مواجهات أميمة اخلميس د .حسن النعمي سيرة وإبداع
نوافذ
شعر
قصص
معالي الدكتور
عن رحيل
إبراهيم األملعي
شيمة الشمري
خليل املعيقل
ثروت عكاشة
املهدي عثمان
حسن البطران
ملف العدد:
الرواية السعودية مبشاركة :محمد القشعمي ،خالد اليوسف ،معجب الزهراني ،حسن النعمي ،زكريا العباد ،مالك اخلالدي، محمد جميل ،فريال احلوار ،إبراهيم الدهون،إبراهيم احلجري ،هشام بنشاوي ،وضحاء آل زعير
35
برنامـج نشر الدراسات واإلبداعـات األدبية ودعم البحوث والرسائل العلمية في مؤسسة عبدالرحمن السديري اخليرية -1نشر الدراسات واإلبداعات األدبية يهتم بالدراسات ،واإلبداعات األدبية ،ويهدف إلى إخ��راج أعمال متميزة ،وتشجيع حركة اإلب��داع األدبي واإلنتاج الفكري وإثرائها بكل ما هو أصيل ومميز. ويشمل النشر أعمال التأليف والترجمة والتحقيق والتحرير. مجاالت النشر: أ -الدراسات التي تتناول منطقة اجلوف في أي مجال من املجاالت. مبي في البند « »٨من شروط النشر). ب -اإلبداعات األدبية بأجناسها املختلفة (وفقاً ملا هو نّ مبي في البند « »٨من شروط النشر). ج -الدراسات األخرى غير املتعلقة مبنطقة اجلوف (وفقاً ملا هو نّ شروطه: -١أن تتسم الدراسات والبحوث باملوضوعية واألصالة والعمق ،وأن تكون موثقة طبقاً للمنهجية العلمية. -٢أن تُكتب املادة بلغة سليمة. -٣أن يُرفق أصل العمل إذا كان مترجماً ،وأن يتم احلصول على موافقة صاحب احلق. -٤أن تُق ّدم املادة مطبوعة باستخدام احلاسوب على ورق ( )A4ويرفق بها قرص ممغنط. -٥أن تكون الصور الفوتوغرافية واللوحات واألشكال التوضيحية املرفقة باملادة جيدة ومناسبة للنشر. -٦إذا كان العمل إبداعاً أدبياً فيجب أن يتّسم بالتم ّيز الفني وأن يكون مكتوباً بلغة عربية فصيحة. -٧أن يكون حجم املادة -وفقاً للشكل الذي ستصدر فيه -على النحو اآلتي: الكتب :ال تقل عن مئة صفحة باملقاس املذكور. البحوث التي تنشر ضمن مجالت محكمة تصدرها املؤسسة :تخضع لقواعد النشر في تلك املجالت. الكتيبات :ال تزيد على مئة صفحة( .حتتوي الصفحة على « »250كلمة تقريباً). -٨فيما يتعلق بالبند (ب) من مجاالت النشر ،فيشمل األعمال املقدمة من أبناء وبنات منطقة اجلوف ،إضافة إلى املقيمني فيها ملدة ال تقل عن عام ،أما ما يتعلق بالبند (ج) فيشترط أن يكون الكاتب من أبناء أو بنات املنطقة فقط. -٩متنح املؤسسة صاحب العمل الفكري نسخاً مجانية من العمل بعد إص��داره ،إضافة إلى مكافأة مالية مناسبة. -١٠تخضع املواد املقدمة للتحكيم.
-2دعم البحوث والرسائل العلمية يهتم بدعم مشاريع البحوث والرسائل العلمية والدراسات املتعلقة مبنطقة اجلوف ،ويهدف إلى تشجيع الباحثني على طرق أبواب علمية بحثية جديدة في معاجلاتها وأفكارها. (أ) الشروط العامة: -١يشمل الدعم املالي البحوث األكادميية والرسائل العلمية املقدمة إلى اجلامعات واملراكز البحثية والعلمية، كما يشمل البحوث الفردية ،وتلك املرتبطة مبؤسسات غير أكادميية.
-٢يجب أن يكون موضوع البحث أو الرسالة متعلقاً مبنطقة اجلوف.
-٣يجب أن يكون موضوع البحث أو الرسالة جديداً في فكرته ومعاجلته. -٤أن ال يتقدم الباحث أو الدارس مبشروع بحث قد فرغ منه.
-٥يقدم الباحث طلباً للدعم مرفقاً به خطة البحث. -٦تخضع مقترحات املشاريع إلى تقومي علمي.
-٧للمؤسسة حق حتديد السقف األدنى واألعلى للتمويل. -٨ال يحق للباحث بعد املوافقة على التمويل إجراء تعديالت جذرية تؤدي إلى تغيير وجهة املوضوع إال بعد الرجوع للمؤسسة. -٩يقدم الباحث نسخة من السيرة الذاتية. (ب) الشروط الخاصة بالبحوث: -١يلتزم الباحث بكل ما جاء في الشروط العامة (البند «أ»). -٢يشمل املقترح ما يلي: توصيف مشروع البحث ،ويشمل موضوع البحث وأهدافه ،خطة العمل ومراحله ،وامل��دة املطلوبةإلجناز العمل. ميزانية تفصيلية متوافقة مع متطلبات املشروع ،تشمل األجهزة واملستلزمات املطلوبة ،مصاريفالسفر والتنقل والسكن واإلعاشة ،املشاركني في البحث من طالب ومساعدين وفنيني ،مصاريف إدخال البيانات ومعاجلة املعلومات والطباعة. -حتديد ما إذا كان البحث مدعوماً كذلك من جهة أخرى.
(ج) الشروط الخاصة بالرسائل العلمية: إضافة لكل ما ورد في الشروط اخلاصة بالبحوث (البند «بــ«) يلتزم الباحث مبا يلي: -١أن يكون موضوع الرسالة وخطتها قد أق ّرا من اجلهة األكادميية ،ويرفق ما يثبت ذلك. قدم توصية من املشرف على الرسالة عن مدى مالءمة خطة العمل. -٢أن يُ ّ
اجلوف :هاتف - 04 624 5992فاكس - 04 426 7780ص .ب 458سكاكا -اجلوف الرياض :هاتف - 01 412 5277 - 01 412 5266فاكس - 01 402 2545ص .ب 10071الرياض 11433 nshr@abdulrahmanalsudairyfoundation. org
العدد 35 ربيع 1433هـ 2012 -م
ملف ثقافي ربع سنوي يصدر عن
املشرف العام
إبراهيم احلميد أسرة التحرير محمود الرمحي ،محمد صوانة أمين السطام ،عماد املغربي اإلخراج الفني خالد الدعاس
املراسالت
توجه باسم املشرف العام ّ
هاتف)+966( )4( 6263455 : فاكس)+966( )4( 6247780 : ص .ب 458سكاكا اجلـوف -اململكة العربية السعودية www. aljoubah.org aljoubah@gmail.com ردمد ISSN 1319 - 2566
سعر النسخة 8رياالت تطلب من الشركة الوطنية للتوزيع
قواعد النشر
- 1أن تكون املادة أصيلة. - 2لم يسبق نشرها. - 3تراعي اجلدية واملوضوعية. - 4تخضع املواد للمراجعة والتحكيم قبل نشرها. - 5ترتيب املواد في العدد يخضع العتبارات فنية. - 6ترحب اجلوبة بإسهامات املبدعني والباحثني والكتّاب، على أن تكون املادة باللغة العربية. «اجلوبة» من األسماء التي كانت تُطلق على منطقة اجلوف سابق ًا
الناش ـ ـ ـ ــر :مؤسسة عبدالرحمن السديري اخليرية أسسها األمير عبدالرحمن بن أحمد السديري (أمير منطقة اجلوف من 1362/9/5هـ 1410/7/1 -هـ املوافق 1943/9/4م 1990/1/27 -م) بهدف إدارة ومتويل املكتبة العامة التي أنشأها عام 1383هـ املعروفة باسم دار اجلوف للعلوم .وتتضمن برامج املؤسسة نشر الدراسات واإلبداعات األدبية ،ودعم البحوث والرسائل العلمية ،وإصدار مجلة دورية ،وجائزة األمير عبدالرحمن السديري للتفوق العلمي ،كما أنشأت روضة ومدارس الرحمانية األهلية للبنني والبنات ،وجامع الرحمانية .وفي عام 1424هـ (2003م) أنشأت املؤسسة فرعاً لها في محافظة الغاط (مركز الرحمانية الثقافي) له البرامج والفعاليات نفسها التي تقوم بها املؤسسة في مركزها الرئيس في اجلوف ،بوقف مستقل ،من أسرة املؤسس ،للصرف على هذا املركز -الفرع.
4
اجلوبة -ربيع 1433هـ
الـمحتويــــات
االفتتاحية 4 . ...................................................
6.......................
الرواية السعودية
ملف العدد :الرواية السعودية6 . .............................. قصص قصيرة :أوراق همجية -أيمن حسين71 . ............. تحت الدفء -فاطمة المزروعي 72 .......................... رقصات على حبال ذائبة -محمد محقق74 .................. قصص قصيرة جداً -محمد صوانه 75 ...................... فاطمة تعيش الحلم -محمد عباس علي 76 .................. قصص قصيرة جداً -ميمون حرش 78 ....................... أنا صغيرتك ..يا صغيرتي -ليلى الحربي79 .................
97..................... حوار مع الروائية أميمة اخلميس
بلل يبحث عن غطاء -حسن علي البطران 80 ................ قصص قصيرة -شيمة الشمري81 ........................... سر الغائب -نادية أحمد 82 .................................. شعر :أعرف ما أنويه تماما -عبير يوسف 84 . ................ أ ُّم الشَّ قاَ -إبراهيم طالع األلمعي86 .......................... الصباح الفلسطيني -المهدي عثمان87 ...................... شامة العشق -مالكة عسال 89 ...............................
109.................... سيرة وإبداع :د .خليل املعيقل
شذرات بِلون الفراق -سناء عاديل 90 ........................ مرارة الموت -ترجمة :تهاني إبراهيم91 ..................... وجد -سليمان عبدالعزيز العتيق 93 .......................... فراشاتٌ تمط ُر فِ يَّ -نجاة الزباير 94 ......................... مواجهات :حوار مع الروائية أميمة الخميس 96 . .............. حوار مع الدكتور حسن النعمي102 .............................
117.................... رحيل ثروت عكاشة لوحة الغالف :عمل تشكيلي للفنانة اجلوفية هديل اللحيدان.
سيرة وإبداع :معالي د .خليل المعيقل 108 . ..................... النوافذ :االتجاه الرمزي في الفن التشكيلي -ليلى الغامدي 112 .... شعرية الجمال -سعيد السوقايلي114 ......................... رحيل ..ثروت عكاشة -محمد مستجاب 116 .................. قراءات 122 . ..................................................... األنشطة الثقافية 128 . ........................................
اجلوبة -ربيع 1433هـ
5
افتتاحية العدد > إبراهيم احلميد
تتنقل بنا الرواية في المملكة العربية السعودية إلى مراحل جديدة لم تعهدها من قبل ،فها هي اليوم مالئة الدنيا وشاغلة الناس ،حتى أصبح المجتمع الثقافي يترقب كل عام صدور المئات من الروايات السعودية التي تعبّر عن واقع الحال للمشهد الروائي في المملكة ،حتى أن هذا المشهد بات واسعا ،بحيث ال يمكن وضعه في سلة واحدة أو تصنيف محدود. وإذا كانت الرواية العربية قد سبقت الرواية السعودية من حيث الترتيب الزمني ،فها هي الرواية في المملكة تسابق قريناتها العربيات ،من حيث اإلقبال عليها ،والكم المنتج سنويا ،فتصدرت هذه الرواية مثيالتها في عالمنا العربي ،ووصلت إلى الجوائز العربية والعالمية ،منافسة وحصوالَ عليها؛ ففاز بجائزة البوكر كل من عبده خال ،ورجاء عالم ،كما فاز يوسف المحيميد بجائزة إيطالية وأخ��رى تونسية ،كما أن النقاد العرب أولوا ال��رواي��ة السعودية اهتماما وعناية في كتبهم ومؤلفاتهم ،وتمت ترجمة عشرات الروايات منها إلى لغات كثيرة. وقد أجمعت الدراسات والبحوث والرسائل الجامعية على اعتبار عام 1420ه �ـ2000 /م هو عام التحوّل ،وبداية دخول الرواية السعودية إلى عصر جديد؛ إذ بدأ النشر يتصاعد ،واالهتمام اإلعالمي والنقدي ينصب على ما يصدر ويُنشر ،ونمت ظواهر في عالم الرواية السعودية لتبرزها وتقدمها على باقي الفنون األدب�ي��ة ،ما استدعى كافة شرائح المجتمع لكتابتها والغوص في عالمها.
6
اجلوبة -ربيع 1433هـ
وال ش��ك أن ال �م��رأة ق��د شكلت عنصرا أساسا في العمل ال��روائ��ي؛ فجاءت الرواية ال�ن�س��وي��ة ال �س �ع��ودي��ة ل�ت�ب��رز م �ع��ان��اة المرأة السعودية ،وتعلن أن الرجل مهما اجتهد.. ف��إن��ه غير م��ؤه��ل لإلحساس والتعبير عما يخالج سرائرها وطاقاتها الشعورية؛ فجاءت هوية كتاباتها الروائية مغايرة تماما. ول ��م تقتصر غ��واي��ة ال ��رواي ��ة السعودية على اس��م معين ،ب��ل ام�ت��د إل��ى العديد من الروائيين الذين سحروا قراءَهم من المحيط
اف�����������ت�����������ت�����������اح�����������ي�����������ة
ولم تصل الرواية في السعودية إلى هذا المستوى المتقدم إال بعد أن عبرت قنوات متعددة ،تاريخياَ وفنياَ وإبداعياَ ،تلك الرواية ال �ت��ي تثبت نفسها ك��أح��د أه��م االنتاجات المعرفية ،التي تبرز الوجه الثقافي لبلدنا، ال��ذي يَعتبِر الكثيرون أن��ه غ��اب كثيرا عن المشهد الثقافي العربي وبخاصة في مجال ال��رواي��ة ،إذ ب��ات المجتمع السعودي متاحا أم��ام العالم عن طريق التشريح والتسجيل، الذي تعبر به الرواية عن حال هذا المجتمع. وإذا ك��ان م��ن مقارنة بين المستوى الفني والجمالي ل�ل��رواي��ة ،فالحديث ال يمكن أن ينقطع ,إال حين يبدأ من جديد.
إل��ى الخليج .وإذا ك��ان��ت غ��واي��ة االس ��م قد أغ��رت الكثير من النقاد و الكتاب والقراء، للتركيز على أسماء معينة من الروائيين ،إال أن آخرين قد حفروا لهم أسماء في قائمة المجد ال��روائ��ي ،م��ن خ�لال تتبع خطواتهم العميقة في رواياتهم ،حتى أصبح هناك من يتلمس خُ طى رج��اء عالم في ط��وق الحمام بحثا ع��ن أزق��ة مكة المكرمة التي أخفتها الحداثة المعمارية التي تعيشها ،أو سيقان يحيى أمقاسم في ساق الغراب ،وغرائبيات أبطاله التي غابت عن عالمنا اليوم! وم��ن ه�ن��ا ،ج��اء تخصيص ال�ج��وب��ة ملف ال �ع��دد ل �ل��رواي��ة ف��ي ال�س�ع��ودي��ة مكلال بعدد من المقاالت وال��دراس��ات ،التي تؤكد ثراء مشهد الرواية العربية في المملكة العربية ال�س�ع��ودي��ة ..كما أراد لها م��ؤرخ المثقفين محمد القشعمي ،الذي يتحف قراءنا ببدايات الرواية في المملكة ،وكما تثريه أرقام خالد اليوسف ورصده لمختلف أوجه الرواية ،وهو الذي قدم دراسة ببلومترية تحليلية حديثة، تمت بعد تمكنه من بناء ببليوجرافيا جديدة ع��ن اإلن �ت��اج ال��روائ��ي ف��ي المملكة العربية السعودية لعام 1432هـ 2011/م.
اجلوبة -ربيع 1433هـ
7
الرواية السعودية.. > إعداد وتقدمي محمود الرمحي
ال شك أن الكم الكبير من األعمال الروائية التي شهدتها السعودية في الفترة األخيرة، أثار العديد من األسئلة والجدل محليا وعربيا.. وال شك أن األرق��ام ال���واردة في كتاب الدكتور حسن حجاب الحازمي واألس��ت��اذ خالد اليوسف «الرواية مدخل تاريخي ودراسة ببلوجرافية ببلومترية» ،الصادر عن نادي الباحة األدبي 2009م ،والتي أشارت إلى أن عدد الروايات التي نشرت في السعودية تقارب األربعمائة رواي��ة خ�لال الفترة (2008-1990م) ،مقارنة بنحو ( )120رواي��ة ص��درت بين عامي 1930 و1989م ،تؤكد أن الرواية السعودية شهدت طفرة إنتاجية هائلة ،أثارت اهتمام النقاد في عالمنا العربي .بل أصبحت محورا لعناية مانحي الجوائز العالمية ،حيث تنافس الرواية في سائر البلدان العربية كمصر وسوريا ولبنان(.)1 فقبل بضع سنوات ،اختيرت رواية ليلى الجهني «الفردوس اليباب» ،للنشر ضمن مشروع «كتاب في جريدة» الذي تشرف عليه اليونسكو ,وطبعت منها آالف النسخ بأهم اللغات في العالم.
8
اجلوبة -ربيع 1433هـ
الرياض» لرجاء الصانع سجاال نقديا واسعا فور صدورها ,وترجمت إلى أكثر من لغة ,وما تزال طبعاتها تتالحق إلى يومنا هذا ،لفرط رواجها محليا وع��رب�ي��ا ,رغ��م أن كاتبتها ف�ت��اة ل��م تكن معروفة في الوسط الثقافي آنذاك.
م������������ل������������ف ال������������ع������������دد
وفي السنوات الماضية ،ألَ ْم تُ ِث ْر رواية «بنات
إن ال ��رواي ��ة ف��ي ال �س �ع��ودي��ة ل��م ت �ص��ل إلى مستواها المتقدم الذي نشهده إال بعد أن عبرت قنوات متعددة ،تاريخياَ وفنياَ وإبداعياَ ،بدأت تاريخياَ بــ «التوأمان» لعبدالقدوس األنصاري عام 1930م .وتم تأسيسها فنياَ على يد المبدع حامد دمنهوري بعد روايتيه «ثمن التضحية» عام 1959م ،و(مرت األيام) عام 1963م .وإبداعياَ بعد م�ح��اوالت ث��م إب��داع��ات إبراهيم الناصر،
وف��ي ع��ام 2010م ،ف��ازت رواي��ة عبده خال وعبدالعزيز مشري ،وعبدالعزيز الصقعبي ،ثم «ت��رم��ي ب �ش��رر» ب�ج��ائ��زة ال�ب��وك��ر ال�ع��رب�ي��ة ،وفي غ��ازي القصيبي ،ورج��اء عالم ،وتركي الحمد،
ه��ذا ال�ع��ام 2011م ف��ازت رواي��ة الكاتبة رجاء عالم «طوق الحمام» بالجائزة ذاتها ,وإن كانت مناصفة مع الكاتب المغربي محمد األشعري. وقبل أسابيع ،نالت رواية يوسف المحيميد األولى «فخاخ الرائحة» جائزة إيطالية مرموقة, وقبلها نالت روايته األخيرة «الحمام ال يطير في بريدة» جائزة أبي القاسم الشابي في تونس.
وغيرهم كثير(.)2 أليس ذلك مؤشرا على أن الرواية الحديثة في المملكة أصبحت خطابا الفتا للنظر ،جريئا في الطرح ،مولدا للحوار معه وحوله( ..)3ولهذا كله ارت ��أت ال�ج��وب��ه تخصيص ملفها ف��ي هذا العدد عن الرواية السعودية ،يتناوله نخبة من المختصين في هذا الجنس األدب��ي من داخل
ومنذ البداية ،ألم تشكل رواية «شقة الحرية»
المملكة وخارجها ،لتضع المتلقي في الصورة
لغازي القصيبي -يرحمه الله -مفاجأة كبيرة
من حيث نشأته ،والتعريف به ،وما تناقله النقاد
للقراء والنقاد في منطقة الخليج كلها.
بشأنه.
( )1بتصرف عن األكاديمي والناقد األردني د .محمد الشنطي. ( )2بتصرف عن الكاتب األستاذ خالد اليوسف ..الرواية السعودية في تألقها. ( )3بتصرف عن محاضرة للناقد والروائي د .معجب الزهراني ،ألقاها في مؤسسة عبدالرحمن السديري الخيرية بتاريخ 2011/12/6م.
اجلوبة -ربيع 1433هـ
9
الرواية العربية وبداياتها في اململكة > محمد بن عبدالرزاق القشعمي – من السعودية
كنت وما أزال من المعجبين بالرواد في كل مجال ،وأدعو إلى تقدير جهودهم ،مهما كان مستواها متواضعاً ،فلهم الفضل في وضع البذرة األولى في أرض هذا الوطن العزيز. وعلى األجيال القادمة أن تذكرهم وتشكرهم ،ومن الظلم أن نطالبهم أو ننحو عليهم بالالئمة ,لكوْن مستواهم اإلبداعي ال يرقى إلى المستوى الالئق الذي وصلت إليه الرواية وغيرها حالياً؛ فكل شيء يبدأ من الصفر ثم يكبر ,ولعلي أستشهد هنا بما قاله أستاذنا الرائد عبدالكريم الجهيمان يرحمه الله، عندما قال عن جريدته (أخبار الظهران) عند صدورها عام 1374هـ 1954-م ،أي قبل نحو ستين عاماً..« : وكانت بدايتها ضعيفة هزيلة ،كأي بذرة توضع في التربة ..وكأي عمل ينشأ من جديد ..ثم إنها كانت أول صحيفة تصدر في هذه المنطقة ...ولكن بعض المواطنين يطالبوننا بحرية واندفاع إلى األمام أكثر مما نحن عليه سائرون ..بل يريدوننا أن نقفز درجات سلم أهدافنا قفزاً ..فنحاول أن نفهمهم أن القفز قد يُعرِّض إلى السقوط ،وأن االتزان هو الطريق األسلم واألحكَم ..والسير المتواصل وإن كان بطيئاً، يصل بصاحبه إلى األهداف التي رسمها لنفسه ،والتي قد ال يفصل بينه وبينها إال خطوات معدودة.. بينما السرعة غير المتزنة ،قد تؤدي بصاحبها إلى التعثر فالسقوط.)1(».. واستجابة لدعوة مجلة الجوبة للمشاركة في
الذي يحكي ذكريات الطفولة والقرية واالنتقال
هذا الملف ،فقد جاء اختياري للمحور الخاص إلى المدينة ,وقابله بعد أي��ام الصديقان أحمد بتاريخ الرواية السعودية ،ولكوني -وبكل تواضع -الدويحي ومحمد السيف إلج��راء لقاء صحفي
لم أحسب من زمرة المهتمين بها ،أو على األصح معه – نشر فيما بعد بجريدة البالد ومجلة أدب المزاولين لها ،أو على أدق تعبير ممن كتب بها ..ونقد المصرية – فقال لهما إنه قرأ (بدايات)،
صحيح أنني متابع متأخر لهذا الجنس األدبي وإن��ه معجب بما تناولته ,وإن��ه ك��ان من األفضل الرائع ،وأقرؤه بتلذذ ،وعيني على التاريخ والسيرة عدم التعجل في النشر قبل عرضها على أحد الذاتية لجزء منه ،ولم يسبق لي أن حاولت ذلك
المهتمين ،ففيها من المعلومات والموضوعات
2001م في معرض دمشق الدولي للكتاب ،وأهديته
ذلك ما شجعني على المشاركة بجهد المقل
رغم لوم بعض األصدقاء ،وفي مقدمتهم الروائي المهمة ،كان من المفروض فيها أن تتحول إلى الكبير عبدالرحمن منيف ،ال ��ذي قابلته عام عمل روائي أفضل. نسخة من كتيب صدر لي مؤخراً باسم (بدايات)،
10
اجلوبة -ربيع 1433هـ
في هذا الموضوع الكبير والحيوي.
أج �م��ع ال�ب��اح�ث��ون وال �م��ؤرخ��ون ع�ل��ى أن عام 1349ه �ـ1930 /م ،هو بداية تأليف الرواية في المملكة – رغ��م أن��ه ك��ان يطلق عليها القصة الطويلة – إذ بدأ عبدالقدوس األنصاري بإصدار روايته التاريخية (التوأمان) ،والتي طبعت بمطبعة إال أن المؤرخين يرجعون المحاوالت األولى الترقي بدمشق عام 1930م ،وتبعها بعد خمس « ..لنقل الرواية الغربية إلى عالم الرواية العربية سنوات صدور رواية (االنتقام الطبعي) لمحمد إلى رفاعة رافع الطهطاوي في ترجمته لرواية نور الجوهري عام 1935م ،وهي األولى من حيث (فينيلون) مغامرات تليماك 1867م ,وأن رواية مكان الطباعة (جدة :المطابع الشرقية). سليم البستاني (الهيام ف��ي جنان ال�ش��ام) عام وهذا التاريخ ..يعد متزامناً مع بدايات الرواية 1870م أول رواي��ة عربية قلباً وقالباً )3(»..بينما في أقطار عربية أخرى مماثلة ,قد تكون سبقتنا ح�ص��ر س�ل�ط��ان ال�ق�ح�ط��ان��ي ري� ��ادة ال ��رواي ��ة في في التعليم وانتشار الثقافة ,فقد عرفت فلسطين المملكة بثالثة رواد :عبدالقدوس األنصاري، أول رواية (ال��وارث) لخليل بيرس ،و(الحياة بعد وأحمد السباعي ،ومحمد علي مغربي(.)4
م������������ل������������ف ال������������ع������������دد
الرواية :النشأة والتأسيس
صدرت أول رواية (في الطفولة) لعبدالمجيد بن جلون عام 1957م .وتعد مصر هي السباقة في هذا المجال ,إذ ع ّد النقاد رواية (زينب) لمحمد حسين هيكل ،هي األولى الصادرة عام 1914م.. أول رواية فنية في مصر(.)2
الموت) إلسكندر خوري عام 1920م .وفي العراق تعد رواي��ة (ج�لال خالد) لمحمود أحمد السيد التي صدرت عام 1928م أول رواية .وفي تونس صدرت أول رواية عام 1935م ،وهي رواية (جولة ح��ول ح��ان��ات البحر األب �ي��ض ال�م�ت��وس��ط) لعلي الدوعاجي .وفي سوريا تعد رواية (نهم) لشكيب الجابري الصادرة عام 1937م أول رواي��ة فنية. وف��ي لبنان ف��إن رواي��ة (الرغيف) لتوفيق عواد، وال �ت��ي ص ��درت ع��ام 1939م ،أن�ض��ج الروايات اللبنانية .وفي اليمن ظهرت أول محاولة روائية (سعيد) لمحمد لقمان عام 1939م .وفي الجزائر ظهرت أول رواية عام 1947م ،وهي رواية (غادة أم القرى) ألحمد رضا حوحو ،الذي قضى وقتاً ال في المملكة ،وعمل محرراً ومترجماً في طوي ً مجلة (ال�م�ن�ه��ل) ،وغ ��ادر م��ع ب��داي��ة ال �ث��ورة ضد بينما ع��دَّ منصور الحازمي فترة التأسيس االستعمار الفرنسي ..ومات هناك .وفي السودان ص ��درت أول رواي� ��ة ع ��ام 1948م ،وه ��ي رواية محصورة بستة ،رتبهم حسب الحروف الهجائية: (ت��اج��وج) لعثمان محمد ه��اش��م .وف��ي المغرب أح�م��د رض��ا ح��وح��و ب��رواي�ت��ه (غ ��ادة أم القرى)، بينما ل��م ي��ذك��ر محمد ن��ور ال�ج��وه��ري الذي أص ��در رواي���ة (االن �ت �ق��ام ال�ط�ب�ع��ي) ،وال �ت��ي تعد أول رواي��ة محلية تطبع في الحجاز (المطبعة الشرقية – ج��دة) عام 1354ه� �ـ1935/م ،والتي أشاد بها محمد حسن عواد ،وأعيد نشرها عام 2009م عن طريق دار طوى للنشر في الرياض، وك�ت��ب على غالفها «رواي ��ة االن�ت�ق��ام الطبعي.. رواي ��ة علمية أدب �ي��ة أخ�لاق�ي��ة اجتماعية ,بقلم محمد نور عبدالله الجوهري ,خريج المدرسة الفخرية بمكة المكرمة ,الطبعة األول ��ى ,على نفقة المؤلف ,جميع الحقوق محفوظة للمؤلف 1354ه� � � �ـ1935/م ,المطبعة الشرقية بجدة», وتوجد نسخة من الطبعة األولى في مكتبة الملك فهد الوطنية.
اجلوبة -ربيع 1433هـ 11
وأحمد السباعي بروايته (فكرة) ،وعبدالقدوس األن��ص��اري ب��رواي �ت��ه (ال��ت��وأم��ان) ،وم�ح�م��د علي مغربي ب��رواي�ت��ه (ال�ب�ع��ث) ،ومحمد عمر توفيق بروايته (الزوجة والصديق) ،ومحمد نور عبدالله الجوهري بروايته (االنتقام الطبعي)(.)5 وقد أجمع األدب��اء والمؤرخون على أن بداية معرفة بالدنا بالرواية هو عام 1349هـ1930/م، ع�ن��دم��ا أل ��ف ع �ب��دال �ق��دوس األن� �ص ��اري روايته (التوأمان) ،وبعدها يقفزون إلى عام 1367هـ/ 1948م ،حيث أص��در أحمد السباعي (فكرة)، وم �ح �م��د ع �ل��ي م �غ��رب��ي (ال��ب��ع��ث) ..مهملين أو متناسين ال��رواي��ة ال�ص��ادرة بين الفترتين .وهي في نظري مهمة ..لكونها أول رواي��ة تطبع في مطابع في المملكة ..ويكتب عليها اسم رواية, وق��د أخطأ م��ن أش��ار إليها ب��االس��م ،فمنهم من سماها (االنتقام الطبيعي)( ،)6وهو السائد حتى تاريخ نشرها ،يذكر أنها صدرت عام 1954م(،)7 والصحيح أن اسمها (االن�ت�ق��ام الطبعي) ،وأن تاريخ صدورها الصحيح هو 1354هـ1935/م، أي بعد صدور رواية (التوأمان) بخمس سنوات، وقبل ص��دور روايتي السباعي والمغربي بثالثة عشر عاماً. هذا ،وقد أهدى مؤلفها روايته إلى مدرسته الفخرية قائالً« :إلى المدرسة الفخرية العثمانية مربيتي الرؤوم ،وإلى األدباء الوطنيين المخلصين، وإل��ى الشعب ال�س�ع��ودي ال�م�ح�ب��وب ،أق��دم هذه الباكورة األدبية مشفوعة باإلخالص والوالء»(.)8
«لقد اب�ت��دأت المغامرات القصصية األولى في أدبنا الوطني خالل العقدين الثالث والرابع م��ن ال�ق��رن العشرين ،كجزء م��ن ذل��ك الخطاب اإلص�ل�اح ��ي ال� ��ذي ب�ث�ت��ه األع � ��داد األخ� �ي ��رة من صحيفة (ش �م��س ال�ح�ق�ي�ق��ة) ،ث��م (ال �ق �ب �ل��ة) ،فـ (ص��وت الحجاز) ،وأدت مجلة (المنهل) الدور األهم في بلورة شقه األدبي والسردي منه على وجه التحديد»(.)9 ويضيف« :فالكتابة القصصية لم تكن غاية في حد ذاتها ،بقدر ما هي وسيلة جذابة للتعبير عن األفكار والمشاعر والمواقف ( ،)...هكذا ت�ت�ك��رر ف��ي جُ ��ل ق�ص��ص ت�ل��ك ال�م��رح�ل��ة ظواهر دال��ة على تالشي المسافة بين الكاتب وكتابته وقارئها المفترض ,كالتدخل المباشر في عملية السرد وتنميط الشخوص؛ ليسهل توجيه أفعالها الكالمية والعملية بما ينسجم مع آراء الكاتب من القضية موضوع الكتابة.)10(».. وكان لمجلة (المنهل) دور مهم ,إذ خصصت حيزاً ثابتاً لهذا الفن السردي تحت عنوان( :منهل القصص) ،ثم (قصة ال�ع��دد) ،كما أن صاحبها ورئيس تحريرها عبدالقدوس األنصاري ،كان من أكثر كتاب تلك المرحلة وعياً بأهمية فن القص عموماً في اآلداب الحديثة ,كما عبر عنه بوضوح ف��ي م�ق��دم�ت��ه لقصة (ال��ت��وأم��ان) ،ال �ت��ي يعدها بعضهم رائدة فن القصة (الطويلة والقصيرة) في أدبنا(.)11
وه��ذا يذكرني بما ب��دأ ب��ه عبدالله الجفري ويذكر منصور الحازمي في تقديمه للمجلد م�س��اب�ق�ت��ه األدب��ي��ة ب �ج��ري��دة (األض � � ��واء) ،بُعيد الرابع (القصة القصيرة) ،ضمن موسوعة األدب ص��دوره��ا في ج��دة ع��ام 1377ه� �ـ1957 /م ،في ال�ع��رب��ي ال�س�ع��ودي ال�ح��دي��ث –نصوص مختارة زاوي��ة (دنيا الطلبة) ،بتقديم جوائز لمسابقات ثقافية منها الشعر والقصة القصيرة ,والقصة ودراسات– فيقول:
12
اجلوبة -ربيع 1433هـ
ويرجع منصور الحازمي بدء الوعي بخصوصية القصة كجنس أدبي مختلف عن غيره ،إلى جيل الستينيات [الميالدية] ،فقد تبلور تدريجياً لديه مستفيداً من جهود الجيل السابق.
وكانت بداية صدور ما يعرف بالقصة الطويلة وذك� ��ر م��ث��االً ل ��ذل ��ك ..ص� ��دور (مجموعات أو الرواية فيما بعد ,بدءاً بـ (التوأمان) لعبدالقدوس قصصية) إلبراهيم الناصر ،وغالب حمزة أبو األن��ص��اري ,وال �ت��ي تعد أول ��ى ال �م �ح��اوالت رغم الفرج ،وسعد البواردي ،وعبدالرحمن الشاعر ،طباعتها في دمشق عام 1349هـ1930 /م. أم��ا أول رواي� ��ة تطبع ف��ي المملكة ب�ع��د أن وعبدالله جفري ،ولقمان يونس ،وعبدالله سعيد جمعان ،وسباعي عثمان ،ونجاة خياط ،وربما أصبحت موحدة وتحمل اس��م :المملكة العربية غيرهم( ،)12وأضاف إليهم فيما بعد حمزة بوقري ،ال �س �ع��ودي��ة ،ف�ه��ي (االن �ت �ق��ام ال�ط�ب�ع��ي) لمحمد وجميل الحجيالن ف��ي قصته «بعد المغيب» ..ن��ور عبدالله الجوهري ع��ام 1354ه� � �ـ1935/م، وال�ت��ي تنم ع��ن موهبة أك�ي��دة فيما ل��و ق��در لها (المطابع الشرقية بجدة) ,وفيما بعد( ..فكرة) االستمرارية ,إذ أن اللغة مكثفة موحية ،والحدث ألحمد السباعي عام 1948م ,و(البعث) لمحمد م��رك��ز ،وال�ت�ج��رب��ة ال�ت��ي يقدمها ال �ن��ص عميقة علي مغربي عام 1948م. الجذور في الوجود اإلنساني المترع بالمفارقات وكانت هذه المحاوالت تحمل غايات تربوية التي ال يلتقطها ويعبر عنها بشفافية وعمق ،سوى اجتماعية إصالحية ,إذ تجد روايتي (التوأمان) الفنان المبدع حقاً»(.)13 و(االنتقام الطبعي) تحمالن عنواناً فرعياً (رواية
م������������ل������������ف ال������������ع������������دد
الطويلة ..إذ لم يعرف هنا ما يسمى بالرواية بعد.
وم ��ع ب ��دء ال�ع�ه��د ال �س �ع��ودي ب��دخ��ول الملك عبدالعزيز الحجاز عام 1343ه �ـ1924 /م ،بدأ األدب ينتعش في هذه الحقبة بانتعاش التعليم وال�ص�ح��اف��ة وال�ط�ب��اع��ة واالن �ف �ت��اح ع�ل��ى العالم الخارجي.
وقال إن تلك الكتابات القصصية تتوزع بين أدبية علمية اجتماعية) ,أم��ا (البعث) فيهديها ات�ج��اه��ات ،أو ت �ي��ارات أسلوبية وف�ك��ري��ة عامة ,المغربي إل��ى« :ك��ل ش��اب يريد أن يشق لنفسه ك��االت �ج��اه ال��واق �ع��ي االج �ت �م��اع��ي ,والرومانسي طريق المجد ،وألمته طريق الحياة»(.)15 الوجداني والواقعية. وأرج���ع ال �ح��ازم��ي ه��ذا ال �ن��وع م��ن الروايات أما الرواية ،فقد قال عنها منصور الحازمي في تقديمه للجزء الخامس من (الموسوعة:).... « ..وإذا ك��ان للشعر ت��اري��خ ط��وي��ل ف��ي التراث العربي ,وللمقالة والقصة القصيرة أشباه في الرسالة والمقامة ,ف��إن ال��رواي��ة هي من إفراز العصر الحديث بكل صراعاته وت��وت��رات��ه ،على الرغم من الحكايات والنماذج القصصية الطويلة في تاريخنا القديم.)14(».
التي ظهرت في مرحلة التأسيس إلى ما يمثله الطابع التعليمي اإلص�لاح��ي لتلك الفترة ,كما تمثل طموحات وتطلعات روادنا األوائل لمستقبل أفضل .وقال :إن األنصاري غير معنيٍّ بالعناصر األساسية في كتابة الرواية من حبكة وتشخيص وص��راع وح��وار ووص��ف وتحليل ...إل��خ ,بل كان مشغوالً بالقضية الرئيسة التي كتب من أجلها هذا العمل ,فهي أشبه بالمناظرة الكالمية بين
اجلوبة -ربيع 1433هـ 13
التعليم الوطني والتعليم األجنبي. وأرج ��ع نضج وحيويتهما رواي �ت��ي السباعي والمغربي إلى حيوية مؤلفيهما وقلقهما وتمردهما, م�ق��ارن��ة ب��رواي�ت��ي األن �ص��اري وال �ج��وه��ري ,فهما يعدان من مرحلة التأسيس .وقال :إن السباعي استطاع أن يدخل إلى القصة الطويلة في بالدنا, وألول مرة ،شيئاً من األلوان المحلية التي لم تكن معروفة في المحاوالت القصصية السابقة. وف��ي مرحلة التجديد ي��رى أن رواي ��ة (ثمن التضحية) لحامد دمنهوري ،التي ص��درت سنة 1378هـ1959 /م ،هي أول رواية فنية تظهر في ب�لادن��ا ,وشبّهها ب��رواي��ة (زي�ن��ب) لمحمد حسين هيكل – أول رواية فنية في مصر تصور الريف المصري في بدايات القرن العشرين .)16(-
وطبعاً ال ينسى دور غازي القصيبي من خالل روايته (شقة الحرية) ،والتي فتحت الباب واسعاً للبوح من خالل روايات متعددة ،لم يستطع أحد أن يصرح بوضوح قبله ،وقد تبعه تركي الحمد في ثالثيته (العدامة – الشميسي – الكراديب)، وعلي الدميني (الغيمة الرصاصية) وغيرهم. وق ��ال« :إن كشف المستور ق��د تحقق ف��ي هذه الروايات على جميع المستويات ،فروايات غازي القصيبي ،وتركي الحمد ،وعلى الدميني ،تكشف هذا المستور على مستوى الخطاب السياسي. وروايات عبده خال ،وليلى الجهني ،تكشفه على مستوى الخطاب االجتماعي ,أما رواي��ات رجاء عالم فتكشفه على مستوى المخزون الثقافي واألسطوري»(.)18 ونجد الكتاب الفضي لمجلة المنهل الصادر بمناسبة مرور ( )25عاماً على صدورها يقول :إن مجلة المنهل تعد نفسها أول مجلة وطنية أرَّخَ ت لمحصول (أدب القصة) لدينا ،بما نشر عن ذلك في أوائل سني حياتها .وأول مجلة وطنية عنيت بالقصة (نشراً لها ونشراً عنها)(.)19
ي��أت��ي بعد ال��دم�ن�ه��وري إب��راه�ي��م الناصر في روايته (ثقب في رداء الليل) ،ثم (سفينة الموتى) وغيرها ,ويضيف (سقيفة الصفا) لحمزة بوقري, و(ال ظل تحت الجبل) لفؤاد عنقاوي وغيرهم .أما سميرة خاشقجي – سميرة بنت الجزيرة -فإنها على كثرة ما كتبته من روايات ،لم تستطع أن تقدم وأول مجلة س�ع��ودي��ة خصصت فيها جائزة أي عمل سردي له قيمة فنية ,فجميع قصصها أدبية مادية ألحسن تأليف عندنا ،ونفذ دفعها متشابهة في األجواء االرستقراطية(.)17 لمن يستحقها ،وهو أحمد السباعي على روايته أما في مرحلة التحديث – أواخر الستينيات (فكرة)(.)20 وأوائل السبعينيات الميالدية من القرن العشرين– كما نشر في عدد المحرم 1368هـ/نوفمبر فيذكر منهم :محمد علوان ،وحسين علي حسين، وجار الله الحميد ،وعبدالعزيز مشري ،وغيرهم 1948م ن �ق��د ل�ق�ص��ة (ف� �ك ��رة) ل�لأس �ت��اذ أحمد ك�ث�ي��رون ،وال��ذي��ن ق��ال عنهم منصور الحازمي :السباعي ،وك��ات��ب النقد ه��و رئيس التحرير – «إنهم جميعهم نشأوا في أحضان النكبة ,وفتحوا عبدالقدوس األنصاري – وهو نقد موضوعي, عيونهم على مأساة العرب الكبرى في هذا القرن :ورغ��م النقاش الحاد والجو المتأزم يومئذ بين الهزيمة والذل والتمزق – هزيمة الحرب وهزيمة صاحب القصة ونقادها ،فإن نقد المنهل لها كان ب��رداً وسالماً على مؤلفها ..ألنه كان موضوعياً النفس –».
14
اجلوبة -ربيع 1433هـ
وفي عدد شعبان نقد لقصة (البعث) لألستاذ محمد ع�ل��ي م�غ��رب��ي ,وك��ات��ب ال�ن�ق��د ه��و رئيس التحرير(.)21
هذا ويعزو الحازمي نشر القصص إلى ازدهار التعليم ،وإلى وجود الوافدين الذين أسهموا في تطويره وازدهاره ,كما أسهموا في إثراء الساحة األدبية بما يكتبون من مقاالت ،وما ينشرون من قصص مترجمة ,أو من إنشائهم ,وقال« :التعليم الذي فتح باب االبتعاث؛ ليعود المبتعثون فيسهموا في تطويره وازدهاره ,ويسهموا في إثراء الساحة األدبية ,وتوجيه األنظار إلى الرواية على وجه الخصوص ,وكل ذلك أدّى إلى زيادة الوعي لدى الطبقة المثقفة ,وزي��ادة تطلعها إل��ى فن روائي يثري الساحة األدبية الخالية من هذا الفن ,فكان أن حقق أحد المبعوثين العائدين رغبة الجماهير المتعطشة ,وكتب أول رواي��ة فنية ,وه��ي رواية (ثمن التضحية) لحامد دمنهوري ,التي عدها النقاد ال�ب��داي��ة الحقيقية ل�ل��رواي��ة ف��ي المملكة العربية السعودية ,وليكون عام 1378هـ1959 /م هو العام الذي صدرت فيه هذه الرواية – مرحلة جديدة من مراحل تطور الرواية السعودية.)24(»..
وف��ي ع��دد ج�م��ادى اآلخ ��رة 1378ه� �ـ ،نشرت ال نقدياً ل��رواي��ة (دع��ون��ا نمشي) (المنهل) تحلي ً ال ألحمد السباعي ,وفي عدد شعبان نشرت تحلي ً ل� �ـ(األذن تعشق وقصص أخ��رى) لألستاذ أمين سالم رويحي ,بقلم رئيس التحرير. وه �ك��ذا ،فمجلة المنهل ت�ع��د ب�ح��ق أول من احتفى بالقصة في األدب العربي السعودي ،فقد التزمت في أغلب أعدادها بنشر قصة أو قصتين أو ثالث قصص في عدد واحد ،فخصصت باباً في أعدادها باسم (منهل القصص) ،ثم تحول إلى اسم (قصة العدد) ،وذلك ألنها أدركت أمرين.. أحدهما أن القصة هي لون رفيع من ألوان األدب العالمي المعاصر ,وثانيهما قصور مستوى القصة عن الركب العالمي في هذا الفن( ,)22وقد بدأت ال بنشر القصص من العدد الثالث لشهر صفر فع ً 1356هـ1937 /م.
م������������ل������������ف ال������������ع������������دد
يذكر المحاسن ،ويذكر المآخذ بدون أي تحامل.
والنقد.)23(»..
هذا وقد قسم فترة تطور الرواية إلى ثالث مراحل:
قال عنها حسن حجاب الحازمي :بعد صدور المرحلة األولى :وتبدأ بصدور رواية (التوأمان) رواي��ة (التوأمان) بست سنوات « ..أسس مجلة عام 1349هـ ،وتنتهي مع نهاية عام 1377هـ، (المنهل) ،وأعلن منذ البداية اهتمامه بالقصة, وهي تمثل مرحلة الرواية التاريخية. داعياً الشباب إلى كتابتها ,ومعلناً فتح صفحات مجلته لنشرها ,وب��دأ الكُتاب يستجيبون لهذه ال�م��رح�ل��ة ال�ث��ان�ي��ة :وت �ب��دأ ب �ص��دور رواي���ة (ثمن التضحية) عام 1378ه �ـ ،التي تمثل البداية ال��دع��وة ,وب��دأت ال�م�ح��اوالت ت�ت��رى ,والنقاشات الفنية للرواية السعودية ،وتنتهي بنهاية عام وال�ت�ع�ل�ي�ق��ات ح��ول�ه��ا ت �ض �ط��رم ,وب� ��دأت القصة 1399هـ. تزحف روي��داً ,لتكوّن لها جمهورها ال��ذي تقبَّل فيما بعد روايتي (فكرة) و(البعث) لكل من أحمد المرحلة الثالثة :تبدأ مع مطلع ع��ام 1400هـ، السباعي ومحمد علي مغربي ،اللتين صدرتا في والتي لم تتميز عن المرحلة الثانية إال بغزارة اإلنتاج وظهور األسماء الجديدة(.)25 عام واحد ,ودارت حولهما النقاشات والتعليقات
اجلوبة -ربيع 1433هـ 15
الختام وهكذا ،نجد القصة أو الرواية المحلية ،وقد
أوجدت لها مكاناً في الصدارة ،وكادت أن تنافس
الشعر بوصفه دي��وان�اً للعرب ,وأصبح لها رواد وقراء ونقاد وسوق رائجة ,وإصدارات متتابعة.. إذ ب �ل��غ ع� ��دد ال �م �ج �م��وع��ات ال �ق �ص �ص �ي��ة التي
صدرت عام 1413ه�ـ ( )180مجموعة قصصية سعودية(.)26
وق��ال سحمي ال�ه��اج��ري« :وت��أخ��ر ظهور أول
كتاب قصصي إلى عام 1349هـ1930 /م ،حينما نشر عبدالقدوس األنصاري روايته (التوأمان)
( ،)27التي تعد المحاولة األول��ى في ميدان الفن
القصصي ال�ح��دي��ث ,وك��ان��ت ال�م�ح��اول��ة الثانية
في مجلة الرواية بعنوان( :االنتقام الطبعي)
()28
لمحمد نور عبدالله الجوهري»(.)29
ويذكر أن الرواية قد سبقت القصة القصيرة
التي ل��م تظهر إال بعد ص��دور صحيفة (صوت
الحجاز) ،التي أفسحت صفحاتها لألقالم الشابة, ونشرت المقالة بأسلوب قصصي ,ونشرت عشر قصص قصيرة ,أولها قصة (االبن العاق) لعزيز
ضياء بتاريخ 1351/5/4ه� �ـ( ..)30أما بعد صدور مجلة (المنهل) نهاية عام 1355هـ1936 /م ،فقد ازداد نشر القصص ,إذ ال يخلو ع��دد منها من
قصة أو أكثر.
النقد ب�ع��د ص���دور رواي� ��ة (ال� �ت ��وأم ��ان) لألنصاري,
وإف �س��اح ج��ري��دة (ص��وت ال�ح�ج��از) المجال لهذا
الجنس األدبي الجديد؛ فقد نشر بها قصة قصيرة
بعنوان( :مرهم التناسي) ،والتي تصدى لها محمد حسن عواد بالنقد الشديد ،والذي نصح من خالله
16
اجلوبة -ربيع 1433هـ
الشيخ األنصاري باالنصراف لبحوثه اللغوية وترك الرواية ،فروحه األدبية ليست روح روائي وال كاتب فنان ,فقال ..« :ولقد ذكرنا الشيخ عبدالقدوس ه��ذا بروايته (التوأمان) التي نشرها على حدة، فلم تصادف رواجاً في الطبقات األدبية الممتازة, وعند الشباب المثقف ,ألنها خالية من كل مقومات الفن الروائي الجيد الذي يجتذب النفوس ويلقح العقول ,على م��ا فيها م��ن ثقل ال��وط��أة ،وضعف الفكر ،وتفاهة الموضوع ،وف�ق��دان االستقصاء، وبتر الفكرة ،وحشو اللفظ ،ورداءة المعنى ,وكان في عزمنا أن ننقدها حين ظهورها ,ولكنا تركناها تموت بنفسها ..وبفعل الحياة القوية التي ال تقبل إال القوي وهكذا ك��ان .فما راعنا من كاتبها إال وهو يرزأ األدب مرة ثانية ،بقصة ناضبة يحدثنا فيها عن (حقيبة) ،تكتظ بالحزن والهموم ،علقها صاحبها ف��ي نياط قلبه ,ودار بها ف��ي األسواق كأنما هي حقيبة حالق ،أو جرة بائع عرق سوس, أو بردعة بعير ينوء بها حمالً ،ثم (مرهم التناسي) المستخرج من (صيدلية اآلمال) ،فيا لهذه الغثاثة واإلس�ف��اف في التعبير إل��ى حيث تنصفع اآلداب العالية ,وتهان كرامة الفن القويم.)31(».. بينما نجد العواد يمتدح محمد نور الجوهري، وي�م�ت��دح رواي �ت��ه (االن�ت�ق��ام الطبعي) ال�ت��ي جاءت بعد (ال �ت��وأم��ان) بنحو خمس س �ن��وات ,فبعد أن يستعرض ال��رواي��ة يختم مقاله بقوله ..« :وفي الرواية نظريات اجتماعية سديدة من لباب علم االجتماع ,وم��ن لباب الدين اإلس�لام��ي الحنيف, يبثها المؤلف في أسلوب خطابي يعرف طريقه إلى النفوس ,كنظرية جواز رؤية الزوجة قبل العقد عليها ,ونظرية وجوب تسهيل الزواج على األعزب بالرضا بيسير المهور ,وفيها نصائح صحية في قالب روائ��ي مقبول ( ،)...ون��ري��د هنا أن نلفت
وفي مجال نقد أولى المحاوالت الروائية ،نجد أحمد عبدالغفور عطار يصدر ع��دداً وحيداً من جريدة (البيان) ،من ثماني صفحات (40 × 60 سم) ،طبعها في القاهرة ،وكتب عليها أنها طبعت في مكة المكرمة ,الشارع اليوسفي بتاريخ 15ذو القعدة 1368ه� �ـ 8 /سبتمبر 1949م ,وتضمنت مقاالت تهاجم أحمد السباعي على روايته (فكرة)، لعدم نشرها في الصحف الصادرة في الحجاز, وكانت عناوين المقاالت :فكرة ,أخطاء السباعي, ترهات وأغاليط ,المشاهد الطبيعية ,السباعي وشركاه ,األدب��اء الثالثة الكبار ,التلفيقات ,مثلث وافر البركات ,بطال كتاب السباعي ،فكرة ليست قصة .ومن هذه العناوين يتضح أن كل ما جاء في هذه الجريدة نقد لكتاب أحمد السباعي (فكرة), فقد كثر النقاش حول الرواية في الصحف المحلية, وتطور إلى هجوم على المؤلف وآخرين مناصرين له – وبخاصة بعد فوزه بالجائزة األدبية المقدمة من عباس الشربتلي ،بعد تشكيل لجنة من ثالثة أدب��اء كبار منهم عبدالقدوس األن�ص��اري وضياء الدين رجب ،وقدرها خمسمائة ريال – وبالذات من قبل أحمد عبدالغفور عطار ,ما جعل بعض هذه الصحف وبخاصة (البالد السعودية) ،ترفض نشر مقاالته ..ما حمله على جمعها وإصدارها في هذا العدد اليتيم من (البيان)(.)33
م������������ل������������ف ال������������ع������������دد
نظر أولئك المتعصبين الذين ال ي��رون في مثل هذا األدب الجميل ما يغذي إيمانهم بوجود األدب القوي في أمثال هذه اآلثار ..إلخ»(.)32
الحمد األكاديمي ,وغ��ازي القصيبي الشاعر.., وبروز أسماء روائية شابة مثل :يوسف المحيميد, ومحمد حسن ع �ل��وان ,وعبدالحفيظ الشمري, وعبدالله التعزي ,إضافة إلى ذلك حضور المرأة بصفتها الروائية ,مثل :رجاء عالم ,ونورة الغامدي, وليلى الجهني ,ومها الفيصل ,ون��داء أب��و علي, ورج��اء الصانع ,وبدرية البشر ،وأميمة الخميس وغيرهن.)34(».. وانتهى إلى أن الرواية السعودية أصبحت ذات حضور فاعل ف��ي سياق ال��رواي��ة العربية ,وم َّث َل بتجربة غازي القصيبي ورج��اء عالم وعبده خال بشكل خ ��اص ,وم��ا تركته رواي��ات �ه��م ف��ي القارئ العربي خارج المملكة(.)35 وم��ا يؤكد ذل��ك ف��وز رواي��ة عبده خ��ال (ترمي ب�ش��رر) بجائزة البوكر لعام 2010م ،وتبعها في ال�س�ن��ة ال�ت��ال�ي��ة 2011م ف ��وز رواي� ��ة رج���اء عالم (ط ��وق ال �ح �م��ام) ب��ال�ج��ائ��زة نفسها مناصفة مع الروائي المغربي الكبير محمد األشعري (القوس والفراشة) .وفوز يوسف المحيميد بجوائز عربية وأوربية وغيرهم. ه��ذا وق��د ص��در خ�لال ال�ف�ت��رة م��ن 2000م - 2008م ( )271رواي��ة ،وهو رقم يتجاوز المنشور في الفترة من عام 1930م إلى عام 1999م ،والذي بلغ ( )208روايات(.)36
وقد رصد حسن حجاب الحازمي عدد الروايات ال�ص��ادرة لكتّاب سعوديين من ع��ام 1400ه �ـ إلى ويعد حسن النعمي أن التسعينيات من القرن 1418هـ بـ ( )109روايات(.)37 وف��ي الختام ،فهذه مختارات مما ُك� ِت��بَ عن ال �ع �ش��ري��ن ،وب��داي��ة األل �ف �ي��ة ال�ث��ال�ث��ة ه��ي مرحلة التحوالت الكبرى في مسيرة الرواية السعودية ..« ,بدايات الرواية ،أو فترة النشأة والتأسيس في من حيث قدوم أسماء من خارج الكتابة السردية المملكة العربية السعودية اعتباراً من 1349هـ/ التقليدية لإلسهام في كتابة الرواية مثل :تركي 1930م ،اعتمدت فيها على دراسات كتبها بعض
اجلوبة -ربيع 1433هـ 17
إض��اف��ة إل ��ى آخ��ري��ن م �م��ن ك �ت �ب��وا ع��ن هذا
األكاديميين المتخصصين في األدب العربي مثل: الدكتور منصور الحازمي ،أستاذ األدب العربي الموضوع. بجامعة الملك سعود بالرياض سابقاً ,والدكتور لا أن بعض الباحثين منهم ومن فنجد م�ث� ً حسن النعمي أستاذ األدب العربي بجامعة الملك غيرهم يقصر ال��ري��ادة بثالثة أش�خ��اص فقط، عبدالعزيز بجدة ,وكذلك على دراس��ات علمية وهم :عبدالقدوس األنصاري ،وأحمد السباعي، قدمت لنيل درجتي الدكتوراة والماجستير لمن ومحمد علي مغربي .ومنهم من يضيف محمد اهتم بهذا الجنس األدبي مثل: نور الجوهري لروايته (االنتقام الطبعي) ،والتي الدكتور سحمي بن ماجد الهاجري لكتابه :لم تأخذ حظها من الشهرة كغيرها. القصة القصيرة في المملكة العربية السعودية. بينما نجد الدكتور منصور الحازمي يضيف الدكتور سلطان بن سعد القحطاني لكتابه :الرواية إليهم إلى جانب الجوهري ..القاص الجزائري في المملكة العربية السعودية -النشأة والتطور. أحمد رضا حوحو ،إلصداره رواية (غادة أم القرى) الدكتور حسن حجاب الحازمي لكتابه :البطل عند عمله بمجلة (المنهل) ،إضافة إل��ى محمد في الرواية السعودية. عمر توفيق على روايته (الزوجة والصديق).
