Joba-16

Page 1

‫‪ -‬العدد ‪ - 16‬ربيع ‪1428‬هـ ‪2007 -‬م‬

‫من �إ�صدارات م�ؤ�س�سة عبدالرحمن ال�سديري اخلريية‬

‫سيف بن أعطى‬ ‫لفيصل أكرم‬

‫دراسة عن املهيمن‬ ‫السايكلوجي في‬ ‫قصيدة النثر‬

‫عالء األسواني‪ :‬قسوة‬

‫النقد تؤدي إلى الوعي‬ ‫ديوان محمد احلربي‬

‫األخير «زمان العرب»‬ ‫جبير املليحان‪ :‬يتحدث‬ ‫عن القاص روائيا ً‬

‫قصص قصيرة‪:‬‬

‫ليلى األحيدب ‪ ..‬بدرية البشر ‪ ..‬عصام أبو زيد ‪ ..‬عبدالله املتقي‬

‫‪16‬‬

‫‪16‬‬


‫فندق النزل في مدينة سكاكا مبنطقة اجلوف‬ ‫مزيج من التراث احمللي واإلسالمي‬

‫وثيقة من األرشيف العثماني تخص منطقة اجلوف‬


‫السمح‪ :‬نبات بري تتميز به براري منطقة اجلوف‬

‫تستخرج من نبات السمح حبوب تطحن وتخلط مع التمر‬ ‫فينتج منها (البكيل)‬ ‫اجلوبة ‪ -‬ربيع ‪1428‬هـ‬

‫‪1‬‬


‫العدد ‪16‬‬ ‫ربيع ‪1428‬هـ ‪2007 -‬م‬

‫ملف ثقافي ربع سنوي‬ ‫يصدر عن مؤسسة عبدالرحمن السديري اخليرية‬

‫المشرف العام‬ ‫إبراهيم الحميد‬ ‫المراسالت‬ ‫توجه باسم المشرف العام‬ ‫ّ‬ ‫هاتف‪)966+( )4( 6245992 :‬‬ ‫فاكس‪)966+( )4( 6247780 :‬‬ ‫ص‪ .‬ب ‪ 458‬سكاكا‬ ‫اجلـ ــوف ‪ -‬اململكة العربية السعودية‬ ‫‪aljoubah@yahoo. com‬‬ ‫ردمد ‪ISSN 1319 - 2566‬‬

‫سعر النسخة ‪ 8‬رياالت‬ ‫تطلب من الشركة الوطنية للتوزيع‬

‫قواعد النشر‬

‫‪ 1‬أن تكون المادة أصيلة‪.‬‬‫‪ 2‬لم يسبق نشرها‪.‬‬‫‪ 3‬تراعي الجدية والموضوعية‪.‬‬‫‪ 4‬تخضع المواد للمراجعة والتحكيم قبل نشرها‪.‬‬‫‪ 5‬ترتيب المواد في العدد يخضع العتبارات فنية‪.‬‬‫‪ 6‬ت��رح��ب ال��ج��وب��ة ب��إس��ه��ام��ات المبدعين والباحثين‬‫والكتّاب‪ ،‬على أن تكون المادة باللغة العربية‪.‬‬ ‫الجوبة من األسماء التي كانت تطلق على منطقة الجوف سابق ًا‬

‫الناش ـ ـ ـ ــر‪ :‬مؤسسة عبدالرحمن السديري اخليرية‬ ‫أسسها األمير عبدالرحمن بن أحمد السديري (أمير منطقة اجلوف من ‪1362/9/5‬هـ‬ ‫ ‪1410/7/1‬هـ املوافق ‪1943/9/4‬م ‪1990/1/27 -‬م) بهدف إدارة ومتويل املكتبة العامة‬‫التي أنشأها عام ‪1383‬هـ املعروفة باسم دار اجلوف للعلوم‪ .‬وتتضمن برامج املؤسسة‬ ‫نشر الدراسات واإلبداعات األدبية‪ ،‬ودعم البحوث والرسائل العلمية‪ ،‬وإصدار مجلة‬ ‫دورية‪ ،‬وجائزة األمير عبدالرحمن السديري للتفوق العلمي‪ ،‬كما أنشأت روضة ومدارس‬ ‫الرحمانية األهلية للبنني والبنات‪ ،‬وكذلك أنشأت جامع الرحمانية‪.‬‬ ‫‪2‬‬

‫اجلوبة ‪ -‬ربيع ‪1428‬هـ‬


‫احملتويــــات‬

‫>‪6.........................‬‬ ‫الجوف في وثائق‬ ‫األرشيف العثماني‬

‫>‪55......................‬‬ ‫صاحب «عمارة يعقوبيان»‬

‫>‪92......................‬‬ ‫قراءة في ديوان «زمان العرب»‬ ‫لوحة الغالف‪:‬‬

‫صورة فوتوغرافية لبيوت طينية من سكاكا‪.‬‬ ‫تصوير الفنان عبدالله بن محمد العتيق ‪-‬‬ ‫أحد فناني الجوف‪.‬‬

‫االفتتاحية ‪4........................................................‬‬ ‫دراسات‪ :‬الجوف في وثائق األرشيف العثماني‪ -‬د‪ .‬سهيل صابان‪6.........‬‬ ‫قصائد‪ :‬أغنية الريح ‪ -‬حمدي هاشم حسانين ‪16..................‬‬ ‫إلحاقاً بطفولتي األولى ‪ -‬ماجد البلداوي ‪18.....................‬‬ ‫السندباد ‪ -‬عشم الشيمي ‪19.....................................‬‬ ‫إلى الفنان والصديق عواد فالح ‪ -‬مؤيد الغنام ‪20................‬‬ ‫المحاط بالعويل ‪ -‬شوقي مسلماني ‪20...........................‬‬ ‫في شَ تات ‪ -‬وداد بن موسى ‪21...................................‬‬ ‫قصص‪ :‬صورة عائلية ‪ -‬ليلى األحيدب ‪22...........................‬‬ ‫حكاية النهاية ‪ -‬عصام أبوزيد ‪23.................................‬‬ ‫السحّ ارة ‪ -‬بدرية البشر ‪24.......................................‬‬ ‫حواجز األلوان لفالمون فرانسيس ‪ -‬ياسمينة صالح ‪27.........‬‬ ‫وجع الحلم ‪ -‬أشرف الخريبي ‪28.................................‬‬ ‫قصص قصيرة جداً ‪ -‬عبدالله المتقي ‪30........................‬‬ ‫معركة مع فرغل ‪ -‬محمد إبراهيم قشقوش‪31...................‬‬ ‫المفتاح ‪ -‬منى الشيمي ‪33........................................‬‬ ‫فصل من رواية‪ :‬سيف بن أعطى ‪ -‬فيصل أكرم ‪36.................‬‬ ‫نقد‪ :‬قصيدة النثر ‪ -‬صفاء عبدالعظيم خلف ‪42....................‬‬ ‫نجيب محفوظ‪ :‬أصوات اإلثم والبراءة ‪ -‬محمد جميل‪46........‬‬ ‫ديوان محمد الحربي «زمان العرب» ‪ -‬د‪ .‬خالد فهمي ‪48.......‬‬ ‫علوم‪ :‬المشروبات الغازية والصحة ‪ -‬د‪ .‬بشير جرار‪54.............‬‬ ‫مواجهات‪ :‬مع القاص جبير المليحان ‪ -‬عبدالعزيز النبط‪56........‬‬ ‫عالء األسواني صاحب عمارة يعقوبيان ‪ -‬سهى رجب ‪61........‬‬ ‫مع القاص المغربي محمد شويكة ‪ -‬نور الدين بازين ‪65.........‬‬ ‫مع الشاعر محمد حسيب القاضي ‪ -‬علي أبو خطاب ‪70........‬‬ ‫نشاطات ثقافية‪ :‬مرض االلتهاب الكبدي ‪ -‬تيسير العيد‪76.......‬‬ ‫مشاهدات علمية في صحراء الربع الخالي ‪77...................‬‬ ‫الزراعة وانضمام المملكة لمنظمة التجارة العالمية‪77............‬‬ ‫مركز البابطين واسترداد المخطوطات العربية من تركيا ‪78.....‬‬ ‫نوافذ‪ :‬صورة المرأة في السردات العربية ‪ -‬هويدا صالح‪80.......‬‬ ‫عالمات الترقيم وأثرها في النص ‪ -‬محمد صوانة‪84...........‬‬ ‫قراءة في «رسـالة» لشريفة العلوي ‪ -‬زياد جيوسي ‪88............‬‬ ‫هذا النحو ال نحتاجه ‪ -‬عبدالبر علواني ‪89......................‬‬ ‫رحيل الشاعرة غابرييال مسترال ‪ -‬عبدالرحيم الخصار ‪91.....‬‬ ‫كاتبات مغربيات يغادرن «األنثى» ‪ -‬عبدالعزيز الراشدي‪93......‬‬ ‫اإلشعاع الذري ودراسة غاز الرادون ‪ -‬محمد الجارالله‪96.......‬‬ ‫األوسمة العثمانية والحاصلين عليها ‪ -‬د‪ .‬سهيل صابان‪97......‬‬ ‫قراءات‪ :‬ديوان محمد الحرز ‪ -‬مليحة الشهاب‪98..................‬‬ ‫«غوغل» تواصل رقمنتها للمكتبات‪100............................‬‬

‫اجلوبة ‪ -‬ربيع ‪1428‬هـ‬

‫‪3‬‬


‫> إبراهيم احلميد‬ ‫تهيء الجوبة اعتباراً من عددها هذا‪ ،‬وامتداداً ألعدادها السابقة‪ ،‬النطولوجيا متعددة‬ ‫األطياف إلبداعات الشباب‪ ،‬من مختلف مناطق المملكة العربية السعودية والعالم العربي؛‬ ‫ضمن مشروع مؤسسة عبدالرحمن السديري الخيرية‪ ،‬التي دأبت على رعاية كل فكر إنساني‪،‬‬ ‫من شأنه أن يؤدي إلى رفعة االنسان وارتقائه؛ من خالل مختلف المناشط الثقافية التي ترعاها‬ ‫ومنها دورية الجوبة الثقافية‪ ،‬التي تسعى المؤسسة من خاللها إلى استكتاب أصحاب األقالم‬ ‫الشابة والمبدعة من أبناء منطقة الجوف لإلسهام بالكتابة فيها‪ ،‬ورفد الحركة المعرفية أدبياً‬ ‫وثقافياً‪ ،‬إلى جانب الكتّاب والمبدعين من المملكة والعالم العربي‪.‬‬ ‫وإذا كان كثير من الكتاب والفنانين قد اشتكوا مراراً من قلة المنافذ اإلبداعية المطبوعة‪ ،‬التي‬ ‫يستطيعون اإلطاللة منها على قرّائهم ومجتمعهم؛ فإننا نؤكد أن هذا الزمن قد ولى مع إنطالق‬ ‫دورية الجوبة التي تعنى بالمبدعين الشباب مثلما تعنى بالمبدعين األخرين؛ وهي تولي التجريب‬ ‫اإلبداعي كل اهتمامها‪ ،‬امتداداً لرعاية هذه المؤسسة الثقافية العريقة لكل نشاط ثقافي‪.‬‬ ‫كما أن الجوبة وهي تولي هذه الجوانب ج ّل عنايتها‪ ،‬ال يسعها إال أن تؤكد على استمرارية‬ ‫دوره��ا الثقافي في استقطاب مختلف األق�لام الثقافية واإلبداعية من كل مكان‪ ،‬وهي بهذا‬ ‫تحاول تقديم تشكيلة ثقافية‪ ،‬تتلمس حاجة القراء إلى نهم المعرفة واالبداع‪.‬‬

‫معرض الرياض الدولي للكتاب ‪2007‬م‬

‫ا فتتا حيــــة‬ ‫‪4‬‬

‫لم يكن مفاجئاً ذلك النجاح الذي حققه معرض الرياض الدولي للكتاب في دورت��ه التي‬ ‫عقدت في شهر صفر ‪1428‬هـ (فبراير ‪2007‬م) في مدينة الرياض‪ ،‬إذ ال يمكن لنا أن نتصور أن‬ ‫تكون النتائج على غير ما آلت اليه؛ بجهود نخبة من القيادات الثقافية التي تقود العمل الثقافي‬ ‫في المملكة‪ ،‬وعلى رأسها األستاذ إياد مدني والدكتور عبدالعزيز السبيل‪.‬‬ ‫تولد لديَّ هذا االنطباع بعد التغطية الجيدة وغير المسبوقة للمعرض عبر وسائل اإلعالم‬ ‫المختلفة‪ ،‬ومن خالل المقاالت والتحقيقات الصحفية والتقارير المتلفزة‪ ،‬التي أبرزت أهمية‬ ‫المعرض‪ ،‬ونوعية الكتب المعروضة فيه‪ ،‬وأبرزت هامش الحرية التي تمتع بها الجمهور‪ ،‬والتي‬ ‫وصلت أصداؤها إلى مختلف أقطار العالم العربي‪ .‬وعلى الرغم من عدم حضوري المعرض‪ ،‬إال‬

‫اجلوبة ‪ -‬ربيع ‪1428‬هـ‬


‫أن اًصداءه اإليجابية كانت محفزة للمهتمين بالشأن مشيداً باألول الحتفائه بالكتاب الحقيقي بعد تحوّل‬ ‫الثقافي ومحبي الكتب من مختلف مناطق المملكة‪ ،‬الثاني إلى الحفاوة بالكتاب االلكتروني‪.‬‬ ‫لشد الرحال إلى الرياض‪ ،‬طوال فترته التي امتدت‬ ‫عيون عربية‬ ‫عشرة أيام‪.‬‬ ‫تشكّل استضافة منطقة الجوف ممثلة بالنادي‬ ‫ل��ق��د م��ض��ت دورات س��اب��ق��ة ع��دي��دة م��ن معرض‬ ‫األدب����ي لملتقى ال��ج��وف ل��ل��ف��ن التشكيلي العربي‬ ‫ال��ري��اض ال��دول��ي دون أن تحقق ذل��ك النجاح الذي‬ ‫ال���م���ع���اص���ر‪2007‬م (ع���ي���ون ع���رب���ي���ة)‪ ،‬وللفعاليات‬ ‫كان الكثيرون يطمحون اليه‪ ،‬ربما كان لكل مرحلة‬ ‫ال تزدان به المنطقة‪ ،‬وتتكرس‬ ‫المصاحبة له حدثاً جمي ً‬ ‫ظروفها التاريخية؛ إال أنه بالتأكيد كان للمسؤولين‬ ‫من خالله الصورة التي تشكلت على مدى سنوات عن‬ ‫عن تلك المعارض دور كبير في تحقيقها لنجاحاتها‬ ‫قدرة منطقة الجوف وأبنائها على احتضان مختلف‬ ‫منتم للثقافة‬ ‫أو إخفاقاتها ف��ي زم��ن��ه��ا‪ .‬وح��ل��م ك��ل ٍ‬ ‫الفعاليات الوطنية‪ ،‬والثقافية على وجه التحديد‪،‬‬ ‫ومحب لها أن تتكرس تلك الظروف والخبرات التي‬ ‫أنجحت معرض الرياض لهذا العام لتصبح أسلوب على الرغم من الصعوبات التي تواجهها المنطقة‬ ‫عمل في السنوات المقبلة‪ ،‬ال يتغيّر بتغيّر المسؤولين نتيجة لقلة الموارد‪.‬‬ ‫والمهتمين بالشأن الثقافي؛ إذ نلحظ أن كثيراً من‬ ‫النجاحات التي يحققها المسؤولون النشيطون في‬ ‫فترة وجودهم في السلطة أو على رأس العمل‪ ،‬تندثر‬ ‫مع انتهاء تكليفهم أو انتقالهم إلى أعمال أخرى!‬ ‫ل��ذا‪ ،‬فإننا نأمل أن تتعزز تلك األس��ال��ي��ب التي‬ ‫تحفظ للعمل الثقافي ديمومته‪ ،‬وللحرية الثقافية ‪-‬‬ ‫التي أشاعها جو معرض الرياض الدولي‪ -‬أن تتقد‬ ‫جذوتها على ال��دوام‪ ،‬وأال تقتصر هذه الحرية على‬ ‫معرض ال��ري��اض‪ ،‬بل تتواصل إل��ى معارض الكتاب‬ ‫في جميع مدن المملكة؛ وأن تكون هذه المعارض‬ ‫مهرجانات ثقافية بحق كما كان معرض الرياض‪.‬‬ ‫وإن مما يحسب ل����وزارة الثقافة بعد تنظيمها‬ ‫لمعرض هذا العام محاولتها الدؤوبة في أن يكون لها‬ ‫خطّ ها الخاص المميّز‪ .‬وإن بدا المعرض متأثراً بهذا‬ ‫المعرض أو ذاك‪ ،‬فذلك أم ٌر ال مناص منه‪ ،‬طالما أن‬ ‫المعرض حقق الهدف المنشود‪ ،‬ولكن ما يشفع له‬ ‫أنه بدا أنه يسير بثقة وزهو نحو النضج واالكتمال‪.‬‬ ‫وتستوقفني هنا مقولة للدكتور غسان سالمة قارن‬ ‫فيها بين م��ع��رض ال��ري��اض وم��ع��رض فرانكفورت‪،‬‬

‫فعلى ال��رغ��م م��ن ك��ون المنطقة إح���دى مناطق‬ ‫األطراف في المملكة البعيدة عن المدن الكبرى إال‬ ‫أن تواصلها مع حواضر المملكة والعالم لم ينقطع‬ ‫مطلقاً‪ ،‬وكانت للمنطقة ريادتها الثقافية والتي أدت‬ ‫إلى بروز عدد من أبنائها في مختلف جوانب الفكر‬ ‫اإلن��س��ان��ي والعلمي‪ ،‬ال��ذي��ن أث���روا ب��دوره��م مختلف‬ ‫المواقع التي شغلوها في وطننا الغالي‪.‬‬

‫وم��ا إقامة ملتقى الفنون التشكيلية إال امتداداً‬ ‫للملتقيات واألسابيع الثقافية التي دأب��ت المنطقة‬ ‫على رعايتها ب���دءاً م��ن م��ع��رض ال��س��ج��اد والنسيج‬ ‫األول‪ ،‬الذي بدأه معالي األمير الراحل عبدالرحمن‬ ‫السديري رحمه الله قبل أكثر من ‪ 35‬عاماً‪ ،‬لتشجيع‬ ‫صناعة النسيج والحرف واليدوية‪ ،‬م��روراً بأسابيع‬ ‫الجوف الثقافية التي شهدتها المنطقة في حقبة‬ ‫التسعينات الميالدية برعاية مؤسسة عبدالرحمن‬ ‫السديري الخيرية وك��ان لها أثرها البالغ في إثراء‬ ‫المنطقة وصورتها الثقافية‪ ،‬ووصوال إلى مهرجانات‬ ‫الجوف الصيفية التي يتخللها عدد من النشاطات‬ ‫الثقافية‪.‬‬ ‫اجلوبة ‪ -‬ربيع ‪1428‬هـ‬

‫‪5‬‬


‫اجلوف في وثائق األرشيف العثماني‬

‫<‬

‫> د‪ .‬سهيل صابان‬

‫<<‬

‫التعريف بدور األرشيف في تركيا‪:‬‬ ‫يعد أرشيف رئاسة الوزراء المعروف باألرشيف العثماني‪ ،‬أهم أرشيف في تركيا‪.‬‬ ‫ويتواجد هذا األرشيف في عدة مواقع هي‪:‬‬ ‫أرشيف قصر طوب قابي‪ ،‬وهو األرشيف الموجود في متحف قصر طوب قابي‬ ‫بإستانبول‪ ،‬وهو القصر الذي اتخذ مقراً للحكم في الدولة العثمانية بعد فتح مدينة‬ ‫إستانبول (عام ‪ 857‬هـ‪1453/‬م)‪ .‬وفيه وثائق كثيرة ومهمة عن مختلف حقب التاريخ‬ ‫العثماني‪ ،‬ومنها ما يتعلق بالجزيرة العربية‪.‬‬ ‫ أرشيف البحرية‪ ،‬وه��و أرشيف المتحف البحري‪ ،‬ال��ذي يوجد في مدينة‬‫إستانبول أيضاً‪ .‬ويضم ‪ 25‬مليون وثيقة‪ ،‬تتعلق بشؤون البحرية العثمانية في مختلف‬ ‫العهود العثمانية‪ .‬وفيها معلومات عن بعض موانئ الخليج وموانئ البحر األحمر‪.‬‬ ‫ أرشيف الجمهورية‪ ،‬وهو األرشيف الذي يضم وثائق الجمهورية التركية‪ ،‬التي‬‫قامت على جزء صغير من أراضي الدولة العثمانية‪ .‬ومقر هذا األرشيف العاصمة‬ ‫أنقره‪ .‬وفيه وثائق من العهد العثماني‪ ،‬تضم معلومات عن بعض العالقات العربية‬ ‫التركية في فترة الجمهورية التركية على وجه الخصوص‪.‬‬

‫دراس��������ات‬ ‫‪6‬‬

‫ أرشيف صكوك تمليك األراض��ي المعروض بأرشيف ‪Tapo-Kadastro‬‬‫ومقره في أنقره‪ .‬وفيه سجالت كثيرة عن األراض��ي وأصحابها‪ ،‬ليس في عهد‬ ‫الجمهورية التركية فحسب؛ بل والعهد العثماني كذلك‪.‬‬ ‫ أرشيف السجالت الشرعية وهو تابع لدائرة اإلفتاء بمدينة إستانبول‪ .‬ويضم‬‫هذا األرشيف عشرة آالف سجل من سجالت سبع وعشرين محكمة شرعية في‬ ‫إستانبول‪ .‬وأهمية هذا األرشيف تكمن في توضيحه لكثير من القضايا االجتماعية‬

‫اجلوبة ‪ -‬ربيع ‪1428‬هـ‬


‫في مختلف العهود التاريخية‪.‬‬

‫التعريف باألرشيف العثماني‬ ‫اص��ط��ل��ح ال��ب��اح��ث��ون ال��م��ه��ت��م��ون ب���دور األرشيف‬ ‫وال��وث��ائ��ق العثمانية ال��م��وج��ودة بتركيا على إطالق‬ ‫مصطلح األرش��ي��ف العثماني على أرش��ي��ف رئاسة‬ ‫ال����وزراء‪ ،‬ال��م��وج��ود بحي سلطان أح��م��د ف��ي مدينة‬ ‫إستانبول؛ أما غيره من دور األرشيف التركية فتذكر‬ ‫م��ركّ��ب��ة‪ ،‬بإضافة المقر ال���ذي تحفظ فيه الوثائق‬ ‫المتعلقة بالدولة العثمانية‪ ،‬مثل‪ :‬أرشيف طوب قابي‪،‬‬ ‫ال��ذي يقصد به الوثائق المحفوظة بمتحف طوب‬ ‫قابي‪ ،‬في مدينة إستانبول؛ وأرشيف البحرية الذي‬ ‫يشكل قسماً من المتحف البحري‪ ،‬الذي يضم خمسة‬ ‫وعشرين مليون وثيقة من الوثائق الخاصة بالبحرية‬ ‫العثمانية‪ ،‬ويوجد في مدينة إستانبول كذلك‪.‬‬ ‫أم��ا األرش��ي��ف العثماني ال��ت��اب��ع ل��رئ��اس��ة مجلس‬ ‫(‪)1‬‬ ‫الوزراء ‪ ،‬فهو األرشيف العالمي الذي يتناول تاريخ‬ ‫الدولة العثمانية من نشأتها عام ‪699‬هـ (‪1299‬م) إلى‬ ‫انقراضها عام ‪1342‬هـ (‪1924‬م)‪ .‬ويعد من كبريات‬ ‫دور األرشيف العالمية من حيث كمية الوثائق التي‬ ‫يضمها‪ ،‬وق��د تم تصنيف ‪ % 50‬من مجموع وثائقه‬ ‫التي تبلغ مائة وخمسين مليون وثيقة‪ ،‬حتى تاريخ‬ ‫إعداد هذا البحث‪ .‬وهذه الوثائق التي تتناول مختلف‬ ‫مناحي الحياة الثقافية والسياسية واالقتصادية‬ ‫والصحية واالجتماعية‪ ،‬تعد مصدراً تاريخياً مهماً‪،‬‬ ‫ال مندوحة للباحثين ف��ي ت��اري��خ ال��دول��ة العثمانية‬ ‫– وكذلك في تاريخ أكثر من ست وثالثين دولة قامت‬ ‫على أنقاض الدولة العثمانية ‪ -‬عن الرجوع إليه‪،‬‬ ‫(‪)2‬‬ ‫واالستفادة من مقتنياته ‪.‬‬

