مجلة سيسرا العدد السابع
دراسات:
7
تلويحة
لسيد البيد الشاعر
محمد الثبيتي
النادي األدبي باجلوف جمادى الثانية 1432هـ
دراسة في كتاب :السلفية والليبرالية حوارات مع: ضيف فهد، ماجد الثبيتي، محمد جميل، نصار احلاج
مايو 2011م
فصل من رواية: إختراع موريل ألدلفو كاساريس إبداعات عيد اخلميسي، مالك اخلالدي، جناة املاجد، حضية خافي، علي عفيفي
ملف العدد:
الرواية المغربية
جمادى الثاني 1432هـ مايو 2011م
11
SAYSARA CULTURAL QUARTERLY
فصلية ثقافية تصدر عن نادي اجلوف األدبي الثقافي
SAYSARA
7
جمادى الثاني 1432هـ مايو 2011م
مجلة سيسرا العدد السابع
دراسات:
7
تلويحة
لسيد البيد الشاعر
محمد الثبيتي
النادي األدبي باجلوف جمادى الثانية 1432هـ مايو 2011م
د .حامد الوردة د .غربي الشمري حسني اخلليفة فارس الروضان جميعان الشراري سعود اخلضع أحمد القعيد
فصل من رواية: إختراع موريل ألدلفو كاساريس إبداعات عيد اخلميسي، مالك اخلالدي، جناة املاجد، حضية خافي، علي عفيفي
ملف العدد :الرواية المغربية
غالف العدد
أعضاء مجلس اإلدارة
حوارات مع: ضيف فهد، ماجد الثبيتي، محمد جميل، نصار احلاج
رئيس التحرير إبراهيم بن موسى احلميد التحرير مالك اخلالدي -ضاري احلميد عصام أبو زيد -هشام بن شاوي للنشر في املجلة
نادي اجلوف األدبي الثقافي طريق امللك عبدالله جنوب شركة الكهرباء هاتف04/6257042 : فاكس04/6257046 : ص .ب )2505( :سكاكا /اجلوف اململكة العربية السعودية موقع النادي على اإلنترنت www.adabialjouf.com البريد اإللكتروني
adabialjouf@gmail.com
-املراسالت باسم رئيس التحرير.
saysaramag@gmail.com يشترط في املواد التي ترسل إلى املجلة أن التكون منشورة سابق ًا. يخضع نشر املواد وترتيبها العتبارات فنيةبحتة. امل��ق��االت املنشورة تعبر ع��ن آراء كتابها والتعبر بالضرورة عن رأي املجلة.
سعر النسخة ( )10رياالت سعودية أو ما يعادلها بالعمالت األخرى
هيئة التحرير
رئيس مجلس اإلدارة إبراهيم بن موسى احلميد
دراسة في كتاب :السلفية والليبرالية
SAYSARA
2
1432هـ جمادى الثاني 2011م مايو
دراسات ونقد
املحتـ ـ ـ ـ ـ ـ
تلويحة وداع لسيد البيد – هشام بنشاوي 6...................... دراسة في كتاب السلفية والليبرالية اغتيال اإلبداع في ثقافتنا العربية – هويدا صالح13........................................
25
ملف العدد :الرواية المغربية
الوعي اجلمالي وسؤال التلقي21................................. بني البحث عن القارئ والبحث عن املوضوع 23.................. قراءة في رواية «قاع اخلابية» 26................................. سؤال السرد وإنتاج املعرفة في «أوراق» عبدالله العروي36...... شهادة -مصطفى لغتيري40..................................... شهادة -محمد فاهي 43.........................................
حوارات
25
مع القاص ضيف فهد – ضاري احلميد وعصام أبو زيد49.... مع الشاعر والقاص ماجد الثبيتي –عصام أبو زيد 53......... مع الشاعر السوداني محمد جميل – عمر محفوظ57......... مع الشاعر السوداني نصار احلاج – ضاري احلميد 64........
إبداع – شعر
25
بح ٍر - ...الطاهر لكنيزي 70............................. في ّ أي ْ قصائد – عيد اخلميسي 72..................................... لي كأسي ولي عنبي – الطيب هلو74............................ مـ ــاء – سعيد السوقايلي 75...................................... لوحة – بهاء الدين رمضان76.................................... وحدي – مالك اخلالدي77...................................... أضرحة احللم – جناة املاجد 78................................. نفثات – يوسف الرحيلي80......................................
SAYSARA
ـ ـ ـ ـ ــويات
جمادى الثاني 1432هـ مايو 2011م
3
إبداع – قصص
ما كان باألمس – حضيه خافي85............................... قضبان الطني – زكية جنم 86.................................... إنـه دجـاجـة -سعيد بودبوز 90................................... عندما تيأس الروح – ماجدة اخلالدي97........................ سيــف خشـب -محمد مستجاب99..............................
25
فصل من رواية اختراع موريل ألدلفو كاساريس (ترجمة) – أحمد مياني105....
أقواس املواطنة في الشعر السعودي قصيدة (وطن اجلمال) لنجاة املاجد أمنوذجاً -د .إبراهيم الدهون 115............................... اجلوف في ذاكرة التاريخ واألدب – مالك اخلالدي 118......... بحيرة خلف التل – محمد جميل أحمد ونصار احلاج121.......
25
شهادات إبداعية السر – ماجد الثبيتي 126........................................ عني لص ومخيلة محتال – ضيف فهد 129...................... شهادة شعرية – نصار احلاج 131................................ شهادة شعرية – محمد جميل137................................
كتب إعداد احملرر 139.................................................
25
SAYSARA
4
1432هـ جمادى الثاني 2011م مايو
االفتتاحية >.............................................................إبراهيم احلميد* ت��ظ��ل ال���رواي���ة م���ص���دراً ل�ل�إب���داع األدب���ي وال��ف��ن��ي ،ودل��ي�لا إل��ى م��ف��اوز ل��م ي��در ف��ي خلد الكثيرين الوصول إليها؛ فهي تنقلنا بأجوائها الساحرة من غابات األمازون وأجواء كولومبيا إل��ى ش���وارع لندن وب��اري��س وج��ب��ال كليمنجارو وثلوج سيبيريا وجبال داغستان ،حتى بات أدب الرواية يزاحم الركام الشعري الهائل في التراث العربي ،وأصبح من يقول إنها دي��وان العرب الجديد ،بعد أن أصبحت هاجسا للكثير من المبدعين ،وأسلوبا مبتكرا لإلبداع ،ال يضاهيه أي فن آخر .وقد أصبح لكل بلد عربي روائيوه ومبدعوه ،حتى باتوا يش ّكلون في مجموعهم ظ��اه��رة إب��داع��ي��ة م��ت��ج��ددة ف��ي س��م��اء الثقافة العربية؛ يزاحمون عمالقة الرواية العالميين، الذين طالما انفردوا بسوق ال��رواي��ة ،وبإقبال الق ّراء عقوداً طويلة. وفي مغرب العالم العربي اليوم ،نجد أن الرواية المغربية باتت تشكل عالمة مهمة في سماء اإلب��داع العربي ،حتى وصل منهم اليوم َمن يفوز بجوائز عالمية ،مثل :جائزة جونكور الفرنسية ،وجائزة البوكر العربية ،وغيرهما؛ تأكيدا على المكانة التي باتت تأخذها الرواية في المغرب العربي من مكانة سامية بين الفنون اإلبداعية .ويحضر في سمائها اليوم أسماء مهمة ،مثل :محمد ب��رادة ،ومحمد األشعري، وم���ب���ارك رب���ي���ع ،وم��ح��م��د ع��زال��دي��ن ال���ت���ازي، وبنسالم حميش ،وهشام بنشاوي ،ينضمون إلى كوكبة من المبدعين المغاربة الذين سبقوهم * رئيس مجلس اإلدارة.
بالكتابة باللغتين العربية والفرنسية. ت��ض��ي��ف ال���رواي���ة ال��م��غ��رب��ي��ة م��وض��وع��ات ج��دي��دة ف��ي المشهد ال��روائ��ي ال��ع��رب��ي ،مثرية هذا المشهد ،بإضافات تعزز الحضور الروائي ال��ع��رب��ي ع��ل��ى ال��ص��ع��ي��د ال��ع��ال��م��ي؛ إذ تش ّكل موضوعات الهموم اليومية لإلنسان ،والهجرة، والبطالة ،واللغة ،والهوية ،والمرأة ،والتنظير المنتهي بالفلسفة واألساطير ،أبرز النقاشات التي تدور حولها الرواية المغربية ،وإن كانت لكل منها موضوعاتها المتفردة التي تضيف الكثير؛ وقد ال يكون ذلك صحيحا دون اإلحالة إل��ى رواي����ات بعينها ،ليتم تفكيكها وإحالتها على مشرط القارئ والناقد؛ على الرغم من أن فيصل د ّراج -ف��ي كتابه (ال��ذاك��رة القومية في الرواية العربية من زمن النهضة إلى زمن ال��س��ق��وط ) وال��ص��ادر ع��ن المؤسسة العربية ل��ل��دراس��ات وال��ن��ش��ر -ح���اول ق����راءة الخطاب الروائي العربي ،بوصفه ظاهرة ثقافية موحدة؛ إال أن الرواية المغربية تبقى تحتفل بالمكان وخصوصيته ،إذ تخاتل معظم الروايات قراءها ب��م��ح��اور وم���وض���وع���ات ت��خ��ال��ف ت��ل��ك ال����رؤى التقليدية التي درج��ت عليها بعض ال��رواي��ات المشرقية ،وبخاصة ما كتب منها في مرحلة الستينيات من القرن الميالدي المنصرم.. ولهذا ،يأتي ملف الرواية المغربية ،الذي تقدمه سيسرا إلضاءة جانب من هذا الطريق، محمال بشهادات إبداعية وتجارب ثرية.
SAYSARA
جمادى الثاني 1432هـ مايو 2011م
5
دراسات ونقد
دراسات ونقد
SAYSARA
6
1432هـ جمادى الثاني 2011م مايو
لقطة من سيرة الوجع والفجيعة (تلويحة وداع لسيد البيد) > هشام بنشاوي*
اعتراف:
ال أنكر أنني لم أسمع باسمه من قبل ،ولم أقرأ له أي شيء ،وهذا ليس ذنبي ،وإنما تقصير اإلعالم الثقافي السعودي ،الذي «يس ّوق» أسماء ويقبر أخرى .لكن ،ومن خالل تلصصي على بعض المتصفحات ،لفت انتباهي مقال «مات صانع النقاد» لصالح الطريقي ،وزلزلتني إشارته إلى كلمة الشاعر الكبير محمود درويش ،عندما أجري معه حوارا في قرطاج ،فسأل الصحافي« :من أين ؟» ،فرد علي« :صحافي سعودي»، فقال درويش« :أها ،من بلد الثبيتي».
مشهد تنقصه بحيرة دموع (سيد البيد) في سريره ،غب (طرده) بتلك الطريقة المهينة من مدينة سلطان ابن عبدالعزيز للخدمات اإلنسانية ،شبه غائب عن الوعي« ،وجهه اليوم خارطة للبكاء»؛ وفي رقدته العاجزة ،يرفع بصره
ناحية المذيع ال��واق��ف ب��ج��وار س��ري��ره، يحدق فيه بنظرات طفولية .مه ً ال! لم ت��ق��ت��رب ك��ام��ي��را ال��ب��رن��ام��ج م��ن مالمحه ف��ي ل��ق��ط��ة م��ق��رب��ة ،ح��ت��ى ن��ق��رأ تعابير وج��ه��ه وعينيه .رب��م��ا ،ل��م يكن المخرج يتوقع أن سيد البيد سيفعلها ،ويهدينا مشهدا تراجيديا ذابحا ،حتى لو كانت
SAYSARA
جمادى الثاني 1432هـ مايو 2011م
7
تقاسيمه ال تشي ب��أي ش��ي ،لكن تلك النظرة البريئة المستطلعة أفاضت كأس الشجن ،فتخيلت (سيد البيد) يتساءل: ّ المعطر، «هل يعود الصبا مشرعاً للغناء أو للبكاء الفصيح؟».
(لألسف ،ه��ذا الرجل شاعر كبير، ب���ش���ه���ادة أح���ب���ت���ه ،ال���ذي���ن اس��ت��ض��اف��ه��م البرنامج .شاعر كبير أهانه وطنه!!). الرجل -الذي ال أعرفه -يتخلى عن ش��روده ال��ب��اذخ ،ويلتفت ناحية المذيع، ك��م��ا ط��ف��ل ودي������ع .رغ���م���ا ع��ن��ي تنهمر وأحس أن هذا الغائب دمعتان حارتان، ُّ عن الوعي قد تنبأ بمعاناته في قصيدة فالتفت ناحية المذيع ،وهو «ال��ظ��م��أ»، َ يتلو مقطعا منها« :م��اذا هنا للمستجير م��ن ال��ه��ج��ي��ر؟/ط��ع��ام��ه ورق/م������اذا هنا للمستجير م��ن الهجير؟/منامه أرق��ه/ ماذا هنا للمستجير من الهجير؟ /مدامه موسيقى».
الصوتية ،قبل أن أق��رأ أش��ع��اره؛ ربما، ألن تلك المقطوعات م��ا ت���زال تختزن شعلة الحياة المقدسة ،بعد انطفائها في الجسد الواهن .لذت بالشيخ «جوجل»، ووج��دت��ن��ي ف��ي م��وق��ع «ال��ي��وت��وب»؛ موقع الفضائح بامتياز ..وجاءت الطعنة الثالثة من الموقع ،ال��ذي اعتاد أن يجود على المتلصصين بالمسرات ال��م��ؤق��ت��ة ..يا الله! ص��وت ب���دوي ش��ام��خ« ،م��ت��رع بلهيب المواويل» .ال إرادي��ا ،وجدتني أفكر في التعاسة ،التي تنتظر الشعراء في آخر المطاف ،كما كتب شاعر مغربي شاب، فضل أن ينتحر ،كأنما يتمرد على هذا ّ المصير التراجيدي (المشترك) ،الذي ي��ت��رب��ص ب��ال��ش��ع��راء ف��ي آخ���ر ال��م��ط��اف، تباعا ،بتلك الطريقة المهينة فيرحلون ً في أوطان جاحدة .وتبدأ مهزلة حراس المقابر ..محترفي المراثي المتخشبة، والدراسات النقدية ،المدفوعة األجر.. متاجر ًة بجثت األعدقاء.
تتعدد األسباب والفقد واحد
محمد الثبيتي (2011-1952م) ليس هدية اليوتوب ..طعنة ثالثة: أولهم ،ولن يكون آخر من يغادرون دنيا هكذا ألفيتني أبحث ع��ن قصائده الحطام ،بتلك الطريقة المفجعة .وهاهو
دراسات ونقد
ح���ق���اً ،ال��م��ش��ه��د ت��ن��ق��ص��ه موسيقى ت��ص��وي��ري��ة م���ؤث���رة ،وم��م��ث��ل��ي��ن يسفحون بحيرة دموع اصطناعية على شفير البوح واالنهيار الوجداني ،فنسارع بالبحث عن المناديل .م��ع��ذرة ،ي��ا س���ادة؛ ه��ذا ليس مشهدا ميلودرامياً .إن��ه «روب��رت��اج» عن رج��ل كهل ممدد -ب�لا ح��راك تقريبا- على سرير ،يشبه أس ّرة الرضع ،محاصر بالوسائد ،كما لو ك��ان رضيعا سيتقلب في رقدته ،فيتأذى!
SAYSARA
8
1432هـ جمادى الثاني 2011م مايو
في خلق أزمة ،وتحويل «التضاريس» إلى وثيقة إدانة». ل�����م ي���ك���ن ص���م���ت (س����ي����د ال���ب���ي���د) وابتعاده عن المشهد األدبي انهزاما وال استسالما ،بل من أجل كتابة المزيد من النصوص المربكة ،بدل خوض معارك دونكيشوتية ،ونستغرب كيف يحارب رجل أحب وطنه بكل هذا الوله ،فك ّرس معظم شعره للتغني بكل مفردات الطبيعة في بلده ،حتى حبات الرمال ،بدل أن يصنع شهرة زائفة ،كأي متشاعر يكتب قصائد غزل ،ال يقرأها سوى المراهقين. فقيد الشعر السعودي يرحل ،مثلما رحل السياب وأم���ل دن��ق��ل؛ يرحلون ف��ي أوج عطائهم ،والشعر العربي م��ا ي��زال في مسيس الحاجة إليهم. ت��ت��ع��دد األس���ب���اب وال���م���وت واح����د، والفقد واحد. ***
أنشودة للوطن القاسي تألمت حين علمت أن (سيد البيد)، ص��اح��ب التجربة الشعرية ال�لاف��ت��ة ،ال يملك شقة وال س��ي��ارة خاصة وت��ط��ارده ال���دي���ون !!..وح���ورب ك��ث��ي��را ،ف��ح��رم من ج���ائ���زة ن�����ادي أدب�����ي ج����دة ف���ي مطلع التسعينات ،فآثر االنسحاب في صمت: «خ��رج��ت م��ن ب��اب خلفي بعد أن رأي��ت مشاهد وم�لام��ح تنز بالتوتر والرغبة
لقد انحاز الثبيتي في شعره لإلنسان، ولقيم الحب ،الخير ،والجمال والوطن؛ فاستهل «تغريبة القوافل والمطر» ،التي استلهم فيها تغريبة بني ه�لال بجملته الصبح/ الشعرية الشهيرة« :أدِ ْر مهج ِ ����ؤوس /ي��دي��ر ����ب ل��ن��ا وط��� ًن���ا ف���ي ال����ك ص َّ ْ الرؤوس». ْ وف����ي رائ���ع���ت���ه «ال���ت���ض���اري���س» ق��رع حن إلى (ع ّراف الرمل) بوابة االحتمالّ ، قريته األرم��ل��ة ،واعتنق وق��ار الطفولة، فكتب و«ل��ل��ج��رح ب��واب��ت��ان» ،وق���د ابتكر ل��ل��دم��اء ص��ه��ي�لا« :م���ن ش��ف��اه��ي تقطر ��س /وص��م��ت��ي ل��غ��ة ش��اه��ق��ة تتلو/ ال��ش��م ُ أسارير البال ْد» .وألنه شاعر أحب وطنه، أنشد ترقب بسطائه للصيف ،الواعد بأفراح البدو وأعياد األيتام ،وتكررت في أشعاره كلمات شجية متفردة ،مضمخة بعبق السنين الخوالي( :الطفولة ،الجرح، ال��ري��ح ،ال��ش��ي��ح ،ال��ل��ي��ل ،ال��ن��خ��ل ،ال��ن��اي، الهديل ،األغاني ،التمائم ،الحناء) .وال
SAYSARA
جمادى الثاني 1432هـ مايو 2011م
9
أت��ي��ت أنتعل اآلف����اق ..أمنحه ـ ـ ــا جرحي ..وأبحث فيها عن بداياتي يا أنت لو تسكبين البدر في كبدي أو تشعلين دماء البحر في ذات ـ ــي فلن تزيلي بقايا الرمل عن كتفي وال عبير الخزامي من عباءات ــي هذي الشقوق التي تختال في قدمي قصائد صاغها نبض المساف ــات وهذه البسمة العطشى على شفتي ��ذري الحكايــات نهر من الريح ع ّ
ي��ض��اه��ي ح��ب��ه ل��ل��وط��ن س���وى إخ�لاص��ه لبداوته ،وه��ذا ليس نكوصا رومانسيا أو رعويا ،أو ميال للعيش البدائي ،وإنما رف��ض إلغ����راءات المدينة ،التي سلبت اإلنسان بساطة العيش وبراءته في حياة ال��ب��داوة ،فالتشييء والتسليع ،الظلم، الجوع ،الفقر والقهر من مظاهر الحياة المتحضرة .وفي قصيدته «صفحة من أوراق ب���دوي» ،يعلن اف��ت��خ��اره ببدواته، بصحرائه وإب��ل��ه��ا وشويهاتها ف��ي نبرة رومانسية ،وبلغة سهلة ممتنعة:
وب��ش��غ��ف ص���وف���ي ي��ف��ت��ت��ح ق��ص��ي��دة «م���وق���ف ال����رم����ال ..م���وق���ف ال��ج��ن��اس» راسما صورة الوطن من منظور فلسفته الثبيتية« :ض�� ّم��ن��ي /..ث��م أوق��ف��ن��ي في بميم وح���اءٍ وميم ٍ ال��رم��ال /ودع���ان���يٍ /: ودا ْل/واستوى ساط ًعا في يقيني/وقال/: بنات أنت والنخل فرعانِ /أنت افترعت َ /هن اعترفن ال�� ّن��وى/ورف��ع��ت النواقيس ّ َ النواميس/فاكهة بس ّر ال�� ّن��وى/وع��رف��ن َ ال��ف��ق��راء/وف��اك��ه��ة الشعراء/تساقيتما ب��ال��خ��ل��ي��ط��ي��ن/:خ��م�� ًرا ب��ري�� ًئ��ا ..وس��ح�� ًرا حالل.»..
إنه -وبتعبير الدكتور سعد البازعي- أن���ا ح��ص��ان قدي ــم ف ــوق غرتـ ــه ت���وزع الشمس أن���وار الصباح ــات «في هذا النص المدهش ليس بعروضه اللغوية فحسب ،وإن��م��ا بما تسفر عنه أن���ا حصـ ــان ع��ص ّ��ي ال يط ّوع ـ ــه تلك العروض من صور شعرية موغلة في بوح العناقيد أو عطر الهنيهـ ــات العمق والجمال معاً ،يلتحم الشاعر ،كما أتيت أرك��ض وال��ص��ح��راء تتبعن ــي كان يفعل دائماً ،بصورة الوطن كما تبرز وأحرف الرمل تجري بين خطواتي في مفرداته الطبيعية :النخل والرمال
دراسات ونقد
***
SAYSARA
10
1432هـ جمادى الثاني 2011م مايو
واإلن��س��ان وال��ث��ق��اف��ة .ال��س��ي��اق الصوفي للقصيدة ،كما يبرز منذ ال��ب��دء ،وال��ذي يذ ّكر بالنفري أو ابن عربي ،ال يلبث أن يفضي إلى قصيدة تنحاز إلى تفاصيل ال��وط��ن ب��وج��وه��ه المختلفة ب��ع��ي��داً عن أجواء التصوف التقليدية .النخل إحدى تلك التفاصيل ال��ت��ي يرسمها الشاعر شاعر: بغنائية عذبة». ل������م ي����ب����ق م������ن خ����ي����ل ال����ف����ت����وح ���������روج س�����������وى األع��������ن��������ة وال���������س ْ
إلى السوق ،وكل زاده أوراقه وخطاه« :من يقاسمني الجوع والشعر والصعلك ْه /من يقاسمني نشوة التهلك ْه؟؟» ،ويحضر في القومي أيضا ،حيث كتابات الثبيتي اله ُّم ُّ يكتب عن الهوان العربي في «تقاسيم»:
القصيدة تصافح البؤس اليومي
وال تسرف «التضاريس» في تأملها الصوفي ،بل سرعان ما تجترح مشهدية س��ي��ن��م��ائ��ي��ة ،تلقائية وم��ده��ش��ة ،تتغنى ب��ال��ي��وم��ي وال��م��ن��س��ي وال��م��ه��م��ل ،معانقة هموم البسطاء والمسحوقين ،ويتماهى ال��ش��اع��ر م��ع ال��ن��خ��ل ،فيعلن ع��ن رغبته ل��م��ص��ادق��ة ال���ش���وارع ،ال���رم���ل ،ال��م��زارع وال��ن��خ��ي��ل ،ال��م��دي��ن��ة ،ال��ب��ح��ر ،السفينة وال��ش��اط��ئ ال��ج��م��ي��ل ،ال��ب�لاب��ل وال��ع��زف وال��ه��دي��ل .ويتباهى ال��ش��اع��ر بشموخه، ال���ذي يشبه ش��م��وخ ال��ن��خ��ل ،ذي الثمر الخرافي والصبر الجميل ،المتسامي في فضاء الليل ،غير عابئ بالشجر الهزيل، الذي يغتابه والوتد الذليل ،الذي يذمه. وتبلغ اللغة التصويرية المتفردة ذروتها في نص «تعارف» ،وهي تغوص في بؤس المعيش اليومي ،حيث الغرفة البائسة ال��ب��اردة ،التي ب�لا ب��اب وال ن��واف��ذ ..وال موقد وال سرير وال لوحة في الجدار وال مائدة.
فأنا هنا، ���������������ر ب���������ل��������ا م������ع������ن������ى ش���������������ط ٌ �������������وج وق���������������اف���������������ي���������������ة ل�������������ج ْ
القصيدة /المرأة/الوطن
تبدو عالقة (سيد البيد) بالمرأة/ األنثى شديدة الخصوصية ،مترفعة عن المادي والشهواني ،وه��ذا ليس بغريب ع��ل��ى ش���اع���ر ت��ت��وس��ل ن��ص��وص��ه ب�لاغ��ة األس��ل��وب ال��ق��رآن��ي ،وتستلهم ال��م��وروث الشعري والصوفي .وقد علمتنا التجارب الشعرية القديمة أن الغزل العفيف ارتبط بالبداوة والصحراء وقسوة العيش؛ لذا، ال نستغرب أن يكون عمر بن أبي ربيعة وام����رؤ ال��ق��ي��س ماجنين ف��ي شعرهما. ه��ك��ذا يستعير الثبيتي ع��ف��ة أس�لاف��ه، ويكتب قصائده الغزلية بـ «لغة طعنت في البكاء طويال»؛ لغة يطمح أن يستهل بها وطنه وقلب معشوقته ،ويثير انتباهنا أن الوطن يحضر قبل العشيقة في قصيدته وف���ي «ال��ص��ع��ل��وك « ي��ت��س��اءل (سيد ال��غ��زل��ي��ة .ف��ل��ن��ت��أم��ل غ��زل��ه ال��رق��ي��ق في ال��ب��ي��د) على ل��س��ان ال��ص��ع��ل��وك ،بعد أن قصيدته «برقيات حب إلى غائبة»« :أنا يفيق من الجوع والخوف ظهرا ،فيمضي حلمك الذهبي ..أنا /أنا همك االزلي..
أن��ا /أن��ا لحنك ال��ب��دوي ..أن��ا /أن��ا فرح الدمع في مقلتيك /أنا وهج الوشم في وجنتيك /وأنت الشباب /وأنت السراب/ وأنت العذاب ../وأنت أنا!!». وف�����ي ق���ص���ي���دة «أغ����ن����ي����ة» ي��ن��اج��ي المحبوبة القريبة من «أرقه العذب» وهي تحرس سهاده ،حتى ال ينام ،تلك الحبيبة التي أسكنته حدائقها ،و«لثمت روحها وجعه»:
ستتضح رؤي��ة الشاعر أك��ث��ر ،حيث تصير الحبيبة والغناء معادلين جماليين للوطن ..فيمضي الشاعر /المغني إلى المعنى ،ممتصا الرحيق م��ن الحريق، مجهشا ب��ـ��ـ «ال��ل��ح��ن ال��ل��ذي��ذ» .ي��م��ر بين المسالك والمهالك ،والحبيبة هي المالذ، حيث ال شجر يلوذ به حمام الشاعر ،وال يم يل ُّم شتات أشرعته في قصيدة «موقف الرمال ..موقف الجناس»: حدق في أسارير الحبيبة كي ُأ ّ سميها ُأ ّ فضاقت ْ عن سجاياها األسامي ألفيتُ ها وطني وبهج َة صوتها شجني
هذه الحبيبة لن تكون سوى القصيدة، وهي «شهد على حد الموس» تتصادى مع الوطن ،وفي «بوابة الريح» يغالي شاعرنا ف��ي التغزل بها (بالقصيدة /ال��وط��ن): «قصائدي أينما ينتابي قلقي /ومنزلي حيثما أل��ق��ي م��ف��ات��ي��ح��ي» .وف���ي خاتمة قولي ال��ب��واب��ة ال��ري��ح��ي��ة ،ي��ت��س��اءل« :أي ّ أحلى عند سيدتي /م��ا قلت للنخل أم ما قلت للشيح؟!» .والنخل والشيح -كما نعرف -من مفردات الصحراء /الوطن، بينما المقصود بالسيدة القصيدة.
آخر الكالم ال أري���د إن��ه��اء ه���ذه ال��س��ط��ور بتلك ال��ع��ب��ارة المستهلكة(« :س��ي��د البيد) لم ي��م��ت» ،ألن م��ن يكتب ن��ص��وص��ا ،بهذه ال��ع��ذوب��ة وال��ش��ج��ن ،مسكونة بكل هذه ��اق في قلوب محبي الشعر، الفجيعة ،ب ٍ ول��ن يغيب س��وى بيولوجيا ،بينما روحه ت��رف��رف بين كلماته كلما صافحناها، سيظل بيننا كـ «عاشق بكر ينام معطرا/ بالريح/مرتديا غموض الليل» .لن نرثيه، فمن يستحقون ال��رث��اء أولئك األحياء- األم�����وات ال���ذي���ن ح����ارب����وه ..يستحقون أن نشفق عليهم ألن��ه��م أه��ان��وا شاعرا ك��ب��ي��را ،وال ن���دري إن ك��ان��وا ق��د اطلعوا على «الرقية المك ّية»؛ هل قرأوا سطوره النورانية ،وهو يتغزل بميم وك��اف وهاء مدينته المقدسة (مكة)؟! هل انتبهوا إلى استعاراته اآلسرة للغة القرآنية ،بخالف شعراء كثيرين يميلون إلى اللغة التوراتية واألساطير؟ هل رأوا سناء الفجر ،الذي فاته «إذ طالت ت��رواي��ح��ه» ،وه��و «تلقاء
دراسات ونقد
َيا التي َس َكن َْت ُغ ْر َف ًة َ ال ت َُم ُّس َست َِائ ُر َها ود َي َكان َْت َضف َِائ ُر َها وحينَ َل َم ْس ُت ُق ُي ِ ِ احت ََج ْب ُت ِبأَ ْح َش ِائ َها أَ َ وعا ْم لف َع ٍام َ َف ْ وص ْر ُت ُأ َغنِّي ِب َ َين ِ ال شَ َفت ِ َ َ َين ت ئ ر ال ب ا ي ح وأَ ْ َ ِ ِ ِ وأل ِْج ُم َبينَ َي َدي َها ُخ ُي َ ول ال َك َ ال ْم
SAYSARA
جمادى الثاني 1432هـ مايو 2011م
11
SAYSARA
12
1432هـ جمادى الثاني 2011م مايو
مكة يتلو آية ال��روح» في قصيدة «بوابة الريح»؟ أسمعه يشتعل غناء كالعصافير ،وهو يحيي (سيد البيد) ،ناظما مرثية خالدة ألولئك األح��ي��اء /األم���وات ..في رائعته «تحية لسيد البيد»: وشمت َ ُ دمك ستموت النّسو ُر التي ْ َ يوما الطفل ً
صدر حديث ًا عن النادي األدبي بالجوف الرحالة األوروبيون عوض البادي
عروق الثرى وأنتَ الذي في ِ ٌ تموت نخلة ال ْ مرح ًبا س ّيد البيد.. نص ْبناك فوقَ العظيمة الجراح ِ إنّا َ ِ حتّى تكون سمانا وصحراءنا عوت وهوانا الذي يستبد فال تحتويه النُّ ْ ُّ وشمت َ ُ دمك ستموت النّسو ُر التي ْ َ يوما الطفل ً حلوق المصابيح أغنية وأنت الذي في ِ تموت ال ْ مرح ًبا سيد البيد.. إنّا انتظرناك حتّى صحونا على وقع َ نعليك َ ُ الطرقات لخطوتك استكانت حين ْ َ البيوت عليك النوافذُ دف َء وألقت ْ وشمت َ ُ دمك ستموت النّسو ُر التي ْ َ يوما الطفل ً هوى ال وأنت الذي في قلوب الصبايا ً يموت.. ْ
SAYSARA
جمادى الثاني 1432هـ مايو 2011م
13
جريمة تخلف المشروع النهضوي العربي، وأسباب انكماش أثره الثقافي قراءة يف كتاب:
> قراءة :هويدا صالح -القاهرة* ف��ي لغة سهلة تبعد ك��ل البعد ع��ن التعقيد والتقعير، وت��راه��ن على ال��ق��ارئ ال��ع��ام غير المتخصص ,يقدم لنا الكاتب عبدالله البريدي قراءته الواعية لجدلية العالقة بين السلفية والليبرالية وتجلياتها في ثقافتنا المعاصرة، وذلك في كتابه« :السلفية والليبرالية :اغتيال اإلبداع في ثقافتنا العربية». وفيه يطرح الباحث إشكالية كبرى ,هي التعاطي مع التراث العربي اإلسالمي والحضارة الغربية المعاصرة ،ويعدها أهم إشكاليات الثقافة العربية؛ ألننا نجد أنفسنا أمام موقفين كالهما محير؛ فهل يجب علينا وتحت دعوى المحافظة على التراث والهوية الثقافية العربية ،أن نتجاهل معطيات الحضارة الغربية ،وكل ما قدمته للبشرية ،ونغرق في الرجعية والتخلف ،أم ننسلخ عن جلدنا وهويتنا ونتجه كلية نحو الغرب حتى ال نصاب بالجمود والتخلف ونقع في براثن التغريب؟ أم نحن قادرون على أن نأخذ من الحضارة الغربية ما يفيد لحظتنا الراهنة ،ويسمح لنا أن نواكب االعصر ،نفيد من أطروحات الغرب الفكرية ،فيما ال يضيع هويتنا الثقافية العربية واإلسالمية هذه هي اإلشكالية الكبرى ،التي يطرحها علينا الباحث.
دراسات ونقد
«السلفية والليبرالية: اغتيال اإلبداع في ثقافتنا العربية»
SAYSARA
14
1432هـ جمادى الثاني 2011م مايو
فئة محل اقتداء لدى مجموعة من الناس في جوانب معينة ،وهو بهذا المعنى سمة الزمة في كل دين من األديان ،بل هو سمة لكل أي��دي��ول��وج��ي��ة فلسفية أو فكرية أو سياسية لكل سلف.
ف��ي ه��ذا ال��ك��ت��اب ،ح��اول الباحث أن يع ّرف السلفية ويوجد جذورها في التراث العربي ،كما ع ّرف الليبرالية وانعكاساتها على الثقافة العربية المعاصرة ،والعالقة الجدلية بين المفهومين ،محاوال التحرر من ذلك الجمود الفكري وصوالً إلى نوع غ��ي��ر أن االع��ت��ب��ارات واالش��ت��راط��ات م��ن اإلب����داع ال��ع��رب��ي ف��ي ك��اف��ة الجوانب والمواصفات واالستحقاقات لمن ينتخب الفكرية والبحثية :جاء الجزء األول من كسلف هي محل االختالف والتباين ،ما الكتاب تحت عنوان: يجعلها مفتقرة لجهود بحثية متعمقة. والمحصلة النهائية -ك��م��ا الحظها (السلفية والليبرالية بين الفنائية جلي وتشوش والمائية) المؤلف -هي وج��ود خلط ّ حاول أن يعرف السلفية ،ويعود بها إلى ظ��اه��ر ف���ي ج��ه��ود ال��ت��ع��ري��ف بالسلفية ّ جذورها فطرح تساؤالً عن ماهية السلفية ،والتأريخ لها ،وهو األمر الذي أوجد لديه لتقصي وتتبع تأريخية فهل السلفية هي «االتجاه الذي كان عليه (المؤلف) دافعا ّ الصحابة والتابعون لهم بإحسان ،واألئمة هذا المصطلح. ف����ي ه�����ذا ال�����ش�����أن ،وف�����ي ح��وص��ل��ة األربعة ،ومن سلك نهجهم دون انحراف إلى مسلك مبتدع ،كالخوارج والروافض استقراءاته للمنابع الشاملة للمصطلح، والمرجئة والجهمية والمعتزلة»؟ أم هي ي���ؤك���د ال���م���ؤل���ف أن����ه ل���م ي��ق��ف ع��ل��ى أي «موافقة الرأي للكتاب والسنّة وروحهما»؟ مصدر يتضمن اإلش��ارة إلى أن مصطلح أم هي حركة تطهير ،ترجع إل��ى المنابع السلفية قد استخدم فعال حتى منتصف األول��ى لتنقي اإلس�لام من كل ما علق به القرن السابع الهجري .ويرجح أن اإلمام م��ن خ��راف��ات وب��دع صوفية ض���ارة؛ فهي الشهير ابن تيمية (728-661هـ) أول من بذلك كفاح م��ن أج��ل فتح ب��اب االجتهاد استخدمه ون��ش��ره ف��ي بعض كتبه ،ولكن وإنقاد المسلم من روح القطيع؟ أم هي على نطاق ضيق. غير ذلك؟ وفي هذه الفترة تحديدا ،وإلى فترات وفي هذا السياق ،ومن أهم اإلشكاليات التي وضعها البريدي تحت أضواء التحليل، الخلط الواضح في الفكر السلفي ،بين مصطلحي «السلف والسلفية»؛ فمصطلح السلف بمفهومه العام ،يشير إلى وجود
زمنية الحقة تركز المصطلح على جانب العقيدة ،من غير أن يتكئ على تحزّب أو تخندق؛ فغايته كانت تكثيف االهتمام على «آث��ار ومنهج» السلف ،ال سيما في الشق العقدي.
SAYSARA
جمادى الثاني 1432هـ مايو 2011م
15
ابن كثير وابن الق ّيم وابن خلدون وغيرهم، وقد حدد هذا المفهوم ،في ما بعد ،بشيء من الذاتية وباطمئنان إلى صوابية النهج.
أو التابعين ،لكن بعد ذك��ره العرضي في ومع ذل��ك ،فإن قطاعا من المثقفين كتاب ابن تيمية توالى ذك��ره عند كل من ال��ع��رب ال ي��ج��دون ب���دا م��ن ال���ع���ودة إل��ى الكتاب :
السلفية وال��ل��ي��ب��رال��ي��ة ..اغتيال اإلبداع في ثقافتنا العربية.
المؤلف :
عبدالله البريدي
دار النشر :
المركز الثقافي العربي
مكان النشر :الدار البيضاء المغرب الصفحات 208 :صفحة من القطع المتوسط
دراسات ونقد
وكان القرن الـ 12الهجري هو الفضاء ال���ذي ت��م��دد فيه مصطلح السلفية ،من خ�لال دع���وة التجديد للشيخ محمد بن توجه عبدالوهاب ( 1206-1115هـ) الذي ّ ورج���وع���ا إل���ى معنى ال��س��ل��ف��ي��ة ،وأي���اً ّ توجها ج��دي��دا ،مع ّبرا ع��ن ال��دع��وة التي كان تعريفها ،يقرر الكاتب في الختام أن العقيدة مع كبير مدى إلى تتنامى كانت السلفية بنسقها العام تعد البعد العقدي في تلك المرحلة. ب��ج��وان��ب��ه ال��ع��ل��م��ي��ة التفصيلية ال��رك��ي��زة غير أنه بدا نوع من التمايز بعد ذلك المحورية لفكرها ،هذا إلى جانب انشغالها يظهر على خارطة المصطلح ،في حركة النظري التفصيلي بعل َم ّي الحديث والفقه، تشبه انسحاب المصطلح ،م��ن تجسيد وكل ذلك االنشغال مشدود إلى المسائل ف��ك��رة إل���ى التعبير ع��م��ن يحملها ،وه��و واألدوات واإلشكاليات التراثية األمر الذي صنع (بحسب البريدي) وعاء التباس مفهوم الليبرالية لالحتواء وإلحداث التراكمية في مفردات ذلك الفكر ،سواء النظرية أو المفاهيمية من خالل التحليل المتأني لألدبيات أو السلوكية الغربية ،يالحظ المؤلف أن ثمة التباسا إذاً ،السلفية مفهوم إشكالي بحد ذاته وغ���م���وض���ا ش���دي���دي���ن ي���ل���ف���ان م��ص��ط��ل��ح كونه ال يمتد بجذوره إلى السلف المقصود ،ال��ل��ي��ب��رال��ي��ة ،ح��ي��ث ال ات��ف��اق ح���ول ت��أري��خ وأنه ال ينتسب إلى أي حديث نبوي ،ولم المصطلح ،فضال عن تشكالته ومعانيه يذكره أي من أصحاب المذاهب األربعة ومبادئه ومقوماته المتضادة أحيانا.
SAYSARA
16
1432هـ جمادى الثاني 2011م مايو
القواميس اللغوية والمعاجم األجنبية ،تأسيس آليات وإجراءات للنوعية والتبعية علهم بذلك أن يظفروا بمعنى اصطالحي والبناء الثقافي والسياسي في إطار نسيج له؟ المجتمع وثقافته التي يؤمن بها. وفي هذا فقر منهجي طافح انعكس ع��ل��ى ك��ث��ي��ر م���ن م���واق���ف ال���ع���رب ال��ذي��ن يتعاطون م��ع الليبرالية ب��أق��دار وأشكال م��خ��ت��ل��ف��ة ،ف��م��ن ذل���ك ق���ول أح��ده��م «أن��ا مسلم أوال ثم ليبرالي ثانيا ،يعني مسلم مبادئ وليبرالي آليات» .وقول آخر« :إنني إسالمي الفكر ،ليبرالي التفكير؛ ألنني أؤمن باإلسالم محتوى فكرياً والليبرالية أداة للتفكير» .وثمة مثقفون آخرون يعلنون ص��ب��اح م��س��اء ،وب��ك��ل زه��و وت��ف��اخ��ر ،أنهم ليبراليون ومجاالتهم ه��ي نقد لألفكار التي فيها اإلسالم المتطرف في المجتمع، إذاً ،الليبرالية م��ف��ه��وم غ��ي��ر واض��ح وهي عندهم لغة للحوار والمناقشة وليس ال���م���ع���ال���م ،ف����ت����ار ًة ي��س��ت��خ��دم ك���م���رادف القهر والحرب ،إنها في نظرهم مجد ال للعلمانية ،وت����ار ًة ك��م��رادف ل��ل��ح��ري��ة؛ أو يستحقه مجتمعهم العربي. يعرف بأنه التحرر من السلطات ،أو عدم وأم��ام ه��ذه المواقف وغيرها -مما تدخل الحكومات في الشأن االقتصادي أشار إليه الكتاب -ال يجد البريدي حرجا واالج���ت���م���اع���ي ،أو ي��ع��ن��ي ال��ت��س��ام��ح أو ف��ي التأكيد أن��ه قبالة ن��وع م��ن التشظي االنفتاح ،أو العدالة والمساواة ،والحقيقة الفكري؛ يعتز به أصحابه ويعدونه سمة أن ال��ل��ي��ب��رال��ي��ة كمصطلح دخ���ل ال��ح��ي��اة ب����ارزة ل��ف��ك��ره��م ،وه���م ف��ي ذل���ك ي��ج��دون العربية كمفهوم وفكرة وليس نسقاً فكرياً ألن��ف��س��ه��م ع�����ذرا ف���ي ع����دم ال���ول���وج في متجانساً؛ ول��ذل��ك ،ي��رى الباحث أن كال ن��ق��اش تبعات واستحقاقات ذل��ك البعد المفهومين لم يؤسسا فع ً ال لقاعدة فكرية المفاهيمي الفكري ،فضال عن مدارسة م��ت��ط��ورة فاعلة م��ع ال��واق��ع ،واب��ت��ع��دا في اإلش��ك��ال��ي��ات ال���دائ���رة ح���ول ال��م��س�� ّوغ أو الخطاب عن الجمهور المفترض التوجه القاعدة المفاهيمية والفلسفية التي يمكن إليه ،وجرى تبسيط المفهومين إلى الح ّد أن ينطلق منها لتشييد م��ش��روع فكري األقصى مع اتساع شمولهما..هل الصراع م��ت��م��اس��ك ،يفضي (ول���و ب��ع��د ح��ي��ن) إل��ى الجدلي بين السلفية والليبرالية يعطل وأم��ام إص��رار المثقفين العرب على التمسك بذلك المصطلح أو التغافل عن إشكاليته مع توقف ت��ام أو شبه ت��ام عن اإلسهام في صناعة شيء ذي بال بشأن الليبرالية .يقرر المؤلف أن ُج ّل أطروحات التيار الليبرالي العربي لم تحظ بتنظيرات رص��ي��ن��ة ،وك��ث��ي��را م��ا غلب عليها الطابع الصحفي المختصر ،وق��د ال ي��ك��ون من العسير ع��ل��ى المحلل أن يتنبأ بظهور عشرات الكتب والمؤلفات عن الليبرالية في غضون الفترة القريبة المقبلة.
التغيير؟
SAYSARA
جمادى الثاني 1432هـ مايو 2011م
17
تلك األذواق أو ر ّدها ،وبخاصة أنه يؤمن بتعددية المرجعيات وعدم قداستها.
دراسات ونقد
وفي الجزء الثاني الذي حمل عنوان: (السلفية والليبرالية بين تعطيل التغيير السلفية والليبرالية وضمور وتهميشه) يقدم البريدي األدلة على تح ّيز اإلبداع كل فئة لموقفها وموقعها ،فغابت الصفات يطرح الباحث جملة من التساؤالت؛ ال��م��ح��اي��دة ف���ي ن��م��ط ال��ت��ف��ك��ي��ر ال��ع��رب��ي عموماً ،واإلس�لام��ي بشكل خ��اص ،وبقي أولهاَ ،من الذي أعاقنا فعال عن الممارسة موقع الباحث الحقيقي شاغراً مع بعض اإلبداعية :السلفية أم الليبرالية أم كالهما؟ أم تعاقبت كل من السلفية والليبرالية في االستثناءات القليلة. صدنا عن اإلب���داع في منعطفات فكرية إن انخفاض منسوب األنفة بحسب مختلفة؟ تعبير ال��م��ؤل��ف ل��دى جملة الليبراليين، ب��داي��ة ،وف��ي استهالله الحديث عن ج��ع��ل��ه��م ي��ع��ي��ش��ون ال��ت��س��ل��ي��م ال��م��ط��ل��ق أو شبهه ب��إن��ت��اج اآلخ���ر -وب��خ��اص��ة اإلن��ت��اج العقل السلفي ،يشير المؤلف إلى أن هذا الغربي -علما وفكرا وممارسة أيضا ،ومن العقل مثالي منجذب إل��ى مجموعة من ث��م ينعكس األم���ر على ال��ف��ض��اء الفكري المبادئ والتشخيص والتفكير؛ وهذا في والتعبوي لليبرالية ف��ي أم���ور كثيرة من حد ذاته أمر إيجابي ،ولكن ثمة إشكاليات أهمها خلق بعض األقفال الذهنية ،كقفل في التوجه المثالي المفرط؛ فمن ذلك «نحن لسنا مبدعين» حيث تنخفض الثقة أن��ه عقل يميل إل��ى االعتقاد ب��أن الناس بالذات لدرجة تكاد تصل إلى «اإليمان» ينبغي أن يتفقوا ف��ي ك��ل ش��يء تقريبا، ب��ان��ع��دام ال��ق��درة ع��ل��ى اإلب����داع ف��ي كافة ويضيق ذرعا باالختالفات نظرا لمحورية الميادين التي يوجد فيها األستاذ الغربي القيم وصحتها المطلقة؛ وهو في الوقت ذات���ه ل��م يستفد م��ن ال��س��ع��ة ال��ه��ائ��ل��ة في ويعمل فيها عبقريته. الفقه اإلسالمي ،الذي يعد موطنا للتنوع ولئن كان العقل السلفي استرجاعيا المدهش في االجتهادات والتطبيقات. يميل إلى تعميم االستثناء ،فكذلك العقل كما أن العقل السلفي قد ال يعترف وال الليبرالي ،فهو استرجاعي استحضاري ي��ح��ض��ر ال��ت��ط��ب��ي��ق��ات ال��ج��اه��زة م��ن سلة يعالج بعض الحقائق ،بحجة الحفاظ على ال��م��ن��ج��زات ال��غ��رب��ي��ة ،وي��ل��ج��أ ك��ث��ي��را إل��ى المكتسبات القيم ّية؛ فهو يسعى دائما تعميم األذواق الشخصية على أنها معيار لتحقيق «المثال» أو النموذج السلفي في االعتدال واالنفتاح واإلنسانية ،دون إيراد الواقع المعاش بمعايير عالية وتوقعات أي معايير يمكن االحتكام إليها في قبول م��رت��ف��ع��ة ،م���ن دون م����راع����اة ل��ل��ظ��روف
SAYSARA
18
1432هـ جمادى الثاني 2011م مايو
والمالبسات في كثير من األحيان؛ األمر وي��س��ت��ك��ش��ف ع�ل�اق���ات وط���رائ���ق وب��دائ��ل الذي جعل المؤلف يقرر من دون عناء أن جديدة. العقل السلفي «استرجاعي» ال «توليدي»، العقل الليبرالي ف��ي نظر البريدي فهو يسترجع األف��ك��ار والتطبيقات من أخفق هو اآلخر في ممارسة اإلب��داع ،إذ ال���ذاك���رة ال��س��ل��ف��ي��ة وال ي��ص��ن��ع��ه��ا ،ويلجأ الليبرالية كحركة ورؤية فكرية تنشط في إل��ى تعميم االستثناء عبر انتخاب بعض المجتمعات العربية من دون أن يكون لها السلوكيات لبعض السلف ،محاوال تعميمها معنى واحد متماسك ،األمر الذي يجعل على بقية أفراد األمة. هذا العقل يعجز عن الوفاء بالحد األدنى
ه���ذا ال��ل��ون م��ن التفكير ي����ؤدي إل��ى تشكيل أقفال ذهنية في فضائها الفكري وال��ت��رب��وي ،م��ن شأنها إع��اق��ة الممارسة اإلبداعية بشكل كامل أو جزئي؛ يصبح الفكر من خاللها تقاربيا ير ّكز على إنتاج عدد صغير من الحلول الصحيحة ،بدال من توليد أفكار جديدة ومتنوعة.
