أوراق ليبية لنورالدين الثلثي

Page 1

‫أوراق ليبيّة‬ ‫جمعية عمر المختار‬ ‫مركز درنة‬

‫نور الدين السيد الثـلثي‬

‫‪1‬‬


‫الفهرس‬ ‫تمهيد‬ ‫الفصل األول‬

‫زمن النقص‪ ..‬زمن العطاء‬ ‫‪ ‬ليبيا على مشارف االستقالل‬ ‫‪ ‬من رجال الجمعية‬

‫‪ -1‬إبراهيم أسطى عمر‬ ‫‪ -2‬عبد الرازق شقلوف‬ ‫‪ -3‬عبد هللا سكته‬

‫الفصل الثاني‬

‫تأسيس الجمعية‬ ‫‪‬‬ ‫‪‬‬ ‫‪‬‬

‫الفصل الثالث‬

‫رابطة الشباب الدرناوي‬

‫‪‬‬

‫القانون األساسي‬

‫‪‬‬

‫رؤية الجمعية‬

‫أغراض الجمعية‬ ‫‪‬‬

‫تطور أغراض الجمعية‬

‫‪‬‬

‫التعليم‬

‫‪‬‬

‫المسرح‬

‫‪‬‬

‫الندوة األدبية‬

‫‪‬‬

‫الفصل الرابع‬

‫المركز العام‬ ‫مركز درنة‬

‫في الشأن االجتماعي‬

‫‪‬‬

‫ترشيد العمل الشعبي لنصرة فلسطين‬

‫‪‬‬

‫مبثاق الحرابي‬

‫العمل السياسي‬ ‫‪‬‬

‫البرقاويون والطرابلسيون‪ ..‬اختالف المنظور‬

‫‪‬‬

‫التنظيمات السياسية في برقة‬

‫‪‬‬

‫جمعية عمر المختار‬

‫‪2‬‬


‫‪‬‬ ‫‪‬‬

‫نجاحات وردود فعل‬

‫‪‬‬

‫بارقة توافق‬

‫‪‬‬

‫الفصل الخامس‬

‫الفصل السادس‬

‫ظهور الخالف‬

‫المذكرة اإلصالحية‬ ‫‪‬‬

‫أسباب الخالف‬

‫‪‬‬

‫نقد إدارة الجبهة‬

‫‪‬‬

‫توصيات‬

‫‪‬‬

‫جوهر الخالف‬

‫العالقة مع بريطانيا‬ ‫‪‬‬

‫اإلدارة العسكرية البريطانية‬

‫‪‬‬

‫موقف الجمعية‬

‫‪‬‬

‫الفصل السابع‬

‫الجبهة الوطنية البرقاوية‬

‫موقف بريطانيا‬

‫‪‬‬

‫األهداف الحقيقية‬

‫‪‬‬

‫قبول بريطانيا بمبدأ استقالل ليبيا‬

‫نهاية مشروع واعد‬ ‫‪‬‬ ‫‪‬‬ ‫‪‬‬

‫الموقف من نداء األمير بترك العمل السياسي‬

‫التماس إعادة النظر‬

‫اضطرابات في بنغازي ودرنة وايقاف جريدة ’الوطن‘‬

‫‪‬‬

‫األمير يؤكد نداءه‬

‫‪‬‬

‫مجلس اإلدارة يقترح ترك العمل السياسي‬

‫‪‬‬

‫الجمعية العمومية ترفض‬

‫‪‬‬

‫خالفات بشأن ترك العمل السياسي‬

‫‪‬‬

‫لجنة التحقيق الدولية‬

‫‪‬‬

‫تداعيات نداء األمير‬

‫‪‬‬

‫استقالة مجلس اإلدارة‬

‫‪‬‬ ‫‪‬‬

‫انتخاب مجلس جديد‬

‫حل جمعية عمر المختار‬ ‫‪3‬‬


‫‪‬‬

‫الفصل األخير‬

‫خـــاتــمة‬

‫المالحق‬ ‫الملحق رقم (‪)1‬‬

‫تقرير السكرتير العام للجمعية مركز درنة أمام الجمعية العمومية بمدينة درنة‬ ‫بتاريخ ‪ 18‬مايو ‪ 1947‬عن أعمال المجلس في الفترة من ‪ 18‬مايو ‪ 1944‬إلى‬

‫‪ 18‬مايو ‪.1947‬‬ ‫الملحق رقم (‪)2‬‬

‫تقرير السكرتير العام للجمعية مركز درنة أمام الجمعية العمومية في انعقادها‬

‫فوق العادة بمدينة درنة بتاريخ ‪ 31‬أكتوبر ‪ 1947‬عن أعمال المجلس في الفترة‬ ‫من ‪ 1‬يونيه ‪ 1947‬إلى ‪ 31‬أكتوبر ‪.1947‬‬

‫الملحق رقم (‪)3‬‬

‫تقرير السكرتير العام للجمعية مركز درنةأمام الجمعية العمومية بمدينة درنة‬ ‫بتاريخ ‪ 7‬نوفمبر ‪ 1948‬عن أعمال المجلس في الفترة من نوفمبر ‪ 1947‬إلى ‪7‬‬

‫نوفمبر ‪.1947‬‬ ‫الملحق رقم (‪)4‬‬

‫هيئات إدارة جمعية عمر المختار مركز درنة‪.‬‬

‫الملحق رقم (‪)5‬‬

‫القانون األساسي لجمعية عمر المختار مركز درنة‪.‬‬

‫الملحق رقم (‪)6‬‬

‫نظام الندوة األدبية‪.‬‬

‫الملحق رقم (‪)7‬‬

‫بيان إلى الجمهور الدرناوي الكريم" بتاريخ ‪ 9‬ديسمبر ‪.1947‬‬

‫الملحق رقم (‪)8‬‬

‫رسالة جمعية عمر المختار إلى األمير بالتماس إعادة النظر في طلبه ترك‬ ‫العمل السياسي‪.‬‬

‫الملحق رقم (‪)9‬‬

‫مذكرة جمعية عمر المختار مركز درنة الموجهة إلى لجنة التحقيق الدولية‪.‬‬

‫الملحق رقم (‪)10‬‬

‫ميثاق الحرابي‪.‬‬

‫‪4‬‬


‫إهداء‬ ‫إلى روح والدي‪ ،‬السيد وسليمة‬ ‫ربياني‬

‫‪5‬‬


‫شكر وتقدير‬ ‫أشكر أبنائي وابنتي لمساعدتهم القيمة في إعداد هذا الكتاب بالمراجعة والرأي والتصحيح‪ ،‬كل في مجال‬ ‫اهتماماته وفي إطار ظروفه ومسؤولياته‪ .‬وأخص بالذكر ابنتي‪ ،‬األستاذة هدى‪ ،‬على مراجعتها الدقيقة‬ ‫ونقدها وآرائها في المضمون واللغة والصياغة‪ ،‬رغم ضغوط المرحلة النهائية من إعداد رسالتها‪.‬‬ ‫و أسجل تقدي ار لن تفيه الكلمات حقه لليلى‪ ،‬صاحبتي على مدى سنوات طويلة من العمر كانت فيها سندا‬ ‫وعونا صبو ار‪.‬‬ ‫ْ‬ ‫والشكر موصول لآلنسة آمنة المناري بعين زغوان بتونس على جهدها الممتاز في الطباعة والتنسيق‬ ‫والتجهيز بكل حرص وأمانة‪.‬‬

‫‪6‬‬


‫بسم هللا الرحمن الرحيم‬ ‫تمهيد‬ ‫ترددت كثي ار قبل أن أ ْقـدم على الكتابة حول فرع جمعية عمر المختار في مدينة درنة الذي عرف باسم‬ ‫"مركز درنة"‪ ،‬ألسباب منها أنني لست صاحب اختصاص علمي لتناول تلك الحقبة من زاوية التاريخ‪ ،‬وان‬ ‫كنت صاحب اهتمام‪ .‬ولكن الدافع للكتابة كان ملِحا وغالبا‪ ،‬وكان له جانبان‪ .‬الجانب األول مرتبط بعالقات‬ ‫إنسانية وذكريات شخصية تجعل من هذه الكتابة واجبا ود ْيــنا علي تجاه األستاذ عبد هللا محمد سكته‪،‬‬

‫سكرتير عام جمعية عمر المختار ـ ـ مركز درنة ـ في الفترة من ‪ 18‬مايو ‪ 1947‬و‪ 7‬نوفمير ‪ .1948‬كان‬ ‫األستاذ عبد هللا ووالدي‪ ،‬رحمهما هللا وأرضاهما‪ ،‬صديقين منذ سنوات الصبا ورفيقين في العمل بالجمعية‬ ‫حيث عمل السيد الثلثي سكرتي ار للقسم الثقافي بها حتى انتقاله‪ ،‬سنة ‪ ،1946‬للعمل ناظ ار لمدرسة القبة‬ ‫الداخلية بالقبة‪ ،‬ومن ثم في عملهما بمختلف الوظائف بحكومة االستقالل في العهد الملكي‪ .‬وتعززت العالقة‬ ‫بين الرجلين وازدادت حميمية بعد انقالب سنة ‪ 1969‬من خالل إقصائهما كرجلين من رجال ’العهد البايد‘؛‬ ‫فقد كان عبد هللا سكته وقت االنقالب سفي ار في إيطاليا وقبل ذلك وزي ار للخدمة المدنية‪ ،‬والسيد الثلثي وكيال‬ ‫لو ازرة التربية والتعليم‪ .‬كانت تجمعهما جلسات الثالثاء من كل أسبوع؛ ضمتهما والسادة خليل البناني محافظ‬ ‫مصرف ليبيا المركزي في بداية عهد االستقالل وابراهيم بن سعود مدير عام الجوازات والهجرة االتحادية‬ ‫والمبروك الجيباني الوكيل المساعد بو ازرة اإلعالم والثقافة‪ ،‬رحمة هللا عليهم جميعا‪ .‬كان االستعداد للقاء‬ ‫الثالثاء‪ ،‬عندما يكون في ضيافة الوالد‪ ،‬يبدأ بتنبيه الوالد لي بأن "الجماعة جايين بكره‪".‬‬ ‫فرق الموت شمل الجماعة‪ ،‬وكان األستاذ عبد هللا سكته آخر من غادر منهم الحياة الدنيا في سبتمبر‬ ‫‪ .2009‬وكنت خالل تلك الفترة األخيرة من حياته مواظبا على زيارته في بيته فيما كان تواصال مع مقام‬ ‫الوالد الذي كثي ار ما ردد على سمعي مقولة ’صاحب بوك خير من صاحبك"‪ .‬الحديث مع األستاذ عبد هللا‬ ‫كان ممتعا وفي أكثره منصبا على ذكريات جمعية عمر المختار والعهد الملكي؛ يغلب عليه األسى لما آلت‬ ‫إليه البالد بعد انقالب ‪ 1969‬والتوق لرؤية نهاية مرحلة سوداء من الهدم لكل ما بناه ذلك الجيل الفذ وآلماله‬ ‫وآمال جيل ثان أعقبه‪ .‬لهجة األستاذ عبد هللا كانت غارقة في الحزن تارة وفي الغضب تارة أخرى‪ .‬ولم يشأ‬ ‫القدر أن يعيش األستاذ عبد هللا سكته حتى يرى ظالم ذلك العهد وقد انقشع‪ ،‬كما عفاه هللا من شهادة عهد‬ ‫جديد فاق سلفه دما ار وخرابا وكأننا نسبح في "ظلمات بعضها فوق بعض‪".‬‬

‫‪7‬‬


‫ومن جانب ثان كانت جمعية عمر المختار ظاهرة الفتة في بلد قد خرج لتوه من فترة استعمار استيطاني‬ ‫خانق للحريات بما فيها حرية التعبير وحرية االنتظام في جمعيات أو نقابات أو أحزاب بطبيعة الحال؛‬ ‫يطبعها الفقر ونسبة عالية من األمية‪ ،‬فالتعليم كان محصو ار في مراحله األولى وفي أضيق الحدود‪.‬‬ ‫انتهت الحرب العالمية الثانية بهزيمة دول المحور وطي صفحة االستعمار اإليطالي لليبيا معها‪ ،‬وتم إثر‬ ‫ذلك تنصيب اإلدارة العسكرية البريطانية لمرحلة انتقالية يتقرر خاللها على يد القوى المنتصرة‪ ،‬ومن خالل‬ ‫األمم المتحدة‪ ،‬مصير البالد‪ .‬وكانت فترة اإلدارِة العسكرية البريطانية تلك ـ ـ رغم المعطيات السلبية لمرحلة‬ ‫ما بعد االستعمار مباشرة كما سبقت اإلشارة ـ ـ فترة نشاط وطني سياسي وثقافي مؤثر إلى حد بعيد‪ .‬في‬ ‫خضم ذلك النشاط وتلك التطلعات نشأت جمعية عمر المختار وتألقت في نشاطاتها الثقافية والتعليمية‬ ‫واالجتماعية والرياضية واكتسبت حضو ار بار از وشعبيىة واسعة في مدينتي بنغازي حيث المركز العام ودرنة‬ ‫حيث مركز درنة‪.‬‬ ‫انتهت فترة اإلدارة العسكرية البريطانية باستقالل "المملكة الليبية المتحدة" سنة ‪ ،1951‬ولم تلبث البالد بعد‬ ‫إعالن استقاللها بأقل ثماني عشرة سنة حتى تحولت إلى عهد سبتمبر الذي عمل‪ ،‬وعلى مدى اثنين وأربعين‬ ‫عاما‪ ،‬على محو ما سبقه من تاريخ البالد أو التقليل من شأنه‪ .‬تم اختزال التاريخ القريب في بعض من‬ ‫معارك الجهاد ضد االستعمار اإليطالي تلتها "ثورة الفاتح" سنة ‪ ،1969‬وما بينهما كان "عهدا بائدا" رجعيا‬ ‫ِ‬ ‫أعمال وسي ِر مجاهدين ورجال ناضلوا من أجل تحرير‬ ‫طمس‬ ‫فاسدا ال يستحق ذك ار‪ .‬حاول عهد سبتمبر ْ‬ ‫البالد وقيام دولة االستقالل وأخلصوا الجهد في بناء مؤسساتها حين قامت‪ .‬ونتج عن ذلك جهل لدى األجيال‬ ‫الجديدة بتلك الفترة من تاريخ بالدهم الحديث‪ .‬كانت فترة مضيئة ومفعمة بآمال عريضة في مستقبل يعوض‬ ‫الليبيين عما فاتهم طيلة عقود من الفقر والجهل والحرمان من حقوق المواطنة‪ ،‬وسيكون لتذكر بعض‬ ‫صفحاتها فائدة دون شك‪.‬‬ ‫حافظ األستاذ عبدهللا سكته على أوراق جمعية عمر المختار مركز درنة كبعض من ِ‬ ‫أعز ما كان يملك‪،‬‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ومؤسسة الستقاللها ووحدتها‪ .‬ذلك‬ ‫مؤمال أن يأتي يوم يسمح بنشرها تعريفا بفترة فاصلة من تاريخ البالد‬ ‫هو الجانب اآلخر من الدافع لكتابتي عن جمعية عمر المختار مركز درنة‪ .‬أردتها وفاء لألستاذ عبد هللا‬ ‫تكرم بتسليمها لي صحبة الصديق‬ ‫سكته سكرتير عام الجمعية مركز درنة؛ فهي مبنية على أوراقه التي َّ‬ ‫العزيز المهندس أنور أبوبكر ساسي عام ‪ ،2006‬الذي احتفظ بها وحافظ عليها طيلة مدة استمرت منذ ذلك‬ ‫الحين حتى استلمتها منه في يونيه ‪.2015‬‬ ‫‪8‬‬


‫سأترك وثائق األستاذ عبد هللا سكته ِ‬ ‫تصور جوانب من نشاطات جمعية عمر المختار مركز درنة واألحداث‬ ‫التي أحاطت بها وتلك التي شاركت في تشكيلها‪ ،‬وجوانب من الحياة في مدينة درنة في تلك الفترة الفاصلة‬ ‫من تاريخ البالد‪ .‬وألن الوثائق التي بين يدي‪ ،‬بطبيعتها‪ ،‬تروي األحداث من زاوية إدارة الجمعية دون غيرها‪،‬‬ ‫رأيت من الضروري أن أتوجه إلى مصادر تلقي ضوءا على األحداث من زوايا غيرها من األطراف‪ ،‬وأضفت‬ ‫واقتبست ما رأيته ذا عالقة من خالل حديث أو مرجع متوفر‪ ،‬ذلك استكماال للصورة وايضاحا للسياق‬ ‫والظروف المحيطة بالجمعية وقتها‪ .‬وسأضمن الكتاب مالحق ببعض الوثائق التأسيسية والتنظيمية تتعلق‬ ‫بنشاط الجمعية وطبيعة إدارتها من خالل قانونها األساسي ولوائحها ومراسالتها وبياناتها‪.‬‬ ‫يسجل هذا الكتاب صفحة من صفحات حراك وطني كبير في شرق البالد وغربها‪ ،‬زاده جهود مخلصة وأمل‬ ‫في مستقبل زاهر الحت بوادره بهزيمة دول المحور ومعها االستعمار اإليطالي لليبيا‪ .‬لقد زخرت تلك الفترة‬ ‫بتوجهات ورؤى عديدة‪ ،‬تآلفت أحيانا وتصادمت أحيانا أخرى؛ المصلحة الوطنية غايتها وان اختلفت‬ ‫األولويات من طرف آلخر‪.‬‬ ‫صعيدي السياسة‬ ‫لقد كان لمدينة درنة عطاؤها المميز والمؤثر ضمن ذلك الحراك الوطني الكبير على‬ ‫ْ‬ ‫والثقافة وبشكل يفوق حجمها السكاني بكثير‪ .‬وتظهر أوراق األستاذ عبد هللا سكته تنوعا واجتهادات متباينة‪،‬‬ ‫وتصادما في نهاية المطاف بين جمعية عمر المختار من جهة والجبهة الوطنية البرقاوية والسيد محمد‬ ‫إدريس السنوسي من جهة أخرى‪ ،‬بل واختالف بين جناحين للجمعية تحدد بشكل حاسم في خضم تفاعالت‬ ‫األزمة الناشئة عن نداء األمير بأن تترك الجمعية العمل في مجال السياسة‪.‬‬ ‫والمتأمل في مشهد العام في ذلك الوقت يجد تيارين متمايزين قد تشكال ودخال ميدان العمل السياسي في‬ ‫برقة؛ أحدهما تقليدي محافظ تزعمه السيد إدريس السنوسي واآلخر مثل نخبة المثقفين والشباب في مدينتي‬ ‫بنغازي ودرنة‪ ،‬عروبي التوجه وعلى عداء شديد للسلطة العسكرية البريطانية‪ .‬كانت مساحة التعبير الحر‬ ‫واسعة ومفتوحة لمختلف اآلراء والسياسات‪ ،‬وذلك يحسب لإلدارة البريطانية‪ ،‬مما أدى إلى إثراء المشهد‬ ‫السياسي والثقافي في البالد‪ .‬لم يكن المجتمع أحادي الرؤية والتوجهات‪ ،‬فقد كانت تلك المرحلة ثرية زاهية‬ ‫بألوانها بفعل مناخ عام متسامح متقبل إلى حد كبير لآلخر المختلف‪ .‬ولكن تلك التجربة في التعددية‬ ‫َّ‬ ‫المنظمة لم تدم طويال‪.‬‬ ‫السياسية‬ ‫وهللا المستعان‪.‬‬

‫‪9‬‬


‫نورالدين السيد الثلثي‬

‫تونس‬

‫يوليه ‪2015‬‬

‫‪10‬‬


‫الفصل األول‬ ‫ِ‬ ‫النقص‪ ..‬زمن العطاء‬ ‫زمن‬ ‫الثمر ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ َّ‬ ‫ِ‬ ‫َّ ِ‬ ‫الصا ِب ِرين‪ ".‬صدق هللا‬ ‫ات َوَب ِ​ِش ِر َّ‬ ‫"وَلَنْبل َونك ْم ب َش ْيء م َن اْل َخ ْوف َواْلجوِع َوَن ْقص م َن ْاأل َْم َوال و ْاأل نفس و َ‬ ‫العظيم‪ .‬البقرة ‪155‬‬ ‫ظهرت جمعية عمر المختار على سطح األحداث في ليبيا عقب اندحار االستعمار اإليطالي للبالد في‬ ‫أربعينيات القرن الماضي‪ .‬كانت عند تأسيسها معنية بالعمل في ميادين الثقافة والرياضة والعمل الخيري‪،‬‬ ‫ولم تلبث حتى دخلت ميدان العمل السياسي‪ .‬لقد تألقت الجمعية في عطائها في تلك الميادين جميعا‪ ،‬وما‬ ‫كان بوسعها القيام بإنجازاتها تلك لوال ثلة استثنائية من أبناء الوطن الذين كرسوا حياتهم في خدمته‪.‬‬

‫ليبيا على مشارف االستقالل‬ ‫كانت البالد‪ ،‬بشعبها قليل العدد الذي لم يبلغ أكثر من ‪ 961‬ألف نسمة سنة ‪ 1،1950‬أفقر بلدان أفريقيا بدخل‬

‫سنوي للفرد سنة ‪ 1950‬بلغ حوالي ‪ 40‬دوالر‪ .2‬كانت ليبيا قد خرجت ِ‬ ‫لتوها من حقبة استعمار فاشي‬ ‫استيطاني؛ صادر األرض والحريات وواجه الليبيين بالقمع والقتل والمعتقالت الجماعية‪ .‬واقتصر اقتصاد‬

‫البالد وقتها على الرعي والزراعة التي قامت على رقعة ضيقة من األراضي الصالحة وأمطار شحيحة‪ ،‬وفي‬ ‫غياب تام لموارد طبيعية معلومة‪.‬‬ ‫وفي مجال التعليم تركت إيطاليا وراءها واقعا بائسا بلغت فيه نسبة األمية سنة ‪ 1950‬ما بين ‪ 90‬و‪،%95‬‬

‫‪3‬‬

‫ولم يوجد في ليبيا أكثر من ‪ 120‬طالب ليبي في المدرسة الثانوية الوحيدة‪ ،‬في طرابلس‪ 4.‬وكان التعليم‬

‫الثانوي (المتوسط) لليبيين قد ألغي سنة ‪ 5،1924‬ذلك أن الساسة والخبراء في الشؤون الكولونيالية أروا أن‬ ‫التعليم من شأنه أن يوقد بسهولة فتيل الثورة ضد اإليطاليين‪ 6،‬حتى أن مدير المدارس في طرابلس سنة‬ ‫‪United States Census Bureau, International Data Base.‬‬ ‫‪Nations Encyclopaedia, http://www.nationsencyclopedia.com/Africa/Libya-ECONOMY.html‬‬ ‫‪UNESCO, World Illitracy at Mid-Century, A Statistical study.‬‬ ‫‪Steer George L., Matteo Pretelli, Education in the Italian Colonies during the Interwar Period, Routledge‬‬

‫‪1‬‬ ‫‪2‬‬ ‫‪3‬‬ ‫‪4‬‬

‫ترجمة الكاتب بتصرف ‪Taylor & Francis Group, Modern Italy, Vol. 16, No. 3, August 2011, p. 281.‬‬ ‫‪Pretelli, Matteo, p. 281.‬‬ ‫‪Pretelli, Matteo, p. 280.‬‬

‫‪11‬‬

‫‪5‬‬ ‫‪6‬‬


‫‪ 1922‬كان يرى أن التعليم في المستعمرات مسألة سياسية يجب حلها باإلخضاع التام للمستعمرين (بفتح‬ ‫‪7‬‬ ‫ِ‬ ‫لمستعمرين (بكسرها)‪.‬‬ ‫الميم) ل‬

‫مدرسة العرب اإليطالية بدرنة‬

‫‪1932-1931‬‬

‫ولكن النقص وحده ال يثبط الهمم العالية متى اندفع للعطاء مخلصون ذوو رؤية وعزيمة‪ ،‬يتصدرون المشهد‬ ‫بذال وعمال وريادة‪ ،‬يحدوهم األمل والثقة في مستقبل كريم ألمتهم‪.‬‬

‫من رجال الجمعية‬ ‫في هذا الفصل من الكتاب نبذ عن ثالثة من وجوه جمعية عمر المختار مركز درنة‪ ،‬هم إبراهيم أسطى‬ ‫عمر‪ 8‬وعبد الرازق شقلوف وعبد هللا سكته‪ ،‬تعريفا بهم وبسيرهم التي مهدت ألن يكونوا في الصف األول‬

‫‪8‬‬

‫‪Pretelli, p. 279.‬‬ ‫سأشير إليه‪ ،‬رحمه هللا‪ ،‬في هذا الكتاب باسمه كما ينطق به أهل درنة وكما مهر أوراق الجمعية ‪ -‬فيما عدا استثناءات قليلة‪ -‬بتوقيعه عليها‪:‬‬

‫إبراهيم أسطى عمر‪ ،‬وليس األسطى عمر‪.‬‬

‫‪12‬‬

‫‪7‬‬


‫من بين رواد الجمعية ومؤسسيها‪ .‬كانوا من بين العديد من أبناء ذلك الجيل الذين أعطوا وطنهم خالصة‬ ‫جهدهم وعصارة فكرهم‪ ،‬ومن دون حساب‪ ،‬متسلحين بما حصلوه من علم في ظروف شاقة من اضطهاد‬ ‫ِ‬ ‫المستعمر وضيق العيش‪ .‬كان األستاذ إبراهيم أسطى عمر رئيس جمعية عمر المختار مركز درنة وزعيما‬ ‫شعبيا لمدينته ال ينازع‪ ،‬وكان األستاذ عبد الرازق شقلوف الرئيس الشرفي للجمعية وعضو مجلس إدارتها‬ ‫ِ‬ ‫أساس هذا الكتاب ـ فقد كان القائم بإدارة‬ ‫ورئيس رابطة شبابها‪ ،‬أما األستاذ عبد هللا سكته ـ صاحب الوثائق‬ ‫الجمعية وتنظيمها كسكرتير عام لها طيلة مدة رئاسة أسطى عمر في الفترة من مايو ‪ 1947‬إلى نوفمبر‬ ‫‪ .1948‬لقد كان لهؤالء الرواد الثالثة وغيرهم من قادة الجمعية‪ ،‬يبرز من بينهم السادة علي باشا العبيدي‬ ‫أول رؤسائها وعبد الكريم محمد لياس أول سكرتير عام لها وعبد الحميد المبروك بن حليم آخر سكرتير‬ ‫عام‪ ،‬رؤيتهم الوطنية المشتركة في قضايا حرية الوطن واستقالله ووحدة أراضيه‪ ،‬وكانت لهم مواقفهم فيما‬ ‫واجه الجمعية من عقبات وتحديات كبرى في تلك الفترة الحرجة‪ .‬وكانوا شركاء مع عموم أعضاء الجمعية‬ ‫وجماهير المدينة في ازدهار الحياة الثقافية والرياضية وفي ِ‬ ‫لع ِب دور فاعل على ساحة العمل الوطني الليبي‬ ‫في سنوات حاسمة من تاريخ التحول نحو إقامة الدولة المستقلة الموحدة‪ .‬وألن نتائج العمل في تنظيم مثل‬ ‫جمعية عمر المختار محكومة بشخصيات قادتها والقائمين عليها‪ ،‬كما هي محكومة بالظرف والمحيط‪ ،‬فمن‬ ‫المفيد إلقاء الضوء على بعض قادتها‪.‬‬ ‫باستعراض بعض من ِسي ِـر ثالثة من أقطاب الجمعية ستمثل واضحة طبيعة تحديات تلك الفترة واستجابة‬ ‫ِ‬ ‫المؤسس لها‪ .‬وليس في قصر الحديث على ثالثة فقط من قادة الجمعية‪ ،‬هم إبراهيم أسطى عمر‬ ‫ذلك الجيل‬ ‫وعبد الرازق شقلوف وعبد هللا سكته‪ ،‬انتقاص من عطاء الجمعية بكل قياداتها وأعضائها؛ الجميع أعطى‬ ‫بقدر ما يملك وفي حدود القيود والظروف الحاكمة في كل حالة‪.‬‬

‫‪ -1‬إبراهيم أسطى عمر‬ ‫الكتابة عن جمعية عمر المختار مركز درنة أو الحديث عنها ال يكتمل ـ إن‬ ‫جاز ـ من دون ذكر زعيم المدينة ورئيس جمعية عمر المختار بها في الفترة‬ ‫من ‪ 18‬مايو ‪ 1947‬و‪ 7‬نوفمبر ‪ ،1948‬والعضو الفاعل بها منذ إنشائها‪،‬‬ ‫األستاذ إبراهيم أسطى عمر‪.‬‬

