إهداء إلى روح والدي وولدي (رحمهما اهلل)
1
ذات األصابع الست ليلى ذات الخمس سنوات ،شعلة من الذكاء ،كثيرة األسئلة التي يقف الكبار في حيرة أمامها ،وولدت ليلى وفي كفها األيمن ستة أصابع وتستغرب عندما ترى أخيها سعد الذي يصغرها بسنة واحدة له خمسة أصابع في كفه األيمن وبنت عمها هند في كفها خمسة أصابع.
سألت أمها :يا أمي لماذا في كفي أصبع ا زئد؟ فقالت أمها :ألنك بنت ذكية ومميزة؟ فقال ليلى :إذا ً أنت يا أمي وأبي وأخي لستم مميزون وال أذكياء. ابتسمت األم ولم تستطع اإلجابة وغيرت الموضوع وأعطت ليلى حبة حلوى ،وذهبت إلى المطبخ لتجهز الغداء. وكانت ليلى تالعب أخيها سعد الذي ال يهدي من الحركة يمينا ً وشماالً ويضرب أخته وكانت سهو عنه وهي تفكر بكفها وأصبعها ال ا زئد ،وإذا بإصبع أخيها سعد يستقر بين حد الباب و ا زويته وفي يده األخرى دفع الباب وصرخ صرخة وبعدها أغمي عليه. كان الباب الحديدي سببا ً في بتر أصبع سعد. فقالت ليلى :اآلن عرفت لماذا خلق هللا لي أصبع سادس؟
فقالت األم لماذا؟ فقالت ليلى :ألن أخي سعد أصبح له أربع أصابع ،وسأعطيه أصبعي، فنكون جميعا ً متساويين كصديقتي هند وأنت وأبي وجميع الناس.
1
العلم أولا سالم طالب يدرس في المرحلة المتوسطة وكان ال يحب المدرسة وأحد األسباب معلما ً لم يحسن التعامل مع سالم في موقف غير تربوي مما سبب له كرها ً للمدرسة والذهاب إليها. حاول والده أن يحببه بالمدرسة ولكن سالم قال لوالده :اقتربت نهاية هذه السنة وأستلم شهادتي وبعدها لن أدرس. كان سالم مهمالً في تنفيذ واجبات المواد التي يدرسها وأيضا ً يأتي إلى
المدرسة متأخ ا ًر ،وينام في الحصص. وجاء يوم الحسم وإذا بشهادته دوائر حم ا رء ولم ينجح إال بالتربية البدنية والفنية فقط. وعندما أ رى والده شهادته أسود وجهه ،وقال :يا سالم قررت أن تترك المدرسة وأعلمك التجارة معي يمكن أن تفلح فيها .ففرح سالم ب أ ري والده. وقال لن أصحو للذهاب إلى المدرسة ،وأتخلص من الد ا رسة ومشاكلها.. وبدأ سالم يساعد والده في تجارة مواد البناء من أسمنت وحديد ،وبعد فترة
تعلم التجارة بشكل جيد ،وأصبح الذ ا رع األيمن لوالده ،وصار يتذوق طعم األرباح. قال لوالده :ما أ ريك يا والدي أن نتوسع في تجارتنا ونفتح فرع آخر ،أكون مشرفا ً عليه ،وأنت تبقى في المحل الرئيسي.
2
فاستحسن والده الفكرة ،وأصبح لهم فرع آخر ،وتطورت تجارتهم وازدادت الفروع إلى أن وصلت إلى خمسة فروع ،وأصبح سالم من رجال األعمال. ولكن جاء اليوم الذي جعله يأكل أصابعه ندماً ،عندما بدأ الترشيح لرئاسة الغرفة التجارية ،وكان الشرط األول أن يحمل الشهادة الجامعية ،وكان ذلك دافعا ً له إلكمال د ا رسته ليالً.. فقال لوالده :فعالً يا أبي العلم هو الركيزة األساسية لبناء المجتمع.. انتهت،،،
أمة وسطا ا كان يعمل في وظيفة محترمة ،ويجمع من رواتبه مبلغا ً كي يسافر إلى دول شرق آسيا ليشبع رغباته ونزواته وكان منحرفا ً إلى أقصى نقطة في خط الحياة.. لم يتزوج بالرغم من بلوغه سن يتجاوز الخمس والثالثون.. ال ينفك والده وشقيقه سعد عن النصيحة له بالزواج واالستقرار.. وذات يوم وهو عائد من دولة متقدمة علميا ً متخلفة أخالقياً ،وجد تجمعا ً
للسيا ا رت أمام منزلهم واستغرب هذا التجمع ،فدخل المنزل مسرعا ً وكان المنزل يعج باألقارب والجي ا رن وتوجه مسرعا ً إلى والده وقبل أ رسه.... والدي ...أمي فيها شيء! حضه والده ولم يتمالك نفسه فبكى ....عظم هللا أجرك!
3
شقيقك سعد توفي قبل أسب وع في حادث سيارة على الطريق السريع.. فبكى ...وبكى ...وبكى! ذهب واغتسل وصلى جماعة صالة العشاء ،وكانت صالة العشاء والفجر ثقيلة عليه وكان مقص ا ًر في إقامة شعائر هللا.
وصار يصلي جميع الصلوات في المسجد ،وتغير إلى األفضل وأصبح ملتزما ً وطلب من والده بعد فترة أن يبحث عن بنت الحالل من أجل إكمال نصف دينه.. وصار يحضر المحاض ا رت الدينية ،وبعد سنة صار ي ا رفق بعضا ً من المتشددين في الدين ،ولكن لم يقتنع بأفكارهم ،وأخذ يبحث عن الشيوخ الوسطيين ووجد الشيخ حامد.. جلس الشيخ معه وأقنعه بأننا أمة وسطا ً وإن الدين يسر وليس عسر،
واإلسالم دين التسامح ،وال يجوز الخروج على والة األمر وال ترويع اآلمنين. اقتنع بكالم الشيخ ،وأصبح من الوسطيين المتسامحين الذين يحبون الخير للجميع ومن المنافحين عن الدين والوطن.. وصار يلقي محاض ا رت في حب الوطن والمحافظة على منج ا زته ،وعن سبب هدايته وهو وفاة شقيقه سعد. الموت هو عبرة وعظة للجميع ،كل من عليها فان. انتهت،،،
4
العودة الى الوطن بدأت خيوط الشمس الذهبية تدخل من نافذة غرفة سالم الطينية؛ التي تحتضن سالم وأحالمه ..فتح عينيه وفركهما وخرج مسرعا ً حتى ال ت ا ره زوجة أبيه التي ما فتئت عن ضربه منذ طفولته األولى ووفاة والدته. سار هائما ً على وجهه يلتمس اتجاها ً يهديه إلى هللا ،فكان قدره إلى جنوب حائل ،تارة يسير وتارة يهرول وكان يرى من مسافة رجالً يركب ا رحلة ويقود أخرى ،وصار يركض مسرعا ً وكأنه في سباق مع الزمن ،وعندما اقترب من
الرجل صاح بأعلى صوته :أيها الرجل ...أيها الرجل ..يا عم. التفت الرجل خلفه وإذا بسالم ينكب على وجهه من التعب وشدة العطش، فنزل الرجل عن ا رحلته وأعطى سالم قربة الماء ،وشرب سالم وبعد أن است ا رح.. أنا سالم يا عم من حائل وأريد الذهاب معك يا عم إلى أي مكان تقصده وإنني أبحث عن عمل.. فقال الرجل :أنا في طريقي إلى بريدة..
