مجموعة قصصية لـ محمد السميران

Page 1


‫إهداء‬ ‫إلى روح‬ ‫والدي وولدي‬ ‫(رحمهما اهلل)‬

‫‪1‬‬


‫ذات األصابع الست‬ ‫ليلى ذات الخمس سنوات‪ ،‬شعلة من الذكاء‪ ،‬كثيرة األسئلة التي يقف الكبار‬ ‫في حيرة أمامها‪ ،‬وولدت ليلى وفي كفها األيمن ستة أصابع وتستغرب‬ ‫عندما ترى أخيها سعد الذي يصغرها بسنة واحدة له خمسة أصابع في كفه‬ ‫األيمن وبنت عمها هند في كفها خمسة أصابع‪.‬‬

‫سألت أمها‪ :‬يا أمي لماذا في كفي أصبع ا زئد؟‬ ‫فقالت أمها‪ :‬ألنك بنت ذكية ومميزة؟‬ ‫فقال ليلى‪ :‬إذا ً أنت يا أمي وأبي وأخي لستم مميزون وال أذكياء‪.‬‬ ‫ابتسمت األم ولم تستطع اإلجابة وغيرت الموضوع وأعطت ليلى حبة‬ ‫حلوى‪ ،‬وذهبت إلى المطبخ لتجهز الغداء‪.‬‬ ‫وكانت ليلى تالعب أخيها سعد الذي ال يهدي من الحركة يمينا ً وشماالً‬ ‫ويضرب أخته وكانت سهو عنه وهي تفكر بكفها وأصبعها ال ا زئد‪ ،‬وإذا‬ ‫بإصبع أخيها سعد يستقر بين حد الباب و ا زويته وفي يده األخرى دفع الباب‬ ‫وصرخ صرخة وبعدها أغمي عليه‪.‬‬ ‫كان الباب الحديدي سببا ً في بتر أصبع سعد‪.‬‬ ‫فقالت ليلى‪ :‬اآلن عرفت لماذا خلق هللا لي أصبع سادس؟‬

‫فقالت األم لماذا؟‬ ‫فقالت ليلى‪ :‬ألن أخي سعد أصبح له أربع أصابع‪ ،‬وسأعطيه أصبعي‪،‬‬ ‫فنكون جميعا ً متساويين كصديقتي هند وأنت وأبي وجميع الناس‪.‬‬

‫‪1‬‬


‫العلم أولا‬ ‫سالم طالب يدرس في المرحلة المتوسطة وكان ال يحب المدرسة وأحد‬ ‫األسباب معلما ً لم يحسن التعامل مع سالم في موقف غير تربوي مما سبب‬ ‫له كرها ً للمدرسة والذهاب إليها‪.‬‬ ‫حاول والده أن يحببه بالمدرسة ولكن سالم قال لوالده‪ :‬اقتربت نهاية هذه‬ ‫السنة وأستلم شهادتي وبعدها لن أدرس‪.‬‬ ‫كان سالم مهمالً في تنفيذ واجبات المواد التي يدرسها وأيضا ً يأتي إلى‬

‫المدرسة متأخ ا ًر‪ ،‬وينام في الحصص‪.‬‬ ‫وجاء يوم الحسم وإذا بشهادته دوائر حم ا رء ولم ينجح إال بالتربية البدنية‬ ‫والفنية فقط‪.‬‬ ‫وعندما أ رى والده شهادته أسود وجهه‪ ،‬وقال‪ :‬يا سالم قررت أن تترك‬ ‫المدرسة وأعلمك التجارة معي يمكن أن تفلح فيها‪ .‬ففرح سالم ب أ ري والده‪.‬‬ ‫وقال لن أصحو للذهاب إلى المدرسة‪ ،‬وأتخلص من الد ا رسة ومشاكلها‪..‬‬ ‫وبدأ سالم يساعد والده في تجارة مواد البناء من أسمنت وحديد‪ ،‬وبعد فترة‬

‫تعلم التجارة بشكل جيد‪ ،‬وأصبح الذ ا رع األيمن لوالده‪ ،‬وصار يتذوق طعم‬ ‫األرباح‪.‬‬ ‫قال لوالده‪ :‬ما أ ريك يا والدي أن نتوسع في تجارتنا ونفتح فرع آخر‪ ،‬أكون‬ ‫مشرفا ً عليه‪ ،‬وأنت تبقى في المحل الرئيسي‪.‬‬

‫‪2‬‬


‫فاستحسن والده الفكرة‪ ،‬وأصبح لهم فرع آخر‪ ،‬وتطورت تجارتهم وازدادت‬ ‫الفروع إلى أن وصلت إلى خمسة فروع‪ ،‬وأصبح سالم من رجال األعمال‪.‬‬ ‫ولكن جاء اليوم الذي جعله يأكل أصابعه ندماً‪ ،‬عندما بدأ الترشيح لرئاسة‬ ‫الغرفة التجارية‪ ،‬وكان الشرط األول أن يحمل الشهادة الجامعية‪ ،‬وكان ذلك‬ ‫دافعا ً له إلكمال د ا رسته ليالً‪..‬‬ ‫فقال لوالده‪ :‬فعالً يا أبي العلم هو الركيزة األساسية لبناء المجتمع‪..‬‬ ‫انتهت‪،،،‬‬

‫أمة وسطا ا‬ ‫كان يعمل في وظيفة محترمة‪ ،‬ويجمع من رواتبه مبلغا ً كي يسافر إلى دول‬ ‫شرق آسيا ليشبع رغباته ونزواته وكان منحرفا ً إلى أقصى نقطة في خط‬ ‫الحياة‪..‬‬ ‫لم يتزوج بالرغم من بلوغه سن يتجاوز الخمس والثالثون‪..‬‬ ‫ال ينفك والده وشقيقه سعد عن النصيحة له بالزواج واالستقرار‪..‬‬ ‫وذات يوم وهو عائد من دولة متقدمة علميا ً متخلفة أخالقياً‪ ،‬وجد تجمعا ً‬

‫للسيا ا رت أمام منزلهم واستغرب هذا التجمع‪ ،‬فدخل المنزل مسرعا ً وكان‬ ‫المنزل يعج باألقارب والجي ا رن وتوجه مسرعا ً إلى والده وقبل أ رسه‪....‬‬ ‫والدي‪ ...‬أمي فيها شيء!‬ ‫حضه والده ولم يتمالك نفسه فبكى‪ ....‬عظم هللا أجرك!‬

‫‪3‬‬


‫شقيقك سعد توفي قبل أسب وع في حادث سيارة على الطريق السريع‪..‬‬ ‫فبكى‪ ...‬وبكى‪ ...‬وبكى!‬ ‫ذهب واغتسل وصلى جماعة صالة العشاء‪ ،‬وكانت صالة العشاء والفجر‬ ‫ثقيلة عليه وكان مقص ا ًر في إقامة شعائر هللا‪.‬‬

‫وصار يصلي جميع الصلوات في المسجد‪ ،‬وتغير إلى األفضل وأصبح‬ ‫ملتزما ً وطلب من والده بعد فترة أن يبحث عن بنت الحالل من أجل إكمال‬ ‫نصف دينه‪..‬‬ ‫وصار يحضر المحاض ا رت الدينية‪ ،‬وبعد سنة صار ي ا رفق بعضا ً من‬ ‫المتشددين في الدين‪ ،‬ولكن لم يقتنع بأفكارهم‪ ،‬وأخذ يبحث عن الشيوخ‬ ‫الوسطيين ووجد الشيخ حامد‪..‬‬ ‫جلس الشيخ معه وأقنعه بأننا أمة وسطا ً وإن الدين يسر وليس عسر‪،‬‬

‫واإلسالم دين التسامح‪ ،‬وال يجوز الخروج على والة األمر وال ترويع‬ ‫اآلمنين‪.‬‬ ‫اقتنع بكالم الشيخ‪ ،‬وأصبح من الوسطيين المتسامحين الذين يحبون الخير‬ ‫للجميع ومن المنافحين عن الدين والوطن‪..‬‬ ‫وصار يلقي محاض ا رت في حب الوطن والمحافظة على منج ا زته‪ ،‬وعن‬ ‫سبب هدايته وهو وفاة شقيقه سعد‪.‬‬ ‫الموت هو عبرة وعظة للجميع‪ ،‬كل من عليها فان‪.‬‬ ‫انتهت‪،،،‬‬