‫‪13‬‬


‫طفولته‪ ..‬مسؤولية مبكرة‬ ‫ولد إبراهيم عبد الكريم أسطى عمر بمدينة درنة في ‪ 1‬ديسمبر‪ .1908‬كان جد أبيه‪ ،‬األسطى عمر‪ ،‬قد‬ ‫هاجر من مدينة بنزرت بتونس واستوطن مدينة درنة مشتغال في صيانة األسلحة النارية (زنايدي) التي‬ ‫توارثها أبناؤه من بعده‪ .‬واضطر عبد الكريم ألن يترك حرفة آبائه بسبب حظرها من قبل االحتالل اإليطالي‬ ‫وفتح مقهى عمل به حتى وفاته سنة ‪ .1916‬بوفاة والده‪ ،‬كان على إبراهيم‪ ،‬ابن الثماني سنوات‪ ،‬أن يتكفل‬ ‫بمتطلبات الحياة ألمه وأختيه ِ‬ ‫غير المتزوجتين‪ ،‬فترك الدراسة التي كان قد أكره عليها كما يقول‪ ،‬في السنة‬ ‫التي مات فيها والده‪ ،‬و"انقلب رجال يفكر كيف يعمل إلعاشة عائلته دون أن يمن عليها أحد بحسنة ودون‬ ‫أن تحتاج للخروج على العوائد المرعية بين أهل البلد‪ 9".‬اشتغل إبراهيم أسطى عمر حماال بالسوق أياما‬ ‫وحطابا يقطع الحطب من المناطق المحيطة بمدينته ويحمله على ظهره ليبيعه في سوقها أياما أخرى‪.‬‬ ‫واستمر إبراهيم أسطى عمر في عمله هذا لمدة أربع سنوات‪ ،‬حتى سنة ‪ ،1921‬عمل بعدها ِ‬ ‫مباش ار بدائرة‬ ‫الجمارك‪ .‬واستمر عمله ما بين حطاب وحمال ومباشر لمدة ثالثة عشر عاما‪.‬‬

‫تعليمــه‬ ‫وأخي ار رأى إبراهيم أسطى عمر أن عليه أن يعيد تعلم ما كاد ينساه من الحروف العربية واإليطالية وتركيبها‬

‫ِ‬ ‫الكلمات في جمل حتى أصبح "يق أر في بعض األحيان‪ 10".‬وتولد لديه منذ ذلك الحين شغف‬ ‫في كلمات و‬ ‫بالمطالعة حتى وصف بأنه في المطالعة "كالنار ال تأتي على أخضر أو يابس إال أكلته‪ 11".‬وانتقل من‬ ‫قراءة ما تقع عليه يده إلى جلب الكتب من مصر‪ ،‬ومن هنا توسعت دائرة مطالعاته‪ .‬وتحصل‪ ،‬على غير‬ ‫انتظار كما يقول‪ ،‬على وظيفة كاتب بالمحكمة الشرعية‪.‬‬ ‫تعلم أسطى عمر في فترة من الفترات على يد الشيخ عبدالكريم عزوز قاضي محكمة درنة الذي اعتنى به‬ ‫وعلمه اللغة العربية والفقه‪ .‬وحظي في فترة أخرى بمرافقة الشيخ محمد عبد القادر الحصادي‪ ،‬الفقيه الضرير‬ ‫‪9‬عبد الباسط سليمان الدالل‪ ،‬ديوان إبراهيم األسطى عمر‪ ،‬دار الفاتح للطباعة والنشر درنة‪ ،‬من يوميات الشاعر‪ ،‬ص ‪.9‬‬ ‫‪10‬‬ ‫‪11‬‬

‫المرجع السابق‪ ،‬ص ‪.10‬‬ ‫المرجع السابق‪.‬‬

‫‪14‬‬


‫والشاعر المشهود له بين شعراء المدينة‪ ،‬فكان يكتب له ويق أر ليسمعه‪ ،‬وطالما حفظ الشيخ كتب المتون على‬ ‫يديه كما يقول إبراهيم أسطى عمر‪ .‬وعندما انتقده أحد أصدقائه لعدم إتقانه قواعد اللغة‪ ،‬أدرك إبراهيم أسطى‬ ‫عمر أن عليه أن يتعلمها‪ ،‬فأحضر الكتب وبقيت الحاجة إلى معلِم‪ ،‬فتوجه إلى الشيخ محمد عبد القادر‬ ‫الحصادي‪ ،‬ولكن الشيخ "رفض محتجا بضيق وقته "الذي يضيق من اتساعه"‪ 12.‬استاء أسطى عمر من‬ ‫رد شيخه وعقد العزم على أن يتعلم قواعد اللغة من دون معلم‪ ،‬فإما أن يتقنها واال فإنه لن يعود لرجاء‬ ‫مخلوق أن يعلمه كلمة في أصول العربية‪ 13.‬وفي خالل عام اشترك في امتحان أهلية التعليم باللغة العربية‬ ‫ونجح‪.‬‬ ‫قادت االهتمامات الثقافية وبالشأن العام أسطى عمر إلى االتفاق مع األستاذ محمد جبريل على استئجار‬ ‫بستان‪ 14‬األوقاف‪ .‬أحضر أسطى عمر كتبه وجهاز راديو إلى المكان‪ ،‬وما لبث المكان أن أصبح ملتقى‬ ‫النخبة المثقفة في المدينة؛ من بين أسمائها‪ :‬الشيخ عبد الكريم عزوز قاضي المدينة‪ ،‬محمد قويدر الحصادي‬ ‫الشاعر الفقيه‪ ،‬مصطفى بوخشيم‪ ،‬عبد الحفيظ بوغ اررة‪ ،‬خليفة عيسى‪ ،‬علي أسعد الجربي‪ ،‬مصطفى بن‬ ‫سعود‪ ،‬أحمد بوغ اررة‪ ،‬محمد سرقيوه‪ ،‬عبد الكريم جبريل‪ ،‬أحمد جبريل‪ ،‬محمد جبريل وأحمد النويصري‬ ‫وغيرهم‪.‬‬

‫أمه لديه‬ ‫مكانة ِ‬ ‫كرس أسطى عمر سنوات حياته األولى‪ ،‬بعد وفاة والده‪ ،‬لرعاية والدته وأختيه ِ‬ ‫غير المتزوجتين وتوفير سبل‬ ‫العيش الكريم لهن‪ .‬وكان رضا أمه وسعادتها في المقام األول مما يشغله‪.‬‬ ‫كان ال يأكل اللحم‪ ،‬ولذلك قصة‪ .‬ذات يوم شديد الح اررة‪ ،‬إذ هو مار بمحل قصاب في أحد شوارع المدينة‪،‬‬ ‫لمح امرأة تشتري اللحم خالها أمه‪ .‬عاد ظهر ذلك اليوم إلى منزله ووجد والدته قد أعدت وجبة الغداء‪.‬‬ ‫أحضرت أمامه الغداء الذي احتوى على لحم‪ .‬سألها إن كانت قد خرجت في ذلك اليوم القائظ لشراء اللحم‪،‬‬

‫‪12‬‬

‫المرجع السابق‪ ،‬ص ‪.11‬‬

‫‪ 13‬المرجع السابق‪.‬‬ ‫‪’ 14‬جْ نان‘ كما يسميه أهل درنة‪ ،‬بستان فاكهة من موز وعنب ورمان ومشمش من فواكه المدينة‪.‬‬

‫‪15‬‬


‫وكان ردها باإليجاب‪ .‬غضب إبراهيم عندما أدرك أن خروج أمه في قيظ ذلك اليوم إنما كان لكي تجهز له‬ ‫غداءه‪ .‬لذلك أقسم في ذلك اليوم أنه لن يتناوله في حياته أبدا‪ .‬وذلك ما كان‪.‬‬

‫هجرته‬ ‫قبض اإليطاليون على عمر المختار يوم ‪ 11‬سبتمبر ‪ ،1931‬األمر الذي شكل حدثا فارقا في سيرة أسطى‬ ‫عمر الذي وصف وْقع الحدث الجلل بقوله‪" :‬لم يعد لنا أمل في الثورة وقد قبض على قطبها وفر من رجالها‬ ‫إلى الحدود المصرية واستسلم من استسلم منهم للطليان‪ 15".‬ونتيجة لذلك؛ ظهرت فكرة الهجرة واالنضمام‬ ‫للعمل مع الليبيين في المهجر‪ .‬وصل إبراهيم أسطى عمر إلى اإلسكندرية عن طريق البحر في شهر‬ ‫أغسطس ‪ ،1938‬ومنها بعد ذلك بشهر واحد إلى سوريا‪ ،‬ثم العراق‪ ،‬ثم العودة إلى سوريا‪ ،‬ومنها إلى األردن‪.‬‬ ‫كان السبب في هذه الرحالت تعذر الحصول على تأشيرات دخول أو انتهاء مدد اإلقامات القصيرة‪ ،‬وعبور‬ ‫الحدود خفية دون الحصول على أذونات في بعض األحيان‪ .‬في األردن تحصل صاحبنا‪ ،‬نتيجة تدخل من‬ ‫علي باشا العابدية‪ ،‬على عمل كرئيس عمال على خط قطارات حيفا ـ ـ بغداد بأجر يومي قدره خمسة عشر‬ ‫قرشا‪ .‬ومن األردن انتقل أسطى عمر إلى مصر حيث التحق بالجيش السنوسي وتقدم ضمن معارك الحلفاء‬ ‫الفاصلة تلك وشارك في حصار طبرق‪.‬‬ ‫شارك إبراهيم أسطى عمر في مهجره في العمل من أجل القضية الوطنية‪ ،‬وتعرف على نتاج أدباء ومفكري‬ ‫المشرق العربي‪ ،‬وعاش فترة تحول في تاريخ المنطقة شهدت بداية نهاية االستعمار المباشر ونشوء الدول‬ ‫القطرية والمؤامرة الدولية الغتصاب فلسطين واقامة الكيان اليهودي على أرضها‪ .‬كان لكل ذلك أثره البالغ‪،‬‬ ‫وال شك‪ ،‬في تكوين شخصية أسطى عمر ورصيده الثقافي وصقل موهبته الشعرية وعمق انتمائه العروبي‪.‬‬

‫التحاقه بالجيش السنوسي‬

‫‪15‬‬

‫المرجع السابق‪ ،‬ص ‪.13‬‬

‫‪16‬‬


‫عندما ق أر إبراهيم أسطى عمر بجريدة فلسطين في شهر يناير ‪ 1940‬نبأ مفاده أن عبد الرحمن عزام قد‬ ‫باشر في تأسيس فرقة لمتطوعي فرقة طرابلس اطلق عليها اسم الفرقة الطرابلسية تقدم أسطى عمر في‬ ‫أبريل ‪ 1940‬بطلب عن طريق المعتمد البريطاني في عمان للتطوع في الفرقة الطرابلسية وتسهيل التحاقه‬ ‫بها‪ ،‬غير أن مكتب المعتمد أبلغه أنه ال يملك ما يؤيد تأسيس الفرقة‪.‬‬ ‫وبتأسيس الجيش السنوسي شرع أسطى عمر في اتصاالته عن طريق عمر فائق شنيب على وجه الخصوص‬ ‫لاللتحاق بالجيش‪ .‬وبعد طول انتظار استلم إبراهيم أسطى عمر رسالة من عمر فائق شنيب من مصر‬ ‫طالبا منه موافاته بأسماء الراغبين في التطوع بالجيش السنوسي‪.‬‬

‫في جمعية عمر المختار‬ ‫بنهاية الحرب ترك إبراهيم أسطى عمر الخدمة العسكرية وعاد إلى مدينته‪ ،‬ليعمل باإلدارة العسكرية البريطانية‬ ‫فى مدينتي المرج ودرنة‪ ،‬وليمارس العمل السياسي من خالل جمعية عمر المختار ورابطة شباب درنة‬ ‫ْ‬ ‫مناضال من أجل استقالل ليبيا ووحدة ترابها‪ .‬ولم يبخل أسطى عمر في توظيف قدراته وتكريس وقته وطاقته‬ ‫ِ‬ ‫لتوعية والتنوير وفتح أبواب التعليم والثقافة المشاركة في‬ ‫للنهوض بجمعية عمر المختار تنظيما وادارة‪ ،‬ول‬ ‫قضايا الشأن العام على مصارعها أمام الناس‪ .‬وكان أسطى عمر شاع ار مرموقا له مساهماته الكبيرة في‬ ‫نشاطات الجمعية الثقافية والندوات األدبية والمناظرات والمسرح‪.‬‬

‫الديموقراطية وحرية التعبير‬ ‫ناضل إبراهيم أسطى عمر بالكلمة والشعر والسالح والعمل السياسي المنظم من أجل حرية الوطن ووحدته‬ ‫وصوال إلى قيام دولة ديموقراطية تعلي شأن الحقوق والحريات العامة‪ .‬من أقواله التي تجسد مبادئه وأهدافه‪:‬‬ ‫ليس معنى تعدد األحزاب واختالف أساليب العمل للهدف الواحد دليال على تشتت الشعب واستعداده‬ ‫للتأثر بوسائل األجانب‪ ...‬من هنا ظهرت فكرة تعدد األحزاب في البالد الديمقراطية ألنها هي‬ ‫الوسيلة الوحيدة التى تضمن للشعب بلوغ غاياته والمحافظة على حقوقه‪ ،‬واال لو انفردت هيئة‬ ‫واحدة للعمل باسم الشعب النقلب الوضع ديكتاتوريا‪ ،‬والستبدت هذه الهيئة أو هذا الحزب‪ ...‬إن‬ ‫‪17‬‬


‫تعدد الهيئات ينتج عنه تعدد األساليب‪ ،‬وعن هذا ينتج تعدد األفكار‪ ،‬واذا اصطدمت األفكار‬

‫ظهرت الحقائق‪ ..‬ونحن ننشد عهدا ديمقراطيا يرتكز على حرية االجتماع والكتابة والرأى‪ ..‬وال‬ ‫يمكننا أن نسعد بهذا العهد إال إذا تعددت هيئاتنا‪ ،‬وفى تعددها مجال لتنمية األفكار وتقوية الشعور‬

‫الوطنى والمنافسة فى المحافظة على حقوق الشعب‪.‬‬

‫‪16‬‬

‫وفاته‬ ‫ولعل قصيدته الشهيرة "قيل صمتا" تصور جانبا من منهاج حياته وعمله الوطني طيلة سنوات عمره القصير‬ ‫أبلغ تصوير‪:‬‬ ‫قيل صمتا فقلت لســت ِ‬ ‫بميت‬ ‫إن معنى الحي ِ‬ ‫َّ‬ ‫ـاة قـول وفعـل‬ ‫ال أطيق السكوت ما دام قلبـي‬ ‫إنما البلبل المغـرد يش ــدو‬ ‫ذاك دأبي مــدى الحيا ِة واني‬

‫هم ْت‬ ‫ما أظن األقفاص مهما ْادل َّ‬ ‫إنمــا الــرزق والمعيشــة والمـوت‬

‫ِ‬ ‫للجماد‬ ‫إنما الصمت مي ـزة‬ ‫ِ‬ ‫للجهاد‬ ‫وهي رمـز مق ـدس‬

‫خافقا واللسان يروي مـرادي‬

‫أينما كان في الربى في الوهاد‬

‫ال أبالي بما تجيئ الع ـوادي
‬ ‫تمنع الطـير لــذة اإلنشـاد‬

‫جميع ـا بأم ـ ِر ر ِب العبــاد‬

‫لقد أعطى إبراهيم أسطى عمر الكثير في ميادين النضال السياسي‪ ،‬وفي الحرب جنديا في الجيش السنوسي‪،‬‬ ‫وفي ميادين الثقافة واألدب‪ ،‬وأخلص العمل في سبيل ما يخدم القضية الوطنية ويقرب يوم االستقالل‪ ،‬ما‬ ‫أكسبه محبة وتقدير واجالل سكان مدينته فأصبح زعيمهم وزعيم جمعيتهم من دون منازع‪.‬‬ ‫انتخب أسطى عمر في يونيه ‪ 1950‬عضوا في البرلمان البرقاوى عن مدينة درنة‪ .‬ولكن شاءت األقدار أن‬ ‫ادليس بضواحي مدينة درنة يوم ‪26‬‬ ‫يتوفاه هللا بعد تلك االنتخابات بشهرين حيث مات غرقا على شاطئ ْ‬

‫سبتمبر ‪ .1950‬وبوفاته طويت صفحة من صفحات العمل الوطني والفكر واألدب والشعر لرجل فاز بمحبة‬

‫‪16‬‬

‫المغيربي‪ ،‬محمد بشير‪ ،‬وثائق جمعية عمر المختار‪ ،‬رقم اإليداع ‪ ،1993 ،10408/92‬ص ‪.355-353‬‬ ‫صدر ذلك عن إبراهيم أسطى عمر خالل مناقشة الجمعية العمومية إلنشاء قسم سياسي كان قطباها إبراهيم أسطى عمر وأحمد فؤاد شنيب‪.‬‬

‫‪18‬‬


‫مدينته وافتخارها على نحو لم يفز به أحد من بعده فأصبح زعيمهم وزعيم جمعيتهم بدون منازع‪ .‬و’ليس‬ ‫بميت‘ من يخلد أعماله عطاء في منزلة عطاء إبراهيم أسطى عمر‪.‬‬

‫‪ -2‬عبد الرازق شقلوف‬ ‫تعليمه ووظائفه األولى‬ ‫ولد عبد الرازق شقلوف الدرسي في مدينة درنة سنة ‪ ،1914‬ونشأ بها يتيما إذ توفي‬ ‫والده ولم يتجاوز عبد الرازق من العمر بضع سنوات‪ .‬التحق بالكتاب ومن بعده‬ ‫بالمدارس اإليطالية‪ .‬اشترك مع عدد من المتقدمين من مدينة درنة في مسابقة أجريت‬ ‫في بنغازي سنة ‪ 1932‬لقبول معلمين‪ .‬نجح عبد الرازق شقلوف وعين معلما بمدينة‬ ‫اجدابيا‪ ،‬منتقال للتدريس بعدها إلى الكفرة وغيرها من قرى برقة‪ .‬وبعد بضع سنوات‬ ‫في ميدان التعليم تركه ليتولى وظائف إدارية في اجدابيا ومن بعدها في الفايدية بالجبل‬ ‫األخضر‪.‬‬

‫أمام عمر المختار‬ ‫يروي عبد الرازق شقلوف أن حلمه كان أن يلتحق باألدوار القتالية في حركة الجهاد ضد االستعمار‬ ‫اإليطالي‪ .‬وتمكن بعد جهد‪ ،‬وعمره لم يتجاوز السادسة عشر‪ ،‬من مقابلة شيخ المجاهدين عمر المختار‪.‬‬ ‫بعدما أتم عمر المختار صالته وق أر ما تيسر من الكتاب التفت إلى الفتى قائال‪" :‬أهال يا ْرزوقه‪ ،‬أيش في‬ ‫خاطرك؟" استمع الشيخ لعبد الرازق يعبر عن رغبته في االنضمام إلى أدوار المجاهدين ثم ورد عليه قائال‬ ‫إنه نظ ار لمعرفة غبد الرازق الكتابة والقراءة ستكون هناك حاجة له فيما يخدم الوطن بمدينته‪ .‬يقول عبد‬

‫‪19‬‬


‫الرازق شقلوف‪" :‬بقدر ما تألمت لعدم قبولي في الدور‪ ،‬إال أن استقبال شيخ الشهداء لي كان بمثابة شرف‬ ‫عظيم سأظل أذكره ما حييت‪".‬‬

‫‪17‬‬

‫الجيش السنوسي‬ ‫التحق عبد الرازق شقلوف بالقوة الليبية البريطانية (الجيش السنوسي) فدائيا خلف خطوط العدو اإليطالي‪.‬‬ ‫أصيب في مواجهات طبرق ورافق الجيش البريطاني في انسحابه إلى الشرق‪ .‬وبالتحاقه بالجيش السنوسي‬ ‫تعرف عبد الرازق شقلوف على العديد من الشخصيات الليبية التي كان لها شأن في قضية االستقالل‬ ‫ومسيرة بناء الدولة‪ ،‬وتعرف عن قرب على رفيق دربه في قيادة جمعية عمر المختار الحقا‪ ،‬إبراهيم أسطى‬ ‫عمر‪.‬‬

‫رواد العمل الوطني‬ ‫رائدا من ِ‬ ‫سطع نجم عبد الرازق شقلوف من خالل رئاسته الشرفية لجمعية عمر المختار وعضويته بمجلس إدارتها‬ ‫إلى جانب إبراهيم أسطى عمر‪ ،‬ورئاسته لرابطة الشباب الدرناوي التي جذبت إلى عضويتها ومتابعة نشاطاتها‬ ‫الثقافية والرياضية جماهير شباب المدينة‪.‬‬ ‫وبرز عبد الرازق شقلوف كواحد من أعضاء الوفد البرقاوي‪" ،‬الفرسان الثالثة" عبد الرازق شقلوف وعمر‬ ‫فائق شنيب وخليل القالل‪ ،‬كما أسمتهم الصحافة وقتها‪ .‬توجه الوفد البرقاوي مع وفد طرابلس إلى األمم‬ ‫المتحدة مطالبا باستقالل البالد‪ .‬دافع الوفد في مهمته تلك عن حق البالد في االستقالل وسط صراعات‬ ‫وتجاذبات مصالح دولية‪ ،‬وانتهى األمر كما هو معروف بصدور قرار األمم المتحدة باستقالل ليبيا في موعد‬ ‫ال يتجاوز األول من يناير ‪.1952‬‬

‫‪17‬‬

‫فتح هللا سرقيوة‪’،‬البرلمان والحكومة‘‪( ،‬مدونة ليبيا الجديدة‪ 27 ،‬سبتمبر ‪ ،)2015‬عن حديث لصاحب الموقع مع عبد الرازق شقلوف‪.‬‬

‫‪ ، http://newlibyablog.blogspot.com/2015/09/blog -post.html‬دخول الموقع في ‪ 1 7‬أكتوبر ‪،2015‬‬

‫‪20‬‬


‫نائبا ووكيال لوزارة المالية‬ ‫استقال عبد الرازق شقلوف من جميع مناصبه في جمعية عمر المختار في ‪ 25‬سبتمبر ‪ ،1948‬وترشح في‬ ‫انتخابات برلمان برقة في يونيه ‪ ،1950‬ففاز رفقة إبراهيم أسطى عمر كنائبين عن مدينة درنة كما سبقت‬ ‫اإلشارة‪ .‬وفاز الحقا في انتخابات مجلس نواب المملكة الليبية المتحدة نائبا عن مدينته مرة أخرى‪ .‬واستقال‬ ‫شقلوف من مجلس النواب ليصبح الوكيل الدائم لو ازرة المالية‪ ،‬األمر الذي كان موضع األسف بين أبناء‬ ‫مدينته الذين تمنوا لو قابل عبد الرازق شقلوف ثقتهم الكاسحة فيه بمواصلة تمثيله لهم معارضا مثلما كانت‬ ‫المعارضة شأن مدينتهم وقتها (وبعدها)‪ .‬لمنصب وكيل و ازرة المالية مسؤوليات ونفوذ كبي ارن‪ ،‬ففي و ازرة‬ ‫المالية ترسم سياسات الدولة المالية بمواردها المحدودة جدا في ذلك الوقت ويدار اإلنفاق‪ .‬وكان عبد الرازق‬ ‫شقلوف باإلضافة إلى منصبه ذلك المسؤول الليبي المخول ببرنامج المساعدات األمريكية لليبيا والمعروف‬ ‫باسم "النقطة الرابعة"‪ .‬كانت لعبد الرازق شقلوف صالحيات إدارية ومالية كبرى حيث حاز على ثقة ملك‬ ‫البالد وأصبح مستشا ار موثوقا ومقربا منه‪ ،‬وذا مكانة عالية عنده لم تكن خافية على أحد‪.‬‬

‫نزاهته‬ ‫جاء انقالب ‪ 1969‬بعد تقاعده ببضعة أشهر ليوِدعه السجن ويحاكمه كونه واحدا من رجال (العهد البايد)‪.‬‬ ‫لم يكن هناك شك لدى بشير هوادي رئيس "محكمة الشعب" وعمر المحيشي رئيس نيابتها‪ ،‬مع غيرهما من‬ ‫عامة الناس‪ ،‬أن الرجل كان قد وضع يده على ثروة طائلة بصالحياته المالية الكبرى ومكانته في السلطة‬ ‫إبان العهد الملكي‪ .‬ولكن عبد الرازق شقلوف‪ ،‬عندما سألته المحكمة عن ثروته‪،‬أجاب قائال‪" :‬عندي الستر‬ ‫والحمد هلل‪".‬‬ ‫يروي مصطفى البركي على صفحات موقع "ليبيا المستقبل‪ 18"،‬أنه قد أجر شقة سكنية في بنغازي لعبد‬ ‫الرازق شقلوف سنة ‪ 1970‬عن طريق سيدة جاءته لهذا الغرض وبإيجار شهري بلغ خمسين دينا ار‪ .‬عجز‬ ‫عبد الرازق شقلوف عن دفع إيجار الشقة لمدة أربع سنوات‪ ،‬رغم المطالبات المتالحقة من مكتب المالك‪.‬‬ ‫‪18‬‬

‫مصطفى البركي‪’ ،‬شرفاء عهد المملكة‘‪ (،‬ليبيا المستقبل‪.)2006/7/2 ،‬‬

‫‪ ، http://archive.libya-al-mostakbal.org/MinbarAlkottab/July2006/mmelbarky020706.htm‬دخول الموقع بتاريخ ‪7‬‬ ‫سبتمبر ‪.2015‬‬

‫‪21‬‬


‫"يا بو البركي‪ "،‬قال عبد الرازق شقلوف لمصطفى البركي على الهاتف‪" ،‬أنا ما عنديش فلوس بيش ندفع‬ ‫لك اإليجار‪ ،‬ولذا أرجوك ال تكلمني عن اإليجار حتى يفرج هللا‪ 19".‬أعاد عبد الرازق شقلوف الشقة إلى‬ ‫صاحبها بعد تلك السنوات األربعة‪ .‬ومرت ثالث سنوات أخرى‪ ،‬جاءت بعدها نفس السيدة لسداد اإليجار‬ ‫القديم المستحق‪ ،‬فقد توفر لعبد الرازق شقلوف اآلن ما يكفي لسداد دينه‪ .‬شهادة مصطفى البركي هذه أتت‬ ‫من رجل لم يقابل عبد الرازق شقلوف في حياته قط‪.‬‬

‫‪20‬‬

‫عطاء متعدد األوجه‬ ‫يصعب تحديد مرحلة معينة من مراحل عطاء عبد الرازق شقلوف في مسيرته النضالية الطويلة لتكون‬ ‫األبرز أو األهم واألبعد أث ار‪ ،‬فقد حارب ضمن الجيش السنوسي‪ ،‬وشارك في وضع لبنات التعليم األولى في‬ ‫مناطق بعيدة عن مدينته؛ في اجدابيا وسلوق والكفرة التي أسس فيها أولى مدارسها‪ ،‬وتألق في التنظيم‬ ‫الشعبي والشبابي‪ ،‬وبرز كعضو قيادي في جمعية عمر المختار‪ ،‬التنظي ِم الذي تصدر النضال السياسي في‬ ‫سبيل استقالل ووحدة ليبيا‪ .‬ومثل عبد الرازق شقلوف بالده في المحافل الدولية إبان الفترة الممهدة إلعالن‬ ‫االستقالل‪ .‬وأخي ار وليس آخ ار‪ ،‬كان مساهما في بناء مؤسسات الدولة الليبية الوليدة ومستشا ار لملك البالد‪.‬‬

‫وفاته‬ ‫تقاعد عبد الرازق شقلوف من الوظيفة العامة ككيل لوزارة المالية سنة ‪ ،1969‬واستقر في السنوات األخيرة‬ ‫من عمره في مدينة بنغازي حتى وافاه األجل المحتوم بها يوم ‪ 5‬أبريل ‪ 2004‬عن عمر ناهز التسعين عاما‪.‬‬ ‫ترك عبد الرازق شقلوف الحياة الدنيا عفيفا نزيها يتذكر جليل أعماله أبناء جيله وال يعني اسمه شيئا لمن‬ ‫جاء بعدهم في زمن تنكر لشرفاء وأبطال الجهاد وبناة الدولة‪.‬‬

‫‪19‬‬ ‫‪20‬‬

‫المرجع السابق‪.‬‬ ‫المرجع السابق‪.‬‬

‫‪22‬‬


‫‪ -3‬عبد هللا محمد سكته‬

‫‪21‬‬

‫ولد عبد هللا سكته بمدينة درنة يوم ‪ 19‬أبريل ‪ .1919‬درس المرحلة االبتدائية وسنتين‬ ‫بالمرحلة المتوسطة بالمدارس اإليطالية‪ ،‬وذلك ما كان متاحا من التعليم لليبيين زمن‬ ‫االستعمار آنذاك‪ .‬أجاد اللغتين اإليطالية واالنجليزية‪ ،‬كما كانت لديه حصيلة عالية من‬ ‫الثقافة العامة َّ‬ ‫تمكن منها بمجهوده الشخصي‪ .‬التحق بدورة دراسية بالجامعة األمريكية‬ ‫ببيروت سنة ‪ 1954‬في قواعد القانون اإلداري والعلوم المالية والتنظيم‪ .‬وأوفد على نفقة‬ ‫األمم المتحدة إلى بريطانيا سنة ‪ 1956‬لدراسة نظم اإلدارة‪.‬‬

