35-Jobaforweb

Page 1

‫مواجهات‬ ‫أميمة اخلميس‬ ‫د‪ .‬حسن النعمي‬ ‫سيرة وإبداع‬

‫نوافذ‬

‫شعر‬

‫قصص‬

‫معالي الدكتور‬

‫عن رحيل‬

‫إبراهيم األملعي‬

‫شيمة الشمري‬

‫خليل املعيقل‬

‫ثروت عكاشة‬

‫املهدي عثمان‬

‫حسن البطران‬

‫ملف العدد‪:‬‬

‫الرواية السعودية‬ ‫مبشاركة‪ :‬محمد القشعمي‪ ،‬خالد اليوسف‪ ،‬معجب الزهراني‪ ،‬حسن النعمي‪ ،‬زكريا العباد‪ ،‬مالك اخلالدي‪،‬‬ ‫محمد جميل‪ ،‬فريال احلوار‪ ،‬إبراهيم الدهون‪،‬إبراهيم احلجري‪ ،‬هشام بنشاوي‪ ،‬وضحاء آل زعير‬

‫‪35‬‬


‫برنامـج نشر الدراسات واإلبداعـات األدبية ودعم البحوث والرسائل العلمية‬ ‫في مؤسسة عبدالرحمن السديري اخليرية‬ ‫‪ -1‬نشر الدراسات واإلبداعات األدبية‬ ‫يهتم بالدراسات‪ ،‬واإلبداعات األدبية‪ ،‬ويهدف إلى إخ��راج أعمال متميزة‪ ،‬وتشجيع حركة اإلب��داع األدبي‬ ‫واإلنتاج الفكري وإثرائها بكل ما هو أصيل ومميز‪.‬‬ ‫ويشمل النشر أعمال التأليف والترجمة والتحقيق والتحرير‪.‬‬ ‫مجاالت النشر‪:‬‬ ‫أ ‪ -‬الدراسات التي تتناول منطقة اجلوف في أي مجال من املجاالت‪.‬‬ ‫مبي في البند «‪ »٨‬من شروط النشر)‪.‬‬ ‫ب‪ -‬اإلبداعات األدبية بأجناسها املختلفة (وفقاً ملا هو نّ‬ ‫مبي في البند «‪ »٨‬من شروط النشر)‪.‬‬ ‫ج‪ -‬الدراسات األخرى غير املتعلقة مبنطقة اجلوف (وفقاً ملا هو نّ‬ ‫شروطه‪:‬‬ ‫‪ -١‬أن تتسم الدراسات والبحوث باملوضوعية واألصالة والعمق‪ ،‬وأن تكون موثقة طبقاً للمنهجية العلمية‪.‬‬ ‫‪ -٢‬أن تُكتب املادة بلغة سليمة‪.‬‬ ‫‪ -٣‬أن يُرفق أصل العمل إذا كان مترجماً‪ ،‬وأن يتم احلصول على موافقة صاحب احلق‪.‬‬ ‫‪ -٤‬أن تُق ّدم املادة مطبوعة باستخدام احلاسوب على ورق (‪ )A4‬ويرفق بها قرص ممغنط‪.‬‬ ‫‪ -٥‬أن تكون الصور الفوتوغرافية واللوحات واألشكال التوضيحية املرفقة باملادة جيدة ومناسبة للنشر‪.‬‬ ‫‪ -٦‬إذا كان العمل إبداعاً أدبياً فيجب أن يتّسم بالتم ّيز الفني وأن يكون مكتوباً بلغة عربية فصيحة‪.‬‬ ‫‪ -٧‬أن يكون حجم املادة ‪ -‬وفقاً للشكل الذي ستصدر فيه ‪ -‬على النحو اآلتي‪:‬‬ ‫ الكتب‪ :‬ال تقل عن مئة صفحة باملقاس املذكور‪.‬‬‫ البحوث التي تنشر ضمن مجالت محكمة تصدرها املؤسسة‪ :‬تخضع لقواعد النشر في تلك املجالت‪.‬‬‫ الكتيبات‪ :‬ال تزيد على مئة صفحة‪( .‬حتتوي الصفحة على «‪ »250‬كلمة تقريباً)‪.‬‬‫‪ -٨‬فيما يتعلق بالبند (ب) من مجاالت النشر‪ ،‬فيشمل األعمال املقدمة من أبناء وبنات منطقة اجلوف‪ ،‬إضافة‬ ‫إلى املقيمني فيها ملدة ال تقل عن عام‪ ،‬أما ما يتعلق بالبند (ج) فيشترط أن يكون الكاتب من أبناء أو بنات‬ ‫املنطقة فقط‪.‬‬ ‫‪ -٩‬متنح املؤسسة صاحب العمل الفكري نسخاً مجانية من العمل بعد إص��داره‪ ،‬إضافة إلى مكافأة مالية‬ ‫مناسبة‪.‬‬ ‫‪ -١٠‬تخضع املواد املقدمة للتحكيم‪.‬‬


‫‪ -2‬دعم البحوث والرسائل العلمية‬ ‫يهتم بدعم مشاريع البحوث والرسائل العلمية والدراسات املتعلقة مبنطقة اجلوف‪ ،‬ويهدف إلى تشجيع‬ ‫الباحثني على طرق أبواب علمية بحثية جديدة في معاجلاتها وأفكارها‪.‬‬ ‫(أ) الشروط العامة‪:‬‬ ‫‪ -١‬يشمل الدعم املالي البحوث األكادميية والرسائل العلمية املقدمة إلى اجلامعات واملراكز البحثية والعلمية‪،‬‬ ‫كما يشمل البحوث الفردية‪ ،‬وتلك املرتبطة مبؤسسات غير أكادميية‪.‬‬

‫‪ -٢‬يجب أن يكون موضوع البحث أو الرسالة متعلقاً مبنطقة اجلوف‪.‬‬

‫‪ -٣‬يجب أن يكون موضوع البحث أو الرسالة جديداً في فكرته ومعاجلته‪.‬‬ ‫‪ -٤‬أن ال يتقدم الباحث أو الدارس مبشروع بحث قد فرغ منه‪.‬‬

‫‪ -٥‬يقدم الباحث طلباً للدعم مرفقاً به خطة البحث‪.‬‬ ‫‪ -٦‬تخضع مقترحات املشاريع إلى تقومي علمي‪.‬‬

‫‪ -٧‬للمؤسسة حق حتديد السقف األدنى واألعلى للتمويل‪.‬‬ ‫‪ -٨‬ال يحق للباحث بعد املوافقة على التمويل إجراء تعديالت جذرية تؤدي إلى تغيير وجهة املوضوع إال بعد‬ ‫الرجوع للمؤسسة‪.‬‬ ‫‪ -٩‬يقدم الباحث نسخة من السيرة الذاتية‪.‬‬ ‫(ب) الشروط الخاصة بالبحوث‪:‬‬ ‫‪ -١‬يلتزم الباحث بكل ما جاء في الشروط العامة (البند «أ»)‪.‬‬ ‫‪ -٢‬يشمل املقترح ما يلي‪:‬‬ ‫ توصيف مشروع البحث‪ ،‬ويشمل موضوع البحث وأهدافه‪ ،‬خطة العمل ومراحله‪ ،‬وامل��دة املطلوبة‬‫إلجناز العمل‪.‬‬ ‫ ميزانية تفصيلية متوافقة مع متطلبات املشروع‪ ،‬تشمل األجهزة واملستلزمات املطلوبة‪ ،‬مصاريف‬‫السفر والتنقل والسكن واإلعاشة‪ ،‬املشاركني في البحث من طالب ومساعدين وفنيني‪ ،‬مصاريف‬ ‫إدخال البيانات ومعاجلة املعلومات والطباعة‪.‬‬ ‫‪ -‬حتديد ما إذا كان البحث مدعوماً كذلك من جهة أخرى‪.‬‬

‫(ج) الشروط الخاصة بالرسائل العلمية‪:‬‬ ‫إضافة لكل ما ورد في الشروط اخلاصة بالبحوث (البند «بــ«) يلتزم الباحث مبا يلي‪:‬‬ ‫‪ -١‬أن يكون موضوع الرسالة وخطتها قد أق ّرا من اجلهة األكادميية‪ ،‬ويرفق ما يثبت ذلك‪.‬‬ ‫قدم توصية من املشرف على الرسالة عن مدى مالءمة خطة العمل‪.‬‬ ‫‪ -٢‬أن يُ ّ‬

‫اجلوف‪ :‬هاتف ‪ - 04 624 5992‬فاكس ‪ - 04 426 7780‬ص‪ .‬ب ‪ 458‬سكاكا ‪ -‬اجلوف‬ ‫الرياض‪ :‬هاتف ‪ - 01 412 5277 - 01 412 5266‬فاكس ‪ - 01 402 2545‬ص‪ .‬ب ‪ 10071‬الرياض ‪11433‬‬ ‫‪nshr@abdulrahmanalsudairyfoundation. org‬‬


‫العدد ‪35‬‬ ‫ربيع ‪1433‬هـ ‪2012 -‬م‬

‫ملف ثقافي ربع سنوي يصدر عن‬

‫املشرف العام‬

‫إبراهيم احلميد‬ ‫أسرة التحرير‬ ‫محمود الرمحي‪ ،‬محمد صوانة‬ ‫أمين السطام‪ ،‬عماد املغربي‬ ‫اإلخراج الفني‬ ‫خالد الدعاس‬

‫املراسالت‬

‫توجه باسم املشرف العام‬ ‫ّ‬

‫هاتف‪)+966( )4( 6263455 :‬‬ ‫فاكس‪)+966( )4( 6247780 :‬‬ ‫ص‪ .‬ب ‪ 458‬سكاكا اجلـوف ‪ -‬اململكة العربية السعودية‬ ‫‪www. aljoubah.org aljoubah@gmail.com‬‬ ‫ردمد ‪ISSN 1319 - 2566‬‬

‫سعر النسخة ‪ 8‬رياالت‬ ‫تطلب من الشركة الوطنية للتوزيع‬

‫قواعد النشر‬

‫‪ - 1‬أن تكون املادة أصيلة‪.‬‬ ‫‪ - 2‬لم يسبق نشرها‪.‬‬ ‫‪ - 3‬تراعي اجلدية واملوضوعية‪.‬‬ ‫‪ - 4‬تخضع املواد للمراجعة والتحكيم قبل نشرها‪.‬‬ ‫‪ - 5‬ترتيب املواد في العدد يخضع العتبارات فنية‪.‬‬ ‫‪ - 6‬ترحب اجلوبة بإسهامات املبدعني والباحثني والكتّاب‪،‬‬ ‫على أن تكون املادة باللغة العربية‪.‬‬ ‫«اجلوبة» من األسماء التي كانت تُطلق على منطقة اجلوف سابق ًا‬

‫الناش ـ ـ ـ ــر‪ :‬مؤسسة عبدالرحمن السديري اخليرية‬ ‫أسسها األمير عبدالرحمن بن أحمد السديري (أمير منطقة اجلوف من ‪1362/9/5‬هـ ‪1410/7/1 -‬هـ‬ ‫املوافق ‪1943/9/4‬م ‪1990/1/27 -‬م) بهدف إدارة ومتويل املكتبة العامة التي أنشأها عام ‪1383‬هـ‬ ‫املعروفة باسم دار اجلوف للعلوم‪ .‬وتتضمن برامج املؤسسة نشر الدراسات واإلبداعات األدبية‪ ،‬ودعم‬ ‫البحوث والرسائل العلمية‪ ،‬وإصدار مجلة دورية‪ ،‬وجائزة األمير عبدالرحمن السديري للتفوق العلمي‪ ،‬كما‬ ‫أنشأت روضة ومدارس الرحمانية األهلية للبنني والبنات‪ ،‬وجامع الرحمانية‪ .‬وفي عام ‪1424‬هـ (‪2003‬م)‬ ‫أنشأت املؤسسة فرعاً لها في محافظة الغاط (مركز الرحمانية الثقافي) له البرامج والفعاليات نفسها‬ ‫التي تقوم بها املؤسسة في مركزها الرئيس في اجلوف‪ ،‬بوقف مستقل‪ ،‬من أسرة املؤسس‪ ،‬للصرف على‬ ‫هذا املركز ‪ -‬الفرع‪.‬‬

‫‪4‬‬

‫اجلوبة ‪ -‬ربيع ‪1433‬هـ‬


‫الـمحتويــــات‬

‫االفتتاحية ‪4 . ...................................................‬‬

‫‪6.......................‬‬

‫الرواية السعودية‬

‫ملف العدد‪ :‬الرواية السعودية‪6 . ..............................‬‬ ‫قصص قصيرة‪ :‬أوراق همجية ‪ -‬أيمن حسين‪71 . .............‬‬ ‫تحت الدفء ‪ -‬فاطمة المزروعي ‪72 ..........................‬‬ ‫رقصات على حبال ذائبة ‪ -‬محمد محقق‪74 ..................‬‬ ‫قصص قصيرة جداً ‪ -‬محمد صوانه ‪75 ......................‬‬ ‫فاطمة تعيش الحلم ‪ -‬محمد عباس علي ‪76 ..................‬‬ ‫قصص قصيرة جداً ‪ -‬ميمون حرش ‪78 .......................‬‬ ‫أنا صغيرتك‪ ..‬يا صغيرتي ‪ -‬ليلى الحربي‪79 .................‬‬

‫‪97.....................‬‬ ‫حوار مع الروائية أميمة اخلميس‬

‫بلل يبحث عن غطاء ‪ -‬حسن علي البطران ‪80 ................‬‬ ‫قصص قصيرة ‪ -‬شيمة الشمري‪81 ...........................‬‬ ‫سر الغائب ‪ -‬نادية أحمد ‪82 ..................................‬‬ ‫شعر‪ :‬أعرف ما أنويه تماما ‪ -‬عبير يوسف ‪84 . ................‬‬ ‫أ ُّم الشَّ قاَ ‪ -‬إبراهيم طالع األلمعي‪86 ..........................‬‬ ‫الصباح الفلسطيني ‪ -‬المهدي عثمان‪87 ......................‬‬ ‫شامة العشق ‪ -‬مالكة عسال ‪89 ...............................‬‬

‫‪109....................‬‬ ‫سيرة وإبداع‪ :‬د‪ .‬خليل املعيقل‬

‫شذرات بِلون الفراق ‪ -‬سناء عاديل ‪90 ........................‬‬ ‫مرارة الموت ‪ -‬ترجمة‪ :‬تهاني إبراهيم‪91 .....................‬‬ ‫وجد ‪ -‬سليمان عبدالعزيز العتيق ‪93 ..........................‬‬ ‫فراشاتٌ تمط ُر فِ يَّ ‪ -‬نجاة الزباير ‪94 .........................‬‬ ‫مواجهات‪ :‬حوار مع الروائية أميمة الخميس ‪96 . ..............‬‬ ‫حوار مع الدكتور حسن النعمي‪102 .............................‬‬

‫‪117....................‬‬ ‫رحيل ثروت عكاشة‬ ‫لوحة الغالف‪ :‬عمل تشكيلي للفنانة‬ ‫اجلوفية هديل اللحيدان‪.‬‬

‫سيرة وإبداع‪ :‬معالي د‪ .‬خليل المعيقل ‪108 . .....................‬‬ ‫النوافذ‪ :‬االتجاه الرمزي في الفن التشكيلي ‪ -‬ليلى الغامدي ‪112 ....‬‬ ‫شعرية الجمال ‪ -‬سعيد السوقايلي‪114 .........................‬‬ ‫رحيل‪ ..‬ثروت عكاشة ‪ -‬محمد مستجاب ‪116 ..................‬‬ ‫قراءات ‪122 . .....................................................‬‬ ‫األنشطة الثقافية ‪128 . ........................................‬‬

‫اجلوبة ‪ -‬ربيع ‪1433‬هـ‬

‫‪5‬‬


‫افتتاحية العدد‬ ‫> إبراهيم احلميد‬

‫تتنقل بنا الرواية في المملكة العربية السعودية إلى مراحل جديدة لم‬ ‫تعهدها من قبل‪ ،‬فها هي اليوم مالئة الدنيا وشاغلة الناس‪ ،‬حتى أصبح‬ ‫المجتمع الثقافي يترقب كل عام صدور المئات من الروايات السعودية التي‬ ‫تعبّر عن واقع الحال للمشهد الروائي في المملكة‪ ،‬حتى أن هذا المشهد‬ ‫بات واسعا‪ ،‬بحيث ال يمكن وضعه في سلة واحدة أو تصنيف محدود‪.‬‬ ‫وإذا كانت الرواية العربية قد سبقت الرواية السعودية من حيث الترتيب‬ ‫الزمني‪ ،‬فها هي الرواية في المملكة تسابق قريناتها العربيات‪ ،‬من حيث‬ ‫اإلقبال عليها‪ ،‬والكم المنتج سنويا‪ ،‬فتصدرت هذه الرواية مثيالتها في‬ ‫عالمنا العربي‪ ،‬ووصلت إلى الجوائز العربية والعالمية‪ ،‬منافسة وحصوالَ‬ ‫عليها؛ ففاز بجائزة البوكر كل من عبده خال‪ ،‬ورجاء عالم‪ ،‬كما فاز يوسف‬ ‫المحيميد بجائزة إيطالية وأخ��رى تونسية‪ ،‬كما أن النقاد العرب أولوا‬ ‫ال��رواي��ة السعودية اهتماما وعناية في كتبهم ومؤلفاتهم‪ ،‬وتمت ترجمة‬ ‫عشرات الروايات منها إلى لغات كثيرة‪.‬‬ ‫وقد أجمعت الدراسات والبحوث والرسائل الجامعية على اعتبار عام‬ ‫‪1420‬ه �ـ‪2000 /‬م هو عام التحوّل‪ ،‬وبداية دخول الرواية السعودية إلى‬ ‫عصر جديد؛ إذ بدأ النشر يتصاعد‪ ،‬واالهتمام اإلعالمي والنقدي ينصب‬ ‫على ما يصدر ويُنشر‪ ،‬ونمت ظواهر في عالم الرواية السعودية لتبرزها‬ ‫وتقدمها على باقي الفنون األدب�ي��ة‪ ،‬ما استدعى كافة شرائح المجتمع‬ ‫لكتابتها والغوص في عالمها‪.‬‬

‫‪6‬‬

‫اجلوبة ‪ -‬ربيع ‪1433‬هـ‬


‫وال ش��ك أن ال �م��رأة ق��د شكلت عنصرا‬ ‫أساسا في العمل ال��روائ��ي؛ فجاءت الرواية‬ ‫ال�ن�س��وي��ة ال �س �ع��ودي��ة ل�ت�ب��رز م �ع��ان��اة المرأة‬ ‫السعودية‪ ،‬وتعلن أن الرجل مهما اجتهد‪..‬‬ ‫ف��إن��ه غير م��ؤه��ل لإلحساس والتعبير عما‬ ‫يخالج سرائرها وطاقاتها الشعورية؛ فجاءت‬ ‫هوية كتاباتها الروائية مغايرة تماما‪.‬‬ ‫ول ��م تقتصر غ��واي��ة ال ��رواي ��ة السعودية‬ ‫على اس��م معين‪ ،‬ب��ل ام�ت��د إل��ى العديد من‬ ‫الروائيين الذين سحروا قراءَهم من المحيط‬

‫اف�����������ت�����������ت�����������اح�����������ي�����������ة‬

‫ولم تصل الرواية في السعودية إلى هذا‬ ‫المستوى المتقدم إال بعد أن عبرت قنوات‬ ‫متعددة‪ ،‬تاريخياَ وفنياَ وإبداعياَ‪ ،‬تلك الرواية‬ ‫ال �ت��ي تثبت نفسها ك��أح��د أه��م االنتاجات‬ ‫المعرفية‪ ،‬التي تبرز الوجه الثقافي لبلدنا‪،‬‬ ‫ال��ذي يَعتبِر الكثيرون أن��ه غ��اب كثيرا عن‬ ‫المشهد الثقافي العربي وبخاصة في مجال‬ ‫ال��رواي��ة‪ ،‬إذ ب��ات المجتمع السعودي متاحا‬ ‫أم��ام العالم عن طريق التشريح والتسجيل‪،‬‬ ‫الذي تعبر به الرواية عن حال هذا المجتمع‪.‬‬ ‫وإذا ك��ان م��ن مقارنة بين المستوى الفني‬ ‫والجمالي ل�ل��رواي��ة‪ ،‬فالحديث ال يمكن أن‬ ‫ينقطع‪ ,‬إال حين يبدأ من جديد‪.‬‬

‫إل��ى الخليج‪ .‬وإذا ك��ان��ت غ��واي��ة االس ��م قد‬ ‫أغ��رت الكثير من النقاد و الكتاب والقراء‪،‬‬ ‫للتركيز على أسماء معينة من الروائيين‪ ،‬إال‬ ‫أن آخرين قد حفروا لهم أسماء في قائمة‬ ‫المجد ال��روائ��ي‪ ،‬م��ن خ�لال تتبع خطواتهم‬ ‫العميقة في رواياتهم‪ ،‬حتى أصبح هناك من‬ ‫يتلمس خُ طى رج��اء عالم في ط��وق الحمام‬ ‫بحثا ع��ن أزق��ة مكة المكرمة التي أخفتها‬ ‫الحداثة المعمارية التي تعيشها‪ ،‬أو سيقان‬ ‫يحيى أمقاسم في ساق الغراب‪ ،‬وغرائبيات‬ ‫أبطاله التي غابت عن عالمنا اليوم!‬ ‫وم��ن ه�ن��ا‪ ،‬ج��اء تخصيص ال�ج��وب��ة ملف‬ ‫ال �ع��دد ل �ل��رواي��ة ف��ي ال�س�ع��ودي��ة مكلال بعدد‬ ‫من المقاالت وال��دراس��ات‪ ،‬التي تؤكد ثراء‬ ‫مشهد الرواية العربية في المملكة العربية‬ ‫ال�س�ع��ودي��ة‪ ..‬كما أراد لها م��ؤرخ المثقفين‬ ‫محمد القشعمي‪ ،‬الذي يتحف قراءنا ببدايات‬ ‫الرواية في المملكة‪ ،‬وكما تثريه أرقام خالد‬ ‫اليوسف ورصده لمختلف أوجه الرواية‪ ،‬وهو‬ ‫الذي قدم دراسة ببلومترية تحليلية حديثة‪،‬‬ ‫تمت بعد تمكنه من بناء ببليوجرافيا جديدة‬ ‫ع��ن اإلن �ت��اج ال��روائ��ي ف��ي المملكة العربية‬ ‫السعودية لعام ‪1432‬هـ‪ 2011/‬م‪.‬‬

‫اجلوبة ‪ -‬ربيع ‪1433‬هـ‬

‫‪7‬‬


‫الرواية السعودية‪..‬‬ ‫> إعداد وتقدمي محمود الرمحي‬

‫ال شك أن الكم الكبير من األعمال الروائية التي شهدتها السعودية في الفترة األخيرة‪،‬‬ ‫أثار العديد من األسئلة والجدل محليا وعربيا‪..‬‬ ‫وال شك أن األرق��ام ال���واردة في كتاب الدكتور حسن حجاب الحازمي واألس��ت��اذ خالد‬ ‫اليوسف «الرواية مدخل تاريخي ودراسة ببلوجرافية ببلومترية»‪ ،‬الصادر عن نادي الباحة‬ ‫األدبي ‪2009‬م‪ ،‬والتي أشارت إلى أن عدد الروايات التي نشرت في السعودية تقارب األربعمائة‬ ‫رواي��ة خ�لال الفترة (‪2008-1990‬م)‪ ،‬مقارنة بنحو (‪ )120‬رواي��ة ص��درت بين عامي ‪1930‬‬ ‫و‪1989‬م‪ ،‬تؤكد أن الرواية السعودية شهدت طفرة إنتاجية هائلة‪ ،‬أثارت اهتمام النقاد في‬ ‫عالمنا العربي‪ .‬بل أصبحت محورا لعناية مانحي الجوائز العالمية‪ ،‬حيث تنافس الرواية‬ ‫في سائر البلدان العربية كمصر وسوريا ولبنان(‪.)1‬‬ ‫فقبل بضع سنوات‪ ،‬اختيرت رواية ليلى الجهني «الفردوس اليباب»‪ ،‬للنشر ضمن مشروع‬ ‫«كتاب في جريدة» الذي تشرف عليه اليونسكو‪ ,‬وطبعت منها آالف النسخ بأهم اللغات في‬ ‫العالم‪.‬‬

‫‪8‬‬

‫اجلوبة ‪ -‬ربيع ‪1433‬هـ‬


‫الرياض» لرجاء الصانع سجاال نقديا واسعا فور‬ ‫صدورها‪ ,‬وترجمت إلى أكثر من لغة‪ ,‬وما تزال‬ ‫طبعاتها تتالحق إلى يومنا هذا‪ ،‬لفرط رواجها‬ ‫محليا وع��رب�ي��ا‪ ,‬رغ��م أن كاتبتها ف�ت��اة ل��م تكن‬ ‫معروفة في الوسط الثقافي آنذاك‪.‬‬

‫م������������ل������������ف ال������������ع������������دد‬

‫وفي السنوات الماضية‪ ،‬ألَ ْم تُ ِث ْر رواية «بنات‬

‫إن ال ��رواي ��ة ف��ي ال �س �ع��ودي��ة ل��م ت �ص��ل إلى‬ ‫مستواها المتقدم الذي نشهده إال بعد أن عبرت‬ ‫قنوات متعددة‪ ،‬تاريخياَ وفنياَ وإبداعياَ‪ ،‬بدأت‬ ‫تاريخياَ بــ «التوأمان» لعبدالقدوس األنصاري‬ ‫عام ‪1930‬م‪ .‬وتم تأسيسها فنياَ على يد المبدع‬ ‫حامد دمنهوري بعد روايتيه «ثمن التضحية» عام‬ ‫‪1959‬م‪ ،‬و(مرت األيام) عام ‪1963‬م‪ .‬وإبداعياَ‬ ‫بعد م�ح��اوالت ث��م إب��داع��ات إبراهيم الناصر‪،‬‬

‫وف��ي ع��ام ‪2010‬م‪ ،‬ف��ازت رواي��ة عبده خال وعبدالعزيز مشري‪ ،‬وعبدالعزيز الصقعبي‪ ،‬ثم‬ ‫«ت��رم��ي ب �ش��رر» ب�ج��ائ��زة ال�ب��وك��ر ال�ع��رب�ي��ة‪ ،‬وفي غ��ازي القصيبي‪ ،‬ورج��اء عالم‪ ،‬وتركي الحمد‪،‬‬

‫ه��ذا ال�ع��ام ‪2011‬م ف��ازت رواي��ة الكاتبة رجاء‬ ‫عالم «طوق الحمام» بالجائزة ذاتها‪ ,‬وإن كانت‬ ‫مناصفة مع الكاتب المغربي محمد األشعري‪.‬‬ ‫وقبل أسابيع‪ ،‬نالت رواية يوسف المحيميد‬ ‫األولى «فخاخ الرائحة» جائزة إيطالية مرموقة‪,‬‬ ‫وقبلها نالت روايته األخيرة «الحمام ال يطير في‬ ‫بريدة» جائزة أبي القاسم الشابي في تونس‪.‬‬

‫وغيرهم كثير(‪.)2‬‬ ‫أليس ذلك مؤشرا على أن الرواية الحديثة‬ ‫في المملكة أصبحت خطابا الفتا للنظر‪ ،‬جريئا‬ ‫في الطرح‪ ،‬مولدا للحوار معه وحوله(‪ ..)3‬ولهذا‬ ‫كله ارت ��أت ال�ج��وب��ه تخصيص ملفها ف��ي هذا‬ ‫العدد عن الرواية السعودية‪ ،‬يتناوله نخبة من‬ ‫المختصين في هذا الجنس األدب��ي من داخل‬

‫ومنذ البداية‪ ،‬ألم تشكل رواية «شقة الحرية»‬

‫المملكة وخارجها‪ ،‬لتضع المتلقي في الصورة‬

‫لغازي القصيبي ‪-‬يرحمه الله‪ -‬مفاجأة كبيرة‬

‫من حيث نشأته‪ ،‬والتعريف به‪ ،‬وما تناقله النقاد‬

‫للقراء والنقاد في منطقة الخليج كلها‪.‬‬

‫بشأنه‪.‬‬

‫(‪ )1‬بتصرف عن األكاديمي والناقد األردني د‪ .‬محمد الشنطي‪.‬‬ ‫(‪ )2‬بتصرف عن الكاتب األستاذ خالد اليوسف‪ ..‬الرواية السعودية في تألقها‪.‬‬ ‫(‪ )3‬بتصرف عن محاضرة للناقد والروائي د‪ .‬معجب الزهراني‪ ،‬ألقاها في مؤسسة عبدالرحمن السديري الخيرية بتاريخ‬ ‫‪2011/12/6‬م‪.‬‬

‫اجلوبة ‪ -‬ربيع ‪1433‬هـ‬

‫‪9‬‬


‫الرواية العربية وبداياتها في اململكة‬ ‫> محمد بن عبدالرزاق القشعمي – من السعودية‬

‫كنت وما أزال من المعجبين بالرواد في كل مجال‪ ،‬وأدعو إلى تقدير‬ ‫جهودهم‪ ،‬مهما كان مستواها متواضعاً‪ ،‬فلهم الفضل في وضع البذرة‬ ‫األولى في أرض هذا الوطن العزيز‪.‬‬ ‫وعلى األجيال القادمة أن تذكرهم وتشكرهم‪ ،‬ومن الظلم أن نطالبهم أو ننحو عليهم بالالئمة‪ ,‬لكوْن‬ ‫مستواهم اإلبداعي ال يرقى إلى المستوى الالئق الذي وصلت إليه الرواية وغيرها حالياً؛ فكل شيء‬ ‫يبدأ من الصفر ثم يكبر‪ ,‬ولعلي أستشهد هنا بما قاله أستاذنا الرائد عبدالكريم الجهيمان يرحمه الله‪،‬‬ ‫عندما قال عن جريدته (أخبار الظهران) عند صدورها عام ‪1374‬هـ ‪1954-‬م‪ ،‬أي قبل نحو ستين عاماً‪..« :‬‬ ‫وكانت بدايتها ضعيفة هزيلة‪ ،‬كأي بذرة توضع في التربة‪ ..‬وكأي عمل ينشأ من جديد‪ ..‬ثم إنها كانت أول‬ ‫صحيفة تصدر في هذه المنطقة‪ ...‬ولكن بعض المواطنين يطالبوننا بحرية واندفاع إلى األمام أكثر‬ ‫مما نحن عليه سائرون‪ ..‬بل يريدوننا أن نقفز درجات سلم أهدافنا قفزاً‪ ..‬فنحاول أن نفهمهم أن القفز‬ ‫قد يُعرِّض إلى السقوط‪ ،‬وأن االتزان هو الطريق األسلم واألحكَم‪ ..‬والسير المتواصل وإن كان بطيئاً‪،‬‬ ‫يصل بصاحبه إلى األهداف التي رسمها لنفسه‪ ،‬والتي قد ال يفصل بينه وبينها إال خطوات معدودة‪..‬‬ ‫بينما السرعة غير المتزنة‪ ،‬قد تؤدي بصاحبها إلى التعثر فالسقوط‪.)1(»..‬‬ ‫واستجابة لدعوة مجلة الجوبة للمشاركة في‬

‫الذي يحكي ذكريات الطفولة والقرية واالنتقال‬

‫هذا الملف‪ ،‬فقد جاء اختياري للمحور الخاص إلى المدينة‪ ,‬وقابله بعد أي��ام الصديقان أحمد‬ ‫بتاريخ الرواية السعودية‪ ،‬ولكوني ‪-‬وبكل تواضع‪ -‬الدويحي ومحمد السيف إلج��راء لقاء صحفي‬

‫لم أحسب من زمرة المهتمين بها‪ ،‬أو على األصح معه – نشر فيما بعد بجريدة البالد ومجلة أدب‬ ‫المزاولين لها‪ ،‬أو على أدق تعبير ممن كتب بها‪ ..‬ونقد المصرية – فقال لهما إنه قرأ (بدايات)‪،‬‬

‫صحيح أنني متابع متأخر لهذا الجنس األدبي وإن��ه معجب بما تناولته‪ ,‬وإن��ه ك��ان من األفضل‬ ‫الرائع‪ ،‬وأقرؤه بتلذذ‪ ،‬وعيني على التاريخ والسيرة عدم التعجل في النشر قبل عرضها على أحد‬ ‫الذاتية لجزء منه‪ ،‬ولم يسبق لي أن حاولت ذلك‬

‫المهتمين‪ ،‬ففيها من المعلومات والموضوعات‬

‫‪2001‬م في معرض دمشق الدولي للكتاب‪ ،‬وأهديته‬

‫ذلك ما شجعني على المشاركة بجهد المقل‬

‫رغم لوم بعض األصدقاء‪ ،‬وفي مقدمتهم الروائي المهمة‪ ،‬كان من المفروض فيها أن تتحول إلى‬ ‫الكبير عبدالرحمن منيف‪ ،‬ال ��ذي قابلته عام عمل روائي أفضل‪.‬‬ ‫نسخة من كتيب صدر لي مؤخراً باسم (بدايات)‪،‬‬

‫‪10‬‬

‫اجلوبة ‪ -‬ربيع ‪1433‬هـ‬

‫في هذا الموضوع الكبير والحيوي‪.‬‬


‫أج �م��ع ال�ب��اح�ث��ون وال �م��ؤرخ��ون ع�ل��ى أن عام‬ ‫‪1349‬ه �ـ‪1930 /‬م‪ ،‬هو بداية تأليف الرواية في‬ ‫المملكة – رغ��م أن��ه ك��ان يطلق عليها القصة‬ ‫الطويلة – إذ بدأ عبدالقدوس األنصاري بإصدار‬ ‫روايته التاريخية (التوأمان)‪ ،‬والتي طبعت بمطبعة‬ ‫إال أن المؤرخين يرجعون المحاوالت األولى‬ ‫الترقي بدمشق عام ‪1930‬م‪ ،‬وتبعها بعد خمس «‪ ..‬لنقل الرواية الغربية إلى عالم الرواية العربية‬ ‫سنوات صدور رواية (االنتقام الطبعي) لمحمد إلى رفاعة رافع الطهطاوي في ترجمته لرواية‬ ‫نور الجوهري عام ‪1935‬م‪ ،‬وهي األولى من حيث (فينيلون) مغامرات تليماك ‪1867‬م‪ ,‬وأن رواية‬ ‫مكان الطباعة (جدة‪ :‬المطابع الشرقية)‪.‬‬ ‫سليم البستاني (الهيام ف��ي جنان ال�ش��ام) عام‬ ‫وهذا التاريخ‪ ..‬يعد متزامناً مع بدايات الرواية ‪1870‬م أول رواي��ة عربية قلباً وقالباً‪ )3(»..‬بينما‬ ‫في أقطار عربية أخرى مماثلة‪ ,‬قد تكون سبقتنا ح�ص��ر س�ل�ط��ان ال�ق�ح�ط��ان��ي ري� ��ادة ال ��رواي ��ة في‬ ‫في التعليم وانتشار الثقافة‪ ,‬فقد عرفت فلسطين المملكة بثالثة رواد‪ :‬عبدالقدوس األنصاري‪،‬‬ ‫أول رواية (ال��وارث) لخليل بيرس‪ ،‬و(الحياة بعد وأحمد السباعي‪ ،‬ومحمد علي مغربي(‪.)4‬‬

‫م������������ل������������ف ال������������ع������������دد‬

‫الرواية‪ :‬النشأة والتأسيس‬

‫صدرت أول رواية (في الطفولة) لعبدالمجيد بن‬ ‫جلون عام ‪1957‬م‪ .‬وتعد مصر هي السباقة في‬ ‫هذا المجال‪ ,‬إذ ع ّد النقاد رواية (زينب) لمحمد‬ ‫حسين هيكل‪ ،‬هي األولى الصادرة عام ‪1914‬م‪..‬‬ ‫أول رواية فنية في مصر(‪.)2‬‬

‫الموت) إلسكندر خوري عام ‪1920‬م‪ .‬وفي العراق‬ ‫تعد رواي��ة (ج�لال خالد) لمحمود أحمد السيد‬ ‫التي صدرت عام ‪1928‬م أول رواية‪ .‬وفي تونس‬ ‫صدرت أول رواية عام ‪1935‬م‪ ،‬وهي رواية (جولة‬ ‫ح��ول ح��ان��ات البحر األب �ي��ض ال�م�ت��وس��ط) لعلي‬ ‫الدوعاجي‪ .‬وفي سوريا تعد رواية (نهم) لشكيب‬ ‫الجابري الصادرة عام ‪1937‬م أول رواي��ة فنية‪.‬‬ ‫وف��ي لبنان ف��إن رواي��ة (الرغيف) لتوفيق عواد‪،‬‬ ‫وال �ت��ي ص ��درت ع��ام ‪1939‬م‪ ،‬أن�ض��ج الروايات‬ ‫اللبنانية‪ .‬وفي اليمن ظهرت أول محاولة روائية‬ ‫(سعيد) لمحمد لقمان عام ‪1939‬م‪ .‬وفي الجزائر‬ ‫ظهرت أول رواية عام ‪1947‬م‪ ،‬وهي رواية (غادة‬ ‫أم القرى) ألحمد رضا حوحو‪ ،‬الذي قضى وقتاً‬ ‫ال في المملكة‪ ،‬وعمل محرراً ومترجماً في‬ ‫طوي ً‬ ‫مجلة (ال�م�ن�ه��ل)‪ ،‬وغ ��ادر م��ع ب��داي��ة ال �ث��ورة ضد‬ ‫بينما ع��دَّ منصور الحازمي فترة التأسيس‬ ‫االستعمار الفرنسي‪ ..‬ومات هناك‪ .‬وفي السودان‬ ‫ص ��درت أول رواي� ��ة ع ��ام ‪1948‬م‪ ،‬وه ��ي رواية محصورة بستة‪ ،‬رتبهم حسب الحروف الهجائية‪:‬‬ ‫(ت��اج��وج) لعثمان محمد ه��اش��م‪ .‬وف��ي المغرب أح�م��د رض��ا ح��وح��و ب��رواي�ت��ه (غ ��ادة أم القرى)‪،‬‬ ‫بينما ل��م ي��ذك��ر محمد ن��ور ال�ج��وه��ري الذي‬ ‫أص ��در رواي���ة (االن �ت �ق��ام ال�ط�ب�ع��ي)‪ ،‬وال �ت��ي تعد‬ ‫أول رواي��ة محلية تطبع في الحجاز (المطبعة‬ ‫الشرقية – ج��دة) عام ‪1354‬ه� �ـ‪1935/‬م‪ ،‬والتي‬ ‫أشاد بها محمد حسن عواد‪ ،‬وأعيد نشرها عام‬ ‫‪2009‬م عن طريق دار طوى للنشر في الرياض‪،‬‬ ‫وك�ت��ب على غالفها «رواي ��ة االن�ت�ق��ام الطبعي‪..‬‬ ‫رواي ��ة علمية أدب �ي��ة أخ�لاق�ي��ة اجتماعية‪ ,‬بقلم‬ ‫محمد نور عبدالله الجوهري‪ ,‬خريج المدرسة‬ ‫الفخرية بمكة المكرمة‪ ,‬الطبعة األول ��ى‪ ,‬على‬ ‫نفقة المؤلف‪ ,‬جميع الحقوق محفوظة للمؤلف‬ ‫‪1354‬ه� � � �ـ‪1935/‬م‪ ,‬المطبعة الشرقية بجدة»‪,‬‬ ‫وتوجد نسخة من الطبعة األولى في مكتبة الملك‬ ‫فهد الوطنية‪.‬‬

‫اجلوبة ‪ -‬ربيع ‪1433‬هـ ‪11‬‬


‫وأحمد السباعي بروايته (فكرة)‪ ،‬وعبدالقدوس‬ ‫األن��ص��اري ب��رواي �ت��ه (ال��ت��وأم��ان)‪ ،‬وم�ح�م��د علي‬ ‫مغربي ب��رواي�ت��ه (ال�ب�ع��ث)‪ ،‬ومحمد عمر توفيق‬ ‫بروايته (الزوجة والصديق)‪ ،‬ومحمد نور عبدالله‬ ‫الجوهري بروايته (االنتقام الطبعي)(‪.)5‬‬ ‫وقد أجمع األدب��اء والمؤرخون على أن بداية‬ ‫معرفة بالدنا بالرواية هو عام ‪1349‬هـ‪1930/‬م‪،‬‬ ‫ع�ن��دم��ا أل ��ف ع �ب��دال �ق��دوس األن� �ص ��اري روايته‬ ‫(التوأمان)‪ ،‬وبعدها يقفزون إلى عام ‪1367‬هـ‪/‬‬ ‫‪1948‬م‪ ،‬حيث أص��در أحمد السباعي (فكرة)‪،‬‬ ‫وم �ح �م��د ع �ل��ي م �غ��رب��ي (ال��ب��ع��ث)‪ ..‬مهملين أو‬ ‫متناسين ال��رواي��ة ال�ص��ادرة بين الفترتين‪ .‬وهي‬ ‫في نظري مهمة‪ ..‬لكونها أول رواي��ة تطبع في‬ ‫مطابع في المملكة‪ ..‬ويكتب عليها اسم رواية‪,‬‬ ‫وق��د أخطأ م��ن أش��ار إليها ب��االس��م‪ ،‬فمنهم من‬ ‫سماها (االنتقام الطبيعي)(‪ ،)6‬وهو السائد حتى‬ ‫تاريخ نشرها‪ ،‬يذكر أنها صدرت عام ‪1954‬م(‪،)7‬‬ ‫والصحيح أن اسمها (االن�ت�ق��ام الطبعي)‪ ،‬وأن‬ ‫تاريخ صدورها الصحيح هو ‪1354‬هـ‪1935/‬م‪،‬‬ ‫أي بعد صدور رواية (التوأمان) بخمس سنوات‪،‬‬ ‫وقبل ص��دور روايتي السباعي والمغربي بثالثة‬ ‫عشر عاماً‪.‬‬ ‫هذا‪ ،‬وقد أهدى مؤلفها روايته إلى مدرسته‬ ‫الفخرية قائالً‪« :‬إلى المدرسة الفخرية العثمانية‬ ‫مربيتي الرؤوم‪ ،‬وإلى األدباء الوطنيين المخلصين‪،‬‬ ‫وإل��ى الشعب ال�س�ع��ودي ال�م�ح�ب��وب‪ ،‬أق��دم هذه‬ ‫الباكورة األدبية مشفوعة باإلخالص والوالء»(‪.)8‬‬

‫«لقد اب�ت��دأت المغامرات القصصية األولى‬ ‫في أدبنا الوطني خالل العقدين الثالث والرابع‬ ‫م��ن ال�ق��رن العشرين‪ ،‬كجزء م��ن ذل��ك الخطاب‬ ‫اإلص�ل�اح ��ي ال� ��ذي ب�ث�ت��ه األع � ��داد األخ� �ي ��رة من‬ ‫صحيفة (ش �م��س ال�ح�ق�ي�ق��ة)‪ ،‬ث��م (ال �ق �ب �ل��ة)‪ ،‬فـ‬ ‫(ص��وت الحجاز)‪ ،‬وأدت مجلة (المنهل) الدور‬ ‫األهم في بلورة شقه األدبي والسردي منه على‬ ‫وجه التحديد»(‪.)9‬‬ ‫ويضيف‪« :‬فالكتابة القصصية لم تكن غاية‬ ‫في حد ذاتها‪ ،‬بقدر ما هي وسيلة جذابة للتعبير‬ ‫عن األفكار والمشاعر والمواقف (‪ ،)...‬هكذا‬ ‫ت�ت�ك��رر ف��ي جُ ��ل ق�ص��ص ت�ل��ك ال�م��رح�ل��ة ظواهر‬ ‫دال��ة على تالشي المسافة بين الكاتب وكتابته‬ ‫وقارئها المفترض‪ ,‬كالتدخل المباشر في عملية‬ ‫السرد وتنميط الشخوص؛ ليسهل توجيه أفعالها‬ ‫الكالمية والعملية بما ينسجم مع آراء الكاتب من‬ ‫القضية موضوع الكتابة‪.)10(»..‬‬ ‫وكان لمجلة (المنهل) دور مهم‪ ,‬إذ خصصت‬ ‫حيزاً ثابتاً لهذا الفن السردي تحت عنوان‪( :‬منهل‬ ‫القصص)‪ ،‬ثم (قصة ال�ع��دد)‪ ،‬كما أن صاحبها‬ ‫ورئيس تحريرها عبدالقدوس األنصاري‪ ،‬كان من‬ ‫أكثر كتاب تلك المرحلة وعياً بأهمية فن القص‬ ‫عموماً في اآلداب الحديثة‪ ,‬كما عبر عنه بوضوح‬ ‫ف��ي م�ق��دم�ت��ه لقصة (ال��ت��وأم��ان)‪ ،‬ال �ت��ي يعدها‬ ‫بعضهم رائدة فن القصة (الطويلة والقصيرة) في‬ ‫أدبنا(‪.)11‬‬

‫وه��ذا يذكرني بما ب��دأ ب��ه عبدالله الجفري‬ ‫ويذكر منصور الحازمي في تقديمه للمجلد م�س��اب�ق�ت��ه األدب��ي��ة ب �ج��ري��دة (األض � � ��واء)‪ ،‬بُعيد‬ ‫الرابع (القصة القصيرة)‪ ،‬ضمن موسوعة األدب ص��دوره��ا في ج��دة ع��ام ‪1377‬ه� �ـ‪1957 /‬م‪ ،‬في‬ ‫ال�ع��رب��ي ال�س�ع��ودي ال�ح��دي��ث –نصوص مختارة زاوي��ة (دنيا الطلبة)‪ ،‬بتقديم جوائز لمسابقات‬ ‫ثقافية منها الشعر والقصة القصيرة‪ ,‬والقصة‬ ‫ودراسات– فيقول‪:‬‬

‫‪12‬‬

‫اجلوبة ‪ -‬ربيع ‪1433‬هـ‬


‫ويرجع منصور الحازمي بدء الوعي بخصوصية‬ ‫القصة كجنس أدبي مختلف عن غيره‪ ،‬إلى جيل‬ ‫الستينيات [الميالدية]‪ ،‬فقد تبلور تدريجياً لديه‬ ‫مستفيداً من جهود الجيل السابق‪.‬‬

‫وكانت بداية صدور ما يعرف بالقصة الطويلة‬ ‫وذك� ��ر م��ث��االً ل ��ذل ��ك‪ ..‬ص� ��دور (مجموعات أو الرواية فيما بعد‪ ,‬بدءاً بـ (التوأمان) لعبدالقدوس‬ ‫قصصية) إلبراهيم الناصر‪ ،‬وغالب حمزة أبو األن��ص��اري‪ ,‬وال �ت��ي تعد أول ��ى ال �م �ح��اوالت رغم‬ ‫الفرج‪ ،‬وسعد البواردي‪ ،‬وعبدالرحمن الشاعر‪ ،‬طباعتها في دمشق عام ‪1349‬هـ‪1930 /‬م‪.‬‬ ‫أم��ا أول رواي� ��ة تطبع ف��ي المملكة ب�ع��د أن‬ ‫وعبدالله جفري‪ ،‬ولقمان يونس‪ ،‬وعبدالله سعيد‬ ‫جمعان‪ ،‬وسباعي عثمان‪ ،‬ونجاة خياط‪ ،‬وربما أصبحت موحدة وتحمل اس��م‪ :‬المملكة العربية‬ ‫غيرهم(‪ ،)12‬وأضاف إليهم فيما بعد حمزة بوقري‪ ،‬ال �س �ع��ودي��ة‪ ،‬ف�ه��ي (االن �ت �ق��ام ال�ط�ب�ع��ي) لمحمد‬ ‫وجميل الحجيالن ف��ي قصته «بعد المغيب»‪ ..‬ن��ور عبدالله الجوهري ع��ام ‪1354‬ه� � �ـ‪1935/‬م‪،‬‬ ‫وال�ت��ي تنم ع��ن موهبة أك�ي��دة فيما ل��و ق��در لها (المطابع الشرقية بجدة)‪ ,‬وفيما بعد‪( ..‬فكرة)‬ ‫االستمرارية‪ ,‬إذ أن اللغة مكثفة موحية‪ ،‬والحدث ألحمد السباعي عام ‪1948‬م‪ ,‬و(البعث) لمحمد‬ ‫م��رك��ز‪ ،‬وال�ت�ج��رب��ة ال�ت��ي يقدمها ال �ن��ص عميقة علي مغربي عام ‪1948‬م‪.‬‬ ‫الجذور في الوجود اإلنساني المترع بالمفارقات‬ ‫وكانت هذه المحاوالت تحمل غايات تربوية‬ ‫التي ال يلتقطها ويعبر عنها بشفافية وعمق‪ ،‬سوى اجتماعية إصالحية‪ ,‬إذ تجد روايتي (التوأمان)‬ ‫الفنان المبدع حقاً»(‪.)13‬‬ ‫و(االنتقام الطبعي) تحمالن عنواناً فرعياً (رواية‬

‫م������������ل������������ف ال������������ع������������دد‬

‫الطويلة‪ ..‬إذ لم يعرف هنا ما يسمى بالرواية‬ ‫بعد‪.‬‬

‫وم ��ع ب ��دء ال�ع�ه��د ال �س �ع��ودي ب��دخ��ول الملك‬ ‫عبدالعزيز الحجاز عام ‪1343‬ه �ـ‪1924 /‬م‪ ،‬بدأ‬ ‫األدب ينتعش في هذه الحقبة بانتعاش التعليم‬ ‫وال�ص�ح��اف��ة وال�ط�ب��اع��ة واالن �ف �ت��اح ع�ل��ى العالم‬ ‫الخارجي‪.‬‬

‫وقال إن تلك الكتابات القصصية تتوزع بين أدبية علمية اجتماعية)‪ ,‬أم��ا (البعث) فيهديها‬ ‫ات�ج��اه��ات‪ ،‬أو ت �ي��ارات أسلوبية وف�ك��ري��ة عامة‪ ,‬المغربي إل��ى‪« :‬ك��ل ش��اب يريد أن يشق لنفسه‬ ‫ك��االت �ج��اه ال��واق �ع��ي االج �ت �م��اع��ي‪ ,‬والرومانسي طريق المجد‪ ،‬وألمته طريق الحياة»(‪.)15‬‬ ‫الوجداني والواقعية‪.‬‬ ‫وأرج���ع ال �ح��ازم��ي ه��ذا ال �ن��وع م��ن الروايات‬ ‫أما الرواية‪ ،‬فقد قال عنها منصور الحازمي‬ ‫في تقديمه للجزء الخامس من (الموسوعة‪:)....‬‬ ‫«‪ ..‬وإذا ك��ان للشعر ت��اري��خ ط��وي��ل ف��ي التراث‬ ‫العربي‪ ,‬وللمقالة والقصة القصيرة أشباه في‬ ‫الرسالة والمقامة‪ ,‬ف��إن ال��رواي��ة هي من إفراز‬ ‫العصر الحديث بكل صراعاته وت��وت��رات��ه‪ ،‬على‬ ‫الرغم من الحكايات والنماذج القصصية الطويلة‬ ‫في تاريخنا القديم‪.)14(».‬‬

‫التي ظهرت في مرحلة التأسيس إلى ما يمثله‬ ‫الطابع التعليمي اإلص�لاح��ي لتلك الفترة‪ ,‬كما‬ ‫تمثل طموحات وتطلعات روادنا األوائل لمستقبل‬ ‫أفضل‪ .‬وقال‪ :‬إن األنصاري غير معنيٍّ بالعناصر‬ ‫األساسية في كتابة الرواية من حبكة وتشخيص‬ ‫وص��راع وح��وار ووص��ف وتحليل‪ ...‬إل��خ‪ ,‬بل كان‬ ‫مشغوالً بالقضية الرئيسة التي كتب من أجلها‬ ‫هذا العمل‪ ,‬فهي أشبه بالمناظرة الكالمية بين‬

‫اجلوبة ‪ -‬ربيع ‪1433‬هـ ‪13‬‬


‫التعليم الوطني والتعليم األجنبي‪.‬‬ ‫وأرج ��ع نضج وحيويتهما رواي �ت��ي السباعي‬ ‫والمغربي إلى حيوية مؤلفيهما وقلقهما وتمردهما‪,‬‬ ‫م�ق��ارن��ة ب��رواي�ت��ي األن �ص��اري وال �ج��وه��ري‪ ,‬فهما‬ ‫يعدان من مرحلة التأسيس‪ .‬وقال‪ :‬إن السباعي‬ ‫استطاع أن يدخل إلى القصة الطويلة في بالدنا‪,‬‬ ‫وألول مرة‪ ،‬شيئاً من األلوان المحلية التي لم تكن‬ ‫معروفة في المحاوالت القصصية السابقة‪.‬‬ ‫وف��ي مرحلة التجديد ي��رى أن رواي ��ة (ثمن‬ ‫التضحية) لحامد دمنهوري‪ ،‬التي ص��درت سنة‬ ‫‪1378‬هـ‪1959 /‬م‪ ،‬هي أول رواية فنية تظهر في‬ ‫ب�لادن��ا‪ ,‬وشبّهها ب��رواي��ة (زي�ن��ب) لمحمد حسين‬ ‫هيكل – أول رواية فنية في مصر تصور الريف‬ ‫المصري في بدايات القرن العشرين ‪.)16(-‬‬

‫وطبعاً ال ينسى دور غازي القصيبي من خالل‬ ‫روايته (شقة الحرية)‪ ،‬والتي فتحت الباب واسعاً‬ ‫للبوح من خالل روايات متعددة‪ ،‬لم يستطع أحد‬ ‫أن يصرح بوضوح قبله‪ ،‬وقد تبعه تركي الحمد‬ ‫في ثالثيته (العدامة – الشميسي – الكراديب)‪،‬‬ ‫وعلي الدميني (الغيمة الرصاصية) وغيرهم‪.‬‬ ‫وق ��ال‪« :‬إن كشف المستور ق��د تحقق ف��ي هذه‬ ‫الروايات على جميع المستويات‪ ،‬فروايات غازي‬ ‫القصيبي‪ ،‬وتركي الحمد‪ ،‬وعلى الدميني‪ ،‬تكشف‬ ‫هذا المستور على مستوى الخطاب السياسي‪.‬‬ ‫وروايات عبده خال‪ ،‬وليلى الجهني‪ ،‬تكشفه على‬ ‫مستوى الخطاب االجتماعي‪ ,‬أما رواي��ات رجاء‬ ‫عالم فتكشفه على مستوى المخزون الثقافي‬ ‫واألسطوري»(‪.)18‬‬ ‫ونجد الكتاب الفضي لمجلة المنهل الصادر‬ ‫بمناسبة مرور (‪ )25‬عاماً على صدورها يقول‪ :‬إن‬ ‫مجلة المنهل تعد نفسها أول مجلة وطنية أرَّخَ ت‬ ‫لمحصول (أدب القصة) لدينا‪ ،‬بما نشر عن ذلك‬ ‫في أوائل سني حياتها‪ .‬وأول مجلة وطنية عنيت‬ ‫بالقصة (نشراً لها ونشراً عنها)(‪.)19‬‬

‫ي��أت��ي بعد ال��دم�ن�ه��وري إب��راه�ي��م الناصر في‬ ‫روايته (ثقب في رداء الليل)‪ ،‬ثم (سفينة الموتى)‬ ‫وغيرها‪ ,‬ويضيف (سقيفة الصفا) لحمزة بوقري‪,‬‬ ‫و(ال ظل تحت الجبل) لفؤاد عنقاوي وغيرهم‪ .‬أما‬ ‫سميرة خاشقجي – سميرة بنت الجزيرة‪ -‬فإنها‬ ‫على كثرة ما كتبته من روايات‪ ،‬لم تستطع أن تقدم‬ ‫وأول مجلة س�ع��ودي��ة خصصت فيها جائزة‬ ‫أي عمل سردي له قيمة فنية‪ ,‬فجميع قصصها‬ ‫أدبية مادية ألحسن تأليف عندنا‪ ،‬ونفذ دفعها‬ ‫متشابهة في األجواء االرستقراطية(‪.)17‬‬ ‫لمن يستحقها‪ ،‬وهو أحمد السباعي على روايته‬ ‫أما في مرحلة التحديث – أواخر الستينيات‬ ‫(فكرة)(‪.)20‬‬ ‫وأوائل السبعينيات الميالدية من القرن العشرين–‬ ‫كما نشر في عدد المحرم ‪1368‬هـ‪/‬نوفمبر‬ ‫فيذكر منهم‪ :‬محمد علوان‪ ،‬وحسين علي حسين‪،‬‬ ‫وجار الله الحميد‪ ،‬وعبدالعزيز مشري‪ ،‬وغيرهم ‪1948‬م ن �ق��د ل�ق�ص��ة (ف� �ك ��رة) ل�لأس �ت��اذ أحمد‬ ‫ك�ث�ي��رون‪ ،‬وال��ذي��ن ق��ال عنهم منصور الحازمي‪ :‬السباعي‪ ،‬وك��ات��ب النقد ه��و رئيس التحرير –‬ ‫«إنهم جميعهم نشأوا في أحضان النكبة‪ ,‬وفتحوا عبدالقدوس األنصاري – وهو نقد موضوعي‪,‬‬ ‫عيونهم على مأساة العرب الكبرى في هذا القرن‪ :‬ورغ��م النقاش الحاد والجو المتأزم يومئذ بين‬ ‫الهزيمة والذل والتمزق – هزيمة الحرب وهزيمة صاحب القصة ونقادها‪ ،‬فإن نقد المنهل لها كان‬ ‫ب��رداً وسالماً على مؤلفها‪ ..‬ألنه كان موضوعياً‬ ‫النفس –»‪.‬‬

‫‪14‬‬

‫اجلوبة ‪ -‬ربيع ‪1433‬هـ‬


‫وفي عدد شعبان نقد لقصة (البعث) لألستاذ‬ ‫محمد ع�ل��ي م�غ��رب��ي‪ ,‬وك��ات��ب ال�ن�ق��د ه��و رئيس‬ ‫التحرير(‪.)21‬‬

‫هذا ويعزو الحازمي نشر القصص إلى ازدهار‬ ‫التعليم‪ ،‬وإلى وجود الوافدين الذين أسهموا في‬ ‫تطويره وازدهاره‪ ,‬كما أسهموا في إثراء الساحة‬ ‫األدبية بما يكتبون من مقاالت‪ ،‬وما ينشرون من‬ ‫قصص مترجمة‪ ,‬أو من إنشائهم‪ ,‬وقال‪« :‬التعليم‬ ‫الذي فتح باب االبتعاث؛ ليعود المبتعثون فيسهموا‬ ‫في تطويره وازدهاره‪ ,‬ويسهموا في إثراء الساحة‬ ‫األدبية‪ ,‬وتوجيه األنظار إلى الرواية على وجه‬ ‫الخصوص‪ ,‬وكل ذلك أدّى إلى زيادة الوعي لدى‬ ‫الطبقة المثقفة‪ ,‬وزي��ادة تطلعها إل��ى فن روائي‬ ‫يثري الساحة األدبية الخالية من هذا الفن‪ ,‬فكان‬ ‫أن حقق أحد المبعوثين العائدين رغبة الجماهير‬ ‫المتعطشة‪ ,‬وكتب أول رواي��ة فنية‪ ,‬وه��ي رواية‬ ‫(ثمن التضحية) لحامد دمنهوري‪ ,‬التي عدها‬ ‫النقاد ال�ب��داي��ة الحقيقية ل�ل��رواي��ة ف��ي المملكة‬ ‫العربية السعودية‪ ,‬وليكون عام ‪1378‬هـ‪1959 /‬م‬ ‫هو العام الذي صدرت فيه هذه الرواية – مرحلة‬ ‫جديدة من مراحل تطور الرواية السعودية‪.)24(»..‬‬

‫وف��ي ع��دد ج�م��ادى اآلخ ��رة ‪1378‬ه� �ـ‪ ،‬نشرت‬ ‫ال نقدياً ل��رواي��ة (دع��ون��ا نمشي)‬ ‫(المنهل) تحلي ً‬ ‫ال‬ ‫ألحمد السباعي‪ ,‬وفي عدد شعبان نشرت تحلي ً‬ ‫ل� �ـ(األذن تعشق وقصص أخ��رى) لألستاذ أمين‬ ‫سالم رويحي‪ ,‬بقلم رئيس التحرير‪.‬‬ ‫وه �ك��ذا‪ ،‬فمجلة المنهل ت�ع��د ب�ح��ق أول من‬ ‫احتفى بالقصة في األدب العربي السعودي‪ ،‬فقد‬ ‫التزمت في أغلب أعدادها بنشر قصة أو قصتين‬ ‫أو ثالث قصص في عدد واحد‪ ،‬فخصصت باباً‬ ‫في أعدادها باسم (منهل القصص)‪ ،‬ثم تحول إلى‬ ‫اسم (قصة العدد)‪ ،‬وذلك ألنها أدركت أمرين‪..‬‬ ‫أحدهما أن القصة هي لون رفيع من ألوان األدب‬ ‫العالمي المعاصر‪ ,‬وثانيهما قصور مستوى القصة‬ ‫عن الركب العالمي في هذا الفن(‪ ,)22‬وقد بدأت‬ ‫ال بنشر القصص من العدد الثالث لشهر صفر‬ ‫فع ً‬ ‫‪1356‬هـ‪1937 /‬م‪.‬‬

‫م������������ل������������ف ال������������ع������������دد‬

‫يذكر المحاسن‪ ،‬ويذكر المآخذ بدون أي تحامل‪.‬‬

‫والنقد‪.)23(»..‬‬

‫هذا وقد قسم فترة تطور الرواية إلى ثالث‬ ‫مراحل‪:‬‬

‫قال عنها حسن حجاب الحازمي‪ :‬بعد صدور‬ ‫المرحلة األولى‪ :‬وتبدأ بصدور رواية (التوأمان)‬ ‫رواي��ة (التوأمان) بست سنوات «‪ ..‬أسس مجلة‬ ‫عام ‪1349‬هـ‪ ،‬وتنتهي مع نهاية عام ‪1377‬هـ‪،‬‬ ‫(المنهل)‪ ،‬وأعلن منذ البداية اهتمامه بالقصة‪,‬‬ ‫وهي تمثل مرحلة الرواية التاريخية‪.‬‬ ‫داعياً الشباب إلى كتابتها‪ ,‬ومعلناً فتح صفحات‬ ‫مجلته لنشرها‪ ,‬وب��دأ الكُتاب يستجيبون لهذه ال�م��رح�ل��ة ال�ث��ان�ي��ة‪ :‬وت �ب��دأ ب �ص��دور رواي���ة (ثمن‬ ‫التضحية) عام ‪1378‬ه �ـ‪ ،‬التي تمثل البداية‬ ‫ال��دع��وة‪ ,‬وب��دأت ال�م�ح��اوالت ت�ت��رى‪ ,‬والنقاشات‬ ‫الفنية للرواية السعودية‪ ،‬وتنتهي بنهاية عام‬ ‫وال�ت�ع�ل�ي�ق��ات ح��ول�ه��ا ت �ض �ط��رم‪ ,‬وب� ��دأت القصة‬ ‫‪1399‬هـ‪.‬‬ ‫تزحف روي��داً‪ ,‬لتكوّن لها جمهورها ال��ذي تقبَّل‬ ‫فيما بعد روايتي (فكرة) و(البعث) لكل من أحمد المرحلة الثالثة‪ :‬تبدأ مع مطلع ع��ام ‪1400‬هـ‪،‬‬ ‫السباعي ومحمد علي مغربي‪ ،‬اللتين صدرتا في‬ ‫والتي لم تتميز عن المرحلة الثانية إال بغزارة‬ ‫اإلنتاج وظهور األسماء الجديدة(‪.)25‬‬ ‫عام واحد‪ ,‬ودارت حولهما النقاشات والتعليقات‬

‫اجلوبة ‪ -‬ربيع ‪1433‬هـ ‪15‬‬


‫الختام‬ ‫وهكذا‪ ،‬نجد القصة أو الرواية المحلية‪ ،‬وقد‬

‫أوجدت لها مكاناً في الصدارة‪ ،‬وكادت أن تنافس‬

‫الشعر بوصفه دي��وان�اً للعرب‪ ,‬وأصبح لها رواد‬ ‫وقراء ونقاد وسوق رائجة‪ ,‬وإصدارات متتابعة‪..‬‬ ‫إذ ب �ل��غ ع� ��دد ال �م �ج �م��وع��ات ال �ق �ص �ص �ي��ة التي‬

‫صدرت عام ‪1413‬ه�ـ (‪ )180‬مجموعة قصصية‬ ‫سعودية(‪.)26‬‬

‫وق��ال سحمي ال�ه��اج��ري‪« :‬وت��أخ��ر ظهور أول‬

‫كتاب قصصي إلى عام ‪1349‬هـ‪1930 /‬م‪ ،‬حينما‬ ‫نشر عبدالقدوس األنصاري روايته (التوأمان)‬

‫(‪ ،)27‬التي تعد المحاولة األول��ى في ميدان الفن‬

‫القصصي ال�ح��دي��ث‪ ,‬وك��ان��ت ال�م�ح��اول��ة الثانية‬

‫في مجلة الرواية بعنوان‪( :‬االنتقام الطبعي)‬

‫(‪)28‬‬

‫لمحمد نور عبدالله الجوهري»(‪.)29‬‬

‫ويذكر أن الرواية قد سبقت القصة القصيرة‬

‫التي ل��م تظهر إال بعد ص��دور صحيفة (صوت‬

‫الحجاز)‪ ،‬التي أفسحت صفحاتها لألقالم الشابة‪,‬‬ ‫ونشرت المقالة بأسلوب قصصي‪ ,‬ونشرت عشر‬ ‫قصص قصيرة‪ ,‬أولها قصة (االبن العاق) لعزيز‬

‫ضياء بتاريخ ‪1351/5/4‬ه� �ـ(‪ ..)30‬أما بعد صدور‬ ‫مجلة (المنهل) نهاية عام ‪1355‬هـ‪1936 /‬م‪ ،‬فقد‬ ‫ازداد نشر القصص‪ ,‬إذ ال يخلو ع��دد منها من‬

‫قصة أو أكثر‪.‬‬

‫النقد‬ ‫ب�ع��د ص���دور رواي� ��ة (ال� �ت ��وأم ��ان) لألنصاري‪,‬‬

‫وإف �س��اح ج��ري��دة (ص��وت ال�ح�ج��از) المجال لهذا‬

‫الجنس األدبي الجديد؛ فقد نشر بها قصة قصيرة‬

‫بعنوان‪( :‬مرهم التناسي)‪ ،‬والتي تصدى لها محمد‬ ‫حسن عواد بالنقد الشديد‪ ،‬والذي نصح من خالله‬

‫‪16‬‬

‫اجلوبة ‪ -‬ربيع ‪1433‬هـ‬

‫الشيخ األنصاري باالنصراف لبحوثه اللغوية وترك‬ ‫الرواية‪ ،‬فروحه األدبية ليست روح روائي وال كاتب‬ ‫فنان‪ ,‬فقال‪ ..« :‬ولقد ذكرنا الشيخ عبدالقدوس‬ ‫ه��ذا بروايته (التوأمان) التي نشرها على حدة‪،‬‬ ‫فلم تصادف رواجاً في الطبقات األدبية الممتازة‪,‬‬ ‫وعند الشباب المثقف‪ ,‬ألنها خالية من كل مقومات‬ ‫الفن الروائي الجيد الذي يجتذب النفوس ويلقح‬ ‫العقول‪ ,‬على م��ا فيها م��ن ثقل ال��وط��أة‪ ،‬وضعف‬ ‫الفكر‪ ،‬وتفاهة الموضوع‪ ،‬وف�ق��دان االستقصاء‪،‬‬ ‫وبتر الفكرة‪ ،‬وحشو اللفظ‪ ،‬ورداءة المعنى‪ ,‬وكان‬ ‫في عزمنا أن ننقدها حين ظهورها‪ ,‬ولكنا تركناها‬ ‫تموت بنفسها‪ ..‬وبفعل الحياة القوية التي ال تقبل‬ ‫إال القوي وهكذا ك��ان‪ .‬فما راعنا من كاتبها إال‬ ‫وهو يرزأ األدب مرة ثانية‪ ،‬بقصة ناضبة يحدثنا‬ ‫فيها عن (حقيبة)‪ ،‬تكتظ بالحزن والهموم‪ ،‬علقها‬ ‫صاحبها ف��ي نياط قلبه‪ ,‬ودار بها ف��ي األسواق‬ ‫كأنما هي حقيبة حالق‪ ،‬أو جرة بائع عرق سوس‪,‬‬ ‫أو بردعة بعير ينوء بها حمالً‪ ،‬ثم (مرهم التناسي)‬ ‫المستخرج من (صيدلية اآلمال)‪ ،‬فيا لهذه الغثاثة‬ ‫واإلس�ف��اف في التعبير إل��ى حيث تنصفع اآلداب‬ ‫العالية‪ ,‬وتهان كرامة الفن القويم‪.)31(»..‬‬ ‫بينما نجد العواد يمتدح محمد نور الجوهري‪،‬‬ ‫وي�م�ت��دح رواي �ت��ه (االن�ت�ق��ام الطبعي) ال�ت��ي جاءت‬ ‫بعد (ال �ت��وأم��ان) بنحو خمس س �ن��وات‪ ,‬فبعد أن‬ ‫يستعرض ال��رواي��ة يختم مقاله بقوله‪ ..« :‬وفي‬ ‫الرواية نظريات اجتماعية سديدة من لباب علم‬ ‫االجتماع‪ ,‬وم��ن لباب الدين اإلس�لام��ي الحنيف‪,‬‬ ‫يبثها المؤلف في أسلوب خطابي يعرف طريقه‬ ‫إلى النفوس‪ ,‬كنظرية جواز رؤية الزوجة قبل العقد‬ ‫عليها‪ ,‬ونظرية وجوب تسهيل الزواج على األعزب‬ ‫بالرضا بيسير المهور‪ ,‬وفيها نصائح صحية في‬ ‫قالب روائ��ي مقبول (‪ ،)...‬ون��ري��د هنا أن نلفت‬


‫وفي مجال نقد أولى المحاوالت الروائية‪ ،‬نجد‬ ‫أحمد عبدالغفور عطار يصدر ع��دداً وحيداً من‬ ‫جريدة (البيان)‪ ،‬من ثماني صفحات (‪40 × 60‬‬ ‫سم)‪ ،‬طبعها في القاهرة‪ ،‬وكتب عليها أنها طبعت‬ ‫في مكة المكرمة‪ ,‬الشارع اليوسفي بتاريخ ‪ 15‬ذو‬ ‫القعدة ‪1368‬ه� �ـ‪ 8 /‬سبتمبر ‪1949‬م‪ ,‬وتضمنت‬ ‫مقاالت تهاجم أحمد السباعي على روايته (فكرة)‪،‬‬ ‫لعدم نشرها في الصحف الصادرة في الحجاز‪,‬‬ ‫وكانت عناوين المقاالت‪ :‬فكرة‪ ,‬أخطاء السباعي‪,‬‬ ‫ترهات وأغاليط‪ ,‬المشاهد الطبيعية‪ ,‬السباعي‬ ‫وشركاه‪ ,‬األدب��اء الثالثة الكبار‪ ,‬التلفيقات‪ ,‬مثلث‬ ‫وافر البركات‪ ,‬بطال كتاب السباعي‪ ،‬فكرة ليست‬ ‫قصة‪ .‬ومن هذه العناوين يتضح أن كل ما جاء في‬ ‫هذه الجريدة نقد لكتاب أحمد السباعي (فكرة)‪,‬‬ ‫فقد كثر النقاش حول الرواية في الصحف المحلية‪,‬‬ ‫وتطور إلى هجوم على المؤلف وآخرين مناصرين‬ ‫له – وبخاصة بعد فوزه بالجائزة األدبية المقدمة‬ ‫من عباس الشربتلي‪ ،‬بعد تشكيل لجنة من ثالثة‬ ‫أدب��اء كبار منهم عبدالقدوس األن�ص��اري وضياء‬ ‫الدين رجب‪ ،‬وقدرها خمسمائة ريال – وبالذات‬ ‫من قبل أحمد عبدالغفور عطار‪ ,‬ما جعل بعض‬ ‫هذه الصحف وبخاصة (البالد السعودية)‪ ،‬ترفض‬ ‫نشر مقاالته‪ ..‬ما حمله على جمعها وإصدارها في‬ ‫هذا العدد اليتيم من (البيان)(‪.)33‬‬

‫م������������ل������������ف ال������������ع������������دد‬

‫نظر أولئك المتعصبين الذين ال ي��رون في مثل‬ ‫هذا األدب الجميل ما يغذي إيمانهم بوجود األدب‬ ‫القوي في أمثال هذه اآلثار‪ ..‬إلخ»(‪.)32‬‬

