ن ال��ف��ه��م الغيبي ورواس��ب��ه‬

‫المتعددة‪ .‬نخلص من ه��ذا‪ ،‬إلى أن ال الكتابة‬ ‫ال��س��ردي��ة عند عبدالله ال��ع��روي دون سند‬ ‫فكري وتاريخي‪ ،‬وهو ما يظهر جليا‬ ‫ف���ي «أوراق»‪ .‬ف��م��ا ه���و السبيل‬ ‫لتمثل مادة ومبنى هذا المؤلف؟‬ ‫ع��ل��ى ال��رغ��م م��ن أن «أوراق»‬ ‫تحمل ناقدها الداخلي‪.‬‬ ‫يقتضي منا التعامل مع‬ ‫«أوراق» تحت أي أداة نظرية‪،‬‬ ‫اس��ت��ح��ض��ار م��ؤل��ف��ات ال��ك��ات��ب‬ ‫السابقة وه��ي بالترتيب‪ :‬رواي��ة‬ ‫الغربة‪ ،‬اليتيم‪ ،‬الفريق‪ .‬وم��ن بين‬ ‫دواع���ي ذل���ك‪ ،‬أن « أوراق» تتقاطع مع‬ ‫التأليف ال��س��ردي السابق للعروي في الثيمة‬ ‫المتعلقة بمسألة االستقالل وم��ا بعده‪ ،‬وفي‬ ‫مفاصل البنية ال��س��ردي��ة وب��خ��اص��ة م��ا يتعلق‬ ‫بالراوي والشخصية المركزية أعني إدري��س‪.‬‬ ‫وعليه‪ ،‬هل تعد كل األعمال السردية للعروي‬


‫تأليفا سرديا واح��دا؛ أم أن كل عمل يعبر عن‬ ‫استقالله األدبي ونغمته السردية الخاصة؟‬

‫تأطيرات «أوراق»‪:‬‬

‫ي��ب��دو أن ال��ك��ات��ب عبدالله ال��ع��روي يميل‬ ‫إلي الطرق القديمة في التأليف‪ ،‬الذي اتسم‬ ‫آن��ذاك بالشمولية وتجاور أن��واع أدبية وفكرية‬ ‫عدة في المؤلف الواحد‪ .‬وحين نربط العنوان‬ ‫بتذييله (سيرة إدري��س الذهنية) تفتح شهيتنا‬ ‫األوراق وطريقة تقديمها للقراء (مقدمة فصول‬ ‫خاتمة)‪ .‬يبدو أن هذا المؤلف قدم على طريقة‬ ‫الكتب النظرية والفكرية‪ .‬وه��و ما يدفع إلى‬ ‫ال��ت��س��اؤل ال��م��رك��ب‪ :‬ه��ل أوراق ال��ع��روي بحث‬ ‫بطريقة إبداعية يتوخى تثبيت أهداف معينة؟‬ ‫وم��ن ث��م‪ ،‬استثمار م��ي��راث إدري���س ه��ذا الفتى‬ ‫القابع في أعماق المثقفين المغاربة الرافضين‬ ‫لمنطق اللعبة السياسية بالمغرب؟‬ ‫تفتح ع��ت��ب��ات «أوراق» شهيتنا‪ ،‬لتقطيع‬ ‫مفاصل البنية السردية المعتمدة في «أوراق»‬

‫قصد استجالء مبناها ومحتواها‪.‬‬

‫المبنى السردي لـ«أوراق»‪:‬‬ ‫حكاية «أوراق» مرتبة كلوحات (العائلة‪،‬‬ ‫المدرسة‪ ،‬الوطن‪ ،)...‬كل لوحة تمظهر معطى‬ ‫ذاتيا في حياة إدري��س ضمن فترة محددة في‬ ‫أربعين سنة‪ ،‬ما قبل االستقالل بعشرين سنة‪،‬‬ ‫وم���ا ب��ع��ده ب��ال��م��دة ذات���ه���ا‪ .‬ان��ت��ق��ل إدري����س في‬ ‫العشرينية األول��ى عبر مدن مغربية‪ ،‬وبالتالي‬ ‫م���دارس (م��راك��ش‪ ،‬ال��رب��اط‪ ،‬البيضاء‪ ،‬العودة‬ ‫ل��ل��رب��اط)؛ ث��م ت��اب��ع دراس��ت��ه العليا بفرنسا ما‬ ‫بين ‪ 1953‬و‪1956‬م‪ .‬وقد سمح هذا االنتقال‬ ‫ال��دراس��ي ب��وص��ف أمكنة وش��خ��وص‪ ،‬وتقديم‬ ‫نظريات فلسفية تبناها إدري��س بالتعاقب من‬ ‫خ�لال الهدم والبناء (الرومانسية‪ ،‬أفالطون‪،‬‬ ‫سارتر‪ ،‬نيتشه‪ ،‬الماركسية‪.)..‬‬ ‫وغير خفي‪ ،‬فما يميز هذه األح��داث في‬ ‫سرديتها هو منطق المفارقة‪ :‬بين فئات داخل‬ ‫المغرب‪ ،‬وفي التصورات حول الحركة الوطنية‪،‬‬ ‫وكذا تركيبة الهيآت السياسية المعروفة قبل‬ ‫االس��ت��ق�لال أع��ن��ي ح��زب االس��ت��ق�لال وال��ح��زب‬ ‫الشيوعي؛ هذا فضال عن المقارنة بين البلدان‬ ‫المتقدمة (اليابان مثال) والمغرب الذي يبحث‬ ‫عن شكله في كل شيء‪.‬‬ ‫وفي ما يتعلق بالتقنية السردية المعتمدة‬ ‫ف��ي تقديم األح����داث‪ ،‬نالحظ ع��دم االعتماد‬ ‫على التعاقب والخطية؛ وفي المقابل حضور‬ ‫االنشطار ف��ي المحكي‪ ،‬وم��ا ي��واك��ب ذل��ك من‬ ‫تداخل وإحاالت منكسرة في المكان والزمان‪.‬‬ ‫تقول «أوراق»‪ :‬أخبرني من أث��ق به أن والدته‬ ‫ن��ذرت��ه وه��و ف��ي بطنها أن ال تدخله م��دارس‬ ‫النصارى وأن توقفه على شيوخ فاس ومراكش‪،‬‬

‫ملف الرواية املغربية‬

‫استعمل ال��ع��ن��وان ن��ك��رة‪ ،‬بصيغة الجمع‬ ‫والتعدد؛ ومن بين ما يعنيه ذلك غياب التحديد‬ ‫والتعيين‪ ،‬وهو بذلك كلمة مكثفة الداللة‪ ،‬قد‬ ‫تحيل على أي أوراق تخطر للقارىء في أول‬ ‫وهلة (مذ كرات‪ ،‬سيرة‪ ،‬أوراق سرية‪ .)...‬لكن‬ ‫حين نربط العنوان بنوع المؤلف (سيرة إدريس‬ ‫الذهنية)‪ ،‬ينكشف بعض غموض هذه األوراق‪،‬‬ ‫إذ األمر يتعلق بعملية تأريخية لسلسلة الوعي‬ ‫ل��دى إدري���س‪ .‬لكن بأية كيفية؟ وألي غاية أو‬ ‫غايات؟ يقول عبدالله العروي في هذا السياق‪:‬‬ ‫«أنا لم أسميها ورقات ولكن سميتها أوراق ألنها‬ ‫مأخوذة من كتاب األوراق للناقد الكالسيكي‬ ‫أبي بكر محمد بن يحيى الصولي»‪.‬‬

‫‪SAYSARA‬‬

‫جمادى الثاني ‪1432‬هـ‬ ‫مايو ‪2011‬م‬

‫‪37‬‬


‫‪SAYSARA‬‬

‫‪38‬‬

‫‪1432‬هـ جمادى الثاني‬ ‫‪2011‬م مايو‬

‫لكنها ماتت وهو صغير « ‪ .1‬تظهر هنا العودة‬ ‫إل���ى ال�����وراء (االس���ت���رج���اع)‪ ،‬وت��ق��دي��م أح���داث‬ ‫غائبة في الحكاية مرتبطة بصبا إدريس‪ .‬وقد‬ ‫تقفز األح���داث أحيانا إل��ى األم���ام‪ ،‬نذكر هنا‬ ‫الحدث المتعلق باالكتساح اإلسرائيلي لبيروت‬ ‫(‪1982‬م)‪ .‬وق��د ي��ؤك��د ه��ذا ق��ول «أوراق» في‬ ‫تعريف إدريس‪ :‬هو «إدريس بن إدريس األديب‬ ‫الصولي المطلع على أخ��ب��ار ال��ن��اس وأح���وال‬ ‫العرب»(‪ .)2‬وهو ما يثبت أن السرد يفيض عن‬ ‫أربعينية إدريس اعتمادا على السارد وشعيب‪،‬‬ ‫األول راو‪ ،‬والثاني ناقد ومعلق على أح��داث‬ ‫سيرة إدريس‪.‬‬ ‫تنهض ه��ذه األح����داث على ق��وى فاعلة‪،‬‬ ‫متمحورة ح��ول إدري���س (األم‪ ،‬األب‪ ،‬الطلبة‪،‬‬ ‫األس��ات��ذة‪ ،‬م��ف��ك��رون‪ .)...‬فيبدو ه��ذا األخير‬ ‫كأنه يوزع األدوار من خالل االلتقاء بشخوص‬ ‫واالخ��ت�لاف م��ع أخ���رى‪ ،‬وقفا على تمظهراته‬ ‫الذاتية والفكرية‪ .‬وقد تسعف البنية العاملية‬ ‫والبرامج السردية هنا‪ ،‬لضبط مواقع الشخوص‬ ‫وفق محورين‪ ،‬وهما التواصل والصراع‪:‬‬ ‫مرسل ذات مرسل إليه‬ ‫األوراق قبل إدريس السارد شعيب‬ ‫التأليف‬ ‫المساعد الموضوع المعاكس‬ ‫الدراسة مغرب مستقل فعليا المستعمر‬ ‫ال��م��ق��روء إدري���س كاتبا ومثقفا ال مباالة‬ ‫الطلبة‬ ‫الفن السينمائي األمية والسطحية‪..‬‬

‫محتمل م��ن خ�لال رؤي���ة ح��داث��ي��ة‪ .‬أم��ا شعيب‬ ‫صديق إدري��س‪ ،‬فإنه ينتقد أوراق هذا األخير‬ ‫من خ�لال ط��رح السؤال المعرفي المعبر عن‬ ‫أص��ول تقليدية ودينية‪ .‬وهو ما يؤكد أن هذا‬ ‫المؤلف فتح المجال السردي لتجادل وتجاذب‬ ‫رؤيتين فكريتين (تقليدية حداثية)‪ ،‬كأن األمر‬ ‫يتعلق بمعمار المجتمع ال��ع��رب��ي‪ -‬اإلس�لام��ي‬ ‫وجوهر إشكاله الداخلي‪ .‬وعليه‪ ،‬قد تنشطر»‬ ‫أوراق « إلى محكيات (محكي إدري��س‪ ،‬محكي‬ ‫ش��ع��ي��ب‪ )...‬متعالقة ومتداخلة‪ ،‬وه��و م��ا خلق‬ ‫التضمين الحكائي واالحتواء‪.‬‬ ‫إن ال��ح��ك��ي ف��ي «أوراق» ال يعتمد على‬ ‫الخطية والسير التصاعدي للزمن‪ ،‬بل ينهض‬ ‫على التكسير م��ن خ�لال تقنيتي االسترجاع‬ ‫واالستباق‪ ،‬وكذا االستغراق في االستيهامات‬ ‫النفسية‪ ...‬وه��و ما ط��رح معه أزمنة مختلفة‬ ‫ومتعددة المرجع (تاريخية‪ ،‬ذاتية‪ ،‬حكائية)‪.‬‬ ‫تقول أوراق‪« :‬يحتفل الناس باألربعينية‪ ،‬لنحتفل‬ ‫بعشرينية إدري���س‪ ،‬عشرين سنة ف��ي ظلمات‬ ‫االحتالل وعشرين سنة في نور االستقالل «‬ ‫‪ .3‬قد يحدد لنا هذا الكالم زمن القصة وما‬ ‫يحبل به من قضايا وإشكاالت متعلقة بالحركة‬ ‫الوطنية ودور المثقف‪ ..‬إلى جانب ذلك يمكن‬ ‫تحديد أزمنة أخرى واردة في المؤلف من قبيل‪:‬‬ ‫اإلثنين‪ ،‬األربعاء‪ ،‬لحظة‪ ..‬وهو ما يؤكد لنا زمن‬ ‫السياق‪ :‬الذي يعتمد منطق اليوميات الذاهبة‬ ‫في الحكي وراء وأماما (والدة إدري��س‪ ،‬وبعد‬ ‫موته)‪ .‬يقول السارد في هذا السياق‪« :‬سنصف‬ ‫في ما بعد عالقة إدريس بالفن السابع»(‪.)4‬‬

‫يتلخص دور ال��س��ارد ف��ي إع����ادة ترتيب زوايا نظر في «أوراق»‪:‬‬

‫األوراق‪ ،‬وت��ق��دي��م��ه��ا ب��ع��ي��دا ع���ن أي ض��ي��اع‬

‫يعطي عبدالله العروي أهمية بالغة للبعد‬


‫ففي م��ا يتعلق بما ه��و عاطفي‪ ،‬لقد مر‬ ‫إدريس بفراغ عاطفي لم تستطع أي امرأة أن‬ ‫تمأله وحالة من التناقضات الداخلية بين الواقع‬ ‫المتفسخ والمثال العصي ضمن عالم مرفوض‪،‬‬ ‫وهو ما أدى إلى التعامل المثالي مع المرأة؛ إذ‬ ‫تحولت هذه األخيرة إلى شبح يتمثله إدريس‬ ‫عبر الذات المشحونة إلى حد االنفجار‪.‬‬ ‫كما انخرط إدري��س في الحركة الوطنية‪،‬‬ ‫متابعا األح��داث ووجهات النظر المثارة حول‬ ‫االستقالل والوطنية‪...‬وفي هذا اإلطار‪ ،‬نقول‬ ‫إن إدريس عبر عن وطنية صادقة دون الخضوع‬ ‫للعبة المصالح أو التبعية إللتواءات المستعمر‪.‬‬ ‫غير أنه عرف ارت��دادا وإخفاقا مركبا‪ ،‬بسبب‬ ‫ما آل إليه المغرب بعد استقالله الشكلي غير‬ ‫المعبر عن الوطنيين أمثال إدري��س الداعين‬ ‫بأكثر من صوت إلى تحديث الدولة المغربية‬ ‫وعصرنة االقتصاد‪.‬‬ ‫قدمت «أوراق» تأريخا لألحداث الوطنية‪،‬‬ ‫إب���ان ف��ت��رة الخمسينات م��ن ال��ق��رن الماضي‪،‬‬ ‫ومنها نفي الملك محمد الخامس‪ ،‬وفي المقابل‬ ‫صالبة الحركة الوطنية‪ ..‬وضمن هذا المناخ‬

‫ال��غ��اص بالمواقف وال��ط��روح��ات االستعمارية‬ ‫المتسربة وأحيانا من قبل مغاربة المخلخلة‬ ‫للثوابت والمضببة للرؤية‪ .‬أق��ول ضمن ذلك‬ ‫ك��ان إدري��س متوقد الفكرة والحاسة‪ ،‬وه��و ما‬ ‫أدى به من خالل تحليالته إلى اعتبار مسألة‬ ‫االستقالل مسألة حاسمة في تاريخ المغرب‬ ‫المعاصر‪ .‬تقول «أوراق»‪« :‬كنا طفيليين في‬ ‫مغرب األج��ان��ب وه��ا نحن أج��ان��ب ف��ي مغرب‬ ‫األشباح العائدة»(‪.)5‬‬

‫على سبيل الختم‪:‬‬ ‫من خالل ترسانة إدريس الفكرية والمعرفية‬ ‫حول ال��ذات والوطن والعالم‪ ،‬يمكن القول إنه‬ ‫يعبر عن رؤية من بين سماتها اإليمان بالذات‬ ‫(التفوق) والقضية الوطنية إلى حد الترفع عن‬ ‫منطق اللعبة الفاسدة ودائرة المصالح الضيقة‬ ‫واآلن���ي���ة‪ .‬وه���و ل��ع��م��ري‪ ،‬ص���وت ال��م��ث��ق��ف غير‬ ‫المؤطر إال ضمن إطار الوطن واإلنسان‪ .‬لنقول‬ ‫مع السارد وشعيب في خاتمة «أوراق»‪.‬‬ ‫(إدري��س أودى به إيمانه)‪ .‬فأيننا من هذا‬ ‫اإلي��م��ان ب��ال��وط��ن وال��ق��ض��ي��ة إل���ى ح��د التوحد‬ ‫بالمعنى التاريخي‪ ،‬وإن أدى ذلك إلى اإلخفاق؟‬ ‫ألن ه��ذا األخ��ي��ر يمكن أن يكون ش��ه��ادة على‬ ‫االنتصار‪.‬‬ ‫إدري��س إذن‪ ،‬هو ص��وت المثقف األصيل‬ ‫والحداثي ال��ذي يضع كل ما يتلقاه من اآلخر‬ ‫في المحك المغربي والعربي‪ ،‬كأنه يبحث عن‬ ‫ن��م��وذج خ��اص ألح���وال ق��وم ت��ائ��ه‪ .‬ال��س��رد بهذا‬ ‫المعنى هو أداة بحث وغ��وص في حكاية قد‬ ‫تحكي نفسها أيضا‪.‬‬

‫ملف الرواية املغربية‬

‫ال��ن��ف��س��ي ف���ي ط��رح��ه ال��ف��ك��ري وف���ي أع��م��ال��ه‬ ‫السردية؛ ألن��ه يومن ب��أن أي تغيير ينبغي أن‬ ‫ينهض أوال على تحتيات تربوية ونفسية‪ .‬وفي‬ ‫«أوراق» اختار الكاتب شخصية إدري��س كأداة‬ ‫سردية لينفصل عنها‪ ،‬طارحا مظاهرها في‬ ‫إط��ار من التأمل والبناء (بناء حياة)‪ .‬وعليه‪،‬‬ ‫يمكن الوقوف حول عالقات إدريس العاطفية‬ ‫(م���ع م��رج��ان��ة‪ ،‬وال��ف��ت��اة األل��م��ان��ي��ة واألخ����رى‬ ‫الفرنسية)‪ ،‬وكذا العزلة والكآبة النابعتين من‬ ‫خياره وتوقه‪ ،‬هذا فضال عن انخراطه في كل‬ ‫ما يتعلق بالوطن‪.‬‬

‫‪SAYSARA‬‬

‫جمادى الثاني ‪1432‬هـ‬ ‫مايو ‪2011‬م‬

‫‪39‬‬


‫‪SAYSARA‬‬

‫‪40‬‬

‫‪1432‬هـ جمادى الثاني‬ ‫‪2011‬م مايو‬

‫شهادة‬ ‫> مصطفى لغتيري‬

‫أحرص على أن تتوافر روايتي على حكاية ما‪،‬‬ ‫وأومن بأن األشكال أكثر عمق ًا من المضامين‬

‫علمتنا ن��ظ��ري��ة األج��ن��اس األدب��ي��ة أن‬ ‫ك��ل جنس أدب��ي يتميز وينماز بخصائص‬ ‫محددة‪ ،‬تميزه عن باقي األجناس األخرى‪،‬‬ ‫وبحكم تجربتي في الكتابة األدبية‪ ،‬والتي‬ ‫انتقلت فيها ما بين عدة أجناس‪ ،‬كالقصة‬ ‫القصيرة والقصة القصيرة جدا والرواية‬ ‫والمسرحية والشعر‪.‬‬ ‫أستطيع أن أزع���م أن ال���رواي���ة تمنح‬ ‫الكاتب مجاال أرح��ب لتصريف كثير من‬ ‫األم���ور‪ ،‬التي تشغله على مستوى تكنيك‬ ‫الكتابة ومضامينها‪ ،‬فللرواية صدر رحب‬ ‫يتسع ليشمل من دون تذمر‪ ،‬جميع أنواع‬ ‫القول وفنونه‪ ،‬فبين دفتي الرواية يتجاور‬

‫الحوار مع الوصف مع روح الشعر‪ ،‬التي إن‬ ‫افتقدتها الرواية أضحت جافة ال يتعاطى‬ ‫معها ال��ق��ارئ بكثير من الشغف‪ ،‬أتحدث‬ ‫هنا عن الشعر بمعناه العام‪ ،‬الذي يمكن أن‬ ‫نلمسه في كثير من األعمال‪ ،‬حتى تلك التي‬ ‫تبدو ظاهريا أبعد ما تكون عن الشعر‪ ،‬هذا‬ ‫ال يعني بالمرة أنني أنتصر للغة الشعرية‬ ‫في الكتابة ال��روائ��ي��ة‪ ،‬التي ميزت الكثير‬ ‫من كتاب الرواية‪ ،‬وبخاصة في مرحلة ما‬ ‫من تاريخ الرواية العربية‪ ،‬والتي انزاحت‬ ‫بالرواية نحو التكثيف الشعري‪ ،‬فأصبح‬ ‫معها الحديث عن «األجناس عبر النوعية»‬ ‫ل��ه م��ا ي��ب��رره‪ ،‬ب��ل أم��ي��ل إل���ى ت��وظ��ي��ف لغة‬ ‫سردية‪ ،‬محايدة قدر المستطاع‪ ،‬حتى ال‬ ‫تشغل ال��ق��ارئ ع��ن ب��اق��ي م��ك��ون��ات العمل‬ ‫ال����روائ����ي‪ ،‬ف���ل���دي ‪ -‬ف��ض�لا ع���ن إي��م��ان��ي‬ ‫بالحدود الفاصلة بين األج��ن��اس‪ -‬اقتناع‬ ‫ت��ام ب��أن اللغة ليست ف��ي األول واألخ��ي��ر‬ ‫س����وى وس��ي��ل��ة‪ ،‬وع��ن��ص��ر ض��م��ن ع��ن��اص��ر‬ ‫أخ���رى‪ ،‬يتعين ع��دم إغفالها ف��ي الكتابة‬ ‫ال��روائ��ي��ة؛ ل��ه��ذا أق��ب��ل بكثافة على ق��راءة‬ ‫ال��رواي��ة العالمية المترجمة‪ ،‬التي ألمس‬ ‫فيها نضجا على مستوى التكنيك‪ ،‬مرفوقا‬ ‫بوعي جلي بالحدود الفاصلة باألجناس‪ ،‬إذ‬


‫لكن ال بد ‪-‬ف��ي رأي��ي‪-‬‬ ‫م���ن ت���واف���ره���ا ‪-‬أع��ن��ي‬ ‫ال���ح���ك���اي���ة‪ -‬وم����ن ه��ذا‬ ‫المنطلق أحرص شديد‬ ‫الحرص على أن تتوافر‬ ‫روايتي على حكاية ما؛‬ ‫ل��ك��ن ت��ق��دي��م��ه��ا ل��ل��ق��ارئ‬ ‫ال يعتمد ع��ل��ى طريقة‬ ‫واحدة؛ فإيماني الراسخ‬ ‫بأن األشكال أكثر عمقا‬ ‫من المضامين‪ ،‬يحفزني‬ ‫على أن أحاول أن أقدم‬ ‫الحكاية ف��ي ال��رواي��ات‬ ‫التي أكتبها بتقنيات وأشكال متنوعة‪ ،‬حتى‬ ‫أت��ف��ادى التكرار والنمطية‪ .‬كما أن تعدد‬ ‫هذه التقنيات تولد لدى القارئ جملة من‬ ‫التساؤالت واألحاسيس‪ ،‬وتدفعه بالتالي‬ ‫إلى المشاركة الفعالة في توليد الدالالت‬ ‫العميقة للمتن ال��روائ��ي‪ ،‬وال��ت��ي غالبا ما‬ ‫يطلق عليها‪« :‬المعنى الثاني»‪.‬‬ ‫ل��ق��د ح��اول��ت‪ ،‬م��ث�لا‪ ،‬ت��وظ��ي��ف تقنيات‬ ‫التداعي الحر في رواي��ة «رج��ال وك�لاب»‪،‬‬ ‫ال��ت��ي ك��ان توظيفها بنيويا ووظ��ي��ف��ي��ا‪ ،‬بما‬ ‫يعني أن طبيعة ال��ن��ص الحكائي فرضت‬ ‫على استعماله‪ ،‬إذ أن البطل مصاب بمرض‬ ‫الوسواس القهري‪ ،‬وبعد أن يحكي للقارئ‬ ‫إح��دى حالته المرضية‪ ،‬ي��دع��وه ليتقمص‬ ‫شخصية الطبيب النفسي‪ ،‬حتى يتسنى له‬ ‫تحليل الحاالت المرضية للسارد‪ ،‬المرتبطة‬ ‫بأحداث يتوهمها ظانا أنها أحداث واقعية‪،‬‬ ‫فكان ل��زام��ا أن يحكي ل��ه حياته انطالقا‬ ‫من أصوله الضاربة في عمق البادية‪ ،‬التي‬ ‫يمثلها في الرواية ج��ده‪ ،‬ال��ذي كان فالحا‬

‫ملف الرواية املغربية‬

‫أن ه��ذه ال��رواي��ة تعطي‬ ‫لكل عنصر حقه‪ ،‬فنجد‬ ‫أنفسنا أمام شخصيات‬ ‫وأمكنة وأزمنة واضحة‬ ‫المعالم‪ ،‬م��ؤط��رة برؤيا‬ ‫ال���ك���ات���ب ال��ع��م��ي��ق��ة؛ إذ‬ ‫أن ك����ل ع��ن��ص��ر ي����ؤدي‬ ‫وظيفته بشكل منفرد‪،‬‬ ‫وف��ي عالقته م��ع باقي‬ ‫ال���ع���ن���اص���ر؛ وه�������ذا ال‬ ‫ي��ن��ف��ي اإلب���داع���ي���ة عن‬ ‫ك���ث���ي���ر م����ن ال�����رواي�����ات‬ ‫العربية‪ ،‬التي استوعب‬ ‫أصحابها بعمق مفهوم الرواية ووظيفتها‬ ‫الفنية والجمالية واالجتماعية‪ ،‬فال غرابة‬ ‫إذاً أن يتوج نجيب محفوظ مثال بجائزة‬ ‫نوبل لآلداب‪ ،‬كما أن رواياته تحقق أرقاما‬ ‫قياسية في القراءة‪ ،‬في الوقت الذي يشتكي‬ ‫منه الجميع من أزمة القراءة ومحدوديتها؛‬ ‫فروايات محفوظ ‪-‬كما يعلم الجميع‪ -‬تقدم‬ ‫ال��ف��ن ال���روائ���ي ب��أص��ول��ه ال��ع��ال��م��ي��ة‪ ..‬كما‬ ‫أعتبر أن الحكاية من أه��م العناصر في‬ ‫الرواية‪ ،‬فهذا المعطى في البناء الروائي‬ ‫أعتبره أساسيا‪ ،‬ومتى تخلت الرواية عنه‬ ‫فقدت كنهها وماهيتها‪ ،‬وف��ق��دت بالتالي‬ ‫جمهورها‪ ،‬ال��ذي يبحث غالبا في الرواية‬ ‫ال��ت��ي ي��ق��رأه��ا ع��ن حكاية م��ا تظل عالقة‬ ‫بذهنه بعد االنتهاء من قراءة الرواية‪ ،‬قد‬ ‫ت��ك��ون حكاية سلسة وتقليدية لها بداية‬ ‫ووس��ط وعقدة ونهاية‪ ،‬أو حكاية معقدة‪،‬‬ ‫ومتشظية في بعض األح��ي��ان تعتمد على‬ ‫البياضات‪ ،‬التي يمألها القارئ بتأويالته‪،‬‬ ‫أو تخترقها االسترجاعات «الفالش باك»‪،‬‬

‫‪SAYSARA‬‬

‫جمادى الثاني ‪1432‬هـ‬ ‫مايو ‪2011‬م‬

‫‪41‬‬


‫‪SAYSARA‬‬

‫‪42‬‬

‫‪1432‬هـ جمادى الثاني‬ ‫‪2011‬م مايو‬

‫يعيش على خيرات األرض‪ ،‬فأصيب بمرض‬ ‫نفسي عضال أدى إل��ى وفاته في ظروف‬ ‫محزنة‪ ،‬ومرورا بأبيه الذي انتقل إلى المدينة‬ ‫فطاردته لعنة المرض النفسي‪ ،‬وصوال إلى‬ ‫الشخصية الرئيسية‪ /‬السارد‪ ،‬الذي طوقته‬ ‫ظ���روف اجتماعية ونفسية‪ ،‬أدت ب��ه إلى‬ ‫أن يصبح ضحية المرض المذكور أعاله‪.‬‬ ‫أما فيما يخص رواي��ة «عائشة القديسة «‬ ‫فحاولت أن أقدمها بشكل مختلف‪ ،‬جاعال‬ ‫من أسطورة «عايشة قنديشة» عمادا لها‬ ‫وال��ن��واة الصلبة للحكاية ال��ت��ي تتضمنها‪،‬‬ ‫م��ن خ�لال ربطها ب��ال��واق��ع ال��م��ع��اش‪ ،‬التي‬ ‫تضطرب في أتونها الشخصيات‪ ،‬والمعلوم‬ ‫أن ه����ذه األس����ط����ورة ت��ه��ي��م��ن ع��ل��ى ع��ق��ول‬ ‫المغاربة‪ ،‬وبخاصة أولئك الذين يقطنون‬ ‫على الساحل األطلسي؛ إذ يغلب على جلهم‬ ‫االع��ت��ق��اد ب��وج��ود جنية‪ ،‬تتجول ليال على‬ ‫ضفاف شواطئ األطلسي‪ ،‬فتسلب الرجال‬ ‫عقولهم بجمالها وفتنتها‪ ،‬فيقعون ضحية‬ ‫إلغوائها‪ ،‬يتبعون خطواتها دون إرادة منهم‪،‬‬ ‫فتصيبهم ب���األذى‪ ،‬وق��د ك��ان توظيف هذه‬ ‫األسطورة محكوما ببعد تنويري‪ ،‬يتمثل في‬ ‫وضع المجتمع أمام مرآة ليرى نفسه‪ ،‬من‬ ‫خالل الكشف عن عقلية اإلنسان المغربي‬ ‫بخاصة والعربي بشكل ع��ام‪ ،‬ال��ذي يحيا‬ ‫ضمن ثنائية متناقضة؛ ففي الوقت الذي‬ ‫يدعي فيه الحداثة والعقالنية‪ ،‬نجده يلجأ‬ ‫إلى الخرافة لحل أول مشكل يواجهه في‬ ‫حياته‪.‬‬ ‫أم��ا بخصوص رواي��ت��ي «ليلة إفريقية‬ ‫«ف��ق��د اع��ت��م��دت فيها على توظيف تقنية‬ ‫«الميتا س���رد»‪ ،‬بما يعني ال��س��رد ال��ش��ارح‪،‬‬ ‫وقد تمثلته في المتن السردي‪ ،‬بما يعني‬

‫أن ال��رواي��ة وه��ي تنكتب تفكر ف��ي ذات��ه��ا‪،‬‬ ‫من خالل إش��راك القارئ في التفكير في‬ ‫التقنية التي سيعتمدها الروائي في كتابتها‪،‬‬ ‫وهذه التقنية تسعى ‪ -‬باإلضافة إلى طابعها‬ ‫التجديدي في الكتابة السردية‪ -‬إلى إشراك‬ ‫القارئ في العمل ال��روائ��ي‪ ،‬حتى يتخلص‬ ‫من سلبيته؛ لتكون قراءته واعية وفعالة‪،‬‬ ‫ومنتجة كذلك‪ ،‬كما اعتمدت في الرواية‬ ‫نفسها على تقنية رواية داخل رواية‪ ،‬فبطل‬ ‫الرواية «يحيى البيضاوي»‪ ،‬وهو روائي من‬ ‫الجيل القديم وجد نفسه متجاوزا إبداعيا‬ ‫يلتقي في لقاء «الرواية بين األمس واليوم»‬ ‫المنعقد بمدينة فاس بروائية شابة تدعى‬ ‫«أمل المغيث»‪ ،‬فيثمر لقاؤهما مشروع رواية‬ ‫مشتركة‪ ،‬يتفقان على أن تكون بطلتها الفتاة‬ ‫الكاميرونية «كريستينا»‪ ،‬التي التقيا بها في‬ ‫مهرجان الرقص اإلفريقي‪ ،‬فيشرعان في‬ ‫التخطيط للرواية وأحداثها ومراميها تحت‬ ‫أنظار القارئ‪.‬‬ ‫وخالصة القول إن الرواية جنس أدبي‬ ‫يسمح للكاتب بتجريب عدد من التقنيات‬ ‫واألساليب‪ ،‬كما يمكنها أن تستوعب جميع‬ ‫ال��م��ض��ام��ي��ن‪ ،‬ح��ت��ى ت��ل��ك ال��ت��ي ت��ب��دو أكثر‬ ‫تعقيدا‪ ،‬وم��ن حق ال��روائ��ي أن يذهب في‬ ‫هذا المجال مذاهب شتى‪ ،‬لكنني أعتقد‬ ‫أن فهما عميقا للرواية ووظيفتها الفنية‬ ‫واالجتماعية تلزم كاتبها بالمحافظة على‬ ‫الحد األدن��ى من عناصر العمل الروائي‪،‬‬ ‫كما هو متعارف عليها عالميا‪ ،‬خاصة فيما‬ ‫يتعلق بالعنصر الحكائي‪ ،‬وت��وظ��ي��ف لغة‬ ‫سردية واضحة وفعالة‪ ،‬أما ما دون ذلك‬ ‫فال يؤدي االختالف حوله إلى أن « يفسد‬ ‫للود قضية»‪.‬‬


‫‪SAYSARA‬‬

‫جمادى الثاني ‪1432‬هـ‬ ‫مايو ‪2011‬م‬

‫‪43‬‬

‫شهادة‬ ‫> محمد فاهي‬

‫أحب الرواية مثلما أحب الحياة‬

‫الرواية امبراطورية ق��ادرة على دمج‬ ‫كل أن��واع الخطابات وصياغتها لتحويلها‬ ‫إلى ملكية خاصة‪ ،‬وهي مؤهلة ألن تنبش‬ ‫في األسئلة الصعبة أو المنسية‪ ،‬التي قد‬ ‫ال تتناولها الفلسفة بهيبتها وشجاعتها‪ ،‬أو‬ ‫قد ال تتناولها العلوم اإلنسانية األخرى‪.‬‬ ‫إن التخييل هو من يمنح الرواية فرادتها‪،‬‬ ‫ويحاول الكاتب أن ينفذ إلى ما وراء السطح‬ ‫والظاهر‪ ،‬سواء في المجتمع أو في ذات‬

‫ي��ب��د أ اه��ت��م��ام��ي ب��ال��ن��ص ال���روائ���ي‬ ‫باالنطالق من ن��واة‪ ،‬أعمل على توسيعها‬ ‫بالشرح والتحليل‪ ،‬مستحضرا مناخ الرواية‬ ‫م��ن شخوص وص���راع وأح���داث رئيسية‪..‬‬ ‫وكأنني أكتب على ضوء نص موجود‪ .‬وهذه‬ ‫عملية ليست سحرية‪ ،‬بل هي طريق طويل‬

‫ملف الرواية املغربية‬

‫أن تكتب رواي���ة ه��و أن ت��ح��اول فهم‬ ‫م��ا ي��ج��ري؛ ألن��ك ت��ك��ون منخرطا‪ ،‬فاعال‬ ‫ومنفعال‪ ،‬وعندما تكتب‪ ،‬تتراجع‬ ‫إل���ى ال��خ��ل��ف ل���ت���درك وت��ع��ي‪.‬‬ ‫آنذاك‪ ،‬تدخل إلى حقل من‬ ‫«ال��خ��ل��ق» ع��ارض��ا تجربة‬ ‫حياتية‪ ،‬طامحا إل��ى أن‬ ‫تكون صالحة للتواصل‬ ‫مع أكبر عدد من القراء‪،‬‬ ‫ال س��ي��م��ا وأن���ه���ا ت��غ��ذي‬ ‫تجربتهم ب��م��ا ل��م يألفوه‬ ‫م��ن أح��اس��ي��س‪ ،‬وان��ف��ع��االت‪،‬‬ ‫وص���راع���ات ورؤى‪ ..‬التخييل‬ ‫هو الكيمياء‪ ،‬التي تعمل على تنسيب‬ ‫العالم الروائي‪ ،‬وتنقذه من اختبار اليقيني‬ ‫والعقلي‪.‬‬

‫ال��ف��رد‪ ..‬فالواقع مثال قد ينظر إليه من‬ ‫زوايا متعددة؛ هل هو الواقع الحرفي الذي‬ ‫يجري أمامنا؟ هل هي تلك الدوافع‬ ‫واألس����ب����اب ال���ت���ي ت��ك��م��ن وراء‬ ‫الصورة المسطحة؟ هل هو‬ ‫ال��واق��ع المأمول؟ وال��رواي��ة‬ ‫ليست ملزمة بأن تتبع ذلك‬ ‫الخط المنهجي الفكري‬ ‫ف���ي ال��ت��ح��ل��ي��ل‪ ،‬ف��ه��ي قد‬ ‫توظف لغة أخ��رى منفلتة‪،‬‬ ‫م��ث��ل��م��ا ت���وظ���ف خ��ط��اب��ات‬ ‫أخرى‪ .‬إن الرواية فن متحرر‬ ‫ليس تجاه الطابوهات‪ ،‬بل تجاه‬ ‫الفكر ذاته‪ .‬فهذا كاتب ايطالي يبحث‬ ‫عن ميتافيزيقا األحالم‪ ،‬وهذا كاتب هندي‬ ‫يبحث عن تلك الندوب التي تقضم الروح‬ ‫على مهل‪ ،‬وذاك كاتب نمساوي يبحث عن‬ ‫المخبأ والغامض‪ ..‬وهذا آخر يبحث في‬ ‫األشياء عن أي دال معبر‪...‬‬


‫‪SAYSARA‬‬

‫‪44‬‬

‫‪1432‬هـ جمادى الثاني‬ ‫‪2011‬م مايو‬

‫متعب وم��ل��يء ب��اإلخ��ف��اق��ات وال��ن��ج��اح��ات‬ ‫القليلة‪ .‬لكنني مقتنع به إلى حدود رواياتي‬ ‫الثالث‪ ،‬على األقل‪ .‬ومن المعروف‪ ،‬أن كتابا‬ ‫آخرين يكتبون مباشرة‪ ،‬ويركزون طاقاتهم‬ ‫البدئية في كتابة جملة أولى ناجحة‪ ..‬عندما‬ ‫تتضح معالم النص في ذهني‪ ،‬أنهمك في‬ ‫كتابته دون توقف‪ .‬وبطبيعة الحال‪ ،‬فأنا‬ ‫ال أنضبط حرفيا إل��ى المخطط‪ ،‬ال��ذي‬ ‫قد يشغل «كنانيش» كاملة‪ ،‬بل يغدو هذا‬ ‫المخطط مساحة واسعة للخرق واللعب‬ ‫والزوغان واإلغناء‪ .‬خالل اإلع��داد األول‪،‬‬ ‫قد أق��رأ كتبا ومقاالت أحتاجها لتسليط‬ ‫الضوء على بعض العناصر‪ ،‬وال عالقة لما‬ ‫سميته مخططا بالمسودة‪ ،‬وال أعده مسودة‬ ‫إال ما أنجز أثناء التحقيق النصي‪.‬‬ ‫ع��ن��دم��ا أك��ت��ب‪ ،‬أح����اول اإلن��ص��ات إل��ى‬ ‫الجملة‪ ،‬ألح��س��ن إيقاعها‪ ،‬مثلما أنصت‬ ‫إل��ى اإلي��ق��اع الداخلي للنص في مفاصله‬ ‫وفي كليته‪ .‬ويمكن أن أعد الحوار رافدا‬ ‫آخر لإليقاع‪ ،‬وأقصد الحوار بين اللغات‬ ‫وال��خ��ط��اب��ات‪ .‬ال أس��ت��س��ي��غ ف��ق��رة طويلة‬ ‫ج��دا بإيقاع واح��د‪ ،‬وأح���اول ‪ -‬ما أمكن‪-‬‬ ‫الكتابة بلغة سليمة؛ تركيبا ونحوا ومعجما‬ ‫وترقيما‪.‬‬ ‫في ما أكتبه‪ ،‬يحضر الهامش كثيمة‬ ‫أساسية‪ .‬تناول الهامش ليس من أجل زرع‬ ‫اليأس‪ ،‬بل ألنه واقع أكيد‪ ،‬ال يمكن التغاضي‬ ‫عنه‪ ،‬إنه اإلنسان في نهاية المطاف يصارع‬ ‫من أجل العيش وتحقيق الذات‪ .‬والفن الذي‬ ‫ال يلبس لباسا رثا ال يكون فنا عظيما‪ ،‬كما‬ ‫يقول أحد المفكرين‪.‬‬

‫ف��ي رواي��ت��ي األول����ى‪« :‬ح��ك��اي��ة صفراء‬ ‫لقمر ال��ن��س��ي��ان»‪ ،‬أردت تقديم قصة عن‬ ‫«المنسي»‪ ،‬وكيف يحدث أن يكون مركزا‬ ‫مضيئا‪ ،‬لكنه يتوارى نقطة صغيرة ال تعرف‬ ‫حياتها إال من خالل االنعكاس‪ .‬إن العنوان‬ ‫يعبر ع��ن ه��ذه ال��م��ف��ارق��ة‪ ،‬وه��ي ك��ذل��ك‪..‬‬ ‫ألنها ليست على الصورة المألوفة‪ ،‬ولهذا‬ ‫السبب جاءت الرواية مشذرة في جزء كبير‬ ‫منها‪ ،‬إل��ى «ح��ك��اي��ات» و«ق��ص��ص»‪ ،‬لكنها‬ ‫ترفد القصة األم‪ .‬وأتذكر بالمناسبة أن‬ ‫عبدالكريم جويطي أب��دى استغرابه من‬ ‫أن ال يتجاوز فصل ف��ي ال��رواي��ة صفحة‪.‬‬ ‫وال ش��ك أن���ه ك���ان يقصد ف��ص��ل «صهيل‬ ‫ال��غ��ي��اب»‪ .‬ه���ذه ال��ت��ش��ذرات ت��ن��ط��وي على‬ ‫ح��ي��وات ش��خ��وص يعيشون ف��ي ال��ه��ام��ش‪،‬‬ ‫ولكأنها نسخة م��ن «حجم ال��ع��ال��م» ال��ذي‬ ‫يشغلونه‪ .‬وف��ي م���رات ل��م يعد يظهر من‬ ‫ه��ذه ال��ش��خ��وص إال ح���روف تنطوي على‬ ‫أكبر قدر من الغياب‪ .‬الشخوص يحملون‬ ‫قدرهم ويعيشون حياتهم المقسطة‪ ،‬مثلما‬ ‫هي ال��رواي��ة تعبر عن إخالصها لبدايات‬ ‫رومانيسك م��ت��وارٍ ه��و أي��ض��ا ف��ي ال��رواي��ة‬ ‫الشفوية‪.‬‬ ‫ال��ت��ي��م��ة ال��ث��ان��ي��ة ه��ي ال��ه��ج��رة‪ ،‬س��واء‬ ‫الداخلية أم الخارجية‪ .‬قد يقول قائل مثال‬ ‫إن الهجرة موضوع مستهلك‪ ،‬ولكنها واقع‬ ‫ما يزال مستمرا‪ ،‬ومجتمعنا ما يزال يعيش‬ ‫تبعاتها الحضارية واالجتماعية‪ .‬والهجرة‬ ‫الخارجية‪ ،‬سرية أو علنية‪ ،‬فهي أيضا‬ ‫واق��ع نعيشه يوميا‪ ،‬على األق��ل في بعض‬ ‫ال��م��دن وال��ج��ه��ات‪ ،‬وه��ي ظ��اه��رة ال يمكن‬ ‫القفز على أث��ره��ا ف��ي القيم والعالقات‬


‫‪SAYSARA‬‬

‫جمادى الثاني ‪1432‬هـ‬ ‫مايو ‪2011‬م‬

‫‪45‬‬

‫ملف الرواية املغربية‬

‫وال��وع��ي وال�لاوع��ي‪ .‬إن المهم هو ما قد‬ ‫تضيفه رواي��ة ما إلى الموضوع من رؤية‬ ‫ومعالجة فنية‪ .‬في رواي��ة‪« :‬صباح الخير‬ ‫أي��ت��ه��ا ال�����وردة»‪ ،‬ح��ض��ور لنمطي الهجرة‬ ‫معا‪ ،‬من خ�لال تجربة مركزة للشخوص‬ ‫في صراعهم من أجل الوجود‪ .‬في هذه‬ ‫ال��رواي��ة أيضا كناية ع��ن الغياب والفقد‬ ‫واالضمحالل (حقل األسماء‪ ...‬واألسماء‬ ‫األخ��رى)‪ ،‬وهي تتمثل التمزق ال التشذر‪،‬‬ ‫كما في ال��رواي��ة األول��ى‪ .‬يتجلى ذل��ك في‬ ‫المقاطع «الممسرحة»‪ :‬إنها قصة أخرى‬ ‫عن الغياب وفيه‪ .‬لكن السرد يجرف معه‬ ‫تفاؤله ال��خ��اص‪ ،‬إذ من يهتف بالصباح‪،‬‬ ‫ويسمي ال��رواي��ة وردة وي��غ��دق عليها من‬ ‫إط��رائ��ه غير ال��س��رد نفسه؟ بالمناسبة‪،‬‬ ‫تقول الرواية الثالثة (المنتظر صدورها ال��ع��ال��ي��ة‪ ،‬ك��م��ا يمكن أن يجسدها كاتب‬ ‫ع��ن إفريقيا ال��ش��رق)‪« :‬إن��ه��ا وردة حية‪ ،‬كبير‪ .‬إن تجربة محمد زف��زاف الروائية‬ ‫جدير بالفراشات أن تحلم بها‪ ،»...‬بطبيعة مصدر ال غنى عنه لألجيال الالحقة من‬ ‫ال��ح��ال ل��ه��ذه ال���رواي���ة حقولها الخاصة الكتّاب‪ ،‬مثلما هي لبنة أساسية في تاريخ‬ ‫ال��رواي��ة المغربية‪ .‬لقد ق��رأت كل أعمال‬ ‫ورهاناتها التيماتية والجمالية‪...‬‬ ‫محمد زفزاف‪ ،‬وأتمنى أن أعود لقراءتها‪.‬‬ ‫عندما نتحدث عن الهامش (أو القاع‪،‬‬ ‫وكنت قد أنجزت بحثي في اإلج��ازة سنة‬ ‫كما يسميه آخ���رون)‪ ،‬الب��د أن نستحضر‬ ‫‪1984‬م في كلية اآلداب بمراكش‪ ،‬حول‬ ‫الكتّاب المغاربة‪ ،‬الذين كان يشكل هوية‬ ‫روايته‪« :‬المرأة وال��وردة»‪ ،‬وإن لم يرضني‬ ‫متميزة ل��رواي��ات��ه��م‪ ،‬م��ث��ل محمد شكري‬ ‫هذا البحث (إل��ى الحد ال��ذي مزقت فيه‬ ‫ومحمد زفزاف‪ .‬لقد نجح الراحل محمد‬ ‫النسخة ال��وح��ي��دة ال��ت��ي ك��ان��ت بحوزتي‪،‬‬ ‫زف����زاف ف��ي أن ي��ف��س��ح م��ج��اال للهامش‬ ‫صيف تلك السنة ذاتها‪ ،‬ألنني خجلت من‬ ‫ليعبر عن نفسه‪ ،‬بلغته وفضاءاته ورؤاه‪.‬‬ ‫عملي)‪.‬‬ ‫وليس من السهل أن يتوارى السارد إلى‬ ‫أحب الرواية مثلما أحب الحياة‪ .‬أحب‬ ‫الخلف‪ ،‬ليتلمس السرد عالم الشخوص‪،‬‬ ‫وكأن السارد لم يكن إال شاهدا عابرا‪ .‬إذا أن أقرأها وأكتبها معا‪ .‬الرواية هي غذائي‬ ‫كان من وصف لهذا الموقف فهو الرواية؛ الدائم الذي ال أتخلى عنه حتى‪ ،‬وأنا أقرا‬ ‫الرواية في معرفتها ورهافتها وأخالقها كتبا أخرى‪...‬‬


‫‪SAYSARA‬‬

‫‪46‬‬

‫‪1432‬هـ جمادى الثاني‬ ‫‪2011‬م مايو‬


‫‪SAYSARA‬‬

‫جمادى الثاني ‪1432‬هـ‬ ‫مايو ‪2011‬م‬

‫‪47‬‬

‫شـ ـ ـ ـعـ ـ ـ ـ ـ ـ ــر‬


‫‪SAYSARA‬‬

‫‪48‬‬

‫حوارات‬

‫‪1432‬هـ جمادى الثاني‬ ‫‪2011‬م مايو‬

‫ح ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــوارات‬


‫‪SAYSARA‬‬

‫جمادى الثاني ‪1432‬هـ‬ ‫مايو ‪2011‬م‬

‫‪49‬‬

‫القاص ضيف فهد‪:‬‬ ‫> أنا ظاهرة‪ ..‬وتجربتي ال تتطابق مع أي تجربة أخرى في الكون‪،‬‬ ‫لكنهم يحجمون عن تصنيفي كنموذج خاص‪.‬‬ ‫> قراءة التراث ال تنطوي على رجعية بل تصنع وعي ًا قادر ًا على خلق‬ ‫الذهنية الفارزة والناقدة‪.‬‬ ‫> «جسد الثقافة» يجعلني في قلب العالم الذي أتخ ّيله‪.‬‬ ‫حوار مع القاص‬