‫في عهد االستعمار اإليطالي‬ ‫وفر على األرض الليبية بين طرفي الحرب العالمية الثانية‪ .‬وقد تخلل تلك الفترة‬ ‫كر ا‬ ‫شهدت سنة ‪ 1941‬ا‬ ‫ْ‬ ‫تولِي عبد هللا سكته وظيفة مدير مدينة البيضاء بالجبل األخضر عندما خرج المستوطنون اإليطاليون يوم‬ ‫‪ 6‬أبريل من تلك السنة في مظاهرة صاخبة محتفلين باالنسحاب البريطاني األول وعودة القوات اإليطالية‬ ‫للمنطقة من جديد‪ .‬شاءت الظروف أن يلتقي المتظاهرون أثناء تلك المظاهرة مع عبد هللا سكته ومواطنين‬ ‫ليبيين آخرين وجها لوجه‪ ،‬ولم يتمكن الليبيون من اإلفالت من المتظاهرين‪ .‬أمسك المتظاهرون بعبد هللا‬ ‫سكته وانهالوا عليه بالضرب وأطلق عليه أحدهم طلقات من مسدسه كسرت إحداها فكه األسفل وأصابت‬ ‫أخرى ذراعه األيسر وسكنت ثالثة في صدره‪ .‬ظن المتظاهرون أنه قد فارق الحياة وتركوه ملقى على األرض‪.‬‬ ‫نقل عبد هللا سكته بعد ذلك إلى مقر إقامة الراهبات الممرضات وهناك تم استخراج الرصاصة وتقديم‬ ‫العالج‪.‬‬

‫‪22‬‬

‫وفي الشهر التالي لذلك االعتداء‪ ،‬تقدمت الشرطة الملكية (كارابنييري ريالي) إلى المحكمة بمذكرة اتهام‬ ‫وصفت فيها عبد هللا سكته بأنه شديد العداء إليطاليا األمر الذي تأكد خالل فترة االحتالل البريطاني‬ ‫للمنطقة‪ ،‬وأنه أظهر أثناء قيامه بوظيفته كمدير احتقا ار للموظفين والمواطنين اإليطاليين‪ ،‬كما ادعت أنه‬ ‫"مخبر مواظب ِ‬ ‫ونشط للسلطات اإلنجليزية‪ ،‬وأنه مسؤول عن تقديم قوائم للسلطات البريطانية بأسماء إيطاليين‬ ‫‪21‬‬ ‫‪22‬‬

‫استنادا لسيرة ذاتية موجزة أرفقها رحمه هللا بوثائق الجمعية‪.‬‬ ‫المرجع السابق‪.‬‬

‫‪23‬‬


‫من ذوي النفوذ‪ ،‬من بينهم أمين الحزب الفاشي وعميد البلدية وأمينها وقسيس الكنيسة‪ ،‬كعناصر خطيرة‬ ‫يتوجب التخلص منهم‪ ،‬وأنه قد أبلغ السلطات البريطانية عن األسلحة المحفوظة والجنود اإليطاليين الناجين‬ ‫من األسر‪".‬‬

‫‪23‬‬

‫رفعت السلطات اإليطالية مذكرة االتهام هذه إلى المحكمة الخاصة بالدفاع عن الدولة‪ .‬وأودع عبد هللا سكته‬ ‫بأحد المعتقالت في انتظار انعقاد المحكمة‪ ،‬غير أنه وبناء طلب من رئاسة شرطة الكارابنييري لمحافظة‬ ‫درنة‪ ،‬تم ترحيله في شهر أغسطس ‪ 1941‬ومعه عدد من المواطنين إلى االعتقال بطرابلس‪ ،‬وبقي رهن‬ ‫االعتقال حتى اندحار القوات اإليطالية واأللمانية واحتالل قوات الحلقاء لطرابلس في يناير ‪ .1943‬وفي‬ ‫فبراير من تلك السنة أطلقت القوات البريطانية سراح المنفيين والمعتقلين السياسيين‪ ،‬ومن بينهم عبد هللا‬ ‫سكته‪ ،‬وأعادتهم إلى مواطنهم‪.‬‬ ‫وال يفوت عبد هللا سكته‪ ،‬في مختصر سيرته الذاتية‪ ،‬أن يحمد هللا تعالى على أن ما نسب إليه من جرائم‬ ‫كانت سياسية‪ ،‬ولم يكن فيها ما يخل بشرفه وكرامته أو يتنافى مع الدين واألخالق‪ ،‬فهو "لم يرتكب أي عمل‬ ‫من أعمال االعتداء على األشخاص واألعراض واألموال أو جرائم الفساد والنهب والرشوة واالختالس أثناء‬ ‫قيامه بوظيفته أو خارجها‪".‬‬

‫‪24‬‬

‫يشير عبد هللا سكته إلى وثائق بعينها تتعلق باعتقاله ومحاكمته‪ ،‬ويشيد بفضل وشجاعة السيد رمضان بن‬ ‫معتوق الموظف بقسم المحفوظات باإلدارة السياسية لحكومة ليبيا المستعمرة‪ ،‬والذي أخذ صو ار منها ضمن‬ ‫أهمها رسالة سرية صادرة عن نائب حاكم ليبيا العام إلى محافظة بنغازي تبين الكثير‬ ‫وثائق أخرى كانت َّ‬ ‫مما اقترفه االستعمار اإليطالي في ليبيا من جرائم‪ .‬وكانت تلك الرسالة من بين الوثائق التي استعان بها‬ ‫الوفد الليبي لدى هيئة األمم المتحدة سنة ‪ 1949‬في رفضه لعودة إيطاليا لحكم البالد في شكل جديد‪.‬‬

‫العمل السياسي‬

‫‪23‬‬ ‫‪24‬‬

‫المرجع السابق‪.‬‬ ‫المرجع السابق‪.‬‬

‫‪24‬‬


‫بدأ نشاط عبد هللا سكته في جمعية عمر المختار بتعيينه‪ ،‬سنة ‪ ،1943‬أمينا عاما لفرع الجمعية في مدينة‬ ‫ثم انتخب في مايو ‪ ،1947‬سكرتي ار عاما للجمعية مركز درنة‪ ،‬وذلك في نفس جولة انتخاب‬ ‫البيضاء ومن َّ‬ ‫إبراهيم أسطى عمر رئيسا لها‪ ،‬إضافة إلى عضويته في لجنتي السياسة والثقافة بها‪ .‬واستمر عبد هللا سكته‬ ‫في خدمة الجمعية التي يصفها بأنها "كانت تعرف بمواقفها المتصلبة والمتشددة حيال أهدافها المتعلقة بوحدة‬ ‫ليبيا واستقاللها‪ 25".‬إلى ما بعد مجيء لجنة التحقيق الدولية إلى مدينة درنة في مايو ‪ 1948‬ومقابلتها وفدا‬ ‫من الجمعية لشرح أهدافها ومنهاج عملها على النحو الذي سيجري تفصيله الحقا بهذا الكتاب‪ .‬وقد "أثارت‬ ‫[المذكرة المقدمة إلى اللجنة األممية]‪ 26‬ثائرة اإلدارة البريطانية‪ ،‬ما أدى إلى فصل عبد هللا سكته من عمله‬ ‫بمصلحة الحراسة العامة على األمالك‪ ،‬وان أعيد تعيينه الحقا في خدمة حكومة والية برقة في بنغازي‪.‬‬ ‫ِ‬ ‫مركز درنة‪ ،‬لم ينتسب‪ ،‬رحمه هللا‪ ،‬في أي وقت‬ ‫وباستثناء عضويته ودوره القيادي بجمعية عمر المختار‬ ‫من األوقات ألي تنظيم سياسي‪.‬‬

‫في الوظيفة العامة‬ ‫بدأ عبد هللا سكته الخدمة في اإلدارة الحكومية في عهد اإلدارة اإليطالية سنة ‪ 1935‬ككاتب بمصلحة الزراعة‬ ‫دي اإلدارة‬ ‫بدرنة ومن ثــم أمينا لألشغال العربية بها‪ .‬واستمر في الوظيفة العامة منذ ذلك الحين عبر عه ْ‬ ‫العسكرية البريطانية ودولة االستقالل حتى إحالته إلى التقاعد بقانون صدر عن مجلس قيادة الثورة في‬ ‫أغسطس ‪.1970‬‬ ‫عهدي اإلدارة العسكرية البريطانية واالستقالل بدءا‪ ،‬في‬ ‫وتدرجت الوظائف التي توالها عبد هللا سكته في‬ ‫ْ‬

‫سنة ‪ ،1943‬بوظيفة رئيس كتبة البريد‪ ،‬ثم مراقب مكتب االستعالمات بمدينة البيضاء‪ ،‬منتقال إلى درنة سنة‬ ‫‪ 1946‬مراقبا لمكتب االستعالمات بها ثم مساعدا للحارس العام على األمالك حتى سنة ‪ .1948‬أما في‬ ‫عهد الحكومة الوطنية الليبية بعد االستقالل‪ ،‬فقد تقلد عبد هللا سكته عديد المناصب العامة بدءا من تعيينه‬ ‫سنة ‪ 1958‬وكيال لو ازرة العدل‪ ،‬ومن ثـم رئيسا منتدبا لمؤسسة الكهرباء‪ ،‬ثم وكيل و ازرة برئاسة مجلس الوزراء‬ ‫‪25‬‬ ‫‪26‬‬

‫المرجع السابق‪.‬‬ ‫الملحق رقم (‪ ،)9‬مذكرة جمعية عمر المختار مركز درنة الموجهة إلى لجنة التحقيق الدولية‪.‬‬

‫‪25‬‬


‫ومدير عاما منتدبا لمجلس اإلعمار‪ ،‬ثم وكيال لو ازرة التخطيط والتنمية‪ ،‬ثم وزير دولة لشؤون الخدمة المدنية‪،‬‬ ‫ا‬ ‫وأخي ار‪ ،‬سنة ‪ ،1967‬سفي ار للملكة الليبية لدى إيطاليا‪ .‬وبعد هذه المسيرة الوظيفية الحافلة أحيل عبد هللا سكته‬ ‫إلى التقاعد بقانون صادر عن مجلس قيادة الثورة سنة ‪.1970‬‬

‫‪27‬‬

‫وكان لعبد هللا سكته خالل سنواته الطويلة في الخدمة العامة دوره القيادي على طريق تأسيس نظام إداري‬ ‫مؤسسي للدولة الوليدة انطالقا من قاعدة تكاد تكون معدومة في ذلك الوقت‪ .‬وكان من بين مساهماته في‬ ‫هذا الميدان وضع مشروعات قانون الخدمة المدنية الصادر سنة ‪ ،1954‬وقانون التقاعد المدني وقانون‬ ‫تقاعد أصحاب المناصب العامة الصادران عام ‪ ،1956‬وقانون تنظيم الحكومة‪ ،‬وقانون التخطيط والتنمية‪،‬‬ ‫وقانون التقاعد‪ ،‬وقانون الخدمة المدنية (الجديد) الصادر عام ‪ ،1968‬والمشاركة في وضع خطة التنمية‬ ‫األولى للسنوات الخمس ‪.1968-1963‬‬

‫لقد كان لعبد هللا سكته عطاؤه الغزير في خدمة وطنه في عهود ثالثة هي عهد االستعمار اإليطالي وعهد‬ ‫اإلدارة العسكرية البريطانية والعهد الملكي بعد االستقالل‪ .‬وكانت اإلدارة العسكرية البريطانية‪ ،‬بالرغم مما‬ ‫حملته من أغراض ومصالح أجنبية تتعارض والمصلحة الوطنية‪ ،‬قد وفرت مناخا تميز بقدر كبير من حرية‬ ‫التنظيم والتعبير واتاحة فرصة تكوين نواة من الكوادر والخبرات التي أخذت بزمام بناء الدولة الجديدة‪ .‬وكان‬ ‫عبد هللا سكته واحدا منها‪.‬‬ ‫في أول أيام عيد الفطر لسنة ‪ 1430‬هجرية الموافق ‪ 20‬سبتمبر ‪ 2009‬كنت في طريقي إلى حي األندلس‬ ‫بطرابلس حيث موعدي مع األستاذ صالح بشير المرغني لتهنئة األستاذ عبد هللا سكته ِ‬ ‫بعيد الفطر‪ .‬في‬ ‫الطريق اتصل بي األستاذ المرغني ليبلغني بوفاة األستاذ عبد هللا سكته باك ار ذلك الصباح‪ .‬رحم هللا عبد‬ ‫هللا سكته وجزاه عنا خير جزاء‪.‬‬

‫‪27‬‬

‫السيرة الذاتية المختصرة لعبد هللا سكته‪ ،‬سيق اإلشارة إليها‪.‬‬

‫‪26‬‬


‫الفصل الثاني‬ ‫تأسيس الجمعية‬ ‫تعود فكرة جمعية عمر المختار ألسعد عرابي بن عمران في مهجره بالقاهرة في أواخر سنة ‪،281941‬‬ ‫وانطلقت كجمعية باإلعالن عن تأسيسها في القاهرة في ‪ 31‬يناير ‪ .1942‬وأعيد تأسيسها على أرض الوطن‬ ‫إثر اندحار االستعمار اإليطالي بهزيمة دول المحور في الحرب العالمية الثانية وعودة الليبيين من المهجر‪.‬‬

‫المركز العام‬ ‫انتقلت "جمعية عمر المختار الثقافية الرياضية" بنشاطها إلى مدينة بنغازي في شهر أبريل ‪ .1943‬وكان‬ ‫من بين أعضائها األستاذ مصطفى عبد هللا بن عامر الذي كان عضوا بها منذ تأسيسها في القاهرة وعبد‬ ‫الجليل العنيزي وسليمان رقرق‪ .‬اختير خليل الكوافي رئيسا للجمعية عند تأسيسها واستمر في رئاستها لبضعة‬ ‫أشهر إلى أن أعيد تشكيل مجلس إدارتها برئاسة األستاذ مصطفى عبد هللا بن عامر‪ ،‬رئيسها وز ِ‬ ‫عيمها‬ ‫التاريخي فيما بعد‪ ،‬واألستاذ محمد بشير المغيربي سكرتي ار عاما لها‪.‬‬

‫مركز درنة‬ ‫تم تأسيس فرع جمعية عمر المختار في مدينة درنة في أوائل يونيه ‪ 1943‬كـ "جمعية للثقافة والرياضة"‪ ،‬إال‬ ‫"مكونة ومنظمة بطريقة تكفل لها االستمرار على أداء رسالتها‪ ،‬وما جاء يوم‬ ‫أنها لم تكن في سنواتها األولى َّ‬ ‫‪ 17‬مايو ‪ 1944‬حتى صارت اسما بال جسم‪ 29”.‬ويعزو تقرير السكرتير العام ذلك القصور إلى "الظروف‬ ‫العامة من جهة‪ ،‬والى تعثرها اإلداري في ذلك الوقت من جهة ثانية‪".‬‬

‫‪28‬‬

‫‪30‬‬

‫وكانت قد أسست قبل ذلك كجمعية خيرية‪ ،‬مقرها بميدان الحدادة بمدينة بنغازي‪ ،‬كما حدثني السيد أسعد فؤاد بن عمران‪ ،.‬حفيد مؤسس‬

‫الجمعية‪.‬‬ ‫‪29‬‬

‫الملحق رقم (‪ ،)1‬تقرير السكرتير العام عبد الكريم محمد لياس الذي ألقاه في اجتماع جمعية عمر المختار العمومية بمدينة درنة بتاريخ ‪18‬‬

‫مايو‪ ،1947‬وذلك عن أعمال الجمعية خالل الثالث سنوات الواقعة بين ‪ 18‬مايو ‪ 1944‬و‪ 18‬مايو ‪.1947‬‬ ‫‪30‬‬

‫المرجع السابق‪.‬‬

‫‪27‬‬


‫وفي ضوء ذلك التعثر‪ ،‬اجتمعت "البقية الباقية من أعضاء مجالس الجمعية"‪ ،‬كما يصفهم تقرير السكرتير‬ ‫العام‪ ،31‬حيث تم تشكيل إدارة جديدة للجمعية‪ ،‬اعتبا ار من ‪ 17‬مايو ‪ ،1944‬برئاسة علي باشا العبيدي ومحمد‬ ‫سرقيوة نائبا للرئيس وعبد الكريم لياس سكرتي ار عاما‪.32‬‬ ‫وأعادت الجمعية العمومية في اجتماعها في ‪ 18‬مايو ‪ 1947‬تشكيل إدارتها‪ ،‬فأصبحت من ذلك التاريخ‬ ‫برئاسة إبراهيم أسطى عمر وعبد الرازق شقلوف رئيسا شرف وعبد الحفيظ بوغ اررة نائبا للرئيس وعبد هللا‬ ‫سكته سكرتي ار عاما‪.‬‬ ‫وفي أعقاب األزمة التي ترتبت على نداء األمير أن تترك الجمعية العمل السياسي واستقالة مجلس اإلدارة‪،‬‬ ‫وهو ما سيأتي استعراضه تفصيال فيما بعد‪ ،‬انتخبت الجمعية العمومية هيئة إدارية جديدة ت أرسها السيد فرج‬ ‫القهواجي بالوكالة مع االحتفاظ بموقع رئيس الجمعية شاغ ار وذلك اعترافا بفضل الرئيس السابق السيد إبراهيم‬ ‫أسطى عمر‪ ،33‬وانتخب السيد عبد الحميد المبروك بن حليم سكرتي ار عاما‪.‬‬ ‫يتضمن الملحق رقم (‪ )1‬تكوين الهيئات المتعاقبة على إدارة الجمعية مركز درنة تفصيال‪.‬‬

‫رابطة الشباب الدرناوي‬ ‫أراد ممثلون عن الشباب‪ ،‬يقول تقرير اإلدارة المقدم للجمعية العمومية‪ ،34‬أن تكون لهم رابطة تجمعهم‬ ‫وتمكنهم من خدمة البالد في الميادين الرياضية والثقافية والسياسية‪ ،‬فوافقت الجمعية على تأسيس قسم جديد‬ ‫يخضع لقانون الجمعية ويكون مسؤوال أمام مجلس إدارتها‪ ،‬يسمى "قسم رابطة الشباب الدرناوي"‪ .‬انضم‬ ‫للرابطة في ذلك الحين ما يقرب من ‪ 250‬شابا‪ .‬ونقلت إليها تبعية قسم الرياضة وفرع التمثيل بالجمعية‪.‬‬ ‫ألقيت على عاتق الرابطة مهام تنظيم المظاهرات واالحتفاالت الشعبية والمحافظة على األمن والنظام فيها‬

‫‪31‬‬ ‫‪32‬‬ ‫‪33‬‬

‫المرجع السابق‪.‬‬ ‫الملحق رقم (‪ )4‬بخصوص هيئات اإلدارة المتعاقبة في تاريخ الجمعية مركز درنة‪.‬‬

‫جريدة برقة الجديدة (من دون تاريخ)‪ ،‬د‪ .‬محمد محمد المفتي‪ ،‬جمعية عمر المختار‪ ،1951-1941‬طموح للمعارضة الديمقراطية في مجتمع‬

‫تقليدي‪ ،‬و ازرة الثقافة والمجتمع المدني‪،‬الطبعة األولى‪ ،2012 ،‬ص ‪.227‬‬ ‫‪34‬‬

‫الملحق رقم (‪ )1‬سبق ذكره‪.‬‬

‫‪28‬‬


‫إضافة إلى نشاطي التمثيل والرياضة اللذين شكال‪ ،‬إلى جانب أهميتهما الذاتية‪ ،‬مصدرْين هامين من مصادر‬ ‫إيرادات الجمعية‪.‬‬

‫ت أرس ’رابطة الشباب الدرناوي‘عبد الرازق شقلوف‪ ،‬في حين كان مفتاح بوغ اررة نائبا للرئيس وفؤاد شنيب‬ ‫سكرتي ار لها‪.‬‬

‫القانون األساسي‬ ‫حصر القانون األساسي للجمعية عند انطالقتها في القاهرة أغراض الجمعية في الثقافة والرياضة واألعمال‬ ‫الخيرية‪ ،‬إال أن هذه األغراض تطورت بعد أن بدأت الجمعية نشاطها داخل الوطن‪ ،‬فلم تقتصر على‬ ‫األغراض الثقافية والرياضية والخيرية‪ ،‬وانما تجاوزتها إلى العمل السياسي في فترة من تاريخ البالد كان‬ ‫ِ‬ ‫المستعمرة‬ ‫المستقبل خاللها متأرجحا بين االستقالل والوصاية األجنبية بما في ذلك وصاية إيطاليا‪ ،‬الدولة‬ ‫السابقة‪ ،‬على إقليم طرابلس‪ .‬وكانت الجمعية مدركة لحقيقة تجاوزها ألهدافها المعلنة في قانونها األساسي‪،‬‬ ‫فذهبت للدفاع عن ممارستها العمل السياسي‪ ،‬منذ شهر مايو ‪ ،1945‬في تقرير إدارتها للجمعية العمومية‬ ‫بتاريخ ‪ 18‬مايو ‪ ،1948‬الذي جاء فيه‪:‬‬ ‫إننا نعلم أن قانون هذه الجمعية لم ينص على أغراض سياسية معينة‪ ،‬ولكن المنتسبين إليها‬ ‫والعاملين فيها لهم أهداف وغايات تنحصر في‪:‬‬

‫‪ .1‬وحدة ليبيا بدون أي تجزئة‪.‬‬ ‫‪ .2‬استقالل ليبيا التام‪.‬‬

‫‪ .3‬تنصيب حضرة صاحب السمو األمير السيد محمد إدريس السنوسي ملكا على ليبيا‪.‬‬ ‫‪ .4‬االنضمام إلى الجامعة العربية كدولة مستقلة ذات سيادة‪.‬‬

‫وبما أن الهيئات السياسية لم تكن متعددة في هذه البالد‪ ،‬وكان واجبا مؤازرة الموجود منها‪ ،‬فقد‬

‫رأت هذه الجمعية منذ شهر مايو ‪ 1945‬أن تدخل الميدان السياسي بصفة إجماعية قوامه جمع‬ ‫شتات الجهود الشخصية وصبها في قالب عام للعمل على تحقيق األهداف الوطنية‪.‬‬

‫‪35‬‬

‫المرجع السابق‪.‬‬

‫‪29‬‬

‫‪35‬‬


‫وبإعادة تشكيل إدارة الجمعية في ‪ 18‬مايو ‪ 361947‬صححت الجمعية وضعها من الناحية التنظيمية حين‬ ‫سارع مجلس اإلدارة الجديد إلى استصدار تعديل للقانون األساسي يتوافق مع الممارسة الفعلية لجمعية عمر‬ ‫المختار للعمل السياسي‪ ،‬إذ نص في مادته الثالثة على أن أغراض الجمعية "تنحصر في الثقافة والرياضة‬ ‫والسياسة"‪ 37‬ونص التعديل على "تأسيس قسم للسياسة يعمل لألهداف الوطنية المنشودة‪ 38".‬وقد صدر هذا‬ ‫القانون األساسي‪ 39‬بعد تعديله واقرار مواده نهائيا من المركز العام في بنغازي بحيث أصبح نافذ المفعول‬ ‫ابتداء من أول أغسطس ‪ ،1947‬وقد تضمن هذا القانون أيضا أحكاما وتعديالت بشأن اشتراكات األعضاء‬ ‫واجراءات التعيين واإليقاف عن العمل والفصل والعقوبات التأديبية لرئيس الجمعية ورؤساء أقسامها‬ ‫وسكرتيرها وأعضائها‪ ،‬وكذلك الختصاصات وصالحيات مجلس اإلدارة وأحكاما إجرائية لم تكن واردة في‬ ‫القانون األساسي السابق‪.‬‬ ‫ولم يكن ِ‬ ‫الدين‪ ،‬كما يتبين من قانون الجمعية األساسي وأدبياتها‪ ،‬محو ار من محاور أهداف جمعية عمر‬ ‫المختار‪ .‬وهذا أمر مفهوم من زاوية أن الدين في ليبيا لم يكن أبدا موضوع خالف مذهبي أو تسابق في‬ ‫ساحة العمل السياسي‪.‬‬

‫رؤية الجمعية‬ ‫وقد كان لتلك األهداف السياسية األربعة في تقرير سكرتير عام الجمعية المقدم إلى الجمعية العمومية‬

‫‪40‬‬

‫تفصيل وتوضيح كان كما يلي‪:‬‬ ‫واليوم‪ ،‬وعلى ضوء التجارب الماضية والدروس القاسية ومقتضيات الظروف الحالية التي بلغت‬ ‫بقضيتنا دو ار حاسما يترتب عليه تقرير مصيرنا في المستقبل‪ ،‬تعلن هذه الجمعية عزمها األكيد‬

‫على مواصلة جهودها بكل صراحة وقوة على تحقيق األهداف األربعة التي سبق ذكرها‪ .‬وأكررها‬

‫‪36‬‬ ‫‪37‬‬

‫انظر الملحق رقم (‪ )4‬بشأن تشكيل إدارة الجمعية‪.‬‬

‫الملحق رقم (‪ ،)5‬القانون األساسي المعدل الصادر بتاريخ ‪ 10‬أغسطس ‪.1947‬‬

‫‪ "38‬الملحق رقم (‪ )1‬السابق ذكره‪.‬‬ ‫‪39‬‬

‫‪40‬‬

‫الملحق رقم (‪ )5‬السابق ذكره‪.‬‬ ‫الملحق رقم (‪ )1‬السابق ذكره‪.‬‬

‫‪30‬‬


‫اآلن في شيء من التفسير واإليضاح ال يترك مجاال ألي احتمال أو تأويل ال ينطبق مع الحقيقة‬ ‫والواقع‪.‬‬

‫‪ )1‬وحدة ليبيا بدون تجزئة‪ :‬هدف أساسي من أهدافنا الوطنية والقومية نطمح إليه ليكون دعامة‬ ‫الستقاللنا الناجز التام الصحيح الذي ال نشعر فيه بوحشة وانعزال‪ِ ،‬بقلة أو احتياج‪ .‬نريد‬ ‫الوحدة الصغرى تمهيدا لتحقيق الوحدة العربية الكبرى‪ ،‬ولن تتحقق هذه إال إذا جعلنا من وحدة‬ ‫بالدنا جس ار ممتدا تتسرب منه الفكرة العربية إلى الشمال اإلفريقي‪ ،‬وتجيء منه تتنسم نسيم‬

‫الحرية ضمن دائرة العروبة المتضامنة المستقلة‪.‬‬ ‫إننا ننادي بالوحدة الليبية لتعلم األجيال المقبلة أننا من طالب الوحدة العربية الكبرى‪ ،‬ولن‬ ‫تسجل علينا العروبة في تاريخها المجيد أننا وقفنا في طريقها أو أقمنا سدودا تحول دون لم‬

‫شملها وتوحيد كلمتها وجمعها في صعيد واحد‪.‬‬

‫‪ )2‬االستقالل التام لكل البالد الليبية‪ :‬هدف سياسي يرمز إلى الحرية والكرامة‪ ،‬لم نكافح إال من‬ ‫أجله‪ ،‬ولم نضح إال في سبيله‪ ،‬ولن نرضى بغيره جزاء‪.‬‬

‫‪ )3‬إمارة حضرة صاحب السمو األمير المعظم السيد محمد إدريس السنوسي‪ :‬هدف أساسي‬ ‫دستوري يرمز إلى اتحادنا وحريتنا واستقاللنا‪ ،‬هو أساس وحدتنا البرقاوية‪ ،‬وهو أساس ننشده‬ ‫لوحدتنا الليبية‪ ،‬نحافظ عليه في برقة ونريد أن ترمز به طرابلس لصالح وحدتنا وقوة تضامننا‬

‫فيما لنا من آمال قومية ووطنية‪ .‬واننا إذ نتمسك بهذا الهدف الذي هو من أخص شؤوننا‬ ‫الداخلية لنظام الحكم‪ ،‬نعتقد في الوقت نفسه أن عدم االتفاق عليه في ليبيا بأجمعها‪ ،‬ال سمح‬ ‫هللا‪ ،‬ال يمنعنا مطلقا من المناداة لليبيا بوحدة مصيرها في االستقالل‪ ،‬فإذا ما نالت هذا الحق‬

‫الطبيعي‪ ،‬فليس من المستبعد أن تتفق (ليبيا) بأجمعها على هذا الهدف السامي‪ .‬على أن‬ ‫اختالف نظم الحكم في البلد الواحد لن يؤثر في وحدة المصالح للشعب الليبي وتركيز غاياته‬ ‫القومية في قوة من التضامن والمشاركة والمساواة كما هو واقع في بعض البالد العربية‪.‬‬