‫الحمد األكاديمي‪ ,‬وغ��ازي القصيبي الشاعر‪..,‬‬ ‫وبروز أسماء روائية شابة مثل‪ :‬يوسف المحيميد‪,‬‬ ‫ومحمد حسن ع �ل��وان‪ ,‬وعبدالحفيظ الشمري‪,‬‬ ‫وعبدالله التعزي‪ ,‬إضافة إلى ذلك حضور المرأة‬ ‫بصفتها الروائية‪ ,‬مثل‪ :‬رجاء عالم‪ ,‬ونورة الغامدي‪,‬‬ ‫وليلى الجهني‪ ,‬ومها الفيصل‪ ,‬ون��داء أب��و علي‪,‬‬ ‫ورج��اء الصانع‪ ,‬وبدرية البشر‪ ،‬وأميمة الخميس‬ ‫وغيرهن‪.)34(»..‬‬ ‫وانتهى إلى أن الرواية السعودية أصبحت ذات‬ ‫حضور فاعل ف��ي سياق ال��رواي��ة العربية‪ ,‬وم َّث َل‬ ‫بتجربة غازي القصيبي ورج��اء عالم وعبده خال‬ ‫بشكل خ ��اص‪ ,‬وم��ا تركته رواي��ات �ه��م ف��ي القارئ‬ ‫العربي خارج المملكة(‪.)35‬‬ ‫وم��ا يؤكد ذل��ك ف��وز رواي��ة عبده خ��ال (ترمي‬ ‫ب�ش��رر) بجائزة البوكر لعام ‪2010‬م‪ ،‬وتبعها في‬ ‫ال�س�ن��ة ال�ت��ال�ي��ة ‪2011‬م ف ��وز رواي� ��ة رج���اء عالم‬ ‫(ط ��وق ال �ح �م��ام) ب��ال�ج��ائ��زة نفسها مناصفة مع‬ ‫الروائي المغربي الكبير محمد األشعري (القوس‬ ‫والفراشة)‪ .‬وفوز يوسف المحيميد بجوائز عربية‬ ‫وأوربية وغيرهم‪.‬‬ ‫ه��ذا وق��د ص��در خ�لال ال�ف�ت��رة م��ن ‪2000‬م ‪-‬‬ ‫‪2008‬م (‪ )271‬رواي��ة‪ ،‬وهو رقم يتجاوز المنشور‬ ‫في الفترة من عام ‪1930‬م إلى عام ‪1999‬م‪ ،‬والذي‬ ‫بلغ (‪ )208‬روايات(‪.)36‬‬

‫وقد رصد حسن حجاب الحازمي عدد الروايات‬ ‫ال�ص��ادرة لكتّاب سعوديين من ع��ام ‪1400‬ه �ـ إلى‬ ‫ويعد حسن النعمي أن التسعينيات من القرن ‪1418‬هـ بـ (‪ )109‬روايات(‪.)37‬‬ ‫وف��ي الختام‪ ،‬فهذه مختارات مما ُك� ِت��بَ عن‬ ‫ال �ع �ش��ري��ن‪ ،‬وب��داي��ة األل �ف �ي��ة ال�ث��ال�ث��ة ه��ي مرحلة‬ ‫التحوالت الكبرى في مسيرة الرواية السعودية‪ ..« ,‬بدايات الرواية‪ ،‬أو فترة النشأة والتأسيس في‬ ‫من حيث قدوم أسماء من خارج الكتابة السردية المملكة العربية السعودية اعتباراً من ‪1349‬هـ‪/‬‬ ‫التقليدية لإلسهام في كتابة الرواية مثل‪ :‬تركي ‪1930‬م‪ ،‬اعتمدت فيها على دراسات كتبها بعض‬

‫اجلوبة ‪ -‬ربيع ‪1433‬هـ ‪17‬‬


‫إض��اف��ة إل ��ى آخ��ري��ن م �م��ن ك �ت �ب��وا ع��ن هذا‬

‫األكاديميين المتخصصين في األدب العربي مثل‪:‬‬ ‫الدكتور منصور الحازمي‪ ،‬أستاذ األدب العربي الموضوع‪.‬‬ ‫بجامعة الملك سعود بالرياض سابقاً‪ ,‬والدكتور‬ ‫لا أن بعض الباحثين منهم ومن‬ ‫فنجد م�ث� ً‬ ‫حسن النعمي أستاذ األدب العربي بجامعة الملك‬ ‫غيرهم يقصر ال��ري��ادة بثالثة أش�خ��اص فقط‪،‬‬ ‫عبدالعزيز بجدة‪ ,‬وكذلك على دراس��ات علمية‬ ‫وهم‪ :‬عبدالقدوس األنصاري‪ ،‬وأحمد السباعي‪،‬‬ ‫قدمت لنيل درجتي الدكتوراة والماجستير لمن‬ ‫ومحمد علي مغربي‪ .‬ومنهم من يضيف محمد‬ ‫اهتم بهذا الجنس األدبي مثل‪:‬‬ ‫نور الجوهري لروايته (االنتقام الطبعي)‪ ،‬والتي‬ ‫الدكتور سحمي بن ماجد الهاجري لكتابه‪ :‬لم تأخذ حظها من الشهرة كغيرها‪.‬‬ ‫القصة القصيرة في المملكة العربية السعودية‪.‬‬ ‫بينما نجد الدكتور منصور الحازمي يضيف‬ ‫الدكتور سلطان بن سعد القحطاني لكتابه‪ :‬الرواية إليهم إلى جانب الجوهري‪ ..‬القاص الجزائري‬ ‫في المملكة العربية السعودية‪ -‬النشأة والتطور‪.‬‬ ‫أحمد رضا حوحو‪ ،‬إلصداره رواية (غادة أم القرى)‬ ‫الدكتور حسن حجاب الحازمي لكتابه‪ :‬البطل عند عمله بمجلة (المنهل)‪ ،‬إضافة إل��ى محمد‬ ‫في الرواية السعودية‪.‬‬ ‫عمر توفيق على روايته (الزوجة والصديق)‪.‬‬

‫املصادر واملراجع‬ ‫ ‬

‫ ‬

‫ ‬

‫ ‬

‫ ‬

‫ ‬

‫‪18‬‬

‫•ال �ق �ص��ة ال �ق �ص �ي��رة ف ��ي ال �م �م �ل �ك��ة العربية‬ ‫ال�س�ع��ودي��ة‪ .‬سحمي م��اج��د ال �ه��اج��ري‪ .‬ط‪.1‬‬ ‫النادي األدبي بالرياض ‪1408‬هـ ‪1987‬م‪.‬‬ ‫•الرواية في المملكة العربية السعودية‪ ،‬نشأتها‬ ‫وتطورها‪ .‬سلطان بن سعد القحطاني‪ .‬ط‪ .2‬‬ ‫النادي األدبي بالقصيم ‪1430‬هـ ‪2009‬م‪.‬‬ ‫•ال��رواي��ة السعودية واقعها وتحوالتها‪ .‬حسن‬ ‫النعمي‪ .‬ط‪ .1‬وزارة الثقافة واإلعالم‪1430 ،‬هـ‬ ‫ ‬ ‫‪2009‬م‪.‬‬ ‫•البطل في الرواية السعودية‪ .‬حسن حجاب‬ ‫ال�ح��ازم��ي‪ .‬ط‪ .1‬ن��ادي ج��ازان األدب ��ي‪ ،‬ط‪،1‬‬ ‫‪1421‬هـ ‪2000‬م‪.‬‬ ‫•البناء الفني ف��ي ال��رواي��ة السعودية‪ .‬حسن ‬ ‫ح �ج��اب ال �ح��ازم��ي‪ .‬ط‪( .1‬د‪ .‬ن) ‪1427‬ه� �ـ ‬ ‫‪2006‬م‪.‬‬ ‫•م�ع�ج��م ال�م�ط�ب��وع��ات ال�ع��رب�ي��ة ف��ي المملكة‬ ‫العربية السعودية‪ .‬علي جواد الطاهر‪ .‬ط‪ .2‬‬ ‫ج‪1418 ،3‬هـ‪1997/‬م‪.‬‬

‫اجلوبة ‪ -‬ربيع ‪1433‬هـ‬

‫ ‬

‫•موسوعة األدب السعودي الحديث‪ :‬نصوص‬ ‫مختارات دراس��ات‪ .‬منصور الحازمي‪ .‬ط‪.1‬‬ ‫ال��ري��اض‪ :‬دار المفردات‪ ،‬مجلد ‪1422 ،5‬هـ‬ ‫‪2001‬م‪.‬‬ ‫•أعمال ال�ع��واد الكاملة‪ .‬محمد حسن عواد‪،‬‬ ‫ال�م�ج�ل��د األول‪ .‬ط‪ .1‬م �ص��ر‪ :‬دار الجيل‪،‬‬ ‫‪1401‬هـ ‪1981‬م‪.‬‬ ‫•نماذج من صحافة أبناء الجزيرة العربية في‬ ‫ال �خ��ارج‪ .‬محمد القشعمي‪ .‬ط‪ .1‬الرياض‪:‬‬ ‫م��رك��ز ح �م��د ال �ج��اس��ر ال �ث �ق��اف��ي‪1430 ،‬ه � �ـ‬ ‫‪2009‬م‪.‬‬ ‫•صوت الحجاز ‪1933/1/1‬م‪.‬‬ ‫•م��ذك��رات وذك��ري��ات م��ن حياتي‪ .‬عبدالكريم‬ ‫ال�ج�ه�ي�م��ان‪ .‬ط‪( 1‬د‪ .‬ن) ال��ري��اض ‪1415‬هـ‬ ‫‪1995‬م‪.‬‬ ‫•أخبار المكتبة‪ ،‬العدد ‪ ،18‬مكتبة الملك فهد‬ ‫الوطنية‪ .‬محمد القشعمي ‪1420‬هـ ‪1999‬م‪.‬‬


‫(‪) 27‬‬ ‫(‪ )28‬‬ ‫(‪ )29‬‬ ‫(‪ )30‬‬ ‫(‪) 31‬‬ ‫(‪ )32‬‬ ‫(‪ )33‬‬ ‫(‪) 34‬‬ ‫(‪ )35‬‬ ‫(‪ )36‬‬ ‫(‪ )37‬‬

‫م������������ل������������ف ال������������ع������������دد‬

‫(‪) 1‬‬ ‫(‪ )2‬‬ ‫(‪ )3‬‬ ‫(‪ )4‬‬ ‫(‪ )5‬‬ ‫(‪ )7‬‬ ‫(‪ )8‬‬ ‫(‪ )9‬‬ ‫(‪ )10‬‬ ‫(‪ )11‬‬ ‫(‪ )12‬‬ ‫(‪ )13‬‬ ‫(‪ )14‬‬ ‫(‪ )15‬‬ ‫(‪ )16‬‬ ‫(‪ )17‬‬ ‫(‪ )18‬‬ ‫(‪ )19‬‬ ‫(‪ )20‬‬ ‫(‪ )21‬‬ ‫(‪ )22‬‬ ‫(‪ )23‬‬ ‫(‪ )24‬‬ ‫(‪ )25‬‬ ‫(‪ )26‬‬

‫انظر حسن حجاب الحازمي‪ .‬البطل في الرواية السعودية‪ .‬ص ‪.36 ,35‬‬ ‫الموسوعة العربية العالمية‪ .‬ج ‪ .18‬ط ‪ .1‬ص ‪.295‬‬ ‫الرواية في المملكة العربية السعودية‪ .‬سلطان القحطاني‪ .‬ط‪ .2‬نادي القصيم األدبي‪1430 ,‬هـ‪2009 /‬م‪ ،‬ص ‪.73‬‬ ‫منصور الحازمي‪ .‬موسوعة األدب العربي السعودي الحديث‪ .‬ط‪ .1‬ج‪ .5‬ص ‪.162/159‬‬ ‫حسن حجاب الحازمي وغيره‪.‬‬ ‫الرواية السعودية‪ :‬واقعها وتحوالتها‪ .‬حسن النعمي‪ ،‬ط‪ ،1‬ص‪.20‬‬ ‫نشرة أخبار المكتبة‪ .‬مكتبة الملك فهد الوطنية‪ .‬العدد ‪1422 .18‬هـ‪.‬‬ ‫م‪ ،4‬ط‪ ،1‬ص‪.21‬‬ ‫م‪ ،4‬ط‪ ،1‬ص‪.23‬‬ ‫م‪ ،4‬ط‪ ،1‬ص‪.25‬‬ ‫موسوعة األدب السعودي الحديث‪ .‬مرجع سابق‪ .‬ج‪ ،4‬ط‪ ،1‬انظر ص‪.27/26‬‬ ‫ج‪ ،4‬ط‪ ،1‬انظر ص‪.29‬‬ ‫ج‪ ،5‬ط‪ ،1‬ص‪.9‬‬ ‫ج‪ ،5‬ط‪ ،1‬ص‪.11‬‬ ‫انظر‪ :‬موسوعة األدب العربي‪ .‬م‪ .5‬ط‪ .1‬ص ‪.20,19,18‬‬ ‫المصدر السابق‪ .‬م‪ .5‬ط‪ ،1‬ص ‪.39‬‬ ‫المصدر السابق‪ ،‬م‪ ،5‬ط‪ ،1‬ص ‪.44‬‬ ‫ص ‪.89‬‬ ‫ص ‪.91‬‬ ‫ص ‪.134‬‬ ‫ص ‪.138‬‬ ‫حسين حجاب الحازمي‪ .‬البطل في الرواية السعودية‪ .‬ط‪ .1‬نادي جازان األدبي ‪1421‬هـ‪ ,‬ص ‪.10/9‬‬ ‫المصدر السابق‪ ,‬ص ‪.12/11‬‬ ‫انظر البطل في الرواية السعودية للحازمي‪ ،‬ص ‪ ،14‬مرجع سابق‪.‬‬ ‫الطفولة وعالم الراشدين في القصة القصيرة بالمملكة‪ ،‬محمد القويفلي‪ ،‬مركز البحوث‪ ،‬كلية اآلداب‪ ،‬جامعة الملك‬ ‫سعود‪ ،‬الرياض‪1419 ،‬هـ‪ ،‬ص ‪.96‬‬ ‫مطبعة الترقي بالقيمرية بدمشق ‪1349‬هـ ‪1930‬م‪.‬‬ ‫المطبعة الشرقية بجدة ‪1354‬هـ ‪1935‬م‪.‬‬ ‫القصة القصيرة في المملكة العربية السعودية‪ .‬سحمي الهاجري‪ .‬ط‪ .1‬نادي الرياض األدبي‪1408 ،‬هـ‪1987 /‬م‪ ،‬ص‬ ‫‪.62‬‬ ‫انظر‪ :‬القصة القصيرة‪ ،‬مرجع سابق‪.‬‬ ‫أعمال العواد الكاملة‪ ،‬ج‪ ،1‬ص ‪ ،369/368‬وجريدة (صوت الحجاز) ‪1933/1/1‬م‪.‬‬ ‫أعمال العواد الكاملة‪ ،‬ج‪ ،1‬ص ‪.436‬‬ ‫نماذج من صحافة أبناء الجزيرة العربية في الخارج‪ .‬محمد القشعمي‪ .‬ط‪ .1‬مركز حمد الجاسر الثقافي‪1430 ،‬هـ‬ ‫‪2009‬م‪ ،‬ص ‪.108 – 101‬‬ ‫الرواية السعودية واقعها وتحوالتها‪ .‬حسن النعمي‪ .‬ط‪ .1‬وزارة الثقافة واإلعالم‪1430 ،‬هـ ‪2009‬م‪ ،‬ص ‪.30‬‬ ‫المصدر السابق‪ ،‬ص ‪.113‬‬ ‫المصدر السابق‪ ،‬ص ‪.119‬‬ ‫البناء الفني للرواية‪ .‬حسن حجاب الحازمي‪ ،‬ص ‪.746 /741‬‬

‫اجلوبة ‪ -‬ربيع ‪1433‬هـ ‪19‬‬


‫الرواية السعودية في تألقها!!‬

‫بني احلبك واجلودة والتهالك والضعف‬ ‫> خالد أحمد اليوسف ‪ -‬من السعودية‬

‫هذه دراسة ببلومترية تحليلية حديثة‪ ،‬تمت بعد التمكّ ن من بناء ببليوجرافيا جديدة عن اإلنتاج‬ ‫الروائي في المملكة العربية السعودية لعام ‪1432‬هـ‪2011/‬م‪.‬‬ ‫إن الرواية في السعودية لم تصل إلى هذا المستوى المتقدم إال بعد أن عبرت قنوات متعددة‪ ،‬تاريخياَ‬ ‫وفنياَ وإبداعياَ؛ تاريخياَ بدأت بالتوأمان لعبدالقدوس األنصاري عام ‪1394‬هـ‪1930 /‬م‪ ،‬وتم تأسيسها فنياَ‬ ‫على يد المبدع حامد دمنهوري بعد روايتيه (ثمن التضحية) عام ‪1959‬م‪ ،‬و(ومرت األيام) عام ‪1963‬م؛‬ ‫وإبداعياَ بعد أن تهيأت اإلمكانات والظروف النطالقتها بعد محاوالت‪ ،‬ثم إبداعات إبراهيم الناصر‬ ‫وعبدالعزيز مشري وعبدالعزيز الصقعبي‪ ،‬ثم غ��ازي القصيبي ورج��اء عالم وتركي الحمد وغيرهم‬ ‫كثير‪.‬‬ ‫وأج �م �ع��ت ال ��دراس ��ات وال �ب �ح��وث والرسائل‬

‫الجامعية باعتبار عام ‪1420‬هـ‪2000 /‬م هو عام‬

‫التحول‪ ،‬وب��داي��ة دخ��ول ال��رواي��ة السعودية إلى‬

‫عصر جديد؛ إذ بدأ النشر يتصاعد‪ ،‬واالهتمام‬ ‫اإلعالمي والنقدي ينصب على ما يصدر ويُنشر‪،‬‬

‫ونمت ظواهر في عالم الرواية السعودية لتبرزها‬ ‫وتقدمها على باقي الفنون األدبية‪ ،‬ما استدعى‬ ‫ك��اف��ة ش��رائ��ح المجتمع لكتابتها وال �غ��وص في‬

‫عالمها‪ ،‬فخرجت نتائج سلبية وايجابية؛ أهمها‬

‫أن المرأة أصبحت تنافس الرجل بقوة وقدرة‬ ‫وت�م� ّك��ن‪ ،‬وأن ال��رواي��ة ل��م تعد للنخبة واألدب ��اء‬

‫وال�م�ث�ق�ف�ي��ن‪ ،‬ب��ل ل�ك��ل ف �ئ��ات ال�م�ج�ت�م��ع‪ ،‬قراءة‬

‫السعودية إلى لغات كثيرة‪.‬‬ ‫وفي الجدول التالي إيضاح لتصاعدها ونموها‬ ‫المثير‪:‬‬ ‫العام‬

‫عدد الروايات‬

‫العام‬

‫عدد الروايات‬

‫‪2000‬‬

‫‪ 22‬رواية‬

‫‪2006‬‬

‫‪ 48‬رواية‬

‫‪2001‬‬

‫‪ 26‬رواية‬

‫‪2007‬‬

‫‪ 50‬رواية‬

‫‪2002‬‬

‫‪ 22‬رواية‬

‫‪2008‬‬

‫‪ 65‬رواية‬

‫‪2003‬‬

‫‪ 26‬رواية‬

‫‪2009‬‬

‫‪ 70‬رواية‬

‫‪2004‬‬

‫‪ 30‬رواية‬

‫‪2010‬‬

‫‪ 91‬رواية‬

‫‪2005‬‬

‫‪ 28‬رواية‬

‫‪2011‬‬

‫‪ 100‬رواية‬

‫أم��ا الظواهر السلبية‪ ..‬فقد ب��رزت سريعاَ‬

‫ومتابعة واقتناء‪ ،‬ووصلت الرواية السعودية إلى لكل قارئ وناقد ودارس‪ ،‬منها أن تجارب الكتـّاب‬ ‫الجوائز العالمية‪ ،‬منافسة وحصوالَ عليها‪ ،‬وأن الجدد الحياتية واألدبية والمعرفية غضة ناشئة‬ ‫النقاد العرب أولوها اهتماماَ وعناية في كتبهم وم��ا ت��زال في بداياتها؛ ثم إن تدافع الناشرين‬

‫ومؤلفاتهم‪ ،‬وتمت ترجمت ع�ش��رات الروايات إلص��دار أي كتاب يعنون ب��رواي��ة‪-‬دون فحص أو‬

‫‪20‬‬

‫اجلوبة ‪ -‬ربيع ‪1433‬هـ‬


‫م������������ل������������ف ال������������ع������������دد‬

‫تدقيق أو تحكيم‪ -‬ت��رك أث��راَ سيئاَ ل��دى النقاد والهفوف‪.‬‬ ‫والدارسين عن الرواية السعودية‪ ،‬وأنها متدنية‬ ‫أم��ا خ��ارج ال��وط��ن‪ ..‬فقد ج��اء نصيب مدينة‬ ‫وضعيفة وغير مقبولة؛ ثم الهروب من الضعف بيروت األكثر‪ ..‬إذ بلغ (‪33‬رواي��ة)‪ ،‬ومدينة لندن‬ ‫الفني واإلبداعي إلى التصادم مع القيم واألخالق عشر رواي ��ات‪ ،‬ومدينة القاهرة ث�لاث روايات‪،‬‬ ‫وال�ث��واب��ت‪ ،‬م��ا استدعى ال�ق��راء العامة لمتابعة‬ ‫وكذلك مدينة المنامة ثالث روايات‪.‬‬ ‫الرواية في السعودية بحجة البحث عن الجرأة‪،‬‬ ‫وقد جاء عام ‪1432‬هـ‪2011/‬م بتأكيدات لنهج‬ ‫وال �ح��دي��ث وال �ط��رح ع�م��ا خ �ف��ي‪ ،‬وم �ن��ع الكتابة‬ ‫عنه؛ ثم مجاملة عدد من الكتاب الدارسين أو كتابة الرواية‪ ،‬لعدد من الكاتبات والكتاب‪ ،‬إذ زاد‬ ‫اإلعالميين في الصحافة لهذه الكتابات التي رصيدهم وتجربتهم وهم‪:‬‬ ‫تعنون بالرواية‪ ،‬وطرح قراءات وكتابات تتضمن‬ ‫عبد الواحد األنصاري أربع روايات‪ ،‬محمود‬ ‫المدح والثناء لهذه األعمال‪.‬‬ ‫ت��راوري رواي �ت��ان‪ ،‬عبدالله ثابت ث�لاث روايات‪،‬‬ ‫مها الجهني رواي �ت��ان‪ ،‬إبراهيم الخضير ثالث‬ ‫رواي� ��ات‪ ،‬عبدالله ال� ��داوود أرب��ع رواي� ��ات‪ ،‬علي‬ ‫الشدوي أرب��ع رواي��ات‪ ،‬سليمان الشمري خمس‬ ‫روايات‪ ،‬عبدالكريم الشهراني أربع روايات‪ ،‬فوزي‬ ‫صادق ثالث روايات‪ ،‬عبدالعزيز الصقعبي ثالث‬ ‫رواي��ات‪ ،‬ن��ور عبدالمجيد أرب��ع رواي��ات‪ ،‬عواض‬ ‫شاهر العصيمي خمس رواي��ات‪ ،‬ن��داء أب��و علي‬ ‫أربع روايات‪ ،‬ساره العليوي ثالث روايات‪ ،‬مقبول‬ ‫العلوي روايتان‪ ،‬محمد علوان أربع روايات‪ ،‬فوزي‬ ‫القبوري ث�لاث رواي��ات‪ ،‬سهام مرضي روايتان‪،‬‬ ‫محمد المزيني ثمان روايات‪ ،‬عبدالعزيز المهنا‬ ‫ست روايات‪ ،‬أحمد الواصل روايتان‪.‬‬

‫وبعد هذا المدخل المختصر الضروري عن‬ ‫ال��رواي��ة السعودية‪ ،‬أص��ل إل��ى منتج ه��ذا العام‬ ‫‪1432‬هـ‪2011 /‬م‪ ،‬إذ أن اإلنتاج الروائي بلغ رقماً‬ ‫وكيفاً وتجربة جديدة‪ ،‬ويعد نقلة نوعية لتجدد‬ ‫األس�م��اء الكاتبة والمبدعة‪ ،‬ف�ج��اءت الروايات‬ ‫التي كتبها الكتـّاب (‪ 56‬رواية)‪ ،‬منها (‪ 37‬رواية)‬ ‫ألس �م��اء ج��دي��دة وت �ن �ش��ر ع�م�ل�ه��ا األول‪ ،‬بينما‬ ‫أصدرت الكاتبات (‪ 28‬رواي��ة) منها (‪ 24‬رواية)‬ ‫ألسماء جديدة‪ ،‬هذه األرقام (‪ 61‬رواية)‪ ،‬توصلنا‬ ‫إل��ى أن ال��رواي��ة ف��ي ال�س�ع��ودي��ة تنمو وتتجدد‬ ‫س��ري�ع�اً‪ ،‬وتكشف ع��ن جاذبية ال يمكن تخيلها‬ ‫بسبب دخول العشرات إلى عالمها سنوياً‪ ،‬منها‬ ‫األدب��ي‪ ..‬فهي عالم تعبيري تنصهر في سطوره‬ ‫ببليوجرافيا الرواية السعودية لعام‬ ‫كل الفنون األدبية والثقافية‪ ،‬وهي عالم سردي‬ ‫‪1432‬هـ‪2011 /‬م‬ ‫سيري شخصي‪ ،‬وه��ي متخيل يقبل التوقعات‬ ‫ األسمري‪ ،‬علي عبدالرحمن‪ /‬صدى الضلعان‪:‬‬‫والتصورات واألحالم‪ ،‬لكل هذا انجذب الشباب‬ ‫رواي ��ة‪ -‬ل�ن��دن‪ :‬دار رواي��ة للنشر‪1432 ،‬هـ‪/‬‬ ‫بجنسيه لكتابة الرواية‪ ،‬وقد صدر داخل المملكة‬ ‫‪2011‬م‪ 77 ،‬ص‬ ‫(‪ 38‬رواي��ة) توزعت على المدن التالية‪ :‬الدمام‬ ‫(‪ )23‬رواية‪ ،‬الرياض سبع روايات‪ ،‬جدة روايتان‪ - ،‬األنصاري‪ ،‬عبدالواحد‪ /‬ممالك تحت األرض‪:‬‬ ‫ست روايات‪ ..‬من كل مدينة رواية‪ ،‬وهي‪ :‬الباحة‬ ‫رواي��ة‪ - .‬بيروت‪ :‬مؤسسة االنتشار العربي‪،‬‬ ‫والجوف والطائف والقطيف والمدينة المنورة‬ ‫‪1432‬هـ‪2011 /‬م‪128 ،‬ص‬

‫اجلوبة ‪ -‬ربيع ‪1433‬هـ ‪21‬‬


‫ البحر‪ ،‬ف��واز محمد‪ ،‬وقيس خالد بوقماز‪/‬‬‫من أقصى الشرق أتيت‪ :‬رواي��ة‪ - .‬الدمام‪:‬‬ ‫‪1432‬هـ‪2011 /‬م‪159 ،‬ص‬ ‫دار الفكر العربي للنشر والتوزيع‪1432 ،‬هـ‪/‬‬ ‫ ح��ام��د‪ ،‬محمد‪ /‬ب��ورت��ري��ة ال��وح��دة‪ :‬رواي ��ة‪- .‬‬‫‪2011‬م‪316 ،‬ص‬ ‫ب�ي��روت‪ :‬ج��داول للطباعة والنشر والتوزيع‪،‬‬ ‫ البحراني‪ ،‬جعفر‪ /‬في بيت مشعوذ‪ :‬رواية‪- .‬‬‫‪1432‬هـ‪2011 /‬م‪117 ،‬ص‬ ‫الدمام‪ :‬دار الكفاح للنشر والتوزيع‪1432 ،‬هـ‪/‬‬ ‫ الحربي‪ ،‬حصة‪/‬عناء‪ :‬رواي��ة‪ - .‬ال��دم��ام‪ :‬دار‬‫‪2011‬م‪ 143 ،‬ص‬ ‫الفكر ال�ع��رب��ي للنشر وال �ت��وزي��ع‪1432 ،‬ه� �ـ‪/‬‬ ‫ ال�ب�ح��ران��ي‪ ،‬فاطمة علي حبيب‪ /‬س��ر فتاة‪:‬‬‫‪2011‬م‪183 ،‬ص‬ ‫رواية‪ - .‬بيروت‪ :‬المؤلف‪1432 ،‬هـ‪2011 /‬م‪،‬‬ ‫ ال�ح��رب��ي‪ ،‬غصباء‪ /‬شغف ش��رق��ي‪ :‬رواي ��ة‪- .‬‬‫‪158‬ص‬ ‫ال��دم��ام‪ :‬دار أث��ر للنشر والتوزيع‪1432 ،‬هـ‪/‬‬ ‫ البراهيم‪ ،‬إلهام عقال‪ /‬زافيرا‪ :‬رواية‪ - .‬الجوف‪:‬‬‫‪2011‬م‪ ،‬ص‬ ‫النادي األدبي‪1432 ،‬هـ‪2011 /‬م‪288 ،‬ص‬ ‫ الحمراني‪ ،‬تقي يوسف‪ /‬فتاة في عالم آخر‪:‬‬‫ البشر‪ ،‬سعود‪ /‬طقس شرقي‪ :‬رواية‪- .‬بيروت‪:‬‬‫رواية‪[ - .‬جدة]‪ :‬المؤلف‪1413 ،‬هـ‪2010 /‬م‪،‬‬ ‫جداول للطباعة والنشر والتوزيع‪1432 ،‬هـ‪/‬‬ ‫‪113‬ص‬ ‫‪2011‬م‪176 ،‬ص‬ ‫ الخالد‪ ،‬شروق‪ /‬تركتك لله‪ :‬رواية‪ - .‬بيروت‪:‬‬‫ البلوي‪ ،‬جميلة‪ /‬بحور‪ :‬رواي��ة‪ - .‬لندن‪ :‬دار‬‫الدار العربية للعلوم‪2011 ،‬م‪ 263 ،‬ص‬ ‫رواية للنشر‪1432[ ،‬هـ‪2011 /‬م]‪105 ،‬ص‬ ‫ الخزيم‪ ،‬ماجد بن صالح‪ /‬حدث في المدرسة‬‫ آل تحيفة‪ ،‬ناجي جاسب‪ /‬أبالحصين والقدم‬‫األهلية‪ :‬رواية‪ - .‬الدمام‪ :‬دار الكفاح للنشر‬ ‫المبتور‪ :‬رواية‪ - .‬القطيف‪ :‬المؤلف‪1432 ،‬هـ‪/‬‬ ‫والتوزيع‪1432 ،‬هـ‪2011 /‬م‪189 ،‬ص‬ ‫‪91 ،2011‬ص‬ ‫ الخضري‪ ،‬خالد‪ /‬رعشة جسد‪ :‬رواية‪ - .‬الدمام‪:‬‬‫ تراوري‪ ،‬محمود‪ /‬أخضر ياعود القنا‪ :‬رواية‪.‬‬‫دار الكفاح للنشر والتوزيع‪1432 ،‬هـ‪2011/‬م‪،‬‬ ‫ بيروت‪ :‬جداول للطباعة والنشر والتوزيع‪،‬‬‫‪200‬ص؛ ج��وان��ا‪ - .‬ال�ق��اه��رة‪ :‬دار السمطي‬ ‫‪2011‬م‪207 ،‬ص‬ ‫للطباعة والنشر واإلعالم‪1431 ،‬هـ‪2010 /‬م‪،‬‬ ‫‪ -‬ال��ري��اض‪ :‬دار المفردات للنشر والتوزيع‪،‬‬

‫‪ 150‬ص‬

‫ ثابت‪ ،‬عبدالله‪ /‬وجه النائم‪ :‬رواية‪ - .‬بيروت‪:‬‬‫دار الساقي للنشر‪1432 ،‬ه�ـ‪2011 /‬م‪ - 239 ،‬الخضير‪ ،‬إبراهيم‪ /‬في انتظار مجيء الرجولة‪:‬‬ ‫ص‬ ‫رواي��ة‪ - .‬بيروت‪ :‬مؤسسة االنتشار العربي‪،‬‬ ‫‪1432‬هـ‪2011 /‬م‪ 315 ،‬ص‬

‫ الجهني‪ ،‬مها‪ /‬كيتوس‪ :‬رواية‪ - .‬بيروت‪ :‬الدار‬‫العربية للعلوم‪1432 ،‬هـ‪2011 /‬م‪ 326 ،‬ص‬ ‫ الخليفي‪ ،‬أنس محمد عبدالله‪ /‬إمبراطورية‬‫‪ -‬الحازمي‪ ،‬عبدالعزيز‪ /‬دماء الحقيقة‪[ :‬رواية]‪.‬‬

‫‪22‬‬

‫اجلوبة ‪ -‬ربيع ‪1433‬هـ‬

‫تحت وط��أة ج��اري��ة‪ :‬رواي���ة‪ - .‬د‪ .‬م‪ :‬د‪ .‬ن‪،‬‬


‫ الخنيزي‪ ،‬محمد سعيد الشيخ علي‪ /‬ومضات‬‫من وراء الغيوم‪ :‬رواية‪ - .‬بيروت‪ :‬دار المحجة ‪ -‬السعد‪ ،‬رانيا‪ /‬هوس‪ :‬رواية‪ - .‬بيروت‪ :‬الدار‬ ‫العربية للعلوم‪2011 ،‬م‪200 ،‬ص‬ ‫البيضاء‪1432 ،‬هـ‪2011 /‬م‪238 ،‬ص‬ ‫ ال � ��داوود‪ ،‬ع�ب��دال�ل��ه ن��اص��ر‪ /‬ف�ت��اة اليوتيوب‪ - :‬ابن سعد‪ ،‬ميساء‪ /‬أليوم بنت غبية‪ :‬رواية‪- .‬‬‫ال��دم��ام‪ :‬دار الفكر العربي للنشر والتوزيع‪،‬‬ ‫رواي��ة‪ - .‬ال��دم��ام‪ :‬دار الفكر العربي للنشر‬ ‫‪1432‬هـ‪2011 /‬م‪160 ،‬ص‬ ‫والتوزيع‪1432،‬هـ‪2011 /‬م‪ 183 ،‬ص‬

‫م������������ل������������ف ال������������ع������������دد‬

‫[‪1431‬هـ‪2010 /‬م]‪144 ،‬ص‬

‫الدمام‪ :‬دار الكفاح للنشر والتوزيع‪1432 ،‬هـ‪/‬‬ ‫‪2011‬م‪65 ،‬ص‬

‫ الدريس‪ ،‬ساره‪ /‬يوم تبلى السرائر‪ :‬رواي��ة‪ - - .‬السلولي‪ ،‬الجوهرة عبدالله‪ /‬ظ��ل المدينة‪:‬‬‫رواي� ��ة‪ - .‬ال��ري��اض‪ :‬دار ال �م �ف��ردات للنشر‬ ‫ال��دم��ام‪ :‬دار الفكر العربي للنشر والتوزيع‪،‬‬ ‫والتوزيع‪1431 ،‬هـ‪2010 /‬م‪216 ،‬ص‬ ‫‪1431‬هـ‪2010 /‬م‪352 ،‬ص‬ ‫ الدوسري‪ ،‬سعد‪ /‬الرياض‪ -‬نوفمبر‪ :90‬رواية‪ - .‬سليس‪ ،‬علي عبدالله‪/‬الحرباوات‪ :‬مراهقون‬‫بعيدا عن العيون‪ :‬رواية‪ - .‬بيروت‪ :‬دار المحجة‬ ‫ ب�ي��روت؛ ال��دار البيضاء‪ :‬المركز الثقافي‬‫البيضاء‪1431 ،‬هـ‪2010 /‬م‪394 ،‬ص‬ ‫العربي‪2011 ،‬م‪416 ،‬ص‬ ‫ ابن دوي��س‪ ،‬تركي محمد‪ 32 /‬ي��وم‪ :‬رواي��ة‪ - - .‬سليمان‪ ،‬ماجد‪ /‬عين حمئة‪ :‬رواي��ة‪ - .‬لندن‪:‬‬‫ط��وى للثقافة وال�ن�ش��ر وال �ت��وزي��ع‪2011 ،‬م‪،‬‬ ‫لندن‪ :‬دار رواية للنشر‪1432[ ،‬هـ‪2011 /‬م]‪،‬‬ ‫‪107‬ص‬ ‫‪ 398‬ص‬ ‫ دي��اب‪ ،‬محمد ص��ادق‪ /‬مقام حجاز‪ :‬رواي��ة‪ - - .‬آل سليمان‪ ،‬منيرة ناصر‪ /‬أمي جاءت‪ :‬رواية‪.‬‬‫ لندن‪ :‬دار رواية للنشر‪1432[ ،‬هـ‪2011 /‬م]‪،‬‬‫ب�ي��روت‪ :‬ج��داول للطباعة والنشر والتوزيع‪،‬‬ ‫‪307‬ص‬ ‫‪2011‬م‪ 105 ،‬ص‬ ‫ الراجحي‪ ،‬ميقات‪ /‬سعولندني‪ :‬رواية‪ - .‬لندن‪ - :‬السماري‪ ،‬محمد وبدر السماري‪ /‬ابن طراق‪:‬‬‫رواي��ة‪ - .‬ال��دم��ام‪ :‬دار أث��ر للنشر والتوزيع؛‬ ‫دار طوى للثقافة والنشر والتوزيع‪2011 ،‬م‪،‬‬ ‫ب� �ي ��روت‪ :‬ال� ��دار ال �ع��رب �ي��ة ل �ل �ع �ل��وم‪2011 ،‬م‪،‬‬ ‫‪ 248‬ص‬ ‫‪430‬ص‬ ‫ ال��رش�ي��د‪ ،‬ن��دى‪ /‬يوميات طالبة سعودية في‬‫مانشستر‪ :‬رواي ��ة‪ - .‬ال�ق��اه��رة‪ :‬دار سندباد ‪ -‬السناري‪ ،‬بسمة‪ /‬ولذلك أصبحت مجرمة‪:‬‬ ‫رواي��ة‪ - .‬ج��دة‪ :‬المؤلف‪1432 ،‬ه �ـ‪2011 /‬م‪،‬‬ ‫للنشر والتوزيع‪2011 ،‬م‪160 ،‬ص‬ ‫ص‬ ‫ أبو زي��د‪ ،‬رح��اب‪ /‬الرقص على أسنة الرماح‪:‬‬‫رواي� ��ة‪ - .‬ب �ي��روت‪ :‬ب�ي�س��ان للنشر والتوزيع ‪ -‬الشادي‪ ،‬صالح‪ /‬الثقالن‪ :‬رواية‪ - .‬بيروت‪ :‬دار‬ ‫مجدالوي للنشر والتوزيع‪2011 ،‬م‪280 ،‬ص‬ ‫واإلعالم‪1431 ،‬هـ‪2010 /‬م‪136 ،‬ص‬ ‫‪ -‬السبيعي‪ ،‬م �ف��رج‪ /‬وردة ال �م �س��اء‪ :‬ق �ص��ة‪ - - .‬ال �ش��دوي‪ ،‬ع�ل��ي‪ /‬ال��ذئ��ب ومخلوقات أخرى‪:‬‬

‫اجلوبة ‪ -‬ربيع ‪1433‬هـ ‪23‬‬


‫رواية‪ - .‬لندن‪ :‬طوى للثقافة والنشر والتوزيع‪ - ،‬ابن ضيف الله‪ ،‬سعد أحمد‪ /‬ظالل الصاعقة‪:‬‬ ‫رواية‪ - .‬الدمام‪ :‬دار الكفاح للنشر والتوزيع‪،‬‬ ‫‪2011‬م‪191 ،‬ص‬ ‫‪ -‬ال�ش�ه��ران��ي‪ ،‬عبدالكريم‪ /‬ال�ت��دي��ن‪ :‬رواي���ة‪- .‬‬

‫‪1432‬هـ‪2011 /‬م‪ ،‬ص‬

‫الدمام‪ :‬دار الكفاح للنشر والتوزيع‪1432 ،‬هـ‪ - /‬عبدالحي‪ ،‬إياد فؤاد‪ /‬كوثر السجينة رقم ‪:213‬‬ ‫رواية‪ - .‬الدمام‪ :‬دار الكفاح للنشر والتوزيع‪،‬‬ ‫‪2011‬م‪ ،‬ص‬

‫‪ -‬الشهراني‪ ،‬عبدالكريم‪ /‬ثعالب الكهان‪ :‬رواية‪- .‬‬

‫‪1432‬هـ‪2011 /‬م‪101 ،‬ص‬

‫الدمام‪ :‬دار الكفاح للنشر والتوزيع‪1432 ،‬هـ‪ - /‬عبدالرحمن‪ ،‬ري��م‪ /‬نحو انعتاقي‪ :‬رواي ��ة‪- .‬‬ ‫بيروت‪ :‬دار مدارك لإلبداع والنشر والترجمة‪،‬‬ ‫‪2011‬م‪ ،‬ص‬

‫‪ -‬ال�ش�م��ري‪ ،‬سليمان‪ /‬رب�ي��ع األش� ��واك‪ :‬رواية‪.‬‬

‫‪1432‬هـ‪2011 /‬م‪241 ،‬ص‬

‫ ال �ق��اه��رة‪ :‬دار م��دب��ول��ي للنشر والتوزيع‪ - ،‬عبدالرحمن‪ ،‬وفاء‪ /‬رغبات شيطانية‪ :‬رواية‪- .‬‬‫المنامة‪ :‬فراديس للنشر والتوزيع‪1432 ،‬هـ‪/‬‬ ‫‪1432‬هـ‪2011 /‬م‪ ،‬ص‬ ‫‪2011‬م‪139 ،‬ص‬ ‫ ال�ش�م��ري‪ ،‬سليمان‪ /‬ج��اب ال��ذي��ب م��ن ذيله‪:‬‬‫رواية‪ - .‬الرياض‪ :‬المؤلف‪1432 ،‬هـ‪2011 /‬م‪ - ،‬عبدالمجيد‪ ،‬نور‪ /‬أريد حالً‪ :‬رواية‪ - .‬بيروت‪:‬‬ ‫‪205‬ص‬

‫‪ -‬الشيباني‪ ،‬م��اج��د‪ /‬طوبائي ح��ال��م‪ :‬رواي ��ة‪- .‬‬

‫دار الساقي للطباعة والنشر‪2011 ،‬م‪368 ،‬‬ ‫ص‬

‫ال��دم��ام‪ :‬دار الفكر العربي للنشر والتوزيع‪ - ،‬عبدالمجيد‪ ،‬ن ��ور‪ /‬رغ��م ال �ف��راق‪ :‬رواي� ��ة‪- .‬‬ ‫ال �ق��اه��رة‪ :‬م�ك�ت�ب��ة ال� ��دار ال �ع��رب �ي��ة للكتاب‪،‬‬ ‫‪1432‬هـ‪2011 /‬م‪256 ،‬ص‬ ‫‪1431‬هـ‪2010 /‬م‪ 358 ،‬ص‬ ‫‪ -‬صادق‪ ،‬فوزي‪ /‬سري للغابة!!‪ :‬رواية‪ - .‬الدمام‪:‬‬

‫دار الفكر العربي للنشر والتوزيع‪1432 ،‬هـ‪ - /‬العتيبي‪ ،‬منال‪ /‬أنثى الشتاء‪ :‬قصة‪ - .‬الدمام‪:‬‬ ‫دار الكفاح للنشر والتوزيع‪1432 ،‬هـ‪2011 /‬م‪،‬‬ ‫‪2011‬م‪ 304 ،‬ص‬ ‫‪ 92‬ص‬ ‫ الصبيحة‪ ،‬ت�ه��ان��ي ح�س��ن‪ /‬وج ��وه ب�لا هوية‪:‬‬‫رواية‪ - .‬اإلحساء‪ :‬النادي األدبي‪1432 ،‬هـ‪ - /‬العرفج‪ ،‬محمد‪ /‬الدور األعلى‪ :‬رواية‪ - .‬بيروت‪:‬‬ ‫‪2011‬م‪150 ،‬ص‬

‫دار الغاوون للنشر والتوزيع‪2011 ،‬م‪128 ،‬ص‬

‫ الصقر‪ ،‬إب��راه�ي��م‪ /‬بنات ال��ري��اض‪ :‬رواي ��ة‪ - - .‬باعشن‪ ،‬مها عبود‪ /‬الحب فوق سطح مرمره‪:‬‬‫رواية‪ - .‬بيروت‪ :‬دار الفارابي للنشر‪2011 ،‬م‪،‬‬ ‫ال��دم��ام‪ :‬دار الفكر العربي للنشر والتوزيع‪،‬‬ ‫‪1432‬هـ‪2011 /‬م‪ ،‬ص‬

‫‪ 343‬ص‬

‫ الصقعبي‪ ،‬عبدالعزيز‪ /‬طائف األنس‪ :‬رواية‪ - .‬العصيمي‪ ،‬عواض شاهر‪ /‬طيور الغسق‪ :‬رواية‪.‬‬‫ الدمام‪ :‬دار أثر للنشر والتوزيع‪1432 ،‬هـ‪/‬‬‫ بيروت‪ :‬بيسان للنشر والتوزيع واإلعالم‪،‬‬‫‪1432‬هـ‪2011 /‬م‪157 ،‬ص‬

‫‪24‬‬

‫اجلوبة ‪ -‬ربيع ‪1433‬هـ‬

‫‪2011‬م‪200 ،‬ص‬


‫الساقي للطباعة والنشر‪2011 ،‬م‪ 319 ،‬ص ‪ -‬الغامدي‪ ،‬محمد بن عصبي‪ /‬أخت عقاب‪ :‬رواية‪.‬‬ ‫ الطائف‪ :‬دار الطرفين للنشر‪1431،‬هـ‪/‬‬‫ العلوي‪ ،‬سعيد بن سعيد‪/‬الخديعة‪ :‬رواي��ة‪- .‬‬‫‪2010‬م‪ ،‬ص‬ ‫ب �ي��روت‪ :‬ج ��داول للنشر وال �ت��وزي��ع‪2011 ،‬م‪،‬‬

‫‪200‬ص‬ ‫ ال�� �غ� ��ام� ��دي‪ ،‬م� �ح� �م ��د ب� ��ن ع� �ص� �ب ��ي‪ /‬ث ��وب‬‫الخطيئة‪ :‬رواي��ة‪ - .‬الطائف‪ :‬دار الطرفين‬ ‫ ال�ع�ل��وي‪ ،‬مقبول‪ /‬س�ن��وات الحب والخطيئة‪:‬‬‫للنشر‪1431،‬هـ‪2010 /‬م‪ ،‬ص‬ ‫رواية‪ - .‬بيروت‪ :‬المؤسسة العربية للدراسات‬

‫م������������ل������������ف ال������������ع������������دد‬

‫‪ -‬علوان‪ ،‬محمد‪ /‬القندس‪ :‬رواية‪ - .‬بيروت‪ :‬دار‬

‫‪1432‬هـ‪2011 /‬م‪80 ،‬ص‬

‫والنشر‪2011 ،‬م‪144 ،‬ص‬ ‫ ال �غ��ام��دي‪ ،‬محمد م�ح�س��ن‪ /‬ح��وش السادة‪:‬‬‫رواية‪ - .‬الطائف‪ :‬النادي األدبي‪1432 ،‬هـ‪/‬‬ ‫ أبو علي‪ ،‬نداء‪ /‬ظل وامرأة‪ :‬رواية‪ - .‬بيروت‪:‬‬‫‪2011‬م‪ 80 ،‬ص‬ ‫ال �م��ؤس �س��ة ال �ع��رب �ي��ة ل� �ل ��دراس ��ات والنشر‪،‬‬

‫‪1432‬هـ‪2011 /‬م‪204 ،‬ص‬ ‫ فلمبان‪ ،‬لؤي فائز‪ /‬العهد األخير‪ :‬قصة سقوط‬‫آخر ملوك الجن‪ :‬رواية‪ - .‬لندن‪ :‬طوى للثقافة‬ ‫ ال�ع�ل�ي��وي‪ ،‬س ��اره‪ /‬ول�ل�ك��ذب رج ��ال‪ :‬رواي� ��ة‪- .‬‬‫والنشر واإلعالم‪1432 ،‬هـ‪2011 /‬م‪271 ،‬ص‬ ‫المنامة‪ :‬فراديس للنشر والتوزيع‪1432 ،‬هـ‪/‬‬ ‫‪2011‬م‪303 ،‬ص‬ ‫ فهد‪ ،‬دانية‪ /‬أكثر من امرأة‪ :‬رواية‪ - .‬الدمام‪:‬‬‫دار الكفاح للنشر والتوزيع‪1432 ،‬هـ‪2011 ،‬م‪،‬‬ ‫ العمري‪ ،‬هند‪ /‬وأخيراً انتصرت على ضعفي‪:‬‬‫ص‬ ‫رواي��ة‪ - .‬ج��دة‪ :‬المؤلف‪1432 ،‬ه �ـ‪2011 /‬م‪،‬‬

‫ص‬ ‫ فهد‪ ،‬فاطمة‪ /‬أمل بيأس‪ :‬رواي��ة‪ - .‬المنامة‪:‬‬‫فراديس للنشر والتوزيع‪1432 ،‬هـ‪2011 /‬م‪،‬‬ ‫ العنزي‪ ،‬أمجاد‪ /‬أرواح ال تعرف النقاء‪ :‬رواية‪-,‬‬‫‪170‬ص‬ ‫ال��ري��اض‪ :‬دار ال �م �ف��ردات للنشر والتوزيع‪،‬‬

‫‪1432‬هـ‪2011 /‬م‪197 ،‬ص‬ ‫ القبوري‪ ،‬ف��وزي عناد‪ /‬الطريق إل��ى عفيف‪:‬‬‫رواية‪ - .‬لندن‪ :‬طوى للثقافة والنشر واإلعالم‪،‬‬ ‫ العوين‪ ،‬محمد عبدالله‪ /‬تجربة فتى متطرف‪:‬‬‫‪2011‬م‪ 93 ،‬ص‬ ‫سيرة روائية‪ - .‬الرياض‪ :‬المؤلف‪1423 ،‬هـ‪/‬‬ ‫‪2011‬م‪298 ،‬ص‬ ‫ القحطاني‪ ،‬حسين‪ /‬كانت مطمئنة‪ :‬رواي��ة‪- .‬‬‫ب�ي��روت‪ :‬ج��داول للطباعة والنشر والتوزيع‪،‬‬ ‫ الغامدي‪ ،‬تهاني‪ /‬توبة اب��ن ع��رس‪ :‬رواي��ة‪- .‬‬‫‪1432‬هـ‪2011 /‬م‪158 ،‬ص‬ ‫ال��دم��ام‪ :‬دار الفكر العربي للنشر والتوزيع‪،‬‬

‫‪1432‬هـ‪2011 /‬م‪287 ،‬ص‬ ‫ باقالقل‪ ،‬عبدالله سعيد‪ /‬لوكيميا الحب‪ :‬رواية‪.‬‬‫ الدمام‪ :‬دار الفكر العربي للنشر والتوزيع‪،‬‬‫ ال��غ��ام��دي‪ ،‬م�ح�م��د خ �ض��ر‪ /‬ال �س �م��اء ليست‬‫‪1432‬هـ‪2011 /‬م‪231 ،‬ص‬ ‫ف��ي ك��ل ش ��يء‪ :‬رواي� ��ة‪ - .‬المدينة المنورة‪:‬‬

‫النادي األدبي؛ بيروت‪ :‬الدار العربية للعلوم‪ - ،‬محمد‪ ،‬عبدالله‪ /‬نيكوتين‪ :‬رواية‪ - .‬لندن‪ :‬طوى‬

‫اجلوبة ‪ -‬ربيع ‪1433‬هـ ‪25‬‬


‫للثقافة والنشر واإلعالم‪2011 ،‬م‪ 239 ،‬ص‬ ‫ محمد‪ ،‬م��اج��د‪ /‬ش��ارع ب��راي�ن��دل��ي‪ :‬رواي���ة‪- .‬‬‫ال��دم��ام‪ :‬دار الفكر العربي للنشر والتوزيع‪،‬‬

‫‪1432‬هـ‪2011 /‬م‪111 ،‬ص‬

‫ مرضي‪ ،‬سهام‪ /‬حين رحلت‪ :‬رواية‪ - .‬بيروت‪:‬‬‫ال ��دار العربية للعلوم‪1432 ،‬ه � �ـ‪2011 /‬م‪،‬‬

‫‪142‬ص‬

‫‪ -‬المزيني‪ ،‬محمد‪ /‬الطقاقة بخيته‪ :‬رواي��ة‪- .‬‬

‫ النشمي‪ ،‬أثير عبدالله‪/‬في ديسمبر تنتهي‬‫كل األح�لام‪ :‬رواي��ة‪ - .‬بيروت‪ :‬دار الفارابي‬ ‫للنشر‪1432 ،‬هـ‪2011 /‬م‪182 ،‬ص‬

‫ النغيمشي‪ ،‬عبدالعزيز‪/‬غترة وشماغ‪ :‬رواية‪.‬‬‫‪ -‬ال��ري��اض‪ :‬دار المفردات للنشر والتوزيع‪،‬‬

‫‪1432‬هـ‪2011 /‬م‪138 ،‬ص‬

‫ النهاري‪ ،‬شاهر‪ /‬بوح ونواح في حكاية ضادية‪:‬‬‫رواية‪.‬‬

‫بيروت‪ :‬مؤسسة االنتشار العربي‪1432 ،‬هـ‪ - /‬بيروت‪ :‬دار مدارك للطباعة والنشر والترجمة‪،‬‬ ‫‪1432‬هـ‪2011 /‬م‪434 ،‬ص‬ ‫‪2011‬م‪462 ،‬ص‬

‫ مصطفى‪ ،‬بتول‪ /‬الحب في مذكرة‪ :‬رواية‪ - 0- .‬ال �ن �ه��اري‪ ،‬ش��اه��ر‪ /‬ش�ل�االت ال�ش�ه��وة‪ :‬رواية‪.‬‬‫ ب��ي��روت‪ :‬دار م� ��دارك ل�ل�ط�ب��اع��ة والنشر‬‫بيروت‪ :‬المؤسسة العربية للدراسات والنشر‪،‬‬ ‫‪1431‬هـ‪2010 /‬م‪327 ،‬ص‬

‫‪ -‬المهنا‪ ،‬عبدالعزيز‪ /‬أحاديث‪ ..‬عن شعب العون‪:‬‬

‫والترجمة‪ ،‬دار المسبار‪1432 ،‬ه �ـ‪2011 /‬م‪،‬‬

‫ص‬

‫رواي� ��ة‪[ - .‬الرياض]‪ :‬ال �م��ؤل��ف‪1432 ،‬ه � �ـ‪ - /‬ال�ه��اي��ل‪ ،‬ع�ب��دال��رح�م��ن‪ /‬ح �س��ب‪ :!..‬رواي���ة‪- .‬‬ ‫ال �ب��اح��ة‪ :‬ال �ن��ادي األدب� ��ي؛ ب �ي��روت‪ :‬مؤسسة‬ ‫‪2011‬م‪ 174 ،‬ص‬ ‫االنتشار العربي‪1432،‬هـ‪2011 /‬م‪ 268 ،‬ص‬ ‫ المهنا‪ ،‬عبدالعزيز‪ /‬زب��د ال �ك��أس‪ :‬رواي ��ة‪- .‬‬‫القاهرة‪ :‬دار الجزيرة للطبع والنشر والتوزيع‪ - ،‬الهطالني‪ ،‬إبراهيم‪ /‬مملكة جبران‪ :‬رواية‪- .‬‬ ‫‪1432‬هـ‪2011 /‬م‪287 ،‬ص‬

‫‪ -‬ال�م�ه�ن��ا‪ ،‬ع�ب��دال�ع��زي��ز‪ /‬ال�ش�ه�ب��دان‪ :‬رواي� ��ة‪- .‬‬

‫لندن‪ :‬رياض الريس للكتب والنشر‪2011 ،‬م‪،‬‬

‫‪ 166‬ص‬

‫القاهرة‪ :‬دار الجزيرة للطبع والنشر والتوزيع‪ - ،‬ال��واص��ل‪ ،‬أحمد‪ /‬وردة وكابتشينو‪ :‬رواي��ة‪- .‬‬ ‫بيروت‪ :‬دار الفارابي للنشر‪2011 ،‬م‪288 ،‬‬ ‫[‪1432‬هـ‪2011 /‬م]‪119 ،‬ص‬

‫‪ -‬المهنا‪ ،‬ع�ب��دال�ع��زي��ز‪ /‬وجهها ال ��ذي‪ :‬رواية‪.‬‬

‫ص‬

‫ [الرياض]‪ :‬ال�م��ؤل��ف‪1432 ،‬ه � � �ـ‪2011/‬م‪ - ،‬ال��واب��ل‪ ،‬أض ��واء‪ /‬مطوعة نيولوك‪ :‬رواي ��ة‪- .‬‬‫ال��دم��ام‪ :‬دار الفكر العربي للنشر والتوزيع‪،‬‬ ‫‪110‬ص‬ ‫‪1432‬هـ‪2011 /‬م‪127 ،‬ص‬ ‫‪ -‬الناجي‪ ،‬سعيد أحمد‪ /‬عيادة منصور‪ :‬رواية –‬

‫الجزء الثاني من شوك الورد‪ - .‬الخبر‪ :‬الدار ‪ -‬اليامي‪ ،‬فارس‪ /‬الردى‪ :‬قصة‪ - .‬الدمام‪ :‬دار‬ ‫الكفاح للنشر والتوزيع‪1432 ،‬هـ‪2011 /‬م‪43 ،‬‬ ‫الوطنية الجديدة للنشر والتوزيع‪1431 ،‬هـ‪/‬‬

‫‪2010‬م‪232 ،‬ص‬

‫‪26‬‬

‫اجلوبة ‪ -‬ربيع ‪1433‬هـ‬

‫ص‬


‫م������������ل������������ف ال������������ع������������دد‬

‫ربيع الرواية السعودية‪:‬‬

‫جاذبية اخلطاب الروائي ودالالته‬ ‫> أ‪ .‬د‪ .‬معجب الزهراني – من السعودية‬

‫اختيار مجاز الربيع للحديث عما حققته روايتنا الوطنية من إنجازات‪ ،‬وما تبشر به من وعود ليس‬ ‫صدفة‪ .‬فموسم الربيع أجمل فصول السنة‪ ..‬وأكثرها عطاء وبهجة‪ ,‬وعيدا «النيرو» لدى جيراننا الفرس‪,‬‬ ‫و«شم النسيم» لدى إخواننا المصريين خير دليل على ما نقول‪.‬‬ ‫لكن زمن التاريخ ليس أقل جماال وكرما من زمن الطبيعة‪ .‬فها هي وسائل اإلعالم العالمية أصبحت‬ ‫تتحدث يوميا‪ ,‬وبمزيج من الدهشة واإلعجاب والتعاطف غالبا‪ ,‬عن هذا «الربيع العربي» الذي أنعش‬ ‫األمل في أمة أوشكت أن تموت يأسا‪ .‬فمنذ قرابة العام ثارت هذه الشعوب الطيبة النبيلة على الظلم‬ ‫والقهر والحرمان‪ ،‬فأسقط بعضها أنظمة االستبداد والفساد‪ ,‬وبعضها ال يزال يضحي يوميا بالشهداء‬ ‫لبلوغ الهدف ذاته‪ ,‬وال بد أن الباقي في الطريق‪ .‬إننا إذ ًا أمام فصل جديد من تاريخنا‪ ,‬وإن لم يكن أجمل‬ ‫الفصول‪ ..‬فالمؤكد أنه سيكون أقلها سوءا‪.‬‬ ‫وفيما يلي بعض المعطيات التي تبرر الحديث روايته األخيرة «الحمام ال يطير في بريدة» جائزة‬ ‫عن ربيع روايتنا الوطنية كخطاب ثقافي جديد أبي القاسم الشابي في تونس‪.‬‬ ‫وجذاب بأكثر من معنى‪.‬‬ ‫قبل بضع سنوات‪ ،‬اختيرت رواية ليلى الجهني‬

‫وه�ن��اك م��ؤش��رات ال أق��ل دالل��ة م��ن الجوائز‪.‬‬ ‫فرواية «شقة الحرية» لغازي القصيبي رحمه الله‪،‬‬

‫«الفردوس اليباب»‪ ،‬للنشر ضمن مشروع «كتاب شكلت مفاجأة كبيرة للقراء والنقاد في منطقة‬ ‫في جريدة» الذي تشرف عليه اليونسكو‪ ,‬وطبعت الخليج كلها‪ ،‬حيث ل��م يتعود ال �ن��اس أن تبادر‬ ‫منها آالف النسخ بأهم لغات العالم‪ .‬وف��ي عام شخصية ثقافية واجتماعية معروفة مرموقة‪..‬‬ ‫‪2010‬م‪ ،‬ف��ازت رواي��ة عبده خ��ال «ت��رم��ي بشرر» فتكتب عن تجارب الذات اإلنسانية بقدر وافر من‬ ‫ب�ج��ائ��زة ال�ب��وك��ر العربية ال�م��رم��وق��ة‪ ,‬وف��ي العام الصدق والجرأة والعمق‪ .‬ورواية «بنات الرياض»‬ ‫‪2011‬م‪ ،‬ف��ازت رواي��ة الكاتبة رج��اء عالم «طوق لرجاء الصانع أث��ارت سجاال نقديا واسعا فور‬ ‫الحمام» بالجائزة ذاتها‪ ،‬وإن كانت مناصفة مع‬

‫صدورها قبل سنوات‪ ,‬وترجمت إلى أكثر من لغة‪,‬‬

‫الكاتب المغربي محمد األشعري‪ .‬وقبيل أسابيع وطبعاتها تتالحق إلى اليوم لفرط رواجها محليا‬ ‫ن��ال��ت رواي� ��ة ي��وس��ف المحيميد األول� ��ى «فخاخ‬

‫وعربيا‪ ,‬رغم أن الكاتبة فتاة لم تكن معروفة في‬

‫الرائحة» جائزة إيطالية مرموقة‪ ,‬وقبلها نالت‬

‫الوسط الثقافي حينها‪ .‬أما رواي��ة عبدالله ثابت‬

‫اجلوبة ‪ -‬ربيع ‪1433‬هـ ‪27‬‬


‫السيرية «اإلره��اب��ي رق��م ‪ ،»20‬فقد ظلت تحتل‬

‫الحيوان ال��ذي يأكل وي�ش��رب ويتناسل م��ن دون‬

‫واج �ه��ة الكتب األك �ث��ر مبيعا ف��ي ال�ع��ال��م العربي‬

‫تطلعات إلى ما فوق ذلك من قيم و ُمثُل ومبادئ‪.‬‬

‫لعدة أشهر‪ ,‬وترجمت هي أيضا إلى أكثر من لغة من هنا‪ ،‬ينبغي أن نتقصى آث��ار ه��ذا الوعي في‬ ‫عالمية‪ ,‬لجرأتها على تشخيص مرحلة خطرة من‬

‫خطابنا ال��روائ��ي ال�ج��دي��د‪ .‬وق��د زع�م��ت أن��ه في‬

‫تاريخنا راجت فيها خطابات التزمت العنف‪ ،‬وذهب طليعة الخطابات األدبية التي تترجم التحوالت‬ ‫كثيرون ضحايا لها‪ .‬وسيطول الحديث لو تطرقنا الثقافية‪ ،‬وتشخص تطلعات البشر في أي مجتمع‬ ‫لمظاهر التلقي الجيد الذي صادفته أعمال تركي حديث‪.‬‬ ‫الحمد‪ ،‬وأميمة الخميس‪ ،‬وبدرية البشر‪ ،‬ومحمد‬ ‫حسن ع �ل��وان‪ ،‬ويحيى سبعي‪ ،‬وعبدالله بخيت‬ ‫وأمثالهم م��ن الكتاب ال��ذي��ن خ��اض��وا المغامرة‪،‬‬ ‫وأن�ج��زوا أعماال تندرج ضمن ما يعرف في لغة‬ ‫النقد بـ«المتوسط الجيد»‪ ،‬وهو المستوى الذي‬ ‫تستقر فيه جل الروايات في كل أنحاء العالم‪.‬‬

‫ولكي تمضي المقاربة وفق منهج يضمن لها‬ ‫تماسكها ومنطقيتها‪ ،‬سأركز على قضايا نحسب‬ ‫أن ال��رواي��ات المتميزة شكال ومحتوى ع��ادة ما‬ ‫تشخصها‪ ،‬وتعبر عنها بصيغ مختلفة ولهجات‬ ‫متنوعة‪ .‬وألنني قد كتبت عن الموضوع بتوسع‬ ‫في دراسات نقدية متخصصة فسأتوقف‪ ,‬وبشكل‬

‫كل هذه مؤشرات دالة على أن الرواية الحديثة موجز‪ ,‬عند ثالث منها أرى أنها ذات أهمية خاصة‬

‫في المملكة أصبحت خطابا الفتا للنظر‪ ،‬جريئا في هذا المقام‪ ,‬وهي‪:‬‬

‫ف��ي ال �ط��رح‪ ،‬م��ول��دا ل�ل�ح��وار معه وح��ول��ه‪ ,‬فكيف‬ ‫ال نعدها ب�ش��ارة بربيع ثقافي اجتماعي أغنى‬ ‫وأجمل؟!‬ ‫****‬

‫ازدهار الخطاب الثقافي الحديث هو البداية‬

‫‪ -1‬تصدع الحكايات التقليدية‪.‬‬ ‫‪ -2‬بروز الذات الفردية المستقلة‪.‬‬ ‫‪ -3‬وضوح الرؤية النقدية وتنوع مجاالت التعبير‬ ‫عنها‪.‬‬

‫الحقيقية لكل التحوّالت الجدّية في الوعي‪ ،‬الذي ‪:1-3‬‬ ‫م��ا إن يتغير‪ ..‬حتى تدخل ع�لاق��ات ال��واق��ع في‬

‫من المعروف جيدا اليوم أن الثقافات التقليدية‬

‫سيرورات تطور يتولد بعضها من بعض‪ .‬وأعني كلها مؤسسة على حكايات كبرى‪ ،‬يسلم بها الناس‬ ‫بالوعي هنا هذا النمط من الفكر الحديث الذي ما المنتمون إليها‪ ،‬ويغذونها جيال بعد جيل‪ .‬ووظيفة‬

‫إن يكتسبه اإلنسان ويتمثله‪ ،‬حتى يدرك أن معاني هذه الحكايات مزدوجة‪ .‬فهي تقدم في المستوى‬ ‫حياته ووج��وده ال تكتمل من دون تملّكه لشروط‬

‫النظري أو الرمزي تفسيرات للعالم‪ ،‬وتأويالت‬

‫حريته وكرامته وكامل حقوقه المادية والرمزية‪ .‬للوجود تعطي للحياة والموت معنى وقيمة‪ .‬وفي‬ ‫فالحياة بدون هذه الشروط تفقد معناها‪ ,‬بل قد المستوى العملي ال شك أنها تعين على تنظيم‬ ‫تتحول إلى عبءٍ ثقيل على كائن يرتد إلى مقام‬

‫‪28‬‬

‫اجلوبة ‪ -‬ربيع ‪1433‬هـ‬

‫عالقات األفراد داخل الجماعة اإلثنية أو الدينية‬


‫من الجماعات القريبة والبعيدة‪.‬‬

‫ن �ع��م‪ ,‬ال ش��ك أن ال�م�ث�ق��ف ال �ح��دي��ث يحترم‬

‫وحين يستعمل الباحثون ما بعد البنيويون مفهوم تاريخه‪ ،‬ويُثمّن تراثه وعادات مجتمعه وتقاليده‪,‬‬ ‫«الحكاية»‪ ،‬يحرصون على وظيفته الوصفية‪ ،‬بحيث لكنه ال يبجلها‪ ،‬أو يحتقر ما لدى اآلخرين‪ ..‬وإال‬

‫ال تتحول االختالفات بين الخصوصيات الثقافية ُع��دَّ جاهال منغلقا متعصبا‪ ،‬ليس له من صفات‬

‫إلى مولد أو مبرر لنزعات التنابذ والتفاضل بين المثقف غير أكثرها شكلية وسطحية‪.‬‬ ‫بشر يعودون إلى أصل واحد‪ ..‬وينتظرهم المصير‬

‫ذات ��ه‪ .‬فلكل شعب أو أ ّم ��ه ح�ك��اي��ات عريقة في‬ ‫الزمن‪ ،‬متجذرة في المكان‪ ،‬ظلت إلى وقت قريب‬ ‫في مرتبة الحقيقة التي ال مجال للشك فيها‪.‬‬ ‫لكن العصر الحديث غ َّي َر كل شيء في حياة‬ ‫الشعوب وثقافاتها‪ .‬والسبب الذي لم يعد يجهله‬

‫م������������ل������������ف ال������������ع������������دد‬

‫الواحدة؛ فتعزز وحدتها‪ ،‬وتعلن تميزها عن غيرها أمام شاشة كبيرة أو صغيرة‪.‬‬

‫فالوعي المشار إليه آنفا عادة ما يولّد االتساع‬ ‫في األفق‪ ..‬والتواضع في الخلق‪ ,‬ويدخل النسبية‬ ‫على ال�ف�ك��رة ووج�ه��ة ال�ن�ظ��ر‪ ,‬ويثير ل��دى الذات‬ ‫المزيد من الفضول الدافع إلى اتصال عمليات‬ ‫البحث واالكتشاف‪ .‬وبصيغة أخرى نقول‪ :‬إن تلك‬ ‫الثورات المعرفية المتالحقة تحققت في المجاالت‬

‫أحد‪ ،‬هو هذه الثورات الفكرية والمعرفية المتعاقبة العلمية التي تبحث في الطبيعة كما في الدراسات‬ ‫التي اختصرت المسافات‪ ،‬واخ�ت��زل��ت الفروق‪ ،‬اإلنسانية التي تبحث في الثقافة بأوسع معانيها‪.‬‬

‫وسمحت لجماعات مختلفة أشد االختالف بأن كل لغات العالم ومنظوماته الفكرية والجمالية‬ ‫تتجاور في بلد واحد‪ ,‬ولماليين البشر من مختلف خضعت للنظر والبحث المعمق الذي أسهم بشكل‬ ‫القارات والبلدان بأن يلتقوا ويتحاوروا على مدار‬

‫حاسم في تحويلها إل��ى منتجات بشرية دنيوية‬

‫الساعة في فضاءات افتراضية متنوعة‪ ..‬وتتكاثر ال تتعالى على التحليل والنقد ال��ذي يهدف إلى‬ ‫بانتظام‪.‬‬ ‫تفهمها‪ ،‬وإبراز خصائصها‪ ،‬ومدى مشاركتها في‬ ‫فعال‪ ,‬لقد تغيّر وجه العالم حتى أصبح قرية الحضارات اإلنسانية المتعاقبة‪ .‬وبناء عليه‪ ،‬فال‬ ‫كونية صغيرة حقيقة ومجازا‪( ،‬ولقد استعمل خير غرابة أن المثقف المحلي ‪ -‬األفريقي أو العربي‬ ‫الدين التونسي هذا المفهوم في السياق العربي‬

‫أو الهندي أو الصيني ‪ -‬لم يعد يتحرج من نقد‬

‫منتصف القرن التاسع عشر‪ ,‬أي قبل ماكلوهان تاريخه وثقافته‪ .‬فهو يدرك ‪ -‬قبل غيره ‪ -‬أن نقد‬

‫ب��زم��ن ط��وي��ل)‪ .‬وع��ن ه��ذه ال��وض�ع�ي��ة التاريخية الذات بكل أشكاله يمثل الوظيفة األسمى للوعي‪,‬‬

‫ال �ج��دي��دة ت�م��ام��ا ع�ل��ى ال�ب�ش��ري��ة‪ ،‬ن�ت��ج م��ا يعرف وأن ممارسته بتعقل ودراية‪ ..‬هو الطريق الوحيد‬ ‫بتصدع الحكايات التقليدية‪ ،‬وتراجع تأثيراتها‬

‫لتنمية العناصر اإليجابية في الثقافة‪ ،‬وتحييد‬

‫على النخب المثقفة الحديثة في مختلف أنحاء‬

‫العناصر السلبية قدر الممكن‪ .‬فالمعرفة تعقلن‬

‫العالم‪ .‬فالمعلومات واألف�ك��ار واألخ�ب��ار والصور الخطاب‪ ،‬وترشّ د الفعل‪ ..‬مثلما أن الفنون الراقية‬ ‫تتدفق على اإلنسان من كل الجهات وهو جالس‬

‫ترهف المشاعر وتهذب الخلق‪ .‬نعم‪ ,‬لقد تراجع‬

‫اجلوبة ‪ -‬ربيع ‪1433‬هـ ‪29‬‬


‫منطق التبجيل لصالح منطق االحترام الذي يسعى‬

‫وتكريس أبطالها‪ ،‬بل الستلهام رموزها ومساءلة‬

‫إل��ى فهم الماضي وحكاياته‪ ،‬دون�م��ا ت��وهّ ��م أنها‬

‫المسكوت عنه والمكبوت فيها‪ .‬وإذا ما أخذنا‬

‫األنقى واألرقى‪ .‬فماذا عن الوضعية الثقافية التي نماذج من النصوص الروائية المعتبرة لكتابنا‪..‬‬ ‫يعيشها كتابنا ويحاورونها في كتاباتهم الروائية؟‬ ‫نعلم جيدا أن أسالفنا أنجزوا ثقافة عريقة‬ ‫غنية انتشرت في مختلف القارات وأثرت بصيغ‬

‫متنوعة في باليين البشر وأسهمت بشكل فعال‬ ‫ف��ي ال �ح �ض��ارة اإلن�س��ان�ي��ة مثلها م�ث��ل الثقافات‬ ‫الكبرى شرقا وغربا‪ .‬لكن توقف مسيرة التطور‬ ‫ال �ح �ض��اري ق��رون��ا ط��وي �ل��ة ح ��رم ه ��ذه الثقافة‬ ‫التقليدية القدرة على خ��وض الرهانات الكبرى‬

‫فسنالحظ أنها تنطوي على حكايات جديدة تخص‬ ‫ن� � �م � ��اذج بشرية‬ ‫ج � ��دي � ��دة تبحث‬ ‫ع��ن أف��ق مختلف‬ ‫ل �ل �ح �ي��اة‪ .‬واأله� ��م‬ ‫م��ن ذل��ك أن هذه‬ ‫النماذج كثيرا ما‬ ‫ت �ع �ل��ن مواقفها‪،‬‬