‫> حوار ضاري احلميد وعصام أبو زيد*‬ ‫ُ‬ ‫حوار مع «سيسرا»‪« :‬ال‬ ‫قاص جرئ يعشق التجريب‪ ،‬يرى نفسه (ظاهرة)‪،‬‬ ‫ويقول في ٍ‬ ‫أظن أنه بإمكان أحد مطابقة تجربتي مع تجربة أخرى في هذا الكون»‪ .‬كما أكد أن‬ ‫« ضعفنا إبداعي ًا هو بسبب ابتعادنا عن قراءة التراث قراءة حقيقية إبداعية»‪ .‬إنه‬ ‫ضيف فهد‪ ،‬والذي َّ‬ ‫حل أخير ًا ضيف ًا في ندوة «ليلة سردية وشهادات إبداعية» بأدبي‬ ‫الجوف بمشاركة القاص والشاعر ماجد الثبيتي‪ .‬التقينا صاحب «مخلوقات األب»‬ ‫وكان لنا معه هذا الحوار‪:‬‬ ‫< ‬

‫في قصصك القصيرة‪ ..‬تبدو وكأنك‬ ‫ت���ب���دأ م����ن ن��ق��ط��ة م��ج��ه��ول��ة ح��ت��ى‬ ‫بالنسبة إل��ي��ك‪ ..‬ينمو النص بقوة‬ ‫دفع ذاتية‪ ..‬ما تعليقك؟ وأي��ن أنت ‬ ‫من نصك؟‬

‫> أن��ا أب���دأ م��ن الحنين‪ ،‬م��ن التذكر‪،‬‬ ‫وم��ن ال��ن��ظ��رات واإلص��غ��اء والعيشة‬ ‫الهانئة‪ ،‬والمتأملة الفائضة بالغبطة‬ ‫وال��ت��ص��دي��ق واإلي���م���ان‪ ..‬ك��ان��ت ه��ذه‬

‫ال��ع��ي��ش��ة ف���ي ك��ن��ف ال��م��ع��ن��ى األول‬ ‫وال��ن��ه��ائ��ي ل��ل��ق��داس��ة ب��ال��ن��س��ب��ة ل��ي‪:‬‬ ‫والدي‪.‬‬ ‫بعد أن فقدته‪ ،‬وج��دت أن��ن��ي‪ ،‬وفي‬ ‫أعمالي األول��ى‪ ..‬ومن دون قصدية‬ ‫ك��ام��ل��ة‪ ،‬أع��م��د إل���ى إع����ادة بعثه في‬ ‫الكلمات‪ ،‬في القصص‪ ،‬وفي األمور‬ ‫التي تفتقد طابع االس��ت��رس��ال‪ ..‬إذ‬ ‫أن��ه ك��ان يصنع بحركته‪ ،‬بطريقته‪،‬‬

‫ح ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــوارات‬

‫ضيف فهد‬


‫‪SAYSARA‬‬

‫‪50‬‬

‫‪1432‬هـ جمادى الثاني‬ ‫‪2011‬م مايو‬

‫وب��ص��دق��ه ال��ه��ائ��ل م���ع ك���ل ش����يء‪..‬‬ ‫ال���ن���اس‪ ..‬واألرض‪ ..‬وال��س��م��اء‪ ،‬ثم‬ ‫وف���ي ال��ن��ه��اي��ة م��ن خ�ل�ال شجاعته‪،‬‬ ‫وي��ق��ي��ن��ه ب��أن��ه ق�����ادر‪ ،‬وم���ن دون أن‬ ‫يتبادل معي ‪ -‬طوال حياته ‪ -‬حديثاً‬ ‫يتصف بالتفاصيل‪ ،‬يصنع ما يمكن‬ ‫لي تسميته باألسلوب‪.‬‬ ‫ ‬

‫لذا‪ ،‬عندما ينمو النص فهو ال ينمو‬ ‫بقوة دفعه الذاتية إنما‪ ،‬إضافة إلى‬ ‫ذلك‪ ،‬بقوة االمتنان‪ ،‬والتفكير بطريقة‬ ‫جديدة تم ّكن الكلمات من (نقل) ما‬ ‫ال يمكن وصفه‪.‬‬

‫ وأنا في النص أكمن كطيف‪ ،‬كطرف‬ ‫ما تعليقك؟‬ ‫يقوم بالتوصيل‪ ،‬أو كآلة إعادة تصنيع‬ ‫للبهجة التي عشتها فترة طويلة من > ال‪ ..‬ال أظ���ن‪ ،‬ه��ذا أم��ر ت��م إشاعته‬ ‫حياتي‪ ..‬وأع��ود لها اآلن عن طريق‬ ‫وتصديقه‪ ،‬بالنسبة لي األمر ال يعدو‬ ‫الحنين والكتابة‪.‬‬ ‫عن كونه أنفة من وضعي كنموذج‪،‬‬ ‫إحجام عن تصنيفي كظاهرة‪ ،‬وعدم‬ ‫< ف���ي ق��ص��ص��ك ت��أت��ي م��ت��ع��ة ال��ت��أم��ل‬ ‫تصديق أنه بإمكاننا صنع نموذجنا‬ ‫لتطغى على متعة الحكي‪ ..‬فهل أنت‬ ‫الخاص‪ ..‬فنحيل‪ ،‬وبشكل قد يكون‬ ‫عدو للحكي؟‬ ‫غير مبرر وال منطقي‪ ،‬إل��ى نماذج‬ ‫ > الحكي سلطة‪ ،‬تحكم‪ ،‬وإمالء‪ ..‬وهو‬ ‫عليا‪.‬‬ ‫في النهاية سلب لما يمكن أن يصل له‬ ‫الخيال‪ ..‬حجب ألفق التوقع‪ ..‬أعرف أن���ا‪ ،‬ل��م أمتثل ألح���د‪ ،‬وال أظ��ن أنه‬ ‫ب��إم��ك��ان أح��د مطابقة تجربتي مع‬ ‫أن هذا هجاء طويل لما أسميته أنت‬ ‫تجربة أخرى في هذا الكون‪.‬‬ ‫(ب��ال��ح��ك��ي)‪ ..‬لكنني أج���ده م��ب��ررا‪..‬‬ ‫عندما يطمح مثل ه��ذا األم���ر‪ ،‬أي < لماذا أنت عدو للرواية؟‬ ‫الحكي‪ ،‬لكي يكون بديال للتأمل‪.‬‬ ‫> يقول إميل سيوران‪ :‬إن عم ً‬ ‫ال ذا نفس‬ ‫< ش��ب��ح ب��ورخ��ي��س غ��ال��ب�� ًا م��ا ي��ت��راءى‬ ‫ط��وي��ل‪ ،‬وخاضعاً لمتطلبات البناء‪،‬‬ ‫ً‬ ‫للقارئ عند التعاطي مع نصوصك‪..‬‬ ‫وم��زي��ف��ا بهاجس ال��ت��ت��اب��ع‪ ،‬ه��و عمل‬


‫ ‬

‫ ‬

‫من اإلف��راط في التماسك بحيث ال‬ ‫يمكن أن يكون حقيقيا‪.‬‬ ‫ ‬ ‫لذا أنا ال أع ّد نفسي عدوا للرواية‪،‬‬ ‫إنما‪ ،‬وفي العمق‪ ،‬أنا عدو لألعمال‬ ‫المفرطة في التماسك‪ ،‬أو اإلحساس‬ ‫بهذا الوهم‪..‬‬ ‫أنا قارئ جيد للرواية‪ ..‬لكن الرواية‬ ‫ف��ي نماذجها الحقيقية والعالية‪..‬‬ ‫وليست هذه المقدمة لدينا‪ ،‬مع كل‬ ‫ <‬ ‫أسى!‬

‫‪SAYSARA‬‬

‫جمادى الثاني ‪1432‬هـ‬ ‫مايو ‪2011‬م‬

‫‪51‬‬

‫القيام بخطوات التدريب الكافية‪..‬‬ ‫قراءة التراث ال تنطوي على رجعية‬ ‫وال ش���ك���ل م����ن أش����ك����ال االرت����ه����ان‬ ‫للماضي بل هي في الحقيقة تصنع‬ ‫وعيا قادرا على خلق الذهنية الفارزة‬ ‫والناقدة‪ ..‬والمتذوقة بشكل صحي‬ ‫وم��ن دون انبهار مبالغ ف��ي��ه‪ ..‬وفي‬ ‫النهاية تبعدنا عن خطيئة االستنساخ‬ ‫الفج‪.‬‬

‫< هل أنت حق ًا لم تطلع على النماذج‬ ‫المتعارف عليها أكاديمي ًا في القصة‬ ‫ > قدم لي جسد الثقافة نوعية عالية‬ ‫القصيرة عالمي ًا وعربي ًا؟‬ ‫وح ّية ولحظية من التلقي‪ ،‬أنا رجل‬ ‫ > لم أطلع‪..‬؟! من قال هذا األمر‪ ..‬أنا‬ ‫أق���در بشكل مبالغ فيه لجماليات‬ ‫اطلعت في الحقيقة‪ ..‬لكنني كفرت‬ ‫(ال���ص���خ���ب)‪ ..‬وي��دف��ع��ن��ي ل��ل��ح��رك��ة‬ ‫بالنموذج األكاديمي الجامد والذي‬ ‫إح��س��اس��ي ب��أن��ن��ي ف���ي ت��ن��اف��س مع‬ ‫يفتقد لكل شيء ما عدا الملل‪ .‬وأعد‬ ‫ثوان‬ ‫األغيار‪ ..‬ثم‪ ،‬أن تتلقى وخالل ٍ‬ ‫ب��ال��خ��روج عليه ب��ك��ل م��ا أم��ت��ل��ك من‬ ‫كمية كبيرة من الجذل والغبطة ناتج‬ ‫أسلحة تهشيم وتكسير ونسف‪.‬‬ ‫عن كلمات اإلع��ج��اب واالنبهار بما‬ ‫< ما هو موقفك من التراث؟ كيف ترى‬ ‫تصنعه‪ ..‬ه��ذا يبقي الطفل داخلي‬ ‫دوره في واقعنا المعاصر؟‬ ‫في حالة صحية جيدة‪ ..‬يحثه على‬ ‫االس��ت��م��رار ف��ي القفز وال��ش��ق��اوة‪..‬‬ ‫> ضعفنا إبداعيا‪ ،‬فيما لو كان هناك‬ ‫جسد الثقافة يجعلني في قلب العالم‬ ‫غ��ي��ري م��ن ي���رى ه���ذا ال��ض��ع��ف‪ ،‬هو‬ ‫الذي أتخيله‪..‬‬ ‫بسبب اب��ت��ع��ادن��ا ع��ن ق���راءة ال��ت��راث‬ ‫قراءة حقيقية إبداعية‪ ،‬قفزنا كقرود ‬ ‫شامبانزي نشيطة وغير مدربة جيدا‪،‬‬ ‫ومن سقط منا أكثر ممن وصل إلى‬ ‫تلك الفاكهة البعيدة والتي ال أنكر‬ ‫م��دى ل��ذت��ه��ا‪ ..‬لكن ك��ان علينا أوال‬

‫أس��م ُم��رت��زق‪ ،‬ه��و تأكيد على صفة‬ ‫����دي‪ ،‬ل���دي شعور‬ ‫ال��ع��ن��اد األص��ي��ل��ة ل َّ‬ ‫ع��م��ي��ق ب����أن ه����ذه ال���م���ف���ردة سيئة‬ ‫السمعة مظلومة دالل��ي��ا‪ ،‬االرت���زاق‪،‬‬ ‫و ُمرتزق‪ ،‬وبقطعه دالليا عن تاريخية‬

‫ح ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــوارات‬

‫ماذا قدم لك موقع (جسد الثقافة)‬ ‫الذي تكتب فيه تحت اسم (مرتزق)‪،‬‬ ‫ولماذا مرتزق؟‬


‫‪SAYSARA‬‬

‫‪52‬‬

‫‪1432‬هـ جمادى الثاني‬ ‫‪2011‬م مايو‬

‫االستخدام‪ ،‬أمر جميل ومشروع‪..‬‬ ‫< ‬

‫كيف جاءت تجربة نشر مجموعتك‬ ‫األولى والوحيدة (مخلوقات األب)؟‬

‫> تجربة النشر تجربة لذيذة‪ ..‬تخلق‬ ‫تلق في أماكن‬ ‫قراء جدداً‪ ..‬وأصدقاء ٍ‬ ‫غير متوقعة في هذا العالم‪..‬‬ ‫ ‬

‫وما كان لي أن أت ّم هذا النشر األول‬ ‫وال���وح���ي���د‪ ..‬ل����وال إي���م���ان ال��ص��دي��ق‬ ‫ال��ج��م��ي��ل ال��ش��اع��ر وال��ن��اق��د‪ :‬سعود‬ ‫��دي ما يمكن نشره‬ ‫السويدا‪ ..‬بأن ل َّ‬ ‫وطباعته‪ ..‬وكان لتعاون نادي حائل‬ ‫األدب��ي وناسه الجميلين أكبر األثر‬ ‫إلنجاز هذا األمر‪.‬‬

‫< ‬

‫تحضر األفكار الفلسفية في خلفية‬ ‫قصصك‪ ..‬هل هذا انطباع حقيقي‬ ‫أم أننا أخطأنا؟‬

‫> ال أعرف! ربما‪ ..‬عموما‪ ،‬ومع إيماني‬ ‫ب���أن ال��ف��ل��س��ف��ة ال ي��م��ك��ن تحصيلها < ‬ ‫بشكل تثقيفي شخصي‪ ،‬وأن���ه أمر‬ ‫ي��ج��ب تعلمه بشكل أك��ادي��م��ي‪ ،‬وأن‬ ‫> ‬ ‫م��ن أه��م األس��ب��اب لتعثرنا إبداعيا‬ ‫هو خلو مناهجنا في جميع مراحلها‬ ‫من االهتمام بهذا األم��ر‪ ..‬إال أنني‬ ‫ش��غ��وف ب��ق��راءة األع��م��ال الفلسفية‬ ‫المتاحة‪ ..‬وربما ظهر مثل هذا األمر‬ ‫الذي تتحدث عنه في ما أقوم بكتابته‬ ‫من نصوص‪.‬‬ ‫< ‬

‫فيما تفكر اآلن؟‬

‫> في السؤال األخير‪ ..‬وأبعد من هذا‬

‫ق��ل��ي�لا‪ ..‬ف��ي إن��ه��اء تجميع نصوص‬ ‫ال��م��ج��م��وع��ة ال���ث���ان���ي���ة ال���ت���ي أف��ك��ر‬ ‫بطباعتها‪.‬‬ ‫ه��ل أزع��ج��ن��اك؟ وك��ي��ف ت���رى هكذا‬ ‫حوارات صحافية مع األدباء؟‬ ‫ال‪ ،‬لم يكن هناك إزع��اج‪ ،‬أنا وأثناء‬ ‫زيارتي لكم هناك (في أدبي الجوف)‬ ‫أح��ب��ب��ت م��ا ت��ق��وم��ون ب���ه‪ ،‬إي��م��ان��ك��م‪،‬‬ ‫وع��م��ل��ك��م وال�����ذي ل���م ت��س��ل��ط عليه‬ ‫أض��واء كافية‪ ،‬واستمراركم رغم كل‬ ‫ش���يء‪ ،‬يجعلني أح���ب ك��ل م��ا يصل‬ ‫ل��ي منكم‪ ..‬حتى ول��و ل��ق��اء ط��وي��ل‪..‬‬ ‫ال أظ��ن أن أح��داً سيهتم بقراءته‪..‬‬ ‫ال���ح���وارات األدب��ي��ة م��ع األدب�����اء‪ ..‬ال‬ ‫أقوم بقراءتها‪!..‬‬


‫‪SAYSARA‬‬

‫جمادى الثاني ‪1432‬هـ‬ ‫مايو ‪2011‬م‬

‫‪53‬‬

‫ماجد الثبيتي‪:‬‬ ‫أنتج حراك ًا ثقافي ًا متنوع ًا وكبيراً‪.‬‬ ‫> ارتفاع سقف اإلعالم المحلي َ‬ ‫وأكتب قصيدتي بروح سردية‪.‬‬ ‫أفكر في كتابة الرواية‬ ‫ُ‬ ‫> ال ُ‬ ‫أسست مدونة «جهنم» ألشارك اآلخرين متعة كلمات في بطنها ألف شرارة‪.‬‬ ‫>‬ ‫ُ‬

‫حوار مع الشاعر‬

‫والقاص ماجد الثبيتي‬

‫أنتج‬ ‫يرى الشاعر والقاص السعودي ماجد الثبيتي أن ارتفاع سقف اإلعالم المحلي َ‬ ‫حراك ًا ثقافي ًا متنوع ًا وكبيراً‪ ،‬وق��ادر ًا على فتح آفاق جديدة في الساحة الثقافية‪،‬‬ ‫مشير ًا إلى أهمية وجود مشاركة حقيقية بين مجالس األندية األدبية والمثقفين‪ ،‬من‬ ‫وأوضح أن فوزه‬ ‫واجب رئيسي‪.‬‬ ‫عد ذلك إنجاز ًا ألهداف األندية‪ ،‬بل هو في األصل‬ ‫دون ّ‬ ‫َ‬ ‫ٌ‬ ‫بجائزة الشارقة لإلبداع العربي عن النص األول أضاف إليه الكثير‪ ،‬فيما شد َد على‬ ‫عدم رغبته في كتابة رواية‪َ ،‬‬ ‫وقال في حوار خاص مع (سيسرا)‪« :‬استطعت التخلص‬ ‫من كتابة القصة القصيرة عبر كتابة قصيدة النثر‪ ،‬والدخول من باب التجريب‬ ‫والمغامرة ب��روح س��ردي��ة»‪ .‬ص��درت للثبيتي مجموعة قصصية بعنوان (الفهرست‬ ‫وقصص أخ��رى) الفائزة بالمركز األول في مسابقة الشارقة لإلبداع العربي للعام‬ ‫‪2008‬م‪ ،‬ولديه مخطوطة شعرية بعنوان (سفينة نوح عليها السالم) نشر جزء ًا منها‬ ‫في موقع جهة الشعر اإللكتروني‪ ..‬كما أقام عدد ًا من األمسيات القصصية والشعرية‬ ‫في أندية الطائف وال��ري��اض والمنطقة الشرقية وال��ج��وف‪ ،‬وكذلك في الجمعية‬ ‫السعودية للثقافة والفنون‪ .‬كان لسيسرا معه هذا الحوار‪:‬‬ ‫< ‬

‫كيف ت��رى تجربتك اإلبداعية بين > في البدء كان الشعر‪ ،‬أو هذا ما أعتقد‬ ‫يقيناً وج��وده في ذاتي وذلك بالشكل‬ ‫ك��ت��اب��ة ال��ق��ص��ة ال��ق��ص��ي��رة وقصيدة‬ ‫الطبيعي للميول لدى أغلبية الكتاب‬ ‫النثر ‪ ،‬وبخاصة أن قصائدك النثرية‬ ‫اليوم‪ .‬شعر البدايات المتواضع والذي‬ ‫ذات نفس سردي؟‬

‫ح ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــوارات‬

‫> حاوره عصام أبو زيد*‬


‫ ‬

‫‪SAYSARA‬‬

‫‪54‬‬

‫‪1432‬هـ جمادى الثاني‬ ‫‪2011‬م مايو‬

‫يمثل م��ح��اوالت م��ج��ردة دون حقيقة‬ ‫الشعر واكتمال نضوجه‪ .‬الحقاً كتبت‬ ‫ال��ق��ص��ة ال��ق��ص��ي��رة واس��ت��ط��ع��ت خ�لال‬ ‫ف��ت��رة وج��ي��زة ال��وص��ول إل���ى ال��ص��ورة‬ ‫المقبولة من رضائي لما أقدمه‪ ،‬وذلك‬ ‫عبر منتديات جسد الثقافة منذ العام‬ ‫‪ 2004‬تقريباً‪ .‬البيئة التي كانت تمثل‬ ‫ذروة التواصل والتلقي ل��دى غالبية‬ ‫كبرى من الكتاب السعوديين الشباب‪.‬‬ ‫في نهاية عام ‪ 2007‬اكتمل مشروعي‬ ‫القصصي واستطعت المراهنة عليه‬ ‫وتقديمه رس��م��ي��اً عبر المنبر وعبر‬ ‫عدد من المشاركات «من دون االسم‬ ‫ال��م��س��ت��ع��ار ض�����اري» ال����ذي ه���و ج��زء‬ ‫حميمي ورئيسي من تجربتي بشكل‬ ‫مقوالت مدعومة‬ ‫كامل‪ .‬اسم من دون قصد أو سبب‪.‬‬ ‫ليس هناك كما هو متعارف عليه في < ه���ل أن����ت ف���ي ط��ري��ق��ك إل����ى ك��ت��اب��ة‬ ‫األس��م��اء المستعارة وج��ود صلة بين‬ ‫الرواية؟‬ ‫االس���م‪ /‬العلم وم��ا يعنيه لما يكتب‬ ‫> ال أفكر في ذلك اليوم‪ ،‬وال أرى هذا‬ ‫وراءه‪.‬‬ ‫الفن قريباً م��ن أدوات���ي‪ .‬إذ تحتاج‬ ‫فيما بعد فوزي بالجائزة توقفت عن‬ ‫الرواية قبل الفن أحياناً إلى «نفس‬ ‫كتابة القصة القصيرة واتجهت لكتابة‬ ‫س��ردي طويل» وق��درة غير طبيعية‬ ‫ق��ص��ي��دة ال��ن��ث��ر‪ ،‬وال���دخ���ول م���ن ب��اب‬ ‫على االسترسال!‬ ‫التجريب وال��م��غ��ام��رة ب���روح س��ردي��ة‪.‬‬ ‫أراه��ا اليوم ‪ -‬بالتحديد «قصيدتي» < ل��م��اذا شغفك الكبير ب��م��ا نسميه‬ ‫(مقوالت مأثورة أو آراء في أق��وال)‬ ‫ خالصة ما يمثل ذاتي وحواري مع‬‫ألدب������اء وم��ف��ك��ري��ن ع����رب وأج���ان���ب‬ ‫العالم المباشر واألخير‪ .‬حيث ترتبط‬ ‫وب���خ���اص���ة وأن������ك أس���س���ت م���دون���ة‬ ‫ف��ي ج��وه��ره��ا ب��ت��س��اؤالت��ي ال��ي��وم��ي��ة‪،‬‬ ‫إل��ك��ت��رون��ي��ة ل��ه��ذا ال��غ��رض ب��ع��ن��وان‬ ‫وبالبحث الالنهائي للمناطق الجديدة‬ ‫«جهنم»؟‬ ‫والمغايرة‪ .‬وال أدري عن غداً حيال ما‬ ‫> السبب هو عدم قدرتي أحياناً على‬ ‫أكتبه اليوم «جهل طبيعي»‪.‬‬


‫تح ّمل حجم المتعة العظيم‪ ..‬المتعة‬ ‫ال��ت��ي أت��وق��ف إزاءه����ا وه��ي تغمرني‬ ‫ب��ج��وه��ره��ا‪ ،‬س���واء ك��ان��ت م��ق��ول��ة أو‬ ‫ش�����ذرة أو ك��ل��م��ة ف���ي ب��ط��ن��ه��ا أل��ف‬ ‫ش���رارة؛ وحاجتي الماسة لمشاركة‬ ‫اآلخرين‪ ،‬تلك المتعة‪ /‬اللحظة كانت <‬ ‫دافعاً لتأسيس مدونة «جهنم»‪ ،‬ودعم‬ ‫تلك المقوالت بصور فوتوغرافية أو‬ ‫ل��وح��ات فنية تعتمد على المفارقة‬ ‫أو التوضيح البصري المضاعف‪.‬‬ ‫تلك ه��واي��ة يمكنك أن تع ّدها مثل > ‬ ‫الصيد‪!..‬‬

‫< ‬

‫م����اذا أض����اف إل��ي��ك ف����وزك ب��ج��ائ��زة‬ ‫الشارقة لإلبداع العربي عن اإلصدار‬ ‫األول؟ وكيف ت��رى االتهامات التي‬ ‫توجه إلى الجوائز األدبية؟‬ ‫ّ‬

‫> أض��اف الكثير‪ ،‬ج��اءت ف��ي ظ��روف‬ ‫لم تعترف بما أقدمه أو لم تلق له‬ ‫اه��ت��م��ام��اً‪ ،‬وب��خ��اص��ة ع��ل��ى مستوى‬ ‫المسابقات المحلية وم��ا يعتريها‬ ‫م���ن م���ج���ام�ل�ات أو م��ع��اي��ي��ر غير‬ ‫أصيلة؛ فكانت لحظة الفوز داعماً‬ ‫معنوياً كبيراً بحصولي على المركز‬ ‫األول ف���ي م��ن��اف��س��ة ع��ري��ض��ة من‬ ‫ك��ت��اب ال��ق��ص��ة ال��ع��رب‪ ،‬وك���ان ع��دد < ‬ ‫المتنافسين ‪ 130‬قاصا وقاصة من‬ ‫مختلف الدول‪ .‬وبالنسبة لالتهامات‬ ‫رغم عدم متابعتي الكاملة لنوع هذه‬ ‫االتهامات أو للجوائز التي يتم توجيه‬ ‫االتهامات لها‪ .‬أتفق مع بعضها التي‬

‫تحارب الجوائز المشبوهة من بعض‬ ‫الدكتاتوريات العربية «القذافية»‬ ‫مث ً‬ ‫ال‪ ،‬أو المسابقات التي ال تعمل‬ ‫باستقاللية عن مؤسسات الدول أو‬ ‫بمعايير معلنة وحقيقية‪.‬‬ ‫ه��ل ت���رى أن ال��ق��ض��اي��ا المطروحة‬ ‫ل��ل��ن��ق��اش ف���ي ال��س��اح��ة ال��ث��ق��اف��ي��ة‬ ‫المحلية جديرة بطرح آفاق جديدة‬ ‫في الفكر والرؤية؟‬ ‫م���ق���ارن���ة م���ع ف���ت���رة س��اب��ق��ة ك��ان��ت‬ ‫المدائح والمجامالت والرتابة في‬ ‫الفكر وال��رؤي��ة لمالحقنا الثقافية‬ ‫ولساحتنا المحلية المتوجسة رعباً‬ ‫م��ن أدن����ى ال��ق��ض��اي��ا‪ .‬ال��ي��وم هناك‬ ‫ح��راك ثقافي متنوع وكبير‪ ،‬وق��ادر‬ ‫على فتح آف��اق جديدة ومؤثرة في‬ ‫ساحتنا الثقافية‪ .‬ويعود سبب هذا‬ ‫التطور الملحوظ إلى ارتفاع سقف‬ ‫اإلع��ل�ام ال��م��ح��ل��ي‪ ،‬وان��ف��ت��اح ن��اف��ذة‬ ‫ك��ون��ي��ة ح���رة وت��ت��س��ع للجميع‪ ،‬عبر‬ ‫اإلنترنت وصناعته لإلعالم الجديد‬ ‫بكل أدواته‪ ،‬وإتاحة الفرص الكاملة‬ ‫لتخلق الوعي‪ ،‬واكتساب مكانة بين‬ ‫العالم‪.‬‬

‫ليلة سردية‬ ‫ما هو انطباعك عن زيارتك لمنطقة‬ ‫ال��ج��وف وم��ش��ارك��ت��ك ب��ن��دوة «ليلة‬ ‫سردية وش��ه��ادات إبداعية» بالنادي‬ ‫األدب���ي بالجوف بمشاركة القاص‬ ‫ضيف فهد؟‬

‫ح ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــوارات‬

‫لحظة الفوز‬

‫‪SAYSARA‬‬

‫جمادى الثاني ‪1432‬هـ‬ ‫مايو ‪2011‬م‬

‫‪55‬‬


‫‪SAYSARA‬‬

‫‪56‬‬

‫‪1432‬هـ جمادى الثاني‬ ‫‪2011‬م مايو‬

‫> كانت زي���ارة مدهشة‪ ،‬وه��ي األول��ى‬ ‫إلي لمنطقة الجوف‪ ،‬ورغم‬ ‫بالنسبة ّ‬ ‫ق��ص��ره��ا‪ ،‬استطعنا ع��ب��ر مرافقنا‬ ‫الكريم من النادي األستاذ عبدالسالم‬ ‫حمد القاضب أن نستكشف هدوء‬ ‫ه��ذه المدينة وطبيعتها الخاصة‪،‬‬ ‫ومدى الراحة التي يمكن أن تتحقق‬ ‫نفسياً بعيداً ع��ن ض��وض��اء الحياة‬ ‫وصخبها في المدن الكبيرة‪ ،‬ومحفزاً‬ ‫لإلبداع بشكل كامل‪ .‬وتوافقت هذه‬ ‫الزيارة مع أجواء معتدلة أثناء أيام‬ ‫مهرجان الزيتون في منطقة الجوف‪،‬‬ ‫ما زاد من نجاح هذه الليلة السردية‬ ‫والفرصة الكبيرة للقاء بالعاملين‬ ‫ف��ي ن��ادي ال��ج��وف األدب���ي‪ ،‬ومثقفي‬ ‫المنطقة‪.‬‬ ‫< ‬

‫ك���ي���ف ت�����رى واق������ع ق���ص���ي���دة ال��ن��ث��ر‬ ‫السعودية؟‬

‫> مقارنة بواقعها قبل سنوات خلت‪،‬‬ ‫ه��و واق���ع مميز وذو تأثير واض��ح‬

‫صدر حديث ًا‬ ‫عن النادي األدبي بالجوف‬ ‫ديوان «قلب من زجاج»‬ ‫للشاعر حامد أبو طلعة‬

‫وحضور ملحوظ‪ .‬وهناك عدد من‬ ‫مشاريع إبداعية ناضجة وحقيقية‬ ‫ف��ي قصيدة النثر السعودية لعدد‬ ‫من كتابها‪ ،‬أمثال‪ :‬الشاعر المميز‬ ‫ح���م���د ال���ف���ق���ي���ه‪ ،‬وال����ش����اع����ر ع��ي��د‬ ‫الخميسي؛ وهناك تجارب حديثة‬ ‫جداً وذات عمق فني ملموس لدى‬ ‫شعراء شباب‪ ،‬أم��ث��ال‪ :‬عبدالعزيز‬ ‫الحميد‪ ،‬ومحمد الحميد‪ ،‬ومحمد‬ ‫خضر‪ ،‬وعبد الله العثمان‪ ،‬وآخرين‪.‬‬ ‫وإن ما يجعله واقعاً ناقصاً أحياناً‬ ‫ه��و تأخر واق��ع النقد وال��دراس��ات‬ ‫الجادة‪ ،‬في تجارب شعراء قصيدة‬ ‫النثر السعودية وافتقار المؤسسات‬ ‫الرسمية كاألندية األدبية للشجاعة‬ ‫في ط��رح ملتقى سعودي لقصيدة‬ ‫ال��ن��ث��ر‪ ،‬إذ ي��خ��ش��ى ال��ك��ث��ي��ر منهم‬ ‫االع��ت��راف بهذا النوع األدب��ي رغم‬ ‫ح���ض���وره وق���وت���ه ع��ل��ى ال��م��س��ت��وى‬ ‫ال��ع��رب��ي ف��ي ع��دد م��ن المشاركات‬ ‫الخارجية‪.‬‬


‫‪SAYSARA‬‬

‫جمادى الثاني ‪1432‬هـ‬ ‫مايو ‪2011‬م‬

‫‪57‬‬

‫الشاعر السوداني محمد جميل أحمد‪:‬‬

‫َ‬ ‫الحزن جمي ً‬ ‫ُ‬ ‫ال‪..‬‬ ‫يجعل‬ ‫اإلبداعُ‬ ‫والمرأة إشكالية ملتبسة في الشعر العربي‬

‫���ووس ب���إع���ادة ص��ي��اغ��ة ال��ط��ب��ي��ع��ة ب��ال��ح��ل��م وال��غ��ن��اء‬ ‫م���ه ٌ‬ ‫���ص ع��ل��ى كل‬ ‫وال��م��وس��ي��ق��ى واألل��������وان‪ ،‬م���ه ٌ‬ ‫���ووس ب���ال���رق ِ‬ ‫ينثر‬ ‫اإليقاعات‪ ،‬الشاعر محمد جميل أحمد‪ ،‬كالعصفور ُ‬ ‫فتافيت الوجد على أحزاننا نحن السامعين‪ ،‬وينقر في‬ ‫حاصرنا كنهر‪..‬‬ ‫ظل مواجعنا بحث ًا عن حلم مقهور‪ُ .‬ي ِ‬ ‫لنفتتح مواسم‬ ‫المطر ينقر خيبتنا ومواجعنا؛‬ ‫كح َّبات‬ ‫َ‬ ‫ِ‬ ‫قحط الفصول‪.‬‬ ‫العطر في ِ‬ ‫ِ‬ ‫جميل مجاز في اللغة العربية‪ ،‬له حضوره وإب��داع��ات��ه المميزة‪ ،‬مقيم حالي ًا في‬ ‫المملكة العربية السعودية‪ ..‬كاتب مقال أسبوعي في صحيفة إيالف اإللكترونية‪ ،‬بدأ‬ ‫روائي ًا برواية (بر العجم)‪ ،‬الفائزة بجائزة الطيب صالح عام ‪2005‬م‪ ،‬والصادرة عن دار‬ ‫الحصاد السورية عام ‪2007‬م‪ ،‬وله كتاب في النقد األدبي بعنوان (أحداق النرجس)‪ ،‬كما‬ ‫صدرت له مؤخر ًا مجموعة شعرية بعنوان (بريد الحواس) عن نادي الجوف األدبي‪.‬‬ ‫كان لسيسرا معه هذا الحوار‪:‬‬ ‫< ق��ص��ائ��دك «أن��اش��ي��د م��ب��ل��ل��ة ب��ال��ح��زن»‬ ‫هل ثمة إح��االت اقتضتها المجموعة‬ ‫الشعرية األولى لك؟‬ ‫> ربما تفرض علينا اإلجابة هنا العودة‬

‫إل���ى م��ع��ن��ى األدب‪ .‬ف�����األدب ف���ي أح��د‬ ‫معانيه هو سؤال حزين بامتياز بحسب‬ ‫الناقد فيصل دراج؛ وعليه‪ ،‬فقد تتعدد‬ ‫المصادر التي ينبثق عنها ذلك الحزن‬

‫ح ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــوارات‬

‫> حاوره عمر محفوظ الصعيدي*‬


‫‪SAYSARA‬‬

‫‪58‬‬

‫‪1432‬هـ جمادى الثاني‬ ‫‪2011‬م مايو‬

‫في التاريخ الشخصي‪ ،‬والميول الفطرية‪،‬‬ ‫والنظرة العامة للحياة‪ ،‬وما إلى ذلك من‬ ‫مصادر متعددة‪ .‬لكن ربما كان التحدي‬ ‫هو في جعل ذلك الحزن كونيا وإنسانيا‬ ‫عبر خاصية اإلبداع الشعري؛ فذلك هو‬ ‫المحك‪ .‬وم��ا يجعل الحزن جميال هو‬ ‫ <‬ ‫اإلبداع‪.‬‬ ‫< قضايا‪ :‬الشعر‪ ،‬الشاعر‪ ،‬الشارع‪ ،‬تحمل‬ ‫ال��ك��ث��ي��ر م��ن ال��م�لام��ح‪ ،‬ف��ي ق��ص��ائ��دك‪.‬‬ ‫فمثال في قصيدة الطرائد‪ ،‬حين تقول‬ ‫(ش��ج��ر ال��ل��ي��ل ن��ح��ن نطلع م��ن عتبات‬ ‫الصدى‪ ،‬نحن صيد المقادير أسالفنا‬ ‫عسس‪ ،‬يرقبون القيامة)‪ .‬وفي قصيدة‬ ‫وطن‪:‬‬ ‫> هو الطي ُن تعويذة ٌ ُمزْمِ ن ْه‬ ‫ال ّردى ص ْولـَة ٌ‬ ‫والردى أحصنه‬

‫ف���اه���رب م���ن ال��ط��ي��ن ه���ذا أوان�����ك في‬ ‫ال ّمحو‬

‫ُ‬ ‫يعرف الطي ُن صورته‬ ‫ال‬

‫والهياك ُل أقنعة ٌ‬ ‫والغريب ال ُمع ـلـّق بيني وبينك‬ ‫ُ‬ ‫اُرجوحة ٌ ُم ْحزِ ن ْه)‬

‫ف��ه��ل ل��ك م��ن تفسير لتلك المالمح‬ ‫الشعرية؟‬

‫> الشعر والشاعر كلها خيارات تفرضها‬ ‫الموهبة والتجربة‪ .‬ثمة استعدادت وميول‬ ‫تجعل من شخص ما شاعرا أو ناقدا‬ ‫أو تشكيليا؛ فالشعر كتعبير جمالي‪ ،‬ال‬ ‫تنبثق مفاعيله من حساسية واح��دة بل‬ ‫تتعدد بتعدد التجارب‪ .‬ذلك أن الشعر‬ ‫يالحق باستمرار إيقاع الحياة اإلنسانية‬ ‫وتدفقها‪ .‬والشاعر هو من يقبض على‬ ‫المعنى في ال�لاوع��ي‪ ،‬ويجعل من ذلك‬ ‫المعنى متجليا عبر الكلمات‪ .‬صحيح‬ ‫أن في شعري نزعة ميتافيزيقية وطابعاً‬ ‫تجريدياً‪ ،‬وتلك سمات تلعب في تحديدها‬ ‫مصادر غامضة ج��دا‪ ،‬وتأتي حيثياتها‬


‫< كتابة الشعر‪ ..‬هل هي مهنة أم موهبة؟‬ ‫ومتى بدأت تكتب؟‬ ‫> بالطبع‪ ،‬هي في البداية موهبة‪ .‬بل هي‬ ‫موهبة ب��األس��اس؛ ف��إذا غابت الموهبة‬ ‫عن الشعر كف عن كونه إبداعا‪ ،‬وتحول‬ ‫إلى صناعة‪ .‬لكن التمرس في الموهبة‬ ‫يمنح الشاعر القدرة على اختيار الكتابة‬ ‫الشعرية كنشاط تعبيري وإبداعي‪ ،‬ومن‬ ‫ت���زاوج الموهبة بالمهنة ت��أت��ي الكتابة‬ ‫الشعرية في بعض األح��ي��ان لتعبر عن‬ ‫االث��ن��ي��ن م��ع��ا‪ .‬ل��ك��ن ال��ش��ع��ر ف��ي تأويله‬ ‫اإلب��داع��ي العميق هو بالضرورة كتابة‬ ‫تتجاوز معنى المهنة بكثير؛ فالشعر‬ ‫اختراق للغة والواقع والزمن‪ ،‬من خالل‬ ‫تجربة إنسانية ممتازة‪ ،‬تملك باستمرار‬ ‫قابلية متجددة للتأثير على مر األزمنة‪.‬‬

‫ب����دأت ال��ك��ت��اب��ة ال��ش��ع��ري��ة م��ن��ذ ب��داي��ة‬ ‫التسعينيات الميالدية‪ ،‬وكانت تجربتي‬ ‫باستمرار تتقدم على نحو يجعلني في‬ ‫ك��ل مرحلة أح��دث قطيعة م��ع كتاباتي‬ ‫السابقة‪ ،‬وربما لهذا السبب أصبح لدي‬ ‫مجموعة شعرية واحدة حتى اآلن‪ .‬وهي‬ ‫مجموعة واح����دة ألن��ن��ي رض��ي��ت عنها‬ ‫شعريا من خ�لال رؤيتي لمعنى الشعر‬ ‫حاليا‪ ،‬وإال فإنه كان باإلمكان أن أصدر‬ ‫أكثر من مجموعة شعرية منذ منتصف‬ ‫التسعينيات‬ ‫< حواء تراجيديا الحزن كما بدا لي من‬ ‫ُ‬ ‫الكتابة‬ ‫خالل القصائد‪ ..‬فعندك تحا ُر‬ ‫����م أن���ث���ى‪ ،‬ت���ل��� ِّونُ ح���زن ال��ل��ي��ال��ي‬ ‫ف���ي رس ِ‬ ‫البنت‬ ‫الكئيبة‪ ،‬صور ًة للفتاة حواء؛ هي‬ ‫ُ‬ ‫ال��ط��ال��ع��ة م��ن ال��م��وس��ي��ق��ا‪ ..»..‬بالطبع‬ ‫هناك الكثير من الصور‪ ..‬ماذا عن حواء‬ ‫في حياة الشاعر جميل وذاكرته؟‬ ‫> ح����واء‪ ،‬ه��ي س����ؤال االك��ت��م��ال ال��ب��ش��ري‬ ‫وم���وط���ن ال��ج��م��ال ف��ي��ه أي���ض���ا‪ .‬وب��ه��ذا‬ ‫االع��ت��ب��ار‪ ،‬ف��إن حضورها ف��ي التجربة‬ ‫ال��ش��ع��ري��ة ب��ص��ورة ع��ام��ة ه��و ج���زء من‬ ‫كينونة الشعر ذات��ه‪ ،‬وليس فقط مجرد‬ ‫موضوع ل��ه‪ .‬كذلك‪ ،‬ربما تأخذ طبيعة‬ ‫المرأة في تجربتي الشعرية نصيبها من‬ ‫تلك األسباب المعقدة التي تجعل شاعرا‬ ‫م��ا يجعل م��ن ال��م��رأة م��وض��وع��ا قابال‬ ‫للتجريد‪ .‬عموما تأتي المرأة في شعري‬ ‫ضمن سياقات مختلفة‪ ،‬لكنها ال تخرج‬ ‫عن تاريخ نمطية للمرأة وصورها في‬ ‫الذاكرة الجمعية والمخيال التاريخي؛‬ ‫أي في كونها أنثى‪ ،‬تملك تأويالت كثيرة‬ ‫في موضوعها الشعري‪ .‬ولعل في بعض‬

‫ح ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــوارات‬

‫عبر مراكمة واشتباك بين العديد من‬ ‫التجارب والمواقف والمناسبات‪ .‬حين‬ ‫يكتب الشاعر يستحضر الالوعي‪ ،‬وهذه‬ ‫منطقة يكمن فيها الكثير من عناصر‬ ‫الحياة الغامضة‪ ،‬حيث تأتي المعاني‬ ‫وتتدفق االنفعاالت بصورة عشوائية في‬ ‫البداية‪ ،‬ولكن الشاعر يعيد تنظيمها‬ ‫عبر الحذف والتنقيح إل��ى أن تستوي‬ ‫القصيدة‪ .‬مالمح النص تأخذ تكوينها‬ ‫بصورة عفوية ينتجها الشاعر مأخوذا‬ ‫بحرارة التجربة لكن خروج تلك المالمح‬ ‫ف��ي ق��ص��ي��دة م��ا وإح��االت��ه��ا إل���ى معان‬ ‫متعددة ضمن قراءات العقل الواعي؛ كل‬ ‫تلك العمليات هي من شأن الناقد الذي‬ ‫يختبر أدوات المعرفة اللغوية والفنية‬ ‫في رصد التجربة الشعرية والغوص في‬ ‫مستويات القراءة والتأويل‪.‬‬

‫‪SAYSARA‬‬

‫جمادى الثاني ‪1432‬هـ‬ ‫مايو ‪2011‬م‬

‫‪59‬‬


‫‪SAYSARA‬‬

‫‪60‬‬

‫‪1432‬هـ جمادى الثاني‬ ‫‪2011‬م مايو‬

‫قصائدي يظهر ه��ذا الجانب المجرد‬ ‫ل��ح��ض��ور األن��ث��ى (ق��ص��ي��دة ال��ط��رائ��د)‪،‬‬ ‫مثال‪ ،‬في إطار رمزي مشحون بالدالالت‬ ‫التاريخية والثقافية أكثر من كونها ذاتا‬ ‫زمنية من لحم ودم‪ ،‬من دون أن يعني‬ ‫ذلك بالطبع غيابا لحضورها كأنثى من‬ ‫ال��واق��ع‪ .‬المرأة بصورة م��ا‪ ،‬تحضر في‬ ‫الشعر العربي كإشكالية من إشكاليات‬ ‫التعبير‪ ،‬وه��ي إشكالية ملتبسة ج��دا‪،‬‬ ‫وتأخذ وجوها وأقنعة مختلفة لحضورها‬ ‫اإلن��س��ان��ي م��ن خ�لال وس��ائ��ط ال��ذاك��رة‬ ‫والتاريخ والعادات؛ وهي إحاالت قد ال‬ ‫تفرز بالضرورة حضورا إنسانيا مكتمال‬ ‫في الكتابة الشعرية العربية؛ إذ أن كتابة‬ ‫ال��م��رأة شعريا ظلت ‪ -‬ألسباب معقدة‬ ‫ ال ت��خ��رج ك��ث��ي��را ع��ن م��ع��ادل��ة العين‬‫والجسد أي ف��ي حضورها باستمرار‬ ‫موضوعا لعين الشاعر عبر جمالها‪.‬‬ ‫< ش��خ��ص��ي��ة ال����وط����ن؛ ت��رن��ي��م��ت��ه‪ِ ،‬ورده‪،‬‬ ‫إج��ه��اش��ه‪ ،‬وح���ض���وره ف��ي ال���رؤي���ا‪ ..‬هل‬ ‫ت��ع َّ��م��دتَ ذل��ك ل��ل��دالل��ة إل��ى المواطنة‬ ‫وبخاصة في المرحلة الراهنة؟ أم ثمة‬ ‫دالالت أخرى؟‬

‫وبعيدة عن التجريد‪ .‬ليس بالضرورة أن‬ ‫ٍ‬ ‫شاكلة واحدة‬ ‫تكون ص��ورة الوطن على‬ ‫في نفوس المواطنين‪ .‬ثمة وطن تسكنه‬ ‫ووط���ن يسكنك! ول��ه��ذا‪ ،‬ع��ن��دم��ا غ��اب‬ ‫أديبنا الكبير الروائي الطيب صالح عن‬ ‫السودان ألكثر من ‪ 12‬سنة شكك بعض‬ ‫الناس في عالقته بالوطن‪ ،‬فكان يجيبهم‬ ‫بأنه يحتفظ بصورة جميلة للوطن في‬ ‫نفسه وي��خ��ش��ى أن ي��ع��ود إل��ي��ه فيفقد‬ ‫هذه الصورة مرة وإلى األبد‪ .‬لكن يظل‬ ‫الوطن تعويذة؛ ألننا في كل األحوال ال‬ ‫نختار أوطاننا‪ ،‬فالوطن كاألم ال يمكنك‬ ‫أن تختاره‪ ،‬وعليك أن تقبله كيفما كان‪.‬‬ ‫األوط��ان حظوظ ولهذا ينعكس الوطن‬ ‫ب��إش��ك��االت��ه ع��ل��ى تعبير ال��ش��اع��ر‪ .‬في‬ ‫المرحلة الراهنة‪ ،‬ينقسم الوطن فتنقسم‬ ‫معه أحاسيس ظلت موحدة منذ الوالدة‪.‬‬ ‫صعب أن ينسى اإلنسان جزءا من وطنه‬ ‫بكامل وعيه‪ ،‬إنها عملية قاهرة تصنعها‬ ‫السياسة وتدفع ثمنها العواطف‪ .‬وربما‬ ‫كان الشاعر أكثر إحساسا بفقد الوطن‬ ‫م��ن غ��ي��ره ول��ه��ذا ق���ال (ب��ري��خ��ت) أي��ام‬ ‫ال��ن��ازي��ة‪ :‬ل��ن يقول ال��ن��اس ل��م��اذا صمت‬ ‫ال��م��ف��ك��رون ب��ل سيقولون ل��م��اذا صمت‬ ‫الشعراء؟‬

‫> ال��وط��ن يظل باستمرار قيمة متعالية‬ ‫وم��ج��ردة‪ ،‬لكنه حين ي��ك��ون مريضا ال‬ ‫باختصار‬ ‫يترك انطباعا م��وح��دا ومنضبطا في < في قصيدة‪ ،‬كنتَ قد تناولتَ‬ ‫ٍ‬ ‫حد االستدراك موضوع الطفولة «‬ ‫إلى ِّ‬ ‫وعي المواطن‪ .‬عالقاتنا بأوطاننا في‬ ‫في ال��م��رآة‪ ،‬وه��ل هي الغربة عن األهل‬ ‫ه���ذه المنطقة ه��ي أي��ض��ا ذات طابع‬ ‫واألصدقاء والبلد‪ ..‬أم الوطن البديل؟‬ ‫ت��ج��ري��دي‪ .‬ال��وط��ن ه��و السماء األول���ى‪،‬‬ ‫أم ثمة أس��ب��اب أخ��رى أسهمت ب��ل أ َّدت‬ ‫بحسب تعبير سعدي يوسف‪ ،‬لكنه قد‬ ‫إل��ى م��وت الفرح داخ��ل الشاعر محمد‬ ‫ي��ك��ون س��م��ا ًء ط����اردة؟ وم��ن ه��ن��ا‪ ،‬يمكن‬ ‫جميل؟‬ ‫لفكرة المواطنة الحقيقية أن تجعل من‬ ‫عالقة الفرد بوطنه عالقة حميمة ودافئة > الطفولة‪ ،‬ه��ي المرحلة الوحيدة التي‬