‫‪4‬‬


‫العودة الى الوطن‬ ‫بدأت خيوط الشمس الذهبية تدخل من نافذة غرفة سالم الطينية؛ التي‬ ‫تحتضن سالم وأحالمه‪ ..‬فتح عينيه وفركهما وخرج مسرعا ً حتى ال ت ا ره‬ ‫زوجة أبيه التي ما فتئت عن ضربه منذ طفولته األولى ووفاة والدته‪.‬‬ ‫سار هائما ً على وجهه يلتمس اتجاها ً يهديه إلى هللا‪ ،‬فكان قدره إلى جنوب‬ ‫حائل‪ ،‬تارة يسير وتارة يهرول وكان يرى من مسافة رجالً يركب ا رحلة ويقود‬ ‫أخرى‪ ،‬وصار يركض مسرعا ً وكأنه في سباق مع الزمن‪ ،‬وعندما اقترب من‬

‫الرجل صاح بأعلى صوته‪ :‬أيها الرجل‪ ...‬أيها الرجل‪ ..‬يا عم‪.‬‬ ‫التفت الرجل خلفه وإذا بسالم ينكب على وجهه من التعب وشدة العطش‪،‬‬ ‫فنزل الرجل عن ا رحلته وأعطى سالم قربة الماء‪ ،‬وشرب سالم وبعد أن‬ ‫است ا رح‪..‬‬ ‫أنا سالم يا عم من حائل وأريد الذهاب معك يا عم إلى أي مكان تقصده‬ ‫وإنني أبحث عن عمل‪..‬‬ ‫فقال الرجل‪ :‬أنا في طريقي إلى بريدة‪..‬‬

‫فقال سالم‪ :‬أنا معك إن شاء هللا‪.‬‬ ‫فصار الرجل يحدث نفسه صبيا ً في مقتبل العمر ال يتجاوز الثامنة عشر‬ ‫يترك أهله؟ ويسير في الصح ا رء وال يملك ا رحلة وال ا زد‪ ،‬ولكن يجوز‬ ‫الظروف هي التي جبرته‪ ،‬فرفع صوته يحيي سالم ويرحب به وسا ا ر معا ً بعد‬

‫‪5‬‬


‫أن ركب سالم ال ا رحلة األخرى‪ ،‬وصار الرجل ينشد بعض القصائد التي‬ ‫يحفظها ويرد عليه سالم‪ ،‬واألرض تطوى‪ ،‬ووصل الرجل إلى منزله الطيني‬ ‫في مدينة بريدة‪ ،‬ونام سالم بدون أن يهتز له مفصل من اإلرهاق وطول‬ ‫الطريق‪ ،‬وفي صبيحة اليوم الثاني قال سالم للرجل‪ :‬أريد يا عم أن أعمل‬ ‫معك وأساعدك في تجارتك‪.‬‬ ‫قال الرجل‪ :‬على الرحب والسعة‪ ،‬ولكن ستعمل عند صديقي حمود ألن‬ ‫تجارته أوسع ويحتاج إلى صبي يساعده‪.‬‬

‫وعمل سالم عند حمود‪ ،‬وبعد فترة تجهز سالم والتاجر حمود مع مجموعة‬ ‫من تجار القصيم يسمون العقيالت للذهاب في تجارة إلى بالد الشام‬ ‫ومصر‪ ،‬وفلسطين‪ ،‬ورحلتهم تكون على ظهور اإلبل قبل ظهور السيا ا رت‬ ‫في الجزيرة العربية‪ ،‬وساروا في رحلتهم التجارية وكانت أول محطة لهم‬ ‫األردن‪ ،‬وبعد أسبوع من مكوثهم في األردن أ ا رد التاجر حمود أن يكمل‬ ‫رحلته التجارية غلى مصر عن طريق فلسطين‪ ،‬فأشار على سالم أن يجهز‬ ‫نفسه‪ ..‬فقال سالم‪ :‬أريد منك يا عم حمود أن تسمح لي فسأبحث عن عمل‬

‫وأستقر هنا‪ ،‬فأذن له حمود وتمنى له التوفيق‪.‬‬ ‫التحق سالم في الجيش العربي وتزوج وأنجب بنينا ً وبنات وتدرج في الرتب‬ ‫ووصل إلى رتبة عميد وتقاعد من الجيش‪ ،‬وبعد مضي أربعين عاما ً‪ ..‬عاد‬ ‫‪6‬‬


‫سالم إلى وطنه األم ومسقط أ رسه ووطن آبائه وأجداده‪ ،‬وعندما تم اللقاء‬ ‫األول مع أخوته‪ ،‬سألهم عن زوجة أبيه‪..‬‬ ‫فقالوا‪ :‬إنها توفيت وقبل وفاتها‪ ،‬قالت‪ :‬إذا كتب هللا لكم أن تلتقوا بأخيكم‬ ‫سالم‪ ،‬وكنت متوفية‪ ،‬فأطلبوا منه أن يسامحني ألنني قد جنيت عليه في‬ ‫صغره‪ ،‬وأنا السبب في هروبه من المنزل من قسوتي عليه‪ ،‬وأذكركم بأن‬ ‫أبوكم قد سامحه قبل وفاته‪ ،‬وكم كان مشتاقا ً لرؤيته ولكن القدر سبق‪..‬‬ ‫فقال سالم‪ :‬هللا يسامحها ويسامح الجميع‪.‬‬

‫انتهت‪،،،‬‬

‫الحب في زمن اإلنفلونزا‬ ‫كانت القرية تعيش في سعادة بأهلها وتكافلهم االجتماعي فيما بينهم‪،‬‬ ‫وتقارب منازلهم الطينية من بعضها أدى إلى الحميمية بينهم وكأنهم أسرة‬ ‫واحدة وكانوا كالجسد الواحد بما فيهم طبيب المركز الصحي والممرضة‬ ‫ومعلمي المدرسة شكلوا نسيجا ً متماسكا ً‪..‬‬ ‫أحمد رغم كونه مدرسا ً جديدا ً في القرية فقد كسب محبة القرية كلها ألن‬

‫نسائم الحب انتشر عبقها في أف ا رد القرية الطيبة‪.‬‬ ‫نامت القرية وخيم الظالم والهدوء عليها كأنه كان الهدوء الذي يسبق‬ ‫العاصفة‪ ،‬بدأ األمر بسيطا ً في صباح ذلك اليوم‪ ،‬أخذت القرية تتكلم عن‬ ‫إصابة أحد أبناءها بمرض غامض وقد ساءت حالته بسرعة غريبة‪ ،‬حتى‬

‫‪7‬‬


‫بدأت احتماالت وفاته وارادة‪..‬‬ ‫لكن األمر بدأ يتفاقم تدريجيا ً ألن شخصا ً آخر انتقلت إليه العدوى رويدا ً‬ ‫رويدا ً انتشر هذا المرض في القرية كانتشار النار في الهشيم‪..‬‬ ‫أطلقوا عليه اسم )انفلون ا ز الطيور(‪ ،‬وصل الخبر إلى و ا زرة الصحة فقامت‬ ‫بإرسال طاقم طبي وسيا ا رت اسعاف لنقل المصابين إلى مستشفيات المدينة‬ ‫المجهزة‪ ،‬وجاء األمر بإغالق المدرسة إلى إشعار آخر‪ ،‬وأعلنت الطوارئ‬ ‫في القرية الصغيرة التي هاجت وماجت خوفا ً مما يمكن أن يصيبها‪.‬‬

‫أغلقت المدرسة أبوابها‪ ،‬فكان أحمد مضط ا ًر لمغادرة البلدة عائدا ً إلى مدينته‪،‬‬ ‫لكن الوقت كان متأخ ا ًر‪ ،‬فاضطر إلى المبيت‪ ..‬استيقظ في منتصف الليل‬ ‫وجسمه يهتز تحت لهيب ح ا ررة مفرطة‪ ،‬واستغرب أحمد لذلك‪ ،‬ثم توجس‬ ‫خيفة أن يكون المرض قد انتقل إليه‪ ،‬فأسرع إلى المركز الصحي‪.‬‬ ‫كان ال بد أن تكون الممرضة قد وصلها صدى نبضه المتسارع نظرت إليه‬ ‫مبتسمة‪ ،‬ثم سجلت مالحظاتها في ملف قدمته للطبيب الذي أسرع بمناولته‬ ‫دواء وطلب منه أن يأخذ قد ا ًر كافيا ً من ال ا رحة‪.‬‬

‫آ رها تغاد ره كحلم‪ ،‬بزيها األبيض اندست بين حشود المرضى الذين تكدسوا‬ ‫جماعات في أروقة المستشفى‪.‬‬ ‫عاد أحمد إلى غرفته تقوده خطاه‪ ،‬أما الفكر فقد غاب هناك حيث هي‬ ‫متألقة بجمال وبهاء وجهها‪.‬‬ ‫‪8‬‬