فقال سالم :أنا معك إن شاء هللا. فصار الرجل يحدث نفسه صبيا ً في مقتبل العمر ال يتجاوز الثامنة عشر يترك أهله؟ ويسير في الصح ا رء وال يملك ا رحلة وال ا زد ،ولكن يجوز الظروف هي التي جبرته ،فرفع صوته يحيي سالم ويرحب به وسا ا ر معا ً بعد
5
أن ركب سالم ال ا رحلة األخرى ،وصار الرجل ينشد بعض القصائد التي يحفظها ويرد عليه سالم ،واألرض تطوى ،ووصل الرجل إلى منزله الطيني في مدينة بريدة ،ونام سالم بدون أن يهتز له مفصل من اإلرهاق وطول الطريق ،وفي صبيحة اليوم الثاني قال سالم للرجل :أريد يا عم أن أعمل معك وأساعدك في تجارتك. قال الرجل :على الرحب والسعة ،ولكن ستعمل عند صديقي حمود ألن تجارته أوسع ويحتاج إلى صبي يساعده.
وعمل سالم عند حمود ،وبعد فترة تجهز سالم والتاجر حمود مع مجموعة من تجار القصيم يسمون العقيالت للذهاب في تجارة إلى بالد الشام ومصر ،وفلسطين ،ورحلتهم تكون على ظهور اإلبل قبل ظهور السيا ا رت في الجزيرة العربية ،وساروا في رحلتهم التجارية وكانت أول محطة لهم األردن ،وبعد أسبوع من مكوثهم في األردن أ ا رد التاجر حمود أن يكمل رحلته التجارية غلى مصر عن طريق فلسطين ،فأشار على سالم أن يجهز نفسه ..فقال سالم :أريد منك يا عم حمود أن تسمح لي فسأبحث عن عمل
وأستقر هنا ،فأذن له حمود وتمنى له التوفيق. التحق سالم في الجيش العربي وتزوج وأنجب بنينا ً وبنات وتدرج في الرتب ووصل إلى رتبة عميد وتقاعد من الجيش ،وبعد مضي أربعين عاما ً ..عاد 6
سالم إلى وطنه األم ومسقط أ رسه ووطن آبائه وأجداده ،وعندما تم اللقاء األول مع أخوته ،سألهم عن زوجة أبيه.. فقالوا :إنها توفيت وقبل وفاتها ،قالت :إذا كتب هللا لكم أن تلتقوا بأخيكم سالم ،وكنت متوفية ،فأطلبوا منه أن يسامحني ألنني قد جنيت عليه في صغره ،وأنا السبب في هروبه من المنزل من قسوتي عليه ،وأذكركم بأن أبوكم قد سامحه قبل وفاته ،وكم كان مشتاقا ً لرؤيته ولكن القدر سبق.. فقال سالم :هللا يسامحها ويسامح الجميع.
انتهت،،،
الحب في زمن اإلنفلونزا كانت القرية تعيش في سعادة بأهلها وتكافلهم االجتماعي فيما بينهم، وتقارب منازلهم الطينية من بعضها أدى إلى الحميمية بينهم وكأنهم أسرة واحدة وكانوا كالجسد الواحد بما فيهم طبيب المركز الصحي والممرضة ومعلمي المدرسة شكلوا نسيجا ً متماسكا ً.. أحمد رغم كونه مدرسا ً جديدا ً في القرية فقد كسب محبة القرية كلها ألن
نسائم الحب انتشر عبقها في أف ا رد القرية الطيبة. نامت القرية وخيم الظالم والهدوء عليها كأنه كان الهدوء الذي يسبق العاصفة ،بدأ األمر بسيطا ً في صباح ذلك اليوم ،أخذت القرية تتكلم عن إصابة أحد أبناءها بمرض غامض وقد ساءت حالته بسرعة غريبة ،حتى
7
بدأت احتماالت وفاته وارادة.. لكن األمر بدأ يتفاقم تدريجيا ً ألن شخصا ً آخر انتقلت إليه العدوى رويدا ً رويدا ً انتشر هذا المرض في القرية كانتشار النار في الهشيم.. أطلقوا عليه اسم )انفلون ا ز الطيور( ،وصل الخبر إلى و ا زرة الصحة فقامت بإرسال طاقم طبي وسيا ا رت اسعاف لنقل المصابين إلى مستشفيات المدينة المجهزة ،وجاء األمر بإغالق المدرسة إلى إشعار آخر ،وأعلنت الطوارئ في القرية الصغيرة التي هاجت وماجت خوفا ً مما يمكن أن يصيبها.
أغلقت المدرسة أبوابها ،فكان أحمد مضط ا ًر لمغادرة البلدة عائدا ً إلى مدينته، لكن الوقت كان متأخ ا ًر ،فاضطر إلى المبيت ..استيقظ في منتصف الليل وجسمه يهتز تحت لهيب ح ا ررة مفرطة ،واستغرب أحمد لذلك ،ثم توجس خيفة أن يكون المرض قد انتقل إليه ،فأسرع إلى المركز الصحي. كان ال بد أن تكون الممرضة قد وصلها صدى نبضه المتسارع نظرت إليه مبتسمة ،ثم سجلت مالحظاتها في ملف قدمته للطبيب الذي أسرع بمناولته دواء وطلب منه أن يأخذ قد ا ًر كافيا ً من ال ا رحة.