‫ال‬ ‫إ َّي��اه الباحثون من مختلف أنحاء العالم‪ ،‬يعد دلي ً‬ ‫(‪)4‬‬

‫على أهميته ‪ ،‬وال��دور المهم الذي يضطلع به في‬

‫توفير ال��م��ادة العلمية للحقبة التي يدرسها أولئك‬ ‫الباحثون‪.‬‬

‫وق��ب��ل ع���رض م��ج��م��وع��ة ال��وث��ائ��ق العثمانية من‬

‫األرشيف العثماني بإستانبول المتعلقة بالجوف‪ ،‬ال‬

‫بد من توضيح أمرين أساسيين‪:‬‬

‫األول‪ :‬من خالل استقراء الوثائق الموجودة بين يدي‬

‫الباحث تبين أن حكم الدولة العثمانية على أواسط‬

‫نجد – بما فيما شمال الجزيرة العربية عدا المناطق‬

‫الواقعة على طريق الحج – كان صورياً‪ ،‬وكانت تلك‬

‫المناطق شبه مستقلة في حكمها المحلي‪ ،‬ولم يكن‬ ‫للدولة العثمانية سيطرة فعلية عليها؛ ألسباب عديدة‬

‫يمكن البحث فيها فيما بعد‪ .‬إال في أوقات استثنائية‬ ‫ولفترات مؤقتة‪.‬‬

‫الثاني‪ :‬إذا لم تقع مشكلة في المنطقة تتطلب‬

‫ال مباشراً من الدولة‪ ،‬فال يكن لتلك المنطقة أي‬ ‫تدخ ًَ‬ ‫اهتمام في الحكومة المركزية؛ وبنا ًء على ذلك فإن‬ ‫المناطق التي لم يكن للعثمانيين احتكاك مباشر بها‪،‬‬

‫كانت غائبة عن أنظار الحكومة العثمانية‪ ،‬حتى لو‬

‫إضافة إلى كمية الوثائق التي يحويها األرشيف كانت تلك المناطق موجودة على الخارطة الجغرافية‬ ‫(‪)3‬‬ ‫العثماني وتنوعها ‪ ،‬من حيث ارتباطها بتاريخ البالد لها؛ ومن هنا‪ ،‬يصعب الحصول على وثائق كثيرة عن‬ ‫التي دخلت تحت حوزتها‪ ،‬فإن االهتمام الذي يوليه تلك المناطق في األرشيف العثماني‪ .‬ولهذا السبب‬ ‫اجلوبة ‪ -‬ربيع ‪1428‬هـ‬

‫‪7‬‬


‫فإن الحصول على المعلومات الخاصة عن منطقة‬ ‫الجوف في األرشيف العثماني‪ ،‬يحتاج إلى التحلي‬ ‫بالصبر‪ ،‬والبحث فيه بشكل مستمر‪ ،‬للوصول إليها‬ ‫بين مائة وخمسين مليون وثيقة‪ ،‬يضمها األرشيف‬ ‫العثماني‪ .‬وبنا ًء على عدم وجود فهرسة دقيقة لتلك‬ ‫الوثائق ‪ -‬وحتى مع وجود الفهارس القديمة واآللية‬ ‫الجديدة لوثائق األرشيف ‪ -‬فإنه بالنظر لكون أسماء‬ ‫األعالم والمناطق والقبائل في تلك الفهارس جاءت‬ ‫على نحو مصحَّ ف على األغلب‪ ،‬فال يستطيع الباحث‬ ‫ال��وص��ول إل��ى المعلومات التي يريدها إال بصعوبة‬ ‫بالغة‪.‬‬

‫الوثائق من معلومات عرضية‪ ،‬تُكمِ ل ‪ -‬نوعاً ما ‪ -‬ذلك‬ ‫النقص‪ ،‬وتعطي معلومات ال بأس بها عن المنطقة‪.‬‬ ‫وم��ن ه��ن��ا‪ ،‬ف��س��وف ن��ح��اول ت��ف��ادي ذل��ك النقص من‬ ‫خالل ما دوّنه بعض الرحالة العثمانيين الذين مروا‬ ‫بالجوف‪ ،‬ومنهم سليمان شفيق كمالي باشا‪ ،‬الذي زار‬ ‫المنطقة مع والده في عام (‪1310‬هـ‪1892/‬م)‪ ،‬أثناء‬ ‫توجههما إلى الحجاز بأمر من السلطان عبدالحميد‬ ‫الثاني؛ حيث انتُدب والده ألمانة الصرة من إستانبول‬ ‫إلى الحرمين الشريفين؛ إذ أورد معلومات مقتضبة‬ ‫(‪)5‬‬ ‫عن الجوف في كتابه الرحلة الحجازية على النحو‬ ‫اآلتي‪:‬‬

‫ول��ذل��ك‪ ،‬ل��مّ��ا نشب خ�لاف بين آل رش��ي��د وبين‬ ‫بعض أهالي الجوف‪ ،‬وتفاقمت المشكلة‪ ،‬ووصلت‬ ‫شكاوى األهالي إلى والية سوريا‪ ،‬فقد جرت العديد‬ ‫من المراسالت بين الباب العالي وبين والية سوريا‬ ‫ومحافظة المدينة ال��م��ن��ورة‪ .‬لكن قبل نشوب هذه‬ ‫المشكلة ل��م يكن للجوف ذك��ر كثير ف��ي مراسالت‬ ‫ال��دول��ة العثمانية‪ ،‬س��واء ال��ص��ادرة منها أو الواردة‬ ‫إليها‪.‬‬

‫تقدر مساحة الجوف بنحو عشرين إلى ثالثين‬ ‫ساعة طوالً‪ ،‬وما بين أربع إلى خمس ساعات عرضاً‪.‬‬ ‫وه���ي أرض م��ن��ب��ت��ة‪ .‬وت��ش��م��ل ال��ع��دي��د م��ن البلدات‬ ‫والقرى‪ .‬وعدد سكانها يقدر بنحو ستين إلى سبعين‬ ‫ألف نسمة‪ .‬وبما أنها تقع في وادي السرحان فهي‬ ‫قلعة (أي قلعة الجوف) مهمة للغاية؛ نظراً لوقوعها‬ ‫على الطريق التجاري أو العسكري للجيش المساق‬ ‫إل��ى ال��ج��زي��رة ال��ع��رب��ي��ة‪ .‬وي��وج��د ف��ي ح��وال��ي القلعة‬ ‫أربعمائة إلى خمسمائة منزل عربي‪ .‬وبها الكثير من‬ ‫م��زارع النخيل‪ ،‬كما أن جوها معتدل نسبياً‪ ،‬وتزرع‬ ‫فيها كافة أنواع الفواكه واألشجار‪ ،‬وفيها الكثير من‬ ‫العيون الجارية‪ ،‬إضافة إلى الكثير من اآلبار القديمة‬ ‫والحديثة‪ .‬وكما أظ��ن – والمتكلم سليمان شفيق‬ ‫كمالي – فإن وادي السرحان كانت موقعاً استراتيجياً‬ ‫تجارياً‪ ،‬منذ قديم الزمان‪ ،‬بين البصرة وبحر سفيد‬ ‫(أي البحر األبيض المتوسط)‪ .‬كما يدل على ذلك‬ ‫اكتشاف العديد من اآلثار والبلدات والمباني القديمة‬ ‫(‪)6‬‬ ‫الخربة في ذلك الوادي ‪ .‬أ‪.‬هـ‬

‫وإذا نظرنا إلى كمية الوثائق المتعلقة بالجوف في‬ ‫األرشيف العثماني – حسب علم الباحث – نجدها‬ ‫تكثر في فترة نشوب المشكلة‪ ،‬التي كانت تتطلب‬ ‫ال من الدولة‪ .‬ولهذا بدأ االهتمام بتوفير سلطة‬ ‫ح ً‬ ‫موالية للدولة فيها‪ ،‬مع توفير األمن ال�لازم لها‪ ،‬أو‬ ‫بتعبير أدق القضاء على ما يعكر صفو البلد‪ ،‬وفي‬ ‫الوقت ذاته استمالة شيوخ المنطقة نحو الدولة‪ .‬وهي‬ ‫سياسة عامة للدولة العثمانية‪ ،‬وال سيما في المناطق‬ ‫التي لم تكن وارداتها كثيرة‪ ،‬ولم يكن لها تأثير مباشر‬ ‫على المناطق األخرى وبالتالي على السياسية العامة‬ ‫للدولة في المنطقة‪.‬‬

‫وم��ن التقارير المقتضبة ال��ت��ي وج���دت وثائقها‬ ‫وع��ل��ى ال��رغ��م م��ن ع���دم ال��ح��ص��ول ع��ل��ى تقارير في األرشيف العثماني‪ ،‬التقرير ال��ذي كتبه النقيب‬ ‫عثمانية موسّ عة عن منطقة الجوف‪ ،‬فإن ما يرد في محمد أمين أفندي‪ ،‬ال��ذي ابتعث إل��ى نجد؛ لجمع‬

‫‪8‬‬

‫اجلوبة ‪ -‬ربيع ‪1428‬هـ‬


‫اجلوبة ‪ -‬ربيع ‪1428‬هـ‬

‫‪9‬‬


‫بعض المعلومات عن المصادمات التي وقعت بين‬ ‫اإلم��ام عبدالرحمن بن فيصل وبين األمير محمد‬ ‫بن عبدالله بن رشيد‪ .‬وتاريخ هذا التقرير بعد (‪20‬‬ ‫شعبان ‪1309‬هـ‪1892/3/19/‬م)‪ .‬وعلى الرغم من أن‬ ‫التقرير ال يتعلق بالجوف بشكل مباشر‪ ،‬فإنه أورد‬ ‫معلومات عن موقف قبائل المنطقة من ابن سعود‬ ‫وابن رشيد من جهة‪ ،‬وموقفها من بعضها بعضاً من‬ ‫(‪)7‬‬ ‫جهة أخرى ‪.‬‬

‫الدولة إرسال بعض اإلداريين العثمانيين إليها‪ .‬لكنه‬ ‫أشار إلى أنه بالنظر لعدم وجود إداريين عثمانيين‬ ‫فيها سابقاً فال بد من إج��راء كشف على المنطقة‬ ‫قبل ذلك‪ .‬وذكر أنه قرر مع مشيرية الجيش العثماني‬ ‫في الشام‪ ،‬تكليف الضابط في األركان الحربية سهيل‬ ‫بك بالتوجّ ه إلى مقر الشيخ هزاع‪ ،‬وتنفيذ كشف معه‬ ‫على المنطقة‪ ،‬وإخراج خريطتها وكتابة تقرير موسع‬ ‫(‪)8‬‬ ‫عنها ‪.‬‬

‫وهناك تقرير في التصنيف ذات��ه من األرشيف‬ ‫العثماني‪ ،‬كتبه الحاج محمد آغ��ا‪ ،‬ال��ذي توجّ ه إلى‬ ‫ن��ج��د ل��ش��راء اإلب���ل ف��ي ال��ف��ت��رة ذات��ه��ا‪ ،‬ع��ل��ى شاكلة‬ ‫التقرير األول‪ .‬غير أن��ه يزيد عليه بالحديث عن‬ ‫األسلحة الموجودة في المنطقة في حوزة القبائل‪،‬‬ ‫واألعمال التي تقوم بها‪.‬‬

‫واألم����ر ال��م��ه��م ف��ي ه���ذه ال��وث��ي��ق��ة ‪ -‬ح��س��ب رأي‬ ‫الباحث ‪ -‬هو سعي والي سوريا الحثيث إلى إلحاق‬ ‫الجوف بوالية سوريا‪ ،‬ومحاولة إقناع الباب العالي‬ ‫بذلك‪ ،‬من خالل عرض معلومات عن الضرائب التي‬ ‫سوف تَجنيها الحكومة من منطقة الجوف‪ .‬كما أن‬ ‫إش��ارت��ه إل��ى ع��دم وج��ود اإلداري��ي��ن العثمانيين في‬ ‫الجوف وعدم إجراء كشف على المنطقة حتى حينه‪،‬‬ ‫يفيد أن المنطقة كانت في حالها من االستقالل عن‬ ‫الحكم العثماني المباشر‪.‬‬

‫أم��ا غير تلك التقارير ال��ت��ي حصلنا عليها من‬ ‫األرشيف العثماني‪ ،‬التي تتحدث عن الجوف بشكل‬ ‫مقتضب‪ ،‬أو على وج��ه ال��دق��ة‪ ،‬التي ورد فيها ذكر‬ ‫للجوف‪ ،‬فهي حسب تسلسلها التاريخي كما يأتي‪:‬‬ ‫ ف���ي وث��ي��ق��ة م���ؤرخ���ة ف���ي (‪ 8‬ك���ان���ون الثاني‬‫‪1287‬رومي‪ 10/‬ذي القعدة ‪1288‬هـ‪1872/1/20/‬م)‪،‬‬ ‫ذكر والي سوريا صبحي باشا في البرقية التي بعثها‬ ‫إلى الصدر األعظم‪ ،‬أنه استلم خطاباً من شيخ الرولة‬ ‫ه��زاع‪ ،‬ال��ذي تحدث عن تمكّنه من تخليص منطقة‬ ‫الجوف من يد ابن رشيد‪ .‬وأشار في هذا الخطاب‬ ‫إلى أن طول هذه المنطقة سبعون ساعة‪ ،‬وعَ رضها‬ ‫ست وثالثون ساعة‪.‬‬

‫ وفي وثيقة أخرى في التصنيف ذاته‪ ،‬البرقية‬‫التي بعثت بها والية سوريا إلى الصدر األعظم في‬ ‫(‪ 8‬نيسان‪/‬أبريل ‪ 1288‬روم��ي‪ 12/‬صفر ‪1289‬ه��ـ‪/‬‬ ‫‪1872/4/19‬م) ‪ ،‬التي تشير إلى المكافأة التي تُقدَّ م‬ ‫لشيخ الرولة هزاع الشعالن؛ بسبب قيامه بتخليص‬ ‫منطقة الجوف من يد ابن رشيد‪ ،‬وتسخيرها للدولة‬ ‫العلية‪ .‬وه��ذه المكافأة هي قبضة سيف مع قطعة‬ ‫من الوسام العثماني من الدرجة الثالثة‪ .‬وك��ان قد‬ ‫حصل قبل ذلك على الدرجة الرابعة‪ .‬وقد حوت هذه‬ ‫البرقية إشارة في غاية األهمية‪ ،‬وهي أن شيخ الرولة‬ ‫ذكر في الخطاب الذي بعثه مع أحد رجاله من حوران‬ ‫أنه تمكّن من القبض على ابن رشيد واالستيالء على‬ ‫مواقعه‪( ،‬هكذا)‪.‬‬

‫وذكر الوالي أنه لم يكتف بما ورد في ذلك الخطاب‬ ‫من معلومات عن الجوف‪ ،‬وإنما سأل بعض العرب‬ ‫القادمين من المنطقة‪ ،‬فأفادوا أن منطقة الجوف‬ ‫تتميز بأراضيها الخصبة‪ ،‬وأنها تحوي العديد من‬ ‫أم��ا ال���رد ال���ذي ص��در م��ن ال��ص��در األع��ظ��م على‬ ‫القرى‪ ،‬كما تضم مواقع قديمة مستحكمة‪ ،‬طالباً من برقيتي وال���ي ال��ش��ام صبحي ب��اش��ا‪ ،‬فقد ك��ان غير‬

‫‪10‬‬

‫اجلوبة ‪ -‬ربيع ‪1428‬هـ‬


‫‪ – 3‬إق�����رار ال��ح��ك��وم��ة ب��ح��ك��م اب���ن رش��ي��د على‬ ‫إيجابي؛ حيث ذكر أن توجيه الرتبة الثالثة من الوسام‬ ‫العثماني مع قبضة من سيف من الدولة إلى الشيخ المنطقة‪.‬‬ ‫هزاع غير مناسب‪ ،‬وأن ذلك متوّقف على ما يقدمه‬ ‫‪ – 4‬عدم ج��واز استمرار ابن رشيد في التعدي‬ ‫الشيخ فيما بعد م��ن أع��م��ال‪ ،‬وال سيما أن��ه حصل‬ ‫(‪ )9‬على بعض العشائر‪ ،‬وه��ي الحرض ورحيبي‪ ،‬ورفع‬ ‫على الرتبة الرابعة من الوسام المذكور قبل ذلك‬ ‫ذلك الظلم عنهم كلياً‪.‬‬ ‫(‪)13‬‬ ‫‪ .‬وقد منح فيما بعد (‪ 6‬ذو القعدة ‪1334‬هـ‪ 5/‬أيلول‬ ‫ وهناك وثيقة أخرى هي في الحقيقة ترجمة‬‫‪1916‬م) ابنه نوري الشعالن الدرجة الثالثة من الوسام‬ ‫لخطاب بعث به األعيان من أهالي الجوف إلى والي‬ ‫(‪)10‬‬ ‫العثماني‪ ،‬وكان قائم مقاماً على قضاء الجوف ‪.‬‬ ‫سوريا صبحي باشا في (‪ 10‬رمضان ‪1290‬ه��ـ‪/1/‬‬ ‫وم���ع اس��ت��م��رار ال��م��راس�لات ب��ي��ن ال��ب��اب العالي ‪1873/11‬م)‪ ،‬أظهرت عدم رغبة األهالي في البقاء‬ ‫ووالي���ة س��وري��ا‪ ،‬فقد رف��ض مجلس خ��اص الوكالء تحت حكم ابن رشيد‪ .‬وبعد سرد أسباب رغبتهم في‬ ‫في القرار الذي اتخذه في (‪ 14‬رجب ‪1290‬ه��ـ‪ /7/‬االلتحاق بوالية سوريا‪ ،‬أشارت الوثيقة إلى أمر مهم‪،‬‬ ‫(‪)11‬‬ ‫اقتراحات وال��ي سوريا‪ ،‬وق��رر ربط وهو وجود أكثر من ثالثمائة ألف شجرة نخيل في كل‬ ‫‪1873/9‬م)‬ ‫منطقة الجوف بالمدينة المنورة ب��دالً من سوريا؛ من سكاكا والقارة والطوير بما فيها الجوف ذاتها‪.‬‬ ‫بسبب أن اإلصالحات التي سوف تتخذ في المنطقة‪ ،‬وذك��ر األعيان في خطابهم الترغيبي لوالية سوريا‬ ‫ستكون أسهل‪ ،‬تحت أنظار محافظة المدينة المنورة‪ .‬بالعمل على ضم الجوف إليها من خالل عرضهم أن‬ ‫وأهم ما يلفت النظر في قرار مجلس الوكالء هو كون الحكومة إذا فرضت رسماً بمقدار قرشين ونصف‬ ‫الواردات المحلية البالغة مائة وخمسين ألف قرش‪ ،‬على كل شجرة – على غرار ما هو جار في المدينة‬ ‫تصرف على المنطقة نفسها‪ ،‬من خالل اإلصالحات المنورة ‪ -‬فإن ذلك سوف يرفع واردات الدولة إلى مبلغ‬ ‫اإلداري��ة التي تجرى فيها‪ .‬كما أن القرار أقر بحكم ضخم‪ ،‬إضافة إلى وجود زكاة العشر الشرعي البالغ‬ ‫اب��ن رشيد على المنطقة بشرط تقديم تعهد قوي في السنة خمسين ألف قروش‪ ،‬وكذلك وجود مبلغ‬ ‫يحصلها ابن رشيد في‬ ‫ِّ‬ ‫للحكومة بعدم القيام بظلم أو تع ّد على األهالي‪ ،‬عشرين ألف مجيدي أبيض‪،‬‬ ‫السنة الواحدة من قبيلتي شرارات وحوازم‪ .‬يضاف‬ ‫ما يشير ضمناً إل��ى ع��دم رض��ا األه��ال��ي من حكمه‬ ‫إلى كل ذلك أيضاً كون أهالي الجوف تابعين للدولة‬ ‫على المنطقة‪ .‬وقد بعث الباب العالي بإشعارين إلى‬ ‫(‪ )12‬العلية‪ ،‬وال يرغبون في حكم ابن رشيد عليهم‪.‬‬ ‫والي��ة سوريا ومحافظة المدينة المنورة بذلك ‪.‬‬ ‫وق��د ج��اء التأكيد وال��رج��اء م��ن أول��ئ��ك األعيان‬ ‫وجاء فيهما توضيح أكثر؛ حيث أشير إلى تفصيالت‬ ‫– حسب إف���ادة الوثيقة العثمانية – أنهم يريدون‬ ‫الموضوع‪ .‬وهي‪:‬‬ ‫االنضمام إلى حماية اإلدارة العثمانية‪ ،‬كما كانوا في‬ ‫‪ - 1‬عدم رغبة أهالي الجوف في حكم ابن رشيد‬ ‫كنف تلك الحماية سابقاً‪ .‬وهذا اإلصرار من األهالي‬ ‫عليهم‪ ،‬على الرغم من أن الحكم فيها البن رشيد‪،‬‬ ‫على االلتحاق بوالية سوريا التي يبعد مركزها عن‬ ‫منذ أكثر من عشرين سنة‪.‬‬ ‫الجوف حوالي ‪ 700‬كلم – حسب ما اتضح للباحث‬ ‫‪ – 2‬كون القلعة الموجودة في الجوف كانت قد – ي���دل ع��ل��ى رغ��ب��ت��ه��م ف��ي ال��ح��ص��ول ع��ل��ى ن���وع من‬ ‫بنيت من قبل ابن رشيد‪.‬‬ ‫االستقالل عن حكم ابن رشيد القريب منهم؛ ألن بُعد‬

‫اجلوبة ‪ -‬ربيع ‪1428‬هـ ‪11‬‬


‫الوالية عن الجوف‪ ،‬وقلة المواصالت في ذلك العهد‬ ‫يجعل حكم ال��دول��ة العثمانية في المنطقة صورياً‬ ‫وغير مباشر‪.‬‬ ‫وبنا ًء على المعروض ال��ذي بعث به وال��ي سوريا‬ ‫ف��ي (‪ 9‬ج��م��ادى اآلخ���رة ‪1297‬ه��������ـ‪1880/5/18/‬م)‬ ‫إلى الباب العالي المتضمن قيام محمد بن عبدالله‬ ‫الرشيد باالستيالء على الجوف‪ ،‬وإخضاع القبائل‬ ‫المقيمة ف��ي المنطقة تحت ن��ف��وذه‪ ،‬فقد استفسر‬ ‫الباب العالي عن رأي الوالي في التدابير التي يجب‬ ‫اتخاذها إزاء توسع نفوذ اب��ن رشيد في المنطقة‪،‬‬ ‫مشيراً إلى أنه ال يجوز للحكومة أن تبقى دون قيد‬ ‫(‪)14‬‬ ‫إزاء تلك األعمال ‪ .‬وأهم قيد في هذه المراسلة أن‬ ‫منطقة الجوف غير خاضعة البن الرشيد قبل التاريخ‬ ‫المذكور‪ .‬أو بعبارة أخرى دخول المنطقة تحت نفوذه‬ ‫ف��ي ه��ذا ال��ت��اري��خ‪ .‬وه��ذا األم��ر يخالف م��ا ورد في‬ ‫(‪)15‬‬ ‫الوثيقة السابقة من أن الجوف كانت تابعة البن‬ ‫رشيد (عام ‪1290‬ه���ـ‪1873/‬م)‪ ،‬ولمدة عشرين سنة‬ ‫قبل ذلك‪.‬‬

‫الثاني عن تحركات البارون نولده الروسي األلماني‬ ‫األصل‪ ،‬أشير إلى أن الجوف تحت حكم ابن رشيد‪.‬‬ ‫وع��ل��ى ال��رغ��م م��ن أن الملف ال���ذي يضم تحركات‬ ‫البارون نولده في األرشيف العثماني كبير‪ ،‬إال أنه‬ ‫بسبب ك��ون ك��ل ال��م��راس�لات ال��م��وج��ودة فيه باللغة‬ ‫(‪)17‬‬ ‫الفرنسية ‪ ،‬سوى صفحة واح��دة بالعثمانية‪ ،‬فلم‬ ‫يستطع الباحث أن يعرف مضمونها‪ ،‬وما دوّن فيه من‬ ‫معلومات عن أوضاع الجوف في تلك الفترة‪( .‬وقد‬ ‫استطعت الحصول على ص��ورة من الملف‪ ،‬قدّ متها‬ ‫إلى مؤسسة عبدالرحمن السديري‪ ،‬لعلها تجد فيها‬ ‫معلومات مفيدة عن المنطقة‪ ،‬ومن ثم تتولى ترجمتها‬ ‫ونشرها‪.‬‬ ‫وفيما يلي نص التقرير العثماني الذي دوِّن في (‪4‬‬

‫شوال ‪1310‬ه��ـ‪ 21/‬أبريل ‪1893‬م) عن رحلة نولده‪،‬‬

‫بعد ترجمته إلى اللغة العربية‪ ،‬علماً أن هناك وثيقة‬ ‫أخرى هي برقية من والية سوريا إلى الصدر األعظم‬