من المنهجية ،خالفا لما هو عليه األمر في الغرب؛ فهو هناك ،يجهد ألن يظهر ك��م��ق��دس للعلم ال��ح��دي��ث وم��ع ٍ��ل لشأنه، وم��ش��ي��د ب��ال��م��وض��وع��ي��ة وح���ام���ل ل��ل��وائ��ه��ا ومتمسك بمبادئها.
وب��ق��در ك��اف م��ن التفحص للخطاب العربي الليبرالي ،ن��درك أن الكثير من الليبراليين ال��ع��رب ال يشتغلون ك��م��ا ال ي��ت��ف��ه��م��ون ع��ل��ى ن��ح��و م��ت��ع��م��ق ال��ق��ض��اي��ا الفلسفية والمنهجية المتعلقة بطبيعة العلم وأدواته ،وحدوده وإمكاناته ونقائصه وإخفاقاته.
ألج���ل ذل����ك ،ل���م ت��ف��ل��ح ال��س��ل��ف��ي��ة في التفريق بين الثوابت التي ال تحتمل غير إجابة صحيحة واح��دة ،وبين المتغيرات ال��ت��ي تستوعب إج��اب��ات ك��ث��ي��رة وتحتمل بدائل متنوعة ،ومالت بإفراط إلى تثبيت المتغيرات ،ففقدت بذلك ال��ق��درة على وتعليال لهذه «الظاهرة» ،يقرر المؤلف التعامل م��ع اللحظة ال��راه��ن��ة ،وأجهزت أن العقل الليبرالي يتسم -ضمن خصائص عليها بنظراتها الضيقة ف��ي كثير من متعددة -بنزعة التعامل المرن مع النص المسائل والقضايا. الديني ،بطريقة يشعر معها الليبراليون ومن ثم ،خ ّيم التقليد ،وضرب بأطنابه بتحقق ذواتهم عبر ممارسة عقلية يرونها في ال��رواق السلفي المعاصر الذي عجز م��ت��ح��ررة واع��ي��ة وج��ال��ب��ة ل��ف��ه��وم وأن��س��اق ع��ن ت��ج��اوز ت��خ��وم ال��وع��ظ النهضوي من جديدة للنص ،لينعتقوا بذلك من شرنقة دون أن يخلق أو يشارك في خلق األسئلة النصية الضيقة التي يرمون بها خصومهم النهضوية الصحيحة ،ع��ل��ى ق��اع��دة أن م���ن ال��س��ل��ف��ي��ي��ن ،وه����م ف���ي ذل����ك يميلون ال��س��ؤال ال��ذك��ي يستجلب إج��اب��ات ذكية ،وبدرجات متفاوتة من الحماسة إلى اقتحام
منطقة النص الديني باألساليب الخاطئة، ويخفقون في اقتحام الفضاءات الواسعة في مجاالت العلوم اإلنسانية واالجتماعية وال��ح��ق��ول الفكرية المتنوعة ،وه��ي التي تفتقر إلى اإلبداع في عالمنا اإلسالمي
َمن المسئول الحقيقي عن اغتيال اإلبداع؟
االرت��ق��اء بالذكاء الجمعي وتحديد سلم األول��وي��ات ،والوصول إلى تحديد بوصلة حقيقية لمعرفة ال��م��ش��اك��ل والمعيقات الحقيقية ،ب��ع��ي��داً ع��ن ك��ل م��ن السلفية والليبرالية ،واالنتهاء من الجمع والتصنيف ومراكمة المعلومات والتصانيف واالنتقال إلى مرحلة االستفادة من هذه التصانيف والتراكمات الكثيرة في عمل مفيد. ويستنتج الباحث في النهاية أن تخلف ال��م��ش��روع ال��ن��ه��ض��وي ال��ع��رب��ي ،وأس��ب��اب ان��ك��م��اش أث���ره ال��ث��ق��اف��ي ،وارت������داده ،ك��ان ب��دواف��ع دينية متزمتة حيناً أو علمانية منزلقة إلى سلفية حيناً آخر ،معتبراً أن العقل السلفي يتسم بتسليم مطلق للنص، رافضاً المناقشة أو النقد أو التقييم ،ما يجعله مليئاً بالعواطف ،مهمشاً للحجج ال��ع��ق��ل��ي��ة ،م��ح��ت��داً ف���ي ن��ق��اش��ه ،منفعل النبرة؛ وينعكس ذل��ك جفاء في التعامل مع المخالفين ،وإذا كان الفكر الليبرالي يتسم بتعامل مرن مع النص الديني ،إ ّال أن���ه ي��س��ت��خ��دم أدوات بحثية ضعيفة ال تم ّكنه من الفهم الجيد للنص التشريعي، فتأتي النتائج هزيلة ،وربما متنافرة أحيانا م��ع م��ق��اص��د ال��ن��ص ،م��ا يتيح لخصومه االنقضاض عليه واتهامه بالجهل ،آخذاً على الفكر الليبرالي اقتحامه لمنطقة النص الديني بأساليب خاطئة ،في حين يخفق في اقتحام الفضاءات الواسعة في م��ج��االت العلوم اإلنسانية واالجتماعية والفكرية المتنوعة المفقودة في العالمين العربي واإلسالمي.
دراسات ونقد
في الجزء الرابع يرى البريدي أن إخفاق كل من النموذجين السلفي والليبرالي في تقديم نتاج إبداعي نوعياً ،سببه االنكفاء الذاتي وتن ّوع طرق التناول ،ولهذا ،يصنف المشتغلين ب��ال��ن��ت��اج ال��ث��ق��اف��ي إل���ى ثالثة مستويات ،ويوسع المستوى األول ليشمل كل مشتغل بالثقافة أو منتج أو مروج لها، وه��م م��ن ن��م��ط :الباحثين والصحافيين والمراجعين للنتاجات الفكرية؛ وفضيلتهم أن لديهم حساسية جيدة في استبصار الخلل واإلشارة إليه من دون التطرق إلى حل أو مناقشة المشكلة ،إال فيما ندر. أما المستوى الثاني ،فهم الباحثون الذين يجعلون همهم إيجاد طريقة تفكير لمقاربة المشكلة مدار البحث .والمستوى الثالث ه��م المتخصصون األك��ادي��م��ي��ون ال��ذي��ن لديهم القدرة على استبصار المشكالت واقتراح الحلول لها والخروج بنسق فكري متجانس وبرؤية شاملة لموضوع البحث. وي���رى د .ال��ب��ري��دي أن��ه إذا ك��ان لكل من المستويين األول وال��ث��ان��ي اإلس��ه��ام��ات المفيدة والجيدة في العملية اإلبداعية؛ ف��إن الفئة الثالثة تقع عليها مسؤولية
SAYSARA
جمادى الثاني 1432هـ مايو 2011م
19
SAYSARA
20
1432هـ جمادى الثاني 2011م مايو
ملف الرواية المغربية
ملف الرواية املغربية
SAYSARA
جمادى الثاني 1432هـ مايو 2011م
21
الرواية المغربية المعاصرة:
الوعي الجمالي وسؤال التلقي
قطرة ضوء في حقل ألغام كثيرا على صفحات «مصر تكتب ولبنان يطبع والمغرب يقرأ» ،عبارة ت��رددت ً المالحق الثقافية للصحف المغربية في أواخر ثمانينات القرن الماضي ،في إشارة إلى احتكار المشرق العربي للريادة الثقافية ،حيث كانت الرواية مصرية بامتياز ،والشعر عراقيا أو فلسطينيا ..وبفضل التحوالت السوسيوثقافية، االقتصادية والسياسية العميقة ،التي شهدتها المجتمعات العربية ،بدأت بعض األطراف تفرض وجودها على خارطة اإلبداع ،سارقة شعلة التميز من المركز؛ وهكذا ،صار بإمكان دارس األدب الحديث عن رواية لبنانية أو سورية مثال... ف���ي م���غ���رب ال��ت��س��ع��ي��ن��ات ،ب���رزت ع��دة أص��وات روائ��ي��ة ج��دي��دة ،مغربية المالمح والخصوصية ،كامتداد لجيل ال��م��ؤس��س��ي��ن ،وإن ل���م ي��ح��ظ اإلب����داع ال��م��غ��رب��ي -ب��ص��ف��ة ع��ام��ة -بنفس المكانة ،التي يتمتع بها النقد األدبي
المغربي في المشهد األدب��ي العربي. وف���ي األل��ف��ي��ة ال��ج��دي��دة ،ت��زاي��د ع��دد ال��روائ��ي��ي��ن ،ح��ت��ى ص���ار م��ن الصعب متابعتهم ن��ق��دي��ا ،وس��اه��م ال��روائ��ي��ون ال��ج��دد م��ع األس���ات���ذة م��ح��م��د ب����رادة، مبارك ربيع ،أحمد المديني ،محمد
ملف الرواية املغربية
> إعداد :سيسرا -املغرب*
SAYSARA
22
1432هـ جمادى الثاني 2011م مايو
ع��زال��دي��ن ال���ت���ازي ،ال��م��ي��ل��ودي شغموم وغ��ي��ره��م ف���ي رف���د ال��ت��ج��رب��ة ال��روائ��ي��ة الجديدة في المغرب .وعبر تراكم نوعي استطاع أن يخلخل مفاهيم الواقع ويطرح أسئلة ال���ذات والمجتمع ،ول��ج��أ أغلب الروائيين إلى التجريب كاختيار جمالي وأيديولوجي للتعبير عن مغرب التحوالت، العميقة وسريعة اإليقاع .وقد ساهم تنوع الخلفيات االجتماعية والثقافية ،وتباين أعمار الروائيين في إث��راء مسروداتهم، وتعدد اللغات والمنظورات ،الفضاءات والثيمات.. هكذا ،لم تعد ال��رواي��ة في المغرب ح��ك��را على بعض ال��روائ��ي��ي��ن ،ب��ل صار يكتبها دارس القانون ،الطب ،الهندسة، الفلسفة ،التاريخ ،والقادمون من اإلعالم، الشعر ،القصة القصيرة ،وحتى من بعض الحرف اليدوية ،وصرنا نقرأ عن مواضيع ألول مرة يكتب عنها ،كالهجرة السرية وال��ت��ط��رف ال��دي��ن��ي ..ول��م يعد ال��روائ��ي المغربي أسير عقدة المشرق ،وإن كان القارئ المغربي -والعربي عموما -يميل إل��ى ال��رواي��ة المشرقية والعالمية ،ألن بعض الروايات المغربية -من منظوره- تغالي في التجريب وتفتقد إلى الحكاية، علما أن هذا القارئ ال يهمه في األساس سوى متعة الحكي.
المغربية ،ستنفتح أمامنا الكثير من األب����واب /المتاهات ،التي يمكن أن نلجها ل�لإل��م��ام بفسيفساء المشهد ال��روائ��ي ب��ال��م��غ��رب .ق��د ي��ق��ول قائل: ك��ان باإلمكان مقاربة مالمح الرواية النسوية في المغرب ،أو هوية الرواية، التي يكتبها مغاربة باللغة الفرنسية أو اإلسبانية أو الهولندية ،أو على األقل، م��ع��ال��ج��ة ال��ت�لاق��ح األج��ن��اس��ي وم��دى اس��ت��ف��ادة ال��رواي��ة م��ن باقي األشكال التعبيرية كالمسرح ،السينما والشعر، أو استلهام الرواية للفلسفة /التاريخ/ التراث /األسطورة ،أو إشكالية الرواية والسيرة الذاتية /التخييل الذاتي ،أو ال��رواي��ة وال��م��ذك��رات /أدب السجون، وهذه األخيرة حققت مقروئية جيدة، في مستهل األلفية الثالثة ،مع اتساع هامش الحرية ،وإن جنحت أغلب كتب المعتقلين السابقين وضحايا سنوات ال��رص��اص إل��ى المذكرات ،وافتقدت الجماليات الروائية...
إنه م��أزق فعال ،ستجد نفسك كمن يمشي ف��ي حقل م��ن األل���غ���ام ...أسئلة كثيرة ستتفجر أم��ام��ك ،ول��ن تكفي كل صفحات المجلة لإللمام بمالمح الرواية المغربية وانشغاالتها ،وبكل ألوان طيف المشهد الروائي بالمغرب .الحيز هنا ال نعترف بقصورنا الفادح وإغفالنا يتسع سوى ألن نسكب قطرة ضوء ..من ل��ل��ك��ث��ي��ر م���ن األس���ئ���ل���ة ال���م���ؤرق���ة في منظور س��ؤال التلقي وال��وع��ي الجمالي ه���ذا ال��م��ل��ف ،فبمجرد ذك���ر ال��رواي��ة بالكتابة.
SAYSARA
جمادى الثاني 1432هـ مايو 2011م
23
الرواية المغربية المعاصرة:
بين البحث عن القارئ والبحث عن الموضوع > محمد املزديوي -مغربي مقيم في باريس
وألن الحرية ضرورية في كتابة الرواية ،فليس ثمة ما يدهش حين نعلم أن الرواية المغربية التي حققت شهرة عالمية ،ليست سوى «الخبز الحافي» للراحل محمد شكري ،ولن ندخل في جدل عميق حول تحديد جنس «الخبز الحافي» هل هي رواية أم سيرة ذاتية أم أنها تخييل ذاتي. المهم هو أن الحرية ،التي تدفقت بها معروفة وم��ط��روق��ة ،وه��و السبب ال��ذي الرواية ،منحتها مقروئية كبرى ،وجعلت يجعل ال��ق��ارئ العربي ال يتذكر بالفعل القارئ ،المغربي والعربي والغربي يحس رواي�������ات ص���دم���ت���ه .وال���ص���دم���ة ،ه��ن��ا، بالمفهوم اإليجابي. بأنه يالمس أدبا حقيقيا. ب��اإلض��اف��ة إل���ى غ��ي��اب ال��ح��ري��ة في الكتابة الروائية ،يسو ُد نوع من الرقابة ال��ذات��ي��ة .فيبدأ الكاتب ف��ي لعب أدوار مختلفة :دور المفتش والكاتب والقارئ وغيرها من األدوار ،حتى يخرج للعلن نوعا من المسخ الكتابي. وه���ذا ال��ن��زوع إل��ى ال��رق��اب��ة الذاتية يدفع الكاتب إلى االشتغال على مواضيع
وإذا ك���ان ال��ق��ارئ ال��م��غ��رب��ي يتذكر أس���م���اء رواي������ات م��ع��ي��ن��ة ،ف�لأن��ه��ا ،في الغالب ،كانت تُد ّرس في الثانوية أو في الجامعات ،وليس ألنها أ ّثرت عليه أو أنه اكتشفها بمفرده. ول��ي��س م��س��ت��غ��رب��ا أن ن��ج��د ال��ح��ري��ة في ميدان آخر غير الرواية .فالمتتبع، ه��ذه األي���ام ،للمدونات يجد فيها جرأة
ملف الرواية املغربية
لكأنّ الروايات العربية والمغربية ،حين تُكتَب تكون عيون مؤلفيها مفتوحة على الجوائز ،التي بدأت تنتعش وتتوالد هذه األيام وتفسد ذوق القراءة وجوهر الكتابة نثر العا َلم في مواجهة ذاتية الشاعر. اإلبداعية في صميمها .ال رواية من دون حريةُ . حوارية الرواية وتدفق الشخوص والمواقف في مواجهة «رسالة» الشعر الوهمية.
SAYSARA
24
1432هـ جمادى الثاني 2011م مايو
متصاعدة في تناول كل القضايا ،بل إن هذه المدونات ساعدت (أو دفعت) بعض ال ُكتّاب إل��ى الجرأة في تناول القضايا الجنسية والدينية واالجتماعية. وما دمنا في إطار الرواية المغربية، فلنعترف أن تراكمها بطي ٌء للغاية ،إذ ال تصدر أكثر من عشر روايات في السنة في المغرب ،وهو ما ال يبشر بمستقبل زاهر للرواية المغربية .كما أن محدودية ال��ق��راءة تشكل عائقا آخ��ر ،إذ ال يطبع أكثر م��ن ألفي نسخة ل��ل��رواي��ة ،ف��ي بلد يتجاوز سكانه 32مليون نسمة.
بيدرو بارامو ،البسيط ،حسب ما يبدو، ولكنه أخضعه إلع��داد ج ّيد ،ثم إن��ه لم يكتب شيئا بقية ح��ي��ات��ه .ح��ي��ن ق��رأتُ�� ُه أحسست بالغيرة ،ومن الج ّيد أن تحس ُ بالغيرة م��ن ك��ب��ار ال�� ُك�� ّت��اب .أتفهم كونه ت��وق��ف ع��ن ال��ك��ت��اب��ة ب��ع��د ه���ذا ال��كِ ��ت��اب: ت��ن��ت��اب��ن��ي رغ���ب��� ٌة م��س��ت��م��رة ف���ي ال��ت��وق��ف عن الكتابة ،لكني أواص��ل الكتابة ألني أ ُ ِح ُّسني ال أمتلك شيئا .أنا ال أعرف فعل شيء آخر :ال أستطيع البقاء في البيت وتأمل السقف ،بينما الجميع يعمل .لكن الرغبة في التوقف حاضرةٌ). إن صاحب اليتيمة «بيدرو بارامو»، ما كان ليصبح أسطورة لو أن األمر كان فقط بالتراكم ،بل إن سبب ذيوع روايته ه��و خلقه أو ت��ط��وي��ره لمفهوم الواقعة السحرية ،وهو ما سيعترف به ،الحقا، غ��اب��ري��ي��ل غ��ارس��ي��ا م��ارك��ي��ز ،ح��ي��ن أك��د على دور رولفو في كتابة «مائة عام من العزلة».
ولعل ثمة من يزعم أن بقاء روايتين مغربيتين (م��ح��م��د األش��ع��ري وبنسالم حميش) في التصفية النهائية لجائزة البوكر العربية -البريطانية (ه��ذا على اف��ت��راض حيادية لجنة تحكيم الجائزة وجدية أعضائها) ،ما يدل ،نسبيا ،على بعض عافية للرواية المغربية .لكن هذه الشجرة ال يمكنها أن تخفي غابة انسداد إن من بين هموم ال��رواي��ة المغربية أفق الرواية المغربية وع��دم مقروئيتها إن وجدت .وليس الك ّم وحده (حتى وإن ل��ي��س غ��ي��اب ال���ج���رأة ،ف��ه��ي ج��ري��ئ��ة إل��ى تحدثنا عنه من قبل) ،من يحسم األمر ،درج���ات ك��ب��ي��رة ،ول��ك��ن الثيمة ه��ي التي ولنا في مثال المكسيكي خوان رولفو ما ال تتطور كثيرا .وإذا كانت الرواية هي يؤكد أن األدب الرفيع ،ال عالقة له بالكم صدى للرواية (وليس فقط للواقع ،كما يقول البعض ،حيث نقرأ روايات واقعية وال بالجوائز وال بالتسليع. يتحدث ال��روائ��ي البرتغالي الكبير فجة ،أي نقل فوتوغرافي ألشياء الواقع)، أنطونيو لوبو أنطونيش عن خوان رولفو :فالكتابة تكتب نفسها أيضا ،ولعل كتابة (المكسيكي خ��وان رولفو كتب في سن رواي���ة داخ���ل رواي���ة ه��ي أي��ض��ا ج��زء من الخامسة والثالثين هذا الكتاب الرائع ،صميم الكتابة الروائية واإلبداع.
كما أن الروائيين المغاربيين ،وبحكم ال��ق��رب الجغرافي والبعد االستعماري، ي��ن��ظ��رون باستمرار إل��ى ت��ج��ارب فرنسا وهو ما يعني ،نظريا على األقل ،استعارة األشكال الكتابية ،واستيراد موضوعاتها المتجددة .ولع ّل الحديث القديم المتجدد ع��ن الكتابة األوتوبيوغرافية والتخييل الذاتي ،دليل على هجرة التجارب والطرق الكتابية.
قبل األوان ،أي قبل أن يصبح موضة ،هذه األيام .ومن يقرأ الرواية الجديدة لحسن نجمي ،سيُعجب باالشتغال الدقيق على ال��رواي��ة ،وبالكم الهائل من المرجعيات، وحتما سيخرج القارئ بعد القراءة بنوع من المتعة ،التي هي ضرورية في الرواية، ون��وع من الرغبة في معرفة الكثير عن محطات ال ت���زال مجهولة م��ن تاريخنا الحديث والمعاصر. ك��م��ا أن االش���ت���غ���ال ع��ل��ى م��وض��وع ال��ه��ج��رة ،وه���و م��وض��وع ب��ك��ر ،يمكنه أن يفتح ال��رواي��ة المغربية على أف��ق لم يتم ارتياده من قبل ،وهذا هو ديدن الروائي علي أفيالل ،المقيم في فرنسا .إذ يُثري المكتبة ،منذ عشرين سنة ،بما يتجاوز 23 رواية ،عن الهجرة والمهاجرين .ومن يقرأ كتاباته عن باريس وعن العمال المغاربة المهاجرين ومعاناتهم وع��ن انسحاقهم وعالقاتهم مع المحيط الغربي (المعادي ف��ي معظم األح���ي���ان) ،يكتشف آف��اق��ا ال توجد في رواية « الحي الالتيني» للراحل سهيل إدريس ،والتي تعتبر عالمة فارقة في الكتابة الروائية.
المطلوب م��ن ال��رواي��ة ال��ج��دي��دة أن تخترع مواضيع ج��دي��دة ك��ي تخلق ق��راء ج��ددا ،وه��و ما ح��دا بالشاعر وال��روائ��ي بمثابة خاتمة: المغربي حسن نجمي في روايته الجديدة ال تزال الرواية المغربية في بداياتها، (ج��ي��رت��رود /ال��م��رك��ز ال��ث��ق��اف��ي ال��ع��رب��ي) وه��ي ب��داي��ات م��ت��رددة ،كما ه��و ش��أن كل إل��ى أن يغوص في موضوع جديد ،وهو جنس كتابي ج��دي��د .كما أن المعوقات موضوع فنانة أمريكية أقامت بالمغرب كثيرة ج��دا ويصعب ح��ص�� ُره��ا .لعل من وتعرفت على شاب مغربي ،في ما يشبه بينها ،التسرع في الكتابة وقلة ال��ق�� ّراء، حداثة مبكرة أو ح��وار ثقافي وحضاري وأيضا عدم االشتغال على الكتابة ،إذ ال
ملف الرواية املغربية
استعادة التاريخ القديم والقريب، شيء جديد ويفتح أفقا جديدا للرواية .وقد اشتغل روائيون مغاربة عديدون (بن سالم حميش ،كمال الخمليشي وآخ��رون) على استعادة التاريخ أو توظيفه (ابن خلدون والدول البربرية في المغرب وغيرها من المواضيع) .لكن تبقى الصياغة والتوظيف الجيد هما المح ّددان لخلق قارئ مغربي جديد تروقه هذه الكتابات وهذه التجارب والمغامرات الكتابية ،ويقطع مع الذائقة المحفوظية (نجيب محفوظ وواقعيته البورجوازية).
SAYSARA
جمادى الثاني 1432هـ مايو 2011م
25
SAYSARA
26
1432هـ جمادى الثاني 2011م مايو
يزال العديدون من ال ُكتّاب يتصورون أن الرواية هي مسألة إلهام ،وليست عملية م��رك��ب��ة م��ن ق����راءة وتخطيط وج����ذاذات وتنقيح وغيرها (يُنصح ب��ق��راءة طريقة األمريكي ريموند كارفر في الكتابة). كما أن خ��وف الكتاب من المغامرة ومن التجريبية ،يجعل الروايات المغربية
تتشابه وت��ت��واج��د ف��ي ن��ف��س المستوى. كما أن الحريات التي تم إنجازها على المستوى االجتماعي (حرية المرأة وشيوع الديمقراطية ووسائل اإلعالم وغيرها)، ل��م تجد ص��داه��ا ف��ي الكتابة .ف��ي حين أن الكتابة هي التي يجب أن تكون رائدة ونبوئية ،أي سابقة على عصرها.
دراسة نقدية
قراءة في رواية «قاع الخابية»
()1
للكاتب عبداللطيف اللعبين ..بطعم الذاكرة > إبراهيم احلجري جاءت رواية «قاع الخابية» لتعزز غزارة اإلنتاج اإلبداعي الثر ،ال��ذي عودنا عليه الشاعر وال��روائ��ي عبداللطيف اللعبي باللغتين الفرنسية والعربية ،وقد قام بالترجمة العربية لهذه الرواية الكاتب حسان بورقية ،بحس إبداعي متميز ،وبحرص بليغ على الحفاظ على مقومات النص ال���روائ���ي ،ون��ق��ل أج����واء محكيه ،ب��أق��ص��ى م��ا يمكن من األمانة; وقد وفق في ذلك بالنظر إلى السالسة اللغوية واالنسجام في الترابط ووضوح المعاني وتناسق العناصر المشكلة للعمل الروائي ،ما; يدل على أن المترجم قد تعايش مع أجواء الرواية مدة طويلة ،ونظر إليها في شموليتها، وسعى إلى تمثلها في تمظهرها العام ،في ارتباطها اللهجي والفصحي; في تزاوج متفرد وغريب ،ورؤيتها للعالم ،انطالقا من الموقع الذي تحتله بين أعمال المبدع .وقد حاولت هذه الرواية أن تغطي مساحة زمنية ت��راوح بين األربعينيات والتسعينيات من القرن الماضي; ويتضح ذلك من خالل حضور مؤشرات التواجد االستعماري قبل إبعاد الملك ابن يوسف إلى جزيرة مدغشقر ثم عودته إلى أرض الوطن ،انتهاء بمؤشر سقوط جدار برلين .تأتي وقائع وأحداث الرواية في شكل رغبة جامحة في التذكر واسترجاع الماضي التليد ،والتقاط اللحظات المعتمة ،قصد إعتاقها من أسر السهو والنسيان.
ال��ح��ي؛ ل��ذل��ك ك��ان��ت التفاصيل ممتعة وشيقة؛ تحسس القارئ بأنها ال تحتاط منه أو تتحفظ من شغبه ،تهمس له بنحو كبير ،فيفرح لفرح المحكي ويحزن لحزنه ويخاف لخوفه ،إنها (أي الكتابة السردية هنا) تؤسس عالقتها بالقارئ على منطق األلفة والحميمية واالن��س��ج��ام ،ولِ�� َم ال، أَليست تحكي عنه أي��ض��ا وتشركه في كمائنها الملتبسة والمتشبعة؟ إن الكتابة في هذه «القاع» تنبني على استراتيجية الخطاب الجمعي والدينامكية المجتمعية وكذا التحوالت والتعالقات والصراعات، التي كانت تحكم فترة معينة عاشها جيل م��ن المغاربة (وال��ع��رب أي��ض��ا) بالوتيرة ذات��ه��ا وال��ن��ش��ي��د نفسه وي��ش��ده��م إليها الحنين ذات���ه .وم��ا يمكن تسجيله بهذا الخصوص ،أن مالمح ه��ذه ال��رواي��ة لم ت��خ��رج ع��ن السياق ال��ت��داول��ي وال��دالل��ي وال��ش��ك��ل��ي ،ال���ذي ي��ؤط��ر ك��ت��اب��ات روائ��ي��ة مغربية مجايلة لعبد اللطيف اللعبي، بل تحكمها الهواجس واألح�لام ذاتها.. وربما حتى الوقائع المسرودة تتشابه، وإن فرق بينها الزمان والمكان.
ت��ن��س��اب ال��ح��ك��اي��ة ف���ي رواي�����ة «ق���اع يشكل ال��ح��ك��ي ُه��ن��ا تفصيال الفتا الخابية» رقراقة عذبة كما لو كان الواقع لوقائع وأحداث َم َّر بها البطل (ناموس) نفسه هو الذي يسردها ويخيط لُ َح َمها ،ال في أدق مجرياتها ،والبد من التأكيد هنا تكلف وال مبالغة ،تروي بالتلقائية نفسها على الطابع التسجيلي للكتابة الروائية، التي يحكي بها طفل صغير مغامراته إذ ال يبتعد الحكي في (ق��اع الخابية)، الشيطانية في باحات المدرسة وأزق��ة ب��خ��ص��وص ه���ذا ال��وس��م أو ال��ط��اب��ع عن
ملف الرواية املغربية
َم����� ْن ي��ت��أم��ل ع��ن��ون��ة ه����ذه ال���رواي���ة ويقارنها بالمحتوى العام للمسرود يلقى صعوبة في إيجاد الخيط الرابط الذي يَ ْحب ُ ِك َمقُولة «قاع الخابية» ،بارتحاالت المعنى عبر ن��ت��وءات المسار ال��س��ردي، م��ا يجعل العنونة معبرا م��وارب��ا وعتبة مضللة ال تقود المتلقي إلى بر النص ،بل تجعله يعي ُد الكرة لبناء تمثل مغاير ،ليس بالضرورة هو ما افترضه مسبقا بنا ًء على مؤشرات خارجية؛ غير أن السارد في خاتمة النص الروائي يتطرق إلى هذا الموضوع ليحسم في أمر ذبذبات الحيرة واالرتباك والتشويش التي تعترض الرحلة القرائية؛ إذ يحيل المتلقي على نادرة من ن���وادر ج��ح��ا ،ث��م يثبتها ب��ن��ص��ه��ا( .)2وقد ��س��اِرد بعدا اتخذت هذه العنونة لدى ال َّ تأويليا عميقا يحمل بين ثناياه إشارات النقد الالذع والسخرية المرة ،لسذاجة الناس وتعاليهم التافه ،وانصرافهم إلى القشور بدل االنشغال باألسئلة الحقيقية التي يُلح واقعهم في طرحها ،فارين نحو الهوامش االستسالمية ،اعتقادا بشطارة واهية.
SAYSARA
جمادى الثاني 1432هـ مايو 2011م
27
SAYSARA
28
1432هـ جمادى الثاني 2011م مايو
باقي الروايات المغربية لكتاب من جيل عبداللطيف اللعبي( ،)3لكن التسجيل في ه��ذا المنحى ال يجب أن يفهم بمعناه التاريخي التقريري ،ف�لا يهم ال��روائ��ي كتابة تاريخ تلك التجربة ،بكيفية مجردة ومحايدة؛ بل ما كان يهمه ويعنيه أكثر هو طريقته هو ،وقناعته في فهم األحداث وصياغتها فنيا ،وبمعنى أدق ،أيدولوجياً، ه��ذا ه��و السبب ال���ذي جعله بالضبط ي��ح��اول تحويل ال��ت��اري��خ إل��ى ف��ن ،والفن إلى تاريخ ،عن طريق المزج بينهما في عملية فكرية هجينة ،أث��م��رت تشكيال آخر مشوها ليس بفن وال بتاريخ( ،)4إنه حسب اللعبي رواي��ة وكفى ،هكذا يجب أن نفهمها نحن أيضا ،فال يضير الرواية أن تستلهم موادها من مجاالت مجاورة وتوظفها توظيفا هادفا وموحيا ،فعلى العكس من ذل��ك ،يمكن أن تكون خاثرة وغنية أكثر مما يحتمل الواقع والتاريخ نفسيهما؛ ي��م��ك��ن��ن��ا ،ب��ع��ب��ارة أخ����رى أن نسميها رواية ذاتية العتبارين أساسين: أنها تحكي عن تمثالت الذات للواقعوال��ت��اري��خ واألش��ي��اء ف��ي سيرورتها التاريخية والزمنية ،وتسرد الذاتي بصيغة الروائي ،حتى ال نقول إنها سيرة ذاتية. أن تبرز العالقات الشائكة بين األفرادوالجماعات بفاس العتيقة ،إبان فترة حرجة من تاريخ الوطن ،حيث كانت
الهوية المغربية في امتحان صعب أمام التكالب االستعماري واجتياح العدو (اآلخر) للبالد (األنا) .أضف إل��ى ذل��ك أن��ه��ا ت��ص��ور ال��ح��ي��اة على بساطتها وتلقائيتها بفاس العتيقة، تؤسس صمودها أمام المحتل وهي ِ ّ بطريقة أهلها الخاصة في التفكير والمواجهة .إنها (أي الرواية) تكاد تكون نوستالجيا ذاتية. تصبح ف��اس ،الفضاء المؤطر لفعل ال��س��رد داخ����ل ال���رواي���ة ،م��رك�� َز ال��ر ْؤي��ة وبؤرة التصدع الكوني الداخلي للكتابة، وق��د كانت ه��ذه المدينة بحكم موقعها الثقافي والتاريخي ،مؤهلة دائما لتحتل هذا الموقع في الكتابة الروائية المغربية لكونها معبر التاريخ والفكر لدى اإلنسان المغربي ،ولبنة أساسية في ُم َش ِ ّك َ الت ال�����ذات ال��ه��وي��ة وال����ذاك����رة ل��ي��س فقط بالنسبة للكتاب والمبدعين فحسب ،بل
ان���ط�ل�اق���ا م���ن ت��م��ث�لات��ه ل��ل��ق��ض��اي��ا المطروحة ،ونظرة اآلخرين إليه. حكاية األس��رة الفاسية المحافظةع��ل��ى ال��ت��ق��ال��ي��د ،وه����ي ت��وض��ع في موقع التحدي ،أمام غزو اآلخر بكل ترسانته الفكرية والبشرية والمادية، وتصورها الساذج لقضية (اآلخ��ر) الموازي والمرادف للشيطان. ح��ك��اي��ة ت��ش��ك��ل ال��ق��ض��ي��ة ال��وط��ن��ي��ةم��ع ح��ل��ول ف��ت��رة ح��رج��ة م��ن ت��اري��خ المقاومة الوطنية ،وانفجار الوضع عقب نفي األس���رة الملكية وإبعاد رم��ز ال��ب�لاد محمد ب��ن يوسف إلى جزيرة «مدغشقر». إال أن ه���ذه ال��ح��ك��اي��ات متجانسة بعضها ُم َ ��ض�� َّم�� ٌن ف��ي بعض، وم��ت��داخ��ل��ة ُ وم��ت��وازي��ة ف��ي ن��ف��س اآلن ألن��ه��ا تضيء بعضها بعضاً ،وتتعالق بشكل الفت كأنها محبوكة بخيط رفيع منطقه االستذكار واالسترجاع (.)Flash-back
ف��م��ن��ط��ق ال���ح���ك���ي ل����م ي���ك���ن ي��ن��ب��ن��ي على أس���اس فعل االس��ت��ش��راف والتنبؤ واالستقبال بقدر ما كان يتألف ويتأسس على فعل التذكر واالس��ت��رج��اع ،تنطلق حكاية فاس ،وهي المدينة الشعبية الكتابة من حدث راهن يبث على شاشةال��ع��ت��ي��ق��ة ،إب����ان ف��ت��رة م���ن أص��ع��ب التلفاز« :كنت بفاس عندما تم اإلعالن المراحل التاريخية وأحلكها. عن سقوط جدار برلين .وكانت العائلة، -ح��ك��اي��ة ن��ام��وس ال��ط��ف��ل المشاكس ذاك ال��ص��ب��اح ،مجتمعة ،ف��ي بيت أب��ي،
ملف الرواية املغربية
بالنسبة للمغاربة قاطبة ،حيثما َحلّ ُوا وارتحلوا .ومع أن فاس اليوم ليست هي ف��اس األم���س ،ف��إن صورتها الماضوية ��س��ارد في م��ا ت��زال ط��ر ّي��ة ف��ي مفكرة ال َّ «ق��اع الخابية» ،ب��ل تفاصيلها المتلفعة ب��ت�لاوي��ن ال��ذك��ري��ات جميلها وسيئها، ُحلوها و ُم��ره��ا ،وبكل رده��ات��ه��ا الغاربة المرتبطة بالمواقف والسلوكات المنهدة والمنفرطة ،يحضر كل ذلك جيدا ويبرز في اآلن؛ كأنما قد وقع للتو ُمحمال بكل أناسيم البساطة المجبول عليها أهل ف��اس ،وبكل مظاهر الحياة المتواضعة منطبعة ف��ي تصرفات ال�� ّنَ��اس و َف ْهمِ هِ م ل�لأح��داث وال��ظ��واه��ر ،وفلسفتهم تجاه الكون والمحيط اللذين يَ ُح َفّا وجودهم األنطلوجي .وقد أص ّر السارد ،على أن يبرر تمظهر الحياة هذه كما كان يقرأها هو في عيون اآلخ��ري��ن ،من دون تأويل أو تدخل ،وكأنما ترك لتلك الحياة حرية انكتابها بطريقتها ال��خ��اص��ة م��ن دون أن ي��ردع فيها تلك الحيوية اآلنية التي تستلهمها من اندفاع اللحظة وانجراف األحداث وتفجرها الدائم كنبع ال يقاوم، ُّ إن الكتابة هنا تعكس دالل��ي��ا س��ي��رورة حكايات متعددة ومتوازية:
SAYSARA
جمادى الثاني 1432هـ مايو 2011م
29
SAYSARA
30
1432هـ جمادى الثاني 2011م مايو
والتلفزيون مولعاً سلفا .وم��ع ذل��ك لم يكن أحد حولي مهتما بالصور التاريخية التي تتوالى على الشاشة» ،5ثم تسبح بعد ذلك في الذاكرة تستلهم بعضاً مِ َّما تختزنه م��ن أح���داث ووق��ائ��ع الم��ع��ة في تاريخ المغرب الحديث« :كنا في نهاية شهر يوليو ،مع اقتراب اكتمال البدر ،مر اآلن عام على خلع ملك البالد عن عرشه ونفيه ،ك��ان اآلن تحت مراقبة مشددة، ف��ي ج��زي��رة إفريقية بعيدة يلح إدري��س ���اس��� َك���ار .وكنت ع��ل��ى تسميتها م����دام ك ْ أسخر ،مع بقية متعلمي األسرة ،من هذا التلفظ المبتكر» ،6بين هذين الحدثين تتشابك األحداث وتتعالق وتتعقد أحيانا حينما تنفتح على جو األسر والعالقات السرية بين أفرادها وكيفية فهم األطفال ل���ه���ذه ال���ع�ل�اق���ات ،وف����ي ه����ذا ك��ل��ه كنا نصادف شعورين متباينين ،األول يحيل على العشق العجيب للطفولة والماضي، والثاني يحيل على السخرية من أنماط التفكير السائدة آن��ذاك وأساليب فهم النَّاس لألشياء والعالقات بينها. تنهض عملية الحكي برمتها على إب����راز م��ق��وم��ات ال��ش��خ��ص��ي��ة المغربية (ال��ف��اس��ي��ة ع��ل��ى ال��خ��ص��وص) م��ن جهة، وم��ن جهة ثانية تصوير ف��اس كمدينة إس���ت���رات���ي���ج���ي���ة ف����ي ج���س���د ال���ح���ض���ارة المغربية فهي تتوافر على أقدم جامعة، ما يجعلها بؤرة لجذب طالب العلم أينما
كانوا ،وهي أول عاصمة لدولة منظمة بالمغرب ،ومن ثم فاختيار فاس لم يكن رهينا بشرط االنتماء ،بل بمعرفة الكاتب لوزنها الثقيل في ميزان الحضارة والفكر والتاريخ .ففي الوقت الذي كنا ننتظر من ال��س��ارد أن يدخلنا ف��ي جوها القدسي الشهير ،وبخاصة أنها حافلة تاريخيا بالعديد م��ن رج���االت التصوف والدين والفقه ،بقدر ما كنا ننتظر أن نجول عبر المتن الحكائي تفاصيل مسارات الفكر وت��ح��والت��ه ،رح���اب ال��ج��وام��ع والكتاتيب والمدارس وأخيرا قبلة الثقافة والمعرفة «جامع القرويين» ،فإذا بنا نجد أنفسنا نذرع الشوارع والباحات ،وردهات اللعب الطفولي المفعم بالكثير م��ن الشغب والمشاكسة والشيطنة ،كنا نفعل ذلك من خالل مقاس طفل قاس برهافته وحدسه
SAYSARA
جمادى الثاني 1432هـ مايو 2011م
31
ملف الرواية املغربية
وج���س���ارت���ه أي���ض���ا ،ال��ط��ف��ل عن األنظار ألكتشف محتوى ال��ذي ك��ان يقودنا عبر هذه العلبة .عندما وصلت أعاله، التفاصيل الهامشية وكله مقطوع األنفاس باالنفعال غ��ب��ط��ة وب��ش��ر ب��م��ا يكتشف أك��ث��ر م��ن ال��ت��س��ل��ق ،أخ��ذت ويضع ويحقق ،فكنا كأنما الوقت الكافي للتنعم بتلك نعيش معه طفولته القاسية ال��ل��ح��ظ��ة ال��م��ت��م��ي��زة .كانت ونلتذ بها ونحزن لما يعيق تلك هي المرة األول��ى التي سحر توثبها ،ونفرح لما قد أت��وص��ل فيها ب��م��راس��ل��ة... تصادف من نجاحات ،أ َو لم أخ��ي��را اس��ت��خ��رج��ت الهدية يقدنا الطفل (ناموس) إلى أن نعيش معه المتاق إليها :صابونة معطرة (كادوم)».8 مرحلة ف��رح حقيقية وه��و يفوز بجائزة وك��ان (ن��ام��وس) ف��ي ك��ل م��رة يحيلنا مسابقة نظمتها إذاع���ة طنجة آن��ذاك :إل��ى ال��م��ش ِ ّ��ك�لات الجوهرية للشخصية «ب��ع��د ع���دة م���ح���اوالت ال ط��ائ��ل تحتها الفاسية ،انطالقا من مرحلة الطفولة التي وأسابيع مرت في الرصد ،سعدت أخيرا كان يعيشها ،وكذا مراحل الكبر والبلوغ بإعطاء ال��ج��واب الصحيح وبالفوز في التي ك��ان يحياها آخ��رون قريبون منه، ال��ق��رع��ة ،ويالمفارقة! ل��م أعلم بالخبر كإدريس ،وغيثة ،والسي محمد ،عسالة، مباشرة ،إنما جاءني عبر أح��د الرفاق وال��م��ع��ل��م س��ي ال�����داودي ،عبداللطيف، ال��ذي علمه من رفيق كان قد علمه من زهور ،الطويسة ،زوجة األخ (اللة زينب) رفيق ثالث .كان اسمي ،وإن ُح ّرف قليال ،الحاج محمد ...حيث يعمد السارد إلى قد التقط تماما ( )...على هذا الجمر سرد مراحل االلتماع األساسية في حياة ()7 عشت أسبوعين ال م��ت��ن��اه��ي��ي��ن» لقد الطفل ناموس واقتناصها ،على اعتبار أن عشنا مع الطفل ناموس (ولسنا ندري ل َم الطفولة مرحلة مهمة واستراتيجية في ِ َ سمي بهذا االسم ،ألِخـفّته أم لشيطنته حياة اإلن��س��ان .فذكر لحظات اإلش��راق وج��س��ارت��ه؟) مرحلتين متداخلتين من في الصبا المتواضع حيث االنسالل إلى المشاعر :مرحلة الفرح وقد فاز بجائزة األزقة للعب مع أبناء الحومات ال ُمجاورة، لطالما حلم بها وج ّد للظفر بها ،ومرحلة والتلصص على مجالس الكبار وما يروج اإلخ��ف��اق لعدم سماعه الخبر مباشرة ،بينهم من نقاشات ومواضيع ،ثم االنشداد ولكون اسمه ُح��� ّرف ،وك��ون انتظاره قد إلى اختراق أجواء بعيدة ،حيث األسواق طال كثيرا ،ثم أخيرا كون هذه الجائزة والحالقي والمحجات البشرية الضخمة، بخسة جدا« :كنت بحاجة إلى االختفاء
SAYSARA
32
1432هـ جمادى الثاني 2011م مايو
قصد ممارسة الشغب الطفولي وأيضا للتملص من الحصار الذي تفرضه عليه الل��ة غيثة ف��ي ال���دار ،وف��ي ال��وق��ت ذات��ه ك��ان ن��ام��وس يشحذ شخصيته ويغنيها من خالل اطالعه على تفاصيل الكبار وانشغاالتهم: االس���ت��� ْم���تَ���اع ب��ج��ل��س��ات ال���دردش���ة ْ وم��ن��اق��ش��ة أم����ور ال���دي���ن وال��ج��ن��س والحياة. االط����ل���اع ع���ل���ى أش����ك����ال ال���ح���ي���اةومعاناتها وأنماطها بمدينته ،وكيفية م��واج��ه��ت��ه��ا م����ن ط�����رف اآلخ���ري���ن (إدري����س ،ح��رب��ه ،الطفل ال�� َك��راب، الحالق الدكالي.)... االنفتاح على قضية الوطن والتنصتع��ل��ى م��س��أل��ة االس��ت��ع��م��ار ،وكيفية مواجهته من طرف الوطنيين. تسلق الرغبات واالنشغال بالجسدوإغراءاته وحاجاته الداخلية ،وقد ب��دا ذل��ك جليا م��ن خ�لال مراقبته لطريقة تَ�� َز ّيُ��ن أم��ه ووق��وف��ه��ا أم��ام المرآة« :يجد غيثة هناك ،جالسة ع��ل��ى ف�����راش ص��غ��ي��ر ،الب���س���ة كما ت��ل��ب��س ف���ي ال��م��ن��اس��ب��ات ال��ك��ب��ي��رة، م��ع��ص��وب��ة ال�����رأس ب��م��ن��دي��ل أص��ف��ر زع���ف���ران���ي .وع���ل���ى م��ن��دي��ل م��ط��رز مسرح فوق الزليج ،تضع عدة زينتها المتواضعة ،مكحلة ،قطعة سواك،
��ح��ي��ف��ة ط��ي��ن��ي��ة ص��غ��ي��رة مطلية ص َ ُ ()9 بقشرة صبغ قرمزي (عكار)، »... لكن اإلح��س��اس ال���ذي فجر يقظة غرائزه وف��ورة حواسه اإليروتيكية ه��و ْ اش��تِ��ع��ال اإله��اج��ات الخارجية اآلتية عن األصدقاء وملفوظات األم والبالغين والحاليقية( ،)11واحتكاكه رفقة األصدقاء بالنساء المتحررات م���ن ال��ل��ب��اس ال��ت��ق��ل��ي��دي ف���ي زح���ام السوق « ،والواقع أنه بدأ يكتشف م��ح��اس��ن��ه .ي���داه أوال ،ال��ل��ت��ان لهما شكل متناغم ،فرجاله ،اللتان قضى بأنهما جميلتان بما فيه الكفاية. ومن ثم جنوحه إلى مالمسة خديه، شفتيه ،وشيئا فشيئا صدره وبطنه. عندما يبلغ وس��ط ج��س��ده ي��ت��ردد، خصوصا وأن النبض ثمة أقوى وأن لعب تصلبا عذبا ينتظر أن يمسك ويُ َ به في الهواء الطلق ،ويعرض ألشعة الشمس كي يعرش أكثر .هنا تتوقف الجرأة .وما يستخلصه ناموس من ذل��ك هو انسجام رائ��ق مع جسده، هاهو ذا يتملكه ويسكنه بينما كان فيما مضى غريبا عنه شيئا ما»(.)12 ول��وج��ه تجربة اخ��ت��راق مؤسساتمجتمعية يطبعها االخ��ت�لاط سواء مع الجنس اآلخر (اللطيف) أو مع اآلخ���ر (ال��م��س��ت��ع��م��ر) ،ون��ذك��ر هنا: المدرسة والسينما والحلقة ودور
SAYSARA
جمادى الثاني 1432هـ مايو 2011م
33
الجذبة (الحضرة) ،وغيرها ،وقد كرست ،هذه المؤسسات ،لديه شغف االنغماس ف��ي الحياة واكتشافها. وال��م�لاح��ظ أن الكتابة ع��ن ال��ذات لم تتجاوز فترة المراهقة ،أي أنها يتناغم البعدان الداخلي والخارجي شارفت ذلك الخيط المشترك بين ف���ي ال���ن���ص ب��ش��ك��ل م��ث��ي��ر ،ف��ه��و ب��ق��در طفولة تنقضي وشباب يبزغ بفورة م���ا ي��ك��ش��ف ع���ن واق�����ع ك��ات��ب��ه ال��خ��اص وعنف ف��ي أي��ام عصيبة م��ن نهاية والشخصي ،فإنه يعمل ،في اآلن ذاته، األربعينيات وب��داي��ة الخمسينيات ،ع��م��ل ال��م��ن��ارة ف��ي م��س��ح إن����اري متتابع ال��ف��ت��رة ال��ت��ي ت��أج��ج ف��ي��ه��ا ال��ك��ف��اح لكثافات ال��واق��ع االجتماعي المعتمة، ال��وط��ن��ي وت���ده���ورت ف��ي��ه��ا ال��ح��ال��ة فهو (أي ال��ن��ص ال��روائ��ي) إن���ارة لعتمة االجتماعية للمواطنين ،هكذا كانت ال����ذات ،وإن����ارة لعتمة ال���واق���ع .14فهو الطفولة في هذا النص ممزقة بين شهادة هذه الذات عن ذاتها وعن مرحلة متطلبات الذات ويقظة حس وطني شهدتها ،بالعالقات الفارقة للشخصيات واجتماعي وفكري سابق عن أوانه .وللمجتمع معاً؛ ثم بعد ذلك يتحول النص لقد استغل ال��روائ��ي كامل قدراته من الذاتي إلى العام ليصبح سيرة لجيلع��ل��ى ال��ت��ول��ي��ف ب��ي��ن أش��ي��اء ال��ع��ال��م بكامله ،حوصر في حيز المكان والزمان وأشيائه هو ،بما فيها قدرته على المحددين؛ حامال ومتحم ً ال ما حفل به التخييل الذي يعتبر منتوجه من خلق ه��ذا الحيز م��ن ع��واص��ف وارت��ج��اج��ات ومخلوقات حقيقة واقعة وحادثة ،ال��ص��ع��ود وال��ه��ب��وط .وع��ل��ي��ه ،ف��إن رواي��ة رغ�����م ع�����دم خ��ض��وع��ه��ا ل��ل��ح��واس «ق��اع الخابية» تنبني أساسا على سيرة المباشرة .إن ذلك يندرج ،إذا شئنا ،ذات معينة (ن��ام��وس) ،ال���ذي يمكن أن ف��ي خ��ان��ة ال�لاوع��ي وتجلياته عبر يحيل ،ف��ي غالبية األم���ر ،على الكاتب األح�لام والكوابيس غير الخاضعة الفعلي نفسه ،إ ّال أنها تتعدى حدودها بدورها لحواس اإلدراك المباشر .لتتصل ب��ذوات اآلخ��ري��ن ،ما دام المناخ إذاً ،نحن بصدد حقائق وإن كانت ال العام له من السطوة والجبروت بحيث تمسك من الخارج إال أنها ،وضمن ب���ات ال��م��ش��ك��ل األول لخصوصية ه��ذه إدراك م��ع��ي��ن ،ت��م��س��ك ب��ج��وان��ي��ة ال��ذوات جميعا ،وبذلك ال نكون بصدد ال���ك���ات���ب .ح��ق��ائ��ق ت��ش��ك��ل��ت ك��ن��ت��اج ح��ي��اة واح���دة م��ف��ردة ،ب��ل ح��ي��ال حيوات طبيعي لمناخات الكاتب الخاصة، لكنها طفقت تعمل ،بوعيه أو بال وعيه ،على تشكيله وتشكيل نصه بالعموم والتفاصيل(.)13
ملف الرواية املغربية
SAYSARA
34
1432هـ جمادى الثاني 2011م مايو
متعددة ومتنوعة وفقا لطبائع االشتباك الحياتي الواقعي بالنص المهجن بين م��ن ي��ف��ع��ل��ون ب��ه وي��ت��ف��اع��ل��ون م��ع��ه ،وم��ن -نغولها بالمقدس والمدنس والخرافة يفعل بهم ويتفاعل معهم .يخيل لقارئ والشعوذة والتقاليد البالية ،حيث هذا القاع أيضا أن فاس المدينة تكتب مجامع الحضرة والجذبة المختلطة ذاتها وتتذكر عمارتها وصريخها ونغولها بين النساء (الل��ة ميرة) وال��رج��ال، المكشوف ب��ال��ن��اس وال����دواب ووطأتها وك��ذا االحتفاء بالحجيج واإلي��م��ان تحت نير االستعمار ،وقد تحيلنا البنيات ب��ال��خ��راف��ة والميتافيزيقا؛ كظهور الداللية للنص على سمات مميزة َو َس َم ْت ال��م��ل��ك ال��م��خ��ل��وع ب���ن ي���وس���ف في المدينة: ال��ق��م��ر ،ث��م ال��ح��رص على االنتقاء اع��ت��م��اد اق��ت��ص��اده��ا ع��ل��ى ال��ت��ج��ارةال��ص��ع��ب ل��زوج��ة االب����ن م��ن ط��رف البسيطة وممارسة الحرف التقليدية األم ،وغ���ي���ره���ا م����ن ال��ت��ف��اص��ي��ل (صناعة الجلد م��ث�لا) ،م��ا يضطر المشوقة والغنية ال��ت��ي تحفل بها معه قاطنوها إل��ى القناعة بعيش السيرة الروائية ،عبر مواقع فاس شعبي بسيط وتافه ،لكنهم مع ذلك األثرية الشهيرة (القرويين -حرم يبدون سعداء بفقرهم ،فرحين بما م����والي إدري�����س -س��ي��دي ح����رازم- يملكون من بساطة وعيال. س��وق السقاطين -بوجلود -جنان السبيل -البطحاء -عقيبة السبع- س��ي��ادة النفاق األخ�لاق��ي والتحايلعين الخيل -عين علو -زنقة فاس- على القيم م��ن خ�لال التظاهر في اللمطيين -باب الجيسة .)...ومن الخارج بالرزانة والحكمة والعقيدة، ي��ت��أم��ل ال��زخ��م ال��ث��ر م��ن األح����داث ثم ممارسة ضد ذلك خفية (الكالم وال���وق���ائ���ع وال��ت��ف��اص��ي��ل واألم��ك��ن��ة النابي الرائج بين الحرفيين -نطق والملفوظات والمحفوظات ،التي األم غيثة ب��إي��ح��اءات جنسية أم��ام تعتمر النص السيري وال��روائ��ي ال األسرة التزيين أمام الغرباء -بداية يسعه إال أن يسلم بالمقدرة العالية س���ف���ور ال���ن���س���اء -ال���ت���ع���اي���ر ب��ك�لام والخارقة لذاكرة كاتب عاش أغلب إيروتيكي وملفوظات جنسية تخل عمره خارج المغرب. بالحياء -تبول النساء المكشوف على
ال��ذه��اب المختلط إل��ى السينما-عراء النساء أمام الرجال).
