-العدد - 33خريف 1432هـ 2011 -م
صدر حديث ًا عن مؤسسة عبدالرحمن السديري اخليرية
سيرة وإبداع الطبيب والفيلسوف البروفيسور نايف الروضان
مواجهات دراسات ونقد شعر طالل الطويرقي هشام بنشاوي سليمان العتيق ماهر الرحيلي عالء الدين حسن حسن الزهراني بثينة العيسى موسى البدري إبراهيم الدهون
ملف العدد:
الترجمة ..جسر بين الثقافات 33
مبشاركة :أحمد عثمان ،نوره هادي السعيد ،محمد سعيد الريحاني، مالك اخلالدي ،عبدالله الطيب ،خلف القرشي ،مرسي طاهر ،حسن السبع
33
برنامـج نشر الدراسات واإلبداعـات األدبية ودعم البحوث والرسائل العلمية في مؤسسة عبدالرحمن السديري اخليرية -1نشر الدراسات واإلبداعات األدبية يهتم بالدراسات ،واإلبداعات األدبية ،ويهدف إلى إخ��راج أعمال متميزة ،وتشجيع حركة اإلب��داع األدبي واإلنتاج الفكري وإثرائها بكل ما هو أصيل ومميز. ويشمل النشر أعمال التأليف والترجمة والتحقيق والتحرير. مجاالت النشر: أ -الدراسات التي تتناول منطقة اجلوف في أي مجال من املجاالت. مبي في البند « »٨من شروط النشر). ب -اإلبداعات األدبية بأجناسها املختلفة (وفقاً ملا هو نّ مبي في البند « »٨من شروط النشر). ج -الدراسات األخرى غير املتعلقة مبنطقة اجلوف (وفقاً ملا هو نّ شروطه: -١أن تتسم الدراسات والبحوث باملوضوعية واألصالة والعمق ،وأن تكون موثقة طبقاً للمنهجية العلمية. -٢أن تُكتب املادة بلغة سليمة. -٣أن يُرفق أصل العمل إذا كان مترجماً ،وأن يتم احلصول على موافقة صاحب احلق. -٤أن تُق ّدم املادة مطبوعة باستخدام احلاسوب على ورق ( )A4ويرفق بها قرص ممغنط. -٥أن تكون الصور الفوتوغرافية واللوحات واألشكال التوضيحية املرفقة باملادة جيدة ومناسبة للنشر. -٦إذا كان العمل إبداعاً أدبياً فيجب أن يتّسم بالتم ّيز الفني وأن يكون مكتوباً بلغة عربية فصيحة. -٧أن يكون حجم املادة -وفقاً للشكل الذي ستصدر فيه -على النحو اآلتي: الكتب :ال تقل عن مئة صفحة باملقاس املذكور. البحوث التي تنشر ضمن مجالت محكمة تصدرها املؤسسة :تخضع لقواعد النشر في تلك املجالت. الكتيبات :ال تزيد على مئة صفحة( .حتتوي الصفحة على « »250كلمة تقريباً). -٨فيما يتعلق بالبند (ب) من مجاالت النشر ،فيشمل األعمال املقدمة من أبناء وبنات منطقة اجلوف ،إضافة إلى املقيمني فيها ملدة ال تقل عن عام ،أما ما يتعلق بالبند (ج) فيشترط أن يكون الكاتب من أبناء أو بنات املنطقة فقط. -٩متنح املؤسسة صاحب العمل الفكري نسخاً مجانية من العمل بعد إص��داره ،إضافة إلى مكافأة مالية مناسبة. -١٠تخضع املواد املقدمة للتحكيم.
من إصدارات اجلوبة
-2دعم البحوث والرسائل العلمية يهتم بدعم مشاريع البحوث والرسائل العلمية والدراسات املتعلقة مبنطقة اجلوف ،ويهدف إلى تشجيع الباحثني على طرق أبواب علمية بحثية جديدة في معاجلاتها وأفكارها. (أ) الشروط العامة: -١يشمل الدعم املالي البحوث األكادميية والرسائل العلمية املقدمة إلى اجلامعات واملراكز البحثية والعلمية، كما يشمل البحوث الفردية ،وتلك املرتبطة مبؤسسات غير أكادميية.
-٢يجب أن يكون موضوع البحث أو الرسالة متعلقاً مبنطقة اجلوف.
-٣يجب أن يكون موضوع البحث أو الرسالة جديداً في فكرته ومعاجلته. -٤أن ال يتقدم الباحث أو الدارس مبشروع بحث قد فرغ منه.
-٥يقدم الباحث طلباً للدعم مرفقاً به خطة البحث. -٦تخضع مقترحات املشاريع إلى تقومي علمي.
-٧للمؤسسة حق حتديد السقف األدنى واألعلى للتمويل. -٨ال يحق للباحث بعد املوافقة على التمويل إجراء تعديالت جذرية تؤدي إلى تغيير وجهة املوضوع إال بعد الرجوع للمؤسسة. -٩يقدم الباحث نسخة من السيرة الذاتية. (ب) الشروط الخاصة بالبحوث: -١يلتزم الباحث بكل ما جاء في الشروط العامة (البند «أ»). -٢يشمل املقترح ما يلي: توصيف مشروع البحث ،ويشمل موضوع البحث وأهدافه ،خطة العمل ومراحله ،وامل��دة املطلوبةإلجناز العمل. ميزانية تفصيلية متوافقة مع متطلبات املشروع ،تشمل األجهزة واملستلزمات املطلوبة ،مصاريفالسفر والتنقل والسكن واإلعاشة ،املشاركني في البحث من طالب ومساعدين وفنيني ،مصاريف إدخال البيانات ومعاجلة املعلومات والطباعة.
حتديد ما إذا كان البحث مدعوماً كذلك من جهة أخرى.(ج) الشروط الخاصة بالرسائل العلمية:
إضافة لكل ما ورد في الشروط اخلاصة بالبحوث (البند «بــ«) يلتزم الباحث مبا يلي: -١أن يكون موضوع الرسالة وخطتها قد أق ّرا من اجلهة األكادميية ،ويرفق ما يثبت ذلك. قدم توصية من املشرف على الرسالة عن مدى مالءمة خطة العمل. -٢أن يُ ّ
اجلوف :هاتف - 04 624 5992فاكس - 04 426 7780ص .ب 458سكاكا -اجلوف الرياض :هاتف - 01 412 5277 - 01 412 5266فاكس - 01 402 2545ص .ب 10071الرياض 11433 nshr@abdulrahmanalsudairyfoundation.org
العدد 33 خريف 1432هـ 2011 -م
ملف ثقافي ربع سنوي يصدر عن مؤسسة عبدالرحمن السديري اخليرية
املشرف العام
إبراهيم احلميد أسرة التحرير محمود الرمحي ،محمد صوانة أمين السطام ،عماد املغربي اإلخراج الفني خالد الدعاس
املراسالت
توجه باسم املشرف العام ّ
هاتف)+966( )4( 6263455 : فاكس)+966( )4( 6247780 : ص .ب 458سكاكا اجلـوف -اململكة العربية السعودية www.aljoubah.com aljoubah@gmail.com ردمد ISSN 1319 - 2566
سعر النسخة 8رياالت تطلب من الشركة الوطنية للتوزيع
قواعد النشر
- 1أن تكون املادة أصيلة. - 2لم يسبق نشرها. - 3تراعي اجلدية واملوضوعية. - 4تخضع املواد للمراجعة والتحكيم قبل نشرها. - 5ترتيب املواد في العدد يخضع العتبارات فنية. - 6ترحب اجلوبة بإسهامات املبدعني والباحثني والكتّاب، على أن تكون املادة باللغة العربية. «اجلوبة» من األسماء التي كانت تُطلق على منطقة اجلوف سابق ًا
الناش ـ ـ ـ ــر :مؤسسة عبدالرحمن السديري اخليرية أسسها األمير عبدالرحمن بن أحمد السديري (أمير منطقة اجلوف من 1362/9/5هـ 1410/7/1هـ املوافق 1943/9/4م 1990/1/27 -م) بهدف إدارة ومتويل املكتبة العامةالتي أنشأها عام 1383هـ املعروفة باسم دار اجلوف للعلوم .وتتضمن برامج املؤسسة نشر الدراسات واإلبداعات األدبية ،ودعم البحوث والرسائل العلمية ،وإصدار مجلة دورية ،وجائزة األمير عبدالرحمن السديري للتفوق العلمي ،كما أنشأت روضة ومدارس الرحمانية األهلية للبنني والبنات ،وجامع الرحمانية. 2
اجلوبة -خريف 1432هـ
الـمحتويــــات
االفتتاحية 4 . ....................................................
6....................... الترجمة.. جسر بني الثقافات
ملف العدد :الترجمة :جسر بين الثقافات 6 . ..................
دراسات ونقد :قلق الهوية -د .خالد فهمي 44 . ................. وحب -عَ الء الدِّين حسَ ـن 50 . ............ ٌّ نِزار قبَّاني ..شـع ٌر رواية الثوب لطالب الرفاعي -أ .د .صبري مسلم 57 . ....... ال تبيعوا أغصاني للخريف -د .إبراهيم الدّهون61 . ......... ديوان الشاعر محمد بنطلحة -عبدالغني فوزي 64 . ......... «ساق الغراب» ليحيى أمقاسم -هشام بنشاوي66 ................
قصص قصيرة :قصص قصيرة جدا -عبدالله المتقي 69 . ... تجليد أزرق -محمد صباح الحواصلي 71 . ...................
50.....................
ذبول وردة -ليلى الحربي 72 . .................................
نزار قباني ..شعر وحب
قصة حب واقعية جدا -سعيد أحباط 73 . ................... قصتان -مريم محمد اللحيد75 . .............................
شعر :رثاء وأمل -سليمان العتيق 76 . ......................... اسطنبول ..والذكريات -ماهر الرحيلي 78 . ..................
الجوف -موسى البدري 79 . ..................................
87..................... حوار مع الشاعر حسن الزهراني
تمتمات الخزامى -حسن الزهراني 80 . ......................
مواجهات :حوار طالل الطويرقي -عمر بوقاسم81 . .......... حوار مع الشاعر حسن الزهراني -مصطفى شرف 87 . ..... حوار مع الروائية بثينة العيسى :أحمد الدمناتي 93 . .........
س��ي��رة وإب�����داع :الطبيب وال�ف�ي�ل�س��وف ال�ب��روف�ي�س��ور نايف الروضان -المحرر الثقافي98 . ...............................
نوافذ :أنسى الحاج والرقمية -السيد نجم103 . ................ فضاء المعنى للصقعبي -سمير الشريف 106 . ................
98.....................
قصائد من الهايكو الياباني -ترجمة سعيد بوكرامي 109 . .... رحيل شاكر الشيخ -شمس علي 111 . .........................
الطبيب والفيلسوف البروفيسور نايف الروضان
رحيل خيري شلبي -د .محمود خلف الله113 . ................
الغالف :ل�����وح�����ة وج���������وه وم��ل��ام�����ح، لألستاذة /آمنة الضويحي.
قراءات122 . .....................................................:
فنانة تشكيلية سعودية من سكاكا باجلوف.
م���ال واق���ت���ص���اد :ال�ح��وك�م��ة ف��ي ال �م �ص��ارف اإلس�لام �ي��ة - د .حسين سمحان 117 . ........................................... األنشطة الثقافية128 . ....................................... :
اجلوبة -خريف 1432هـ
3
افتتاحية العدد > إبراهيم احلميد
يعاني العالم العربي من ظواهر النكوص التنموي والتخلف التقني والعلمي ،ومن أبرز نتائج هذا التخلف ،تأخر الترجمة ،ونقل المعرفة في هذا العالم ،وال��ذي بقي يعاني رغم ازدي��اد وتيرة التقدم العلمي وتسارع االكتشافات في الدول المحيطة ،حيث أصبحت الترجمة ضرورة ملحة تحشد ال��دول من أجلها الطاقات واإلمكانات ،لتعزيز نفوذها القومي، والحفاظ على كيانها اللغوي وهويتها. وبالرغم من ب��روز ظاهرة العولمة ،وتحول العالم إل��ى قرية صغيرة، وسهولة الحصول على المعلومات نتيجة االنفجار المعرفي والتقني ،إال أن حركة الترجمة من اللغات األجنبية إلى اللغة العربية بقيت دون المأمول، رغم مضي عقود طويلة من سنوات النهضة العربية ،نتيجة للفشل الذي مثلته السياسات الحكومية للدول العربية في مختلف مناحي الحياة، بالرغم من أن األدبيات الثقافية ألمتنا وأولها القرآن الكريم ،والحضارة العربية القديمة كانت تحض على القراءة وطلب العلم ومخاطبة الناس بلغاتهم! وتختزن الذاكرة دار الحكمة في بغداد ومركز الترجمة فيها ،حيث بقيت دار الحكمة تشع على الشرق اإلسالمي بالمعرفة والعلوم المترجمة ،حيث كان الخليفة المأمون ومن بعده يخصصون األعطيات المجزية للمترجمين والعلماء في دار الحكمة وغيرها تشجيعا لهم على عملهم ،حتى اجتاح المغول بغداد سنة (656هـ1258/م) ،ليعيش العالم العربي بعدها نكوصا
4
اجلوبة -خريف 1432هـ
اجلوبة -خريف 1432هـ
اف�����������ت�����������ت�����������اح�����������ي�����������ة
في مجال الترجمة ،وبقيت تجربة دار الحكمة المثخنة بالنكوص في حديث الترجمة ونقل تجربة فريدة لم تتكرر منذ ذلك الحين ،حتى المعرفة. بروز جائزة خادم الحرمين الشريفين للترجمة وبالرغم من ال�ص��ورة المعتمة للترجمة، ال �ت��ي تعتبر ال �ي��وم أك �ب��ر وأض �خ��م ال�ج��وائ��ز حيث يغيب االهتمام الرسمي إلى حد كبير، العالمية في ميدان الترجمة حسب ما صرح إال أن ج �ه��ود المترجمين ال��ذات �ي��ة تضيء به وزير التعليم العالي ،إضافة إلى ما يرافقها الجانب اآلخ��ر للصورة ،حيث يقوم العديد من احتفالية باذخة تعطي للفائزين بها مكانة من المترجمين العرب بجهود مضنية لتقديم عالمية مرموقة ،حيث يتم اإلعالن عن أسماء ترجمات تليق ب��ال�ق��راء ال�ع��رب وم��ن ه��ؤالء: الفائزين بها في مهرجان الجنادرية ،ثم يتم صالح علماني-كامل يوسف إدريس -أحمد تسليم ج��وائ��زه��ا الح�ق��ا ف��ي مقر المنظمة الصمّعي -إلياس فركوح -م��اري ط��وق - العالمية للثقافة والتربية والعلوم – اليونيسكو ي��وس��ف عبدالفتاح ف��رج -أس��ام��ه أس�ب��ر - بباريس سنويا ،برعاية واهتمام من خادمسهيل نجم -سكينة إبراهيم -الراحل سهيل الحرمين الشريفين وح�ض��ور سمو األمير إدري��س -عبدالقادر عبدلّي -محمد علي عبدالعزيز بن عبدالله بن عبدالعزيز نائب اليوسفي -سامي خشبة -سامي الموصلي وزي��ر الخارجية وعضو مجلس إدارة مكتبة مصطفى ه��اش��م -عبدالكريم ناصيفال�م�ل��ك ع�ب��دال�ع��زي��ز ال�ع��ام��ة ورئ �ي��س مجلس الراحل بسام حجار -أسامة منزلجي -أم�ن��اء ال�ج��ائ��زة ،وتتأكد أهمية الجائزة من صالح نيازي -كاظم جهاد -عفيف دمشقية تحفيزها للباحثين والعلماء لترجمة مختلف طلعت شاهين – حمد العيسى.أشكال الثقافة والعلوم الجديدة ،إذا ما علمنا ومن األهمية بمكان أن تنشأ حركة ترجمة حالة الفقر الذي تعيشه المكتبة العربية في الترجمة ..ففي بلد كالمملكة وط��وال ( )75واسعة في المملكة وفي العالم العربي بشكل سنة من عمر المملكة العربية السعودية؛ أي ع��ام ،يتم دعمها وتوفير جميع اإلمكانات من عام 1930م إلى عام 2005م ،لم يترجم الحكومية وال �خ��اص��ة ل �ه��ا ،ل�ل�ح��اق بالركب س��وى ( )1260ك�ت��اب حسب دراس ��ة بحثية العلمي والثقافي العالمي لجبر الهوة الثقافية في جامعة الملك سعود ،بينما تترجم دولة والعلمية التي يعيشها عالمنا العربي ..ولهذا واح��دة في االتحاد األورب��ي أكثر من عشرة ت�خ�ص��ص ال �ج��وب��ة م�ل��ف ه ��ذا ال �ع��دد ل��رؤى أالف كتاب سنويا ،ومن هنا يتوقع أن تضيف وأفكار عدد من المهتمين والمختصين في هذه الجائزة العالمية باستفزازها لمختلف مجاالت الترجمة ،إدراكا منها لدور الترجمة الطاقات في جامعاتنا ومؤسساتنا العلمية وأهميته في تقدم األمم اليوم ،وتواصال مع والثقافية ،أالف العناوين المترجمة سنويا ،ال��دور ال��ذي تقوم به جائزة خ��ادم الحرمين حيث يؤمل أن تتجاوز بلداننا العربية سنواتها الشريفين الدولية للترجمة.
5
الترجمة..
جسر بني الثقافات > إعداد :محمود عبدالله الرمحي
تعد الترجمة من اللغة العربية وإليها واحدة من أهم قضايانا الثقافية المعاصرة، وهي أداة رئيسة في تفعيل االتصال ونقل المعرفة ،وإث��راء التبادل الفكري ،ورفد لفهم التجارب اإلنسانية واإلفادة منها .والمتتبع لحركة الترجمة في البالد العربية يلحظ -مع األسف -أنها لم تحظ باالهتمام الذي تستحقه ،إضافة إلى التراجع الكبير في األعمال المترجمة. ومن المؤسف حقا أن كافة اإلح��ص��اءات تشير إلى ذلك التراجع في عالمنا العربي مقارنة باآلخرين ،وبما كنا عليه في سابق عهدنا عبر تاريخنا الحضاري.. وقد بدا ذلك جليا خالل القرن الماضي ،رغم العديد من المحاوالت الفردية والرسمية ،ومنها مشروع األلف كتاب في مصر ،ومشروع وزارة اإلعالم الكويتية في ترجمة المسرح العالمي ..وغيرهما. 6
اجلوبة -خريف 1432هـ
م������������ل������������ف ال������������ع������������دد
ورغم أهمية تلك املجهودات واملبادرات ..إال أنها ل��م تسد احل��اج��ة الفعلية بقدر م��ا حققت ح��اج��ة م��رح�ل�ي��ة ،وس���دت ج� ��زءاً م��ن ف���راغ في مكتباتنا .وإذا كانت اليابان -وهي دولة واحدة- وإدراكا منها ألهمية الترجمة ودورها في ثقافة الشعوب ،تقوم بترجمة مئات الكتب يوميا من مختلف اللغات إلى اللغة اليابانية ..فمن املفترض أن تترجم آالف الكتب إلى العربية يوميا في كل األقطار العربية ،ولديها ما لديها من اإلمكانات املادية والبشرية ما يؤهلها لذلك ..وبخاصة أن اللغة العربية ال ميكن مقارنتها بأي لغة أخرى؛
كونها أهم مقومات الوحدة العربية ،ووعاء الدين اإلسالمي ،ومكمن اإلعجاز فيه، وان� �ط�ل�اق� �اً م���ن رؤي� � ��ة خ� � ��ادم احل��رم�ي�ن الشريفني امللك عبدالله بن عبدالعزيز -حفظه الله – ألهمية الترجمة ،والدعوة إلى مد جسور التواصل الثقافي بني الشعوب ،وتفعيل االتصال املعرفي بني احل �ض��ارات ،فقد ص��درت موافقة مجلس إدارة مكتبة امل�ل��ك عبدالعزيز العامة بإنشاء جائزة عاملية للترجمة ،حتمل اسم «جائزة خادم احلرمني الشريفني عبدالله بن عبدالعزيز العاملية للترجمة».
اجلوبة -خريف 1432هـ
7
جائزة خادم احلرمني الشريفني
عبدالله بن عبدالعزيز العاملية للترجمة رسالة الجائزة
انطالقاً من رؤية خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز -حفظه الله -في الدعوة إلى مد جسور التواصل الثقافي بين الشعوب وتفعيل االتصال المعرفي بين الحضارات ،صدرت موافقة مجلس إدارة مكتبة الملك عبد العزيز العامة بإنشاء جائزة عالمية للترجمة تحمل اسم «جائزة خادم الحرمين الشريفين عبدالله بن عبدالعزيز العالمية للترجمة»؛ تكريماً للتميز في النقل من اللغة العربية وإليها ،واحتفاء بالمترجمين ،وتشجيعاً للجهود المبذولة في خدمة الترجمة .وتسعى الجائزة -مستعينة برؤى خادم الحرمين الشريفين -إلى الدعوة إلى التواصل الفكري والحوار المعرفي والثقافي بين األمم، وإلى التقريب بين الشعوب ،حيث أن الترجمة تعد أداة رئيسة في تفعيل االتصال ونقل المعرفة ،وإثراء التبادل الفكري ،وما لذلك من تأصيل لثقافة الحوار ،وترسيخ لمبادئ التفاهم والعيش المشترك ،ورفد لفهم التجارب اإلنسانية واإلفادة منها .وتتخطى جائزة خادم الحرمين الشريفين بعالميتها كل الحواجز اللغوية والحدود الجغرافية ،موصلة رسالة معرفية وإنسانية ،ومسهمة في تحقيق أهداف سامية مرومة احتضنتها مملكة اإلنسانية ،وترجمتها جهود خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز ومبادراته الراعية للسالم والداعية للحوار والتآخي بين األمم.
نشأة الجائزة صدرت موافقة مجلس إدارة مكتبة الملك عبدالعزيز العامة بإنشاء جائزة عالمية للترجمة من اللغة العربية وإليها باسم جائزة خادم الحرمين الشريفين عبدالله بن عبدالعزيز العالمية للترجمة في التاسع من شوال عام 1427هـ الموافق 31أكتوبر 2006م ،ومقرها مكتبة الملك عبدالعزيز العامة بالرياض ،وهي جائزة تقديرية عالمية تمنح سنوياً لألعمال المتميزة ،والجهود البارزة في مجال الترجمة.
أهداف الجائزة -1اإلسهام في نقل المعرفة من اللــغات األخرى إلى الــلغة العربية ،ومن اللغة العربية إلى اللغات األخرى. -2تشجيع الترجمة في مجال العلوم إلى اللغة العربية. -3إثراء المكتبة العربية بنشر أعمال الترجمة المميزة. -4تكريم المــؤسسات والـــهيئات التي أسـهمت بجـــهود بارزة في نقل األعمال العلمية من اللغة العربية وإليها. -5النهوض بمستوى الترجمة وفق أسس مبنية على األصالة والقيمة العلمية وجودة النص. ويرأس مجلس أمناء جائزة خادم الحرمين الشريفين عبدالله بن عبدالعزيز العالمية للترجمة :صاحب السمو الملكي األمير /عبدالعزيز بن عبدالله بن عبدالعزيز ،نائب وزير الخارجية ،عضو مجلس إدارة المكتبة.
ال
> ترجمة :أحمد عثمان -مصر شهرة ،الكتابة الهيروغليفية التي حل شامبوليون ()1 رموزها في بداية القرن التاسع عشر ،بفضل تحتل الترجمة في الفكر والثقافة العربيين الترجمة اإلغريقية .وم��ن دون ه��ذه االستعانة مكانة متفردة منذ فجر العصر العربي-اإلسالمي الباهرة بالترجمة ،فإن كثيراً من الكتابات التي الذي غطى أكثر من مرحلة ،أسماها المؤرخون لم تحل رموزها بعد-مثل كتابة اإلنكا (حضارة العصور الوسطى ،التي بلغت ألف عام تقريبا. بيرو) -ظلَّ حروفا ميتة. ق� ��ام ه� ��ذا ال� �ن� �ش ��اط ،ال �ك �ث �ي��ف ع��ل��ى وج��ه ()2 ال �خ �ص��وص ،ت �ح��دي��دا خ�ل�ال ال �ق��رن �ي��ن ال�ث��ام��ن والتاسع الميالديين ،ب��دور رائ��د في المحافظة دعا النبي [ إلى مخاطبة الناس بألسنتهم، على نتاج الثقافة القديمة ،اإلغريقية تحديدا ،ومع الوقت ،أصبح قوله نموذجا يحتذى به .يبين ونقل هذه الثقافة من الشرق إلى الغرب ،وقد التقليد بدقة أن النبي [ ك��ان يقابل مندوبي أسهمت هذه الثقافة بصورة أساسية في تكوين القبائل ال�ع��رب�ي��ة ،ال�ق��ادم�ي��ن ليغترفوا م��ن نبع «عصر النهضة» في أوروبا ،وبتعبير أكثر دقة في الرسالة اإللهية الجديدة ،بلغاتهم (لهجاتهم). تطور الحضارة الكوكبية الحديثة. وإلى جانب اللهجات العربية ،يُضاف اختالف ه��و ذا ن�ش��اط ي��ؤس��س ،ف��ي ال��واق��ع ،التطور ال�م�ش�ه��دي ل�ن�ش��اط غ��اي��ة ف��ي ال �ق��دم ،م�م��ارس طبيعيا وعفويا ،لتسهيل االتصاالت والتواصل بين الشعوب وال��دول في زم��ن السالم كما في زمن الحرب. النقوش الثنائية اللغة أو حتى الرباعية اللغة، الراجعة إلى العصور القديمة ،شاهدة في كافة دول ال �ش��رق األوس���ط ،وبفضلها ت��م ح��ل رم��وز كثير م��ن ال�ك�ت��اب��ات ال�غ��ام�ض��ة .وال�م�ث��ال األكثر
م������������ل������������ف ال������������ع������������دد
الترجمة في التقاليد العربية ..الطيب بكوش
لغات الشعوب األخ��رى التي اعتنقت اإلس�لام حديثا ،وتحديدا الفرس الذين عرفوا حضارة المعة ثرية بمختلف إسهاماتها الثقافية ،ومن ضمنها الحضارة اإلغريقية منذ عصر اإلسكندر، ()1 وحتى الهندية (كانوا يدرسون في جنديشابور العلوم الهندية واإلغريقية) .وهكذا ترجم مفكر عربي-فارسي «ابن المقفع» (القرن الثامن عشر الميالدي) ،حكايات هندية خرافية من الفارسية إلى العربية ،وأطلق عليها اسم «كليلة ودمنة» كما ترجم «الشاهنامة»(.)2
()3 بعد مرحلة من التذبذب والتردد في حركة ال�ت��رج�م��ة ،زم��ن الخليفة ال�ث��ان��ي ع�م��ر (ال�ق��رن ال�س��اب��ع ال �م �ي�لادي) ،ال �م �ح��ددة ف��ي ال�م�ج��االت التطبيقية (اإلدارة) ،ج��رت بعض ال�م�ب��ادرات الفردية ،قام بها بعض من غير العرب ،غير أنه سرعان ما لحقتها سياسات حقيقية للترجمة، اجلوبة -خريف 1432هـ
9
ترتكن على أهل الذمة الذين اختار الخلفاء من على اعتبار أنه المعلم الثاني. بينهم أطباءهم وبعض كبار موظفيهم .وكان أول ()6 كتاب تُرجم إلى العربية -زمن األمويين -كتاباً ومع ذلك ،ورث هذا التقليد العربي-اإلسالمي فارسياً عن الطب. تقليدا يهوديا-مسيحيا .في ذاك الوقت ،كانت ()4 هناك م��دارس ترجمة حقيقية .من الممكن أن بيد أن نشاط الترجمة لم يعرف أي انطالقة نذكر المدرسة النسطورية السيريانية بنصيب.. جديرة باالهتمام ،إال إبّان العصر العباسي في التي تترجم على وجه الخصوص عن اليونانية بغداد ،من خالل الفرس ،وبخاصة تحت رعاية مباشرة .والمدرسة اليعقوبية السيريانية في كيسيرين (سوريا) ،ومدرسة الصابئة في حران الخليفة ال�م��أم��ون ال��ذي أس��س بيت الحكمة.. «هيلينوبوليس»( .)5وكانت العالقات بين اإلغريق واستمال المترجمين إليه ،في المجالين العلمي والسيريانيين وثيقة ،إذ أن الكنيسة الشرقية والفلسفي .وي�ق��ال إن��ه ك��ان يكافئ المترجمين تستخدم اللغتين. وز َن ما يترجمونه ذهبا .عائالت حقيقية عرفت إذاً ،لم يكن تصور المدرسة غريبا عن التقليد طريق الشهرة(.)3 العربي ،محتواها فقط هو الذي تبدل .لم تكن كان المنطق اإلغريقي يعرب في بادئ األمر ال �م��دارس العربية متخصصة ف��ي ال�ل�غ��ات ،أو بدءا من الفارسية ،ثم السيريانية قبل أن يترجم في المجاالت النوعية ،وإنما تميزت بمقاربتها مباشرة من اليونانية. المنهج المستخدم في الترجمة. وأصبحت الترجمة ،بالتالي ،مهنة حقيقية ت�م��ارس ف��ردي��ا ،وحتى ضمن فريق عمل .أحد تبلورت مدرستان ،كل واح��دة منهما ،حسب أب��رز ه��ؤالء المترجمين« ،حنين بن إس�ح��ق»(،)4 ال �ص �ف��دي( ،)6ت��رج��ع إل��ى معلم لقحها بمنهجه الملقب «بمعلم المترجمين في اإلس�لام» ،الذي الشخصي: هيمنت م��درس �ت��ه ع�ل��ى ال �س��اح��ة ط ��وال ال�ق��رن المنهج األول ،منهج «يوحنا بن البطريق»(،)7التاسع الميالدي ،وتَرجمت غالبي َة النصوص عن «ابن ناعمة»( )8وغيرهما ،تتأسس على النظر إلى اليونانية. معنى كل كلمة يونانية بصورة منفردة ،وبمعزل ()5 عن بقية الكلمات ،واقتراح كلمة عربية مقابلة، من الممكن أن نقول إذاً ،إن الترجمة مرت وهكذا حتى نهاية النص المراد ترجمته.
()7
وي�ن�ت�ق��د ال �ص �ف��دي ه ��ذا ال�م�ن�ه��ج ال�م�ت��واض��ع ب�م��رح�ل�ت�ي��ن ك �ب �ي��رت �ي��ن :م��رح �ل��ة ال �ت��رج �م��ة غير المباشرة ،إذ كانت الفارسية واليونانية هما لسببين: الوسيط ،ثم مرحلة تمت ترجمة الكتب المكتوبة أ – ال ي��وج��د ف��ي العربية معنى ي �ع��ادل كل بالسنسكريتية واليونانية للعربية مباشرة ،ومن الكلمات اليونانية ،ما جعله يلجأ إلى االستعارة دون لغة وسيطة. من اليونانية. وك ��ان االه �ت �م��ام مُنصبا ع�ل��ى ال��ري��اض�ي��ات، ب – يتعلق السبب الثاني بالنوعيات التركيبية والفلك ،وال�ط��ب ،والفلسفة ،إذ ك��ان ينظر إلى ال�ت��ي ت�ك��ون ب�ن��اء الجملة ،ال�ع�لاق��ات اإلسنادية أرسطو بوصفه المعلم األول ،وشارحه الفارابي وال��وظ��ائ��ف االس�ت�ع��اري��ة غير متطابقة ف��ي كل
10
اجلوبة -خريف 1432هـ
المنهج الثاني ،منهج «حنينب���ن إس � �ح� ��ق»« ،ال � �ج� ��وه� ��ري» وغيرهما ،يعمل على التعامل مع الجملة ككل ،النظر إلى معناها ال�ش��ام��ل ..ث��م ترجمتها كليا من دون األخذ في الحسبان الكلمات المنفردة.
()9
وع ّد الصفدي هذا المنهج هو األفضل ،وهذا ما يفسر ،حسب وجهة نظره ،أن ترجمات «حنين بن إسحق» ال يلزمها إعادة صياغة سوى في العلوم الرياضية ،حيث كان أقل كفاءة عن العلوم الطبية أو المنطق(.)10
()8 م��ع نهاية العصور الوسطى، توقفت حركة الترجمة إل��ى حد ك� �ب� �ي ��ر( .)11وه��ن��ا ن �ح �ي��ا ظ��اه��رة ج ��دي ��دة ل �ل �م �ح �م��ول ال �ت��اري �خ��ي ال �ك �ب �ي��ر .أَن � �ش � �أَت ال �ت��رج �م��ات المتراكمة بالعربية وشروحها، والنتاجات التي تفرعت عنها.. تُتَرجم بدورها في أوروبا ،بداية عبر وسيط اللغة الالتينية ،ثم إل ��ى ال �ل �غ��ات ال�م�ح�ل�ي��ة .م��درس��ة طليطلة-كمثال -قامت بدور مهم للغاية ،ب ��دءاً م��ن ال �ق��رن الثاني عشر الميالدي.
()9 ب��ال �ت��أك �ي��د ،ك��ان��ت ال�ص��دم��ة األول � � � � ��ى ع� �س� �ك ��ري ��ة (غ � � ��زوة ب��ون��اب��رت) ،وال�ف��ائ��دة ترجع في المقام األول إل��ى الترجمة في خدمة الجيش ،وكانت المدارس ال�ح��دي�ث��ة األول� ��ى ،ف��ي ال��واق��ع، م��دارس عسكرية (مثل مدرسة باردو في تونس).
م������������ل������������ف ال������������ع������������دد
اللغات.
ستكون من أهم مظاهر الترجمة الجديدة.
ش� �ه ��دت م� ��درس� ��ة األل� �س ��ن م��ول��ده��ا ف��ي م�ص��ر ،لكي تقوم بتكوين المترجمين ،ب ��دءا من الفرنسية بشكل خاص. وخ�ل�ال النصف ال�ث��ان��ي من ال�ق��رن العشرين ،عرفت لبنان مكثف في خدمة ٍ ترجمة ٍ نشاط َ ال�ص�ح��اف��ة وال�ت�ع�ل�ي��م .ف��ي ه��ذا المجال األخير ،نوهت الجامعة اآلن �ج �ل��و-أم �ي��رك �ي��ة ب��ال�ت��رج�م��ة العلمية والجامعة الفرنكفونية، سان-جوزيف ،بالترجمة الدينية واألدبية. وفي لبنان ،ظهرت نخبة من المترجمين المكونين بصورة مثلى في الغرب.
إل � � ��ى ج� ��ان� ��ب ال� �ف ��رن� �س� �ي ��ة واإلن � �ج � �ل � �ي� ��زي� ��ة ،اس��ت��خ��دم��ت اللغة اإلي�ط��ال�ي��ة وق �ت��ذاك بقوة بدأت انطالقة أوروبا ونزعتها ف��ي ال�ب�ح��ر ال�م�ت��وس��ط ،لفائدة التوسعية في العالم العربي مع وصول فيالق نابليون بونابرت إلى مصر( ،)12التي المبادالت التجارية النشطة مع إيطاليا. أنتجت صدمة معتبرة بحق ..مثل صدمة األداة غير أن اللغة العربية ،التي ركدت وتراجعت التي تفصل بين قسمي اآللة في بداية حركات تحت السيطرة العثمانية ،عرفت تطورا جديدا النهضة في القرن التاسع عشر ،وشكلت حركة بفضل الترجمة عن اللغات األوروبية.
اجلوبة -خريف 1432هـ 11
وق� � �ت � ��ذاك ،ت �م��وض��ع ن� � �ق � ��اش ح� � � ��يّ ق� �ب ��ال ��ة المثقفين المنزعجين م��ن ال �ت��راج��ع ال�م�ت��راك��م للغة ال�ع��رب�ي��ة ،فطالبوا بتشجيع الكالم بها كلغة رس�م�ي��ة ،ع�ل��ى غ ��رار ما فعلته أوروبا خالل عصر ال��ن��ه��ض��ة ،وه� ��م أي �ض��ا من ق��ووا مكانتهم ،بارتباطهم بالبعد المقدس والتوحيدي للعربية الفصحى ،عبر آثار الترجمة وتجديد حيويتها.
مرحلة من مراحل تاريخ الحضارات القائمة. ف ��ي ه� ��ذه ال �ل �م �ح��ة، م��ن الممكن أن نطرح س � � ��ؤاال :ل � �م� ��اذا ك��ان��ت الترجمة عامال محددا في إشعاعات الحضارة العربية-اإلسالمية ..ثم ف��ي ال�ح�ض��ارة األوروب �ي��ة خ�لال العصور الحديثة؟ ول�م��اذا لم تكن كافية حتى يتم بلوغ نهضة عربية منذ القرن التاسع عشر الميالدي؟
في الحالتين األوليتين ،من الضروري أن يتعلق ()10 األم��ر بترجمة المنتوج الكامل لحضارة م��ا ،كفت ه��ذه ال �ق��راءة السريعة لتطور الترجمة إلى عن التطور من خالل اإلبداع المتواصل .وبالتالي، العربية ،يمنحنا فكرة المكانة الجوهرية التي وبدوره ،من الالزم دمج هذا المنتوج واستغالله في احتلتها في تطور الثقافة والحضارة العربية- حركة التجاوز واإلبداع. اإلس�ل�ام� �ي ��ة خ �ل�ال ال �ع �ص��ور ال��وس �ط��ى ك�ل�ه��ا، في الحالة األخيرة ،تثب الترجمة على منتوج نافذ وبالتحديد في االتصال والنقل الثقافي كما في ومنتشر ،يتطور ويتقدم بإيقاع أكثر سرعة عن إيقاع مولد وإحياء الحضارات. الترجمة .ومن ناحية أخرى ،هذه الحركة التحديثية، ال ي �ت �ب �ق��ى ل �ن��ا إال أن ن� �ع ��رف ال �م �س��اه �م��ة التي بدأت أوائل القرن العشرين ،على وجه التحديد المحفوظة للكلمة التي يستخدمها العرب للتعبير ف��ي مصر وس��وري��ا ولبنان وت��ون��س ،شهدت وثبتها على الترجمة لإلمساك لغويا بهذا البعد: تحطماً من قبل الكولونيالية التي أحلت الفرنسية الجذر الخاص بكلمة «ترجمة» في العربية واإلنجليزية محل العربية ،وأصبحتا لغتين ناقلتين، مشتق من ج��ذر «ت��رج��م» ،المأخوذ من اللفظة في مجالي الثقافة والتعليم .وهنا ،فقدت الحاجة المستعارة عن اآلرام�ي��ة «ترجمونو» التي تعين إلى الترجمة وجهودها حدتها األساسية. «ترجمان» (مترجم) ،وهي لفظة عتيقة ،بيد أنها لم تتوصل «حركات التحرر القومية» إلى حل لم تزل محل استعمال. هذه المعادلة ،إلى التأكيد على االزدهار الحقيقي، هذه الصيغة هي التي منحت الصور المختلفة والتطور الكامل لضمان خ��روج الشعوب العربية للكلمة التي نقابلها في النصوص األوروبية ،على م��ن م��رح �ل��ة ال� ��دول ال �س��ائ��رة ع �ل��ى ط��ري��ق النمو وجه الخصوص الصيغتان« :ترجمان» Drogmanو االقتصادي. ()13 Dragomanمثل الكلمة الفرنسية لها Truchement ظهرت الترجمة في هذه الحالة كظرف ضروري، ال��ذي يحفظ أح��د المعاني األكثر قدما لمعرفة وإنما غير كاف ..ألنها عامل مساعد لدى الحضارات «الوسيط» .يشهد بقاء هذه الكلمات على كثافة الناشئة .ومع ذلك ،امتلكت الترجمة وظيفة الربط االت�ص��االت الثقافية التي شجعتها الترجمة في بين الشرق والغرب من ناحية أولى ،وبين العصور كافة المجاالت واإلس�ه��ام��ات المهيمنة ،ف��ي كل القديمة واألزمنة الحديثة من ناحية أخرى.
12
اجلوبة -خريف 1432هـ
( )1 ( )2
( )3 ( )4
( )5
( )6 ( )7
م������������ل������������ف ال������������ع������������دد
(*)
Taïeb Baccouche, La traduction dans la tradition arabe, Meta: Translators Journal, .vol 45, nr. 3, 2000, p.395-399 جنديشابور ،مدينة فارسية ،كان الشاه الساساني شهبور األول يجمع فيها األسرى اإلغريق .تمثل مركزا ثقافيا مهماً، وأثرت في النشاط الثقافي والعلمي (الطبي تحديدا). ترجم ابن المقفع سيرة ملوك إي��ران في كتاب عرف بـ «ال��ش��اه��ن��ام��ة» (ك��ت��اب ال��م��ل��وك) ،وف �ق��دت ه��ذه الترجمة، وهي على األرجح غير “شاهنامة” الفردوسي ،الشهيرة. (المترجم) نذكر آل بختيشوع ،عائلة من األطباء من جنديشابور ،بنو المنجم (عائلة بغدادية) ،وهناك مترجمون آخرون نشطوا في القيروان (تونس) وقرطبة (إسبانيا). حنين بن إسحق العبادي ،طبيب مسيحي (808م–873م)، لقبه الخليفة المأمون برئيس المترجمين .ترجم إلى العربية والسيريانية أف�لاط��ون ،أرسطو ،ديسكوريدوس، غ��ال��ي �ن��وس ...اب�ن��ه إس��ح��ق (911م) شهير أي��ض��ا .طبيب وفيلسوف نسطوري ،ترجم إلى العربية بعض الدراسات الفلسفية والرياضية ،كما المترجمات السيريانية التي قام والده بها ،تحديدا كتاب المقوالت ألرسطو واألصول إلقليدس. في بداية الحكم العباسي ،كان بها أهم مدرسة للترجمة يديرها المترجم الشهير ثابت بن ق��رة .قامت بترجمة كبير من كتب الرياضيات والفلك عن اليونانية ،غير عدد ٍ ٍ أن أهم كتب الفلك المترجمة الخاصة بالمدرسة ،كانت هندية وبابلية وكالدينية. صالح الدين الصفدي ،م��ؤرخ عربي من القرن الخامس عشر الميالدي( .المترجم) يوحنا بن البطريق ،عاش في أي��ام المنصور .وك��ان ممن يقرأ عليهم كتاب إقليدس ،وغيره من كتب الهندسة .ذكره القفطي فقال« :كان أمينا على الترجمة ،حسن التأدية للمعاني ،ألكن اللسان في العربية ،وكانت الفلسفة أغلب عليه من الطب ،وهو تولى ترجمة كتب أرسطو خاصة،والذي ندين له بهذه النسخة المترجمة لكتاب السياسة ألرسطو، وترجم من كتب بقراط مثل حنين وغيره ،ومن الكتب التي نقلها كتاب األربعة في علم النجوم (استخرجه في أيام المنصور ،ثم نقله ثانية إبراهيم بن الصلت ،وأصلح هذه النسخة حنين ب��ن إس��ح��ق) .وك��ذا وض��ع يوحنا ترجمة عربية لمؤلف في التنجيم لبطليموس ،وقد كتب عمر بن الفرخان المتوفى حوالي 815م تعليقا على هذا الكتاب، وشرحه محمد بن جابر بن سنان 929م( .المترجم).
( )8ابن ناعمة الحمصي (ت 835م) ،واسمه عبدالمسيح بن عبداللّه الحمصي الناعمي ،طبيب ومترجم عن اليونانية إلى العربية ،كان متوسط النقل وهو إلى الجودة أميل، كما تذكر المراجع العربية عنه( .المترجم) ( )9العباس بن سعيد الجوهري ،عالم رياضيات من بغداد، كان يعمل في بيت الحكمة ،كما عمل لوقت قصير في دمشق ،حيث سجل مالحظات فلكية .أعظم أعماله هو تعليقه على كتاب العناصر إلقليدس ،ومحاولة إلثبات مسلمة التوازي( .المترجم) ( )10كما ج��اء في النص األصلي ،يذكر البهاء العاملي في (الكشكول) ،نقال عن الصالح الصفدي ،أنه كان في عهد المأمون «للترجمة ف ��ي النقل طريقان أحدهما طريق يوحنا بن البطريق وابن ناعمة الحمصي وغيرهما ،وهو أن ينظر إلى كل كلمة مفردة من الكلمات اليونانية وما تدل عليه من المعنى .فيأتي الناقل بلفظة مفردة من الكلمات العربية ،ترادفها في الداللة على ذلك المعنى فيثبتها وينتقل إلى أخرى ،كذلك حتى يأتي على جملة ما يريد تعريبه .وهذه الطريقة رديئة لوجهين: أحدهما أنه ال يوجد في الكلمات العربية كلمات تقابل جميع كلمات اليونانية ،ولهذا وق��ع في خ�لال التعريب الكثير م��ن األل��ف��اظ اليونانية على ح��ال��ه��ا .ال��ث��ان��ي أن خ��واص التراكيب والنسب اإلسنادية ال تطابق نظيرها من لغة أخرى دائما؛ وأيضا يقع الخلل من جهة استعمال المجازات وهي كثيرة في جميع اللغات. ال�ط��ري��ق ال��ث��ان��ي ف ��ي ال��ت��ع��ري��ب ط��ري��ق حنين ب��ن إسحق والجوهري وغيرهما ،هو أن يأتي الجملة فيحصل معناها في ذهنه ويعبر عنها من اللغة األخرى بجملة تطابقها.. سواء ساوت األلفاظ أم خالفتها .وهذا الطريق أجود ،ولهذا لم تحتج كتب حنين بن إسحق إلى تهذيب إال في العلوم الرياضية؛ ألن��ه ل��م يكن قيّما بها ،بخالف كتب الطب والمنطق والطبيعي واإلل��ه ��ي ،ف��ان ال��ذي عربه منها لم يحتج إلى إصالح”( .المترجم) ( )11باستثناء الترجمات الدينية من اللغة الالتينية إلى اللغة العربية ،خالل القرن السادس عشر ،من قبل مسيحيي لبنان. ( )12ال��ح��م �ل��ة ال �ف��رن��س �ي��ة ع��ل ��ى م��ص��ر (1789م–1801م). (المترجم). ( )13في الماضي وقبل اعتماد كلمة مستعارة من التعبير الالتيني ،Traducteurكانت تشير إلى مترجم البالط،، بينما يشير التعبير نفسه ،في استعماله المعاصر ،إلى ممثل ولسان حال( .المترجم).
اجلوبة -خريف 1432هـ 13
دور الترجمة في العوملة
ال
> د .نوره هادي السعيد -جامعة اجلوف السعودية الترجمة ف��ي المعاجم اللغوية :نقل الكالم ال �ت��راث ال�ع��ال�م��ي م��ن ال�ض�ي��اع وال �ت �ل��ف ،بسبب من لغة إلى أخرى ،أو تفسيره بلسان آخر .وفي كثرة الحروب والمنازعات ،والعوامل الطبيعية المعاجم العلمية :عملية نقل – بحيث ال تتغير المدمرة .لذلك عُدت حركتها بمثابة فعل جواري محاور المنقول وال يتغير جوهره – ال اتجاها دائم بين القوى البشرية ذات الثقافات المتنوعة وال ق� ��درا ،وال ش�ك�لا وال ف �ح��وى .وم ��ن هذين القادرة على التفاعل اإليجابي ،من موقع حوار المفهومين ،يتبدى لنا أن عملية الترجمة تنطوي األنداد بين ثقافات حيَّة. على نقل يشمل الطبيعة االجتماعية والخلفية وت �ب��رز أه�م�ي��ة ال�ت��رج�م��ة م��ن خ�ل�ال توحيد الثقافية والتقنية والبيئية والمناخية ،إضافة إلى دالالت المصطلحات والمفاهيم ،بهدف نشر المفهوم ،أو المفاهيم اللغوية ،من دون تحريف ثقافة إنسانية مشتركة ،تُقارب ما بين الشعوب، أو تشويه. وال تزيد من حدة التباعد والتنافر فيما بينها إذاً ،الترجمة عمل ثقافي ينتج عنه تثاقف على خلفية ثقافاتها المحلية. طويل األم��د على صعيد األف��راد والجماعات، ال ي �ق��ل ع �م��ر ال �ت��رج �م��ة ك �ث �ي��را ع ��ن ع�م��ر وه��ي تعبّر ع��ن أب �ع��اد ح�ض��اري��ة قابلة للتعميم واالنتشار ،عبر تفاعل الثقافات ..في إطار من اإلن�س��ان�ي��ة ،فقد استغلها اإلن �س��ان لنقل تراثه العالقات المبنية على التبادل الثقافي الحر ،ال�ع�ل�م��ي وال �ح �ض��اري وت �ط��وي��ره ،ح �ت��ى وص�ل��ت واإلبداع بين مختلف الشعوب والقوميات .وهي خالصة تجاربه العلمية والحضارية إلى عصرنا حوار ضمني بين تجارب الشعوب الثقافية عبر الحاضر .ولم ينشأ فكر في العالم ..ولم يتطور، الكلمة الفاعلة .وبقدر ما تبتعد عن االستعالء ول��م ي��رت��ق إل��ى ال�م�ص��اف اإلن�س��ان�ي��ة بعيدا عن الثقافي ،بقدر ما تنجح في نشر ثقافة االنفتاح الترجمة .وإذا أ ُريد ألي فكر أن يتطور ويرتقي، وال �ت��واص��ل ال �ح��ر ،وي�ن�غ��رس تأثيرها اإليجابي فمن ال �ض��روري أن يستوعب الفكر العالمي، عميقا في وجدان المتلقي لتصبح جزءا من تراثه بل ويتجاوزه في مرحلة الحقة ومتقدمة .وفي الثقافي .وه��ي بالمدلول الثقافي والحضاري عصرنا ،عصر االنفجار المعرفي ،عصر القرية للمفهوم ،ليست مجرد نقل كلمة أو فكرة من لغة الكونية ،وع�ص��ر شبكة المعلومات ،والتلفزة، إلى أخرى ،بل هي ،في الدرجة األولى ،فعل ثقافة واألقمار الصناعية ،وعصر ح��وار الحضارات، حية قادرة على تحويل موارد المجتمع إلى قوى وع �ص��ر االع �ت �م��اد االق �ت �ص��ادي ال �م �ت �ب��ادل بين محركة للطاقات اإلبداعية فيه ،ولديها القدرة ال��دول ،اكتسبت الترجمة أهمية قصوى ،وبـُعداً على تحويل الثقافة إلى فعل حضاري ،ودينامية إستراتيجيا فرضه واقع العصر على جميع دول قوية لتغيير المجتمع ،بعد أن أصبح العالم كله العالم ،غنيها وفقيرها ،بل إنها صارت ضرورة مساحة ثقافية واحدة في عصر العولمة ،تعيش تنموية ملحة للدول ،الستيعاب معطيات التقدم نوعا من التفاعل اليومي والمباشر بين مختلف العلمي والتقني ،ولوضعه ف��ي خ��دم��ة التنمية الوطنية بجميع أشكالها وأبعادها. أشكال الثقافات واللغات والشعوب. وقد سبق لها أن لعبت دورا أساسا في حفظ
14
اجلوبة -خريف 1432هـ
وألن ال�ت��رج�م��ة ت�ح�م��ل ف �ك��رة ال �ت �ق��ارب بين
تنهض حركة الترجمة األدبية في العالم بدور مهم في التنمية الثقافية ،بوصفها مقوما أساسا من مقومات ال�ح��وار الثقافي بين دول العالم. وبقدر ما يكبر دور الترجمة األدب�ي��ة ،بقدر ما تكبر مسؤولية نقدها ،وهو النقد المـ ُطالب بأن ال ومقيمًا ومرشدًا ،من دون يواكبها دارسً ا ومحل ً وصاية أو تعصب أو ادعاء. لقد كانت ظاهرة الترجمة ،وما تزال ،مالزمة لتاريخ اإلن �س��ان؛ ألن تعدد الشعوب واألق ��وام، واختالف اللغات التي برزت نتيجة المناخ والبيئة والغذاء والتناسل ،كلها عوامل جعلت الترجمة األداة الوحيدة لسد حاجة التواصل بين البشر، فرادى وجماعات ،وفي كل أنواع التبادل .تساوي الترجمة التفتح على الحضارة العالمية ،واإلسهام في الحضارة اإلنسانية ،واكتساب القدرة الذاتية، من طريق التعاون القائم على االختيار الواعي لمصادر القدرة العالمية ،واستيعابها ،وعضونتها في نسيج الحياة لتصبح قدرة إبداعية جديدة، حتى ال يكون التعاون تقليدا عقيما ي��ؤدي إلى تعميق التبعية وي��وث��ق ل�ه��ا .إن عملية ترجمة
م������������ل������������ف ال������������ع������������دد
الشعوب ،فإننا ال نستطيع أن نترجم ونحن نسبح ض��د التيار الحديث م��ن العلوم وال�ف�ن��ون؛ فهي اعتراف بالتعددية ،ومن ثمَّ فإنها مجال حيوي لتحقيق الهوية المنفتحة على اآلخ��ري��ن .وهي بنت الحضارة ،ورفيقتها الدائمة عبر الزمان وال �م �ك��ان ،وه��ي م��وج��ودة؛ ألن البشر يتكلمون لغات مختلفة .وتتعاظم أهميتها نتيجة لالنفجار المعرفي والتقدم التكنولوجي .فهي تمثل عملية «محو أمية» في سياق الثورة المعلوماتية ،التي أصبحت فيها أحادية اللغة مرادفة لألمية .وتع ّد الترجمة النافذة التي تفتحها الشعوب المختلفة ل�ت�س�ت�ن�ي��ر ب��ن��ور غ �ي��ره��ا ،وه� ��ي ت �ش �ك��ل ج�س��را للتواصل بين مختلف الثقافات وال�ح�ض��ارات. كما تعد إح��دى أب��رز ال��وس��ائ��ل لنقل المعارف والعلوم واآلداب .وهي من أهم رواف��د الثقافة، التي أح��رزت انتشارا واسعا ومتنوعا ،وأوجبت الضرورات القيام بها ومتابعتها.