‫‪ )4‬االنضمام إلى الجامعة العربية‪ :‬نريده كدولة مستقلة‪ ،‬وكشعب حر كريم يؤاخي أخاه ويرتبط‬ ‫به في السراء والضراء على أساس المساواة في الحقوق والواجبات لصالح العرب والدفاع عن‬ ‫وحدتهم واستقاللهم وسالمتهم‪.‬‬ ‫هذه هي أهدافنا صريحة واضحة نعلنها على رؤوس األشهاد بقلوب ملؤها اإلخالص واإليمان‬

‫لن تستطيع أي قوة في العالم أن تنتزعه منا ما دام في عروقنا دم يجري‪ ،‬وفي صدورنا نفس‬ ‫يتردد‪.‬‬

‫‪31‬‬


‫تلك كانت أهداف جمعية عمر المختار في ميدان العمل السياسي‪ ،‬إال أن السياسة لم تكن ميدان عمل‬ ‫الجميعة الوحيد‪.‬‬

‫‪32‬‬


‫الفصل الثالث‬ ‫أغراض الجمعية‬ ‫انصبت نشاطات جمعية عمر المختار عند تأسيسها في المهجر وبعد إعادة تأسيسها في بنغازي ودرنة‬ ‫على المجاالت الرياضية والثقافية واالجتماعية‪ ،‬ولم يكن في أغراضها ذكر لممارسة العمل السياسي‪ .‬وهكذا‬ ‫كانت جل نشاطات مركز درنة في المراحل األولى بعد التأسيس في هذا اإلطار‪ ،‬وهو ما يظهر واضحا‬ ‫من تقرير السكرتير العام إلى الجمعية العمومية في ‪ 18‬مايو ‪،1947‬‬

‫‪41‬‬

‫تطور أغراض الجمعية‬ ‫ِ‬ ‫يشير السكرتير العام في تقريره إلى الجمعية العمومية‪ 42‬إلى أن مركز درنة كان قد توجه إلى العمل السياسي‬ ‫منذ شهر مايو ‪ 43،1945‬وظهر النشاط السياسي المباشر على السطح في اتصال المركز بالهيئة التأسيسية‬ ‫للجبهة الوطنية في أبريل ‪ 1946‬والتباحث معها في تبني ميثاق وطني مشترك‪ .44‬ومن الملفت في هذا‬ ‫المقام إشارة سكرتير عام الجمعية إلى أن "البعض قد أخذ على الجمعية انصرافها إلى هذا االتجاه الجديد‪".‬‬

‫‪45‬‬

‫ونشطت الجمعية في تنظيم االحتفاالت بالمناسبات الوطنية والقومية والدينية‪ ،‬والتظاهرات من أجل القضايا‬ ‫الوطنية والقومية‪ ،‬التي كان لرابطة الشباب الدور األساسي فيها وفي المحافظة على األمن والنظام خاللها‪.‬‬

‫‪46‬‬

‫لذلك‪ ،‬ال يستقيم تناول سنوات جمعية عمر المختار وعطائها الثري‪ ،‬من دون إلقاء نظرة على جوانب هامة‬ ‫من نشاطاتها وجوانب من إنجازاتها الثقافية واالجتماعية‪ ،‬التي استمرت مو ِ‬ ‫اكبة للعمل السياسي وداعمة له‪.‬‬

‫‪41‬‬ ‫‪42‬‬ ‫‪43‬‬ ‫‪44‬‬ ‫‪45‬‬ ‫‪46‬‬

‫الملحق رقم (‪ ،)1‬الذي سبق اإلشارة إليه‪.‬‬ ‫الملحق رقم (‪ ،)1‬سبق ذكره‪.‬‬ ‫الملحقان رقم (‪ )1‬و(‪.)2‬‬ ‫الملحق رقم (‪.)1‬‬ ‫المرجع السابق‪.‬‬ ‫المرجع السابق‪.‬‬

‫‪33‬‬


‫التعليم‬ ‫أسست الجمعية مكتبة صغيرة ضمت سنة ‪ 1947‬مجلدات بلغ عددها ‪ 183‬مجلدا في العلوم واآلداب‬ ‫والتاريخ؛ ‪ 151‬مجلدا منها كان إهداء من المعهد الثقافي البريطاني بالقاهرة و‪ 32‬مجلدا أهداها أعضاء‬ ‫بالجمعية‪ .‬وبلغ عدد االستعارات من نشأتها حتى ‪ 18‬مايو ‪ 1947‬عدد ‪ 1234‬استعارة‪.‬‬

‫‪47‬‬

‫فتحت الجمعية في مايو ‪ 1945‬فصول دراسة ليلية بهدف "مكافحة األمية وتثقيف الطبقة التي ال تعرف‬ ‫القراءة والكتابة‪ 48”.‬إال أن هذا الجهد لم يكتب له النجاح المرجو‪ ،‬حيث لم يستمر ألكثر من ستة أشهر‬ ‫بعدد من الطلبة تجاوز السبعين طالبا‪ ،‬تقلص في نهاية المدة إلى حوالي العشرين طالبا‪.‬‬ ‫أعيد سنة ‪ 1948-1947‬فتح فصول التعليم المسائية‪ ،‬وأنشئت فصول تعليمية لمكافحة األمية وفصول للتعليم‬ ‫االبتدائي‪ .‬ورافق ذلك إقرار رسوم للدراسة ومكافئات للمعلمين‪.‬‬

‫‪49‬‬

‫المسرح‬ ‫ازدهر النشاط المسرحي ازدها ار كبي ار وخلق جمهو ار عريضا من رواد ومحبي هذا الفن‪ ،‬ومثل في الوقت‬ ‫ر هاما من عناصر إيرادات الجمعية‪ .‬وتم في السنوات الثالثة األولى من عمر الجمعية‪-1943 ،‬‬ ‫نفسه عنص ا‬

‫‪ ،1947‬إنتاج خمس مسرحيات هي‪ :‬سهاد‪ ،‬خليفة الصياد‪ ،‬الجيل الجديد‪ ،‬أميرة األندلس وتاجر بغداد‪ ،‬وتم‬ ‫عرض كل منها عدة مرات‪ .‬وأعيد تمثيل مسرحية سهاد خصيصا بمناسبة زيارة السيد إدريس السنوسي‬

‫‪47‬‬ ‫‪48‬‬ ‫‪49‬‬

‫الملحق رقم (‪ ،)1‬سابق ذكره‪.‬‬ ‫المرجع السابق‪.‬‬ ‫الملحق رقم (‪ ،)3‬تقرير السكرتير العام المثدم إلى الجمعية العمومية يتاريخ ‪ 7‬نوفمبر ‪ 1948‬عن أعمال مجلس اإلدارة خالل المدة الواقعة بين‬

‫‪ 1‬نوفمير ‪ 1947‬و‪ 6‬نوفمبر ‪.1948‬‬

‫رسم االنتساب للتعليم االبتدائي خمسون قرشاً‪ ،‬في حين بلغ رسم دخول الندوة األدبية قرشاً واحداً‪ ،‬ورسم دخول المناظرات قرشين‪ .‬أما االنتساب‬

‫لمحو األمية فقد كان مجانياً‪.‬‬

‫‪34‬‬


‫للمدينة‪ ،‬وقد "نالت إعجاب سموه وتقديره‪ ،‬ولم يغادر المسرح ـ وكان ِ‬ ‫تعبا ـ حتى نهاية التمثيل‪".‬‬

‫‪50‬‬

‫مشهد من إحدى مسرحيات فرقة التمثيل ‪ -‬درنة‬

‫والى جانب المسرحيات‪ ،‬نظم قسم التمثيل حفالت قدمت فيها "الموسيقى الوطنية والرقص والتنكر وغير‬ ‫ذلك من أسباب التسلية والطرب البريء‪ 51”.‬ويعود لألستاذ أنور الطرابلسي‪ ،‬رئيس قسم التمثيل بالجمعية‬ ‫الفضل الكبير في ازدهار النشاط المسرحي في مدينة درنة واتساع دائرة رواده والمهتمين به‪.‬‬

‫الندوة األدبية‬ ‫كان لألستاذ إبراهيم أسطى عمر الباع األكبر في وضع مشروع الئحة الشئون الثقافية ونظام الندوة األدبية‬ ‫التي نوقشت واعتمدت من اللجنة الثقافية التي ضمت في عضويتها إبراهيم أسطى عمر وعبد الرازق شقلوف‬

‫‪50‬‬ ‫‪51‬‬

‫الملحق رقم (‪ )1‬السابق ذكره‪..‬‬ ‫المرجع السابق‪.‬‬

‫‪35‬‬


‫وفؤاد شنيب ومبارك الجيباني وفرج بوخشيم وعبد الحميد المبروك بن حليم وخالد الدجاني وعبد هللا سكته‬ ‫وتولى سكرتاريتها السيد الثلثي حتى انتقاله ناظ ار لمدرسة القبة الداخلية‪.‬‬

‫‪52‬‬

‫ولعل أبرز النشاطات الثقافية للجمعية وأكثرها مدعاة للدهشة واإلعجاب أتنظيم ما أسمته ’الندوة األدبية‘‪.‬‬

‫‪53‬‬

‫َّ‬ ‫مستحقين‪:‬‬ ‫يصف تقرير السكرتير العام للجمعية فكرة الندوة واخراجها إلى حيز التنفيذ بكلمات اعت ازز وفخر‬ ‫كانت فكرة جميلة طافت برؤوس أعضاء قسم الثقافة‪ ،‬أو هي حلم لذيذ داعب خيالهم من صيف‬ ‫‪ .1945‬وما كنا نحسب أن الفكرة الطارئة أو الخيال الساري يصبح في يوم من األيام حقيقة‬

‫واقعة حتى كانت ليلة السبت ‪ 9‬نوفمبر ‪ 1946‬حيث كانت هذه القاعة غاصة بالمستمعين‪ ،‬وحيث‬

‫وقف أحد أعضاء هذا القسم وقال‪" :‬بسم هللا الرحمن الرحيم نفتتح الليلة عمال عظيما سيكون له‬

‫خطره وأثره في مستقبل البالد الثقافي والفكري؛ هذا العمل هو عزمنا ـ متوكلين على هللا ومعتمدين‬ ‫على معونة رجال الفكر في هذه البالد ـ على إنشاء ندوة ـأدبية تنعقد ليلة السبت لتقدم لروادها‬

‫الكرام ما تشتهيه أنفسهم من أطايب المحاضرات ولذائذ األحاديث والمسامرات‪....‬‬

‫‪54‬‬

‫نظم القسم الثقافي في إطار تلك الندوة تسعة عشر محاضرة‪ ،‬ثالث مناظرات وثالثة فصول أدبية‪ .‬ولعل‬ ‫أبرز المناظرات كانت المناظرة االفتتاحية للندوة األدبية‪ ،‬التي تولى طرفيها إبراهيم أسطى عمر وعبد هللا‬ ‫سكته حول أولوية إنشاء مدرسة أو مستشفى في قرية بحاجة ماسة إلى كليهما في حين ال تسمح الموارد‬ ‫المالية المتوفرة بإنشاء أكثر من واحدة منهما‪ .‬كان الحديث عن هذه المناظرة من الموضوعات المحببة لعبد‬ ‫هللا سكته خاصة في جانب نقاشه مع أسطى عمر حول من سيتولى طرح الدفع بالمدرسة أو المستشفى‪.‬‬ ‫أصر إبراهيم أسطى عمر‪ ،‬وهو رئيس الجمعية‪ ،‬على أن يتولى عبد هللا سكته‪ ،‬سكرتيرها واألصغر سنا‪،‬‬ ‫الدفاع عن أولوية المدرسة ال المستشفى‪ ،‬ذلك أن قرار لجنة التحكيم‪ 55‬ال شك سيكون في جانب تقديم‬ ‫المدرسة على المستشفى‪ ،‬ويحسن أن تكون الغلبة لعضو الجمعية وسكرتيرها في مواجهة رئيسها وزعيمها؛‬ ‫حيث سيكون في ذلك مثال لديمقراطية النقاش وحرية الرأي وترجيح رأي المرؤوس على رأي الرئيس‪،‬‬ ‫وتشجيع للشباب على اإلقبال على نشاطات الندوة‪.‬‬

‫‪52‬‬ ‫‪53‬‬ ‫‪54‬‬ ‫‪55‬‬

‫كلمة عبد هللا سكته في الذكرى الخمسين لوفاة إبراهيم أسطى عمر‪ ،‬جامعة درنة أيام ‪ 15- 13‬مارس ‪.2001‬‬ ‫الملحق (‪ ،)6‬نظام الندوة األدبية‪.‬‬ ‫الملحق رقم (‪ )1‬السابق ذكره‪.‬‬

‫كلمة عبد هللا سكته في الذكرى الخمسين لوفاة إبراهيم أسطى عمر‪ ،‬جامعة درنة‪ 15-13 ،‬مارس ‪ :2001‬كانت المناظرة برئاسة علي الجربي‬

‫مدير المعارف‪ ،‬وعضوية الدكتور ممدوح حقي مستشار المعارف ورجب عصمان قاضي درنة وعبد الجواد الفريطيس مراقب المعارف ومحمد‬ ‫سرقيوة عميد البلدية‪.‬‬

‫‪36‬‬


‫في الشأن االجتماعي‬ ‫اهتمت الجمعية بمشاغل ومصالح سكان المدينة‪ ،‬فنجدها تتدخل لدى السلطة المحلية في مسألة المخدرات‬ ‫ومكافحة "جلب الحشيش وتهريب البضائع بواسطة السماسرة والبحارة اليونانيين‪ 56".‬كما نجد الجمعية تتدخل‬ ‫فيما كان يتعلق بأمن المواطنين واطمئنانهم في حياتهم اليومية‪ ،‬حيث احتجت‪ ،‬على سبيل المثال‪ ،‬لدى‬ ‫متصرف المدينة بخصوص حادث اخترق فيه شرطي ميدان المدينة بسرعة‪ ،‬األمر الذي يصفه تقرير‬ ‫السكرتير العام إلى الجمعية العمومية بأنه "أسلوب من أساليب اإلرهاب والضغط على حرية اإلنسان‪".‬‬

‫‪57‬‬

‫ومن الالفت أن يتم في تلك المرحلة المبكرة تأسيس فرع للعمال‪" ،‬الغاية منه تكوين شبه نقابة تجمع شتات‬ ‫العمال وتنظم أمورهم وتمد المحتاج والمصاب منهم بما يساعدهم من المال الذي يتجمع من اشتراكاتهم‬ ‫الشهرية‪ 58".‬ولألسف‪ ،‬لم يكتب لهذه التجربة الرائدة االستمرار بسبب خالفات نشأت نتيجة التنافس في‬ ‫انتخابات قيادتها األمر الذي أدى إلى انسحاب قسم كبير من العمال من عضويتها "تحت تأثير الرؤساء‬ ‫الذين لم ينجحوا في االنتخابات‪".‬‬

‫‪59‬‬

‫ترشيد العمل الشعبي لنصرة فلسطين‬ ‫وقفت جمعية عمر المختار مع قضايا التحرر العربية في فلسطين والمغرب العربي‪ ،‬وتفاعلت والشعب‬ ‫الليبي مع ما كان يجري من عدوان وجرائم وتهجير للفلسطينيين من ديارهم ضمن مخطط اغتصاب فلسطين‪،‬‬ ‫وكان لها دورها القيادي في فتح باب التطوع لنصرة القضية وترشيد ردود الفعل الشعبية‪.‬‬ ‫فتحت الجمعية باب جمع التبرعات والتطوع للقتال من أجل القضية الفلسطينية‪ ،‬واضعة شروطا لقبول‬ ‫المتطوعين تظهر التقدير لظروف أسرهم‪ ،‬وتؤكد على طبيعة الجهاد وتلبية الواجب الوطني بعيدا عن نوازع‬

‫‪56‬‬ ‫‪57‬‬ ‫‪58‬‬ ‫‪59‬‬

‫الملحق رقم (‪ ،)2‬تقرير السكرتير العام إلى الجمعية العمومية في اجتماعها فوق العادة المنعقد يوم ‪ 31‬أكتوبر ‪.1947‬‬ ‫المرجع السابق ‪.‬‬ ‫المرجع السابق‪.‬‬ ‫الملحق رقم (‪ )1‬سبق ذكره‪.‬‬

‫‪37‬‬


‫عمر المتطوع عن عشرين عاما‪ ،‬وأال يكون اإلبن‬ ‫العدوان واالنتقام‪ .‬نصت شروط التطوع على أال يقل ْ‬ ‫الوحيد لوالديه‪ ،‬وأن يكون كال أبويه حيين‪ ،‬وأال يكون قد ارتكب عمال عدائيا ضد اليهود‪.60‬‬ ‫لقد كان التمسك بمبادئ الشرف والشهامة وحماية الضعفاء والمستأمنين أم ار في منزلة واجب الدفاع عن‬ ‫الوطن ودفع العدوان‪ ،‬ولم تكن جمعية عمر المختار لتتهاون أو تقصر فيه‪ .‬يتضح ذلك في البيان الذي‬ ‫أصدرته الجمعية إثر حوادث االعتداء على مواطنين من يهود درنة وممتلكاتهم عند صدور قرار األمم‬ ‫المتحدة بتقسيم فلسطين‪ .‬كان من السهل أن تخضع الجمعية لعواطف الجماهير الغاضبة‪ ،‬ولكن خطابها‬ ‫كان خطاب العقل والخلق و ِ‬ ‫القـيم السامية‪ ،‬فنحن "نحترم الضعفاء ونعمل على حمايتهم من التعدي وعوامل‬ ‫الخوف واإلرهاب‪ ...‬وديننا اإلسالمي الحنيف أسمى من أن يدفعنا إلى العبث بسالمة وحقوق المستأمنين‬ ‫والمستجيرين‪ ...‬والواجب والمروءة تقضيان إبراز مواهبنا اإلنسانية‪ 61".‬هذا البيان جدير بالتأمل في مضامينه‬ ‫السامية الرشيدة‪ ،‬وفي حكمة قيادة الجمعية وشجاعتها وتعاملها المسؤول مع األحداث‪ .‬جاء في البيان‪:‬‬

‫‪62‬‬

‫قرر مجلس اإلدارة في جلسته المنعقدة يوم ‪ 8‬الجاري إصدار البيان التالي‪:‬‬ ‫‪ )1‬بمناسبة قرار األمم المتحدة الخاص بتقسيم فلسطين حدثت حوادث إرهابية ضد يهود المواطنين‪،‬‬ ‫ارتكبها بعض األفراد المجهولين في هذه المدينة بدافع الحماس القومي دون تدبر وامعان فيما‬ ‫يترتب على أعمالهم من ضرر بالنسبة للمصلحة الوطنية من جهة وعدم جدواها للقضية الفلسطينية‬

‫من جهة أخرى‪.‬‬

‫‪ )2‬إن قضية فلسطين هي قضية العرب جميعا والتضامن والشعور بالغيرة والتضحية في سبيلها أمر‬ ‫تتطلبه الكرامة العربية ولكن بالطرق اإلنسانية المشروعة التي يحتمها الظرف وتتفق مع نصوص‬

‫شريعتنا اإلسالمية السمحاء‪.‬‬ ‫‪ )3‬إن من الطرق المشروعة في الدفاع عن قضية فلسطين أن نفرق بادئ ذي بدء بين اليهودية من‬ ‫حيث هي دين يجب احترامه‪ ،‬وبين الصهيونية من حيث هي فكرة سياسية غاشمة تجب محاربتها‬ ‫بالنفس والنفيس‪ ،‬ولكن في مهدها وفي عقر دارها‪ ،‬فلسطين‪.‬‬

‫‪61‬‬ ‫‪62‬‬

‫‪Anna Baldinetti, The Origins of the Libyan Nation, Routledge, 2010, p. 128.‬‬

‫الملحق رقم (‪ ،)7‬بيان إلى الجمهور الدرناوي الكريم"‪ ،‬مؤرخ في ‪ 9‬ديسمبر ‪.1947‬‬ ‫المرجع السابق‪.‬‬

‫‪38‬‬

‫‪60‬‬


‫‪ )4‬من الشرف ومن مبادئ الشهامة العربية أن نحترم الضعفاء وأن نعمل على حمايتهم من التعدي‬ ‫وعوامل الخوف واإلرهاب‪ ،‬وأن نشعرهم بأن ديننا اإلسالمي الحنيف أسمى من أن يدفعنا إلى‬

‫العبث بسالمة وحقوق المستأمنين والمستجيرين واألقليات‪.‬‬

‫‪ )5‬إن قضية فلسطين قد دخلت اآلن في دور عملي‪ ،‬فال اإلضرابات وال المظاهرات وال االعتداءات‬ ‫البعيدة عنها بالتي تدفع عنها غائلة الصهيوينة وتحطم أغراضها االستبدادية المنكرة‪ .‬إنها تتطلب‬

‫حصر الجهود وجمع األموال وتعبئة الرجال لتسخيرهم في ميدان القتال لتوطيد الفكرة العربية عالية‬ ‫خفاقة على أنقاض المطامع االستعمارية البالية‪.‬‬ ‫‪ )6‬والى أن تفتح المكاتب لجمع التبرعات ولتجنيد المتطوعين من أبناء ليبيا البواسل الذين يعتبرون‬ ‫نفوسهم لبنة من لبنات الجامعة العربية وسالحا من أسلحتها الفوالذية القوية‪ ،‬تهيب جمعية عمر‬

‫المختار ورابطة شبابها بالجمهور الدرناوي الكريم أن يلتزم منتهى الهدوء والسكينة‪ ،‬وأن يترفع أولئك‬ ‫األفراد عن اإلتيان باألعمال اإلرهابية التي تذهب بالشعور القومي هباء منثو ار وتناقض الشهامة‬

‫العربية وروح الديانة اإلسالمية‪ ،‬فاهلل تعالى يقول "وال تعتدوا إن هللا ال يحب المعتدين‪".‬‬

‫‪ )7‬إننا مقبلون على لجنة تحقيق دولية من أول واجباتها أن تتحرى مستوانا الفكري ومدى شعورنا‬ ‫بالعدل واإلنصاف نحو الضعيف األجنبي بنوع خاص ونحو األقليات الوطنية بوجه عام‪.‬‬

‫‪ )8‬فالواجب والمروءة تقتضيان إبراز مواهبنا اإلسالمية لتكون دليال على حرصنا على العدالة‬ ‫واإلحسان‪ ،‬أساس كل نضوج قومي وسياسي للوصول إلى آمالنا في الحرية واالستقالل كاملة غير‬

‫منقوصة‪.‬‬ ‫‪9‬‬

‫ديسمبر ‪1947‬‬

‫توقيع‪ :‬الرئيس‪ /‬إبراهيم أسطى عمر‬

‫لقد أولت جمعية عمر المختار أهمية بالغة لتوعية جمهور المواطنين وترشيد الزخم الشعبي في الشأن‬ ‫الوطني والقومي والمبادرة بما يعزز السلم االجتماعي‪ .‬كان هذا مثاال تعلق بالمواقف من أحداث تخص‬ ‫القضية الفلسطينية‪ .‬ونلتفت فيما يلي إلى إنجاز ِ‬ ‫مشرف كبير لقبائل برقة‪ ،‬كان لجمعية عمر المختار مركز‬ ‫درنة دور هام في تحقيقه‪ ،‬هو ميثاق الح اربي‪.‬‬

‫ميثاق الحرابي‬

‫‪39‬‬


‫سيظل ميثاق الحرابي عالمة بارزة على حكمة شيوخ ورجال القبائل في تلك الحقبة‪ ،‬وعلى تغليبها مصلحة‬ ‫الوطن على المصالح والنزاعات الفردية والقبلية‪ .‬لقد أدرك أولئك الرجال أن في بسط األمن والهدوء وروح‬ ‫يز لموقف المطالبة باالستقالل أمام األطراف الدوليين والمبعوث األممي‪ ،‬عالوة على أنه أمر‬ ‫التوافق تعز ا‬ ‫مرغوب لذاته‪ .‬امتد دور الجمعية في هذا السبيل عبر مبادرة من علي باشا العبيدي الذي كان آنذاك‪ ،‬والتي‬ ‫طرح فيها ما عرف الحقا بميثاق الحرابي التاريخي الشهير‪ ،‬ونظم من خاللها اللقاء الذي انبثق عنه الميثاق‬ ‫والذي كان أوفر الجهد في تنظيمه لعبد الرازق شقلوف على وجه الخصوص‪ .‬دعت الجمعية مركز درنة‬ ‫مشايخ قبائل الحرابي (العبيدات‪ ،‬البراعصة‪ ،‬الحاسة‪ ،‬الدرسة‪ )..‬إلى اجتماع عقد بدار الجمعية يوم ‪18‬‬

‫طلعت الجمعية الشيوخ المشاركين في ذلك االجتماع‬ ‫أبريل ‪ ،1946‬حيث أقاموا في ضيافة أهل المدينة‪ .‬أ ْ‬ ‫على اتصال وفد درنة بالهيئة التأسيسية للجبهة الوطنية البرقاوية‪ ،‬وعرضت عليهم الميثاق الوطني والوثيقة‬ ‫المبرمة معها‪.‬‬ ‫أبرمت القبائل في ذلك االجتماع عهدا في وقت كان فيه مستقبل البالد في الميزان‪ ،‬حيث كان االستعمار‬ ‫اإليطالي قد اندحر بفضل جهاد الليبيين وانتصار حلفاء الحرب العالمية الثانية‪ ،‬كما بدت أطماع الدول‬ ‫وتجاذبات مصالحها محدقة بمصير البالد‪ .‬إضافة إلى ذلك‪ ،‬كانت األبواب مفتوحة أمام صراعات وفتن‬ ‫داخلية تشكل أخطا ار تضاف إلى أطماع األجنبي‪ ،‬ما كان يمكن أن يؤدي إلى عواقب وخيمة على الوطن‬ ‫بجميع مكوناته‪ ،‬يكون عندها الجميع خاس ار‪ .‬ولكن الحكمة سادت‪ ،‬فأبرم أولو األمر عهدا‪ ،‬عرف الحقا‬ ‫بميثاق الحرابي‪ ،‬جدي ار بأن يكتب بمداد من ذهب‪ ،‬فيما يلي نصه‪:‬‬ ‫بسم هللا الرحمن الرحيم‬ ‫صلى هللا على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليما‬

‫أما بعد‪ ،‬فإننا نحن عمد ومشايخ قبائل الحرابى وأعيان مدينة درنة المجتمعين في المؤتمر الوطني‬

‫المنعقد بمركز جمعية عمر المختار بدرنة يوم الخميس ‪ 5‬جمادى األولى ‪ 1365‬الموافق ‪ 18‬إبريل‬ ‫‪ 1946‬لدرس الموقف الحاضر قد قررنا ما يأتي‪:‬‬ ‫أوال‪ :‬إقرار الميثاق الوطني الذي أبرمته الهيئة التأسيسية بمدينة بنغازي بموافقة الوفد الدرناوي بالنيابة‬ ‫عن منطقة ليبيا الشرقية‪.‬‬

‫‪63‬‬

‫‪63‬‬

‫سيأتي ذكره في الفصل التالي‪’ ،‬االعمل السياسي‘‪.‬‬

‫‪40‬‬


‫ثانيا‪ :‬عمال بنداء سمو األمير المعظم السيد محمد إدريس المهدي السنوسي‪ ،‬نتعهد جميعنا بإيقاف ِ‬ ‫كل‬

‫خصومة وكل نزاع مهما كان نوعه فيما بيننا‪ ،‬فال نسمح بإثارة فتنة قديمة أو جديدة وال نسمح بالمطالبة‬ ‫بحق قديم سواء كان ثأ ار أو دية جرح أو حقا عقاريا أو غير ذلك‪ ،‬رغبة منا في جمع الكلمة وتأليف‬

‫القلوب وتوحيد المجهودات وتوجيهها متظافرة متحدة إلى قضية البالد السياسية وحدها‪ ،‬حتى يتقرر‬ ‫مصير البالد وتؤسس فيها حكومة وطنية وتنظم أمورها وتستقر أحوالها‪.‬‬ ‫ثالثا‪ :‬عندئذ فقط يجوز لكل صاحب حق مشروع أن يطالب بحقه بالوسائل المشروعة وبواسطة حكومة‬ ‫البالد الشرعية‪.‬‬ ‫رابعا‪ :‬ليس معنى هذا التعهد أننا ندعو أصحاب الحقوق إلى التنازل عن حقوقهم‪ ،‬ولكننا نطالبهم بإيقاف‬ ‫أحق بالتقديم‬ ‫المطالبة بها مؤقتا ليتفرغوا للمطالبة بحق األمة العام الذي له من األهمية الكبرى مايجعله َّ‬ ‫على حقوق األفراد والعائالت والقبائل‪.‬‬

‫خامسا‪ :‬كل من يخالف هذا التعهد يعتبر معرقال لمساعي األمة ومثبطا لجهادها الذي نرجو أن يكلل‬ ‫بالنجاح التام في إحراز الحرية واالستقالل إن شاء هللا‪.‬‬