قارعات الطرق -االنتظار الجماعي إن الطريقة التي التقطت بها هذه لدم الشرف ليلة زفاف السي محمد الوقائع الساطعة ليس في حياة ناموس
SAYSARA
جمادى الثاني 1432هـ مايو 2011م
35
تعليقه على استمتاع األه��ل بسرد الخابية) كتابة الذات في تشكلها أم ذاتالكتابة أثناء تشكلها. العم قصة حجه.
ملف الرواية املغربية
وح�����ده ،ب���ل ب��ال��ن��س��ب��ة ل��م��ج��اي��ل��ي��ه ك��اف��ة - ،ان��ت��ق��اده لطريقة تفسير أه��ل فاس وب��خ��اص��ة م��ن ال��ف��اس��ي��ي��ن ،يجعلنا نؤكد مسألة ظهور الملك المبعد محمد ع��ل��ى أه��م��ي��ة س��ي��ك��ول��وج��ي��ة ال���ذاك���رة في ابن يوسف في القمر. اجتياح الجانب السير -ذاتي( )15في «قاع الخابية» ،إذ تُعزى ذاكرة السيرة الذاتية - :تعليقه على كيفية تمييز الناس بين اخ��ت��ي��ار ح���زب االس��ت��ق�لال وح���زب Autobiographical memoryإلى تذكر ُ س األحداث التي يخبرها الشخص ويعيشها الشورى واالستقالل آنذاك ،وأ ُس ُ مباشرة ،وليست التي يسمعها عن اآلخرين، هذا االختيار. كما هي الحال في الذكريات الومضية. انتقاده لطريقة تَ�� َز ّيُ��نِ أم��ه وطريقةوق��د ع�� ّرف بريور ( )Brewer,1986هذه اخ��ت��ي��اره��ا واخ��ت��ب��اره��ا ل��زوج��ة األخ الذاكرة بأنها« :ذاكرة المعلومات المتعلقة (الل���ة زي��ن��ب) وتصرفها إزاء وال��ده بالذات» .فهذه الذاكرة تتضمن الذكريات إدريس. أو األحداث الشخصية الفريدة والمتميزة، الخاصة بالشخص نفسه ،والتي عاشها يخيل إلينا أن سيرة «ناموس» شديدة في مرحلة ما من حياته ،وأصبحت في البيئية تحكي ع��ن أح���داث حياتية كما ت��اري��خ��ه ال��ش��خ��ص��ي ،وال��م��رت��ب��ط��ة ب��ذات لو كانت محكومة تماما بظروف الحياة ال��ش��خ��ص وم��خ��ط��ط��ات��ه ال��ذات��ي��ة Self- ،schemasوتعتبر هذه الذكريات بمثابة االجتماعية التي أحاطت به(.)17 تمثالت عقلية معقدة ل��ع��دد متنوع من هكذا ،تختزل رواي��ة «ق��اع الخابية» المعلومات الخاصة بأحداث معقدة تعتبر ع��وال��م وأس�����رار ث���رة ال يحصيها ال��ع��د، متيسرة بالنسبة إلى هذا الشخص ،وقد متداخلة ومتوالدة بكثافة وتعقد مثلما تتضمن أوص��اف��ا أو ش��روح��ات مختلفة لو كانت تختزل العالم بأسره في عقود ل��ل��ح��دث نفسه (Different lenels of عصيبة من التاريخ الذات المغربية وتشكل .)descriptionsوه���ذا م��ا ك��ان يحصل لناموس في العديد من المناسبات إذ كان الهوية أمام تناطح أحداث بحجم الجبال، ينصرف إلى إبداء آرائه في وقائع معينة في حين كانت الشخصية المغربية تتهيأ وأح��داث خاصة تمر به أو يشه َد َها ،من الح��ت��ض��ان ه���ذا ال��ع��ال��م االن��ت��ه��اك��ي ،في منظور الطفل الذي يتسلق مدراج العمر تسارع وتيرة تحوله ببساطتها وتلقائيتها شيئا فشيئا ،نذكر من ذلك مثال: ال��م��ع��ه��ودة؛ فلسنا ن���دري إن ك��ان��ت (ق��اع
SAYSARA
36
1432هـ جمادى الثاني 2011م مايو
دراسة نقدية..
سؤال السرد وإنتاج المعرفة في «أوراق» عبداهلل العروي > عبدالغني فوزي -املغرب
مدخل: الورقة التي أثيرها حول «أوراق» عبدالله العروي ،هي أشبه ما تكون بمالحظات متناثرة ،السعي منها اإلح��اط��ة بتركيبة ه��ذا المؤلف المغاير م��ن حيث المتن السردي المتعدد الصوت والمرجع (فكري ،تاريخي ،أدبي) .هذا ،فضال ،عن بنيته السردية المنشطرة والمنكسرة .وهي بذلك تخرج عن طريقة المحكيات التقليدية، الموسومة بالخطية ومبدأ السببية. وض����رورة ع��ل��ى رأس ه���ذه ال��م�لاح��ظ��ات، التنصيص على مكانة عبدالله ال��ع��روي الفكرية والتاريخية ،إذ هو صاحب طرح فكري إلى جانب طروحات فكرية أخرى لمعاصريه يتمثل سؤال النهضة العربية؛ وما ي���واك���ب ه����ذا األخ���ي���ر من أسئلة أخرى كسؤال الهوية وال���ذات .وعليه ،قد نلمس ف����ي إج���اب���ات���ه رف���ض���ا ل��ك��ل المنظومات الفكرية الجاهزة (ال���ن���م���وذج ال��س��ل��ف��ي ،ال��ت��ق��ن��ي، الماركسي)؛ داعيا إلى إعادة البناء وفق الخصوصية العربية. تستند الفكرة عند عبدالله العروي على المعطى التاريخي؛ وهو في هذا السياق يعد عند أهل االختصاص ،صاحب مدرسة تاريخية ح���ررت ال��ح��دث م��ن ال��ف��ه��م الغيبي ورواس��ب��ه
المتعددة .نخلص من ه��ذا ،إلى أن ال الكتابة ال��س��ردي��ة عند عبدالله ال��ع��روي دون سند فكري وتاريخي ،وهو ما يظهر جليا ف���ي «أوراق» .ف��م��ا ه���و السبيل لتمثل مادة ومبنى هذا المؤلف؟ ع��ل��ى ال��رغ��م م��ن أن «أوراق» تحمل ناقدها الداخلي. يقتضي منا التعامل مع «أوراق» تحت أي أداة نظرية، اس��ت��ح��ض��ار م��ؤل��ف��ات ال��ك��ات��ب السابقة وه��ي بالترتيب :رواي��ة الغربة ،اليتيم ،الفريق .وم��ن بين دواع���ي ذل���ك ،أن « أوراق» تتقاطع مع التأليف ال��س��ردي السابق للعروي في الثيمة المتعلقة بمسألة االستقالل وم��ا بعده ،وفي مفاصل البنية ال��س��ردي��ة وب��خ��اص��ة م��ا يتعلق بالراوي والشخصية المركزية أعني إدري��س. وعليه ،هل تعد كل األعمال السردية للعروي
تأليفا سرديا واح��دا؛ أم أن كل عمل يعبر عن استقالله األدبي ونغمته السردية الخاصة؟
تأطيرات «أوراق»:
ي��ب��دو أن ال��ك��ات��ب عبدالله ال��ع��روي يميل إلي الطرق القديمة في التأليف ،الذي اتسم آن��ذاك بالشمولية وتجاور أن��واع أدبية وفكرية عدة في المؤلف الواحد .وحين نربط العنوان بتذييله (سيرة إدري��س الذهنية) تفتح شهيتنا األوراق وطريقة تقديمها للقراء (مقدمة فصول خاتمة) .يبدو أن هذا المؤلف قدم على طريقة الكتب النظرية والفكرية .وه��و ما يدفع إلى ال��ت��س��اؤل ال��م��رك��ب :ه��ل أوراق ال��ع��روي بحث بطريقة إبداعية يتوخى تثبيت أهداف معينة؟ وم��ن ث��م ،استثمار م��ي��راث إدري���س ه��ذا الفتى القابع في أعماق المثقفين المغاربة الرافضين لمنطق اللعبة السياسية بالمغرب؟ تفتح ع��ت��ب��ات «أوراق» شهيتنا ،لتقطيع مفاصل البنية السردية المعتمدة في «أوراق»
قصد استجالء مبناها ومحتواها.
المبنى السردي لـ«أوراق»: حكاية «أوراق» مرتبة كلوحات (العائلة، المدرسة ،الوطن ،)...كل لوحة تمظهر معطى ذاتيا في حياة إدري��س ضمن فترة محددة في أربعين سنة ،ما قبل االستقالل بعشرين سنة، وم���ا ب��ع��ده ب��ال��م��دة ذات���ه���ا .ان��ت��ق��ل إدري����س في العشرينية األول��ى عبر مدن مغربية ،وبالتالي م���دارس (م��راك��ش ،ال��رب��اط ،البيضاء ،العودة ل��ل��رب��اط)؛ ث��م ت��اب��ع دراس��ت��ه العليا بفرنسا ما بين 1953و1956م .وقد سمح هذا االنتقال ال��دراس��ي ب��وص��ف أمكنة وش��خ��وص ،وتقديم نظريات فلسفية تبناها إدري��س بالتعاقب من خ�لال الهدم والبناء (الرومانسية ،أفالطون، سارتر ،نيتشه ،الماركسية.).. وغير خفي ،فما يميز هذه األح��داث في سرديتها هو منطق المفارقة :بين فئات داخل المغرب ،وفي التصورات حول الحركة الوطنية، وكذا تركيبة الهيآت السياسية المعروفة قبل االس��ت��ق�لال أع��ن��ي ح��زب االس��ت��ق�لال وال��ح��زب الشيوعي؛ هذا فضال عن المقارنة بين البلدان المتقدمة (اليابان مثال) والمغرب الذي يبحث عن شكله في كل شيء. وفي ما يتعلق بالتقنية السردية المعتمدة ف��ي تقديم األح����داث ،نالحظ ع��دم االعتماد على التعاقب والخطية؛ وفي المقابل حضور االنشطار ف��ي المحكي ،وم��ا ي��واك��ب ذل��ك من تداخل وإحاالت منكسرة في المكان والزمان. تقول «أوراق» :أخبرني من أث��ق به أن والدته ن��ذرت��ه وه��و ف��ي بطنها أن ال تدخله م��دارس النصارى وأن توقفه على شيوخ فاس ومراكش،
ملف الرواية املغربية
استعمل ال��ع��ن��وان ن��ك��رة ،بصيغة الجمع والتعدد؛ ومن بين ما يعنيه ذلك غياب التحديد والتعيين ،وهو بذلك كلمة مكثفة الداللة ،قد تحيل على أي أوراق تخطر للقارىء في أول وهلة (مذ كرات ،سيرة ،أوراق سرية .)...لكن حين نربط العنوان بنوع المؤلف (سيرة إدريس الذهنية) ،ينكشف بعض غموض هذه األوراق، إذ األمر يتعلق بعملية تأريخية لسلسلة الوعي ل��دى إدري���س .لكن بأية كيفية؟ وألي غاية أو غايات؟ يقول عبدالله العروي في هذا السياق: «أنا لم أسميها ورقات ولكن سميتها أوراق ألنها مأخوذة من كتاب األوراق للناقد الكالسيكي أبي بكر محمد بن يحيى الصولي».
SAYSARA
جمادى الثاني 1432هـ مايو 2011م
37
SAYSARA
38
1432هـ جمادى الثاني 2011م مايو
لكنها ماتت وهو صغير « .1تظهر هنا العودة إل���ى ال�����وراء (االس���ت���رج���اع) ،وت��ق��دي��م أح���داث غائبة في الحكاية مرتبطة بصبا إدريس .وقد تقفز األح���داث أحيانا إل��ى األم���ام ،نذكر هنا الحدث المتعلق باالكتساح اإلسرائيلي لبيروت (1982م) .وق��د ي��ؤك��د ه��ذا ق��ول «أوراق» في تعريف إدريس :هو «إدريس بن إدريس األديب الصولي المطلع على أخ��ب��ار ال��ن��اس وأح���وال العرب»( .)2وهو ما يثبت أن السرد يفيض عن أربعينية إدريس اعتمادا على السارد وشعيب، األول راو ،والثاني ناقد ومعلق على أح��داث سيرة إدريس. تنهض ه��ذه األح����داث على ق��وى فاعلة، متمحورة ح��ول إدري���س (األم ،األب ،الطلبة، األس��ات��ذة ،م��ف��ك��رون .)...فيبدو ه��ذا األخير كأنه يوزع األدوار من خالل االلتقاء بشخوص واالخ��ت�لاف م��ع أخ���رى ،وقفا على تمظهراته الذاتية والفكرية .وقد تسعف البنية العاملية والبرامج السردية هنا ،لضبط مواقع الشخوص وفق محورين ،وهما التواصل والصراع: مرسل ذات مرسل إليه األوراق قبل إدريس السارد شعيب التأليف المساعد الموضوع المعاكس الدراسة مغرب مستقل فعليا المستعمر ال��م��ق��روء إدري���س كاتبا ومثقفا ال مباالة الطلبة الفن السينمائي األمية والسطحية..
محتمل م��ن خ�لال رؤي���ة ح��داث��ي��ة .أم��ا شعيب صديق إدري��س ،فإنه ينتقد أوراق هذا األخير من خ�لال ط��رح السؤال المعرفي المعبر عن أص��ول تقليدية ودينية .وهو ما يؤكد أن هذا المؤلف فتح المجال السردي لتجادل وتجاذب رؤيتين فكريتين (تقليدية حداثية) ،كأن األمر يتعلق بمعمار المجتمع ال��ع��رب��ي -اإلس�لام��ي وجوهر إشكاله الداخلي .وعليه ،قد تنشطر» أوراق « إلى محكيات (محكي إدري��س ،محكي ش��ع��ي��ب )...متعالقة ومتداخلة ،وه��و م��ا خلق التضمين الحكائي واالحتواء. إن ال��ح��ك��ي ف��ي «أوراق» ال يعتمد على الخطية والسير التصاعدي للزمن ،بل ينهض على التكسير م��ن خ�لال تقنيتي االسترجاع واالستباق ،وكذا االستغراق في االستيهامات النفسية ...وه��و ما ط��رح معه أزمنة مختلفة ومتعددة المرجع (تاريخية ،ذاتية ،حكائية). تقول أوراق« :يحتفل الناس باألربعينية ،لنحتفل بعشرينية إدري���س ،عشرين سنة ف��ي ظلمات االحتالل وعشرين سنة في نور االستقالل « .3قد يحدد لنا هذا الكالم زمن القصة وما يحبل به من قضايا وإشكاالت متعلقة بالحركة الوطنية ودور المثقف ..إلى جانب ذلك يمكن تحديد أزمنة أخرى واردة في المؤلف من قبيل: اإلثنين ،األربعاء ،لحظة ..وهو ما يؤكد لنا زمن السياق :الذي يعتمد منطق اليوميات الذاهبة في الحكي وراء وأماما (والدة إدري��س ،وبعد موته) .يقول السارد في هذا السياق« :سنصف في ما بعد عالقة إدريس بالفن السابع»(.)4
يتلخص دور ال��س��ارد ف��ي إع����ادة ترتيب زوايا نظر في «أوراق»:
األوراق ،وت��ق��دي��م��ه��ا ب��ع��ي��دا ع���ن أي ض��ي��اع
يعطي عبدالله العروي أهمية بالغة للبعد
ففي م��ا يتعلق بما ه��و عاطفي ،لقد مر إدريس بفراغ عاطفي لم تستطع أي امرأة أن تمأله وحالة من التناقضات الداخلية بين الواقع المتفسخ والمثال العصي ضمن عالم مرفوض، وهو ما أدى إلى التعامل المثالي مع المرأة؛ إذ تحولت هذه األخيرة إلى شبح يتمثله إدريس عبر الذات المشحونة إلى حد االنفجار. كما انخرط إدري��س في الحركة الوطنية، متابعا األح��داث ووجهات النظر المثارة حول االستقالل والوطنية...وفي هذا اإلطار ،نقول إن إدريس عبر عن وطنية صادقة دون الخضوع للعبة المصالح أو التبعية إللتواءات المستعمر. غير أنه عرف ارت��دادا وإخفاقا مركبا ،بسبب ما آل إليه المغرب بعد استقالله الشكلي غير المعبر عن الوطنيين أمثال إدري��س الداعين بأكثر من صوت إلى تحديث الدولة المغربية وعصرنة االقتصاد. قدمت «أوراق» تأريخا لألحداث الوطنية، إب���ان ف��ت��رة الخمسينات م��ن ال��ق��رن الماضي، ومنها نفي الملك محمد الخامس ،وفي المقابل صالبة الحركة الوطنية ..وضمن هذا المناخ
ال��غ��اص بالمواقف وال��ط��روح��ات االستعمارية المتسربة وأحيانا من قبل مغاربة المخلخلة للثوابت والمضببة للرؤية .أق��ول ضمن ذلك ك��ان إدري��س متوقد الفكرة والحاسة ،وه��و ما أدى به من خالل تحليالته إلى اعتبار مسألة االستقالل مسألة حاسمة في تاريخ المغرب المعاصر .تقول «أوراق»« :كنا طفيليين في مغرب األج��ان��ب وه��ا نحن أج��ان��ب ف��ي مغرب األشباح العائدة»(.)5
على سبيل الختم: من خالل ترسانة إدريس الفكرية والمعرفية حول ال��ذات والوطن والعالم ،يمكن القول إنه يعبر عن رؤية من بين سماتها اإليمان بالذات (التفوق) والقضية الوطنية إلى حد الترفع عن منطق اللعبة الفاسدة ودائرة المصالح الضيقة واآلن���ي���ة .وه���و ل��ع��م��ري ،ص���وت ال��م��ث��ق��ف غير المؤطر إال ضمن إطار الوطن واإلنسان .لنقول مع السارد وشعيب في خاتمة «أوراق». (إدري��س أودى به إيمانه) .فأيننا من هذا اإلي��م��ان ب��ال��وط��ن وال��ق��ض��ي��ة إل���ى ح��د التوحد بالمعنى التاريخي ،وإن أدى ذلك إلى اإلخفاق؟ ألن ه��ذا األخ��ي��ر يمكن أن يكون ش��ه��ادة على االنتصار. إدري��س إذن ،هو ص��وت المثقف األصيل والحداثي ال��ذي يضع كل ما يتلقاه من اآلخر في المحك المغربي والعربي ،كأنه يبحث عن ن��م��وذج خ��اص ألح���وال ق��وم ت��ائ��ه .ال��س��رد بهذا المعنى هو أداة بحث وغ��وص في حكاية قد تحكي نفسها أيضا.
ملف الرواية املغربية
ال��ن��ف��س��ي ف���ي ط��رح��ه ال��ف��ك��ري وف���ي أع��م��ال��ه السردية؛ ألن��ه يومن ب��أن أي تغيير ينبغي أن ينهض أوال على تحتيات تربوية ونفسية .وفي «أوراق» اختار الكاتب شخصية إدري��س كأداة سردية لينفصل عنها ،طارحا مظاهرها في إط��ار من التأمل والبناء (بناء حياة) .وعليه، يمكن الوقوف حول عالقات إدريس العاطفية (م���ع م��رج��ان��ة ،وال��ف��ت��اة األل��م��ان��ي��ة واألخ����رى الفرنسية) ،وكذا العزلة والكآبة النابعتين من خياره وتوقه ،هذا فضال عن انخراطه في كل ما يتعلق بالوطن.
SAYSARA
جمادى الثاني 1432هـ مايو 2011م
39
SAYSARA
40
1432هـ جمادى الثاني 2011م مايو
شهادة > مصطفى لغتيري
أحرص على أن تتوافر روايتي على حكاية ما، وأومن بأن األشكال أكثر عمق ًا من المضامين
علمتنا ن��ظ��ري��ة األج��ن��اس األدب��ي��ة أن ك��ل جنس أدب��ي يتميز وينماز بخصائص محددة ،تميزه عن باقي األجناس األخرى، وبحكم تجربتي في الكتابة األدبية ،والتي انتقلت فيها ما بين عدة أجناس ،كالقصة القصيرة والقصة القصيرة جدا والرواية والمسرحية والشعر. أستطيع أن أزع���م أن ال���رواي���ة تمنح الكاتب مجاال أرح��ب لتصريف كثير من األم���ور ،التي تشغله على مستوى تكنيك الكتابة ومضامينها ،فللرواية صدر رحب يتسع ليشمل من دون تذمر ،جميع أنواع القول وفنونه ،فبين دفتي الرواية يتجاور
الحوار مع الوصف مع روح الشعر ،التي إن افتقدتها الرواية أضحت جافة ال يتعاطى معها ال��ق��ارئ بكثير من الشغف ،أتحدث هنا عن الشعر بمعناه العام ،الذي يمكن أن نلمسه في كثير من األعمال ،حتى تلك التي تبدو ظاهريا أبعد ما تكون عن الشعر ،هذا ال يعني بالمرة أنني أنتصر للغة الشعرية في الكتابة ال��روائ��ي��ة ،التي ميزت الكثير من كتاب الرواية ،وبخاصة في مرحلة ما من تاريخ الرواية العربية ،والتي انزاحت بالرواية نحو التكثيف الشعري ،فأصبح معها الحديث عن «األجناس عبر النوعية» ل��ه م��ا ي��ب��رره ،ب��ل أم��ي��ل إل���ى ت��وظ��ي��ف لغة سردية ،محايدة قدر المستطاع ،حتى ال تشغل ال��ق��ارئ ع��ن ب��اق��ي م��ك��ون��ات العمل ال����روائ����ي ،ف���ل���دي -ف��ض�لا ع���ن إي��م��ان��ي بالحدود الفاصلة بين األج��ن��اس -اقتناع ت��ام ب��أن اللغة ليست ف��ي األول واألخ��ي��ر س����وى وس��ي��ل��ة ،وع��ن��ص��ر ض��م��ن ع��ن��اص��ر أخ���رى ،يتعين ع��دم إغفالها ف��ي الكتابة ال��روائ��ي��ة؛ ل��ه��ذا أق��ب��ل بكثافة على ق��راءة ال��رواي��ة العالمية المترجمة ،التي ألمس فيها نضجا على مستوى التكنيك ،مرفوقا بوعي جلي بالحدود الفاصلة باألجناس ،إذ
لكن ال بد -ف��ي رأي��ي- م���ن ت���واف���ره���ا -أع��ن��ي ال���ح���ك���اي���ة -وم����ن ه��ذا المنطلق أحرص شديد الحرص على أن تتوافر روايتي على حكاية ما؛ ل��ك��ن ت��ق��دي��م��ه��ا ل��ل��ق��ارئ ال يعتمد ع��ل��ى طريقة واحدة؛ فإيماني الراسخ بأن األشكال أكثر عمقا من المضامين ،يحفزني على أن أحاول أن أقدم الحكاية ف��ي ال��رواي��ات التي أكتبها بتقنيات وأشكال متنوعة ،حتى أت��ف��ادى التكرار والنمطية .كما أن تعدد هذه التقنيات تولد لدى القارئ جملة من التساؤالت واألحاسيس ،وتدفعه بالتالي إلى المشاركة الفعالة في توليد الدالالت العميقة للمتن ال��روائ��ي ،وال��ت��ي غالبا ما يطلق عليها« :المعنى الثاني». ل��ق��د ح��اول��ت ،م��ث�لا ،ت��وظ��ي��ف تقنيات التداعي الحر في رواي��ة «رج��ال وك�لاب»، ال��ت��ي ك��ان توظيفها بنيويا ووظ��ي��ف��ي��ا ،بما يعني أن طبيعة ال��ن��ص الحكائي فرضت على استعماله ،إذ أن البطل مصاب بمرض الوسواس القهري ،وبعد أن يحكي للقارئ إح��دى حالته المرضية ،ي��دع��وه ليتقمص شخصية الطبيب النفسي ،حتى يتسنى له تحليل الحاالت المرضية للسارد ،المرتبطة بأحداث يتوهمها ظانا أنها أحداث واقعية، فكان ل��زام��ا أن يحكي ل��ه حياته انطالقا من أصوله الضاربة في عمق البادية ،التي يمثلها في الرواية ج��ده ،ال��ذي كان فالحا
ملف الرواية املغربية
أن ه��ذه ال��رواي��ة تعطي لكل عنصر حقه ،فنجد أنفسنا أمام شخصيات وأمكنة وأزمنة واضحة المعالم ،م��ؤط��رة برؤيا ال���ك���ات���ب ال��ع��م��ي��ق��ة؛ إذ أن ك����ل ع��ن��ص��ر ي����ؤدي وظيفته بشكل منفرد، وف��ي عالقته م��ع باقي ال���ع���ن���اص���ر؛ وه�������ذا ال ي��ن��ف��ي اإلب���داع���ي���ة عن ك���ث���ي���ر م����ن ال�����رواي�����ات العربية ،التي استوعب أصحابها بعمق مفهوم الرواية ووظيفتها الفنية والجمالية واالجتماعية ،فال غرابة إذاً أن يتوج نجيب محفوظ مثال بجائزة نوبل لآلداب ،كما أن رواياته تحقق أرقاما قياسية في القراءة ،في الوقت الذي يشتكي منه الجميع من أزمة القراءة ومحدوديتها؛ فروايات محفوظ -كما يعلم الجميع -تقدم ال��ف��ن ال���روائ���ي ب��أص��ول��ه ال��ع��ال��م��ي��ة ..كما أعتبر أن الحكاية من أه��م العناصر في الرواية ،فهذا المعطى في البناء الروائي أعتبره أساسيا ،ومتى تخلت الرواية عنه فقدت كنهها وماهيتها ،وف��ق��دت بالتالي جمهورها ،ال��ذي يبحث غالبا في الرواية ال��ت��ي ي��ق��رأه��ا ع��ن حكاية م��ا تظل عالقة بذهنه بعد االنتهاء من قراءة الرواية ،قد ت��ك��ون حكاية سلسة وتقليدية لها بداية ووس��ط وعقدة ونهاية ،أو حكاية معقدة، ومتشظية في بعض األح��ي��ان تعتمد على البياضات ،التي يمألها القارئ بتأويالته، أو تخترقها االسترجاعات «الفالش باك»،
SAYSARA
جمادى الثاني 1432هـ مايو 2011م
41
SAYSARA
42
1432هـ جمادى الثاني 2011م مايو
يعيش على خيرات األرض ،فأصيب بمرض نفسي عضال أدى إل��ى وفاته في ظروف محزنة ،ومرورا بأبيه الذي انتقل إلى المدينة فطاردته لعنة المرض النفسي ،وصوال إلى الشخصية الرئيسية /السارد ،الذي طوقته ظ���روف اجتماعية ونفسية ،أدت ب��ه إلى أن يصبح ضحية المرض المذكور أعاله. أما فيما يخص رواي��ة «عائشة القديسة « فحاولت أن أقدمها بشكل مختلف ،جاعال من أسطورة «عايشة قنديشة» عمادا لها وال��ن��واة الصلبة للحكاية ال��ت��ي تتضمنها، م��ن خ�لال ربطها ب��ال��واق��ع ال��م��ع��اش ،التي تضطرب في أتونها الشخصيات ،والمعلوم أن ه����ذه األس����ط����ورة ت��ه��ي��م��ن ع��ل��ى ع��ق��ول المغاربة ،وبخاصة أولئك الذين يقطنون على الساحل األطلسي؛ إذ يغلب على جلهم االع��ت��ق��اد ب��وج��ود جنية ،تتجول ليال على ضفاف شواطئ األطلسي ،فتسلب الرجال عقولهم بجمالها وفتنتها ،فيقعون ضحية إلغوائها ،يتبعون خطواتها دون إرادة منهم، فتصيبهم ب���األذى ،وق��د ك��ان توظيف هذه األسطورة محكوما ببعد تنويري ،يتمثل في وضع المجتمع أمام مرآة ليرى نفسه ،من خالل الكشف عن عقلية اإلنسان المغربي بخاصة والعربي بشكل ع��ام ،ال��ذي يحيا ضمن ثنائية متناقضة؛ ففي الوقت الذي يدعي فيه الحداثة والعقالنية ،نجده يلجأ إلى الخرافة لحل أول مشكل يواجهه في حياته. أم��ا بخصوص رواي��ت��ي «ليلة إفريقية «ف��ق��د اع��ت��م��دت فيها على توظيف تقنية «الميتا س���رد» ،بما يعني ال��س��رد ال��ش��ارح، وقد تمثلته في المتن السردي ،بما يعني
أن ال��رواي��ة وه��ي تنكتب تفكر ف��ي ذات��ه��ا، من خالل إش��راك القارئ في التفكير في التقنية التي سيعتمدها الروائي في كتابتها، وهذه التقنية تسعى -باإلضافة إلى طابعها التجديدي في الكتابة السردية -إلى إشراك القارئ في العمل ال��روائ��ي ،حتى يتخلص من سلبيته؛ لتكون قراءته واعية وفعالة، ومنتجة كذلك ،كما اعتمدت في الرواية نفسها على تقنية رواية داخل رواية ،فبطل الرواية «يحيى البيضاوي» ،وهو روائي من الجيل القديم وجد نفسه متجاوزا إبداعيا يلتقي في لقاء «الرواية بين األمس واليوم» المنعقد بمدينة فاس بروائية شابة تدعى «أمل المغيث» ،فيثمر لقاؤهما مشروع رواية مشتركة ،يتفقان على أن تكون بطلتها الفتاة الكاميرونية «كريستينا» ،التي التقيا بها في مهرجان الرقص اإلفريقي ،فيشرعان في التخطيط للرواية وأحداثها ومراميها تحت أنظار القارئ. وخالصة القول إن الرواية جنس أدبي يسمح للكاتب بتجريب عدد من التقنيات واألساليب ،كما يمكنها أن تستوعب جميع ال��م��ض��ام��ي��ن ،ح��ت��ى ت��ل��ك ال��ت��ي ت��ب��دو أكثر تعقيدا ،وم��ن حق ال��روائ��ي أن يذهب في هذا المجال مذاهب شتى ،لكنني أعتقد أن فهما عميقا للرواية ووظيفتها الفنية واالجتماعية تلزم كاتبها بالمحافظة على الحد األدن��ى من عناصر العمل الروائي، كما هو متعارف عليها عالميا ،خاصة فيما يتعلق بالعنصر الحكائي ،وت��وظ��ي��ف لغة سردية واضحة وفعالة ،أما ما دون ذلك فال يؤدي االختالف حوله إلى أن « يفسد للود قضية».
SAYSARA
جمادى الثاني 1432هـ مايو 2011م
43
شهادة > محمد فاهي
أحب الرواية مثلما أحب الحياة
الرواية امبراطورية ق��ادرة على دمج كل أن��واع الخطابات وصياغتها لتحويلها إلى ملكية خاصة ،وهي مؤهلة ألن تنبش في األسئلة الصعبة أو المنسية ،التي قد ال تتناولها الفلسفة بهيبتها وشجاعتها ،أو قد ال تتناولها العلوم اإلنسانية األخرى. إن التخييل هو من يمنح الرواية فرادتها، ويحاول الكاتب أن ينفذ إلى ما وراء السطح والظاهر ،سواء في المجتمع أو في ذات
ي��ب��د أ اه��ت��م��ام��ي ب��ال��ن��ص ال���روائ���ي باالنطالق من ن��واة ،أعمل على توسيعها بالشرح والتحليل ،مستحضرا مناخ الرواية م��ن شخوص وص���راع وأح���داث رئيسية.. وكأنني أكتب على ضوء نص موجود .وهذه عملية ليست سحرية ،بل هي طريق طويل
ملف الرواية املغربية
أن تكتب رواي���ة ه��و أن ت��ح��اول فهم م��ا ي��ج��ري؛ ألن��ك ت��ك��ون منخرطا ،فاعال ومنفعال ،وعندما تكتب ،تتراجع إل���ى ال��خ��ل��ف ل���ت���درك وت��ع��ي. آنذاك ،تدخل إلى حقل من «ال��خ��ل��ق» ع��ارض��ا تجربة حياتية ،طامحا إل��ى أن تكون صالحة للتواصل مع أكبر عدد من القراء، ال س��ي��م��ا وأن���ه���ا ت��غ��ذي تجربتهم ب��م��ا ل��م يألفوه م��ن أح��اس��ي��س ،وان��ف��ع��االت، وص���راع���ات ورؤى ..التخييل هو الكيمياء ،التي تعمل على تنسيب العالم الروائي ،وتنقذه من اختبار اليقيني والعقلي.
ال��ف��رد ..فالواقع مثال قد ينظر إليه من زوايا متعددة؛ هل هو الواقع الحرفي الذي يجري أمامنا؟ هل هي تلك الدوافع واألس����ب����اب ال���ت���ي ت��ك��م��ن وراء الصورة المسطحة؟ هل هو ال��واق��ع المأمول؟ وال��رواي��ة ليست ملزمة بأن تتبع ذلك الخط المنهجي الفكري ف���ي ال��ت��ح��ل��ي��ل ،ف��ه��ي قد توظف لغة أخ��رى منفلتة، م��ث��ل��م��ا ت���وظ���ف خ��ط��اب��ات أخرى .إن الرواية فن متحرر ليس تجاه الطابوهات ،بل تجاه الفكر ذاته .فهذا كاتب ايطالي يبحث عن ميتافيزيقا األحالم ،وهذا كاتب هندي يبحث عن تلك الندوب التي تقضم الروح على مهل ،وذاك كاتب نمساوي يبحث عن المخبأ والغامض ..وهذا آخر يبحث في األشياء عن أي دال معبر...
SAYSARA
44
1432هـ جمادى الثاني 2011م مايو
متعب وم��ل��يء ب��اإلخ��ف��اق��ات وال��ن��ج��اح��ات القليلة .لكنني مقتنع به إلى حدود رواياتي الثالث ،على األقل .ومن المعروف ،أن كتابا آخرين يكتبون مباشرة ،ويركزون طاقاتهم البدئية في كتابة جملة أولى ناجحة ..عندما تتضح معالم النص في ذهني ،أنهمك في كتابته دون توقف .وبطبيعة الحال ،فأنا ال أنضبط حرفيا إل��ى المخطط ،ال��ذي قد يشغل «كنانيش» كاملة ،بل يغدو هذا المخطط مساحة واسعة للخرق واللعب والزوغان واإلغناء .خالل اإلع��داد األول، قد أق��رأ كتبا ومقاالت أحتاجها لتسليط الضوء على بعض العناصر ،وال عالقة لما سميته مخططا بالمسودة ،وال أعده مسودة إال ما أنجز أثناء التحقيق النصي. ع��ن��دم��ا أك��ت��ب ،أح����اول اإلن��ص��ات إل��ى الجملة ،ألح��س��ن إيقاعها ،مثلما أنصت إل��ى اإلي��ق��اع الداخلي للنص في مفاصله وفي كليته .ويمكن أن أعد الحوار رافدا آخر لإليقاع ،وأقصد الحوار بين اللغات وال��خ��ط��اب��ات .ال أس��ت��س��ي��غ ف��ق��رة طويلة ج��دا بإيقاع واح��د ،وأح���اول -ما أمكن- الكتابة بلغة سليمة؛ تركيبا ونحوا ومعجما وترقيما. في ما أكتبه ،يحضر الهامش كثيمة أساسية .تناول الهامش ليس من أجل زرع اليأس ،بل ألنه واقع أكيد ،ال يمكن التغاضي عنه ،إنه اإلنسان في نهاية المطاف يصارع من أجل العيش وتحقيق الذات .والفن الذي ال يلبس لباسا رثا ال يكون فنا عظيما ،كما يقول أحد المفكرين.
ف��ي رواي��ت��ي األول����ى« :ح��ك��اي��ة صفراء لقمر ال��ن��س��ي��ان» ،أردت تقديم قصة عن «المنسي» ،وكيف يحدث أن يكون مركزا مضيئا ،لكنه يتوارى نقطة صغيرة ال تعرف حياتها إال من خالل االنعكاس .إن العنوان يعبر ع��ن ه��ذه ال��م��ف��ارق��ة ،وه��ي ك��ذل��ك.. ألنها ليست على الصورة المألوفة ،ولهذا السبب جاءت الرواية مشذرة في جزء كبير منها ،إل��ى «ح��ك��اي��ات» و«ق��ص��ص» ،لكنها ترفد القصة األم .وأتذكر بالمناسبة أن عبدالكريم جويطي أب��دى استغرابه من أن ال يتجاوز فصل ف��ي ال��رواي��ة صفحة. وال ش��ك أن���ه ك���ان يقصد ف��ص��ل «صهيل ال��غ��ي��اب» .ه���ذه ال��ت��ش��ذرات ت��ن��ط��وي على ح��ي��وات ش��خ��وص يعيشون ف��ي ال��ه��ام��ش، ولكأنها نسخة م��ن «حجم ال��ع��ال��م» ال��ذي يشغلونه .وف��ي م���رات ل��م يعد يظهر من ه��ذه ال��ش��خ��وص إال ح���روف تنطوي على أكبر قدر من الغياب .الشخوص يحملون قدرهم ويعيشون حياتهم المقسطة ،مثلما هي ال��رواي��ة تعبر عن إخالصها لبدايات رومانيسك م��ت��وارٍ ه��و أي��ض��ا ف��ي ال��رواي��ة الشفوية. ال��ت��ي��م��ة ال��ث��ان��ي��ة ه��ي ال��ه��ج��رة ،س��واء الداخلية أم الخارجية .قد يقول قائل مثال إن الهجرة موضوع مستهلك ،ولكنها واقع ما يزال مستمرا ،ومجتمعنا ما يزال يعيش تبعاتها الحضارية واالجتماعية .والهجرة الخارجية ،سرية أو علنية ،فهي أيضا واق��ع نعيشه يوميا ،على األق��ل في بعض ال��م��دن وال��ج��ه��ات ،وه��ي ظ��اه��رة ال يمكن القفز على أث��ره��ا ف��ي القيم والعالقات
SAYSARA
جمادى الثاني 1432هـ مايو 2011م
45
ملف الرواية املغربية
وال��وع��ي وال�لاوع��ي .إن المهم هو ما قد تضيفه رواي��ة ما إلى الموضوع من رؤية ومعالجة فنية .في رواي��ة« :صباح الخير أي��ت��ه��ا ال�����وردة» ،ح��ض��ور لنمطي الهجرة معا ،من خ�لال تجربة مركزة للشخوص في صراعهم من أجل الوجود .في هذه ال��رواي��ة أيضا كناية ع��ن الغياب والفقد واالضمحالل (حقل األسماء ...واألسماء األخ��رى) ،وهي تتمثل التمزق ال التشذر، كما في ال��رواي��ة األول��ى .يتجلى ذل��ك في المقاطع «الممسرحة» :إنها قصة أخرى عن الغياب وفيه .لكن السرد يجرف معه تفاؤله ال��خ��اص ،إذ من يهتف بالصباح، ويسمي ال��رواي��ة وردة وي��غ��دق عليها من إط��رائ��ه غير ال��س��رد نفسه؟ بالمناسبة، تقول الرواية الثالثة (المنتظر صدورها ال��ع��ال��ي��ة ،ك��م��ا يمكن أن يجسدها كاتب ع��ن إفريقيا ال��ش��رق)« :إن��ه��ا وردة حية ،كبير .إن تجربة محمد زف��زاف الروائية جدير بالفراشات أن تحلم بها ،»...بطبيعة مصدر ال غنى عنه لألجيال الالحقة من ال��ح��ال ل��ه��ذه ال���رواي���ة حقولها الخاصة الكتّاب ،مثلما هي لبنة أساسية في تاريخ ال��رواي��ة المغربية .لقد ق��رأت كل أعمال ورهاناتها التيماتية والجمالية... محمد زفزاف ،وأتمنى أن أعود لقراءتها. عندما نتحدث عن الهامش (أو القاع، وكنت قد أنجزت بحثي في اإلج��ازة سنة كما يسميه آخ���رون) ،الب��د أن نستحضر 1984م في كلية اآلداب بمراكش ،حول الكتّاب المغاربة ،الذين كان يشكل هوية روايته« :المرأة وال��وردة» ،وإن لم يرضني متميزة ل��رواي��ات��ه��م ،م��ث��ل محمد شكري هذا البحث (إل��ى الحد ال��ذي مزقت فيه ومحمد زفزاف .لقد نجح الراحل محمد النسخة ال��وح��ي��دة ال��ت��ي ك��ان��ت بحوزتي، زف����زاف ف��ي أن ي��ف��س��ح م��ج��اال للهامش صيف تلك السنة ذاتها ،ألنني خجلت من ليعبر عن نفسه ،بلغته وفضاءاته ورؤاه. عملي). وليس من السهل أن يتوارى السارد إلى أحب الرواية مثلما أحب الحياة .أحب الخلف ،ليتلمس السرد عالم الشخوص، وكأن السارد لم يكن إال شاهدا عابرا .إذا أن أقرأها وأكتبها معا .الرواية هي غذائي كان من وصف لهذا الموقف فهو الرواية؛ الدائم الذي ال أتخلى عنه حتى ،وأنا أقرا الرواية في معرفتها ورهافتها وأخالقها كتبا أخرى...
SAYSARA
46
1432هـ جمادى الثاني 2011م مايو
SAYSARA
جمادى الثاني 1432هـ مايو 2011م
47
شـ ـ ـ ـعـ ـ ـ ـ ـ ـ ــر
SAYSARA
48
حوارات
1432هـ جمادى الثاني 2011م مايو
ح ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــوارات
SAYSARA
جمادى الثاني 1432هـ مايو 2011م
49
القاص ضيف فهد: > أنا ظاهرة ..وتجربتي ال تتطابق مع أي تجربة أخرى في الكون، لكنهم يحجمون عن تصنيفي كنموذج خاص. > قراءة التراث ال تنطوي على رجعية بل تصنع وعي ًا قادر ًا على خلق الذهنية الفارزة والناقدة. > «جسد الثقافة» يجعلني في قلب العالم الذي أتخ ّيله. حوار مع القاص
> حوار ضاري احلميد وعصام أبو زيد* ُ حوار مع «سيسرا»« :ال قاص جرئ يعشق التجريب ،يرى نفسه (ظاهرة)، ويقول في ٍ أظن أنه بإمكان أحد مطابقة تجربتي مع تجربة أخرى في هذا الكون» .كما أكد أن « ضعفنا إبداعي ًا هو بسبب ابتعادنا عن قراءة التراث قراءة حقيقية إبداعية» .إنه ضيف فهد ،والذي َّ حل أخير ًا ضيف ًا في ندوة «ليلة سردية وشهادات إبداعية» بأدبي الجوف بمشاركة القاص والشاعر ماجد الثبيتي .التقينا صاحب «مخلوقات األب» وكان لنا معه هذا الحوار: <
في قصصك القصيرة ..تبدو وكأنك ت���ب���دأ م����ن ن��ق��ط��ة م��ج��ه��ول��ة ح��ت��ى بالنسبة إل��ي��ك ..ينمو النص بقوة دفع ذاتية ..ما تعليقك؟ وأي��ن أنت من نصك؟
> أن��ا أب���دأ م��ن الحنين ،م��ن التذكر، وم��ن ال��ن��ظ��رات واإلص��غ��اء والعيشة الهانئة ،والمتأملة الفائضة بالغبطة وال��ت��ص��دي��ق واإلي���م���ان ..ك��ان��ت ه��ذه
ال��ع��ي��ش��ة ف���ي ك��ن��ف ال��م��ع��ن��ى األول وال��ن��ه��ائ��ي ل��ل��ق��داس��ة ب��ال��ن��س��ب��ة ل��ي: والدي. بعد أن فقدته ،وج��دت أن��ن��ي ،وفي أعمالي األول��ى ..ومن دون قصدية ك��ام��ل��ة ،أع��م��د إل���ى إع����ادة بعثه في الكلمات ،في القصص ،وفي األمور التي تفتقد طابع االس��ت��رس��ال ..إذ أن��ه ك��ان يصنع بحركته ،بطريقته،
ح ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــوارات
ضيف فهد
SAYSARA
50
1432هـ جمادى الثاني 2011م مايو
وب��ص��دق��ه ال��ه��ائ��ل م���ع ك���ل ش����يء.. ال���ن���اس ..واألرض ..وال��س��م��اء ،ثم وف���ي ال��ن��ه��اي��ة م��ن خ�ل�ال شجاعته، وي��ق��ي��ن��ه ب��أن��ه ق�����ادر ،وم���ن دون أن يتبادل معي -طوال حياته -حديثاً يتصف بالتفاصيل ،يصنع ما يمكن لي تسميته باألسلوب.
