نقد أفكار هيكل سليمان الواردة في النص التوراتي

Page 1



‫ﻧﻘﺪ أﻓﻜار ﻫﻴﻜﻞ ﺳﻠﻴمان الواردة‬ ‫ﻓﻲ الﻨﺺ التوراﺗﻲ‬ ‫ﺗﺄلﻴﻒ‬ ‫د‪ .‬زﻛﺮيا إﺑﺮاﻫﻴﻢ الﺴﻨوار‬ ‫أﺳﺘﺎذ اﻟﺘﺎرﻳﺦ اﻟﺤﺪﻳﺚ واﻟﻤﻌﺎﺻﺮ ﺑﺎﻟﺠﺎﻣﻌﺔ ا ﺳﻼﻣﻴﺔ ﺑﻐﺰة‬

‫ﻗﺴﻢ اﻷﺑحاث والمﻌﻠوﻣات‬ ‫ﻣﺆﺳﺴﺔ الﻘﺪس الﺪولﻴﺔ‬ ‫ﻛﺎﻧﻮن أول‪/‬دﻳﺴﻤﺒﺮ ‪2018‬‬


‫نقد أفكار هيكل سليمان الواردة في النص التوراتي‬

‫© مجيع احلقوق حمفوظة‬ ‫الطبعة األوىل‬ ‫‪ 2018‬م – ‪ 1440‬هـ‬ ‫بريوت – لبنان‬

‫‪ISBN 978-9953-0-3932-9‬‬

‫ال جيوز نشر أي جزء من هذا الكتاب‪ ،‬أو اختزان مادته بطريقة االسرتجاع‪ ،‬أو نقله على أي حنو أو‬ ‫بأي طريقة‪ ،‬سواء كانت إلكرتونية‪ ،‬أو ميكانيكية‪ ،‬أو بالتصوير‪ ،‬أو بالتسجيل‪ ،‬أو خالف ذلك‪ ،‬إال‬ ‫مبوافقة كتابية مسبقة من الناشر‪.‬‬

‫اآلراء الواردة يف هذا الكتاب ال تعرب بالضرورة عن وجهة نظر‬ ‫مؤسسة القدس الدولية‬ ‫مؤسسة القدس الدولية‬ ‫تلفـون ‪+ 961 1 751725‬‬ ‫تلفاكس ‪+ 961 1 751726‬‬ ‫بريد إلكرتوني‪info@alquds-online.org :‬‬ ‫املوقع‪www.alquds-online.org :‬‬

‫التصميم واإلخراج ّ‬ ‫الفن‬ ‫آية قبالوي‬ ‫‪2‬‬


‫مؤسسـة القدس الدولية‬ ‫المحتويات‬

‫المحتويات‬ ‫متهيـد ‪5 ....................................................................................‬‬

‫ً‬ ‫أول‪ :‬مكانة القدس عند اليهود ‪6 .......................................................‬‬

‫ثان ًيا‪ :‬أصل لفظة "هيكل" ومعناها ‪7 ...................................................‬‬

‫ثال ًثا‪ :‬مكانة "اهليكل" عند اليهود ‪8 ....................................................‬‬ ‫راب ًعا‪ :‬أصل فكرة اهليكل عند اليهود ‪9 .................................................‬‬

‫خامسا‪ :‬التناقضات التوراتية حول هيكل سليمان ‪12.................................‬‬ ‫ً‬

‫سبب بناء اهليكل ‪13 ...................................................................‬‬

‫مكان اهليكل ‪17 .........................................................................‬‬ ‫مثن األرض ‪20 ..........................................................................‬‬ ‫الوسيط ‪21 ..............................................................................‬‬ ‫باني اهليكل ‪22 ..........................................................................‬‬ ‫املواد اليت ُجعت للبناء ‪23 ...........................................................‬‬

‫املواد املستخدمة يف البناء ‪25 .........................................................‬‬ ‫العاملون يف البناء ‪26 ..................................................................‬‬

‫مساحة اهليكل ‪27 .......................................................................‬‬ ‫سادسا‪ :‬اهليكل ووثنية بين إسرائيل ‪29 ..................................................‬‬ ‫ً‬ ‫ساب ًعا‪ :‬هيكل سليمان وعلم اآلثار ‪33 ....................................................‬‬ ‫ثام ًنا‪ :‬التوراة وهدم اهليكل ‪39 ............................................................‬‬ ‫اخلامتة ‪41 ...................................................................................‬‬ ‫املراجع ‪42 ....................................................................................‬‬ ‫‪3‬‬


‫نقد أفكار هيكل سليمان الواردة في النص التوراتي‬

‫‪4‬‬


‫مؤسسـة القدس الدولية‬

‫تمهيـد‪:‬‬ ‫ُتع ّد مدينة القدس واألماكن املقدسة بها‪ ،‬من أكثر املوضوعات حساسية يف العامل‪،‬‬ ‫نظ ًرا جلذورها الدينية والتارخيية‪ ،‬واحتوائها على تراث وآثار دينية‪ ،‬وألهميتها‬ ‫اخلاصة عند املسلمني؛ بسبب ارتباطها بالعقيدة اإلسالمية‪ ،‬فهي أوىل القبلتني‪ ،‬وثاني‬ ‫املسجدين‪ ،‬وثالث املساجد اليت ُتشد إليها الرحال للصالة‪.‬‬ ‫ويف القدس آثار إسالمية‪ ،‬منها املسجد األقصى‪ ،‬واملساجد األخرى‪ ،‬والزوايا‪ ،‬واملدارس‪،‬‬ ‫واألسبلة‪ ،‬واملقابر اإلسالمية‪ ،‬وبها آثار مسيحية من كنائس وأديرة‪ ،1‬ويدّعى اليهود أن‬ ‫هلم آثار فيها ً‬ ‫أيضا‪ ،‬فهم يعتقدون أن اهليكل كان يف القدس‪ ،‬ويسعون إلعادة بنائه من‬ ‫جديد؛ األمر الذي زاد من حدة الصراع على القدس‪.‬‬

‫‪ 1‬صادق‪ ،‬محمد‪ ،‬القدس بين المزاعم اليهودية والحقوق التاريخية للعرب‪ ،‬ص ‪.68‬‬

‫‪5‬‬


‫نقد أفكار هيكل سليمان الواردة في النص التوراتي‬

‫أوال‪ :‬مكانة القدس عند اليهود‬ ‫للقدس مكانتان متناقضتان عند اليهود؛ إحداهما أنها هي مركز العامل‪ ،‬وأن اليهود‬ ‫كانوا حيجون إليها ثالث مرات كل عام‪ ،‬وهي املدينة اليت سيفيض منها اخلري من‬ ‫السماء‪ ،‬ومنها يو ّزع على العامل كله‪ ،‬وهي امللكوت الذي سيحكم العامل‪ .‬ويعتقدون أنه‬ ‫ال يفصلها عن اإلله أي فاصل‪ ،‬وأن أدعية اليهود تصعد للرب من خالهلا‪ ،‬وأن جدرانها‬ ‫سوف تعلو وتعلو حتى تقرتب من العرش اإلهلي‪.1‬‬ ‫كما يعتقدون أن الطوفان الذي غمر العامل زمن نوح ‪-‬عليه السالم‪ ،-‬إمنا غمر العامل‬ ‫كله‪ ،‬باستثناء مدينة واحدة هي أورشليم؛ ألنها بيت الرب؛ وفيها روحه‪ ،‬فلم تغمر املياه‬

‫جدارية يف احلي اليهودي يف القدس احملتلة متثل "حياة اليهود يف القدس"‬ ‫‪ 1‬النتشــة‪ ،‬جــواد‪ ،‬مكانــة بيــت المقــدس‪ ،‬ص ‪107‬؛ والمســيري‪ ،‬عبــد الوهــاب‪ :‬موســوعة اليهــود واليهوديــة والصهيونيــة‪،‬‬ ‫ج ‪ ،4‬ص ‪.125‬‬

‫‪6‬‬


‫مؤسسـة القدس الدولية‬

‫أورشليم‪ ،‬وجبل صهيون بالذات؛ ألنها أعلى وأمسى املناطق يف العامل حسب زعمهم‬ ‫املغلوط‪.1‬‬ ‫أما املكانة الثانية للقدس عند اليهود‪ ،‬فهي مدينة ملعونة‪ ،‬وعاصية‪ ،‬فبعد أن عاد اليهود‬ ‫من السيب‪ ،‬يذكر سفر عزرا‪« :‬ليعلم امللك أن اليهود الذين صعدوا من عندك إلينا‪ ،‬قد‬ ‫الر ِد َّي َة»‪ ،2‬أما مقام «أورشليم» يف التوراة فهي‬ ‫أتوا إىل أورشليم‪ ،‬ويبنون املدينة العاصية َّ‬

‫مدينة َر ِد َّي َة ومضرة‪ ،‬فقد ورد ً‬ ‫أيضا يف السفر ذاته‪« :‬ليعلم امللك أن هذه املدينة مدينة‬ ‫عاصية ومضرة»‪.3‬‬

‫ثانيا‪ :‬أصل لفظة «هيكل» ومعناها‬ ‫ً‬ ‫لفظة «هيكل» عربية‪ ،‬مأخوذة عن «هيكال» الكنعانية مبعنى املعبد‪ ،4‬ويف معاجم‬ ‫اللغة العربية‪ ،‬تدل كلمة «هيكل» على‪ :‬البناء املرتفع‪ ،‬أو موضع يف صدر الكنيسة‬ ‫ُقرب يف القربان‪ ،‬أو الصورة أو الشخص أو التمثال‪ ،5‬وجاء يف لسان العرب أن اهليكل‪:‬‬ ‫ي َّ‬ ‫الضخم من كل شيء‪ ،‬واهليكل ٌ‬ ‫بيت للنصارى فيه صن ٌم على خ ْلقة مريم‪ ،6‬ويف اللغة‬ ‫العربية اهليكل هو «هيخال» ويعين‪ :‬قصر‪ ،‬أو هيكل‪ ،‬واهليكل هو البيت املقدس‪ ،7‬ووردت‬ ‫يف العربية كلمة أخرى هي «بيت همكداش»‪ ،‬مبعنى‪ :‬بيت املقدس‪ ،‬أو هيكل‪« ،8‬بيت‬ ‫همكداش» تدل على خيمة االجتماع اليت بناها موسى ‪-‬عليه السالم‪ ،-‬وامتدت خدمتها‬ ‫يف الصحراء‪ ،‬ثم ُنقلت مع بين إسرائيل إىل أرض كنعان‪ ،‬كما تشري إىل املبنى غري‬ ‫املسقوف يف «شيلوه» قرب نابلس‪ ،‬وإىل هيكل أورشليم ً‬ ‫أيضا‪.9‬‬ ‫‪ 1‬مهران‪ ،‬محمد‪ ،‬دراسات تاريخية من القرآن الكريم في العراق‪ ،‬ص ‪.85-75‬‬ ‫‪ 2‬سفر عزرا‪.12:4 ،‬‬ ‫‪ 3‬سفر عزرا‪15:4 ،‬؛ والهاشمي‪ ،‬عابد‪ :‬فلسطين في الميزان‪ ،‬ص ‪.80‬‬ ‫‪ 4‬سوسة‪ ،‬أحمد‪ ،‬العرب واليهود في التاريخ‪ ،‬ص ‪.272‬‬ ‫‪ 5‬البستاني‪ ،‬كرم‪ ،‬وآخرون‪ ،‬المنجد‪ ،‬ص ‪.869‬‬ ‫‪ 6‬ابن منظور‪ ،‬لسان العرب‪ ،‬ج ‪ ،11‬ص‪.700‬‬ ‫‪ 7‬دانا‪ ،‬يوسف‪ ،‬اللسان؛ قاموس عبري – عربي‪ ،‬ص ‪101‬‬ ‫‪ 8‬المرجع نفسه‪ ،‬ص ‪.47‬‬ ‫‪ 9‬عواد‪ ،‬محمود‪ ،‬إقامة الهيكل المزعوم‪ ،‬ص‪.14‬‬

‫‪7‬‬


‫نقد أفكار هيكل سليمان الواردة في النص التوراتي‬

‫ً‬ ‫ثالثا‪ :‬مكانة «الهيكل» عند اليهود‬ ‫حيظى اهليكل مبكانة‬ ‫مرموقة يف الفكر‬ ‫فاليهود‬ ‫اليهودي‪،‬‬ ‫يعتقدون أن هيكل‬ ‫أورشليم يقع يف مركز‬ ‫العامل‪ ،‬فقد بُين‪ ،‬حسب‬ ‫اعتقادهم‪ ،‬يف وسط‬ ‫القدس‪ ،‬اليت تقع يف‬ ‫وسط الدنيا‪ ،‬وما دام‬ ‫قدس األقداس يقع‬ ‫يف وسط اهليكل‪ ،‬فإنه‬ ‫منوذج لتابوت العهد حبسب املصادر اليهوديّة‬ ‫مبنزلة ُس َّرة العامل‪،‬‬ ‫ويعتقدون أن أمام اهليكل حجر األساس الذي عنده خلق الرب العامل‪ ،‬واهليكل كنز‬ ‫متاما مثل بين إسرائيل‪ ،1‬وهو عند الرب أمثن من السماوات واألرض اليت خلقها‬ ‫اإلله‪ً ،‬‬ ‫بيد واحدة‪ ،‬أما اهليكل فقد خلقه الرب بكلتا يديه‪ ،‬وأنه قرر بناء اهليكل قبل أن‬ ‫الرب ِ‬ ‫خيلق الكون نفسه‪ .2‬وتزداد أهمية اهليكل باحتوائه على قدس األقداس الذي يضم‬ ‫ْ‬ ‫تابوت العهد‪ ،‬ومتثالني ْ‬ ‫لإلهلي «يهوة وألوهيم»‪ ،‬وأن روح اإلهلة «شخيناه»‬ ‫مللكي يرمزان‬ ‫حتل يف التابوت‪ ،‬ويعتقد اليهود أن قدس األقداس ميثل السماء السابعة‪ ،3‬وذلك يعين‬ ‫أن الرب حاض ٌر مع اليهود لوجوده‪ ،‬أو لوجود رمزه يف قدس األقداس يف هيكل أورشليم‪.‬‬ ‫‪ 1‬السنوار‪ ،‬زكريا‪ ،‬محاضرات في تاريخ اليهود والحركة الصهيونية‪ ،‬ص ‪.12‬‬ ‫‪ 2‬المسيري‪ ،‬عبد الوهاب‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ج‪ ،4‬ص‪.159‬‬ ‫‪ 3‬المسيري‪ ،‬عبد الوهاب‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ج ‪ ،4‬ص ‪.166-165‬‬

‫‪8‬‬


‫مؤسسـة القدس الدولية‬

‫رابعا‪ :‬أصل فكرة الهيكل عند اليهود‬ ‫ً‬ ‫يعتقد اليهود‪ ،‬حسبما ورد يف‬ ‫سفر اخلروج‪ ،‬أن تابوت العهد‬ ‫ظهر للمرة األوىل يف سيناء‪،‬‬ ‫حيث وضعوا فيه ألواح موسى‪،‬‬ ‫ويعتقدون بقدسيته‪ ،‬فكانوا‬ ‫حيملونه معهم أينما ذهبوا‪،‬‬ ‫وحافظوا عليه داخل هيكلهم‬ ‫الذي وضحت معامله األوىل‬ ‫ً‬ ‫أيضا يف سيناء‪ ،‬فقد أعطى اهلل‬