‫كانت الق اررات التي تضمنها هذا الميثاق قد اتخذت باإلجماع‪ ،‬وتضمنت الوثيقة توقيعات الحاضرين‪.‬‬

‫‪64‬‬

‫تناولنا في هذا الفصل جوانب من نشاطات الجمعية في مجاالت اجتماعية مختلفة‪ ،‬جسدت رسالة الجمعية‬ ‫حية على أرض الواقع‪ ،‬فكانت رهن التطبيق والممارسة ال مجرد مادة لرفع الشعارات طريقا للوصول إلى‬ ‫السلطة‪ ،‬وكانت في الوقت نفسه دافعا اللتفاف الناس حولها‪.‬‬ ‫بعد إلقاء الضوء على بعض من جوانب نشاطات الجمعية في المجاالت الثقافية واالجتماعية‪ ،‬وهي المرتبطة‬ ‫ارتباطا وثيقا بالعمل من أجل تحقيق األهداف الوطنية‪ ،‬ما يظهر في ميثاق الحرابي على وجه الخصوص‪،‬‬ ‫ستتناول الفصول التالية كيف ناضلت الجمعية على ساحة العمل السياسي الداخلي وأمام األطراف الدوليين‬ ‫متمسكة بمبادئها وأهدافها ومحافظة على الوحدة الوطنية حتى تمت إزاحتها عن مشهد العمل السياسي ومن‬ ‫ثم حلها‪.‬‬

‫‪64‬‬

‫نظر الملحق رقم (‪ ،)10‬ميثاق الحرابي‪.‬‬ ‫نشر في جريدة برقة الجديدة العدد ‪ 731‬بتاريخ ‪ 26‬أبريل ‪.1946‬‬

‫‪41‬‬


‫الفصل الرابع‬ ‫العمل السياسي‬ ‫بعد االنطالقة األولى لجمعية عمر المختار في القاهرة سنة ‪ ،1941‬أعيد تأسيسها في بنغازي في أبريل‬ ‫‪ ،1943‬و ِأسس مركز درنة في يونيه من نفس العام‪ ،‬وصدر القرار بحلها رسميا في يوليه ‪ .1951‬وقد شهدت‬ ‫الجمعية خالل تلك السنوات تطورات في طبيعة نشاطاتها بحكم إعادة التأسيس داخل البالد ونتيجة لمتغيرات‬ ‫المشهد السياسي العام‪ .‬واكتسب العمل السياسي زخما متصاعدا اعتبا ار من إق ارره كغرض من أغراض‬ ‫الجمعية في مايو ‪.1946‬‬

‫‪65‬‬

‫بانتهاء الحرب العالمية الثانية انتهت حقبة االستعمار اإليطالي لليبيا وحلت محلها في برقة وطرابلس اإلدارة‬ ‫العسكرية البريطانية إلى حين إقرار الوضع النهائي لهما وإلقليم فزان الذي وضع تحت اإلدارة الفرنسية‪ .‬وقد‬ ‫تميزت فترة اإلدارة البريطانية تلك بمساحة واسعة من حرية التعبير واالنتظام في جمعيات ومؤسسات أهلية‪،‬‬ ‫بينما كان الحضور القبلي في الحياة االجتماعية في برقة حضو ار بار از واالرتباط الروحي بالحركة السنوسية‬ ‫ارتباطا وثيقا‪.‬‬

‫البرقاويون والطرابلسيون‪ ..‬اختالف المنظور‬ ‫كانت الصدارة في أهداف السيد إدريس السنوسي والجبهة الوطنية البرقاوية استقالل برقة تحت إمارة السيد‬ ‫إدريس السنوسي‪ .‬وكان لهذا النهج أسباب موضوعية ومخاوف وشكوك انبنت على قراءة معينة للمشهد‬ ‫العام وعلى مواقف أطراف ليبية وأجنبية‪ .‬ويظهر هذا التوجه واضحا في البيان الذي وجهته الجبهة الوطنية‬ ‫البرقاوية إلى السلطات البريطانية في ‪ 30‬نوفمبر ‪ 1946‬طالبة االعتراف باإلمارة السنوسية واإلذن بتكوين‬ ‫حكومة وطنية تدير برقة استعدادا الستقاللها التام‪ ،‬األمر الذي أظهر تفضيال واضحا لتحقيق استقالل برقة‬ ‫من دون اتفاق حول الوحدة الليبية‪.‬‬

‫‪65‬‬

‫‪66‬‬

‫الملحق رقم (‪.)2‬‬

‫‪Adrian Pelt, Libyan Independence, A Case of Planned Decolonization, Published for The Carnegie Endow-‬‬

‫‪66‬‬

‫‪ment for International Peace, New Haven and London, Yale University Press, 1970, p. 43.‬‬

‫‪42‬‬


‫وضع السيد إدريس السنوسي استقالل برقة وامارته عليها نصب عينيه‪ ،‬واعتمد التحالف مع بريطانيا مقابل‬ ‫الوقوف معها في الحرب طريقا لتحقيق تلك الغاية‪ .‬وقد انبنى ذلك المنهج‪ ،‬في جانب منه‪ ،‬على نظرة كان‬ ‫لها في الجانب الطرابلسي ما يخالفها‪ ،‬حيث كانت للطرابلسيين والبرقاويين في المهجر تقديرات مختلفة لما‬ ‫ستسفر عنه الحرب العالمية الجارية‪ .‬كثير من الطرابلسيين‪ ،‬كما كان الحال مع ماليين في العالم وفي‬ ‫العالم العربي على وجه الخصوص‪ ،‬وجدوا في انتصار بريطانيا وهي تحارب منفردة في ذلك الوقت‪ ،‬سنتي‬ ‫ْ‬ ‫‪ ،1941-1940‬احتماال بعيدا‪ .‬و أروا أن انضمامهم إلى جانب البريطانيين‪ ،‬في حين كانت طرابلس تحت‬ ‫السيطرة اإليطالية الكاملة‪ ،‬أم ار ينطوي على مخاطر كبرى‪ .‬وكان للبرقاويين المتحدين تحت قيادة السيد‬ ‫إدريس وجهة نظرهم‪ .‬ينقل المؤرخ مجيد خدوري عن الملك إدريس قوله في هذا الصدد‪" :‬لقد كان في [دخول‬ ‫إيطاليا الحرب] فرصتنا إلطالق آخر ِسهامنا ضد عدو بالدنا‪ .‬سنستعيد بالدنا إذا ما نجحنا‪ ،‬ولن نخسر‬ ‫الموقفين‬ ‫شيئا إذا ما فشلنا‪ ،‬فالبالد كانت في يد عدونا على أي حال‪ 67".‬ويرى أدريان بلت أنه كان لكل من‬ ‫ْ‬ ‫ما يبرره‪.‬‬

‫‪68‬‬

‫كان هناك إجماع في الجانب البرقاوي‪ ،‬شمل جمعية عمر المختار‪ ،‬على إمارة السيد إدريس‪ ،‬في حين لم‬ ‫يكن األمر كذلك في الجانب الطرابلسي‪ .‬وقد كان هذا االختالف بمفرده كفيال بأن يْفصل مسار القضية‬ ‫الوطنية الليبية إلى مسارين مختلفين‪ .‬وظهر ذلك بشكل واضح عند تشكيل ما عرف بالجيش السنوسي‪،‬‬ ‫حيث دعا السيد إدريس إلى اجتماع مشترك للقادة البرقاويين والطرابلسين في القاهرة يوم ‪ 7‬أغسطس ‪1940‬‬

‫لمناقشة دعوة قائد القوات البريطانية في مصر ـ ـ بعد دخول إيطاليا الحرب في صيف ‪ 1940‬ـ ـ السيد إدريس‬ ‫إلى تكوين قوة من الليبيين تدخل الحرب إلى جانب بريطانيا‪ .‬تم قبول الدعوة المقدمة من السلطات العسكرية‬ ‫البريطانية‪ ،‬وتم تنظيم القوة العربية البريطانية (وهي التي تغير اسمها فيما بعد إلى ’القوة الليبية البريطانية‘‪،‬‬ ‫وعرفت بالجيش السنوسي) بقيادة قائد بريطاني‪ .‬وخلق تكوين هذه القوة اختالفات جديدة بين البرقاويين‬ ‫والطرابلسيين حين رفض بعض القادة الطرابلسيين التوقيع على القرار المشترك بتأسيس القوة‪ ،‬مصرين على‬ ‫أن يعطي البريطانيون التزاما ثابتا حول استقالل طرابلس قبل أن يعلنوا استعدادهم لالنضمام للقوة الليبية‬ ‫البريطانية‪ .‬وكون المعترضون لجنة منفصلة لطلب المساندة البريطانية لجيش طرابلس على أساس نفس‬

‫‪Majid Khadduri, Modern Libya, A Study in Political Development, 1963, The John Hopkins Press Baltimore.‬‬ ‫‪68‬‬

‫‪67‬‬

‫‪p. 29.‬‬

‫بلت‪ ،‬سبق ذكره‪ ،‬ص ‪.39-38‬‬

‫‪43‬‬


‫الشروط المقبولة من السيد إدريس ولكن من دون االعتراف بقيادته‪ .‬وقد كان في ذلك اعتراض‪ ،‬في التحليل‬ ‫األخير‪ ،‬على قيادة السيد إدريس السنوسي لطرابلس‪.‬‬

‫‪69‬‬

‫وكانت هناك حالة العداء المستحكم بين السيد إدريس السنوسي وعبد الرحمن عزام‪ ،‬نتيجة لعالقات األخير‬ ‫الوثيقة مع أطراف سياسية ليبية مناوئة للسيد إدريس‪ ،‬إضافة إلى الريبة من حقيقة نواياه تجاه استقالل‬ ‫ووحدة ليبيا وطرحه فكرة وصاية مصرية على برقة‪.‬‬ ‫كان لهذه األسباب مجتمعة‪ ،‬ولغيرها‪ ،‬أثرها في رسم أهداف العمل الوطني لدى السيد إدريس السنوسي حين‬ ‫قدم استقالل برقة على وحدة األقاليم الليبية‪ ،‬وفي تشكيل مواقفه في تلك المرحلة‪ .‬يعزو إدريان بلت توجه‬ ‫األمير هذا إلى أن القادة البرقاويين‪ ،‬األكبر سنا‪ ،70‬كانوا يدركون أهمية المصالح اإليطالية في طرابلس‪،‬‬ ‫وأنهم كانوا يخشون أن تنتهي الصراعات واألطماع الدولية المحيطة بالقضية الليبية إلى عودة النفوذ اإليطالي‬ ‫إلى طرابلس‪ ،‬ويقول إنه وجد في زيارته األولى لبنغازي سنة ‪ 1950‬أن التخوف كان ال يزال مسيط ار من‬ ‫عودة النفوذ اإليطالي والمستوطنين اإليطاليين ليعيدوا احتالل األرض من جديد‪.‬‬

‫‪71‬‬

‫التنظيمات السياسية في برقة‬ ‫تأسس في برقة تنظيمان انخرطا في العمل السياسي‪ ،‬هما جمعية عمر المختار والجبهة الوطنية البرقاوية‪.‬‬ ‫مثلت الجمعية جمهور الشباب والنخبة المثقفة في مدينتي بنغازي ودرنة على وجه الخصوص‪ ،‬في حين‬ ‫كانت الجبهة الممثل للجيل األكبر سنا ولصوت القبائل في اإلقليم‪ ،‬وكانت تحظى بدعم األمير وتعكس‬ ‫سياساته‪ .‬وقد تطورت العالقة بين التنظيمين إلى تنافس مفتوح في مجال العمل من أجل القضية الوطنية‪،‬‬ ‫انبثق من اختالف منطلقات التنظيمين ورؤاهما بما أدى إلى خالف طبع المشهد السياسي في برقة‪.‬‬

‫جمعية عمر المختار‬

‫‪69‬‬ ‫‪70‬‬ ‫‪71‬‬

‫المرجع السابق ‪ ،‬ص ‪.33‬‬ ‫وذلك استثناء من بلت لجمعية عمر المختار التي يشير إلى عضويتها الشبابية‪.‬‬ ‫أدريان بلت‪ ،‬المرجع سبق ذكره‪ ،‬ص ‪.44-43‬‬

‫‪44‬‬


‫يتبين من أهداف جمعية عمر المختار كما سبق تفصيلها في الفصل الثاني من هذا الكتاب أنه كان لها‬ ‫رؤيتها الواضحة لما تسعى ألن يكون عليه مستقبل البالد‪ .‬كان استقالل ليبيا ووحدة أراضي أقاليمها الثالثة‬ ‫حجر األساس في منظور القضية الوطنية لديها‪ ،‬وهي التي شكلت مواقفها من األطراف الفاعلة على‬ ‫الساحتين المحلية والدولية‪ .‬ولم يكن استقالل ليبيا ووحدتها غير جانب من رؤيتها القومية والوحدوية األوسع‪.‬‬ ‫جمعية عمر المختار كانت تنظيما مستقال عن السلطة وكانت تنادي في الوقت نفسه ـ ـ وهو ما يجب التأكيد‬ ‫عليه ـ ـ بتنصيب السيد إدريس السنوسي ملكا على الدولة الليبية المنشودة‪.‬‬ ‫عروبي التوجه‪ ،‬وهوما يبدو واضحا من إدراج عضوية ليبيا المستقلة في‬ ‫كانت جمعية عمر المختار تنظيما‬ ‫َّ‬ ‫الجامعة العربية ضمن أهدافها السياسية كما حدد ذلك قانونها األساسي‪ .‬ونستحضر هنا أن الجامعة العربية‬ ‫َّ‬ ‫محط األنظار ِ‬ ‫ومعقد اآلمال كمؤسسة تعمل على تعزيز العمل العربي المشترك وص ْون استقالل‬ ‫كانت وقتها‬

‫دولها وحماية أمنها القومي؛ آمال خابت كما شهدنا فيما بعد‪.‬‬

‫ولعل تأكيد تقرير سكرتير عام الجمعية بشيء من اإلطناب على الوالء لألمير والتوافق مع سياساته في‬ ‫ذات سياق استعراض غايات الجمعية وأهدافها السياسية‪ ،‬كان مرده محاولة التخفيف من أثر هذا الجانب‬ ‫الخالفي للعالقة بينهما‪ .‬يقول التقرير‪:‬‬

‫‪72‬‬

‫إن هذه الجمعية كانت دائما على يقين من أنها تعمل من أجل أهداف سامية عادلة وأن أعمالها‬ ‫كانت دائما متمشية مع خطة أميرها المفدى وارادته السنية‪ ،‬وكانت في كل ما عملت مستوحية‬ ‫ثقة األمير وتأييده‪ ،‬وغرضها دائما مناصرته أمام العالم في مظهر ملموس إيجابي حساس يرتكز‬

‫على حب المشاركة والتضامن والتضحية ال في ليبيا حول األمير وقضيتنا فحسب‪ ،‬بل في العالم‬

‫العربي حول القضايا العربية وشعوبها‪.‬‬

‫‪73‬‬

‫الجبهة الوطنية البرقاوية‬ ‫في الجهة المقابلة كانت الجبهة الوطنية تنظيما ذا تكوين تقليدي محافظ اختلف مع جمعية عمر المختار‬ ‫في الموقف من وحدة البالد على وجه الخصوص‪ .‬لم تقبل جمعية عمر المختار أي تهاون في العمل من‬

‫‪72‬‬ ‫‪73‬‬

‫الملحق رقم (‪.)1‬‬ ‫المرجع السابق‪.‬‬

‫‪45‬‬


‫أجل وحدة أقاليم البالد واستقاللها في دولة واحدة‪ ،‬بينما كان الهدف الرئيسي للجبهة والسيد إدريس السنوسي‬ ‫استقالل برقة ووالية السيد إدريس عليها‪ .‬واختلف الطرفان أيضا في طبيعة العالقة مع بريطانيا‪ ،‬إذ أن‬ ‫جمعية عمر المختار كانت تجهر بالعداء لبريطانيا وال تثق في نواياها‪ ،‬ألسباب كانت في جانب منها‬ ‫تاريخية ذات منظور واسع يشمل المنطقة العربية‪ .‬أما السيد إدريس السنوسي ـ ـ والجبهة ـ ـ فقد كانت عالقته‬ ‫بالبريطانيين عالقة استراتيجية يرى فيها الضمانة لتحقيق استقالل برقة‪.‬‬

‫نجاحات وردود الفعل‬ ‫نجحت الجمعية نجاحا كبي ار في التعبير عن رؤاها ومواقفها وايصال رسالتها إلى الجمهور‪ ،‬فاستقطبت حولها‬ ‫تأييدا كاسحا والتفافا واسعا في مدينتي بنغازي حيث مقرها الرئيسي‪ ،‬ودرنة حيث فرعها المسمى مركز درنة‪،‬‬ ‫وان سجل عليها إخفاقها في توسيع دائرة نشاطها على نحو مماثل خارج هاتين المدينتين‪ ،‬باستثناء بدايات‬ ‫في مدن اجدابيا والمرج والبيضاء‪ .‬وقد تأسس ذلك التأييد على التجاوب الشعبي الكبير مع األهداف الوطنية‬ ‫للجمعية وعملها من أجل تحقيقها من جهة‪ ،‬وعلى نشاطاتها األوسع في ميادين التعليم والثقافة والرياضة‬ ‫والشأن االجتماعي والعمل الخيري‪ .‬وقد كان هذا النجاح الجماهيري مثار قلق‪ ،‬كما سنرى‪ ،‬لدى السيد‬ ‫إدريس والسلطة العسكرية البريطانية‪ .‬وتطورت االختالفات في الرؤية والمنهج بين الجمعية والسيد إدريس‬ ‫إلى خالف لم تكن السلطة البريطانية بعيدة عنه‪ ،‬وصل ذروته بنداء األمير للجمعية بالتخلي عن العمل‬ ‫السياسي الصادر في ‪ 5‬يونيه ‪ 1947‬والمنشور في جريدة برقة الجديدة بتاريخ ‪ 17‬سبتمبر ‪ 74.1947‬وكان‬ ‫لذلك النداء األميري آثاره العميقة في تماسك الجمعية ما أدى إلى اضمحالل نشاطها كتنظيم فاعل ليس‬ ‫في مجال العمل السياسي وحسب بل أيضا في ميادين نشاطها األخرى‪.‬‬

‫بارقة توافق‬ ‫ِ‬ ‫الحاد‬ ‫ولعله لم يكن من المحتم أن تتصادم جمعية عمر المختار مع الجبهة الوطنية البرقاوية على النحو‬ ‫الذي سنراه فيما بعد‪ ،‬فقد كانت البداية‪ ،‬في ظاهرها على األقل‪ ،‬بداية إيجابية‪.‬‬

‫‪74‬‬

‫الملحق رقم (‪.)2‬‬

‫‪46‬‬


‫وجهت الهيئة التأسيسية للجبهة الوطنية البرقاوية على صفحات جريدة برقة الجديدة‪ ،‬العدد رقم ‪ 723‬الصادر‬ ‫بتاريخ ‪ 7‬أبريل‪ ،‬نداء إلى المواطنين بأن يعاضدوها في تحقيق برنامجها الوطني‪ .‬وتعاملت جمعية عمر‬ ‫المختار مع ذلك النداء بإيجابية حيث عينت فريقا برئاسة رئيسها آنذاك علي باشا العبيدي وسكرتارية مفتاح‬ ‫بوغ اررة‪ .‬عقد اجتماع بمقر الجمعية بتاريخ ‪ 18‬أبريل ‪ ،1946‬شارك فيه "أعيان البالد ومشائخها وذوو الكلمة‬ ‫والنفوذ فيها"‪ 75‬أسفر عن وضع ميثاق وطني حمله الفريق المذكور موفدا من الجمعية لمفاوضة الهيئة‬ ‫التأسيسية في بنغازي‪ .‬تركز مأخذ جمعية عمر المختار في أن الهيئة التأسيسية "لم تشر في برنامجها‬ ‫الوطني إلى وحدة ليبيا وانضمامها بعد استقاللها إلى الجامعة العربية‪ 76"...‬ولكن الوفد عاد من مهمته وقد‬ ‫أحرز نجاحا كبي ار‪ ،‬حامال اتفاقية مع الهيئة التأسيسية للجبهة تدل على تعديل للبرنامج المذكور جاء في‬ ‫قالب مذكرة وطنية تناولت أهداف هذه المؤسسة واضحة متفقة مع جوهر الميثاق الوطني للجمعية‪ ،‬وكانت‬ ‫نصوص البرنامج المتفق عليها كما يلي‪:‬‬ ‫أوال‪:‬‬ ‫ثانيا‪:‬‬ ‫ثالثا‪:‬‬

‫‪77‬‬

‫تحرير البالد وتحقيق استقاللها كامال غير منقوص بأي وجه من وجوه النقص؛ فال حماية‬ ‫وال انتداب وال وصاية‪.‬‬

‫وحدة البالد الليبية من تونس إلى مصر‪ ،‬فال برقة وال طرابلس‪.‬‬

‫التعجيل باالعتراف الرسمي بأميرها‪ ،‬السيد محمد إدريس السنوسي‪ ،‬ليكون رم از للوحدة‬ ‫الوطنية‪ ،‬وليتولى دفة حكمها الشرعي‪ ،‬وتشكيل حكومة وطنية دستورية مسئولة أمام الشعب‬ ‫وتستمد سلطتها من الشعب‪.‬‬

‫رابعا‪ :‬وضع دستور حر شامل صادر عن األمة الليبية التي هي وحدها مصدر السلطات جميعا‪.‬‬ ‫خامسا‪ :‬تأليف وفد في الحال يمثل البوادي والحواضر ليطالب بحقوق البالد ويرفع الصوت بشرح‬ ‫قضية البالد في الخارج‪ ،‬ويدافع عنها أثناء انعقاد المؤتمرات الدولية التي تعرض للمشكلة‬ ‫الليبية‪.‬‬

‫سادسا‪ :‬تفويض الجامعة العربية برفع صوتها في المؤتمرات الدولية لتحقيق أهدافنا القومية ومطالبنا‬ ‫الوطنية باالتفاق مع الوفد الليبي المؤلف لهذه األغراض المبينة في المواد السابقة‪.‬‬

‫سابعا‪ :‬رفع هذه المطالب إلى بريطانيا العظمى لمؤازرة الجامعة العريبة والوفد الليبي في تحقيقها‪.‬‬ ‫ثامنا‪ :‬تشكيل لجان فرعية في كافة أنحاء البالد للعمل على تحقيق هذا الميثاق الوطني‪.‬‬ ‫‪75‬‬ ‫‪76‬‬ ‫‪77‬‬ ‫‪78‬‬

‫الملحق رقم (‪.)1‬‬ ‫المرجع السابق‪.‬‬ ‫المرجع السابق‪.‬‬ ‫المرجع السابق ‪.‬‬

‫‪47‬‬

‫‪78‬‬


‫ظهور الخالف‬ ‫يبدو أن االتفاقية التي توصل إليها وفد الجمعية مع الهيئة التأسيسية للجبهة كانت محل مراجعة الحقة من‬ ‫طرف الهيئة التأسيسية ومرجعياتها‪ ،‬ويشير التقرير‬

‫‪79‬‬

‫إلى أن جريدة ’برقة الجديدة‘‪ ،‬ألسباب تجهلها‬

‫الجمعية‪ ،‬لم تنشر االتفاقية‪ ،‬رغم أنها ذكرت في عددها رقم ‪ ،728‬الصادر بتاريخ ‪ 19‬أبريل ‪ ،1946‬أنها‬ ‫تلقت صورة منها وأجلت نشرها مرتين‪ ،‬ثم ذكرت في عددها الصادر بتاريخ ‪ 24‬أبريل ‪ 1946‬أن الهيئة‬ ‫التأسيسية رأت أن تبعث بجميع ق ارراتها ومضابط جلساتها إلى سمو األمير‪.‬‬ ‫كان الخالف بين جمعية عمر المختار والجبهة الوطنية البرقاوية ـ ـ والسيد إدريس بشكل ِ‬ ‫غير مباشر ـ ـ قد‬ ‫انصب على مسألة الوحدة الليبية وعلى الموقف من الجامعة العربية وأمينها العام عبد الرحمن عزام صاحب‬ ‫بمواقفه السلبية من استقالل ليبيا وعالقاته بأطراف ليبيين مناوئين للسيد إدريس السنوسي وامارته‪ .‬وحرصت‬ ‫الجمعية من جهة أخرى على تأكيد والئها للسيد إدريس السنوسي وعدم المساس بالوحدة الوطنية في تلك‬ ‫المرحلة الحرجة من تاريخ البالد‪.‬‬ ‫وازدادت العالقة بين الجمعية والجبهة سوءا في أعقاب المذكرة اإلصالحية‪ 80‬التي بعثت بها الجمعية إلى‬ ‫الجبهة‪ ،‬والتي ضمنتها رأيها في أهداف الجبهة وميثاقها الوطني ونقدا ألسلوب إدارتها‪ .‬وقد كان لتلك المذكرة‬ ‫أثر أكيد في تأجيج العالقة بين الطرفين بدليل عدم ِ‬ ‫رد الجبهة عليها‪ ،‬وما تال ذلك من تصعيد في المواجهة‬ ‫مع السيد إدريس‪.‬‬

‫‪79‬‬ ‫‪80‬‬

‫المرجع السابق‪.‬‬ ‫الفصل التالي من هذا الكتاب‪.‬‬

‫‪48‬‬


‫الفصل الخامس‬ ‫المذكرة اإلصالحية‬ ‫بعثت الجمعية مركز درنة إلى الجبهة الوطنية "عن طريق المركز العام بنغازي وبتصديق منه"‪ ،81‬بتاريخ‬ ‫‪ 20‬يونيه ‪’ 1947‬مذكرة سياسية إصالحية‘ تناولت فيها "مواضع النقص التي تبدو ظاهرة في ميثاق الجبهة‬ ‫الوطني‪ 82".‬وجاءت تلك المذكرة استنادا إلى خطاب وارد من رئيس الجبهة جاء فيه‪" :‬يسرني أن أشارك‬ ‫مجلس إدارة الجبهة الوطنية في إبالغكم شكرها لجميع هيئات وأعيان وتجار مدينة درنة وترغب منكم جميعا‬ ‫إسداء التوجيهات الطيبة نحو المصالح الوطنية العامة في كل آن‪".‬‬

‫‪83‬‬

‫أسباب الخالف‬ ‫مضي أكثر من أربعة أشهر من‬ ‫لم يأت رد من الجبهة الوطنية على ما جاء في المذكرة اإلصالحية بعد‬ ‫ِ‬ ‫تسليمها طبقا لما جاء في تقرير السكرتير العام المقدم إلى الجمعية العمومية في ‪ 31‬أكتوبر ‪ .1947‬ولعل‬ ‫السبب كان استهجان الجبهة الوطنية ومرجعياتها للخطاب المتعالي وقسوة النقد في بعض مما جاء في‬ ‫المذكرة‪.‬‬ ‫تظهر في المذكرة اإلصالحية بوضوح طبيعة الخالف بين التنظيمين‪ ،‬والذي انصب أساسا حول مسألة‬ ‫وحدة ليبيا‪ .‬فندت المذكرة موقف الجبهة الوطنية في موضوع الوحدة الليبية‪ ،‬وجاء فيها بالخصوص‪:‬‬ ‫وحدة ليبيا دعامة لالستقالل التام الصحيح الذي ال يمكن أن يتحقق لبرقة‪ ،‬كما تنادي جبهتكم في‬

‫ميثاقها الوطني‪ ،‬اللهم إال في صورة غير ملموسة ليسودها االحتياج والفقر واالرتباك نظ ار ألسباب‬ ‫كثيرة منها‪ :‬ضيق الموارد االقتصادية‪ ،‬ضعف االزدهار الصناعي‪ ،‬قلة السكان‪ ،‬ندرة الفنيين‪ ،‬وغير‬

‫ذلك من العوامل التي إن وجدت في طرابلس ال توجد في برقة‪ ،‬وان وجدت في برقة ال توجد في‬ ‫طرابلس‪ ،‬ومن ثم يحتم الوضع الطبيعي للبلدين أن يعيشا متكافلين اقتصاديا واجتماعيا‪ ،‬سياسيا‬ ‫واداريا‪ ،‬درءا لمظاهر الضعف واالحتياج واحباطا لوسائل التغلغل األجنبي واستغالله للمرافق الحيوية‬

‫مما يؤدي بالبالد إلى انقالب حالتها من مظاهر االستقالل إلى وقائع االستعمار ونتائجه الوخيمة‪.‬‬ ‫‪81‬‬ ‫‪82‬‬ ‫‪83‬‬

‫الملحق رقم (‪ ،)2‬سبق ذكره‪.‬‬ ‫المرجع السابق‪.‬‬ ‫المرجع السابق‪.‬‬

‫‪49‬‬


‫هذا من الناحية الحيوية‪ ،‬أما من الناحية القومية‪ ،‬فليبيا وحدة في جنسها وفي دينها وفي لغتها وفي‬