‫في (‪ 29‬صفر ‪1310‬هـ‪ 21/‬سبتمبر ‪1892‬م)‪ ،‬ذكرت‬

‫فيه بتوجه نولده إلى بغداد قبل ذلك التاريخ بثالثة‬

‫وق��د أرس���ل مجلس خ��اص ال��وك�لاء بطلب إبداء أشهر‪ ،‬وعودته إلى سوريا متوجهاً إلى لندن عن طريق‬ ‫(‪)18‬‬ ‫ال��رأي من والي��ة سوريا (في ‪ 9‬رجب ‪1297‬ه��ـ‪/17/‬‬ ‫إستانبول ‪ ،‬وأشارت وثيقة ثانية عن مرافقي نولده‬ ‫‪1880/6‬م) فيما يجب اتخاذه من تدابير إزاء أعمال‬ ‫الذين ينتظرونه في الشام‪ ،‬ويُعدّ ون العدّ ة لتوجهه إلى‬ ‫(‪)19‬‬ ‫اب��ن رشيد غير المسؤولة في المنطقة‪ ،‬وم��ا يجب‬ ‫(‪ )16‬الجوف ‪:‬‬ ‫عمله تجاه تقوية نفوذ الحكومة العثمانية فيها ‪.‬‬ ‫في اليوم الرابع عشر من ديسمبر وصل البارون‬ ‫إال أن الذي جعل الباب العالي يقر بحكم ابن رشيد‬ ‫على المنطقة – حسب رأي الباحث ‪ -‬عدم تقديم نولده إلى بيروت‪ .‬ووصل في مساء اليوم السادس‬ ‫(‪)20‬‬ ‫تدابير حكيمة من والي��ة سوريا إزاء هذا الموضوع ع��ش��ر م��ن��ه إل���ى ال����ش����ام ‪ .‬وب��أم��ر م��ن السلطان‬ ‫من جهة‪ ،‬والعالقات الطيبة التي كانت تربط بين ابن عبدالحميد (الثاني) أع ّد عُدته؛ للتوجه إلى (محمد‬ ‫رشيد وبين السلطان العثماني من جهة ثانية‪ .‬غير اب��ن عبدالله) اب��ن رشيد‪ .‬وك��ان بمعية نولده خادم‬ ‫أنه على الرغم من ذلك فقد قرر الباب العالي إبالغ إنجليزي‪ ،‬ومترجمان اثنان‪ ،‬وثمانية من الجمَّ الين‪،‬‬ ‫ابن رشيد بضرورة التوقف عن تلك األعمال وتقديم وطباخ‪ ،‬ومربي خيل‪ ،‬وناصب خيام‪ .‬ومجموع هؤالء‬ ‫تعهد بذلك‪.‬‬ ‫الخدم أحد عشر شخصاً‪ .‬كما كانت القافلة المرافقة‬ ‫وف���ي ت��ق��ري��ر رف���ع إل���ى ال��س��ل��ط��ان عبدالحميد ل��ه تتكون م��ن خمسة خ��ي��ول وب��غ��ل واح���د وأربعين‬

‫‪12‬‬

‫اجلوبة ‪ -‬ربيع ‪1428‬هـ‬


‫إب�ل�اً ‪ .‬وب��ن��ا ًء على التوصية‬ ‫ال��ت��ي كتبها ال��ب��اب العالي‬ ‫ل��وال��ي والي����ة ال���ش���ام‪ ،‬فقد‬

‫راف���ق���ه خ��م��س��ة وعشرون‬ ‫(‪)21‬‬

‫رج��ل أم����ن‬ ‫(‪)22‬‬

‫تحت قيادة‬

‫ضابط ؛ من أجل توفير‬ ‫(‪)23‬‬

‫األمن له ‪.‬‬

‫وخ���رج���ت ال��ق��اف��ل��ة من‬

‫الشام في األول من يناير‬ ‫ج���م���ادى‬

‫(‪1893‬م‪12/‬‬

‫اآلخ��رة ‪1310‬ه���ـ)‪ ،‬ووصلت‬

‫ف��ي الثالث عشر منه إلى‬ ‫الجوف‪ .‬وهذا المكان تحت‬ ‫حكم ابن رشيد‪ .‬وحاكم هذا‬ ‫ال��م��ك��ان (ال��م��كّ��ل��ف م��ن ابن‬ ‫(‪)24‬‬

‫شك من‬ ‫رشيد‪ :‬جوهر ) َّ‬

‫وج��ود العساكر المرافقين‬

‫ل��ن��ول��ده (أن ي��ق��وم��وا بعمل‬ ‫ما ضده)‪ .‬وفي نهاية األمر‬ ‫الجوف في‬ ‫َ‬ ‫غ��ادر العساكر‬

‫اليوم السابع والعشرين من‬ ‫(‪)25‬‬

‫يناير ‪ ،‬أما البارون نولده فقد استمر في طريقه‬ ‫تاركاً الجوف وراءه‪.‬‬

‫وف��ي ‪ 24‬أب��ري��ل وص��ل (أي ن��ول��ده) إل��ى مقر ابن‬

‫رشيد‪ ،‬ال��ذي حقق انتصاراً مهماً قبل ذلك التاريخ‬

‫بفترة وجيزة (هنا إش��ارة إلى معركة المليداء التي‬ ‫وقعت عام ‪1308‬هـ‪1890/‬م)‪.‬‬

‫وف��ي األح��ادي��ث التي دارت بينهما‪ ،‬تحدث ابن‬

‫ال‬ ‫رش��ي��د ع��ن إخ�لاص��ه للسلطان (ال��ع��ث��م��ان��ي)‪ ،‬آم ً‬

‫من السلطان أن تنتهي المسألة اليمنية على نحو‬

‫حسن‪ .‬مشيراً في ذلك إلى أن التضحيات الكبيرة‬ ‫التي يقدمها عساكر الترك في اليمن‪ ،‬سببها تلك‬ ‫الظروف اإلقليمية الصعبة التي لم يتعوّدوا عليها‪.‬‬ ‫وف��ي الوقت نفسه ذك��ر أن��ه ال يمكن االعتماد على‬ ‫اإلنجليز‪ .‬وفي اليوم الخامس من مارس غادر البارون‬ ‫(‪)26‬‬ ‫نولده مقر ابن رشيد متوجهاً إلى بغداد ‪ .‬ومما‬ ‫يجدر ذك��ره هنا أن وثيقة عثمانية هي في األصل‬ ‫مراسلة من والية بغداد إلى الباب العالي‪ ،‬أفادت (في‬ ‫‪ 15‬أيلول ‪ 13/1325‬رمضان ‪1327‬ه���ـ‪ 28/‬سبتمبر‬ ‫‪1909‬م) بتوجه إنجليزيين إل��ى الجوف بعد تبديل‬ ‫مالبسهما‪ ،‬وأن الهدف من رحلتهما لم يتضح بعد‪،‬‬

‫اجلوبة ‪ -‬ربيع ‪1428‬هـ ‪13‬‬


‫(‪)29‬‬

‫وأن التحقيقات جارية في الحصول على معرفة سبب المنورة ولم تشكل بعد ‪ .‬وتنقل مخصصاتها إلى‬ ‫(‪)27‬‬

‫توجههما إل��ى منطقة ال��ج��وف ‪ .‬غير أن الوثائق قضاء الجوف على أن يعين فيه شيخ الرولة نوري‬ ‫األخرى في التصنيف ذاته لم تتطرق إلى الموضوع‪ .‬ال��ش��ع�لان‪ .‬وق��د ص��در ق���رار ن��اظ��ر الداخلية بذلك‬

‫ولعل معلومات جديدة تظهر في المستقبل عن هذا (ف���ي ‪ 23‬ذي ال��ق��ع��دة ‪1333‬ه����������ـ‪1915/10/4/‬م) ‪،‬‬ ‫ومرسوم السلطان محمد رشاد (في ‪ 26‬ذي القعدة‬ ‫الموضوع‪.‬‬ ‫(‪)30‬‬ ‫‪1333‬ه�������������ـ‪1915/10/7/‬م) ‪ .‬وأ ْن تُ���وجَّ ��� َه قيادة‬ ‫وقبل إي��راد موقع الجوف في التشكيلة اإلدارية‬ ‫الجيش الذي يتم تشكيله من العرب إلى ابن المشار‬ ‫(‪)31‬‬ ‫العثمانية األخ��ي��رة‪ ،‬ت��ج��در اإلش���ارة إل��ى أن القرار‬ ‫إليه الشيخ نواف ‪ .‬وقد صدر المرسوم السلطاني‬ ‫ال��ص��ادر في (‪ 11‬شعبان ‪1328‬ه�����ـ‪1910/8/16/‬م)‬ ‫للسلطان محمد رشاد بذلك في (‪ 6‬جمادى األولى‬ ‫قضى بتحويل تبوك إلى قضاء‪ ،‬ومدائن صالح إلى‬ ‫‪1334‬هـ‪1916/3/11/‬م) على أن يلحق هذا القضاء‬ ‫ناحية (أي بلدة)‪ ،‬وفصلهما مع قضاء العقبة – التي بوالية سوريا‪ ،‬وأن يتم تحويل مخصصات السويرقية‬ ‫(‪)32‬‬ ‫شُ كّلت مجدداً ‪ -‬من والية‬ ‫سوريا وربطهما وإلحاقهما بالكامل إلى قضاء الجوف ‪ .‬والنقطة الجديرة في‬ ‫(‪)28‬‬ ‫بمحافظة المدينة المنورة ‪.‬‬ ‫هذه الوثيقة هي إلحاق الجوف بوالية سوريا‪.‬‬

‫وف���ي محضر س���ري ص���ادر ف��ي (‪ 3‬ذي الحجة‬

‫وقد جاء في خطاب لوالي البصرة سليمان شفيق‬

‫‪1333‬ه��ـ‪1915/10/13/‬م)‪ ،‬أشير إلى أهمية منطقة كمالي باشا أنه (في ‪ 9‬مارس ‪1330‬رومي‪ 15/‬جمادى‬ ‫الجوف بوصفها ملتقى الطرق بين الحجاز والعراق األولى ‪1335‬هـ‪1917/3/9/‬م) أن ابن رشيد كتب إليه‬ ‫وسوريا‪ ،‬وأن��ه بنا ًء على تلك األهمية االستراتيجية باستيالئه على الجوف الواقع في وادي السرحان‬ ‫(‪)33‬‬ ‫يتم تشكيل ق��ض��اء ف��ي ال��ج��وف‪ ،‬بعد إل��غ��اء قضاء والتابع لوالية سوريا ‪ .‬فيتضح من ذلك أن الجوف‬ ‫السويرقية التي تقرر تشكيلها قضاءاً تابعاً للمدينة بقيت تابعة لوالية سوريا حتى ذلك التاريخ‪.‬‬

‫< نص محاضرة ألقيت في مؤسسة عبدالرحمن السديري الخيرية بمكتبة دار الجوف للعلوم بسكاكا يوم الثالثاء ‪ 16‬صفر ‪1428‬هـ‬ ‫الموافق ‪ 6‬مارس ‪ 2007‬م‪.‬‬ ‫< < د‪ .‬سهيل صابان ‪ -‬قسم التاريخ – كلية اآلداب ‪ -‬جامعة الملك سعود‬ ‫(‪ )1‬أرشيف رئاسة الوزراء يتكون من األرشيف العثماني الذي نحن بصدد الحديث عنه‪ ،‬وأرشيف الجمهورية في مدينة أنقرة‪ ،‬ويضم‬ ‫الوثائق الخاصة بتركيا منذ نشوء الجمهورية عام ‪1923‬م‪..‬‬ ‫(‪ )2‬لمعلومات تفصيلية عن محتوى األرشيف العثماني وتقسيماته‪ ،‬وأعمال التصنيف التي جرت فيه‪ ،‬انظر‪ :‬األرشيف العثماني‪/‬‬ ‫نجاتي آقطاش وعصمت بينارق ؛ ترجمة صالح سعداوي‪ ،‬إستانبول‪ :‬مركز األبحاث للتاريخ والفنون والثقافة اإلسالمية‪1406 ،‬هـ‪.‬‬ ‫ص ‪ .34-3‬وكذلك‪:‬‬ ‫‪.Başbakanlık Osmanlı Arşivi Rehberi.-Ankara: Başbakanlık Devlet Arşivleri Genel Müdürlüğü, 1992. pp. 5-30‬‬ ‫(‪ )3‬لمعلومات تفصيلية عن تصنيفات األرشيف العثماني وكيفية االستفادة منه‪ ،‬وأهميته في دراسة تاريخ الجزيرة العربية انظر‪:‬‬ ‫األرشيف العثماني مصدراً من مصادر تاريخ الجزيرة العربية‪/‬سهيل صابان‪ -.‬مجلة مكتبة الملك فهد الوطنية‪ -.‬مج ‪ ،3‬ع ‪1‬‬ ‫(المحرم – جمادى اآلخرة ‪1418‬هـ‪/‬مايو – أكتوبر ‪1997‬م)‪ .‬ص ص ‪.76-54‬‬ ‫(‪ )4‬حول األهمية الموضوعية والتاريخية لألرشيف العثماني‪ ،‬وما يتضمنه من السجالت والدفاتر‪ ،‬انظر‪ :‬أوراق عتيقة ووثائق‬ ‫تاريخيه مز (األوراق العتيقة ووثائقنا التاريخية)‪ /‬عبدالرحمن شرف‪ ,‬تاريخ عثماني أنجمني مجموعه سي‪ -.‬ع ‪ .)1326( 1‬ص‬ ‫ص ‪.19-9‬‬

‫‪14‬‬

‫اجلوبة ‪ -‬ربيع ‪1428‬هـ‬


‫‪...................................................................................................................................‬‬ ‫(‪ )5‬وقد نشر سليمان شفيق مذكراته في صحيفة األهرام المصرية‪( ،‬بدءاً من ‪ 6‬ربيع الثاني ‪1343‬هـ‪ 6/‬نوفمبر ‪1924‬م) في ست‬ ‫وثالثين حلقة (حتى ‪ 28‬جمادى اآلخرة ‪1343‬هـ‪ 23 /‬يناير ‪1925‬م) ‪ ،‬رحلة سوله مز أوغلي إلى بالد الشام‪1307 :‬هـ‪1890/‬م‪،‬‬ ‫دراسة وترجمة وتحقيق فاضل مهدي بيات‪ -.‬األردن؛ المفرق‪ :‬جامعة آل البيت‪1420 ،‬هـ‪2000/‬م‪.‬‬ ‫(‪ )6‬حجاز سياحتنامه سي‪/‬سليمان شفيق كمالي باشا‪ .‬ص ‪.375‬‬ ‫(‪ )7‬األرشيف العثماني‪ ،‬تصنيف ‪.Y.MTV.50/72‬‬ ‫(‪ )8‬األرشيف العثماني‪ ،‬تصنيف ‪I.DH.45202‬‬ ‫(‪ )9‬األرشيف العثماني‪ ،‬تصنيف (‪.)I.DH.45202‬‬ ‫(‪ )10‬األرشيف العثماني‪ ،‬تصنيف (‪.)DH.KMS.41/43‬‬ ‫(‪ )11‬األرشيف العثماني‪ ،‬تصنيف (‪.)A.MKT.MHM.463/30‬‬ ‫(‪ )12‬األرشيف العثماني‪ ،‬تصنيف ‪ .A.MKT.MHM.463/30‬وهذه المراسلة مدرجة أيضاً في دفتر العينيات رقم ‪ ،871‬ص ‪251‬‬ ‫وتاريخها أيضاًَ ‪ 14‬رجب ‪1290‬هـ‪.‬‬ ‫(‪ )13‬األرشيف العثماني‪ ،‬تصنيف ‪.HR.TO.457/23‬‬ ‫(‪ )14‬األرشيف العثماني‪ ،‬تصنيف ‪.Ayniyat.no.1517.p.27‬‬ ‫(‪ )15‬األرشيف العثماني‪ ،‬تصنيف ‪.A.MKT.MHM.463/30‬‬ ‫(‪ )16‬األرشيف العثماني‪ ،‬تصنيف ‪.Ayniyat.no.1517.sy.27‬‬ ‫(‪ )17‬يتكون هذا التقرير المدون بخط اليد من ثالث وأربعين صفحة من القطع الكبير‪ .‬ويفصل بدقة تحركات نولده‪ ،‬الذي كتب‬ ‫أوضاع المنطقة السياسية في تلك الفترة إلى السلطان عبدالحميد الثاني‪.‬‬ ‫(‪ )18‬األرشيف العثماني‪ ،‬تصنيف ‪I.HUS.1310/Ra-11‬‬ ‫(‪ )19‬األرشيف العثماني‪ ،‬تصنيف ‪Y.A.HUS.265/18‬‬ ‫(‪ )20‬وهذا التاريخ هو الوارد أيضاً في رحلته التي نشرت في ألمانيا بعد انتحاره في لندن عام ‪1895‬م‪ .‬الرحالة األوربيون في شمال‬ ‫الجزيرة العربية‪ :‬منطقة الجوف ووادي السرحان‪/‬عوض البادي‪ -.‬ط‪ -.2‬بيروت‪ :‬الدار العربية للموسوعات‪1423 ،‬هـ‪2002/‬م‪.‬‬ ‫ص ‪259-258‬‬ ‫(‪ )21‬أفادت وثيقة عثمانية أن نولده هو الذي طلب من الباب العالي تخصيص خمسة وعشرين شخصاً من الجندرمة؛ لمرافقته إلى‬ ‫منطقة الجوف التي تبعد عن الشام مسافة اثني عشر يوماً‪ .‬األرشيف العثماني‪ ،‬تصنيف ‪.I.HUS.7.1310/C-11‬‬ ‫(‪ )22‬مصروفات هؤالء العساكر دفعت من ميزانية الدولة العثمانية بعد عرض الموضوع من لدن الصدر األعظم على السلطان‪.‬‬ ‫األرشيف العثماني‪ ،‬تصنيف ‪.I.ASK.1310/Za-13, DH.MKT.39/20‬‬ ‫(‪ )23‬بشأن األمر الصادر بتخصيص تلك السرية األمنية للبارون نولده انظر‪ :‬األرشيف العثماني‪ ،‬تصنيف ‪.I.ASK.3.1310/Za-13‬‬ ‫(‪ )24‬انظر تفصيالت ذلك‪ :‬الرحالة األوربيون في شمال الجزيرة العربية‪ :‬منطقة الجوف ووادي السرحان‪ /‬عوض البادي‪ .‬مرجع‬ ‫سابق‪ .‬ص ‪267-266‬‬ ‫(‪ )25‬هذه الجملة توحي بأن ابن رشيد لم يقبل بقدوم العساكر مع نولده إلى حائل‪ .‬ولذلك فقد أبلغهم بأن يتركوا نولده تحت حماية‬ ‫رجاله‪ ،‬وأن يرجعوا إلى الشام‪.‬‬ ‫(‪ )26‬األرشيف العثماني‪ ،‬تصنيف‪.PRK.TKM.27/33.‬‬ ‫(‪ )27‬األرشيف العثماني‪ ،‬تصنيف ‪.DH.MUI.17-5/1‬‬ ‫(‪ )28‬األرشيف العثماني‪ ،‬تصنيف ‪.DH.MUI.61-2/24‬‬ ‫(‪ )29‬األرشيف العثماني‪ ،‬تصنيف ‪.I.MLU.1334/Ca-12‬‬ ‫(‪ )30‬األرشيف العثماني‪ ،‬تصنيف ‪.I.DH.1333/Za-39‬‬ ‫(‪ )31‬األرشيف العثماني‪ ،‬تصنيف ‪.MV.241/116‬‬ ‫(‪ )32‬األرشيف العثماني‪ ،‬تصنيف ‪.I.MLU.1334.Ca.6/12‬‬ ‫‪ 29‬األرشيف العثماني‪ ،‬تصنيف ‪DH.KMS. 2-2/2‬‬

‫اجلوبة ‪ -‬ربيع ‪1428‬هـ ‪15‬‬


‫أغنية الريح‬

‫ق���ص���ائ���ـ���د‬ ‫‪16‬‬

‫فتىً بعد يَخرج‪..‬‬ ‫من شَ جر ِ الرِّيح ِ‬ ‫يُوقظ ُمزموره المُصطفى‪.‬‬ ‫يوِّزع منشو َر بهجتهِ للرُّبى‬ ‫للعصافير ِ‪..‬‬ ‫َتحمِ له في مناقيرها مُصحَ فا‪.‬‬ ‫يطير على َدرَج ِ الوقت ِ‪..‬‬ ‫تنزف أحالمه‪..‬‬ ‫باليواقيت ِ‪..‬‬ ‫كبريتُ أشواقه ما انطفى‪.‬‬ ‫فرس الماء ِ‪..‬‬ ‫َ‬ ‫يمتطى‬ ‫الصبابة‪..‬‬ ‫يجمع جُ ن َد َ‬ ‫مِ ن حانةِ الوجد ِ‪..‬‬ ‫يُوقظ صبا ً غَ فا‪.‬‬ ‫إلى جُ زُر ِ العشق ِ‪..‬‬ ‫يسعى الم ُِحبونَ‪..‬‬ ‫يغترفو َن شظايا الحنين‪..‬‬ ‫رصاص َ التوحُّ د باألرض ِ‪..‬‬ ‫مَال َ الفتّى حينما‬ ‫مست الوردةُ‪ /‬اللهفةُ‪..‬‬ ‫العاش َق المُغرمَا‪..‬‬ ‫فارتمَى‬ ‫في بنفسج ِ زَهوته ِ‪..‬‬ ‫لم ي َِخر‪..‬‬ ‫ولكن سَ ما‪..‬‬ ‫عندما اشتع َل الماءُ‬ ‫في مشهد ٍ عاطفي ٍ‬ ‫وتبَقى فلسطين‬ ‫فو َق عُروش ِ الهوى‬ ‫كُلمَّا‬ ‫اجلوبة ‪ -‬ربيع ‪1428‬هـ‬

‫> حمدي هاشم حسانني‬

‫بزغ َ الفج ُر‬ ‫تبقى فلسطين‬ ‫فوق خَ ريطة ِ قلبي‬ ‫عروسا ً يطاردها العاشقو َن‬ ‫بأحالمهم‬ ‫َصعوا جيدها‬ ‫ر َّ‬ ‫بالحكايا‬ ‫وماء الزفاف ِ الذي نزفته السماءُ‬ ‫وحنَّاؤها الوقت والتوتياء‬ ‫لماذا فررنا من الشَ مس ِ‬ ‫نحو متون الغياب ِ؟‬ ‫وهذا المُخَ يّم يحفظ عن ظهر قلب ٍ ـ‬ ‫مواجعنا الطيّبات ِ‬ ‫ويعرف أسما َء َم ْن قتـ ـَّـلونا‬ ‫ويوقن أن ـ َّا‬ ‫ُشرفات هوانا‬ ‫ِ‬ ‫على‬ ‫ُنناجى الحنينا‬ ‫وننظر من ُكوة ِ الغيم ِ‬ ‫للحلم ِ‬ ‫نرتاد ُ مقهىَ الـ ُبكاء ِ‬ ‫ونرشف تاريخنا والغُبار‬ ‫هناك بقـ ُرب ِ الرصيف ِ العتيق ِ‬ ‫تـ َمدَّ د لي ٌل مُوش ـ َّى‬ ‫برائحة ِ الدَّ م ِ‬ ‫والت ـ َّبغ ِ‬ ‫هاتوا شجونكم المُستفيضة‪.‬‬ ‫أرضنا يستحم الهالك ُ‪..‬‬ ‫ففي ِ‬ ‫ويرعَ ى الظمأ‪.‬‬ ‫على قاب قوس ٍ‬ ‫تطل ُ الغزالة ُ‪..‬‬