آ رها تغاد ره كحلم ،بزيها األبيض اندست بين حشود المرضى الذين تكدسوا جماعات في أروقة المستشفى. عاد أحمد إلى غرفته تقوده خطاه ،أما الفكر فقد غاب هناك حيث هي متألقة بجمال وبهاء وجهها. 8
تحسنت حالته الجسدية كما تحسنت حالته النفسية ،انشرح قلبه وهو يهيم باحثا ً عن مالمح وجه سلك مداخل قلبه واستقر ،أدرك أنه أحبها ألول وهلة حبا ً حقيقيا ً صادقاً ،لم يكون يؤمن بالحب من أول نظرة ،لكنه اآلن أدرك أنه يمكن ذلك. جعله هذا الشعور سعيداً ،وجعله يقرر إلغاء فكرة عودته إلى بلدته ألنه ال يمكن أن يبتعد عن من سكنت قلبه واستقرت فيه. بدا له الليل طويالً ،بدا يعد الساعات منتظر طلوع النهار ،كانت الرغبة
تغريه باإلس ا رع إليها ليفصح لها عن ما أحسه اتجاهها. وبدأت الشمس تغزل خيوط الضياء ،حينها ركض إلى المركز يرقص فرحا ً ألنه سيرى حبيبته.. توجه إلى غرفة اإلسعافات األولية فلم يجدها ،ووقف ينتظرها وهو يحبس أنفاسه وإذا بها تدخل ومعها إبر وعلب من الشاش الطبي قد أحضرته من مستودع األدوية ،اضط ربت لرؤيته فسقطت من يدها علبة إبر ،أسرع لمساعدتها في نفس اللحظة التي نزلت لتلتقطها ،تصادق نزولهما معا ً
والتقت نظ ا رتهما مرة أخرى ،لم يشعر إال ولسانه يسبقه ببوحه لها بحبه، نظرت إليه نظرة خجولة وابتسامة تنم عن رضى وسعادة ،أدرك أحمد أن سهام الوجد وثقت محبة قلبيهما معا ً.. لم يشكر الطبيب ألن قلبه وعقله وفكره غاب عن إد ا رك ما يجب عليه فعله 9
أو حتى السبب الذي من أجله ذهب إلى المركز الصحي.. عاد أحمد إلى غرفته سعيدا ً منتشيا ً بلذة هذه الفرحة التي غمرته ،كان الكون أمامه يشع فرحا ً وحبو ا ًر حتى مذياعه القديم شاركه الفرحة بصوت كوكب الشرق وهي تشدو: يا فؤادي ال تسل أين الهوى؟ كان صرحا ً من خيال فهوى استقني واشرب على أطالله واروي عني طالما الدمع روى وهو يستمع إلى األغنية كان يبتهل إلى مواله أن يجعل منها حبيبته على
الدوام آ رها زوجة تستقبله كل مساء ،آ رها أما تحتضن أطفاله نام أحمد وهو يحلم بلباسها األبيض وليلة يأخذها بعيدا ً ...بعيدا ً ليكون أسرة سعيدة. وانجلى الليل بأحالمه وبدأ نور الحقيقة يظهر جليا ً مع صباح من صباحات الخريف وسقوط أو ا رق الشجر ،وغبار كثيف بسبب هبوب عاصفة رملية تصعب معه الرؤية. كيف يعقل أن تقاوم حبيبته مرضا ً لعينا ً وهي تقبل على المرضى دون خوف أو تردد ،ويصرعها هذا الثعبان.
نعم ثعبان شيع حبك يا أحمد إلى مثواه األخير. انتهت،،،
10
بسقوط الحماة كان يقول لها ،حبيبتي ال أستطيع العيش بدونك ،أنت الهواء الذي أتنفسه.. نعم ،لقد تزوجها بعد قصة حب ،وكانت تبادله الحب ودائما ً تقول له :أنني أحبك أكثر. مر ثالثة أشهر على زواجهما وكل شيء في شقتهم الصغيرة ينطق حبا ً وفي ليلة من ليالي الشتاء الباردة كان الزوجان يلفهما حالة الحب الدافئ، وإذا هاتف الشقة يرن...
رفع الزوج السماعة وكانت والدته.... كيف حالك يا ولدي ...وصارت تبكي بحرقة شديدة ،فتأثر من بكاء والدته. ماذا بك يا والدتي؟ زوجة أخوك قد شربت العلقم من يديها ،وتعاملني معاملة سيئة ،وأخي ا ًر طردتني وأخوك ال يحرك ساكناً ،ألنه ضعيف شخصية أمام زوجته الحرباء. ال تهتمي يا والدتي ،وقررت منذ هذه اللحظة أن تعيش عندي ،وزوجتي
متعلمة وتحبني ومن المؤكد ستحب البطن الذي حملني ،وتصبحين على خير وغدا ً لناظره قريب. ي أن أعيش ما تبقى لي من عمر عندك هللا يرضى عليك. ال مانع لد ّ وفي اليوم الثاني ،اشترى غرفة نوم لوالدته وجهز لها غرفة مستقلة .ومنذ
11
وصولها ومعاملة الزوجة لها معاملة حسنة وكأنها والدتها وليست حماتها. بعد مرور شهرين ،بدأت غيرة الحموات تسري في ش ا ريينها ،وتقول ولدي ملكي ولي وحدي فقط ،أن الذي حملت به وربيته وعانيت إلى أن أصبح رجالً. أحست الزوجة بأن حماتها كثيرة الشكوى منها ألن زوجها بدأ يتغير ولم يعد الزوج األول ،وأصاب العالقة بعض الفتور. كانت والدته تتدخل في كل شيء وحتى الخصوصيات الزوجية.
أ ا ردت الزوجة أن تكسر الروتين ورتق الفجوة التي حصلت بينها وبين زوجها ،فطلبت من زوجها الذهاب إلى المنطقة الشرقية حيث البحر والجو ال ا رئع. وافق الزوج وقال :البد من م ا رفقة والدتي لنا في هذه الرحلة. ابتسمت الزوجة ابتسامة صف ا رء ،ولكن نستطيع يا زوجي الحبيب أن نضع والدتك عند ابنتها لمدة يومين ونعود نأخذها ويومين ال تؤثر بالعكس ستغير جو الشقة للجو الفسيح في منزل زوج شقيقتك الواسع والحديقة المنزلية
الجميلة .فقال :حسنا ً ...سوف أكلمها ولها كامل الحرية. والدته لم توافق ...بل قالت :البد من الذهاب معكم ألرى البحر. وصل هو وزوجته ووالدته إلى المنطقة الشرقية وبالتحديد مدينة الخبر الساحلية الجميلة التي تقع على ضفاف الخليج العربي. 12
أ ا رد أن يستأجر شقة واسعة ،ولكن والدته رفضت حتى توفر لولدها المال كما تقول ،فقالت له :خذ شقة صغيرة ولو كانت غرفة واحدة ال بأس سيكون سعرها أقل وال مانع أن ننام جميعنا في غرفة واحدة. فقالت الزوجة والغضب في عينيها :يا حماتي ،نحن لم يمض على زواجنا سنة وتريدين النوم بيني وبين زوجي ،وهللا ...عيب. غضب الزوج ...وكيف تقولين لوالدتي عيب ،هل هي ب أ ريك قليلة حياء؟ خالص قررت العودة إلى الرياض.