‫تاريخها وفي جغرافيتها‪ .‬إن اختلفت في مصيرها وتجزأت سياسيا في مستقبلها فج ْزآها سوف يعيشان‬ ‫عيشة وحشة وانعزال‪ ،‬عيشة واقفة ضيقة يستغل عصارتها األجنبي ويأكل قشورها الوطني‪ ،‬زيادة على‬

‫ما يترتب على هذه التجزئة لمسببها من وصمة العار في التاريخ‪ ،‬ومن حيلولة دون تحقيق آمال‬

‫العروبة في لم شملها وتوحيد كلمتها والتقريب بين أجزائها من حيث أن بالدنا جسر يربط بين شرق‬ ‫العرب وغربهم‪.‬‬

‫‪84‬‬

‫وتطرح الجمعية في مذكرتها إلى الجبهة موقفها في حالة تعذر تحقيق استقالل البالد ووحدتها تحت إمارة‬ ‫السيد إدريس السنوسي‪ ،‬فهي ترى أن البالد الليبية إذا ما استقلت ولم تتفق بأجمعها على إمارة السيد إدريس‬ ‫السنوسي فإن برقة وطرابلس يمكنهما أن يشكال حكومتين مختلفتين في نظام الحكم ومتحدتين في المصالح‬ ‫والهدف والمصير‪ .‬وعندها تكون برقة‪ ،‬حسبما جاء في المذكرة "قد تسامحت وقد عملت وقد ضحت بكل‬ ‫أسباب التضحية في سبيل وحدة الحكم في ليبيا‪ ،‬غير أن الالئمة تقع على طرابلس‪ ،‬وعلى طرابلس وحدها‬ ‫أن تتحمل تبعة االنقسام في تاريخها بنوع خاص وأمام العالم العربي بنوع عام‪ ،‬إذا لم تساير برقة في‬ ‫مشيئتها وتقدر تضحيتها وتحسب لألمر الواقع فيها حسابا من أجل الوحدة والتضامن في جميع مظاهر‬ ‫الحياة الوطنية والقومية في ليبيا‪".‬‬

‫‪85‬‬

‫وتتناول المذكرة االحتما ِ‬ ‫غير المؤكدة الستقالل برقة‪ ،‬والمبنية على منظور غ ِ‬ ‫الت ِ‬ ‫ير دقيق للعالقة مع‬ ‫بريطانيا وووعودها الصادرة من وجهة نظر الجمعية‪ ،‬ما يدعو إلى ضرورة أن تكون وحدة ليبيا هدفا من‬ ‫أهداف الجبهة مثلما هي هدف من أهداف الجمعية‪ .‬تذكر الجمعية في مذكرتها بأن برقة ليس لديها سوى‬ ‫اعتراف بمساهمتها في الحرب وتعهد بعدم عودتها إلى الحكم اإليطالي‪ ،‬وليس في ذلك أو غيره التزام بتحقيق‬ ‫االستقالل‪ .‬وتمضي الجمعية في مذكرتها لتقول إن تعهد بريطانيا بعدم عودة برقة إلى الحكم اإليطالي ال‬ ‫يعني بالضرورة عودتها ألهلها‪ ،‬وهذه حقيقة تعززها التصريحات البريطانية بأن تسند الوصاية البريطانية‬ ‫على برقة‪ ،‬والوصاية اإليطالية على طرابلس‪.‬‬

‫‪86‬‬

‫وتنتقل المذكرة من استعراضها للمواقف من الوحدة وللطبيعة الهشة للوعود البريطانية فيما يتعلق باستقالل‬ ‫برقة إلى أن ميثاق الجبهة الوطنية نفسه في حاجة إلى إعادة النظر والى التعديل في جوهر أهدافه الوطنية‪.‬‬ ‫‪84‬‬ ‫‪85‬‬ ‫‪86‬‬

‫الملحف رفم (‪ ،)2‬سبقت اإلشارة إليه‪.‬‬ ‫المرجع السابق‪.‬‬ ‫المرجع السابق‪.‬‬

‫‪50‬‬


‫وتشير‪ ،‬في معرض الضغط نحو انضمام الجبهة للمناداة بوحدة ليبيا إلى أن تطورات دولية قد تط أر وتؤدي‬ ‫إلى استقالل ليبيا موحدة‪ ،‬وهو الهدف الذي تسعى إليه جميع الهيئات في طرابلس وال يحظى بإجماع برقة‪،‬‬ ‫"وحينئذ سيسجل التاريخ الفخر لطرابلس في سعيها بينما يسجل على برقة النزعة األنانية بمطالبتها باستقاللها‬ ‫الخاص‪ ،‬وبذا يضيع سدى ما قدمته من تضحيات حربية وما قاسته من أتعاب وويالت في سبيل هذا الهدف‬ ‫السامي‪".‬‬

‫‪87‬‬

‫نقد إدارة الجبهة‬ ‫ووجهت المذكرة النقد لإلدارة والتنظيم في الجبهة وما رأته الجمعية في ذلك من نقص‪ ،‬الفتة النظر إلى أن‬ ‫ميثاق الجبهة بحاجة إلى التعديل فيما يتعلق بمنع الموظفين من االنتساب إليها‪ ،‬فالموظفون "وطنيون‬ ‫يحملون ضمائر حرة تشعر بواجبها نحو الوطن‪ .‬واذا هم يؤدون أعمالهم مقابل مرتبات فإن ضمائرهم ليست‬ ‫مؤجرة‪ 88".‬وتوجه المذكرة النظر إلى أن الموظفين يمثلون الطبقة المستنيرة المثقفة التي ال يمكن ألي هيئة‬ ‫وطنية أن تستغني عن خدماتها‪.‬‬ ‫وتخلص المذكرة في جانب نقدها لإلدارة والتنظيم في الجبهة إلى القول بأن الجبهة "في حاجة إلى مفكرين‬ ‫والى إداريين والى كتاب والى ِ‬ ‫منظمين‪ .‬فاألعمال المرتجلة لن تفيد شيئا‪ ".‬وأن الجبهة تفتقر إلى "العناصر‬ ‫المفيدة التي تدرك نظام اإلدارة وقوانينها‪ ".‬وتذهب المذكرة في نقدها ذلك إلى حد بعيد إذ تخاطب الجبهة‬ ‫قائلة‪" :‬رجاالت الجبهة هم حقيقة أساطين الجهاد وعلى أكتافهم قامت وتقوم دائما الحركات الحربية في‬ ‫البالد‪ .‬ولكن الواقع يتطلب أن يظلوا يمثلون قبائلهم ومدنهم كأعضاء في الجبهة وأن يتركوا في الوقت‬ ‫الحاضر مهمة التفكير والبحث واإلنتاج المنظم للمثقفين والمتعلمين‪".‬‬

‫توصيات‬ ‫وانتهت المذكرة اإلصالحية الى مخاطبة الجبهة الوطنية بالتوصيات التالية‪:‬‬ ‫أ ) مما تقدم يبدو جليا أن الجبهة في حاجة إلى [إعادة صياغة أهدافها كما يلي]‪:‬‬ ‫‪ 87‬المرجع السابق‪.‬‬ ‫‪ 88‬المرجع السابق‪.‬‬

‫‪51‬‬


‫أوال‪ :‬تحقيق وحدة ليبيا دون أي تجزئة‪.‬‬

‫ثانيا‪ :‬تحقيق استقالل ليبيا بدون أي وصاية أو حماية أو انتداب‪.‬‬

‫ثالثا‪ :‬المناداة بحضرة صاحب السمو األمير المعظم السيد محمد إدريس المهدي السنوسي‬ ‫ملكا على ليبيا دون سواه‪.‬‬

‫رابعا‪ :‬االنضمام إلى الجامعة العربية كدولة مستقلة ذات سيادة‪.‬‬

‫ب) تطعيم إدارة الجبهة بالعناصر المثقفة لألشغال السياسية واإلدارية وتعديل المادة العاشرة من‬ ‫ميثاقكم الخاصة بالموظفين وجعلها كما يلي‪ :‬تستعين الجبهة بالموظفين الوطنيين المخلصين‬

‫في إدارة شئونها إلى آخره‪.‬‬

‫ج) تشكيل لجنة تعرف بلجنة االتصال الليبي تعمل على توحيد الجهود بين هيئات برقة وطرابلس‬ ‫وصبها في قالب متفق عليه جوهريا ومعنويا وحسيا‪...‬‬ ‫وعبرت المذكرة في الختام عن استعداد الجمعية لتلبية طلبات الجبهة في كل ما من شأنه أن يؤدي إلى‬ ‫تحسين إدارة الجبهة وتنظيمها "إذا ما [وافقت] على إجراء التعديالت المقترحة في [ميثاقها] الوطني‪".‬‬

‫‪89‬‬

‫جوهر الخالف‬ ‫يناقش سكرتير عام الجمعية في تقريره إلى الجمعية العمومية‪ 90‬طبيعة الخالف بين جمعية عمر المختار‬ ‫والجبهة الوطنية البرقاوية بصراحة ووضوح تامين‪ ،‬وعلى نحو يظ ِهر بجالء بعد المسافة الفاصلة بين‬ ‫الطرفين في موضوع الوحدة الليبية على وجه التحديد وموقف الجمعية من الجبهة في ضوء ذلك الخالف‪،‬‬ ‫فيقول‪:‬‬ ‫إن المسألة ليست مسألة اختالف في أساليب العمل لهدف معين فحسب حتى يكون من السهل‬ ‫الوصول فيه إلى تفاهم مع الجبهة المذكورة‪ ،‬وانما هو اختالف في جوهر األهداف أو اختالف في‬ ‫األسس السليمة التي ترتكز عليها آمالنا القومية والوطنية‪ ،‬ذلك أن الجبهة الموقرة تنادي باستقالل‬ ‫برقة دون سواها‪ ،‬وتسجل على نفسها مسؤولية العمل على تجزئة ليبيا‪ ،‬بينما تنادي هذه الجمعية‬ ‫بوحدة ليبيا واستقاللها تجنبا لتلك المسئولية الوخيمة التي ال نريد أن تترتب على مشيئتنا فيستغلها‬

‫‪ 89‬المرجع السابق‪.‬‬ ‫‪ 90‬المرجع السابق‪.‬‬

‫‪52‬‬


‫األجنبي في التدليل على عدم نضوجنا السياسي والفكري فيعمل على تقسيم ليبيا بما فيه من مصير‬ ‫ال يتفق مع رغباتنا القومية والوطنية‪.‬‬

‫الجبهة الوطنية البرقاوية‪ ،‬وان كانت تمثل األمة تمثيال تقليديا‪ ،‬إال أنها ال تمثل الرأي السياسي العام‬ ‫في البالد‪ ،‬كما أنها ليست حائزة لثقتنا ورضانا بعد أن اتضح لكل ذي عينين أنها على طرفي نقيض‬ ‫معنا في األهداف وفي أساليب العمل كذلك‪ .‬وأنها ليست من القدرة والكفاءة بحيث تستطيع أن‬ ‫تبرهن على أنها صالحة ألداء مهمتها الوطنية الجسيمة‪ .‬ولقد كنا دائما مستعدين ألن نترك لها‬

‫المجال وحدها في العمل للقضية المشتركة لو أنها قدمت من األسباب ما يطمئننا على مستقبل هذه‬ ‫القضية‪.‬‬

‫لقد ذهبت الجمعية بعيدا‪ ،‬كما بدا واضحا من مذكرتها السياسية‪ ،‬في موقفها من الجبهة مستندة بال شك‬ ‫على درجة كبيرة من اإليمان بمواقفها المبدئية وكذلك على الثقة النابعة من مكانتها الشعبية في المدن‬ ‫وامكانياتها التنظيمية ونشاطاتها االجتماعية والثقافية والرياضية التي أضافت إلى مكانتها أبعادا ما كان في‬ ‫مقدور الجبهة أن تنافسها فيها‪ .‬وكانت تلك المكانة الشعبية والقدرات التنظيمية دافع ضغط مارسته الجمعية‬ ‫لفرض رؤيتها وأهدافها‪ ،‬واحداث تغييرات في ميثاق الجبهة نفسه‪ ،‬األمر الذي اعتبرت الجمعية أن الغرض‬ ‫منه كان "توحيد الكلمة والصفوف في برقة" حسب ما جاء في تقرير السكرتير العام إلى الجمعية العمومية‬ ‫في اجتماعها بتاريخ ‪ 31‬أكتوبر ‪.1947‬‬

‫‪91‬‬

‫وباإلضافة إلى تباين الرؤى ومناهج العمل بين األطراف الليبيين على الطريق إلى تحقيق أهدافهم الوطنية‪،‬‬

‫ِ‬ ‫الدولة القائمة بإدارة إقليمي برقة‬ ‫كانت القضية الليبية موضوع تجاذبات وأطماع أجنبية‪ ،‬وكان لبريطانيا‪،‬‬ ‫وطرابلس‪ ،‬دور بين األطراف الليبيين‪.‬‬

‫‪ 91‬المرجع السابق‪.‬‬

‫‪53‬‬


‫الفصل السادس‬ ‫العالقة مع بريطانيا‬ ‫بهزيمة دول المحور ودخول الحلفاء ومعهم الجيش السنوسي إقليم برقة في نوفمبر ‪ 1942‬انسحبت إيطاليا‬ ‫ومستوطنوها المقيمون في برقة‪ ،‬وانتقل اإلقليم إلى اإلدارة العسكرية البريطانية إلى حين البت في مصير‬ ‫ليبيا والمستعمرات اإليطالية األخرى من طرف القوى الكبرى ومنظمة األمم المتحدة‪.‬‬

‫اإلدارة العسكرية البريطانية‬ ‫بانتهاء الحرب العالمية الثانية واندحار االستعمار اإليطالي عن ليبيا تأسست في إقليمي برقة وط اربلس إدارة‬ ‫ْ‬ ‫عسكرية بريطانية‪ .‬ولم يكن مستغربا أن تكون العالقة سلبية بين الدولة المحتلة ذات المصالح الخاصة بها‬ ‫والقوى الوطنية المتطلعة إلى تحقيق استقالل ووحدة بالدها‪.‬‬ ‫ارتكزت سياسة اإلدارة البريطانية في إدارة إقليم برقة على ركنين أساسين تمثال في‪ :‬أوال‪ ،‬اعتبار التوجهات‬ ‫السياسية لسكان المدن غير ذات أثر يذكر‪ .‬ثانيا‪ ،‬أن المكانة السامية للحركة السنوسية في برقة والتحالف‬ ‫مع السيد إدريس السنوسي يمثالن حجر األساس في صياغة مستقبل اإلقليم‪ .‬هكذا كانت نظرة العقل‬ ‫الرسمي لإلدارة العسكرية البريطانية التي اعتبرت التشكيك فيها "نوعا من الهرطقة"‪.92‬‬ ‫من الجانب المقابل كان السيد إدريس يراهن على مساندة بريطانيا في الحصول على استقالل برقة مقابل‬ ‫التحالف معها أثناء الحرب‪ ،‬ذلك رغم أن تعهد بريطانيا‪ ،‬على لسان وز ِ‬ ‫ير خارجيتها‪ ،‬أنتوني إيدن‪ ،‬لم يتجاوز‬ ‫التعهد بعدم عودة برقة لإليطاليين‪ .‬وقد عبر السيد إدريس عن موقفه بوضوح في خطابه بمدينة اجدابيا في‬ ‫‪ 3‬أغسطس ‪ 1944‬إثر عودته من مصر‪ ،‬قائال‪" :‬ها نحن أحرار نتجول في وطننا كما نشاء‪ ،‬والفضل في‬

‫ِ‬ ‫صديقة العرب ومنقذة الشعوب الضعيفة من الظلم والحيف‪ ،‬فال يحق ألحد‬ ‫ذلك‪ ،‬بعد هللا‪ ،‬للدولة البريطانية‬

‫‪Synge, Richard, Operation Idris, Inside the British Adminstartion of Cyrenaica and Libya, 1942-1952,‬‬

‫‪92‬‬

‫‪Silphium press, 2015, Kindle Edition, Location 118.‬‬

‫‪54‬‬


‫منا أن ينسى جميل هذه الدولة العظمى‪ .‬واني آمل أننا سنال جميع حقوقنا الطبيعية بمساندتها عندما تضع‬ ‫الحرب أوزارها إن شاء هللا‪".‬‬

‫‪93‬‬

‫ولكن نوايا بريطانيا ما لبثت أن اتضحت باتفاقها مع إيطاليا على إسناد وصاية بريطانية على برقة وعودة‬ ‫إيطاليا إلى طرابلس‪ ،‬وان لم يحظ ذلك المقترح بموافقة الدول الكبرى حينذاك‪.‬‬

‫موقف الجمعية‬ ‫لم يكن في موقف جمعية عمر المختار تجاه بريطانيا وتواجدها على األرض الليبية أي غموض أو التباس‪.‬‬ ‫لقد انطبعت نظرة الجمعية إلى بريطانيا بشك عميق في نواياها تجاه ليبيا والمنطقة العربية‪ ،‬ولم تكن صحة‬ ‫تلك الشكوك في نظر الجمعية بحاجة إلى دليل أوضح من تطور األحداث في المشرق العربي‪ .‬كانت‬ ‫الجمعية ترفض رفضا قاطعا أي تواجد عسكري بريطاني في ليبيا وأي عالقة تؤسس لهيمنة بريطانية على‬ ‫الدولة الليبية المأمولة‪ .‬وكان موقف الجمعية من بريطانيا موقفا معلنا على صفحات جريدة ’الوطن‘ الناطقة‬ ‫باسمها وفي أدبياتها وخطابات زعمائها والمظاهر ِ‬ ‫َّ‬ ‫المنظمة ضدها‪ .‬وكان هذا الموقف الصارم على تماس‬ ‫ات‬

‫مع موقفها من تحالف السيد إدريس معها بطبيعة الحال‪ ،‬ما أدى إلى توتر شديد ساد العالقة بين الطرفين‬ ‫انتهى إلى صدام مباشر لم تكن بريطانيا بعيدة عنه‪.‬‬ ‫لقد كان لبريطانيا دور في تأجيج العالقة ِ‬ ‫غير الودية أساسا بين األمير وجمعية عمر المختار‪ .‬نجد مثاال‬ ‫على ذلك في اجتماع يقول سكرتير عام الجمعية في تقريره أمام الجمعية العمومية‪ 94‬أنه قد انعقد عن طريق‬ ‫تقرر فيه مخاطبة األحزاب‬ ‫الصدفة بين أعضاء من المركز العام وآخرين من مركز درنة برأس الهالل‪َّ ،‬‬ ‫الط اربلسية بخصوص الوحدة واإلمارة‪ .‬يشير بيتر سينج‪ ،‬عضو اإلدارة البريطانية‪ ،‬في تقرير موجه إلى‬ ‫السيد إدريس السنوسي إلى ذلك االجتماع فيصفه بأنه "اجتماع سري"‪ 95‬قررت فيه الجمعية "بناء حركة‬ ‫قوية"‪ ،96‬وأن ذلك يأتي وسط وضع سياسي يهدد بالخروج عن السيطرة حسب وصفه‪.‬‬

‫‪93‬‬ ‫‪94‬‬

‫المفتي‪ ،‬سبق ذكره‪ ،‬ص ‪.141‬‬ ‫الملحق رقم (‪.)2‬‬ ‫‪Synge, Operation Idris. Location 2812.‬‬

‫‪ 96‬المرجع السابق‪.‬‬

‫‪55‬‬

‫‪95‬‬


‫موقف بريطانيا‬ ‫رأت بريطانيا في برقة منطقة نفوذ وتواجد ذات قيمة استراتيجية في موقع قريب من مصالحها الحيوية في‬ ‫المنطقة العربية شرقا‪ .‬لذلك اقتصر تعهدها لألمير على عدم عودة اإليطاليين إلى برقة‪ ،‬من دون إفصاح‬ ‫عما سيكون عليه مصير برقة‪ ،‬ومن دون تعهد مماثل بعدم عودة إيطاليا إلى طرابلس‪ .‬ونجد في كتاب‬ ‫موقف بريطانيا و ِ‬ ‫ِ‬ ‫تقويمها‬ ‫محمد بشير المغيربي‪’ ،‬وثائق جمعية عمر المختار‘‪ ،‬وثيقة تلقي الضوء على‬ ‫لدور الجمعية‪ ،‬هي المذكرة التي بعث بها إريك دي كاندول المقيم (المعتمد) البريطاني في برقة إلى حكومته‬ ‫مؤرخة في ‪ 27‬أكتوبر ‪ 97.1951‬يصف دي كاندول الجمعية في مذكرته تلك بـ "الجماعة السياسية المنظمة‬ ‫المنشقة وبانتهاجها مبادئ وطنية "متطرفة"‪ ،‬كما يعبر عن خشية اإلدارة البريطانية من نفوذ جمعية عمر‬ ‫المختار في مدينتي بنغازي ودرنة على وجه الخصوص‪ ،‬ومن نشاطاتها التي كانت مصدر قلق وباعثا‬ ‫لتبادل الرأي بين اإلدارة واألمير‪ .‬ويظهر من المذكرة أيضا مدى حنق اإلدارة البريطانية على جريدة ’الوطن‘‪،‬‬ ‫صو ِت الجمعية وقناة اتصالها بجمهور المواطنين‪ ،‬حيث تصف المذكرة نشاط الجمعية ونفوذها بما يلي‪:‬‬ ‫سارت الجمعية الوطنية‪ 98‬بثبات على نهج المبادئ الوطنية المتطرفة التي برزت من خالل النقد‬ ‫المتزايد الصريح المناوئ للبريطانيين‪".‬‬

‫‪99‬‬

‫إن النفوذ الذي تتمتع به الجمعية قد عد على وجه العموم أكبر بكثير مما يمكن أن يستنتج من‬ ‫عدد األعضاء الذين تم قيدهم‪ ،‬وباعتبارها الجماعة السياسية الوحيدة المنظمة والمنشقة في برقة‪،‬‬

‫فإن القول باستطاعتها الركون إلى تأييد واسع النطاق في كل البالد حول قضايا محددة ومعينة‬ ‫يمكن اعتباره قوال صحيحا‪.‬‬

‫‪100‬‬

‫حل‬ ‫ويتناول دي كاندول في مذكرته قرار المعتمد المقيم بإيقاف صدور جريدة "الوطن" واعالن األمير َّ‬ ‫األحزاب السياسية‪ ،‬في مواجهة مفتوحة مع جمعية عمر المختار على الطريق لإلجهاز عليها كتنظيم‬ ‫سياسي منظم‪:‬‬

‫‪97‬‬ ‫‪98‬‬ ‫‪99‬‬ ‫‪100‬‬

‫المغيربي‪ ،‬سبق ذكره‪ ،‬ص ‪299-286‬‬ ‫جمعية عمر المختار بعد تخليها عن اسم شيخ الشهداء‪.‬‬ ‫المغيربي‪ ،‬سبق ذكره‪ ،‬مذكرة المقيم البريطاني دي كندول‪ ،‬ص ‪.290‬‬ ‫المرجع السابق‪ ،‬ص ‪.292‬‬

‫‪56‬‬


‫في شهر سبتمبر نشرت جريدة ’الوطن‘ تعليقا تهكميا على بالغ ورد بجريدة اإلدارة العسكرية‬ ‫البريطانية (برقة الجديدة) إلى الحد الذي جعل األمير يأمر بأن ليس ألي شخص أن يخوض في‬

‫النشاط السياسي عدا أعضاء الجمعية البرقاوية الرسمية التي سميت فيما بعد بالجبهة الوطنية‪...‬‬ ‫وبذات الشهر أقامت الجمعية [المركز العام بنغازي] احتفاال عاما ألقى فيه سكرتيرها كلمة تضمنت‬

‫انتقادات ِ‬ ‫غير مسئولة لإلدارة العسكرية البريطانية‪ .‬ونتيجة لذلك اعتبرت الجمعية متجاهلة لتحذير‬ ‫اإلدارة‪ ،‬وبأمر من المعتمد [المقيم] البريطاني في ‪ 26‬سبتمبر [‪ ]1951‬تم إيقاف صدور جريدة‬

‫حل األحزاب السياسية في برقة ليفسح المجال‬ ‫’الوطن‘ لشهر واحد‪ .‬وفي ‪ 7‬ديسمير أعلن األمير َّ‬ ‫أمام إنشاء المؤتمر الوطني البرقاوي‪ .‬وأظهرت الجمعية قبوال ظاهريا لهذا األمر وطفقت تمارس‬ ‫المعارضة الخفية‪.‬‬

‫‪101‬‬

‫الحقيقية‬ ‫األهداف‬ ‫ِ‬ ‫كان لشكوك جمعية عمر المختار في األهداف البريطانية ما يؤكدها من واقع األحداث والتصريحات الموثقة‬ ‫والدراسات‪ ،‬مثلما كان لها أسبابها الليبية البحتة‪" .‬من بين الخيارات تحت نظر مجلس وزراء خارجية الدول‬ ‫َّ‬ ‫المفضل لدى بريطانيا هو ما وصفه كاسلز‪ ،‬المسؤول باإلدارة العسكرية البريطانية‪ ،‬بـ‬ ‫الكبرى كان الخيار‬ ‫’الحماية البريطانية على برقة حيث يستطيع [البريطانيون] إدارة مشهد شبيه بشرق األردن بعد الحرب‬ ‫العالمية األولى‘"‪ .102‬وجرى التأكيد على الهدف األساسي للسياسة البريطانية على لسان وزير الخارجية‬ ‫إرنست بيفن حين وجه لموظفيه في يونيو ‪ 1946‬خطابا‪ ،‬مشددا على "ضرورة التمسك بتسهيالت استراتيجية‬ ‫في برقة"‪،‬‬

‫‪103‬‬

‫وقد كان ذلك ذا أهمية كبرى لدى كبار المسؤولين البريطانيين في ظل التوترات التي تشهدها‬

‫العالقات البريطانية المصرية‪ ،‬وتحسبا إلمكان أن تضطر بريطانيا لترك تسهيالتها في مصر‪ ،‬وعندها‬ ‫ستوفر تسهيالتها في برقة البديل المناسب‪.‬‬

‫‪101‬‬ ‫‪102‬‬

‫‪104‬‬

‫المغيربي‪ ،‬المرجع السابق ذكره‪ ،‬ص ‪.288‬‬ ‫مذكرات جرفاس كاسلز‪ ،Gervase P. Cassels‬السكرتير السياسي باإلدارة العسكرية البريطانية في برقة‪ ،‬ريتشارد سينج‪ ،‬العملية إدريس ‪:‬‬

‫داخل اإلدارة البريطانية لبرقة وليبيا ‪ ،1952-1942‬ص ‪.3‬‬ ‫‪Richard Synge, Operation Idris: Inside The British Adminstration of Cyrenaica And Libya 1942-1952, Silphium‬‬ ‫‪Press, 2015, Kindle Version Location 2941, p. 3.‬‬ ‫‪Synge, Operation Idris, Location 2485.‬‬ ‫‪Synge, Operation Idris, Location 2735.‬‬

‫‪57‬‬

‫‪103‬‬ ‫‪104‬‬


‫وكان دنكن ِ‬ ‫كمنج‪ ،‬سكرتير اإلدارة البريطانية‪ ،‬يلح في توصياته التي كان قد طرحها أول مرة سنة ‪،1945‬‬ ‫على إضفاء لقب األمير على السيد إدريس وتكريمه رسميا لخدماته في المجهود الحربي‪ ،‬مضيفا أنه يجب‬ ‫أيضا إبالغه أن بريطانيا ستستمر في الضغط باتجاه تسوية تؤدي إلى استقالل برقة شريطة وعد منه بمنح‬ ‫التسهيالت التي تحتاجها‪.‬‬

‫‪105‬‬

‫قبول بريطانيا بمبدأ استقالل ليبيا‬ ‫قبلت بريطانيا في نهاية المطاف‪ ،‬وان على مضض‪ ،‬حتمية استقالل عموم ليبيا‪ ،‬ذلك أنه أصبح الخيار‬ ‫الوحيد الذي يمكن أن تتفق عليه جميع األطراف‪ .‬ولم يكن ذلك خيار بريطانيا المفضل‪ ،‬إذ أن فيه ستتوسع‬ ‫ساحة االهتمام إلى أبعد من برقة م ِ‬ ‫حضرة معها‪ ،‬من وجهة النظر البريطانية‪ ،‬تعقيدات الوضع الطرابلسي‪.‬‬ ‫وقد كتب وزير الخارجية إرنست بيفن في شهر يوليو ‪ 1949‬بهذا الخصوص‪" :‬إننا مقبلون على خالصة‬ ‫مفادها أن الحل بالنسبة لليبيا يجب أن يكون االستقالل‪ "،‬ذلك ما يذكره المؤرخ ل ِوي الذي يرى أن تلك كانت‬ ‫واحدة من أكثر اللحظات حسما في الطريق إلى والدة الدولة الليبية‪.‬‬