‫موسى لوحي العهد‪ ،‬وطلب منه‬ ‫صناعة التابوت‪ ،‬وأن يصنع فيه‬ ‫اللوحتني‪.1‬‬

‫وأوردت التوراة املختلقة وص ًفا‬ ‫دقي ًقا للتابوت‪ ،‬وبعض امللحقات‬ ‫األخرى‪ ،‬مثل‪ :‬املائدة‪ ،‬واملنارة‪،‬‬ ‫واملسكن واملذبح‪ ،‬اليت شكلت يف‬ ‫منوذج لـ "قدس األقداس" كما وصفها التوراة‬ ‫جمموعها خيمة االجتماع‪ ،‬اليت‬ ‫يعتقد اليهود أنها ُسيت بذلك االسم؛ ألن الرب جيتمع فيها ببين إسرائيل‪ .2‬وقد ورد‬ ‫يف موسوعة «الكتاب املقدس» أن بين الوي كانوا ينصبون تلك اخليمة أينما ح ّلوا يف‬ ‫وسط خيام األسباط األخرى‪ ،‬وأنها كانت تقام على هيكل من خشب السنط‪ ،‬وكان‬ ‫طوهلا حنو ‪ 14‬م ً‬ ‫رتا‪ ،‬وعرضها حنو ‪ 4‬أمتار‪ ،‬وارتفاعها حنو ‪ 5‬أمتار‪ ،‬وأنه كانت توضع‬ ‫‪ 1‬أبو زيد‪ ،‬سعيد‪ ،‬هيكل سليمان بين النصوص العربية والتوراتية‪ ،‬ص ‪.168-167‬‬ ‫‪ 2‬موسوعة الكتاب المقدس‪ ،‬ص‪.145‬‬

‫‪9‬‬


‫نقد أفكار هيكل سليمان الواردة في النص التوراتي‬

‫فوق اهليكل أربعة أنواع من األغطية‪ ،‬وأنها كانت من الداخل مقسمة إىل حجرتني؛‬ ‫صغراهما هي األبعد عن الباب‪ ،‬وامسها «قدس األقداس» أو «املكان األقدس»‪ ،‬الذي‬ ‫يسمح بالدخول إليه إال لرئيس الكهنة مرة واحدة يف السنة‪ ،‬أما احلجرة الثانية‬ ‫ال ُ‬ ‫وهي الكربى‪ ،‬فتسمي «القدس» أو «املكان املقدس»‪ ،‬وكان يفصلها عن قدس األقداس‬ ‫حجاب من كتان مطرز‪ ،1‬ويعتقد اليهود أنه كان يوضع يف قدس األقداس تابوت‬ ‫الشهادة‪ ،‬الذي حيتوى على الوصايا العشر‪ ،‬اليت ذكر ابن خلدون أنها‪ :‬كلمة التوحيد‪،‬‬ ‫واحملافظة على السبت برتك األعمال فيها‪ ،‬وبر الوالدين ليطول العمر‪ ،‬والنهي عن‬ ‫القتل والزنا والسرقة وشهادة الزور‪ ،‬وال متتد ع ٌ‬ ‫ني إىل بيت صاحبه‪ ،‬أو امرأته‪ ،‬أو لشيء‬ ‫من متاعه‪.2‬‬ ‫وقد حتدث سفر اخلروج عن تفاصيل دقيقة حملتويات خيمة االجتماع‪ ،‬والطقوس اليت‬ ‫تتم فيها‪ ،‬واألجزاء اليت تتكون منها‪ ،‬باعتبار أنها ينبغي أن تكون مالئمة للصحراء‪،‬‬ ‫وقابلة للفك والرتكيب؛ لنقلها من مكان إىل آخر‪ ،‬وإقامتها حيثما يذهبون يف‬ ‫ترحاهلم املستمر‪.3‬‬ ‫وبالنظر للوصف الوارد يف سفر اخلروج يتضح كذبه؛ ألنه ال يتوافق مع واقع التيه‪،‬‬ ‫الذي عاشه بنو إسرائيل‪ ،‬فخيمة االجتماع كانت حتتوي على كميات من الذهب‬ ‫والفضة والنحاس‪ ،‬وبرفري بنفسجي‪ ،‬وأرجوان‪ ،‬وقماش قرمزي‪ ،‬وكتان ناعم‪ ،‬وشعر‬ ‫معز‪ ،‬وجلود كباش مصبوغة باحلمرة‪ ،‬وجلود دالفني‪ ،‬وخشب سنط‪ ،‬وزيت‪ ،‬وخبور‪،‬‬ ‫وحجارة جزع‪ ،‬وغري ذلك‪.4‬‬ ‫وتذكر الدراسات التوراتية أن بين إسرائيل نقلوا خيمة االجتماع يف جتواهلم‬ ‫بالصحراء حنو ثالثني مرة‪ ،‬حتى وصلوا إىل نهر األردن‪ ،‬مقابل أرحيا‪ ،‬وأنهم نصبوها يف‬ ‫‪ 1‬موسوعة الكتاب المقدس‪ ،‬ص‪146-145‬؛ وشنودة‪ ،‬زكي‪ :‬المجتمع اليهودي‪ ،‬ص ‪171-164‬؛ ومصالحة‪ ،‬محمود‪:‬‬ ‫المسجد األقصى المبارك وهيكل بني إسرائيل‪ ،‬ص‪.95‬‬ ‫‪ 2‬ابن خلدون‪ ،‬العبر‪ ،‬ج‪ ،2‬ق‪ ،1‬ص‪.38‬‬ ‫‪ 3‬شنودة‪ ،‬زكي‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪164‬؛ وأبو زيد‪ ،‬سعيد‪ :‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.168‬‬ ‫‪ 4‬سفر الخروج‪ ،‬اإلصحاحات ما بين ‪31-25‬؛ ابن كثير‪ :‬البداية والنهاية‪ ،‬ج ‪ ،1‬ص ‪.308-307‬‬

‫‪10‬‬


‫مؤسسـة القدس الدولية‬

‫أرض كنعان بعد دخوهلم‬ ‫إليها‪ ،‬ويف شيلوه‪ ،‬مشالي‬ ‫بيت إيل على طريق نابلس‬ ‫– القدس‪ ،‬جعلوا جدران‬ ‫ذلك املسكن «خيمة‬ ‫االجتماع» من احلجارة‪،‬‬ ‫ً‬ ‫بدل من اخلشب‪ ،‬ودون‬ ‫سقف‪ ،‬وأنه ظل هناك‬ ‫حتى نقله داود ‪-‬عليه‬ ‫السالم‪ -‬إىل القدس‪.1‬‬

‫رسم للخيمة يعود لعام ‪1874‬‬

‫وحتدثت املصادر اإلسالمية عن «خيمة االجتماع» اليت تناولتها التوراة‪ ،‬وأطلقت عليها‬ ‫اسم «قبة الزمان»‪ ،‬فذكر اليعقوبي أن «اهلل أمر موسى ‪-‬عليه السالم‪ -‬أن يبين قبة‬ ‫الزمان‪ ،‬وجيعل فيها اهليكل‪ ،‬وجيعل يف اهليكل تابوت السكينة‪ ،‬ويكون هارون كاهن‬ ‫ذلك اهليكل الذي ال يدخله غريه‪ ....‬وأن السرادق كان طوله مائة ذراع‪ ،‬يف صدره‬ ‫اهليكل‪ ،2»...‬وذكر ابن عساكر أن اهلل تعاىل أمر موسى أن يبين مسجدًا جلماعتهم‪،‬‬

‫وبي ًتا لقدسهم‪ ،‬وبي ًتا لقربانهم‪ ،3‬كما ذكر ابن كثري قصة قبة الزمان‪ ،‬كما وردت يف‬

‫التوراة‪ ،‬ونسبها لليهود‪ ،‬فبدأ حديثه بقوله‪« :‬قال أهل الكتاب‪ :‬وقد أمر اهلل موسى ‪-‬عليه‬ ‫السالم‪ -‬بعمل قبة من خشب الشمشار‪ ،‬وجلود األنعام‪ ،‬وشعر األنعام‪ ،‬وأمر بتزيينها‬ ‫باحلرير املصبغ‪ ،‬والذهب والفضة على كيفيات مفصلة عند أهل الكتاب‪.»...‬‬

‫‪4‬‬

‫‪ 1‬مصالحة‪ ،‬محمود‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.96-95‬‬ ‫‪ 2‬اليعقوبي‪ ،‬تاريخ‪ ،‬ج‪ ،1‬ص‪.36‬‬ ‫‪ 3‬ابن عساكر‪ ،‬تاريخ مدينة دمشق‪ ،‬ج ‪ ،61‬ص ‪.130‬‬ ‫‪ 4‬ابن كثير‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.307‬‬

‫‪11‬‬


‫نقد أفكار هيكل سليمان الواردة في النص التوراتي‬

‫خامسا‪ :‬التناقضات التوراتية حول هيكل سليمان‬ ‫ً‬ ‫مجع الباحث الروايات التوراتية اخلاصة ببناء اهليكل‪ ،‬ودرسها‪ ،‬وقارن بينها‪ ،‬فتبني أنها‬ ‫متناقضة‪ ،‬وأنه ال اتفاق بينها‪ ،‬إال يف قضيتني‪ ،‬هما‪:‬‬ ‫األوىل‪ :‬أن بناء اهليكل استمر سبع سنني‪ ،‬فقد ورد يف سفر امللوك األول‪« :‬أكمل البيت‬ ‫يف مجيع أموره وأحكامه‪ ،‬فبناه يف سبع سنني»‪.1‬‬ ‫الثانية‪ :‬أن األرض اليت بُين عليها اهليكل‪ ،‬كانت مل ًكا لشخص يبوسي‪ ،‬ومع ذلك‬ ‫اختلفت الروايات حول اسم ذلك اليبوسي‪ ،‬وسيتضح ذلك يف البحث‪.‬‬

‫نسخة من التوراة تعود تعود إىل بني عامي ‪ 1155‬و ‪1225‬‬ ‫‪ 1‬سفر الملوك األول‪.38/106 :‬‬

‫‪12‬‬


‫مؤسسـة القدس الدولية‬

‫أما غري ذلك من احلديث عن بناء اهليكل‪ ،‬فيزخر بالتناقضات‪ ،‬وبيان ذلك‪:‬‬ ‫‪ )1‬سبب بناء الهيكل‪:‬‬

‫ذكرت التوراة املختلقة عدة أسباب متناقضة حول سبب بناء اهليكل‪ ،‬ميكن إمجاهلا يف‬ ‫ما يأتي‪:‬‬ ‫أ‪ -‬ورد يف سفر صموئيل الثاني أن داود ‪-‬عليه السالم‪ -‬بعدما اعتلى العرش‪ ،‬أمر بإحصاء‬ ‫الرب الطاعون‬ ‫عام لبين إسرائيل‪ ،‬فأعجب بكثرة قومه‪ ،‬فغضب الرب من ذلك «فبعث ُ‬ ‫يف إسرائيل من الصباح حتى امليعاد‪ ،‬فمات من الشعب من دان‪ 1‬إىل بئر السبع سبعون‬ ‫ألف رجل‪ ،2‬وبسط املالك يديه على أورشليم ليدمرها‪ ،‬فندم الرب على الشر‪ ،3‬وقال‬

‫للمالك املهلك للشعب‪ :‬كفى‪ ،‬ف ُك ِّف اآلن يدك»‪ .‬فكان مالك الرب عند بيدر أرونا‬

‫اليبوسي‪ ،‬ورأى داود املالك الذي كان يضرب الشعب‪ ،‬فقال للرب‪ :‬أنا الذي َخ ِط ُ‬ ‫ئت‪،‬‬ ‫على يدك‪ ،‬وعلى‬ ‫وأنا الذي فعلت السوء‪ ،‬وأما أولئك اخلراف‪ 4‬فماذا فعلوا؟ فلتكن ّ‬

‫للرب يف بيدر‬ ‫بيت أبي‪ .‬فأتى جا ٌد يف ذلك اليوم إىل داود‪ ،‬وقال له‪ :‬اصعد فأقم‬ ‫ً‬ ‫مذحبا ِّ‬ ‫ً‬ ‫مثقال من الفضة‪ ،‬وبنى هناك‬ ‫أرونا اليبوسي‪ ...‬فاشرتى داود البيدر والبقر خبمسني‬

‫داود‬ ‫مذحبا للرب»‪ .5‬أي أن بناء اهليكل جاء بعد توقف الطاعون يف بين إسرائيل‪.‬‬ ‫ً‬ ‫الرب الطاعون يف إسرائيل‪ ،‬فسقط من إسرائيل‬ ‫ب‪ -‬وأورد سفر األخبار األول أنه‪« :‬فبعث ُ‬ ‫ً‬ ‫مالكا إىل أورشليم ليدمرها‪ ،‬وفيما كان يدمرها نظر‬ ‫سبعون ألف رجل‪ ،‬فأرسل اهلل‬

‫‪ 1‬هي تل القاضي في جنوب لبنان‪.‬‬ ‫‪ 2‬هــذا دليــل واضــح علــى درجــة المبالغــة والتهويــل‪ ،‬فلــو مــات فــي تلــك المنطقــة المحــددة‪ ،‬خــال يــوم واحــد ســبعون‬ ‫ألــف رجــل فكــم كان عــدد بنــي إســرائيل؟ وهــل ذلــك منطقــي؟ ث ـ ّم يــا لــه مــن طاعــون ذكــي‪ ،‬يقتــل الرجــال دون النســاء‬ ‫واألطفــال!‪.‬‬ ‫‪ 3‬ال مانــع عنــد اليهــود فــي عقيدتهــم مــن ذلــك‪ ،‬ألن الــرب إنمــا يفعــل أفعــال البشــر‪ ،‬فهــو يــأكل ويشــرب‪ ،‬وينــام ويصحــو‪،‬‬ ‫ويغضــب‪ ،‬ويحلــم‪ ،‬ويشــرب الخمــر‪ ،‬ويتذكــر‪ ،‬وينســى‪ ،‬ويتكاثــر ويتناســل‪ ،‬وذلــك دليــل واضــح علــى وثنيــة اليهــود‪،‬‬ ‫وكفرهــم بــاهلل ســبحانه وتعالــى (الســنوار‪ ،‬زكريــا‪ :‬محاضــرات فــي تاريــخ اليهــود والحركــة الصهيونيــة‪ ،‬ص ‪.)11-10‬‬ ‫‪ 4‬يتضح من ذلك اللفظ درجة االحتقار‪ ،‬بما ال يتناسب مع نبي من أنبياء هللا عليهم السالم‪ ،‬ويدل على أنه افتراء‪.‬‬ ‫‪ 5‬صموئيل الثاني‪.25-15:24 ،‬‬

‫‪13‬‬


‫نقد أفكار هيكل سليمان الواردة في النص التوراتي‬

‫الرب‪ ،‬فندم على الشر‪ ،‬وقال للمالك املهلك‪ ،‬كفى‪ِّ ،‬‬ ‫فكف اآلن يدك‪ ،‬فوقف مالك‬ ‫مذحبا للرب‪،‬‬ ‫الرب عند بيدر أرنان‪ ...‬فقال داود ألرنان‪ :‬أعطين مكان البيدر فأبين فيه‬ ‫ً‬ ‫بثمن كامل تعطيين إياه فتكف الضربة عن الشعب‪ ...‬وأدى داود إىل أرنان عن املكان‬ ‫ٍ‬

‫وزن ستمئة مثقال من الذهب‪ ،‬وبين هناك داود‬ ‫مذحبا للرب‪.1»...‬‬ ‫ً‬

‫أما سفر التكوين‪ ،‬فأعاد سبب بناء اهليكل إىل إبراهيم ‪-‬عليه السالم‪ ،-‬وذكر أن سبب‬ ‫تسمية اجلبل باسم «املوريا» يرجع إىل حادثة ذبح سيدنا إبراهيم ‪-‬عليه السالم‪-‬‬ ‫لولده‪ ،‬الذي يعتقد اليهود أنه إسحق‪ ،‬وليس إمساعيل‪ ،2‬فقد ورد يف سفر التكوين‪:‬‬ ‫األ ُمور أَ َّن َ‬ ‫هذ ِه ُ‬ ‫اهي َم‪َ ،‬ف َق َ‬ ‫ال َل ُه‪« :‬يَا‬ ‫اهلل ْ‬ ‫(سفر التكوين ‪َ )1 :22‬و َح َد َث ب ْ‬ ‫ام َت َح َن إِ ْب َر ِ‬ ‫َع َد ِ‬ ‫ِ‬ ‫ال‪َ :‬‬ ‫اهي ُم!»‪َ .‬ف َق َ‬ ‫«هأ َن َذا»‪.‬‬ ‫إِ ْب َر ِ‬