نصوص من نظام ثقافي معين إل��ى نظام آخر ال حياديًا ،أو بريئًا ،أو شفافًا .إنها ليست عم ً نشاط مشحون بقوة ،وعمل اقتحاميّ .كما أن سياساتها تستحق اهتمامًا أك�ب��ر مما حظيت ب��ه ف��ي ال �م��اض��ي؛ إذ ق��ام��ت ب� ��دور رئ �ي��س في التغيير الثقافي .وحين ندرس العمليات الثنائية لممارسة الترجمة ،يمكننا أن نتعلم الكثير عن وضع الثقافات المستقبلية في عالقتها بثقافات نصوص المصدر. الترجمة ه��ي متن ال�م��واك�ب��ة ،وش��اه��د عدل على عالقة متقدمة بين عقول أهل األرض ،على اختالف أممهم ومللهم ونحلهم .فمن طريقها تتناسق األفكار ،والمعطيات العلمية ،والتيارات األدبية والفلسفية واأليديولوجية ،بعضها إلى ب�ع��ض ،ل�ت�ك�وِّن ف �ك �رًا أو مصطلحً ا م�ت�ق��ار ًب��ا أو واحدا في نهاية األمر .لذلك ،اقترنت كل نهضة قومية خالل التاريخ بحركة ترجمة نشطة تكون ال من عواملها ،وثمرة من ثمراتها ..بوصفها عام ً الممر ال��ذي تعبر منه ثقافة األمم ،بعضها إلى بعض ،فتزيد المعرفة ،وتعمق متعة الحياة في هذا العالم .ذلك بالنظر إلى أنها وسيلة من أهم وسائل التقدم والنهضة في كل بلد تخلّف عن ركب الحضارة لسبب أو آلخر ،إنها الرمز والطابع لحضارة العصر الذي تمثله كل أمة ناهضة. لقد كانت الترجمة في كل الحضارات وسيلة دالة على عظمة االختالف وروعة التنوع ،وسبيال هاديا إلى الثراء واالغتناء ،ومَعبرا واصال بين األمم والثقافات .وكانت ،وما تزال ،حيزا مثبتا لكل جغرافية الوجود اإلنساني ،ومكانا جامعا لكل لغات ه��ذا الوجود وأع��راق��ه وتنوع أطيافه ع�ل��ى ام �ت��داد ال��زم��ان .وي �ع��ود ال �س��ر ف��ي نشوء الوحدات الكبرى (لغة ،وثقافة ،وفكرًا) إلى قيام ال لكل هذه الوحدات على التعدد ،واتخاذه أص ً توحد ،ومعيارا لكل تفرد .وجعلت هذه الوحدات من الترجمة كائنها الواصل لوجودها المتمدد، وكينونتها وثقافتها ولغاتها المتعددة.
اجلوبة -خريف 1432هـ 15
الترجمة جسر عبور بني تقدمي الذات والتعريف باآلخر
ال
> محمد سعيد الريحاني -املغرب
إذا كانت بعض التنظيرات الفلسفية الجديدة قد أدت دور المُ بَشر النطالق «عولمة الهيمنة» ،وأسهمت إلى حد بعيد في إعطائها السند الفكري والمبرر الموضوعي ،فإن الترجمة ،على الجهة النقيض ،أدّت وال تزال تؤدي أدوارا طالئعية في حماية التنوع والتعدد الثقافي ،وتدعيم فلسفة «المثاقفة» والتقارب والتعايش بين الشعوب والحضارات. لقد كانت الترجمة دائما ما توفر األرضية الصلبة لالنطالق واإلقالع الحضاري ،من خالل تأسيس األرضية المعرفية ،وتحديد الحد األدنى م��ن المعارف التي ال يُقبل ال�ن��زول تحتها إلى مستويات الجهل واالستهتار المعرفي .فاألمم ال تبدأ من فراغ ،بل من االستفادة من المترجمات التي ليست شيئا آخ��ر غير تجارب السابقين ومعارفهم وخبراتهم محفوظة بين دفتي كتاب. فقد ترجم اليونانيون كنوز العلم والتنجيم وال� �ف ��ن وال��ري��اض��ي��ات ع ��ن ح� �ض ��ارات ق��دي�م��ة ج��اورت �ه��م ،ك��ال �ح �ض��ارة ال �ف��ارس �ي��ة وال�م�ص��ري��ة القديمة ،كما انتعشت الثقافة العربية اإلسالمية بفضل الدماء الجديدة التي سُ كبت في شرايينها، م��ن خ�لال ترجمة ال �ت��راث ال�ه�ن��دي وال�ف��ارس��ي واليوناني القديم ،كما انتفضت أوروبا في القرن ال�خ��ام��س ع�ش��ر م�ب��اش��رة ب�ع��د ت��رج�م��ة ال �ت��راث األندلسي الوافد من الغرب اإلسالمي ،وكنوز المعرفة الوافدة من بيزنطة اآلفلة .والترجمة هي الطريق نفسها التي مرت منها اليابان التي بعثت أواخر القرن التاسع عشر ببعثات طالبية إل ��ى أوروب � ��ا ،واك�ب�ت�ه��ا ح��رك��ة ت��رج�م��ة لنفائس اإلنتاجيات الفكرية والعلمية األوروبية...
حضاري ،فإنها في المقابل تلعب دور تيرمومتر قياس ال��دورة الحضارية ،من خ�لال ازدهارها أو ان�ح��داره��ا أو انحطاطها؛ فحيثما ضعفت الترجمة وفترت وغابت ،علت في األجواء رائحة االنحطاط واالستبداد واالستعالء العرقي... وحيثما ازده ��رت الترجمة ،ارتفعت ال ��واردات ال�م�ع��رف�ي��ة وال �ع �ل �م �ي��ة ،وت�ض�خ�م��ت ال� �ص ��ادرات الفكرية والفنية واألدبية ،وانتفت مشكلة ضعف الشهية ال�ق��رائ�ي��ة ل��دى ال �ق��راء ..م��ع إغ ��راءات العناوين الالمحدودة في المجاالت الالمحدودة بالمقاربات الالمحدودة... لقد كانت الثقافة اإلنسانية وال تزال وستبقى ملكا للجميع ،فيما ستبقى ب��اق��ي الثقافات الفرعية والمحلية روافد لها تغنيها وتغتني بها، عبر الترجمة التي ستصبح -باستعارة عبارة «فرانتشيسكو ليجيو» -شكالُ من أشكال اقتسام ال�ث��روة المعرفية ،وشكال م��ن أش�ك��ال ممارسة الحق في المعرفة والعلم والفكر والمعلومة..
الترجمة وسيلة تواصل بين الشعوب ،من خالل اإلسهام في ترويج الفكر اإلنساني عبر نقله إلى لغات غير لغته .كما أنها عامل إنقاذ للثقافة من ال�غ��رق وال �ح��رق واإلت�ل�اف وال�ض�ي��اع والتهميش وإذا ك��ان��ت ال �ت��رج �م��ة ض� ��رورة ل �ك��ل إق�ل�اع واإلق��ص��اء ،م��ن خ�لال إي��داع�ه��ا ب�ن��وك المعرفة
16
اجلوبة -خريف 1432هـ
وع �ل �ي��ه ،ف��ال �ت��رج �م��ة ليست م �ج��رد ف�ع��ل ل �غ��وي يعنى بنقل ن �ص��وص م��ن «ص �ن��دوق ل�غ��وي» ووض �ع �ه��ا ف��ي «ص��ن��دوق لغوي آخ��ر» ،إنها أيضا فعل معرفي وث �ق��اف��ي وف �ك��ري وح� �ض ��اري.. وجهته المصالحة م��ع ال��ذات، وال� �ت� �ق ��ري ��ب ب� �ي ��ن ال� �ش� �ع ��وب، وال �ت �ع��اي��ش ف �ي �م��ا ب �ي �ن �ه��ا .كما تبقى الترجمة الحجر األساس لكل انطالقة حقيقية ،ومفتاح ال ��دخ ��ول إل ��ى ث �ق��اف��ة ال�ع�ص��ر: «ثقافة التقارب والتعايش». ل�ق��د ك��ان��ت ال�ت��رج�م��ة دائ�م��ا ج�س��راً للتواصل بين الشعوب والحضارات على م� ِّر التاريخ، ت � �ع� ��زز ال � �ت �ل�اق� ��ي وال� �ت�ل�اق���ح الحضاريين ،وت��رع��ى التقارب الثقافي بين الشعوب ،وتدحض الصدام ،وتدعم الحوار والتبادل ال�ث�ق��اف�ي�ي��ن ب �ي��ن أم ��م األرض، وت�س�ه��ل ال �ت��واص��ل ب�ي��ن األم ��م، وتفتح ال�ن��واف��ذ على الثقافات األخ ��رى للشعوب األخ���رى ،ما دام��ت معرفة اآلخ��ر تقود تدريجيا إل��ى معرفة ال��ذات عن طريق «المقارنة» و«التواصل» ،كما كانت تغني اللغات وتجعلها «حية» على الدوام، وتوفر األرضية للبحث واإلب��داع ..ليقف عليها
ول � �ق� ��د أس � �ه� ��م ال� �ت� �ق ��ارب ال�ث�ق��اف��ي ،وش �ي��وع تكنولوجيا ال��ق��رب ،ودي �ن��ام �ي��ة السياحة وم�ت�ط�ل�ب��ات ال�ع�م��ل ب��ال �خ��ارج، وق� � �ه � ��ر ال � �ع� ��زل� ��ة ال � �ف� ��ردي� ��ة وال� �ج� �م ��اع� �ي ��ة ،إض� ��اف� ��ة إل��ى التعرف على إنتاجات اآلخر، واالستفادة منها (=معرفة) ،أو االستمتاع بها (=ف �ن��ون) ،في تنمية الوعي بقيمة الترجمة وبدورها وفعاليتها...
م������������ل������������ف ال������������ع������������دد
اإلن �س��ان �ي��ة وال �ت��اري��خ ال�ث�ق��اف��ي؛ فلوال الترجمة العبرية ألعمال الفيلسوف ال�ع��رب��ي اب��ن رش��د، ل�ض��اع��ت «الفلسفة ال��رش��دي��ة» إلى األبد.
أهل البحث العلمي واإلب��داع، ق �ب��ل ال� �ش ��روع ف��ي أب�ح��اث�ه��م، أو ب �ن��اء ن�ظ��ري��ات�ه��م ،أو نشر إبداعاتهم...
لكن ،إلى أي حد انخرطت ال�ث�ق��اف��ة ال�ع��رب�ي��ة ف��ي فلسفة «المثاقفة» و«التثاقف»؟ وإلى أي حد مارست الثقافة العربية فعلها التأثيري في الدفع قُدما بــ«التقارب اإلنساني» إلى أبعد م� ��داه؟ وإل ��ى أي ح��د تمكنت ال �ت��رج �م��ة م ��ن ت �غ �ي �ي��ر وج �ه��ة الثقافة العربية م��ن التقوقع حول الذات إلى االنفتاح على اآلخر؟
ضعف الترجمة من اللغات الحية إلى العربية أشار تقرير لمنظمة (اليونسكو) التابعة لألمم المتحدة حول القراءة في العالم العربي ،إلى أن المواطن فيها ال يصرف أكثر من ست دقائق في
اجلوبة -خريف 1432هـ 17
القراءة في العام ،ويشير تقرير التنمية البشرية ع��ام 2003م إل��ى أن متوسط ال �ق��راءة السنوية للمواطن العربي هو عشر دقائق فقط. وهناك أيضا إحصائيات أعلنتها وزارة الثقافة المغربية ،تشير إل��ى أن م�غ��ارب��ة ال �ق��رن ال��واح��د والعشرين يقرأون كتابين ونصف ( )2.5في السنة فقط ،في حين أن ( )1من أصل ( )10من المغاربة المتعلمين ال يقرأون الكتب على اإلطالق...
الكتب المترجمة إل��ى العربية من نحو ()175 عنوانا سنويا في بداية السبعينيات ،إلى نحو ( )330كتابا عند نهاية القرن العشرين ،وهو ال يتعدى رب��ع ما تترجمه دول��ة صغيرة كاليونان، ويعادل تقريبا كتابا واحدا لكل مليون من السكان في السنة ،بينما يبلغ ( )920كتابا في إسبانيا لكل مليون من السكان.
ضعف الترجمة من العربية إلى اللغات الحية
وأم� ��ام ه ��ذه اإلح �ص��ائ �ي��ات ال �ص��ادم��ة التي تنشرها التقارير الدولية والوطنية ،نتساءل: ه �ن��اك م��ا ي�ن��اه��ز ( )3000ل�غ��ة ف��ي ال��زم��ن «لمن يترجم المترجمون»؟ الراهن ..منها ( )78لغة فقط لها أدب مكتوب. وم��ن ه��ذه اللغات ال� �ـ( )78لغة ،ثمة أرب��ع لغات ثم تتهاطل األجوبة باألرقام: •ح�ي��ن ينتهي ال �ع��رب م��ن ت��رج�م��ة كتاب ح� ّي��ة ال غ�ي��ر ..تتوافر على مقومات الصمود واح��د ت�ك��ون ال�ي��اب��ان ق��د أن�ه��ت ترجمة واالستمرارية على المدى البعيد: ( )9000كتاب(!)1
•العرب ال يترجمون أكثر من ( )330كتاباً في السنة(.)2 •البلدان العربية كلها تترجم %4.3مما تترجمه ألمانيا(!)3
1 .1اللغة الصينية كلغة ربع سكان األرض. 2 .2اللغة اإلنجليزية كلغة التقنية والعلوم.
3 .3اللغة اإلسبانية كلغة ل�ل�أدب الحديث على امتداد قارتين. 4 .4ال�ل�غ��ة ال�ع��رب�ي��ة ال �ت��ي تجمع ب�ي��ن اللغة ال�ت��واص�ل�ي��ة وال �ط��اب��ع ال �ق��دس��ي ،نظرا لكونها لسان رسالة دينية ..لكن رغم ال��وض��ع المتميز للغة ال�ع��رب�ي��ة ،يمكن تسجيل مالحظتين:
والحصيلة الكلية لما ترجم إلى اللغة العربية منذ عصر الخليفة المأمون إلى القرن الواحد والعشرين ،حسب تقرير التنمية البشرية لعام 2003م ،ه��و عشرة آالف ك�ت��اب؛ وه��ي تساوي حصيلة م��ا تترجمه إسبانيا ف��ي سنة واح��دة، امل�لاح��ظ��ة األول����ى ،إن ع ��ددا غير يسير وما تترجمه الواليات المتحدة خالل شهر واحد فقط .ومعنى هذا أن إسبانيا تتقدم العرب كل من األدباء العرب (السوري رفيق الشامي الذي سنة بعشرة قرون ،فيما تبتعد الواليات المتحدة يكتب باأللمانية ،واللبناني نبيل معلوف الذي يكتب بالفرنسية ،والمغربي محمد الصيباري عن العرب كل شهر بعشرة قرون!! الذي يكتب باإلسبانية) ..يهاجرون من الكتابة كما أشار تقرير التنمية البشرية لعام 2003م، باللغة العربية إلى الكتابة بلغة أخرى ،ألسباب إل��ى وج��ود حالة من الخمول في حق الترجمة مغايرة لتلك التي دفعت األديبين النيجيريين ال ��واردة إل��ى اللغة العربية .فرغم ارت�ف��اع عدد
18
اجلوبة -خريف 1432هـ
أورت في صنعاء (اليمن) بتاريخ 2005/5/16م، نقرأ واقع الكتاب العربي المترجم إلى اللغات الحية عموما ،واللغة األلمانية خصوصا ،باألرقام والمعطيات والتواريخ: ففي البلدان الناطقة باأللمانية (ألمانيا، سويسرا والنمسا) ،ثمة نحو ( )500كتاب أدبي لكتّاب عرب باللغة األلمانية .إال أن ما تُرجم منها عن اللغة العربية هو نحو ( )200كتاب فقط، أم��ا بقية الكتب وه��ي ( )300كتاب ،فمعظمها مترجمة عن الفرنسية ،وألفها كتّابها بالفرنسية؛ كونها اللغة التي يكتبون بها ،كما هو الحال لدى العديد من األدب��اء في بلدان المغرب العربي. وقد يعود ذلك إلى ثالثة أسباب:
م������������ل������������ف ال������������ع������������دد
«وول سوينكا و«ت��ش��ي��ن��وا أش �ي �ب��ي Chinua ،»Achebeللهجرة م��ن لغات محلية صغيرة ك إيغبو Igbo ويوروبا Yorubaالنيجيريتين.. إلى الكتابة باللغة اإلنجليزية، أو ت�ل��ك ال �ت��ي دف �ع��ت ال��روائ��ي الكيني «ن�غ��وغ��ي »Ngugiإلى الهجرة من اللغة السواحلية، إلى الكتابة باللغة اإلنجليزية، أو تلك التي كانت وراء هجرة الشاعر السينغالي السبب ال �ث��ان��ي :إن ال��ذي��ن يهتمون ب��األدب «ليوبولد س�ي��دار س�ن�غ��ور» نحو الكتابة باللغة العربي في البلدان الناطقة باأللمانية ،معظمهم الفرنسية... يقرؤونه بسبب وجود صلة تربطهم بالشرق ،أي امل�لاح��ظ��ة ال��ث��ان��ي��ة ،ت�ت�ل�خ��ص ف��ي ع��دم أنهم كانوا قد عاشوا أو اشتغلوا في بلد عربي، اكتراث اآلخر باإلنتاجات المكتوبة بهذه اللغة -أو يحبون الوطن العربي من وجهة نظر سياحية، أو يصادقون عرباً ..وما إلى ذلك ،ونادراً ما نجد اللغة العربية. ففي محاضرة بعنوان «ترجمة األدب العربي إلى قارئاً ألمانياً يبحث عن أدب عربي من دون وجود اللغة األلمانية» ألقاها المترجم األلماني جونتر دافع شخصي معيّن من النوع الذي ذكرناه. soyinka
،»wole
السبب األول :سهولة عملية الترجمة م��ن لغة أوروب �ي��ة إلى لغة أوروب �ي��ة ث��ان�ي��ة ،كما يعود ذلك إلى عامل ثان ه��ام ..وهو الحرية التي يتمتع بها الكاتب العربي الذي يكتب بلغة أجنبية، وه��و ف��ي م�ن��أى ع��ن الرقابتين ال� �ن� �ظ ��ام� �ي ��ة وال� �ج� �م ��اه� �ي ��ري ��ة المسلطتين على األق�ل�ام في بلدانهم األصلية.
ال �س �ب��ب ال �ث��ال��ث :ف �ق��د ي �ك��ون ه ��ذا ال�ع��ام��ل «الحرية» ،وراء ضعف االهتمام بترجمة اإلبداع وال�ف�ك��ر العربيين .ففي أل�م��ان�ي��ا ،ع��دد النسخ المطبوعة لكل كتاب عربي مترجم إلى األلمانية ال يزيد عادة عن ثالثة آالف نسخة ،وقلما يصل إلى عشرة آالف ،ولم يصل إلى ذلك المستوى إال أعمال نجيب محفوظ بعد نيله جائزة نوبل في عام 1988م .بينما يبقى كتاب عربي واحد دائماً في مقدمة الكتب األكثر مبيعاً في ألمانيا ،وهو «ألف ليلة وليلة» ،فعندما صدرت ترجمة ألمانية جديدة له سنة 2004م ،تحدثت وسائل اإلعالم األلمانية عن ذلك فترة طويلة ،و ُع��رض الكتاب للبيع في آالف المكتبات في ألمانيا.
اجلوبة -خريف 1432هـ 19
صحيح أن الطلب محدد مهم للعرض ،لكن ثمة معايير أخرى سابقة على العرض والطلب ،بل هي صانعة العرض والطلب معا، ومنها الترويج للصورة اإليجابية للثقافة العربية ،والترويج لرموز ث �ق��اف �ي��ة ع��رب��ي��ة ذات إش��ع��اع إنساني .وه��و ما يمكن تسميته ب�ـ�ـ«ص�ن��اع��ة ال��ص��ورة اإلي�ج��اب�ي��ة ألعمال معينة ..أو رموز ثقافية محددة أو ثقافة بعينها».)4(...
الترجمة وصناعة الصورة اإليجابية عن الذات ال �ت��رج �م��ة ل�ي�س��ت ف �ق��ط «ك��م ال� ��واردات م��ن ن�ص��وص اآلخ��ر». إن� �ه ��ا أي� �ض ��ا «ك � � � ُّم ال � �ص� ��ادرات م��ن ال �ن �ص��وص ال �ت��ي أنتجناها واخترناها لتمثلنا ل��دى القارئ اآلخ� ��ر» .ول��ذل��ك فالحديث عن ال ��واردات الترجمية تحيلنا إلى «الصادرات الترجمية». كما تسهم الترجمة في التعرف ع �ل��ى اآلخ� ��ر ف ��ي ث �ق��اف �ت��ه وبيئته وشروط وجوده من خالل ترجمته واس� �ت� �ي ��راده ،ف ��إن ل�ل�ت��رج�م��ة دور ف �ع��ال ف��ي ت��رج�م��ة أع �م��ال ال��ذات لـ«تصديرها» بغية ت��روي��ج ص��ورة «إيجابية» ع��ن ال ��ذات .ولقد كان االت � �ح� ��اد ال �س��وف �ي��ات��ي يخصص م �ي��زان �ي��ات ف��ي ح �ج��م م�ي��زان�ي��ات التسلح لرسم صورته ،عن طريق
20
اجلوبة -خريف 1432هـ
ت��رج �م��ة األدب � �ي� ��ات ال �م��ارك �س �ي��ة، وأشكال تدبير الحكم على النمط السوفييتي إل��ى كل لغات العالم. كما كانت وال ت��زال اليابان ودول االت � �ح� ��اد األوروب� � � ��ي وال� ��والي� ��ات المتحدة تفعل الشيء نفسه أيضا. فـ«من ال ص��ورة له ،ال وج��ود له». و«م��ن صنعت له ص��ورت��ه ،صنعت له معها أدواره» .و«من صنعت له أدواره ،أضاع فرصته في الحياة».
اقتراحات للنهوض بالترجمة عربيا وضع خطة إستراتيجية وطنيةللنهوض بالترجمة والتعريب. رص��د واق��ع الترجمة (هواية،احترافية ،تطوع ،مؤسسية.)... استشراف المستقبل (تقديمصورة إيجابية عن الذات وفرض احترام اآلخر). نقل الترجمة من الهواية إلىاالحترافية. جعل الترجمة عتبة االنطالق،وب��واب��ة ال �ح��وار ،وع��دس��ة تقديم صورتنا. تنسيق الدول العربية وتحملهاالمسؤولية ،وتعهد كل دولة منها بترجمة ألف كتاب سنويا كخطوة أول��ى وبسيطة ،لتقفز العناوين ال�م�ت��رج�م��ة ف��ي ال �ع��ال��م ال�ع��رب��ي سنويا إلى ( )22ألف عنوان..
ما من لغة إال وترعرع فيها حب الذات ،والفخر
تنمية الترجمة بأشكالها الثالثة :الترجمات بالذات ،واالعتزاز بالذات .فاللغة العربية هي لغةال�ص��ادرة ،والترجمات ال ��واردة ،والترجمات الضاد ،واإلسبانية هي لغة فونيتيكية ،واإلنجليزية المحلية. لغة التقنية ،والصينية لغة المقطع اللغوي.. ف��ال�ت��رج�م��ات ال��ص��ادرة (وه ��ي المترجمات وأم� ��ام ه ��ذا ال �م��د ال �ت �ب��اع��دي ل �ل �غ��ات ،تظهر ال�م�ن�ق��ول��ة إل��ى ل �غ��ات أخ� ��رى) :ت��رج�م��ة أع�م��ال الترجمة بوظيفة مغايرة« ،وظيفة التقريب بين الكتاب المحليين الذين يكتبون باللغة العربية اللغات والثقافات» من خالل التقريب بين طرائق إل��ى ل�غ��ات أخ���رى ،ل�ك��ن ه��ذا ال�م�ج��ال ال ي��زال حكرا على الروائيين ،والشعراء ،وأهل الكتابة التعبير واألساليب اللغوية في الثقافات اإلنسانية.. واإلبداع بلغة أجنبية ،كالروائي الطاهر بنجلون ما دام الجوهر والمضمون واحداً. ال��ذي ترجم أع�م��ال محمد ش�ك��ري ..والشاعر فاللغة ما هي إال بوابة لثقافتها وحضارتها، عبداللطيف اللعبي الذي ترجم درويش وأدونيس فترجمتها هي ترجمة لتلك الثقافة ،وتملك لتلك وغيرهما... ال�ح�ض��ارة ،وه��دم لكل األس ��وار ال�ت��ي ت�ع��وق هذا وال �ت��رج �م��ات ال� � ��واردة (وه� ��ي ال�م�ت��رج�م��ات التقارب .فحيثما تقاربت اللغات ،تقاربت الثقافات. المنقولة إلى اللغة العربية) :المشروع اإلماراتي وه��ذه هي غاية الترجمة األسمى :التقريب بين «كلمة» لترجمة الشعر ،مشروع مصر لترجمة الثقافات س��واء على مستوى المضمون ،أو على ألف كتاب... مستوى الشكل ،م��ع إض�ف��اء ط��اب��ع الخصوصية وال��ت��رج��م��ات ال �م �ح �ل �ي��ة (وه� ��ي م�ت��رج�م��ات ع�ل��ى ال��م��واد ال�م�ت��رج�م��ة ..ق�ص��د تأصيلها في ألعمال كتاب مغاربة وع��رب إلى العربية ..إذا بيئتها الثقافية الجديدة ،فيصبح الكثير من هذه كانت كتاباتهم بلغات أجنبية ،ومن أهم األقالم المترجمات أو أجزاء منها «قوال مأثورا» في هذه ال �ت��ي تخصصت ف��ي ه��ذه ال�ت��رج�م��ة ال��روائ �ي��ة الثقافة ،أو «حكما» في تلك.. المغربية الزهرة رميج ،التي ترجمت مسرحيات الترجمة قيمة م��ن قيم ال�ت�ق��ارب والتعايش عبداللطيف اللعبي «ت �م��اري��ن ف��ي التسامح»، و«قاضي الظل» ،ورواية نفيسة السباعي «نساء واإلنصات لآلخر ..وإفادته واالستفادة منه .كما في الصمت») ...وهذا النوع من الترجمة يبقى أن�ه��ا س�لاح ث��اب��ت الفعالية ض��د «التمركز حول شكال من أشكال المصالحة مع الذات. الذات» ،دفاعا عن ثقافة «االنفتاح» على اآلخر. () 1 ( )2 ( )3 ( )4
م������������ل������������ف ال������������ع������������دد
ض ��رورة التفكير ف��ي ال��رق��ي بالترجمة إل��ىمستوى االحترافية والجودة.
وفي الختام..
مجلة «زهرة الخليج» ،مقال للروائية الجزائرية أحالم مستغماني( ،العدد .)1118 تقرير «التعليم العالي في البلدان العربية»2008 ،م. جريدة الحياة ،عدد 2006/02/02م. محاضرة بعنوان «ترجمة األدب العربي إل ��ى اللغة األل��م��ان��ي��ة» ألقاها جونتر أورت ف ��ي صنعاء (ال��ي��م��ن) بتاريخ 2005/5/16م.
اجلوبة -خريف 1432هـ 21
الترجمة ..الوسيط التاريخي األبرز في عملية املثاقفة
ال
> مالك أخلالدي– السعودية
«اللغة اإلنجليزية تشبه طريق ًا سه ًال واسع ًا يؤدي إلى حدائق العلوم والتمدن واإلصالح». «خليل أبو سعد» للترجمة دوره ��ا األب ��رز ف��ي ال�ت�ب��ادل الثقافي وال�ت�م��ازج ال�ح�ض��اري بين شعوب العالم قاطبة، ف��إن كانت التقنية الحديثة ه��ي وسيلة التبادل الثقافي الهائل في عالم اليوم ،فالمعرفة والثقافة ه��ي ال �م��ادة ال �خ��ام .والترجمة أداة فاعلة لخلق عقول مستنيرة ذات خصوصية في رحاب متعدد الثقافات ،إذاً فالترجمة وسيط ثقافي تاريخي مهم أسهم كثيراً في المثاقفة الحضارية؛ فهي عملية أزلية ابتدأت مع اإلنسان بشكل مقصود أو غير مقصود ،حيث تعود للقرن الخامس عشر قبل الميالد .وقد ثبت ذلك مع وجود رسائل مكتوبة باللغتين األكادية والمصرية القديمة ،كما ذكر ذلك الدكتور الباحث محمد العبداللطيف .ما يعكس لنا ق��دم عملية المثاقفة (ال�ت�ب��ادل الثقافي) ،وظهورها مع ظهور اللغات والحضارات. وال يغيب عن الباحث أن الحضارة اإلسالمية بشقيها الفكري والمادي وإن انبثقت في محيط عربي ،-إالأنها ليست حضارة عربية محضة، وه���ذا م��ا ينسحب ع�ل��ى ال�ح�ض��ارة العربية كحضارة قومية ،فهي مزيج ثقافي ف��ي إط ��ار ع��رب��ي ،وه ��ذا من دون ش��ك ق��در اللغة العربية كلغة دي��ن سماوي لكل األع��راق ،فمالمح ال� �ح� �ض���ارات األخ� � � ��رى ،وب �خ��اص��ة الفارسية والهندية واليونانية ،تبدو جلية في كل جوانبها.
22
اجلوبة -خريف 1432هـ
َولَ َعلّي أشير إلى أن الترجمة ابتدأت في العهد بشكل مقصود ومنهجي على يدي هارون ٍ اإلسالمي الرشيد ،حين أنشأ بيت الحكمة ،ورص��د جوائز قيمة للمؤلفين والمترجمين ،ومضى ابنه المأمون فيما ابتدأه والده ،ولعل تأخر الترجمة في العهد اإلسالمي األول يعود إلى انشغال المسلمين في إرس��اء دعائم الدين ،وخشية تأثير ال��رؤى والقيم ال��واف��دة على عقائد المسلمين الغضة آن��ذاك.. إال أن ب�ي��ت الحكمة ك �س��رت ال �ت��وج��س ،وردم��ت الهوة ،وساعد في ذلك التوجهات الفكرية المرنة للمأمون. وقد تُرجم الكثير من كتب المنطق والفلسفة ال �ي��ون��ان �ي��ة إل� ��ى ال �س �ي��ري��ان �ي��ة ،ث��م إل��ى ال�ع��رب�ي��ة وال �ف��ارس �ي��ة ،واشتغل بالترجمة في ذلك العصر النساطرة النصارى ،بسبب روابطهم الدينية والثقافية م��ع ال�ي��ون��ان ،وي�ع��زو كثير من الباحثين ترجمة كتب الفلسفة اليونانية إلى انتشار الجدل اللغوي والمذهبي والديني والفلسفي ،الذي أت��اح��ه ال�م�ن��اخ ال�ف�ك��ري والفلسفي ال�م�ت�س��ام��ح ف��ي ال�ع�ص��ر ال�ع�ب��اس��ي، وب� �خ ��اص ��ة ف� ��ي ع��ص��ر ال� �م ��أم ��ون، ف��اس �ت �ع��ان ال��ن��س��اط��رة ب��ال�ف�ل�س�ف��ة اليونانية وآراء حكماء اليونان ،في ال��دف��اع ع��ن النصرانية ف��ي جدلهم الفلسفي مع المعتزلة والمتكلمين، ووج ��دت الفلسفة اليونانية قبوالً
وحين نأتي للمثاقفة بجانبها األدب��ي ..علينا أن نقر بأن األدب الفارسي من أكثر اآلداب تأثيراً ف��ي األدب ال �ع��رب��ي ف��ي العصور اإلس�لام �ي��ة ،ب��ل نستطيع ال�ق��ول بأنه أسهم في تشكّل بعض مالمح األدب ال �ع��رب��ي اإلس �ل�ام� ��ي ،إال أن حركة ه��ذا التأثير انحسرت جداً في العصور األخيرة فبقيت نتائجها ،كما أن العكس صحيح؛ فالترجمة عملية تفاعلية إرفادية
وال ت �خ �ف��ى ع��ل��ى أح� ��د ت�ل��ك األس��ب��اب ال�س�ي��اس�ي��ة وال��دي�ن�ي��ة، التي جعلت من الحقبة العباسية فترة لفورة الترجمة وانتعاشها، وق ��د ك ��ان ك �ت��اب «ك�ل�ي�ل��ة ودم �ن��ة» ال��ذي ترجمه عبدالله بن المقفع من الفارسية إلى العربية لهدف سياسي واجتماعي ،من الروائع األدب� �ي ��ة ال �ت��ي ك ��ان ل �ه��ا ت��أث�ي��ره��ا األك��ب��ر واألب � ��رز ع �ل��ى ال�م�س��اح��ة األدبية واللغوية والفكرية كذلك.. ل �ي��س ف��ي ال �ع��رب �ي��ة ف �ح �س��ب ،بل امتد لغيرها من اللغات إلى يومنا هذا .ولعلنا نعده هو وكتاب «ألف ل�ي�ل��ة ول �ي �ل��ة» م��ن أك �ث��ر األع �م��ال المترجمة أثراً وامتداداً ،وهذا ال يحيد بنا عن ذكر أعمال ضخمة تُرجمت من الفارسية إلى العربية ك��ـ «ال �ش��اه �ن��ام��ة» ل �ل �ف��ردوس��ي.. ورباعيات الخيام ،فما تزاال محط اهتمام الباحثين من كافة اللغات، كما أن بصمتهما في اللغة العربية وآدابها جلية.
م������������ل������������ف ال������������ع������������دد
ل��دى اللغويين ال�ن�ح��وي�ي��ن ،وح��از بعض المترجمين آن ��ذاك شهرة ال�ك� ّت��اب ال�ع�ظ��ام ،مثل إس�ح��ق بن حنين واب�ن��ه حنين ،وقسطا لوقا واألع� �س ��م( ،)1ف�ظ�ه��رت ال�م��ذاه��ب الفكرية الفلسفية ،وتبلورت على أي� ��دي م�ج�م��وع��ة م��ن ال�م�ف�ك��ري��ن كالفارابي وابن سيناء والغزالي.. فخرجوا م��ن جلبات النسق إلى ف� �ض ��اء ف� �ك ��ري أرح� � ��ب ،ي �ت �ن��اول المفاهيم والتصورات المرتبطة بالطبيعة اإلن �س��ان �ي��ة وال�م�ع��رف��ة وال �ق �ي��م ع �ل��ى ق��اع��دة إس�لام �ي��ة؛ وهذا يعد بال شك إضافة للعقلية العربية والفكر اإلسالمي .ويشير إل��ى ذل��ك المفكر العربي الكبير محمد عابد الجابري بقوله( :إن التصور الداخلي للحياة الفكرية العربية في العصر الجاهلي ،أبعد م��ا ي �ك��ون أن ي �ف��رز ب�م �ف��رده ذل��ك التنوع ،والغنى في اآلراء ،والرؤى واالس�ت�ش��راق��ات وال�م��ذاه��ب التي شهدها المجتمع العربي بعد قرن من ظهور اإلسالم)(.)2
للجانبين ،ويكفي أن يعلم القارئ أن اللغة الفارسية الحديثة تُكتب بالحروف العربية ،كما أن هناك كثير من مفردات تناصا كامال بين ٍ اللغتين.
إال أن الترجمة من الفارسية إل��ى العربية خبت م��ؤخ��راً ،إن لم نقل انعدمت ،إذ انتعشت الترجمة م��ن اإلن �ج �ل �ي��زي��ة ح �ت��ى اج�ت��اح��ت مسرحيات شكسبير وبرنارد شو ورواي ��ات أجاثا كريستي وأشعار ج���ون ك �ي��ت ال �م �س��اح��ة الشعبية
اجلوبة -خريف 1432هـ 23
العربية ،حتى أننا ق��د نجد اليوم ق��ارئ �اً ع��رب�ي�اً ي�ع��رف أج��اث��ا وينكر الروائي عالء األسواني على سبيل المثال؛ في حين تجد سمات األدب اإلنجليزي ب��دت ظاهرة على كثير من الضروب الكتابية األدبية ،منذ أن ازدهرت الترجمة من اإلنجليزية وال �ف��رن �س �ي��ة ف ��ي ال� �ق ��رن ال �ت��اس��ع ع�ش��ر ،على ي��د ال�م��رب��ي المصري رف��اع��ة ال �ط �ه �ط��اوي -ح�ي��ن ابتعث إل��ى هناك -ف��أدرك حاجة العرب لكثير مما لديهم ،بل إننا نستطيع القول إن ال��رواي��ة العربية والشعر الحر ،اندلقا من نافذة الترجمة من اللغات األوربية. وال شك أن اإلنجليزية هي صوت األمة األقوى ،لذا نشطت الترجمة منها وإل�ي�ه��ا ف��ي ال�ع�ق��ود األخ �ي��رة، وب �خ��اص��ة ف��ي ال �ج��وان��ب العلمية والتقنية ،إذ أصبحت لغة التخاطب ال��دول��ي والعلوم وال�م�ع��ارف ،فكان حقيقاً ب��دول العالم العربي إنشاء م���راك���ز م �ت �خ �ص �ص��ة ب��ال �ت��رج �م��ة، وظهرت الجمعيات إلرفاد الترجمة بكافة أشكالها ،وتعزيز المثاقفة ال � �ح � �ض� ��اري� ��ة .وم� � ��ن أب � � ��رز ه ��ذه الجمعيات على المستوى المحلي.. الجمعية السعودية العلمية للغات وال� �ت ��رج� �م ��ة ،ال� �ت ��ي ان �ب �ث �ق��ت م��ن جامعة اإلم��ام بالرياض ،إذ قطعت بجهودها الحثيثة خطوات مهمة في زيادة وتيرة الترجمة ،ورفع جودتها عبر ط��رح األوراق البحثية ،وعقد ( )1الترجمة رؤية في الواقع العربي للدكتور محمد العبداللطيف. ( )2تكوين العقل العربي للمفكر محمد عابد الجابري.
24
اجلوبة -خريف 1432هـ
المؤتمرات ،ورصد الجوائز. ويبدو استجالب المعرفة عبر الترجمة جل ّياً في عالم اليوم ،إال أننا يجب أن نشير إل��ى أن الكتب العلمية المترجمة ليست متناسبة م ��ع االن��ف��ج��ار ال �ع �ل �م��ي وال �س �ط��وة الغربية على جوانب حياتنا ،ويعود ذل� ��ك إل� ��ى إج�� ��ادة المتخصصين والباحثين للغة اإلنجليزية ،الذين يستفيدون من الكتب بلغتها ،تجنباً ل �ل�إرب� ��اك ال � ��ذي ق ��د ي �ح �ص��ل مع اخ�ت�لاف الترجمات ،والتباين في تعريب المصطلحات ،ما أدى إلى ان�ح�س��ار الترجمة العلمية ..وقد بقيت المعرفة المتسارعة بين يدي النخبة المُجيدين للغة اإلنجليزية، فبقيت سطوة التأثير ل��دى العامة ع �ل��ى أس��ل��وب ال�م�ع�ي�ش��ة ل�لأس��ف، بشكل ٍ إضافة للجانب األدبي ،ولكن �س ال �ش��رق عن أق ��ل ،فحين ت �ق��اع� َ ترجمة المعرفة ..نشط الغرب في بث سلعهم وموضاتهم للعرب. َولَ � َع �لّ��ي أخ �ل��ص إل ��ى ال �ق��ول أن الترجمة وس�ي��ط مهم وف��اع��ل في عملية المثاقفة بين ال�ح�ض��ارات, وما من لغة خلت من تأثير أو تأثر ب��أخ��رى على ام�ت��داده��ا التاريخي، بصرف النظر عن مراحل االزدهار والركود في مؤشر الترجمة ،إذ أن لغة وحضارة شعب ما ..ال يمكن أن تسير منفردة دون تبادل أو تمازج خ�ل�اق ،ي�ض�ي��ف وي� �ث ��ري ..دون أن يطمس خصوصية هذا الشعب.
ال
> د .عبدالله الطيب -السعودية
قد تبدأ عملية الترجمة بتكليف المترجم من جهة ما بترجمة نص معين، وربما يكون الدافع من المترجم نفسه ،الختيار نص معين لترجمته ،لغرض اإلث���راء المعرفي ،أو لسبب اق��ت��ص��ادي ،دي��ن��ي ،سياسي ،أو غ��ي��ره .وف��ي جميع األحوال ،فإن الغرض عادة هو ترجمة النص ..وليس إلبداء الرأي أو التأثير فيه بشكل أو بآخر. األدب والمجتمع .وعملية إعادة الكتابة هذه تتطلب الترجمة ناقل مستأمن كلمة الترجمة باللغة اإلنجليزية Translationهي في أصلها الالتيني تعني «يحمل ع �ب��ر» .ففي المفهوم الغربي القديم ،تعد الترجمة عملية ت��واص��ل ونقل م��واد بين الحضارات وال �ث �ق��اف��ات المختلفة .وم ��ع ت��وال��ي ال � � �ق� � ��رون ،ت� ��م ح� �ص ��ر اس� �ت� �خ ��دام المصطلح بعملية نقل الكلمات بين اللغة المصدر واللغة المستهدفة، وه��ك��ذا ت��م ال �ح �ف��اظ ع �ل��ى ال �ت��راث اإلغريقي عن طريق نقله عبر اللغات على مر العصور إلى العالم كله .وقد ذكر األديب والمترجم السوري «أدهم وهيب مطر» في تناوله لتأثير الترجمة في اإلبداع الفكري أن الترجمة ،بما ت�ح�ت��وي��ه م��ن م �ع��ارف وع �ل��وم وآداب المجتعمات األخرى-والتي تراكمت عبر العصور واألزمنة -تشكل األرض ال �خ �ص �ب��ة ال �ت��ي ت�م�ك��ن ال �م �ب��دع من االس�ت�ف��ادة منها ،للتحليق ف��ي آف��اق إبداعية جديدة مختلفة ومتنوعة. وباختصار شديد ،ف��إن الترجمة ف��ي ع��ال��م األدب ،ه��ي إع���ادة كتابة ال�ن��ص األص�ل��ي باللغة المستهدفة، وب��ذل��ك تسهم الترجمة ف��ي تطوير
م������������ل������������ف ال������������ع������������دد
حوار الثقافات في اإلبداع الفكري املترجم
تصرفاً وتالعباً بالنص األصلي حسب م��ا ي���راه ال�م�ت��رج��م م �ن��اس �ب �اً ،وذل��ك بحسب ثقافته.
األيديولوجية فكر أم إحتياج؟ ظ�ه��ر م��ؤخ��را االه �ت �م��ام بظاهرة تأثير األي��دي��ول��وج�ي��ة على الترجمة وأس� � �ل � ��وب ال� �م� �ت ��رج ��م ال �م �ف �ض��ل، وأص �ب �ح��ت األي��دي��ول��وج �ي��ة م �ح��ورا رئ �ي �س��ا ف��ي ال���دراس���ات المختصة بالترجمة ،ولكن التركيز ك��ان دوما حول الموضوعات األدبية والدينية. ولكن ال تُدرك تعقيدات الترجمة إال من خالل التعرف على األيديولوجية ودورها في الترجمة. ع� �ل ��م األي� ��دي� ��ول� ��وج� ��ي أو ع �ل��م األف��ك��ار ،ع �ل � ٌم ح��دي��ث ن�س�ب�ي��ا ،وق��د عرفه الفيلسوف الفرنسي أنطوان دي تراسي في بداية القرن التاسع ع �ش��ر ،وك� ��ان أول م ��ن م �ن �ح��ه ه��ذا االسم .واأليديولوجية هي مجموعة األف��ك��ار واالف� �ت ��راض ��ات الضمنية، والمعتقدات ال�ت��ي تعكس االحتياج االجتماعي والتطلعات لشخص أو
اجلوبة -خريف 1432هـ 25
جماعة أو حضارة .فالمترجم لديه خلفيته الثقافية التي تشكل معتقداته وأف�ك��اره؛ ولذلك ،نجد أنه ف��ي معظم األع �م��ال المترجمة يخضع المترجم أليديولوجيته التي تؤثر على ترجمته ،بل وتتحكم في اختياره للنصوص والكلمات ،وبالتالي يصبح ال مؤثراً في المجتمع المستهدف. عام ً ومن خالل الترجمة يستطيع الباحث المدقق أن يستشف إيديولوجية المترجم .فكل قرار يتخذه المترجم بشأن الترجمة -بدءاً من اختيار النصوص لترجمتها ،واختيار الكلمات ،وحذف بعض كلمات أو ع �ب��ارات ال �ن��ص ،وإض��اف��ة ك�ل�م��ات أو ع�ب��ارات جديدة -يلقي الضوء على تاريخ المترجم وثقافته ال لن يتعرض لترجمة وأيديولوجيته .فرجل دين مث ً كتاب أو نص يتعارض مع دينه لغرض ربحي أو تجاري؛ وفي هذا المثال ،يتجلى تحكم األيديولوجية في اختيار النص تبعا لخلفية المترجم الدينية. وبالنظر إلى الثقافة ،فإن من الصعب على مترجم من خلفية ثقافية عربية ،أن يتعرض في ترجمته ال على لنص أجنبي ينعت المقاومة الفلسطينية مث ً أنها إرهابية كما تتهمها الكثير من الكتب الغربية، فذلك يتعارض مع معتقداته وأفكاره ،بل وخلفيته السياسية أيضا .وقد خلص بعض الباحثين مثل المؤلفة األسبانية الدكتورة «ماريا كالزادا بيريز» إلى أن كل استخدامات اللغة ،بما ذلك الترجمة، هي استخدامات أيديولوجية.
النقل الثقافي ترتبط الثقافة ارتباطا وثيقا باأليديولوجية،
باألدب ،فهي مرتبطة أيضاً بالترجمة؛ ألن األدب ليس موجوداً فقط داخل وعاء اللغة ،ولكنه أيضاً داخ��ل إط��ار الثقافة .ول��ذل��ك حين نترجم األدب فإننا بذلك نترجم الثقافة .فالترجمة عملية نقل بين ثقافتين قد تكونا متشابهتين من ناحية ..وهذا يعرف بعالمية الثقافة ،أو متباينتين م��ن ناحية أخرى ..وهذا ما يعرف بنسبية الثقافة .ومن هنا، تبرز الترجمة كعامل مركزي في النظام الثقافي للمجتمع .وق��د تطرقت ل��ذل��ك ال��دك �ت��ورة «س��ارة المهندي» -من منسوبي جامعة قطر -في مقالتها عن الترجمة واأليديولوجية ،إذ ذكرت بعض األمثلة مثل عبارة «اإلستعمال المفرط للقوة excessive use »of forceوالتي غالبا ما تستخدم في المجتمعات الغربية حين التحدث ع��ن ال�ش��أن الفلسطيني/ اإلسرائيلي ..وذلك تبعا لثقافتهم وأيديولوجيتهم، بينما يستخدم العرب والمسلمون عبارة «التصعيد العسكري »military escalationللتعبير عن الموقف نفسه .لذلك فإن للترجمة تأثير كبير ومباشر في تغيير المجتمعات المتلقية لتلك الترجمات. وه �ن��اك ش�ب��ه إج �م��اع ف��ي غ��ال�ب�ي��ة ال��دراس��ات المتعلقة بالترجمة ،على أنها ليست فقط عملية نقل بين اللغات ،ولكنها تذهب إلى أبعد من ذلك، وربما احتوت على حوار بين حضارة وثقافة النص المصدر ..وبين حضارة وثقافة اللغة المستهدفة، بل ربما أدت الترجمة إلى تصادم أو صراع فكري. وب��ذل��ك ت�ع��د ال�ت��رج�م��ة م�ك��ان��ا مثاليا للصراعات والتحديات ،وحتى اللقاءات األيديولوجية.
فالثقافة تعنى ضرور ًة باألشخاص داخل مجتمع ما ،إستراتيجيات الترجمة ..خيارات مقيدة إذ ترتبط قدرة الشخص على التعرف على العالم بالمعايير الثقافية المتعارف عليها في مجتمعه. ولذلك ،فإن المترجم في كثير من األحيان يتصرف ف��ي النص األص�ل��ي حذفا وإض��اف��ة تبعا لخلفيته الثقافية ،دون أن يجد حرجا من ذل��ك ،أو يعده مخالفا لقواعد الترجمة .والثقافة كما هي مرتبطة
26
اجلوبة -خريف 1432هـ
اختيار إستراتيجية الترجمة عادة ليس عملية عشوائية أو اختياراً شخصياً بحتاً ،فالقليل فقط من المترجمين يختارون استراتجيات الترجمة بإرادتهم الحرة ،ورغبتهم الشخصية .وق��د سبق أن ذكرنا أن األيديولوجية تتحكم في اختيارات المترجم وإستراتيجياته ..بل في الترجمة نفسها
•غ��رض ووظيفته النص المراد ترجمته. •م�ك��ان��ة ال�ن��ص المترجم في النظام األدبي. •م ��دى إم�ك��ان�ي��ة معالجة الصراع أو الصدام بين الثقافتين. ك �م��ا ي �ت �ح �ك��م ف ��ي االخ �ت �ي��ار أيديولوجية الناشر والحكومة، وم �ق��دار السلطة المخولة لديهم ،س��واء بصورة مباشرة أو غير مباشرة .ولنأخذ مثال على ذلك اغ �ت �ي��ال األس �ت��اذ ال�ج��ام�ع��ي وال�م�ت��رج��م ال�ي��اب��ان��ي “هيتوشي إجاراشي” ال��ذي ترجم رواي��ة “آيات شيطانية” ل�ل�ك��ات��ب “سلمان رشدي” ف��ي ع��ام 1991م ،في مكتبه بجامعة “تسوكوبا” اليابانية. وعلى إثر ذلك ترددت دور النشر اليابانية األخرى في نشر الترجمة. كذلك تتدخل ق��درة المترجم على الترجمة.. أي تمكنه من لغة المصدر ،واللغة المستهدفة، ومكانته في المجتمع الثقافي المستهدف في جودة الترجمة ،وقدرتها على الحصول على القبول أو االستحسان.
ارتبط مصطلح األيديولوجية م��ؤخ��راً بالمعتقدات السياسية ل�لأش �خ��اص أو ال �ج �م��اع��ات .ما أدى إلى إضافة نوع من السلبية للمصطلح ،وولدت تيارات مضادة أو معادية له .واأليديولوجية التي تخدم األغ ��راض السياسية ..ال شك أنها تتحكم بشكل كبير في اختيار النصوص المراد ترجمتها، وأس�ل��وب ترجمتها ،ونشرها في األوس ��اط المعنية .لذلك ينبغي في تدريس الترجمة ،التنبيه على أن المترجمين يواجهون قرارات حاسمة ،نظرا لما للترجمة من تأثير ثقافي وسياسي واجتماعي في الحياة العامة .والسؤال الذي يجب التركيز عليه هو من يترجم؟ وماذا ولمن؟ وألي غاية؟
م������������ل������������ف ال������������ع������������دد
ك �ع �م��ل م��ت��ك��ام��ل .ك��م��ا ت�خ�ض��ع اختيارات المترجمين للنصوص األدب� �ي ��ة ل �ل �ق �ي��ود االج �ت �م��اع �ي��ة، فالنصوص األدب �ي��ة س ��واء منها األص �ل �ي��ة أو ال �م �ت��رج �م��ة ،ت��وف��ر ق��دراً كبيراً من المعلومات حول ال��ع�ل�اق��ات ب �ي��ن األي��دي��ول��وج �ي��ة والسلطة والحوارات ،تماماً مثل النصوص غير األدب �ي��ة .وهناك عدة عوامل تتحكم في االختيار منها:
تأثير األيديولوجية
وت��وظ �ي��ف األي��دي��ول��وج �ي��ة في الترجمة موجود ،كما هو متواجد ف��ي أغ �ل��ب أش��ك��ال ال��ت��واص��ل ،وال ي�م�ك��ن فصل األيديولوجية عن الترجمة بأي حال .فاأليديولوجية نفسها متجذرة ف��ي التعابير اللغوية ،والترجمة حين تنقل األدب من لغة إلى أخ��رى ،تعتبر بذلك أداة فاعلة في العملية األيديولوجية ..كما تقول الدكتورة التايوانية «شيه شونج لنج». والترجمة األدبية أداة قوية للتعامل المعرفي؛ ألن ال �ش �ع��ر ب� ��أوزان� ��ه ال �م��وس �ي �ق �ي��ة ،وال �ق �ص��ص، والروايات بحبكتها ..تستطيع أن تستوعب المواعظ األي��دي��ول��وج�ي��ة وال�ن�ص��ائ��ح ،وإي�ص��ال�ه��ا بشكل غير مباشر .وفي الغالب ،يحتوي األدب المترجم على ع�لاق��ات ق��وي��ة بين السياسة والثقافة والسلطة، وجميعها تتفاعل بشكل كبير م��ع األيديولوجية.