‫<‬


‫في مقلتيها ينام ابتهاجي‬ ‫وأصحو‬ ‫خضبتنى دماءُ القبائل ِ‬ ‫وقد َّ‬ ‫قد شي ـ َّعتني‬ ‫خناجرهم نحو قبري‬ ‫وحبري الذي كم تسلل‬ ‫راود َ عُصفورة ً في الخليل ِ‬ ‫الضحى مرتين‬ ‫ونادم َ غزة قبل َ ُ‬ ‫بأنشودة ٍ من عبير القـ َرنفـ ُل ِ‬ ‫نا َم بحـ ُضن ِ الجليل ِ‬ ‫وسَ ط ـ َّر فوق الغـ ُيوم مراثيه ِ‬ ‫فانبهر القاعدون َ‬ ‫المُحبون َ خلفي‬ ‫ي َُصل ـ ُّون فوق مياه الهـ ُيام ِ‬ ‫فيرتعد العُشب ُ‬ ‫هلل ـ َّت السوسنات ُ المُقيمة في الجُ رح ِ‬ ‫والفـ َر ُح كالطفل يحبو بأهدابنا‬ ‫والبنات ُ‬ ‫تـَط ـ َّيبن بالياسمين ِ ال ُمغ ـَطـ ّى‬ ‫بأتراحهن َ‬ ‫تعمّدن بالورق ِ األخضر ِ النابت ِ اآلن َ‬ ‫من دمعه َن‬ ‫و َِسر َن وراء قطار األسى ينتحبن َ‬ ‫وتبقى فلسطين‬ ‫في حـ َدق ِ العـ َين ِ‬ ‫في مُفردات ِ اليقين‬ ‫وفى الظـ َّن ِ‬ ‫تـ َسكب فوق مواجعنا‬ ‫حقل َ حُ ب ٍ‬ ‫وشوقا‪.‬‬ ‫وتفتح مزمو َر لهفتنا‬ ‫يبدأ البو ُح‬

‫أوَّاه يا مجدلية‬ ‫هذى الضفائر بعد ترفرف‬ ‫كالطير ِ‬ ‫ذكراك ِ تحفر ما قد تبقى من السَ د ِّ‬ ‫والمَد ُّ يأبى مُالقاتنا في العشيةِ‬ ‫جُ نْ ُد الخطيئةِ يعتقلون هوانا‬ ‫ويستنشقون هواء الصغار ِ‬ ‫عيانا ً‬ ‫عيانا‪..‬‬ ‫وفى ليلة العيد ِ‬ ‫تأبى المواعي ُد رجم َ سوانا‬ ‫وكم راقهم رقصنا‬ ‫فوق جمر ِ الظنون ِ؟‬ ‫الدرس‬ ‫ُ‬ ‫وحين انتهى‬ ‫مالوا وهم يجرعون كؤوس الجماجمْ‪.‬‬ ‫ويدعون راشيل‬ ‫الزيت‬ ‫ِ‬ ‫صبّي قليال من‬ ‫ُ‬ ‫حتى تفو َر المالحمْ‪.‬‬ ‫وراشيل تضحك‬ ‫مالت كعود ٍ من البان ِ‬ ‫قد هادنته المواسم‪.‬‬ ‫وتبقى فلسطين‬ ‫فى هسهسات الشجرْ‪.‬‬ ‫وفى شفة الرّيح ِ تكبر‬ ‫الصبابةِ ‪..‬‬ ‫في رشقة ٍ من رصاص َ‬ ‫أماه‪..‬‬ ‫أدعو‬ ‫وأدعو‬ ‫وأدعو‬ ‫وتبقى السماء ُ‬ ‫بغير قمرْ‪.‬‬

‫< شاعر مصري‪.‬‬

‫اجلوبة ‪ -‬ربيع ‪1428‬هـ ‪17‬‬


‫إحلاقا بطفولتي األولى‬ ‫(‪)1‬‬

‫قد أخلع هذي الليلة قلبي‪،‬‬ ‫وأجوب األرض‪،‬‬ ‫القمر الميساني‬ ‫يخبئ وجه طفولته‪،‬‬ ‫والنهر الحلمان‬ ‫يكفكف دمع الذكرى‪،‬‬ ‫بي رغبة‪..‬‬ ‫أن أصرخ في الفلوات‪،‬‬ ‫عن زمن مات‪،‬‬ ‫عن طفل ضل طريقه‪،‬‬ ‫عن كلمات جوفاء‪،‬‬ ‫عن وطن ضاع‪،‬‬ ‫في طرق الصحراء‪.‬‬

‫(‪)2‬‬

‫ما بال الغيمة‬ ‫تبكي حجراً؟‬ ‫ما بال األرض‬ ‫تنز دمًا‪،‬‬ ‫وتميد بأكواخ الفقراء؟‬ ‫ثمة غصة صوت في حنجرتي‪،‬‬ ‫آه‪..‬‬ ‫ما أعذب أن نتطهر بالذكرى‪،‬‬ ‫أن نسلخ جلد األيام‪،‬‬ ‫إلحاقا بطفولتنا األولى‪..‬‬ ‫بعذوبة دجلة‬ ‫وهي تسرّح شعر القرويات‪.‬‬

‫(‪)3‬‬

‫قد أخلع هذي الليلة قلبي‪،‬‬ ‫وأمرّغ وجهي في الطين‪،‬‬

‫‪18‬‬

‫اجلوبة ‪ -‬ربيع ‪1428‬هـ‬

‫> ماجد البلداوي‬

‫و أصرخ‪،‬‬ ‫يا وجعاً يتورم في جسدي‪،‬‬ ‫يا نزفاً لأليام الثكلى‪،‬‬ ‫يا شجن الناي‪،‬‬ ‫وهو يترجم حزن الماء‪،‬‬ ‫سأجوب األرض‪..‬‬ ‫الخارطة العمياء‪،‬‬ ‫شواطئ ليل العشاق‪،‬‬ ‫أتدفأ بالماء‬ ‫وباآلالم وباألمطار‪.‬‬

‫(‪)4‬‬

‫أعصر جرحي‪،‬‬ ‫وبنادق صيادي غابات الموت‪،‬‬ ‫تحدق بي‪،‬‬ ‫باألشجار‪،‬‬ ‫وباألطيار‪،‬‬ ‫لتوزع كل الطلقات‪،‬‬ ‫بال استثناء‪،‬‬ ‫وعصافير الحب‪..‬‬ ‫ما عادت تأوي لألعشاش‪،‬‬ ‫والشمس احتجبت خجالً‪،‬‬ ‫والقمر الميساني يودع آخر نجم‪.‬‬

‫(‪)5‬‬

‫هذي الليلة‪..‬‬ ‫مسكوناً بالوحشة‪،‬‬ ‫مطعوناً بالخوف‪..‬‬ ‫من اآلتي‪.‬‬ ‫آه يا حزن صالتي‪..‬‬ ‫الليلة‪ .......‬آه‪،‬‬ ‫وينهمر الدمع بكل غزارته‪.‬‬


‫السندبــاد‬ ‫شئ فو َق وجهِ البحرِ‬ ‫رأيتُ كلَّ كلَّ ٍ‬

‫واضحاً‪..‬‬

‫هذا الذى أتعبني‬ ‫وكلما قلتُ أعــو ْد‬

‫أخط رحل ًة وأخطو للبعي ْد‬ ‫ُّ‬

‫تحط بي‬ ‫ُّ‬ ‫حكاي ٌة‬

‫حكاي ٌة تأخـذنـي‬

‫وكلما تأخذني حكاي ٌة وراء أخرى أستزي ْد‬ ‫ينوءُ قلبي بالذي أَسَ َّرهُ للبحرِ‬

‫والذي رأى‪..‬‬

‫(هل تؤم ُن اآل َن بما كنتَ ترى‬

‫وما ارتأيتْ ؟)‬

‫ك ُّل الوجو ِه قابلتني بالسؤا ْل‬

‫ألف س ّْد‬ ‫وامتدَّ نحوي ُ‬ ‫أقولُ‪:‬‬

‫ربما تَحنُّ شرفتي‬

‫لوقفتي‬

‫وربما تشتا ُق مرآتي لوجهي‪ ..‬ربما‬ ‫والليل لي‪،‬‬

‫لمن يقو ُل لي‪ :‬اتَّئ ْد‬

‫أو‪..‬‬

‫ربما سوف أقولُ‪ :‬إنني أخطأتُ ‪،‬‬

‫حينما حلمتُ مث َل قطر ِة المط ْر‬

‫بأنني قد أستطي ُع أن أكو َن جدوالً!‬ ‫أقولُ‪:‬‬

‫ربما أ ُ َورِّثُ الحكايـا‬

‫> عشم الشيمي‬

‫للصبايـا‬ ‫(ثم ما أدراكَ‬ ‫ال‬ ‫أنَّ ما تظ ُّن ُه جزير ًة – هنا – وموئ ً‬ ‫حوت ينتظرْ؟)‬ ‫ٍ‬ ‫يكون غي َر ظهرِ‬ ‫يخر ُج من رأسي برو ٌق‬ ‫ورعو ْد‬ ‫ودهشتي ال تنتهي‬ ‫إن تسخروا مني‬ ‫فإني مستجي ْر‬ ‫سفينتي تقودُها أيامُكم‬ ‫(وفى دمـائهم تسيرْ)‬ ‫‪ ..‬تركتُ خلفي كلَّ شيء‬ ‫لم أع ّد صحبتي‬ ‫أراو ُغ السؤالَ‪:‬‬ ‫ُحس بالفؤادِ لحظ َة الشرو ْد‬ ‫من ي ُّ‬ ‫أهرمُ‪ ،‬يذوي ضوءُ عيني‬ ‫وتُ َدوِّي الري ُح في جنب ََّـي‪،‬‬ ‫هل أقول ُ‪:‬‬ ‫ليتني احترقتْ‬ ‫وما بـدأْتْ ؟‬ ‫(قد توَّجتْكَ الري ُح بالخسارهْ‬ ‫وما اهتديتْ !)‬ ‫اآلن‪..‬‬ ‫من يشبهـني‬ ‫في حزني؟‬ ‫ومن سيبكي رحلتي؟!‬

‫< شاعر من مصر‪.‬‬

‫اجلوبة ‪ -‬ربيع ‪1428‬هـ ‪19‬‬


‫إلى الفنان والصديق‬ ‫عواد فالح‬

‫> شعر‪ :‬مؤيد الغنام‬

‫احملاط بالعويل‬ ‫<‬

‫> شعر‪ :‬شوقي مسلماني‬

‫ها أنت‪..‬‬

‫لم يب َق منهم غير صورة‬

‫تُخبيءُ العمر‬

‫وهو يكذب ويكذب‬

‫بكاميرا الروح‪!..‬‬ ‫تهدي صحراءك‬ ‫قناديل حزنك‬ ‫بعشق الحياة‬ ‫وعشق التنفس‬ ‫وبهجة البقاء‪!..‬‬ ‫تفتش في هذا المدد األصفر‬ ‫عن منابت أرواحنا‬ ‫فيزهر نخيل جوفك‬ ‫وأجوافنا عطشى‪!..‬‬ ‫لماذا تفتش في سرايا العيون‬ ‫عن غيمة‪ ..‬تهديها‪..‬‬ ‫في روض حنظل‪..‬؟‬ ‫من ينبض في نقوش القلب‪..‬؟؟‬ ‫من يرقص فوق عتبات التاريخ‬ ‫بليل‪ ..‬وذكريات‪..‬؟‬

‫وهو ينفي ك ّل شيء‬ ‫يتسلّل ويأخذ بيدِ رأسي‬ ‫إلى أمكنة أخرى‬ ‫تقول البو ُم أنّ صديقَها الغراب‬ ‫يؤكِّد لها أنّ ك ّل شيء لونه أبيض‬ ‫المُحاط بالعويل‬ ‫اآلن أين هو؟‬ ‫بر ُج الهاوية‬ ‫المجدوع األنف‬ ‫الذي قلبه يخفق بانتظام‬ ‫كذلك‪ ،‬أين هو؟‬ ‫الذين رحلوا بطقوس صمت مطلق‬

‫تعالَ‪..‬‬

‫وال زالوا صامتين يعتذرون‬

‫نتقاسم هذا الشتاء‬

‫أنّي ليستْ لديّ ولو اآلن صورة واضحة لهم‬

‫وبعضاً من حزنك‬

‫في الساعة المتأخِّ رة هذه‬

‫بنفجال قهوة‬

‫من الليل‪.‬‬

‫ومرارات‪.‬‬ ‫< فنان وشاعر ‪ -‬الجوف ‪.‬‬

‫‪20‬‬

‫العنوان الذي يؤكِّد ك ّل شيء‬

‫اجلوبة ‪ -‬ربيع ‪1428‬هـ‬

‫< سيدني ‪ -‬أستراليا‪.‬‬

‫<‬


‫ِفـي َ‬ ‫شـتَــات‬ ‫ال وطن لك أيتها النافذة‬ ‫مثلما ال حبَّ لي‬ ‫كالنا نضيع في شتَات ال يُحتمل‬ ‫صباح‬ ‫أنت بال َ‬ ‫ِ‬ ‫وأنا بال عازف‪..‬‬

‫العارِ فَ ةُ‬

‫أيتها النافذة الودود‬ ‫في بيتنا القديم‬ ‫في حيّنا القديم‬ ‫في المدينة القديمة‬ ‫قولي لي من أنا؟‬ ‫ومن يكون حزني؟‬

‫الحيْ رَ ة‬ ‫مَ َطرُ َ‬

‫بياضا‬ ‫ً‬ ‫كيف يزداد العمر‬ ‫كلما أغمضتُ عيني؟‬ ‫كيف يهطل الحزن‬ ‫على سقيفتي‬ ‫كلما فكرت؟‬ ‫كيف تذبل رهافتي‬ ‫كلما مددت يدي‪..‬‬ ‫كلما ناديتُ ؟‬ ‫كيف يحط هذا الليل‬ ‫على النوافذ‬ ‫وعلى قلبي‬ ‫بنفس أنفاسه القلقة؟‬ ‫ال شيء سوى السؤال‪..‬‬

‫> وداد بن موسى‬

‫جارتي‬

‫جارتي في الحب‬ ‫قالت لي‪:‬‬ ‫ما كل هذه النوافذ المضيئة‬ ‫في جسدك؟‬ ‫ما كل تلك األزهار حولها؟‬ ‫ما كل تلك األقمار؟‬ ‫من أين لك هذه السماء؟‬ ‫جارتي في الحب‬ ‫جاهلة‬ ‫بالحب‬

‫نوافذ القَ ل ِْب‬

‫‪ ...‬وتَضحكين يا نوافذ ال َقل ِْب‬ ‫وتَسْ خَ رين‪...‬‬ ‫الحَ بيبُ الذي كا َن هنا‬ ‫صا َر هناك‬ ‫يجَ ر ِْج ُر غيابَ ُه‬ ‫وخساراتي معاً‬ ‫يا نوافذ القلب‬ ‫صلي ألَجلي‬ ‫قاس هذا الغيابُ ؟‬ ‫كم هو ٍ‬ ‫وكم أنا‬ ‫وَحيدَة؟‬

‫قديم ًا‬

‫كانت النوَافذ‬ ‫ِ‬ ‫تَشْ تَكي م ْن جَ ساَرات ال َقمَر‬ ‫ال َي ْو َم‬ ‫ضجَ رَها‬ ‫من َفر ِْط َ‬ ‫تَشْ تَهِ ي‬ ‫«غَ ْم َزةً»‬ ‫ِل َمو ِْعدِ ال َق َم ْر‬ ‫خريف‪1428‬هـ‬ ‫اجلوبة ‪ -‬ربيع‬ ‫‪21 1428‬‬


‫صورة عائلية!‬ ‫> ليلى األحيدب‬

‫ق�����ص�����ص‬ ‫‪22‬‬

‫صورة عائلية قديمة‪ ..‬تجمع األخوة واألخوات‪ .‬أخوة وأخوات ليس لهم فروع وال امتدادت‪ ..‬وجوه بريئة وخالية‬ ‫من الهموم‪ ..‬مقبلة‪ ..‬ليس لديها نوايا مسبقة!!‬ ‫هي بالزي األصفر تجلس متقرفصة في الطرف‪ ،‬وعلي يجلس خلفها بوجهه الطويل‪ ،‬وناصر يجلس قربها راكزا‬ ‫ركبته‪ ..‬موضي والعنود يحيطان بعلي‪ ..‬موضي ترتدي التايير األخضر الذي أحضره أبي من لبنان‪ ،‬والعنود ترتدي‬ ‫فصلته أمي لها‪.‬‬ ‫ثوبها األحمر الطبقات الذي ّ‬ ‫يا لجمال الصورة‪ ..‬أخوة وأخوات فقط!!‬ ‫أنظر إلى الصورة اآلن‪ ..‬وجوه محملة بالتأويل‪ ..‬بردود األفعال‪ ..‬بالفروع واالمتدادت!!‬ ‫والفرع يطرد األصل دائماً؟!‬ ‫علي‪ ..‬تهمّه زوجته‪ ،‬وال يريد ألي أحد أن يُعكّر مزاجها؛ فبكلمتين منها تجعل منه بالونه حمراء مهيأة لإلنفجار!‬ ‫وموضي‪ ..‬أوالدها وبناتها فوق الجميع‪ ..‬تغضب من أمي إذا وجهتهم بكلمة!!‬ ‫العنود‪ ..‬تسير خلف رأي زوجها مهما كان‪ ..‬إن رضي علينا رضيت‪ ،‬وإن غضب منا غضبت!!‬ ‫ناصر سافر إلى كندا‪ ،‬وتزوج بكندية من أصل عراقي‪ ..‬يزورنا كل ثالث أو أربع سنوات مرة!!‬ ‫هي تنتقدهم دائماً‪ ..‬وهم يهاجمونها ألنها العانس المعقّدة‪ ،‬التي تريد أن تربي الكل!!‬ ‫يريدون أن يحوّلوا البيت إلى متنزه ألطفالهم! وهي تريد أن ال يعبث أطفالهم بالبيت!‬ ‫يريدون أن تتحمل لؤم زوجات اإلخوة وكبرياء أزواج البنات!!‬ ‫قصروا في شيء!‬ ‫وأن ال تغضب إذا ّ‬ ‫بينما الويل والثبور لها إذا بدر منها تقصير‪ ،‬ولو كان غير مقصود!!‬ ‫تصرفاتها متعمدة خبيثة! بينما تصرفاتهم ردود أفعال فقط!!‬ ‫تفاصي ٌل كثيرة تحدث‪ ..‬كلها تجتث الجذور‪ ..‬وتُعلي من الفروع!!‬ ‫وجوهٌ كثيرة تحيط بالصورة اآلن‪ ..‬وجوه مختلفة ال يجمعها شيء واحد! وجوهٌ تنتمي إلى أسر مختلفة!! لكنها‬ ‫تحيط بالصورة القديمة‪ ،‬وتتطفل على تفاصليها الجميلة!!‬ ‫شَ َعرَتْ أنها كفٌ معلق ٌة في الهواء‪ !!..‬مجتثة من جذورها‪ ..‬مبتورة!! وو‪ ..‬حـ‪ ..‬يـ‪ ..‬دة!!‬ ‫كفٌ وحيدة‪ ..‬مثبتة في إسمنت صلب‪ ..‬إسمنت‪ ..‬ينمو في مسام الجلد‪ ..‬ويسد منافذ القلب األربعة‪.‬‬ ‫كفٌ وحيدة معلقة في الفراغ‪ ..‬ال جذور‪ ..‬ال انتماء‪ ..‬ال عاطفة‪ ..‬وال دم!!!‬ ‫كفٌ مذنبة! وغريبة‪ ..‬ومعلقة في فراغ مظلم!‬ ‫لكنها في داخلها‪ ..‬في ذلك العمق الندي‪ ..‬ما تزال تشعر أنها تلك الطفلة الصغيرة بالثوب األصفر‪.‬‬ ‫طفلة تريد لمّة اإلخوة واألخوات تماماً كما في الصورة القديمة!‬ ‫‪ ..‬هذا كل ما تريد!!‬ ‫اجلوبة ‪ -‬ربيع ‪1428‬هـ‬


‫حكاية النهاية‪..‬‬ ‫> عصام أبوزيد‬ ‫‪ ..‬وذاتَ يوم‪ ،‬انفتح بابُ غرفتي‪ ،‬ودخ َل أسدٌ‪ ،‬ال على أفرادها؛ فيكون نصيب الفرد عو َد جرجير واحد‬ ‫أدري من أين جاء؟ وهج َم على طوبة من رمل كنتُ في اليوم‪ .‬ويقال إن الحزمة اشتراها األزرق األكبر‪ ،‬ثم‬ ‫أعلقها على الحائط‪ ،‬وكما يحدثُ في األحالم انفجرت توارثتها األجيال من بعده‪.‬‬ ‫الطوبة إلى ماليين وماليين الحبات من رمل عنيف‪،‬‬ ‫لكنني قلت‪ :‬يا رزَّاق يا كريم‪ ،‬ورميت صنارتي في‬ ‫يهاجمني من النواحي كلها؛ ورأي��ت األس��د الشجاع الماء‪ ،‬وانتظرت صابراً‪ ،‬أدندن بعضاً من كالم األغاني‪.‬‬ ‫يموءُ ويبكي‪ ،‬وأنا بيدي الحنون أضمه إلى صدري‪ ،‬وكان األسد يدور حولي وي��دور‪ ،‬ثم يقف ويرقص‪ ،‬ثم‬ ‫تبك يا أسد‪ ،‬ال ِ‬ ‫قائالً‪ :‬ال ِ‬ ‫تبك‪ .‬ال أعلم عدد اللحظات يمشي ويركض؛ فقلت هذا ليس بأسد‪ ،‬هذا كلبٌ أو‬ ‫التي مرت حتى توقّف الرمل عن مهاجمتي‪ ،‬وعندما قرد دخل حياتي متنكراً في ص��ورة أس��د! وال بد من‬ ‫استقر الرمل على األرض في أمواج عالية ومدهشة طريقة الكتشاف الحقيقة‪.‬‬ ‫ذكَّرتني بالبحر‪ ،‬قلت‪ :‬يا أس��د أن��ا جائع‪ ،‬وأري��د أن‬ ‫وج��اء االنتظار وراح‪ ،‬واص��ط��دت سمكتين؛ واحدة‬ ‫أصطاد سمكة أو سمكتين‪ ،‬فهل يمكنك أن تذهب من البلطي‪ ،‬وأخرى من البياض‪ ،‬وسمكة ثالثة غريبة‪،‬‬ ‫إلى البلكونة وتحضر لي الصنارة المسنودة هناك؟ اح��ت��رت ف��ي أم��ره��ا؛ فأسميتها «غ��ري��ب��ة»‪ .‬ث��م وضعت‬ ‫وكما فعل العفريت مع النبي سليمان‪ ،‬أحضر األسد «غريبة» والسمكتين في حقيبتي البالستيك‪ ،‬التي كتبتُ‬ ‫الصنارة قبل أن ترتد رموشي إلى أعاليها مطمئنة؛ عليها بالخط األح��م��ر العريض‪« :‬أن��ا بحب السمك»‪.‬‬ ‫فقلت‪ :‬منذ اليوم أن��ت صديقي يا أس��د؛ تقاسمني وحملت الحقيبة على ظهري‪ ،‬وك��ان وجهها ال��ذي عليه‬ ‫ًّ‬ ‫أيامي السوداء والبيضاء‪ ،‬فتطلع األس��د إلى‬ ‫عيني الكتابة واض��ح��اً تحت الشمس‪ ،‬وك��ان األس��د يتبعني‪،‬‬ ‫حائراً؛ فضحكت‪ ،‬وقلت في نفسي‪ :‬كم أنت عبيط يا فعبرنا ميدان البريد‪ ،‬ثم دخلنا درب المنصور‪ ،‬وهو دربٌ‬ ‫أسد؟ وكم تصبح الحياة جميلة‪ ،‬عندما تمر عليها األم ضي ٌق وطويل‪ ،‬خرجنا منه إلى سوق الطيور‪ .‬كان الزحا ُم‬ ‫��اس غ��ارق��ون في البيع‬ ‫المشمسة بأصابعها اللذيذة؛ فتحلم الكالب بعظمة ش��دي��داً‪ ،‬والطيور تتصايح‪ ،‬وال��ن ُ‬ ‫الجزار التي تزن خمسة أطنان على األقل؟! أما بائع والشراء‪ ،‬وأنا أفكر‪ :‬هل آكل السمك مشوياً أم مقلياً؟ يا‬ ‫البطاطا فتفوّق على الجميع بصيحة أبدية‪ ،‬يرددها ليتني أحضرتُ نقوداً معي الشتري زجاجة مياه غازية‪.‬‬ ‫في جميع الشوارع‪ :‬يا عسل يا عسل يا عسل‪.‬‬ ‫وكان أن غامت السماء وأرعدت‪ ،‬ونزلت األمطار‬ ‫وك��ان األس��د يمشي خلفي‪ ،‬مثل التلميذ الشاطر‪،‬‬ ‫إذا توقفتُ وقف‪ ،‬وإذا نظرتُ إلى السماء نظ َر إليها؛‬ ‫فاعتقدتُ أنه من فصيلة األسود المرحة‪ ،‬وقلتُ ‪ :‬هيا‬ ‫نلعب يا أسد‪ ،‬وأخرجتُ لساني فأخر َج األسد لساناً‬ ‫أكثر ط��والً؛ وكنا نمشي في طريقنا إل��ى بحر النيل‪،‬‬ ‫ولما وصلنا إليك يا نيل وجدناك تمي ُل إلى األزرق‪،‬‬ ‫وأن��ا أتشاءم يا أزرق‪ ،‬متذكراً أن الجد األكبر لعائلة‬ ‫البخالء في شارعنا كان اسمه األزرق‪ ،‬انحدرت منه‬ ‫ساللة زرقاء‪ ،‬تشتري حزمة الجرجير وتوزعها بعدالة‬