‫في العصر الحديث‪ ،‬وإن ظلت قوية الحضور في‬ ‫مجتمعنا وفي كل المجتمعات المماثلة‪ .‬وإذا كانت‬ ‫تعاني ال�ي��وم تصدعات كثيرة‪ ،‬فليس م��ر ّد ذلك‬ ‫أن هناك من يسعى إلى هدمها كما يقال‪ ،‬وإنما‬ ‫ألنها لم تعد تؤمن وظائفها بكفاءة‪ ،‬بل إن عناصر‬ ‫كثيرة منها أصبحت تشكل عبئا ثقيال على الفرد‬ ‫والمجتمع والدولة (كالنزعات القبلية والمذهبية‪،‬‬ ‫وجل التصورات التقليدية عن المرأة وعن اآلخر‬ ‫المختلف عموما)‪ .‬هذه التصدعات والشقوق غالبا وت � � � �ص� � � ��ر ع� �ل���ى‬ ‫ما يكون وقعها مأساويا على الناس‪ ،‬لكن المؤكد خ��ي��ارات��ه��ا‪ ..‬وإن‬ ‫أن األشكال الخطابية الجديدة‪ ،‬ومنها الرواية‪،‬‬

‫ب ��دت غ �ي��ر واثقة‬

‫تتكون فيها وتعمل على توسيعها ألن ذلك شرط من جدوى البحث‪.‬‬ ‫نمو الحكايات الجديدة التي عادة ما تنطوي على وهذا أمر منطقي‬

‫أفكار ومعارف وقيم وت�ص��ورات جديدة مختلفة متوقع ف��ي مجال‬ ‫كليا عما ورثته الذات الكاتبة‪ ،‬وقد تكون معارضة ال ��رواي ��ة ب�ش�ك��ل ع ��ام‪ .‬ول �ق��د ك�ت��ب أه ��م منظري‬

‫لها بشكل جذري‪.‬‬

‫الرواية الحديثة عن هذا النمط من الشخصيات‬

‫حتى حين ي�ح��اور ال�ك� ّت��اب تراثهم القديم ال اإلشكالية الواعية القلقة والمختلفة تماما عن‬ ‫يفعلون ذل��ك إلع ��ادة ان�ت��اج��ه ح�ك��اي��ات الماضي أب�ط��ال ال�م�لاح��م وال�ح�ك��اي��ات الشعبية القديمة‬

‫‪30‬‬

‫اجلوبة ‪ -‬ربيع ‪1433‬هـ‬


‫بمعنى م��ا‪ .‬وب��اخ�ت�ص��ار ن�ق��ول إن‬

‫التقليدية»‪( ..‬والعكس صحيح)‪.‬‬

‫الرواية هي حكاية فردية عادة ما‬

‫ثم إن منطق التطور ذاته‪ ،‬عادة ما‬

‫تكون مناقضة ومعارضة للحكايات‬

‫يدفع الناس إلى تفضيل االنتماء‬

‫الكبيرة‪ ،‬س��واء تعلقت باألسرة أو‬

‫إل��ى مؤسسات المجتمع المدني‬

‫المجتمع أو األمة‪.‬‬

‫ال �ج��دي��دة‪ ,‬ك��األح��زاب والنقابات‬

‫‪:2-3‬‬ ‫تنزع الثقافات التقليدية إلى‬ ‫التعامل مع أفرادها كخاليا وظيفية‬ ‫في الجسد الجماعي الكبير‪ .‬لهذا‬ ‫يعد بروز الذات الفردية المستقلة‬ ‫ظاهرة قويّة في كل مجتمع قطع‬ ‫شوطا كبيرا ف��ي مسيرة التطور‬ ‫والتقدم؛ فالفرد هو بطل األزمنة‬ ‫ال�ح��دي�ث��ة وض�ح�ي�ت�ه��ا ف��ي الوقت‬ ‫نفسه‪ .‬وكل القوانين واألنظمة في‬

‫والجمعيات المهنية والجماعات‬

‫م������������ل������������ف ال������������ع������������دد‬

‫ال��ذي��ن ي�م�ث�ل��ون اإلن��س��ان الكامل‬

‫«كلما ضعفت البنى االجتماعية‬

‫األدبية والفكرية‪ ..‬ألنها أصبحت‬ ‫األك� �ث ��ر ق � ��درة ع �ل��ى ت �م �ث �ي��ل من‬ ‫ينتمون إليها وحماية مصالحهم‪.‬‬ ‫وم��ع ك��ون ال�ف��رد ف��ي مجتمعنا ال‬ ‫ي��زال يخضع للجماعة القرابية‬ ‫الصغيرة والكبيرة‪ ،‬إال أن النماذج‬ ‫ذاتها موجودة‪ ،‬وستتزايد أعدادها‬ ‫ف��ي م��دن�ن��ا وق��ران��ا دون �م��ا شك‪.‬‬ ‫ف��األج�ي��ال ال�ش��اب��ة ع��ادة م��ا تنزع‬ ‫إلى التحرر من أي سلطة تفرض‬

‫تلك المجتمعات مبنية على الوعي بضرورة صيانة عليها‪ ،‬ألنها تفضل كل ما يبدو لها جذابا مختلفا‬ ‫حرياته وحقوقه‪ ،‬التي احتلت مركز االهتمام لدى من اللباس والطعام واألغاني واألفالم والرياضات‪.‬‬ ‫المفكرين وال �م �ش � ّرع �ي��ن‪ ,‬وب�خ��اص��ة م�ن��ذ عصر ولوال آليات المراقبة والعقاب الكثيرة الصارمة‪،‬‬ ‫التنوير إلى اليوم‪.‬‬ ‫لبدت الصورة الحقيقية لمجتمع مليء بأفراد من‬ ‫نعم ل��م يكن اس�ت�ق�لال ال�ف��رد مسيرة ظافرة الجنسين‪ ،‬ال يختلفون كثيرا عن نظرائهم الشباب‬ ‫باستمرار‪ ,‬إال أنه يظل المكتسب األهم للبشرية‬

‫شرقا أو غربا‪ .‬والمثقف الوطني أيا كان موقعه‬

‫ف��ي ال �ع �ص��ر ال �ح��دي��ث‪ .‬وم ��ا ي �ق��ال ع��ن حاالت وان�ت�م��اؤه وشكل خطابه‪ ،‬ه��و أيضا ذاتٌ فردية‬ ‫االغ�ت��راب وتفكك العائلة وارت�ف��اع نسبة الطالق مستقلة تعي أن مهنتها وواجبها‪ ,‬طرح التساؤل‪..‬‬

‫ون���زوع ال�ش�ب��اب إل��ى س�ل��وك�ي��ات غ��ري�ب��ة ش ��اذة ‪-‬‬

‫وم �ب��اش��رة ال�ب�ح��ث لتنمية ال �م��زي��د م��ن حريات‬

‫وك��ل ه��ذه ال�ظ��واه��ر ال�ت��ي أصبحت منتشرة في التفكير والتخيل والتعبير‪ ..‬بما أنها السبيل األمثل‬

‫المجتمعات الحديثة‪ -‬ما هي سوى ثمن لمركزية لتحقيق التقدم في المجال الثقافي‪ .‬قلنا سلفا إن‬ ‫المواطن الفرد في المجتمع والدولة‪ .‬كأننا أمام‬

‫األمر ليس سهال أو مضمون العواقب في مجتمع‬

‫قانون عام ينطبق على الجميع‪ :‬كلما قوي األفراد محافظ يُعِ د الخروج عن ثقافته العريقة صعلكة‬

‫اجلوبة ‪ -‬ربيع ‪1433‬هـ ‪31‬‬


‫أو عقوقا أو مروقا‪ .‬لكن ه��ذا النموذج موجود‪ ،‬عليه إال أن يتذكر «بنات الرياض»‪ ،‬حيث تعيش‬ ‫ول��م يعد من الممكن تجاهله‪ ،‬خاصة وأن��ه يقرأ‬

‫أرب��ع فتيات تجارب يومية‪ ،‬تكاد تكون معارضة‬

‫ويكتب ويتحدث بطرق وفضاءات ال يستطيع أحد تماما لنمط الحياة السائد في مدينة كبيرة‪ ،‬تتيح‬ ‫التحكم فيها‪.‬‬

‫لهن الكثير من فرص المغامرة‪ ..‬رغم محافظتها‬

‫أما من منظور خطاباتنا الروائية‪ ،‬فلن يجد الصارمة في الظاهر‪ .‬وختاما لهذه الفقرة نقول‬ ‫ال�ق��ارئ صعوبة ف��ي مالحظة األث��ر ال�ق��وي لهذه إن بروز الذات الفردية الجديدة كثيرا ما يتجلى‬ ‫روائيا في ثالثة نماذج بارزة تتكرر‬ ‫التحوالت‪ .‬فالشخوص المركزية‬ ‫التي تتكرر ف��ي النصوص‪ ،‬تمثل‬ ‫أف� ��رادا يمتلكون وع �ي��ا متجاوزا‬

‫ال����ن����م����وذج األول يتعلق‬

‫اكتسبوه ضمن آليات التفاعل مع‬

‫ب�ش�خ�ص�ي��ة ال �م �ث �ق��ف المعارض‬

‫الثقافات األخ ��رى‪ .‬وه��ذا الوعي‬

‫للسلطة‪ ,‬بمعناها ال ��واس ��ع‪ ,‬وال‬

‫ل�ي��س م �ج��رد م �ع��ارف ومعلومات‬

‫يجد ح��رج��ا ف��ي كشف أالعيبها‬

‫ي�ح�ف�ظ�ه��ا ال �ش �خ��ص ويستعملها‬

‫واالح� �ت� �ج ��اج ع �ل��ى ت �ع �س �ف �ه��ا‪ ,‬بل‬

‫في بعض األوق��ات‪ ..‬بقدر ما هو‬

‫وإغ� � ��راء اآلخ ��ري ��ن ب��ال �م��زي��د من‬

‫رؤي���ة ج��دي��دة ل �ل��ذات والمجتمع‬

‫أش�ك��ال التأمل ال��ذي يعزز خيار‬

‫والعالم والكون‪ ..‬تؤثر على مجمل‬

‫رف��ض ال�ت�س�ل��ط‪ ..‬ب���دءاً م��ن بيت‬

‫سلوكه‪ .‬من هنا‪ ،‬نتفهم بشكل أدق‬

‫العائلة كما نجده في ثالثية تركي‬

‫وأعمق وق��وف غالبية النماذج أو‬

‫الحمد‪ ,‬والغيمة الرصاصية لعلي‬

‫الشخصيات على مسافة كبيرة من‬

‫الدميني تمثيال ال حصرا‪.‬‬

‫محيطها األسري واالجتماعي‪ ,‬وال‬ ‫فرق بين المرأة والرجل هنا‪ .‬طبعا‪,‬‬ ‫ه�ن��اك ن�م��اذج ت�ن��زع إل��ى االنطواء‬ ‫والعزلة‪ ,‬فيما تحاول أخرى السير‬ ‫في طريق المواجهة‪ .‬لكن الهدف‬ ‫يظل واح��دا في التحليل األخير‪,‬‬ ‫وه� ��و إث� �ب���ات اخ� �ت�ل�اف ال�� ��ذات‪،‬‬ ‫واإلص� ��رار على حقها ف��ي تدبير‬ ‫حياتها كما ترى وتريد‪ .‬ومن يريد‬ ‫مثاال داال على ما نذهب إليه‪ ..‬فما‬

‫‪32‬‬

‫في جل النصوص‪.‬‬

‫اجلوبة ‪ -‬ربيع ‪1433‬هـ‬

‫ال���ن���م���وذج ال���ث���ان���ي يخص‬ ‫شخصية المرأة المتمردة التي لم‬ ‫تعد تتقبل الوصاية حتى من أقرب‬ ‫الناس إليها؛ ول��ذا‪ ،‬فقد تضحي‬ ‫بسعادتها‪ ,‬وربما بحياتها‪ ,‬من أجل‬ ‫كرامتها‪ ،‬وهو ما تشخصه روايات‬ ‫ل �ي �ل��ى ال �ج �ه �ن��ي‪ ،‬وص��ب��ا الحرز‪،‬‬ ‫وقماشة العليان‪ ،‬وبدرية البشر‪،‬‬ ‫وبعض ال��رواي��ات النسوية لتركي‬ ‫الحمد‪ ،‬ويوسف المحيميد‪.‬‬


‫ال�ب�س�ي��ط ال �م �س �ح��وق ال� ��ذي ي� �ت ��ورط‪ ,‬أو يورطه النقدية تنتشر وتؤثر في الرأي العام بانتظام‪ .‬وال‬ ‫المجتمع ذاته‪ ,‬في وضعية شقية يحاول الخالص عبرة هنا بالتأثير الجذري في عالقات الواقع‪ ،‬ألن‬

‫منها بكل الوسائل المتاحة‪ ،‬لكنه نادرا ما ينجح‪ ..‬التغير في ه��ذا المستوى ال يتم إال على المدى‬ ‫ألنه فرد فقير ضعيف أعزل‪ ,‬ولعل روايات عبده الزمني المتوسط أو الطويل نسبيا‪.‬‬ ‫خ��ال في مجملها خير ما يتقصى ه��ذا النموذج‬ ‫ويبرز معاناته‪.‬‬

‫وال�س��ؤال ال��ذي ينطرح في نهاية ه��ذه الفقرة‬

‫هو‪ :‬هل يعد بروز هذا الفرد المتمرد على محيطه‪،‬‬ ‫والرافض لشروط حياته‪ ،‬حاالت روائية منعزلة؟‬

‫أم أن األمر يتعلق بظاهرة ثقافية – اجتماعية أعم‬ ‫وأعمق؟‬

‫‪:3-3‬‬ ‫أشرنا في فقرة سابقة إلى أن المواقف النقدية‬

‫من ال��ذات والعالم‪ ،‬هي سمة ب��ارزة في شخصية‬

‫ه��ذه صيغة أخ ��رى ل�ل�ق��ول ب��أن ال��وع��ي الحر‬

‫م������������ل������������ف ال������������ع������������دد‬

‫النموذج الثالث يتعلق بشخصية اإلنسان‬

‫المثقفين كبيرة‪ ,‬وأن أصواتهم قوية‪ ،‬وخطاباتهم‬

‫ال�م�ن�ط�ل��ق ال� ��ذي ت�ش�خ�ص��ه ال �ن �ص��وص الروائية‬ ‫وتنمذجه‪ ،‬هو امتداد ورديف للوعي النقدي الذي‬ ‫تبثه خطابات أخ��رى‪ ،‬لعل المقال الصحفي في‬ ‫مقدمتها‪ .‬كأن الروائي الجيد ال يختلق الشخوص‬ ‫والحكايات بقدر ما ينصت لألصوات من حوله‪،‬‬ ‫ويستثمر خطاباتها ليبلورها أو يصعدها وفق‬ ‫مقتضيات الكتابة الجمالية‪ .‬فاألحداث والعالقات‬ ‫مشروطة بحيثيات وإحداثيات زمنية – مكانية‪،‬‬ ‫ه��ي ال�ت��ي ت��ؤم��ن منطقيتها الفنية ومصداقيتها‬

‫المثقف‪ ،‬وخصيصة م�لازم��ة لخطابه‪ .‬ونضيف الفكرية لدى القاريء المفترض‪ .‬وال نبالغ حين‬ ‫هنا شيئا آخر‪ .‬فمفهوم المثقف أوسع من مفهوم نقول إن كل الكتابات الروائية واقعية بمعنى ما‪,‬‬

‫«األديب»؛ ألنه يشمل مختلف الفئات المتعلمة التي وذلك ألنها تظل في حوار متصل مع وقائع ونماذج‬ ‫تتدخل في تشكيل الوعي وبلورة الرأي العام‪ ,‬سواء يمكن أن توجد كل لحظة في كل مكان‪.‬‬ ‫تحقق ذلك عبر وسيط الكتابة أو المحاضرة أو‬ ‫البرنامج اإلعالمي‪ .‬هكذا يحضر العاملون‪ ,‬ومن‬

‫وختاما نعود فنؤكد أن الرؤية النقدية للذات‬ ‫وال �ع��ال��م‪ ،‬ه��ي ال �ت��ي ت��ؤس��س ل�ك��ل خ �ط��اب ثقافي‬

‫الجنسين‪ ,‬في مجاالت اإلعالم والتعليم والصحة‬ ‫وال �س �ي��اس��ة واألع � �م� ��ال‪ ..‬ف �ض�لا ع��ن المنتمين حديث‪ ,‬وهي في الرواية الجديدة شرط جمالي‬ ‫للوسط األكاديمي ال��ذي ع��ادة ما يشكل مثقفوه محايث للكتابة ومبرر لها‪ ,‬سواء أعلنت بنبرة جادة‬ ‫النموذج األب��رز للنخب المنتجة للمعرفة والفكر‬

‫في المجتمع‪ ،‬نظرا لعمق خبراتهم المعرفية‪ .‬ولو‬ ‫تنبهنا إلى ما يكتب في صحافتنا‪ ،‬وما يقال في‬

‫إعالمنا أو في مجالسنا‪ ،‬ألدركنا أن أعداد هؤالء‬

‫صارمة أم مرحة ساخرة‪ .‬ولعل احتفالنا بربيعها‬ ‫الماثل هو تطلع إلى ربيع ثقافي ‪ -‬اجتماعي يعيد‬ ‫صياغة مختلف عالقات اإلنسان بالعالم من حوله‪،‬‬

‫لتغدو آفاق الحياة أكثر اتساعا وجماال‪.‬‬

‫* ألقيت في مؤسسة عبدالرحمن السديري الخيرية‪ .‬وسبق أن ألقَيتُ في رابطة األدباء بع ّمان ورقة بهذا العنوان في‬ ‫ ‬ ‫‪2011-11-21‬م‪.‬‬

‫اجلوبة ‪ -‬ربيع ‪1433‬هـ ‪33‬‬


‫اخلطاب الديني في الرواية السعودية‬ ‫قراءة في ثالث روايات‬

‫> د‪ .‬حسن النعمي ‪ -‬من السعودية‬

‫بين الدين والخطاب الديني درجات من التباين؛ فالدين نصوص مطلقة‪ ،‬أما الخطاب فهو الفهم‬ ‫المتغير للنصوص‪ ،‬وفق ًا إلحداثات الزمن واختالف األمكنة‪ .‬وألن الدين واحد‪ ،‬وأفهامه متعددة‪ ،‬ينشأ‬ ‫الخطاب الديني الذي تصنعه األفهام والقناعات واالحتياجات‪ .‬فما يحكم األفراد ليس سوى الخطاب‬ ‫الذي تصنعه أفهام النخبة‪ ،‬وتسوّغه للعامة بدواعي االلتزام والمحافظة على الجوهر‪ .‬من هنا‪ ،‬تتباين‬ ‫المجتمعات في فهمها لتعاليم الدين‪ .‬وتظهر االختالفات في أمور تبدأ بالشأن اليومي لتصل إلى‬ ‫قضايا جوهرية‪ ،‬من أنظمة اللبس إلى قضايا الحكم والسياسة‪.‬‬ ‫الدين قيمة مثالية في حياة المجتمعات‪ ،‬وهو‬ ‫مرجعية متعالية على الواقع‪ ،‬مطلق غير مقيد‬ ‫بشرط الزمن الخاص أو العام‪ ،‬غير أنه بالمعنى‬ ‫نفسه نصوص قابلة للتأويل والفهم ف��ي ضوء‬ ‫إحداثات الزمن المتجددة‪ .‬أما الخطاب الديني‬ ‫فهو المنظور البشري للدين‪ ،‬وكيفية تطبيقه في‬ ‫حياة الناس‪ .‬من هنا‪ ،‬يظهر التباين في عالقة‬ ‫المجتمعات بالدين؛ فاختالف األفهام سنة كونية‬ ‫تحتم االختالف في التلقي‪ ،‬وف��ي تكوين آليات‬ ‫التفاعل مع النص‪ .‬من هنا‪ ،‬فظاهرة خصوصية‬ ‫الفهم مردّه وقائع الزمان وتنويعات المكان التي‬ ‫تفرض إنزال النص عند حاجتها‪ .‬وإذا صح ما قيل‬ ‫عن الشافعي من تقديمه فتوى مغايرة في مصر‬ ‫عنها في العراق‪ ،‬يصبح األمر مؤكداً‪ ،‬ويخرج من‬ ‫ح��ال��ة التخمين لحالة اليقين‪ .‬وبالتأكيد فإن‬ ‫اختالف المذاهب‪ ،‬والفرق حول النص الواحد‪..‬‬ ‫داللة حاسمة على تأثيرات تغيّر الزمان والمكان‬ ‫ودورهما في صناعة الفهم‪ .‬فالخطاب هو الفهم‬ ‫البشري للدين‪ ،‬وتحويل النص من صفته المجردة‬ ‫إلى صفته الفاعلة في حياة الناس‪.‬‬

‫‪34‬‬

‫اجلوبة ‪ -‬ربيع ‪1433‬هـ‬

‫العالقة بين النص والخطاب عالقة معقدة‪.‬‬ ‫فالنص مغلق حتى يتم تأوله والعمل بنواتج التأويل‬ ‫التي تبدو ملزمة للجماعة‪ .‬ول��و لم يكن الفهم‪،‬‬ ‫ومن ثم التأويل هو الممارسة الحاكمة للجماعة‪،‬‬ ‫فما الذي يفسر درجات التباين في العمل بالنص‬ ‫نفسه؟ ويمكن االستشهاد بآية الحجاب‪ ،‬لندرك‬ ‫أن الحكم هو الفهم ال النص ذاته‪ .‬من هنا‪ ،‬يتشكل‬ ‫الخطاب من تباين األفهام وتعددها وتبدّلها وفقاً‬ ‫إلحداثات الزمن واختالف األمكنة‪.‬‬ ‫ولقراءة الخطاب الديني في صورة واقعية ال‬ ‫فلسفية مجردة‪ ،‬يمكن مقاربته من خالل الرواية‪.‬‬ ‫وال��رواي��ة بطبيعتها تسمح بتقديم التمثيالت‬ ‫السردية التي تكشف تباين الخطاب تبعاً لتباين‬ ‫األفهام خارج الرواية في توظيفات الدين‪ .‬وهذا‬ ‫التباين متغير دائماً‪ ،‬ألنه ناتج عن حركة الفهم‬ ‫المرتبطة بالواقع‪ .‬فما نقبله من فهم اليوم‪ ،‬قد‬ ‫نتحفظ عليه غ ��داً‪ ،‬وال�ع�ك��س ي�ص��ح؛ ألن األمر‬ ‫يرتبط باشتغال النص الديني ف��ي بيئة تسمح‬ ‫له بالتمدد واالنكماش وفقاً لمعطيات مختلفة‬


‫وللتأكيد على فرضية التباين في فهم الدين‪،‬‬ ‫ومن ثم تشكل الخطاب الديني بطريقة مختلفة‬ ‫يمكن اختيار ثالث رواي��ات يظهر فيها الخطاب‬ ‫مختلفا ُ‪ .‬واالختيار ليس عشوائياً‪ ،‬بل موجهاً لعدم‬ ‫التكرار‪ ،‬ولتأكيد سلطة الخطاب على أصل النص‬ ‫الديني‪ .‬وعليه‪ ،‬سنقرأ رواية (في وجدان القرية)‬ ‫لعبدالرحمن العشماوي‪ ،‬ورواي��ة (فسوق) لعبده‬ ‫خ��ال‪ ،‬ورواي ��ة (آدم ي��ا س�ي��دي) ألم��ل شطا‪ ،‬كلها‬ ‫روايات سعودية تختلف في مستواها الفني‪ ،‬لكنها‬ ‫تهتم ب��درج��ات مختلفة بتقديم ص��ورة من صور‬ ‫حركة الخطاب الديني في المجتمع والموقف‬ ‫منه‪ .‬وبتحليل كل رواية على حدة‪ ،‬ثم مقاربة هذا‬ ‫التحليل‪ ،‬سنقف على مضمرات النص الروائي‬ ‫تجاه تقديم تصور للعالقة بين الدين والمجتمع‪.‬‬ ‫وه��ي ع�لاق��ة ناتجة ع��ن فهم حاكمية الخطاب‬ ‫على المجتمع‪ ،‬وم��دى قابلية المجتمع للتعايش‬ ‫مع فرضيات الفهم التي ينتجها خطاب النخبة‬ ‫الديني‪.‬‬

‫رواية (في وجدان القرية)‪:‬‬ ‫كاتبها ش��اع��ر ف��ي األص� ��ل‪ ،‬م�ل�ت��زم بمظاهر‬ ‫الخطاب الديني س��واء في شعره أم في نشاطه‬ ‫ال��دع��وي‪ ،‬ف��ي ب��رام�ج��ه أو ك�ت��اب��ات��ه وم�ن�ه��ا هذه‬ ‫ال��رواي��ة‪ .‬وه��ي رواي ��ة ضعيفة م��ن حيث القيمة‬ ‫ال �ف �ن �ي��ة‪ ،‬ك�لاس�ي�ك�ي��ة م��ن ح �ي��ث ب �ن��ائ �ه��ا الفني‪،‬‬ ‫رومانسية من حيث نزعتها في تصوير المجتمع‪.‬‬ ‫غير أنها تتوافر على خطاب ديني محافظ‪ ،‬من‬ ‫حيث تقديمها لمجتمع بدائي يحتاج إلى إعادة‬ ‫صياغة دينية‪ ،‬وفقاً للدين الصحيح كما يتصوره‬ ‫الخطاب الديني‪.‬‬ ‫الشخصية الرئيسة (محمد علي) شاب أمّي‪،‬‬ ‫لكنه ورع يتحرى الفضيلة في كل أفعاله وأقواله‪،‬‬ ‫رغم عدم قدرته على ترجمة سلوكه ضمن مقول‬ ‫ديني‪ ،‬بل بالفطرة يتحرك‪ .‬وهي إشارة من الكاتب‬

‫م������������ل������������ف ال������������ع������������دد‬

‫ظرفية في الغالب‪.‬‬

‫أن الفطرة سليمة‪ ،‬لكنها ساذجة ينقصها الوعي‬ ‫بالدين‪ .‬من هنا‪ ،‬تبدأ الرواية في صياغة محمد‬ ‫علي‪ ،‬فتأخذه إلى مالحقة الوعاظ في قريته‪ ،‬ثم‬ ‫السفر إلى مكة لمزيد من الوعي الديني‪ .‬فالدين‬ ‫بالنسبة للخطاب هو فعل مؤثر في الجماعة ال‬ ‫في الشخصية فحسب‪ .‬من هنا‪ ،‬تنشأ معادلة‬ ‫ال�ق��ول بالفرد المنتمي وف�ق�اً لمفهوم الخطاب‬ ‫ال��ذي يحكم المجتمع‪ .‬فهو خطاب ف��ي ظاهره‬ ‫بنَّاء‪ ،‬لكنه في حقيقته منحاز لفهم معين للنص‬ ‫الديني‪ .‬ولعل أهم ما يحمله الخطاب هو عدم‬ ‫اإلق��رار باألفعال إذا خرجت عن منظومة الفهم‬ ‫مهما كانت صحيحة‪ .‬فليس المطلوب االجتهاد‪،‬‬ ‫طالما أن الفهم الفوقي أصبح متحققاً‪.‬‬ ‫ت �ق��وم ال���رواي���ة ع �ل��ى ف��رض �ي��ة ال �ت �ق��اب��ل بين‬ ‫ظاهرتين‪ ،‬ظاهرة مجتمع بسيط‪ ،‬وآخر مركب‪.‬‬ ‫المجتمع البسيط تلقائي ف��ي ح��رك�ت��ه‪ ،‬فطري‬ ‫في تصوراته‪ ،‬متعايش مع تركيبة من التقاليد‬ ‫المتوارثة م��ن ال��دي��ن واألع ��راف والتقاليد‪ ،‬أما‬ ‫المجتمع ال�م��رك��ب‪ ،‬فهو مجتمع تنشده النخبة‬ ‫المتدينة‪ ،‬وتسوق الناس إليه بحرص ودأب‪ ،‬في‬ ‫محاولة الجتثاث تلقائية المجتمع‪ .‬خطاب النخبة‬ ‫المتدينة ال يسعى إلى تصحيح ما يراه مخالفاً‪،‬‬ ‫ب��ل يسعى لحمل ال�ن��اس على اإلن �ك��ار والتخلّي‬ ‫عن منظومة التقاليد دفعة واح��دة‪ .‬فهو خطاب‬ ‫اجتثاثي ال إصالحي في نهاية المطاف‪.‬‬ ‫م� ّث��ل المجتمع البسيط (محمد ع�ل��ي) رجل‬ ‫أ ّم� ��ي‪ ،‬ي ��ؤذن ل�ل�ن��اس وي �ق��وم ع�ل��ى رع��اي��ة أسرته‬ ‫وف�لاح��ة أرض��ه مثل ك��ل رج��ال القرية‪ .‬اختارت‬ ‫الرواية أن تدفع بمحمد علي إلى منطقة ينكر‬ ‫فيها الكثير من تصرفات جماعته‪ ،‬ف��دون وعي‬ ‫منه ينكر الذهاب لألطباء الشعبيين دون أن يكون‬ ‫له وعي ديني مقنع‪ ،‬وينكر عادات الزواج‪ ،‬وعادات‬ ‫االقتصاص‪ ،‬وغيرها‪ .‬وإذ تلجأ الرواية إلى بناء‬ ‫ه��ذه الشخصية‪ ،‬فذلك بمثابة مقدمة لتقديم‬ ‫خ�ط��اب ال��رواي��ة ال��ذي يتبنى فرضية أن فطرة‬

‫اجلوبة ‪ -‬ربيع ‪1433‬هـ ‪35‬‬


‫على تصور مختلف يستمد مرجعيته م��ن فهم‬ ‫النخبة الدينية‪.‬‬

‫المجتمع السليمة ال تكفي‪ ،‬بل ال بد من حمل‬ ‫الناس على فهم واحد صريح‪ ،‬وهو الخروج من‬ ‫المجتمع البسيط إلى المركب القائم على تبنّي‬ ‫منظومة القيم الدينية كما تفهمها النخبة الدينية‬ ‫حتى لو كانت في تنافر مع واقع الناس وحياتهم‬ ‫االجتماعية‪.‬‬ ‫أما المجتمع المركب فقد مثّله الشيخ صالح‪،‬‬ ‫وهو في التسعين من عمره‪ ،‬فقيه وواع��ظ يلقي‬ ‫دروس ��ه ف��ي ال �ح��رم ال�م�ك��ي‪ ،‬ويستقطب أتباعه‬ ‫بلينه وظرفه ومراعاته لمختلف األفهام‪ .‬وبهذا‬ ‫ال�ن��وع م��ن الشخصيات تقترح ال��رواي��ة سماحة‬ ‫هذا الخطاب‪ ،‬وأنه خطاب يقدم وعظه ووصاياه‬ ‫للناس بدافع الرحمة بهم‪ ،‬فالشيخ صالح يذهب‬ ‫إلى تجمعات الناس سواء في مكة أو في المناطق‬ ‫الجنوبية التي اختارت الرواية أن تقدمها‪ ،‬مثل‬ ‫الباحة وبلجرشي‪ .‬فتصور الرواية قناعة الشيخ‬ ‫ورض��اه بهذه الرحلة‪ ،‬ورغبته في تغيير مفاهيم‬ ‫الناس وتصحيحها‪ ،‬وبناء مجتمع مختلف يقوم‬

‫‪36‬‬

‫اجلوبة ‪ -‬ربيع ‪1433‬هـ‬

‫وإذ تقدم الرواية هذا الخطاب الذي يبدو في‬ ‫ظاهره عاكساَ لنزاهة النخبة الدينية‪ ،‬وساعياَ‬ ‫الحتواء المجتمعات وإنقاذها من ضاللها‪ ،‬فإن‬ ‫مضمرات الخطاب في هذه الرواية تفضح هذا‬ ‫ال‬ ‫التخفي ال��ذي لم تشأ ال��رواي��ة أن تقدمه أص ً‬ ‫ع �ط �ف �اً ع �ل��ى ال �ج �ه��د ال �م �ث��ال��ي ف��ي ت�ن�م�ي��ق هذه‬ ‫الشخصية الدينية‪ ،‬شخصية الشيخ صالح‪ ،‬في‬ ‫نهاية الرواية وقد نجح الشيخ صالح في إخراج‬ ‫المجتمع من ضالله كما تصور الرواية‪ ،‬ال بد من‬ ‫المكافأة وهي المزاوجة بين المجتمعين؛ البسيط‬ ‫والمركب‪ ،‬من خ�لال زواج الشيخ صالح الرجل‬ ‫التسعيني بابنة محمد علي وه��ي ف��ي الثالثة‬ ‫عشرة من عمرها‪ ،‬وتصور ال��رواي��ة محمد علي‬ ‫ال بهذا التفضل من الشيخ بالقرب أكثر منه‪.‬‬ ‫قاب ً‬ ‫إن فكرة ال��زواج تبدو ثمناً مادياً باهضاً يدفعه‬ ‫المجتمع البسيط في انقياده وتسليمه للنخبة‬ ‫الدينية التي تقدم نفسها باحثة عن مصالحه‪.‬‬ ‫فالمجتمع البسيط مطية للتمكن من الهيمنة على‬ ‫أف�ه��ام ال�ن��اس‪ ،‬وعليه ام�ت�لاك مفاتيح التوجيه‪.‬‬ ‫ففكرة الزواج‪ ،‬رمزياً مالئمة لفكرة االستعالء على‬ ‫المجتمع البسيط‪ .‬وهو خطاب لم تكن الرواية من‬ ‫خالل منطقها تسعى أن توحي به‪ ،‬غير أن وقوعه‬ ‫ف��ي آخ��ر ال��رواي��ة بوصفه ث�م��رة لجهود الشيخ‪،‬‬ ‫وعرفاناً من محمد علي‪ ،‬وقبوالً بالشيخ الجليل‬ ‫رغم فوارق السن يؤكد على تصور الرواية لنقاء‬ ‫النخبة الدينية وأفضليتها على من سواها‪.‬‬

‫رواية (فسوق)‪:‬‬ ‫رواية (فسوق) لعبده خال تأتي على النقيض‬ ‫من رواية (في وجدان القرية)‪ ،‬فخطابها معاكس‬ ‫بالمطلق‪ ،‬خطاب ضد مأسسة ال��دي��ن‪ ،‬بل ضد‬ ‫تسييسه‪ .‬فهو خطاب يقاوم ذوبان الفرد في سياق‬ ‫المؤسسة الدينية‪.‬‬


‫م������������ل������������ف ال������������ع������������دد‬

‫يتمحور خ�ط��اب رواي���ة ف�س��وق ح��ول المرأة‬ ‫بوصفها نقطة ت�ج��اذب بين مجتمع المؤسسة‬ ‫الدينية وبين عموم المجتمع‪ .‬وإذ تختار الرواية‬ ‫ال‬ ‫ال� �م ��رأة‪ ،‬ف ��إن ق �ض��اي��اه��ا ت �ب��دو األك��ث��ر تمثي ً‬ ‫لالختالفات في المجتمع‪ .‬ورغم الصخب حولها‬ ‫فقد نجحت ال��رواي��ة ف��ي تأكيد رم��زي��ة غيابها‪.‬‬ ‫ال�ح��دث الرئيس ه��و اختفاء جليلة م��ن قبرها‪،‬‬ ‫فقد دفنت بليل‪ ،‬لتختفي من قبرها صباحاً‪ .‬وبين‬ ‫الدفن واالختفاء يتأكد الغياب‪ ،‬وهو تغييب متعمد‬ ‫للمرأة عن الفعل االجتماعي‪ ،‬وذل��ك بتفسيرات‬ ‫دينية مختلفة بررت الغياب‪.‬‬

‫خطاب الرواية على مسؤولية النخبة الدينية في‬ ‫اختفاء جليلة‪ ،‬بينما تنفي المؤسسة أي مسؤولية‬ ‫تذكر‪ .‬وبين النفي والتأكيد تتضح معالم مأساة‬ ‫ال �م��رأة‪ .‬فاختفاء جليلة ه��و اختفاء أخ�لاق��ي ال‬ ‫يمكن استعادته إال بحضور المرأة‪ .‬غير أن نهاية‬ ‫الرواية تصعد خطابها تأكيداً على أن المأساة‬ ‫أكبر من الغياب‪ ،‬إذ يبدو الغياب أكثر ألماً في ظل‬ ‫اكتشاف فرضية انتهاك الجسد الغائب‪ .‬فجليلة‬ ‫رغ��م غيابها بموتها ال �م��ادي وال�م�ع�ن��وي تنتهك‬ ‫كرامتها‪ .‬فشفيق حفار القبور يستأثر بجسدها‬ ‫ال �م �ي��ت ب�ش�ب�ق�ي��ة ت�ف�ض��ح ال �ع�لاق��ة ب �ي��ن المرأة‬ ‫ومجتمعها‪ .‬وه��ي العالقة التي تنفي إنسانيتها‬ ‫وتبقي على صورتها المنتهكة حتى لو كانت مجرد‬ ‫جسد مسجى‪ .‬إن شفيق ليس إال (النحنُ) الدينية‬ ‫والعامة‪ ،‬ال فرق إال في التبريرات المستهلكة‪.‬‬

‫مثّل غياب جليلة الغياب الفعلي للمرأة في‬ ‫سياقها االجتماعي‪ ،‬فرغم أن الرواية عن جليلة‬ ‫ال�ت��ي م��ات��ت واختفت م��ن قبرها‪ ،‬فقد حرصت‬ ‫الرواية على تغييب صوتها في الرواية‪ .‬ومع أن‬ ‫ال��رواي��ة بنيت على تقنية رواي��ة وجهات النظر‪،‬‬ ‫تخوض رواي��ة فسوق معتركاً ف��ي تبني رؤية‬ ‫فلم نقرأ وجهة نظر جليلة تحت مبرر موتها‪،‬‬ ‫معاكسة للخطاب الديني السائد في المجتمع‬ ‫والخطاب يغيبها لداللة حرمانها من الحضور‬ ‫فيما يتعلق بالمرأة‪ .‬فمنذ البدء تؤكد الرواية على‬ ‫الفعلي في الفعل االجتماعي‪ .‬إن قسوة الظرف‬ ‫االجتماعي الذي حرمها حبيبها‪ ،‬وهيمنة خطاب‬ ‫المؤسسة الدينية ال��ذي يحكم توجهات األفراد‬ ‫بدافع المحافظة على األخالق العامة‪ ،‬أدى إلى‬ ‫محنة جليلة‪ .‬غير أن محنتها الكبرى تبدأ قبل‬ ‫الغياب الفني في الرواية‪ ،‬فمحنتها تبدأ من كونها‬ ‫امرأة في مجتمع تحكمه التقاليد التي تتضافر‬ ‫مع سياق التصور الديني لحركة المجتمع‪ .‬ويبدو‬ ‫موضوع اختفاء جليلة حضوراً أكبر لمشكلتها‪،‬‬ ‫التي تعد تمرداً على كيان المؤسسة الدينية التي‬ ‫بدت صارمة في قدرتها على العزل والمراقبة‬ ‫والمتابعة‪.‬‬ ‫تطرح الرواية س��ؤال المسؤولية االجتماعية‬ ‫والدينية عن اختفاء جليلة‪ .‬ويصل السؤال إلى‬ ‫ح��د استجواب المؤسسة الدينية أو م��ا يمثلها‬ ‫(هيئة األم��ر ب��ال�م�ع��روف وال�ن�ه��ي ع��ن المنكر)‪.‬‬ ‫ويصل االستجواب إلى حد التصادم‪ ،‬حيث يصر‬

‫اجلوبة ‪ -‬ربيع ‪1433‬هـ ‪37‬‬


‫مالحقة تجار المخدرات‪ ..‬لتبدأ عائشة حكايتها‬ ‫التي ترسم خطاب الرواية‪.‬‬ ‫رضيت عائشة أن تبقى في البيت بحكم التربية‬ ‫الدينية والتقليد االجتماعي الذي يشجع المرأة‬ ‫على لزوم بيتها‪ ،‬وإن عملت ففي سياق يحد من‬ ‫مشاركتها المباشرة مع الرجل األجنبي‪ .‬وإذ تقف‬ ‫عائشة في مواجهة هذه المحددات‪ ،‬فإنها تقبل‬ ‫أن تمارس دورها بعيداً عن الرجل‪ ،‬وأن تعمل في‬ ‫سياق نسائي صرف‪ .‬‬

‫مسؤولية المؤسسة الدينية في تبني ظاهرة غياب‬ ‫المرأة‪ .‬وإذ تنجح الرواية في رسم صورة روائية‬ ‫أق��رب للبحث البوليسي عن اختفاء جليلة‪ ،‬فإن‬ ‫البحث ال يسعى للوصول للغائب إال عبر فضح‬ ‫آل�ي��ات التغييب‪ .‬وه��و م��ا يجعل خطاب الرواية‬ ‫صدامياً ومباشراً في بعض مراحلها‪.‬‬ ‫تنتهي الرواية ويبقى غياب جليلة ال نهائي‪،‬‬ ‫مطلق وعبثي في مجتمع يفتقد النمو بعيداً عن‬ ‫قوانين المؤسسة الدينية االستثنائية‪ .‬فالبحث‬ ‫الدائم ينتهي إلى التسليم بالسلطة الدينية‪ ،‬لكن‬ ‫بعد طرح األسئلة الحادة التي تحدد المسؤولية‬ ‫تجاه غياب المرأة‪.‬‬

‫رواية (آدم يا سيدي)‪:‬‬ ‫رواي��ة (آدم يا سيدي) ألم��ل شطا‪ ،‬رواي��ة من‬ ‫النوع المحايد في طرح رؤيتها‪ .‬فالرواية تنطلق‬ ‫م��ن منطقة ال��راك��د االج�ت�م��اع��ي‪ ،‬فليس هناك‬ ‫مشكلة اجتماعية‪ ،‬بل حدث قدري تسيطر آثاره‬ ‫على الرواية‪ .‬الرواية عن الزوجين حمزة وعائشة‪،‬‬ ‫ح�م��زة ض��اب��ط ف��ي ج�ه��از مكافحة المخدرات‪،‬‬ ‫وع��ائ �ش��ة رب��ة ب�ي��ت ت�ق�ل�ي��دي��ة‪ .‬ي �م��وت ح �م��زة في‬

‫‪38‬‬

‫اجلوبة ‪ -‬ربيع ‪1433‬هـ‬

‫قدمت رواي��ة آدم يا سيدي فرضية اإلقصاء‬ ‫واإلح�ل��ال ع�ن��دم��ا أق �ص��ت ال��رج��ل‪ /‬ح �م��زة من‬ ‫حبكة الرواية معترفة له ب��دور شهم‪ ،‬لكنَّ عليه‬ ‫أن يعتزل ال�ح�ض��ور‪ ،‬أن يتقاعد ع��ن دوره‪ ،‬أن‬ ‫تحضر ال �م��رأة ويغيب ال��رج��ل حتى يظهر دور‬ ‫ال� �م ��رأة‪ .‬ألن م��ن أس��اس��ات ال �خ �ط��اب استبعاد‬ ‫الثنائي‪ ،‬وتأكيد فرضية اإلقصاء‪ .‬لقد جاء موت‬ ‫ال حاسماً ليخلو مسرح األح��داث لألم‬ ‫حمزة فع ً‬ ‫األرملة‪ ،‬لتنهض بدور كان يقوم به زوجها‪ .‬ولعل‬ ‫أول صدمة واجهتها عائشة هو إقرارها أنها لم‬ ‫تكن تعرف العالم الذي عاشت فيه سنوات طويلة‪،‬‬ ‫ألن حمزة‪ /‬الرجل كان هناك دائماً يقوم بدوره‪.‬‬ ‫أما هي فقد ظلت قابعة في شرطها البيولوجي‬ ‫القائم على العطاء دون المشاركة والمبادرة‪ .‬أما‬ ‫بعد إقصاء حمزة‪ ،‬فقد نجحت األم األرملة في‬ ‫تربية األبناء‪ ،‬إذ كشفت خطاباً مناقضاً للرجل‪،‬‬ ‫وهو الحوار في حل كل المعضالت التي تواجهها‬ ‫دون اللجوء للقهر والتسلط واالستبداد‪.‬‬ ‫وإذا كانت رواية آدم يا سيدي ال تتنكر للرجل‬ ‫وال تصمه بالتسلط‪ ،‬ب��ل تمنحه م��ن الصفات‬ ‫الكريمة ما يجعل هذا الوصف يخرج عن سياق‬ ‫كثير من الروايات‪ ،‬فإن ذلك ال يبدو مختلفاً في‬ ‫محصلة الخطاب العام الذي تشتغل عليه هذه‬ ‫ال��رواي��ة‪ ،‬وه��و أن��ه ال وج��ود للمرأة ف��ي حضور‬ ‫ال��رج��ل‪ ،‬ول�ك��ي تحضر ال �م��رأة ال ب��د أن يغيب‬


‫***‬

‫إذا ك ��ان ال �خ �ط��اب ف��ي رواي� ��ة (ف ��ي وجدان‬

‫بتأمل الخطاب في ال��رواي��ات الثالث نلحظ‬ ‫حضور المرأة بوصفها مادة لممارسة الخطاب‬ ‫م��ن حيث تشكّل الموقف‪ ،‬وم��ن حيث اختالف‬ ‫الشتغاالته المتخفية‪ .‬ففي رواي��ة (ف��ي وجدان‬ ‫القرية) تحضر بوصفها قرباناً لهيمنة النخبة الرؤية‪ .‬فمن خطاب خفي يتبين تحيزه للنخبة‬ ‫الدينية‪ ،‬وف��ي رواي��ة (ف �س��وق) إدان��ة للمؤسسة الدينية‪ ،‬إل��ى خطاب صريح ف��ي رواي��ة فسوق‪،‬‬ ‫الدينية ع��ن مسؤوليتها ف��ي تغييب ال�م��رأة عن يحدد الموقف‪ ،‬ويدين النخبة الدينية بوصفها‬ ‫الشأن االجتماعي نتيجة لحرمانها من تحقيق مسئولة عن فرض فهم محدد‪ ،‬فإن خطاب (آدم‬ ‫ذاتها‪ ،‬في مقابل منح الرجل مساحة الحضور‬ ‫يا سيدي) خطاب مخادع ال يواجه وال ينحاز‪،‬‬ ‫الكاملة‪ ،‬وف��ي رواي ��ة (آدم ي��ا س �ي��دي) تكتشف‬ ‫بل يكشف اآلث��ار المترتبة على هيمنة مفاهيم‬ ‫المرأة قدرتها على االنفراد بحياتها بعيداً عن‬ ‫الرجل‪ ،‬الذي تتغذى مفاهيمه من الوعي الديني النخبة الدينية ال�ت��ي دخ�ل��ت ف��ي أدق تفاصيل‬ ‫الحياة االجتماعية‪ ،‬فشكلت مرجعية ال يمكن‬ ‫العام‪.‬‬ ‫ال�ع�لاق��ة بين ه ��ؤالء ال�ن�س��وة إرث ممتد من تجاهلها أو الخالص من تأثيراتها‪.‬‬ ‫القرية) يختلف عنه بالضرورة في رواية (فسوق)‪،‬‬

‫ال �ص��وت ال�م�ب�ح��وح وال �ت �ش��وف ل �ل �خ�لاص‪ ،‬فمن‬ ‫يصنع األزمة؟ إنه استغالل الدين تحت مسوغات‬ ‫اجتماعية تغذيها منظومة ال �ع��ادات والتقاليد‬ ‫واألع ��راف التي تضع ال�م��رأة في األدن��ى‪ .‬وهي‬ ‫دونية تبرر بالمحافظة على المرأة وحمايتها‪ ،‬بينما‬ ‫التجربة الواقعية تنتج خطاباً مناقضاً للمصرح‬ ‫به‪ .‬فحسب الخطاب الديني‪ ،‬تصبح المرأة تابعاً‬ ‫مقلقاً يحتاج للسيطرة والتقييد بمنظومة متنوعة‬ ‫من المحددات الدينية واالجتماعية‪.‬‬

‫م������������ل������������ف ال������������ع������������دد‬

‫ال��رج��ل‪ .‬إنها المفارقة بعينها‪ .‬ففرضية أنهما‬ ‫شريكان في السلطة‪ /‬المسؤولية فرضية خارج ذاته تقدم رواية (آدم يا سيدي) معنى الخالص‬ ‫الخطاب ال��ذي ال يمكن أن يتسامح ف��ي دحر الرمزي من الهيمنة الذكورية التي ينتجها خطاب‬ ‫سلطة الهيمنة التي تتأتى للمفرد ال للمثنى‪.‬‬ ‫يستعين بالموقف الديني من المرأة‪.‬‬ ‫يصل معه األمر إلى حد اإلذع��ان‪ ،‬وفي السياق‬

‫هذه الروايات الثالث تمثل رمزية التعبير عن‬

‫اآلثار التي يحدثها حمل المجتمع على فهم أوحد‬ ‫للدين‪ ،‬ما ينعكس على تطبيقات هذا الفهم في‬ ‫سياق الحياة االجتماعية‪ .‬إن الموقف من الخطاب‬

‫الديني كما عكسته هذه الروايات يتشكل بالقبول‬ ‫والمسايرة‪ ،‬وهو قبول أشبه باإلذعان‪ ،‬ومسايرة‬ ‫مجاراة لألمر الواقع‪ ،‬ويمكن أن يتشكل الخطاب‬ ‫من خالل لغة الرفض وأصوات االحتجاج‪ ،‬بوصفه‬

‫هل كانت هذه الروايات واعية بفحوى خطابها؟‬ ‫إذا كانت رواية فسوق تصوغ خطابها تأكيداً على فسوق‪ ،‬ويمكن أن ينحو الموقف من الخطاب‬ ‫مسؤولية النخبة الدينية ف��ي تشكيل خطاب‬ ‫الديني إلى الموقف من الرجل بوصفه المستفيد‬ ‫ينتقص م��ن ال �م��رأة‪ ،‬وذل��ك وف�ق�اً ل��وع��ي كاتبها‬ ‫ومواقفه المسبقة خارج النص‪ ،‬فإن رواية (في من الخطاب الديني ال��ذي يبرر مقوالت غياب‬ ‫وجدان القرية) تحتفي بالنخبة الدينية‪ ،‬وترى أن ال �م��رأة ضمن ذرائ�ع�ي��ة وج��وب تحقيق القوامة‬ ‫موقفها حاسم في تغيير سلوك المجتمع الذي الذكورية في المجتمع‪.‬‬ ‫وسيلة لكشف إشكاليات الخطاب كما في رواية‬

‫اجلوبة ‪ -‬ربيع ‪1433‬هـ ‪39‬‬


‫تلقّ ي الرواية بين معايير الرواج والمعايير الفنية‪..‬‬ ‫لماذا تروج رواية وتكسد أخرى؟‬

‫العباد‪ -‬من السعودية‬ ‫> زكريا ّ‬

‫تحتدم الساحة النقدية واألدبية بصراع محموم‪ ،‬يطفو على السطح بين حين وآخر‪ ،‬حول القيمة‬ ‫الفنية للروايات التي صدرت في إطار ما يطلق عليه “عصر الرواية”‪ ،‬كما ينسحب ذلك أيضا على أي‬ ‫رواية تسجل رواج ًا غير معتاد في أي عصر من العصور‪ ،‬ويرى العديد من النقاد أن الحظ األوفر مما‬ ‫تلفظه المطابع ودور النشر من الروايات يصب في خانة الرواية الرديئة ضعيفة المضمون‪ .‬ويعزو كثير‬ ‫منهم رواج تلك الروايات إلى مغازلتها للغرائز في المقام األول‪ ،‬بيد أن اإلشكالية في الحقيقة ال تنتهي‬ ‫بهذه البساطة‪.‬‬ ‫فظاهرة “األكثر رواجا” ذي القيمة العالية‪ ،‬كما يرى أمبرتو إيكو‪ ،‬هي ظاهرة قديمة قدم العالم‪،‬‬ ‫نجدها متمثلة في “الكوميديا اإللهية” لدانتي‪ ،‬وفي أعمال شكسبير وسرفانتس‪ ،‬وغيرهما من العمالقة‬ ‫الذين استطاعوا أن يحققوا رواجا واسعاً‪ ،‬رغم تمسكهم بقيم فنية وداللية نوعية(‪.)1‬‬ ‫وم��ن ه �ن��ا‪ ،‬ت��أت��ي م�ش��روع�ي��ة ال��س��ؤال‪ :‬لماذا إلى ساحة مبارزة بين الفريقين‪ ،‬ما ي��ؤدي إلى‬ ‫تحظى رواية‪ ،‬سواء كانت ذات قيمة فنيّة عالية أو رواج أوسع للعمل المتصارع عليه‪.‬‬

‫ضعيفة‪ ،‬برواج واسع على مستوى النشر والتوزيع‪،‬‬ ‫في حين تظل أخرى تقبع في دائرة الظل؟ هذا‬ ‫ما سنحاول اإلج��اب��ة عنه من خ�لال استعراض‬

‫العناصر التي يتسبب توافرها في ال��رواي��ة في‬ ‫تحقق قدر أكبر من اإلقبال على قراءتها‪.‬‬

‫الرواية ذات الوظيفة االجتماعية‬ ‫في محاولتهم للعثور على إجابة سؤال سبب‬

‫رواج األعمال الرديئة‪ ،‬يطرح النقاد عدة تفسيرات‬

‫منها‪ :‬تخطي الخطوط الحمراء‪ ،‬والتعبير عن‬ ‫المكبوتات التي يتوق المجتمع لتفريغها‪ ،‬ما ينجم‬ ‫عنه صرا ٌع بين حراس تلك الخطوط من جهة‪،‬‬

‫وبين غالبية تلتف تلك الخطوط حول أعناقها‪،‬‬

‫متسببة لها بحالة من الكبت واالختناق‪.‬‬

‫وتذكي آلة اإلعالم ذلك الصراع بعد تحوّلها‬

‫‪40‬‬

‫اجلوبة ‪ -‬ربيع ‪1433‬هـ‬

‫وف��ي حين يأخذ المنحازون لتصوّر نخبويّ‬ ‫للرواية‪ ،‬على رواي��ات “زمن الطفرة الروائية”‪،‬‬ ‫تقمّصها دور م��ؤس�س��ات اج�ت�م��اع�ي��ة‪ ،‬كوسائل‬ ‫اإلعالم على سبيل المثال‪ ،‬غير أنّ غياب الدور‬ ‫الحقيقي ل�لإع�لام ف��ي ط��رح ومعالجة قضايا‬ ‫المجتمع‪ ،‬وتبنّي ال��رواي��ة المتخففة من عوائق‬ ‫التلقي الفنية والمعرفية‪ ،‬لهذا ال��دور‪ ،‬أدى إلى‬ ‫كسر المجتمع بسهولة طوق احتكار طبقة معينة‬ ‫للروايات‪ ،‬وهو األمر الذي يراه نقاد آخرون أمراً‬ ‫إيجابياً‪ ،‬إذ أ ّن��ه سيؤدي في نهاية المطاف إلى‬ ‫زيادة رقعة تلقي الرواية النوعية‪ ،‬وإفراز روايات‬ ‫جديدة جيدة المحتوى في نهاية هذه الفترة ذات‬ ‫الطابع المخاضي(‪.)2‬‬ ‫هذه الفترة تذكرنا بالصراع القديم الجديد‬ ‫الذي دارت رحاه بين أنصار الفن للفن واألدب‬


‫وفي جميع األح��وال‪ ،‬فإن تبني الرواية مهمة‬ ‫إض ��اءة ال�م�س��اح��ات المعتمة م��ن واق��ع األفراد‬ ‫يتماس مع‬ ‫ّ‬ ‫والشعوب‪ ،‬وتعرية المسكوت عنه وما‬ ‫التابوهات الثالثة‪ :‬الدين والجنس والسياسة‪،‬‬ ‫أسهم إسهاما كبيرا ف��ي انتشارها‪ ،‬بعيداً عن‬ ‫تقييمها فنياً‪ ،‬كما هو الحال عربياً في رواية‬ ‫“بنات الرياض” ل��رج��اء ال �ص��ان��ع‪ ،‬و”عمارة‬ ‫يعقوبيان” ل�ع�لاء األس��وان��ي‪ ،‬و”ذاكرة جسد”‬ ‫ألحالم مستغانمي‪ ،‬والتي وصل عدد طبعاتها إلى‬ ‫(‪ )19‬طبعة خالل أحد عشر عاما من صدورها‪،‬‬ ‫وب�ي��ع منها أك�ث��ر م��ن (‪ )300‬أل��ف ن�س�خ��ة‪ .‬كما‬ ‫مثلت بعض أعمال باولو كويلو كـ(إحدى عشرة‬ ‫دقيقة)‪ ،،‬وماركيز في “مائة ع��ام من العزلة”‪،‬‬ ‫ورواية “شفرة دافنشي” لدان براون‪ ،‬أمثلة على‬ ‫روايات غربية أسهم المساس بالتابوهات الثالثة‬ ‫في زيادة رقعة انتشارها‪.‬‬

‫وك �ث �ي��راً م��ا ا ّت� �خ� �ذَت “الجرأة” ف��ي تناول‬ ‫المسكوت عنه‪ ،‬أو ما اصطلح عليه‪ ،‬في سياق‬ ‫الثقافة المعولمة بجدّة الطرح أو “التجريب”‪،‬‬ ‫كمبرر لفوز الرواية‪ ..‬أو تسليط االهتمام عليها‪،‬‬ ‫دون أن تحقق الرواية بالضرورة عناصر التجريب‬ ‫المقبولة على المستوى النقديّ ‪ ،‬ما يتسبب في‬ ‫خلط واضح للمفاهيم‪ ،‬وإلباس الجريء اجتماعياً‬ ‫ثوب المبدِ ع فنياً‪.‬‬

‫م������������ل������������ف ال������������ع������������دد‬

‫ل�لأدب‪ ،‬وبين من يسعى لتوظيف الفنّ واألدب‬ ‫في النهضة االجتماعية‪ ،‬سيما وقد اشتعل أوار‬ ‫مثل هذه الصراعات الفكرية في ظروف انتقالية‬ ‫مشابهة لهذه الظروف االستثنائية التي يمر بها‬ ‫عالم اليوم‪.‬‬

‫كما ال يغفل هؤالء ربط ظواهر الجوائز األدبية‪،‬‬ ‫والتسويق‪ ،‬واإلشهار المدروس‪ ،‬التي تالزم ظاهرة‬ ‫(األكثر مبيعاً) بنشوء اقتصاديات العولمة‪ ،‬التي‬ ‫ام �ت��دت أذرع �ت �ه��ا للسيطرة ع�ل��ى آل �ي��ات الفكر‬ ‫واإلعالم العالمي ودور النشر العالمية‪.‬‬

‫ويعزو بعض النقاد االهتمام الغربي ببعض‬ ‫ال��رواي��ات إل��ى عوامل سياسية وثقافية ال تمت‬ ‫بصلة إل��ى القيمة الجمالية لتلك الروايات‪،‬‬ ‫ف��ال��رواي��ات العربية التي حققت ف��ي السنوات‬ ‫األخيرة رواجاً كبيراً في األسواق تنطلق بوعي أو‬ ‫من دون وعي‪ ،‬كما يقول الدكتور جابر عصفور‪،‬‬ ‫من نزعة تستجيب لرغبات ولمخيلة استشراقية‬ ‫عريقة لم يتخلص منها الغرب في النظر إلى‬ ‫ال���ج���وائ���ز وال���ت���رج���م���ة‪ ..‬ط��ري��ق ال����رواج شعوب العالم الثالث‪ ،‬بل إنه طوّرها في أساليب‬ ‫وتقنيات ولغة جديدة‪.‬‬ ‫عالمياً‪:‬‬ ‫إال أنّ دور النشر الغربية تهتم في الدرجة‬ ‫األولى بما يحقق مبيعات ضخمة‪ ،‬ومن ذلك جاء‬ ‫اهتمام واحدة من كبريات دور النشر الفرنسية‬ ‫بترجمة رواية “برهان العسل” للكاتبة السورية‬ ‫سلوى النعيمي إل��ى ع��دد من اللغات األجنبية‪،‬‬ ‫بالرغم من أنها رواية تقوم على الجنس بالدرجة‬ ‫األولى‪ ..‬متجاهلة ج ّل القيم الفنية للرواية‪.‬‬

‫يرتبط رواج الكثير من الروايات مع حصولها‬ ‫على جوائز أدبية إقليمية كانت أم عالمية‪ ،‬وقد‬ ‫ي�ب��دو األم��ر ل��دى بعض المراقبين كما ل��و كان‬ ‫ال��رواج يشبه ارتقاء سلّم تكون الشهرة والجدل‬ ‫محلياً أولى درجاته‪ ،‬ثم ما يلبث أن يرتقي درجة‬ ‫ثانية تتمثل في الحصول على جائزة‪ ،‬ويستمر‬ ‫مشوار الشهرة بالحصول على مزيد من الجوائز‬ ‫العالمية‪ ،‬وترجمة العمل‪ ،‬وتلقّف دور النشر‬ ‫ويُعزَى نجاح “عمارة يعقوبيان” إلى احتوائها‬ ‫العالمية له‪.‬‬ ‫على ق��در هائل من الجسارة‪ ،‬إضافة إل��ى أنها‬

‫اجلوبة ‪ -‬ربيع ‪1433‬هـ ‪41‬‬


‫ج��اءت ف��ي لحظة تاريخية ك��ان��ت الصحافة ال أن ثمة خلط بين ال��رواي��ة الفنية والشعبية في‬ ‫تتمتع فيها بقدر كبير من الحرية‪ ،‬ما يؤكد أن العالم العربي‪ ،‬يتمثل في كتابة النقاد عن هذه‬ ‫جزءا من أهميتها يرتبط بالظرف الزمني‪ ،‬على األخيرة(‪.)5‬‬ ‫خ�لاف األع�م��ال العظيمة التي تتجاوز ظرفها‬ ‫إال أنه مما يجب التأكيد عليه‪ ..‬أن من الظلم‬ ‫الزمني وتحتفظ بقيمتها في كل عصر(‪.)3‬‬ ‫القول إن الجوائز العالمية هي باستمرار محابية‬ ‫وه��و يشير في موضع إل��ى آخ��ر إل��ى حقيقة للرائج والمثير للجدل‪ ،‬فالروائي اإليرلندي وليام‬ ‫مهمة وهي أنّ كتاب «األكثر مبيعاً» هو كتاب ذو جون بانفيل المرشح للفوز بجائزة نوبل‪ ،‬تتميز‬ ‫ذاكرة قصيرة لدى النّاس‪ ،‬شأنه شأن المنتجات أع�م��ال��ه بفلسفتها العميقة وس��رده��ا المتأنق‬ ‫االستهالكية األخرى التي تحقق حضورا الفتاً‪ ..‬المثير للقلق‪ ،‬وتوصف أعماله بالصعبة األسلوب‪،‬‬ ‫سرعان ما يخفت بسبب حضور إعالمي آخر ومع ذلك فقد فاز بجائزة فرانز كافكا ‪2011‬م‪،‬‬ ‫يحقق رقماً أقوى‪.‬‬ ‫وإن ك��ان ف��وزه محل استغرابه شخصياً‪ .‬وشكر‬ ‫وفي هذا السياق فإنّ رواية “بنات الرياض” بانفيل الناشرين أثناء خطاب قبوله جائزة بوكر‪،‬‬ ‫لرجاء الصانع‪ ،‬قامت بطباعتها كبرى دور النشر لوقوفهم إلى جانبه أثناء نشر تلك الروايات “التي‬ ‫في العالم وه��ي “البونجوون”‪ ،‬في حين رفض لم تحقق شيئاً على مستوى المبيعات”‪.‬‬ ‫المترجم الشهير “روجر آالن” ترجمتها؛ ألنه لم‬ ‫ه��اروك��ي م��وراك��ام��ي‪ ..‬س�لاس��ة األسلوب‬ ‫ي َر فيها رواية أصال‪.‬‬

‫ويعزو آالن‪ ،‬والذي يعد أهم مترجم في مجال‬ ‫الرواية العربية‪ ،‬اهتمام بعض دور النشر الغربية‬ ‫بترجمة روايات كتاب عرب مثل عالء األسوانى‪،‬‬ ‫ورج� ��اء ال �ص��ان��ع‪ ،‬وأح �ل�ام م�س�ت�غ��ان�م��ى‪ ،‬لسبب‬ ‫بسيط مادي‪ ..‬وهو أن تلك الروايات “شعبية”‪،‬‬ ‫تباع بمئات اآلالف من النسخ‪ ،‬سواء في العالم‬ ‫العربي‪ ،‬أو في الدول الغربية(‪ .)4‬ويرى أن مشكلة‬ ‫العالم العربي تكمن في أنه ال يفصل الروايات‬ ‫الشعبية عن الروايات الفنيّة‪.‬‬ ‫ف �ف��ي ال� �غ ��رب ث �م��ة رواي� � ��ات ش�ع�ب�ي��ة عالية‬ ‫اإلنتشار يمكن أن تتحول إلى أفالم سينمائية‪..‬‬ ‫كما حصل مع دان ب��راون في «شفرة دافنشي»‪،‬‬ ‫إال أن هذه الروايات ال تتناولها المجالت التي‬ ‫تختص بالروايات الفنية‪ .‬ولذلك يتحاشى «أالن»‬ ‫ترجمة هذه الروايات حين تطلب منه دور النشر‬ ‫ذلك‪ ،‬كما يتحاشى الكتابة النقدية حولها‪ ،‬ويرى‬

‫‪42‬‬

‫اجلوبة ‪ -‬ربيع ‪1433‬هـ‬

‫وروايات الوجبات السريعة‪:‬‬

‫من الملفت الذي ال يمكن إغفاله أن ظاهرة‬ ‫الرواج‪ ،‬كثيرا ما تقترن بسالسة األسلوب وواقعيته‬ ‫والمباشرة في الطرح‪ ،‬بعيدا عن أساليب التعقيد‪.‬‬ ‫وقد ارتبط بروز هذه الظاهرة في الغرب قبل عدّة‬ ‫عقود‪ ،‬بظهور نقاط البيع الصغيرة‪ ،‬ومنافستها‬ ‫لكبريات دور النشر العريقة‪ ،‬وتعتمد نقاط البيع‬ ‫هذه على ترويج كتيبات الجيب‪ ،‬ويشبه انتشارها‬ ‫إلى ح ّد ما انتشار أكشاك بيع الجرائد والسجائر‬ ‫في الوطن العربي‪.‬‬ ‫وم ��ن األم �ث �ل��ة ال�ح��دي�ث��ة ع�ل��ى رواي� ��ات لقيت‬ ‫انتشاراً عالمياً واسعاً ووصفت بالمسلية‪ ،‬أعمال‬ ‫الروائي والمترجم الياباني هاروكي موراكامي‪،‬‬ ‫وهو أيضاً حاصل على جائزة كافكا‪ ..‬ومرشح‬ ‫لنيل جائزة نوبل‪.‬‬ ‫وق��د تخفف م��وراك��ام��ي م��ن اإلرث التقليدي‬


‫لدى مناقشة أمبرتو إيكو مسألة الرواية األكثر‬ ‫رواجاً‪ ،‬يشير إلى أن النقاد لم يتأكدوا قط ما إذا‬ ‫كانت “الرواية األكثر رواج��ا ذات النوعية” هي‬ ‫شعبية نتيجة استعمالها إستراتيجيات “مثقفة”‪،‬‬ ‫أم أنها رواي��ة “مثقفة” أصبحت شعبية لسبب‬ ‫غامض(‪.)6‬‬ ‫وإذا ما قارنا أسباب ذيوع تلك الروايات التي‬ ‫تناولناها سابقاً مع رواي��ة مثل‪“ :‬مئة ع��ام من‬ ‫العزلة” لغابريل غارسيا ماركيز‪ ،‬فسنجد أنها‬ ‫من أبرز المصاديق على كالم إيكو السابق‪ ،‬حيث‬ ‫تمثل هذه الرواية التي حازت على جائزة نوبل‬

‫م������������ل������������ف ال������������ع������������دد‬

‫ل�لأدب الياباني‪ ،‬وال��ذي مثله كل م��ن‪ :‬ميشيما‪ ،‬في األدب عام ‪1982‬م‪ ،‬إحدى الشوامخ في الفن‬ ‫ك��اواب��ات��ا‪ ،‬وت��ان�ي��زاك��ي‪ ،‬ن��ازح��ا بذلك إل��ى شاطئ الروائي الغربي قديمه وحديثه‪ ،‬وقد برز مؤلفها‬ ‫ال�ب�س��اط��ة ال �س��ردي��ة‪ ،‬م��ا ج�ع��ل أع �م��ال��ه تحظى كواحد من أهم أعالم األدب الالتيني المعاصر‪.‬‬ ‫ب��ان�ت�ش��ار واس���ع ف��ي ال �ي��اب��ان وأم �ي��رك��ا وأورب� ��ا‪،‬‬ ‫وفي هذه الرواية يمتد الزمن ليحكي ماركيز‬ ‫وبالتالي تُرجمت أعماله إلى العديد من لغات‬ ‫حكاية ألس��رة أوريليانو على م��دار عشرة عقود‬ ‫العالم‪ ،‬وطبع منها ماليين النسخ‪ ،‬ويرجح بأن‬ ‫من الزمان‪ ،‬ململماً هذا الزمان باقتدار وبراعة‬ ‫أحد عوامل رواج أعماله‪ ،‬إضافة لما سبق‪ ،‬جمعه‬ ‫بالغين‪ ،‬بما فيه من غرائب األح��داث‪ ،‬وخوارق‬ ‫بين األدب البوليسي والخيال العلمي‪ .‬إال أنّ هذا‬ ‫الوقائع‪ ،‬ودخائل المشاعر‪ ،‬ودقائق التحليالت‪،‬‬ ‫االنتشار لم يمنع النقاد من اإلشارة إلى «تسطيح‬ ‫وع�ظ��ائ��م ال�م�ف��اج��آت‪ ،‬ووظ ��ف م��ارك�ي��ز موهبته‬ ‫الثقافة» في رواي��ات��ه‪ ،‬وتدني وع��ي واهتمامات‬ ‫ليروي قصة هذه األسرة التي كانت الغواية هي‬ ‫صناع الثقافة أنفسهم كسبب لهذا الرواج أيضا‪،‬‬ ‫القاسم المشترك في حياتها نسا ًء ورجاالً‪ ..‬حتى‬ ‫ما أسهم في توتّر عالقة موراكامي بالكثير من‬ ‫امتدت لعنتها إلى آخر سليل منهم‪.‬‬ ‫النقّاد‪.‬‬ ‫إال أنّ الدكتور جابر عصفور يُلمِ ح في إحدى‬ ‫وف��ي مقابل تخفف م��وراك��ام��ي م��ن التقاليد‬ ‫م�ق��االت��ه إل��ى أن ال� ��رواج ال�ه��ائ��ل ل �ه��ذه الرواية‬ ‫اليابانية‪ ،‬يطفو تساؤل موشوم بالريبة‪ ،‬في معرض‬ ‫ل��م يكن نتيجة الخصائص الفنية العالية لها‪،‬‬ ‫الحديث عن سر انتشاره واالهتمام العالمي به‪،‬‬ ‫وإن �م��ا ه��و نتيجة ت�ن��اول�ه��ا ال �ع�لاق��ات المحرمة‬ ‫يتمحور حول سبب اهتمامه بالعادات واألغاني‬ ‫“سفاح المحارم” ال��ذي مثّل الثيمة األساسية‬ ‫األم��ري �ك �ي��ة‪ ..‬وأس��ال�ي��ب المعيشة االستهالكية‬ ‫في الرواية‪ ..‬في الوقت الذي يناسب مثل هذا‬ ‫ال�س��ري�ع��ة‪ ،‬ف��ي رب��ط واض ��ح ب��أس��ال�ي��ب العولمة‬ ‫الموضوع المخيلة الغربية التي تقلبت في ألوان‬ ‫االقتصادية‪.‬‬ ‫ال ُمتَع واعتادتها‪ ،‬فأصبحت مهيّأة ألن يدغدغها‬ ‫رواج روايات ذات قيمة فنية عالية‪:‬‬ ‫ما هو أبعد منها‪.‬‬ ‫وب��ال��رج��وع ل��رواي��ة “دون كيخوته” لمؤلفها‬ ‫سيرفانتس‪ ،‬وال�ت��ي تعد ال��رواي��ة األك�ث��ر رواجا‬ ‫منذ طبعتها األولى الصادرة عام ‪1605‬م‪ ،‬حيث‬ ‫طبعت (‪ )500‬مرة باللغة اإلسبانية و(‪ )200‬مرة‬ ‫باإلنجليزية‪ ،‬وما يعادلها في الفرنسية‪ ،‬وترجمت‬ ‫إلى معظم لغات األرض‪ .‬ويذكر قول لفونتس إن‪:‬‬ ‫«لوائح الكتب األكثر رواج��ا في الخمسين سنة‬ ‫الماضية‪ ،‬ه��ي مقبرة كالحة لكتب ميتة رغم‬ ‫بعض اإلس�ت�ث�ن��اءات الحية»‪ ،‬إال أنّ ه��ذا القول‬ ‫ال ينفي أن هذه األعمال الخالدة‪ ،‬والتي شملت‬ ‫أيضاً مسرحيات شكسبير‪ ،‬نجحت في مالمسة‬