‫(سفر التكوين ‪َ )2 :22‬ف َق َ‬ ‫ت ُّب ُه‪ ،‬إِ ْس َح َ‬ ‫«خ ِذ ا ْب َن َ‬ ‫ال‪ُ :‬‬ ‫اق‪َ ،3‬وا ْذ َه ْب إِ َل‬ ‫ك َو ِحي َد َك‪َّ ،‬ال ِذي ُ ِ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ال َّال ِذي أَ ُق ُ‬ ‫ض الُْ ِريَّا‪َ ،‬وأَ ْص ِع ْد ُه ُه َن َ‬ ‫ول َل َ‬ ‫ك»‪.‬‬ ‫اك ُ ْ‬ ‫ال َب ِ‬ ‫أ ْر ِ‬ ‫م َر َق ًة َع َلى أ َح ِد ْ ِ‬ ‫ي ِم ْن ِغ ْل َما ِن ِه‬ ‫احا َو َش َّد َع َلى ِ َ‬ ‫اهي ُم َص َب ً‬ ‫(سفر التكوين ‪َ )3 :22‬ف َب َّك َر إِ ْب َر ِ‬ ‫ح ِار ِه‪َ ،‬وأَ َخ َذ ا ْث َن ْ ِ‬ ‫ال َل ُه اهلل‪ُ.‬‬ ‫ل َر َق ٍة‪َ ،‬و َقا َم َو َذ َه َب إِ َل الَْ ْو ِضع َّال ِذي َق َ‬ ‫اق ا ْب َن ُه‪َ ،‬و َش َّق َق َح َط ًبا ِ ُ ْ‬ ‫َم َع ُه‪َ ،‬وإِ ْس َح َ‬ ‫ِ‬ ‫(سفر التكوين ‪َ )4 :22‬و ِف ا ْل َي ْوم َّ‬ ‫يد‪،‬‬ ‫اهي ُم َع ْي َن ْي ِه َوأَب َ‬ ‫ْص َر الَْ ْو ِض َع ِم ْن َب ِع ٍ‬ ‫الثا ِل ِث َر َف َع إِ ْب َر ِ‬ ‫ِ‬

‫(سفر التكوين ‪َ )5 :22‬ف َق َ‬ ‫اهي ُم ِل ُغ َ‬ ‫ال َم ِار‪َ ،‬وأَ َّما‬ ‫ال َم ْي ِه‪ْ :‬‬ ‫«اج ِل َسا أَ ْن ُت َما ه ُه َنا َم َع ْ ِ‬ ‫ال إِ ْب َر ِ‬ ‫أَ َنا َوا ْل ُغ َ‬ ‫ال ُم َف َن ْذ َه ُب إِ َل ُه َن َ‬ ‫اك َو َن ْس ُجدُ‪ُ ،‬ث َّم َن ْرج ُع إِ َل ْي ُك َما»‪.‬‬ ‫‪ 1‬سفر األخبار األول‪.26-14:21 ،‬‬ ‫‪ 2‬تــورد عــدة مصــادر إســامية آراء حــول مــن هــو الذبيــح‪ ،‬فتذكــر أنــه إســماعيل‪ ،‬أو أنــه اســحق‪ ،‬وكالهمــا محتمــل حســب‬ ‫تلــك المصــادر‪ ،‬وتســوق أدلتهــا علــى ذلــك‪ ،‬أمــا الحافــظ ابــن كثيــر فيذكــر «وقــد قــال بأنــه إســحق طائفــة كثيــرة مــن الســلف‬ ‫وغيرهــم‪ ،‬وإنمــا أخــذوه —وهللا أعلــم— مــن كعــب األحبــار‪ ،‬أو صحــف أهــل الكتــاب‪ ،‬وليــس فــي ذلــك حديــث صحيــح عــن‬ ‫المعصــوم حتــى نتــرك ألجلــه ظاهــر الكتــاب العزيــز‪ ،‬وال يفهــم هــذا مــن القــرآن‪ ،‬بــل المفهــوم‪ ،‬بــل المنطــوق‪ ،‬بــل النــص‬ ‫عنــد التأمــل علــى أنــه إســماعيل‪ ،‬ومــا أحســن مــا اســتدل محمــد بــن كعــب القرظــي علــى أنــه إســماعيل وليــس بإســحاق مــن‬ ‫قولــه‪( :‬فبشــرناها بإســحاق ومــن وراء إســحق يعقــوب) قــال‪ :‬فكيــف تقــع البشــارة بإســحاق وأنــه ســيولد لــه يعقــوب ثــم يؤمــر‬ ‫بذبــح إســحق‪ ،‬وهــو صغيــر قبــل أن يولــد لــه‪ .‬هــذا ال يكــون ألنــه يناقــض البشــارة المتقدمــة‪( .‬ابــن كثيــر‪ ،‬مرجــع ســابق‪،‬‬ ‫ص ‪.)159‬‬ ‫‪ 3‬يتعــارض هــذا مــع مــا ورد فــي الســفر نفســه مــن أن إبراهيــم أنجــب ولــده إســماعيل‪ ،‬وعمــره ســت وثمانــون ســنة‪ ،‬وأنــه‬ ‫أنجــب ابنــه الثانــي إســحق وعمــره مئــة ســنة‪.‬‬

‫‪14‬‬


‫مؤسسـة القدس الدولية‬

‫اهي ُم َح َط َب ْ ُ ْ‬ ‫ال َر َق ِة َو َو َض َع ُه َع َلى إِ ْس َح َ‬ ‫اق ا ْب ِن ِه‪َ ،‬وأَ َخ َذ‬ ‫(سفر التكوين ‪َ )6 :22‬ف َأ َخ َذ إِ ْب َر ِ‬ ‫كَ‬ ‫ِب َي ِد ِه َّ‬ ‫الس ِّك َ‬ ‫ال ُه َما َم ًعا‪.‬‬ ‫النا َر َو ِّ‬ ‫ني‪َ .‬ف َذ َه َبا ِ‬ ‫ال‪َ :‬‬ ‫ال‪« :‬يَا أَ ِبي!»‪َ .‬ف َق َ‬ ‫اهي َم أَ ِبا ُه َو َق َ‬ ‫ك َّل َم إِ ْس َح ُ‬ ‫(سفر التكوين ‪َ )7 :22‬و َ‬ ‫«هأ َن َذا يَا‬ ‫اق إِ ْب َر ِ‬ ‫ال ُر ُ‬ ‫ابْن»‪َ .‬ف َق َ‬ ‫النا ُر َو ْ َ‬ ‫ْن ْ َ‬ ‫«ه َو َذا َّ‬ ‫ال َط ُب‪َ ،‬ول ِك ْن أَي َ‬ ‫ال‪ُ :‬‬ ‫وف ِل ْل ُم ْح َر َق ِة؟»‬ ‫ِ‬ ‫ُ‬ ‫(سفر التكوين ‪َ )8 :22‬ف َق َ‬ ‫َُ ْ َ َ ْ‬ ‫َ‬ ‫ْن»‪.‬‬ ‫ال إِ ْب َر ِ‬ ‫اهي ُم‪« :‬اهلل َي َرى له ال ُروف ِلل ُم ْح َرق ِة يَا اب ِ‬ ‫كَ‬ ‫ال ُه َما َم ًعا‪.‬‬ ‫َف َذ َه َبا ِ‬ ‫ال َل ُه ُ‬ ‫(سفر التكوين ‪َ )9 :22‬ف َل َّما أَ َت َيا إِ َل الَْ ْو ِضع َّال ِذي َق َ‬ ‫اهلل‪َ ،‬ب َنى ُه َن َ‬ ‫اهي ُم‬ ‫اك إِ ْب َر ِ‬ ‫ِ‬ ‫ال َط َب َو َرب َ‬ ‫َح َو َر َّت َب ْ َ‬ ‫اق ا ْب َن ُه َو َو َض َع ُه َع َلى الَْ ْذبَح َف ْو َق ْ َ‬ ‫َط إِ ْس َح َ‬ ‫ال َط ِب‪.‬‬ ‫الَْ ْذب َ‬ ‫ِ‬ ‫الس ِّك َ‬ ‫َح ا ْب َن ُه‪.‬‬ ‫ني ِل َي ْذب َ‬ ‫اهي ُم َي َد ُه َوأَ َخ َذ ِّ‬ ‫(سفر التكوين ‪ُ )10 :22‬ث َّم َم َّد إِ ْب َر ِ‬ ‫الس َما ِء َو َق َ‬ ‫(سفر التكوين ‪َ )11 :22‬ف َنادَا ُه َم َ‬ ‫اهي ُم!»‪.‬‬ ‫الر ِّب ِم َن َّ‬ ‫ال ُك َّ‬ ‫اهي ُم! إِ ْب َر ِ‬ ‫ال‪« :‬إِ ْب َر ِ‬ ‫ال‪َ :‬‬ ‫َف َق َ‬ ‫«هأ َن َذا»‬ ‫ال َت ْف َع ْل ب ِه َش ْي ًئا‪َ ،‬‬ ‫الم َو َ‬ ‫َ َ ْ َ‬ ‫َ َ َ َُ‬ ‫أل ِّني َ‬ ‫(سفر التكوين ‪:22‬‬ ‫اآلن‬ ‫ِ‬ ‫‪ )12‬ف َقال‪« :‬ال ت َّد َي َدك إِل ال ُغ ِ‬ ‫َ‬ ‫ك َخا ِئ ٌف اهلل‪َ ،‬ف َل ْم ُ ْ‬ ‫ك ا ْب َن َ‬ ‫َع ِل ْم ُت أَ َّن َ‬ ‫ك َو ِحي َد َك َع ِّن»‪.‬‬ ‫ت ِس ِ‬ ‫ك ْب ٌ‬ ‫اهي ُم َع ْي َن ْي ِه َو َن َظ َر َوإِ َذا َ‬ ‫م َس ًكا ِف‬ ‫ش َو َرا َء ُه ُ ْ‬ ‫(سفر التكوين ‪َ )13 :22‬ف َر َف َع إِ ْب َر ِ‬ ‫اهي ُم َوأَ َخ َذ ا ْل َك ْب َ‬ ‫م َر َق ًة ِع َو ًضا َع ِن ا ْب ِن ِه‪.‬‬ ‫ش َوأَ ْص َع َد ُه ُ ْ‬ ‫ا ْل َغا َب ِة ِب َق ْر َن ْي ِه‪َ ،‬ف َذ َه َب إِ ْب َر ِ‬ ‫ك الَْ ْو ِضع « َي ْه َو ْه ِي ْرأَهْ»‪َ .‬ح َّتى إِ َّن ُه ُي َق ُ‬ ‫اس َم ذ ِل َ‬ ‫ال‬ ‫اهي ُم ْ‬ ‫(سفر التكوين ‪َ )14 :22‬ف َد َعا إِ ْب َر ِ‬ ‫ِ‬ ‫الر ِّب ُي َرى»‪.‬‬ ‫«ف َج َب ِل َّ‬ ‫ا ْل َي ْومَ‪ِ :‬‬

‫أي أن سبب بناء اهليكل‪ ،‬ختليد ذكرى فداء إسحاق ‪-‬عليه السالم‪ -‬حسب اعتقاد‬ ‫اليهود‪.‬‬ ‫د‪ -‬ورد يف سفر التكوين‪ ،‬يف معرض احلديث عن يعقوب ‪-‬عليه السالم‪ -‬أن رفقة طلبت‬ ‫من زوجها إسحق ‪-‬عليه السالم‪ -‬أن يرسل ابنها يعقوب ‪-‬عليه السالم‪ -‬إىل فدّان آرام‪،‬‬ ‫حيث يقيم خاله البان‪ ،‬وأن يتزوج إحدى بناته «واهلل القدير يباركك‪ ،‬وينميك‪،‬‬ ‫ويكثرك‪ ،‬وتكون مجاعة شعوب‪ ،‬ويعطيك بركة إبراهيم‪ ،‬ولك ولنسلك معك؛‬ ‫لرتث أرض كنعان اليت وهبها الرب إلبراهيم‪ ...‬وخرج يعقوب من بئر سبع‪ ،‬ومضى‬ ‫‪15‬‬


‫نقد أفكار هيكل سليمان الواردة في النص التوراتي‬

‫إىل حاران‪ ،‬واتفق أنه وجد مكا ًنا بات فيه؛ ألن الشمس قد غابت‪ ،‬فأخذ بعض حجارة‬ ‫حلما‪ ،‬فإذا ُس ّلم منتصب على‬ ‫املكان‪ ،‬فوضعه حتت رأسه‪ ،‬ونام يف ذلك املكان‪ ،‬وحلم ً‬ ‫األرض‪ ،‬ورأسه يالمس السماء‪ ،‬وإذا مالئكة اهلل صاعدون نازلون عليه‪ ،‬وإذا الرب واقف‬ ‫بالقرب من يعقوب‪ ،‬فقال‪ :‬أنا الرب إله إبراهيم أبيك‪ ،‬وإله إسحق‪ .‬إن األرض اليت‬ ‫أنت نائ ٌم عليها‪ ،‬لك أعطيها ولنسلك‪ ،‬ويكون نسلك كرتاب األرض فتنتشر غربًا‪،‬‬ ‫ً‬ ‫ومشال‪ ،‬وجنوبًا‪ ،‬ويتبارك بك وبنسلك مجيع عشائر األرض‪ ،‬وها أنا معك‪،‬‬ ‫وشر ًقا‪،‬‬ ‫أحفظك حيثما اجتهت‪ ،‬وسأردّك إىل هذه األرض‪ ،‬فإني ال أتركك حتى أعمل مبا‬ ‫كلمتك به‪ .‬فاستيقظ يعقوب من نومه‪ ،‬وقال‪ :‬ح ًقا‪ ،‬إن الرب يف هذا املكان‪ ،‬وأنا مل‬ ‫أعلم‪ ،‬فخاف‪ ،‬وقال‪ :‬ما أرهب هذا املكان‪ ،‬ما هذا إال بيت الرب‪ ،‬هذا باب السماء‪ .‬ثم‬ ‫وصب على‬ ‫ب ّكر يعقوب يف الصباح‪ ،‬وأخذ احلجر الذي وضعه حتت رأسه‪ ،‬وأقامه نص ًبا‪ّ ،‬‬ ‫ومسى ذلك املكان بيت إيل‪ ،‬وكان اسم املدينة ً‬ ‫أول لوز‪ ،‬ونذر يعقوب‬ ‫رأس احلجر زي ًتا‪ّ ،‬‬ ‫نذ ًرا ً‬ ‫قائل‪ :‬إن كان اهلل معي وحفظين يف هذا الطريق الذي أنا سالكه‪ ،‬ورزقين خب ًزا‬ ‫آكله‪ ،‬وثوباُ ألبسه‪ ،‬ورجعت ساملًا إىل بيت أبي‪ ،‬يكون الرب لي إ ً‬ ‫هلا‪ ،‬وهذا احلجر الذي‬ ‫جعلته نص ًبا يكون بي ًتا هلل‪ ،‬وكل ما رزقين إياه‪ ،‬فإني أؤدي لك عشره»‪.1‬‬

‫من هذه الرواية يتبني أن سبب بناء اهليكل‪ ،‬هو رؤيا نيب اهلل يعقوب ‪-‬عليه السالم‪-‬‬ ‫الرب يف منامه‪ ،‬وعلمه أن ذلك املكان مكان مقدس‪ ،‬فقرر بناء بيت للرب فيه إن رزقه‬ ‫خب ًزا‪ ،‬وألبسه ثوبًا‪ ،‬وأعاده ساملًا إىل بيت أبيه!‪.‬‬ ‫وخالصة ما سبق‪ ،‬أنه ال يوجد اتفاق على سبب بناء اهليكل‪ ،‬فتارة يعود إلبراهيم‪،‬‬ ‫وأخرى ليعقوب‪ ،‬وثالثة لداود عليهم السالم‪.‬‬