‫الوافرة فوقنا؛ فتكونت هنا وهناك بحيرات متعرجة‬ ‫الشواطئ‪ ،‬تطفو على مياهها عيدان بوص‪ ،‬وخيوط‪،‬‬ ‫وق���ش‪ ،‬وخ��ن��اف��س‪ .‬وظ��ه�� َر ف��ي ب��ح��ي��رة ب��ع��ي��دة هيكل‬ ‫حديدي‪ ،‬يرتف ُع من المياه‪ ،‬عالياً صدئاً‪ ،‬يخر ُج من‬ ‫رأس���ه قضيب أف��ق��ي دوار‪ ،‬ينتهي ط��رف��اه بعجلتين‬ ‫تدوران؛ فتنطل ُق منهما النا ُر والشرار‪ ،‬فقلتُ ماهذا‬ ‫ياربي؟ هل نحن في يوم القيامة؟ أم هذه عالمة من‬ ‫عالماتها؟! وتلفّتُ حولي أبحثُ عن األسد؛ لكنه كان‬ ‫قد اختفى‪ ،‬واختفى معه كل شئ!‬

‫اجلوبة ‪ -‬ربيع ‪1428‬هـ ‪23‬‬


‫السحارة‬ ‫ّ‬ ‫> بدرية البشر‬

‫<‬

‫زوج��ة أب��ي ام��رأة قاسية‪ ،‬تشبه زوج��ات األب في الحكايات المعروفة‪ ،‬يكفي‬ ‫لوصفها تلك النظرة الملتاعة‪ ،‬التي تطفر من عيون نساء عائلتي‪ ،‬المشفقة عليّ من‬ ‫وجودي بين يدي زوجة أب غير رحيمة‪ .‬زوجة أبي ال تداري قساوتها‪ ،‬مثل زوجات‬ ‫األب الحاذقات‪ ،‬بل كانت ترد على جارتها وهي تتهددني أمامهن‪:‬‬ ‫ ماذا سينفعني‪ ،‬إن أحسنت أم لم أحسن؟ آخرتها سيقولون (مرةْ أبو)‪..‬‬‫ثم تعود لتبرر‪ ،‬أن القسوة هي التي تربّي النساء‪ ،‬مثلما ربّتها هي‪ ،‬وتجعل منهن‬ ‫نساء حقيقيات‪.‬‬ ‫تزوجها أبي لتربيني‪ ،‬وتنجب لي إخ��وة‪ ،‬يرعونني عند الكبر‪ .‬لكن زوج��ة أبي‬ ‫كانت امرأة عاقراً‪ ،‬وظن أبي أنها ستغمرني بالحنان؛ تعويضاً لحرمانها من نعمة‬ ‫األمومة‪.‬‬ ‫لكنني أدركت حين كبرت‪ ،‬وصرت أ ّماً‪ ،‬أنَّ األمومة شيء ال نتعلمه‪.‬‬ ‫ال أعلم لماذا عجز أبي عن حمايتي‪ ،‬وهو يرى زوجته تثقل كتفيّ الصغيرين‪،‬‬ ‫بحموله تنوء بها طفولتي وصبري؟ ربما ألن زوجته تغلق على من يقف أمامها منافذ‬ ‫الهواء‪ ،‬فال يطلب منها سوى الستر‪ ،‬واتقاء الفضيحة‪ ،‬وأبي رجل مسالم ال يحب‬ ‫الشجار‪ ،‬ويخشى الفضائح أمام الناس‪ ،‬واألقاويل التي تنسج خيوطها حوله‪ ،‬ويصير‬ ‫أبي وزوجته خميرتها‪.‬‬ ‫صرت أهرب من بيت أبي إلى بيت عمتي المجاور لبيتنا‪ ،‬وآنس بحكايتها‪ ،‬وهي‬ ‫تمشط شعري‪ ،‬عن رقصات البنادق المشتعلة بأقدام الرجال‪ ،‬وغنائهم في أعراس‬ ‫البنات الجميالت‪ ،‬لذا صرت أحب شعري‪ ،‬وصار مظلتي‪ ،‬التي تمطر بحكايات‬ ‫عمتي في أماسي الوحدة‪ ،‬وتحميني وأنا نائمة من الغول الذي يشبه زوجة أبي‪.‬‬

‫‪24‬‬

‫اجلوبة ‪ -‬ربيع ‪1428‬هـ‬


‫كان لعمتي صندوق كبير‪ ،‬من خشب السنديان‪،‬‬ ‫��رص��ع ب��ق��ط��ع ن��ح��اس م�����دورة‪ ،‬وم���زالج���ه الذهبي‬ ‫م ّ‬ ‫الصغير‪ ،‬يصر في يدها‪ ،‬ويدغدغ فرحي‪ ،‬كلما همت‬ ‫بفتحه‪ .‬كنت وأنا طفلة‪ ،‬ال أم ّل التنقيب فيه‪ ،‬وال أعثر‬ ‫على قطع الحلوى فيه‪ ،‬حتى تمدها لي عمتي من‬ ‫مخبئها ال��س��ري‪ .‬ك��ان لحلواها رائ��ح��ة غريبة‪ ،‬تمر‬ ‫اآلن من تحت أنفي‪ ،‬عبقة برائحة العنبر‪ ،‬والمسك‪،‬‬ ‫والزعفران‪« .‬لبانها» المر يتفتت بين أسناني‪ ،‬ويذوب‬ ‫في حلقي‪ ،‬وتظل رائحته تنبعث مع أنفاسي‪ ،‬حتى‬ ‫صباح اليوم التالي‪.‬‬ ‫في صندوقها كذلك‪ ،‬أكياس من قماش أبيض‪،‬‬ ‫أفواهها مضمومة بخيوط من القيطان الملون‪ ،‬تنبعث‬ ‫منها رائحة سدر‪ ،‬وحناء‪ .‬وفي الصندوق عقود ملونة‪،‬‬ ‫في كل مرة أجد عقداً ال يشبه اآلخر‪ ،‬بخرزات من‬ ‫أل��وان مختلفة‪ :‬برتقاليه‪ ،‬وزرق��اء‪ ..‬منظومة كحبات‬ ‫السبحة‪ ،‬تتوسطها قطعة مدورة من الذهب‪ ،‬عليها‬ ‫زخارف فارسية‪ ،‬وهندية‪ .‬تتركني عمتي طوال الوقت‬ ‫أتفحص صندوقها‪ ،‬وهي تعرف أنني ال أمِ ُّل منه‪ ،‬تقوم‬ ‫لتصلي صالة الضحى النافلة‪ ،‬تجلس على سجادتها‪،‬‬ ‫ثم تحاول شدي نحوها‪ ،‬وهي تفتح مصحفها الكبير‪،‬‬ ‫ذا األحرف الكبيرة‪ .‬تناديني‪« :‬نوري»‪ ،‬ال أحد يدلعني‬ ‫بهذا االسم غيرها! ما هذه الكلمة؟‬

‫لزوجة أب��ي‪ ،‬التي تتوعدني‪ ،‬وتحرِّض أبي ليمنعني‬ ‫من البقاء مع عمتي‪ ،‬وحين لم ير ّد أبي عليها بغير‬ ‫لطمات الباب وهو يقفله خارجاً‪ ،‬تركته بال غداء‪،‬‬ ‫عقابا له‪ ،‬فصار يأتي ليتغدى معنا في بيت عمتي‪،‬‬ ‫وتجلس زوجته وحيدة‪ ،‬تقضم فراغها وحسرتها؛ بل‬ ‫صار أبي أحيانا يمضي قيلولته معنا‪ ،‬وبد ّال من أن‬ ‫يُهيء لي طريق الخالص‪ ،‬راح يتبعني نحوه!‬

‫<<<‬ ‫ك��ب��رت عمتي‪ ،‬ول��م أص���دق أن��ه��ا تكبر‪ ،‬ل��م أشعر‬ ‫ب��ال��ف��رق‪ ،‬ألنها ال ت���زداد غير حنو وشفافية! كانت‬ ‫تطلب مني أن أصبغ شعرها بالحناء‪ ،‬فأرى بياضه‬ ‫يكثر‪ ،‬حتى غطى شعرها ك��ل��ه‪ ،‬وأص���دّ ق م��ا ترويه‬ ‫عمتي‪ ،‬عن نساء عائالتنا وشعورهن اللواتي يشبن‬ ‫مبكراً وهن صغيرات‪ .‬وعندما تطلب مني وأنا فتاة‬ ‫فارعة الطول‪ ،‬أن أمد يدي لتتكىء عليها‪ ،‬لتنهض‬ ‫وساقاها ترتجفان ضعفاً‪ ،‬أعتقدت أنها تشكو من‬ ‫ألم بسيط‪ ،‬لو أخذت له دواء‪ .‬وحتى عندما صارت‬ ‫عمتي تدخل في سجة النوم وهي جالسة‪ ،‬رحت وأبي‬ ‫نعايرها بالكبر مزاحاً‪:‬‬ ‫ عمتي يالله قومي نامي وخلي السهر للشباب!‬‫كانت تنهض وهي تردد‪ :‬يا الله حسن الختام‪.‬‬

‫أنظر في المصحف‪ ،‬وأتهجأ لها كلمتها الصعبة‪،‬‬ ‫عمتي الزم���ت ال��ف��راش أي��ام��اً ط��وي��ل��ة‪ ،‬وصوتها‬ ‫ثم أتمدد تحت جذعها ال��داف��ىء وع��ذوب��ة قراءتها‪،‬‬ ‫ال��واه��ن‪ ،‬يختصر ال��ع��ب��ارات إل��ى إش����ارات‪ ،‬إذا لزم‬ ‫وأدخل في لجّ ة األخيلة حتى أنام‪.‬‬ ‫األمر؛ فاستيقظ في نفسي خوف‪ ،‬ال يريد أن يصدق‬ ‫تحملني شراسة الوقت إلى بيتنا ألكنس الحوش‪،‬‬ ‫أن عمتي تشيخ وتهرم مثل كل ال��ن��اس‪ .‬لم أتمالك‬ ‫وأغ��س��ل ال��ص��ح��ون‪ ،‬وأك��ت��ب ف��ي ك��راري��س المدرسة‪،‬‬ ‫نفسي وأنا أبكي عند قدميها‪ ،‬وألومها بأنانية طفلة‬ ‫واجبات كثيرة‪ ،‬يتناصفها النوم وبياض الورق‪.‬‬ ‫تحاول التشبث بأمها لكي ال ترحل‪:‬‬ ‫تعلّمت حين كبرت‪ ،‬أن أقاوم شراسة زوجة أبي‪.‬‬ ‫ عمتي هل ستتركيني أنت أيضاً؟‬‫وعمتي تدفعني بنظرات مطمئنة‪ ،‬ألكون امرأة قوية‪،‬‬ ‫ يا بنتي كل نفس ولها أجل مكتوب‪.‬‬‫ولكن عاقلة‪ .‬ص��رت أقضي النهار في بيت عمتي؛‬ ‫أكتب واجباتي المدرسية‪ ،‬وأمأل جفوني بنوم طويل‪،‬‬ ‫أش��ارت نحو السحّ ارة‪ ،‬وقلبي يتهشم ببكاء مر‪،‬‬ ‫ومعدتي بخبز عمتي الحار‪ ،‬تاركه عمل البيت وخدمته أنظر الى الصندوق‪ ،‬ثم إلى عمتي‪ ،‬ألدرك ما تقول‪:‬‬

‫اجلوبة ‪ -‬ربيع ‪1428‬هـ ‪25‬‬


‫ يا بنتي هذه السحّ ارة لك‪ ،‬لقد كانت سلواك‬‫وأنت طفلة‪ ،‬ومخبأك‪ ،‬من زوجة أبيك‪ ،‬عندما كنت‬ ‫صغيرة‪ .‬كانت دموعك تجف وهي تبرق حين تنظرين‬ ‫إلى حلواها‪ ،‬تدخلين فيها ضاحكة من أوجاع األطفال‬ ‫التي تنسى‪.‬‬

‫ربما ه��يء ألب��ي أنني سأصاب بلوثة في عقلي‪،‬‬ ‫بسبب فقدي لعمتي التي يعرف مدى تعلقي بها؛ لذا‬ ‫فإنه كان حريصا على تزويجي قبل أ ْن أ ُجَ ��نَّ ‪ ،‬وربما‬ ‫ظن كذلك أنني أداري خجلي‪ ،‬وفرحي‪ ،‬بالركض إلى‬ ‫غرفتها‪ .‬لكنني بالفعل كنت أهفو‪ ،‬إلى سحاّرة عمتي‪،‬‬ ‫ألفتحها‪ .‬رأيت وجه عمتي يضيء‪ ،‬وأسنانها الصغيرة‬ ‫المتسقة بإنتظام‪ ،‬تلمـع‪ ،‬عرفت ساعتها أن عمتي‬ ‫تباركني‪ ،‬وتحثني أن أقبل؛ لذا تزوجت‪.‬‬

‫فَ��قْ�� ُد عمتي ك��ان أم���راً ب��ال��غ الصعوبة‪ ،‬أسلمني‬ ‫لصحراء شاسعة من الوحدة‪ ،‬وشمس تحرق جبهتي‬ ‫كلما رفعت رأس��ي بحثاً عنها‪ .‬وتعلمت أن التحزم‬ ‫بالصبر‪ ،‬قد حان وقته دون خيار!‬

‫صاح عبدالله‪ :‬والله أنه هو‪ ،‬هو الذي كسرها‪.‬‬

‫ثم أضافت وهي تخفض صوتها‪:‬‬

‫ هذه السحّ ارة فيها سر عجيب‪ ،‬ستظل تحملني‬‫داخلها‪ ،‬سأنصت لك‪ ،‬وأراقبك منها بعناية‪ ،‬وحين‬ ‫تريدينني‪ ،‬ستجدينني قريبة منك‪ ،‬وسأهتم بك عند‬ ‫حملت صندوق عمتي معي إلى بيت زوجي سالم‪،‬‬ ‫الحاجة فال تخافي‪ ،‬إن ضاقت بك الدنيا‪ ،‬افتحيها‪ ،‬وتركته قابعاً في قلب مخزن البيت‪ ،‬فصفحة حياتي‬ ‫لكن في ظ�لام الليل‪ ،‬سيظهر وجهي ل��ك؛ ف��إن كان مع سالم‪ ،‬كانت رائقة كوجه نهر‪ ،‬وأغرف كل يوم من‬ ‫يضحك‪ ،‬فهو الرضا بما تسألين عنه‪ ،‬وإن كان غير‬ ‫النهر‪ ،‬حكمة ال تنضب‪ ،‬حتى جاء ذات يوم‪ ،‬عال صراخ‬ ‫ذلك‪ ،‬فهو كما رأيته‪.‬‬ ‫الصغيرين‪ ،‬ويتسابقان نحوي‪ ،‬كل منهما يحرص على‬ ‫<<<‬ ‫سبق اآلخر‪ ،‬ليبرىء نفسه‪.‬‬

‫اعتدت الوقوف على سحّ ارة عمتي‪ ،‬دون أن يتهشم‬ ‫صدري بالبكاء‪ ،‬رحت أسلّي نفسي بأشياء عمتي في‬ ‫ظالم الليل كما أشترطت‪ ،‬ورحت أتنشق زعفرانها‬ ‫وحنّاءها وعنبرها المخلوط بالمسك‪ .‬وإذا ما أردت‬ ‫ِ‬ ‫إختبار أمر ما‪ ،‬نازعتني فيه حيرتي‪ ،‬ألوذ بوجه عمتي‪،‬‬ ‫كما حدث معي ذات يوم‪ .‬جاء أبي ليخبرني بخطبة‬ ‫(سالم) ابن جارنا لي‪ ،‬وعلى الرغم من أن سالم هو‬ ‫الرجل الوحيد الذي ال يعكّر صفوي البوح باسمه في‬ ‫أمسيات الوحدة‪ ،‬كنت أدرك أن عمتي وحدها من‬ ‫سيشير علي بأي طريق يعدني بالخالص؛ لذا فإنني‬ ‫قلت ألبي حينها‪:‬‬ ‫ سأستشير عمتي‪ .‬وركضت إلى غرفتها‪.‬‬‫< كاتبة وقاصة سعودية‪.‬‬

‫‪26‬‬

‫اجلوبة ‪ -‬ربيع ‪1428‬هـ‬

‫راح اآلخر يقسم‪ .‬بل هو يا أمي هو‪!..‬‬ ‫أتجهت نحو غ��رف��ة ال��م��خ��زن‪ ،‬ال��ت��ي خ��رج��ا منها‬ ‫ركضاً‪ ،‬كان صندوق عمتي منكبا على وجهه‪ ،‬وحناءها‬ ‫منتشراً على األرض‪ ،‬وال تزال رائحته عبقة ندية كما‬ ‫كانت‪ .‬وعقودها‪ ،‬تتكوم في جانب آخر‪ .‬رفعته‪ ،‬وقلبي‬ ‫ينكسر‪ ،‬في ضوء النهار السخي‪ ،‬سمعت صوت مرآة‬ ‫تنشطر‪ ،‬وه��ي تسقط م��ن وج��ه غ��ط��اء الصندوق‪،‬‬ ‫تحول غطاء الصندوق من الداخل‪ ،‬إلى لوح أسود‪ ،‬ال‬ ‫يضيء‪ ،‬بوجه عمتي‪ ،‬وال بعينيها؛ رفعت المرآة بحذر‪،‬‬ ‫أضحك على طفولتي‪ ،‬كانت عمتي تحملني في كل‬ ‫م��رة أفتح الصندوق للنظر إل��ى وجهي‪ ،‬ك��ان وجهي‬ ‫يظهر في المرآة‪ ،‬وظالم الليل يخدعني‪ ،‬فأعتقد أن‬ ‫وجه عمتي هو الذي يظهر لي‪ ،‬وضحكت أكثر‪ ،‬حين‬ ‫أدركت إلى أي حد كنت أشبه عمتي!!‬


‫حواجز األلوان‬ ‫للكاتب «فالمون فرانسيس» ‪ -‬جنوب أفريقيا‪.‬‬ ‫> ترجمة‪ :‬ياسمينة صالح‬ ‫تعريف بالكاتب‪ :‬ولد «فالمون فرانسيس» في مقاطعة «كيت» بجنوب أفريقيا‬ ‫سنة ‪1942‬م‪ .‬عاش حياة البؤس في مجتمع تحكمه األقليات البيضاء‪ .‬درس‬ ‫األدب في جامعة «جوهانسبورغ»‪ ،‬ثم هاجر إلى كندا‪ .‬يكتب القصة القصيرة‬ ‫والرواية‪ ،‬ومن إصداراته‪ :‬كيت لوف‪ ،‬األبيض الميت‪ ،‬نداء الروح‪ ،‬في القلب بقايا‬ ‫رجل‪ .‬القصة التي نقدمها للقارئ الكريم‪ ،‬اخترتها من مجموعته «نداء الروح»‬ ‫الصادرة في باريس سنة ‪1980‬م‪.‬‬

‫حواجـ ــز األلـ ـ ـ ــوان‬ ‫يمشيان معاً‪ ..‬جنباً إلى جنب؛ فيبدو شكلهما في غاية الفرح‪ ..‬الحب حالة‬ ‫مثيرة للدهشة في هذه المدينة‪ ،‬التي قست عليها الحياة‪ ،‬فصار الفرح فيها خدعة‬ ‫جميلة‪ ..‬ولكنهما معاً اآلن‪ ..‬يدركان جيداً‪ ،‬أن القلب وحده يقود الروح إلى مقاصد‬ ‫أخرى‪ ،‬مدهشة ومثيرة؛ ولهذا السبب يبدو شكلهما منطقياً‪..‬‬ ‫هو «نجوما»‪ ،‬مهندس معماري ش��اب‪ ..‬تخرج منذ ثالثة أع��وام من الجامعة‪،‬‬ ‫ليكتشف أنه ال يملك ما يصممه‪ ..‬فالمباني الشاهقة والمنازل الفخمة والدافئة‬ ‫من الداخل‪ ،‬ملك اإلنسان األبيض‪ ،‬و«نجوما» مخلوق أسود‪ ،‬هذا قدره‪ ..‬وألن هذا‬ ‫قدره‪ ،‬فقد اقتنع أخيراً أن الهندسة المعمارية اتجاه خاطئ‪ ،‬فالتحق بعدئذ بشركة‬ ‫عادية موظفاً بال أدنى تخصص‪..‬‬ ‫أما هي‪ ،‬فاسمها «زاديما» ‪ -‬وزاديما في لغتهم تعني ذات العيون الناعسة‪،‬‬ ‫تعمل في متجر يبيع الزهور‪ ..‬متجر يبدو على حافة اإلف�لاس؛ فمن ذا الذي‬ ‫يشتري الورود في مدينة تبعث على الضغينة والحرب؟ ها هما يمشيان بخطوات‬ ‫متناغمة‪ ،‬يقودهما الحب‪ ،‬والحلم البسيط بأن يتزوجا قريباً‪ ..‬يمشيان ويتحدثان‬ ‫عن المستقبل واألبناء‪ ..‬ها هما‪ ،‬دونما وعي منهما‪ ،‬قد تجاوزا منطقتهما ودخال‬ ‫إلى منطقة البيض‪ ..‬منطقة ال يدخلها الزنوج؛ ففي مدخل هذه األحياء الفتة‬ ‫كتب عليها باللون األحمر‪ :‬الموت للسود‪.‬‬ ‫العنوان األصلي للقصة‪ ،)Les limites( :‬القصة منقولة من مجلة «فيغارو األدبية» الفرنسية‬ ‫ترجمة ياسمينة صالح ‪ -‬الجزائر‪.‬‬

‫اجلوبة ‪ -‬ربيع ‪1428‬هـ ‪27‬‬


‫وجع احللم‬ ‫> أشرف اخلريبى‬

‫<‬

‫علي‪...‬‬ ‫ذهبت إليك كل النهار‪ ,‬وكل الليل‪ ,‬وكل ساعة‪ ,‬وما لقيتك‪ .‬والقرية كانت تقف‬ ‫على أصابعها وتغط في نوم عميق‪ .‬لما يتسرب هواء الغيطان إلى المخادع في الليل‬ ‫األسر‪ ,‬تطير النسمات حيث األجساد الشقيانة‪ ,‬تبقى هامدة حتى الصباح‪ ,‬وأنا‬ ‫أقف‪ .‬كنت أنتظرك‪..‬‬ ‫أنتظرك دون معنى سوى انتظاري لوهمك‪ ,‬سألت عن وج��ودك ال��ذي يستفز‬ ‫وج��ودي‪ ،‬وعرفت أن لك بيتاً وأوالداً‪ .‬سألت عنك‪ ،‬المراسي والشطأن‪ ،‬والبحر‬ ‫الغريب‪ ،‬واألرض التي كانت تعفر جبينك‪ .‬نعم أعرف مالمحك‪ ,‬من قديم تقفز‬ ‫في ذاكرتي‪ ،‬وترن ضحكة عسلية في أذني‪ .‬وناديت على كل شيء فيك دون رجاء‬ ‫من وقوفي هكذا‪ ،‬أمام أعتاب بيتك‪ ,‬وصمتك الذي فتت نظرتي وتبرمي بكل شيء‬ ‫حولي‪.‬‬ ‫وحيداً كنت يا عليّ ‪ ،‬وأن��ت تنام في زم��ن القياصرة‪ ,‬وتسألني عن األساطير‬ ‫القديمة‪ ,‬وعن غاب البالد وزاده��ا‪ ،‬وأسألك عن القطار‪ ،‬الذي يحمل الناس في‬ ‫ب�لادي وه��م يقفون علي األرص��ف��ة‪ .‬وتقول ها هم الناس يسيرون يحملون على‬ ‫أكتافهم أعناقاً‪ ,‬وعلى أعناقهم رؤوساً‪ ,‬وفي رؤوسهم عيون‪ ،‬وفي عيونهم وجع وحلم‬ ‫يؤرجح الليل‪.‬‬ ‫أي حلم يا عليّ قلت لي عنه؟ وأنت القادم قبل وقتك‪ ،‬والمحال الذي عرفت‪.‬‬ ‫كنت تذبح الوهم عند أعناق المدينة‪ ،‬وتوغل في الكالم‪ ،‬ترفع عيونك إلى أعلى‬ ‫وتصمت‪ .‬عرفتك منذ عشرين عاماً‪ ,‬نائماً في قش الغيطان‪ ،‬أو في ساعة العصرية‪،‬‬ ‫عند أشجار الزيزفون‪ ،‬والساقية التي رفعت الماء‪ ..‬ترفع‪ .‬يجرها ثور عتيد مغمض‬