‫اجلوبة ‪ -‬ربيع ‪1433‬هـ ‪43‬‬


‫أعماق قصية من الذات البشرية‪ ،‬ما جعل تناولها تناولته من مفاهيم دينية‪ .‬وجاء في نص حيثيات‬ ‫واالهتمام بها ال يقتصر على عالم األدب‪ ،‬بل منحه للجائزة أنه تأثر بمفكرين غربيين كماركس‬ ‫يمتد إلى العلوم اإلنسانية األخرى كعلم النفس وداروين وفرويد(‪.)7‬‬ ‫مثالً‪ ،‬حيث مثّلت هذه األعمال نماذج خضعت‬ ‫ولم تشكّل الرواية إثارة كبرى‪ ،‬جرّاء موضوعها‬ ‫لتشريح وأدوات هذه العلوم‪ ..‬وألهمت عدداً من‬ ‫ال��رئ�ي��س فحسب‪ ،‬ول�ك��ن أي�ض��ا بسبب تكنيكها‬ ‫روادها‪.‬‬ ‫الذي كان يمثل تخليا تاما عن األسلوب العتيق‬ ‫“أوالد حارتنا” الجودة والجدل قاداها للرواية الوصفية‪ ،‬وباإلفادة من التاريخ الديني‬ ‫بشكل رمزي‪ ،‬أوحت الرواية بأن النظام الجديد‬ ‫إلى نوبل‪:‬‬ ‫تعد رواي ��ة “أوالد حارتنا”‪ ،‬للراحل نجيب لن يختلف كثيرا في نهاية المطاف عن النظم‬ ‫محفوظ‪ ،‬أبرز أمثلة المنتج الروائي العربي الذي القديمة‪ ،‬وق��د فعلت ال��رواي��ة ذل��ك ب��ذك��اء قوي‬ ‫توافرت فيه غالبية األسباب الممهدة للرواج‪ ،‬من وثاقب بدا وكأنه حول خيبة األم��ل السياسية‪-‬‬ ‫جرأة وجدة في التكنيك ابتعد بها عن األسلوب أو حتى ال�ي��أس السياسي‪ -‬إل��ى ح��ري��ة جديدة‬ ‫ال��وص�ف��ي المعتاد‪ ،‬واخ �ت��راق للتابوهات وعلى للتعبير(‪.)8‬‬

‫رأسها تابو الدين‪ ،‬ما أدى بالضرورة إلى تحولها س��ح��ر ال���ش���رق ي��س��ه��م ف���ي رواج رواي����ات‬ ‫لمادة مثيرة للجدل والنزاع‪ ،‬وأدى الصراع حولها غربية‪:‬‬ ‫عبر وسائل اإلعالم لدفعها للواجهة أكثر‪.‬‬

‫ولعل رواية في األدب العربي المعاصر‪ -‬على‬ ‫كثرة الروايات التي أثارت ضجيجا‪ -‬لم يكن لها‬ ‫م��ن ال �ص��دى والضجيج م��ا ك��ان ل��رواي��ة “أوالد‬ ‫حارتنا”‪ ،‬وهي قصة لم تجد طريقها للنشر إال‬ ‫عبر ردود أفعال عنيفة‪ ،‬وق��د اهتم بها دارسو‬ ‫األدب العربي من األجانب والمستشرقين اهتماما‬ ‫خاصا‪ ،‬وأف��ردوا لها جانبا ب��ارزا من دراساتهم‬ ‫ح��ول أدب نجيب محفوظ‪ ،‬ل��درج��ة أن��ه ل��م تكد‬ ‫تخلو ترجمة إلحدى رواياته إلى اإلنجليزية من‬ ‫حديث عنها في المقدمة‪ ،‬ومناقشة لقضاياها‬ ‫الفلسفية الجريئة التي أثارتها‪ .‬كما أنها كانت‬ ‫على رأس حيثيات منح صاحبها جائزة نوبل في‬ ‫اآلداب عام ‪1988‬م‪ ،‬بوصفها رواية غير عادية‪،‬‬ ‫وج��اء ذكرها صراحة كذلك في الخطاب الذي‬ ‫ألقاه سكرتير لجنة الجائزة في حفل التسليم‬ ‫باستوكهولم‪ ،‬إذ أشار في غضون إطرائه إلى ما‬

‫‪44‬‬

‫اجلوبة ‪ -‬ربيع ‪1433‬هـ‬

‫يعتقد الباحث األلماني هارتموث فاندريش‬ ‫أن االنتشار ال��ذي حققته حكايات “ألف ليلة‬ ‫وليلة” في الغرب‪ ،‬هو أحد األسباب التي أدت‬ ‫إل��ى إح�ج��ام ال�ق��ارئ الغربي ع��ن األدب العربي‬ ‫المعاصر‪ ،‬نتيجة تطلعاته أن يشابه كافة اإلنتاج‬ ‫العربي المترجم هذه الحكايات‪ ،‬وفي هذا السياق‬ ‫يلحظ أن المؤلفين العرب المهتمين بالخرافة‬ ‫الشرقية تعد مؤلفاتهم األكثر رواجا بين أقرانهم‬ ‫في الغرب‪.‬‬ ‫وق��ري �ب �اً م��ن ه���ذا‪ ..‬ن�ج��د أن ال��روائ��ي أمين‬ ‫معلوف ال ��ذي ي�ص��در رواي��ات��ه بالفرنسية‪ ،‬قد‬ ‫تلمس هذه الحالة لدى القارئ الغربي حين صب‬ ‫اهتمامه على التاريخ‪ ،‬وأول��ى منطقة المشترك‬ ‫الغربي الشرقي م��زي��داً م��ن عنايته‪ ،‬حين كتب‬ ‫“ليون اإلفريقي”‪ ،‬وكتاب “الحروب الصليبية كما‬ ‫رآها العرب”‪.‬‬


‫م������������ل������������ف ال������������ع������������دد‬

‫ول��م يتوقف األم��ر عند ه��ذا الحد‪ ،‬إذ أسهم‬ ‫س�ح��ر ال �ش��رق أي �ض��ا ف��ي رواج رواي� ��ات غربية‬ ‫اتخذت من أساطير الشرق ثيمة لها‪ ،‬ومنها رواية‬ ‫“الرجل الخفيّ ” لهيربت جورج ويلز‪ ،‬حيث بساط‬ ‫الريح‪ ،‬ومصباح عالء الدين‪ ،‬وإكسير الشباب‪،‬‬ ‫وحجر الفالسفة‪ ،‬وطاقية اإلخفاء‪ ،‬جميعها أفكار‬ ‫خيالية ول��دت في الشرق قبل الغرب‪ ،‬ونُسجت‬ ‫حولها قصص لم يصل منها إال القليل‪ ،‬وطاقية‬ ‫اإلخفاء بالذات استعارها الغرب كثيراً وطوروها‬ ‫بما يتناسب مع الروح العلمية لهذا العصر‪.‬‬

‫منها‪ :‬مشكلة ال �م��وت وال �خ �ل��ود‪ ،‬وال �ص��راع بين‬ ‫الحياة والموت‪ ،‬وقد انتقل أثر الملحمة إلى آداب‬ ‫األمم القديمة‪ ،‬وشاعت مفاهيمها في أساطير‬ ‫الشعوب المجاورة لحضارة بالد الرافدين(‪،)10‬‬ ‫وقد يشير هذا ال��رواج إلى دور ما هو أبعد من‬ ‫ال�ن��وازع الحسية القريبة في ال ��رواج‪ ،‬فالنوازع‬ ‫العميقة لإلنسان‪ ..‬كحب الحياة‪ ،‬وخشية الموت‪،‬‬ ‫والبحث عن أصل هذه الحياة‪ ،‬هي إحدى المحاور‬ ‫األساسية المساهمة في الرواج أيضاً‪.‬‬ ‫وف��ي العصر الحديث صنف كتاب “أغاني‬ ‫غجرية”‪ ،‬وه���و أه���م دي � ��وان ش �ع��ري للشاعر‬ ‫اإلسباني فريديريكو لوركا‪ ،‬ضمن قائمة أشهر‬ ‫مئة كتاب ورواي��ة‪ ،‬ويدخل ضمن القائمة نفسها‬ ‫أيضا “شعلة قنديل” لغاستون باشالر‪.‬‬

‫وكانت الفكرة القديمة ت��دور ح��ول اكتشاف‬ ‫طاقية سحرية (أو أي وسيلة مشابهة) تتيح لمن‬ ‫يلبسها االختفاء عن أنظار البشر‪ .‬إال أنّ ويلز‬ ‫طورها ألول مرة في روايته “الرجل الخفي” عام‬ ‫‪1897‬م‪ ،‬ويمكن ال�ق��ول إن ه��ذه ال��رواي��ة شكلت‬ ‫وفي الشعر العربي راج شعر محمود درويش‬ ‫أول حلقة حديثة ف��ي سلسلة رواي���ات وأفالم‬ ‫ومسلسالت ت��دور ح��ول ال�م��وض��وع نفسه‪ ..‬بل نتيجة تبنية قضية فلسطين ذات البعد اإلنساني‪..‬‬ ‫إضافة إلى قيمته الفنية العالية‪.‬‬ ‫وتحت العنوان نفسه(‪.)9‬‬ ‫أما فيما يخص أعمال شعرية حديثة اختلف‬ ‫هل تختلف دواعي الرواج الشعري عن‬ ‫النقاد ح��ول قيمتها الفنية‪ ،‬فقد الق��ت قصائد‬ ‫دواعي الرواج الروائي؟‬ ‫الشاعر ال��راح��ل ن��زار قباني رواج��ا كبيراً‪ ،‬في‬ ‫هل نحتاج إلى مناقشة أسباب ودواع أخرى الوقت ال��ذي وصفت فيه بالشعبية والمخاطبة‬ ‫حين نتح ّدث عن رواج الشعر؟ أم أن ثمة دواع للغرائز‪.‬‬ ‫بشرية مشتركة بين المجالين؟ هل أسباب رواج‬ ‫سوسيلوجيا األدب‬ ‫األعمال الشعرية هي ذاتها أسباب رواج الرواية‪،‬‬ ‫خاصة وأن رواج الشعر شمل هو اآلخر‪ ،‬أعماال‬ ‫يشير النقاد والروائيون إلى األهمية البالغة‬ ‫جيدة وأخرى رديئة؟‬ ‫لرسم شخصيات وأبطال الرواية في تلقي الرواية‬ ‫عرفت ظ��اه��رة ال ��رواج الشعري مبكرا منذ‬ ‫ملحمة جلجامش‪ ،‬والتي تعد أط��ول نص أدبي‬ ‫وص��ل من ثقافة المشرق العربي القديم‪ ،‬وهي‬ ‫نص شعري طويل مكتوب باللغات السومرية‪،‬‬ ‫واآلكادية والبابلية‪ ،‬وموزع على اثني عشر لوحا‬ ‫فخاريا‪ ،‬وتعالج الملحمة قضايا إنسانية مركزية‪،‬‬

‫وتقبلها‪ ،‬مؤكدين وج��ود أس�ب��اب ودواف ��ع ذاتية‬ ‫وراء إقبال القارئ على ق��راءة رواي��ة واإلعجاب‬ ‫بأبطالها‪ ،‬فبعض القراء يميل إلى القراءة حول‬ ‫الشخصيات التي تشبهه‪ ،‬وثمة ق��راء يدعوهم‬ ‫الفضول للقراءة حول الشخصيات التي يجهلونها‪،‬‬ ‫وه�ك��ذا يميل آخ��رون للقراءة ع��ن الشخصيات‬

‫اجلوبة ‪ -‬ربيع ‪1433‬هـ ‪45‬‬


‫الجريئة والمغامرة‪ ،‬فيما يميل صنف آخر إلى العلمي‪ ،‬للوصول إلى نتائج رقمية دقيقة‪.‬‬ ‫ق��راءة جمل غير متوقعة‪ ،‬ويرغب في أن تشكّل‬ ‫ولعل هذا المقال أغفل أسبابا أخرى لم يتسع‬ ‫بعض العبارات مفاجأة له أثناء قراءته للكتاب‪ ،‬المجال الستقصائها‪ ،‬وأسبابا ثالثة غير معروفة‪،‬‬ ‫فالسر يكمن في مالمسة الكتاب لدافع ذاتي كما فاإلنسان ال يزال لغزا محيرا أمام العلم‪ ،‬إال أنّ‬ ‫يعبّر الغذامي في كتابه (اليد واللسان)‪ ،‬كما أنه تقدّمه سيكشف بال شك عن مزيد من تفاصيله‬ ‫يشير إلى الدور الكبير الذي تلعبه العناوين في وأعماقه‪ ،‬وهو ما نأمله‪ ..‬وبالخصوص فيما يتعلق‬ ‫الترويج للكتب(‪.)11‬‬ ‫بموضوعنا‪ ،‬لكي ال تلتبس المعايير الفنية بغيرها‬ ‫وهذه المواضيع وغيرها‪ ،‬هي ما يوليه اهتماما من المعايير األخرى‪.‬‬ ‫أحد فروع علم االجتماع (سوسيولوجيا األدب)‪،‬‬ ‫ولتقريب فكرة مدى ما يتسم به هذا الموضوع‬ ‫والذي يعنى بفهم العالقة بين ركائز ثالث هي‪ :‬م��ن س�ع��ة ك �ب �ي��رة‪ ،‬ف��إن�ن��ا نختم ب�م�ق��ول��ة لروبير‬ ‫األديب – النتاج األدبي – القارئ‪ .‬ويشرح العالقة إسكاربيت مؤلف كتاب (سوسيولوجيا األدب)‪،‬‬ ‫بين التوجهات اإلجتماعية وأرقام الكتب األكثر يشير فيها إلى التشعبات الممكنة للركائز الثالث‬ ‫مبيعاً‪ ،‬كما يهتم بالتدقيق في مصداقية ما ينشر ل�ه��ذا العلم ق��ائ�لاً‪“ :‬إن وج ��ود أف ��راد مبدعين‬ ‫من أرقام حول الكتب األكثر مبيعاً‪ ،‬واستبعاد ما يطرح مشاكل في التأويل النفساني واألخالقي‬ ‫يعد ج��زءاً من عملية الدعاية والترويج لها في والفلسفي‪ ،‬كما تطرح اآلثار نفسها مشاكل جمالية‬ ‫بعض األحيان‪.‬‬ ‫وأسلوبية ولغوية وتقنية‪ ،‬أم��ا وج��ود الجماعة‬ ‫– الجمهور‪ ،‬فيطرح مشاكل ذات طابع تاريخي‬ ‫وسياسي واجتماعي‪ ،‬بل واقتصادي أيضاً‪ .‬هناك‬ ‫على األق��ل ثالثة آالف طريقة الرت�ي��اد الحدث‬ ‫األدبي ودراسته “!!(‪.)12‬‬

‫وتؤدي مجمل عمليات هذا العلم إلى تفسير‬ ‫سبب مقروئية كتاب ما ورواجه‪ ،‬ونوع القارئ الذي‬ ‫يقبل عليه‪ ،‬ومستوى وعيه وثقافته‪ ،‬وربما شريحته‬ ‫العمرية ون��واق�ص��ه‪ .‬فمن خ�لال السوسيلوجيا‬ ‫نعرف مثال بأن قارئ رواية تحتفي بمتع الجسد‪،‬‬ ‫الفن‬ ‫الرواية السعودية بين مالمح ّ‬ ‫يمكن أن يكون مراهقا‪ ،‬أو يعاني من كبت جنسي‪،‬‬ ‫ومالمح المجتمع‬ ‫ال يعود‬ ‫ونفهم بأن رواج رواية كعمارة يعقوبيان مث ً‬ ‫يعد الصعود المفاجئ الذي م ّر به إنتاج الرواية‬ ‫في الدرجة األولى الختراقها الخطوط الحمراء‪،‬‬ ‫ال�س�ع��ودي��ة ف��ي ال�س�ن��وات العشر األخ �ي��رة مجاالً‬ ‫واعتبارها متجاوزة وجريئة‪ ،‬كونها طرحت في‬ ‫خصباً للدراسات االجتماعية واألدبية‪ ،‬فقد بلغ‬ ‫مرحلة وصفت بتقييد الحريات‪.‬‬ ‫مجمل عدد الروايات السعودية في فترة ‪-1990‬‬ ‫ونعرف أن الفضول الذي يدور حول المجتمع ‪2008‬م أكثر من (‪ )400‬رواية‪ ،‬مقابل (‪ )120‬رواية‬ ‫النسائي السعودي المغلق محفز كبير لإلقبال في فترة ‪1930‬ــ ‪1989‬م‪ ،‬وهو أمر يدعو الباحثين‬ ‫على رواية “بنات الرياض” مثال‪ .‬إال أن ك ّل ذلك والمهتمّين إلى دراسة الدواعي االجتماعية لهذه‬ ‫ال ي�ت� ّم اع�ت�ب��اط�اً‪ ،‬أو م��ن خ�لال ت��أم�لات نظرية الطفرة‪ ،‬وم��ا سينجم عنها من ارت ��دادات الحقة‬ ‫وح �س��ب‪ ،‬ب��ل م��ن خ�ل�ال آل �ي��ات علمية تتوسل على مستوى المجتمع‪ ،‬كما يدعو النقّاد إلى دراسة‬ ‫باألرقام واالستبانات وغيرها من أساليب البحث الخصائص الفنّية لهذا الكم من اإلنتاج‪.‬‬

‫‪46‬‬

‫اجلوبة ‪ -‬ربيع ‪1433‬هـ‬


‫وتأتي ثيمة مكانة وواقع المرأة السعودية ونقد‬ ‫الفكر ال��ذك��وري‪ ،‬ك��واح��دة من األم��ور التي تبنّت‬ ‫الرواية السعودية مهمّة النهوض بها لنقد الواقع‬ ‫وكشف ما به من ع��ورات‪ ،‬وقد قام بهذه المهمّة‬ ‫عدد من الكتّاب‪ ،‬إال أنّ الحمل األكبر منه قامت‬ ‫ونرى في روايات عبدالعزيز مشري الرجوع إلى به المرأة نفسها‪ ،‬إذ كان عدد الروايات السعودية‬ ‫ال (‪ )41‬رواية‪ ،‬يشكّل‬ ‫الماضي (الفردوس) في مقابل الحاضر المُدان‪ ،‬الصادرة في عام ‪2006‬م مث ً‬ ‫ولكنّ هذه السمة الذاتية ذات االمتداد اإلنساني إنتاج المرأة فيها (‪ )20‬رواية‪.‬‬ ‫في رواي��ات مشري لم تسهم في رواج واس��ع له‪،‬‬ ‫ومن جهة أخ��رى‪ ،‬ف��إنّ (‪ )20‬كاتباً وكاتبة من‬ ‫وإن حجزت السمه مكاناً مميزاً في تاريخ الرواية هؤالء لم يسبق لهم الكتابة في أي مجال أدبي قبل‬ ‫ال �س �ع��ودي��ة‪ ،‬ب �خ�لاف ال�ك�ث�ي��ر م��ن رواي� ��ات حقبة ذلك‪ ،‬ما يشير إلى دور الدور الذي لعبه اإلنترنت‬ ‫الطفرة ذات العمر القصير‪ ،‬والطابع اإلعالني في االنفتاح‪ ،‬وفي تدرّب الجيل الشاب من الكتّاب‬ ‫واالستهالكي السريع‪.‬‬ ‫على الكتابة‪ ،‬ودفعهم تجاه اإلنتاج‪.‬‬

‫وي��ت��ك��رر األم � ��ر ن �ف �س��ه م ��ع رواي� � ��ة “الغيمة‬ ‫الرصاصية” ال ��رواي ��ة ال��وح �ي��دة ل�ل�ش��اع��ر علي‬ ‫ال��دم�ي�ن��ي‪ ،‬ف�ق��د ك��ان��ت أق ��رب إل��ى م ��زاج النخبة‬ ‫منها إلى مزاج زمن الطفرة‪ ،‬الذي ارتبط بقدوم‬ ‫اإلن�ت��رن��ت‪ ،‬واالن�ف�ت��اح اإلع�لام��ي ال��ذي ت�لا حرب‬ ‫الخليج‪ ،‬وأحداث الحادي عشر من سبتمبر التي‬ ‫أثارت المجتمع باتجاه إعادة حساباته إزاء بعض‬ ‫الفهم الديني المتشدد‪.‬‬ ‫إال أنّ المشهد الروائي لزمن (ما قبل الطفرة)‬ ‫ف��ي مجمله ك��ان م��واك �ب��ا‪ ً،‬ب��ل وم�م�ه��داً لزحزحة‬ ‫العصر باتجاه االنفتاح والحرية والعولمة‪ ..‬بما‬ ‫ل�ه��ذه الخصائص م��ن إي�ج��اب� ّي��ات‪ ،‬ول�ك��ن بما لها‬ ‫أيضاً من طابع السرعة واالستهالك‪ ،‬مع وجود‬

‫م������������ل������������ف ال������������ع������������دد‬

‫ويمكننا تطبيق المالمح العامة‪ ،‬التي سبق أن‬ ‫تناولناها هنا‪ ،‬وال�ت��ي أسهمت ف��ي رواج الرواية‬ ‫السعودية كاختراق التابوهات في “بنات الرياض”‬ ‫مثالً‪ ،‬ولكننا نعود إلى رواي��ات قبلها أسهمت في‬ ‫التمهيد للمشهد الروائي الحديث‪ ..‬كرواية “شقة‬ ‫الحرية” وروايات غازي القصيبي األخرى‪ ،‬وروايات‬ ‫تركي الحمد‪ ،‬التي كشفت صراع األيديولوجيات‪،‬‬ ‫وتحطّ م المثاليات على صخرة ال��واق��ع‪ ..‬فكانت‬ ‫عوالمها جاذبة لجمهور عريض لم يتعرّف على مثل‬ ‫هذه التيّارات في الواقع السعودي‪ ،‬بالرغم مما ثار‬ ‫من جدل حول االلتزام الفني في هذه الروايات‪.‬‬

‫بعض االستثناءات التي شقّت طريقها الخاص‪..‬‬ ‫الذي جمع بين امتالكه بعض دواع��ي ال��رواج من‬ ‫ج�ه��ة‪ ،‬وإخ�لاص��ه ل�ل��رواي��ة ك�ف��نّ م��ن جهة أخرى‪،‬‬ ‫وتعد الروائية رج��اء عالم على رأس الروائيين‬ ‫المخلصين للعوامل الفنيّة ل�ل��رواي��ة ب�ع�ي��داً عن‬ ‫عوامل التلقي الشعبي لها‪.‬‬

‫وتشير مجمل التحليالت إلى أنّ صعود الرواية‬ ‫المستمر في الحقبة األخيرة‪ ،‬ليس معزوالً عن‬ ‫السياق الثقافي واالجتماعي في الداخل والخارج‪.‬‬ ‫إذ يشير الدكتور صالح زيّاد إلى أن الفكرة النقدية‬ ‫شهدت تحوالً جوهرياً نحو النقد الثقافي الذي‬ ‫انصب على إبراز العيوب الثقافية النسقية‪ ،‬وتعرية‬ ‫نماذجها ف��ي السلوكيات وال��ع��ادات واألع ��راف‬ ‫والنصوص التي لم تعد قيمة جمالية شكلية‪ ،‬بل‬ ‫أصبحت وثيقة ثقافية ال تقل النكتة أو الطرفة‬ ‫العابرة فيها أهمية عن القصيدة العصماء‪ .‬وال‬ ‫تفترق القصة أو الحكاية الشعبية عن المثل‪ ،‬أو‬ ‫عن الرواية‪ ،‬أو أي مدونات تراثية تتسم بالحكمة‬ ‫وتنزل منزلة نفيس القول(‪.)13‬‬

‫اجلوبة ‪ -‬ربيع ‪1433‬هـ ‪47‬‬


‫وترتكز اهتمامات النقد الثقافي على الكشف‬ ‫عن أبوية المجتمع وذك��وري�ت��ه‪ ،‬وع��ن االستبداد‬ ‫بوصفه معنى ثقافياً‪ ،‬كما شغلت قضية المرأة‬ ‫والتمييز الجنسي جانباً أس��اس�اً من اهتمامه‪،‬‬ ‫وبرزت في هذا الصدد كتب عبدالله الغذامي‪:‬‬ ‫“ثقافة الوهم” و“المرأة واللغة” و“النقد‬ ‫الثقافي”‪ ،‬وكتاب سعيد السريحي حجاب العادة‪:‬‬ ‫أركيولوجيا ال�ك��رم م��ن التجربة إل��ى الخطاب‪،‬‬ ‫و“نص المرأة” لعالي القرشي‪ ،‬ومقاالت سعاد‬ ‫ال �م��ان��ع ع��ن ال�ت�ح�ي��ز ض��د ال��م��رأة و“تمثيالت‬ ‫الجسد” لمعجب ال��زه��ران��ي‪ ...‬وغ�ي��ره��ا‪ .‬كما‬ ‫برز االهتمام بدراسة التحيز الثقافي لدى سعد‬ ‫البازعي في كتابيه‪“ :‬استقبال اآلخر” و“المكون‬ ‫اليهودي في الحضارة الغربية”(‪.)14‬‬ ‫وفي المجمل‪ ..‬فإن مالمح الرواج التي تمّت‬ ‫مناقشتها في الفقرات السابقة ال تختلف في‬ ‫تطبيقها على المنتج ال��روائ��ي ال�س�ع��ودي‪ ،‬وما‬ ‫يصحّ هناك يصحّ هنا‪ ،‬فعوامل ال��رواج الناشئة‬ ‫عن اآلني واالستهالكي سوف يفرز نتائج قصيرة‬ ‫ال �م��دى‪ ،‬وال���رواج المصحوب بالنواحي الفنيّة‬ ‫الالزمة والمالمس لألبعاد اإلنسانية العميقة‪،‬‬ ‫سينال حظاً أوف��ى م��ن البقاء ف��ي ذاك ��رة الفنّ‬

‫الرصين‪ ،‬كما يشير النقّاد إلى أنّ فترة الك ّم هذه‬ ‫سينتج عنها تغيّر نوعي في الكتّاب والمتلقّين‪،‬‬ ‫وانحسار الموجة التي ستؤول إلى تقلّص عدد‬ ‫الروايات الصادرة‪.‬‬ ‫وقد تصبح األعمال عالية الفنيّة الحالية التي‬ ‫تنزوي في الظ ّل بفعل تسليط األضواء على أعمال‬ ‫حققت معادلة الرواج‪ ،‬قد تصبح رائجة في زمن‬ ‫الح��ق‪ ..‬إذا تحققت الظروف الالزمة لرواجها‪،‬‬ ‫كما هو الحال في عدد من األمثلة العالمية التي‬ ‫حققت ح�ض��وره��ا ف��ي أواخ ��ر ح�ي��اة ال�ك��ات��ب أو‬ ‫الفنّان‪ ..‬أو حتّى بعد وفاته‪ ،‬بفعل عوامل رواج‬ ‫كامنة تتصل بالعمق اإلنساني‪ ،‬وبتغيّر طبيعة‬ ‫المتلقّي‪ ،‬وبفعل ما تتضمّنه األعمال من نظرة‬ ‫استشرافية واسعة‪.‬‬ ‫إال أن ال��زي��ادة المفاجئة ف��ي الكم الروائي‬ ‫ال�س�ع��ودي ستبقى ع�لام��ة تاريخيّة ذات أبعاد‬ ‫اجتماعية وثقافية وسياسية أكثر منها أدبية‬ ‫وف�ن� ّي��ة‪ ،‬وق��د كشفت بعض ال��دراس��ات األدبية‬ ‫والثقافية عن بعض هذه الجوانب‪ ،‬إال أنّ المجال‬ ‫ال يزال خصباً للمزيد من الدراسات االجتماعية‪..‬‬ ‫التي ال تزال العناية بها متواضعة‪ ،‬وال سيما في‬ ‫الجانب التطبيقي‪.‬‬

‫(‪ )1‬د‪ .‬محمد برادة‪ ،‬الرواية العربية ورهان التجديد‪ ،‬كتاب دبي الثقافية‪ ،‬مايو ‪2011‬م‪ ،‬ص‪.103‬‬ ‫(‪ )2‬د‪ .‬محمد برادة‪ ،‬المصدر السابق‪،‬ص‪.104‬‬ ‫(‪ )3‬جابر عصفور‪ ،‬حوار مع مجلة روز اليوسف العدد ‪ - 4275‬السبت الموافق ‪ 15 -‬مايو ‪2010‬م‪.‬‬ ‫(‪ )4‬روجر أالن‪ ،‬حوار في جريدة المصري في ‪ 13‬مايو ‪2010‬م‪.‬‬ ‫(‪ )5‬روجر أالن‪ ،‬حوار في جريدة المدينة في ‪2010 -5 -26‬م‪.‬‬ ‫(‪ )6‬محمد براده‪ ،‬مصدر سابق‪ ،‬ص ‪.105‬‬ ‫(‪ )7‬د‪ .‬محمد يحيى ومعتز شكري‪ ،‬كتاب الطريق إلى نوبل ‪1988‬م‪ ،‬عبر حارة نجيب محفوظ‪ ،‬ص‪ ،5‬ص‪،6‬ص‪10‬‬ ‫(‪)8‬المصدر السابق‪،‬ص‪.19‬‬ ‫(‪ )10( ،)9‬قائمة أشهر مئة رواية وكتاب‪.‬‬ ‫(‪ )11‬عبدالله الغذامي‪ ،‬اليد واللسان‪ ،‬القراءة واألمية ورأسمالية الثقافة‪1432،‬هـ‪ ،‬ص‪.59‬‬ ‫(‪ )12‬روبير إسكاربيت‪ ،‬سوسيولوجيا األدب‪ ،‬تعريب آمال أنطوان عرموني‪ ،‬الطبعة الثالثة ‪1999‬م‪ ،‬دار عويدات للنشر‬ ‫والطباعة‪ ،‬بيروت‪ ،‬ص‪.6‬‬ ‫(‪ )14( ،)13‬صالح زياد‪ ،‬مجلة القافلة‪ ،‬العدد ‪2007 ،26‬م‬

‫‪48‬‬

‫اجلوبة ‪ -‬ربيع ‪1433‬هـ‬


‫> مالك اخلالدي‪ -‬من السعودية‬

‫م������������ل������������ف ال������������ع������������دد‬

‫هوية الرواية‪ :‬تساؤل أدبي أم أزمة ثقافية؟!‬

‫ما تزال أزمة هوية الرواية العربية منذ ولوجها المشهد األدبي العربي في بدايات القرن التاسع‬ ‫عشر على أشدها‪ ،‬رغم المراحل العديدة التي قطعتها‪ ،‬وصوال لجائزة نوبل وما بعدها‪ .‬فقد بقي هذا‬ ‫النوع األدبي محل اجتهادات تتنازعها األيديولوجيات‪ ،‬وتجري به األقالم وفق الجماليات التي تراها‪،‬‬ ‫أو األفكار التي تؤمن بها؛ لذا‪ ،‬بقيت هوية الرواية العربية األمر المجهول المسكوت عنه‪ ،‬ابتعاد ًا عن‬ ‫التوترات التي ال يمكن السيطرة عليها أو حلها بما يرضي جميع األطياف‪ ،‬إضافة إلى اعتياد المتلقي‬ ‫على الرواية ذات المالمح الغربية منذ هطولها األول‪ ،‬رغم الثورات الثقافية القومية التي م َّر بها العالم‬ ‫العربي‪ ،‬إبَّان االستعمار‪ ،‬والممانعات التي ظهرت ‪ -‬وما تزال ‪ -‬بسبب الصحوة الدينية في كثير من‬ ‫البلدان العربية‪.‬‬ ‫وه��ذا م��ا ي��ؤك��ده الباحث أحمد ال�ي�ب��وري في‬ ‫كتابه (الرواية العربية‪ ،‬التكوين واالشتغال) حين‬ ‫يقول‪« :‬و قد نبتت أثناء عصر النهضة طائفة من‬ ‫المثقفين ثقافة أجنبية‪ ،‬اطلعوا على ضروب آداب‬ ‫الغرب‪ ،‬وكثير من هؤالء ينتسبون إلى تلك الرقعة‬ ‫العربية الواسعة التي تسمى الشام‪ ،‬فعكفوا على‬ ‫الترجمة‪ ،‬وق� ّرب��وا إل��ى العربية جملة من األدب‬ ‫القصصي وم��ن أدب المسرح‪ ،‬فلقي ه��ذا اللون‬ ‫الجديد حفاو ًة وقبوالً عند القراء العرب»‪ .‬ما أدى‬ ‫إلى ارتباك الرواية في بدايتها على مستوى البنية‬ ‫والهوية الثقافية‪ ،‬فاختلطت بعض األجناس األدبية‬ ‫ببعضها‪ ،‬واحتدم الصراع الثقافي ال��ذي يعكس‬ ‫توتر األنا لدى المثقف؛ فعلى سبيل المثال‪ ،‬بدا‬ ‫ذلك ظاهراً في حديث عيسى بن هشام لمحمد‬ ‫المويلحي‪ ،‬الذي يعد مزيجاً من المقامة والرواية‪،‬‬ ‫ومما جاء فيها‪( :‬أظنك تريد أن يقام االحتفال بزواج‬ ‫هذا الشاب المتمدن بين األحواض والمستنقعات‬

‫في قرية أبيه‪ ،‬وبين األوباش والهمج من فالحين‬

‫ومزارعين‪ ،‬فيبدل المقاصير بالخيام‪ ..‬والكهرباء‬

‫بالمشاعل‪ ،‬و«البوفيه» بالسماط‪ ،‬و«المايونيز»‬ ‫بالعصيد‪ ،‬و»الشامبانيا» بالمزهّ ر‪ ،‬و«الكونياك»‬

‫بعرق البلح‪ ،‬و«األوكسترا» بالرباب)‪.‬‬

‫إال أن أص��وات الممانعة قد أسهمت بتعزيز‬

‫الهوية العربية في وجه المد الثقافي الغربي عبر‬ ‫الرواية‪ ،‬إذ يقول الدكتور صبري حافظ في كتاب‬

‫(تكوين الخطاب السرد العربي)‪« :‬إن المشاعر‬ ‫الوطنية التي عمت األراضي العربية خالل العقد‬ ‫ال�ث��ان��ي م��ن ال �ق��رن ال�ع�ش��ري��ن‪ ،‬وظ �ه��ور الحركات‬

‫الثقافية والفنية ال�ج��دي��دة م�ع�اً‪ ،‬ق��د تجلت في‬

‫مستويين مختلفين منذ طموح العرب إلى إثبات‬

‫هويتهم المتميزة»‪ .‬إال أن الصراعات الداخلية‬ ‫في المساحة العربية تركت هامشاً واسعاً للبعد‬ ‫األج�ن�ب��ي‪ ،‬وجعلت م��ن الهوية وت ��راً م�ت��وت��راً غير‬

‫اجلوبة ‪ -‬ربيع ‪1433‬هـ ‪49‬‬


‫واضح اإليقاع‪.‬‬ ‫ويبدو أن تساؤل الهوية المُشكِ ل ينسحبُ على‬ ‫راهن الرواية السعودية‪ ،‬حيث يبدو هذا التساؤل‬ ‫أزمة محورية يتنازعها الواقع السردي السعودي‪،‬‬ ‫بل إن من النقاد السعوديين كسعيد السريحي مَن‬ ‫يرى ندّية العالقة بين الهوية والرواية السعودية‪،‬‬ ‫ويؤكد على أن هذه العالقة أوجدتها فئة ال ترضى‬ ‫إال بسرد مثالي مغاير للواقع المُعاش‪ ،‬فقد قال‬ ‫في ندوة (السرد ومأزق الهوية) التي عُقدت في‬ ‫المركز اإلعالمي للشيخ خليفة آل نهيان‪( :‬الجدل‬ ‫بين الهوية وال��رواي��ة يعود إلى ما تمثله األخيرة‬ ‫م��ن ت�ح� ٍ�د لمفهوم ال�ه��وي��ة ف��ي بُ�ع��ده��ا المعياري‬ ‫المحافظ‪ ،‬ال��ذي ينظر إلى التغيرات التي تطرأ‬ ‫على المجتمع على أنها مجرد ان�ح��راف��ات عما‬ ‫ينبغي أن نكون عليه‪ ،‬ظلت الهوية إجابة عن سؤال‬ ‫يسعى إلى تحديد مفهوم الهوية وفق صيغة‪ :‬كيف‬ ‫ينبغي لنا أن نكون؟ وحين جاءت الرواية طرحت‬ ‫صيغة أخرى للسؤال المحدد للهوية تتمثل في‪:‬‬ ‫كيف نحن اآلن؟ وإن كانت الصيغة األولى تنتهي‬ ‫إل��ى تكريس مبدأ الوصاية على المجتمع‪ ،‬فإن‬ ‫الصيغة الثانية التي تطرحها الرواية تنتهي إلى‬ ‫االعتراف بحرية المجتمع»‪.‬‬

‫لذا‪ ،‬نجد أن هوية الرواية ما تزال محل نزاع‬ ‫ثقافي فكري‪ ،‬وق��د تجلّت في صورتين‪ ،‬األولى‬ ‫واق �ع �ي��ة ت�ج�ن��ح ل�ل�ت�ح��رر األي��دي��ول��وج��ي وترفض‬ ‫الوصاية الفكرية‪ ،‬وقد ظهرت لدى أشهر الروائيين‬ ‫السعوديين كعبده خال‪ ،‬وأميمة الخميس‪ ،‬ورجاء‬ ‫عالم‪ ،‬ويوسف المحيميد‪ ،‬والثانية مثالية‪ ..‬تجنح‬ ‫للتقيد بالضوابط الشرعية والعرفية‪ ،‬وترفض‬ ‫انتهاج المنهج ال�س��ردي الثقافي الغربي‪ ،‬ولعل‬ ‫في طليعتهم الدكتور محمد الحضيف‪ ..‬إال أن‬ ‫ال��رواي��ات في صورتها ه��ذه بقيت محدودة على‬ ‫مستوى البنية والفكرة والجمهور‪ ،‬فيما حققت‬ ‫الروايات في صورتها األولى تمدداً الفتاً‪ ،‬وجنت‬ ‫العديد من الجوائز العربية والعالمية‪.‬‬

‫ولعل انحسار الرواية بهويتها المحافظة في‬ ‫قالب الوعظ‪ ،‬وفي إطار مواضيع محددة وبعيداً‬ ‫ع��ن الخطوط الحرجة التي تالمس المجتمع‪،‬‬ ‫أضعف فنيتها وأفقدها جمهوراً ليس بالقليل‪،‬‬ ‫وأبعدها عن دوائر المنافسات األدبية‪ ،‬لذا بقيت‬ ‫الهوية المحافظة على مستوى الرواية متوارية‪،‬‬ ‫وصعدت الهوية الثقافية التي تنشد الحرية وتنزع‬ ‫إل��ى فتح األب��واب المواربة‪ ..‬إال أننا ال نستطيع‬ ‫القول بأنها هي ما يمثل هوية الرواية السعودية‪،‬‬ ‫وفي حديث السريحي‪ ..‬تتجلى لنا أزمة الهوية فاألمر لم يُحسم بعد‪ ،‬ولعله مخاض تمر به الرواية‬ ‫في أشد صورها احتداماً‪ ،‬ويقابله الروائي محمد السعودية‪ ..‬السيما وقد وصلت للتوهج واألضواء‬ ‫الشمراني من الطرف اآلخر الذي يشاطره التأكيد وهي ما تزال في مرحلة البناء‪.‬‬ ‫لعلنا نتفق على أن الرواية السعودية هي عربية‬ ‫على حدة األزمة‪ ،‬ويخالفه في سببها حين يصف‬ ‫روايته الجديدة المعنونة بـ (زوّار السفارات) بقوله‪ :‬إسالمية الروح‪ ،‬إال أنها غير واضحة المالمح‪..‬‬ ‫«هناك فصيل ثقافي معين‪ ،‬ارتبط ببعض الجهات نتيجة للتجاذبات االجتماعية والفكرية التي يمر‬ ‫األجنبية‪ ،‬حيثُ ب��اع ك��ل ش��يء وأص�ب��ح تابعاً لها بها المجتمع السعودي بعمومه‪ ،‬والنخبة المثقفة‬ ‫في كل شيء‪ ،‬إنها محاولة تلمس جوانب العمالة بخاصة‪ ،‬لذا‪ ،‬يبدو البحث في هوية الرواية في‬ ‫الفكرية لهذا الفصيل لحساب قوى أجنبية مؤثرة‪ ،‬وضعها الراهن يتجاوز إط��ار التساؤل إلى أزمة‬ ‫ثقافية تشهدها المساحة األدبية السعودية‪.‬‬ ‫تحاول فرض أجندتها على المجتمع المسلم»‪.‬‬

‫‪50‬‬

‫اجلوبة ‪ -‬ربيع ‪1433‬هـ‬


‫م������������ل������������ف ال������������ع������������دد‬

‫الرواية السعودية وإنتاج املعنى‬ ‫> محمد جميل أحمد‪ -‬من السودان‬

‫إذا كان جانب المتعة المتكشف عن الكتابة الروائية‪ ،‬هو ما يسم تلك الكتابة ضمن أحد شروطها‪،‬‬ ‫فإن هناك بعض الشروط التي ترتبط بالكتابة السردية‪ ،‬وتقع في مكان ملتبس‪ ،‬يحسبه بعضنا فائضا‬ ‫عن الحاجة‪ ،‬فيما هو من أهم شروط تلك الكتابة‪.‬‬ ‫فالكتابة الروائية ليست حكيا مجانيا‪ ،‬وإن ظن بعضنا أن حكاية التفاصيل يمكن أن تكون داللة على‬ ‫ذلك‪ ..‬فإنما هو ظن في غير محله‪.‬‬ ‫ذلك أن الكتابة الروائية إذ تبدو في مظهرها السردي الممتع إطارا لحكاية ما‪ ،‬فإن ما وراء ذلك‬ ‫اإلطار من دالالت إنتاج المعنى‪ ،‬ربما تعد من أهم السمات المتصلة بمتعة الحكاية‪ ،‬بل ربما كانت هي‬ ‫الوجه اآلخر الذي تعكسه متعة السرد حين تقترن به اقترانا شرطيا‪.‬‬ ‫نشأت الرواية في العصور الحديثة كدالة تعبيرية ومواجهة واق��ع كهذا تستدعي تسخين الصراعات‬ ‫على مجتمع المدينة الذي شكلته الثورة البرجوازية بين المنظومات ذات المصالح المختلفة في الهيمنة‬ ‫في أوربا‪ ،‬وما تولّد عنها من صراع اجتماعي تاريخي عليه‪ ..‬وعلى توجيه مساراته‪.‬‬ ‫كانت الرواية التعبير األكثر قدرة على استيعابه‪.‬‬ ‫وإذا كانت الطبقات التي نشأت في أوربا ضمن‬ ‫وبهذا المعنى فقد ك��ان (ال�ص��راع) أح��د ثيمات‬ ‫ال ��رواي ��ة ال �ح��دي �ث��ة ف��ي ن�س�خ�ت�ه��ا األورب� �ي���ة‪ .‬وكان‬ ‫الروائيون في أوربا حين كتبوا سردياتهم عن الحياة‬ ‫في العصور الحديثة‪ ،‬يخوضون صراعا مع منظومة‬ ‫األفكار والمفاهيم الماضوية التي كانت لها سطوة‬ ‫وسلطة في ذهنيات بعض طبقات ذلك المجتمع‪ ،‬ما‬ ‫يعني أن هناك إنتاجاً للمعنى وراء الحكايات التي‬ ‫كانوا يكتبونها‪.‬‬

‫سيرورتها التاريخية استطاعت أن تؤسس لعالقات‬ ‫اجتماعية وس�ي��اس�ي��ة منضبطة وع��اب��رة للهويات‬ ‫البدائية‪ ،‬بحكم وض��وح مصالح تلك الطبقات عبر‬ ‫تمثلها في محددات اقتصادية ومهنية من شأنها أن‬ ‫تختزن حاالت إنسانية متسقة‪ ،‬وقابلة للتعبير عنها‬ ‫أدبيا؛ فإن ذلك النشوء الصناعي للطبقات هو تماما‬ ‫ما جعل من طبيعة التعبير عن تلك الحاالت يضمر‬ ‫تكثيفا عميقا لالختالف والتنوع‪ ،‬ال للتماثل والتطابق‬ ‫الذي تعكسه الهويات البدائية كالقبيلة والطائفة حين‬ ‫تتحكم في تصورات الناس وتحرك مشاعرهم‪.‬‬

‫وه ��ذا ال �ج��دل ح��ول إن �ت��اج ال�م�ع�ن��ى‪ ،‬سيسوقنا‬ ‫بالضرورة إلى مفهوم (الواقع)؛ أي ذلك الواقع الذي‬ ‫ينعكس في انفعاالت الناس وحساسياتهم‪ ،‬ويمارس‬ ‫والحال أن مفهوم (الشعب) هنا‪ ،‬ربما كان أكثر‬ ‫ضغوطه على أعصابهم عبر المنظومات الفكرية احتماال في اختزان معنى التعدد حين التعبير عنه‬ ‫والسياسية واالجتماعية التي ينتجها وينعكس عنها‪ .‬من مفهوم (القبيلة) أو (الطائفة)‪.‬‬

‫اجلوبة ‪ -‬ربيع ‪1433‬هـ ‪51‬‬


‫لكن اشتباك ثيمات السرد الروائي المضمَّنة في‬ ‫منظومة إنتاج المعنى‪ ..‬تستدعي أيضا مفهوما آخر‪..‬‬ ‫وذا أهمية قصوى في عملية السرد‪ ،‬ونعني بذلك‬ ‫معنى (الحرية) كمفهوم للذات الفردية والجمعية‪.‬‬ ‫فمن خ�لال سيرة الحرية يمكننا اكتشاف المعنى‬ ‫في العمل الروائي‪ ،‬وبصورة قد تتجاوز تلك الحدود‬ ‫ولعل من أهم األوه��ام التي تشيع ظاهرة غياب‬ ‫النسبية بين موضوع وآخ��ر؛ فحتى مفهوم القبيلة المعنى في ذلك الكم الهائل من الروايات السعودية‪،‬‬ ‫والطائفة قد ينطوي على قيمة منتجة للمعنى؛ إذا يتمثل في تقليد نمط من الكتابة السردية العربية دون‬ ‫كانت الحرية مندرجة في بنيته الموضوعية‪.‬‬ ‫القدرة على تمثل تجربته‪ .‬ذلك أن التجربة بطبيعة‬ ‫لعل هذا االستطراد في بيان بعض المالمح التي الحال‪ ..‬حالة خاصة‪ ،‬وتندرج في شروط معقدة ال‬ ‫يتجلى من خاللها إنتاج المعنى في العمل الروائي‪ ..‬يمكن إعادة إنتاجها في كتابةٍ روائيةٍ أخرى‪ ..‬حتى‬ ‫هو ما يمكن أن يمهد لنا للحديث عن أزمة (إنتاج في السياق الواحد؛ بمعنى آخر‪ ..‬إن الكتابة الروائية‬ ‫المعنى في الرواية السعودية)‪ .‬ذلك أن ما يكشف أشبه بالشفرة التي يخفيها الكاتب من خالل تجربته‬ ‫عنه الكم الهائل من الروايات السعودية مع المضمون الخاصة‪ ،‬ضمن سياق حياته‪ ،‬لتنعكس في نسيجه‬ ‫الهزيل للكثير منها؛ هو تحديدا ما يدل على تلك السردي‪ ..‬كالبصمة تماما تحمل ذاته وفرادته‪.‬‬ ‫األزمة في إنتاج المعنى‪.‬‬ ‫وال� ��وص� ��ول إل� ��ى ه� ��ذا ال �م �س �ت��وى م ��ن الكتابة‬ ‫الروائي وض��رورة اندراجها في سياق معنى‪ ،‬يكون‬ ‫بمثابة ال��وج��ه اآلخ��ر لمتعة ال �س��رد‪ ،‬تعد م��ن أهم‬ ‫ش��روط الجدية في الكتابة ال��روائ�ي��ة‪ ،‬ما يعني أن‬ ‫غياب المعنى في أي نص روائي ينطوي بالضرورة‬ ‫على إهدارٍ للجدية؛ وبالتالي الوقوع في التسطيح‪.‬‬

‫وال �ح��ال أن المعنى ك �م��وض��وع‪ ..‬ف��ي ال��واق��ع ال‬ ‫يمكن أن يكون غائبا‪ ،‬فالحياة اإلنسانية بالمطلق‬ ‫هي موضو ٌع للمعنى‪ ،‬بل إن غياب التعبير الفني عن‬ ‫المعنى هو الغائب‪ .‬األمر الذي يستدعي بالضرورة‬ ‫غيابا فكريا ومعرفيا عن ذلك الواقع أيضا‪ .‬هكذا‬ ‫نجد أنفسنا أيضا أم��ام قيمة (المعرفة)‪ ،‬كعنصر‬ ‫مهم من عناصر إنتاج المعنى في الكتابة الروائية‬ ‫إل��ى ج��ان��ب ال �ص��راع‪ ،‬وال�ح��ري��ة وال��واق��ع‪ .‬وبطبيعة‬ ‫الحال‪ ،‬فإن ارتباط هذه العناصر ال يأتي في نسيج‬ ‫البناء ال��روائ��ي فقط كعناصر مفككة أو متجاورة‪،‬‬ ‫بل تلعب الموهبة هنا دورا كبيرا في لحمة نسيج‬ ‫تلك العناصر‪ ،‬وإع��ادة تركيبها بصورة تمنح المتعة‬ ‫والمعنى في الوقت نفسه‪.‬‬

‫السردية في تجربة ال��روائ��ي يصبح نتيجة لتكوين‬ ‫تلك العناصر المتصلة بشروط إنتاج المعنى من‬ ‫خالل تجلياتها عبر موهبته‪ .‬وهنا نجد أنفسنا أمام‬ ‫قضيتين‪ :‬أألولى تتصل بالقدرة على إدراك المعنى‬ ‫وإنتاجه في الكتابة الروائية‪ ،‬والثانية تتصل بوجود‬ ‫حيثيات المعنى في كل مجتمع إنساني عام؛ األولى‬ ‫تتصل بالموهبة‪ ،‬والثانية بالواقع‪ .‬لكننا حين نتأمل‬ ‫في واقع الرواية السعودية من حيث اتصالها بإنتاج‬ ‫المعنى‪ ..‬سنجد أنفسنا أمام قضية جدلية بامتياز‪،‬‬ ‫ففي الوقت الذي تؤشر فيه تلك الروايات على غياب‬ ‫المعنى عن هويتها السردية‪ ،‬نجد حيثيات المعنى‬ ‫موجودة ضمن موضوعات السرد في ذلك المجتمع‬ ‫الذي يصدر عنه الروائيون!‬

‫ومن خالل سياق المعرفة المنتجة للمعنى في‬ ‫والحقيقة أن ه�ن��اك ال�ع��دي��د م��ن الموضوعات‬ ‫العمل ال��روائ��ي‪ ،‬نجد أن ه��ذه المعرفة تتجلى في السردية التي يمكن أن تستوعب ت�ج��ارب الكتابة‬ ‫أقنعة ال�س��رد م��ن خ�لال وع��ي ح��داث��ي‪ ..‬حتى ولو ال��روائ�ي��ة ال�س�ع��ودي��ة‪ ،‬م��ن خ�لال السياق التاريخي‬ ‫قاربت موضوعا يتصل بالبداوة مثال‪.‬‬ ‫والثقافي للمجتمع السعودي‪.‬‬ ‫وعليه‪ ،‬يمكننا القول إن موضوعات االشتغال‬

‫‪52‬‬

‫اجلوبة ‪ -‬ربيع ‪1433‬هـ‬

‫هكذا يمكن لموضوعات مثل‪ :‬الصحراء‪ ،‬القبيلة‪،‬‬


‫وف��ي ه��ذا ال�ص��دد‪ ،‬يمكننا أن‬ ‫نشير إل��ى تجربتين روائيتين من‬ ‫أنجح التجارب الروائية في الكتابة‬ ‫ال�س��ردي��ة ال�س�ع��ودي��ة‪ .‬والمفارقة‬ ‫ال�ع�ج�ي�ب��ة أن ه��ات�ي��ن التجربتين‬ ‫بالنسبة لصاحبيهما تمثالن العمل‬ ‫السردي األول‪ ،‬ما يؤكد لنا أهمية‬ ‫إدراك ش��روط ان�ت��اج المعنى من‬ ‫خالل التجربة والسياق‪.‬‬

‫وم ��ا ي�ف�س��ر ل �ن��ا ه ��ذا النجاح‬ ‫هو ردود األفعال التي نتجت عن‬ ‫هاتين ال��رواي�ت�ي��ن ف��ي اتصالهما‬ ‫بتاريخ وواق��ع ظال مهمشين إلى‬ ‫ح� ��دود (ال� �ت ��اب ��و)‪ ،‬ف�ك�ش�ف�ت��ا عنه‬ ‫ال �ن �ق��اب ب�ط��ري�ق��ة ف�ن�ي��ة وسردية‬ ‫ممتعة‪ ..‬كان المعنى متذررا فيها‪،‬‬ ‫ومواجها لذائقة القارئ فيما هو‬ ‫يستمتع بالحبكة والسرد والتشويق‬ ‫واإلثارة‪.‬‬

‫فرواية (ساق الغراب) للروائي‬ ‫يحيى أمقاسم التي صدرت كأول‬ ‫عمل روائ ��ي بالنسبة ل��ه‪ ،‬جاءت‬ ‫تجربة ناضجة وغنية ومختزنة‬ ‫ل �ل �ك �ث �ي��ر م ��ن ج �م��ال �ي��ات السرد‬ ‫ال���روائ���ي ب �ش��روط��ه المختلفة‪،‬‬ ‫لتجسد هذه الرواية سمة أصيلة‬ ‫للكتابة المبدعة والممتعة والمهمومة في الوقت نفسه‬ ‫بأسئلة الماضي والحاضر‪ ،‬على الرغم من موضوعها‬ ‫ذي الطابع التاريخي المتصل بحياة القبيلة‪ .‬ذلك‬ ‫أن م��ا جعل ه��ذه ال��رواي��ة تتميز بمستواها الفني‬ ‫الرفيع إنما هو جماع تلك العناصر المنتجة للمعنى‪،‬‬ ‫والمعجونة بموهبة الروائي وصدقه الفني‪.‬‬

‫وم��ن خ�لال هاتين الروايتين‬ ‫ي�م�ك�ن�ن��ا ت �م �ث��ل وإدراك المعنى‬ ‫ك�ش��رط ش��ارط للكتابة السردية‬ ‫الجادة؛ تلك الكتابة التي فيما هي‬ ‫تورط القارئ في متعتها اللذيذة‪..‬‬ ‫تضعه فجأة أم��ام أسئلة التاريخ‬ ‫وال� ��واق� ��ع‪ ،‬وت�س�ت�ث�ي��ر ف �ي��ه حاسة‬ ‫التأمل في الكثير من المعطيات‬ ‫المسطحة في واقع وتاريخ لم يكونا في الحقيقة كما‬ ‫تخيله‪ .‬وهكذا‪ ..‬إذ تفعل هذه اللحظة السردية فعلها‬ ‫العميق عبر لعبة السرد في إنتاج المعنى‪ ،‬تتحول‬ ‫أسئلة المخيلة المنبعثة من متعة السرد إلى مواجهة‬ ‫جادة للتاريخ والواقع من لحظة أخرى تماما‪ ..‬هي‬ ‫لحظة انتهاء القارئ من قراءة الرواية‪.‬‬

‫أما الرواية الثانية فهي رواية (شارع العطايف)‬ ‫للروائي عبدالله بن بخيت‪ ،‬التي كانت بمثابة التجربة‬ ‫األولى أيضا لكاتبها في مغامرته السردية‪ ،‬فحققت‬ ‫نجاحا كبيرا في أوس��اط ال�ق��راء‪ ،‬ووج��دت أصداء‬ ‫عميقة في ردود فعل النقاد الذين كتبوا عن جوانبها‬ ‫المختلفة‪ ،‬ليؤكدوا الغنى والعمق واالستبطان الفني‬

‫هكذا‪ ،‬يمكننا من خالل تلك الشروط الخمس‬ ‫المتصلة بالصراع‪ ،‬والحرية‪ ،‬والمعرفة‪ ،‬والواقع‪،‬‬ ‫في نسيج عمل الموهبة المصقولة بالصدق الفني‪،‬‬ ‫ال��وق��وف على حيثيات إن �ت��اج المعنى ف��ي الكتابة‬ ‫الروائية بصورة عامة‪ ،‬وال��رواي��ة السعودية بصفة‬ ‫خاصة‪.‬‬

‫م������������ل������������ف ال������������ع������������دد‬

‫الطفرة‪ ،‬الحج‪ ،‬واآلخر (األجنبي)‪،‬‬ ‫ي�م�ك��ن أن ت �ك��ون ث�ي�م��ات سردية‬ ‫بامتياز‪ ..‬إذا أمكن لمبدع موهوب‬ ‫أن يستبطن سياقها اإلبداعي‪،‬‬ ‫ويكشف ع��ن ح��االت�ه��ا الجمالية‬ ‫المتخفية وراء الواقع‪.‬‬

‫ل �ل��واق��ع ال���ذي ت�ك�ش��ف ع�ن��ه هذه‬ ‫ال� ��رواي� ��ة‪ ،‬م ��ن خ �ل�ال استنطاق‬ ‫المسكوت عنه من سيرة المجتمع‬ ‫وعوالمه السرية‪.‬‬

‫اجلوبة ‪ -‬ربيع ‪1433‬هـ ‪53‬‬


‫الفنتازيا في الرواية السعودية‬ ‫> فريال احلوار‪ -‬من السعودية‬

‫لألدب الروائي طرق ومذاهب‪ ،‬ومن الطرق األدبية «الفنتازيا»؛ أي األدب الخيالي‪ ،‬أو الرواية الخيالية‬ ‫التي ترادفها في اللغة اإلنجليزية كلمة (‪ ،)fiction‬وهي سفرٌ في الخيال‪ ..‬يمتد في عالم من الصور‬ ‫واألوه��ام والكائنات التي ال تدركها الحواس البشرية‪ ..‬وهي تضفي على نفس القارئ متعة ال يمكن‬ ‫وصفها؛ إذ يدخل القارئ من باب الواقعية إلى عالم الفنتازيا‪ ..‬ثم يخرج منه إلى الواقع مرة أخرى‪.‬‬ ‫تعد الفنتازيا من أصعب األشكال األدبية الروائية‪ ،‬وهي تتألف من حبكة‪ ،‬صراع وشخصيات‪ ،‬أحداث‪،‬‬ ‫قيّم ومبادئ‪ ،‬يرغب الكاتب في عرضها ومعالجتها‪ ،‬لكن في قالب فنتازي‪ .‬وهذا يعني أن الفنتازيا ليست‬ ‫خيا ًال جامح ًا فحسب‪ ،‬ألن الواقعية موجودة في الفنتازيا‪ ،‬لكن الخيال يكون في تكوين القالب العام‬ ‫للرواية‪ ،‬إذ يبني الروائي عالم ًا في الفنتازيا ليكون قالب ًا روائي ًا يضع فيه كل صغيرة وكبيرة حول نظام‬ ‫سياسي ما‪ ،‬أو اجتماعي أو اقتصادي‪ ،‬ولربما ديني‪ ..‬ثم يعرض لهذه المشاكل عبر طريقته الخاصة؛‬ ‫مثال ذلك جابرييل غارسيا ماركيز في رائعته «مئة عام من العزلة»‪ ،‬إذ صور غرائب األحداث‪ ،‬وخوارق‬ ‫الوقائع‪ ،‬وذخائر المشاعر‪ ،‬ودقائق التحليالت‪ ،‬وعظائم المفاجآت‪ ،‬وحشدها جميعا على صعيد واحد‪،‬‬ ‫وعلى مدار عشرة عقود من الزمن‪ ..‬ألسرة متفردة في الغرابة وسحر الفنتازيا‪.‬‬ ‫إن القالب الفنتازي هو المميز لمذهب الفنتازيا‪،‬‬ ‫إذ يعتمد على السحر واألس��اط�ي��ر وغيرها من‬ ‫األشياء الخارقة للطبيعة‪ ،‬كعنصر أساسي للحبكة‬ ‫أو الفكرة الرئيسة للعمل‪ ،‬وتُ�ع��رف صناعة هذا‬ ‫القالب في عصرنا الحالي بعنوان «بناء العوالم‬ ‫الفنتازية»‪ ،‬وق��د ُع��رف ه��ذا المصطلح في عالم‬ ‫الرواية بعد كتابة تولكين لثالثية «سيد الخواتم»‬ ‫التي ص��درت تباعا بين عامي ‪ 2001‬و‪2003‬م‪.‬‬ ‫وقد برع الكثير من الروائيين العرب في كتابة هذا‬ ‫النوع من الرواية‪ ،‬منهم إبراهيم الكوني في جل‬ ‫أعماله الروائية‪ ،‬وكذلك خيري شلبي والفلسطيني‬ ‫يسري الغول وغسان العلي‪.‬‬

‫‪54‬‬

‫اجلوبة ‪ -‬ربيع ‪1433‬هـ‬

‫أما في المملكة العربية السعودية‪ ..‬فقد ظهرت‬ ‫المالمح األولى للفنتازيا في الرواية السعودية من‬ ‫خالل رواية «غرباء بال وطن» لغالب حمزة‪ ،‬حيث‬ ‫عرض لبعض قضايا الفنتازيا من خالل الالجئين‬ ‫الذين يتعقب أخبارهم الصحفي حسنين من خالل‬ ‫الراقصة سعاد‪/‬شهرزاد الحكاية‪ .‬التي تمسك‬ ‫ببعض من أسرار هؤالء السياسيين في القاهرة(‪.)1‬‬ ‫ثم لحقتها رواي��ات ذات طابع فنتازي‪ ..‬سنعرض‬ ‫لبعضها ف��ي ه��ذا المقام وهي‪:‬العصفورية‪ ،‬أبو‬ ‫شالخ البرمائي‪ ،‬والجنية‪ ،‬للروائي واألديب الشاعر‬ ‫غازي القصيبي‪ ،‬ثم قصة «دماء الفيروز» للكاتب‬ ‫طلق المزروعي‪ ،‬وللكاتب عبدالحفيظ الشمري‬ ‫في رواية «غميس الجوع»‪ ،‬ورائعة «ساق الغراب»‬


‫يعد الكاتب غازي القصيبي‬ ‫صاحب بصمة واضحة ومتميزة‬ ‫في رواي��ة الفنتازيا في األدب‬ ‫ال� �س� �ع ��ودي‪ ،‬وذل� ��ك م ��ن خالل‬ ‫أبطال أعماله الروائية الذين‬ ‫ي �ع �ب��رون ع��ن رؤى القصيبي‪،‬‬ ‫ال �ش��اع��ر واألدي� ��ب والسياسي‬ ‫ورجل االقتصاد والدبلوماسي‪،‬‬ ‫ع ��ن ط ��ري ��ق ف �ن �ت��ازي��ا مُخيلة‬ ‫ال�ق�ص�ي�ب��ي‪ ..‬ب��داي��ة ف��ي رواية‬ ‫«العصفورية»(‪ )2‬حيث جعل الجنون قمة العقالنية‬ ‫من خالل عرض فنتازي يجري داخ��ل مستشفى‬ ‫األع �ص��اب ف��ي لبنان‪ ،‬بين مريض ه��و «ال ��راوي»‬ ‫المهيمن ف��ي ال��رواي��ة‪ ،‬وطبيب نفساني «سمير‬ ‫ث��اب��ت»‪ .‬وال��رواي��ة ت ��دور بين االث�ن�ي��ن ف��ي حديث‬ ‫مطول مستمر من المريض‪ ،‬يعتبر صرخة في وجه‬ ‫الفساد المستشري ال��ذي أصبح يطغى على كل‬ ‫مناحي الحياة االجتماعية والسياسية واالقتصادية‬ ‫والروحية‪ ..‬وينفث سمومه فيها‪ .‬وتنتهي الرواية‬ ‫بجنون الطبيب النفسي‪ ،‬وهروب المريض بالجنون‬ ‫إلى عوالم أخرى‪!..‬‬

‫م������������ل������������ف ال������������ع������������دد‬

‫للكاتب يحيى أمقاسم‪.‬‬

‫البرمائي‪ ،‬ال��ذي سبَق زمانه في‬ ‫م �ن� ٍ�اح وم �ج��االت ع��دة‪ :‬فهو أحد‬ ‫صناع القرار في العالم‪ ،‬حيث كان‬ ‫ُ‬ ‫مستشاراً لعدة رؤساء أمريكيين‪،‬‬ ‫وهو متعمق في تفاصيل مشاريعهم‬ ‫الشرق أوسطية‪ ..‬وألهمية رأيه‬ ‫في توجيه السياسة األمريكية‪..‬‬ ‫ت��رك روزف�ل��ت وصية لمن يخلفه‬ ‫م��ن ال ��رؤس ��اء ب ��أن ي�ع�ت�م��د على‬ ‫مشورة أبي شالخ البرمائي‪ .‬وأبو‬ ‫شالخ البرمائي يتحكم باألحداث‬ ‫العالمية‪ ..‬وقد كان سبباً من أسباب‬ ‫حرب الخليج الثانية‪ ،‬ولوال تدخله في حرب فيتنام‬ ‫لتغير مصيرها التجاه آخ��ر‪ ..‬وأبو شالخ الخارق‬ ‫يكشف ع��ن أس ��رار م�ض��ت‪ ،‬ووق��ائ��ع غامضة في‬ ‫العالم‪ ،‬وقد التقى مارلين مونرو‪ ،‬وجالس هتلر‪،‬‬ ‫وله مغامرات رومانسية ال تُعد وال تُحصى‪ .‬تجَ ول‬

‫تعد أعمال القصيبي فنتازيا تنهج نهج»ألف‬ ‫ليلة وليلة»‪ ،‬وذلك من خالل أسلوب توليد الحكاية‬ ‫داخل الحكاية‪ ،‬حيث ألبس القصيبي بطله «يعقوب‬ ‫ّ‬ ‫المنضح» في رواي��ة «أبو شالخ البرمائي»(‪ )3‬ثوب‬ ‫ش �ه��رزاد‪ ،‬وأن �ش��أ ال�ك��ات��ب م��ن خ�لال لغة سردية‬ ‫مكتنزة بقدرة الحكواتي الخُ رافية‪ ،‬ذاك الذي يُسحر‬ ‫بأسلوبه الحكائي المؤثر‪ ،‬وواقعيته األكثر غرابة‬ ‫من األساطير نفسها‪ ،‬حيث يصحبنا القصيبي في‬ ‫رحلة حول العالم‪ ،‬وداخل النفس اإلنسانية وعوالم‬ ‫ال� ِ�ج��ن! حيث تتحدث ال��رواي��ة ع��ن حياة اإلنسان‬ ‫«السوبرمان»‪ ،‬اإلنسان الخارق المتمثل بأبي شالخ‬

‫اجلوبة ‪ -‬ربيع ‪1433‬هـ ‪55‬‬


‫أبو شالخ البرمائي في األمكنة وكذلك في األزمنة‬ ‫منذ بدائية اإلن�س��ان وط��رق تنقله على الدواب‪،‬‬ ‫حتى حضارة اإلنسان الصاروخية واالنترنتية! وفي‬ ‫نهاية الرواية يتحدث أبو شالخ البرمائي للصحفي‬ ‫عن هوايته المفضلة‪ ،‬وهي القفز من المرتفعات‬ ‫الشاهقة‪ ،‬لكن الصحفي لم يُصدقه‪ ،‬لذلك اضطر‬ ‫للقفز من الطابق العاشر‪ ،‬ينزل الصحفي ويُصاب‬ ‫بالذهول عندما يجد أبو شالخ بكامل قواه‪ ..‬وقد‬ ‫جلس يتحدث مع الناس‪ ،‬ثم يتشهد ويموت!‬ ‫يمتلك القصيبي خصوصية روائية قائمة على‬ ‫الفنتازيا والميتاواقعية‪ ،‬ب��دت جلية ف��ي حكاية‬ ‫«الجنية»‪ ،‬حيث اشتغل على تجربة واقعية‪/‬كابوسية‬ ‫عاشها «ض��اري الضبيّع»‪ ،‬ويحكي لنا تفاصيلها‬ ‫ال�غ��ري�ب��ة ح�ي��ن ي �ب��دأ ال�لام �ع �ق��ول ف�ي�ه��ا بالحلم‪/‬‬ ‫الكابوس‪ ،‬عندما رأى حبيبته فاطمة الزهراء وهي‬ ‫تُدفن في قبر «كان الحُ لم واضحاً وضوح الحقيقة‪،‬‬ ‫وكانت التفاصيل مذهلة في دقتها‪ :‬جدار المقبرة‪،‬‬ ‫وبابها‪ ،‬والقبر المفتوح‪ ،‬والجسد الذي يُدس في‬ ‫ال �ت��راب‪ ،‬وأه��ل الحبيبة يَتلقّون ال� �ع ��زاء»(‪ .)4‬بدأ‬ ‫القصيبي أحداث الحكاية بالسرد الغرائبي‪ ،‬ليمهد‬ ‫المتلقي الستقبال الجديد من األحداث الفنتازية‪،‬‬ ‫وعجائبية السرد في «الجنية» تظهر من خالل‬ ‫بعض المشاهد التي ال يُصدقها‬ ‫العقل‪ ،‬خصوصا عندما يصف‬ ‫وداع فاطمة الزهراء في المطار‬ ‫حين همست في أذنه أنها تعتذر‪،‬‬ ‫ألن� �ه ��ا اض� �ط���رت إل� ��ى تقمص‬ ‫«شخصية غير شخصيتها»‪ ،‬وأن‬ ‫فاطمة الزهراء ماتت فعال‪ .‬ثم‬ ‫أعطته ورقة وهمست‪« :‬إذا أردت‬ ‫رؤي�ت��ي فما عليك إال أن تحرق‬ ‫ال� ��ورق� ��ة»(‪ ،)5‬ل�ق��د أح��دث��ت هذه‬ ‫الجنية نوعاً من الرهبة والخوف‬

‫‪56‬‬

‫اجلوبة ‪ -‬ربيع ‪1433‬هـ‬

‫في نفسية البطل‪ ،‬وهما عامالن يساعدان في‬ ‫توليد التهيئات المخيفة من كائنة تترصده جيئة‬ ‫وذهابا‪« ،‬كيف أعرف أن عائشة ليست شيطانه‪...‬‬ ‫وأني لن أكون ضحية ساذجة للشياطين»(‪ ،)6‬كذلك‬ ‫تجمع الرواية بين مستويين لغويين‪ ،‬مستوى لغة‬ ‫الخيال‪ ..‬ومستوى لغة الواقع الذي يحكي به هذا‬ ‫الخيال وينقله أدب �اً‪ ،‬ويالحظ أن لغة الخيال في‬ ‫الحكاية هي لغة استباقية‪ ،‬تتعاطى مع مجريات‬ ‫األحداث بألفاظ خاصة‪ ..‬تسير ومستوى الخيال‬ ‫صعوداً ون��زوالً‪ ،‬معتمداً على لغة انسيابية تقرب‬ ‫المشهد العجائبي إلى ذهنية المتلقي‪ ..‬نجدها‬ ‫من خالل حوارات ضاري والجني قنديش‪« ،‬لماذا‬ ‫نشأت لديك هذه الرغبة في التعرف إلى عوالم‬ ‫اإلنس؟ ابتسم قنديش وقال‪ :‬لهوى النفس سريرة‬ ‫ال تُ�ع �ل َ�مُ‪ .‬ك�م��ا ق��ال ش��اع��رن��ا ال�ج�ن��ي‪ ،‬ون�ق�ل��ه بعد‬ ‫ذلك عن لسانه شاعركم المتنبي‪ .‬وهنا ال بد أن‬ ‫أتوقف ألؤكد أن مصدر الشعر الوحيد هو عبقر‪،‬‬ ‫وعبقر منطقة تجارة حُ ��رة في عالم ِ‬ ‫الجن‪،)7(»..‬‬ ‫وطغت على ال��رواي��ة ص��ورة ال��رج��ل ال��ذي يعيش‬ ‫حياتين‪ ،‬حياة طبيعية يعيشها مع زمالء الدراسة‬ ‫واألساتذة في الجامعة‪ ،‬وأخ��رى ترفعه إلى عالم‬ ‫الخيال مع الجنية عائشة والجني قنديش‪ ،‬حين‬ ‫يتعرض لحالة غرائبية ينقلها حين ي�ك��ون في‬ ‫الواقع إلى صور حركية تتحرك‬ ‫مع حركة البطل‪ .‬ازدواجية هذه‬ ‫الحياة مأخوذة من واقع أليم‪..‬‬ ‫اختلطت فيه المشاهد الخيالية‬ ‫العجائبية‪ ،‬بالمشاهد الحقيقية‪،‬‬ ‫ل�ك��ن ال �ك��ات��ب رف ��ع ال��واق��ع إلى‬ ‫الخيال‪ ،‬وخلق منه عالماً ينقل‬ ‫المتلقي ب�ي��ن ف �ض��اءات النص‬ ‫المتباينة‪ ،‬ويضعه على شرفاته‬ ‫المتنوعة‪ ،‬إذ يشعر ب��أن��ه يقرأ‬