‫تحسنت حالته الجسدية كما تحسنت حالته النفسية‪ ،‬انشرح قلبه وهو يهيم‬ ‫باحثا ً عن مالمح وجه سلك مداخل قلبه واستقر‪ ،‬أدرك أنه أحبها ألول وهلة‬ ‫حبا ً حقيقيا ً صادقاً‪ ،‬لم يكون يؤمن بالحب من أول نظرة‪ ،‬لكنه اآلن أدرك‬ ‫أنه يمكن ذلك‪.‬‬ ‫جعله هذا الشعور سعيداً‪ ،‬وجعله يقرر إلغاء فكرة عودته إلى بلدته ألنه ال‬ ‫يمكن أن يبتعد عن من سكنت قلبه واستقرت فيه‪.‬‬ ‫بدا له الليل طويالً‪ ،‬بدا يعد الساعات منتظر طلوع النهار‪ ،‬كانت الرغبة‬

‫تغريه باإلس ا رع إليها ليفصح لها عن ما أحسه اتجاهها‪.‬‬ ‫وبدأت الشمس تغزل خيوط الضياء‪ ،‬حينها ركض إلى المركز يرقص فرحا ً‬ ‫ألنه سيرى حبيبته‪..‬‬ ‫توجه إلى غرفة اإلسعافات األولية فلم يجدها‪ ،‬ووقف ينتظرها وهو يحبس‬ ‫أنفاسه وإذا بها تدخل ومعها إبر وعلب من الشاش الطبي قد أحضرته من‬ ‫مستودع األدوية‪ ،‬اضط ربت لرؤيته فسقطت من يدها علبة إبر‪ ،‬أسرع‬ ‫لمساعدتها في نفس اللحظة التي نزلت لتلتقطها‪ ،‬تصادق نزولهما معا ً‬

‫والتقت نظ ا رتهما مرة أخرى‪ ،‬لم يشعر إال ولسانه يسبقه ببوحه لها بحبه‪،‬‬ ‫نظرت إليه نظرة خجولة وابتسامة تنم عن رضى وسعادة‪ ،‬أدرك أحمد أن‬ ‫سهام الوجد وثقت محبة قلبيهما معا ً‪..‬‬ ‫لم يشكر الطبيب ألن قلبه وعقله وفكره غاب عن إد ا رك ما يجب عليه فعله‬ ‫‪9‬‬


‫أو حتى السبب الذي من أجله ذهب إلى المركز الصحي‪..‬‬ ‫عاد أحمد إلى غرفته سعيدا ً منتشيا ً بلذة هذه الفرحة التي غمرته‪ ،‬كان الكون‬ ‫أمامه يشع فرحا ً وحبو ا ًر حتى مذياعه القديم شاركه الفرحة بصوت كوكب‬ ‫الشرق وهي تشدو‪:‬‬ ‫يا فؤادي ال تسل أين الهوى؟ كان صرحا ً من خيال فهوى‬ ‫استقني واشرب على أطالله واروي عني طالما الدمع روى‬ ‫وهو يستمع إلى األغنية كان يبتهل إلى مواله أن يجعل منها حبيبته على‬

‫الدوام آ رها زوجة تستقبله كل مساء‪ ،‬آ رها أما تحتضن أطفاله نام أحمد وهو‬ ‫يحلم بلباسها األبيض وليلة يأخذها بعيدا ً‪ ...‬بعيدا ً ليكون أسرة سعيدة‪.‬‬ ‫وانجلى الليل بأحالمه وبدأ نور الحقيقة يظهر جليا ً مع صباح من صباحات‬ ‫الخريف وسقوط أو ا رق الشجر‪ ،‬وغبار كثيف بسبب هبوب عاصفة رملية‬ ‫تصعب معه الرؤية‪.‬‬ ‫كيف يعقل أن تقاوم حبيبته مرضا ً لعينا ً وهي تقبل على المرضى دون‬ ‫خوف أو تردد‪ ،‬ويصرعها هذا الثعبان‪.‬‬

‫نعم ثعبان شيع حبك يا أحمد إلى مثواه األخير‪.‬‬ ‫انتهت‪،،،‬‬

‫‪10‬‬


‫بسقوط الحماة‬ ‫كان يقول لها‪ ،‬حبيبتي ال أستطيع العيش بدونك‪ ،‬أنت الهواء الذي أتنفسه‪..‬‬ ‫نعم‪ ،‬لقد تزوجها بعد قصة حب‪ ،‬وكانت تبادله الحب ودائما ً تقول له‪ :‬أنني‬ ‫أحبك أكثر‪.‬‬ ‫مر ثالثة أشهر على زواجهما وكل شيء في شقتهم الصغيرة ينطق حبا ً‬ ‫وفي ليلة من ليالي الشتاء الباردة كان الزوجان يلفهما حالة الحب الدافئ‪،‬‬ ‫وإذا هاتف الشقة يرن‪...‬‬

‫رفع الزوج السماعة وكانت والدته‪....‬‬ ‫كيف حالك يا ولدي‪ ...‬وصارت تبكي بحرقة شديدة‪ ،‬فتأثر من بكاء والدته‪.‬‬ ‫ماذا بك يا والدتي؟‬ ‫زوجة أخوك قد شربت العلقم من يديها‪ ،‬وتعاملني معاملة سيئة‪ ،‬وأخي ا ًر‬ ‫طردتني وأخوك ال يحرك ساكناً‪ ،‬ألنه ضعيف شخصية أمام زوجته‬ ‫الحرباء‪.‬‬ ‫ال تهتمي يا والدتي‪ ،‬وقررت منذ هذه اللحظة أن تعيش عندي‪ ،‬وزوجتي‬

‫متعلمة وتحبني ومن المؤكد ستحب البطن الذي حملني‪ ،‬وتصبحين على‬ ‫خير وغدا ً لناظره قريب‪.‬‬ ‫ي أن أعيش ما تبقى لي من عمر عندك هللا يرضى عليك‪.‬‬ ‫ال مانع لد ّ‬ ‫وفي اليوم الثاني‪ ،‬اشترى غرفة نوم لوالدته وجهز لها غرفة مستقلة‪ .‬ومنذ‬

‫‪11‬‬


‫وصولها ومعاملة الزوجة لها معاملة حسنة وكأنها والدتها وليست حماتها‪.‬‬ ‫بعد مرور شهرين‪ ،‬بدأت غيرة الحموات تسري في ش ا ريينها‪ ،‬وتقول ولدي‬ ‫ملكي ولي وحدي فقط‪ ،‬أن الذي حملت به وربيته وعانيت إلى أن أصبح‬ ‫رجالً‪.‬‬ ‫أحست الزوجة بأن حماتها كثيرة الشكوى منها ألن زوجها بدأ يتغير ولم يعد‬ ‫الزوج األول‪ ،‬وأصاب العالقة بعض الفتور‪.‬‬ ‫كانت والدته تتدخل في كل شيء وحتى الخصوصيات الزوجية‪.‬‬

‫أ ا ردت الزوجة أن تكسر الروتين ورتق الفجوة التي حصلت بينها وبين‬ ‫زوجها‪ ،‬فطلبت من زوجها الذهاب إلى المنطقة الشرقية حيث البحر والجو‬ ‫ال ا رئع‪.‬‬ ‫وافق الزوج وقال‪ :‬البد من م ا رفقة والدتي لنا في هذه الرحلة‪.‬‬ ‫ابتسمت الزوجة ابتسامة صف ا رء‪ ،‬ولكن نستطيع يا زوجي الحبيب أن نضع‬ ‫والدتك عند ابنتها لمدة يومين ونعود نأخذها ويومين ال تؤثر بالعكس ستغير‬ ‫جو الشقة للجو الفسيح في منزل زوج شقيقتك الواسع والحديقة المنزلية‬

‫الجميلة‪ .‬فقال‪ :‬حسنا ً‪ ...‬سوف أكلمها ولها كامل الحرية‪.‬‬ ‫والدته لم توافق‪ ...‬بل قالت‪ :‬البد من الذهاب معكم ألرى البحر‪.‬‬ ‫وصل هو وزوجته ووالدته إلى المنطقة الشرقية وبالتحديد مدينة الخبر‬ ‫الساحلية الجميلة التي تقع على ضفاف الخليج العربي‪.‬‬ ‫‪12‬‬