‫‪28‬‬

‫اجلوبة ‪ -‬ربيع ‪1428‬هـ‬


‫العينين‪.‬‬ ‫ لماذا أغمضت أعينهم يا عليّ ؟‬‫‪ -‬حتى ال يدوخوا!!‬

‫مجعوصاً‪ ،‬تقعد على أريكة من قماش حرير‪ ،‬مفترشاً‬ ‫كل شيء أمامك‪ ،‬واضعاً يدك على «الريموت» وخدك‬ ‫األحمر وجبهتك الناصعة‪ .‬وأح��زن ألني ال أجدك‪،‬‬ ‫وال أستطيع استخراجك من ذاك��رت��ي‪ ,‬من عنفوان‬ ‫صداقتي لك‪ ،‬وحزني الذي أل َّم بك‪ ،‬وأصابعي التي‬ ‫مرت على تقاطيع وجهك المبلول‪ .‬وأنا انتشلتك من‬ ‫المدار‪ ،‬الذي سقطت فيه‪ ,‬أستخرج تعاريج األرض‬ ‫من قدميك ومن يديك‪ .‬أتعّرف كل شيء فيك شيئاً‬ ‫فشيئاً‪ ،‬وأبكي وأسألك‪ :‬أنت سليم يا علي؟‬

‫ح��ي��ن ن��ادي��ت��ك‪ ،‬خ��ف��ت وت��راج��ع��ت‪ ،‬وش��ب��ح وجهك‬ ‫أمامي‪ ،‬يرج أنحائي رجاً‪ ,‬يخضني خضاً‪ .‬لم تكن هو‬ ‫أنت‪ ،‬وال أعرف متى بدأت مأساتي معك؟ أعرف أنك‬ ‫كنت معي‪ ..‬داعبتني‪ ،‬وسرقت الحلم مني عند شجر‬ ‫الزيزفون‪ ,‬وذهبت أنا للمدينة التي سرقت النار من‬ ‫عبادها‪ .‬سرقت اآلهات من الحيارى والمسكونين‪,‬‬ ‫ومن يومها‪ ،‬تقول أنك مدين بحياتك لي‪ .‬أنا ال‬ ‫وأنت تسرق الفاكهة من الغيطان‪ ,‬تعطيني أنا الخائب أذكر فيك غير أمك‪ ،‬واألوالد‪ ،‬والترعة‪ ،‬وشجر التوت‪،‬‬ ‫ابن المدارس‪ ،‬كما قلت‪ ،‬واحدة وتقول‪ :‬ذقها!‬ ‫والبنت‪ .‬البنت التي كانت نحيفة وتحبك‪ ,‬كنت تقول‬ ‫أنها «رفع القشاية»‪ ،‬معك اآلن امرأة ثمينة‪ ،‬وفاكهة‬ ‫عليّ ‪ ..‬جئتك‪.‬‬ ‫ال بأريج بكر‪ ،‬غير التي كنت تسرقها زمان‪ .‬اشتريتها من فلوسك‪،‬‬ ‫عليّ ‪ ..‬جريت إليك ملهوفاً‪ ،‬ومحم ً‬ ‫برائحة السنابل‪ ،‬وتصاوير الحقول في عيني‪ ،‬والطرق وشعرك األسود الفاحم شاب‪ ،‬ووجهك األسمر أبيّض‬ ‫بحمرة العز‪.‬‬ ‫المتعرجة في فدادين القمح‪.‬‬

‫وك����ان ال��ق��ط��ار ي��ح��م��ل ال��ن��اس ف��ي ب��ل�ادي‪ ،‬حين‬ ‫سألت عنك‪.‬‬ ‫سرقتني المدينة بما ق��ال��ت عنك ي��ا ع��ل��ي‪ .‬جئتك‬ ‫في الريف البعيد هناك‪ ،‬عند أعلى قمة للصمت‪ ،‬عند مدار الساقية الذي تعرف‪ ,‬فوق تلك المساحة‬ ‫ولتوحّ دنا‪ ,‬أعلى مدار للساقية‪ ،‬وأبنية تتراص ببطءٍ المستطيلة م��ن ح��زن ال ي��ج��يء‪ ،‬وش���وق يخبط في‬ ‫شديد‪ ,‬وتصنع أرجوحة للغناء‪ ،‬غنا ًء بدائياً له طعم جوانحي‪ ،‬يلم آثار لهفتي عليك‪ ،‬ويرميها للمدى وأنت‬ ‫الثريد‪( .‬طلعت يا محال نورها شمس الشموسة‪ .)...‬ما جئت‪ .‬أبداً إلي‪:‬‬ ‫كنت أنظر في جباه الخارجين‪ ،‬واألرض تنظر‬ ‫ماذا تقول يا علي؟‬ ‫إليهم وال تعرفهم‪ ،‬وال أن��ا أعرفهم‪ ،‬وال أن��ت فيهم‪.‬‬ ‫ه��ا ق��د ع��رف��ت��ك‪ .‬ع��ش��رون ع��ام��اً ن��ائ��م��اً ف��ي قش‬ ‫وأصرخ من فرط وجعي النتظارك‪ ،‬وحدي أجلس‪..‬‬ ‫نعم وحدي‪ ..‬يقول النهار أنك لم تعد آخر النهار‪ ،‬كما ال��غ��ي��ط��ان‪ ,‬وح��ي��ن رف��ع��ت ي��دي وأن��زل��ت��ه��ا على بابك‬ ‫أصر الباب صريره الفاحم‪ .‬ونظرت في‬ ‫ع��ادوا‪ ،‬وال حتى أخر الليل‪ .‬وجئتك كل النهار وكل الحديدي‪ّ ..‬‬ ‫وجهي مستغرباً‪ .‬وسألتني‪ :‬من أنت؟ رحبت بي‪ ،‬كأي‬ ‫الليل‪ ,‬وكل ساعة وما لقيتك‪..‬‬ ‫زائر ال تعرفه‪ ،‬وفي عينيك سؤال لئيم؛ فردت يدك‬ ‫يقول المساء‪ :‬إنك هنا متوحّ د هناك‪.‬‬ ‫على آخرها‪ ،‬وأنت تنظر في دهشة‪ ،‬وكان الناس في‬ ‫أحضرت الفيديو‪ ،‬وأشرطة من كل نوع‪ ،‬وجلست ب�لادي عارفين مواعيد ال��ق��ط��ارات‪ ،‬التي تأتي من‬ ‫في صحن دارك ال تخرج للناس‪ ،‬وال ترى األرض‪ .‬أقاصي الدنيا‪ .‬ولم تكن تعرفني يا علي!!‬ ‫< روائي وناقد ‪ -‬مصر‪.‬‬

‫اجلوبة ‪ -‬ربيع ‪1428‬هـ ‪29‬‬


‫قصص قصيرة جدا ً‬ ‫قبعتان‬ ‫‪-1-‬‬

‫> عبدالله املتقي‬

‫<‬

‫وح��ي��ن ان��ت��ب��ه‪ ،‬ك��ان��ت ع��ي��ن��ه األخ����رى ت��ح��ت كعب‬ ‫حذائه‪.‬‬

‫ُعمى األلوان‬

‫قبع ٌة رمادي ٌة تتدلى من المشجب‪ ..‬حفنة ذكريات‬ ‫خطر للرجل األع��م��ى‪ ،‬ال��رج��ل ال���ذي ل��ه عينان‬ ‫صاخبة ف��ي زاوي���ة م��ه��ت��رئ��ة‪ ..‬أح����زا ٌن ت��ل��وث فضاء‬ ‫جاحظتان‪ ،‬أن يتفحص وجهه في المرآة‪.‬‬ ‫الغرفة‪ ..‬ورج ٌل يستمع لضجيجه‪.‬‬

‫‪-2‬‬‫قبع ٌة بنيّة تتدلى من المشجب‪ ..‬حفن ُة ذكريات في‬ ‫زاوية مهترئة‪ ..‬زف��راتٌ تدثر أرض الغرفة‪ ..‬وامرأةٌ‬ ‫تطل على ضجيجها من نوافذ موجعة‪.‬‬

‫‪-3‬‬‫القبعتان سقطتا من المشجب‪..‬‬ ‫والنعاس اغتال المرأة والرجل‪.‬‬

‫شغب جميل‬ ‫‪-1‬‬‫خلع قبعته أمام المرآة‪.‬‬

‫‪-2‬‬‫في المرآة رجل بعين واحدة‪.‬‬

‫‪-3‬‬‫في قاع القبعة امرأة تكور بكفيها عينه األخرى‪.‬‬

‫عينان‬ ‫مشى وئيداً في الظالم‪ ،‬سقطت عيناه‪ ،‬وتدحرجتا‬ ‫إلى مكان ما‪..‬‬ ‫فجأة داس حذاؤه ما يشبه شيئا طرياً‪..‬‬

‫< قاص وشاعر من المغرب‪.‬‬

‫‪30‬‬

‫اجلوبة ‪ -‬ربيع ‪1428‬هـ‬

‫تسلل إلى غرفة نومه‪ ،‬أشعل الضوء‪ ،‬وقف أمام‬ ‫المرآة‪ ،‬ثم انقطع التيار الكهربائي‪.‬‬

‫قمر وحكاية‬ ‫محطة البنزين أنيقة ه��ذا الصباح‪ ،‬ألن المطر‬ ‫ت��وق��ف غ���زي���راً ع��ل��ى ع��ت��ب��ات ال��ف��ج��ر‪ ،‬وب��ع��د ساعة‬ ‫سيتسلل رجل بال ضوضاء‪ .‬تحت معطفه الشتوي‪،‬‬ ‫حكاية صفراء‪ ،‬وعلبة سجائر‪ ،‬وقلم أزرق‪.‬‬ ‫بعد السيجارة األولى‪ ،‬التي تنفض عن عينيه قصة‬ ‫الليل الطويل‪ ،‬ينثر الرجل ضجيج صمته فوق المائدة‪،‬‬ ‫بين الفناجين‪ ،‬ويعود لقمره المنسي‪ ،‬ثم أصبح ثاني ًة‬ ‫وحدي‪.‬‬

‫رصاصة فارغة‬ ‫في اليوم األول‪ ،‬تعرضت سيارة شرطة لوابل من‬ ‫الرصاص‪.‬‬ ‫ف��ي ال��ي��وم ال��ث��ان��ي‪ ،‬أط��ل��ق ش��رط��ي رص��اص��ة على‬ ‫جبينه‪.‬‬ ‫في اليوم الثالث‪ ،‬حسمت نتيجة التشريح الطبي‪.‬‬ ‫وفي اليوم األخير جاء الشرطي نفسه إلى مسرح‬ ‫الجريمة على دراجة هوائية‪،‬‬ ‫تفوح من يده اليمنى رائحة رصاص مغشوش‪.‬‬


‫معركة مع فرغل‬ ‫> محمد إبراهيم قشقوش‬

‫<‬

‫على الطريق الترابي الممهّد في مدخل القرية‪ ،‬بجوار الترعة‪ ،‬تجمّعوا ككل ي��وم وقت‬ ‫العصرية‪ .‬أطراف ثيابهم المتسخة‪ ،‬والمزركشة بلون الطين‪ ،‬علّقوها على أسنانهم‪ .‬تفرقوا يميناً‬ ‫وشماالً‪ ،‬اختبؤوا فوق األشجار وخلف عشش القش‪ ،‬المنتصبة المتهاوية بأطراف الحقول وأسفل‬ ‫ضفة الترعة الطينية‪ ،‬حيث الروائح النتنة‪ ،‬يمرحون ويلعبون «عسكر وحرامي وكهرب» و»ال ُغمّيضة‬ ‫وسمكة في الوسط»‪ ،‬يلتقطون السمك من الترعة‪ ،‬والعصافير من أعلى األشجار‪..‬‬ ‫قال لهم رافعاً صوته ليسمعوه‪« :‬أريد اللعب معكم»‪ .‬رد أحدهم عليه‪« :‬إن سبقت فرغل تلعب‬ ‫معنا»‪.‬‬ ‫تحوّل بصره نحو فرغل‪ ،‬ثيابه الرثّة‪ ..‬شعره األغبر‪ ..‬قدميه الحافيتين‪ ..‬تفحصه فرغل هو‬ ‫اآلخر‪ ،‬بدا في نظراته شيء من االحتقار‪ ،‬سرعان ما أخفاه؛ صوته رجولي قليالً‪ ،‬يبدو أكبرهم‪،‬‬ ‫قال‪« :‬ال نُدخل معنا غرباء‪ ..‬ولكن هيا سابقني إ ْن فُزت تلعب معنا»‪..‬‬ ‫فاجأه بالجري‪ ،‬انطلق بأقصى عزمه؛ بدا األمر كسباق على حياة أو موت‪ ،‬سيقانه كسيقان‬ ‫(فرس النبي)؛ تتخذ زوايا حادة كلما ارتفعت الركبتان إلى أعلى تعود وتنفرج‪ ،‬وتخلّف وراءها قفزة‬ ‫خارقة‪( .‬فرغل‪ ..‬فرغل‪ ..‬فرغل) يشجعونه‪ ،‬حاول اللحاق به‪ ،‬خذلته قدماه‪ ،‬تخطّ اه بمسافات‪،‬‬ ‫عاد مفتخراً بنفسه‪ ،‬هلّلوا له (فرغل‪ ..‬فرغل‪ ..‬فرغل)‪ .‬انتفخ كالديك الرومي‪ ،‬رمقه بنظرات‬ ‫متعالية‪ ،‬قال له (لقد خسرت)‪ .‬انطلق‪ ..‬انطلقوا خلفه‪ ،‬واصلوا اللعب‪ ،‬راقبهم أثناء جلوسه على‬ ‫جذع الشجرة المقطوع المحاذي لشط الترعة‪ ،‬ضم ركبتيه لذقنه‪ ،‬بدا كغصن نبت فجأة في‬ ‫الجذع الميت‪ ،‬دفع بيده حجرة صغيرة في الماء‪ ،‬كوّنت دوائر من قـاذورات‪.‬‬ ‫جلسوا على مقربة منه‪ ،‬كانوا يلهثون من التعب‪ ،‬وجوههم حمراء المعة كسرب سمك مرجان‬ ‫ض ّل طريقه واستقر جواره‪ ،‬لم يعيروه اهتماماً‪ ،‬نظر لفرغل‪ ،‬اعتبره المشكلة‪ ،‬لو أثار اهتمامه‬ ‫للفت انتباههم‪ ،‬كلّمه أحدهم‪ ،‬كأنه لم يكن موجوداً وفجـأة تراءى لهم‪( ،‬سنشركك معنا في اللعب‬ ‫إن تمكّنت أن تّصيب بالنبلة إح��دى تلك العصافير على الغصن)‪ ..‬أض��اف (فرغل يفعل ذلك‬ ‫دائماً)‪ ..‬تأمل أغصان شجرة التين البنغالي بأغصانها المرتفعـة‪ ،‬اختبار آخر من اختباراتهم‪،‬‬ ‫تناول النبلة منهم‪ ،‬أطلقها‪ ..‬ارتفعت الحصوة عالياً لتطول األغصان‪ ،‬تحركت عيونهم معها‪،‬‬ ‫سقطت بعيدة‪ ،‬العصـافير ما تزال واقفـة‪ ،‬ضحك فرغل‪ ،‬ضحكوا وراءه التقط حصـوة أخرى‬ ‫من األرض‪ ،‬ثبتها بها‪ ،‬جرب مرة أخرى‪ ،‬لم تفلـح محاولته‪ ،‬التقطهـا فرغل منه بخفة‪ ،‬نظر إليه‬ ‫ساخـراً‪ ،‬ثبّت الحصوة في النبلـة‪ ،‬باعد بين يديه أفلتهـا من بين أصابعه‪ ،‬انطلقت صوب الهدف‪،‬‬ ‫سقط العصفور بينهم‪ ،‬عـاود النظر إليه متباهياً ردّد كلمته له (لقد خسرت) هللوا له (فرغل‪..‬‬ ‫فرغل‪ ..‬فرغل) خبّطوا بأيديهـم داللة الفرحـة‪ ،‬يتمنى أن يُخ ّبـط رأس فرغل بصخـرة‪.‬‬ ‫الوقت ما زال عصراً‪ ،‬غير أنه في طريقه إلى الغروب‪ ،‬حرارة الجو تزداد كلما اقترب المساء‪،‬‬ ‫لفحات حارة تصفح الوجوه‪ ،‬خليط من تراب وعرق غلَّف األجساد‪ ،‬رائحة أجسامهم عفنة من‬ ‫اللعب‪ ،‬ما زال يريد اللعب معهم‪ ،‬لن يلعب معهم إال إذا رضي عنه فرغل‪ ،‬يدرك ذلك‪ ..‬يوجّ ه كالمه‬

‫اجلوبة ‪ -‬ربيع ‪1428‬هـ ‪31‬‬


‫إل��ى فرغل‪ ،‬يعرض عليه إحضار قطع من الثلج من ثالجة‬ ‫خالـه البقال ليلعبوا بها‪ ،‬ستلطّ ف الجو قليالً‪ ،‬نظر إليه محدقاً‬ ‫دون أن يعلّق‪ ،‬تحولت نظرته إلى نظـرة استهزاء‪ .‬خلع ثيابه‪،‬‬ ‫فعلوا مثله‪ ،‬قفز في الترعة‪ ،‬فقفزوا خلفه‪ ،‬سراويلهم المترهلة‬ ‫التصقت على أف��خ��اذه��م‪ ،‬أصبحت شفافة عند ابتاللهـا‪،‬‬ ‫مؤخراتهم أكثر وضوحاً من وجوههم‪ ،‬ال يعيرون هذا اهتماماً‪،‬‬ ‫تعودوا على فعل ذلك‪ ،‬يناديه فرغل (تريد اللعب معنا‪ ،‬هيا‬ ‫اخلع تلك المالبس الفاخرة واسبح معنا في الترعة)‪ ..‬تردد‬ ‫في اإلج��اب��ة عليه‪ ،‬يصرخون فرحاً بالماء‪ ،‬يضربون سطح‬ ‫الماء بأيديهم‪ ،‬تتحرك القذارة الراكدة من حولهم‪ ،‬نهاه خاله‬ ‫عن نزول الترعة‪ ،‬قال له‪« :‬مليئة بالديدان»‪.‬‬ ‫عاود فرغل مخاطبته‪ ،‬رفع صوته ليسمعه‪« :‬اسمع يا‪..‬‬ ‫اذهب واحضر ذلك الثلج من بقالة خالك‪ ..‬هيا أسرع»‪!..‬‬

‫تسلقوا الضفة الترابية للترعة خارجين منها بدوا كجرذان‬ ‫مبللة خرجت م��ن مخابئها‪ ،‬تباطأت خطواته توقف أمام‬ ‫فرغل‪ ،‬مسح بظهر يده ذلك العرق الكثيف المتسـاقط منه‪.‬‬ ‫سأله فرغل‪ ،‬ب��دا عليه أن��ه غير مصدق أ ّن��ه فعل ذل��ك (هل‬ ‫أتيت بالثلج فعالً؟)‪ ..‬أجابه بتباهي أم��ام الجميع‪« :‬نعم ها‬ ‫هو الثلج»‪ ..‬م��دّوا أيديهم داخ��ل الكيس‪ ،‬لم يم ّد فرغل يده‬ ‫معهـم‪ ،‬لم يجدوا في الكيس غير ماء‪ ،‬ضحك فرغل‪ ،‬ضحكوا‬ ‫معه‪ ،‬غمز لهم‪ ،‬علق (ألم أقل لكم أنه سيفعلها) خاطبه فرغل‬ ‫باستعالء (أيها الغبي إن الثلج لن يصمد طيلة هذه المسافة‬ ‫وف��ي ه��ذا ال��ح��ر ال��ش��دي��د‪ ،‬أل��م يعلموك ه��ذا ف��ي مدرستك‬ ‫بالقاهرة؟ وعموماً لقد انتهينا من اللعب اليوم‪ ..‬سالم)‪.‬‬

‫انصرف فرغل‪ ،‬انصرفوا وراءه‪ ،‬تفرقوا في جهات متعددة‬ ‫يكلم نفسه‪ ،‬ها هي الفرصة ليشترك معهم في المرح‪ ،‬في طريقهم إلى بيوتهم تركوه وراءهم ككيس من القاذورات‪.‬‬ ‫يشعر أنه ما زال في السباق مع فرغل‪ ،‬سيسبقه هذه المرة‪،‬‬ ‫كانت الشمس في طريقها إلى الغروب‪ ،‬لون ضيائها اتخذ‬ ‫ل��ن يستسلم أم��ام��ه‪ .‬ان��ط��ل��ق ص���وب ال��ق��ري��ة‪ ،‬س��م��ع أصوات‬ ‫ال أكثر حُ مرة‪ .‬صمت رهيب أح��اط ب��ه‪ ،‬نسمات الهواء‬ ‫ضحكاتهم‪ ،‬تخافتت كلما ازداد اب��ت��ع��اداً‪ ،‬ال ي��ع��رف عمّا شك ً‬ ‫يضحكون‪ ،‬فاتته إحدى فكاهاتهم‪.‬‬ ‫النادرة توقفت تماماً‪ ،‬ازداد الجو حرارة‪ ،‬عشرات من الذباب‬

‫صندوق صغير رباعي الجدران‪ ،‬مكدّس بالمواد الغذائية‪ ،‬والبعوض هاجمته‪ ،‬حوطت وجهه وجسده‪ ،‬شعر بالرغبة في‬ ‫وأح��ذي��ة‪ ،‬وع��دد من فساتين البنات الصغيرة؛ هكذا محل الصراخ‪.‬‬ ‫خاله‪ ،‬يبدو كصندوق الدنيا‪ ،‬وسط الصندوق يجلس خاله‪..‬‬ ‫في اليوم التالي كان يسلك وخاله طريق القرية‪ ،‬يشقانها‬ ‫بجوار البقالة تقف في وه��ن ثالجة اآلي��س كريم الصدِ ئة‪،‬‬ ‫تُصدر ضجيجاً مزعجاً‪ ،‬تبدو كسيارة تفقد عزمها كل قليل ثم إل��ى شطرين متساويين‪ ،‬حقيبته معه‪ ،‬اتخذا معاً الطريق‬ ‫تعاود الحركة ببطء‪ ،‬يدعو الله أن يكون بها ثلجاً‪ ..‬يضحك‪ ..‬المؤدّي إلى موقف السيارات‪ ،‬إجازته عند خاله قد انتهت‪،‬‬ ‫جدرانها أق ّل سمكاً من قوالب الثلج المتراكمة‪ ،‬عندما وضعها ووقت عودته إلى بيته في القاهرة قد آن‪ ،‬يواصالن المشي‬ ‫في الكيس بدت كغزل البنات‪.‬‬ ‫بخطى متزنة‪ ،‬والقرية تتحرك من وراءهما مبتعدة‪ ..‬من بعيد‬

‫انطلق عائداً إلى مدخل القرية حيث الطريق الزراعي‪ ،‬بدت أشجارها كسور حصن منيع ال يستطيع أحد اجتيازه‪.‬‬ ‫تسارعت خطاه‪ ،‬تساقط عرقه بغزارة‪ ،‬تركه خلفه‪ ،‬منّى نفسه‬ ‫فرغل وصحبته تحوّلوا إلى أطياف في الذاكرة‪ ،‬يتذكر‬ ‫بإرضاء فرغل‪ ،‬بدا له فرغل ك��أرذل من عرفهم من البشر‪،‬‬ ‫معاركه الخاسرة مع فرغل‪ ،‬فكرة غريبة تبادرت إلى ذهنه‪،‬‬ ‫عبر جسوراً ترابية ضيقة بين مزارع الذرة الصفراء‪ ،‬قميصه‬ ‫أدرك أنه لم يلعب باألمس سوى مع فرغل‪ ،‬سباق الجري‪،‬‬ ‫ال��ح��ري��ري التصق بجسده‪ ،‬ص��ار ق���ذراً‪ ،‬شعر بحاجته إلى‬ ‫الغطس في مياه الترعة‪ ،‬زاد من سرعته‪ ،‬خشي أن ينصهر صيد العصافير‪ ،‬مخاطبته ل��ه ل��ن��زول الترعة‪ ،‬وتكليفه له‬ ‫الثلج؛ إن ابتسم فرغل أشركوه في اللعب‪ ،‬يخوض معركتين بإحضار الثلج‪ ،‬إن فرغل فقط من لعب معه‪ ،‬يضحك‪ ..‬تنطلق‬ ‫في وقت واحد‪ ،‬إحداهما مع الثلج واألخرى مع فرغل‪ ،‬عندما السيارة في طريقها إلى القاهرة‪.‬‬ ‫< قاص من جيزان‬