‫م������������ل������������ف ال������������ع������������دد‬

‫عمال درامياً كبيراً! نظراً العتماد الكاتب على لغة‬ ‫تصويرية تجعل القارئ يترصد حركة الشخصيات‬ ‫في شريط سينمائي‪ ،‬اعتمد فيه على نقل جزئيات‬ ‫الشخصيات ومتابعة نفسياتها ب��دق��ة‪ ،‬وبشكل‬ ‫خاص تتبع البطل «ض��اري» حيث وضعه الكاتب‬ ‫م��رك��ز ع��دس�ت��ه ال��روائ �ي��ة‪ ،‬ف�ك��ان��ت الشخصيات‬ ‫األخرى عناصر مساعدة لتوليد‬ ‫ال �خ �ط��اب ال� �ص ��ادر م��ن البطل‬ ‫ق �ط��ب ال � �ح� ��وار‪ ..‬ك �ح��دي �ث��ه مع‬ ‫ال �ب��روف �ي �س��ورة «ه���دس���ون» في‬ ‫باب كامل من الحكاية‪ ،‬وتجري‬ ‫أحداث الرواية بين زمنين‪ ،‬زمن‬ ‫ال��وق��ائ��ع وزم��ن ال �س��رد الخيال‪،‬‬ ‫تجري أحداث الفنتازيا في زمن‬ ‫ال �خ �ي��ال‪ /‬زم ��ن ح �ض��ور الجني‬ ‫قنديش والجنية عائشة‪ .‬وبين‬ ‫زم ��ن ال��وق��ائ��ع وزم ��ن الخيال‪..‬‬ ‫يأخذ السارد «ضاري» استراحة‬ ‫قصيرة لرواية ما تعرض له من فنتازيا األحداث‪،‬‬ ‫كان كابوس موت فاطمة الزهراء ذا داللة عميقة‪،‬‬ ‫إذ فيه إشارة إلى مباغتة الموت لإلنسان في أي‬ ‫مكان‪ ،‬وفي أي زم��ان‪ ..‬وقد أحدثت هذه الصورة‬ ‫الحادة للموت أث��راً نفسياً في حياة البطل‪ ،‬وهو‬ ‫يعيش تجربة بؤس داخلي رهيب‪ ..‬نتيجة صراع‬ ‫نفسه الحيّة في ظل بحثها عن حالة دائمة مع‬ ‫ِ‬ ‫عائشة‪« :‬قلت بهلع‪ :‬فطوم! فطوم! فطوم! ظهرت‬ ‫على وجهها ال�س��اح��ر‪ ،‬ألول م��رة م�لام��ح غضب‬ ‫مكتوم وقالت‪ :‬اسمي ليس «فطوم»! ما كان ينبغي‬ ‫أن أسمح لك أن تسميني باسم غير اسمي‪ .‬قلت‪:‬‬ ‫آس��ف! عائشة! عائشة! أرج��و أن‪ ...‬قاطعتني!‬ ‫وصلنا اآلن إلى قلب المشكلة‪ .‬أنت تود أن تعيش‬ ‫مع فاطمة الزهراء‪.)8(»..‬‬

‫اعتمد على ال�س��رد ال�لاح��ق ال��ذي ينقل أحداث‬ ‫الماضي القريب «م��اذا أق��ول؟ أق��ول إن صاعقة‬ ‫أصابت وجودي‪ ،‬وما يزال الدخان يتصاعد منه‪..‬‬ ‫أق��ول إن زل��زاالً ض��رب حياتي‪ ..‬وال ت��زال حياتي‬ ‫ترتعد‪ .‬الفكرة الكبرى التي تمور من حولي وتعود‬ ‫إل��يّ ‪ ،‬هي أن ه��ذا كله‪ ،‬كل ه��ذا‪ ،‬حلم من أحالم‬ ‫ال �ي �ق �ظ��ة‪ ..‬وإن �ن��ي س��أف�ي��ق ذات‬ ‫صباح‪ ،‬ف��أدرك أن��ي توهمت كل‬ ‫شيء»(‪.)9‬‬

‫يشير ال �ك��ات��ب أث �ن��اء سرده‬ ‫ل�لأح��داث إل��ى الكلمة المفتاح‬ ‫التي تبعث الطمأنينة في نفس‬ ‫ال �م �ت �ل �ق��ي‪ ،‬وي��وه �م��ه ب���أن هذه‬ ‫األح��داث (الخيالية) وقعت في‬ ‫الماضي‪ ،‬وفي فترة (كابوس)‪،‬‬ ‫وال داع ��ي ل�ل�خ��وف م�ن�ه��ا‪ ،‬كما‬ ‫أن ال��ك��ات��ب اس��ت��خ��دم تقنية‬ ‫التالعب باللغة‪ ،‬إذ استطاع أن‬ ‫ينقل الخيال أدب �اً يمتاز بالجمع بين العقالني‬ ‫والالعقالني بطريقة سرد الفنتازيا التي تكسر‬ ‫بنية اللغة «ب��دأت كتابة هذه الرسالة على غير‬ ‫ه ��دى‪ ،‬وأن�ه�ي�ه��ا وال��ق��رار ي��وش��ك أن يتبلور في‬ ‫ذهني‪ ...‬إني بدأت الكتابة بإصبع ثابتة‪ ..‬وأنهيتها‬ ‫بأصابع ترتعش‪ ،‬حتى أصبحت الحروف شبيهة‬ ‫بالطالسم‪ ،‬الطالسم التي تنتظرني في حياتي‬ ‫القادمة معك»(‪ ،)10‬وهكذا يستمر التمويه ليدخل‬ ‫بالمتلقي إل��ى ح��دود التخيل للنهايات الممكنة‬ ‫للحكاية‪ ،‬فالقارئ يدخل في السرد الفنتازي‪،‬‬ ‫وت�ص�ب��ح ال �ص��ورة ص� ��وراً م �ت �ع��ددة‪ ،‬تعكس رؤىً‬ ‫ع ّدة‪ ،‬وتخيالت ممكنة وغير ممكنة‪ ،‬إنه العزف‬ ‫على وتر المشاعر الجيّاشة التي تتجدد بتجدد‬ ‫ال�م��واق��ف ال�ت��ي يعيشها البطل‪ .‬إن بنية النص‬ ‫ومما يلفت االنتباه في حكاية الجنية أن الكاتب توحي أن الكاتب أراد من خالل اللغة السردية‬

‫اجلوبة ‪ -‬ربيع ‪1433‬هـ ‪57‬‬


‫الجمع بين جماليات ال�ل�غ��ة‪ ..‬وم�غ��ام��رة السرد‬ ‫الفنتازي «التقيت‪ ...‬خالل شهر العسل بثالثين‬ ‫امرأة مختلفة‪ ،‬كل واحدة منهن خارقة الجمال‪،‬‬ ‫وكل واحدة منهن هي زوجتي‪ .‬شيء يدير الرأس‪،‬‬ ‫أليس كذلك؟(‪ )11‬من خالل هذا التساؤل يعكس‬ ‫الكاتب حالة الغرابة التي عاشها البطل من خالل‬ ‫فضاء عجائبي‪ ،‬تجاذبته صراعات البطل النفسية‬ ‫بين وجود الزهراء الوهمي‪ ..‬وحقيقة موتها!‬

‫الصعود ثانية للسماء‪ ..‬اسفح الخصب والنماء‬ ‫على األرض»(‪ .)13‬في الحلم يتمسك الراوي بامرأة‬ ‫هي كل النساء‪ ،‬ينادي لياله‪ ،‬فيضيع صوته في‬ ‫ال �ف��راغ‪ ،‬يتمسك ب��أط��راف ث��وب ش �ه��رزاد حين‬ ‫تتالشى في اضمحالل القمر وطقس الغياب‪،‬‬ ‫يتيقن أنها كانت حلماً‪ ،‬فيشعر بالالجدوى‪ ،‬دماء‬ ‫الفيروز رحلة حلم‪ ..‬تكشف عن أس��رار ما وراء‬ ‫رمز شهرزاد‪.‬‬

‫وكذلك نقرأ في المجموعة القصصية «دماء‬ ‫الفيروز» للكاتب طلق المزروعي احتفا ًء بفنتازيا‬ ‫المرأة‪ /‬الحُ لم على نهج حكاية «الجنية»‪ ،‬وذلك‬ ‫ف��ي قصة «دم��اء ال�ف�ي��روز» التي حملت عنوانها‬ ‫المجموعة القصصية‪ ،‬لم يكن حلماً عاديا ذاك‬ ‫الذي احتفى به الكاتب‪ ،‬ألن الكون نفسه قد تهيأ‬ ‫الستقباله في قلب الليل‪ ،‬بِألق شعاع القمر الفضي‬ ‫ال��ذي وه�ب��ه بسخاء لليلة الحلم‪ ،‬ع��اش الراوي‬ ‫خاللها أرب �ع��ة ط�ق��وس أس �ط��وري��ة‪ ،‬ت�ب��دأ بطقس‬ ‫الظهور حين تبدت شهرزاد من المجسم الخشبي‬ ‫ودعته للرقص‪ ،‬سألتني‪ :‬هل تشتهي الرقص؟‬

‫وي �ع��رض ال�ك��ات��ب عبدالحفيظ ال�ش�م��ري من‬ ‫خ�ل�ال رواي� ��ة «غ�م�ي��س ال �ج��وع» لقضية التحول‬ ‫االجتماعي بعد ظهور النفط‪ ،‬في إطار من فنتازيا‬ ‫جنون التالشي‪ ،‬التي اعتنقها «الدهيني»‪ ،‬وروج لها‬ ‫كدواء لعلل التحول «كنت وال أزال أنشد التالشي‬ ‫ال��ذي سيوفر ل��ي حياة برزخية هانئة‪ ،‬تريحني‬ ‫م��ن مطالعة ه��ذه الصحراء المعذبة والمُنتهكة‬ ‫حرماتها‪ ،‬المصابة منذ دهر بمكائد الزمان»(‪.)14‬‬ ‫وصفَة للبحث عن الذات‬ ‫التالشي عند الدهيني ْ‬ ‫«كنت وال أزال أنشد التالشي‪ ..‬ذاك الوكر المعتم‬ ‫والسرمدي الفائق الهدوء‪ ..‬تصيبني حكاية الراعي‬ ‫ال �ت��ي تتلبسني م�ن��ذ خلقت ب��ال�م��رض والصرع‪،‬‬ ‫ودخول الجان وأهل الخفاء في تضاعيف عقلي‪...‬‬ ‫عبارة تجلدني بسبعين سوطا‪ .‬هي القائد إن أردتم‬ ‫فتصدوا لها بالله عليكم لتقود الرعية»(‪ .)15‬لم يفلح‬ ‫ال �ت�لاش��ي‪ ،‬وال م�ص��اح�ب��ة الجن‬ ‫في انتزاع األل��م والضياع الذي‬ ‫يعيشه الدهيني وأص�ح��اب��ه في‬ ‫رمل «غميس الجوع»‪ ،‬والعواصف‬ ‫ال �ع��ات �ي��ة ك�ش�ف��ت وج ��ه المفازة‬ ‫ال�ق�ف��ر ح�ي��ن ت�ق�ت��ص م��ن عقوق‬ ‫أبنائها‪ ،‬فقرر الدهيني أن يواجه‬ ‫ال �م��ارد العصي «س��أل�ق��ن كثبان‬ ‫غميس ال �ج��وع درس� ��ا‪ ..‬ستعلم‬ ‫هذه الكثبان بأني امتلك نهايتي‬ ‫وه��ي ال تمتلك إال ه��ذا الرمل‬

‫ن�ع��م‪ ..‬نعم‪ ،‬ورح��ت أت��رن��ح على ص��وت إيقاع‬ ‫خطواتها فوق رخام الغرفة‪..‬‬ ‫فقلت بلهفة‪ :‬أيقظي نشيد ال��روح في برزخ‬ ‫ال��وق��ت الشهي‪ ،‬فقد ال نلتقي‬ ‫مرة أخرى»(‪ .)12‬ويتعاظم حضور‬ ‫ش��ه��رزاد ف��ي ال�ط�ق��س الثالث‬ ‫حين حلت فيها روح المعبودة‬ ‫عشتار‪ ،‬وأخذت تحكي طقوس‬ ‫رح �ل��ة ع�ش�ت��ار ال�س�ن��وي��ة «أنزل‬ ‫إل���ى رح���م األرض السفلى‪..‬‬ ‫أم��ر ب��األب��واب السبعة راجعة‪..‬‬ ‫واعتمر على رأسي تاج السهول‬ ‫ال�م��رص�ع��ة ب��ال �ف �ض��ة‪ ..‬أمارس‬

‫‪58‬‬

‫اجلوبة ‪ -‬ربيع ‪1433‬هـ‬


‫وي� �ض� �ي ��ف ال� �ك���ات���ب يحيى‬ ‫أم �ق��اس��م إل ��ى األدب الروائي‬ ‫لا أك�ث��ر م��ن رائع‬ ‫ال�س�ع��ودي ع�م� ً‬ ‫(‪)17‬‬ ‫تحت عنوان «س��اق الغراب» ‪،‬‬ ‫ي �ق��دم م��ن خ�لال��ه رؤي� ��ة جريئة‬ ‫للتحول الذي غزا منطقة بعيدة‬ ‫جنوب غرب السعودية‪ ،‬وانتهاك حرمة الطبيعة‬ ‫بطريقة يتشعب السرد فيها بكل اتجاه‪ ،‬ويتداخل‬ ‫فيها الواقعي بالغرائبي‪ ،‬والعقلي بالوهمي‪ ،‬ويحكي‬ ‫فيها الكاتب يحيى أمقاسم م��ن خ�لال عوالمها‬ ‫الفنتازية األسطورية عن طقوس مشتركة الحتفال‬ ‫كوني بالحياة الفطرية ال�خ�لاب��ة‪ ،‬فيشترك فيه‬ ‫اإلنسان مع بقية الكائنات على مسرح جبل ساق‬ ‫الغراب الذي يأسر بسحر طبيعته‪.‬‬ ‫بعد ه��ذا ال �ت��طّ ��واف البسيط على بعض من‬ ‫المنجز ال��روائ��ي ال �س �ع��ودي ال ��ذي يحمل طابع‬ ‫الفنتازيا‪ ،‬ال ب��د لنا م��ن ال��وق��وف على عالمتين‬ ‫(‪) 1‬‬ ‫(‪ )2‬‬ ‫(‪ )3‬‬ ‫(‪ )4‬‬ ‫(‪ )5‬‬ ‫(‪ )7‬‬ ‫(‪ )9‬‬ ‫(‪ )11‬‬ ‫(‪ )12‬‬ ‫(‪ )13‬‬ ‫(‪ )14‬‬ ‫(‪ )15‬‬ ‫(‪ )17‬‬

‫ التجريب الفنتاستيكي الذي‬‫يبحث ف��ي المخّ يال الجماعي‬ ‫ليعكسه أدب��ا‪ ،‬ويعمل من خالل‬ ‫ال�س��رد على مواضيع غرائبية‬ ‫ع �ج��ائ �ب �ي��ة ت��م��زج ب �ي��ن الواقع‬ ‫والالواقع‪ ،‬لتجعل المتلقي يصدق‬ ‫ه��ذا ال�لاواق��ع‪ ،‬ويتتبع حكاياته‬ ‫بكل اهتمام وتركيز‪ ،‬ومثال ذلك‬ ‫رواية «ساق الغراب»‪.‬‬

‫م������������ل������������ف ال������������ع������������دد‬

‫الذي تحثوه في وجوهكم‪.)16(»..‬‬ ‫في الصباح وجد الدهيني ميتا‬ ‫بطريقة ال تعرفها كثبان «غميس‬ ‫الجوع» إال في طيات األساطير‬ ‫ال��ق��دي��م��ة ال� �ت ��ي ت��ت��ح��دث عن‬ ‫أسالف الدهيني!‬

‫بارزتين فيه وهما‪:‬‬

‫ «العناوين» التي تعكس وتشير‬‫إل���ى ب�ن�ي��ة ال �ن �ص��وص الداخلية‬ ‫والخارجية‪ ،‬السطحية والعميقة مثل «الجنية»‪،‬‬ ‫«دم���اء ال �ف �ي��روز» وغ �ي��ره��ا‪ ،‬إذ يستنتج منها‬ ‫القارئ الواعي أن النص هو العنوان‪ ،‬والعنوان‬ ‫هو النص‪ ،‬كما أن هناك عالقة جدلية تجمع‬ ‫بينهما‪ ،‬هي عالقة تفاعلية يؤثر العنوان فيها‬ ‫على النص‪ ،‬والنص على العنوان‪ ..‬ويمكن ع ّد‬ ‫العنوان الثيمة الكبرى التي تتمحور حولها‬ ‫الرواية‪ ،‬وبهذا نجد أن الكتاب اعتمدوا على‬ ‫إث��ارة انتباه ال�ق��ارئ إل��ى موضوع ال��رواي��ة من‬ ‫خالل دهشة العنوان المثير الذي يمهد خيال‬ ‫المتلقي وذهنه الستقبال أحداث الرواية‪.‬‬

‫غالب حمزة أبو الفرج‪ .‬غرباء بال وطن‪ ،‬دار اآلفاق‪ ،‬بيروت‪1981 ،‬م‪.‬‬ ‫غازي القصيبي‪ .‬العصفورية‪ ،‬دار الساقي‪ ،‬بيروت‪1996 ،‬م‪.‬‬ ‫غازي القصيبي‪ .‬أبو شالخ البرمائي‪ ،‬المؤسسة العربية للدراسات والنشر والتوزيع‪ ،‬بيروت ط‪2001 ،2‬م‪.‬‬ ‫غازي القصيبي‪ .‬رواية الجنية‪ ،‬المؤسسة العربية للدراسات والنشر والتوزيع‪ ،‬بيروت‪2006‬م‪ .‬ص‪27‬‬ ‫(‪ )6‬المصدر السابق ص ‪.122‬‬ ‫المصدر السابق ص‪ .29‬‬ ‫(‪ )8‬المصدر السابق ص‪.145‬‬ ‫المصدر السابق ص‪ .66‬‬ ‫(‪ )10‬المصدر السابق ص‪.118‬‬ ‫المصدر السابق ص ‪ .115‬‬ ‫المصدر السابق ص ‪.212‬‬ ‫طلق المزروعي‪ .‬دماء الفيروز‪ ،‬المؤسسة العربية للدراسات والنشر بيروت‪2006 ،‬م‪ .‬ص‪.23‬‬ ‫نفس المصدر‪ .‬ص‪.26‬‬ ‫عبدالحفيظ الشمري‪ .‬غميس الجوع‪ ،‬دار الكنوز األدبية‪ ،‬بيروت‪2008 ،‬م‪ .‬ص‪.158‬‬ ‫(‪ )16‬المصدر السابق‪ .‬ص‪.170‬‬ ‫المصدر السابق‪ .‬ص ‪ .14‬‬ ‫يحيى أمقاسم‪ .‬ساق الغراب‪ ،‬دار اآلداب‪ ،‬بيروت ط‪2008 ،1‬م‪.‬‬

‫اجلوبة ‪ -‬ربيع ‪1433‬هـ ‪59‬‬


‫السعوديّة؛ رؤية ومناذج‬ ‫املكان في الرواية‬ ‫ّ‬ ‫> د‪ .‬إبراهيم الدهون ‪ -‬جامعة اجلوف‬

‫يرتبط اإلنسان في المكان بصلة ذات أبعاد متجذرة‪ ،‬كما أنَّ عالقته به جدلية مصيرية‪ ،‬فما من‬ ‫حركة أو رحلة في هذه األرض إ ّال وتنتهي بمكان‪.‬‬ ‫فالمكان اصطالحاً‪ :‬مفهوم دال على وج��ود‪ ،‬وه��ذا الوجود تتعدد أشكاله‪ ،‬نحو‪ :‬بيوت‪ ،‬وطرقات‪،‬‬ ‫وتشابكات‪ ،‬وتعاركات‪ ،‬ومن هذه األشياء تتولد األفكار والمشاعر والعواطف واألحاسيس والرؤى‪ ،‬وهذا‬ ‫ما يتجمع ويحتشد في فكر األديب‪ ،‬فيطفح في وجدانه‪ ،‬وتمتلئ صوره‪ ،‬ويبدأ قلمه يرسم ما جال في‬ ‫خلده‪ .‬لذلك فإنَّ مصطلح المكان في العمل األدبيّ ال يحكم عليه من خالل الوصف المادي فحسب‪،‬‬ ‫وإنّما يتجسّ د في العالقة القائمة بين اإلنسان والبطل واألديب والمكان‪ ،‬وفي تلك العالقة المستقرة‬ ‫التي تمثلها (أنا) المبدع في ارتباطها بالمكان‪.‬‬ ‫إنَّ األدي��ب في نظرته للمكان‪ ،‬تتعدى صوره‬ ‫المادية‪( :‬الجغرافيّة) الحقيقية‪ ،‬لتظهر بعدئذ‬ ‫رؤاه أكبر من مساحة البقعة األرضية المجسمة‬ ‫ال�م�ح��دودة ال� ِّن�ط��اق‪ ،‬متفاعلة معه على أساس‬ ‫االمتداد واالرتفاع والتحليق‪ ،‬فتمتزج عند األديب‬ ‫لحظات ال��وع��ي م��ع االن �ط�لاق نحو المجهول‪،‬‬ ‫وعوالم الالمحدود المكاني‪.‬‬

‫عنصر من عناصر العمل الروائي‪ ،‬إذ قد يتحوّل‬ ‫من مجرد خلفية تقع عليها أحداث الرواية إلى‬ ‫عنصر تشكيلي من عناصر العمل الروائي‪ ،‬كما‬ ‫أنَّ له أهمية كبيرة في تأطير المادة الحكائية‬ ‫وتنظيم األحداث السّ رديّة‪ ،‬ومن هنا يمكن القول‪:‬‬ ‫إنَّ المكان يجسّ د المسار ال��ذي يسلكه تجاه‬ ‫ال��سّ ��رد‪ ،‬وه��ذا ال�ت�لازم في العالقة بين المكان‬ ‫وال �ح��دث‪ ..‬ه��و ال��ذي يعطي ل�ل��رواي��ة تماسكها‬ ‫وانسجامها‪ ،‬ويقرّر للحدث ال��ذي يأخذ السّ رد‬ ‫لتشييد خطابه‪ ،‬ومن ث ّم يصبح التنظيم الدرامي‬ ‫للحدث‪ ،‬وهو أحد المهام الرئيسة للمكان(‪.)1‬‬

‫فإنّ للرجل والمرأة بكتابتيهما الروائية على حد‬ ‫س��واء‪ ،‬دوراً مهماً في تق ّدم هذا الفنّ وازدهاره‬ ‫مطلع ال�ق��رن ال�ح��ادي والعشرين‪ ،‬وانتقاله من‬ ‫المحليّة واإلقليمية إلى العالميّة‪.‬‬

‫ويكتسب المكان جماليته الفنيّة ليس بوصفه‬ ‫ج��زء رئيس من أج��زاء ال��رواي��ة الفنيّة‪ ،‬أو كونه‬ ‫مسرح األحداث وتحرك الشّ خوص فحسب‪ ،‬بل‬ ‫يتحول في بعض األعمال اإلبداعيّة إلى فضاء‪ ،‬أو‬ ‫بوتقة تنصهر فيها ك ّل العناصر والثيمات الروائية‬ ‫للعمل األدب ��يّ ال��واح��د‪ ،‬بما فيها م��ن تحركات‬

‫وإذا كان الفنّ الروائي أحد أهم الفنون األدبيّة‬ ‫التي تطورت خالل القرن العشرين في الوطن‬ ‫العربي‪ ..‬بداية من مصر‪ ،‬وم��روراً ببالد الشّ ام‪،‬‬ ‫وأقطار المغرب العربي‪ ،‬وشبه الجزيرة العربيّة‪،‬‬

‫لهذا‪ ،‬يُ َع ُّد المكان في الرواية عنصراً باعثاً‬ ‫لا ع��ن أنّه‬ ‫ل�ط��اق��ات وظيفية ال م �ح��دودة‪ ،‬ف�ض� ً‬

‫‪60‬‬

‫اجلوبة ‪ -‬ربيع ‪1433‬هـ‬


‫وللمكان وظيفتان اثنتان‪ :‬األول��ى‪ ،‬أنّه مجرد يتكئ على مشاهد الطبيعة وظواهره الحقيقية‬ ‫م��رآة تتحرك أمامها ال��شّ �خ��وص‪ ،‬وتتبلور فيها والمصطنعة‪ ،‬بما فيها من شوارع ومحال وبحار‬ ‫األحداث‪ ،‬وتحركات الشّ خوص؛ والثانية‪ ،‬ناطقاً وأنهار‪...‬‬

‫ال ألفكارها‬ ‫بلسانها وخوالجها الشّ عوريّة‪ ،‬وحام ً‬

‫وأطرها الرئيسة‪.‬‬

‫وتأسيساً على ما سبق‪ ،‬احت ّل المكا ُن مكان ًة‬

‫مرموق ًة في ال��رواي��ة السّ عوديّة المعاصرة؛ ألنّ‬

‫م������������ل������������ف ال������������ع������������دد‬

‫وشخوص‪ ،‬وما يحدث بينها من عالقات‪.‬‬

‫سنقصر دراس�ت�ن��ا على ال�م�ك��ان ال��روائ��ي الذي‬

‫ّص ال��روائ��ي يتجاوز كونه مجرد‬ ‫وتأسياً على ما سبق‪ ،‬يمكن تقسيم المكان إلى المكان في الن ّ‬ ‫ش��يء جامد أو أخ��رس‪ ،‬أو تقع عليه مجريات‬ ‫أنواع ثالثة‪ ،‬هي‪:‬‬ ‫ال‬ ‫الرواية‪ ،‬بل هو عنصر فعّال في الرواية حام ً‬

‫المكان الخيالي‪ :‬وهو مسرح سريع‪ ،‬أو إضاءة‬ ‫على بقعة من المكان‪ ،‬يكون دورها التّوضيح‬ ‫في بنائية ال��رواي��ة‪“ ،‬لذا ي��رى بعض النّقاد أنّ‬ ‫لتفاعل حركة الشّ خصيات في زمن ما‪.‬‬ ‫العمل األدب��يّ حين يفتقد المكانية‪ ،‬فهو يفتقد‬ ‫المكان الحقيقي‪ :‬وهو ما يقوم األديب بتصويره‬ ‫خصوصيته‪ ..‬وبالتالي أصالته”(‪.)3‬‬ ‫دون تزييف أو تغيير‪.‬‬ ‫الصادرة‬ ‫ومن هنا‪ ،‬نلحظ أن أغلب األعمال ّ‬ ‫المكان النّاطق‪ :‬يجسّ د هذا النّوع تجربة الشّ اعر‬ ‫ال� ّداخ�ل�ي��ة‪ ،‬فيحمل ف��ي معاناته الشّ خصية في مجال ال��رواي��ة السّ عوديّة حديثاً‪ ،‬وبخاصة‬ ‫لألدباء الشّ باب‪ ،‬أخذ المكان فيها حيزاً كبيراً‪،‬‬ ‫ورؤاه الفكريّة‪.‬‬ ‫وتجلّى كمحور أساس‪ ،‬تتشكل فيه عوالم الرواية‪،‬‬ ‫ول��ذل��ك‪ ،‬فقد ش��اع عند ال��دَّ ارس �ي��ن للمكان‬ ‫وتدور حوله األحداث‪ ،‬بما يمثّل القلب في الرواية‬ ‫ف ��ي ال�� ّن��ص��وص األدب � � ّي� ��ة‪ ،‬خ �ل��ط ب �ي��ن مفاهيم‬ ‫واإلطار العام‪.‬‬ ‫ثالثة‪(:‬الفضاء‪ ،‬والمكان‪ ،‬والحيز)‪ .‬فالمكان يمكن‬ ‫وب��ال��رغ��م م��ن أنّ ال�م�ك��ان يمثل معيناً ث ّراً‪،‬‬ ‫قصره على الموقع الجغرافي في أضيق مساحة‬

‫ل��دالالت قوية‪ ،‬وأبعاد إشراقية‪ ،‬تشكّل جوهراً‬

‫له في العمل الروائي‪ ،‬بينما مفهوم الفضاء على ومنطلقاً إبداع ّياً للروائي؛ إذ من االستحالة أن‬ ‫مجموعة األم�ك�ن��ة ال �ت��ي ت��دخ��ل ف��ي شبكة من تتصور أحداثاً وشخوصاً وسلوكيات تتصارع دون‬ ‫ال عن فضاء مكاني يحيط بها‪ ،‬ويطبعها بطابعه الخاص‪،‬‬ ‫�ص‪ ،‬فض ً‬ ‫العالقات فيما بينها داخ��ل ال� ّن� ّ‬ ‫اشتماله اإليقاعات المنظمة للحوادث وأبعاد لذا نلحظ أنَّ الروائيين السّ عوديين‪ ،‬في المرحلة‬

‫الشّ خصيات الكامنة في ذوات�ه��ا‪ .‬أ ّم��ا مصطلح الحديثة من الرواية السّ عوديّة‪ ،‬استثمروا المكان‬ ‫الحيّز‪ ،‬فإنّه يميل إلى الحجم والشّ كل بما فيهما بما يخدم تجاربهم الشّ عوريّة ورؤاهم الفكريّة‪.‬‬ ‫من وزن ومسافة‪ ،‬فيغدو الحيّز أشمل وأوسع وال‬

‫نهاية له(‪.)2‬‬

‫وم � ّم��ا ال ش��ك ف�ي��ه أنّ ت��وظ�ي��ف ال�م�ك��ان في‬

‫الرواية السّ عوديّة قام على استيعابه واستثماره‬

‫ّص الروائي ال‬ ‫وانطالقاً من تعدد المسميات والمصطلحات وتمثله وتحويره‪ ،‬ممّا يكشف أنَّ الن ّ‬

‫السّ ابقة وتداخل المكان بمفاهيم أخ��رى‪ ،‬فإننا يملك أباً واحداً‪ ،‬وال جذراً واحداً‪ ،‬بل نسقاً من‬

‫اجلوبة ‪ -‬ربيع ‪1433‬هـ ‪61‬‬


‫الجذور‪ ،‬وسلسلة من المتوالدات النّصيّة‪ ،‬شكّلت‬

‫نسيجاً واح��داً‪ ،‬تماهت وذاب��ت فيه التشابكات‬ ‫النّصيّة واألفكار الداخليّة لألديب‪.‬‬

‫والقارئ للرواية السّ عوديّة الحديثة‪ ..‬يجد أنّها‬

‫ّص لدى الروائي يولد في‬ ‫تطفح بالمكان‪ ،‬فالن ّ‬

‫إطار شبكة معقدة ومتواشجة من البنى الثّقافيّة‪،‬‬ ‫والمصادر المعرفيّة‪ ،‬والرموز الحضاريّة‪ ،‬لذا‬

‫فإنَّ القارئ يصل ‪-‬دون عناء‪ -‬إلى عنصر المكان‬ ‫وتجلياته وانفتاحه‪.‬‬

‫وتُ� َع� ُّد أعمال الروائيين‪ :‬ع��واض العصيمي‪:‬‬

‫(على مرمى صحراء في الخلف)‪ ،‬وعبده خال‪:‬‬ ‫ال عن روايات ك ّل من‬ ‫(األيام ال تخبئ أحداً)‪ ،‬فض ً‬

‫الصانع (بنات الرياض)‪ ،‬وط��ارق العتيبي‬ ‫رجاء ّ‬

‫(شباب من الرياض)‪ ،‬وعبدالحفيظ الشّ مري‪:‬‬

‫(قبضة ال��رع��د)‪ ،‬ويوسف المحيميد‪( :‬الحمام‬

‫ال��ري��اض) ألح�م��د ال��واص��ل (‪2007‬م)‪ ،‬و(سوق‬ ‫الحميدية) لسلطان القحطاني (‪2007‬م)‪ ...‬إلخ‪.‬‬

‫إضافة إل��ى المكان السّ عودي المعيَّن بوضوح‪،‬‬

‫وب�ش�ك��ل مهيمن ع�ل��ى بنية ال �س��رد ف��ي معظم‬ ‫الروايات السّ عوديّة األخرى‪.‬‬

‫وم ��ن ه �ن��ا‪ ،‬ن��أخ��ذ ص ��ور ال �م �ك��ان الرئيسة‪،‬‬

‫ال يطير إ َّال في بريدة)‪ .‬نماذج فريدة وحية في وال �ف��رع � ّي��ة ودالالت� ��ه ع�ن��د رج ��اء ب�ن��ت عبدالله‬ ‫ت �ح��والت ال�م�ك��ان وت�ف��اع�لات األدي ��ب معها‪ .‬إذ الصانع أنموذجاً للمكان في الرواية السّ عوديّة‪.‬‬ ‫يرى نقاد سعوديون أنَّ المكان قد تمظهر عند‬

‫لقد حظي المكان كعنصر من عناصر الرواية‬

‫الصانع‪ ،‬شأنها في ذلك‬ ‫الروائيين السّ عوديين ف��ي أمكنة أرب �ع��ة‪ ،‬هي‪ :‬باهتمام الروائية رجاء ّ‬ ‫والصحراء‪ ،‬والحارة‪ ،‬والمدينة‪.‬‬ ‫ّ‬ ‫القرية‪،‬‬ ‫القصة والرواية في العالم‪،‬‬ ‫ّ‬ ‫شأن الكثير من كتّاب‬

‫وم��ن ه �ن��ا‪ ،‬ف�ق��د ت �ج��سّ ��دت ظ��اه��رة تضمين وال�ق��ارئ ل��رواي��ة‪( :‬بنات ال��ري��اض) ي��رى بوضوح‬ ‫المكان في العنوان واإلحالة على مكان سعودي المكان كواقع حقيقي‪ ،‬وكبناء فني‪ ،‬وبدرجات‬ ‫معيَّن‪ ،‬والذي برز في عدد متزايد من الروايات متباينة وم�ت�ن��وع��ة‪ ،‬وع�ل��ى ام �ت��داد م�س��اح��ة ك ّل‬ ‫السّ عوديّة بعد صدور ثالثية تركي الحمد‪ ،‬فرأينا ال��رواي��ة ي��أت��ي ال�م�ك��ان ت�ج�س�ي��داً‪ ،‬وتشخيصاً‪،‬‬ ‫الصانع (‪2005‬م)‪ ،‬وأحياناً تضميناً‪ ،‬وقد استأثرت بعض األمكنة‬ ‫– مثالً‪( :‬بنات الرياض) لرجاء ّ‬ ‫و(بنات من الرياض) لفايزة إبراهيم (‪2006‬م)‪ ،‬ب��اه�ت�م��ام�ه��ا أك �ث��ر م��ن غ �ي��ره��ا؛ ف �م �ث�لاً‪ :‬مدينة‬

‫و(حب في السّ عودية) إلبراهيم بادي (‪2006‬م)‪ ،‬ال��ري��اض مسقط رأس ال��روائ �ي��ة‪ ..‬لها حضور‬ ‫و(شباب من الرياض) لطارق العتيبي (‪2006‬م)‪ ،‬دائ��م في ك ّل روايتها؛ باعتبار أنَّ المكان يربط‬ ‫و(سعوديات) لسارة العليوي (‪2006‬م)‪ ،‬و(فتاة اإلنسان بماضيه وحاضره ومستقبله على نحو‬

‫الشرقية) لمريم الحسن (‪2006‬م)‪ ،‬و(سورة وثيق‪ ،‬وقوي جداً‪.‬‬

‫‪62‬‬

‫اجلوبة ‪ -‬ربيع ‪1433‬هـ‬


‫تنوعها في نوعين هما‪:‬‬

‫القريب من ال��ذات الداخلية‪ .‬في حين نلحظ‬

‫النوع األوّل‪ :‬ويشمل األمكنة الرئيسة‪ ،‬نحو‪ :‬أن في فترة سابقة قد ك��ان ال�ه��روب جلياً إلى‬ ‫الرياض‪ ،‬أمريكا‪.‬‬ ‫المكان الخارجي‪ ،‬ومحاولة إخفاء معالم الداخل‬ ‫النوع الثاني‪ :‬ويشمل األمكنة التي تأتي في‬ ‫ص��ور ف��رع�ي��ة‪ ،‬م�ث��ل‪ :‬الكلية‪ ،‬والمستشفى‪ ،‬العاطفي أو الفكري‪.‬‬ ‫وال �ش��ارع‪ ،‬والمحالت التجارية‪ ،‬والسّ احة‪،‬‬ ‫وخالصة القول‪ :‬علينا التأكيد على حقيقة‪،‬‬ ‫والجامعة‪ ،‬وتشكّل ف��ي مجموعها مكونات‬ ‫الصانع استطاعت أن‬ ‫وه��ي أنّ الكاتبة رج��اء َّ‬ ‫أساسية لألمكنة الرئيسة‪.‬‬

‫وبخاصة في الرواية ذات الطابع السِّ ياسي أو‬ ‫ّ‬

‫الصانع‬ ‫وعلى سبيل المثال‪ ،‬تركّز الروائية ّ‬

‫دائماً على ذكر األمكنة الرئيسة‪ ،‬مثل‪ :‬المدن‪،‬‬ ‫كمدينة ال��ري��اض‪ ،‬وب�ص��ورة أق��ل على الفرعية‪،‬‬ ‫لهذا حملت الرواية عنواناً يشير إلى المدينة‪.‬‬

‫أمّا األمكنة الفرعية‪ ،‬فلها حضور أيضاً في‬

‫إبداعاتها‪ ،‬فال تكاد تخلو لوحة من ذكر البيت‪،‬‬

‫أو الشّ ارع‪ ،‬أو الموالت‪ ،‬أو المطاعم‪ ،‬وك ّل هذه‬

‫األمكنة وغيرها ال تغيب عن مخيلتها‪ ،‬وواقعها‪،‬‬

‫وتظهر بوضوح‪ ،‬وتتكرر باستمرار‪ ،‬وخصوصيتها‬ ‫من بداية الرواية إلى نهايتها‪.‬‬

‫ولقد لقيت ه��ذه ال��رواي��ة عناية م��ن القرّاء‬

‫والنّقاد؛ نظراً ألهمية موضوعها وقيمته الفنيّة‪،‬‬

‫والموضوعية على حد س��واء‪ .‬كما أنّها شكلت‬ ‫نسقاً جمال ّياً في الحديث عن األمكنة‪.‬‬

‫وب �ن��اء على م��ا س�ب��ق‪ ،‬يشكّل عمل الروائية‬

‫م������������ل������������ف ال������������ع������������دد‬

‫ويمكن حصر صور المكان في روايتها‪ ،‬رغم وصارخاً في عالقة األديب بالمكان المحلي أو‬

‫توقظ السّ احة األدب� ّي��ة العربيّة‪ ،‬وتُعيد للمكان‬ ‫اح�ت��رام��ه وهيبته‪ ،‬كما أنَّ الطبعات المتتالية‬ ‫للرواية تؤكد على هذا االهتمام‪ ،‬وبخاصة بين‬ ‫جيل الشّ باب والشّ ابات‪.‬‬ ‫الصانع‪ ،‬وجدلها مع واقعها تمتد‪،‬‬ ‫وتظ ّل رؤية ّ‬

‫وتمتد‪ ،‬وتتصاعد حتّى تطمئن إل��ى تلة عالية‬ ‫تمكنها م��ن وض ��وح ال��رؤي��ة وام �ت��داده��ا‪ ،‬ورغم‬ ‫انشغالها بقضايا ال �م��رأة ال��سّ �ع��ود ّي��ة‪ ،‬إال أنّها‬ ‫اهتمت بجماليات المكان‪ ،‬وأن��واع��ه‪ ،‬ودالالته‬ ‫وص �ف �اً‪ ،‬وتشخيصاً‪ ،‬وك �ج��زء م��ن ال�ب�ن��اء الفني‬ ‫لروايتها‪.‬‬ ‫أخ �ي��راً‪ ،‬إنَّ ال�م�ك��ان ف��ي ال��رواي��ة السّ عوديّة‬ ‫كان وال ي��زال محوراً للحركة والثبات‪ ،‬وأصبح‬ ‫أنموذجاً في الرواية من مكان فرعي إلى رئيس‪،‬‬

‫�ص��ان��ع‪ ،‬منعطفاً واضحاً ومن واقع وفنّ إلى شيء حقيقي‪.‬‬ ‫ال��سّ �ع��ود ّي��ة رج���اء ال� ّ‬ ‫(‪ ) 1‬بحراوي‪ ،‬حسن‪ :‬بنية الشّ كل الروائي؛ الفضاء‪ ،‬الزمن‪ ،‬الشّ خصية‪ ،‬المركز الثقافي العربيّ ‪ ،‬الدّار البيضاء‪1990 ،‬م‪،‬‬ ‫ط‪ ،1‬ص‪.30-20‬‬ ‫(‪ )2‬مرتاض‪ ،‬عبدالملك‪ :‬في نظرية الرواية‪ ،‬عالم المعرفة‪ ،‬الكويت‪ ،‬شعبان‪1419 ،‬هــ‪ ،‬ص‪.141‬‬ ‫(‪ )3‬باشالر‪ ،‬غاستون‪ :‬جماليات المكان‪ ،‬ترجمة غالب هلسا‪ ،‬المؤسسة الجامعية للدراسات والنّشر والتوزيع‪ ،‬بيروت‪،‬‬ ‫ط‪1987 ،3‬م‪ ،‬ص‪.6+5‬‬

‫اجلوبة ‪ -‬ربيع ‪1433‬هـ ‪63‬‬


‫صورة املرأة في الرواية السعودية‬ ‫> إبراهيم احلجري‪ -‬روائي وناقد من املغرب‬

‫شكلت المرأة عنصرا أساسا في العمل الروائي‪ ،‬مهما كان كاتبه؛ ألن حضورها يعيد التوازن إلى‬ ‫الحياة النصية لألبطال‪ ،‬لما يختل عمود السرد عبر رجحان كفة إحدى بؤر التصدع‪ ،‬بما يجعل مسار‬ ‫المحكي يتوالد ويتدفق ويتطور‪ .‬أما في محكي المرأة الروائي‪ ،‬فاألمر يصبح أكثر أهمية؛ ألن المرأة‬ ‫غالبا ما تكون كاتبة وبطلة (عامال ذاتا) ومكتوبة ومرويا لها‪ .‬هنا تصبح الذات موزعة على كل الرهانات‬ ‫السردية‪ ،‬وال بد أن تحضر إحداهما في األخ��رى؛ برغم أنف المؤلف الفعلي‪ ،‬ومن ثمة تبرز أحقية‬ ‫سؤال‪ :‬ما طبيعة حضور المرأة في الرواية السعودية؟ وأي داللة يستهدفها هذا الحضور؟ وبأي األدوات‬ ‫تشيد صورة المرأة في المحكي الروائي؟ وبالرغم من كون هذه الصورة ليست نمطية‪ ،‬وليست موحدة‪،‬‬ ‫فإن هناك‪ ،‬عناصر ووجوه مشتركة لهذا الحضور الباذخ‪ .‬وألن تمظهر هذا الكائن الزئبقي الهالمي‬ ‫األطياف مختلف حسب تعدد النصوص‪ ،‬فإن القبض عليه لن يتأتى إال بتناول ثيمة صورة المرأة‬ ‫عبر نصوص ومنجزات مختلفة األص��وات والتجارب والحساسيات‪ ..‬بغرض المقارنة بينها‪ ،‬ورصد‬ ‫التقاطعات والتوازيات واالختالفات على مستوى الموضوعة نفسها‪ .‬وإسهام ًا مني في رسم بعض معالم‬ ‫هذه الصورة ولَمِّ تقاطيعها وجمع شتاتها المبعثر عبر المتون‪ ،‬أقدم هذا الملمح حول حضور المرأة‬ ‫في الرواية السعودية‪ ،‬كما تبرز في رواية زينب حفني «وسادة لحبك»‪ ،‬وانبثاقا عنها في باقي المنجز‬ ‫الروائي السعودي‪.‬‬ ‫‪1 .1‬ب��اع �ت �ب��اره��ا راوي� ��ة ت �س��رد وق��ائ��ع المحكي‬

‫مخزونها م��ن ال��ذاك��رة‪ ،‬وبخاصة م��ا يتعلق‬

‫الذاتي الذي يستعرض سيرتها الذاتية منذ‬

‫بطفولتها ومرحلة زواجها السعيد مع زوجها‬

‫الطفولة‪ ،‬مرورا بمرحلة المراهقة والشباب‪،‬‬ ‫واستحضارا لألحاسيس المفرطة التي ترافق‬ ‫النمو السريع لرغبات الجسد‪ ،‬وحاجاته‬ ‫الطبيعية‪ ،‬وتصرفات الذات في ضوء الثقافة‬ ‫السائدة التي تنظر إلى جسد المرأة‪ ،‬بوصفه‬ ‫فتنة وع��ورة وفخا لممارسة الفضيحة بكل‬

‫‪64‬‬

‫ال��راح��ل ال��ذي تركها وح�ي��دة؛ وه��ي في أوج‬ ‫عنفوان شبابها‪ ،‬ونضج جسدها‪ ،‬واشتداد‬ ‫حمم رغ�ب��ات��ه‪ .‬وق��د استعاضت ع��ن غيابه‬ ‫بالعناية المفرطة بابنتها الوحيدة‪ ،‬والترويح‬ ‫عن جفاف الجسد والتخفيف من أناته بأمور‬ ‫ال يجيزها الدين والمجتمع‪.‬‬

‫أشكالها‪ .‬وهذا ما فعلته زينب حفني حينما‬

‫‪2 .2‬باعتبارها أ ُما ربَّت وراقبت وسهرت الليالي‬

‫لتفصل في سرد‬ ‫ّ‬ ‫غادرت المحكي األس��اس‪،‬‬

‫من أجل أن ترى ابنتها الوحيدة سعيدة؛ وهنا‬

‫اجلوبة ‪ -‬ربيع ‪1433‬هـ‬


‫يستطيع الكاتب الرجل إدراك��ه مهما اجتهد‬

‫بتلك ال �ص��ورة المنسجمة م��ع بروتوكوالت‬

‫والتي سهرت الرواية على توضيحه بشكل ال‬ ‫وصفا وتقمصا؛ ألن هناك مشاعر خاصة‬

‫بالذكر‪ ،‬وأخرى خاصة باألنثى؛ لذلك‪ ،‬فقد‬ ‫ك��ان من حسنات المحكي ال��روائ��ي النسوي‬ ‫أن ش��خَّ ��ص ال �ع��واط��ف المشبوبة الخاصة‬ ‫بالمرأة؛ ومنها األم��وم��ة؛ فالحظنا العذاب‬

‫الذي تكبدته األم‪ ،‬وهي ترى ابنتها الوحيدة‬

‫تبتعد عنها راحلة إلى بيت عريسها؛ فتصور‬ ‫لنا األم ال��راوي��ة ال�ف��راغ المهول ال��ذي تركه‬

‫غيابها‪ ،‬وكأنها رحلت إلى األبد‪ .‬تلك الوحدة‬

‫القاسية أعادت إليها مشاعر الحزن القديم‬ ‫بمناسبة فقدان زوجها؛ وكأنه حدث البارحة‬ ‫فقط؛ وهنا تتخذ الحكاية بعدا مأساويا؛‬

‫أيقظت في جسدها رغبات كانت مؤجلة؛‬ ‫رغبات عنيفة ولَّدت لديها قدرات استيهامية‬

‫جنسية قوية‪ ..‬عملت على إشباعها بطرق‬

‫تلك السنوات؛ ومع أنها استطاعت أن تظهر‬ ‫القيم المجتمعية والثقافية؛ فهي مع نفسها‬

‫غير مقتنعة بها؛ وتمارس في الخفاء ‪-‬لما‬ ‫تخلو إل��ى نفسها‪ -‬ما تمليه عليها حاجاته‬

‫النفسية وال�ج�س��دي��ة‪ .‬ف��أظ�ه��رت النصوص‬

‫م������������ل������������ف ال������������ع������������دد‬

‫تتضح بجالء العالقة الحساسة لألم بالبنت‪،‬‬

‫الحرمان والضياع لم تستطع مقاومتهما طيلة‬

‫ال��واردة في روايتها عدم الرضا الذي تسره‬ ‫المرأة للزوج؛ وذلك لكونه ال يعبأ برغباتها‬

‫الجنسية‪ ،‬وال يوصلها إلى حيث تشتهي من‬ ‫حقها ف��ي المتعة ال�ج�س��دي��ة؛ ففي الغالب‬

‫يعاملها كأداة لبلوغ شهواته وينصرف‪ .‬تقول‬

‫ال��رواي��ة في ه��ذا الصدد‪« :‬أن��ت ال تسمعين‬ ‫من ال��زوج سوى‪ :‬أف‪ ،‬تعبان‪ ،‬مرهق‪ ...‬وإذا‬

‫الطفك قليال‪ ،‬فهذا يعني أن��ه يريد ليلتها‬ ‫واجبه ال��زوج��ي منك‪ .‬يقوم بذلك بأسلوب‬ ‫منمق‪ ..‬ثم يعطيك ظهره وينام؛ ويعلو شخيره‬

‫في أرجاء الغرفة‪.»...‬‬

‫يرفضها المجتمع كنهج ملتو إلرواء الرغبات ‪4 .4‬باعتبارها مستعيدة لتوازنها الواقعي؛ حيث‬ ‫خارج مؤسسة الزواج‪.‬‬ ‫تخلت ع��ن م��واق�ف�ه��ا ب��اإلخ�ل�اص الموهوم‬

‫‪3 .3‬ب��اع �ت �ب��اره��ا ج �س��دا ت�ل�ظ��ى ب �ن��ار الحرمان‬

‫لزوجها الراحل‪ ..‬واإلخالص لذكراه السالفة؛‬

‫الرحيل المفاجئ والمبكر لزوجها‪ ،‬الذي ظلت‬

‫كنَّ ينصحنها ب��ال��زواج‪ ،‬واالستمتاع بالحب‪،‬‬

‫ال�ع��اط�ف��ي وال �ج �س��دي س �ن��وات ع��دي��دة بعد‬

‫مخلصة لذكراه‪ ،‬ووفية البنتها الوحيدة؛ مع‬ ‫أنها كانت ما تزال في عز عنفوانها وشبابها‬

‫وجمالها؛ فانساقت في هذه التجربة المرة‬ ‫ال�ت��ي جعلتها تسقط ف��ي ف��خ م��ا ال يرضاه‬

‫المجتمع م��ن قيم‪ .‬لقد تركها ال��زوج الذي‬ ‫ك��ان يحميها م��ن ع��واص��ف ه��وج��اء تقدحها‬

‫الرغبات المنسية للجسد؛ تركها في صحراء‬

‫من الفقد العاطفي كما تصوره؛ جحيم من‬

‫تلبية لنداء جسدها؛ ودعوات زميالتها اللواتي‬

‫والبحث عن النصيب في سبيل آخر؛ إن هو‬ ‫ذه��ب وانقطع في الطريق األول‪ .‬لذلك لم‬

‫تتردد في العناية بجسدها الذي ما زال غضاً‬

‫ط��ري��ا؛ وإب ��راز بعض مفاتنه‪ ،‬وال �خ��روج إلى‬

‫أرض الله الشتمام رائحة الهواء؛ هذا الهواء‬ ‫البحري الذي منحها هوى جديدا انتشلها من‬

‫صحراء الضياع التي كانت تجثم على روحه‪.‬‬ ‫كان ذلك نتيجة لقائها بعشيق جديد؛ أحبته‬

‫اجلوبة ‪ -‬ربيع ‪1433‬هـ ‪65‬‬


‫بسنوات‪ ،‬مع أن الشاب لم يعترض على‬

‫ذلك‪ .‬أما لو علموا بكونه شيعيا لقامت‬

‫الدنيا في وجهها‪.‬‬

‫وبناء على ه��ذا التصوير ال��درام��ي للبرنامج‬

‫السردي للمرأة الشخصية الرئيسة والراوية في‬

‫آن واح��د؛ كما رصدته هذه الرواية‪ ،‬نستخلص‬ ‫أن مشكل المرأة الكبير ال��ذي تريد أن تصوره‬

‫هو تعاستها نفسيا وعاطفيا واجتماعيا؛ وسر‬ ‫ه��ذه التعاسة ليس ناجما ع��ن ال��دي��ن أو القيم‬

‫األخ�لاق �ي��ة؛ ب��ل ي�ك�م��ن ف��ي ال�ث�ق��اف��ة الموروثة‬ ‫المغلوطة التي تحور النصوص لفائدتها؛ مصادرة‬

‫حرية المرأة في العيش واالستمتاع والتعبير عن‬ ‫رؤاها كإنسان؛ والحرية هنا ال تصل إلى حدود‬

‫المطالب السياسية؛ بل أغلبها ثقافي محض‪،‬‬ ‫وأحبها بجنون‪ ،‬وأع ��اد لها بريقها وثقتها‬ ‫بنفسها؛ ش��اب يصغرها بسنوات؛ ويرغب‬ ‫بصدق في ال��زواج منها‪ ..‬وبناء أس��رة وفق‬

‫الشرع‪ .‬وما إن كبرت أحالم هذه المرأة في‬

‫استعادة روح سعادتها المهدورة بالعيش في‬

‫واقعية؛ واالستمتاع بالرغبات وفق المنطق‬

‫الذي خطته الطبيعة والشريعة؛ حتى لوح في‬ ‫األفق بشكل مفاجئ ورهيب؛ عائقان‪:‬‬

‫األول‪ :‬يتمثل ف��ي ك ��ون ال �ش��اب شيعيا يعتنق‬

‫يروم تغيير القيم التي تجعل منها كائنا قاصرا‬

‫يلزم وصايته من طرف غيره؛ وكائنا ملعونا يقود‬

‫إل��ى الرذيلة والفسق؛ لذلك‪ ،‬فبدل أن تنخرط‬ ‫المرأة في تأسيس ثقافة واضحة ومتناغمة مع‬ ‫رؤى المجتمع‪ ،‬تظل حبيسة دواخلها المغلقة‬ ‫على ذاتها‪ ،‬بعيدا عن األسئلة الكبرى؛ منشغلة‬ ‫ب�ح��اج��ات ال�ج�س��د‪ ،‬ورغ �ب��ات ال ��ذات ال�ت��ي يجب‬

‫أن تتخلص م��ن عقدها لتنطلق بعيدا‪ ،‬وتحلق‬

‫في سماء ح��رة‪ ،‬مشاركة الرجل في بناء صرح‬ ‫الحضارة كما نص على ذل��ك اإلس�ل�ام‪ ،‬ونصت‬

‫مذهب الروافض الموبوء لدى المجتمع عليه كل المواثيق الدولية التي تجعل من الكائن‬ ‫السني‪ ،‬والذي سيقف بكل قواه في وجه البشري س��واء‪ ،‬أم��ام رب��ه وأم��ام مجتمعه وأمام‬ ‫هذا الزواج ليمنعه‪.‬‬

‫‪66‬‬

‫مسؤولياته التي يتحمل وزرها‪.‬‬

‫الثاني‪ :‬يتجلى في رد فعل كل من البنت الوحيدة‬

‫وإذا كانت الرواية النسوية سواء في «وسادة‬

‫ال��زواج‪ ،‬واستهجانه لمجرد كون الشاب‬

‫«فتنة» أو في «نساء المنكر» أو «بنات الرياض»‬

‫واألخ اللذين عبرا عن استيائهما من هذا‬

‫لحبك» أو في «البحريات» أو في «العباءة» أو في‬

‫المتقدم أصغر من ال��زوج��ة المعشوقة‬

‫تبرز ال��ذات‪ -‬المرأة كفاعل حقيقي في السرد‪،‬‬

‫اجلوبة ‪ -‬ربيع ‪1433‬هـ‬


‫تجعل من الرجل كائنا ضعيفا أمامها؛ تمارس‬ ‫عليه سلطتها اإلغ��رائ �ي��ة المتمثلة ف��ي اإلثارة‬

‫الجسدية؛ فهي توظف الكتابة كنوع من العزاء‬ ‫ع��ن اإلق �ص��اء ال��ذي ي�م��ارس عليها ف��ي الواقع‪،‬‬

‫كما تمارسها كورقة احتجاجية إلسماع صوتها‬ ‫للمجتمع الذي ترى أنه يصادر رغباتها وأسئلتها‬ ‫ككائن بشري؛ والنتقاد السلطة الذكورية التي‬ ‫تمتهن جسدها‪ ..‬وت��رى فيه موضوعا خالصا‬

‫لتفريغ النزوات؛ فإن الرجل الكاتب ينصرف في‬ ‫رواياته إلى اعتبار المرأة انشغاال رجاليا بامتياز؛‬

‫ال وج��ود لها إال من خ�لال ص��وت الرجل الذكر‬ ‫ال��ذي يبادر ويمارس وظيفته التحكمية عليها‪،‬‬

‫وعموما‪ ،‬فقد جاءت الرواية النسوية السعودية‬ ‫لتبرز معاناة المرأة السعودية‪ ،‬وتطرح بصوت‬ ‫جهري أسئلتها الجسدية والسياسية والقيمية‬ ‫واالجتماعية؛ وتعلن؛ عبر فعلها الكتابة‪ ،‬أنها كائن‬ ‫موجود مستعد للنضال المشروع لطرح قضيتها‬

‫م������������ل������������ف ال������������ع������������دد‬

‫وفي الواقع يمارس وظيفته بالطرق الملتوية‪ ،‬التي‬

‫إبان اللحظات الحميمية‪.‬‬

‫اإلنسانية على طاولة الحجاج والجدال والحوار‬ ‫المجتمعي؛ وهي قضية ترى الكاتبات أن الرجل‬ ‫مهما اجتهد‪ ..‬فإنه غير مؤهل لإلحساس والتعبير‬ ‫عما يخالج سرائرها وطاقاتها الشعورية؛ فجاءت‬ ‫هوية كتاباتها الروائية مغايرة تستمد مقوماتها‬

‫لخلق التوازن المفترض للحياة السوية‪ .‬وعلى من الحرص على التعبير بالجسد الفائر باللذة؛‬ ‫عكس ال��رج��ل ال��ذي يعيش حياته ب��دون أقنعة‬

‫والنقد ال�ل�اذع لقيم المجتمع وال�ت�م��رد عليها‪،‬‬

‫أو تحرجات‪ ،‬ف��إن المرأة على مستوى السرد؛ وف�ض��ح م�ق��درات�ه��ا الجهنمية على ال�ت�ح��رر من‬ ‫ال تظهر إال مستترة ل�ت��راوغ السل َط والتقاليد السياجات المضروبة حولها‪ ،‬بما تمتلكه من‬ ‫المضروبة حولها؛ ولتلبي‪ ،‬ولو عبر االستيهام‪،‬‬

‫أسئلة جسدها الكبرى التي ال ترتوي إال عبر فك‬ ‫النسيج القيدي المشدود حولها‪ ،‬وارتكاب خطايا‬

‫ومنكرات وخيانات يحرمها عليها المجتمع‪ ،‬وال‬

‫يحرمها على غريمها التقليدي «الرجل»‪.‬‬

‫لذلك‪ ،‬فقد ب��دت كتابات ال�م��رأة أكثر جرأة‬

‫شيطنة وذكاء ودهاء‪.‬‬ ‫وم��ع ذل ��ك‪ ،‬ف�ه�ن��اك ت�ق��اط�ع��ات مشتركة بين‬ ‫ك �ت��اب��ات ال��م��رأة وك �ت��اب��ات ال��رج��ل ف��ي الرواية‬ ‫السعودية؛ فكالهما يعبر عن حركية جيل جديد؛‬ ‫له أسئلة جديدة؛ ووعي جديد بالذات والعالم؛‬

‫من كتابات الرجل؛ سواء عند يوسف المحيميد وأساليب أخرى في التواصل والتعامل والتعبير؛‬ ‫أو بدر اإلبراهيم أو غيرهما؛ وأشدها انتهاكا ورغ �ب��ات تختلف ع��ن رغ �ب��ات ال�ج�ي��ل القديم‪.‬‬ ‫ل�ل�ط��اب��وه��ات المغلفة ب��اإلي��دي��ول��وج�ي��ا كأسلوب‬ ‫هجومي الكتساح صوتها للساحة؛ حيث تأتّى‬

‫لها أن تكشف خبابا الجسد األنثوي وصرخات‬

‫جوعه التاريخي‪ ،‬وخصوصيات طبيعته المتفردة‬ ‫التي تختلف عن طبيعة الجسد ال��ذك��وري‪ .‬كما‬

‫وتشترك التجربتان معا في التذويت والتشخيص‬ ‫والنقد الجريء لممارسات تقليدية لم يعد لها‬ ‫من مسوغ في ال��وج��ود‪ ،‬دون أن ننسى بحثهما‬ ‫المطرد عن أصوات جديدة وامتدادات أسلوبية‬

‫صورت بشكل دقيق ومفصل انفعاالت جسدها مغايرة‪ ،‬وصدى عميق لترددها‪.‬‬

‫اجلوبة ‪ -‬ربيع ‪1433‬هـ ‪67‬‬


‫شعرنة اللغة في الرواية السعودية‬ ‫أمنوذجا‬ ‫«الفردوس اليباب»‬ ‫ً‬

‫> هشام بنشاوي ‪ -‬كاتب من املغرب‬

‫ال يختلف اثنان على أن الرواية السعودية قد استطاعت في العقدين األخيرين أن تفرض وجودها‬ ‫على الساحة األدبية‪ ،‬بأعمال ال تقل أهمية وجمالية عن المنجز الروائي العربي‪ ،‬وإن تسللت ‪ -‬في غفلة‬ ‫أيضا‪ ..‬على حد سواء‪ ،‬في‬ ‫من النقاد‪ -‬كتابات أساء أصحابها لهذا الفن النبيل‪ ،‬وللمجتمع السعودي ً‬ ‫محاولة بائسة ‪ -‬منهم‪ -‬لسرقة األضواء‪.‬‬ ‫من النصوص الروائية الالفتة في المشهد ال��روائ��ي السعودي رواي��ة ليلى الجهني‪« :‬الفردوس‬ ‫اليباب»‪ ،‬إذ تتميز هذه الرواية‪ ،‬التي يمكن اعتبارها رواية‪ -‬قصيدة بلغتها السردية الشجية‪ ،‬المكثفة‪.‬‬ ‫وتعد «الفردوس اليباب» بمثابة قصيدة رثاء للذات الساردة‪ ،‬المفجوعة بخسائرها الفادحة وأحالمها‬ ‫المجهضة على أرضية واقع طاعن في نثريته ورداءته‪ ،‬حيث تكتشف صبا ‪ -‬الساردة الحالمة‪ ،‬الغارقة‬ ‫في طوباويتها‪ -‬أن الفردوس المأمول مجرد خراب‪ ،‬ويصير الهذيان المحموم في اللحظات األخيرة لغة‬ ‫البوح الوحيدة والممكنة‪ ،‬المنسكبة على الورق!‬ ‫تبدأ الرواية بالرغبة في الغناء التي انتابت‬

‫صبا‪ ،‬وه��ي ت��رى ع��ام�رًا يُلبس صديقتها خاتم‬ ‫الخطبة‪ ،‬وق��د اختنقت الكلمات خلف الشفاه‪،‬‬

‫وم ��ات ال �ه��واء مخنوقًا بالبكاء حين رأتهما‪..‬‬ ‫ذلك البكاء الرابض على أطراف الحلق‪ ،‬وحتى‬

‫الخاتم بدا لها يطفو كسائر الوجوه‪ ،‬التي تسبح‬

‫وتنثال التداعيات‪ ،‬فتستهلها الساردة بمشهد‬ ‫تنكر عامر أو «ديك المزابل»‪ ،‬كما تدعوه ألبوته‬ ‫لجنينها‪ ،‬والسخرية منها ‪-‬وه��ي المثقفة‪ -‬أن‬ ‫ت�ق��ول إن�ه��ا ح��ام��ل م�ن��ه‪« :‬ي��ا صبا ي��ا ف��اه�م��ة‪ ،‬يا‬ ‫واعية‪ ،‬يا حقت الكتب والجرايد‪ .‬الحب مزبلة يا‬ ‫صبا وأنا ديكها المؤذن»‪.‬‬

‫في الفضاء الممتد بين عامر وصبا‪« :‬كان يطفو‬ ‫وتروي ليلى الجهني من خالل ما تسميه صبا‬ ‫ق�ل�ي�لا ث��م ي �غ��وص م�ث��ل وردة م��رب��وط��ة بحجر‪« .‬أحاديث العذاب» شكال آخر من أشكال معاناة‬ ‫وميكائيل ينفخ في الصور والتفاصيل المذبوحة المرأة في مجتمع أبويّ ‪:‬‬ ‫في قلبي‪ ،‬تنتشر‪ ،‬تبعث عارية إال من أسايَ »‪.‬‬ ‫«‪ -‬خالدة‪ ،‬أليس عذابا أن تكوني امرأة؟‬ ‫ه�ك��ذا‪ ،‬تجد صبا نفسها ع��اج��زة ع��ن الصراخ‪،‬‬ ‫أحيانا يداهمني هذا الشعور عندما أحرم من‬ ‫كي تحذر صديقتها من المصير الفاجع نفسه‪..‬‬ ‫عاجزة عن البكاء وعن الغناء؛ و«الغناء أحيانا أشياء تافهة فقط ألني امرأة‪.‬‬ ‫حالة من حاالت الوجع المهلك»‪.‬‬

‫‪68‬‬

‫اجلوبة ‪ -‬ربيع ‪1433‬هـ‬

‫مثل ماذا؟‬


‫ول��ن تجد صبا م�ل�اذا لكي‬ ‫ت�ن�ج��و ب�ش�ف��اف�ي�ت�ه��ا وعذوبتها‬ ‫ال �م �ف��رط��ة س ��وى ال� �ه ��روب من‬ ‫الواقع المتكالب على الماديات‪،‬‬ ‫ال�غ��ارق ف��ي تناقضاته التراجيكوميدية‪ ،‬وذلك‬ ‫ب��اإلب �ح��ار ف��ي ات �ج��اه ق���ارة ال�ش�ع��ر والروايات‬ ‫واألح�ل�ام‪ ،‬على غ��رار أسالفها الرومانسيين‪،‬‬ ‫وح �ي��ن ت�س�ق��ط األق �ن �ع��ة ع��ن األق �ن �ع��ة‪ ،‬تنكشف‬ ‫حقيقة األش�ي��اء فتختار ال�م��وت‪ ،‬لكن قبل ذلك‬ ‫تحرق كتبها‪ ،‬كأنما تدين خداع الكتب قبل قبح‬ ‫الواقع‪.‬‬ ‫***‬

‫تقدم ال��رواي��ة ص��ورة مميزة‬ ‫ل�ل�م�ك��ان‪ /‬ج ��دة‪ ،‬وإن ل��م تخ ُل‬ ‫من بعض القسوة‪ ،‬لكنها قسوة‬ ‫تشبه عتاب المحبين‪ ،‬بخالف‬ ‫كتابات سعودية أخرى أغرقت‬ ‫ف��ي ه �ج��اء ال��ري��اض ‪ -‬مثال‪-‬‬ ‫وم��دي��ح ل �ن��دن ب�ط��ري�ق��ة مثيرة‬ ‫للشفقة! وم��ن يتأمل تداعيات‬ ‫ال �س��اردة‪ ،‬س�ي��درك أن�ه��ا تعتبر‬ ‫نفسها ضحية حب آخ��ر‪ ،‬حب‬ ‫�اس‪ ..‬إذ ت�ج��د نفسها إزاء‬ ‫ق� � ٍ‬ ‫صور شتى لمدينة واحدة‪:‬‬ ‫«وجدة!‬ ‫س �ت �ك �ش��ف ل ��ي ع ��ن مدينة‬ ‫س��ري��ة أخ� ��رى ف ��ي أعماقها‪.‬‬ ‫مدينة غامضة مريبة‪ ،‬الظالل‬

‫وتسترسل الساردة الحالمة‪،‬‬ ‫الباحثة عن العصافير والغيم‬ ‫في مدينتها في إسقاط أقنعة‬ ‫مدينتها ال��واح��د ت�ل��و اآلخر‪:‬‬ ‫«ج ��دة‪ ،‬ه��ذه ال�ك��اذب��ة ال�ل�ع��وب م��ا أش��د فتنتها!‬ ‫بإمكانها أن تحمل الغيم على أن يمطر بنظرة‬ ‫واح��دة‪ .‬وبإمكانها أن تتعرى للبحر ذات مساء‬ ‫فإذا أقبلت لملمت أبناءها إال األشقياء‪ ،‬وتركت‬ ‫للبحر أن يغضب‪ ،‬وأن يبكي وأن يلطم صخر‬ ‫الشاطئ لوعة واحتراقا»‪.‬‬

‫م������������ل������������ف ال������������ع������������دد‬

‫م � �ث� ��ل أن أع� � �ل � ��ق ص� � ��ورة‬ ‫ص�ل�اح ال�س�ع��دن��ي ع�ل��ى جدار‬ ‫غرفتي‪.»...‬‬

‫فيها أكثر من األضواء‪ .‬أناسها‬ ‫ب�لا م�لام��ح أو أن�ه��م يختبئون‬ ‫خلف األقنعة»‪.‬‬

‫وب �ع��د تهشم األح�ل�ام على‬ ‫صخرة الواقع‪ ،‬وسقوط األقنعة‬ ‫واغتيال البراءة‪ ..‬تكتشف صبا‬ ‫أن «ال� �ف ��رادي ��س ف ��ي السماء‬ ‫وليست على األرض‪ .‬الفراديس‬ ‫لألنبياء وليست للخاطئين»‪.‬‬ ‫***‬

‫«ال �ف��ردوس ال�ي�ب��اب» مرثية‬ ‫شجية للبراءة سريعة العطب‪،‬‬ ‫وقصيدة ح��ب للمكان‪ /‬جدة‪،‬‬ ‫ولم تحل شعرنة السرد واللغة‬ ‫دون أن تكون الرواية نصا تأمليا‬ ‫بامتياز‪ ،‬بخالف نصوص أخرى‬ ‫تحوّلها شاعريتها إلى بكائيات‬ ‫تستجدي دمع القرّاء‪ ،‬فالرواية‬ ‫ت�ق��دم رؤيتها الخاصة ‪ -‬عبر‬ ‫تأمل ناعم‪ ،‬إن جاز التعبير ‪-‬‬ ‫للناس ولألشياء ولألفكار أيضا‬ ‫في عصر غريب األطوار‪.‬‬

‫اجلوبة ‪ -‬ربيع ‪1433‬هـ ‪69‬‬


‫هل كسرت الرواية السعودية التابو؟‬ ‫> وضحاء بنت سعيد آل زعير‪ -‬من السعودية‬

‫التابو أو الثالوث المحرم ‪ -‬كما يسميه بعضهم ‪ -‬خطوط حمراء ثالثة‪ ،‬ابتعد األدباء عنها حقبة‬ ‫طويلة‪ ،‬ثم اتجهوا في الحوم حولها؛ سعيًا لكسرها وتجاوزها‪ ،‬ضمن تغيرات عديدة في األدب‪ ،‬كفلها‬ ‫الزمن واألوضاع المتعاقبة‪.‬‬ ‫لبعض التابوات‪،‬‬ ‫ٍ‬ ‫وفي الرواية السعودية سباق محموم‪ ،‬يسعى لشيء من االختراق والمشاغبة‬ ‫يجعل الراصد يستفهم حول الهدف من هذه االختراقات وحقيقتها‪.‬‬ ‫هل كسرت الرواية السعودية التابو ألجل الظهور فقط واإلث��ارة‪ ،‬ومن ثم الشهرة؟ أم كان كسرً ا‬ ‫فعليًا ضمن البنية السردية؟‬ ‫‪ -1‬تابو الجنس وهو التابو ال��ذي يجتمع ضدّه‬ ‫ال��دي��ن وال �ع��رف االجتماعي ف��ي السعودية؛‬ ‫ولكن الرواية كسرته في تحدٍّ الفت‪ .‬إذ نجد‬ ‫رواية (اآلخرون) لصبا الحرز‪ ،‬وبعض روايات‬ ‫زينب حفني‪ ،‬و(حب في السعودية) إلبراهيم‬ ‫بادي‪ ،‬وغيرها من الروايات قد حطمت تابو‬ ‫الجنس من خالل شخوصها‪ ،‬أو حواراتهم‪ ،‬‬ ‫وكذلك مسلّماتهم‪.‬‬

‫‪70‬‬

‫ ‬

‫وح�ي��ن النظر لغالب ه��ذا الكسر السردي‬ ‫لتابو الجنس‪ ،‬فإنه يبرز كسره التابوي بنهج‬ ‫فضائحي الف��ت‪ ،‬مستفز للمجتمع(‪ ،)1‬أكثر‬ ‫من كونه كسرًا حقيقيًا أدبيًا ينسجم مع بنية‬ ‫السرد‪.‬‬

‫ ‬

‫غ��ال��بُ م��ا يُ�ق��دَّ م ف��ي ال��رواي��ة السعودية من‬

‫اجلوبة ‪ -‬ربيع ‪1433‬هـ‬

‫تشريح للتابو الجنسي بلغة جريئة مثيرة‪،‬‬ ‫يكون ضمن محاولة لتحقيق الرواية رواجً ا‬ ‫أوسع من خالل هذه النافذة التابوية‪ ،‬بعيدًا‬ ‫ع��ن تحقيق الفنية ال�س��ردي��ة؛ بحيث يصبح‬ ‫تمثيل تابو الجنس هو المحور‪ ،‬ومرتكز قيام‬ ‫سرد هذه الروايات‪.‬‬ ‫السؤال القائم‪ :‬هل كسْ ر تابو الجنس غاية‬ ‫بعضا من هذه الروايات‬ ‫في ذات��ه؟ أظن أن ً‬ ‫يريد أن يعْبر من خ�لال ه��ذا التابو ليكسر‬ ‫تابوات مجتمعية ويستفزها‪ ،‬ولن يتم هذا إال‬ ‫من خالله‪.‬‬ ‫‪ -2‬أم��ا تابو ال��دي��ن‪ ،‬ف��إن ال��رواي��ة السعودية لم‬ ‫تحقق كسرًا فعليًا لهذا النوع بشكل مباشر(‪،)2‬‬ ‫وإن كان الكثير من النقاد يرى أن الروايات‬


‫ ‬

‫وه� ��ذا ي �ق��ودن��ا إل ��ى ن�ت�ي�ج��ة م �ف��اده��ا أن كل‬ ‫رواي ��ة انتقدت سلطة دينية‪ ،‬أو رج��ل دين‪ ،‬‬ ‫أو ت �ص��رف��ات م�ت��دي�ن�ي��ن‪ ،‬ه��ي ف��ي الحقيقة‬ ‫ل��م تكسر ت��اب��و ال��دي��ن أو تتعرض ل��ه! رغم‬ ‫تصنيفها ب��ذل��ك! ولكن المجتمع السعودي‬ ‫هو الذي جعل مثل هذا النقد نقدًا مباشرًا‬ ‫للدين‪ .‬وهذا فهم مغلوط! ما يعني أن الرواية‬