لذا ،عندما ينمو النص فهو ال ينمو بقوة دفعه الذاتية إنما ،إضافة إلى ذلك ،بقوة االمتنان ،والتفكير بطريقة جديدة تم ّكن الكلمات من (نقل) ما ال يمكن وصفه.
وأنا في النص أكمن كطيف ،كطرف ما تعليقك؟ يقوم بالتوصيل ،أو كآلة إعادة تصنيع للبهجة التي عشتها فترة طويلة من > ال ..ال أظ���ن ،ه��ذا أم��ر ت��م إشاعته حياتي ..وأع��ود لها اآلن عن طريق وتصديقه ،بالنسبة لي األمر ال يعدو الحنين والكتابة. عن كونه أنفة من وضعي كنموذج، إحجام عن تصنيفي كظاهرة ،وعدم < ف���ي ق��ص��ص��ك ت��أت��ي م��ت��ع��ة ال��ت��أم��ل تصديق أنه بإمكاننا صنع نموذجنا لتطغى على متعة الحكي ..فهل أنت الخاص ..فنحيل ،وبشكل قد يكون عدو للحكي؟ غير مبرر وال منطقي ،إل��ى نماذج > الحكي سلطة ،تحكم ،وإمالء ..وهو عليا. في النهاية سلب لما يمكن أن يصل له الخيال ..حجب ألفق التوقع ..أعرف أن���ا ،ل��م أمتثل ألح���د ،وال أظ��ن أنه ب��إم��ك��ان أح��د مطابقة تجربتي مع أن هذا هجاء طويل لما أسميته أنت تجربة أخرى في هذا الكون. (ب��ال��ح��ك��ي) ..لكنني أج���ده م��ب��ررا.. عندما يطمح مثل ه��ذا األم���ر ،أي < لماذا أنت عدو للرواية؟ الحكي ،لكي يكون بديال للتأمل. > يقول إميل سيوران :إن عم ً ال ذا نفس < ش��ب��ح ب��ورخ��ي��س غ��ال��ب�� ًا م��ا ي��ت��راءى ط��وي��ل ،وخاضعاً لمتطلبات البناء، ً للقارئ عند التعاطي مع نصوصك.. وم��زي��ف��ا بهاجس ال��ت��ت��اب��ع ،ه��و عمل
من اإلف��راط في التماسك بحيث ال يمكن أن يكون حقيقيا. لذا أنا ال أع ّد نفسي عدوا للرواية، إنما ،وفي العمق ،أنا عدو لألعمال المفرطة في التماسك ،أو اإلحساس بهذا الوهم.. أنا قارئ جيد للرواية ..لكن الرواية ف��ي نماذجها الحقيقية والعالية.. وليست هذه المقدمة لدينا ،مع كل < أسى!
SAYSARA
جمادى الثاني 1432هـ مايو 2011م
51
القيام بخطوات التدريب الكافية.. قراءة التراث ال تنطوي على رجعية وال ش���ك���ل م����ن أش����ك����ال االرت����ه����ان للماضي بل هي في الحقيقة تصنع وعيا قادرا على خلق الذهنية الفارزة والناقدة ..والمتذوقة بشكل صحي وم��ن دون انبهار مبالغ ف��ي��ه ..وفي النهاية تبعدنا عن خطيئة االستنساخ الفج.
< هل أنت حق ًا لم تطلع على النماذج المتعارف عليها أكاديمي ًا في القصة > قدم لي جسد الثقافة نوعية عالية القصيرة عالمي ًا وعربي ًا؟ وح ّية ولحظية من التلقي ،أنا رجل > لم أطلع..؟! من قال هذا األمر ..أنا أق���در بشكل مبالغ فيه لجماليات اطلعت في الحقيقة ..لكنني كفرت (ال���ص���خ���ب) ..وي��دف��ع��ن��ي ل��ل��ح��رك��ة بالنموذج األكاديمي الجامد والذي إح��س��اس��ي ب��أن��ن��ي ف���ي ت��ن��اف��س مع يفتقد لكل شيء ما عدا الملل .وأعد ثوان األغيار ..ثم ،أن تتلقى وخالل ٍ ب��ال��خ��روج عليه ب��ك��ل م��ا أم��ت��ل��ك من كمية كبيرة من الجذل والغبطة ناتج أسلحة تهشيم وتكسير ونسف. عن كلمات اإلع��ج��اب واالنبهار بما < ما هو موقفك من التراث؟ كيف ترى تصنعه ..ه��ذا يبقي الطفل داخلي دوره في واقعنا المعاصر؟ في حالة صحية جيدة ..يحثه على االس��ت��م��رار ف��ي القفز وال��ش��ق��اوة.. > ضعفنا إبداعيا ،فيما لو كان هناك جسد الثقافة يجعلني في قلب العالم غ��ي��ري م��ن ي���رى ه���ذا ال��ض��ع��ف ،هو الذي أتخيله.. بسبب اب��ت��ع��ادن��ا ع��ن ق���راءة ال��ت��راث قراءة حقيقية إبداعية ،قفزنا كقرود شامبانزي نشيطة وغير مدربة جيدا، ومن سقط منا أكثر ممن وصل إلى تلك الفاكهة البعيدة والتي ال أنكر م��دى ل��ذت��ه��ا ..لكن ك��ان علينا أوال
أس��م ُم��رت��زق ،ه��و تأكيد على صفة ����دي ،ل���دي شعور ال��ع��ن��اد األص��ي��ل��ة ل َّ ع��م��ي��ق ب����أن ه����ذه ال���م���ف���ردة سيئة السمعة مظلومة دالل��ي��ا ،االرت���زاق، و ُمرتزق ،وبقطعه دالليا عن تاريخية
ح ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــوارات
ماذا قدم لك موقع (جسد الثقافة) الذي تكتب فيه تحت اسم (مرتزق)، ولماذا مرتزق؟
SAYSARA
52
1432هـ جمادى الثاني 2011م مايو
االستخدام ،أمر جميل ومشروع.. <
كيف جاءت تجربة نشر مجموعتك األولى والوحيدة (مخلوقات األب)؟
> تجربة النشر تجربة لذيذة ..تخلق تلق في أماكن قراء جدداً ..وأصدقاء ٍ غير متوقعة في هذا العالم..
وما كان لي أن أت ّم هذا النشر األول وال���وح���ي���د ..ل����وال إي���م���ان ال��ص��دي��ق ال��ج��م��ي��ل ال��ش��اع��ر وال��ن��اق��د :سعود ��دي ما يمكن نشره السويدا ..بأن ل َّ وطباعته ..وكان لتعاون نادي حائل األدب��ي وناسه الجميلين أكبر األثر إلنجاز هذا األمر.
<
تحضر األفكار الفلسفية في خلفية قصصك ..هل هذا انطباع حقيقي أم أننا أخطأنا؟
> ال أعرف! ربما ..عموما ،ومع إيماني ب���أن ال��ف��ل��س��ف��ة ال ي��م��ك��ن تحصيلها < بشكل تثقيفي شخصي ،وأن���ه أمر ي��ج��ب تعلمه بشكل أك��ادي��م��ي ،وأن > م��ن أه��م األس��ب��اب لتعثرنا إبداعيا هو خلو مناهجنا في جميع مراحلها من االهتمام بهذا األم��ر ..إال أنني ش��غ��وف ب��ق��راءة األع��م��ال الفلسفية المتاحة ..وربما ظهر مثل هذا األمر الذي تتحدث عنه في ما أقوم بكتابته من نصوص. <
فيما تفكر اآلن؟
> في السؤال األخير ..وأبعد من هذا
ق��ل��ي�لا ..ف��ي إن��ه��اء تجميع نصوص ال��م��ج��م��وع��ة ال���ث���ان���ي���ة ال���ت���ي أف��ك��ر بطباعتها. ه��ل أزع��ج��ن��اك؟ وك��ي��ف ت���رى هكذا حوارات صحافية مع األدباء؟ ال ،لم يكن هناك إزع��اج ،أنا وأثناء زيارتي لكم هناك (في أدبي الجوف) أح��ب��ب��ت م��ا ت��ق��وم��ون ب���ه ،إي��م��ان��ك��م، وع��م��ل��ك��م وال�����ذي ل���م ت��س��ل��ط عليه أض��واء كافية ،واستمراركم رغم كل ش���يء ،يجعلني أح���ب ك��ل م��ا يصل ل��ي منكم ..حتى ول��و ل��ق��اء ط��وي��ل.. ال أظ��ن أن أح��داً سيهتم بقراءته.. ال���ح���وارات األدب��ي��ة م��ع األدب�����اء ..ال أقوم بقراءتها!..
SAYSARA
جمادى الثاني 1432هـ مايو 2011م
53
ماجد الثبيتي: أنتج حراك ًا ثقافي ًا متنوع ًا وكبيراً. > ارتفاع سقف اإلعالم المحلي َ وأكتب قصيدتي بروح سردية. أفكر في كتابة الرواية ُ > ال ُ أسست مدونة «جهنم» ألشارك اآلخرين متعة كلمات في بطنها ألف شرارة. > ُ
حوار مع الشاعر
والقاص ماجد الثبيتي
أنتج يرى الشاعر والقاص السعودي ماجد الثبيتي أن ارتفاع سقف اإلعالم المحلي َ حراك ًا ثقافي ًا متنوع ًا وكبيراً ،وق��ادر ًا على فتح آفاق جديدة في الساحة الثقافية، مشير ًا إلى أهمية وجود مشاركة حقيقية بين مجالس األندية األدبية والمثقفين ،من وأوضح أن فوزه واجب رئيسي. عد ذلك إنجاز ًا ألهداف األندية ،بل هو في األصل دون ّ َ ٌ بجائزة الشارقة لإلبداع العربي عن النص األول أضاف إليه الكثير ،فيما شد َد على عدم رغبته في كتابة روايةَ ، وقال في حوار خاص مع (سيسرا)« :استطعت التخلص من كتابة القصة القصيرة عبر كتابة قصيدة النثر ،والدخول من باب التجريب والمغامرة ب��روح س��ردي��ة» .ص��درت للثبيتي مجموعة قصصية بعنوان (الفهرست وقصص أخ��رى) الفائزة بالمركز األول في مسابقة الشارقة لإلبداع العربي للعام 2008م ،ولديه مخطوطة شعرية بعنوان (سفينة نوح عليها السالم) نشر جزء ًا منها في موقع جهة الشعر اإللكتروني ..كما أقام عدد ًا من األمسيات القصصية والشعرية في أندية الطائف وال��ري��اض والمنطقة الشرقية وال��ج��وف ،وكذلك في الجمعية السعودية للثقافة والفنون .كان لسيسرا معه هذا الحوار: <
كيف ت��رى تجربتك اإلبداعية بين > في البدء كان الشعر ،أو هذا ما أعتقد يقيناً وج��وده في ذاتي وذلك بالشكل ك��ت��اب��ة ال��ق��ص��ة ال��ق��ص��ي��رة وقصيدة الطبيعي للميول لدى أغلبية الكتاب النثر ،وبخاصة أن قصائدك النثرية اليوم .شعر البدايات المتواضع والذي ذات نفس سردي؟
ح ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــوارات
> حاوره عصام أبو زيد*
SAYSARA
54
1432هـ جمادى الثاني 2011م مايو
يمثل م��ح��اوالت م��ج��ردة دون حقيقة الشعر واكتمال نضوجه .الحقاً كتبت ال��ق��ص��ة ال��ق��ص��ي��رة واس��ت��ط��ع��ت خ�لال ف��ت��رة وج��ي��زة ال��وص��ول إل���ى ال��ص��ورة المقبولة من رضائي لما أقدمه ،وذلك عبر منتديات جسد الثقافة منذ العام 2004تقريباً .البيئة التي كانت تمثل ذروة التواصل والتلقي ل��دى غالبية كبرى من الكتاب السعوديين الشباب. في نهاية عام 2007اكتمل مشروعي القصصي واستطعت المراهنة عليه وتقديمه رس��م��ي��اً عبر المنبر وعبر عدد من المشاركات «من دون االسم ال��م��س��ت��ع��ار ض�����اري» ال����ذي ه���و ج��زء حميمي ورئيسي من تجربتي بشكل مقوالت مدعومة كامل .اسم من دون قصد أو سبب. ليس هناك كما هو متعارف عليه في < ه���ل أن����ت ف���ي ط��ري��ق��ك إل����ى ك��ت��اب��ة األس��م��اء المستعارة وج��ود صلة بين الرواية؟ االس���م /العلم وم��ا يعنيه لما يكتب > ال أفكر في ذلك اليوم ،وال أرى هذا وراءه. الفن قريباً م��ن أدوات���ي .إذ تحتاج فيما بعد فوزي بالجائزة توقفت عن الرواية قبل الفن أحياناً إلى «نفس كتابة القصة القصيرة واتجهت لكتابة س��ردي طويل» وق��درة غير طبيعية ق��ص��ي��دة ال��ن��ث��ر ،وال���دخ���ول م���ن ب��اب على االسترسال! التجريب وال��م��غ��ام��رة ب���روح س��ردي��ة. أراه��ا اليوم -بالتحديد «قصيدتي» < ل��م��اذا شغفك الكبير ب��م��ا نسميه (مقوالت مأثورة أو آراء في أق��وال) خالصة ما يمثل ذاتي وحواري معألدب������اء وم��ف��ك��ري��ن ع����رب وأج���ان���ب العالم المباشر واألخير .حيث ترتبط وب���خ���اص���ة وأن������ك أس���س���ت م���دون���ة ف��ي ج��وه��ره��ا ب��ت��س��اؤالت��ي ال��ي��وم��ي��ة، إل��ك��ت��رون��ي��ة ل��ه��ذا ال��غ��رض ب��ع��ن��وان وبالبحث الالنهائي للمناطق الجديدة «جهنم»؟ والمغايرة .وال أدري عن غداً حيال ما > السبب هو عدم قدرتي أحياناً على أكتبه اليوم «جهل طبيعي».
تح ّمل حجم المتعة العظيم ..المتعة ال��ت��ي أت��وق��ف إزاءه����ا وه��ي تغمرني ب��ج��وه��ره��ا ،س���واء ك��ان��ت م��ق��ول��ة أو ش�����ذرة أو ك��ل��م��ة ف���ي ب��ط��ن��ه��ا أل��ف ش���رارة؛ وحاجتي الماسة لمشاركة اآلخرين ،تلك المتعة /اللحظة كانت < دافعاً لتأسيس مدونة «جهنم» ،ودعم تلك المقوالت بصور فوتوغرافية أو ل��وح��ات فنية تعتمد على المفارقة أو التوضيح البصري المضاعف. تلك ه��واي��ة يمكنك أن تع ّدها مثل > الصيد!..
<
م����اذا أض����اف إل��ي��ك ف����وزك ب��ج��ائ��زة الشارقة لإلبداع العربي عن اإلصدار األول؟ وكيف ت��رى االتهامات التي توجه إلى الجوائز األدبية؟ ّ
> أض��اف الكثير ،ج��اءت ف��ي ظ��روف لم تعترف بما أقدمه أو لم تلق له اه��ت��م��ام��اً ،وب��خ��اص��ة ع��ل��ى مستوى المسابقات المحلية وم��ا يعتريها م���ن م���ج���ام�ل�ات أو م��ع��اي��ي��ر غير أصيلة؛ فكانت لحظة الفوز داعماً معنوياً كبيراً بحصولي على المركز األول ف���ي م��ن��اف��س��ة ع��ري��ض��ة من ك��ت��اب ال��ق��ص��ة ال��ع��رب ،وك���ان ع��دد < المتنافسين 130قاصا وقاصة من مختلف الدول .وبالنسبة لالتهامات رغم عدم متابعتي الكاملة لنوع هذه االتهامات أو للجوائز التي يتم توجيه االتهامات لها .أتفق مع بعضها التي
تحارب الجوائز المشبوهة من بعض الدكتاتوريات العربية «القذافية» مث ً ال ،أو المسابقات التي ال تعمل باستقاللية عن مؤسسات الدول أو بمعايير معلنة وحقيقية. ه��ل ت���رى أن ال��ق��ض��اي��ا المطروحة ل��ل��ن��ق��اش ف���ي ال��س��اح��ة ال��ث��ق��اف��ي��ة المحلية جديرة بطرح آفاق جديدة في الفكر والرؤية؟ م���ق���ارن���ة م���ع ف���ت���رة س��اب��ق��ة ك��ان��ت المدائح والمجامالت والرتابة في الفكر وال��رؤي��ة لمالحقنا الثقافية ولساحتنا المحلية المتوجسة رعباً م��ن أدن����ى ال��ق��ض��اي��ا .ال��ي��وم هناك ح��راك ثقافي متنوع وكبير ،وق��ادر على فتح آف��اق جديدة ومؤثرة في ساحتنا الثقافية .ويعود سبب هذا التطور الملحوظ إلى ارتفاع سقف اإلع��ل�ام ال��م��ح��ل��ي ،وان��ف��ت��اح ن��اف��ذة ك��ون��ي��ة ح���رة وت��ت��س��ع للجميع ،عبر اإلنترنت وصناعته لإلعالم الجديد بكل أدواته ،وإتاحة الفرص الكاملة لتخلق الوعي ،واكتساب مكانة بين العالم.
ليلة سردية ما هو انطباعك عن زيارتك لمنطقة ال��ج��وف وم��ش��ارك��ت��ك ب��ن��دوة «ليلة سردية وش��ه��ادات إبداعية» بالنادي األدب���ي بالجوف بمشاركة القاص ضيف فهد؟
ح ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــوارات
لحظة الفوز
SAYSARA
جمادى الثاني 1432هـ مايو 2011م
55
SAYSARA
56
1432هـ جمادى الثاني 2011م مايو
> كانت زي���ارة مدهشة ،وه��ي األول��ى إلي لمنطقة الجوف ،ورغم بالنسبة ّ ق��ص��ره��ا ،استطعنا ع��ب��ر مرافقنا الكريم من النادي األستاذ عبدالسالم حمد القاضب أن نستكشف هدوء ه��ذه المدينة وطبيعتها الخاصة، ومدى الراحة التي يمكن أن تتحقق نفسياً بعيداً ع��ن ض��وض��اء الحياة وصخبها في المدن الكبيرة ،ومحفزاً لإلبداع بشكل كامل .وتوافقت هذه الزيارة مع أجواء معتدلة أثناء أيام مهرجان الزيتون في منطقة الجوف، ما زاد من نجاح هذه الليلة السردية والفرصة الكبيرة للقاء بالعاملين ف��ي ن��ادي ال��ج��وف األدب���ي ،ومثقفي المنطقة. <
ك���ي���ف ت�����رى واق������ع ق���ص���ي���دة ال��ن��ث��ر السعودية؟
> مقارنة بواقعها قبل سنوات خلت، ه��و واق���ع مميز وذو تأثير واض��ح
صدر حديث ًا عن النادي األدبي بالجوف ديوان «قلب من زجاج» للشاعر حامد أبو طلعة
وحضور ملحوظ .وهناك عدد من مشاريع إبداعية ناضجة وحقيقية ف��ي قصيدة النثر السعودية لعدد من كتابها ،أمثال :الشاعر المميز ح���م���د ال���ف���ق���ي���ه ،وال����ش����اع����ر ع��ي��د الخميسي؛ وهناك تجارب حديثة جداً وذات عمق فني ملموس لدى شعراء شباب ،أم��ث��ال :عبدالعزيز الحميد ،ومحمد الحميد ،ومحمد خضر ،وعبد الله العثمان ،وآخرين. وإن ما يجعله واقعاً ناقصاً أحياناً ه��و تأخر واق��ع النقد وال��دراس��ات الجادة ،في تجارب شعراء قصيدة النثر السعودية وافتقار المؤسسات الرسمية كاألندية األدبية للشجاعة في ط��رح ملتقى سعودي لقصيدة ال��ن��ث��ر ،إذ ي��خ��ش��ى ال��ك��ث��ي��ر منهم االع��ت��راف بهذا النوع األدب��ي رغم ح���ض���وره وق���وت���ه ع��ل��ى ال��م��س��ت��وى ال��ع��رب��ي ف��ي ع��دد م��ن المشاركات الخارجية.
SAYSARA
جمادى الثاني 1432هـ مايو 2011م
57
الشاعر السوداني محمد جميل أحمد:
َ الحزن جمي ً ُ ال.. يجعل اإلبداعُ والمرأة إشكالية ملتبسة في الشعر العربي
���ووس ب���إع���ادة ص��ي��اغ��ة ال��ط��ب��ي��ع��ة ب��ال��ح��ل��م وال��غ��ن��اء م���ه ٌ ���ص ع��ل��ى كل وال��م��وس��ي��ق��ى واألل��������وان ،م���ه ٌ ���ووس ب���ال���رق ِ ينثر اإليقاعات ،الشاعر محمد جميل أحمد ،كالعصفور ُ فتافيت الوجد على أحزاننا نحن السامعين ،وينقر في حاصرنا كنهر.. ظل مواجعنا بحث ًا عن حلم مقهورُ .ي ِ لنفتتح مواسم المطر ينقر خيبتنا ومواجعنا؛ كح َّبات َ ِ قحط الفصول. العطر في ِ ِ جميل مجاز في اللغة العربية ،له حضوره وإب��داع��ات��ه المميزة ،مقيم حالي ًا في المملكة العربية السعودية ..كاتب مقال أسبوعي في صحيفة إيالف اإللكترونية ،بدأ روائي ًا برواية (بر العجم) ،الفائزة بجائزة الطيب صالح عام 2005م ،والصادرة عن دار الحصاد السورية عام 2007م ،وله كتاب في النقد األدبي بعنوان (أحداق النرجس) ،كما صدرت له مؤخر ًا مجموعة شعرية بعنوان (بريد الحواس) عن نادي الجوف األدبي. كان لسيسرا معه هذا الحوار: < ق��ص��ائ��دك «أن��اش��ي��د م��ب��ل��ل��ة ب��ال��ح��زن» هل ثمة إح��االت اقتضتها المجموعة الشعرية األولى لك؟ > ربما تفرض علينا اإلجابة هنا العودة
إل���ى م��ع��ن��ى األدب .ف�����األدب ف���ي أح��د معانيه هو سؤال حزين بامتياز بحسب الناقد فيصل دراج؛ وعليه ،فقد تتعدد المصادر التي ينبثق عنها ذلك الحزن
ح ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــوارات
> حاوره عمر محفوظ الصعيدي*
SAYSARA
58
1432هـ جمادى الثاني 2011م مايو
في التاريخ الشخصي ،والميول الفطرية، والنظرة العامة للحياة ،وما إلى ذلك من مصادر متعددة .لكن ربما كان التحدي هو في جعل ذلك الحزن كونيا وإنسانيا عبر خاصية اإلبداع الشعري؛ فذلك هو المحك .وم��ا يجعل الحزن جميال هو < اإلبداع. < قضايا :الشعر ،الشاعر ،الشارع ،تحمل ال��ك��ث��ي��ر م��ن ال��م�لام��ح ،ف��ي ق��ص��ائ��دك. فمثال في قصيدة الطرائد ،حين تقول (ش��ج��ر ال��ل��ي��ل ن��ح��ن نطلع م��ن عتبات الصدى ،نحن صيد المقادير أسالفنا عسس ،يرقبون القيامة) .وفي قصيدة وطن: > هو الطي ُن تعويذة ٌ ُمزْمِ ن ْه ال ّردى ص ْولـَة ٌ والردى أحصنه
ف���اه���رب م���ن ال��ط��ي��ن ه���ذا أوان�����ك في ال ّمحو
ُ يعرف الطي ُن صورته ال
والهياك ُل أقنعة ٌ والغريب ال ُمع ـلـّق بيني وبينك ُ اُرجوحة ٌ ُم ْحزِ ن ْه)
ف��ه��ل ل��ك م��ن تفسير لتلك المالمح الشعرية؟
> الشعر والشاعر كلها خيارات تفرضها الموهبة والتجربة .ثمة استعدادت وميول تجعل من شخص ما شاعرا أو ناقدا أو تشكيليا؛ فالشعر كتعبير جمالي ،ال تنبثق مفاعيله من حساسية واح��دة بل تتعدد بتعدد التجارب .ذلك أن الشعر يالحق باستمرار إيقاع الحياة اإلنسانية وتدفقها .والشاعر هو من يقبض على المعنى في ال�لاوع��ي ،ويجعل من ذلك المعنى متجليا عبر الكلمات .صحيح أن في شعري نزعة ميتافيزيقية وطابعاً تجريدياً ،وتلك سمات تلعب في تحديدها مصادر غامضة ج��دا ،وتأتي حيثياتها
< كتابة الشعر ..هل هي مهنة أم موهبة؟ ومتى بدأت تكتب؟ > بالطبع ،هي في البداية موهبة .بل هي موهبة ب��األس��اس؛ ف��إذا غابت الموهبة عن الشعر كف عن كونه إبداعا ،وتحول إلى صناعة .لكن التمرس في الموهبة يمنح الشاعر القدرة على اختيار الكتابة الشعرية كنشاط تعبيري وإبداعي ،ومن ت���زاوج الموهبة بالمهنة ت��أت��ي الكتابة الشعرية في بعض األح��ي��ان لتعبر عن االث��ن��ي��ن م��ع��ا .ل��ك��ن ال��ش��ع��ر ف��ي تأويله اإلب��داع��ي العميق هو بالضرورة كتابة تتجاوز معنى المهنة بكثير؛ فالشعر اختراق للغة والواقع والزمن ،من خالل تجربة إنسانية ممتازة ،تملك باستمرار قابلية متجددة للتأثير على مر األزمنة.
ب����دأت ال��ك��ت��اب��ة ال��ش��ع��ري��ة م��ن��ذ ب��داي��ة التسعينيات الميالدية ،وكانت تجربتي باستمرار تتقدم على نحو يجعلني في ك��ل مرحلة أح��دث قطيعة م��ع كتاباتي السابقة ،وربما لهذا السبب أصبح لدي مجموعة شعرية واحدة حتى اآلن .وهي مجموعة واح����دة ألن��ن��ي رض��ي��ت عنها شعريا من خ�لال رؤيتي لمعنى الشعر حاليا ،وإال فإنه كان باإلمكان أن أصدر أكثر من مجموعة شعرية منذ منتصف التسعينيات < حواء تراجيديا الحزن كما بدا لي من ُ الكتابة خالل القصائد ..فعندك تحا ُر ����م أن���ث���ى ،ت���ل��� ِّونُ ح���زن ال��ل��ي��ال��ي ف���ي رس ِ البنت الكئيبة ،صور ًة للفتاة حواء؛ هي ُ ال��ط��ال��ع��ة م��ن ال��م��وس��ي��ق��ا ..»..بالطبع هناك الكثير من الصور ..ماذا عن حواء في حياة الشاعر جميل وذاكرته؟ > ح����واء ،ه��ي س����ؤال االك��ت��م��ال ال��ب��ش��ري وم���وط���ن ال��ج��م��ال ف��ي��ه أي���ض���ا .وب��ه��ذا االع��ت��ب��ار ،ف��إن حضورها ف��ي التجربة ال��ش��ع��ري��ة ب��ص��ورة ع��ام��ة ه��و ج���زء من كينونة الشعر ذات��ه ،وليس فقط مجرد موضوع ل��ه .كذلك ،ربما تأخذ طبيعة المرأة في تجربتي الشعرية نصيبها من تلك األسباب المعقدة التي تجعل شاعرا م��ا يجعل م��ن ال��م��رأة م��وض��وع��ا قابال للتجريد .عموما تأتي المرأة في شعري ضمن سياقات مختلفة ،لكنها ال تخرج عن تاريخ نمطية للمرأة وصورها في الذاكرة الجمعية والمخيال التاريخي؛ أي في كونها أنثى ،تملك تأويالت كثيرة في موضوعها الشعري .ولعل في بعض
ح ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــوارات
عبر مراكمة واشتباك بين العديد من التجارب والمواقف والمناسبات .حين يكتب الشاعر يستحضر الالوعي ،وهذه منطقة يكمن فيها الكثير من عناصر الحياة الغامضة ،حيث تأتي المعاني وتتدفق االنفعاالت بصورة عشوائية في البداية ،ولكن الشاعر يعيد تنظيمها عبر الحذف والتنقيح إل��ى أن تستوي القصيدة .مالمح النص تأخذ تكوينها بصورة عفوية ينتجها الشاعر مأخوذا بحرارة التجربة لكن خروج تلك المالمح ف��ي ق��ص��ي��دة م��ا وإح��االت��ه��ا إل���ى معان متعددة ضمن قراءات العقل الواعي؛ كل تلك العمليات هي من شأن الناقد الذي يختبر أدوات المعرفة اللغوية والفنية في رصد التجربة الشعرية والغوص في مستويات القراءة والتأويل.
SAYSARA
جمادى الثاني 1432هـ مايو 2011م
59
SAYSARA
60
1432هـ جمادى الثاني 2011م مايو
قصائدي يظهر ه��ذا الجانب المجرد ل��ح��ض��ور األن��ث��ى (ق��ص��ي��دة ال��ط��رائ��د)، مثال ،في إطار رمزي مشحون بالدالالت التاريخية والثقافية أكثر من كونها ذاتا زمنية من لحم ودم ،من دون أن يعني ذلك بالطبع غيابا لحضورها كأنثى من ال��واق��ع .المرأة بصورة م��ا ،تحضر في الشعر العربي كإشكالية من إشكاليات التعبير ،وه��ي إشكالية ملتبسة ج��دا، وتأخذ وجوها وأقنعة مختلفة لحضورها اإلن��س��ان��ي م��ن خ�لال وس��ائ��ط ال��ذاك��رة والتاريخ والعادات؛ وهي إحاالت قد ال تفرز بالضرورة حضورا إنسانيا مكتمال في الكتابة الشعرية العربية؛ إذ أن كتابة ال��م��رأة شعريا ظلت -ألسباب معقدة ال ت��خ��رج ك��ث��ي��را ع��ن م��ع��ادل��ة العينوالجسد أي ف��ي حضورها باستمرار موضوعا لعين الشاعر عبر جمالها. < ش��خ��ص��ي��ة ال����وط����ن؛ ت��رن��ي��م��ت��هِ ،ورده، إج��ه��اش��ه ،وح���ض���وره ف��ي ال���رؤي���ا ..هل ت��ع َّ��م��دتَ ذل��ك ل��ل��دالل��ة إل��ى المواطنة وبخاصة في المرحلة الراهنة؟ أم ثمة دالالت أخرى؟
وبعيدة عن التجريد .ليس بالضرورة أن ٍ شاكلة واحدة تكون ص��ورة الوطن على في نفوس المواطنين .ثمة وطن تسكنه ووط���ن يسكنك! ول��ه��ذا ،ع��ن��دم��ا غ��اب أديبنا الكبير الروائي الطيب صالح عن السودان ألكثر من 12سنة شكك بعض الناس في عالقته بالوطن ،فكان يجيبهم بأنه يحتفظ بصورة جميلة للوطن في نفسه وي��خ��ش��ى أن ي��ع��ود إل��ي��ه فيفقد هذه الصورة مرة وإلى األبد .لكن يظل الوطن تعويذة؛ ألننا في كل األحوال ال نختار أوطاننا ،فالوطن كاألم ال يمكنك أن تختاره ،وعليك أن تقبله كيفما كان. األوط��ان حظوظ ولهذا ينعكس الوطن ب��إش��ك��االت��ه ع��ل��ى تعبير ال��ش��اع��ر .في المرحلة الراهنة ،ينقسم الوطن فتنقسم معه أحاسيس ظلت موحدة منذ الوالدة. صعب أن ينسى اإلنسان جزءا من وطنه بكامل وعيه ،إنها عملية قاهرة تصنعها السياسة وتدفع ثمنها العواطف .وربما كان الشاعر أكثر إحساسا بفقد الوطن م��ن غ��ي��ره ول��ه��ذا ق���ال (ب��ري��خ��ت) أي��ام ال��ن��ازي��ة :ل��ن يقول ال��ن��اس ل��م��اذا صمت ال��م��ف��ك��رون ب��ل سيقولون ل��م��اذا صمت الشعراء؟
> ال��وط��ن يظل باستمرار قيمة متعالية وم��ج��ردة ،لكنه حين ي��ك��ون مريضا ال باختصار يترك انطباعا م��وح��دا ومنضبطا في < في قصيدة ،كنتَ قد تناولتَ ٍ حد االستدراك موضوع الطفولة « إلى ِّ وعي المواطن .عالقاتنا بأوطاننا في في ال��م��رآة ،وه��ل هي الغربة عن األهل ه���ذه المنطقة ه��ي أي��ض��ا ذات طابع واألصدقاء والبلد ..أم الوطن البديل؟ ت��ج��ري��دي .ال��وط��ن ه��و السماء األول���ى، أم ثمة أس��ب��اب أخ��رى أسهمت ب��ل أ َّدت بحسب تعبير سعدي يوسف ،لكنه قد إل��ى م��وت الفرح داخ��ل الشاعر محمد ي��ك��ون س��م��ا ًء ط����اردة؟ وم��ن ه��ن��ا ،يمكن جميل؟ لفكرة المواطنة الحقيقية أن تجعل من عالقة الفرد بوطنه عالقة حميمة ودافئة > الطفولة ،ه��ي المرحلة الوحيدة التي
بعيدا عن السماء األولى. < «وط����ن م��ن ك��ل�ام ،ب��ت��ض��اري��س ،وح���دود م����ع����ج����زات����ه ،وال�����ش�����واط�����ئ ،وال����م����دن ال��ص��اخ��ب��ة ،»..أعتقد َّأن��ك قمتَ برسم لوحة باأللوان الحارة أو الساخنة ..ماذا ٍ عن الوطن ..هل هو الغربة /المأوى ،أم الحلم/الغيم ..أم ماذا؟ > الكتابة ع��ن ال��وط��ن ه��ي ص��ورة النفس في مخيال لذلك الوطن .وحين تنطبع ص���ور ال���وط���ن م���ن ع��ل��ى ال��ب��ع��د ،ت��ك��ون أكثر حميمية ودفئا؛ ولهذا تظل مخيلة الشاعر قابلة النتاج صور المتناهية من مفردات الحياة في الوطن .إنها صور ال ت��خ��رج م��ن تلك المخيلة كما يمكن أن ت��ك��ون ه��ن��اك ف��ي ال��واق��ع ب��ل تخرج بطاقة كثيفة من الحنين تجعلها مشعة وملونة ومغرقة في التفاصيل التي تدمج اإلب��داع في حياة حافلة بالمعنى .حين يكون الوطن غربة تصبح الذات مشردة وحين يكون مأوى يمنحها معنى وقيمة أما حين يكون حلما تصبح الحياة فيه ضربا من الصور الجميلة المعلقة في عالم الفنتازيا ك��ل شاعر يملك وطنا موازيا لوطنه ،ال سيما حين يكون في الغربة .الحنين بفجر التجربة الشعرية ويشحنها بطاقة من ممكنات التعبير، عن الوطن بأسلوب يجعل من الشاعر في حالة من الكتابة المستمرة ،وكأن ل��س��ان ح��ال��ه يعبر ع��ن كلمات الشاعر التركي العظيم (ناظم حكمت) «أجمل األيام التي لم نعشها بعد وأجمل األشعار التي لم نكتبها بعد ،»...إنها حالة من تجديد الوالء الوطني في غياب الوطن
ح ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــوارات
يمتلكها الشاعر وتظل باستمرار مخزونا إلب��داع��ه .الغربة ض��رب م��ن االق��ت�لاع، وحين يصبح الفرد غريبا تنهض الذاكرة لترسم له وطنا م��وازي��اً .وف��ي الغالب، يكون ه��ذا الوطن أجمل من ال��ذي في الواقع ،ولعله هذا ما كان يخشاه الطيب صالح حين يعود إل��ى وط��ن ال يعرفه. كشعراء نعيش في زمن تبدلت فيه الكثير من صور الحياة إزاء الكثير من القيم، لم تعد الغربة مكتملة األرك��ان كما في الماضي؛ فوسائل االتصال كسرت حدة قسوة ال��ف��راق ،كما أن الغربة بالنسبة للسودانيين أصبحت أقرب إلى الهجرة. في الهجرة يمكنك أن تجد ص��ورة ما للوطن ،بسبب وج��ود الكثيرين معك. لكن للشاعر غربته المر ّكبة .ثمة غربة في الشاعر تجعله غريبا بين أهله .أما بخصوص م��وت ال��ف��رح فهناك أشياء كثيرة في الواقع تفيض بالتشاؤم .وحين يغيب الفرح عن الشاعر ،ال يكون ذلك بالضرورة عالمة على طبع في تكوينه، بل قد يكون ذل��ك بسبب ما يفيض به ال��واق��ع م��ن ع�لام��ات تقتل ال��ف��رح في نفسه .كثير من أسباب هذا العالم الذي نعيش فيه تكاد تقتل الفرح في نفوسنا. ذات م��رة ،ق��ال الماغوط (ال��ف��رح ليس مهنتي) الشاعر بصورة من الصورة كائن غير واقعي وينحاز إلى خياله باستمرار إزاء كل القيم التي يؤمن بها؛ ولهذا ،فإن نسبة الخيال الكثيف في تعبيره ،تخلق له أسبابا لتجاوز الواقع .ال يمكن للوطن أن يكون له بديال حين تختار وطنا غير وطنك ..تفتقد الكثير ،وتظل باستمرار عاجزا عن التماهي مع ذل��ك المكان،
SAYSARA
جمادى الثاني 1432هـ مايو 2011م
61
SAYSARA
62
1432هـ جمادى الثاني 2011م مايو
عن العين وحضوره في القلب. < هل نشرتَ غير هات ْين المجموعت ْين؟ وم��ا األعمال األدبية قيد الطبع ..هل من مخطوطات؟ > ربما كان من المفارقة أن أول ما نشرته هو نص روائي وليس نصا شعريا ،على الرغم من أنني شاعر في األصل .كان النص الروائي بعنوان (بر العجم) وحاز على الجائزة التقديرية لمسابقة الطيب ص��ال��ح ل�ل�إب���داع ال���روائ���ي ف���ي دورت��ه��ا الثالثة 2005م .بينما صدرت مجموعتي الشعرية (ب��ري��د ال��ح��واس) خ�لال هذا العام .لي نصوص كثيرة ،فأنا مشتبك في كتابات متنوعة .أكتب في النقد ولي كتاب نقدي بعنوان (أح��داق النرجس) وهو حصيلة لقراءات نقدية في تجارب شعرية وسردية عن شعراء متميزين ،من أمثال محمود درويش ،وسعدي يوسف، وع��ب��دال��ق��ادر ال��ج��ن��اب��ي ،وع��ل��ي بافقيه، وعلي الدميني ،وعلي العمري ،وغيرهم، إضافة ق��راءات في التجارب الروائية ال��ع��رب��ي��ة وال��ع��ال��م��ي��ة .ك��ذل��ك ل��ي كاتب مخطوط في الفكر اإلسالمي التنويري ب��ع��ن��وان (ال��ف��ك��ر اإلس�لام��ي المعاصر: اآليدلوجيا وال��ت��أوي��ل) .ه��ذه انشغاالت مختلفة من الكتابة أج��د نفسي فيها؛ لكنني قبل ذلك وبعده أجد نفسي في الشعر والكتابة بصورة عامة. < م�����اذا ع���ن ل����ون ال��غ��رب��ة وال����ح����زن ،هل سيبقى الخط البياني ألسلوب الشاعر السوداني محمد جميل؟ > ت��أخ��ذ ال��ك��ت��اب��ة ط��اب��ع��ه��ا م��ن شخصية الكاتب وميوله ونزعاته .لكن هذا الميل
ال يعني بالضرورة حالة واح��دة ممتدة م��ن التعبير؛ ف��ف��ي ك��ل ت��ج��رب��ة ج��دي��دة ف��ي الحياة يكون هناك تعبير جديد. األسلوبية في كتابة الشعر تأخذ طابعها من مراحل التعبير ،والمعجم الشخصي للشاعر ،والفرادة التي تدرجه في مكان متميز .أعتقد أن��ه ربما كانت الفرادة في الصوت الشعري من أكثر عالمات التميز أهمية بالنسبة للشاعر ،بصرف ال��ن��ظ��ر ع��ن ال��ط��اب��ع ال���ذي ي��ل�� ّون شعره ل��ن��اح��ي��ة ال��ت��ج��ن��ي��س .ك��ل ال��ن��اس تكتب ع��ن ال��ح��زن لكن التعبير عنه يختلف ب��اخ��ت�لاف ال���ت���ج���ارب ال��ش��ع��ري��ة؛ وم��ع ذل��ك ،ربما تفرض المراحل المختلفة اختيارات جديدة على الكتابة الشعرية، وتختبر اق��ت��راح��ات مختلفة للتعبير. الشعر عملية ال نهائية فهو ال يمكن أن تحده حدود حتى في الموضوع ذي التيمة الواحدة (نصوص الشاعر أحمد مطر مثاال) ألن��ه في كل كتابة شعرية يخلق الشاعر عالما ج��دي��دا تتموضع ف��ي��ه ال��ك��ل��م��ات واألش����ي����اء ب��ع��ي��دا عن حيثياتها في نظام اللغة والعالم .وهذه الخاصية التي تمنح الشعر آفاقاً خارقة للغة والزمن .ومن الصعب تحديد خط بياني للشعر؛ فالشعر ضد كل الخطوط المرسومة سلفا .كل كتابة شعرية بصمة مختلفة عن الكتابة األخ���رى ،ول��و كان الموضوع واحدا .فالتجارب الشعرية ال تتناسخ أبدا. < «الكوميديا اإلنسانية» ..ثالثة يعيشون في ال��ج��وف ،الجمل والنخلة والكرم/ تعمدتَ استخدام هذه ال��دالالت حتم ًا َّ ألسباب ربما شخصية ،أو فكرية.. الثالث ٍ
في قصائدك هل تب ِّين لنا رأيك؟
SAYSARA
جمادى الثاني 1432هـ مايو 2011م
63
> ذات مرة ،كتب الناقد والكاتب السعودي سعيد السريحي عن (أركلوجيا الكرم) ول��و ج��از ل��ي أن استعير ه��ذا المجاز فلن أعدو الحقيقة في القول إن الكرم ف��ي منطقة ال��ج��وف ه��و ج��زء م��ن تلك األركلوجيا الضاربة في أعماق التاريخ. تأخذ الرموز معانيها من المكان؛ المكان في الجوف يعكس فرادته على اإلنسان. وبين النخلة والجمل تمتد حياة تستقطب روح الحضارة والبداوة في ذات واحدة ومكان واحد .الحياة القديمة هي صورة للذاكرة وما تختزنه منطقة الجوف من سمات مزجت بين ال��ب��داوة والحضارة هو غنى يسمح لها بالتنوع والفرادة في الوقت نفسه .حين زرت الجوف بدعوة كريمة م��ن ال��ن��ادي األدب���ي لمست في إن من أه��م عالمات القيمة اإلنسانية للكرم ،ه��ي ق��درت��ه على محو الوحشة خالل يومين هذا المعنى من الحفاوة والغربة في نفس الضيف ،بفعل أريحية وال��ك��رم ال��ذي يبدو مطبوعا ف��ي طباع المضيف .وأح��س��ب أن ه��ذا إحساسا ال��ن��اس .ثمة أريحية تمتد ف��ي المكان شعرت به عميقا ودافئا ،حين كنت ضيفا واإلنسان .ال يملك اإلنسان أن يتجاوز على النادي األدبي بمنطقة الجوف. م��اض��ي��ه ،ف��م��اض��ي اإلن���س���ان ج���زء منه
صدر حديث ًا عن النادي األدبي بالجوف الديوان األول للشاعر صالح عودة العنزي حامال عنوان «من أمطرك»
ح ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــوارات
وهكذا فإن ذلك الماضي العريق الذي تكشف عنه األركلوجيا (اآلثار) الصامتة في منطقة الجوف هو في داللة أخرى، يتجلى ناطقا في طبيعة اإلن��س��ان وما يختزنه م��ن سماح وك��رم عريقين .إذا كانت النخلة تمنح العطاء وهي واقفة، ف���إن ال��ج��م��ل ه��و ك��ائ��ن ال��ص��ب��ر .وبين حدي الشام والعراق والجزيرة بدت لي منطقة الجوف كما لو أنها تختزن فرادة مكتفية بذاتها وتاريخها وإنسانها .في منطقة ال��ج��وف تمتد ه���ذه ال��ع�لام��ات ال��ث�لاث ك��رم��وز وه��وي��ة تخترق التاريخ الحي والجغرافيا؛ فيما يظل المعنى ّ للكرم هو سمت اإلنسان الذي ال يخطئه الزائر والمار بهذه المنطقة العريقة.
SAYSARA
64
1432هـ جمادى الثاني 2011م مايو
نصار الحاج ل ـ «سيسرا»
القصيدة تولد من تراكمات عديدة تتشكل داخل الشاعر > حوار ضاري احلميد* قوالبه وأشكاله التاريخية.. أن يقف الشعر عند عتبات القرون الماضية ،والركون في ِ أن نح ِّوله إلى متحف أثريات الزمن ،فاعلية مستمرة ومتجددة ،والقصيدة تشتبك مع الزمن وتتغذى منه. تتحرك المرأة و ُت ْو َل ُد داخل نصوصي بكل روعتها وجمالها وقدرتها على أن تفتح نوافذ الضوء أبد ًا نحو الحياة. شاعر سوداني يقيم منذ عام 1995م في المملكة العربية السعودية ،يحتفي بالقصيدة على طريقته؛ فهي عنده حياة ورؤيا وتصورات ..راوده حلمه أن يكون فنانا تشكيليا، للتشابه الكبير بين التشكيل والشعر على حد قوله .و تمثل قصيدة النثر عنده وثراء.. أجمل الكتابات الشعرية وأكثرها إبداع ًا وتنوع ًا ً صدر له ديوان «يسقطون وراء الغبار» عن دار كاف نون – بالقاهرة 2003م. و«تحت لهاة الشمس» – مختارات شعرية سودانية – الجزائر 2007م. و«غابة صغيرة» – مختارات شعرية قصصية – الجزائر 2009م. و»كلما في السر أطفأنا القناديل» – نينوى للدراسات والنشر – سوريا 2009م. معه كان لنا هذا الحوار .. < هل صحيح أن قصيدة النثر لم تضف شيئاً للشعر العربي؟ > ال أت��ف��ق م��ع ه��ذه ال��م��ق��ول��ة ،ب��ل أرى أن قصيدة النثر واحدة من أكبر التحوالت
ال��ج��م��ال��ي��ة ال���ب���اه���رة ال���ت���ي ح���دث���ت في الشعرية العربية ،وتعاطت مع المنجز وال��ت��راك��م الشعري بوعي وق���درة عالية على النفاذ إل��ى جوهر الشعر وطاقاته اإلبداعية الالمحدودة ،واستطاعت أن
SAYSARA
جمادى الثاني 1432هـ مايو 2011م
65
تتحرك أكثر في التعبير عن قدرة الشعر العربي للتوغل اكثر في هموم وقضايا وموضوعات ،كانت عص ّية ووع��رة على < كيف تشكل القصيدة ل��دي��ك :انفعال.. دروب القصيدة التقليدية ،والتنويعات عزلة ..انكسار ،أم لحظات صفاء؟ في الكتابة التي التزمت بخط القصيدة > ال��ق��ص��ي��دة ع���ن���دي ه���ي ح���ال���ة إن��ح��ي��از ال��ت��ق��ل��ي��دي��ة وق��وان��ي��ن��ه��ا؛ ل��ك��ن��ه��ا بفضل إنسانية صافية لكل ما ذكرت في سؤالك ال���ت���ح���والت وال���ف���ض���اء ال����رح����ب ال����ذي وأبعد منه ،القصيدة تُولد من تراكمات أوج��دت��ه قصيدة ال��ن��ث��ر ،استطاعت أن عديدة تتشكل داخل الشاعر ،على عدة تجعل من تلك الموضوعات والمفاهيم مستويات .ولكل شاعر حالته الشعورية ح��ق��والً ب��ك��راً استثمرتها قصيدة النثر، النفسية والمزاجية التي ترافق القصيدة ورف�����دت ب��ه��ا ال��ش��ع��ري��ة ال��ع��رب��ي��ة ب��ل��غ��ةٍ عند كتابتها ،وفي أحايين كثيرة ،تصبح وص��ورٍ وإشتغاالت فنية عالية ..مح َّملة ل��ك��ل ق��ص��ي��دة ح��ال��ت��ه��ا ال��م��خ��ت��ل��ف��ة ال��ت��ي بجماليات َض��خَّ ��ت منجزها ف��ي الشعر تتبعها ،وأظ���ن ف��ي ك��ل ال���ح���االت ،أنها العربي ،وصعدت به إلى مصاف حركة لحظة توتر ولذة شفافة جداً ،قد يمتزج التجديد والحداثة ،التي طالت كل شئ فيها االنفعال والعزلة والصفاء والجنون، ف��ي الحياة واالب��ت��ك��ارات البشرية التي الوعي والالوعي ،وتظل القصيدة وحدها من طابعها التخلق المستمر ،في سبيل من تختار كيفية وزمن والدتها. الوصول دائماً إلى منجزات جديدة تُلبي رغبات وتطلعات ما يحدث من تطورات < أي العوالم ترتب من خاللها هواجسك الشعرية؟ هائلة على مستويات التلقي ،والقراءة،
ح ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــوارات
وت��ع��دد ال��م��ع��ارف ،فيما يخص العملية اإلبداعية.