‫بعيدا عن السماء األولى‪.‬‬ ‫< «وط����ن م��ن ك��ل�ام‪ ،‬ب��ت��ض��اري��س‪ ،‬وح���دود‬ ‫م����ع����ج����زات����ه‪ ،‬وال�����ش�����واط�����ئ‪ ،‬وال����م����دن‬ ‫ال��ص��اخ��ب��ة‪ ،»..‬أعتقد َّأن��ك قمتَ برسم‬ ‫لوحة باأللوان الحارة أو الساخنة‪ ..‬ماذا‬ ‫ٍ‬ ‫عن الوطن‪ ..‬هل هو الغربة‪ /‬المأوى‪ ،‬أم‬ ‫الحلم‪/‬الغيم‪ ..‬أم ماذا؟‬ ‫> الكتابة ع��ن ال��وط��ن ه��ي ص��ورة النفس‬ ‫في مخيال لذلك الوطن‪ .‬وحين تنطبع‬ ‫ص���ور ال���وط���ن م���ن ع��ل��ى ال��ب��ع��د‪ ،‬ت��ك��ون‬ ‫أكثر حميمية ودفئا؛ ولهذا تظل مخيلة‬ ‫الشاعر قابلة النتاج صور المتناهية من‬ ‫مفردات الحياة في الوطن‪ .‬إنها صور‬ ‫ال ت��خ��رج م��ن تلك المخيلة كما يمكن‬ ‫أن ت��ك��ون ه��ن��اك ف��ي ال��واق��ع ب��ل تخرج‬ ‫بطاقة كثيفة من الحنين تجعلها مشعة‬ ‫وملونة ومغرقة في التفاصيل التي تدمج‬ ‫اإلب��داع في حياة حافلة بالمعنى‪ .‬حين‬ ‫يكون الوطن غربة تصبح الذات مشردة‬ ‫وحين يكون مأوى يمنحها معنى وقيمة‬ ‫أما حين يكون حلما تصبح الحياة فيه‬ ‫ضربا من الصور الجميلة المعلقة في‬ ‫عالم الفنتازيا ك��ل شاعر يملك وطنا‬ ‫موازيا لوطنه‪ ،‬ال سيما حين يكون في‬ ‫الغربة‪ .‬الحنين بفجر التجربة الشعرية‬ ‫ويشحنها بطاقة من ممكنات التعبير‪،‬‬ ‫عن الوطن بأسلوب يجعل من الشاعر‬ ‫في حالة من الكتابة المستمرة‪ ،‬وكأن‬ ‫ل��س��ان ح��ال��ه يعبر ع��ن كلمات الشاعر‬ ‫التركي العظيم (ناظم حكمت) «أجمل‬ ‫األيام التي لم نعشها بعد وأجمل األشعار‬ ‫التي لم نكتبها بعد‪ ،»...‬إنها حالة من‬ ‫تجديد الوالء الوطني في غياب الوطن‬

‫ح ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــوارات‬

‫يمتلكها الشاعر وتظل باستمرار مخزونا‬ ‫إلب��داع��ه‪ .‬الغربة ض��رب م��ن االق��ت�لاع‪،‬‬ ‫وحين يصبح الفرد غريبا تنهض الذاكرة‬ ‫لترسم له وطنا م��وازي��اً‪ .‬وف��ي الغالب‪،‬‬ ‫يكون ه��ذا الوطن أجمل من ال��ذي في‬ ‫الواقع‪ ،‬ولعله هذا ما كان يخشاه الطيب‬ ‫صالح حين يعود إل��ى وط��ن ال يعرفه‪.‬‬ ‫كشعراء نعيش في زمن تبدلت فيه الكثير‬ ‫من صور الحياة إزاء الكثير من القيم‪،‬‬ ‫لم تعد الغربة مكتملة األرك��ان كما في‬ ‫الماضي؛ فوسائل االتصال كسرت حدة‬ ‫قسوة ال��ف��راق‪ ،‬كما أن الغربة بالنسبة‬ ‫للسودانيين أصبحت أقرب إلى الهجرة‪.‬‬ ‫في الهجرة يمكنك أن تجد ص��ورة ما‬ ‫للوطن‪ ،‬بسبب وج��ود الكثيرين معك‪.‬‬ ‫لكن للشاعر غربته المر ّكبة‪ .‬ثمة غربة‬ ‫في الشاعر تجعله غريبا بين أهله‪ .‬أما‬ ‫بخصوص م��وت ال��ف��رح فهناك أشياء‬ ‫كثيرة في الواقع تفيض بالتشاؤم‪ .‬وحين‬ ‫يغيب الفرح عن الشاعر‪ ،‬ال يكون ذلك‬ ‫بالضرورة عالمة على طبع في تكوينه‪،‬‬ ‫بل قد يكون ذل��ك بسبب ما يفيض به‬ ‫ال��واق��ع م��ن ع�لام��ات تقتل ال��ف��رح في‬ ‫نفسه‪ .‬كثير من أسباب هذا العالم الذي‬ ‫نعيش فيه تكاد تقتل الفرح في نفوسنا‪.‬‬ ‫ذات م��رة‪ ،‬ق��ال الماغوط (ال��ف��رح ليس‬ ‫مهنتي) الشاعر بصورة من الصورة كائن‬ ‫غير واقعي وينحاز إلى خياله باستمرار‬ ‫إزاء كل القيم التي يؤمن بها؛ ولهذا‪ ،‬فإن‬ ‫نسبة الخيال الكثيف في تعبيره‪ ،‬تخلق‬ ‫له أسبابا لتجاوز الواقع‪ .‬ال يمكن للوطن‬ ‫أن يكون له بديال حين تختار وطنا غير‬ ‫وطنك‪ ..‬تفتقد الكثير‪ ،‬وتظل باستمرار‬ ‫عاجزا عن التماهي مع ذل��ك المكان‪،‬‬

‫‪SAYSARA‬‬

‫جمادى الثاني ‪1432‬هـ‬ ‫مايو ‪2011‬م‬

‫‪61‬‬


‫‪SAYSARA‬‬

‫‪62‬‬

‫‪1432‬هـ جمادى الثاني‬ ‫‪2011‬م مايو‬

‫عن العين وحضوره في القلب‪.‬‬ ‫< هل نشرتَ غير هات ْين المجموعت ْين؟‬ ‫وم��ا األعمال األدبية قيد الطبع‪ ..‬هل‬ ‫من مخطوطات؟‬ ‫> ربما كان من المفارقة أن أول ما نشرته‬ ‫هو نص روائي وليس نصا شعريا‪ ،‬على‬ ‫الرغم من أنني شاعر في األصل‪ .‬كان‬ ‫النص الروائي بعنوان (بر العجم) وحاز‬ ‫على الجائزة التقديرية لمسابقة الطيب‬ ‫ص��ال��ح ل�ل�إب���داع ال���روائ���ي ف���ي دورت��ه��ا‬ ‫الثالثة ‪2005‬م‪ .‬بينما صدرت مجموعتي‬ ‫الشعرية (ب��ري��د ال��ح��واس) خ�لال هذا‬ ‫العام‪ .‬لي نصوص كثيرة‪ ،‬فأنا مشتبك‬ ‫في كتابات متنوعة‪ .‬أكتب في النقد ولي‬ ‫كتاب نقدي بعنوان (أح��داق النرجس)‬ ‫وهو حصيلة لقراءات نقدية في تجارب‬ ‫شعرية وسردية عن شعراء متميزين‪ ،‬من‬ ‫أمثال محمود درويش‪ ،‬وسعدي يوسف‪،‬‬ ‫وع��ب��دال��ق��ادر ال��ج��ن��اب��ي‪ ،‬وع��ل��ي بافقيه‪،‬‬ ‫وعلي الدميني‪ ،‬وعلي العمري‪ ،‬وغيرهم‪،‬‬ ‫إضافة ق��راءات في التجارب الروائية‬ ‫ال��ع��رب��ي��ة وال��ع��ال��م��ي��ة‪ .‬ك��ذل��ك ل��ي كاتب‬ ‫مخطوط في الفكر اإلسالمي التنويري‬ ‫ب��ع��ن��وان (ال��ف��ك��ر اإلس�لام��ي المعاصر‪:‬‬ ‫اآليدلوجيا وال��ت��أوي��ل)‪ .‬ه��ذه انشغاالت‬ ‫مختلفة من الكتابة أج��د نفسي فيها؛‬ ‫لكنني قبل ذلك وبعده أجد نفسي في‬ ‫الشعر والكتابة بصورة عامة‪.‬‬ ‫< م�����اذا ع���ن ل����ون ال��غ��رب��ة وال����ح����زن‪ ،‬هل‬ ‫سيبقى الخط البياني ألسلوب الشاعر‬ ‫السوداني محمد جميل؟‬ ‫> ت��أخ��ذ ال��ك��ت��اب��ة ط��اب��ع��ه��ا م��ن شخصية‬ ‫الكاتب وميوله ونزعاته‪ .‬لكن هذا الميل‬

‫ال يعني بالضرورة حالة واح��دة ممتدة‬ ‫م��ن التعبير؛ ف��ف��ي ك��ل ت��ج��رب��ة ج��دي��دة‬ ‫ف��ي الحياة يكون هناك تعبير جديد‪.‬‬ ‫األسلوبية في كتابة الشعر تأخذ طابعها‬ ‫من مراحل التعبير‪ ،‬والمعجم الشخصي‬ ‫للشاعر‪ ،‬والفرادة التي تدرجه في مكان‬ ‫متميز‪ .‬أعتقد أن��ه ربما كانت الفرادة‬ ‫في الصوت الشعري من أكثر عالمات‬ ‫التميز أهمية بالنسبة للشاعر‪ ،‬بصرف‬ ‫ال��ن��ظ��ر ع��ن ال��ط��اب��ع ال���ذي ي��ل�� ّون شعره‬ ‫ل��ن��اح��ي��ة ال��ت��ج��ن��ي��س‪ .‬ك��ل ال��ن��اس تكتب‬ ‫ع��ن ال��ح��زن لكن التعبير عنه يختلف‬ ‫ب��اخ��ت�لاف ال���ت���ج���ارب ال��ش��ع��ري��ة؛ وم��ع‬ ‫ذل��ك‪ ،‬ربما تفرض المراحل المختلفة‬ ‫اختيارات جديدة على الكتابة الشعرية‪،‬‬ ‫وتختبر اق��ت��راح��ات مختلفة للتعبير‪.‬‬ ‫الشعر عملية ال نهائية فهو ال يمكن‬ ‫أن تحده حدود حتى في الموضوع ذي‬ ‫التيمة الواحدة (نصوص الشاعر أحمد‬ ‫مطر مثاال) ألن��ه في كل كتابة شعرية‬ ‫يخلق الشاعر عالما ج��دي��دا تتموضع‬ ‫ف��ي��ه ال��ك��ل��م��ات واألش����ي����اء ب��ع��ي��دا عن‬ ‫حيثياتها في نظام اللغة والعالم‪ .‬وهذه‬ ‫الخاصية التي تمنح الشعر آفاقاً خارقة‬ ‫للغة والزمن‪ .‬ومن الصعب تحديد خط‬ ‫بياني للشعر؛ فالشعر ضد كل الخطوط‬ ‫المرسومة سلفا‪ .‬كل كتابة شعرية بصمة‬ ‫مختلفة عن الكتابة األخ���رى‪ ،‬ول��و كان‬ ‫الموضوع واحدا‪ .‬فالتجارب الشعرية ال‬ ‫تتناسخ أبدا‪.‬‬ ‫< «الكوميديا اإلنسانية»‪ ..‬ثالثة يعيشون‬ ‫في ال��ج��وف‪ ،‬الجمل والنخلة والكرم‪/‬‬ ‫تعمدتَ استخدام هذه ال��دالالت‬ ‫حتم ًا َّ‬ ‫ألسباب ربما شخصية‪ ،‬أو فكرية‪..‬‬ ‫الثالث‬ ‫ٍ‬


‫في قصائدك هل تب ِّين لنا رأيك؟‬

‫‪SAYSARA‬‬

‫جمادى الثاني ‪1432‬هـ‬ ‫مايو ‪2011‬م‬

‫‪63‬‬

‫> ذات مرة‪ ،‬كتب الناقد والكاتب السعودي‬ ‫سعيد السريحي عن (أركلوجيا الكرم)‬ ‫ول��و ج��از ل��ي أن استعير ه��ذا المجاز‬ ‫فلن أعدو الحقيقة في القول إن الكرم‬ ‫ف��ي منطقة ال��ج��وف ه��و ج��زء م��ن تلك‬ ‫األركلوجيا الضاربة في أعماق التاريخ‪.‬‬ ‫تأخذ الرموز معانيها من المكان؛ المكان‬ ‫في الجوف يعكس فرادته على اإلنسان‪.‬‬ ‫وبين النخلة والجمل تمتد حياة تستقطب‬ ‫روح الحضارة والبداوة في ذات واحدة‬ ‫ومكان واحد‪ .‬الحياة القديمة هي صورة‬ ‫للذاكرة وما تختزنه منطقة الجوف من‬ ‫سمات مزجت بين ال��ب��داوة والحضارة‬ ‫هو غنى يسمح لها بالتنوع والفرادة في‬ ‫الوقت نفسه‪ .‬حين زرت الجوف بدعوة‬ ‫كريمة م��ن ال��ن��ادي األدب���ي لمست في إن من أه��م عالمات القيمة اإلنسانية‬ ‫للكرم‪ ،‬ه��ي ق��درت��ه على محو الوحشة‬ ‫خالل يومين هذا المعنى من الحفاوة‬ ‫والغربة في نفس الضيف‪ ،‬بفعل أريحية‬ ‫وال��ك��رم ال��ذي يبدو مطبوعا ف��ي طباع‬ ‫المضيف‪ .‬وأح��س��ب أن ه��ذا إحساسا‬ ‫ال��ن��اس‪ .‬ثمة أريحية تمتد ف��ي المكان‬ ‫شعرت به عميقا ودافئا‪ ،‬حين كنت ضيفا‬ ‫واإلنسان‪ .‬ال يملك اإلنسان أن يتجاوز‬ ‫على النادي األدبي بمنطقة الجوف‪.‬‬ ‫م��اض��ي��ه‪ ،‬ف��م��اض��ي اإلن���س���ان ج���زء منه‬

‫صدر حديث ًا‬ ‫عن النادي األدبي بالجوف‬ ‫الديوان األول للشاعر صالح‬ ‫عودة العنزي حامال عنوان‬ ‫«من أمطرك»‬

‫ح ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــوارات‬

‫وهكذا فإن ذلك الماضي العريق الذي‬ ‫تكشف عنه األركلوجيا (اآلثار) الصامتة‬ ‫في منطقة الجوف هو في داللة أخرى‪،‬‬ ‫يتجلى ناطقا في طبيعة اإلن��س��ان وما‬ ‫يختزنه م��ن سماح وك��رم عريقين‪ .‬إذا‬ ‫كانت النخلة تمنح العطاء وهي واقفة‪،‬‬ ‫ف���إن ال��ج��م��ل ه��و ك��ائ��ن ال��ص��ب��ر‪ .‬وبين‬ ‫حدي الشام والعراق والجزيرة بدت لي‬ ‫منطقة الجوف كما لو أنها تختزن فرادة‬ ‫مكتفية بذاتها وتاريخها وإنسانها‪ .‬في‬ ‫منطقة ال��ج��وف تمتد ه���ذه ال��ع�لام��ات‬ ‫ال��ث�لاث ك��رم��وز وه��وي��ة تخترق التاريخ‬ ‫الحي‬ ‫والجغرافيا؛ فيما يظل المعنى‬ ‫ّ‬ ‫للكرم هو سمت اإلنسان الذي ال يخطئه‬ ‫الزائر والمار بهذه المنطقة العريقة‪.‬‬


‫‪SAYSARA‬‬

‫‪64‬‬

‫‪1432‬هـ جمادى الثاني‬ ‫‪2011‬م مايو‬

‫نصار الحاج ل ـ «سيسرا»‬

‫القصيدة تولد من تراكمات عديدة‬ ‫تتشكل داخل الشاعر‬ ‫> حوار ضاري احلميد*‬ ‫قوالبه وأشكاله التاريخية‪..‬‬ ‫أن يقف الشعر عند عتبات القرون الماضية‪ ،‬والركون في‬ ‫ِ‬ ‫أن نح ِّوله إلى متحف أثريات الزمن‪ ،‬فاعلية مستمرة ومتجددة‪ ،‬والقصيدة تشتبك‬ ‫مع الزمن وتتغذى منه‪.‬‬ ‫تتحرك المرأة و ُت ْو َل ُد داخل نصوصي بكل روعتها وجمالها وقدرتها على أن تفتح‬ ‫نوافذ الضوء أبد ًا نحو الحياة‪.‬‬ ‫شاعر سوداني يقيم منذ عام ‪1995‬م في المملكة العربية السعودية‪ ،‬يحتفي بالقصيدة‬ ‫على طريقته؛ فهي عنده حياة ورؤيا وتصورات‪ ..‬راوده حلمه أن يكون فنانا تشكيليا‪،‬‬ ‫للتشابه الكبير بين التشكيل والشعر على حد قوله‪ .‬و تمثل قصيدة النثر عنده‬ ‫وثراء‪..‬‬ ‫أجمل الكتابات الشعرية وأكثرها إبداع ًا وتنوع ًا‬ ‫ً‬ ‫صدر له ديوان «يسقطون وراء الغبار» عن دار كاف نون – بالقاهرة ‪2003‬م‪.‬‬ ‫و«تحت لهاة الشمس» – مختارات شعرية سودانية – الجزائر ‪2007‬م‪.‬‬ ‫و«غابة صغيرة» – مختارات شعرية قصصية – الجزائر ‪2009‬م‪.‬‬ ‫و»كلما في السر أطفأنا القناديل» – نينوى للدراسات والنشر – سوريا ‪2009‬م‪.‬‬ ‫معه كان لنا هذا الحوار ‪..‬‬ ‫< هل صحيح أن قصيدة النثر لم تضف‬ ‫شيئاً للشعر العربي؟‬ ‫> ال أت��ف��ق م��ع ه��ذه ال��م��ق��ول��ة‪ ،‬ب��ل أرى أن‬ ‫قصيدة النثر واحدة من أكبر التحوالت‬

‫ال��ج��م��ال��ي��ة ال���ب���اه���رة ال���ت���ي ح���دث���ت في‬ ‫الشعرية العربية‪ ،‬وتعاطت مع المنجز‬ ‫وال��ت��راك��م الشعري بوعي وق���درة عالية‬ ‫على النفاذ إل��ى جوهر الشعر وطاقاته‬ ‫اإلبداعية الالمحدودة‪ ،‬واستطاعت أن‬


‫‪SAYSARA‬‬

‫جمادى الثاني ‪1432‬هـ‬ ‫مايو ‪2011‬م‬

‫‪65‬‬

‫تتحرك أكثر في التعبير عن قدرة الشعر‬ ‫العربي للتوغل اكثر في هموم وقضايا‬ ‫وموضوعات‪ ،‬كانت عص ّية ووع��رة على < كيف تشكل القصيدة ل��دي��ك‪ :‬انفعال‪..‬‬ ‫دروب القصيدة التقليدية‪ ،‬والتنويعات‬ ‫عزلة‪ ..‬انكسار‪ ،‬أم لحظات صفاء؟‬ ‫في الكتابة التي التزمت بخط القصيدة‬ ‫> ال��ق��ص��ي��دة ع���ن���دي ه���ي ح���ال���ة إن��ح��ي��از‬ ‫ال��ت��ق��ل��ي��دي��ة وق��وان��ي��ن��ه��ا؛ ل��ك��ن��ه��ا بفضل‬ ‫إنسانية صافية لكل ما ذكرت في سؤالك‬ ‫ال���ت���ح���والت وال���ف���ض���اء ال����رح����ب ال����ذي‬ ‫وأبعد منه‪ ،‬القصيدة تُولد من تراكمات‬ ‫أوج��دت��ه قصيدة ال��ن��ث��ر‪ ،‬استطاعت أن‬ ‫عديدة تتشكل داخل الشاعر‪ ،‬على عدة‬ ‫تجعل من تلك الموضوعات والمفاهيم‬ ‫مستويات‪ .‬ولكل شاعر حالته الشعورية‬ ‫ح��ق��والً ب��ك��راً استثمرتها قصيدة النثر‪،‬‬ ‫النفسية والمزاجية التي ترافق القصيدة‬ ‫ورف�����دت ب��ه��ا ال��ش��ع��ري��ة ال��ع��رب��ي��ة ب��ل��غ��ةٍ‬ ‫عند كتابتها‪ ،‬وفي أحايين كثيرة‪ ،‬تصبح‬ ‫وص��ورٍ وإشتغاالت فنية عالية‪ ..‬مح َّملة‬ ‫ل��ك��ل ق��ص��ي��دة ح��ال��ت��ه��ا ال��م��خ��ت��ل��ف��ة ال��ت��ي‬ ‫بجماليات َض��خَّ ��ت منجزها ف��ي الشعر‬ ‫تتبعها‪ ،‬وأظ���ن ف��ي ك��ل ال���ح���االت‪ ،‬أنها‬ ‫العربي‪ ،‬وصعدت به إلى مصاف حركة‬ ‫لحظة توتر ولذة شفافة جداً‪ ،‬قد يمتزج‬ ‫التجديد والحداثة‪ ،‬التي طالت كل شئ‬ ‫فيها االنفعال والعزلة والصفاء والجنون‪،‬‬ ‫ف��ي الحياة واالب��ت��ك��ارات البشرية التي‬ ‫الوعي والالوعي‪ ،‬وتظل القصيدة وحدها‬ ‫من طابعها التخلق المستمر‪ ،‬في سبيل‬ ‫من تختار كيفية وزمن والدتها‪.‬‬ ‫الوصول دائماً إلى منجزات جديدة تُلبي‬ ‫رغبات وتطلعات ما يحدث من تطورات < أي العوالم ترتب من خاللها هواجسك‬ ‫الشعرية؟‬ ‫هائلة على مستويات التلقي‪ ،‬والقراءة‪،‬‬

‫ح ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــوارات‬

‫وت��ع��دد ال��م��ع��ارف‪ ،‬فيما يخص العملية‬ ‫اإلبداعية‪.‬‬


‫‪SAYSARA‬‬

‫‪66‬‬

‫‪1432‬هـ جمادى الثاني‬ ‫‪2011‬م مايو‬

‫> م��ش��غ��ول ب���اإلن���س���ان ف���ي ب���ع���ده ال��ك��ل��ي‬ ‫والفردي‪ ،‬في داللته الشاملة أو األنا في‬ ‫ذاتيتها المفرطة في بعض األحيان‪ ،‬من‬ ‫أجل الكشف والتعبير عن ما هو إنساني‬ ‫محض‪ .‬قصائدي متوترة ومشغولة بهذا‬ ‫الهاجس‪.‬‬ ‫< ما الذي يشكله لك الزمن‪ ،‬كبعد شعري‬ ‫وجودي؟‬ ‫> الزمن عنصر مهم وفاعل في تفاصيلنا‬ ‫الحياتية كلها‪ ،‬والشعر أكثر حساسية‬ ‫تجاهه‪ .‬الزمن يُحدث فعله المحسوس‬ ‫وال����م����درك ف���ي ك���ل م��ع��ط��ي��ات ال��ح��ي��اة‬ ‫وأرواح��ه��ا‪ ،‬ف��ي الطبيعة‪ ،‬ف��ي العالقات‬ ‫اإلن���س���ان���ي���ة‪ ،‬ف����ي ال���س���ل���وك ال���ب���ش���ري‪،‬‬ ‫ف��ي ال��م��ش��اه��دات ال��ي��وم��ي��ة وال��ت��ح��والت‬ ‫ال��وج��دان��ي��ة؛ ال���زم���ن ف��اع��ل��ي��ة مستمرة‬ ‫ومتجددة‪ ،‬وكذلك القصيدة تشتبك مع‬ ‫الزمن وتتغذى منه‪.‬‬ ‫< ما أقسى أنواع الظلم الذي يمارس في‬ ‫حق الشعر العربي؟‬

‫< الشعر لغة ما عادت صالحة لهذا الزمن‪،‬‬ ‫فما قولك في هذا؟‬ ‫> بالتأكيد ال أتفق مع هذا القول‪ .‬الشعر‬ ‫سيظل لغة تمارس تجديدها على اللغة‪ُ ،‬‬ ‫ُمراهناً أبداً على حاجة اإلنسان للشعر‪.‬‬ ‫< ما القصيدة التي صدأت في درج مكتبك‬ ‫بعد أن صدأت في دواخلك؟‬ ‫> القصائد التي تنزوي أو تقبع في األدراج‬ ‫كثيرة‪ ،‬ربما في بعض األحايين نتيجة‬ ‫ممارسة نقد ذاتي فائض على القصيدة‪،‬‬ ‫ربما حالة عدم الرضاء المستمرة التي‬ ‫ترافق أي نص شعري‪ ..‬مجرد أن يبدو‬ ‫في حالة إكتماله‪ ،‬تبدأ الشكوك حوله‬ ‫تنمو داخ��ل الشاعر‪ ،‬لهذا تظل الكتابة‬ ‫م��س��ت��م��رة‪ ،‬وي��ظ��ل ال��ش��ع��ر م��س��ت��م��راً‪ ،‬ال‬ ‫نهاية للشعر وال نهاية للكتابة وال نهاية‬ ‫للقصيدة‪ .‬ال بد من قصائد ُ‬ ‫تلوك صمتها‬ ‫في األدراج‪ ،‬وال بد من قصائد تتراقص‬ ‫على م��س��ارح ال��ض��وء‪ ..‬رغ��م أنها ق��د ال‬ ‫تكون األجمل من تلك التي تخاف الصدأ‬ ‫وهي في انتظار وعد الخروج؟‬

‫> أقسى ما يمكن أن يطال الشعر العربي‬ ‫م��ن ظلم ه��و أن نطالبه ب��ال��وق��وف عند < ماذا أعطت المرأة ألشعارك؟‬ ‫عتبات ال��ق��رون الماضية‪ ،‬وال��رك��ون في > ال��م��رأة نبع ع��ط��اء دائ���م وداف���ق‪ ،‬ت َُج ِّم ُل‬ ‫قوالبهِ وأشكاله التاريخية‪ ،‬بهذا الشكل‬ ‫اإلن��س��ان��ي��ة ك��ل��ه��ا‪ ..‬وق��ص��ائ��دي وروح���ي‬ ‫نح ِّوله إلى متحف أثريات‪ .‬كذلك قلة أو‬ ‫مشبعة بالمرأة‪ .‬تتحرك ال��م��رأة وتُ�� ْولَ�� ُد‬ ‫ش ّح المنابر التي تُعنى بالشعر وعمليات‬ ‫داخ���ل نصوصي بكل روع��ت��ه��ا وجمالها‬ ‫وقدرتها على أن تفتح نوافذ الضوء أبداً‬ ‫التلقي وال��ق��راءة‪ ،‬وال��دراس��ات‪ ،‬والنشر‪،‬‬ ‫وع��دم التطوير في المناهج األكاديمية‬ ‫نحو الحياة‪ .‬المرأة وردت في قصائدي‬ ‫في المدارس والجامعات العربية‪ ،‬حتى‬ ‫بكل هذا الدفق الجمالي‪ ..‬ولم ترِ ْد سوى‬ ‫تتعاطى مع المنجزات الشعرية الهائلة‬ ‫أن��ه��ا مانحة للحب وال��ج��م��ال وال��ح��ي��اة‪،‬‬ ‫التي حدثت في الشعرية العربية‪ ..‬كل‬ ‫وصفاء العالقات اإلنسانية في أقصى‬ ‫درجاتها سطوعا‪ً.‬‬ ‫هذا يمثل ظلماً في الشعر العربي‪.‬‬


‫‪SAYSARA‬‬

‫جمادى الثاني ‪1432‬هـ‬ ‫مايو ‪2011‬م‬

‫‪67‬‬

‫< ما رأيك فيمن يقول أن الشعراء يكتبون‬ ‫قصائد للنوم فقط؟‬ ‫> هؤالء ال يعرفون الشعر‪ ،‬وينقصهم الكثير‬ ‫في حياتهم وروحهم‪ ،‬هم يعانون فقداناً‬ ‫هائ ً‬ ‫ال حتى يعرفوا ان الشعر للحياة‪.‬‬ ‫< كيف تقيم حركة الشعر الحديث؟‬ ‫> ح��رك��ة ال��ش��ع��ر ال��ح��دي��ث ب��خ��ي��ر‪ ،‬وتسير‬ ‫بخطى واثقة ومتجددة‪ ،‬مراهن ًة على أن‬ ‫الشعر ضروري لإلنسانية‪ ،‬وضروري للغة‬ ‫والمعرفة وال خوف على الشعر أبداً‪.‬‬ ‫< تكلم لنا عن تجربتك مع النشر؟‬

‫ح ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــوارات‬

‫ > تجربتي م��ع النشر فيها الجميل ج��داً‬ ‫وفيها المرهق والمتعب جداً‪ ،‬فيها الذي‬ ‫وللجهات الناشرة نفسها‪.‬‬ ‫طبعته مجاناً وحصلت على مكافأة مقابل‬ ‫النشر‪ ،‬وفيها الذي‬ ‫ُ‬ ‫دفعت ماالً لطباعة < أال تالحظ في اآلونة األخيرة أن الشاعر‬ ‫كتابي ولم أحصل على ما يخصني من‬ ‫يحترق ويبدع ويكتب شعراً‪ ..‬لكن عندما‬ ‫عائد وال نسخ‪.‬‬ ‫ينزل إلى الواقع يجد الناشر يبحث عن‬ ‫رواي���ة‪ ،‬ويطلبها أكثر م��ن الشعر‪ ،‬وك��أن‬ ‫ هنالك مشاكل ال حص َر لها في تجارب‬ ‫الكتاب مع دور ومؤسسات النشر‪ ،‬وكثيراً‬ ‫الناشر أصبح له دور في ف��رض جنس‬ ‫أدبي دون غيره‪ ..‬ما رأيك؟‬ ‫م��ا تختلف التجربة م��ن دار نشر إلى‬ ‫أخرى‪ ،‬وتختلف الشروط وظروف النشر > إلى حد كبير يحدث هذا مع بعض دور‬ ‫من جهة إلى أخرى‪ ..‬ومن كاتب إلى آخر‪.‬‬ ‫ال��ن��ش��ر‪ ،‬وي��ب��رر ذل���ك ب��م��ف��ه��وم تسويقي‬ ‫ال أظن أن عملية النشر بعافية في بلداننا‪،‬‬ ‫إقتصادي بحت‪ ،‬حيث ن��رى أن الرواية‬ ‫حال سيئة جداً‪ ،‬وأعتقد أنها‬ ‫بل هي في ٍ‬ ‫تباع أكثر من الشعر في األزمنة الحالية‪،‬‬ ‫تحتاج لوعي أكبر من دور النشر‪ ،‬والوعي‬ ‫ولربما أن ال��رواي��ة ح��دث فيها انفجار‬ ‫بدورها الثقافي والتنويري الكبير الذي‬ ‫ه��ائ��ل ف��ي مجتمعاتنا العربية ال��ت��ي لم‬ ‫ت��ؤدي��ه عبر ه��ذه المهنة ال��ت��ي اخ��ت��ارت‬ ‫ت��ك��ن ال���رواي���ة ح���اض���رة ف��ي��ه��ا ب��ق��وة في‬ ‫طريقها‪ .‬من المؤكد هنالك عدد من دور‬ ‫متنها اإلب��داع��ي‪ ،‬وبانفجارها المفاجئ‬ ‫النشر‪ ،‬ومن الجهات الناشرة‪ ،‬تعي هذا‬ ‫ه��ذا تطرقت إل��ى العديد م��ن قضايانا‬ ‫الدور‪ ..‬وتسهم بوعي كبير في احترافية‬ ‫وهمومنا وهموم مجتماعتنا المسكوت‬ ‫عنها‪ ،‬ولهذا‪ ،‬بدت الرواية وكأنها جاءت‬ ‫النشر‪ ،‬وبشروط محفزة ومجزية للكتاب‪،‬‬


‫< ‬ ‫> ‬

‫< ‬ ‫> ‬

‫‪SAYSARA‬‬

‫‪68‬‬

‫‪1432‬هـ جمادى الثاني‬ ‫‪2011‬م مايو‬

‫ٍ‬ ‫شغف من القراء < ما الذي يؤرقك كشاعر عربي؟‬ ‫بجديد‪ ،‬وح��ازت على‬ ‫جعل دور النشر تطلبها‪ ،‬لكن مع هذا ما > تؤرقني أحوالنا المنحدرة نحو المستنقع‬ ‫يزال هنالك الكثير من الجهات الناشرة‬ ‫دائماً‪.‬‬ ‫تحتفي بالشعر وطباعته‪.‬‬ ‫< هل من كلمة أخيرة لمجلتكم «سيسرا»؟‬ ‫يقولون دائ��م��اً إن األدب وال��ف��ن وجهان‬ ‫> «سيسرا» مجلة ول��ي��دةٌ‪ ،‬لكنها بدأت‬ ‫لعملة واحدة؟ ما رأيك؟‬ ‫من حيث اكتملت التجربة في كيفية‬ ‫كالهما فع ٌل جمالي معني بتطوير ذوق‬ ‫إصدار مجلة رصينة‪ ،‬ومنحازة للكتابة‬ ‫البشرية نحو اآلداب والفنون اإلنسانية‬ ‫اإلبداعية‪ ،‬في أبهى فنياتها وجماليتها‬ ‫وال أرى م���ن ج�����دوى ل��ف��ك اإلرت���ب���اط‬ ‫اإلبداعية واإلخراجية‪ ،‬وتواصلها مع‬ ‫بينهما‪.‬‬ ‫المبدعين والكتّاب في شتى المجاالت‬ ‫ما هي أق��رب قصائد نصار الحاج إلى‬ ‫واألمكنة‪ .‬وهي مجلة تستحق أن تُول َد‬ ‫قلبه؟‬ ‫هكذا وهي تستم ُد اسمها – سيسرا‬ ‫س��أق��ول شيئاً ربما يبدو غريباً‪ ،‬دائماً‬ ‫– من ذلك العمق التاريخي المشحون‬ ‫بالذاكرة والتجربة اإلنسانية الباذخة‪،‬‬ ‫م��ا أن��ح��از آلخ��ر قصيدة كتبتها‪ ،‬وتظل‬ ‫م���ن���ذ ق������رون ف����ي م��ن��ط��ق��ة ال���ج���وف‬ ‫هي األقرب إلى قلبي وروحي‪ ،‬تطاردني‬ ‫بالمملكة العربية السعودية‪ ،‬اسم ظل‬ ‫���ن إليها دائ��م��اً‪ ،‬حتى‬ ‫وت��ح��اص��رن��ي‪ ،‬وأح ّ‬ ‫يتخلق ويكتسب جماليته ورصانته‬ ‫ت��أت��ي ق��ص��ي��دة أخ����رى وت��س��ت��ح��وذ ع��ل َّ��ي‬ ‫وعمقه منذ ذلك التاريخ حتى لحظتنا‬ ‫كل َّياً‪ ،‬لكن تظل هنالك بعض القصائد‬ ‫الراهنة‪ ..‬تاريخاً يدفع الطاقات نحو‬ ‫محتفظة ببريقها وسطوتها داخل الروح‬ ‫وهي كثيرة‪.‬‬ ‫المستقبل‪.‬‬

‫صدر حديث ًا‬ ‫عن النادي األدبي بالجوف‬ ‫زاڤيرا‬ ‫إلهام عقال البراهيم‬


‫‪SAYSARA‬‬

‫جمادى الثاني ‪1432‬هـ‬ ‫مايو ‪2011‬م‬

‫‪69‬‬

‫إبداع ‪ -‬شعر‬

‫شـ ـ ـ ـعـ ـ ـ ـ ـ ـ ــر‬


‫‪SAYSARA‬‬

‫‪70‬‬

‫‪1432‬هـ جمادى الثاني‬ ‫‪2011‬م مايو‬

‫بح ٍر‪..‬‬ ‫في ّ‬ ‫أي ْ‬ ‫> الطاهر لكنيزي*‬ ‫��ص�� َو ُر‬ ‫ف��ي ّ‬ ‫أي ب ْ��ح��ر َي����روقُ ال ّ��ش ْ��ع��ر وال ُّ‬

‫الف َكر‬ ‫وبي من الش ْوق ما‬ ‫ْ‬ ‫ضاقت به ِ‬

‫�������وم ذوو َف����خَ ٍ����ر‬ ‫إل������ى ب���ل��اد ب���ه���ا ق ٌ‬ ‫���ق دي��نُ��ه��م و َد ْي���دنُ���ه���م‬ ‫���ح ُّ‬ ‫ال���� َع ْ‬ ‫����د ُل وال َ‬

‫�ل�ام ق ْ��د َظفَروا‬ ‫��ود‬ ‫بالع ّز وال��ج ِ‬ ‫ْ‬ ‫واإلس ِ‬ ‫����ه����م شَ ���م���ائ ٌ‬ ‫���ل ُأخَ ����ر‬ ‫ف���ي ِح���كْ ���م ٍ���ة و َل ُ‬

‫المغيثون ح��ي��نَ ُي��س��ت��غ ُ‬ ‫��اث ِبهم‬ ‫ه ُ��م ُ‬

‫���������ن وال َك������� َدر‬ ‫������ع������د اإلل���������ه ال َم ٌّ‬ ‫َب ْ‬

‫ُ‬ ‫���اء ل���و ن َ‬ ‫�����م ْ‬ ‫��رت‬ ‫��ش ْ‬ ‫أخ�لاق��ه��م ِد َي ٌ‬ ‫وط���ف ُ‬

‫أذي���ا َل���ه���ا َل�����رأ ْي�����تَ ال���خ��� ْي��� َر ي���� ْز َد ِخ����ر‬

‫���ود ُه���م َم ِ����ل ٌ‬ ‫����ن‬ ‫����ك ف���ي ق���ل ِْ���ب���ه َوط ٌ‬ ‫َي���س ُ‬

‫َب���لْ ع��ا َل ٌ��م‪ ،‬ق��د َت��س��اوى ِع��ن�� َده ال َب َشر‬

‫َ��ت‬ ‫ف��ي َنفْ ِسه َن ْ‬ ‫����داد َل�� ْو أَ ِن��ف ْ‬ ‫األج ِ‬ ‫��خ��و ُة ْ‬

‫َ���ص���ر‬ ‫واإلس‬ ‫ِول����لْ����ع����رو َب����ة‬ ‫�����ل�����ام َي���نْ���ت ِ‬ ‫ْ‬ ‫ِ‬

‫����أج َ‬ ‫���ل���آداب ف���ي َك����� َر ٍم‬ ‫����زل ل‬ ‫ْ‬ ‫ِ‬ ‫أع���ط���ى ف ْ‬

‫َ����در‬ ‫������وم َي���� ْب����ت ِ‬ ‫ِول����ل����ثّ����ق����ا َف ِ����ة وال ُ‬ ‫ْ������ع������ل ِ‬

‫وع�������� ّزةٌ ف���ي ت ُ‬ ‫����وع نَ���دى‬ ‫�����ع َي����ض ُ‬ ‫ِ‬ ‫َ�����واض ٍ‬

‫يوم َي ْص َط ِبر‬ ‫ما َك��انَ َي�� ْو ًم��ا َعلى ُّ‬ ‫الض ِ‬ ‫����م����ح���� ّب ِ����ة ع���ب���دال���ل���ه ُي���فْ ���تَ���خَ ���ر‬ ‫َف ِ����ب َ‬

‫لسه‬ ‫واألم ُ��ر ش��ورى‪ِ ،‬ل��ذا ْ‬ ‫قد َض ّ��م َم ْج ُ‬ ‫ْ‬

‫الص َقد ُف ِطروا‬ ‫قول َعلى ْ‬ ‫أسمى ُع ٍ‬ ‫اإلخ ِ‬ ‫ْ‬

‫ُ‬ ‫������������ؤاز ُره‬ ‫وارث ِس��������� ّره ُي‬ ‫ُس�����لْ�����ط�����انُ‬ ‫ِ‬

‫������م أفْ ��������ك��������ا ُره ُد َرر‬ ‫أقْ ��������وا ُل��������ه ِح������ َك ٌ‬

‫ف�����ذٌّ َح���ص���ي ٌ‬ ‫�����دت َس��ل��ي��ق��تُ ��ه‬ ‫���ف ت�����وقَّ ْ‬

‫ش ْ��ه��م َح��ل��ي��م ال ِ��ج��ن��ان ح��ي��ن ُي ْخت َبر‬

‫ون����اي ُ‬ ‫��م ٍ��د‬ ‫����ي خ��� ْي ُ���ر ُم ْ��ع��ت َ‬ ‫����ف األل َ‬ ‫ْ����م����ع ُّ‬

‫وي���نْ���تَ���ظ���ر‬ ‫�����رج�����ى ِل����ك����لّ َم�����ش�����و َرة ُ‬ ‫ُي ْ‬

‫�����ح َ‬ ‫����ره‬ ‫���������ر ت����دفّ ����ق ْ‬ ‫ُص����� ْب ٌ‬ ‫����ت َب����ش����ائ ُ‬ ‫أغ ُّ‬

‫َتفْ ري ُف َ‬ ‫الض َرر‬ ‫في ْط َم ُس ّ‬ ‫لول األسى ُ‬

‫قاطبة‬ ‫َف ْ��ه��د ب��ن ب���در أم��ي ُ��ر ال��ج��وف ِ‬

‫ف�����ي ُك��������لّ َس����ه����ل و َر ْب������������� َوة ل�����ه أ َث�����ر‬

‫َف���� ْي ُ‬ ‫���ح���ي���ي ح��ض��ا َرتَ��ه��ا‬ ‫����ض م���آث���ره ُي ْ‬

‫����ر َي��نْ��ه ِ��م ُ��ر‬ ‫َ‬ ‫وح�� ْي ُ��ث��م��ا َم���� ّر ك����انَ ال���� َوفْ ُ‬

‫وع��� ْزم���ا ِل��ل ُّ��رقّ ّ��ي بها‬ ‫ل ْ���م ي���� ْأ ُل ُج ْ��ه��دا َ‬

‫يحفُّ ها ّ‬ ‫الش َجر‬ ‫ح��ت ّ��ى غ ْ‬ ‫���دت َر ْو َض����� َة ُ‬

‫����ة ِو ّد ال َن���ـ���ظ���ي��� َر َل���ـ���ه‬ ‫����ر ِع���� ّي ِ‬ ‫ِول����ل����ـ َّ‬


‫‪SAYSARA‬‬

‫جمادى الثاني ‪1432‬هـ‬ ‫مايو ‪2011‬م‬

‫‪71‬‬

‫قد ن َهضوا‬ ‫با ْل َع َل ِم ْ‬ ‫األخ َض ِر الخفّ اق ْ‬ ‫���اب ُ‬ ‫��ام��ق ٌَ��ة‬ ‫���ل ال��� ُب��� ّر ك���ال��� ّزي���ت���ون س ِ‬ ‫َس���ن ِ‬

‫��ض��ر‬ ‫َك���م���ا شَ ���م���اري���خُ ن ْ‬ ‫����ر ُه َن ِ‬ ‫َ����م ُ‬ ‫َ���خ ٍ���ل ت ْ‬

‫���ح���ض���ارة‪ ،‬واآلث�������ا ُر ش��اه��دةٌ‬ ‫���ه ُ‬ ‫���د ال َ‬ ‫َم ْ‬

‫ِم���ن ال��رج��اج��ي��ل ح��تّ��ى س��ي��س��را ُغ��� َرر‬

‫��س��ه��ا‬ ‫����س����ن����و‪ ،‬ك��ق��ل��ع��ة م ٍ‬ ‫��������ارد تُ��ن��اف ُ‬ ‫َت ْ‬

‫���س���ن ق��ل��ع ُ��ة زع���ب ٍ���ل وت���ذَّ ِك���ر‬ ‫ف���ي ال ُ‬ ‫���ح ْ‬

‫خ�لائ��فُ ��ه��م‬ ‫�����وم َس���م���ا ب��ه��ا‬ ‫ِ‬ ‫ْ‬ ‫أم����ج����ا َد ق ٍ‬

‫أه َملوها فكان َْت خي َر ما ا ّدخَ ��روا‬ ‫ما ْ‬

‫���دم ال��ث��ق��اف��ة في‬ ‫�����اد ُي���ق ّ‬ ‫ب��ال��ج��وف ن ٍ‬

‫ْ‬ ‫����وام����ه����ا ِف��� َك���ر‬ ‫أط�����ب�����اق م����ن أ َد ٍب ِق ُ‬

‫���ت‬ ‫������رت ُ‬ ‫�����������اء ك���لّ���م���ا َظ ِ���م���ئ ْ‬ ‫������اده األ َدب ُ‬ ‫َي ْ‬

‫��ج��ر‬ ‫�����م ون َ‬ ‫أ ْر ُ‬ ‫���م َض َ‬ ‫���ر َف���ه ْ‬ ‫واح�����ه ْ‬ ‫������اب َح ْ‬

‫َ��ت ف��ي َف��ض��ائ��ه خَ ��واط ُ��ره��م‬ ‫ق��د ح��لّ��ق ْ‬

‫َف������ط������ ّرزو ُه ِب َ‬ ‫����م وم�����ا َف����تَ����روا‬ ‫����ش ْ‬ ‫����دوه ْ‬

‫����م ال���ع���ي���ونُ ِل���� َر ْص����د ك����لّ م��ثْ�� َل�� َب ٍ��ة‬ ‫ه ُ‬

‫��ص ُ��ر‬ ‫���ح���قّ ل��� ْي���س ي��نْ�� َه ِ‬ ‫���ص���ادع���ون ب َ‬ ‫ال ّ‬

‫���اح���ه���ا ُد َو ًال‬ ‫ْ��ح��ل ْ‬ ‫ك���م أزم ٍ‬ ‫��ت ري ُ‬ ‫�����ة ح��ل َ‬

‫���س���ه���ا خَ ����� َور‬ ‫إ ّال َم���ش���اري��� َع���ن���ا م����ا َم ّ‬

‫ْحني‬ ‫ك��ال ّ��ط�� ْود ِ‬ ‫شامخة‪ ،‬ل ْلق َْهر ال تن َ‬

‫وال تَ���ن���ي‪َ ،‬و َل���������دى ُج��ه��ي��ن��ة ال��خَ ��ب��ر‬

‫يا َم ْه َ‬ ‫بط ال�� َو ْح��ي يا َمثوى ال ّرسول‬

‫تمروا‬ ‫اع َ‬ ‫إذا ما الخَ لْقُ في ز َُمر َح ّجوا أو ْ‬

‫���ج���أ ُر ب���ال ُّ���دع���اءِ ف��ي َن��� َدم‬ ‫وال���نّ���فْ ُ‬ ‫���س ت ْ‬

‫لر ْحمى قد افْ تقَروا‬ ‫ّ‬ ‫والد ْم ُع َي ْهمي‪ِ ،‬ول ُّ‬

‫��س ْ‬ ‫��م ً��ة‬ ‫روح����ك ِر ْض���وان���ا َ‬ ‫��ط ِ��ت َ‬ ‫وم ْ��رح َ‬ ‫َب َ‬

‫���ي تُ��ح��ي َ‬ ‫��ط ُ��ه ُ��م اآلي ُ‬ ‫���س��� َور‬ ‫������ات وال ُّ‬ ‫ِل��� َك ْ‬

‫���ض َ‬ ‫ْ�����ت َم���������أوى ل ُ‬ ‫���ط���ه ِ���د‬ ‫�����ك�����لّ ُم ْ‬ ‫ف�����أن ِ‬

‫ْ��دح ُ��ر‬ ‫��ص��نُ َم��ن��ي ٌ��ع َ‬ ‫����اداك َي��ن ِ‬ ‫وم���ن ع ِ‬ ‫ِح ْ‬

‫َ��ت‬ ‫َت��ح�� ّي��ة ِم��ن َرئ��ي��س ال ُ��م��ن��ت��دى َع�� َب��ق ْ‬

‫ب ْ‬ ‫روح�����هُ ال�� َو ُق��ر‬ ‫��أط�� َي ِ��ب م��ا َي ْ��ج�� َت��ب��ي��ه ُ‬

‫������د ٍن َك��س��ك��اك��ا أو َط��ب��رج��ل أو‬ ‫ِم���ن ُم ُ‬

‫��ود ي ْن َه ِمر‬ ‫م��ن ال��ل��ق��ائ��ط ح�� ْي ُ��ث ال��ج ُ‬

‫أو ِم��ن تُ��خ��وم ال��ق��ري��ات الحديثة أو‬

‫����م����د ال����ل����ه ي���تّ���زر‬ ‫دوم�������ة ش����ك ٌ����ر ِب َ‬ ‫����ح ْ‬

‫����ده ب����اق ً‬ ‫���س���اه���ري���ن ع��ل��ى‬ ‫ْ����ض ُ‬ ‫ي����ن ِ‬ ‫����ة ل���ل ّ‬

‫شَ ����أن ال��ثّ��ق��اف��ة ح��تّ��ى ُي�� ْب�� َل�� َغ ال�� َو َط��ر‬

‫ٌ‬ ‫���س��� ّو ُغ���ه‬ ‫إج‬ ‫وم ْ‬ ‫ِ‬ ‫����ل���ال ُي َ‬ ‫�������ن َح����ن����اي����ا ُه ْ‬

‫���ط���ر‬ ‫ِل���ل��أ َدب������اء ُق���ط���وف��� ًا ز َْه�����ره�����ا َع ِ‬

‫ضائلهم‬ ‫ما َج َّ‬ ‫��راع َع��ن َف ِ‬ ‫��ف ِض ْ��ر ُع ال�� َي ِ‬

‫��ص��ر‪..‬‬ ‫��ك�لام ح��ي��نَ ُي ْ‬ ‫��خ�� َت َ‬ ‫ل��ك ّ��ن خَ �� ْي��ر ال ِ‬

‫�����ر ٍح َع�ل�ا وال���� َك���� ْونُ ُم��نْ�� َب ِ��ه ُ��ر‬ ‫أ ْرك�����ان َص ْ‬

‫شـ ـ ـ ـعـ ـ ـ ـ ـ ـ ــر‬


‫‪SAYSARA‬‬

‫‪72‬‬

‫‪1432‬هـ جمادى الثاني‬ ‫‪2011‬م مايو‬

‫قصائد‬ ‫> عيد اخلميسي*‬

‫نتائج أولية للفحوصات‬ ‫أمام غرفة انتظار األشعة البانورامية‪،‬‬ ‫تتسكع حياتي محاولة عدم لفت االنتباه‪.‬‬

‫به ع ّينة أخ��رى للبول‪ ،‬تحليل آخر للدم‬

‫ال يتطابق والتوصيف األو ّل���ي للحالة‪.‬‬ ‫التعقيم يشيع مرحه في األنحاء‪ ،‬فيما‬