‫أ ا رد أن يستأجر شقة واسعة‪ ،‬ولكن والدته رفضت حتى توفر لولدها المال‬ ‫كما تقول‪ ،‬فقالت له‪ :‬خذ شقة صغيرة ولو كانت غرفة واحدة ال بأس‬ ‫سيكون سعرها أقل وال مانع أن ننام جميعنا في غرفة واحدة‪.‬‬ ‫فقالت الزوجة والغضب في عينيها‪ :‬يا حماتي‪ ،‬نحن لم يمض على زواجنا‬ ‫سنة وتريدين النوم بيني وبين زوجي‪ ،‬وهللا‪ ...‬عيب‪.‬‬ ‫غضب الزوج‪ ...‬وكيف تقولين لوالدتي عيب‪ ،‬هل هي ب أ ريك قليلة حياء؟‬ ‫خالص قررت العودة إلى الرياض‪.‬‬

‫أ ا ردت الزوجة أن تردم الفجوة التي حصلت بينها وبين زوجها ولكن اتسعت‪.‬‬ ‫وأصبحت والدته تضايق زوجته وتنغص عليها حياتها بالكالم عليها أمام‬ ‫األقارب والجي ا رن‪.‬‬ ‫يذهب الزوج إلى عمله‪ ،‬ويعود متعبا ً فتستقبله والدته‪...‬‬ ‫زوجتك نائمة صباحاً‪ ،‬ولم تعد لي قهوتي وفطوري‪...‬‬ ‫زوجتك ال تحترمني‪ ،‬وتوجه لي األلفاظ النابية‪.‬‬ ‫زوجتك‪ ...‬زوجتك‪ ...‬زوجتك‪ ....‬زوجتك‪...‬‬

‫استمرت الحياة ولكن في توتر مستمر وكادت أن تصل بين الزوجين إلى‬ ‫أبغض الحالل عند هللا سبحانه وتعالى‪.‬‬ ‫صبرت الزوجة من أجل الحب الذي يربطها مع زوجها والمولود المنتظر‪.‬‬ ‫مرضت والدته فجأة‪ ،‬ونقلت إلى المستشفى في غيبوبة‪ ،‬وبعد شهر انتقلت‬ ‫‪13‬‬


‫إلى رحمة هللا‪.‬‬ ‫وبعد أسبوع من وفاتها‪ ،‬رزق هللا الزوجين بمولودة جميلة وأطلقت األم عليها‬ ‫اسم صابرة‪.‬‬ ‫انتهت‪،،،‬‬

‫زوجة مع وقت التنفيذ‬ ‫كانت ليلى تجلس في غرفتها المطلة على حديقة المنزل ومن عادتها‬ ‫صباحا ً فتح النافذة والنظر إلى ورود وأشجار الحديقة والعصافير التي‬

‫تزقزق فوقها‪.‬‬ ‫ترى عصفورين يقتربان من بعضهما فتقول في نفسها‪ :‬من المؤكد أنهما‬ ‫زوجين‪.‬‬ ‫آه‪ ....‬آه الزمن يمر ولوحة العمر يغزوها اللون األبيض وبنات جيلي قد‬ ‫أصبحن جدات‪ ،‬ولم يأتني رجالً ولو كان ظل رجل سأقبل‪.‬‬ ‫في ليلة من ليالي الشتاء الباردة والجميع فرحون باألمطار التي هطلت‬ ‫وكانت ليلى من أكثر الفرحين وتقول ألمها‪ :‬أن هذا اليوم جميل‪ ،‬ومنذ‬

‫الصباح وأنا فرحة‪ ،‬وإذا بوالدها يدخل وبعد السالم‪ ،‬تقف ليلى احت ا رما ً‬ ‫لوالدها وتقبل أ رسه‪ ،‬فيبتسم‪ ،‬يا ليلى لقد تقدم لك رجالً يكبرك بسنتين وأرى‬ ‫فيه صفات الرجل المناسب‪ ،‬وسيأتي بعد غد وبعد صالة العشاء فما أ ريك؟‬ ‫طأطأت ا رسها في األرض حياء‪ ،‬وكاد لسانها يزغرد فرحاً‪ ،‬وقالت‪ :‬افعل ما‬

‫‪14‬‬


‫تراه مناسبا ً يا أبي‪.‬‬ ‫تزوجت ليلى من صالح‪ ،‬وساف ا ر إلى دولة سياحية في شرق آسيا ليقضيا‬ ‫شهر العسل‪ ،‬وقبل النزول في مطار الدولة الشرق آسيوية كادت أن تحدث‬ ‫كارثة في الطائرة لوال لطف هللا سبحانه وتعالى‪ ،‬وقد أصيب بعض الركاب‬ ‫باإلغماء والهلع الشديد‪.‬‬ ‫ليلى لم ت ا زل عذ ا رء‪ ،‬وأ ا رد خالد أن تكون ليلة العمر في خارج المملكة‪.‬‬ ‫في الليلة األولى في الفندق ومن شدة التعب والخوف الذي حصل لهم‬

‫بسبب الخلل الذي حدث في الطائرة ذهبت الليلة في النوم وال ا رحة‪.‬‬ ‫وفي اليوم الثاني حاول أن يمارس حقه الطبيعي مع زوجته ولكنه لم يقدر‬ ‫وكأنه يشبه زوجته فسيولوجيا‪ ،‬فأصبحت حياته كأنها جناح غ ا رب‪.‬‬ ‫حاولت ليلى أن تقنعه وتبرر له بأن الرعب الذي حدث لهم في الطائرة قد‬ ‫يكون السبب‪.‬‬ ‫وهو يفكر ويرسم ابتسامة على شفتيه ويهز أ رسه‪ ...‬احتمال كبير!‬ ‫انتهى شهر العسل‪ ...‬وكان بصالً بامتياز للزوجة‪.‬‬

‫عاد صالح وزوجته مع وقف التنفيذ إلى الرياض‪ ،‬وقامت بزيارة لمنزل أهلها‬ ‫واستقبلها والدها ووالدتها وتتظاهر أمامهم بالسعادة بالرغم من األلم الذي‬ ‫يعتصرها‪.‬‬ ‫مضى على زواجهم ثالثة أشهر وصالح لم يستطع قطف الوردة الحم ا رء‪.‬‬ ‫‪15‬‬


‫طلبت ليلى من زوجها أن يخلي سبيلها‪ ،‬غضب وقال‪ :‬ال سأجد حالً‪ ،‬وال‬ ‫تفكري في هذا األمر مرة أخرى‪.‬‬ ‫بكت‪ ...‬وصارت تتوسل له بأن يتركها وشأنها‪ .‬فقال‪ :‬ال ‪ ...‬اقترح أن‬ ‫نذهب إلى مطعم للعشاء‪ ،‬ونكسر الروتين هذه الليلة‪ ،‬وممكن يتبدل أ ريك‪.‬‬ ‫فقال‪ :‬حسنا ً‪ ...‬أريد أن أتناول العشاء في بيت أهلي‪ ،‬وأنني اشتقت إلى‬ ‫طبخ أمي‪ .‬فقال‪ :‬ال بأس‪ ،‬ولكن يجب على الزوجة حفظ أس ا رر زوجها‪.‬‬ ‫هزت أ رسها‪ ،‬وصارت تتمتم الزوجة مع وقف التنفيذ!‪.‬‬

‫كانت المسافة بين منزلها ومنزل أهلها ال تتجاوز خمسة كيلومتر‪ ،‬وتشعر‬ ‫بأن المسافة وكأنها ألف كيلومتر‪.‬‬ ‫دخلت ليلى مسرعة وسلمت على والدها وقبلت أ رسه‪ ،‬وأسرعت إلى أمها‪،‬‬ ‫وبكت‪ ...‬بكت ووالدتها تبكي بغريزة األمومة وال تعرف ماذا حصل البنتها؟‬ ‫فقالت األم‪ :‬يا عزيزتي‪ ،‬كل مشكلة ولها حل‪.‬‬ ‫نعم صحيح‪ ....‬أنه طيب وحنون وكريم ولكن‪..........‬‬ ‫لم تستطع أن تنطق‪....‬‬

‫تكلمي يا بنتي ماذا بك؟ هل ضربك صالح؟‬ ‫صارت ليلى تزيد في البكاء وتصرخ‪ ....‬ال ‪...‬ال أنني ما زلت عذ ا رء‪.‬‬ ‫حاولت األم أن تمتص غضبها‪ ،‬ضحكت‪ ،‬هذه ليست مشكلة في هذا‬ ‫العصر‪ ،‬فمثالً والدك لقد تعدى عمره الستين ويستطيع أن يتزوج فتاة في‬ ‫‪16‬‬