‫‪106‬‬

‫وبالرغم من ذلك نجد أنتوني إيدن‬

‫يكتب أنه‪ ،‬شخصيا‪ ،‬كان سيشعر باطمئنان أكبر لو أن الترتيبات [لالستقالل] اقتصرت على برقة‪.‬‬

‫‪107‬‬

‫لقد سادت العالقة بين جمعية عمر المختار والسلطة البريطانية حالة من العداء وانعدام الثقة‪ ،‬وتصاعدت‬ ‫الخالفات بينها وبين السيد إدريس والجبهة الوطنية‪ ،‬ما أدى إلى مواجهة مع السلطة كانت الجمعية في‬ ‫خاتمتها هي الخاسر‪.‬‬

‫‪Richard Synge, Operation Idris, Location 2504.‬‬

‫‪W. R. Louis, Libyan Independence, 1951: ‘The Creation of a Client State’; Decolonization and African In-‬‬

‫‪105‬‬ ‫‪106‬‬

‫‪dependence: The Transfers of Power, 1960-1980, New Haven & London; Richard Synge, Location 3028.‬‬ ‫‪Richard Synge, Operation Idris, Location 3744.‬‬

‫‪58‬‬

‫‪107‬‬


‫الفصل السابع‬ ‫نهاية مشروع واعد‬ ‫أصدر السيد إدريس‪ ،‬كما سبقت اإلشارة‪ ،‬نداء نشر في جريدة برقة الجديدة في عددها بتاريخ ‪ 17‬سبتمبر‬ ‫‪ ،1947‬طالب فيه جمعية عمر المختار أن تتخلى عن العمل السياسي وتركه للجبهة الوطنية البرقاوية‬ ‫وحدها‪ ،‬وجاء ذلك في الوقت الذي كانت الجمعية تستعد لمقابلة لجنة التحقيق الدولية‪.‬‬

‫‪108‬‬

‫وقد ترتبت على‬

‫ذلك النداء اضطرابات وآثار عميقة على نشاطات الجمعية ومسارها حتى تم حلها بقرار من رئيس الوزراء‪،‬‬ ‫محمد الساقزلي‪ ،‬صدر في شهر يوليو ‪.1951‬‬

‫الموقف من نداء األمير بترك العمل السياسي‬ ‫رأى مجلس إدارة مركز درنة أن رفض االمتثال لنداء األمير ال يستقيم مع مبدأ ثابت من مبادئ الجمعية‬ ‫يقضي بالدعوة لتنصيب السيد إدريس السنوسي ملكا على ليبيا‪ ،‬األمر الذي ستكون له عواقبه السلبية على‬ ‫الطريق إلى تحقيق استقالل البالد ووحدتها‪ .‬وكان أمام المركز‪ ،‬من ِوجهة نظر مجلس إدارته‪ ،‬االختيار بين‬ ‫ترك العمل السياسي أو االستم ارر فيه "وسط أجيج التطاحن واالنقسام"‪.‬‬

‫‪109‬‬

‫ولكن المركز العام للجمعية في بنغازي رأى أن قراءة غير دقيقة للحالة السياسية في البالد اكتنفت ظروف‬ ‫صدور النداء‪ .‬والحظ أيضا أن النداء كان قد صدر بتاريخ ‪ 5‬يونيو ‪ ،1947‬وأن صو ار منه تم توزيعها على‬ ‫بعض فروع الجبهة‪ ،‬وأنه كان موضع المناقشة قبل أن ينشر بتاريخ ‪ 17‬سبتمبر‪ .1947‬وكان مثي ار الستغراب‬ ‫الجمعية أن النداء لم ينشر إال بعد مرور ما يقرب من أربعة شهور من صدوره‪ ،‬ومن دون ذكر لتاريخ‬ ‫صدوره أو المصدر الذي تلقت الجريدة النداء عن طريقه‪ .‬لذلك قررت الجمعية التريث في إعالن موقفها‬ ‫لعل مراجعة ما ستؤدي إلى تصحيح أو عدول من األمير عن طلبه أن تترك الجمعية العمل السياسي‪.‬‬

‫‪108‬‬ ‫‪109‬‬

‫الملحق رقم (‪.)2‬‬ ‫المرجع السابق‪.‬‬

‫‪59‬‬


‫التماس إلعادة النظر‬ ‫وفي ضوء مباحثات أجراها مرك از الجمعية بالخصوص قررت الجمعية مخاطبة األمير ملتمسة منه أن يعيد‬ ‫النظر في ندائه لها بترك العمل السياسي‪ ،‬وذلك بالنظر لما اكتنف النداء من مالبسات وما سببه من ارتباك‪،‬‬ ‫وارجاء إعالن موقف الجمعية منه إلى حين ظهور نتائج االتصال‪ .‬وتمت بالفعل مخاطبة األمير في صيغة‬ ‫مذكرة موقعة من المركزين‬ ‫الغرض‪.‬‬

‫‪111‬‬

‫‪110‬‬

‫تم تسليمها لألمير في القاهرة عن طريق مندوب أوفدته الجمعية لهذا‬

‫وقررت الجمعية‪ ،‬من ناحية أخرى‪ ،‬أن يصدر المركز العام ببنغازي بيانا للشعب يوضح فيه‬

‫موقف الجمعية من النداء‪.‬‬

‫اضطرابات في بنغازي ودرنة وايقاف جريدة ’الوطن‘‬ ‫أصدر المركز العام بيان الجمعية بشأن نداء األمير‪ ،‬ونشره على جريدة ’الوطن‘ بتاريخ ‪ 23‬سبتمبر‪،1947‬‬ ‫فأثار حوادث شغب أدت إلى إيقاف الجريدة‬

‫‪112‬‬

‫بحجة أن البيان قد سبب هيجانا يمكن أن يشكل خط ار على‬

‫األمن العام‪.‬‬ ‫وظهرت على جدران مدينة درنة صباح يوم ‪ 20‬سبتمبر‪ 1947‬كتابات تحمل طابع التشهير بالجبهة الوطنية‪،‬‬

‫فسارعت الجمعية بإصدار بيان تنصلت فيه من تلك الكتابات واستنكرتها ِ‬ ‫بأشد العبارات‪ .‬وبعث مركز درنة‬ ‫ورابطة شبابها‪ ،‬باحتجاج حازم وشديد اللهجة إلى الوالي بسبب األمر بإيقاف جريدة ’الوطن‘‪ ،‬وذلك "دفاعا‬ ‫عن حرية الرأي والعقيدة واالجتماع‪".‬‬

‫‪113‬‬

‫وجاء في االحتجاج‪" :‬إن ذلك اإلجراء قد حدث في وقت تشرف فيه‬

‫هذه البالد قريبا على مقابلة لجنة التحقيق الدولية وربما تكون قد أملته سياسة سلبية مرسومة تنطوي على‬ ‫نية سيئة تريد أن تحول بيننا وبين إظهار شعورنا والتعبير عن رغباتنا في جو من الحرية والصراحة‪".‬‬ ‫‪110‬‬ ‫‪111‬‬ ‫‪112‬‬

‫الملحق رقم (‪ ،)8‬رسالة الجمعية إلى األمير المؤرخة في ‪ 19‬سبتمبر ‪ 1947‬ملتمسة إعادة النظر في طلبه منها ترك العمل السياسي‪.‬‬ ‫الملحق رقم (‪.)2‬‬ ‫المعتمد البريطاني المقيم يقر في مذكرته المؤرخة في ‪ 27‬أكتوبر ‪ 1951‬المشار إليها في الفصل السابق بأن قرار إيقاف جريدة "الوطن" كان‬

‫بأمر من المعتمد المقيم‪.‬‬ ‫‪113‬‬ ‫‪114‬‬

‫‪114‬‬

‫الملحق رقم (‪.)2‬‬ ‫المرجع السابق‪.‬‬

‫‪60‬‬


‫وأمام ردة فعل الجمعية وجمهور منتسبيها ومؤيديها‪ ،‬ألغت اإلدارة البريطانية أمرها بإيقاف جريدة الوطن‬ ‫وسمحت باستئناف نشاطها‪ .‬وبذلك عاد الهدوء إلى مدينة بنغازي والطمأنينة إلى النفوس "بعد محاوالت قام‬ ‫بها بعض المفسدين من ذوي األغراض السيئة وبعض من فروع الجبهة البرقاوية تنم عن التهديد والوعيد‬ ‫يجدر بنا أن نسدل عليها ستا ار من التسامح والنسيان"‪.‬‬

‫‪115‬‬

‫األمير يؤكد نداءه‬ ‫ولكن األمير لم يكن ليتراجع عن ندائه أم تترك جمعية عمر المختار العمل السياسي وجاء رده على‬ ‫االلتماس المقدم من الجمعية في برقية من ِ‬ ‫مقر إقامته في مصر أكد فيها نداءه بترك الجمعية للعمل السياسي‬ ‫قائال‪" :‬إن البيان صادر مني وتجب مراعاته لمصلحة القضية الوطنية"‪ ،116‬مما استوجب أن تحدد الجمعية‬ ‫موقفها النهائي منه‪.‬‬

‫مجلس اإلدارة يقترح ترك العمل السياسي‬ ‫جاء موقف مجلس إدارة مركز درنة في مقترح قدمه إلى الجمعية العمومية موصيا باالمتثال لنداء األمير‬ ‫بترك العمل السياسي‪ .‬وقال السكرتير العام في سياق تقديمه مقترح مجلس اإلدارة‪" :‬يجب أن يكون مفهوما‬ ‫أن الوطن ملك للجميع ومن حق الجميع العمل على إسعاده‪ ،‬ونحن إذ نتنازل لغيرنا [الجبهة الوطنية] عن‬ ‫هذا الحق لنضطلع بكل واجب يسند إلينا‪ ،‬إنما نفعل ذلك ألننا ملك للوطن‪ ،‬ومن ِ‬ ‫حق الوطن أن يتصرف‬ ‫في أشخاصنا كيف يشاء‪ ،‬وألننا على أتم االستعداد في كل حين ألخذ نصيبنا من الواجبات الوطنية التي‬ ‫تتفق مع إرادة الضمير واألمة واألمير‪".‬‬

‫‪115‬‬ ‫‪116‬‬ ‫‪117‬‬

‫‪117‬‬

‫المرجع السابق‪.‬‬ ‫المغيربي‪ ،‬المرجع السابق ذكره‪ ،‬ص ‪.36‬‬ ‫الملحق رقم (‪.)2‬‬

‫‪61‬‬


‫وختم السكرتير العام للجمعية سرده لما أحاط بموضوع نداء األمير من مالبسات‪ ،‬وما تاله من مشاورات‬ ‫مع المركز العام واتصاالت باألمير‪ ،‬بأن ت ــق َّـدم إلى الجمعية العمومية بمقترح من ثالثة نقاط طالبا مناقشتها‬ ‫والتصويت عليها‪ ،‬وهي‪:‬‬

‫‪118‬‬

‫أوال‪ :‬أن تعود الجمعية إلى سيرتها األولى وذلك بإلغاء القسم السياسي الذي أنشئ [بموافقة‬ ‫الجمعية العمومية] واقتصار العمل على النواحي الثقافية والخيرية والرياضية‪.‬‬

‫ثانيا‪ :‬اعتبار الجتهة الوطنية البرقاوية غير ممثلة آلرائنا السياسية ما دامت ال تنادي وال تعمل‬ ‫في صراحة لوحدة ليبيا بدون أي تجزئة‪ ،‬الستقالل ليبيا‪ ،‬لتنصيب حضرة صاحب السمو‬ ‫األمير المعظم السيد محمد إدريس السنوسي ملكا على ليبيا‪ ،‬واالنضمام إلى جامعة الدول‬ ‫العربية كدولة مستقلة ذات سيادة‪.‬‬

‫ثالثا‪ :‬الموافقة التامة المطلقة على ما قام به مجلس إدارتكم المنتخب من األعمال السياسية‬ ‫والثقافية والرياضية والمالية التي سردتها عليكم في هذا التقرير‪.‬‬

‫الجمعية العمومية ترفض‬ ‫كانت مناقشة الجمعية العمومية للنقطة األولى من اقتراح مجلس اإلدارة والقاضية بأن تترك جمعية عمر‬ ‫المختار العمل السياسي مناقشة حامية اشتد فيها الجدل بين المؤيدين للنزول عند إرادة األمير‪ ،‬بناء على‬ ‫االعتبارات التي بينها السكرتير العام في تقريره‪ ،‬وبين فريق رأى أن تو ِ‬ ‫اصل الجمعية ممارسة دورها النضالي‬ ‫السياسي وأال تترك ميدان العمل الوطني للجبهة الوطنية البرقاوية منفردة‪ .‬وقد تزعم التيار الرافض‪ ،‬طبقا‬ ‫لحديث لي مع السيد عبد هللا سكته‪ ،‬السيد عبد الحميد المبروك بن حليم الذي نجح في إقناع أغلبية أعضاء‬ ‫الجمعية العمومية بوجهة النظر الرافضة تلك‪ ،‬فكان أن صدر قرار الجمعية العمومية برفض مقترح مجلس‬ ‫اإلدارة باالمتثال لنداء األمير أن تترك الجمعية العمل السياسي‪ .‬ويقول السيد عبد هللا سكته إن التأجيج‬ ‫العاطفي كان السبب وراء نتيجة التصويت بالرفض‪ .‬وبالرغم من مضي بضعة عقود على تلك المواجهة‬ ‫بين المؤيدين لترك العمل السياسي وبين الرافضين له‪ ،‬لم ي ْخ ِ‬ ‫ف السيد عبد هللا سكته في أحاديثي معه أسفه‬

‫الشديد وشعوره بالم اررة لقرار الجمعية العمومية رفض االمتثال لنداء األمير‪ ،‬وانتقاده الشديد لموقف الرافضين‪.‬‬

‫‪118‬‬

‫المرجع السابق‪.‬‬

‫‪62‬‬


‫أدى رفض الجمعية العمومية مقترح مجلس اإلدارة بترك العمل السياسي إلى تقديم رئيس المجلس استقالته‬ ‫ألنه لم يكن من المنطقي‪ ،‬يقول السيد عبد هللا سكته‪ ،‬أن يستمر المجلس في أداء مهامه وفق سياسات يراها‬ ‫غير صائبة‪.‬‬ ‫قوبلت استقالة إبراهيم أسطى عمر ومجلس اإلدارة برفض عام من أعضاء الجمعية العمومية‪ ،‬ولم يترشح‬ ‫أحد النتخاب مجلس إدارة جديد‪.‬‬

‫خالفات بشأن ترك العمل السياسي‬ ‫وصف بيان مجلس اإلدارة الموجه إلى منتسبي الجمعية بتاريخ ‪ 5‬نوفمبر ‪ 1947‬وبتوقيع رئيسها إبراهيم‬ ‫أسطى عمر رفض الجمعية العمومية االقتراح بترك العمل السياسي بأنه كان "صدمة كبيرة غير منتظرة"‪.‬‬ ‫وأعلن مجلس اإلدارة في ذات البيان أنه‪" :‬ال يستطيع تنفيذ قرار الجمعية الخاص باالستمرار في السياسة‬ ‫ألنه متأكد من أن نداء األمير صادر من األمير (وتجب مراعاته) وأن تنفيذ ذلك القرار يتنافى مع أهداف‬ ‫هذه المؤسسة المنصوص عليها في قانونها األساسي‪ .‬وأعلن المجلس أنه في حالة إصرار الجمعية العمومية‬ ‫على االستمرار في النشاط السياسي فإن باب الترشح لتشكيل مجلس إدارة جديد مفتوح حتى ‪ 30‬نوفمبر‬ ‫‪ ،1947‬على أنه إذا ما مضت مهلة الترشح دون تقدم العدد المطلوب فإن المجلس يعتبر ق ارراته‪ ،‬المتضمنة‬ ‫ترك العمل السياسي‪ ،‬سارية ومقبولة لمدة الثالث سنوات القانونية المتبقية للمجلس‪.‬‬ ‫واصل مجلس اإلدارة تسيير أعمال الجمعية مركز درنة حتى انعقاد الجمعية العمومية فوق العادة في ‪7‬‬

‫نوفمبر ‪ ،1948‬حيث أعرب عن تمسكه بالتخلي عن العمل السياسي‪ ،‬األمر الذي عكسه قرار المجلس رقم‬ ‫‪ 16‬بتاريخ ‪ 4‬نوفمبر ‪ 1947‬بالتخلي عن ممارسة النشاط السياسي‪ ،‬والغاء القسم السياسي‪ ،‬وحل اللجنة‬ ‫السياسية بناء على ذلك واعتبا ار من ‪ 5‬نوفمبر ‪ .1947‬وأصدر مجلس اإلدارة بيانا في ‪ 5‬نوفمبر ‪،1947‬‬ ‫مؤكدا فيه ما يلي‪:119‬‬ ‫أوال‪ :‬التخلي عن السياسة واقتصار النشاط على النواحي الرياضية والثقافية والخيرية تلبية لنداء‬ ‫األمير‪.‬‬

‫‪119‬‬

‫"بيان إلى جميع المنتسبين " صدر بتاريخ ‪ 24‬ابريل ‪.1948‬‬

‫‪63‬‬


‫ثانيا‪ :‬اعتبار كل هيئة ال تمثل الجمعية في آرائها السياسية ما دامت ال تنادي وال تعمل لوحدة‬

‫ليبيا بدون أي تجزئة‪ ،‬والستقالل ليبيا التام‪ ،‬وتنصيب حضرة صاحب السمو األمير المعظم السيد‬ ‫محمد إدريس السنوسي ملكا على ليبيا والتضمام ليبيا إلى جامعة الدول العربية كدولة مستقلة ذات‬ ‫سيادة‪.‬‬

‫وأعاد المجلس تأكيد تمسكه بهذا القرار في بيانه الموجه إلى منتسبي الجمعية بتاريخ ‪ 24‬أبريل ‪.1948‬‬ ‫ونجد في أوراق السيد عبد هللا سكته إشارة شفافة لقرار مجلس اإلدارة االستجابة للنداء األميري بالتخلي عن‬ ‫العمل السياسي وما ترتب عليه‪ ،‬فيقول إنه كان من نتائج تلك االستجابة أن استمرت الجمعية في درنة في‬ ‫ممارسة اختصاصاتها مستثنية منها العمل السياسي ومن دون أن تتعرض للحل‪ ،‬ودون أن تتخلى عن‬ ‫أهدافها الوطنية‪.‬‬ ‫وهكذا كان المجلس في تسييره ألعمال الجمعية مركز درنة خالل تلك الفترة ـ ـ من ‪ 31‬أكتوبر ‪ 1947‬إلى ‪7‬‬

‫نوفمبر ‪ 1948‬ـ ـ ملتزما بـ ’حرفية‘ مقترحه باالمتثال لنداء األمير بترك العمل السياسي رغم قرار الجمعية‬ ‫العمومية برفضه‪ .‬وقد فسر السكرتير العام ذلك الموقف في تقريره للجمعية العمومية‬

‫‪120‬‬

‫بقوله مخاطبا‬

‫أعضاء الجمعية العمومية‪" :‬اعتقادا من [مجلس اإلدارة] بأن قراركم المشار إليه قد صدر من أغلبيتكم عن‬ ‫حسن نية وهي ليست متأكدة من أن نداء األمير صادر من األمير وأن عدم امتثاله هو خروج على إرادته‬ ‫السامية وأن هذا الخروج هو ِمعول هدام في كيان الوطن واألمة التي أجمعت على أن يتولى سموه أمورها‬ ‫ليقودها متضامنة متحدة إلى آمالها القومية والوطنية‪".‬‬

‫‪121‬‬

‫وهو تفسير ال يخفي عمق الخالف بين مجلس‬

‫اإلدارة والجمعية العمومية في ركن أساسي من أركان عمل الجمعية ووجودها على ساحة العمل الوطني‪.‬‬ ‫وانتهى الحال‪ ،‬نتيجة رفض الجمعية العمومية استقالة مجلس اإلدارة‪ ،‬إلى استمرار مجلس إدارة مركز درنة‬ ‫في ممارسة مهامه طبقا لموقفه القاضي بترك العمل السياسي‪ ،‬بينما لم يعلن المركز العام ببنغازي عن‬ ‫ِ‬ ‫افتتاحياتها السياسية‪.‬‬ ‫تخليه عن العمل السياسي‪ ،‬كما واصلت ’الوطن‘‪ ،‬لسان حال الجمعية‪،‬‬

‫‪ 120‬الملحق رقم (‪.)3‬‬ ‫‪ 121‬المرجع السابق‪.‬‬ ‫‪ 122‬المغيربي‪ ،‬سبق ذكره‪ ،‬ص ‪.36‬‬

‫‪64‬‬

‫‪122‬‬


‫لجنة التحقيق الدولية‬ ‫كان ينظر إلى الزيارة المرتقبة ل ـ ’لجنة التحقيق الدولية‘ للبالد‪ ،‬والمؤلفة من الواليات المتحدة األمريكية‬ ‫واالتحاد السوفييتي وبريطانيا وفرنسا‪ ،‬كحدث بالغ األهمية في مسار القضية الوطنية الليبية‪ .‬وقد جرى‬ ‫اإلعداد لتلك الزيارة رغم األزمة الكبيرة التي ترتبت على نداء األمير للجمعية بأن تترك العمل السياسي‪.‬‬ ‫وقد اكتسبت مقابلة مركز درنة مع لجنة التحقبق الدولية ِ‬ ‫ورده على استفساراتها أهمية خاصة نظ ار لعدم‬ ‫تمكن المركز العام من ِ‬ ‫الرد بسبب حالة التوتر السائدة في مدينة بنغازي في تلك الفترة‪.‬‬

‫‪123‬‬

‫ومن الملفت‬

‫المصر على االمتثال ألمر التخلي عن العمل السياسي هو الذي واصل اإلعداد لهذا‬ ‫أن مجلس اإلدارة‬ ‫َّ‬ ‫العمل السياسي بامتياز‪ ،‬دفاعا عن أهداف الجمعية وفي مقدمتها استقالل ووحدة البالد بأقاليمها الثالثة‬ ‫تحت قيادة السيد إدريس السنوسي‪.‬‬ ‫حضرت اللجنة الدولية إلى درنة يوم ‪ 7‬مايو ‪ ،1948‬حيث عقدت اجتماعا مع وفد الجمعية في مكتب‬ ‫المتصرف البريطاني‪ ،‬وقامت بجولة في المدينة واستمعت إلى آراء مجلسها البلدي‪ .‬قابل وفد الجمعية لجنة‬ ‫التحقيق يوم ‪ 8‬مايو ‪ ،1948‬حيث سلمها مذكرة ضافية تناولت قانون الجمعية ونظمها الداخلية وأهدافها وقدم‬ ‫الردود على األسئلة التي سبق أن تلقتها الجمعية من اللجنة المذكورة قبل قدومها إلى درنة‪.‬‬

‫‪124‬‬

‫ت أرس الوفد‬

‫رئيس الجمعية إبراهيم أسطى عمر وتشكلت عضويته من السادة عبد الرازق شقلوف‪ ،‬عبد الكريم لياس‪،‬‬ ‫مفتاح بوغ اررة‪ ،‬عبده إسماعيل‪ ،‬عبد الجواد عمير‪ ،‬وعبد هللا سكته عضوا وسكرتي ار‪.‬‬

‫‪125‬‬

‫وكان جهد جمعية عمر المختار مركز درنة في اإلعداد الستقبال لجنة التحقيق الدولية جهدا كبي ار تمثل في‬ ‫بلورة مواقف الجمعية من مختلف المسائل المتوقع طرحها مع اللجنة‪ ،‬وتوثيق الوضع القانوني للجمعية‪،‬‬ ‫والقيام بحملة توعوية واسعة بين السكان تهيئة الستقبال اللجنة شعبيا بالشكل الالئق‪.‬‬

‫‪123‬‬ ‫‪124‬‬

‫‪125‬‬

‫المرجع السابق‪ ،‬ص ‪.66‬‬ ‫من مذكرات عبد هللا سكته بشأن أحداث متفرقة‪.‬‬ ‫انظر الملحق رقم (‪ ،)9‬مذكرة الجمعية التي سبق اإلشارة إليها‪.‬‬ ‫من مذكرات عبد هللا سكته‪ ،‬التي سبقت اإلشارة إليها‪.‬‬

‫‪65‬‬


‫تداعيات نداء األمير‬ ‫أدى تعاطي جمعية عمر المختار مركز درنة مع نداء األمير بأن تترك الجمعية العمل السياسي إلى إحداث‬ ‫شرخ خطير يصعب تجاوزه‪ .‬وجاء ذلك في ظل توتر واستقطاب حادين طبعا المشهد السياسي البرقاوي‬ ‫وقتها‪ ،‬وبالتوازي مع موقف المركز العام للجمعية الرافض هو أيضا لنداء األمير‪.‬‬ ‫وظهرت نتيجة لتلك الخالفات موجة من االستقاالت شملت عددا من قادة الجمعية‪ ،‬هم عبد الكريم لياس‪،‬‬ ‫مبارك الجيباني‪ ،‬عقيلة بلعون‪ ،‬ومحمد السعداوية‪،‬‬

‫‪126‬‬

‫ومن ثم استقالة السيد عبد الرازق شقلوف في ‪25‬‬

‫سبتمبر ‪ 1948‬من الرئاسة الفخرية للجمعية ورئاسة رابطة الشباب وعضوية مجلس اإلدارة‪ ،‬وأخي ار وليس‬ ‫آخ ار استقالة رئيس الجمعية وزعيمها إبراهيم أسطى عمر‪.‬‬

‫استقالة مجلس اإلدارة‬ ‫قدم مجلس اإلدارة استقالته في جلسة للجمعية للعمومية طارئة انعقدت بتاريخ ‪ 7‬نوفمبر ‪ .1948‬بين سكرتير‬ ‫عام الجمعية أسباب استقالة المجلس بكل صراحة وشفافية‪ ،‬موضحا أن مجلس اإلدارة قد واجهته المصاعب‬

‫واعتراه النقسام بعدما كان عليه من قوة وتماسك‪ ،‬مشي ار بالخصوص إلى استقالة عدد من األعضاء المنتخبين‬

‫في اجتماع الجمعية العمومية في شهر مايو ‪ ،1947‬والقائمين بمهام قيادية في إدارة الجمعية‪ ،‬األمر الذي‬ ‫يتطلب إجراء انتخابات الختيار آخرين من أعضاء الجمعية يحلون محلهم‪ .‬وأضاف السكرتير العام سببا‬

‫آخر الستقالة المجلس وصفه بـ "تقصير الكثيرين من أعضاء اإلدارة وأقسامها في أداء واجباتهم‪".‬‬

‫‪127‬‬

‫إال‬

‫أن استقالة إبراهيم أسطى عمر كانت بال شك في مقدمة تلك األسباب جميعا‪ .‬يقول سكرتير عام الجمعية‬ ‫بالخصوص‪:‬‬ ‫وقد زاد فيما يعانيه هذا المجلس من أزمة إدارية أن حضرة رئيسه األستاذ إبراهيم أسطى عمر قد‬

‫بعث إليه أخي ار بخطاب استقالة من الرئاسة ومن عضوية هذا المجلس كذلك‪ ،‬وذلك ألسباب قال‬

‫حضرته إنها نفسية استوجبت عليه شيئا من العزلة ال تتفق ومسئولياته اإلدارية‪.‬‬

‫‪126‬‬

‫تم إبدال المستقيلين بالمترشحين معهم في انتخابات المجلس الذين يلونهم في عدد األصوات وهم ‪:‬أبوبكر ساسي وعبد الواحد الدالل ومنصور‬

‫الطشاني وعبده إسماعيل‪( .‬الملحق رقم ‪.)3‬‬ ‫‪127‬‬

‫الملحق رقم (‪.)3‬‬

‫‪66‬‬


‫لما تقدم لم يجد هذا المجلس بدا من دعوة جمعيتكم العمومية وتقديم استقالته لكم بجميع أعضائه‬ ‫مدفوعا بدوافع الحرص على وجوب تدعيم مصلحة هذه الجمعية وصيانتها من التفكك واالنعدام‬

‫حر كسالف عهدكم تتوفر فيه العناصر القادرة‬ ‫في ظل مجلس جديد تنتخبونه انتخابا ديموقراطيا ا‬ ‫على تحمل المسئوليات والنهوض بهذه المؤسسة إلى تلك اآلمال واألهداف التي قطعنا في سبيلها‬

‫شوطا طويال‪.‬‬ ‫وحيث أن المجلس يرى أن االعتراف بالعجز لقصد إثارة العزائم الجديدة للعمل الجديد هو واجب‬

‫ينطوي على الشرف واالعتزاز‪ ،‬فإنه مع ذلك يرى من أصدق واجباته أن يترك شرف المسؤولية‬ ‫ينتقل ألعضاء مجلس جديد حتى يتذوق لذة العمل الوطني الخالص فيكتسب خبرة في تصريفه‬

‫إن كان راكدا وفي تقويمه إن كان معوجا وفي إتمامه إن كان ناقصا وفي تحسينه إن كان حسنا‬