‫تمر مبتسمة وببطء أل��م ناظرة نحوي‪ ،‬تواصل حياتي التسكع بأنف لم يتآلف‬ ‫مشيحاً النظر أتجه لمشاهد أكثر إثارة‪ ..‬وروائح الديتول‪ ..‬أحاديث متقطعة فيما‬

‫وم��ت��ظ��اه��راً بتفحصها ‪-‬ع��ل��ى مضض‪-‬‬

‫نتائج الفحوصات تتنقل من يد ألخرى‪،‬‬

‫أش�����ارك األط���ب���اء ت���ردده���م وب���روده���م‪ ،‬بمعطف وجناحين‪ ..‬المكان رائع للوهلة‬ ‫ال���م���م���رض���ات ال م���ب���االت���ه���ن وش��ط��ائ��ر األولى‪ ،‬فقط‪.‬‬ ‫البرجر‪ .‬عامالت النظافة دأبهن وهن‬ ‫يمسحن البالط فيما أمسح العرق عن‬

‫وجه طفولتي‪ .‬ثمة موعد غرامي بأشعة‬ ‫ت��ل��ف��زي��ون��ي��ة‪ ،‬رن��ي��ن مغناطيسي للحنين‬ ‫بمقاطع متتالية‪ ،‬الحرية احتمال تعد‬

‫هذه الكلمات لو نجحت في‬ ‫الوصف جيداً‪..‬‬ ‫إن���ن���ي م���ج���رد واص������ف‪ .‬أص����ف ما‬ ‫يصنعه غيابها بالحياة‪ ..‬تتشقق ويسقط‬


‫‪SAYSARA‬‬

‫جمادى الثاني ‪1432‬هـ‬ ‫مايو ‪2011‬م‬

‫‪73‬‬

‫عنها الطالء‪ ،‬بالبيت يعج بروائح العطن‪،‬‬

‫ال��خ‪ .‬إلى آخر ما هو دارج في األنظمة‬

‫بتأن‪ ،‬لون التعفّن المليء بالنقاط‬ ‫الرماد ّ‬

‫مشاريع تربية االفتعاالت هذه تنجح‬

‫ب��ال��روح منفلتة وب�لا م���دار‪ .‬أص��ف طعم‬

‫المرنة‪.‬‬

‫والتع ّرجات‪ .‬أج�� ّرب أن أت��ذوق أي شيء كطريقة لتربية الدواجن واألصدقاء‪.‬‬ ‫بتمهل‪..‬‬ ‫تنجح مع ابتسامة تدفع بالسجين تلو‬

‫هل ينهي األمر سريع ًا؟‬

‫ع��م��ود مصبوب م��ن ال��خ��رس��ان��ة في‬

‫سور على الكورنيش‪ ،‬يلتصق به الغبار‪،‬‬ ‫وبفعل الرطوبة ي��رت��دي قميصاً طوي ً‬ ‫ال‬

‫اآلخر في سعادة التلقّي‪ .‬مبهج ما تنتجه‬

‫ذهنية تتقن التأليف‪ ،‬ال يضاهي التأليف‬ ‫ش��يء ب��رأي��ي‪ ،‬وال يستحق كماله أح��د‪.‬‬

‫الخيار اآلخر‪ -‬متروك لالتصال بصديق‬

‫لن يصل إل��ى إجابة مناسبة في الوقت‬

‫ه��ذه الكلمات حتى لو نجحت في‬ ‫الوصف جيداً لن تكون أكثر من ذلك‪.‬‬

‫تأليف األنظمة المرنة‬

‫دفتر توفير‬ ‫الوسام الذي أحمله باعتداد‪ :‬حقدي‪.‬‬

‫االكتمال اإلنساني لفضائل االنتباه ورعونة‬

‫األلم‪ .‬النتيجة الطبيعية آلالف النداءات‬

‫ح��ت��ى ل��و ك��ن َ‬ ‫��ت واق���ف���اً ع��ل��ى م��داخ��ل التي ذهبت س��دى‪ ،‬وآالف المسكوكات‬ ‫الجملة؛ مقدماً ال��ش��روح��ات المطولة‪ ،‬العصبية ال��ت��ي ت���زاي���دت ب��س��رع��ة لنمو‬ ‫م��ش��ف��وع��ة ب��ت��ق��اري��ر ذه��ب��ي��ة ف���ي حسن عائدات دفتر التوفير‪ ..‬ال ينبع الحقد‬ ‫النوايا‪-‬كهدايا مجانية‪ ،‬حتى معاطف م���ن ق��ل��ب��ي‪ .‬ي��ن�� ّز م���ن ج��ل��دي وتستنبته‬

‫التفسيرات المتناسبة وك��ل الفصول‪،‬‬ ‫عيني‪ ،‬ال��ه��واء واص��ط��دام��ي بالموجات‬ ‫ّ‬ ‫حتى إب��راز دروع األهمية التي نقدرها التي يثيرها اآلخرون تدفع بقواربي إلى‬ ‫جميعاً– ح��ت��ى ال��ن��ح��اس‪ ،‬ح��ت��ى تأليب التقدم أكثر نحو نقطة المحيط األخيرة‪،‬‬ ‫حشود الصبايا والجند وسخرة القوم … هناك يمكنني أن أذرف الدموع‪ :‬لي‪.‬‬ ‫* ‪.moc.liamtoh@isemahkladie‬‬

‫شـ ـ ـ ـعـ ـ ـ ـ ـ ـ ــر‬

‫من األي��ام والكلمات والضحك‪ .‬طبقات‬ ‫المحدد‪.‬هذه االنفعاالت الحرة وطنها‬ ‫االت��س��اخ ال��ت��ي تجد فيه ج��س��داً وروح���اً‬ ‫الحرية كما كنت تعلم دوماً‪.‬‬ ‫حانية وحدها من يحتضنه‪.‬‬


‫‪SAYSARA‬‬

‫‪74‬‬

‫‪1432‬هـ جمادى الثاني‬ ‫‪2011‬م مايو‬

‫لي كأسي ‪. .‬‬ ‫ولي عنبي‬ ‫> الطيب هلو*‬ ‫شاغر‬ ‫تاج القصيدة‬ ‫ُ‬ ‫ٌ‬

‫ُ‬ ‫َّص ِل ُ‬ ‫والكتُ ِب‬ ‫أفول الن ْ‬

‫استبد بنا الخيال‬ ‫منذ‬ ‫َّ‬

‫المدينة‬ ‫يلف أوتار‬ ‫زمن الجفاف ُّ‬ ‫ِ‬

‫ُ‬ ‫وغادر البرقُ‬ ‫الجميل‬

‫تشهق األلحانُ فيها‬

‫ديا َرنَا‬

‫آخر األنفاس من رئتي‬ ‫كي تبذِّ ر ُ‬

‫المن َِافي‬ ‫نح َو َ‬

‫واللعب‬ ‫سهرة ل َّل ْه ِو‬ ‫استدار َة‬ ‫ٍ‬ ‫ِ‬

‫األسالف‬ ‫منذ ارتدينا ُج َّب َة‬ ‫ِ‬

‫سأطوف وحدي في المدائن باحثا‬

‫في َو َض ِح الحضار ْه‬

‫عن سرة األرض الكريهة‬ ‫قبل أن تغتالني ُلغ َِتي‬

‫شاعر‬ ‫اية‬ ‫الغ َو ِ‬ ‫َم ِل ُك ِ‬ ‫ٌ‬

‫َ‬ ‫الم َدى أدبي‬ ‫ويغتال َ‬

‫د َّبت بأوصال‬ ‫القصيد خيو ُلهُ‬ ‫ِ‬

‫سأقول‬

‫ْوص ِب‬ ‫في‬ ‫ِ‬ ‫ساعة ال َ‬

‫حين يحاصر‬

‫شاخص‬ ‫َب َص ُر القوافي‬ ‫ٌ‬

‫الليل الكريه قصيدتي‬

‫األخير‬ ‫المعاني في َت َد ْح ُر ِج َها‬ ‫نحو‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬

‫«لي كأسي األولى ولي عنبي‬

‫إلى شفير الموت‬

‫لي كأسي األولى‬

‫يدفعها‬

‫ولي عنبي»‪.‬‬

‫* شاعر وناقد من املغرب‪.‬‬


‫‪SAYSARA‬‬

‫جمادى الثاني ‪1432‬هـ‬ ‫مايو ‪2011‬م‬

‫‪75‬‬

‫مــــــــاء‪..‬‬ ‫> سعيد السوقايلي*‬ ‫‪1‬‬

‫الماء وقد ضاق ذرع ًا بسجن األرض‪ ،‬الشرر ملء عيونه‪.‬‬ ‫ُ‬ ‫اآلنَ ‪ ،‬عرفت كم أنت مسافر وتائه‪ ،‬دؤوب ًا تبحث عن ينابيعك األولى‪.‬‬

‫‪3‬‬

‫قطرات الندى‪ ،‬األزهار‪ ،‬تبكي بدموع مستعارة‪.‬‬

‫‪4‬‬

‫سدد أيها الماء ملء قطراتك‪ ،‬فالعطش طريدة عصية‪.‬‬ ‫ّ‬

‫‪5‬‬

‫الغرقى سكارى‪ ،‬لقد ثملوا بمعاقرة الماء‪.‬‬

‫‪6‬‬

‫ٌ‬ ‫ٌ‬ ‫ٌ‬ ‫عتيق لن يشيخَ أبداً‪.‬‬ ‫ورقراق‪،‬‬ ‫شفاف‬ ‫الماء هو الماء‪،‬‬ ‫ُ‬

‫‪7‬‬

‫الماء؟‬ ‫ثلج‪ ،‬يج ِّر ُب نفسه مراراً‪ ،‬عماذا تبحث بالضبط أيها‬ ‫ماء‪ ،‬بخا ٌر‪ٌ ،‬‬ ‫ُ‬ ‫ٌ‬

‫‪8‬‬

‫الماء دائم ًا في سباق‪ ،‬فهل من منافس؟‬ ‫ُ‬

‫‪9‬‬

‫أتواضع أم هزيمة؟‬ ‫الماء تستهويه المهاوي‪،‬‬ ‫ٌ‬ ‫ُ‬

‫‪10‬‬

‫قطر ُة الماء هندسة الكون‪.‬‬ ‫* شاعر من املغرب‪.‬‬

‫شـ ـ ـ ـعـ ـ ـ ـ ـ ـ ــر‬

‫‪2‬‬


‫‪SAYSARA‬‬

‫‪76‬‬

‫‪1432‬هـ جمادى الثاني‬ ‫‪2011‬م مايو‬

‫لوحة‬ ‫> بهاء الدين رمضان*‬ ‫‪1‬‬ ‫َع َلى شَ كْ ِل ُحل ٍْم‪..‬‬ ‫ُيغ َِاد ُر َقل ِْبي‬

‫الم ِدين َِة‬ ‫َو ُي ِ‬ ‫وغ ُل ِفي َن ْب ِض َه ِذي َ‬ ‫ِمث َْل َد ٍم‬ ‫َس ـ ـ ـ َ‬ ‫ـال‬

‫َرا َح َيفُ ُك ُخ ُي َ‬ ‫ول‬ ‫وط الفُ ُص ِ‬ ‫الط ُي ِر‬ ‫ِعنَاقَ ِ‬ ‫َو ِع ْن َد َن َو ِافذ َ​َها َي ْست َِبين‬ ‫ُه َو ال َوقْ ُت‬ ‫َيغْ َشى ُحقُ َ‬ ‫الر َما َد‬ ‫ول َّ‬ ‫الح ِنين‬ ‫َو َي ْص َط ُاد ِس ْجنَ َ‬ ‫َد ُعو ُه َين َُام َع َلى ِر َ‬ ‫يش ٍة ِللطير‬ ‫َف َي ْد ُخلهُ ِفي ال َب َنفْ َس ِج َو ْر ٌد‬ ‫َف َض ٌاء‬ ‫َو ُب ُّلو ُر‬ ‫الج ْم ِر‬ ‫الع ْش ِب َو َ‬ ‫َين ُْمو َع َلى ُ‬ ‫ال َّ‬ ‫الش ْم ُس َبا َر َك َها ِفي َع َراءِ ال َي َم ِام‬ ‫َوال الن ُ‬ ‫الر َج ِال‬ ‫ِّيل ُي ْد ِر ُك َط ْم َي ِ‬

‫ِل َي ْد ُخ َل ِفي َج َس ِدي‬ ‫الذي َي ْبت َِغي‬ ‫َما ِ‬ ‫الم َس ِافة‬ ‫ين َ‬ ‫ِم ْن َع ِج ِ‬ ‫وم ِت َها َو ُ‬ ‫الخ ُطوط‪،‬‬ ‫َغ ْي َر ُأ ُم َ‬ ‫َوشَ ْو ٍق ِإ ِل ْي َها‬ ‫َاق؟‬ ‫َيقُ ُّد َق ِميص ًا ل َها ُم ْث َق ُال ِبال ِْعن ِ‬ ‫َت َر ِاو ُغ أحالمه ال َك ِائن ُ‬ ‫َات‬ ‫ُه َو اآلنَ ُم ْرت َِكزٌ َف ْوقَ َرغْ َب ِت َها‬ ‫ِفي ال َف َراشَ ِات‬ ‫َغ ِار ٌق‬ ‫َي ُشقُ َ‬ ‫اضينَ ُج ْرح ًا‬ ‫األ َر ِ‬ ‫يد‬ ‫َو ِع ْن َد َس َحا َب ِة َل ْو ٍن َج ِد ٍ‬ ‫ُي َش ِّك ُل نَار ًا َونُور ًا‬

‫ُدخَ ان ًا َع َلى َه ْيئ َِة َّ‬ ‫الط ْي ِر‬ ‫ ‬ ‫َو َي ْخ ِلقُ ِم ْن ِر ْع َش ِة الن َّْه ِد‬ ‫الج َر ْاح‬ ‫َل ْو َن ِ‬ ‫يل‬ ‫ُ‬ ‫وحزْنَ الن َِّخ ِ‬ ‫َوشَ ْيئ ًا ُم ِضيئ ًا‬ ‫الم ِد ْي َن ْة‬ ‫َي ُب ُ‬ ‫وح ِب َثل ِْج َ‬


‫‪SAYSARA‬‬

‫جمادى الثاني ‪1432‬هـ‬ ‫مايو ‪2011‬م‬

‫‪77‬‬

‫وحــــدي‬ ‫> مالك اخلالدي*‬

‫وحدي‪..‬‬

‫فلم يبقَ في الضوءِ‬

‫أشرب من ماء حزني هناك‪..‬‬ ‫و‬ ‫ُ‬

‫إال شعاع ًا‬

‫ُ‬ ‫األغاريد‬ ‫طيوف‬ ‫تمر‬ ‫ِ‬

‫يمزق صبحي‬

‫حيرى‪..‬‬ ‫فتضرمني‬ ‫في الحنايا اشتياقْ ‪..‬‬ ‫أفت ُ‬ ‫ّش عن بعض نبضي‬ ‫و أذرو‪..‬‬ ‫بقاياي في دهشة األقحوان!‬ ‫فما عادت األمنيات تغنّي‬

‫و يزجي الوراء‪..‬‬ ‫الفجر‬ ‫أعيش على سحنة‬ ‫ِ‬ ‫عروقي يباب‬ ‫أروي‬ ‫َّ‬ ‫العمر‬ ‫ألكمل خيطا من‬ ‫ِ‬ ‫يأبى ذبوال ويقتات‬ ‫لون العذاب‪..‬‬

‫و ما عاد في الزفرات‬

‫الحزن‬ ‫ضفة‬ ‫هناك على‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬

‫انعتاقْ ‪..‬‬

‫أرسم بعضي‪..‬‬

‫َ‬ ‫رسمتك حينا‬

‫و يرسمني الحزنُ‬

‫َ‬ ‫ذرفتك حينا‪..‬‬

‫لحن نقاء‪..‬‬

‫* اجلوف‪ /‬سكاكا‪.‬‬

‫شـ ـ ـ ـعـ ـ ـ ـ ـ ـ ــر‬

‫أغ ّر ُد فوقَ‬ ‫البيادر‬ ‫ِ‬

‫الغياب‬ ‫وواريت كل شذاك‬ ‫ُ‬ ‫ْ‬


‫‪SAYSARA‬‬

‫‪78‬‬

‫‪1432‬هـ جمادى الثاني‬ ‫‪2011‬م مايو‬

‫أضر ُ‬ ‫الحلم‬ ‫حة ُ‬ ‫ِ‬ ‫> جناة املاجد*‬ ‫����اح ُّ‬ ‫��ام‬ ‫���وم ِج��س ُ‬ ‫����ك ن��ف��س��ي وال���ه���م ُ‬ ‫ُأض ِ‬

‫���ام‬ ‫�����روح ِس���ه ُ‬ ‫وأم����س ُ‬ ‫����ح دم���ع���ي وال�����ج ُ‬

‫����د أم���س���ي أن ي���ع���و َد وح��ي��ل��ت��ي‬ ‫����اش ُ‬ ‫ُأن ِ‬

‫ـ�لام‬ ‫إذا ج���ـ ّ‬ ‫���ن ل��ـ��ي��ـ ٌ��ل ه��ـ��ـ��ـ ِ‬ ‫��ذه األح��ـ��ـ�� ُ‬

‫وم���ـ���ا أن�����ا إال دم���ع���ـ ٌ���ة ف��اب��ت��ـ��س��ام��ـ��ـ ٌ��ة‬

‫وج��� ّن���ـ���ـ ُ‬ ‫ـ�ل�ام‬ ‫���ب ن���ا ُر ُه���ـ���ـ���ـ ّ‬ ‫���ن س��� ُ‬ ‫���ات ُح���ـ���ـ ٍ‬

‫���ار م��آرب��ي‬ ‫���ى ب���ن ِ‬ ‫������ي ج���س ٌ���د ُم���ض���ن ً‬ ‫ِول ْ‬

‫��ام‬ ‫وب��ي ُ‬ ‫��وم ُي��ق��ـ��ـ ُ‬ ‫��ت ال ُ��م��ن��ى ب��ي��ن ال��ن��ج��ـ ِ‬

‫��ائ ٌ��ر‬ ‫ُ‬ ‫أروم ب���ل���و َغ ال��م��ج ِ��د وال��م��ج ُ��د ث ِ‬

‫وب��ـ��ي��ن��ي وب��ـ��ي��ـ��ن ال ُ��م��ب��ـ��ت��ـ��غ��ـ��ى اآلم‬

‫س��ف��ي��ـ��نُ ُش����ع����وري ت����ائ����هٌ ُم��ت��خ ِ��ب ٌ‬ ‫��ط‬

‫ـ�لام‬ ‫ول��ي��ـ��ـ ُ��ل أم������وري ق��ـ��د غ���ش���ا ُه ظ��ـ�� ُ‬

‫***‬ ‫أال ي��ا ح��م��ا َم األي ِّ‬ ‫���ك ش َ‬ ‫تعبي‬ ‫���دوك ُم ِ‬

‫��ام؟‬ ‫��ام ت��ـ��ن��ـ��ـ ُ‬ ‫أال ك��ـ��ي��ف ي���ا ه���ذا ال��ح��م ُ‬

‫���وم ُم��ك��ب ٌ��ل‬ ‫إذا ُك���ن���ـ���تَ م��ث��ل��ي ب���ال���ه���م ِ‬

‫�ل�ام‬ ‫ف��ل��س��ـ��ـ��تَ إذن ل��م��ـّ��ا ش���ـ���ـ���دوتَ ت���ـ ُ ُ‬

‫أن����ا ي���ا أن���ـ���ا ل ّ���م���ا س ِ��م��ع��ت��ـ ُ َ‬ ‫��ك ش��ادي��ـ�� ًا‬

‫ت���ذك���ـ ُ‬ ‫��ام‬ ‫��س��ـ��ـ ُ‬ ‫���رت ع��ه��ـ��ـ��د ًا ب��ال��ه��ـ��ـ��وى ب ّ‬

‫ت���ذك ُ‬ ‫���رت م��ح��ب��وب��ي وع���ط��� َر صبابتي‬

‫ت���ذك ُ‬ ‫���وع أق��ام��وا‬ ‫���رت م���ن ب��ي��ن ال���ض���ل ِ‬

‫ت���ذك���ـ ُ‬ ‫���رت م����ن ك����ان����وا ي�������رونَ ب��أن��ن��ي‬

‫دواء إذا غ��ـ ّ‬ ‫��ام‬ ‫��ش��ى ال���ف���ـ���ـ���ؤا َد ِس��ق��ـ ً‬ ‫ٌ‬


‫‪SAYSARA‬‬

‫جمادى الثاني ‪1432‬هـ‬ ‫مايو ‪2011‬م‬

‫‪79‬‬

‫ت���ذك ُ‬ ‫������ؤرقُ خ��اط��ري‬ ‫���رت وال ِ‬ ‫����ذك����رى ت ِ‬

‫���ام‬ ‫وق��ل��ب��ي ب���أل���ـ���ـ ِ‬ ‫���ود ُي���ض ُ‬ ‫���وان ال���ج���ح ِ‬

‫ت���ذك ُ‬ ‫��أدم��ع��ي‬ ‫���رت واألج���ف���انُ ُح��ب��ل��ى ِب ُ‬

‫���ام‬ ‫��ك ي���ا ه��ـ��ـ��ذي ال���دم���ـ���ـ ُ‬ ‫���وع ِل���ث ُ‬ ‫ك��ـ��أن��ـ ِ‬

‫ت����ذك ُ‬ ‫���������ام ت���ت���رى وح��ال��ت��ي‬ ‫����رت واألي ُ‬

‫زاه���ـ���ـ���ـ ٌ���د ص���ـ���ـ��� ّو ُام‬ ‫����وء وق��ـ��ـ��ـ��ل��ب��ي ِ‬ ‫ت����س ُ‬

‫الشديد نضارتي‬ ‫��أس‬ ‫ُ‬ ‫وق��د ه ّ��ش�� َم ال��ي ُ‬

‫��ام‬ ‫وق����د ص�����ا َر ل��ل��ه��ـ ِّ��م ال��ت��ل��ي��ـ ِ��د خ��ي��ـ��ـ ُ‬

‫الكئيب ِبمفرقي‬ ‫الشيب‬ ‫أعشب‬ ‫وقد‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬

‫��ام‬ ‫��ح��ل�� َم ال��ق��دي��م ل��ج��ـ ُ‬ ‫وق���د أل��ج�� َم ال ُ‬

‫وم��ا ُع ُ‬ ‫���ودد ًا‬ ‫���دت أستجدي‬ ‫الحبيب ت ُ‬ ‫َ‬

‫����رام‬ ‫����ؤاد غ ُ‬ ‫وم����ا ع�����ا َد ي��ع��ث��و ف���ي ال����ف ِ‬

‫***‬ ‫���ب إي����ه س��ئ��م��تُ ��هُ‬ ‫���ح ِّ‬ ‫س��ئ��م ُ��ت زم�����انَ ال ُ‬

‫����رام‬ ‫���ب إي���ـ���ـ ِ���ه ح ُ‬ ‫ح����ـ ٌ‬ ‫���ي ال ُ‬ ‫���ح���ـ���ـ ّ‬ ‫����رام ع���ل ّ‬

‫�����زاد ال أس��ت��س��ي��غُ ��هُ‬ ‫س��ئ��م ُ��ت وط��ع��م ال ُ‬

‫��ام‬ ‫أال ك��ي��ف ي��ه��ن��ا ل��ل��ج��ري��ـ��ـ ِ��ح ط��ع��ـ��ـ��ـ ُ‬

‫غائر‬ ‫والجرح‬ ‫العمر‬ ‫مضى بي قطا ُر‬ ‫ُ‬ ‫ٌ‬ ‫ٍِ‬

‫��ام‬ ‫وب��ي��ن��ي وب���ي���ن ال��ع��ال��م��ي��نَ ِخ��ص��ـ��ـ ُ‬

‫أدم��ع��ـ��ـ��ـ��ي‬ ‫��ح ُ‬ ‫أال أي��ن��ه��ا ُأ ِّم������ي ل��ت��م��س َ‬

‫ـ�لام‬ ‫ك���أنّ���ي ف���ي ُدن���ي���ا ال��ش��ق��ـ��ـ��ـ��اءِ ُغ��ـ��ـ�� ُ‬

‫إذا أس َ‬ ‫�����دل ال��ل��ي َ‬ ‫��ل ال��ب��ه��ي ُ��م ُس���دول���هُ‬

‫��ام‬ ‫��راش��ـ��ـ��ـ ْ��ي ال��ه��ـ��ـ��ـ ُّ��م واألوه��ـ��ـ��ـ ُ‬ ‫ف����إنّ ِف ِ‬

‫����ر أح�ل�ام���ي وأب���ن���ي ق��ص��ائ��دي‬ ‫ُأس ِ‬ ‫����ام ُ‬

‫�����ام‬ ‫���اب واألرح ُ‬ ‫���م األه��ـ��ـ ُ��ل واألص���ح ً‬ ‫ه ُ‬

‫* شاعرة سعودية وكاتبة في جريدة الصباح الكويتية‪.‬‬

‫شـ ـ ـ ـعـ ـ ـ ـ ـ ـ ــر‬

‫ت��ذك��ـ ُ‬ ‫��رت م���ن ك���ان���وا ي��ق��ول��ون أن��ن��ي‬

‫����ام والم���ـ���وا‬ ‫���اء إذا خ�����ان األن����ـ����ـ ُ‬ ‫وف���ـ���ـ ٌ‬


‫‪SAYSARA‬‬

‫‪80‬‬

‫‪1432‬هـ جمادى الثاني‬ ‫‪2011‬م مايو‬

‫نفـــــثات‬ ‫َ‬ ‫> يوسف الرحيلي*‬ ‫حلم‬

‫نصيحة‬ ‫ُ‬ ‫الصوت‬ ‫يرتفع‬

‫ـك‪،‬‬ ‫ابسط كفـَّ ْ‬ ‫ُ‬ ‫للماء‪..‬‬ ‫أعدد متك ًأ‬ ‫ْ‬ ‫قلبك‪،‬‬ ‫افتح‬ ‫ْ‬ ‫الميناء!!‬ ‫واقط ْف ناصية‬ ‫ِ‬ ‫ْ‬

‫ترفيه‬

‫الجدران‬ ‫تجاهده‬ ‫ْ‬ ‫ُ‬ ‫اإلسمنت‬ ‫يتغلغل في‬ ‫ِ‬ ‫ويغـفو‬ ‫‪..............................‬‬ ‫‪..............................‬‬

‫انكس ْر ُت‬ ‫َ‬

‫أنت تبوح بأخطائك فجأ ْه‬

‫ُ‬ ‫تفرقت بين السطور ِ‬

‫وتتراجع فجأ ْه‬

‫شظايا‪..‬‬

‫الجدران‬ ‫لكن الصوتَ النائ َم في‬ ‫ْ‬ ‫قد يستيقظ فجأ ْه؛‬

‫أنا الحل ُّ‪،‬‬ ‫إسمي هو الكلـْمة ُ الضائع ْه!!‬

‫فارفع مئزرك اآلن ْ‪،‬‬ ‫الجيران!!‬ ‫حتى ال يرفع مئز َرك‬ ‫ْ‬

‫شعراء‬ ‫عندما تفقد الشمس أنفاسها‬ ‫في الغما ْم‪،‬‬

‫شرف‬ ‫في اللوحة ِ‬

‫الصح َو‬ ‫نقط ُف‬ ‫ِ‬ ‫ْ‬

‫الشهداء‬ ‫أقرأ أسماء‬ ‫ْ‬ ‫المرشد‪:‬‬ ‫قال‬ ‫ُ‬

‫من ُش ُرفات الكال ْم‬

‫طنة‬ ‫الف ِ‬ ‫أكثرهم مات بداء ِ‬


‫شيخوخة ذئب‬ ‫يعوي‪،‬‬ ‫القلب‪..‬‬ ‫سرير من أدوية‬ ‫فوق‬ ‫ٍ‬ ‫ِ‬ ‫يحدث أنثا ُه‬ ‫ّ‬ ‫عن األغنام المقبور ْه‪،‬‬ ‫النوم‬ ‫والراعي إذ يغشاه‬ ‫ُ‬ ‫‪.................................‬‬ ‫‪.................................‬‬ ‫ويبكي‪،‬‬ ‫يتأم ُل في الصور ْه‪..‬‬ ‫إذ َّ‬ ‫يتذكر إخوته‬ ‫في‬ ‫أرجاء‬ ‫المعمور ْه!!‬

‫ضوء‬ ‫الضباب‪،‬‬ ‫أزيح عن مدينتي‬ ‫ُ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫الرجال‬ ‫فأبصر‬ ‫ُ‬ ‫في الخنادق المضاء ْه‪،‬‬ ‫وأبصر النسا َء‬ ‫ُ‬ ‫في شوارع المشاة ْ‪،‬‬ ‫اب!!‬ ‫ُ‬ ‫وأبصر األطفال في الكـُتـَّ ْ‬ ‫‪..................................‬‬ ‫‪...................................‬‬

‫ذات‬ ‫المرآة‬ ‫ما عاد في‬ ‫ِ‬ ‫قادم‬ ‫سع‬ ‫ٍ‬ ‫متـَّ ٌ‬ ‫لوجه ٍ‬ ‫………………‪..‬‬ ‫………………‪..‬‬ ‫نهر‬ ‫فارحلْ إلى ٍ‬ ‫فاف ْه!!‬ ‫تس ِّوي شاربيك على ض ِـ ِ‬

‫شـ ـ ـ ـعـ ـ ـ ـ ـ ـ ــر‬

‫ـداء!!‬ ‫لم‬ ‫تلمسه ُ‬ ‫يد األع ْ‬ ‫ْ‬ ‫صورة‬ ‫المذيعة‬ ‫نه َب الزالزل ِ‬ ‫تقرأ ْ‬ ‫والقلب يطفـو‬ ‫يقف!!‬ ‫على‬ ‫(ريختر)ال ْ‬ ‫ٍ‬

‫‪SAYSARA‬‬

‫جمادى الثاني ‪1432‬هـ‬ ‫مايو ‪2011‬م‬

‫‪81‬‬


‫‪SAYSARA‬‬

‫‪82‬‬

‫‪1432‬هـ جمادى الثاني‬ ‫‪2011‬م مايو‬


‫‪SAYSARA‬‬

‫جمادى الثاني ‪1432‬هـ‬ ‫مايو ‪2011‬م‬

‫‪83‬‬

‫شـ ـ ـ ـعـ ـ ـ ـ ـ ـ ــر‬


‫‪SAYSARA‬‬

‫‪84‬‬

‫‪1432‬هـ جمادى الثاني‬ ‫‪2011‬م مايو‬

‫إبداع – قصص‬

‫إبداع – قصص‬


‫‪SAYSARA‬‬

‫جمادى الثاني ‪1432‬هـ‬ ‫مايو ‪2011‬م‬

‫‪85‬‬

‫ما كان باألمس!!؟‬ ‫> حضية عبده خافي*‬ ‫استيقظت لترى نفسي الدنيا بعين واحد‪،‬‬ ‫ُ‬ ‫استيقظت ألسير في كرسي متحرك‪،‬‬ ‫بيد واحدة‪،‬‬ ‫استيقظت ألتناول طعامي ٍ‬ ‫كان يوم ًا عاديا ً؛ بدأناه‪ ،‬كغيره من األي��ام‪ ،‬كنت أنا ‪ -‬يومها ‪ -‬وزميلتان وأربعة من‬ ‫الزمالء ونائبه في صبيحة ذلك اليوم‪.‬‬

‫فلقد ك��ان ع��دد اإلسعافات «‪ ،»9‬وليس‬

‫إن اإلسعافات عددها كان زائداً‪ ،‬والزائد‬ ‫منها كان يحمل جندياً بال ذراع وال أرجل‪ ،‬مع‬ ‫إصابة في رأسه‪ ،‬وقد ُحشي جسده بالقنابل‬ ‫والمتفجرات‪ ،‬وعندما حاولوا مساعدته‪ ،‬ظناً‬ ‫منهم أنه مصاب‪ ..‬اكتشفوا ما كان‪!!..‬‬ ‫سألتها‪ :‬كم كان عدد الناجيين؟؟‬ ‫ق��ال��ت‪ :‬ك���ان ع���دد الناجيين م��ا ي��ق��ارب‬ ‫الستة عشر ن��اج��ي��اً‪ ،‬م��ن أط��ب��اء وممرضين‬ ‫وعاملين‪ ،‬إض��اف��ة إل��ى ال��ح��االت التي كانت‬ ‫حينها ف��ي ال���ط���وارئ‪ :‬بين م��ص��اب‪ ،‬وجريح‬ ‫ومع ّوق‪ ،‬وغيرها‪.‬‬ ‫هكذا‪ ..‬ما ظننته‪ ،‬كان باألمس‪!..‬‬

‫إبداع – قصص‬

‫بعد أن انتهينا م��ن االس��ت�لام م��ن دوام‬ ‫«الشفت» الليلي لالنصراف‪ ،‬ونبدأ الفترة‬ ‫الصباحية؛ م��ن تغيير ال��ش��راش��ف‪ ،‬وتجهيز‬ ‫األدوات وتحضيرها‪ ،‬ومعرفة أي��ن النقص‪،‬‬ ‫رن ال��ه��ات��ف‪ ،‬ألرد عليه‪ ،‬كان‬ ‫وف��ي�� َم الخلل؟ َّ‬ ‫اتصال من مستشفى القوى الخاص‪ ،‬يخبرنا‬ ‫بأنه قام بإرسال «‪ »8‬إسعافات‪ ،‬كلهم جنود‬ ‫م��ص��اب��ون ب��ح��االت س��ي��ئ��ة‪ .‬س��ارع��ت بإخبار‬ ‫ال��رئ��ي��س‪ ،‬وب��اش��ر التجهيزات‪ ،‬وأخ��ب��ر إدارة‬ ‫التمريض لدينا‪ ،‬وب��ادرون��ا االهتمام بإرسال‬ ‫ممرضين وأطباء ومتخصصين‪ ،‬وض ّج قسم‬ ‫ال��ط��وارئ لدينا ف��ي لحظات م��ن االت��ص��ال‪،‬‬ ‫ل�لاس��ت��ع��داد‪ ،‬أخ���ذت أن���ا أوراق�����اً للصيدلية‬ ‫لبعض األدوية الناقصة‪ ،‬وتوجهت إلحضارها‬ ‫من الصيدلية‪ .‬كانت الصيدلية في الجزء‬ ‫ال��ج��ن��وب��ي م��ن المستشفى‪ ،‬وال���ط���وارئ في‬ ‫الجزء الغربي‪ .‬سارعت للحصول على األدوية‬ ‫والعودة بسرعة‪ ،‬وفي طريق عودتي سمعت‬ ‫أصوات اإلسعافات تضج في الخارج؛ دخلت‬ ‫بسرعة ووضعت األدوي��ة في الثالجة‪ ،‬وفي‬ ‫طريقي إلى غرفة استقبال الحاالت الحرجة‪،‬‬ ‫شاهدت من النافذة ما لم أعرفه‪!..‬؟‬

‫«‪ ،»8‬سألت عن الرئيس‪ ،‬لتخبرني جماني‬ ‫أن��ه ف��ي غرفة ال��ح��االت ال��ح��رج��ة‪ ..‬سارعت‬ ‫بالتوجه إل��ي��ه‪ ،‬وعندما وصلت ح��اول��ت دفع‬ ‫ال��ب��اب فلم يفتح‪ ،‬ح��اول��ت م��ج��دداً‪ ..‬ألُفاجأ‬ ‫بعودته في وجهي يدفعني للوراء ولم أشعر‬ ‫بشيء بعدها‪ ..‬عندما استيقظت بعد مكوث‬ ‫شهرين في غيبوبة‪ ..‬تزورني إحدى الناجيات‬ ‫زميلة لي من قسم «تنويم الباطنية» لم تنزل‬ ‫يومها؛ لوجود نقص في جهاز التمريض‪ ،‬لدى‬ ‫ذلك القسم‪ ،‬قالت لي‪:‬‬


‫‪SAYSARA‬‬

‫‪86‬‬

‫‪1432‬هـ جمادى الثاني‬ ‫‪2011‬م مايو‬

‫قضبان الطين ‪..‬‬ ‫> زكية جنم*‬ ‫بك إلى حافة الجنون‪..‬‬ ‫أنت تعيشين تفاصيل‬ ‫كابوس طويل‪ ،‬سيفضي ِ‬ ‫«سمراء‪ِ ..‬‬ ‫ٍ‬ ‫استيقظي‪« !..‬عذال» لن يعود‪.‬‬ ‫يغادرك األسطى»!‬ ‫غادري ذكراه‪ ..‬كي‬ ‫ِ‬ ‫تضج أنوثة وجاذبية‪..‬‬ ‫ّ‬ ‫تتأمل وجه شقيقتها‪ ،‬بتفاصيله التي ّ‬ ‫تلحظ ُ أحالم الغد وهي تتراقص بين نظراتها المتوقّ دة‪..‬‬ ‫رغم فارق السنوات القصيرة‪ ،‬الذي يفصل بين عمريهما‬ ‫وهبت أختها من فرص النجاة‪ ،‬أكثر مما وهبتها‪..‬‬ ‫إال أن الحياة‬ ‫ْ‬ ‫ «اتركيني‪ ..‬رغداء»!‬‫ِ‬ ‫أتركك حتى تعودي معي قبل‬ ‫ «لن‬‫مغيب الشمس»‪..‬‬

‫ «س���م���راء‪ ..‬إن م��ك��ث ِ��ت ه��ن��ا حتى‬‫المساء‪ ..‬ستموتين!‬ ‫ِ‬ ‫سيقتلك أبي‪..‬‬

‫«قلت ِ‬ ‫لك اتركيني وحدي‪ ..‬عودي‬ ‫‬‫ُ‬ ‫إلى القرية اآلن»‪..‬‬

‫ِ‬ ‫سيقتلك‬ ‫يتوعد‪ ،‬أنه‬ ‫سمعته البارحة‬ ‫ّ‬ ‫إن لم تعودي باكراً معي»‪.‬‬

‫وم��ي��ض ال���ف���رح ال��م��ت��راق��ص داخ���ل‬ ‫عينيها الجريئتين يخبو‪..‬‬

‫تدف ُع شقيقتها نحو الطريق المؤدية‬ ‫بكلتي يديها‪.‬‬ ‫إلى القرية‬ ‫ّ‬

‫تبهت بسمتها البيضاء‪..‬‬ ‫ُ‬ ‫تنهض‪ ..‬تقترب منها‪ ..‬تهمس في‬ ‫أذنها‪:‬‬

‫«قلت ِ‬ ‫لك اذهبي اآلن‪ ..‬عودي»!‬ ‫ُ‬ ‫تتأم ُل شبحها وه��ي تركض عائد ًة‬ ‫نحو بيوت الطين‪..‬‬


‫ت��ل��ك األس��������وار‪ ،‬ال���ت���ي ت��ط��ب��ق على‬

‫أنفاسها كل مساء حينما تبتلع جسدها‬ ‫إلى الداخل‬

‫ل��ت��ج��د ف����ي ان���ت���ظ���اره���ا س ً‬ ‫���ي�ل�ا م��ن‬

‫الصفعات والركالت‪..‬‬

‫ال ل��س��ب ٍ��ب‪ ،‬إال ألن��ه��ا ت��ع��ود وح��ده��ا‬ ‫لي ً‬ ‫ال‪!..‬‬ ‫ظلت عيناها جاحظتين‪ ..‬ساكنتي‬

‫النظرة‪..‬‬

‫ن��ح��و ال���ب���ؤرة ال��ق��ات��م��ة ال��ت��ي ت��ج��ه��ل ما‬

‫خلفها‪.‬‬

‫فكرةٌ ُهالمي ٌة عالق ٌة بثنايا مخ ّيلتها‪.‬‬ ‫تتقافز‪ ..‬ته ّز وعيها‪ ..‬لعلّها تستفيق‪..‬‬ ‫تستشع ُر أن كينونتها ليست سوى ذ ّرة‬ ‫قفار شاسعةِ ال تنتهِ ‪.‬‬ ‫تراب تسب ُح في ٍ‬ ‫رأسها مستن ٌد إلى جذع شجرة األراك‬

‫العتيقة‪ ..‬تلك الشجرة التي شهدت لقاءه‬

‫األول‪ ..‬ووداعه األخير‪.‬‬

‫ّ‬ ‫«عذال» لم يكن ذلك البدوي ال ُممتشق‬

‫سيف قسوته‪ ،‬وجالفة طبعه‪.‬‬

‫كان ساكناً هادئاً‪ ..‬يتل ّث ُم رداء بؤسه‬ ‫وغربته ليخفي وراءه جريرته الوحيدة‪..‬‬ ‫أن���ه ال ينتمي إل���ى ه���ذه ال��ق��ب��ي��ل��ة‪ ،‬التي‬

‫أنجبت «سمراء»!‬

‫كان ّ‬ ‫ٍ‬ ‫سميكة‪،‬‬ ‫يهش على غنمه بعصا‬

‫ال ت���درك م��اه�� ّي��ة االت��ج��اه حينما قادته‬ ‫إليها‪..‬‬ ‫ٍ‬ ‫لحظة متعثرةٍ أشبه بالسراب‬ ‫في‬ ‫ك��ان يقف أمامها كعالمة استفهام‬

‫معوجة القامة‪ ..‬حانية الظهر‪ ،‬ال تعني‬ ‫ّ‬

‫أكثر من س��ؤال‪ ،‬ال يتجشم عناء البحث‬

‫عن جواب ليقترن به‪..‬‬

‫جبهته العريضة ت��ذع�� ُن لتع ّرجات‬ ‫داك���ن���ة‪ ..‬ت��ش��ق ط��ري��ق��ه��ا ب��ش��راس��ة نحو‬

‫استدارة عينيه‪..‬‬

‫شل ٌل مفاجئ يكتسح ذهنها‪ ،‬حينما‬

‫تبدأ بتذكر ما حدث‪..‬‬

‫يوم خارج أقواس بؤسها‪ ..‬منحها‬ ‫في ٍ‬ ‫إنسانيته‪ ..‬ومنحته قلباً‪ ،‬لم يجتز أسواره‬

‫أح ٌد قبله‪..‬‬

‫اعتادت معه أن تم ّر اللحظات دون‬ ‫حديث‪ ..‬فكأ ّنما أفسح الصمت مساحاته‬ ‫الشفافة‪ ،‬لتستنطق هي مكامن مشاعره‪..‬‬

‫وتفتش بداخله عن ٍ‬ ‫كلمة مدفونة تحت‬ ‫ركام السنوات البالية‪.‬‬

‫���ت ف����ي ف���م���ه ق���ب���ل أن‬ ‫ك���ل���م��� ٌة ي���ب���س ْ‬

‫يلفظها‪..‬‬

‫كلم ٌة لم تكن هي لتعترف بها‪ ..‬أو‬

‫ليجيد هو كيفية نطقها‪..‬‬

‫إبداع – قصص‬

‫تتأ ّمالن قرص الشمس‪ ،‬وهو ينحدر‬

‫‪SAYSARA‬‬

‫جمادى الثاني ‪1432‬هـ‬ ‫مايو ‪2011‬م‬

‫‪87‬‬


‫‪SAYSARA‬‬

‫‪88‬‬

‫‪1432‬هـ جمادى الثاني‬ ‫‪2011‬م مايو‬

‫مشاع ٌر داهمها اليباس واستفاقت‬ ‫متأخرة على ضفاف الخريف‪..‬‬

‫قدومه كل مغيب‪..‬‬ ‫نظراتها تتسلق أغصانها اليابسة‪..‬‬

‫لم تغادر ذهنها تلك اللحظة‪ ..‬حينما‬ ‫ّ‬ ‫توشح رداءه القاتم‪ ..‬وأدار لها ظهره‪.‬‬

‫ذات صباح‪ ..‬سمعت نساء القرية يحكين‬

‫لم تكن ت��درك أن��ه لن ي��ع��ود‪ ..‬أو أن‬ ‫ٍ‬ ‫سنوات طوال سوف تمضي من عمرها‬ ‫على قارعة االنتظار‪..‬‬

‫ل��ت��ول��د ت��ح��ت ش���ج���رة األراك العتيقة‬

‫تعجلت الخروج إلى الدنيا‪..‬‬ ‫أن سمراء ّ‬ ‫المنتصبة بشموخ في مشارف القرية‪..‬‬

‫وهن جسدها‬ ‫كانت والدتها تج ّر في ٍ‬

‫بجنين في أحشائها‪ ..‬وقربة ماءِ‬ ‫ليس لبوصلة حدسها أن تدرك إلى المثقل‬ ‫ٍ‬ ‫ممتلئة على رأسها‪..‬‬ ‫صوب مضى‪..‬‬ ‫أي‬ ‫ٍ‬

‫ل��م تمهلها حتى تصل إل��ى البيت‪..‬‬

‫ه����ي ت���ث���ق ب���ذل���ك ال����ح����دس ح��ي��ن��م��ا‬ ‫أخبرها أنه على قيد الحياة ‪ ،‬لكنها تريد فولدتها تحت تلك الشجرة‪.‬‬ ‫أن تمتلك خارطته بيدها‪..‬‬ ‫لفحة ه���واء ب���اردة تهز أغصانها‪..‬‬

‫ال تريد أن تنحدر إلى العمق لتبدو يخ ّيل إل��ى س��م��راء أن��ه��ا ستشهد موتها‬ ‫ع����اج����زة‪ ..‬ف���ارغ���ة م���ن���ه‪ ..‬ج������رداء من مثلما شهدت مولدها‪..‬‬ ‫ذل��ك اإلح��س��اس ب��األم��ان وال���دفء ال��ذي‬ ‫ورب���م���ا س��تُ��دف��ن ب�����أرض «ع������ ّذال»‪،‬‬ ‫تستشعره حينما يكون إلى جوارها‪.‬‬ ‫وس��ت��ل��ت��ق��ي أوردت���ه���م���ا م���ع���اً ع��ل��ى ت��رب ٍ��ة‬ ‫يسحقها شعو ٌر بالخواء‪!..‬‬ ‫واحدة‪.‬‬ ‫تحفر خطواتها معالم ال��ب��ؤس فوق‬ ‫سحنتها‪ ،‬في كل مرةٍ تعود أدراجها لي ً‬ ‫ال‪.‬‬ ‫مصير أسود ينتظرها بدونه‪.‬‬ ‫أي‬ ‫ٍ‬ ‫يدب إلى أذنيها‪ ..‬يه ّ ُز‬ ‫حفيف الشجر ّ ُ‬ ‫انتباهها‪..‬‬

‫غالبت دمعة حائرة فغلبتها‪ ..‬كانت‬

‫حا ّدة السقوط‪ ..‬صفعت ‪ -‬وهي تنحدر‪-‬‬ ‫ٍ‬ ‫كشوكة صغيرةٍ موجعة‬ ‫وجنتها ال��ب��اردة‬

‫الوخز ‪:‬‬

‫‪« -‬عودي أيتها الملعونة‪ ..‬عودي»‬

‫ما يزال ظهرها مستنداً إلى شجرة‬ ‫أذنيها‪..‬‬ ‫األراك‪..‬‬

‫ن���داءات نابية ت��ه��در‪ ..‬تعصف ُ في‬

‫هنا وجدته‪ ،‬وهنا فقدته‪ ،‬وهنا تنتظر‬

‫ك��ان ال��ظ�لام ُم��ري��ع��اً‪ ..‬خيوط القمر‬


‫ب���دأت ت��ش��ق طريقها ال��وع��ر ب��ي��ن ثنايا‬ ‫العتمة‪..‬‬ ‫وقفت سمراء‪ ..‬تج ّر أذي��ال اليأس‪،‬‬ ‫وهي تعود أدراجها نحو القرية الرابضة‬ ‫في الظالم‪..‬‬ ‫تسير في تثاقل‪ ..‬توخز سمعها آيات‬ ‫اللعن والطعن‪..‬‬

‫‪SAYSARA‬‬

‫جمادى الثاني ‪1432‬هـ‬ ‫مايو ‪2011‬م‬

‫‪89‬‬

‫تشعر بالتعب؟!‬ ‫خ ّيل إليها أن ث ّمة شبح يتح ّرك قرب‬

‫الشجرة‪ ..‬أتراهُ عذال قد عاد؟‬

‫��أت ف��ك��رةُ‬ ‫ارت���خ���ى ب��ص��ره��ا‪ ..‬اخ��ت��ب ْ‬

‫حمقاء بصدرها‪:‬‬

‫ «ف���ي ال��غ��د س���أح���اول ال��ه��رب من‬‫جديد»‬

‫حي‪ ..‬أم ميت؟!‬ ‫ أتراهُ ّ ٌ‬‫خطوة تتلوها خطوات‪..‬‬ ‫ال���ب���ي���وت ت��ت��ع��م��ل��ق ح�����ول ن��اظ��ري��ه��ا‬ ‫كاألشباح المفزعة‪..‬‬

‫المزالج القاسي‬ ‫احتواها الظالم إلى الداخل‬ ‫صفع ٌة تشق جنح السكون‪ ..‬تتوالى‬ ‫الصفعات‪..‬‬

‫ما تزال رغبتها بالهرب تتصاعد في‬ ‫صدرها‪..‬‬ ‫ركل تتابع‪..‬‬ ‫ُمجيب‪ ..‬أصوات ٍ‬ ‫تلتفت إل��ى ال����وراء‪ ..‬شبح الشجرة‬ ‫صراخها يتحول إل��ى نشيج غ��ائ��ر ِ‪،‬‬ ‫ال��غ��ارق��ة ف��ي العتمة يبدو كعصا ع��ذال‬ ‫ّ‬ ‫متقطع‪..‬‬ ‫وأنين‬ ‫ٍ‬ ‫ال��ه��زي��ل��ة‪ ،‬ال��ت��ي ي��ل�� ّوح بها فتستدل على‬ ‫تتضاءل األ ّنات شيئاً فشيئاً‪ ..‬يسود‬ ‫مجيئه‪..‬‬ ‫السكون أرجاء القرية‪..‬‬ ‫تتأ ّمل المسافة الفاصلة بينها وبين‬ ‫صوت يهدر من الداخل‪..‬‬ ‫ٌ‬ ‫الشجرة‪..‬‬