‫العشرين‪ ،‬والطب تقدم‪.‬‬ ‫وهناك حبة لونها أزرق يأخذها والدك العزيز‪.‬‬ ‫وعادت إلى البكاء وقالت‪ :‬لقد استخدم جميع ألوان الطيف ولم يفلح‪،‬‬ ‫فالمشكلة معه خلقية منذ والدته‪ ...‬وخالص ال أرغب في االفصاح عن‬ ‫المزيد‪.‬‬ ‫فقالت األم‪ :‬من حقك أن تكوني كالنساء ويكون لك أسرة وهذه هي سنة‬ ‫الحياة‪.‬‬

‫انتهت‪،،،‬‬

‫فتاة الساعة الخامسة‬ ‫عندما هبطت الطائرة أرض المطار‪ ،‬أحسست بأن الطقس قد تغير وكأنني‬ ‫في فصل الربيع وليس الصيف الحار في بالدي‪.‬‬ ‫ختم جوازي وخرجت من بوابة المطار أحمل حقيبة المالبس‪ ،‬وإذا بسيا ا رت‬ ‫األجرة تقف في صف منتظم‪ ،‬وكان من نصيبي أن أركب سيارة يقودها‬ ‫رجل في منتصف العمر‪.‬‬

‫وتحركت السيارة إلى المدينة‪ ،‬فقلت للسائق‪ :‬أريد فندقا ً أو شقة صغيرة‪.‬‬ ‫نظر السائق إلى وجهي يتفحص مالمحي فبتبسم وقال‪ :‬طلبك عند صديقي‬ ‫عصام‪ ،‬وأتمنى أن ال تكون مسكونة ألننا في عطلة صيفية ويكثر الزوار من‬ ‫الخليج‪.‬‬

‫‪17‬‬


‫وهناك ميزة ا رئعة في الشقة وقوعها في آخر الحي االرستق ا رطي ويفصلها‬ ‫عن حي الكادحين الحي الشعبي شارعا ً فقط‪.‬‬ ‫ووصلنا الشقة ولم تكن مسكونة‪ ،‬وكانت في الدور الثاني ولها منور عندما‬ ‫تجلس فيه تكشف الحي الشعبي كامالً ألنه أخفض من الحي االرستق ا رطي‬ ‫الذي يتكون من عما ا رت وبيوت وجد ا رن سميكة وخلف هذه الجد ا رن ال‬ ‫نعلم‬ ‫ماذا يجري‪ ،‬أما الحي الشعبي فهو مكشوف للجميع بسبب الجد ا رن التي‬

‫لعبت فيها عوامل التعرية والصفيح الذي يوجد فيه الكثير من الفتحات‬ ‫والذي يعلوه إطا ا رت قديمة وحجارة حتى ال يطير عندما تهب الرياح‪.‬‬ ‫في الحي الشرقي الناس يعرفون بعضهم ويجلسون في المساء أمام منازلهم‬ ‫رجاالً ونساء يتناولون القهوة والشاي عكس الحي الغربي الذي ال ترى إال‬ ‫األشجار شامخة على رصيف المنازل والورود بألوانها الجذابة تمتطي‬ ‫الجد ا رن وتتسلق البنيان‪.‬‬ ‫الساعة الجدارية تعلن الساعة السابعة مساء‪ ،‬والليل يسير قدما ً‪ ...‬والنجوم‬

‫تتألأل في السماء الواسعة والشارع تسوده الحركة ذهابا ً وإيابا ً ومالمح‬ ‫الكادحين تق أ رها من تقاسيم الجسم وتجاعيد الزمن المرسوم على الخدود‪...‬‬ ‫أما أصحاب الكروش في الحي االرستق ا رطي فهم ال يأتون إلى الشارع‪ ،‬فلهم‬ ‫أماكنهم الخاصة‪.‬‬ ‫‪18‬‬


‫جلست في البلكونة أفكر في هذا العالم الفسيح وبدأ شريط الذكريات يمر‬ ‫من أمامي ويداعب خيالي ومشاعري‪ ،‬أحيانا ً أكون متفائالً وأقاوم حالة‬ ‫اليأس التي تمر في الشريط‪ ،‬فالمال وحده ال يجلب السعادة وهذه حقيقة ال‬ ‫يؤمن بها الفق ا رء‪....‬‬ ‫عندما دقت الساعة الثانية عشر ليالً‪ ،‬حضنت سريري ولم أفتح عيناي إال‬ ‫عندما دقت الساعة العاشرة صباحاً‪ ،‬فأخذت حماما ً باردا ً حتى أنفض غيار‬ ‫التعب والتفكير في الليلة السابقة‪.‬‬

‫نزلت من شقتي أبحث عن مطعم قريب‪ ،‬فوجدت مطعم أبو أحمد لألكالت‬ ‫الشعبية‪ ،‬وأكثر ما لفت انتباهي في أبو أحمد أنه يعرف في السياسة الشيء‬ ‫الكثير ويملك ثقافة عامة هائلة رغم كبره في السن والتعليم البسيط فهو‬ ‫خريج جامعة الحياة‪..‬‬ ‫أوقفت سيارة أجرة وبدأت أتجول في المدينة واألماكن السياحية واألسواق‬ ‫التراثية الرائعة‪...‬‬ ‫في الخامسة تماما ً كنت في البلكونة احتسي القهوة التركية بعد جولة في‬

‫المدينة‪ ،‬وإذا الشارع يتحول إلى خلية نحل فمن الشباب من يرش الشارع‬ ‫بالماء ومنهم من يرتب الك ا رسي ومنهم من يمدد أسالك الكهرباء‪ ،‬فعرفت‬ ‫أن هناك زواجا ً ألحد أبناء الحي الشعبي‪ ،‬فكنت في بلكونة الشقة من‬ ‫المدعوين بدون كرت دعوة بحكم الحفلة ستكون أسفل الشقة‪.‬‬ ‫‪19‬‬


‫وعند الثامنة مساء بدأ الناس يتوافدون على الحفلة وكل يأخذ مكانه وهناك‬ ‫من يصب القهوة العربية ومن يوزع الشاي على المدعوين‪ ،‬وبدأ الشباب‬ ‫بتشابك األيدي والعازف يتفنن في العزف على آلة النفخ الموسيقية التي‬ ‫تسمى القربة ويأتي بألحان ا رئعة مع أغاني جماعية من الذين يدبكون‪.‬‬ ‫انتهت الحفلة الساعة الثانية عشر ليالً‪ ،‬وفي اليوم الثاني يتكرر المشهد‪،‬‬ ‫وفي اليوم الثالث قاموا بزف العريس وهو يتوسط الشباب ويسيرون في‬ ‫الشارع العام وينشدون أناشيد خاصة في زفة العريس‪.‬‬

‫إنني أحببت المكان جدا ً وكأنني أعيش فيه منذ زمن‪ ،‬وأصبحت عادة يومية‬ ‫أن أجلس على البلكونة وأحتسي قهوة المساء وتبدأ الجلسة في الخامسة‬ ‫مساء حيث أن الشارع تزدحم به الناس‪.‬‬ ‫كنت أنظر إلى الحي الشعبي وإذا بفتاة تجلس مع ام أ رة عرفت فيما بعد‬ ‫أنها أمها على باب منزلهم‪ ،‬ما شاء هللا نور وجهها كأنها خيطا ً من أشعة‬ ‫الليزر وشعرها كأنه ليل غاب عنه ضوء القمر‪ ،‬وابتسامة تكشف عن قلب‬ ‫يحمل مآسي الحياة‪.‬‬

‫وفي السابعة تماما ً تدخل إلى منزلها‪ ،‬وكل شيء كان طبيعيا ً ولم أحس في شيء‪.‬‬ ‫وفي اليوم الثاني في الخامسة تماما ً أ ا رها جالسة هي وأمها على باب‬ ‫المنزل‪ ،‬فتج أ رت ورفعت فنجان القهوة كتحية لها ففهمت وبادلتني التحية‬ ‫‪20‬‬


‫ترافقها ابتسامة اخترقت قلبي وبدون عائق‪.‬‬ ‫ومرت األيام سريعاً‪ ،‬وفي يوم كان من أصعب األيام التي مرت علي في‬ ‫حياتي‪ ،‬أ ريت أمها وهي تحملها وتضعها على كرسي متحرك ودفعتها‬ ‫ودخلت منزلها‪ ،‬أحسست بأن الدنيا الواسعة أضيق من بيت النملة‪.‬‬ ‫سألت المعلم سميح معلم القهوة فقال‪ :‬هي فتاة جميلة ما شاء هللا‪ ،‬وكانت‬ ‫مع والدها عندما انقلب الباص‪ ،‬وعلى إثره توفي والدها رحمه هللا وهي‬ ‫كما ترى أصابها شلل نصفي في أط ا رفها السفلى‪ ،‬ودائما ً تجلس أمام منزلهم‬