‫‪ 1‬سفر التكوين‪46 ،27 ،‬؛ ‪.22-1:28‬‬

‫‪16‬‬


‫مؤسسـة القدس الدولية‬

‫‪ )2‬مكان الهيكل‪:‬‬

‫أورد سفر امللوك األول قصة بناء اهليكل‪ ،‬وحتدث عن التفاصيل الدقيقة لذلك‪ ،‬لكنه‬ ‫مل يذكر مكان بنائه‪.1‬‬ ‫أما سفر امللوك الثاني‪ ،‬فقد جاء فيه‪« :‬وبدأ سليمان يف بناء بيت الرب يف أورشليم‪ ،‬يف‬ ‫جبل موريا‪ ،‬حيث تراءى لداود أبيه‪ ،‬يف املكان الذي أعده داود يف بيدر أُرنان اليبوسي‪ ،‬فبدأ‬ ‫يف البناء يف الشهر الثاني‪ ،‬يف السنة الرابعة مللكه»‪.2‬‬ ‫وذكر سفر األخبار‬ ‫األول أنه عندما ندم‬ ‫الرب على الشر‪ ،‬وأمر‬ ‫املالك بالتوقف عن‬ ‫القتل‪« :‬فوقف مالك‬ ‫الرب عند بيدر أرنان»‪،3‬‬ ‫لكن سفر صموئيل‬ ‫الثاني ذكر أنه عندما‬ ‫ندم الرب على الطاعون‬ ‫منوذج للهيكل املزعوم كما تروج له أذرع االحتالل التهويديّة‬ ‫يف إسرائيل‪ ،‬وأمر املالك‬ ‫بالتوقف عن القتل «فكان مالك الرب عند بيدر أرونا اليبوسي‪ ،‬ورأى داود املالك الذي‬ ‫كان يضرب الشعب‪ ،‬فقال للرب‪ :‬أنا الذي خطئت‪ ،‬وأنا الذي فعلت السوء‪ ،‬وأما أولئك‬ ‫على يدك‪ ،‬وعلى بيت أبي‪ .‬فأتي جاد يف ذلك اليوم إىل‬ ‫اخلراف فماذا فعلوا؟ فلتكن ّ‬

‫مذحبا للرب يف بيدر أرونا اليبوسي»‪.4‬‬ ‫داود‪ ،‬وقال له‪ :‬اصعد‪ ،‬فأقم‬ ‫ً‬ ‫‪ 1‬انظر سفر الملوك األول‪.‬‬ ‫‪ 2‬سفر الملوك الثاني‪.2-1:3 ،‬‬ ‫‪ 3‬سفر األخبار األول‪.21-14 :21 ،‬‬ ‫‪ 4‬سفر صموئيل الثاني‪.25 – 15 :24 ،‬‬

‫‪17‬‬


‫نقد أفكار هيكل سليمان الواردة في النص التوراتي‬

‫ظالما‪ ،‬قبل أن يأتي يوم الرب العظيم الرهيب‪،‬‬ ‫أما سفر يوئيل‪ ،‬فذكر‪« :‬فتنقلب‬ ‫الشمس ً‬ ‫ُ‬ ‫ويكون أن كل من يدعو باسم الرب خيلص؛ ألنه يف جبل صهيون‪ ،‬ويف أورشليم»‪،1‬‬ ‫ويذكر السفر ذاته‪« :‬قد أظلت الشمس والقمر‪ ،‬وسحبت الكواكب ضياءها‪ ،‬يزأر‬ ‫الرب من صهيون‪ ،‬وجيهر بصوته يف أورشليم‪ ،‬فرتجتف السماوات واألرض‪ ،‬ويكون الرب‬ ‫ُ‬ ‫معتصما لشعبه‪ ،‬وحص ًنا لبين إسرائيل‪ ،‬فتعلمون أني أنا الرب إهلكم‪ ،‬الساكن يف‬ ‫ً‬

‫قدسا»‪.2‬‬ ‫صهيون؛ جبل قدسي‪ ،‬وتكون أورشليم ً‬ ‫وهنا ال بد من التوقف عند الروايات الواردة حول مكان بناء اهليكل‪ ،‬فقد ذكرت بعضها‬ ‫أنه أقيم على جبل املوريا؛ لذا فهو بيت الرب‪ ،‬وفيه قدس األقداس‪ ،‬وهو أعلى مكان يف‬ ‫العامل‪ ،‬ومركزه‪ ،‬لكن رواية سفر يوئيل دللت على أن بيت الرب يف جبل صهيون‪ ،‬الذي‬ ‫يرتفع أكثر من جبل املوريا الذي يقع عليه املسجد األقصى‪.3‬‬ ‫وهنا ال بد من الوقوف عند حقيقة جبل صهيون‪ ،‬فقد ذكر الباحث إيرنست مارتن‬ ‫أن جبل صهيون تبدل من جبل آلخر يف العصر احلديث‪ ،‬فقد ورد اسم صهيون ليدل‬ ‫على جبل يقع عند الطرف اجلنوبي للتالل اجلنوبية الشرقية للقدس‪ ،‬وهو يف املنطقة‬ ‫اليت مساها املؤرخ اليهودي يوسفيوس‪ ،‬الذي عاش يف القرن األول للميالد باسم املدينة‬ ‫عال وبارز‪ ،‬فكيف ميكن‬ ‫السفلى‪ ،‬ويف الوقت ذاته فقد وصفت التوراة صهيون بأنه مكان ٍ‬

‫لشيء أن يكون عال ًيا‪ ،‬ويوصف بأنه «سفلي»؟‪.4‬‬

‫‪ 1‬سفر يوئيل‪.5-4 :3 ،‬‬ ‫‪ 2‬سفر يوئيل‪.17-15 :3 ،‬‬ ‫‪ 3‬عواد‪ ،‬محمود‪ :‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.23‬‬ ‫‪.Martin: New Evidence: p.2 4‬‬

‫‪18‬‬


‫مؤسسـة القدس الدولية‬

‫وقد أوردت التوراة يف مواضع عدة أن اهليكل إمنا بين عند عني املاء يف القدس‪ ،‬ومعلوم‬ ‫أن عني املاء الوحيدة يف القدس هي عني جيحون‪ ،‬وقد ظهر ذلك جل ًيا يف املزامري‪.1‬‬ ‫عيان من مصر يدعى أريستياس أنه شاهد اهليكل حنو سنة ‪ 285‬ق‪.‬م؛‬ ‫وقد ذكر شاهد ٍ‬

‫نبع ال ينضب‪ ،‬ويتدفق يف اجلزء اجلنوبي للهيكل‪.2‬‬ ‫أن اهليكل كان يقوم على ٍ‬

‫فإذا علمنا أن عني جيحون تقع يف املنطقة السفلى من القدس‪ ،‬وأنها بعيدة عن مكان‬ ‫املسجد األقصى مبا فيه مسجد قبة الصخرة‪ ،‬وأن منطقة املسجد األقصى ال يوجد‬ ‫فيها عني ماء أبدًا‪ ،‬تبني أن اهليكل مل يكن مطل ًقا يف منطقة املسجد األقصى‪ ،‬وإذا‬ ‫رجعنا إىل النصوص التوراتية اتضح أن اهليكل بُين على بيدر‪ ،‬وأرض املسجد ليست‬ ‫كذلك بل هي ربوة جبلية‪.3‬‬ ‫ويف مواضع أخرى من التوراة‪ ،‬ذكر أن اهليكل بين على بيدر أرونا اليبوسي‪ ،‬وأحيا ًنا هو‬ ‫مكان بيدر أرنان اليبوسي‪ ،‬األمر الذي دلل على عدم حتديد املكان احلقيقي للهيكل‬ ‫الذي بناه سليمان حسب توراتهم املختلقة‪.‬‬ ‫أما الرواية القائلة أن اهليكل أقيم على جبل املوريا‪ ،‬الذي ُسي نسبة ملقولة إبراهيم‬ ‫عليه السالم‪« -‬الرب يُرى» فتقود إىل التساؤل عن كيف تع ّرف داود على أن جبل‬‫املوريا هو املكان الذي أراد إبراهيم ذبح وحيده اسحق (حسب اعتقاد اليهود)‪ ،‬مع أن‬ ‫الفرتة الزمنية بني إبراهيم وداود عليهم السالم‪ ،‬حنو ألف سنة؟ أليس من املنطقي أن‬ ‫يكون ذلك املكان قد درس‪ ،‬واختفت آثاره خالل تلك الفرتة الطويلة ً‬ ‫جدا من الزمان؟‪.‬‬

‫‪ 1‬المزمور ‪.7-1 :87‬‬ ‫‪.Martin: Previous reference: p. 4 2‬‬ ‫‪.6-Ibid: p. 4 3‬‬

‫‪19‬‬


‫نقد أفكار هيكل سليمان الواردة في النص التوراتي‬

‫‪ )3‬ثمن األرض‪:‬‬

‫اختلفت الروايات الواردة يف النص التوراتي املزيف حول الثمن الذي اشرتى به داود‬ ‫عليه السالم‪ -‬األرض اليت بُين عليها اهليكل‪ ،‬فقد ورد يف سفر صموئيل الثاني‪« :‬فأتى‬‫مذحبا للرب يف بيدر أرونا اليبوسي‪،‬‬ ‫جاد يف ذلك اليوم إىل داود‪ ،‬وقال له‪ :‬اصعد‪ ،‬فأقم‬ ‫ً‬ ‫فصعد داود‪ ،‬كما قال جاد‪ :‬حسب أمر الرب‪ ...‬فاشرتى داود البيدر والبقر خبمسني‬ ‫ً‬ ‫مثقال من الفضة‪ ،‬وبين هناك داود‬ ‫مذحبا للرب»‪.1‬‬ ‫ً‬ ‫مذحبا‬ ‫أما سفر األخبار األول فذكر‪« :‬فقال داود ألرنان‪ :‬أعطين مكان البيدر‪ ،‬فابين فيه‬ ‫ً‬ ‫بثمن كامل‪ ...‬وأدى داود إىل أرنان عن املكان وزن ستمئة مثقال من الذهب‪ ،‬وبين‬ ‫للرب‪ٍ ،‬‬

‫هناك داو ُد‬ ‫مذحبا للرب»‪.2‬‬ ‫ً‬

‫وهنا يتضح الب ْون الشاسع يف مثن األرض بني الروايتني‪ ،‬ففي رواية سفر صموئيل الثاني‬ ‫ً‬ ‫ّ‬ ‫مثقال من الفضة‪ ،‬أما يف رواية سفر األخبار األول‬ ‫مت شراؤها هي والبقر خبمسني‬ ‫فكان مثن األرض وحدها‪ ،‬دون البقر‪ ،‬ستمئة مثقال من الذهب‪ ،‬األمر ّ‬ ‫يدل على كذب‬

‫الروايات التوراتية يف ذلك‪ ،‬فثمن األرض يف سفر األخبار األول يساوي اثين عشر ضع ًفا‬ ‫للرواية الواردة يف سفر صموئيل‪ ،‬إضافة إىل الفارق بني الذهب والفضة يف القيمة‪ ،‬إىل‬ ‫جانب الفارق يف الروايتني فإحداهما الثمن لألرض وحدها‪ ،‬والثانية لألرض والبقر‪.‬‬ ‫من ناحية أخرى ميكن االستدالل من رواييت شراء داود ‪-‬عليه السالم‪ -‬البيدر لبناء بيت‬ ‫وعد إهلي إلبراهيم بتملك أرض‪ ،‬غري‬ ‫الرب‪ ،‬على كذب ما ورد يف النص التوراتي من ٍ‬

‫متفق على مساحتها‪ ،‬له ولنسله من بعده‪ ،‬فقد ورد يف سفر التكوين أن الرب قال إلبرام‪،‬‬ ‫وهو واقف على تلة يف أرض كنعان‪« :‬ارفع عينيك‪ ،‬وانظر من املوضع الذي أنت ترى‬ ‫‪ 1‬سفر صموئيل الثاني‪.26-18 :24 ،‬‬ ‫‪ 2‬سفر األخبار األول‪.26-14 :21 ،‬‬

‫‪20‬‬


‫مؤسسـة القدس الدولية‬

‫لك أعطيها‪ ،‬ولنسلك إىل األبد»‪ ،1‬ويف موضع آخر من السفر ذاته‪ ،‬ورد‪« :‬وأعطي لك‬

‫ولنسلك من بعد أرض غربتك؛ كل أرض كنعان‪ ،‬مل ًكا أبديًا»‪ .2‬ويف موضع ثالث من‬ ‫السفر نفسه‪ ،‬ورد‪« :‬يف ذلك اليوم‪ ،‬قطع الرب مع أبرام ميثا ًقا ً‬ ‫قائل‪ :‬لنسلك أعطي‬

‫هذه األرض؛ من نهر مصر إىل النهر الكبري؛ نهر الفرات»‪ ،3‬وقد تكررت تلك الوعود‬ ‫إلسحق ويعقوب‪.4‬‬ ‫إن النصوص الواردة حول الوعد اإلهلي مل تتفق على املساحة املمنوحة من األرض مل ًكا‬ ‫خمصصا ملناقشة تلك النصوص‪ ،‬لكن روايات شراء داود ‪-‬عليه‬ ‫أبديًا‪ ،‬وهذا البحث ليس‬ ‫ً‬ ‫السالم‪ -‬البيدر لبناء اهليكل‪ ،‬تتعارض بشكل كامل مع صحة روايات الوعد اإلهلي‪،‬‬ ‫فلو كان الرب قد أعطى األرض إلبراهيم ولنسله من بعده‪ ،‬ثم جتدد الوعد إلسحق‬ ‫ويعقوب؛ لينحصر يف بين إسرائيل‪ ،‬فما هو مربر شراء داود ‪-‬عليه السالم‪ -‬األرض‪،‬‬ ‫بالذهب أو الفضة؟ بالبقر أو بدونه؟‪.‬‬ ‫‪ )4‬الوسيط‪:‬‬

‫ً‬ ‫وسيطا بني الرب‪ ،‬أو مالكه‪ ،‬وبني داود ‪-‬عليه‬ ‫ذكرت روايات النص التوراتي املختلق‬ ‫السالم‪ -‬إلخباره بأمر الرب ببناء بيت الرب يف أورشليم‪ ،‬يف املكان الذي اختلفت حوله‬ ‫الروايات كما ّ‬ ‫تبي ساب ًقا‪ ،‬ومن تلك الروايات‪ ،‬ما ورد يف سفر صموئيل الثاني‪« :‬فأتى‬ ‫جاد يف ذلك اليوم إىل داود‪ ،‬وقال له‪ :‬اصعد‪ ،‬فأقم‬ ‫مذحبا للرب يف بيدر أرونا اليبوسي»‪.5‬‬ ‫ً‬

‫‪ 1‬سفر التكوين‪.15-14 :13 ،‬‬ ‫‪ 2‬سفر التكوين‪.8-4 :17 ،‬‬ ‫‪ 3‬سفر التكوين‪.18 :15 ،‬‬ ‫‪ 4‬الحوت‪ ،‬بيان‪ ،‬فلسطين القضية الشعب الحضارة‪ ،‬ص ‪.8‬‬ ‫‪ 5‬سفر صموئيل الثاني‪.25-15 :24 ،‬‬

‫‪21‬‬


‫نقد أفكار هيكل سليمان الواردة في النص التوراتي‬

‫وتثري تلك الرواية عدة تساؤالت‪ ،‬فمن هو الذي أصدر األمر‪ ،‬أهو الرب‪ ،‬أم املالك‪ ،‬أم هو‬ ‫جاد؟ وكيف جاء جاد إىل داود‪ ،‬وهو االبن السابع ليعقوب؟‪ 1‬فهل جاءه حقيق ًة أم جاءه‬ ‫يف املنام؟ مع العلم أن بينهما مئات السنني‪.‬‬ ‫وذكر سفر صموئيل الثاني أن الوسيط بني الرب وداود ‪-‬عليه السالم‪ ،-‬كان النيب‬ ‫ناتان‪ ،‬الذي عاش يف عهد داود‪ ،2‬فقد ورد يف السفر‪« :‬فكان كالم الرب يف تلك الليلة‬ ‫إىل ناتان ً‬ ‫قائل‪ :‬اذهب‪ ،‬فقل لعبدي داود‪ :‬هكذا يقول الرب‪ :‬أأنت تبين لي بي ًتا لسكناي؟‬

‫ُ‬ ‫ري‬ ‫إني مل أسكن بي ًتا من يوم‬ ‫أصعدت بين إسرائيل من مصر إىل هذا اليوم‪ ،‬بل كنت أس ُ‬ ‫يف خيمة‪ ،‬ويف مسكن‪ ...‬وإذا متت أيامك‪ ،‬واضطجعت مع آبائك أقيم َم ْن خيلفك من‬ ‫ُ‬ ‫وأثبت ملكه‪ ،‬فهو يبين بي ًتا المسي‪ ،‬وأنا أثبت عرش‬ ‫نسلك‪ ،‬الذي خيرج من صلبك‪،‬‬