SAYSARA
66
1432هـ جمادى الثاني 2011م مايو
> م��ش��غ��ول ب���اإلن���س���ان ف���ي ب���ع���ده ال��ك��ل��ي والفردي ،في داللته الشاملة أو األنا في ذاتيتها المفرطة في بعض األحيان ،من أجل الكشف والتعبير عن ما هو إنساني محض .قصائدي متوترة ومشغولة بهذا الهاجس. < ما الذي يشكله لك الزمن ،كبعد شعري وجودي؟ > الزمن عنصر مهم وفاعل في تفاصيلنا الحياتية كلها ،والشعر أكثر حساسية تجاهه .الزمن يُحدث فعله المحسوس وال����م����درك ف���ي ك���ل م��ع��ط��ي��ات ال��ح��ي��اة وأرواح��ه��ا ،ف��ي الطبيعة ،ف��ي العالقات اإلن���س���ان���ي���ة ،ف����ي ال���س���ل���وك ال���ب���ش���ري، ف��ي ال��م��ش��اه��دات ال��ي��وم��ي��ة وال��ت��ح��والت ال��وج��دان��ي��ة؛ ال���زم���ن ف��اع��ل��ي��ة مستمرة ومتجددة ،وكذلك القصيدة تشتبك مع الزمن وتتغذى منه. < ما أقسى أنواع الظلم الذي يمارس في حق الشعر العربي؟
< الشعر لغة ما عادت صالحة لهذا الزمن، فما قولك في هذا؟ > بالتأكيد ال أتفق مع هذا القول .الشعر سيظل لغة تمارس تجديدها على اللغةُ ، ُمراهناً أبداً على حاجة اإلنسان للشعر. < ما القصيدة التي صدأت في درج مكتبك بعد أن صدأت في دواخلك؟ > القصائد التي تنزوي أو تقبع في األدراج كثيرة ،ربما في بعض األحايين نتيجة ممارسة نقد ذاتي فائض على القصيدة، ربما حالة عدم الرضاء المستمرة التي ترافق أي نص شعري ..مجرد أن يبدو في حالة إكتماله ،تبدأ الشكوك حوله تنمو داخ��ل الشاعر ،لهذا تظل الكتابة م��س��ت��م��رة ،وي��ظ��ل ال��ش��ع��ر م��س��ت��م��راً ،ال نهاية للشعر وال نهاية للكتابة وال نهاية للقصيدة .ال بد من قصائد ُ تلوك صمتها في األدراج ،وال بد من قصائد تتراقص على م��س��ارح ال��ض��وء ..رغ��م أنها ق��د ال تكون األجمل من تلك التي تخاف الصدأ وهي في انتظار وعد الخروج؟
> أقسى ما يمكن أن يطال الشعر العربي م��ن ظلم ه��و أن نطالبه ب��ال��وق��وف عند < ماذا أعطت المرأة ألشعارك؟ عتبات ال��ق��رون الماضية ،وال��رك��ون في > ال��م��رأة نبع ع��ط��اء دائ���م وداف���ق ،ت َُج ِّم ُل قوالبهِ وأشكاله التاريخية ،بهذا الشكل اإلن��س��ان��ي��ة ك��ل��ه��ا ..وق��ص��ائ��دي وروح���ي نح ِّوله إلى متحف أثريات .كذلك قلة أو مشبعة بالمرأة .تتحرك ال��م��رأة وتُ�� ْولَ�� ُد ش ّح المنابر التي تُعنى بالشعر وعمليات داخ���ل نصوصي بكل روع��ت��ه��ا وجمالها وقدرتها على أن تفتح نوافذ الضوء أبداً التلقي وال��ق��راءة ،وال��دراس��ات ،والنشر، وع��دم التطوير في المناهج األكاديمية نحو الحياة .المرأة وردت في قصائدي في المدارس والجامعات العربية ،حتى بكل هذا الدفق الجمالي ..ولم ترِ ْد سوى تتعاطى مع المنجزات الشعرية الهائلة أن��ه��ا مانحة للحب وال��ج��م��ال وال��ح��ي��اة، التي حدثت في الشعرية العربية ..كل وصفاء العالقات اإلنسانية في أقصى درجاتها سطوعاً. هذا يمثل ظلماً في الشعر العربي.
SAYSARA
جمادى الثاني 1432هـ مايو 2011م
67
< ما رأيك فيمن يقول أن الشعراء يكتبون قصائد للنوم فقط؟ > هؤالء ال يعرفون الشعر ،وينقصهم الكثير في حياتهم وروحهم ،هم يعانون فقداناً هائ ً ال حتى يعرفوا ان الشعر للحياة. < كيف تقيم حركة الشعر الحديث؟ > ح��رك��ة ال��ش��ع��ر ال��ح��دي��ث ب��خ��ي��ر ،وتسير بخطى واثقة ومتجددة ،مراهن ًة على أن الشعر ضروري لإلنسانية ،وضروري للغة والمعرفة وال خوف على الشعر أبداً. < تكلم لنا عن تجربتك مع النشر؟
ح ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــوارات
> تجربتي م��ع النشر فيها الجميل ج��داً وفيها المرهق والمتعب جداً ،فيها الذي وللجهات الناشرة نفسها. طبعته مجاناً وحصلت على مكافأة مقابل النشر ،وفيها الذي ُ دفعت ماالً لطباعة < أال تالحظ في اآلونة األخيرة أن الشاعر كتابي ولم أحصل على ما يخصني من يحترق ويبدع ويكتب شعراً ..لكن عندما عائد وال نسخ. ينزل إلى الواقع يجد الناشر يبحث عن رواي���ة ،ويطلبها أكثر م��ن الشعر ،وك��أن هنالك مشاكل ال حص َر لها في تجارب الكتاب مع دور ومؤسسات النشر ،وكثيراً الناشر أصبح له دور في ف��رض جنس أدبي دون غيره ..ما رأيك؟ م��ا تختلف التجربة م��ن دار نشر إلى أخرى ،وتختلف الشروط وظروف النشر > إلى حد كبير يحدث هذا مع بعض دور من جهة إلى أخرى ..ومن كاتب إلى آخر. ال��ن��ش��ر ،وي��ب��رر ذل���ك ب��م��ف��ه��وم تسويقي ال أظن أن عملية النشر بعافية في بلداننا، إقتصادي بحت ،حيث ن��رى أن الرواية حال سيئة جداً ،وأعتقد أنها بل هي في ٍ تباع أكثر من الشعر في األزمنة الحالية، تحتاج لوعي أكبر من دور النشر ،والوعي ولربما أن ال��رواي��ة ح��دث فيها انفجار بدورها الثقافي والتنويري الكبير الذي ه��ائ��ل ف��ي مجتمعاتنا العربية ال��ت��ي لم ت��ؤدي��ه عبر ه��ذه المهنة ال��ت��ي اخ��ت��ارت ت��ك��ن ال���رواي���ة ح���اض���رة ف��ي��ه��ا ب��ق��وة في طريقها .من المؤكد هنالك عدد من دور متنها اإلب��داع��ي ،وبانفجارها المفاجئ النشر ،ومن الجهات الناشرة ،تعي هذا ه��ذا تطرقت إل��ى العديد م��ن قضايانا الدور ..وتسهم بوعي كبير في احترافية وهمومنا وهموم مجتماعتنا المسكوت عنها ،ولهذا ،بدت الرواية وكأنها جاءت النشر ،وبشروط محفزة ومجزية للكتاب،
< >
< >
SAYSARA
68
1432هـ جمادى الثاني 2011م مايو
ٍ شغف من القراء < ما الذي يؤرقك كشاعر عربي؟ بجديد ،وح��ازت على جعل دور النشر تطلبها ،لكن مع هذا ما > تؤرقني أحوالنا المنحدرة نحو المستنقع يزال هنالك الكثير من الجهات الناشرة دائماً. تحتفي بالشعر وطباعته. < هل من كلمة أخيرة لمجلتكم «سيسرا»؟ يقولون دائ��م��اً إن األدب وال��ف��ن وجهان > «سيسرا» مجلة ول��ي��دةٌ ،لكنها بدأت لعملة واحدة؟ ما رأيك؟ من حيث اكتملت التجربة في كيفية كالهما فع ٌل جمالي معني بتطوير ذوق إصدار مجلة رصينة ،ومنحازة للكتابة البشرية نحو اآلداب والفنون اإلنسانية اإلبداعية ،في أبهى فنياتها وجماليتها وال أرى م���ن ج�����دوى ل��ف��ك اإلرت���ب���اط اإلبداعية واإلخراجية ،وتواصلها مع بينهما. المبدعين والكتّاب في شتى المجاالت ما هي أق��رب قصائد نصار الحاج إلى واألمكنة .وهي مجلة تستحق أن تُول َد قلبه؟ هكذا وهي تستم ُد اسمها – سيسرا س��أق��ول شيئاً ربما يبدو غريباً ،دائماً – من ذلك العمق التاريخي المشحون بالذاكرة والتجربة اإلنسانية الباذخة، م��ا أن��ح��از آلخ��ر قصيدة كتبتها ،وتظل م���ن���ذ ق������رون ف����ي م��ن��ط��ق��ة ال���ج���وف هي األقرب إلى قلبي وروحي ،تطاردني بالمملكة العربية السعودية ،اسم ظل ���ن إليها دائ��م��اً ،حتى وت��ح��اص��رن��ي ،وأح ّ يتخلق ويكتسب جماليته ورصانته ت��أت��ي ق��ص��ي��دة أخ����رى وت��س��ت��ح��وذ ع��ل َّ��ي وعمقه منذ ذلك التاريخ حتى لحظتنا كل َّياً ،لكن تظل هنالك بعض القصائد الراهنة ..تاريخاً يدفع الطاقات نحو محتفظة ببريقها وسطوتها داخل الروح وهي كثيرة. المستقبل.
صدر حديث ًا عن النادي األدبي بالجوف زاڤيرا إلهام عقال البراهيم
SAYSARA
جمادى الثاني 1432هـ مايو 2011م
69
إبداع -شعر
شـ ـ ـ ـعـ ـ ـ ـ ـ ـ ــر
SAYSARA
70
1432هـ جمادى الثاني 2011م مايو
بح ٍر.. في ّ أي ْ > الطاهر لكنيزي* ��ص�� َو ُر ف��ي ّ أي ب ْ��ح��ر َي����روقُ ال ّ��ش ْ��ع��ر وال ُّ
الف َكر وبي من الش ْوق ما ْ ضاقت به ِ
�������وم ذوو َف����خَ ٍ����ر إل������ى ب���ل��اد ب���ه���ا ق ٌ ���ق دي��نُ��ه��م و َد ْي���دنُ���ه���م ���ح ُّ ال���� َع ْ ����د ُل وال َ
�ل�ام ق ْ��د َظفَروا ��ود بالع ّز وال��ج ِ ْ واإلس ِ ����ه����م شَ ���م���ائ ٌ ���ل ُأخَ ����ر ف���ي ِح���كْ ���م ٍ���ة و َل ُ
المغيثون ح��ي��نَ ُي��س��ت��غ ُ ��اث ِبهم ه ُ��م ُ
���������ن وال َك������� َدر ������ع������د اإلل���������ه ال َم ٌّ َب ْ
ُ ���اء ل���و ن َ �����م ْ ��رت ��ش ْ أخ�لاق��ه��م ِد َي ٌ وط���ف ُ
أذي���ا َل���ه���ا َل�����رأ ْي�����تَ ال���خ��� ْي��� َر ي���� ْز َد ِخ����ر
���ود ُه���م َم ِ����ل ٌ ����ن ����ك ف���ي ق���ل ِْ���ب���ه َوط ٌ َي���س ُ
َب���لْ ع��ا َل ٌ��م ،ق��د َت��س��اوى ِع��ن�� َده ال َب َشر
َ��ت ف��ي َنفْ ِسه َن ْ ����داد َل�� ْو أَ ِن��ف ْ األج ِ ��خ��و ُة ْ
َ���ص���ر واإلس ِول����لْ����ع����رو َب����ة �����ل�����ام َي���نْ���ت ِ ْ ِ
����أج َ ���ل���آداب ف���ي َك����� َر ٍم ����زل ل ْ ِ أع���ط���ى ف ْ
َ����در ������وم َي���� ْب����ت ِ ِول����ل����ثّ����ق����ا َف ِ����ة وال ُ ْ������ع������ل ِ
وع�������� ّزةٌ ف���ي ت ُ ����وع نَ���دى �����ع َي����ض ُ ِ َ�����واض ٍ
يوم َي ْص َط ِبر ما َك��انَ َي�� ْو ًم��ا َعلى ُّ الض ِ ����م����ح���� ّب ِ����ة ع���ب���دال���ل���ه ُي���فْ ���تَ���خَ ���ر َف ِ����ب َ
لسه واألم ُ��ر ش��ورىِ ،ل��ذا ْ قد َض ّ��م َم ْج ُ ْ
الص َقد ُف ِطروا قول َعلى ْ أسمى ُع ٍ اإلخ ِ ْ
ُ ������������ؤاز ُره وارث ِس��������� ّره ُي ُس�����لْ�����ط�����انُ ِ
������م أفْ ��������ك��������ا ُره ُد َرر أقْ ��������وا ُل��������ه ِح������ َك ٌ
ف�����ذٌّ َح���ص���ي ٌ �����دت َس��ل��ي��ق��تُ ��ه ���ف ت�����وقَّ ْ
ش ْ��ه��م َح��ل��ي��م ال ِ��ج��ن��ان ح��ي��ن ُي ْخت َبر
ون����اي ُ ��م ٍ��د ����ي خ��� ْي ُ���ر ُم ْ��ع��ت َ ����ف األل َ ْ����م����ع ُّ
وي���نْ���تَ���ظ���ر �����رج�����ى ِل����ك����لّ َم�����ش�����و َرة ُ ُي ْ
�����ح َ ����ره ���������ر ت����دفّ ����ق ْ ُص����� ْب ٌ ����ت َب����ش����ائ ُ أغ ُّ
َتفْ ري ُف َ الض َرر في ْط َم ُس ّ لول األسى ُ
قاطبة َف ْ��ه��د ب��ن ب���در أم��ي ُ��ر ال��ج��وف ِ
ف�����ي ُك��������لّ َس����ه����ل و َر ْب������������� َوة ل�����ه أ َث�����ر
َف���� ْي ُ ���ح���ي���ي ح��ض��ا َرتَ��ه��ا ����ض م���آث���ره ُي ْ
����ر َي��نْ��ه ِ��م ُ��ر َ وح�� ْي ُ��ث��م��ا َم���� ّر ك����انَ ال���� َوفْ ُ
وع��� ْزم���ا ِل��ل ُّ��رقّ ّ��ي بها ل ْ���م ي���� ْأ ُل ُج ْ��ه��دا َ
يحفُّ ها ّ الش َجر ح��ت ّ��ى غ ْ ���دت َر ْو َض����� َة ُ
����ة ِو ّد ال َن���ـ���ظ���ي��� َر َل���ـ���ه ����ر ِع���� ّي ِ ِول����ل����ـ َّ
SAYSARA
جمادى الثاني 1432هـ مايو 2011م
71
قد ن َهضوا با ْل َع َل ِم ْ األخ َض ِر الخفّ اق ْ ���اب ُ ��ام��ق ٌَ��ة ���ل ال��� ُب��� ّر ك���ال��� ّزي���ت���ون س ِ َس���ن ِ
��ض��ر َك���م���ا شَ ���م���اري���خُ ن ْ ����ر ُه َن ِ َ����م ُ َ���خ ٍ���ل ت ْ
���ح���ض���ارة ،واآلث�������ا ُر ش��اه��دةٌ ���ه ُ ���د ال َ َم ْ
ِم���ن ال��رج��اج��ي��ل ح��تّ��ى س��ي��س��را ُغ��� َرر
��س��ه��ا ����س����ن����و ،ك��ق��ل��ع��ة م ٍ ��������ارد تُ��ن��اف ُ َت ْ
���س���ن ق��ل��ع ُ��ة زع���ب ٍ���ل وت���ذَّ ِك���ر ف���ي ال ُ ���ح ْ
خ�لائ��فُ ��ه��م �����وم َس���م���ا ب��ه��ا ِ ْ أم����ج����ا َد ق ٍ
أه َملوها فكان َْت خي َر ما ا ّدخَ ��روا ما ْ
���دم ال��ث��ق��اف��ة في �����اد ُي���ق ّ ب��ال��ج��وف ن ٍ
ْ ����وام����ه����ا ِف��� َك���ر أط�����ب�����اق م����ن أ َد ٍب ِق ُ
���ت ������رت ُ �����������اء ك���لّ���م���ا َظ ِ���م���ئ ْ ������اده األ َدب ُ َي ْ
��ج��ر �����م ون َ أ ْر ُ ���م َض َ ���ر َف���ه ْ واح�����ه ْ ������اب َح ْ
َ��ت ف��ي َف��ض��ائ��ه خَ ��واط ُ��ره��م ق��د ح��لّ��ق ْ
َف������ط������ ّرزو ُه ِب َ ����م وم�����ا َف����تَ����روا ����ش ْ ����دوه ْ
����م ال���ع���ي���ونُ ِل���� َر ْص����د ك����لّ م��ثْ�� َل�� َب ٍ��ة ه ُ
��ص ُ��ر ���ح���قّ ل��� ْي���س ي��نْ�� َه ِ ���ص���ادع���ون ب َ ال ّ
���اح���ه���ا ُد َو ًال ْ��ح��ل ْ ك���م أزم ٍ ��ت ري ُ �����ة ح��ل َ
���س���ه���ا خَ ����� َور إ ّال َم���ش���اري��� َع���ن���ا م����ا َم ّ
ْحني ك��ال ّ��ط�� ْود ِ شامخة ،ل ْلق َْهر ال تن َ
وال تَ���ن���يَ ،و َل���������دى ُج��ه��ي��ن��ة ال��خَ ��ب��ر
يا َم ْه َ بط ال�� َو ْح��ي يا َمثوى ال ّرسول
تمروا اع َ إذا ما الخَ لْقُ في ز َُمر َح ّجوا أو ْ
���ج���أ ُر ب���ال ُّ���دع���اءِ ف��ي َن��� َدم وال���نّ���فْ ُ ���س ت ْ
لر ْحمى قد افْ تقَروا ّ والد ْم ُع َي ْهميِ ،ول ُّ
��س ْ ��م ً��ة روح����ك ِر ْض���وان���ا َ ��ط ِ��ت َ وم ْ��رح َ َب َ
���ي تُ��ح��ي َ ��ط ُ��ه ُ��م اآلي ُ ���س��� َور ������ات وال ُّ ِل��� َك ْ
���ض َ ْ�����ت َم���������أوى ل ُ ���ط���ه ِ���د �����ك�����لّ ُم ْ ف�����أن ِ
ْ��دح ُ��ر ��ص��نُ َم��ن��ي ٌ��ع َ ����اداك َي��ن ِ وم���ن ع ِ ِح ْ
َ��ت َت��ح�� ّي��ة ِم��ن َرئ��ي��س ال ُ��م��ن��ت��دى َع�� َب��ق ْ
ب ْ روح�����هُ ال�� َو ُق��ر ��أط�� َي ِ��ب م��ا َي ْ��ج�� َت��ب��ي��ه ُ
������د ٍن َك��س��ك��اك��ا أو َط��ب��رج��ل أو ِم���ن ُم ُ
��ود ي ْن َه ِمر م��ن ال��ل��ق��ائ��ط ح�� ْي ُ��ث ال��ج ُ
أو ِم��ن تُ��خ��وم ال��ق��ري��ات الحديثة أو
����م����د ال����ل����ه ي���تّ���زر دوم�������ة ش����ك ٌ����ر ِب َ ����ح ْ
����ده ب����اق ً ���س���اه���ري���ن ع��ل��ى ْ����ض ُ ي����ن ِ ����ة ل���ل ّ
شَ ����أن ال��ثّ��ق��اف��ة ح��تّ��ى ُي�� ْب�� َل�� َغ ال�� َو َط��ر
ٌ ���س��� ّو ُغ���ه إج وم ْ ِ ����ل���ال ُي َ �������ن َح����ن����اي����ا ُه ْ
���ط���ر ِل���ل��أ َدب������اء ُق���ط���وف��� ًا ز َْه�����ره�����ا َع ِ
ضائلهم ما َج َّ ��راع َع��ن َف ِ ��ف ِض ْ��ر ُع ال�� َي ِ
��ص��ر.. ��ك�لام ح��ي��نَ ُي ْ ��خ�� َت َ ل��ك ّ��ن خَ �� ْي��ر ال ِ
�����ر ٍح َع�ل�ا وال���� َك���� ْونُ ُم��نْ�� َب ِ��ه ُ��ر أ ْرك�����ان َص ْ
شـ ـ ـ ـعـ ـ ـ ـ ـ ـ ــر
SAYSARA
72
1432هـ جمادى الثاني 2011م مايو
قصائد > عيد اخلميسي*
نتائج أولية للفحوصات أمام غرفة انتظار األشعة البانورامية، تتسكع حياتي محاولة عدم لفت االنتباه.
به ع ّينة أخ��رى للبول ،تحليل آخر للدم
ال يتطابق والتوصيف األو ّل���ي للحالة. التعقيم يشيع مرحه في األنحاء ،فيما
تمر مبتسمة وببطء أل��م ناظرة نحوي ،تواصل حياتي التسكع بأنف لم يتآلف مشيحاً النظر أتجه لمشاهد أكثر إثارة ..وروائح الديتول ..أحاديث متقطعة فيما
وم��ت��ظ��اه��راً بتفحصها -ع��ل��ى مضض-
نتائج الفحوصات تتنقل من يد ألخرى،
أش�����ارك األط���ب���اء ت���ردده���م وب���روده���م ،بمعطف وجناحين ..المكان رائع للوهلة ال���م���م���رض���ات ال م���ب���االت���ه���ن وش��ط��ائ��ر األولى ،فقط. البرجر .عامالت النظافة دأبهن وهن يمسحن البالط فيما أمسح العرق عن
وجه طفولتي .ثمة موعد غرامي بأشعة ت��ل��ف��زي��ون��ي��ة ،رن��ي��ن مغناطيسي للحنين بمقاطع متتالية ،الحرية احتمال تعد
هذه الكلمات لو نجحت في الوصف جيداً.. إن���ن���ي م���ج���رد واص������ف .أص����ف ما يصنعه غيابها بالحياة ..تتشقق ويسقط
SAYSARA
جمادى الثاني 1432هـ مايو 2011م
73
عنها الطالء ،بالبيت يعج بروائح العطن،
ال��خ .إلى آخر ما هو دارج في األنظمة
بتأن ،لون التعفّن المليء بالنقاط الرماد ّ
مشاريع تربية االفتعاالت هذه تنجح
ب��ال��روح منفلتة وب�لا م���دار .أص��ف طعم
المرنة.
والتع ّرجات .أج�� ّرب أن أت��ذوق أي شيء كطريقة لتربية الدواجن واألصدقاء. بتمهل.. تنجح مع ابتسامة تدفع بالسجين تلو
هل ينهي األمر سريع ًا؟
ع��م��ود مصبوب م��ن ال��خ��رس��ان��ة في
سور على الكورنيش ،يلتصق به الغبار، وبفعل الرطوبة ي��رت��دي قميصاً طوي ً ال
اآلخر في سعادة التلقّي .مبهج ما تنتجه
ذهنية تتقن التأليف ،ال يضاهي التأليف ش��يء ب��رأي��ي ،وال يستحق كماله أح��د.
الخيار اآلخر -متروك لالتصال بصديق
لن يصل إل��ى إجابة مناسبة في الوقت
ه��ذه الكلمات حتى لو نجحت في الوصف جيداً لن تكون أكثر من ذلك.
تأليف األنظمة المرنة
دفتر توفير الوسام الذي أحمله باعتداد :حقدي.
االكتمال اإلنساني لفضائل االنتباه ورعونة
األلم .النتيجة الطبيعية آلالف النداءات
ح��ت��ى ل��و ك��ن َ ��ت واق���ف���اً ع��ل��ى م��داخ��ل التي ذهبت س��دى ،وآالف المسكوكات الجملة؛ مقدماً ال��ش��روح��ات المطولة ،العصبية ال��ت��ي ت���زاي���دت ب��س��رع��ة لنمو م��ش��ف��وع��ة ب��ت��ق��اري��ر ذه��ب��ي��ة ف���ي حسن عائدات دفتر التوفير ..ال ينبع الحقد النوايا-كهدايا مجانية ،حتى معاطف م���ن ق��ل��ب��ي .ي��ن�� ّز م���ن ج��ل��دي وتستنبته
التفسيرات المتناسبة وك��ل الفصول، عيني ،ال��ه��واء واص��ط��دام��ي بالموجات ّ حتى إب��راز دروع األهمية التي نقدرها التي يثيرها اآلخرون تدفع بقواربي إلى جميعاً– ح��ت��ى ال��ن��ح��اس ،ح��ت��ى تأليب التقدم أكثر نحو نقطة المحيط األخيرة، حشود الصبايا والجند وسخرة القوم … هناك يمكنني أن أذرف الدموع :لي. * .moc.liamtoh@isemahkladie
شـ ـ ـ ـعـ ـ ـ ـ ـ ـ ــر
من األي��ام والكلمات والضحك .طبقات المحدد.هذه االنفعاالت الحرة وطنها االت��س��اخ ال��ت��ي تجد فيه ج��س��داً وروح���اً الحرية كما كنت تعلم دوماً. حانية وحدها من يحتضنه.
SAYSARA
74
1432هـ جمادى الثاني 2011م مايو
لي كأسي . . ولي عنبي > الطيب هلو* شاغر تاج القصيدة ُ ٌ
ُ َّص ِل ُ والكتُ ِب أفول الن ْ
استبد بنا الخيال منذ َّ
المدينة يلف أوتار زمن الجفاف ُّ ِ
ُ وغادر البرقُ الجميل
تشهق األلحانُ فيها
ديا َرنَا
آخر األنفاس من رئتي كي تبذِّ ر ُ
المن َِافي نح َو َ
واللعب سهرة ل َّل ْه ِو استدار َة ٍ ِ
األسالف منذ ارتدينا ُج َّب َة ِ
سأطوف وحدي في المدائن باحثا
في َو َض ِح الحضار ْه
عن سرة األرض الكريهة قبل أن تغتالني ُلغ َِتي
شاعر اية الغ َو ِ َم ِل ُك ِ ٌ
َ الم َدى أدبي ويغتال َ
د َّبت بأوصال القصيد خيو ُلهُ ِ
سأقول
ْوص ِب في ِ ساعة ال َ
حين يحاصر
شاخص َب َص ُر القوافي ٌ
الليل الكريه قصيدتي
األخير المعاني في َت َد ْح ُر ِج َها نحو ِ ِ
«لي كأسي األولى ولي عنبي
إلى شفير الموت
لي كأسي األولى
يدفعها
ولي عنبي».
* شاعر وناقد من املغرب.
SAYSARA
جمادى الثاني 1432هـ مايو 2011م
75
مــــــــاء.. > سعيد السوقايلي* 1
الماء وقد ضاق ذرع ًا بسجن األرض ،الشرر ملء عيونه. ُ اآلنَ ،عرفت كم أنت مسافر وتائه ،دؤوب ًا تبحث عن ينابيعك األولى.
3
قطرات الندى ،األزهار ،تبكي بدموع مستعارة.
4
سدد أيها الماء ملء قطراتك ،فالعطش طريدة عصية. ّ
5
الغرقى سكارى ،لقد ثملوا بمعاقرة الماء.
6
ٌ ٌ ٌ عتيق لن يشيخَ أبداً. ورقراق، شفاف الماء هو الماء، ُ
7
الماء؟ ثلج ،يج ِّر ُب نفسه مراراً ،عماذا تبحث بالضبط أيها ماء ،بخا ٌرٌ ، ُ ٌ
8
الماء دائم ًا في سباق ،فهل من منافس؟ ُ
9
أتواضع أم هزيمة؟ الماء تستهويه المهاوي، ٌ ُ
10
قطر ُة الماء هندسة الكون. * شاعر من املغرب.
شـ ـ ـ ـعـ ـ ـ ـ ـ ـ ــر
2
SAYSARA
76
1432هـ جمادى الثاني 2011م مايو
لوحة > بهاء الدين رمضان* 1 َع َلى شَ كْ ِل ُحل ٍْم.. ُيغ َِاد ُر َقل ِْبي
الم ِدين َِة َو ُي ِ وغ ُل ِفي َن ْب ِض َه ِذي َ ِمث َْل َد ٍم َس ـ ـ ـ َ ـال
َرا َح َيفُ ُك ُخ ُي َ ول وط الفُ ُص ِ الط ُي ِر ِعنَاقَ ِ َو ِع ْن َد َن َو ِافذ ََها َي ْست َِبين ُه َو ال َوقْ ُت َيغْ َشى ُحقُ َ الر َما َد ول َّ الح ِنين َو َي ْص َط ُاد ِس ْجنَ َ َد ُعو ُه َين َُام َع َلى ِر َ يش ٍة ِللطير َف َي ْد ُخلهُ ِفي ال َب َنفْ َس ِج َو ْر ٌد َف َض ٌاء َو ُب ُّلو ُر الج ْم ِر الع ْش ِب َو َ َين ُْمو َع َلى ُ ال َّ الش ْم ُس َبا َر َك َها ِفي َع َراءِ ال َي َم ِام َوال الن ُ الر َج ِال ِّيل ُي ْد ِر ُك َط ْم َي ِ
ِل َي ْد ُخ َل ِفي َج َس ِدي الذي َي ْبت َِغي َما ِ الم َس ِافة ين َ ِم ْن َع ِج ِ وم ِت َها َو ُ الخ ُطوط، َغ ْي َر ُأ ُم َ َوشَ ْو ٍق ِإ ِل ْي َها َاق؟ َيقُ ُّد َق ِميص ًا ل َها ُم ْث َق ُال ِبال ِْعن ِ َت َر ِاو ُغ أحالمه ال َك ِائن ُ َات ُه َو اآلنَ ُم ْرت َِكزٌ َف ْوقَ َرغْ َب ِت َها ِفي ال َف َراشَ ِات َغ ِار ٌق َي ُشقُ َ اضينَ ُج ْرح ًا األ َر ِ يد َو ِع ْن َد َس َحا َب ِة َل ْو ٍن َج ِد ٍ ُي َش ِّك ُل نَار ًا َونُور ًا
ُدخَ ان ًا َع َلى َه ْيئ َِة َّ الط ْي ِر َو َي ْخ ِلقُ ِم ْن ِر ْع َش ِة الن َّْه ِد الج َر ْاح َل ْو َن ِ يل ُ وحزْنَ الن َِّخ ِ َوشَ ْيئ ًا ُم ِضيئ ًا الم ِد ْي َن ْة َي ُب ُ وح ِب َثل ِْج َ
SAYSARA
جمادى الثاني 1432هـ مايو 2011م
77
وحــــدي > مالك اخلالدي*
وحدي..
فلم يبقَ في الضوءِ
أشرب من ماء حزني هناك.. و ُ
إال شعاع ًا
ُ األغاريد طيوف تمر ِ
يمزق صبحي
حيرى.. فتضرمني في الحنايا اشتياقْ .. أفت ُ ّش عن بعض نبضي و أذرو.. بقاياي في دهشة األقحوان! فما عادت األمنيات تغنّي
و يزجي الوراء.. الفجر أعيش على سحنة ِ عروقي يباب أروي َّ العمر ألكمل خيطا من ِ يأبى ذبوال ويقتات لون العذاب..
و ما عاد في الزفرات
الحزن ضفة هناك على ِ ِ
انعتاقْ ..
أرسم بعضي..
َ رسمتك حينا
و يرسمني الحزنُ
َ ذرفتك حينا..
لحن نقاء..
* اجلوف /سكاكا.
شـ ـ ـ ـعـ ـ ـ ـ ـ ـ ــر
أغ ّر ُد فوقَ البيادر ِ
الغياب وواريت كل شذاك ُ ْ
SAYSARA
78
1432هـ جمادى الثاني 2011م مايو
أضر ُ الحلم حة ُ ِ > جناة املاجد* ����اح ُّ ��ام ���وم ِج��س ُ ����ك ن��ف��س��ي وال���ه���م ُ ُأض ِ
���ام �����روح ِس���ه ُ وأم����س ُ ����ح دم���ع���ي وال�����ج ُ
����د أم���س���ي أن ي���ع���و َد وح��ي��ل��ت��ي ����اش ُ ُأن ِ
ـ�لام إذا ج���ـ ّ ���ن ل��ـ��ي��ـ ٌ��ل ه��ـ��ـ��ـ ِ ��ذه األح��ـ��ـ�� ُ
وم���ـ���ا أن�����ا إال دم���ع���ـ ٌ���ة ف��اب��ت��ـ��س��ام��ـ��ـ ٌ��ة
وج��� ّن���ـ���ـ ُ ـ�ل�ام ���ب ن���ا ُر ُه���ـ���ـ���ـ ّ ���ن س��� ُ ���ات ُح���ـ���ـ ٍ
���ار م��آرب��ي ���ى ب���ن ِ ������ي ج���س ٌ���د ُم���ض���ن ً ِول ْ
��ام وب��ي ُ ��وم ُي��ق��ـ��ـ ُ ��ت ال ُ��م��ن��ى ب��ي��ن ال��ن��ج��ـ ِ
��ائ ٌ��ر ُ أروم ب���ل���و َغ ال��م��ج ِ��د وال��م��ج ُ��د ث ِ
وب��ـ��ي��ن��ي وب��ـ��ي��ـ��ن ال ُ��م��ب��ـ��ت��ـ��غ��ـ��ى اآلم
س��ف��ي��ـ��نُ ُش����ع����وري ت����ائ����هٌ ُم��ت��خ ِ��ب ٌ ��ط
ـ�لام ول��ي��ـ��ـ ُ��ل أم������وري ق��ـ��د غ���ش���ا ُه ظ��ـ�� ُ
*** أال ي��ا ح��م��ا َم األي ِّ ���ك ش َ تعبي ���دوك ُم ِ
��ام؟ ��ام ت��ـ��ن��ـ��ـ ُ أال ك��ـ��ي��ف ي���ا ه���ذا ال��ح��م ُ
���وم ُم��ك��ب ٌ��ل إذا ُك���ن���ـ���تَ م��ث��ل��ي ب���ال���ه���م ِ
�ل�ام ف��ل��س��ـ��ـ��تَ إذن ل��م��ـّ��ا ش���ـ���ـ���دوتَ ت���ـ ُ ُ
أن����ا ي���ا أن���ـ���ا ل ّ���م���ا س ِ��م��ع��ت��ـ ُ َ ��ك ش��ادي��ـ�� ًا
ت���ذك���ـ ُ ��ام ��س��ـ��ـ ُ ���رت ع��ه��ـ��ـ��د ًا ب��ال��ه��ـ��ـ��وى ب ّ
ت���ذك ُ ���رت م��ح��ب��وب��ي وع���ط��� َر صبابتي
ت���ذك ُ ���وع أق��ام��وا ���رت م���ن ب��ي��ن ال���ض���ل ِ
ت���ذك���ـ ُ ���رت م����ن ك����ان����وا ي�������رونَ ب��أن��ن��ي
دواء إذا غ��ـ ّ ��ام ��ش��ى ال���ف���ـ���ـ���ؤا َد ِس��ق��ـ ً ٌ
SAYSARA
جمادى الثاني 1432هـ مايو 2011م
79
ت���ذك ُ ������ؤرقُ خ��اط��ري ���رت وال ِ ����ذك����رى ت ِ
���ام وق��ل��ب��ي ب���أل���ـ���ـ ِ ���ود ُي���ض ُ ���وان ال���ج���ح ِ
ت���ذك ُ ��أدم��ع��ي ���رت واألج���ف���انُ ُح��ب��ل��ى ِب ُ
���ام ��ك ي���ا ه��ـ��ـ��ذي ال���دم���ـ���ـ ُ ���وع ِل���ث ُ ك��ـ��أن��ـ ِ
ت����ذك ُ ���������ام ت���ت���رى وح��ال��ت��ي ����رت واألي ُ
زاه���ـ���ـ���ـ ٌ���د ص���ـ���ـ��� ّو ُام ����وء وق��ـ��ـ��ـ��ل��ب��ي ِ ت����س ُ
الشديد نضارتي ��أس ُ وق��د ه ّ��ش�� َم ال��ي ُ
��ام وق����د ص�����ا َر ل��ل��ه��ـ ِّ��م ال��ت��ل��ي��ـ ِ��د خ��ي��ـ��ـ ُ
الكئيب ِبمفرقي الشيب أعشب وقد ُ ُ َ
��ام ��ح��ل�� َم ال��ق��دي��م ل��ج��ـ ُ وق���د أل��ج�� َم ال ُ
وم��ا ُع ُ ���ودد ًا ���دت أستجدي الحبيب ت ُ َ
����رام ����ؤاد غ ُ وم����ا ع�����ا َد ي��ع��ث��و ف���ي ال����ف ِ
*** ���ب إي����ه س��ئ��م��تُ ��هُ ���ح ِّ س��ئ��م ُ��ت زم�����انَ ال ُ
����رام ���ب إي���ـ���ـ ِ���ه ح ُ ح����ـ ٌ ���ي ال ُ ���ح���ـ���ـ ّ ����رام ع���ل ّ
�����زاد ال أس��ت��س��ي��غُ ��هُ س��ئ��م ُ��ت وط��ع��م ال ُ
��ام أال ك��ي��ف ي��ه��ن��ا ل��ل��ج��ري��ـ��ـ ِ��ح ط��ع��ـ��ـ��ـ ُ
غائر والجرح العمر مضى بي قطا ُر ُ ٌ ٍِ
��ام وب��ي��ن��ي وب���ي���ن ال��ع��ال��م��ي��نَ ِخ��ص��ـ��ـ ُ
أدم��ع��ـ��ـ��ـ��ي ��ح ُ أال أي��ن��ه��ا ُأ ِّم������ي ل��ت��م��س َ
ـ�لام ك���أنّ���ي ف���ي ُدن���ي���ا ال��ش��ق��ـ��ـ��ـ��اءِ ُغ��ـ��ـ�� ُ
إذا أس َ �����دل ال��ل��ي َ ��ل ال��ب��ه��ي ُ��م ُس���دول���هُ
��ام ��راش��ـ��ـ��ـ ْ��ي ال��ه��ـ��ـ��ـ ُّ��م واألوه��ـ��ـ��ـ ُ ف����إنّ ِف ِ
����ر أح�ل�ام���ي وأب���ن���ي ق��ص��ائ��دي ُأس ِ ����ام ُ
�����ام ���اب واألرح ُ ���م األه��ـ��ـ ُ��ل واألص���ح ً ه ُ
* شاعرة سعودية وكاتبة في جريدة الصباح الكويتية.
شـ ـ ـ ـعـ ـ ـ ـ ـ ـ ــر
ت��ذك��ـ ُ ��رت م���ن ك���ان���وا ي��ق��ول��ون أن��ن��ي
����ام والم���ـ���وا ���اء إذا خ�����ان األن����ـ����ـ ُ وف���ـ���ـ ٌ
SAYSARA
80
1432هـ جمادى الثاني 2011م مايو
نفـــــثات َ > يوسف الرحيلي* حلم
نصيحة ُ الصوت يرتفع
ـك، ابسط كفـَّ ْ ُ للماء.. أعدد متك ًأ ْ قلبك، افتح ْ الميناء!! واقط ْف ناصية ِ ْ
ترفيه
الجدران تجاهده ْ ُ اإلسمنت يتغلغل في ِ ويغـفو .............................. ..............................
انكس ْر ُت َ
أنت تبوح بأخطائك فجأ ْه
ُ تفرقت بين السطور ِ
وتتراجع فجأ ْه
شظايا..
الجدران لكن الصوتَ النائ َم في ْ قد يستيقظ فجأ ْه؛
أنا الحل ُّ، إسمي هو الكلـْمة ُ الضائع ْه!!
فارفع مئزرك اآلن ْ، الجيران!! حتى ال يرفع مئز َرك ْ
شعراء عندما تفقد الشمس أنفاسها في الغما ْم،
شرف في اللوحة ِ
الصح َو نقط ُف ِ ْ
الشهداء أقرأ أسماء ْ المرشد: قال ُ
من ُش ُرفات الكال ْم
طنة الف ِ أكثرهم مات بداء ِ
شيخوخة ذئب يعوي، القلب.. سرير من أدوية فوق ٍ ِ يحدث أنثا ُه ّ عن األغنام المقبور ْه، النوم والراعي إذ يغشاه ُ ................................. ................................. ويبكي، يتأم ُل في الصور ْه.. إذ َّ يتذكر إخوته في أرجاء المعمور ْه!!
ضوء الضباب، أزيح عن مدينتي ُ ْ َ الرجال فأبصر ُ في الخنادق المضاء ْه، وأبصر النسا َء ُ في شوارع المشاة ْ، اب!! ُ وأبصر األطفال في الكـُتـَّ ْ .................................. ...................................
ذات المرآة ما عاد في ِ قادم سع ٍ متـَّ ٌ لوجه ٍ ……………….. ……………….. نهر فارحلْ إلى ٍ فاف ْه!! تس ِّوي شاربيك على ض ِـ ِ
شـ ـ ـ ـعـ ـ ـ ـ ـ ـ ــر
ـداء!! لم تلمسه ُ يد األع ْ ْ صورة المذيعة نه َب الزالزل ِ تقرأ ْ والقلب يطفـو يقف!! على (ريختر)ال ْ ٍ
SAYSARA
جمادى الثاني 1432هـ مايو 2011م
81
SAYSARA
82
1432هـ جمادى الثاني 2011م مايو
SAYSARA
جمادى الثاني 1432هـ مايو 2011م
83
شـ ـ ـ ـعـ ـ ـ ـ ـ ـ ــر
SAYSARA
84
1432هـ جمادى الثاني 2011م مايو
إبداع – قصص
إبداع – قصص
SAYSARA
جمادى الثاني 1432هـ مايو 2011م
85
ما كان باألمس!!؟ > حضية عبده خافي* استيقظت لترى نفسي الدنيا بعين واحد، ُ استيقظت ألسير في كرسي متحرك، بيد واحدة، استيقظت ألتناول طعامي ٍ كان يوم ًا عاديا ً؛ بدأناه ،كغيره من األي��ام ،كنت أنا -يومها -وزميلتان وأربعة من الزمالء ونائبه في صبيحة ذلك اليوم.
فلقد ك��ان ع��دد اإلسعافات « ،»9وليس
إن اإلسعافات عددها كان زائداً ،والزائد منها كان يحمل جندياً بال ذراع وال أرجل ،مع إصابة في رأسه ،وقد ُحشي جسده بالقنابل والمتفجرات ،وعندما حاولوا مساعدته ،ظناً منهم أنه مصاب ..اكتشفوا ما كان!!.. سألتها :كم كان عدد الناجيين؟؟ ق��ال��ت :ك���ان ع���دد الناجيين م��ا ي��ق��ارب الستة عشر ن��اج��ي��اً ،م��ن أط��ب��اء وممرضين وعاملين ،إض��اف��ة إل��ى ال��ح��االت التي كانت حينها ف��ي ال���ط���وارئ :بين م��ص��اب ،وجريح ومع ّوق ،وغيرها. هكذا ..ما ظننته ،كان باألمس!..
إبداع – قصص
بعد أن انتهينا م��ن االس��ت�لام م��ن دوام «الشفت» الليلي لالنصراف ،ونبدأ الفترة الصباحية؛ م��ن تغيير ال��ش��راش��ف ،وتجهيز األدوات وتحضيرها ،ومعرفة أي��ن النقص، رن ال��ه��ات��ف ،ألرد عليه ،كان وف��ي�� َم الخلل؟ َّ اتصال من مستشفى القوى الخاص ،يخبرنا بأنه قام بإرسال « »8إسعافات ،كلهم جنود م��ص��اب��ون ب��ح��االت س��ي��ئ��ة .س��ارع��ت بإخبار ال��رئ��ي��س ،وب��اش��ر التجهيزات ،وأخ��ب��ر إدارة التمريض لدينا ،وب��ادرون��ا االهتمام بإرسال ممرضين وأطباء ومتخصصين ،وض ّج قسم ال��ط��وارئ لدينا ف��ي لحظات م��ن االت��ص��ال، ل�لاس��ت��ع��داد ،أخ���ذت أن���ا أوراق�����اً للصيدلية لبعض األدوية الناقصة ،وتوجهت إلحضارها من الصيدلية .كانت الصيدلية في الجزء ال��ج��ن��وب��ي م��ن المستشفى ،وال���ط���وارئ في الجزء الغربي .سارعت للحصول على األدوية والعودة بسرعة ،وفي طريق عودتي سمعت أصوات اإلسعافات تضج في الخارج؛ دخلت بسرعة ووضعت األدوي��ة في الثالجة ،وفي طريقي إلى غرفة استقبال الحاالت الحرجة، شاهدت من النافذة ما لم أعرفه!..؟
« ،»8سألت عن الرئيس ،لتخبرني جماني أن��ه ف��ي غرفة ال��ح��االت ال��ح��رج��ة ..سارعت بالتوجه إل��ي��ه ،وعندما وصلت ح��اول��ت دفع ال��ب��اب فلم يفتح ،ح��اول��ت م��ج��دداً ..ألُفاجأ بعودته في وجهي يدفعني للوراء ولم أشعر بشيء بعدها ..عندما استيقظت بعد مكوث شهرين في غيبوبة ..تزورني إحدى الناجيات زميلة لي من قسم «تنويم الباطنية» لم تنزل يومها؛ لوجود نقص في جهاز التمريض ،لدى ذلك القسم ،قالت لي:
SAYSARA
86
1432هـ جمادى الثاني 2011م مايو
قضبان الطين .. > زكية جنم* بك إلى حافة الجنون.. أنت تعيشين تفاصيل كابوس طويل ،سيفضي ِ «سمراءِ .. ٍ استيقظي« !..عذال» لن يعود. يغادرك األسطى»! غادري ذكراه ..كي ِ تضج أنوثة وجاذبية.. ّ تتأمل وجه شقيقتها ،بتفاصيله التي ّ تلحظ ُ أحالم الغد وهي تتراقص بين نظراتها المتوقّ دة.. رغم فارق السنوات القصيرة ،الذي يفصل بين عمريهما وهبت أختها من فرص النجاة ،أكثر مما وهبتها.. إال أن الحياة ْ «اتركيني ..رغداء»!ِ أتركك حتى تعودي معي قبل «لنمغيب الشمس»..
«س���م���راء ..إن م��ك��ث ِ��ت ه��ن��ا حتىالمساء ..ستموتين! ِ سيقتلك أبي..
«قلت ِ لك اتركيني وحدي ..عودي ُ إلى القرية اآلن»..
ِ سيقتلك يتوعد ،أنه سمعته البارحة ّ إن لم تعودي باكراً معي».
وم��ي��ض ال���ف���رح ال��م��ت��راق��ص داخ���ل عينيها الجريئتين يخبو..
تدف ُع شقيقتها نحو الطريق المؤدية بكلتي يديها. إلى القرية ّ
تبهت بسمتها البيضاء.. ُ تنهض ..تقترب منها ..تهمس في أذنها:
«قلت ِ لك اذهبي اآلن ..عودي»! ُ تتأم ُل شبحها وه��ي تركض عائد ًة نحو بيوت الطين..
ت��ل��ك األس��������وار ،ال���ت���ي ت��ط��ب��ق على
أنفاسها كل مساء حينما تبتلع جسدها إلى الداخل
ل��ت��ج��د ف����ي ان���ت���ظ���اره���ا س ً ���ي�ل�ا م��ن
الصفعات والركالت..
ال ل��س��ب ٍ��ب ،إال ألن��ه��ا ت��ع��ود وح��ده��ا لي ً ال!.. ظلت عيناها جاحظتين ..ساكنتي
النظرة..
ن��ح��و ال���ب���ؤرة ال��ق��ات��م��ة ال��ت��ي ت��ج��ه��ل ما
خلفها.
فكرةٌ ُهالمي ٌة عالق ٌة بثنايا مخ ّيلتها. تتقافز ..ته ّز وعيها ..لعلّها تستفيق.. تستشع ُر أن كينونتها ليست سوى ذ ّرة قفار شاسعةِ ال تنتهِ . تراب تسب ُح في ٍ رأسها مستن ٌد إلى جذع شجرة األراك
العتيقة ..تلك الشجرة التي شهدت لقاءه
األول ..ووداعه األخير.
ّ «عذال» لم يكن ذلك البدوي ال ُممتشق
سيف قسوته ،وجالفة طبعه.
كان ساكناً هادئاً ..يتل ّث ُم رداء بؤسه وغربته ليخفي وراءه جريرته الوحيدة.. أن���ه ال ينتمي إل���ى ه���ذه ال��ق��ب��ي��ل��ة ،التي
أنجبت «سمراء»!
كان ّ ٍ سميكة، يهش على غنمه بعصا
ال ت���درك م��اه�� ّي��ة االت��ج��اه حينما قادته إليها.. ٍ لحظة متعثرةٍ أشبه بالسراب في ك��ان يقف أمامها كعالمة استفهام
معوجة القامة ..حانية الظهر ،ال تعني ّ
أكثر من س��ؤال ،ال يتجشم عناء البحث
عن جواب ليقترن به..
جبهته العريضة ت��ذع�� ُن لتع ّرجات داك���ن���ة ..ت��ش��ق ط��ري��ق��ه��ا ب��ش��راس��ة نحو
استدارة عينيه..
شل ٌل مفاجئ يكتسح ذهنها ،حينما
تبدأ بتذكر ما حدث..
يوم خارج أقواس بؤسها ..منحها في ٍ إنسانيته ..ومنحته قلباً ،لم يجتز أسواره
أح ٌد قبله..