املصادر واملراجع
18
•ال �ق �ص��ة ال �ق �ص �ي��رة ف ��ي ال �م �م �ل �ك��ة العربية ال�س�ع��ودي��ة .سحمي م��اج��د ال �ه��اج��ري .ط.1 النادي األدبي بالرياض 1408هـ 1987م. •الرواية في المملكة العربية السعودية ،نشأتها وتطورها .سلطان بن سعد القحطاني .ط .2 النادي األدبي بالقصيم 1430هـ 2009م. •ال��رواي��ة السعودية واقعها وتحوالتها .حسن النعمي .ط .1وزارة الثقافة واإلعالم1430 ،هـ 2009م. •البطل في الرواية السعودية .حسن حجاب ال�ح��ازم��ي .ط .1ن��ادي ج��ازان األدب ��ي ،ط،1 1421هـ 2000م. •البناء الفني ف��ي ال��رواي��ة السعودية .حسن ح �ج��اب ال �ح��ازم��ي .ط( .1د .ن) 1427ه� �ـ 2006م. •م�ع�ج��م ال�م�ط�ب��وع��ات ال�ع��رب�ي��ة ف��ي المملكة العربية السعودية .علي جواد الطاهر .ط .2 ج1418 ،3هـ1997/م.
اجلوبة -ربيع 1433هـ
•موسوعة األدب السعودي الحديث :نصوص مختارات دراس��ات .منصور الحازمي .ط.1 ال��ري��اض :دار المفردات ،مجلد 1422 ،5هـ 2001م. •أعمال ال�ع��واد الكاملة .محمد حسن عواد، ال�م�ج�ل��د األول .ط .1م �ص��ر :دار الجيل، 1401هـ 1981م. •نماذج من صحافة أبناء الجزيرة العربية في ال �خ��ارج .محمد القشعمي .ط .1الرياض: م��رك��ز ح �م��د ال �ج��اس��ر ال �ث �ق��اف��ي1430 ،ه � �ـ 2009م. •صوت الحجاز 1933/1/1م. •م��ذك��رات وذك��ري��ات م��ن حياتي .عبدالكريم ال�ج�ه�ي�م��ان .ط( 1د .ن) ال��ري��اض 1415هـ 1995م. •أخبار المكتبة ،العدد ،18مكتبة الملك فهد الوطنية .محمد القشعمي 1420هـ 1999م.
() 27 ( )28 ( )29 ( )30 () 31 ( )32 ( )33 () 34 ( )35 ( )36 ( )37
م������������ل������������ف ال������������ع������������دد
() 1 ( )2 ( )3 ( )4 ( )5 ( )7 ( )8 ( )9 ( )10 ( )11 ( )12 ( )13 ( )14 ( )15 ( )16 ( )17 ( )18 ( )19 ( )20 ( )21 ( )22 ( )23 ( )24 ( )25 ( )26
انظر حسن حجاب الحازمي .البطل في الرواية السعودية .ص .36 ,35 الموسوعة العربية العالمية .ج .18ط .1ص .295 الرواية في المملكة العربية السعودية .سلطان القحطاني .ط .2نادي القصيم األدبي1430 ,هـ2009 /م ،ص .73 منصور الحازمي .موسوعة األدب العربي السعودي الحديث .ط .1ج .5ص .162/159 حسن حجاب الحازمي وغيره. الرواية السعودية :واقعها وتحوالتها .حسن النعمي ،ط ،1ص.20 نشرة أخبار المكتبة .مكتبة الملك فهد الوطنية .العدد 1422 .18هـ. م ،4ط ،1ص.21 م ،4ط ،1ص.23 م ،4ط ،1ص.25 موسوعة األدب السعودي الحديث .مرجع سابق .ج ،4ط ،1انظر ص.27/26 ج ،4ط ،1انظر ص.29 ج ،5ط ،1ص.9 ج ،5ط ،1ص.11 انظر :موسوعة األدب العربي .م .5ط .1ص .20,19,18 المصدر السابق .م .5ط ،1ص .39 المصدر السابق ،م ،5ط ،1ص .44 ص .89 ص .91 ص .134 ص .138 حسين حجاب الحازمي .البطل في الرواية السعودية .ط .1نادي جازان األدبي 1421هـ ,ص .10/9 المصدر السابق ,ص .12/11 انظر البطل في الرواية السعودية للحازمي ،ص ،14مرجع سابق. الطفولة وعالم الراشدين في القصة القصيرة بالمملكة ،محمد القويفلي ،مركز البحوث ،كلية اآلداب ،جامعة الملك سعود ،الرياض1419 ،هـ ،ص .96 مطبعة الترقي بالقيمرية بدمشق 1349هـ 1930م. المطبعة الشرقية بجدة 1354هـ 1935م. القصة القصيرة في المملكة العربية السعودية .سحمي الهاجري .ط .1نادي الرياض األدبي1408 ،هـ1987 /م ،ص .62 انظر :القصة القصيرة ،مرجع سابق. أعمال العواد الكاملة ،ج ،1ص ،369/368وجريدة (صوت الحجاز) 1933/1/1م. أعمال العواد الكاملة ،ج ،1ص .436 نماذج من صحافة أبناء الجزيرة العربية في الخارج .محمد القشعمي .ط .1مركز حمد الجاسر الثقافي1430 ،هـ 2009م ،ص .108 – 101 الرواية السعودية واقعها وتحوالتها .حسن النعمي .ط .1وزارة الثقافة واإلعالم1430 ،هـ 2009م ،ص .30 المصدر السابق ،ص .113 المصدر السابق ،ص .119 البناء الفني للرواية .حسن حجاب الحازمي ،ص .746 /741
اجلوبة -ربيع 1433هـ 19
الرواية السعودية في تألقها!!
بني احلبك واجلودة والتهالك والضعف > خالد أحمد اليوسف -من السعودية
هذه دراسة ببلومترية تحليلية حديثة ،تمت بعد التمكّ ن من بناء ببليوجرافيا جديدة عن اإلنتاج الروائي في المملكة العربية السعودية لعام 1432هـ2011/م. إن الرواية في السعودية لم تصل إلى هذا المستوى المتقدم إال بعد أن عبرت قنوات متعددة ،تاريخياَ وفنياَ وإبداعياَ؛ تاريخياَ بدأت بالتوأمان لعبدالقدوس األنصاري عام 1394هـ1930 /م ،وتم تأسيسها فنياَ على يد المبدع حامد دمنهوري بعد روايتيه (ثمن التضحية) عام 1959م ،و(ومرت األيام) عام 1963م؛ وإبداعياَ بعد أن تهيأت اإلمكانات والظروف النطالقتها بعد محاوالت ،ثم إبداعات إبراهيم الناصر وعبدالعزيز مشري وعبدالعزيز الصقعبي ،ثم غ��ازي القصيبي ورج��اء عالم وتركي الحمد وغيرهم كثير. وأج �م �ع��ت ال ��دراس ��ات وال �ب �ح��وث والرسائل
الجامعية باعتبار عام 1420هـ2000 /م هو عام
التحول ،وب��داي��ة دخ��ول ال��رواي��ة السعودية إلى
عصر جديد؛ إذ بدأ النشر يتصاعد ،واالهتمام اإلعالمي والنقدي ينصب على ما يصدر ويُنشر،
ونمت ظواهر في عالم الرواية السعودية لتبرزها وتقدمها على باقي الفنون األدبية ،ما استدعى ك��اف��ة ش��رائ��ح المجتمع لكتابتها وال �غ��وص في
عالمها ،فخرجت نتائج سلبية وايجابية؛ أهمها
أن المرأة أصبحت تنافس الرجل بقوة وقدرة وت�م� ّك��ن ،وأن ال��رواي��ة ل��م تعد للنخبة واألدب ��اء
وال�م�ث�ق�ف�ي��ن ،ب��ل ل�ك��ل ف �ئ��ات ال�م�ج�ت�م��ع ،قراءة
السعودية إلى لغات كثيرة. وفي الجدول التالي إيضاح لتصاعدها ونموها المثير: العام
عدد الروايات
العام
عدد الروايات
2000
22رواية
2006
48رواية
2001
26رواية
2007
50رواية
2002
22رواية
2008
65رواية
2003
26رواية
2009
70رواية
2004
30رواية
2010
91رواية
2005
28رواية
2011
100رواية
أم��ا الظواهر السلبية ..فقد ب��رزت سريعاَ
ومتابعة واقتناء ،ووصلت الرواية السعودية إلى لكل قارئ وناقد ودارس ،منها أن تجارب الكتـّاب الجوائز العالمية ،منافسة وحصوالَ عليها ،وأن الجدد الحياتية واألدبية والمعرفية غضة ناشئة النقاد العرب أولوها اهتماماَ وعناية في كتبهم وم��ا ت��زال في بداياتها؛ ثم إن تدافع الناشرين
ومؤلفاتهم ،وتمت ترجمت ع�ش��رات الروايات إلص��دار أي كتاب يعنون ب��رواي��ة-دون فحص أو
20
اجلوبة -ربيع 1433هـ
م������������ل������������ف ال������������ع������������دد
تدقيق أو تحكيم -ت��رك أث��راَ سيئاَ ل��دى النقاد والهفوف. والدارسين عن الرواية السعودية ،وأنها متدنية أم��ا خ��ارج ال��وط��ن ..فقد ج��اء نصيب مدينة وضعيفة وغير مقبولة؛ ثم الهروب من الضعف بيروت األكثر ..إذ بلغ (33رواي��ة) ،ومدينة لندن الفني واإلبداعي إلى التصادم مع القيم واألخالق عشر رواي ��ات ،ومدينة القاهرة ث�لاث روايات، وال�ث��واب��ت ،م��ا استدعى ال�ق��راء العامة لمتابعة وكذلك مدينة المنامة ثالث روايات. الرواية في السعودية بحجة البحث عن الجرأة، وقد جاء عام 1432هـ2011/م بتأكيدات لنهج وال �ح��دي��ث وال �ط��رح ع�م��ا خ �ف��ي ،وم �ن��ع الكتابة عنه؛ ثم مجاملة عدد من الكتاب الدارسين أو كتابة الرواية ،لعدد من الكاتبات والكتاب ،إذ زاد اإلعالميين في الصحافة لهذه الكتابات التي رصيدهم وتجربتهم وهم: تعنون بالرواية ،وطرح قراءات وكتابات تتضمن عبد الواحد األنصاري أربع روايات ،محمود المدح والثناء لهذه األعمال. ت��راوري رواي �ت��ان ،عبدالله ثابت ث�لاث روايات، مها الجهني رواي �ت��ان ،إبراهيم الخضير ثالث رواي� ��ات ،عبدالله ال� ��داوود أرب��ع رواي� ��ات ،علي الشدوي أرب��ع رواي��ات ،سليمان الشمري خمس روايات ،عبدالكريم الشهراني أربع روايات ،فوزي صادق ثالث روايات ،عبدالعزيز الصقعبي ثالث رواي��ات ،ن��ور عبدالمجيد أرب��ع رواي��ات ،عواض شاهر العصيمي خمس رواي��ات ،ن��داء أب��و علي أربع روايات ،ساره العليوي ثالث روايات ،مقبول العلوي روايتان ،محمد علوان أربع روايات ،فوزي القبوري ث�لاث رواي��ات ،سهام مرضي روايتان، محمد المزيني ثمان روايات ،عبدالعزيز المهنا ست روايات ،أحمد الواصل روايتان.
وبعد هذا المدخل المختصر الضروري عن ال��رواي��ة السعودية ،أص��ل إل��ى منتج ه��ذا العام 1432هـ2011 /م ،إذ أن اإلنتاج الروائي بلغ رقماً وكيفاً وتجربة جديدة ،ويعد نقلة نوعية لتجدد األس�م��اء الكاتبة والمبدعة ،ف�ج��اءت الروايات التي كتبها الكتـّاب ( 56رواية) ،منها ( 37رواية) ألس �م��اء ج��دي��دة وت �ن �ش��ر ع�م�ل�ه��ا األول ،بينما أصدرت الكاتبات ( 28رواي��ة) منها ( 24رواية) ألسماء جديدة ،هذه األرقام ( 61رواية) ،توصلنا إل��ى أن ال��رواي��ة ف��ي ال�س�ع��ودي��ة تنمو وتتجدد س��ري�ع�اً ،وتكشف ع��ن جاذبية ال يمكن تخيلها بسبب دخول العشرات إلى عالمها سنوياً ،منها األدب��ي ..فهي عالم تعبيري تنصهر في سطوره ببليوجرافيا الرواية السعودية لعام كل الفنون األدبية والثقافية ،وهي عالم سردي 1432هـ2011 /م سيري شخصي ،وه��ي متخيل يقبل التوقعات األسمري ،علي عبدالرحمن /صدى الضلعان:والتصورات واألحالم ،لكل هذا انجذب الشباب رواي ��ة -ل�ن��دن :دار رواي��ة للنشر1432 ،هـ/ بجنسيه لكتابة الرواية ،وقد صدر داخل المملكة 2011م 77 ،ص ( 38رواي��ة) توزعت على المدن التالية :الدمام ( )23رواية ،الرياض سبع روايات ،جدة روايتان - ،األنصاري ،عبدالواحد /ممالك تحت األرض: ست روايات ..من كل مدينة رواية ،وهي :الباحة رواي��ة - .بيروت :مؤسسة االنتشار العربي، والجوف والطائف والقطيف والمدينة المنورة 1432هـ2011 /م128 ،ص
اجلوبة -ربيع 1433هـ 21
البحر ،ف��واز محمد ،وقيس خالد بوقماز/من أقصى الشرق أتيت :رواي��ة - .الدمام: 1432هـ2011 /م159 ،ص دار الفكر العربي للنشر والتوزيع1432 ،هـ/ ح��ام��د ،محمد /ب��ورت��ري��ة ال��وح��دة :رواي ��ة- .2011م316 ،ص ب�ي��روت :ج��داول للطباعة والنشر والتوزيع، البحراني ،جعفر /في بيت مشعوذ :رواية- .1432هـ2011 /م117 ،ص الدمام :دار الكفاح للنشر والتوزيع1432 ،هـ/ الحربي ،حصة/عناء :رواي��ة - .ال��دم��ام :دار2011م 143 ،ص الفكر ال�ع��رب��ي للنشر وال �ت��وزي��ع1432 ،ه� �ـ/ ال�ب�ح��ران��ي ،فاطمة علي حبيب /س��ر فتاة:2011م183 ،ص رواية - .بيروت :المؤلف1432 ،هـ2011 /م، ال�ح��رب��ي ،غصباء /شغف ش��رق��ي :رواي ��ة- .158ص ال��دم��ام :دار أث��ر للنشر والتوزيع1432 ،هـ/ البراهيم ،إلهام عقال /زافيرا :رواية - .الجوف:2011م ،ص النادي األدبي1432 ،هـ2011 /م288 ،ص الحمراني ،تقي يوسف /فتاة في عالم آخر: البشر ،سعود /طقس شرقي :رواية- .بيروت:رواية[ - .جدة] :المؤلف1413 ،هـ2010 /م، جداول للطباعة والنشر والتوزيع1432 ،هـ/ 113ص 2011م176 ،ص الخالد ،شروق /تركتك لله :رواية - .بيروت: البلوي ،جميلة /بحور :رواي��ة - .لندن :دارالدار العربية للعلوم2011 ،م 263 ،ص رواية للنشر1432[ ،هـ2011 /م]105 ،ص الخزيم ،ماجد بن صالح /حدث في المدرسة آل تحيفة ،ناجي جاسب /أبالحصين والقدماألهلية :رواية - .الدمام :دار الكفاح للنشر المبتور :رواية - .القطيف :المؤلف1432 ،هـ/ والتوزيع1432 ،هـ2011 /م189 ،ص 91 ،2011ص الخضري ،خالد /رعشة جسد :رواية - .الدمام: تراوري ،محمود /أخضر ياعود القنا :رواية.دار الكفاح للنشر والتوزيع1432 ،هـ2011/م، بيروت :جداول للطباعة والنشر والتوزيع،200ص؛ ج��وان��ا - .ال�ق��اه��رة :دار السمطي 2011م207 ،ص للطباعة والنشر واإلعالم1431 ،هـ2010 /م، -ال��ري��اض :دار المفردات للنشر والتوزيع،
150ص
ثابت ،عبدالله /وجه النائم :رواية - .بيروت:دار الساقي للنشر1432 ،ه�ـ2011 /م - 239 ،الخضير ،إبراهيم /في انتظار مجيء الرجولة: ص رواي��ة - .بيروت :مؤسسة االنتشار العربي، 1432هـ2011 /م 315 ،ص
الجهني ،مها /كيتوس :رواية - .بيروت :الدارالعربية للعلوم1432 ،هـ2011 /م 326 ،ص الخليفي ،أنس محمد عبدالله /إمبراطورية -الحازمي ،عبدالعزيز /دماء الحقيقة[ :رواية].
22
اجلوبة -ربيع 1433هـ
تحت وط��أة ج��اري��ة :رواي���ة - .د .م :د .ن،
الخنيزي ،محمد سعيد الشيخ علي /ومضاتمن وراء الغيوم :رواية - .بيروت :دار المحجة -السعد ،رانيا /هوس :رواية - .بيروت :الدار العربية للعلوم2011 ،م200 ،ص البيضاء1432 ،هـ2011 /م238 ،ص ال � ��داوود ،ع�ب��دال�ل��ه ن��اص��ر /ف�ت��اة اليوتيوب - :ابن سعد ،ميساء /أليوم بنت غبية :رواية- .ال��دم��ام :دار الفكر العربي للنشر والتوزيع، رواي��ة - .ال��دم��ام :دار الفكر العربي للنشر 1432هـ2011 /م160 ،ص والتوزيع1432،هـ2011 /م 183 ،ص
م������������ل������������ف ال������������ع������������دد
[1431هـ2010 /م]144 ،ص
الدمام :دار الكفاح للنشر والتوزيع1432 ،هـ/ 2011م65 ،ص
الدريس ،ساره /يوم تبلى السرائر :رواي��ة - - .السلولي ،الجوهرة عبدالله /ظ��ل المدينة:رواي� ��ة - .ال��ري��اض :دار ال �م �ف��ردات للنشر ال��دم��ام :دار الفكر العربي للنشر والتوزيع، والتوزيع1431 ،هـ2010 /م216 ،ص 1431هـ2010 /م352 ،ص الدوسري ،سعد /الرياض -نوفمبر :90رواية - .سليس ،علي عبدالله/الحرباوات :مراهقونبعيدا عن العيون :رواية - .بيروت :دار المحجة ب�ي��روت؛ ال��دار البيضاء :المركز الثقافيالبيضاء1431 ،هـ2010 /م394 ،ص العربي2011 ،م416 ،ص ابن دوي��س ،تركي محمد 32 /ي��وم :رواي��ة - - .سليمان ،ماجد /عين حمئة :رواي��ة - .لندن:ط��وى للثقافة وال�ن�ش��ر وال �ت��وزي��ع2011 ،م، لندن :دار رواية للنشر1432[ ،هـ2011 /م]، 107ص 398ص دي��اب ،محمد ص��ادق /مقام حجاز :رواي��ة - - .آل سليمان ،منيرة ناصر /أمي جاءت :رواية. لندن :دار رواية للنشر1432[ ،هـ2011 /م]،ب�ي��روت :ج��داول للطباعة والنشر والتوزيع، 307ص 2011م 105 ،ص الراجحي ،ميقات /سعولندني :رواية - .لندن - :السماري ،محمد وبدر السماري /ابن طراق:رواي��ة - .ال��دم��ام :دار أث��ر للنشر والتوزيع؛ دار طوى للثقافة والنشر والتوزيع2011 ،م، ب� �ي ��روت :ال� ��دار ال �ع��رب �ي��ة ل �ل �ع �ل��وم2011 ،م، 248ص 430ص ال��رش�ي��د ،ن��دى /يوميات طالبة سعودية فيمانشستر :رواي ��ة - .ال�ق��اه��رة :دار سندباد -السناري ،بسمة /ولذلك أصبحت مجرمة: رواي��ة - .ج��دة :المؤلف1432 ،ه �ـ2011 /م، للنشر والتوزيع2011 ،م160 ،ص ص أبو زي��د ،رح��اب /الرقص على أسنة الرماح:رواي� ��ة - .ب �ي��روت :ب�ي�س��ان للنشر والتوزيع -الشادي ،صالح /الثقالن :رواية - .بيروت :دار مجدالوي للنشر والتوزيع2011 ،م280 ،ص واإلعالم1431 ،هـ2010 /م136 ،ص -السبيعي ،م �ف��رج /وردة ال �م �س��اء :ق �ص��ة - - .ال �ش��دوي ،ع�ل��ي /ال��ذئ��ب ومخلوقات أخرى:
اجلوبة -ربيع 1433هـ 23
رواية - .لندن :طوى للثقافة والنشر والتوزيع - ،ابن ضيف الله ،سعد أحمد /ظالل الصاعقة: رواية - .الدمام :دار الكفاح للنشر والتوزيع، 2011م191 ،ص -ال�ش�ه��ران��ي ،عبدالكريم /ال�ت��دي��ن :رواي���ة- .
1432هـ2011 /م ،ص
الدمام :دار الكفاح للنشر والتوزيع1432 ،هـ - /عبدالحي ،إياد فؤاد /كوثر السجينة رقم :213 رواية - .الدمام :دار الكفاح للنشر والتوزيع، 2011م ،ص
-الشهراني ،عبدالكريم /ثعالب الكهان :رواية- .
1432هـ2011 /م101 ،ص
الدمام :دار الكفاح للنشر والتوزيع1432 ،هـ - /عبدالرحمن ،ري��م /نحو انعتاقي :رواي ��ة- . بيروت :دار مدارك لإلبداع والنشر والترجمة، 2011م ،ص
-ال�ش�م��ري ،سليمان /رب�ي��ع األش� ��واك :رواية.
1432هـ2011 /م241 ،ص
ال �ق��اه��رة :دار م��دب��ول��ي للنشر والتوزيع - ،عبدالرحمن ،وفاء /رغبات شيطانية :رواية- .المنامة :فراديس للنشر والتوزيع1432 ،هـ/ 1432هـ2011 /م ،ص 2011م139 ،ص ال�ش�م��ري ،سليمان /ج��اب ال��ذي��ب م��ن ذيله:رواية - .الرياض :المؤلف1432 ،هـ2011 /م - ،عبدالمجيد ،نور /أريد حالً :رواية - .بيروت: 205ص
-الشيباني ،م��اج��د /طوبائي ح��ال��م :رواي ��ة- .
دار الساقي للطباعة والنشر2011 ،م368 ، ص
ال��دم��ام :دار الفكر العربي للنشر والتوزيع - ،عبدالمجيد ،ن ��ور /رغ��م ال �ف��راق :رواي� ��ة- . ال �ق��اه��رة :م�ك�ت�ب��ة ال� ��دار ال �ع��رب �ي��ة للكتاب، 1432هـ2011 /م256 ،ص 1431هـ2010 /م 358 ،ص -صادق ،فوزي /سري للغابة!! :رواية - .الدمام:
دار الفكر العربي للنشر والتوزيع1432 ،هـ - /العتيبي ،منال /أنثى الشتاء :قصة - .الدمام: دار الكفاح للنشر والتوزيع1432 ،هـ2011 /م، 2011م 304 ،ص 92ص الصبيحة ،ت�ه��ان��ي ح�س��ن /وج ��وه ب�لا هوية:رواية - .اإلحساء :النادي األدبي1432 ،هـ - /العرفج ،محمد /الدور األعلى :رواية - .بيروت: 2011م150 ،ص
دار الغاوون للنشر والتوزيع2011 ،م128 ،ص
الصقر ،إب��راه�ي��م /بنات ال��ري��اض :رواي ��ة - - .باعشن ،مها عبود /الحب فوق سطح مرمره:رواية - .بيروت :دار الفارابي للنشر2011 ،م، ال��دم��ام :دار الفكر العربي للنشر والتوزيع، 1432هـ2011 /م ،ص
343ص
الصقعبي ،عبدالعزيز /طائف األنس :رواية - .العصيمي ،عواض شاهر /طيور الغسق :رواية. الدمام :دار أثر للنشر والتوزيع1432 ،هـ/ بيروت :بيسان للنشر والتوزيع واإلعالم،1432هـ2011 /م157 ،ص
24
اجلوبة -ربيع 1433هـ
2011م200 ،ص
الساقي للطباعة والنشر2011 ،م 319 ،ص -الغامدي ،محمد بن عصبي /أخت عقاب :رواية. الطائف :دار الطرفين للنشر1431،هـ/ العلوي ،سعيد بن سعيد/الخديعة :رواي��ة- .2010م ،ص ب �ي��روت :ج ��داول للنشر وال �ت��وزي��ع2011 ،م،
200ص ال�� �غ� ��ام� ��دي ،م� �ح� �م ��د ب� ��ن ع� �ص� �ب ��ي /ث ��وبالخطيئة :رواي��ة - .الطائف :دار الطرفين ال�ع�ل��وي ،مقبول /س�ن��وات الحب والخطيئة:للنشر1431،هـ2010 /م ،ص رواية - .بيروت :المؤسسة العربية للدراسات
م������������ل������������ف ال������������ع������������دد
-علوان ،محمد /القندس :رواية - .بيروت :دار
1432هـ2011 /م80 ،ص
والنشر2011 ،م144 ،ص ال �غ��ام��دي ،محمد م�ح�س��ن /ح��وش السادة:رواية - .الطائف :النادي األدبي1432 ،هـ/ أبو علي ،نداء /ظل وامرأة :رواية - .بيروت:2011م 80 ،ص ال �م��ؤس �س��ة ال �ع��رب �ي��ة ل� �ل ��دراس ��ات والنشر،
1432هـ2011 /م204 ،ص فلمبان ،لؤي فائز /العهد األخير :قصة سقوطآخر ملوك الجن :رواية - .لندن :طوى للثقافة ال�ع�ل�ي��وي ،س ��اره /ول�ل�ك��ذب رج ��ال :رواي� ��ة- .والنشر واإلعالم1432 ،هـ2011 /م271 ،ص المنامة :فراديس للنشر والتوزيع1432 ،هـ/ 2011م303 ،ص فهد ،دانية /أكثر من امرأة :رواية - .الدمام:دار الكفاح للنشر والتوزيع1432 ،هـ2011 ،م، العمري ،هند /وأخيراً انتصرت على ضعفي:ص رواي��ة - .ج��دة :المؤلف1432 ،ه �ـ2011 /م،
ص فهد ،فاطمة /أمل بيأس :رواي��ة - .المنامة:فراديس للنشر والتوزيع1432 ،هـ2011 /م، العنزي ،أمجاد /أرواح ال تعرف النقاء :رواية-,170ص ال��ري��اض :دار ال �م �ف��ردات للنشر والتوزيع،
1432هـ2011 /م197 ،ص القبوري ،ف��وزي عناد /الطريق إل��ى عفيف:رواية - .لندن :طوى للثقافة والنشر واإلعالم، العوين ،محمد عبدالله /تجربة فتى متطرف:2011م 93 ،ص سيرة روائية - .الرياض :المؤلف1423 ،هـ/ 2011م298 ،ص القحطاني ،حسين /كانت مطمئنة :رواي��ة- .ب�ي��روت :ج��داول للطباعة والنشر والتوزيع، الغامدي ،تهاني /توبة اب��ن ع��رس :رواي��ة- .1432هـ2011 /م158 ،ص ال��دم��ام :دار الفكر العربي للنشر والتوزيع،
1432هـ2011 /م287 ،ص باقالقل ،عبدالله سعيد /لوكيميا الحب :رواية. الدمام :دار الفكر العربي للنشر والتوزيع، ال��غ��ام��دي ،م�ح�م��د خ �ض��ر /ال �س �م��اء ليست1432هـ2011 /م231 ،ص ف��ي ك��ل ش ��يء :رواي� ��ة - .المدينة المنورة:
النادي األدبي؛ بيروت :الدار العربية للعلوم - ،محمد ،عبدالله /نيكوتين :رواية - .لندن :طوى
اجلوبة -ربيع 1433هـ 25
للثقافة والنشر واإلعالم2011 ،م 239 ،ص محمد ،م��اج��د /ش��ارع ب��راي�ن��دل��ي :رواي���ة- .ال��دم��ام :دار الفكر العربي للنشر والتوزيع،
1432هـ2011 /م111 ،ص
مرضي ،سهام /حين رحلت :رواية - .بيروت:ال ��دار العربية للعلوم1432 ،ه � �ـ2011 /م،
142ص
-المزيني ،محمد /الطقاقة بخيته :رواي��ة- .
النشمي ،أثير عبدالله/في ديسمبر تنتهيكل األح�لام :رواي��ة - .بيروت :دار الفارابي للنشر1432 ،هـ2011 /م182 ،ص
النغيمشي ،عبدالعزيز/غترة وشماغ :رواية. -ال��ري��اض :دار المفردات للنشر والتوزيع،
1432هـ2011 /م138 ،ص
النهاري ،شاهر /بوح ونواح في حكاية ضادية:رواية.
بيروت :مؤسسة االنتشار العربي1432 ،هـ - /بيروت :دار مدارك للطباعة والنشر والترجمة، 1432هـ2011 /م434 ،ص 2011م462 ،ص
مصطفى ،بتول /الحب في مذكرة :رواية - 0- .ال �ن �ه��اري ،ش��اه��ر /ش�ل�االت ال�ش�ه��وة :رواية. ب��ي��روت :دار م� ��دارك ل�ل�ط�ب��اع��ة والنشربيروت :المؤسسة العربية للدراسات والنشر، 1431هـ2010 /م327 ،ص
-المهنا ،عبدالعزيز /أحاديث ..عن شعب العون:
والترجمة ،دار المسبار1432 ،ه �ـ2011 /م،
ص
رواي� ��ة[ - .الرياض] :ال �م��ؤل��ف1432 ،ه � �ـ - /ال�ه��اي��ل ،ع�ب��دال��رح�م��ن /ح �س��ب :!..رواي���ة- . ال �ب��اح��ة :ال �ن��ادي األدب� ��ي؛ ب �ي��روت :مؤسسة 2011م 174 ،ص االنتشار العربي1432،هـ2011 /م 268 ،ص المهنا ،عبدالعزيز /زب��د ال �ك��أس :رواي ��ة- .القاهرة :دار الجزيرة للطبع والنشر والتوزيع - ،الهطالني ،إبراهيم /مملكة جبران :رواية- . 1432هـ2011 /م287 ،ص
-ال�م�ه�ن��ا ،ع�ب��دال�ع��زي��ز /ال�ش�ه�ب��دان :رواي� ��ة- .
لندن :رياض الريس للكتب والنشر2011 ،م،
166ص
القاهرة :دار الجزيرة للطبع والنشر والتوزيع - ،ال��واص��ل ،أحمد /وردة وكابتشينو :رواي��ة- . بيروت :دار الفارابي للنشر2011 ،م288 ، [1432هـ2011 /م]119 ،ص
-المهنا ،ع�ب��دال�ع��زي��ز /وجهها ال ��ذي :رواية.
ص
[الرياض] :ال�م��ؤل��ف1432 ،ه � � �ـ2011/م - ،ال��واب��ل ،أض ��واء /مطوعة نيولوك :رواي ��ة- .ال��دم��ام :دار الفكر العربي للنشر والتوزيع، 110ص 1432هـ2011 /م127 ،ص -الناجي ،سعيد أحمد /عيادة منصور :رواية –
الجزء الثاني من شوك الورد - .الخبر :الدار -اليامي ،فارس /الردى :قصة - .الدمام :دار الكفاح للنشر والتوزيع1432 ،هـ2011 /م43 ، الوطنية الجديدة للنشر والتوزيع1431 ،هـ/
2010م232 ،ص
26
اجلوبة -ربيع 1433هـ
ص
م������������ل������������ف ال������������ع������������دد
ربيع الرواية السعودية:
جاذبية اخلطاب الروائي ودالالته > أ .د .معجب الزهراني – من السعودية
اختيار مجاز الربيع للحديث عما حققته روايتنا الوطنية من إنجازات ،وما تبشر به من وعود ليس صدفة .فموسم الربيع أجمل فصول السنة ..وأكثرها عطاء وبهجة ,وعيدا «النيرو» لدى جيراننا الفرس, و«شم النسيم» لدى إخواننا المصريين خير دليل على ما نقول. لكن زمن التاريخ ليس أقل جماال وكرما من زمن الطبيعة .فها هي وسائل اإلعالم العالمية أصبحت تتحدث يوميا ,وبمزيج من الدهشة واإلعجاب والتعاطف غالبا ,عن هذا «الربيع العربي» الذي أنعش األمل في أمة أوشكت أن تموت يأسا .فمنذ قرابة العام ثارت هذه الشعوب الطيبة النبيلة على الظلم والقهر والحرمان ،فأسقط بعضها أنظمة االستبداد والفساد ,وبعضها ال يزال يضحي يوميا بالشهداء لبلوغ الهدف ذاته ,وال بد أن الباقي في الطريق .إننا إذ ًا أمام فصل جديد من تاريخنا ,وإن لم يكن أجمل الفصول ..فالمؤكد أنه سيكون أقلها سوءا. وفيما يلي بعض المعطيات التي تبرر الحديث روايته األخيرة «الحمام ال يطير في بريدة» جائزة عن ربيع روايتنا الوطنية كخطاب ثقافي جديد أبي القاسم الشابي في تونس. وجذاب بأكثر من معنى. قبل بضع سنوات ،اختيرت رواية ليلى الجهني
وه�ن��اك م��ؤش��رات ال أق��ل دالل��ة م��ن الجوائز. فرواية «شقة الحرية» لغازي القصيبي رحمه الله،
«الفردوس اليباب» ،للنشر ضمن مشروع «كتاب شكلت مفاجأة كبيرة للقراء والنقاد في منطقة في جريدة» الذي تشرف عليه اليونسكو ,وطبعت الخليج كلها ،حيث ل��م يتعود ال �ن��اس أن تبادر منها آالف النسخ بأهم لغات العالم .وف��ي عام شخصية ثقافية واجتماعية معروفة مرموقة.. 2010م ،ف��ازت رواي��ة عبده خ��ال «ت��رم��ي بشرر» فتكتب عن تجارب الذات اإلنسانية بقدر وافر من ب�ج��ائ��زة ال�ب��وك��ر العربية ال�م��رم��وق��ة ,وف��ي العام الصدق والجرأة والعمق .ورواية «بنات الرياض» 2011م ،ف��ازت رواي��ة الكاتبة رج��اء عالم «طوق لرجاء الصانع أث��ارت سجاال نقديا واسعا فور الحمام» بالجائزة ذاتها ،وإن كانت مناصفة مع
صدورها قبل سنوات ,وترجمت إلى أكثر من لغة,
الكاتب المغربي محمد األشعري .وقبيل أسابيع وطبعاتها تتالحق إلى اليوم لفرط رواجها محليا ن��ال��ت رواي� ��ة ي��وس��ف المحيميد األول� ��ى «فخاخ
وعربيا ,رغم أن الكاتبة فتاة لم تكن معروفة في
الرائحة» جائزة إيطالية مرموقة ,وقبلها نالت
الوسط الثقافي حينها .أما رواي��ة عبدالله ثابت
اجلوبة -ربيع 1433هـ 27
السيرية «اإلره��اب��ي رق��م ،»20فقد ظلت تحتل
الحيوان ال��ذي يأكل وي�ش��رب ويتناسل م��ن دون
واج �ه��ة الكتب األك �ث��ر مبيعا ف��ي ال�ع��ال��م العربي
تطلعات إلى ما فوق ذلك من قيم و ُمثُل ومبادئ.
لعدة أشهر ,وترجمت هي أيضا إلى أكثر من لغة من هنا ،ينبغي أن نتقصى آث��ار ه��ذا الوعي في عالمية ,لجرأتها على تشخيص مرحلة خطرة من
خطابنا ال��روائ��ي ال�ج��دي��د .وق��د زع�م��ت أن��ه في
تاريخنا راجت فيها خطابات التزمت العنف ،وذهب طليعة الخطابات األدبية التي تترجم التحوالت كثيرون ضحايا لها .وسيطول الحديث لو تطرقنا الثقافية ،وتشخص تطلعات البشر في أي مجتمع لمظاهر التلقي الجيد الذي صادفته أعمال تركي حديث. الحمد ،وأميمة الخميس ،وبدرية البشر ،ومحمد حسن ع �ل��وان ،ويحيى سبعي ،وعبدالله بخيت وأمثالهم م��ن الكتاب ال��ذي��ن خ��اض��وا المغامرة، وأن�ج��زوا أعماال تندرج ضمن ما يعرف في لغة النقد بـ«المتوسط الجيد» ،وهو المستوى الذي تستقر فيه جل الروايات في كل أنحاء العالم.
ولكي تمضي المقاربة وفق منهج يضمن لها تماسكها ومنطقيتها ،سأركز على قضايا نحسب أن ال��رواي��ات المتميزة شكال ومحتوى ع��ادة ما تشخصها ،وتعبر عنها بصيغ مختلفة ولهجات متنوعة .وألنني قد كتبت عن الموضوع بتوسع في دراسات نقدية متخصصة فسأتوقف ,وبشكل
كل هذه مؤشرات دالة على أن الرواية الحديثة موجز ,عند ثالث منها أرى أنها ذات أهمية خاصة
في المملكة أصبحت خطابا الفتا للنظر ،جريئا في هذا المقام ,وهي:
ف��ي ال �ط��رح ،م��ول��دا ل�ل�ح��وار معه وح��ول��ه ,فكيف ال نعدها ب�ش��ارة بربيع ثقافي اجتماعي أغنى وأجمل؟! ****
ازدهار الخطاب الثقافي الحديث هو البداية
-1تصدع الحكايات التقليدية. -2بروز الذات الفردية المستقلة. -3وضوح الرؤية النقدية وتنوع مجاالت التعبير عنها.
الحقيقية لكل التحوّالت الجدّية في الوعي ،الذي :1-3 م��ا إن يتغير ..حتى تدخل ع�لاق��ات ال��واق��ع في
من المعروف جيدا اليوم أن الثقافات التقليدية
سيرورات تطور يتولد بعضها من بعض .وأعني كلها مؤسسة على حكايات كبرى ،يسلم بها الناس بالوعي هنا هذا النمط من الفكر الحديث الذي ما المنتمون إليها ،ويغذونها جيال بعد جيل .ووظيفة
إن يكتسبه اإلنسان ويتمثله ،حتى يدرك أن معاني هذه الحكايات مزدوجة .فهي تقدم في المستوى حياته ووج��وده ال تكتمل من دون تملّكه لشروط
النظري أو الرمزي تفسيرات للعالم ،وتأويالت
حريته وكرامته وكامل حقوقه المادية والرمزية .للوجود تعطي للحياة والموت معنى وقيمة .وفي فالحياة بدون هذه الشروط تفقد معناها ,بل قد المستوى العملي ال شك أنها تعين على تنظيم تتحول إلى عبءٍ ثقيل على كائن يرتد إلى مقام
28
اجلوبة -ربيع 1433هـ
عالقات األفراد داخل الجماعة اإلثنية أو الدينية
من الجماعات القريبة والبعيدة.
ن �ع��م ,ال ش��ك أن ال�م�ث�ق��ف ال �ح��دي��ث يحترم
وحين يستعمل الباحثون ما بعد البنيويون مفهوم تاريخه ،ويُثمّن تراثه وعادات مجتمعه وتقاليده, «الحكاية» ،يحرصون على وظيفته الوصفية ،بحيث لكنه ال يبجلها ،أو يحتقر ما لدى اآلخرين ..وإال
ال تتحول االختالفات بين الخصوصيات الثقافية ُع��دَّ جاهال منغلقا متعصبا ،ليس له من صفات
إلى مولد أو مبرر لنزعات التنابذ والتفاضل بين المثقف غير أكثرها شكلية وسطحية. بشر يعودون إلى أصل واحد ..وينتظرهم المصير
ذات ��ه .فلكل شعب أو أ ّم ��ه ح�ك��اي��ات عريقة في الزمن ،متجذرة في المكان ،ظلت إلى وقت قريب في مرتبة الحقيقة التي ال مجال للشك فيها. لكن العصر الحديث غ َّي َر كل شيء في حياة الشعوب وثقافاتها .والسبب الذي لم يعد يجهله
م������������ل������������ف ال������������ع������������دد
الواحدة؛ فتعزز وحدتها ،وتعلن تميزها عن غيرها أمام شاشة كبيرة أو صغيرة.
فالوعي المشار إليه آنفا عادة ما يولّد االتساع في األفق ..والتواضع في الخلق ,ويدخل النسبية على ال�ف�ك��رة ووج�ه��ة ال�ن�ظ��ر ,ويثير ل��دى الذات المزيد من الفضول الدافع إلى اتصال عمليات البحث واالكتشاف .وبصيغة أخرى نقول :إن تلك الثورات المعرفية المتالحقة تحققت في المجاالت
أحد ،هو هذه الثورات الفكرية والمعرفية المتعاقبة العلمية التي تبحث في الطبيعة كما في الدراسات التي اختصرت المسافات ،واخ�ت��زل��ت الفروق ،اإلنسانية التي تبحث في الثقافة بأوسع معانيها.
وسمحت لجماعات مختلفة أشد االختالف بأن كل لغات العالم ومنظوماته الفكرية والجمالية تتجاور في بلد واحد ,ولماليين البشر من مختلف خضعت للنظر والبحث المعمق الذي أسهم بشكل القارات والبلدان بأن يلتقوا ويتحاوروا على مدار
حاسم في تحويلها إل��ى منتجات بشرية دنيوية
الساعة في فضاءات افتراضية متنوعة ..وتتكاثر ال تتعالى على التحليل والنقد ال��ذي يهدف إلى بانتظام. تفهمها ،وإبراز خصائصها ،ومدى مشاركتها في فعال ,لقد تغيّر وجه العالم حتى أصبح قرية الحضارات اإلنسانية المتعاقبة .وبناء عليه ،فال كونية صغيرة حقيقة ومجازا( ،ولقد استعمل خير غرابة أن المثقف المحلي -األفريقي أو العربي الدين التونسي هذا المفهوم في السياق العربي
أو الهندي أو الصيني -لم يعد يتحرج من نقد
منتصف القرن التاسع عشر ,أي قبل ماكلوهان تاريخه وثقافته .فهو يدرك -قبل غيره -أن نقد
ب��زم��ن ط��وي��ل) .وع��ن ه��ذه ال��وض�ع�ي��ة التاريخية الذات بكل أشكاله يمثل الوظيفة األسمى للوعي,
ال �ج��دي��دة ت�م��ام��ا ع�ل��ى ال�ب�ش��ري��ة ،ن�ت��ج م��ا يعرف وأن ممارسته بتعقل ودراية ..هو الطريق الوحيد بتصدع الحكايات التقليدية ،وتراجع تأثيراتها
لتنمية العناصر اإليجابية في الثقافة ،وتحييد
على النخب المثقفة الحديثة في مختلف أنحاء
العناصر السلبية قدر الممكن .فالمعرفة تعقلن
العالم .فالمعلومات واألف�ك��ار واألخ�ب��ار والصور الخطاب ،وترشّ د الفعل ..مثلما أن الفنون الراقية تتدفق على اإلنسان من كل الجهات وهو جالس
ترهف المشاعر وتهذب الخلق .نعم ,لقد تراجع
اجلوبة -ربيع 1433هـ 29
منطق التبجيل لصالح منطق االحترام الذي يسعى
وتكريس أبطالها ،بل الستلهام رموزها ومساءلة
إل��ى فهم الماضي وحكاياته ،دون�م��ا ت��وهّ ��م أنها
المسكوت عنه والمكبوت فيها .وإذا ما أخذنا
األنقى واألرقى .فماذا عن الوضعية الثقافية التي نماذج من النصوص الروائية المعتبرة لكتابنا.. يعيشها كتابنا ويحاورونها في كتاباتهم الروائية؟ نعلم جيدا أن أسالفنا أنجزوا ثقافة عريقة غنية انتشرت في مختلف القارات وأثرت بصيغ
متنوعة في باليين البشر وأسهمت بشكل فعال ف��ي ال �ح �ض��ارة اإلن�س��ان�ي��ة مثلها م�ث��ل الثقافات الكبرى شرقا وغربا .لكن توقف مسيرة التطور ال �ح �ض��اري ق��رون��ا ط��وي �ل��ة ح ��رم ه ��ذه الثقافة التقليدية القدرة على خ��وض الرهانات الكبرى
فسنالحظ أنها تنطوي على حكايات جديدة تخص ن� � �م � ��اذج بشرية ج � ��دي � ��دة تبحث ع��ن أف��ق مختلف ل �ل �ح �ي��اة .واأله� ��م م��ن ذل��ك أن هذه النماذج كثيرا ما ت �ع �ل��ن مواقفها،
في العصر الحديث ،وإن ظلت قوية الحضور في مجتمعنا وفي كل المجتمعات المماثلة .وإذا كانت تعاني ال�ي��وم تصدعات كثيرة ،فليس م��ر ّد ذلك أن هناك من يسعى إلى هدمها كما يقال ،وإنما ألنها لم تعد تؤمن وظائفها بكفاءة ،بل إن عناصر كثيرة منها أصبحت تشكل عبئا ثقيال على الفرد والمجتمع والدولة (كالنزعات القبلية والمذهبية، وجل التصورات التقليدية عن المرأة وعن اآلخر المختلف عموما) .هذه التصدعات والشقوق غالبا وت � � � �ص� � � ��ر ع� �ل���ى ما يكون وقعها مأساويا على الناس ،لكن المؤكد خ��ي��ارات��ه��ا ..وإن أن األشكال الخطابية الجديدة ،ومنها الرواية،
ب ��دت غ �ي��ر واثقة
تتكون فيها وتعمل على توسيعها ألن ذلك شرط من جدوى البحث. نمو الحكايات الجديدة التي عادة ما تنطوي على وهذا أمر منطقي
أفكار ومعارف وقيم وت�ص��ورات جديدة مختلفة متوقع ف��ي مجال كليا عما ورثته الذات الكاتبة ،وقد تكون معارضة ال ��رواي ��ة ب�ش�ك��ل ع ��ام .ول �ق��د ك�ت��ب أه ��م منظري
لها بشكل جذري.
الرواية الحديثة عن هذا النمط من الشخصيات
حتى حين ي�ح��اور ال�ك� ّت��اب تراثهم القديم ال اإلشكالية الواعية القلقة والمختلفة تماما عن يفعلون ذل��ك إلع ��ادة ان�ت��اج��ه ح�ك��اي��ات الماضي أب�ط��ال ال�م�لاح��م وال�ح�ك��اي��ات الشعبية القديمة
30
اجلوبة -ربيع 1433هـ
بمعنى م��ا .وب��اخ�ت�ص��ار ن�ق��ول إن
التقليدية»( ..والعكس صحيح).
الرواية هي حكاية فردية عادة ما
ثم إن منطق التطور ذاته ،عادة ما
تكون مناقضة ومعارضة للحكايات
يدفع الناس إلى تفضيل االنتماء
الكبيرة ،س��واء تعلقت باألسرة أو
إل��ى مؤسسات المجتمع المدني
المجتمع أو األمة.
ال �ج��دي��دة ,ك��األح��زاب والنقابات
:2-3 تنزع الثقافات التقليدية إلى التعامل مع أفرادها كخاليا وظيفية في الجسد الجماعي الكبير .لهذا يعد بروز الذات الفردية المستقلة ظاهرة قويّة في كل مجتمع قطع شوطا كبيرا ف��ي مسيرة التطور والتقدم؛ فالفرد هو بطل األزمنة ال�ح��دي�ث��ة وض�ح�ي�ت�ه��ا ف��ي الوقت نفسه .وكل القوانين واألنظمة في
والجمعيات المهنية والجماعات
م������������ل������������ف ال������������ع������������دد
ال��ذي��ن ي�م�ث�ل��ون اإلن��س��ان الكامل
«كلما ضعفت البنى االجتماعية
األدبية والفكرية ..ألنها أصبحت األك� �ث ��ر ق � ��درة ع �ل��ى ت �م �ث �ي��ل من ينتمون إليها وحماية مصالحهم. وم��ع ك��ون ال�ف��رد ف��ي مجتمعنا ال ي��زال يخضع للجماعة القرابية الصغيرة والكبيرة ،إال أن النماذج ذاتها موجودة ،وستتزايد أعدادها ف��ي م��دن�ن��ا وق��ران��ا دون �م��ا شك. ف��األج�ي��ال ال�ش��اب��ة ع��ادة م��ا تنزع إلى التحرر من أي سلطة تفرض
تلك المجتمعات مبنية على الوعي بضرورة صيانة عليها ،ألنها تفضل كل ما يبدو لها جذابا مختلفا حرياته وحقوقه ،التي احتلت مركز االهتمام لدى من اللباس والطعام واألغاني واألفالم والرياضات. المفكرين وال �م �ش � ّرع �ي��ن ,وب�خ��اص��ة م�ن��ذ عصر ولوال آليات المراقبة والعقاب الكثيرة الصارمة، التنوير إلى اليوم. لبدت الصورة الحقيقية لمجتمع مليء بأفراد من نعم ل��م يكن اس�ت�ق�لال ال�ف��رد مسيرة ظافرة الجنسين ،ال يختلفون كثيرا عن نظرائهم الشباب باستمرار ,إال أنه يظل المكتسب األهم للبشرية
شرقا أو غربا .والمثقف الوطني أيا كان موقعه
ف��ي ال �ع �ص��ر ال �ح��دي��ث .وم ��ا ي �ق��ال ع��ن حاالت وان�ت�م��اؤه وشكل خطابه ،ه��و أيضا ذاتٌ فردية االغ�ت��راب وتفكك العائلة وارت�ف��اع نسبة الطالق مستقلة تعي أن مهنتها وواجبها ,طرح التساؤل..
ون���زوع ال�ش�ب��اب إل��ى س�ل��وك�ي��ات غ��ري�ب��ة ش ��اذة -
وم �ب��اش��رة ال�ب�ح��ث لتنمية ال �م��زي��د م��ن حريات
وك��ل ه��ذه ال�ظ��واه��ر ال�ت��ي أصبحت منتشرة في التفكير والتخيل والتعبير ..بما أنها السبيل األمثل
المجتمعات الحديثة -ما هي سوى ثمن لمركزية لتحقيق التقدم في المجال الثقافي .قلنا سلفا إن المواطن الفرد في المجتمع والدولة .كأننا أمام
األمر ليس سهال أو مضمون العواقب في مجتمع
قانون عام ينطبق على الجميع :كلما قوي األفراد محافظ يُعِ د الخروج عن ثقافته العريقة صعلكة
اجلوبة -ربيع 1433هـ 31
أو عقوقا أو مروقا .لكن ه��ذا النموذج موجود ،عليه إال أن يتذكر «بنات الرياض» ،حيث تعيش ول��م يعد من الممكن تجاهله ،خاصة وأن��ه يقرأ
أرب��ع فتيات تجارب يومية ،تكاد تكون معارضة
ويكتب ويتحدث بطرق وفضاءات ال يستطيع أحد تماما لنمط الحياة السائد في مدينة كبيرة ،تتيح التحكم فيها.