‫ملكه إىل األبد‪ ،‬أنا أكون له أبًا‪ ،‬وهو يكون لي اب ًنا»‪.3‬‬

‫ً‬ ‫هيكل‪ ،‬لكنه يف‬ ‫ذكر دولفني يف دراسته‪« :‬يف البداية استحسن النيب ناتان إنشاء داود‬ ‫متحمس جدًا لفكرة داود‪ ،‬وأنه يرغب‬ ‫كالما يف املنام‪ ،‬أنه‬ ‫الليلة التالية أوحى الرب له‬ ‫ً‬ ‫ٌ‬ ‫أناس حمددين‪ ،‬وأنه داود كان رجل حرب‪،‬‬ ‫يف أن ينشئ اهليكل يف مكان حمدد‪ ،‬وعلى يد ٍ‬

‫فقد أوكلت مهمة إنشاء اهليكل البنه سليمان‪ ،‬أما داود فقد وضع املخططات»‪.4‬‬ ‫‪ )5‬باني الهيكل‪:‬‬

‫أشارت النصوص السابقة إىل أن الرب أمر داود أن يبين له بي ًتا يف أورشليم‪ ،‬لكن سفر‬ ‫امللوك األول جاء فيه‪« :‬أرسل سليمان إىل حريام يقول‪ :‬قد علمت أن داود أبي مل يقدر‬ ‫الرب أعداءه‬ ‫أن يبين بي ًتا السم الرب إهله؛ بسبب احلروب اليت أحاطت به‪ ،‬حتى جعل ُ‬ ‫‪ 1‬موسوعة الكتاب المقدس‪ ،‬ص‪.96‬‬ ‫‪ 2‬موسوعة الكتاب المقدس‪ ،‬ص‪.313‬‬ ‫‪ 3‬سفر صموئيل الثاني‪6 – 4 :7 ،‬؛ وانظر أيضًا‪:‬‬ ‫‪.Dolphin, Lambert: The Temple of Solomon, p. 153‬‬ ‫‪.Ibid: p. 4 4‬‬

‫‪22‬‬


‫مؤسسـة القدس الدولية‬

‫حتت أخامص قدميه‪ ،‬واآلن فقد أراحين الرب إهلي من كل اجلهات‪ ،‬فليس من خصم‬ ‫الرب داود أبي‬ ‫وال حادثة شر‪ ،‬وهأنذا قد نويت أن أبين بي ًتا السم الرب إهلي‪ ،‬كما ك ّلم ُّ‬ ‫ً‬ ‫قائل‪ :‬إن ابنك الذي أقيمه مكانه على عرشك هو يبين بي ًتا المسي‪ »...1‬فمن هو الباني‬

‫احلقيقي؟ وإذا كان الرب قد أراد أن يبين سليمان ‪-‬عليه السالم‪ -‬بيته يف أورشليم‪ ،‬ملاذا‬

‫أرسل وسطاءه؛ جاد وناتان إىل داود ليبلغوه أن الرب يأمره أن يبين له بي ًتا؟‪.‬‬ ‫‪ )6‬المواد التي ُجمعت للبناء‪:‬‬

‫ذكر سفر األخبار األول أن داود ‪-‬عليه السالم‪ -‬أع ّد التجهيزات الالزمة لبناء بيت‬ ‫الرب «وأمر داود أن ُيمع النزالء الذين يف أرض إسرائيل‪ ،‬وأقام قالعني ليقلعوا حجارة‬ ‫وحناسا‬ ‫تنحت لبناء بيت اهلل‪ ،‬وخ ّزن داود حديدًا للمسامري‪ ،‬ملصاريع األبواب وال ُوصل‪،‬‬ ‫ً‬

‫ريا يفوق الوزن‪ ،‬وخشب أرز ال حيصى؛ ألن الصيدونيني والصوريني‪ 2‬أحضروا خشب‬ ‫كث ً‬ ‫يب ٌّ‬ ‫غض‪ ،‬والبيت الذي يبين للرب‬ ‫أرز بكثرة إىل داود‪ ،‬وقال داود‪ :‬إن سليمان ابين ص ٌ‬

‫عظيم الذكر واجملد جدا يف كل األرض‪ ،‬فأنا أحزن له‪ ،‬وحزن داود قبل وفاته‪ ،‬ث ّم إنه‬ ‫دعا سليمان ابنه‪ ،‬وأوصاه أن يبين بي ًتا للرب إله إسرائيل‪ ،‬وقال داود لسليمان‪ :‬يا ابين‬

‫إلي كال ُم الرب ً‬ ‫قائل‪ :‬إنك قد‬ ‫كان يف قليب أن أبين بي ًتا السم الرب إهلي‪ ،‬غري أنه صار ّ‬ ‫سفكت دما ًء كثري ًة على األرض‪ ،...‬فهو ذا قد ولد لك ابن يكون رجل راحة‪ ،‬وأنا أرحيه‬ ‫من مجيع أعدائه من حوله‪ ،‬وهو يكون لي اب ًنا‪ ،‬وأنا أكون له أبًا‪ ،‬وأثبت عرش ملكه على‬

‫إسرائيل لألبد»‪ ،3‬وورد يف السفر ذاته أن داود ع ّرف ابنه سليمان أنه أعد جتهيزات بناء‬ ‫اهليكل‪ ،‬فقال له‪« :‬وهأنذا يف بؤسي قد خزنت لبيت الرب مئة ألف قنطار من الذهب‪،‬‬ ‫وألف ألف قنطار من الفضة‪ ،‬ومن النحاس واحلديد ما يفوق الوزن لكثرته‪ ،‬وخزنت‬ ‫‪ 1‬سفر الملوك األول‪.20-16 :5 ،‬‬ ‫‪ 2‬أهالي صيدا وصور في لبنان‪.‬‬ ‫‪ 3‬سفر األخبار األول‪.11-1 :22 ،‬‬

‫‪23‬‬


‫نقد أفكار هيكل سليمان الواردة في النص التوراتي‬

‫أخشابًا وحجارة‪ ،‬وأنت تزيد عليها‪ ،‬وعندك صناع كثريون للعمل»‪ .1‬ومعلوم أن القنطار‬ ‫قد اختلف موزونه مع األيام‪ ،‬وكان يف غالبها مئة رطل‪ ،2‬والرطل يساوي ثالثة كيلو‬ ‫غرامات؛ أي أن داود خزن ثالثني مليون كيلو غرام ذه ًبا‪ ،‬وثالمثئة مليون كيلو غرام فضة‪،‬‬ ‫وبذلك يتضح التهويل الشديد‪ ،‬أما احلديد والنحاس فقد خزن أكثر من ذلك بكثري‬ ‫لدرجة يصعب معها الوزن!‪ ،‬وهنا ميكن طرح التساؤالت اآلتية‪ :‬هل يعقل أن خيزن داود‬ ‫عليه السالم‪ -‬كل تلك الكميات من الذهب والفضة؟ وما لزومها؟ ومن أين جاء بها؟‪.‬‬‫ً‬ ‫تناقضا مع الكميات اليت سبق ذكرها‪،‬‬ ‫ومن يكمل قراءة سفر األخبار األول جيد‬ ‫فقد ورد‪« :‬وقال داود امللك للجماعة كلها‪ :‬إن سليمان ابين الذي اختاره وحده اهلل‬

‫صغري ٌ‬ ‫غض‪ ،‬فالعمل عظيم؛ ألن الصرح ليس لبشر بل للرب اإلله‪ ،‬وأنا قد خزنت بكل‬ ‫وسعي لبيت إهلي الذهب ملا هو من ذهب‪ ،‬والفضة ملا هو من الفضة‪ ،‬والنحاس ملا هو‬ ‫من حناس‪ ،‬واحلديد ملا هو من حديد‪ ...‬وهبت لبيت إهلي من مالي اخلاص من الذهب‬ ‫والفضة‪ ،‬عالوة على كل ما خزنته لبيت القدس‪ :‬ثالثة آالف قنطار ذهب‪ ،‬سبعة آالف‬ ‫حينئذ تربع رؤساء اآلباء ورؤساء أسباط‬ ‫قنطار فضة مصفاة لتلبيس جدران األبنية‪...‬‬ ‫ٍ‬

‫إسرائيل‪ ...‬وقدموا خلدمة بيت اهلل من الذهب مخسة آالف قنطار وعشرة آالف درهم‪،‬‬ ‫ومن الفضة عشرة آالف قنطار‪ ،‬ومن النحاس مثانية عشر ألف قنطار‪ ،‬ومن احلديد‬ ‫مئة ألف قنطار‪ ...‬وفرح الشعب لتربعهم؛ ألنهم تربعوا للرب بقلب سليم وفرح داود‬ ‫فرحا شديدًا»‪ .3‬وبذلك يكون ما ّ‬ ‫امللك ً‬ ‫مت مجعه حسب الرواية الثانية يف سفر‬ ‫أيضا ً‬

‫األخبار األول‪ :‬مثانية آالف قنطار‪ ،‬وعشرة آالف درهم ذه ًبا‪ ،‬وسبعة عشر ألف قنطار‬ ‫فضة‪ ،‬ومثانية عشر ألف قنطار حناس‪ ،‬ومئة ألف قنطار حديدًا‪ .‬وال ْبون شاسع بني‬ ‫‪ 1‬سفر األخبار األول‪15-14 :22 ،‬؛ وانظر أيضًا‪:‬‬ ‫‪.www.witkpedia: Solomon’s Temple, p. 5‬‬ ‫‪ 2‬البستاني‪ ،‬كرم‪ ،‬وآخرون‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.657‬‬ ‫‪ 3‬سفر األخبار األول‪.8-1 :29 ،‬‬

‫‪24‬‬


‫مؤسسـة القدس الدولية‬

‫سفر واحد‪ ،‬وكاتبهما واحد‪ ،‬واجلدول اآلتي يبني الفارق بينهما‪:‬‬ ‫الروايتني مع أنهما يف ٍ‬ ‫الصنف‬

‫الرواية األوىل‬

‫الرواية الثانية‬

‫الذهب‬

‫‪ 100,000‬قنطار‬

‫‪ 8,000‬قنطار ‪ 10,000 +‬درهم‬

‫الفضة‬

‫‪ 1,000,000‬قنطار‬

‫‪ 17,000‬قنطار‬

‫النحاس‬

‫ما يفوق الوزن‬

‫‪ 18,000‬قنطار‬

‫احلديد‬

‫ما يفوق الوزن‬

‫‪ 100,000‬قنطار‬

‫‪ )7‬المواد المستخدمة في البناء‪:‬‬

‫مستخدما الذهب‪،‬‬ ‫ورد يف سفر األخبار الثاني أن سليمان ‪-‬عليه السالم‪ -‬بين بيت الرب‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫ورصع البيت حبجارة كرمية للزينة‪ ،‬وأنه ل ّبس قدس‬ ‫وجعل عليه‬ ‫خنيل وسالسل‪ّ ،‬‬ ‫األقداس ذه ًبا‪ ،‬كما استخدم يف «صناعة احلجاب برفري بنفسجي وأرجوان وقرمز‬ ‫وكتان ناعم»‪ ،‬أما املذبح‬ ‫فكان من حناس‪ ،‬وكانت‬ ‫الكؤوس يف املذبح من‬ ‫ذهب‪ ،‬ول ّبس مصاريع دار‬ ‫الكهنة بنحاس‪ ،‬كما جعل‬ ‫القدور واجملارف من حناس‬ ‫مصقول‪ ،‬وكانت املنائر‬ ‫وسرجها من ذهب خالص‪،‬‬

‫رسم يصور جدران "املعبد" الداخلية املغطاة بالذهب‬ ‫‪25‬‬


‫نقد أفكار هيكل سليمان الواردة في النص التوراتي‬

‫واملقاص‪ ،‬واملقاريض والكؤوس وال ِقصاع واجملامر من ذهب خالص‪.1‬‬ ‫والس ُرج‬ ‫ّ‬ ‫واألزهار ُّ‬ ‫وبعد التفصيل يف ذلك أورد كاتب السفر ما يلي‪« :‬وملا أكمل كل العمل الذي صنعه‬ ‫سليمان ألجل بيت الرب‪ ،‬أدخل سليمان أقداس داود أبيه من الفضة والذهب واألدوات‪،‬‬ ‫وجعلها يف خزائن بيت الرب»‪.2‬‬ ‫مما سبق يتضح أن السفر دخل يف تفصيالت بناء بيت الرب‪ ،‬لكنه مل يأت على ذكر‬

‫الفضة‪ ،‬أو احلديد‪ ،‬أو احلجارة اليت ّ‬ ‫مت قلعها‪ ،‬أو خشب األرز الذي قطع من جبل لبنان‪،‬‬ ‫فما ضرورة مجعها وبكميات خيالية كتلك اليت حتدث عنها سفر امللوك األول؟‪.‬‬ ‫‪ )8‬العاملون في البناء‪:‬‬

‫ّ‬ ‫«وسخر امللك‬ ‫أورد سفر امللوك األول أعدادًا مهولة من العاملني يف بناء اهليكل‪ ،‬فذكر‪:‬‬ ‫سليمان من كل إسرائيل‪ ،‬وكان املسخرون ثالثني ألف رجل‪ ،‬وكان يرحل منهم إىل‬ ‫لبنان عشرة آالف يف الشهر مناوبة‪ ،‬ويكونون يف لبنان شه ًرا ويف بيوتهم شهرين‪ ،‬وكان‬ ‫قيما على السخرة‪ ،‬وكان لسليمان سبعون ألف رجل حيملون األثقال‪ ،‬ومثانون‬ ‫أدونريام ً‬

‫أل ًفا يقلعون احلجارة يف اجلبل‪ ،‬ما عدا رؤساء حمافظي سليمان القائمني على األعمال‪،‬‬ ‫وهم ثالثة آالف وثالث مئة يشرفون على القوم الذين يعملون العمل»‪ ،3‬وبذلك يكون‬ ‫عدد العاملني واملسؤولني م ًعا ‪183,300‬‬ ‫شخصا‪.‬‬ ‫ً‬

‫‪ 1‬سفر األخبار الثاني‪.4-3 ،‬‬ ‫‪ 2‬سفر األخبار الثاني‪.1 :5 ،‬‬ ‫‪ 3‬سفر الملوك األول‪.31-27 :5 ،‬‬

‫‪26‬‬


‫مؤسسـة القدس الدولية‬

‫أما يف سفر األخبار الثاني‪ ،‬فقد ورد يف اإلصحاح الثاني منه‪« :‬وأحصى سليمان مجيع‬ ‫النزالء الذين يف أرض إسرائيل بعد إحصاء داود أبيه هلم فكانوا مئة ومخسني أل ًفا‬ ‫وثالثة آالف وستمئة‪ ،‬فجعل منهم سبعني ألف حامل أثقال‪ ،‬ومثانني ألف قالع حجارة‬ ‫يف اجلبل‪ ،‬وثالثة آالف وستمئة يشرفون على عمل القوم»‪ .1‬وذلك يعين أن عدد الذين‬ ‫شاركوا يف العمل بلغوا ‪153,600‬‬ ‫شخصا»‪.‬‬ ‫ً‬

‫وهنا ميكن تسجيل املالحظات اآلتية‪:‬‬ ‫‪ -1‬الفارق بني رواييت سفر امللوك األول‪ ،‬وسفر األخبار الثاني يبلغ ‪ 29,700‬عامل‪.‬‬ ‫‪ -2‬يف رواية سفر األخبار الثاني كان إحصاء مجيع النزالء يف أرض إسرائيل ‪153,600‬‬

‫نسمة‪ ،‬وعند تفصيل املهام اليت قام بها العمال بلغ العمال العدد ذاته‪ ،‬فهل يعقل أن‬ ‫يعمل مجيع النزالء يف بناء بيت الرب؟ أليس بينهم شيخ كبري‪ ،‬أو امرأة‪ ،‬أو طفل؟‪.‬‬ ‫يف الرواية األوىل بلغ العمال ‪183,300‬؛ أي أكرب من عدد مجيع النزالء يف أرض‬ ‫إسرائيل‪ ،‬فلو اعتربنا الثالثني أل ًفا من غري بين إسرائيل‪ ،‬وكانوا يعملون باألجرة‪ ،‬و ّ‬ ‫مت‬ ‫حساب الباقني لكان العدد اإلمجالي ‪ 153,300‬ومبقارنة ذلك مبا ورد يف رواية سفر‬ ‫األخبار الثاني يتضح نقص العمال ‪ 300‬عامل‪.‬‬ ‫‪ )9‬مساحة الهيكل‪:‬‬