اجلوبة -خريف 1432هـ 27
والترجمة األدب �ي��ة تعكس األيديولوجية ،وتضفي عليها الشرعية أي�ض�اً ،كما تعد الترجمة األدبية م �ص��دراً غ�ن�ي�اً ب��ال�م�ع�ل��وم��ات للباحثين ف��ي مجال األيديولوجية. وتتغلغل األيديولوجية في العمل المترجم بشكل سلس وتلقائي ،وفي كثير من األحيان ،من دون أن يشعر ب��ذل��ك المترجم ال��ذي ق��د ت�ش��رب المعايير األي��دي��ول��وج �ي��ة ل�م�ج�ت�م�ع��ه ،وأص �ب �ح��ت ج� ��زءا من شخصيته وهويته .نجده يتفادى العبارات التي تعد غير مقبولة في مجتمعه ،ويستبدلها بأخرى أكثر مالءمة لثقافته ،وللجمهور المتلقي للترجمة ،ويعود السبب إلى سعي المترجم للحصول على القبول في مجتمعه ..ول��دى قرائه .ولكننا أحيانا ن��رى بعض المترجمين يخرجون عن هذا النمط ،وذلك عائد بالدرجة األول��ى إلى أغ��راض محددة ،تقودهم إلى التضاد مع أيديولوجية الثقافة المستهدفة. وي�ب��دأ تأثير أيديولوجية المترجم م��ن لحظة اختياره للنص األصلي ،فهذا االختيار يعتمد على نظرة المترجم إلى ثقافة النص األصلي .فإذا كانت نظرة المترجم إلى ثقافة المصدر نظرة استعالء؛ بمعنى أن المترجم منحاز للثقافة المستهدفة ،حينها ستحفل الترجمة بالكثير من التدجين والترويض للنص ،والتعديل بالحذف واإلضافة ،لجعل الترجمة ق��ري�ب��ة م��ن ال�ث�ق��اف��ة ال�م�س�ت�ه��دف��ة .وه �ن��ا تحكمت أيديولوجية المترجم في إخراجه للترجمة ،والتي عادة ما تفتقر لكثير من ميزات النص األصلي. وعلى النقيض ..عندما يعجب المترجم بثقافة المصدر ،فإنه ينحاز إليها ..وتأتي الترجمة حينها على مستوى عال من الميزات الثقافية األجنبية ،مع المحافظة على الصور والتعابير األدبية األجنبية، ويكون التصرف في النص بالحذف أو اإلضافة أو التدجين شبه منعدم .وبذلك تسهم الترجمة في نقل ونشر أيديولوجية المترجم .وقد يتعمد المترجم بتأثير سياسي أو اجتماعي ،أو بغرض
28
اجلوبة -خريف 1432هـ
حماية ثقافته المحلية ونزعته القومية ،الستبدال بعض المفردات الثقافية في النص األصلي بأخرى م��ن ثقافته ،وب�ه��ذا يتحقق للمترجم تقليل تأثير الثقافة األجنبية على ق��رائ��ه ومجتمعه ،إضافة إل��ى تعزيز ثقافة المترجم وقيمها ،وه��ذا يعرف بالوطنية الثقافية .وق��د يسهم مثل ه��ذا الفعل وه��و توحيد العناصر الثقافية وجعلها متقاربةمع تلك المتعارف عليها في البيئة المستهدفة- ف��ي جعل ال�ن��ص المترجم أك�ث��ر س�لاس��ة ،وأق��رب للقارئ ..حيث تتوارى الثقافة األجنبية .لكن ذلك في المقابل ،يحرم القراء فرصة تعلم بعض القيم الثقافية الموجودة في األدب األجنبي ،ويقلل من أهمية العناصر الثقافية األجنبية بالمقارنة مع تلك الوطنية .هذا التوحيد األيديولوجي يسهم في بناء شكل من أشكال الوحدة بين األفراد ،وتعزيز الهوية ٍ الجماعية في البيئة المستهدفة .والتصرف في ال النصوص يمكن أن يكون حتى في العنوان ،فمث ً قصة األط �ف��ال اإلنجليزية المشهورة «Sleeping Beautyأو “الجمال النائم” ..تم تغيير العنوان في األدب العربي وأصبح األميرة النائمة .والحال نفسه في الترجمة إلى اللغة اإلنجليزية ،ولنأخذ على سبيل المثال القصة العربية الشهيرة “ألف ليلة وليلة” ،حين ترجمت إل��ى اللغة اإلنجليزية أصبح عنوانها هو “الليالي العربية أو The Arabian .”Nightsوهذه األمثلة تدل على تدخل مباشر في الترجمة ،لجعلها أكثر مالءمة للبيئة المستهدفة.
إعادة كتابة األدب ح �ي��ن ي �ك��ون ال �غ��رض م��ن ال �ت��رج �م��ة األدب� �ي ��ة هو التنوع الثقافي والتبادل الثقافي ،نجد أن الترجمة تحاول بشكل كبير المحافظة على السمات األصلية وال �م �ف��ردات والقيم الثقافية األجنبية ،م��ع إضافة مالحظات هامشية تمكن القارئ من فهم النص بشكل أفضل .وف��ي ه��ذا النوع من الترجمة ،يتبين التميز بشكل جلي بين ثقافة المصدر وثقافة المستهدف، ويتسلط ال�ض��وء على االخ�ت�لاف��ات بين الثقافتين.
وإذا نظرنا إلى األدب العربي ،نجده فناً موجها نحو التواصل الشفهي بين الجماعات واألفراد ،ولذلك نجد أن ترجمته إلى اللغات الغربية تشكل تحديا كبيراً للمترجم ،في محاولة نقل التقاليد األدبية العربية أو األنماط والقوافي .ليس ذلك فحسب ،وإنما أيضاً ال ي �م �ك��ن ع���زل األدب ال �م �ت��رج��م ع ��ن ال�ث�ق��اف��ة تعايش اللغة العربية الفصحى واللغة العربية العامية جنباً إل��ى جنب في نفس المجتمع ،ما يفرض على المستهدفة واألدب المحلي للغة المستهدفة؛ ألن المترجم ضرورة التصرف والتالعب بالنص األصلي .األدب المترجم مثله مثل األدب المحلي ،يخضع وبالنسبة إل��ى ترجمة الشعر اإلنجليزي فقد تم لضغوط األوض��اع االجتماعية والسياسية للمجتمع إدخال القصيدة النثرية كنوع جديد من األدب ،مزاحماً المستهدف ،كما ذك��رت ال��دك �ت��ورة التركية «ري�ه��ان بذلك القصيدة التقليدية .لكن بعض المترجمين في إيريل» في بحثها المنشور عن الترجمة األدبية .وفي ترجماتهم للشعر الغربي ،تكلفوا وضعه في قوالب ذات الوقت يخبرنا األدب المترجم الكثير عن ثقافة شعرية عربية موزونة ..وأحياناً مقفاة ،والمثال على المصدر وأيديولوجيته وخصائص مجتمعه .والكثير ذلك بعض الترجمات المنتشرة لسوناتة “شكسبير” من المثقفين واألدب��اء يعتبرون ترجمة األدب عملية وال�ت��ي ج��اءت مقفاة وم��وزون��ة ،لتتناسب م��ع المزاج إعادة كتابة له ،أو عملية خلق نص موازٍ للنص األصلي؛ الشعري العربي. ألن جعل النصين المترجم والمصدر متطابقين ،هي إن معظم الترجمات األدب�ي��ة إل��ى اللغة العربية ،عملية شبه مستحيلة ..مهما كانت براعة المترجم وجدت في أساسها ألجل االرتقاء بالثقافة المستهدفة وأمانته واجتهاده.
م������������ل������������ف ال������������ع������������دد
فحين يحتوي األدب المترجم على معلومات وقيم ثقافية أجنبية ،فإن ذلك يساعد القراء على التثاقف والتأقلم مع اآلخر بطريقة غير مباشرة.
وت�ط��وي��ره��ا ،بينما ك��ان ال �ه��دف األوح ��د م��ن غالبية ترجمات النصوص العربية إلى اللغات األجنبية ،هو 1 .1الترجمة :بين اإلبداع الفكري والمفهوم األيديولوجي .أدهم تحسين صورة العرب في المجتمع الغربي ،وتعريفهم وهيب مطر (2008م). ب��األدب العربي ..والمالحظ هنا أن تلك الترجمات 2 .2الترجمة واأليدلوجية .سارة المهندي (2008م). قام بها مترجمون عرب. 3 .3م ��ا ي �ت��ع �ل��ق ب��األي��دي��ول��وج ��ي :دراس� � ��ات ف ��ي ال �ت��رج �م��ة -
المراجع
األيديولوجيات في دراسات الترجمة .ماريا كالزادا بيريز (2003م). 4 .4مداخالت األيديولوجية في الترجمة :إستراتيجيات ترجمة المصادر الثقافية .شيه شونج لنج (2010م). 5 .5مقاربة تحليل الخطاب النقدي لترجمات المحرمات في النصوص األدب �ي��ة داخ��ل السياق التاريخي واالجتماعي والسياسي التركي .ريهان فوندا اسبوجا-إيريل (2007م). 6 .6ه��ل الترجمة إع ��ادة كتابة ن��ص أص��ل ��ي؟ توموكو إنابا (2009م).
اجلوبة -خريف 1432هـ 29
الترجمة احلاسوبية ..عون املترجم أم نهايته!
ال
> خلف سرحان القرشي -السعودية
تمهيد: يرى كثيرون أن الحاسب اآللي مجرد معين لإلنسان ،ولن يحل محله بالكامل ف��ي أي مهنة ،السيما تلك التي تتطلب إع��م��اال للعقل .وأن��ص��ار ه��ذا ال��رأي يستشهدون بعجز الحاسب عن الفوز في لعبة الشطرنج على بطل العالم الروسي (كاسباروف) عدة سنوات متتالية. ول �ك��ن ،وب�ع��د أن تمكّن ال�ح��اس��ب م��ن هزيمة (ك ��اس� �ب ��اروف) ،ف��ي م�ش�ه��د ت��رق�ب��ه وت��اب �ع��ه عبر النت مئات الماليين ف��ي مختلف أن�ح��اء العالم ع��ام 1997م ،تراجع بعضهم عن رأي��ه ..وب��دؤوا يذكرون أنفسهم وغيرهم بأن كثيرا من المنجزات البشرية كانت حلما بعيد المنال ،بل ضربا من الخيال ..كالسيارة ،والطائرة ،والقطار ،والهواتف، والمذياع ،والتلفاز. وع� ��اد ال� �س ��ؤال م� �ج ��ددا ل�م�ه�ن��دس��ي ال�ل�غ��ات تحديدا ..وغيرهم عموما :هل بوسع الحاسب ترجمة نص من لغة إلى أخرى بمساعدة اإلنسان أم بدونها ،وهل هناك قواسم مشتركة؛ (ذهنية) على األق��ل -بين لعبة الشطرنج وبين عمليةالترجمة؟ وهل يشكل الحاسب حاليا ومستقبال عونا للمترجم ال�ب�ش��ري ..أم تهديدا ل��ه وقطعا لرزقه؟
لماذا الترجمة؟ ب��دأت حاجة اإلن �س��ان إل��ى الترجمة منذ أن احتاج إلى التواصل مع غيره من البشر من غير بني لغته ،وك��ان��ت الترجمة وم��ا ت��زال م��ن أنجح وسائل التالقح الحضاري بين األم��م والشعوب، ألن�ه��ا ال�ن��اق��ل للفكر والثقافة والمعرفة والعلم واألدب من لغة إلى أخرى.
30
اجلوبة -خريف 1432هـ
وما قامت حضارة في العالم قديما أو حديثا، إال وأخذت واقتبست من الحضارات األخ��رى... وظلت الترجمة واحدة من أهم الطرق إلى ذلك، وما كان الخليفة العباسي المأمون ليعطي المترجم وزن ما ترجمه ذهبا ..إال لقناعته بأهمية الترجمة ودورها الكبير في مسلسل الحضارة اإلسالمية.
ما المقصود بالترجمة الحاسوبية؟ نعني بالترجمة اآللية أو اإللكترونية ،كل عملية ترجمة نص من لغة طبيعية إلى أخرى باستخدام اآللة – الحاسوب – غالبا ،بشكل كلي أو جزئي في عملية الترجمة ،لذا بوسعنا أن نطلق عليها مصطلح (الترجمة الحاسوبية) أيضا.
الحاجة إلى الترجمة الحاسوبية مع ازدياد الكم المعرفي والمعلوماتي ،الصادر من شتى بقاع األرض وكذلك السماء المتثل في الفضائيات ،الذي يزداد يوما بعد آخر -السيما ف��ي عصر تفجر المعلومات وث��ورة االت�ص��االت، متمثال ف��ي العولمة وتداعياتها وأدوات �ه��ا ،مثل اإلنترنت وال�ق�ن��وات الفضائية ،التي جعلت من عالمنا الواسع األرج��اء قرية صغيرة تنوء بحمل م��ا فيها م��ن م �ع��ارف وأف��ك��ار ،م��ع ازدي� ��اد ذل��ك الكم ،ازدادت الحاجة إلى الترجمة والمترجمين
ول �ت �ت �ض��ح ال � �ص� ��ورة أك��ث��ر، فالحاجة حاليا ماسة للترجمة م ��ن اإلن �ج �ل �ي��زي��ة وإل� �ي� �ه ��ا ،في ظل االنتشار السرطاني لهذه اللغة ..وهيمنتها المتزايدة يوما بعد يوم .فآخر اإلحصاءات تشير إلى أن المتحدثين بها كلغة أولى يصل إلى ()380 مليون نسمة ،وثلثي هذا العدد يتحدثون بها كلغة ثانية ،ويتوقع علماء اللغة أنه بحلول عام 2050م، ف��إن نصف س�ك��ان ال�م�ع�م��ورة على األق ��ل سوف يتعاملون مع هذه اللغة بشكل أو بآخر .وهناك غ�ي��ر اإلن�ج�ل�ي��زي��ة -لغة (ال �م��ان��دري��ن) الصينيةالتي تفوق اإلنجليزية في عدد متحدثيها ،حيث يتجاوز عددهم أل ( )835مليون شخص ،ويتوقع لها مزيدا من الذيوع واالنتشار ،السيما مع ظهور ماليين المواقع الصينية على الشبكة العنكبوتية، وازدهار االقتصاد الصيني بعد أن انطلق المارد الصيني من قمقمه كما يقال.
م������������ل������������ف ال������������ع������������دد
المتخصصين في شتى مجاالت ال�ع�ل��م وال�م�ع��رف��ة ،وزاد ال�ع��بء الملقى على عاتق المترجمين، وص� � َّع ��ب ع �ل �ي �ه��م م�لاح �ق��ة ما تلفظه دور ال�م�ط��اب��ع وال�ن�ش��ر وم��راك��ز األب �ح��اث ،وم��ا يصدر ع��ن م�خ�ت�ل��ف ال �م��ؤس �س��ات من نتاج مقروء ومسموع ومُشَ اهَ ٍد يستحق ال�ت��رج�م��ة ،ل��درج��ة أن اليابان وجدت نفسها مضطرة لترجمة ( )1700ك�ت��اب علمي في العام الواحد ،ودول االتحاد األوروبي تنفق سنويا نحو %40 م��ن ميزانياتها على الترجمة. ويتوقع خبراء في االقتصاد أن ص�ن��اع��ة ال�ت��رج�م��ة س��وف تنمو وتصل إلى المليار دوالر بحلول عام 2015م.
وم ��ن ه �ن��ا ،ظ �ه��رت وت�ن��ام��ت ال�ح��اج��ة إل��ى االس�ت�ع��ان��ة ب��اآلل��ة ممثلة في عملية الترجمة ،لعلها تخفف من العبء ،وتوفر الوقت وال �ج �ه��د وال� �م ��ال ،وب���دأ الحلم ي��راود اإلنسان ..وإن شئت فقل القلق( -فـما يكون طعاما لزيد، ق��د ي �ك��ون س � ّم��ا ل �ع �م��رو) -في أن ي�ح��ل ال�ح��اس��ب اآلل ��ي محل ال�م�ت��رج��م ال �ب �ش��ري ف��ي عملية ال�ت��رج�م��ة ألي ن���ص ..وم ��ن أي لغة وإليها .وعزّز من هذا األمر التطور المذهل فيما وصلت إليه التكنولوجيا الحاسوبية ،مسخرة بذلك تقنيات الذكاء الصناعي.
أنماط الترجمة الحاسوبية ه � �ن� ��اك ع� � ��دة أن� � �م � ��اط م��ن الترجمة الحاسوبية أبرزها: •الترجمة لمجرد أخ��ذ فكرة عامة عن المادة المطلوب ترجمتها ،وهنا تكون دق��ة الترجمة وأسلوبها وصحتها في المضمون واللغة أم��ورا غير مهمة، وه��ذا النوع من الترجمة يصلح لترجمة محتوى بعض م��واق��ع اإلن�ت��رن��ت ،وكذلك رسائل البريد اإللكتروني والمحادثات الفورية عبر الشبكة (الشات) .وفي هذا الصدد نجد أن الترجمة اآللية حققت قفزة هائلة في ه��ذا المجال ،وم��ا كثرة مستخدمي خدمة الترجمة اآللية التي يقدمها الموقع العالمي الشهير (جوجل )Googleإال شاهد على ذلك. •الترجمة الدقيقة لمحتوى النص المراد نقله للغة أخ��رى ،حيث تكون التفاصيل
اجلوبة -خريف 1432هـ 31
ع� �ل ��ى ق � ��در ك �ب �ي��ر م��ن األه�م�ي��ة ..مثل ترجمة ن��ص ع�ل�م��ي أو ت�ق��ري��ر طبي أو قطعة أدبية.. وهذا النوع من الترجمة، م��ا ي ��زال تحقيقه عبر الحاسوب– حتى اآلن – أم� ��را ب �ع �ي��د ال �م �ن��ال على األقل.
محطات تاريخية ب��دأت بواكير التنفيذ لفكرة الترجمة اآللية مع مطلع القرن السابع عشر ،إذ ظهرت معاجم لغوية آلية بدأها (كيف بيك) عام 1657م ،وكذلك (انستاسيوس كيرشر) عام 1663م وغيرهما، وخففت هذه المعاجم من العمل اليدوي بعض الشيء في عملية الترجمة. أم��ا ف��ي ع��ام 1933م ،فقد اب�ت�ك��ر (ب�ي�ت��ر س�م�ي��رن��وف) أول جهاز للترجمة اإللكترونية ،وفي عام 1941م تمكن (تروبانسكي) من تشغيل آلة لطباعة الكلمات وترجمتها من لغة إل��ى أخ��رى، ول���م ي �ك��ن ح �ظ �ه��ا م ��ن ال �ن �ج��اح كبيرا ،وظهرت بعد ذلك أجهزة ال�ح��اس��ب اآلل ��ي اب �ت��داء بجهاز (مارك) .واستمرت الجهود نحو تحقيق ال�ه��دف ،مع ظهور تلك األجهزة التي كانت تعد فتحا مبينا آنذاك.
االل��ت��ف��ات إل� ��ى م��وض��ع (أم� ��ر) استخدام الحاسب في الترجمة، وتم وضع برنامج طموح لذلك. أما في عام 1952م ،فقد عقد أول م��ؤت�م��ر ت�م��ت ف�ي��ه ت�ج��ارب عملية للترجمة اآلل �ي��ة ،وذل��ك ف ��ي م �ع �ه��د (م��اس��ات �ش��وس �ت��س) ل �ل �ت �ك �ن��ول��وج �ي��ا ف� ��ي ال� ��والي� ��ات المتحدة األمريكية ،وف��ي عام 1954م ت � � ّم أول ع� ��رض حي لجهاز ترجمة آلية ف��ي جامعة (جورج تاون) بالواليات المتحدة األمريكية ،حيث ت ّم ترجمة ()49 جملة من اللغة الروسية إلى اللغة اإلنجليزية .وتبنت عدة جامعات أم��ري �ك �ي��ة م �ش��روع��ات مختلفة لتحقيق هذا الهدف ،استمرت إل ��ى م�ن�ت�ص��ف ال�س�ت�ي�ن�ي��ات من دون نتائج مشجعة .كما ظهرت ف��ي ال��والي��ات المتحدة نفسها وان �ج �ل �ت��را وف��رن��س��ا وأل �م��ان �ي��ا وت �ش �ي �ك��وس �ل��وف��اك �ي��ا وغ �ي��ره��ا مجموعات بحثية كثيرة ،قامت ع �ل��ى ت �ط��وي��ر ن �ظ��م ل�ل�ت��رج�م��ة اإلل�ك�ت��رون�ي��ة ،وك ��ان ه��دف تلك المجموعات في الغالب تزويد محللي ال�م�خ��اب��رات بمعلومات علمية وتكنولوجية ع��ن ال��دول المنافسة.
وف� ��ي ال � �غ� ��رب ،ت ��رك ��زت كل ال�ج�ه��ود تقريبا على الترجمة من الروسية إل��ى اإلنجليزية إب��ان فترة الحرب وفي عام 1949م ،اقترح (وارين ويفر) -الذي الباردة ،وتحقق للجهات المخابراتية آنذاك جزءٌ ك��ان يشغل منصب ن��ائ��ب ال��رئ�ي��س ف��ي مؤسسة مما تريده في ه��ذا الصدد ،إذ أنها في الغالب (روكلفر) لألبحاث بالواليات المتحدة األمريكية -كانت تبحث بسرعة عن أفكار عامة للموضوعات
32
اجلوبة -خريف 1432هـ
توقفت بعد ه��ذا التقرير معظم المشاريع، و ُقلِّصت المصروفات على بعضها ،وإلى حد كبير في الواليات المتحدة .أما في اإلتحاد السوفيتي ودول أوروبا الشرقية فقد تواصل بعضها ،ولكن ببطء شديد ..ودونما نتائج مشجعة. ورغ ��م إي �ق��اف ال�ح�ك��وم��ة األم��ري�ك�ي��ة لدعمها لمشروعات الترجمة ،إال أن القطاع الخاص أخذ على عاتقه المهمة مجددا ،وقامت عدة شركات ببذل جهود ملحوظة في هذا الجانب ،ومع ظهور الجيل الخامس م��ن أج�ه��زة الحاسب اآلل��ي في الثمانينيات ،وم��ع ازدي ��اد االح�ت�ي��اج��ات العلمية والتقنية والمكتبية والتجارية ف��ي المجتمعات الحديثة ،ع��اد الحلم ي��راود مهندسي اللغويات، وم�ص�م�م��ي ال �ن �ظ��م ،وق�ب�ل�ه��م أص �ح��اب وم��دي��ري المؤسسات المختلفة ،وما يزال العمل جاريا حتى اليوم ..وفي ظني أنه سيتواصل بطرائق وتقنيات وآليات مختلفة. ف ��ي م �ن �ت �ص��ف ال �ت �س �ع �ي �ن �ي��ات ،ظ� �ه ��رت ألول م��رة ب��رام��ج للترجمة اإللكترونية ف��ي األس��واق، أعقبها بفترة وجيزة ظهور مواقع على الشبكة العالمية (اإلنترنت) ،تقدم خدمة الترجمة اآللية لمستخدميها .وقد حقق بعض تلك النظم درجة وتوصل إلى ترجمة تصل نسبة َّ عالية من النجاح، الدقة فيها إلى ما يزيد عن ،%90وهذه النسبة
م������������ل������������ف ال������������ع������������دد
المترجمة ،دون أن تهمها دقة الترجمة في كثير من األحوال .ولكن تقريرا صدر عام 1966م ،عن لجنة مكونة من عدة جهات ذات عالقة بأبحاث الترجمة اآللية ،كاد أن يحبط الحلم ،ويقوض من أرك��ان كل تلك المشاريع ..إذ جاء فيه« :بالرغم من أن عملية الترجمة اآللية تمثل تحديا لقدرات اإلنسان ،من شأنه أن يحفزه على العمل لتحقيق �رض�ي��ة ف��ي المستقبل ه��ذه األغ���راض ب�ص��ورة ُم� ِ القريب ،غير أن النتائج المتحققة تعد فرصا ضئيلة إال في مجاالت ضيقة جدا».
تختلف باختالف طبيعة ال�م��وض��وع المترجم.. ولغتي المصدر والهدف .ويبقى عجز الحاسب عن تحديد موضع النسبة المشكوك في دقتها عائقا كبيرا؛ ألن ذل��ك يقتضي م��ن المترجم البشري مراجعة دقيقة لكامل النص ،ليتعرف على مواضع القصور ويعالجها ،وهذا يستغرق وقتا وجهدا.. ي��رى بعض المترجمين أن��ه يكاد ي�ق��ارب الوقت والجهد المبذول في الترجمة التقليدية لذلك الموضوع.
اآللية التي تقوم عليها الترجمة الحاسوبية تتمثل اآللية التي تقوم عليها الترجمة اآللية في وج��ود قاموس أو أكثر ،تكون مخزنة داخل النظام ..يرجع إليها عندما يُعطى أم� ٌر بترجمة أي نص ،وإلى جانب القواميس المخزنة ..هناك عدد من القواعد اللغوية مع قواعد بيانات بأكثر المعاني شيوعا ،وكذلك بالمعاني االصطالحية.. وغير ذلك .وتقوم تلك النظم عادة بتقسيم الجمل إل��ى أج��زاء لتحديد المعنى ال�م��راد ،وبعض هذه النظم يستفيد من خاصيات الذكاء االصطناعي المحاكية للطرائق التي يتعامل بها العقل البشري مع األمور ،ومنها بناء النظم بطريقة تجعلها قادرة على التعلم ال��ذات��ي من النصوص المدخلة لها، ومن التعديالت التي تُجرى على الترجمة من قبل المترجم البشري ..لإلفادة منها في الترجمات القادمة ،وهو ما يعرف بذاكرات الترجمة اآللية.
الصعوبات التي تواجه الترجمة الحاسوبية معظم الصعوبات التي واجهت القائمين على مثل هذه المشروعات ،وحالت بينهم وبين تحقيق الحلم ..هي من جنس تلك الصعوبات التي تواجه المترجم البشري، وه��ي صعوبات نابعة من طبيعة اللغة نفسها .فاللغة خاصية إنسانية يصعب وض��ع ق��واع��ده��ا ،وتراكيبها، واش�ت�ق��اق��ات�ه��ا ،وأس��ال�ي�ب�ه��ا ،وم �ف��ردات �ه��ا ،وم��ا ب�ه��ا من استعارات ومجازات واصطالحات ،في قواعد وقوالب منطقية رياضية ..ليتسنى معالجتها آليا .ثم إن اللغات
اجلوبة -خريف 1432هـ 33
متباينة فيما بينها ،فالصفة تتبع الموصوف في العربية، وتسبقه في اإلنجليزية ..وف��ي العربية تذكير وتأنيث يختلفان في التعامل معهما في اإلنجليزية وغيرها ،وفي العربية (مثنى) إضافة إلى المفرد والجمع ،بينما تفتقده اإلنجليزية وغيرها؛ كما أن اللغة العربية تعتمد على التشكيل (الفتح والكسر والضم والتسكين) إضافة إلى (التنوين) ..بخالف كثير من اللغات ،وق��س على ذلك كثيراً .والمفردة الواحدة تعني عدة معان حسب النص والسياق ال��ذي وردت فيه .واإلحاطة بكل هذه األمور ليس باألمر المستطاع حتى على اآلل��ة نفسها .ث ّم إن عجزنا كبشر عن الفهم التام للكيفية التي يتصرف بها عقله مع اإلنسان في تعامله مع اللغة إنتاجا واستيعابا وترجمة ،هو السبب الرئيس في إعاقة كثير من الجهود المبذولة من أجل التوصل إلى الترجمة اآللية الدقيقة، م��ا ح��دا ب��أح��د ال�خ�ب��راء ف��ي ه��ذا المجال للقول( :إن الصخرة التي تحطمت عليها سفينة الترجمة اآللية ليست فنون الترجمة، ولكنها تتمثل في عجزنا عن فهم ما ينتجه العقل البشري بصفة عامة، وق� �ص ��ور م �ع��رف �ت �ن��ا ب �ط��ري �ق��ة عمله وقدراته اللغوية بصفة خاصة ،وهذا هو السبب الرئيس الذي يدعو لليأس في قدراتنا على مجابهة التحديات التي تفرضها عملية الترجمة اآللية الكاملة).
خصوصية اللغة العربية إن م��ا تطرقنا إل �ي��ه س��اب�ق��ا من صعوبات ينطبق على جميع اللغات دون اس�ت�ث�ن��اء ،ول�ك��ن اللغة العربية تواجهها إضافة إل��ى ذل��ك صعوبات خ��اص��ة ف��ي ه��ذا ال �ج��ان��ب ،ل�ع��ل من أب� ��رزه� ��ا :ك� ��ون ال �ن �ظ��م واألج� �ه ��زة والبرمجيات صممت في دول أجنبية، وتقوم بخدمة لغات تلك الدول ابتداء، وكان حظ اللغة العربية منها القليل،
34
اجلوبة -خريف 1432هـ
ولعل مرد ذلك هو وضع العالم العربي حاليا من الناحية السياسية واالقتصادية والتكنولوجية ..مقارنة بغيره من أقطار العالم .ليس هذا فحسب ،بل إن هناك جوانب في اللغة العربية تختلف بها عن غيرها من كثير من اللغات، كاعتمادها على (التشكيل) للتفريق بين معاني الكلمات، ما يجعلها تحتاج إلى معالجة آلية من نوع خاص ،وإلى بحوث ودراسات ونظم تختلف في بنيتها وهيكلها شكال ومضمونا ،عن تلك المتوافرة في المتاجر الحاسوبية.. وفي مواقع النت المعنية بالترجمة. والحق يقال ،إن هناك جهودا ملحوظة تقوم بها مؤسسات وش��رك��ات حكومية وتجارية وأف ��راد وهبوا أنفسهم لخدمة دينهم ولغتهم ،وبعض هذه الجهود أتت أكلها ومكّنت من التعامل اآللي مع اللغة العربية ،وعلى ضوئها ظهرت برامج قوية للقرآن الكريم وتفاسيره، وكتب منشورة إلكترونيا للحديث الشريف وما يتصل به من متون ،وكذلك للفقه وغيره من العلوم ،كما ظهرت عدة معاجم وق��وام�ي��س أح��ادي��ة وثنائية اللغة، وأصبحت تحت تصرف الراغبين في مطالعتها بمجرد ضغطة زر. وع�ل��ى صعيد الترجمة اآللية م��ن العربية وإل�ي�ه��ا ،ه�ن��اك جهود ج� �ب ��ارة ب��ذل��ت وم� ��ا ت� ��زال ت �ب��ذل، وب�خ��اص��ة م��ع ب ��زوغ فجر الشبكة العالمية (اإلنترنت) ،وولوج الدول ال�ع��رب�ي��ة ع��ال�م�ه��ا ل�لاس �ت �ف��ادة من خدماتها المتعددة ،وال ت��زال هذه النظم خاضعة لمزيد من التحسين وال�ت�ط��وي��ر والتنقيح وال�م��راج�ع��ة، بغية ال��وص��ول بها إل��ى مستويات ع��ال�ي��ة ت�ت�ن��اس��ب م��ع م�ك��ان��ة اللغة العربية وأهميتها للعالمين العربي واإلسالمي ،بوصفها حاملة لكتاب ال �ل��ه ع��ز وج� ��ل ،ودي��ن��ه ال��خَ ��ا ِت��م، ورسالته الهادية للبشرية جمعاء.
م������������ل������������ف ال������������ع������������دد
النتائج المتحققة رغ��م ك��ل ال�ع��وائ��ق ال�ت��ي تقف ف��ي ط��ري��ق الترجمة ال�ح��اس��وب�ي��ة ،إال أن ال�ب�ح��وث وال ��دراس ��ات ف��ي مجال الهندسة اللغوية قد حققت بعض النتائج المشجعة.. وإن لم تصل إلى تحقيق الحلم تماما ،ولعل من أبرز ما أسهم به الحاسوب من خدمات في مضمار الترجمة يمكن إيجازه في اآلتي: -1مكَن الحاسب المترجم البشري من التعامل مع النصوص بواسطة برامج معالجات الكلمات ،التي كثير من عقبات الترجمة اآللية المباشرة ،وتعطي تتيح ل��ه تحرير ال�ن��ص وتنسيقه والتعديل عليه، للمترجم في النهاية ترجمة مقبولة في وقت يسير. واإلضافة والحذف بيسر وسهولة لم تكن متاحة له لو اضطر إلى تحريره كتابة بيده ،أو باآللة الطابعة خاتمة ال�ت�ق�ل�ي��دي��ة .ث��م إن ال�ح��اس�ب��ات الشخصية توفر إن ق�ي��ام الحاسب اآلل��ي بعملية الترجمة ،وكونه للمترجم نصوصا جاهزة ،يختار منها ما يرغب في ترجمته ،ومواقع النت مليئة بهذا ،وكذلك األقراص سيحل محل المترجم البشري ،كان وما يزال حلما يراود المدمجة ،وبذلك توفر للمترجم وقتا كان سيصرفه الكثيرين ،وقلقا ينتاب آخرين ،وال نتوقع تحققه قريبا على إدخال النص (المصدر) آليا. على األقل -مع أن هناك من يخالفنا هذا الرأي – ال -2مكَنت الحواسيب (ع �ت��ادا وب��رم�ج�ي��ات) المترجم سيما في ظل العتاد الحاسوبي والبرمجيات والنظم م��ن استخدام القواميس والمعاجم االلكترونية ،المتوافرة حاليا .ولكننا ..م��ع م��ن ي��رى أن الحاسب ما سهّل له عملية البحث عن معنى كلمة م��ا ،أو اآللي كان وما يزال وسيظل معينا ومساعدا للمترجم داللة مصطلح معين في قاموس أو عدة قواميس ،البشري ،وت��زداد الخدمات التي يقدمها له يوما بعد ولو بقيت هذه العملية تتم بالطريقة التقليدية؛ أي آخر ،وما ينجزه خمسة مترجمين قد ينجزه اثنان منهم بالبحث في القواميس الورقية ..الستغرقت وقتا بواسطة الحاسب اآلل��ي ،وه��ذا في حد ذات��ه إنجاز ال وجهدا بإمكان المترجم توظيفه في الترجمة التي يستهان به ،وما ال يدرك كله ال يترك جله. بين يديه.
المراجع
-3أت ��اح ال�ح��اس��ب ف��رص��ة للمترجم ليستخدم بعض النظم في ترجمة بعض النصوص البسيطة ،التي دي��داوي – دار المعارف للطباعة والنشر – سوسة -تونس ال تحتوي على كثير من المصطلحات أو التشبيهات 1992م. واالستعارات واألساليب البالغية ،ونجحت الترجمة .2كتاب (العرب وعصر المعلومات) تأليف الدكتور نبيل علي بنسب مقبولة .وظهرت بعض نظم البرمجة التي – سلسلة عالم المعرفة .المجلس الوطني للثقافة والفنون تمكن المترجم من الترجمة باستخدام الحاسب، ٍ واآلداب .الكويت 1994م. وتتطلب منه التدخل أثناء القيام بعملية الترجمة، وذلك بطرح بعض األسئلة المتعلقة بالنص المراد .3مجموعة دراسات (الترجمة – قضايا ومشكالت وحلول) إعداد مجموعة خبراء الهندسة االجتماعية بمكتب التربية العربي ترجمته ..وبمجرد عملية (تحرير) طفيفة يتحقق لدول الخليج 1985م. للمترجم م��راده ،وه��ذه الطريقة يفضلها كثير من اللغويين والمترجمين ،ألنها تساعد اآللة في تخطي .4مجلة الحرس الوطني العدد ( 236فبراير) 2002م. .1كتاب (علم الترجمة بين النظرية والتطبيق) تأليف محمد
اجلوبة -خريف 1432هـ 35
ترجمة كتب األطفال وأهميتها في التواصل احلضاري > مرسي طاهر -األمني املسئول مبكتبة دار اجلوف للعلوم
ال
الترجمة لفظ ًا تعني نقل الكالم من لغة إلى أخرى ،فإذا كان اتجاه النقل ذا اتجاهين ..فهو نقل من اللغة وإليها ،أما فيما يتعلق باللغة العربية فالنقل إليها تعريب ،والنقل منها تعجيم .والترجمة اصطالح ًا هي إيصال فكرة ،أو تبليغها ،أو تحويل التبليغ إلى لغة أخرى ،وإعطائه شك ًال مكتوباً ،أو مسموعاً، أو وضع صيغة مطابقة للصيغة في لغة النقل. وت�ع��ددت المصطلحات في إنتاجنا الفكري وتعريفاتها بين النقل والترجمة والتعريب..الخ، من المصطلحات التي يمكن الخروج منها بتعريف واضح وشامل للترجمة بأنها «فعل ثقافي لغوي حضاري ورابط بين الحضارات».
2 .2ال��ت��واص��ل م ��ع اآلخ� ��ري� ��ن ..وال � ��ذي من أساسياته حصولهم على ك ٍّم من المعلومات واألفكار ،تتناسب مع خصائص المراحل ال �ع �م��ري��ة ل �ه��م ،وت �ح �ق��ق ال��ت��واص��ل مع العالم الخارجي ،والتحاور مع الثقافات المختلفة ،بل والتعامل معها.
1 .1فتح أبواب الحوار مع اآلخرين من خالل التعرف على ثقافتهم.
•ص �ن��اع��ة ال �ك �ت��ب ال�م�ت��رج�م��ة (إن�ت��اج�ه��ا ونشرها).
وال�ت��رج�م��ة تعني ال �ح��وار وال �ت��واص��ل وفهم ويمكن صياغة ما تمثله الترجمة لألطفال األخر ،كما تُعد من أهم وسائل االنتقال الفكري والمعرفي بين مختلف شعوب العالم على مر في ثالث كلمات :حوار ..فهم ..تواصل. العصور ،كما تمثل الوسيلة األساسية للتعريف وف ��ي س�ب�ي��ل ت�ح�ق�ي��ق ذل� ��ك ..ك��ان��ت ترجمة ال حاسماً ب��ال�ع�ل��وم والتكنولوجيا ون�ق�ل�ه��ا ،وع��ن طريقها الوسائط المكتوبة وأهمها الكتب عام ً نتمكن من مواكبة الحركة الثقافية والفكرية في في بناء وتكوين شخصية الطفل العربي؛ ومن هنا ،كانت تحديات ترجمة كتب األطفال ،ودورها العالم. ال�م�ن�ش��ود ف��ي دع��م عملية ال �ت��واص��ل الثقافي أهمية الترجمة لألطفال والحضاري .ولعل أبرز التحديات واإلشكاليات أصبحت الترجمة لألطفال قضية ذات أهمية التي تحدد مستوى اإلف��ادة من حركة الترجمة فائقة ،لما تمثله من ضمانة ألبسط حقوق الطفل لألطفال تتمثل في: في التواصل الحضاري ..مع عالم يتسم بثورة •إشكالية المضمون :بمعنى ماذا نترجم هائلة في وسائل االتصال والمعلومات تصل إلى ألطفالنا؟ حد االنفجار ،وبات فيه قرية صغيرة. •إشكالية األسلوب :بمعنى كيف نترجم فالترجمة تساعد األطفال على: ألطفالنا؟
36
اجلوبة -خريف 1432هـ
م������������ل������������ف ال������������ع������������دد
إذا م��ا ت��م التعامل م��ع هذه المحاور الثالثة؛ المضمون.. األس� �ل ��وب ..ال �ص �ن��اع��ة ..وف��ق إس�ت��رات�ي�ج�ي��ة ش��ام�ل��ة وواع �ي��ة، ف� �س ��وف ي �ت �ح �ق��ق ال� �ه ��دف من ال� �ت ��رج� �م ��ة ..وه� ��و ال��ت��واص��ل الثقافي والحضاري لألطفال. وال �س �ط��ور ال�ت��ال�ي��ة تتعرض بشيء من اإليجاز لهذه المحاور، لعلها تضع إطار عمل ،أو خارطة طريق ،لما يجب أن تكون عليه كتب األطفال المترجمة.
المحور األول :المضمون: ماذا نترجم ألطفالنا؟ يتعلق ه��ذا المحور بعملية االخ�ت�ي��ار واالق�ت�ن��اء ،وم��ا يجب علينا عند اختيار المضامين
التي تالئم الطفل من حيث الفكرة المطروحة ،والقيم المتضمنة، وال�م��رح�ل��ة السنية ال�ت��ي نترجم لها ،واألع��راف والتقاليد والقيم المجتمعية. كما قد تؤثر ترجمة كتب األطفال سلباً أو إيجاباً على أطفالنا طبقا لنوعية ال�م�ض�م��ون ال�م�ت��رج��م ،ما يستلزم معها الوعي عند االنتقاء واالخ�ت�ي��ار ،فمثال سلسلة «ه��اري بوتر» الشهيرة للكاتبة البريطانية رولنج ،والتي تحكي حكاية الصبي الساحر ه��اري بوتر منذ طفولته حتى بلوغه السابعة عشرة ،وأفعاله السحرية وسعيه للقضاء على لورد ف��ول��دم��ورت «س�ي��د ال �ظ�لام» ،هذه السلسلة ترجمت إلى معظم اللغات
اجلوبة -خريف 1432هـ 37
العالمية ومنها العربية ..وحققت ن�ج��اح��ات ه��ائ�ل��ة م�ن��ذ ص��دوره��ا، فقد بي َع منها عشرة ماليين نسخة عشية صدورها ،إال أنها ال تتناسب مع ثقافة الطفل العربي وعقليته.. وكذلك ترجمة بعض الشخصيات ال�خ�ي��ال�ي��ة م �ث��ل س��وب��رم��ان،وب��ات مان،الرجل األخضر ،تُعلم الطفل عدم االكتراث بالقانون ،وتُضعف إحساسه بالنظام ،وبالتالي فهي من حيث المضمون غير مناسبة له.
وي��دخ��ل ف��ي ه��ذا ترجمة روائ��ع أدب األطفال العالمي (كما حدث في مشروع غوتنبرغ) ،وترجمة كتب ال�خ�ي��ال العلمي المكتوبة بأسلوب مفيد ومشوق للطفل، وال�ت�ج��ارب اإلنسانية المثمرة. وك��ذل��ك فالترجمة ف��ي مجاالت العلوم مفيدة؛ ألن العلم ليس له جنسية .كما ينبغي التركيز على الترجمات التي ال تتحيز لثقافة معينة ،والبعد عن األحداث التي قد ترسخ مفاهيم العنصرية.
وع� �ل ��ى ال� �ط���رف األخ�� ��ر م��ن ال�ت��واص��ل ال �ح �ض��اري ..نجد أن من أكثر الكتب التي استمد منها الطفل األجنبي ثقافته عن العالم العربي «رحالت أيسوبــ» ..والتي تظهر العرب على أنهم مخادعون وهمج.
وخالصة القول :إن صياغة م�ض�م��ون ال�ت��رج�م��ات وف��ق ه��ذه االعتبارات يساعد الطفل كثيراً على التواصل الحضاري.
ومن ثم يجب التنبه إلى المخاطر التي تنجم عن الترجمات الخاطئة في مضمونها لمعايير المجتمع العربي ،وط��رق تفكيره وقيمه،أو تلك التي يحدث منها غزو فكري وثقافي سلبي ،أو حتى الترجمات التي ال تقدم مضمونا هادفاَ، وت�ص�ي��ب ال�ط�ف��ل ب��ال��رك��ود ،وت�س�ل��ب م�ن��ه دواف��ع اإلبداع والتواصل.
المحور الثاني :األسلوب: كيف نترجم ألطفالنا؟ هناك ف��ارق بين ترجمة كتب األطفال وبين ت��رج�م��ة ال�ك�ت��ب ل�لأط �ف��ال ،ف��اإلش�ك��ال�ي��ة تتعلق ب��األس �ل��وب وال �م �ف��ردات ال�ل�غ��وي��ة المستخدمة، والتي تتطلب شخصاً تتوافر فيه الدراية التامة بخصائص مرحلة الطفولة النفسية واالجتماعية واالنفعالية والمعرفية.
وهنا نتساءل :هل يجب أن يكون الشخص الذي يتصدى لعملية ترجمة كتب األط�ف��ال متمرساً وينبغي االتفاق في هذا الصدد على االختيار في أصول الترجمة ..وليس كاتبا لألطفال؟ أم مجد للترجمة ،كتقديم واالنتقاء ،وتقديم كل ما هو ٍ هو كاتب أطفال يتقن اللغة المترجم عنها دون تراث المجتمعات األخرى للطفل العربي ،من أجل التمرس في أصول الترجمة؟ زي��ادة ثقافته ووعيه بعلوم اآلخرين ومعارفهم، وفي كلتا الحالتين لن يتم تقديم ترجمة جيدة
38
اجلوبة -خريف 1432هـ
م������������ل������������ف ال������������ع������������دد
للطفل ،وهذه إشكالية يتطلب ح�ل�ه��ا وج���ود م�ت��رج��م ي�م��ارس ال �ك �ت��اب��ة ل�لأط �ف��ال ،أو ك��ات��ب لألطفال متمرس في الترجمة، فغالبا م��ا نجد االختصاصي ال �م �ت �م �ك��ن ،وال ن �ج��د ال�ل�غ��وي المتمرس ،ف�لا ب��د أن تجتمع في الشخص اللغة والتخصص أيضاً ..لكي يتيح شيئاً جديداً بأسلوب سلس ،وكلمات واضحة وم��ف��ه��وم��ة ،ف �ن �ج��د م �ث�ل�ا أن األطفال قد أحبوا شخصيات غ��رب�ي��ة وم�ت��رج�م��ة ل�ي��س فقط لمحتواها ومضمونها ..وإنما لعدة عوامل منها: أوالً :البساطة :فالشخصيات بسيطة لدرجة السهل الممتنع. ثانياً :مخاطبة العقل :احترام عقلية الطفل ،وتحديد ال � �م� ��رح � �ل� ��ة ال��س��ن��ي��ة وخصائصها. ثالثاً :صناعة ال�ف�ك��رة :نجد ع� �ن ��ده ��م ب� ��راع� ��ة ف��ي صناعة األفكار ،فعندما ن� �ش ��اه ��د م� � �ط � ��اردات ت��وم وج�ي��ري ،أو ميكي وب �ط��وط ،نجد العديد من األفكار المبتكرة.
اجلوبة -خريف 1432هـ 39
المحور الثالث: الصناعة :إنتاج الكتب المترجمة ونشرها ب� �ع���د ع� �م� �ل� �ي ��ة االخ� �ت� �ي���ار
م� �ث���ل األص�� � � � ��وات واألش� � �ي � ��اء
الملموسة ،يجعل الكتاب لعبة
وكتاباً معاً ،وبالتالي يحدث أثراً
أكبر لدى الطفل.
واالنتقاء ،ثم أسلوب لغوي يالئم
وم �م��ا س �ب��ق ,ي�ت�ض��ح ل�ن��ا أن
تأتي مرحلة الصناعة والمظهر
ح �ض��اري��ة وث �ق��اف �ي��ة ،ك �م��ا تعد
م���ن ح��ي��ث ت �ص �م �ي��م ال��غ�ل�اف
بين الشعوب وال�ح�ض��ارات ،ما
وص���والً إل��ى ن��اش��ر متخصص
-ك �ج��زء م��ن مهمتها الوطنية
نظرنا في الخارج لعرفنا سر
الشعوب األخ ��رى ،وال ش��ك أن
نشر تنشر كتاباً للطفل ،لديها
في مجال األطفال -يمثل صراع
الطفل وخصائصه ،وف��ي هذا
المعاصر.
فكر الطفل العربي وثقافته..
الترجمة جزء مهم من منظومة
العام الذي سيخرج به الكتاب،
اح� ��د أه� ��م أدوات ال �ت��واص��ل
والرسوم الداخلية ،واإلخراج..
يلقي على عاتق ال��دول العربية
ف��ي إن �ت��اج كتب األط �ف��ال .ولو
وال� �ح� �ض ��اري ��ة -ال� �ت ��واص ��ل مع
ن�ج��اح�ه��م ،وي�ك�ف��ي أن ك��ل دار
إنتاج الكتب المترجمة-السيما
محرر خاص على دراي��ة بأدب
ال��وج��ود الحضاري ف��ي عالمنا
السياق ..وللوصول إل��ى منتج
جيد ،ينبغي التأكيد على:
ومع ذلك ،فاألرقام تدل على
وج��ود ف��ارق كبير بين ال �ع��رب وال �غ��رب ،بحيث
1 .1تحقيق التوازن بين النص والرسم واإلخراج ت�ش�ي��ر إح���دى ال �ت �ق��اري��ر ال� �ص ��ادرة ع��ن منظمة والطباعة. األم��م المتحدة أن إسرائيل مثال تقوم بترجمة كتاب سنوياً إل��ى اللغة العبرية،في ٍ 2 .2ض��رورة اإلن�ف��اق على إنتاج كتب األطفال)15.000( ، ف�لا ينبغي أن يبخل الناشر عليها ..فهو حين ال يزيد عدد الكتب التي تقوم الدول العربية يحتاج إلى فصل ألوان جيد ،وطباعة جيدة ،مجتمعة بترجمتها إل��ى اللغة العربية أكثر من ( )330كتاباً سنوياً ،ناهيك عن الفارق الشاسع ورسوم جيدة.
3 .3األخذ من األفكار العالمية ،وتطويعها لما يناسب الفكر والذوق العربي.
مع الدول الغربية التي أدركت أن الترجمة من لغة إلى أخرى ،تعني خلق نوع من المثاقفة بينهما،
من شأنه أن يسهم إسهاماً كبيراً في التقريب بين
4 .4االس�ت�ع��ان��ة بتقنيات الكمبيوتر وب��رام�ج��ه الشعوب واألم��م ،وهذا يؤدي ب��دوره إلى تواصل المتطورة؛ فإدخال بعض التقنيات الحديثة المجتمعات فيما بينها والسيما األطفال.