اعتادت معه أن تم ّر اللحظات دون حديث ..فكأ ّنما أفسح الصمت مساحاته الشفافة ،لتستنطق هي مكامن مشاعره..
وتفتش بداخله عن ٍ كلمة مدفونة تحت ركام السنوات البالية.
���ت ف����ي ف���م���ه ق���ب���ل أن ك���ل���م��� ٌة ي���ب���س ْ
يلفظها..
كلم ٌة لم تكن هي لتعترف بها ..أو
ليجيد هو كيفية نطقها..
إبداع – قصص
تتأ ّمالن قرص الشمس ،وهو ينحدر
SAYSARA
جمادى الثاني 1432هـ مايو 2011م
87
SAYSARA
88
1432هـ جمادى الثاني 2011م مايو
مشاع ٌر داهمها اليباس واستفاقت متأخرة على ضفاف الخريف..
قدومه كل مغيب.. نظراتها تتسلق أغصانها اليابسة..
لم تغادر ذهنها تلك اللحظة ..حينما ّ توشح رداءه القاتم ..وأدار لها ظهره.
ذات صباح ..سمعت نساء القرية يحكين
لم تكن ت��درك أن��ه لن ي��ع��ود ..أو أن ٍ سنوات طوال سوف تمضي من عمرها على قارعة االنتظار..
ل��ت��ول��د ت��ح��ت ش���ج���رة األراك العتيقة
تعجلت الخروج إلى الدنيا.. أن سمراء ّ المنتصبة بشموخ في مشارف القرية..
وهن جسدها كانت والدتها تج ّر في ٍ
بجنين في أحشائها ..وقربة ماءِ ليس لبوصلة حدسها أن تدرك إلى المثقل ٍ ممتلئة على رأسها.. صوب مضى.. أي ٍ
ل��م تمهلها حتى تصل إل��ى البيت..
ه����ي ت���ث���ق ب���ذل���ك ال����ح����دس ح��ي��ن��م��ا أخبرها أنه على قيد الحياة ،لكنها تريد فولدتها تحت تلك الشجرة. أن تمتلك خارطته بيدها.. لفحة ه���واء ب���اردة تهز أغصانها..
ال تريد أن تنحدر إلى العمق لتبدو يخ ّيل إل��ى س��م��راء أن��ه��ا ستشهد موتها ع����اج����زة ..ف���ارغ���ة م���ن���ه ..ج������رداء من مثلما شهدت مولدها.. ذل��ك اإلح��س��اس ب��األم��ان وال���دفء ال��ذي ورب���م���ا س��تُ��دف��ن ب�����أرض «ع������ ّذال»، تستشعره حينما يكون إلى جوارها. وس��ت��ل��ت��ق��ي أوردت���ه���م���ا م���ع���اً ع��ل��ى ت��رب ٍ��ة يسحقها شعو ٌر بالخواء!.. واحدة. تحفر خطواتها معالم ال��ب��ؤس فوق سحنتها ،في كل مرةٍ تعود أدراجها لي ً ال. مصير أسود ينتظرها بدونه. أي ٍ يدب إلى أذنيها ..يه ّ ُز حفيف الشجر ّ ُ انتباهها..
غالبت دمعة حائرة فغلبتها ..كانت
حا ّدة السقوط ..صفعت -وهي تنحدر- ٍ كشوكة صغيرةٍ موجعة وجنتها ال��ب��اردة
الوخز :
« -عودي أيتها الملعونة ..عودي»
ما يزال ظهرها مستنداً إلى شجرة أذنيها.. األراك..
ن���داءات نابية ت��ه��در ..تعصف ُ في
هنا وجدته ،وهنا فقدته ،وهنا تنتظر
ك��ان ال��ظ�لام ُم��ري��ع��اً ..خيوط القمر
ب���دأت ت��ش��ق طريقها ال��وع��ر ب��ي��ن ثنايا العتمة.. وقفت سمراء ..تج ّر أذي��ال اليأس، وهي تعود أدراجها نحو القرية الرابضة في الظالم.. تسير في تثاقل ..توخز سمعها آيات اللعن والطعن..
SAYSARA
جمادى الثاني 1432هـ مايو 2011م
89
تشعر بالتعب؟! خ ّيل إليها أن ث ّمة شبح يتح ّرك قرب
الشجرة ..أتراهُ عذال قد عاد؟
��أت ف��ك��رةُ ارت���خ���ى ب��ص��ره��ا ..اخ��ت��ب ْ
حمقاء بصدرها:
«ف���ي ال��غ��د س���أح���اول ال��ه��رب منجديد»
حي ..أم ميت؟! أتراهُ ّ ٌخطوة تتلوها خطوات.. ال���ب���ي���وت ت��ت��ع��م��ل��ق ح�����ول ن��اظ��ري��ه��ا كاألشباح المفزعة..
المزالج القاسي احتواها الظالم إلى الداخل صفع ٌة تشق جنح السكون ..تتوالى الصفعات..
ما تزال رغبتها بالهرب تتصاعد في صدرها.. ركل تتابع.. ُمجيب ..أصوات ٍ تلتفت إل��ى ال����وراء ..شبح الشجرة صراخها يتحول إل��ى نشيج غ��ائ��ر ِ، ال��غ��ارق��ة ف��ي العتمة يبدو كعصا ع��ذال ّ متقطع.. وأنين ٍ ال��ه��زي��ل��ة ،ال��ت��ي ي��ل�� ّوح بها فتستدل على تتضاءل األ ّنات شيئاً فشيئاً ..يسود مجيئه.. السكون أرجاء القرية.. تتأ ّمل المسافة الفاصلة بينها وبين صوت يهدر من الداخل.. ٌ الشجرة..
سمراء تستغيث ..ليس هنالك من
« -احمل جسدها القذر وادفنه تحت
كم هي بعيدة عن مساكنهم..؟ هل كانت تقطع تلك المسافة كل يوم دون أن شجرة األراك.
إبداع – قصص
ك��أن خطواتها تسحق رغ��ب�� ًة عارم ًة اص����ط����دم ب���ص���ره���ا ب��ب��ي��ت ال��ط��ي��ن أرض ،تبحث فيها في الهرب نحو بقعة ٍ عن خيط رفيع لحكاية أو لعلّها تقتنص المنتصب في علو أمامها.. خبراً عن عذال.. استدارت في اتجاه بابه الخشبي ذي
SAYSARA
90
1432هـ جمادى الثاني 2011م مايو
إنـه دجـاجـة > سعيد بودبوز* َ كأنَّهُ ُ أصبح الصباح قائ ًال« :كال ،لن وجه النوم، مقالع رمية وزمج َر في ِ َ ّ قاع ِ ِ انقذف من ِ ٍ محوه من البطالة ،التي أوشكت على حين من متسو ًال ،لن ِ ِ َ أسمح بذلك .»..بع َد ٍ المدينة ،حص َل أخير ًا على خريطة على شأنها أن تضمنَ بأس بهاِ ..من ِ ِ ِ ٍ وظيفة ال َ سليمة من َ ً ُمالئ ِه العاطلينَ إلى المدقع الذي أفضى العوز ذلك لهُ حيا ًة ببعض ز ِ ِ ِ ِ الج ُد ِد ،وقد أصبحوا ِّ طبقة ّ جتمع توازي الم ِ الش َّحاذينَ ُ يشكلو َن البني َة التحتي َة لهذا ُ ِ مران .ت ََّم تعيي ُنهُ مم ِّرض ًا في ُمستشفى الصحي في الصرف (قنوات) بني َة الع ِ ِ ِ ِ مجال ُ ِّ َ بنوع من أصدقائ ِه بعض العقلية. األمراض صحيح أنَّ ِ ِ ِ ٌ ِ وجيران ِه قابلوا هذا التعيينَ ٍ األفق ٌ التمريض ،فلقد كا َن بديل عن االحتقار ،وسخروا منهُ قائلينَ « :إذا لم يكن في ِ ِ ِ عادي َ َ بدل مستشفى المجانينَ ». يعينوك مم ِّرض ًا في ُمستشفى المفروض أن من ٍّ ِ ُ بأن هؤالءِ لم ولك َّن ُه كان يدرك تماماً َّ
لرفض ه��ذ ِه الوظيفةِ يكونوا مستعدي َن ِ لو ُعرضت عليهم .ك��ان يُ ُ ��أن في ���درك ب َّ احتقارِ هم إياها نوعاً من تعزيةِ ال َّ��ذ ِ ات على التعثُّرِ الذي ُمنيت بهِ حظوظهم .ففي
النهايةِ يبقى حاص ً ٍ ٍ شريفة وظيفة ال على ِّ ِ ِ والنظرات الشكليات بغض النظرِ ع��نِ السطحيةِ إل��ى األم���ورِ .ثُ�� َّم إ َّن��� ُه ل��م يكن
في هذ ِه الوظيفةِ ما يفو ُق طاقتَهُ ،فك ُّل بعض ما كان عليهِ أن يفع َل هو أن يُلقي َ
SAYSARA
جمادى الثاني 1432هـ مايو 2011م
91
الدروس السيكولوجيةِ على أفرادِ القسم ِ ِ ال��ذي يُ ُ شرف عليهِ من ه��ؤالءِ ال َمرضى
دروس ن��ظ��ري�� ٌة ال أك��ث��ر وال أق����ل .ه���ي ٌ ِ الوقت .كانت جاهز ًة نفس وعملي ٌة في ِ في متناولِ قدرتِه .لم يكن عليهِ أن يعم َل األسبوع ،فالقانو ُن أكث َر من 12ساعة في ِ
أن ينص على َّ الداخلي للمستشفى كان ُّ ُّ يجب أال يتجاو َز ساعتينِ في وقت العملِ َ ُ
ع��ل��ي��هِ مهما ي��ق��و ُل ال��ج��ي��را ُن وغ��ي�� ُره��م. بتفصيل ،وهي ٍ شرحوا له طبيع َة العملِ أن َ يقف أما َم المرضى ،في قاعةِ الدرس، ِ
ٍ ِ لوحة الحيوانات على بعض ويرس ُم لهم َ ِ ٍ كبيرةٍ يطلب منهم الحائط ،ث َّم متكئة على ُ َ ِ الحيوانات، التعرف على هذ ِه أن يحاولوا
يجب أن يُمحى الرس ُم بمجردِ أن يتم َّك َن ُ
تقديم إيجاباتِهم ،ث َّم يرسم ُه المرضى من ِ ٍ الدرس من مختلف ،وهكذا يتد َّر ُج بلون ٍ ُ ��واب ��ي (م��ا ه���ذا؟) وال��ج ِ ال��س��ؤالِ األص��ل ِّ ��ب) ،إل��ى أس��ئ��ل ٍ��ة وإج��اب ٍ ��ات ��ي (ك��ل ٌ األص��ل ِّ
ٍ الكلب»؟ فرعية من قبيلِ «ما ل��و ُن هذا ِ
بخصوص ذلكَ .فهِ َم ويقدِّموا إجاباتِهم ِ ٍ ٍ وسهولة .كان يت ُّم بسرعة طبيع َة البرنامج ٍ ِ ممكنة بالبحث عن تفاسي َر كان يستمت ُع معين، ٍ لرسم أسبوع تخصيص ك ِّل حيوان ٍ ُ ٍ ِ ِ التصرفات الغريبةِ التي كان يقو ُم لبعض ِ على أن يُكتفى بتغييرِ أل��وانِ��هِ وأش��ك��الِ الوضعيات التي يتخ ُذها في الصورةِ .إذا بها ال��م��رض��ى ،وإن ك��ان��ت ،ف��ي ال��واق ِ��ع، ِ ٍ الرغم من تصرفات قولي ًة محضة ،فعلى ق�� َّر َر ،على سبيلِ المثالِ ،أن يرس َم كلباً ِ واإلج��اب��ةِ (ل��ونُ�� ُه أس��ود) وهكذا دواليك.
فعليهِ أن يستم َّر في رسمِ هِ مراراً وتكراراً كونِهم مجاني َن إال أنهم كانوا ُمسالمي َن. كامل .وهكذا يمك ُن القو ُل كان وزي ُر الصحةِ (بحكم طبيعةِ منص ِبهِ ) أسبوع لمد ِة ٍ ِ ٍ ��أن األل���وا َن متعدِّدةٌ حين وآخ��ر، والكلب واح��� ٌد ،إذ ي��زو ُر ه��ذا المستشفى بي َن ٍ ب َّ ُ
إبداع – قصص
األسبوع .ل َّما أيام في اليوم، َّ ِ ولمد ِة ستةِ ٍ ِ أخ��ب��روهُ في المستشفى بهذا القانونِ ، ألولِ مرةٍ ،أدرك بأ َّن ُه وج َد عم ً ال يُحس ُد
SAYSARA
92
1432هـ جمادى الثاني 2011م مايو
ولقد خط َر على بالِ صاحبِنا أن يرس َم ُه
«سيكوباثي» جا ٍّد مع األطباءِ نقاش إلجراءِ ٍ ٍّ
صور ًة لوزيرِ الصحةِ ،ث َّم سألهم:
ت��س��اء َل ف��ي ن��ف ِ��س��هِ « :ك��ي��ف ات��ف�� َق ه��ؤالءِ
أم��ا َم المرضى ليرى َ كيف يتفاعلو َن مع ص��ورتِ��هِ .ح��دثَ درس أن رس�� َم لهم ذات ٍ َ ما هذا؟ بإجماع: أجابوا ٍ إ َّن ُه دجاج ٌة
والجواب نفس الرسم ِوالسؤالِ ِ تك َّر َر ُ ِ م��راراً وتكراراً كامل وهم أسبوع ..لمد ِة ٍ َّ ٍ
ينعتون معالي ال��وزي��رِ بالدجاجةِ ..كلما َّ ..بكل يجيبوا..بإجماع ��ب منه ُم أن ُط��ل َ ٍ األل�����وانِ .رس��م�� ُه ب��ب��ذل ٍ��ة ب��ي��ض��اء فقالوا
بجلباب أسود «دجاج ٌة بيضاء» .رسمه ٍ
���س على ف��ق��ال��وا «دج��اج�� ٌة س����وداء» ..وقِ ْ
كامل من األل��وانِ أسبوع ذلك في ش��أنِ ٍ ٍ ِ والنعوت... والمالبس واألشكالِ َ
كان من الحكمةِ أال يقو َل (من هذا؟)
حتى ي��ت َ التجنيس كامل ًة في ��رك ح��ري�� َة ِ متناولِ المجانين ،ولهذا قا َل (ما هذا؟).. حتى يتبين لهُ ،من خاللِ إجاباتِهم ،حج ُم المسافةِ الفاصلةِ بين الجنونِ والعقلِ في ِ أمخاخهم. أثارت هذ ِه اإلجاب ُة استغرابَهُ .دفعت ُه
القائمي َن على المستشفى ،لكنَّهم أ َّكدوا ل ُه طبيعي جداً بالنسبةِ للمجانين. بأن األم َر َّ ٌّ وأجمعوا على ِ نعت ال��وزي��رِ بالدجاجةِ ،
وفي أكثر من م َّرةٍ ؟ ورغ َم اختالفِ ه الكاملِ عنِ الدجاجةِ ؟»..تأ َّم َل كثيراً ،وفي األخيرِ
��أن لألمرِ عالق ًة مباشر ًة أقن َع نفس ُه ب َّ َ األسبوع بالدجاجةِ التي رسمها ط��وا َل ِ
يتوص َل إل��ى ما الماضي .وم��ن أج��لِ أن َّ ِّ يؤ ِّك ُد هذ ِه الفرضيةِ التي اقتن َع بها ،ق َّر َر األسبوع أن يرس َم لهم «ب��اخ��ر ًة» ،خ�لال ِ ��ج�� َل م�لاح��ظ��اتِ��هِ ح���و َل ما ال��م��ق��ب��لِ ،وي��س ِّ
الدرس األ َّولِ ، سيح ُدثُ .ل َّما حا َن موع ُد ِ
األسبوع ،استدعى المجاني َن إلى من هذا ِ القاعةِ .أخ َذ ٌّ حد َق في كل منهم مكانَهَُّ .
ِ وجوههم على طريقةِ سقراط .نظر إلى ِ ساعةِ الحائط حرصاً على أال يزي َد أو
��درس .تأ َّك َد من ينقص شي ٌء من زمنِ ال ِ َ جميع المجانين متجه ٌة إليهِ .. أن أنظا َر َّ ِ
التفت إليهم عند ذلك رس َم الباخرةَ ،ث َّم َ مما إذا بقي الجمي ُع في قص َد التأكدِ َّ َّ والشهاد ِة أم أ َّنهم تفرقوا، ��درس عالم ال ِ ِ ف��ي ع��ال��م ال��غ��ي ِ��ب ،ش���ذ َر م����ذ َر .ممتاز، مازالت أنظا ُرهم متَّجه ًة نح َو اللوحةِ .
وك��ان ه��ذا برهانَهم الوحي َد على أنهم
����درس وال��ش��ه��ادةِ. م���ازال���وا ف��ي ع��ال ِ��م ال ِ طلب منهم أن يقدِّموا إجاباتِهم ،وحص َل َ
الصحيح .كا َد الجواب إجماع على ِشب ُه ِ ِ ٍ ��واب ،ه��ذ ِه المرةَ ،إال يق ُع الك ُّل في ال��ص ِ أجاب قائ ً ال« :إ َّن ُه مجنو ٌن واح ٌد ،والذي َ محراثٌ » .ال بأس .ربما هناك عالق ٌة ما ِ والمحراث .فاألولى تحرثُ بين الباخر ِة
لهم صور ًة لوزيرِ الصحةِ م َّر ًة أخرى ،م َع العلم أ َّنهم كانوا يعرفونَ ُه جيداً؛ فعندما ِ
حين وآخر، يأتي لزيار ِة المستشفى ،بي َن ٍ كا َن بإمكانِهم أن يطلُّوا على معاليه من
ِ المخصصةِ لهم. القاعات خاللِ نواف َذ َّ ���دداً لكي ي��خ��ر َج من رس��� َم ال��ص��ورةَ ُم���ج َّ
ه��ذ ِه ال��ورط��ةِ ،فلو ح��دثَ أن كان الوزي ُر ���درس ،لظنَّها م��ؤام��ر ًة ح��اض��راً ،أث��ن��ا َء ال ِ ُ تستهدف الني َل تُ��ح��اك ض��دهُ..م��ؤام��ر ًة من ُسمعتهِ ومن بُعد ِه «الفيزيونومي» في
فترض بالمرضى ُ هذا المستشفى..كان يُ (المجانين) أن يتلقوا م��ب��ادئ التربيةِ الوطنيةِ ب��س��رع ٍ��ة ،وخفي ًة ع��ن رج ِ ��االت
��ب ك��لَّ��هُ، ال���دول���ةِ ،حتى ي��ب��دو ك َّ ���أن ال��ش��ع َ
للنظام والوحد ِة بعقالئِهِ ومجانينهِ ،فداءٌ ِ
ِ الترابيةِ والعيش ِ المشترك والدُّستورِ
و ...حتى وإن لم يشارك أح ٌد ،من أفرادِ
��ب ،ف��ي ص��ي��اغ��ة ه���ذا ال�� ُّدس��ت��ورِ . ال��ش��ع ِ صحيح أن المالئك َة قد رفعت أقال َمها ولكن السلط َة قد تُح ِّم ُل عن المجنونِ ، َّ ُ يحيطون به ،وهذا بعض مسؤولياته لمن َ
التمريض ،وعلى ِ رأسها يعني أن هيئ َة ِ عما يتف َّوهُ بهِ مجاني ُن صاحبُنا ،مسؤول ٌة َّ بأصحاب السعاد ِة أقوال ال تلي ُق األمةِ من ٍ ِ والمعالي و...
��ب منهم أن ي��ق��دِّ م��وا إج��اب��اتِ��ه��م، ط��ل َ لكن يبدو أ َّن�� ُه لم يتغ َّير في األم��رِ شي ٌء؛
لقد أجمعوا على ِ صاحب الصور ِة نعت ِ
بالدجاجةِ ،مر ًة أخرى ،ال بالباخر ِة (وهذا ِ بالمحراث .ال م��ا تو َّقع ُه صاحبُنا) وال
حو َل وال ق َّوةَ إال باللهِ ( ...تمتم في حيرة
من أمرِ هذ ِه اإلجابةِ الجماعيةِ الغريبةِ )، ولكن مع ذلك لم يكن يعتب ُر هذ ِه المسأل َة
العكس كا َن مرهق ًة ل ُه في عملِهِ ،بل على ِ
بعض التسليةِ حي َن يبحثُ لها يج ُد فيها َ
ٍ النفس ،أو علم عن ِ إجابات في دهاليز ِ بالخصوص..إال ما يتعل ُق العقلي الطب ِ ِ ِّ بجدليةِ «ال��وزي��ر والدجاجة» ه��ذه ،فقد ك��ان فع ً ال يتمنى أال يتك َّر َر األم��� ُر ،عدا
ذلك فال مشكلة .على األقل أصبح اآلن
إبداع – قصص
األسبوع البح َر والثاني يحرثُ الب َّر.بعد ِ لرسم الباخرةِ ،ق َّر َر أن يرس َم ص المخص ِ َّ ِ
SAYSARA
جمادى الثاني 1432هـ مايو 2011م
93
SAYSARA
94
1432هـ جمادى الثاني 2011م مايو
ليحس َن ِبهِ الشهري، ينتظ ُر استال َم رات َب ُه َّ ِّ
من أحوالِهِ المعيشيةِ ،بع َد أن تمك َن من
الحصولِ على ه��ذِ ِه الوظيفةِ ،أ َّم��ا فيما مضى فقد كان يائساً من ك ِّل شيءٍ .كان
الحكيم؟ ه��ل يُعق ُل أن تلقى مص َر َع َك ِ دو َن أن يُ َحوقِ َل ويُقَوقِ َل أح ٌد ورا َء َك؟». لهذا ،ولغيرِ هِ ،لم يهتم بمن ك��ان يسخ ُر من وظيفةِ التمريض التي حص َل عليها. ِ
يموت في هذِ ِه يعتق ُد بأ َّن ُه على المرءِ أال َ
كان تفاعل ُ ُه مع المجانين يُدخله في ج ٍّو ِ البحث والتَّأ ُّملِ والتسليةِ لدرجة أ َّن ُه م َن
ُ تملك ما ��ت ال أن تل َج العال َم اآلخ�� َر وأن َ ت��س��ت��أج�� ُر ب���هِ َم���ن ي��ق��رأ ُ ع��ل��ى ُج��ث��م��ان َ ِ��ك
المجتمع، مجنوناً بما يُش ِّك ُل خطراً على ِ إخراج َك كنت من قبل ،ولهذا ق َّررنا كما َ َ
تحت عتبةِ الفقرِ ،فلن المنطقةِ ،وه��و َ
يصلي أح ٌد صالةَ الجناز ِة على جثمانِهِ ،لم يشعر بمرورِ الزمانِ ،وها هو الشه ُر ولن يت َّم تكري ُم ُه كما يلي ُق بالموتى .صا َر األو ُل م��ن ع��م��لِ��هِ ق��د م��ض��ى .اس��ت��دع��اهُ طلب ك ُّل شيءٍ يبا ُع ويشترى حولَهُ ،حتى «سورة مدي ُر ال ُمستشفى إل��ى مكت ِبهِ ،ث�� َّم َ ٍ وثيقة .و َّق�� َع صاحبُنا. ���اع األس���ع���ارِ من ُه التوقي َع على اإلخ��ل��اص» ت���أ َّث���رت ب���ارت���ف ِ ضرِ وباقي المواد وقا َل ل ُه المدي ُر: الذي طا َل أسوا َق الخُ َ الغذائيةِ .كان يتساء ُل قائ ً ال« :هل يُعق ُل «مِ ن الناحيةِ الطبيةِ فأنت اآل َن لم تَعد َ
س��ورةَ ِ تيس َر من الذكرِ اإلخ�لاص أو ما َّ
* كاتب من املغرب.
صدر حديث ًا عن النادي األدبي بالجوف كتاب «في حضرة السيد الموت» للدكتور يوسف بن حسن العارف
من المستشفى ..هنيئا لك».
SAYSARA
جمادى الثاني 1432هـ مايو 2011م
95
إبداع – قصص
SAYSARA
96
1432هـ جمادى الثاني 2011م مايو
SAYSARA
جمادى الثاني 1432هـ مايو 2011م
97
عندما تيأس الروح > ماجدة اخلالدي*
َم ْن منا ال يعصي؟ َم ْن منا ليس له ذكريات ،وماض مؤلم؟ من فجوة الماضي تراكمت أوجاعه ،ولم يسمعه ،وانطوى ببرودة األيام وقسوة لياليه.. واستسالمه ألوهامه القاتلة خ��رج من السجن بعد قضية قضى فيها سنتين ظلماً.. دفعته األحزان إلى اليأس ورسمت له الدنيا ،رسمت ألماً.. في أخر ممر من منزله توجد غرفة صامتة ال يعرف لها حياة داخلها شخصية هامدة ال حراك له سوى التأمل ع��زل نفسه ع��ن العالم ال��ذي ظلمه
استلقى على سريره.. بعد تنهيدة ألم والسيجارة في فمه وأمامه مرآة ينظر بنفسه والدخان يتطاير هنا، وهناك ويقول بفكره العاثر: ه����ل ..ه����ل ..ه������ل..؟؟؟ ه��ل ه��ذاأنا..؟! يجاري نفسه ،يسأل ،ويجاوب
إبداع – قصص
َم ْن منا ال يخطئ؟
SAYSARA
98
1432هـ جمادى الثاني 2011م مايو
وهو على هذا الحال خُ ّيل له طيفه يعزيه: «ليث» ماذا جرى لك؟ ِل َم كل هذااليأس..؟ هل تذكرني؟ هل نسيت من هو ليث؟ كان له طموح.. وكان له انبثاق في حياته.. ليث ..الجميع يشهد بمروءته
ولكن من أنت؟ إلي بح ّدة.. نظر َّ أنا ألمك الذي تهرب منه أنا الواقع الحقيقي ..بعيد عن عالم الزيف والكذب أن����ا ن��ص��ف��ك ال��ض��ائ��ع ب��ي��ن حقيقة الماضي ،وواقع مؤلم تعيشه
ماذا حصل؟!
سأقتلك ..سآتي يوما يتلوه يوم أخر
أفِ ق من كابوسك المزعج
صرخت مذعورا..
أص��ب��ح��ت ش��ب��ه ج���ث���ة ،ت��رت��م��ي بين أحضان األحياء عالم كل هذا الجمود؟ أيعجبك حالك وما أصبحت عليه؟! ليث.. استفق!! أنت كفرق من حديث الذات المطبق
سأتغير تنبهت فجأة ..أني ما زلت أغفو على سريري رن هاتفي ..إنه صالح صديقي َّ سحبت علبه السجائر م��ن ال��درج،
أص���ب���ح���ت ال ش�������يء ..أن�����ت ن��ك��رة ومنحت مالبسي رائحة عطرية مزعجة ..أنت عاله على مجتمع وخرجت وأنا أتمتم بأغنية مصرية سأتغير.. قديمة (روحي قلبي عقلي أين أنت اآلن؟ نعم سأتغير ..أعدك أنني سأصبح إنسانا آخر بل أين أنا؟!). * سكاكا اجلوف.
SAYSARA
جمادى الثاني 1432هـ مايو 2011م
99
سيــف خشـب > محمد مستجاب*
حب ًا لمن وجد شجرة الكافور ملقاة على الطريق ،ذابلة ،ولم يعرفها ،فأخذها ورفعها في وجه السماء ،فابتسمت ،وتمنّى أن تكون شجرة فاكهة ،أو نخلة ،تساقط الرطب عليه ليل نهار .فرح بها وزرعها وسط المقابر التي يعيش فيها وحيد ًا بين األموات، والذين يعطفون عليه ويطعمونه ويأوونه ،فقد اعتاد على طعام (الرحمة والنور) ال��ذي تخرجه النساء على أمواتهن ،ويتدثر بمالبس الراحلين. حباً لمن ال يعرف أحد له نسباً .قدم إل��ى القرية هائما على وجهه وع��م��ره ال فأصبحت قدمه خشنة متشققة. يتجاوز العاشرة ،فلم تهتم القرية به فقد ظ���ل ي��رع��ى ال��ش��ج��رة ك��ف�لاح ق��دي��م، كان أبلها ،وكان األطفال يناوشونه وينعتونه وي���روي���ه���ا ك����أم ،وي���رب���ت ع��ل��ي��ه��ا ك��واع��ظ، (بالعبيط) ،ك��ان يتجول ف��ي أي وق��ت ،ال ويحاجي عليها نسيماً ،وإذا مالت يقويها شيء يعنيه ،حرارة الشمس لم تؤثر فيه، باألعواد وبعض الحطب. غير أنها زادت من سمرة بشرته وتجعيد ط���ال االن��ت��ظ��ار ،ي��راق��ب��ه��ا ك��ي تثمر، شعره .الشتاء يداهمه فيغتسل ،يمضي حافيا بين طرقات القرية ،وقباب المقابر،
إبداع – قصص
حب ًا لمن زرع صبار ًا لقبر ،ولمن مات من دون قبر ،و ُأنس ًا لصمت ال��م��وت��ى ع��ن ك�ل�ام ال��ب��ش��ر ..ل��� ّوح بسيفه الخشبي ف��ي ال��ه��واء فاضطربت السماء.
SAYSARA
100
1432هـ جمادى الثاني 2011م مايو
وحولهم األطفال يلهون ،وفي أثرهم بعض النساء.
وكبر معها ،يستظل بها من وهج الشمس، يحوطها كما يحوط الرجال زوجاتهم ،يغني وسط صمت المقابر بصوت غير مفهوم، أيقن في هذا الصباح أنهم قادمون، والعصافير التي تسكن الفروع تزداد .كان خرج من عشته ووقف كفقيد خارجاً من حراً وسعيداً. القبر ،مهلهل المالبس ،وشعره المجعد لم يذهب األطفال للعب معه ،رغم تهديد تفلح المالئكة في تصفيفه ،فرد ذراعيه األمهات بعدم الذهاب ،وبجوار (العشة) يستقبلهم وابتسامته العريضة يسيح منها التي أقامها أسفل الشجرة ،يجلسون معه ،لعابه على شعر ذقنه ،وعندما رأى اآلالت ويأكلون الكثير من طعامه الذي تعطيه له ب��أي��دي��ه��م ،ق��ف��ز ط��ف��ل يجالسه وق���ال في الزائرات ،أو من الطعام الذي يختلسونه حزن: من أمهاتهم.
-سيقطعون الشجرة..
كبرت الشجرة ،أصبحت وارفة تعشش بها العصافير ساكنة مطمئنة ،وهو أسفلها يتابعهم وي��ح��اول أن يجد ل��ه مكانا على فروعها..
لم يفهم ،ظل واقفاً فارداً ذراعيه وفمه م��ف��ت��وح ،احتشد ال��رج��ال ،وال��ت��فّ��وا حوله وحول الشجرة ،قال أحدهم:
ش������اخ ،وظ�����ل ال���ش���ب���اب ي��ج��ال��س��ون��ه ليسامرهم ..كان حديثه مشوقاً لهم .عندما الجن والعفاريت التي أصبح يحكي لهم عن ّ يلهو معها في الليل ،فيخيفهم ويضحك، وإذا ضايقه أحدهم يهرول وراءه بسيفه الخشبي فيفر ضاحكاً ،ثم ال يلبث أن يعود ويصالحه.
سنقطع الشجرة..ثار عليهم ،قذفهم بالحجارة فشتتهم، تجمعوا مرة أخري ،أمسك بسيفه الخشبي مل ّوحاً في وجههم ،فهرولوا فارين هاربين إلى بيوتهم.
وق��ف أسفل الشجرة مزهوا بسيفه، زقزقة العصافير تحييه باالنتصار ،فازداد زه��واً وضحكاً ،واحتضن الشجرة وق ّبلها ورب��ت علي جذعها يطمئنها ،ورش بعض *** ض��اق��ت األرض ،وام��ت�لأت المقابر ،المياه يروي ظمأها ،بعد ارتجافها منهم. وق������ررت ال���ق���ري���ة ق��ط��ع ال���ش���ج���رة ل��ب��ن��اء في اليوم التالي ،رآهم قادمين ،أكثر مقابرهم ،لكنهم يخشونه ،ف��ي الصباح من أمس ،وعلى وجوههم التصميم ،شهر تجمعت القرية ،وأنطلق الرجال بعدتهم ،سيفه في ال��ه��واء وأخ��ذ يل ّوح ب��ه ..الناس
SAYSARA
جمادى الثاني 1432هـ مايو 2011م
101
يقتربون في حذر ،تناول بعض الحجارة ،الرجال ،وتغامزت النساء وأخفين عيونهن وأخذ يقذفهم فتفرقوا ،ولكن سرعان ما بأيديهن وت��واري��ن ب��ال��ح��وائ��ط ،واألط��ف��ال تجمعوا وازدادوا إصراراً. يبكون صامتين. هرب الجميع من أماكنهم ،وتوارت الشمس غاربة في حزن ،والعصافير تصرخ باحثة
عن مأوى ،هرع يحتضن الشجرة الساقطة، احتضنها بعيونه وذراعيه وقلبه وصراخه،
ولكنها ظلت تطقطق محدثة دوي��ا عاليا،
وص���راخ���ه ت�ل�اش���ي م���ع ص��م��ت ال��م��ق��اب��ر والشمس الغاربة والغبار واألطفال.
ص��رخ ..وص��رخ ،صمت القبور امتص ال��ص��دى ،وم��ع ال��ض��رب��ات وال��ق��ط��ع وكثرة *** الهمهمات ضاع الصراخ وتالشى الصدى، وكل صباح -تأتي الشمس ،واألطفال، ه��رب��ت العصافير حزينة ف��ي جلبة تعلو والعصافير ،كي يضعوا الطعام على قبره، في السماوات ،وسط الصراخ ومحاوالت أسفل جذع الشجرة ،حباً. التملص منهم ،تمزقت مالبسه ،وأصبح عارياً ،وقف كميت يبحث عن كفن ،ضحك ***
صدر حديث ًا عن النادي األدبي بالجوف كتاب «واحات وظالل» نصوص شعرية لألطفال والناشئين للمؤلف الطاهر لكنيزي
إبداع – قصص
اقترب رجالن يضحكان ،وثالث يتبعهم ساخراً ،طعن األول بالسيف ،تحطم السيف من الطعنة األول��ى ،ضحك الجميع ،رجع إل��ى الخلف واحتضن الشجرة ،صارخاً، ب��ك��ل��م��ات غ��ي��ر م��ف��ه��وم��ة ،أزع��ج��ت سكان القبور ،تم ّكن بعض الرجال من اإلمساك ب��ه وإب��ع��اده ع��ن ال��ش��ج��رة وع��ش��ت��ه ،وكلمة (اقطعوا) أيقظت النائمين في قبورهم..
صرخ رجل محذراً أن يفسحوا للشجرة،
SAYSARA
102
1432هـ جمادى الثاني 2011م مايو
SAYSARA
جمادى الثاني 1432هـ مايو 2011م
103
إبداع – قصص
SAYSARA
104
1432هـ جمادى الثاني 2011م مايو
فصل من رواية
فصل من رواية
SAYSARA
جمادى الثاني 1432هـ مايو 2011م
105
اختراع موريل جزء من رواية للكاتب الأرجنتيني «�أدولفو بيوي كا�ساري�س» ت�صدر قريباً > ترجمه عن اإلسبانية :أحمد مياني*
لكن هذه المرأة أعطتني أمال .يجب أن أخشى اآلمال!.. تتأمل الغروب كل مساء؛ وأنا أرقبها مختبئا .أمس ،واليوم ليالي وأيامي تنتظر تلك كذلك من جديد ،اكتشفت أن َّ الساعة .كانت المرأة تبدو لي سخيفة بحسيتها الغجرية ومنديلها الملون الكبير بإفراط .ومع ذلك أشعر ،ربما إلي أقولها بقليل من المزاح ،أنها لو كلمتني أو نظرت َّ للحظة ،فسوف يتدفق في داخلي ذل��ك األم��ان ال��ذي يجده المرء في أصدقائه وحبيباته وذويه من دمه نفسه. من الممكن أن يكون أملي هذا عمل يتابعونهم وهم يصيدون. ال��ص��ي��ادي��ن والع����ب ال��ت��ن��س ذي اللحية. عندما درت ح��ول��ه��م ،ك��ان��ت الشمس أغاظتني ال��ي��وم رؤيتها م��ع الع��ب التنس قد غربت ،فقط األحجار هي َمن شهدت ال��م��زي��ف ه���ذا؛ ل��س��ت غ���ي���رانَ؛ لكنني لم هبوط الليل. أرها باألمس كذلك؛ كنت سأذهب إلى تل رب��م��ا أق���وم ب��ارت��ك��اب حماقة ال دواء األحجار لكن هؤالء الصيادين قد منعوني من أن أواصل؛ لم يوجهوا لي كلمة ،هربت لها؛ ربما تقوم هذه المرأة ،التي لطفتها قبل أن يروني .حاولت أن أحيط بهم من شموس المساءات ،بتسليمي للشرطة. ف��وق ول��ك��ن ك��ان مستحيال فأصدقاؤهم أتق َّول عليها؛ لكنني ال أنسى حماية
فصل من رواية
ال أنتظر شيئ ًا .ليس األمر بهذه الفظاعة .بعدما حسمت األمر ،تحصلت على الهدوء.
SAYSARA
106
1432هـ جمادى الثاني 2011م مايو
القانون .الذين يقررون العقوبات يفرضون ق��درة على الكتابة (بتلك النقمة المكلفة زم��ن��ا ودف���اع���ات تجعلنا نتعلق بالحرية التي أدين بها للبشر). بجنون. عند وصولي كان هناك بعض الزاد في اآلن ،غزتني القذارة والشعر الذي ال أستطيع جزّه ..عجوز بعض الشيء ،أربي األمل في االقتراب من تلك المرأة الرقيقة والجميلة بال أدنى شك.
أث��ق ف��ي أن مصاعبي الكبيرة آنية، تتمثل ف��ي م��ج��اوزة االن��ط��ب��اع األول .لن يهزمني هذا المحتال المزيف.
***
خزانة طعام المتحف .في فرن تحميص كالسيكي ،وببعض الدقيق والماء والملح صنعت خ��ب��زا ال ي��ؤك��ل .ب��ع��د ذل���ك بوقت قصير أكلت دقيقا من الجراب (مع بعض الرشفات من الماء) .انتهى كل شيء حتى بعض ألسنة الخراف والتي كانت في حالة سيئة ،حتى أعواد الكبريت (مستهلكا منها ثالثة يوميا) .كم كان مخترعو النار أكثر تقدما منا! ظللت أعمل ،مؤذيا نفسي أياما بال عدد ،كي أنصب فخّ ا .عندما اشتغل تمكنت من أكل طيور مد ّماة ولذيذة .تتبعت تراث العزاب؛ أكلت أيضا جذور نباتات. لم يترك لي األلم وشحوب رطب ورهيب أي ذكرى طيبة .وسمح وبعض التصلبات ّ ل��ي خ��وف ال ينسى ،كنت ق��د حلمت به، بالتعرف على النباتات األشد سمية.
ف���اض ال��م��اء ب��ك��ث��رة ث�ل�اث م���رات في خمسة عشر يوما .أنقذني الحظ باألمس م��ن ال��م��وت غ��رق��ا .ك��ان ال��م��اء على وشك مباغتتي .اتكلت على العالمات التي نحتُّها ف��ي ال��ش��ج��رة .ك��ان��ت ح��س��اب��ات��ي أن المد سيأتي ال��ي��وم .ل��و أن��ن��ي نمت ف��ي الفجر لكنت اآلن م��ي��ت��ا .ب��س��رع��ة ش��دي��دة ،ك��ان أش��ع��ر ب��ض��ي��ق؛ ف��ال��ع��دة ليست معي. الماء يصعد بالحسم ال��ذي لديه مرة كل أسبوع .كان تقصيري كبيرا لدرجة أنني المنطقة غير صحية وظروفها معاكسة؛ اآلن ال أع��رف إل��ى أي ش��يء أع���زّي هذه لكن ،منذ عدة شهور ،كانت حياتي الحالية المفاجآت :ه��ل إل��ى أخ��ط��اء حسابية أم تبدو لي نعيما مقيما! إلى ضياع مؤقت النتظام المد .إذا ما كان الم ّد اليومي ليس بخطر وغير منتظم؛ المد قد غير عاداته فإن الحياة في هذه أحيانا ما يرفع ف��روع األش��ج��ار المغطاة المنخفضات ستكون كذلك غير مضمونة .باألوراق ،التي أفردها للنوم وأستيقظ في ومع ذلك سأتك ّيف مع األم��ر .لقد نجوت بحر متشرب بأوحال المستنقعات. من مصائب جمة. يتبقى ل��ي ال��م��س��اء ك��ي أص��ي��د ..في عشت لوقت طويل متألما ومحموما؛ ال��ص��ب��اح ت��ك��ون ال��م��ي��اه ق���د وص��ل��ت إل��ى منشغال للغاية أال أموت من الجوع؛ ودون خ��ص��ري ،وت��ك��ون ح��رك��ات��ي ثقيلة ك��م��ا لو
SAYSARA
جمادى الثاني 1432هـ مايو 2011م
107
يكمن حسن طالعي اآلن ف��ي تمييز الجذور الصالحة لألكل .تمكنت من ترتيب حياتي بشكل جيد ..أق��وم بكل أعمالي، ويبقى ل��ي ،حتى اآلن ،وق��ت للراحة .في هذه السعة أشعر أنني حر وسعيد. باألمس تأخرت؛ واليوم ظللت أعمل من دون توقف؛ ومع ذل��ك ،بقي شيء من العمل للغد؛ عندما يكون هناك الكثير من العمل ،ف��إن ام��رأة المساءات ه��ذه ال تشغلني. صباح أمس ،هاجم البحر الوهاد .لم أر قط مدا بهذه الضخامة .كان ما يزال
أمضيت وقتا من دون حركة ،منحنيا، ف��ي وض���ع غ��ي��ر م��ري��ح ،م��راق��ب��ا م��ن بين الستائر الحريرية الكائنة أسفل المذبح الرئيسي ،وتركيزي منصب على الجلبة المتداخلة مع العاصفة ،أنظر لجبال بيوت النمل المعتمة ،الطرق المتحركة للنمال، الشاحبة والكبيرة ،البالطات المزاحة... منتبها إلى نقاط الماء على الحائط وفي السقف ،إلى المياه المرتجة في القنوات الصغيرة ،إلى المطر في الدروب القريبة، إلى البرق ،إلى الضجيج المبهم للعاصفة، لألشجار ،للبحر على شاطئه ،للعوارض ال��ف��وري��ة ،أري��د ع��زل الخطوات أو صوت
فصل من رواية
كان الجزء الغارق في المياه كبيرا جدا؛ يشتد ،عندما هطلت األم��ط��ار (األمطار وفي المقابل ،ثمة أبراص وأفاع أقل ،أما هنا ليست متواترة ،لكنها شديدة الغزارة، علي الذباب فيبقى طوال اليوم ..طوال العام .مصحوبة ب��ع��واص��ف ه��وج��اء) .ك��ان َّ البحث عن سد.. العدة هناك في المتحف .أت��وق إلى ً منشغال بتزحلقات السفح وان��دف��اع امتالك الجرأة والقيام بحملة إلنقاذها. ربما ال يكون األمر ضروريا فهؤالء الناس األمطار والريح واألغ��ص��ان ،صعدت إلى ال��رب��وة .خطر لي أن أختبئ في الكنيسة سيختفون؛ ربما كنت أُهلوس. (المكان األكثر عزلة في الجزيرة). أص��ب��ح ال��ق��ارب ب��ع��ي��دا ع��ن متناولي، كنت في الغرف المخصصة للقسيسين على الشاطئ ال��ش��رق��ي .م��ا أف��ق��ده ليس بكثير .أع���رف أن��ن��ي لست سجينا ،وأن��ه كي يتناولوا إفطارهم ويغيروا مالبسهم يمكنني مغادرة الجزيرة؛ لكن ،هل يمكن (ل���م أر أي قسيس أو راع ب��ي��ن شاغلى أن أغادر بالفعل؟ أعرف أي جحيم يحوي ال��ج��زي��رة)؛ وف��ج��أة ،ك��ان هناك شخصان ذلك القارب .جئت من راباول حتى هنا .لم ح��اض��ران بشكل ف���ظ ،ك��م��ا ل��و أن��ه��م��ا لم يكن لدي ماء للشرب وال قبعة ..مجذفا ،يأتيا ،كما لو أنهما ظهرا فقط في رؤيتي والبحر ال ينضب ،كانت ضربة الشمس أو في مخيلتي ..اختبأت – حائرا وبرعونة والتعب أكبر مما يحتمل جسدي .أصاباني – تحت المذبح ،بين حرير ملون ودانتيال. لم يروني .ولآلن ال يزايلني الخوف. بمرض العج ،ونوم ال ينقطع.
SAYSARA
108
1432هـ جمادى الثاني 2011م مايو
شخص كان يتقدم نحو مكمني ،وتجنب أي ظهور آخر مفاجئ. عبر الضجيج بدأت أسمع أجزاء من لحن مقتضب وب��ع��ي��د ..ت��رك��ت االستماع وف ّكرت أنه كان كتلك األشكال التي ،حسب ليوناردو ،تظهر حينما نحدق ،لبعض الوقت، في بقع الرطوبة .عادت الموسيقى وكانت عيناي غائمتين .مستمتعا بانسجامها، متشنجا قبل أن يتملكني الرعب. بعد وقت ذهبت إلى النافذة .المياه، بيضاء ف��ي ال��زج��اج ،غير الم��ع��ة ،معتمة بشكل عميق ف��ي ال��ه��واء ،بالكاد ت��رى... حدثت لي مفاجأة كبيرة إلى درج��ة أنني تطلعت من الباب المفتوح.
االنتظار سخيفا بعض الشيء .أال تنتظر تعد شيئا من الحياة ،كي ال تجازف بها؛ أن َّ نفسك ميتا ،كي ال تموت .فجأة بدا لي كل هذا سباتا مرعبا ومقلقا بدرجة كبيرة؛ أود لو أن ينتهي .بعد الهروب .بعد أن عشت غير مبال بتعب ك��ان ي��د ّم��رن��ي ،تحصلت على ال��راح��ة؛ ربما تعيدني ق��رارات��ي إلى ذلك الماضي أو إلى القضاة؛ وأفضل ذلك على هذا المطهر الطويل.
هنا يعيش أبطال التأبه ،المتشبهون ب��ال��ك��ب��راء( ،أو قاطنو مستشفى مهجور ل��ل��م��ج��ان��ي��ن) .م��ن دون ج��م��ه��ور – أو أن��ا ال��ج��م��ه��ور ال��م��ت��وق��ع م��ن��ذ ال���ب���داي���ة -كي يكونوا أصالء فإنهم يعبرون حد اإلزعاج المحتمل ،يتحدون الموت .هذا حقيقي، ول���ي���س اخ���ت���راع���ا م���ن ج���ان���ب ح���ق���دي.. أخ��رج��وا ال��ف��ون��وغ��راف ال���ذي ك��ان هناك في الغرفة الخضراء ،المالصقة لقاعة األحياء المائية ،كان رجال ونساء يجلسون ب����دأت م��ن��ذ ث��م��ان��ي��ة أي�����ام ،ح��ي��ن��ذاك هناك على العشب أو على دكك ،يتحدثون ،سجلت الظهور المعجز لهؤالء األشخاص؛ يستمعون للموسيقى ،ي��رق��ص��ون وس��ط في المساء ارتجفت بالقرب من الصخور عاصفة من مياه ورياح هددت باقتالع كل الشرقية .قلت لنفسي إن ك��ل ش��يء كان األشجار. مبتذال :الشخص البوهيمي الذي يصاحب يبدو اآلن أن��ه ال غنى ل��ي ع��ن ام��رأة المرأة ،وحبي لها الخاص بعازب طالت به المنديل .قد يكون كل هذا التوقي من عدم العزوبية .عدت بعد يومين :كانت المرأة
هناك؛ بدأت أكتشف أن هذا كان الشيء المعجز ال��وح��ي��د؛ ب��ع��د ذل���ك ج���اءت أي��ام الصيادين المنحوسة ،لم أر المرأة فيها، أي��ام الملتحي والفيضان ،أي��ام إص�لاح ما خربه الفيضان ،اليوم في المساء..
***
SAYSARA
جمادى الثاني 1432هـ مايو 2011م
109
كاراكاس ،كان عدم انضباطي زخرفا مكلفا، كان من خصائصي األكثر شخصية!). ل��ق��د أف���س���دت ك���ل ش����يء .ك��ان��ت هي تتأمل الغروب ،وانبثقت أنا فجأة من وراء بعض األحجار .فجأة ،وبشعري الكثيف، ومكشوفا من الوهاد ،ال بد لي أنني ظهرت بهيئتي المفزعة المتزايدة.