‫ورد يف سفر امللوك األول عن مساحة اهليكل يف عهد سليمان —عليه السالم—‪« :‬بنى‬ ‫ذراعا ً‬ ‫طول‪،‬‬ ‫سليمان البيت للرب‪ ،‬وكان البيت الذي بناه امللك سليمان للرب ستني ً‬ ‫ذراعا ً‬ ‫وعشرين ً‬ ‫طول على‬ ‫ذراعا عل ًوا‪ ،‬والرواق أمام هيكل البيت عشرين ً‬ ‫عرضا‪ ،‬وثالثني ً‬

‫حماذاة عرض البيت‪ ،‬وعشر أذرع ً‬ ‫عرضا أمام البيت»‪.2‬‬ ‫‪ 1‬سفر األخبار الثاني‪.-17 16 :2 ،‬‬ ‫‪ 2‬سفر الملوك األول‪.3-1 :6 ،‬‬

‫‪27‬‬


‫نقد أفكار هيكل سليمان الواردة في النص التوراتي‬

‫أما ما ورد يف سفر األخبار الثاني عن مساحة اهليكل‪« :‬وكانت األسس اليت وضعها‬ ‫ذراعا ً‬ ‫ذراعا‬ ‫طول بالذراع على املقياس القديم‪ ،‬وعشرين ً‬ ‫سليمان لبناء بيت اهلل ستني ً‬ ‫ذراعا ً‬ ‫ً‬ ‫طول على حماذاة عرض البيت‪ ،‬ومئة وعشرين‬ ‫عرضا‪ ،‬والرواق من أمام عشرين ً‬ ‫عل ًوا»‪.1‬‬ ‫نواح عدة‪ ،‬هي‪:‬‬ ‫وعند مقارنة الروايتني يتضح االختالف بينهما يف ٍ‬

‫‪ -1‬يف رواية سفر امللوك األول‪« ،‬وعشر أذرع ً‬ ‫عرضا أمام البيت» أما يف سفر األخبار الثاني‬ ‫فال ذكر لتلك األذرع مطل ًقا‪.‬‬ ‫ذراعا عل ًوا» أما يف سفر األخبار الثاني‪« :‬ومئة‬ ‫‪ -2‬يف رواية سفر امللوك األول‪« :‬وثالثني ً‬ ‫وعشرين عل ًوا» والفرق بينهما شاسع ً‬ ‫جدًا‪.‬‬ ‫‪ -3‬يف رواية سفر امللوك األول اكتفي كاتب النص بقوله «ذراع» أما يف سفر األخبار‬ ‫الثاني فقال‪« :‬بالذراع على املقياس القديم»‪ ،‬األمر الذي أرجع الباحث إىل ماهية‬ ‫توحد تلك الداللة‪ ،‬وبيان ذلك‪:‬‬ ‫مقاس الذراع عند اليهود‪ ،‬فاتضح عدم ّ‬ ‫أ‪ -‬ورد يف موسوعة الكتاب املقدس أن هيكل سليمان‪ ،‬استنادًا لرواية سفر امللوك األول‪،‬‬ ‫رتا‪ ،‬وعرضه حنو ‪ 9‬أمتار‪ ،‬وارتفاعه ‪ 13.5‬م ً‬ ‫كان طوله حنو ‪ 27‬م ً‬ ‫رتا‪.2‬‬ ‫ب‪ -‬وذلك يعين أن الذراع حسب ما ورد يف موسوعة الكتاب املقدس يساوي ‪ 45‬سم‬ ‫بالضبط‪.‬‬ ‫ج‪ -‬أورد الباحث حممود مصاحلة أن القياسات اليت استعملت يف املشناة (شرح التوراة)‬ ‫كانت حسب قياسات احلاخام إلياهو‪ ،‬وهي كاآلتي‪ :‬ذراع طوله ‪ 48‬سم‪ ،‬وذراع‬ ‫طوله ‪ 57.6‬سم‪ ،‬وذراع طوله ‪ 60‬سم‪ ،‬وأنه حسب ما ورد يف سفر حزقيال فإن‬ ‫املشناة اعتمدت نوعني من الذراع هما‪ :‬الذراع القصرية وطوهلا ‪ 48.38‬سم‪،‬‬ ‫‪3‬‬ ‫والذراع املتوسطة (ذراع موسى)‪ ،‬وطوهلا ‪ 58.06‬سم‪.‬‬

‫‪ 1‬سفر األخبار الثاني‪.4-3 :3 ،‬‬ ‫‪ 2‬موسوعة الكتاب المقدس‪ ،‬ص ‪.332-331‬‬ ‫‪ 3‬مصالحة‪ ،‬محمود‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.120-119‬‬

‫‪28‬‬


‫مؤسسـة القدس الدولية‬

‫وبالرجوع إىل املوقع اإللكرتوني هيكل سليمان ‪ Solomon’s Temple‬اتضح أن‬ ‫مقياس الذراع عند اليهود يعادل ‪ 52.7‬سم‪ ،‬وذكر أنه هو املقاس الذي كان معتمدًا‬ ‫يف قياس هيكل سليمان‪.1‬‬ ‫من كل ما سبق يتبني أن الذراع هلا سبع دالالت عند اليهود‪ ،‬هي‪:‬‬ ‫‪1‬‬

‫‪2‬‬

‫‪ 45‬سم‬

‫‪ 48‬سم‬

‫‪3‬‬

‫‪4‬‬

‫‪ 48.38‬سم ‪ 52.7‬سم‬

‫‪5‬‬

‫‪6‬‬

‫‪ 57.6‬سم ‪ 58.06‬سم‬

‫‪7‬‬ ‫‪ 60‬سم‬

‫وبذلك يتعذر حتديد املقاس احلقيقي للهيكل الذي تتحدث عنه نصوص التوراة ً‬ ‫طول‪،‬‬ ‫ً‬ ‫وارتفاعا‪.‬‬ ‫وعرضا‪،‬‬ ‫ً‬ ‫سادسا‪ :‬الهيكل ووثنية بني إسرائيل‬ ‫ً‬ ‫الرب‪ ،‬وتأدية العبادة فيه‪ ،‬تناقض‬ ‫يف الوقت الذي تذكر فيه التوراة أن اهليكل بُين إلقامة ِّ‬

‫التوراة ذاتها‪ ،‬فتذكر أن اهليكل كان مرك ًزا للوثنية‪ ،‬وعلى يد سليمان ‪-‬عليه السالم‪-‬‬ ‫نفسه‪ ،‬الذي تذكر التوراة أن الرب أحبه‪ ،‬واختذه اب ًنا له‪ ،‬وقرر أن جيعله هو باني اهليكل‪،‬‬

‫َ‬ ‫ريا وقمت حبروب‬ ‫فقد ورد يف سفر األخبار األول عن داود‪:‬‬ ‫«‪...‬إنك قد سفكت دما كث ً‬

‫تنب أنت بي ًتا المسي‪ ،‬ألنك قد سفكت دما ًء كثري ًة على األرض أمامي‪،‬‬ ‫كثري ٍة‪ ،‬فال ِ‬

‫فهو ذا قد ولد لك ٌ‬ ‫ابن يكون رجل راحة‪ ،‬وأنا أرحيه من مجيع أعدائه من حوله‪ ...‬فهو‬

‫يبين بي ًتا المسي‪ ،‬وهو يكون لي اب ًنا‪ ،‬وأنا أكون له أبًا‪ .2»...‬وبذلك يكون سليمان‬

‫‪-‬عليه السالم‪ -‬حسب هذا النص املختلق‪ ،‬اب ًنا للرب‪ ،‬ويكون الرب له أبًا‪ ،‬لكن ذلك‬

‫متاما مع ما ورد يف سفر امللوك األول‪ ،‬حيث كتب مؤلف السفر‪« :‬وأحب ُ‬ ‫امللك‬ ‫يتناقض ً‬

‫‪www.solomon’stemple.org 1‬‬ ‫‪ 2‬سفر األخبار األول‪.11-8 :22 ،‬‬

‫‪29‬‬


‫نقد أفكار هيكل سليمان الواردة في النص التوراتي‬

‫ُ‬ ‫سليمان نسا ًء غريبة كثرية مع ابنة فرعون‪ ،‬من املوآبيات‪ ،‬والعمونيات‪ ،‬واألدوميات‪،‬‬ ‫والصيدونيات‪ ،‬واحلثيات‪ ،‬من األمم اليت قال الرب لبين إسرائيل يف شأنها‪ :‬ال تذهبوا‬ ‫إليهم وال يذهبوا إليكم‪ ،‬فإنهم يستميلون قلوبكم إىل اتباع آهلتهم‪ .‬فتعلق بهن سليمان‬ ‫ح ًبا هلن‪ ،‬وكان له سبع مئة زوجة‪ ،‬وثالثة مئة ُس ِّريِّة فأزاغت نساؤه قلبه‪ ،‬وكان يف زمن‬

‫شيخوخة سليمان َّ‬ ‫خملصا‬ ‫أن أزواجه استملن قلبه إىل اتباع آهلة أخرى‪ ،‬فلم يكن قلبه‬ ‫ً‬

‫ُ‬ ‫سليمان عشتاروت‪ ،‬إهلة الصيدونيني‪ ،‬وملكوم‬ ‫قلب داود أبيه‪ ،‬وتبع‬ ‫للرب إهله‪ ،‬كما كان ُ‬ ‫حينئذ بنى سليمان مشر ًفا لكاموش قبيحة بين ع ّنون‪ ،‬وكذلك‬ ‫قبيحة بين عمون‪...،‬‬ ‫ٍ‬ ‫صنع جلميع نسائه الغريبات اللواتي ّ‬ ‫كن حيرقن البخور‪ ،‬ويذحبن آلهلتهن‪ .‬فغضب‬

‫الرب على سليمان»‪ .1‬إن اليهود يؤمنون إ ًذا أن الرب أحب سليمان واختذه اب ًنا له‪ ،‬وأنه‬ ‫بنى بي ًتا للرب‪ ،‬ويؤمنون ً‬ ‫أيضا أنه د ّنس بيت الرب‪ ،‬وحاد هو شخص ًيا عن عبادة الرب‪،‬‬ ‫ومال آلهلة زوجاته الوثنيات‪ ،‬فغضب الرب عليه‪ ،‬فلماذا يبحثون عن هيكله‪ ،‬وقد غضب‬ ‫الرب عليه!‪.‬‬ ‫ُ‬ ‫مما سبق يتضح أنه حسب العقيدة اليهودية‪ ،‬دخلت الوثنية إىل هيكل سليمان يف‬

‫عهده‪ ،‬لكن وفاة سليمان ‪-‬عليه السالم‪ -‬فتحت الصراع بني ملوك إسرائيل من جديد‪،‬‬ ‫ودفعت يربعام إىل بناء مدينة جديدة يف شكيم لإلطاحة مبكانة أورشليم الروحية‪ ،‬وورد‬ ‫يف النسخة العربية من سفر التثنية‪« :‬فإذا عربمت األردن‪ ،‬فانصبوا احلجارة اليت أنا‬ ‫أوصيكم يف جبل عيبال»‪ ،‬وجاء يف التوراة السامرية‪« :‬فانصبوا احلجارة اليت أنا أوصيكم‬ ‫يف جبل جرزيم»‪.2‬‬

‫‪ 1‬سفر الملوك األول‪.9-1 :11 ،‬‬ ‫‪ 2‬محاديــن‪ ،‬موفــق‪ ،‬دورة الديــن اليهــودي‪ ،‬ص ‪ ،200‬والبــاش‪ ،‬حســن‪ ،‬القــدس بيــن رؤيتيــن‪ ،‬ص ‪ ،66‬ومحاســنة‪ ،‬محمــد‬ ‫وآخــرون‪ :‬تاريــخ مدينــة القــدس‪ ،‬ص ‪.74‬‬

‫‪30‬‬


‫مؤسسـة القدس الدولية‬

‫فكثري من اليهود ال‬ ‫يعرتفون بهيكل يف القدس‪،‬‬ ‫وإمنا يعتقدون أن معبدهم‬ ‫يف مكان آخر‪ ،‬فالسامريون‬ ‫يعتقدون أن معبدهم بين‬ ‫فوق جبل جرزيم يف نابلس‪،‬‬ ‫وجمموعة أخرى تعتقد أن‬ ‫املعبد أقيم يف قرية بيتني‪،‬‬ ‫مشالي القدس‪ ،‬وجمموعة‬

‫السامريون فوق جبل جريزيم خالل أحد احتفاالتهم الدينية‬

‫ثالثة تعتقد أن هيكلها أقيم يف منطقة تل القاضي (دان)‪ ،1‬وزادت اخلالفات بني يربعام‬ ‫ورحبعام‪ ،‬فاختذ كل ً‬ ‫معبدا يف مملكته*‪ ،‬فقد ورد يف سفر امللوك األول أن يربعام استبدل‬ ‫أورشليم بغريها‪ ،‬وقال يربعام يف نفسه‪« :‬اآلن يرجع امللك إىل بيت داود‪ ...‬فاستشار‬ ‫امللك وعمل عجلني من الذهب‪ ،‬وقال هلم‪ :‬كثري عليكم أن تصعدوا إىل أورشليم هذه‬ ‫آهلتك يا إسرائيل‪ ...‬وجعل أحدهما يف بيت إيل‪ ،‬واآلخر وضعه يف دان‪ ...2‬وهكذا أصبح‬ ‫هيكل سليمان ً‬ ‫هيكل وثن ًيا من ناحية‪ ،‬وال حيظى بإمجاع اليهود من ناحية أخرى‪ ،‬بعد‬ ‫أن ظهرت معابد جديدة يف بيت إيل‪ ،‬ودان‪ ،‬وهما أبعد املناطق عن مملكة يهوذا‪ .3‬مل‬ ‫يقف األمر عند ح ّد حتول هيكل سليمان إىل الوثنية‪ ،‬بل جترأ اليهود عليه‪ ،‬واعتدوا‬ ‫‪ 1‬محاسنة‪ ،‬محمد وآخرون‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.74‬‬ ‫(*) انقســمت المملكــة بعــد وفــاة ســليمان —عليــه الســام— قســمين ‪ ،‬وبــدأ عصــر اإلنقســام فكانــت مملكــة الشــمال وعرفــت‬ ‫باســم مملكــة إســرائيل‪ ،‬وعاصمتتهــا سبســطية (الســامرة)‪ ،‬واألخــرى فــي الجنــوب‪ ،‬وعرفــت باســم مملكــة يهــوذا‪،‬‬ ‫وعاصمتهــا أورشــليم‪ ،‬وكانــت الحــرب ســجاالً بيــن المملكتيــن طبلــة فتــرة وجودهمــا‪( .‬الســنوار‪ ،‬زكريــا‪ :‬تاريــخ فلســطين‬ ‫القديــم والوســيط‪ ،‬ص‪ ،26‬الشــريقي‪ ،‬إبراهيــم‪ :،‬أورشــيلم وأرض كنعــان‪.)131-129 ،‬‬ ‫‪ 2‬سفر الملوك األول‪.33-26 :12 ،‬‬ ‫‪ 3‬فنكلشتاين‪ ،‬إسرائيل‪ ،‬ونيل سيلبرمان‪ :‬التوراة اليهودية مكشوفة على حقيقتها‪ ،‬ص ‪.197‬‬