40
اجلوبة -خريف 1432هـ
ال
> حسن السبع -السعودية
ال يحتاج المترجمون إلى من يفتري عليهم ،أو يؤلف حولهم النوادر والنكات ،فهم الذين يصنعون نوادر المهنة .وهي عبارة عن أخطاء مضحكة ناتجة عن االلتباس ،وسوء الفهم لروح النص المترجم .وقد أصبحت نوادر بعض المترجمين مادة دسمة للكتابة ،وأكثر إضحاكا من نوادر ابن الجوزي عن الحمقى من النحاة والمعلمين .وغالبا ما يحدث االلتباس بسبب ضعف ثقافة المترجم وقلة اطالعه ،وعدم معرفته ببيئة النص الثقافية .إال أنه ال ينبغي اإللقاء بالالئمة دائما على المترجمين ،فقد يقع بعضهم-رغم كفاءتهم العالية -في حيص بيص ،عند ترجمتهم لبعض النصوص الزاخرة بالزخارف اللفظية، واألحاجي اإلنشائية التي يتعذر ترجمتها إلى لغة أخرى. ت��روي اإلعالمية خديجة ب��ن قنه طرفة من ط��رائ��ف ال�ت��رج�م��ة ف �ت �ق��ول :ك ��ان ال��دك �ت��ور عمر عبدالكافي يلقي محاضرة دينية في كندا باللغة العربية ،وبعد أن انتهى سأل جَ معا تحلَّق حوله من غير الناطقين بالعربية عن الترجمة ،وهل أوص �ل��تْ ك��لَّ م��ا ق��ال��ه صحيحا أم�ي�ن��ا م��ن دون تحريف؟ فرد أحدهم قائال« :ال لم تكن الترجمة أمينة يا شيخ ،فقد ضحك الناطقون بالعربية ثالث م��رات ،ونحن ضحكنا مرة واح��دة فقط». ويعكس هذا التعليق ،برغم ما اختزنه من دعابة، عجز المترجم عن ترجمة (المضحك) أحيانا. فالنكتة ،على افتراض أن ذلك المضحك نكتة، قد تفقد شيئا من بريقها أو روحها بالترجمة. وي��زداد األمر تعقيدا حين تلعب اللغة أو الشكل دور البطولة ،كما هي الحال في بعض النكات أو النصوص الشعرية. وربما أوقع المترجم غير المتمكن المؤسسة التي يعمل لها في مأزق .وبالفعل فقد أدت بعض مأساوية غير متوقعة .لقد ٍ الترجمات إلى نتائ َج ض��رب��تْ هيروشيما ون�ج��ازاك��ي بسبب الترجمة ُ
م������������ل������������ف ال������������ع������������دد
بعض مآزق الترجمة
الخاطئة .استجابت اليابان في الحرب العالمية الثانية إلنذار الحلفاء ،وأعلن رئيس وزرائها خالل مؤتمر صحفي أن بالده «موكو ستاتسو» أي تأخذ بعين االعتبار إن��ذار الحلفاء .لكن المترجمين الذين فصلوا الكلمة عن سياقها ،قلبوا المعنى رأس��ا على عقب ،ففهم العالم منهم أن اليابان ال تقيم أي اعتبار إلنذار الحلفاء .وتعطلت بعد ذلك لغة الكالم ،وخاطب الحلفاء خصمهم العنيد بقنبلتين ما يزال اليابانيون يعانون آثارهما حتى يومنا هذا. ال بد من اإلشارة في هذا السياق إلى أهمية ثقافة المترجم ،وتمكنه من اللغتين ،وقدرته على قراءة روح النص وما وراء الكلمات ،وكذلك الجو، والبيئة الثقافية ،والظرف السياسي ،واالجتماعي، واالق�ت�ص��ادي ،والفترة الزمنية التي كتب فيها، وال�م��ؤث��رات التي أحاطت بالنص ومؤلفه .ذلك أن اخ�ت�لاف معاني ال�م�ف��ردات ودالالت �ه��ا النابع من اختالف المرجعية التاريخية ،أو الثقافية للمفردة هو ما يمأزق المترجم أحيانا .خذ على سبيل المثال كلمة (وطن) أو (قومية) ..تجد أنه
اجلوبة -خريف 1432هـ 41
وبالرغم م��ن ات�ف��اق المعاجم على معنى هاتين المفردتين ،فإن ما تثيرانه لدى المثقف الغربي من ردة فعل مغايرة لردة فعل المثقف في جهات أخرى من العالم ,وتعود هذه الحساسية المفرطة إزاء هاتين المفردتين إلى النتائج المدمرة التي أدت إليها العواطف الوطنية والقومية المتأججة، فقد كان نمو تلك النزعات في أوربا أحد األسباب التي أشعلت أكبر حربين عرفهما تاريخ العالم الحديث. وم ��ع أن ت��رج�م��ة ال �ن��ص األدب� ��ي ب�ش�ك��ل ع��ام تشكل تحديا كبيرا حتى للمترجم المتمرس في مجال الترجمة ،إال أن ترجمة الشعر ،والموزون منه بشكل خ��اص ،تشكل تحديا أكبر .فترجمة الموزون والمقفى تفقد النص ج��زءا من جماله المتمثل ف��ي اإلي �ق��اع .لذلك ف��إن النص النثري أق��ل عطباً ،بعد الترجمة ،من النص ال�م��وزون. ول��و ق��ارن��تَ بين نصين أحدهما م��وزون واآلخ��ر منثور بعد ترجمتهما إلى لغة أخرى ،لوجدتَ أن النص المنثور ال يفقد بفعل الترجمة من جماله إال الشيء اليسير. وفي محاضرة للدكتور أنتوني كالدربانك في نادي المنطقة الشرقية األدبي ،تحدث فيها عن صعوبة ترجمة األعمال اإلبداعية شعرا ونثرا، استشهد بالبيت ال�ق��ائ��ل« :وأم �ط��رتْ ل��ؤل��ؤاً من وعضتْ على العنّاب بالبرد»! َّ نرجس وسَ قَتْ ورداً ٍ فبالرغم من جمال هذا البيت ،إال أنه يفقد كل تلك الهالة الجمالية لو تُرج َم إلى لغة أخرى .ولو ترجم إلى اللغة اإلنجليزية ،على سبيل المثال، فسوف يبدو للقارئ اإلنجليزي بال معنى .فأية ترجمة لهذا البيت ،وأي��ا كانت براعة المترجم، سوف تجرده من ذلك اإليقاع الناجم عن تجاور المفردات ،وما تولده من صور جميلة ،وستخلع عنه ذلك الرداء اللغوي المخملي الباذخ ،وستبدو
42
اجلوبة -خريف 1432هـ
ال �ص��ور ب��اه�ت��ة .ك�ي��ف يمكن ن�ق��ل ذل��ك الجمال المتمثل في الوزن ،وفي تجاور المفردات ،وجرس المفردة ،واالنسجام بين الصور ،إلى لغة أخرى دون المساس بشيء من ذلك كله؟ إن استقبال القارئ الغربي لهذا البيت بعد الترجمة سيكون استقباال فاترا .كما أن التأثير ال��ذي يتركه في نفس القارئ العربي ..ال يشبه ذلك التأثير بعد ترجمته إلى لغة أخرى. ف��ي ان�ط��ول��وج�ي��ا األدب ال �س �ع��ودي ال�ح��دي��ث المعنون (خلف الكثبان) ،أو وراء الكثبان ..تُرجم لي نصان شعريان أحدهما موزون واآلخر نثري. كان عنوان النص النثري (قمر) ،وهو عبارة عن مقطع م��ن قصيدة عنوانها (فالمنكو المحطة األخيرة) .وقد ترجمت كلمة (قمر) إلى اإلنجليزية ..moonمع أن النص ال يتحدث عن (القمر) بل عن (قمر) الشاعرة األندلسية .وهي شاعرة عاشت في أشبيلية في القرن الثالث الهجري، وق��د كانت تشكل مزيجا م��ن الجمال والظرف واألدب ورق��ة العبارة .ورغ��م ه��ذا االلتباس في الترجمة ،إال أن النص لم يفقد كثيرا من جماله لكونه نصاً نثريا ،بخالف نظيره النص الموزون الذي جنت الترجمة عليه جناية نكراء. تعترف إديث هاملتون ،وهي مترجمة أمريكية، ب�ص�ع��وب��ة ع �م��ل ال �م �ت��رج��م ،ل��ذل��ك ت �ص��ف ن��اق��ل األعمال اإلبداعية بأنه “مترجم يحاول أن ينقل جماالً يأبى النقل ..مع ذلك ,ما لم نحاول بحق, سوف يختفي من الوجود أدب فريد ال يُضاهى، اللهم إال داخ��ل مكتبات حفنة من محبي الكتب الشغوفين بالمعرفة” .ومعنى قولها هذا أن “ما ال يدرك جلّه ،ال يترك أقلّه”. وح� � ��ده ال �م��وس �ي �ق��ي وال � ��رس � ��ام وال��م��ص��ور الفوتوغرافي الذي ال يحتاج إلى وسيط لغوي/
م������������ل������������ف ال������������ع������������دد
إديث هاملتون (1867م1963-م)
مترجم بينه وبين المتلقي من ثقافة أخ� ��رى ل�ت��رج�م��ة ع�م�ل��ه اإلب ��داع ��ي، لذلك تحافظ تلك األعمال الفنية على وهجها أو روحها أينما عرضت. فنحن لسنا بحاجة إلى تعلم اليابانية، مثال ،كي نستمتع بالنظر إلى لوحة أو منحوتة أو نستمع إلى مقطوعة موسيقية يابانية. ي �ت �ح��دث األدي� � ��ب األرج �ن �ت �ي �ن��ي آرنستو ساباتو عن عالقته بالترجمة والمترجمين فيقول :عالقتي بهذه ال �م �س��أل��ة ل �ي �س��ت م��ري �ح��ة .أت��ذك��ر ترجمة لرواية سانت اكزوبري (أرض البشر) ،كانت سيئة بدءاً من العنوان (أرض ال��رج��ال) .ويشترط ساباتو لنجاح ترجمة األعمال األدبية توافر المعرفة العميقة باللغتين ،وأن يكون المترجم بالغ التواضع ..فال يحاول تحسين النص األص �ل��ي ،ك�ع��ازف البيانو الجيد الذي يجب أال يجعل من شومان أشد رومانسية مما كان. يتهم المترجمون بالخيانة ،وهي خيانة ال يمكن قبولها عندما يكون النص عقد إيجار ،أو صك
آرنستو ساباتو
تمليك ،أو اتفاقية سالم بين بلدين متحاربين .لكن الترجمة بتصرف خيانة جميلة ال مناص من اقترافها في مدارات المجاز ،وفضاء اإلبداع. فالمترجم ،وال �ح��ال ه ��ذه ،يمارس “الخيانة م��ن أج��ل الصيانة” ..أي أنه يخون اللفظ ليصون المعنى. وبعد :يقال إن كل أمّة تتكلم كما تفكر ،وتفكر كما تتكلم .كما أن كل ثقافة تخزن في لغتها تجاربها ،بما فيها من عناصر الصواب أو الخطأ، ك �م��ا ت �خ��زن ال �ت �ص��ور ال��خ��اص بها للعالم ،ولو اتفقت المعاجم اللغوية جميعا على تفسير مفردة ما ،فإن الدالالت والمعاني التي توحيها تلك المفردة ،ال يمكن أن تكون متطابقة تمام التطابق في كل الثقافات ،فكل م�ف��ردة م��ن م �ف��ردات اللغة محاطة بسلسلة من المرجعيات التاريخية ،خاصة بالجماعة الناطقة بتلك اللغة .وع�ل��ى المترجم ،وال �ح��ال ه��ذه ،أن يقرأ بعض فصول التاريخ ،لكي يصل إل��ى روح بعض النصوص اإلبداعية قبل أن ينقلها إلى لغة أخرى.
اجلوبة -خريف 1432هـ 43
قلق الهوية
قراءة فى ديوان الشاعر ياسر أنور
«آخر أخبار ليلى العامرية» > د .خالد فهمي*
()1 «أنا واحد غيري» إن واح ��دا مما يميز ت��اري��خ الشعرية
العربية كامن فى العراقة ،بكل ما يسكن ه��ذه ال �م �ف��ردة م��ن االم��ت��داد ف��ى أع�م��اق الزمن؛ ولذلك فليس غريبا أن يولد على
ج�غ��راف�ي��ة اللحظة ال �ت��ى نعيشها دي��وان
موصول بآباء الشعراء العظام.
ه��ذا الشعور بعراقة اإلرث الشعرى
ال�ع��رب��ى ي�ن�س��رب ف��ى ش��راي�ي��ن القصيدة
عند ياسر أنور ..ظاهر لديه ظهورا جليا، وهو بعض أسلحته فى مواجهة هواجس
عاصفة يثيرها قلق الهوية.
وه��و الشعور ال��ذى طفى على لسانه
حين قال:
44
اجلوبة -خريف 1432هـ
ال وردة ستجئ فى شفتي وال طفل سيغرس فى دمي وجع النخيل أن����ا واح�����د غ���ي���ري ت��ج��م��د داخ���ل���ي مطر اشتهائي للجنون وللصهيل. وليس يصح االستسالم لهذا االعتراف،
أو الخضوع لما يظهر على صفحة سطحه؛ ألن��ه اع �ت��راف م� ��راوغ م��ن جهتين :جهة
الرفض لصورة التعامل المعاصر معه، وهي صورة تخدش نبله القديم ،وكبرياءه الذي ال يمكن نسيانه ،وال التفريط فيه؛ وجهة الغرور اإليجابي الذي يسكن قلب
كثير من التعابير الشعرية ..في عدد من لدرجة ينفلت فيها صوت ٍ قصائد الديوان،
الشعر عن عمد ..ليقرر ذلك التعالي الذي يحيط شخصية الشاعر ،حين يقول:
وتحدى الجميع باأللغاز ......... قال لي منذ أن أتيت قديما أنت يا أيها الفتى إنجازي إن الشاعر هنا واحد غيره ،بمنطق التاريخ
المجيد الذى يستشعر أنه موصول به ،ولكن فقده
وسط ركام التراجعات ،والهزائم المعاصرة.
وه��و أوح��د غ�ي��ره ،بحكم م��ا وص��ل إليه من
ميراث أج��داد عظام كتبوا ألمته مجدا تليدا، فرط فيه أهله المعاصرون.
وه��و أوح��د غيره بحكم ال�ب��راءة التى كانت،
ث��م طمرتها غ�ب��رة االن �ك �س��ارات ،والتفريطات المتوالية ،لقد كان ..ثم آل إلى ما يجلب حزنا
مقيما؛ ألن لسان حاله يقرر: معي ابتسامة طفل
وتمتد هذه البراءة المفقودة فى رحلة البحث عنها لتطال مستويات مختلفة ومتنوعة ،حتى أن الشاعر يتحسسها ،ويشتمها فى مالبسه وبقايا ذكرياته: ليس لي مثلكم مالبس أخرى
دراس��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ات ونقـ ـ ــد
وطني قد أجاز غير المجاز
فمن الذى يحتاج مَ نْ يا طفلتي؟
بدوي وأرتدي جلبابي وعقالي القديم لفته أمى هكذا.. فى طفولتى وشبابي ويبحث عنها فى األشياء من حوله: في مثل :دمية ربما هى المنتهى ...... فى يدي طفلة وق��د آزر ص��ورة الطفل ال�ت��ي تخايل وج��وه بعض القصائد صورة العذراء ،وهي تنضم مع عدد من المفردات ،لتدعم مالمح البراءة التي
أي معي وطن
كانت تسكن روح الشاعر ،ثم فارقته مؤقتا ،وهو
من سطور قصائده ،مثل:
الصباح
هي ال تنام اآلن أيقظها الفتى
الحجرة العذراء داعبها اختمار القلب
وه��ذه ال�ب��راءة الملقاة تحت عجالت الزمن مهموم بالبحث عنها ،في وجوه كثيرة من مثل: الراهن ،هي بعض ما يفسر مداعبة الطفل لعدد ال��ج��رة ال��ع��ذراء تصحو م��ع أذان الفجر تبتكر
واستل طفل الوقت من بين المقاعد وف��ى مثل ه��ذا ال �ت��ردد ال��ذي يعكس سكون
الوعي الباطن بأحالم البراءة المسئولة ،على
ما يظهر فى قوله:
وتلعثم الكلمات مدفأتي ومروحتي أب ..طفل
حتى يصل إلى البوح بأمنية صريحة عندما يقول: طفلتي كلما بكت أخذت ما فى يدي ...... ليت أننى كنت طفال ألج��ل ذل ��ك ،ف��إن ك��آب��ة ن��ات��ج ال�م�ف��ارق��ة بين
ويعذرنى الخجل
ب��راءة المجد ال��ذى ك��ان ،وشحوب م��رآة زمانه
......
اآلن ..دعته إلى أن يقرر فى مفتتح قراءة هذا
اجلوبة -خريف 1432هـ 45
الديوان: أنا واحد غيري
()2 مالمح القلق من المعجم إلى الفكرة الكشف عن أبعاد الهيمنة ف��ى دي� ��وان ي��اس��ر أن���ور (آخ���ر أخ �ب��ار ليلى العامرية) هيمنة ظاهرة لصوت المرأة ،ولصورة األنثى بدرجة أكثر من معبرة. وأرج��و أن نتفق منذ البداية أن المرأة فى شعر ياسر هنا ،ليست إال مجازا بامتياز. وال�م��رأة كذلك فى أشعار الشعراء؛ تتبدى
ت �ك��اد تخلو ق�ص�ي��دة م��ن م �ف��ردة م��ن م�ف��ردات��ه واشتقاقاته:
ال تبحثي عن فارس األمس النبيل. ما عاد يقلقه تورط وردة فى أن تكون رسالة الحلم النحيل ما عاد يقلقه انتظارك للندى قلق أنا من رنة فى الصبح أو من رنة فى ساعة متأخرة ......... قلق أنا من رنة تأتي بال قلب
جميلة ومشرقة حين تتبدى ،وه��ى تشير إلى قالت تقارير المباحث ش��يءٍ آخ��ر ،وال �م��رأة فى أشعار الشعراء حين لم تمت ليلى
تقض مضاجع التواقين للراحة ،وتبعث بأرصدة اطمئن (قرينة وجود القلق فعال) الهموم إل��ى قلوبهم ،وت��ؤج��ج ن�ي��ران الفكر فى وعندها زاد القلق
عقولهم ،وتفجر أحالم الحالمين ..ال يمكن أن يمر بين القرى فى عينه قلق ما عاد يسمع أصوات الخالخيل تكون إال مجازاً بامتياز. قلق جدار البيت فإذا اتفقنا ،ونحن متفقون إن شاء الله ،كان يرهق ناظره ذلك بدء الولوج إلى عالم ياسر أنور فى رحلة قلق عنوانها الزاهي :قلق الهوية. يحدق فى الوراء لكى يرى فى ديوان الشاعر صورة رجل يرى نبل هويته هى ال تنام اآلن (من ناتج القلق والتوتر) الراسخة منذ زمان طويل بعيد ..وقد نال منه فر من السرير ري��ب ال��زم��ان القائم ،ففجر براكين القلق في النوم ،والقلق ارتمى فوق الوسائد جوانحه ،فأصابت منه ما يوشك أن يهزه هزا عنيفا ،يفقده وجوده.
وليس يصح ألحد أن يقرر أن ذلك التواتر
كاف لإلعالن عما يسكن قلب لكلمة القلق ،ليس ٍ
ولعل ما يصدق ذلك ،ويرجحه هذا التواتر الديوان من رهق التوتر والقلق على تلك الهوية،
ال �ب��ادي كثيفا لمعجم ال�ق�ل��ق ،حتى غ��دا هذا التي توشك أن تذوب أو تضيع إلى األبد؛ ذلك المعجم واح ��دا م��ن مفاتيح ال��دي��وان؛ حتى ال أن حقال كامال يدعم من قريب ومن بعيد ..هذه
46
اجلوبة -خريف 1432هـ
دراس��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ات ونقـ ـ ــد
الكلمة المحور ،حيث تدور في مداراتها ألفاظ الرومانسية المحزنة ،وال�م�ع��ذب��ة ،والمؤلمة،
والباكية ،وال�م�ت��رددة ،والمتلفتة يأكلها القلق،
والسهر ،والضنى ،والهواجس!
من أجل عينيك القوافي تسهر ووسادتي قلق الجنين المقمر الصبح في حلقي يعد هواجسه ...... والليل مصلوب النجوم! السماء ملبدة الكالم تتكاثف أحرفه فى الزحام أن���ا ال أري����د زم��ان��ي ال��ع��ص��ب��ي أس��ت��ج��دي زم��ان فراشة طارت شريدة
فيها الزمان يسطر يا بنت مصر لك الحضارة طرزت
وليس يصح من جديد أن يتغافل أح��د عن فستانها ه��ذه الهوية /األم��ة وه��ي تتزيا ..وتتخلق فى والمتأمل فى جوانب الديوان ال يسعه إال أن صورة امرأة حازت شروط الجمال ،واستجمعت يخضع خضوع االستسالم لصورة المرأة ،وهي في قسمات وجهها كل مالمح الحسن األصيل، تتبدى مجازا كلها ،وتشرق مجازا كلها ،وتتخايل وج �م��ع ل�ه��ا محبوها ع�ل��ى ام �ت��داد ال��زم��ان كل كبدر التمام ،تحيط اإلنسان فى الديوان ،وتشكل ع�لام��ات ال��زي �ن��ة ،ول��م ال؟! أل�ي�س��ت ه��ي التي وجدانه وعقله ،وبناءه كله ،حتى تغدو هي وعيه، دوما: وهويته ،وصميم كينونته. عاشت مدللة المالبس كالبنات إن الذين يشغبون على هذا الذى يتبدى من وخدها ما بين والدة ووالد ول�ي��س ه��ذا ال �ت��أوي��ل م��ن ق�ه��ر ال� ��دالالت أو
اع�ت�س��اف�ه��ا ف��ى ال���دي���وان ،وه ��ا ه��و ذا ينطق ك��ال �ص��وف��ي ،طفحت الحقيقة م��ن قلبه على
لسانه:
يا وجه معجزة تطل على المدى كمسلة
وراء التعابير التي تحيط باألنثى فى الديوان.. مطالبون بأن يجيبوا عن السؤال الذي يقول :أيّ امرأة تلك التي يقول فيها الشاعر: ووالدتي من تخبز الوقت عادة حكايات حب فوق صنم من الخشب ويقول أيضا:
اجلوبة -خريف 1432هـ 47
م����ا ال������ذي أع���ج���ل���ه ع����ن دم��ي��ة وال��خ��ط��ا ك��ان��ت ك��غ��ي��م مبطئه خلف أنثى أشعلت فيه المدى وأط�����اح�����ت ب����ال����ذي ق����د ه��ي��أه ك����ان وج���ه���ا م���وغ�ل�ا ف���ى عشبه وس�����ح�����اب م�����ن ض����ي����اء وض�����أه ح��س��ن��ه��ا ك����ان ي������وارى ض��اح��ك��ا م�����ا أع�����دت�����ه ف����خ����اخ ال��س��ي��ئ��ه
ومدعومة بفكرة تتبدى شفيفة من خلف قناع المرأة الجميلة ،الماجدة ،الكريمة ،المقاومة!
ومما يزيد من ج�لال الرؤية الطامحة نحو
اس�ت�ع��ادة ال�ه��وي��ة ..كاملة م��ن ب��راث��ن خلق قاتل
فاتك يتهدد مستقبلها ،بسبب من وهن اللحظة الراهنة ،لجوء الشاعر إلى التكافل (أو ما يسمى
بالتناص) ،مع شاعر البحث عن الهوية العربية األكبر ،أبى الطيب المتنبي.
كان الراحل العظيم مصطفى ناصف يملي
فإن ظل باب االرتياب يصطفق أحيانا جيئة
علينا أن في شعر أبي الطيب صورة رجل نبيل
فى أمر المرأة في الديوان ،عليه أن يقف طويال
تاريخ مجيد ،تصارع الزمان ،لكن الزمان يوشك
األنثى ،حين يقول الشاعر:
القديم ،ويقاوم عن طريقه السقوط.
وذهابا ،انفتاحا وانغالقا ،فإن القارئ المرتاب
في ماضيه ..مهين في حاضره ،يتمسك بأهداب
أمام هذه اللوحة ،التي تكشف الستر عن رمزية
أن يغلبه وي�ص��رع��ه ،لكنه يتمسك ببعض نبله
أق��س��م��ت ي��ا رب���ي وي���ا رب الفلق أقسمت يا ليلى بمن حق ًا خلق أنت الحقيقة والشريعة والنسق
وأنت واجد فى دي��وان ياسر إع��ادة استحياء
لصورة هذا النبل الذى ما غاب ،والذي ما فتئ
يبكي غربة األي��ام وسيول األح��زان ،وهو يسكن
أن��ت ال��ك�لام إذا تلخبط واتسق روح أبى الطيب بعض قصائده عندما يقول:
وإذا كان هذا الذي غلب على لسان الشاعر، وهتك ما استكن في ضميره الشعري هكذا.. كان أمرا سائغا أن يقرر:
ي���ا س��اق��ي أن��ب��ل ف���ي كئوسكما أم في كئوسكما شتى مواويلي واالت �ك��اء على ب�يْ��ن المتنبي ،المكتنز ب��آالم
لكن ليلى لن تخون قالدتي
الغربة فى أرفع ميادين الفرحة ..مشعر بحجم
عهدي بها يوما وثق
لمجد كان ..ثم ٍ الهوية ،وهواجس مخاتلة الزمان
ليلى التي ما زلت انتظر القوافل فى المدى فلعل هودجها يجئ مع الشفق
بسبب من قلق ٍ التمزق الذى يصيب نفس الشاعر
تبددت معالمه اآلن.
ال �ش��اع��ران ك�لاه�م��ا ي��رث�ي��ان ام���رأة يخاتلها
الواقع الخائن ،يريد أن يسرق منها ما ال يعوض،
هذه الروح المهيمنة على الديوان ،مدعومة وهي تقاوم بما تملك من بقايا المجد القديم،
بمعجم ،منسربة ف��ي أبنية القصائد جميعا ،واألصل العريق ،والمروءة التى تقاوم بقيتها غدر
48
اجلوبة -خريف 1432هـ
مثل (الحجاز /ومصر /والنيل ...إلخ). وعندما يغلف الديوان فيزياء من ألوان تدعم أجواء التوتر والقلق ،وعبس الرؤية الذي ينتجه انتشار الغمام ،والغيم ،وتواتر األحالم ،وهجوم بسبب من التشكيل ٍ المساءات ،وارتفاع الجدران
دراس��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ات ونقـ ـ ــد
استدعاء أماكن تمأل حنايا الديوان بالجالل من
صنع من كلمة (ج��دار) ..جدارا الطباعي الذي ُ حاجزا مائال يوشك مع اإلصرار أن ينهار ،وربما بسبب من السحابة الحبلى التي توشك أن تسفر ٍ عن صحو بعد أن تضع حملها! وعندما تنتشر حروف المد واللين ..صانعة الزمان ،وتزاحم اللئام. فى ديوان ياسر أنور صورة امرأة ،تعرف هي.. ويعرف كل من رآه��ا وخبر أمرها – طهارتها، وزكى جسدها ،يغالبها الخداع مريدا إسقاطها
نوعا من بطء الحركة التي تغل حركة الحزين، القلق المسكون بالهواجس. وعندما يبدو الشاعر م��اه��راً في استعمال تقنية التضاد والطباق ،خالقاً بها إيقاعا داعما للقلق ال ��ذى ي�غ�م��ره ،وي�س�ك��ن ن�ف�س��ه ،ويكسره
م��ن عليائها ،وه��ي ت��أب��ى عليه إال أن تسترد خطوه.. براءتها ،وطهارتها وعفتها وجمالها البدوي غير وع�ن��دم��ا ي ��زدان كثير م��ن القصائد ببالغة المصطنع! الوصل ،عن طريق العطف الذي يصنع المفارقة
()3
بقية من عناصر داعمة ومن وجهة أخرى ،فإن ثمة مالمح فنية فى جسم الديوان تؤكد هذا ال��ذي رمناه من خلف قراءتنا.
والمخالفة بطبيعة كينونته ،لتتأكد سطوة القلق على الهوية فى الديوان. لقد ب��دا الشاعر ،وق��د استولت عليه فكرة ال��ري��ادة التى فجرت قلق ال�ه��وي��ة ،وه��ي ال��روح التي ال تركن إلى التأصيل والتعميق ،وإنما تطير
إن عددا من الصور ،مع االعتراف بتراجعها مستعملة تقنية التحليق ،مهمومة بمس القضايا إحصائيا ..تؤكد ما تذهب إليه القراءة ،وال سيما جميعا ،شغوفة بالتقاط كل ما من شأنه أن يعجل عندما يقرر (أرضعتني صمودا) وعندما يلح في باستعادة الغائب المنتظر الذى ينبغى أن يئوب! * كلية اآلداب /جامعة المنوفية.
اجلوبة -خريف 1432هـ 49
وحب ٌّ نِزار قبَّاني ..شـعر ٌ حسـن* > َعالء ِّ الدين َ
تحصل على الشهادة َّ في أحد أحياء دمشق القديمة ُول��د ن��زار قبـاني عـام 1923م. الثانوية ،ثم التحق بكليّة الحقوق بالجامعة السـوريَّة ،وتخرَّ ج منها عام 1945م. تزوَّج مرَّ تين ..األولى من «زهـرة» السورية ،والثانيـة من «بلقيس ال��راوي» ،العراقية، التي قُ تلت في انفجار السفارة العراقيـة ببيروت عام 1982م ،وترك رحيلها أثر ًا نفسـي ًا عميق ًا عند نزار ،ورثاها بقصيدة شـهيرة تحمل اسمها..
الشـعر قصة معَ ِّ َّ ب ��دأ ن���زار ي�ك�ت��ب ال�ش�ع��ر وع �م��ره ست عشرة سنة ،وأصدر أوَّل دواوينه «قالت لي
�س دار نشر م��ا ه��و ال �ش �ع��ر .»...كما أسَّ � َ ألعماله في بيروت تحمل اسم« :منشورات نزار قباني».
السمراء» عام 1944م ،وكان طالباً في كليّة الشـعر ..الماهيَّ ة واأللق الخاصة. َّ الحقوق ،وطبعه على نفقته له ع��دد كبير من دواوي��ن الشعر تصل
عن ماهيَّة الشعر يقول نزار: «ل� �ي ��س ل �ل �ش �ع��ر ص � ��ورة ف��وت��وغ��راف �ي��ة
إلى خمسـة وثالثين ديواناً ،كتبها على مدى معروفة ،وليس له عمر معروف ،أو أصل.. ما يزيد على نصف قرن ،أه ّمهـا« :الرسم وال أح��د يعرف من أي��ن أت��ى ،وب��أي جواز
بالكلمات ،قصـائد .»...وله عـدد كبير من سفر يتنقل..؟ المعمّرون يقولون :إنَّه هبط الكتب النثرية أهمهـا« :قصتي مع الشعر ،من مغارة في رأس الجبـل واشترى خبزاً
50
اجلوبة -خريف 1432هـ
ول��و أردن ��ا ال�ح��دي��ث ع��ن األل ��ق ال�ش�ع��ري ،أو عن الومضة في شعره؛ الستطعنا القول :إنَّها متوافرة بكثرة الفتة في شعره بعامَّة ،وهذا ليس بمستغرب عند نزار قباني ،لعدَّ ة عوامل: 1ـ إنَّ الشعر اإلبداعي ،على وجه الخصوص ،ما هو إال انعكاس وارتداد لتلك االضطرابات أو االنفعاالت الصامتة من األحاسيس العاطفية المتولدة في ذات الشاعر ،نتيجة الصطدام
صدر ورقة بيضاء ،فلماذا أبحث عن فنادق أخرى»؟
3ـ صمَّم نزار منذ خطواته الشـعرية األولى على
أن يكون لشعره وظيفته المهمة ،وقد أنجز ما
صمم عليه عبر النوعية المتميزة ،والتأثير
دراس��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ات ونقـ ـ ــد
وقهوة وكتباً وجرائد من المدينة ..ثم اختفى.»..
ملك حقيقي ،وما دمت أستطيع أن أنام على
الكبير الذي تركه شعره في أذهان الناس..
سلطان الشـعر قد نختلف مع نزار في كثير من قصـائده ..وفي
تلك الذات مع المحيط اإلنساني الخارجي،
بعض الموضوعات واألشكال والصفات ،وهذا
التي ال تهدأ حتى تقوم بإعادة صياغة نفسها
بعد رحيل ن��زار بأنَّه سلطان الشعر المعاصر،
وقد أشـار الناقد محيي الدِّين صبحي إلى
ال تقل عن نصف ق��رن ،وق��د وص��ل إليه الشعر
ون� ��زار ق�ب��ان��ي واح ��د م��ن ال��ذي��ن يسكن في أمر طبيعي ،ونحن في عصر والدة القارئ ،كما وجدانهم ذل��ك النوع العالي من االنفعاالت يرى الناقد الفرنسي روالن بارت ،ولكن نعترف
على الورق بوساطة قلم مبدع.
مثل ذلك في كتابه النقـدي «الكون الشعري»: «إنَّ إي �ق��اع ال�ت�ع�ب�ي��ر ل ��دى ان �ف �ع��ال ال�ش��اع��ر بالجمال ،ال يخضع ل�ط��راز واح��د م��ن طرز
استطاع أن يحافظ على عرشه الشعري مدة
العربي طائعاً مختاراً ،وسلمه مفاتيحه ومقاليد الحكم ،واطمأن إلى قيادته الحكيمة ،وقد وجد
ضالته في هذا الشاعر...
االنفعال؛ بل تختـلف أنماط االنفعال والتعبير
وي� ��رى ب �ع��ض ال �ن �ق��اد أنَّ ال �م�لام��ح األول���ى
الفني ..وه��و إضافة إل��ى ذل��ك شاع ُر تذوق
يعبر عنها شعرياً ،تتطلب وضعها في سياقها
الكلمات ،وفتنة تشكيل الصور الجميلة في
مع الطروحات التي كانت تقدمها الرومانسية
2ـ إنَّ ن ��زار قبّـاني ط��اق��ة ش�ع��ري��ة ،ن��ذر نفسه
التخلُّص من لغة التفخيم والجزالة واالقتراب من
لديه اختالفاً بيناً ،يخضع لقاعدة التجويد
لشعرية نزار قباني واألفكار المتعلقة بها ،والتي
وتأمل وانفعال فني ،يُخضع مرئياته لسحر
التاريخي والفكري والجمالي؛ من حيث اتصالها
ذاتها».
في تلك المرحلة ،والتي كانت تسعى فيها إلى
وح�ي��ات��ه لقضية ال�ش�ع��ر ،وو َّف ��ى ب �ن��ذره تمام
لغة الحياة وكثافتها الحسية..
ال��وف��اء ،وق��د نهج ف��ي حيـاته نهجاً واح��داً،
وعلى الرغم من أنَّ نزاراً لم ينتمِ إلى أي جهة
«ما دام معي قلم وورقة وفكرة تشغلني ،فأنا
للوصول إلى الشهرة ،كما هي الحال لدى معظم
أخلص له إخالصـاً قلَّ نظيره ،يجسده قوله:
سياسية أو تنظيم ،ليكون متك ًأ أو مشجباً أو سلَّماً
اجلوبة -خريف 1432هـ 51
الشعراء ،فقد استطاع بجهوده وثقافته الواسعة
والماء يبدأ من دمشق ..فحيثما
أن يدير مملكة الشعر؛ بل عزَّز سلطان أسلوبه األخاذ ولغته الخاصة ،وظلَّ ينظر إلى الشـعراء عل؛ فكان صـوته ثورة عارمة في تاريخ الشعر من ٍ العربي المعاصر...
أس��ن��دت رأس���ك ،ج���دول ينساب، وحسـبنا روعة في التعبير عن هيامه للشَّ ـام قوله: فرشت فوق ثراك الطاهر الهدبا ُ فيا دمشـق! لماذا نبـدأ العتبـا؟
ضمير أمَّ ـة
حبيبتي أن��ت فاسـتلقي كأغنية
إنَّ نزاراً مثَّل ضمير األمة ،فغنَّى لدمشق كما لم يغنِّ شاعر من قبل؛ فهي في شعره أم الدنيا، ومدينة الطيب ،ومركز الفتوحات ،وأم البطوالت والتضحيات والجمال ،وهو جزء ال يتجزأ منها؛ فهي موطنه وأرض أجداده ،وفيها مالعب طفولته وصباه وشبابه:
على ذراعي وال تستوضحي السببا أنت النساء جميع ًا ما من امرأة أحببـت قبلك ،إال ِخلْتُ هـا كذبا ل��م يتوقف ن�ـ��زار لحظة ع��ن ال�ش�ـ��وق الكبير
إل��ى الشـام ..وإل��ى ليالي دمشـق ..وإل��ى سماء قاسـيون ..وإل��ى م��آذن األم�ـ��وي ..وإل��ى ياسمين
الدروب المتـرعة بعطر الحالـمين..
قمـر دم��ش��ق��ي يسـافر ف��ي دم��ي وب��ل�اب����ل وس���ـ���ن���اب���ل ..وق����ب����اب ال��ف��ـ��لّ يبـدأ م��ن دمشـق بياضه
يا شـام يا شامة الدُّ نيا ،ووردتها يا من بحسنك أوجعت اإلزميال وددت ل��و زرع��ون��ي ف��ي��ك مئذنة
وب��ع��ط��ره��ا ت��ت��ط��ي��ب األط��ي��ـ��اب
مدينة دمشق
52
اجلوبة -خريف 1432هـ
أو علقوني على األبواب قنديـال
دراس��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ات ونقـ ـ ــد
يا شام إن كنت أخفي ما أكابده
غداً ..غد ًا سيزهر الليمون
فأجمل الحبِّ حبٌّ بع ُد ما قيال وتفرح الســنابل الخضــراء والغصون لقد بقيت دمشق أبجديته ،وبقي ه��و ذلك
الطفل الذي حمل في حقيبته كل ما في حدائق دمشق ..من فل وياسمين مغموراً بعطر تربتها..
أمَّا أرض الكنانة مصر ،فكان يحبُّها أيضا
ل��درج��ة العشق« ،أن���ا وم��ص��ر ت��وأم��ان م��ن توائم العشق والشعر والحرية ،وكل محاولة للفصل بيني وبينها محاولة مستحيلة» ،هكذا كانت مصر منذ خلقها الله جسداً مزداناً بالورد والنار والياقوت والتوابل واألمطار االستوائية ..كما كان
رفيقاً لمدينة بيروت الفاتنة.
وتضـح ــك العـيـ ــون..
معجم متفرد استطاع نزار أن يكون معجماً شعرياً خاصاً ب��ه ،فقد ك��ان انتقائياً ف��ي استخدام مفرداته، واستطاع بعدد قليل من األلفاظ أن يصنع مجداً شعرياً ال يزول؛ بل استطاع أن يقف بقامتـه إلى جانب الشـعراء المشهورين في العـالم أمثـال «ج ��اك بريفـير» و«ن� �ي ��رودا» و«ل��وي��س أراغ���ون» و«لوركا» وسواهم؛ بل استطاع أن يبرهن أنَّ اللغة العربية من أكثر اللغات شـاعرية ،وأن العجز
ينس نزار القدس الجريحـة ،فغنى لها الذي نراه ونتلمسه في الشـاعر ال في اللغة ،وفي ولم َ غناء ممزوجاً بالحسرة على واقعها ،ولكنه كان معجمـه الشعري ألفاظ مألوفـة وكثيرة الدوران، ال بمسـتقبلها ،فهو ي��درك ويؤمـن بأنَّها متفائ ً
ستشفى من أوجاعها ،ولذلك طمأنها قائالً: يا قدس يا حبيبتي..
وفيه ألفاظ لم تسـتخدم من قبل...
تتميَّز قصـائد نزار ونثره بالدهشة والطفولة، وهو الذي حطَّ م صورة المرأة الجارية ..والوطن
اجلوبة -خريف 1432هـ 53
ال �ض �ع �ي��ف وال� �م� �ج� �ـ ��زأ .وك ��ان
يربح ثقـة ال�م��رأة التي يجلس م�ع�ه��ا ..ب�م��ا يحمل م��ن أف�ك��ار جديدة ،ومشاهدات وق��راءات متنـوعة..
سينقرض ،والكثير من األسماء
ال �م��رأة األول ��ى ال�ت��ي تعلَّق بها نزار كانت أمُّه ،ولم يخفف من هذا التعلق بها تقدمه في السن ،أثرت في إبداعه األدبي،
شـعره انقالبياً ،ولذلك يصح فيه قول جبرا إبراهيم جبرا: «الكثير من شعر ه��ذا العصر ال�لام �ع��ة ف�ي��ه س�ت�ن�س��ى ،ول�ك��نَّ اسماً واح�ـ��داً من السهل على ال�م��رء أن ي�ج��زم ببقائه :ن��زار قباني».
قضية كبرى ال� �م ��رأة ع �ن��د ن� ��زار وسيلة من وسائل التطوير والتحرير، يربط قضيتها بقضية التحرير االج �ت �م��اع��ي ل�ل��رج��ل وللحرية ع �ل��ى ال� �س ��واء .ك ��ان ي��ري��د من ال �م��رأة ال �خ��روج م��ن قوقعتها ل�ت�ك��ون ام ��رأة تعطي وت�م�ن��ح.. وت �ق��ف م��ع ال��رج��ل وال تستتر خ �ل �ف��ه؛ وي ��ري ��ده ��ا أن تكسر وتدمر عالم الجواري وتتوازن م��ع ال �ع �ص��ر ،وك� ��ان ي �ك��رر في مقابالته أ َّن��ه ح �وَّل المرأة في شعره إلى زهرة حديقة.
أخذ منها مخزونها الفلكلوري الحافل بفيض من ذكرياتها عن عمها أبي خليل القباني ،مبدع ال�م�س��رح ف��ي مصر وال �ش��ام.. الذي ابتكر صيغة فنية جديدة ل��م يسبقه إليها أح��د ،وبقيت صورة أمه في مخيلته بوجهها الطيب ..وابتسامتها الحانية.. ول�م�س�ت�ه��ا ال ��داف� �ئ ��ة ..م�ص��در إلهام له .وقد كتب عند وفاتها عام 1976م: «ب���م���وت أم���ي ي��س��ـ��ق��ط آخ��ر ق���م���ي���ص ص�������وف أغ����ط����ي ب��ه ج��س��دي ..آخ��ر قميص حنان، آخر مظلة مطر.»...
ال� �م ��رأة ك��ان��ت م ��رف� � ًأ من يصف نزار المرأة المثقفة مرافئ رس��ا فيها ن��زار قباني، ب��أ َّن �ه��ا ه��ي ال �ت��ي تستطيع أن ولم تكن أبداً كل تلك المرافئ.. تدخل في ح��وار شمولي لمدة وأم� ��ا ال� �م ��رأة ال �ت��ي تستهويه ساعات مع الرجـل... أك�ث��ر ..فتلك التي تكسر كل أل��واح ال��زج��اج في المرأة المثقفـة هي التي ال تتصرف كجارية .قلبه وتمضي ..كما كانت نظراته للمرأة مبعثرة أما الرجل المثقف برأيه ،فهو الذي يحاول أن في أكثر من ثالثة آالف قصيدة ..ولو كان شعره
54
اجلوبة -خريف 1432هـ
دراس��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ات ونقـ ـ ــد
ع��ائ��داً الم ��رأة واح� ��دة ...لكتب قصيدة واح��دة واستقال من مملكة الشعر.. لقد جعل من العالقة اإلنسانية بين الرجل والمرأة طقساً احتفائياً ،مختلفاً تماماً عن ذاك الكالم الماجن ال��ذي تفنن به بعض العابثين.. وجعل من الحبِّ قضية كبرى ،وذلك حين أزاح الستار عن حجم المعاناة التي يئن تحت وطأتها المجتمع ،إال أن بعضهم أخذوا عليه جرأته على كشف المستور... م����ـ����ن ت���ك���ون���ي���ن أي�������ا أغ��ن��ي��ـ��ـ��ـ��ة دف���ؤه���ا ف����وق اح���ت���م���ال ال���وت���ر؟ أن�����ت ي����ا وع�������د ًا ب��ص��ح��و م��ق��ب��ل ب��ع��ط��اي��ا ف�����وق وس��ـ��ـ��ـ��ع ال��ب��ي��در
التنـاص يشكِّل القرآن الكريم الرافد األول للتناص لدى نزار ،ومن أمثلة ذلك: تغلغل اليهود في ثيابنا
وم��ا ينبغي أن يشار إليه هو أنَّ ن��زاراً دافع ونحن راجعون عن المرأة بما ملك من براعة ..وانتقل من هذه ناموا على فراشنا المقدرة الهائلة إلى التعبير عن آالم األمَّة ،حتى ونحن راجعون خبز يومي ..شعره صار شعره السياسي بمثابة ٍ وكلُّ ما نملك أن نقوله: السياسي– بحسب األستاذ يوسف القرضاوي: إنَّا إلى الله لراجعون محل إعجاب كبير؛ ألنَّ واجب الشاعر أن يحافظ على إيقاد جذوة إحساس األمَّة ،ويستثير همَّتها في الدفاع عن ترابها.
وهنا تناص م��ع اآلي��ة الكريـمة{ :ا َّل��ذي��ن إذا أصابتهم مصيبة قالوا إنَّا لله وإنَّا إليه راجعون}. ويقول نزار في قصيدة هوامش: جلودنا ميتة اإلحساس أرواحنا تشكو من اإلفالس أيامنا تدور بين الزار والشطرنج والنعاس هل نحن خير أمَّ ة أُخرجت للناس؟! والعبارة األخيرة مقتبسة من قول الله سبحانه: {كنتم خير أم ٍَّة أ ُخرجت للنَّاس.}..
اجلوبة -خريف 1432هـ 55
التجـديد ول�ع��لَّ أه��م م��ا ج��اء ب��ه ن��زار ف��ي ق�ص��ائ��ده ..ه��و أ َّن��ه ترك خمساً وثالثين مجموعة على م��دى أربعة وخمسين عاما من الكتابة واللعب بالكلمات ..ونحن إذ نتفقد هذه األعمال نجد تجديداً في لغة الشعر وشكله ومضمونه؛ فقد استطاع نزار أن يبسـط اللغة لتكون وسـطاً بين الفصحى وشيء من العامية ..إنَّها لغة تقترب من لغة الحوار اليومي ،فكسر بذلك حدود الحـروف ،وعرف كيف يجعل من القصيدة ناراً ،أو قل: بركاناً يتقد كل حين.. وإذا كان الشاعر قد مات ،فإ َّن شعره أحدثثورة ،فقد كان شاعراً متجدداً ،وبحسب الراحل الكبير محمود درويش« :كان ن��زار قباني عابراً للمدارس واالتجاهات؛ كأنه خط يخترق تاريخ الشعر..كان ش��اع��راً م�ج��دداً ،أدخ��ل الشعر في نسيج ال شاعراً آخر يعيد الحياة االجتماعية وبسطه ،وسننتظر طوي ً الشعر إلى المكانة العامة التي وضعه فيها نزار قباني» .وإذا قلنا مع نزار :ليس هناك نظرية للشعر؛ قلنا أيضاً :لقد حمل نزار نظريته معه ...وبرحيله فقدت القصيدة أحـد أعمدتهـا.
أه ُّـم المَ راجـع -1نزار والمواقف العربية – محمود هنـدي – القاهرة – دار قبـاء 2000م. -2الشعر العـربي الحديث – ميشيل جحا – دار العودة – بيروت 1999م. –3تاريخ الشعر العربي – أحمد قبش – مؤسسة النوري بدمشق 1971م. –4التجربة الشـعريَّة – عبدالعزيز ش�ـ��رف – القاهرة 2000م. –5من أوراقي المجهولـة – نزار قبـاني – بيروت 2000م. –6الكون الشـعري عند نزار – محي الدين صبحي.. –7عـدد من الصحف والدوريات واللقـاءات... * كاتب من سوريا.
56
اجلوبة -خريف 1432هـ
للروائي طالب الرفاعي
دراس��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ات ونقـ ـ ــد
تقنيات سردية في رواية الثوب > أ .د .صبري مسلم*
ثمة أكثر من تقنية سردية في رواية الثوب للروائي الكويتي طالب الرفاعي؛ فهي في ظاهرها تحيل إلى أجواء السيرة الذاتية ..نظرا لتماهي شخصية المؤلف مع شخصية السارد في هذه الرواية ،وهو ليس السارد العليم بكل تفاصيل الحدث وخفايا الشخصيات ،وإنما هو نمط آخر من السارد ،يدعى السارد المشارك الذي ال يختلف عن بقية الشخصيات ..من حيث معرفته بما سيحصل من أح��داث الحقة؛ إضافة إل��ى اإلش��ارة ال��م��ب��اش��رة إل���ى ال��ف��ض��اء ال���روائ���ي بجناحيه ال��زم��ان��ي والمكاني ..وبشكل دقيق؛ وكأن قوام هذا العمل الروائي يوميات كتبها السارد ،وأخرجها على هيئة رواية .واليوميات تقنية روائية معروفة .بيد أن محاور أخرى تتداخل مع فن السيرة ،وهي تشير إلى أن رواية الثوب تسعى إلى أن ترود تقنيات روائية ليست على هامش الرواية ..وإنما هي من صميمها. ولعل المحور األوضح في رواية الثوب، هو تعدد األصوات المنبعثة من داخل النص الروائي ،والمنسوبة إلى شخصيات ..هي في معظمها شخصيات واقعية كشخصية السارد (المؤلف) ،وبعضها اآلخر ابتكرته مخيلة النص ،كشخصية عليان التي ظهرت وكأنها جزء من شخصية السارد المؤلف،
إذ ال تتناقض معها تماما .فهي إذاً ليست على غرار ثنائي دكتور جيكل وأدوارد هايد للكاتب اإلنجليزي روبرت لويس ستيفنسون، وإن أفادت من هذه التقنية ..ولكنها تبدو نسقا مختلفا ،إذ ظهرت شخصية عليان وكأنها إضافة طريفة لشخصية السارد، الس�ي�م��ا أن��ه رس�م�ه��ا ع�ب��ر ح��دث غرائبي
اجلوبة -خريف 1432هـ 57
ال �م��ؤل��ف رؤي ��ة واق �ع �ي��ة ل�ل�ح�ي��اة وال�م�ج�ت�م��ع في
ال�ك��وي��ت ،ورب �م��ا لمح ال�ج��ان��ب السياسي لمحا
خفيفا ،يرد على لسان خالد خليفة“ :ما علينا،
جامعة الكويت وقتها كانت تعيش واحدة من أهم
وأجمل فترات تطورها وانفتاحها ،قائمة الوسط الديمقراطي ممسكة ب��زم��ام االت �ح��اد الوطني
للطلبة :محاضرات وعالقات جميلة بين الطالب والطالبات وصداقات ورحالت شبابية وحفالت، المجتمع الكويتي بأسره في تلك الفترة كان يعيش واح��دة م��ن أجمل ف�ت��رات ازده� ��اره ..أعتقد أن
تغير مجتمعنا لم يكن نحو األفضل ،أهل الكويت يتحسرون على أيام السبعينيات..البعض سعيد
بالوضع القائم ،التيار الديني والتيار القبلي “ ص147
يخفف األج��واء الواقعية الواضحة في الرواية. يرد على لسان والدة السارد “ :ولكن حين رفعت
أرادت رواية الثوب أن تعكس حقيقة ال تخفى
على أحد -وهي تنطبق على الشعوب كافة -
رأسي أنظر إليكما ،أخافني الشبه التام بينكما ،وب��أس �ل��وب ال �ف��ن ال ��روائ ��ي ..وه��ي أن االن �غ�لاق وتساءلت :كيف سأفرق بينكما؟ ولحظتها شعرت االجتماعي ال يمكن أن يفضي إال إلى مزيد من بيد أم��ي تهزني ،رأي��ت الطفل اآلخ��ر يتحرك ،االنقطاع والكراهية بين طبقات المجتمع الواحد، يلتصق بك حتى ليختفي ،ففزعت وصرخت أنبه وهي النهاية المؤلمة التي عاشها بطل الرواية
أم��ي ..طفلي الثاني ،ف��ردت أم :يا بنتي أذكري خالد خليفة ،في حين أن االنفتاح االجتماعي هو الذي أثمر عالقة الحب الحميمة بين خالد الله ،أنت ولدت طفال واحدا والحمد لله ...بقيت ال منهما خليفة وعواطف ،على الرغم من أن ك ًّ أنظر إليك وأنت تتحرك والطفل اآلخر يختفي يمثل طبقة اجتماعية مختلفة. مندسا في جسدك وكأنه يذوب فيك ”.ص 62 وال شك في أن شخصية المؤلف السارد تمثل وثمة شخصية (خالد خليفة) ..رجل األعمال الشريحة المثقفة وفئة الكتاب والمؤلفين .وأما المعروف داخل النص ،وزوجه الثرية (عواطف عليان فهو وجه آخر من وجوه السارد ،ال سيما العبد اللطيف) ،وهما شخصيتان رئيستان.. أنه قد يسمي األشياء بأسمائها الصحيحة ،حين ربما رمز المؤلف بهما إلى طبقتين مهمتين في يحاول السارد تبرير بعض سلوكه داخل النص المجتمع الكويتي المعاصر. “كأني أسمع وشوشة عليان في قلبي :كيف تكتب وع �ل��ى وج���ه ال �ع �م��وم ,ف �ق��د ع �ك��س ال �س��ارد رواية مدفوعة الثمن تلمع فيها تاجرا؟ ستسيء
58
اجلوبة -خريف 1432هـ
دراس��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ات ونقـ ـ ــد
إلى نفسك .أعمالك السابقة تسير في قناعة ودرب مختلفين .سيكون انحرافا ح��ادا منك..
الجميع سيعلم أنك تقاضيت مبلغا ”.ص .36
وه��ذا س�ل��وك ي��رم��ز ب��ه ال �س��ارد إل��ى الطبقة
المثقفة ،وحاجتها ال�م��ادي��ة ،وإمكانية اختراق قيمها م��ن ه��ذا الجانب تحديدا ،وعلى النحو ال��ذي كشفته لنا شخصية ال�س��ارد “ أعادتني
ش��روق (زوج ��ة ال �س��ارد) بانفعالها ،وق��د مست الحرقة حسها :نحن نعيش عمرا واحدا ،وألقل
لك بصراحة :لقد مللت عيشة الكفاف ،نعمل
طوال الشهر لتسديد األقساط وإيفاء الديون” ص.52
وعلى الرغم من موافقة السارد على أن يكتب
سيرة حياة رج��ل األع�م��ال داخ��ل النص ،إال أن المسافة بينهما(المثقف والتاجر) تظل كبيرة..
وفيما يشبه الهوة ،السيما أن المثقف لم يستسغ الفكرة ،بل غالبا ما يندم عليها .وحين نحاول أن
نتلمس الصلة بين المثقف والتاجر ،فإننا قد ال نجدها على صعيد الواقع؛ إذ ال يمكن للتاجر أن
يرى المثقف إال على أنه سلعة لها ثمن محدد،
ولكننا وج��دن��اه��ا ف��ي رواي ��ة ال�ث��وب وف��ي سياق
الروائي طالب الرفاعي
االقتران بالزواج الذي يتيح لهذه الطبقة أن تصل إلى أهدافها .بيد أن هذه الطبقة ..وعلى الرغم من أنها قد نجحت في ال��وص��ول إل��ى ما تبغيه من نجاح م��ادي ،إال أنها لم تستطع أن تتخلص من إحساسها المرير بالنقص ،وأنها كانت طبقة متسلقة ووصولية حسب المعيار االجتماعي، ورؤية السارد داخل النص .يرد على لسان خالد
شيق ومقنع ،مما يعكس قناعة ال�س��ارد وثقته خليفة “كل مجتمع مرهون بتقسيماته الفئوية بأن األدب ال غنى ألحد عنه ،وأنه مؤثر وممتد والطبقية المعروفة ،قد يترقى إنسان في الغنى، في المجتمع .وهو طموح انطوت عليه الرواية أو في المركز الوظيفي ،لكن من الصعب عليه أن استشرافا لمعادلة صحيحة طرفاها المثقف
والتاجر.