أ ا ردت الزوجة أن تردم الفجوة التي حصلت بينها وبين زوجها ولكن اتسعت. وأصبحت والدته تضايق زوجته وتنغص عليها حياتها بالكالم عليها أمام األقارب والجي ا رن. يذهب الزوج إلى عمله ،ويعود متعبا ً فتستقبله والدته... زوجتك نائمة صباحاً ،ولم تعد لي قهوتي وفطوري... زوجتك ال تحترمني ،وتوجه لي األلفاظ النابية. زوجتك ...زوجتك ...زوجتك ....زوجتك...
استمرت الحياة ولكن في توتر مستمر وكادت أن تصل بين الزوجين إلى أبغض الحالل عند هللا سبحانه وتعالى. صبرت الزوجة من أجل الحب الذي يربطها مع زوجها والمولود المنتظر. مرضت والدته فجأة ،ونقلت إلى المستشفى في غيبوبة ،وبعد شهر انتقلت 13
إلى رحمة هللا. وبعد أسبوع من وفاتها ،رزق هللا الزوجين بمولودة جميلة وأطلقت األم عليها اسم صابرة. انتهت،،،
زوجة مع وقت التنفيذ كانت ليلى تجلس في غرفتها المطلة على حديقة المنزل ومن عادتها صباحا ً فتح النافذة والنظر إلى ورود وأشجار الحديقة والعصافير التي
تزقزق فوقها. ترى عصفورين يقتربان من بعضهما فتقول في نفسها :من المؤكد أنهما زوجين. آه ....آه الزمن يمر ولوحة العمر يغزوها اللون األبيض وبنات جيلي قد أصبحن جدات ،ولم يأتني رجالً ولو كان ظل رجل سأقبل. في ليلة من ليالي الشتاء الباردة والجميع فرحون باألمطار التي هطلت وكانت ليلى من أكثر الفرحين وتقول ألمها :أن هذا اليوم جميل ،ومنذ
الصباح وأنا فرحة ،وإذا بوالدها يدخل وبعد السالم ،تقف ليلى احت ا رما ً لوالدها وتقبل أ رسه ،فيبتسم ،يا ليلى لقد تقدم لك رجالً يكبرك بسنتين وأرى فيه صفات الرجل المناسب ،وسيأتي بعد غد وبعد صالة العشاء فما أ ريك؟ طأطأت ا رسها في األرض حياء ،وكاد لسانها يزغرد فرحاً ،وقالت :افعل ما
14
تراه مناسبا ً يا أبي. تزوجت ليلى من صالح ،وساف ا ر إلى دولة سياحية في شرق آسيا ليقضيا شهر العسل ،وقبل النزول في مطار الدولة الشرق آسيوية كادت أن تحدث كارثة في الطائرة لوال لطف هللا سبحانه وتعالى ،وقد أصيب بعض الركاب باإلغماء والهلع الشديد. ليلى لم ت ا زل عذ ا رء ،وأ ا رد خالد أن تكون ليلة العمر في خارج المملكة. في الليلة األولى في الفندق ومن شدة التعب والخوف الذي حصل لهم
بسبب الخلل الذي حدث في الطائرة ذهبت الليلة في النوم وال ا رحة. وفي اليوم الثاني حاول أن يمارس حقه الطبيعي مع زوجته ولكنه لم يقدر وكأنه يشبه زوجته فسيولوجيا ،فأصبحت حياته كأنها جناح غ ا رب. حاولت ليلى أن تقنعه وتبرر له بأن الرعب الذي حدث لهم في الطائرة قد يكون السبب. وهو يفكر ويرسم ابتسامة على شفتيه ويهز أ رسه ...احتمال كبير! انتهى شهر العسل ...وكان بصالً بامتياز للزوجة.
عاد صالح وزوجته مع وقف التنفيذ إلى الرياض ،وقامت بزيارة لمنزل أهلها واستقبلها والدها ووالدتها وتتظاهر أمامهم بالسعادة بالرغم من األلم الذي يعتصرها. مضى على زواجهم ثالثة أشهر وصالح لم يستطع قطف الوردة الحم ا رء. 15
طلبت ليلى من زوجها أن يخلي سبيلها ،غضب وقال :ال سأجد حالً ،وال تفكري في هذا األمر مرة أخرى. بكت ...وصارت تتوسل له بأن يتركها وشأنها .فقال :ال ...اقترح أن نذهب إلى مطعم للعشاء ،ونكسر الروتين هذه الليلة ،وممكن يتبدل أ ريك. فقال :حسنا ً ...أريد أن أتناول العشاء في بيت أهلي ،وأنني اشتقت إلى طبخ أمي .فقال :ال بأس ،ولكن يجب على الزوجة حفظ أس ا رر زوجها. هزت أ رسها ،وصارت تتمتم الزوجة مع وقف التنفيذ!.
كانت المسافة بين منزلها ومنزل أهلها ال تتجاوز خمسة كيلومتر ،وتشعر بأن المسافة وكأنها ألف كيلومتر. دخلت ليلى مسرعة وسلمت على والدها وقبلت أ رسه ،وأسرعت إلى أمها، وبكت ...بكت ووالدتها تبكي بغريزة األمومة وال تعرف ماذا حصل البنتها؟ فقالت األم :يا عزيزتي ،كل مشكلة ولها حل. نعم صحيح ....أنه طيب وحنون وكريم ولكن.......... لم تستطع أن تنطق....
تكلمي يا بنتي ماذا بك؟ هل ضربك صالح؟ صارت ليلى تزيد في البكاء وتصرخ ....ال ...ال أنني ما زلت عذ ا رء. حاولت األم أن تمتص غضبها ،ضحكت ،هذه ليست مشكلة في هذا العصر ،فمثالً والدك لقد تعدى عمره الستين ويستطيع أن يتزوج فتاة في 16
العشرين ،والطب تقدم. وهناك حبة لونها أزرق يأخذها والدك العزيز. وعادت إلى البكاء وقالت :لقد استخدم جميع ألوان الطيف ولم يفلح، فالمشكلة معه خلقية منذ والدته ...وخالص ال أرغب في االفصاح عن المزيد. فقالت األم :من حقك أن تكوني كالنساء ويكون لك أسرة وهذه هي سنة الحياة.