‫‪31‬‬


‫نقد أفكار هيكل سليمان الواردة في النص التوراتي‬

‫عليه‪ ،‬كما ورد يف سفر امللوك الثاني»‪ .1‬وأما أمصيا‪ ،‬ملك يهوذا‪ ،‬ابن يوآشنب أحزيا‪،‬‬ ‫فقبض عليه يوآش‪ ،‬ملك إسرائيل يف بيت مشس‪ ،‬فأتى أورشليم‪ ،‬وهدم سور أورشليم‬ ‫من باب أفرائيم إىل باب الزاوية‪ ،‬على أربعمئة ذراع‪ ،‬وأخذ كل الذهب والفضة ومجيع‬ ‫اآلنية اليت وجدت يف بيت الرب‪ 2‬ويف خزائن بيت امللك‪ ،‬ورهائن‪ ،‬ورجع إىل السامرة‪.‬‬ ‫وليت اجرتاء اليهود على اهليكل وقف عند حد اهلجوم عليه‪ ،‬واستباحته‪ ،‬وسرقة ما‬ ‫فيه من ذهب وفضة وآنية حسبما تذكر التوراة‪ ،‬بل جتاوز ذلك‪ ،‬فأصبح مكا ًنا للدعارة‬ ‫وممارسة البغاء‪ ،‬حسبما ورد يف سفر امللوك الثاني‪ ،‬اإلصحاح الثالث والعشرين‪ ،‬كما‬ ‫املكرس‬ ‫ورد يف ترمجة مجعية الكتاب املقدس‪ ،‬عن إصحاحات يوشيا‪« :‬وهدم بيوت البغاء َّ‬ ‫اليت يف دار اهليكل‪ ،‬حيث كانت النساء ينسجن ثيابًا ألشرية»‪ .3‬ويشري نفس السفر‬

‫إىل إصحاحات أخرى حللقيا‪« ،‬وأمر امللك حلقيا عظي َم الكهنة‪ ،‬وكهنة الرتبة الثانية‬ ‫وحراس األعتاب‪ ،‬أن خيرجوا من هيكل الرب مجيع األدوات اليت كانت ُصنعت للبعل‬

‫والعشتاروت‪ ،‬وجلميع قوات السماء‪ ،‬فأحرقها يف خارج أورشليم يف حقول قدرون‪ ،‬ومحل‬ ‫رمادها إىل بيت إيل»‪ .4‬من كل ما سبق يتبني أن التوراة تعرتف أن الرب غضب على‬ ‫سليمان‪ ،‬ألنه أسهم يف نشر الوثنية‪ ،‬وأن اهليكل أصبح بعد موت سليمان معبدًا ململكة‬ ‫يهوذا فقط‪ ،‬أما مملكة السامرة فكان هلا معبدان بديالن يف بيت إيل ودان‪ ،‬وأن الفساد‬ ‫امتد أكثر‪ ،‬فأصبح يف اهليكل أصنام لبعل وعشتاروت وغريها من اآلهلة الوثنية‪ ،‬كما‬ ‫مارس اليهود البغاء يف اهليكل «املقدس»‪ ،‬كما مل يسلم من االعتداء عليه بالقوة‬ ‫العسكرية‪ ،‬وسلب ما فيه من كنوز وذهب وفضة‪ .‬إذا كانت التوراة املختلقة‪ ،‬اليت يؤمن‬ ‫بها اليهود‪ ،‬تقر بذلك كله وزيادة‪ ،‬فما الداعي حلرقتهم على اهليكل؟‪.‬‬ ‫‪ 1‬محادين‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.201‬‬ ‫‪ 2‬سفر الملوك الثاني‪.14-13 :14 ،‬‬ ‫‪ 3‬النتشة‪ ،‬جواد‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.110‬‬ ‫‪ 4‬سفر الملوك الثاني‪.23:4 ،‬‬

‫‪32‬‬


‫مؤسسـة القدس الدولية‬

‫سابعا‪ :‬هيكل سليمان وعلم اآلثار‬ ‫ً‬ ‫ذكر‬

‫كونتو‬

‫يف‬

‫كتابه‬

‫«احلضارة الفينيقية» أن أماكن‬ ‫العبادة الفينيقية والكنعانية‬ ‫كانت أماكن عالية‪ ،‬أو بعبارة‬ ‫أخرى ساحات يف قمم اجلبال‬ ‫والتالل اليت عندهم صفة‬ ‫القداسة‪ ،‬وعلى ذلك النحو‬ ‫كان للمدينتني الساحليتني‬

‫معبد فينيقي يف منطقة عمريت‬

‫أرواد وجبيل معابد يف اجلبل‪ ...‬وأهم هلا ما حيتويه أي معبد هو سوره املقدس غري‬ ‫املسقوف‪ ،‬ويف مركز الساحة يقام معبد صغري ليكون حرم الربوبية‪ ،‬أو يقام بيت إيل‪،‬‬ ‫أو يقام معبد صغري بداخله بيت إيل‪ ،‬وأمام املعبد‪ ،‬أو بني يدي البيت إيل يوضع مذبح‬ ‫للقرابني‪ ،‬فإذا اجتمع كل ذلك اكتملت أدوات العبادة وال بد للمعبد من نبع أو حوض‬ ‫مقدس‪ ،‬ومن غابة مقدسة‪ ،‬ويعد اختاذ سور مكشوف ً‬ ‫بدل من إقامة بناء واسع مسقوف‬ ‫خاصة من خواص املعابد الفينيقية‪ ،‬وعلى ذلك الطراز بُين حرم «ربة بيبلوس»‪ ،‬كما‬ ‫تشهد مسكوكات جبيل «بيبلوس»‪ ،‬وحرم أرواد‪ ،‬ومعبد أمشون يف صيدا‪ ،‬ومثل آخر هو‬ ‫معبد أورشليم بساحته الواسعة»‪ .1‬ويذكر جان مرجورون‪ ،‬منقب مدينة إميار السورية‪،‬‬ ‫أن معبد سليمان ال يعتمد وصفه إال على التوراة‪ ،‬يف حني أن اآلثار الباقية من املعابد‬ ‫السورية تزيد على ‪ 25‬معبدًا‪ ،‬وتبحث الدراسات التوراتية عن أصول معبد سليمان‬ ‫يف مناطق جماورة‪ ،‬رمبا كانت مصر‪ ،‬أكثر من سورية‪ ،‬دون أن تكرس هلا االهتمام‬ ‫‪ 1‬كونتنو‪ ،‬الحضارة الفينيقية‪ ،‬ص ‪.154-152‬‬

‫‪33‬‬


‫نقد أفكار هيكل سليمان الواردة في النص التوراتي‬

‫املكرس لوصف املعبد اخليالي لسليمان أو غريه‪ ،‬ويؤكد مرجورون أنه ال بد من العودة‬ ‫إىل الطراز السوري القديم‪ ،‬ألن ثقافة بناء املعابد السورية هي األقرب إىل فلسطني‪،‬‬ ‫قدما وعراقة‪.1‬‬ ‫واألكثر ً‬ ‫ويذكر املسريي أن هيكل سليمان ال خيتلف يف معماره عن اهلياكل الكنعانية اليت‬ ‫يبدو أنها تأثرت بالطراز الفرعوني الذي أخذه الفينيقيون من مصر‪ ،‬وأضافوا إليه ما‬ ‫أخذوه من األشوريني والبابليني من ضروب التزيني‪ ،‬ولذلك فإن الطراز الذي بُين عليه‬ ‫اهليكل يُسمى «الطراز الفرعوني اآلشوري»‪ ،‬وقد كان العربانيون يعتقدون أن هيكل‬ ‫سليمان إحدى عجائب العامل‪ ،‬لكن ذلك كان راج ًعا إىل جهلهم بأن هنالك معابد‬ ‫مصرية وأشورية عجيبة يف ضخامتها‪ .2‬وتعرتف موسوعة الكتاب املقدس بشيء من‬ ‫تصميما‪ ،‬وإن كان التنقيب قد كشف‬ ‫ذلك فتذكر‪« :‬ومل يكتشف هيكل آخر مياثله‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫ومعبدا آخر يف سورية يعود إىل القرن التاسع قبل‬ ‫هيكل كنعان ًيا يف حاصور‪،‬‬ ‫حدي ًثا‬ ‫أساسا حبيث يضم ثالث حجرات‪ ،‬مثل اهليكل»‪.3‬‬ ‫امليالد‪ ،‬وكالهما مصمم ً‬ ‫ومن عجب أن تذكر موسوعة الكتاب املقدس أنه مل يكتشف هيكل مياثل هيكل‬ ‫تصميما إال ما ُوجد يف حاصور وسورية‪ ،‬وكأن هيكل سليمان مكتشف‪ ،‬ويزوره‬ ‫سليمان‬ ‫ً‬ ‫الزائرون‪ ،‬وما عثر عليه يشابهه بالرغم من رغبة املسريي يف إرجاع الفضل لعمارة املعابد‬ ‫الفرعونية‪ ،‬كنموذج أُخذ عنه هيكل سليمان‪ ،‬فإن علماء اآلثار العاملني يف سورية‬ ‫وأهمهم مرجورون‪ ،‬وفو‪ ،‬توصلوا إىل التقريب بني خمطط املعبد السوري التقليدي‪،‬‬ ‫واملعبد اخليالي «هيكل سليمان»‪ ،‬إلثبات حقيقة أن تاريخ فلسطني املعماري الديين‬ ‫مصدر آخر‪ ،‬ولقد أثبتت الكشوف‬ ‫مرتبط بالوثائق واملخططات السورية‪ ،‬وليس بأي‬ ‫ٍ‬ ‫‪ 1‬عبد هللا‪ ،‬فيصل‪ ،‬تاريخ الوطن العربي القديم؛ بالد الشام‪ ،‬ص ‪.225 – 224‬‬ ‫‪ 2‬المسيري‪ ،‬عبد الوهاب‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ج‪ ،4‬ص ‪.162‬‬ ‫‪ 3‬موسوعة الكتاب المقدس‪ ،‬ص ‪.332‬‬

‫‪34‬‬


‫مؤسسـة القدس الدولية‬

‫اآلثارية أن املعابد يف سورية وجوارها قد ب ُنيت خالل ما يزيد عن ألفي سنة قبل امليالد‪،‬‬ ‫حسب املواصفات اآلتية‪:‬‬ ‫‪ -1‬جلميع املعابد السورية شكل مستطيل‪ ،‬والطول ضعف العرض غال ًبا‪.‬‬ ‫‪ -2‬تتألف واجهة املعبد الرئيسية من مدخل كبري‪ ،‬على شكل قاعة‪ ،‬واملدخل مفتوح‬ ‫يتشكل بفضل جدارين طويلني‪ ،‬يتقدمان داخل القاعة الكربى‪ ،‬وهناك عمودان يف‬ ‫املدخل غال ًبا‪.‬‬ ‫‪ -3‬يُفضي املدخل ذو العمودين األماميني إىل القاعة التعبدية الرئيسية‪ ،‬ذات الشكل‬ ‫املستطيل‪ ،‬ويكون حمورها وسط املعبد عامة‪ ،‬وسط املدخل‪ ،‬ومير ذلك احملور باملذبح‪،‬‬ ‫الذي يُقام عادة بعد ثلثي القاعة‪ ،‬وتقام مائدة‪ ،‬أو مقاعد‪ ،‬وبعد األثاث الطقسي‪...1‬‬ ‫فلو انتقلنا إىل هيكل سليمان‪ ،‬حسبما وصفته روايات التوراة‪ ،‬لوجدنا أنه يشبه املعابد‬ ‫السورية املكتشفة‪ ،‬واليت تسبق عصر سليمان ‪-‬عليه السالم‪ ،-‬فتذكر روايات التوراة‬ ‫أن هيكل سليمان مستطيل الشكل‪ ،‬وحيتوي على املدخل املسبوق بعمودين‪ ،‬وجزء آخر‬ ‫من القاعة الرئيسية‪ ،‬حيث يقام أثاث الطقوس من مذبح ومائدة ومقعد وغريه‪ ،‬وتشري‬ ‫التوراة إىل أن معبد القدس يتألف من ثالثة أجزاء رئيسية هي قاعة الطقوس «القاعة‬ ‫الكربى»‪ ،‬ثم املذبح والطاولة‪ ،‬ثم قدس األقداس‪.2‬‬ ‫إن تلك التقسيمات الثالث يف هيكل سليمان تواكب معظم املعابد السورية القدمية‪،‬‬ ‫وخاصة يف معابد تل خويرا الثالثة‪ ،‬اليت تعود إىل منتصف األلف الثالث قبل امليالد‪،‬‬ ‫ومعبد تل مرديخ «إبال»‪ ،‬ومعابد وادي مسكنه‪ ،‬وتل فرى‪ ،‬وتل منيفة من العصر الربونزي‬ ‫احلديث‪ ،‬ومعبد تل تينات الذي يعود للقرن السابع قبل امليالد‪ً ،‬‬ ‫دليل على استمرارية‬ ‫‪ 1‬عبد هللا‪ ،‬فيصل‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.229-227‬‬ ‫‪ 2‬موسوعة الكتاب المقدس‪ ،‬ص ‪332‬؛ والمسيري‪ ،‬عبد الوهاب‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ج ‪ ،4‬ص ‪.161‬‬

‫‪35‬‬


‫نقد أفكار هيكل سليمان الواردة في النص التوراتي‬

‫بناء املعابد السورية وفق‬ ‫ذلك املخطط التقليدي‪،‬‬ ‫حتى األلف األول قبل‬ ‫امليالد‪.1‬‬ ‫من كل ما سبق‪ ،‬ميكن‬ ‫القول إن كتبة التوراة‬ ‫إمنا «سرقوا» وصف هيكل‬ ‫سليمان من املعابد السورية؛‬ ‫الفينيقية والكنعانية اليت‬ ‫كانت قائمة يف بالد الشام‪،‬‬

‫رسم ألحد املعابد الكنعانية يعود لـ ‪ 1600‬ق‪.‬م‬

‫وأضافوا إليها التهويل‪ ،‬فأصبح هيكل سليمان كأنه أحد عجائب الدنيا‪ ،‬ومع ذلك مل‬ ‫يتم العثور منه على أي شيء فياله من عجيب!‬ ‫كتب عامل اآلثار الفلسطيين معاوية إبراهيم‪« :‬تتغين أسفار اليهود صموئيل وامللوك‬ ‫من التوراة بأجماد تلك اململكة‪ ،‬وإجنازات امللكني القويني «داود وسليمان» يف الداخل؛‬ ‫واخلارج‪ ،‬اليت اتسمت بعداء مستحكم جلميع املمالك والقوى السياسية يف مجيع‬ ‫أرجاء بالد الشام‪ .‬تلك الروايات غري مدعومة إطال ًقا مبصادر املمالك املعادية‪ ،‬أو غري‬ ‫املعادية‪ ،‬كما ال تعطي املخلفات األثرية يف مجيع مواقع العصر احلديدي أية براهني‬ ‫على صحة تلك الروايات‪ ،‬رغم كثرة املواقع اليت ّ‬ ‫مت التنقيب فيها‪ ،‬ورغم احملاوالت اليت‬

‫تبذل لربط املخلفات األثرية بتلك الروايات»‪ ،2‬أما بالنسبة هليكل سليمان‪ ،‬فيذكر‬ ‫‪ 1‬عبد هللا‪ ،‬فيصل‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.226‬‬ ‫‪ 2‬إبراهيم‪ ،‬معاوية‪ ،‬فلسطين من أقدم العصور‪ ،‬ص ‪.120‬‬

‫‪36‬‬


‫مؤسسـة القدس الدولية‬

‫معاوية إبراهيم‪« :‬ذهبت جمموعة كبرية من علماء الالهوت واألثريني التوراتيني‬ ‫للبحث عن خملفات سليمان املعمارية‪ ،‬وما حتويه من كنوز‪ ،‬ومقتنيات‪ ،‬فشغلوا‬ ‫أنفسهم باملخططات التفصيلية للقصر وللمعبد‪ ،‬اعتمادًا على الوصف التوراتي دون‬ ‫أن يعثروا على خملفات مادية تربر تلك التصورات»‪ ،1‬وقد ادعى املنقبون اآلثاريون‬ ‫التوراتيون نسبة عدد من املخلفات األثرية إىل الفرتة اإلسرائيلية القدمية‪ ،‬إىل أن قامت‬ ‫كاثلني كنيون حبفرياتها يف القدس‪ ،‬وأعلنت بشكل واضح «مع أنه ميكن اقرتاح مسار‬ ‫واضحا أنه مل َ‬ ‫يبق شيء من داخل‬ ‫األسوار احمليطة بالقدس‪ ،‬إال أنه أصبح‪ ،‬لألسف!‪،‬‬ ‫ً‬ ‫املدينة يف عهد سليمان‪ ،‬أو سلفه‪ ،‬أو خلفه»‪.2‬‬ ‫كتب عامل اآلثار «اإلسرائيلي» التوراتي هريتسوغ؛ األستاذ يف جامعة تل أبيب‪ ،‬يف‬ ‫مقالة نشرتها صحيفة «هآرتس» يف ‪« :1999/11/28‬إن احلفريات املكثفة يف أرض‬ ‫إسرائيل خالل القرن العشرين قد أوصلتنا إىل نتائج حمبطة‪ .‬كل شيء خمتلق‪،‬‬ ‫وحنن مل نعثر على شيء يتفق والرواية التوراتية‪ .‬إن قصص اآلباء يف سفر التكوين هي‬ ‫جمرد أساطري‪ ،...‬وأصعب هذه األمور أن اململكة املوحدة لداود وسليمان‪ ،‬اليت توصف يف‬ ‫التوراة بأنها دولة عظمى‪ ،‬كانت يف أفضل األحوال مملكة قبلية صغرية‪ ...‬إنين أدرك‬ ‫ً‬ ‫باعتباري ً‬ ‫وتلميذا للمدرسة التوراتية مدى اإلحباط‬ ‫واحدا من أبناء (الشعب اليهودي)‪،‬‬