‫م������������ل������������ف ال������������ع������������دد‬

‫األخيرة استبسلت في كسره‬ ‫بصورة متكررة؛ بينما لو نظرنا‬ ‫إلى غالب هذه الروايات‪ ،‬فإن‬ ‫األم� ��ر ال ي �ع��دو ك��ون��ه كسرًا‬ ‫للسلطة الدينية حينًا‪ ..‬وحينًا‬ ‫آخر للرموز الدينية‪ ،‬كما يقول‬ ‫ب�ط��ل (اإلره ��اب ��ي ‪ )20‬زاهي‬ ‫الجبالي‪« :‬الكثير من أصدقائي‬ ‫يعملون لدى الشرطة الدينية‪،‬‬ ‫وك��ان��وا يبيحون ألنفسهم أن‬ ‫ي �ت��دخ �ل��وا ف ��ي خصوصيات‬ ‫اآلخ ��ري ��ن‪ ..‬ع�ل��ى أن الدولة‬ ‫ل��م ت�ع�ط�ه��م ك��ل ه ��ذا النفوذ‬ ‫على ال� �ن ��اس!»(‪ .)3‬م��ا يقودنا‬ ‫إلى تساؤل حول حقيقة هذا‬ ‫الكسر! األمر الظاهري يجعل‬ ‫من المساس بالرموز الدينية‬ ‫مساس بالتابو الديني وكسر‬ ‫ٌ‬ ‫له؛ على الفرض السائد بأن‬ ‫هذه الرموز تمثل الدين‪ .‬ولكن‬ ‫الحقيقة أن رج��ال الدين والسلطة الدينية‬ ‫لهم كينونتهم الخاصة المختلفة عن كينونية‬ ‫(الدين)‪ .‬وهذا ما ال يدركه الكثير! وما يؤكد‬ ‫قولي أن��ه حين المساس برجل دي��ن‪ ..‬فإن ‬ ‫المجتمع يثور‪ ،‬وك��أن الممسوس هو الدين‬ ‫ذاته!‬

‫السعودية لم تكسر التابو الديني‬ ‫ف��ي ح�ق�ي�ق��ة األم � ��ر‪ .‬ل� ��ذا‪ ،‬نعود‬ ‫للخطوة األول��ى‪ ..‬في أن الرواية‬ ‫ال �س �ع��ودي��ة ل ��م ت� �م ��ارس الكسر‬ ‫الفعلي لتابو ال��دي��ن‪ ،‬ب��ل كسرت‬ ‫وزع��زع��ت المؤسسة الدينية‪ ،‬أو‬ ‫السلطة الدينية ورج ��ال الدين‬ ‫فقط‪ .‬وفي ذلك فرق!‬ ‫ولكن لو نظرنا من زاوي��ة أخرى‬ ‫من خالل اتكاء السلطة السياسية‬ ‫على السلطة الدينية‪ ،‬هل يمكننا‬ ‫القول أن انتقاد الرموز الدينية هو‬ ‫كسر للتابو السياسي‪ ،‬أو محاولة‬ ‫غير مباشرة للمساس به؟!‬ ‫‪ -3‬إن التابو السياسي هو التابو‬ ‫األخ� �ي ��ر ال � ��ذي ش��اغ �ب �ت��ه أق�ل�ام‬ ‫المبدعين ف��ي ال �س �ع��ودي��ة‪ ،‬فهو‬ ‫ب��وص��ف ال�ن��اق��د محمد العباس‬ ‫ي��ق��ت��رب روائ� � � ًي � ��ا م� ��ن ح� � ��دوده‪،‬‬ ‫ل�يُ�ح��دث فيه بعض ال �ش��روخ بعد‬ ‫استنفاذ الروائيين لتابو الجسد والمؤسسة‬ ‫الدينية(‪.)4‬‬ ‫فالتابو السياسي صمد طويالً‪ ،‬أو بعبارة أدق‪..‬‬ ‫لم تلتفت له الرواية السعودية في السابق إال‬ ‫بشكل فردي يسير‪ ،‬وبقيت في عمومها ضمن‬ ‫حدود الجنس والسلطة الدينية‪.‬‬ ‫وي�ت�ح��دث ع �ب��ده خ��ال ف��ي رواي �ت��ه األخيرة‪:‬‬ ‫(ترمي بشرر)(‪ )5‬عن شخصية لها سيادتها في‬ ‫البلد‪ ،‬ويتطرق من خالل سرده لموضوعات‬ ‫تعدّ من ضمن التابو السياسي الداخلي للبلد‪،‬‬ ‫كقضية ت ��داول األس �ه��م وه �ب��وط مؤشرها‪،‬‬ ‫وكذلك انتزاع ملكيات األراضي بالغصب من‬

‫اجلوبة ‪ -‬ربيع ‪1433‬هـ ‪71‬‬


‫ ‬

‫دون تعويضات!‬

‫وهذا ما أخالفه تماما‪.-‬‬

‫هذه اإلشارات كانت غائبة بشكل كبير ضمن ‬

‫وب �ع��دم��ا ت�ت��أق�ل��م وت �ع �ت��اد األق �ل�ام السردية‬ ‫م�ص��ادم��ة ه��ذي��ن ال�ت��اب��وي��ن‪ ،‬تكفل األوضاع‬ ‫العامة واتساع هامش الحرية مقارنة ببدايات‬ ‫مصادمة التابو األول (الجسد)‪ ،‬لتبدأ في‬ ‫مشاغبات يتيمة حييّة لتابو السياسة‪ ،‬وليست‬ ‫كسرًا صارخً ا حادًا!‬

‫ ‬

‫أخلص إلى أن الرواية السعودية في حقيقة‬ ‫األمر لم تكسر فعليًا سوى مح ّرمًا واحدًا من‬ ‫المحرمات الثالثة‪ ،‬وهو تابو الجنس فقط‪.‬‬ ‫أما الدين والسياسة فما زالت الرواية بعيدة‬ ‫عن كسرها ضمن مفهوم الكسر واإلسقاط‪،‬‬ ‫وما حصل هو مجرد محاوالت فردية ال يمكن‬ ‫وصفها بحالة سردية جمعية‪.‬‬

‫السرد الروائي في السعودية‪ ،‬وبدأت تظهر‬

‫على استحياء اآلن؛ ورغ��م هذا تبقى مجرد‬

‫خ��دوش ترسمها الرواية السعودية في وجه‬ ‫التابو السياسي‪ ،‬دون أن تحطمه!‬

‫ ‬

‫إن تدرج الرواية السعودية في تحدّيها للتابو‬

‫اب �ت��دأت بالجسد ح�ت��ى أشبعته التفاصيل‬ ‫السردية حديثًا بعبارات مكشوفة‪ ،‬ووصف‬ ‫م �ث �ي��ر ي�ب�ت�ع��د وي �ق �ت��رب م ��ن ع �ت �ب��ات النص‬

‫السردي‪.‬‬ ‫ ‬ ‫(‪) 1‬‬ ‫(‪ )2‬‬ ‫(‪ )3‬‬ ‫(‪ )4‬‬ ‫(‪ )5‬‬

‫‪72‬‬

‫ثم ينتقل للسلطة الدينية ورموزها وانتقادها‪،‬‬

‫على اعتبار أن تحديها هو تحدٍّ لتابو الدين –‬

‫كما برزت العالقات الجسدية المثلية في الروايتين‪( :‬اآلخرون) و(الواد والعم)‪.‬‬ ‫باستثناء رواية (الشميسي) لتركي الحمد و(القران المقدس) لطيف الحالج‪.‬‬ ‫اإلرهابي ‪ ،20‬عبدالله ثابت – دار المدى‪ -‬سوريا ‪2006‬م‪.118 :‬‬ ‫سقوط التابو‪ :‬الرواية السياسية في السعودية‪ ،‬محمد العباس – جداول‪ -‬بيروت ‪2011‬م‪.15 :‬‬ ‫ترمي بشرر‪ ،‬عبده خال‪ -‬دارالجمل‪ -‬بيروت ‪2010‬م‪.328-256-255-31-30 :‬‬

‫اجلوبة ‪ -‬ربيع ‪1433‬هـ‬


‫ق���������ص���������ص ق������ص������ي������رة‬

‫أوراق همجية‬ ‫> أمين عبدالسميع حسن حسني*‬ ‫مضى يصعد الدرج‪ ..‬المصعد الكهربائي‬ ‫ما زال معطالً‪ ..‬أصوات تالحق أسماعه‪:‬‬ ‫بحر يجرف تيارات مرضى وأصحاء معاً‪..‬‬ ‫رم��ى قبضته ف��ي سترته ال�ب��ال�ي��ة‪ ..‬وصل‬ ‫الطابق ال��راب��ع ف��ي إع �ي��اء‪ ..‬كانت صلعته‬ ‫المدبوغة منحصرة بين فودين أصابهما‬ ‫ال �ش �ي��ب‪ ..‬سبحت ق��دم��اه المتباطئة في‬ ‫صالة (المستشفى العام) الطويلة‪ ..‬عض‬ ‫بأسنانه الصناعية على الشفاه القاتمة‪ ،‬ثم‬ ‫ألقى بجسده النحيل على مقعد معزول‪..‬‬ ‫كانت المكنسة المكسورة‪ ،‬مركونة على‬ ‫الجدار ترميه بالشماتة والعجز‪ ..‬صراخ‬ ‫طفل قد تعرت مؤخرته‪ ..‬يطن في رأسه‪..‬‬ ‫وبعد ساعتين من االنتظار‪ ..‬تعلق سؤاله‬ ‫الضعيف على طرف لسانه‪ ،‬بعد أن وبخه‬ ‫(ال�ت��و م��رج��ي) بلهجة عصبية وق��د تجمع‬ ‫الزبد األبيض في ركني فمه‪:‬‬

‫ثم أعطاه ظهره‪.‬‬ ‫الطفل الصغير يتلوى وينبح صوته‪..‬‬ ‫والفتة معلقة على ضلفة الشيش‬ ‫((الصبر مفتاح الفرج))‪..‬‬ ‫ص�م��ت ال��رج��ل‪ ..‬وب ��دت عينه اليمنى‬ ‫الملتهبة تفن عليه‪..‬‬ ‫مسحها بمنديله (ال�ك��اك��ي)‪ ..‬ثم نهض‬ ‫مغادراً المكان‪ ..‬كان يشعر بنظرات شتى‬ ‫من الجالسين‪..‬‬

‫حاول أن يتجنب عربة (ترولي) تحمل‬ ‫مريضاً غائباً ع��ن وع�ي��ه‪ ،‬يعلوه خراطيم‬ ‫م�ت�ش��اب�ك��ة‪ ..‬دم‪ ..‬ج �ل��وك��وز‪ ..‬أكسجين‪..‬‬ ‫تذكر صوت طفله الصغير وهو يودعه في‬ ‫الصباح الباكر‪ ..‬كانت كلماته قليلة وغير‬ ‫مرتبة‪ ،‬لكن األب ترجمها بعاطفة األبوة‪..‬‬ ‫ لسه دورك ي��ا سيد ي��ا م�ح�ت��رم‪ ..‬يا الطفل يريد كوز حلوى (ج�لاب)‪ ..‬ابتسم‬‫س��ات��ر‪ ..‬ن��اس تربي العلل‪ ،‬تموت ف��ي أبو الرجل‪ ..‬واتسعت أساريره‪ ..‬واستماتت يده‬ ‫اليسرى على (بطاقة التأمين الصحي)‪.‬‬ ‫بالش‪!!..‬‬

‫* كاتب من مصر‪.‬‬ ‫ ‬

‫اجلوبة ‪ -‬ربيع ‪1433‬هـ ‪73‬‬


‫حتت الدفء‬ ‫> فاطمة املزروعي*‬

‫‪1‬‬

‫وكل عائلتها‪ ،‬فتكتفي هي بالبكاء‪ ،‬وتسارع‬ ‫لغرفتها‪ ،‬وتغلقها على نفسها‪ ،‬ونظل نحن‬

‫م��ا أزال نائما ف��ي س��ري��ري حتى وقت‬ ‫الظهر‪ ،‬أحرك أصابع قدمي‪ ،‬أمرنها قليال‪،‬‬ ‫أسحب اللحاف على وجهي‪ ،‬أسحبه أكثر‪ ،‬نستطيع ع�م��ل أي ش ��يء‪ ،‬س��وى الصمت‬ ‫تظهر قدمي‪ ،‬أشعر بالبرودة‪ ،‬أتكور كجنين والتفرس في ال شيء‪ ،‬فقط‪ ..‬ألنها ما تزال‬ ‫في بطن أمه‪ ،‬فأصغر أنا ويكبر اللحاف‪ .‬تحمل منه وتأتي لنا بأخوة وأخوات‪.‬‬ ‫إنه أول يوم في إجازتي‪ ،‬سوف أرت��اح من‬ ‫ثوان وينسحب جميع إخوتي إلى غرفهم‬ ‫معلمنا الثرثار‪ ،‬الذي يتحدث طيلة الوقت دون همسة‪ ،‬وأظ��ل واق�ف��ا‪ ،‬أنظر لوالدي‬ ‫في أمور روتينية‪ ،‬تذكرني بنشرة األخبار‪ ،‬بنظرة جافة‪ ،‬فيها شيء من التحدي‪ .‬ويبدو‬ ‫والتي تتابعها والدتي بنهم‪ ،‬استغرب منها أن هذه النظرة تستفزه كثيرا‪ ،‬فيقترب مني‬ ‫حقا‪ ،‬فهي تهتم بها أكثر من والدي‪.‬‬ ‫ويصرخ‪ ،‬ثم يجذبني إليه‪ ،‬وأرى في عينيه‬ ‫م��ن ب�ع�ي��د ك��أص �ن��ام ه�ج��ره��ا ع�ب��دت�ه��ا‪ ،‬ال‬

‫ش ��ذرات غضب متوهجة‪« :‬اللعنة عليك‬

‫وأب��ي عند عودته من عمله مساء وبال‬ ‫س�ب��ب م �ف �ه��وم‪ ،‬ي�ل�ق��ي واب�ل�ا م��ن الشتائم أيها الصغير‪ ،‬ل� َم تنظر إل��ي بهذه النظرة‬ ‫وال�ل�ع�ن��ات عليها‪ ،‬يلعن وال��ده��ا وجدها‪ ،‬الوقحة‪..‬؟!»‪.‬‬

‫‪74‬‬

‫اجلوبة ‪ -‬ربيع ‪1433‬هـ‬


‫‪2‬‬ ‫اآلن أن���ا ف ��ي ال� �ف���راش‪ ،‬م �م��دد تحت‬ ‫اللحاف الدافئ‪ ،‬وما تزال في عيني بقايا‬ ‫ن��وم ثقيل‪ ،‬فليلة ال�ب��ارح��ة ل��م أن��م جيدا‪،‬‬ ‫لقد ذهبت إل��ى زي��ارة بيت عمي‪ ،‬وفجأة‬ ‫طردونا جميعاً خارج البيت‪ ،‬وزوجته تصرخ‬ ‫بعصبية‪« :‬ال مكان لألوالد هنا‪ ،‬هيا اذهبوا‬ ‫للشارع والعبوا هناك بعيدا»‪.‬‬ ‫خ��رج��ت م��ن ال �م �ن��زل م��ع أب �ن��اء عمي‪،‬‬ ‫ولكن ما لفت انتباهي أثناء وج��ودي في‬ ‫المنزل‪ ،‬وجود الكثير من النسوة والبنات‬ ‫الصغيرات‪ ..‬وابنة عمي ترضع صغيرها ذا‬ ‫الفم الكبير‪.‬‬ ‫ض�ح�ك��ت م��ن ن�ف�س��ي‪ ،‬وم ��ن تصوراتي‬ ‫التي ركبتها عليه‪ .‬يذكرني ذلك بزهرة ابنة‬ ‫عمي‪..‬‬ ‫إنها تكبرنا بستة أع ��وام‪ ،‬وج��ه مدور‪،‬‬ ‫وصدر صغير‪ .‬فجأة صارت ال تلعب معنا‬

‫‪« -‬لقد كبرتْ زهرة»‬

‫ق���������ص���������ص ق������ص������ي������رة‬

‫كنتُ صغيرا ال أصل بقامتي إلى منتصف‬ ‫جسده‪ ،‬يظل طيلة الوقت يشتمني ويتلفظ‬ ‫بألفاظ قذرة‪ ،‬وكنتُ أتحجر بوقفتي أمامه‪،‬‬ ‫فيضربني بالعصا‪ ،‬وكالعادة تسارع والدتي‬ ‫دوما لحمايتي‪..‬‬

‫لعبة الغميضة‪ ،‬وال أي لعبة أخرى‪ ،‬سجنوها‬ ‫في المنزل‪ ،‬ثم رأيتها بعد فترة‪ ،‬لقد تغيرت‬ ‫وأصبحت كبيرة‪ ،‬نظراتها الخجلة‪ ،‬الغطاء‬ ‫الذي ينسدل على شعرها‪.‬‬ ‫هذا ما قاله راشد ابن عمي لي‪ ،‬أخته‬ ‫كبرت وال بد أن تلزم المنزل‪ ،‬لم أكن أفهم‬ ‫م��ا ي�ح��دث‪ ..‬ل�م��اذا يعزلوننا ع��ن البنات؟‬ ‫كنت ألعب معها في طفولتي‪ ،‬تحت لحافي‬ ‫الذي أتغطى به اآلن‪ ،‬تتركنا والدتي‪ ،‬نصنع‬ ‫خ�ي�م��ة‪ ،‬أع�م��دت�ه��ا رؤوس��ن��ا‪ ،‬تحضر معها‬ ‫أدوات طبخها‪ ،‬وتبدأ تعلمني طريقة صنع‬ ‫أكالت ربما عرفتها من والدتها وحفظتها‬ ‫دون أن يعي عقلها الصغير ذلك‪..‬‬ ‫أغ �ط��ي وج �ه��ي ب��ال �ل �ح��اف‪ ،‬أح� ��اول أن‬ ‫اس�ت�م�ت��ع ب�ع��ال�م��ي ال�ب�ع�ي��د ع��ن أي شيء‪،‬‬ ‫تتناهى لمسامعي أص��وات أشجار عالية‪،‬‬ ‫مشاهد يومية في الوقت نفسه‪ ،‬وبالدقة‬ ‫التمثيلية نفسها م �ك��ررة ع��ن ظهر قلب‪،‬‬ ‫يتسلل النوم إل��ى جفني‪ ،‬يتثاقل‪ ..‬وضوء‬ ‫الشمس الذهبي ينس ُل من بين النافذة‪،‬‬ ‫يصنع بقعاً مائية مبهرة على األرضية‬ ‫الرخامية‪ ..‬أحسه كما أح��س الصلة بين‬ ‫عيني «زهرة» وشفتيها‪...‬‬

‫* قاصة من اإلمارات‪.‬‬ ‫ ‬

‫اجلوبة ‪ -‬ربيع ‪1433‬هـ ‪75‬‬


‫رقصات على حبال ذائبة‬ ‫> محمد محقق*‬

‫الراقصة والطبال‬

‫كانت تراقص قلوب البشر تحت ندى الفجر‪..‬‬ ‫األيادي أدميت من كثرة التصفيق‪..‬‬ ‫ل �م��ا ش��اخ��ت ت��زوج��ه��ا ال �م �ف �ت��ون بحركاتها‬ ‫المغرية‪..‬‬ ‫إذ أصبح هو اآلخر‬ ‫يحبو على أطراف أصابعه‪!..‬‬

‫شيخوخة‬

‫مضت تجري فَرِ حة بجمالها‪،‬‬ ‫حين سقطت‪،‬‬ ‫لم تجد من يساعدها على النهوض‬ ‫سوى طفل صغير‬ ‫رأى فيها صورة أمه‪!..‬‬

‫مرارة‬

‫حين تموجت بحور عشقه في قلبه‪،‬‬ ‫توقف في منتصف الصمت الحافي‪،‬‬ ‫يتأمل وجه سيدته خلف أكفان الموتى‪،‬‬ ‫ولما سرت نعومتها الباردة‬ ‫داخل نفسه المرتجفة‪،‬‬ ‫أخذ يركض عبر طريقه‪ ,‬يزكمه الغبار‪!..‬‬

‫إهمال‬

‫في غرفته الحمراء‪ ,‬حيث الرفوف والمرايا متعددة‪،‬‬ ‫كان يحفظ قصائده ويتلوها من ذاكرته الهشة‪،‬‬ ‫* قاص من المغرب‪.‬‬ ‫ ‬

‫‪76‬‬

‫اجلوبة ‪ -‬ربيع ‪1433‬هـ‬

‫ألن أوراقه يبعثرها في فضاء مكتبه الصغير‪،‬‬ ‫وح �ي��ن ك��ان��ت ن�س�م��ات ال�ص�ب��ح ال� �ب ��اردة تلفح‬ ‫وجهه‪،‬‬ ‫كان يبتسم عن أسنان صفراء متآكلة‪،‬‬

‫ازدواجية‬

‫رأى نفسه في صورة زوجته‪..‬‬ ‫كما رأى زوجته في صورته‪..‬‬ ‫حين استيقظ غاضبا‬ ‫قام بتطليقها‪،‬‬ ‫وانطلق مهروال نحو المجهول‪!..‬‬

‫هدية مسمومة‬

‫اشترى تفاحة ناضجة‪،‬‬ ‫قدمها هدية لزوجته‪،‬‬ ‫حين أكلتها‪،‬‬ ‫تحولت إلى أفعى‬ ‫تطالب برأسه‪!..‬‬

‫حظ سيء‬

‫حين أحس بدبدبات قلبه ينبض لدقاتها‪،‬‬ ‫سافر على طرقات هواها وحيدا‪..‬‬ ‫ولما اشتعل القلب وجداً بها‪..‬‬ ‫سافرت عبر شرفات أحالمه‬ ‫إلى حبيبها األول‪..‬‬ ‫وفي قلبها حسرة وألم‪!..‬‬


‫> محمد صوانه*‬

‫ق���������ص���������ص ق������ص������ي������رة‬

‫قصص قصيرة جدا ً‬

‫فيذهب ليغسل وجهه؛‬ ‫من ِسفر الذكريات‪..‬‬ ‫أح� ��ثُّ ال �خ �ط��ى‪ ..‬ث �م��ة م��ا ي �ح �ف��زن��ي‪ ،‬يُغالب كي يعيده إلى وهج الحاضر!‬ ‫ترددي‪..‬‬ ‫معهم‬ ‫حتى إذا وص�ل��تُ أول مفترق ط��رق‪ ،‬تمالكتُ‬ ‫يُرخي جسده على سرير وثير‪..‬‬ ‫نفسي من هول ما أرى‪،‬‬ ‫لحظ َة يغشاه ال �نُ�ع��اس‪ ،‬تَ �نْ��سَ � ُّل ال� ��روح‪ ..‬إلى‬ ‫تمنّعت‪..‬‬ ‫هناك‪ ..‬لتنا َم (معهم) على الحصير‪!!..‬‬ ‫عُدتُ أدراجي‪ ..‬أَخذتُ أجم ُع أَثَ َر أقدامي؛‬ ‫روح!‬ ‫أثَ َراً أثَ َراً‪..‬‬ ‫تُطالع مرآتَها كل يوم‪ ..‬تتأ َّم ُل تجاعيد الوجه‪..‬‬ ‫حتى إذا وصلتُ من حيث بدأت‪..‬‬ ‫تمسحها بأصابع غاضبة؛‬ ‫موضع خُ طوتي األولى‪..‬‬ ‫وقفتُ عند ِ‬ ‫مع األيام؛‬ ‫احتضنتُها‪..‬‬ ‫تجعدت روحها!‬ ‫وبكيت‪..‬‬

‫أدلة‪..‬‬

‫تُحَ ِّد ُق فيه بتركيز‪..‬‬ ‫رأى في عينيها ما كان يُخفيه عنها‪،‬‬ ‫تناول وشاحها‪..‬‬ ‫شَ مَّه بعمق‪,‬‬ ‫وهو يمسح به آثاراً علقت على وجهه!‬

‫وهج‪..‬‬

‫يجلس على شُ رفة الذكريات‪..‬‬ ‫بعض العبرات‪..‬‬ ‫تسيل ُ‬ ‫تُناديه من الداخل‪ ،‬لتناول طعام الغداء‪.‬‬

‫زاد‪..‬‬

‫قال لها‪ ... :‬مُسافرٌ!‬ ‫ض ُر له حقيبة السفر‬ ‫ذهبت تُحَ ِّ‬ ‫فوجدته قد مألها بالحنين‪!..‬‬

‫العصا‬

‫م �ن �ع��ت ال � � � ��وزارة اس� �ت� �خ ��دام (ال� �ع� �ص ��ا) في‬ ‫المدارس‪،‬‬ ‫خرجت؛‬ ‫انتشرت في أرجاء المدينة‪..‬‬ ‫وصارت ح َّي ًة تسعى‪..‬‬

‫* كاتب من األردن مقيم بالسعودية‪.‬‬ ‫ ‬

‫اجلوبة ‪ -‬ربيع ‪1433‬هـ ‪77‬‬


‫فاطمة تعيش احللم‬ ‫> محمد عباس علي*‬

‫ألقت بناظريها عبر النافذة إل��ى الطريق‪ ..‬من وراء الستار نصف الشفاف رأت زفة‬ ‫العروسين‪ ..‬الثوب على نوال ذو جناحين يطير بها‪ ،‬يرفعها إلى أعلى‪ ،‬عيناها تقوالن إنها‬ ‫هائمة في سمائها‪ ،‬تعيش واقعاً‪ ..‬كان حتى األمس حلم ًا يتراءى لها‪ ،‬وها هي اآلن تعيشه‬ ‫وتتشربه حتى الثمالة‪ ..‬وال تشبع منه‪ ،‬البلدة كلها تعيش فرحها‪ ،‬تنطلق الزغاريد‪ ،‬وتعلو‬ ‫الضحكات‪ ،‬ويستمر الغناء مدوي ًا محيط ًا بالعروسين‪.‬‬ ‫من وراء الستار تتابع الموكب‪ ،‬الخيل ترقص وسط الساحة‪ ،‬التصفيق يعلو‪ ،‬صوت‬ ‫الطبول يدور‪ ،‬يعقبه بين الحين واآلخر طلق ناري يهز جوف الليل‪.‬‬ ‫تترك ال�ن��اف��ذة‪ ..‬من خلف الباب الموروب‬ ‫ت�ل�م��ح ال �ن �س��وة ي �م�لأن ص�ح��ن ال � ��دار‪ ،‬يرسمن‬ ‫بأجسادهن دائ ��رة تتوسطها إح��دى الفتيات‪،‬‬ ‫رأس أبيض ذي‬ ‫وق��د حزمت وسطها بمنديل ٍ‬ ‫ن �ق��ط س� � ��وداء‪ ،‬وان��دم �ج��ت ف��ي ال��رق��ص على‬ ‫أن�غ��ام طبلة تدقها بمهارة ف�ت��اة أخ ��رى‪ ،‬بينما‬ ‫ثالثة ترفع صوتها بالغناء‪ ،‬والكل ي��ردد خلفها‬ ‫م��ا ت�ق��ول‪ .‬وس��ط الحجرة محاصرة م��ن الباب‬ ‫والنافذة‪ ،‬مقيدة بدموعها‪ ،‬ال تستطيع حراكاً‪،‬‬ ‫تمسك بمنديل أصفر تمسح به وجهها‪ ،‬ترمق‬ ‫الباب الموروب بحذر خشية أن تدخل إحداهن‬ ‫عليها وترى ما بها‪ .‬تبتعد عن مرمى النظر عبر‬ ‫النافذة حتى ال تخترقها عين متلصصة‪ ،‬وفي‬ ‫الوقت نفسه تخشى الخروج حتى ال تفضحها‬ ‫قسماتها الناضحة بما تطويه في صدرها‪ ،‬األلم‬ ‫حينما نكتمه في ص��دورن��ا يصبح ن��اراً تنهش‪،‬‬ ‫ورياحاً شديدة‪ ..‬وعواصف تضرب وال ترحم‪،‬‬ ‫كيف تواجه األعين في الخارج؟ ومن أين تأتى‬ ‫بابتسامة تلقاهم بها؟ مدت ي��داً واجفة تمسح‬

‫‪78‬‬

‫اجلوبة ‪ -‬ربيع ‪1433‬هـ‬

‫بها ال��دم��وع م��ن ف��وق ش�ق��وق وقسمات وجهها‬ ‫الذى يَبِس من الخروج فجر كل يوم إلى الطريق‪،‬‬ ‫حيث لس ُع الهواء وسياط البرد والظلمة التى‬ ‫تسير معها‪ ،‬ال تسمع إال نباح الكالب تشيعها‬ ‫بحملها من الجبن‬ ‫إلى محطة السكة الحديد‪ِ ،‬‬ ‫وال��زب��د وال�ب�ي��ض ل�ت��رك��ب ال�ق�ط��ار م��اض�ي��ة إلى‬ ‫المدينة‪ ،‬حيث السوق وم�ع��ارك لقمة العيش‪.‬‬ ‫قامت إلى المرآة المشقوقة من منتصفها في‬ ‫واجهة الدوالب القديم لتحدق فيها‪ ،‬رأت وجهها‬ ‫مشقوقاً نصفين‪ ،‬نصف تحوم حوله الظلمة‪،‬‬ ‫تلبس عينه لباس الهموم والشقاء اليومي‪ ،‬وحمل‬ ‫ثقل أسرة بكاملها تركها عائلها ومضى‪ ،‬لتقوم‬ ‫هي االبنة الكبرى‪ -‬مكانه دون أن يخطر على‬‫بالها أن من حقها أن تحلم‪ ،‬وأن تعيش الحلم‬ ‫ولو ِللَحظات‪ .‬تنسى الدراسة التى كانت تدرسها‬ ‫في مدرسة القرية‪ ،‬وتفوقها‪ ،‬ونظرة المعلمين‬ ‫والمعلمات لها‪ ،‬وتن ُّبئِهن بمستقبل زاهر ينتظرها‪،‬‬ ‫وال ترى إال أم محمد جارتهم‪ ..‬وعملها في سوق‬ ‫المدينة‪ ،‬واقتراحها ب��أن تنضم إليها ليستمر‬


‫ال‪ ..‬ال‪ ..‬فمنذ متى في عُرفِ نا طَ لَبت المرأةُ الرجل؟‬ ‫لو حدث هذا لن يصدقها‪ ..‬ولربما ظن بها الظنون‪،‬‬ ‫وحتى إن لم يحدث ذلك‪ ..‬لن ينظر لها بذات نظرته‬ ‫إلى إمرأة سعى هو إليها‪ ،‬وبذل جهده لينال رضاها‪.‬‬ ‫ل��ن تحادثه أب ��داً‪ ،‬أب ��داً‪ .‬واس �ت��دارت إل��ى الخلف‪،‬‬ ‫انتبهت ل�ل�م��رآة أم��ام �ه��ا‪ ،‬وج�ه�ه��ا خ�لال�ه��ا نصفان‪..‬‬ ‫ينقسمان‪ ،‬يتباعدان أفقياً مرة‪ ،‬ورأسياً في أخرى‪..‬‬ ‫نصف عقلها يرفض النصف اآلخ ��ر‪ ..‬فتحت فمها‬ ‫ملتاعة تحاول الصراخ‪ ..‬رفضت الكلمات االنصياع‬ ‫إلراداتها‪ ،‬شعرت بمتاهة تلقي بها من حالق إلى حيث‬ ‫ال ت��رى ق��رار‪ ،‬شعرت بنفسها تنزلق في صمت إلى‬ ‫أدنى‪ ..‬وقد حرمت نعمة الرفض أو حتى فرصة البكاء‪،‬‬

‫ق���������ص���������ص ق������ص������ي������رة‬

‫البيت مفتوحاً‪ ،‬حاولت االعتراض والرفض‪ ،‬صدمتها‬ ‫أم��واج الحقيقة العاتية بعنفوانها‪ ،‬والبيت الخالي إال‬ ‫من أنفاس إخوة ينتظرون الطعام اليوم وليس غداً‪..‬‬ ‫بينما تبدو العين األخرى والمواجهة للنافذة في بهاء‬ ‫النور تحلم‪ ،‬وترجو كما تشاء‪ ،‬وهي ترى نوال تتزوج‪..‬‬ ‫نوال الصغيرة التى تركها أبوها طفلة تجرى في حواري‬ ‫القرية وبين الغيطان‪ ،‬ال تدري من أمرها شيئاً‪ ،‬نوال‬ ‫الصغيرة التى كانت ت�ه��رول نحوها وه��ي ق��ادم��ة من‬ ‫السكة الحديد‪ ،‬تحتضن ساقيها وتسألها عما أتت‬ ‫به من حلوى‪ ..‬تتنهد فاطمة في ش��رود‪ ..‬اآلن تسكن‬ ‫وحدها تلك الحجرة مع الليل والظلمة‪ ،‬والعمر الذي‬ ‫يذوى أمام عينيها‪ ،‬وتجف أوراقه في سكون كأنه يعرف‬ ‫قدره ويرضى به‪ ..‬وال ينتظر من الحياة غيره‪ ،‬ماذا لو‬ ‫تقدم لها حمدان بائع الخضار في السوق؟ هو مثلها‬ ‫فرع ش��ارد يضرب في الحياة وح��ده بغير ج��ذور‪ ،‬هو‬ ‫أيضا ترك دراسته من أجل لقمة العيش‪ ،‬عمل بنقل‬ ‫الخضار بعض الوقت قبل أن ينضم لزمرة البائعين في‬ ‫السوق‪ ..‬عينه عليها منذ رآها ألول مرة في السوق‪..‬‬ ‫هل تحادثه؟‪ .‬لم ال؟ هو رجل واقعي وسيقدِّر لها هذا‪..‬‬ ‫المرأة الشريفة تختار لنفسها‪ ..‬هكذا فعلت السيدة‬ ‫خديجة رض��وان الله عليها‪ ..‬ما دام الرجل يستحق‬ ‫ويفهم ويقدر ما فعلته‪..‬‬

‫فهناك األع�ي��ن المتلصصة وخ��اص��ة ال �ي��وم‪ ..‬وهناك‬ ‫الكلمات التى س��وف تتأجج ن��اراً‪ ..‬النساء في الدار‬ ‫يا فاطمة‪ ..‬مؤكد غيابك سوف يقلقهم‪ ..‬المدعوون‬ ‫جاءوا ألجلك‪ ،‬الفرح فرحك‪ ..‬فرحك!! تسمع الكلمة‪،‬‬ ‫تهتز لها‪ ،‬تراها تتردد في أعماقها وصداها يضرب‬ ‫ج��دران رأسها بقوة‪ ..‬تملك الحروف أخيراً‪ ،‬تهمس‬ ‫للفراغ‪ .‬بل هو فرح ن��وال‪ ..‬تنتفض فزعاً على صوت‬ ‫م��دو ينطق باسمها م��ن خلف ال�ن��اف��ذة‪ ،‬تنصت إلى‬ ‫حروفه الزاعقة وجلة‪ ..‬تمسح وجهها وعينيها بسرعة‪،‬‬ ‫تحاول تمالك صوتها وهى تقترب من الستار نصف‬ ‫الشفاف ملبية‪ -:‬من؟‬ ‫ ضيوف‪..‬‬‫ت��رف��ع ال�س�ت��ار‪ ،‬يمأل ال �ن��ور ال�ح�ج��رة وي �ب��دو جلياً‬ ‫واضحاً‪ ،‬تبحث بعينيها في الفضاء الممتد أمامها‪،‬‬ ‫يواجهها جسد ف��ارع ال�ط��ول يكسوه جلباب صوفي‬ ‫أزرق‪ ،‬تعلوه ناصية عريضة تزينها عمامة ناصعة‬ ‫البياض‪ ،‬وعينان نظراتهما نفاذة تحدقان في عينيها‬ ‫ب��ذات النظرة التى تعرفها‪ ..‬تترك عينيها أسيرتين‬ ‫لعينيه قليال قبل أن تسمع صوته يعلو مرفرفاً بجناحيه‬ ‫بقوة في وجهها‪:‬‬ ‫سترحبين بضيفك من الشباك؟‬ ‫من؟‬ ‫تساءلت وه��ى تشعر بعجزها عن مالحقة دقات‬ ‫قلبها وهرولته في فضاء صدرها‪ ،‬وتخشى أن تطغى‬ ‫دقاته على ص��وت الطبل والمزامير وطلقات النار‪،‬‬ ‫حاولت مداراة انهمار مشاعرها مرة واحدة‪ ،‬والتحكم‬ ‫فيها لتمضى على مهل‪ ،‬ضحكت عيناها‪ ..‬شفتاها‪..‬‬ ‫جوارحها‪ ..‬تركت النافذة وطارت إليه‪ ..‬تلقفت عيناها‬ ‫نظراته‪ ..‬احتضنت نظراتها عينيه‪ ..‬نطقت حروف‬ ‫اسمه كما لم تنطقها من قبل‪:‬‬ ‫حمدان!!‬ ‫وخرجت إليه‪.‬‬

‫* قاص من مصر‪.‬‬

‫اجلوبة ‪ -‬ربيع ‪1433‬هـ ‪79‬‬


‫قصص قصيرة جدا‬ ‫> ميمون حرش*‬

‫الزوجة المسلسالتية‬ ‫وحدها المسلسالت تترك أثرها في البيت‬ ‫بحوار ينداح في الزوايا عن الحب‪ ،‬واللقاء و‪...‬‬ ‫رضيعها المسكين ال��ذي ال يكف عن الصراخ‪،‬‬ ‫ال تهيئ له رضاعته إال مع الفاصل اإلشهاري‪..‬‬ ‫وحين عاد الزوج منهكا من عمله‪ ،‬جائعا‪ ،‬ألفى‬ ‫المطبخ باردا‪.‬‬ ‫قالت له‪:‬‬ ‫عدت مبكرا‪ ،‬الغداء لم يجهز بعد‪.‬‬ ‫ازداد ص��راخ الرضيع حين سطا ال��زوج على‬ ‫رضاعته‪ ،‬ش��رب حليبه‪ ،‬ثم صفق الباب وخرج‬ ‫حارا كما الوجبة التي لم تطبخ‪.‬‬

‫وحين ضاق ذرعا بما يكتب من كلمات‪ ،‬حفر‬ ‫قبورا صغيرة‪ ،‬ودف��ن فيها قصاصاته ثم ارتاح‪،‬‬ ‫لكنه في اليوم الموالي كانت المفاجأة‪:‬‬ ‫«لقد أنبتت رؤوس تماسيح»‪.‬‬

‫ثمن اإلخالص‬ ‫أخلصت لألشخاص‪ ،‬فلفظوني كشتيمة‬ ‫وأخلصت لألمكنة‪ ،‬فكنت عند أصحابها‪،‬‬ ‫مصدر تلوث‪.‬‬ ‫وحين أخلصت لنفسي نسيت من أكون‪..‬‬

‫اللقب‬

‫قوامها العربي الرفيع‪ ،‬ك��ان يكفي ليميزها‬ ‫عن متسابقات أخريات‪ ،‬كانت العربية الوحيدة‬ ‫في اليوم الموالي‪ ،‬الزوجة المسلسالتية‪ ،‬لم‬ ‫بينهن‪ ،‬أخ ��ذت مكانها وس�ط�ه��ن‪ ،‬ف��ي مواجهة‬ ‫تجد ال الرضيع‪ ،‬وال رضاعته‪ ،‬ك��ان ال��زوج قد‬ ‫جمهور غفير‪ ،‬كل شيء كان يوحي بأنها الفائزة‬ ‫غادر‪ ،‬وترك رسالته‪:‬‬ ‫باللقب‪ ..‬لوحت لها األيدي‪ ،‬حين بسمت أمطرت‬ ‫«الولد معي‪ ،‬سنبحث معا عمن يرضعنا»‪.‬‬ ‫لؤل ًؤ من فقر دفين‪ ،‬واحتدت القاعة بالتصفيق‪..‬‬ ‫لكن سرعان ما خبت حين أعلنت اللجنة النتيجة‬ ‫رؤوس تماسيح‬ ‫بالنهار تطول يداه‪ ،‬يحضن حجرا‪ ،‬وينخرط التي آلت لغيرها‪.‬‬ ‫ال مجال للتشفي‪ ،‬ال مجال الستئناف الحكم‪،‬‬ ‫مع أطفال الحجارة إلحياء كرنفال للحجارة‪.‬‬ ‫وبالليل ينشغل بكلمات كبيرة‪ :‬نَشْ جُ ب‪ -‬نُندّد ‪ -‬ال مجال لمناقشة قرار اللجنة التي قالت كلمة‬ ‫هذا منكر‪ -‬نحتج بشدة‪-‬غدا نعقد قمة طارئة‪ ،...‬بحد السيف‪:‬‬ ‫يكتبها في وريقات يقصها من دفتره المدرسي‪.‬‬ ‫* كاتب قصة من المغرب‪.‬‬

‫‪80‬‬

‫اجلوبة ‪ -‬ربيع ‪1433‬هـ‬

‫«صحيح جميلة‪ ،‬لكنها معطوبة من الداخل»‪.‬‬


‫> ليلى احلربي*‬ ‫حين يصبح العمر صفقة خاسرة‪ ،‬فلن نربح حين تمتلئ بمالبسك التي سترتدينها في السفر‪..‬‬ ‫من الحياة شيئاً‪ ،‬ألننا ال نجد منها إال ما تحويه هناك على البحر في المالهي‪ ..‬في السوق‪ ،‬ما‬ ‫علمت بأنها‬ ‫ِ‬ ‫بالك اليوم تنظرين لها بعتاب‪ ..‬هل‬ ‫أعمارنا هذه الخاسرة‪..‬‬ ‫وحين تكون طفولة لم تتعرض للربح وال للخسارة اليوم تقتلع جذورك من هنا‪!..‬‬ ‫ال�ق�ب�ل��ة ال�م��ؤج�ل��ة إل ��ى س��اع��ة ال�ص�ف��ر ليست‬ ‫هي الثمن للحرية‪ ..‬فإن الصفقة خاسرة‪..‬‬ ‫ل�ك��ن ال�ج�ش��ع يستبد ب �ن��ا‪ ..‬وال�ض�ح�ي��ة تنظر جافة‪ ..‬والعناق الطويل لن يشحن قلبك الصغير‬ ‫بعينين كريستاليتين‪ ..‬لجالدَين‪ ،‬أحدهما يبكي صبراً‪ ..‬والنظرة الجانبية ال ترسم صورة سوية‬ ‫خلف الشبكية‪ ،‬ولن تظل هناك‪..‬‬ ‫واآلخر يدعي البكاء‪..‬‬ ‫ويخفق ذلك القلبُ بأول نبضة ألم‪..‬‬

‫ق���������ص���������ص ق������ص������ي������رة‬

‫أنا صغيرتك‪ ..‬يا صغيرتي‬

‫وحين يرحل بك منتصراً‪ ..‬ستعاتبني الجدران‪..‬‬ ‫بقاياك‪..‬‬ ‫ِ‬ ‫ستخنقني‬

‫وتذرف العينان دمعاً مقطرا‪..‬‬ ‫فتحت التلفاز ألج��د قناتك المفضلة تصدح‬ ‫وتلتوي الشفتان في محاولة لكبت صرخة‪ ..‬بأغنيتك المحببة‪..‬‬ ‫كانت تجدي في أيام الترف كسالح للحصول على‬ ‫(قال األرنب لإَ مو)‪ ..‬كنت أبتسم لسماعها‪ ،‬وها‬ ‫كماليات الحياة‪..‬‬ ‫هي تستدعي دموعي‬ ‫صغيرتي‪ :‬هل تراك تعذرين أنانيتي وجبروت‬ ‫جاف‬ ‫ٌ‬ ‫م��رٌّ طعم كل الحياة بدونك يا سُ � َّك��رة‪..‬‬ ‫أبيك‪..‬؟‬ ‫ِ‬ ‫وجاف نومي‪،‬‬ ‫ٍ‬ ‫يومي‪،‬‬ ‫�راك تمسحين تلك الصور التي امتألت‬ ‫أم تُ� ِ‬ ‫فارغ فؤادي كفؤاد أم موسى‪.‬‬ ‫ب�ه��ا ك��راس�ت��ك ل �ن��ا‪ ...‬وت�ع�ي��دي��ن رس�م�ه��ا وحشين‬ ‫اتسع البيت حتى احتوى كل طيوفك‪ ..‬ثم أخذ‬ ‫ال يحمالن زه��راً في أيديهما‪ ..‬وتمسحين تلك‬ ‫االبتسامة الواسعة‪ ،‬لترسمي مكانها دائ��رة أكثر يعرضها وهو يدور حولي‪ ..‬ويدور ويدور‪..‬‬ ‫اتساعاً‪ ،‬وأناشيدك عن العصافير واألزهار التي‬ ‫صرخت بكل طيف م َّر بي‪..‬‬ ‫كنت تسكبينها في أذن��يَّ كل صباح‪ ،‬وأن��ا أسرح‬ ‫ِ‬ ‫أيرضيك يا صغيرتي أن أسلمه روحي‪!..‬‬ ‫شعرك‪ ،‬وحين تعودين من المدرسة‪ ..‬هل ستغدو‬ ‫أنينا متقطعاً كلما امتدت إليك يدا غير يدي‪..‬‬ ‫أيكفيك أن أدخل تابوته وأغلقه على نفسي‪!..‬‬ ‫صدري الذي مألته ست سنوات‪..‬أين هو من‬ ‫رأسك الصغيرة‪!.‬‬ ‫حقيبتك الوردية التي كانت مصدر سعادة لك‬

‫حسناً سأفعل‪،‬‬ ‫سأناديه وأقول له عد‪..‬‬ ‫اترك روحي وخذ روحي‪..‬‬

‫* قاصة من السعودية‪.‬‬

‫اجلوبة ‪ -‬ربيع ‪1433‬هـ ‪81‬‬


‫بلل يبحث عن غطاء‬ ‫> حسن علي البطران*‬

‫ض��وء خافت يخترق ال�م�ك��ان‪ ..‬ت�ح��اول أن أدركت أن الهرة تريد شيئاً ضرورياً‪ ..‬فتحت لها‬

‫تواصل نومها‪ ..‬ال تستطيع‪ ..‬الضوء يوقظها‪ ..‬الباب‪ ..‬أسرعت الهرة لقضاء حاجتها‪!!..‬ا‬ ‫نوافذ الغرفة دون ستائر‪..‬‬

‫في الغرفة المجاورة أختها ذات الخمسة‬

‫أصوات المارة تشكل لها ضجيجاً يزعجها‪ ..‬عشر ربيعاً تغط في نوم عميق‪ ..‬تقترب منها‬ ‫تتقلب يمنة ويسرة‪ ..‬النوم يهرب من عينيها‪ ..‬تشتم رائحة‪ ..‬تتحسسها‪ ..‬مالبسها مبللة‪..‬‬ ‫هُرتها البيضاء تصدر م ��واءً‪ ..‬تحوم في ربما شرب الغازات آخـر الليل‪ ..‬لكنها ليست‬ ‫الغرفة كأنها تبحث عن شيء ما‪ ،‬ال تجده‪ ..‬المرة األولى وال حتى العاشرة‪..‬‬ ‫تزداد حركتها‪ ..‬تحاول الخروج‪ ..‬ال تستطيع‪..‬‬ ‫باب الغرفة مغلق‪..‬‬

‫تعود الهرة إلى غرفتها تبحث عن الدفء‬ ‫تحت مالءة سارة‪ ..‬تهدأ األصوات وتغط سارة‬

‫بطريقة عفوية نزعت المالءة من فوقها‪ ..‬في نوم عميق رغم فضاعة الضوء‪.‬‬ ‫* قاص من السعودية‪.‬‬

‫‪82‬‬

‫اجلوبة ‪ -‬ربيع ‪1433‬هـ‬


‫> شيمة الشمري*‬

‫تحوّ ل‬ ‫نظرت من شباك الطائرة‪ ..‬كنا فوق الغيوم‪...‬‬ ‫غيمة كبيرة تحت الطائرة تقترب‪ ..‬تتشكل‪..‬‬ ‫كأنها تنظر إلي وتبتسم‪..‬‬ ‫حينها ال أدري كيف تحولت أن��ا إل��ى غيمة‬ ‫تبتسم لهؤالء المسافرين من حولي!!‬

‫تأمل‬ ‫رحل وفوق غيمة بيضاء وقف متأمال‪..‬‬ ‫يرقبهم وه��م يلهثون‪ ..‬يلعبون‪ ..‬يسرقون‪..‬‬ ‫يتوهمون‪..‬‬ ‫يفعلون كل شيء‪ ...‬إال الحياة!‬

‫تخيل‬ ‫أنهيت رسم اللوحة‪ ..‬وقفت أتأملها‪...‬‬ ‫جبال سمراء‪ ..‬غيوم بيضاء‪ ..‬سماء‪ ..‬خضرة‬ ‫واسعة‪...‬‬ ‫طيور ت�م��ارس حرية التحليق هنا وهناك‪...‬‬ ‫شخص ما يقف على قمة جبل‪ ،‬ويشير إلى الجهة‬ ‫المقابلة حيث الوادي‪...‬‬ ‫حملت لوحتي وعدت إلى المنزل‪ ...‬ثبتها على‬ ‫حائط غرفتي‪...‬‬ ‫في الصباح‪ ..‬نظرت إلى لوحتي‪!...‬‬ ‫ال أحد على الجبل!‬

‫والطيور زادت واحدا‪!!..‬‬

‫ق���������ص���������ص ق������ص������ي������رة‬

‫قصص قصيرة‬

‫صدف‬ ‫في طريقه المعتاد وقف مشدوها‪!..‬‬ ‫كانت تنتظره كحورية قذفها البحر إلى ساحل‬ ‫الغيب‪..‬‬ ‫مد يده‪ ..‬مدت يدها‪..‬‬ ‫غابة من األحالم تمطرهما بالمستحيل‪..‬‬ ‫عادت إلى موجة صاخبة‪ ..‬غابت‪..‬‬ ‫وصلت إلى أعماق البحر‪..‬‬ ‫تنبهت‪ ..‬ما زالت تمسك بيده‪!..‬‬

‫ثنائي‬ ‫كنت أرقبه بحزن شديد وهو يغرق‪...‬‬ ‫تحوم فوقه فقاعات كثيرة ‪ ,‬بينما الهواء البارد‬ ‫يخترقني‪..‬‬ ‫يبعثرني‪ ..‬صلبت ي��داي ورق�ب�ت��ي‪ ..‬وم��ع ذلك‬ ‫فقد كنت‬ ‫أتطاير باتجاهات مختلفة‪..‬‬ ‫أرفرف بحركات راقصة‪...‬‬ ‫لحظات‪ ...‬وعلقوه بجانبي‪..‬‬ ‫كنا أجمل قميصين على (حبل غسيل) سيدة‬ ‫عجوز!‬

‫* قاصة من السعودية‪.‬‬

‫اجلوبة ‪ -‬ربيع ‪1433‬هـ ‪83‬‬


‫سر الغائب‬ ‫> نادية أحمد*‬

‫حتم ًا سوف ترسل نظراتها لتخترق حدقتيه‪ ،‬تنظر دون أن تهتز‪ ،‬دون أن تفكر فى إدارة‬ ‫وجهها هرب ًا من عينيه‪ ،‬وستجد الجرأة لتطلب الفراق بصوت محايد‪ ،‬ثم تدير وجه الالمباالة‬ ‫عنه وتمضى‪ ،‬تسير بهدوء وبخطوات معجونة بالثقة‪ ،‬خارجة من حياته‪ ،‬بعدها تشرق شمس‬ ‫حياتها من جديد‪..‬‬ ‫لكنها تعرفه‪ ..‬لن يسلّم بسهولة‪ ،‬كلماته المشبعة بخمر الوعود ستالحقها‪ ،‬نظراته‬ ‫المترعة بالدفء ستطاردها‪ ..‬غير أنها لن تستجيب له أب��داً‪ ،‬الباب الذي أغلق لن يُفتح‬ ‫ثانية‪ ،‬والمشاعر التي وُئدت لن تبعث من جديد‪ ..‬شيء ما داخلها تغّ ير‪ ..‬هي تشعر بهذا‬ ‫وتعجب له‪ ،‬فقد كانت تتنفس حبه‪ ،‬تعيش عالمه‪ ،‬تتكلم‪ ،‬تتحرك‪ ،‬تحرص أن تبدو فى صورة‬ ‫باهرة من أجله‪ ..‬أما اآلن‪!..‬‬ ‫رن��ت إل��ى الساعة على ال�ج��دار‪ ،‬عقاربها أدارت عينيها فيها‪ ..‬استقرت على ألوان‬ ‫ك�ل�م��ا ت �ق��اب �ل��ت ت �ن��اف��رت‪ ،‬ي �ف��رق ب�ي�ن�ه��ا زمن بعينها‪ ..‬كان يحب هذه األردي��ة‪ ..‬يطلب مع‬ ‫وأحاسيس‪ ..‬لحظات قصيرة ويأتي‪ ..‬بعدها كل رداء تسريحة شعر بذاتها‪ ..‬مدت يدها‬ ‫يمضى إلى األبد‪ ..‬قامت متكاسلة إلى دوالب إلى الثوب األحمر‪ ..‬رأت وجهه يطل من بين‬ ‫مالبسها‪ ،‬سوف ترتدي الليلة ما تشاء هي‪ ..‬الثياب المتراصة‪ ..‬حالم العينين‪ ،‬وهمساته‬

‫‪84‬‬

‫اجلوبة ‪ -‬ربيع ‪1433‬هـ‬


‫ق���������ص���������ص ق������ص������ي������رة‬

‫تنسل إلى أذنيها‪( ..‬هذا الرداء األحمرالبديع يليق اضطربت أكثر‪ ..‬هذا العبوس قد يوحي له أنها‬ ‫به شعر ثائر كالموج)‪ ..‬تركته إلى األبيض‪ ،‬عاد حزينة للفراق‪ ،‬األفضل مع المساحيق أن ترسم‬ ‫صوته ي��داع��ب ح��واس�ه��ا‪( ..‬ه��ذا األب�ي��ض الرائق‬

‫على شفتيها ابتسامة‪ ..‬فتحت فمها‪ ..‬ابتعدت‬

‫يحتاج لنعومة شعر مرسل فوق الكتفين)‪ ..‬هزت‬

‫ال عن المرآة لترى وجهها الجديد‪ ..‬اآلن صار‬ ‫قلي ً‬

‫رأسها هرباً من صورته‪ ،‬صوته‪ ،‬ذك��راه‪ ،‬وارتّدت‬ ‫عن ال��دوالب‪ ..‬سيجيء اآلن‪ ..‬لن تبالي بنظراته‬ ‫أو رأيه‪ ،‬وسترتدي ما تريد‪.‬‬

‫أحلى‪ ..‬نظراتها أقوى‪ ..‬اختارت مقعداً قريباً من‬ ‫الباب وجلست تنتظر دخوله‪ ..‬اآلن يفعل‪ ..‬هذا‬ ‫موعده‪ ..‬هو ال يتأخر‪ ..‬عادته منذ عرفته‪ ..‬لقد‬

‫ال عن موعده‪.‬‬ ‫ع ��ادت تقترب م��ن ال� ��دوالب‪ ،‬توقفت قليالً‪ ،‬تأخر قلي ً‬ ‫شردت نظراتها وهي تتساءل لماذا تفعل هذا؟!‬ ‫األفضل أن تشعل ناره‪ ،‬تشعره بمرارة الفقد‪ ،‬عليها‬ ‫أن تظهر الليلة بأبهى صورة‪ .‬فتحت الدوالب من‬ ‫جديد‪ ..‬سترتدي أروع ما لديها‪ ..‬مدت يدها إلى‬

‫‪ ..‬هو يعرف جيداً أنها تكره االنتظار‪ ..‬تسرب‬ ‫القلق إلى أطرافها‪ ..‬أخذت تهزها ببطء‪..‬‬ ‫تأخر أكثر‪..‬‬

‫الثوب األب�ي��ض‪ ،‬ه��ذا سيجعلها رقيقة‪ ،‬حالمة‪..‬‬

‫‪ ..‬هبت من مكانها مقطبة الجبين إلى مقعد‬

‫ع��ادت تبعد يدها عنه‪ ،‬ال تريد أن تبدو الليلة‬

‫أب�ع��د ق�ل�ي�لاً‪ ..‬س��وف تتأخر ف��ي القيام ل��ه حتى‬

‫ضعيفة‪ ،‬األف�ض��ل‪ ..‬ه��ذا الثوب األحمر‪ ،‬أنوثتها‬

‫تشعره بفعلته‪ ..‬تأخر كثيرا‪ ..‬هبت واقفة ترقب‬

‫س�ت�ط�غ��ى‪ ..‬م��دت ي��ده��ا لتسحبه‪ ،‬وض�ع�ت��ه فوق الطريق من خلف شيش النافذة‪ ..‬طال انتظاره‪..‬‬ ‫جسدها ودارت به أم��ام المرآة‪ ..‬وجهها شاحب‬ ‫حاولت التشاغل عنه بالدوران فى الحجرات بحثاً‬ ‫قليالً‪ ..‬تحت جفنيها ت��رهُّ � ٌل ي��دل على إجهاد‪..‬‬ ‫عن شيء ال تدرى ما هو‪!..‬‬ ‫ت�ل��وح ت�ج�ع��دات أع�ل��ى ال��رق �ب��ة‪ ..‬م��دت ي��ده��ا إلى‬ ‫طال االنتظار‪..‬‬ ‫علبة المساحيق‪ ،‬وم��رت بها سريعاً على مناطق‬ ‫بعينها‪ ،‬ع��ادت ثانية ت��واج��ه وجهها م��ن جديد‪..‬‬

‫بكت قلقاً عليه‪!! ..‬‬

‫* قاصة من مصر‪.‬‬

‫اجلوبة ‪ -‬ربيع ‪1433‬هـ ‪85‬‬


‫أعرف ما أنويه متاما‬ ‫> عبير يوسف*‬

‫سأبتسم لجراحي‬ ‫ربما تحتفظ طويال بي‬ ‫وهي تتجه للضفة األخرى‬ ‫سأحرر من ذاكرتي‬ ‫عصفورتي‬ ‫فلقد عانت طويال من األسر‬ ‫لتلفظ أحالمها القادمة‬ ‫بما تبقى من حنين‬ ‫سأطلق على تلك السحابة‬ ‫أم المطر‬ ‫كيال تتهم غدرا بالعقم‬

‫لن أخجل من الزهور‬ ‫فلم أسدد طعناتي‬ ‫بخاصرتهم‬ ‫سأنصت مجددا‬ ‫لما يهمس به الندى للزهور‬ ‫وسأحتفظ كما تعهدت بأسرارهم‬ ‫أعرف أنني بمحض الصدفة‬ ‫التقيت بي‬ ‫وبحرص متزايد‬

‫سأمشط الطريق‬

‫استودعتني بين رحى األوراق‬

‫من عابريه‬

‫حتى التبستنى األحبار‬

‫وأتأمله كما لم أفعل من قبل‬

‫‪86‬‬

‫أحالمي التى لن تغادرني‬

‫كأشباح مقيمة‬

‫سألحق هذه بتلك‬

‫أعرف ما أنويه تماما‬

‫وسأسمي البعثرة‬

‫لن أترك ظاللى‬

‫اجلوبة ‪ -‬ربيع ‪1433‬هـ‬


‫وتمنع المصابيح‬

‫سأسمعها ضحكاتي‬

‫من غفوة حالمة‬

‫وهي تزلزل قشرة الحزن الداخلية‬

‫أعرف أنني قلب محض‬ ‫ما زال يستقى أبجديته‬ ‫من الريح‬ ‫ويتهمها سرا بالجنوح‬ ‫أعرف ما أنويه تماما‬ ‫سأنصت لبائع الكتب القديمة‬ ‫وهو يقص لي للمرة العاشرة بعد األلف‬ ‫ذكرياته األثيرة مع هذا وتلك وهؤالء‬ ‫وسأبتسم كعادتي وهو يصف مشيتى‬ ‫بمن تالحق شيئا ما‬ ‫بجملة اعتراضية سأتمتم بصمت‬ ‫يا ليتني أسرع أكثر‪ ..‬فما تبقى الكثير‬ ‫سأبكي حتما‪ ..‬ولكن بطريقة مغايرة‬

‫سأمتص ذاكرتها‬ ‫بما تبقى لدي من شفقة‬ ‫لن تشي األبواب بي مجددا‬ ‫سأشرع للمطر روحي‬ ‫وألملم ما تناثر بصدق‬ ‫لن تتناسل األحزان بداخلي‬ ‫لن أدعها تفعل‬ ‫أعرف ما أنوى تماما‬ ‫سأعيركم بعضي حروفا‬ ‫عسى أن نلتقي مجددا‬ ‫بعدما يتذكرنا الطريق‬

‫سيرفضها الصمت قطعا‬

‫أعرف مسبقا‬

‫وتزجرها القواعد المتبعة‬

‫أن الجنون لمحة‬

‫وسأردد دوما‬

‫وأن الحكمة ذكرى‬

‫سأقتفى طقوس الطير‬ ‫فما رآهم أحد يبكون‬ ‫سأحرر خطوط يدي مني‬ ‫ولن تهتك عرافة ما أسرارهم‬ ‫بعبارات زائفة‬

‫ش������������������������������������ع������������������������������������ر‬

‫تتسكع بالطريق‬

‫سأعتقها من دمعي ‪/‬دمي‬

‫وأن األلم ممارسة‬ ‫وأن الحرف ورطة كبرى‬ ‫وأننا نبحر به ‪/‬له ‪/‬معه‬ ‫لنصلنا بأمان‬ ‫لكنني ال أنوى الوصول‬

‫سأغير طريقتي غالبا‬

‫وال أنوى أن أظل بالطريق‬

‫لن تورق من حولى الحوائط‬

‫النتظار الفتات من غبار داكن‬

‫* شاعرة من مصر‪.‬‬ ‫ ‬

‫اجلوبة ‪ -‬ربيع ‪1433‬هـ ‪87‬‬


‫َّ‬ ‫الشقا َ‬ ‫م‬ ‫أ ُّ‬ ‫> إبراهيم طالع األملعي*‬ ‫�����ص����� َر ال�����نُّ �����بُ�����وَّ ِات‬ ‫����خ����تَ����رِ ع���� ًا عَ ْ‬ ‫ْ�����ت مُ ْ‬ ‫ل����� ْو كُ �����ن ُ‬

‫�����س�����م�����اَوا َِت‬ ‫أ ْو ص������ا َِع������د ًا ُس����لَّ����م���� ًا فَ��������وقَ ال َّ‬

‫�����������ت ُأم������������� ًّا ِم����ثْ����لَ����ه����اَ‬ ‫ْ�������ت أَبْ�����������دَعْ ُ‬ ‫م��������اَ كُ �������ن ُ‬

‫ْ���ت ِم����نْ ثَ���غْ ���رِ ه���اَ أ َْس����ف����اَ َر آياتي‬ ‫َولَ���م���اَ أَ ْك���مَ ���ل ُ‬

‫فِ �������يْ َص�������دْ رِ ه�������اَ كَ������ ْوثَ������رٌ لِ �����لَّ�����هِ أ َْس�����كَ�����رَنِ �����يْ‬

‫ْ����ت عَِ ���� َل����ى األَعْ ������ن������ا َِب جَ ���ن���اَّتِ ���يْ‬ ‫حَ ����تَّ����ى سَ ����كَ����ب ُ‬

‫���ص���رُ ه���اَ‬ ‫َ�����ت لَ����ن����اَ طَ ����� َرب����� ًا والْ�����فَ�����قْ �����رُ يَ���عْ ِ‬ ‫غَ �����ن ْ‬

‫�������خ�������رَتْ ِم��������نْ كُ ��������لِّ مُ �����قْ �����ت�����ا َِت!‬ ‫لَ����كِ ����نَّ����ه����اَ سَ ِ‬

‫َ�����ت‪ :‬س��������آوِ ْي إِ لَ�������ى ِج��������ذْ عٍ يُ ���ع���ا َِص���مُ ���نِ ���يْ‬ ‫ق�����اَل ْ‬

‫ْ�����ب ه�����اَم�����ا َِت‬ ‫َ������ت ه����اَئِ ����م���� ًا ِم������نْ ُص�����ل ِ‬ ‫َوأَنْ������بَ������ت ْ‬ ‫***‬

‫������ت ي�����اَ خَ ����يْ���� َر ح���اَنِ ���يَ���ةٍ‬ ‫كَ������مْ دَمْ ������عَ������ةٍ َص������رَخَ ْ‬

‫حَ ���� َّت����ى أَض����������اَ َء بِ ����ه����اَ َدرْبِ �����������يْ و َِم����يْ����ق����اَتِ ����يْ !‬

‫ْ����ت مُ ْش ِعلَهاَ‬ ‫ال أُمَّ لِ ������يْ يَ����وْمَ ����ه����اَ إِ نْ كُ ����ن ُ‬ ‫َ‬

‫أَ ْو لَ������مْ أَكُ ��������نْ بَ����عْ ���� َده����اَ حَ �����ط�����اَّبَ دَمْ �����ع�����ا َِت‬

‫��ل�ا‬ ‫ال نِ ����حَ ً‬ ‫َ�����غ�����يْ دُ ونَ������ه������اَ دِ ي�����ن����� ًا َو َ‬ ‫أَ ْو أَبْ�����ت ِ‬

‫ال ُأع��������اَقِ ��������رُ شَ �����يْ�����ئ����� ًا ِم��������نْ ِه������داَي������اَتِ ������يْ‬ ‫َو َ‬

‫َ����ح����يْ َوأَن��������اَ‬ ‫َ����س����ت ِ‬ ‫ال ي ْ‬ ‫ْ�����ع�����يْ�����دُ يَ��������� ْو َم أَتَ��������ى َ‬ ‫ال ِ‬

‫������ك ال�����دَّ هْ ����� َر ِع�����يْ�����د ًا كُ ������لَّ أَ ْوق������اَتِ ������يْ !‬ ‫أَرَى بِ ِ‬

‫ْ����س يَ�����ذْ كُ �����رُ ُه‬ ‫ْف َت����بْ����قَ����يْ����نَ ِع����ي����د ًا لَ����ي َ‬ ‫وَسَ ����������و َ‬

‫�������ن ابْ�����تَ�����لَّ ِش�����عْ �����ر ًا ِم�������نْ غَ �����واَي�����اَتِ �����يْ‬ ‫إ َّال مَ ِ‬ ‫***‬

‫َ���س���كُ ���نُ���ن���اَ‬ ‫ي������اَ هَ ������بَّ������ةً ِم��������نْ رِ ي������������ا َِح ال������لَّ������هِ ت ْ‬

‫اآلت!‬ ‫������ك ِ‬ ‫م�����اَ ك������انَ أ َْح�����وَجَ �����ن�����اَ فِ ������يْ يَ������و ِْم ِ‬

‫ْض َت���قْ ���ت���اَتِ ���يْ���نَ أَوْرِ دَتِ ����������يْ‬ ‫ألر ِ‬ ‫ْ���ت فِ �����يْ ا َ‬ ‫مَ ���شَ ���ي ِ‬

‫���ط���وُ أَغْ �����رَانِ �����يْ بِ ����سَ ����وْءاَتِ ����يْ‬ ‫ْ���ط���قُ الْ���خَ ْ‬ ‫لَ����� ْو يَ���ن ِ‬

‫ْ���ض عَ ����نْ ي َِ���ده���اَ‬ ‫ي����اَ أُمَّ مَ ����نْ َش���اَغَ ��� َل���تْ���هُ الْ���بِ ���ي ُ‬

‫������������م َو َزال َِّت‬ ‫أس���ت���غ���ف���ر ال����ش����ع����ر ِم���������نْ إِ ثْ ٍ‬

‫ْ���غ���ن���اَءِ فَماَ‬ ‫أَ ْوقَ���������دْ ِت فِ ����يْ ش����ا َِع����رِ ْي دُ نْ����ي����اَ ال ِ‬

‫َ��������������ت مَ ���������زا َِم���������يْ���������رُ ُه شَ ��������������دْ و ًا َوأَن��������������ا َِّت‬ ‫ْ‬ ‫زاَل‬

‫ْ����ض يُ ����غْ ����وِ يْ����نَ ِم����نِّ����يْ م����اَ عَ ������داَ قَ��� َدم��� ًا‬ ‫وَالْ����بِ ����ي ُ‬

‫أَغْ ������نَ������ى ُأقَ������بِّ������لُ������هُ فِ ��������يْ عُ �������مْ �������رِ ِك الْ�����ع�����ا َِت‬

‫* شاعر من السعودية‪.‬‬ ‫ ‬

‫‪88‬‬

‫اجلوبة ‪ -‬ربيع ‪1433‬هـ‬


‫ش������������������������������������ع������������������������������������ر‬

‫الصباح الفلسطيني‬ ‫> املهدي عثمان*‬

‫الصباح الفلسطينيّ‬

‫ككل صباح يتحسس مفتاح بيته‬

‫ككلّ صباح ينهض متكاسال‬

‫ويطوف بالجدران أنْ اصمدوا‬

‫يغسل وجهه الصباحيّ‬

‫صامد‪ ..‬صامد‪ ..‬صامد‬

‫لصبْية ال صباح لهم‬ ‫غير منْتبه ِ‬

‫صاح جدار شرقيّ‬

‫يفتح نافذة على حقل تفاح بال رائحة‬

‫واتكأ يتضرّع للشرق‬

‫وينتبه كلما تثاءب‬

‫كنهر يراوغ قاربا‬

‫أنّ جرافة مرّتْ من هنا‬

‫استقام‬ ‫‪ ..‬ثم ْ‬

‫دخلت من تلّ الزعتر‬ ‫ْ‬

‫نفض شيئا من صديد‬

‫لورقة الزيتون‬ ‫وداست حلما كان يلعب حافيا‬ ‫***‬

‫الصباح الفلسطينيّ‬

‫مسمارا‬ ‫كان يُ غلّف ْ‬ ‫ُشدَّ إليه الحصان‬ ‫انتزع من صدره حجرا‬ ‫وصوّب لنجمة زرقاء‬

‫اجلوبة ‪ -‬ربيع ‪1433‬هـ ‪89‬‬


‫أشالء طفل‬ ‫كانت تتقيّأ ْ‬

‫قطع إصبعا ورفعه كنعش‬

‫فقدتْه أمه منذ شهر‬

‫ليدفنه مع الطفل الموالي‬ ‫***‬

‫فجأة لم يجد أصابع ليرفع شارة النصر‬ ‫***‬

‫الصباح الفلسطينيّ‬ ‫ككلّ صباح‬

‫الصباح الفلسطينيّ‬

‫ينهض قبل الصباح قليال‬

‫وقدْ ظلّ وحيدا‬

‫ربما قبل تحليق الزقزقات قليال‬

‫بال أحد يقاسمه الصمود‬

‫قبل الثغاء والصياح والنقيق‬

‫وبال عبور‬

‫دقيق جدا في مواعيده هذا الصباح‬

‫من ضفة النحيب لقطاع الرفض‬

‫ثمة تلة يطلّ منها على المدى‬

‫كان يركض بأصابع من شوك‬

‫ويحرس أطفاله العشرة‬

‫يراوغ حلما ميتا أو ضحكة مقيّدة من دمها‬

‫من أنياب األناجيل‬

‫فيما الرصاصة ال تعتذر لدمعة‬

‫ووهم البطولة الزائفة‬

‫تشبثت بمربعات الرصيف‬ ‫ْ‬

‫***‬

‫الصباح الفلسطينيّ‬ ‫ككلّ صباح‬ ‫يتحسس أطفاله العشرة‬

‫وفيما ظل الصباح عاريا كنهر‬ ‫ابتسمت طائرة تبيض ِحمم الموت‬ ‫وألقت إسفلتا‬ ‫ْ‬ ‫ظلّ ينهش كبد الصباح الفلسطينيّ‬ ‫***‬

‫ذات صباح‪...‬‬ ‫رأى روح طفله في غيمة شاردة‬

‫الصباح الفلسطينيّ‬

‫رأى صورته في إطار على الجدار‬

‫نبتت فوق قبره زيتونة‬ ‫ْ‬

‫التسعة يتناقصون‬ ‫ورأى أطفاله ْ‬

‫أصلها ثابت في الجسدْ‬

‫توضأ بآيات الله وأقسم‬ ‫ّ‬

‫وحباتها تقطر كرها‬

‫أنْ يدفن إصبعا مع كلّ طفل‬

‫وتصاعد للسماء‬ ‫ّ‬

‫عاد بكفنه منتصرا‬

‫ال زيت لنا اآلن غيْر الدماء‬

‫من ذات التلة‬

‫قطعت‬ ‫ْ‬ ‫فاشهدي يا أصابع‬ ‫ْ‬

‫كلما سمع الزغاريد‬

‫أنّ الشهادة عنوان هذا البلدْ‬

‫* شاعر من تونس‪.‬‬

‫‪90‬‬

‫اجلوبة ‪ -‬ربيع ‪1433‬هـ‬


‫> مالكة عسال*‬

‫فردوس االنكسار‬

‫تعال تعال يا وطني‬ ‫من نبيذ الحياة‬ ‫نختلس رمشة‬ ‫في تُخم المنسي‬ ‫نرمم المكسور‬