انتهت،،،
فتاة الساعة الخامسة عندما هبطت الطائرة أرض المطار ،أحسست بأن الطقس قد تغير وكأنني في فصل الربيع وليس الصيف الحار في بالدي. ختم جوازي وخرجت من بوابة المطار أحمل حقيبة المالبس ،وإذا بسيا ا رت األجرة تقف في صف منتظم ،وكان من نصيبي أن أركب سيارة يقودها رجل في منتصف العمر.
وتحركت السيارة إلى المدينة ،فقلت للسائق :أريد فندقا ً أو شقة صغيرة. نظر السائق إلى وجهي يتفحص مالمحي فبتبسم وقال :طلبك عند صديقي عصام ،وأتمنى أن ال تكون مسكونة ألننا في عطلة صيفية ويكثر الزوار من الخليج.
17
وهناك ميزة ا رئعة في الشقة وقوعها في آخر الحي االرستق ا رطي ويفصلها عن حي الكادحين الحي الشعبي شارعا ً فقط. ووصلنا الشقة ولم تكن مسكونة ،وكانت في الدور الثاني ولها منور عندما تجلس فيه تكشف الحي الشعبي كامالً ألنه أخفض من الحي االرستق ا رطي الذي يتكون من عما ا رت وبيوت وجد ا رن سميكة وخلف هذه الجد ا رن ال نعلم ماذا يجري ،أما الحي الشعبي فهو مكشوف للجميع بسبب الجد ا رن التي
لعبت فيها عوامل التعرية والصفيح الذي يوجد فيه الكثير من الفتحات والذي يعلوه إطا ا رت قديمة وحجارة حتى ال يطير عندما تهب الرياح. في الحي الشرقي الناس يعرفون بعضهم ويجلسون في المساء أمام منازلهم رجاالً ونساء يتناولون القهوة والشاي عكس الحي الغربي الذي ال ترى إال األشجار شامخة على رصيف المنازل والورود بألوانها الجذابة تمتطي الجد ا رن وتتسلق البنيان. الساعة الجدارية تعلن الساعة السابعة مساء ،والليل يسير قدما ً ...والنجوم
تتألأل في السماء الواسعة والشارع تسوده الحركة ذهابا ً وإيابا ً ومالمح الكادحين تق أ رها من تقاسيم الجسم وتجاعيد الزمن المرسوم على الخدود... أما أصحاب الكروش في الحي االرستق ا رطي فهم ال يأتون إلى الشارع ،فلهم أماكنهم الخاصة. 18
جلست في البلكونة أفكر في هذا العالم الفسيح وبدأ شريط الذكريات يمر من أمامي ويداعب خيالي ومشاعري ،أحيانا ً أكون متفائالً وأقاوم حالة اليأس التي تمر في الشريط ،فالمال وحده ال يجلب السعادة وهذه حقيقة ال يؤمن بها الفق ا رء.... عندما دقت الساعة الثانية عشر ليالً ،حضنت سريري ولم أفتح عيناي إال عندما دقت الساعة العاشرة صباحاً ،فأخذت حماما ً باردا ً حتى أنفض غيار التعب والتفكير في الليلة السابقة.
نزلت من شقتي أبحث عن مطعم قريب ،فوجدت مطعم أبو أحمد لألكالت الشعبية ،وأكثر ما لفت انتباهي في أبو أحمد أنه يعرف في السياسة الشيء الكثير ويملك ثقافة عامة هائلة رغم كبره في السن والتعليم البسيط فهو خريج جامعة الحياة.. أوقفت سيارة أجرة وبدأت أتجول في المدينة واألماكن السياحية واألسواق التراثية الرائعة... في الخامسة تماما ً كنت في البلكونة احتسي القهوة التركية بعد جولة في
المدينة ،وإذا الشارع يتحول إلى خلية نحل فمن الشباب من يرش الشارع بالماء ومنهم من يرتب الك ا رسي ومنهم من يمدد أسالك الكهرباء ،فعرفت أن هناك زواجا ً ألحد أبناء الحي الشعبي ،فكنت في بلكونة الشقة من المدعوين بدون كرت دعوة بحكم الحفلة ستكون أسفل الشقة. 19
وعند الثامنة مساء بدأ الناس يتوافدون على الحفلة وكل يأخذ مكانه وهناك من يصب القهوة العربية ومن يوزع الشاي على المدعوين ،وبدأ الشباب بتشابك األيدي والعازف يتفنن في العزف على آلة النفخ الموسيقية التي تسمى القربة ويأتي بألحان ا رئعة مع أغاني جماعية من الذين يدبكون. انتهت الحفلة الساعة الثانية عشر ليالً ،وفي اليوم الثاني يتكرر المشهد، وفي اليوم الثالث قاموا بزف العريس وهو يتوسط الشباب ويسيرون في الشارع العام وينشدون أناشيد خاصة في زفة العريس.
إنني أحببت المكان جدا ً وكأنني أعيش فيه منذ زمن ،وأصبحت عادة يومية أن أجلس على البلكونة وأحتسي قهوة المساء وتبدأ الجلسة في الخامسة مساء حيث أن الشارع تزدحم به الناس. كنت أنظر إلى الحي الشعبي وإذا بفتاة تجلس مع ام أ رة عرفت فيما بعد أنها أمها على باب منزلهم ،ما شاء هللا نور وجهها كأنها خيطا ً من أشعة الليزر وشعرها كأنه ليل غاب عنه ضوء القمر ،وابتسامة تكشف عن قلب يحمل مآسي الحياة.