‫الناجم عن اهلوة بني آمالنا يف إثبات تارخيية التوراة وبني احلقائق اليت تتكشف على‬ ‫أحس بثقل هذا االعرتاف على عاتقي‪ ،‬ولكنين ملتزم بتدقيق ونقد‬ ‫أرض الواقع‪ .‬إنين ُ‬ ‫وتعديل تفسرياتي ونتائجي السابقة‪.3»...‬‬

‫‪ 1‬المرجع نفسه‪ ،‬ص ‪.121-120‬‬ ‫‪ 2‬المرجع نفسه‪ ،‬ص ‪.121‬‬ ‫‪ 3‬السواح‪ ،‬فراس‪ ،‬تاريخ أورشليم‪ ،‬ص ‪.145-144‬‬

‫‪37‬‬


‫نقد أفكار هيكل سليمان الواردة في النص التوراتي‬

‫أما إسرائيل فنكلشتاين؛ رئيس قسم اآلثار جبامعة تل أبيب فكتب‪« :‬لقد كانت صورة‬ ‫موضوعا‬ ‫أورشليم (القدس) يف عهد داود‪ ،‬وبنحو أكثر يف عهد ابنه سليمان‪ ،‬عرب القرون‪،‬‬ ‫ً‬ ‫لصياغة األساطري والقصص الرومانسية‪ .‬لقد صاغ احلجاج والصليبيون واحلاملون من‬ ‫قصصا خرافية رائعة حول عظمة مدينة داود‪ ،‬وهيكل سليمان‪ ،‬ولذلك؛ مل‬ ‫كل نوع‪،‬‬ ‫ً‬ ‫يكن مصادفة إ ًذا أن جند أن البحث عن بقايا هيكل سليمان كان من بني التحديات‬ ‫األوىل اليت أخذتها الدراسات اآلثارية التوراتية على عاتقها يف القرن التاسع عشر‪،‬‬ ‫بنحو نادر‪ ،...‬لقد ُنقبت مدينة أورشليم (القدس) مرة بعد مرة مع‬ ‫ومل يكن مثم ًرا إال‬ ‫ٍ‬ ‫الرتكيز يف السبعينيات والثمانينيات من القرن املاضي على البحث عن آثار املدينة‬ ‫العائدة للعصر الربونزي والعصر احلديدي‪ ،‬حتت إشراف يغال شيلواح ‪،Yigal Shiloh‬‬ ‫من اجلامعة العربية‪ ،‬وكان األمر املفاجئ‪ ،‬كما أشار إليه عامل آثار جامعة تل أبيب‬ ‫ديفيد أوسيشكني ‪ David Ussishkin‬أن العمل امليداني هناك‪ ،‬ويف األجزاء األخرى‬ ‫من أورشليم الكتاب املقدس‪ ،‬أخفقت يف تزويد دليل مهم على أن املدينة كانت آهلة‬ ‫بالسكان يف القرن العاشر قبل امليالد‪ .‬هناك فقدان ألي بناء معماري تذكاري‪ ...‬إن‬ ‫التنقيبات يف مدينة داود كشفت عن آثار مهمة تعود للعصر الربونزي وللقرون املتأخرة‬ ‫من العصر احلديدي‪ ،‬ولكن ال آثار تعود للقرن العاشر قبل امليالد‪.1 »...‬‬ ‫كان فنكلشتاين وأوسيشكني قد عرضا نتائج دراستهما اآلثارية يف مؤمتر جلمعية علم‬ ‫اآلثار التوراتي ُعقد يف سان فرانسيسكو أواخر سنة ‪ ،1997‬ويف نهاية مداخلته أمام‬ ‫املؤمتر قال أوسيشكني‪« :‬إنه ليصعب على روحي الرومانسية أن تقبل بهذه الوقائع‪ ،‬أرجو‬ ‫من امللك سليمان أن يساحمين»‪.2‬‬ ‫وأضاف إسرائيل فنكلشتاين‪« :‬حمور النقاش واجلدل األساسي مل يكن حول فتوحات‬ ‫حكما ً‬ ‫وعهدا جميدًا على اململكة اليت فتحها‬ ‫داود‪ ،‬بل حول ما بعدها‪ .‬هل أسس سليمان ً‬ ‫داود؟ رغم أنه مل يتم أبدًا احلصول على أي أثر هليكل سليمان أو القصر يف أورشليم‬ ‫(القدس)»‪.3‬‬ ‫‪ 1‬فنكلشتاين‪ ،‬إسرائيل‪ ،‬ونيل سيلبرمان‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.178-177‬‬ ‫‪ 2‬السواح‪ ،‬فراس‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.143‬‬ ‫‪ 3‬فنكلشتاين‪ ،‬إسرائيل‪ ،‬ونيل سيلبرمان‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.182‬‬

‫‪38‬‬


‫مؤسسـة القدس الدولية‬

‫إن هذه الشهادات ألبرز علماء اآلثار التوراتيني اليهود‪ ،‬تدل صراح ًة على عدم وجود أي‬

‫آثار هليكل أو قصر سليمان ‪-‬عليه السالم‪ -‬يف القدس‪ ،‬وعدم العثور على أي خملفات‬ ‫ختدم الفكرة التوراتية‪.‬‬ ‫ثامنً ا‪ :‬التوراة وهدم الهيكل‬ ‫ودمر اهليكل‪ .‬فقد ورد يف‬ ‫تذكر التوراة أن نبوخذ نصر الكلداني قد احتل أورشليم‪ّ ،‬‬ ‫سفر امللوك الثاني «زحف نبوخذ نصر‪ ،‬ملك بابل‪ ،‬وهو ومجيع جيوشه على أورشليم‪،‬‬ ‫وعسكر عندها وبنى حوهلا حتصينات‪ ،‬فصارت املدينة حتت احلصار‪ ...‬فأحرق بيت الرب‬ ‫وبيت امللك ومجيع بيوت أورشليم‪ ،‬أحرق بالنار كل بيت للعظماء‪ ،‬وهدم كل جيش‬ ‫الكلدانيني الذين مع رئيس احلرس أسوار أورشليم مما حوهلا‪ ،‬وجال نبو زرادان؛ رئيس‬ ‫احلرس‪ ،‬سائر الشعب الذي بقي يف املدينة‪ ،‬واهلاربني الذين هربوا إىل ملك بابل‪...‬‬

‫رسم يظهر حتطيم أعمدة "املعبد" على يد جيش نبوخذ نصر‬

‫‪39‬‬


‫نقد أفكار هيكل سليمان الواردة في النص التوراتي‬

‫ّ‬ ‫وحطم الكلدانيون أعمدة النحاس اليت يف بيت الرب‪ ،‬والقواعد‪ ،‬وحبر النحاس الذي‬ ‫يف بيت الرب‪ ،‬ومحلوا حناسها إىل بابل‪ ،‬وأخذوا القدور واجملارف واملقاريض والقصاع‬ ‫ومجيع أدوات النحاس اليت كانوا خيدمون بها‪.1»...‬‬ ‫ويواصل كاتب السفر تعداد املنهوبات من ذهب وفضة وغري ذلك من كنوز اهليكل‪،‬‬

‫ونقلها إىل بابل‪ ،‬مع َمن ّ‬ ‫مت سبيهم من اليهود‪ .‬لكن كاتب سفر األخبار الثاني تناول‬ ‫هدم اهليكل من زاوية أخرى فذكر‪« :‬وأكثر مجيع رؤساء الكهنة والشعب من املخالفة‪،‬‬

‫حبسب مجيع قبائح األمم‪ّ ،‬‬ ‫وجنسوا بيت الرب الذي قدَّسه يف أورشليم‪ ،‬فأرسل إليهم‬ ‫الرب‪ ،‬إله آبائهم ً‬ ‫غضب الرب على شعبه حتى‬ ‫رسل‪ ...‬فسخروا من رسل اهلل‪ ...‬حتى ثار‬ ‫ُ‬ ‫ومل يشفق على فتى أو عذراء‪ ،‬وال على شيخ أو أشيب‪ ،‬بل أسلم اجلميع إىل يده‪ ،‬ومجيع‬ ‫آنية بيت الرب‪ ،‬الكبرية والصغرية‪ ،‬وخزائن بيت الرب‪ ،‬وخزائن امللك‪ ،‬ورؤسائه أخذوها‬ ‫بأسرها إىل بابل‪ ،‬وأحرقوا بيت اهلل‪ ،‬ودمروا سور أورشليم‪ ،‬وأحرقوا مجيع قصورها‬ ‫بالنار»‪.2‬‬ ‫وبذلك اعرتف كتبة التوراة أن الرب عاقب بين إسرائيل بسبب وثنيتهم‪ ،‬وبعدهم عن‬ ‫يب إىل بابل‪ ،‬و ّ‬ ‫مت دمار هيكل سليمان‪،‬‬ ‫أوامره‪ ،‬وعدم التزامهم بتعاليم األنبياء‪ ،‬فكان الس ُ‬

‫فإذا كان ذلك ما ذكرته التوراة ذاتها‪ ،‬فذلك يعين أن من غري املنطقي أن يتم البحث‬ ‫عن «هيكل» سليمان الذي يعرتفون بدماره سنة ‪ 586‬ق‪.‬م‪.‬‬

‫‪ 1‬سفر الملوك الثاني‪.21-1 :25 ،‬‬ ‫‪ 2‬سفر األخبار الثاني‪.20-14 :36 ،‬‬

‫‪40‬‬


‫مؤسسـة القدس الدولية‬

‫الخاتمة‬ ‫أظهرت هذه الدراسة ّ‬ ‫أن جمموع األفكار اليت تتداوهلا املصادر اليهودية حول‬ ‫«اهليكل» تدور يف فلك التناقض‪ ،‬والبعد عن املنطق‪ ،‬وجتاوز املعقول‪ .‬لقد‬ ‫تضاربت املعلومات اليهودية حول سبب بناء «اهليكل»‪ ،‬ومكانه‪ ،‬ووصفه‪ ،‬وغري‬ ‫حد جيعلنا نقول إنه ال حقيقة واحدة ثابتة تتعلق مبا يسمى‬ ‫ذلك من أمور إىل‬ ‫ٍّ‬ ‫ّ‬ ‫وكل ما وصلنا ليس سوى أساطري‪ .‬وإذا كان األمر كذلك لنا أن‬ ‫«اهليكل»‪،‬‬ ‫نسأل‪ :‬كيف ميكن أن ُتبنى العقيدة اليهودية على فكر ٍة متناقضة ومتهافتة على‬

‫مقاييس العلم‪ ،‬والعقل‪ ،‬والتاريخ‪ ،‬والدين؟‬

‫‪41‬‬


‫نقد أفكار هيكل سليمان الواردة في النص التوراتي‬

‫المراجع‪:‬‬ ‫إبراهيم‪ ،‬معاوية‪ ،‬فلسطني من أقدم العصور‪.‬‬

‫ابن خلدون‪ ،‬العرب‪ ،‬ج ‪ ،2‬ق‪.1‬‬

‫ابن عساكر‪ ،‬تاريخ مدينة دمشق‪ ،‬ج ‪.61‬‬

‫ابن كثري‪ :‬البداية والنهاية‪ ،‬ج ‪.1‬‬ ‫ابن منظور‪ ،‬لسان العرب‪ ،‬ج ‪.11‬‬

‫أبو زيد‪ ،‬سعيد‪ ،‬هيكل سليمان بني النصوص العربية والتوراتية‪.‬‬ ‫الباش‪ ،‬حسن‪ ،‬القدس بني رؤيتني‪.‬‬

‫البستاني‪ ،‬كرم‪ ،‬وآخرون‪ ،‬املنجد‪.‬‬

‫احلوت‪ ،‬بيان‪ ،‬فلسطني القضية الشعب احلضارة‪.‬‬

‫دانا‪ ،‬يوسف‪ ،‬اللسان؛ قاموس عربي – عربي‪.‬‬ ‫سفر األخبار األول‪.‬‬

‫سفر األخبار الثاني‪.‬‬

‫سفر التكوين‪.‬‬ ‫سفر اخلروج‪.‬‬

‫سفر املزامري‪ ،‬املزمور ‪.7-1 :87‬‬ ‫سفر امللوك األول‪.‬‬

‫سفر امللوك الثاني‪.‬‬

‫سفر صموئيل الثاني‪.‬‬ ‫سفر عزرا‪.‬‬

‫سفر يوئيل‪.‬‬

‫السنوار‪ ،‬زكريا‪ :‬تاريخ فلسطني القديم والوسيط‪.‬‬

‫‪42‬‬


‫مؤسسـة القدس الدولية‬

‫السنوار‪ ،‬زكريا‪ ،‬حماضرات يف تاريخ اليهود واحلركة الصهيونية‪.‬‬ ‫السواح‪ ،‬فراس‪ ،‬تاريخ أورشليم‪.‬‬

‫سوسة‪ ،‬أمحد‪ ،‬العرب واليهود يف التاريخ‪.‬‬

‫الشريقي‪ ،‬إبراهيم‪ :‬أورشيلم وأرض كنعان‪.‬‬ ‫شنودة‪ ،‬زكي‪ :‬اجملتمع اليهودي‪.‬‬

‫صادق‪ ،‬حممد‪ ،‬القدس بني املزاعم اليهودية واحلقوق التارخيية للعرب‪.‬‬ ‫عبد اهلل‪ ،‬فيصل‪ ،‬تاريخ الوطن العربي القديم؛ بالد الشام‪.‬‬ ‫عواد‪ ،‬حممود‪ ،‬إقامة اهليكل املزعوم‪.‬‬

‫فنكلشتاين‪ ،‬إسرائيل‪ ،‬ونيل سيلربمان‪ :‬التوراة اليهودية مكشوفة على حقيقتها‪.‬‬ ‫كونتنو‪ ،‬احلضارة الفينيقية‪.‬‬

‫حمادين‪ ،‬موفق‪ ،‬دورة الدين اليهودي‪.‬‬

‫حماسنة‪ ،‬حممد وآخرون‪ :‬تاريخ مدينة القدس‪.‬‬

‫املسريي‪ ،‬عبد الوهاب‪ :‬موسوعة اليهود واليهودية والصهيونية‪ ،‬ج ‪.4‬‬ ‫مصاحلة‪ ،‬حممود‪ :‬املسجد األقصى املبارك وهيكل بين إسرائيل‪.‬‬

‫مهران‪ ،‬حممد‪ ،‬دراسات تارخيية من القرآن الكريم يف العراق‪.‬‬ ‫موسوعة الكتاب املقدس‪.‬‬

‫النتشة‪ ،‬جواد‪ ،‬مكانة بيت املقدس‪.‬‬ ‫اهلامشي‪ ،‬عابد‪ :‬فلسطني يف امليزان‪.‬‬ ‫اليعقوبي‪ ،‬تاريخ‪ ،‬ج ‪.1‬‬ ‫‪Dolphin, Lambert: The Temple of Solomon‬‬ ‫‪Martin: New Evidence‬‬ ‫‪Wikipedia, the free encyclopedia, www.solomon’stemple.org‬‬

‫‪43‬‬




Turn static files into dynamic content formats.

Create a flipbook
Issuu converts static files into: digital portfolios, online yearbooks, online catalogs, digital photo albums and more. Sign up and create your flipbook.