‫أنا المسربلة بطقس المواجع‬ ‫وروحي المستنفرة‬ ‫هارعة إلى ملح الماء‬

‫تعال تعال‪..‬‬

‫ورصاص التمزق يغشاها‬

‫نشرق كالشمس‬

‫على شعرة المر‬

‫من عباب الهزائم‬ ‫نهُ د بغضبنا ُسكر الزيغ‬ ‫واأليام المطلية بالدَكن‬

‫أعبر الزوايا المدمرة‬ ‫أحتسي كأس منفاي‬

‫نرشقها بكريات النغم‬

‫في رهبة الليل‬

‫ال تبلل اللحظات‬

‫أضمد قلبي المحروق‬

‫بقطرة الغياب‬ ‫وال تسرب األحالم الملوّنة‬ ‫في مستودع الغياهب‬ ‫ها أنا‪..‬‬

‫مسجية في فردوس االنكسار‬ ‫على جبيني‬ ‫يشم سنبلة الجراح‬

‫أتقلد شامة العشق‬

‫وحدائق الروح‬

‫مسحورة بأطيافك‬

‫تنحني للذبول‬

‫أؤثث ساحات سمري‬ ‫بفساتين عبورك‬

‫ش������������������������������������ع������������������������������������ر‬

‫شامة العشق‬

‫من تل ضلعي‬

‫لنلقي في حوض الجراح‬

‫يندلع قصب الغضب‬

‫سنبلة الفرح‪..‬‬

‫ليعتشب الصخر‬

‫* شاعرة من المغرب‪.‬‬ ‫ ‬

‫اجلوبة ‪ -‬ربيع ‪1433‬هـ ‪91‬‬


‫شذرات بِلون الفراق‬ ‫> سناء عاديل*‬ ‫مكشوفة كانت أكاذيبك‬

‫َوكانَ ال بدّ أنْ أستنفد‬

‫ألوان الصدق‬ ‫بكل ِ‬ ‫َضمّ ختَها ِ ّ‬

‫ألـوانَ الطبيعـة‬

‫عنك األبيـض‬ ‫وغـاب َ‬

‫لإِ خفاءِ شحوبي بَعدَك‬ ‫أتاك الربيع القادم‬ ‫َ‬ ‫ال بأس إنْ‬

‫مُ ـذْ المستَ سمائي‬ ‫وقوس قزح يصرخ كطفل‬ ‫نفـ َر كل ألـوانـه‬ ‫غير ًة من سوادِ‬ ‫ذقـنِ ــك‬ ‫تص ِ ّـدق إشاع َة‬ ‫ال َ‬ ‫شفائي من وعكةِ الفراق‬ ‫ال فرقَ بين إمتقاعيْنا غير‬ ‫علبـة زِ يـ َنــة‬

‫باألبيض واألسود‬ ‫ِ‬ ‫وال ضيْر أيض ًا‬ ‫األبيض‬ ‫َ‬ ‫إنْ سَ لَبتُ ه‬ ‫دَثار ًا لأِ كذوبة بقائي‬ ‫داهمك رذاذٌ أحمر‬ ‫َ‬ ‫سيُ‬ ‫فال تجــزع‬ ‫هذي الغيــوم‬ ‫كلما عقّ ها النسيان‬ ‫َبك َْت أطـاللَ آهاتِ ك‬ ‫دمـ ـ ــا‬

‫* شاعرة من المغرب‪.‬‬ ‫ ‬

‫‪92‬‬

‫اجلوبة ‪ -‬ربيع ‪1433‬هـ‬


‫ش������������������������������������ع������������������������������������ر‬

‫مرارة املوت‬

‫‪D. H. Lawrence‬‬ ‫> ترجمة‪ :‬تهاني إبراهيم*‬ ‫أيها الرجل الصارم البارد‬

‫إنه ال يتنفس‬

‫كيف لك أن تكذب بهذا اإلصرار والصالبة‬

‫وال يسترخي‬

‫بينما أتمنى أن أغسلك بماء بكائي‬

‫أين‪ ،‬أين أنت؟‬

‫هل ستعارض حياة االبنة؟‬

‫ما الذي فعلته؟‬

‫أليس بإمكانك التخلص من كبريائك‬

‫ما هذا الفم المتحجر؟‬

‫البغيض؟‬

‫كيف تجرأت لتختبئ في الموت!‬

‫أنت متنكر!‬

‫لمرة واحدة‬

‫كيف لك أن تخجل لتمثيل هذا الدور‬

‫يمكنك رؤية ابيضاض القمر‬

‫مع ال مباالتي الثابتة‬

‫كصدر تجلى‬

‫أنت تريد النهاية‪ :‬لي‬

‫بسبب انزالق شال من النجوم‬

‫لتكسر قلبي المراوغ!‬

‫وبإمكانك رؤية ارتعاش النجوم الصغيرة‬

‫أنت تعرف فمك‬

‫كما يقوم أسفل القلب‬

‫كان دائما متعجال لـ الليونة‬

‫باالنقباض واالنبساط‬

‫حتى عينيك‬ ‫أغلقها اآلن‪ ،‬إنها تكذب‬

‫كل الكون الجميل‬

‫قاسي‪ ،‬مهما كان‬

‫كان امرأة واحدة لك‬

‫نادرا ما أقبله‬

‫عروس ًا لخدمتك‬

‫اجلوبة ‪ -‬ربيع ‪1433‬هـ ‪93‬‬


‫شجرة ال تثمر‬

‫بعد كل شيء‪ ,‬هذا أنت‬

‫لكنها اتكأت عليك‬

‫متصلب‪ ,‬عنيد‬

‫لدفء أبيض جديد‬

‫بأحشاء فوالذية‬

‫ودائما وأبد ًا‬

‫هل ستشعر؟‬

‫ناعمة كشجرة صيف‬

‫بارد‪ ,‬بربري‬

‫تفتحت من السماء ألجلك‬ ‫كشفت أنوثتها‬

‫ميكانيكي!‬

‫تذرفك لألسفل كشجرة‬

‫آه ال‪ !..‬أنت متعدد األشكال‬

‫تتخلص من زهورها على النهر‬

‫أنت الذي أحببت‪ ,‬أنت رائع‬

‫رأيت انحناءة حاجبيك‬

‫أنت الذي تظلم وتشع‬

‫كصخور جانبية لبحر من الكآبة‬

‫أنت العديد من الرجال في رجل واحد‬

‫أغرق روحي عميقا في أفكارك‬

‫لكن هذا عديم القيمة‬

‫أسقط مثل األزهار ألدركك‬ ‫على بركة األريحية‬ ‫كاألزهار التي تركت الفروع‬

‫هذا ال يدفئ أبد ًا‬ ‫هل هذه قيمتك؟‬ ‫أكل هذا هباء؟‬

‫أيها المتنكر‬ ‫بوجهك الصلب المصقول‬ ‫ماذا عنك اآلن؟‬

‫هل ستخبر الجميع هنا‬

‫هل ستهتم أكثر؟‬

‫أنك حديد مرن؟‬

‫كيف قلبي قيدته المراوغة؟‬

‫هل هذا ما صرته أنت؟‬

‫* كاتبة من السعودية‪.‬‬ ‫ ‬

‫‪94‬‬

‫جامد‪ ,‬تتصلب بالبرودة؟‬

‫اجلوبة ‪ -‬ربيع ‪1433‬هـ‬


‫> سليمان عبدالعزيز العتيق*‬ ‫كم لفني وجدٌ تدفق وانثنى‬

‫يا أيها الوجد الذي‬

‫في القلب أفراح ٌ‬

‫يملي عليّ قصائدي ومشاعري وعزائمي‬

‫وفي العينين من فرحي دموعْ‬

‫وكل أفراحي وأقداحي‬

‫وبخافقي وجد ٌ إذا‬

‫وكل ما أهوى وما أبغي‬

‫أدخلت كفي في تجاويف الضلوع‬

‫وكل ما اسطعت وما ال أستطيع‬

‫وقبضت ملْ َء الكف ِ‬ ‫من وجدي المضمخ بالتبتل والخشوع‬ ‫بعثرتها نورا ً يضئ برحلتي دربي‬ ‫ويضيئ لي كل انحناءات النجوع‬ ‫ويضيئ لي كل اشتهاءاتي وكل رغائبي‬ ‫وكل آمال الرجوع‬ ‫ويقودني في ظل إيماني وظل صبابتي‬ ‫وظل أشواقي بأعماقي‬ ‫وظل أغصاني ببستاني‬ ‫وظل ساقية بريع‬ ‫وبظل طلح المنحنى‬ ‫وظالل أوراد الخمائل ضحوة ً‬ ‫وتضوع القيصوم والشيح المعطر ِ بالربيع‬ ‫يا وجد إني أستظلُ ظالل غيمك‬

‫ش������������������������������������ع������������������������������������ر‬

‫وجد‬

‫يا أيها الوجد الذي‬ ‫ألقى عليّ وشاحه وضياءه وعناءه‬ ‫وارتاح في قلبي بحب الليل‬ ‫وحب الصبح والغسق ِ النقيع‬ ‫وحب أزماني التي تأتي‬ ‫وحب الريح التي تسري‬ ‫بنسائم الصيف النواعس إن هفت‬ ‫وتوهجي جوف الهزيع‬ ‫يا أيها الوجد الذي‬ ‫يعلو بنشوة عشقه‬ ‫فوق انفعاالتي وأشجاني وأحزاني وآالمي‬ ‫يعلو انكساراتي وآهاتي‬ ‫وكل ما في النفس ِ من نزق ٍ وجوع‬

‫وظالل زهر األقحوان‬

‫خذني إليك فإنني‬

‫ومراتع الغزالن‬

‫يا وجدُ أشتاق التسكع في حماك‬

‫ومهابط الوديان‬

‫ويرف قلبي إن توهج في سماك‬

‫وظالل شمس العشق حين تلفعت‬

‫ويطيب لي في كل بارقة ٍ لقاك‬

‫بنصيفها القاني على باب الرحيل وودعت‬

‫خذني إليك فإنني‬

‫وحين باحت عند شعشعة الطلوع‬

‫يا وجدُ يطربني حداك‬

‫* شاعر من السعودية‪.‬‬ ‫ ‬

‫اجلوبة ‪ -‬ربيع ‪1433‬هـ ‪95‬‬


‫ي‬ ‫ٌ‬ ‫فراشات متطر ُ ِف َّ‬ ‫> جناة الزباير*‬

‫افتح الباب‬ ‫واحضن على مهلك حروفي‬ ‫تهبط من عليائها‬ ‫تتوسد الفجر‬ ‫وتترك وراءها هذا الزمن المريب‪.‬‬

‫افتح الباب‬ ‫كي تستقبل حلمي استقبال الفاتحين‬ ‫فأنا وطن من حنين‬ ‫بعينيْ كفي أبصرُ‬ ‫وفي خطاي رقصةٌ من نار‬ ‫تتمايل على إثرها مصابيح األرض‪.‬‬

‫افتح الباب‬ ‫يا الذي نسي اسمه‬ ‫وتبعثر بين أوراقي الخرساءْ ‪.‬‬ ‫أم تراك تنتظر تقاطيعي الضائعة‬ ‫تجمعك؟!!‬ ‫ْ‬ ‫كي‬

‫افتح الباب‬ ‫كي يتوارى صراخي هناك‬ ‫الغضب‬ ‫ْ‬ ‫ألم تر دمشق تسكر من أقداح‬ ‫مراياها جرحٌ‬ ‫أحالمها شجر بال يدينْ‬ ‫يمر كل يوم مهرج من رباها‬ ‫كيف يضحك أطفالها‬ ‫والموت فيها يعوي؟‬

‫‪96‬‬

‫اجلوبة ‪ -‬ربيع ‪1433‬هـ‬

‫افتح الباب‬ ‫يا الذي يتدثر بنفسي‬ ‫واترك الماضي‬ ‫بين أحضان الشمس‬ ‫وال تذكرني بما كان وكنا‪...‬‬

‫افتح الباب‬ ‫يا وهم العمر‬ ‫لعل الماء يعود لنبعه‬ ‫فأنا أغفو فوق أرض من شوك‬ ‫ألم تلمس اختناق نداي‬ ‫هنا تتلو التباريح أشعارها‬ ‫صفق لها‬ ‫أبحر في غواياتها‬ ‫لعلك في حمى ضياعها تهذي‬ ‫أم تراك تتدحرج في العتمات‬ ‫تبحث عن ربيع آخر‬ ‫يحضن بيادر حلمي‬ ‫كي تغير األوطان دثارها؟‬

‫افتح الباب‬ ‫فحذائي هرىء من الصد‬ ‫وصوتي مطرز بأنين الروابي‬ ‫تراك سمعته من هناك‪.‬‬ ‫فأنا تلك التي كانت تجري في البيادر‬ ‫تضحك فوق حصير العمر‬ ‫وتمأل راحتيها‬


‫افتح الباب‬

‫وتخيل أن ظليَ صحو‬ ‫ال يمحه المقت‬ ‫وأن شراعي صباح ناره ال تخبو‬ ‫وعانقني فأنا أمشي بال دليل‬ ‫كي أراني‪...‬‬ ‫فقلبي طاحونة من هواءْ‬ ‫ترميني في طرق عمياءْ‬ ‫كيف أهتدي إلي‬ ‫وقد قيدتني بسالسل من ماء؟‬

‫افتح الباب‬

‫فقد أرهقني الصمت‬ ‫وتاه مني الكال ْم‬ ‫وهذا الحبر‬ ‫اليباب‬ ‫ْ‬ ‫يقودني نحو‬ ‫أهو التيه‬ ‫أيها اآلتي من مملكة اإلشارات‬ ‫عذاب؟‬ ‫ْ‬ ‫أم فيض من‬

‫افتح الباب‬

‫فبي دهشة تطوف بالحنايا‬ ‫دعني أجدف في وشوشاتها‬ ‫وأهبط بين نزيفها‬ ‫ألرى ما ال يُ رى‬ ‫فهنا أغالل من ضوء‬ ‫تدفعني إليك‬ ‫وهنا غيمة تطارد فلتاتي‬ ‫أسقط عطشى‬ ‫أبحث عن قدح الرؤيا‬

‫افتح الباب‬

‫أيها الساكن عذرية النهار‬ ‫واسمع نواقيس من الجمر‬ ‫«من هناك»‬ ‫قالت فراشة عرجت على محياي‬ ‫همست‪:‬‬ ‫«أنا التي تهوِ ي في قسمات الصبابة‬ ‫سوقي سحابك إلي كي أفيق‬ ‫ذبح‬ ‫ففي مهجة الوجود ٌ‬ ‫واحتراق‬ ‫ٌ‬ ‫يفرش في صدري رماده»‪.‬‬

‫ش������������������������������������ع������������������������������������ر‬

‫من رذاذ الظل الوريف‬ ‫تنتظر كل همس ألق القصيدة‬ ‫لكن احترق جناحاها‬ ‫وهي تصطاد المحالْ ‪.‬‬

‫فأجر رداء الليل‬ ‫أتقي به حر المواجع‪.‬‬

‫افتح الباب‬

‫وانتظرني أن أزورك‬ ‫ألمس عتبات جنونك‬ ‫لعلك تُشفى من بقاياي‪.‬‬ ‫فأنا تلك المسافرة‬ ‫في خريطة الوهم‬ ‫أحمل جثة اشتهاءاتي‬ ‫و أسقط في الالمكان‬ ‫أبحث عن أرض ثانية‬ ‫تنحني لها رياح جنوني‪.‬‬ ‫قلتَ ‪ :‬وماذا بعد؟‬ ‫فإذا بظل غير ظلي‬ ‫يسابقني نحو حتفي‪.‬‬

‫ال‪ ..‬ال تفتح الباب‬

‫سأتوارى في اآلتي‬ ‫لعلي من دوامتي يوما أعود‬ ‫الباب‬ ‫ْ‬ ‫حينها ستفتح لي‬ ‫العذاب‪.‬‬ ‫ْ‬ ‫وسأغلق كل نوافذ‬

‫* شاعرة وناقدة وصحفية من المغرب‪.‬‬

‫اجلوبة ‪ -‬ربيع ‪1433‬هـ ‪97‬‬


‫الروائية أميمة اخلميس تقول‪:‬‬

‫الرواية ال تكتب مرة واحدة‪ ،‬بل تكتب آالف المرات من قبل القراء بتعدد األخيلة واألمزجة‪.‬‬ ‫كتابتي للطفل جزء حميم من نتاجي اإلبداعي‪ ,‬وهي جزء من تجربتي مع أبنائي‪ ..‬أقطف‬ ‫مادتها من حقول مخيلتهم الخصبة‪ ,‬واكتشف عناصرها في مناجمهم النضرة البكر‪.‬‬ ‫الكتابة الصحفية المنتظمة تمنح الكاتب لياقة لغوية عالية‪ ,‬تجعل لك حاسة‬ ‫ثامنة تتبع من خاللها نبض محيطك وتحوالته‬ ‫حققت األدي��ب��ة السعودية أميمة الخميس إن��ج��از ًا ج��دي��د ًا ف��ي صفحة اإلبداعات‬ ‫النسائية باختيار روايتها ((الوارفة)) ضمن الروايات الثالث المرشحة لجائزة “بوكر”‬ ‫لعام ‪ 2010‬لتسجل حضور ًا الفت ًا في عالم األدب‪ ،‬ولتؤكد وجود المرأة السعودية المؤثر‬ ‫على خريطة اإلنتاج األدبي‪ .‬ومع صاحبة الوارفة كان للجوبه معها هذا الحوار‪.‬‬ ‫حاورتها الشاعرة والكاتبة السعودية هدى الدغفق‪.‬‬ ‫< ش��ارك ِ��ت م��ؤخ��را ف��ي ال��ن��دوة المقامة‬

‫وك �ث��اف��ة ال �ح �ض��ور ف��ي ال �ق��اع��ة‪ ،‬حيث‬

‫ضمن فعاليات معرض الشارقة تحت‬

‫كان يشاركني المنبر طيف متنوع من‬

‫ع��ن��وان (ص��وت ال��م��رأة ص��وت الخيال)‬

‫األدي �ب��ات العالميات ك «ك�ي��ت موس»‬

‫ب��ورق��ة عمل ح��ول رواي��ت��ك (الوارفة)‪،‬‬

‫‪ -‬ال ��روائ� �ي ��ة اإلن �ج �ل �ي��زي��ة الشهيرة‪،‬‬

‫ما المضمون والمحتوى ال��ذي عبرت‬ ‫عنه؟‬ ‫> الذي أبهجني أن الندوة كانت تتحرك‬ ‫ف��ي ف�ض��اء ثقافي نشط وف��اع��ل على‬ ‫مستوى التنظيم‪ ،‬واخ�ت�ي��ار األسماء‪،‬‬

‫‪98‬‬

‫اجلوبة ‪ -‬ربيع ‪1433‬هـ‬

‫والتي ترجمت روايتها إلى (‪ )37‬لغة‪،‬‬ ‫ومؤسسة جائزة أورانج لألدب النسوي‪.‬‬ ‫أي�ض��ا ك��ان��ت ه�ن��اك األدي �ب��ة المصرية‬ ‫المعروفة «أه��داف س��وي��ف»‪ ..‬إضافة‬ ‫إلى الروائية الهندية الجميلة المذهلة‬


‫تجربتك الروائية السابقة في «البحريات»؟‬ ‫> ال أستطيع أن أحدد‪ ،‬ولكن أعتقد أن منظور‬ ‫الرؤيا وإطاللتي على الحدث والشخصيات قد‬ ‫اختلف في الوارفة‪ .‬لعل تجربتي خطت خطوة‬ ‫أخرى تجاه نضجها‪ ,‬وإن كانت «البحريات»‬

‫م������������������واج������������������ه������������������ات‬

‫«ال����وارف����ة» م���ن ج��دي��د ي��ض��اف إل����ى رصيد‬

‫قد القت رواجا كبيرا عند القراء‪ ,‬لكن أجد‬ ‫صاحب االثنينية عبدالمقصود خوجة يكرم أميمة الخميس‬

‫«شين راي»‪ .‬جميعنا اشتركنا في طرح بعض‬ ‫أب �ع��اد ال�ت�ج��رب��ة ال�ن�س��وي��ة ف��ي ال�ك�ت��اب��ة على‬ ‫مستوى التقنية‪ ,‬ومشاغبة التابو‪ ،‬والتأسيس‬ ‫لرؤية نسوية للتاريخ‪ ,‬وبالتالي‪ ..‬شعرت أن‬ ‫ه��ذه ال�ن��دوة أثرتني أن��ا بالتحديد أكثر مما‬ ‫قدمت لها‪ ،‬فكما يقولون ال يجيد الكاتب أو‬ ‫الفنان شرح أعماله‪ ,‬ألنني أشعر بأن مهمة‬

‫أن «الوارفة» حظيت بمتابعات نقدية نخبوية‬ ‫على مستوى أكبر‪.‬‬ ‫< ع��ب��رت ع��ن شخصية ال��م��رأة ال��س��ع��ودي��ة في‬ ‫أف��ض��ل نماذجها م��ن خ�لال بعض أعمالك‬ ‫اإلبداعية‪ ..‬ومنها «ال��وارف��ة»‪ ،‬فهل أردت من‬ ‫ذل��ك أن ترسخي النموذج اإليجابي للمرأة‬ ‫ال��س��ع��ودي��ة ف��ح��س��ب؟ ول����م����اذا؟؟ وه����ل كان‬ ‫النموذج السلبي للمرأة السعودية يلح عليك‪،‬‬

‫الروائي تنتهي مع كتابة السطر األخير في‬ ‫رواي �ت��ه‪ ,‬فهو حينما يقدمها م��رة أخ��رى‪ ،‬أو‬ ‫يفسرها‪ ..‬فكأنه يعتدي على حيز القاري‬ ‫ومغامرته الخاصة داخل النص ومع الرواية‪.‬‬ ‫ذك��رت في تلك الندوة أن ال��رواي��ة ال تكتب مرة‬ ‫واحدة‪ ،‬بل تكتب آالف المرات من قبل القراء‬ ‫بتعدد األخيلة واألمزجة‪ ,‬ولكن هذا لم يمنع‬ ‫أنني مررت ببعض أسرار التقنيات السردية‬ ‫التي وظفتها في الوارفة‪ ,‬ثم أشرت إلى بعض‬ ‫األس��ال�ي��ب الفنية ف��ي اخ�ت�ي��ار الشخصيات‬ ‫وعالقتها بالحيز الزماني والمكاني‪ ،‬وأثر‬ ‫هذا كله على تجربة الشخصيات الوجودية‪.‬‬ ‫< م��ق��ارن��ة‪ ..‬وع��ل��ى ع��ج��ل‪ ،‬م���اذا ق��دم��ت رواي���ة‬

‫اجلوبة ‪ -‬ربيع ‪1433‬هـ ‪99‬‬


‫فيبدو في أعمال أخرى أقوى حضورا؟‬ ‫> ل��م أستطع تحديد م��اذا تقصدين بالمعنى‬

‫بعض الزمالء بالعديد من الطبعات بعد زمن‬ ‫محدود من صدورها‪.‬‬

‫اإليجابي! هل يحمل المعنى بعدا أخالقيا؟ ‬

‫ل �ك��ن ال� �م ��أزق ه �ن��ا ي �ح��دث ع �ل��ى المستوى‬

‫أم ب�ع��دا نضاليا؟ أم تقصدين بالشخصية‬

‫الفني‪ ،‬فليس جميع م��ا نشر م��ن الروايات‬

‫اإليجابية هي تلك الفاعلة والمؤثرة في سياق‬

‫يمتلك الجودة والتماسك الفني‪ ,‬فالكثير من‬

‫وتبدالت األحداث من حولها‪ ,‬وإن كان سؤالك‬ ‫يتضمن ه��ذا‪ ..‬فإني ال أضع هذا الموضوع‬ ‫كثيرا نصب عيني عند التأليف‪ ،‬ولكن عند‬ ‫اختياري للشخصية‪ ..‬ال بد أن يكون بيني‬ ‫وبينها عالقة خاصة‪ ..‬حب وتبجيل لتجربتها‬

‫الروايات لم تكن سوى منشور اجتماعي‪ ,‬في‬ ‫ظل غياب المنابر التي تتيح التعبير الحر عن‬ ‫ال��رأي وانخفاض األس�ق��ف‪ ,‬أمست الرواية‬ ‫حقال للصهيل والتقافز بين م�م��رات حقل‬ ‫األلغام والمحذورات التقليدية‪.‬‬

‫الوجودية‪ ,‬ال بد أن يكون بيني وبينها ذلك < إلى أي حد ترين أن الكتاب السعودي يعيش‬ ‫الحبل ال �س��ري‪ ،‬وال�ع�لاق��ة الرحمية بجميع‬ ‫أزم���ة م��ع ال��ن��ش��ر‪ ،‬ت��وق��ع��ه ف��ي مغبة القبول‬ ‫ك�م��ون�ه��ا وأخ�لاط �ه��ا وس��وائ �ل �ه��ا وتجاويفها‬ ‫ال�س��ري��ة‪ ,‬وب�ع��د اكتمالها ووالدت��ه��ا‪ ..‬لها أن‬ ‫تواجه مصيرها ورحلتها الكبرى مع القراء‬ ‫بال وصاية مني‪.‬‬ ‫< تشكو الرواية السعودية بعامة ضعف اإلقبال‬ ‫عليها‪ .‬في رأيك ما األسباب وراء ذلك‪ .‬وكيف‬ ‫تنظرين إلى ذلك األمر؟‬ ‫ضعف إقبال على الرواية‪،‬‬ ‫َ‬ ‫> ال أعتقد أن هناك‬ ‫ب��ل ع�ل��ى ال �ع �ك��س‪ ..‬ف��ي ال �س �ن��وات األخيرة‬ ‫حظيت ال��رواي��ة ب ��رواج كبير‪ ,‬جعل البعض ‬ ‫يطلق عليها ديوان العرب‪ ,‬وباتت الرواية هي‬

‫ ‬

‫بشروط النشر العربي‪ ،‬التي غالبا ما تهضم‬ ‫ح��ق��وق��ه ال��م��ادي��ة وال��م��ع��ن��وي��ة‪ ،‬وم���ن وجهة‬ ‫نظرك‪ ..‬ما هي الحلول لتجاوز تلك األزمة؟‬ ‫> صناعة الكتاب صناعة ضخمة ومتشعبة‪,‬‬ ‫بدايتها تكون م��ن خ�لال المناخ المستحث‬ ‫الحاضن للتجربة وأسقف الحرية المرتفعة‪,‬‬ ‫كل هذا ال بد أن يكون مدعوما بحراك ثقافي‬ ‫نشط وخ�لاق وق��ادر على أن يشجر المكان‬ ‫بالفعل اإلبداعي والتأليف‪.‬‬ ‫أيضا ال بد أن تبتعد دور النشر عن األهداف‬ ‫التجارية المحضة‪ ,‬وعليها أن ت ��وازن بين‬

‫(الفرقة الناجية) وسط األنواع األدبية التي‬

‫اإلبداعي والتجاري‪ ،‬بحيث تخدم العمل الجاد‬

‫كانت تتصدر الساحة‪.‬‬

‫والمتميز‪ ,‬إضافة إلى أهمية وجود شركات‬

‫�ظ��ا ال ب��أس ب��ه من‬ ‫أرى أن ال��رواي��ة نالت ح� ًّ‬

‫إعالنية ضخمة للنشر والتوزيع‪ ,‬كل هذا من‬

‫المتابعة وال��دالل واالهتمام النقدي‪ ,‬وعلى‬ ‫سبيل ال �م �ث��ال‪ ..‬حظيت رواي��ات��ي ورواي���ات ‬ ‫‪ 100‬اجلوبة ‪ -‬ربيع ‪1433‬هـ‬

‫الممكن أن يكون صناعة كتاب حقيقية‪.‬‬ ‫واإلق �ب��ال ال�ه��ائ��ل على م �ع��ارض ال�ك�ت��اب في‬


‫إلى أن الكتاب ما يزال هو الوعاء المعرفي‬

‫الطفل وتسويقه‪ ..‬م��ا برحت تعاني الكثير‬

‫األول‪ ,‬ول �ك��ن‪ ..‬ب�م��ا أن�ن��ا ن�ع��ان��ي الكثير من‬

‫م��ن ن��واح��ي القصور ضمن منظومة تخلف‬

‫نواحي القصور فيما يتعلق بصناعة الكتاب‪,‬‬

‫حضاري شاملة‪.‬‬

‫السيما مع أنظمة الرقابة التي ال تستمع‪ < ..‬حدثينا عن سلسلة «حديقة الطلح» قصص‬ ‫وتصم آذانها عن وقع العصر ونبضه‪ ,‬وبالتالي‬ ‫أط���ف���ال ال���ت���ي ت���ص���در ع���ن م��ك��ت��ب��ة الملك‬ ‫يضطر المبدع أن ينشر خارجياً‪ ,‬متعرضا‬ ‫لصناعة نشر تجارية تقوم على السطحي‬ ‫والهش في غالب أنشطتها‪ .‬وأعتقد أن الحل‬ ‫هو قيام هيئة رسمية‪ ,‬تدرج صناعة الكتاب‬ ‫على قائمة أولوياتها‪.‬‬

‫م������������������واج������������������ه������������������ات‬

‫العالم العربي وبخاصة في الرياض‪ ..‬يشير‬

‫والفنية‪ .‬ولكن م��ع األس ��ف‪ ..‬صناعة كتاب‬

‫عبدالعزيز العامة؟ وكيف تم التعاون بينك‬ ‫وبين المكتبة؟ وم��ا أهمية تجربة من هذا‬ ‫النوع لك وللمكتبة وللطفل السعودي؟ وكيف‬ ‫لمست ت��ج��اوب األط��ف��ال م��ع تلك القصص‬ ‫وتلقيهم إياها؟‬

‫< ل ِ��ك تجارب ممتازة في الكتابة للطفل‪ .‬أال > تلقيت عرضا من المكتبة تتبنى فيه إصدار‬ ‫تخشين خوض مشروع من هذا النوع؟ وما‬ ‫م�ج�م��وع��ة م��ن ق�ص�ص��ي ال�م��وج�ه��ة للطفل‪,‬‬ ‫أب��رز مالمح االختالف بين الكتابة للطفل‬

‫وغيره من حيث األدوات االبداعية والفنية‪..‬‬ ‫وكذلك الرؤية وما إلى ذلك؟ وكيف استطعت‬

‫فاخترت لها مسمى سلسلة (حديقة الطلح)‪,‬‬ ‫تيمنا بسلسلة المكتبة الخضراء التي طالما‬ ‫سلبت عقولنا في فترة الطفولة‪ ،‬وهي سلسلة‬

‫إيجاز المسافة بين الكتابتين للطفل وما‬

‫م��وج�ه��ة للطفل م��ن ع� �م ��ر(‪ )10-6‬سنوات‪,‬‬

‫عداه؟‬

‫تسعى إلى توظيف موجودات البيئة المحلية‬

‫> كتابتي للطفل ه��ي ج��زء حميم م��ن نتاجي‬ ‫اإلب��داع��ي‪ ,‬وه��ي ج��زء أيضا من تجربتي مع‬ ‫أب�ن��ائ��ي‪ ،‬إذ كنت أق�ط��ف م��ادت�ه��ا م��ن حقول‬ ‫مخيلتهم الخصبة‪ ,‬واكتشف عناصرها في‬ ‫مناجمهم النضرة البكر‪ ,‬الكتابة للطفولة‬ ‫كانت لعبة غميضة ممتعة جربتها يوما ما‪,‬‬ ‫ثم اكتشفت أنني استمتعت بها‪ ,‬وفي مراحل‬ ‫الحقة‪ ..‬وبعد أن بدأت النشر للطفل‪ ،‬شرعت‬ ‫ف��ي بحث موسع ع��ن ف��ن الكتابة وشروطها‬ ‫وأط��ره��ا وح ��دوده ��ا‪ ،‬ح�ت��ى ت�س�ت��وف��ي كتبي‬ ‫الموجهة للطفل شروطها التربوية والتعليمية‬

‫خوجة يقدم مخطوطة قديمة من المصحف ألميمة الخميس‬

‫اجلوبة ‪ -‬ربيع ‪1433‬هـ ‪101‬‬


‫ومعالمها‪ ,‬ابتداء من اس��م السلسلة وصوال‬

‫ال��درب��ة وال �م��راس كيف يسوسها ويسوقها‪،‬‬

‫إلى بقية التفاصيل داخل القصص‪ .‬وتحاول‬

‫لتكمل الجري والتقافز فوق سطوره‪ .‬إضافة‬

‫تناول موضوعات جديدة غير مطروقة في‬

‫إلى أن الكتابة المنتظمة تنشئ لك شريحة‬

‫عالم أدب الطفل العربي‪ ,‬من خ�لال أنسنة‬

‫واس�ع��ة م��ن ال �ق��راء‪ ,‬فتطمح أن تستقطبهم‬

‫األشياء والموجودات في السياق السردي‪،‬‬ ‫وس�ع�ي��ا لتحقيق ال��ده�ش��ة وال�م�ت�ع��ة للطفل‪,‬‬

‫وتستدرجهم ت�ج��اه نتاجك اإلب��داع��ي الذي‬ ‫يكون عادة محاصرا بذوق النخبة‪.‬‬

‫وحرصا على إثراء ذهنه وأخذه تجاه حقول < برغم ما يمارسه المتلقي من وصاية على‬ ‫الخيال الشاسعة‪.‬‬ ‫العمل اإلب��داع��ي‪ ،‬يسعى الكاتب إل��ى كسب‬ ‫ ‬

‫أيضا تم تحميل الجمل والمفردات ومضات‬ ‫بسيطة م��ن الشعرية الملونة‪ ،‬بهدف إثراء‬ ‫القاموس اللغوي واللفظي للطفل في تلك‬

‫رضاه‪ .‬إلى أي حدّ ترين أنك استطعت كسب‬ ‫رض��ا المتلقي‪ ..‬وتمكنت م��ن التعبير عن‬ ‫بعض قناعاته؟‬

‫ال�م��رح�ل��ة ال�ع�م��ري��ة‪ .‬وق��د الق��ت المجموعة > ي�ح�ت��ل ال�م�ت�ل�ق��ي ج� ��زءاً ك �ب �ي��راً م��ن العملية‬ ‫بحمد الله رواج��ا‪ ،‬وترجمت قصة (عصفور‬ ‫اإلب��داع �ي��ة‪ ,‬فهو م��ن ن��اح�ي��ة‪ ،‬يكمن كالشبح‬

‫الحنطة) إلى اليابانية‪.‬‬

‫< من خالل تجربتك الصحافية الطويلة في‬ ‫الكتابة المقالية التي تنقلت فيها بين أكثر‬ ‫من صحيفة سعودية‪ ،‬كيف استطعت التكيّف‬ ‫مع شروط صحيفة وأخرى وضوابطها؟ وما‬ ‫أهمية الكتابة المقالية بالنسبة للمبدع؟‬ ‫> بدايةً‪ ..‬أعتقد بأن الكتابة الصحفية المنتظمة‬ ‫تمنح الكاتب لياقة لغوية عالية‪ ,‬على مستوى‬ ‫تتبع األف�ك��ار والتقاطها‪ ،‬وم��ن ث��م صياغتها‬ ‫ومعالجة المادة الخام للموضوعات‪.‬‬ ‫ ‬

‫الكتابة المنتظمة تجعل لك حاسة ثامنة تتبع‬

‫الخفي ف��ي تالفيف رأس ال�ك��ات��ب‪ ،‬ويوجه‬ ‫قلمه ويحاصره‪ ،‬بحيث يسوقه تجاه ما يراه‬ ‫أنه ي��روق له‪ ،‬أو يعبر عن تجربته الوجودية‬ ‫أو مأساته الخاصة‪ ,‬لكن أيضا‪ ..‬على الكاتب‬ ‫أن يكون حذرا لهذه النقطة‪ ,‬فمهمة الكاتب‬ ‫ليست أن يكون صدى وزجاجاً للمرآة فقط‪,‬‬ ‫بل مهمته هي استشرافية تقوم على الرؤية‪..‬‬ ‫ومحاولة استقراء األفق‪ ،‬فال بد أن ينتبذ له‬ ‫مكانا قصيا‪ ،‬ويستقل عن سلطة الجماهير‪,‬‬ ‫ونشوة المعجبين المخادعة‪ ,‬ال بد أن يستقل‬ ‫ويحتاط‪ ,‬كما عليه الحذر أن ينمط أو يقولب‬ ‫متلقيه ف��ي ق��ال��ب أح ��ادي‪ ،‬فتضيق رؤيته‪..‬‬

‫من خاللها نبض محيطك وتحوالته‪ ,‬بل تجعل‬

‫ويشحب أسلوبه‪ ..‬ويغيب عنه الرواء الخالق‬

‫من الكاتب أكثر سيطرة على أدواته‪ ,‬فقطيع‬

‫المتعدد‪ ,‬ال بد أن يطمس الوجوه التي تتقافز‬

‫ضباء األفكار المتفلتة الشرود‪ ,‬سرعان ما‬

‫في رأس��ه عندما يكتب‪ ,‬ويكتب لماء العماء‬

‫تنصاع لمشيئة الكلمة إذا حذق الكاتب عبر‬

‫األول للمبهم‪ ,‬لصفحة كتاب األزل‪ ,‬فالقارئ‬

‫‪ 102‬اجلوبة ‪ -‬ربيع ‪1433‬هـ‬


‫األدبي‪.‬‬

‫قابلت موقفه ذاك؟‬

‫< يسقط المجتمع المحافظ العمل األدبي > لم يرسل ابن خميس ريحا إال لتدفع مراكبي‬ ‫للكاتبة على واقعها الشخصي‪ .‬إلى أي حد‬

‫في لجة البدايات‪ ,‬سعى إلى تعبيد الطريق‪،‬‬

‫توجست م��ن أن ت��ؤول أح���داث رواي��ت��ك على‬

‫وم �ح��اول��ة تخفيف غ �ل��واء ش�غ��ف المغامرة‬

‫واق���ع���ك ال��ش��خ��ص��ي؟ وك���ي���ف ت��خ��ل��ص��ت من‬

‫واالكتشاف لدي‪ ,‬كان قلقا من جموح وفضول‬

‫عواقب تأثيره على مشروعك اإلبداعي؟‬

‫أسئلتي‪ ,‬وعندما تيقن في النهاية أنني إحدى‬

‫> هذا مصير ال بد أن يؤول له كل من غطس‬

‫م������������������واج������������������ه������������������ات‬

‫ال �م �ض �م��ر س��اب �ق��ا ي �ع��د ك ��ارث ��ة ع �ل��ى العمل‬

‫كان موقف ابن خميس من إبداعك؟ وكيف‬

‫تجلياته‪ ,‬بارك الرحلة وبعثني‪.‬‬

‫يديه في نهر الحبر‪ ,‬ال فرار من التوأمة بين < ما وقع فقد أباك على ذاتك من ناحية؟ وعلى‬ ‫إبداعك من ناحية أخرى؟‬ ‫نصوصك وحياتك الشخصية‪ ,‬ال أعتقد أن‬ ‫األم��ر يقتصر على النساء فقط‪ ،‬بل يتعداه > الموت هو أحد التجارب الوجودية الكبرى‬ ‫إل��ى ال��رج��ال‪ ..‬ويتجاوز المكان أيضا‪ ,‬وقد‬ ‫التي تجعلنا نتوقف‪ ,‬ونخرج من التيار اليومي‬ ‫يبدو األم��ر مركبا بالنسبة للنساء اللواتي‬

‫أمضين تاريخهن في ثقافة يكتبها الذكور‪,‬‬ ‫ويسيطر ع�ل��ى رؤي �ت �ه��ا ل�ل�ع��ال��م‪ ,‬ل��ذا عندما‬ ‫تشق النساء ستار الخدر‪ ,‬ويخطين خطوات‬ ‫مترددة خجلى إلى مجالس الحروف‪ ,‬وتهمس‬ ‫بجزء من تجربتها ورؤيتها‪ ,‬ستلتف نحوها‬ ‫األعين من باب الفضول والدهشة‪ ,‬وترقب‬ ‫ما قد يأتي به الكائن الجديد الذي ظل طوال‬ ‫التاريخ يقبع على الهامش معوجا منتقصا في‬ ‫ ‬

‫ال�ه��ادر‪ ،‬ونتأمل أيامنا ال�م�ح��دودة‪ ،‬وأوقاتنا‬ ‫الخاطفة‪ ,‬وأيامنا التي نعدها لنكتشف أنها‬ ‫ه��ي ال�ت��ي ت�ع��دن��ا‪ .‬ال �م��وت ه��و ال�ج�ب��ار الذي‬ ‫يناولنا خريطة الحقيقة‪ .‬التجارب القاسية‬ ‫والفجائع في حياة اإلنسان تعمق إحساسه‬ ‫بالعالم حوله‪ ,‬واألل��م يجعلنا نشف ونصبح‬ ‫أكثر اقترابا من إنسانيتنا وإنسانية اآلخر‪.‬‬ ‫انصب بعض النقد لمجموعاتك القصصية‬ ‫َّ‬ ‫< ‬ ‫في مالحظة أن هناك تشابها بين تفاصيل‬

‫عقله ودينه‪.‬‬

‫بعض ال��ن��ص��وص وأح��داث��ه��ا المحكية؟ بم‬

‫وال أع�ت�ق��د أن م��وض��وع �اً م��ن ه��ذا النوع‪..‬‬

‫تردين على ذلك؟‬

‫من الممكن أن يوقف المشروع األدب��ي‪ .‬قد‬ ‫يحاصره ويبعثر الغبار حوله‪ ..‬ولكنه حتما لن‬ ‫يوقفه‪.‬‬ ‫< كان لوالدك الشيخ األديب عبدالله بن خميس‬ ‫رحمه الله رأيه الخاص فيما تكتبين؟ فكيف‬

‫> الواقع هو المنجم الثري الذي نتقصى عروق‬ ‫الذهب داخله‪ ,‬ومكامن السالالت الكريمة من‬ ‫األحجار‪ .‬لذا‪ ،‬نحن لن نبعد كثيرا عن الواقع‬ ‫في مادتنا األولية‪ ..‬لكن الباقي‪ ,‬كيف نصنع‬ ‫من تلك المادة الخام تحفة إبداعية‪.‬‬

‫اجلوبة ‪ -‬ربيع ‪1433‬هـ ‪103‬‬


‫الدكتور حسن النعمي للجوبة‬ ‫النقد جزء من حراك الواقع بمستوياته المختلفة‪ ،‬فتحوالت العقد األول من‬ ‫األلفية الثالثة تحوالت عميقة التأثير‪.‬‬ ‫من يقرأ جهود بعض النقاد العرب‪ ..‬سيلحظ ما انتهوا إليه من تطوير أدواتهم بناء‬ ‫على مناهج غربية في األصل‪ ،‬ساعدت في إعادة قراءة تراثنا السردي‪.‬‬ ‫كتابي «الرواية السعودية‪ :‬واقعها وتحوالتها» اتبعت فيه منهجية صارمة في تقديم‬ ‫رؤية بانورامية عن الرواية السعودية‪.‬‬ ‫أول تجربة نقدية كانت من خالل الفرصة التي أتاحها لي الدكتور سعيد السريحي‪.‬‬ ‫المؤثرات في األدب ال تظهر سريعاً‪ ،‬وتأخذ وقتا للتبلور حتى تتحول من حدث‬ ‫إعالمي إلى حدث إنساني‪.‬‬ ‫بدأت شاعراً‪ ،‬ونشرت مجموعة من قصائد الشعر الحر‪ ،‬لكنني وجدت نفسي في‬ ‫القصة والرواية‪.‬‬

‫‪ 104‬اجلوبة ‪ -‬ربيع ‪1433‬هـ‬


‫م������������������واج������������������ه������������������ات‬

‫الناقد الدكتور حسن محمد النعمي‪ ،‬سعودي‪ ،‬من مواليد ‪1959‬م‪ ،‬حصل على الدكتوراه‬ ‫في األدب العربي من جامعة إنديانا بالواليات المتحدة األمريكية عام ‪1995‬م‪ ،‬حاصل‬ ‫على تخصص فرعي في الدراسات السينمائية‪ .‬يعمل حالي ًا أستاذ ًا مشارك ًا للدراسات‬ ‫العليا‪ ،‬ويقوم بتدريس (السردية المعاصرة‪ ،‬والمسرح) في قسم اللغة العربية بجامعة‬ ‫الملك عبدالعزيز بجدة‪ .‬له ثالث مجموعات قصصية‪( :‬زمن العشق الصاخب‪ ،‬صدر عن‬ ‫نادي أبها األدبي‪1984 ،‬م)‪( ،‬آخر ما جاء في التأويل القروي‪ ،‬نادي أبها األدبي‪1987 ،‬م)‪،‬‬ ‫(حَ دَّ ث كثيب قال‪ ،‬دار الكنوز األدبية في بيروت‪1999( ،‬م)‪ .‬إضافة إلى كتبه النقدية (كتاب‬ ‫رجع البصر‪ :‬قراءات في الرواية السعودية‪ ،‬صدر عن نادي جدة األدبي في عام ‪2004‬م)‪،‬‬ ‫(محاضرات في األدب السعودي‪ ،‬صدر عن دار خ��وارزم‪ ،‬جدة‪2007 ،‬م)‪( ،‬تحرير وتقديم‬ ‫كتاب خطاب السرد‪ :‬الرواية النسائية السعودية‪ ،‬من إصدارات جماعة حوار النادي األدبي‬ ‫الثقافي بجدة‪2007 ،‬م)‪( ،‬الرواية السعودية‪ :‬واقعها وتحوالتها‪ ،‬صدر عن وزارة الثقافة‬ ‫واإلع�لام‪ ،‬الرياض‪ ،‬سلسلة المشهد الثقافي‪2009 ،‬م)‪( ،‬األدب العربي الحديث‪ :‬نشأته‬ ‫وتطوره‪ ،‬صدر عن دار خوارزم‪ ،‬جدة‪2010 ،‬م)‪( ،‬تحرير وتقديم كتاب «عبد العزيز السبيل‪:‬‬ ‫قراءة في مرحلة»‪ ،‬النادي األدبي الثقافي بجدة‪2011 ،‬م)‪.‬‬ ‫الجوبة تستضيف صاحب ه��ذه السيرة في ح��وار يميزه الدكتور النعمي بإجاباته‬ ‫العميقة والجريئة التي تضيف وال تخدش حتى وهو يختلف‪ ..‬النعمي وهذا التميز‪..‬‬ ‫حاوره‪ :‬عمر بوقاسم‪.‬‬ ‫< هل لك أن تصف لنا مالمح النقد األدبي في‬ ‫الوطن العربي؟‬ ‫> أوالً‪ ،‬النقد ليس مجرد ممارسة معيارية في‬ ‫مقاربة النصوص‪ ،‬بل هو مقاربات معرفية‬ ‫ت�ت�ف��اع��ل م��ع ال�م�ع�ط�ي��ات ال�م�خ�ت�ل�ف��ة‪ ،‬وبهذا‬

‫المعنى يمكن أن أج�ي�ب��ك‪ .‬النقد ج��زء من‬ ‫حراك الواقع بمستوياته المختلفة‪ ،‬فتحوالت‬ ‫ال�ع�ق��د األول م��ن األل �ف �ي��ة ال�ث��ال�ث��ة تحوالت‬ ‫عميقة التأثير ومتسارعة‪ ،‬ويمكن أن يكون‬ ‫من نواتج ه��ذه التحوالت ال�ث��ورات العربية‪،‬‬

‫ومن يدقق في بعض مولدات هذه الثورات‬

‫يلحظ دور الوسائط التواصلية الجديدة‪.‬‬

‫فهي التي أسهمت في صنع مشهد الثورات‪..‬‬ ‫وحركت الجماهير بعيداً عن رقابات السلطة‬

‫السياسية‪ .‬من هنا‪ ،‬يمكن أن نعيد قراءة كل‬ ‫شئ لحساب المرحلة‪ ،‬ونعيد تقييم بواعث‬ ‫النصوص األدبية وخاصة الرواية في ضوء‬ ‫المتغير االجتماعي‪ .‬وال يمكن أن نستغرب‬ ‫ولوج النقد بمعناه المعرفي في دائرة المتغير‪.‬‬ ‫من هنا‪ ،‬يجب تقييم النقد العربي وفقاً لهذه‬ ‫اللحظة الفارقة‪ ،‬بمعنى استشراف الدور ال‬ ‫تكريس ما تم إنجازه‪ .‬ورغم هذا القول‪ ،‬فإن‬ ‫ما أنجزه النقد العربي في العقود الثالثة‬ ‫األخ �ي��رة يستحق ال �ت��وق��ف‪ ،‬ف�ه�ن��اك اهتمام‬ ‫بالنظرية النقدية المعاصرة‪ ،‬وهناك سعي‬ ‫دؤوب لتطبيقات بعضها‪ ..‬بلغ مستوى جيداً‬ ‫من المقاربات‪ ،‬مثل مقاربات سعيد يقطين‪،‬‬ ‫ومحمود أمين العالم‪ ،‬والغذامي‪ ،‬والبازعي‪،‬‬ ‫ومحسن جاسم الموسوي وغيرهم‪.‬‬

‫اجلوبة ‪ -‬ربيع ‪1433‬هـ ‪105‬‬


‫< م���ن ال���واض���ح ت��وج��ه ال��ك��ث��ي��ر م���ن األسماء‬ ‫ف��ي السعودية لكتابة ال��رواي��ة ف��ي السنوات‬ ‫األخيرة‪ ،‬هل لهذا التوجه تفسير لديك؟‬ ‫> هذا األمر طبيعي وصحي‪ ،‬فالمبررات كثيرة‬ ‫ومقبولة‪ ،‬ولعل أهمها مرور المجتمع بحالة‬ ‫ح ��راك غ�ي��ر م�س�ب��وق‪ ،‬وب�خ��اص��ة م�ن��ذ حرب‬ ‫الخليج في عام ‪1991 /90‬م‪ .‬وظهور االنفجار‬ ‫المعلوماتي وزيادة االحتكاك باآلخر‪ .‬في ظل‬ ‫هذه األوض��اع تظهر الحتميات‪ ،‬منها حتمية‬ ‫التغير والبحث عن هوية داخل هذا التغير‪.‬‬ ‫وب�س�ب��ب ه ��ذا ال�ب�ح��ث ي�ح�ص��ل الديالكتيك‬ ‫االجتماعي بين محافظين ولبراليين‪ ،‬ويحضر‬ ‫ه��ذا ال�ج��دل ف��ي ال�ف��ن‪ ،‬وال��رواي��ة على رأس‬ ‫الفنون المعبرة عن أزم��ة التحول‪ .‬فالرواية‬ ‫ه��ي حكاية ع��ن المتغير وم��ا يصل إليه من‬ ‫ضديات طبيعية ومفتعلة‪.‬‬

‫د‪ .‬حسن النعمي‬

‫إع��ادة ق��راءة تراثنا ال�س��ردي بوعي مختلف‬ ‫وأدوات ناجعة‪ .‬وبالمناسبة ل��م يتم تطوير‬ ‫نظرية نقدية للسرد العربي ال�ق��دي��م‪ ،‬رغم‬ ‫ما حفل به من خصوبة وغزارة سردية‪ ،‬بدءاً‬ ‫من قصص القرآن وما جاء بعده من نصوص‬ ‫بشرية‪ ..‬مثل رسالة الغفران‪ ،‬والمقامات‪،‬‬ ‫وألف ليلة وليلة‪ ،‬وغيرها‪ .‬فالتواصل المنهجي‬ ‫والعلمي ضروري‪ ،‬وهو أهم من اإليديولوجيات‬ ‫التي تلوح بالعزلة واالنتقاص من اآلخر‪.‬‬

‫< ال يغفل عنك أن هناك تجارب نقدية سعودية‬ ‫وعربية استحضرت في سياقها مصطلحات‬ ‫غربية لها مرجعيتها وواق��ع��ه��ا‪ ،‬ه��ل هناك‬ ‫مبرر إيجابي لهذا التجنيس للمصطلحات‬ ‫في الثقافة العربية؟‬ ‫< كتابك «الرواية السعودية‪ :‬واقعها وتحوالتها»‪،‬‬ ‫ك���ان م��ح��ور ح��دي��ث ب��ي��ن��ي وب��ي��ن أح���د كتاب‬ ‫> ألمس في السؤال إشارة سلبية‪ ،‬مع أن األصل‬ ‫الرواية‪ ،‬حيث قال إن الكتاب تجاهل الكثير‬ ‫ه��و ال�ت��واص��ل واالس �ت �ف��ادة‪ ،‬ألن األم��ر يكمن‬ ‫من األعمال واألسماء المؤثرة في تحوالت‬ ‫في استحضار منهج ومصطلح بوصفه أداة‬ ‫ال��رواي��ة ال��س��ع��ودي��ة‪ ،‬م��ا أدوات����ك ف��ي اختيار‬ ‫للقراءة‪ ،‬ومن طبيعة المناهج والمصطلحات‬ ‫التجارب التي تناولتها في كتابك؟‬ ‫إمكانية تطويعها لتطبيقات مختلفة‪ .‬ومن‬ ‫يقرأ جهود بعض النقاد العرب مثل محمد‬ ‫رجب النجار رحمه الله‪ ،‬أو عبدالله إبراهيم‪،‬‬ ‫أو سعيد يقطين أو حميد لحمداني وغيرهم‪..‬‬ ‫سيلحظ ما انتهوا إليه من تطوير أدواتهم بناء‬ ‫على مناهج غربية في األص��ل‪ ،‬ساعدت في‬

‫‪ 106‬اجلوبة ‪ -‬ربيع ‪1433‬هـ‬

‫> تأليف ك�ت��اب ع��ن ال��رواي��ة السعودية صعب‬ ‫جداً‪ ،‬لتوسع المشهد الروائي وطوله نسبياً‪،‬‬ ‫واختالف مراحله من حيث قلة المنتج الروائي‬ ‫في مرحلة‪ ،‬وزيادته في مراحل أخرى‪ .‬وعليه‪،‬‬ ‫كان من الضروري اتباع منهجية صارمة في‬


‫< كيف تقيم الساحة النقدية السعودية مقارنة‬ ‫بالساحات العربية؟‬ ‫> ب�ع��د ج�ي��ل ال �غ��ذام��ي وال�س��ري�ح��ي والبازعي‬ ‫والشنطي وغيرهم‪ ،‬جاء جيل محمد العباس‬ ‫وعلي الشدوي ومحمد الحرز ولمياء باعش‬ ‫وس�ح�م��ي ال �ه��اج��ري وغ �ي��ره��م‪ .‬وال �ف��رق بين‬ ‫الجيلين يكمن في تغير المعطيات االجتماعية‪،‬‬ ‫ففي جيل الغذامي كانت أزمة النقد اجتماعية‪،‬‬ ‫وفرغ من دوره في لحظة المواجهة بين رموز‬ ‫المحافظة ورموز النقد الجديد‪ ،‬وهي أزمة‬ ‫م��ن خ ��ارج ال�س�ي��اق ال�م�ع��رف��ي‪ ،‬أزم ��ة صراع‬ ‫إيديولوجي خسر فيها النقد أكثر مما كسب؛‬

‫أما الجيل الحالي‪ ..‬فقد استفاد من انتقال‬ ‫الصراع إلى سياقات أخرى سياسية ودينية‬ ‫طائفية‪ ،‬واستطاع النقاد أن يكرسوا جهودهم‬ ‫على قراءة النصوص في سياقات معرفية أكثر‬ ‫منها معيارية‪ ،‬وخاصة محمد العباس وعلي‬ ‫الشدوي‪ .‬أما على المستوى المؤسساتي فقد‬ ‫حظي النقد بمساحات شاسعة من الحضور‪،‬‬ ‫وخ��اص��ة ف��ي ملتقيات األن��دي��ة األدب �ي��ة‪ ،‬مثل‬ ‫قراءة النص في نادي جدة‪ ،‬وملتقى الباحة عن‬ ‫الرواية‪ ،‬وملتقى نادي القصيم ونادي المدينة‬ ‫وغيرها من الملتقيات السنوية التي أصبحت‬ ‫ظاهرة مهمة في تجديد الحضور النقدي‪،‬‬ ‫كما ال ننسى الدور الذي لعبته جماعة حوار‬ ‫في نادي جدة األدبي على مدى أعوام عديدة‪،‬‬ ‫ناقشت فيها العديد من الخطابات الفكرية‪،‬‬ ‫مثل خطاب الرواية النسائية‪ ،‬وخطاب التنوير‬ ‫والعالقة مع اآلخ��ر‪ ،‬والعالقة بين المثقف‬ ‫والسلطة‪ ،‬وغيرها‪.‬‬

‫م������������������واج������������������ه������������������ات‬

‫تقديم رؤية بانورامية عن الرواية السعودية‪،‬‬ ‫وال �ت��رك �ي��ز ع �ل��ى ال �م �ف��اص��ل ال �م �ح��وري��ة في ‬ ‫مسيرتها‪ .‬ج��اء الكتاب انتقائياً تحت دافع‬ ‫الضرورة من خالل فصول الكتاب الثالثة‪.‬‬

‫ألنه انصرف إلى اشتغاالت غير معرفية‪.‬‬

‫< ح����ض����ورك ك���ن���اق���د ط���غ���ى ع���ل���ى ح���ض���ورك‬ ‫كمبدع «ق��اص»‪ ،‬هل ثمة عالقة جدلية بين‬ ‫النقد واإلب�����داع‪ ،‬وك��ي��ف وف��ق��ت –أنت‪ -‬بين‬ ‫االتجاهين؟‬ ‫> أن��ا ال أرى تعارضاً بين التجربتين النقدية‬ ‫واإلب��داع �ي��ة‪ .‬فلكل ت�ج��رب��ة س�ي��اق�ه��ا‪ .‬بدأت‬ ‫قاصاً‪ ،‬ثم ناقداً‪ .‬وأثناء تجربتي القصصية‬ ‫كنت م��ول�ع�اً بتقييم م��ا أق��رأ م��ن نصوص‪..‬‬ ‫واحتفظ بذلك لنفسي‪ ،‬بل طورت أدواتي من‬ ‫خ�لال ق��راءات��ي النقدية فيما ك��ان ينشر في‬ ‫الصحف‪ ،‬أو فيما يقع بين يدي من كتب في‬ ‫النقد التطبيقي‪ .‬وأذكر أن أول تجربة نقدية‬

‫اجلوبة ‪ -‬ربيع ‪1433‬هـ ‪107‬‬


‫ع� �ل� �ن� �ي ��ة أذع� �ت� �ه ��ا‬ ‫ل �ل �ن��اس‪ ،‬ك��ان��ت من‬ ‫خالل الفرصة التي‬ ‫أتاحها لي الدكتور‬ ‫س �ع �ي��د السريحي‬ ‫ف��ي ع ��ام ‪1985‬م‪،‬‬ ‫عندما كان مشرفاً‬ ‫ثقافياً على ملحق‬ ‫أص��داء الكلمة في‬ ‫ج���ري���دة عكاظ‪.،‬‬ ‫ف�ق��د ك��ان الملحق‬ ‫> قد تستغرب إذا قلت لك إنني بدأت شاعراً‪،‬‬ ‫ض � ��اج� � �اً ب� ��أص� ��داء‬ ‫ونشرت مجموعة من قصائد الشعر الحر‪،‬‬ ‫الحركة النقدية واإلبداعية في الثمانينيات‪،‬‬ ‫لكنني وج��دت نفسي ف��ي القصة والرواية‬ ‫وط�ل��ب مني أن أق ��دم ق ��راءة نقدية إلحدى‬ ‫إب��داع �اً وق� ��راءة وم�ت��اب�ع��ة‪ .‬عالقتي بالشعر‬ ‫قصص الملحق‪ ،‬وكان ذلك تحدياً‪ ،‬لكنه تح ِّد‬ ‫ال‬ ‫عالقة ق��ارئ ج��اد متذوق‪ ،‬أج��د فيه مدخ ً‬ ‫لذيذ أفدت منه كثيراً‪ .‬بعدها انتقلت تجربتي‬ ‫م�ه�م�اً ل �ق��راءة ال� ��ذات اإلن�س��ان�ي��ة وعالقتها‬ ‫النقدية من الهواية إل��ى التخصص بعد أن‬ ‫الموضوعية باآلخر‪ .‬ورغم أن دراساتي عن‬ ‫أف��دت من دراستي في أمريكا‪ .‬فالمالحظ‬ ‫السرد القديم والحديث‪ ،‬فإنني ال أجد ضيراً‬ ‫أن التجربة اإلب��داع�ي��ة كانت األس�ب��ق‪ ،‬وهي‬ ‫ف��ي تقديم ق ��راءات ع��ن الشعر‪ ،‬ولكن ليس‬ ‫التي م��ن خاللها ُع��رف��ت وعرفتني الساحة‬ ‫بالمعنى المعياري‪ .‬من هنا‪ ،‬ال يجد الناقد‬ ‫الثقافية‪.‬‬ ‫فرقاً بين تناول نص شعري أو سردي أو حتى‬ ‫< أحد النقاد السعوديين ردد هذه العبارة «النقد‬ ‫تاريخي عندما تكون المقاربة معرفية‪.‬‬ ‫في السعودية تفوق على النص اإلبداعي»‪ ،‬ما‬ ‫< ف��ي إح��دى ال��ح��وارات سئلت أن��ت ع��ن نقاط‬ ‫رأيك؟‬ ‫اس��ت��ف��ادة ل��ل��رواي��ة ال��س��ع��ودي��ة م���ن الرواية‬ ‫> مسألة التفوق غير واردة الختالف الطبيعتين‬ ‫العربية‪ ،‬حيث قلت‪« :‬ال أحد يمكن أن يلغي‬ ‫والوظيفتين‪ ،‬فاإلبداع جمالي إنساني‪ ،‬يخاطب‬ ‫عوامل التأثير الذي تركته الرواية العربية‪،‬‬ ‫الشعور ويستدني التأمل‪ ،‬بينما النقد معرفي‬ ‫ولكني أرى أن هناك ما هو أكبر وأخطر‪ ،‬وهو‬ ‫أو معياري ذو نزعة عقلية جدلية‪ .‬من هنا ال‬ ‫المغامرة غير المحسوبة للكثير من الكتاب‪،‬‬ ‫أرى وجها للمقارنة‪.‬‬ ‫وخاصة جيل ما بعد عام ‪2000‬م‪ .‬فهو جيل‬ ‫يكتب دون مرجعية واضحة‪ ،‬دفعه اإلعالم‪،‬‬ ‫< أي��ن الشعر م��ن اهتمامات الناقد الدكتور‬ ‫وشجعته دور النشر العربية الربحية أكثر‬ ‫حسن النعمي‪ ،‬وهل تؤمن بمبدأ التخصص؟‬ ‫‪ 108‬اجلوبة ‪ -‬ربيع ‪1433‬هـ‬


‫م������������������واج������������������ه������������������ات‬

‫من اإليمان بقيمة النص الروائي‪ .‬فظهرت‬ ‫أعمال مستفزة يبحث أصحابها عن شهرة‬ ‫أكثر من تسجيل اسم أدب��ي‪ ،‬والمساهمة في‬ ‫تحسين بيئة ال��ن��ص��وص ال��روائ��ي��ة جمالي ًا‬ ‫وفكرياً»‪ .‬أنت ترصد نقاط أزمة جيل‪ ،‬ال أحد‬ ‫ينكر سرعة نموه‪ ،‬هل أنت تغلق باب الحوار‬ ‫مع هذا الجيل؟‬

‫الموجة األول��ى من هذا النشاط اإلبداعي‪.‬‬ ‫وم� ��ع ذل� ��ك ق �ل��ت ف ��ي س��ي��اق آخ� ��ر إن� ��ه من‬ ‫الضروري أن نزيد نسبة المنشور من الرواية؛‬ ‫ألننا بحاجة للتراكم حتى نصل بالرواية إلى‬ ‫مستوى فني جيد‪ ،‬وهذا ال يأتي إال من تراكم‬ ‫المنتجات الروائية وزيادتها‪ .‬مرة أخرى خلقت‬ ‫(بنات الرياض) المنافسة‪ ،‬ودفعت كتابا مثل‬ ‫عبده خ��ال ويوسف المحيميد ورج��اء عالم‬ ‫لمضاعفة الجهد‪ ..‬حتى حصلوا على جوائز‬ ‫أدبية مرموقة تجاوزوا بها الضجة اإلعالمية‬ ‫حول (بنات الرياض)‪.‬‬

‫ > مشكلة البعض أنه كتب الرواية دون أدنى حد‬ ‫لجماليات ال��رواي��ة‪ ،‬بحثاً عن األض��واء التي‬ ‫بدأت تنهال على كتاب الرواية‪ ..‬وخاصة بعد‬ ‫اإلثارة اإلعالمية التي حظيت بها رواية (بنات‬ ‫الرياض)‪ ،‬فالغاية لم تكن صناعة الرواية‪ ،‬بل < كيف ترى أثر التغيرات السياسية واالقتصادية‬ ‫ف���ي ال��ع��ال��م ال��ع��رب��ي ع��ل��ى ش��ك��ل ومضمون‬ ‫البحث عما تحققه ال��رواي��ة م��ن استقطاب‬ ‫الخطاب اإلبداعي؟‬ ‫إعالمي‪ .‬وربما يلحظ المتابع اآلن أن هذه‬ ‫ال�ظ��اه��رة ق��د انكمشت‪ .‬فكثير م��ن الكتاب > م��ن أول��وي��ات النقد المعرفي ال��ذي اشتغل‬ ‫أصحاب الرواية الواحدة قد انصرفوا عندما‬ ‫عليه‪ ،‬ع��دم إغفال دوائ��ر التحوالت الكبرى‬ ‫لم يجدوا العناية اإلعالمية التي بحثوا عنها‪.‬‬ ‫على الخطاب اإلبداعي‪ .‬وفي كتاب الرواية‬ ‫ويمكن أن ن�ق��ول إن االن��دف��اع�ي��ة اإلعالمية‬ ‫السعودية رك��زت على ق ��راءة م��راح��ل تطور‬ ‫وراء ت��راك��م ال��رواي��ة واخ�ت��راق�ه��ا للمحظور‬ ‫ال��رواي��ة وف �ق �اً للمتغيرات ال�خ��ارج�ي��ة‪ .‬فكل‬ ‫االج �ت �م��اع��ي‪ ..‬ق��د ت��راج�ع��ت ب�ع��د استيعاب‬ ‫تغير في الواقع تقع استجابته في بنية النص‬ ‫اإلبداعي‪ ،‬سواء كان أدباً أو مسرحاً أو غير‬ ‫ذلك‪ .‬غير أنه من الواضح أن المؤثرات في‬ ‫األدب ال تظهر سريعاً‪ ،‬وتأخذ وقتا للتبلور‬ ‫حتى تتحول م��ن ح��دث إع�لام��ي إل��ى حدث‬ ‫إنساني‪ .‬وه�ن��اك الكثير م��ن األح ��داث التي‬ ‫ي �ت��أخ��ر ت �ع��اط��ي األدب م �ع �ه��ا‪ ،‬م��ن ب ��اب أن‬ ‫التجارب اإلنسانية في النصوص اإلبداعية‬ ‫تختلف في تعاطيها مع الظواهر الكبرى‪.‬‬ ‫< ما جديدك؟‬ ‫> أ ُِع� ��د إلص� ��دار ك�ت��اب�ي��ن؛ األول ع��ن التراث‬ ‫السردي‪ ،‬والثاني عن السرد المعاصر‪.‬‬

‫اجلوبة ‪ -‬ربيع ‪1433‬هـ ‪109‬‬


‫سيرة وإبداع‬ ‫معالي الدكتور‬ ‫خليل بن إبراهيم بن سالمة املعيقل البراهيم‬ ‫> احملرر الثقافي*‬

‫في تلك الواحة الخضراء وسط صحراء الشمال‪ ..‬وفي تلك المدينة النامية وسط‬ ‫رمالها‪ ،‬وأصالة تاريخها‪ ،‬وعراقة آثارها‪ ..‬في مدينة سكاكا ‪ -‬حاضرة منطقة الجوف‪..‬‬ ‫ول��د الدكتور خليل المعيقل البراهيم ع��ام ‪1379‬ه���ـ‪ ..‬حيث السماء الصافية واألرض‬ ‫المخضرة‪ ،‬المرصعة بأشجار النخيل الباسقة‪ ..‬فنما وترعرع فيها‪ ،‬ونما معه الطموح‬ ‫واألمل‪..‬‬ ‫أكمل دراسته الثانوية في مدينة سكاكا‪ ،‬التحق بعدها بجامعة الملك سعود في‬ ‫الرياض‪ ،‬وحصل على البكالوريوس تخصص آثار ومتاحف‪ .‬ثم نال درجتي الماجستير‬ ‫فالدكتوراه تخصص آثار من جامعة درم في إنجلترا‪.‬‬ ‫بدأت حياته العملية كأستاذ مساعد عام ‪1409‬ه��ـ في جامعة الملك سعود‪ ،‬وأصبح‬ ‫أستاذ ًا مشارك ًا في الجامعة نفسها عام ‪1415‬ه��ـ‪ ..‬فوكي ًال لقسم اآلث��ار والمتاحف عام‬ ‫‪1412‬هـ‪ ..‬فرئيس ًا للقسم نفسه عام ‪1420‬هـ‪..‬‬ ‫ت��م اخ�ت�ي��اره عضوا ف��ي مجلس الشورى‪،‬‬

‫فكان‪:‬‬

‫اعتباراً من ‪1426/3/3‬ه � �ـ وم��ع مطلع العام ‪ -‬عضواً في مجلس مركز البحوث‪ ،‬كلية‬ ‫ال��دراس��ي ‪1433-1432‬ه � � �ـ‪ .‬ص��درت اإلرادة‬ ‫اآلداب‪ ،‬جامعة الملك سعود‪-1403 ،‬‬ ‫الملكية السامية بتعيينه مديراً لجامعة حائل‪.‬‬ ‫‪1404‬هـ‪..‬‬ ‫شارك في عضوية مجالس ولجان عدة‪ - ..‬ع�ض��واً ف��ي كلية اآلداب‪ ،‬جامعة الملك‬ ‫‪ 110‬اجلوبة ‪ -‬ربيع ‪1433‬هـ‬


‫ ع�ض��وا ف��ي مجلس إدارة الجمعية السعودية‬‫للدراسات األثرية‪.‬‬ ‫ عضوا في جمعية التاريخ واآلثار لدول مجلس‬‫التعاون الخليجي‪.‬‬ ‫ عضواً في اتحاد اآلثاريين العرب‪.‬‬‫ عضواً في الجمعية العمومية‪ ،‬وهيئة تحرير مجلة‬‫أدوماتو‪ ،‬وهيئة النشر بمؤسسة عبدالرحمن‬ ‫السديري الخيرية‪.‬‬

‫‪Study of the Archaeology of Jawf Region,‬‬

‫‪1994‬‬

‫ أكثر من خمسة عشر بحثاً متخصصاً في اآلثار‬‫وال �ح �ض��ارة م�ن�ش��ورة ف��ي ع��دد م��ن المجالت‬ ‫والدوريات العلمية‪.‬‬

‫س�����������ي�����������رة وإب���������������������داع‬

‫سعود‪1424-1420 ،‬هـ‪.‬‬

‫ ع��رائ��س ال �م��دن قصة التنمية العمرانية في‬‫المملكة العربية ال�س�ع��ودي��ة‪ ،‬ب��االش�ت��راك مع‬

‫اآلثار والكتابات النبطية في منطقة‬ ‫الجوف‬

‫تمثل اآلثار النبطية المنتشرة في منطقة الجوف‬ ‫ش���ارك ف��ي ع ��دة م��ؤت �م��رات ون � ��دوات عربية‬ ‫أبرز المواد الحضارية التي تزخر بها المنطقة‪،‬‬ ‫وعالمية منها‪:‬‬ ‫والدالة على عمق االستيطان النبطي وبخاصة في‬ ‫ •حلقة ال ��دراس ��ات ال�ع��رب�ي��ة‪ ،‬ل �ن��دن‪،1987 ،‬‬ ‫الفترة النبطية المتأخرة‪ ،‬وهو ما يمكن اعتباره‬ ‫‪1998 ،1995 ،1988‬م‬ ‫تزامنا م��ع ت��زاي��د أهمية وادي السرحان كمعبر‬ ‫ •مؤتمر آرام الثالث‪ ،‬أكسفورد ‪1995‬م‬ ‫وطريق رئيس للتجارة النبطية‪.‬‬ ‫ •ن ��دوة دراس� ��ات األن��ب��اط‪ ،‬ال �ب �ت��راء‪ ،‬األردن‪،‬‬ ‫وق��د شجع حجم ال�م��ادة األث��ري��ة على إخراج‬ ‫‪1999‬م‬ ‫ه��ذا الكتاب‪ ،‬بهدف لفت أن�ظ��ار المتخصصين‬ ‫ •ندوة يوليوس أويتنج‪ ،‬المانيا ‪1999‬م‬ ‫ •اللقاءات العلمية التحاد اآلثاريين العرب ‪،1999‬‬ ‫‪2004 ،2003 ،2002 ،2001 ،2000‬م‪.‬‬ ‫ •ال�ل�ق��اءات العلمية لجمعية ال�ت��اري��خ واآلثار‬ ‫لدول مجلس التعاون‪،1423 ،1422 ،1421 ،‬‬ ‫‪1424‬هـ‪.‬‬ ‫ •ال �ن��دوة العالمية ال�خ��اص��ة ب�ت��اري��خ الجزيرة‬ ‫العربية‪ ،‬الرياض ‪1424‬هـ‪.‬‬

‫مؤلفاته وبحوثه‪:‬‬ ‫ اآلثار والكتابات النبطية في منطقة الجوف‪،‬‬‫ بحوث في آثار منطقة الجوف‪،‬‬‫‪ -‬دراسة آلثار موقع عكاظ‪.‬‬