لهن الكثير من فرص المغامرة ..رغم محافظتها
أما من منظور خطاباتنا الروائية ،فلن يجد الصارمة في الظاهر .وختاما لهذه الفقرة نقول ال�ق��ارئ صعوبة ف��ي مالحظة األث��ر ال�ق��وي لهذه إن بروز الذات الفردية الجديدة كثيرا ما يتجلى روائيا في ثالثة نماذج بارزة تتكرر التحوالت .فالشخوص المركزية التي تتكرر ف��ي النصوص ،تمثل أف� ��رادا يمتلكون وع �ي��ا متجاوزا
ال����ن����م����وذج األول يتعلق
اكتسبوه ضمن آليات التفاعل مع
ب�ش�خ�ص�ي��ة ال �م �ث �ق��ف المعارض
الثقافات األخ ��رى .وه��ذا الوعي
للسلطة ,بمعناها ال ��واس ��ع ,وال
ل�ي��س م �ج��رد م �ع��ارف ومعلومات
يجد ح��رج��ا ف��ي كشف أالعيبها
ي�ح�ف�ظ�ه��ا ال �ش �خ��ص ويستعملها
واالح� �ت� �ج ��اج ع �ل��ى ت �ع �س �ف �ه��ا ,بل
في بعض األوق��ات ..بقدر ما هو
وإغ� � ��راء اآلخ ��ري ��ن ب��ال �م��زي��د من
رؤي���ة ج��دي��دة ل �ل��ذات والمجتمع
أش�ك��ال التأمل ال��ذي يعزز خيار
والعالم والكون ..تؤثر على مجمل
رف��ض ال�ت�س�ل��ط ..ب���دءاً م��ن بيت
سلوكه .من هنا ،نتفهم بشكل أدق
العائلة كما نجده في ثالثية تركي
وأعمق وق��وف غالبية النماذج أو
الحمد ,والغيمة الرصاصية لعلي
الشخصيات على مسافة كبيرة من
الدميني تمثيال ال حصرا.
محيطها األسري واالجتماعي ,وال فرق بين المرأة والرجل هنا .طبعا, ه�ن��اك ن�م��اذج ت�ن��زع إل��ى االنطواء والعزلة ,فيما تحاول أخرى السير في طريق المواجهة .لكن الهدف يظل واح��دا في التحليل األخير, وه� ��و إث� �ب���ات اخ� �ت�ل�اف ال�� ��ذات، واإلص� ��رار على حقها ف��ي تدبير حياتها كما ترى وتريد .ومن يريد مثاال داال على ما نذهب إليه ..فما
32
في جل النصوص.
اجلوبة -ربيع 1433هـ
ال���ن���م���وذج ال���ث���ان���ي يخص شخصية المرأة المتمردة التي لم تعد تتقبل الوصاية حتى من أقرب الناس إليها؛ ول��ذا ،فقد تضحي بسعادتها ,وربما بحياتها ,من أجل كرامتها ،وهو ما تشخصه روايات ل �ي �ل��ى ال �ج �ه �ن��ي ،وص��ب��ا الحرز، وقماشة العليان ،وبدرية البشر، وبعض ال��رواي��ات النسوية لتركي الحمد ،ويوسف المحيميد.
ال�ب�س�ي��ط ال �م �س �ح��وق ال� ��ذي ي� �ت ��ورط ,أو يورطه النقدية تنتشر وتؤثر في الرأي العام بانتظام .وال المجتمع ذاته ,في وضعية شقية يحاول الخالص عبرة هنا بالتأثير الجذري في عالقات الواقع ،ألن
منها بكل الوسائل المتاحة ،لكنه نادرا ما ينجح ..التغير في ه��ذا المستوى ال يتم إال على المدى ألنه فرد فقير ضعيف أعزل ,ولعل روايات عبده الزمني المتوسط أو الطويل نسبيا. خ��ال في مجملها خير ما يتقصى ه��ذا النموذج ويبرز معاناته.
وال�س��ؤال ال��ذي ينطرح في نهاية ه��ذه الفقرة
هو :هل يعد بروز هذا الفرد المتمرد على محيطه، والرافض لشروط حياته ،حاالت روائية منعزلة؟
أم أن األمر يتعلق بظاهرة ثقافية – اجتماعية أعم وأعمق؟
:3-3 أشرنا في فقرة سابقة إلى أن المواقف النقدية
من ال��ذات والعالم ،هي سمة ب��ارزة في شخصية
ه��ذه صيغة أخ ��رى ل�ل�ق��ول ب��أن ال��وع��ي الحر
م������������ل������������ف ال������������ع������������دد
النموذج الثالث يتعلق بشخصية اإلنسان
المثقفين كبيرة ,وأن أصواتهم قوية ،وخطاباتهم
ال�م�ن�ط�ل��ق ال� ��ذي ت�ش�خ�ص��ه ال �ن �ص��وص الروائية وتنمذجه ،هو امتداد ورديف للوعي النقدي الذي تبثه خطابات أخ��رى ،لعل المقال الصحفي في مقدمتها .كأن الروائي الجيد ال يختلق الشخوص والحكايات بقدر ما ينصت لألصوات من حوله، ويستثمر خطاباتها ليبلورها أو يصعدها وفق مقتضيات الكتابة الجمالية .فاألحداث والعالقات مشروطة بحيثيات وإحداثيات زمنية – مكانية، ه��ي ال�ت��ي ت��ؤم��ن منطقيتها الفنية ومصداقيتها
المثقف ،وخصيصة م�لازم��ة لخطابه .ونضيف الفكرية لدى القاريء المفترض .وال نبالغ حين هنا شيئا آخر .فمفهوم المثقف أوسع من مفهوم نقول إن كل الكتابات الروائية واقعية بمعنى ما,
«األديب»؛ ألنه يشمل مختلف الفئات المتعلمة التي وذلك ألنها تظل في حوار متصل مع وقائع ونماذج تتدخل في تشكيل الوعي وبلورة الرأي العام ,سواء يمكن أن توجد كل لحظة في كل مكان. تحقق ذلك عبر وسيط الكتابة أو المحاضرة أو البرنامج اإلعالمي .هكذا يحضر العاملون ,ومن
وختاما نعود فنؤكد أن الرؤية النقدية للذات وال �ع��ال��م ،ه��ي ال �ت��ي ت��ؤس��س ل�ك��ل خ �ط��اب ثقافي
الجنسين ,في مجاالت اإلعالم والتعليم والصحة وال �س �ي��اس��ة واألع � �م� ��ال ..ف �ض�لا ع��ن المنتمين حديث ,وهي في الرواية الجديدة شرط جمالي للوسط األكاديمي ال��ذي ع��ادة ما يشكل مثقفوه محايث للكتابة ومبرر لها ,سواء أعلنت بنبرة جادة النموذج األب��رز للنخب المنتجة للمعرفة والفكر
في المجتمع ،نظرا لعمق خبراتهم المعرفية .ولو تنبهنا إلى ما يكتب في صحافتنا ،وما يقال في
إعالمنا أو في مجالسنا ،ألدركنا أن أعداد هؤالء
صارمة أم مرحة ساخرة .ولعل احتفالنا بربيعها الماثل هو تطلع إلى ربيع ثقافي -اجتماعي يعيد صياغة مختلف عالقات اإلنسان بالعالم من حوله،
لتغدو آفاق الحياة أكثر اتساعا وجماال.
* ألقيت في مؤسسة عبدالرحمن السديري الخيرية .وسبق أن ألقَيتُ في رابطة األدباء بع ّمان ورقة بهذا العنوان في 2011-11-21م.
اجلوبة -ربيع 1433هـ 33
اخلطاب الديني في الرواية السعودية قراءة في ثالث روايات
> د .حسن النعمي -من السعودية
بين الدين والخطاب الديني درجات من التباين؛ فالدين نصوص مطلقة ،أما الخطاب فهو الفهم المتغير للنصوص ،وفق ًا إلحداثات الزمن واختالف األمكنة .وألن الدين واحد ،وأفهامه متعددة ،ينشأ الخطاب الديني الذي تصنعه األفهام والقناعات واالحتياجات .فما يحكم األفراد ليس سوى الخطاب الذي تصنعه أفهام النخبة ،وتسوّغه للعامة بدواعي االلتزام والمحافظة على الجوهر .من هنا ،تتباين المجتمعات في فهمها لتعاليم الدين .وتظهر االختالفات في أمور تبدأ بالشأن اليومي لتصل إلى قضايا جوهرية ،من أنظمة اللبس إلى قضايا الحكم والسياسة. الدين قيمة مثالية في حياة المجتمعات ،وهو مرجعية متعالية على الواقع ،مطلق غير مقيد بشرط الزمن الخاص أو العام ،غير أنه بالمعنى نفسه نصوص قابلة للتأويل والفهم ف��ي ضوء إحداثات الزمن المتجددة .أما الخطاب الديني فهو المنظور البشري للدين ،وكيفية تطبيقه في حياة الناس .من هنا ،يظهر التباين في عالقة المجتمعات بالدين؛ فاختالف األفهام سنة كونية تحتم االختالف في التلقي ،وف��ي تكوين آليات التفاعل مع النص .من هنا ،فظاهرة خصوصية الفهم مردّه وقائع الزمان وتنويعات المكان التي تفرض إنزال النص عند حاجتها .وإذا صح ما قيل عن الشافعي من تقديمه فتوى مغايرة في مصر عنها في العراق ،يصبح األمر مؤكداً ،ويخرج من ح��ال��ة التخمين لحالة اليقين .وبالتأكيد فإن اختالف المذاهب ،والفرق حول النص الواحد.. داللة حاسمة على تأثيرات تغيّر الزمان والمكان ودورهما في صناعة الفهم .فالخطاب هو الفهم البشري للدين ،وتحويل النص من صفته المجردة إلى صفته الفاعلة في حياة الناس.
34
اجلوبة -ربيع 1433هـ
العالقة بين النص والخطاب عالقة معقدة. فالنص مغلق حتى يتم تأوله والعمل بنواتج التأويل التي تبدو ملزمة للجماعة .ول��و لم يكن الفهم، ومن ثم التأويل هو الممارسة الحاكمة للجماعة، فما الذي يفسر درجات التباين في العمل بالنص نفسه؟ ويمكن االستشهاد بآية الحجاب ،لندرك أن الحكم هو الفهم ال النص ذاته .من هنا ،يتشكل الخطاب من تباين األفهام وتعددها وتبدّلها وفقاً إلحداثات الزمن واختالف األمكنة. ولقراءة الخطاب الديني في صورة واقعية ال فلسفية مجردة ،يمكن مقاربته من خالل الرواية. وال��رواي��ة بطبيعتها تسمح بتقديم التمثيالت السردية التي تكشف تباين الخطاب تبعاً لتباين األفهام خارج الرواية في توظيفات الدين .وهذا التباين متغير دائماً ،ألنه ناتج عن حركة الفهم المرتبطة بالواقع .فما نقبله من فهم اليوم ،قد نتحفظ عليه غ ��داً ،وال�ع�ك��س ي�ص��ح؛ ألن األمر يرتبط باشتغال النص الديني ف��ي بيئة تسمح له بالتمدد واالنكماش وفقاً لمعطيات مختلفة
وللتأكيد على فرضية التباين في فهم الدين، ومن ثم تشكل الخطاب الديني بطريقة مختلفة يمكن اختيار ثالث رواي��ات يظهر فيها الخطاب مختلفا ُ .واالختيار ليس عشوائياً ،بل موجهاً لعدم التكرار ،ولتأكيد سلطة الخطاب على أصل النص الديني .وعليه ،سنقرأ رواية (في وجدان القرية) لعبدالرحمن العشماوي ،ورواي��ة (فسوق) لعبده خ��ال ،ورواي ��ة (آدم ي��ا س�ي��دي) ألم��ل شطا ،كلها روايات سعودية تختلف في مستواها الفني ،لكنها تهتم ب��درج��ات مختلفة بتقديم ص��ورة من صور حركة الخطاب الديني في المجتمع والموقف منه .وبتحليل كل رواية على حدة ،ثم مقاربة هذا التحليل ،سنقف على مضمرات النص الروائي تجاه تقديم تصور للعالقة بين الدين والمجتمع. وه��ي ع�لاق��ة ناتجة ع��ن فهم حاكمية الخطاب على المجتمع ،وم��دى قابلية المجتمع للتعايش مع فرضيات الفهم التي ينتجها خطاب النخبة الديني.
رواية (في وجدان القرية): كاتبها ش��اع��ر ف��ي األص� ��ل ،م�ل�ت��زم بمظاهر الخطاب الديني س��واء في شعره أم في نشاطه ال��دع��وي ،ف��ي ب��رام�ج��ه أو ك�ت��اب��ات��ه وم�ن�ه��ا هذه ال��رواي��ة .وه��ي رواي ��ة ضعيفة م��ن حيث القيمة ال �ف �ن �ي��ة ،ك�لاس�ي�ك�ي��ة م��ن ح �ي��ث ب �ن��ائ �ه��ا الفني، رومانسية من حيث نزعتها في تصوير المجتمع. غير أنها تتوافر على خطاب ديني محافظ ،من حيث تقديمها لمجتمع بدائي يحتاج إلى إعادة صياغة دينية ،وفقاً للدين الصحيح كما يتصوره الخطاب الديني. الشخصية الرئيسة (محمد علي) شاب أمّي، لكنه ورع يتحرى الفضيلة في كل أفعاله وأقواله، رغم عدم قدرته على ترجمة سلوكه ضمن مقول ديني ،بل بالفطرة يتحرك .وهي إشارة من الكاتب
م������������ل������������ف ال������������ع������������دد
ظرفية في الغالب.
أن الفطرة سليمة ،لكنها ساذجة ينقصها الوعي بالدين .من هنا ،تبدأ الرواية في صياغة محمد علي ،فتأخذه إلى مالحقة الوعاظ في قريته ،ثم السفر إلى مكة لمزيد من الوعي الديني .فالدين بالنسبة للخطاب هو فعل مؤثر في الجماعة ال في الشخصية فحسب .من هنا ،تنشأ معادلة ال�ق��ول بالفرد المنتمي وف�ق�اً لمفهوم الخطاب ال��ذي يحكم المجتمع .فهو خطاب ف��ي ظاهره بنَّاء ،لكنه في حقيقته منحاز لفهم معين للنص الديني .ولعل أهم ما يحمله الخطاب هو عدم اإلق��رار باألفعال إذا خرجت عن منظومة الفهم مهما كانت صحيحة .فليس المطلوب االجتهاد، طالما أن الفهم الفوقي أصبح متحققاً. ت �ق��وم ال���رواي���ة ع �ل��ى ف��رض �ي��ة ال �ت �ق��اب��ل بين ظاهرتين ،ظاهرة مجتمع بسيط ،وآخر مركب. المجتمع البسيط تلقائي ف��ي ح��رك�ت��ه ،فطري في تصوراته ،متعايش مع تركيبة من التقاليد المتوارثة م��ن ال��دي��ن واألع ��راف والتقاليد ،أما المجتمع ال�م��رك��ب ،فهو مجتمع تنشده النخبة المتدينة ،وتسوق الناس إليه بحرص ودأب ،في محاولة الجتثاث تلقائية المجتمع .خطاب النخبة المتدينة ال يسعى إلى تصحيح ما يراه مخالفاً، ب��ل يسعى لحمل ال�ن��اس على اإلن �ك��ار والتخلّي عن منظومة التقاليد دفعة واح��دة .فهو خطاب اجتثاثي ال إصالحي في نهاية المطاف. م� ّث��ل المجتمع البسيط (محمد ع�ل��ي) رجل أ ّم� ��ي ،ي ��ؤذن ل�ل�ن��اس وي �ق��وم ع�ل��ى رع��اي��ة أسرته وف�لاح��ة أرض��ه مثل ك��ل رج��ال القرية .اختارت الرواية أن تدفع بمحمد علي إلى منطقة ينكر فيها الكثير من تصرفات جماعته ،ف��دون وعي منه ينكر الذهاب لألطباء الشعبيين دون أن يكون له وعي ديني مقنع ،وينكر عادات الزواج ،وعادات االقتصاص ،وغيرها .وإذ تلجأ الرواية إلى بناء ه��ذه الشخصية ،فذلك بمثابة مقدمة لتقديم خ�ط��اب ال��رواي��ة ال��ذي يتبنى فرضية أن فطرة
اجلوبة -ربيع 1433هـ 35
على تصور مختلف يستمد مرجعيته م��ن فهم النخبة الدينية.
المجتمع السليمة ال تكفي ،بل ال بد من حمل الناس على فهم واحد صريح ،وهو الخروج من المجتمع البسيط إلى المركب القائم على تبنّي منظومة القيم الدينية كما تفهمها النخبة الدينية حتى لو كانت في تنافر مع واقع الناس وحياتهم االجتماعية. أما المجتمع المركب فقد مثّله الشيخ صالح، وهو في التسعين من عمره ،فقيه وواع��ظ يلقي دروس ��ه ف��ي ال �ح��رم ال�م�ك��ي ،ويستقطب أتباعه بلينه وظرفه ومراعاته لمختلف األفهام .وبهذا ال�ن��وع م��ن الشخصيات تقترح ال��رواي��ة سماحة هذا الخطاب ،وأنه خطاب يقدم وعظه ووصاياه للناس بدافع الرحمة بهم ،فالشيخ صالح يذهب إلى تجمعات الناس سواء في مكة أو في المناطق الجنوبية التي اختارت الرواية أن تقدمها ،مثل الباحة وبلجرشي .فتصور الرواية قناعة الشيخ ورض��اه بهذه الرحلة ،ورغبته في تغيير مفاهيم الناس وتصحيحها ،وبناء مجتمع مختلف يقوم
36
اجلوبة -ربيع 1433هـ
وإذ تقدم الرواية هذا الخطاب الذي يبدو في ظاهره عاكساَ لنزاهة النخبة الدينية ،وساعياَ الحتواء المجتمعات وإنقاذها من ضاللها ،فإن مضمرات الخطاب في هذه الرواية تفضح هذا ال التخفي ال��ذي لم تشأ ال��رواي��ة أن تقدمه أص ً ع �ط �ف �اً ع �ل��ى ال �ج �ه��د ال �م �ث��ال��ي ف��ي ت�ن�م�ي��ق هذه الشخصية الدينية ،شخصية الشيخ صالح ،في نهاية الرواية وقد نجح الشيخ صالح في إخراج المجتمع من ضالله كما تصور الرواية ،ال بد من المكافأة وهي المزاوجة بين المجتمعين؛ البسيط والمركب ،من خ�لال زواج الشيخ صالح الرجل التسعيني بابنة محمد علي وه��ي ف��ي الثالثة عشرة من عمرها ،وتصور ال��رواي��ة محمد علي ال بهذا التفضل من الشيخ بالقرب أكثر منه. قاب ً إن فكرة ال��زواج تبدو ثمناً مادياً باهضاً يدفعه المجتمع البسيط في انقياده وتسليمه للنخبة الدينية التي تقدم نفسها باحثة عن مصالحه. فالمجتمع البسيط مطية للتمكن من الهيمنة على أف�ه��ام ال�ن��اس ،وعليه ام�ت�لاك مفاتيح التوجيه. ففكرة الزواج ،رمزياً مالئمة لفكرة االستعالء على المجتمع البسيط .وهو خطاب لم تكن الرواية من خالل منطقها تسعى أن توحي به ،غير أن وقوعه ف��ي آخ��ر ال��رواي��ة بوصفه ث�م��رة لجهود الشيخ، وعرفاناً من محمد علي ،وقبوالً بالشيخ الجليل رغم فوارق السن يؤكد على تصور الرواية لنقاء النخبة الدينية وأفضليتها على من سواها.
رواية (فسوق): رواية (فسوق) لعبده خال تأتي على النقيض من رواية (في وجدان القرية) ،فخطابها معاكس بالمطلق ،خطاب ضد مأسسة ال��دي��ن ،بل ضد تسييسه .فهو خطاب يقاوم ذوبان الفرد في سياق المؤسسة الدينية.
م������������ل������������ف ال������������ع������������دد
يتمحور خ�ط��اب رواي���ة ف�س��وق ح��ول المرأة بوصفها نقطة ت�ج��اذب بين مجتمع المؤسسة الدينية وبين عموم المجتمع .وإذ تختار الرواية ال ال� �م ��رأة ،ف ��إن ق �ض��اي��اه��ا ت �ب��دو األك��ث��ر تمثي ً لالختالفات في المجتمع .ورغم الصخب حولها فقد نجحت ال��رواي��ة ف��ي تأكيد رم��زي��ة غيابها. ال�ح��دث الرئيس ه��و اختفاء جليلة م��ن قبرها، فقد دفنت بليل ،لتختفي من قبرها صباحاً .وبين الدفن واالختفاء يتأكد الغياب ،وهو تغييب متعمد للمرأة عن الفعل االجتماعي ،وذل��ك بتفسيرات دينية مختلفة بررت الغياب.
خطاب الرواية على مسؤولية النخبة الدينية في اختفاء جليلة ،بينما تنفي المؤسسة أي مسؤولية تذكر .وبين النفي والتأكيد تتضح معالم مأساة ال �م��رأة .فاختفاء جليلة ه��و اختفاء أخ�لاق��ي ال يمكن استعادته إال بحضور المرأة .غير أن نهاية الرواية تصعد خطابها تأكيداً على أن المأساة أكبر من الغياب ،إذ يبدو الغياب أكثر ألماً في ظل اكتشاف فرضية انتهاك الجسد الغائب .فجليلة رغ��م غيابها بموتها ال �م��ادي وال�م�ع�ن��وي تنتهك كرامتها .فشفيق حفار القبور يستأثر بجسدها ال �م �ي��ت ب�ش�ب�ق�ي��ة ت�ف�ض��ح ال �ع�لاق��ة ب �ي��ن المرأة ومجتمعها .وه��ي العالقة التي تنفي إنسانيتها وتبقي على صورتها المنتهكة حتى لو كانت مجرد جسد مسجى .إن شفيق ليس إال (النحنُ) الدينية والعامة ،ال فرق إال في التبريرات المستهلكة.
مثّل غياب جليلة الغياب الفعلي للمرأة في سياقها االجتماعي ،فرغم أن الرواية عن جليلة ال�ت��ي م��ات��ت واختفت م��ن قبرها ،فقد حرصت الرواية على تغييب صوتها في الرواية .ومع أن ال��رواي��ة بنيت على تقنية رواي��ة وجهات النظر، تخوض رواي��ة فسوق معتركاً ف��ي تبني رؤية فلم نقرأ وجهة نظر جليلة تحت مبرر موتها، معاكسة للخطاب الديني السائد في المجتمع والخطاب يغيبها لداللة حرمانها من الحضور فيما يتعلق بالمرأة .فمنذ البدء تؤكد الرواية على الفعلي في الفعل االجتماعي .إن قسوة الظرف االجتماعي الذي حرمها حبيبها ،وهيمنة خطاب المؤسسة الدينية ال��ذي يحكم توجهات األفراد بدافع المحافظة على األخالق العامة ،أدى إلى محنة جليلة .غير أن محنتها الكبرى تبدأ قبل الغياب الفني في الرواية ،فمحنتها تبدأ من كونها امرأة في مجتمع تحكمه التقاليد التي تتضافر مع سياق التصور الديني لحركة المجتمع .ويبدو موضوع اختفاء جليلة حضوراً أكبر لمشكلتها، التي تعد تمرداً على كيان المؤسسة الدينية التي بدت صارمة في قدرتها على العزل والمراقبة والمتابعة. تطرح الرواية س��ؤال المسؤولية االجتماعية والدينية عن اختفاء جليلة .ويصل السؤال إلى ح��د استجواب المؤسسة الدينية أو م��ا يمثلها (هيئة األم��ر ب��ال�م�ع��روف وال�ن�ه��ي ع��ن المنكر). ويصل االستجواب إلى حد التصادم ،حيث يصر
اجلوبة -ربيع 1433هـ 37
مالحقة تجار المخدرات ..لتبدأ عائشة حكايتها التي ترسم خطاب الرواية. رضيت عائشة أن تبقى في البيت بحكم التربية الدينية والتقليد االجتماعي الذي يشجع المرأة على لزوم بيتها ،وإن عملت ففي سياق يحد من مشاركتها المباشرة مع الرجل األجنبي .وإذ تقف عائشة في مواجهة هذه المحددات ،فإنها تقبل أن تمارس دورها بعيداً عن الرجل ،وأن تعمل في سياق نسائي صرف .
مسؤولية المؤسسة الدينية في تبني ظاهرة غياب المرأة .وإذ تنجح الرواية في رسم صورة روائية أق��رب للبحث البوليسي عن اختفاء جليلة ،فإن البحث ال يسعى للوصول للغائب إال عبر فضح آل�ي��ات التغييب .وه��و م��ا يجعل خطاب الرواية صدامياً ومباشراً في بعض مراحلها. تنتهي الرواية ويبقى غياب جليلة ال نهائي، مطلق وعبثي في مجتمع يفتقد النمو بعيداً عن قوانين المؤسسة الدينية االستثنائية .فالبحث الدائم ينتهي إلى التسليم بالسلطة الدينية ،لكن بعد طرح األسئلة الحادة التي تحدد المسؤولية تجاه غياب المرأة.
رواية (آدم يا سيدي): رواي��ة (آدم يا سيدي) ألم��ل شطا ،رواي��ة من النوع المحايد في طرح رؤيتها .فالرواية تنطلق م��ن منطقة ال��راك��د االج�ت�م��اع��ي ،فليس هناك مشكلة اجتماعية ،بل حدث قدري تسيطر آثاره على الرواية .الرواية عن الزوجين حمزة وعائشة، ح�م��زة ض��اب��ط ف��ي ج�ه��از مكافحة المخدرات، وع��ائ �ش��ة رب��ة ب�ي��ت ت�ق�ل�ي��دي��ة .ي �م��وت ح �م��زة في
38
اجلوبة -ربيع 1433هـ
قدمت رواي��ة آدم يا سيدي فرضية اإلقصاء واإلح�ل��ال ع�ن��دم��ا أق �ص��ت ال��رج��ل /ح �م��زة من حبكة الرواية معترفة له ب��دور شهم ،لكنَّ عليه أن يعتزل ال�ح�ض��ور ،أن يتقاعد ع��ن دوره ،أن تحضر ال �م��رأة ويغيب ال��رج��ل حتى يظهر دور ال� �م ��رأة .ألن م��ن أس��اس��ات ال �خ �ط��اب استبعاد الثنائي ،وتأكيد فرضية اإلقصاء .لقد جاء موت ال حاسماً ليخلو مسرح األح��داث لألم حمزة فع ً األرملة ،لتنهض بدور كان يقوم به زوجها .ولعل أول صدمة واجهتها عائشة هو إقرارها أنها لم تكن تعرف العالم الذي عاشت فيه سنوات طويلة، ألن حمزة /الرجل كان هناك دائماً يقوم بدوره. أما هي فقد ظلت قابعة في شرطها البيولوجي القائم على العطاء دون المشاركة والمبادرة .أما بعد إقصاء حمزة ،فقد نجحت األم األرملة في تربية األبناء ،إذ كشفت خطاباً مناقضاً للرجل، وهو الحوار في حل كل المعضالت التي تواجهها دون اللجوء للقهر والتسلط واالستبداد. وإذا كانت رواية آدم يا سيدي ال تتنكر للرجل وال تصمه بالتسلط ،ب��ل تمنحه م��ن الصفات الكريمة ما يجعل هذا الوصف يخرج عن سياق كثير من الروايات ،فإن ذلك ال يبدو مختلفاً في محصلة الخطاب العام الذي تشتغل عليه هذه ال��رواي��ة ،وه��و أن��ه ال وج��ود للمرأة ف��ي حضور ال��رج��ل ،ول�ك��ي تحضر ال �م��رأة ال ب��د أن يغيب
***
إذا ك ��ان ال �خ �ط��اب ف��ي رواي� ��ة (ف ��ي وجدان
بتأمل الخطاب في ال��رواي��ات الثالث نلحظ حضور المرأة بوصفها مادة لممارسة الخطاب م��ن حيث تشكّل الموقف ،وم��ن حيث اختالف الشتغاالته المتخفية .ففي رواي��ة (ف��ي وجدان القرية) تحضر بوصفها قرباناً لهيمنة النخبة الرؤية .فمن خطاب خفي يتبين تحيزه للنخبة الدينية ،وف��ي رواي��ة (ف �س��وق) إدان��ة للمؤسسة الدينية ،إل��ى خطاب صريح ف��ي رواي��ة فسوق، الدينية ع��ن مسؤوليتها ف��ي تغييب ال�م��رأة عن يحدد الموقف ،ويدين النخبة الدينية بوصفها الشأن االجتماعي نتيجة لحرمانها من تحقيق مسئولة عن فرض فهم محدد ،فإن خطاب (آدم ذاتها ،في مقابل منح الرجل مساحة الحضور يا سيدي) خطاب مخادع ال يواجه وال ينحاز، الكاملة ،وف��ي رواي ��ة (آدم ي��ا س �ي��دي) تكتشف بل يكشف اآلث��ار المترتبة على هيمنة مفاهيم المرأة قدرتها على االنفراد بحياتها بعيداً عن الرجل ،الذي تتغذى مفاهيمه من الوعي الديني النخبة الدينية ال�ت��ي دخ�ل��ت ف��ي أدق تفاصيل الحياة االجتماعية ،فشكلت مرجعية ال يمكن العام. ال�ع�لاق��ة بين ه ��ؤالء ال�ن�س��وة إرث ممتد من تجاهلها أو الخالص من تأثيراتها. القرية) يختلف عنه بالضرورة في رواية (فسوق)،
ال �ص��وت ال�م�ب�ح��وح وال �ت �ش��وف ل �ل �خ�لاص ،فمن يصنع األزمة؟ إنه استغالل الدين تحت مسوغات اجتماعية تغذيها منظومة ال �ع��ادات والتقاليد واألع ��راف التي تضع ال�م��رأة في األدن��ى .وهي دونية تبرر بالمحافظة على المرأة وحمايتها ،بينما التجربة الواقعية تنتج خطاباً مناقضاً للمصرح به .فحسب الخطاب الديني ،تصبح المرأة تابعاً مقلقاً يحتاج للسيطرة والتقييد بمنظومة متنوعة من المحددات الدينية واالجتماعية.
م������������ل������������ف ال������������ع������������دد
ال��رج��ل .إنها المفارقة بعينها .ففرضية أنهما شريكان في السلطة /المسؤولية فرضية خارج ذاته تقدم رواية (آدم يا سيدي) معنى الخالص الخطاب ال��ذي ال يمكن أن يتسامح ف��ي دحر الرمزي من الهيمنة الذكورية التي ينتجها خطاب سلطة الهيمنة التي تتأتى للمفرد ال للمثنى. يستعين بالموقف الديني من المرأة. يصل معه األمر إلى حد اإلذع��ان ،وفي السياق
هذه الروايات الثالث تمثل رمزية التعبير عن
اآلثار التي يحدثها حمل المجتمع على فهم أوحد للدين ،ما ينعكس على تطبيقات هذا الفهم في سياق الحياة االجتماعية .إن الموقف من الخطاب
الديني كما عكسته هذه الروايات يتشكل بالقبول والمسايرة ،وهو قبول أشبه باإلذعان ،ومسايرة مجاراة لألمر الواقع ،ويمكن أن يتشكل الخطاب من خالل لغة الرفض وأصوات االحتجاج ،بوصفه
هل كانت هذه الروايات واعية بفحوى خطابها؟ إذا كانت رواية فسوق تصوغ خطابها تأكيداً على فسوق ،ويمكن أن ينحو الموقف من الخطاب مسؤولية النخبة الدينية ف��ي تشكيل خطاب الديني إلى الموقف من الرجل بوصفه المستفيد ينتقص م��ن ال �م��رأة ،وذل��ك وف�ق�اً ل��وع��ي كاتبها ومواقفه المسبقة خارج النص ،فإن رواية (في من الخطاب الديني ال��ذي يبرر مقوالت غياب وجدان القرية) تحتفي بالنخبة الدينية ،وترى أن ال �م��رأة ضمن ذرائ�ع�ي��ة وج��وب تحقيق القوامة موقفها حاسم في تغيير سلوك المجتمع الذي الذكورية في المجتمع. وسيلة لكشف إشكاليات الخطاب كما في رواية
اجلوبة -ربيع 1433هـ 39
تلقّ ي الرواية بين معايير الرواج والمعايير الفنية.. لماذا تروج رواية وتكسد أخرى؟
العباد -من السعودية > زكريا ّ
تحتدم الساحة النقدية واألدبية بصراع محموم ،يطفو على السطح بين حين وآخر ،حول القيمة الفنية للروايات التي صدرت في إطار ما يطلق عليه “عصر الرواية” ،كما ينسحب ذلك أيضا على أي رواية تسجل رواج ًا غير معتاد في أي عصر من العصور ،ويرى العديد من النقاد أن الحظ األوفر مما تلفظه المطابع ودور النشر من الروايات يصب في خانة الرواية الرديئة ضعيفة المضمون .ويعزو كثير منهم رواج تلك الروايات إلى مغازلتها للغرائز في المقام األول ،بيد أن اإلشكالية في الحقيقة ال تنتهي بهذه البساطة. فظاهرة “األكثر رواجا” ذي القيمة العالية ،كما يرى أمبرتو إيكو ،هي ظاهرة قديمة قدم العالم، نجدها متمثلة في “الكوميديا اإللهية” لدانتي ،وفي أعمال شكسبير وسرفانتس ،وغيرهما من العمالقة الذين استطاعوا أن يحققوا رواجا واسعاً ،رغم تمسكهم بقيم فنية وداللية نوعية(.)1 وم��ن ه �ن��ا ،ت��أت��ي م�ش��روع�ي��ة ال��س��ؤال :لماذا إلى ساحة مبارزة بين الفريقين ،ما ي��ؤدي إلى تحظى رواية ،سواء كانت ذات قيمة فنيّة عالية أو رواج أوسع للعمل المتصارع عليه.
ضعيفة ،برواج واسع على مستوى النشر والتوزيع، في حين تظل أخرى تقبع في دائرة الظل؟ هذا ما سنحاول اإلج��اب��ة عنه من خ�لال استعراض
العناصر التي يتسبب توافرها في ال��رواي��ة في تحقق قدر أكبر من اإلقبال على قراءتها.
الرواية ذات الوظيفة االجتماعية في محاولتهم للعثور على إجابة سؤال سبب
رواج األعمال الرديئة ،يطرح النقاد عدة تفسيرات
منها :تخطي الخطوط الحمراء ،والتعبير عن المكبوتات التي يتوق المجتمع لتفريغها ،ما ينجم عنه صرا ٌع بين حراس تلك الخطوط من جهة،
وبين غالبية تلتف تلك الخطوط حول أعناقها،
متسببة لها بحالة من الكبت واالختناق.
وتذكي آلة اإلعالم ذلك الصراع بعد تحوّلها
40
اجلوبة -ربيع 1433هـ
وف��ي حين يأخذ المنحازون لتصوّر نخبويّ للرواية ،على رواي��ات “زمن الطفرة الروائية”، تقمّصها دور م��ؤس�س��ات اج�ت�م��اع�ي��ة ،كوسائل اإلعالم على سبيل المثال ،غير أنّ غياب الدور الحقيقي ل�لإع�لام ف��ي ط��رح ومعالجة قضايا المجتمع ،وتبنّي ال��رواي��ة المتخففة من عوائق التلقي الفنية والمعرفية ،لهذا ال��دور ،أدى إلى كسر المجتمع بسهولة طوق احتكار طبقة معينة للروايات ،وهو األمر الذي يراه نقاد آخرون أمراً إيجابياً ،إذ أ ّن��ه سيؤدي في نهاية المطاف إلى زيادة رقعة تلقي الرواية النوعية ،وإفراز روايات جديدة جيدة المحتوى في نهاية هذه الفترة ذات الطابع المخاضي(.)2 هذه الفترة تذكرنا بالصراع القديم الجديد الذي دارت رحاه بين أنصار الفن للفن واألدب
وفي جميع األح��وال ،فإن تبني الرواية مهمة إض ��اءة ال�م�س��اح��ات المعتمة م��ن واق��ع األفراد يتماس مع ّ والشعوب ،وتعرية المسكوت عنه وما التابوهات الثالثة :الدين والجنس والسياسة، أسهم إسهاما كبيرا ف��ي انتشارها ،بعيداً عن تقييمها فنياً ،كما هو الحال عربياً في رواية “بنات الرياض” ل��رج��اء ال �ص��ان��ع ،و”عمارة يعقوبيان” ل�ع�لاء األس��وان��ي ،و”ذاكرة جسد” ألحالم مستغانمي ،والتي وصل عدد طبعاتها إلى ( )19طبعة خالل أحد عشر عاما من صدورها، وب�ي��ع منها أك�ث��ر م��ن ( )300أل��ف ن�س�خ��ة .كما مثلت بعض أعمال باولو كويلو كـ(إحدى عشرة دقيقة) ،،وماركيز في “مائة ع��ام من العزلة”، ورواية “شفرة دافنشي” لدان براون ،أمثلة على روايات غربية أسهم المساس بالتابوهات الثالثة في زيادة رقعة انتشارها.
وك �ث �ي��راً م��ا ا ّت� �خ� �ذَت “الجرأة” ف��ي تناول المسكوت عنه ،أو ما اصطلح عليه ،في سياق الثقافة المعولمة بجدّة الطرح أو “التجريب”، كمبرر لفوز الرواية ..أو تسليط االهتمام عليها، دون أن تحقق الرواية بالضرورة عناصر التجريب المقبولة على المستوى النقديّ ،ما يتسبب في خلط واضح للمفاهيم ،وإلباس الجريء اجتماعياً ثوب المبدِ ع فنياً.
م������������ل������������ف ال������������ع������������دد
ل�لأدب ،وبين من يسعى لتوظيف الفنّ واألدب في النهضة االجتماعية ،سيما وقد اشتعل أوار مثل هذه الصراعات الفكرية في ظروف انتقالية مشابهة لهذه الظروف االستثنائية التي يمر بها عالم اليوم.
كما ال يغفل هؤالء ربط ظواهر الجوائز األدبية، والتسويق ،واإلشهار المدروس ،التي تالزم ظاهرة (األكثر مبيعاً) بنشوء اقتصاديات العولمة ،التي ام �ت��دت أذرع �ت �ه��ا للسيطرة ع�ل��ى آل �ي��ات الفكر واإلعالم العالمي ودور النشر العالمية.
ويعزو بعض النقاد االهتمام الغربي ببعض ال��رواي��ات إل��ى عوامل سياسية وثقافية ال تمت بصلة إل��ى القيمة الجمالية لتلك الروايات، ف��ال��رواي��ات العربية التي حققت ف��ي السنوات األخيرة رواجاً كبيراً في األسواق تنطلق بوعي أو من دون وعي ،كما يقول الدكتور جابر عصفور، من نزعة تستجيب لرغبات ولمخيلة استشراقية عريقة لم يتخلص منها الغرب في النظر إلى ال���ج���وائ���ز وال���ت���رج���م���ة ..ط��ري��ق ال����رواج شعوب العالم الثالث ،بل إنه طوّرها في أساليب وتقنيات ولغة جديدة. عالمياً: إال أنّ دور النشر الغربية تهتم في الدرجة األولى بما يحقق مبيعات ضخمة ،ومن ذلك جاء اهتمام واحدة من كبريات دور النشر الفرنسية بترجمة رواية “برهان العسل” للكاتبة السورية سلوى النعيمي إل��ى ع��دد من اللغات األجنبية، بالرغم من أنها رواية تقوم على الجنس بالدرجة األولى ..متجاهلة ج ّل القيم الفنية للرواية.
يرتبط رواج الكثير من الروايات مع حصولها على جوائز أدبية إقليمية كانت أم عالمية ،وقد ي�ب��دو األم��ر ل��دى بعض المراقبين كما ل��و كان ال��رواج يشبه ارتقاء سلّم تكون الشهرة والجدل محلياً أولى درجاته ،ثم ما يلبث أن يرتقي درجة ثانية تتمثل في الحصول على جائزة ،ويستمر مشوار الشهرة بالحصول على مزيد من الجوائز العالمية ،وترجمة العمل ،وتلقّف دور النشر ويُعزَى نجاح “عمارة يعقوبيان” إلى احتوائها العالمية له. على ق��در هائل من الجسارة ،إضافة إل��ى أنها
اجلوبة -ربيع 1433هـ 41
ج��اءت ف��ي لحظة تاريخية ك��ان��ت الصحافة ال أن ثمة خلط بين ال��رواي��ة الفنية والشعبية في تتمتع فيها بقدر كبير من الحرية ،ما يؤكد أن العالم العربي ،يتمثل في كتابة النقاد عن هذه جزءا من أهميتها يرتبط بالظرف الزمني ،على األخيرة(.)5 خ�لاف األع�م��ال العظيمة التي تتجاوز ظرفها إال أنه مما يجب التأكيد عليه ..أن من الظلم الزمني وتحتفظ بقيمتها في كل عصر(.)3 القول إن الجوائز العالمية هي باستمرار محابية وه��و يشير في موضع إل��ى آخ��ر إل��ى حقيقة للرائج والمثير للجدل ،فالروائي اإليرلندي وليام مهمة وهي أنّ كتاب «األكثر مبيعاً» هو كتاب ذو جون بانفيل المرشح للفوز بجائزة نوبل ،تتميز ذاكرة قصيرة لدى النّاس ،شأنه شأن المنتجات أع�م��ال��ه بفلسفتها العميقة وس��رده��ا المتأنق االستهالكية األخرى التي تحقق حضورا الفتاً ..المثير للقلق ،وتوصف أعماله بالصعبة األسلوب، سرعان ما يخفت بسبب حضور إعالمي آخر ومع ذلك فقد فاز بجائزة فرانز كافكا 2011م، يحقق رقماً أقوى. وإن ك��ان ف��وزه محل استغرابه شخصياً .وشكر وفي هذا السياق فإنّ رواية “بنات الرياض” بانفيل الناشرين أثناء خطاب قبوله جائزة بوكر، لرجاء الصانع ،قامت بطباعتها كبرى دور النشر لوقوفهم إلى جانبه أثناء نشر تلك الروايات “التي في العالم وه��ي “البونجوون” ،في حين رفض لم تحقق شيئاً على مستوى المبيعات”. المترجم الشهير “روجر آالن” ترجمتها؛ ألنه لم ه��اروك��ي م��وراك��ام��ي ..س�لاس��ة األسلوب ي َر فيها رواية أصال.
ويعزو آالن ،والذي يعد أهم مترجم في مجال الرواية العربية ،اهتمام بعض دور النشر الغربية بترجمة روايات كتاب عرب مثل عالء األسوانى، ورج� ��اء ال �ص��ان��ع ،وأح �ل�ام م�س�ت�غ��ان�م��ى ،لسبب بسيط مادي ..وهو أن تلك الروايات “شعبية”، تباع بمئات اآلالف من النسخ ،سواء في العالم العربي ،أو في الدول الغربية( .)4ويرى أن مشكلة العالم العربي تكمن في أنه ال يفصل الروايات الشعبية عن الروايات الفنيّة. ف �ف��ي ال� �غ ��رب ث �م��ة رواي� � ��ات ش�ع�ب�ي��ة عالية اإلنتشار يمكن أن تتحول إلى أفالم سينمائية.. كما حصل مع دان ب��راون في «شفرة دافنشي»، إال أن هذه الروايات ال تتناولها المجالت التي تختص بالروايات الفنية .ولذلك يتحاشى «أالن» ترجمة هذه الروايات حين تطلب منه دور النشر ذلك ،كما يتحاشى الكتابة النقدية حولها ،ويرى
42
اجلوبة -ربيع 1433هـ
وروايات الوجبات السريعة:
من الملفت الذي ال يمكن إغفاله أن ظاهرة الرواج ،كثيرا ما تقترن بسالسة األسلوب وواقعيته والمباشرة في الطرح ،بعيدا عن أساليب التعقيد. وقد ارتبط بروز هذه الظاهرة في الغرب قبل عدّة عقود ،بظهور نقاط البيع الصغيرة ،ومنافستها لكبريات دور النشر العريقة ،وتعتمد نقاط البيع هذه على ترويج كتيبات الجيب ،ويشبه انتشارها إلى ح ّد ما انتشار أكشاك بيع الجرائد والسجائر في الوطن العربي. وم ��ن األم �ث �ل��ة ال�ح��دي�ث��ة ع�ل��ى رواي� ��ات لقيت انتشاراً عالمياً واسعاً ووصفت بالمسلية ،أعمال الروائي والمترجم الياباني هاروكي موراكامي، وهو أيضاً حاصل على جائزة كافكا ..ومرشح لنيل جائزة نوبل. وق��د تخفف م��وراك��ام��ي م��ن اإلرث التقليدي
لدى مناقشة أمبرتو إيكو مسألة الرواية األكثر رواجاً ،يشير إلى أن النقاد لم يتأكدوا قط ما إذا كانت “الرواية األكثر رواج��ا ذات النوعية” هي شعبية نتيجة استعمالها إستراتيجيات “مثقفة”، أم أنها رواي��ة “مثقفة” أصبحت شعبية لسبب غامض(.)6 وإذا ما قارنا أسباب ذيوع تلك الروايات التي تناولناها سابقاً مع رواي��ة مثل“ :مئة ع��ام من العزلة” لغابريل غارسيا ماركيز ،فسنجد أنها من أبرز المصاديق على كالم إيكو السابق ،حيث تمثل هذه الرواية التي حازت على جائزة نوبل
م������������ل������������ف ال������������ع������������دد
ل�لأدب الياباني ،وال��ذي مثله كل م��ن :ميشيما ،في األدب عام 1982م ،إحدى الشوامخ في الفن ك��اواب��ات��ا ،وت��ان�ي��زاك��ي ،ن��ازح��ا بذلك إل��ى شاطئ الروائي الغربي قديمه وحديثه ،وقد برز مؤلفها ال�ب�س��اط��ة ال �س��ردي��ة ،م��ا ج�ع��ل أع �م��ال��ه تحظى كواحد من أهم أعالم األدب الالتيني المعاصر. ب��ان�ت�ش��ار واس���ع ف��ي ال �ي��اب��ان وأم �ي��رك��ا وأورب� ��ا، وفي هذه الرواية يمتد الزمن ليحكي ماركيز وبالتالي تُرجمت أعماله إلى العديد من لغات حكاية ألس��رة أوريليانو على م��دار عشرة عقود العالم ،وطبع منها ماليين النسخ ،ويرجح بأن من الزمان ،ململماً هذا الزمان باقتدار وبراعة أحد عوامل رواج أعماله ،إضافة لما سبق ،جمعه بالغين ،بما فيه من غرائب األح��داث ،وخوارق بين األدب البوليسي والخيال العلمي .إال أنّ هذا الوقائع ،ودخائل المشاعر ،ودقائق التحليالت، االنتشار لم يمنع النقاد من اإلشارة إلى «تسطيح وع�ظ��ائ��م ال�م�ف��اج��آت ،ووظ ��ف م��ارك�ي��ز موهبته الثقافة» في رواي��ات��ه ،وتدني وع��ي واهتمامات ليروي قصة هذه األسرة التي كانت الغواية هي صناع الثقافة أنفسهم كسبب لهذا الرواج أيضا، القاسم المشترك في حياتها نسا ًء ورجاالً ..حتى ما أسهم في توتّر عالقة موراكامي بالكثير من امتدت لعنتها إلى آخر سليل منهم. النقّاد. إال أنّ الدكتور جابر عصفور يُلمِ ح في إحدى وف��ي مقابل تخفف م��وراك��ام��ي م��ن التقاليد م�ق��االت��ه إل��ى أن ال� ��رواج ال�ه��ائ��ل ل �ه��ذه الرواية اليابانية ،يطفو تساؤل موشوم بالريبة ،في معرض ل��م يكن نتيجة الخصائص الفنية العالية لها، الحديث عن سر انتشاره واالهتمام العالمي به، وإن �م��ا ه��و نتيجة ت�ن��اول�ه��ا ال �ع�لاق��ات المحرمة يتمحور حول سبب اهتمامه بالعادات واألغاني “سفاح المحارم” ال��ذي مثّل الثيمة األساسية األم��ري �ك �ي��ة ..وأس��ال�ي��ب المعيشة االستهالكية في الرواية ..في الوقت الذي يناسب مثل هذا ال�س��ري�ع��ة ،ف��ي رب��ط واض ��ح ب��أس��ال�ي��ب العولمة الموضوع المخيلة الغربية التي تقلبت في ألوان االقتصادية. ال ُمتَع واعتادتها ،فأصبحت مهيّأة ألن يدغدغها رواج روايات ذات قيمة فنية عالية: ما هو أبعد منها. وب��ال��رج��وع ل��رواي��ة “دون كيخوته” لمؤلفها سيرفانتس ،وال�ت��ي تعد ال��رواي��ة األك�ث��ر رواجا منذ طبعتها األولى الصادرة عام 1605م ،حيث طبعت ( )500مرة باللغة اإلسبانية و( )200مرة باإلنجليزية ،وما يعادلها في الفرنسية ،وترجمت إلى معظم لغات األرض .ويذكر قول لفونتس إن: «لوائح الكتب األكثر رواج��ا في الخمسين سنة الماضية ،ه��ي مقبرة كالحة لكتب ميتة رغم بعض اإلس�ت�ث�ن��اءات الحية» ،إال أنّ ه��ذا القول ال ينفي أن هذه األعمال الخالدة ،والتي شملت أيضاً مسرحيات شكسبير ،نجحت في مالمسة
اجلوبة -ربيع 1433هـ 43
أعماق قصية من الذات البشرية ،ما جعل تناولها تناولته من مفاهيم دينية .وجاء في نص حيثيات واالهتمام بها ال يقتصر على عالم األدب ،بل منحه للجائزة أنه تأثر بمفكرين غربيين كماركس يمتد إلى العلوم اإلنسانية األخرى كعلم النفس وداروين وفرويد(.)7 مثالً ،حيث مثّلت هذه األعمال نماذج خضعت ولم تشكّل الرواية إثارة كبرى ،جرّاء موضوعها لتشريح وأدوات هذه العلوم ..وألهمت عدداً من ال��رئ�ي��س فحسب ،ول�ك��ن أي�ض��ا بسبب تكنيكها روادها. الذي كان يمثل تخليا تاما عن األسلوب العتيق “أوالد حارتنا” الجودة والجدل قاداها للرواية الوصفية ،وباإلفادة من التاريخ الديني بشكل رمزي ،أوحت الرواية بأن النظام الجديد إلى نوبل: تعد رواي ��ة “أوالد حارتنا” ،للراحل نجيب لن يختلف كثيرا في نهاية المطاف عن النظم محفوظ ،أبرز أمثلة المنتج الروائي العربي الذي القديمة ،وق��د فعلت ال��رواي��ة ذل��ك ب��ذك��اء قوي توافرت فيه غالبية األسباب الممهدة للرواج ،من وثاقب بدا وكأنه حول خيبة األم��ل السياسية- جرأة وجدة في التكنيك ابتعد بها عن األسلوب أو حتى ال�ي��أس السياسي -إل��ى ح��ري��ة جديدة ال��وص�ف��ي المعتاد ،واخ �ت��راق للتابوهات وعلى للتعبير(.)8
رأسها تابو الدين ،ما أدى بالضرورة إلى تحولها س��ح��ر ال���ش���رق ي��س��ه��م ف���ي رواج رواي����ات لمادة مثيرة للجدل والنزاع ،وأدى الصراع حولها غربية: عبر وسائل اإلعالم لدفعها للواجهة أكثر.
ولعل رواية في األدب العربي المعاصر -على كثرة الروايات التي أثارت ضجيجا -لم يكن لها م��ن ال �ص��دى والضجيج م��ا ك��ان ل��رواي��ة “أوالد حارتنا” ،وهي قصة لم تجد طريقها للنشر إال عبر ردود أفعال عنيفة ،وق��د اهتم بها دارسو األدب العربي من األجانب والمستشرقين اهتماما خاصا ،وأف��ردوا لها جانبا ب��ارزا من دراساتهم ح��ول أدب نجيب محفوظ ،ل��درج��ة أن��ه ل��م تكد تخلو ترجمة إلحدى رواياته إلى اإلنجليزية من حديث عنها في المقدمة ،ومناقشة لقضاياها الفلسفية الجريئة التي أثارتها .كما أنها كانت على رأس حيثيات منح صاحبها جائزة نوبل في اآلداب عام 1988م ،بوصفها رواية غير عادية، وج��اء ذكرها صراحة كذلك في الخطاب الذي ألقاه سكرتير لجنة الجائزة في حفل التسليم باستوكهولم ،إذ أشار في غضون إطرائه إلى ما
44
اجلوبة -ربيع 1433هـ
يعتقد الباحث األلماني هارتموث فاندريش أن االنتشار ال��ذي حققته حكايات “ألف ليلة وليلة” في الغرب ،هو أحد األسباب التي أدت إل��ى إح�ج��ام ال�ق��ارئ الغربي ع��ن األدب العربي المعاصر ،نتيجة تطلعاته أن يشابه كافة اإلنتاج العربي المترجم هذه الحكايات ،وفي هذا السياق يلحظ أن المؤلفين العرب المهتمين بالخرافة الشرقية تعد مؤلفاتهم األكثر رواجا بين أقرانهم في الغرب. وق��ري �ب �اً م��ن ه���ذا ..ن�ج��د أن ال��روائ��ي أمين معلوف ال ��ذي ي�ص��در رواي��ات��ه بالفرنسية ،قد تلمس هذه الحالة لدى القارئ الغربي حين صب اهتمامه على التاريخ ،وأول��ى منطقة المشترك الغربي الشرقي م��زي��داً م��ن عنايته ،حين كتب “ليون اإلفريقي” ،وكتاب “الحروب الصليبية كما رآها العرب”.