ويمكن لشخصية خالد خليفة أن تشع بأكثر
من معنى ،فهي على الصعيد االجتماعي تجسد ط�م��وح طبقة ح��اول��ت أن تتخطى واق�ع�ه��ا ،وأن
ترقى إل��ى طبقة اجتماعية أخ��رى ،وع��ن طريق
يترقى في فئته االجتماعية ،ويتجاوزها منتقال
إلى فئة أعلى ،أبناء الفئة األعلى يقاتلون على ح��دود طبقتهم ،يستبسلون ف��ي ط��رد أي ق��ادم يرغب بالدخول إلى مملكتهم ”.ص 208 وخالد خليفة إذ يكتشف هذه الحقيقة المرة، وهي أن الطبقة التي ظن أنه واحد من أفرادها
اجلوبة -خريف 1432هـ 59
تلفظه بقسوة ،فإنه في الوقت ذاته أضاع جذوره
وعلى الصعيد الرمزي ..فإن األزمة الصحية
ف��ي طبقته ال �ت��ي ان�ط�ل��ق م�ن�ه��ا ،ح�ت��ى أن��ه فقد التي ألمت بخالد خليفة ،حدثت وبشكل مباشر حميمية أس��رت��ه ،وح��ب أق��رب الناس إليه ،ولم بعد طلب الطالق الذي قدمته له زوجه عواطف، يبق أمامه إال هذا االغتراب واإلحساس بالضياع ما يؤكد هذه الفكرة ويعززها ،وإال ..ما معنى أن وفقدان الهوية ،وقد قاده هذا إلى أن يسعى إلى ينهار إثر تخلي زوجه عنه؟
ما يؤكد ذاته ،وينصفه من هذا اإلحساس العارم بالظلم ،وعبر الحدث المشار إليه ،في محاولة
وحسنا فعل مؤلف رواية الثوب طالب الرفاعي، حين لم يغلق الرواية على خاتمة حاسمة ،بل ترك
خالد خليفة أن يؤرخ النتصاراته برواية تسجل سيرته الذاتية ،وإنجازاته الشخصية في مجال الخاتمة تتشكل في ذهن المتلقي ،وعلى الوجه العمل وال�ت�ج��ارة؛ صحيح أن خالد خليفة بدأ الذي يؤول فيه مستقبل هذه الطبقة ،ويستنتج متكئا على أم��وال زوج��ه عواطف ،بيد أنه رجل
ما يراه مناسبا ومنسجما مع رؤيته.
عصامي استطاع أن يتفوق في مجال عمله ،وأن
ي��رد من خ�لال وع��ي المؤلف ال �س��ارد ..وفي
ي��رد على ل�س��ان بطل ال��رواي��ة خ��ال��د خليفة
تاريخه الشخصي ،عالقته وزواج ��ه ،ج��زء من
يحرز االنتصار تلو اآلخر بذكائه ومهارته وجلده الصفحة األخيرة من الرواية ذات المائتين وثمان وقدرته على الكسب المادي الوفير. وسبعين صفحة« :من الصعوبة كتابة خالد دون “هل تعلم أنني صرفت على عواطف أضعاف ما
صرفت هي عليَّ في بدء زواجنا ،أهديتها هدايا
تفوق عشرات المرات ما قدمته لي ،لكن ...ما
زلت أقرأ نظرات اإلدانة في عيون بعضهم وكأنهم
يستكثرون علي ما وصلت إليه” ص ,175بيد أن خالد خليفة ..وقبل أن ينفذ مشروعه الطريف ف��ي تسجيل س�ي��رت��ه ..م��ن خ�لال رواي ��ة يكتبها
له السارد المؤلف ،يعاجله المرض؛ بمعنى أن
إحساسه بالنقص متجذر في ذاته ،وهو يطارده حتى آخ��ر لحظاته ،وربما عكس ح��دث مرضه
أيضا أن ه��ذه الطبقة غ��ارب��ة ،ألنها لم تستطع
أن تؤسس لها تقاليد ،أو أن تكون لها شخصية مستقلة؛ بمعنى أن هذه الطبقة ال يمكنها إال أن
تكون اتكالية متسلقة حسب رؤية النص.
* أكاديمي عراقي يقيم في الواليات المتحدة األمريكية.
60
اجلوبة -خريف 1432هـ
تاريخه وتاريخ آخرين مثله .ق��ال لي والحسرة بحسه :أريد رواية يقرأها أهل الكويت ويتعرفون على حقيقة تجربتي ،وق��ال :ال يمكن أن يمتزج الزيت بالماء ».ص 278 فيتأكد لنا أم ��ران ،أولهما أن المؤلف يعي هدفه ..وهو يشير هنا بوضوح إلى أن الهدف ليس خالد خليفة فقط ،وإنما ثمة آخرون مثله على ح��د تعبير ال��رواي��ة ،واآلخ ��ر أن االن�غ�لاق االج �ت �م��اع��ي ال يمكنه إال أن ي �ك��رس ال �ف��وارق الطبقية ،وه��ذا م��ا يمكن أن نستدل عليه من خالل الزيت والماء اللذين ال يمكن أن يمتزجا، وكما عبر خالد الذي يقتسم بطولة رواية الثوب مع طالب الرفاعي.
دراس��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ات ونقـ ـ ــد
قراءة نقديّة فـي
«ال تبيعوا أغصاني للخريف» ملالك اخلالدي
الدهون* > د .إبراهيم ّ
جاءت المجموعة في ( )78صفحة متوسطة القطع ،تضمّ نت نص ًا أدب ّياً ،أصدرتها مؤخر ًا قصص ًا قصيرة جداً ،بلغ عددها (ّ )30 دار رواية للنشر ب ـ (لندن) ،في طبعة أنيقة ،وغالف جميل. ات��ك��أت ال��خ��ال��دي ف��ي ب��اك��ورة إنتاجها القصصي « ال تبيعوا تجسدت في تسليط الضوء أغصاني للخريف» على محاور ثالثة؛ ّ على شخصية المثقف العربي ،والمعاناة التي يتعرّض لها في طريقه ،من خالل نشر الثقافة والمعرفة والتنوير. ال عن مواجهتها ت��رص��د ال�ك��ات�ب��ة ف��ي ق�ص��ص(:ب�ل�ط�ج��ي ،ارت��داد السّ هام عليه ،فض ً اب�ت�س��ام��ة ص��ف��راء ،ث � ّم��ة م �ف��اج��آت ،غ��رب��ة) ب� �ت ��رس ال��ق��ل��م وف� �ك ��ر ال�� �دِّالل� ��ة وال �م �ع �ن��ى ص��وراً من مواجهات المثقف مع المجتمع ،القويمين. الصعبة التي يالمسها في حمل والظروف ّ وت�س�ت�ح��وذ ف �ك��رة ال� �ق ��راءة ع�ل��ى مخيلة راية الثقافة ،ما يدفع بها إلى تأسيس فكرة الخالدي ،حتّى نجد أنفسنا أننا إزاء أزمة القراءة والمثاقفة الخفيّة ،خوفاً من لحظة ق� ��راءة ،وأزم� ��ة اع �ت��راف ب��ال�م�ث�ق��ف ،ورك��ود التنكيل والتّعذيب للعقل البشري. المشهد الثقافي البائس ،فالمبدع يتكبّد فالقارئ أو الكاتب – في نظر الخالدي -عنا ًء كبيراً إلخراج عمله ،وعصارة فكره ،من الذي أحبطه الواقع المرير ،ال ب ّد أ ْن يتقبل دون أ ْن يلقى اهتماماً أو تقديراً يُذكر.
اجلوبة -خريف 1432هـ 61
فاألديب يفرّغ ما في صدره من خلجات وثيمات تطفح ب�ع��وال��م تنبئ ب��ال�ب��وح ال��شّ � ّف��اف ،والمعاني �ص��ور ال�م�ب�ت�ك��رة ،فيحترق م��ن دون ال �م��ؤث��رة ،وال� ّ القدرة على تدعيمها وتكريسها من ال��واق��ع؛ أل ّن اآلخر يصلبه على سواري الجفاء بعدم االعتراف ونبذه ،وكأ ّن شيئاً لم يحدث. وإذا تركنا المحور األوّل ..ودلفنا إلى المحور ال �ث��ان��ي ،ن�ج��د أ ّن�ه�م��ا م�ت�ص�لان م �ع �اً ،إذا انتقلت ال �ق��اص��ة ف�ي��ه إل ��ى ال�ك�ش��ف ع��ن ح�ق��ائ��ق وط�ب��ائ��ع المجتمع ومثالبه السّ لبية ،من أجل كشف مواطن الخلل والتخلص منها .ويتّضح ذلك من( :ال تبيعوا أغصاني للخريف ،انطفاء ،زيد ،وجه القرية ،قلعة مثاليات ،بال دموع ،الزقاق القديم ،مدينة القلق). إِنَّ المتأمّل للنّصوص األدبيّة السّ ابقة يلحظ اصطباغ المفردة بالنقد الالذع لسلوكيات مرفوضة، التصقت ببعض أبنائه؛ كالحسد المنبوذ ،والغيبة المنتنة ،ممّا جعل للكتابة وظيفة اجتماعيّة متقاربة ّص األد ّب��ي. مع وظيفتها اإلبداعيّة في إنجاز الن ّ لذا ،تلجأ الكاتبة إلى األزمنة الماضية القصيرة؛ ألنّها تمتلئ فرحاً وسعادة ،فرح البراءة البعيد عن تكاليف الحياة ،وتبعاتها المتناقضة. ومن هنا ،ومن واقع التّجربة اليوميّة للخالدي، تأتي مجموعتها القصصيّة موسومة بـــ(ال تبيعوا أغصاني للخريف) ،لتعكس مشاعر القلق ،ونسيج العالقات االجتماعيّة بين أف��راد المجتمع الذي أخذ بالخلل والتفكك في ظل زحف قوالب الماديّة، وتراجع منظومة القيم ،وغياب التّواصل اإلنسانيّ بين أفراد األسرة الواحدة. وفي ملمح مهم من مالمح العنوان للمجموعة، نقرأ ثنائية المضمون والدِّاللة؛ فاألغصان حملت بطياتها عناصر النّماء والحياة ..مقابل الجفاف ال� ��ذي ت ��رك ب �ص �م � ًة واض� �ح� � ًة ت �ج �لّ��ت ب�ت��داع�ي��ات
62
اجلوبة -خريف 1432هـ
التالشي واألف��ول .وهي بذلك تشير إلى تموجات ال ��ذات اإلن�س��ان� ّي��ة بين الصفا واالض��ط��راب ..أو الفرات واألجاج. وتأسيساً على م��ا سبق ،يمكن ال�ق��ول إ ِّن في القصص تبويباً واعياً وقصدية للقصص المنتقاة، والمدرجة تحت مسمّى خاص ،اتكا ًء على عنوان رئيس شكّل ع�م��وداً فقرياً ،ونقطة ارت�ك��از لفكرة عامّة مشتركة بين القصص المدرجة تحته. ولع ّل ه��ذه القصديّة والتّوجيه في التسمية.. �وص إل��ى دالالت كبيرة ف��ي المعنى ق��ادت ال� ّن�ص� ّ والمغزى والقيم الفكريّة والجماليّة ،انطالقاً من الصغيرة الحجم ،المستندة على الكثافة ّصوص ّ ّ الن وإف�لات المعنى ،ما حوّلها إل��ى نصوص مشفّرة تتضمّن ق��درات هائلة ،وتقنيات عالية ،ورم��وزاً ك�ث�ي��رة ..السيما ولوجنا إل��ى ك��وة القصص التي تكشف عوالم القيم التي تنخر كيان المجتمع. وإذا ما التفتنا إلى المحور الثالث عند الخالدي، يتبين لنا أ ّن األمل المرج ّو والعالم المشرق يمثّل ثالوثاً آخر ،جعل القصص اآلتية( :أكبر من الجرح، حكاية الله مع الضعفاء ،بال ضوء ،هالل ،سذاجة مواز لواقع قلب ،للجوف مطر) .تتحرك وفق إيقاع ٍ المآسي واألل��م ،واختالالت المجتمع ،وتجاوزات أف ��راده ومعاناتهم داخ��ل نسيج معقد للعالقات اإلنسانيّة واالجتماعيّة. رغم انشغالها بمعالجة الهموم االجتماعيّة في القصص السّ ابقة ،ورغم أنّها تلجأ إلى رسم صورة الواقع المرّ ،إ ّال أنّها أيضاً تمتاز بحس اإلشراق، وترتكز على رؤي��ا تنقل فيها ال�ق��ارئ إل��ى عوالم النّجاح واإلصرار على حقوقه ،واألمل في تحقيق أهدافه. وب �ج��رأة ال�ق�ل��م ،وق ��وة ال �ح��رف تجعل صاحب ال �ك��رس��ي ال �م �ت �ح��رك أن �م��وذج �اً ف ��ري ��داً للتحدي
دراس��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ات ونقـ ـ ــد
والمواجهة مع الواقع في قصة(:أكبر من الجرح). وت��رس��م م��ن خاللها ل��وح��ة فنيّة تكتظ بالسّ موق والعطاء ،ممزقة بذلك مفردات اليأس واإلحباط المريرين .هكذا بقي عالم األحرار ،وأبناء المجتمع ف��ي ح��رف ال�ك��ات�ب��ة ،تنبض بفكرهم ،وت�ع� ّب��ر عن مشاعرهم. وم��ن يع ْد ق ��راءة القصص م �رّة تلو األخ ��رى.. يجدها نابضة بالممارسة الحقيقية للمثاقفة وعالم المعرفة العظيم .كما أ ّن��ه يشعر بخفقات األمل والتغيير السليم للسلوكيات المنبوذة ،واالختالالت العديدة ،مبثوثة في ح��روف المفردات وعناوين القصص. لقد كانت الخالدي في باكورة إنتاجها إنسانة مسكونة بالهم الجمعي -إال ف��ي م��واط��ن قليلة- فلم تقيدها(األنا) ولم تشغلها خواطرها الذاتيّة، فغدت أديبة تمارس الكتابة الحقيقية في التّعبير عن مشاعرها النفسيّة ،ومواقفها الفكريّة بحرية الكلمة ،وطالقة الحرف.
ملكتها الشِّ عريّة المنفلتة في نظم القصيدة ،على نحو ما نراه في (صمت يشبه الكالم) .فطقوس
الكتابة عند الخالدي محمّلة بلغة شعريّة ،نابضة، تعزف على وتر االنتماء بالحياة ،مسكونة بهاجس
التّغيير الذي يعلنه منجزها القصصي ،فقد أخذت
وقد كان طبيع ّياً أ ْن ترتفع وتيرة النَّقد االجتماعي منه رؤيا إشراقيّة ،وتجربة ابتكارية تجاه التّحول في مجموعتها ،كيف ال وهي تعايش أبناء جلدتها والتّجديد. همومهم ،وتشاطرهم ،وترصد حركاتهم ،إلدراكها المحصلة ..ن�ق��ول إ ّن تجربة الخالدي ّ وف��ي أ ّن اإلب���داع وظيفة نبيلة ،م��ؤداه��ا تجميل حياة النّاس ماد ّياً ومعنو ّياً؛ فهي أديبة بارة لثقافة أهلها القصصيّة ،صورة معبّرة ألحوال الواقع المحلي، ومعارفهم ..لكن -أحياناً – تجد انسراب أرضية وال ��ذات اإلنسانيّة ،نابعة م��ن إحساسها بكونها القصة ،مثقفة ،ذات رس��ال��ة إن�س��ان� ّي��ة تتكئ على القيم ّ ال�خ��اط��رة ال��ذات �ي��ة ،فتغلب على مفهوم الفاضلة ،والشّ مائل العالية. ويتجلّى استثمارها لذلك بـ(نحيب). القصة الرحيب، ّ إنّها رحلة حقيقيّة في عالم
ول �ع � ّل م��ا ي �ج��در اإلش � ��ارة إل �ي��ه ب �ش��أن إب ��داع ال�خ��ال��دي القصصي ،ع��دم ت�ح��رره��ا م��ن سطوة وتجربة جديدة ،امتزجت فيها لغة القصيدة مع ال عن البوح النبيل الشّ عر وق�ي��وده ،فكانت تلبس قصتها – أحياناً -أيقونات السّ رد الجميل ..فض ً ثوب الشّ عر ،وهذا في الوقت ذاته داللة أكيدة على المستيقظ من أعماق اإلنسان. * جامعة الجوف.
اجلوبة -خريف 1432هـ 63
ديوان «قليال أكثر» للشاعر محمد بنطلحة الندرة املكتنزة باألسئلة
> عبدالغني فوزي*
الشاعر المغربي محمد بنطلحة صوت سبعيني من القرن السالف في منجز القصيدة المغربية المعاصرة، يمارس توهّ جه الشعري في كل ديوان يصدر له ،بل في كل قصيدة من دون كلل أو تراجع .وألنه أكثر إصغاءً للنص وسلطته ،فقد تحرّر منذ البدء على الرغم من صخب المرحلة المحشو باإلرغامات اإليديولوجية التي تسقط القصيدة في التسطيح والتبسيط ،تحت الفهم المباشر لعالقة األدب بالواقع .لهذا ،تجده في كل إصدار شعري له ،مقدما لحلقة شعرية جديدة،تنضح باألسئلة وإعادة النظر لألشياء والتشكيالت من زوايا متخلقة باستمرار. بعد سلسلة إصداراته الشعرية بالتتالي
وت �ت �ك��ون م��ن أرب� ��ع وت�س�ع�ي��ن ص�ف�ح��ة من الحجم المتوسط ،بوبت إلى عناوين (قدر إغريقي ،ماذا سأخسر ،المرحلة الزرقاء، جنيالوجيا ،نجوم في النهار) ،كل عنوان يحتوي على قصائد تبلور تيمة معينة: المعنى ،الذات والموت ،الشعر ،الطبيعة، الحياة...
أكثر» ،صدرت عن دار الثقافة في المغرب،
ب�ه��ذا التوصيف ال�ف��وت��وغ��راف��ي ،يمكن
اب �ت��داء م��ن س�ن��ة 1989م (ن�ش�ي��د البجع،
غيمة أو حجر ،س��دوم ،ليتني أعمى) عن دور نشر مغربية وعربية .ها هو الشاعر محمد بنطلحة يرمي بأحجاره الشعرية ال�ك��ري�م��ة ف��ي ب��رك��ة الحقيقة ،م��ن خ�لال
مجموعة شعرية اخ�ت��ار لها اس��م «قليال
64
اجلوبة -خريف 1432هـ
دراس��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ات ونقـ ـ ــد
ق��د يستقيم ع��ود القصيدة القول إن الشاعر يضيف حلقة بيد الشاعر بنطلحة كأداة بحث، أخرى للمشهد الشعري المغربي تنتصر للمجاز ال ��ذي يهندس والعربي ،حلقة مكتظة باألسئلة العالم و«ال�خ�ل��ق» م��ن زاوي ��ة ما على تنوعها ،والتي يعيد بناءها ك��ال�ج�س��د -ب��ال�م�ع�ن��ى العميق في الشعر وبه ،وبكامل محصلته للكلمة -الذي ينفض جسده من ال�ث�ق��اف�ي��ة ال �م �ت �ع��ددة ال ��رواف ��د؛ ك��ل األش �ي��اء والتشكيالت التي ف �ب��دت ال�ق�ص�ي��دة ي�ق�ظ��ة ،غنية ت�ك��وره وتصنعه على المقاس. ب �ت �ن��اص �ه��ا م ��ن دون أن تفقد وت �ح �ق��ق ذل� ��ك ع �ل��ى إث� ��ر حس مربعها ال�ش�ع��ري .كأنها بذلك رؤي���وي دق�ي��ق ي��رص��د المرحلة (أي القصيدة) أهل ألي حوارمن خارج المنظومات واألنساق على م��وق��ع «ال��رائ��ي» على الطريقة الطريقة الشعرية ،وذاك قدر الشاعر .يقول في االنفرادية ،وال��ذي ال كرسي له إال حفنته التي قصيدة بعنوان: تسع كل المساحات في ذاك القليل المتخلق... «في زرقاء اليمامة « ص:41 ثمة على م��دار ه��ذا ال��دي��وان ضربات ذاتية زارتني هذه الليلة ع�م�ي�ق��ة ال �غ��ور وواس� �ع ��ة األف� ��ق ،ت �ح��ول��ت معها ولم تعثر علي ال�ق�ص��ائ��د إل��ى م �س��اح��ات س�ف��ر ن��اض�ح��ة بعرق في جسدي البحث المشبع بالقلق الجميل ،القلق العابث أين كنت: بواسطة الصورة الشعرية التي تتشكل ككينونة بين قطارين؟ مرتعشةـ بالحقائق المترسبة في الذاكرة والوعي أم في نزاع معي الجمعيين .وبالتالي ،إعادة قلب الثنائيات التي الشاعر بنطلحة يبني نصه على نار هادئة، تنبني عليها تصورات وحقائق ،فينهار العالم ،بحكمة األن�ب�ي��اء ،بعيدا ع��ن األض ��واء وتدجين طبعا ف��ي ال��وه��م ال �ش �ع��ري .ي�ق��ول ف��ي قصيدة المؤسسة بألوانها المختلفة ،وبعد ذلك يرمي بعنوان «تحت لوحة زيتية» ص:12 بثماره ،أعني أوراقه ،وينصرف إلى حيث هو / متخفيا كما الشعر .والجميل ،أن الشاعر محمد األحياء يلهون بنطلحة يكتب القصيدة ،ويكتب عنها ،منشغال بينما الموتى باألسئلة الحقيقية للحياة والوجود .وهو بذلك سرعان ما سئموا حياة اللهو يتموقع في نقطة المواجهة الدائمة بين الشاعر وعادوا والعالم .وهنا ،يغدو الشعر سبكا ومعرفة ،وليس كل إلى ثكنته فطرة غافلة وعاطفة عمياء. أقصد :إلى جسده * شاعر وكاتب من المغرب. محمد بنطلحة« ،قيال أكثر» شعر ،عن دار الثقافة ،الدار البيضاء ،المغرب .سنة .2009
اجلوبة -خريف 1432هـ 65
«ساق الغراب» ليحيى أمقاسم: مرثـية للزمن الغـنـائي
> هشام بنشاوي*
اختار الروائي السعودي الشاب (يحيى أمقاسم) في عمله الروائي البكر والالفت»:ساق رئيسا ،ويتمثل المكان في قرية «عصيرة» بــ»وادي الغراب» أن يجعل مسرح األحداث بطال ً الحسيني» جنوب غربي المملكة ،وال يخفى على قارئ الرواية تلك النزعة النوستالجية لدى الكاتب ،وهو يتتبّع -بلغة شاعرية عذبة تؤسطر الناس واألشياء -اندثار زمن القبيلة الرعوي بقيمه العفوية وأعرافه المتوارثة ،وتراجعه أمام الزحف الكاسح لزمن اإلمارة (المقنّع بالسلطة الدينية) ،بقيمه الجديدة التي تدجن كل شيء ،تقزّم دور المرأة في الحياة ،وتغتال ذلك التالحم الشفاف بين إنسان القبيلة والطبيعة. رغ��اء جمله في سماء المكان حزنًا على فقد زوج ��ة ص��اح�ب��ه (ب�ش�ي�ب��ش) ،وال���ذي س�ي��دل��ه - ال�ج�م��ل -على ق�ب��ره��ا ،ال ��ذي دف�ن��ت فيه دون ع�ل�م��ه ..وأش��رك �ت��ه خ��ال�ت��ه /األم ص��ادق�ي��ة في الحصاد ،إلب�ع��اده عن «القايم» حتى ال ينبش قبرها.
ت�ب��دأ أح ��داث ال��رواي��ة باستعداد (الشيخ عيسى) للحرب ،ض��د ال�غ��رب��اء ،ال��واف��دي��ن من الشمال لغزو وادي الحسيني ،وحاولت (األم صادقية) ثنيه عن المغامرة غير مأمونة العواقب، لكن عبثا ،وأوص��ى الشيخ ابنه (حمود الخير) بإيصال جدته مع األطفال والعجزة إلى تخوم جبال «ساق الغراب» ،وحذرت (األم صادقية) وبسبب مشاداته الكالمية مع (عبود) ،حين األهالي من هجر بيوتهم ،لكنهم غادروا سهول طالب (بشيبش) بحجة أرض منحتها خالته قراهم تجنبًا لألغراب المغيرين. للطفلة اليتيمة (شريفة) ،والتي ناهز عمرها وف��ي مستقرهم ال�ج��دي��د «ال �ق��اي��م» ول��دت الست س �ن��وات ،ورف��ض االع �ت��راف بها كابنة، (شريفة) ابنة (بشيبش) ،وف��ي غيابه ..وعال ألن�ه��ا ك��ان��ت ال�س�ب��ب ف��ي إزه���اق روح زوج�ت��ه،
66
اجلوبة -خريف 1432هـ
وألن ت �ه��ور (ح �م��ود) ي�ع��د خ��روجً ��ا على أعراف القبيلة وقوانين اإلم��ارة ،سارع األب بإخفائه عن األن�ظ��ار المتربصة ب��ه ،وكانت اإلمارة تتولى ختان البالغين ،وتعاقب بالقتل من يقوم بعملية التطهير بنفسه ،وللتمويه دعا األب أمير صبياء لحضور حفل الختان الوهمي ،بيد أن األمير أرسل نائبًا عنه ،وكان األمير يعلم بأمر الخدعة ،ووحده (بشيبش) م��ن انتبه إل��ى أن�ه��ا -اإلم� ��ارة -ق��د فطنت لألمر ،حيث داوم على اقتفاء أثر أحد الوشاة ،الذي
دراس��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ات ونقـ ـ ــد
ف ��ر ّب� �ي ��ت ف���ي ك�ن��ف (األم صادقية) ،قام (عبود) بختان نفسه بنفسه خلسة ،حين أه ��ان ��ه (ب �ش �ي �ب��ش) وع � � ّي� ��ره ب��رج��ول �ت��ه ال�ن��اق�ص��ة ..مشيرًا إل ��ى أن ال ق ��در له بين الحضور إال بعد أن ي�ع�ت�ل��ي م�ص��اف ال � � � ��رج � � � ��ال ،ل��ك��ي ي�ن��اص�ب��ه ال �ت �ح��دي؛ وب ��ال� �ت ��ال ��ي ،ف��ه��و غ��ي��ر م��ؤه��ل للحديث م �ع��ه؛ وك��ان��ت أع��راف القبيلة تنص على أن يظل من في مثل سنه بال ختان إل��ى أن يصيروا في رتب الشباب ،وكان عمره ال يتعدى السادسة عشر.. وب �س �ب��ب ه ��ذا ال� �ح ��ادث اع �ت��زل (بشيبش) المجالس باعتكافه داخل عشته نهارًا أو تحت سرير خالته العمياء ليال -والتي كانت تقيّده خشية أن يترك القبيلة- محتضنًا بندقيته التي ال تفارقه ،لكنه اختار الرحيل ،وخسرت القبيلة محاربها األول.
كان يقضي نهاره بين األهالي المحتفلين بختان (ح�م��ود) ،ويتوجه س � ّرًا ليال إل��ى اإلم ��ارة ،وانتقم (بشيبش) منه بربطه إل��ى بندقيته ،وشدها من طرفها إل��ى ال�س�ق��ف ،وأض ��رم ال �ن��ار ف��ي مسجد اإلمارة ،وقد اختار هذا المكان ألنه ال يُـقتل فيه إال من كان مشبوهً ا ،وبعد ذلك أعلن لخالته صادقية قراره ترك القبيلة ،فال تمانع ،حيث تتذكر أن حبله السري مدفون في قاع الوادي. كقارئين للقرآن الكريم حضر بعض الغرباء، بثياب بيض ولحى مشذبة ،واكتفوا بالسالم عند ال�ت�ح�ي��ة م��ن دون م�ص��اف�ح��ة أح ��د أو م�ب��ارك��ة ،واخ��ت��اروا إم��ا ًم��ا ع�ن��د أداء ال �ص�لاة ،فانتبه أه��ال��ي القبيلة إلى أنهم يطيلون ف��ي السجود وال��رك��وع، يخف الغرباء استياءهم من صالة ولم ِ بعض األهالي. في ختام الحفل وصلت رسالة من األمير يطلب فيها من األهالي االستماع إلى المقرئ (محمد المصلح) ،والذي فرض عدة شروطه أهمها أال تحضر مجلسه ام��رأة ،ونبّههم إلى أن مكان النساء هو البيت ،وليس ال� �ع� �م ��ل ف � ��ي ال� �ح ��رث وال � ��رع � ��ي واألف� � � � ��راح، وك��أن �م��ا األم� �ي ��ر ينظر إل�ي�ه��م «ك �خ��ارج �ي��ن عن سنن الدين ،منخرطين في قوانين الطبيعة». وب��رح�ي��ل (بشيبش) ت �ت��وال��ى غ �ي��اب��ات ك�ب��ار ال �ق �ب �ي �ل��ة م �س �ت��أذن �ي��ن ال �ش �ي��خ ب �ت��رك ال �ق��ري��ة، ك ��أن� �م ��ا أدرك�� � � ��وا ع ��دم قدرتهم على التأقلم مع
اجلوبة -خريف 1432هـ 67
الزمن الجديد ...يغيبون رحيال أو موتًا ،وب��دأت القبيلة في التفكك، وازداد تغلغل اإلم��ارة ،بينما تتولى (ش��ري��ف��ة) اإلش� � ��راف ع �ل��ى أم ��ور القبيلة الفالحية ،في حين يغرق (حمود) في أهوائه ونزواته. وبتقدم عمر (األم صادقية) وم � ��رض اب �ن �ه��ا ال��ش��ي��خ ،ان�ح�س��ر ن �ف��وذه �م��ا ،وت �ق��وض��ت مكانتهما ال��رم��زي��ة ،وب� ��رز دور (ال �م �ق��رئ)، م�ن��دوب اإلم ��ارة ،التي تسير أم��ور القبيلة ،ب��إغ��راء األه��ال��ي بالمال وتجنيدهم ووعظهم ..وحث المقرئ أتباعه على ع��دم السماح للنساء بمغادرة منازلهم ،بعدما أشيع أن غريبًا يتربص بهن ،فجلل السواد، بعد أيام ،كل نساء القرية ،باستثناء شريفة والمزارعات...
ل�ل�غ��رب��اء ،ي�ك��دح��ون ف��ي ال�ح�ق��ول، و»ي ��ؤدون ال��زك��اة للغرباء بأجساد ن �س��ائ �ه��م ،أم �ل�ا ف ��ي ال� �غ� �ف ��ران»، وهجرت (شريفة) القرية متجهة ن �ح��و مملكتها األب ��دي ��ة ف��ي قمة الجبل ،وارتقت الكرسي لتنتحر، حتى ال تجد نفسها تنتهي كسائر نساء القبيلة« ،قبل أن تقبض على جسدها حاجة قذرة ال يقضيها لها س��وى ال�غ��رب��اء» ،وأجلت خالصها ع�ن��د اك�ت�ش��اف�ه��ا للكنز المخبوء بانهيار السقف. وف� ��ي ن �ف��س ال� �م� �ك ��ان ،رأت (حمود الخير) معلقًـا ،لينفذ وصية أبيه بوضع حد لحياته حين تنبذه القرية ،ولم تحاول ثنيه عن ذلك، ألن��ه متخاذل متهاون ،ل��م يحاول الحفاظ على روح القبيلة .ونظرت م��ن ع� ٍ�ل إل��ى النبات ال��واص��ل بين الجبل وقرية «عصيرة» السليبة... ترنو إليه كدرب أمل!
وإل�� ��ى ج ��ان ��ب اح� �ت� �ف ��اء «س ��اق الغراب» بتفاصيل الحياة اليومية، يحضر ملمح أس�ط��وري في المتن الروائي ،ويتجلى في لجوء (األم صادقية) إلى الجبال «س��اق ال �غ��راب» رواي ��ة حنين قاتل إل��ى المجتمع مناشدة ال�س�م��اء ،ليفي ال��رج��ال ال�خ��ارق��ون بعهدهم األمومي وزمنه الغنائي ،بعد أن غيّرت اإلمارة التاريخ القديم لها بالدفاع عن ال��وادي ،والذين اتفقت معهم الميثولوجي للقبيلة وحوّلته إلى تاريخ ديني ،وحلّت قبل أربعين سنة أن يدفن زوجها في «وادي الحسيني» المواعظ والفتاوى محل الحكايا واألناشيد. مقابل أن تبقى طيلة عمرها كفيفة ،فال ترى إال بهم، ه��ذه ال��رواي��ة إض��اف��ة نوعية للمدونة السردية وال تتخذ أي قرار إال برأي رسل الجبال ..فحملوا جثة ابنها (الشيخ عيسى) ،وعمت العواصف واألمطار السعودية والعربية ،على حد سواء ،لهذا تستحق أن أيضا -كل هذه الحفاوة وأشيع أن ذلك من كرامات المؤيدين بنصر الله على تقرأ أكثر من مرة ،وتستحق ً - النقدية ،التي قوبلت بها ،وال يفوتني أن أشير إلى أنها األم... طبعت أربع مرات ،وفي أربعة بلدان مختلفة ،وهو أمر يبلغ تدهور القرية ذروته ،حين صارت نساء القبيلة نادر الحدوث ،حتى مع كبار الكتّاب! مجرد أدوات متعة لدى الغرباء (أعوان المقرئ) ،بعد فطوبى لألدب السعودي ..هذا اإلنجاز. أن أصيب كل رجال القرية بالعنة ،وتحولوا إلى خدم * كاتب من المغرب.
68
اجلوبة -خريف 1432هـ
ق���������ص���������ص ق������ص������ي������رة
قصص قصيرة جدا > عبدالله املتقي*
غياب إلى أ .الرحماوي، بتلك المقهى المنسية ..رجل في الخمسين تماما.. يحتسي صمته ،وقهوته الساخنة. ثم ينتبه فجأة للجريدة (يقرأ موته في صفحة الوفيات، ثم يجهش ببكاء مدجج بالمرارة؛ ألنه لم يحضر جنازته) ***
مظلة الحب أرملة على شرفة شقة تحتسي الشاي، وتطل على الشارع من خلف زج��اج مبلل، تتأمل حبيبات المطر.
فجأة ،يطأ شتاءها منظر شاب وفتاة ملتصقين تحت مظلة س��وداء ،ويسرعان الخطو. تتنهد األرملة ،وتختفي في مراهقتها؛
اجلوبة -خريف 1432هـ 69
كي تتذكرها والمرحوم يسيران تحت المطر بال
هي:
مظلة.
تعود منتصف الليل تماما ،وكأنك كنت في
في انتظار األوتوبيس ،كانا يعيشان الحب حفل السندريال؟ بكل تفاصيله دون التفات لآلخرين. (يختفي الشاب والفتاة من الشارع..
(المهم انتبه للحذاء)
رصيف أعمى
تختفي األرملة من الشرفة.. ووحدها حبيبات المطر تبلل النافذة وسقف المظلة).
1 هبط من القطار ،استقل بتي طاكسي ،وفي الغرفة خلع مالبسه..
نهايات ف��ي إح��دى ليالي الشتاء ال�ق��ارص��ة ،جلست خلف نافذة مهترئة ،تتفرج على خيوط المطر،
2 نسي الموعد ،وكان البن يغلي في اإلبريق..
3
وي��داه��ا تلعبان بضفيرتها ال �ش �ق��راء؛ السماء حزينة ،والشارع تخلص من أحذية المارة. ف��ي ال��وق��ت نفسه ،ك��ان زوج�ه��ا يحتضر في
في المحطة ،نزلت أنيقة من الحافلة ،و.. انتظرته في المقهى..
4
س ��ري ��ره ،وم �م��رض��ة ن��اص �ع��ة ال �ب �ي��اض تنصت لموسيقى الراب. وفي العاشرة صباحا،
في غرفة الفندق ،نامت بمالبسها ،ونسيت الشباك مفتوحا.
(ك��ان هناك م��وت بشقة ب ��اردة ،لم يحترمه أحد)...
بحث عنها كثيرا ،وحين عثر عليها ،فقدها
حكاية أخرى هو: تمنى أن تكتب له غدا ،وأن يجد رسائلها في صندوقه حين يعود متأخرا إلى الشقة. * قاص من المغرب.
70
5
اجلوبة -خريف 1432هـ
ثانية في الزحام..
6 بحثت عنه كثيرا ،وحين عثرت عليه ،كان رجال آخر على رصيف أعمى.
> محمد صباح احلواصلي*
عادة أشتري ربع متر مربع من ورق التجليد األزرق ،ألجلد كتاب ًا أو دفتر ًا لمدرسة .ربع متر يكفي وزيادة ،فما حاجتنا إلى هذه الكميات الهائلة من التجليد إذاً؟ يا إلهي! تصوروا أننا سنجلد بها كتبا؟ «ماذا سنفعل بكل هذا التجليد يا أبي؟» أعلمنا أننا سنلصقه على زجاج النوافذ ،على ك��ل بقعة يمكن أ ْن ت�س�رِّبَ ال�ض��وء إل��ى الخارج خالل الليل. «لماذا؟» «لكي ال ت��رى ط��ائ��راتُ ال�ع��دو ال �ض��و َء خالل الغارة». «وماذا ستفعل إ ْن رأت الضوء؟» «ستلقي بقنابلها فوق المكان الذي يخرج منه الضوء».
نسأل عبر الظالم ،بصوت خفيض ،كنا نسأل، وكنا نطمئن ..ألنَّ اإلجابة كانت تأتي من أبي الذي كان قريبا منا.
ق���������ص���������ص ق������ص������ي������رة
جتليد أزرق
«بابا ..من هو العدو؟» يجيبني: «إسرائيل وفرنسا وإنجلترا». أسأله: «كلهم أعداؤنا؟» بنبرة واثقة ،تلمست فيها صرامة ،يجيبني: «من يريد أن يلقي علينا القنابل فهو عدونا».
وعندما يخرج صوت اإلنذار ثانية معلناً عن «تلقي بقنابلها!» انتهاء الغارة ..لم نكن نسرع إلى زر النور؛ فقد أس��رع�ن��ا إل��ى ل�ص��ق التجليد األزرق ،بدقة آنسنا العتمة والسكينة والترقب ،وبعضنا لم يكن شديدة .أذكر أنني لم أترك سنتمترا واحدا من هناك ،بل ك��ان غارقاً في ن��وم أحالمه غير كل زجاج النوافذ دون أن أغطيه بالتجليد ،وكل بقعة األحالم التي خبرناها. أغفل عن تغطيتها تلوح لي من ورائها عين طيار نُحمَل إل��ى أس��رت�ن��ا ،المصفوفة إل��ى جانب العدو وهي تتوعدني .كنت أنظر إلى أبي كيف بعضها ،بيضاء اللون ،نظيفة ،كل سرير منها له يلصقها ،فأفعل مثله .قضينا وقتا طويال حتى جانبان كي ال نقع ونحن نائمون .حملني أبي، جعلنا البيت غارقا في قتامة تعكس اللون األزرق فشققت عيني للحظات وأنا ما أزال غارقا في خالل النهار .وعندما يأتي الليل حرصنا أال نشعل نعيم ال �ن��وم ،ش�ع��رت بساعديه الدافئين وهما النور .أما عندما نسمع زامور اإلنذار وهو يدوّي يحمالني ،وبأنفاسه ذات الشهيق العميق ،وكنت في أرج��اء المدينة...كنا نطفئ األن��وار ،ونركن أشم رقبته التي غطت وجهي ،إنها الرائحة نفسها ملتحمين ببعضنا ،عيوننا مترقبة ،ال ترمش ،التي كانت تزودني دائما بإحساس األمان ،وبأن نصغي للصمت الذي كان يزحم باالحتماالت ،كنا العدو وطائراته أمام أمان أبي مجرد خرافة... * قاص من سوريا.
اجلوبة -خريف 1432هـ 71
ذبول وردة.. > ليلى احلربي*
هناك جهاز في يديها ..وآخر على صدرها ،وثالث يلقمها الهواء ..وتحت هذا الكوم يرقد جسد تمدد ..وصبر تبدد ..وألمٌ يضج بال حياء ..هناك بريق في عينيها ،به وحده تتواصل مع روحي.. بقربها كتاب كنا اشتريناه في رحلتنا سوياً إلى المكتبة ،حملته ..قرأت لها منه ..تترقرق العينان بالدمع ،فأتوقف..
ص��رخ��ت بهم ف��ي أع�م��اق��ي ،إن�ه��ا س���ارة!! يا م��ن تغلفونها ب��األس�م��ال ..وت �ن��ادون عليها برقم السرير..إنها ذلك الحلم الوردي الذي لم يكتمل بعد..
صديقتي ..تحبين رائ�ح��ة البخور..أشعلت جمرة كقلبي ،ونثرت البخور عليها ..ما أدراك وف��ي ج��وف ه��ذا الجسد المسجّ ى أكثر من أيها الدخان األبله أننا على أعتاب الوداع؟! فلقد دورة دموية ..وأجهزة هضمية..وأخرى تنفسية.. تفوهتَ بألف طيف ارتسم في زوبعتك الرمادية ..في داخلها ،يتربع الكون ..منتظراً أن تحياه.. ولقد خَ بت جمرتك الحمقاء فاستحالت رماداً.. في داخلها كل األماني.. صديقتي ،في جبينك ارتسم الصبا ..وفي انطفأ في عينيها ذياك البريق ..وتمدد الخط كفيك ما زال الخضاب.. بوهن: ٍ األحمر في تلك الشاشة البليدة ،ناديتها قومي إل��يَّ وعانقيني..وشدي عباءتي كي ال سارة؟! أفكر في الرحيل ..جميلتي ،أين الجمال؟! ما عادت روحها قربي! خصالت شعرك المصبوغ تحاول الفرار من صديقتي.. ذاك الغطاء الورقي.. ي��ا ك��وك��ب�� ًا م��ا ك���ان أق��ص��ر عمره ماذا يفعلون؟! وك�����ذا ت���ك���ون ك���واك���ب األس���ح���ار هل أن��ت نبتة يزرعونها في ه��ذا السرير..؟ يثقبونها ب��اإلب��ر..وي��رش��ون زه��وره��ا بالعقاقير عَ جلُ الخسوف عليه قبل أوانه العقيمة ..أال يعلمون من هي سارة؟! ف��م��ح��اه ق��ب��ل م��ظ��ن��ة اإلب������دار.. * قاصة من السعودية.
72
اجلوبة -خريف 1432هـ
ق���������ص���������ص ق������ص������ي������رة
قصة حب واقعية جدا > سعيد أحباط*
لم يعد هناك مطر يتساقط..كأنما أعلنت السماء هدنة من جانب واحد مع األرض. لكن المطر المجتمع في الطرقات يزيد عمقه على بعد سنتمترات ..وهو عمق خطير الشأن بالنسبة لي على األقل ،ألن هذا العمق اللعين يتغلب على آثار اإلصالح «الهيكلي» في نعل حذائي وواجهته األمامية األسطورية الشكل .وسيتسلل بخبث ودهاء إلى قدمي، فيجعل منهما بحيرتين .ومع هذا ،وجدت ما يستوجب الشكر والحمد مع توقف المطر من السقوط ،وإال وجدت نفسي بين نارين .لكن وميض البرق المتصل بين النار والماء.. هو الذي يضلل أفكاري ،ويجعلني أخلط بين الماء والنار. رغم هذه المتاعب ،تناولت بيسراي حقيبتي العالقة به ،ومن أوراق الشجر الجافة. التي أضع فيها وجبة غذائي وأوراقي وكتبي.. ولعلكم ت�ت�س��اءل��ون اآلن عما يدفعني الى ولي فيها مآرب أخرى .وبيمناي تناولت مظلتي ..اإلطالة في الحديث عن مظلة تافهة القيمة، وأسرعت إلى محطة الحافالت .ويقتضي واجب والسبب يكمن ف��ي أن ه��ذه المظلة البئيسة، األم��ان��ة ،أن أبصر ال�ق��راء بحقيقة أخشى أن كانت سببا في تعارفي يوما ما مع تلك الحسناء تفوتني ..فيخالونني مخادعا ولفاقا ،فأنا حين الفاتنة ،والتي ستكون بطلة قصتي ..والمظلة أق��ول مظلتي ال ينبغي أن ترتسم في أذهانكم البئيسة إذ ت�ش��ارك بطلتي الحسناء الفاتنة الصورة المألوفة للمظلة الواقية ،فهي ال تستمد وظيفة البطولة ،فألني ال أبالي أن تكون مظلتي أحقيتها إال م��ن تاريخها العتيد ،فقد كانت مألى بالثقوب ،وال أرضى أن يكون من أخالقي مظلة فعليا ،منذ سنوات خلت ،أما اآلن فتبدو ما يجعل شخصيتي تبدو بمنتهى الدماثة. لعينَي الرائي ما يشبه المظلة .أما إذا فتحت لكن ،دعنا م��ن مظلتك وع�ق��دة احترامك، فستبدو في النور الواضح حقيقة مجردة ،فيها العديد من الثقوب ..ما يجعلها أشبه بمصفاة وحدثنا عن الحسناء الفاتنة والتي تزعم أنها مقلوبة يتوسطها ح��ام��ل م��ن ال�ح��دي��د ،ينتهي بطلة قصتك... م �ع��ذرة..ي��ؤس �ف �ن��ي أن أط �ل��ت ع�ل�ي�ك��م أم��ر بمقبض خشبي .ولهذه المصفاة فائدة ليس من الخساسة إنكارها ،ألنها إن كانت ال تقيني انتظارها ،ولكن ثقوا بي أن انتظاري كان أثقل من المطر ..فهي على األقل تنقيه من الشوائب وط��أة ف��ي ذاك المساء الممطر ،عند محطة
اجلوبة -خريف 1432هـ 73
الحافالت ،فقد بقيت ساعة من ال��زم��ن ..ول��م تأت أن يذوب السكر بنغماته: الحافلة ،ف��ي عتمة الغسق رأيتها تمشي الهوينا.. كيف لي أن أشكرك على هذا اللطف والكرم ،فلو واألمانة تقتضي أن أقول ،لقد سبق أريج عطرها في لم تبادر بتقديم ه��ذه الخدمة أيها السيد المحترم ذل��ك الغسق مرآها قبل أن تراها عيني ..أو تسمع النبيل ،لتبللت بالمطر حتى أخمص القدمين.. وقع خطاها أذن��ي ،لقد كان عطرها أخ��اذا وسحريا، وج��دت�ه��ا ف��رص��ة ل�ت�ب��ادل ال�ح��دي��ث ،فسألتها عن فيه أريج األنفاس وريق الياسمين ..ما دفعني إلى أن أدير رأسي ..وجدتها بجانبي ..تكاد تلمسني بكتفها ،عملها ،فأجابت.. وضعت على ظهرها شاال شفافا رقيقا أخضر اللون، في وسعك أيضا أن تسمي ما أشتغل به عمال على وتأبطت حقيبة جلدية خضراء ،وألنني رجل محترم نحو ما؟ أنت حرٌّ في تحديده بخيالك.. ومترفع ..التزمت الصمت بعض الوقت ،إلى أن أرسلت ال أخفي عليكم كم وددت من كل قلبي أن أسألها السماء-وشكرا لها -بقطرة واحدة كبيرة كانت مبررا عن اسمها وعنوانها ،و ..و ..وأحصل منها على موعد كافيا كي أفتح معها الحديث عن قلة المطر ،فالتفتت لقاء آخر ،ولكن عقدة لساني واحترامي المبالغ فيه، إليَّ بوجهها ..حينها سقط الضوء ،فاختلج شيء ما جعالني أصمت ..واكتفيت بأن قلت لها: في صدري ،وأنا أرى من وهج وجنتيها وشفتيها ثمار طابت ليلتك.. الخوخ الناضجة ..وفي الوقت الذي زاد شعوري حدة انصرفت وأن��ا م��رت��اح؛ ألنني ال أستغل الظروف بمالبسي القديمة .وأنا أشع وطأة تحت صهيب عينيها البراقتين ،وقد عمق شعوري حدة ..سوء حال حذائي ،استغالال انتهازويا ال يليق برجل محترم مثلي ،وكانت وإهمال لحيتي ،وسمرة وجهي الداكنة .فطويت الكالم حالة النشوة المسيطرة علي تحول بيني وبين عودتي في حلقي ..ولم أستطع النظر إليها ،إلى أن تعطفت ال��ى ال �م �ن��زل ،ح�ي��ث ال�ح�ج��رة ال�ح�ق�ي��رة المتوحشة، السماء وأرسلت -إمعانا في تشجيعي -ثالث قطرات فاتجهت ال��ى أح��د المقاهي المقابلة لمحل سكني، احتسيت فنجانا م��ن ال �ش��اي المنعنع ،وف��ي لحظة كبيرة دفعة واحدة ..استقرت فوق صلعتي. س�ف��ري ال��ى ع��وال��م أخ ��رى ،ت�ن��اول��ت مظلتي وهممت بعد دقيقة فتحت السماء صنابيرها ،وصار هناك باالنصراف ..فإذا بالنادل يصيح خلفي.. مبرر قوي جدا إلظهار مروءتي الالمحدودة بالتدخل ماذا عن ثمن المشروب ياسيدي؟! لحماية هذه المخلوقة الجميلة ،عندما رفعت بصرها إلي ،اكتشفت أن نظرتها خالية تماما من كل ازدراء.. احم ّر وجهي خجال ولعنت ش��رودي ،فماذا سيظن فهل يا ت��رى كنت واهما؟ وأن��ا أراه��ا تبتسم لي هذه هذا النادل الوقح ،هل شك في منظري فظنني متسوال االبتسامة العذبة .لم أكن واهما البتة ،ألن صوتها كان أو ن �ص��اب��ا؟! وض�ع��ت ي��دي ف��ي ج�ي��ب معطفي ،كانت عذبا كابتسامتها ..حتى أنه أوشك على الذوبان وهي المفاجأة أني لم أجد محفظة نقودي ،ورنت في أذني تقول لي: نبرات توشك أن تذوب رقة وعذوبة« ..أشكرك كثيرا.. في وسعك أن تسمي ما أشتغل به عمال »..لكني طردت لماذا ال تفتح مظلتك؟ الفكرة من مخيلتي ..فهي على كل حال حسناء فاتنة، مددت يدي الى المظلة ،فتحتها تم قلت: وأن��ا بعد كل ش��يء رج��ل ذو مبادئ مترفع ،وستقولون آه ..طبعا المظلة.. عني أني مصاب بعقدة االحترام .ولكن ،ال يهم.. وفي لحظة شرودي ..سمعت صوتها الذي يوشك ال يهم إطالقا..
* قاص من المغرب.
74
اجلوبة -خريف 1432هـ
> مرمي محمد اللحيد*
اغتراب عندما أصعد الحافلة أطيل النظر في وجوه المارة ..علني أبعثر غربتي! نكست رأس��ي ..لست أدري أبكيت أم ال؟ كل ما أعرفه أنني أسبلت دمعة ،فقد شرد ذهني بين وحشة الطريق وبين الغربة التي ما انفكت تالزمني مثل ظلي ..حتى تركت في مالمحي شيئا منها، أغمضتُ عيني ،أرجعتُ رأسي للخلف ..فارتطم بحافة المقعد ،لم تكن الضربة قوية ،فقد ذقت ما هو أقسى منها!
ق���������ص���������ص ق������ص������ي������رة
قصتان بصوت غير مسموع ما كتبت سوزان عليوان: لنبدأ بفراشة :فراشة تبكي.. في حضن زهرة وتعترف لصرصار لئيم متربص في العشب: «نعم أنا -أيضا -حشرة!».