أنا مرتعب وغير سعيد بنفسي ،ولكن ���دي إص���رار ب��ال��غ .ع��ل َّ��ي اآلن أن أنتظر ل َّ قدوم الدخالء ،في أي وقت؛ إذا تأخروا ف���س���وف ت���ك���ون ع�ل�ام���ة س��ي��ئ��ة malum هذه المرأة أكثر من أن تكون غجرية علي .سأخبىء signumسيأتون للقبض َّ هذه اليوميات ،وسأهيئ بيانا ،وسأخبئهما مز ّيفة .تدهشني جرأتها .ليس هناك من ليس بعيدا من القارب ..مقررا أن أصارع ،دليل على أنها رأتني .ال رمشة عين ،وال أن أهرب .مع ذلك ،لست عابئا باألخطار .أي جفلة خفيفة. لست مرتاحا أب���دا ،فيمكن إلهمالي أن ال��ش��م��س ال ت����زال ه��ن��اك ف���ي األف���ق يحرمني من تلك المرأة لألبد. (ليست الشمس ،ب��ل تجليها؛ كانت تلك بعد االستحمام أصبحت نظيفا وأقل اللحظة التي غابت فيها ،أو سوف تغيب هندمة (بسبب تأثير الرطوبة على لحيتي وي��راه��ا ال��م��رء حيث ال ت��وج��د) .كنت قد وع��ل��ى ش��ع��ري) ،ذه��ب��ت ألراه����ا .كنت قد تسلقت األحجار بسرعة .رأيتها بمنديلها رس��م��ت ه���ذه ال��خ��ط��ة :أن أن��ت��ظ��ره��ا عند الملون ،وبيديها معقودتين على ركبتها، الصخور؛ وعندما تأتي ،ستجدني شاردا نظرتها تغني العالم .لم يعد لجم تنفسي عند غروب الشمس؛ سيكون هناك وقت ممكنا .تبدو المرتفعات الصخرية مرتعشة لتستحيل المفاجأة والخشية المحتملة والبحر كذلك. ال بد أن الدخالء سيأتون بين لحظة وأخ��رى .لم أق��م بإعداد أي بيان .ولست خائفا.
وصلت متاخرا ج��دا( .يغيظني عدم انضباطي هذا .أف ّكر أن في هذا الموكب من اآلفات المسمى بالعالم المتحضر .في
اكتشفت عندئذ ،كي أرج��ىء اللحظة
فصل من رواية
إلى فضول :سيتشفع لصالحنا اإلخالص المشترك للمساء؛ وستسألني م��ن أن��ا، وسنصبح أصدقاء.
بينما كنت أفكر في هذا كله ،سمعت البحر بضجيج حركته وتعبه ،إلى جانبي، كما لو ك��ان قد ألقى بنفسه إل��ى جانبي. هدأت قليال فليس محتمال أنها قد سمعت صوت أنفاسي.
SAYSARA
110
1432هـ جمادى الثاني 2011م مايو
ال��ت��ي أح��ادث��ه��ا فيها ،ق��ان��ون��ا سيكولوجيا ال��ف��ج��ائ��ي وال���وق���ت ال��م��ت��أخ��ر وال���وح���دة) قديما .ك��ان من المالئم لي التحدث من أصررت :أعرف أنه ليس الئقا.. مكان مرتفع ،يسمح لي بالنظر من فوق. لم أعد أتذكر ما قلته بالتحديد .كنت ه���ذا االرت���ف���اع ال��م��ادي الكبير يمكن أن تقريبا الواعياً .تحدثت إليها بصوت مهذب يقاوم ،في جانب منه ،إحساسي بالدونية .وخفيض ،وبهيئة توعز بالبذاءة .وقعت ،من صعدت عدة أحجار أخرى .زاد التعجل والمجهود حالتي س��وء .كنت قد أجبرت نفسي ع��ل��ى ال��ت��ح��دث إل��ي��ه��ا ه���ذا ال��ي��وم. ل��و كنت أردت تجنيبها اإلح��س��اس بعدم األمان -بسبب المكان المنعزل والظالم- لما كان بإمكاني االنتظار لدقيقة واحدة. أراه�����ا ك��م��ن ت��ت��خ��ذ وض��ع��ا م���ن أج��ل مصور خفي ،كانت في سكينة المساء ،في السكينة غير المحدودة وكنت سأقطعها عليها. كان سيصبح قول أي شيء طلبا مقلقا. كنت أجهل إذا ما كان لدي صوت. رأيتها وأنا مختبئ .خفت أن تفاجئني وأنا أتجسس عليها؛ ظهرت ،ربما بطريقة زائ���دة الخشونة ،ف��ي مرمى نظرتها؛ مع ذل��ك؛ لم ينقطع تنفسها الهادئ؛ نظرتها غ��ض��ت ال��ط��رف ع��ن��ي ،ك��م��ا ل��و ك��ن��ت غير مرئي. ّ
جديد ،في كلمة آنسة .تخليت عن الكلمات وب����دأت أت��أم��ل ال���غ���روب ،آم�ل�ا أن تقربنا نظرة الهدوء التي نتقاسمها .عدت ألتكلم. المجهود الذي قمت به كي أتمالك نفسي، أخفض صوتي وأزيد من نبرة البذاءة .مرت عدة دقائق أخ��رى من الصمت .ألححت، توسلت ،بطريقة كريهة .في النهاية كنت سخيفا بشكل استثنائي .مرتجفا ،طلبت إليها ،بصراخ ،تقريبا ،أن تشتمني ،أن تشي بي ،لكن أال تبقى صامتة هكذا. لم يكن األمر كما لو أنها لم تسمعني، كما لو أنها لم ترني؛ بل ك��ان كما لو أن أذنيها ال تصلحان للسمع ،وأن عينيها ال تنفعان للنظر .بطريقة ما شتمتني ،أظهرت أنها ليست خائفة مني .كان الليل قد ح َّل عندما أخ��ذت حقيبة الخياطة ،وس��ارت بهدوء على الجانب األعلى من الربوة. لم يأت الرجال بعد للبحث عني .ربما لن يأتوا هذه الليلة .ربما تكون هذه المرأة مندهشة كثيرا من كل ما جرى ،ولم تحك لهم عن ظهوري.
لم أتو ّقف .آنسة ،أريد أن تسمعيني- قلت على أمل أال يصل إليها توسلي ،فقد كنت منفعال لدرجة نسياني ما أردت قوله. الليل معتم .أعرف الجزيرة جيدا :ال ب��دا ل��ي أن وق��ع كلمة آنسة سخيف على أخشى من جيش بكامله لو جاء يبحث عني هذه الجزيرة .إضافة إلى أن الجملة كانت ليال. أم��ري��ة بشكل زائ��د (متزامنة م��ع الظهور ***
SAYSARA
جمادى الثاني 1432هـ مايو 2011م
111
عودة المرأة ،القرب الذي بحثت عنه ،العمل .رأيت الزهور (غزيرة في الناحية يبدو أن كل ش��يء يشير إل��ى تغير سعيد السفلية من ال��وه��اد) .نزعت ما بدا لي
فصل من رواية
ح���دث ،م���رة أخ����رى ،ك��م��ا ل��و أن��ه��ا لم بشكل أكبر مما يمكنني تخ ّيله.. ترني .لم أرتكب خطأ آخر إال البقاء ساكتا ربما نسيت لحيتي ..سنواتي ..الشرطة وع���ودة الصمت إل��ى م��ا ك��ان عليه .كنت التي طاردتني كثيرا ،والتي ال ت��زال لآلن أتأمل ال��غ��روب عندما ج��اءت ال��م��رأة إلى تبحث عني ،بعناد ،كلعنة نافذة. الصخور .كانت هادئة ،تبحث عن مكان ال يجب أن أتعلق باألمل ،أكتب هذا لتفرش البطانية .بعدها مشت باتجاهي. وأنا أتمطع كدت أن ألمسها .هذا االحتمال وتخطر لي فكرة هي عبارة عن أمل. أرعبني (كما لو كنت واقعا في خطر من ال أعتقد أنني قد شتمت المرأة ،لكن جراء لمس شبح) .في غضها الطرف عني ربما كانت الفرصة سانحة ألع ّوضها .ماذا ثمة ش��يء مخيف .رغ��م ذل��ك ،فبجلوسها يفعل رجل في موقف كهذا؟ يرسل زهورا. بجانبي ،فإنها تتحداني .وبطريقة ما ،هذه خطة سخيفة ..لكن التكلّف عندما وضعت نهاية لهذا التجاهل؛ أخرجت كتابا يكون بسيطا فإنه يملك القلب. من الحقيبة وأخذت تقرأ. هناك زهور كثيرة في الجزيرة .عند استغليت الهدنة ،كي أُه��دىء نفسي؛ وصولي ،كانت هناك مجموعة كبيرة منها بعد ذلك ،عندما رأيتها تضع الكتاب وترفع حول حمام السباحة والمتحف .بالتأكيد نظرتها فكرت« :إنها تحضر استجوابا» .لم سأتمكن م��ن صنع حديقة صغيرة فوق يحدث هذا .تفاقم الصمت الذي ال مناص ال��ع��ش��ب ال���ذي ي��ح��وط ال��ص��خ��ور .أحيانا منه .فهمت أهمية أال أقاطعها ،لكن دون تنفع الطبيعة في التحصل على صداقة مكابرة ودون داع ظللت ساكتا. امرأة .ربما تساعدني على كسر الصمت ل���م ي����أت أح����د م���ن زم�لائ��ه��ا س��اع��ي��ا وال��ح��ذر ..سيكون ه��ذا أسلوبي الشعري ورائي .ربما لم تحدثهم عني ،ربما تقلقهم األخير .أنا لم أشكل ألوانا ،ال أفهم شيئا معرفتي بالجزيرة (لهذا تعود المرأة يوميا تقريبا في فن الرسم ..أثق ،مع ذلك ،في متصنعة حدثا عاطفيا) .آخذ حذري ،أنا قدرتي على عمل شيء متواضع ينم عني جاهز لمفاجئة المؤامرة األكثر صمتا. كهاو للحدائق. ٍ اك��ت��ش��ف��ت ف����ي ن��ف��س��ي م���ي�ل�ا ل��ت��وق��ع *** التبعات السيئة بشكل استثنائي .تكون في السنوات الثالث أو األربع الماضية ،ليس ص���ح���وت ف���ي ال���ف���ج���ر .ش���ع���رت أن عرضيا وال يزعجني. ج���دارة تضحيتي كانت تكفي ك��ي أكمل
SAYSARA
112
1432هـ جمادى الثاني 2011م مايو
أنه أقل نفورا .كذلك الزهور ذات األلوان الغامضة لها خضرة شبه حيوانية .بعد قليل م��ن ال��وق��ت ،ألقيت ن��ظ��رة عليها، كي أرتبها ،ألنها كانت تفيض من تحت ذراعي :كانت ميتة. ك��دت أن أتخلى ع��ن خطتي ،لكني تذكرت أن ثمة مكانا آخ��ر في األعلى، على مرأى من المتحف ،غني بالزهور.. وألن الوقت كان مبكرا ،فقد بدا لي أنه ليس هناك من خطر في الذهاب لرؤية الزهور .كان الدخالء نائمين بالتأكيد. قطعت ع��دة زه���ور ،ك��ان��ت صغيرة جدا وخ��ش��ن��ة .ل��ي��س ل��ه��ا ذل����ك االس��ت��ع��ج��ال الوحشي للموت .هناك عائقان :حجمها الصغير وأنها على مرأى من المتحف. قضيت الصباح بكامله معرضا نفسي ألن يكتشفني أحد منهم ،لديه الهمة ألن يصحو ق��ب��ل ال��ع��اش��رة .أظ���ن أن شرطا متواضعا للكارثة كهذا لم يتم الوفاء به. ط��وال م��دة عملي في ضم ال��زه��ور كنت أرقب المتحف ولم أر واحدا من شاغليه: يسمح لي هذا بافتراض أنهم لم يروني. الزهور صغيرة جدا .على أن أزرع اآلالف واآلالف إذا لم أشأ حديقة تافهة (يمكن أن تكون أكثر جماال ،وأسهل في عملها؛ لكن يظل هناك خطر أال تراها المرأة). عكفت على تحضير مربع الحديقة وحفر األرض (إن��ه��ا متصلبة وسطحها المع ّد * شاعر ومترجم مصري مقيم في إسبانيا.
ش��دي��د االت���س���اع) ،وري��ه��ا ب��م��اء المطر. عندما أنتهي من تحضير األرض سيكون علي البحث عن زهور أكثر .سأفعل كل ما َّ في وسعي كي ال يفاجئني أحد ،وبشكل علي عملي ،أو أن خاص ،كي ال يقطعوا َّ يروه قبل اكتماله. ن��س��ي��ت أن ه��ن��اك ض�����رورات كونية بالنسبة لحركة النبات .ال يمكنني تصديق أن ال��زه��ور ل��ن تبقى حية حتى غ��روب الشمس بعد كل هذا العمل الخطر ،وبعد كل هذا التعب. أفتقر إلى جماليات تنسيق الحدائق، على أي حال ،فإن الحديقة ،بين المراعي وبين الجبال الصغيرة من القش الذي يحوط النباتات ،ستبدو مثيرة للمشاعر. س��ي��ك��ون غ��ش��ا ،بطبيعة ال���ح���ال؛ طبقا لخطتي ،س��ت��ك��ون ه���ذا ال��م��س��اء حديقة معتنى ب��ه��ا؛ رب��م��ا تصبح ميتة غ���دا أو دون أزه��ار (إذا ه ّبت ال��ري��ح) .يخجلني قليال إعالن خطتي .امرأة هائلة الطول جالسة ،تتأمل الغروب ،بيدين معقودتين على ركبة واحدة؛ ورجل ضئيل ،مصنوع م��ن األوراق ،راك���ع أم��ام��ه��ا (ت��ح��ت ه��ذه الشخصية سأضع كلمة أنا بين قوسين). س��ت��ك��ون ه��ن��اك ه���ذه ال��ك��ل��م��ات :سامية، غامضة وليست نائية ،بالصمت الحي للوردة.
SAYSARA
جمادى الثاني 1432هـ مايو 2011م
113
دراسات ونقد
SAYSARA
114
1432هـ جمادى الثاني 2011م مايو
SAYSARA
جمادى الثاني 1432هـ مايو 2011م
115
المواطنة في الشعر السعودي
قصيدة (وطن الجمال) لنجاة الماجد أنموذجاً > د.إبراهيم الدهون*
لذا ،تهدف هذه ال ّدراسة النقد ّية إلى ويؤسس المنهج. تبيان مفردات ورموز المواطنة الحقيقية أن للوطن سحراً يتمثل وم ّما ال شك فيه َّ في قصيدة “وطن الجمال” للشاعرة نجاة في تمسك ّ الشعراء وحديثهم في قضايا الماجد ،م��ن خ�لال ديوانها “الجرح إذا ومسائل أكثر عمومي ًة ،ترتبط ارتباطاً تنفس” الصادر عن نادي الجوف األدبي ،وثيقاً بمفاهيم واتجاهات المواطنة. ّ سنة 2010م ،وأث��ره��ا ف��ي تنمية الحس ��إن المواطنة مفهو ٌم اشتق وعليه ،ف َّ ال��وط��ن��ي وال�����وازع االن��ت��م��ائ��ي ب��ي��ن أف���راد من كلمة الوطن ،تشترك فيه جميع األمم، المجتمع. وكيان يفرض وجوداً على الفرد المنتمي،
أن مشكالته ال تتجزأ وال السعودي ال���ذي يشعر َّ إن المدق َق لمسيرة ّ َّ الشعر ّ يلحظ دقة التفاعل والتمازج والتعامل مع ينفصل عن مشاكل أفراد المجتمع اآلخر. ال��وط��ن على أس���اس عناصره ومكوناته، ومن هنا ،تأتي أهمية هذه الدراسة ّص ّ الشعري في بناء التي تنطلق من الفرد ،الذي يبلور المكان في ّ تقصي أث��ر الن ّ
أقـ ـ ـ ـ ـ ــواس
الصالحة ،والتّعبير عن أصول اإلسالم تعبير ًا سليم ًا ،وبث القيم ِإنَّ حضو َر المواطنة ّ السعودي، والفضائل العليا في األجيال ،وتطوير المجتمع فكر ّي ًا وثقاف ّي ًا في األدب ّ بشكل عامّ ، الفت لالنتباه، والشعر بشكل خاصٌ ، للدراسة والبحث الجا ّد ألنّ ومثير ِّ ٌ الصالحة عامل الفعالين للمواطن الصالح .وعليه ،فإنّ ّ المواطنة ّ للتقدم واالزدهار ّ ّ الشاعر يسعى جاهد ًا ليقيم عملية التواصل والمثاقفة مع أبناء المجتمع ،من حيث إنّه ينهض بوظيفة اجتماع ّية ،مؤداها مراس الكالم مع النّاس والتأثير فيه.
SAYSARA
116
1432هـ جمادى الثاني 2011م مايو
��ص��ال��ح��ة ،وم����دى ال��ت��ص��اق ال��م��واط��ن��ة ال ّ ّ الشاعرة والتحامها بالوطن والوطنية؛ ً تطبيقا على قصيدتها آنفة الذكر. فحينما نتأ ّمل قصيدة وطن الجمال، نلحظ جلياً ال��روح الوطن ّية ،فض ً ال عن السعودي تجسيد نعمة الله على المجتمع ّ في اجتماع الكلمة وتآلف القلوب ،في ظل قيادة حكيمة تنطلق من مبادئ اإلسالم ومفاهيمه الواضحة ووسطيته العظيمة.
عن ح ّبها لوطنها ،مصورة ما أف��اء الله سبحانه وتعالى عن هذه البالد من فضل كبير ،في أن قيض لها أشخاصاً استقاموا على دين رسولنا مح ّمد -صلى الله عليه وسلم -وحكموها بما أمر الله ونبيه من ع��دل وت��ق��وى وم��س��اواة ،فتدخل الماجد في صورة محفزة ورائعة ،لتع ّبر عن شدة تعلّقها وشغفها بالوطن ،حيث ترتفع درجة المناجاة والهيام به. وإذا مضينا إل��ى األس��ط��ر ّ الشعرية اآلتية في قصيدتها ،نرى ص��ورة الوطن مشرقة ،تلح إل��ح��اح��اً كبيراً على ال�� ّن��ور وال��ه��داي��ة؛ وهنا ،تك ّرر ال��دِّالل��ة الدين ّية، وتن ّبه أبناء مجتمعها على التشبث الحقيقي باألرض ،فتستغل ّ الشاعرة الثقافة الدين ّية لتبرز الوطن وسماته المتميزة لقولها:
ل��ق��د ك�� ّرس��ت ال ّ ��ش��اع��رة ال��م��اج��د في الكلمة أم��ان��ة ،وأث���راً ق��وي��اً ف��ي اإلن��س��ان، فكان العنوان لوناً من الثبات والتفاني والتماهي بالوطن ،وط��ن الجمال؛ وطناً عظيماً بماضي األجداد التليد ،وحاضر األبناء الطريف؛ فتذكرنا بما للوطن من أمجاد تجمع بين األص��ال��ة والمعاصرة، وبموطني أم القرى أرض الهدى فتورث النشوة واالعتزاز واالفتخار. حيث انبالج النور في األرجاء ل���ذا ،ت��ج��د ال ّ ��ش��اع��رة أم���ل سعادتها وطن وكلّ المسلمين تجلّه وفرحتها ف��ي لحظة حديثها عنه؛ أل ّن��ه في العقل مسكنه وفي األحشاء ���س���م���وق واألم���ج���اد ي��ط��ف��ح ب��ال��م��آث��ر وال ّ وبموطني للدين قامت دولة العظيمة .إذ تقول: وعلى شريعة ر ّبها السمحاء يا سائ ًال عن موطني وإبائي؟ ومقامه في ليلة اإلسراء قمة الجوزاءِ وطني يطاول ّ ومن يتأ ّمل األسطر ّ السابقة- الشعريةّ - لو تقرأ األمجا َد يبدو موطني أن النّور يشع من جوهرة هذا الوطن، يجد َّ موسوعة للمجد والعلياء الذي يمتلئ ترابه أمناً وسالماً ،فض ً ال عن محمد وله يؤول الدين دين ّ هذه األرض ،مهوى أفئدة النّاس ،لما فيها خير العباد وس ّيد ّ الشفعاء من إحساس يجبر األرواح الكسيرة ،وفيها السالم الحقّ ليس تمايز دين ّ بيت الله العتيق ،موئل العابدين من جموع البغضاء إلى يفضي فيه وال المسلمين الغفيرة ،كما أنها أرض الله أن الشاعرة تعلن ومن هنا ،نستشعر َّ
التي اكتملت فيها دائ��رة الوحي األخيرة،
SAYSARA
جمادى الثاني 1432هـ مايو 2011م
117
إذ بعث فيها سيد البشرية قاطبة ،ومتمم ارتباطها قيماً ب���ارزة ،وأنتجت قصصاً م���ك���ارم األخ��ل��اق س��ي��دن��ا م��ح�� ّم��د ،عليه ناجحة لدالالت العطاء والخير ،على نحو والسالم. ما تراءت صورته في قولها: ّ الصالة ّ
تتناغم فيها األبعاد ال ّدالل ّية والموسيقا الشعر ّية ،فض ً ّ ال عن انعكاس عمق االنتماء المكاني لتراب هذا الوطن.
ت��ص�� ّرح ال��م��اج��د ف��ي ه���ذه األس��ط��ر ال ّ ��ش��ع��ري��ة بقصة ان��ت��ص��ارات آل سعود ون��ج��اح��ه��م ف��ي م��س��ي��رة ال��ب��ن��اء وال��ن��م��اء واالزده��ار لهذا البلد حتى بلغ عطاؤهم هكذا ،ع ّبرت الماجد عن المواطنة، ذروت���ه ،وبلغ المجد قم ًة شامخ ًة ،منذ الس���ي���م���ا ت��وظ��ي��ف��ه��ا ل���ل���م���ف���ردة ال���لّ���غ���و ّي���ة تسلم دفة الحكم ،لما نلمسه من تطور والصورة ّ رسخت انتماءها؛ ّ الشعر ّية التي ّ هائل ،ورعاية األطياف كافة ،الذي يزرع ّص فاستحضار الوطن ،ومتعلقاته في الن ّ بدوره قيم االنتماء والوالء. ّ الشعري داللة أكيدة ،وإشارة واضحة إلى ّص ّ الشعري في الكشف عن وف���ي ه���ذه األث���ن���اء ،أرادت الماجد إبراز دور الن ّ االنغماس في انتمائها الوطني ،فأثمر تجربة ّ الشاعر وموقفه الفكري. * جامعة اجلوف.
أقـ ـ ـ ـ ـ ــواس
وترتفع النغمة الوطن ّية ارتفاعاً صارخاً أو تسألوني أي ُقطر موطني؟ وم��ل��ح��وظ��اً ،ي��ص��ل األم���ر ب��ال ّ ��ش��اع��رة إل��ى وطني العظيم وموطن العطاء التركيز على صورة الوطن ّ الشامخة ،في كم من عظيم أنجبته بالدنا كزهر عاطر األنباء ثباتها على معتقدها وفي أمنها وتكاتفها وغدا ٍ وتضامنها ،فتقول: فمتى سألتم عن مآثر موطني في البحر أو في الصخرة الصماء مبدع هو مصدر اإللهام كم ٍ وطن يضاهي موطني وطني وما ٌ منه استقى هو فتنة ّ الشعراء هو أول ..بشهادة األعداء وطن الجمال به العيون تكحلّت وغدت تباهي أعين النجالء يتجلّى تعلّق الماجد بالوطن ،إذ تضفي ... عليه م��ظ��ه��را م��ش��رق��اً إذ رف���ض الخنوع تاريخه الوضاء فيه مالحم السموق والعلو واالستكانة ،وألبسته عباءة ّ للنصر والتمكين والعلياء ��ص ّ الشعري وال��ك��ب��ري��اء ،لذلك يمتلئ ال�� ّن ّ حكامه آل السعود ومجدهم بالثيمات المرتبطة بالبقاء وال��ت��واش��ج، نور يبدد قسوة الظلماء وتثبيت القيم وانبعاث اللحظات االشراق ّية، بالعلم أحيوها وبثّوا نوره كتكرار ثيمة (وط���ن) تسع م���رات ،وثيمة في الخافقين بخيرة العلماء (موطن) ثماني م��رات ،لتصوغها انساقاً
SAYSARA
118
1432هـ جمادى الثاني 2011م مايو
الجوف في ذاكرة التاريخ واألدب > مالك اخلالدي* لم تغب منطقة الجوف عن ذاك��رة الحضارة فكانت تُطل بين الفينة واألخ��رى من بين سطور الخلود في أسفار األدب والتاريخ ،ولعلنا نقف على بعض تلك المواضع كمصافحة سريعة لنبض الجوف المضيء. فمن المواضع التي ُذكرت فيها الجوف ونواحيها في شعر العرب ما يلي: -1قال ياقوت :عقدة الجوف موضع -2يقول اليعقوبي ف��ي ال��ب��ل��دان عن في سماوة كلب بين الشام والعراق ،ذكره رحيل قسم م��ن ط��ي م��ن منطقة الجوف المتنبي في قوله: إل��ى دي��ار بني سعد في حائل على لسان األحيمر السعدي الشاعر: ����اب وأم�������س ْ �������ت تُ����خ����ي����رن����ا ب����ال����ن����ق ِ وادي ال����م����ي����اه ووادي ال����قُ ����رى وأن م���وس���ى ب���ائ���ع ال��ن��ق��ل وال���ن���وى �������اب وال����س����ت����ار خ��ط��ي��ر ل�����ه ب���ي���ن ب ٍ
�����ت (ب���س���ي���ط���ة) ج������وب ال����را وج�����اب ْ ء ب����ي����ن ال�����نّ�����ع�����ام وب�����ي�����ن ال���م���ه���ا خال (الجوف) من قطاع سعد فما بها لمستصرخ يرجو البتول مصير(.)2 إل���ى ع��ق��دة (ال���ج���وف) ح��ت��ى شفت ٍ ������راوي ب���ع���ض ال���ص���دا ب����م����اء ال������ج َّ -3وق��د م��دح التنوخي األمير نواف والح ل�����ه�����ا ص�����������و ٌر وال������ص������ب������ا َح ال��ش��ع�لان (أح���د أم����راء ال��ج��وف قديما) ���ا ح ��� ض والح ال�����ش�����غُ �����و ُر ل����ه����ا وال��� عندما زار ال��ج��وف ورأى منظر النخيل ال��ذي يحيط بها أث��ن��اء رحلته ف��ي شمال ����ي دي�������داؤه�������ا وم���������س ال����ج����م����ي����ع ّ وغ�������ادى (األض����������ارع) ث����م ال����دن����ا( )1الجزيرة العربية ببيتين:
وبسيطة :أرض زراعية خصبة تقع في ل��ع��م��ري ل��ق��د زرت ال���دي���ار وأه��ل��ه��ا وط���ف���ت ب��ه��ا ح��ت��ى دع���ي���ت ب��ط��واف الجوف ،واألضارع إحدى قرى المنطقة.
SAYSARA
جمادى الثاني 1432هـ مايو 2011م
119
ودوم�����ة ال��ج��ن��دل إح����دى م��ح��اف��ظ��ات فأضحت بصحراء (البسيطة) عاصف ًا منطقة الجوف. تولي الحصا سمر العجيات مجمرا -4وقال الفرزدق: ذك��ره��ا ي��اق��وت ال��ح��م��وي( :بسيطة ����ة) ط��واه َّ��ن م��ا ب��ي��ن ال��ج��واء و(دوم ٍ البرود من طي العصب . ِ ِ وركبانها َّ ()5
-5قال األعشى: أج�����دك ودع������تَ ال��ص��ب��ا وال����والئ����دا وأصبحت بعد الجور فيهن قاصدا
بلفظ تصغير بسطة أرض في البادية بين الشام والعراق)(.)8
وبسيطة أرض زراع��ي��ة خصبة في منطقة الجوف. وسنعرض اآلن شيئاً مما قاله بعض الرحالة والمؤرخين عن منطقة الجوف:
وم���ا خ��ل��ت أن أب��ت��اع ج��ه ً بحكمة �لا ٍ وم���ا خ��ل��ت م��ه��راس�� ًا ب��ل�ادي وم����اردا -قال العالمة حمد الجاسر -رحم ُه الله- ( :و بالد الجوف أثيرةٌ في نفسي ،فقد وأش�������ار ص���اح���ب ك���ت���اب ال���ق���ام���وس سعدت بزيارتها ٍ وعرفت -بين من مرات، ُ ُ ال��م��ح��ي��ط إل���ى أن م�����ارداً ح��ص�� ٌن ب��دوم��ة عرفت م��ن أهلها -أم��ي��راً م��ن خيرة من الجندل حين ق���ال :التمري ُد ف��ي البناء: عرفت من األمراء خُ لقاً وتواضعاً ومحب ًة التمليس والتسوية ،وبنا ٌء ممر ٌد :مطول، لفعل الخير ،وحرصاً على أن ينال هذا
أقـ ـ ـ ـ ـ ــواس
والمارد :المرتفع والعاتي ،وقويرة ُمشرفة ف���ل���م أر م���ث���ل (ال������ج������وف) ي���زه���و ()3 م��ن أط����راف خ��ي��اش��ي��م ال��ج��ب��ل ال��م��ع��روف بنخله ولم أر فيها حاكما مثل نواف -3وق��ال ي��اق��وت :ذه��ب بعض ال��رواة بالعارض ،وحص ٌن بدومة الجندل ،واألبلق فعجزت إل��ى أن التحكيم بين علي وم��ع��اوي��ة كان حصن بتيماء ،قصدتهما الزباء ْ ()6 بدومة الجندل ،وأكثر الرواة على أنه كان فقالت( :تمرد مار ٌد وع ّز األبلق) . ب���أ ْذ ُر َح ،وق��د أكثر الشعراء في ذك��ر أذرح -6قال أبو الذيال البلوي: وأن التحكيم كان بها ،ولم يبلغني شي ٌء من ول����م ت���ر ع��ي��ن��ي م��ث��ل ي����وم رأي���ت���هُ الشعر في دومة إال قول األعور الشني وإن ُ بـ(زعبل) ما اخضر األراك وأثمرا(.)7 كان الوزن يستقيم بأذرح وهو هذا: رجح سعد ابن جنيدل في كتابه وقد ّ رض��ي��ن��ا بحكم ال��ل��ه ف��ي ك��ل م��وط ٍ��ن بالد الجوف بأن زعبل المذكور في البيت وع�����م�����رو وع����ب����دال����ل����ه م��خ��ت��ل��ف��ان هو الحصن الواقع في سكاكا الجوف. ول���ي���س ب����ه����ادي أم ً ������ة م����ن ض�ل�ال ٍ���ة -7وق��������ال ال����ش����م����اخ ب�����ن ض�����رار ()4 ��ان (ب����دوم����ة) ،ش��ي��خ��ا ف��ت��ن ٍ��ة ع��م��ي ِ الذبياني:
SAYSARA
120
1432هـ جمادى الثاني 2011م مايو
ال��ج��زءُ الحبيب م��ن ب�لادن��ا نصيب ُه من التقدم واإلصالح كام ً ال غير منقوص)(.)9 وق��ال ال��م��ؤرخ سعد ب��ن جنيدل( :و بعدمشاهداتي ما فيها من آثار التزال ماثلة تدل على عراقة تاريخية وقوة عمرانية، وما رأيته فيها من نهضة عمرانية وتقدم اجتماعي لم يعد تفكيري م��ح��دوداً في تدوين مالحظاتي ومشاهداتي بصورة موجزة)(.)10
بينها مدينة الجوف ،التي يفتخر سكانها بتسميتها (جوف الدنيا) ألنها تقع على بعد متساوٍ من مختلف تخوم الجزء الشمالي من أرض الجزيرة العربية). ويقول( :إن أغ��رب ما في ه��ذه المدينةالتركيب االجتماعي لكل قرية ،فلكل قرية منظرها الخاص ،وسكانها المتميزون عن غيرهم)(.)12
وقال الرحالة لوريمر عن مدينة الجوف:(هي أكبر مدينة في والية أمير جبل شمر الرحالة الليدي آن بلنت( :وفجأة أتينا()13 في أواسط شبه الجزيرة العربية) . إل����ى م���ا ي��ش��ب��ه ط����رف ح�����وض ،وه��ن��اك بالقرب منه إل��ى األس��ف��ل ام��ت��دت واح��ة -و يقول الباحث تركي القهيدان( :المنطقة واس��ع��ة م��ن النخيل م��ح��اط��ة ب��س��ور ذي ت��ض��م آث�������اراً ن������ادرة ج��ع��ل��ت ال��ب��اح��ث��ي��ن أبراج على مسافات بينها ،ومدينة صغيرة يتقاطرون إليها بحثاً عن آثارها ،وهي ملتفة حول القلعة السوداء ،لقد كنا في جديرة بأن يبحث الباحثون في تاريخها، الجوف!)(.)11 ويكتب عنها الكتاب وينقب المنقبون عن الرحالة الفنلندي ج��ورج أوغست فالين:(وصلنا عند آخر وادي السرحان إلى دائرة من الجبال الصغيرة الكلسية الحجارة تقع
آثارها ،وأرضها من أخصب األراضي في المملكة ،ومياهها من أوفر وأعذب المياه في الجزيرة)(.)14
( )1معجم البلدان لياقوت احلموي. ( )2هدية األصحاب في جواهر أنساب منطقة اجلوف لعبدالرحمن الشايع. ( )3شبكة املعرفة الرقمية. ( )4معجم البلدان لياقوت. ( )5بالد اجلوف لسعد بن جنيدل. ( )6املرجع السابق. ( )7صفة جزيرة العرب حلمد اجلاسر. ( )8كتاب السمح لسليمان األفنس الشراري صفحة .29 ( )9كتاب بالد اجلوف لسعد بن جنيدل. ( )10املرجع السابق. ( )11كتاب رحلة إلى جند ملؤلفته الليدي آن بلنت. ( )12كتاب اكتشاف جزيرة العرب ملؤلفته جاكلني بيرين. ( )13كتاب بالد اجلوف لسعد بن جنيدل. ( )14اجلوف أرض اآلثار واحلضارة للقهيدان.
SAYSARA
جمادى الثاني 1432هـ مايو 2011م
121
بحيرة خلف التل:
ليلة شعر سودانية بنادي الجوف األدبي > محمد جميل أحمد ،نصار احلاج*
اإلحساس المريح في المكان ...والكثير من مفردات شعور تجعل الشاعر أكثر ثقة بما سيقول .في مطار الجوف استقبلنا ظهر األرب��ع��اء 2011/1/12م المصور الجميل ال��ش��اب (ص�ل�اح ال��ض��م��ي��ري) ،والصحافي األستاذ (ضاري الحميد) ،تحركنا مباشرة إل��ى مدينة دوم���ة ال��ج��ن��دل ال��ت��ي تبعد 50 كيلو متراً عن مدينة سكاكا متجهين إلى متحف ال��ج��وف .وعبر إطاللة سريعة مع ش��رح ممتع لألستاذ أحمد القعيد (مدير ال��م��ت��ح��ف) ول��ق��ط��ات ت��ص��وي��ر م���اه���رة من كاميرا صالح بدا لنا لوهلة أننا أمام ماض ٍ لحظات في الحاضر يستحق أن نمسكه
م��ن ذل��ك ال��زم��ن السحيق؛ دوم���ة الجندل حاضرة أثرية احتضنت ظالل التاريخ في مكان شهد نقطة جذب والتقاء بين الشام والعراق .مررنا بقلعة م��ارد ومسجد عمر بن الخطاب عبر رده��ات وأحجار عريقة القدم ...ثم أطللنا من وراء التل على بحيرة ساحرة .أه��ل الجوف فيهم إرث من ذلك المزيج الشامي والعراقي في تخوم الجزيرة العربية رمال متدفقة وزروع يانعة للزيتون ف��ي (ال��ب��س��ي��ط��ة).وف��ي متحف (النويصر) كانت المنطقة تحتفظ بصورتها في التاريخ القريب :أوان من الطين ،وبنادق من القرن التاسع عشر ،وصور ألبناء نوري الشعالن
أقـ ـ ـ ـ ـ ــواس
ما أجمل أن تحمل بعض الفرح المختلس وأن��ت ال ت��دري ،ربما ،إلى من يبحثون عنه في المنفى والغياب .في يوم بارد هبطنا على مطار مدينة سكاكا الجوف تلبية لدعوة كريمة من النادي األدب��ي إلحياء ليلة شعرية سودانية أعتذر عنها ألسباب قاهرة صديقنا في (الثالوث) عصام عيسى رج��ب فيما غ��اب عنها كبيرنا محمد مدني .بفضل حفاوة وترتيب رئيس النادي األدبي بالجوف األستاذ األديب إبراهيم الحميد ،كان كل ما حولنا يوحي بزمن ما خارج المكان :اآلث��ار العريقة في دومة الجندل ،بشاشة اللقاء وحفاوة الكرم،
SAYSARA
122
1432هـ جمادى الثاني 2011م مايو
تذكر بأجواء الثورة العربية الكبرى ...وذئاب ب��ظ�لال محنطة .بعد العصر وصلنا إلى فندق (النزل) بمدينة سكاكا حيث كانت لنا فيه راحة يسيرة وكرم باذخ بصحبة ضاري وص�ل�اح واألس��ت��اذ محمود ال��رم��ح��ي حتى أزف موعد لقاء مع جمهور كريم من أبناء الجوف ومن أبناء السودان توافدوا للنادي ليسمعوا شعرا في يوم ربما كان الشعر أقل منه بكثير في نفوس السودانيين؛ ذلك اليوم 2011/1/12م ك��ان أول ي��وم نستفيق فيه على حقيقة االنفصال المر على قلب كل سوداني .كان الحزن حاضرا في النفوس ل��ك��ن ج���دل ال��ش��ع��ر وق���درت���ه ع��ل��ى تمجيد الجمال في الحزن وإشاعته في كل النفوس جمع بين ال��ح��اض��ري��ن .وج��ع��ل م��ن الحزن جميال ربما .بدأت األمسية بكلمة ترحيبية من رئيس النادي األستاذ إبراهيم الحميد حيث اق��ت��رح على ك��ل واح��د منا أن يقدم صاحبه في إشاعة ذكية إلحساس بحميمية المكان .قرأنا من الشعر ما جعلنا نشعر في
نهاية تلك األمسية بأن وج��وه السودانيين رغم حزنها عكست امتنانا وشعورا في ذلك اليوم الحزين .أحسسنا كما لو أنا حملنا إليهم عزاءا مؤقتا في تلك النصوص وخدرا خفيفا على هامش المنفى .فالحزن الذي تدفق في النصوص بطريقة ال شعورية ،كان عنوانا ذكيا لتغطية صحيفة (الحياة) عن األمسية حيث جاء فيها بعض ما قرأناه من نصوص ،ومن ردود على أسئلة الحضور... (قال الشاعر نصار الحاج إن قصيدة النثر أخ��ذت حيزاً كبيراً اآلن ولم تعد هامشاً. يجب أن نكون متحركين في جميع جوانب الحياة ،كما في الشعر .من ال��ض��رورة أن تحصل تحوالت هنا وهناك .وقصيدة النثر رهان يتحرك على نطاق أوسع ،فيما اعتبر الشاعر محمد جميل أح��م��د أن غموض الشعر هو الذي يسمح بقراءته للمرة األولى والثانية والثالثة ،وأن للقصيدة منابع كثيرة. الشعر هو الشعر سواء كان مقفى أو نثرياً أو حتى تفعيلة هذه أشكال خارجية للشعر؛
الشعر ال��ذي يتشكل في ال��داخ��ل ،كما أن م��ص��ادر الشعر غامضة تأتي م��ن اإللهام والذاكرة ومن التجارب الشخصية أو تأتي من طبيعة الحياة العامة .وفي إجابة على س��ؤال الحزن في قصائد الشعراء ،أجاب ال��ش��اع��ر محمد جميل ب���أن ل��ك��ل شخصاً حزنه« ،ولكن ما يحدث في ال��س��ودان هل ي��دع��و ل��ل��ف��رح؟»؛ ف��ي إج��اب��ة ضمنية على الحزن على انفصال الجنوب.
حظائرها/تحت صريرِ المجنزرات/صا َر الشار ُع /والطير يقود إلى مقبر ِة األطفالِ ». ثم قرأ محمد جميل أحمد قصيدة بعنوان الطرائد ،ومنها َ «شج ُر الليل ِ نح ُن ،نطل ُع من عتـَبات الصدى /.الغيو ُم نسا ٌء توشـ ّ ْح َن بين الطرائد ،فرساننا يندبونَ/على ٍ فلك خ��اس ٍ��ر ،والقبائ ُل مغلولة ٌ/،أو ُل الدهر/ الصدى ما تقو ُل به آخره في الرمال/.كان َّ الري ُح/،كان المدى َصهو ًة للطـِّرا ْد») انتهى
التقطنا صورا وذكريات مع األصدقاء بنادي الجوف وعلى رأسهم األستاذ إبراهيم الحميد وكذلك مع بعض السودانيين في المدينة .في الليل كنا في موعد مع جلسة سمر على مأدبة عشاء عامرة بمنزل األستاذ إبراهيم الحميد رئيس نادي الجوف األدبي، حفها جمع كريم من مبدعي منطقة الجوف وعلى رأسهم المبدع الكبير عبدالرحمن الدرعان ،والدكتور جميل الحميد ،والقاص وال��ن��اق��د المصري د.ع��م��ر محفوظ ال��ذي ك��ان معنا ط���وال ال��ي��وم بتعليقاته الذكية وروحه المرحة .وبدعوة كريمة من األستاذ إبراهيم الحميد ذهبنا في اليوم التالي في زي���ارة لمقر مؤسسة األم��ي��ر عبدالرحمن السديري بالجوف وه��ي المعلم الثقافي البارز لمنطقة الجوف .فهي بحق مؤسسة مرموقة تصدر العديد من ال��دوري��ات مثل م��ج��ل��ة (ال���ج���وب���ة) ال��ف��ص��ل��ي��ة ال��ت��ي ي���رأس تحريرها األستاذ إبراهيم الحميد ،وكذلك مجلة (أدوماتو) التي تعنى باآلثار في منطقة الجوف .يضم مبنى المؤسسة مكتبة كبيرة للكتب في مختلف مجاالت العلوم باإلضافة إل��ى مكتبة إلكترونية حديثة تعتبر بحق
أقـ ـ ـ ـ ـ ــواس
ق���رأ ن��ص��ار ال��ح��اج ق��ص��ائ��ده مسته ً ال إيـاها بقــصيدة :وردة السافـ ـ ـ ــنا ،ج ــاء فيها «واحدة من نيران السافنا /عشب الله الساحر في غابات الزنج/تلعن كولمبوس ف��ي غ��ف��وت��ه األب��دي��ة/ف�� َّت��ح أذن��ي��ه لهسيس النسل القادم/نام بشهوته األول��ى ثانية » ثم قرأ من قصيدة :أيها األصدقاء« :أيها ��س��م��اء ال��ت��ي رصفنا ُز ْرق��تَ��ه��ا األص��دق��اء/ال َّ األرض بالفوانيس/ بالسهر/ل ّونَت رم��ا َد ِ َّ ���رت/ك���أح���ج���ارِ ال��ب��راك��ي��نِ ف��ي عتمةِ وأزه ْ الليل» .ت�لاه الشاعر محمد جميل أحمد ف��ي قصائد منها ق��ص��ي��دة :س��ي��رة المحو كنت وه��ي قصيدة مقفاة ،ومنها « عابـ ِراً ُ وب َضـ َباب/وال ـ َمـرائي بـَـري ِـق ـُهـ ُ َّـن وال��ـ�� ُّد ُر ُ ـت َح ْول ِـ َـي األمانِـي ف َـلـ َّ َما/ ـ ع م /ل اب َ َ ْ الس ـ َر ُ َّ ُ َ َ ���اب/ غ ر ��� ل ا ِ��ي ن �� ـ �� ـ �� ت ر د ��ا ـ �� غ ل ��� ـ ��� ص و ��� ل ا ���ك ـ ��� ش ِّ ُ َ ْ أ ْو َ َ َ ْ لـَم أ َز ْل كالـَغـُيـُوم َِهـشـَّا خـَفـَيـِفا/ب ِـي َــدِ اب/فـَكـَـأنـَّي ُدمـُـو ُع ال َم ْحـو والـل َّـيـَالِي كِ ـت ـ َ ُ ـأن الش ُّـ ُمـوع ُعـ ْمـ ٌر ُمـذ ـناهى/أ ْو كـ َّ شـَمـ ْ ٍعتـ َ َ اب» .ليعود الدور إلى الشاعر نصار ليقرأ ُ البيت الذي كا َن قصيدة :الغريب يقول فيها ُ عت أبوابُهُ/صار مأهوالً باألصدقاءِ /تص ّد ْ ِ والحيوانات التي َف َّرت من مأوى للعناكب/ ً
SAYSARA
جمادى الثاني 1432هـ مايو 2011م
123
SAYSARA
124
1432هـ جمادى الثاني 2011م مايو
منارة للثقافة والمعرفة بمنطقة الجوف. كما تضم المكتبة دوري��ات شهرية ويومية وف��ص��ل��ي��ة ك��ث��ي��رة ج���دا م��ن مختلف أن��ح��اء العالم العربي والعالم .وك��ان في صحبتنا ف��ي مؤسسة ال��س��دي��ري الخيرية األس��ت��اذ كانت رحلتنا سياحة شفيفة في التاريخ والشاعر صديقنا محمود الرمحي. والشعر والعالقات اإلنسانية الدافئة مع ثمة جهود كبيرة يقودها األستاذ إبراهيم أص��دق��اء تشعر بعمق صدقهم النبيل ال الحميد رئيس ن��ادي ال��ج��وف األدب���ي عبر في الكالم الذي ينتقونه كما ينتقى أطايب العديد من الجبهات في التنوير والثقافة ال��ث��م��ر ب��ل وك��ذل��ك ف��ي األش��ي��اء الصغيرة والوعي واإلب��داع بالمنطقة فهو من خالل واليومية والترتيبات الحميمة المعبرة عن إش��راف��ه المتعدد على األنشطة الثقافية حبهم للشعر واإلبداع والمبدعين. يمتحن قدراته وصبره على مواجهة الكثير حين غادرنا مدينة سكاكا الجوف في من العوائق التي تعترض نشاطه التنويري مساء ممطر شعرنا كما لو أننا اقمنا فيها وهي عوائق صبر في مواجهتها في مواطن دهرا سعيدا وعدنا منها محملين بحقيبتين ك��ث��ي��رة .م��ع ذل���ك ي��ب��دي األس���ت���اذ الحميد أنيقتين ملئتا ب��إص��دارات مؤسسة األمير تواضعا جما وخلقا كريما وح��ف��اوة بالغة ع��ب��دال��رح��م��ن ال��س��دي��ري ال��خ��ي��ري��ة وبعض تشعرك كما لو أنك تعرفه من قبل. مطبوعات ن��ادي الجوف األدب��ي وشهادتي الجوف وتاريخها بكالم كشف عن شغفه العميق بتلك المنطقة وإحساسه الجميل ب��م��ا ت��ن��ط��وي عليه م��ن إم��ك��ان��ات سياحية وآثارية كبرى.
ك��ان��ت ليلة ح��اف��ة ب��ح��دي��ث ش��ج��ي عن الشعر واإلب����داع وش��ج��ون ال��ح��ي��اة سمعنا فيها حديثا عميقا وص��ادق��ا م��ن األستاذ عبدالرحمن الدرعان ،وتحدث فيها كذلك األس���ت���اذ إب���راه���ي���م ال��ح��م��ي��د ع���ن منطقة
تقدير عن تلك األمسية .وبفضل ترتيبات األخ ال��ق��دي��ر ع��ب��دال��س�لام ح��م��د القاضب م��س��ؤول ال��ع�لاق��ات العامة ب��أدب��ي الجوف كانت رحلتنا ميسرة بكل ما قدمه لنا من اهتمام وتدابير غاية في اللطف والتهذيب.
صدر حديث ًا عن النادي األدبي بالجوف ديوان «بريد الحواس» للشاعر محمد جميل أحمد
SAYSARA
جمادى الثاني 1432هـ مايو 2011م
125
شهادات إبداعية
شهادات إبداعية
SAYSARA
126
1432هـ جمادى الثاني 2011م مايو
السر.. شهادة إبداعية مزيفة > ماجد الثبيتي* ستخبر أحد ًا بذلك؟» «لو أن حجر ًا كلّمك ..هل كنت ُ (يوجين غيفلك) في واق��ع مليء بالكثير من التعقيدات والتناقضات والجمود ،أصبحت طرق التعبير العفوية في حياتي تسير إلى مكان بعيد ،األزي��ز ال��ذي تصدره أيامي وأشكال الحياة من حولي ال يمكن سماعه جيداً ،والمحاوالت العبثية في فهم وإدراك كل شيء مسألة خاطئة ومستبعدة مائة في المائة .الكتابة كانت في البدء المحاولة رقم واحد لتسليط الضوء على الندوب التي تتركها مشاهداتي اليومية .وب��ب��طء أصبحت «الكتابة وال��ق��راءة وال��ف��ن وال��ت��أم��ل» منفذ ًا للهواء المتخيل ،ثقب ًا لألمل االسم ،وفرصة أخيرة في عدم االنجراف للواقع المعقد والمتناقض والجامد أعاله. ال أس��ت��ط��ي��ع اآلن أن أت��ذك��ر تلك لحظة م��ول��دي وان��دف��اع��ي ب��رع��ب من ال��ل��ح��ظ��ة ال��ت��ي دف��ع��ت��ن��ي ل��ل��خ��روج عن الرحم البسيط إل��ى الحياة المعقدة. القطيع ،تلك اللحظة التي تشبه تماماً وب��ال��ع��م��وم ال أع��ت��ق��د أن ه��ن��اك أح���داً
في العالم يستطيع تذكر لحظة كتلك، ول��ك��ن��ي أستشعر بعمق ال��ي��وم وك���ل ي��وم لحظات السعي الحثيث ف��ي ال��ب��دء من جديد وإرب��اك ذاتي بطريقة تختلف عن تلك ال��ت��ي ك��ان��ت ب��األم��س ،وإرب���اك أكبر ع��دد من ال��ق��راء معي وإث���ارة رتابة هذا العالم وهمجيته وفوضاه بأسئلة صادمة ومبهجة ومغايرة في آن.