م������������ل������������ف ال������������ع������������دد
ول��م يتوقف األم��ر عند ه��ذا الحد ،إذ أسهم س�ح��ر ال �ش��رق أي �ض��ا ف��ي رواج رواي� ��ات غربية اتخذت من أساطير الشرق ثيمة لها ،ومنها رواية “الرجل الخفيّ ” لهيربت جورج ويلز ،حيث بساط الريح ،ومصباح عالء الدين ،وإكسير الشباب، وحجر الفالسفة ،وطاقية اإلخفاء ،جميعها أفكار خيالية ول��دت في الشرق قبل الغرب ،ونُسجت حولها قصص لم يصل منها إال القليل ،وطاقية اإلخفاء بالذات استعارها الغرب كثيراً وطوروها بما يتناسب مع الروح العلمية لهذا العصر.
منها :مشكلة ال �م��وت وال �خ �ل��ود ،وال �ص��راع بين الحياة والموت ،وقد انتقل أثر الملحمة إلى آداب األمم القديمة ،وشاعت مفاهيمها في أساطير الشعوب المجاورة لحضارة بالد الرافدين(،)10 وقد يشير هذا ال��رواج إلى دور ما هو أبعد من ال�ن��وازع الحسية القريبة في ال ��رواج ،فالنوازع العميقة لإلنسان ..كحب الحياة ،وخشية الموت، والبحث عن أصل هذه الحياة ،هي إحدى المحاور األساسية المساهمة في الرواج أيضاً. وف��ي العصر الحديث صنف كتاب “أغاني غجرية” ،وه���و أه���م دي � ��وان ش �ع��ري للشاعر اإلسباني فريديريكو لوركا ،ضمن قائمة أشهر مئة كتاب ورواي��ة ،ويدخل ضمن القائمة نفسها أيضا “شعلة قنديل” لغاستون باشالر.
وكانت الفكرة القديمة ت��دور ح��ول اكتشاف طاقية سحرية (أو أي وسيلة مشابهة) تتيح لمن يلبسها االختفاء عن أنظار البشر .إال أنّ ويلز طورها ألول مرة في روايته “الرجل الخفي” عام 1897م ،ويمكن ال�ق��ول إن ه��ذه ال��رواي��ة شكلت وفي الشعر العربي راج شعر محمود درويش أول حلقة حديثة ف��ي سلسلة رواي���ات وأفالم ومسلسالت ت��دور ح��ول ال�م��وض��وع نفسه ..بل نتيجة تبنية قضية فلسطين ذات البعد اإلنساني.. إضافة إلى قيمته الفنية العالية. وتحت العنوان نفسه(.)9 أما فيما يخص أعمال شعرية حديثة اختلف هل تختلف دواعي الرواج الشعري عن النقاد ح��ول قيمتها الفنية ،فقد الق��ت قصائد دواعي الرواج الروائي؟ الشاعر ال��راح��ل ن��زار قباني رواج��ا كبيراً ،في هل نحتاج إلى مناقشة أسباب ودواع أخرى الوقت ال��ذي وصفت فيه بالشعبية والمخاطبة حين نتح ّدث عن رواج الشعر؟ أم أن ثمة دواع للغرائز. بشرية مشتركة بين المجالين؟ هل أسباب رواج سوسيلوجيا األدب األعمال الشعرية هي ذاتها أسباب رواج الرواية، خاصة وأن رواج الشعر شمل هو اآلخر ،أعماال يشير النقاد والروائيون إلى األهمية البالغة جيدة وأخرى رديئة؟ لرسم شخصيات وأبطال الرواية في تلقي الرواية عرفت ظ��اه��رة ال ��رواج الشعري مبكرا منذ ملحمة جلجامش ،والتي تعد أط��ول نص أدبي وص��ل من ثقافة المشرق العربي القديم ،وهي نص شعري طويل مكتوب باللغات السومرية، واآلكادية والبابلية ،وموزع على اثني عشر لوحا فخاريا ،وتعالج الملحمة قضايا إنسانية مركزية،
وتقبلها ،مؤكدين وج��ود أس�ب��اب ودواف ��ع ذاتية وراء إقبال القارئ على ق��راءة رواي��ة واإلعجاب بأبطالها ،فبعض القراء يميل إلى القراءة حول الشخصيات التي تشبهه ،وثمة ق��راء يدعوهم الفضول للقراءة حول الشخصيات التي يجهلونها، وه�ك��ذا يميل آخ��رون للقراءة ع��ن الشخصيات
اجلوبة -ربيع 1433هـ 45
الجريئة والمغامرة ،فيما يميل صنف آخر إلى العلمي ،للوصول إلى نتائج رقمية دقيقة. ق��راءة جمل غير متوقعة ،ويرغب في أن تشكّل ولعل هذا المقال أغفل أسبابا أخرى لم يتسع بعض العبارات مفاجأة له أثناء قراءته للكتاب ،المجال الستقصائها ،وأسبابا ثالثة غير معروفة، فالسر يكمن في مالمسة الكتاب لدافع ذاتي كما فاإلنسان ال يزال لغزا محيرا أمام العلم ،إال أنّ يعبّر الغذامي في كتابه (اليد واللسان) ،كما أنه تقدّمه سيكشف بال شك عن مزيد من تفاصيله يشير إلى الدور الكبير الذي تلعبه العناوين في وأعماقه ،وهو ما نأمله ..وبالخصوص فيما يتعلق الترويج للكتب(.)11 بموضوعنا ،لكي ال تلتبس المعايير الفنية بغيرها وهذه المواضيع وغيرها ،هي ما يوليه اهتماما من المعايير األخرى. أحد فروع علم االجتماع (سوسيولوجيا األدب)، ولتقريب فكرة مدى ما يتسم به هذا الموضوع والذي يعنى بفهم العالقة بين ركائز ثالث هي :م��ن س�ع��ة ك �ب �ي��رة ،ف��إن�ن��ا نختم ب�م�ق��ول��ة لروبير األديب – النتاج األدبي – القارئ .ويشرح العالقة إسكاربيت مؤلف كتاب (سوسيولوجيا األدب)، بين التوجهات اإلجتماعية وأرقام الكتب األكثر يشير فيها إلى التشعبات الممكنة للركائز الثالث مبيعاً ،كما يهتم بالتدقيق في مصداقية ما ينشر ل�ه��ذا العلم ق��ائ�لاً“ :إن وج ��ود أف ��راد مبدعين من أرقام حول الكتب األكثر مبيعاً ،واستبعاد ما يطرح مشاكل في التأويل النفساني واألخالقي يعد ج��زءاً من عملية الدعاية والترويج لها في والفلسفي ،كما تطرح اآلثار نفسها مشاكل جمالية بعض األحيان. وأسلوبية ولغوية وتقنية ،أم��ا وج��ود الجماعة – الجمهور ،فيطرح مشاكل ذات طابع تاريخي وسياسي واجتماعي ،بل واقتصادي أيضاً .هناك على األق��ل ثالثة آالف طريقة الرت�ي��اد الحدث األدبي ودراسته “!!(.)12
وتؤدي مجمل عمليات هذا العلم إلى تفسير سبب مقروئية كتاب ما ورواجه ،ونوع القارئ الذي يقبل عليه ،ومستوى وعيه وثقافته ،وربما شريحته العمرية ون��واق�ص��ه .فمن خ�لال السوسيلوجيا نعرف مثال بأن قارئ رواية تحتفي بمتع الجسد، الفن الرواية السعودية بين مالمح ّ يمكن أن يكون مراهقا ،أو يعاني من كبت جنسي، ومالمح المجتمع ال يعود ونفهم بأن رواج رواية كعمارة يعقوبيان مث ً يعد الصعود المفاجئ الذي م ّر به إنتاج الرواية في الدرجة األولى الختراقها الخطوط الحمراء، ال�س�ع��ودي��ة ف��ي ال�س�ن��وات العشر األخ �ي��رة مجاالً واعتبارها متجاوزة وجريئة ،كونها طرحت في خصباً للدراسات االجتماعية واألدبية ،فقد بلغ مرحلة وصفت بتقييد الحريات. مجمل عدد الروايات السعودية في فترة -1990 ونعرف أن الفضول الذي يدور حول المجتمع 2008م أكثر من ( )400رواية ،مقابل ( )120رواية النسائي السعودي المغلق محفز كبير لإلقبال في فترة 1930ــ 1989م ،وهو أمر يدعو الباحثين على رواية “بنات الرياض” مثال .إال أن ك ّل ذلك والمهتمّين إلى دراسة الدواعي االجتماعية لهذه ال ي�ت� ّم اع�ت�ب��اط�اً ،أو م��ن خ�لال ت��أم�لات نظرية الطفرة ،وم��ا سينجم عنها من ارت ��دادات الحقة وح �س��ب ،ب��ل م��ن خ�ل�ال آل �ي��ات علمية تتوسل على مستوى المجتمع ،كما يدعو النقّاد إلى دراسة باألرقام واالستبانات وغيرها من أساليب البحث الخصائص الفنّية لهذا الكم من اإلنتاج.
46
اجلوبة -ربيع 1433هـ
وتأتي ثيمة مكانة وواقع المرأة السعودية ونقد الفكر ال��ذك��وري ،ك��واح��دة من األم��ور التي تبنّت الرواية السعودية مهمّة النهوض بها لنقد الواقع وكشف ما به من ع��ورات ،وقد قام بهذه المهمّة عدد من الكتّاب ،إال أنّ الحمل األكبر منه قامت ونرى في روايات عبدالعزيز مشري الرجوع إلى به المرأة نفسها ،إذ كان عدد الروايات السعودية ال ( )41رواية ،يشكّل الماضي (الفردوس) في مقابل الحاضر المُدان ،الصادرة في عام 2006م مث ً ولكنّ هذه السمة الذاتية ذات االمتداد اإلنساني إنتاج المرأة فيها ( )20رواية. في رواي��ات مشري لم تسهم في رواج واس��ع له، ومن جهة أخ��رى ،ف��إنّ ( )20كاتباً وكاتبة من وإن حجزت السمه مكاناً مميزاً في تاريخ الرواية هؤالء لم يسبق لهم الكتابة في أي مجال أدبي قبل ال �س �ع��ودي��ة ،ب �خ�لاف ال�ك�ث�ي��ر م��ن رواي� ��ات حقبة ذلك ،ما يشير إلى دور الدور الذي لعبه اإلنترنت الطفرة ذات العمر القصير ،والطابع اإلعالني في االنفتاح ،وفي تدرّب الجيل الشاب من الكتّاب واالستهالكي السريع. على الكتابة ،ودفعهم تجاه اإلنتاج.
وي��ت��ك��رر األم � ��ر ن �ف �س��ه م ��ع رواي� � ��ة “الغيمة الرصاصية” ال ��رواي ��ة ال��وح �ي��دة ل�ل�ش��اع��ر علي ال��دم�ي�ن��ي ،ف�ق��د ك��ان��ت أق ��رب إل��ى م ��زاج النخبة منها إلى مزاج زمن الطفرة ،الذي ارتبط بقدوم اإلن�ت��رن��ت ،واالن�ف�ت��اح اإلع�لام��ي ال��ذي ت�لا حرب الخليج ،وأحداث الحادي عشر من سبتمبر التي أثارت المجتمع باتجاه إعادة حساباته إزاء بعض الفهم الديني المتشدد. إال أنّ المشهد الروائي لزمن (ما قبل الطفرة) ف��ي مجمله ك��ان م��واك �ب��ا ً،ب��ل وم�م�ه��داً لزحزحة العصر باتجاه االنفتاح والحرية والعولمة ..بما ل�ه��ذه الخصائص م��ن إي�ج��اب� ّي��ات ،ول�ك��ن بما لها أيضاً من طابع السرعة واالستهالك ،مع وجود
م������������ل������������ف ال������������ع������������دد
ويمكننا تطبيق المالمح العامة ،التي سبق أن تناولناها هنا ،وال�ت��ي أسهمت ف��ي رواج الرواية السعودية كاختراق التابوهات في “بنات الرياض” مثالً ،ولكننا نعود إلى رواي��ات قبلها أسهمت في التمهيد للمشهد الروائي الحديث ..كرواية “شقة الحرية” وروايات غازي القصيبي األخرى ،وروايات تركي الحمد ،التي كشفت صراع األيديولوجيات، وتحطّ م المثاليات على صخرة ال��واق��ع ..فكانت عوالمها جاذبة لجمهور عريض لم يتعرّف على مثل هذه التيّارات في الواقع السعودي ،بالرغم مما ثار من جدل حول االلتزام الفني في هذه الروايات.
بعض االستثناءات التي شقّت طريقها الخاص.. الذي جمع بين امتالكه بعض دواع��ي ال��رواج من ج�ه��ة ،وإخ�لاص��ه ل�ل��رواي��ة ك�ف��نّ م��ن جهة أخرى، وتعد الروائية رج��اء عالم على رأس الروائيين المخلصين للعوامل الفنيّة ل�ل��رواي��ة ب�ع�ي��داً عن عوامل التلقي الشعبي لها.
وتشير مجمل التحليالت إلى أنّ صعود الرواية المستمر في الحقبة األخيرة ،ليس معزوالً عن السياق الثقافي واالجتماعي في الداخل والخارج. إذ يشير الدكتور صالح زيّاد إلى أن الفكرة النقدية شهدت تحوالً جوهرياً نحو النقد الثقافي الذي انصب على إبراز العيوب الثقافية النسقية ،وتعرية نماذجها ف��ي السلوكيات وال��ع��ادات واألع ��راف والنصوص التي لم تعد قيمة جمالية شكلية ،بل أصبحت وثيقة ثقافية ال تقل النكتة أو الطرفة العابرة فيها أهمية عن القصيدة العصماء .وال تفترق القصة أو الحكاية الشعبية عن المثل ،أو عن الرواية ،أو أي مدونات تراثية تتسم بالحكمة وتنزل منزلة نفيس القول(.)13
اجلوبة -ربيع 1433هـ 47
وترتكز اهتمامات النقد الثقافي على الكشف عن أبوية المجتمع وذك��وري�ت��ه ،وع��ن االستبداد بوصفه معنى ثقافياً ،كما شغلت قضية المرأة والتمييز الجنسي جانباً أس��اس�اً من اهتمامه، وبرزت في هذا الصدد كتب عبدالله الغذامي: “ثقافة الوهم” و“المرأة واللغة” و“النقد الثقافي” ،وكتاب سعيد السريحي حجاب العادة: أركيولوجيا ال�ك��رم م��ن التجربة إل��ى الخطاب، و“نص المرأة” لعالي القرشي ،ومقاالت سعاد ال �م��ان��ع ع��ن ال�ت�ح�ي��ز ض��د ال��م��رأة و“تمثيالت الجسد” لمعجب ال��زه��ران��ي ...وغ�ي��ره��ا .كما برز االهتمام بدراسة التحيز الثقافي لدى سعد البازعي في كتابيه“ :استقبال اآلخر” و“المكون اليهودي في الحضارة الغربية”(.)14 وفي المجمل ..فإن مالمح الرواج التي تمّت مناقشتها في الفقرات السابقة ال تختلف في تطبيقها على المنتج ال��روائ��ي ال�س�ع��ودي ،وما يصحّ هناك يصحّ هنا ،فعوامل ال��رواج الناشئة عن اآلني واالستهالكي سوف يفرز نتائج قصيرة ال �م��دى ،وال���رواج المصحوب بالنواحي الفنيّة الالزمة والمالمس لألبعاد اإلنسانية العميقة، سينال حظاً أوف��ى م��ن البقاء ف��ي ذاك ��رة الفنّ
الرصين ،كما يشير النقّاد إلى أنّ فترة الك ّم هذه سينتج عنها تغيّر نوعي في الكتّاب والمتلقّين، وانحسار الموجة التي ستؤول إلى تقلّص عدد الروايات الصادرة. وقد تصبح األعمال عالية الفنيّة الحالية التي تنزوي في الظ ّل بفعل تسليط األضواء على أعمال حققت معادلة الرواج ،قد تصبح رائجة في زمن الح��ق ..إذا تحققت الظروف الالزمة لرواجها، كما هو الحال في عدد من األمثلة العالمية التي حققت ح�ض��وره��ا ف��ي أواخ ��ر ح�ي��اة ال�ك��ات��ب أو الفنّان ..أو حتّى بعد وفاته ،بفعل عوامل رواج كامنة تتصل بالعمق اإلنساني ،وبتغيّر طبيعة المتلقّي ،وبفعل ما تتضمّنه األعمال من نظرة استشرافية واسعة. إال أن ال��زي��ادة المفاجئة ف��ي الكم الروائي ال�س�ع��ودي ستبقى ع�لام��ة تاريخيّة ذات أبعاد اجتماعية وثقافية وسياسية أكثر منها أدبية وف�ن� ّي��ة ،وق��د كشفت بعض ال��دراس��ات األدبية والثقافية عن بعض هذه الجوانب ،إال أنّ المجال ال يزال خصباً للمزيد من الدراسات االجتماعية.. التي ال تزال العناية بها متواضعة ،وال سيما في الجانب التطبيقي.
( )1د .محمد برادة ،الرواية العربية ورهان التجديد ،كتاب دبي الثقافية ،مايو 2011م ،ص.103 ( )2د .محمد برادة ،المصدر السابق،ص.104 ( )3جابر عصفور ،حوار مع مجلة روز اليوسف العدد - 4275السبت الموافق 15 -مايو 2010م. ( )4روجر أالن ،حوار في جريدة المصري في 13مايو 2010م. ( )5روجر أالن ،حوار في جريدة المدينة في 2010 -5 -26م. ( )6محمد براده ،مصدر سابق ،ص .105 ( )7د .محمد يحيى ومعتز شكري ،كتاب الطريق إلى نوبل 1988م ،عبر حارة نجيب محفوظ ،ص ،5ص،6ص10 ()8المصدر السابق،ص.19 ( )10( ،)9قائمة أشهر مئة رواية وكتاب. ( )11عبدالله الغذامي ،اليد واللسان ،القراءة واألمية ورأسمالية الثقافة1432،هـ ،ص.59 ( )12روبير إسكاربيت ،سوسيولوجيا األدب ،تعريب آمال أنطوان عرموني ،الطبعة الثالثة 1999م ،دار عويدات للنشر والطباعة ،بيروت ،ص.6 ( )14( ،)13صالح زياد ،مجلة القافلة ،العدد 2007 ،26م
48
اجلوبة -ربيع 1433هـ
> مالك اخلالدي -من السعودية
م������������ل������������ف ال������������ع������������دد
هوية الرواية :تساؤل أدبي أم أزمة ثقافية؟!
ما تزال أزمة هوية الرواية العربية منذ ولوجها المشهد األدبي العربي في بدايات القرن التاسع عشر على أشدها ،رغم المراحل العديدة التي قطعتها ،وصوال لجائزة نوبل وما بعدها .فقد بقي هذا النوع األدبي محل اجتهادات تتنازعها األيديولوجيات ،وتجري به األقالم وفق الجماليات التي تراها، أو األفكار التي تؤمن بها؛ لذا ،بقيت هوية الرواية العربية األمر المجهول المسكوت عنه ،ابتعاد ًا عن التوترات التي ال يمكن السيطرة عليها أو حلها بما يرضي جميع األطياف ،إضافة إلى اعتياد المتلقي على الرواية ذات المالمح الغربية منذ هطولها األول ،رغم الثورات الثقافية القومية التي م َّر بها العالم العربي ،إبَّان االستعمار ،والممانعات التي ظهرت -وما تزال -بسبب الصحوة الدينية في كثير من البلدان العربية. وه��ذا م��ا ي��ؤك��ده الباحث أحمد ال�ي�ب��وري في كتابه (الرواية العربية ،التكوين واالشتغال) حين يقول« :و قد نبتت أثناء عصر النهضة طائفة من المثقفين ثقافة أجنبية ،اطلعوا على ضروب آداب الغرب ،وكثير من هؤالء ينتسبون إلى تلك الرقعة العربية الواسعة التي تسمى الشام ،فعكفوا على الترجمة ،وق� ّرب��وا إل��ى العربية جملة من األدب القصصي وم��ن أدب المسرح ،فلقي ه��ذا اللون الجديد حفاو ًة وقبوالً عند القراء العرب» .ما أدى إلى ارتباك الرواية في بدايتها على مستوى البنية والهوية الثقافية ،فاختلطت بعض األجناس األدبية ببعضها ،واحتدم الصراع الثقافي ال��ذي يعكس توتر األنا لدى المثقف؛ فعلى سبيل المثال ،بدا ذلك ظاهراً في حديث عيسى بن هشام لمحمد المويلحي ،الذي يعد مزيجاً من المقامة والرواية، ومما جاء فيها( :أظنك تريد أن يقام االحتفال بزواج هذا الشاب المتمدن بين األحواض والمستنقعات
في قرية أبيه ،وبين األوباش والهمج من فالحين
ومزارعين ،فيبدل المقاصير بالخيام ..والكهرباء
بالمشاعل ،و«البوفيه» بالسماط ،و«المايونيز» بالعصيد ،و»الشامبانيا» بالمزهّ ر ،و«الكونياك»
بعرق البلح ،و«األوكسترا» بالرباب).
إال أن أص��وات الممانعة قد أسهمت بتعزيز
الهوية العربية في وجه المد الثقافي الغربي عبر الرواية ،إذ يقول الدكتور صبري حافظ في كتاب
(تكوين الخطاب السرد العربي)« :إن المشاعر الوطنية التي عمت األراضي العربية خالل العقد ال�ث��ان��ي م��ن ال �ق��رن ال�ع�ش��ري��ن ،وظ �ه��ور الحركات
الثقافية والفنية ال�ج��دي��دة م�ع�اً ،ق��د تجلت في
مستويين مختلفين منذ طموح العرب إلى إثبات
هويتهم المتميزة» .إال أن الصراعات الداخلية في المساحة العربية تركت هامشاً واسعاً للبعد األج�ن�ب��ي ،وجعلت م��ن الهوية وت ��راً م�ت��وت��راً غير
اجلوبة -ربيع 1433هـ 49
واضح اإليقاع. ويبدو أن تساؤل الهوية المُشكِ ل ينسحبُ على راهن الرواية السعودية ،حيث يبدو هذا التساؤل أزمة محورية يتنازعها الواقع السردي السعودي، بل إن من النقاد السعوديين كسعيد السريحي مَن يرى ندّية العالقة بين الهوية والرواية السعودية، ويؤكد على أن هذه العالقة أوجدتها فئة ال ترضى إال بسرد مثالي مغاير للواقع المُعاش ،فقد قال في ندوة (السرد ومأزق الهوية) التي عُقدت في المركز اإلعالمي للشيخ خليفة آل نهيان( :الجدل بين الهوية وال��رواي��ة يعود إلى ما تمثله األخيرة م��ن ت�ح� ٍ�د لمفهوم ال�ه��وي��ة ف��ي بُ�ع��ده��ا المعياري المحافظ ،ال��ذي ينظر إلى التغيرات التي تطرأ على المجتمع على أنها مجرد ان�ح��راف��ات عما ينبغي أن نكون عليه ،ظلت الهوية إجابة عن سؤال يسعى إلى تحديد مفهوم الهوية وفق صيغة :كيف ينبغي لنا أن نكون؟ وحين جاءت الرواية طرحت صيغة أخرى للسؤال المحدد للهوية تتمثل في: كيف نحن اآلن؟ وإن كانت الصيغة األولى تنتهي إل��ى تكريس مبدأ الوصاية على المجتمع ،فإن الصيغة الثانية التي تطرحها الرواية تنتهي إلى االعتراف بحرية المجتمع».
لذا ،نجد أن هوية الرواية ما تزال محل نزاع ثقافي فكري ،وق��د تجلّت في صورتين ،األولى واق �ع �ي��ة ت�ج�ن��ح ل�ل�ت�ح��رر األي��دي��ول��وج��ي وترفض الوصاية الفكرية ،وقد ظهرت لدى أشهر الروائيين السعوديين كعبده خال ،وأميمة الخميس ،ورجاء عالم ،ويوسف المحيميد ،والثانية مثالية ..تجنح للتقيد بالضوابط الشرعية والعرفية ،وترفض انتهاج المنهج ال�س��ردي الثقافي الغربي ،ولعل في طليعتهم الدكتور محمد الحضيف ..إال أن ال��رواي��ات في صورتها ه��ذه بقيت محدودة على مستوى البنية والفكرة والجمهور ،فيما حققت الروايات في صورتها األولى تمدداً الفتاً ،وجنت العديد من الجوائز العربية والعالمية.
ولعل انحسار الرواية بهويتها المحافظة في قالب الوعظ ،وفي إطار مواضيع محددة وبعيداً ع��ن الخطوط الحرجة التي تالمس المجتمع، أضعف فنيتها وأفقدها جمهوراً ليس بالقليل، وأبعدها عن دوائر المنافسات األدبية ،لذا بقيت الهوية المحافظة على مستوى الرواية متوارية، وصعدت الهوية الثقافية التي تنشد الحرية وتنزع إل��ى فتح األب��واب المواربة ..إال أننا ال نستطيع القول بأنها هي ما يمثل هوية الرواية السعودية، وفي حديث السريحي ..تتجلى لنا أزمة الهوية فاألمر لم يُحسم بعد ،ولعله مخاض تمر به الرواية في أشد صورها احتداماً ،ويقابله الروائي محمد السعودية ..السيما وقد وصلت للتوهج واألضواء الشمراني من الطرف اآلخر الذي يشاطره التأكيد وهي ما تزال في مرحلة البناء. لعلنا نتفق على أن الرواية السعودية هي عربية على حدة األزمة ،ويخالفه في سببها حين يصف روايته الجديدة المعنونة بـ (زوّار السفارات) بقوله :إسالمية الروح ،إال أنها غير واضحة المالمح.. «هناك فصيل ثقافي معين ،ارتبط ببعض الجهات نتيجة للتجاذبات االجتماعية والفكرية التي يمر األجنبية ،حيثُ ب��اع ك��ل ش��يء وأص�ب��ح تابعاً لها بها المجتمع السعودي بعمومه ،والنخبة المثقفة في كل شيء ،إنها محاولة تلمس جوانب العمالة بخاصة ،لذا ،يبدو البحث في هوية الرواية في الفكرية لهذا الفصيل لحساب قوى أجنبية مؤثرة ،وضعها الراهن يتجاوز إط��ار التساؤل إلى أزمة ثقافية تشهدها المساحة األدبية السعودية. تحاول فرض أجندتها على المجتمع المسلم».
50
اجلوبة -ربيع 1433هـ
م������������ل������������ف ال������������ع������������دد
الرواية السعودية وإنتاج املعنى > محمد جميل أحمد -من السودان
إذا كان جانب المتعة المتكشف عن الكتابة الروائية ،هو ما يسم تلك الكتابة ضمن أحد شروطها، فإن هناك بعض الشروط التي ترتبط بالكتابة السردية ،وتقع في مكان ملتبس ،يحسبه بعضنا فائضا عن الحاجة ،فيما هو من أهم شروط تلك الكتابة. فالكتابة الروائية ليست حكيا مجانيا ،وإن ظن بعضنا أن حكاية التفاصيل يمكن أن تكون داللة على ذلك ..فإنما هو ظن في غير محله. ذلك أن الكتابة الروائية إذ تبدو في مظهرها السردي الممتع إطارا لحكاية ما ،فإن ما وراء ذلك اإلطار من دالالت إنتاج المعنى ،ربما تعد من أهم السمات المتصلة بمتعة الحكاية ،بل ربما كانت هي الوجه اآلخر الذي تعكسه متعة السرد حين تقترن به اقترانا شرطيا. نشأت الرواية في العصور الحديثة كدالة تعبيرية ومواجهة واق��ع كهذا تستدعي تسخين الصراعات على مجتمع المدينة الذي شكلته الثورة البرجوازية بين المنظومات ذات المصالح المختلفة في الهيمنة في أوربا ،وما تولّد عنها من صراع اجتماعي تاريخي عليه ..وعلى توجيه مساراته. كانت الرواية التعبير األكثر قدرة على استيعابه. وإذا كانت الطبقات التي نشأت في أوربا ضمن وبهذا المعنى فقد ك��ان (ال�ص��راع) أح��د ثيمات ال ��رواي ��ة ال �ح��دي �ث��ة ف��ي ن�س�خ�ت�ه��ا األورب� �ي���ة .وكان الروائيون في أوربا حين كتبوا سردياتهم عن الحياة في العصور الحديثة ،يخوضون صراعا مع منظومة األفكار والمفاهيم الماضوية التي كانت لها سطوة وسلطة في ذهنيات بعض طبقات ذلك المجتمع ،ما يعني أن هناك إنتاجاً للمعنى وراء الحكايات التي كانوا يكتبونها.
سيرورتها التاريخية استطاعت أن تؤسس لعالقات اجتماعية وس�ي��اس�ي��ة منضبطة وع��اب��رة للهويات البدائية ،بحكم وض��وح مصالح تلك الطبقات عبر تمثلها في محددات اقتصادية ومهنية من شأنها أن تختزن حاالت إنسانية متسقة ،وقابلة للتعبير عنها أدبيا؛ فإن ذلك النشوء الصناعي للطبقات هو تماما ما جعل من طبيعة التعبير عن تلك الحاالت يضمر تكثيفا عميقا لالختالف والتنوع ،ال للتماثل والتطابق الذي تعكسه الهويات البدائية كالقبيلة والطائفة حين تتحكم في تصورات الناس وتحرك مشاعرهم.
وه ��ذا ال �ج��دل ح��ول إن �ت��اج ال�م�ع�ن��ى ،سيسوقنا بالضرورة إلى مفهوم (الواقع)؛ أي ذلك الواقع الذي ينعكس في انفعاالت الناس وحساسياتهم ،ويمارس والحال أن مفهوم (الشعب) هنا ،ربما كان أكثر ضغوطه على أعصابهم عبر المنظومات الفكرية احتماال في اختزان معنى التعدد حين التعبير عنه والسياسية واالجتماعية التي ينتجها وينعكس عنها .من مفهوم (القبيلة) أو (الطائفة).
اجلوبة -ربيع 1433هـ 51
لكن اشتباك ثيمات السرد الروائي المضمَّنة في منظومة إنتاج المعنى ..تستدعي أيضا مفهوما آخر.. وذا أهمية قصوى في عملية السرد ،ونعني بذلك معنى (الحرية) كمفهوم للذات الفردية والجمعية. فمن خ�لال سيرة الحرية يمكننا اكتشاف المعنى في العمل الروائي ،وبصورة قد تتجاوز تلك الحدود ولعل من أهم األوه��ام التي تشيع ظاهرة غياب النسبية بين موضوع وآخ��ر؛ فحتى مفهوم القبيلة المعنى في ذلك الكم الهائل من الروايات السعودية، والطائفة قد ينطوي على قيمة منتجة للمعنى؛ إذا يتمثل في تقليد نمط من الكتابة السردية العربية دون كانت الحرية مندرجة في بنيته الموضوعية. القدرة على تمثل تجربته .ذلك أن التجربة بطبيعة لعل هذا االستطراد في بيان بعض المالمح التي الحال ..حالة خاصة ،وتندرج في شروط معقدة ال يتجلى من خاللها إنتاج المعنى في العمل الروائي ..يمكن إعادة إنتاجها في كتابةٍ روائيةٍ أخرى ..حتى هو ما يمكن أن يمهد لنا للحديث عن أزمة (إنتاج في السياق الواحد؛ بمعنى آخر ..إن الكتابة الروائية المعنى في الرواية السعودية) .ذلك أن ما يكشف أشبه بالشفرة التي يخفيها الكاتب من خالل تجربته عنه الكم الهائل من الروايات السعودية مع المضمون الخاصة ،ضمن سياق حياته ،لتنعكس في نسيجه الهزيل للكثير منها؛ هو تحديدا ما يدل على تلك السردي ..كالبصمة تماما تحمل ذاته وفرادته. األزمة في إنتاج المعنى. وال� ��وص� ��ول إل� ��ى ه� ��ذا ال �م �س �ت��وى م ��ن الكتابة الروائي وض��رورة اندراجها في سياق معنى ،يكون بمثابة ال��وج��ه اآلخ��ر لمتعة ال �س��رد ،تعد م��ن أهم ش��روط الجدية في الكتابة ال��روائ�ي��ة ،ما يعني أن غياب المعنى في أي نص روائي ينطوي بالضرورة على إهدارٍ للجدية؛ وبالتالي الوقوع في التسطيح.
وال �ح��ال أن المعنى ك �م��وض��وع ..ف��ي ال��واق��ع ال يمكن أن يكون غائبا ،فالحياة اإلنسانية بالمطلق هي موضو ٌع للمعنى ،بل إن غياب التعبير الفني عن المعنى هو الغائب .األمر الذي يستدعي بالضرورة غيابا فكريا ومعرفيا عن ذلك الواقع أيضا .هكذا نجد أنفسنا أيضا أم��ام قيمة (المعرفة) ،كعنصر مهم من عناصر إنتاج المعنى في الكتابة الروائية إل��ى ج��ان��ب ال �ص��راع ،وال�ح��ري��ة وال��واق��ع .وبطبيعة الحال ،فإن ارتباط هذه العناصر ال يأتي في نسيج البناء ال��روائ��ي فقط كعناصر مفككة أو متجاورة، بل تلعب الموهبة هنا دورا كبيرا في لحمة نسيج تلك العناصر ،وإع��ادة تركيبها بصورة تمنح المتعة والمعنى في الوقت نفسه.
السردية في تجربة ال��روائ��ي يصبح نتيجة لتكوين تلك العناصر المتصلة بشروط إنتاج المعنى من خالل تجلياتها عبر موهبته .وهنا نجد أنفسنا أمام قضيتين :أألولى تتصل بالقدرة على إدراك المعنى وإنتاجه في الكتابة الروائية ،والثانية تتصل بوجود حيثيات المعنى في كل مجتمع إنساني عام؛ األولى تتصل بالموهبة ،والثانية بالواقع .لكننا حين نتأمل في واقع الرواية السعودية من حيث اتصالها بإنتاج المعنى ..سنجد أنفسنا أمام قضية جدلية بامتياز، ففي الوقت الذي تؤشر فيه تلك الروايات على غياب المعنى عن هويتها السردية ،نجد حيثيات المعنى موجودة ضمن موضوعات السرد في ذلك المجتمع الذي يصدر عنه الروائيون!
ومن خالل سياق المعرفة المنتجة للمعنى في والحقيقة أن ه�ن��اك ال�ع��دي��د م��ن الموضوعات العمل ال��روائ��ي ،نجد أن ه��ذه المعرفة تتجلى في السردية التي يمكن أن تستوعب ت�ج��ارب الكتابة أقنعة ال�س��رد م��ن خ�لال وع��ي ح��داث��ي ..حتى ولو ال��روائ�ي��ة ال�س�ع��ودي��ة ،م��ن خ�لال السياق التاريخي قاربت موضوعا يتصل بالبداوة مثال. والثقافي للمجتمع السعودي. وعليه ،يمكننا القول إن موضوعات االشتغال
52
اجلوبة -ربيع 1433هـ
هكذا يمكن لموضوعات مثل :الصحراء ،القبيلة،
وف��ي ه��ذا ال�ص��دد ،يمكننا أن نشير إل��ى تجربتين روائيتين من أنجح التجارب الروائية في الكتابة ال�س��ردي��ة ال�س�ع��ودي��ة .والمفارقة ال�ع�ج�ي�ب��ة أن ه��ات�ي��ن التجربتين بالنسبة لصاحبيهما تمثالن العمل السردي األول ،ما يؤكد لنا أهمية إدراك ش��روط ان�ت��اج المعنى من خالل التجربة والسياق.
وم ��ا ي�ف�س��ر ل �ن��ا ه ��ذا النجاح هو ردود األفعال التي نتجت عن هاتين ال��رواي�ت�ي��ن ف��ي اتصالهما بتاريخ وواق��ع ظال مهمشين إلى ح� ��دود (ال� �ت ��اب ��و) ،ف�ك�ش�ف�ت��ا عنه ال �ن �ق��اب ب�ط��ري�ق��ة ف�ن�ي��ة وسردية ممتعة ..كان المعنى متذررا فيها، ومواجها لذائقة القارئ فيما هو يستمتع بالحبكة والسرد والتشويق واإلثارة.
فرواية (ساق الغراب) للروائي يحيى أمقاسم التي صدرت كأول عمل روائ ��ي بالنسبة ل��ه ،جاءت تجربة ناضجة وغنية ومختزنة ل �ل �ك �ث �ي��ر م ��ن ج �م��ال �ي��ات السرد ال���روائ���ي ب �ش��روط��ه المختلفة، لتجسد هذه الرواية سمة أصيلة للكتابة المبدعة والممتعة والمهمومة في الوقت نفسه بأسئلة الماضي والحاضر ،على الرغم من موضوعها ذي الطابع التاريخي المتصل بحياة القبيلة .ذلك أن م��ا جعل ه��ذه ال��رواي��ة تتميز بمستواها الفني الرفيع إنما هو جماع تلك العناصر المنتجة للمعنى، والمعجونة بموهبة الروائي وصدقه الفني.
وم��ن خ�لال هاتين الروايتين ي�م�ك�ن�ن��ا ت �م �ث��ل وإدراك المعنى ك�ش��رط ش��ارط للكتابة السردية الجادة؛ تلك الكتابة التي فيما هي تورط القارئ في متعتها اللذيذة.. تضعه فجأة أم��ام أسئلة التاريخ وال� ��واق� ��ع ،وت�س�ت�ث�ي��ر ف �ي��ه حاسة التأمل في الكثير من المعطيات المسطحة في واقع وتاريخ لم يكونا في الحقيقة كما تخيله .وهكذا ..إذ تفعل هذه اللحظة السردية فعلها العميق عبر لعبة السرد في إنتاج المعنى ،تتحول أسئلة المخيلة المنبعثة من متعة السرد إلى مواجهة جادة للتاريخ والواقع من لحظة أخرى تماما ..هي لحظة انتهاء القارئ من قراءة الرواية.
أما الرواية الثانية فهي رواية (شارع العطايف) للروائي عبدالله بن بخيت ،التي كانت بمثابة التجربة األولى أيضا لكاتبها في مغامرته السردية ،فحققت نجاحا كبيرا في أوس��اط ال�ق��راء ،ووج��دت أصداء عميقة في ردود فعل النقاد الذين كتبوا عن جوانبها المختلفة ،ليؤكدوا الغنى والعمق واالستبطان الفني
هكذا ،يمكننا من خالل تلك الشروط الخمس المتصلة بالصراع ،والحرية ،والمعرفة ،والواقع، في نسيج عمل الموهبة المصقولة بالصدق الفني، ال��وق��وف على حيثيات إن �ت��اج المعنى ف��ي الكتابة الروائية بصورة عامة ،وال��رواي��ة السعودية بصفة خاصة.
م������������ل������������ف ال������������ع������������دد
الطفرة ،الحج ،واآلخر (األجنبي)، ي�م�ك��ن أن ت �ك��ون ث�ي�م��ات سردية بامتياز ..إذا أمكن لمبدع موهوب أن يستبطن سياقها اإلبداعي، ويكشف ع��ن ح��االت�ه��ا الجمالية المتخفية وراء الواقع.
ل �ل��واق��ع ال���ذي ت�ك�ش��ف ع�ن��ه هذه ال� ��رواي� ��ة ،م ��ن خ �ل�ال استنطاق المسكوت عنه من سيرة المجتمع وعوالمه السرية.
اجلوبة -ربيع 1433هـ 53
الفنتازيا في الرواية السعودية > فريال احلوار -من السعودية
لألدب الروائي طرق ومذاهب ،ومن الطرق األدبية «الفنتازيا»؛ أي األدب الخيالي ،أو الرواية الخيالية التي ترادفها في اللغة اإلنجليزية كلمة ( ،)fictionوهي سفرٌ في الخيال ..يمتد في عالم من الصور واألوه��ام والكائنات التي ال تدركها الحواس البشرية ..وهي تضفي على نفس القارئ متعة ال يمكن وصفها؛ إذ يدخل القارئ من باب الواقعية إلى عالم الفنتازيا ..ثم يخرج منه إلى الواقع مرة أخرى. تعد الفنتازيا من أصعب األشكال األدبية الروائية ،وهي تتألف من حبكة ،صراع وشخصيات ،أحداث، قيّم ومبادئ ،يرغب الكاتب في عرضها ومعالجتها ،لكن في قالب فنتازي .وهذا يعني أن الفنتازيا ليست خيا ًال جامح ًا فحسب ،ألن الواقعية موجودة في الفنتازيا ،لكن الخيال يكون في تكوين القالب العام للرواية ،إذ يبني الروائي عالم ًا في الفنتازيا ليكون قالب ًا روائي ًا يضع فيه كل صغيرة وكبيرة حول نظام سياسي ما ،أو اجتماعي أو اقتصادي ،ولربما ديني ..ثم يعرض لهذه المشاكل عبر طريقته الخاصة؛ مثال ذلك جابرييل غارسيا ماركيز في رائعته «مئة عام من العزلة» ،إذ صور غرائب األحداث ،وخوارق الوقائع ،وذخائر المشاعر ،ودقائق التحليالت ،وعظائم المفاجآت ،وحشدها جميعا على صعيد واحد، وعلى مدار عشرة عقود من الزمن ..ألسرة متفردة في الغرابة وسحر الفنتازيا. إن القالب الفنتازي هو المميز لمذهب الفنتازيا، إذ يعتمد على السحر واألس��اط�ي��ر وغيرها من األشياء الخارقة للطبيعة ،كعنصر أساسي للحبكة أو الفكرة الرئيسة للعمل ،وتُ�ع��رف صناعة هذا القالب في عصرنا الحالي بعنوان «بناء العوالم الفنتازية» ،وق��د ُع��رف ه��ذا المصطلح في عالم الرواية بعد كتابة تولكين لثالثية «سيد الخواتم» التي ص��درت تباعا بين عامي 2001و2003م. وقد برع الكثير من الروائيين العرب في كتابة هذا النوع من الرواية ،منهم إبراهيم الكوني في جل أعماله الروائية ،وكذلك خيري شلبي والفلسطيني يسري الغول وغسان العلي.
54
اجلوبة -ربيع 1433هـ
أما في المملكة العربية السعودية ..فقد ظهرت المالمح األولى للفنتازيا في الرواية السعودية من خالل رواية «غرباء بال وطن» لغالب حمزة ،حيث عرض لبعض قضايا الفنتازيا من خالل الالجئين الذين يتعقب أخبارهم الصحفي حسنين من خالل الراقصة سعاد/شهرزاد الحكاية .التي تمسك ببعض من أسرار هؤالء السياسيين في القاهرة(.)1 ثم لحقتها رواي��ات ذات طابع فنتازي ..سنعرض لبعضها ف��ي ه��ذا المقام وهي:العصفورية ،أبو شالخ البرمائي ،والجنية ،للروائي واألديب الشاعر غازي القصيبي ،ثم قصة «دماء الفيروز» للكاتب طلق المزروعي ،وللكاتب عبدالحفيظ الشمري في رواية «غميس الجوع» ،ورائعة «ساق الغراب»
يعد الكاتب غازي القصيبي صاحب بصمة واضحة ومتميزة في رواي��ة الفنتازيا في األدب ال� �س� �ع ��ودي ،وذل� ��ك م ��ن خالل أبطال أعماله الروائية الذين ي �ع �ب��رون ع��ن رؤى القصيبي، ال �ش��اع��ر واألدي� ��ب والسياسي ورجل االقتصاد والدبلوماسي، ع ��ن ط ��ري ��ق ف �ن �ت��ازي��ا مُخيلة ال�ق�ص�ي�ب��ي ..ب��داي��ة ف��ي رواية «العصفورية»( )2حيث جعل الجنون قمة العقالنية من خالل عرض فنتازي يجري داخ��ل مستشفى األع �ص��اب ف��ي لبنان ،بين مريض ه��و «ال ��راوي» المهيمن ف��ي ال��رواي��ة ،وطبيب نفساني «سمير ث��اب��ت» .وال��رواي��ة ت ��دور بين االث�ن�ي��ن ف��ي حديث مطول مستمر من المريض ،يعتبر صرخة في وجه الفساد المستشري ال��ذي أصبح يطغى على كل مناحي الحياة االجتماعية والسياسية واالقتصادية والروحية ..وينفث سمومه فيها .وتنتهي الرواية بجنون الطبيب النفسي ،وهروب المريض بالجنون إلى عوالم أخرى!..
م������������ل������������ف ال������������ع������������دد
للكاتب يحيى أمقاسم.
البرمائي ،ال��ذي سبَق زمانه في م �ن� ٍ�اح وم �ج��االت ع��دة :فهو أحد صناع القرار في العالم ،حيث كان ُ مستشاراً لعدة رؤساء أمريكيين، وهو متعمق في تفاصيل مشاريعهم الشرق أوسطية ..وألهمية رأيه في توجيه السياسة األمريكية.. ت��رك روزف�ل��ت وصية لمن يخلفه م��ن ال ��رؤس ��اء ب ��أن ي�ع�ت�م��د على مشورة أبي شالخ البرمائي .وأبو شالخ البرمائي يتحكم باألحداث العالمية ..وقد كان سبباً من أسباب حرب الخليج الثانية ،ولوال تدخله في حرب فيتنام لتغير مصيرها التجاه آخ��ر ..وأبو شالخ الخارق يكشف ع��ن أس ��رار م�ض��ت ،ووق��ائ��ع غامضة في العالم ،وقد التقى مارلين مونرو ،وجالس هتلر، وله مغامرات رومانسية ال تُعد وال تُحصى .تجَ ول
تعد أعمال القصيبي فنتازيا تنهج نهج»ألف ليلة وليلة» ،وذلك من خالل أسلوب توليد الحكاية داخل الحكاية ،حيث ألبس القصيبي بطله «يعقوب ّ المنضح» في رواي��ة «أبو شالخ البرمائي»( )3ثوب ش �ه��رزاد ،وأن �ش��أ ال�ك��ات��ب م��ن خ�لال لغة سردية مكتنزة بقدرة الحكواتي الخُ رافية ،ذاك الذي يُسحر بأسلوبه الحكائي المؤثر ،وواقعيته األكثر غرابة من األساطير نفسها ،حيث يصحبنا القصيبي في رحلة حول العالم ،وداخل النفس اإلنسانية وعوالم ال� ِ�ج��ن! حيث تتحدث ال��رواي��ة ع��ن حياة اإلنسان «السوبرمان» ،اإلنسان الخارق المتمثل بأبي شالخ
اجلوبة -ربيع 1433هـ 55
أبو شالخ البرمائي في األمكنة وكذلك في األزمنة منذ بدائية اإلن�س��ان وط��رق تنقله على الدواب، حتى حضارة اإلنسان الصاروخية واالنترنتية! وفي نهاية الرواية يتحدث أبو شالخ البرمائي للصحفي عن هوايته المفضلة ،وهي القفز من المرتفعات الشاهقة ،لكن الصحفي لم يُصدقه ،لذلك اضطر للقفز من الطابق العاشر ،ينزل الصحفي ويُصاب بالذهول عندما يجد أبو شالخ بكامل قواه ..وقد جلس يتحدث مع الناس ،ثم يتشهد ويموت! يمتلك القصيبي خصوصية روائية قائمة على الفنتازيا والميتاواقعية ،ب��دت جلية ف��ي حكاية «الجنية» ،حيث اشتغل على تجربة واقعية/كابوسية عاشها «ض��اري الضبيّع» ،ويحكي لنا تفاصيلها ال�غ��ري�ب��ة ح�ي��ن ي �ب��دأ ال�لام �ع �ق��ول ف�ي�ه��ا بالحلم/ الكابوس ،عندما رأى حبيبته فاطمة الزهراء وهي تُدفن في قبر «كان الحُ لم واضحاً وضوح الحقيقة، وكانت التفاصيل مذهلة في دقتها :جدار المقبرة، وبابها ،والقبر المفتوح ،والجسد الذي يُدس في ال �ت��راب ،وأه��ل الحبيبة يَتلقّون ال� �ع ��زاء»( .)4بدأ القصيبي أحداث الحكاية بالسرد الغرائبي ،ليمهد المتلقي الستقبال الجديد من األحداث الفنتازية، وعجائبية السرد في «الجنية» تظهر من خالل بعض المشاهد التي ال يُصدقها العقل ،خصوصا عندما يصف وداع فاطمة الزهراء في المطار حين همست في أذنه أنها تعتذر، ألن� �ه ��ا اض� �ط���رت إل� ��ى تقمص «شخصية غير شخصيتها» ،وأن فاطمة الزهراء ماتت فعال .ثم أعطته ورقة وهمست« :إذا أردت رؤي�ت��ي فما عليك إال أن تحرق ال� ��ورق� ��ة»( ،)5ل�ق��د أح��دث��ت هذه الجنية نوعاً من الرهبة والخوف
56
اجلوبة -ربيع 1433هـ
في نفسية البطل ،وهما عامالن يساعدان في توليد التهيئات المخيفة من كائنة تترصده جيئة وذهابا« ،كيف أعرف أن عائشة ليست شيطانه... وأني لن أكون ضحية ساذجة للشياطين»( ،)6كذلك تجمع الرواية بين مستويين لغويين ،مستوى لغة الخيال ..ومستوى لغة الواقع الذي يحكي به هذا الخيال وينقله أدب �اً ،ويالحظ أن لغة الخيال في الحكاية هي لغة استباقية ،تتعاطى مع مجريات األحداث بألفاظ خاصة ..تسير ومستوى الخيال صعوداً ون��زوالً ،معتمداً على لغة انسيابية تقرب المشهد العجائبي إلى ذهنية المتلقي ..نجدها من خالل حوارات ضاري والجني قنديش« ،لماذا نشأت لديك هذه الرغبة في التعرف إلى عوالم اإلنس؟ ابتسم قنديش وقال :لهوى النفس سريرة ال تُ�ع �ل َ�مُ .ك�م��ا ق��ال ش��اع��رن��ا ال�ج�ن��ي ،ون�ق�ل��ه بعد ذلك عن لسانه شاعركم المتنبي .وهنا ال بد أن أتوقف ألؤكد أن مصدر الشعر الوحيد هو عبقر، وعبقر منطقة تجارة حُ ��رة في عالم ِ الجن،)7(».. وطغت على ال��رواي��ة ص��ورة ال��رج��ل ال��ذي يعيش حياتين ،حياة طبيعية يعيشها مع زمالء الدراسة واألساتذة في الجامعة ،وأخ��رى ترفعه إلى عالم الخيال مع الجنية عائشة والجني قنديش ،حين يتعرض لحالة غرائبية ينقلها حين ي�ك��ون في الواقع إلى صور حركية تتحرك مع حركة البطل .ازدواجية هذه الحياة مأخوذة من واقع أليم.. اختلطت فيه المشاهد الخيالية العجائبية ،بالمشاهد الحقيقية، ل�ك��ن ال �ك��ات��ب رف ��ع ال��واق��ع إلى الخيال ،وخلق منه عالماً ينقل المتلقي ب�ي��ن ف �ض��اءات النص المتباينة ،ويضعه على شرفاته المتنوعة ،إذ يشعر ب��أن��ه يقرأ
م������������ل������������ف ال������������ع������������دد
عمال درامياً كبيراً! نظراً العتماد الكاتب على لغة تصويرية تجعل القارئ يترصد حركة الشخصيات في شريط سينمائي ،اعتمد فيه على نقل جزئيات الشخصيات ومتابعة نفسياتها ب��دق��ة ،وبشكل خاص تتبع البطل «ض��اري» حيث وضعه الكاتب م��رك��ز ع��دس�ت��ه ال��روائ �ي��ة ،ف�ك��ان��ت الشخصيات األخرى عناصر مساعدة لتوليد ال �خ �ط��اب ال� �ص ��ادر م��ن البطل ق �ط��ب ال � �ح� ��وار ..ك �ح��دي �ث��ه مع ال �ب��روف �ي �س��ورة «ه���دس���ون» في باب كامل من الحكاية ،وتجري أحداث الرواية بين زمنين ،زمن ال��وق��ائ��ع وزم��ن ال �س��رد الخيال، تجري أحداث الفنتازيا في زمن ال �خ �ي��ال /زم ��ن ح �ض��ور الجني قنديش والجنية عائشة .وبين زم ��ن ال��وق��ائ��ع وزم ��ن الخيال.. يأخذ السارد «ضاري» استراحة قصيرة لرواية ما تعرض له من فنتازيا األحداث، كان كابوس موت فاطمة الزهراء ذا داللة عميقة، إذ فيه إشارة إلى مباغتة الموت لإلنسان في أي مكان ،وفي أي زم��ان ..وقد أحدثت هذه الصورة الحادة للموت أث��راً نفسياً في حياة البطل ،وهو يعيش تجربة بؤس داخلي رهيب ..نتيجة صراع نفسه الحيّة في ظل بحثها عن حالة دائمة مع ِ عائشة« :قلت بهلع :فطوم! فطوم! فطوم! ظهرت على وجهها ال�س��اح��ر ،ألول م��رة م�لام��ح غضب مكتوم وقالت :اسمي ليس «فطوم»! ما كان ينبغي أن أسمح لك أن تسميني باسم غير اسمي .قلت: آس��ف! عائشة! عائشة! أرج��و أن ...قاطعتني! وصلنا اآلن إلى قلب المشكلة .أنت تود أن تعيش مع فاطمة الزهراء.)8(»..