‫سمراء تستغيث‪ ..‬ليس هنالك من‬

‫‪« -‬احمل جسدها القذر وادفنه تحت‬

‫كم هي بعيدة عن مساكنهم‪..‬؟ هل‬ ‫كانت تقطع تلك المسافة كل يوم دون أن شجرة األراك‪.‬‬

‫إبداع – قصص‬

‫ك��أن خطواتها تسحق رغ��ب�� ًة عارم ًة‬ ‫اص����ط����دم ب���ص���ره���ا ب��ب��ي��ت ال��ط��ي��ن‬ ‫أرض‪ ،‬تبحث فيها‬ ‫في الهرب نحو بقعة ٍ‬ ‫عن خيط رفيع لحكاية أو لعلّها تقتنص المنتصب في علو أمامها‪..‬‬ ‫خبراً عن عذال‪..‬‬ ‫استدارت في اتجاه بابه الخشبي ذي‬


‫‪SAYSARA‬‬

‫‪90‬‬

‫‪1432‬هـ جمادى الثاني‬ ‫‪2011‬م مايو‬

‫إنـه دجـاجـة‬ ‫> سعيد بودبوز*‬ ‫َ‬ ‫كأنَّهُ ُ‬ ‫أصبح‬ ‫الصباح قائ ًال‪« :‬كال‪ ،‬لن‬ ‫وجه‬ ‫النوم‪،‬‬ ‫مقالع‬ ‫رمية‬ ‫وزمج َر في ِ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫قاع ِ‬ ‫ِ‬ ‫انقذف من ِ‬ ‫ٍ‬ ‫محوه من‬ ‫البطالة‪ ،‬التي أوشكت على‬ ‫حين من‬ ‫متسو ًال‪ ،‬لن‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫َ‬ ‫أسمح بذلك‪ .»..‬بع َد ٍ‬ ‫المدينة‪ ،‬حص َل أخير ًا على‬ ‫خريطة‬ ‫على‬ ‫شأنها أن تضمنَ‬ ‫بأس بها‪ِ ..‬من ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ٍ‬ ‫وظيفة ال َ‬ ‫سليمة من َ‬ ‫ً‬ ‫ُمالئ ِه العاطلينَ إلى‬ ‫المدقع الذي أفضى‬ ‫العوز‬ ‫ذلك‬ ‫لهُ حيا ًة‬ ‫ببعض ز ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫الج ُد ِد‪ ،‬وقد أصبحوا ِّ‬ ‫طبقة ّ‬ ‫جتمع توازي‬ ‫الم‬ ‫ِ‬ ‫الش َّحاذينَ ُ‬ ‫يشكلو َن البني َة التحتي َة لهذا ُ‬ ‫ِ‬ ‫مران‪ .‬ت ََّم تعيي ُنهُ مم ِّرض ًا في ُمستشفى‬ ‫الصحي في‬ ‫الصرف‬ ‫(قنوات)‬ ‫بني َة‬ ‫الع ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫مجال ُ‬ ‫ِّ‬ ‫َ‬ ‫بنوع من‬ ‫أصدقائ ِه‬ ‫بعض‬ ‫العقلية‪.‬‬ ‫األمراض‬ ‫صحيح أنَّ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ٌ‬ ‫ِ‬ ‫وجيران ِه قابلوا هذا التعيينَ ٍ‬ ‫األفق ٌ‬ ‫التمريض‪ ،‬فلقد كا َن‬ ‫بديل عن‬ ‫االحتقار‪ ،‬وسخروا منهُ قائلينَ ‪« :‬إذا لم يكن في ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫عادي َ‬ ‫َ‬ ‫بدل مستشفى المجانينَ »‪.‬‬ ‫يعينوك مم ِّرض ًا في ُمستشفى‬ ‫المفروض أن‬ ‫من‬ ‫ٍّ‬ ‫ِ‬ ‫ُ‬ ‫بأن هؤالءِ لم‬ ‫ولك َّن ُه كان‬ ‫يدرك تماماً َّ‬

‫لرفض ه��ذ ِه الوظيفةِ‬ ‫يكونوا مستعدي َن‬ ‫ِ‬ ‫لو ُعرضت عليهم‪ .‬ك��ان يُ ُ‬ ‫��أن في‬ ‫���درك ب َّ‬ ‫احتقارِ هم إياها نوعاً من تعزيةِ ال َّ��ذ ِ‬ ‫ات‬ ‫على التعثُّرِ الذي ُمنيت بهِ حظوظهم‪ .‬ففي‬

‫النهايةِ يبقى حاص ً‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫شريفة‬ ‫وظيفة‬ ‫ال على‬ ‫ِّ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫والنظرات‬ ‫الشكليات‬ ‫بغض النظرِ ع��نِ‬ ‫السطحيةِ إل��ى األم���ورِ ‪ .‬ثُ�� َّم إ َّن��� ُه ل��م يكن‬

‫في هذ ِه الوظيفةِ ما يفو ُق طاقتَهُ‪ ،‬فك ُّل‬ ‫بعض‬ ‫ما كان عليهِ أن يفع َل هو أن يُلقي‬ ‫َ‬


‫‪SAYSARA‬‬

‫جمادى الثاني ‪1432‬هـ‬ ‫مايو ‪2011‬م‬

‫‪91‬‬

‫الدروس السيكولوجيةِ على أفرادِ‬ ‫القسم‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ال��ذي يُ ُ‬ ‫شرف عليهِ من ه��ؤالءِ ال َمرضى‬

‫دروس ن��ظ��ري�� ٌة‬ ‫ال أك��ث��ر وال أق����ل‪ .‬ه���ي‬ ‫ٌ‬ ‫ِ‬ ‫الوقت‪ .‬كانت جاهز ًة‬ ‫نفس‬ ‫وعملي ٌة في ِ‬ ‫في متناولِ قدرتِه‪ .‬لم يكن عليهِ أن يعم َل‬ ‫األسبوع‪ ،‬فالقانو ُن‬ ‫أكث َر من ‪ 12‬ساعة في‬ ‫ِ‬

‫أن‬ ‫ينص على َّ‬ ‫الداخلي للمستشفى كان ُّ‬ ‫ُّ‬ ‫يجب أال يتجاو َز ساعتينِ في‬ ‫وقت العملِ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬

‫ع��ل��ي��هِ مهما ي��ق��و ُل ال��ج��ي��را ُن وغ��ي�� ُره��م‪.‬‬ ‫بتفصيل‪ ،‬وهي‬ ‫ٍ‬ ‫شرحوا له طبيع َة العملِ‬ ‫أن َ‬ ‫يقف أما َم المرضى‪ ،‬في قاعةِ‬ ‫الدرس‪،‬‬ ‫ِ‬

‫ٍ‬ ‫ِ‬ ‫لوحة‬ ‫الحيوانات على‬ ‫بعض‬ ‫ويرس ُم لهم‬ ‫َ‬ ‫ِ‬ ‫ٍ‬ ‫كبيرةٍ‬ ‫يطلب منهم‬ ‫الحائط‪ ،‬ث َّم‬ ‫متكئة على‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ِ‬ ‫الحيوانات‪،‬‬ ‫التعرف على هذ ِه‬ ‫أن يحاولوا‬

‫يجب أن يُمحى الرس ُم بمجردِ أن يتم َّك َن‬ ‫ُ‬

‫تقديم إيجاباتِهم‪ ،‬ث َّم يرسم ُه‬ ‫المرضى من‬ ‫ِ‬ ‫ٍ‬ ‫الدرس من‬ ‫مختلف‪ ،‬وهكذا يتد َّر ُج‬ ‫بلون‬ ‫ٍ‬ ‫ُ‬ ‫��واب‬ ‫��ي (م��ا ه���ذا؟) وال��ج ِ‬ ‫ال��س��ؤالِ األص��ل ِّ‬ ‫��ب)‪ ،‬إل��ى أس��ئ��ل ٍ��ة وإج��اب ٍ‬ ‫��ات‬ ‫��ي (ك��ل ٌ‬ ‫األص��ل ِّ‬

‫ٍ‬ ‫الكلب»؟‬ ‫فرعية من قبيلِ «ما ل��و ُن هذا‬ ‫ِ‬

‫بخصوص ذلك‪َ .‬فهِ َم‬ ‫ويقدِّموا إجاباتِهم‬ ‫ِ‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫وسهولة‪ .‬كان يت ُّم‬ ‫بسرعة‬ ‫طبيع َة البرنامج‬ ‫ٍ‬ ‫ِ‬ ‫ممكنة‬ ‫بالبحث عن تفاسي َر‬ ‫كان يستمت ُع‬ ‫معين‪،‬‬ ‫ٍ‬ ‫لرسم‬ ‫أسبوع‬ ‫تخصيص ك ِّل‬ ‫حيوان ٍ‬ ‫ُ‬ ‫ٍ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫التصرفات الغريبةِ التي كان يقو ُم‬ ‫لبعض‬ ‫ِ‬ ‫على أن يُكتفى بتغييرِ أل��وانِ��هِ وأش��ك��الِ‬ ‫الوضعيات التي يتخ ُذها في الصورةِ‪ .‬إذا بها ال��م��رض��ى‪ ،‬وإن ك��ان��ت‪ ،‬ف��ي ال��واق ِ��ع‪،‬‬ ‫ِ‬ ‫ٍ‬ ‫الرغم من‬ ‫تصرفات قولي ًة محضة‪ ،‬فعلى‬ ‫ق�� َّر َر‪ ،‬على سبيلِ المثالِ ‪ ،‬أن يرس َم كلباً‬ ‫ِ‬ ‫واإلج��اب��ةِ (ل��ونُ�� ُه أس��ود) وهكذا دواليك‪.‬‬

‫فعليهِ أن يستم َّر في رسمِ هِ مراراً وتكراراً كونِهم مجاني َن إال أنهم كانوا ُمسالمي َن‪.‬‬ ‫كامل‪ .‬وهكذا يمك ُن القو ُل كان وزي ُر الصحةِ‬ ‫(بحكم طبيعةِ منص ِبهِ )‬ ‫أسبوع‬ ‫لمد ِة‬ ‫ٍ‬ ‫ِ‬ ‫ٍ‬ ‫��أن األل���وا َن متعدِّدةٌ‬ ‫حين وآخ��ر‪،‬‬ ‫والكلب واح��� ٌد‪ ،‬إذ ي��زو ُر ه��ذا المستشفى بي َن ٍ‬ ‫ب َّ‬ ‫ُ‬

‫إبداع – قصص‬

‫األسبوع‪ .‬ل َّما‬ ‫أيام في‬ ‫اليوم‪،‬‬ ‫َّ‬ ‫ِ‬ ‫ولمد ِة ستةِ ٍ‬ ‫ِ‬ ‫أخ��ب��روهُ في المستشفى بهذا القانونِ ‪،‬‬ ‫ألولِ مرةٍ ‪ ،‬أدرك بأ َّن ُه وج َد عم ً‬ ‫ال يُحس ُد‬


‫‪SAYSARA‬‬

‫‪92‬‬

‫‪1432‬هـ جمادى الثاني‬ ‫‪2011‬م مايو‬

‫ولقد خط َر على بالِ صاحبِنا أن يرس َم ُه‬

‫«سيكوباثي» جا ٍّد مع األطباءِ‬ ‫نقاش‬ ‫إلجراءِ ٍ‬ ‫ٍّ‬

‫صور ًة لوزيرِ الصحةِ ‪ ،‬ث َّم سألهم‪:‬‬

‫ت��س��اء َل ف��ي ن��ف ِ��س��هِ ‪« :‬ك��ي��ف ات��ف�� َق ه��ؤالءِ‬

‫أم��ا َم المرضى ليرى َ‬ ‫كيف يتفاعلو َن مع‬ ‫ص��ورتِ��هِ ‪ .‬ح��دثَ‬ ‫درس أن رس�� َم لهم‬ ‫ذات ٍ‬ ‫َ‬ ‫ما هذا؟‬ ‫بإجماع‪:‬‬ ‫أجابوا‬ ‫ٍ‬ ‫إ َّن ُه دجاج ٌة‬

‫والجواب‬ ‫نفس‬ ‫الرسم ِوالسؤالِ‬ ‫ِ‬ ‫تك َّر َر ُ‬ ‫ِ‬ ‫م��راراً وتكراراً‬ ‫كامل وهم‬ ‫أسبوع‬ ‫‪..‬لمد ِة‬ ‫ٍ‬ ‫َّ‬ ‫ٍ‬

‫ينعتون معالي ال��وزي��رِ بالدجاجةِ ‪..‬كلما‬ ‫َّ‬ ‫‪..‬بكل‬ ‫يجيبوا‪..‬بإجماع‬ ‫��ب منه ُم أن‬ ‫ُط��ل َ‬ ‫ٍ‬ ‫األل�����وانِ ‪ .‬رس��م�� ُه ب��ب��ذل ٍ��ة ب��ي��ض��اء فقالوا‬

‫بجلباب أسود‬ ‫«دجاج ٌة بيضاء»‪ .‬رسمه‬ ‫ٍ‬

‫���س على‬ ‫ف��ق��ال��وا «دج��اج�� ٌة س����وداء»‪ ..‬وقِ ْ‬

‫كامل من األل��وانِ‬ ‫أسبوع‬ ‫ذلك في ش��أنِ‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫ِ‬ ‫والنعوت‪...‬‬ ‫والمالبس‬ ‫واألشكالِ‬ ‫َ‬

‫كان من الحكمةِ أال يقو َل (من هذا؟)‬

‫حتى ي��ت َ‬ ‫التجنيس كامل ًة في‬ ‫��رك ح��ري�� َة‬ ‫ِ‬ ‫متناولِ المجانين‪ ،‬ولهذا قا َل (ما هذا؟)‪..‬‬ ‫حتى يتبين لهُ‪ ،‬من خاللِ إجاباتِهم‪ ،‬حج ُم‬ ‫المسافةِ الفاصلةِ بين الجنونِ والعقلِ في‬ ‫ِ‬ ‫أمخاخهم‪.‬‬ ‫أثارت هذ ِه اإلجاب ُة استغرابَهُ‪ .‬دفعت ُه‬

‫القائمي َن على المستشفى‪ ،‬لكنَّهم أ َّكدوا ل ُه‬ ‫طبيعي جداً بالنسبةِ للمجانين‪.‬‬ ‫بأن األم َر‬ ‫َّ‬ ‫ٌّ‬ ‫وأجمعوا على ِ‬ ‫نعت ال��وزي��رِ بالدجاجةِ ‪،‬‬

‫وفي أكثر من م َّرةٍ ؟ ورغ َم اختالفِ ه الكاملِ‬ ‫عنِ الدجاجةِ ؟»‪..‬تأ َّم َل كثيراً‪ ،‬وفي األخيرِ‬

‫��أن لألمرِ عالق ًة مباشر ًة‬ ‫أقن َع‬ ‫نفس ُه ب َّ‬ ‫َ‬ ‫األسبوع‬ ‫بالدجاجةِ التي رسمها ط��وا َل‬ ‫ِ‬

‫يتوص َل إل��ى ما‬ ‫الماضي‪ .‬وم��ن أج��لِ أن‬ ‫َّ‬ ‫ِّ‬ ‫يؤ ِّك ُد هذ ِه الفرضيةِ التي اقتن َع بها‪ ،‬ق َّر َر‬ ‫األسبوع‬ ‫أن يرس َم لهم «ب��اخ��ر ًة»‪ ،‬خ�لال‬ ‫ِ‬ ‫��ج�� َل م�لاح��ظ��اتِ��هِ ح���و َل ما‬ ‫ال��م��ق��ب��لِ ‪ ،‬وي��س ِّ‬

‫الدرس األ َّولِ ‪،‬‬ ‫سيح ُدثُ ‪ .‬ل َّما حا َن موع ُد‬ ‫ِ‬

‫األسبوع‪ ،‬استدعى المجاني َن إلى‬ ‫من هذا‬ ‫ِ‬ ‫القاعةِ ‪ .‬أخ َذ ٌّ‬ ‫حد َق في‬ ‫كل منهم مكانَهُ‪َّ .‬‬

‫ِ‬ ‫وجوههم على طريقةِ سقراط‪ .‬نظر إلى‬ ‫ِ‬ ‫ساعةِ‬ ‫الحائط حرصاً على أال يزي َد أو‬

‫��درس‪ .‬تأ َّك َد من‬ ‫ينقص شي ٌء من زمنِ ال ِ‬ ‫َ‬ ‫جميع المجانين متجه ٌة إليهِ ‪..‬‬ ‫أن أنظا َر‬ ‫َّ‬ ‫ِ‬

‫التفت إليهم‬ ‫عند ذلك رس َم الباخرةَ‪ ،‬ث َّم‬ ‫َ‬ ‫مما إذا بقي الجمي ُع في‬ ‫قص َد التأكدِ َّ‬ ‫َّ‬ ‫والشهاد ِة أم أ َّنهم تفرقوا‪،‬‬ ‫��درس‬ ‫عالم ال ِ‬ ‫ِ‬ ‫ف��ي ع��ال��م ال��غ��ي ِ��ب‪ ،‬ش���ذ َر م����ذ َر‪ .‬ممتاز‪،‬‬ ‫مازالت أنظا ُرهم متَّجه ًة نح َو اللوحةِ ‪.‬‬


‫وك��ان ه��ذا برهانَهم الوحي َد على أنهم‬

‫����درس وال��ش��ه��ادةِ‪.‬‬ ‫م���ازال���وا ف��ي ع��ال ِ��م ال‬ ‫ِ‬ ‫طلب منهم أن يقدِّموا إجاباتِهم‪ ،‬وحص َل‬ ‫َ‬

‫الصحيح‪ .‬كا َد‬ ‫الجواب‬ ‫إجماع على‬ ‫ِشب ُه‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ٍ‬ ‫��واب‪ ،‬ه��ذ ِه المرةَ‪ ،‬إال‬ ‫يق ُع الك ُّل في ال��ص ِ‬ ‫أجاب قائ ً‬ ‫ال‪« :‬إ َّن ُه‬ ‫مجنو ٌن واح ٌد‪ ،‬والذي‬ ‫َ‬ ‫محراثٌ »‪ .‬ال بأس‪ .‬ربما هناك عالق ٌة ما‬ ‫ِ‬ ‫والمحراث‪ .‬فاألولى تحرثُ‬ ‫بين الباخر ِة‬

‫لهم صور ًة لوزيرِ الصحةِ م َّر ًة أخرى‪ ،‬م َع‬ ‫العلم أ َّنهم كانوا يعرفونَ ُه جيداً؛ فعندما‬ ‫ِ‬

‫حين وآخر‪،‬‬ ‫يأتي لزيار ِة المستشفى‪ ،‬بي َن ٍ‬ ‫كا َن بإمكانِهم أن يطلُّوا على معاليه من‬

‫ِ‬ ‫المخصصةِ لهم‪.‬‬ ‫القاعات‬ ‫خاللِ نواف َذ‬ ‫َّ‬ ‫���دداً لكي ي��خ��ر َج من‬ ‫رس��� َم ال��ص��ورةَ ُم���ج َّ‬

‫ه��ذ ِه ال��ورط��ةِ ‪ ،‬فلو ح��دثَ أن كان الوزي ُر‬ ‫���درس‪ ،‬لظنَّها م��ؤام��ر ًة‬ ‫ح��اض��راً‪ ،‬أث��ن��ا َء ال ِ‬ ‫ُ‬ ‫تستهدف الني َل‬ ‫تُ��ح��اك ض��دهُ‪..‬م��ؤام��ر ًة‬ ‫من ُسمعتهِ ومن بُعد ِه «الفيزيونومي» في‬

‫فترض بالمرضى‬ ‫ُ‬ ‫هذا المستشفى‪..‬كان يُ‬ ‫(المجانين) أن يتلقوا م��ب��ادئ التربيةِ‬ ‫الوطنيةِ ب��س��رع ٍ��ة‪ ،‬وخفي ًة ع��ن رج ِ‬ ‫��االت‬

‫��ب ك��لَّ��هُ‪،‬‬ ‫ال���دول���ةِ ‪ ،‬حتى ي��ب��دو ك َّ‬ ‫���أن ال��ش��ع َ‬

‫للنظام والوحد ِة‬ ‫بعقالئِهِ ومجانينهِ ‪ ،‬فداءٌ‬ ‫ِ‬

‫ِ‬ ‫الترابيةِ‬ ‫والعيش‬ ‫ِ‬ ‫المشترك والدُّستورِ‬

‫و‪ ...‬حتى وإن لم يشارك أح ٌد‪ ،‬من أفرادِ‬

‫��ب‪ ،‬ف��ي ص��ي��اغ��ة ه���ذا ال�� ُّدس��ت��ورِ ‪.‬‬ ‫ال��ش��ع ِ‬ ‫صحيح أن المالئك َة قد رفعت أقال َمها‬ ‫ولكن السلط َة قد تُح ِّم ُل‬ ‫عن المجنونِ ‪،‬‬ ‫َّ‬ ‫ُ‬ ‫يحيطون به‪ ،‬وهذا‬ ‫بعض مسؤولياته لمن‬ ‫َ‬

‫التمريض‪ ،‬وعلى ِ‬ ‫رأسها‬ ‫يعني أن هيئ َة‬ ‫ِ‬ ‫عما يتف َّوهُ بهِ مجاني ُن‬ ‫صاحبُنا‪ ،‬مسؤول ٌة َّ‬ ‫بأصحاب السعاد ِة‬ ‫أقوال ال تلي ُق‬ ‫األمةِ من‬ ‫ٍ‬ ‫ِ‬ ‫والمعالي و‪...‬‬

‫��ب منهم أن ي��ق��دِّ م��وا إج��اب��اتِ��ه��م‪،‬‬ ‫ط��ل َ‬ ‫لكن يبدو أ َّن�� ُه لم يتغ َّير في األم��رِ شي ٌء؛‬

‫لقد أجمعوا على ِ‬ ‫صاحب الصور ِة‬ ‫نعت‬ ‫ِ‬

‫بالدجاجةِ ‪ ،‬مر ًة أخرى‪ ،‬ال بالباخر ِة (وهذا‬ ‫ِ‬ ‫بالمحراث‪ .‬ال‬ ‫م��ا تو َّقع ُه صاحبُنا) وال‬

‫حو َل وال ق َّوةَ إال باللهِ ‪( ...‬تمتم في حيرة‬

‫من أمرِ هذ ِه اإلجابةِ الجماعيةِ الغريبةِ )‪،‬‬ ‫ولكن مع ذلك لم يكن يعتب ُر هذ ِه المسأل َة‬

‫العكس كا َن‬ ‫مرهق ًة ل ُه في عملِهِ ‪ ،‬بل على‬ ‫ِ‬

‫بعض التسليةِ حي َن يبحثُ لها‬ ‫يج ُد فيها‬ ‫َ‬

‫ٍ‬ ‫النفس‪ ،‬أو‬ ‫علم‬ ‫عن‬ ‫ِ‬ ‫إجابات في دهاليز ِ‬ ‫بالخصوص‪..‬إال ما يتعل ُق‬ ‫العقلي‬ ‫الطب‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِّ‬ ‫بجدليةِ «ال��وزي��ر والدجاجة» ه��ذه‪ ،‬فقد‬ ‫ك��ان فع ً‬ ‫ال يتمنى أال يتك َّر َر األم��� ُر‪ ،‬عدا‬

‫ذلك فال مشكلة‪ .‬على األقل أصبح اآلن‬

‫إبداع – قصص‬

‫األسبوع‬ ‫البح َر والثاني يحرثُ الب َّر‪.‬بعد‬ ‫ِ‬ ‫لرسم الباخرةِ‪ ،‬ق َّر َر أن يرس َم‬ ‫ص‬ ‫المخص ِ‬ ‫َّ‬ ‫ِ‬

‫‪SAYSARA‬‬

‫جمادى الثاني ‪1432‬هـ‬ ‫مايو ‪2011‬م‬

‫‪93‬‬


‫‪SAYSARA‬‬

‫‪94‬‬

‫‪1432‬هـ جمادى الثاني‬ ‫‪2011‬م مايو‬

‫ليحس َن ِبهِ‬ ‫الشهري‪،‬‬ ‫ينتظ ُر استال َم رات َب ُه‬ ‫َّ‬ ‫ِّ‬

‫من أحوالِهِ المعيشيةِ ‪ ،‬بع َد أن تمك َن من‬

‫الحصولِ على ه��ذِ ِه الوظيفةِ ‪ ،‬أ َّم��ا فيما‬ ‫مضى فقد كان يائساً من ك ِّل شيءٍ ‪ .‬كان‬

‫الحكيم؟ ه��ل يُعق ُل أن تلقى مص َر َع َك‬ ‫ِ‬ ‫دو َن أن يُ َحوقِ َل ويُقَوقِ َل أح ٌد ورا َء َك؟»‪.‬‬ ‫لهذا‪ ،‬ولغيرِ هِ‪ ،‬لم يهتم بمن ك��ان يسخ ُر‬ ‫من وظيفةِ‬ ‫التمريض التي حص َل عليها‪.‬‬ ‫ِ‬

‫يموت في هذِ ِه‬ ‫يعتق ُد بأ َّن ُه على المرءِ أال‬ ‫َ‬

‫كان تفاعل ُ ُه مع المجانين يُدخله في ج ٍّو‬ ‫ِ‬ ‫البحث والتَّأ ُّملِ والتسليةِ لدرجة أ َّن ُه‬ ‫م َن‬

‫ُ‬ ‫تملك ما‬ ‫��ت ال‬ ‫أن تل َج العال َم اآلخ�� َر وأن َ‬ ‫ت��س��ت��أج�� ُر ب���هِ َم���ن ي��ق��رأ ُ ع��ل��ى ُج��ث��م��ان َ‬ ‫ِ��ك‬

‫المجتمع‪،‬‬ ‫مجنوناً بما يُش ِّك ُل خطراً على‬ ‫ِ‬ ‫إخراج َك‬ ‫كنت من قبل‪ ،‬ولهذا ق َّررنا‬ ‫كما َ‬ ‫َ‬

‫تحت عتبةِ الفقرِ ‪ ،‬فلن‬ ‫المنطقةِ ‪ ،‬وه��و‬ ‫َ‬

‫يصلي أح ٌد صالةَ الجناز ِة على جثمانِهِ ‪ ،‬لم يشعر بمرورِ الزمانِ ‪ ،‬وها هو الشه ُر‬ ‫ولن يت َّم تكري ُم ُه كما يلي ُق بالموتى‪ .‬صا َر األو ُل م��ن ع��م��لِ��هِ ق��د م��ض��ى‪ .‬اس��ت��دع��اهُ‬ ‫طلب‬ ‫ك ُّل شيءٍ يبا ُع ويشترى حولَهُ‪ ،‬حتى «سورة مدي ُر ال ُمستشفى إل��ى مكت ِبهِ ‪ ،‬ث�� َّم‬ ‫َ‬ ‫ٍ‬ ‫وثيقة‪ .‬و َّق�� َع صاحبُنا‪.‬‬ ‫���اع األس���ع���ارِ من ُه التوقي َع على‬ ‫اإلخ��ل��اص» ت���أ َّث���رت ب���ارت���ف ِ‬ ‫ضرِ وباقي المواد وقا َل ل ُه المدي ُر‪:‬‬ ‫الذي طا َل أسوا َق الخُ َ‬ ‫الغذائيةِ ‪ .‬كان يتساء ُل قائ ً‬ ‫ال‪« :‬هل يُعق ُل‬ ‫«مِ ن الناحيةِ الطبيةِ‬ ‫فأنت اآل َن لم تَعد‬ ‫َ‬

‫س��ورةَ‬ ‫ِ‬ ‫تيس َر من الذكرِ‬ ‫اإلخ�لاص أو ما َّ‬

‫* كاتب من املغرب‪.‬‬

‫صدر حديث ًا‬ ‫عن النادي األدبي بالجوف‬ ‫كتاب‬ ‫«في حضرة السيد الموت»‬ ‫للدكتور يوسف بن حسن العارف‬

‫من المستشفى‪ ..‬هنيئا لك»‪.‬‬


‫‪SAYSARA‬‬

‫جمادى الثاني ‪1432‬هـ‬ ‫مايو ‪2011‬م‬

‫‪95‬‬

‫إبداع – قصص‬


‫‪SAYSARA‬‬

‫‪96‬‬

‫‪1432‬هـ جمادى الثاني‬ ‫‪2011‬م مايو‬


‫‪SAYSARA‬‬

‫جمادى الثاني ‪1432‬هـ‬ ‫مايو ‪2011‬م‬

‫‪97‬‬

‫عندما تيأس الروح‬ ‫> ماجدة اخلالدي*‬

‫َم ْن منا ال يعصي؟‬ ‫َم ْن منا ليس له ذكريات‪ ،‬وماض مؤلم؟‬ ‫من فجوة الماضي تراكمت أوجاعه‪ ،‬ولم يسمعه‪ ،‬وانطوى ببرودة األيام وقسوة‬ ‫لياليه‪..‬‬ ‫واستسالمه ألوهامه القاتلة‬ ‫خ��رج من السجن بعد قضية قضى‬ ‫فيها سنتين ظلماً‪..‬‬ ‫دفعته األحزان إلى اليأس‬ ‫ورسمت له الدنيا‪ ،‬رسمت ألماً‪..‬‬ ‫في أخر ممر من منزله توجد غرفة‬ ‫صامتة‬ ‫ال يعرف لها حياة‬ ‫داخلها شخصية هامدة‬ ‫ال حراك له سوى التأمل‬ ‫ع��زل نفسه ع��ن العالم ال��ذي ظلمه‬

‫استلقى على سريره‪..‬‬ ‫بعد تنهيدة ألم‬ ‫والسيجارة في فمه‬ ‫وأمامه مرآة‬ ‫ينظر بنفسه والدخان يتطاير هنا‪،‬‬ ‫وهناك‬ ‫ويقول بفكره العاثر‪:‬‬ ‫ ه����ل‪ ..‬ه����ل‪ ..‬ه������ل‪..‬؟؟؟ ه��ل ه��ذا‬‫أنا‪..‬؟!‬ ‫يجاري نفسه‪ ،‬يسأل‪ ،‬ويجاوب‬

‫إبداع – قصص‬

‫َم ْن منا ال يخطئ؟‬


‫‪SAYSARA‬‬

‫‪98‬‬

‫‪1432‬هـ جمادى الثاني‬ ‫‪2011‬م مايو‬

‫وهو على هذا الحال‬ ‫خُ ّيل له طيفه يعزيه‪:‬‬ ‫ «ليث» ماذا جرى لك؟ ِل َم كل هذا‬‫اليأس‪..‬؟‬ ‫هل تذكرني؟‬ ‫هل نسيت من هو ليث؟‬ ‫كان له طموح‪..‬‬ ‫وكان له انبثاق في حياته‪..‬‬ ‫ليث‪ ..‬الجميع يشهد بمروءته‬

‫ولكن من أنت؟‬ ‫إلي بح ّدة‪..‬‬ ‫نظر َّ‬ ‫أنا ألمك الذي تهرب منه‬ ‫أنا الواقع الحقيقي‪ ..‬بعيد عن عالم‬ ‫الزيف والكذب‬ ‫أن����ا ن��ص��ف��ك ال��ض��ائ��ع ب��ي��ن حقيقة‬ ‫الماضي‪ ،‬وواقع مؤلم تعيشه‬

‫ماذا حصل؟!‬

‫سأقتلك‪ ..‬سآتي يوما يتلوه يوم أخر‬

‫أفِ ق من كابوسك المزعج‬

‫صرخت مذعورا‪..‬‬

‫أص��ب��ح��ت ش��ب��ه ج���ث���ة‪ ،‬ت��رت��م��ي بين‬ ‫أحضان األحياء‬ ‫عالم كل هذا الجمود؟‬ ‫أيعجبك حالك وما أصبحت عليه؟!‬ ‫ليث‪..‬‬ ‫استفق!! أنت كفرق من حديث الذات‬ ‫المطبق‬

‫سأتغير‬ ‫تنبهت فجأة‪ ..‬أني ما زلت أغفو على‬ ‫سريري‬ ‫رن هاتفي‪ ..‬إنه صالح صديقي‬ ‫َّ‬ ‫سحبت علبه السجائر م��ن ال��درج‪،‬‬

‫أص���ب���ح���ت ال ش�������يء‪ ..‬أن�����ت ن��ك��رة ومنحت مالبسي رائحة عطرية‬ ‫مزعجة‪ ..‬أنت عاله على مجتمع‬ ‫وخرجت وأنا أتمتم بأغنية مصرية‬ ‫سأتغير‪..‬‬ ‫قديمة (روحي قلبي عقلي أين أنت اآلن؟‬ ‫نعم سأتغير‪ ..‬أعدك أنني سأصبح‬ ‫إنسانا آخر‬ ‫بل أين أنا؟!)‪.‬‬ ‫* سكاكا اجلوف‪.‬‬


‫‪SAYSARA‬‬

‫جمادى الثاني ‪1432‬هـ‬ ‫مايو ‪2011‬م‬

‫‪99‬‬

‫سيــف خشـب‬ ‫> محمد مستجاب*‬

‫حب ًا لمن وجد شجرة الكافور ملقاة على الطريق‪ ،‬ذابلة‪ ،‬ولم‬ ‫يعرفها‪ ،‬فأخذها ورفعها في وجه السماء‪ ،‬فابتسمت‪ ،‬وتمنّى أن‬ ‫تكون شجرة فاكهة‪ ،‬أو نخلة‪ ،‬تساقط الرطب عليه ليل نهار‪ .‬فرح‬ ‫بها وزرعها وسط المقابر التي يعيش فيها وحيد ًا بين األموات‪،‬‬ ‫والذين يعطفون عليه ويطعمونه ويأوونه‪ ،‬فقد اعتاد على طعام‬ ‫(الرحمة والنور) ال��ذي تخرجه النساء على أمواتهن‪ ،‬ويتدثر‬ ‫بمالبس الراحلين‪.‬‬ ‫حباً لمن ال يعرف أحد له نسباً‪ .‬قدم‬ ‫إل��ى القرية هائما على وجهه وع��م��ره ال فأصبحت قدمه خشنة متشققة‪.‬‬ ‫يتجاوز العاشرة‪ ،‬فلم تهتم القرية به فقد‬ ‫ظ���ل ي��رع��ى ال��ش��ج��رة ك��ف�لاح ق��دي��م‪،‬‬ ‫كان أبلها‪ ،‬وكان األطفال يناوشونه وينعتونه‬ ‫وي���روي���ه���ا ك����أم‪ ،‬وي���رب���ت ع��ل��ي��ه��ا ك��واع��ظ‪،‬‬ ‫(بالعبيط)‪ ،‬ك��ان يتجول ف��ي أي وق��ت‪ ،‬ال‬ ‫ويحاجي عليها نسيماً‪ ،‬وإذا مالت يقويها‬ ‫شيء يعنيه‪ ،‬حرارة الشمس لم تؤثر فيه‪،‬‬ ‫باألعواد وبعض الحطب‪.‬‬ ‫غير أنها زادت من سمرة بشرته وتجعيد‬ ‫ط���ال االن��ت��ظ��ار‪ ،‬ي��راق��ب��ه��ا ك��ي تثمر‪،‬‬ ‫شعره‪ .‬الشتاء يداهمه فيغتسل‪ ،‬يمضي‬ ‫حافيا بين طرقات القرية‪ ،‬وقباب المقابر‪،‬‬

‫إبداع – قصص‬

‫حب ًا لمن زرع صبار ًا لقبر‪ ،‬ولمن مات من دون قبر‪ ،‬و ُأنس ًا لصمت‬ ‫ال��م��وت��ى ع��ن ك�ل�ام ال��ب��ش��ر‪ ..‬ل��� ّوح بسيفه الخشبي ف��ي ال��ه��واء‬ ‫فاضطربت السماء‪.‬‬


‫‪SAYSARA‬‬

‫‪100‬‬

‫‪1432‬هـ جمادى الثاني‬ ‫‪2011‬م مايو‬

‫وحولهم األطفال يلهون‪ ،‬وفي أثرهم بعض‬ ‫النساء‪.‬‬

‫وكبر معها‪ ،‬يستظل بها من وهج الشمس‪،‬‬ ‫يحوطها كما يحوط الرجال زوجاتهم‪ ،‬يغني‬ ‫وسط صمت المقابر بصوت غير مفهوم‪،‬‬ ‫أيقن في هذا الصباح أنهم قادمون‪،‬‬ ‫والعصافير التي تسكن الفروع تزداد‪ .‬كان خرج من عشته ووقف كفقيد خارجاً من‬ ‫حراً وسعيداً‪.‬‬ ‫القبر‪ ،‬مهلهل المالبس‪ ،‬وشعره المجعد لم‬ ‫يذهب األطفال للعب معه‪ ،‬رغم تهديد تفلح المالئكة في تصفيفه‪ ،‬فرد ذراعيه‬ ‫األمهات بعدم الذهاب‪ ،‬وبجوار (العشة) يستقبلهم وابتسامته العريضة يسيح منها‬ ‫التي أقامها أسفل الشجرة‪ ،‬يجلسون معه‪ ،‬لعابه على شعر ذقنه‪ ،‬وعندما رأى اآلالت‬ ‫ويأكلون الكثير من طعامه الذي تعطيه له ب��أي��دي��ه��م‪ ،‬ق��ف��ز ط��ف��ل يجالسه وق���ال في‬ ‫الزائرات‪ ،‬أو من الطعام الذي يختلسونه حزن‪:‬‬ ‫من أمهاتهم‪.‬‬

‫‪ -‬سيقطعون الشجرة‪..‬‬

‫كبرت الشجرة‪ ،‬أصبحت وارفة تعشش‬ ‫بها العصافير ساكنة مطمئنة‪ ،‬وهو أسفلها‬ ‫يتابعهم وي��ح��اول أن يجد ل��ه مكانا على‬ ‫فروعها‪..‬‬

‫لم يفهم‪ ،‬ظل واقفاً فارداً ذراعيه وفمه‬ ‫م��ف��ت��وح‪ ،‬احتشد ال��رج��ال‪ ،‬وال��ت��فّ��وا حوله‬ ‫وحول الشجرة‪ ،‬قال أحدهم‪:‬‬

‫ش������اخ‪ ،‬وظ�����ل ال���ش���ب���اب ي��ج��ال��س��ون��ه‬ ‫ليسامرهم‪ ..‬كان حديثه مشوقاً لهم‪ .‬عندما‬ ‫الجن والعفاريت التي‬ ‫أصبح يحكي لهم عن‬ ‫ّ‬ ‫يلهو معها في الليل‪ ،‬فيخيفهم ويضحك‪،‬‬ ‫وإذا ضايقه أحدهم يهرول وراءه بسيفه‬ ‫الخشبي فيفر ضاحكاً‪ ،‬ثم ال يلبث أن يعود‬ ‫ويصالحه‪.‬‬

‫ سنقطع الشجرة‪..‬‬‫ثار عليهم‪ ،‬قذفهم بالحجارة فشتتهم‪،‬‬ ‫تجمعوا مرة أخري‪ ،‬أمسك بسيفه الخشبي‬ ‫مل ّوحاً في وجههم‪ ،‬فهرولوا فارين هاربين‬ ‫إلى بيوتهم‪.‬‬

‫وق��ف أسفل الشجرة مزهوا بسيفه‪،‬‬ ‫زقزقة العصافير تحييه باالنتصار‪ ،‬فازداد‬ ‫زه��واً وضحكاً‪ ،‬واحتضن الشجرة وق ّبلها‬ ‫ورب��ت علي جذعها يطمئنها‪ ،‬ورش بعض‬ ‫***‬ ‫ض��اق��ت األرض‪ ،‬وام��ت�لأت المقابر‪ ،‬المياه يروي ظمأها‪ ،‬بعد ارتجافها منهم‪.‬‬ ‫وق������ررت ال���ق���ري���ة ق��ط��ع ال���ش���ج���رة ل��ب��ن��اء‬ ‫في اليوم التالي‪ ،‬رآهم قادمين‪ ،‬أكثر‬ ‫مقابرهم‪ ،‬لكنهم يخشونه‪ ،‬ف��ي الصباح من أمس‪ ،‬وعلى وجوههم التصميم‪ ،‬شهر‬ ‫تجمعت القرية‪ ،‬وأنطلق الرجال بعدتهم‪ ،‬سيفه في ال��ه��واء وأخ��ذ يل ّوح ب��ه‪ ..‬الناس‬


‫‪SAYSARA‬‬

‫جمادى الثاني ‪1432‬هـ‬ ‫مايو ‪2011‬م‬

‫‪101‬‬

‫يقتربون في حذر‪ ،‬تناول بعض الحجارة‪ ،‬الرجال‪ ،‬وتغامزت النساء وأخفين عيونهن‬ ‫وأخذ يقذفهم فتفرقوا‪ ،‬ولكن سرعان ما بأيديهن وت��واري��ن ب��ال��ح��وائ��ط‪ ،‬واألط��ف��ال‬ ‫تجمعوا وازدادوا إصراراً‪.‬‬ ‫يبكون صامتين‪.‬‬ ‫هرب الجميع من أماكنهم‪ ،‬وتوارت الشمس‬ ‫غاربة في حزن‪ ،‬والعصافير تصرخ باحثة‬

‫عن مأوى‪ ،‬هرع يحتضن الشجرة الساقطة‪،‬‬ ‫احتضنها بعيونه وذراعيه وقلبه وصراخه‪،‬‬

‫ولكنها ظلت تطقطق محدثة دوي��ا عاليا‪،‬‬

‫وص���راخ���ه ت�ل�اش���ي م���ع ص��م��ت ال��م��ق��اب��ر‬ ‫والشمس الغاربة والغبار واألطفال‪.‬‬

‫ص��رخ‪ ..‬وص��رخ‪ ،‬صمت القبور امتص‬ ‫ال��ص��دى‪ ،‬وم��ع ال��ض��رب��ات وال��ق��ط��ع وكثرة‬ ‫***‬ ‫الهمهمات ضاع الصراخ وتالشى الصدى‪،‬‬ ‫وكل صباح ‪ -‬تأتي الشمس‪ ،‬واألطفال‪،‬‬ ‫ه��رب��ت العصافير حزينة ف��ي جلبة تعلو والعصافير‪ ،‬كي يضعوا الطعام على قبره‪،‬‬ ‫في السماوات‪ ،‬وسط الصراخ ومحاوالت أسفل جذع الشجرة‪ ،‬حباً‪.‬‬ ‫التملص منهم‪ ،‬تمزقت مالبسه‪ ،‬وأصبح‬ ‫عارياً‪ ،‬وقف كميت يبحث عن كفن‪ ،‬ضحك‬ ‫***‬

‫صدر حديث ًا‬ ‫عن النادي األدبي بالجوف‬ ‫كتاب «واحات وظالل»‬ ‫نصوص شعرية‬ ‫لألطفال والناشئين‬ ‫للمؤلف الطاهر لكنيزي‬

‫إبداع – قصص‬

‫اقترب رجالن يضحكان‪ ،‬وثالث يتبعهم‬ ‫ساخراً‪ ،‬طعن األول بالسيف‪ ،‬تحطم السيف‬ ‫من الطعنة األول��ى‪ ،‬ضحك الجميع‪ ،‬رجع‬ ‫إل��ى الخلف واحتضن الشجرة‪ ،‬صارخاً‪،‬‬ ‫ب��ك��ل��م��ات غ��ي��ر م��ف��ه��وم��ة‪ ،‬أزع��ج��ت سكان‬ ‫القبور‪ ،‬تم ّكن بعض الرجال من اإلمساك‬ ‫ب��ه وإب��ع��اده ع��ن ال��ش��ج��رة وع��ش��ت��ه‪ ،‬وكلمة‬ ‫(اقطعوا) أيقظت النائمين في قبورهم‪..‬‬

‫صرخ رجل محذراً أن يفسحوا للشجرة‪،‬‬


‫‪SAYSARA‬‬

‫‪102‬‬

‫‪1432‬هـ جمادى الثاني‬ ‫‪2011‬م مايو‬


‫‪SAYSARA‬‬

‫جمادى الثاني ‪1432‬هـ‬ ‫مايو ‪2011‬م‬

‫‪103‬‬

‫إبداع – قصص‬


‫‪SAYSARA‬‬

‫‪104‬‬

‫‪1432‬هـ جمادى الثاني‬ ‫‪2011‬م مايو‬

‫فصل من رواية‬

‫فصل من رواية‬


‫‪SAYSARA‬‬

‫جمادى الثاني ‪1432‬هـ‬ ‫مايو ‪2011‬م‬

‫‪105‬‬

‫اختراع موريل‬ ‫جزء من رواية للكاتب الأرجنتيني «�أدولفو بيوي كا�ساري�س» ت�صدر قريباً‬ ‫> ترجمه عن اإلسبانية‪ :‬أحمد مياني*‬

‫لكن هذه المرأة أعطتني أمال‪ .‬يجب أن أخشى اآلمال‪!..‬‬ ‫تتأمل الغروب كل مساء؛ وأنا أرقبها مختبئا‪ .‬أمس‪ ،‬واليوم‬ ‫ليالي وأيامي تنتظر تلك‬ ‫كذلك من جديد‪ ،‬اكتشفت أن‬ ‫َّ‬ ‫الساعة‪ .‬كانت المرأة تبدو لي سخيفة بحسيتها الغجرية‬ ‫ومنديلها الملون الكبير بإفراط‪ .‬ومع ذلك أشعر‪ ،‬ربما‬ ‫إلي‬ ‫أقولها بقليل من المزاح‪ ،‬أنها لو كلمتني أو نظرت َّ‬ ‫للحظة‪ ،‬فسوف يتدفق في داخلي ذل��ك األم��ان ال��ذي يجده المرء في أصدقائه‬ ‫وحبيباته وذويه من دمه نفسه‪.‬‬ ‫من الممكن أن يكون أملي هذا عمل يتابعونهم وهم يصيدون‪.‬‬ ‫ال��ص��ي��ادي��ن والع����ب ال��ت��ن��س ذي اللحية‪.‬‬ ‫عندما درت ح��ول��ه��م‪ ،‬ك��ان��ت الشمس‬ ‫أغاظتني ال��ي��وم رؤيتها م��ع الع��ب التنس قد غربت‪ ،‬فقط األحجار هي َمن شهدت‬ ‫ال��م��زي��ف ه���ذا؛ ل��س��ت غ���ي���رانَ؛ لكنني لم هبوط الليل‪.‬‬ ‫أرها باألمس كذلك؛ كنت سأذهب إلى تل‬ ‫رب��م��ا أق���وم ب��ارت��ك��اب حماقة ال دواء‬ ‫األحجار لكن هؤالء الصيادين قد منعوني‬ ‫من أن أواصل؛ لم يوجهوا لي كلمة‪ ،‬هربت لها؛ ربما تقوم هذه المرأة‪ ،‬التي لطفتها‬ ‫قبل أن يروني‪ .‬حاولت أن أحيط بهم من شموس المساءات‪ ،‬بتسليمي للشرطة‪.‬‬ ‫ف��وق ول��ك��ن ك��ان مستحيال فأصدقاؤهم‬ ‫أتق َّول عليها؛ لكنني ال أنسى حماية‬

‫فصل من رواية‬

‫ال أنتظر شيئ ًا‪ .‬ليس األمر بهذه الفظاعة‪ .‬بعدما حسمت‬ ‫األمر‪ ،‬تحصلت على الهدوء‪.‬‬


‫‪SAYSARA‬‬

‫‪106‬‬

‫‪1432‬هـ جمادى الثاني‬ ‫‪2011‬م مايو‬

‫القانون‪ .‬الذين يقررون العقوبات يفرضون ق��درة على الكتابة (بتلك النقمة المكلفة‬ ‫زم��ن��ا ودف���اع���ات تجعلنا نتعلق بالحرية التي أدين بها للبشر)‪.‬‬ ‫بجنون‪.‬‬ ‫عند وصولي كان هناك بعض الزاد في‬ ‫اآلن‪ ،‬غزتني القذارة والشعر الذي ال‬ ‫أستطيع جزّه‪ ..‬عجوز بعض الشيء‪ ،‬أربي‬ ‫األمل في االقتراب من تلك المرأة الرقيقة‬ ‫والجميلة بال أدنى شك‪.‬‬

‫أث��ق ف��ي أن مصاعبي الكبيرة آنية‪،‬‬ ‫تتمثل ف��ي م��ج��اوزة االن��ط��ب��اع األول‪ .‬لن‬ ‫يهزمني هذا المحتال المزيف‪.‬‬

‫***‬

‫خزانة طعام المتحف‪ .‬في فرن تحميص‬ ‫كالسيكي‪ ،‬وببعض الدقيق والماء والملح‬ ‫صنعت خ��ب��زا ال ي��ؤك��ل‪ .‬ب��ع��د ذل���ك بوقت‬ ‫قصير أكلت دقيقا من الجراب (مع بعض‬ ‫الرشفات من الماء)‪ .‬انتهى كل شيء حتى‬ ‫بعض ألسنة الخراف والتي كانت في حالة‬ ‫سيئة‪ ،‬حتى أعواد الكبريت (مستهلكا منها‬ ‫ثالثة يوميا)‪ .‬كم كان مخترعو النار أكثر‬ ‫تقدما منا! ظللت أعمل‪ ،‬مؤذيا نفسي أياما‬ ‫بال عدد‪ ،‬كي أنصب فخّ ا‪ .‬عندما اشتغل‬ ‫تمكنت من أكل طيور مد ّماة ولذيذة‪ .‬تتبعت‬ ‫تراث العزاب؛ أكلت أيضا جذور نباتات‪.‬‬ ‫لم يترك لي األلم وشحوب رطب ورهيب‬ ‫أي ذكرى طيبة‪ .‬وسمح‬ ‫وبعض التصلبات ّ‬ ‫ل��ي خ��وف ال ينسى‪ ،‬كنت ق��د حلمت به‪،‬‬ ‫بالتعرف على النباتات األشد سمية‪.‬‬