وفي السابعة تماما ً تدخل إلى منزلها ،وكل شيء كان طبيعيا ً ولم أحس في شيء. وفي اليوم الثاني في الخامسة تماما ً أ ا رها جالسة هي وأمها على باب المنزل ،فتج أ رت ورفعت فنجان القهوة كتحية لها ففهمت وبادلتني التحية 20
ترافقها ابتسامة اخترقت قلبي وبدون عائق. ومرت األيام سريعاً ،وفي يوم كان من أصعب األيام التي مرت علي في حياتي ،أ ريت أمها وهي تحملها وتضعها على كرسي متحرك ودفعتها ودخلت منزلها ،أحسست بأن الدنيا الواسعة أضيق من بيت النملة. سألت المعلم سميح معلم القهوة فقال :هي فتاة جميلة ما شاء هللا ،وكانت مع والدها عندما انقلب الباص ،وعلى إثره توفي والدها رحمه هللا وهي كما ترى أصابها شلل نصفي في أط ا رفها السفلى ،ودائما ً تجلس أمام منزلهم
في الساعة الخامسة إلى الساعة السابعة ،وثم تدخل المنزل ولها سنة منذ إصابتها وهي على هذا الحال. انتهت،،،
اليتيم العصامي أبو علي رجل في العقد ال ا ربع من عمره ودرس إلى الصف الخامس ابتدائي وترك الد ا رسة وكان يرى األغنام مع والده وكبر أبو علي وتزوج وأ ا رد أن يستقل بحياته فترك البادية وذهب إلى المدينة واشتغل بالتجارة ولكنه خسر
فيها وفضل أن يذهب إلى الوظائف الحكومية فتوظف وظيفة م ا رسل في إحدى الو ا ز ا رت و ا رتبه ال يكاد يغطي إيجار الشقة وكل من يسأله يقول مستورة والحمد هلل وقد رزقه هللا بثالث بنات وولد وسماه علي حيث أن والده يناديه يا )أبو علي( قبل أن يتزوج ويأتيه علي ،ومرت األيام وكبر علي
21
وكان أكبر من أخواته وهنا ا زدت مصاريف العائلة و ا رتب ابو علي يزيد ولكن زيادة طفيفة كل سنة ألنه مستخدم وتحول إلى المرتبة الثانية. المهم أن حياة أبو علي وأسرته تسير على ما يرام ،إلى أن جاء يوم مرض أبو عليمرضا ً شديدا ً وفجأة انتقل أبو علي إلى رحمة هللا ،ومن هنا بدأت المأساة وكان عمر علي أربع عشرة سنة ويدرس في الصف الثاني المتوسط وبعد استالم مستحقات والده من العمل اتضح أن والده مديون فدفع علي وأمه هذه الديون إلى مستحقيها ودفعوا إيجار الشقة لمدة
ستة شهور ولم يبق مصروف يكفي أسرة أبو علي ،وبعد ستة شهور أخرى بدأ صاحب الشقة يطلب إيجارها وبدأت المصاريف تكثر على األسرة ،وقد فكر علي بأن يترك الد ا رسة ويعمل ليساعد أمه وأسرته بالمصاريف وحاولت أمه أن تقنعه بأن يكمل د ا رسته وهي تعمل ،ولكنه رفض وقال :يا والدتي إذا كان لي نصيب في إكمال د ا رستي سأكملها بإذن هللا. وفعالً عمل حارس أمن في أحد المواقع الذي ليس عليه حركة كثيرة وسجل في الصف األول الثانوي في إحدى المدارس الليلية وكان يأخذ كتبه ويذاكر
دروسه في الليل أثناء عمله وبمساعدة من زمالئه استطاع أن يؤمن لقمة العيش ألسرته )أمه وأخواته( ويكمل د ا رسته الليلة وأصبح في الصف الثالث ثانوي وكان يحب المواد العلمية ودخل الثانوية المجال العلمي وعند االختبا ا رت ساعده المسؤول عنه في العمل وأعطاه إجازة مدة االختبا ا رت 22
وكان مجتهدا ً وبعد االختبا ا رت بفترة أعلنت النتائج وكان من ضمن الناجحين بتقدير جيد جدا ً مرتفع يقترب من الممتاز فجاءته بعثة للخارج لد ا رسة الطب ولكن والدته رفضت بسب ابتعاده عنهم خالل الد ا رسة وهن كلهن نساء والبد من وجود رجل بجانبهن فوافق وقدم على الجامعة وقبل في تخصص الهندسة الكهربائية وصار يدرس ويعمل في نفس عمله السابق كحارس أمن إلى أن أكمل د ا رسته وتعين في وظيفة على مرتبة جيدة في القطاع الحكومي وهنا أخواته تزوجن وهو تزوج من إحدى األسر وأحضر
سائقا ً خاصا ً لوالدته وخادمه وترقى في الوظيفة بعد إكماله الماجستير والدكتو ا رة وأصبح الدكتور علي وكيل لوا زرته التي يعمل بها. انتهت،،،
الصندوق األسود ألم تالحظ يا خالد أن المقهى لم يتغير منذ عشر سنوات ،عندما التقيت بك ألول مرة وتم تعارفنا ،فقاطعني خالد :نعم يا أحمد ولكن أنت الذي تغيرت أصبحت من ذوي الوجاهة بكرشك الذي يتدلى أمامك ،فتبسم أحمد إن هللا
يحب أن يرى أثر نعمته على عبده ،ولكن أنت لم تتغير أبد ا ً. وعاد الصمت إلى الطاولة ،وبعد رشفة من القهوة ،بدأ يتحدث أحمد بكبرياء :أتعرف أن هذا المقهى الشعبي لم يعد يتناسب مع وضعي االجتماعي والمالي ،أال ترى الحمامة البيضاء ذات األرجل السوداء التي تقف
23
أمام المقهى .فقال خالد مندهشا ً :حمامة! وأرجل سوداء!. نعم يا صديقي إنها سيارتي ،وأيضا ً شيدت منزالً في الحي الذي يقطنه علية القوم ،وفتح خالد فمه ،وتوسعت حدقة العين مندهشاً ،وأخذ يكرر ويسأل: كيف؟ ومن أين لك هذا؟ وأنا أعرف أنكم غادرتم منزلكم الشعبي ،إلى حي شعبي آخر أقل في المستوى. وقهقه أحمد وقال :إنني جئت إلى هذا المقهى ألستعيد ذكريات السنين الممحلة ،واآلن أصبحت ربيعا ً مزه ا ًر ،فقاطعه خالد :إنني ال أسمعك جيدا ً
بسب أصوات الكادحين نها ا ًر ورواد المقهى ليالً. فقال أحمد :إذا ً البد من الذهاب إلى مكان هادئ ،وكل ما عليك يا صديقي أن تكون بجانبي في حمامتي أقصد سيارتي ،وسأخذك إلى مكان جميل وهادئ. وكان المقهى هادئاً ،وذو ألوان جذابة ،واألضواء خافتة ،والموسيقى الهادئة التي تأخذك إلى عالم آخر. فقال خالد وهو ينظر يمينا ً ويسا ا ًر وإلى األعلى مندهشا ً :هل هذا المقهى في مدينتنا؟
فضحك أحمد :نعم يا صديقي ،ولكن هذا للنخبة فقط. وقال خالد :وكيف أصبحت من النخبة؟ فقال أحمد :كان هناك صندوق أسود أكل عليه الدهر وشرب ويضع الوالد جميع أو ا رقه ومستنداته وأغ ا رضه الخاصة فيه ،وال نعرف ماهية هذه 24
األغ ا رض بالتحديد ،وال نستطيع االقت ا رب منه ،وبعد وفاة الوالد رحمه هللا رحمة واسعة ومرور شهر على وفاته ،قررنا أنا ووالدتي وأخي حامد أن نفتح الصندوق ،وبحثنا عن مفتاحه الخاص فلم نجده ،وأخي ا ًر فتحناه وكأننا لصوصا ً محترفين ،فوجدنا أو ا رقا ً وصكوكا ً ومستندات ،وكان من ضمن الصكوك التي ال نعلم عنها صك لقطعة أرض مساحتها ألف متر مربع، ولماذا مندهشا ً يا خالد وكأنني أقص عليك قصة ألف ليلة وليلة. نعم ...نعم أكمل.