‫‪32‬‬

‫اجلوبة ‪ -‬ربيع ‪1428‬هـ‬


‫املـفــتاح‬ ‫> منى الشيمي‬

‫<‬

‫اتخذ جسدي وضعاً جنينياً‪ ،‬خرجت منه مئات اإلبر‪ ،‬كقنفذ يشهر خوفه في وجه‬ ‫الخوف ‪ ،‬وتقاطر دمعي ليبلل الوسادة‪ .‬كانت عادتي المسائية‪ ،‬حينما يزورني سيدي‬ ‫الحزن‪ ،‬تهب اإلبر من أعماقي‪ ،‬وأفقد الثــقة بكل البشر‪ .‬تهب أحزاني القديمة‪ ،‬لم‬ ‫يحدث أن شعرت بوخز حزن واحد‪ ،‬بل كــل حزن جديد‪ ،‬كان إضافة لجــبل أحزاني‪،‬‬ ‫الذي كتب عليّ أن أصعــده الهثة كل ليلة‪ ،‬وأتدحرج من فوقه كل صباح‪.‬‬ ‫قابلتها في طريقي‪ ،‬عند اجتياز الممر الواصل بين مدخل البناية والشارع‪ ،‬ألقيت‬ ‫عليها تحية الصباح فلم تجب‪ ،‬تساءلت‪ « :‬هل كان فكرها مشغوال إلى هذه الدرجة؟ «‪.‬‬ ‫لم تنظر ناحيتي أبدا وهي التي تبادر دوماً بالتحية‪ ،‬وددت لو أسألها‪ ،‬لكن موعد العمل‬ ‫جعلني أرجئ سؤالها إلى وقت آخر‪.‬‬ ‫هى صديقتي المفضلة‪ ،‬تسكن فى الطابق العلوي‪ ،‬تسمع صوتي وأنا أصرخ بأوالدي‬ ‫كي يكفوا عن العراك‪ ،‬وصوت المالعق حينما أضعها فى حوض المطبخ‪ ،‬وصوت مياه‬ ‫الدش وهي تمحو إرهاقي اليوميّ آخر الليل؛ وأسمع صوت باب شقتها حينما تغلقه‬ ‫للذهاب إلى النوم‪ ،‬بعد أن تزوج أبناؤها وأمست وحيدة‪.‬‬ ‫كانت دوم��اً ت��دق الجرس‪ ،‬تطلب مني ن��زع المفتاح بعد أن نسيته بالباب‪ ،‬تسأل‬ ‫المحصل بمشربية الباب‪ ،‬وعن آخر‬ ‫ّ‬ ‫عن أخبار األوالد‪ ،‬وعن فاتورة النور التي تركها‬ ‫أخباري‪ ..‬عن السيد الحزن!!‬ ‫طلبتها بالهاتف بعد عودتي من العمل‪ ،‬ما إن سمعت صـوتي حتى أصابها الصمت‪،‬‬ ‫لم تجب على حديثي بكلمة وتركتني أتحدث‪ ،‬لذا قررت أن أعيد السماعة إلى مكانها‬ ‫ودوائر الدهشة تلفني! لجأت إلى جارتي األخرى‪ ،‬تسكن في الشقة المواجهة‪ ،‬تحسدنا‬ ‫على تقاربنا‪ ،‬كنا نضحك عليها في الماضي‪ ،‬نعيب عليها صوتها العالي‪ ،‬كلما عبرت‬ ‫صديقتي ببابها سمعتها تتحدث في الهاتف‪ ،‬تبث شخصاً ما شوقها‪ ،‬ولهفتها لعودته‪،‬‬

‫اجلوبة ‪ -‬ربيع ‪1428‬هـ ‪33‬‬


‫قالت صديقتي‪:‬‬

‫لي عن سبب غضبها وتريحني؟؟‬

‫لم أفلح في الوصول إلى سبب غضبها مني أبداً​ً‪.‬‬ ‫» ال أسمع لها صـوتاً وزوجـها بالبيت‪ ،‬وال يـدق لها‬‫رب��م��ا ه��ي مكتئبة كما ق��ال��ت ج��ارت��ي؟؟ لكن م��ا سبب‬ ‫هاتف!!‬ ‫كنت أضحك‪ ،‬أنهرها برقة كي ال تتسمع صوت هذه تجاهلها لي؟!‬ ‫في المساء سمعت صوتها ينبعث من عند جارتي‪،‬‬ ‫الجارة‪ ،‬لكن فضولي لم يكن يمنعني من االستماع إلى‬ ‫اكتشافاتها اليومية‪ .‬طلبت من جارتي لو سألتها عن وص��وت موسيقى البرنامج يبدو عالياً‪ ،‬ظللت طيلة‬ ‫سبب صمتها‪ ،‬عن سبب انزوائها في حضوري‪ ،‬وتجاهلها ال��وق��ت أت��رب��ص بهما‪ ،‬تخيلت أن��ه��ا رب��م��ا ذه��ب��ت عند‬ ‫عبوري في محاذاتها‪ ،‬وابتالع عبارة صباح الخير التي ج��ارت��ي ك��ي تضايقني‪ ،‬آه ص��وت أوالدي يجلجل في‬ ‫أذني‪ ،‬يعوقني عن وصل حلقات أفكاري بعضها ببعض‪،‬‬ ‫كانت تبادر بها‪ ،‬فتعللت لها بسبب لم يقنعني‪ ،‬قالت‪:‬‬ ‫كنا نلتقي للحديث عن أخبارنا وأخبار الجيران‪ ،‬ترى‬ ‫» إنها تشعر باكتئاب بعد فراق األبناء «‪.‬‬‫هل تتحدث مع جارتنا عن أخباري‪ ،‬سخونة تنبعث من‬ ‫لكن هذا السبب لم يقنعني‪ ،‬تزوج أوالدها منذ زمن‪ ،‬وجنتي‪ ،‬وتساؤل حائر يتردد في داخلي‪ :‬ل ِـ َم تتعامل معي‬ ‫شاركتها حاالت اكتئابها األولى‪ ،‬فلم تقصني عن حاالت بهذه الطريقة وتتعمد أن تشعرني بالتجاهل؟؟‬ ‫اكتئابها األخيرة؟ ثم تساءلت بداخلي‪:‬‬ ‫صعدت إلى السطح‪ ،‬تتبعت سلك الهاتف الخاص‬ ‫ كانت جارتي تجهز إجابة‪ ،‬هل تحدثتا معا؟؟‬‫بي‪ ،‬تزحلقت عليه إلى أن دخل شقتي‪ ،‬تأكدت تماما أنه‬ ‫حينما سمعت موسيقى البرنامج الذي تحبه رفعت غير مقطوع‪ ،‬ال يمر على أحد قبل وصوله‪ ،‬ال تتسرب‬ ‫ص��وت ال���رادي���و‪ ،‬ك��ان��ت ت��أت��ي لتسمع ال��ب��رن��ام��ج معي‪ ،‬منه أس��راري‪ .‬شعرت بألم‪ ،‬في كل جزء من جسدي‪،‬‬ ‫وأحيانا كنت أذهب إليها‪ .‬ربما اتصل بها أحد أبنائها يتحول قلقي إل��ى أل��م جسديّ إذا تزايد‪ ،‬إذا استمر‪،‬‬ ‫في غيابها‪ .‬تقص عليّ أخبار الجيران‪ ،‬جارتنا التي تمنيت ل��و أض��ع ل��ه ح���دا‪ ،‬ل��و أب��ت��ره بسيف المعـرفة‪،‬‬ ‫تسكن الطابق األخير وهي تتشاجر مع زوجها‪ ،‬وهي صرخت فى أوالدي‪:‬‬ ‫‪ -‬التزموا الصمت!‬

‫تسبه‪ ،‬بل قالت لي مرة إنها سمعت صوت الصفعة التي‬ ‫رنت على وجه زوجها‪ .‬ارتفعت الموسيقى‪ ،‬تعالى صوت‬ ‫انتظرتها على عتبة السلم بعد خروجها من عند‬ ‫المذيعة‪ ،‬خبايا وأس���رار ليلية‪ ،‬ص��وت مألوف طالما جارتنا‪ ،‬ألقيت قنبلة تساؤالتي في وجهها‪ ،‬فلم تعرني‬ ‫استمعنا إليه معا‪ ،‬وضعت الراديو قرب النافذة علها انتباها وصعدت السلم‪ ،‬لكنها التفتت مجددا وقالت‬ ‫تأتي‪ ،‬وانتظرت!! لكنها لم تأت‪.‬‬ ‫لي‪:‬‬

‫كان صمتها حقال واسعا تنمو فيه أفكاري‪ ،‬هل فعلت‬ ‫شيئا يضايقها؟ هل وصل إلى سمعها شيء عني يجعل‬ ‫من عالقتي بها أمراً شائكاً؟ جالت أفكاري في دروب‬ ‫األيام السابقة بكل لحظاتها‪ ،‬حاولت جاهدة استعادة‬ ‫ك��ل لقاء جمعني بها‪ ،‬الموضوعات التي ناقشناها‪،‬‬ ‫األصدقاء الذين علكنا سيرتهم‪ ،‬الخبايا التي كشفناها‬ ‫بعضنا لبعض؛ لم جعلتني ألجأ إلى جارتنا كي تكون‬ ‫بيننا همزة وصل وهي أقرب إليَّ منها؟؟‪ ،‬لماذا لم تقل‬

‫‪34‬‬

‫اجلوبة ‪ -‬ربيع ‪1428‬هـ‬

‫ لست غاضبة‪.‬‬‫تحيّرت‪ ،‬وخزتني شكوكي‪ ،‬ربما عرفت ما يشين؛‬ ‫حقاً صديقتي‪ ،‬لكن هناك دوما موضوعات ال أطلعها‬ ‫عليها‪ ،‬صديقتي‪ ..‬لكني لم أستطع أبدا أن أتعرى أمامها‬ ‫كلية؛ لم أعرف أبداً هل طبع شخصيتي هي ما جعلني‬ ‫أخفي عنها موضوعات بعينها؟ أم إن الموضوعات‬ ‫نفسها هي التي فرضت على ذلك؛ لكني حدثتها عن‬


‫ليال عديدة‪ ،‬وفي‬ ‫السيد الحزن‪ ،‬ذلك الذي يزورني في ٍ‬ ‫الصباح يتركني منهكة كثوب لم يتم كيّه‪ .‬عند عودتي‬ ‫من العمل‪ ،‬تعمدت ترك المفتاح بالباب من الخارج‪،‬‬ ‫تجربة أخيرة‪ ..‬لو فشلت هذه المحاولة‪ ،‬سوف أكف‬ ‫تماما عن استعادة عالقتنا‪ .‬كنت أعرف ميعاد عودتها‪،‬‬ ‫ربع ساعة وسيدق الجرس‪ ،‬أو ربما ستفاجئني بدخولها‬ ‫المطبخ‪ ،‬ملوحة بالمفتاح قائلة‪:‬‬ ‫ سوف يقتلك يوما أحد اللصوص‪.‬‬‫انهمكت في إعداد الطعام‪ ،‬وأعمال المنزل وترتيب‬ ‫مالبس أوالدي‪ ،‬واالتصال بزوجي في بلده البعيدة‪ ،‬التي‬ ‫يعمل بها منذ سنوات‪ .‬عند الجلوس للراحة تذكرت‬ ‫المفتاح‪ ،‬أصابتني غصة‪ ،‬لقد مرت بالباب ولم تدق‬ ‫الجرس؛ فقررت أن أسقطها من فكري وأستريح‪.‬‬

‫ك��ره��ت��ه��ا‪ ،‬تمنيت ل��و ل��م أره����ا‪ .‬جلست أت��ذك��ر كل‬ ‫المواقف السابقة‪ ،‬التي وردت على ذاكرتي دون ترتيب‪،‬‬ ‫حاولت الربط بين توقيت أح��داث جديدة ج��رت في‬ ‫حياتي وأخفيتها عنها وتجاهلها لي‪ ،‬استعدت عالقتي‬ ‫بالجيران‪ .‬هل بدأ أحد منهم يحذو حذوها؟ هل تجاهل‬ ‫أحدهم تحية الصباح؟ هل تناجى اثنان منهم أثناء‬ ‫عبوري؟ هل بدأت تقول عني ما عرفته؟؟‬ ‫أمسكت رأسي‪ ،‬شعرت بحدوث انفجارات متتالية‬ ‫فيها‪ ..‬تالشى ص��وت أوالدي‪ ،‬وع�لا ص��وت أفكاري؛‬ ‫فلم أستطع ال��وق��وف‪ ،‬أدع��ي��ت التعب وظللت نائمة‪،‬‬ ‫ربما أستطيع ترتيب أفكاري‪ ،‬وإزالة الغبار عن مناطق‬ ‫تبدو لي مظلمة‪ .‬غزتني أفكار داكنة؛ ربما عرفت عني‬ ‫أمراً جاهدت فى الماضي كي ال أقوله لها‪ ،‬كنت أجد‬ ‫بي رغبة في الحكي لها كلما امتدت جلساتنا الليلية‪،‬‬ ‫لكن لساني ينعقد في النهاية وال أبوح‪ .‬ها هي األفكار‬ ‫القاتمة كعتمة الليل ت��ت��رى‪ ،‬والسيد ال��ح��زن وجدها‬ ‫فرصة كي ينتظر ببابي متلهفاً للدخول‪.‬‬

‫قابلتها في السوق‪ ،‬اصطحبت جارتنا التي صفعت‬ ‫زوجها‪ ،‬اندهشت ج��داً‪ ،‬وقعت نظراتها عليّ ‪ ،‬فمالت‬ ‫وتناجت معها‪ ،‬ثم أطلقت ضحكة طويلة‪ ،‬سقط الكيس‬ ‫ال��ذي كنت أحمله‪ ،‬تراخت ي��داي عنه دون أن أدري‪،‬‬ ‫كان نور غرفتها في الطابق العلوي منعكسً ا‬ ‫ ‬ ‫تولى عاب ٌر جمع الثمار المتناثرة‪ ،‬بينما وقوفي صامتة‪،‬‬ ‫على الشجرة المنتصبة أم��ام المنزل‪ ،‬لمحت ظلها‪،‬‬ ‫شاخصة ببصري بعيداً يدهشه‪.‬‬ ‫وهي تقف بشباكها في األعلى‪ ،‬تمددت على سريري‬ ‫عدت إلى المنزل‪ ،‬وقفت في منحنى الدرج‪ ،‬أتسـمع وضيق ما يعتريني‪ ،‬دق الهاتف ج��واري‪ ،‬فرأيت ظلها‬ ‫صوت أوالدي‪ ،‬أحاول قياس مدى الصوت‪ ،‬إلى أيّ مدى يتسلق الشجرة ليستقر على قمتها تماماً‪ ،‬أصابتني‬ ‫يستطيع المتطفل السماع لو كان واقفاً هنا‪ ،‬لو اقترب‪ ،‬الدهشة‪ .‬لم أرفع سماعة الهاتف‪ ،‬تخيلت أن اهتماما‬ ‫أو لو وجد المفتاح في الباب من الخارج وفتح ثم دخل ما أل�� َّم بها‪ ،‬واك��ب حركة الهاتف تماما‪ ،‬تحرك ظلها‬ ‫بهدوء دون أن يشعر به المتحدثون في الداخل!!‬ ‫أمامي بسرعة‪ ،‬أسقطت جسدها خ��ارج النافذة في‬ ‫هذا المساء اعترفت لنفسي أن ما يستنفرني اآلن حركة تلصص واضحة‪،‬كصقر التزم الصمت‪ ،‬السكون‪..‬‬ ‫هو رغبتي في معرفة سبب ابتعادها‪ ،‬والوسيلة التي ترقباً لفريسته على األرض‪ .‬ه��ذا ما ب��دا ل��ي‪ ،‬ما لم‬ ‫ربما عرفت بها معلوماتي الخاصة‪ ،‬وليس رغبتي في أستطع التحقق منه‪ .‬ظل الهاتف يدق‪ ،‬السيد الحزن‬ ‫استعادتها‪ .‬شعرت بقهر ما‪ ،‬لماذا ربطتُ بين ما تفعله ق��رع الباب‪ ،‬واإلب��ر تتراشق من داخ��ل جسدي‪ ،‬يسيل‬ ‫معي وما قد تكون عرفته عني؟ ربما لم تعرف شيئا‪ ،‬خوفي‪ ،‬أتحول إلى قنفذ صغير يتكوم على ذاته‪ ،‬وأفقد‬ ‫ثقتي في كل البشر‪ ،‬قلبي يتسارع نبضه‪ ،‬قبعت ساكنة‬ ‫وماذا لو عرفت؟ ال يهم‪ ..‬عدت إلى القلق وتساءلت‪:‬‬ ‫أتابع ظلها المنعكس على الشجرة أمامي‪.‬‬ ‫ كيف ال يهم؟؟‬‫< قاصة من مصر‪.‬‬

‫اجلوبة ‪ -‬ربيع ‪1428‬هـ ‪35‬‬


‫سيف بن أعطى‬

‫(‪)1‬‬

‫(مداخل إلى الفصل األول)‬ ‫إرهاص‬

‫(‪)2‬‬

‫> فيـصل أكـرم‬

‫<‬

‫يا سيف‪..‬‬ ‫أو يا ابن مَن أعطى‪ :‬تص ّبرْ‪ ..‬إنهم باعوا يديك إلى يديكَ ‪ ،‬وأشعلوا نيرانهم في إصبعيكَ ‪،‬‬ ‫وفتتوكَ ‪ ..‬وفتتوا الريح التي‪ ،‬في يومكَ المنسيّ قد حنّتْ إليكَ ‪ ..‬ألنهم تركوك وحدك‪،‬‬ ‫كلّهم‪ ..‬تركوا الهوى يأتي عليكَ فال تضعْ‪ ..‬ما دمتَ علّقتَ السالم على جبينكَ ‪ ،‬ال تبع طفل‬ ‫الكالمِ ؛ هي الحياة اآلن أمُّكَ ‪ ،‬والزمان أبوك؛ فاصرخ‪ ..‬قل‪ :‬وجدتُ اآلن أهلي‪...‬‬ ‫<<<‬

‫الصفعة األولى‪:‬‬ ‫سقف الغرفةِ قد سقط على الصغير وهو نائم‪ ..‬ي ُد أبيه ثقيل ٌة جداً‪ ..‬لم يسبق‬ ‫َ‬ ‫كأ ّن‬ ‫كف أبيه؛‬ ‫أن ضربه أبوه بهذه الصورة‪ ..‬وهو نائم‪ ..‬تلقى سيفُ الصفعة على وجهه من ّ‬ ‫فصحا مفزوعاً مفجوعاً‪ ..‬هل يجرؤ على االستفسار عن سبب الصفعة؟ ال‪ ..‬إ ّن الله‬ ‫قد أعطاه عقالً‪ ،‬فليعمل عقله حتى يستكشف السبب بنفسه‪ ..‬هكذا أدّبه أبوه مذ أن‬ ‫ال في الرابعة من العمر‪ ..‬آه يا سيف‪ ..‬نعم أنت تستحقّ‬ ‫كان جنيناً حتى أصبح طف ً‬ ‫الصفعة‪ ..‬لقد أسرفتَ في اللعب‪ ،‬طيلة الليل‪ ،‬وجميع من في البيت كان نائماً‪ ..‬لماذا لم‬ ‫تنم؟ لماذا تجهل كيف ينام الناس؟‪( ..‬لن أستصغر شأنك وأقول‪ :‬األطفال) بل الناس‪..‬‬ ‫ألستَ واحداً من الناس يا سيف؟! أنتَ لم تقض ليلتك ساهراً وحسب‪ ،‬بل تماديت في‬ ‫اللعب حتى رحتَ تعبث بأشياء الكبار‪ ..‬كيف سوّلت لك نفسك أن تتجرّأ على مكتب‬ ‫أبيك وتخرج (األختام الرسمية)‪ ،‬وتغمسها في (المحبرة)‪ ،‬وتطبع على األوراق‪ ،‬تختمها‬ ‫زوراً وتزييفاً؟!‬

‫فصل من رواية‬ ‫‪36‬‬

‫من أين أتتك ك ّل هذه الجرأة يا سيف؟! أ َو لستَ أنتَ ‪ ،‬لمّا تزل بعد‪ ،‬الطفل الخجول‪..‬‬ ‫فرد في العائلة‪ ،‬وأضعفهم شخصي ًة وحضوراً؟! كيف فعلتَ ما فعلتَ بمفردك؟‬ ‫أصغر ٍ‬ ‫آهٍ ‪ ..‬هذه عادتك! ال تتملكك الجرأة والشجاعة‪ ،‬وشهوة المغامرة والتجريب‪ ..‬إال عندما‬ ‫كف أبيك الثقيلة؟‬ ‫صفعة أخرى على وجهك‪ ،‬من ّ‬ ‫ٍ‬ ‫تكون وحيداً! فمن سينقذك اآلن من‬ ‫هل ستهرب يا سيف؟ ال؛ فأنت تحترم أباك‪ ..‬ك ّل َم ْن في البيت يعرف أنك تحترمه‪..‬‬ ‫تحترم ال ُك َّل أنتَ ‪ ،‬وأ ّو ُل ال ُك ِّل أبوك‪ ..‬فهل ستصمد في مكانك وتتلقى العقاب كامالً؟‬ ‫كانت جريمتك كبيرة جداً يا سيف‪ ..‬أنت لم تعبث بآلة (الختم الرسميّ ) الخاص بأبيك‪،‬‬ ‫عبثاً عادياً‪ ..‬أنت رحتَ تطبع الختم على أوراق بيضاء‪ ،‬هي في أصلها (أوراق رسمية)‪..‬‬ ‫اجلوبة ‪ -‬ربيع ‪1428‬هـ‬


‫وم��ا ي��دري��ك أن��ت أيها الطفل الضئيل بقيمة األوراق‬ ‫واألختام واألحبار؟ لماذا فعلت هذا يا سيف؟‬ ‫تفتح عينيك بحذر شديد اآلن‪ ،‬لتبصر وجه أبيك‬ ‫عريضاً ع��اب��س��اً‪ ..‬بشعره األب��ي��ض‪ ،‬وش��ارب��ه األبيض‪،‬‬ ‫بعتب‬ ‫ولحيته ال��ب��ي��ض��اء‪ ..‬ه��ا ه��و أب���وك‪ ،‬ينظر إل��ي��ك ٍ‬ ‫مخيف‪ ،‬ويسألك‪« :‬ه��ل ت��دري كيف ع��رف��تُ أن��ك أنت‬ ‫ٍ‬ ‫من أخرج األوراق واألختام والمحبرة من مكتبي ليلعب‬ ‫بها؟»‪ ،‬بماذا ستجيب؟ تلعثمتَ يا سيف‪ ،‬وكدتَ أن تقول‪:‬‬ ‫(سبحانك ال علم لي إ ّال ما علمتني)‪ .‬ولكنك خفتَ أن‬ ‫تشرك بالله‪ ,‬فاستغفرت‪ .‬أن��ت تخاف من أبيك جداً‬ ‫ياسيف‪ ..‬ربما ال تحبه كثيراً‪ ،‬ولكنك تخافه يا سيف‪..‬‬ ‫على عكس عالقتك بأمك؛ فأنت تحبّ أمك كثيراً‪ ،‬وال‬ ‫تخاف منها أبداً‪ .‬أمك علّمتك أ ّال تخاف أحداً إ ّال الله‪،‬‬ ‫ولكنّ أب��اك يجبرك على أن تخافه‪ ..‬وتخاف إخوتك‬ ‫الكبار‪..‬‬ ‫بماذا ستجيب يا سيف؟ كأنك لمحت حركة من أبيك‪،‬‬ ‫تهيّأ لك أنها صفعة أخ��رى‪ ..‬فرفعتَ يدك الصغيرة‪،‬‬ ‫بعفوية؛ لتحمي وجهك؛ فانتبهت إلى الحبر الذي كان‬ ‫عالقاً بلونه األزرق على راحتيْ يديك ابتسمتَ في وجه‬ ‫أبيك؛ فابتسم أبوك في وجهك‪( :‬برافو عليك‪ ،‬كشفتُ‬ ‫فِ علتكَ من أثر الجريمة على يديك)!‬ ‫<<<‬