‫في الساعة الخامسة إلى الساعة السابعة‪ ،‬وثم تدخل المنزل ولها سنة منذ‬ ‫إصابتها وهي على هذا الحال‪.‬‬ ‫انتهت‪،،،‬‬

‫اليتيم العصامي‬ ‫أبو علي رجل في العقد ال ا ربع من عمره ودرس إلى الصف الخامس ابتدائي‬ ‫وترك الد ا رسة وكان يرى األغنام مع والده وكبر أبو علي وتزوج وأ ا رد أن‬ ‫يستقل بحياته فترك البادية وذهب إلى المدينة واشتغل بالتجارة ولكنه خسر‬

‫فيها وفضل أن يذهب إلى الوظائف الحكومية فتوظف وظيفة م ا رسل في‬ ‫إحدى الو ا ز ا رت و ا رتبه ال يكاد يغطي إيجار الشقة وكل من يسأله يقول‬ ‫مستورة والحمد هلل وقد رزقه هللا بثالث بنات وولد وسماه علي حيث أن والده‬ ‫يناديه يا )أبو علي( قبل أن يتزوج ويأتيه علي‪ ،‬ومرت األيام وكبر علي‬

‫‪21‬‬


‫وكان أكبر من أخواته وهنا ا زدت مصاريف العائلة و ا رتب ابو علي يزيد‬ ‫ولكن زيادة طفيفة كل سنة ألنه مستخدم وتحول إلى المرتبة الثانية‪.‬‬ ‫المهم أن حياة أبو علي وأسرته تسير على ما يرام‪ ،‬إلى أن جاء يوم‬ ‫مرض أبو عليمرضا ً شديدا ً وفجأة انتقل أبو علي إلى رحمة هللا‪ ،‬ومن‬ ‫هنا بدأت المأساة وكان عمر علي أربع عشرة سنة ويدرس في الصف‬ ‫الثاني المتوسط وبعد استالم مستحقات والده من العمل اتضح أن والده‬ ‫مديون فدفع علي وأمه هذه الديون إلى مستحقيها ودفعوا إيجار الشقة لمدة‬

‫ستة شهور ولم يبق مصروف يكفي أسرة أبو علي‪ ،‬وبعد ستة شهور أخرى‬ ‫بدأ صاحب الشقة يطلب إيجارها وبدأت المصاريف تكثر على األسرة‪ ،‬وقد‬ ‫فكر علي بأن يترك الد ا رسة ويعمل ليساعد أمه وأسرته بالمصاريف وحاولت‬ ‫أمه أن تقنعه بأن يكمل د ا رسته وهي تعمل‪ ،‬ولكنه رفض وقال‪ :‬يا والدتي إذا‬ ‫كان لي نصيب في إكمال د ا رستي سأكملها بإذن هللا‪.‬‬ ‫وفعالً عمل حارس أمن في أحد المواقع الذي ليس عليه حركة كثيرة وسجل‬ ‫في الصف األول الثانوي في إحدى المدارس الليلية وكان يأخذ كتبه ويذاكر‬

‫دروسه في الليل أثناء عمله وبمساعدة من زمالئه استطاع أن يؤمن لقمة‬ ‫العيش ألسرته )أمه وأخواته( ويكمل د ا رسته الليلة وأصبح في الصف الثالث‬ ‫ثانوي وكان يحب المواد العلمية ودخل الثانوية المجال العلمي وعند‬ ‫االختبا ا رت ساعده المسؤول عنه في العمل وأعطاه إجازة مدة االختبا ا رت‬ ‫‪22‬‬


‫وكان مجتهدا ً وبعد االختبا ا رت بفترة أعلنت النتائج وكان من ضمن‬ ‫الناجحين بتقدير جيد جدا ً مرتفع يقترب من الممتاز فجاءته بعثة للخارج‬ ‫لد ا رسة الطب ولكن والدته رفضت بسب ابتعاده عنهم خالل الد ا رسة وهن‬ ‫كلهن نساء والبد من وجود رجل بجانبهن فوافق وقدم على الجامعة وقبل في‬ ‫تخصص الهندسة الكهربائية وصار يدرس ويعمل في نفس عمله السابق‬ ‫كحارس أمن إلى أن أكمل د ا رسته وتعين في وظيفة على مرتبة جيدة في‬ ‫القطاع الحكومي وهنا أخواته تزوجن وهو تزوج من إحدى األسر وأحضر‬

‫سائقا ً خاصا ً لوالدته وخادمه وترقى في الوظيفة بعد إكماله الماجستير‬ ‫والدكتو ا رة وأصبح الدكتور علي وكيل لوا زرته التي يعمل بها‪.‬‬ ‫انتهت‪،،،‬‬

‫الصندوق األسود‬ ‫ألم تالحظ يا خالد أن المقهى لم يتغير منذ عشر سنوات‪ ،‬عندما التقيت بك‬ ‫ألول مرة وتم تعارفنا‪ ،‬فقاطعني خالد‪ :‬نعم يا أحمد ولكن أنت الذي تغيرت‬ ‫أصبحت من ذوي الوجاهة بكرشك الذي يتدلى أمامك‪ ،‬فتبسم أحمد إن هللا‬

‫يحب أن يرى أثر نعمته على عبده‪ ،‬ولكن أنت لم تتغير أبد ا ً‪.‬‬ ‫وعاد الصمت إلى الطاولة‪ ،‬وبعد رشفة من القهوة‪ ،‬بدأ يتحدث أحمد‬ ‫بكبرياء‪ :‬أتعرف أن هذا المقهى الشعبي لم يعد يتناسب مع وضعي‬ ‫االجتماعي والمالي‪ ،‬أال ترى الحمامة البيضاء ذات األرجل السوداء التي تقف‬

‫‪23‬‬


‫أمام المقهى‪ .‬فقال خالد مندهشا ً‪ :‬حمامة! وأرجل سوداء!‪.‬‬ ‫نعم يا صديقي إنها سيارتي‪ ،‬وأيضا ً شيدت منزالً في الحي الذي يقطنه علية‬ ‫القوم‪ ،‬وفتح خالد فمه‪ ،‬وتوسعت حدقة العين مندهشاً‪ ،‬وأخذ يكرر ويسأل‪:‬‬ ‫كيف؟ ومن أين لك هذا؟ وأنا أعرف أنكم غادرتم منزلكم الشعبي‪ ،‬إلى حي‬ ‫شعبي آخر أقل في المستوى‪.‬‬ ‫وقهقه أحمد وقال‪ :‬إنني جئت إلى هذا المقهى ألستعيد ذكريات السنين‬ ‫الممحلة‪ ،‬واآلن أصبحت ربيعا ً مزه ا ًر‪ ،‬فقاطعه خالد‪ :‬إنني ال أسمعك جيدا ً‬

‫بسب أصوات الكادحين نها ا ًر ورواد المقهى ليالً‪.‬‬ ‫فقال أحمد‪ :‬إذا ً البد من الذهاب إلى مكان هادئ‪ ،‬وكل ما عليك يا صديقي‬ ‫أن تكون بجانبي في حمامتي أقصد سيارتي‪ ،‬وسأخذك إلى مكان جميل وهادئ‪.‬‬ ‫وكان المقهى هادئاً‪ ،‬وذو ألوان جذابة‪ ،‬واألضواء خافتة‪ ،‬والموسيقى الهادئة‬ ‫التي تأخذك إلى عالم آخر‪.‬‬ ‫فقال خالد وهو ينظر يمينا ً ويسا ا ًر وإلى األعلى مندهشا ً‪ :‬هل هذا المقهى في‬ ‫مدينتنا؟‬

‫فضحك أحمد‪ :‬نعم يا صديقي‪ ،‬ولكن هذا للنخبة فقط‪.‬‬ ‫وقال خالد‪ :‬وكيف أصبحت من النخبة؟‬ ‫فقال أحمد‪ :‬كان هناك صندوق أسود أكل عليه الدهر وشرب ويضع الوالد‬ ‫جميع أو ا رقه ومستنداته وأغ ا رضه الخاصة فيه‪ ،‬وال نعرف ماهية هذه‬ ‫‪24‬‬