وكانت المفاجأة يا خالد ،بأن األرض تقع في وسط المدينة وعلى شارع تجاري ،وعندما سمعت بثمنها عند البيع أغمي علي وقد نقلت إلى المستشفى ،كان المبلغ كبير ،وقد تقاسمناه شرعا ً أنا وأخي وأمي ،واآلن نحن من أصحاب الماليين. فقال خالد :أجزم بأن والدك اشترى األرض عندما كانت المدينة كقرية صغيرة ،فقال أحمد نعم صحيح ألن تاريخ الصك قبل أربعين عاماً ،ولكن أنت أخبرني عن وضعك.
فقال خالد بعد أن أخذ نفسا ً عميقاً ،والدي توفي رحمه هللا وعليه ديون كثيرة ونسددها أنا وأخي ،وأذهب إلى عملي ماشيا ً كي أوفر أجرة الطريق، وفي أثناء الحديث جاء النادل ووضع فاتورة الحساب للقهوة التي شربها أحمد وللعصير الذي شربه خالد على الطاولة فأمسك خالد بالفاتورة ونظر 25
إلى الحساب وبدأ وجه خالد يتلون بألوان الطيف من سعر الفاتورة ،فقال: إن السعر يكفيني مصروفا ً لمدة أسبوع. فقال أحمد :ال عليك يا صديقي أنت ضيفي ودع الحساب عنك. انتهت،،،
الزائر األبيض كنت أسير والثلوج تتساقط كالقطن ،وتعترني النشوة من المنظر الذي يسحر األفئدة ،فتقف سيارة أجرة فال ألتفت إليها ،ألنني أجد متعة والثلوج تتساقط
على أ رسي ،فال يلومني أحد ألن بالدي ال يزورها أبدا ً لقربها من خط االستواء الذي يقوم على استواء األجساد صيفا ً. مرت ساعة من وصول هدية الخالق إلى األرض ،وإذا بكرة من الثلج تأتيني بغتة؛ ألتفت خلفي وإذا بفتاة تبتسم ونصف ساقها في الثلج ،فبادلتها االبتسامة وغبطت ال ا زئر األبيض ألنه يداعب ساقيها. تأسفت لها ألن كرتها الثلجية لم أستقبلها في أحضاني وودت لو وصلت إلى ثغري لشربتها ماء حتى الثمالة.
تمنيت لو أن فصول السنة كلها ثلجا ً. توقف السقوط إلى أسفل ،وبدأت بالسقوط إلى أعلى المخ وأفكر في ابتسامتها التي لن أنساها ما حييت ،وفي الغد عدت إلى المكان في نفس الزمان ولكن كانت الشمس هي سيدة الموقف في تحويل ال ا زئر األبيض
26
سائالً تشربه مربعات حديدية في رحم الطريق. في مساء اليوم نفسه أعلنت الخطوط عن رحلة العودة إلى الرياض. انتهت،،،
المتشرد أسير في شوارع المدينة ،والجو غائما ً وفجأة تهطل األمطار بغ ا زرة وينقطع التيار الكهربائي ويخيم الظالم الدامس على المدينة ،فأركض مسرعاً، فارتطمت بجسم كان على األرض فنظرت إليه وإذا رجل ذو شعر كثيف
ولحية وال تكاد ترى من الوجه إال عينين وأنف فقط فانطلقت من فمي ال شعوريا ً )بسم هللا الرحمن الرحيم( ماذا؟ فقلت :أنت ....من أنت؟ وأنا ......من أنا؟ فاستدرك وقال :نعم أنا متشرد في بالد الديمق ا رطية والحرية! ألتحف السماء وأشرب ماءها ،وافترش األرض وطعامي خشاش. ولكن من أنت؟ فقلت مفتخ ا ًر ....أنا .....عربي. فقال :إذا ً ....أنت ....إما أن تكون .....إرهابي .....أو متشرد مثلي.
فالتفت يمينا ً وشماالً وأنا أضع يدي على قلبي. فقلت وأنا ا رفعا ً أ رسي أنني متشرد وألف متشرد وسأتمدد في الجهة المقابلة كي أثبت لك ذلك. انتهت،،
27
عين حارة سعود في الصف الثاني متوسط ،وكان العبا ً ماه ا ًر في كرة القدم ،ويلعب في فريق المدرسة ،ومعجبا ً به مدرس التربية البدنية ويعتبره الورقة ال ا ربحة في الفريق ،وسبب حصول مدرسته على كأس المدارس المتوسطة. كان يلعب كرة القدم مع فريق حارته في ملعب قريب من منزله ورغم أنه غير مجهز ال عشبا ً طبيعيا ً وال صناعيا ً إال أن سعود كان مبدعا ً في م ا روغة الخصم وتسجيل األهداف.