اعتمد على ال�س��رد ال�لاح��ق ال��ذي ينقل أحداث الماضي القريب «م��اذا أق��ول؟ أق��ول إن صاعقة أصابت وجودي ،وما يزال الدخان يتصاعد منه.. أق��ول إن زل��زاالً ض��رب حياتي ..وال ت��زال حياتي ترتعد .الفكرة الكبرى التي تمور من حولي وتعود إل��يّ ،هي أن ه��ذا كله ،كل ه��ذا ،حلم من أحالم ال �ي �ق �ظ��ة ..وإن �ن��ي س��أف�ي��ق ذات صباح ،ف��أدرك أن��ي توهمت كل شيء»(.)9
يشير ال �ك��ات��ب أث �ن��اء سرده ل�لأح��داث إل��ى الكلمة المفتاح التي تبعث الطمأنينة في نفس ال �م �ت �ل �ق��ي ،وي��وه �م��ه ب���أن هذه األح��داث (الخيالية) وقعت في الماضي ،وفي فترة (كابوس)، وال داع ��ي ل�ل�خ��وف م�ن�ه��ا ،كما أن ال��ك��ات��ب اس��ت��خ��دم تقنية التالعب باللغة ،إذ استطاع أن ينقل الخيال أدب �اً يمتاز بالجمع بين العقالني والالعقالني بطريقة سرد الفنتازيا التي تكسر بنية اللغة «ب��دأت كتابة هذه الرسالة على غير ه ��دى ،وأن�ه�ي�ه��ا وال��ق��رار ي��وش��ك أن يتبلور في ذهني ...إني بدأت الكتابة بإصبع ثابتة ..وأنهيتها بأصابع ترتعش ،حتى أصبحت الحروف شبيهة بالطالسم ،الطالسم التي تنتظرني في حياتي القادمة معك»( ،)10وهكذا يستمر التمويه ليدخل بالمتلقي إل��ى ح��دود التخيل للنهايات الممكنة للحكاية ،فالقارئ يدخل في السرد الفنتازي، وت�ص�ب��ح ال �ص��ورة ص� ��وراً م �ت �ع��ددة ،تعكس رؤىً ع ّدة ،وتخيالت ممكنة وغير ممكنة ،إنه العزف على وتر المشاعر الجيّاشة التي تتجدد بتجدد ال�م��واق��ف ال�ت��ي يعيشها البطل .إن بنية النص ومما يلفت االنتباه في حكاية الجنية أن الكاتب توحي أن الكاتب أراد من خالل اللغة السردية
اجلوبة -ربيع 1433هـ 57
الجمع بين جماليات ال�ل�غ��ة ..وم�غ��ام��رة السرد الفنتازي «التقيت ...خالل شهر العسل بثالثين امرأة مختلفة ،كل واحدة منهن خارقة الجمال، وكل واحدة منهن هي زوجتي .شيء يدير الرأس، أليس كذلك؟( )11من خالل هذا التساؤل يعكس الكاتب حالة الغرابة التي عاشها البطل من خالل فضاء عجائبي ،تجاذبته صراعات البطل النفسية بين وجود الزهراء الوهمي ..وحقيقة موتها!
الصعود ثانية للسماء ..اسفح الخصب والنماء على األرض»( .)13في الحلم يتمسك الراوي بامرأة هي كل النساء ،ينادي لياله ،فيضيع صوته في ال �ف��راغ ،يتمسك ب��أط��راف ث��وب ش �ه��رزاد حين تتالشى في اضمحالل القمر وطقس الغياب، يتيقن أنها كانت حلماً ،فيشعر بالالجدوى ،دماء الفيروز رحلة حلم ..تكشف عن أس��رار ما وراء رمز شهرزاد.
وكذلك نقرأ في المجموعة القصصية «دماء الفيروز» للكاتب طلق المزروعي احتفا ًء بفنتازيا المرأة /الحُ لم على نهج حكاية «الجنية» ،وذلك ف��ي قصة «دم��اء ال�ف�ي��روز» التي حملت عنوانها المجموعة القصصية ،لم يكن حلماً عاديا ذاك الذي احتفى به الكاتب ،ألن الكون نفسه قد تهيأ الستقباله في قلب الليل ،بِألق شعاع القمر الفضي ال��ذي وه�ب��ه بسخاء لليلة الحلم ،ع��اش الراوي خاللها أرب �ع��ة ط�ق��وس أس �ط��وري��ة ،ت�ب��دأ بطقس الظهور حين تبدت شهرزاد من المجسم الخشبي ودعته للرقص ،سألتني :هل تشتهي الرقص؟
وي �ع��رض ال�ك��ات��ب عبدالحفيظ ال�ش�م��ري من خ�ل�ال رواي� ��ة «غ�م�ي��س ال �ج��وع» لقضية التحول االجتماعي بعد ظهور النفط ،في إطار من فنتازيا جنون التالشي ،التي اعتنقها «الدهيني» ،وروج لها كدواء لعلل التحول «كنت وال أزال أنشد التالشي ال��ذي سيوفر ل��ي حياة برزخية هانئة ،تريحني م��ن مطالعة ه��ذه الصحراء المعذبة والمُنتهكة حرماتها ،المصابة منذ دهر بمكائد الزمان»(.)14 وصفَة للبحث عن الذات التالشي عند الدهيني ْ «كنت وال أزال أنشد التالشي ..ذاك الوكر المعتم والسرمدي الفائق الهدوء ..تصيبني حكاية الراعي ال �ت��ي تتلبسني م�ن��ذ خلقت ب��ال�م��رض والصرع، ودخول الجان وأهل الخفاء في تضاعيف عقلي... عبارة تجلدني بسبعين سوطا .هي القائد إن أردتم فتصدوا لها بالله عليكم لتقود الرعية»( .)15لم يفلح ال �ت�لاش��ي ،وال م�ص��اح�ب��ة الجن في انتزاع األل��م والضياع الذي يعيشه الدهيني وأص�ح��اب��ه في رمل «غميس الجوع» ،والعواصف ال �ع��ات �ي��ة ك�ش�ف��ت وج ��ه المفازة ال�ق�ف��ر ح�ي��ن ت�ق�ت��ص م��ن عقوق أبنائها ،فقرر الدهيني أن يواجه ال �م��ارد العصي «س��أل�ق��ن كثبان غميس ال �ج��وع درس� ��ا ..ستعلم هذه الكثبان بأني امتلك نهايتي وه��ي ال تمتلك إال ه��ذا الرمل
ن�ع��م ..نعم ،ورح��ت أت��رن��ح على ص��وت إيقاع خطواتها فوق رخام الغرفة.. فقلت بلهفة :أيقظي نشيد ال��روح في برزخ ال��وق��ت الشهي ،فقد ال نلتقي مرة أخرى»( .)12ويتعاظم حضور ش��ه��رزاد ف��ي ال�ط�ق��س الثالث حين حلت فيها روح المعبودة عشتار ،وأخذت تحكي طقوس رح �ل��ة ع�ش�ت��ار ال�س�ن��وي��ة «أنزل إل���ى رح���م األرض السفلى.. أم��ر ب��األب��واب السبعة راجعة.. واعتمر على رأسي تاج السهول ال�م��رص�ع��ة ب��ال �ف �ض��ة ..أمارس
58
اجلوبة -ربيع 1433هـ
وي� �ض� �ي ��ف ال� �ك���ات���ب يحيى أم �ق��اس��م إل ��ى األدب الروائي لا أك�ث��ر م��ن رائع ال�س�ع��ودي ع�م� ً ()17 تحت عنوان «س��اق الغراب» ، ي �ق��دم م��ن خ�لال��ه رؤي� ��ة جريئة للتحول الذي غزا منطقة بعيدة جنوب غرب السعودية ،وانتهاك حرمة الطبيعة بطريقة يتشعب السرد فيها بكل اتجاه ،ويتداخل فيها الواقعي بالغرائبي ،والعقلي بالوهمي ،ويحكي فيها الكاتب يحيى أمقاسم م��ن خ�لال عوالمها الفنتازية األسطورية عن طقوس مشتركة الحتفال كوني بالحياة الفطرية ال�خ�لاب��ة ،فيشترك فيه اإلنسان مع بقية الكائنات على مسرح جبل ساق الغراب الذي يأسر بسحر طبيعته. بعد ه��ذا ال �ت��طّ ��واف البسيط على بعض من المنجز ال��روائ��ي ال �س �ع��ودي ال ��ذي يحمل طابع الفنتازيا ،ال ب��د لنا م��ن ال��وق��وف على عالمتين () 1 ( )2 ( )3 ( )4 ( )5 ( )7 ( )9 ( )11 ( )12 ( )13 ( )14 ( )15 ( )17
التجريب الفنتاستيكي الذييبحث ف��ي المخّ يال الجماعي ليعكسه أدب��ا ،ويعمل من خالل ال�س��رد على مواضيع غرائبية ع �ج��ائ �ب �ي��ة ت��م��زج ب �ي��ن الواقع والالواقع ،لتجعل المتلقي يصدق ه��ذا ال�لاواق��ع ،ويتتبع حكاياته بكل اهتمام وتركيز ،ومثال ذلك رواية «ساق الغراب».
م������������ل������������ف ال������������ع������������دد
الذي تحثوه في وجوهكم.)16(».. في الصباح وجد الدهيني ميتا بطريقة ال تعرفها كثبان «غميس الجوع» إال في طيات األساطير ال��ق��دي��م��ة ال� �ت ��ي ت��ت��ح��دث عن أسالف الدهيني!
بارزتين فيه وهما:
«العناوين» التي تعكس وتشيرإل���ى ب�ن�ي��ة ال �ن �ص��وص الداخلية والخارجية ،السطحية والعميقة مثل «الجنية»، «دم���اء ال �ف �ي��روز» وغ �ي��ره��ا ،إذ يستنتج منها القارئ الواعي أن النص هو العنوان ،والعنوان هو النص ،كما أن هناك عالقة جدلية تجمع بينهما ،هي عالقة تفاعلية يؤثر العنوان فيها على النص ،والنص على العنوان ..ويمكن ع ّد العنوان الثيمة الكبرى التي تتمحور حولها الرواية ،وبهذا نجد أن الكتاب اعتمدوا على إث��ارة انتباه ال�ق��ارئ إل��ى موضوع ال��رواي��ة من خالل دهشة العنوان المثير الذي يمهد خيال المتلقي وذهنه الستقبال أحداث الرواية.
غالب حمزة أبو الفرج .غرباء بال وطن ،دار اآلفاق ،بيروت1981 ،م. غازي القصيبي .العصفورية ،دار الساقي ،بيروت1996 ،م. غازي القصيبي .أبو شالخ البرمائي ،المؤسسة العربية للدراسات والنشر والتوزيع ،بيروت ط2001 ،2م. غازي القصيبي .رواية الجنية ،المؤسسة العربية للدراسات والنشر والتوزيع ،بيروت2006م .ص27 ( )6المصدر السابق ص .122 المصدر السابق ص .29 ( )8المصدر السابق ص.145 المصدر السابق ص .66 ( )10المصدر السابق ص.118 المصدر السابق ص .115 المصدر السابق ص .212 طلق المزروعي .دماء الفيروز ،المؤسسة العربية للدراسات والنشر بيروت2006 ،م .ص.23 نفس المصدر .ص.26 عبدالحفيظ الشمري .غميس الجوع ،دار الكنوز األدبية ،بيروت2008 ،م .ص.158 ( )16المصدر السابق .ص.170 المصدر السابق .ص .14 يحيى أمقاسم .ساق الغراب ،دار اآلداب ،بيروت ط2008 ،1م.
اجلوبة -ربيع 1433هـ 59
السعوديّة؛ رؤية ومناذج املكان في الرواية ّ > د .إبراهيم الدهون -جامعة اجلوف
يرتبط اإلنسان في المكان بصلة ذات أبعاد متجذرة ،كما أنَّ عالقته به جدلية مصيرية ،فما من حركة أو رحلة في هذه األرض إ ّال وتنتهي بمكان. فالمكان اصطالحاً :مفهوم دال على وج��ود ،وه��ذا الوجود تتعدد أشكاله ،نحو :بيوت ،وطرقات، وتشابكات ،وتعاركات ،ومن هذه األشياء تتولد األفكار والمشاعر والعواطف واألحاسيس والرؤى ،وهذا ما يتجمع ويحتشد في فكر األديب ،فيطفح في وجدانه ،وتمتلئ صوره ،ويبدأ قلمه يرسم ما جال في خلده .لذلك فإنَّ مصطلح المكان في العمل األدبيّ ال يحكم عليه من خالل الوصف المادي فحسب، وإنّما يتجسّ د في العالقة القائمة بين اإلنسان والبطل واألديب والمكان ،وفي تلك العالقة المستقرة التي تمثلها (أنا) المبدع في ارتباطها بالمكان. إنَّ األدي��ب في نظرته للمكان ،تتعدى صوره المادية( :الجغرافيّة) الحقيقية ،لتظهر بعدئذ رؤاه أكبر من مساحة البقعة األرضية المجسمة ال�م�ح��دودة ال� ِّن�ط��اق ،متفاعلة معه على أساس االمتداد واالرتفاع والتحليق ،فتمتزج عند األديب لحظات ال��وع��ي م��ع االن �ط�لاق نحو المجهول، وعوالم الالمحدود المكاني.
عنصر من عناصر العمل الروائي ،إذ قد يتحوّل من مجرد خلفية تقع عليها أحداث الرواية إلى عنصر تشكيلي من عناصر العمل الروائي ،كما أنَّ له أهمية كبيرة في تأطير المادة الحكائية وتنظيم األحداث السّ رديّة ،ومن هنا يمكن القول: إنَّ المكان يجسّ د المسار ال��ذي يسلكه تجاه ال��سّ ��رد ،وه��ذا ال�ت�لازم في العالقة بين المكان وال �ح��دث ..ه��و ال��ذي يعطي ل�ل��رواي��ة تماسكها وانسجامها ،ويقرّر للحدث ال��ذي يأخذ السّ رد لتشييد خطابه ،ومن ث ّم يصبح التنظيم الدرامي للحدث ،وهو أحد المهام الرئيسة للمكان(.)1
فإنّ للرجل والمرأة بكتابتيهما الروائية على حد س��واء ،دوراً مهماً في تق ّدم هذا الفنّ وازدهاره مطلع ال�ق��رن ال�ح��ادي والعشرين ،وانتقاله من المحليّة واإلقليمية إلى العالميّة.
ويكتسب المكان جماليته الفنيّة ليس بوصفه ج��زء رئيس من أج��زاء ال��رواي��ة الفنيّة ،أو كونه مسرح األحداث وتحرك الشّ خوص فحسب ،بل يتحول في بعض األعمال اإلبداعيّة إلى فضاء ،أو بوتقة تنصهر فيها ك ّل العناصر والثيمات الروائية للعمل األدب ��يّ ال��واح��د ،بما فيها م��ن تحركات
وإذا كان الفنّ الروائي أحد أهم الفنون األدبيّة التي تطورت خالل القرن العشرين في الوطن العربي ..بداية من مصر ،وم��روراً ببالد الشّ ام، وأقطار المغرب العربي ،وشبه الجزيرة العربيّة،
لهذا ،يُ َع ُّد المكان في الرواية عنصراً باعثاً لا ع��ن أنّه ل�ط��اق��ات وظيفية ال م �ح��دودة ،ف�ض� ً
60
اجلوبة -ربيع 1433هـ
وللمكان وظيفتان اثنتان :األول��ى ،أنّه مجرد يتكئ على مشاهد الطبيعة وظواهره الحقيقية م��رآة تتحرك أمامها ال��شّ �خ��وص ،وتتبلور فيها والمصطنعة ،بما فيها من شوارع ومحال وبحار األحداث ،وتحركات الشّ خوص؛ والثانية ،ناطقاً وأنهار...
ال ألفكارها بلسانها وخوالجها الشّ عوريّة ،وحام ً
وأطرها الرئيسة.
وتأسيساً على ما سبق ،احت ّل المكا ُن مكان ًة
مرموق ًة في ال��رواي��ة السّ عوديّة المعاصرة؛ ألنّ
م������������ل������������ف ال������������ع������������دد
وشخوص ،وما يحدث بينها من عالقات.
سنقصر دراس�ت�ن��ا على ال�م�ك��ان ال��روائ��ي الذي
ّص ال��روائ��ي يتجاوز كونه مجرد وتأسياً على ما سبق ،يمكن تقسيم المكان إلى المكان في الن ّ ش��يء جامد أو أخ��رس ،أو تقع عليه مجريات أنواع ثالثة ،هي: ال الرواية ،بل هو عنصر فعّال في الرواية حام ً
المكان الخيالي :وهو مسرح سريع ،أو إضاءة على بقعة من المكان ،يكون دورها التّوضيح في بنائية ال��رواي��ة“ ،لذا ي��رى بعض النّقاد أنّ لتفاعل حركة الشّ خصيات في زمن ما. العمل األدب��يّ حين يفتقد المكانية ،فهو يفتقد المكان الحقيقي :وهو ما يقوم األديب بتصويره خصوصيته ..وبالتالي أصالته”(.)3 دون تزييف أو تغيير. الصادرة ومن هنا ،نلحظ أن أغلب األعمال ّ المكان النّاطق :يجسّ د هذا النّوع تجربة الشّ اعر ال� ّداخ�ل�ي��ة ،فيحمل ف��ي معاناته الشّ خصية في مجال ال��رواي��ة السّ عوديّة حديثاً ،وبخاصة لألدباء الشّ باب ،أخذ المكان فيها حيزاً كبيراً، ورؤاه الفكريّة. وتجلّى كمحور أساس ،تتشكل فيه عوالم الرواية، ول��ذل��ك ،فقد ش��اع عند ال��دَّ ارس �ي��ن للمكان وتدور حوله األحداث ،بما يمثّل القلب في الرواية ف ��ي ال�� ّن��ص��وص األدب � � ّي� ��ة ،خ �ل��ط ب �ي��ن مفاهيم واإلطار العام. ثالثة(:الفضاء ،والمكان ،والحيز) .فالمكان يمكن وب��ال��رغ��م م��ن أنّ ال�م�ك��ان يمثل معيناً ث ّراً، قصره على الموقع الجغرافي في أضيق مساحة
ل��دالالت قوية ،وأبعاد إشراقية ،تشكّل جوهراً
له في العمل الروائي ،بينما مفهوم الفضاء على ومنطلقاً إبداع ّياً للروائي؛ إذ من االستحالة أن مجموعة األم�ك�ن��ة ال �ت��ي ت��دخ��ل ف��ي شبكة من تتصور أحداثاً وشخوصاً وسلوكيات تتصارع دون ال عن فضاء مكاني يحيط بها ،ويطبعها بطابعه الخاص، �ص ،فض ً العالقات فيما بينها داخ��ل ال� ّن� ّ اشتماله اإليقاعات المنظمة للحوادث وأبعاد لذا نلحظ أنَّ الروائيين السّ عوديين ،في المرحلة
الشّ خصيات الكامنة في ذوات�ه��ا .أ ّم��ا مصطلح الحديثة من الرواية السّ عوديّة ،استثمروا المكان الحيّز ،فإنّه يميل إلى الحجم والشّ كل بما فيهما بما يخدم تجاربهم الشّ عوريّة ورؤاهم الفكريّة. من وزن ومسافة ،فيغدو الحيّز أشمل وأوسع وال
نهاية له(.)2
وم � ّم��ا ال ش��ك ف�ي��ه أنّ ت��وظ�ي��ف ال�م�ك��ان في
الرواية السّ عوديّة قام على استيعابه واستثماره
ّص الروائي ال وانطالقاً من تعدد المسميات والمصطلحات وتمثله وتحويره ،ممّا يكشف أنَّ الن ّ
السّ ابقة وتداخل المكان بمفاهيم أخ��رى ،فإننا يملك أباً واحداً ،وال جذراً واحداً ،بل نسقاً من
اجلوبة -ربيع 1433هـ 61
الجذور ،وسلسلة من المتوالدات النّصيّة ،شكّلت
نسيجاً واح��داً ،تماهت وذاب��ت فيه التشابكات النّصيّة واألفكار الداخليّة لألديب.
والقارئ للرواية السّ عوديّة الحديثة ..يجد أنّها
ّص لدى الروائي يولد في تطفح بالمكان ،فالن ّ
إطار شبكة معقدة ومتواشجة من البنى الثّقافيّة، والمصادر المعرفيّة ،والرموز الحضاريّة ،لذا
فإنَّ القارئ يصل -دون عناء -إلى عنصر المكان وتجلياته وانفتاحه.
وتُ� َع� ُّد أعمال الروائيين :ع��واض العصيمي:
(على مرمى صحراء في الخلف) ،وعبده خال: ال عن روايات ك ّل من (األيام ال تخبئ أحداً) ،فض ً
الصانع (بنات الرياض) ،وط��ارق العتيبي رجاء ّ
(شباب من الرياض) ،وعبدالحفيظ الشّ مري:
(قبضة ال��رع��د) ،ويوسف المحيميد( :الحمام
ال��ري��اض) ألح�م��د ال��واص��ل (2007م) ،و(سوق الحميدية) لسلطان القحطاني (2007م) ...إلخ.
إضافة إل��ى المكان السّ عودي المعيَّن بوضوح،
وب�ش�ك��ل مهيمن ع�ل��ى بنية ال �س��رد ف��ي معظم الروايات السّ عوديّة األخرى.
وم ��ن ه �ن��ا ،ن��أخ��ذ ص ��ور ال �م �ك��ان الرئيسة،
ال يطير إ َّال في بريدة) .نماذج فريدة وحية في وال �ف��رع � ّي��ة ودالالت� ��ه ع�ن��د رج ��اء ب�ن��ت عبدالله ت �ح��والت ال�م�ك��ان وت�ف��اع�لات األدي ��ب معها .إذ الصانع أنموذجاً للمكان في الرواية السّ عوديّة. يرى نقاد سعوديون أنَّ المكان قد تمظهر عند
لقد حظي المكان كعنصر من عناصر الرواية
الصانع ،شأنها في ذلك الروائيين السّ عوديين ف��ي أمكنة أرب �ع��ة ،هي :باهتمام الروائية رجاء ّ والصحراء ،والحارة ،والمدينة. ّ القرية، القصة والرواية في العالم، ّ شأن الكثير من كتّاب
وم��ن ه �ن��ا ،ف�ق��د ت �ج��سّ ��دت ظ��اه��رة تضمين وال�ق��ارئ ل��رواي��ة( :بنات ال��ري��اض) ي��رى بوضوح المكان في العنوان واإلحالة على مكان سعودي المكان كواقع حقيقي ،وكبناء فني ،وبدرجات معيَّن ،والذي برز في عدد متزايد من الروايات متباينة وم�ت�ن��وع��ة ،وع�ل��ى ام �ت��داد م�س��اح��ة ك ّل السّ عوديّة بعد صدور ثالثية تركي الحمد ،فرأينا ال��رواي��ة ي��أت��ي ال�م�ك��ان ت�ج�س�ي��داً ،وتشخيصاً، الصانع (2005م) ،وأحياناً تضميناً ،وقد استأثرت بعض األمكنة – مثالً( :بنات الرياض) لرجاء ّ و(بنات من الرياض) لفايزة إبراهيم (2006م) ،ب��اه�ت�م��ام�ه��ا أك �ث��ر م��ن غ �ي��ره��ا؛ ف �م �ث�لاً :مدينة
و(حب في السّ عودية) إلبراهيم بادي (2006م) ،ال��ري��اض مسقط رأس ال��روائ �ي��ة ..لها حضور و(شباب من الرياض) لطارق العتيبي (2006م) ،دائ��م في ك ّل روايتها؛ باعتبار أنَّ المكان يربط و(سعوديات) لسارة العليوي (2006م) ،و(فتاة اإلنسان بماضيه وحاضره ومستقبله على نحو
الشرقية) لمريم الحسن (2006م) ،و(سورة وثيق ،وقوي جداً.
62
اجلوبة -ربيع 1433هـ
تنوعها في نوعين هما:
القريب من ال��ذات الداخلية .في حين نلحظ
النوع األوّل :ويشمل األمكنة الرئيسة ،نحو :أن في فترة سابقة قد ك��ان ال�ه��روب جلياً إلى الرياض ،أمريكا. المكان الخارجي ،ومحاولة إخفاء معالم الداخل النوع الثاني :ويشمل األمكنة التي تأتي في ص��ور ف��رع�ي��ة ،م�ث��ل :الكلية ،والمستشفى ،العاطفي أو الفكري. وال �ش��ارع ،والمحالت التجارية ،والسّ احة، وخالصة القول :علينا التأكيد على حقيقة، والجامعة ،وتشكّل ف��ي مجموعها مكونات الصانع استطاعت أن وه��ي أنّ الكاتبة رج��اء َّ أساسية لألمكنة الرئيسة.
وبخاصة في الرواية ذات الطابع السِّ ياسي أو ّ
الصانع وعلى سبيل المثال ،تركّز الروائية ّ
دائماً على ذكر األمكنة الرئيسة ،مثل :المدن، كمدينة ال��ري��اض ،وب�ص��ورة أق��ل على الفرعية، لهذا حملت الرواية عنواناً يشير إلى المدينة.
أمّا األمكنة الفرعية ،فلها حضور أيضاً في
إبداعاتها ،فال تكاد تخلو لوحة من ذكر البيت،
أو الشّ ارع ،أو الموالت ،أو المطاعم ،وك ّل هذه
األمكنة وغيرها ال تغيب عن مخيلتها ،وواقعها،
وتظهر بوضوح ،وتتكرر باستمرار ،وخصوصيتها من بداية الرواية إلى نهايتها.
ولقد لقيت ه��ذه ال��رواي��ة عناية م��ن القرّاء
والنّقاد؛ نظراً ألهمية موضوعها وقيمته الفنيّة،
والموضوعية على حد س��واء .كما أنّها شكلت نسقاً جمال ّياً في الحديث عن األمكنة.
وب �ن��اء على م��ا س�ب��ق ،يشكّل عمل الروائية
م������������ل������������ف ال������������ع������������دد
ويمكن حصر صور المكان في روايتها ،رغم وصارخاً في عالقة األديب بالمكان المحلي أو
توقظ السّ احة األدب� ّي��ة العربيّة ،وتُعيد للمكان اح�ت��رام��ه وهيبته ،كما أنَّ الطبعات المتتالية للرواية تؤكد على هذا االهتمام ،وبخاصة بين جيل الشّ باب والشّ ابات. الصانع ،وجدلها مع واقعها تمتد، وتظ ّل رؤية ّ
وتمتد ،وتتصاعد حتّى تطمئن إل��ى تلة عالية تمكنها م��ن وض ��وح ال��رؤي��ة وام �ت��داده��ا ،ورغم انشغالها بقضايا ال �م��رأة ال��سّ �ع��ود ّي��ة ،إال أنّها اهتمت بجماليات المكان ،وأن��واع��ه ،ودالالته وص �ف �اً ،وتشخيصاً ،وك �ج��زء م��ن ال�ب�ن��اء الفني لروايتها. أخ �ي��راً ،إنَّ ال�م�ك��ان ف��ي ال��رواي��ة السّ عوديّة كان وال ي��زال محوراً للحركة والثبات ،وأصبح أنموذجاً في الرواية من مكان فرعي إلى رئيس،
�ص��ان��ع ،منعطفاً واضحاً ومن واقع وفنّ إلى شيء حقيقي. ال��سّ �ع��ود ّي��ة رج���اء ال� ّ ( ) 1بحراوي ،حسن :بنية الشّ كل الروائي؛ الفضاء ،الزمن ،الشّ خصية ،المركز الثقافي العربيّ ،الدّار البيضاء1990 ،م، ط ،1ص.30-20 ( )2مرتاض ،عبدالملك :في نظرية الرواية ،عالم المعرفة ،الكويت ،شعبان1419 ،هــ ،ص.141 ( )3باشالر ،غاستون :جماليات المكان ،ترجمة غالب هلسا ،المؤسسة الجامعية للدراسات والنّشر والتوزيع ،بيروت، ط1987 ،3م ،ص.6+5
اجلوبة -ربيع 1433هـ 63
صورة املرأة في الرواية السعودية > إبراهيم احلجري -روائي وناقد من املغرب
شكلت المرأة عنصرا أساسا في العمل الروائي ،مهما كان كاتبه؛ ألن حضورها يعيد التوازن إلى الحياة النصية لألبطال ،لما يختل عمود السرد عبر رجحان كفة إحدى بؤر التصدع ،بما يجعل مسار المحكي يتوالد ويتدفق ويتطور .أما في محكي المرأة الروائي ،فاألمر يصبح أكثر أهمية؛ ألن المرأة غالبا ما تكون كاتبة وبطلة (عامال ذاتا) ومكتوبة ومرويا لها .هنا تصبح الذات موزعة على كل الرهانات السردية ،وال بد أن تحضر إحداهما في األخ��رى؛ برغم أنف المؤلف الفعلي ،ومن ثمة تبرز أحقية سؤال :ما طبيعة حضور المرأة في الرواية السعودية؟ وأي داللة يستهدفها هذا الحضور؟ وبأي األدوات تشيد صورة المرأة في المحكي الروائي؟ وبالرغم من كون هذه الصورة ليست نمطية ،وليست موحدة، فإن هناك ،عناصر ووجوه مشتركة لهذا الحضور الباذخ .وألن تمظهر هذا الكائن الزئبقي الهالمي األطياف مختلف حسب تعدد النصوص ،فإن القبض عليه لن يتأتى إال بتناول ثيمة صورة المرأة عبر نصوص ومنجزات مختلفة األص��وات والتجارب والحساسيات ..بغرض المقارنة بينها ،ورصد التقاطعات والتوازيات واالختالفات على مستوى الموضوعة نفسها .وإسهام ًا مني في رسم بعض معالم هذه الصورة ولَمِّ تقاطيعها وجمع شتاتها المبعثر عبر المتون ،أقدم هذا الملمح حول حضور المرأة في الرواية السعودية ،كما تبرز في رواية زينب حفني «وسادة لحبك» ،وانبثاقا عنها في باقي المنجز الروائي السعودي. 1 .1ب��اع �ت �ب��اره��ا راوي� ��ة ت �س��رد وق��ائ��ع المحكي
مخزونها م��ن ال��ذاك��رة ،وبخاصة م��ا يتعلق
الذاتي الذي يستعرض سيرتها الذاتية منذ
بطفولتها ومرحلة زواجها السعيد مع زوجها
الطفولة ،مرورا بمرحلة المراهقة والشباب، واستحضارا لألحاسيس المفرطة التي ترافق النمو السريع لرغبات الجسد ،وحاجاته الطبيعية ،وتصرفات الذات في ضوء الثقافة السائدة التي تنظر إلى جسد المرأة ،بوصفه فتنة وع��ورة وفخا لممارسة الفضيحة بكل
64
ال��راح��ل ال��ذي تركها وح�ي��دة؛ وه��ي في أوج عنفوان شبابها ،ونضج جسدها ،واشتداد حمم رغ�ب��ات��ه .وق��د استعاضت ع��ن غيابه بالعناية المفرطة بابنتها الوحيدة ،والترويح عن جفاف الجسد والتخفيف من أناته بأمور ال يجيزها الدين والمجتمع.
أشكالها .وهذا ما فعلته زينب حفني حينما
2 .2باعتبارها أ ُما ربَّت وراقبت وسهرت الليالي
لتفصل في سرد ّ غادرت المحكي األس��اس،
من أجل أن ترى ابنتها الوحيدة سعيدة؛ وهنا
اجلوبة -ربيع 1433هـ
يستطيع الكاتب الرجل إدراك��ه مهما اجتهد
بتلك ال �ص��ورة المنسجمة م��ع بروتوكوالت
والتي سهرت الرواية على توضيحه بشكل ال وصفا وتقمصا؛ ألن هناك مشاعر خاصة
بالذكر ،وأخرى خاصة باألنثى؛ لذلك ،فقد ك��ان من حسنات المحكي ال��روائ��ي النسوي أن ش��خَّ ��ص ال �ع��واط��ف المشبوبة الخاصة بالمرأة؛ ومنها األم��وم��ة؛ فالحظنا العذاب
الذي تكبدته األم ،وهي ترى ابنتها الوحيدة
تبتعد عنها راحلة إلى بيت عريسها؛ فتصور لنا األم ال��راوي��ة ال�ف��راغ المهول ال��ذي تركه
غيابها ،وكأنها رحلت إلى األبد .تلك الوحدة
القاسية أعادت إليها مشاعر الحزن القديم بمناسبة فقدان زوجها؛ وكأنه حدث البارحة فقط؛ وهنا تتخذ الحكاية بعدا مأساويا؛
أيقظت في جسدها رغبات كانت مؤجلة؛ رغبات عنيفة ولَّدت لديها قدرات استيهامية
جنسية قوية ..عملت على إشباعها بطرق
تلك السنوات؛ ومع أنها استطاعت أن تظهر القيم المجتمعية والثقافية؛ فهي مع نفسها
غير مقتنعة بها؛ وتمارس في الخفاء -لما تخلو إل��ى نفسها -ما تمليه عليها حاجاته
النفسية وال�ج�س��دي��ة .ف��أظ�ه��رت النصوص
م������������ل������������ف ال������������ع������������دد
تتضح بجالء العالقة الحساسة لألم بالبنت،
الحرمان والضياع لم تستطع مقاومتهما طيلة
ال��واردة في روايتها عدم الرضا الذي تسره المرأة للزوج؛ وذلك لكونه ال يعبأ برغباتها
الجنسية ،وال يوصلها إلى حيث تشتهي من حقها ف��ي المتعة ال�ج�س��دي��ة؛ ففي الغالب
يعاملها كأداة لبلوغ شهواته وينصرف .تقول
ال��رواي��ة في ه��ذا الصدد« :أن��ت ال تسمعين من ال��زوج سوى :أف ،تعبان ،مرهق ...وإذا
الطفك قليال ،فهذا يعني أن��ه يريد ليلتها واجبه ال��زوج��ي منك .يقوم بذلك بأسلوب منمق ..ثم يعطيك ظهره وينام؛ ويعلو شخيره
في أرجاء الغرفة.»...
يرفضها المجتمع كنهج ملتو إلرواء الرغبات 4 .4باعتبارها مستعيدة لتوازنها الواقعي؛ حيث خارج مؤسسة الزواج. تخلت ع��ن م��واق�ف�ه��ا ب��اإلخ�ل�اص الموهوم
3 .3ب��اع �ت �ب��اره��ا ج �س��دا ت�ل�ظ��ى ب �ن��ار الحرمان
لزوجها الراحل ..واإلخالص لذكراه السالفة؛
الرحيل المفاجئ والمبكر لزوجها ،الذي ظلت
كنَّ ينصحنها ب��ال��زواج ،واالستمتاع بالحب،
ال�ع��اط�ف��ي وال �ج �س��دي س �ن��وات ع��دي��دة بعد
مخلصة لذكراه ،ووفية البنتها الوحيدة؛ مع أنها كانت ما تزال في عز عنفوانها وشبابها
وجمالها؛ فانساقت في هذه التجربة المرة ال�ت��ي جعلتها تسقط ف��ي ف��خ م��ا ال يرضاه
المجتمع م��ن قيم .لقد تركها ال��زوج الذي ك��ان يحميها م��ن ع��واص��ف ه��وج��اء تقدحها
الرغبات المنسية للجسد؛ تركها في صحراء
من الفقد العاطفي كما تصوره؛ جحيم من
تلبية لنداء جسدها؛ ودعوات زميالتها اللواتي
والبحث عن النصيب في سبيل آخر؛ إن هو ذه��ب وانقطع في الطريق األول .لذلك لم
تتردد في العناية بجسدها الذي ما زال غضاً
ط��ري��ا؛ وإب ��راز بعض مفاتنه ،وال �خ��روج إلى
أرض الله الشتمام رائحة الهواء؛ هذا الهواء البحري الذي منحها هوى جديدا انتشلها من
صحراء الضياع التي كانت تجثم على روحه. كان ذلك نتيجة لقائها بعشيق جديد؛ أحبته
اجلوبة -ربيع 1433هـ 65
بسنوات ،مع أن الشاب لم يعترض على
ذلك .أما لو علموا بكونه شيعيا لقامت
الدنيا في وجهها.
وبناء على ه��ذا التصوير ال��درام��ي للبرنامج
السردي للمرأة الشخصية الرئيسة والراوية في
آن واح��د؛ كما رصدته هذه الرواية ،نستخلص أن مشكل المرأة الكبير ال��ذي تريد أن تصوره
هو تعاستها نفسيا وعاطفيا واجتماعيا؛ وسر ه��ذه التعاسة ليس ناجما ع��ن ال��دي��ن أو القيم
األخ�لاق �ي��ة؛ ب��ل ي�ك�م��ن ف��ي ال�ث�ق��اف��ة الموروثة المغلوطة التي تحور النصوص لفائدتها؛ مصادرة
حرية المرأة في العيش واالستمتاع والتعبير عن رؤاها كإنسان؛ والحرية هنا ال تصل إلى حدود
المطالب السياسية؛ بل أغلبها ثقافي محض، وأحبها بجنون ،وأع ��اد لها بريقها وثقتها بنفسها؛ ش��اب يصغرها بسنوات؛ ويرغب بصدق في ال��زواج منها ..وبناء أس��رة وفق
الشرع .وما إن كبرت أحالم هذه المرأة في
استعادة روح سعادتها المهدورة بالعيش في
واقعية؛ واالستمتاع بالرغبات وفق المنطق
الذي خطته الطبيعة والشريعة؛ حتى لوح في األفق بشكل مفاجئ ورهيب؛ عائقان:
األول :يتمثل ف��ي ك ��ون ال �ش��اب شيعيا يعتنق
يروم تغيير القيم التي تجعل منها كائنا قاصرا
يلزم وصايته من طرف غيره؛ وكائنا ملعونا يقود
إل��ى الرذيلة والفسق؛ لذلك ،فبدل أن تنخرط المرأة في تأسيس ثقافة واضحة ومتناغمة مع رؤى المجتمع ،تظل حبيسة دواخلها المغلقة على ذاتها ،بعيدا عن األسئلة الكبرى؛ منشغلة ب�ح��اج��ات ال�ج�س��د ،ورغ �ب��ات ال ��ذات ال�ت��ي يجب
أن تتخلص م��ن عقدها لتنطلق بعيدا ،وتحلق
في سماء ح��رة ،مشاركة الرجل في بناء صرح الحضارة كما نص على ذل��ك اإلس�ل�ام ،ونصت
مذهب الروافض الموبوء لدى المجتمع عليه كل المواثيق الدولية التي تجعل من الكائن السني ،والذي سيقف بكل قواه في وجه البشري س��واء ،أم��ام رب��ه وأم��ام مجتمعه وأمام هذا الزواج ليمنعه.
66
مسؤولياته التي يتحمل وزرها.
الثاني :يتجلى في رد فعل كل من البنت الوحيدة
وإذا كانت الرواية النسوية سواء في «وسادة
ال��زواج ،واستهجانه لمجرد كون الشاب
«فتنة» أو في «نساء المنكر» أو «بنات الرياض»
واألخ اللذين عبرا عن استيائهما من هذا
لحبك» أو في «البحريات» أو في «العباءة» أو في
المتقدم أصغر من ال��زوج��ة المعشوقة
تبرز ال��ذات -المرأة كفاعل حقيقي في السرد،
اجلوبة -ربيع 1433هـ
تجعل من الرجل كائنا ضعيفا أمامها؛ تمارس عليه سلطتها اإلغ��رائ �ي��ة المتمثلة ف��ي اإلثارة
الجسدية؛ فهي توظف الكتابة كنوع من العزاء ع��ن اإلق �ص��اء ال��ذي ي�م��ارس عليها ف��ي الواقع،
كما تمارسها كورقة احتجاجية إلسماع صوتها للمجتمع الذي ترى أنه يصادر رغباتها وأسئلتها ككائن بشري؛ والنتقاد السلطة الذكورية التي تمتهن جسدها ..وت��رى فيه موضوعا خالصا
لتفريغ النزوات؛ فإن الرجل الكاتب ينصرف في رواياته إلى اعتبار المرأة انشغاال رجاليا بامتياز؛
ال وج��ود لها إال من خ�لال ص��وت الرجل الذكر ال��ذي يبادر ويمارس وظيفته التحكمية عليها،
وعموما ،فقد جاءت الرواية النسوية السعودية لتبرز معاناة المرأة السعودية ،وتطرح بصوت جهري أسئلتها الجسدية والسياسية والقيمية واالجتماعية؛ وتعلن؛ عبر فعلها الكتابة ،أنها كائن موجود مستعد للنضال المشروع لطرح قضيتها
م������������ل������������ف ال������������ع������������دد
وفي الواقع يمارس وظيفته بالطرق الملتوية ،التي
إبان اللحظات الحميمية.
اإلنسانية على طاولة الحجاج والجدال والحوار المجتمعي؛ وهي قضية ترى الكاتبات أن الرجل مهما اجتهد ..فإنه غير مؤهل لإلحساس والتعبير عما يخالج سرائرها وطاقاتها الشعورية؛ فجاءت هوية كتاباتها الروائية مغايرة تستمد مقوماتها
لخلق التوازن المفترض للحياة السوية .وعلى من الحرص على التعبير بالجسد الفائر باللذة؛ عكس ال��رج��ل ال��ذي يعيش حياته ب��دون أقنعة
والنقد ال�ل�اذع لقيم المجتمع وال�ت�م��رد عليها،
أو تحرجات ،ف��إن المرأة على مستوى السرد؛ وف�ض��ح م�ق��درات�ه��ا الجهنمية على ال�ت�ح��رر من ال تظهر إال مستترة ل�ت��راوغ السل َط والتقاليد السياجات المضروبة حولها ،بما تمتلكه من المضروبة حولها؛ ولتلبي ،ولو عبر االستيهام،
أسئلة جسدها الكبرى التي ال ترتوي إال عبر فك النسيج القيدي المشدود حولها ،وارتكاب خطايا
ومنكرات وخيانات يحرمها عليها المجتمع ،وال
يحرمها على غريمها التقليدي «الرجل».
لذلك ،فقد ب��دت كتابات ال�م��رأة أكثر جرأة
شيطنة وذكاء ودهاء. وم��ع ذل ��ك ،ف�ه�ن��اك ت�ق��اط�ع��ات مشتركة بين ك �ت��اب��ات ال��م��رأة وك �ت��اب��ات ال��رج��ل ف��ي الرواية السعودية؛ فكالهما يعبر عن حركية جيل جديد؛ له أسئلة جديدة؛ ووعي جديد بالذات والعالم؛
من كتابات الرجل؛ سواء عند يوسف المحيميد وأساليب أخرى في التواصل والتعامل والتعبير؛ أو بدر اإلبراهيم أو غيرهما؛ وأشدها انتهاكا ورغ �ب��ات تختلف ع��ن رغ �ب��ات ال�ج�ي��ل القديم. ل�ل�ط��اب��وه��ات المغلفة ب��اإلي��دي��ول��وج�ي��ا كأسلوب هجومي الكتساح صوتها للساحة؛ حيث تأتّى
لها أن تكشف خبابا الجسد األنثوي وصرخات
جوعه التاريخي ،وخصوصيات طبيعته المتفردة التي تختلف عن طبيعة الجسد ال��ذك��وري .كما
وتشترك التجربتان معا في التذويت والتشخيص والنقد الجريء لممارسات تقليدية لم يعد لها من مسوغ في ال��وج��ود ،دون أن ننسى بحثهما المطرد عن أصوات جديدة وامتدادات أسلوبية
صورت بشكل دقيق ومفصل انفعاالت جسدها مغايرة ،وصدى عميق لترددها.
اجلوبة -ربيع 1433هـ 67
شعرنة اللغة في الرواية السعودية أمنوذجا «الفردوس اليباب» ً
> هشام بنشاوي -كاتب من املغرب
ال يختلف اثنان على أن الرواية السعودية قد استطاعت في العقدين األخيرين أن تفرض وجودها على الساحة األدبية ،بأعمال ال تقل أهمية وجمالية عن المنجز الروائي العربي ،وإن تسللت -في غفلة أيضا ..على حد سواء ،في من النقاد -كتابات أساء أصحابها لهذا الفن النبيل ،وللمجتمع السعودي ً محاولة بائسة -منهم -لسرقة األضواء. من النصوص الروائية الالفتة في المشهد ال��روائ��ي السعودي رواي��ة ليلى الجهني« :الفردوس اليباب» ،إذ تتميز هذه الرواية ،التي يمكن اعتبارها رواية -قصيدة بلغتها السردية الشجية ،المكثفة. وتعد «الفردوس اليباب» بمثابة قصيدة رثاء للذات الساردة ،المفجوعة بخسائرها الفادحة وأحالمها المجهضة على أرضية واقع طاعن في نثريته ورداءته ،حيث تكتشف صبا -الساردة الحالمة ،الغارقة في طوباويتها -أن الفردوس المأمول مجرد خراب ،ويصير الهذيان المحموم في اللحظات األخيرة لغة البوح الوحيدة والممكنة ،المنسكبة على الورق! تبدأ الرواية بالرغبة في الغناء التي انتابت
صبا ،وه��ي ت��رى ع��ام�رًا يُلبس صديقتها خاتم الخطبة ،وق��د اختنقت الكلمات خلف الشفاه،
وم ��ات ال �ه��واء مخنوقًا بالبكاء حين رأتهما.. ذلك البكاء الرابض على أطراف الحلق ،وحتى
الخاتم بدا لها يطفو كسائر الوجوه ،التي تسبح
وتنثال التداعيات ،فتستهلها الساردة بمشهد تنكر عامر أو «ديك المزابل» ،كما تدعوه ألبوته لجنينها ،والسخرية منها -وه��ي المثقفة -أن ت�ق��ول إن�ه��ا ح��ام��ل م�ن��ه« :ي��ا صبا ي��ا ف��اه�م��ة ،يا واعية ،يا حقت الكتب والجرايد .الحب مزبلة يا صبا وأنا ديكها المؤذن».
في الفضاء الممتد بين عامر وصبا« :كان يطفو وتروي ليلى الجهني من خالل ما تسميه صبا ق�ل�ي�لا ث��م ي �غ��وص م�ث��ل وردة م��رب��وط��ة بحجر« .أحاديث العذاب» شكال آخر من أشكال معاناة وميكائيل ينفخ في الصور والتفاصيل المذبوحة المرأة في مجتمع أبويّ : في قلبي ،تنتشر ،تبعث عارية إال من أسايَ ». « -خالدة ،أليس عذابا أن تكوني امرأة؟ ه�ك��ذا ،تجد صبا نفسها ع��اج��زة ع��ن الصراخ، أحيانا يداهمني هذا الشعور عندما أحرم من كي تحذر صديقتها من المصير الفاجع نفسه.. عاجزة عن البكاء وعن الغناء؛ و«الغناء أحيانا أشياء تافهة فقط ألني امرأة. حالة من حاالت الوجع المهلك».
68
اجلوبة -ربيع 1433هـ
مثل ماذا؟
ول��ن تجد صبا م�ل�اذا لكي ت�ن�ج��و ب�ش�ف��اف�ي�ت�ه��ا وعذوبتها ال �م �ف��رط��ة س ��وى ال� �ه ��روب من الواقع المتكالب على الماديات، ال�غ��ارق ف��ي تناقضاته التراجيكوميدية ،وذلك ب��اإلب �ح��ار ف��ي ات �ج��اه ق���ارة ال�ش�ع��ر والروايات واألح�ل�ام ،على غ��رار أسالفها الرومانسيين، وح �ي��ن ت�س�ق��ط األق �ن �ع��ة ع��ن األق �ن �ع��ة ،تنكشف حقيقة األش�ي��اء فتختار ال�م��وت ،لكن قبل ذلك تحرق كتبها ،كأنما تدين خداع الكتب قبل قبح الواقع. ***
تقدم ال��رواي��ة ص��ورة مميزة ل�ل�م�ك��ان /ج ��دة ،وإن ل��م تخ ُل من بعض القسوة ،لكنها قسوة تشبه عتاب المحبين ،بخالف كتابات سعودية أخرى أغرقت ف��ي ه �ج��اء ال��ري��اض -مثال- وم��دي��ح ل �ن��دن ب�ط��ري�ق��ة مثيرة للشفقة! وم��ن يتأمل تداعيات ال �س��اردة ،س�ي��درك أن�ه��ا تعتبر نفسها ضحية حب آخ��ر ،حب �اس ..إذ ت�ج��د نفسها إزاء ق� � ٍ صور شتى لمدينة واحدة: «وجدة! س �ت �ك �ش��ف ل ��ي ع ��ن مدينة س��ري��ة أخ� ��رى ف ��ي أعماقها. مدينة غامضة مريبة ،الظالل
وتسترسل الساردة الحالمة، الباحثة عن العصافير والغيم في مدينتها في إسقاط أقنعة مدينتها ال��واح��د ت�ل��و اآلخر: «ج ��دة ،ه��ذه ال�ك��اذب��ة ال�ل�ع��وب م��ا أش��د فتنتها! بإمكانها أن تحمل الغيم على أن يمطر بنظرة واح��دة .وبإمكانها أن تتعرى للبحر ذات مساء فإذا أقبلت لملمت أبناءها إال األشقياء ،وتركت للبحر أن يغضب ،وأن يبكي وأن يلطم صخر الشاطئ لوعة واحتراقا».
م������������ل������������ف ال������������ع������������دد
م � �ث� ��ل أن أع� � �ل � ��ق ص� � ��ورة ص�ل�اح ال�س�ع��دن��ي ع�ل��ى جدار غرفتي.»...
فيها أكثر من األضواء .أناسها ب�لا م�لام��ح أو أن�ه��م يختبئون خلف األقنعة».
وب �ع��د تهشم األح�ل�ام على صخرة الواقع ،وسقوط األقنعة واغتيال البراءة ..تكتشف صبا أن «ال� �ف ��رادي ��س ف ��ي السماء وليست على األرض .الفراديس لألنبياء وليست للخاطئين». ***
«ال �ف��ردوس ال�ي�ب��اب» مرثية شجية للبراءة سريعة العطب، وقصيدة ح��ب للمكان /جدة، ولم تحل شعرنة السرد واللغة دون أن تكون الرواية نصا تأمليا بامتياز ،بخالف نصوص أخرى تحوّلها شاعريتها إلى بكائيات تستجدي دمع القرّاء ،فالرواية ت�ق��دم رؤيتها الخاصة -عبر تأمل ناعم ،إن جاز التعبير - للناس ولألشياء ولألفكار أيضا في عصر غريب األطوار.
اجلوبة -ربيع 1433هـ 69
هل كسرت الرواية السعودية التابو؟ > وضحاء بنت سعيد آل زعير -من السعودية
التابو أو الثالوث المحرم -كما يسميه بعضهم -خطوط حمراء ثالثة ،ابتعد األدباء عنها حقبة طويلة ،ثم اتجهوا في الحوم حولها؛ سعيًا لكسرها وتجاوزها ،ضمن تغيرات عديدة في األدب ،كفلها الزمن واألوضاع المتعاقبة. لبعض التابوات، ٍ وفي الرواية السعودية سباق محموم ،يسعى لشيء من االختراق والمشاغبة يجعل الراصد يستفهم حول الهدف من هذه االختراقات وحقيقتها. هل كسرت الرواية السعودية التابو ألجل الظهور فقط واإلث��ارة ،ومن ثم الشهرة؟ أم كان كسرً ا فعليًا ضمن البنية السردية؟ -1تابو الجنس وهو التابو ال��ذي يجتمع ضدّه ال��دي��ن وال �ع��رف االجتماعي ف��ي السعودية؛ ولكن الرواية كسرته في تحدٍّ الفت .إذ نجد رواية (اآلخرون) لصبا الحرز ،وبعض روايات زينب حفني ،و(حب في السعودية) إلبراهيم بادي ،وغيرها من الروايات قد حطمت تابو الجنس من خالل شخوصها ،أو حواراتهم ، وكذلك مسلّماتهم.
70
وح�ي��ن النظر لغالب ه��ذا الكسر السردي لتابو الجنس ،فإنه يبرز كسره التابوي بنهج فضائحي الف��ت ،مستفز للمجتمع( ،)1أكثر من كونه كسرًا حقيقيًا أدبيًا ينسجم مع بنية السرد.
غ��ال��بُ م��ا يُ�ق��دَّ م ف��ي ال��رواي��ة السعودية من
اجلوبة -ربيع 1433هـ
تشريح للتابو الجنسي بلغة جريئة مثيرة، يكون ضمن محاولة لتحقيق الرواية رواجً ا أوسع من خالل هذه النافذة التابوية ،بعيدًا ع��ن تحقيق الفنية ال�س��ردي��ة؛ بحيث يصبح تمثيل تابو الجنس هو المحور ،ومرتكز قيام سرد هذه الروايات. السؤال القائم :هل كسْ ر تابو الجنس غاية بعضا من هذه الروايات في ذات��ه؟ أظن أن ً يريد أن يعْبر من خ�لال ه��ذا التابو ليكسر تابوات مجتمعية ويستفزها ،ولن يتم هذا إال من خالله. -2أم��ا تابو ال��دي��ن ،ف��إن ال��رواي��ة السعودية لم تحقق كسرًا فعليًا لهذا النوع بشكل مباشر(،)2 وإن كان الكثير من النقاد يرى أن الروايات
وه� ��ذا ي �ق��ودن��ا إل ��ى ن�ت�ي�ج��ة م �ف��اده��ا أن كل رواي ��ة انتقدت سلطة دينية ،أو رج��ل دين ، أو ت �ص��رف��ات م�ت��دي�ن�ي��ن ،ه��ي ف��ي الحقيقة ل��م تكسر ت��اب��و ال��دي��ن أو تتعرض ل��ه! رغم تصنيفها ب��ذل��ك! ولكن المجتمع السعودي هو الذي جعل مثل هذا النقد نقدًا مباشرًا للدين .وهذا فهم مغلوط! ما يعني أن الرواية
م������������ل������������ف ال������������ع������������دد
األخيرة استبسلت في كسره بصورة متكررة؛ بينما لو نظرنا إلى غالب هذه الروايات ،فإن األم� ��ر ال ي �ع��دو ك��ون��ه كسرًا للسلطة الدينية حينًا ..وحينًا آخر للرموز الدينية ،كما يقول ب�ط��ل (اإلره ��اب ��ي )20زاهي الجبالي« :الكثير من أصدقائي يعملون لدى الشرطة الدينية، وك��ان��وا يبيحون ألنفسهم أن ي �ت��دخ �ل��وا ف ��ي خصوصيات اآلخ ��ري ��ن ..ع�ل��ى أن الدولة ل��م ت�ع�ط�ه��م ك��ل ه ��ذا النفوذ على ال� �ن ��اس!»( .)3م��ا يقودنا إلى تساؤل حول حقيقة هذا الكسر! األمر الظاهري يجعل من المساس بالرموز الدينية مساس بالتابو الديني وكسر ٌ له؛ على الفرض السائد بأن هذه الرموز تمثل الدين .ولكن الحقيقة أن رج��ال الدين والسلطة الدينية لهم كينونتهم الخاصة المختلفة عن كينونية (الدين) .وهذا ما ال يدركه الكثير! وما يؤكد قولي أن��ه حين المساس برجل دي��ن ..فإن المجتمع يثور ،وك��أن الممسوس هو الدين ذاته!