‫األغ ا رض بالتحديد‪ ،‬وال نستطيع االقت ا رب منه‪ ،‬وبعد وفاة الوالد رحمه هللا‬ ‫رحمة واسعة ومرور شهر على وفاته‪ ،‬قررنا أنا ووالدتي وأخي حامد أن‬ ‫نفتح الصندوق‪ ،‬وبحثنا عن مفتاحه الخاص فلم نجده‪ ،‬وأخي ا ًر فتحناه وكأننا‬ ‫لصوصا ً محترفين‪ ،‬فوجدنا أو ا رقا ً وصكوكا ً ومستندات‪ ،‬وكان من ضمن‬ ‫الصكوك التي ال نعلم عنها صك لقطعة أرض مساحتها ألف متر مربع‪،‬‬ ‫ولماذا مندهشا ً يا خالد وكأنني أقص عليك قصة ألف ليلة وليلة‪.‬‬ ‫نعم‪ ...‬نعم أكمل‪.‬‬

‫وكانت المفاجأة يا خالد‪ ،‬بأن األرض تقع في وسط المدينة وعلى شارع‬ ‫تجاري‪ ،‬وعندما سمعت بثمنها عند البيع أغمي علي وقد نقلت إلى‬ ‫المستشفى‪ ،‬كان المبلغ كبير‪ ،‬وقد تقاسمناه شرعا ً أنا وأخي وأمي‪ ،‬واآلن‬ ‫نحن من أصحاب الماليين‪.‬‬ ‫فقال خالد‪ :‬أجزم بأن والدك اشترى األرض عندما كانت المدينة كقرية‬ ‫صغيرة‪ ،‬فقال أحمد نعم صحيح ألن تاريخ الصك قبل أربعين عاماً‪ ،‬ولكن‬ ‫أنت أخبرني عن وضعك‪.‬‬

‫فقال خالد بعد أن أخذ نفسا ً عميقاً‪ ،‬والدي توفي رحمه هللا وعليه ديون‬ ‫كثيرة ونسددها أنا وأخي‪ ،‬وأذهب إلى عملي ماشيا ً كي أوفر أجرة الطريق‪،‬‬ ‫وفي أثناء الحديث جاء النادل ووضع فاتورة الحساب للقهوة التي شربها‬ ‫أحمد وللعصير الذي شربه خالد على الطاولة فأمسك خالد بالفاتورة ونظر‬ ‫‪25‬‬


‫إلى الحساب وبدأ وجه خالد يتلون بألوان الطيف من سعر الفاتورة‪ ،‬فقال‪:‬‬ ‫إن السعر يكفيني مصروفا ً لمدة أسبوع‪.‬‬ ‫فقال أحمد‪ :‬ال عليك يا صديقي أنت ضيفي ودع الحساب عنك‪.‬‬ ‫انتهت‪،،،‬‬

‫الزائر األبيض‬ ‫كنت أسير والثلوج تتساقط كالقطن‪ ،‬وتعترني النشوة من المنظر الذي يسحر‬ ‫األفئدة‪ ،‬فتقف سيارة أجرة فال ألتفت إليها‪ ،‬ألنني أجد متعة والثلوج تتساقط‬

‫على أ رسي‪ ،‬فال يلومني أحد ألن بالدي ال يزورها أبدا ً لقربها من خط‬ ‫االستواء الذي يقوم على استواء األجساد صيفا ً‪.‬‬ ‫مرت ساعة من وصول هدية الخالق إلى األرض‪ ،‬وإذا بكرة من الثلج تأتيني‬ ‫بغتة؛ ألتفت خلفي وإذا بفتاة تبتسم ونصف ساقها في الثلج‪ ،‬فبادلتها‬ ‫االبتسامة وغبطت ال ا زئر األبيض ألنه يداعب ساقيها‪.‬‬ ‫تأسفت لها ألن كرتها الثلجية لم أستقبلها في أحضاني وودت لو وصلت‬ ‫إلى ثغري لشربتها ماء حتى الثمالة‪.‬‬

‫تمنيت لو أن فصول السنة كلها ثلجا ً‪.‬‬ ‫توقف السقوط إلى أسفل‪ ،‬وبدأت بالسقوط إلى أعلى المخ وأفكر في‬ ‫ابتسامتها التي لن أنساها ما حييت‪ ،‬وفي الغد عدت إلى المكان في نفس‬ ‫الزمان ولكن كانت الشمس هي سيدة الموقف في تحويل ال ا زئر األبيض‬

‫‪26‬‬


‫سائالً تشربه مربعات حديدية في رحم الطريق‪.‬‬ ‫في مساء اليوم نفسه أعلنت الخطوط عن رحلة العودة إلى الرياض‪.‬‬ ‫انتهت‪،،،‬‬

‫المتشرد‬ ‫أسير في شوارع المدينة‪ ،‬والجو غائما ً وفجأة تهطل األمطار بغ ا زرة وينقطع‬ ‫التيار الكهربائي ويخيم الظالم الدامس على المدينة‪ ،‬فأركض مسرعاً‪،‬‬ ‫فارتطمت بجسم كان على األرض فنظرت إليه وإذا رجل ذو شعر كثيف‬

‫ولحية وال تكاد ترى من الوجه إال عينين وأنف فقط فانطلقت من فمي ال‬ ‫شعوريا ً )بسم هللا الرحمن الرحيم( ماذا؟‬ ‫فقلت‪ :‬أنت‪ ....‬من أنت؟ وأنا‪ ......‬من أنا؟‬ ‫فاستدرك وقال‪ :‬نعم أنا متشرد في بالد الديمق ا رطية والحرية!‬ ‫ألتحف السماء وأشرب ماءها‪ ،‬وافترش األرض وطعامي خشاش‪.‬‬ ‫ولكن من أنت؟ فقلت مفتخ ا ًر‪ ....‬أنا ‪ .....‬عربي‪.‬‬ ‫فقال‪ :‬إذا ً‪ ....‬أنت‪ ....‬إما أن تكون‪ .....‬إرهابي‪ .....‬أو متشرد مثلي‪.‬‬

‫فالتفت يمينا ً وشماالً وأنا أضع يدي على قلبي‪.‬‬ ‫فقلت وأنا ا رفعا ً أ رسي أنني متشرد وألف متشرد وسأتمدد في الجهة المقابلة‬ ‫كي أثبت لك ذلك‪.‬‬ ‫انتهت‪،،‬‬

‫‪27‬‬


‫عين حارة‬ ‫سعود في الصف الثاني متوسط‪ ،‬وكان العبا ً ماه ا ًر في كرة القدم‪ ،‬ويلعب‬ ‫في فريق المدرسة‪ ،‬ومعجبا ً به مدرس التربية البدنية ويعتبره الورقة ال ا ربحة‬ ‫في الفريق‪ ،‬وسبب حصول مدرسته على كأس المدارس المتوسطة‪.‬‬ ‫كان يلعب كرة القدم مع فريق حارته في ملعب قريب من منزله ورغم أنه‬ ‫غير مجهز ال عشبا ً طبيعيا ً وال صناعيا ً إال أن سعود كان مبدعا ً في‬ ‫م ا روغة الخصم وتسجيل األهداف‪.‬‬

‫كان أحد رؤساء األندية الممتازة يشاهد المبا ا رة بالصدقة‪ ،‬وأعجب في أداء‬ ‫سعود في الملعب‪ ،‬وقد أحرز هدفين‪ ،‬ب أ رسه هدفا ً وبقدمه هدفا ً‪.‬‬ ‫بعد المبا ا رة تقدم إليه رئيس النادي الممتاز وعرض عليه أن يلعب في درجة‬ ‫الشاب وبعدها سينتقل إلى درجة الفريق األول‪ ،‬ووافق سعود بدون تردد‪.‬‬ ‫وتدرج في الفريق ووصل إلى درجة الكبار‪ ،‬وأصبح سعود أ رس حربة لفريقه‪،‬‬ ‫واكتسب شهرة واسعة وأخذت العروض تنهال إليه من كل حدب وصوب‪،‬‬ ‫ولكنه ظل وفيا ً لناديه الذي أكسبه شهرة ورفع من وضعه المادي‬

‫واالجتماعي‪ ..‬وصل فريقه إلى المبا ا رة النهائية على كأس الدرجة الممتازة‪،‬‬ ‫وبدأت المبا ا رة وأحرز هدفا ً في الدقائق األخيرة للمبا ا رة وكان أغلى هدف في‬ ‫حياته ألنه كان سببا ً في حصول فريقه على كأس البطولة‪ ،‬وأخذت تنهال‬ ‫عليه الهدايا من رئيس النادي ومن أعضاء الشرف‪ ،‬وكانت الهدية التي ال‬