‫فلم يعدمه من سبب يجعله قائما يضطلع بواجب هو حق يجب أن ينال منه كل وطني حر يغار‬ ‫على وطنه عمال بروح التعاون واإلخاء‪.‬‬

‫‪128‬‬

‫انتخاب مجلس جديد‬ ‫ذلك بعض ما ورد في استقالة مجلس اإلدارة المقدمة إلى الجمعية العمومية‪ .‬وانتخبت الجمعية العمومية‬ ‫في اجتماعها المنعقد في اليوم التالي بتاريخ ‪ 8‬نوفمبر ‪ ،1948‬مجلس إدارة جديد ت أرسه بالوكالة فرج‬ ‫القهواجي‪ ،‬وانتخب عبد الحميد المبروك بن حليم سكرتي ار عاما له‪" .‬وقرر مجلس اإلدارة االحتفاظ بمركز‬ ‫الرئيس شاغ ار اعترافا بفضل الرئيس السابق األستاذ إبراهيم أسطى عمر وقربه إلى قلوب الوطنيين الذين‬ ‫يكنون له كل االحترام‪ .‬كما قرر مجلس اإلدارة باإلجماع انتخاب السيد الحاج عبد الحفيظ بوغ اررة رئيسا‬ ‫فخريا اعترافا بسابق خدماته لهذه المؤسسة‪".‬‬

‫‪129‬‬

‫حل جمعية عمر المختار‬ ‫ِ‬

‫‪ 128‬المرجع السابق‪.‬‬ ‫‪ 129‬جريدة برقة الجديدة من دون تاريخ‪ ،‬المفتي‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.227‬‬

‫‪67‬‬


‫وجه األمير رسالة إلى رئيس جمعية عمر المختار المركز العام بتاريخ ‪ 12‬ديسمبر ‪ ،1947‬جاء فيها‪" :‬بناء‬ ‫على ما اتضح لنا من خالف جمعية عمر المختار التي ترأسونها لمنشورنا الذي نهيناها فيه عن السياسة‬ ‫وحل الجبهة ورابطة الشباب‬ ‫وتركها للجبهة التي تمثل الشعب من جميع القبائل‪ ...‬واني اآلن أعلن حلها َّ‬ ‫حرصا على وحدة األمة‪".‬‬

‫‪130‬‬

‫صدر بناء على ذلك بيان عن سكرتير عام الجمعية المركز العام أعلن فيه‬

‫حل المركز العام للجمعية بناء على أمر األمير اعتبا ار من ‪ 12‬ديسمبر ‪ ،1947‬مشي ار إلى وعد األمير‬ ‫بتشكيل هيئة وطنية واحدة جامعة‪ .‬وتم بالفعل تشكيل الهيئة الموعودة بعد حل الجمعية والجبهة والرابطة‬ ‫تحت اسم ’المؤتمر الوطني العام‘ بتاريخ ‪ 10‬يناير ‪ ،1948‬وانتخب في ‪ 14‬فبراير ‪ 1948‬السيد رضا‬ ‫السنوسي رئيسا له‪ .‬وأصدر المؤتمر الوطني في ‪ 14‬فبراير ‪ 1948‬بيانا أعلن فيه مبادئه‪ ،‬وخالصتها‪:‬‬ ‫‪-‬‬

‫التأكيد على إمارة السيد إدريس السنوسي ووجوب انحصارها في البيت السنوسي‪.‬‬

‫‪-‬‬

‫وجوب التمسك بوحدة ليبيا نظ ار لشدة ضرورتها الحيوية‪.‬‬

‫‪-‬‬

‫تصميم الشعب على إعالن استقالله‪.‬‬

‫وقد كان تضمين ’التمسك بوحدة ليبيا‘ واحدا من مبادئ المؤتمر الوطني مكسبا وطنيا يحسب لموقف‬ ‫جمعية عمر المختار الثابت من قضية وحدة البالد ونضالها الصلب في سبيلها‪.‬‬ ‫وسمح األمير بعد ذلك بعودة المركز العام للجمعية (بنغازي) بنشاطاته الرياضية والثقافية واالجتماعية‪،131‬‬ ‫واجتمعت الجمعية العمومية للمركز العام في ‪ 28‬فبراير ‪ 1948‬معيدة انتخاب مجلس إدارتها السابق‪ .‬ويقول‬ ‫السيد سكته في اوراقه أن‪" :‬عودة جمعية عمر المختار المركز العام إلى وجودها األصلي قد قوبل في درنة‬ ‫بعظيم البهجة والسرور لما تمثل في قرار األمير بعودتها من مشاعر التقدير لهذه المؤسسة الوطنية التي‬ ‫أتت من األعمال واتخذت من المواقف المشرفة واآلراء الشجاعة ما سوف يبقى لها مذكو ار ومؤث ار في تاريخ‬ ‫ليبيا الحديث‪ ".‬ويمضي السيد عبد هللا سكته فيقول‪" :‬إن ما قامت به جمعية درنة إن هو إال جزء متمم وال‬ ‫يتج أز مما أنجزه المركز العام للجمعية في بنغازي‪ ،‬حيث أن مجهودات الطرفين وانجازاتهما يتمم بعضها‬ ‫البعض ويصبان في وعاء واحد‪ ،‬لما هما عليه من وحدة األهداف واآلمال الوطنية واذا كان هناك من‬ ‫اختالف فذلك ينحصر في وسائل العمل وأساليبه كل حسب اجتهاده وظروفه وفقا لنص المادة التاسعة من‬

‫‪130‬‬ ‫‪131‬‬

‫النص الكامل للرسالة‪ ،‬المغيربي‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.50‬‬ ‫المغيربي‪ ،‬ص ‪.56‬‬

‫‪68‬‬


‫قانون الجمعية الذي ترك حرية األخذ باللوائح واإلجراءات الداخلية للوصول إلى األهداف بعيدا عن‬ ‫البيروقراطية أو الروتين المعقد أو المعيب‪".‬‬

‫الفصل األخير‬ ‫تشبثت الجمعية بوحدة البالد هدفا رئيسيا مالزما لهدف االستقالل‪ ،‬وعارضت كل ما من شأنه عرقلة‬ ‫تحقيقها‪ .‬وعندما جاء إعالن استقالل برقة في يونيو ‪ 1949‬غير منسجم مع هذا الهدف لم تتردد الجمعية‬

‫في انتقاد هذا اإلعالن فنظمت المظاهر ِ‬ ‫ات ووجهت مذكرة لألمير بالخصوص تؤكد فيها على ضروة العمل‬ ‫على وحدة البالد‪ .‬تال تلك االحتجاجات أن اتخذ السيد إدريس إجراءات قمعية استهدفت نشاطات الجمعية‪،‬‬ ‫وفي يناير ‪ 1950‬أجبرت الجمعية‪ ،‬عمال بقانون الجمعيات‪ ،‬على أن تتخلى عن اسم عمر المختار‪ ،‬فغيرت‬ ‫اسمها إلى ’الجمعية الوطنية‘‬

‫‪132‬‬

‫مو ِ‬ ‫اصلة انتقاداتها ومعارضتها للنفوذ البريطاني وتعبيرها عن العداء تجاهه‪.‬‬

‫كانت نشاطات الجمعية مثار قلق لدى حكومة برقة واإلدارة البريطانية‪ ،‬لم تخفْفه مظاهر تأييد الجمعية‬ ‫لشخص األمير ووالئها له‪ .‬وتصاعد القمع في مواجهة الجمعية وصوال إلى إصدار رئيس وزراء برقة‪ ،‬محمد‬ ‫الساقزلي‪ ،‬ق ار ار بحلها بتاريخ ‪ 13‬يوليو ‪ .1951‬وبعد حل الجمعية صودرت مؤسساتها وأقفلت نواديها‬ ‫الرياضية والثقافية‪ِ ،‬‬ ‫وعطلت جريدة ’الوطن‘ لسان حالها‪ .‬وحكم على رئيسها األستاذ مصطفى بن عامر‬ ‫بالسجن‪ .‬وأعلن حظر على ممارسة موظفي الدولة العمل السياسي‪ .‬واستمر في العمل السياسي عدد من‬ ‫رجال الجمعية يقودهم األستاذ مصطفى بن عامر ولكن بصفتهم أفرادا في المجتمع ال أعضاء في‬ ‫الجمعية‪.‬‬

‫‪133‬‬

‫وبهذا أسدل الستار على تجربة رائدة لتنظيم حر مارس المعارضة السياسية المسؤولة في إطار القانون‬ ‫َّ‬ ‫ويشتد عودها لتصبح ركنا‬ ‫وتحت مظلة الوالء للسلطة الشرعية القائمة‪ .‬ولم يسمح لتلك التجربة أن تتطور‬ ‫من أركان نظام ديموقراطي تعددي يكفل حرية التعبير واالنتظام في مؤسسات مدنية حرة تمارس دورها وفق‬ ‫القانون وتحت حمايته في الدولة الوليدة‪.‬‬

‫‪133‬‬

‫‪Anna Baldinetti, The Origins of the Libyan Nation, Routledge, P126.‬‬ ‫المغيربي‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.370‬‬

‫‪69‬‬

‫‪132‬‬


‫خاتمة‬ ‫تأسست جمعية عمر المختار في القاهرة في يناير ‪ ،1941‬كناد لليبيين في مهجرهم المصري‪ ،‬وانتقلت إلى‬ ‫الوطن‪ ،‬كما رأينا‪ ،‬بعد هزيمة إيطاليا في الحرب العالمية الثانية وخروجها من ليبيا‪ ،‬حيث تم تأسيس ’جمعية‬ ‫عمر المختار الثقافية الرياضية‘ في مدينة بنغازي في أبريل ‪ ،1943‬وفي مدينة درنة في يونيو ‪ .1943‬وما‬ ‫لبثت الجمعية أن انخرطت في العمل السياسي‪.‬‬ ‫وكان للعمل الوطني لدى جمعية عمر المختار ـ ـ بمركزْيها في بنغازي ودرنة ـ ـ مفهوم واسع تجاوز السياسة‬ ‫والسلطة منطلِقا إلى ميادين التعليم والثقافة والمسرح والكشاف والرياضة والعمل الخيري على التوازي مع‬ ‫النضال السياسي من أجل استقالل البالد ووحدتها‪.‬‬ ‫وكان العمل السياسي المحور الغالب على المشهد في فترة تحول مفتوحة على احتماالت استقالل البالد‬ ‫ووحدتها‪ ،‬أو الوصاية األممية والتقسيم بتبعيات تختلف من إقليم إلى آخر‪ .‬ولعبت جمعية عمر المختار في‬ ‫ذلك التحول دو ار محوريا وسط أطماع وتنافس بين الدول الكبرى‪ ،‬وفي ساحة وطنية تعدد أطرافها واختلفت‬ ‫أولوياتهم ورؤاهم ومناهجهم وان اتفقوا على االستقالل هدفا‪ .‬وكان السيد إدريس السنوسي الشخصية الجامعة‬ ‫المتَّفق على زعامتها وقيادتها للدولة المأمولة‪ .‬هكذا كان األمر في برقة‪ ،‬أما في طرابلس فقد كانت زعامة‬ ‫السيد إدريس محل رفض من الكثيرين وأبعد ما تكون عن القبول العام‪.‬‬ ‫تأسست الحبهة الوطنية البرقاوية بمباركة السيد إدريس‪ ،‬فكانت اإلطار التنظيمي للتيار التقليدي المحافظ‪،‬‬ ‫فيما مثلت جمعية عمر المختار تيار الشباب ونخبة المثقفين ذوي االنتماء العروبي الداعي للوحدة والمناهض‬ ‫لالستعمار والنفوذ األجنبي‪ .‬ومن هذا المنطلق كان عداء الجمعية تجاه بريطانيا والسلطة العسكرية البريطانية‬ ‫أم ار طبيعيا‪ ،‬ذلك رغم أن هزيمة إيطاليا ورحيلها عن ليبيا قد جاء على يد القوات البريطانية‪ ،‬وان رافقته‬ ‫مساهمة ليبية في شكل القوة الليبية البريطانية (الجيش السنوسي)‪ .‬نظر السيد إدريس إلى التحالف مع‬ ‫بريطانيا ومساعدتها في الحرب طريقا لتحقيق استقالل برقة‪ ،‬في حين كانت أهداف بريطانيا منصبة على‬ ‫بسط النفوذ وا ِ‬ ‫نشاء تسهيالت عسكرية تحمي ظهر تواجدها شرقي البحر المتوسط تكون بديال لتواجدها في‬ ‫اع اعتراف دولي بوضع برقة تحت الوصاية البريطانية‪.‬‬ ‫مصر الذي كان استم ارره فيها موضع شك‪ ،‬وانتز ِ‬ ‫ولم يكن الموقف من مصير طرابلس وفزان لدى بريطانيا أكثر من ورقتي تفاوض مع الدول الكبرى تحقيقا‬ ‫ألهدافها في برقة‪.‬‬ ‫‪70‬‬


‫كان موقف جمعية عمر المختار المتمسك بتالزم وحدة البالد واستقاللها موقفا مبدئيا ثابتا‪ ،‬وكذلك كان‬ ‫موقفها الرافض لكل أشكال التواجد أو الهيمنة البريطانية على الدولة الجديدة‪ .‬وتطورت األحداث في ظل‬ ‫تدهور عالقة الجمعية مع السيد إدريس والجبهة الوطنية والسلطة البريطانية على نحو أدى إلى صدام‬ ‫مباشر بصدور نداء األمير إلى الجمعية في سبتمير ‪ 1949‬بالتخلي عن العمل السياسي‪ ،‬وما نتج عن ذلك‬ ‫ِ‬ ‫اختالف السبل بينه وبين المركز العام‪.‬‬ ‫من انشقاق داخل مركز درنة و‬ ‫حدث االنشقاق داخل مركز درنة حين صوتت الجمعية العمومية ضد وجهة نظر مجلس اإلدارة باالمتثال‬ ‫لنداء األمير رافضة في الوقت نفسه استقالة مجلس اإلدارة برئاسة إبراهيم أسطى عمر‪ .‬وعندما فشلت‬ ‫الجمعية العمومية في انتخاب مجلس إدارة بديل‪ ،‬واصل مجلس اإلدارة تصريف أعماله معلنا امتثاله لنداء‬ ‫األمير رغم رفض الجمعية العمومية له‪ ،‬وذلك حتى نوفمير ‪ 1948‬حين انتخبت الجمعية العمومية مجلس‬ ‫إدارة جديد ترأسه فرج القهواجي بالوكالة وتولى فيه عبد الحميد المبروك بن حليم مهام السكرتير العام‪.134‬‬ ‫لقد ترك الصدام بين جمعية عمر المختار وبين األمير إدريس السنوسي والسلطة العسكرية البريطانية قبيل‬ ‫االستقالل‪ ،‬أثره على تماسك الجمعية وأدائها‪ ،‬فقد أجبرت الجمعية على التنازل عن اسمها التاريخي‪ ،‬وأغلقت‬ ‫جريدة "الوطن" الناطقة باسمها‪ ،‬وضيق الخناق على زعمائها‪ .‬استقال قسم من نشطاء الجمعية ولوحق عدد‬ ‫من زعمائها في بنغازي ودرنة بالسجن والنفي واالعتداء‪ .‬سجن زعيم الجمعية األستاذ مصطفي بن عامر‬ ‫في يناير ‪ 1952‬منعا له من خوض أول انتخابات برلمانية في دولة االستقالل في يناير ‪ .1952‬وفي درنة‬ ‫ألقي القبض على فرج القهواجي ومفتاح بوغ اررة وعبد الحميد المبروك بن حليم الذي نفي إلى واحة مرادة‬ ‫في يولية ‪ .1351952‬لقد انحلت الجمعية على فترة من الزمن‪ ،‬وتم حلها رسميا واالستيالء على موجودات‬ ‫مركزها العام في بنغازي في يوليه ‪.1361951‬‬

‫‪134‬‬ ‫‪135‬‬

‫جريدة برقة الجديدة‪ ،‬المفتي‪ ،‬المصدر السابق ذكره‪ ،‬ص ‪.227‬‬

‫بالنظر إلى ما ساد الحقبة التالية النقالب ‪ 1969‬والحقبة التالية له حتى وقتنا هذا‪ ،‬تجب اإلشارة هنا والتأكيد‪ ،‬على إن انتهاكات القانون في‬

‫العهد الملكي لم تنحدر أبداً إلى انتهاكات لكرامة اإلنسان في بدنه أو نفسه‪ .‬تشهد على ذلك معاملة عبد الحميد بن حليم في منفاه في مراده‪ .‬يروي‬ ‫عبد الحميد بن حليم كيف أن آمر السجن كان يستضيف سجناءه في بيته نهاية كل أسبوع؛ حيث يعد لهم الغداء ويمكنهم من االستحمام في‬

‫منزله‪ .‬تكونت عالقة ود واحترام وثيقة بين الرجلين‪ .‬وكان آمر السجن‪ ،‬كما يروي عمر عبد الحميد بن حليم‪ ،‬يزور سجينه السابق في بيته على‬

‫الغداء كلما قدم إلى طرابلس بعد ذلك بسنوات ‪.‬‬ ‫‪136‬‬

‫المغيربي‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.5‬‬

‫‪71‬‬


‫مارست جمعية عمر المختار نشاطاتها على قواعد متينة من التنظيم واإلدارة والديمقراطية داخلها ما يظهر‬ ‫بوضوح في قانونها األساسي ولوائحها الداخلية وتقارير إدارتها إلى جمعيتها العمومية‪ .‬واعتمدت‪ ،‬وبعض‬ ‫من أحزاب طرابلس‪ ،‬مبادئ الديموقراطية منهاجا لعملها‪.‬‬

‫‪137‬‬

‫إن العمل في مجال السياسة ال يمكن أبدا أن يكون قاص ار على تحقيق أهداف وطنية مرحلية بعينها‪ ،‬تنتهي‬ ‫الحاجة إليه متى تحققت تلك األهداف‪ .‬لذلك ال يصح القول بأن جمعية عمر المختار وغيرها من األحزاب‬ ‫قد فقدت بتحقيق االستقالل سبب وجودها‪.‬‬

‫‪138‬‬

‫لقد كانت جمعية عمر المختار ملتزمة بمنهاج يقوم على‬

‫مبادئ وطنية ثابتة وعلى المناظرة واقامة الحجة واحترام اآلخر وما تحمله صناديق االقتراع‪ ،‬مع احترام‬ ‫القانون والوالء للسلطة الشرعية القائمة رغم ما تعرضت له من عراقيل وزعماؤها من مالحقة‪ .‬والتزمت‬

‫ِ‬ ‫المنظمة لس ْي ِر أعمالها‪.‬‬ ‫الجمعية‪ ،‬من جهة أخرى‪ ،‬بديمقراطية الممارسة داخلها في إطار قانونها واللوائح‬ ‫وكانت مرحلة بناء الدولة الوليدة َّ‬ ‫أشد ما تكون حاجة لبناء أطر الممارسة الديمقراطية والعمل السياسي‬ ‫المعارض والمشاركة الشعبية في قضايا الشأن العام وفق ضوابط قانونية ِ‬ ‫منظمة؛ غير أن السلطة في دولة‬ ‫االستقالل كان لها رأي آخر‪.‬‬ ‫كانت زعامة السيد إدريس السنوسي محل إجماع في الشرق الليبي وعامال جامعا في ختام المطاف بين‬ ‫أقاليم البالد الثالثة‪ .‬وقد يرى البعض أن نمط قيادته األبوي التقليدي كان النمط األنسب في تلك المرحلة‪.‬‬ ‫وقد حصن الملك إدريس مكانته وسلطته بأن ابتعد عن المشهد العام وعن تجاذبات المصالح‪ ،‬زاهدا في‬ ‫متاع الدنيا‪ ،‬مقيما في داره المتواضعة في طبرق‪ ،‬ما جعل تدخله ـ ـ متى لزم ـ ـ حاسما وكلمته الكلمة األخيرة‪.‬‬ ‫ولكن األحوال تتغير والغايات ووسائل التعبير تتطور وسنة التغير باقية‪ .‬لم يواكب النظام المتغير ِ‬ ‫ات الناشئة‬

‫بالدرجة األولى عن االنتشار الواسع للتعليم بعد االستقالل‪ ،‬وتطلعات الشباب لمشاركة أكبر في إدارة الشأن‬ ‫العام بالرأي الحر والتعبير الحر‪ .‬كانت الضغوط في اتجاه التغيير ناتجة عن تفاعل عوامل عدة من بينها‬ ‫عالقات الملك بجناحي البيت السنوسي وأفراده‪ ،‬وتجاذبات أطراف الحكم الفاعلة‪ ،‬والشكوك فيما يمكن أن‬ ‫يؤول إليه حال البالد في غياب السيد إدريس‪.‬‬ ‫وقد كان الملك إدريس مدركا لمواطن الخلل والمخاطر المحتملة المحيطة به‪ .‬جاءت أولى محاوالت مواجهة‬ ‫تلك المخاطر المحتملة في مذكرة أعدها رئيس الوزراء مصطفى بن حليم سنة ‪ 1954‬بإجراء تعديل في نظام‬ ‫‪137‬‬ ‫‪138‬‬

‫خدوري‪ ،‬المصدر السابق ذكره‪ ،‬ص ‪206.‬‬ ‫المصدر السابق‪ ،‬ص ‪207.‬‬

‫‪72‬‬


‫الحكم عن طريق التحول إلى نظام جمهوري رئاسي يكون فيه السيد إدريس السنوسي رئيسا مدى الحياة‪.‬‬ ‫نوقش االقتراح في عدة اجتماعات حضرها أدريان بلت المبعوث األممي السابق إلى ليبيا‪ .‬وتم رفض‬ ‫االقتراح نتيجة معلرضة أدريان بلت وشيوخ القبائل‪.‬‬

‫‪139‬‬

‫وجاءت المحاولة الثانية سنة ‪ 1965‬حين طلب‬

‫الملك تكليف أدريان بلت بدراسة الموضوع‪ .‬وجاء رأي بلت هذه المرة في بديلين‪ ،‬األول يقضي بأن يكون‬ ‫نظام الحكم ملكيا ديموقراطيا يحد من سلطات الملك ويجعلها في يد البرلمان بشكل رئيسي‪ ،‬ويقضي الثاني‬ ‫بالتحول إلى نظام جمهوري ديموقراطي‪.‬‬

‫‪140‬‬

‫إال أن التعديل بأي شكل لم يتجاوز دائرة دراسة أدريان بلت‬

‫وظهور شائعات حوله ومن ثم طواه النسيان‪.‬‬ ‫لقد عجز النظام في العهد الملكي عن التطور باتجاه إحداث مشاركة أوسع في الحكم بعيدا عن نظام أبوي‬ ‫الكلمة العليا فيه كانت لألمير‪ ،‬ومن ثم الملك‪ ،‬محمد إدريس السنوسي‪ .‬وكان النظام أعجز من أن يقاوم‬ ‫ِ‬ ‫جميعها‪ ،‬والرفض الشعبي الواسع داخل ليبيا لوجود القواعد‬ ‫رياح التيار القومي العاصفة بالمنطقة العربية‬ ‫األجنبية على األرض الليبية‪.‬‬ ‫وجاءت مع تدفق اإليرادات النفطية بدايات انزالق نحو فساد ذي أبعاد جديدة لم تعرفها البالد من قبل‪.‬‬ ‫وعندما خرجت مجموعة من صغار الضباط وضباط الصف لالستيالء على البالد في ظالم ليل األول من‬ ‫سبتمبر ‪ ،1969‬لم تجد المملكة دفاعا مستحقا عن سلطة الملك وسيادة الدستور وسالمة الدولة ومستقبل‬ ‫أجيالها‪ ،‬ووقعت فريسة أوها ِم ضباط صغار أزيح معظمهم عن المشهد بسرعة ليخلو الميدان لحاكم فرد‬ ‫استبد بالحكم ألربعة عقود‪ .‬تبددت مكاسب الجهاد وبناء الدولة‪ ،‬وسقطت البالد في هوة سحيقة‪.‬‬ ‫ومن المفارقة أن نجد التيار القومي العربي ومناهضة العالقة البريطانية التي تطورت إلى إقامة القواعد‬ ‫ذين كانا سببين رئيسيين في الخالف بين جمعية عمر‬ ‫البريطانية واألمريكية بعد االستقالل مياشرة‪ ،‬والل ْ‬

‫المختار والسيد إدريس السنوسي‪ ،‬ومن بعد بصفته ملكا للملكة الليبية المتحدة‪ ،‬والذي انتهى بحل الجمعية‪،‬‬ ‫كانا حاضرْين بدرجة هامة في نهاية العهد الملكي نفسه‪.‬‬

‫‪Anna Baldinetti, The Origins of the Libyan Nation, Routledge, P. 145.‬‬ ‫‪140‬‬

‫‪139‬‬

‫وقد سمعت من السيد غيد الحميد بن حليم‪ ،‬مدير مكتب رئيس الوزراء حينذاك‪ ،‬ما يؤكد إعداد هذه المذكرة‪.‬‬ ‫بشير السني المنتصر‪ ،‬مذكرات شاهد على العهد الملكي الليبي‪ ،‬الطبعة الثانية ‪ ،2012‬دار الفسيفساء للطباعة والنشر والتوزيع‪ ،‬ص ‪227.‬‬

‫‪73‬‬


‫وهنا يبرز التساؤل حول مدى إمكانية نجاح انقالب ‪ 1969‬والسهولة التي تم بها لو كانت هناك تنظيمات‬ ‫سياسية حرة‪ ،‬عاملة وفاعلة‪ ،‬في ميادين السياسة والشأن العام‪ ،‬بل ما إذا كانت محاولة مثل ذلك االنقالب‬ ‫ممكنة أساسا‪.‬‬ ‫لو قدر لقيادة البالد رعاية تلك التجربة الفريدة بدال من وأدها‪ ،‬ولو قِدر لها أن تشرع لتعددية سياسية يضبطها‬ ‫القانون‪ ،‬لتغير مسار دولة االستقالل وتقلصت احتماالت نجاح االنقالبات وصعود جماعات بقوة السالح‬ ‫تستولي على مقدرات البالد وتعبث بأمن المواطنين ومستقبلهم‪.‬‬ ‫ِ"تْلك أ َّمة ق ْد خل ْت"‪،‬‬

‫‪141‬‬

‫لها ما كسبت ولنا ما كسبنا‪ .‬ندعو في الختام لرجال تلك الحقبة من تاريخ البالد‬

‫ونسائها‪ ،‬في أي جانب من جوانب التدافع لخير الوطن كانوا‪ ،‬أن يجزيهم هللا عنا خير الجزاء‪ .‬نعم المولى‬

‫ونعم البصير‪ ،‬والحمد هلل رب العالمين‪,‬‬

‫‪ 141‬سورة البقرة‪ ،‬اآلية ‪.133‬‬

‫‪74‬‬


‫المراجع‬ .‫ دار الفاتح للطباعة والنشر درنة‬،‫ ديوان إبراهيم األسطى عمر‬،‫ عبد الباسط سليمان الدالل‬o

‫ طموح للمعارضة الديمقراطية في‬،1951-1941‫ جمعية عمر المختار‬،‫ محمد محمد المفتي‬o .2012 ،‫الطبعة األولى‬،‫ و ازرة الثقافة والمجتمع المدني‬،‫مجتمع تقليدي‬ ،‫ الطبعة األولى‬،9210408 ‫ رقم اإليداع‬،‫المختار‬

‫ وثائق جمعية عمر‬،‫ محمد بشير المغيربي‬o .1993

‫ دار الفسيفساء‬،‫ الطبعة الثانية‬،‫ مذكرات شاهد على العهد الملكي الليبي‬،‫ بشير السني المنتصر‬o .2012 ،‫ الطبعة الثانية‬،‫للطباعة والنشر والتوزيع‬ o

Baldinetti, Anna, The origins of the Libyan Nation, Colonial legacy, exile and the

emergence of a new nation-state, Routledge Studies in Middle Eastern History, 2010. o

Khadduri, Majid, Modern Libya, A Study in Political Development, The John Hopkins Press Baltimore, 1963.

o

Pelt, Adrian, Libyan Independence, A Case of Planned Decolonization, Published for The Carnegie Endowment for International Peace, New Haven and London, Yale University Press, 1970.

o

Pretelli, Matteo, Education in the Italian Colonies during the Interwar Period, Routledge, Taylor & Francis Group, Modern Italy, Vol. 16, No. 3, August 2011.

o

Synge, Richard, Operation Idris, Inside the British Administration of Cyrenaica and

Libya, 1942-1952, Silphium Press, 2015. o

Nations Encyclopedia, http://www.nationsencyclopedia.com.

o

UNESCO, World Illiteracy at Mid-Century, A Statistical study.

o

United States Census Bureau, International Data Base.

75


Turn static files into dynamic content formats.

Create a flipbook
Issuu converts static files into: digital portfolios, online yearbooks, online catalogs, digital photo albums and more. Sign up and create your flipbook.