‫ف���اض ال��م��اء ب��ك��ث��رة ث�ل�اث م���رات في‬ ‫خمسة عشر يوما‪ .‬أنقذني الحظ باألمس‬ ‫م��ن ال��م��وت غ��رق��ا‪ .‬ك��ان ال��م��اء على وشك‬ ‫مباغتتي‪ .‬اتكلت على العالمات التي نحتُّها‬ ‫ف��ي ال��ش��ج��رة‪ .‬ك��ان��ت ح��س��اب��ات��ي أن المد‬ ‫سيأتي ال��ي��وم‪ .‬ل��و أن��ن��ي نمت ف��ي الفجر‬ ‫لكنت اآلن م��ي��ت��ا‪ .‬ب��س��رع��ة ش��دي��دة‪ ،‬ك��ان‬ ‫أش��ع��ر ب��ض��ي��ق؛ ف��ال��ع��دة ليست معي‪.‬‬ ‫الماء يصعد بالحسم ال��ذي لديه مرة كل‬ ‫أسبوع‪ .‬كان تقصيري كبيرا لدرجة أنني المنطقة غير صحية وظروفها معاكسة؛‬ ‫اآلن ال أع��رف إل��ى أي ش��يء أع���زّي هذه لكن‪ ،‬منذ عدة شهور‪ ،‬كانت حياتي الحالية‬ ‫المفاجآت‪ :‬ه��ل إل��ى أخ��ط��اء حسابية أم تبدو لي نعيما مقيما!‬ ‫إلى ضياع مؤقت النتظام المد‪ .‬إذا ما كان‬ ‫الم ّد اليومي ليس بخطر وغير منتظم؛‬ ‫المد قد غير عاداته فإن الحياة في هذه أحيانا ما يرفع ف��روع األش��ج��ار المغطاة‬ ‫المنخفضات ستكون كذلك غير مضمونة‪ .‬باألوراق‪ ،‬التي أفردها للنوم وأستيقظ في‬ ‫ومع ذلك سأتك ّيف مع األم��ر‪ .‬لقد نجوت بحر متشرب بأوحال المستنقعات‪.‬‬ ‫من مصائب جمة‪.‬‬ ‫يتبقى ل��ي ال��م��س��اء ك��ي أص��ي��د‪ ..‬في‬ ‫عشت لوقت طويل متألما ومحموما؛ ال��ص��ب��اح ت��ك��ون ال��م��ي��اه ق���د وص��ل��ت إل��ى‬ ‫منشغال للغاية أال أموت من الجوع؛ ودون خ��ص��ري‪ ،‬وت��ك��ون ح��رك��ات��ي ثقيلة ك��م��ا لو‬


‫‪SAYSARA‬‬

‫جمادى الثاني ‪1432‬هـ‬ ‫مايو ‪2011‬م‬

‫‪107‬‬

‫يكمن حسن طالعي اآلن ف��ي تمييز‬ ‫الجذور الصالحة لألكل‪ .‬تمكنت من ترتيب‬ ‫حياتي بشكل جيد‪ ..‬أق��وم بكل أعمالي‪،‬‬ ‫ويبقى ل��ي‪ ،‬حتى اآلن‪ ،‬وق��ت للراحة‪ .‬في‬ ‫هذه السعة أشعر أنني حر وسعيد‪.‬‬ ‫باألمس تأخرت؛ واليوم ظللت أعمل‬ ‫من دون توقف؛ ومع ذل��ك‪ ،‬بقي شيء من‬ ‫العمل للغد؛ عندما يكون هناك الكثير‬ ‫من العمل‪ ،‬ف��إن ام��رأة المساءات ه��ذه ال‬ ‫تشغلني‪.‬‬ ‫صباح أمس‪ ،‬هاجم البحر الوهاد‪ .‬لم‬ ‫أر قط مدا بهذه الضخامة‪ .‬كان ما يزال‬

‫أمضيت وقتا من دون حركة‪ ،‬منحنيا‪،‬‬ ‫ف��ي وض���ع غ��ي��ر م��ري��ح‪ ،‬م��راق��ب��ا م��ن بين‬ ‫الستائر الحريرية الكائنة أسفل المذبح‬ ‫الرئيسي‪ ،‬وتركيزي منصب على الجلبة‬ ‫المتداخلة مع العاصفة‪ ،‬أنظر لجبال بيوت‬ ‫النمل المعتمة‪ ،‬الطرق المتحركة للنمال‪،‬‬ ‫الشاحبة والكبيرة‪ ،‬البالطات المزاحة‪...‬‬ ‫منتبها إلى نقاط الماء على الحائط وفي‬ ‫السقف‪ ،‬إلى المياه المرتجة في القنوات‬ ‫الصغيرة‪ ،‬إلى المطر في الدروب القريبة‪،‬‬ ‫إلى البرق‪ ،‬إلى الضجيج المبهم للعاصفة‪،‬‬ ‫لألشجار‪ ،‬للبحر على شاطئه‪ ،‬للعوارض‬ ‫ال��ف��وري��ة‪ ،‬أري��د ع��زل الخطوات أو صوت‬

‫فصل من رواية‬

‫كان الجزء الغارق في المياه كبيرا جدا؛ يشتد‪ ،‬عندما هطلت األم��ط��ار (األمطار‬ ‫وفي المقابل‪ ،‬ثمة أبراص وأفاع أقل‪ ،‬أما هنا ليست متواترة‪ ،‬لكنها شديدة الغزارة‪،‬‬ ‫علي‬ ‫الذباب فيبقى طوال اليوم‪ ..‬طوال العام‪ .‬مصحوبة ب��ع��واص��ف ه��وج��اء)‪ .‬ك��ان َّ‬ ‫البحث عن سد‪..‬‬ ‫العدة هناك في المتحف‪ .‬أت��وق إلى‬ ‫ً‬ ‫منشغال بتزحلقات السفح وان��دف��اع‬ ‫امتالك الجرأة والقيام بحملة إلنقاذها‪.‬‬ ‫ربما ال يكون األمر ضروريا فهؤالء الناس األمطار والريح واألغ��ص��ان‪ ،‬صعدت إلى‬ ‫ال��رب��وة‪ .‬خطر لي أن أختبئ في الكنيسة‬ ‫سيختفون؛ ربما كنت أُهلوس‪.‬‬ ‫(المكان األكثر عزلة في الجزيرة)‪.‬‬ ‫أص��ب��ح ال��ق��ارب ب��ع��ي��دا ع��ن متناولي‪،‬‬ ‫كنت في الغرف المخصصة للقسيسين‬ ‫على الشاطئ ال��ش��رق��ي‪ .‬م��ا أف��ق��ده ليس‬ ‫بكثير‪ .‬أع���رف أن��ن��ي لست سجينا‪ ،‬وأن��ه كي يتناولوا إفطارهم ويغيروا مالبسهم‬ ‫يمكنني مغادرة الجزيرة؛ لكن‪ ،‬هل يمكن (ل���م أر أي قسيس أو راع ب��ي��ن شاغلى‬ ‫أن أغادر بالفعل؟ أعرف أي جحيم يحوي ال��ج��زي��رة)؛ وف��ج��أة‪ ،‬ك��ان هناك شخصان‬ ‫ذلك القارب‪ .‬جئت من راباول حتى هنا‪ .‬لم ح��اض��ران بشكل ف���ظ‪ ،‬ك��م��ا ل��و أن��ه��م��ا لم‬ ‫يكن لدي ماء للشرب وال قبعة‪ ..‬مجذفا‪ ،‬يأتيا‪ ،‬كما لو أنهما ظهرا فقط في رؤيتي‬ ‫والبحر ال ينضب‪ ،‬كانت ضربة الشمس أو في مخيلتي‪ ..‬اختبأت – حائرا وبرعونة‬ ‫والتعب أكبر مما يحتمل جسدي‪ .‬أصاباني – تحت المذبح‪ ،‬بين حرير ملون ودانتيال‪.‬‬ ‫لم يروني‪ .‬ولآلن ال يزايلني الخوف‪.‬‬ ‫بمرض العج‪ ،‬ونوم ال ينقطع‪.‬‬


‫‪SAYSARA‬‬

‫‪108‬‬

‫‪1432‬هـ جمادى الثاني‬ ‫‪2011‬م مايو‬

‫شخص كان يتقدم نحو مكمني‪ ،‬وتجنب أي‬ ‫ظهور آخر مفاجئ‪.‬‬ ‫عبر الضجيج بدأت أسمع أجزاء من‬ ‫لحن مقتضب وب��ع��ي��د‪ ..‬ت��رك��ت االستماع‬ ‫وف ّكرت أنه كان كتلك األشكال التي‪ ،‬حسب‬ ‫ليوناردو‪ ،‬تظهر حينما نحدق‪ ،‬لبعض الوقت‪،‬‬ ‫في بقع الرطوبة‪ .‬عادت الموسيقى وكانت‬ ‫عيناي غائمتين‪ .‬مستمتعا بانسجامها‪،‬‬ ‫متشنجا قبل أن يتملكني الرعب‪.‬‬ ‫بعد وقت ذهبت إلى النافذة‪ .‬المياه‪،‬‬ ‫بيضاء ف��ي ال��زج��اج‪ ،‬غير الم��ع��ة‪ ،‬معتمة‬ ‫بشكل عميق ف��ي ال��ه��واء‪ ،‬بالكاد ت��رى‪...‬‬ ‫حدثت لي مفاجأة كبيرة إلى درج��ة أنني‬ ‫تطلعت من الباب المفتوح‪.‬‬

‫االنتظار سخيفا بعض الشيء‪ .‬أال تنتظر‬ ‫تعد‬ ‫شيئا من الحياة‪ ،‬كي ال تجازف بها؛ أن َّ‬ ‫نفسك ميتا‪ ،‬كي ال تموت‪ .‬فجأة بدا لي كل‬ ‫هذا سباتا مرعبا ومقلقا بدرجة كبيرة؛ أود‬ ‫لو أن ينتهي‪ .‬بعد الهروب‪ .‬بعد أن عشت‬ ‫غير مبال بتعب ك��ان ي��د ّم��رن��ي‪ ،‬تحصلت‬ ‫على ال��راح��ة؛ ربما تعيدني ق��رارات��ي إلى‬ ‫ذلك الماضي أو إلى القضاة؛ وأفضل ذلك‬ ‫على هذا المطهر الطويل‪.‬‬

‫هنا يعيش أبطال التأبه‪ ،‬المتشبهون‬ ‫ب��ال��ك��ب��راء‪( ،‬أو قاطنو مستشفى مهجور‬ ‫ل��ل��م��ج��ان��ي��ن)‪ .‬م��ن دون ج��م��ه��ور – أو أن��ا‬ ‫ال��ج��م��ه��ور ال��م��ت��وق��ع م��ن��ذ ال���ب���داي���ة‪ -‬كي‬ ‫يكونوا أصالء فإنهم يعبرون حد اإلزعاج‬ ‫المحتمل‪ ،‬يتحدون الموت‪ .‬هذا حقيقي‪،‬‬ ‫ول���ي���س اخ���ت���راع���ا م���ن ج���ان���ب ح���ق���دي‪..‬‬ ‫أخ��رج��وا ال��ف��ون��وغ��راف ال���ذي ك��ان هناك‬ ‫في الغرفة الخضراء‪ ،‬المالصقة لقاعة‬ ‫األحياء المائية‪ ،‬كان رجال ونساء يجلسون‬ ‫ب����دأت م��ن��ذ ث��م��ان��ي��ة أي�����ام‪ ،‬ح��ي��ن��ذاك‬ ‫هناك على العشب أو على دكك‪ ،‬يتحدثون‪ ،‬سجلت الظهور المعجز لهؤالء األشخاص؛‬ ‫يستمعون للموسيقى‪ ،‬ي��رق��ص��ون وس��ط في المساء ارتجفت بالقرب من الصخور‬ ‫عاصفة من مياه ورياح هددت باقتالع كل الشرقية‪ .‬قلت لنفسي إن ك��ل ش��يء كان‬ ‫األشجار‪.‬‬ ‫مبتذال‪ :‬الشخص البوهيمي الذي يصاحب‬ ‫يبدو اآلن أن��ه ال غنى ل��ي ع��ن ام��رأة المرأة‪ ،‬وحبي لها الخاص بعازب طالت به‬ ‫المنديل‪ .‬قد يكون كل هذا التوقي من عدم العزوبية‪ .‬عدت بعد يومين‪ :‬كانت المرأة‬


‫هناك؛ بدأت أكتشف أن هذا كان الشيء‬ ‫المعجز ال��وح��ي��د؛ ب��ع��د ذل���ك ج���اءت أي��ام‬ ‫الصيادين المنحوسة‪ ،‬لم أر المرأة فيها‪،‬‬ ‫أي��ام الملتحي والفيضان‪ ،‬أي��ام إص�لاح ما‬ ‫خربه الفيضان‪ ،‬اليوم في المساء‪..‬‬

‫***‬

‫‪SAYSARA‬‬

‫جمادى الثاني ‪1432‬هـ‬ ‫مايو ‪2011‬م‬

‫‪109‬‬

‫كاراكاس‪ ،‬كان عدم انضباطي زخرفا مكلفا‪،‬‬ ‫كان من خصائصي األكثر شخصية!)‪.‬‬ ‫ل��ق��د أف���س���دت ك���ل ش����يء‪ .‬ك��ان��ت هي‬ ‫تتأمل الغروب‪ ،‬وانبثقت أنا فجأة من وراء‬ ‫بعض األحجار‪ .‬فجأة‪ ،‬وبشعري الكثيف‪،‬‬ ‫ومكشوفا من الوهاد‪ ،‬ال بد لي أنني ظهرت‬ ‫بهيئتي المفزعة المتزايدة‪.‬‬

‫أنا مرتعب وغير سعيد بنفسي‪ ،‬ولكن‬ ‫���دي إص���رار ب��ال��غ‪ .‬ع��ل َّ��ي اآلن أن أنتظر‬ ‫ل َّ‬ ‫قدوم الدخالء‪ ،‬في أي وقت؛ إذا تأخروا‬ ‫ف���س���وف ت���ك���ون ع�ل�ام���ة س��ي��ئ��ة ‪malum‬‬ ‫هذه المرأة أكثر من أن تكون غجرية‬ ‫علي‪ .‬سأخبىء‬ ‫‪ signum‬سيأتون للقبض َّ‬ ‫هذه اليوميات‪ ،‬وسأهيئ بيانا‪ ،‬وسأخبئهما مز ّيفة‪ .‬تدهشني جرأتها‪ .‬ليس هناك من‬ ‫ليس بعيدا من القارب‪ ..‬مقررا أن أصارع‪ ،‬دليل على أنها رأتني‪ .‬ال رمشة عين‪ ،‬وال‬ ‫أن أهرب‪ .‬مع ذلك‪ ،‬لست عابئا باألخطار‪ .‬أي جفلة خفيفة‪.‬‬ ‫لست مرتاحا أب���دا‪ ،‬فيمكن إلهمالي أن‬ ‫ال��ش��م��س ال ت����زال ه��ن��اك ف���ي األف���ق‬ ‫يحرمني من تلك المرأة لألبد‪.‬‬ ‫(ليست الشمس‪ ،‬ب��ل تجليها؛ كانت تلك‬ ‫بعد االستحمام أصبحت نظيفا وأقل اللحظة التي غابت فيها‪ ،‬أو سوف تغيب‬ ‫هندمة (بسبب تأثير الرطوبة على لحيتي وي��راه��ا ال��م��رء حيث ال ت��وج��د)‪ .‬كنت قد‬ ‫وع��ل��ى ش��ع��ري)‪ ،‬ذه��ب��ت ألراه����ا‪ .‬كنت قد تسلقت األحجار بسرعة‪ .‬رأيتها بمنديلها‬ ‫رس��م��ت ه���ذه ال��خ��ط��ة‪ :‬أن أن��ت��ظ��ره��ا عند الملون‪ ،‬وبيديها معقودتين على ركبتها‪،‬‬ ‫الصخور؛ وعندما تأتي‪ ،‬ستجدني شاردا نظرتها تغني العالم‪ .‬لم يعد لجم تنفسي‬ ‫عند غروب الشمس؛ سيكون هناك وقت ممكنا‪ .‬تبدو المرتفعات الصخرية مرتعشة‬ ‫لتستحيل المفاجأة والخشية المحتملة والبحر كذلك‪.‬‬ ‫ال بد أن الدخالء سيأتون بين لحظة‬ ‫وأخ��رى‪ .‬لم أق��م بإعداد أي بيان‪ .‬ولست‬ ‫خائفا‪.‬‬

‫وصلت متاخرا ج��دا‪( .‬يغيظني عدم‬ ‫انضباطي هذا‪ .‬أف ّكر أن في هذا الموكب‬ ‫من اآلفات المسمى بالعالم المتحضر‪ .‬في‬

‫اكتشفت عندئذ‪ ،‬كي أرج��ىء اللحظة‬

‫فصل من رواية‬

‫إلى فضول‪ :‬سيتشفع لصالحنا اإلخالص‬ ‫المشترك للمساء؛ وستسألني م��ن أن��ا‪،‬‬ ‫وسنصبح أصدقاء‪.‬‬

‫بينما كنت أفكر في هذا كله‪ ،‬سمعت‬ ‫البحر بضجيج حركته وتعبه‪ ،‬إلى جانبي‪،‬‬ ‫كما لو ك��ان قد ألقى بنفسه إل��ى جانبي‪.‬‬ ‫هدأت قليال فليس محتمال أنها قد سمعت‬ ‫صوت أنفاسي‪.‬‬


‫‪SAYSARA‬‬

‫‪110‬‬

‫‪1432‬هـ جمادى الثاني‬ ‫‪2011‬م مايو‬

‫ال��ت��ي أح��ادث��ه��ا فيها‪ ،‬ق��ان��ون��ا سيكولوجيا ال��ف��ج��ائ��ي وال���وق���ت ال��م��ت��أخ��ر وال���وح���دة)‬ ‫قديما‪ .‬ك��ان من المالئم لي التحدث من أصررت‪ :‬أعرف أنه ليس الئقا‪..‬‬ ‫مكان مرتفع‪ ،‬يسمح لي بالنظر من فوق‪.‬‬ ‫لم أعد أتذكر ما قلته بالتحديد‪ .‬كنت‬ ‫ه���ذا االرت���ف���اع ال��م��ادي الكبير يمكن أن تقريبا الواعياً‪ .‬تحدثت إليها بصوت مهذب‬ ‫يقاوم‪ ،‬في جانب منه‪ ،‬إحساسي بالدونية‪ .‬وخفيض‪ ،‬وبهيئة توعز بالبذاءة‪ .‬وقعت‪ ،‬من‬ ‫صعدت عدة أحجار أخرى‪ .‬زاد التعجل‬ ‫والمجهود حالتي س��وء‪ .‬كنت قد أجبرت‬ ‫نفسي ع��ل��ى ال��ت��ح��دث إل��ي��ه��ا ه���ذا ال��ي��وم‪.‬‬ ‫ل��و كنت أردت تجنيبها اإلح��س��اس بعدم‬ ‫األمان‪ -‬بسبب المكان المنعزل والظالم‪-‬‬ ‫لما كان بإمكاني االنتظار لدقيقة واحدة‪.‬‬ ‫أراه�����ا ك��م��ن ت��ت��خ��ذ وض��ع��ا م���ن أج��ل‬ ‫مصور خفي‪ ،‬كانت في سكينة المساء‪ ،‬في‬ ‫السكينة غير المحدودة وكنت سأقطعها‬ ‫عليها‪.‬‬ ‫كان سيصبح قول أي شيء طلبا مقلقا‪.‬‬ ‫كنت أجهل إذا ما كان لدي صوت‪.‬‬ ‫رأيتها وأنا مختبئ‪ .‬خفت أن تفاجئني‬ ‫وأنا أتجسس عليها؛ ظهرت‪ ،‬ربما بطريقة‬ ‫زائ���دة الخشونة‪ ،‬ف��ي مرمى نظرتها؛ مع‬ ‫ذل��ك؛ لم ينقطع تنفسها الهادئ؛ نظرتها‬ ‫غ��ض��ت ال��ط��رف ع��ن��ي‪ ،‬ك��م��ا ل��و ك��ن��ت غير‬ ‫مرئي‪.‬‬ ‫ّ‬

‫جديد‪ ،‬في كلمة آنسة‪ .‬تخليت عن الكلمات‬ ‫وب����دأت أت��أم��ل ال���غ���روب‪ ،‬آم�ل�ا أن تقربنا‬ ‫نظرة الهدوء التي نتقاسمها‪ .‬عدت ألتكلم‪.‬‬ ‫المجهود الذي قمت به كي أتمالك نفسي‪،‬‬ ‫أخفض صوتي وأزيد من نبرة البذاءة‪ .‬مرت‬ ‫عدة دقائق أخ��رى من الصمت‪ .‬ألححت‪،‬‬ ‫توسلت‪ ،‬بطريقة كريهة‪ .‬في النهاية كنت‬ ‫سخيفا بشكل استثنائي‪ .‬مرتجفا‪ ،‬طلبت‬ ‫إليها‪ ،‬بصراخ‪ ،‬تقريبا‪ ،‬أن تشتمني‪ ،‬أن تشي‬ ‫بي‪ ،‬لكن أال تبقى صامتة هكذا‪.‬‬ ‫لم يكن األمر كما لو أنها لم تسمعني‪،‬‬ ‫كما لو أنها لم ترني؛ بل ك��ان كما لو أن‬ ‫أذنيها ال تصلحان للسمع‪ ،‬وأن عينيها ال‬ ‫تنفعان للنظر‪ .‬بطريقة ما شتمتني‪ ،‬أظهرت‬ ‫أنها ليست خائفة مني‪ .‬كان الليل قد ح َّل‬ ‫عندما أخ��ذت حقيبة الخياطة‪ ،‬وس��ارت‬ ‫بهدوء على الجانب األعلى من الربوة‪.‬‬ ‫لم يأت الرجال بعد للبحث عني‪ .‬ربما‬ ‫لن يأتوا هذه الليلة‪ .‬ربما تكون هذه المرأة‬ ‫مندهشة كثيرا من كل ما جرى‪ ،‬ولم تحك‬ ‫لهم عن ظهوري‪.‬‬

‫لم أتو ّقف‪ .‬آنسة‪ ،‬أريد أن تسمعيني‪-‬‬ ‫قلت على أمل أال يصل إليها توسلي‪ ،‬فقد‬ ‫كنت منفعال لدرجة نسياني ما أردت قوله‪.‬‬ ‫الليل معتم‪ .‬أعرف الجزيرة جيدا‪ :‬ال‬ ‫ب��دا ل��ي أن وق��ع كلمة آنسة سخيف على أخشى من جيش بكامله لو جاء يبحث عني‬ ‫هذه الجزيرة‪ .‬إضافة إلى أن الجملة كانت ليال‪.‬‬ ‫أم��ري��ة بشكل زائ��د (متزامنة م��ع الظهور‬ ‫***‬


‫‪SAYSARA‬‬

‫جمادى الثاني ‪1432‬هـ‬ ‫مايو ‪2011‬م‬

‫‪111‬‬

‫عودة المرأة‪ ،‬القرب الذي بحثت عنه‪ ،‬العمل‪ .‬رأيت الزهور (غزيرة في الناحية‬ ‫يبدو أن كل ش��يء يشير إل��ى تغير سعيد السفلية من ال��وه��اد)‪ .‬نزعت ما بدا لي‬

‫فصل من رواية‬

‫ح���دث‪ ،‬م���رة أخ����رى‪ ،‬ك��م��ا ل��و أن��ه��ا لم بشكل أكبر مما يمكنني تخ ّيله‪..‬‬ ‫ترني‪ .‬لم أرتكب خطأ آخر إال البقاء ساكتا‬ ‫ربما نسيت لحيتي‪ ..‬سنواتي‪ ..‬الشرطة‬ ‫وع���ودة الصمت إل��ى م��ا ك��ان عليه‪ .‬كنت‬ ‫التي طاردتني كثيرا‪ ،‬والتي ال ت��زال لآلن‬ ‫أتأمل ال��غ��روب عندما ج��اءت ال��م��رأة إلى‬ ‫تبحث عني‪ ،‬بعناد‪ ،‬كلعنة نافذة‪.‬‬ ‫الصخور‪ .‬كانت هادئة‪ ،‬تبحث عن مكان‬ ‫ال يجب أن أتعلق باألمل‪ ،‬أكتب هذا‬ ‫لتفرش البطانية‪ .‬بعدها مشت باتجاهي‪.‬‬ ‫وأنا أتمطع كدت أن ألمسها‪ .‬هذا االحتمال وتخطر لي فكرة هي عبارة عن أمل‪.‬‬ ‫أرعبني (كما لو كنت واقعا في خطر من‬ ‫ال أعتقد أنني قد شتمت المرأة‪ ،‬لكن‬ ‫جراء لمس شبح)‪ .‬في غضها الطرف عني ربما كانت الفرصة سانحة ألع ّوضها‪ .‬ماذا‬ ‫ثمة ش��يء مخيف‪ .‬رغ��م ذل��ك‪ ،‬فبجلوسها يفعل رجل في موقف كهذا؟ يرسل زهورا‪.‬‬ ‫بجانبي‪ ،‬فإنها تتحداني‪ .‬وبطريقة ما‪ ،‬هذه خطة سخيفة‪ ..‬لكن التكلّف عندما‬ ‫وضعت نهاية لهذا التجاهل؛ أخرجت كتابا يكون بسيطا فإنه يملك القلب‪.‬‬ ‫من الحقيبة وأخذت تقرأ‪.‬‬ ‫هناك زهور كثيرة في الجزيرة‪ .‬عند‬ ‫استغليت الهدنة‪ ،‬كي أُه��دىء نفسي؛‬ ‫وصولي‪ ،‬كانت هناك مجموعة كبيرة منها‬ ‫بعد ذلك‪ ،‬عندما رأيتها تضع الكتاب وترفع‬ ‫حول حمام السباحة والمتحف‪ .‬بالتأكيد‬ ‫نظرتها فكرت‪« :‬إنها تحضر استجوابا»‪ .‬لم‬ ‫سأتمكن م��ن صنع حديقة صغيرة فوق‬ ‫يحدث هذا‪ .‬تفاقم الصمت الذي ال مناص‬ ‫ال��ع��ش��ب ال���ذي ي��ح��وط ال��ص��خ��ور‪ .‬أحيانا‬ ‫منه‪ .‬فهمت أهمية أال أقاطعها‪ ،‬لكن دون‬ ‫تنفع الطبيعة في التحصل على صداقة‬ ‫مكابرة ودون داع ظللت ساكتا‪.‬‬ ‫امرأة‪ .‬ربما تساعدني على كسر الصمت‬ ‫ل���م ي����أت أح����د م���ن زم�لائ��ه��ا س��اع��ي��ا وال��ح��ذر‪ ..‬سيكون ه��ذا أسلوبي الشعري‬ ‫ورائي‪ .‬ربما لم تحدثهم عني‪ ،‬ربما تقلقهم األخير‪ .‬أنا لم أشكل ألوانا‪ ،‬ال أفهم شيئا‬ ‫معرفتي بالجزيرة (لهذا تعود المرأة يوميا تقريبا في فن الرسم‪ ..‬أثق‪ ،‬مع ذلك‪ ،‬في‬ ‫متصنعة حدثا عاطفيا)‪ .‬آخذ حذري‪ ،‬أنا قدرتي على عمل شيء متواضع ينم عني‬ ‫جاهز لمفاجئة المؤامرة األكثر صمتا‪.‬‬ ‫كهاو للحدائق‪.‬‬ ‫ٍ‬ ‫اك��ت��ش��ف��ت ف����ي ن��ف��س��ي م���ي�ل�ا ل��ت��وق��ع‬ ‫***‬ ‫التبعات السيئة بشكل استثنائي‪ .‬تكون في‬ ‫السنوات الثالث أو األربع الماضية‪ ،‬ليس‬ ‫ص���ح���وت ف���ي ال���ف���ج���ر‪ .‬ش���ع���رت أن‬ ‫عرضيا وال يزعجني‪.‬‬ ‫ج���دارة تضحيتي كانت تكفي ك��ي أكمل‬


‫‪SAYSARA‬‬

‫‪112‬‬

‫‪1432‬هـ جمادى الثاني‬ ‫‪2011‬م مايو‬

‫أنه أقل نفورا‪ .‬كذلك الزهور ذات األلوان‬ ‫الغامضة لها خضرة شبه حيوانية‪ .‬بعد‬ ‫قليل م��ن ال��وق��ت‪ ،‬ألقيت ن��ظ��رة عليها‪،‬‬ ‫كي أرتبها‪ ،‬ألنها كانت تفيض من تحت‬ ‫ذراعي‪ :‬كانت ميتة‪.‬‬ ‫ك��دت أن أتخلى ع��ن خطتي‪ ،‬لكني‬ ‫تذكرت أن ثمة مكانا آخ��ر في األعلى‪،‬‬ ‫على مرأى من المتحف‪ ،‬غني بالزهور‪..‬‬ ‫وألن الوقت كان مبكرا‪ ،‬فقد بدا لي أنه‬ ‫ليس هناك من خطر في الذهاب لرؤية‬ ‫الزهور‪ .‬كان الدخالء نائمين بالتأكيد‪.‬‬ ‫قطعت ع��دة زه���ور‪ ،‬ك��ان��ت صغيرة جدا‬ ‫وخ��ش��ن��ة‪ .‬ل��ي��س ل��ه��ا ذل����ك االس��ت��ع��ج��ال‬ ‫الوحشي للموت‪ .‬هناك عائقان‪ :‬حجمها‬ ‫الصغير وأنها على مرأى من المتحف‪.‬‬ ‫قضيت الصباح بكامله معرضا نفسي‬ ‫ألن يكتشفني أحد منهم‪ ،‬لديه الهمة ألن‬ ‫يصحو ق��ب��ل ال��ع��اش��رة‪ .‬أظ���ن أن شرطا‬ ‫متواضعا للكارثة كهذا لم يتم الوفاء به‪.‬‬ ‫ط��وال م��دة عملي في ضم ال��زه��ور كنت‬ ‫أرقب المتحف ولم أر واحدا من شاغليه‪:‬‬ ‫يسمح لي هذا بافتراض أنهم لم يروني‪.‬‬ ‫الزهور صغيرة جدا‪ .‬على أن أزرع اآلالف‬ ‫واآلالف إذا لم أشأ حديقة تافهة (يمكن‬ ‫أن تكون أكثر جماال‪ ،‬وأسهل في عملها؛‬ ‫لكن يظل هناك خطر أال تراها المرأة)‪.‬‬ ‫عكفت على تحضير مربع الحديقة وحفر‬ ‫األرض (إن��ه��ا متصلبة وسطحها المع ّد‬ ‫* شاعر ومترجم مصري مقيم في إسبانيا‪.‬‬

‫ش��دي��د االت���س���اع)‪ ،‬وري��ه��ا ب��م��اء المطر‪.‬‬ ‫عندما أنتهي من تحضير األرض سيكون‬ ‫علي البحث عن زهور أكثر‪ .‬سأفعل كل ما‬ ‫َّ‬ ‫في وسعي كي ال يفاجئني أحد‪ ،‬وبشكل‬ ‫علي عملي‪ ،‬أو أن‬ ‫خاص‪ ،‬كي ال يقطعوا َّ‬ ‫يروه قبل اكتماله‪.‬‬ ‫ن��س��ي��ت أن ه��ن��اك ض�����رورات كونية‬ ‫بالنسبة لحركة النبات‪ .‬ال يمكنني تصديق‬ ‫أن ال��زه��ور ل��ن تبقى حية حتى غ��روب‬ ‫الشمس بعد كل هذا العمل الخطر‪ ،‬وبعد‬ ‫كل هذا التعب‪.‬‬ ‫أفتقر إلى جماليات تنسيق الحدائق‪،‬‬ ‫على أي حال‪ ،‬فإن الحديقة‪ ،‬بين المراعي‬ ‫وبين الجبال الصغيرة من القش الذي‬ ‫يحوط النباتات‪ ،‬ستبدو مثيرة للمشاعر‪.‬‬ ‫س��ي��ك��ون غ��ش��ا‪ ،‬بطبيعة ال���ح���ال؛ طبقا‬ ‫لخطتي‪ ،‬س��ت��ك��ون ه���ذا ال��م��س��اء حديقة‬ ‫معتنى ب��ه��ا؛ رب��م��ا تصبح ميتة غ���دا أو‬ ‫دون أزه��ار (إذا ه ّبت ال��ري��ح)‪ .‬يخجلني‬ ‫قليال إعالن خطتي‪ .‬امرأة هائلة الطول‬ ‫جالسة‪ ،‬تتأمل الغروب‪ ،‬بيدين معقودتين‬ ‫على ركبة واحدة؛ ورجل ضئيل‪ ،‬مصنوع‬ ‫م��ن األوراق‪ ،‬راك���ع أم��ام��ه��ا (ت��ح��ت ه��ذه‬ ‫الشخصية سأضع كلمة أنا بين قوسين)‪.‬‬ ‫س��ت��ك��ون ه��ن��اك ه���ذه ال��ك��ل��م��ات‪ :‬سامية‪،‬‬ ‫غامضة وليست نائية‪ ،‬بالصمت الحي‬ ‫للوردة‪.‬‬


‫‪SAYSARA‬‬

‫جمادى الثاني ‪1432‬هـ‬ ‫مايو ‪2011‬م‬

‫‪113‬‬

‫دراسات ونقد‬


‫‪SAYSARA‬‬

‫‪114‬‬

‫‪1432‬هـ جمادى الثاني‬ ‫‪2011‬م مايو‬


‫‪SAYSARA‬‬

‫جمادى الثاني ‪1432‬هـ‬ ‫مايو ‪2011‬م‬

‫‪115‬‬

‫المواطنة في الشعر السعودي‬

‫قصيدة (وطن الجمال)‬ ‫لنجاة الماجد أنموذجاً‬ ‫> د‪.‬إبراهيم الدهون*‬

‫لذا‪ ،‬تهدف هذه ال ّدراسة النقد ّية إلى ويؤسس المنهج‪.‬‬ ‫تبيان مفردات ورموز المواطنة الحقيقية‬ ‫أن للوطن سحراً يتمثل‬ ‫وم ّما ال شك فيه َّ‬ ‫في قصيدة “وطن الجمال” للشاعرة نجاة في تمسك ّ‬ ‫الشعراء وحديثهم في قضايا‬ ‫الماجد‪ ،‬م��ن خ�لال ديوانها “الجرح إذا ومسائل أكثر عمومي ًة‪ ،‬ترتبط ارتباطاً‬ ‫تنفس” الصادر عن نادي الجوف‬ ‫األدبي‪ ،‬وثيقاً بمفاهيم واتجاهات المواطنة‪.‬‬ ‫ّ‬ ‫سنة ‪2010‬م‪ ،‬وأث��ره��ا ف��ي تنمية الحس‬ ‫��إن المواطنة مفهو ٌم اشتق‬ ‫وعليه‪ ،‬ف َّ‬ ‫ال��وط��ن��ي وال�����وازع االن��ت��م��ائ��ي ب��ي��ن أف���راد من كلمة الوطن‪ ،‬تشترك فيه جميع األمم‪،‬‬ ‫المجتمع‪.‬‬ ‫وكيان يفرض وجوداً على الفرد المنتمي‪،‬‬

‫أن مشكالته ال تتجزأ وال‬ ‫السعودي ال���ذي يشعر َّ‬ ‫إن المدق َق لمسيرة ّ‬ ‫َّ‬ ‫الشعر ّ‬ ‫يلحظ دقة التفاعل والتمازج والتعامل مع ينفصل عن مشاكل أفراد المجتمع اآلخر‪.‬‬ ‫ال��وط��ن على أس���اس عناصره ومكوناته‪،‬‬ ‫ومن هنا‪ ،‬تأتي أهمية هذه الدراسة‬ ‫ّص ّ‬ ‫الشعري في بناء‬ ‫التي تنطلق من الفرد‪ ،‬الذي يبلور المكان في‬ ‫ّ‬ ‫تقصي أث��ر الن ّ‬

‫أقـ ـ ـ ـ ـ ــواس‬

‫الصالحة‪ ،‬والتّعبير عن أصول اإلسالم تعبير ًا سليم ًا‪ ،‬وبث القيم‬ ‫ِإنَّ حضو َر المواطنة ّ‬ ‫السعودي‪،‬‬ ‫والفضائل العليا في األجيال‪ ،‬وتطوير المجتمع فكر ّي ًا وثقاف ّي ًا في األدب ّ‬ ‫بشكل عام‪ّ ،‬‬ ‫الفت لالنتباه‪،‬‬ ‫والشعر بشكل خاص‪ٌ ،‬‬ ‫للدراسة والبحث الجا ّد ألنّ‬ ‫ومثير ِّ‬ ‫ٌ‬ ‫الصالحة عامل‬ ‫الفعالين للمواطن الصالح‪ .‬وعليه‪ ،‬فإنّ‬ ‫ّ‬ ‫المواطنة ّ‬ ‫للتقدم واالزدهار ّ‬ ‫ّ‬ ‫الشاعر يسعى جاهد ًا ليقيم عملية التواصل والمثاقفة مع أبناء المجتمع‪ ،‬من‬ ‫حيث إنّه ينهض بوظيفة اجتماع ّية‪ ،‬مؤداها مراس الكالم مع النّاس والتأثير فيه‪.‬‬


‫‪SAYSARA‬‬

‫‪116‬‬

‫‪1432‬هـ جمادى الثاني‬ ‫‪2011‬م مايو‬

‫��ص��ال��ح��ة‪ ،‬وم����دى ال��ت��ص��اق‬ ‫ال��م��واط��ن��ة ال ّ‬ ‫ّ‬ ‫الشاعرة والتحامها بالوطن والوطنية؛‬ ‫ً‬ ‫تطبيقا على قصيدتها آنفة الذكر‪.‬‬ ‫فحينما نتأ ّمل قصيدة وطن الجمال‪،‬‬ ‫نلحظ جلياً ال��روح الوطن ّية‪ ،‬فض ً‬ ‫ال عن‬ ‫السعودي‬ ‫تجسيد نعمة الله على المجتمع ّ‬ ‫في اجتماع الكلمة وتآلف القلوب‪ ،‬في ظل‬ ‫قيادة حكيمة تنطلق من مبادئ اإلسالم‬ ‫ومفاهيمه الواضحة ووسطيته العظيمة‪.‬‬

‫عن ح ّبها لوطنها‪ ،‬مصورة ما أف��اء الله‬ ‫سبحانه وتعالى عن هذه البالد من فضل‬ ‫كبير‪ ،‬في أن قيض لها أشخاصاً استقاموا‬ ‫على دين رسولنا مح ّمد ‪-‬صلى الله عليه‬ ‫وسلم‪ -‬وحكموها بما أمر الله ونبيه من‬ ‫ع��دل وت��ق��وى وم��س��اواة‪ ،‬فتدخل الماجد‬ ‫في صورة محفزة ورائعة‪ ،‬لتع ّبر عن شدة‬ ‫تعلّقها وشغفها بالوطن‪ ،‬حيث ترتفع درجة‬ ‫المناجاة والهيام به‪.‬‬ ‫وإذا مضينا إل��ى األس��ط��ر ّ‬ ‫الشعرية‬ ‫اآلتية في قصيدتها‪ ،‬نرى ص��ورة الوطن‬ ‫مشرقة‪ ،‬تلح إل��ح��اح��اً كبيراً على ال�� ّن��ور‬ ‫وال��ه��داي��ة؛ وهنا‪ ،‬تك ّرر ال��دِّالل��ة الدين ّية‪،‬‬ ‫وتن ّبه أبناء مجتمعها على التشبث الحقيقي‬ ‫باألرض‪ ،‬فتستغل ّ‬ ‫الشاعرة الثقافة الدين ّية‬ ‫لتبرز الوطن وسماته المتميزة لقولها‪:‬‬

‫ل��ق��د ك�� ّرس��ت ال ّ‬ ‫��ش��اع��رة ال��م��اج��د في‬ ‫الكلمة أم��ان��ة‪ ،‬وأث���راً ق��وي��اً ف��ي اإلن��س��ان‪،‬‬ ‫فكان العنوان لوناً من الثبات والتفاني‬ ‫والتماهي بالوطن‪ ،‬وط��ن الجمال؛ وطناً‬ ‫عظيماً بماضي األجداد التليد‪ ،‬وحاضر‬ ‫األبناء الطريف؛ فتذكرنا بما للوطن من‬ ‫أمجاد تجمع بين األص��ال��ة والمعاصرة‪،‬‬ ‫وبموطني أم القرى أرض الهدى‬ ‫فتورث النشوة واالعتزاز واالفتخار‪.‬‬ ‫حيث انبالج النور في األرجاء‬ ‫ل���ذا‪ ،‬ت��ج��د ال ّ‬ ‫��ش��اع��رة أم���ل سعادتها‬ ‫وطن وكلّ المسلمين تجلّه‬ ‫وفرحتها ف��ي لحظة حديثها عنه؛ أل ّن��ه‬ ‫في العقل مسكنه وفي األحشاء‬ ‫���س���م���وق واألم���ج���اد‬ ‫ي��ط��ف��ح ب��ال��م��آث��ر وال ّ‬ ‫وبموطني للدين قامت دولة‬ ‫العظيمة‪ .‬إذ تقول‪:‬‬ ‫وعلى شريعة ر ّبها السمحاء‬ ‫يا سائ ًال عن موطني وإبائي؟‬ ‫ومقامه في ليلة اإلسراء‬ ‫قمة الجوزاءِ‬ ‫وطني يطاول ّ‬ ‫ومن يتأ ّمل األسطر ّ‬ ‫السابقة‪-‬‬ ‫الشعرية‪ّ -‬‬ ‫لو تقرأ األمجا َد يبدو موطني‬ ‫أن النّور يشع من جوهرة هذا الوطن‪،‬‬ ‫يجد َّ‬ ‫موسوعة للمجد والعلياء‬ ‫الذي يمتلئ ترابه أمناً وسالماً‪ ،‬فض ً‬ ‫ال عن‬ ‫محمد‬ ‫وله يؤول الدين دين‬ ‫ّ‬ ‫هذه األرض‪ ،‬مهوى أفئدة النّاس‪ ،‬لما فيها‬ ‫خير العباد وس ّيد ّ‬ ‫الشفعاء‬ ‫من إحساس يجبر األرواح الكسيرة‪ ،‬وفيها‬ ‫السالم الحقّ ليس تمايز‬ ‫دين ّ‬ ‫بيت الله العتيق‪ ،‬موئل العابدين من جموع‬ ‫البغضاء‬ ‫إلى‬ ‫يفضي‬ ‫فيه وال‬ ‫المسلمين الغفيرة‪ ،‬كما أنها أرض الله‬ ‫أن الشاعرة تعلن‬ ‫ومن هنا‪ ،‬نستشعر َّ‬

‫التي اكتملت فيها دائ��رة الوحي األخيرة‪،‬‬


‫‪SAYSARA‬‬

‫جمادى الثاني ‪1432‬هـ‬ ‫مايو ‪2011‬م‬

‫‪117‬‬

‫إذ بعث فيها سيد البشرية قاطبة‪ ،‬ومتمم ارتباطها قيماً ب���ارزة‪ ،‬وأنتجت قصصاً‬ ‫م���ك���ارم األخ��ل��اق س��ي��دن��ا م��ح�� ّم��د‪ ،‬عليه ناجحة لدالالت العطاء والخير‪ ،‬على نحو‬ ‫والسالم‪.‬‬ ‫ما تراءت صورته في قولها‪:‬‬ ‫ّ‬ ‫الصالة ّ‬

‫تتناغم فيها األبعاد ال ّدالل ّية والموسيقا‬ ‫الشعر ّية‪ ،‬فض ً‬ ‫ّ‬ ‫ال عن انعكاس عمق االنتماء‬ ‫المكاني لتراب هذا الوطن‪.‬‬

‫ت��ص�� ّرح ال��م��اج��د ف��ي ه���ذه األس��ط��ر‬ ‫ال ّ‬ ‫��ش��ع��ري��ة بقصة ان��ت��ص��ارات آل سعود‬ ‫ون��ج��اح��ه��م ف��ي م��س��ي��رة ال��ب��ن��اء وال��ن��م��اء‬ ‫واالزده��ار لهذا البلد حتى بلغ عطاؤهم‬ ‫هكذا‪ ،‬ع ّبرت الماجد عن المواطنة‪،‬‬ ‫ذروت���ه‪ ،‬وبلغ المجد قم ًة شامخ ًة‪ ،‬منذ الس���ي���م���ا ت��وظ��ي��ف��ه��ا ل���ل���م���ف���ردة ال���لّ���غ���و ّي���ة‬ ‫تسلم دفة الحكم‪ ،‬لما نلمسه من تطور‬ ‫والصورة ّ‬ ‫رسخت انتماءها؛‬ ‫ّ‬ ‫الشعر ّية التي ّ‬ ‫هائل‪ ،‬ورعاية األطياف كافة‪ ،‬الذي يزرع‬ ‫ّص‬ ‫فاستحضار الوطن‪ ،‬ومتعلقاته في الن ّ‬ ‫بدوره قيم االنتماء والوالء‪.‬‬ ‫ّ‬ ‫الشعري داللة أكيدة‪ ،‬وإشارة واضحة إلى‬ ‫ّص ّ‬ ‫الشعري في الكشف عن‬ ‫وف���ي ه���ذه األث���ن���اء‪ ،‬أرادت الماجد إبراز دور الن ّ‬ ‫االنغماس في انتمائها الوطني‪ ،‬فأثمر تجربة ّ‬ ‫الشاعر وموقفه الفكري‪.‬‬ ‫* جامعة اجلوف‪.‬‬

‫أقـ ـ ـ ـ ـ ــواس‬

‫وترتفع النغمة الوطن ّية ارتفاعاً صارخاً أو تسألوني أي ُقطر موطني؟‬ ‫وم��ل��ح��وظ��اً‪ ،‬ي��ص��ل األم���ر ب��ال ّ‬ ‫��ش��اع��رة إل��ى وطني العظيم وموطن العطاء‬ ‫التركيز على صورة الوطن ّ‬ ‫الشامخة‪ ،‬في كم من عظيم أنجبته بالدنا‬ ‫كزهر عاطر األنباء‬ ‫ثباتها على معتقدها وفي أمنها وتكاتفها وغدا‬ ‫ٍ‬ ‫وتضامنها‪ ،‬فتقول‪:‬‬ ‫فمتى سألتم عن مآثر موطني‬ ‫في البحر أو في الصخرة الصماء‬ ‫مبدع‬ ‫هو مصدر اإللهام كم‬ ‫ٍ‬ ‫وطن يضاهي موطني‬ ‫وطني وما ٌ‬ ‫منه استقى هو فتنة ّ‬ ‫الشعراء‬ ‫هو أول‪ ..‬بشهادة األعداء‬ ‫وطن الجمال به العيون تكحلّت‬ ‫وغدت تباهي أعين النجالء‬ ‫يتجلّى تعلّق الماجد بالوطن‪ ،‬إذ تضفي‬ ‫‪...‬‬ ‫عليه م��ظ��ه��را م��ش��رق��اً إذ رف���ض الخنوع‬ ‫تاريخه الوضاء فيه مالحم‬ ‫السموق والعلو‬ ‫واالستكانة‪ ،‬وألبسته عباءة ّ‬ ‫للنصر والتمكين والعلياء‬ ‫��ص ّ‬ ‫الشعري‬ ‫وال��ك��ب��ري��اء‪ ،‬لذلك يمتلئ ال�� ّن ّ‬ ‫حكامه آل السعود ومجدهم‬ ‫بالثيمات المرتبطة بالبقاء وال��ت��واش��ج‪،‬‬ ‫نور يبدد قسوة الظلماء‬ ‫وتثبيت القيم وانبعاث اللحظات االشراق ّية‪،‬‬ ‫بالعلم أحيوها وبثّوا نوره‬ ‫كتكرار ثيمة (وط���ن) تسع م���رات‪ ،‬وثيمة‬ ‫في الخافقين بخيرة العلماء‬ ‫(موطن) ثماني م��رات‪ ،‬لتصوغها انساقاً‬


‫‪SAYSARA‬‬

‫‪118‬‬

‫‪1432‬هـ جمادى الثاني‬ ‫‪2011‬م مايو‬

‫الجوف في ذاكرة التاريخ واألدب‬ ‫> مالك اخلالدي*‬ ‫لم تغب منطقة الجوف عن ذاك��رة الحضارة فكانت تُطل بين الفينة واألخ��رى من‬ ‫بين سطور الخلود في أسفار األدب والتاريخ‪ ،‬ولعلنا نقف على بعض تلك المواضع‬ ‫كمصافحة سريعة لنبض الجوف المضيء‪.‬‬ ‫فمن المواضع التي ُذكرت فيها الجوف ونواحيها في شعر العرب ما يلي‪:‬‬ ‫‪ -1‬قال ياقوت‪ :‬عقدة الجوف موضع‬ ‫‪ -2‬يقول اليعقوبي ف��ي ال��ب��ل��دان عن‬ ‫في سماوة كلب بين الشام والعراق‪ ،‬ذكره رحيل قسم م��ن ط��ي م��ن منطقة الجوف‬ ‫المتنبي في قوله‪:‬‬ ‫إل��ى دي��ار بني سعد في حائل على لسان‬ ‫األحيمر السعدي الشاعر‪:‬‬ ‫����اب‬ ‫وأم�������س ْ‬ ‫�������ت تُ����خ����ي����رن����ا ب����ال����ن����ق ِ‬ ‫وادي ال����م����ي����اه ووادي ال����قُ ����رى وأن م���وس���ى ب���ائ���ع ال��ن��ق��ل وال���ن���وى‬ ‫�������اب وال����س����ت����ار خ��ط��ي��ر‬ ‫ل�����ه ب���ي���ن ب ٍ‬