كان أحد رؤساء األندية الممتازة يشاهد المبا ا رة بالصدقة ،وأعجب في أداء سعود في الملعب ،وقد أحرز هدفين ،ب أ رسه هدفا ً وبقدمه هدفا ً. بعد المبا ا رة تقدم إليه رئيس النادي الممتاز وعرض عليه أن يلعب في درجة الشاب وبعدها سينتقل إلى درجة الفريق األول ،ووافق سعود بدون تردد. وتدرج في الفريق ووصل إلى درجة الكبار ،وأصبح سعود أ رس حربة لفريقه، واكتسب شهرة واسعة وأخذت العروض تنهال إليه من كل حدب وصوب، ولكنه ظل وفيا ً لناديه الذي أكسبه شهرة ورفع من وضعه المادي
واالجتماعي ..وصل فريقه إلى المبا ا رة النهائية على كأس الدرجة الممتازة، وبدأت المبا ا رة وأحرز هدفا ً في الدقائق األخيرة للمبا ا رة وكان أغلى هدف في حياته ألنه كان سببا ً في حصول فريقه على كأس البطولة ،وأخذت تنهال عليه الهدايا من رئيس النادي ومن أعضاء الشرف ،وكانت الهدية التي ال
28
تنسى هي سيارة ال يقودها إال علية القوم. فرح سعود في سيارته وعاد إلى منزلهم في حارتهم القديمة التي يحبها سعود كثي ا ًر ألنه نشأ وترعرع فيها وله ذكريات جميلة مما جعله يتمسك بحارته وال ينتقل إلى مكان آخر مع أنه كان في استطاعته ..وقفت السيارة أمام المنزل الذي ال يناسب نوعها وثمنها ،ويستطيع سعود بثمن السيارة ش ا رء منزلين في حارته لو أ ا رد. صارت في الحارة كأنها كائن فضائي غريب ،وكل يقف عندها قليالً ثم
يذهب ويأتي اآلخر ،ولكن محيميد وقف عندها طويالً ،وعينيه تأكلها وكأنها قطعة لحم مشوية في زمن ما قبل النفط. وفي نفس الليلة أ ا رد سعود الذهاب إلى منزل شقيقته كي يبارك لها في المولود الجديد ،ومنزلها يبعد عن منزل سعود خمسة عشر كيالً) ،وفي نصف المسافة بدأت عيون محيميد تأخذ طريقها إلى السيارة( وإذا بالسيارة تنحرف عن الطريق وتضرب بالحاجز الحديدي وتعود ثم تنقلب عدة م ا رت، وصارت كأنها كرة بسبب قوة االرتطام واالنقالب ،ولكن مشيئة هللا أنقذت
سعود من الموت ،وأبقته مشلوالً على كرسي اإلعاقة باقي حياته. ا زره رئيس النادي وزمالؤه ومحبيه وكتبت عنه الصحف ،وبعد فترة أخذت األضواء تنحسر شئيا ً فشيئا ً عنه ،وعاد لملعب الحارة ولكن على الكرسي المتحرك للمشاهدة واستعادة الذكريات ..وبعد سنوات ا رجع إحدى الدوائر 29
الحكومية إلنجاز معاملة تخصه ،فقال للموظف :أنا سعود الالعب القديم أرجو إنجاز معاملتي. قال الموظف :من سعود أنا ال أعرفه وأيضا ً ال أحب كرة القدم؟ فقال سع ود :إذا عاملني كمعاق ،وأرجو منك أن تنهي معاملتي والبد أن تشفع لي إعاقتي بأن تكون األولوية لي عن باقي الم ا رجعين. انتهت،،،
رأس المال انتقل من قريته إلى المدينة ال يعرف المدينة وال أحد فيها وتمر األيام وهو تائها ً في قاع المدينة ينام جائعا ً ويلتحف األرض ،وجاءت أخي ا ًر فرصة العمل تجري مسرعة ،وعمل مجتهدا ً ليالً ونها ا ًر ،وتزوج ام أ رة قاسمته الحياة بم ا ررتها وحالوتها ،وكون أسرة. ومرت األيام واحدودب الظهر واألم ا رض تنهش بجسمه وكأنها أسود مجتمعة على غ ا زل تائها في صح ا رء قاحلة. وفي لحظة تفكير هادئة في أمواله التي كان يملكها وبعد جمع وطرح وجد
نفسه في دائرة أثرياء المدينة .وتذكر يوم كان ال يجد درهما ً يقتات به ،فحمد هللا وشكره .ولكن استدرك وقال :ليتني بقيت فقي ا ًر صحيحا ً وال غنيا ً معتالً. فالمال ال يعادل الصحة ،فالصحة هي أ رس المال. انتهت،،،
30
سارق األقالم كان في الصف الثالث االبتدائي في عمر الزهور وكثير الحركة وب ا رءة الطفولة تشع من عينيه. وكان يسرق أقالم أق ا رنه في الفصل ،وعاد بها إلى المنزل وأخبر والده فابتسم في وجه وعندما أصبح في سن الشباب سطا على بنك وسجن عشرين عاما ً..
ديك مدلل ديك أمير القرية مدلل ويحبه كثي ا ًر ،يمشي ا رفعا ً أ رسه ،وال يستطيع أحد أن ينظر إليه شذ ا ًر بل كل القرية تبتسم في وجه. وكان ديكا ً م ا زجيا ً ليس أي دجاجة تعجبه وفي أحد أيام فصل الربيع والجو جميل والورود تتمايل تغازل النسيم العليل أ رى دجاجة ترقص يمينا ً وشماالً، اقترب الديك منها يحاول أن يتحرش بها فلم تلتفت له ونهرته وأحس أنها طعنته في ذكورته ،ومكانته في قلب األمير ،وأمسك بها وضربها وأغمي عليها واستغل ذلك الغتصابها ،وبالصدفة شاهد المنظر صاحب الدجاجة
وبدأ الدم يغلي في عروقه ويقول: ال يسم الشرف الرفع من األذى ...حتى ي ا رق على جوانبه الدم وأخرج مطوى كانت معه وطعن الديك طعنة قاتلة ،وعندما علم أمير القرية جعل ذلك اليوم أسودا ً للفالح صاحب الدجاجة.
31
الحلم الجميل كشفت التحاليل الطبية أن ليلى حامل ،وفرحت ليلى هي وزوجها بهذا الخبر الذي ال يقدر بماليين ،ال سيما أنه الحمل األول بعد خمس سنوات من الزواج ،وم ا رجعة األطباء والمستشفيات الذي كلفهم الكثير من الوقت والمال ،وقرر الزوج أن تقوم في جولة في سيارته داخل المدينة ،وركبت بجانبه وفجأة وهو يقود سيارته مستمتعا ً هو وهي وإذا بطفل يمر من أمام السيارة وداس على الف ا رمل وإذا بالزوجة تصرخ لن أنام معك في سرير واحد
كادت قدمك أن تخترق بطني ،ليتك لم تصرخي. انتهت،،،
الوالدين كان با ا ًر بوالديه ،وبعد أن كبر في السن وأصبح مقعد على كرسي متحرك تخاصم أوالده فيما بينهم على من يحصل له الشرف ويأخذه للحج.
اإلستغالل هو لم يكمل الثالث متوسط وهي جامعية وتعمل معلمة ،وحصل النصيب
وتزوجها وبعد سنة أنجبت له طفالً وكانت سعيدة بهذا الطفل الذي مأل حياتها. وقالت لزوجها اآلن يجب أن نخطط لمستقبل طفلنا ،سنقوم بش ا رء أرضا ً 32
وفيما بعد نبني عليها منزلنا. فقال الزوج :ال بأس فكرتك جميلة ولكن األرض تحتاج إلى نقود. فقالت :سأخذ سيارة باألقساط المريحة وأسددها من ا رتبي. وأخذت السيارة وعملت له توكيل ببيعها واستالم المبلغ ،وعندما أصبحت النقود في حسابه أسرع إلى قريته وخالل أسبوع كان متزوج من ابنة عمه. انتهت،،،
33