السعودية لم تكسر التابو الديني ف��ي ح�ق�ي�ق��ة األم � ��ر .ل� ��ذا ،نعود للخطوة األول��ى ..في أن الرواية ال �س �ع��ودي��ة ل ��م ت� �م ��ارس الكسر الفعلي لتابو ال��دي��ن ،ب��ل كسرت وزع��زع��ت المؤسسة الدينية ،أو السلطة الدينية ورج ��ال الدين فقط .وفي ذلك فرق! ولكن لو نظرنا من زاوي��ة أخرى من خالل اتكاء السلطة السياسية على السلطة الدينية ،هل يمكننا القول أن انتقاد الرموز الدينية هو كسر للتابو السياسي ،أو محاولة غير مباشرة للمساس به؟! -3إن التابو السياسي هو التابو األخ� �ي ��ر ال � ��ذي ش��اغ �ب �ت��ه أق�ل�ام المبدعين ف��ي ال �س �ع��ودي��ة ،فهو ب��وص��ف ال�ن��اق��د محمد العباس ي��ق��ت��رب روائ� � � ًي � ��ا م� ��ن ح� � ��دوده، ل�يُ�ح��دث فيه بعض ال �ش��روخ بعد استنفاذ الروائيين لتابو الجسد والمؤسسة الدينية(.)4 فالتابو السياسي صمد طويالً ،أو بعبارة أدق.. لم تلتفت له الرواية السعودية في السابق إال بشكل فردي يسير ،وبقيت في عمومها ضمن حدود الجنس والسلطة الدينية. وي�ت�ح��دث ع �ب��ده خ��ال ف��ي رواي �ت��ه األخيرة: (ترمي بشرر)( )5عن شخصية لها سيادتها في البلد ،ويتطرق من خالل سرده لموضوعات تعدّ من ضمن التابو السياسي الداخلي للبلد، كقضية ت ��داول األس �ه��م وه �ب��وط مؤشرها، وكذلك انتزاع ملكيات األراضي بالغصب من
اجلوبة -ربيع 1433هـ 71
دون تعويضات!
وهذا ما أخالفه تماما.-
هذه اإلشارات كانت غائبة بشكل كبير ضمن
وب �ع��دم��ا ت�ت��أق�ل��م وت �ع �ت��اد األق �ل�ام السردية م�ص��ادم��ة ه��ذي��ن ال�ت��اب��وي��ن ،تكفل األوضاع العامة واتساع هامش الحرية مقارنة ببدايات مصادمة التابو األول (الجسد) ،لتبدأ في مشاغبات يتيمة حييّة لتابو السياسة ،وليست كسرًا صارخً ا حادًا!
أخلص إلى أن الرواية السعودية في حقيقة األمر لم تكسر فعليًا سوى مح ّرمًا واحدًا من المحرمات الثالثة ،وهو تابو الجنس فقط. أما الدين والسياسة فما زالت الرواية بعيدة عن كسرها ضمن مفهوم الكسر واإلسقاط، وما حصل هو مجرد محاوالت فردية ال يمكن وصفها بحالة سردية جمعية.
السرد الروائي في السعودية ،وبدأت تظهر
على استحياء اآلن؛ ورغ��م هذا تبقى مجرد
خ��دوش ترسمها الرواية السعودية في وجه التابو السياسي ،دون أن تحطمه!
إن تدرج الرواية السعودية في تحدّيها للتابو
اب �ت��دأت بالجسد ح�ت��ى أشبعته التفاصيل السردية حديثًا بعبارات مكشوفة ،ووصف م �ث �ي��ر ي�ب�ت�ع��د وي �ق �ت��رب م ��ن ع �ت �ب��ات النص
السردي. () 1 ( )2 ( )3 ( )4 ( )5
72
ثم ينتقل للسلطة الدينية ورموزها وانتقادها،
على اعتبار أن تحديها هو تحدٍّ لتابو الدين –
كما برزت العالقات الجسدية المثلية في الروايتين( :اآلخرون) و(الواد والعم). باستثناء رواية (الشميسي) لتركي الحمد و(القران المقدس) لطيف الحالج. اإلرهابي ،20عبدالله ثابت – دار المدى -سوريا 2006م.118 : سقوط التابو :الرواية السياسية في السعودية ،محمد العباس – جداول -بيروت 2011م.15 : ترمي بشرر ،عبده خال -دارالجمل -بيروت 2010م.328-256-255-31-30 :
اجلوبة -ربيع 1433هـ
ق���������ص���������ص ق������ص������ي������رة
أوراق همجية > أمين عبدالسميع حسن حسني* مضى يصعد الدرج ..المصعد الكهربائي ما زال معطالً ..أصوات تالحق أسماعه: بحر يجرف تيارات مرضى وأصحاء معاً.. رم��ى قبضته ف��ي سترته ال�ب��ال�ي��ة ..وصل الطابق ال��راب��ع ف��ي إع �ي��اء ..كانت صلعته المدبوغة منحصرة بين فودين أصابهما ال �ش �ي��ب ..سبحت ق��دم��اه المتباطئة في صالة (المستشفى العام) الطويلة ..عض بأسنانه الصناعية على الشفاه القاتمة ،ثم ألقى بجسده النحيل على مقعد معزول.. كانت المكنسة المكسورة ،مركونة على الجدار ترميه بالشماتة والعجز ..صراخ طفل قد تعرت مؤخرته ..يطن في رأسه.. وبعد ساعتين من االنتظار ..تعلق سؤاله الضعيف على طرف لسانه ،بعد أن وبخه (ال�ت��و م��رج��ي) بلهجة عصبية وق��د تجمع الزبد األبيض في ركني فمه:
ثم أعطاه ظهره. الطفل الصغير يتلوى وينبح صوته.. والفتة معلقة على ضلفة الشيش ((الصبر مفتاح الفرج)).. ص�م��ت ال��رج��ل ..وب ��دت عينه اليمنى الملتهبة تفن عليه.. مسحها بمنديله (ال�ك��اك��ي) ..ثم نهض مغادراً المكان ..كان يشعر بنظرات شتى من الجالسين..
حاول أن يتجنب عربة (ترولي) تحمل مريضاً غائباً ع��ن وع�ي��ه ،يعلوه خراطيم م�ت�ش��اب�ك��ة ..دم ..ج �ل��وك��وز ..أكسجين.. تذكر صوت طفله الصغير وهو يودعه في الصباح الباكر ..كانت كلماته قليلة وغير مرتبة ،لكن األب ترجمها بعاطفة األبوة.. لسه دورك ي��ا سيد ي��ا م�ح�ت��رم ..يا الطفل يريد كوز حلوى (ج�لاب) ..ابتسمس��ات��ر ..ن��اس تربي العلل ،تموت ف��ي أبو الرجل ..واتسعت أساريره ..واستماتت يده اليسرى على (بطاقة التأمين الصحي). بالش!!..
* كاتب من مصر.
اجلوبة -ربيع 1433هـ 73
حتت الدفء > فاطمة املزروعي*
1
وكل عائلتها ،فتكتفي هي بالبكاء ،وتسارع لغرفتها ،وتغلقها على نفسها ،ونظل نحن
م��ا أزال نائما ف��ي س��ري��ري حتى وقت الظهر ،أحرك أصابع قدمي ،أمرنها قليال، أسحب اللحاف على وجهي ،أسحبه أكثر ،نستطيع ع�م��ل أي ش ��يء ،س��وى الصمت تظهر قدمي ،أشعر بالبرودة ،أتكور كجنين والتفرس في ال شيء ،فقط ..ألنها ما تزال في بطن أمه ،فأصغر أنا ويكبر اللحاف .تحمل منه وتأتي لنا بأخوة وأخوات. إنه أول يوم في إجازتي ،سوف أرت��اح من ثوان وينسحب جميع إخوتي إلى غرفهم معلمنا الثرثار ،الذي يتحدث طيلة الوقت دون همسة ،وأظ��ل واق�ف��ا ،أنظر لوالدي في أمور روتينية ،تذكرني بنشرة األخبار ،بنظرة جافة ،فيها شيء من التحدي .ويبدو والتي تتابعها والدتي بنهم ،استغرب منها أن هذه النظرة تستفزه كثيرا ،فيقترب مني حقا ،فهي تهتم بها أكثر من والدي. ويصرخ ،ثم يجذبني إليه ،وأرى في عينيه م��ن ب�ع�ي��د ك��أص �ن��ام ه�ج��ره��ا ع�ب��دت�ه��ا ،ال
ش ��ذرات غضب متوهجة« :اللعنة عليك
وأب��ي عند عودته من عمله مساء وبال س�ب��ب م �ف �ه��وم ،ي�ل�ق��ي واب�ل�ا م��ن الشتائم أيها الصغير ،ل� َم تنظر إل��ي بهذه النظرة وال�ل�ع�ن��ات عليها ،يلعن وال��ده��ا وجدها ،الوقحة..؟!».
74
اجلوبة -ربيع 1433هـ
2 اآلن أن���ا ف ��ي ال� �ف���راش ،م �م��دد تحت اللحاف الدافئ ،وما تزال في عيني بقايا ن��وم ثقيل ،فليلة ال�ب��ارح��ة ل��م أن��م جيدا، لقد ذهبت إل��ى زي��ارة بيت عمي ،وفجأة طردونا جميعاً خارج البيت ،وزوجته تصرخ بعصبية« :ال مكان لألوالد هنا ،هيا اذهبوا للشارع والعبوا هناك بعيدا». خ��رج��ت م��ن ال �م �ن��زل م��ع أب �ن��اء عمي، ولكن ما لفت انتباهي أثناء وج��ودي في المنزل ،وجود الكثير من النسوة والبنات الصغيرات ..وابنة عمي ترضع صغيرها ذا الفم الكبير. ض�ح�ك��ت م��ن ن�ف�س��ي ،وم ��ن تصوراتي التي ركبتها عليه .يذكرني ذلك بزهرة ابنة عمي.. إنها تكبرنا بستة أع ��وام ،وج��ه مدور، وصدر صغير .فجأة صارت ال تلعب معنا
« -لقد كبرتْ زهرة»
ق���������ص���������ص ق������ص������ي������رة
كنتُ صغيرا ال أصل بقامتي إلى منتصف جسده ،يظل طيلة الوقت يشتمني ويتلفظ بألفاظ قذرة ،وكنتُ أتحجر بوقفتي أمامه، فيضربني بالعصا ،وكالعادة تسارع والدتي دوما لحمايتي..
لعبة الغميضة ،وال أي لعبة أخرى ،سجنوها في المنزل ،ثم رأيتها بعد فترة ،لقد تغيرت وأصبحت كبيرة ،نظراتها الخجلة ،الغطاء الذي ينسدل على شعرها. هذا ما قاله راشد ابن عمي لي ،أخته كبرت وال بد أن تلزم المنزل ،لم أكن أفهم م��ا ي�ح��دث ..ل�م��اذا يعزلوننا ع��ن البنات؟ كنت ألعب معها في طفولتي ،تحت لحافي الذي أتغطى به اآلن ،تتركنا والدتي ،نصنع خ�ي�م��ة ،أع�م��دت�ه��ا رؤوس��ن��ا ،تحضر معها أدوات طبخها ،وتبدأ تعلمني طريقة صنع أكالت ربما عرفتها من والدتها وحفظتها دون أن يعي عقلها الصغير ذلك.. أغ �ط��ي وج �ه��ي ب��ال �ل �ح��اف ،أح� ��اول أن اس�ت�م�ت��ع ب�ع��ال�م��ي ال�ب�ع�ي��د ع��ن أي شيء، تتناهى لمسامعي أص��وات أشجار عالية، مشاهد يومية في الوقت نفسه ،وبالدقة التمثيلية نفسها م �ك��ررة ع��ن ظهر قلب، يتسلل النوم إل��ى جفني ،يتثاقل ..وضوء الشمس الذهبي ينس ُل من بين النافذة، يصنع بقعاً مائية مبهرة على األرضية الرخامية ..أحسه كما أح��س الصلة بين عيني «زهرة» وشفتيها...
* قاصة من اإلمارات.
اجلوبة -ربيع 1433هـ 75
رقصات على حبال ذائبة > محمد محقق*
الراقصة والطبال
كانت تراقص قلوب البشر تحت ندى الفجر.. األيادي أدميت من كثرة التصفيق.. ل �م��ا ش��اخ��ت ت��زوج��ه��ا ال �م �ف �ت��ون بحركاتها المغرية.. إذ أصبح هو اآلخر يحبو على أطراف أصابعه!..
شيخوخة
مضت تجري فَرِ حة بجمالها، حين سقطت، لم تجد من يساعدها على النهوض سوى طفل صغير رأى فيها صورة أمه!..
مرارة
حين تموجت بحور عشقه في قلبه، توقف في منتصف الصمت الحافي، يتأمل وجه سيدته خلف أكفان الموتى، ولما سرت نعومتها الباردة داخل نفسه المرتجفة، أخذ يركض عبر طريقه ,يزكمه الغبار!..
إهمال
في غرفته الحمراء ,حيث الرفوف والمرايا متعددة، كان يحفظ قصائده ويتلوها من ذاكرته الهشة، * قاص من المغرب.
76
اجلوبة -ربيع 1433هـ
ألن أوراقه يبعثرها في فضاء مكتبه الصغير، وح �ي��ن ك��ان��ت ن�س�م��ات ال�ص�ب��ح ال� �ب ��اردة تلفح وجهه، كان يبتسم عن أسنان صفراء متآكلة،
ازدواجية
رأى نفسه في صورة زوجته.. كما رأى زوجته في صورته.. حين استيقظ غاضبا قام بتطليقها، وانطلق مهروال نحو المجهول!..
هدية مسمومة
اشترى تفاحة ناضجة، قدمها هدية لزوجته، حين أكلتها، تحولت إلى أفعى تطالب برأسه!..
حظ سيء
حين أحس بدبدبات قلبه ينبض لدقاتها، سافر على طرقات هواها وحيدا.. ولما اشتعل القلب وجداً بها.. سافرت عبر شرفات أحالمه إلى حبيبها األول.. وفي قلبها حسرة وألم!..
> محمد صوانه*
ق���������ص���������ص ق������ص������ي������رة
قصص قصيرة جدا ً
فيذهب ليغسل وجهه؛ من ِسفر الذكريات.. أح� ��ثُّ ال �خ �ط��ى ..ث �م��ة م��ا ي �ح �ف��زن��ي ،يُغالب كي يعيده إلى وهج الحاضر! ترددي.. معهم حتى إذا وص�ل��تُ أول مفترق ط��رق ،تمالكتُ يُرخي جسده على سرير وثير.. نفسي من هول ما أرى، لحظ َة يغشاه ال �نُ�ع��اس ،تَ �نْ��سَ � ُّل ال� ��روح ..إلى تمنّعت.. هناك ..لتنا َم (معهم) على الحصير!!.. عُدتُ أدراجي ..أَخذتُ أجم ُع أَثَ َر أقدامي؛ روح! أثَ َراً أثَ َراً.. تُطالع مرآتَها كل يوم ..تتأ َّم ُل تجاعيد الوجه.. حتى إذا وصلتُ من حيث بدأت.. تمسحها بأصابع غاضبة؛ موضع خُ طوتي األولى.. وقفتُ عند ِ مع األيام؛ احتضنتُها.. تجعدت روحها! وبكيت..
أدلة..
تُحَ ِّد ُق فيه بتركيز.. رأى في عينيها ما كان يُخفيه عنها، تناول وشاحها.. شَ مَّه بعمق, وهو يمسح به آثاراً علقت على وجهه!
وهج..
يجلس على شُ رفة الذكريات.. بعض العبرات.. تسيل ُ تُناديه من الداخل ،لتناول طعام الغداء.
زاد..
قال لها ... :مُسافرٌ! ض ُر له حقيبة السفر ذهبت تُحَ ِّ فوجدته قد مألها بالحنين!..
العصا
م �ن �ع��ت ال � � � ��وزارة اس� �ت� �خ ��دام (ال� �ع� �ص ��ا) في المدارس، خرجت؛ انتشرت في أرجاء المدينة.. وصارت ح َّي ًة تسعى..
* كاتب من األردن مقيم بالسعودية.
اجلوبة -ربيع 1433هـ 77
فاطمة تعيش احللم > محمد عباس علي*
ألقت بناظريها عبر النافذة إل��ى الطريق ..من وراء الستار نصف الشفاف رأت زفة العروسين ..الثوب على نوال ذو جناحين يطير بها ،يرفعها إلى أعلى ،عيناها تقوالن إنها هائمة في سمائها ،تعيش واقعاً ..كان حتى األمس حلم ًا يتراءى لها ،وها هي اآلن تعيشه وتتشربه حتى الثمالة ..وال تشبع منه ،البلدة كلها تعيش فرحها ،تنطلق الزغاريد ،وتعلو الضحكات ،ويستمر الغناء مدوي ًا محيط ًا بالعروسين. من وراء الستار تتابع الموكب ،الخيل ترقص وسط الساحة ،التصفيق يعلو ،صوت الطبول يدور ،يعقبه بين الحين واآلخر طلق ناري يهز جوف الليل. تترك ال�ن��اف��ذة ..من خلف الباب الموروب ت�ل�م��ح ال �ن �س��وة ي �م�لأن ص�ح��ن ال � ��دار ،يرسمن بأجسادهن دائ ��رة تتوسطها إح��دى الفتيات، رأس أبيض ذي وق��د حزمت وسطها بمنديل ٍ ن �ق��ط س� � ��وداء ،وان��دم �ج��ت ف��ي ال��رق��ص على أن�غ��ام طبلة تدقها بمهارة ف�ت��اة أخ ��رى ،بينما ثالثة ترفع صوتها بالغناء ،والكل ي��ردد خلفها م��ا ت�ق��ول .وس��ط الحجرة محاصرة م��ن الباب والنافذة ،مقيدة بدموعها ،ال تستطيع حراكاً، تمسك بمنديل أصفر تمسح به وجهها ،ترمق الباب الموروب بحذر خشية أن تدخل إحداهن عليها وترى ما بها .تبتعد عن مرمى النظر عبر النافذة حتى ال تخترقها عين متلصصة ،وفي الوقت نفسه تخشى الخروج حتى ال تفضحها قسماتها الناضحة بما تطويه في صدرها ،األلم حينما نكتمه في ص��دورن��ا يصبح ن��اراً تنهش، ورياحاً شديدة ..وعواصف تضرب وال ترحم، كيف تواجه األعين في الخارج؟ ومن أين تأتى بابتسامة تلقاهم بها؟ مدت ي��داً واجفة تمسح
78
اجلوبة -ربيع 1433هـ
بها ال��دم��وع م��ن ف��وق ش�ق��وق وقسمات وجهها الذى يَبِس من الخروج فجر كل يوم إلى الطريق، حيث لس ُع الهواء وسياط البرد والظلمة التى تسير معها ،ال تسمع إال نباح الكالب تشيعها بحملها من الجبن إلى محطة السكة الحديدِ ، وال��زب��د وال�ب�ي��ض ل�ت��رك��ب ال�ق�ط��ار م��اض�ي��ة إلى المدينة ،حيث السوق وم�ع��ارك لقمة العيش. قامت إلى المرآة المشقوقة من منتصفها في واجهة الدوالب القديم لتحدق فيها ،رأت وجهها مشقوقاً نصفين ،نصف تحوم حوله الظلمة، تلبس عينه لباس الهموم والشقاء اليومي ،وحمل ثقل أسرة بكاملها تركها عائلها ومضى ،لتقوم هي االبنة الكبرى -مكانه دون أن يخطر علىبالها أن من حقها أن تحلم ،وأن تعيش الحلم ولو ِللَحظات .تنسى الدراسة التى كانت تدرسها في مدرسة القرية ،وتفوقها ،ونظرة المعلمين والمعلمات لها ،وتن ُّبئِهن بمستقبل زاهر ينتظرها، وال ترى إال أم محمد جارتهم ..وعملها في سوق المدينة ،واقتراحها ب��أن تنضم إليها ليستمر
ال ..ال ..فمنذ متى في عُرفِ نا طَ لَبت المرأةُ الرجل؟ لو حدث هذا لن يصدقها ..ولربما ظن بها الظنون، وحتى إن لم يحدث ذلك ..لن ينظر لها بذات نظرته إلى إمرأة سعى هو إليها ،وبذل جهده لينال رضاها. ل��ن تحادثه أب ��داً ،أب ��داً .واس �ت��دارت إل��ى الخلف، انتبهت ل�ل�م��رآة أم��ام �ه��ا ،وج�ه�ه��ا خ�لال�ه��ا نصفان.. ينقسمان ،يتباعدان أفقياً مرة ،ورأسياً في أخرى.. نصف عقلها يرفض النصف اآلخ ��ر ..فتحت فمها ملتاعة تحاول الصراخ ..رفضت الكلمات االنصياع إلراداتها ،شعرت بمتاهة تلقي بها من حالق إلى حيث ال ت��رى ق��رار ،شعرت بنفسها تنزلق في صمت إلى أدنى ..وقد حرمت نعمة الرفض أو حتى فرصة البكاء،
ق���������ص���������ص ق������ص������ي������رة
البيت مفتوحاً ،حاولت االعتراض والرفض ،صدمتها أم��واج الحقيقة العاتية بعنفوانها ،والبيت الخالي إال من أنفاس إخوة ينتظرون الطعام اليوم وليس غداً.. بينما تبدو العين األخرى والمواجهة للنافذة في بهاء النور تحلم ،وترجو كما تشاء ،وهي ترى نوال تتزوج.. نوال الصغيرة التى تركها أبوها طفلة تجرى في حواري القرية وبين الغيطان ،ال تدري من أمرها شيئاً ،نوال الصغيرة التى كانت ت�ه��رول نحوها وه��ي ق��ادم��ة من السكة الحديد ،تحتضن ساقيها وتسألها عما أتت به من حلوى ..تتنهد فاطمة في ش��رود ..اآلن تسكن وحدها تلك الحجرة مع الليل والظلمة ،والعمر الذي يذوى أمام عينيها ،وتجف أوراقه في سكون كأنه يعرف قدره ويرضى به ..وال ينتظر من الحياة غيره ،ماذا لو تقدم لها حمدان بائع الخضار في السوق؟ هو مثلها فرع ش��ارد يضرب في الحياة وح��ده بغير ج��ذور ،هو أيضا ترك دراسته من أجل لقمة العيش ،عمل بنقل الخضار بعض الوقت قبل أن ينضم لزمرة البائعين في السوق ..عينه عليها منذ رآها ألول مرة في السوق.. هل تحادثه؟ .لم ال؟ هو رجل واقعي وسيقدِّر لها هذا.. المرأة الشريفة تختار لنفسها ..هكذا فعلت السيدة خديجة رض��وان الله عليها ..ما دام الرجل يستحق ويفهم ويقدر ما فعلته..
فهناك األع�ي��ن المتلصصة وخ��اص��ة ال �ي��وم ..وهناك الكلمات التى س��وف تتأجج ن��اراً ..النساء في الدار يا فاطمة ..مؤكد غيابك سوف يقلقهم ..المدعوون جاءوا ألجلك ،الفرح فرحك ..فرحك!! تسمع الكلمة، تهتز لها ،تراها تتردد في أعماقها وصداها يضرب ج��دران رأسها بقوة ..تملك الحروف أخيراً ،تهمس للفراغ .بل هو فرح ن��وال ..تنتفض فزعاً على صوت م��دو ينطق باسمها م��ن خلف ال�ن��اف��ذة ،تنصت إلى حروفه الزاعقة وجلة ..تمسح وجهها وعينيها بسرعة، تحاول تمالك صوتها وهى تقترب من الستار نصف الشفاف ملبية -:من؟ ضيوف..ت��رف��ع ال�س�ت��ار ،يمأل ال �ن��ور ال�ح�ج��رة وي �ب��دو جلياً واضحاً ،تبحث بعينيها في الفضاء الممتد أمامها، يواجهها جسد ف��ارع ال�ط��ول يكسوه جلباب صوفي أزرق ،تعلوه ناصية عريضة تزينها عمامة ناصعة البياض ،وعينان نظراتهما نفاذة تحدقان في عينيها ب��ذات النظرة التى تعرفها ..تترك عينيها أسيرتين لعينيه قليال قبل أن تسمع صوته يعلو مرفرفاً بجناحيه بقوة في وجهها: سترحبين بضيفك من الشباك؟ من؟ تساءلت وه��ى تشعر بعجزها عن مالحقة دقات قلبها وهرولته في فضاء صدرها ،وتخشى أن تطغى دقاته على ص��وت الطبل والمزامير وطلقات النار، حاولت مداراة انهمار مشاعرها مرة واحدة ،والتحكم فيها لتمضى على مهل ،ضحكت عيناها ..شفتاها.. جوارحها ..تركت النافذة وطارت إليه ..تلقفت عيناها نظراته ..احتضنت نظراتها عينيه ..نطقت حروف اسمه كما لم تنطقها من قبل: حمدان!! وخرجت إليه.
* قاص من مصر.
اجلوبة -ربيع 1433هـ 79
قصص قصيرة جدا > ميمون حرش*
الزوجة المسلسالتية وحدها المسلسالت تترك أثرها في البيت بحوار ينداح في الزوايا عن الحب ،واللقاء و... رضيعها المسكين ال��ذي ال يكف عن الصراخ، ال تهيئ له رضاعته إال مع الفاصل اإلشهاري.. وحين عاد الزوج منهكا من عمله ،جائعا ،ألفى المطبخ باردا. قالت له: عدت مبكرا ،الغداء لم يجهز بعد. ازداد ص��راخ الرضيع حين سطا ال��زوج على رضاعته ،ش��رب حليبه ،ثم صفق الباب وخرج حارا كما الوجبة التي لم تطبخ.
وحين ضاق ذرعا بما يكتب من كلمات ،حفر قبورا صغيرة ،ودف��ن فيها قصاصاته ثم ارتاح، لكنه في اليوم الموالي كانت المفاجأة: «لقد أنبتت رؤوس تماسيح».
ثمن اإلخالص أخلصت لألشخاص ،فلفظوني كشتيمة وأخلصت لألمكنة ،فكنت عند أصحابها، مصدر تلوث. وحين أخلصت لنفسي نسيت من أكون..
اللقب
قوامها العربي الرفيع ،ك��ان يكفي ليميزها عن متسابقات أخريات ،كانت العربية الوحيدة في اليوم الموالي ،الزوجة المسلسالتية ،لم بينهن ،أخ ��ذت مكانها وس�ط�ه��ن ،ف��ي مواجهة تجد ال الرضيع ،وال رضاعته ،ك��ان ال��زوج قد جمهور غفير ،كل شيء كان يوحي بأنها الفائزة غادر ،وترك رسالته: باللقب ..لوحت لها األيدي ،حين بسمت أمطرت «الولد معي ،سنبحث معا عمن يرضعنا». لؤل ًؤ من فقر دفين ،واحتدت القاعة بالتصفيق.. لكن سرعان ما خبت حين أعلنت اللجنة النتيجة رؤوس تماسيح بالنهار تطول يداه ،يحضن حجرا ،وينخرط التي آلت لغيرها. ال مجال للتشفي ،ال مجال الستئناف الحكم، مع أطفال الحجارة إلحياء كرنفال للحجارة. وبالليل ينشغل بكلمات كبيرة :نَشْ جُ ب -نُندّد -ال مجال لمناقشة قرار اللجنة التي قالت كلمة هذا منكر -نحتج بشدة-غدا نعقد قمة طارئة ،...بحد السيف: يكتبها في وريقات يقصها من دفتره المدرسي. * كاتب قصة من المغرب.
80
اجلوبة -ربيع 1433هـ
«صحيح جميلة ،لكنها معطوبة من الداخل».
> ليلى احلربي* حين يصبح العمر صفقة خاسرة ،فلن نربح حين تمتلئ بمالبسك التي سترتدينها في السفر.. من الحياة شيئاً ،ألننا ال نجد منها إال ما تحويه هناك على البحر في المالهي ..في السوق ،ما علمت بأنها ِ بالك اليوم تنظرين لها بعتاب ..هل أعمارنا هذه الخاسرة.. وحين تكون طفولة لم تتعرض للربح وال للخسارة اليوم تقتلع جذورك من هنا!.. ال�ق�ب�ل��ة ال�م��ؤج�ل��ة إل ��ى س��اع��ة ال�ص�ف��ر ليست هي الثمن للحرية ..فإن الصفقة خاسرة.. ل�ك��ن ال�ج�ش��ع يستبد ب �ن��ا ..وال�ض�ح�ي��ة تنظر جافة ..والعناق الطويل لن يشحن قلبك الصغير بعينين كريستاليتين ..لجالدَين ،أحدهما يبكي صبراً ..والنظرة الجانبية ال ترسم صورة سوية خلف الشبكية ،ولن تظل هناك.. واآلخر يدعي البكاء.. ويخفق ذلك القلبُ بأول نبضة ألم..
ق���������ص���������ص ق������ص������ي������رة
أنا صغيرتك ..يا صغيرتي
وحين يرحل بك منتصراً ..ستعاتبني الجدران.. بقاياك.. ِ ستخنقني
وتذرف العينان دمعاً مقطرا.. فتحت التلفاز ألج��د قناتك المفضلة تصدح وتلتوي الشفتان في محاولة لكبت صرخة ..بأغنيتك المحببة.. كانت تجدي في أيام الترف كسالح للحصول على (قال األرنب لإَ مو) ..كنت أبتسم لسماعها ،وها كماليات الحياة.. هي تستدعي دموعي صغيرتي :هل تراك تعذرين أنانيتي وجبروت جاف ٌ م��رٌّ طعم كل الحياة بدونك يا سُ � َّك��رة.. أبيك..؟ ِ وجاف نومي، ٍ يومي، �راك تمسحين تلك الصور التي امتألت أم تُ� ِ فارغ فؤادي كفؤاد أم موسى. ب�ه��ا ك��راس�ت��ك ل �ن��ا ...وت�ع�ي��دي��ن رس�م�ه��ا وحشين اتسع البيت حتى احتوى كل طيوفك ..ثم أخذ ال يحمالن زه��راً في أيديهما ..وتمسحين تلك االبتسامة الواسعة ،لترسمي مكانها دائ��رة أكثر يعرضها وهو يدور حولي ..ويدور ويدور.. اتساعاً ،وأناشيدك عن العصافير واألزهار التي صرخت بكل طيف م َّر بي.. كنت تسكبينها في أذن��يَّ كل صباح ،وأن��ا أسرح ِ أيرضيك يا صغيرتي أن أسلمه روحي!.. شعرك ،وحين تعودين من المدرسة ..هل ستغدو أنينا متقطعاً كلما امتدت إليك يدا غير يدي.. أيكفيك أن أدخل تابوته وأغلقه على نفسي!.. صدري الذي مألته ست سنوات..أين هو من رأسك الصغيرة!. حقيبتك الوردية التي كانت مصدر سعادة لك
حسناً سأفعل، سأناديه وأقول له عد.. اترك روحي وخذ روحي..
* قاصة من السعودية.
اجلوبة -ربيع 1433هـ 81
بلل يبحث عن غطاء > حسن علي البطران*
ض��وء خافت يخترق ال�م�ك��ان ..ت�ح��اول أن أدركت أن الهرة تريد شيئاً ضرورياً ..فتحت لها
تواصل نومها ..ال تستطيع ..الضوء يوقظها ..الباب ..أسرعت الهرة لقضاء حاجتها!!..ا نوافذ الغرفة دون ستائر..
في الغرفة المجاورة أختها ذات الخمسة
أصوات المارة تشكل لها ضجيجاً يزعجها ..عشر ربيعاً تغط في نوم عميق ..تقترب منها تتقلب يمنة ويسرة ..النوم يهرب من عينيها ..تشتم رائحة ..تتحسسها ..مالبسها مبللة.. هُرتها البيضاء تصدر م ��واءً ..تحوم في ربما شرب الغازات آخـر الليل ..لكنها ليست الغرفة كأنها تبحث عن شيء ما ،ال تجده ..المرة األولى وال حتى العاشرة.. تزداد حركتها ..تحاول الخروج ..ال تستطيع.. باب الغرفة مغلق..
تعود الهرة إلى غرفتها تبحث عن الدفء تحت مالءة سارة ..تهدأ األصوات وتغط سارة
بطريقة عفوية نزعت المالءة من فوقها ..في نوم عميق رغم فضاعة الضوء. * قاص من السعودية.
82
اجلوبة -ربيع 1433هـ
> شيمة الشمري*
تحوّ ل نظرت من شباك الطائرة ..كنا فوق الغيوم... غيمة كبيرة تحت الطائرة تقترب ..تتشكل.. كأنها تنظر إلي وتبتسم.. حينها ال أدري كيف تحولت أن��ا إل��ى غيمة تبتسم لهؤالء المسافرين من حولي!!
تأمل رحل وفوق غيمة بيضاء وقف متأمال.. يرقبهم وه��م يلهثون ..يلعبون ..يسرقون.. يتوهمون.. يفعلون كل شيء ...إال الحياة!
تخيل أنهيت رسم اللوحة ..وقفت أتأملها... جبال سمراء ..غيوم بيضاء ..سماء ..خضرة واسعة... طيور ت�م��ارس حرية التحليق هنا وهناك... شخص ما يقف على قمة جبل ،ويشير إلى الجهة المقابلة حيث الوادي... حملت لوحتي وعدت إلى المنزل ...ثبتها على حائط غرفتي... في الصباح ..نظرت إلى لوحتي!... ال أحد على الجبل!
والطيور زادت واحدا!!..
ق���������ص���������ص ق������ص������ي������رة
قصص قصيرة
صدف في طريقه المعتاد وقف مشدوها!.. كانت تنتظره كحورية قذفها البحر إلى ساحل الغيب.. مد يده ..مدت يدها.. غابة من األحالم تمطرهما بالمستحيل.. عادت إلى موجة صاخبة ..غابت.. وصلت إلى أعماق البحر.. تنبهت ..ما زالت تمسك بيده!..
ثنائي كنت أرقبه بحزن شديد وهو يغرق... تحوم فوقه فقاعات كثيرة ,بينما الهواء البارد يخترقني.. يبعثرني ..صلبت ي��داي ورق�ب�ت��ي ..وم��ع ذلك فقد كنت أتطاير باتجاهات مختلفة.. أرفرف بحركات راقصة... لحظات ...وعلقوه بجانبي.. كنا أجمل قميصين على (حبل غسيل) سيدة عجوز!
* قاصة من السعودية.
اجلوبة -ربيع 1433هـ 83
سر الغائب > نادية أحمد*
حتم ًا سوف ترسل نظراتها لتخترق حدقتيه ،تنظر دون أن تهتز ،دون أن تفكر فى إدارة وجهها هرب ًا من عينيه ،وستجد الجرأة لتطلب الفراق بصوت محايد ،ثم تدير وجه الالمباالة عنه وتمضى ،تسير بهدوء وبخطوات معجونة بالثقة ،خارجة من حياته ،بعدها تشرق شمس حياتها من جديد.. لكنها تعرفه ..لن يسلّم بسهولة ،كلماته المشبعة بخمر الوعود ستالحقها ،نظراته المترعة بالدفء ستطاردها ..غير أنها لن تستجيب له أب��داً ،الباب الذي أغلق لن يُفتح ثانية ،والمشاعر التي وُئدت لن تبعث من جديد ..شيء ما داخلها تغّ ير ..هي تشعر بهذا وتعجب له ،فقد كانت تتنفس حبه ،تعيش عالمه ،تتكلم ،تتحرك ،تحرص أن تبدو فى صورة باهرة من أجله ..أما اآلن!.. رن��ت إل��ى الساعة على ال�ج��دار ،عقاربها أدارت عينيها فيها ..استقرت على ألوان ك�ل�م��ا ت �ق��اب �ل��ت ت �ن��اف��رت ،ي �ف��رق ب�ي�ن�ه��ا زمن بعينها ..كان يحب هذه األردي��ة ..يطلب مع وأحاسيس ..لحظات قصيرة ويأتي ..بعدها كل رداء تسريحة شعر بذاتها ..مدت يدها يمضى إلى األبد ..قامت متكاسلة إلى دوالب إلى الثوب األحمر ..رأت وجهه يطل من بين مالبسها ،سوف ترتدي الليلة ما تشاء هي ..الثياب المتراصة ..حالم العينين ،وهمساته
84
اجلوبة -ربيع 1433هـ
ق���������ص���������ص ق������ص������ي������رة
تنسل إلى أذنيها( ..هذا الرداء األحمرالبديع يليق اضطربت أكثر ..هذا العبوس قد يوحي له أنها به شعر ثائر كالموج) ..تركته إلى األبيض ،عاد حزينة للفراق ،األفضل مع المساحيق أن ترسم صوته ي��داع��ب ح��واس�ه��ا( ..ه��ذا األب�ي��ض الرائق
على شفتيها ابتسامة ..فتحت فمها ..ابتعدت
يحتاج لنعومة شعر مرسل فوق الكتفين) ..هزت
ال عن المرآة لترى وجهها الجديد ..اآلن صار قلي ً
رأسها هرباً من صورته ،صوته ،ذك��راه ،وارتّدت عن ال��دوالب ..سيجيء اآلن ..لن تبالي بنظراته أو رأيه ،وسترتدي ما تريد.
أحلى ..نظراتها أقوى ..اختارت مقعداً قريباً من الباب وجلست تنتظر دخوله ..اآلن يفعل ..هذا موعده ..هو ال يتأخر ..عادته منذ عرفته ..لقد
ال عن موعده. ع ��ادت تقترب م��ن ال� ��دوالب ،توقفت قليالً ،تأخر قلي ً شردت نظراتها وهي تتساءل لماذا تفعل هذا؟! األفضل أن تشعل ناره ،تشعره بمرارة الفقد ،عليها أن تظهر الليلة بأبهى صورة .فتحت الدوالب من جديد ..سترتدي أروع ما لديها ..مدت يدها إلى
..هو يعرف جيداً أنها تكره االنتظار ..تسرب القلق إلى أطرافها ..أخذت تهزها ببطء.. تأخر أكثر..
الثوب األب�ي��ض ،ه��ذا سيجعلها رقيقة ،حالمة..
..هبت من مكانها مقطبة الجبين إلى مقعد
ع��ادت تبعد يدها عنه ،ال تريد أن تبدو الليلة
أب�ع��د ق�ل�ي�لاً ..س��وف تتأخر ف��ي القيام ل��ه حتى
ضعيفة ،األف�ض��ل ..ه��ذا الثوب األحمر ،أنوثتها
تشعره بفعلته ..تأخر كثيرا ..هبت واقفة ترقب
س�ت�ط�غ��ى ..م��دت ي��ده��ا لتسحبه ،وض�ع�ت��ه فوق الطريق من خلف شيش النافذة ..طال انتظاره.. جسدها ودارت به أم��ام المرآة ..وجهها شاحب حاولت التشاغل عنه بالدوران فى الحجرات بحثاً قليالً ..تحت جفنيها ت��رهُّ � ٌل ي��دل على إجهاد.. عن شيء ال تدرى ما هو!.. ت�ل��وح ت�ج�ع��دات أع�ل��ى ال��رق �ب��ة ..م��دت ي��ده��ا إلى طال االنتظار.. علبة المساحيق ،وم��رت بها سريعاً على مناطق بعينها ،ع��ادت ثانية ت��واج��ه وجهها م��ن جديد..
بكت قلقاً عليه!! ..
* قاصة من مصر.
اجلوبة -ربيع 1433هـ 85
أعرف ما أنويه متاما > عبير يوسف*
سأبتسم لجراحي ربما تحتفظ طويال بي وهي تتجه للضفة األخرى سأحرر من ذاكرتي عصفورتي فلقد عانت طويال من األسر لتلفظ أحالمها القادمة بما تبقى من حنين سأطلق على تلك السحابة أم المطر كيال تتهم غدرا بالعقم
لن أخجل من الزهور فلم أسدد طعناتي بخاصرتهم سأنصت مجددا لما يهمس به الندى للزهور وسأحتفظ كما تعهدت بأسرارهم أعرف أنني بمحض الصدفة التقيت بي وبحرص متزايد
سأمشط الطريق
استودعتني بين رحى األوراق
من عابريه
حتى التبستنى األحبار
وأتأمله كما لم أفعل من قبل
86
أحالمي التى لن تغادرني
كأشباح مقيمة
سألحق هذه بتلك
أعرف ما أنويه تماما
وسأسمي البعثرة
لن أترك ظاللى
اجلوبة -ربيع 1433هـ
وتمنع المصابيح
سأسمعها ضحكاتي
من غفوة حالمة
وهي تزلزل قشرة الحزن الداخلية
أعرف أنني قلب محض ما زال يستقى أبجديته من الريح ويتهمها سرا بالجنوح أعرف ما أنويه تماما سأنصت لبائع الكتب القديمة وهو يقص لي للمرة العاشرة بعد األلف ذكرياته األثيرة مع هذا وتلك وهؤالء وسأبتسم كعادتي وهو يصف مشيتى بمن تالحق شيئا ما بجملة اعتراضية سأتمتم بصمت يا ليتني أسرع أكثر ..فما تبقى الكثير سأبكي حتما ..ولكن بطريقة مغايرة
سأمتص ذاكرتها بما تبقى لدي من شفقة لن تشي األبواب بي مجددا سأشرع للمطر روحي وألملم ما تناثر بصدق لن تتناسل األحزان بداخلي لن أدعها تفعل أعرف ما أنوى تماما سأعيركم بعضي حروفا عسى أن نلتقي مجددا بعدما يتذكرنا الطريق
سيرفضها الصمت قطعا
أعرف مسبقا
وتزجرها القواعد المتبعة
أن الجنون لمحة
وسأردد دوما
وأن الحكمة ذكرى
سأقتفى طقوس الطير فما رآهم أحد يبكون سأحرر خطوط يدي مني ولن تهتك عرافة ما أسرارهم بعبارات زائفة
ش������������������������������������ع������������������������������������ر
تتسكع بالطريق
سأعتقها من دمعي /دمي
وأن األلم ممارسة وأن الحرف ورطة كبرى وأننا نبحر به /له /معه لنصلنا بأمان لكنني ال أنوى الوصول
سأغير طريقتي غالبا
وال أنوى أن أظل بالطريق
لن تورق من حولى الحوائط
النتظار الفتات من غبار داكن
* شاعرة من مصر.
اجلوبة -ربيع 1433هـ 87
َّ الشقا َ م أ ُّ > إبراهيم طالع األملعي* �����ص����� َر ال�����نُّ �����بُ�����وَّ ِات ����خ����تَ����رِ ع���� ًا عَ ْ ْ�����ت مُ ْ ل����� ْو كُ �����ن ُ
�����س�����م�����اَوا َِت أ ْو ص������ا َِع������د ًا ُس����لَّ����م���� ًا فَ��������وقَ ال َّ
�����������ت ُأم������������� ًّا ِم����ثْ����لَ����ه����اَ ْ�������ت أَبْ�����������دَعْ ُ م��������اَ كُ �������ن ُ
ْ���ت ِم����نْ ثَ���غْ ���رِ ه���اَ أ َْس����ف����اَ َر آياتي َولَ���م���اَ أَ ْك���مَ ���ل ُ
فِ �������يْ َص�������دْ رِ ه�������اَ كَ������ ْوثَ������رٌ لِ �����لَّ�����هِ أ َْس�����كَ�����رَنِ �����يْ
ْ����ت عَِ ���� َل����ى األَعْ ������ن������ا َِب جَ ���ن���اَّتِ ���يْ حَ ����تَّ����ى سَ ����كَ����ب ُ
���ص���رُ ه���اَ َ�����ت لَ����ن����اَ طَ ����� َرب����� ًا والْ�����فَ�����قْ �����رُ يَ���عْ ِ غَ �����ن ْ
�������خ�������رَتْ ِم��������نْ كُ ��������لِّ مُ �����قْ �����ت�����ا َِت! لَ����كِ ����نَّ����ه����اَ سَ ِ
َ�����ت :س��������آوِ ْي إِ لَ�������ى ِج��������ذْ عٍ يُ ���ع���ا َِص���مُ ���نِ ���يْ ق�����اَل ْ
ْ�����ب ه�����اَم�����ا َِت َ������ت ه����اَئِ ����م���� ًا ِم������نْ ُص�����ل ِ َوأَنْ������بَ������ت ْ ***
������ت ي�����اَ خَ ����يْ���� َر ح���اَنِ ���يَ���ةٍ كَ������مْ دَمْ ������عَ������ةٍ َص������رَخَ ْ
حَ ���� َّت����ى أَض����������اَ َء بِ ����ه����اَ َدرْبِ �����������يْ و َِم����يْ����ق����اَتِ ����يْ !
ْ����ت مُ ْش ِعلَهاَ ال أُمَّ لِ ������يْ يَ����وْمَ ����ه����اَ إِ نْ كُ ����ن ُ َ
أَ ْو لَ������مْ أَكُ ��������نْ بَ����عْ ���� َده����اَ حَ �����ط�����اَّبَ دَمْ �����ع�����ا َِت
��ل�ا ال نِ ����حَ ً َ�����غ�����يْ دُ ونَ������ه������اَ دِ ي�����ن����� ًا َو َ أَ ْو أَبْ�����ت ِ
ال ُأع��������اَقِ ��������رُ شَ �����يْ�����ئ����� ًا ِم��������نْ ِه������داَي������اَتِ ������يْ َو َ
َ����ح����يْ َوأَن��������اَ َ����س����ت ِ ال ي ْ ْ�����ع�����يْ�����دُ يَ��������� ْو َم أَتَ��������ى َ ال ِ
������ك ال�����دَّ هْ ����� َر ِع�����يْ�����د ًا كُ ������لَّ أَ ْوق������اَتِ ������يْ ! أَرَى بِ ِ
ْ����س يَ�����ذْ كُ �����رُ ُه ْف َت����بْ����قَ����يْ����نَ ِع����ي����د ًا لَ����ي َ وَسَ ����������و َ
�������ن ابْ�����تَ�����لَّ ِش�����عْ �����ر ًا ِم�������نْ غَ �����واَي�����اَتِ �����يْ إ َّال مَ ِ ***
َ���س���كُ ���نُ���ن���اَ ي������اَ هَ ������بَّ������ةً ِم��������نْ رِ ي������������ا َِح ال������لَّ������هِ ت ْ
اآلت! ������ك ِ م�����اَ ك������انَ أ َْح�����وَجَ �����ن�����اَ فِ ������يْ يَ������و ِْم ِ
ْض َت���قْ ���ت���اَتِ ���يْ���نَ أَوْرِ دَتِ ����������يْ ألر ِ ْ���ت فِ �����يْ ا َ مَ ���شَ ���ي ِ
���ط���وُ أَغْ �����رَانِ �����يْ بِ ����سَ ����وْءاَتِ ����يْ ْ���ط���قُ الْ���خَ ْ لَ����� ْو يَ���ن ِ
ْ���ض عَ ����نْ ي َِ���ده���اَ ي����اَ أُمَّ مَ ����نْ َش���اَغَ ��� َل���تْ���هُ الْ���بِ ���ي ُ
������������م َو َزال َِّت أس���ت���غ���ف���ر ال����ش����ع����ر ِم���������نْ إِ ثْ ٍ
ْ���غ���ن���اَءِ فَماَ أَ ْوقَ���������دْ ِت فِ ����يْ ش����ا َِع����رِ ْي دُ نْ����ي����اَ ال ِ
َ��������������ت مَ ���������زا َِم���������يْ���������رُ ُه شَ ��������������دْ و ًا َوأَن��������������ا َِّت ْ زاَل
ْ����ض يُ ����غْ ����وِ يْ����نَ ِم����نِّ����يْ م����اَ عَ ������داَ قَ��� َدم��� ًا وَالْ����بِ ����ي ُ
أَغْ ������نَ������ى ُأقَ������بِّ������لُ������هُ فِ ��������يْ عُ �������مْ �������رِ ِك الْ�����ع�����ا َِت
* شاعر من السعودية.
88
اجلوبة -ربيع 1433هـ
ش������������������������������������ع������������������������������������ر
الصباح الفلسطيني > املهدي عثمان*
الصباح الفلسطينيّ
ككل صباح يتحسس مفتاح بيته
ككلّ صباح ينهض متكاسال
ويطوف بالجدران أنْ اصمدوا
يغسل وجهه الصباحيّ
صامد ..صامد ..صامد
لصبْية ال صباح لهم غير منْتبه ِ
صاح جدار شرقيّ
يفتح نافذة على حقل تفاح بال رائحة
واتكأ يتضرّع للشرق
وينتبه كلما تثاءب
كنهر يراوغ قاربا
أنّ جرافة مرّتْ من هنا
استقام ..ثم ْ
دخلت من تلّ الزعتر ْ
نفض شيئا من صديد
لورقة الزيتون وداست حلما كان يلعب حافيا ***
الصباح الفلسطينيّ
مسمارا كان يُ غلّف ْ ُشدَّ إليه الحصان انتزع من صدره حجرا وصوّب لنجمة زرقاء
اجلوبة -ربيع 1433هـ 89
أشالء طفل كانت تتقيّأ ْ
قطع إصبعا ورفعه كنعش
فقدتْه أمه منذ شهر
ليدفنه مع الطفل الموالي ***
فجأة لم يجد أصابع ليرفع شارة النصر ***
الصباح الفلسطينيّ ككلّ صباح
الصباح الفلسطينيّ
ينهض قبل الصباح قليال
وقدْ ظلّ وحيدا
ربما قبل تحليق الزقزقات قليال
بال أحد يقاسمه الصمود
قبل الثغاء والصياح والنقيق
وبال عبور
دقيق جدا في مواعيده هذا الصباح
من ضفة النحيب لقطاع الرفض
ثمة تلة يطلّ منها على المدى
كان يركض بأصابع من شوك
ويحرس أطفاله العشرة
يراوغ حلما ميتا أو ضحكة مقيّدة من دمها
من أنياب األناجيل
فيما الرصاصة ال تعتذر لدمعة
ووهم البطولة الزائفة
تشبثت بمربعات الرصيف ْ
***
الصباح الفلسطينيّ ككلّ صباح يتحسس أطفاله العشرة
وفيما ظل الصباح عاريا كنهر ابتسمت طائرة تبيض ِحمم الموت وألقت إسفلتا ْ ظلّ ينهش كبد الصباح الفلسطينيّ ***
ذات صباح... رأى روح طفله في غيمة شاردة
الصباح الفلسطينيّ
رأى صورته في إطار على الجدار
نبتت فوق قبره زيتونة ْ
التسعة يتناقصون ورأى أطفاله ْ
أصلها ثابت في الجسدْ
توضأ بآيات الله وأقسم ّ
وحباتها تقطر كرها
أنْ يدفن إصبعا مع كلّ طفل
وتصاعد للسماء ّ
عاد بكفنه منتصرا
ال زيت لنا اآلن غيْر الدماء
من ذات التلة
قطعت ْ فاشهدي يا أصابع ْ
كلما سمع الزغاريد
أنّ الشهادة عنوان هذا البلدْ
* شاعر من تونس.
90
اجلوبة -ربيع 1433هـ
> مالكة عسال*
فردوس االنكسار
تعال تعال يا وطني من نبيذ الحياة نختلس رمشة في تُخم المنسي نرمم المكسور
أنا المسربلة بطقس المواجع وروحي المستنفرة هارعة إلى ملح الماء
تعال تعال..
ورصاص التمزق يغشاها
نشرق كالشمس
على شعرة المر
من عباب الهزائم نهُ د بغضبنا ُسكر الزيغ واأليام المطلية بالدَكن
أعبر الزوايا المدمرة أحتسي كأس منفاي
نرشقها بكريات النغم
في رهبة الليل
ال تبلل اللحظات
أضمد قلبي المحروق
بقطرة الغياب وال تسرب األحالم الملوّنة في مستودع الغياهب ها أنا..
مسجية في فردوس االنكسار على جبيني يشم سنبلة الجراح
أتقلد شامة العشق
وحدائق الروح
مسحورة بأطيافك
تنحني للذبول
أؤثث ساحات سمري بفساتين عبورك
ش������������������������������������ع������������������������������������ر
شامة العشق
من تل ضلعي
لنلقي في حوض الجراح
يندلع قصب الغضب
سنبلة الفرح..
ليعتشب الصخر
* شاعرة من المغرب.
اجلوبة -ربيع 1433هـ 91
شذرات بِلون الفراق > سناء عاديل* مكشوفة كانت أكاذيبك
َوكانَ ال بدّ أنْ أستنفد
ألوان الصدق بكل ِ َضمّ ختَها ِ ّ
ألـوانَ الطبيعـة
عنك األبيـض وغـاب َ
لإِ خفاءِ شحوبي بَعدَك أتاك الربيع القادم َ ال بأس إنْ
مُ ـذْ المستَ سمائي وقوس قزح يصرخ كطفل نفـ َر كل ألـوانـه غير ًة من سوادِ ذقـنِ ــك تص ِ ّـدق إشاع َة ال َ شفائي من وعكةِ الفراق ال فرقَ بين إمتقاعيْنا غير علبـة زِ يـ َنــة
باألبيض واألسود ِ وال ضيْر أيض ًا األبيض َ إنْ سَ لَبتُ ه دَثار ًا لأِ كذوبة بقائي داهمك رذاذٌ أحمر َ سيُ فال تجــزع هذي الغيــوم كلما عقّ ها النسيان َبك َْت أطـاللَ آهاتِ ك دمـ ـ ــا
* شاعرة من المغرب.
92
اجلوبة -ربيع 1433هـ
ش������������������������������������ع������������������������������������ر
مرارة املوت
D. H. Lawrence > ترجمة :تهاني إبراهيم* أيها الرجل الصارم البارد
إنه ال يتنفس
كيف لك أن تكذب بهذا اإلصرار والصالبة
وال يسترخي
بينما أتمنى أن أغسلك بماء بكائي
أين ،أين أنت؟
هل ستعارض حياة االبنة؟
ما الذي فعلته؟
أليس بإمكانك التخلص من كبريائك
ما هذا الفم المتحجر؟
البغيض؟
كيف تجرأت لتختبئ في الموت!