‫�����ت (ب���س���ي���ط���ة) ج������وب ال����را‬ ‫وج�����اب ْ‬ ‫ء ب����ي����ن ال�����نّ�����ع�����ام وب�����ي�����ن ال���م���ه���ا خال (الجوف) من قطاع سعد فما بها‬ ‫لمستصرخ يرجو البتول مصير(‪.)2‬‬ ‫إل���ى ع��ق��دة (ال���ج���وف) ح��ت��ى شفت‬ ‫ٍ‬ ‫������راوي ب���ع���ض ال���ص���دا‬ ‫ب����م����اء ال������ج‬ ‫َّ‬ ‫‪ -3‬وق��د م��دح التنوخي األمير نواف‬ ‫والح ل�����ه�����ا ص�����������و ٌر وال������ص������ب������ا َح‬ ‫ال��ش��ع�لان (أح���د أم����راء ال��ج��وف قديما)‬ ‫���ا‬ ‫ح‬ ‫���‬ ‫ض‬ ‫والح ال�����ش�����غُ �����و ُر ل����ه����ا وال���‬ ‫عندما زار ال��ج��وف ورأى منظر النخيل‬ ‫ال��ذي يحيط بها أث��ن��اء رحلته ف��ي شمال‬ ‫����ي دي�������داؤه�������ا‬ ‫وم���������س ال����ج����م����ي����ع ّ‬ ‫وغ�������ادى (األض����������ارع) ث����م ال����دن����ا(‪ )1‬الجزيرة العربية ببيتين‪:‬‬

‫وبسيطة‪ :‬أرض زراعية خصبة تقع في ل��ع��م��ري ل��ق��د زرت ال���دي���ار وأه��ل��ه��ا‬ ‫وط���ف���ت ب��ه��ا ح��ت��ى دع���ي���ت ب��ط��واف‬ ‫الجوف‪ ،‬واألضارع إحدى قرى المنطقة‪.‬‬


‫‪SAYSARA‬‬

‫جمادى الثاني ‪1432‬هـ‬ ‫مايو ‪2011‬م‬

‫‪119‬‬

‫ودوم�����ة ال��ج��ن��دل إح����دى م��ح��اف��ظ��ات فأضحت بصحراء (البسيطة) عاصف ًا‬ ‫منطقة الجوف‪.‬‬ ‫تولي الحصا سمر العجيات مجمرا‬ ‫‪ -4‬وقال الفرزدق‪:‬‬ ‫ذك��ره��ا ي��اق��وت ال��ح��م��وي‪( :‬بسيطة‬ ‫����ة)‬ ‫ط��واه َّ��ن م��ا ب��ي��ن ال��ج��واء و(دوم ٍ‬ ‫البرود من‬ ‫طي‬ ‫العصب ‪.‬‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫وركبانها َّ‬ ‫(‪)5‬‬

‫‪ -5‬قال األعشى‪:‬‬ ‫أج�����دك ودع������تَ ال��ص��ب��ا وال����والئ����دا‬ ‫وأصبحت بعد الجور فيهن قاصدا‬

‫بلفظ تصغير بسطة أرض في البادية‬ ‫بين الشام والعراق)(‪.)8‬‬

‫وبسيطة أرض زراع��ي��ة خصبة في‬ ‫منطقة الجوف‪.‬‬ ‫وسنعرض اآلن شيئاً مما قاله بعض‬ ‫الرحالة والمؤرخين عن منطقة الجوف‪:‬‬

‫وم���ا خ��ل��ت أن أب��ت��اع ج��ه ً‬ ‫بحكمة‬ ‫�لا‬ ‫ٍ‬ ‫وم���ا خ��ل��ت م��ه��راس�� ًا ب��ل�ادي وم����اردا ‪ -‬قال العالمة حمد الجاسر ‪-‬رحم ُه الله‪-‬‬ ‫‪( :‬و بالد الجوف أثيرةٌ في نفسي‪ ،‬فقد‬ ‫وأش�������ار ص���اح���ب ك���ت���اب ال���ق���ام���وس‬ ‫سعدت بزيارتها ٍ‬ ‫وعرفت ‪-‬بين من‬ ‫مرات‪،‬‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫ال��م��ح��ي��ط إل���ى أن م�����ارداً ح��ص�� ٌن ب��دوم��ة‬ ‫عرفت م��ن أهلها‪ -‬أم��ي��راً م��ن خيرة من‬ ‫الجندل حين ق���ال‪ :‬التمري ُد ف��ي البناء‪:‬‬ ‫عرفت من األمراء خُ لقاً وتواضعاً ومحب ًة‬ ‫التمليس والتسوية‪ ،‬وبنا ٌء ممر ٌد‪ :‬مطول‪،‬‬ ‫لفعل الخير‪ ،‬وحرصاً على أن ينال هذا‬

‫أقـ ـ ـ ـ ـ ــواس‬

‫والمارد‪ :‬المرتفع والعاتي‪ ،‬وقويرة ُمشرفة‬ ‫ف���ل���م أر م���ث���ل (ال������ج������وف) ي���زه���و‬ ‫(‪)3‬‬ ‫م��ن أط����راف خ��ي��اش��ي��م ال��ج��ب��ل ال��م��ع��روف‬ ‫بنخله ولم أر فيها حاكما مثل نواف‬ ‫‪ -3‬وق��ال ي��اق��وت‪ :‬ذه��ب بعض ال��رواة بالعارض‪ ،‬وحص ٌن بدومة الجندل‪ ،‬واألبلق‬ ‫فعجزت‬ ‫إل��ى أن التحكيم بين علي وم��ع��اوي��ة كان حصن بتيماء‪ ،‬قصدتهما الزباء‬ ‫ْ‬ ‫(‪)6‬‬ ‫بدومة الجندل‪ ،‬وأكثر الرواة على أنه كان فقالت‪( :‬تمرد مار ٌد وع ّز األبلق) ‪.‬‬ ‫ب���أ ْذ ُر َح‪ ،‬وق��د أكثر الشعراء في ذك��ر أذرح‬ ‫‪ -6‬قال أبو الذيال البلوي‪:‬‬ ‫وأن التحكيم كان بها‪ ،‬ولم يبلغني شي ٌء من ول����م ت���ر ع��ي��ن��ي م��ث��ل ي����وم رأي���ت���هُ‬ ‫الشعر في دومة إال قول األعور الشني وإن‬ ‫ُ‬ ‫بـ(زعبل) ما اخضر‬ ‫األراك وأثمرا(‪.)7‬‬ ‫كان الوزن يستقيم بأذرح وهو هذا‪:‬‬ ‫رجح سعد ابن جنيدل في كتابه‬ ‫وقد ّ‬ ‫رض��ي��ن��ا بحكم ال��ل��ه ف��ي ك��ل م��وط ٍ��ن‬ ‫بالد الجوف بأن زعبل المذكور في البيت‬ ‫وع�����م�����رو وع����ب����دال����ل����ه م��خ��ت��ل��ف��ان هو الحصن الواقع في سكاكا الجوف‪.‬‬ ‫ول���ي���س ب����ه����ادي أم ً‬ ‫������ة م����ن ض�ل�ال ٍ���ة‬ ‫‪ -7‬وق��������ال ال����ش����م����اخ ب�����ن ض�����رار‬ ‫(‪)4‬‬ ‫��ان‬ ‫(ب����دوم����ة)‪ ،‬ش��ي��خ��ا ف��ت��ن ٍ��ة ع��م��ي ِ‬ ‫الذبياني‪:‬‬


‫‪SAYSARA‬‬

‫‪120‬‬

‫‪1432‬هـ جمادى الثاني‬ ‫‪2011‬م مايو‬

‫ال��ج��زءُ الحبيب م��ن ب�لادن��ا نصيب ُه من‬ ‫التقدم واإلصالح كام ً‬ ‫ال غير منقوص)(‪.)9‬‬ ‫ وق��ال ال��م��ؤرخ سعد ب��ن جنيدل‪( :‬و بعد‬‫مشاهداتي ما فيها من آثار التزال ماثلة‬ ‫تدل على عراقة تاريخية وقوة عمرانية‪،‬‬ ‫وما رأيته فيها من نهضة عمرانية وتقدم‬ ‫اجتماعي لم يعد تفكيري م��ح��دوداً في‬ ‫تدوين مالحظاتي ومشاهداتي بصورة‬ ‫موجزة)(‪.)10‬‬

‫بينها مدينة الجوف‪ ،‬التي يفتخر سكانها‬ ‫بتسميتها (جوف الدنيا) ألنها تقع على بعد‬ ‫متساوٍ من مختلف تخوم الجزء الشمالي‬ ‫من أرض الجزيرة العربية)‪.‬‬ ‫ ويقول‪( :‬إن أغ��رب ما في ه��ذه المدينة‬‫التركيب االجتماعي لكل قرية‪ ،‬فلكل قرية‬ ‫منظرها الخاص‪ ،‬وسكانها المتميزون عن‬ ‫غيرهم)(‪.)12‬‬

‫ وقال الرحالة لوريمر عن مدينة الجوف‪:‬‬‫(هي أكبر مدينة في والية أمير جبل شمر‬ ‫ الرحالة الليدي آن بلنت‪( :‬وفجأة أتينا‬‫(‪)13‬‬ ‫في أواسط شبه الجزيرة العربية) ‪.‬‬ ‫إل����ى م���ا ي��ش��ب��ه ط����رف ح�����وض‪ ،‬وه��ن��اك‬ ‫بالقرب منه إل��ى األس��ف��ل ام��ت��دت واح��ة ‪ -‬و يقول الباحث تركي القهيدان‪( :‬المنطقة‬ ‫واس��ع��ة م��ن النخيل م��ح��اط��ة ب��س��ور ذي‬ ‫ت��ض��م آث�������اراً ن������ادرة ج��ع��ل��ت ال��ب��اح��ث��ي��ن‬ ‫أبراج على مسافات بينها‪ ،‬ومدينة صغيرة‬ ‫يتقاطرون إليها بحثاً عن آثارها‪ ،‬وهي‬ ‫ملتفة حول القلعة السوداء‪ ،‬لقد كنا في‬ ‫جديرة بأن يبحث الباحثون في تاريخها‪،‬‬ ‫الجوف!)(‪.)11‬‬ ‫ويكتب عنها الكتاب وينقب المنقبون عن‬ ‫ الرحالة الفنلندي ج��ورج أوغست فالين‪:‬‬‫(وصلنا عند آخر وادي السرحان إلى دائرة‬ ‫من الجبال الصغيرة الكلسية الحجارة تقع‬

‫آثارها‪ ،‬وأرضها من أخصب األراضي في‬ ‫المملكة‪ ،‬ومياهها من أوفر وأعذب المياه‬ ‫في الجزيرة)(‪.)14‬‬

‫(‪ )1‬معجم البلدان لياقوت احلموي‪.‬‬ ‫(‪ )2‬هدية األصحاب في جواهر أنساب منطقة اجلوف لعبدالرحمن الشايع‪.‬‬ ‫(‪ )3‬شبكة املعرفة الرقمية‪.‬‬ ‫(‪ )4‬معجم البلدان لياقوت‪.‬‬ ‫(‪ )5‬بالد اجلوف لسعد بن جنيدل‪.‬‬ ‫(‪ )6‬املرجع السابق‪.‬‬ ‫(‪ )7‬صفة جزيرة العرب حلمد اجلاسر‪.‬‬ ‫(‪ )8‬كتاب السمح لسليمان األفنس الشراري صفحة ‪.29‬‬ ‫(‪ )9‬كتاب بالد اجلوف لسعد بن جنيدل‪.‬‬ ‫(‪ )10‬املرجع السابق‪.‬‬ ‫(‪ )11‬كتاب رحلة إلى جند ملؤلفته الليدي آن بلنت‪.‬‬ ‫(‪ )12‬كتاب اكتشاف جزيرة العرب ملؤلفته جاكلني بيرين‪.‬‬ ‫(‪ )13‬كتاب بالد اجلوف لسعد بن جنيدل‪.‬‬ ‫(‪ )14‬اجلوف أرض اآلثار واحلضارة للقهيدان‪.‬‬


‫‪SAYSARA‬‬

‫جمادى الثاني ‪1432‬هـ‬ ‫مايو ‪2011‬م‬

‫‪121‬‬

‫بحيرة خلف التل‪:‬‬

‫ليلة شعر سودانية بنادي الجوف األدبي‬ ‫> محمد جميل أحمد‪ ،‬نصار احلاج*‬

‫اإلحساس المريح في المكان‪ ...‬والكثير‬ ‫من مفردات شعور تجعل الشاعر أكثر ثقة‬ ‫بما سيقول‪ .‬في مطار الجوف استقبلنا ظهر‬ ‫األرب��ع��اء ‪2011/1/12‬م المصور الجميل‬ ‫ال��ش��اب (ص�ل�اح ال��ض��م��ي��ري)‪ ،‬والصحافي‬ ‫األستاذ (ضاري الحميد)‪ ،‬تحركنا مباشرة‬ ‫إل��ى مدينة دوم���ة ال��ج��ن��دل ال��ت��ي تبعد ‪50‬‬ ‫كيلو متراً عن مدينة سكاكا متجهين إلى‬ ‫متحف ال��ج��وف‪ .‬وعبر إطاللة سريعة مع‬ ‫ش��رح ممتع لألستاذ أحمد القعيد (مدير‬ ‫ال��م��ت��ح��ف) ول��ق��ط��ات ت��ص��وي��ر م���اه���رة من‬ ‫كاميرا صالح بدا لنا لوهلة أننا أمام ماض‬ ‫ٍ‬ ‫لحظات‬ ‫في الحاضر يستحق أن نمسكه‬

‫م��ن ذل��ك ال��زم��ن السحيق؛ دوم���ة الجندل‬ ‫حاضرة أثرية احتضنت ظالل التاريخ في‬ ‫مكان شهد نقطة جذب والتقاء بين الشام‬ ‫والعراق‪ .‬مررنا بقلعة م��ارد ومسجد عمر‬ ‫بن الخطاب عبر رده��ات وأحجار عريقة‬ ‫القدم‪ ...‬ثم أطللنا من وراء التل على بحيرة‬ ‫ساحرة‪ .‬أه��ل الجوف فيهم إرث من ذلك‬ ‫المزيج الشامي والعراقي في تخوم الجزيرة‬ ‫العربية رمال متدفقة وزروع يانعة للزيتون‬ ‫ف��ي (ال��ب��س��ي��ط��ة)‪.‬وف��ي متحف (النويصر)‬ ‫كانت المنطقة تحتفظ بصورتها في التاريخ‬ ‫القريب‪ :‬أوان من الطين‪ ،‬وبنادق من القرن‬ ‫التاسع عشر‪ ،‬وصور ألبناء نوري الشعالن‬

‫أقـ ـ ـ ـ ـ ــواس‬

‫ما أجمل أن تحمل بعض الفرح المختلس وأن��ت ال ت��دري‪ ،‬ربما‪ ،‬إلى من يبحثون‬ ‫عنه في المنفى والغياب‪ .‬في يوم بارد هبطنا على مطار مدينة سكاكا الجوف تلبية‬ ‫لدعوة كريمة من النادي األدب��ي إلحياء ليلة شعرية سودانية أعتذر عنها ألسباب‬ ‫قاهرة صديقنا في (الثالوث) عصام عيسى رج��ب فيما غ��اب عنها كبيرنا محمد‬ ‫مدني‪ .‬بفضل حفاوة وترتيب رئيس النادي األدبي بالجوف األستاذ األديب إبراهيم‬ ‫الحميد‪ ،‬كان كل ما حولنا يوحي بزمن ما خارج المكان‪ :‬اآلث��ار العريقة في دومة‬ ‫الجندل‪ ،‬بشاشة اللقاء وحفاوة الكرم‪،‬‬


‫‪SAYSARA‬‬

‫‪122‬‬

‫‪1432‬هـ جمادى الثاني‬ ‫‪2011‬م مايو‬

‫تذكر بأجواء الثورة العربية الكبرى‪ ...‬وذئاب‬ ‫ب��ظ�لال محنطة‪ .‬بعد العصر وصلنا إلى‬ ‫فندق (النزل) بمدينة سكاكا حيث كانت لنا‬ ‫فيه راحة يسيرة وكرم باذخ بصحبة ضاري‬ ‫وص�ل�اح واألس��ت��اذ محمود ال��رم��ح��ي حتى‬ ‫أزف موعد لقاء مع جمهور كريم من أبناء‬ ‫الجوف ومن أبناء السودان توافدوا للنادي‬ ‫ليسمعوا شعرا في يوم ربما كان الشعر أقل‬ ‫منه بكثير في نفوس السودانيين؛ ذلك اليوم‬ ‫‪2011/1/12‬م ك��ان أول ي��وم نستفيق فيه‬ ‫على حقيقة االنفصال المر على قلب كل‬ ‫سوداني‪ .‬كان الحزن حاضرا في النفوس‬ ‫ل��ك��ن ج���دل ال��ش��ع��ر وق���درت���ه ع��ل��ى تمجيد‬ ‫الجمال في الحزن وإشاعته في كل النفوس‬ ‫جمع بين ال��ح��اض��ري��ن‪ .‬وج��ع��ل م��ن الحزن‬ ‫جميال ربما‪ .‬بدأت األمسية بكلمة ترحيبية‬ ‫من رئيس النادي األستاذ إبراهيم الحميد‬ ‫حيث اق��ت��رح على ك��ل واح��د منا أن يقدم‬ ‫صاحبه في إشاعة ذكية إلحساس بحميمية‬ ‫المكان‪ .‬قرأنا من الشعر ما جعلنا نشعر في‬

‫نهاية تلك األمسية بأن وج��وه السودانيين‬ ‫رغم حزنها عكست امتنانا وشعورا في ذلك‬ ‫اليوم الحزين‪ .‬أحسسنا كما لو أنا حملنا‬ ‫إليهم عزاءا مؤقتا في تلك النصوص وخدرا‬ ‫خفيفا على هامش المنفى‪ .‬فالحزن الذي‬ ‫تدفق في النصوص بطريقة ال شعورية‪ ،‬كان‬ ‫عنوانا ذكيا لتغطية صحيفة (الحياة) عن‬ ‫األمسية حيث جاء فيها بعض ما قرأناه من‬ ‫نصوص‪ ،‬ومن ردود على أسئلة الحضور‪...‬‬ ‫(قال الشاعر نصار الحاج إن قصيدة النثر‬ ‫أخ��ذت حيزاً كبيراً اآلن ولم تعد هامشاً‪.‬‬ ‫يجب أن نكون متحركين في جميع جوانب‬ ‫الحياة‪ ،‬كما في الشعر‪ .‬من ال��ض��رورة أن‬ ‫تحصل تحوالت هنا وهناك‪ .‬وقصيدة النثر‬ ‫رهان يتحرك على نطاق أوسع‪ ،‬فيما اعتبر‬ ‫الشاعر محمد جميل أح��م��د أن غموض‬ ‫الشعر هو الذي يسمح بقراءته للمرة األولى‬ ‫والثانية والثالثة‪ ،‬وأن للقصيدة منابع كثيرة‪.‬‬ ‫الشعر هو الشعر سواء كان مقفى أو نثرياً‬ ‫أو حتى تفعيلة هذه أشكال خارجية للشعر؛‬


‫الشعر ال��ذي يتشكل في ال��داخ��ل‪ ،‬كما أن‬ ‫م��ص��ادر الشعر غامضة تأتي م��ن اإللهام‬ ‫والذاكرة ومن التجارب الشخصية أو تأتي‬ ‫من طبيعة الحياة العامة‪ .‬وفي إجابة على‬ ‫س��ؤال الحزن في قصائد الشعراء‪ ،‬أجاب‬ ‫ال��ش��اع��ر محمد جميل ب���أن ل��ك��ل شخصاً‬ ‫حزنه‪« ،‬ولكن ما يحدث في ال��س��ودان هل‬ ‫ي��دع��و ل��ل��ف��رح؟»؛ ف��ي إج��اب��ة ضمنية على‬ ‫الحزن على انفصال الجنوب‪.‬‬

‫حظائرها‪/‬تحت صريرِ المجنزرات‪/‬صا َر‬ ‫الشار ُع‪ /‬والطير يقود إلى مقبر ِة األطفالِ »‪.‬‬ ‫ثم قرأ محمد جميل أحمد قصيدة بعنوان‬ ‫الطرائد‪ ،‬ومنها َ‬ ‫«شج ُر الليل ِ نح ُن‪ ،‬نطل ُع‬ ‫من عتـَبات الصدى‪ /.‬الغيو ُم نسا ٌء توشـ ّ ْح َن‬ ‫بين الطرائد‪ ،‬فرساننا يندبونَ‪/‬على ٍ‬ ‫فلك‬ ‫خ��اس ٍ��ر‪ ،‬والقبائ ُل مغلولة ٌ‪/،‬أو ُل الدهر‪/‬‬ ‫الصدى ما تقو ُل به‬ ‫آخره في الرمال‪/.‬كان َّ‬ ‫الري ُح‪/،‬كان المدى َصهو ًة للطـِّرا ْد») انتهى‬

‫التقطنا صورا وذكريات مع األصدقاء‬ ‫بنادي الجوف وعلى رأسهم األستاذ إبراهيم‬ ‫الحميد وكذلك مع بعض السودانيين في‬ ‫المدينة‪ .‬في الليل كنا في موعد مع جلسة‬ ‫سمر على مأدبة عشاء عامرة بمنزل األستاذ‬ ‫إبراهيم الحميد رئيس نادي الجوف األدبي‪،‬‬ ‫حفها جمع كريم من مبدعي منطقة الجوف‬ ‫وعلى رأسهم المبدع الكبير عبدالرحمن‬ ‫الدرعان‪ ،‬والدكتور جميل الحميد‪ ،‬والقاص‬ ‫وال��ن��اق��د المصري د‪.‬ع��م��ر محفوظ ال��ذي‬ ‫ك��ان معنا ط���وال ال��ي��وم بتعليقاته الذكية‬ ‫وروحه المرحة‪ .‬وبدعوة كريمة من األستاذ‬ ‫إبراهيم الحميد ذهبنا في اليوم التالي في‬ ‫زي���ارة لمقر مؤسسة األم��ي��ر عبدالرحمن‬ ‫السديري بالجوف وه��ي المعلم الثقافي‬ ‫البارز لمنطقة الجوف‪ .‬فهي بحق مؤسسة‬ ‫مرموقة تصدر العديد من ال��دوري��ات مثل‬ ‫م��ج��ل��ة (ال���ج���وب���ة) ال��ف��ص��ل��ي��ة ال��ت��ي ي���رأس‬ ‫تحريرها األستاذ إبراهيم الحميد‪ ،‬وكذلك‬ ‫مجلة (أدوماتو) التي تعنى باآلثار في منطقة‬ ‫الجوف‪ .‬يضم مبنى المؤسسة مكتبة كبيرة‬ ‫للكتب في مختلف مجاالت العلوم باإلضافة‬ ‫إل��ى مكتبة إلكترونية حديثة تعتبر بحق‬

‫أقـ ـ ـ ـ ـ ــواس‬

‫ق���رأ ن��ص��ار ال��ح��اج ق��ص��ائ��ده مسته ً‬ ‫ال‬ ‫إيـاها بقــصيدة‪ :‬وردة السافـ ـ ـ ــنا‪ ،‬ج ــاء‬ ‫فيها «واحدة من نيران السافنا‪ /‬عشب الله‬ ‫الساحر في غابات الزنج‪/‬تلعن كولمبوس‬ ‫ف��ي غ��ف��وت��ه األب��دي��ة‪/‬ف�� َّت��ح أذن��ي��ه لهسيس‬ ‫النسل القادم‪/‬نام بشهوته األول��ى ثانية »‬ ‫ثم قرأ من قصيدة‪ :‬أيها األصدقاء‪« :‬أيها‬ ‫��س��م��اء ال��ت��ي رصفنا ُز ْرق��تَ��ه��ا‬ ‫األص��دق��اء‪/‬ال َّ‬ ‫األرض بالفوانيس‪/‬‬ ‫بالسهر‪/‬ل ّونَت رم��ا َد‬ ‫ِ‬ ‫َّ‬ ‫���رت‪/‬ك���أح���ج���ارِ ال��ب��راك��ي��نِ ف��ي عتمةِ‬ ‫وأزه ْ‬ ‫الليل»‪ .‬ت�لاه الشاعر محمد جميل أحمد‬ ‫ف��ي قصائد منها ق��ص��ي��دة‪ :‬س��ي��رة المحو‬ ‫كنت‬ ‫وه��ي قصيدة مقفاة‪ ،‬ومنها « عابـ ِراً ُ‬ ‫وب َضـ َباب‪/‬وال ـ َمـرائي بـَـري ِـق ـُهـ ُ َّـن‬ ‫وال��ـ�� ُّد ُر ُ‬ ‫ـت َح ْول ِـ َـي األمانِـي ف َـلـ َّ َما‪/‬‬ ‫ـ‬ ‫ع‬ ‫م‬ ‫‪/‬ل‬ ‫اب َ َ ْ‬ ‫الس ـ َر ُ‬ ‫َّ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫���اب‪/‬‬ ‫غ‬ ‫ر‬ ‫���‬ ‫ل‬ ‫ا‬ ‫ِ��ي‬ ‫ن‬ ‫��‬ ‫ـ‬ ‫��‬ ‫ـ‬ ‫��‬ ‫ت‬ ‫ر‬ ‫د‬ ‫��ا‬ ‫ـ‬ ‫��‬ ‫غ‬ ‫ل‬ ‫���‬ ‫ـ‬ ‫���‬ ‫ص‬ ‫و‬ ‫���‬ ‫ل‬ ‫ا‬ ‫���ك‬ ‫ـ‬ ‫���‬ ‫ش‬ ‫ِّ ُ‬ ‫َ ْ‬ ‫أ ْو َ‬ ‫َ َ ْ‬ ‫لـَم أ َز ْل كالـَغـُيـُوم َِهـشـَّا خـَفـَيـِفا‪/‬ب ِـي َــدِ‬ ‫اب‪/‬فـَكـَـأنـَّي ُدمـُـو ُع‬ ‫ال َم ْحـو والـل َّـيـَالِي كِ ـت ـ َ ُ‬ ‫ـأن الش ُّـ ُمـوع ُعـ ْمـ ٌر ُمـذ‬ ‫ـناهى‪/‬أ ْو كـ َّ‬ ‫شـَمـ ْ ٍعتـ َ َ‬ ‫اب»‪ .‬ليعود الدور إلى الشاعر نصار ليقرأ‬ ‫ُ‬ ‫البيت الذي كا َن‬ ‫قصيدة‪ :‬الغريب يقول فيها‬ ‫ُ‬ ‫عت أبوابُهُ‪/‬صار‬ ‫مأهوالً باألصدقاءِ ‪ /‬تص ّد ْ‬ ‫ِ‬ ‫والحيوانات التي َف َّرت من‬ ‫مأوى للعناكب‪/‬‬ ‫ً‬

‫‪SAYSARA‬‬

‫جمادى الثاني ‪1432‬هـ‬ ‫مايو ‪2011‬م‬

‫‪123‬‬


‫‪SAYSARA‬‬

‫‪124‬‬

‫‪1432‬هـ جمادى الثاني‬ ‫‪2011‬م مايو‬

‫منارة للثقافة والمعرفة بمنطقة الجوف‪.‬‬ ‫كما تضم المكتبة دوري��ات شهرية ويومية‬ ‫وف��ص��ل��ي��ة ك��ث��ي��رة ج���دا م��ن مختلف أن��ح��اء‬ ‫العالم العربي والعالم‪ .‬وك��ان في صحبتنا‬ ‫ف��ي مؤسسة ال��س��دي��ري الخيرية األس��ت��اذ‬ ‫كانت رحلتنا سياحة شفيفة في التاريخ‬ ‫والشاعر صديقنا محمود الرمحي‪.‬‬ ‫والشعر والعالقات اإلنسانية الدافئة مع‬ ‫ثمة جهود كبيرة يقودها األستاذ إبراهيم أص��دق��اء تشعر بعمق صدقهم النبيل ال‬ ‫الحميد رئيس ن��ادي ال��ج��وف األدب���ي عبر في الكالم الذي ينتقونه كما ينتقى أطايب‬ ‫العديد من الجبهات في التنوير والثقافة ال��ث��م��ر ب��ل وك��ذل��ك ف��ي األش��ي��اء الصغيرة‬ ‫والوعي واإلب��داع بالمنطقة فهو من خالل واليومية والترتيبات الحميمة المعبرة عن‬ ‫إش��راف��ه المتعدد على األنشطة الثقافية حبهم للشعر واإلبداع والمبدعين‪.‬‬ ‫يمتحن قدراته وصبره على مواجهة الكثير‬ ‫حين غادرنا مدينة سكاكا الجوف في‬ ‫من العوائق التي تعترض نشاطه التنويري مساء ممطر شعرنا كما لو أننا اقمنا فيها‬ ‫وهي عوائق صبر في مواجهتها في مواطن دهرا سعيدا وعدنا منها محملين بحقيبتين‬ ‫ك��ث��ي��رة‪ .‬م��ع ذل���ك ي��ب��دي األس���ت���اذ الحميد أنيقتين ملئتا ب��إص��دارات مؤسسة األمير‬ ‫تواضعا جما وخلقا كريما وح��ف��اوة بالغة ع��ب��دال��رح��م��ن ال��س��دي��ري ال��خ��ي��ري��ة وبعض‬ ‫تشعرك كما لو أنك تعرفه من قبل‪.‬‬ ‫مطبوعات ن��ادي الجوف األدب��ي وشهادتي‬ ‫الجوف وتاريخها بكالم كشف عن شغفه‬ ‫العميق بتلك المنطقة وإحساسه الجميل‬ ‫ب��م��ا ت��ن��ط��وي عليه م��ن إم��ك��ان��ات سياحية‬ ‫وآثارية كبرى‪.‬‬

‫ك��ان��ت ليلة ح��اف��ة ب��ح��دي��ث ش��ج��ي عن‬ ‫الشعر واإلب����داع وش��ج��ون ال��ح��ي��اة سمعنا‬ ‫فيها حديثا عميقا وص��ادق��ا م��ن األستاذ‬ ‫عبدالرحمن الدرعان‪ ،‬وتحدث فيها كذلك‬ ‫األس���ت���اذ إب���راه���ي���م ال��ح��م��ي��د ع���ن منطقة‬

‫تقدير عن تلك األمسية‪ .‬وبفضل ترتيبات‬ ‫األخ ال��ق��دي��ر ع��ب��دال��س�لام ح��م��د القاضب‬ ‫م��س��ؤول ال��ع�لاق��ات العامة ب��أدب��ي الجوف‬ ‫كانت رحلتنا ميسرة بكل ما قدمه لنا من‬ ‫اهتمام وتدابير غاية في اللطف والتهذيب‪.‬‬

‫صدر حديث ًا‬ ‫عن النادي األدبي بالجوف‬ ‫ديوان «بريد الحواس»‬ ‫للشاعر محمد جميل أحمد‬


‫‪SAYSARA‬‬

‫جمادى الثاني ‪1432‬هـ‬ ‫مايو ‪2011‬م‬

‫‪125‬‬

‫شهادات إبداعية‬

‫شهادات إبداعية‬


‫‪SAYSARA‬‬

‫‪126‬‬

‫‪1432‬هـ جمادى الثاني‬ ‫‪2011‬م مايو‬

‫السر‪..‬‬ ‫شهادة إبداعية مزيفة‬ ‫> ماجد الثبيتي*‬ ‫ستخبر أحد ًا بذلك؟»‬ ‫«لو أن حجر ًا كلّمك‪ ..‬هل كنت‬ ‫ُ‬ ‫(يوجين غيفلك)‬ ‫في واق��ع مليء بالكثير من التعقيدات والتناقضات والجمود‪ ،‬أصبحت طرق‬ ‫التعبير العفوية في حياتي تسير إلى مكان بعيد‪ ،‬األزي��ز ال��ذي تصدره أيامي‬ ‫وأشكال الحياة من حولي ال يمكن سماعه جيداً‪ ،‬والمحاوالت العبثية في فهم‬ ‫وإدراك كل شيء مسألة خاطئة ومستبعدة مائة في المائة‪ .‬الكتابة كانت في‬ ‫البدء المحاولة رقم واحد لتسليط الضوء على الندوب التي تتركها مشاهداتي‬ ‫اليومية‪ .‬وب��ب��طء أصبحت «الكتابة وال��ق��راءة وال��ف��ن وال��ت��أم��ل» منفذ ًا للهواء‬ ‫المتخيل‪ ،‬ثقب ًا لألمل االسم‪ ،‬وفرصة أخيرة في عدم االنجراف للواقع المعقد‬ ‫والمتناقض والجامد أعاله‪.‬‬ ‫ال أس��ت��ط��ي��ع اآلن أن أت��ذك��ر تلك لحظة م��ول��دي وان��دف��اع��ي ب��رع��ب من‬ ‫ال��ل��ح��ظ��ة ال��ت��ي دف��ع��ت��ن��ي ل��ل��خ��روج عن الرحم البسيط إل��ى الحياة المعقدة‪.‬‬ ‫القطيع‪ ،‬تلك اللحظة التي تشبه تماماً وب��ال��ع��م��وم ال أع��ت��ق��د أن ه��ن��اك أح���داً‬


‫في العالم يستطيع تذكر لحظة كتلك‪،‬‬ ‫ول��ك��ن��ي أستشعر بعمق ال��ي��وم وك���ل ي��وم‬ ‫لحظات السعي الحثيث ف��ي ال��ب��دء من‬ ‫جديد وإرب��اك ذاتي بطريقة تختلف عن‬ ‫تلك ال��ت��ي ك��ان��ت ب��األم��س‪ ،‬وإرب���اك أكبر‬ ‫ع��دد من ال��ق��راء معي وإث���ارة رتابة هذا‬ ‫العالم وهمجيته وفوضاه بأسئلة صادمة‬ ‫ومبهجة ومغايرة في آن‪.‬‬

‫أن ال��وس��ائ��ط ال��ح��دي��ث��ة ال��ت��ي تغمر‬ ‫ال��ع��ال��م ت��س��اه��م ك��ل��ي��اً ف��ي إع����ادة ق���راءة‬ ‫المفاهيم واألف��ك��ار وال��ح��ي��اة دون ت��ردد‬ ‫وب��ش��ك��ل ل��ح��ظ��ي‪ ،‬وأن ال��ف��ن��ون الحديثة‬ ‫بكافة أشكالها تساهم في صنع التغيير‬ ‫والتحول وتواكب القفزات الطويلة التي‬ ‫ينتجها العلم وتتلقاها الحياة‪ .‬هكذا أفهم‬ ‫األمور تقريباً‪...‬‬

‫‪2‬‬

‫هل يمكن تفسير األمر على أن الكتابة‬ ‫وت��ح��دي��داً القصة كانت فرصة للكذب‪،‬‬ ‫لتنمية الكذب والخيال بالتحديد؟ الكذب‬ ‫الطفولي المتقن الذي كنت أمارسه وتطور‬ ‫إلى فن رفيع؟ أو أن الكتابة خرجت من‬ ‫ص��ل��ب ال��ح��ي��اة ال��م��ع��اش��ة داخ����ل مجلس‬ ‫والدي رحمه الله؟ حيث قصص البادية‬ ‫وأشعارهم ونكاتهم الالذعة في أحاديث‬ ‫ال��م��ج��ال��س؟ وج���ان���ب ال���رم���زي���ة الكبير‬ ‫ال��ت��ي وجدتها عميقة وم��ؤث��رة ف��ي شعر‬ ‫المحاورة مث ً‬ ‫ال ال��ذي يروونه كبار السن‬ ‫أو الذي نحضره في المناسبات الشعبية‬ ‫واالجتماعية ورمزية المزح واللمز العميق‬ ‫بين م��ن يتصدرون المجالس وي��م��ررون‬ ‫رسائل موجعة ومضحكة معاً كانت وراء‬ ‫تخلق لذة الكتابة؟‬ ‫االعتقاد األغلب هو أن جانب الموهبة‬ ‫تكون عبر عدد رهيب من المؤثرات وال‬ ‫أنسى منها الرغبة الشخصية التي قالها‬ ‫الروائي اإلمريكي العظيم نورمان ميللر‬ ‫أعاله‪.‬‬

‫‪3‬‬ ‫«كفوا عن سؤالي عن برنامجي‪ :‬أن‬ ‫أتنفّ س‪ ،‬أليس برنامج ًا كافي ًا»‬

‫سيوران‬

‫في المدرسة لم أجد حافزاً للكتابة‬ ‫< «لماذا اخترت الكتابة؟»‪.‬‬ ‫سأل المحاور ع��دا ف��ي مرحلة متأخرة م��ن الثانوية‪،‬‬ ‫بينما ما أتذكره حول مرحلة المتوسطة‬ ‫> «لكي ألتقي بالنساء الجميالت»‪ .‬وله عالقة بجانب القراءة غير المنهجية‬ ‫أجاب نورمان ميلر م��ش��ه��د ع��اب��ر ف��ق��ط لمكتبة ال��م��درس��ة‬

‫شهادات إبداعية‬

‫ل��س��ت أرى ت��ل��ك ال��ح��ال��ة الشخصية‬ ‫في كل األح���وال صحيحة أو خاطئة أو‬ ‫ب���األح���رى ل��س��ت أس��ع��ى ل��ذل��ك‪ ،‬ق���در ما‬ ‫أرغب حقاً في الهرب الناجح من تحديد‬ ‫ال��ح��ال��ة وال��ت��ن��ظ��ي��ر ل��ه��ا وأت��م��ن��ى أح��ي��ان��اً‬ ‫كثيرة مواصلة البحث عوضاً عن أمنية‬ ‫الوصول!‬

‫‪SAYSARA‬‬

‫جمادى الثاني ‪1432‬هـ‬ ‫مايو ‪2011‬م‬

‫‪127‬‬


‫‪SAYSARA‬‬

‫‪128‬‬

‫‪1432‬هـ جمادى الثاني‬ ‫‪2011‬م مايو‬

‫آن���ذاك‪ ،‬المغبر والمعتم قلي ً‬ ‫ال‪ .‬مشهد‬ ‫خ��اص وذا حميمية صادقة‪ .‬وت�لا ذلك‬ ‫ع���دد ك��ب��ي��ر م��ن ك��ت��ب ال��ج��ي��ب «رواي����ات‬ ‫المستقبل» والتي تتناول في مراهقتي‬ ‫مواضيع الخيال العلمي وتلك القدرة‬ ‫على كسر الواقع دائماً وبدرجة متطورة‪.‬‬ ‫حتى ج���اءت ن��اف��ذة ال��ع��ال��م «اإلن��ت��رن��ت»‬ ‫وفتحت آف��اق جديدة في تجربتي على‬ ‫كل ش��يء‪ .‬على مالحقة دائمة للخيال‬ ‫والوصول إلى أبعد والسماح بكل شيء‬ ‫يبدو مستحي ً‬ ‫ال من قبل‪ .‬وال��ق��درة على‬ ‫م��ش��ارك��ة ال��ع��ال��م ال��م��ج��ه��ول اهتمامات‬ ‫م��ت��ع��ددة وت��ن��م��ي��ة م���ا ف���ي داخ���ل���ي عبر‬ ‫ال��ت��واص��ل وال��ن��ش��ر اإلل��ك��ت��رون��ي ولمس‬ ‫ردود المتلقين في حينها‪ .‬فجاءت جائزة‬ ‫الشارقة في العالم ‪ 2008‬لمجموعتي‬ ‫القصصية األولى «والوحيدة كما أعتقد‬ ‫* شاعر وقاص سعودي‪.‬‬

‫صدر حديث ًا‬ ‫عن النادي األدبي بالجوف‬ ‫ديوان‬ ‫«رغوة تباغت ريش األوراق»‬ ‫للشاعر إبراهيم الحسين‬

‫مستقب ً‬ ‫ال» ج����زاءاً معنوياً ع��ال��ي��اً لعدد‬ ‫م��ن اإلح��ب��اط��ات المحلية ف��ي حينها‪.‬‬ ‫والمكسب المهم كان في جعل من حولي‬ ‫من أسرتي أخذ اهتمامي بالكتابة مأخذ‬ ‫الجد ودعمي الحقاً‪.‬‬ ‫أعتقد ب��أن لحظة الكتابة واإلب���داع‬ ‫بشكل خ��اص ه��ي لحظة اس��ت��ق�لال عن‬ ‫االعتياد وموقف المغايرة على ما جرت‬ ‫األمور وخالصة اإلساءة أحياناً لما يمكن‬ ‫اعتباره أمر مفروغ منه‪ .‬ولذلك أجدها‬ ‫لحظتي الذاتية والوحيدة والممتعة جداً‪.‬‬ ‫م��دي��ن��اً لجميع م��ن ج��ع��ل ال��ك��راه��ي��ة‬ ‫أح��ي��ان��اً م��ب��رر للكتابة‪ ،‬للكذب المتقن‪،‬‬ ‫ل�ل�إس���اءة ال���ث���أر‪ ،‬ول��ك��ل ال��ل��ح��ظ��ات التي‬ ‫جعلتني والعالم أنداد‪.‬‬ ‫‪-14‬فبراير‪2011-‬‬


‫‪SAYSARA‬‬

‫جمادى الثاني ‪1432‬هـ‬ ‫مايو ‪2011‬م‬

‫‪129‬‬

‫شهادة إبداعية‬

‫عين لص‪ ..‬ومخيلة محتال‬ ‫أن ال تجد ما تقوله مهما‪ ،‬ويصيبك بالفزع‪ ،‬بكل تأكيد ستفكر في التواصل‬ ‫بطريقة أقل مواجهة‪ ..‬أن تكتب ما تود قوله‪ ..‬سيكون أقل أهمية بالطبع‪ ..‬وأقل‬ ‫تلقائية لكنه بالنسبة لي أكثر تسلية وأكثر سالمة‪..‬‬ ‫قلت تسلية؟!‪ .‬بالفعل‪ ..‬هذا توصيف دقيق لما أقوم به‪ ..‬كنت أتمنى لو كان لدي‬ ‫هم كبير أكتب من أجله‪ ..‬أمر طوباوي أود بلوغه أو النضال من خالل الكتابة‬ ‫لتحقيقه‪ ..‬لكن‪ ،‬مع األسف‪ ،‬ال أستطيع إدعاء مثل هذا األمر‪.‬‬ ‫ال��وص��ف ف��ي مقتل‪ ..‬فكرت أن كتابة‬ ‫لدي عين لص‪ ..‬ومخيلة محتال‬ ‫وع��ي��ن ال��ل��ص ه��ي عيني الوحيدة ن���ص���ا ق��ص��ص��ي��ا ت����ح����اول م����ن خ�لال��ه‬ ‫الدخول في منافسة مع) الصورة)‪ ..‬أي‬ ‫المبصرة عند الكتابة‪..‬‬ ‫أن تكتب حدثا موازيا‪ ،‬ممتلئا بالصور‪،‬‬ ‫واخ��ت��رت ط��ري��ق��ي لكتابة القصة واألحداث‪ ،‬والعد التنازلي‪ ،‬والتشويق‪..‬‬ ‫بهذه العين‪..‬‬ ‫أنت رجل مقضي عليك‪.‬‬ ‫ف���ك���رت‪ ،‬وأود أن أخ��ب��رك��م ب��أق��ل‬ ‫يجب الكتابة من زاوي��ة ال تتمكن‬ ‫كلمات مثيرة للملل عن هذا التفكير‪( ،‬ال���ص���ورة مهما ك��ان��ت ب��راع��ت��ه��ا) من‬ ‫بأن الكتابة بعد أن زحزحت (الصورة) التقاطها‪..‬‬ ‫وب�لا رجعة‪ ،‬بعد أن أصابت الطريقة‬ ‫ه����ذا م���ا أش��ت��غ��ل ع��ل��ي��ه‪ ..‬ول��ي��س‬ ‫ال��ق��دي��م��ة ل��ل��س��رد وال��ت��ي ت��رت��ك��ز على‬

‫شهادات إبداعية‬

‫> ضيف فهد*‬


‫‪SAYSARA‬‬

‫‪130‬‬

‫‪1432‬هـ جمادى الثاني‬ ‫‪2011‬م مايو‬

‫ف��ك��رت أن���ه إذا م��ا ك���ان ال��ش��ع��ر هو‬ ‫بالضرورة أن أكون نجحت فيه‪..‬‬ ‫ال��م��ه��م أن��ن��ي ع��رف��ت ش���روط اللعبة م���ح���اول���ة ل��ك��س��ر (ال���زم���ن���ي) لمصلحة‬ ‫المطلق‪..‬‬ ‫وامتثلت لها‪.‬‬ ‫ل��م��اذا ال ن��ح��اول ف��ي ال��س��رد كسر‬ ‫(الحكائي) لذات المصلحة‪.‬‬

‫أن��ا أناني ج��دا في قضية الكتابة‪..‬‬ ‫أكتب للمتعة ال��ذات��ي��ة‪ ..‬ال أج��د متسعا‬ ‫نعم‪ ،‬السرد‪ ،‬أو أي عمل فني هو لفت‬ ‫للتفكير (بهموم كبيرة أو طوباوية) كما‬ ‫ذكت سابقا‪ ..‬الكتابة هي مصنع العابي انتباه لطريقة تفكير الذات المنتجة‪..‬‬ ‫الصغيرة‪ .‬ومن الخطأ التفكير بتحويل‬ ‫ف��ي ال��م��م��ن��وع والممتنع ي��ق��ول علي‬ ‫مصنع العاب إلى مصنع ذخيرة‬ ‫حرب عن التفكيك بأنه (قطع الصلة مع‬ ‫م���ا أق�����وم ب���ه م���ن خ��ل�ال ن��ص��وص��ي المؤلف ومراده ومع المعنى وإحتماالته‪.‬‬ ‫القصصية ه��و تقديم مقترح للهروب به يجري التعامل مع الوقائع الخطابية‬ ‫من الحكاية وفي ظل تواجدنا في مدن وح���ده���ا‪ ،‬ال بصفتها إش�����ارات ت���دل أو‬ ‫عالمات تنبئ‪ ،‬بل بوصفها م��واد يجري‬ ‫(تخلو) من الحكاية) تقريبا‪..‬‬ ‫أنت أمام خيارين‪ ..‬إما أن (تخترع) العمل عليها إلنتاج معرفة تتعلق بكيفية‬ ‫أم���را غ��ي��ر ال��ح��ك��اي��ة ي��ق��وم عليه النص إنتاج المعرفة والمعنى‪ .‬ولهذا فإن « ا‬ ‫لتفكيك يتجاوز منطوق الخطاب الى ما‬ ‫القصصي‪..‬‬ ‫يسكت عنه واليقوله‪ ،‬إل��ى ما يستبعده‬ ‫أو ت���ن���ق���ل ه������ذه ال���ح���ك���اي���ة (إل�����ى وي��ت��ن��اس��اه‪ .‬إن���ه ن��ب��ش ل�لأص��ول وتعرية‬ ‫ال��م��اض��ي)‪ ..‬أن تكتب نصا س��ردي��ا عن لألسس وفضح للبداهات‪.‬‬ ‫اآلن‪ ..‬حكاية عما يفترض أنه يحدث‪..‬‬ ‫ومن هنا يشكل التفكيك استراتيجية‬ ‫وتمتثل فيها للشروط السردية‪ ..‬تكون‬ ‫الذين يريدون التحررمن سلطة النصوص‬ ‫مزورا صغيرا‪..‬‬ ‫وإمبريالية المعنى أو ديكتاتورية الحقيقة‪.‬‬ ‫كل الذين نجحوا في كتابة نصوص وك��ل الذين يمارسون عالقتهم بهويتهم‬ ‫(م��ح��ل��ي��ة) مختلفة‪ ..‬ن��ج��د أن��ه��م ه��رب��وا وإن��ت��م��اءا تهم بطريقة مفتوحة تضعهم‬ ‫للماضي‪ ..‬نقلوا حكاياتهم إلى التاريخ خارج أي تصنيف جاهز أو إطار جامد‪.‬‬ ‫الذي كان يمتلك (حياة)‪..‬‬ ‫ومأزقه أن منطوقه يقول لنا بأن الخطاب‬ ‫أن تكتب حكاية ف��ي م��دن (مقفلة) ليس بمنطوقه بل بالمسكوت عنه)‪.‬‬ ‫على ناسها‪ ..‬أن��ت بالضبط كمن يكتب‬ ‫وه��ذا م��ا أح���اول صنعه عند إنشاء‬ ‫حكاية (خ��ي��ال ع��ل��م��ي)‪ ..‬ع��ال��م (تحلم) أي ن��ص‪ ..‬أي نص يفكك نفسه قبل أن‬ ‫بوجوده‪..‬‬ ‫يمارس عليه هذا الفعل‪.‬‬ ‫* قاص سعودي‪.‬‬


‫‪SAYSARA‬‬

‫جمادى الثاني ‪1432‬هـ‬ ‫مايو ‪2011‬م‬

‫‪131‬‬

‫شهادة شعرية‬ ‫شهادات إبداعية‬

‫> نصار الصادق احلاج*‬

‫يا ترى من أين تبدأ الشهادة الشعرية؟‬ ‫هل من ذلك النبع السحيق حد الخرافة واألسطورة؟‬ ‫أم من الالوعى الموغل في غراباته وغيبياته‪ ،‬الالوعي الذي لن نستطيع اإلمساك‬ ‫به وترويضه أبداً؟‬ ‫أم من وعينا الملتبس مع إدراكنا ومشاهداتنا وخياالتنا وتوقعاتنا وقراءاتنا‬ ‫وتراكماتنا ومحاوالتنا المستمرة لتفسير م��ن أي��ن ُول��� َد وي��ول ُ��د ه��ذا الكائن‬ ‫السحري داخلنا؟‬ ‫أم من الشغف الذي نُربيهِ داخلنا‬

‫إن����ه ال��ش��ع�� ُر ي���أت���ي م���ن ل��ق��اح ٍ‬ ‫��ات‬ ‫عديدة‪...‬‬

‫حين تخترق أرواح��ن��ا ن���داءات تجر ُح‬ ‫أس��راراً ساكن ًة وتوق ُد فوهات براكين‬ ‫يُ���ول��� ُد م���ن ب��راك��ي��ن ف���ي ال��م��اض��ي‬ ‫كامنة في التخوم البعيدة من أرواحنا ال��س��ح��ي��ق وم���ن ي��ن��اب��ي��ع ف���ي ال��ح��اض��ر‬ ‫فتنهم ُر بذرة البحث عن إجابات أو عن ال��م��ت��ح��رك ك��ال��رم��ال‪ ،‬يتخل ُق دون أن‬ ‫ن���راه لكننا نحس ُه ون���درك أن��ه زل��زال‬ ‫أسئلة ورغبات؟‬