لقيطة
ب��األم��س ك��ي أط� ��رد األرق ،ر ّوج� ��ت إش��اع��ة نومي ..وبيني وبين نفسي نشرتُ الخبر ،مع أنني عدتُ أقلّب بصري بين مقاعد تجلس فوقها في الحقيقة لم أنم ،فقد حدثت بيني وبين النوم مرغمة أج�س��اد ف��ارق��ت األه��ل بحثا ع��ن علم ..جفوة. وربما عن عمل ،سائق ترافقه زوجته يتحدثان هو ،قرر أن يهجرني ..وأنا ب��دوري ،لم أكلف طيلة ال�ط��ري��ق ،بلغة ل��م أفهم منها شيئا ،وبين فتيات أخذ التعب منهن مأخذاً واضحاً ،قررن نفسي عناء التوسل له ..فذهب كل منا في حال إض��اع��ة ال��وق��ت حتى ال��وص��ول؛ ف��واح��دة تستمع سبيله ،وتالطمت أم��واج األفكار في داخلي ثم ألغنية ح��زي�ن��ة ،وأخ ��رى يطربها س�م��اع ال�ق��رآن كتبت: ال �ك��ري��م ،وث��ال �ث��ة ت �ح��دق ط��وي�لا ف��ي ص���ورة بال (مسكينة هي «اإلشاعة» ،أعترف بأنها أنثى أل��وان ..ورابعة أغمضت عينيها ،ترى هل نامت سيئة غير مرغوب فيها ،فهي ليست حبيبة أحد، أم ستنام؟! وخامسة تضحك مع أن الشارع كان أعتقد أنها مظلومة ،بل مطرودة..على الرغم من يوحي لنا بالبكاء! تعدد عشاقها ومروجيها ..ال أحد منهم يتبناها.. هن بنات هذا الوطن ..فلماذا ازدراهن اليوم شخص بنظرة تقول :أنتن بال وطن؟ لم يلتفتن له.. وسارت الحافلة في الطريق نفسه ،لكنني رددت
فتولد يتيمة بال أم وب�لا أب!! قدرها أن تكون «لقيطة» يتناقلها الجميع ..ولكنها دائما تنسب إلى مجهول).
* قاصة من الجوف.
اجلوبة -خريف 1432هـ 75
رثاء وأمل
إلى زوجتي التي رحلت > سليمان عبدالعزيز العتيق*
76
بيني وبين لقاك ِ يا مكحولة َالعينين
ويا نبعي الذي أ ُطفي به ظمئي
ِراض آكامٌ وأودية ٌ عـ ْ
غاض ْ وماءُ النبع ِ
ُوصلـُني إل��ى لـ ُقياك ِ وال��ذك��رى تهزُ ال دربَ يـ ِ
كلُ البحار الطاميات ِ وكلُ أبعادِ السهوب
تماسـكـِي ُ
ودورة ُاألفالك ِ واألزمان ِ فيما بيننا
والفقدُ يوجعُ مُ هْ ـجتي
ِالظ وتيهُ وِ هْ ـدَان ٍ غـ ْ
فاض ْ والدمعُ من عينيَّ
وخلف ليل ِ الفقد َ وخلف آماد الشتات ِ َ
سحابة ُالحزن ِ التي سالت على وجنات ِ أيامي
يرف لي بين سجوف ِ الحزن ِ بالبـُشرى ُ
ألما ًودمعا ًساخن ًا
ويوقظ كلَ آمالي
ومرارة ًفيما أ ُِسـيْـغ ُوال اعتراض
شغاف قلبي ِ بوعد الله بينَ ِ َرق ب ٌ
بيني وبينـ َك ِ يا بساتيني ويا سَ كني
َاض في ليل ِ أحزاني أنـ ْ
ويا بدري المنير بخافقي
وأحـتـَفـِي وهناك ألقاك ِ على تلك الرحاب ِ ْ
اجلوبة -خريف 1432هـ
مخاوف الفقد ِ المُ ـشـ ِِّت ُ ال تعتريه ِ
إليك هديتي وأحملُ األحلى ِ
امتعاض ْ وال يكدر ُه
قصائ َد الغزل ِ الرقاقْ
وروضات وزهرُ خمائل ٍ ٌ رَوحٌ وريحانٌ
لِ تضحَ ـكي ولـِتعْ ـجَ ـبي م��ن ك��ل ِه��ذا الحب ِفي
ومعينُ نهر ٍ ٍ
قلبي
شواطـئِ ـهِ وتركـُضين ِ تمرحين على
وكل ِ هذا الشوق ِ في روحي
خلف الفراشات ِ وخلف غزالة ِ المسك ِ التي مرتْ َ
وكل ِ هذا التوق ِ نح َو االنعتاقْ
غنت وخلف العصافير ِ التي ْ َ
أمضي بدربي في الحياة ي ُـشـدني شـَجـ َني
وتفرحين َضحـُوكـ َة ً
وتـُوعـِدني َصالتي
َالرياض ْ وسط
وأحتضنُ األماني كي تـُهـ َدْ هـِدُ ني
أحكي عليك وتسمعين حكايتي
ويـُظـِلني ِ في ظل نجواك ِ الحنانْ
يا عذبة َ النجوى
قد كنت ِ في الدنيا معينَ سعادتي
ارتعاشات التوهج ِ وابتهاجات ِ اللقا ِ بعد
وفرحة َخاطري
العـناقْ وبعد مُ ـشتـ َبك ِ ِ
ونعيم َأشواقي
أ ُلقي إليك ِ بما جرى
فكيف لو كنا بروضات ِ الجنانْ
حكاية َالحزن ِ الذي قد هزني
وكنت ِ يا ذات َالعيون الناعسات ِ بجان ِـبـي
وكل َلوعات ِ الفراقْ
فأفرش اإلستبرق األغـْلى ُ
ل ِـتـ َعْ ـلمي يا حلوة َاللمحات ِ عـن كم مرة ٍ أبكيتني
وتـَتـْكئـِينَ على ذراعيْ
حب مـُترع ٍ أسقـَيْـت ِـنـِي كم كأس ِ ٍ
والجنى في الجنتين ِ دانْ
كم قد زرعـت في شغاف ِ القلب من شجر ِ الرضا
ويفيض في قلبي برادُ الحب ُ
ورَعيتـِهِ وسـ َقيتـِهِ من فيض ِ ُحـبك ِ فاستوى
تفيض بناظري وبخاطري ُ والنـُعمى
في القلب ِ بستانَ اشتياقْ
وتستجيش مشاعري بسعادتي ُ
يمو ُر في بالي بأن ألقي بقارعة ِ الطريق ِ مَ ـتاعـبـِي
ويضمني دِ فءُ األمان ُ
ش������������������������������������ع������������������������������������ر
بحرارةِ اللقـْيا وبالقـُرب ِ الذي
ومَ ـحَ ـازني
* شاعر من السعودية.
اجلوبة -خريف 1432هـ 77
اسطنبول ..والذكريات > ماهر الرحيلي*
����ك ي����ا اس���ط���ن���ب���ولُ ع�������ا َد ال�����ف�����ؤادُ إل����ي ِ
�����������وق ح�������ال�������مٌ وس������ي������ولُ ٌ ي�������ح�������دوه ش
������اؤك ق�������ال�������وا ت�����ج�����ددت�����ي وزاد ب������ه ِ
ل������ك������ن ق�����ل�����ب�����ي ل�����ل�����ق�����دي�����م ي����م����ي����لُ
����د يُ ���دع���ى ���ك م����ن م����زي ٍ م����ا ف�����وق ح���س���ن ِ
وه��������و األص�������ي�������لُ ف����م����ا أراه ي��������زولُ
الزال ح����ب����ك ف������ي ف�����������ؤادي ع�����ام�����ر ًا
ل�����ك�����ن ع������م������ري ق�������د ع������������راه أف����������ولُ
ع����ش����رٌ م�����ن ال����س����ن����وات م���ن���ذ وداع����ن����ا
وال���������ي���������وم ذك���������راه���������ا إل������������يّ ت����������ؤولُ
���ت زرت�����ك ف���ي ال���م���واض���ي ث���ائ���ر ًا إن ك���ن ُ
وب�������ري�������ق ع����ي����ن����ي ل����ل����ش����ب����اب دل�����ي�����لُ
الش�������يء ع����ن����دي ي��س��ت��ح��ي��ل ح��ص��ول��ه
وال�����ف�����ك�����ر غ��������ال ٍ وال��������م��������زاد ق���ل���ي���لُ
ف��ل��ق��د ك��س��ت��ن��ي ال��ع��ش��ر م���ن ل��ف��ح��ات��ه��ا
م�����ا ال�����ق�����ول ف�����ي أوص����اف����ه����ن ي���ط���ولُ
ول���ق���د ع���ف���ا ذاك ال���ب���ري���ق وص������ار ف��ي
ع����ي����ن����يّ م������ن ت����ع����ب ال�����ح�����ي�����اة ذب�������ولُ
ل���ك���ن���ن���ي راض ٍ ب����م����ا أن��������ا ح����ائ����زٌ
ول�������و أن س���ي���ف���ي ق�����د ع�����رت�����ه ف����ل����ولُ
أنّ��������ى ل�����ي ال����ش����ك����وى وق���ل���ب���ي م��ف��ع��مٌ
���������������اك ع���ل���ي���ل ِ ي������م���ل��أه ج����������وٌ م��������ن رب
ه������و ذاك ق���ل���ب���ي ال ي����م����س ه�����ن�����اء ًة
������������������د ل������ل������س������ق������ام ت������ط������ولُ ٍ إال وأي
ه�����و دي��������دن ال����ش����ع����راء أن ي���ت���ذك���روا
وق����ت ال���س���ع���ادة م���ا ال���ج���روح ت���ق���ول ُ!!
* شاعر من السعودية.
78
اجلوبة -خريف 1432هـ
ش������������������������������������ع������������������������������������ر
اجلـــــوف > موسى بن عبدالله بوكر البدري* ي�����ا ج�������وف ط�������ال ال�����ش�����وق وال����س����ف����رُ
�����ارك ل�����ي ه�����و ال�����ق����� َدرُ؟ ف���ه���ل ان�����ت�����ظ ِ
�����ارك ل��ي ي�����ا ج�������وف إن ك�������ان ان�����ت�����ظ ِ
������ت أن����ت����ظ����رُ ش�����غ�����ف����� ًا ف������إن������ـّ������ي ل������س ُ
ي������ا ج��������وف زي������ت������ون ال������ش������آم م��ض��ى
ن�����ح�����و ال������س������م������اء وراح ي���ع���ت���ص���رُ
وي������ج������ود ن����ض����ج���� ًا ق�������اه�������ر ًا س���أم���ي
������ف ف�������ي درب�����������ه ال�������خ������� َو ُر ل������مّ ������ا ي������ق ْ
ي���م���ض���ي ع���ل���ى ش���ي���خ���وخ���ت���ي مَ ����رح���� ًا
ع�����ج�����ب����� ًا ل�������ه�������ذا! ك�����ي�����ف ي�����ق�����ت�����درُ؟
ف������������أرى ش������ب������اب������ ًا ِم��������������ل َء ص����ب����وت����ه
������ب ب�������ي م�������ا ع���������اد ي����ب����ت����د ُر وال������ش������ي ُ
ت����ل����ك ال����ص����ب����يّ����ة ق��������ال م���وق���ف���ه���ا:
�����ض�����رُ ح������يّ������ي������تَ أل�������ف������� ًا أيّ�������ه�������ا ال�����ن ِ
ل������و ال ال�����ح�����ي�����اءُ ون������س������وة ٌ م��ع��ه��ا
ط���������ال ال�����ط�����ري�����ق والتَ ت���خ���ت���م���رُ
����ك؟ ل���ي���ت ت��خ��ب��رن��ي م�����ا س������رُّ ح����س����ن َ
������������ك ال����خ����ط����رُ ذاك ال�����ش�����ب�����اب وذل َ َ
ال��������ج��������وف س�������يّ�������دت�������ي ج������راءت������ه������ا
ك����������ال����������ورد ف����������� ّز ول�������ي�������س ي����ن����ت����ه����رُ
ول�����ه�����ا س�����م����� ّو ال������رم������ح ذي عَ �����ل�����م ٍ
وب�����������ه ال�������ع���ل���ا ل������ل������ده������ر ت����ف����ت����خ����رُ
أم�����ج�����اده�����ا م����������ل َء ال�����س�����ج�����لِّ ف��م��ن
َ�������ص�������رُ ع�����ن�����ه�����ا ي�������ض�������لُّ إذا ل��������ه ب َ
����ب ع����ل����ى ال������ده������ور وال ّ������ت ,ت����ش ُّ ش������ب ْ
ت����ه����ن ال����ع����زي����م����ة ،ل����ي����س ت���ح���ت���ض���رُ
������ج������د س������اي������ره������ا ،أن������������اخ ل���ه���ا ال������م ْ
ق������م������م������ ًا ف����ل���ا ض�������ي�������مٌ وال ض��������ر ُر
ل�����مّ �����ا رأتْ ح��������ال ال�����ق�����ف�����ار ض��ن��ى
�������ت ف���س���ع���ى ل���ه���ا ال����ق���� َد ُر ح���ق���ب���اً؛ دع ْ
وأج���������اب���������ه���������ا ربّ�����������������ي ب����ح����ك����م����ت����ه
�����ت ص������� َو ُر ����ت م������واس������مُ وان�����ج�����ل ْ ف����ح����ل ْ
ي������ا ج��������وف ه������ل م������ن زورةٍ ل��ف��ت��ى
ول����������ه����������انَ ف���������ي أش����������ع����������اره غ������������ َر ُر
ي��������ه��������وى وص���������������ال ح�����ب�����ي�����ب�����ه ول������ه
ف��������ي ي������ان������ع األث���������م���������ار م��������ا ي����ص����رُ
�������������������ازل ول�������ه ٌ ف����������ي ع�������ي�������ن م�������ك�������ة ن
ن����������ور ال�����م�����دي�����ن�����ة إذ ع���ل���ا َوط����������رُ
ف��������إن اس�����ت�����ط�����ال ال�����ب�����عْ �����د س���يّ���دت���ي
ف�������أت�������ي إل��������������يَّ وس��������������وف أن�����ت�����ظ�����رُ
* شاعر من السعودية.
اجلوبة -خريف 1432هـ 79
متتمات اخلزامى > حسن الزهراني*
أس���م���ع���ي���ن���ي م�����ن ث����غ����رك األن����غ����ام����ا
وأم����ي����ط����ي ع�����ن وج���ن���ت���ي���ك ال���لّ���ث���ام���ا
ِس����ح����رُ ع��ي��ن��ي��ك أث���م���ل ال���ق���ل���ب ح��ت��ىَ
���ت ق��ل��ب��ي ي��س��ق��ي ال����ع����روق م��دام��ا ِخ���ل ُ
واسكبي لي من عطفك العذب شهد ًا
ّ���س���ي���ن���ي ت������اج ال�����ه�����وى -وال���غ���رام���ا ل���ب ِ
واق��ط��ف��ي ل��ي م��ن روض خ��ديّ��ك ورد ًا
���ات ال���خ���زام���ى ع���لّ���م���ي ال���ع���ط���ر ت���م���ت���م ِ
����ت ي����وم���� ًا ي����ا م��ه��ج��ت��ي ف����ب����دا ل��ي غ����ب ِ
ذل����ك ال���ي���وم م���ن ل��ظ��ى ال���ش���وق ع��ام��ا
����ب ك�������ل ش����������يء لَ�������مّ �������ا ن������أي������ت ك����ئ����ي ٌ
�����ت .وال����ض����ي����اء أض����ح����ى ظ�لام��ا ب�����اه ٌ
����س ول��ي��ل��ى) ح���دث���ون���ا ع����ن ح����ب (ق����ي ٍ
ف����ظ����ن����ن����ا م��������ا ح��������دث��������وا أوه�������ام�������ا
ال�����ت�����ق�����ي�����ن�����ا أن������������ا وأن���������������ت ف����ك����نّ����ا
����������ف ل���ي���ل���ى ه���ي���ام���ا ����س وأل َ ��������ف ق����ي ٍ أل َ
وأع��������دن��������ا ل����ل����ح����ب م�������ج�������د ًا ت�����ولّ�����ى
وب����ن����ي����ن����ا ف���������وق ال�����ن�����ج�����وم خ���ي���ام���ا
�����������روض ٍ وغ����������دون����������ا ف������راش������ت������ي������ن ب
�������ال ن�����س�����اب�����ق األح���ل��ام������ا م�������ن خ�������ي ٍ
����س ُط���ه���رٍ ُح����بّ����ن����ا ي�����ا غ����زال����ت����ي ش����م ُ
م����ا ش���رب���ن���ا م����ن راح����ت����ي����ه ال���ح���رام���ا
يُ ���ث���م���ر ال���ش���ع���ر ف����ي غ���ص���ون جَ ���نَ���ان���ي
ح����ي����ن ي���س���ق���ي���ه وج�����ه�����ك اإلل����ه����ام����ا
* شاعر من السعودية -رئيس النادي األدبي في الباحة.
80
اجلوبة -خريف 1432هـ
م������������������واج������������������ه������������������ات
طالل الطويرقي لـلجوبة ..الكتابة
اإلبداعية مقدمة على النقد زمنا ً وكتابة
> عمر بوقاسم*
الشاعر طالل الطويرقي ..صوت جاد ومتميز في الساحة الشعرية« .ليس مهما» هذا عنوان مجموعته الشعرية الصادرة عن نادي الطائف األدبي عام 2007م ،وهو أحد األسماء الشبابية ال��ب��ارزة ،منذ منتصف تسعينيات القرن الماضي ،له حضور منبري ..يدهشك بتسلقه إلى ذائقتك بشاعريته الجميلة ،وجرأته التي تستوعب المغامرة في فضاء النص ..المغامرة التي ال تتناقض مع ملكته وعشقه لكتابة القصيدة العمودية ..مغامرته تمتد إلى أبعد من الشعر.. إلى الرواية !!..وهنا نقف معا ونحاوره.. < عام 2007م ،أصدرت مجموعتك “ليس مهما ”..األولى والوحيدة حتى اآلن.. وه����ي م���ن إص�������دارات ن�����ادي ال��ط��ائ��ف األدب��ي ،كيف تقرأ ،أن��ت ،تجربتك من خالل هذه المجموعة؟
> ب�خ�ص��وص ال�ت��رت�ي��ب ال��زم �ن��ي للكتابة، فهذه المجموعة تُعد الرابعة في ترتيبها الزمني ،فثمة مجموعات سابقة لم أتمكن من طبعها ..ليس لشيء إال ألني فقدت التعاطف معها -رغ��م م��ا ف��ي ذل��ك من
اجلوبة -خريف 1432هـ 81
قسوة -فكما تعرف أن األلفة تفقدك جماليات األشياء ،وهذا ما حدث مع مجموعاتي السابقة لمجموعتي (ليس مهمّا)؛ فقد فقدت تعاطفي كليا -ح�ي�ن�ه��ا -م��ع ت�ل��ك ال �ن �ص��وص ،م��ع زخ��م التدفق الكتابي الذي كان يقودني إلى الجديد دائما ،في رحلة متواترة مع الكتابة الدائمة ..ال أعتقد أني جنيت بشكل ما على تجربتي والقراءة المستمرة ،ومن هنا تحديدا ..أشعر العمودية ،لكني أهملتها زمنا على صعيد أن مجموعتي (ليس مهما) خضعت لمسألة الكتابة والنشر ،وها أنا أع��ود لها وأقرؤها حس نقدي واضح، انتقائية بحتة ،يقودني فيها ٌّ بعد كل هذا الزمن ،وأجد المتعة والبهجة، فقد أقصيت الكثير من النصوص المنشورة في وأكتب الجديد أيضا ،وسيصدر لي دي��وان أزمنة متفاوتة ،وأبقيت النصوص القريبة إلى عمودي قريباً. نفسي مما يشكل نكهة مختلفة وجوا واحدا. وعلى ذلك فأنا أرى أ ْن ليس علي قراءة تجربتي ثم إني أكره مسألة التصنيف؛ ذلك أن الثقافة فعل تراكمي ف��ي األص��ل ،ومسألة التجاور الكتابية ،بل يدخل ذلك ضمن اهتمامات النقاد متعلق ٍ والتداخل ..أعتقد أنها مسألة وع� ٍ�ي أص�لا .وإن كان لي بعدها أن أق��رأ تجربتي.. بالثقافة في الدرجة األولى ،واآلراء األحادية فأعتقد أن�ه��ا ت�ج��رب��ة م�ت�ف��ردة ن��وع��ا م��ا فيما واليقينية ال تترك إال إجابات مُرة تموت معها ص��در ضمن الساحة المحلية ،وه��ذا ما أس ّر األسئلة فينا ،لنتحول إلى خراب من الجمل به مجموعة من الشعراء لي بشكل شخصي.. ال �ي �ق �ي �ن �ي��ة ال��ت��ي ف��ق��دت ج ��دوى ولم تسعفهم الشجاعة للكتابة ال��غ��ذام��ي ،وال��س��ري��ح��ي ،التساؤل التي تلهب بدورها جذوة عنها ،وال أعرف مبررا لذلك. وال��ب��ازع��ي ..ه���ؤالء رغم اإلبداع ،وأكبر دليل على ذلك أن < وأن���������ت ت���ت���ق���ن ال���ق���ص���ي���دة ج��م��ال��ه��م ال���ب���اذخ ال���ذي التساؤل أم��ام ال�ت��راث قادنا إلى ال��ع��م��ودي��ة ،ح��ي��ث صافحت ق��دم��وه لنا توقفوا عند فعل تجديدي أف��رز ه��ذا التجدد الساحة الشعرية بعدد منها ال��دائ��م ،ف�لا تطفئوا فينا ج��ذوة مرحلتهم في بداياتك ،في المنتصف التساؤل تلك! الثاني من تسعينيات القرن األلفة تفقدك جماليات < هل يزعجك الناقد؟ ال��م��اض��ي ،ل��م��اذا غ��اب��ت تلك األش��ي��اء ،وه��ذا ما حدث ال��ق��ص��ائ��د ع���ن مجموعتك مع مجموعاتي الشعرية > ال يزعجني أب ��دا ،ب��ل ربما «ليس مهما»..؟ أك� ��ون م��زع �ج��ا ل��ه م��ن خ�ل�ال ما السابقة أكتب ،فثمة فئة من النقاد ،حين > أعتقد أن غيابها ل��م يكن إال لسبب وحيد ،وقناعة شخصية ال أعتقد أني جنيت على ي �ت �ن��اول��ون م�ج�م��وع��ات ص� ��ادرة.. تتلخص في أني ال أحب الخلط تجربتي العمودية ،لكني ي�ت�ن��اول��ون�ه��ا ب�ك�ت��اب��ة تنطبق على بين تجاربي المختلفة ،فحين أهملتها زمنا على صعيد م �ج �م��وع��ات م�خ�ت�ل�ف��ة ،ت��ن��اوال ال الكتابة والنشر يتواصل مع عمق التجربة بقدر أق��دم��ت على طباعة دي��وان��ي
األول ،أحببت أن يكون تفعيليا ..كوني قضيت زمنا طويال في هذه التجربة ،وأنفقت عليها الكثير من الجهد والتعب ،وأهملت ما عداها، فاستحقت بذلك أن يكون لها قدم السبق في الطباعة ليس إال.
82
اجلوبة -خريف 1432هـ
عموما ..أوقن أن الكتابة اإلبداعية مقدمة على النقد زمناً وكتابة ،فالشعر أسبق من النقد ،بل أشعر بشكل أكثر دق��ة أن الناقد ليس إال مبدعا فاشال.
م������������������واج������������������ه������������������ات
ما يتواصل مع قشورها ،وفئة أخ��رى ال تفرق بين النصين التفعيلي وال �ن �ث��ري ،بعيدين عن الشعور باإليقاع أصال، وي�ت�ن��اول��ون�ه�م��ا ك�ن��ص واح ��د؛ م��س��أل��ة ال��ت��ن��ظ��ي��م بين ول ��ذا ،أش�ع��ر أن نصي يكون ال����ق����راءة وال��ك��ت��اب��ة في > ليس ثمة س��ر ي��ا صديقي، ٍ مشكال لهذه الفئة من النقاد .أوقات محددة ،يحرضك ك ��ل م ��ا ف ��ي األم � ��ر أن ال �ك �ت��اب��ة وقلة قليلة من يحق علينا أن ع����ل����ى ال�������ذه�������اب إل����ى ب���أي ش �ك��ل ت �ع��د ف �ن��ا م �ت �ج��اورا، نطلق عليهم هذا المسمى ..النص!! وم��ا بعد ال�ح��داث��ة ت�ق��ول بتجاور أم� �ث���ال ال ��دك� �ت ��ور ع �ب��دال �ل��ه ال�ف�ن��ون وان �ت �ه��اء ال �ح��واج��ز فيما ال �غ��ذام��ي ،وال��دك �ت��ور سعيد علينا أن نأخذ بمعطيات بينها ،فالمسرح يستخدم الشعر ال�س��ري�ح��ي ،وال��دك �ت��ور سعد ال���ع���ص���ر ف����ي ال��ت��ع��ام��ل والتصوير والموسيقى ،والرواية ال �ب��ازع��ي ،ل �ك��ن ه� ��ؤالء رغ��م م��ع ال��ك��ت��اب��ة ..وال ب��أس أي �ض��ا ي��دخ�ل�ه��ا ال �ش �ع��ر ،والشعر جمالهم الباذخ ال��ذي قدموه أن تكون ش��اع��را نِ تِّيا أو يدخله السرد وهكذا ..ومن هنا ل �ن��ا ،ت��وق �ف��وا ع�ن��د مرحلتهم ورقياً. فالفنون ت�ت�ج��اور وتتقاطع فيما تلك ،وعند مجايليهم ..ولم بينها ،صحيح أن ه��ذا م��ا قيل يكن للشباب مكان شاغر فيما كتبوا ،وبذلك فيما بعد الحداثة ..لكني أرى أن ذلك قيل كان فعلهم النقدي الزما لمرحلتهم ال يتعداها، قبل ذلك بزمن طويل ،فحين نقرأ المعلقات وهذا مؤسف بالفعل. – معلقة ام��رئ القيس مثال – نجد السرد اآلراء األحادية واليقينية ال تترك إال إجابات مُ رة تموت معها األسئلة!!..
< سمعت أنك تخوض تجربة الكتابة الروائية ،هل لنا أن نعرف سرَّ وجودك في هذا الفضاء ،أم أن هذا الزمن يليق بالرواية أكثر من الشعر؟
ماثال ..لكأنَّ رواي��ة أو مسرحية ت��دور أمام عينيك وأن��ت تقرؤها ،ومن هنا لم يكن لما بعد الحداثة ف��ي ه��ذا إال فضل ال�ق��ول في تجاور الفنون الذي كان موجودا أصال منذ ذلك الزمن الموغل في القدم.
< هل هناك فضاءات أخرى لكلمتك؟ > الفضاءات شاسعة وفسيحة ،وال ت��دري أين يهطل مطرك ..وال على أية أرض ،لكن الفن جميل بعمومه ،وال تحده ح��دود ..وال تقيده قيود ،ومن هنا لن أتردد ..متى وجدت أرضا يهطل عليها مطري لننبت معا حلما جديدا وأنيقا وباسقا ونديا .فالفن شاسع -يا عمر- والفضاء رحب كم تعرف.
اجلوبة -خريف 1432هـ 83
< ق��ص��ي��دة ال��ن��ث��ر ت��ت��ص��در ال��م��ش��ه��د ال��ش��ع��ري العربي ،أليس ه��ذا دليال على قدرتها على االستمرار واح��ت��واء ما عجزت عنه قصيدة التفعيلة؟
النقاش والجدل ،ومن هنا ستموت األسئلة.. ويبقى ج��واب الشكل جوابا واح��دا ووحيدا، وتنتهي ألوان الطيف ،وهذا سيقود إلى لون أسود ليس من ألوان الطيف أصال.
> لن أكون حكما هنا ،لكني أقول إن لكل فضاء < متى تكتب القصيدة؟ ع �ش��اق��ه ،ول �ك��ل ت�ج��رب��ة م�ح�ب��وه��ا ،وم�س��أل��ة > كنت أؤمن أن الكتابة إلهام ينتظر ،لكني بعد ال�ت�ص��در ه��ذه ليست م�س��أل��ة مهمة ب��رأي��ي تجربة ..أشعر أن الكتابة ليست أكثر من دربة ال�ش�خ�ص��ي ،ل�ك��ن ال�م�ه��م م��ا ي �ق��دم ف��ي ه��ذا دائ�م��ة ،وتهيؤ متعمد يأخذ بعد ذل��ك شكل الديمومة ،وستجد النص بعد ذلك ممسكا الفضاء أو ذاك ،بهذا الشكل أو بغيره ..وكل بتالبيبك يشدك إليه ،ول��و حاولت التهرب ما يحكم ذلك الفن ..والفن فقط. منه سيركلك وهو يقول لك :سنلتقي غدا يا فكما يوجد من يحب قصيدة النثر ..هناك صديقي. من يحب النص العمودي ،وآخر يفضل النص التفعيلي ..وهكذا ،وليس من العقل والحكمة مسألة التنظيم بين القراءة والكتابة في أوقات محددة ،يجعلك ال تنتظر النص حتى يهطل أن نوحد ال��رؤى في شكل بعينه دون آخر، عليك ..بل عليك أن تذهب إليه وتكتبه ،وال وعلى كل شخص أن يجد ما يمتعه ويحبه بين تنتظر أن يكتبك .وقد وجدت ذلك حقا. يديه ..بعيدا عن مسألة اإلقصاء التي تقود المشهد إل��ى تقليدية مقيتة ،ورأي ال يقبل < شعراء الستينيات والسبعينيات وكذلك شعراء
84
اجلوبة -خريف 1432هـ
< هناك اآلن م��ا يمكن أن يطلق عليه (شعر أو شعراء النت) ،هل هناك خصائص فنية لقصيدة النت؟
الثمانينيات ،يتحدثون ع��ن تجاربهم بأنها األح��ق بالبقاء ،وأن األجيال التي تلتهم ،لم تأت بشيء جديد يستحق الوقوف عليه ،هل هذا صحيح؟ وماذا يقول الطويرقي في ذلك؟
> أعتقد أن النص ليس له مسمى ،وال يتعلق بمكان كتابته ،وشعراء النت أو النص النتي أخذ مسماه من مكان كتابته ليس إال ..وهذا غير منطقي .لكني أعتقد –أيضا -أن كتابة الشعر حين تكون في النت -بشكل مباشر- ستكون أشبه بعملية السلق السريع التي ال تدل على عمق واضح في التعامل مع النص/ الطبخة.
صحيح أن علينا أن نأخذ بمعطيات العصر في التعامل مع الكتابة ،لكن يجب أن تخضع تلك الكتابة إل��ى عملية واعية في التعامل معها ،وإل��ى ق��در م��ن الحساسية المرتفعة ليكون النص نصا جيدا ،وال بأس حينها أن تكون شاعرا نتيا أو ورقيا.
> حتما ليس صحيحا ،لسبب واحد يتمثل في أن اإلب ��داع ال يتوقف وال ينضب ،ب��ل يبقى نهرا متجددا في الحياة ،ول��ذا ..من يقول ذلك يجد أن نهره الشخصي بدأ يتوقف في بداية لرحلة نضوب وشيكة ،وسيتحول هذا القائل إلى بِركة آسنة ال تسمع فيها إال نقيق الضفادع.
م������������������واج������������������ه������������������ات
غير رجعة.
< أشك أن شعراء اليوم ،يملكون أدوات لقراءة قصيدة التراث ،هذا ما ألمسه من كتاباتهم وأحاديثهم ،فكيف ترى ذلك؟
صحيح أن شعراء المراحل التي ذكرت قدموا شيئا ج �ي��دا ،لكن النقد ك��ان م��واك�ب�اً جيدا لتجاربهم م��ا جعلهم نجوما ل�ه��ذا السبب، وسبب آخر يتعلق بالصراع الذي كان قائما حينها بين القديم والحديث ،ونشوة الصحوة، وبزوغ الحداثة ،وبسبب هذا الصراع في تلك المرحلة بزغت نجوم كثيرة ..ذبل منها الكثير اآلن بسبب قناعته بتوقف نهر اإلبداع ببابه.. فيما النهر يمضي بعيدا عنه ملوّحا له إلى
> يمكنني القول ببساطة مطلقة إن الشعراء الذين ال يملكون أدوات لقراءة التراث العربي عموما ،أشبه بنباتات الزينة التي ال جذور لها ..وعمرها قصير. وحين نعود إلى حقيقة الشعراء الذين شكلوا بصمة واض �ح��ة ،نجد أن لهم ج��ذورا تمتد بعمق كبير في أرض تراثهم -أي��ا ك��ان هذا التراث -ما مكّن أشجار شعرهم من النمو وال��دي�م��وم��ة ..ومنحت ظ�لاال كثيرة ليجلس تحتها ك��ل م��ن ال ج ��ذور ل��ه ،ول��م يجد ظله
اجلوبة -خريف 1432هـ 85
��ت م���دام���عُ ���هُ الشخصي موصوما بعالمة فارقة من التقليد ظ���م���آنُ ل���و ض��ح��ك ْ ال تفارقه. حتمـا سيطفرُ منهما العسلُ �������رح ت���غ���ام���ـ���زُ ُه أتذكر ،حين كنت في بداياتي ..أقرأ التراث وي����س����ي����لُ ف�����ي ف ٍ ال�ع��رب��ي ع�م��وم��ا ،وك�ن��ت أح�ف��ظ ج��زءا كبيرا ������ذوب ف��ـ��ي أحداقِ نا ال��غ��زلُ ُ وي م��ن المعلقات والقصائد العربية العظيمة للشعراء الصعاليك ،التي لو عاد بها الزمن أق�������م�������ا ُرهُ ت���ش���ك���و ب��ل��ا ض���ج���رٍ �������اق م��ح��ت��مَ ��لُ مـا ال َح ف���ي اآلف ِ اآلن ،ألصبحت نصوصا حديثة كأنها تكتب اآلن ،أتذكر الكثير من ال �ق��راءات التي كان ����ح����ـ����ـ����هُ خ���������وخٌ ت�����ذك�����رُ ن�����ي روائ ُ يعاضدها الكثير من الجهد والتعب الجميل، أي���ـ���ـ���امَ ���ن���ا األول�����ـ�����ى وت���رت���ح���لُ وكنت أكللها بقراءة عيون الشعر العربي عبر أزمنته المختلفة .وكنت أيضا في فترات تالية ع���ام���ـ���ان ق����د م�������� َرّا وم�����ا ع��رف��ا أقرأ المختارات أيضا كمختارات البارودي، ـحك وال��� َنّ���دى ثملُ وا َلّ���ل���و ُز يض ُ ومختارات الليبي خليفة التليسي التي امتدت ج���س���دٌ ت�لاح��قُ ��ن��ـ��ـ��ي ب��ش��اش��تُ ��هُ من الجاهلية إلى العصر الحديث ،لقد قرأت ������روح م��ك��ت ِ��م��ـ��لُ ونعيمُ ـهُ ف���ي ال ِ حتى النثر العربي ..وتوقفت عند الجاحظ كثيرا ،وحتى اليوم ال زلت أعيد قراءته في وأن��������ا ع���ل���ى أوت����������ارِ ب��ه��ـ��ـ��ج��تِ ��هِ أوق��ات متفاوتة ،خصوصا رسائل الجاحظ ف�������رحٌ ي�����ج�����ولُ وق����ب����ل����ةٌ ت��ص��ـ��لُ األدبية والسياسية. �����راح�����هِ ض��ج��ري �����ت م����ن أف ِ أ ّ َث�����ث ُ أعتقد أن التراث ما يزال أرضاً بكراً ،فرغم ومدامــعي ب���ال���وص ِ���ل ت��ك��ت��ح��لُ كل ما قيل ويقال ..إال أنك تجد أن فضاءات ومباهجي ال��خ��ج��ل��ى ي��ط ِ��وّقُ ��ه��ا النص التراثي تتفتح بين يديك. ـائد حينَ تحتفلُ حجلُ القصـ ِ < ما المواقع التي تزورها على اإلنترنت؟ ���ات رج���ف���تِ ���هِ ���ت ف����ي ب���ـ���اق ِ > أزور الكثير من المواقع ،وفي فضاء رحب -أش���ع���ل ُ �����ل يعتملُ ��ول وظ ّ َ قلقَ ال��ف��ص��ـ��ـ ِ حوّل العالم إلى قرية بين يديك -يستحيل أن تحدد مواقع معينة ،لكني أزور كل موقع ���ح���هُ م����رت����اب����ةٌ أم����س����ت م�ل�ام���ـ���ـ ُ يمكن أن يضيف شيئا إلى معارفي وخبراتي حلمــها ال��م��ق��لُ ِ وتك ّ َدست ف��ي وتجاربي. رم���������انُ ن����ش����وتِ ����هِ ع���ل���ـ���ـ���ى ق���ب ٍ���ل وفيما يلي إحدى قصائده (غيم) التي تنشر مبثوثةٌ ف��ـ��ي م��ائِ ��ـ��ـ��ـ��ه��ا ال��قُ ��بَ��لُ ألول مرة ،وقد خص بها الشاعر مجلة الجوبه: ������ل وخ����انَ����هُ ال��خ��ج��ـ��لُ غ���ي���مٌ أط ّ َ ����ق����هِ ال��قُ ��ب��لُ ـمت ف���ي أف ِ وتراكـ ْ
86
اجلوبة -خريف 1432هـ
��دن ل���ك���أ َنّ���ن���ي أط���ف���و ع���ل���ى م��ـ��ـ ٍ مـن غ��ي ِ��م��ـ��ـ��ه��ا ي��ت��ق��اط��رُ ال��وج��لُ
الشعر فطرة منذ تكوين اإلنسان نفسه، وجوهر الشعر ما نبع من الوجدان
م������������������واج������������������ه������������������ات
في حوار مع الشاعر السعودي حسن الزهراني:
> حاوره مصطفى شرف*
م��ن م��وال��ي��د ق��ري��ة(ال��ق��سَ ��م��ة) بمنطقة ال��ب��اح��ة ،يحمل ال��ب��ك��ال��وري��وس ف��ي اآلداب – ج��غ��راف��ي��ا ،ودب��ل��وم��ا ف��ي اإلدارة ال��م��درس��ي��ة .ي��ت��رأس ال��ه��رم الثقافي بالباحة (ن���ادي الباحة األدبي). يمتاز شعره بقوة النص .وقد حظي بشهادة أغلب النقاد.. صدرت له عدة دواوي��ن شعرية منها ..أنت الحب 1409هـ، فيض المشاعر1412هـ ،صدى األشجان 1418هـ،ريشة من جناح الذل 1420هـ ،قبلة في جبين القِ بلة 1423هـ ،تماثل ()1425هـ. الشغاف ،وله ديوانان آخران معدان للطبع ومجموعة قصصية سترى النور قريبا. وقطاف ِ فاز ديوانه (فيض المشاعر) بجائزة أبها األدبية 1412ه��ـ ،كما فاز هو بجائزة (باشراحيل لإلبداع الشعري سنة 1431ه��ـ) ،واختيرت قصيدته (دان��ة األح�لام) من بين أجمل قصيدة في الشعر العربي اإلسالمي في العصر الحديث ،أما قصيدته (قُ بلة في جبين الوطن) فقد اختيرت لتدريسها ضمن منهاج النصوص في الصف الثالث المتوسط. كان شاعرنا –كعادته -شفافا في لقائه .فلم يراوغ أو يتصنع اإلجابة..طغت عفويته على اللقاء ..فجاء رائعا كروعة الزهراني نفسه.. < ت��خ��ص��ص ف���ي ال��ج��غ��راف��ي��ا وج������ودة بل عبقرية في الشعر لدرجة أنه أطلق عليك بحتري الباحة وعندليب الجنوب ..كيف تأتى لحسن الزهراني ذلك؟
> الشعر فطرة ..والجغرافيا تخصص، وال يشترط أن ي�ك��ون ال�ش��اع��ر خريج أحد أقسام اللغة العربية!
< لعناوين دواوينك وإخراجها الفني وقع
اجلوبة -خريف 1432هـ 87
الشاعر الزهراني أثناء أمسيته الشعرية في مؤسسة عبدالرحمن السديري الخيرية
خاص على المتلقي ،مثل «صدى األشجان، القبلة ،ريشة أوصاب السحاب ،قُ بله في جبين ِ من جناح الذل ،قطاف الشغاف» .ما السر في ذلك؟
كالجدول ال��رق��راق ،وب�ق��در وعيه ومخزونه اللغوي وتجربته ،يرتب هذا الدفق الشعوري ليخرج على هيأة قصيدة يلفت بها األنظار، أو تكون محل تهكم وعدم الرضا.
> اختيار العنوان أمر مُحير ،واألكثر منه لوحة الغالف ،لذلك تجدني أقف طويال قبل طباعة أي ديوان ،الختيار العنوان ولوحة الغالف.. وك��م سرني أن نالت منك رض��ا ..ف�ع��ادة ما يكون الشاعر غير راض عن العناوين وأغلفة دواوينه.
القبلة) كثرة < نلحظ في ديوان (قُ بلة في جبين ِ ذكر األماكن واألشخاص بشكل ملفت للنظر مثل :البيت العتيق ،مكة ،طيبة ،الطائف، نجد ،القصيم ،حائل ،الهدا والشفا ..،الخ. وام��ت��د ذل���ك إل���ى خ����ارج ال��وط��ن..وم��ع��روف أن ذل��ك يضعف الشعر ..ولكنك استطعت توظيفها توظيف ًا زاد من قوة شعرك ،فكيف تمكنت من ذلك؟
القبلة)، < المدقق في قصيدة (قُ بلة في جبين ِ والتي تحمل اسم أحد دواوي��ن��ك ،يرى فيها > قلت في اإلجابة السابقة :إن خبرة الشاعر ل��وح��ة فنية تكاملت فيها عناصر الصوت ومخزونه اللغوي ومهارته في الصياغة ،هي وال��ل��ون وال��ح��رك��ة ،فهل لعبت ص��دف��ة ال��وزن ال�ت��ي تجعل ق�ص��ائ��ده م�م�ي��زة ،وه��ذا ينطبق والقافية دورها في ذلك أم ُخ ِّطط مسبق ًا لها على ما يرد في ذكر أماكن وأسماء غالبا ما من قبلكم..؟؟! تكون عامال في ضعف القصيدة .والشاعر > ال�ش�ع��ر إل �ه��ام ي�ن�س��اب ف��ي مخيلة الشاعر المتشبع بالشاعرية هو الذي يجعل من هذه
88
اجلوبة -خريف 1432هـ
< نجد ف��ي قصيدة (م��ن ل��ؤل��ؤة ال��ج��ن��وب إلى حبيب القلوب) ،والتي ألقيت بين يدي سمو األمير سلطان بن عبدالعزيز أثناء زيارته لمنطقة الباحة ،ما يسمى بأثر البيئة في النص كقولك: ه���ذا ط��ري��ق ال���م���وت ،ش���رب دم��و
> ال�ش�ع��ر ف �ط��رة ت�ت�ك��ون م�ن��ذ ت�ك��وي��ن اإلن �س��ان نفسه ،ولكن من ال��ذي يكتشفها وينميها؟! فتلك الموهبة التي تحتاج إلى رعاية مبكرة، وإلى كثيف قراءة وإطالع ،وسعة أفق ،ورحابة صدر ،وانعتاق من كل القيود التي تكبح جماح الشاعر0
م������������������واج������������������ه������������������ات
األماكن واألسماء شاعرية أيضا 0
الشعراء؟
< ي��س��ت��خ��دم ال���ش���ع���راء ال��ل��غ��ة ف���ي أك���ث���ر من عنا ودمـ ـ ـ ــائنا في شرعه إدم ــان ه����دف ،وي��ع��ت��م��دون ع��ل��ى ال��خ��ي��ال اع��ت��م��ادً ا < فما الذي دفعك إلى ذلك؟ كبيرً ا ،والشعر ال��ص��ادق أحاسيس تنبع من > ه��ذه القصيدة لها ق�ص��ة ،فقد ك��ان محر ٌم الوجدان .فمـ ــاذا عن لغــة الشعر ،والخيــال، علينا أن نطلب ف��ي القصائد أي ش��ي من والمضم ــون ال ــوجداني لدى الشاعر حسن احتياجات المنطقة ،وإنما الترحيب والثناء محمد الزهراني؟ والوصف فقط ..ولكنني راوغت المشرفين > أن��ت تتحدث ع��ن ج��وه��ر الشعر ال��ذي ينبع على قصائد الزيارة الميمونة ،وصممت على من الوجدان ..فلق الشاعر وصوره وأخيلته، التغيير ..وألقيت القصيدة التي ذكرتها.. وتقنية الكتابة ،وص��دق الشعر ،والتجارب ونالت إعجابا كبيرا من الحاضرين ،وقاطعني الوجدانية ..هي التي تصنع القصيدة ،وأنا الجمهور مرارا تصفيقا حارا ..وكانت مغامرة استجمع هذه المكونات بعد أن تلمع الفكرة، م�ن��ي ،لكن األم �ي��ر سلطان -أط ��ال ال�ل��ه في وينهمر اإللهام. عمره -قطع على كل من يتربص الطريق، وناداني بعد إلقائي للقصيدة ،وحياني ،وقال < :إذا قلنا :إن فنون الشعر العربي الحديث هي: ال��دي��ن��ي ،ال��وط��ن��ي ،االجتماعي ،ال��وج��دان��ي، ((هذه ملحمة وطنية رائعة سأنقلها إلى خادم التمثيلي ،الملحمي .فإلى أي منها ينسب الحرمين الشريفين وولي عهده األمين ،وبإذن الزهراني قصائده؟ الله يتحقق ما طلبت)) .وقد نُشر هذا إذ ذاك في الصفحات األولى من صفحاتنا المحلية > ،هذا ما يقرره النقاد أنفسهم ..أما الشاعر وتلقيت ات �ص��االت ورس��ائ��ل ث �ن��اء م��ن أب�ن��اء الذي يضع نفسه في قالب مُعين ،ويقول أنا المنطقة على الجرأة ،والتحدث باسمهم ،وقد تحت ه��ذا ال�ن��وع ..فهو يقتل نفسه وشعره، تحقق بحمد الله كل ما طلبته في القصيدة، ويجب أن يكون الشاعر ف��راش��ة ال تعترف أما حضور البيئة ..فمن الطبيعي أن تحضر بالحدود والحواجز والتصنيفات. في قصيدة تجسد احتياجات أبناء المنطقة < هل حاول الزهراني خوض الشعر الملحمي أمام أمير اإلنسانية سلطان بن عبدالعزيز. كما فعل شوقي ،وأبو ريشة ،وبولس سالمة، < ه��ل الشعر دراس���ة وت��ع��ل��م،أم ه��و ف��ط��رة لدى
وخالد الفرج ،وغيرهم..؟
اجلوبة -خريف 1432هـ 89
> لكل زمان ظروفه ومجتمعه وطريقته في التلقي ،وأنا ال اعتقد أن الشعر الملحمي في عصرنا ه��ذا ..سيكون له قبول ،ألن المتلقي اآلن يبحث عن القصائد القصيرة ،بل قد تحول األمر إلى خروج الشعراء -بناء على رغبات المتلقين والنقاد -إلى الشعر الفلسفي الذي يستغرق في الفكر أكثر من الشعر. < للشعر إي��ق��اع يميزه دائ��م��ا ع��ن ال��ن��ث��ر ..ويتمثل ف��ي األوزان والقوافي والعالقات الصوتية بين الحروف والكلمات ،وهو ما يسمى «باإليقاع الداخلي» .فكيف يختار الزهراني أوزانه وقوافيه وإيقاعه الداخلي؟ > عندما تحاصرك القصيدة ،ليس بوسعك اختيار أي شيء، وليس أمامك إال أن تستجيب لهذا الهتان الجميل ،وتفتح له كل أبوابك ،وتنصت ألنغام بالبل الروح ..وتغني معها بقلمك0 < ماذا عن تجربتك في إدارة النادي األدبي بالباحة؟ > إنها معاناة مريحة وم ��رارة ل��ذي��ذة ..ل�م��اذا؟ ألننا نجمع بين نقيضين :إدارة وم�ب��دع أو مثقف ..والمثقف المبدع تُلزمه بشيء ،لذا يجب على رئيس النادي األدبي في أي زمان ومكان أن يضع كل هذا نصب عينه.
90
والحقيقة ..لوال أنني مع نخبة في مجلس إدارة نادي الباحة، تمتلك قدرا كبيراً من الوعي ،وتؤمن دائماً بأن االختالف يجب أال يؤدي إلى الخالف ،وأن عملنا في النادي هو بمثابة رسل سالم ،وأن العمل في الثقافة واجبٌ وطنيٌ ..يجب أن نتحمل
اجلوبة -خريف 1432هـ
< تتسم معظم قصائدك بعاطفة غامرة تجاه الوطن .فما قولك في ذلك..؟!
> الوطن هو نحن ..وعندما أكتب عن الوطن أكتب عن روح��ي ..عن أمي ،وعن أبي ،وعن حبيبتي ،وعن أبنائي ..عن شربة الماء الباردة < ح��ق��ق��ت��م ف����وزا ف���ي م��ي��ادي��ن ك��ث��ي��رة ك��ف��وزك��م ب��ج��ائ��زة ب��اش��راح��ي��ل ل�لإب��داع ال��ش��ع��ري ع��ام على ظمأ ..عن سنبلة مليئة بالخير ،عن نخلة 1431ه����ـ ،وج��ائ��زة أب��ه��ا األدب��ي��ة ع��ام 1412ه���ـ باسقة ...عن _عن_ عن ..فكيف ال تتدفق ع��ن دي��وان��ك��م «ف��ي��ض ال��م��ش��اع��ر» ،واخ��ت��ي��ار العواطف صادقة تجاه كل ذلك..؟! قصيدة (قُ بلة في جبين الوطن) لتدريسها < ما موقع الشعِّ ر في المملكة في ظل الحضور ض��م��ن م��ن��ه��اج ن��ص��وص الثالث الطاغي للفنون السردية. ال��م��ت��وس��ط ،واخ��ت��ي��ار قصيدة وما رأيك في من يقول إن: (دان��ة األح�لام) من بين أجمل «الرواية هي ديوان العرب «؟ ق��ص��ي��دة ف���ي ال��ش��ع��ر ال��ع��رب��ي وم��اذا عن الشعر الخليجي اإلسالمي في العصر الحديث. وال���ش���ع���ر ال���ع���رب���ي ب��ص��ف��ة ما هو شعوركم بهذا االنجاز؟ عامة؟ > ع� �ن���دم���ا تُ � �خ � � ِل� ��ص ل �ف �ن��ك > أعتقد أن الشعر في المملكة ورسالتك ..تأكد أنك ستنجح، في ذروة تألقه ،ولدينا من وأن م � ��ا ت� �ق���دم���ه س �ي �ق��اب��ل ال� �ش� �ع ��راء ال �م �ب��دع �ي��ن من بالتقدير ..فوالله لم أحلم يوماً ي �س �ت �ح �ق��ون ال �ت �ق��دي��ر على ب��واح��دة م��ن ك��ل ه��ذه الجوائز إبداعهم ،ورغم حضور فنون واألوس�� �م� ��ة ،ول �ك �ن �ن��ي ك��رس��ت السرد التي ذك��رت ..إال أن اه �ت �م��ام��ي ل�ل�إب ��داع وال �ج �م��ال للشعر نكهته وخصوصيته والحب ،فوجدت ثمرة ذلك ما التي لن تتغير في يوم ما. ذكرتَه والحمد لله0 أم� ��ا ع ��ن دي�� ��وان ال� �ع ��رب.. < سبق أن اع��ت��ذرت ع��ن َّشعر فيجب أن نبحث عن معنى ال���م���ن���اس���ب���ات ،ف��ي��م��ا أس��م��ي��ت��ه ك�ل�م��ة دي � ��وان ،ل�ن�ط�ل��ق على (ال��ش��عَّ ��ر وال����م����زاد) .م���ا ال���ذي ال �ف��ن ال� ��ذي يمثله ف��ي كل يعنيه الزهراني بهذا العنوان؟ زم���ن .أم ��ا ع��ن ال�ش�ع��ر في > قبل ه��ذه ال�ق�ص�ي��دة ..كنت ال�خ�ل�ي��ج وال ��وط ��ن ال �ع��رب��ي،
م������������������واج������������������ه������������������ات
من أجله كل مشقة .أق��ول ..لوال أنهم بهذا المستوى ،لما نجحتُ في رئاسة النادي..
فقد ك��ان لفقد كبار الشعراء أث��ره الكبير، ولكن -والحمد الله -ما يزال هناك شعراء يحفظون للشعر هيبته ومكانته ،وأعتقد أن ه��ذه االلتفاتة ف��ي الخليج وال��وط��ن العربي للجوائز والمسابقات ،ستجعل للشعر ثورة تعيد لألذهان الشعر الحقيقي.
اجلوبة -خريف 1432هـ 91
< العناوين التالية عناوين لبعض قصائدك. ماذا يعني كل منها بالنسبة لك: > الشمعة :أمي يرحمها الله. بلبل المحراب :جدي يرحمه الله. مواجع السفر :ابنتي سحر يا ترى من تكون :ولدي محمد. عذرا بُني :ولدي عبدالعزيز. غبار الدموع :ولدي فيصل. الساكن المسكون :بيتنا القديم. يا من سكنت دمي :قريتي «القسمة».