أنت متنكر!
لمرة واحدة
كيف لك أن تخجل لتمثيل هذا الدور
يمكنك رؤية ابيضاض القمر
مع ال مباالتي الثابتة
كصدر تجلى
أنت تريد النهاية :لي
بسبب انزالق شال من النجوم
لتكسر قلبي المراوغ!
وبإمكانك رؤية ارتعاش النجوم الصغيرة
أنت تعرف فمك
كما يقوم أسفل القلب
كان دائما متعجال لـ الليونة
باالنقباض واالنبساط
حتى عينيك أغلقها اآلن ،إنها تكذب
كل الكون الجميل
قاسي ،مهما كان
كان امرأة واحدة لك
نادرا ما أقبله
عروس ًا لخدمتك
اجلوبة -ربيع 1433هـ 93
شجرة ال تثمر
بعد كل شيء ,هذا أنت
لكنها اتكأت عليك
متصلب ,عنيد
لدفء أبيض جديد
بأحشاء فوالذية
ودائما وأبد ًا
هل ستشعر؟
ناعمة كشجرة صيف
بارد ,بربري
تفتحت من السماء ألجلك كشفت أنوثتها
ميكانيكي!
تذرفك لألسفل كشجرة
آه ال !..أنت متعدد األشكال
تتخلص من زهورها على النهر
أنت الذي أحببت ,أنت رائع
رأيت انحناءة حاجبيك
أنت الذي تظلم وتشع
كصخور جانبية لبحر من الكآبة
أنت العديد من الرجال في رجل واحد
أغرق روحي عميقا في أفكارك
لكن هذا عديم القيمة
أسقط مثل األزهار ألدركك على بركة األريحية كاألزهار التي تركت الفروع
هذا ال يدفئ أبد ًا هل هذه قيمتك؟ أكل هذا هباء؟
أيها المتنكر بوجهك الصلب المصقول ماذا عنك اآلن؟
هل ستخبر الجميع هنا
هل ستهتم أكثر؟
أنك حديد مرن؟
كيف قلبي قيدته المراوغة؟
هل هذا ما صرته أنت؟
* كاتبة من السعودية.
94
جامد ,تتصلب بالبرودة؟
اجلوبة -ربيع 1433هـ
> سليمان عبدالعزيز العتيق* كم لفني وجدٌ تدفق وانثنى
يا أيها الوجد الذي
في القلب أفراح ٌ
يملي عليّ قصائدي ومشاعري وعزائمي
وفي العينين من فرحي دموعْ
وكل أفراحي وأقداحي
وبخافقي وجد ٌ إذا
وكل ما أهوى وما أبغي
أدخلت كفي في تجاويف الضلوع
وكل ما اسطعت وما ال أستطيع
وقبضت ملْ َء الكف ِ من وجدي المضمخ بالتبتل والخشوع بعثرتها نورا ً يضئ برحلتي دربي ويضيئ لي كل انحناءات النجوع ويضيئ لي كل اشتهاءاتي وكل رغائبي وكل آمال الرجوع ويقودني في ظل إيماني وظل صبابتي وظل أشواقي بأعماقي وظل أغصاني ببستاني وظل ساقية بريع وبظل طلح المنحنى وظالل أوراد الخمائل ضحوة ً وتضوع القيصوم والشيح المعطر ِ بالربيع يا وجد إني أستظلُ ظالل غيمك
ش������������������������������������ع������������������������������������ر
وجد
يا أيها الوجد الذي ألقى عليّ وشاحه وضياءه وعناءه وارتاح في قلبي بحب الليل وحب الصبح والغسق ِ النقيع وحب أزماني التي تأتي وحب الريح التي تسري بنسائم الصيف النواعس إن هفت وتوهجي جوف الهزيع يا أيها الوجد الذي يعلو بنشوة عشقه فوق انفعاالتي وأشجاني وأحزاني وآالمي يعلو انكساراتي وآهاتي وكل ما في النفس ِ من نزق ٍ وجوع
وظالل زهر األقحوان
خذني إليك فإنني
ومراتع الغزالن
يا وجدُ أشتاق التسكع في حماك
ومهابط الوديان
ويرف قلبي إن توهج في سماك
وظالل شمس العشق حين تلفعت
ويطيب لي في كل بارقة ٍ لقاك
بنصيفها القاني على باب الرحيل وودعت
خذني إليك فإنني
وحين باحت عند شعشعة الطلوع
يا وجدُ يطربني حداك
* شاعر من السعودية.
اجلوبة -ربيع 1433هـ 95
ي ٌ فراشات متطر ُ ِف َّ > جناة الزباير*
افتح الباب واحضن على مهلك حروفي تهبط من عليائها تتوسد الفجر وتترك وراءها هذا الزمن المريب.
افتح الباب كي تستقبل حلمي استقبال الفاتحين فأنا وطن من حنين بعينيْ كفي أبصرُ وفي خطاي رقصةٌ من نار تتمايل على إثرها مصابيح األرض.
افتح الباب يا الذي نسي اسمه وتبعثر بين أوراقي الخرساءْ . أم تراك تنتظر تقاطيعي الضائعة تجمعك؟!! ْ كي
افتح الباب كي يتوارى صراخي هناك الغضب ْ ألم تر دمشق تسكر من أقداح مراياها جرحٌ أحالمها شجر بال يدينْ يمر كل يوم مهرج من رباها كيف يضحك أطفالها والموت فيها يعوي؟
96
اجلوبة -ربيع 1433هـ
افتح الباب يا الذي يتدثر بنفسي واترك الماضي بين أحضان الشمس وال تذكرني بما كان وكنا...
افتح الباب يا وهم العمر لعل الماء يعود لنبعه فأنا أغفو فوق أرض من شوك ألم تلمس اختناق نداي هنا تتلو التباريح أشعارها صفق لها أبحر في غواياتها لعلك في حمى ضياعها تهذي أم تراك تتدحرج في العتمات تبحث عن ربيع آخر يحضن بيادر حلمي كي تغير األوطان دثارها؟
افتح الباب فحذائي هرىء من الصد وصوتي مطرز بأنين الروابي تراك سمعته من هناك. فأنا تلك التي كانت تجري في البيادر تضحك فوق حصير العمر وتمأل راحتيها
افتح الباب
وتخيل أن ظليَ صحو ال يمحه المقت وأن شراعي صباح ناره ال تخبو وعانقني فأنا أمشي بال دليل كي أراني... فقلبي طاحونة من هواءْ ترميني في طرق عمياءْ كيف أهتدي إلي وقد قيدتني بسالسل من ماء؟
افتح الباب
فقد أرهقني الصمت وتاه مني الكال ْم وهذا الحبر اليباب ْ يقودني نحو أهو التيه أيها اآلتي من مملكة اإلشارات عذاب؟ ْ أم فيض من
افتح الباب
فبي دهشة تطوف بالحنايا دعني أجدف في وشوشاتها وأهبط بين نزيفها ألرى ما ال يُ رى فهنا أغالل من ضوء تدفعني إليك وهنا غيمة تطارد فلتاتي أسقط عطشى أبحث عن قدح الرؤيا
افتح الباب
أيها الساكن عذرية النهار واسمع نواقيس من الجمر «من هناك» قالت فراشة عرجت على محياي همست: «أنا التي تهوِ ي في قسمات الصبابة سوقي سحابك إلي كي أفيق ذبح ففي مهجة الوجود ٌ واحتراق ٌ يفرش في صدري رماده».
ش������������������������������������ع������������������������������������ر
من رذاذ الظل الوريف تنتظر كل همس ألق القصيدة لكن احترق جناحاها وهي تصطاد المحالْ .
فأجر رداء الليل أتقي به حر المواجع.
افتح الباب
وانتظرني أن أزورك ألمس عتبات جنونك لعلك تُشفى من بقاياي. فأنا تلك المسافرة في خريطة الوهم أحمل جثة اشتهاءاتي و أسقط في الالمكان أبحث عن أرض ثانية تنحني لها رياح جنوني. قلتَ :وماذا بعد؟ فإذا بظل غير ظلي يسابقني نحو حتفي.
ال ..ال تفتح الباب
سأتوارى في اآلتي لعلي من دوامتي يوما أعود الباب ْ حينها ستفتح لي العذاب. ْ وسأغلق كل نوافذ
* شاعرة وناقدة وصحفية من المغرب.
اجلوبة -ربيع 1433هـ 97
الروائية أميمة اخلميس تقول:
الرواية ال تكتب مرة واحدة ،بل تكتب آالف المرات من قبل القراء بتعدد األخيلة واألمزجة. كتابتي للطفل جزء حميم من نتاجي اإلبداعي ,وهي جزء من تجربتي مع أبنائي ..أقطف مادتها من حقول مخيلتهم الخصبة ,واكتشف عناصرها في مناجمهم النضرة البكر. الكتابة الصحفية المنتظمة تمنح الكاتب لياقة لغوية عالية ,تجعل لك حاسة ثامنة تتبع من خاللها نبض محيطك وتحوالته حققت األدي��ب��ة السعودية أميمة الخميس إن��ج��از ًا ج��دي��د ًا ف��ي صفحة اإلبداعات النسائية باختيار روايتها ((الوارفة)) ضمن الروايات الثالث المرشحة لجائزة “بوكر” لعام 2010لتسجل حضور ًا الفت ًا في عالم األدب ،ولتؤكد وجود المرأة السعودية المؤثر على خريطة اإلنتاج األدبي .ومع صاحبة الوارفة كان للجوبه معها هذا الحوار. حاورتها الشاعرة والكاتبة السعودية هدى الدغفق. < ش��ارك ِ��ت م��ؤخ��را ف��ي ال��ن��دوة المقامة
وك �ث��اف��ة ال �ح �ض��ور ف��ي ال �ق��اع��ة ،حيث
ضمن فعاليات معرض الشارقة تحت
كان يشاركني المنبر طيف متنوع من
ع��ن��وان (ص��وت ال��م��رأة ص��وت الخيال)
األدي �ب��ات العالميات ك «ك�ي��ت موس»
ب��ورق��ة عمل ح��ول رواي��ت��ك (الوارفة)،
-ال ��روائ� �ي ��ة اإلن �ج �ل �ي��زي��ة الشهيرة،
ما المضمون والمحتوى ال��ذي عبرت عنه؟ > الذي أبهجني أن الندوة كانت تتحرك ف��ي ف�ض��اء ثقافي نشط وف��اع��ل على مستوى التنظيم ،واخ�ت�ي��ار األسماء،
98
اجلوبة -ربيع 1433هـ
والتي ترجمت روايتها إلى ( )37لغة، ومؤسسة جائزة أورانج لألدب النسوي. أي�ض��ا ك��ان��ت ه�ن��اك األدي �ب��ة المصرية المعروفة «أه��داف س��وي��ف» ..إضافة إلى الروائية الهندية الجميلة المذهلة
تجربتك الروائية السابقة في «البحريات»؟ > ال أستطيع أن أحدد ،ولكن أعتقد أن منظور الرؤيا وإطاللتي على الحدث والشخصيات قد اختلف في الوارفة .لعل تجربتي خطت خطوة أخرى تجاه نضجها ,وإن كانت «البحريات»
م������������������واج������������������ه������������������ات
«ال����وارف����ة» م���ن ج��دي��د ي��ض��اف إل����ى رصيد
قد القت رواجا كبيرا عند القراء ,لكن أجد صاحب االثنينية عبدالمقصود خوجة يكرم أميمة الخميس
«شين راي» .جميعنا اشتركنا في طرح بعض أب �ع��اد ال�ت�ج��رب��ة ال�ن�س��وي��ة ف��ي ال�ك�ت��اب��ة على مستوى التقنية ,ومشاغبة التابو ،والتأسيس لرؤية نسوية للتاريخ ,وبالتالي ..شعرت أن ه��ذه ال�ن��دوة أثرتني أن��ا بالتحديد أكثر مما قدمت لها ،فكما يقولون ال يجيد الكاتب أو الفنان شرح أعماله ,ألنني أشعر بأن مهمة
أن «الوارفة» حظيت بمتابعات نقدية نخبوية على مستوى أكبر. < ع��ب��رت ع��ن شخصية ال��م��رأة ال��س��ع��ودي��ة في أف��ض��ل نماذجها م��ن خ�لال بعض أعمالك اإلبداعية ..ومنها «ال��وارف��ة» ،فهل أردت من ذل��ك أن ترسخي النموذج اإليجابي للمرأة ال��س��ع��ودي��ة ف��ح��س��ب؟ ول����م����اذا؟؟ وه����ل كان النموذج السلبي للمرأة السعودية يلح عليك،
الروائي تنتهي مع كتابة السطر األخير في رواي �ت��ه ,فهو حينما يقدمها م��رة أخ��رى ،أو يفسرها ..فكأنه يعتدي على حيز القاري ومغامرته الخاصة داخل النص ومع الرواية. ذك��رت في تلك الندوة أن ال��رواي��ة ال تكتب مرة واحدة ،بل تكتب آالف المرات من قبل القراء بتعدد األخيلة واألمزجة ,ولكن هذا لم يمنع أنني مررت ببعض أسرار التقنيات السردية التي وظفتها في الوارفة ,ثم أشرت إلى بعض األس��ال�ي��ب الفنية ف��ي اخ�ت�ي��ار الشخصيات وعالقتها بالحيز الزماني والمكاني ،وأثر هذا كله على تجربة الشخصيات الوجودية. < م��ق��ارن��ة ..وع��ل��ى ع��ج��ل ،م���اذا ق��دم��ت رواي���ة
اجلوبة -ربيع 1433هـ 99
فيبدو في أعمال أخرى أقوى حضورا؟ > ل��م أستطع تحديد م��اذا تقصدين بالمعنى
بعض الزمالء بالعديد من الطبعات بعد زمن محدود من صدورها.
اإليجابي! هل يحمل المعنى بعدا أخالقيا؟
ل �ك��ن ال� �م ��أزق ه �ن��ا ي �ح��دث ع �ل��ى المستوى
أم ب�ع��دا نضاليا؟ أم تقصدين بالشخصية
الفني ،فليس جميع م��ا نشر م��ن الروايات
اإليجابية هي تلك الفاعلة والمؤثرة في سياق
يمتلك الجودة والتماسك الفني ,فالكثير من
وتبدالت األحداث من حولها ,وإن كان سؤالك يتضمن ه��ذا ..فإني ال أضع هذا الموضوع كثيرا نصب عيني عند التأليف ،ولكن عند اختياري للشخصية ..ال بد أن يكون بيني وبينها عالقة خاصة ..حب وتبجيل لتجربتها
الروايات لم تكن سوى منشور اجتماعي ,في ظل غياب المنابر التي تتيح التعبير الحر عن ال��رأي وانخفاض األس�ق��ف ,أمست الرواية حقال للصهيل والتقافز بين م�م��رات حقل األلغام والمحذورات التقليدية.
الوجودية ,ال بد أن يكون بيني وبينها ذلك < إلى أي حد ترين أن الكتاب السعودي يعيش الحبل ال �س��ري ،وال�ع�لاق��ة الرحمية بجميع أزم���ة م��ع ال��ن��ش��ر ،ت��وق��ع��ه ف��ي مغبة القبول ك�م��ون�ه��ا وأخ�لاط �ه��ا وس��وائ �ل �ه��ا وتجاويفها ال�س��ري��ة ,وب�ع��د اكتمالها ووالدت��ه��ا ..لها أن تواجه مصيرها ورحلتها الكبرى مع القراء بال وصاية مني. < تشكو الرواية السعودية بعامة ضعف اإلقبال عليها .في رأيك ما األسباب وراء ذلك .وكيف تنظرين إلى ذلك األمر؟ ضعف إقبال على الرواية، َ > ال أعتقد أن هناك ب��ل ع�ل��ى ال �ع �ك��س ..ف��ي ال �س �ن��وات األخيرة حظيت ال��رواي��ة ب ��رواج كبير ,جعل البعض يطلق عليها ديوان العرب ,وباتت الرواية هي
بشروط النشر العربي ،التي غالبا ما تهضم ح��ق��وق��ه ال��م��ادي��ة وال��م��ع��ن��وي��ة ،وم���ن وجهة نظرك ..ما هي الحلول لتجاوز تلك األزمة؟ > صناعة الكتاب صناعة ضخمة ومتشعبة, بدايتها تكون م��ن خ�لال المناخ المستحث الحاضن للتجربة وأسقف الحرية المرتفعة, كل هذا ال بد أن يكون مدعوما بحراك ثقافي نشط وخ�لاق وق��ادر على أن يشجر المكان بالفعل اإلبداعي والتأليف. أيضا ال بد أن تبتعد دور النشر عن األهداف التجارية المحضة ,وعليها أن ت ��وازن بين
(الفرقة الناجية) وسط األنواع األدبية التي
اإلبداعي والتجاري ،بحيث تخدم العمل الجاد
كانت تتصدر الساحة.
والمتميز ,إضافة إلى أهمية وجود شركات
�ظ��ا ال ب��أس ب��ه من أرى أن ال��رواي��ة نالت ح� ًّ
إعالنية ضخمة للنشر والتوزيع ,كل هذا من
المتابعة وال��دالل واالهتمام النقدي ,وعلى سبيل ال �م �ث��ال ..حظيت رواي��ات��ي ورواي���ات 100اجلوبة -ربيع 1433هـ
الممكن أن يكون صناعة كتاب حقيقية. واإلق �ب��ال ال�ه��ائ��ل على م �ع��ارض ال�ك�ت��اب في
إلى أن الكتاب ما يزال هو الوعاء المعرفي
الطفل وتسويقه ..م��ا برحت تعاني الكثير
األول ,ول �ك��ن ..ب�م��ا أن�ن��ا ن�ع��ان��ي الكثير من
م��ن ن��واح��ي القصور ضمن منظومة تخلف
نواحي القصور فيما يتعلق بصناعة الكتاب,
حضاري شاملة.
السيما مع أنظمة الرقابة التي ال تستمع < ..حدثينا عن سلسلة «حديقة الطلح» قصص وتصم آذانها عن وقع العصر ونبضه ,وبالتالي أط���ف���ال ال���ت���ي ت���ص���در ع���ن م��ك��ت��ب��ة الملك يضطر المبدع أن ينشر خارجياً ,متعرضا لصناعة نشر تجارية تقوم على السطحي والهش في غالب أنشطتها .وأعتقد أن الحل هو قيام هيئة رسمية ,تدرج صناعة الكتاب على قائمة أولوياتها.
م������������������واج������������������ه������������������ات
العالم العربي وبخاصة في الرياض ..يشير
والفنية .ولكن م��ع األس ��ف ..صناعة كتاب
عبدالعزيز العامة؟ وكيف تم التعاون بينك وبين المكتبة؟ وم��ا أهمية تجربة من هذا النوع لك وللمكتبة وللطفل السعودي؟ وكيف لمست ت��ج��اوب األط��ف��ال م��ع تلك القصص وتلقيهم إياها؟
< ل ِ��ك تجارب ممتازة في الكتابة للطفل .أال > تلقيت عرضا من المكتبة تتبنى فيه إصدار تخشين خوض مشروع من هذا النوع؟ وما م�ج�م��وع��ة م��ن ق�ص�ص��ي ال�م��وج�ه��ة للطفل, أب��رز مالمح االختالف بين الكتابة للطفل
وغيره من حيث األدوات االبداعية والفنية.. وكذلك الرؤية وما إلى ذلك؟ وكيف استطعت
فاخترت لها مسمى سلسلة (حديقة الطلح), تيمنا بسلسلة المكتبة الخضراء التي طالما سلبت عقولنا في فترة الطفولة ،وهي سلسلة
إيجاز المسافة بين الكتابتين للطفل وما
م��وج�ه��ة للطفل م��ن ع� �م ��ر( )10-6سنوات,
عداه؟
تسعى إلى توظيف موجودات البيئة المحلية
> كتابتي للطفل ه��ي ج��زء حميم م��ن نتاجي اإلب��داع��ي ,وه��ي ج��زء أيضا من تجربتي مع أب�ن��ائ��ي ،إذ كنت أق�ط��ف م��ادت�ه��ا م��ن حقول مخيلتهم الخصبة ,واكتشف عناصرها في مناجمهم النضرة البكر ,الكتابة للطفولة كانت لعبة غميضة ممتعة جربتها يوما ما, ثم اكتشفت أنني استمتعت بها ,وفي مراحل الحقة ..وبعد أن بدأت النشر للطفل ،شرعت ف��ي بحث موسع ع��ن ف��ن الكتابة وشروطها وأط��ره��ا وح ��دوده ��ا ،ح�ت��ى ت�س�ت��وف��ي كتبي الموجهة للطفل شروطها التربوية والتعليمية
خوجة يقدم مخطوطة قديمة من المصحف ألميمة الخميس
اجلوبة -ربيع 1433هـ 101
ومعالمها ,ابتداء من اس��م السلسلة وصوال
ال��درب��ة وال �م��راس كيف يسوسها ويسوقها،
إلى بقية التفاصيل داخل القصص .وتحاول
لتكمل الجري والتقافز فوق سطوره .إضافة
تناول موضوعات جديدة غير مطروقة في
إلى أن الكتابة المنتظمة تنشئ لك شريحة
عالم أدب الطفل العربي ,من خ�لال أنسنة
واس�ع��ة م��ن ال �ق��راء ,فتطمح أن تستقطبهم
األشياء والموجودات في السياق السردي، وس�ع�ي��ا لتحقيق ال��ده�ش��ة وال�م�ت�ع��ة للطفل,
وتستدرجهم ت�ج��اه نتاجك اإلب��داع��ي الذي يكون عادة محاصرا بذوق النخبة.
وحرصا على إثراء ذهنه وأخذه تجاه حقول < برغم ما يمارسه المتلقي من وصاية على الخيال الشاسعة. العمل اإلب��داع��ي ،يسعى الكاتب إل��ى كسب
أيضا تم تحميل الجمل والمفردات ومضات بسيطة م��ن الشعرية الملونة ،بهدف إثراء القاموس اللغوي واللفظي للطفل في تلك
رضاه .إلى أي حدّ ترين أنك استطعت كسب رض��ا المتلقي ..وتمكنت م��ن التعبير عن بعض قناعاته؟
ال�م��رح�ل��ة ال�ع�م��ري��ة .وق��د الق��ت المجموعة > ي�ح�ت��ل ال�م�ت�ل�ق��ي ج� ��زءاً ك �ب �ي��راً م��ن العملية بحمد الله رواج��ا ،وترجمت قصة (عصفور اإلب��داع �ي��ة ,فهو م��ن ن��اح�ي��ة ،يكمن كالشبح
الحنطة) إلى اليابانية.
< من خالل تجربتك الصحافية الطويلة في الكتابة المقالية التي تنقلت فيها بين أكثر من صحيفة سعودية ،كيف استطعت التكيّف مع شروط صحيفة وأخرى وضوابطها؟ وما أهمية الكتابة المقالية بالنسبة للمبدع؟ > بدايةً ..أعتقد بأن الكتابة الصحفية المنتظمة تمنح الكاتب لياقة لغوية عالية ,على مستوى تتبع األف�ك��ار والتقاطها ،وم��ن ث��م صياغتها ومعالجة المادة الخام للموضوعات.
الكتابة المنتظمة تجعل لك حاسة ثامنة تتبع
الخفي ف��ي تالفيف رأس ال�ك��ات��ب ،ويوجه قلمه ويحاصره ،بحيث يسوقه تجاه ما يراه أنه ي��روق له ،أو يعبر عن تجربته الوجودية أو مأساته الخاصة ,لكن أيضا ..على الكاتب أن يكون حذرا لهذه النقطة ,فمهمة الكاتب ليست أن يكون صدى وزجاجاً للمرآة فقط, بل مهمته هي استشرافية تقوم على الرؤية.. ومحاولة استقراء األفق ،فال بد أن ينتبذ له مكانا قصيا ،ويستقل عن سلطة الجماهير, ونشوة المعجبين المخادعة ,ال بد أن يستقل ويحتاط ,كما عليه الحذر أن ينمط أو يقولب متلقيه ف��ي ق��ال��ب أح ��ادي ،فتضيق رؤيته..
من خاللها نبض محيطك وتحوالته ,بل تجعل
ويشحب أسلوبه ..ويغيب عنه الرواء الخالق
من الكاتب أكثر سيطرة على أدواته ,فقطيع
المتعدد ,ال بد أن يطمس الوجوه التي تتقافز
ضباء األفكار المتفلتة الشرود ,سرعان ما
في رأس��ه عندما يكتب ,ويكتب لماء العماء
تنصاع لمشيئة الكلمة إذا حذق الكاتب عبر
األول للمبهم ,لصفحة كتاب األزل ,فالقارئ
102اجلوبة -ربيع 1433هـ
األدبي.
قابلت موقفه ذاك؟
< يسقط المجتمع المحافظ العمل األدبي > لم يرسل ابن خميس ريحا إال لتدفع مراكبي للكاتبة على واقعها الشخصي .إلى أي حد
في لجة البدايات ,سعى إلى تعبيد الطريق،
توجست م��ن أن ت��ؤول أح���داث رواي��ت��ك على
وم �ح��اول��ة تخفيف غ �ل��واء ش�غ��ف المغامرة
واق���ع���ك ال��ش��خ��ص��ي؟ وك���ي���ف ت��خ��ل��ص��ت من
واالكتشاف لدي ,كان قلقا من جموح وفضول
عواقب تأثيره على مشروعك اإلبداعي؟
أسئلتي ,وعندما تيقن في النهاية أنني إحدى
> هذا مصير ال بد أن يؤول له كل من غطس
م������������������واج������������������ه������������������ات
ال �م �ض �م��ر س��اب �ق��ا ي �ع��د ك ��ارث ��ة ع �ل��ى العمل
كان موقف ابن خميس من إبداعك؟ وكيف
تجلياته ,بارك الرحلة وبعثني.
يديه في نهر الحبر ,ال فرار من التوأمة بين < ما وقع فقد أباك على ذاتك من ناحية؟ وعلى إبداعك من ناحية أخرى؟ نصوصك وحياتك الشخصية ,ال أعتقد أن األم��ر يقتصر على النساء فقط ،بل يتعداه > الموت هو أحد التجارب الوجودية الكبرى إل��ى ال��رج��ال ..ويتجاوز المكان أيضا ,وقد التي تجعلنا نتوقف ,ونخرج من التيار اليومي يبدو األم��ر مركبا بالنسبة للنساء اللواتي
أمضين تاريخهن في ثقافة يكتبها الذكور, ويسيطر ع�ل��ى رؤي �ت �ه��ا ل�ل�ع��ال��م ,ل��ذا عندما تشق النساء ستار الخدر ,ويخطين خطوات مترددة خجلى إلى مجالس الحروف ,وتهمس بجزء من تجربتها ورؤيتها ,ستلتف نحوها األعين من باب الفضول والدهشة ,وترقب ما قد يأتي به الكائن الجديد الذي ظل طوال التاريخ يقبع على الهامش معوجا منتقصا في
ال�ه��ادر ،ونتأمل أيامنا ال�م�ح��دودة ،وأوقاتنا الخاطفة ,وأيامنا التي نعدها لنكتشف أنها ه��ي ال�ت��ي ت�ع��دن��ا .ال �م��وت ه��و ال�ج�ب��ار الذي يناولنا خريطة الحقيقة .التجارب القاسية والفجائع في حياة اإلنسان تعمق إحساسه بالعالم حوله ,واألل��م يجعلنا نشف ونصبح أكثر اقترابا من إنسانيتنا وإنسانية اآلخر. انصب بعض النقد لمجموعاتك القصصية َّ < في مالحظة أن هناك تشابها بين تفاصيل
عقله ودينه.
بعض ال��ن��ص��وص وأح��داث��ه��ا المحكية؟ بم
وال أع�ت�ق��د أن م��وض��وع �اً م��ن ه��ذا النوع..
تردين على ذلك؟
من الممكن أن يوقف المشروع األدب��ي .قد يحاصره ويبعثر الغبار حوله ..ولكنه حتما لن يوقفه. < كان لوالدك الشيخ األديب عبدالله بن خميس رحمه الله رأيه الخاص فيما تكتبين؟ فكيف
> الواقع هو المنجم الثري الذي نتقصى عروق الذهب داخله ,ومكامن السالالت الكريمة من األحجار .لذا ،نحن لن نبعد كثيرا عن الواقع في مادتنا األولية ..لكن الباقي ,كيف نصنع من تلك المادة الخام تحفة إبداعية.
اجلوبة -ربيع 1433هـ 103
الدكتور حسن النعمي للجوبة النقد جزء من حراك الواقع بمستوياته المختلفة ،فتحوالت العقد األول من األلفية الثالثة تحوالت عميقة التأثير. من يقرأ جهود بعض النقاد العرب ..سيلحظ ما انتهوا إليه من تطوير أدواتهم بناء على مناهج غربية في األصل ،ساعدت في إعادة قراءة تراثنا السردي. كتابي «الرواية السعودية :واقعها وتحوالتها» اتبعت فيه منهجية صارمة في تقديم رؤية بانورامية عن الرواية السعودية. أول تجربة نقدية كانت من خالل الفرصة التي أتاحها لي الدكتور سعيد السريحي. المؤثرات في األدب ال تظهر سريعاً ،وتأخذ وقتا للتبلور حتى تتحول من حدث إعالمي إلى حدث إنساني. بدأت شاعراً ،ونشرت مجموعة من قصائد الشعر الحر ،لكنني وجدت نفسي في القصة والرواية.
104اجلوبة -ربيع 1433هـ
م������������������واج������������������ه������������������ات
الناقد الدكتور حسن محمد النعمي ،سعودي ،من مواليد 1959م ،حصل على الدكتوراه في األدب العربي من جامعة إنديانا بالواليات المتحدة األمريكية عام 1995م ،حاصل على تخصص فرعي في الدراسات السينمائية .يعمل حالي ًا أستاذ ًا مشارك ًا للدراسات العليا ،ويقوم بتدريس (السردية المعاصرة ،والمسرح) في قسم اللغة العربية بجامعة الملك عبدالعزيز بجدة .له ثالث مجموعات قصصية( :زمن العشق الصاخب ،صدر عن نادي أبها األدبي1984 ،م)( ،آخر ما جاء في التأويل القروي ،نادي أبها األدبي1987 ،م)، (حَ دَّ ث كثيب قال ،دار الكنوز األدبية في بيروت1999( ،م) .إضافة إلى كتبه النقدية (كتاب رجع البصر :قراءات في الرواية السعودية ،صدر عن نادي جدة األدبي في عام 2004م)، (محاضرات في األدب السعودي ،صدر عن دار خ��وارزم ،جدة2007 ،م)( ،تحرير وتقديم كتاب خطاب السرد :الرواية النسائية السعودية ،من إصدارات جماعة حوار النادي األدبي الثقافي بجدة2007 ،م)( ،الرواية السعودية :واقعها وتحوالتها ،صدر عن وزارة الثقافة واإلع�لام ،الرياض ،سلسلة المشهد الثقافي2009 ،م)( ،األدب العربي الحديث :نشأته وتطوره ،صدر عن دار خوارزم ،جدة2010 ،م)( ،تحرير وتقديم كتاب «عبد العزيز السبيل: قراءة في مرحلة» ،النادي األدبي الثقافي بجدة2011 ،م). الجوبة تستضيف صاحب ه��ذه السيرة في ح��وار يميزه الدكتور النعمي بإجاباته العميقة والجريئة التي تضيف وال تخدش حتى وهو يختلف ..النعمي وهذا التميز.. حاوره :عمر بوقاسم. < هل لك أن تصف لنا مالمح النقد األدبي في الوطن العربي؟ > أوالً ،النقد ليس مجرد ممارسة معيارية في مقاربة النصوص ،بل هو مقاربات معرفية ت�ت�ف��اع��ل م��ع ال�م�ع�ط�ي��ات ال�م�خ�ت�ل�ف��ة ،وبهذا
المعنى يمكن أن أج�ي�ب��ك .النقد ج��زء من حراك الواقع بمستوياته المختلفة ،فتحوالت ال�ع�ق��د األول م��ن األل �ف �ي��ة ال�ث��ال�ث��ة تحوالت عميقة التأثير ومتسارعة ،ويمكن أن يكون من نواتج ه��ذه التحوالت ال�ث��ورات العربية،
ومن يدقق في بعض مولدات هذه الثورات
يلحظ دور الوسائط التواصلية الجديدة.
فهي التي أسهمت في صنع مشهد الثورات.. وحركت الجماهير بعيداً عن رقابات السلطة
السياسية .من هنا ،يمكن أن نعيد قراءة كل شئ لحساب المرحلة ،ونعيد تقييم بواعث النصوص األدبية وخاصة الرواية في ضوء المتغير االجتماعي .وال يمكن أن نستغرب ولوج النقد بمعناه المعرفي في دائرة المتغير. من هنا ،يجب تقييم النقد العربي وفقاً لهذه اللحظة الفارقة ،بمعنى استشراف الدور ال تكريس ما تم إنجازه .ورغم هذا القول ،فإن ما أنجزه النقد العربي في العقود الثالثة األخ �ي��رة يستحق ال �ت��وق��ف ،ف�ه�ن��اك اهتمام بالنظرية النقدية المعاصرة ،وهناك سعي دؤوب لتطبيقات بعضها ..بلغ مستوى جيداً من المقاربات ،مثل مقاربات سعيد يقطين، ومحمود أمين العالم ،والغذامي ،والبازعي، ومحسن جاسم الموسوي وغيرهم.
اجلوبة -ربيع 1433هـ 105
< م���ن ال���واض���ح ت��وج��ه ال��ك��ث��ي��ر م���ن األسماء ف��ي السعودية لكتابة ال��رواي��ة ف��ي السنوات األخيرة ،هل لهذا التوجه تفسير لديك؟ > هذا األمر طبيعي وصحي ،فالمبررات كثيرة ومقبولة ،ولعل أهمها مرور المجتمع بحالة ح ��راك غ�ي��ر م�س�ب��وق ،وب�خ��اص��ة م�ن��ذ حرب الخليج في عام 1991 /90م .وظهور االنفجار المعلوماتي وزيادة االحتكاك باآلخر .في ظل هذه األوض��اع تظهر الحتميات ،منها حتمية التغير والبحث عن هوية داخل هذا التغير. وب�س�ب��ب ه ��ذا ال�ب�ح��ث ي�ح�ص��ل الديالكتيك االجتماعي بين محافظين ولبراليين ،ويحضر ه��ذا ال�ج��دل ف��ي ال�ف��ن ،وال��رواي��ة على رأس الفنون المعبرة عن أزم��ة التحول .فالرواية ه��ي حكاية ع��ن المتغير وم��ا يصل إليه من ضديات طبيعية ومفتعلة.
د .حسن النعمي
إع��ادة ق��راءة تراثنا ال�س��ردي بوعي مختلف وأدوات ناجعة .وبالمناسبة ل��م يتم تطوير نظرية نقدية للسرد العربي ال�ق��دي��م ،رغم ما حفل به من خصوبة وغزارة سردية ،بدءاً من قصص القرآن وما جاء بعده من نصوص بشرية ..مثل رسالة الغفران ،والمقامات، وألف ليلة وليلة ،وغيرها .فالتواصل المنهجي والعلمي ضروري ،وهو أهم من اإليديولوجيات التي تلوح بالعزلة واالنتقاص من اآلخر.
< ال يغفل عنك أن هناك تجارب نقدية سعودية وعربية استحضرت في سياقها مصطلحات غربية لها مرجعيتها وواق��ع��ه��ا ،ه��ل هناك مبرر إيجابي لهذا التجنيس للمصطلحات في الثقافة العربية؟ < كتابك «الرواية السعودية :واقعها وتحوالتها»، ك���ان م��ح��ور ح��دي��ث ب��ي��ن��ي وب��ي��ن أح���د كتاب > ألمس في السؤال إشارة سلبية ،مع أن األصل الرواية ،حيث قال إن الكتاب تجاهل الكثير ه��و ال�ت��واص��ل واالس �ت �ف��ادة ،ألن األم��ر يكمن من األعمال واألسماء المؤثرة في تحوالت في استحضار منهج ومصطلح بوصفه أداة ال��رواي��ة ال��س��ع��ودي��ة ،م��ا أدوات����ك ف��ي اختيار للقراءة ،ومن طبيعة المناهج والمصطلحات التجارب التي تناولتها في كتابك؟ إمكانية تطويعها لتطبيقات مختلفة .ومن يقرأ جهود بعض النقاد العرب مثل محمد رجب النجار رحمه الله ،أو عبدالله إبراهيم، أو سعيد يقطين أو حميد لحمداني وغيرهم.. سيلحظ ما انتهوا إليه من تطوير أدواتهم بناء على مناهج غربية في األص��ل ،ساعدت في
106اجلوبة -ربيع 1433هـ
> تأليف ك�ت��اب ع��ن ال��رواي��ة السعودية صعب جداً ،لتوسع المشهد الروائي وطوله نسبياً، واختالف مراحله من حيث قلة المنتج الروائي في مرحلة ،وزيادته في مراحل أخرى .وعليه، كان من الضروري اتباع منهجية صارمة في
< كيف تقيم الساحة النقدية السعودية مقارنة بالساحات العربية؟ > ب�ع��د ج�ي��ل ال �غ��ذام��ي وال�س��ري�ح��ي والبازعي والشنطي وغيرهم ،جاء جيل محمد العباس وعلي الشدوي ومحمد الحرز ولمياء باعش وس�ح�م��ي ال �ه��اج��ري وغ �ي��ره��م .وال �ف��رق بين الجيلين يكمن في تغير المعطيات االجتماعية، ففي جيل الغذامي كانت أزمة النقد اجتماعية، وفرغ من دوره في لحظة المواجهة بين رموز المحافظة ورموز النقد الجديد ،وهي أزمة م��ن خ ��ارج ال�س�ي��اق ال�م�ع��رف��ي ،أزم ��ة صراع إيديولوجي خسر فيها النقد أكثر مما كسب؛
أما الجيل الحالي ..فقد استفاد من انتقال الصراع إلى سياقات أخرى سياسية ودينية طائفية ،واستطاع النقاد أن يكرسوا جهودهم على قراءة النصوص في سياقات معرفية أكثر منها معيارية ،وخاصة محمد العباس وعلي الشدوي .أما على المستوى المؤسساتي فقد حظي النقد بمساحات شاسعة من الحضور، وخ��اص��ة ف��ي ملتقيات األن��دي��ة األدب �ي��ة ،مثل قراءة النص في نادي جدة ،وملتقى الباحة عن الرواية ،وملتقى نادي القصيم ونادي المدينة وغيرها من الملتقيات السنوية التي أصبحت ظاهرة مهمة في تجديد الحضور النقدي، كما ال ننسى الدور الذي لعبته جماعة حوار في نادي جدة األدبي على مدى أعوام عديدة، ناقشت فيها العديد من الخطابات الفكرية، مثل خطاب الرواية النسائية ،وخطاب التنوير والعالقة مع اآلخ��ر ،والعالقة بين المثقف والسلطة ،وغيرها.
م������������������واج������������������ه������������������ات
تقديم رؤية بانورامية عن الرواية السعودية، وال �ت��رك �ي��ز ع �ل��ى ال �م �ف��اص��ل ال �م �ح��وري��ة في مسيرتها .ج��اء الكتاب انتقائياً تحت دافع الضرورة من خالل فصول الكتاب الثالثة.
ألنه انصرف إلى اشتغاالت غير معرفية.
< ح����ض����ورك ك���ن���اق���د ط���غ���ى ع���ل���ى ح���ض���ورك كمبدع «ق��اص» ،هل ثمة عالقة جدلية بين النقد واإلب�����داع ،وك��ي��ف وف��ق��ت –أنت -بين االتجاهين؟ > أن��ا ال أرى تعارضاً بين التجربتين النقدية واإلب��داع �ي��ة .فلكل ت�ج��رب��ة س�ي��اق�ه��ا .بدأت قاصاً ،ثم ناقداً .وأثناء تجربتي القصصية كنت م��ول�ع�اً بتقييم م��ا أق��رأ م��ن نصوص.. واحتفظ بذلك لنفسي ،بل طورت أدواتي من خ�لال ق��راءات��ي النقدية فيما ك��ان ينشر في الصحف ،أو فيما يقع بين يدي من كتب في النقد التطبيقي .وأذكر أن أول تجربة نقدية
اجلوبة -ربيع 1433هـ 107
ع� �ل� �ن� �ي ��ة أذع� �ت� �ه ��ا ل �ل �ن��اس ،ك��ان��ت من خالل الفرصة التي أتاحها لي الدكتور س �ع �ي��د السريحي ف��ي ع ��ام 1985م، عندما كان مشرفاً ثقافياً على ملحق أص��داء الكلمة في ج���ري���دة عكاظ.، ف�ق��د ك��ان الملحق > قد تستغرب إذا قلت لك إنني بدأت شاعراً، ض � ��اج� � �اً ب� ��أص� ��داء ونشرت مجموعة من قصائد الشعر الحر، الحركة النقدية واإلبداعية في الثمانينيات، لكنني وج��دت نفسي ف��ي القصة والرواية وط�ل��ب مني أن أق ��دم ق ��راءة نقدية إلحدى إب��داع �اً وق� ��راءة وم�ت��اب�ع��ة .عالقتي بالشعر قصص الملحق ،وكان ذلك تحدياً ،لكنه تح ِّد ال عالقة ق��ارئ ج��اد متذوق ،أج��د فيه مدخ ً لذيذ أفدت منه كثيراً .بعدها انتقلت تجربتي م�ه�م�اً ل �ق��راءة ال� ��ذات اإلن�س��ان�ي��ة وعالقتها النقدية من الهواية إل��ى التخصص بعد أن الموضوعية باآلخر .ورغم أن دراساتي عن أف��دت من دراستي في أمريكا .فالمالحظ السرد القديم والحديث ،فإنني ال أجد ضيراً أن التجربة اإلب��داع�ي��ة كانت األس�ب��ق ،وهي ف��ي تقديم ق ��راءات ع��ن الشعر ،ولكن ليس التي م��ن خاللها ُع��رف��ت وعرفتني الساحة بالمعنى المعياري .من هنا ،ال يجد الناقد الثقافية. فرقاً بين تناول نص شعري أو سردي أو حتى < أحد النقاد السعوديين ردد هذه العبارة «النقد تاريخي عندما تكون المقاربة معرفية. في السعودية تفوق على النص اإلبداعي» ،ما < ف��ي إح��دى ال��ح��وارات سئلت أن��ت ع��ن نقاط رأيك؟ اس��ت��ف��ادة ل��ل��رواي��ة ال��س��ع��ودي��ة م���ن الرواية > مسألة التفوق غير واردة الختالف الطبيعتين العربية ،حيث قلت« :ال أحد يمكن أن يلغي والوظيفتين ،فاإلبداع جمالي إنساني ،يخاطب عوامل التأثير الذي تركته الرواية العربية، الشعور ويستدني التأمل ،بينما النقد معرفي ولكني أرى أن هناك ما هو أكبر وأخطر ،وهو أو معياري ذو نزعة عقلية جدلية .من هنا ال المغامرة غير المحسوبة للكثير من الكتاب، أرى وجها للمقارنة. وخاصة جيل ما بعد عام 2000م .فهو جيل يكتب دون مرجعية واضحة ،دفعه اإلعالم، < أي��ن الشعر م��ن اهتمامات الناقد الدكتور وشجعته دور النشر العربية الربحية أكثر حسن النعمي ،وهل تؤمن بمبدأ التخصص؟ 108اجلوبة -ربيع 1433هـ
م������������������واج������������������ه������������������ات
من اإليمان بقيمة النص الروائي .فظهرت أعمال مستفزة يبحث أصحابها عن شهرة أكثر من تسجيل اسم أدب��ي ،والمساهمة في تحسين بيئة ال��ن��ص��وص ال��روائ��ي��ة جمالي ًا وفكرياً» .أنت ترصد نقاط أزمة جيل ،ال أحد ينكر سرعة نموه ،هل أنت تغلق باب الحوار مع هذا الجيل؟
الموجة األول��ى من هذا النشاط اإلبداعي. وم� ��ع ذل� ��ك ق �ل��ت ف ��ي س��ي��اق آخ� ��ر إن� ��ه من الضروري أن نزيد نسبة المنشور من الرواية؛ ألننا بحاجة للتراكم حتى نصل بالرواية إلى مستوى فني جيد ،وهذا ال يأتي إال من تراكم المنتجات الروائية وزيادتها .مرة أخرى خلقت (بنات الرياض) المنافسة ،ودفعت كتابا مثل عبده خ��ال ويوسف المحيميد ورج��اء عالم لمضاعفة الجهد ..حتى حصلوا على جوائز أدبية مرموقة تجاوزوا بها الضجة اإلعالمية حول (بنات الرياض).
> مشكلة البعض أنه كتب الرواية دون أدنى حد لجماليات ال��رواي��ة ،بحثاً عن األض��واء التي بدأت تنهال على كتاب الرواية ..وخاصة بعد اإلثارة اإلعالمية التي حظيت بها رواية (بنات الرياض) ،فالغاية لم تكن صناعة الرواية ،بل < كيف ترى أثر التغيرات السياسية واالقتصادية ف���ي ال��ع��ال��م ال��ع��رب��ي ع��ل��ى ش��ك��ل ومضمون البحث عما تحققه ال��رواي��ة م��ن استقطاب الخطاب اإلبداعي؟ إعالمي .وربما يلحظ المتابع اآلن أن هذه ال�ظ��اه��رة ق��د انكمشت .فكثير م��ن الكتاب > م��ن أول��وي��ات النقد المعرفي ال��ذي اشتغل أصحاب الرواية الواحدة قد انصرفوا عندما عليه ،ع��دم إغفال دوائ��ر التحوالت الكبرى لم يجدوا العناية اإلعالمية التي بحثوا عنها. على الخطاب اإلبداعي .وفي كتاب الرواية ويمكن أن ن�ق��ول إن االن��دف��اع�ي��ة اإلعالمية السعودية رك��زت على ق ��راءة م��راح��ل تطور وراء ت��راك��م ال��رواي��ة واخ�ت��راق�ه��ا للمحظور ال��رواي��ة وف �ق �اً للمتغيرات ال�خ��ارج�ي��ة .فكل االج �ت �م��اع��ي ..ق��د ت��راج�ع��ت ب�ع��د استيعاب تغير في الواقع تقع استجابته في بنية النص اإلبداعي ،سواء كان أدباً أو مسرحاً أو غير ذلك .غير أنه من الواضح أن المؤثرات في األدب ال تظهر سريعاً ،وتأخذ وقتا للتبلور حتى تتحول م��ن ح��دث إع�لام��ي إل��ى حدث إنساني .وه�ن��اك الكثير م��ن األح ��داث التي ي �ت��أخ��ر ت �ع��اط��ي األدب م �ع �ه��ا ،م��ن ب ��اب أن التجارب اإلنسانية في النصوص اإلبداعية تختلف في تعاطيها مع الظواهر الكبرى. < ما جديدك؟ > أ ُِع� ��د إلص� ��دار ك�ت��اب�ي��ن؛ األول ع��ن التراث السردي ،والثاني عن السرد المعاصر.
اجلوبة -ربيع 1433هـ 109
سيرة وإبداع معالي الدكتور خليل بن إبراهيم بن سالمة املعيقل البراهيم > احملرر الثقافي*
في تلك الواحة الخضراء وسط صحراء الشمال ..وفي تلك المدينة النامية وسط رمالها ،وأصالة تاريخها ،وعراقة آثارها ..في مدينة سكاكا -حاضرة منطقة الجوف.. ول��د الدكتور خليل المعيقل البراهيم ع��ام 1379ه���ـ ..حيث السماء الصافية واألرض المخضرة ،المرصعة بأشجار النخيل الباسقة ..فنما وترعرع فيها ،ونما معه الطموح واألمل.. أكمل دراسته الثانوية في مدينة سكاكا ،التحق بعدها بجامعة الملك سعود في الرياض ،وحصل على البكالوريوس تخصص آثار ومتاحف .ثم نال درجتي الماجستير فالدكتوراه تخصص آثار من جامعة درم في إنجلترا. بدأت حياته العملية كأستاذ مساعد عام 1409ه��ـ في جامعة الملك سعود ،وأصبح أستاذ ًا مشارك ًا في الجامعة نفسها عام 1415ه��ـ ..فوكي ًال لقسم اآلث��ار والمتاحف عام 1412هـ ..فرئيس ًا للقسم نفسه عام 1420هـ.. ت��م اخ�ت�ي��اره عضوا ف��ي مجلس الشورى،
فكان:
اعتباراً من 1426/3/3ه � �ـ وم��ع مطلع العام -عضواً في مجلس مركز البحوث ،كلية ال��دراس��ي 1433-1432ه � � �ـ .ص��درت اإلرادة اآلداب ،جامعة الملك سعود-1403 ، الملكية السامية بتعيينه مديراً لجامعة حائل. 1404هـ.. شارك في عضوية مجالس ولجان عدة - ..ع�ض��واً ف��ي كلية اآلداب ،جامعة الملك 110اجلوبة -ربيع 1433هـ
ع�ض��وا ف��ي مجلس إدارة الجمعية السعوديةللدراسات األثرية. عضوا في جمعية التاريخ واآلثار لدول مجلسالتعاون الخليجي. عضواً في اتحاد اآلثاريين العرب. عضواً في الجمعية العمومية ،وهيئة تحرير مجلةأدوماتو ،وهيئة النشر بمؤسسة عبدالرحمن السديري الخيرية.
Study of the Archaeology of Jawf Region,
1994
أكثر من خمسة عشر بحثاً متخصصاً في اآلثاروال �ح �ض��ارة م�ن�ش��ورة ف��ي ع��دد م��ن المجالت والدوريات العلمية.
س�����������ي�����������رة وإب���������������������داع
سعود1424-1420 ،هـ.
ع��رائ��س ال �م��دن قصة التنمية العمرانية فيالمملكة العربية ال�س�ع��ودي��ة ،ب��االش�ت��راك مع
اآلثار والكتابات النبطية في منطقة الجوف
تمثل اآلثار النبطية المنتشرة في منطقة الجوف ش���ارك ف��ي ع ��دة م��ؤت �م��رات ون � ��دوات عربية أبرز المواد الحضارية التي تزخر بها المنطقة، وعالمية منها: والدالة على عمق االستيطان النبطي وبخاصة في •حلقة ال ��دراس ��ات ال�ع��رب�ي��ة ،ل �ن��دن،1987 ، الفترة النبطية المتأخرة ،وهو ما يمكن اعتباره 1998 ،1995 ،1988م تزامنا م��ع ت��زاي��د أهمية وادي السرحان كمعبر •مؤتمر آرام الثالث ،أكسفورد 1995م وطريق رئيس للتجارة النبطية. •ن ��دوة دراس� ��ات األن��ب��اط ،ال �ب �ت��راء ،األردن، وق��د شجع حجم ال�م��ادة األث��ري��ة على إخراج 1999م ه��ذا الكتاب ،بهدف لفت أن�ظ��ار المتخصصين •ندوة يوليوس أويتنج ،المانيا 1999م •اللقاءات العلمية التحاد اآلثاريين العرب ،1999 2004 ،2003 ،2002 ،2001 ،2000م. •ال�ل�ق��اءات العلمية لجمعية ال�ت��اري��خ واآلثار لدول مجلس التعاون،1423 ،1422 ،1421 ، 1424هـ. •ال �ن��دوة العالمية ال�خ��اص��ة ب�ت��اري��خ الجزيرة العربية ،الرياض 1424هـ.
مؤلفاته وبحوثه: اآلثار والكتابات النبطية في منطقة الجوف، بحوث في آثار منطقة الجوف، -دراسة آلثار موقع عكاظ.
اجلوبة -ربيع 1433هـ 111
والمهتمين ب��آث��ار وت��اري��خ شبه الجزيرة العربية بأهمية تلك المرحلة ال�ح�ض��اري��ة ،وق��د اعتمد ال�م��ؤل�ف��ان -حيث ي�ش��ارك ال��دك�ت��ور المعيقل في تأليف الكتاب د .سليمان بن عبدالرحمن الذبيب- في دراستهما على الدراسات واألبحاث السابقة، إض��اف��ة إل��ى م��ا ت��م كشفه على يديهما م��ن آثار وكتابات كانت حصيلة أعمال ميدانية ،وسيظل ه��ذا العمل – حسب قولهما – مقدمة ألعمال أثرية مستقبلية ستكشف الكثير من آثار الفترة النبطية التي تنتظر أعمال الحفر الموسع. يقع الكتاب في ( )278صفحة ..اشتمل على ثالثة أبواب ،خصص أولها لدراسة اآلثار النبطية ف��ي ال�م�ن�ط�ق��ة ،وق ��د وزع على خمسة ف �ص��ول ..رك��ز الفصل األول منها على تاريخ األنباط ف ��ي ال� �ج ��وف ،ون ��اق ��ش الثاني ط ��رق ال �ق��واف��ل ال�ن�ب�ط�ي��ة التي تعبر منطقة الجوف .وخصص الفصل الثالث لدراسة المواقع النبطية المنتشرة ف��ي أرجاء المنطقة .وتعرض الفصل الرابع ألهم اإلنشاءات المائية النبطية م��ن آب ��ار وق �ن��وات ري أرضية. وخصص الفصل األخير لدراسة الفخار النبطي الذي عثر عليه في المواقع النبطية. وركز الباب الثاني من الكتاب على دراس ��ة ال�ن�ق��وش النبطية ال�ت��ي بلغ ع��دده��ا ( )96نقشا، عثر عليها في الجزء الجنوبي من المنطقة في محيط مدينة سكاكا ومحافظة دومة الجندل. وق � ��د ق���دم���ت ه � ��ذه النقوش 112اجلوبة -ربيع 1433هـ
معلومات كثيرة عن األنباط ودورهم الحضاري في المنطقة؛ فقد أظهر العديد منها ألقاباً عسكرية ألقت بعض الضوء على الوجود العسكري النبطي في المنطقة. أما الباب الثالث فقد أ ُفرد لدراسة الكتابات العربية المبكرة ال�ت��ي تمثل ام �ت��داداً للكتابات النبطية ،وقد عثر على نقشين في موقع القلعة إل��ى الشمال م��ن سكاكا ,،وهما يمثالن مرحلة مهمة من مراحل تطور الكتابات العربية قبيل اإلسالم.