أن ال��وس��ائ��ط ال��ح��دي��ث��ة ال��ت��ي تغمر ال��ع��ال��م ت��س��اه��م ك��ل��ي��اً ف��ي إع����ادة ق���راءة المفاهيم واألف��ك��ار وال��ح��ي��اة دون ت��ردد وب��ش��ك��ل ل��ح��ظ��ي ،وأن ال��ف��ن��ون الحديثة بكافة أشكالها تساهم في صنع التغيير والتحول وتواكب القفزات الطويلة التي ينتجها العلم وتتلقاها الحياة .هكذا أفهم األمور تقريباً...
2
هل يمكن تفسير األمر على أن الكتابة وت��ح��دي��داً القصة كانت فرصة للكذب، لتنمية الكذب والخيال بالتحديد؟ الكذب الطفولي المتقن الذي كنت أمارسه وتطور إلى فن رفيع؟ أو أن الكتابة خرجت من ص��ل��ب ال��ح��ي��اة ال��م��ع��اش��ة داخ����ل مجلس والدي رحمه الله؟ حيث قصص البادية وأشعارهم ونكاتهم الالذعة في أحاديث ال��م��ج��ال��س؟ وج���ان���ب ال���رم���زي���ة الكبير ال��ت��ي وجدتها عميقة وم��ؤث��رة ف��ي شعر المحاورة مث ً ال ال��ذي يروونه كبار السن أو الذي نحضره في المناسبات الشعبية واالجتماعية ورمزية المزح واللمز العميق بين م��ن يتصدرون المجالس وي��م��ررون رسائل موجعة ومضحكة معاً كانت وراء تخلق لذة الكتابة؟ االعتقاد األغلب هو أن جانب الموهبة تكون عبر عدد رهيب من المؤثرات وال أنسى منها الرغبة الشخصية التي قالها الروائي اإلمريكي العظيم نورمان ميللر أعاله.
3 «كفوا عن سؤالي عن برنامجي :أن أتنفّ س ،أليس برنامج ًا كافي ًا»
سيوران
في المدرسة لم أجد حافزاً للكتابة < «لماذا اخترت الكتابة؟». سأل المحاور ع��دا ف��ي مرحلة متأخرة م��ن الثانوية، بينما ما أتذكره حول مرحلة المتوسطة > «لكي ألتقي بالنساء الجميالت» .وله عالقة بجانب القراءة غير المنهجية أجاب نورمان ميلر م��ش��ه��د ع��اب��ر ف��ق��ط لمكتبة ال��م��درس��ة
شهادات إبداعية
ل��س��ت أرى ت��ل��ك ال��ح��ال��ة الشخصية في كل األح���وال صحيحة أو خاطئة أو ب���األح���رى ل��س��ت أس��ع��ى ل��ذل��ك ،ق���در ما أرغب حقاً في الهرب الناجح من تحديد ال��ح��ال��ة وال��ت��ن��ظ��ي��ر ل��ه��ا وأت��م��ن��ى أح��ي��ان��اً كثيرة مواصلة البحث عوضاً عن أمنية الوصول!
SAYSARA
جمادى الثاني 1432هـ مايو 2011م
127
SAYSARA
128
1432هـ جمادى الثاني 2011م مايو
آن���ذاك ،المغبر والمعتم قلي ً ال .مشهد خ��اص وذا حميمية صادقة .وت�لا ذلك ع���دد ك��ب��ي��ر م��ن ك��ت��ب ال��ج��ي��ب «رواي����ات المستقبل» والتي تتناول في مراهقتي مواضيع الخيال العلمي وتلك القدرة على كسر الواقع دائماً وبدرجة متطورة. حتى ج���اءت ن��اف��ذة ال��ع��ال��م «اإلن��ت��رن��ت» وفتحت آف��اق جديدة في تجربتي على كل ش��يء .على مالحقة دائمة للخيال والوصول إلى أبعد والسماح بكل شيء يبدو مستحي ً ال من قبل .وال��ق��درة على م��ش��ارك��ة ال��ع��ال��م ال��م��ج��ه��ول اهتمامات م��ت��ع��ددة وت��ن��م��ي��ة م���ا ف���ي داخ���ل���ي عبر ال��ت��واص��ل وال��ن��ش��ر اإلل��ك��ت��رون��ي ولمس ردود المتلقين في حينها .فجاءت جائزة الشارقة في العالم 2008لمجموعتي القصصية األولى «والوحيدة كما أعتقد * شاعر وقاص سعودي.
صدر حديث ًا عن النادي األدبي بالجوف ديوان «رغوة تباغت ريش األوراق» للشاعر إبراهيم الحسين
مستقب ً ال» ج����زاءاً معنوياً ع��ال��ي��اً لعدد م��ن اإلح��ب��اط��ات المحلية ف��ي حينها. والمكسب المهم كان في جعل من حولي من أسرتي أخذ اهتمامي بالكتابة مأخذ الجد ودعمي الحقاً. أعتقد ب��أن لحظة الكتابة واإلب���داع بشكل خ��اص ه��ي لحظة اس��ت��ق�لال عن االعتياد وموقف المغايرة على ما جرت األمور وخالصة اإلساءة أحياناً لما يمكن اعتباره أمر مفروغ منه .ولذلك أجدها لحظتي الذاتية والوحيدة والممتعة جداً. م��دي��ن��اً لجميع م��ن ج��ع��ل ال��ك��راه��ي��ة أح��ي��ان��اً م��ب��رر للكتابة ،للكذب المتقن، ل�ل�إس���اءة ال���ث���أر ،ول��ك��ل ال��ل��ح��ظ��ات التي جعلتني والعالم أنداد. -14فبراير2011-
SAYSARA
جمادى الثاني 1432هـ مايو 2011م
129
شهادة إبداعية
عين لص ..ومخيلة محتال أن ال تجد ما تقوله مهما ،ويصيبك بالفزع ،بكل تأكيد ستفكر في التواصل بطريقة أقل مواجهة ..أن تكتب ما تود قوله ..سيكون أقل أهمية بالطبع ..وأقل تلقائية لكنه بالنسبة لي أكثر تسلية وأكثر سالمة.. قلت تسلية؟! .بالفعل ..هذا توصيف دقيق لما أقوم به ..كنت أتمنى لو كان لدي هم كبير أكتب من أجله ..أمر طوباوي أود بلوغه أو النضال من خالل الكتابة لتحقيقه ..لكن ،مع األسف ،ال أستطيع إدعاء مثل هذا األمر. ال��وص��ف ف��ي مقتل ..فكرت أن كتابة لدي عين لص ..ومخيلة محتال وع��ي��ن ال��ل��ص ه��ي عيني الوحيدة ن���ص���ا ق��ص��ص��ي��ا ت����ح����اول م����ن خ�لال��ه الدخول في منافسة مع) الصورة) ..أي المبصرة عند الكتابة.. أن تكتب حدثا موازيا ،ممتلئا بالصور، واخ��ت��رت ط��ري��ق��ي لكتابة القصة واألحداث ،والعد التنازلي ،والتشويق.. بهذه العين.. أنت رجل مقضي عليك. ف���ك���رت ،وأود أن أخ��ب��رك��م ب��أق��ل يجب الكتابة من زاوي��ة ال تتمكن كلمات مثيرة للملل عن هذا التفكير( ،ال���ص���ورة مهما ك��ان��ت ب��راع��ت��ه��ا) من بأن الكتابة بعد أن زحزحت (الصورة) التقاطها.. وب�لا رجعة ،بعد أن أصابت الطريقة ه����ذا م���ا أش��ت��غ��ل ع��ل��ي��ه ..ول��ي��س ال��ق��دي��م��ة ل��ل��س��رد وال��ت��ي ت��رت��ك��ز على
شهادات إبداعية
> ضيف فهد*
SAYSARA
130
1432هـ جمادى الثاني 2011م مايو
ف��ك��رت أن���ه إذا م��ا ك���ان ال��ش��ع��ر هو بالضرورة أن أكون نجحت فيه.. ال��م��ه��م أن��ن��ي ع��رف��ت ش���روط اللعبة م���ح���اول���ة ل��ك��س��ر (ال���زم���ن���ي) لمصلحة المطلق.. وامتثلت لها. ل��م��اذا ال ن��ح��اول ف��ي ال��س��رد كسر (الحكائي) لذات المصلحة.
أن��ا أناني ج��دا في قضية الكتابة.. أكتب للمتعة ال��ذات��ي��ة ..ال أج��د متسعا نعم ،السرد ،أو أي عمل فني هو لفت للتفكير (بهموم كبيرة أو طوباوية) كما ذكت سابقا ..الكتابة هي مصنع العابي انتباه لطريقة تفكير الذات المنتجة.. الصغيرة .ومن الخطأ التفكير بتحويل ف��ي ال��م��م��ن��وع والممتنع ي��ق��ول علي مصنع العاب إلى مصنع ذخيرة حرب عن التفكيك بأنه (قطع الصلة مع م���ا أق�����وم ب���ه م���ن خ��ل�ال ن��ص��وص��ي المؤلف ومراده ومع المعنى وإحتماالته. القصصية ه��و تقديم مقترح للهروب به يجري التعامل مع الوقائع الخطابية من الحكاية وفي ظل تواجدنا في مدن وح���ده���ا ،ال بصفتها إش�����ارات ت���دل أو عالمات تنبئ ،بل بوصفها م��واد يجري (تخلو) من الحكاية) تقريبا.. أنت أمام خيارين ..إما أن (تخترع) العمل عليها إلنتاج معرفة تتعلق بكيفية أم���را غ��ي��ر ال��ح��ك��اي��ة ي��ق��وم عليه النص إنتاج المعرفة والمعنى .ولهذا فإن « ا لتفكيك يتجاوز منطوق الخطاب الى ما القصصي.. يسكت عنه واليقوله ،إل��ى ما يستبعده أو ت���ن���ق���ل ه������ذه ال���ح���ك���اي���ة (إل�����ى وي��ت��ن��اس��اه .إن���ه ن��ب��ش ل�لأص��ول وتعرية ال��م��اض��ي) ..أن تكتب نصا س��ردي��ا عن لألسس وفضح للبداهات. اآلن ..حكاية عما يفترض أنه يحدث.. ومن هنا يشكل التفكيك استراتيجية وتمتثل فيها للشروط السردية ..تكون الذين يريدون التحررمن سلطة النصوص مزورا صغيرا.. وإمبريالية المعنى أو ديكتاتورية الحقيقة. كل الذين نجحوا في كتابة نصوص وك��ل الذين يمارسون عالقتهم بهويتهم (م��ح��ل��ي��ة) مختلفة ..ن��ج��د أن��ه��م ه��رب��وا وإن��ت��م��اءا تهم بطريقة مفتوحة تضعهم للماضي ..نقلوا حكاياتهم إلى التاريخ خارج أي تصنيف جاهز أو إطار جامد. الذي كان يمتلك (حياة).. ومأزقه أن منطوقه يقول لنا بأن الخطاب أن تكتب حكاية ف��ي م��دن (مقفلة) ليس بمنطوقه بل بالمسكوت عنه). على ناسها ..أن��ت بالضبط كمن يكتب وه��ذا م��ا أح���اول صنعه عند إنشاء حكاية (خ��ي��ال ع��ل��م��ي) ..ع��ال��م (تحلم) أي ن��ص ..أي نص يفكك نفسه قبل أن بوجوده.. يمارس عليه هذا الفعل. * قاص سعودي.
SAYSARA
جمادى الثاني 1432هـ مايو 2011م
131
شهادة شعرية شهادات إبداعية
> نصار الصادق احلاج*
يا ترى من أين تبدأ الشهادة الشعرية؟ هل من ذلك النبع السحيق حد الخرافة واألسطورة؟ أم من الالوعى الموغل في غراباته وغيبياته ،الالوعي الذي لن نستطيع اإلمساك به وترويضه أبداً؟ أم من وعينا الملتبس مع إدراكنا ومشاهداتنا وخياالتنا وتوقعاتنا وقراءاتنا وتراكماتنا ومحاوالتنا المستمرة لتفسير م��ن أي��ن ُول��� َد وي��ول ُ��د ه��ذا الكائن السحري داخلنا؟ أم من الشغف الذي نُربيهِ داخلنا
إن����ه ال��ش��ع�� ُر ي���أت���ي م���ن ل��ق��اح ٍ ��ات عديدة...
حين تخترق أرواح��ن��ا ن���داءات تجر ُح أس��راراً ساكن ًة وتوق ُد فوهات براكين يُ���ول��� ُد م���ن ب��راك��ي��ن ف���ي ال��م��اض��ي كامنة في التخوم البعيدة من أرواحنا ال��س��ح��ي��ق وم���ن ي��ن��اب��ي��ع ف���ي ال��ح��اض��ر فتنهم ُر بذرة البحث عن إجابات أو عن ال��م��ت��ح��رك ك��ال��رم��ال ،يتخل ُق دون أن ن���راه لكننا نحس ُه ون���درك أن��ه زل��زال أسئلة ورغبات؟
SAYSARA
132
1432هـ جمادى الثاني 2011م مايو
الروح وضوء الحياة والنهر الذي يجرفنا حين ي��ه��در بأغنياته ويلته ُم القرابين بالبهجةِ التي تعكسها أمواجه وشالالته وتماسيحه وأس��م��اك��ه وال��م��ي��اه ال��ت��ي ال ت��ت��وق��ف ع��ن غ��واي��ات��ه��ا ورم���ال���ه ال��ت��ي ال يغيب عنها ال��ع��ش��اق وال��ه��واة المارقين والمتمردين والسحرة... ويُول ُد من المستقبل برهاناتهِ التي تُشب ُه ماوراء الشعر ،تُشبه خلودهُ ،تُشب ُه نُبُوءاته ،تُشب ُه ال حتمياتهِ تُشب ُه قطيعت ُه مع اإلجابات اليقينية التي تشك ُل حجاباً م��ن العبور بعيداً نحو مستقبل يتخلق دائماً...
المستقبل متعدد والشعر متعدد. ال��م��س��ت��ق��ب��ل ذروةُ ال��ح��ي��اة وال��ش��ع�� ُر ذروةُ خالصة الحياة وجوهر اإلنسانية الشفاف. المستقبل يأتي دائ��م��اً باختراقاته وك��ائ��ن��ات��هِ ومعطياته واخ��ت��ب��ار ره��ان��ات��ه ومفاجآته وخيباته وإشراقاته والشعر كذلك.
التي تحتض ُن نطفت ُه التي تتجدد بهذا ال��خ��ل��ق ال��م��خ��ت��ل��ف ل��ج��ي��ن��ات��ه وع�لاق��ات��هِ ال��م��اردة مثل الحب ومثل ٌ الطيور التي تختار فضاءاتها وأوكارها وهي ماسكة ِ بشرط حريتها قبل أن يصطادها هواة األقفاص والقنَّاصة. إنه الشع ُر جني ُن الحرية ومولودها الزَّاهي ،لهذا حين تنعد ُم الحريةِ يكون عروش أول المارقين والعابرين إلى زلزلة ِ الطغاة هو الشعر.
هل هذه شهادة شعرية التي أكتبها؟ أم هو هروب من الشهادة الشعرية؟ ال��ت��ي س��ت��ك��ون ق���اص���رة م��ه��م��ا التقطنا تفاصيل حياتها ورص��دن��ا م��ا ي��ب��دو لنا أن��ه التربة التي أوج��دت الشع ُر داخلنا ومهما سقيناها بمياه ظننا أنها ال��دم ال���ذي ض���خَّ ح��ي��اة ال��ش��ع��ر ف��ي��ن��ا ،ومهما اصطادت ذاكرتنا وجهاً من حياة الشعر فينا سنضرب ذاكرتنا بسندان الخيبة في أوقات أخرى على نسيانها إشارات مهمة من هذه الحياة الشعرية.
فكيف ل��ن��ا ال��ق��ب��ض ب��ال��نُ��ط��ف��ةِ التي إذن على أن أحكي التفاصيل العادية تصب ُح شعراً لنحدد من أين جاءت وكيف ال��ت��ي لمستها ي���داي وأدرك��ت��ه��ا ذاك��رت��ي جاءت ومتى وكيف تخلقت؟ واخ��ت��زن��ت��ه��ا وص��ورت��ه��ا ل��ي أدوات����ي على ِ إنه الشعر يُول ُد من إختالط األنساب أنها مكونات وم��ؤش��رات شهادتي حول ً ً ويصي ُر بهيا وراسخا كلما تعددت هذه تجربتي ال��ش��ع��ري��ة وع��ل��ى أن��ه��ا إدراك���ي اللقاحات ،كلما تراكمت المياه ّ وتوهجت ل��ل��ش��ع��ر ...وع��ل��ى أن��ه��ا ال��م��ح��ط��ات التي ب��ذور نَبْتَاتِهِ في رح ِ��م الكهوف القص َّية
إذن ْ سأنزل ُق اآلن إلى تلك المنطقة الوعرة من حكاية الشهادة الشعرية ،ومحاولة لملمة دروبها المتشعبة والممتدة أكثر مما أراه. لدت في ٍ قرية صغيرة على ضفاف ُو ُ نهر النيل األبيض بوسط السودان ،وأظن أن القرية تخل ُق عوالمها ،وتخل ُق حياتها وتُ��ن��ت�� ُج التفاصيل اليومية ال��ت��ي ت��ج��دِّ ُد الروح في كيانها ،حيث التوجد بالقرية مكتبات ع��ام��ة وال سينما وال ح��دائ��ق عامة وال متنزهات تأكل وقت الناس ،وال تلفزيونات ،كان في قريتنا النه ُر الذي يبعد مسافة كيلو تقريباً وعلى ضفافه نسبح وكثيراً ما شاهدنا التماسيح تم ُو ُر فنهرب حولها ال��م��ي��اه وت��ت��ح��رك نحونا ُ م��ن ال��م��اء وق��ل��وب��ن��ا ت��ك��اد أن تطير من
أم��اك��ن��ه��ا ت���دور التماسيح ح���ول نفسها ع��ائ��د ًة وم���ر ًة واح���د ًة رأي��ن��ا ف��رس البحر وك��ذل��ك نستمتع ب���م���زارع ال��خ��ض��روات المباحة مجاناً لمن يريد أن يأكل منها في الحقل وكانت هناك المياه المنسابة من النهر بقنوات ال�� َّري المائية وكانت ُ تحيط بالقرية هناك الحقول الزراعية من كل االتجاهات ،وكان هنالك ميدان واحد للعب كرة القدم ،وألنها بقعة صلبة ومرتفعة من األرض وال تحمل أي بوادر للخصوبة وال تصلح ل��ل��زراع��ة تركوها م��ي��دان��اً ب��ه ع���ارض���ات ح��دي��دي��ة ُغ���رزت باألرض منذ زمن االستعمار اإلنجليزي للسودان وما زال��ت صامدة لم تتخلخل رغم العبث بها واستخدامها في أوقات كثيرة كألعاب للمشي على ِّ خطها األفقي أو مهارات التشعلق والصمود لزمن أطول ومرات مع الحركات البهلوانية وقد ج َّرح الحصى أرجلنا في هذا الميدان ،حيث أنه غير مهيأ لممارسة هذه اللعبة. أنشئت قريتنا ف��ي موقعها الحالي منذ بداية األربعينيات بعد أن ُرحلت عن شواطئ نهر النيل األبيض خوفاً عليها من الغرق بعد إنشاء خزان جبل األولياء ال��ق��ري��ب م��ن ال��خ��رط��وم وك��ذل��ك يوجد بقريتنا (ود الطريفي) وهي غابة صغيرة، شهدت الكثير من أيامنا الجميلة ضمن الموسم ال��ذي تنتج فيه أشجار السدر ثمار النبق وه��ي األش��ج��ار التي تتكون منها هذه الغابة الصغيرة إضافة ألشجار
شهادات إبداعية
وعلي تعني الشعر ف��ي بوصلة كتابتي َّ ان أدرك أن هنالك أشياء ستغيب ولهذا ربما لو أعدنا كتابة الشهادة الشعرية مرات ومرات ستكون هنالك الكثير من التفاصيل المتحركة ،ستكون هنالك الكثير من التصورات المتعددة ،ستكون هناك الكثير من الشهادات ،ليس ألنها محض خيال بل ألنها شريكة للواقع في الكثير من مجرياته المتدفقة كالهواء، وألنها تتخلق بطولِ أي��ام العمر وبعمق الذاكرة وبقوة المالحظة والمشاهدات والقراءات والتحوالت.
SAYSARA
جمادى الثاني 1432هـ مايو 2011م
133
SAYSARA
134
1432هـ جمادى الثاني 2011م مايو
الحراز .إش��ار ًة لود الطريفي كتبت في ِ يشبهك) المقطع قصيدتي (الوقت الذي التالي:
عابرة حكايات َث َّم َة ٍ ٍ الكهف ال َّ ُ ��ذي يفت ُح ب��وابَ��تَ��هُ .المكا ُن ال��ذي ي��أوي ال�� ِّذك��ري ِ ��ات .المشاوي ُر التي ِ والبيت .الضري ُح ريح أز َْه��� َر ْت بين ّ الض ِ السدرِ المثمرةِ. الذي ْ أزهرت به أشجا ُر ّ الضري ُح خاز ُن األسرارِ والنذورِ الباذخةِ . ال��ض��ري�� ُح ه���و ال��ح��دي��ق�� ُة ال���وح���ي���دةُ في بلدتِنا. وه���و م��ا س��م�� َّي��ت�� ُه ال��ض��ري��ح ف��ي ه��ذا المقطع ال��ش��ع��ري ،كذلك هناك القمر وقد كان عنصراً مهماً في بهجة الليالي. ك���ان ال��ق��م��ر يعني ح��ي��اة أخ���رى تشتعل بالليل ،كان يعني بذ ُخ اللعب والسهر ،كان يعني حياة كاملة تتدفق كنوافير الفرح، حياة مضيئة كأنها تأتي من األعالي مثل نزول الضوء. م��ع ك��ل ه���ذه التفاصيل ال��ت��ي تبدو م��ح��دودة ،ك��ان لشباب القرية وكهولها وع���ي مختلف وم��ت��ق��دم ،أن���ش���أوا ن��ادي��اً ثقافياً اجتماعيا (نادي مبروكة الثقافي االج���ت���م���اع���ي) وح���ي���ن ت��ف��ت��ح��ت ع��ي��ون��ن��ا على ال��ح��ي��اة وج��دن��اه راس��خ��اً ف��ي دور ِه وم��س��اه��م��ات��ه ،ك��ان��ت ت��ق��ام ب��ه أمسيات مسرحية وشعرية وغنائية وسنوياً تتحول القرية إلى شعلة من النشاط الدافق بكل
أن��واع اآلداب والفنون حين يزور القرية ولمدة أسبوع سنوياً طالب معهد التربية بخت ال ِّرضا ،حيث كانت قريتنا إحدى المناطق التي اختيرت لتكون معسكراً سنوياً ل��ج��زء م��ن ط�لاب معهد التربية وكانوا يُشعلون القرية إبداعاً وفناً راقياً، عبر أنشطة ال��ن��ادي الثقافي وأسابيع طالب معهد التربية ،هنا وللمرة األولى وقبل دخول المدرسة شاهدنا المسرح وسمعنا الشعر وقد بهرني الشعر جداً في تلك السن المبكرة وك��ان الكثيرون يقرضون الشعر بصنوفه المختلفة بدءاً من الشعر الديني إل��ى شعر الغزل وما بينهما م��ن م��وض��وع��ات وك��ذل��ك بكافة أشكال الكتابة الشعرية باستثناء قصيدة النثر .وك��ان خالي إبراهيم أح��د أولئك الشعراء وال��ذي توفى مبكراً له الرحمة قبل أن تكتمل تجربته الشعرية ،لكني أذكر جيداً أنه كان إنساناً ح َّراً ومختلفاً وجريئاً في التعبير والكتابة وكنت أحبه جداً وأرى أنه ال يشبه اآلخرين وهو كان ��ت عنده الكتب ك��ذل��ك .كما أنني الم��س ُ والمجالت ودواوين الشعر والروايات قبل أن أدخل المدرسة وأعرف تصنيفاتها. من هنا ولد الشغف بالشعر ومحبته وبعد ذل��ك كانت المدرسة ومنذ السنة الرابعة إبتدائي ب��دأت حصص المكتبة وك��ان لعدد م��ن األس��ت��اذة دور كبير في ج��ع��ل ح��ص��ة المكتبة محببة ل��ن��ا ولها جمالها الخاص وكذلك باختيارات الكتب
بدر شاكر الثياب ،عبدالوهاب البياتي، قاسم حداد ،أدونيس ومحمد الماغوط وف��ي وق��ت متأخر نسبياً ق��رأت محمود دروي�����ش .إض��اف��ة ل���ق���راءات أخ����رى في مجال اآلداب المتنوعة والرواية والفكر والتاريخ ،كلها أسهمت في تشكيل وعي وت��ط��وي��ر أدوات�����ي اإلب��داع��ي��ة وال��ت��ج��رب��ة الشعرية تتغذي م��ن أرواح ع��دي��دة وال تتوقف مسيرة التجربة ومسيرة التعلم واإلف����ادة م��ن ت��ج��ارب متعددة ومتنوعة ومن كتاب كبار وكذلك من كتاب ما زالوا ينتجون كتابتهم ومساهماتهم اإلبداعية. هنالك على مراحل مختلفة الحقة توجد نشاطات وتجمعات لها أثر فاعل مثل المنتديات والملتقيات الثقافية واألن��ش��ط��ة الجامعية وم��ح��اول��ة تطوير تعاطينا مع الكتاب والمعرفة عموماً وبعد ذلك في بدايات التسعينات كنَّا مجموعة من الكتاب والشعراء والمبدعين نلتقى أسبوعياً في منتدى مكتبة البشير الريح العامة ب��أم درم��ان والحقاً مع مجموعة م��ن األص��دق��اء ك��و ّن��ا مجموعة شرفات الثقافية وك��ان��ت مرحلة جميلة ومهمة وك��م��ا أن االل��ت��ق��اء وال��س��م��اع واإلط�ل�اع وال���ت���واص���ل م���ع ت���ج���ارب م���ت���ع���ددة من جغرافيات وثقافات مختلفة يخلق نوعاً من االحتكاك والسماع ألصوات شعرية ج��دي��دة تطرح مشاريع شعرية متنوعة يثري التجربة اإلبداعية لكل األط��راف ب��ه��ذا ال��ت�لاق��ح المعرفي المتعدد وهنا
شهادات إبداعية
والمجالت وخلق فاعلية وتواصل حول ما نقرأ من كتب ،وام��ت��دت العالقة مع المكتبات المدرسية بوصفها المصدر الوحيد في تلك السن المبكرة وظروف القرية التي أش��رت لبعض مالمحها.. قرأنا الكثير والجميل ج��داً ،وبعد ذلك علي في مجال الشعر قرأت الكثير ،لكن َّ ان أشير للتجارب الشعرية األحدث التي كان لها أثراً في مفهومي للشعر واإلعجاب بنماذج م��ن ه��ؤالء مثل محمد المهدي المجذوب ،محمد الفيتوري ،محي الدين فارس ،جيلي عبدالرحمن ،صالح أحمد إبراهيم ،محمد المكي إبراهيم ،النور عثمان أبكر ،محمد عبدالحي مصطفى سند وحتى تجارب حديثة جدا مثل عالم ع��ب��اس محمد ن��ور ومحمد عبدالقادر سبيل كان لهذه التجارب أثرها الكبير في التعاطي مع الشعر وتحوالت التجربة ف��ي كتابة القصيدة م��ن التقليدية إلى التفعيلة إلى قصيدة النثر وأذكر جيداً أن ديوان معزوفة لدرويش متجول للشاعر محمد الفيتوري كان له أثر عاصف حيث مثل لي كتابة شعرية جديدة ومختلفة و ُفتن ُْت بمحاولة كتابة قصيدة منحازة لحريتها مثلما ب��دت لي تلك القصيدة ف��ي ذل��ك ال��زم��ن م��ن ال��ب��داي��ات وتلمس خ��ط��ى ال��ش��ع��ر وال��ك��ت��اب��ة .ك��ذل��ك هناك أسماء شعرية من خارج السودان أعتقد أنها شكلت أبعاداً كثيرة وغنية مثل نزار قباني ،ص�لاح عبدالصبور ،أم��ل دنقل،
SAYSARA
جمادى الثاني 1432هـ مايو 2011م
135
SAYSARA
136
1432هـ جمادى الثاني 2011م مايو
سأذكر محطات مهمة أعتقد أنها لها أثرها الجميل مثل مشاركاتي في ملتقى صنعاء للشعر الجديد األول والملتقى الثاني ومهرجان األدب والكتاب الشباب ب��ال��ج��زائ��ر واألم��س��ي��ة ال��ش��ع��ري��ة ب��ن��ادي الجوف األدبي التي أثارت حواراً ونقاشاً غنياً ومفيداً حول قضايا ثقافية وشعرية عديدة وخاللها قلت الكثير مما يرد اآلن في ه��ذه الشهادة الشعرية التي أدونها وقد كانت بذرتها كشهادة شعرية تخلقت في تلك األمسية الشعرية. ليست ل���دي قطيعة م��ع ال��خ��ي��ارات الشعرية المختلفة وأعتقد أن كل أشكال الكتابة الشعرية ه��ي م��ن جوهر حرية الشعر وم��ن ج��وه��ر ح��ري��ة الكتابة وكل تجربة إبداعية ناصعة وب��اه��رة تضيف لغيرها من أشكال الكتابة واإلب��داع وإن كانت نصوصي الشعرية حالياً تقتصر على قصيدة التفعيلة وق��ص��ي��دة النثر وب��ان��ح��ي��از أك��ث��ر ل��ق��ص��ي��دة ال��ن��ث��ر حيث أرى أنها تمثل أجمل مقترحات الكتابة الشعرية وأكثرها إبداعي ًة وتنوعاً وثرا ًء ج��ع��ل ال��ش��ع��ر ن��ف��س��ه ي��ت��خ��ذ ج��م��ال��ي��ات متعددة وينتج كتابة ال تعترف بسقف يحد من قدراتها ورغباتها في التعبير.. بل صارت الكتابة الشعرية عبر قصيدة النثر م��ش��روع حرية ناصعة ل��ن تتوقف وإلى األبد. * شاعر من السودان.
أعرف أن هذا قد ال يكون وفياً لما
يمكن أن يكون شهادة شعرية وقد يكون هناك إش��ارات أه��م وأعمق قد ضاعت
ع��ن��د لحظة ال��ك��ت��اب��ة وق���د ت��س��رب��ت من شرف الحضور ضمن هذا السرد الذي يحاول مالمسة شهادتي ح��ول تجربتي الشعرية لكن ربما ما أنتجته حتى اآلن
من أعمال قد تسهم بشكل أو آخر عملية اإلطالع عليه لو أمكن ذلك من سد بعض مما سقط عن هذه الشهادة وبعض مما
لم تقوله وبعض الثقوب هنا وهناك ،وقد تحمل ه��ذه األعمال بين طياتها كل ما
يمكن أن أقوله عبر شهادة شعرية ،حيث
ص��د ّر لي دي��وان شعر بعنوان يسقطون وراء الغبار في العام 2003صدرت من
كاف نون القاهرة ومختارات شعرية من ال��س��ودان ف��ي ال��ع��ام 2007ص���درت من
جمعية البيت للثقافة والفنون بالجزائر، مختارات قصصية من السودان 2009 ص�����درت م���ن ج��م��ع��ي��ة ال��ب��ي��ت ل��ل��ث��ق��اف��ة
والفنون بالجزائر ،ديوان شعر كلما في السر أطفأنا القناديل 2011صدرت من
نينوى للدراسات والنشر بسوريا وقيد الطبع دي��وان بيت المشاغبات سيصدر من دار النهضة العربية بلبنان.
5أبريل 2011
SAYSARA
جمادى الثاني 1432هـ مايو 2011م
137
شهادة شعرية
كتابة الشعر بالنسبة للشاعر جزء من كتابة الحياة ،حين يجد المرء نفسه شاعرا ألسباب كثيرة ومعقدة ،ال يمكن أن يفسر الكثير من وقائع طفولته مثال أو حياته الخاصة والعامة في تلك الطفولة إال بعد أشواط طويلة في الشباب والكهولة .الشاعر بطبيعته كائن يسعى باستمرار إلى توحيد الذات والموضوع في خط واح��د وه��ذه مهمة شاقة ،لكن ضغط المخيلة على رؤى الشاعر هو ماينزاح به حيال تلك القناعة .حين ب��دأت كتابة الشعر كان األم��ر أق��رب إلى تجربة في تحدي اإليقاع التقليدي وكتابة نصوص على منواله .كان التراث حاضرا بقوة من تأثير ق��راءات مبكرة لدواوين شعراء الجاهلية عنترة ،امرؤ القيس ،لبيد ووو. وك�������ان ان����ف����ت����اح ال������ذاك������رة ع��ل��ى اي��ق��اع ق��ص��ائ��د ال��م��ق��ررات ال��دراس��ي��ة ف���ي م��راح��ل��ه��ا ال��م��خ��ت��ل��ف��ة م��ص��ح��وب��ة ب��األن��اش��ي��د ،ي��ح��ف��ز ال��ت��ط��ري��ب ال���ذي يتولد ل��دي من تلك القوافي .أعتقد
أن االي���ق���اع ه��و إغ����واء ال��ش��ع��ر األول فطاقته الموسيقية هي األث��ر المادي للسماع الذي بهرني في طفولة مبكرة لم تكن ق��ادرة على اإلمساك بالمعنى في النص الشعري .وقعت فجأة على
شهادات إبداعية
> محمد جميل أحمد*
SAYSARA
138
1432هـ جمادى الثاني 2011م مايو
ديوان بدر شاكر السياب ،في مكتبة ابن عمي .ومنذ ذلك الحين عرفت أن للشعر حداثة ممكنة وقابلة للتذوق بمعزل عن ت��ل��ك ال��ن��م��ذج��ة ال��م��ع��ي��اري��ة المهيبة في التراث .الشعر بالنسبة للشاعر جزء من انبثاقه الطبيعي عن الحياة؛ هو صياغة المتناهية من انتهاك النظام الرمزي للغة عبر المجاز ،ج��دل الشاعر م��ع الشعر مغامرة متجددة مع اللغة والذات والعالم والكلمات واألشياء؛ مغامرة ال تنتهي إال لتبدأ مرة أخرى عبر الحواس .منذ أن بدأت كتابة الشعر وحتى اآلن ،ال أدري كيف ينبثق الشعر وال أدرك كنهه فهو من أص��داء ال��روح التي تترك أثرها بسكون الجسد .وعلى الشاعر حين يكتب نصه أن يصغي ألصوات اإللهام التي ترن في ال��ب��اط��ن .للقصيدة منابع كثيرة ،س��واء أكانت شعرا مقفى أو نثريا أو تفعيلة؛ * كاتب وشاعر وروائي سوداني مقيم بالسعودية.
صدر حديث ًا عن النادي األدبي بالجوف «القصيدة وتحوالت مفهوم الكتابة» للشاعر والناقد السعودي محمد الحرز
تلك أشكال خارجية للشعر الذي يتشكل ف��ي ال���داخ���ل .م��ص��ادر ال��ش��ع��ر غامضة تأتي من اإللهام والذاكرة ومن التجارب الشخصية ،أو تأتي من طبيعة الحياة العامة. وم���ن ال��ص��ع��ب أن ي��م��س��ك ال��ش��اع��ر بسبب واض���ح لقصيدته ،فتلك مهمة الناقد في فحص النص من خالل أدواته المعرفية واللغوية ،أم��ا الشاعر فغالباً ما يكون م��س��ؤوالً عن التعبير الجمالي لقصيدته ،أو عن صياغة خطابه الخاص في معجم اللغة .وقد يكون الشاعر تحت إلحاح أو حالة تقوم بالضغط عليه ،وقد يكتب القصيدة في نصف ساعة ،وأحياناً تكون عبر التراكم وتأخذ أياماً ،وقد تأخذ شهرا أحياناً ،فتختلف الحاالت التعبيرية عن الشعر باختالف التجربة وباختالف إحساس الشاعر.
SAYSARA
جمادى الثاني 1432هـ مايو 2011م
139
كتب
كتـ ـ ــب
ال���ك���ت���اب: ال��م��ؤل��ف: ال���ن���اش���ر: اإلص���دار:
SAYSARA
140
1432هـ جمادى الثاني 2011م مايو
واحات وظالل (شعر لألطفال). الطاهر لكنيزي. نادي الجوف األدبي. 2011م.
واحات وظالل نصوص شعرية لألطفال وال��ن��اش��ئ��ي��ن للشاعر ال��ط��اه��ر لكنيزي في هذه الواحات تتعانق اللغة مع الصورة من أجل التربية وتقوية الروح الدينية والوطنية واألخالقية لدي أبنائنا الصغار فكل ما في ال��واح��ات م��ن قصائد تستلهم بيئة الطفل وم��ش��اه��دات��ه وت��ن��اس��ب واق��ع��ه واهتماماته ومعجمه اللغوي .يأتي هذا اإلصدار في إطار توجه النادي نحو االهتمام بالطفل وثقافته، وترسيخ القيم الدينية والوطنية واألخالقية. وأك َد المؤلف (الطاهر لكنيزي) في تقديمه لنصوصه الشعرية لألطفال والناشئين أنها ُ تهدف إلى التربية والترفيه ،وإغناء الذاكرة
برصيد معجمي متنوع ،وتوسيع آفاق الخيال، وتنمية الذوق الفني والجمالي ،وتعويد األذن على اإليقاع ،وتمرير أخالق حميدة ونماذج من السلوك في التعامل وحسن التصرف في ح��االت وظ��روف وم��واق��ف يصادفها الطفل خالل حياته.
ال���ك���ت���اب: ال��م��ؤل��ف: ال���ن���اش���ر: اإلص���دار:
من أمطرك (شعر). صالح عودة. نادي الجوف األدبي. 2011م.
تتميز قصائد الشاعر صالح عودة بالرصانة اللغوية والفصاحة والعمق ال��ش��دي��د ال���ذي يفتقد إل��ي��ه الكثير من شعر بعض شعراء ما بعد الحداثة الذين ينتهجون نهج القصيدة العمودية ،هذا ما أكده الناقد والمحاضر بجامعة الجوف د .محمود عبدالحافظ خلف الله في كلمته على غ�لاف ال��دي��وان مضيفاً أن قصائد الشاعر تتميز بالصدق المتمثل في انطالق معظم القصائد من مرجعية ف��ل��س��ف��ي��ة خ���اص���ة ت��ع��ك��س وج���ه���ة نظر الشاعر في كل ما يشعر به أو يفكر فيه، وق��د ت��ج��اوز ف��ي ذل��ك القصائد الذاتية إل��ى القصائد العامة ،حيث أت��ت جميع قصائد ال��دي��وان لتعبر ع��ن رؤي��ة ذاتية شديدة الخصوصية للشاعر في كل ما يعبر عنه ،كما تميزت بالتنويع بين شعر التفعيلة والشعر العمودي.
ال���ك���ت���اب: ال��م��ؤل��ف: ال���ن���اش���ر: اإلص���دار:
القصيدة وتحوالت مفهوم الكتابة (مقاالت). محمد الحرز. نادي الجوف األدبي. 2011
ال��م��ؤل��ف: ال���ن���اش���ر: اإلص���دار:
في حضرة السيد الموت (نصوص ومقاالت). د .حسن بن يوسف العارف. نادي الجوف األدبي. 2011
الكتاب هو نصوص ومقاالت للمؤلف يصفها بأنها ق���راءات باكية ف��ي سيرة ما بعد الموت حيث يقول في مقدمته للكتاب «لقد استودعت في هذا الكتاب حالة الفجيعة الشخصية تجاه السيد/ الموت ،عبر لغة رثائية /باكية .استنبت فيها سيرة ما بعد الموت ..موجزة تارة، ومسهبة تارة أخرى؛ حسب ما تراءى لي من نور مشيت فيه ما وسعني ذلك .آم ُل أن تكون الكلمات /البوح الجنائزي واحة ت��ذك��رك��م ب��ي ع��ن��دم��ا ي��خ��ت��ارن��ي السيد/ ال��م��وت ..ول��ي��س ذل��ك ببعيد ..فالموت أقرب إلينا من حبل الوريد».
كتـ ـ ــب
يتألف الكتاب من مجموعة من المقاالت وتتصدره مقدمة لألكاديمي والناقد السعودي دكتور سعد البازعي وال��ذي يؤك ُد فيها أن «تلك ال��م��ق��االت تأتلف ح��ول مؤلفها بقدر ما تأتلف حول الشعر والرؤى النقدية التي تتناوله .ومما يميز تلك المقاالت هو أنها تتناول موضوعها ،أي الشعر ،بحميمية تصل حد التوحد حيناً وحد االنفصال القلق حيناً آخ��ر ،وفي كلتا الحالتين ثمة رأف��ة بالشعر وخوف عليه ..يخشى الحرز على الشعر من سوء الفهم الذي يتهدده في مشهدنا األدبي، يخشى على روح الحداثة فيه أن تذوي لدى الشعراء أنفسهم وهو يرى ما يشي بذلك، ويخشى من إس���اءات النقد ،وف��ي المشهد م��ا يؤكد ل��ه أن ذل��ك خطر حقيقي أيضاً. ولو أردنا اختصار المسعى الذي يتجه إليه المؤلف ،ن��اق��داً ح��اض��راً وش��اع��راً مستتراً، لوجدناه في حماية الحداثة الشعرية من الذبول سواء لدى منتجيها من الشعراء أو متلقيها من النقاد والقراء».
ال���ك���ت���اب:
SAYSARA
جمادى الثاني 1432هـ مايو 2011م
141
ال���ك���ت���اب: ال��م��ؤل��ف: ال���ن���اش���ر: اإلص���دار:
SAYSARA
142
1432هـ جمادى الثاني 2011م مايو
رائحة الحنين. خديجة الصاعدي. نادي القصيم األدبي 2010م.
مجموعة قصصية بعنوان «رائحة
ال��ح��ن��ي��ن» ل��ل��ك��ات��ب��ة خ��دي��ج��ة ال��ص��اع��دي ص�������ادرة ع����ن ن������ادي ال��ق��ص��ي��م األدب�����ي
الطبعة األول����ى 2010م اشتملت على عشر قصص ..ترصد القاصة في هذه
المجموعة المواقف النفسية تجاه الفتاة
من قبل األسرة والمجتمع ومحاولة هذه
الفتاة المقاومة والدفاع عن حقوقها ضد التنين الذي يقهرها في النوم واليقظة. وتتوسل القاصة لغة متوترة مشحونة
باألحاسيس األنثوية المتدفقة ،وتحاول أن تخلق لنفسها أسلوباً خاصاً وبصمة مميزة.
ال���ك���ت���اب: ال��م��ؤل��ف: ال���ن���اش���ر: اإلص���دار:
شدو الناشئ في أسمى المرافئ. شريف قاسم. نادي نجران األدبي 2011م.
دي�����وان «ش����دو ال��ن��اش��ئ ف���ي أس��م��ى المرافئ» للشاعر شريف قاسم اشتمل ع��ل��ى خ��م��س وخ��م��س��ي��ن ق��ص��ي��دة ت��وج��ه بها الشاعر إل��ى الجيل الناشئ هادفاً إل��ى تهذيب الطالب وترسيخ السلوك األسمى واألرق���ى للطالب وتحريره من عقدة الخجل والخوف واالنعزال والدفع ب��ه إل��ى م��واط��ن الفعل االج��ت��م��اع��ي من غير انفعاالت أو تشنجات أو عدوانية. والديوان تجربة متميزة وإضافة حقيقية لمكتبة ال��ش��ع��ر ال����ذي ي��ت��وج��ه للشباب واليافعين وتحتاج المكتبة العربية إلى مثل ه��ذه اإلص����دارات لما لها م��ن دور فعال في تثقيف الجيل الجديد واالرتقاء بتفكيره.
ال���ك���ت���اب: ال��م��ؤل��ف: ال���ن���اش���ر: اإلص���دار:
انحراف الفهم انحراف المعنى. علي فايع األلمعي. نادي أبها األدبي 2011م.
المعنى» للناقد علي فايع األلمعي والذي
تناول فيه بالدرس والنقد مقاالت حول ال��ش��ع��ر وال��ق��ص��ة وال���رواي���ة ن��ش��رت في
ال��ص��ح��ف ال��وط��ن��ي��ة متمثلة ف��ي ال��وط��ن والحياة ،وقام الكاتب بجمعها بين دفتي كتاب هادفاً من ذلك إلى تزويد المكتبة
النقدية بما يضئ المشهد اإلب��داع��ي. ولعل مثل هذه اإلصدارات تشك ُل رافداً
ال غنى للحركة النقدية عنه على الرغم من أنها لم يتم تأليفها مباشرة في هيئة
ك��ت��اب ب��ل ج���اءت ف��ي األص���ل ف��ي ص��ورة مقاالت متفرقة منشورة هنا وهناك.
ال���ن���اش���ر: اإلص���دار:
بكاء الليل. عبدالله الخضيبي السبيعي. نادي الطائف األدبي 2010م.
المجموعة القصصية «بكاء الليل» للقاص عبدالله الخضيبي السبيعي في طبعتها األولى 2010م ،والمجموعة هي رؤى لبعض القضايا الذاتية واالجتماعية ولقطات خاطفه تبلور رمزاًَ وداللة ترسم مالمح بعض القضايا وتستبطن أعماق الشخصيات ف��ي معترك واق���ع الحياة م���ع ف��ل��س��ف��ة ال���ح���زن ال����ذي غ��لَّ��ف أك��ث��ر القصص .وتتميز لغة السبيعي باإليجاز والكثافة والشاعرية مما منح المجموعة القصصية نكهة خاصة وملمحاً متفرداً، كما أن��ه��ا تستند إل��ى التحليل النفسي مما زاده��ا عمقاً وسبراً لخبايا النفس البشرية بهواجسها وانفعاالتها المتوترة والمتغيرة.
كتـ ـ ــب
كتاب «ان��ح��راف ال��ف��ه��م ...انحراف
ال���ك���ت���اب: ال��م��ؤل��ف:
SAYSARA
جمادى الثاني 1432هـ مايو 2011م
143
ال���ك���ت���اب: ال��م��ؤل��ف: ال���ن���اش���ر: اإلص���دار:
SAYSARA
144
1432هـ جمادى الثاني 2011م مايو
معاهد وشواهد – شعرية المكان. د.تنيضب الفايدي. على نفقة المؤلف 2009م.
في هذا الكتاب تتعد الشواهد وتتنوع المواقع التي ذكرت بين دفتيه ،وقد روعي في اختيار الشعر ربط أجزاء الوطن حرصاً على تحقيق التماسك واالندماج والتواصل، وق��وة الترابط بين أف��راد المجتمع ،ليشكل ذلك نسيجاً واحداً مما يعطي الوطن الهوية التي تتميز بالقوة والمهابة ،علماً بان المؤلف وق��ف – خ�لال أكثر م��ن ثالثين ع��ام��اً على أغلب اآلث��ار والمآثر واألط�ل�ال والمعاهد، ورصد الشواهد الشعرية عن بعض المواقع في مختلف أنحاء الوطن الغالي واستمتع بقصص ال��م��ج��د ،وس��ح��ر ال��ت��اري��خ ،وروع���ة الجمال ،حيث إن الشواهد والمعاهد التي خلدها المحبون تبهر النظر ،وتأسر القلب وال���روح ،وكلماتهم تطرب األذن ،وتعلق بها ��ات تطال ال��ن��ف��س ف�لا ت��ف��ارق��ه��ا ..إن��ه��ا ك��ل��م ٌ السماء شموخاً وعزة وكرامة.
ال���ك���ت���اب: ال��م��ؤل��ف: ال���ن���اش���ر: اإلص���دار:
حروف وسنابل «قصص قصيرة جداً» محمد صوانه مؤسسة عبدالرحمن السديري الخيرية 2010م.
تتسم المجموعة بالتجريد الداللي ،والمجاز البالغي ،والغموض الفني ،وتشغيل الرموز الموحية. ما يجعلها تميل إلى اإلده��اش ،وإلى قدرتها على الربط بين السردي والشعري وتحويل اللغة العادية اليومية إلى لغة أدبية ورؤية تحول العالم المتناهي في الكبر إلى عالم متناه في الصغر. كان القاص يقرأ بعض جوانب المجتمع من حوله ،من زوايا متنوعة ،يكشف من خاللها نقاط قوة تصلح للتعظيم والعناية ،وبعض نقاط ضعف. والمتفحص لتلك النصوص ،يجد حكمة ظاهرة تارة وخافية تارة أخرى ،يودعها بين سطور قليلة ال يمل من البحث عنها ويتذوق دائما قراءتها وتأملها ويحس بجمال تناوله لها من طرف لين ،لكنه يوفظ من تراوده الغفلة! ه��ل ك��ان ال��ق��اص ي��ح��اول اإلس��ه��ام ف��ي تدعيم البناء في المجتمع من حوله؟ ربما ..فأنت تلحظ م��ن دون ري��ب أن��ه ي���روم مجتمعا ق��وي��ا متماسكا ي��ب��دأ ب��ال��ن��واة ال��ص��غ��ي��رة «األس�����رة» وي��ن��ط��ل��ق منها يزيد من تضامن أفراد المجتمع ليكون على قدر التحديات..