أت �ع��رض للكثير م��ن اإلح � ��راج ب�س�ب��ب طلب قصائد مناسبات ،حتى أن بعض المسئولين معافى من رحلته العالجية؟ واألصدقاء يغضب من ذلك ،ويفسر اعتذاري بالتعالي و..و ..وال�م��زاد عندما يطلب أحد > ع��ادت بعودتك القلوب إلينا المسئولين قصيدة لحفل إدارت��ه ،ومن أكثر يا صاحب القلب ال��ذي يحوينا م��ن ش��اع��ر ..وك��أن الشعر ي�ع��رض ل�ل�م��زاد.. وأنت تعلم أن الكثير من قصائد المناسبات < وماذا تقول في الجوف؟ ربما تحسب على الشاعر ال له0 أم�����ا س���ك���اك���ا ف���م���ه���وى م��ه��ج��ت��ي وك��ف��ى < تكررت كلمة (ل��ي�لاي) في قصيدة( :م��ا زلت الجوف قد عكفا ِ جوف هذا ِ الجوف في ملهمتي) ث��م��ان م����رات .ف��م��ن ال��م��ق��ص��ود بـ ت���ح���ي���ت���ي ي�����ا ش����م����ال ال����������روح ع���اب���ق���ةٌ (ليالي)؟ < ماذا قلت في عودة خادم الحرمين الشريفين
> ه��ذا ال �س��ؤال أحيله إل��ى المجنون قيس بن الملوح. < ابن هانيء األندلسي شاعر معروف ،ولكنك كذبته .فلم كان ذلك؟ > ابن هانئ مدح المعز لدين الله الفاطمي ،وأنا أثنيت على الله على وزن القصيدة وقافيتها وغرضها.
ب����ص����ادق ال�������و ّد تُ���س���ق���ي ال����غ����ادي����ات وف���ا أت��ي��ت��ك��م م���ن ج���ن���وب ال��ش��ع��ر ب��وص��ل��ت��ي ��ت ف���ي ل��ق��ي��اك��م ال��ش��رف��ا ق��ل��ب��ي .وق���د ن��ل ُ ������ت ق���اف���ي���ت���ي م����ص����ب����اح ق���اف���ل���ت���ي أت������ي ُ
* معلم في مدارس الرحمانية األهلية للبنين في سكاكا -الجوف.
92
اجلوبة -خريف 1432هـ
وج�����اء ن��ب��ض��ي ل��ك��م ب��ال��ف��ض��ل م��ع��ت��رف��ا
م������������������واج������������������ه������������������ات
الكاتبة والروائية الكويتية بثينة العيسى:
أمتنى أن ينتبه العالم إلى اإلنتاج السردي
اخلليجي بعد أن تغاضى عنه مبا فيه الكفاية > حاورها :أحمد الدمناتي*
كاتبة تعطيك الفرصة لتنصت عميقا للحياة والكون والكائنات ،من خالل تجربة الكتابة.ال تبحث عن مجد أو شهرة .في نصها تؤسس مجد النص البهيّ ،الشهيّ ،الطريّ ..كموزة طازجة في يد طفل مشاكس.في قصتها تتأسس عتبات البحث عن الخفي والسري في الذات والعالم.وفي روايتها تعثر على الزمن الهارب ،والمكان المفتقد .لكن اللغة بمكرها األنيق تسترجع كل ذلك بال رتوش ،وال مساحيق .الصدق دليلها في التسلل بدعوة رسمية إلى قلب القارئ(ة) باحثة عن ضيافة أبدية في مخيلة المتلقي المفترض ..وفي المعنى أيضا .معها كان لنا هذا الحوار.. < كتاب قيس وليلى والذئب كتاب غرائبي
دهشتها وغبطتها ،كيف سيكون في نظرك مصير المتلقي إذاً؟
ال���س���ردي���ة ال���ب���اذخ���ة م���ن خ��ل�ال كلمة
> هذا هو المقصود من وضع هذا النص تحديداً على الغالف ،عندما كتبتُ «قيس وليلى والذئب» ،شعرتُ بأنني أتوغل في أحشاءِ غابة الكتابة ،كانت المنعطفات في جميع الجهات ،ال خارطة وال بوصلة وال ط��ري �ق �اً م�س�ت�ق�ي�م�اً ،ال�ت�ق�ي��تُ ذئ��اب �اً وأشجاراً وأزه��اراً برية ،وثماراً محرمة تسممنا بالمعرفة .رأيت أغصان العالم متداخلة بشكل مفرط ..فال تعرف متى
ع��ج��ائ��ب��ي م��م��ت��ع أدخ��ل��ن��ا ف���ي غابتك الغالف التي هي:
«فتحت ليلى ال��ك��ت��اب ف��وج��دت غابة، تحسستها بأصابعها .تنشقت عبقها وأغمضت عينيها طويالً ،طويالً ..ما زالوا يفتشون عن الفتاة التي اختفت داخل كتاب.
وم��ا دام���ت الفتاة اختفت م��ن فائض
اجلوبة -خريف 1432هـ 93
تبدأ الشجرة وجودها ،ومتى تكف..؟!
أن تكون في الغابة ..يعني أن تكون مهيئاً تماماً ألن يتم اب�ت�لاع��ك ،وه��ذه ال�ق��وة التي تبتلعك ليست شيئاً تستطيع التصدّي له؛ فالنداء الذي ينبثق من داخلك ،لكي تركض خلف ذلك األرنب ،أو تقفز داخل تلك الحفرة، أو ت�ت��رك الطريق ال�م��رس��وم على الخارطة �اق مشبوه في زاوي��ة مظلمة، عمداً ألجل زق� ٍ هذا النداء /هذا الصوت ،هو بداية الرحلة التي لن تعود منها كما كنتُ ،وهكذا -في نظري -تكون الكتابة ،والقراءة أيضاً. < هل المرآة في مجموعة قيس وليلى والذئب تحمي اإلنسان من شيخوخة محتملة؟
ل�ي�ل��ى ،ف��أن��ا أق �ص��د جملة اإلي� �ح ��اءات التي يستجلبها ه��ذا االس��م في ال�م��وروث العربي واإلنساني ..فهي الطفلة بالغة الفضول ،التي تتجول في الغابة وتسائل قوانين العالم.. وهي أيضاً تلك المعشوقة التي تثي ُر زوبعة من القصائد أينما حلت ،الملهمة التي يدعي لا بها ،وه��ي حلقة الوصل بين الجميع وص� ً الذئب /الخطيئة ،وقيس /الشاعر.
> ال شيء يحمي اإلنسان من الشيخوخة ،وهي برأيي حتمية وليست محتملة ،فنحن نشي ُخ بقدر ما نبقى أطفاالً ،اآلن وأنا على بوابة الثالثين �س ب��ال��وج��ود ال �ق��ويّ ل��زم�ن�ي��ن ف��ي داخ �ل��ي، أح � ّ الروح سحيقة في قدمها ،وهي أيضاً نقية في طفولتها ..عندما تناولتُ فكرة الشيخوخة في كتابي ..كنتُ أريد مصالح ًة القارئ (ومصالحة < في العنوان ..لغناه الرمزي ،يتداخل الحب نفسي) مع ه��ذه المرحلة الحتمية من نموه.. واألل��ف��ة (قيس وليلى) م��ع المكر والحيلة الشيخوخة متطلّب يجب علينا أن نخوض فيه (الذئب) .هل يمكن لقارئةٍ بريئةٍ أن تجلس لكي تصقل أرواحنا كما ينبغي. ع��ل��ى ط��اول��ة واح����دة م��ع ال����وردة وال��م��س��دس < أثارني العنوان بوصفه البوابة السحرية التي إلتمام الحكاية في جو ممطر ممتع؟ يدخلها ال��ق��ارئ أع��زال إال م��ن نهم ال��ق��راءة المتعطشة ،وال��ذي تم اختياره بعناية،كيف > الكتابة ب��رأي��ي ه��ي أن تجبر األض ��داد على التواجد في مكان واح��د ،أن تعرّف الشيء حضر ه��ذا ال��ع��ن��وان لمخيلتك ..ف��ي نهاية على نقيضه: ال��ع��م��ل أم ف��ي ال��ب��داي��ة،أم ه��و ع��ن��وان داخ��ل ال��وردة والمسدس ،النطفة والجثة ،الطفولة المجموعة؟ والكهولة ،األخضر واألس��ود ..الكتابة التي ال > ال�ع�ن��وان ج��ا َء أخ �ي��راً ،ج��اء بسيطاً وعفوياً، توقظ احتدام األضداد ليست كتاب ًة كاملة.. ونتيجة حتمية للتجربة .ليلى كانت الشخصية المحورية لمعظم النصوص ،وعندما أقول
94
اجلوبة -خريف 1432هـ
وبمناسبة ال �س��ؤال ،أن��ا أعتقد بأننا نحمِّل
< لكل مبدع طقوس معينة في الكتابة ،فمنهم من يتعطر بأناقة ويجلس إلى طاولة الكتابة < ،ت��ع��د ال��ع��ت��ب��ات ال��ن��ص��ي��ة (ال���غ�ل�اف ،اإله�����داء، ومنهم من يكون في غرفة صامتة ومضاءة في ال��م��ق��دم��ة )...ف��ي ال��ع��م��ل اإلب���داع���ي موجها وق��ت متأخر من الليل ،وآخ���رون في الصباح حقيقيا للمتلقي في قراءة النص ،ماذا قصدت الباكر ..ما هي طقوس المبدعة بثينة العيسى (إل��ى هديل الحضيف...في الغرفة الخلفية في الكتابة؟ من العالم).؟ > ال أملك أي طقوس ،فإذا كانت لحظة الكتابة > قصدتُ ،ألول مرة منذ خمس إص��دارات ،أن دائ �م �اً مباغتة ،ف�ه��ذا يعني أن�ن��ي دائ �م �اً غير أصنع نصاً كامالً ،يتداخ ُل مع الفن التشكيلي/ جاهزة ،ولكنني أضع شئوني اليومية جانباً، ف��ي ل��وح��ة ال �غ�لاف ال �ت��ي رسمتها الصديقة مهما ك��ان��ت أهميتها ،ألج��ل أن أق�ب��ض على الشاعرة سوزان عليوان ،ويتداخل مع نصوص ال �ف �ك��رة ق�ب��ل أن ت �ف � ّر م��ن ق�ب�ض�ت��ي ..مرحلة اآلخر /في اإلهداء الموجه إلى الكاتبة الراحلة الكتابة األولية ال تخضع ألي تخطيط مسبق، فهي تجيء ه�ك��ذا ،عفوية وفطرية ووحشية جداً ،ولكنني غالباً ما أكرّس صباحات نهاية األس�ب��وع لمراجعة إنتاجي ،وتعديله وصقله وبتر زوائده.
م������������������واج������������������ه������������������ات
ال��ذئ��ب ف��وق م��ا يحتمل ،وب��أن�ن��ا نلومه دائ�م�اً على أخطائنا ،وقد حاولتُ في كتابي أحياناً أن أب��رئ الذئب من التهم الجاهزة المسددة صوبه ..لمجرد أنه ولد ذئباً ،بقدر ما حاولتُ أن ألوم «قيس» على تقاعسه ،وأن أفضح زيف الحب أحياناً..
ومشاريع التصنيف ،وأصنف نفسي على أنني: ثوب روائي ،وليس األمر أنني أ ُداري شاعرة في ٍ حقيقتي ،أو أتحايل عليها ،ولكنني ببساطة اخترتُ أن أكتب الشعر من خالل السرد ،وكل النصوص السردية التي كتبتها ،كانت ألجل القصيدة الصغيرة التي أزعم أنها ..غافية في بطنها.
< أص��درت م���ؤخ���را(2011م) كتاب “قيس وليلى والذئب” ،وفيه مزج بين أجناس إبداعية مثل الشعر وال��س��رد ،م��اذا يمثل ل��ك ه��ذا الكتاب، ول��م��ن تنتصرين ف��ي ال��ح��ق��ي��ق��ة ..للشعر أم للسرد؟ > ه��ذا ال�ك�ت��اب يتضمن مجموعة م�خ�ت��ارة من نصوصي التي كتبتها منذ العام 2003م ،وحتى سنوات من النصوص المتراوحة ٍ 2010م ،سبع وال�م�ت��أرج�ح��ة م��ا ب�ي��ن ال �س��رد وال �ش �ع��ر .وأن��ا أنتصر لهذه النصوص ،المتعالية على القوالب
اجلوبة -خريف 1432هـ 95
(والغالية جداً على قلبي) هديل الحضيف.
هذه المرة شعرتُ بأن الغالف جزء من النص، �ص داخ��ل ال�ن��ص ،وج�� ٌه م��ن وج��وه الحقيقة ن� ٌ الشعرية الباطنة خلف كل تلك الكلمات.
وإهداء الكتاب إلى كاتب يكرّس االنتماء للكتابة كفعل وجود ،حتى لو كان هذا الكاتب قد فارق الحياة ..كان هذا قصدي. < ما العالقة التي كانت تربطك بالكاتبة الراحلة هديل الحضيف يرحمها الله؟ وهل لك من ذكريات معها ما تزال طرية في القلب والروح معا؟ > نظن بسذاجة أن األصدقاء سيكونون هناك دائماً ،من أجلنا ومن أجل أنفسهم ،من أجل الحياة وانتصاراً لها .نظن بأننا لن نفقدهم أبداً ،وبأننا لو غبنا ،لو أمعنا بالغياب بحجة أو الخليجي بعد أن تغاضى عنه بما يكفي. من دون حجة ،فسنعود ذات يوم ونجدهم ما يزالون في المكان ذاته ..كان رحيلها -يرحمها < هل اختيار لوحة الغالف للشاعرة والفنانة التشكيلية اللبنانية المبدعة س��وزان عليوان الله -مباغتاً وغير قابل للتصديق ،هديل كانت كان أمرا مقصودا منذ البداية؟ صديقة جميلة ،عرفتها في الفضاء السيبيري، ورأي ��ت فيها روح� �اً وث��اب��ة ونقية ،مواقفها ال > أن��ا ال أنشر كتاباً قبل أن تقرأه س��وزان .إذا تنسى ،البطاقة ال�ت��ي أرسلتها ل��ي بالبريد، أعجبها أق��ول لنفسي ..أن� ِ�ت بأمان ومستعدة بمناسبة ميالدي ،بخط يدها الجميل ،أزين للنشر ،وإذا لم يعجبها (ولم يحدث ذلك حتى بها مكتبتي وأَم � ُّر بها كل ي��وم ..رحيلها خلّف اآلن) ،أقول لنفسي ألقِ بالنص بعيداً وابحثي ثقباً كبيراً في قلبي ،وأتحسر كل يوم تقريباً ع��ن م�ش��روع آخ��ر ..أث��ق ف��ي س��وزان القارئة، على فرص تواصل كانت متاحة أثناء حياتها.. بقدر ما أثق في سوزان الشاعرة ،فهي تقرأني طبت حية ولم أقم باستغاللها على أتم وجهِ . من زاوية الشعر ،وترى فيّ ما ال أرى. وميتة ،يا حمامة ،يا جميلة ،يا هديل! ف��ي ب��داي��ات��ي ..عندما ع � ّرف��ت بنفسي كقاصة < ف���وز ال���روائ���ي ال��س��ع��ودي ع��ب��ده خ���ال بجائزة ومشروع روائية كانت تقول لي :أن� ِ�ت شاعرة يا البوكر للرواية العربية ،جعلت األنظار تتجه بثينة ،وأن��ا أسألها بحيرة :كيف أك��ون شاعرة للمتخيل السردي الخليجي ،أليس كذلك؟ ي��ا س ��وزان ..ك�ي��ف؟! فأنا ل��م أكتب قصيدة في حياتي! > ولو! عبده خال ورجاء عالم أيضاً ،الله يزيدهم! أتمنى أن ينتبه العالم إل��ى اإلن�ت��اج السردي
96
اجلوبة -خريف 1432هـ
اآلن ،وبعد م��رور ثماني سنوات تقريباً ،عرفتُ ما
< ماذا يعني لك..
تعنيه؛ فالشعر هو جوهر الفن كما يقول هيدغر، وهو الجوهر الذي ينبثق منه نصي ..أيا كان شكله.
عندما عرضتُ على سوزان تجربتي في «قيس وليلى والذئب» وقوبلت بحماستها الكبيرة ،وهي تردد عليَّ ما كانت تقوله لي منذ ثماني سنوات: أنت شاعرة يا بثينة! شجعتني لكي أطلب منها ِ لوحة غالف ،ولو كنت أكثر جرأة لطلبتُ منها أن ترسم كل قصة /قصيدة في الكتاب! وها أنا اآلن ،سعيدة ..أتباهى بأجمل أغلفة كتبي على اإلطالق .شكراً سوزان!
< أعلن مؤخرا في احتفالية بأبي ظبي عن فوز الشاعر وال��روائ��ي المغربي محمد األش��ع��ري، والكاتبة والروائية السعودية رجاء عالم بجائزة البوكر للرواية العربية مناصفة،كيف تلقيت هذا الخبر ،وهل السرد العربي تفرق دمه بين المغرب والمشرق؟
م������������������واج������������������ه������������������ات
> ال أع���رفُ محمد األش��ع��ري ،وس��أج�ت�ه��د لكي أتعرف عليه قريباً ،ولكن فيما يخص فوز رجاء عالم ،فقد أسعدني الخبر إلى أبعد حد ،ألنني حتماً معجبة بتجربتها ونضج نصها الروائي، وأراها جديرة بهذا الفوز وأكثر.. الغربة إرثٌ حتمي لمن يدخل عالم الكتابة. الليل السراني والمخبوء والجدير باالكتشاف. البحر مرآة السماء على األرض. األم المبتدأ دائماً ،والمنتهى إن أسعفنا الحظ. الصداقة حج ٌر نادر. الحب بوابة التعافي من مصائب الدنيا.. السفر قراءة في جسد المكان. الشعر وطن. القصة فكرة ذكية أو ال شيء. الموت وجه الحياة اآلخر.. الطفولة ال�ب�ي��اض ال�ب��دئ��ي ،ال�ق�م��اط القطني ،ب��ودرة األط� �ف ��ال ،ال�ح�ل�ي��ب ف��ي ال��زج��اج��ة ،ال�ن�ق��اء ال �م �ت �ق��ن ..ال �ط �ف��ول��ة ه��ي م�ل�ه�م�ت��ي دائ��م��اً، ومعلمتي أبداً.
* شاعر وناقد من المغرب.
اجلوبة -خريف 1432هـ 97
الطبيب والفيلسوف
البروفيسور نايف الروضان
رائد تقنية اتصال دماغ اإلنسان بالكمبيوتر ،وطبيب جراحة األعصاب الخلوية والتكنولوجيا (المايوكلينك وييل وهارفارد) وكبير الباحثين في الجيوستراتيجيا بجنيف ،والعضو ال��ب��ارز في جامعة أكسفورد. > بقلم :احملرر الثقافي
بعض الشخصيات الثقافية والعلمية كالشمس تضيء الكون ،وتغمره بما تقدمه لإلنسانية وللعالم ،حيث يتعدى الشخص ذاتيته وشخصيته ..ليقدم نفسه للبشرية جمعاء ،فضال عما يقدمه لمحيطه وبالده من انجازات يشهد بها القاصي والداني. ومن ه��ؤالء الذين ب��رزوا في خدمة بالدهم أوال ،وخدمة البشرية في جميع أنحاء العالم ،البروفيسور الدكتور نايف بن رزق بن فارس الروضان ،Nayef R. F. Al-Rodhanابن الجوف والمملكة العربية السعودية ،وأبرز طبيب عرفته المملكة ،رئيسا للفريق الطبي الذي أشرف على عالج الملك فهد بن عبد العزيز -يرحمه الله -ابتداء من العام 1995م – 1415هـ ،ولعدة سنوات بعد ذلك ،ومن ثم خبيرا وباحثا في أبرز مستشفيات ومراكز األبحاث في أمريكا ،وصوال إلى تقديم أفكاره الفلسفية والجيوستراتيجية عبر سلسة من الكتب التي ألفها ،ويتم تداولها في أوروبا وأمريكا ،وتعد من أبرز الكتب التي يتم تسويقها عبر موقع الكتب العالمي «أمازون» في مجالها.
98
اجلوبة -خريف 1432هـ
بمناسبة ح��ص��ول��ه ع��ل��ى درج���ة ال��دك��ت��وراه ف��ي ج��راح��ة ال��م��خ واألع���ص���اب ،وت���م منحه جائزة معالي األمير عبدالرحمن بن أحمد ال��س��دي��ري وح��ض��ر ال��ح��ف��ل ح��ي��ن��ه��ا ك���ل من رئيس مجلس إدارة مؤسسة عبدالرحمن أول تكريم للدكتور نايف بن رزق بن فارس ال���روض���ان ع��ل��ى م��س��ت��وى ال��م��م��ل��ك��ة ال��ع��رب��ي��ة
س�����������ي�����������رة وإب���������������������داع
احتفلت المنطقة بالدكتور نايف الروضان،
السديري الخيرية فيصل بن عبدالرحمن السديري ،والمدير العام للمؤسسة الدكتور
السعودية والعالم العربي ك��ان ف��ي منطقة
زي����اد ب���ن ع��ب��دال��رح��م��ن ال���س���دي���ري ،ووال���د
الجوف عام 1409هـ1989 -1988/م ،برعاية
ال��دك��ت��ور ال���روض���ان األس��ت��اذ رزق ب��ن ف��ارس
وحضور معالي أمير منطقة الجوف األستاذ
ال���روض���ان ،وس���ط ح��ش��د م��ن أه��ال��ي منطقة
سلطان ب��ن عبدالرحمن ال��س��دي��ري ،حيث
الجوف ومسئوليها..
ب��دأ الدكتور نايف ال��روض��ان مسيرته العلمية في وجراحة األعصاب الجزيئية ،تحت إش��راف الدكتور عالم طب األع�ص��اب ،ك��أي الشهير وتتلمذ على يدي دينيس سبنسر. بروفسور األعصاب الشهير اللورد جون والتون ،وتدرب في عام 1994م ،أصبح زميال في قسم جراحة المخ ف��ي ج��راح��ة األع �ص��اب ،وأج ��رى ال�ع��دي��د م��ن أب�ح��اث واألعصاب في مستشفى ماساتشوستس العام في كلية األع �ص��اب ف��ي مستشفى م��اي��و كلينيك ،بروشستر، مينيسوتا في الواليات المتحدة ،حتى أصبح الرئيس الطب بجامعة ه��ارف��ارد ،حيث كان يعمل على دراسة المقيم لطب جراحة األعصاب ..متأثرا بالعديد من نيوروببتيد ،علم ال��وراث��ة الجزيئي،)neuropeptides( ، العلماء في مجاله ،حتى حصل على الدكتوراه من خالل وفي عام 1995م ،تم تعيينه عضوا في هيئة التدريس في كلية الطب بجامعة هارفارد ،وفي الوقت ذاته في أبحاثه حول (.)Neurotensin في عام 1993م ،حصل على الزمالة من الكونغرس مستشفى ماساتشوستس العام ،في الوقت الذي كان لجراحي األعصاب ،وانضم إلى قسم جراحة األعصاب قد أسس برنامج ( )Neurotechnologyمع الفائز بجائزة في كلية الطب بجامعة ي��ال ،كزميل في طب الصرع نوبل الدكتور جيمس مولر.
اجلوبة -خريف 1432هـ 99
عمل مع الدكتور روبرت مارتوزا ،فأسس مختبرات لجراحة المخ واألعصاب ،وجراحة األعصاب الخلوية والتكنولوجيا في قسم جراحة المخ واألع�ص��اب في مستشفى ماساتشوستس العام ،بكلية هارفارد الطبية. منذ عام 2002م– 1422هـ ،حوّل البروفيسور نايف الروضان تركيزه العلمي إلى التفاعل بين علم األعصاب والعالقات الدولية ،من خالل العديد من المنشورات، الدكتور نايف الروضان والسيد غاي مدير نادي الصحافة إذ أصبح رائ��دا في تطبيق علم األع�ص��اب والعواقب في جنيف الصحفي ورئيس برلمان جنيف العصبية السلوكية للكيميائية العصبية ،واآلل �ي��ات Meninger؛ وجائزة المقيم السنوي للكونغرس لجراحي الخلوية التي ترتكز عليها ال�ع��واط��ف ،الالأخالقية، األعصاب؛ وجائزة المحقق الشاب للجمعية األميركية (األن��ان �ي��ة ،ال �خ��وف ،الطمع ،والهيمنة) ،وإل��ى تحليل لجراحي األعصاب ،وجائزة الزمالة السنوية للكونغرس وتصور االتجاهات المعاصرة في الجغرافيا السياسية، لجراحي األعصاب. واألم��ن العالمي ،األم��ن الوطني عبر الثقافات ،األمن وت �ش �م��ل اه��ت��م��ام��ات ال �ب��روف �ي �س��ور ال� ��روض� ��ان: والحرب والسالم. الجيوستراتيجية والتنمية المستدامة لألمن القومي في عام 2006م ،انضم البروفيسور نايف الروضان إلى مركز جنيف للسياسات األمنية في جنيف -سويسرا ،والعالمي ،ودور تكنولوجيا العلوم والفضاء والجغرافيا وأص�ب��ح باحثا كبيرا ف��ي الجيوستراتيجية ،وم��دي��را السياسية واإلستراتيجية في مصير اإلنسان ،المخاطر للجغرافيا السياسية العابرة للحدود الوطنية .ويعد الكونية المتتالية ،اإلستراتيجية العالمية؛ العدالة البروفيسور الروضان كبير باحثي الجيوستراتيجية ،العالمية ،وك��رام��ة اإلن �س��ان وت ��آزر ال�ث�ق��اف��ات؛ فلسفة ومدير البرنامج بشأن اآلث��ار الجيوسياسية للعولمة الحكم الرشيد ،وفلسفة الطبيعة البشرية ،وفلسفة العابرة للحدود الوطنية واألم ��ن .وف��ي ع��ام 2009م ،ال�ت��اري��خ واالن �ت �ص��ار ال�ح�ض��اري ال�ج�م��اع��ي ف��ي ت��اري��خ أصبح عضواً بارزاً في كلية سانت أنطونيو في جامعة األفكار ،والمؤسسات الكيميائية العصبية والخلوية، والميول للطبيعة البشرية ودالالتها في التعاون المعنوي أكسفورد في المملكة المتحدة. ال��دك �ت��ور ن��اي��ف ال ��روض ��ان ..ال�ف�ي�ل�س��وف ،وطبيب والسياسي والدولي. ابتكر العديد من المفاهيم الجديدة في الفلسفة، وج� ��راح وع��ال��م ال �م��خ واألع� �ص���اب ،وال �ح��اص��ل على دكتوراه في الطب ،والدكتوراه في جراحة األعصاب /واألم ��ن العالمي والجيوستراتيجية والسياسة التي بحوث علم األع�ص��اب في مايو كلينيك ،وجامعة ييل تشمل ثمان وثالثين مفهوما منها: وجامعة ه��ارف��ارد ،أوج��د برنامج ()neurotechnology البلوجز أو ال �م��دون��ات بوصفها سلطة خامسة، أو (تقنية اتصال دم��اغ اإلنسان بالكمبيوتر) ،وأسس انتصار الحضارة الجماعية ،الحماسة الثقافية ،تعريف مختبراً لجراحة األع�ص��اب الخلوية واألع �ص��اب في العولمة ،األنانية العاطفية غير األخالقية ،المصلحة معهد « »MGHللتكنولوجيا بجامعة ه��ارف��ارد ،وك��ان العاطفية ال��ذات�ي��ة ،األب�ع��اد الخمسة لألمن العالمي، عض َو هيئة التدريس في كلية الطب بجامعة هارفارد، أهمية التعليم واألمن العالمي وغيرها. ونشرت بحوثه على نطاق واس��ع في علم األعصاب، نُ� ِ�ش��ر ل��ه تسعة ع�ش��ر ك�ت��اب��ا ف��ي الفلسفة واألم��ن وفاز بعدد كبير من الجوائز منها :جائزة السير جيمس سبنس؛ جائزة جيب؛ جائزة فاركوهار ،موراي ،وجائزة العالمي والجيوستراتيجية والعالقات الدولية وكلها الجمعية األميركية للجراحة العصبية (مرتين) ،وجائزة باللغة االنجليزية ،وعددها 19كتاباً ،وهي:
100اجلوبة -خريف 1432هـ
س�����������ي�����������رة وإب���������������������داع 1. THE POLITICS OF EMERGING STRATEGIC TECHNOLOGIES: Implications for Geopolitics, Human Enhancement and Human Destiny (St Antony's Series); 2. SUSTAINABLE HISTORY AND THE DIGNITY OF MAN: A Philosophy of
4. NEO-STATECRAFT AND META-
GEOPOLITICS: Reconciliation of Power, Interests and Justice in the 21st Century;
5. EMOTIONAL AMORAL EGOISM: A Neurophilosophical Theory of Human Nature and its Universal Security Implications;
History and Civilisational Triumph;
6. POTENTIAL GLOBAL STRATEGIC
3. CRITICAL TURNING POINTS IN THE
Transnational Responsibilities and
MIDDLE EAST: 1915 - 2015;
CATASTROPHES: Balancing
Burden-sharing with Sovereignty and Human Dignity;
101 هـ1432 خريف- اجلوبة
7. SYMBIOTIC REALISM: A Theory of
13. POLICY BRIEFS ON THE
International Relations in an Instant and
TRANSNATIONAL ASPECTS OF
an Interdependent World;
SECURITY AND STABILITY;
8. THE THREE PILLARS OF SUSTAINABLE NATIONAL SECURITY IN A TRANSNATIONAL WORLD; 9. THE FIVE DIMENSIONS OF GLOBAL SECURITY: Proposal for a Multi-sum Security Principle; 10. THE ROLE OF EDUCATION IN GLOBAL SECURITY; 11. MULTILATERALISM AND TRANSNATIONAL SECURITY: A Synthesis of Win-Win Solutions;
14. THE EMERGENCE OF BLOGS AS a Fifth Estate AND THEIR SECURITY IMPLICATIONS; 15. THE GEOPOLITICAL AND GEOSECURITY IMPLICATIONS OF GLOBALIZATION; 16. A PROPOSAL FOR INCLUSIVE PEACE AND SECURITY; 17. STABILITY OF STATES: The Nexus Between Transnational Threats, Globalization, and Internal Resilience;
12. POLICY BRIEFS ON THE
18. PILLARS OF GLOBALIZATION;
TRANSCULTURAL ASPECTS OF
19. GLOBAL BIOSECURITY: Towards a
SECURITY AND STABILITY;
New Governance Paradigm
هـ1432 خريف- اجلوبة102
ن����������������������������������واف����������������������������������ذ
أُنسي احلاج والرقمية > السيد جنم*
أدهشتني مقدمة كتاب «خواتم» للشاعر «أنسى الحاج» ،وسرُّ دهشتي «مقدمة» الكتاب الذي صد َر وكُ تبت في «بيروت عام 1991م». لقد أثار الشاعر الكبير قضية لم تثر إال خالل الفترات القريبة ،وربما القريبة جدا ،أال وهي «عالقة الشعر بــ«الكلمة» التي تحتضر ..أو لعلها ماتت .لم يكن شائعا الحديث عن الثقافة الرقمية ومعطياتها ،حيث تغلبت «الصورة» مع التقنيات الرقمية المعاصرة ،سواء في أجهزة الكمبيوتر أو الحاسبات ،وأيضا في التليفزيون ..وحتى في أجهزة الهاتف المحمول .وهو ما قيل معه تقهقر مكانة «الكلمة» ،وغلبة «الصورة» عليها .ونشير هنا إلى أن التوظيف التقني آلليات اإلبداع كان على الترتيب :الكلمة ثم الصوت ثم اللون ثم الحركة ثم الصورة ..بينما باتت بعد التقنيات الجديدة :الصورة ثم الصوت ثم اللون ثم الحركة ثم الكلمة! فيما أظن أن الكثير مما قاله «الحاج»، وما سنعرض له ..أعيد صياغته ،وال نقل تم إلغاؤه أو نفيه ،فقط نقول أصبح أكثر ال للتحليل ،مثلما هو قابل موضوعية وقاب ً للحذف أو اإلضافة ،في ضوء الممارسات الحيّة للتقنيات الرقمية وشيوعها.
والتكنولوجيا والمدنية السمعية البصرية، واالنحطاط العضوي الذي يفترس اللغة، إذ كثير من اللغات ،يشهد تضاؤال مطردا في مفرداته (كميا) ،واضمحالال نوعيا، حيث فقدت الكلمة ما كان لها من حيوية وفعل.
ي�ق��ول الشاعر ف��ي مقدمته (بتصرف ويُخشى يوم ال تعود فيه أذ ُن اإلنسان بسيط لالختصار): تسمع من كالم «شعري» غير ذلك المقدم «أل� ��م ت �ع��د ال �ك �ل �م��ات ت �ب �ل��ور ال�ح�ق��ائ��ق ف��ي اإلع�ل�ان��ات ،التليفزيوني منها بنوع وتبدعها؟ ه��ل حلت الرياضيات محلها؟ خاص. واإلحصاء ،والتوثيق ،والحفظ االلكتروني؟. هل من حل؟ هل هناك باب ،طريق..؟ بين األمية الجديدة ،المقنعة بحجج السرعة
اجلوبة -خريف 1432هـ 103
م �ف �ت��اح س �ح��ر ال �ق �ل��ب ،م �ف �ت��اح إع� ��ادة ال�ح��ق هل نقبل؟ هل نموت مع الحياة الجديدة؟ هل والسلطة إلى الرغبة والمتعة والتأمل والخيال. ندع الحياة الجديدة تخون أحالمنا ونقبل؟ س��أظ��ل أح� �ل ��م ،م �ه �م��ا ص��ح��وت ع �ل��ى ك��ذب كيف ننقذ األدب؟ الفن ،اللغة ،الكلمة؟ بإنهاء أحالمي ،بشجرة جديدة تنمو.. لغة واستنباط لغة جديدة؟ ح�ي��ث ال م ��وت ،للكلمة أو ل�ل�ع��ال��م ،إال ك��ان قيامة».
ما يُرعب ليس تخيّل عالم يموت فيه الشعر (وك��ل فن «داخ�ل��ي») ،بل تخيّل عالم يسوده نظام برمجة المشاعر واألفكار والغرائز .نظام اللغة واآلن ترى ما الذي فعله الشاعر في مواجهة االلكترونية بعد الدماغ االلكتروني. ما يعتقده من مصير مظلم للكلمة (في حينه)؟ نتعمد بالصمت ،وننمو في الثرثرة. يقول« :في الرواية والمسرح يأخذ المؤلف
كم أحتاج إلى الندم ال على كل كلمة زائدة،بل لنفسه حق قتل أبطاله ،وكلما أمات أحدا منهم عاش معه تجربة الموت .ليس للشعر واألفكار، على كل كلمة. ألن هذه السطور ليست تقديما ل»خواتم» بل وال للكتابة م��ن ن��وع «خ��وات��م» ،أش�خ��اص يمكن هي خواطر متممة ل»خواتم» حول مصير الكلمة التالعب بمصائرهم. الكتابة هنا تغدو ش�ه��ادة م �ج��ردة ،ممارسة والصمت ،ونهايات عصر وعالم ..وبدايات عصر مجردة ،استشرافا للموت بال طقوس ،ممزوجا وعالم ،فألحاول الوصول إلى آخر الطريق. بذهب البداية ووحل األم ،ال انتحار الهارب ،بل يتأزم الزمن فتصفو الكلمة. احتراق الفراشة». يتأزم الزمن والكلمة فماذا يصفو؟ فقال الشاعر «أنسى الحاج» (مقتطفات من لنقل :الجوهر. «خواتم»): لنقل ذلك رغم ما يجول. « ..الحياء مرغوب دليال الرتكاب الخطيئة»
أشعر بأن إرث العجز هذا لم يكن لي ،ألم بى « ..لماذا أتوب عن هذياني الجنسي وهو أكثر مذ انكسرت اللغة. ما يعيدني إلى الفردوس؟» تدوسني ق��دم ال��رق��م واآلل ��ة ،ت�غ��رز ف��ي صدر « ..م ��ن ال �س �م��ات ال�م�ش�ت��رك��ة ب�ي��ن التجربة ال��روح؟ حسنا ،فلتواصل تقدمها حتى تقف !..ال الشعرية وال�ت�ج��رب��ة الجنسية ،أنهما كلتاهما من التعب بل من نهاية الطريق .فالطريق سرعان تعززان بصمات دامغة على لحظة لم تكن تريد ما تنتهي لمن ليس له ظل. أن يدمغها شيء»
ل��ن يدخل إل��ى العالم ،إل��ى الطبيعة وال�ك��ون، السلطة وال�ع�لاق��ات ،الحياة وال �م��وت ،ل��ن يدخل دخول الصلح ال دخول الفتح وحده ،دخول العيد ال دخول االغتصاب ،إال بالمفاتيح السحرية :مفتاح الهيام ،مفتاح إزال��ة الكسر بين ال��روح والعالم، مفتاح تغيير ظروف الحياة نحو السعادة والحرية. 104اجلوبة -خريف 1432هـ
« ..يجددنا الحب م��ن أش�ي��اء ال وج��ود لها، ويميتنا من حيث يحيينا» « ..سأسكت وأنا أموت ..لكن وجهي سيظل يسأل :لماذا؟» « ..كان في البدء الكلمة أم النظرة
وهو األخير» « ..دائما حفرت قبري بيدي .بحنيني وشغفي. وما زلت أحفر.
...وأن تكون في مستوى ما يختارك»... والسؤال هو:
هل حقا «خواتم» (ومنها النماذج السابقة)، عبرت عن مقوالت «أنسى الحاج» في مقدمته.. وكلما حفرت أعمق وجدت سماء أروع».. وب�خ��اص��ة ع�ن��دم��ا ق ��ال« :ه ��ذه ال�س�ط��ور ليست « ..أكثر ما شعرت بصدق محدثي عندما قال تقديما ،ه��ي خ��واط��ر متممة ل �ـ«خ��وات��م» ،حول لي: م�ص�ي��ر ال�ك�ل�م��ة ،ف�ل�أح��اول ال��وص��ول إل ��ى آخ��ر ال تبك. الطريق»!.. مع أنه كان يرى أنى ال أبكي»
« ..المرعب حين تكتشف ،بعد عمر ،أنك كنت تعلم اآلخرين في أمور تجهلها» « ..نجتر التجديد ونجتر التقليد
ن����������������������������������واف����������������������������������ذ
لعل بالغ العين هو األول
كلفت .بل وال تدع شيئا.
ب ��داي ��ة ..أن ي �ع��رض ال �ش��اع��ر ال�ك�ب�ي��ر تلك ال�م�ق��والت الخاصة بالكلمة ع��ام 1991م ،أمر الف��ت ،ويعني انتباه المثقف العربي للمتغيرات العالمية ،وبشكل خاص جانبها الثقافي المتصل بالجانب التقني.
ن �ج �ت��ر ال��ده��ش��ات ال �ب��ائ �س��ة واالل �ت �م��اع��ات ..أظ��ن أن تلك المقوالت (الخاصة بموت القشرية ،ونجتر الرمادي والمنطفئ والذليل. الكلمة) أصبحت أقل حدة ،وعمليا لم تمت الكلمة، نجتر أمجادنا ونجتر أحفادنا ،وما أحقر هذه وإن غلبتها «الصورة» والمعطيات الرقمية! وما أتفه تلك» ..وح��ده الشاعر /الكاتب أكثر المخلوقات
« ..أنا اثنان :واحد يسقط وآخر ينفصل عنه التصاقا بالكلمة ،وهي سر الحزن الدفين الذي تبدى في كل معطيات الكتاب (خواتم). يقرعه ،ينوح عليه ،أو يقهقه منه. وأكون وحيدا وحيدا عندما يتحد االثنان».
..ع�ن��دم��ا س�ع��ى ال�ش��اع��ر م�س�ع��اه ك��ي ينجو بالكلمة ومعها ..اعتمد على «اإليجاز».
« ..أشعر أمام بعض الجمل أنه حرام أن تكتب ..ب ��دت م��ح��اور «خ���وات���م» ،ف��ي «ال �ج �ن��س» إال وحدها ،مفردة ،كبيرة ،تعلق في السماء ،تغيب بمعطياته الوجودية وليست البيولوجية ..في ثم تشرق في أعيادها» «األل��وه�ي��ات وال�ت�ص��وف» بمعطياتها الوجدانية « ..أشعر أحيانا أنى أكتب من وراء الكتابة وأنها ال�م�لاذ ..في «الشعر والكلمة» بدعمها، كصوت من ينطق من وراء الموت» والبحث فيها ،وأنها المالذ. « ..ينتظرك الشعر ف��ي موعد م��ا ليستعير وال حيلة أمامنا إال ال��وق��وف أم��ام مثل تلك صوتك. األعمال اعتزازا بجهد أصحابها ،كرواد للثقافة ال تجعل تدخلك م��ؤذي��ا .وال ت��دع أكثر مما التي هي جوهر التقدم الحقيقي لهذه األمة.
* كاتب من مصر (هذه القراءة بمناسبة نشر األعمال الكاملة للشاعر أنسى الحاج ،عن هيئة قصور الثقافة-القاهرة).
اجلوبة -خريف 1432هـ 105
فضاء املعنى
في مجموعة فراغات للصقعبي > سمير أحمد الشريف*
القصة القصيرة نوع أدبي جديد على أدبنا العربي ،والقصة القصيرة جدا ،فن من التوقيعات دخل ساحة األدب حديثا. القصة القصيرة باب مشرع لكتابات تجريبية كثيرة ،وولوج عالمه السهل الممتنع ،وإن لم يقعّ د بشكل نهائي ..األمر الذي أتاح لكثير من المبدعين أن يدلوا بدالئهم. «إدغار ألن بو» ..يعتبر القصة القصيرة
والنقاد يذهبون مذاهب شتى في تفسيره
اإلن �ج �ل �ي��زي «ه��ي��دس��ون» ي�ح��اك�م�ه��ا على
وما يزال رغم كل ما قيل يعامل كنص مفتوح
الناقد اإلنجليزي «أوك �ن��ر» ..تقترب من
فيه الشعري بالنثري ،والتداعي بالحوار،
تفجيرا يحيط بخالصة الماضي ،وانبثاق
الماضي مع تشابكات اللحظة ،ويظل األمر
م ��ا ي��ق��رأ ف ��ي ج �ل �س��ة واح� � ��دة ،وال �ن��اق��د ومحاولة وضع األطر العامة التي تحدده،
اعتبار ما فيها من وحدة فنية ،وهي عند على فضاءت كثيرة قابلة للتفسير ،يتداخل جوهر الشعر ،ومن تفجير اللحظة الزمنية وال �س��ردي بالقطع السينمائي ،تداعيات
الحاضر ،وبؤرة المستقبل.
م ��ا ي � ��زال م �ف �ه��وم ال �ق �ص��ة ال �ق �ص �ي��رة
والقصيرة جدا مجاال رحبا لألخذ والرد،
وم��ا ي��زال أص�ح��اب ال��رأي م��ن المبدعين 106اجلوبة -خريف 1432هـ
مسالة ذائقة شخصية ..يحاول كل مجتهد أن يعكس ذاته على ما يقرأ.
ب�ه��ذه األدوات ن��دخ��ل ف �ض��اءات «عبد
العزيز الصقعبي» ،نستشرف فراغاته،
ن����������������������������������واف����������������������������������ذ
ونح ّل أطياف أقواسه.
وتخنق أنفاسنا.
يقول الصقعبي بملء الفم« :إننا منفيون داخل ه��ذه ال�ف��راغ��ات ال�ت��ي تمثل نقوشا يرسمها الكاتب ،يرثي بها حالة فردية أو عامة ،وهي أجسادنا ،وضائعون وراء جدر الوهم السميكة محطة يتوقف معها الهثا من إيقاع العصر ،يدفع العالية ،الهثون وراء سراب األمل». من خاللها رسالة حارقة يلقيها بوجوهنا ،يبكي ج�م��ع ال �م��ؤل��ف ب��إح�س��اس��ه ال �م��ره��ف ،ودق��ة آماال عظيمة ،ويهجو خيبات كثيرة مما التصق مالحظته ،كومة المرارات ،ونثرها ضمن سياقات بحيواتنا. مختزلة جدا ،وعميقة ،ومشبعة بالدالالت ،وكلها يكتب «ال�ص�ق�ع�ب��ي» ف��ي ف��راغ��ات��ه مضامين تشير إلى ضرورة التأمل العميق الذي يصل حد كبيرة ،بجمل معبرة ،متكلما عن ظواهر عميقة القسوة. يقف متلقي نصوص الصقعبي أم��ام خطاب بمفردات تنطلق من بؤرة حدث عام هو الفراغ. يرصد بعين الطفل آن �اً ،وبعين الكهل أحيانا ..جديد ،تجاوز نمطية الجملة القصصية السردية عبر شهادات ينثرها هنا وهناك ،حيّة نابضة المملة ،وخلّف وراءه المفردة الوعظية. باللحظة ال �ح��اض��رة ،أو ال��ذك��رى ال��دف�ي�ن��ة في ف��ي ف��راغ��ات الصقعبي ،ث�م��ة ق�ص��ص أكثر تالفيف الشعور. اشتعاال أمام الهزيمة الوجدانية أو االجتماعية
في هذه الوخزات القصيرة جدا ،يضع الكاتب أو النفسية ..مما يصفعنا كل يوم. خطوطا أمام النغمة النشاز في مقطوعة حياتنا، ثمة رغبة في الصمت ،ما وقف بنا على حافة وي��رس��م ع�لام��ات استفهام كبرى ح��ول لحظات الحكايات بهذه االختزالية الذكية ،التي ترصد أعمارنا التي تضيع سدى ،يبتلعها الجحيم من وتلتقط تفاصيل التفاصيل ،جاعلة منها هماً ال�ف��راغ��ات التي تطلسم رؤان ��ا ،وتكبّل خطونا ،عاماً ،بدالالت عميقة كبيرة واسعة.
اجلوبة -خريف 1432هـ 107
بين ثرثرة مدروسة وصمت واع ..ي�ع�ل�ق�ن��ا ال �ك��ات��ب على مشانق فراغاته المزروعة في نصوصه ،نمعن ف��ي اللحظة، ن�س�ت��ذك��ر م��ا ج� ��رى ،يطحننا قلق الخوف ،ويحرقنا انتظار سقوط المقصلة. م ��ع واح � ��د م ��ن ت��وق �ي �ع��ات��ه (ب ��در) ..الشخص ال��ذي يحيا فراغا نفسيا قاتال في طفولته وفي رجولته ،الفراغ شامل وال يحتاج المتلقي لكبير عناء في الوصول إليه ،عبر مراحل مختلفة ،تختلط األمور على البطل الذي لم يعد منسجما مع نفسه ،هل يحيا رجولته حقا؟ لماذا يعود الى طفولته؟ يختلط األم ��ر ع�ل��ى «ب� ��در» ،وي�ن�س�ح��ب على المتلقي ،والسبب هذا الفراغ الذي شل ّتفكيرنا، ففقدنا القدرة على إدراك اآللية التي تسير بها األشياء من حولنا. يقترف الكاتب لعبة التعمية ،مساهما في توريطنا في مزيد من التيه بوضعه عنوان قصته (طفل). «بدر» /أفاق ذات يوم من نوم دام فترة طويلة، وجد أنه طفل صغير يلعب في الحي./
أنه رجل. ال �م �ف��ارق��ة أن ال��رج��ل في ب��داي��ة القصة ت�ق�زّم ال��ى طفل يلعب في الحي ..هذا الطفل، وخالل ممارسته اللعب ..يتمنى أن ي �ك��ون رج�ل�ا ب �ش��ارب ك��ث، وذقن صغيرة ،لكنه في الواقع م��ج��رد رج� ��ل ك �ب �ي��ر ال ي�ع��رف غير الهروب من الفراغ ،الذي يحيط به إلى اللجوء لطفولته ال��ت��ي ي� �م ��ارس ف �ي �ه��ا أح�لام��ه البعيدة عن الواقع البشع. يَعبُر الصقعبي على ق��ارب من لغة وحنين، ليرسم وشماً في الذاكرة ،في فقرات تتمفصل فيها أنا السارد ،وأنا الكاتب التي تبعث للمتلقي إيحاءات غنية ..ليختفي الطفل ،ويظهر الرجل بكل ما يمور في داخله من أفراح وأحزان ،تستعيد بها الطفولة نبضها ..مما انطبع على حدقة العين ،أو ارتسم على شغاف القلب ،بتفصيل م��وج��ع ،وانتقائية م�ق�ص��ودة ..ن��رى م��ن خاللها ما يجب أن يُ��رى ،ونسمع ونشم كل ما يالمس حواسنا من أصوات ومذاقات ،عبر مراحل سجل فيها الكاتب عوالم الطفولة ومالمحها ،مبعثرة على خريطة ال�ك�ب��ار ،ليظل أح��ده�م��ا مسكونا باآلخر حد السؤال :من منهما يكتب اآلخر؟!
«بدر» وكما يستشف من السياق ،رجل كبير، ه��ل نلعب ب �ه��ذه ال�ن�ص��وص م��اض�ي�ن��ا ،أم أن نام وغرق في أحالم طفولته المذبوحة ،التي لم حاضرنا اضطرنا لهذه العودة القسرية؟ يجد لها مكانا عندما كان طفال ،وها هو يفرج مثل ه��ذه اإلب��داع��ات ق��ادرة على وضعنا في عن محبوساته ودفائنه النفسية على صورة حلم. زاوية الفن واألدب الحقيقي ،وهو الذي يقودنا يستمر ال �م��ؤل��ف ف��ي ل�ع�ب�ت��ه/ال�ح��ي ،ب �ي��وت ..لكل ما هو ثمين وغني وجوهري. دكاكين ..أزقة ..ناس ..يلعب صغيرا ،ظاناً نفسه * كاتب من األردن.
108اجلوبة -خريف 1432هـ
ن����������������������������������واف����������������������������������ذ
قصائد من الهايكو الياباني > ترجمة سعيد بوكرامي*
في إشارة إلى الهايكو ،قال الشاعر الياباني المعروف كيوشي طكهاما :إن الهايكو هو التعبير العفوي عن المشاعر والحياة.. من خالل فصول الطبيعة األربعة .فالهايكو إذ ًا مستمد من الطبيعة ،ومستلهم من التأمل في اللحظة الراهنة. وهذا ال يعني أن شعر الهايكو خال من أي فلسفة ذهنية أو روحية؛ ألن قارئه ملزم بإعمال فكره وحدسه؛ للوصول إلى ما بين السطور والرموز واإليحاءات .فبعد سنوات من قراءة الشعر ..كان شعر الهايكو مفاجأة جمالية وذهنية بالنسبة لي، أحببت أن أتقاسمها مع القارئ العربي ..من خالل ترجمتي الجديدة لتاريخ الهايكو.
سيهو أوانو
فوق عدستي:
الغراب في مهب الريح
فكانت قطرة الندى
قال لي
في سري
هراء
افتقد الربيع
سقطت ندفة ثلج
ألني هرمت
اجلوبة -خريف 1432هـ 109
نيجي فويونو
عاقدا يديه
بيدي
فوق جذور مُ رَّ ة تنمو بسرعة
أغري غرابا حائما
آه يا زهرة شجرة البرقوق!
نحو بحر من اليرعات
كم نذبل
الربيع يتأمل
داخل المكتبة
إيدا دكوتسو ليلة تحت ضوء القمر ظل جبل فوجي الهائل يظهر يا له من صقيع!
أق���ط���ف أزه������ار ال��س��ح��ل��ب في فصل الربيع وألقيها بين الغمام
ساي إيماي
تموج تحت مكتبي. فراشة بيضاء تنبثق
الربيع هنا.
م����ن ب���ي���ن خ���ط���وط ال��ح��م��ار
أسمع صوت األمواج
الوحشي
طاي كاكيموتو
فال أرى شيئا لجين
يمضي الصيف
أقدام مضمخة بالوحل
أزيح الستارة
إنه نهر الربيع
تشوسون كاطو
بال قبر لألموات حشرة راقدة أتمنى أن يكون للموت هذا الوجه مريض في الفراش شجرة الشتاء ما يأسر بصري.
داخل النار ستنتهي هذه النملة التي تسير وتسير نوارس الشتاء بال مأوى لألحياء * كاتب من المغرب.