بحوث في آثار منطقة الجوف ي� �ق ��ع ال� �ك� �ت ��اب ف� ��ي ()166 صفحة ،ويحتوي على عدد من الدراسات التي نشرها المؤلف خ�ل�ال ال �س �ن��وات ال�م��اض�ي��ة في عدد من المجالت العلمية. ون �ظ��را لقلة م��ا كتب باللغة العربية عن آثار وتاريخ منطقة ال �ج��وف ،إض��اف��ة إل��ى أن بعض هذه الدراسات نشر في مجالت ج��ام �ع �ي��ة ل �ي �س��ت ف���ي متناول الباحثين والمهتمين ،فقد رأى المؤلف جمعها في كتاب يكون في متناول الجميع منهم. يشمل الكتاب خمس دراسات. ت� �ن ��اول ��ت األول� � ��ى االستيطان ف��ي منطقة ال�ج��وف منذ أقدم العصور ،حيث أوضحت الدراسة ب��داي��ات استيطان اإلن�س��ان في المنطقة ،وخالل مختلف عصور ما قبل اإلسالم..
س�����������ي�����������رة وإب���������������������داع
لقطة فوتوغرافية أثناء تكريمه من قبل عائلته كمدير لجامعة حائل
أم��ا ال��دراس��ة ال�ث��ان�ي��ة ..فقد تناولت المواقع األثرية في المنطقة ،وركزت على تحديد الفترات التاريخية المختلفة ،ومواقع كل فترة.
منطقة الجوف في العصور المختلفة .ويُنتظر منها أن تكون دافعاً للبحث والكتابة عن آثار وتاريخ هذا الجزء الغالي من الوطن.
وج��اءت ال��دراس��ة الثالثة ع��ن وادي السرحان في عصر ما قبل اإلس�لام ،في ضوء االكتشافات أألثرية ،وقد ركزت على مسح عام لوادي السرحان، وفتراته الحضارية ،ومواقعه األثرية.
دراسة آلثار موقع عكاظ
وكانت الدراسة الرابعة عن اآلث��ار اإلسالمية في المنطقة ،وقد ركزت على المواقع اإلسالمية الشاخصة ،كالبلدة القديمة ف��ي دوم��ة الجندل، والمساجد األثرية ،والقالع ،والكتابات اإلسالمية. وتحدثت الدراسة الخامسة عن مسجد عمر ابن الخطاب في دومة الجندل .وتعد أول دراسة باللغة العربية عن هذا المسجد .وقد ناقشت تاريخ المسجد ،وعمارته ،وأهميته األثرية. يقدم المؤلف في هذا الكتاب بعض المعلومات المفيدة ،تسد جانبا من نقص المعلومات عن تاريخ
ف��ي ه��ذا الكتاب وص��فٌ لموقع س��وق عكاظ، أعظم أسواق العرب في الجاهلية ،وقد كان مكاناً تلتقي فيه القبائل م��ن مختلف أن �ح��اء الجزيرة العربية للتجارة وعقد الندوات األدبية ،ويعد معلماً أثرياً تاريخياً يقع شرقي منطقة الطائف ،ويتكون من عدة جوانب ،كالقصر الذي يعد أهم المعالم البارزة في الموقع ،إضافة إلى األسوار الحجرية المرتبطة بالقصر من ثالث جهات ،ومجموعة من التالل األثرية الصغيرة المنتشرة ،وك��ذا المقبرة واألسوار الحجرية القريبة من القصر. ويعد الكتاب أحد الدراسات األثرية التاريخية ال�ت��ي تجلي ج��ان�ب�اً م��ن ال�ج��وان��ب ال�ح�ض��اري��ة في الجزيرة العربية عموماً ،والمملكة العربية السعودية بشكل خاص.
اجلوبة -ربيع 1433هـ 113
االجتاه الرمزي في الفن التشكيلي > ليلى الغامدي*
الرمزية تأتي من كلمة (رمز)« :ورمز للشيء :أي (أشار وأومأ)؛ فالشكل رمز لموضوع أي أداة للتعبير عنه؛ والرمزية :مذهب يمثل بالرموز ما يوجد من تجانس خفي بين األشياء ونفوسنا». والحركة الرمزية التشكيلية ،حركة فنية ارتبطت باألدب وبخاصة الشعر .كما ارتبطت والسلم ،والغوامض باألساطير ،والحكايات الدينية ،والروايات؛ فرسموا رموز ًا للحرب ِّ واألسرار.
وكان للشعر دوره المباشر على التصوير في التصوير قبل أن يظهر في الشعر. وبخاصة ف��ي فرنسا .ولكن الرمزية في نطاق التصوير قد تتخطى المجال الزمني ك �م��ا ه ��و م� �ع ��روف ب��ال�ن�س�ب��ة إل���ى الشعر الرمزي ،مما يعني أن التصوير لم يكن رغم تأثره الكبير باألدب مجرد تسجيل للشعر
وهي من مذاهب الفن المعاصر تستند إل��ى المبدأ ال��ذي يعد الفن المقام األول تعبيراً شخصياً عما يجول في خيال الفنان ووجدانه ،بل باستخدامه للرموز والدالالت
الرمزي ،فهو يستلهم مصادر ظهر أثرها ال� �خ ��اص ��ة ،ي �ج �س��د األح� �ل��ام واالنفعال 114اجلوبة -ربيع 1433هـ
ن����������������������������������واف����������������������������������ذ
(الشكل :)1لوحة (طول األمل) ،تمثيل لما خطه رسولنا الكريم [ لتعليم صحابته أمور الدين والدنيا
الوجداني بأسلوب ذاتي.
موضحاً لهم خطط الحرب للغزوات الجهادية
وقد قام أحد النقاد بتحديد مضمون الرمزية أو تخطيط توضيحي لتعليمهم أمور الحياة فقد جاء في (كتاب الرقاق) باب في األمل وطوله ،في مقرراً أن العمل الفني يجب أن يكون: أوال :فكرياً :هدفه األوحد التعبير عن األفكار. ثانياً :رمزياً :يعبر عن الفكرة في أشكال. ثالثاً :توفيقياً :يسجل األشكال على نحو يمكن من الفهم العام لها. رابعاً :ذاتياً :الموضوع في العمل الفني يومئ إلى الفكرة التي يفهمها الفنان مجرد إيماء.
الجزء الحادي عشر من فتح الباري:
«عن عبدالله رضي الله عنه قال( :خط النبي �ط خطاً صلى الله عليه وسلم خَ طاً مربعاً ،وخَ � َّ في ال��وسَ ��ط خارجا منه ،وخ��ط خططاً ِصغاراً إلى هذا الذي في الوسَ ط من جانبه الذي في الوسط وقال :هذا اإلنسان؛ وهذا أجله محيطٌ ب��ه وه��ذا ال��ذي ه��و خ��ار ٌج أم�ل��ه ،وه��ذه الخطط
وأقرب مثال لذلك ،ما كان يرسمه أو يخطه الصغا ُر األعراض ،فإن أخط َأهُ هذا نهشَ ُه هذا، سيد البشرية رسولنا الكريم محمد صلى الله
وإن أخ �ط � َأهُ ه��ذا نهشَ ُه ه��ذا) وقيل ه��ذه صفة
عليه وسلم لصحابته الكرام رضوان الله عليهم
الخط( :الشكل ( )1العسقالني1407 ،هـ).
* محاضر رسم وتصوير بجامعة الملك عبدالعزيز بجده
اجلوبة -ربيع 1433هـ 115
شعرية اجلمال > سعيد السوقايلي*
غالبا ما يرتبط مفهوم الشعرية أو الشاعرية ب��األدب ،وخاصة بالشعر ،حيث يروم المبدع إل��ى شحن نصه بخصائص فنية متفق عليها أو من اجتهاده ،إن ك��ان رصينا ومجددا لتلك الخصائص والمقومات التي ينهض عليها األثر الشعري ،من لغة رفيعة وصورة بديعة وموسيقى مؤثرة؛ وال نعدم القول بوجود شعرية مماثلة في أي عمل فني آخر ،في ظل الحداثة وما بعدها ،انطالقا من السرد إلى التشكيل والنحت والسينما، وغيرها من الفنون التي تتفيأ اإليقاع بالمتلقي تلذذا (على حد بارث)؛ أال يمكن اعتبار الوقع الذي تتركه القصيدة في النفس أشبه بنظيره مع اللوحة والمنحوتة والصورة في أبعادها المروية...؟ حتى بتنا وكأننا نقول :ما أروع هذه القطعة الفنية بمعزل عن جنسها. من هنا نتساءل ،ما هي حدود الشعرية أو الشاعرية؟ وه��ل يمكن أن تقفز خارج أسوار النص أو أي أثر فني إلى ما سواه؟ وه��ل يمكن رب��ط وظيفتها بالبحث عن مكامن الجمال؛ ابتداعا وتوظيفا وتلقيا؟ أليست هي صنع الجمال بعينه؟ وإلى حد بعيد ،فالجواب عن ه��ذه األسئلة يحضر ب�ق��وة ف��ي ال�ت�س��اؤل األخ �ي��ر؛ لنسلم جدال هل يمكن التسليم إذاً بكوْن الشعرية أن الشعرية أو الشاعرية ه��ي ف��ن صنع أو الشاعرية في الخلق واإلب��داع والصنع ال�ج�م��ال ،فالقصيدة وق��د حالفها الحظ هي الجمال بعينه؟ نعم قد يكون الجواب هي منتهى الجمال اللغوي والبالغي داخل ب��اإلي �ج��اب م��ن وج �ه��ات م �ت �ع��ددة ،إذا ما األدب؛ أو باألحرى البحث وترصد مكامن الجمال البديع في الكون وعناصر الطبيعة والكائنات ،التي ابتدعها الله بكثير من األن ��اق ��ة وال�ت�ص�م�ي��م ال�م�ح�ك��م المتناسق األبعاد ،بل حتى القيم والمواقف النبيلة التي تبعث عن إحساس بجمالية اللحظة وروعتها.
116اجلوبة -ربيع 1433هـ
ن����������������������������������واف����������������������������������ذ
اعتبرنا أن المادة بجميع تشكيالتها وتكويناتها، و ِبي ٍَد حاذقة يمكن أن نصنع بها أجمل األشياء اإلنسان يصنع الجمال ويلتمس الشاعرية في التي ستصبح في ما بعد تحفا فنية ،تماما كما ذلك .فكم من المنتوجات توحي بذلك ،انطالقا األدوات والعناصر الفنية واألسلوبية التي نبدع م��ن ف��ن ال �ع �م��ارة وتصميم ال �س �ي��ارات الفارهة بها نصا أدبيا متفردا آي��ة في الجمال اللغوي والمالبس الدالة على ذوق شاعري ،واألجهزة والبالغي؛ أكيد أن بين الحالتين تماثل البتداع الذكية واألث��اث واإلش�ه��ار ،وإل��ى غير ذل��ك مما جمالية خاصة في أي منتوج معروض أو شعرية يثير في النفس اإلع�ج��اب بروعة الجمال؟ أال مبهرة خاصة بالنص. تصنع الصورة اآلن التي تكاد تحلق محل الكلمة الشعرية أو الشاعرية هي فن صنع الجمال .ببالغة مدهشة نحتاج معها إلى التمعن في فك إذاً في كل ما نروم من خالله التأثير في المتلقي ،رموزها ودالالتها ،بدءا بالحركة واللون والكلمة أل�ي��س ال�ل��ه ه��و ال�م�ب��دع وال �خ��ال��ق الجميل لكل والموسيقى ،وكثير من الخدع البصرية ..كما لو عناصر الكون وكائناته؟ إذ ال يمكن أن نتصور أننا فعال أم��ام عناصر فنية كتلك التي تنهض أن يخلق الله اإلنسان في تقويم آخر ،أو الشجرة بالقصيدة من أجل تأسيس شعريتها؟ بغير شكلها ال �م��ورق ال ��وارف ،أو السماء بغير الشاعرية هي طفرة متجددة تنفلت دوما من زرقتها ،وإلى ما ذلك من كائنات الله الجميلة، طبعا ذلك خاضع لهندسة فنية غاية في التأنق النقطة الفاصلة بين القبح والجمال ،إذاً هي والتمظهر حسب وظيفتها الوجودية ،هذا ملخص ركام متكدس من القبح بهدف تجاوزه ،وتحتاج الشاعرية في الخلق والصنع والتصميم الباعث في ذلك إلى كثير من الدُربة والصقل واالستفادة على اإلحساس بجمالية الكائن وتأثيره بالنشوة من األخطاء ،ولنقل ،فمن أجل بلوغ ذروة الشعرية أو الشاعرية في الخلق واإلب��داع ،وجب تهذيب واإلعجاب والدهشة في النفس. اإلنسان بطبعه الغالب ميال إلى البحث عن ال��ذوق ال�ع��ام لإلنسان ب��دءاً م��ن طريقة حديثه السعادة ،ومرد ذلك هو خلق محيط جميل حوله ،ومواقفه وتفكيره ومشاعره ...يجب إذاً استلهام م��ادي أو م�ع�ن��وي ،ف�ت��راه مفتتناً بجمال الكون كل ما هو جميل في الكون والطبيعة والكائنات والطبيعة والكائنات ،يستعير ويحاكي تفاصيلها ،وما يصنعه اإلنسان الراقي ،استلهام يتفاعل فيه ويقلد ويصنع ويبدع مستلهماً جمالها بالشاعرية ومن خالله من أجل االستفادة محاولة اإلبداع نفسها والجمال بكل تمظهراته؛ الجمال الوديع طفرة طفرة ،حتى تبلغ درج��ة ما من االكتمال والهادئ والبري وال�ض��اري ،كذلك كانت الوردة وليس الكمال ،ولم ال ذروة الشاعرية .وأخيرا ال والسماء المنيرة بنجومها والحيوانات الضارية بد من اإلش��ارة إلى أن تجلي الجمال في شيء بتفاصيلها ال�ق��وي��ة المتناسقة حسب جمالها م��ا ..أو لنقل في أي عمل فني (و قد أصبحت الضاري .ثمة إذاً قوة شاعرية في تصميم األسد صنائع اإلنسان تحفا فنية) ،يدفعنا بكل ما أوتينا والصقر مقابل الغزالة وال��ط��اووس ...ضراوة من متعة إلى القول :يا له من منظر شاعري! الجمال مقابل وداعته.
* كاتب من المغرب.
اجلوبة -ربيع 1433هـ 117
رحيل ..ثروت عكاشة ..عامل الفنار عن عمر يناهز ( )91عاما ً
> محمد محمد مستجاب*
الفنار :هو مصباح قوي الضوء ينصب على سارية عالية ،أو شبه برج مرتفع إلرشاد السفن في البحار والمحيطات إلى طرق السير وتجنب مواطن الخطر. لكنه مهما كان عالي ًا ومرتفع ًا وقوة إنارته ضخمة ،ال يستطيع أن يقوم بدوره من دون عامل فنار ،أي أنه ال يعمل وال يكون مؤثر ًا من دون ذلك. وعامل الفنار ،هو ذلك الشخص الجالس في عزلة عن العالم ،ينير الطريق للسفن والقوافل ويرشدها إلى الطريق السليم ،أو يوجهها إلى طريق آخر أكثر أمان ًا إذا كان الطريق األساس تحفه المخاطر ،أو غير جاهز الستقبالها ،كما أنه أول من يستقبل العواصف والرياح ،ويحدد اتجاهها ،وما تحمله من برودة أو تراب أو زوابع أو سخونة، ويعلم قوة أم��واج البحار وارتفاعها ،فيحذر منها ويتنبأ بها ،فيجنب أهل البحر من تقلباتها وقسوتها ،وسكان اليابسة من خطورتها. وال أحد منا رأى عامل فنار من قبل،
القوي الذي ينعكس عليه ضوء مصباحه،
دائماً هو في برجه أو ساريته العالية ،يهتم
فهو رج��ل ال ت��راه في الشارع مع أن��ه يمر
بتلميع عدسته أو اإللماظة؛ أي العاكس
ب �ج��وارك ك��ل ي��وم ،ي��رك��ب معك أو يجلس
118اجلوبة -ربيع 1433هـ
ن����������������������������������واف����������������������������������ذ
بجوارك في األتوبيس أو القطار وال تشعر بوجوده، يقف في طابور الخبز أو أنبوبة البوتاجاز ،ينتظر ف��ي ص �ب��ر م��رت �ب��ه وال ��ذي ه� ��و ق� � ��روش ق �ل �ي �ل��ة هي ق��وت أوالده ،ك��ذل��ك فإن ع��ام��ل ال �ف �ن��ار ال يطنطن ب��دوره الكبير ال��ذي يقوم ب ��ه ،وال مهنته الخطيرة التى يمتهنها ،وال يشتكي م� ��ن ال� �م���رت���ب الضئيل ال��ذي يتقاضاه؛ فهو يعلم ح � ��دود وق� � ��درات فناره، واألرض التى يقف عليها، والمساحة التي يستطيع ضوء مصباحه أن ينيرها وأن ت�ق��ع عليها األبصار ف �ت �ه �ت��دي ب���ه ،وي �ع �ل��م أنه
األرواح التي تعتلي أي سفينة سوف تغرق وتضيع
س��وف يجلس في برجه ،فترة زمنية كبيرة ،ال في بحر هائج ومظلم وشرس. يتحدث كثيراً وال يحكي أي ك�لام ،وال يتسامر إال مع الريح والشمس والقمر والنجوم ،فوقته ليس ملكه ،وال يستطيع أن يصادق النوم ،لذا فإن عامل الفنار يذهب معه طعامه وسجادة صالته، جالساً ،في برجه يرشد ويوجه ويحذر ويتنبأ، ال يطنطن بأنه أنقذ تلك السفينة أو وجه ذلك المركب ،أو أنقذ ذلك الغريق من الغرق.
وعامل الفنار يعلم جيداً األرض التى يقف عليها فناره ،وجغرافيتها ،وحدود ضوء عدسته وأش�ع�ت�ه��ا ،وال �م��دى ال ��ذي ت�ص��ل إل �ي��ه ،وإن���ذاره ال يكون إن��ذاراً كاذباً وال وهميا ،ولكنه حقيقة يدركها من خالل متابعته.. هكذا كان ثروت عكاشة ،عامل فنار الثقافة المصرية وال�ع��رب�ي��ة ،ذل��ك ال ��ذي أن ��ار الطريق
فإذا أضفت إلى ذلك أنه متيقظٌ دائماً ،وإذا للثقافة المصرية ،متعمداً في تربيته وثقافته على غلبه ال�ن��وم لحظة تكون ال�ك��ارث��ة الكبيرة ،وأن فكر عميد األدب العربي طه حسين ،ذلك الرجل
اجلوبة -ربيع 1433هـ 119
ال��ذي كان يعلم جيداً األرض التى يقف عليها ،ال �ث �ق��اف��ة ال��وط �ن �ي��ة وال �ع��رب �ي��ة ،م�م�ت�ط��ي جواد ومقوماتها وقدراتها وحدودها وقوة تأثيرها ،لم الثقافة المصرية ،وفاكك آثار وأغالل وسالسل يكن يحلم أحالماً بلهاء أو خاوية ،إنما أحالم االستعمار واالستغالل والتفاهة ،را ّد االعتبار كبيرة لوطن ممتد في عمق التاريخ ،ومشكل جيد لشخصية مصر وفكر العرب ،صاحب الرأي الحر لجغرافية المنطقة وال�ع��ال��م ،هكذا فهم ثروت المستقل ،باني مصر الجديدة ،وواضع عتباتها، عكاشة دور مصر ومثقفيها ،فاستوعب الدور ،ومهذب طرقها ،وراصف شوارعها ،المعتكف في ال ومتنبئاً للسياسة الثقافية وبدأ في إنارة الطريق لكل االطراف ،أي المثقف فناره مفكراً ومحل ً والمتلقي والجدران التى تحتويهما.
التى سوف ينتهجها ويتبعها ويضعها بذرة لبلد
ثروت عكاشة :مصباح النور والشعلة ورأس عريق ..دفن كثيرا تحت ركام الرمال واألحجار. السهم الفعال والمصيب ،المنطوي في مكتبه
ثروت عكاشة :صاحب الرأي الحر والمستقل،
يدوِّن ويخطط وينظم ويرشد ويوجه ،المحارب الدءوب والمكافح والمحارب ،والمركز على فكرة والمكافح والمحافظ والشهيد على طين ورمال الشخصية المصرية المثقفة ،وسياستها الثقافية، وهواء الوطن العزيز ،جالس في فناره أو مكتبه المشجع والمزهر والمنفتح على القيم والتطلعات يبدع إبداعه الخاص في الفنون بجميع أشكالها والتيارات واألف�ك��ار العالمية والحديثة ،المرن من تشكيلية وموسيقية ،ويدون مالحظاته ،ويضع المتقبل كل االتجاهات والمنصت لكل األفواه. خططه للمستقبل ،يتشمم بأنفه التيارات الثقافية
واض ��ع ال�خ�ط��ط ،وراس���م واج �ه��ات العقول،
المعادية والمحطمة ،ويعلم جيدا أن بداية أي وناقش أغلفه القلوب ،وساكب النتاج الفكري حرب هي الحرب الثقافية وتفريغ العقول. والثقافي والمعرفي لكل الفئات التى تعيش على ثروت عكاشة :عامل الفنار ،وعاشق الفنون ،أرض هذا الوطن ،الفاهم أن الثقافة في األصل ومستوعب دور بلده ،وق��اري جغرافية منطقته ،ملتقى للعلم وللعلوم ول�لأدب��اء وللفنانين ،إنه والفارس الذي يقود جواد الثقافة المصرية في مهذِّب ينابيع المياه وصانع المجاري والترع كي حلبة السباق العالمي التنوري التثقيفي ،باني تصب في النيل الكبير ،نيل مصر القديم والمليء الشخصية المصرية ،وفاكك أسر العقول ،ومحرر بالمعارف والعلوم واألفكار والتيارات. األيدي من أغالل األفكار والقيود ،والعامل الذي
هو القوي كجندي المعارك ،الممتلئ بالمعرفة،
بني مصر الجديدة وخطَّ ط شوارعها ورصف المرشد وق��ارىء الطرق للقوافل في الصحراء، طرقها. العاشق لطين مصر ورمالها ،وللفنون وللثقافة هو عاشق الفن والموسيقي ،وحارس التاريخ ،بمفهوميها ال �ع��ام وال �خ��اص ،ح��ام��ي المثقفين وممهد طرق الثقافة ،ومحتضن العقول البكر ،ومحتضن ال �م��واه��ب وال �ح��ام��ي م��ن الوشايات وساكب األفكار الخالبة ،ومحطب في معارك واإلشاعات التى تحيط بالمثقفين وبالعقول. 120اجلوبة -ربيع 1433هـ
لمصر وألبنائها ،وكيف يحول كل شبر في مصر ،ل��واء الفرسان في المعارك ،المزيح عن طريق وك��ل ف�ن��ان مهما ك��ان ب�ع�ي��داً ع��ن م��رك��ز الوطن نهر الثقافة المصرية العقبات والعوائق والرمال، ال على كتفه كل غباء الجهل الذي كان يحيط القاهرة إلى أحد القناديل الثقافية ،وأن يحيط حام ً به مظاهر ثقافية ،فالهدف الكبير الذي وضعه بالثقافة المصرية وأبنائها. في خطته العظيمة هو إلغاء األمية الثقافية،
إن��ه منقذ معبدي أب��ي سنبل وف�ي�ل��ه ،صانع
ن����������������������������������واف����������������������������������ذ
إنه القارىء لالمتداد التاريخي والجغرافي المخلصين من سيد حجاب وجاهين .إنه حامل
والوصول إلى الجماهير في كل مكان ،فوجدنا الصوت والضوء في الهرم والكرنك ،باني دار المسرح ال�م��درس��ي وم�س��رح المصنع ،ومسرح الكتب والمعهد العالي للسينما ،والمؤسسة العامة
ال �ج��رن ،ووص� � ٌل للفالحين ف��ي ال �ق��رى والعزب لفنون المسرح والموسيقى ،منشئ قاعة سيد والكفور. دروي��ش الباهرة ،وواض��ع حجر أساس أكاديمية فبفضل ثروت عكاشة شاهدت الجماهير في الفنون الجميلة ،ومعاهدها ،والمعهد القومي كل مكان على أرض مصر الكثير من الفنانين العالي للموسيقى ومعهد الباليه ،والمعهد العالي والفنون والعروض التشكيلية واألدائية ،بعد أن للفنون المسرحية. كانت كلها فنون الصفوة.
هو جامع ومُؤلف ومنظم موسوعته الخالدة
إن��ه الحضانة التي استوعبت جميع مثقفي «العين تسمع واألذن ت��رى» ،جامعاً فيها غالبية وأدب���اء وف�ن��ان��ي م�ص��ر ،وك��ان يسعي دائ �م �اً إلى ف �ن��ون ال �ع��ال��م ال �ق��دي��م وال �م �ع��اص��ر ،ومسترجع إثراء فكرهم وتحسين أدائهم واالرتقاء بذوقهم بقلمه التراث العربي والعالمي ،ومترجم «مسخ ومداركهم ووجدانهم ووجودهم ،فأرسل البعثات الكائنات» و«ف��ن ال �ه��وى» ،ذل��ك ال��ذي جعل في إلى الخارج ،وع��ادت لتنير كل مكان على أرض النهاية كتبه درراً في المكتبة العربية ،من القاهرة مصر والوطن العربي ،لتحدث التغيير الجوهري في ألف عام ،ومشروع األلف كتاب ،وموسوعته والفعال في المحيط الذي تعيش فيه ،وأنشأ لهم وترجماته وسيرته في السياسة والثقافة. المدرجات في الجامعات ،والمكتبات في األحياء السكنية ،والنوادي األدبية في قصور الثقافة.
إن��ه ع��اش��ق ال�ج�م��ال ،م�ح��بٌ للحياة ،ممتلئ بالبساطة ،حامل هموم الثقافة المصرية ،وصانع
ث��روت ع�ك��اش��ة :حفيد أمنوحتب وأخناتون ال�ع�ص��ر ال��ذه�ب��ي للعقلية ال�م�ص��ري��ة والمثقف ورف ��اع ��ة ال �ط �ه �ط��اوي وزك� ��ي م� �ب ��ارك ،واالب� ��ن ال�م�ص��ري ،ال�ق��وي ال��واث��ق ف��ي ق��درت��ه وتاريخه؛ ال م��ع الواقع ال�ش��رع��ي ل�ط��ه حسين وأح �م��د لطفي السيد ،فأصبح المثقف وال�ف�ن��ان متفاع ً واألب الحنون لنجيب محفوظ ويوسف إدريس ومجتمعه وما يحيط به ،بعد أن كان منعزالً ال وبهاء طاهر ،واألخ الكبير للويس عوض وتوفيق يعلم شيئاً خارج عزلته ،لذا شاهد الناس جمع الحكيم ،وحسين فوزي وجمال حمدان ،وأحفاده المفكرين وال�ف�ن��ان�ي��ن وال �ك �ت��اب ،وال �ت �ق��وا بهم،
اجلوبة -ربيع 1433هـ 121
وتجاوبوا مع أفكارهم ،وقرأوا كلماتهم ،واحتفظوا بكتبهم ومؤلفاتهم.
إنه فاتح نافذة الوطن ومغيِّر هواءها الراكد، ومنعش أجواءها بالنسمات العالمية ،واألفكار
ال منها مكاناً إن��ه ال�ب��اح��ث ع��ن مجتمع أف �ض��ل ،ويعلم أن الطازجة ،والمجدد في تراثها ،جاع ً الثقافة هي ت��اج ه��ذا المجتمع ،ل��ذا ح��ارب بها راس�خ�اً في الثقافة العالمية وال��دول�ي��ة ،بما تم وخ ��اض م��ن أجلها ال �م �ع��ارك ،وك� �وَّن شبكة من إنجازه من جهود تراها العين ..وتمأل القلب..
العالقات الدولية ،كي يفهم العالم دور مصر ،وتثقل العقل باألمل. وشعلتها الحضارية التى ح��اول االستعمار أو
إن اخطر ما قام به ثروت عكاشة هو فهمه
أشباح الرجعية والتخلف وال��رك��ود إطفاءها أو لدور مصر والمنطقة التي تعيش فيها ،فهو يعلم يهيلوا عليها الرمال.
تاريخها وماضيها ،ويحاول أن يرى المستقبل لها،
ذلك ثروت عكاشة ..الذي كان يعلم أن الثقافة إضافة إلى الفراغ الذي يعلمه ،أي حيز تمتلكه قبل أن تكون ورق��ة وقلم وكلمات ،هي صناعه حضارة بلد كمصر .يعرف قدرته وقدره العقول
وأش�خ��اص وأف�ك��ار ،يستطيعون فهم ما تحتويه التي معه ،ينظم كل ذلك ويشرف عليه. تلك األوراق ،وكيف تكون تلك األوراق مضيئة
وهكذا ،كان دوره حينما فكر ودبر في إنشاء
دائما ،وكيف تكون رسالة ألماكن مظلمة على قاعة حديثة للموسيقي أطلق عليها «قاعة سيد أرض الوطن. 122اجلوبة -ربيع 1433هـ
دروي��ش» ،ويلقي المشروع في حجر الثاني «أبو
وم��ؤل�ف�اً للموسيقي ،ك��ي ينفذ رغبة األول ،وال التفريغ الذي حدث للعقل المصري ،إذ أصبحت أقصد هنا رغبه األول بصفته وزيراً أو حاكماً ،بل الثقافة واجهه فقط ،ليس لها اتجاه وال فعالية رغبة األول بصفته يعبر عن رغبات المجموعة وال التأثير المطلوب. وطموحها واحتياجاتها .تلك القاعة التي كانت قلب أكاديمية الفنون المحيطة بها م��ن معهد السينما وال�م�ع�ه��د ال�ع��ال��ي للفنون المسرحية ومعهد الباليه..
إن أهم ما يميز ثروت عكاشة قدرته الكبيرة على إرشاد الثقافة المصرية ،وكيف يكون توجيه
ن����������������������������������واف����������������������������������ذ
بكر خيرت» بوصفه مهندساً ومصمما وعاشقا سيد درويش ،والخراب الذي أصابها ،يعلم جيداً
السفينة وس��ط األم ��واج المتالطمة حتى تهدأ ال��ري��اح وال �ع��واص��ف وت��واص��ل رحلتك ف��ي بحر
إن التفكير في تقديم وجبه ثقافية وموسيقية الحياة. راق ونظيف، دس�م��ة وراق �ي��ة ،م��ن خ�لال مبنىً ٍ لقد ق��ام ث��روت عكاشة ب��دور خطير للثقافة يباهي األمم ويحاكي التقدم ،أضف إلى ذلك أنه المصرية والعربية ،ون��زل بالثقافة بمفهومها لم يكن يوجد في الشرق قاعة تماثل تلك القاعة ال��واس��ع إل��ى ق��ارع��ة ال�ط��ري��ق ال �م �ص��ري ،وقلب سوى «قاعة بكين». الشارع العربي ،ذلك المحافظ على تراث مصر إال أن الذي لم يفكر به ثروت عكاشة وقرينه وت��راث أبنائها ومفكريها من العظماء ,المنقذ أب��و بكر خيرت ،هو تغير األي��ام ومجيء أفكار ل�ت��راث وفكر ال��وط��ن م��ن التيه والقلق والفراغ س��وداء على العقل المصري بهذا الشكل الفج الفكري ،والذي استرجع لمصر بهاءها ورونقها والكئيب والخطير ،حيث أن��ه ذات ي��وم ،وأمام الثقافي وف�ك��ره��ا ال�خ�لاب لتصبح بحق منارة مشهد م��ن ال�ج�م�ي��ع ،وق �ع��ت ال �ج��ري �م��ة ،وتفنن العالم وأم الدنيا. القاتل بالقتل ،بإزاحة واجهة المبنى التي كان من الممكن أن تدخل ضمن التراث العالمي.
لقد غيب الموت عصر يوم االثنين 28فبراير الدكتور ث��روت عكاشة وزي��ر الثقافة المصري
لقد تم تدمير الواجهة بوضع الرخام عليها األسبق عن عمر يناهز ( )91عاما ،بعد صراع ووض��ع يافطة تحمل اس��م «أكاديمية الفنون» ،طويل مع المرض .ذلك العبقري والكاتب والمفكر مدمراً بذلك شكلها اإلبداعي ودورها دون يفط المصري الذي أثرى المكتبة العربية واإلسالمية باردة باهظة التكاليف. بمؤلفاته ،وم��ن أهمها «مذكراتي في السياسة وق��د حدثت تلك الجريمة البشعة بمباركه والثقافة»« ،القيم الجمالية في العمارة»« ،إعصار الكثيرين م��ن رم��وز الثقافة المصرية ،بدعوى من الشرق ،اإلسالمي»« ،الفن والحياة» ..رحم التجديد أو التحديث ،لكن عمق ما تحتويه قاعة الله الفقيد وأسكنه فسيح جناته. * كاتب من مصر.
اجلوبة -ربيع 1433هـ 123
ِ التمدين وامل ِ َ راضة مستوى النفسية لدى املراهقني
املؤلف :د .فالح بن محروت العنزي الناشر :مؤسسة عبدالرحمن السديري اخليرية السنة 1433 :هـ 2012 -م ي��أت��ي ه���ذا ال �ك �ت��اب ث��م��رة دراس� ��ة ه��ذا المجال ينبغي أن تجد االهتمام ميدانية موّلتها مؤسسة عبدالرحمن الالزم من المختصين وأولي األمر في ال�س��دي��ري الخيرية ،ق��ام بها الباحث المجاالت التربوية والصحية.
الدكتور فالح بن محروت العنزي على مدى عام ونيّف ،درس خاللها موضوع البحث على عيّنة من تالميذ المرحلة ال�ث��ان��وي��ة ف��ي م���دارس مختلفة ،تمثل
وت��أم��ل ال�ه�ي�ئ��ة ف��ي أن ت�س�ه��م هذه الدراسة بإذن الله في تحفيز الباحثين المتخصصين بالصحة النفسية إلى
م�ن��اط��ق س�ك��ان�ي��ة «م ��دن ك �ب��رى ،ومدن م��زي��د م ��ن ال �ب �ح��ث ال �ع �ل �م��ي ف ��ي هذا ال �م �ج��ال ،إلث���راء م��وض��وع��ات الصحة صغرى ،وريف (قرى)». النفسية ،ب�م��ا ي�ع��ود بالنفع ع�ل��ى فئة
يناقش هذا الكتاب موضوعاً مهماً يعالج قضية تهم ق�ط��اع فئة الشباب َم� ْن هم في مرحلة المراهقة .كما إن ف��ي المجتمع ال �س �ع��ودي .وت ��رى هيئة مثل هذه الدراسة ينتظر منها أن ترفد
النشر بمؤسسة عبدالرحمن السديري جهود تحسين الخدمات النفسية في الخيرية التي بادرت إلى تبنّي دعم هذه ال �م��دن وال �ق��رى ف��ي المملكة العربية الدراسة إلى أنها تعد خطوة جريئة في السعودية. 124اجلوبة -ربيع 1433هـ
صدر الكتاب في ( )98صفحة من القطع
صدر الكتاب في ( )152صفحة من القطع
المتوسط ..وه��و عبارة عن دراس��ة بالغية
المتوسط ..تضمن ست عشرة حكاية شعبية..
ن �ق��دي��ة ألس��ل��وب ال� �ن ��داء ف��ي ش �ع��ر جرير. وق��د آث��ر المؤلف ه��ذه ال��دراس��ة لما يتميز به ه��ذا األسلوب من االختصار ال��ذي نص عليه النحاة ،ومراعاة المخاطب بما يوافق المقام ،واالهتمام بالمتلقي ،ولما للنداء من مكانة في التواصل البشري.. وتظهر أهمية النداء في النحو من خالل كونه باباً حيويا له قيمته وأهميته البالغة، ولعله أكثر أب��واب النحو استعماال ف��ي كل مكان ،ودوراناً على األلسنة. وق��د ج��اءت ه��ذه ال��دراس��ة إس�ه��ام�اً في تفعيل الثقافة األدبية المعاصرة من خالل ربطها بالتراث األدبي المتقدم..
ق�������������������������������������������������������������راءات
الكتاب :ويرجع الصدى املؤلف :عوض إبراهيم الناشر :نادي احلدود الشمالية األدبي 1432هـ2011/م
الكتاب :الثبات والنبات (حكايات شعبية حجازية) املؤلف :د .ملياء محمد صالح باعشن الناشر :املؤلف نفسه
تناقلها أق��رب ال �ن��اس إل��ى المؤلفة م��ن عمات وخ��االت وصديقات ممن جاء ذكرهن في نهاية الكتاب .وقد استرعى اهتمام المؤلفة ما للحكاية الشعبية من رونق وسحر وجاذبية ال تقاوم ..تلك الحكايات التي تشكل عالما خاصا تدعونا أن نستلقي في داخله ونلقي بكل ما هو جاد ومعقد ومنتظم خ��ارج ح� ��دوده ..لكنها تبقى حكايات ترميزية موحية ،تدس عمقها في أردية البساطة، وتخفي حكمتها تحت أقنعة السهولة. وتستطرد المؤلفة قائلة إن حكاياتنا الشعبية هويتنا التي يجب أن نتمسك بها ونحافظ عليها من الضياع ،إنها ثقافة أصيلة تستحق أن تتبوأ مكانها بين مثيالتها في العالم.
اجلوبة -ربيع 1433هـ 125
الكتاب :فرج نافذة النهار
الكتاب :احتجاجا على ساعي البريد
املؤلف :نايف النوايسة -األردن
املؤلف :هشام بن الشاوي -املغرب
الناشر :املؤلف نفسه
الناشر :وزارة الثقافة املغربية
يقع الكتاب في ( 95صفحة) من ال �ح �ج��م ال �م �ت��وس��ط ،وه ��و مجموعة قصصية نشرت بدعم من وزارة الثقافة في األردن ،وتضم اثنتي عشرة قصة حملت الهم اإلنساني والشوق للحرية مشرق جديد. ٍ واالنعتاق واألمل بفجر
عن وزارة الثقافة المغربية ،صدرت للقاص والروائي المغربي هشام بن الشاوي أضمومته السردية الثالثة« :احتجاجاً على ساعي البريد»، في سبعين صفحة من القطع المتوسط ،وتتشكل م��ن اثنتي ع�ش��رة ق�ص��ة :غ��واي��ة ال�ظ��ل ،ال وقت للكالم ،في بيتنا رجل ،أسعدت حزنا أيها القلب، احتجاجا على س��اع��ي ال�ب��ري��د ،أوراق مهربة، مشهد رتيب ،نشيج الروح ،أحالم بأربعة مكابح، خيط من الدخان ،ال تصدقوا الكتاب ،الطيور تهاجر لكي ال تموت (ما يشبه الديكوباج).
(اب�ت�س��ام��ة ع�ل��ى ك��ف ال��ري��ح ،فرج نافذة النهار ،أرصفة الصمت ،رويدك! أنا هنا ،حناء القلب ،حبة تمر ،أوراق ال�ث�ل��ج ،ال�ص�ن��دوق ،ال�ح��اج��ز ،وثالثية «ذل� ��ك ال �ص �ب��اح ،اب �ت �س��ام��ة الرحيل، وتموت غريبا).
ويقول فيها القاص والروائي الكويتي طالب الرفاعي« :عبر اثنتي عشرة قصة ،يقتنص هشام اب��ن ال �ش��اوي مشاهد حياتية راع�ف��ة بحيويتها وص��دق حضورها ،مستخدما القصة القصيرة اللقطة ،بتكاثف الزمن اللحظي للحدث الدائر، وعمق زمن التذكر ،وبما يفسح مجاالً الستحضار ع��وال��م م �ت��داخ �ل��ة ،ب��إس�ق��اط��ات�ه��ا ع �ل��ى الحدث الراهن».
وه��ذه القصص تشكل المجموعة القصصية السابعة لألديب النوايسة وهي:
126اجلوبة -ربيع 1433هـ
املؤلف :عبداحلليم البراك
املؤلف :عبدالعزيز الصقعبي
الناشر :أثر للنشر والتوزيع 2012م
الناشر :أثر للنشر والتوزيع 2012م
جاءت الرواية في ( )110صفحات من القطع
جاءت الرواية في ( )220صفحة من
المتوسط ،وه��ي عمل أدب��ي يشير إل��ى عالقة
القطع المتوسط ،تحكي س�ي��رة بعض
التالزم بين الحياة والموت ،فهما وجهان لعملة
األسر في مدينة الرياض ،متطرقاً إلى
واحدة ووجود أحدهما شرط لوجود اآلخر .فهل تتحقق هذه القراءة في المتن الروائي؟ في هذا العمل ،رؤية خاصة لمسألة الحياة وال �م��وت ،يبدو فيها ص��وت ال ��راوي وح �ي��داً في مقبرة األم��وات ،يستحث أف�ك��اره ،ويصنع حياة ل�لأم��وات ،وي�ت�ح��دث ع��ن تفاصيلها ،مشاركهم ال مشاهد الموتى ،كما تراءت له المكان ،متخي ً باألحالم.
ق�������������������������������������������������������������راءات
الكتاب :رواية «أرض الغجرية»
الكتاب :رواية «اليوم األخير لبائع احلمام»
المتغيرات الحضارية وتأثيرها عليهم، والفروقات الفردية وفق البيئة والتنشئة، طارحاً شريحة إلحدى األسر ،تبدأ من الجد حتى الحفيد. رواي��ة «ال�ي��وم األخير لبائع الحمام» تأتي بعد ثالث روايات كتبها عبدالعزيز ال�ص�ق�ع�ب��ي :األول� ��ى «رائ� �ح ��ة الفحم»،
ويمكن القول إن الراوي أراد التأكيد أن الموت
والثانية «ح��ال��ة ك ��ذب» ،والثالثة والتي
ليس هو نهاية الكائن ،بل هناك والدة جديدة ،في
ص� ��درت ف��ي ال��ع��ام ال �م��اض��ي بعنوان:
عالم آخر ،ال يعلم سره إال الله...
«طائف األنس».
اجلوبة -ربيع 1433هـ 127
فتاة سيئة (رواية)
املؤلف :شهد الغالوين الناشر :دار الفكر العربي السنة 2012 :م جاء الكتاب في ( )152صفحة من القطع المتوسط من أي وصاية ،فجاء تسلسل األح��داث طبيعيا سلسا، تحكي فيها الكاتبة عن العالقات االفتراضية والعادات يضع القارئ في قلب الحدث ,ثم يأخذه في النهاية نحو والتقاليد في قالب فانتازي وعاطفي. فاجعة طورها البناء الدرامي على امتداد الحكاية. والالفت أن الرواية كانت ضمن قائمة الكتب األكثر مبيعا في معرض الرياض الدولي للكتاب عام 2012م– 1433هـ ،والتي أعدتها وزارة الثقافة واإلعالم السعودية.
فتاة االنترنت هي السمة العامة للرواية ,ووصفها بالفتاة السيئة جاء متزامنا مع الحيادية التي تحدثنا عنها قبال ،وكان جزءا من الفاجعة التي بدأ الشعور بها يتنامى من أول سطور الرواية عندما قالت البطلة« :إني أستعر كحقل أُلقي في سنابل قمحه».
ق��ال عنها الناقد محمد ب��ن ربيع ال�غ��ام��دي« :أول ش��يء يسرك في ه��ذه ال��رواي��ة هو ه��ذا التآزر البريء بين النبش الذي يمارسه السارد من خارج النص ،وبين وقال عنها الكاتب األستاذ ناصر الفركز« :الرواية الذوبان المريع الذي تعيشه بطلة الرواية ،وهي ذاتها تحكي ع��ن تجربة شخصية بكل مراحلها وتجاربها التي تنهض في الوقت نفسه بأعباء القص في حيادية التي يكتنفها محطات وانطباعات وشخوص ومواقف، تلقائية وإقناع غير متكلف. والحبكة الفنية للرواية متماسكة ،وبنيتها الفنية مبهرة، ثم تستهويك حد االفتتان لغة سردية ممعنة في وتسلسل األح ��داث والشخصيات يشد ال �ق��ارئ على اإلي �ح��اء ،ممعنة ف��ي التكريس لخطاب روائ ��ي عالي المتابعة وال��وص��ول إل��ى النتيجة ف��ي ك��ل مرحلة من القيمة ،يجعل من عوالم الرواية فضاء متخيال ،تجد مراحل التجربة والمعاناة ،مؤكدا أن في كل فصول نفسك ف��ي داخ �ل��ه ب�ك��ل أري �ح �ي��ة ،ل�غ��ة متصالحة مع وأح� ��داث ال��رواي��ة ن��زع��ة األل ��م وال �م �ع��ان��اة ،ومنظومة الضوابط والقفلة المناسبة لكل حالة يدل على تشبع التخييل ،متماسكة متطورة مع تطور األحداث. لقد امتلكت الكاتبة أزمّة الرواية ،من سرد يقظ ،إلى في ثروة من العبارات والجمل المنمقة». وتجدر اإلش��ارة إلى أن الروائية كاتبة سعودية من وصف ينهض بالتخييل وال يحبطه ،إلى مراوحة ذكية بين الحوار والحوار الداخلي ،إلى تحرير تطور النص منطقة الجوف.
128اجلوبة -ربيع 1433هـ
ق�������������������������������������������������������������راءات
لسبب ال يعرفه (شعر)
املؤلف :عبدالرحمن الشهري الناشر :االنتشار العربي السنة :بيروت – 2012م سبق أن صدرت مجموعة «أسمر كرغيف» عام 2004م ،عن المؤسسة العربية للدراسات والنشر ،للشاعر عبدالرحمن الشهري ،والتي رص��دت تجربته األول��ى مع الساحة الشعرية، والتي تصنف كأول تجربة حقيقية تحمل مالمح القصيدة األح���دث ..تمثل التطور الطبيعي لشكل ومضمون قصيدة التفعيلة ،إذ يحضر الشعر بكافة ش��روط��ه العروضية ،ولكن في شكل جديد ،وبمضمون مغاير ،هذه التجربة أفضت إلى تجربة شعرية توثق تميز شاعرنا ال�ش�ه��ري ف��ي مجموعته ال�ش�ع��ري��ة الجديدة والمعنونة بـ« :لسبب ال يعرفه» ،والصادرة عن االنتشار العربي ببيروت هذا العام 2012م. ت�ت�ص��در غ�ل�اف المجموعة ل��وح��ة الفنان ال�ع��رب��ي عمر صبير ،خ�ط��وط ال�ل��وح��ة توحي بهوية الشاعر!! مكاناً وزماناً ..الشهري يؤكد انسجامه مع نصوصه على عدة مستويات.. برغم ما أوح��ي لي من خ�لال قراءتي األولى للمجموعة أن مصدر نصوصها هي الذاكرة،
ذاك��رة الشاعر التي تؤطر ما أهمله العالم.. وه� ��ذه ب �ع��ض ع �ن��اوي��ن ن �ص��وص المجموعة: «قولون -طفولة -ندبة -ذكرى -حسرة -أرق- مكان -سحابة -دور -أفكار -سطر» ..ولنقرأ معاً نص سطر: على غير عادته، سيجدونه بالقرب من بيتهم القديم، حيث السطر، الذي كتبه على الجدار ولم تمحه السنوات المتعاقبة، السطر.. الذي ال يعني أحداً سواه، ولم تقرأه الفتاة التي كتب من أجلها.. كان حباً من طرفه هو وكانت الليالي طويلة جداً، والفتاة التي أحبها كانت منشغلة بقراءة سطر غيره.. كتبته األيام.
اجلوبة -ربيع 1433هـ 129
األنشطة الثقافي ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــة جناح خاص ملؤسسة عبدالرحمن السديري اخليرية في معرض الرياض الدولي للكتاب 2012م
> إعداد عماد املغربي نيابة عن خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز آل سعود افتتح وزير الثقافة واإلعالم الدكتور عبدالعزيز خوجة مساء الثالثاء 2012/3/6م معرض الرياض الدولي للكتاب في دورته الحالية 2012 /1433م. ويعد هذا المعرض الذي تنظمه وزارة الثقافة واإلعالم سنوياً أحد أكبر المهرجانات الثقافية .بل منبراً للحوار بين المفكرين وال ُكتّاب والجمهور أثناء انعقاده ,الذي استمر عشرة أيام .شاركت فيه ( )544دارا للنشر من ( )25دولة ،عرضت خالله أكثر من مائتي ألف عنوان ,وشكلت نسبة الدور السعودية المشاركة في المعرض ما بين 50-40في المائة ،وقد ش��ارك فيه ناشرون من الدول العربية وفرنسا وتركيا وبريطانيا واليابان وأمريكا والهند والنمسا.. وقد شاركت مؤسسة عبدالرحمن السديري الخيرية في هذا المعرض ،وشهد جناحها المشارك فيه هذا العام إقباال شديداً من قبل مختلف الزوار ،وكذلك من المهتمين بالدراسات اآلثارية التاريخية والدارسين بالكليات والجامعات ،بحثا عن كتب تاريخ وحضارة منطقة الجوف التي يحتضنها الجناح، لما تزخر به الجوف من مواقع أثرية ،تعد من أقدم المواقع التاريخية في المملكة. 130اجلوبة -ربيع 1433هـ
من إصدارات اجلوبة
اﻟﻨﻈﺎم اﻟﺼﺤﻲ ﻓﻲ اﻟﻤﻤﻠﻜﺔ اﻟﻌﺮﺑﻴﺔ اﻟﺴﻌﻮدﻳﺔ
Æ`�UH�« b¹“ sÐ `� w²�« U¹bײ�«Ë Á—uD ÆWFOÐ sÐ tK�«b³Ž Æœ ∫ÍœuF�
U�U¼—≈ d{U×�« X�u�
WOÐdF�« WJKLL�« w� w× Æw×¹dH ÆWO�Ë_« WO×B�« W¹ ÆWO³D�« U� kHŠË v{dL�« W¹ULŠ Æ—U³�« s ∫WO×B�« o�«dL�« qOGA
dAM�« W¾O¼
«»ﻧﺪوة
å…Ëb½ò W¹œuF��« WOÐdF�« WJKL*« w� w×B�« ÂUEM�«
صدر حديث ًا عن مؤسسة عبدالرحمن السديري اخليرية
w� U�uKFL�« WOMIðË
U�b��« ¡«œ√ …¡UH�Ë … ÆÍbLŠ_« b¹UŽ sÐ sLŠd�«b³Ž dO�_« Èb ∫W��U��« …—Ëb�« ≠ W¹œu `�UH�«
dAM�« W¾O¼ W¹dO)« Íd¹b��« sLŠd�«b³Ž W�ÝR0
ISBN 978-6-03903-260-1
9 786039 032601
t�UA²�« ‚d??Þ ∫d??L?¹U??¼e??�√ ÷d??L?� wH¹dF²�« ¡UIK�« ÆtM� W¹U�u�«Ë ÆtM� W¹U�u�« ‚dÞË t{«dŽ√ ∫d¹“UM��« «e½uKH½√ W¹bOKI²�« W??Ý—b??L?�« sOÐ tK³I²��Ë rOKF²�« l??�«Ë Æw�dFL�« lL²−L�«Ë ÆW¹dFý WO��√
W�dO)« Íd�b��« sL�d�«b�� W��R*
lЫd�« »U²J�« ?�±¥≥±≠±¥≥∞
Î ?−?Ý »U²J�« «c??¼ Âb??I?¹ «d{U;« 5�UC* ÎUOIOŁuð ö ·u'« —«œ UN²�UC²Ý« w²�« ¨WOLKF�«Ë WO�UI¦�« «Ëb??M? �«Ë UNLÝu� ‰öš ¨W¹dO)« Íd¹b��« sLŠd�«b³Ž W�ÝR0 ÂuKFK� ¡ULKF�« s� W³�½ UNO� „—U??ý ¨?? ?¼±¥≥±≠±¥≥∞ ÂUFK� w�UI¦�« WO�UI¦�« ôU−*«Ë ÂuKF�« s� œbFÐ 5BB�²*«Ë 5¦ŠU³�«Ë W�öš UNO� «u{dŽ ¨W¹œUB²�ô«Ë WO³D�«Ë WOLKF�«Ë WOŁ«d²�«Ë Æ·u'« WIDM� ¡UMÐ√ —uC×Ð ¨rNð«d³š pKð 5??�U??C?� l??L?ł W??�?ÝR??*U??Ð d??A?M?�« W¾O¼ Q?? ð—« b??�Ë ÎUŠU²� ÊuJO� ¨ÍuMÝ »U²� w� U¼dA½Ë ¨ «ËbM�«Ë «d{U;« WK�KÝ s� lЫd�« »U²J�« u¼ «c¼Ë Æ…bzUHK� ÎULOLFð ¡«dI�« ÂU�√ 5�UC� dAM� W�ÝR*« U¼—bBð w²�« åWO�UI¦�« r??Ý«u??*«ò ÆÎU¹uMÝ U¼bIFð w²�« WO�UI¦�« «ËbM�«Ë «d{U;«
?¼±¥≥±≠±¥≥∞ ≠ lЫd�« »U²J�«
W�dO)« Íd�b��« sL�d�«b�� W��R*
»U²J�« «c¼
∫»U²J�« «c¼ œ«u� w� Êu�—UAL�« —u²�b�« ¨e¹eF�«b³Ž sÐ —bÐ sÐ bN� dO�_« wJK*« uL��« VŠU� wKŽ dŽUA�« ¨Íd¹b��« e¹eF�«b³Ž sÐ bL×� Æœ ¨w�“U(« bLŠ√ s� —UŁü« rKŽ w� 5BB�²� …cðUÝ√Ë ¡ULKŽ WŽuL−� ¨w�“U(« Ær�UF�« ‰Ëœ nK²��
w� W¾O³�«Ë ÊU??�? ½ù«ò WO½U¦�« WOLKF�« u??ðU??�Ëœ√ …Ëb??½ ÆåW¹—UŁü« U�UA²�ô« ¡u{ w� wÐdF�« sÞu�«
ISBN 978-6-03903-260-1
9 786039 032601
2 0
2 0