‫‪28‬‬


‫تنسى هي سيارة ال يقودها إال علية القوم‪.‬‬ ‫فرح سعود في سيارته وعاد إلى منزلهم في حارتهم القديمة التي يحبها سعود‬ ‫كثي ا ًر ألنه نشأ وترعرع فيها وله ذكريات جميلة مما جعله يتمسك بحارته وال‬ ‫ينتقل إلى مكان آخر مع أنه كان في استطاعته‪ ..‬وقفت السيارة أمام المنزل‬ ‫الذي ال يناسب نوعها وثمنها‪ ،‬ويستطيع سعود بثمن السيارة ش ا رء منزلين‬ ‫في حارته لو أ ا رد‪.‬‬ ‫صارت في الحارة كأنها كائن فضائي غريب‪ ،‬وكل يقف عندها قليالً ثم‬

‫يذهب ويأتي اآلخر‪ ،‬ولكن محيميد وقف عندها طويالً‪ ،‬وعينيه تأكلها‬ ‫وكأنها قطعة لحم مشوية في زمن ما قبل النفط‪.‬‬ ‫وفي نفس الليلة أ ا رد سعود الذهاب إلى منزل شقيقته كي يبارك لها في‬ ‫المولود الجديد‪ ،‬ومنزلها يبعد عن منزل سعود خمسة عشر كيالً‪) ،‬وفي‬ ‫نصف المسافة بدأت عيون محيميد تأخذ طريقها إلى السيارة( وإذا بالسيارة‬ ‫تنحرف عن الطريق وتضرب بالحاجز الحديدي وتعود ثم تنقلب عدة م ا رت‪،‬‬ ‫وصارت كأنها كرة بسبب قوة االرتطام واالنقالب‪ ،‬ولكن مشيئة هللا أنقذت‬

‫سعود من الموت‪ ،‬وأبقته مشلوالً على كرسي اإلعاقة باقي حياته‪.‬‬ ‫ا زره رئيس النادي وزمالؤه ومحبيه وكتبت عنه الصحف‪ ،‬وبعد فترة أخذت‬ ‫األضواء تنحسر شئيا ً فشيئا ً عنه‪ ،‬وعاد لملعب الحارة ولكن على الكرسي‬ ‫المتحرك للمشاهدة واستعادة الذكريات‪ ..‬وبعد سنوات ا رجع إحدى الدوائر‬ ‫‪29‬‬


‫الحكومية إلنجاز معاملة تخصه‪ ،‬فقال للموظف‪ :‬أنا سعود الالعب القديم‬ ‫أرجو إنجاز معاملتي‪.‬‬ ‫قال الموظف‪ :‬من سعود أنا ال أعرفه وأيضا ً ال أحب كرة القدم؟‬ ‫فقال سع ود‪ :‬إذا عاملني كمعاق‪ ،‬وأرجو منك أن تنهي معاملتي والبد أن‬ ‫تشفع لي إعاقتي بأن تكون األولوية لي عن باقي الم ا رجعين‪.‬‬ ‫انتهت‪،،،‬‬

‫رأس المال‬ ‫انتقل من قريته إلى المدينة ال يعرف المدينة وال أحد فيها وتمر األيام وهو‬ ‫تائها ً في قاع المدينة ينام جائعا ً ويلتحف األرض‪ ،‬وجاءت أخي ا ًر فرصة‬ ‫العمل تجري مسرعة‪ ،‬وعمل مجتهدا ً ليالً ونها ا ًر‪ ،‬وتزوج ام أ رة قاسمته الحياة‬ ‫بم ا ررتها وحالوتها‪ ،‬وكون أسرة‪.‬‬ ‫ومرت األيام واحدودب الظهر واألم ا رض تنهش بجسمه وكأنها أسود‬ ‫مجتمعة على غ ا زل تائها في صح ا رء قاحلة‪.‬‬ ‫وفي لحظة تفكير هادئة في أمواله التي كان يملكها وبعد جمع وطرح وجد‬

‫نفسه في دائرة أثرياء المدينة‪ .‬وتذكر يوم كان ال يجد درهما ً يقتات به‪ ،‬فحمد هللا‬ ‫وشكره‪ .‬ولكن استدرك وقال‪ :‬ليتني بقيت فقي ا ًر صحيحا ً وال غنيا ً معتالً‪.‬‬ ‫فالمال ال يعادل الصحة‪ ،‬فالصحة هي أ رس المال‪.‬‬ ‫انتهت‪،،،‬‬

‫‪30‬‬


‫سارق األقالم‬ ‫كان في الصف الثالث االبتدائي في عمر الزهور وكثير الحركة وب ا رءة‬ ‫الطفولة تشع من عينيه‪.‬‬ ‫وكان يسرق أقالم أق ا رنه في الفصل‪ ،‬وعاد بها إلى المنزل وأخبر والده‬ ‫فابتسم في وجه وعندما أصبح في سن الشباب سطا على بنك وسجن‬ ‫عشرين عاما ً‪..‬‬

‫ديك مدلل‬ ‫ديك أمير القرية مدلل ويحبه كثي ا ًر‪ ،‬يمشي ا رفعا ً أ رسه‪ ،‬وال يستطيع أحد أن‬ ‫ينظر إليه شذ ا ًر بل كل القرية تبتسم في وجه‪.‬‬ ‫وكان ديكا ً م ا زجيا ً ليس أي دجاجة تعجبه وفي أحد أيام فصل الربيع والجو‬ ‫جميل والورود تتمايل تغازل النسيم العليل أ رى دجاجة ترقص يمينا ً وشماالً‪،‬‬ ‫اقترب الديك منها يحاول أن يتحرش بها فلم تلتفت له ونهرته وأحس أنها‬ ‫طعنته في ذكورته‪ ،‬ومكانته في قلب األمير‪ ،‬وأمسك بها وضربها وأغمي‬ ‫عليها واستغل ذلك الغتصابها‪ ،‬وبالصدفة شاهد المنظر صاحب الدجاجة‬

‫وبدأ الدم يغلي في عروقه ويقول‪:‬‬ ‫ال يسم الشرف الرفع من األذى‪ ...‬حتى ي ا رق على جوانبه الدم‬ ‫وأخرج مطوى كانت معه وطعن الديك طعنة قاتلة‪ ،‬وعندما علم أمير القرية‬ ‫جعل ذلك اليوم أسودا ً للفالح صاحب الدجاجة‪.‬‬

‫‪31‬‬


‫الحلم الجميل‬ ‫كشفت التحاليل الطبية أن ليلى حامل‪ ،‬وفرحت ليلى هي وزوجها بهذا‬ ‫الخبر الذي ال يقدر بماليين‪ ،‬ال سيما أنه الحمل األول بعد خمس سنوات‬ ‫من الزواج‪ ،‬وم ا رجعة األطباء والمستشفيات الذي كلفهم الكثير من الوقت‬ ‫والمال‪ ،‬وقرر الزوج أن تقوم في جولة في سيارته داخل المدينة‪ ،‬وركبت‬ ‫بجانبه وفجأة وهو يقود سيارته مستمتعا ً هو وهي وإذا بطفل يمر من أمام‬ ‫السيارة وداس على الف ا رمل وإذا بالزوجة تصرخ لن أنام معك في سرير واحد‬

‫كادت قدمك أن تخترق بطني‪ ،‬ليتك لم تصرخي‪.‬‬ ‫انتهت‪،،،‬‬

‫الوالدين‬ ‫كان با ا ًر بوالديه‪ ،‬وبعد أن كبر في السن وأصبح مقعد على كرسي متحرك‬ ‫تخاصم أوالده فيما بينهم على من يحصل له الشرف ويأخذه للحج‪.‬‬

‫اإلستغالل‬ ‫هو لم يكمل الثالث متوسط وهي جامعية وتعمل معلمة‪ ،‬وحصل النصيب‬

‫وتزوجها وبعد سنة أنجبت له طفالً وكانت سعيدة بهذا الطفل الذي مأل‬ ‫حياتها‪.‬‬ ‫وقالت لزوجها اآلن يجب أن نخطط لمستقبل طفلنا‪ ،‬سنقوم بش ا رء أرضا ً‬ ‫‪32‬‬


‫وفيما بعد نبني عليها منزلنا‪.‬‬ ‫فقال الزوج‪ :‬ال بأس فكرتك جميلة ولكن األرض تحتاج إلى نقود‪.‬‬ ‫فقالت‪ :‬سأخذ سيارة باألقساط المريحة وأسددها من ا رتبي‪.‬‬ ‫وأخذت السيارة وعملت له توكيل ببيعها واستالم المبلغ‪ ،‬وعندما أصبحت‬ ‫النقود في حسابه أسرع إلى قريته وخالل أسبوع كان متزوج من ابنة عمه‪.‬‬ ‫انتهت‪،،،‬‬

‫‪33‬‬



Turn static files into dynamic content formats.

Create a flipbook
Issuu converts static files into: digital portfolios, online yearbooks, online catalogs, digital photo albums and more. Sign up and create your flipbook.