‫اجلوبة ‪ -‬ربيع ‪1433‬هـ ‪111‬‬


‫والمهتمين ب��آث��ار وت��اري��خ شبه الجزيرة العربية‬ ‫بأهمية تلك المرحلة ال�ح�ض��اري��ة‪ ،‬وق��د اعتمد‬ ‫ال�م��ؤل�ف��ان‪ -‬حيث ي�ش��ارك ال��دك�ت��ور المعيقل في‬ ‫تأليف الكتاب د‪ .‬سليمان بن عبدالرحمن الذبيب‪-‬‬ ‫في دراستهما على الدراسات واألبحاث السابقة‪،‬‬ ‫إض��اف��ة إل��ى م��ا ت��م كشفه على يديهما م��ن آثار‬ ‫وكتابات كانت حصيلة أعمال ميدانية‪ ،‬وسيظل‬ ‫ه��ذا العمل – حسب قولهما – مقدمة ألعمال‬ ‫أثرية مستقبلية ستكشف الكثير من آثار الفترة‬ ‫النبطية التي تنتظر أعمال الحفر الموسع‪.‬‬ ‫يقع الكتاب في (‪ )278‬صفحة‪ ..‬اشتمل على‬ ‫ثالثة أبواب‪ ،‬خصص أولها لدراسة اآلثار النبطية‬ ‫ف��ي ال�م�ن�ط�ق��ة‪ ،‬وق ��د وزع على‬ ‫خمسة ف �ص��ول‪ ..‬رك��ز الفصل‬ ‫األول منها على تاريخ األنباط‬ ‫ف ��ي ال� �ج ��وف‪ ،‬ون ��اق ��ش الثاني‬ ‫ط ��رق ال �ق��واف��ل ال�ن�ب�ط�ي��ة التي‬ ‫تعبر منطقة الجوف‪ .‬وخصص‬ ‫الفصل الثالث لدراسة المواقع‬ ‫النبطية المنتشرة ف��ي أرجاء‬ ‫المنطقة‪ .‬وتعرض الفصل الرابع‬ ‫ألهم اإلنشاءات المائية النبطية‬ ‫م��ن آب ��ار وق �ن��وات ري أرضية‪.‬‬ ‫وخصص الفصل األخير لدراسة‬ ‫الفخار النبطي الذي عثر عليه‬ ‫في المواقع النبطية‪.‬‬ ‫وركز الباب الثاني من الكتاب‬ ‫على دراس ��ة ال�ن�ق��وش النبطية‬ ‫ال�ت��ي بلغ ع��دده��ا (‪ )96‬نقشا‪،‬‬ ‫عثر عليها في الجزء الجنوبي‬ ‫من المنطقة في محيط مدينة‬ ‫سكاكا ومحافظة دومة الجندل‪.‬‬ ‫وق � ��د ق���دم���ت ه � ��ذه النقوش‬ ‫‪ 112‬اجلوبة ‪ -‬ربيع ‪1433‬هـ‬

‫معلومات كثيرة عن األنباط ودورهم الحضاري في‬ ‫المنطقة؛ فقد أظهر العديد منها ألقاباً عسكرية‬ ‫ألقت بعض الضوء على الوجود العسكري النبطي‬ ‫في المنطقة‪.‬‬ ‫أما الباب الثالث فقد أ ُفرد لدراسة الكتابات‬ ‫العربية المبكرة ال�ت��ي تمثل ام �ت��داداً للكتابات‬ ‫النبطية‪ ،‬وقد عثر على نقشين في موقع القلعة‬ ‫إل��ى الشمال م��ن سكاكا‪ ,،‬وهما يمثالن مرحلة‬ ‫مهمة من مراحل تطور الكتابات العربية قبيل‬ ‫اإلسالم‪.‬‬

‫بحوث في آثار منطقة الجوف‬ ‫ي� �ق ��ع ال� �ك� �ت ��اب ف� ��ي (‪)166‬‬ ‫صفحة‪ ،‬ويحتوي على عدد من‬ ‫الدراسات التي نشرها المؤلف‬ ‫خ�ل�ال ال �س �ن��وات ال�م��اض�ي��ة في‬ ‫عدد من المجالت العلمية‪.‬‬ ‫ون �ظ��را لقلة م��ا كتب باللغة‬ ‫العربية عن آثار وتاريخ منطقة‬ ‫ال �ج��وف‪ ،‬إض��اف��ة إل��ى أن بعض‬ ‫هذه الدراسات نشر في مجالت‬ ‫ج��ام �ع �ي��ة ل �ي �س��ت ف���ي متناول‬ ‫الباحثين والمهتمين‪ ،‬فقد رأى‬ ‫المؤلف جمعها في كتاب يكون‬ ‫في متناول الجميع منهم‪.‬‬ ‫يشمل الكتاب خمس دراسات‪.‬‬ ‫ت� �ن ��اول ��ت األول� � ��ى االستيطان‬ ‫ف��ي منطقة ال�ج��وف منذ أقدم‬ ‫العصور‪ ،‬حيث أوضحت الدراسة‬ ‫ب��داي��ات استيطان اإلن�س��ان في‬ ‫المنطقة‪ ،‬وخالل مختلف عصور‬ ‫ما قبل اإلسالم‪..‬‬


‫س�����������ي�����������رة وإب���������������������داع‬

‫لقطة فوتوغرافية أثناء تكريمه من قبل عائلته كمدير لجامعة حائل‬

‫أم��ا ال��دراس��ة ال�ث��ان�ي��ة‪ ..‬فقد تناولت المواقع‬ ‫األثرية في المنطقة‪ ،‬وركزت على تحديد الفترات‬ ‫التاريخية المختلفة‪ ،‬ومواقع كل فترة‪.‬‬

‫منطقة الجوف في العصور المختلفة‪ .‬ويُنتظر منها‬ ‫أن تكون دافعاً للبحث والكتابة عن آثار وتاريخ هذا‬ ‫الجزء الغالي من الوطن‪.‬‬

‫وج��اءت ال��دراس��ة الثالثة ع��ن وادي السرحان‬ ‫في عصر ما قبل اإلس�لام‪ ،‬في ضوء االكتشافات‬ ‫أألثرية‪ ،‬وقد ركزت على مسح عام لوادي السرحان‪،‬‬ ‫وفتراته الحضارية‪ ،‬ومواقعه األثرية‪.‬‬

‫دراسة آلثار موقع عكاظ‬

‫وكانت الدراسة الرابعة عن اآلث��ار اإلسالمية‬ ‫في المنطقة‪ ،‬وقد ركزت على المواقع اإلسالمية‬ ‫الشاخصة‪ ،‬كالبلدة القديمة ف��ي دوم��ة الجندل‪،‬‬ ‫والمساجد األثرية‪ ،‬والقالع‪ ،‬والكتابات اإلسالمية‪.‬‬ ‫وتحدثت الدراسة الخامسة عن مسجد عمر‬ ‫ابن الخطاب في دومة الجندل‪ .‬وتعد أول دراسة‬ ‫باللغة العربية عن هذا المسجد‪ .‬وقد ناقشت تاريخ‬ ‫المسجد‪ ،‬وعمارته‪ ،‬وأهميته األثرية‪.‬‬ ‫يقدم المؤلف في هذا الكتاب بعض المعلومات‬ ‫المفيدة‪ ،‬تسد جانبا من نقص المعلومات عن تاريخ‬

‫ف��ي ه��ذا الكتاب وص��فٌ لموقع س��وق عكاظ‪،‬‬ ‫أعظم أسواق العرب في الجاهلية‪ ،‬وقد كان مكاناً‬ ‫تلتقي فيه القبائل م��ن مختلف أن �ح��اء الجزيرة‬ ‫العربية للتجارة وعقد الندوات األدبية‪ ،‬ويعد معلماً‬ ‫أثرياً تاريخياً يقع شرقي منطقة الطائف‪ ،‬ويتكون‬ ‫من عدة جوانب‪ ،‬كالقصر الذي يعد أهم المعالم‬ ‫البارزة في الموقع‪ ،‬إضافة إلى األسوار الحجرية‬ ‫المرتبطة بالقصر من ثالث جهات‪ ،‬ومجموعة من‬ ‫التالل األثرية الصغيرة المنتشرة‪ ،‬وك��ذا المقبرة‬ ‫واألسوار الحجرية القريبة من القصر‪.‬‬ ‫ويعد الكتاب أحد الدراسات األثرية التاريخية‬ ‫ال�ت��ي تجلي ج��ان�ب�اً م��ن ال�ج��وان��ب ال�ح�ض��اري��ة في‬ ‫الجزيرة العربية عموماً‪ ،‬والمملكة العربية السعودية‬ ‫بشكل خاص‪.‬‬

‫اجلوبة ‪ -‬ربيع ‪1433‬هـ ‪113‬‬


‫االجتاه الرمزي في الفن التشكيلي‬ ‫> ليلى الغامدي*‬

‫الرمزية تأتي من كلمة (رمز)‪« :‬ورمز للشيء‪ :‬أي (أشار وأومأ)؛ فالشكل رمز لموضوع‬ ‫أي أداة للتعبير عنه؛ والرمزية‪ :‬مذهب يمثل بالرموز ما يوجد من تجانس خفي بين‬ ‫األشياء ونفوسنا»‪.‬‬ ‫والحركة الرمزية التشكيلية‪ ،‬حركة فنية ارتبطت باألدب وبخاصة الشعر‪ .‬كما ارتبطت‬ ‫والسلم‪ ،‬والغوامض‬ ‫باألساطير‪ ،‬والحكايات الدينية‪ ،‬والروايات؛ فرسموا رموز ًا للحرب ِّ‬ ‫واألسرار‪.‬‬

‫وكان للشعر دوره المباشر على التصوير في التصوير قبل أن يظهر في الشعر‪.‬‬ ‫وبخاصة ف��ي فرنسا‪ .‬ولكن الرمزية في‬ ‫نطاق التصوير قد تتخطى المجال الزمني‬ ‫ك �م��ا ه ��و م� �ع ��روف ب��ال�ن�س�ب��ة إل���ى الشعر‬ ‫الرمزي‪ ،‬مما يعني أن التصوير لم يكن رغم‬ ‫تأثره الكبير باألدب مجرد تسجيل للشعر‬

‫وهي من مذاهب الفن المعاصر تستند‬ ‫إل��ى المبدأ ال��ذي يعد الفن المقام األول‬ ‫تعبيراً شخصياً عما يجول في خيال الفنان‬ ‫ووجدانه‪ ،‬بل باستخدامه للرموز والدالالت‬

‫الرمزي‪ ،‬فهو يستلهم مصادر ظهر أثرها ال� �خ ��اص ��ة‪ ،‬ي �ج �س��د األح� �ل��ام واالنفعال‬ ‫‪ 114‬اجلوبة ‪ -‬ربيع ‪1433‬هـ‬


‫ن����������������������������������واف����������������������������������ذ‬

‫(الشكل ‪ :)1‬لوحة (طول األمل)‪ ،‬تمثيل لما خطه رسولنا الكريم [ لتعليم صحابته أمور الدين والدنيا‬

‫الوجداني بأسلوب ذاتي‪.‬‬

‫موضحاً لهم خطط الحرب للغزوات الجهادية‬

‫وقد قام أحد النقاد بتحديد مضمون الرمزية أو تخطيط توضيحي لتعليمهم أمور الحياة فقد‬ ‫جاء في (كتاب الرقاق) باب في األمل وطوله‪ ،‬في‬ ‫مقرراً أن العمل الفني يجب أن يكون‪:‬‬ ‫أوال‪ :‬فكرياً‪ :‬هدفه األوحد التعبير عن األفكار‪.‬‬ ‫ثانياً‪ :‬رمزياً‪ :‬يعبر عن الفكرة في أشكال‪.‬‬ ‫ثالثاً‪ :‬توفيقياً‪ :‬يسجل األشكال على نحو يمكن‬ ‫من الفهم العام لها‪.‬‬ ‫رابعاً‪ :‬ذاتياً‪ :‬الموضوع في العمل الفني يومئ إلى‬ ‫الفكرة التي يفهمها الفنان مجرد إيماء‪.‬‬

‫الجزء الحادي عشر من فتح الباري‪:‬‬

‫«عن عبدالله رضي الله عنه قال‪( :‬خط النبي‬ ‫�ط خطاً‬ ‫صلى الله عليه وسلم خَ طاً مربعاً‪ ،‬وخَ � َّ‬ ‫في ال��وسَ ��ط خارجا منه‪ ،‬وخ��ط خططاً ِصغاراً‬ ‫إلى هذا الذي في الوسَ ط من جانبه الذي في‬ ‫الوسط وقال‪ :‬هذا اإلنسان؛ وهذا أجله محيطٌ‬ ‫ب��ه وه��ذا ال��ذي ه��و خ��ار ٌج أم�ل��ه‪ ،‬وه��ذه الخطط‬

‫وأقرب مثال لذلك‪ ،‬ما كان يرسمه أو يخطه الصغا ُر األعراض‪ ،‬فإن أخط َأهُ هذا نهشَ ُه هذا‪،‬‬ ‫سيد البشرية رسولنا الكريم محمد صلى الله‬

‫وإن أخ �ط � َأهُ ه��ذا نهشَ ُه ه��ذا) وقيل ه��ذه صفة‬

‫عليه وسلم لصحابته الكرام رضوان الله عليهم‬

‫الخط‪( :‬الشكل ‪( )1‬العسقالني‪1407 ،‬هـ)‪.‬‬

‫* محاضر رسم وتصوير بجامعة الملك عبدالعزيز بجده‬ ‫ ‬

‫اجلوبة ‪ -‬ربيع ‪1433‬هـ ‪115‬‬


‫شعرية اجلمال‬ ‫> سعيد السوقايلي*‬

‫غالبا ما يرتبط مفهوم الشعرية أو الشاعرية ب��األدب‪ ،‬وخاصة بالشعر‪ ،‬حيث يروم‬ ‫المبدع إل��ى شحن نصه بخصائص فنية متفق عليها أو من اجتهاده‪ ،‬إن ك��ان رصينا‬ ‫ومجددا لتلك الخصائص والمقومات التي ينهض عليها األثر الشعري‪ ،‬من لغة رفيعة‬ ‫وصورة بديعة وموسيقى مؤثرة؛ وال نعدم القول بوجود شعرية مماثلة في أي عمل فني‬ ‫آخر‪ ،‬في ظل الحداثة وما بعدها‪ ،‬انطالقا من السرد إلى التشكيل والنحت والسينما‪،‬‬ ‫وغيرها من الفنون التي تتفيأ اإليقاع بالمتلقي تلذذا (على حد بارث)؛ أال يمكن اعتبار‬ ‫الوقع الذي تتركه القصيدة في النفس أشبه بنظيره مع اللوحة والمنحوتة والصورة‬ ‫في أبعادها المروية‪...‬؟ حتى بتنا وكأننا نقول‪ :‬ما أروع هذه القطعة الفنية بمعزل عن‬ ‫جنسها‪.‬‬ ‫من هنا نتساءل‪ ،‬ما هي حدود الشعرية‬ ‫أو الشاعرية؟ وه��ل يمكن أن تقفز خارج‬ ‫أسوار النص أو أي أثر فني إلى ما سواه؟‬ ‫وه��ل يمكن رب��ط وظيفتها بالبحث عن‬ ‫مكامن الجمال؛ ابتداعا وتوظيفا وتلقيا؟‬ ‫أليست هي صنع الجمال بعينه؟ وإلى حد‬ ‫بعيد‪ ،‬فالجواب عن ه��ذه األسئلة يحضر‬ ‫ب�ق��وة ف��ي ال�ت�س��اؤل األخ �ي��ر؛ لنسلم جدال‬ ‫هل يمكن التسليم إذاً بكوْن الشعرية‬ ‫أن الشعرية أو الشاعرية ه��ي ف��ن صنع أو الشاعرية في الخلق واإلب��داع والصنع‬ ‫ال�ج�م��ال‪ ،‬فالقصيدة وق��د حالفها الحظ هي الجمال بعينه؟ نعم قد يكون الجواب‬ ‫هي منتهى الجمال اللغوي والبالغي داخل ب��اإلي �ج��اب م��ن وج �ه��ات م �ت �ع��ددة‪ ،‬إذا ما‬ ‫األدب؛ أو باألحرى البحث وترصد مكامن‬ ‫الجمال البديع في الكون وعناصر الطبيعة‬ ‫والكائنات‪ ،‬التي ابتدعها الله بكثير من‬ ‫األن ��اق ��ة وال�ت�ص�م�ي��م ال�م�ح�ك��م المتناسق‬ ‫األبعاد‪ ،‬بل حتى القيم والمواقف النبيلة‬ ‫التي تبعث عن إحساس بجمالية اللحظة‬ ‫وروعتها‪.‬‬

‫‪ 116‬اجلوبة ‪ -‬ربيع ‪1433‬هـ‬


‫ن����������������������������������واف����������������������������������ذ‬

‫اعتبرنا أن المادة بجميع تشكيالتها وتكويناتها‪،‬‬ ‫و ِبي ٍَد حاذقة يمكن أن نصنع بها أجمل األشياء‬ ‫اإلنسان يصنع الجمال ويلتمس الشاعرية في‬ ‫التي ستصبح في ما بعد تحفا فنية‪ ،‬تماما كما‬ ‫ذلك‪ .‬فكم من المنتوجات توحي بذلك‪ ،‬انطالقا‬ ‫األدوات والعناصر الفنية واألسلوبية التي نبدع‬ ‫م��ن ف��ن ال �ع �م��ارة وتصميم ال �س �ي��ارات الفارهة‬ ‫بها نصا أدبيا متفردا آي��ة في الجمال اللغوي‬ ‫والمالبس الدالة على ذوق شاعري‪ ،‬واألجهزة‬ ‫والبالغي؛ أكيد أن بين الحالتين تماثل البتداع‬ ‫الذكية واألث��اث واإلش�ه��ار‪ ،‬وإل��ى غير ذل��ك مما‬ ‫جمالية خاصة في أي منتوج معروض أو شعرية‬ ‫يثير في النفس اإلع�ج��اب بروعة الجمال؟ أال‬ ‫مبهرة خاصة بالنص‪.‬‬ ‫تصنع الصورة اآلن التي تكاد تحلق محل الكلمة‬ ‫الشعرية أو الشاعرية هي فن صنع الجمال‪ .‬ببالغة مدهشة نحتاج معها إلى التمعن في فك‬ ‫إذاً في كل ما نروم من خالله التأثير في المتلقي‪ ،‬رموزها ودالالتها‪ ،‬بدءا بالحركة واللون والكلمة‬ ‫أل�ي��س ال�ل��ه ه��و ال�م�ب��دع وال �خ��ال��ق الجميل لكل والموسيقى‪ ،‬وكثير من الخدع البصرية‪ ..‬كما لو‬ ‫عناصر الكون وكائناته؟ إذ ال يمكن أن نتصور‬ ‫أننا فعال أم��ام عناصر فنية كتلك التي تنهض‬ ‫أن يخلق الله اإلنسان في تقويم آخر‪ ،‬أو الشجرة‬ ‫بالقصيدة من أجل تأسيس شعريتها؟‬ ‫بغير شكلها ال �م��ورق ال ��وارف‪ ،‬أو السماء بغير‬ ‫الشاعرية هي طفرة متجددة تنفلت دوما من‬ ‫زرقتها‪ ،‬وإلى ما ذلك من كائنات الله الجميلة‪،‬‬ ‫طبعا ذلك خاضع لهندسة فنية غاية في التأنق النقطة الفاصلة بين القبح والجمال‪ ،‬إذاً هي‬ ‫والتمظهر حسب وظيفتها الوجودية‪ ،‬هذا ملخص ركام متكدس من القبح بهدف تجاوزه‪ ،‬وتحتاج‬ ‫الشاعرية في الخلق والصنع والتصميم الباعث في ذلك إلى كثير من الدُربة والصقل واالستفادة‬ ‫على اإلحساس بجمالية الكائن وتأثيره بالنشوة من األخطاء‪ ،‬ولنقل‪ ،‬فمن أجل بلوغ ذروة الشعرية‬ ‫أو الشاعرية في الخلق واإلب��داع‪ ،‬وجب تهذيب‬ ‫واإلعجاب والدهشة في النفس‪.‬‬ ‫اإلنسان بطبعه الغالب ميال إلى البحث عن ال��ذوق ال�ع��ام لإلنسان ب��دءاً م��ن طريقة حديثه‬ ‫السعادة‪ ،‬ومرد ذلك هو خلق محيط جميل حوله‪ ،‬ومواقفه وتفكيره ومشاعره‪ ...‬يجب إذاً استلهام‬ ‫م��ادي أو م�ع�ن��وي‪ ،‬ف�ت��راه مفتتناً بجمال الكون كل ما هو جميل في الكون والطبيعة والكائنات‬ ‫والطبيعة والكائنات‪ ،‬يستعير ويحاكي تفاصيلها‪ ،‬وما يصنعه اإلنسان الراقي‪ ،‬استلهام يتفاعل فيه‬ ‫ويقلد ويصنع ويبدع مستلهماً جمالها بالشاعرية ومن خالله من أجل االستفادة محاولة اإلبداع‬ ‫نفسها والجمال بكل تمظهراته؛ الجمال الوديع طفرة طفرة‪ ،‬حتى تبلغ درج��ة ما من االكتمال‬ ‫والهادئ والبري وال�ض��اري‪ ،‬كذلك كانت الوردة وليس الكمال‪ ،‬ولم ال ذروة الشاعرية‪ .‬وأخيرا ال‬ ‫والسماء المنيرة بنجومها والحيوانات الضارية بد من اإلش��ارة إلى أن تجلي الجمال في شيء‬ ‫بتفاصيلها ال�ق��وي��ة المتناسقة حسب جمالها م��ا‪ ..‬أو لنقل في أي عمل فني (و قد أصبحت‬ ‫الضاري‪ .‬ثمة إذاً قوة شاعرية في تصميم األسد صنائع اإلنسان تحفا فنية)‪ ،‬يدفعنا بكل ما أوتينا‬ ‫والصقر مقابل الغزالة وال��ط��اووس‪ ...‬ضراوة من متعة إلى القول‪ :‬يا له من منظر شاعري!‬ ‫الجمال مقابل وداعته‪.‬‬

‫* كاتب من المغرب‪.‬‬

‫اجلوبة ‪ -‬ربيع ‪1433‬هـ ‪117‬‬


‫رحيل‪ ..‬ثروت عكاشة‪ ..‬عامل الفنار‬ ‫عن عمر يناهز (‪ )91‬عاما ً‬

‫> محمد محمد مستجاب*‬

‫الفنار‪ :‬هو مصباح قوي الضوء ينصب على سارية عالية‪ ،‬أو شبه برج مرتفع إلرشاد‬ ‫السفن في البحار والمحيطات إلى طرق السير وتجنب مواطن الخطر‪.‬‬ ‫لكنه مهما كان عالي ًا ومرتفع ًا وقوة إنارته ضخمة‪ ،‬ال يستطيع أن يقوم بدوره من دون‬ ‫عامل فنار‪ ،‬أي أنه ال يعمل وال يكون مؤثر ًا من دون ذلك‪.‬‬ ‫وعامل الفنار‪ ،‬هو ذلك الشخص الجالس في عزلة عن العالم‪ ،‬ينير الطريق للسفن‬ ‫والقوافل ويرشدها إلى الطريق السليم‪ ،‬أو يوجهها إلى طريق آخر أكثر أمان ًا إذا كان‬ ‫الطريق األساس تحفه المخاطر‪ ،‬أو غير جاهز الستقبالها‪ ،‬كما أنه أول من يستقبل‬ ‫العواصف والرياح‪ ،‬ويحدد اتجاهها‪ ،‬وما تحمله من برودة أو تراب أو زوابع أو سخونة‪،‬‬ ‫ويعلم قوة أم��واج البحار وارتفاعها‪ ،‬فيحذر منها ويتنبأ بها‪ ،‬فيجنب أهل البحر من‬ ‫تقلباتها وقسوتها‪ ،‬وسكان اليابسة من خطورتها‪.‬‬ ‫وال أحد منا رأى عامل فنار من قبل‪،‬‬

‫القوي الذي ينعكس عليه ضوء مصباحه‪،‬‬

‫دائماً هو في برجه أو ساريته العالية‪ ،‬يهتم‬

‫فهو رج��ل ال ت��راه في الشارع مع أن��ه يمر‬

‫بتلميع عدسته أو اإللماظة؛ أي العاكس‬

‫ب �ج��وارك ك��ل ي��وم‪ ،‬ي��رك��ب معك أو يجلس‬

‫‪ 118‬اجلوبة ‪ -‬ربيع ‪1433‬هـ‬


‫ن����������������������������������واف����������������������������������ذ‬

‫بجوارك في األتوبيس أو‬ ‫القطار وال تشعر بوجوده‪،‬‬ ‫يقف في طابور الخبز أو‬ ‫أنبوبة البوتاجاز‪ ،‬ينتظر‬ ‫ف��ي ص �ب��ر م��رت �ب��ه وال ��ذي‬ ‫ه� ��و ق� � ��روش ق �ل �ي �ل��ة هي‬ ‫ق��وت أوالده‪ ،‬ك��ذل��ك فإن‬ ‫ع��ام��ل ال �ف �ن��ار ال يطنطن‬ ‫ب��دوره الكبير ال��ذي يقوم‬ ‫ب ��ه‪ ،‬وال مهنته الخطيرة‬ ‫التى يمتهنها‪ ،‬وال يشتكي‬ ‫م� ��ن ال� �م���رت���ب الضئيل‬ ‫ال��ذي يتقاضاه؛ فهو يعلم‬ ‫ح � ��دود وق� � ��درات فناره‪،‬‬ ‫واألرض التى يقف عليها‪،‬‬ ‫والمساحة التي يستطيع‬ ‫ضوء مصباحه أن ينيرها‬ ‫وأن ت�ق��ع عليها األبصار‬ ‫ف �ت �ه �ت��دي ب���ه‪ ،‬وي �ع �ل��م أنه‬

‫األرواح التي تعتلي أي سفينة سوف تغرق وتضيع‬

‫س��وف يجلس في برجه‪ ،‬فترة زمنية كبيرة‪ ،‬ال في بحر هائج ومظلم وشرس‪.‬‬ ‫يتحدث كثيراً وال يحكي أي ك�لام‪ ،‬وال يتسامر‬ ‫إال مع الريح والشمس والقمر والنجوم‪ ،‬فوقته‬ ‫ليس ملكه‪ ،‬وال يستطيع أن يصادق النوم‪ ،‬لذا فإن‬ ‫عامل الفنار يذهب معه طعامه وسجادة صالته‪،‬‬ ‫جالساً‪ ،‬في برجه يرشد ويوجه ويحذر ويتنبأ‪،‬‬ ‫ال يطنطن بأنه أنقذ تلك السفينة أو وجه ذلك‬ ‫المركب‪ ،‬أو أنقذ ذلك الغريق من الغرق‪.‬‬

‫وعامل الفنار يعلم جيداً األرض التى يقف‬ ‫عليها فناره‪ ،‬وجغرافيتها‪ ،‬وحدود ضوء عدسته‬ ‫وأش�ع�ت�ه��ا‪ ،‬وال �م��دى ال ��ذي ت�ص��ل إل �ي��ه‪ ،‬وإن���ذاره‬ ‫ال يكون إن��ذاراً كاذباً وال وهميا‪ ،‬ولكنه حقيقة‬ ‫يدركها من خالل متابعته‪..‬‬ ‫هكذا كان ثروت عكاشة‪ ،‬عامل فنار الثقافة‬ ‫المصرية وال�ع��رب�ي��ة‪ ،‬ذل��ك ال ��ذي أن ��ار الطريق‬

‫فإذا أضفت إلى ذلك أنه متيقظٌ دائماً‪ ،‬وإذا للثقافة المصرية‪ ،‬متعمداً في تربيته وثقافته على‬ ‫غلبه ال�ن��وم لحظة تكون ال�ك��ارث��ة الكبيرة‪ ،‬وأن فكر عميد األدب العربي طه حسين‪ ،‬ذلك الرجل‬

‫اجلوبة ‪ -‬ربيع ‪1433‬هـ ‪119‬‬


‫ال��ذي كان يعلم جيداً األرض التى يقف عليها‪ ،‬ال �ث �ق��اف��ة ال��وط �ن �ي��ة وال �ع��رب �ي��ة‪ ،‬م�م�ت�ط��ي جواد‬ ‫ومقوماتها وقدراتها وحدودها وقوة تأثيرها‪ ،‬لم الثقافة المصرية‪ ،‬وفاكك آثار وأغالل وسالسل‬ ‫يكن يحلم أحالماً بلهاء أو خاوية‪ ،‬إنما أحالم االستعمار واالستغالل والتفاهة‪ ،‬را ّد االعتبار‬ ‫كبيرة لوطن ممتد في عمق التاريخ‪ ،‬ومشكل جيد لشخصية مصر وفكر العرب‪ ،‬صاحب الرأي الحر‬ ‫لجغرافية المنطقة وال�ع��ال��م‪ ،‬هكذا فهم ثروت المستقل‪ ،‬باني مصر الجديدة‪ ،‬وواضع عتباتها‪،‬‬ ‫عكاشة دور مصر ومثقفيها‪ ،‬فاستوعب الدور‪ ،‬ومهذب طرقها‪ ،‬وراصف شوارعها‪ ،‬المعتكف في‬ ‫ال ومتنبئاً للسياسة الثقافية‬ ‫وبدأ في إنارة الطريق لكل االطراف‪ ،‬أي المثقف فناره مفكراً ومحل ً‬ ‫والمتلقي والجدران التى تحتويهما‪.‬‬

‫التى سوف ينتهجها ويتبعها ويضعها بذرة لبلد‬

‫ثروت عكاشة‪ :‬مصباح النور والشعلة ورأس عريق‪ ..‬دفن كثيرا تحت ركام الرمال واألحجار‪.‬‬ ‫السهم الفعال والمصيب‪ ،‬المنطوي في مكتبه‬

‫ثروت عكاشة‪ :‬صاحب الرأي الحر والمستقل‪،‬‬

‫يدوِّن ويخطط وينظم ويرشد ويوجه‪ ،‬المحارب الدءوب والمكافح والمحارب‪ ،‬والمركز على فكرة‬ ‫والمكافح والمحافظ والشهيد على طين ورمال الشخصية المصرية المثقفة‪ ،‬وسياستها الثقافية‪،‬‬ ‫وهواء الوطن العزيز‪ ،‬جالس في فناره أو مكتبه المشجع والمزهر والمنفتح على القيم والتطلعات‬ ‫يبدع إبداعه الخاص في الفنون بجميع أشكالها والتيارات واألف�ك��ار العالمية والحديثة‪ ،‬المرن‬ ‫من تشكيلية وموسيقية‪ ،‬ويدون مالحظاته‪ ،‬ويضع المتقبل كل االتجاهات والمنصت لكل األفواه‪.‬‬ ‫خططه للمستقبل‪ ،‬يتشمم بأنفه التيارات الثقافية‬

‫واض ��ع ال�خ�ط��ط‪ ،‬وراس���م واج �ه��ات العقول‪،‬‬

‫المعادية والمحطمة‪ ،‬ويعلم جيدا أن بداية أي وناقش أغلفه القلوب‪ ،‬وساكب النتاج الفكري‬ ‫حرب هي الحرب الثقافية وتفريغ العقول‪.‬‬ ‫والثقافي والمعرفي لكل الفئات التى تعيش على‬ ‫ثروت عكاشة‪ :‬عامل الفنار‪ ،‬وعاشق الفنون‪ ،‬أرض هذا الوطن‪ ،‬الفاهم أن الثقافة في األصل‬ ‫ومستوعب دور بلده‪ ،‬وق��اري جغرافية منطقته‪ ،‬ملتقى للعلم وللعلوم ول�لأدب��اء وللفنانين‪ ،‬إنه‬ ‫والفارس الذي يقود جواد الثقافة المصرية في مهذِّب ينابيع المياه وصانع المجاري والترع كي‬ ‫حلبة السباق العالمي التنوري التثقيفي‪ ،‬باني تصب في النيل الكبير‪ ،‬نيل مصر القديم والمليء‬ ‫الشخصية المصرية‪ ،‬وفاكك أسر العقول‪ ،‬ومحرر بالمعارف والعلوم واألفكار والتيارات‪.‬‬ ‫األيدي من أغالل األفكار والقيود‪ ،‬والعامل الذي‬

‫هو القوي كجندي المعارك‪ ،‬الممتلئ بالمعرفة‪،‬‬

‫بني مصر الجديدة وخطَّ ط شوارعها ورصف المرشد وق��ارىء الطرق للقوافل في الصحراء‪،‬‬ ‫طرقها‪.‬‬ ‫العاشق لطين مصر ورمالها‪ ،‬وللفنون وللثقافة‬ ‫هو عاشق الفن والموسيقي‪ ،‬وحارس التاريخ‪ ،‬بمفهوميها ال �ع��ام وال �خ��اص‪ ،‬ح��ام��ي المثقفين‬ ‫وممهد طرق الثقافة‪ ،‬ومحتضن العقول البكر‪ ،‬ومحتضن ال �م��واه��ب وال �ح��ام��ي م��ن الوشايات‬ ‫وساكب األفكار الخالبة‪ ،‬ومحطب في معارك واإلشاعات التى تحيط بالمثقفين وبالعقول‪.‬‬ ‫‪ 120‬اجلوبة ‪ -‬ربيع ‪1433‬هـ‬


‫لمصر وألبنائها‪ ،‬وكيف يحول كل شبر في مصر‪ ،‬ل��واء الفرسان في المعارك‪ ،‬المزيح عن طريق‬ ‫وك��ل ف�ن��ان مهما ك��ان ب�ع�ي��داً ع��ن م��رك��ز الوطن نهر الثقافة المصرية العقبات والعوائق والرمال‪،‬‬ ‫ال على كتفه كل غباء الجهل الذي كان يحيط‬ ‫القاهرة إلى أحد القناديل الثقافية‪ ،‬وأن يحيط حام ً‬ ‫به مظاهر ثقافية‪ ،‬فالهدف الكبير الذي وضعه بالثقافة المصرية وأبنائها‪.‬‬ ‫في خطته العظيمة هو إلغاء األمية الثقافية‪،‬‬

‫إن��ه منقذ معبدي أب��ي سنبل وف�ي�ل��ه‪ ،‬صانع‬

‫ن����������������������������������واف����������������������������������ذ‬

‫إنه القارىء لالمتداد التاريخي والجغرافي المخلصين من سيد حجاب وجاهين‪ .‬إنه حامل‬

‫والوصول إلى الجماهير في كل مكان‪ ،‬فوجدنا الصوت والضوء في الهرم والكرنك‪ ،‬باني دار‬ ‫المسرح ال�م��درس��ي وم�س��رح المصنع‪ ،‬ومسرح الكتب والمعهد العالي للسينما‪ ،‬والمؤسسة العامة‬

‫ال �ج��رن‪ ،‬ووص� � ٌل للفالحين ف��ي ال �ق��رى والعزب لفنون المسرح والموسيقى‪ ،‬منشئ قاعة سيد‬ ‫والكفور‪.‬‬ ‫دروي��ش الباهرة‪ ،‬وواض��ع حجر أساس أكاديمية‬ ‫فبفضل ثروت عكاشة شاهدت الجماهير في الفنون الجميلة‪ ،‬ومعاهدها‪ ،‬والمعهد القومي‬ ‫كل مكان على أرض مصر الكثير من الفنانين العالي للموسيقى ومعهد الباليه‪ ،‬والمعهد العالي‬ ‫والفنون والعروض التشكيلية واألدائية‪ ،‬بعد أن للفنون المسرحية‪.‬‬ ‫كانت كلها فنون الصفوة‪.‬‬

‫هو جامع ومُؤلف ومنظم موسوعته الخالدة‬

‫إن��ه الحضانة التي استوعبت جميع مثقفي «العين تسمع واألذن ت��رى»‪ ،‬جامعاً فيها غالبية‬ ‫وأدب���اء وف�ن��ان��ي م�ص��ر‪ ،‬وك��ان يسعي دائ �م �اً إلى ف �ن��ون ال �ع��ال��م ال �ق��دي��م وال �م �ع��اص��ر‪ ،‬ومسترجع‬ ‫إثراء فكرهم وتحسين أدائهم واالرتقاء بذوقهم بقلمه التراث العربي والعالمي‪ ،‬ومترجم «مسخ‬ ‫ومداركهم ووجدانهم ووجودهم‪ ،‬فأرسل البعثات الكائنات» و«ف��ن ال �ه��وى»‪ ،‬ذل��ك ال��ذي جعل في‬ ‫إلى الخارج‪ ،‬وع��ادت لتنير كل مكان على أرض النهاية كتبه درراً في المكتبة العربية‪ ،‬من القاهرة‬ ‫مصر والوطن العربي‪ ،‬لتحدث التغيير الجوهري في ألف عام‪ ،‬ومشروع األلف كتاب‪ ،‬وموسوعته‬ ‫والفعال في المحيط الذي تعيش فيه‪ ،‬وأنشأ لهم وترجماته وسيرته في السياسة والثقافة‪.‬‬ ‫المدرجات في الجامعات‪ ،‬والمكتبات في األحياء‬ ‫السكنية‪ ،‬والنوادي األدبية في قصور الثقافة‪.‬‬

‫إن��ه ع��اش��ق ال�ج�م��ال‪ ،‬م�ح��بٌ للحياة‪ ،‬ممتلئ‬ ‫بالبساطة‪ ،‬حامل هموم الثقافة المصرية‪ ،‬وصانع‬

‫ث��روت ع�ك��اش��ة‪ :‬حفيد أمنوحتب وأخناتون ال�ع�ص��ر ال��ذه�ب��ي للعقلية ال�م�ص��ري��ة والمثقف‬ ‫ورف ��اع ��ة ال �ط �ه �ط��اوي وزك� ��ي م� �ب ��ارك‪ ،‬واالب� ��ن ال�م�ص��ري‪ ،‬ال�ق��وي ال��واث��ق ف��ي ق��درت��ه وتاريخه؛‬ ‫ال م��ع الواقع‬ ‫ال�ش��رع��ي ل�ط��ه حسين وأح �م��د لطفي السيد‪ ،‬فأصبح المثقف وال�ف�ن��ان متفاع ً‬ ‫واألب الحنون لنجيب محفوظ ويوسف إدريس ومجتمعه وما يحيط به‪ ،‬بعد أن كان منعزالً ال‬ ‫وبهاء طاهر‪ ،‬واألخ الكبير للويس عوض وتوفيق يعلم شيئاً خارج عزلته‪ ،‬لذا شاهد الناس جمع‬ ‫الحكيم‪ ،‬وحسين فوزي وجمال حمدان‪ ،‬وأحفاده المفكرين وال�ف�ن��ان�ي��ن وال �ك �ت��اب‪ ،‬وال �ت �ق��وا بهم‪،‬‬

‫اجلوبة ‪ -‬ربيع ‪1433‬هـ ‪121‬‬


‫وتجاوبوا مع أفكارهم‪ ،‬وقرأوا كلماتهم‪ ،‬واحتفظوا‬ ‫بكتبهم ومؤلفاتهم‪.‬‬

‫إنه فاتح نافذة الوطن ومغيِّر هواءها الراكد‪،‬‬ ‫ومنعش أجواءها بالنسمات العالمية‪ ،‬واألفكار‬

‫ال منها مكاناً‬ ‫إن��ه ال�ب��اح��ث ع��ن مجتمع أف �ض��ل‪ ،‬ويعلم أن الطازجة‪ ،‬والمجدد في تراثها‪ ،‬جاع ً‬ ‫الثقافة هي ت��اج ه��ذا المجتمع‪ ،‬ل��ذا ح��ارب بها راس�خ�اً في الثقافة العالمية وال��دول�ي��ة‪ ،‬بما تم‬ ‫وخ ��اض م��ن أجلها ال �م �ع��ارك‪ ،‬وك� �وَّن شبكة من إنجازه من جهود تراها العين‪ ..‬وتمأل القلب‪..‬‬

‫العالقات الدولية‪ ،‬كي يفهم العالم دور مصر‪ ،‬وتثقل العقل باألمل‪.‬‬ ‫وشعلتها الحضارية التى ح��اول االستعمار أو‬

‫إن اخطر ما قام به ثروت عكاشة هو فهمه‬

‫أشباح الرجعية والتخلف وال��رك��ود إطفاءها أو لدور مصر والمنطقة التي تعيش فيها‪ ،‬فهو يعلم‬ ‫يهيلوا عليها الرمال‪.‬‬

‫تاريخها وماضيها‪ ،‬ويحاول أن يرى المستقبل لها‪،‬‬

‫ذلك ثروت عكاشة‪ ..‬الذي كان يعلم أن الثقافة إضافة إلى الفراغ الذي يعلمه‪ ،‬أي حيز تمتلكه‬ ‫قبل أن تكون ورق��ة وقلم وكلمات‪ ،‬هي صناعه حضارة بلد كمصر‪ .‬يعرف قدرته وقدره العقول‬

‫وأش�خ��اص وأف�ك��ار‪ ،‬يستطيعون فهم ما تحتويه التي معه‪ ،‬ينظم كل ذلك ويشرف عليه‪.‬‬ ‫تلك األوراق‪ ،‬وكيف تكون تلك األوراق مضيئة‬

‫وهكذا‪ ،‬كان دوره حينما فكر ودبر في إنشاء‬

‫دائما‪ ،‬وكيف تكون رسالة ألماكن مظلمة على قاعة حديثة للموسيقي أطلق عليها «قاعة سيد‬ ‫أرض الوطن‪.‬‬ ‫‪ 122‬اجلوبة ‪ -‬ربيع ‪1433‬هـ‬

‫دروي��ش»‪ ،‬ويلقي المشروع في حجر الثاني «أبو‬


‫وم��ؤل�ف�اً للموسيقي‪ ،‬ك��ي ينفذ رغبة األول‪ ،‬وال التفريغ الذي حدث للعقل المصري‪ ،‬إذ أصبحت‬ ‫أقصد هنا رغبه األول بصفته وزيراً أو حاكماً‪ ،‬بل الثقافة واجهه فقط‪ ،‬ليس لها اتجاه وال فعالية‬ ‫رغبة األول بصفته يعبر عن رغبات المجموعة وال التأثير المطلوب‪.‬‬ ‫وطموحها واحتياجاتها‪ .‬تلك القاعة التي كانت‬ ‫قلب أكاديمية الفنون المحيطة بها م��ن معهد‬ ‫السينما وال�م�ع�ه��د ال�ع��ال��ي للفنون المسرحية‬ ‫ومعهد الباليه‪..‬‬

‫إن أهم ما يميز ثروت عكاشة قدرته الكبيرة‬ ‫على إرشاد الثقافة المصرية‪ ،‬وكيف يكون توجيه‬

‫ن����������������������������������واف����������������������������������ذ‬

‫بكر خيرت» بوصفه مهندساً ومصمما وعاشقا سيد درويش‪ ،‬والخراب الذي أصابها‪ ،‬يعلم جيداً‬

‫السفينة وس��ط األم ��واج المتالطمة حتى تهدأ‬ ‫ال��ري��اح وال �ع��واص��ف وت��واص��ل رحلتك ف��ي بحر‬

‫إن التفكير في تقديم وجبه ثقافية وموسيقية الحياة‪.‬‬ ‫راق ونظيف‪،‬‬ ‫دس�م��ة وراق �ي��ة‪ ،‬م��ن خ�لال مبنىً ٍ‬ ‫لقد ق��ام ث��روت عكاشة ب��دور خطير للثقافة‬ ‫يباهي األمم ويحاكي التقدم‪ ،‬أضف إلى ذلك أنه‬ ‫المصرية والعربية‪ ،‬ون��زل بالثقافة بمفهومها‬ ‫لم يكن يوجد في الشرق قاعة تماثل تلك القاعة‬ ‫ال��واس��ع إل��ى ق��ارع��ة ال�ط��ري��ق ال �م �ص��ري‪ ،‬وقلب‬ ‫سوى «قاعة بكين»‪.‬‬ ‫الشارع العربي‪ ،‬ذلك المحافظ على تراث مصر‬ ‫إال أن الذي لم يفكر به ثروت عكاشة وقرينه وت��راث أبنائها ومفكريها من العظماء‪ ,‬المنقذ‬ ‫أب��و بكر خيرت‪ ،‬هو تغير األي��ام ومجيء أفكار ل�ت��راث وفكر ال��وط��ن م��ن التيه والقلق والفراغ‬ ‫س��وداء على العقل المصري بهذا الشكل الفج الفكري‪ ،‬والذي استرجع لمصر بهاءها ورونقها‬ ‫والكئيب والخطير‪ ،‬حيث أن��ه ذات ي��وم‪ ،‬وأمام الثقافي وف�ك��ره��ا ال�خ�لاب لتصبح بحق منارة‬ ‫مشهد م��ن ال�ج�م�ي��ع‪ ،‬وق �ع��ت ال �ج��ري �م��ة‪ ،‬وتفنن العالم وأم الدنيا‪.‬‬ ‫القاتل بالقتل‪ ،‬بإزاحة واجهة المبنى التي كان من‬ ‫الممكن أن تدخل ضمن التراث العالمي‪.‬‬

‫لقد غيب الموت عصر يوم االثنين ‪ 28‬فبراير‬ ‫الدكتور ث��روت عكاشة وزي��ر الثقافة المصري‬

‫لقد تم تدمير الواجهة بوضع الرخام عليها األسبق عن عمر يناهز (‪ )91‬عاما‪ ،‬بعد صراع‬ ‫ووض��ع يافطة تحمل اس��م «أكاديمية الفنون»‪ ،‬طويل مع المرض‪ .‬ذلك العبقري والكاتب والمفكر‬ ‫مدمراً بذلك شكلها اإلبداعي ودورها دون يفط المصري الذي أثرى المكتبة العربية واإلسالمية‬ ‫باردة باهظة التكاليف‪.‬‬ ‫بمؤلفاته‪ ،‬وم��ن أهمها «مذكراتي في السياسة‬ ‫وق��د حدثت تلك الجريمة البشعة بمباركه والثقافة»‪« ،‬القيم الجمالية في العمارة»‪« ،‬إعصار‬ ‫الكثيرين م��ن رم��وز الثقافة المصرية‪ ،‬بدعوى من الشرق‪ ،‬اإلسالمي»‪« ،‬الفن والحياة»‪ ..‬رحم‬ ‫التجديد أو التحديث‪ ،‬لكن عمق ما تحتويه قاعة الله الفقيد وأسكنه فسيح جناته‪.‬‬ ‫* كاتب من مصر‪.‬‬ ‫ ‬

‫اجلوبة ‪ -‬ربيع ‪1433‬هـ ‪123‬‬


‫ِ‬ ‫التمدين وامل ِ َ‬ ‫راضة‬ ‫مستوى‬ ‫النفسية لدى املراهقني‬

‫املؤلف ‪ :‬د‪ .‬فالح بن محروت العنزي‬ ‫الناشر ‪ :‬مؤسسة عبدالرحمن السديري اخليرية‬ ‫السنة ‪1433 :‬هـ ‪2012 -‬م‬ ‫ي��أت��ي ه���ذا ال �ك �ت��اب ث��م��رة دراس� ��ة ه��ذا المجال ينبغي أن تجد االهتمام‬ ‫ميدانية موّلتها مؤسسة عبدالرحمن الالزم من المختصين وأولي األمر في‬ ‫ال�س��دي��ري الخيرية‪ ،‬ق��ام بها الباحث المجاالت التربوية والصحية‪.‬‬

‫الدكتور فالح بن محروت العنزي على‬ ‫مدى عام ونيّف‪ ،‬درس خاللها موضوع‬ ‫البحث على عيّنة من تالميذ المرحلة‬ ‫ال�ث��ان��وي��ة ف��ي م���دارس مختلفة‪ ،‬تمثل‬

‫وت��أم��ل ال�ه�ي�ئ��ة ف��ي أن ت�س�ه��م هذه‬ ‫الدراسة بإذن الله في تحفيز الباحثين‬ ‫المتخصصين بالصحة النفسية إلى‬

‫م�ن��اط��ق س�ك��ان�ي��ة «م ��دن ك �ب��رى‪ ،‬ومدن م��زي��د م ��ن ال �ب �ح��ث ال �ع �ل �م��ي ف ��ي هذا‬ ‫ال �م �ج��ال‪ ،‬إلث���راء م��وض��وع��ات الصحة‬ ‫صغرى‪ ،‬وريف (قرى)»‪.‬‬ ‫النفسية‪ ،‬ب�م��ا ي�ع��ود بالنفع ع�ل��ى فئة‬

‫يناقش هذا الكتاب موضوعاً مهماً‬ ‫يعالج قضية تهم ق�ط��اع فئة الشباب َم� ْن هم في مرحلة المراهقة‪ .‬كما إن‬ ‫ف��ي المجتمع ال �س �ع��ودي‪ .‬وت ��رى هيئة مثل هذه الدراسة ينتظر منها أن ترفد‬

‫النشر بمؤسسة عبدالرحمن السديري جهود تحسين الخدمات النفسية في‬ ‫الخيرية التي بادرت إلى تبنّي دعم هذه ال �م��دن وال �ق��رى ف��ي المملكة العربية‬ ‫الدراسة إلى أنها تعد خطوة جريئة في السعودية‪.‬‬ ‫‪ 124‬اجلوبة ‪ -‬ربيع ‪1433‬هـ‬


‫صدر الكتاب في (‪ )98‬صفحة من القطع‬

‫صدر الكتاب في (‪ )152‬صفحة من القطع‬

‫المتوسط‪ ..‬وه��و عبارة عن دراس��ة بالغية‬

‫المتوسط‪ ..‬تضمن ست عشرة حكاية شعبية‪..‬‬

‫ن �ق��دي��ة ألس��ل��وب ال� �ن ��داء ف��ي ش �ع��ر جرير‪.‬‬ ‫وق��د آث��ر المؤلف ه��ذه ال��دراس��ة لما يتميز‬ ‫به ه��ذا األسلوب من االختصار ال��ذي نص‬ ‫عليه النحاة‪ ،‬ومراعاة المخاطب بما يوافق‬ ‫المقام‪ ،‬واالهتمام بالمتلقي‪ ،‬ولما للنداء من‬ ‫مكانة في التواصل البشري‪..‬‬ ‫وتظهر أهمية النداء في النحو من خالل‬ ‫كونه باباً حيويا له قيمته وأهميته البالغة‪،‬‬ ‫ولعله أكثر أب��واب النحو استعماال ف��ي كل‬ ‫مكان‪ ،‬ودوراناً على األلسنة‪.‬‬ ‫وق��د ج��اءت ه��ذه ال��دراس��ة إس�ه��ام�اً في‬ ‫تفعيل الثقافة األدبية المعاصرة من خالل‬ ‫ربطها بالتراث األدبي المتقدم‪..‬‬

‫ق�������������������������������������������������������������راءات‬

‫الكتاب ‪ :‬ويرجع الصدى‬ ‫املؤلف ‪ :‬عوض إبراهيم‬ ‫الناشر ‪ :‬نادي احلدود الشمالية األدبي‬ ‫‪1432‬هـ‪2011/‬م‬

‫الكتاب ‪ :‬الثبات والنبات (حكايات شعبية‬ ‫حجازية)‬ ‫املؤلف ‪ :‬د‪ .‬ملياء محمد صالح باعشن‬ ‫الناشر ‪ :‬املؤلف نفسه‬

‫تناقلها أق��رب ال �ن��اس إل��ى المؤلفة م��ن عمات‬ ‫وخ��االت وصديقات ممن جاء ذكرهن في نهاية‬ ‫الكتاب‪ .‬وقد استرعى اهتمام المؤلفة ما للحكاية‬ ‫الشعبية من رونق وسحر وجاذبية ال تقاوم‪ ..‬تلك‬ ‫الحكايات التي تشكل عالما خاصا تدعونا أن‬ ‫نستلقي في داخله ونلقي بكل ما هو جاد ومعقد‬ ‫ومنتظم خ��ارج ح� ��دوده‪ ..‬لكنها تبقى حكايات‬ ‫ترميزية موحية‪ ،‬تدس عمقها في أردية البساطة‪،‬‬ ‫وتخفي حكمتها تحت أقنعة السهولة‪.‬‬ ‫وتستطرد المؤلفة قائلة إن حكاياتنا الشعبية‬ ‫هويتنا التي يجب أن نتمسك بها ونحافظ عليها‬ ‫من الضياع‪ ،‬إنها ثقافة أصيلة تستحق أن تتبوأ‬ ‫مكانها بين مثيالتها في العالم‪.‬‬

‫اجلوبة ‪ -‬ربيع ‪1433‬هـ ‪125‬‬


‫الكتاب ‪ :‬فرج نافذة النهار‬

‫الكتاب ‪ :‬احتجاجا على ساعي البريد‬

‫املؤلف ‪ :‬نايف النوايسة ‪ -‬األردن‬

‫املؤلف ‪ :‬هشام بن الشاوي ‪ -‬املغرب‬

‫الناشر ‪ :‬املؤلف نفسه‬

‫الناشر ‪ :‬وزارة الثقافة املغربية‬

‫يقع الكتاب في (‪ 95‬صفحة) من‬ ‫ال �ح �ج��م ال �م �ت��وس��ط‪ ،‬وه ��و مجموعة‬ ‫قصصية نشرت بدعم من وزارة الثقافة‬ ‫في األردن‪ ،‬وتضم اثنتي عشرة قصة‬ ‫حملت الهم اإلنساني والشوق للحرية‬ ‫مشرق جديد‪.‬‬ ‫ٍ‬ ‫واالنعتاق واألمل بفجر‬

‫عن وزارة الثقافة المغربية‪ ،‬صدرت للقاص‬ ‫والروائي المغربي هشام بن الشاوي أضمومته‬ ‫السردية الثالثة‪« :‬احتجاجاً على ساعي البريد»‪،‬‬ ‫في سبعين صفحة من القطع المتوسط‪ ،‬وتتشكل‬ ‫م��ن اثنتي ع�ش��رة ق�ص��ة‪ :‬غ��واي��ة ال�ظ��ل‪ ،‬ال وقت‬ ‫للكالم‪ ،‬في بيتنا رجل‪ ،‬أسعدت حزنا أيها القلب‪،‬‬ ‫احتجاجا على س��اع��ي ال�ب��ري��د‪ ،‬أوراق مهربة‪،‬‬ ‫مشهد رتيب‪ ،‬نشيج الروح‪ ،‬أحالم بأربعة مكابح‪،‬‬ ‫خيط من الدخان‪ ،‬ال تصدقوا الكتاب‪ ،‬الطيور‬ ‫تهاجر لكي ال تموت (ما يشبه الديكوباج)‪.‬‬

‫(اب�ت�س��ام��ة ع�ل��ى ك��ف ال��ري��ح‪ ،‬فرج‬ ‫نافذة النهار‪ ،‬أرصفة الصمت‪ ،‬رويدك!‬ ‫أنا هنا‪ ،‬حناء القلب‪ ،‬حبة تمر‪ ،‬أوراق‬ ‫ال�ث�ل��ج‪ ،‬ال�ص�ن��دوق‪ ،‬ال�ح��اج��ز‪ ،‬وثالثية‬ ‫«ذل� ��ك ال �ص �ب��اح‪ ،‬اب �ت �س��ام��ة الرحيل‪،‬‬ ‫وتموت غريبا)‪.‬‬

‫ويقول فيها القاص والروائي الكويتي طالب‬ ‫الرفاعي‪« :‬عبر اثنتي عشرة قصة‪ ،‬يقتنص هشام‬ ‫اب��ن ال �ش��اوي مشاهد حياتية راع�ف��ة بحيويتها‬ ‫وص��دق حضورها‪ ،‬مستخدما القصة القصيرة‬ ‫اللقطة‪ ،‬بتكاثف الزمن اللحظي للحدث الدائر‪،‬‬ ‫وعمق زمن التذكر‪ ،‬وبما يفسح مجاالً الستحضار‬ ‫ع��وال��م م �ت��داخ �ل��ة‪ ،‬ب��إس�ق��اط��ات�ه��ا ع �ل��ى الحدث‬ ‫الراهن»‪.‬‬

‫وه��ذه القصص تشكل المجموعة‬ ‫القصصية السابعة لألديب النوايسة‬ ‫وهي‪:‬‬

‫‪ 126‬اجلوبة ‪ -‬ربيع ‪1433‬هـ‬


‫املؤلف ‪ :‬عبداحلليم البراك‬

‫املؤلف ‪ :‬عبدالعزيز الصقعبي‬

‫الناشر ‪ :‬أثر للنشر والتوزيع ‪2012‬م‬

‫الناشر ‪ :‬أثر للنشر والتوزيع ‪2012‬م‬

‫جاءت الرواية في (‪ )110‬صفحات من القطع‬

‫جاءت الرواية في (‪ )220‬صفحة من‬

‫المتوسط‪ ،‬وه��ي عمل أدب��ي يشير إل��ى عالقة‬

‫القطع المتوسط‪ ،‬تحكي س�ي��رة بعض‬

‫التالزم بين الحياة والموت‪ ،‬فهما وجهان لعملة‬

‫األسر في مدينة الرياض‪ ،‬متطرقاً إلى‬

‫واحدة ووجود أحدهما شرط لوجود اآلخر‪ .‬فهل‬ ‫تتحقق هذه القراءة في المتن الروائي؟‬ ‫في هذا العمل‪ ،‬رؤية خاصة لمسألة الحياة‬ ‫وال �م��وت‪ ،‬يبدو فيها ص��وت ال ��راوي وح �ي��داً في‬ ‫مقبرة األم��وات‪ ،‬يستحث أف�ك��اره‪ ،‬ويصنع حياة‬ ‫ل�لأم��وات‪ ،‬وي�ت�ح��دث ع��ن تفاصيلها‪ ،‬مشاركهم‬ ‫ال مشاهد الموتى‪ ،‬كما تراءت له‬ ‫المكان‪ ،‬متخي ً‬ ‫باألحالم‪.‬‬

‫ق�������������������������������������������������������������راءات‬

‫الكتاب ‪ :‬رواية «أرض الغجرية»‬

‫الكتاب ‪ :‬رواية «اليوم األخير لبائع احلمام»‬

‫المتغيرات الحضارية وتأثيرها عليهم‪،‬‬ ‫والفروقات الفردية وفق البيئة والتنشئة‪،‬‬ ‫طارحاً شريحة إلحدى األسر‪ ،‬تبدأ من‬ ‫الجد حتى الحفيد‪.‬‬ ‫رواي��ة «ال�ي��وم األخير لبائع الحمام»‬ ‫تأتي بعد ثالث روايات كتبها عبدالعزيز‬ ‫ال�ص�ق�ع�ب��ي‪ :‬األول� ��ى «رائ� �ح ��ة الفحم»‪،‬‬

‫ويمكن القول إن الراوي أراد التأكيد أن الموت‬

‫والثانية «ح��ال��ة ك ��ذب»‪ ،‬والثالثة والتي‬

‫ليس هو نهاية الكائن‪ ،‬بل هناك والدة جديدة‪ ،‬في‬

‫ص� ��درت ف��ي ال��ع��ام ال �م��اض��ي بعنوان‪:‬‬

‫عالم آخر‪ ،‬ال يعلم سره إال الله‪...‬‬

‫«طائف األنس»‪.‬‬

‫اجلوبة ‪ -‬ربيع ‪1433‬هـ ‪127‬‬


‫فتاة سيئة‬ ‫(رواية)‬

‫املؤلف ‪ :‬شهد الغالوين‬ ‫الناشر ‪ :‬دار الفكر العربي‬ ‫السنة ‪2012 :‬م‬ ‫جاء الكتاب في (‪ )152‬صفحة من القطع المتوسط من أي وصاية‪ ،‬فجاء تسلسل األح��داث طبيعيا سلسا‪،‬‬ ‫تحكي فيها الكاتبة عن العالقات االفتراضية والعادات يضع القارئ في قلب الحدث‪ ,‬ثم يأخذه في النهاية نحو‬ ‫والتقاليد في قالب فانتازي وعاطفي‪.‬‬ ‫فاجعة طورها البناء الدرامي على امتداد الحكاية‪.‬‬ ‫والالفت أن الرواية كانت ضمن قائمة الكتب األكثر‬ ‫مبيعا في معرض الرياض الدولي للكتاب عام ‪2012‬م–‬ ‫‪1433‬هـ‪ ،‬والتي أعدتها وزارة الثقافة واإلعالم السعودية‪.‬‬

‫فتاة االنترنت هي السمة العامة للرواية‪ ,‬ووصفها‬ ‫بالفتاة السيئة جاء متزامنا مع الحيادية التي تحدثنا‬ ‫عنها قبال‪ ،‬وكان جزءا من الفاجعة التي بدأ الشعور بها‬ ‫يتنامى من أول سطور الرواية عندما قالت البطلة‪« :‬إني‬ ‫أستعر كحقل أُلقي في سنابل قمحه»‪.‬‬

‫ق��ال عنها الناقد محمد ب��ن ربيع ال�غ��ام��دي‪« :‬أول‬ ‫ش��يء يسرك في ه��ذه ال��رواي��ة هو ه��ذا التآزر البريء‬ ‫بين النبش الذي يمارسه السارد من خارج النص‪ ،‬وبين‬ ‫وقال عنها الكاتب األستاذ ناصر الفركز‪« :‬الرواية‬ ‫الذوبان المريع الذي تعيشه بطلة الرواية‪ ،‬وهي ذاتها تحكي ع��ن تجربة شخصية بكل مراحلها وتجاربها‬ ‫التي تنهض في الوقت نفسه بأعباء القص في حيادية التي يكتنفها محطات وانطباعات وشخوص ومواقف‪،‬‬ ‫تلقائية وإقناع غير متكلف‪.‬‬ ‫والحبكة الفنية للرواية متماسكة‪ ،‬وبنيتها الفنية مبهرة‪،‬‬ ‫ثم تستهويك حد االفتتان لغة سردية ممعنة في وتسلسل األح ��داث والشخصيات يشد ال �ق��ارئ على‬ ‫اإلي �ح��اء‪ ،‬ممعنة ف��ي التكريس لخطاب روائ ��ي عالي المتابعة وال��وص��ول إل��ى النتيجة ف��ي ك��ل مرحلة من‬ ‫القيمة‪ ،‬يجعل من عوالم الرواية فضاء متخيال‪ ،‬تجد مراحل التجربة والمعاناة‪ ،‬مؤكدا أن في كل فصول‬ ‫نفسك ف��ي داخ �ل��ه ب�ك��ل أري �ح �ي��ة‪ ،‬ل�غ��ة متصالحة مع وأح� ��داث ال��رواي��ة ن��زع��ة األل ��م وال �م �ع��ان��اة‪ ،‬ومنظومة‬ ‫الضوابط والقفلة المناسبة لكل حالة يدل على تشبع‬ ‫التخييل‪ ،‬متماسكة متطورة مع تطور األحداث‪.‬‬ ‫لقد امتلكت الكاتبة أزمّة الرواية‪ ،‬من سرد يقظ‪ ،‬إلى في ثروة من العبارات والجمل المنمقة»‪.‬‬ ‫وتجدر اإلش��ارة إلى أن الروائية كاتبة سعودية من‬ ‫وصف ينهض بالتخييل وال يحبطه‪ ،‬إلى مراوحة ذكية‬ ‫بين الحوار والحوار الداخلي‪ ،‬إلى تحرير تطور النص منطقة الجوف‪.‬‬

‫‪ 128‬اجلوبة ‪ -‬ربيع ‪1433‬هـ‬


‫ق�������������������������������������������������������������راءات‬

‫لسبب ال يعرفه‬ ‫(شعر)‬

‫املؤلف ‪ :‬عبدالرحمن الشهري‬ ‫الناشر ‪ :‬االنتشار العربي‬ ‫السنة ‪ :‬بيروت – ‪2012‬م‬ ‫سبق أن صدرت مجموعة «أسمر كرغيف»‬ ‫عام ‪2004‬م‪ ،‬عن المؤسسة العربية للدراسات‬ ‫والنشر‪ ،‬للشاعر عبدالرحمن الشهري‪ ،‬والتي‬ ‫رص��دت تجربته األول��ى مع الساحة الشعرية‪،‬‬ ‫والتي تصنف كأول تجربة حقيقية تحمل مالمح‬ ‫القصيدة األح���دث‪ ..‬تمثل التطور الطبيعي‬ ‫لشكل ومضمون قصيدة التفعيلة‪ ،‬إذ يحضر‬ ‫الشعر بكافة ش��روط��ه العروضية‪ ،‬ولكن في‬ ‫شكل جديد‪ ،‬وبمضمون مغاير‪ ،‬هذه التجربة‬ ‫أفضت إلى تجربة شعرية توثق تميز شاعرنا‬ ‫ال�ش�ه��ري ف��ي مجموعته ال�ش�ع��ري��ة الجديدة‬ ‫والمعنونة بـ‪« :‬لسبب ال يعرفه»‪ ،‬والصادرة عن‬ ‫االنتشار العربي ببيروت هذا العام ‪2012‬م‪.‬‬ ‫ت�ت�ص��در غ�ل�اف المجموعة ل��وح��ة الفنان‬ ‫ال�ع��رب��ي عمر صبير‪ ،‬خ�ط��وط ال�ل��وح��ة توحي‬ ‫بهوية الشاعر!! مكاناً وزماناً‪ ..‬الشهري يؤكد‬ ‫انسجامه مع نصوصه على عدة مستويات‪..‬‬ ‫برغم ما أوح��ي لي من خ�لال قراءتي األولى‬ ‫للمجموعة أن مصدر نصوصها هي الذاكرة‪،‬‬

‫ذاك��رة الشاعر التي تؤطر ما أهمله العالم‪..‬‬ ‫وه� ��ذه ب �ع��ض ع �ن��اوي��ن ن �ص��وص المجموعة‪:‬‬ ‫«قولون‪ -‬طفولة‪ -‬ندبة‪ -‬ذكرى‪ -‬حسرة‪ -‬أرق‪-‬‬ ‫مكان‪ -‬سحابة‪ -‬دور‪ -‬أفكار‪ -‬سطر»‪ ..‬ولنقرأ‬ ‫معاً نص سطر‪:‬‬ ‫على غير عادته‪،‬‬ ‫سيجدونه بالقرب من بيتهم القديم‪،‬‬ ‫حيث السطر‪،‬‬ ‫الذي كتبه على الجدار‬ ‫ولم تمحه السنوات المتعاقبة‪،‬‬ ‫السطر‪..‬‬ ‫الذي ال يعني أحداً سواه‪،‬‬ ‫ولم تقرأه الفتاة التي كتب من أجلها‪..‬‬ ‫كان حباً من طرفه هو‬ ‫وكانت الليالي طويلة جداً‪،‬‬ ‫والفتاة التي أحبها‬ ‫كانت منشغلة بقراءة سطر غيره‪..‬‬ ‫كتبته األيام‪.‬‬

‫اجلوبة ‪ -‬ربيع ‪1433‬هـ ‪129‬‬


‫األنشطة الثقافي ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــة‬ ‫جناح خاص ملؤسسة عبدالرحمن السديري اخليرية‬ ‫في معرض الرياض الدولي للكتاب ‪2012‬م‬

‫> إعداد عماد املغربي‬ ‫نيابة عن خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز آل سعود افتتح وزير الثقافة‬ ‫واإلعالم الدكتور عبدالعزيز خوجة مساء الثالثاء ‪2012/3/6‬م معرض الرياض الدولي للكتاب في‬ ‫دورته الحالية ‪2012 /1433‬م‪.‬‬ ‫ويعد هذا المعرض الذي تنظمه وزارة الثقافة واإلعالم سنوياً أحد أكبر المهرجانات الثقافية‪ .‬بل‬ ‫منبراً للحوار بين المفكرين وال ُكتّاب والجمهور أثناء انعقاده‪ ,‬الذي استمر عشرة أيام‪ .‬شاركت فيه‬ ‫(‪ )544‬دارا للنشر من (‪ )25‬دولة‪ ،‬عرضت خالله أكثر من مائتي ألف عنوان‪ ,‬وشكلت نسبة الدور‬ ‫السعودية المشاركة في المعرض ما بين ‪ 50-40‬في المائة‪ ،‬وقد ش��ارك فيه ناشرون من الدول‬ ‫العربية وفرنسا وتركيا وبريطانيا واليابان وأمريكا والهند والنمسا‪..‬‬ ‫وقد شاركت مؤسسة عبدالرحمن السديري الخيرية في هذا المعرض‪ ،‬وشهد جناحها المشارك‬ ‫فيه هذا العام إقباال شديداً من قبل مختلف الزوار‪ ،‬وكذلك من المهتمين بالدراسات اآلثارية التاريخية‬ ‫والدارسين بالكليات والجامعات‪ ،‬بحثا عن كتب تاريخ وحضارة منطقة الجوف التي يحتضنها الجناح‪،‬‬ ‫لما تزخر به الجوف من مواقع أثرية‪ ،‬تعد من أقدم المواقع التاريخية في المملكة‪.‬‬ ‫‪ 130‬اجلوبة ‪ -‬ربيع ‪1433‬هـ‬


‫من إصدارات اجلوبة‬


‫اﻟﻨﻈﺎم اﻟﺼﺤﻲ‬ ‫ﻓﻲ اﻟﻤﻤﻠﻜﺔ اﻟﻌﺮﺑﻴﺔ اﻟﺴﻌﻮدﻳﺔ‬

Æ`�UH�« b¹“ sÐ `� w²�« U¹bײ�«Ë Á—uD ÆWFOÐ sÐ tK�«b³Ž Æœ ∫ÍœuF�

U�U¼—≈ d{U×�« X�u�

WOÐdF�« WJKLL�« w� w× Æw×¹dH ÆWO�Ë_« WO×B�« W¹ ÆWO³D�« U� kHŠË v{dL�« W¹ULŠ Æ—U³�« s ∫WO×B�« o�«dL�« qOGA

dAM�« W¾O¼

«‫»ﻧﺪوة‬

å…Ëb½ò W¹œuF��« WOÐdF�« WJKL*« w� w×B�« ÂUEM�«

‫صدر حديث ًا عن مؤسسة عبدالرحمن السديري اخليرية‬

w� U�uKFL�« WOMIðË

U�b��« ¡«œ√ …¡UH�Ë … ÆÍbLŠ_« b¹UŽ sÐ sLŠd�«b³Ž dO�_« Èb ∫W��U��« …—Ëb�« ≠ W¹œu `�UH�«

dAM�« W¾O¼ W¹dO)« Íd¹b��« sLŠd�«b³Ž W�ÝR0

ISBN 978-6-03903-260-1

9 786039 032601

t�UA²�« ‚d??Þ ∫d??L?¹U??¼e??�√ ÷d??L?� wH¹dF²�« ¡UIK�« ÆtM� W¹U�u�«Ë ÆtM� W¹U�u�« ‚dÞË t{«dŽ√ ∫d¹“UM��« «e½uKH½√ W¹bOKI²�« W??Ý—b??L?�« sOÐ tK³I²��Ë rOKF²�« l??�«Ë Æw�dFL�« lL²−L�«Ë ÆW¹dFý WO��√

W�dO)« Íd�b��« sL�d�«b�� W��R*

lЫd�« »U²J�« ?�±¥≥±≠±¥≥∞

Î ?−?Ý »U²J�« «c??¼ Âb??I?¹ «d{U;« 5�UC* ÎUOIOŁuð ö ·u'« —«œ UN²�UC²Ý« w²�« ¨WOLKF�«Ë WO�UI¦�« «Ëb??M? �«Ë UNLÝu� ‰öš ¨W¹dO)« Íd¹b��« sLŠd�«b³Ž W�ÝR0 ÂuKFK� ¡ULKF�« s� W³�½ UNO� „—U??ý ¨?? ?¼±¥≥±≠±¥≥∞ ÂUFK� w�UI¦�« WO�UI¦�« ôU−*«Ë ÂuKF�« s� œbFÐ 5BB�²*«Ë 5¦ŠU³�«Ë W�öš UNO� «u{dŽ ¨W¹œUB²�ô«Ë WO³D�«Ë WOLKF�«Ë WOŁ«d²�«Ë Æ·u'« WIDM� ¡UMÐ√ —uC×Ð ¨rNð«d³š pKð 5??�U??C?� l??L?ł W??�?ÝR??*U??Ð d??A?M?�« W¾O¼ Q?? ð—« b??�Ë ÎUŠU²� ÊuJO� ¨ÍuMÝ »U²� w� U¼dA½Ë ¨ «ËbM�«Ë «d{U;« WK�KÝ s� lЫd�« »U²J�« u¼ «c¼Ë Æ…bzUHK� ÎULOLFð ¡«dI�« ÂU�√ 5�UC� dAM� W�ÝR*« U¼—bBð w²�« åWO�UI¦�« r??Ý«u??*«ò ÆÎU¹uMÝ U¼bIFð w²�« WO�UI¦�« «ËbM�«Ë «d{U;«

?¼±¥≥±≠±¥≥∞ ≠ lЫd�« »U²J�«

W�dO)« Íd�b��« sL�d�«b�� W��R*

»U²J�« «c¼

∫»U²J�« «c¼ œ«u� w� Êu�—UAL�« —u²�b�« ¨e¹eF�«b³Ž sÐ —bÐ sÐ bN� dO�_« wJK*« uL��« VŠU� wKŽ dŽUA�« ¨Íd¹b��« e¹eF�«b³Ž sÐ bL×� Æœ ¨w�“U(« bLŠ√ s� —UŁü« rKŽ w� 5BB�²� …cðUÝ√Ë ¡ULKŽ WŽuL−� ¨w�“U(« Ær�UF�« ‰Ëœ nK²��

w� W¾O³�«Ë ÊU??�? ½ù«ò WO½U¦�« WOLKF�« u??ðU??�Ëœ√ …Ëb??½ ÆåW¹—UŁü« U�UA²�ô« ¡u{ w� wÐdF�« sÞu�«

ISBN 978-6-03903-260-1

9 786039 032601

2 0

2 0


Turn static files into dynamic content formats.

Create a flipbook
Issuu converts static files into: digital portfolios, online yearbooks, online catalogs, digital photo albums and more. Sign up and create your flipbook.