110اجلوبة -خريف 1432هـ
ن����������������������������������واف����������������������������������ذ
الفتى املكي ..شاكر الشيخ ..يقرع األجراس ويرحل
> شمس علي*
ترك خبر رحيل الكاتب والشاعر وأح��د رم��وز اإلع�لام في المنطقة الشرقية ،شاكر الشيخ ،في «13يوليو »2011األسى على وجوه العديد من المتعاطين مع الشأن الثقافي في المملكة ،وفي المنطقة الشرقية بشكل خاص؛ لما لعبه الراحل من دور ثقافي ريادي فيها ،بعد أن ق َِدم إليها من مكة المكرمة ،قبل ما يربو على األربعة عقود ،شابا فتيا ،يرزح تحت وطأة حمل مسؤولية أسرة كبيرة تضم أربع شقيقات وشقيقين ،إضافة إلى والدتهم بعد أن رحل عنهم األب والكفيل .وعمل شاكر في بداياته في تلفزيون الدمام ،كما انضم للعمل موظفا في وزارة البترول والثروة المعدنية ،متقلبا بعدها في عدة وظائف في إمارة المنطقة الشرقية حتى وصل إلى منصب «أمير سلوى» بالتكليف ،وذلك قبل صدور نظام المناطق وتحول سلوى من إمارة إلى مركز. وف��ي الشأنين الثقافي واإلع�لام��ي،
ان �ش �غ��االت��ه ال �خ �ط��اب ال �ت �ن��وي��ري ،الع�ب��ا
تنوعت أدواره واهتماماته ،بين الشعر ،دورا م��ؤث��را ف��ي الساحة؛ إذ ش��ارك في والمسرح ،والموسيقى ،والنص الشعبي ،تأسيس وإدارة جمعية الفنون الشعبية في وم� ��زاول� ��ة ال��ص��ح��اف��ة ،م�ت�ب�ن�ي��ا ف ��ي كل
األحساء» جمعية الثقافة والفنون حاليا»
اجلوبة -خريف 1432هـ 111
مع عبدالرحمن الحمد ،وعدد من الفنانيين وترعرع فيها ،إال أنه أمضى الشطر األكبر
عام 1971م ،وبعد استجابته إلغراء سيدة من حياته في الدمام ،وتوسد ترابها ،و من الجاللة ،ترك العمل الحكومي خلفه ليلحق
بركب الصحافة يوم كانت في مدينة الدمام
المفارقات أيضا ،أنه رغم أن أبا بدر رحل
مخلفا طبيبة أس�ن��ان ،وط��ال��ب ماجستير،
ال تتعدى حزمة م��ن ال��وري�ق��ات الصفراء ،وموظفا ،وطفال لم يتجاوز العاشرة ،فمن وعندما سنحت له الفرصة فيما بعد عمد المؤسف أنه لم يترك وراءه مؤلفا مكتوبا،
إلى احتضان العديد من الطاقات الشابة وبقيت أعماله وقصائده أوراقا مبعثرة في المثقفة ليلعب طوال مشواره الصحفي دور أرشيف عدد من الصحف الورقية والمواقع األب الروحي والموجه لهم من خالل منبر
اإللكترونية ،أو حبيسة أدراج مكتبه تنعي
اإلخراج ،متقلدا فيها فيما بعد منصب إدارة
البكر بدر على نفسه ،بجمع شتات قصيده
إضافة إلى تحمله مسؤولية اإلشراف على
حول نيّة صديق دربه الشاعر علي الدميني
الشيخ كمن قرع أجراس الوعي والتنوير في
أصدقائه.
جريدة اليوم ،التي ولج أبوابها عبر قسم
رحيله ،وإن ك��ان ال��وع��د ال��ذي قطعه ابنه
تحريرها ،وكذلك رئاسة قسمها الثقافي،
ف��ي دي� ��وان ..وع�ل��ى صعيد آخ��ر ،م��ا ت��ردد
ملحقها األسبوعي «المربد» ،ليبدو بذلك
اإلشراف على كتابة سيرته الذاتية بمعاونة
الساحة ،تاركا خيار اإلستجابة لمن أراد. لينتهي به المطاف للتقاعد من الجريدة
ع��ام 2003م ،متفرغا بعدها لنظم الشعر
بعد انقطاع عنه دام نحو عقدين من الزمن، وكان قد أخذ في نظمه منذ ستينيات القرن
الماضي.
يقول «الشيخ» ف��ي رس��ال��ة رد بها على
كاتبة طلبت منه ما يعينها على كتابة أسئلة ح��وار صحفي كانت تنوي أن تجريه معه ع��ام 2007م ،وذل��ك ف��ي ب��داي��ة انطالقتها الصحافية« :أما حول طلبك تزويدك بأشياء
ع�ن��ي ..ف��أن��ا ال أحتفظ ب��أي ش��ي غير ما
وقد شكلت فترة رئاسته لمجلة الشرق كتبته من شعر محكي خالل الثالث سنوات ع��ام 1985م -رغ��م ق�ص��ر م��دت�ه��ا وع��دم الماضيه فقط ،وال شيء قبله ..وتختزنه تجاوز عمرها الزمني العام ونيف -أفضل
ذاكرة الكمبيوتر ..أما األشياء األخرى فقد
ال�ك��ات��ب قينان ال�غ��ام��دي رئ�ي��س تحريرها
وليس هناك الكثير الذي يستحق العناء..
طريقها للصدور.
المدينة وقع خاص في داخلي ال تعادله إال
حقبة مرت بها المجلة في تاريخها بحسب
تجديها في ما تختزنه ذاك��رة األصدقاء..
الحالي ،بعد أن تم تحويلها إلى صحيفة في
كما شدتني كتابتك ع��ن األح �س��اء فلهذه
ورغم أن شاكر ولد في مكة عام 1948م * كاتبة من السعودية.
112اجلوبة -خريف 1432هـ
مكة المكرمة مدينتي األولى».
ن����������������������������������واف����������������������������������ذ
في رحيل
األديب والروائي والناقد خيري شلبي عا أيقونة التفرد ودا ً
> د .محمود عبداحلافظ خلف الله*
ليس صوابًا أن لكل أدي��ب بصمة؛ ألن البصمة األدبية هي التي تصنع أثرًا مغايرًا من متلق آلخر ،بل لدى المتلقي نفسه من وقت آلخر؛ و عليه ،فإن األدباء الذين يصنعون هذا ليسوا كثر ،تسليمً ا بأنه ليس كل كاتب أديبًا ،وليس كل قارئ مستقرئًا .هكذا كان خيري شلبي ذا بصمة إبداعية من نوع فريد. لقد نبتت موهبة خيري شلبي الفذة في 31 يناير 1938م ،من أعماق تربة قرية «شباس عمير» بمحافظة كفر الشيخ في دلتا مصر، فاجتمعت لها أصالة الوادي والدلتا معًا ،وكأن مياه النيل قد اختزلت فيها كل معالم الشخصية المصرية م��ن ري��ف وح�ض��ر ،واستودعتها كل أسرار الخلود ،فكانت معينًا ال ينضب ..تتفاعل مع الحدث ،وتتوحد مع الشخوص بوشائج قوية تتشابك بخيوط حريرية بالغة الدقة والنعومة؛ فال يشعر القارئ وهو في حضرة موهبة خيري شلبي بتعاريج أو نتوءات تخل بنشوة التالحم بين األديب وشخوصه في كل حدث.
إن تماس خيري شلبي منذ نشأته األول��ى إل��ى سن الشباب مع الطبقة الكادحة لدرجة الموت إب��ان ذلك الوقت في الريف المصري، والطبقة المهمشة ف��ي ال�م��دي�ن��ة ..ق��د أنضج موهبته في سن مبكرة ،وجعله ال يهدر وقتًا في االقتراب المصطنع من هذه البيئة .لقد كانت شخوصه .حيّة أمامه ،يعايشها لحظة بلحظة، ويسبر أغوارها ،ثم يتقمصها ،فيشعرك أنه كل شخوصه ،وقد يكتشف في الشخصية الروائية مالم تعرفه الشخصية الحقيقية عن نفسها، ومثال ذلك ما حدث إثر نشر بعض رواياته مع الشخوص الحقيقيين الذين مثلهم في رواياته،
اجلوبة -خريف 1432هـ 113
وأيضا رواية مثل رواية» منامات عم أحمد السباك»ً ، «وكالة عطية» فقد فوجئ بطال الروايتين بتفسيرات لبعض السلوكيات التي كانا يقومان بها في الواقع من دون معرفة السبب. إن ه��ذه الموهبة الفذة ،هي التي نحتت لخيري شلبي مكانة خاصة ومختلفة عن جيل الستينيات ،الذي كتب عن طبقة المهمشين ..ابتدا ًء من يوسف إدريس ال��ذي بدأها بمجموعته القصصية «أرخ��ص ليالي» إل ��ى م�ح�م��د م �س �ت �ج��اب ،وي��وس��ف القعيد ،فقد تناول معظمهم هذه الفئة المهمشة من زاوي��ة بعينها، م�ث��ل ال �ص��راع ال�ط�ب�ق��ي أو سطوة البرجوازية...إلخ .أما خيري شلبي فكانت رؤيته شمولية ..ق��رأ فيها األب �ع��اد االج�ت�م��اع�ي��ة والسياسية واالقتصادية والثقافية والنفسية لهذه الطبقة ،جعلته يستحق من دون منافس لقب ( أمير المهمشين). لم يكن نجيب محفوظ مجاملاً 114اجلوبة -خريف 1432هـ
أو دبلومسيًا عندما سئل عن سبب ع��دم كتابته عن ال�ق��ري��ة ال�م�ص��ري��ة ،ف��أج��اب ك�ي��ف أك�ت��ب ع��ن القرية المصرية وعندنا خيري شلبي .إنها رؤية األديب الحق ال��ذي يعلم قيمة الموهبة ..غالبًا أكثر من كثير من النقاد ؛ ألن الناقد عندما يقرأ النص ،إنما يخضعه لقواعد علمية توسم بالصرامة ،ويغيب عنها أحيانًا االنفعال الحقيقي بالموهبة وما وراءها ،أما األديب.. فهو يرى بقريحته وحواسه وشعوره ،فتكون رؤيته أكثر صدقًا. ومن األدلة القاطعة على براعة خيري شلبي في قراءة الشخصية جيدًا ،براعته في رسم البورتريه بالكلمة ،ف�ك��ان يصف الشخصة م��ن ال� �خ ��ارج وال ��داخ ��ل بصياغة أدب �ي��ة دق�ي�ق��ة ،يعجز ع��ن التعبير عنها نحات وفنان تشكيلي وطبيب ن�ف�س��ي ش ��اء ال��ق��در أن يسكنهم جسدًا واح �دًا .لقد استطاع رسم بورتريها لنحو ( )250شخصية..
ن����������������������������������واف����������������������������������ذ ليس بدافع شك من عدم تداولها بين المثقفين مقارنة جمعها في عدة كتب أشهرها»عناقيد النور». وكما يقول علماء النفس ،إن مكونات الموهبة هي بأعماله فحسب ،لكنه تحريض مقصود على تأملها مزيج بين استعدادات وراثية ومكتسبات بيئية ،بينها وسبرها... قنوات اتصال يتم فيها التفاعل بين هذه المكونات، من أولويات الدين أن تجتهد في قضاء دَينك لله وتتمدد الموهبة أو تنكمش حسب تعدد تلك القنوات في كل لحظة. واتساعها ؛ ف��إذا كثرت واتسعت ..ت��رك ذل��ك حتمًا األدي��ب الحق هو ال��ذي يمضغ األل��م حتى تتحول ظ�لالاً ممثلة في موسوعية ال��رؤي��ة ،وعمق التحليل، مرارته إلى لذة ،عندها يبدأ الكتابة. ومرونة التناول ،وأصالة الفكرة ،وحداثة الصياغة. ترهل الحضارة هو ال��ذي يخلق الزيف في القيم لقد تجلّت معظم هذه الخصائص إن لم يكن جميعها فتحيا هيكلاً مفرغً ا من المضمون. في كتابات خيرى شلبي وآرائه. ال�ش��اع��ر ال�ح��ق ه��و ال ��ذي ال يستلف ت �ج��ارب من إال أن كتاباته بلغت من الصيت ما يجعل سردها ت�ك��رارًا ال فضل فيه ،أم��ا آراؤه فيحسن ذك��ر بعضها التاريخ أو من غيره.
اجلوبة -خريف 1432هـ 115
الشعر الحقيقي الذي يحوي قدرًا معينًا من الحشو عام 2005م -رشحته مؤسسة «إمباسادورز» الكندية ليظهر به جمال الصورة الحقيقية؛ فالذهب إن لم للحصول على ج��ائ��زة ن��وب��ل ل�ل�آداب -ت��ول��ى رئاسة يضف عليه قليل من النحاس ال يمكن تشكيله. تحرير مجلة الشعر (وزارة اإلع�لام) لعدة سنوات - الحداثة هي مجموعة من القيم الفنية الحديثة تولى رئاسة تحرير سلسلة :مكتبة الدراسات الشعبية ال �ص��ادرة ع��ن الهيئة ال�ع��ام��ة لقصور ال�ث�ق��اف��ة(وزارة التي ال يشترط فيه شكل بعينه للشعر. الثقافة). هناك تراسل لجميع الفنون في شعر الحداثة. من رواياته :السنيورة ،األوب��اش ،الشطار ،الوتد، رح��م الله خيري شلبي أيقونة التفرد ف��ي سماء ال �ع��راوى ،فرعان من الصبار ،م��وال البيات والنوم، اإلب� ��داع ،رح��ل ج �س �دًا وستظل كلماته تهمي عطا ًء ثالثية األمالي (أولنا ولد -وثانينا الكومى -وثالثنا لألبد. الورق) ،بغلة العرش ،لحس العتب ،منامات عم أحمد السماك ،موت عباءة ،بطن البقرة ،صهاريج اللؤلؤ، نعناع الجناين ،صالح هيصة -نسف األدمغة -زهرة الخشخاش -وك��ال��ة عطية -ص �ح��راء المماليك - اسطاسية. من مجموعاته القصصية :صاحب السعادة اللص، المنحنى الخطر ،س��ارق الفرح ،أسباب للكى بالنار، ال��دس��اس ،أش �ي��اء تخصنا ،ق ��داس ال�ش�ي��خ رض ��وان، خيري شلبي ومن مسرحياته :صياد اللولي ،غنائية سوناتا األول، كاتب وروائ��ي مصري ,ولد بمحافظة كفر الشيخ المخربشين. بمصر .في ( 31يناير – 1938وتوفي في 9سبتمبر وم��ن م��ؤل�ف��ات��ه ودراس ��ات ��ه :محاكمة ط��ه حسين: .)2011 تحقيق في ق��رار النيابة في كتاب الشعر الجاهلي، حصل على جائزة الدولة التشجيعية في اآلداب عام 1981/1980م -حاصل على وسام العلوم والفنون من الطبقة األول��ى 1981/1980م -وجائزة أفضل رواي��ة عربية عن رواي��ة «وكالة عطية» ع��ام 1993م- كما حصل على الجائزة األولى إلتحاد الكتاب للتفوق ع��ام 2002م -وج��ائ��زة نجيب محفوظ من الجامعة األمريكية بالقاهرة عن رواية وكالة عطية 2003م.
أعيان مصر (وجوه مصرية) ،غذاء الملكات (دراسات ن�ق��دي��ة) ،م��راه�ن��ات الصبا (وج��وة م�ص��ري��ة) ،لطائف اللطائف (دراسة في سيرة اإلمام الشعراني) ،أبو حيان التوحيدي (بورتيره لشخصيته) ،دراسات في المسرح العربي ،عمالقة ظرفاء ،فالح في بالد الفرنجة (رحلة روائية) ،رحالت الطرشجي الحلوجي ،مسرح األزمة (نجيب سرور) وغير ذلك.
وهو رائد الفانتازيا التاريخية في الرواية العربية وك��ذل��ك حصل على ج��ائ��زة أف�ض��ل ك�ت��اب عربى من معرض القاهرة للكتاب عن رواية صهاريج اللؤلؤ المعاصرة ،وتعد روايته (رحالت الطرشجى الحلوجى) ع��ام 2002م -وج��ائ��زة ال��دول��ة التقديرية في اآلداب عمال فريدا في بابها. * كلية التربية ـ جامعة الجوف.
116اجلوبة -خريف 1432هـ
م����������������ال واق��������ت��������ص��������اد
احلوكمة في املصارف اإلسالمية > د .حسني سمحان*
الحوكمة في النظام المصرفي ليست ضرورية فحسب ،وإنما تشكل منهاجا وأسلوبا يجب االلتزام به لتخلية المسؤوليات قدر اإلمكان ،ولخلق الطمأنينة لدى اآلخرين ..وبخاصة لدى أولئك الذين يتعاملون مع البنوك؛ وذلك إلعطاء فرصة ألصحاب المصالح ،كل حسب دوره وأهميته في وقف أي عملية جنوح نحو الممارسات الخاطئة .وزاد من أهمية الحوكمة في المصارف إصدار لجنة بازل لمبادئ حوكمة ،يؤدي التزام المصرف بها إلى تحسين صورته بشكل عام ،وزيادة ثقة الجهات المختلفة به ،وتحسين تصنيفه أيضا. ولضمان االلتزام بمبادئ الحوكمة؛ التي تعد من متطلبات االلتزام بما صدر عن لجنة ب��ازل ..ك��ان ال بد من االمتثال لجميع هذه المتطلبات .تم استحداث وظيفة االمتثال في البنوك ،وت��م إنشاء دائ��رة مستقلة عن مفهوم الحوكمة إدارة المخاطر مؤخرا في معظم البنوك، ي��ع��د م �ص �ط �ل��ح ال� �ح ��وك� �م ��ة ،ال �ت��رج �م��ة مهمتها األساسية مراقبة امتثال المصرف للقوانين المختلفة التي يخضع لها المصرف المختصرة التي راجت للمصطلح Corporate في أدائه ألعماله؛ مثل قانون البنوك ،وقانون ،Governanceأم��ا الترجمة العلمية لهذا التجارة ،وقانون الشركات المساهمة ،إضافة المصطلح ،والتي اتفق عليها ،فهي« :أسلوب إلى مراقبة امتثال المصرف لتعليمات البنك ممارسة سلطات اإلدارة الرشيدة». وق��د ت�ع��ددت التعريفات المقدمة لهذا المركزي ،وغيرها من األمور التي تؤدي إلى تحسين تصنيفه وزيادة ثقة جميع األطراف ب��ه .وه��ذا عمل ف��ي غ��اي��ة األه�م�ي��ة ،ويجب إتقانه بسبب الويالت التي قد يتعرض لها المصرف بسبب عدم االمتثال.
اجلوبة -خريف 1432هـ 117
المصطلح ،بحيث ي��دل ك��ل مصطلح ع��ن وجهة تراض منكم} .النساء.29: ٍ النظر التي يتبناها مقدم هذا التعريف. قوله تعالى{ :وال تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل فتعرف مؤسسة التمويل الدولية IFCالحوكمة وتدلوا بها إلى الحكام ،لتأكلوا فريقاً من أموال بأنها “ :النظام الذي يتم من خالله إدارة الشركات الناس باإلثم وأنتم تعلمون} .البقرة.188: والتحكم في أعمالها «(.)1 ثانيا :من السنة النبوية المطهرة:
كما تعرفها منظمة التعاون االقتصادي والتنمية ال قوله [« :إن الله يحب إذا عمل أحدكم عم ً OECDبأنها« :مجموعة من العالقات فيما بين أن يتقنه»( .)5فال شك أن إتقان العمل ال بد أن يمر القائمين على إدارة الشركة ومجلس اإلدارة وحملة عبر الحوكمة ،ألنها من أهم الضمانات الضامنة األسهم وغيرهم من المساهمين»(.)2 إلتقانه. وهناك من يعرفها بأنها« :مجموع قواعد اللعبة» ممارسة النبي صلى الله عليه وسلم للرقابة لا م��ن أش �ك��ال الحوكمة، التي تستخدم إلدارة الشركة من الداخل ،ولقيام اإلداري� ��ة ال�ت��ي تعد ش�ك� ً مجلس اإلدارة باإلشراف عليها لحماية المصالح ومن ذلك حديث ابن اللتبية ،وفيه أن النبي [ والحقوق المالية للمساهمين»(.)3 استعمله على صدقات قومه من األزد ،فلما جاء وبمعنى أخ��ر ،ف��إن الحوكمة تعني النظام ،أي حاسَ بَه ،فقال :ه��ذا لكم وه��ذا أه��دي إل��ي ،فقال وجود نظم تحكم العالقات بين األطراف األساسية النبي [ :فهال جلست في بيت أمك وأبيك حتى التي تؤثر في األداء ،كما تشمل مقومات تقوية تأتيك هديتك إن كنت صادقاً ،ثم قام النبي فخطب المؤسسة على المدى البعيد وتحديد المسئول في الناس فقال“ :فإني استعمل الرجل منكم على والمسئولية. العمل فيما والني الله فيأتيني فيقول :هذا مالكم وهذا هدية أهديت إليّ ..أفال جلس في بيت أبيه الحوكمة من منظور شرعي وأمه حتى تأتيه هديته إن كان صادقاً(.)6 مشروعية الحوكمة(.)4 ي�ك�ف��ي ان ت��ق��ارن ه ��ذه ال �ن �ص��وص ال�ش��رع�ي��ة هناك نصوص شرعية كثيرة ،تحث على أداء الواضحة بمبادئ ومعايير الحوكمة لتعرف أن ما األم��ان��ة وع��دم ال�ظ�ل��م ،واالب �ت �ع��اد ع��ن أك��ل أم��وال جاء في هذه النصوص يشمل جميع تلك المبادئ، الناس بالباطل ،وال�ص��دق واإلخ�ل�اص في العمل بل ويزيد.. وحسن الخلق...الخ .وهذه األخالق إضافة إلى ما جاء بخصوص المال والرقابة عليه ..تشكل أهم مفهوم الحوكمة في االقتصاد اإلسالمي: مقومات الحوكمة في العلوم اإلداري��ة المعاصرة، اختالف مفهوم الحوكمة في االقتصاد اإلسالمي ومما يدل على مشروعية الحوكمة: عنه في االقتصاد التقليدي ،ينبع من أن العمل اإلداري في اإلسالم له مقومات عقدية قائمة على أوال :من القران الكريم ،وهي كثيرة منها: العقيدة اإلسالمية ،تضع له قيودا ومحددات تحكم قوله تعالى في صفات المؤمنين« :والذين هم سلوك اإلدارة والعاملين في عالقتهم بمحيطهم ألماناتهم وعهدهم راعون» .المعارج32 : ال�خ��ارج��ي ،وعالقتهم ببعضهم بعضاً وذل��ك من قوله تعالى{ :ي��ا أيها ال��ذي��ن آم�ن��وا ال تأكلوا خالل وجوب التزامهم بأحكام الشريعة اإلسالمية أم��وال�ك��م بينكم بالباطل إال أن تكون ت�ج��ارة عن في العبادات والمعامالت واألخالق. 118اجلوبة -خريف 1432هـ
التزام إدارة المنشاة في كافة مستوياتها بأحكام إن ت �ح��دي��د ال �م �س��ؤول �ي��ة ب��دق��ة ف ��ي ال �ن �ظ��ام الشريعة اإلسالمية (مبادئ الحوكمة في اإلسالم االق �ت �ص��ادي اإلس�لام��ي أم��ر م�ه��م ،وق��د حددتها – إن صح التعبير )-من أجل ضبط العالقة بين كل الشريعة بشكل دق�ي��ق ،ويساند ذل��ك عند الفرد األطراف بشكل يعالج تعارض المصالح. المسلم الدافع الديني؛ ألن أيّ مسؤولية يتحملها المسلم بناء على تعاقد مع غيره ،ال يكون مسئوال أسس ومبادئ الحوكمة في االقتصاد فقط أم��ام من تعاقد معه ..إنما هو مسئول أوالً اإلسالمي أمام الله ،ع ّز وجل ،الذي أمر بالوفاء بالعقود. ي�لاح��ظ ال�م�ت�ف�ح��ص ل �م �ب��ادئ ال�ح��وك�م��ة التي وهي تعني أن يكون المدير أو الحاكم أو اإلمام ج��اءت بها منظمة التعاون والتنمية االقتصادية، واإلرش� � ��ادات ال �ت��ي ج ��اءت ب�ه��ا لجنة ب ��ازل بهذا مسئوال أم��ام الله ثم أم��ام الناس عن استخدامه ال�خ�ص��وص ،م��ن اج��ل إص�ل�اح منشآت األع �م��ال ،للسلطات التي منحت ل��ه .يقول تعالى (ي��ا أيها والقضاء على السلبيات التي قد تنشا من خالل الذين امنوا ال تخونوا الله وتخونوا أماناتكم وأنتم ما يسمى بتضارب المصالح ،أو من خالل فصل تعلمون) وق��ال صلى الله عليه وسلم« :كلكم راع اإلدارة عن الملكية ،ال تخرج عن تعاليم اإلسالم وكلكم مسئول عن رعيته»( .)7وهذا كله يعني وجوب ال�ح�ن�ي��ف المستنبطة م��ن ال �ك �ت��اب وال �س �ن��ة ،ألن تحديد مسؤولية كل طرف بدقة ،وأن يؤديها بكل اإلصالح مطلب إسالمي في األصل ،ومن أهم هذه صدق وأمانة. التعاليم (المبادئ) ما يلي: وت �ج��در اإلش� ��ارة هنا إل��ى أن المسؤولية في اإلسالم ال تنتهي بقرار تم اتخاذه في ضوء ظروف العدل: معينة ،بل تمتد هذه المسؤولية لتشمل نتائج اتخاذ تعتبر العدالة من المنظور اإلسالمي من أهم ذلك القرار. األس ��س ال�ت��ي ت�ق��وم عليها ال�ع�ق��ود ف��ي الشريعة اإلسالمية ..وخاصة عقود المعامالت .قال تعالى د -المساءلة: وت �ع �ن��ي ض� � ��رورة م �ح��اس �ب��ة ال �م �س �ئ��ول �ي��ن عن (يا أيها الذين امنوا كونوا قوامين بالقسط شهداء التزاماتهم ،بحيث تتم معاقبة المقصرين ومكافأة لله) النساء.135 : المجيدين .وق��د وضعت الشريعة اإلسالمية في الشورى: تنظيمها لعقود المعامالت أسسً ا لمحاسبة كل ف�لا يمكن للحاكم أو المدير أن يكون ع��ادال طرف على مدى التزامه بأداء ما عليه من واجبات إال إذا كان النظام اإلداري ،أو حتى نظام الحكم في العقد ،وقررت عقوبات حاسمة لمن يخ ّل بها؛ قائما على الشورى .فاإلنسان يبقى ضعيفا غير واألمر ال يقتصر على الجزاء الشرعي أو اإلداري ق��ادر على اإلل �م��ام بجميع األم ��ور والتخصصات أو القضائي ،بل يستشعر المسلم الجزاء من الله، والمعلومات...الخ ،مهما اتصف بصفات الكمال عز وجل ،وبخاصة في الحاالت التي يتمكّن فيها والذكاء .لذا فهذا القائد أو المدير ..مجبر على اإلنسان من اإلف�لات من رقابة البشر والعقوبات االستعانة بغيره إذا أراد أن يحقق مبدأ العدالة اإلداري��ة ،وهو ما يسمى «بالمحاسبة أو المساءلة الذاتية». الذي ذكرناه سابقا.
م����������������ال واق��������ت��������ص��������اد
أي أن الحوكمة في االقتصاد اإلسالمي تعني ج -المسؤولية:
اجلوبة -خريف 1432هـ 119
هـ -الصدق واألمانة: م��وق��ف اإلس �ل��ام م��ن ق �ي��م ال��ص��دق واألم��ان��ة والحث عليهما بشكل ع��ام ،وم��ن الكذب وشهادة الزور معروف ،خاصة وان شهادة الزور (التقارير المزورة) تعد من الكبائر.
•تحديد أنشطة المجلس •تشكيل لجان المجلس. •توصيف بيئة الضبط والرقابة الداخلية. •العالقة مع المساهمين. •الشفافية واإلفصاح.
والصدق واألمانة يقابلهما مصطلح الشفافية أهداف تطبيق الحوكمة في المصارف الذي تحث عليه مبادئ الحوكمة المعاصرة ،وفي والمصارف اإلسالمية: اإلس �ل��ام ..ي�ج��ب ت�ح�لّ��ي اإلدارة بصفة ال�ص��دق واألم��ان��ة ف��ي ك��ل م��ا ت��م توكيلها ب��ه م��ن أع �م��ال، بالشكل الذي يؤدي إلى العدالة وتحقيق مصالح جميع األط��راف ،من دون مراعاة مصلحة طرف على آخ��ر ،وه��ذا أيضا يتطلب من اإلدارة العمل على إيجاد أنظمة محاسبية وإدارية ،تضمن تقديم المعلومات الدقيقة والشاملة عن أعمال المنظمة لجميع األطراف ،وبخاصة أولئك الذين ال تمكنهم ظ��روف �ه��م م��ن اإلش � ��راف ال �م �ب��اش��ر ع �ل��ى أع �م��ال منشآتهم. وب �ش �ك��ل ع� ��ام ،ف� ��إن م ��ا ج� ��اءت ب ��ه ال�ش��ري�ع��ة اإلسالمية في حفاظها على المقاصد – والمال.. يعد أح��د المقاصد الخمسة التي يجب حفظها وحمايتها بكل الطرق والسبل المشروعة -يتفق مع معنى الحوكمة.
المرتكزات األساسية لدليل الحوكمة في مصرف إسالمي:
•ال�� �ت� ��زام م �ج �ل��س اإلدارة ب��ال �ح��اك �م �ي��ة المؤسسية. •تحديد وظائف مجلس اإلدارة. •ف �ص��ل م �ه��ام رئ �ي��س ال�م�ج�ل��س وال �م��دي��ر العام. •تحديد دور رئيس المجلس. •تشكيلة المجلس. •تنظيم أعمال المجلس.
120اجلوبة -خريف 1432هـ
•ت �ح �ق �ي��ق ال �ش �ف��اف �ي��ة ال �م �ط �ل��وب��ة إلدام� ��ة الشركات والمؤسسات المالية ،وتمكينها من القيام بأنشطتها االستثمارية في إطار من النزاهة والموضوعية واالحتراف. •زي ��ادة الثقة ف��ي ال�ش��رك��ات والمؤسسات ال �ت��ي تطبق معايير ال�ح��وك�م��ة ،وتحتكم إل��ى قواعدها ومبادئها وآلياتها ،فذلك يشيع جواً من الثقة في الشركة ولوائحها وأنشطتها. •ضبط العالقات اإلداري ��ة بين األط��راف ذات العالقة في الشركات والمؤسسات، والمتمثلة ف��ي م�ج��ال��س اإلدارة وحملة األس �ه��م ،واألق��س��ام وال�ه�ي��اك��ل اإلداري� ��ة، المتفرعة عن جسم الشركة الرئيس إلى غير هؤالء ..ممن تهمهم أنشطة الشركة واستثماراتها ،بعد إح��داث ال �ت��وازن بين المصالح ،التي ق��د تبدو متعارضة بين أطراف العمليات اإلنتاجية أو االستثمارية، التي تمارسها تلك المؤسسات ،بحيث يتم رعاية جميع المصالح وحمايتها ،دون أن يتغول بعضها على بعض. •العمل على جذب االستثمارات واستقطابها، ف��إن ال�ش��رك��ة أو ال�م��ؤس�س��ة ال �ت��ي تطبق قواعد الحوكمة ومعاييرها ..تكون أقدر م��ن غ �ي��ره��ا ع �ل��ى ج ��ذب االس �ت �ث �م��ارات،
•ح�م��اي��ة أم� ��وال المساهمين ع�ب��ر توفير معلومات صحيحة وشفافة ع��ن أنشطة الشركة والوضع المالي لها ..بما يمكن المساهمين الحاليين والمتوقعين من ات �خ��اذ ق��رارات��ه��م ،ب �ن��ا ًء ع �ل��ى م��ا يظهر م��ن ال��وض��ع ال �م��ال��ي ل�ت�ل��ك ال �ش��رك��ات أو المؤسسات.
•تحقيق األه��داف التي تكون في مصلحة عمالء المصرف ومساهميه ضمن األطر القانونية والشرعية.
•زيادة تنافسية الشركة التي تطبق معايير الحوكمة ،وتمكينها من االستحواذ على أك�ب��ر ق��در ممكن م��ن ال �س��وق ف��ي مجال أنشطتها ،ألن الحوكمة تعمل على رفع وإضافة إلى ذلك ..تهدف المصارف اإلسالمية سوية الشركة؛ وبالتالي زيادة قدرتها على من تطبيق الحوكمة إلى تحقيق مزايا أخرى مثل: المنافسة ،األمر الذي يستتبع في الغالب •ت �ف �ص �ي��ل ال� �ع� �ق ��ود ،وت� �ح ��دي ��د ش��روط �ه��ا زيادة حصتها في السوق. وأحكامها بدقة ،بما يبتعد عن أي تدليس •مكافحة الفساد المالي واإلداري في تلك أو جهالة أو غرر. الشركات ،من خالل تطبيق مبادئ اإلفصاح •تحقيق المعاملة العادلة لحملة األسهم، والشفافية ،ومن خالل تطبيق وتفعيل نظم وأص� �ح ��اب ال �ح �س��اب��ات وال �ع��ام �ل �ي��ن في الرقابة المالية واإلداري ��ة؛ تلك القواعد المصارف اإلسالمية إلثبات حقوقهم. وتلك النظم التي يؤدي تطبيقها إلى تقليل الفساد وتحجيمه فوق ما ي��ؤدي إليه من •ال �ت��أك��د م ��ن ك� �ف ��اءة ت�ط�ب�ي��ق اإلج� � ��راءات تقليل األخطاء واالنحرافات ،سوا ًء كانت التشغيلية وفق أحكام الشريعة اإلسالمية، تلك األخطاء متعمدة أم غير متعمدة. وبمعزل عن المصالح الشخصية.
•م�ن��ع ق �ي��ام مجلس اإلدارة م��ن اإلض ��رار بمصالح المساهمين م��ن خ�لال تحديد صالحيات م�ح��ددة لهم ،بحيث ال ت��ؤدي تصرفاتهم إلى اإلضرار باألطراف األخرى ذات العالقة بأنشطة الشركة ،كالعمالء والدائنين أو المقرضين وغيرهم.
م����������������ال واق��������ت��������ص��������اد
لما تشيعه م��ن الثقة وال�م�ص��داق�ي��ة في تعامالتها ،األمر الذي يولّد بدوره طمأنينة تجاه تلك الشركة وأنشطتها وممارساتها.
•تدعيم الشركات والمؤسسات المطبقة لمعايير الحوكمة لمراكزها المالية ،عبر تحقيق معدالت عالية من الربحية ،مما يسهم في تقوية المركز المالي للشركة، ويجعلها أكثر ق��درة وقابلية على التطور وتوسيع مجال وحقل أنشطتها.
•ت�ح�ق�ي��ق م �ق��وم��ات أخ�ل�اق �ي��ات األع �م��ال المصرفية من ثقة وصدق وأمانة. •تمكين المساهمين وأص�ح��اب حسابات االستثمار من أن يراقبوا -بشكل صحيح وفاعل -أداء إدارة المصرف رغم محددات اإلفصاح والشفافية. •تمكين المحكمين م��ن الحكم ب��إدان��ة أو براءة المصرف اإلسالمي من التعدي أو التقصير.
* جامعة الزرقاء -األردن.
اجلوبة -خريف 1432هـ 121
الرحالة األوروبيون
في منطقة اجلوف 1922-1845م
املؤلف :الدكتور عوض البادي الناشر :النادي األدبي باجلوف السنة 1432 :هـ 2011 -م ي�ع��د ك�ت��اب (ال��رح��ال��ة األورب��ي��ون ف��ي شمال الجزيرة العربية -منطقة ال�ج��وف -1845 - 1922م) للدكتور ع��وض ال �ب��ادي ،أب��رز الكتب المرجعية المهمة التي يمكن الرجوع إليها لمعرفة تاريخ منطقة الجوف والمناطق المجاورة ،وتاريخ شمالي شبه ال�ج��زي��رة العربية ،حيث يتضمن جهد المؤلف الكبير الذي بذله في سبيل تعقب ودراس� ��ة أالف ال��وث��ائ��ق وال �م��راج��ع ال�ت��ي كتبها الرحالة األجانب عن الجزيرة العربية ،ومنطقة الجوف تحديدا.. ح �ي��ث ي �ح �ت��وي ال �ك �ت��اب أح ��د ع �ش��ر ف�ص�لا، خصص كل فصل منها ألحد الرحالة األجانب الذين زاروا منطقة الجوف ،ابتداء من الرحالة جورج أوغست والن عام 1262هـ 1845 -م الذي كان يقول «إن تمور الجوف من أحسن األصناف، ويفضل طعمه طعم تمور البصرة وبغداد ،وقد 122اجلوبة -خريف 1432هـ
أساس طعامي ،بل معظمه طوال َ شكلت التمور إقامتي التي امتدت نحو ثالثة أشهر .وأعترف أني لم أضجر منها ،وهناك مثل يقول « ال تمر مثل تمر الجوف وتيماء» ..مشيرا إلى أنه الحظ ما ال يقل عن خمسة عشر نوعا كلها ذات نوعية راقية».. وليم جيفورد بلغريف 1862م ال��ذي يقول«إن بساتين الجوف مشهورة جدا ..وهي تستحق هذه الشهرة ..فهي أكثر إنتاجا وتنوعا من بالد جبل شمر وعالية نجد ،وه��ي أكثر إنتاجا من أرض الحجاز وما جاورها ...« ،»..أما المشمش وال �خ��وخ والتين وال�ع�ن��ب ،فتزخر بها ال �م��زارع، ويتفوق ثمرها في النكهة واإلنتاج على بساتين دمشق ،وجبال سورية وفلسطين ،وفي المساحات بين البساتين يزرع القمح والبقول »..ويقول..»-: إن أعظم سمة لسكان الجوف هي كرمهم ،ولن
ك��ارل��و غ��وارم��ان��ي 1864م -ال�ل�ي��دي آن بلنت 1878م -تشارلز هوبر 1880م -يوليوس أويتنج 1883م -البارون إدوارد نولده 1893م -أرتشيبالد ف ��وردر 1900م ،ال��ذي ي �ق��ول» ...وع��دد كبير من الرجال والصبيان يجيدون القراءة بطالقة ،وعدد كبير منهم يمتلك ساعات - »..إس.إس بتلر 1908م ألويس موسيل 1908م – 1909م ،حتى الرحالةسانت جون فيلبي 1922م ،كما يورد في هوامش الكتاب وصفا للجوف أورده بعض الرحالة اآلخرين ومنهم كارستن نيبور (1815 -1733م) والذي أورد ذكر جوف السرحان ومنها دومة وسكاكا ،والرحالة يوهان لودفيج بوركهارت (1817-1784م) الذي ذكر أن « أهل الجوف مشهورون بمواهبهم الشعرية والموسيقية ،)..حيث يشير الدكتور عوض البادي أنه أورد أقدم معلومات حول منطقة الجوف سبق فيها كافة الرحالة األوربيين اآلخرين الذين زاروا المنطقة ،وص ��وال إل��ى ال��رح��ال��ة أورل �ي��خ سيتزن
ويقدم الكتاب الرحالة األوربيون الذين زاروا ُعرّف منطقة الجوف ونصوصهم حولها ،حيث ي ِ بالرحالة وخلفيته وأهداف رحلته ،ثم يورد النص المعرب ال��ذي قدمه الرحالة وتحقيقه م��ن دون تدخل في معنى النص أو مبناه؛ إذ يضم بين دفتيه كل ما كتبه هؤالء الرحالة عن منطقة الجوف في
ق�������������������������������������������������������������راءات
تجد هذا في أي مكان في الجزيرة العربية ،حيث تتم استضافة الضيف ومعاملته بالحسنى ،وإكرامه لدرجة عرض اإلقامة عليه ،وتقريبه حتى يصبح بالتدريج واحدا منهم .أما الشجاعة فال يستطيع أحد أن ينزعها منهم».
(1811 – 1767م).
قلعة مارد (فوردر1901 ،م)
قصر خزام (فوردر1901 ،م)
بلدة سكاكة (هولت1922 ،م)
اجلوبة -خريف 1432هـ 123
ي�ق��ع ال �ك �ت��اب ف��ي ( )570ص�ف�ح��ة م��ن القطع
الكبير ،وي��أت��ي ضمن إص� ��دارات ال �ن��ادي األدب��ي بالجوف لعام 2011م ،متضمنا عشرات الوثائق والصور والخرائط الجديدة ،وال غنى ألي باحث أو مهتم بتاريخ منطقة الجوف والمملكة العربية السعودية عن اقتنائه.
وتتحدث دار النيل والفرات لتسويق الكتب عن
مشروع الدكتور البادي« :يأتي هذا الكتاب كجزء من مشروع عملي بدأه الباحث الدكتور «عوض البادي»
منذ سنوات عدة ،يهدف إلى جمع وترجمة كل ما كتبه الرحالة األوروبيون عن مناطق الجزيرة العربية
كافة باللغات األجنبية على اختالفها ،القتناعه أرتشيبالد فوردر
باألهمية العلمية لهذه النصوص ،وضرورة توفيرها
باللغة العربية للباحثين وال��دارس�ي��ن والجمهور،
الفترة من 1922 -1845م محتويا على موضوعات :وبمنهج ميسر يتضمن التعريف بالرحالة وأهدافه الرحالت ،والتاريخ ،والجغرافيا ،وتفصيال لألوضاع وأهمية ما قدمه ثم يورد النص الخاص بالمنطقة
االج�ت�م��اع�ي��ة واالق �ت �ص��ادي��ة وال�س�ي��اس�ي��ة بمنطقة المعنية ،وأن يبدأ بأول رحالة زار المنطقة وينتهي ال �ج��وف ،لفترة تمتد إل��ى نحو م��ائ��ة ع��ام سبقت بآخر رحالة زاره��ا ضمن اإلط��ار الزمني المحدد
انضمام منطقة الجوف إلى الدولة السعودية.
لكل منطقة».
تشارلز هوبر
124اجلوبة -خريف 1432هـ
ق�������������������������������������������������������������راءات
امللك خالد بن عبدالعزيز آل سعود خطب وكلمات
الناشر :دارة امللك عبدالعزيز السنة 1431 :هـ2010 /م يتضمن هذا الكتاب نخبة مختارة من الخطب والكلمات التي ألقاها الملك خالد بن عبدالعزيز آل سعود – رحمه الله -في مختلف المناسبات المحلية والدولية..والتي تعد تعبيرا صادقا عن شخصية إمام مخلص لبلده وأبناء وطنه ،وهي شخصية رسمها اإليمان واإلخالص والصدق في القول والعمل. وقد عبرت كلماته – رحمه الله – عن مسئوليته التاريخية في قيادة هذه البالد ،وترجمة لمواقفه التي تدعو دائما إلى تطوير البالد ودعم القضايا العربية واإلسالمية والدولية. كما تضمنت كلماته – رحمه الله – تطلعات المحب ألمته ،الحامل لهمومها ..والممثل آلمالها، داعية إلى التضامن العربي واإلسالمي وإلى الوحدة وعدم االختالف ،وإلى اإلخ��اء واالئتالف لمواجهة التحديات التي تحيط باألمة العربية واإلسالمية .إل��ى جانب ما اشتملت عليه من توجيهات صادقة ألبنائه المواطنين بما يعود عليهم بالنفع والفائدة.
من أقوال الملك خالد بن عبدالعزيز آل سعود < إن مسؤوليتنا عظيمة تجاه أمتنا اإلسالمية والعربية بل وتجاه اإلنسانية أجمع ،وإننا نعتز بحمل هذه المسؤولية ،وقد أثبتنا ولله الحمد في شتى المجاالت ومنذ أن أسس هذه المملكة الملك عبدالعزيز ،رحمه الله ،أننا نتصرف إن شاء الله على هدى من هذه الشريعة الغراء. < كان حرصنا عظيما على أن تضع حكومة المملكة العربية السعودية كل ما تملك من موارد وإمكانات في خدمة المواطن ،والحفاظ على قيمه الدينية والخلقية التي من دونها ال تقوم لنا كلمة ،والتي نحرص على تعميقها حتى تظل المشعل ال��ذي ينير لنا ال��دروب في الدنيا واآلخرة.
اجلوبة -خريف 1432هـ 125
استخدامات الهاتف اجلوال كوسيلة اتصالية إعالمية في املجتمع السعودي
املؤلف :شذى بنت عبدالواحد احلميد الناشر :مؤسسة عبدالرحمن السديري اخليرية السنة 1432 :هـ2011 /م > محمد صوانه يأتي اإلص��دار الجديد لبرنامج النشر في مؤسسة عبدالرحمن السديري الخيرية ليناقش قضية م�ع��اص��رة متصلة ات �ص��االً وث�ي�ق�اً بحياة الناس المعاصرة واهتماماتهم المتجددة في عصر أصبحت السمة المميزة له هي السرعة والتقنية الرقمية.
ه��ذه الوسيلة االتصالية اإلعالمية التي تمتاز بسهولة االستخدام وسرعة تقدمها واستثمارها لكثير م��ن االخ �ت��راع��ات التقنية ال �ت��ي وظفت لترسيخ أهميتها وترسيخ تعلق الناس بها؛ لما تحققه ل�ه��ا م��ن إش �ب��اع وخ��دم��ات ،أص �ب��ح من الصعب تخيّل الحياة من دونها!
وقد أقامت المؤلفة دراستها الميدانية على عينة من سكان العاصمة الرياض فأثمرت هذا المؤلَف النافع ال��ذي يواكب اهتمامات الناس ويرتبط باحتياجاتهم التواصلية فيما بينهم من جهة ومع العالم من حولهم من جهة أخرى.
قُسمت الدراسة إلى ثالثة فصول واحتوت على نحو ( )28جدوالً إحصائياً أثرت مضمون الدراسة ببيانات إحصائية عن عينة الدراسة. ت�ن��اول��ت المؤلفة ف��ي الفصل األول :المقدمة المنهجية للبحث ،فعرضت فيها أهمية الدراسة، وأهدافها ،وتساؤالتها ،ومجتمع الدراسة وعينتها, وع��رض�اً للدراسات السابقة ،وق��د استخدمت الباحثة أسلوب الدراسات المسحية.
ه��دف��ت ال��دراس��ة إل��ى ال�ت�ع��رف ع�ل��ى حجم استخدام المجتمع السعودي للهاتف الجوال وأنماطه ,ودوافعه ,ومدى اإلشباع المتحقق منه، وتناولت في الفصل الثاني :اإلطار النظري وهي خطوة تواكب اهتمامات الفرد والمؤسسات في المجتمعات المعاصرة ،لما نشهده من تزايد ف ��ي م �ب �ح �ث �ي��ن ،ت� �ن ��اول األول م �ف �ه��وم ن�ظ��ري��ة االهتمام بالتطورات التقنية الهائلة التي تواكب االستخدامات واالشباعات ,وفي الثاني تناولت 126اجلوبة -خريف 1432هـ
أما الفصل الثالث :فيعرض الجانب الميداني العملي ،إذ شمل عرضاً تفصيلياً لنتائج الدراسة الميدانية التي قامت الباحثة بتطبيقها لإلجابة على تساؤالت الدراسة ،من خالل ستة مباحث، عرضت الباحثة ف��ي المبحث األول اإلج ��راءات ال�م�ي��دان�ي��ة ل �ل��دراس��ة ومجتمع ال ��دراس ��ة ،وذل��ك (ال��ذي ت�ك�وّن م��ن 400مستجيباً م��ن المواطنين السعوديين في مدينة ال��ري��اض) ،وعينتها وأداة الدراسة (االستبانة) ،وإجراءات الصدق والثبات، والمعالجات اإلحصائية؛ وعرضت في المبحث الثاني استخدامات الهاتف الجوال؛ وفي الثالث دواف��ع استخدامات الهاتف الجوال؛ وفي الرابع اإلشباعات المتحققة من استخدام الهاتف الجوال؛ وفي الخامس العوامل المؤثرة في استخدام أفراد المجتمع ال �س �ع��ودي ل�ل�ه��ات��ف ال��ج��وال ودواف �ع��ه وإشباعاته ،وفي المبحث السادس عرضت أهم النتائج والتوصيات .وتتمثل في:
ب �ن �س��ب ض �ع �ي �ف��ة م �ن �ه��ا «إرس�� � ��ال ال �م �ق��اط��ع اإلخبارية» ,و«الرسائل الدعوية».
استخدام «كاميرا ال �ج��وال» ج��اء ف��ي مقدمةاالس �ت �خ��دام��ات ،ي�ل�ي��ه «ال �ت��ذك �ي��ر بالمواعيد وجدولتها» ،ثم « البالك بيري» ،بينما حلَّت
ق�������������������������������������������������������������راءات
الهاتف الجوال وظهوره ،وتطور النظام العالمي لالتصاالت ،وتطور تقنيات الجوال عبر السنوات، واس�ت�خ��دام��ات��ه ،وخ��دم��ات اإلع�ل�ام الجديد عبر الجوال.
بينما جاءت االستخدامات األخ��رى للبلوتوث
في المرتبة األخيرة ،وبنسبة متدنية «مشاهدة
القنوات التلفزيونية».
دافع «التواصل مع األهل واألق��ارب» جاء فيالمقدمة ،يليه «معرفة أخبار الزمالء» ،و«توفير
األم��ان في ح��ال ع��دم وج��ود وسائل اتصال»،
ثم دافع «متابعة متطلبات األسرة عند الوجود خارج المنزل» .بينما جاء دافع «متابعة األخبار ال�ع��ام��ة» ,و داف��ع «ب�ن��اء ع�لاق��ات عاطفية مع
الجنس اآلخر» بنسبة متدنية جداً.
أه��م ال �ع��وام��ل ال �م��ؤث��رة ف��ي اس �ت �خ��دام أف��رادالمجتمع ال �س �ع��ودي ل�ل�ج��وال ه��ي متغيرات:
العمر ،والجنس ،والمستوى التعليمي.
-ان�ع��دام استخدام العينة للمكالمات المرئية وال�م�ك��ال�م��ات الجماعية ،بينما ظهر حرص الواسعة االنتشار -ال تزال تفتقر إلى مزيد من الغالبية على تعميم الجوال أثناء السفر .وكان الدراسات العلمية المتعمقة ،التي تتناول دوافع استخدام العينة لخدمة ( )call meوخدمة االس �ت �خ��دام وم ��دى اإلش �ب��اع المتحقق م�ن��ه ،بما (م��وج��ود اك �س �ت��را) وخ��دم��ة (ال�م�ك��ال�م��ة على يتواءم مع أهمية هذه التقنية وخطورتها؛ ويخدم حساب اآلخر) بنسب ضعيفة. ه��ذا القطاع االتصالي المهم في حياة عصرية ان ��زع ��اج غ��ال �ب �ي��ة ال �ع �ي �ن��ة م ��ن رس ��ائ ��ل smsاإلعالنية ،بينما يحرصون على إعادة إرسال تتسم بالتسارع المضطرد في مجاالت االبتكارات ما يردهم من رسائل مميزة ،وجاء في مؤخرة الرقمية ،التي تتداخل فيها مختلف فنون العلم وال �ص �ن��اع��ة واالب��ت��ك��ار ،وت�ت�ن��اف��س ف�ي�ه��ا ال�ع�ق��ول االستخدامات «إرسال األخبار العامة». ج��اء «ت �ب��ادل ال �م��واد السمعية والمرئية» في المبدعة من مختلف دول العالم ،لتحقيق سبقوخ �ت��ام �اً ،ف��إن اس�ت�خ��دام��ات ه��ذه الوسيلة -
مقدمة استخدامات العينة الخاصة بالبلوتوث، يليها «إرس��ال المقاطع الطريفة المضحكة»,
ابتكاري يمنح رعاته سيادة هذا القطاع والتفرد
بإنتاج تقنياته.
اجلوبة -خريف 1432هـ 127
األنشطة الثقافي ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــة
> إعداد :عماد املغربي
البعثات وبرنامج خادم احلرمني الشريفني
أقيمت يوم الثالثاء 1432/04/17هـ محاضرة عن« :البعثات وبرنامج خادم الحرمين الشريفين للبعثات» ،ألقاها األستاذ الدكتور عبدالله بن عبدالعزيز الموسى ،وكيل وزارة التعليم العالي لشؤون البعثات ،بحضور وكيل إمارة منطقة الجوف األستاذ أحمد بن عبدالله آل الشيخ ،والمدير العام رئيس المجلس الثقافي بالمؤسسة الدكتور زياد بن عبدالرحمن السديري ،والدكتور سلمان بن عبدالرحمن السديري ،واألستاذ علي الراشد ،وحشد من أهالي منطقة الجوف ،قدم لها الدكتور طارش بن مسلم الشمري ،وكيل جامعة الجوف. وقد ألقى مدير عام المؤسسة ..رئيس المجلس الثقافي الدكتور زياد بن عبدالرحمن السديري كلمة ترحيبية بهذه المناسبة ،ثمّن فيها جهود وزارة التعليم العالي بضم أبناء المؤسسة المبتعثين إلى برنامج خادم الحرمين الشريفين لالبتعاث ،مرحّ باً بالدكتور عبدالله الموسى ،وشكره على جهوده. تجدر اإلشارة إلى أن هذه المحاضرة نقلت إلى القسم النسائي عبر الدائرة التلفزيونية المغلقة.
زراعة الزيتون في اجلوف
نواف ذويبان الراشد ود .الهاشمي المهري
جانب من الحضور
تزامناً مع مهرجان الزيتون الرابع المقام في منطقة الجوف ،وفي الساعة الرابعة والنصف من عصر يوم السبت 1432/3/2ه �ـ ،أقيمت في قاعة العرض والمحاضرات بدار الجوف للعلوم، بمؤسسة عبدالرحمن السديري الخيرية محاضرة عن« :زراعة الزيتون في منطقة الجوف» ألقاها الخبير التونسي األستاذ الدكتور الهاشمي المهري – كبير خبراء مشروع تطوير الزيتون بمنظمة األغذية والزراعة (الفاو) .وقدم لها نواف ذويبان الراشد مدير بنك التسليف السعودي في الجوف. وقد حضرها حشد من مثقفي المنطقة وأهاليها وبخاصة المهتمين منهم بزراعة الزيتون وإنتاجه وتسويقه. 128اجلوبة -خريف 1432هـ