‫‪SAYSARA‬‬

‫‪132‬‬

‫‪1432‬هـ جمادى الثاني‬ ‫‪2011‬م مايو‬

‫الروح وضوء الحياة والنهر الذي يجرفنا‬ ‫حين ي��ه��در بأغنياته ويلته ُم القرابين‬ ‫بالبهجةِ التي تعكسها أمواجه وشالالته‬ ‫وتماسيحه وأس��م��اك��ه وال��م��ي��اه ال��ت��ي ال‬ ‫ت��ت��وق��ف ع��ن غ��واي��ات��ه��ا ورم���ال���ه ال��ت��ي ال‬ ‫يغيب عنها ال��ع��ش��اق وال��ه��واة المارقين‬ ‫والمتمردين والسحرة‪...‬‬ ‫ويُول ُد من المستقبل برهاناتهِ التي‬ ‫تُشب ُه ماوراء الشعر‪ ،‬تُشبه خلودهُ‪ ،‬تُشب ُه‬ ‫نُبُوءاته‪ ،‬تُشب ُه ال حتمياتهِ تُشب ُه قطيعت ُه‬ ‫مع اإلجابات اليقينية التي تشك ُل حجاباً‬ ‫م��ن العبور بعيداً نحو مستقبل يتخلق‬ ‫دائماً‪...‬‬

‫المستقبل متعدد والشعر متعدد‪.‬‬ ‫ال��م��س��ت��ق��ب��ل ذروةُ ال��ح��ي��اة وال��ش��ع�� ُر‬ ‫ذروةُ خالصة الحياة وجوهر اإلنسانية‬ ‫الشفاف‪.‬‬ ‫المستقبل يأتي دائ��م��اً باختراقاته‬ ‫وك��ائ��ن��ات��هِ ومعطياته واخ��ت��ب��ار ره��ان��ات��ه‬ ‫ومفاجآته وخيباته وإشراقاته والشعر‬ ‫كذلك‪.‬‬

‫التي تحتض ُن نطفت ُه التي تتجدد بهذا‬ ‫ال��خ��ل��ق ال��م��خ��ت��ل��ف ل��ج��ي��ن��ات��ه وع�لاق��ات��هِ‬ ‫ال��م��اردة مثل الحب ومثل ٌ‬ ‫الطيور التي‬ ‫تختار فضاءاتها وأوكارها وهي ماسكة‬ ‫ِ‬ ‫بشرط حريتها قبل أن يصطادها هواة‬ ‫األقفاص والقنَّاصة‪.‬‬ ‫إنه الشع ُر جني ُن الحرية ومولودها‬ ‫الزَّاهي‪ ،‬لهذا حين تنعد ُم الحريةِ يكون‬ ‫عروش‬ ‫أول المارقين والعابرين إلى زلزلة‬ ‫ِ‬ ‫الطغاة هو الشعر‪.‬‬

‫هل هذه شهادة شعرية التي‬ ‫أكتبها؟‬ ‫أم هو هروب من الشهادة الشعرية؟‬ ‫ال��ت��ي س��ت��ك��ون ق���اص���رة م��ه��م��ا التقطنا‬ ‫تفاصيل حياتها ورص��دن��ا م��ا ي��ب��دو لنا‬ ‫أن��ه التربة التي أوج��دت الشع ُر داخلنا‬ ‫ومهما سقيناها بمياه ظننا أنها ال��دم‬ ‫ال���ذي ض���خَّ ح��ي��اة ال��ش��ع��ر ف��ي��ن��ا‪ ،‬ومهما‬ ‫اصطادت ذاكرتنا وجهاً من حياة الشعر‬ ‫فينا سنضرب ذاكرتنا بسندان الخيبة‬ ‫في أوقات أخرى على نسيانها إشارات‬ ‫مهمة من هذه الحياة الشعرية‪.‬‬

‫فكيف ل��ن��ا ال��ق��ب��ض ب��ال��نُ��ط��ف��ةِ التي‬ ‫إذن على أن أحكي التفاصيل العادية‬ ‫تصب ُح شعراً لنحدد من أين جاءت وكيف‬ ‫ال��ت��ي لمستها ي���داي وأدرك��ت��ه��ا ذاك��رت��ي‬ ‫جاءت ومتى وكيف تخلقت؟‬ ‫واخ��ت��زن��ت��ه��ا وص��ورت��ه��ا ل��ي أدوات����ي على‬ ‫ِ‬ ‫إنه الشعر يُول ُد من‬ ‫إختالط األنساب أنها مكونات وم��ؤش��رات شهادتي حول‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫ويصي ُر بهيا وراسخا كلما تعددت هذه تجربتي ال��ش��ع��ري��ة وع��ل��ى أن��ه��ا إدراك���ي‬ ‫اللقاحات‪ ،‬كلما تراكمت المياه‬ ‫ّ‬ ‫وتوهجت ل��ل��ش��ع��ر‪ ...‬وع��ل��ى أن��ه��ا ال��م��ح��ط��ات التي‬ ‫ب��ذور نَبْتَاتِهِ في رح ِ��م الكهوف القص َّية‬


‫إذن‬ ‫ْ‬ ‫سأنزل ُق اآلن إلى تلك المنطقة الوعرة‬ ‫من حكاية الشهادة الشعرية‪ ،‬ومحاولة‬ ‫لملمة دروبها المتشعبة والممتدة أكثر‬ ‫مما أراه‪.‬‬ ‫لدت في ٍ‬ ‫قرية صغيرة على ضفاف‬ ‫ُو ُ‬ ‫نهر النيل األبيض بوسط السودان‪ ،‬وأظن‬ ‫أن القرية تخل ُق عوالمها‪ ،‬وتخل ُق حياتها‬ ‫وتُ��ن��ت�� ُج التفاصيل اليومية ال��ت��ي ت��ج��دِّ ُد‬ ‫الروح في كيانها‪ ،‬حيث التوجد بالقرية‬ ‫مكتبات ع��ام��ة وال سينما وال ح��دائ��ق‬ ‫عامة وال متنزهات تأكل وقت الناس‪ ،‬وال‬ ‫تلفزيونات‪ ،‬كان في قريتنا النه ُر الذي‬ ‫يبعد مسافة كيلو تقريباً وعلى ضفافه‬ ‫نسبح وكثيراً ما شاهدنا التماسيح تم ُو ُر‬ ‫فنهرب‬ ‫حولها ال��م��ي��اه وت��ت��ح��رك نحونا‬ ‫ُ‬ ‫م��ن ال��م��اء وق��ل��وب��ن��ا ت��ك��اد أن تطير من‬

‫أم��اك��ن��ه��ا ت���دور التماسيح ح���ول نفسها‬ ‫ع��ائ��د ًة وم���ر ًة واح���د ًة رأي��ن��ا ف��رس البحر‬ ‫وك��ذل��ك نستمتع ب���م���زارع ال��خ��ض��روات‬ ‫المباحة مجاناً لمن يريد أن يأكل منها‬ ‫في الحقل وكانت هناك المياه المنسابة‬ ‫من النهر بقنوات ال�� َّري المائية وكانت‬ ‫ُ‬ ‫تحيط بالقرية‬ ‫هناك الحقول الزراعية‬ ‫من كل االتجاهات‪ ،‬وكان هنالك ميدان‬ ‫واحد للعب كرة القدم‪ ،‬وألنها بقعة صلبة‬ ‫ومرتفعة من األرض وال تحمل أي بوادر‬ ‫للخصوبة وال تصلح ل��ل��زراع��ة تركوها‬ ‫م��ي��دان��اً ب��ه ع���ارض���ات ح��دي��دي��ة ُغ���رزت‬ ‫باألرض منذ زمن االستعمار اإلنجليزي‬ ‫للسودان وما زال��ت صامدة لم تتخلخل‬ ‫رغم العبث بها واستخدامها في أوقات‬ ‫كثيرة كألعاب للمشي على ِّ‬ ‫خطها األفقي‬ ‫أو مهارات التشعلق والصمود لزمن أطول‬ ‫ومرات مع الحركات البهلوانية وقد ج َّرح‬ ‫الحصى أرجلنا في هذا الميدان‪ ،‬حيث‬ ‫أنه غير مهيأ لممارسة هذه اللعبة‪.‬‬ ‫أنشئت قريتنا ف��ي موقعها الحالي‬ ‫منذ بداية األربعينيات بعد أن ُرحلت عن‬ ‫شواطئ نهر النيل األبيض خوفاً عليها‬ ‫من الغرق بعد إنشاء خزان جبل األولياء‬ ‫ال��ق��ري��ب م��ن ال��خ��رط��وم وك��ذل��ك يوجد‬ ‫بقريتنا (ود الطريفي) وهي غابة صغيرة‪،‬‬ ‫شهدت الكثير من أيامنا الجميلة ضمن‬ ‫الموسم ال��ذي تنتج فيه أشجار السدر‬ ‫ثمار النبق وه��ي األش��ج��ار التي تتكون‬ ‫منها هذه الغابة الصغيرة إضافة ألشجار‬

‫شهادات إبداعية‬

‫وعلي‬ ‫تعني الشعر ف��ي بوصلة كتابتي‬ ‫َّ‬ ‫ان أدرك أن هنالك أشياء ستغيب ولهذا‬ ‫ربما لو أعدنا كتابة الشهادة الشعرية‬ ‫مرات ومرات ستكون هنالك الكثير من‬ ‫التفاصيل المتحركة‪ ،‬ستكون هنالك‬ ‫الكثير من التصورات المتعددة‪ ،‬ستكون‬ ‫هناك الكثير من الشهادات‪ ،‬ليس ألنها‬ ‫محض خيال بل ألنها شريكة للواقع في‬ ‫الكثير من مجرياته المتدفقة كالهواء‪،‬‬ ‫وألنها تتخلق بطولِ أي��ام العمر وبعمق‬ ‫الذاكرة وبقوة المالحظة والمشاهدات‬ ‫والقراءات والتحوالت‪.‬‬

‫‪SAYSARA‬‬

‫جمادى الثاني ‪1432‬هـ‬ ‫مايو ‪2011‬م‬

‫‪133‬‬


‫‪SAYSARA‬‬

‫‪134‬‬

‫‪1432‬هـ جمادى الثاني‬ ‫‪2011‬م مايو‬

‫الحراز‪ .‬إش��ار ًة لود الطريفي كتبت في‬ ‫ِ‬ ‫يشبهك) المقطع‬ ‫قصيدتي (الوقت الذي‬ ‫التالي‪:‬‬

‫عابرة‬ ‫حكايات‬ ‫َث َّم َة‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫الكهف ال َّ‬ ‫ُ‬ ‫��ذي يفت ُح ب��وابَ��تَ��هُ‪ .‬المكا ُن‬ ‫ال��ذي ي��أوي ال�� ِّذك��ري ِ‬ ‫��ات‪ .‬المشاوي ُر التي‬ ‫ِ‬ ‫والبيت‪ .‬الضري ُح‬ ‫ريح‬ ‫أز َْه��� َر ْت بين ّ‬ ‫الض ِ‬ ‫السدرِ المثمرةِ‪.‬‬ ‫الذي‬ ‫ْ‬ ‫أزهرت به أشجا ُر ّ‬ ‫الضري ُح خاز ُن األسرارِ والنذورِ الباذخةِ ‪.‬‬ ‫ال��ض��ري�� ُح ه���و ال��ح��دي��ق�� ُة ال���وح���ي���دةُ في‬ ‫بلدتِنا‪.‬‬ ‫وه���و م��ا س��م�� َّي��ت�� ُه ال��ض��ري��ح ف��ي ه��ذا‬ ‫المقطع ال��ش��ع��ري‪ ،‬كذلك هناك القمر‬ ‫وقد كان عنصراً مهماً في بهجة الليالي‪.‬‬ ‫ك���ان ال��ق��م��ر يعني ح��ي��اة أخ���رى تشتعل‬ ‫بالليل‪ ،‬كان يعني بذ ُخ اللعب والسهر‪ ،‬كان‬ ‫يعني حياة كاملة تتدفق كنوافير الفرح‪،‬‬ ‫حياة مضيئة كأنها تأتي من األعالي مثل‬ ‫نزول الضوء‪.‬‬ ‫م��ع ك��ل ه���ذه التفاصيل ال��ت��ي تبدو‬ ‫م��ح��دودة‪ ،‬ك��ان لشباب القرية وكهولها‬ ‫وع���ي مختلف وم��ت��ق��دم‪ ،‬أن���ش���أوا ن��ادي��اً‬ ‫ثقافياً اجتماعيا (نادي مبروكة الثقافي‬ ‫االج���ت���م���اع���ي) وح���ي���ن ت��ف��ت��ح��ت ع��ي��ون��ن��ا‬ ‫على ال��ح��ي��اة وج��دن��اه راس��خ��اً ف��ي دور ِه‬ ‫وم��س��اه��م��ات��ه‪ ،‬ك��ان��ت ت��ق��ام ب��ه أمسيات‬ ‫مسرحية وشعرية وغنائية وسنوياً تتحول‬ ‫القرية إلى شعلة من النشاط الدافق بكل‬

‫أن��واع اآلداب والفنون حين يزور القرية‬ ‫ولمدة أسبوع سنوياً طالب معهد التربية‬ ‫بخت ال ِّرضا‪ ،‬حيث كانت قريتنا إحدى‬ ‫المناطق التي اختيرت لتكون معسكراً‬ ‫سنوياً ل��ج��زء م��ن ط�لاب معهد التربية‬ ‫وكانوا يُشعلون القرية إبداعاً وفناً راقياً‪،‬‬ ‫عبر أنشطة ال��ن��ادي الثقافي وأسابيع‬ ‫طالب معهد التربية‪ ،‬هنا وللمرة األولى‬ ‫وقبل دخول المدرسة شاهدنا المسرح‬ ‫وسمعنا الشعر وقد بهرني الشعر جداً‬ ‫في تلك السن المبكرة وك��ان الكثيرون‬ ‫يقرضون الشعر بصنوفه المختلفة بدءاً‬ ‫من الشعر الديني إل��ى شعر الغزل وما‬ ‫بينهما م��ن م��وض��وع��ات وك��ذل��ك بكافة‬ ‫أشكال الكتابة الشعرية باستثناء قصيدة‬ ‫النثر‪ .‬وك��ان خالي إبراهيم أح��د أولئك‬ ‫الشعراء وال��ذي توفى مبكراً له الرحمة‬ ‫قبل أن تكتمل تجربته الشعرية‪ ،‬لكني‬ ‫أذكر جيداً أنه كان إنساناً ح َّراً ومختلفاً‬ ‫وجريئاً في التعبير والكتابة وكنت أحبه‬ ‫جداً وأرى أنه ال يشبه اآلخرين وهو كان‬ ‫��ت عنده الكتب‬ ‫ك��ذل��ك‪ .‬كما أنني الم��س ُ‬ ‫والمجالت ودواوين الشعر والروايات قبل‬ ‫أن أدخل المدرسة وأعرف تصنيفاتها‪.‬‬ ‫من هنا ولد الشغف بالشعر ومحبته‬ ‫وبعد ذل��ك كانت المدرسة ومنذ السنة‬ ‫الرابعة إبتدائي ب��دأت حصص المكتبة‬ ‫وك��ان لعدد م��ن األس��ت��اذة دور كبير في‬ ‫ج��ع��ل ح��ص��ة المكتبة محببة ل��ن��ا ولها‬ ‫جمالها الخاص وكذلك باختيارات الكتب‬


‫بدر شاكر الثياب‪ ،‬عبدالوهاب البياتي‪،‬‬ ‫قاسم حداد‪ ،‬أدونيس ومحمد الماغوط‬ ‫وف��ي وق��ت متأخر نسبياً ق��رأت محمود‬ ‫دروي�����ش‪ .‬إض��اف��ة ل���ق���راءات أخ����رى في‬ ‫مجال اآلداب المتنوعة والرواية والفكر‬ ‫والتاريخ‪ ،‬كلها أسهمت في تشكيل وعي‬ ‫وت��ط��وي��ر أدوات�����ي اإلب��داع��ي��ة وال��ت��ج��رب��ة‬ ‫الشعرية تتغذي م��ن أرواح ع��دي��دة وال‬ ‫تتوقف مسيرة التجربة ومسيرة التعلم‬ ‫واإلف����ادة م��ن ت��ج��ارب متعددة ومتنوعة‬ ‫ومن كتاب كبار وكذلك من كتاب ما زالوا‬ ‫ينتجون كتابتهم ومساهماتهم اإلبداعية‪.‬‬ ‫هنالك على مراحل مختلفة الحقة‬ ‫توجد نشاطات وتجمعات لها أثر فاعل‬ ‫مثل المنتديات والملتقيات الثقافية‬ ‫واألن��ش��ط��ة الجامعية وم��ح��اول��ة تطوير‬ ‫تعاطينا مع الكتاب والمعرفة عموماً وبعد‬ ‫ذلك في بدايات التسعينات كنَّا مجموعة‬ ‫من الكتاب والشعراء والمبدعين نلتقى‬ ‫أسبوعياً في منتدى مكتبة البشير الريح‬ ‫العامة ب��أم درم��ان والحقاً مع مجموعة‬ ‫م��ن األص��دق��اء ك��و ّن��ا مجموعة شرفات‬ ‫الثقافية وك��ان��ت مرحلة جميلة ومهمة‬ ‫وك��م��ا أن االل��ت��ق��اء وال��س��م��اع واإلط�ل�اع‬ ‫وال���ت���واص���ل م���ع ت���ج���ارب م���ت���ع���ددة من‬ ‫جغرافيات وثقافات مختلفة يخلق نوعاً‬ ‫من االحتكاك والسماع ألصوات شعرية‬ ‫ج��دي��دة تطرح مشاريع شعرية متنوعة‬ ‫يثري التجربة اإلبداعية لكل األط��راف‬ ‫ب��ه��ذا ال��ت�لاق��ح المعرفي المتعدد وهنا‬

‫شهادات إبداعية‬

‫والمجالت وخلق فاعلية وتواصل حول‬ ‫ما نقرأ من كتب‪ ،‬وام��ت��دت العالقة مع‬ ‫المكتبات المدرسية بوصفها المصدر‬ ‫الوحيد في تلك السن المبكرة وظروف‬ ‫القرية التي أش��رت لبعض مالمحها‪..‬‬ ‫قرأنا الكثير والجميل ج��داً‪ ،‬وبعد ذلك‬ ‫علي‬ ‫في مجال الشعر قرأت الكثير‪ ،‬لكن َّ‬ ‫ان أشير للتجارب الشعرية األحدث التي‬ ‫كان لها أثراً في مفهومي للشعر واإلعجاب‬ ‫بنماذج م��ن ه��ؤالء مثل محمد المهدي‬ ‫المجذوب‪ ،‬محمد الفيتوري‪ ،‬محي الدين‬ ‫فارس‪ ،‬جيلي عبدالرحمن‪ ،‬صالح أحمد‬ ‫إبراهيم‪ ،‬محمد المكي إبراهيم‪ ،‬النور‬ ‫عثمان أبكر‪ ،‬محمد عبدالحي مصطفى‬ ‫سند وحتى تجارب حديثة جدا مثل عالم‬ ‫ع��ب��اس محمد ن��ور ومحمد عبدالقادر‬ ‫سبيل كان لهذه التجارب أثرها الكبير‬ ‫في التعاطي مع الشعر وتحوالت التجربة‬ ‫ف��ي كتابة القصيدة م��ن التقليدية إلى‬ ‫التفعيلة إلى قصيدة النثر وأذكر جيداً أن‬ ‫ديوان معزوفة لدرويش متجول للشاعر‬ ‫محمد الفيتوري كان له أثر عاصف حيث‬ ‫مثل لي كتابة شعرية جديدة ومختلفة‬ ‫و ُفتن ُْت بمحاولة كتابة قصيدة منحازة‬ ‫لحريتها مثلما ب��دت لي تلك القصيدة‬ ‫ف��ي ذل��ك ال��زم��ن م��ن ال��ب��داي��ات وتلمس‬ ‫خ��ط��ى ال��ش��ع��ر وال��ك��ت��اب��ة‪ .‬ك��ذل��ك هناك‬ ‫أسماء شعرية من خارج السودان أعتقد‬ ‫أنها شكلت أبعاداً كثيرة وغنية مثل نزار‬ ‫قباني‪ ،‬ص�لاح عبدالصبور‪ ،‬أم��ل دنقل‪،‬‬

‫‪SAYSARA‬‬

‫جمادى الثاني ‪1432‬هـ‬ ‫مايو ‪2011‬م‬

‫‪135‬‬


‫‪SAYSARA‬‬

‫‪136‬‬

‫‪1432‬هـ جمادى الثاني‬ ‫‪2011‬م مايو‬

‫سأذكر محطات مهمة أعتقد أنها لها‬ ‫أثرها الجميل مثل مشاركاتي في ملتقى‬ ‫صنعاء للشعر الجديد األول والملتقى‬ ‫الثاني ومهرجان األدب والكتاب الشباب‬ ‫ب��ال��ج��زائ��ر واألم��س��ي��ة ال��ش��ع��ري��ة ب��ن��ادي‬ ‫الجوف األدبي التي أثارت حواراً ونقاشاً‬ ‫غنياً ومفيداً حول قضايا ثقافية وشعرية‬ ‫عديدة وخاللها قلت الكثير مما يرد اآلن‬ ‫في ه��ذه الشهادة الشعرية التي أدونها‬ ‫وقد كانت بذرتها كشهادة شعرية تخلقت‬ ‫في تلك األمسية الشعرية‪.‬‬ ‫ليست ل���دي قطيعة م��ع ال��خ��ي��ارات‬ ‫الشعرية المختلفة وأعتقد أن كل أشكال‬ ‫الكتابة الشعرية ه��ي م��ن جوهر حرية‬ ‫الشعر وم��ن ج��وه��ر ح��ري��ة الكتابة وكل‬ ‫تجربة إبداعية ناصعة وب��اه��رة تضيف‬ ‫لغيرها من أشكال الكتابة واإلب��داع وإن‬ ‫كانت نصوصي الشعرية حالياً تقتصر‬ ‫على قصيدة التفعيلة وق��ص��ي��دة النثر‬ ‫وب��ان��ح��ي��از أك��ث��ر ل��ق��ص��ي��دة ال��ن��ث��ر حيث‬ ‫أرى أنها تمثل أجمل مقترحات الكتابة‬ ‫الشعرية وأكثرها إبداعي ًة وتنوعاً وثرا ًء‬ ‫ج��ع��ل ال��ش��ع��ر ن��ف��س��ه ي��ت��خ��ذ ج��م��ال��ي��ات‬ ‫متعددة وينتج كتابة ال تعترف بسقف‬ ‫يحد من قدراتها ورغباتها في التعبير‪..‬‬ ‫بل صارت الكتابة الشعرية عبر قصيدة‬ ‫النثر م��ش��روع حرية ناصعة ل��ن تتوقف‬ ‫وإلى األبد‪.‬‬ ‫* شاعر من السودان‪.‬‬

‫أعرف أن هذا قد ال يكون وفياً لما‬

‫يمكن أن يكون شهادة شعرية وقد يكون‬ ‫هناك إش��ارات أه��م وأعمق قد ضاعت‬

‫ع��ن��د لحظة ال��ك��ت��اب��ة وق���د ت��س��رب��ت من‬ ‫شرف الحضور ضمن هذا السرد الذي‬ ‫يحاول مالمسة شهادتي ح��ول تجربتي‬ ‫الشعرية لكن ربما ما أنتجته حتى اآلن‬

‫من أعمال قد تسهم بشكل أو آخر عملية‬ ‫اإلطالع عليه لو أمكن ذلك من سد بعض‬ ‫مما سقط عن هذه الشهادة وبعض مما‬

‫لم تقوله وبعض الثقوب هنا وهناك‪ ،‬وقد‬ ‫تحمل ه��ذه األعمال بين طياتها كل ما‬

‫يمكن أن أقوله عبر شهادة شعرية‪ ،‬حيث‬

‫ص��د ّر لي دي��وان شعر بعنوان يسقطون‬ ‫وراء الغبار في العام ‪ 2003‬صدرت من‬

‫كاف نون القاهرة ومختارات شعرية من‬ ‫ال��س��ودان ف��ي ال��ع��ام ‪ 2007‬ص���درت من‬

‫جمعية البيت للثقافة والفنون بالجزائر‪،‬‬ ‫مختارات قصصية من السودان ‪2009‬‬ ‫ص�����درت م���ن ج��م��ع��ي��ة ال��ب��ي��ت ل��ل��ث��ق��اف��ة‬

‫والفنون بالجزائر‪ ،‬ديوان شعر كلما في‬ ‫السر أطفأنا القناديل ‪ 2011‬صدرت من‬

‫نينوى للدراسات والنشر بسوريا وقيد‬ ‫الطبع دي��وان بيت المشاغبات سيصدر‬ ‫من دار النهضة العربية بلبنان‪.‬‬

‫‪ 5‬أبريل ‪2011‬‬


‫‪SAYSARA‬‬

‫جمادى الثاني ‪1432‬هـ‬ ‫مايو ‪2011‬م‬

‫‪137‬‬

‫شهادة شعرية‬

‫كتابة الشعر بالنسبة للشاعر جزء من كتابة الحياة‪ ،‬حين يجد المرء نفسه‬ ‫شاعرا ألسباب كثيرة ومعقدة‪ ،‬ال يمكن أن يفسر الكثير من وقائع طفولته مثال‬ ‫أو حياته الخاصة والعامة في تلك الطفولة إال بعد أشواط طويلة في الشباب‬ ‫والكهولة‪ .‬الشاعر بطبيعته كائن يسعى باستمرار إلى توحيد الذات والموضوع‬ ‫في خط واح��د وه��ذه مهمة شاقة‪ ،‬لكن ضغط المخيلة على رؤى الشاعر هو‬ ‫ماينزاح به حيال تلك القناعة‪ .‬حين ب��دأت كتابة الشعر كان األم��ر أق��رب إلى‬ ‫تجربة في تحدي اإليقاع التقليدي وكتابة نصوص على منواله‪ .‬كان التراث‬ ‫حاضرا بقوة من تأثير ق��راءات مبكرة لدواوين شعراء الجاهلية عنترة‪ ،‬امرؤ‬ ‫القيس‪ ،‬لبيد ووو‪.‬‬ ‫وك�������ان ان����ف����ت����اح ال������ذاك������رة ع��ل��ى‬ ‫اي��ق��اع ق��ص��ائ��د ال��م��ق��ررات ال��دراس��ي��ة‬ ‫ف���ي م��راح��ل��ه��ا ال��م��خ��ت��ل��ف��ة م��ص��ح��وب��ة‬ ‫ب��األن��اش��ي��د‪ ،‬ي��ح��ف��ز ال��ت��ط��ري��ب ال���ذي‬ ‫يتولد ل��دي من تلك القوافي‪ .‬أعتقد‬

‫أن االي���ق���اع ه��و إغ����واء ال��ش��ع��ر األول‬ ‫فطاقته الموسيقية هي األث��ر المادي‬ ‫للسماع الذي بهرني في طفولة مبكرة‬ ‫لم تكن ق��ادرة على اإلمساك بالمعنى‬ ‫في النص الشعري‪ .‬وقعت فجأة على‬

‫شهادات إبداعية‬

‫> محمد جميل أحمد*‬


‫‪SAYSARA‬‬

‫‪138‬‬

‫‪1432‬هـ جمادى الثاني‬ ‫‪2011‬م مايو‬

‫ديوان بدر شاكر السياب‪ ،‬في مكتبة ابن‬ ‫عمي‪ .‬ومنذ ذلك الحين عرفت أن للشعر‬ ‫حداثة ممكنة وقابلة للتذوق بمعزل عن‬ ‫ت��ل��ك ال��ن��م��ذج��ة ال��م��ع��ي��اري��ة المهيبة في‬ ‫التراث‪ .‬الشعر بالنسبة للشاعر جزء من‬ ‫انبثاقه الطبيعي عن الحياة؛ هو صياغة‬ ‫المتناهية من انتهاك النظام الرمزي للغة‬ ‫عبر المجاز‪ ،‬ج��دل الشاعر م��ع الشعر‬ ‫مغامرة متجددة مع اللغة والذات والعالم‬ ‫والكلمات واألشياء؛ مغامرة ال تنتهي إال‬ ‫لتبدأ مرة أخرى عبر الحواس‪ .‬منذ أن‬ ‫بدأت كتابة الشعر وحتى اآلن‪ ،‬ال أدري‬ ‫كيف ينبثق الشعر وال أدرك كنهه فهو من‬ ‫أص��داء ال��روح التي تترك أثرها بسكون‬ ‫الجسد‪ .‬وعلى الشاعر حين يكتب نصه‬ ‫أن يصغي ألصوات اإللهام التي ترن في‬ ‫ال��ب��اط��ن‪ .‬للقصيدة منابع كثيرة‪ ،‬س��واء‬ ‫أكانت شعرا مقفى أو نثريا أو تفعيلة؛‬ ‫* كاتب وشاعر وروائي سوداني مقيم بالسعودية‪.‬‬

‫صدر حديث ًا‬ ‫عن النادي األدبي بالجوف‬ ‫«القصيدة وتحوالت‬ ‫مفهوم الكتابة»‬ ‫للشاعر والناقد السعودي‬ ‫محمد الحرز‬

‫تلك أشكال خارجية للشعر الذي يتشكل‬ ‫ف��ي ال���داخ���ل‪ .‬م��ص��ادر ال��ش��ع��ر غامضة‬ ‫تأتي من اإللهام والذاكرة ومن التجارب‬ ‫الشخصية‪ ،‬أو تأتي من طبيعة الحياة‬ ‫العامة‪.‬‬ ‫وم���ن ال��ص��ع��ب أن ي��م��س��ك ال��ش��اع��ر‬ ‫بسبب واض���ح لقصيدته‪ ،‬فتلك مهمة‬ ‫الناقد في فحص النص من خالل أدواته‬ ‫المعرفية واللغوية‪ ،‬أم��ا الشاعر فغالباً‬ ‫ما يكون م��س��ؤوالً عن التعبير الجمالي‬ ‫لقصيدته‪ ،‬أو عن صياغة خطابه الخاص‬ ‫في معجم اللغة‪ .‬وقد يكون الشاعر تحت‬ ‫إلحاح أو حالة تقوم بالضغط عليه‪ ،‬وقد‬ ‫يكتب القصيدة في نصف ساعة‪ ،‬وأحياناً‬ ‫تكون عبر التراكم وتأخذ أياماً‪ ،‬وقد تأخذ‬ ‫شهرا أحياناً‪ ،‬فتختلف الحاالت التعبيرية‬ ‫عن الشعر باختالف التجربة وباختالف‬ ‫إحساس الشاعر‪.‬‬


‫‪SAYSARA‬‬

‫جمادى الثاني ‪1432‬هـ‬ ‫مايو ‪2011‬م‬

‫‪139‬‬

‫كتب‬

‫كتـ ـ ــب‬


‫ال���ك���ت���اب‪:‬‬ ‫ال��م��ؤل��ف‪:‬‬ ‫ال���ن���اش���ر‪:‬‬ ‫اإلص���دار‪:‬‬

‫‪SAYSARA‬‬

‫‪140‬‬

‫‪1432‬هـ جمادى الثاني‬ ‫‪2011‬م مايو‬

‫واحات وظالل (شعر‬ ‫لألطفال)‪.‬‬ ‫الطاهر لكنيزي‪.‬‬ ‫نادي الجوف األدبي‪.‬‬ ‫‪2011‬م‪.‬‬

‫واحات وظالل نصوص شعرية لألطفال‬ ‫وال��ن��اش��ئ��ي��ن للشاعر ال��ط��اه��ر لكنيزي في‬ ‫هذه الواحات تتعانق اللغة مع الصورة من‬ ‫أجل التربية وتقوية الروح الدينية والوطنية‬ ‫واألخالقية لدي أبنائنا الصغار فكل ما في‬ ‫ال��واح��ات م��ن قصائد تستلهم بيئة الطفل‬ ‫وم��ش��اه��دات��ه وت��ن��اس��ب واق��ع��ه واهتماماته‬ ‫ومعجمه اللغوي‪ .‬يأتي هذا اإلصدار في إطار‬ ‫توجه النادي نحو االهتمام بالطفل وثقافته‪،‬‬ ‫وترسيخ القيم الدينية والوطنية واألخالقية‪.‬‬ ‫وأك َد المؤلف (الطاهر لكنيزي) في تقديمه‬ ‫لنصوصه الشعرية لألطفال والناشئين أنها‬ ‫ُ‬ ‫تهدف إلى التربية والترفيه‪ ،‬وإغناء الذاكرة‬

‫برصيد معجمي متنوع‪ ،‬وتوسيع آفاق الخيال‪،‬‬ ‫وتنمية الذوق الفني والجمالي‪ ،‬وتعويد األذن‬ ‫على اإليقاع‪ ،‬وتمرير أخالق حميدة ونماذج‬ ‫من السلوك في التعامل وحسن التصرف في‬ ‫ح��االت وظ��روف وم��واق��ف يصادفها الطفل‬ ‫خالل حياته‪.‬‬

‫ال���ك���ت���اب‪:‬‬ ‫ال��م��ؤل��ف‪:‬‬ ‫ال���ن���اش���ر‪:‬‬ ‫اإلص���دار‪:‬‬

‫من أمطرك (شعر)‪.‬‬ ‫صالح عودة‪.‬‬ ‫نادي الجوف األدبي‪.‬‬ ‫‪2011‬م‪.‬‬

‫تتميز قصائد الشاعر صالح عودة‬ ‫بالرصانة اللغوية والفصاحة والعمق‬ ‫ال��ش��دي��د ال���ذي يفتقد إل��ي��ه الكثير من‬ ‫شعر بعض شعراء ما بعد الحداثة الذين‬ ‫ينتهجون نهج القصيدة العمودية‪ ،‬هذا ما‬ ‫أكده الناقد والمحاضر بجامعة الجوف‬ ‫د‪ .‬محمود عبدالحافظ خلف الله في‬ ‫كلمته على غ�لاف ال��دي��وان مضيفاً أن‬ ‫قصائد الشاعر تتميز بالصدق المتمثل‬ ‫في انطالق معظم القصائد من مرجعية‬ ‫ف��ل��س��ف��ي��ة خ���اص���ة ت��ع��ك��س وج���ه���ة نظر‬ ‫الشاعر في كل ما يشعر به أو يفكر فيه‪،‬‬ ‫وق��د ت��ج��اوز ف��ي ذل��ك القصائد الذاتية‬ ‫إل��ى القصائد العامة‪ ،‬حيث أت��ت جميع‬ ‫قصائد ال��دي��وان لتعبر ع��ن رؤي��ة ذاتية‬ ‫شديدة الخصوصية للشاعر في كل ما‬ ‫يعبر عنه‪ ،‬كما تميزت بالتنويع بين شعر‬ ‫التفعيلة والشعر العمودي‪.‬‬


‫ال���ك���ت���اب‪:‬‬ ‫ال��م��ؤل��ف‪:‬‬ ‫ال���ن���اش���ر‪:‬‬ ‫اإلص���دار‪:‬‬

‫القصيدة وتحوالت‬ ‫مفهوم الكتابة (مقاالت)‪.‬‬ ‫محمد الحرز‪.‬‬ ‫نادي الجوف األدبي‪.‬‬ ‫‪2011‬‬

‫ال��م��ؤل��ف‪:‬‬ ‫ال���ن���اش���ر‪:‬‬ ‫اإلص���دار‪:‬‬

‫في حضرة السيد الموت‬ ‫(نصوص ومقاالت)‪.‬‬ ‫د‪ .‬حسن بن يوسف العارف‪.‬‬ ‫نادي الجوف األدبي‪.‬‬ ‫‪2011‬‬

‫الكتاب هو نصوص ومقاالت للمؤلف‬ ‫يصفها بأنها ق���راءات باكية ف��ي سيرة‬ ‫ما بعد الموت حيث يقول في مقدمته‬ ‫للكتاب «لقد استودعت في هذا الكتاب‬ ‫حالة الفجيعة الشخصية تجاه السيد‪/‬‬ ‫الموت‪ ،‬عبر لغة رثائية‪ /‬باكية‪ .‬استنبت‬ ‫فيها سيرة ما بعد الموت‪ ..‬موجزة تارة‪،‬‬ ‫ومسهبة تارة أخرى؛ حسب ما تراءى لي‬ ‫من نور مشيت فيه ما وسعني ذلك‪ .‬آم ُل‬ ‫أن تكون الكلمات‪ /‬البوح الجنائزي واحة‬ ‫ت��ذك��رك��م ب��ي ع��ن��دم��ا ي��خ��ت��ارن��ي السيد‪/‬‬ ‫ال��م��وت‪ ..‬ول��ي��س ذل��ك ببعيد‪ ..‬فالموت‬ ‫أقرب إلينا من حبل الوريد»‪.‬‬

‫كتـ ـ ــب‬

‫يتألف الكتاب من مجموعة من المقاالت‬ ‫وتتصدره مقدمة لألكاديمي والناقد السعودي‬ ‫دكتور سعد البازعي وال��ذي يؤك ُد فيها أن‬ ‫«تلك ال��م��ق��االت تأتلف ح��ول مؤلفها بقدر‬ ‫ما تأتلف حول الشعر والرؤى النقدية التي‬ ‫تتناوله‪ .‬ومما يميز تلك المقاالت هو أنها‬ ‫تتناول موضوعها‪ ،‬أي الشعر‪ ،‬بحميمية تصل‬ ‫حد التوحد حيناً وحد االنفصال القلق حيناً‬ ‫آخ��ر‪ ،‬وفي كلتا الحالتين ثمة رأف��ة بالشعر‬ ‫وخوف عليه‪ ..‬يخشى الحرز على الشعر من‬ ‫سوء الفهم الذي يتهدده في مشهدنا األدبي‪،‬‬ ‫يخشى على روح الحداثة فيه أن تذوي لدى‬ ‫الشعراء أنفسهم وهو يرى ما يشي بذلك‪،‬‬ ‫ويخشى من إس���اءات النقد‪ ،‬وف��ي المشهد‬ ‫م��ا يؤكد ل��ه أن ذل��ك خطر حقيقي أيضاً‪.‬‬ ‫ولو أردنا اختصار المسعى الذي يتجه إليه‬ ‫المؤلف‪ ،‬ن��اق��داً ح��اض��راً وش��اع��راً مستتراً‪،‬‬ ‫لوجدناه في حماية الحداثة الشعرية من‬ ‫الذبول سواء لدى منتجيها من الشعراء أو‬ ‫متلقيها من النقاد والقراء»‪.‬‬

‫ال���ك���ت���اب‪:‬‬

‫‪SAYSARA‬‬

‫جمادى الثاني ‪1432‬هـ‬ ‫مايو ‪2011‬م‬

‫‪141‬‬


‫ال���ك���ت���اب‪:‬‬ ‫ال��م��ؤل��ف‪:‬‬ ‫ال���ن���اش���ر‪:‬‬ ‫اإلص���دار‪:‬‬

‫‪SAYSARA‬‬

‫‪142‬‬

‫‪1432‬هـ جمادى الثاني‬ ‫‪2011‬م مايو‬

‫رائحة الحنين‪.‬‬ ‫خديجة الصاعدي‪.‬‬ ‫نادي القصيم األدبي‬ ‫‪2010‬م‪.‬‬

‫مجموعة قصصية بعنوان «رائحة‬

‫ال��ح��ن��ي��ن» ل��ل��ك��ات��ب��ة خ��دي��ج��ة ال��ص��اع��دي‬ ‫ص�������ادرة ع����ن ن������ادي ال��ق��ص��ي��م األدب�����ي‬

‫الطبعة األول����ى ‪2010‬م اشتملت على‬ ‫عشر قصص‪ ..‬ترصد القاصة في هذه‬

‫المجموعة المواقف النفسية تجاه الفتاة‬

‫من قبل األسرة والمجتمع ومحاولة هذه‬

‫الفتاة المقاومة والدفاع عن حقوقها ضد‬ ‫التنين الذي يقهرها في النوم واليقظة‪.‬‬ ‫وتتوسل القاصة لغة متوترة مشحونة‬

‫باألحاسيس األنثوية المتدفقة‪ ،‬وتحاول‬ ‫أن تخلق لنفسها أسلوباً خاصاً وبصمة‬ ‫مميزة‪.‬‬

‫ال���ك���ت���اب‪:‬‬ ‫ال��م��ؤل��ف‪:‬‬ ‫ال���ن���اش���ر‪:‬‬ ‫اإلص���دار‪:‬‬

‫شدو الناشئ في أسمى‬ ‫المرافئ‪.‬‬ ‫شريف قاسم‪.‬‬ ‫نادي نجران األدبي‬ ‫‪2011‬م‪.‬‬

‫دي�����وان «ش����دو ال��ن��اش��ئ ف���ي أس��م��ى‬ ‫المرافئ» للشاعر شريف قاسم اشتمل‬ ‫ع��ل��ى خ��م��س وخ��م��س��ي��ن ق��ص��ي��دة ت��وج��ه‬ ‫بها الشاعر إل��ى الجيل الناشئ هادفاً‬ ‫إل��ى تهذيب الطالب وترسيخ السلوك‬ ‫األسمى واألرق���ى للطالب وتحريره من‬ ‫عقدة الخجل والخوف واالنعزال والدفع‬ ‫ب��ه إل��ى م��واط��ن الفعل االج��ت��م��اع��ي من‬ ‫غير انفعاالت أو تشنجات أو عدوانية‪.‬‬ ‫والديوان تجربة متميزة وإضافة حقيقية‬ ‫لمكتبة ال��ش��ع��ر ال����ذي ي��ت��وج��ه للشباب‬ ‫واليافعين وتحتاج المكتبة العربية إلى‬ ‫مثل ه��ذه اإلص����دارات لما لها م��ن دور‬ ‫فعال في تثقيف الجيل الجديد واالرتقاء‬ ‫بتفكيره‪.‬‬


‫ال���ك���ت���اب‪:‬‬ ‫ال��م��ؤل��ف‪:‬‬ ‫ال���ن���اش���ر‪:‬‬ ‫اإلص���دار‪:‬‬

‫انحراف الفهم انحراف‬ ‫المعنى‪.‬‬ ‫علي فايع األلمعي‪.‬‬ ‫نادي أبها األدبي‬ ‫‪2011‬م‪.‬‬

‫المعنى» للناقد علي فايع األلمعي والذي‬

‫تناول فيه بالدرس والنقد مقاالت حول‬ ‫ال��ش��ع��ر وال��ق��ص��ة وال���رواي���ة ن��ش��رت في‬

‫ال��ص��ح��ف ال��وط��ن��ي��ة متمثلة ف��ي ال��وط��ن‬ ‫والحياة‪ ،‬وقام الكاتب بجمعها بين دفتي‬ ‫كتاب هادفاً من ذلك إلى تزويد المكتبة‬

‫النقدية بما يضئ المشهد اإلب��داع��ي‪.‬‬ ‫ولعل مثل هذه اإلصدارات تشك ُل رافداً‬

‫ال غنى للحركة النقدية عنه على الرغم‬ ‫من أنها لم يتم تأليفها مباشرة في هيئة‬

‫ك��ت��اب ب��ل ج���اءت ف��ي األص���ل ف��ي ص��ورة‬ ‫مقاالت متفرقة منشورة هنا وهناك‪.‬‬

‫ال���ن���اش���ر‪:‬‬ ‫اإلص���دار‪:‬‬

‫بكاء الليل‪.‬‬ ‫عبدالله الخضيبي‬ ‫السبيعي‪.‬‬ ‫نادي الطائف األدبي‬ ‫‪2010‬م‪.‬‬

‫المجموعة القصصية «بكاء الليل»‬ ‫للقاص عبدالله الخضيبي السبيعي في‬ ‫طبعتها األولى ‪2010‬م‪ ،‬والمجموعة هي‬ ‫رؤى لبعض القضايا الذاتية واالجتماعية‬ ‫ولقطات خاطفه تبلور رمزاًَ وداللة ترسم‬ ‫مالمح بعض القضايا وتستبطن أعماق‬ ‫الشخصيات ف��ي معترك واق���ع الحياة‬ ‫م���ع ف��ل��س��ف��ة ال���ح���زن ال����ذي غ��لَّ��ف أك��ث��ر‬ ‫القصص‪ .‬وتتميز لغة السبيعي باإليجاز‬ ‫والكثافة والشاعرية مما منح المجموعة‬ ‫القصصية نكهة خاصة وملمحاً متفرداً‪،‬‬ ‫كما أن��ه��ا تستند إل��ى التحليل النفسي‬ ‫مما زاده��ا عمقاً وسبراً لخبايا النفس‬ ‫البشرية بهواجسها وانفعاالتها المتوترة‬ ‫والمتغيرة‪.‬‬

‫كتـ ـ ــب‬

‫كتاب «ان��ح��راف ال��ف��ه��م‪ ...‬انحراف‬

‫ال���ك���ت���اب‪:‬‬ ‫ال��م��ؤل��ف‪:‬‬

‫‪SAYSARA‬‬

‫جمادى الثاني ‪1432‬هـ‬ ‫مايو ‪2011‬م‬

‫‪143‬‬


‫ال���ك���ت���اب‪:‬‬ ‫ال��م��ؤل��ف‪:‬‬ ‫ال���ن���اش���ر‪:‬‬ ‫اإلص���دار‪:‬‬

‫‪SAYSARA‬‬

‫‪144‬‬

‫‪1432‬هـ جمادى الثاني‬ ‫‪2011‬م مايو‬

‫معاهد وشواهد – شعرية‬ ‫المكان‪.‬‬ ‫د‪.‬تنيضب الفايدي‪.‬‬ ‫على نفقة المؤلف‬ ‫‪2009‬م‪.‬‬

‫في هذا الكتاب تتعد الشواهد وتتنوع‬ ‫المواقع التي ذكرت بين دفتيه‪ ،‬وقد روعي‬ ‫في اختيار الشعر ربط أجزاء الوطن حرصاً‬ ‫على تحقيق التماسك واالندماج والتواصل‪،‬‬ ‫وق��وة الترابط بين أف��راد المجتمع‪ ،‬ليشكل‬ ‫ذلك نسيجاً واحداً مما يعطي الوطن الهوية‬ ‫التي تتميز بالقوة والمهابة‪ ،‬علماً بان المؤلف‬ ‫وق��ف – خ�لال أكثر م��ن ثالثين ع��ام��اً على‬ ‫أغلب اآلث��ار والمآثر واألط�ل�ال والمعاهد‪،‬‬ ‫ورصد الشواهد الشعرية عن بعض المواقع‬ ‫في مختلف أنحاء الوطن الغالي واستمتع‬ ‫بقصص ال��م��ج��د‪ ،‬وس��ح��ر ال��ت��اري��خ‪ ،‬وروع���ة‬ ‫الجمال‪ ،‬حيث إن الشواهد والمعاهد التي‬ ‫خلدها المحبون تبهر النظر‪ ،‬وتأسر القلب‬ ‫وال���روح‪ ،‬وكلماتهم تطرب األذن‪ ،‬وتعلق بها‬ ‫��ات تطال‬ ‫ال��ن��ف��س ف�لا ت��ف��ارق��ه��ا‪ ..‬إن��ه��ا ك��ل��م ٌ‬ ‫السماء شموخاً وعزة وكرامة‪.‬‬

‫ال���ك���ت���اب‪:‬‬ ‫ال��م��ؤل��ف‪:‬‬ ‫ال���ن���اش���ر‪:‬‬ ‫اإلص���دار‪:‬‬

‫حروف وسنابل «قصص‬ ‫قصيرة جداً»‬ ‫محمد صوانه‬ ‫مؤسسة عبدالرحمن‬ ‫السديري الخيرية‬ ‫‪2010‬م‪.‬‬

‫تتسم المجموعة بالتجريد الداللي‪ ،‬والمجاز‬ ‫البالغي‪ ،‬والغموض الفني‪ ،‬وتشغيل الرموز الموحية‪.‬‬ ‫ما يجعلها تميل إلى اإلده��اش‪ ،‬وإلى قدرتها على‬ ‫الربط بين السردي والشعري وتحويل اللغة العادية‬ ‫اليومية إلى لغة أدبية ورؤية تحول العالم المتناهي‬ ‫في الكبر إلى عالم متناه في الصغر‪.‬‬ ‫كان القاص يقرأ بعض جوانب المجتمع من‬ ‫حوله‪ ،‬من زوايا متنوعة‪ ،‬يكشف من خاللها نقاط‬ ‫قوة تصلح للتعظيم والعناية‪ ،‬وبعض نقاط ضعف‪.‬‬ ‫والمتفحص لتلك النصوص‪ ،‬يجد حكمة ظاهرة‬ ‫تارة وخافية تارة أخرى‪ ،‬يودعها بين سطور قليلة ال‬ ‫يمل من البحث عنها ويتذوق دائما قراءتها وتأملها‬ ‫ويحس بجمال تناوله لها من طرف لين‪ ،‬لكنه يوفظ‬ ‫من تراوده الغفلة!‬ ‫ه��ل ك��ان ال��ق��اص ي��ح��اول اإلس��ه��ام ف��ي تدعيم‬ ‫البناء في المجتمع من حوله؟ ربما‪ ..‬فأنت تلحظ‬ ‫م��ن دون ري��ب أن��ه ي���روم مجتمعا ق��وي��ا متماسكا‬ ‫ي��ب��دأ ب��ال��ن��واة ال��ص��غ��ي��رة «األس�����رة» وي��ن��ط��ل��ق منها‬ ‫يزيد من تضامن أفراد المجتمع ليكون على قدر‬ ‫التحديات‪..‬‬


Turn static files into dynamic content formats.

Create a flipbook
Issuu converts static files into: digital portfolios, online yearbooks, online catalogs, digital photo albums and more. Sign up and create your flipbook.