‫الركعة األولى‪:‬‬ ‫انقضت لحظة الصفعة األولى على خير؛ فكانت أول‬ ‫مرة يشاهد فيها سيفٌ أباه مبتسماً في وجهه‪ ..‬ابتسامة‬ ‫أبيه أنسته ألم الصفعة األولى‪ .‬أصبح الصبح‪ ..‬أشقاء‬ ‫سيف‪ ،‬وشقيقاته (وكلهم أكبر منه) ب��دأوا في الخروج‬ ‫من المنزل‪ ،‬واحداً تلو اآلخر‪ ..‬األختان الكبيرتان إلى‬ ‫المدرسة‪ ..‬ال كطالبات إنما كمدرّسات! واألخ الكبير‬ ‫أي��ض��اً إل��ى ال��م��درس��ة‪ ..‬ول��ك��ن‪ ..‬ه��و م��دي��ر المدرسة!‬ ‫وبقية األشقاء والشقيقات إلى المدارس لطلب العلم‪،‬‬ ‫واألب غادر أيضاً إلى عمله‪ ..‬كان األب قد أحيل إلى‬ ‫التقاعد من وظيفته الحكومية‪ ،‬ولكن‪ ..‬كانت له أعماله‬ ‫الخاصة‪ ،‬التي تجعله في خروج يوميّ إلى حيث يخرج‬

‫رج��ال األع��م��ال‪ ..‬وأك��ث��ر خ��روج��ه ك��ان إل��ى المحكمة‪..‬‬ ‫كانت المحاكم جزءاً من عالقته بالناس! خرج الجميع‪،‬‬ ‫كالعادة‪ ،‬من المنزل‪ ..‬ولم يبق في المنزل إ ّال سيف وأمّه‪.‬‬ ‫ويا الله ما أجم َل أمه‪ !..‬كانت تقضي الساعات األولى‬ ‫من الصباح في عملين ال ثالث لهما‪( :‬الصالة‪ ،‬وقراءة‬ ‫بإعجاب كبير‪ ..‬كان‬ ‫ٍ‬ ‫القرآن)‪ ..‬وكان سيف يتأمل عمل أمه‬ ‫منظرها عظيماً جداً في عينيه‪ ،‬وهي داخل (المسفع)‬ ‫األبيض‪ ..‬حتى ال يُرى منها إ ّال وجهها النورانيّ األبيض‬ ‫وكفاها الحنونتان‪ ..‬كانت تضع المصحف الكبير على‬ ‫منظر‬ ‫ٍ‬ ‫(رحل) خشبيّ ‪ ،‬وتتربّع خلفه على السجّ ادة‪ ،‬في‬ ‫روحانيّ يدخل القلب وال يفارقه أبداً‪ ..‬كان سيف‪ ،‬في‬ ‫هذه األثناء‪ ،‬يخترع ألعاباً يتسلى بها‪ ..‬يفتش في زوايا‬ ‫البيت عن أحجار الكشّ اف (البطاريات) الفارغة‪ ..‬وعن‬ ‫كل األنابيب والمعادن واألش��ك��ال الفارغة‪ ..‬ليتخيلها‬ ‫ّات كانت عظيمة بالنسبة إل��ي��ه‪( :‬سوبرمان‪،‬‬ ‫شخصي ٍ‬ ‫ال��وط��واط) وم��ن قصص‪( :‬ال��م��غ��ام��رون الخمسة) كان‬ ‫يجسّ د أرب��ع شخصيات مقر ٍّبة ج��داً إلى وعيه‪( :‬لوزه‪،‬‬ ‫ونوسه‪ ،‬وعاطف‪ ،‬وتختخ)‪ ،‬وك��أ ّن خامس المغامرين ال‬ ‫يعنيه! ينهمك سيف في اللعب والخيال‪ ..‬هذا يضرب‬ ‫ذا‪ ،‬وذاك يساعد تلك! وبينما هو كذلك‪ ،‬وخديجة أمّه ال‬ ‫تزال تصلّي وتقرأ القرآن‪.‬‬ ‫ي����ر ّن ج���رس ال��ه��ات��ف! ف��زع��ت خ��دي��ج��ة م��ن جرس‬ ‫الهاتف‪ ،‬إذ لم يكن الهاتف ي��رن في مثل ه��ذا الوقت‬ ‫م��ط��ل��ق��اً‪ ..‬ارت��ع��ب��ت األ ّم ال��ع��ظ��ي��م��ة‪ ..‬ل��م يسبق ل��ه��ا أن‬ ‫رفعت سماعة الهاتف‪ ،‬ول��م يسبق لها أن تكلمت فيه‬ ‫أو استمعت إلى شيء منه‪ ..‬كأ ّن سيفاً كان يستمع إلى‬ ‫ضربات قلب أمه الخائفة وهي تحدّث نفسها‪( :‬ماذا‬ ‫تفعلين يا خديجة؟ هل تخوضين التجربة‪ ،‬وتستخدمين‬ ‫هذا الشيء العجيب الذي يسمونه الهاتف؟ هل تتركينه‬ ‫ير ّن كأنك لم تسمعيه؟ ربما يكون علي‪ ..‬أبو األوالد‪..‬‬ ‫ولكنه لم يفعلها قط ويتصل من خارج البيت)؟!‬ ‫ك��ان��ت خ��دي��ج��ة ف��ي ح��ي��رة ش��دي��دة م��ن ه���ذا األمر‬ ‫الطارئ على نهارها المعتاد‪ ،‬فأشفق صغيرها عليها‬ ‫وصاح بصوته الطفوليّ (أرد أنا يا أمّي؟)‪ ..‬فزعت األم‬ ‫خوفاً على صغيرها‪ ،‬صرخت بعلو صوتها (ال يا ولدي)‬ ‫��وف عليه‪ ..‬قررت‬ ‫حنان وخ ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫وجذبته إليها تعانقه في‬

‫اجلوبة ‪ -‬ربيع ‪1428‬هـ ‪37‬‬


‫خديجة أن تحمي ابنها الصغير من هذا الجهاز الغريب‬ ‫(الهاتف)‪ ،‬وبقرارها هذا تولّدت فيها الشجاعة‪ ..‬ليس‬ ‫لشيء آخر‪ ،‬إنما لحماية صغيرها سيف‪ ..‬واقتربت من‬ ‫جهاز الهاتف‪ ..‬رفعت السمّاعة وصرخت‪« :‬مين بيدق‬ ‫التلفون؟»؛ يبدو أن شخصاً رد عليها مخبراً أنه من إدارة‬ ‫الهاتف‪ ..‬وأنه يستفسر عن رقم الهاتف هذا‪ ،‬الخاص‬ ‫بالسيّد علي بن أعطى‪ ..‬قالت له خديجة‪( :‬والله أنا ال‬ ‫أعرف األرقام يا ولدي‪ ،‬بعد الظهر يجي أبو األوالد‪ ،‬دق‬ ‫عليه وكلّمه‪( .‬هنا صاح سيف (أنا أعرف رقم الهاتف يا‬ ‫أمي)‪ ،‬ويبدو أن موظف الهاتف سمع صوت سيف‪ ،‬فقال‬ ‫ألمه دعيه يملي عليّ رقم الهاتف! قالت األم لصغيرها‪:‬‬ ‫ال تعرف رقم الهاتف؟ قال سيف‪ :‬نعم يا‬ ‫هل أنت فع ً‬ ‫أمي‪ ،‬دائماً أسمع أبي وإخواني‪ :‬حسن وحسين وخالد‬ ‫يذكرون رقم الهاتف‪( :‬تمنيه وعشرين ألف وأربعميه‬ ‫وإطنعش)! فقالت خديجة‪( :‬طيب‪ ..‬خذ كلم الرجّ ال‬ ‫وأعطه الرقم)‪ ..‬وبينما سيف يمسك سماعة الهاتف‪،‬‬ ‫تلف يديها على خصره وص��دره‪ ..‬كأنما هي‬ ‫كانت أمه ّ‬ ‫��ش مخيف! أخ��ذ الطف ُل سماعة‬ ‫خائفة عليه م��ن وح ٍ‬ ‫الهاتف‪ ،‬وقال للموظف‪ :‬الرقم هو (تمنيه وعشرين ألف‬ ‫وأربعميه وإطنعش)! فقال له الموظف‪ :‬ما اسمك؟ قال‪:‬‬ ‫سيف‪ .‬قال الموظف‪ :‬اسمع يا سيف‪ ،‬من اآلن أصبح‬ ‫رقم هاتفكم يبدأ بالرقم (ثالثة) يعني أول شيء (تالته)‬ ‫وبعدين (تمنيه وعشرين أل��ف وأربعميه وإطنعش)‪..‬‬ ‫فهمت؟ قال سيف‪ :‬فهمت! قال الموظف‪ :‬أخبر أباك‬ ‫ف��ور ع��ودت��ه إل��ى البيت‪ .‬ق��ال سيف‪ :‬ح��اض��ر‪ .‬وانتهت‬ ‫المكالمة‪.‬‬ ‫بكت خديجة من فرحتها بابنها الصغير‪ ..‬عانقته‬ ‫ال‬ ‫ب��ش��دّة‪ ..‬قبّلته على خديه وه��ي ت��ق��ول‪ :‬ه��ل أن��ت فع ً‬ ‫حفظت رقم الهاتف كامالً؟! قال لها وهو يكاد يطير‬ ‫فرحاً‪ :‬نعم يا أمي‪ ،‬والله العظيم‪ ،‬وحفظت عليه الرقم‬ ‫الجديد (تالته)‪ ،‬يعني صار الرقم (تالته وبعدين تمنيه‬ ‫وعشرين ألف وأربعميه وإطنعش)! قالت األم‪ :‬اسمع‬ ‫يا سيف‪ ،‬أنا سأعلمك أه ّم شيء ممكن أن تتعلمه في‬ ‫حياتك‪ ..‬سأعلمك ال��ص�لاة‪ ..‬إخوانك الكبار علمتهم‬ ‫الصالة في سن السادسة‪ ،‬مع دخولهم إلى المدرسة‪،‬‬ ‫ولكن أنت‪ ..‬سأعلمك اآلن وأنت لم تكمل الرابعة بعد!‬

‫‪38‬‬

‫اجلوبة ‪ -‬ربيع ‪1428‬هـ‬

‫ابتهج سيف من كالم أم��ه‪ ..‬السعادة غمرته‪ ..‬بكى‬ ‫من السعادة‪ ..‬ما أسعدك هذا النهار يا سيف‪ ..‬أخيراً‬ ‫استطعت أن تلفت انتباه أمك الحبيبة وتثير إعجابها!‬ ‫ذهب سيف مع أمه العظيمة إلى حيث صنبور (بزبوز)‬ ‫ال��م��اء‪ ،‬وتعلّم منها ال��وض��وء‪ ..‬وج��اء معها إل��ى سجّ ادة‬ ‫الصالة‪ ..‬أوقفته أمه إلى جوارها على سجّ ادة الصالة‪..‬‬ ‫وبدأتْ تعلّمه الركعة األولى‪.‬‬ ‫<<<‬

‫الخروج األول‪:‬‬ ‫ما الذي ستفعله غداً يا سيف؟! كيف سيكون خروجك‬ ‫األول إلى ذلك المكان الذي يسمونه (المدرسة)؟ أخوك‬ ‫محمد‪ ،‬ال��ذي سبقك بسنتين إل��ى هناك‪ ،‬يخبرك أن‬ ‫المكان كله أوال ٌد يجلسون على الكراسي‪ ،‬رجل يصيح‬ ‫بهم وي��ض��رب��ه��م‪ ..‬ه��ا أن��ت ت��دخ��ل ال��م��درس��ة‪ ..‬ه��ا أنت‬ ‫تُحرَم‪ ،‬للمرة األولى‪ ،‬من الجلوس إلى جوار أمك على‬ ‫سجادة الصالة‪ ،‬طيلة الساعات األول��ى من الصباح‪..‬‬ ‫المدرسة شيء مخيف‪ ..‬ولكنه عاديّ !‬ ‫انتهى يومك األول‪ ،‬وانتهى األسبوع األول‪ ،‬وبدأت‬ ‫إج����ازة ن��ه��اي��ة األس���ب���وع‪ ..‬أول م���رة تشعر بمعنى يوم‬ ‫(ال��ج��م��ع��ة)‪ ،‬وأن���ه (ع��ط��ل��ة) ال��م��درس��ة! ت��ري��د أن تفرح‬ ‫بعطلتك األول���ى‪ ،‬صباح الجمعة األول���ى‪ ،‬ف��ي البيت‪..‬‬ ‫تتخيل نفسك (سوبر م���ان)‪ ..‬فتلف «شرشفاً» أبيض‬ ‫حول رقبتك‪ ،‬وتتركه مسدوالً على ظهرك‪ ..‬تصعد إلى‬ ‫السور الفاصل بين غرفة (المبيت) وساحة (السطوح)‪..‬‬ ‫أنت لم تكن قد سمعت بعد عن (عباس بن فرناس) حتى‬ ‫أق��ول إنك كنت تقلده‪ ،‬فلماذا قذفتَ بنفسك من فوق‬ ‫السور؟! هل تقمصت شخصية (سوبر م��ان)‪ ،‬إلى حد‬ ‫أن ترمي جسدك الضئيل من فوق سور يرتفع أكثر من‬ ‫مترين عن األرض؟! ها أنت تسقط وتصيح‪ ..‬ها أنت‬ ‫تفجع أمك الحنونة عليك يا سيف‪ ،‬لماذا فعلتَ هذا؟‬ ‫هرعت أمك ملهوفة عليك إليك‪ ،‬تفقّدت أعضاءك وهي‬ ‫تظن أنك كنت تلعب فسقطتَ على األرض‪ ،‬ولم يخطر‬ ‫في بالها أنك سقطتَ من فوق السور المرتفع‪ ..‬دهنت‬ ‫رأس��ك بالـ (فيكس)‪ ،‬وق��رأت عليك آي��ات من القرآن‪،‬‬


‫واحتضنتك لتنام‪ ..‬غابت الشمس وأنت نائم‪ ،‬وغاب معها‬ ‫أبوك وإخوتك الكبار عن البيت‪ ..‬فإذا بالورم يتضح في‬ ‫يدك اليسرى‪ ..‬تالحظه أمك فتشهق مفزوعة عليك‪..‬‬ ‫تصحو أن��ت وتصيح (أمّ���ي‪ ..‬ي���دّي‪ ..‬أمّ���ي‪ ..‬ي��دّي) كان‬ ‫الكسر في يدك اليسرى قد بدا واضحاً‪ .‬كانت عظمة‬ ‫ذراعك مكسورة تماماً‪ ..‬تبكي أنت وتصيح (أمّي‪ ..‬يدّي)‬ ‫وتبكي أمك معك‪ ..‬ولكنها تتوقف عن الصياح‪ ،‬وتتخذ‬ ‫قراراً جريئاً في حياتها‪ :‬أن تخرج بك إلى المستشفى‪..‬‬ ‫حملتك أمك يا سيف‪ ..‬خرجت بك‪ ..‬وحيد ًة خرجت بك‬ ‫من باب البيت‪.‬‬ ‫كانت خديجة تجهل حتى شكل الشارع‪ ،‬من قلة – أو‬ ‫انعدام ‪ -‬خروجها من البيت‪ ،‬ولكنها خرجت بك فعالً‪..‬‬ ‫تحملك على صدرها الحنون‪ ..‬وهي تلتحف بأكثر من‬ ‫عباءةٍ سوداء‪ ،‬فلم تعد قادرة على الرؤية أبداً‪ ..‬أضف إلى‬ ‫ذلك أنها ال تعرف طريق المستشفى‪ ،‬فكيف ستتصرف‬ ‫المسكينة في يومك المشؤوم هذا يا سيف؟‬ ‫ها أنت تفاجئ أمك مرة أخرى‪ ،‬وتدلّها على طريق‬ ‫المستشفى (من هنا يمين‪ ..‬آخر الشارع كمان يمين‪..‬‬ ‫ه��ن��ا المستشفى ف��ي ال��ي��س��ار)‪ .‬دخ��ل��ت ب��ك أم���ك إلى‬ ‫المستشفى‪ ..‬الحمد لله‪ ..‬األطباء هالهم منظر يدك‬ ‫المتورمة‪ ،‬فهرعوا بك إل��ى غرفة األشعة والفحص‪..‬‬ ‫دخلت معك أم��ك‪ ..‬تسمع بأذنيك الطبيب يقول لها‪:‬‬ ‫(ال��ذراع مكسورة تماماً‪ ،‬توجهي لله بالدعاء أن يلتئم‬ ‫العظم‪ ،‬فإن لم يجبر الكسر لن يفلح معه وال حتى سيخ‬ ‫معدني‪ ،‬سنضطر إلى بتر اليد حتى يتوقف النزيف من‬ ‫العظم)‪ ..‬أم��ك تسأل الطبيب بخوف‪( :‬م��ا معنى بتر‬ ‫اليد) يجيبها الطبيب‪( :‬يعني تقطع ويركّب مكانها يد‬ ‫اصطناعية)‪ ..‬تصيح أم��ك (ليش؟ هو ول��دي حرامي‬ ‫حتى تنقطع يده؟) يا الله‪ ..‬حرقة قلب خديجة أسالت‬ ‫دموع الطبيب‪ ،‬ودموعك قبله يا سيف‪ ..‬بعد ذلك لم يعد‬ ‫سيف يدرك ما يدور‪ ..‬غاب عن الوعي تماماً‪.‬‬

‫اسمها (فدوة) وكانت قدمها مكسورة‪ ،‬فتنشأ بينك وبينها‬ ‫صداقة طفولية‪ ..‬أمك تحفّظكما آية (الكرسي) وأمها‬ ‫تنشغل بأكل (الفصفص)! خمسة عشر يوماً كاملة‪ ،‬حتى‬ ‫أتى الطبيب بالبشارة‪( :‬الحمد لله‪ ،‬العظم التأم تماماً‪،‬‬ ‫الكسر قد جبر‪ ،‬كأنها معجزة‪ ،‬سبحان الله)‪ ..‬تسجد‬ ‫أم��ك على األرض‪ ،‬شكراً لله عز وج��ل؛ ويجيء أبوك‬ ‫ليأخذك أنت وأمك إلى البيت‪ ..‬ولكنك تبكي‪ ..‬ال تريد‬ ‫العودة إل��ى البيت! ظنت أم��ك أن بكاءك بسبب فراق‬ ‫صديقتك (فدوة)‪ ،‬ولكنك كنت تعرف السبب الحقيقيّ ‪:‬‬ ‫هنا فقط‪ ،‬في المستشفى‪ ،‬أتيح لك أن تكون في خلوة‬ ‫مع أمك‪ ..‬ال أحد من إخوتك يشاركك فيها‪ ..‬تنام في‬ ‫حضنها‪ ..‬تتنفس رائحتها‪ ..‬أم��ا هناك‪ ..‬في البيت‪..‬‬ ‫فحضن أمك هو الحلم الذي تطمح إليه‪ ،‬ودائماً يسبقك‬ ‫إليه أحد إخوتك الكبار‪ .‬جاء أب��وك‪ ،‬وأخذ أمك وأنت‬ ‫تبكي على صدرها – والجبس في يدك اليسرى‪ -‬وعاد‬ ‫بكما إلى البيت‪.‬‬ ‫تبقى لمدة شهرين في البيت‪ ،‬منع الطبيب ذهابك‬ ‫إلى المدرسة‪ ،‬حتى إزالة الجبس‪ ،‬والتأكد أن الكسر قد‬ ‫جبر‪ ..‬شهران مرّا ثقيلين‪ ..‬تمت إزالة الجبس‪ ..‬عدت‬ ‫إل��ى المدرسة لتلحق م��ا فاتك م��ن دروس‪ ..‬ه��ل كنت‬ ‫بحاجة إلى دروس (ألف ب��اء)؟! كانت أمك قد علمتك‬ ‫ٍ‬ ‫الصالة‪ ،‬وق��راءة ح��روف ال��ق��رآن‪ ،‬وحفّظتك غيباً جزء‬ ‫(ع��مّ) وآية (الكرسيّ )‪ ،‬فهل سيتعبك اللحاق بزمالئك‬ ‫الذين لم يتجاوزوا (ألف باء)؟!‬

‫انتهت السنة ال��دراس��ي��ة‪ ،‬وظ��ه��رت النتائج‪ :‬سيف‬ ‫ب��ن أعطى ينجح‪ ،‬ويحصل على الترتيب (األول) في‬ ‫الصف (األول) بالمدرسة النموذجية االبتدائية في‬ ‫مكة المكرمة سنة ‪1974‬ميالدية ‪ 1394‬هجرية‪ .‬فماذا‬ ‫بعد يا سيف؟! لم يفرح بنجاحك (األول) س��وى أمك‬ ‫فقط‪ ..‬وأنت لم تكن تهتم بفرحة أحد غير أمك‪ ..‬أنت‬ ‫لم تحقق هذه النتيجة إ ّال من أجلها‪ ..‬فهل كنت تعلم أنها‬ ‫ستفارقك عما قريب‪..‬؟! هل كان في قلبك من اإليمان‬ ‫عظيم‬ ‫ٍ‬ ‫سواد‬ ‫ها أنت تصحو يا سيف‪ ،‬بعد أربعة أيام من الغياب ما يكفي ليكون دليلك إلى المجهول‪..‬؟! إلى ٍ‬ ‫عظيم‬ ‫ٍ‬ ‫��روج‬ ‫عن الوعي‪ ،‬لتجد نفسك نائماً على سرير أبيض‪ ..‬وأمك سيغلّف حياتك كلها عما قريب‪..‬؟! إلى خ ٍ‬ ‫إلى جوارك تقرأ آية (الكرسي)‪ ..‬والغرفة كبيرة‪ ،‬وفيها عما قريب‪..‬؟!‬ ‫سرير آخر ترقد عليه طفلة ومعها أمها‪ ..‬كانت الطفلة‬ ‫<<<‬

‫اجلوبة ‪ -‬ربيع ‪1428‬هـ ‪39‬‬


‫(الضياع األول)‪:‬‬

‫أتت من أمه‪.‬‬ ‫وه��ن��اك‪ ..‬في رم��ال عرفات خ��ارج المخيم‪ ..‬عمد‬ ‫سيف إلى دفن تلك السيارات‪ ،‬حتى ال يسرقها منه أحد‬ ‫وهو نائم‪ ،‬فقد كان يسمع التحذيرات من السرقات‪،‬‬ ‫التي كانت تتم في مخيمات الحجيج‪.‬‬

‫في التسعينيات الهجرية – السبعينيات الميالدية‪،‬‬ ‫كانت السنة الدراسية تنتهي بنهاية شهر شعبان‪ ،‬وتبدأ‬ ‫ببداية م��ح��رم‪ ..‬وحين انتهى سيف من السنة األولى‬ ‫االبتدائية‪ ،‬محققاً في نجاحه الترتيب األول‪ ..‬كان العام‬ ‫الهجريّ ‪ 1394‬يمضي سريعاً نحو نهايته‪ ..‬فهذا شهر‬ ‫الوقت اآلن صباحاً‪ ،‬وسيف يلعب مع شقيقه األكبر‬ ‫ٍ‬ ‫رمضان‪،‬‬ ‫بخاصة في مكة المكرمة‪ ،‬يمر كالومضة ما منه بثالث سنين‪ ..‬راحا يلعبان لعبة اسمها (مكشوف)‪،‬‬ ‫بين سهر‪ ،‬وتالوة القرآن الكريم‪ ،‬والتجمعات الشللية‪ ،‬وطريقتها أن يختبئ واحد‪ ،‬ومن ثم يبحث عنه اآلخر‪..‬‬ ‫ف��ي ك��ل ح���ارة م��ن ح���واري م��ك��ة‪ ،‬ال��م��ع��روف��ة بالصخب فأغمض سيف عينيه حتى يتيح ألخيه أن يختبئ جيداً‪..‬‬ ‫والحيوية والتجدد‪.‬‬ ‫وعندما بدأ سيف البحث عن أخيه‪ ..‬راح يتجول بين‬ ‫ثم ما يلبث أن يأتي العيد‪ ..‬عيد الفطر‪ ..‬الذي يعتاد الخيام‪ ..‬يبتعد شيئاً فشيئاً عن الخيام‪ ..‬يستمرئ المشي‬ ‫فيه الكبار على تقديم العيديات (وه��ي نقود‪ ،‬عشرة على الرمال‪ ..‬الشمس بدأت تشتد عليه وحرارتها تقسو‬ ‫رياالت في الغالب) على كل األطفال والصبية‪ ،‬الذين لم بالضرب على رأسه المكشوف وهو يسير‪ ..‬توقف سيف‬ ‫ونظر خلفه فلم يجد إال الرمال‪ ..‬يميناً رمال ويساراً‬ ‫يصلوا إلى مرحلة االعتماد على النفس بعد‪.‬‬ ‫رمال‪ ..‬بدأ العطش يشق حنجرته جفافاً‪ ..‬لم يعد قادراً‬ ‫غير أن هذا الطفل (سيف) كان شاذاً في مثل هذه‬ ‫حتى على الصياح أو المناداة‪ ..‬لم يجد بداً من المشي‪..‬‬ ‫المواقف‪ ،‬إذ كان يرفض ويبكي‪ ،‬ويهرب من أم��ام كل‬ ‫لم يعد يدري في أي اتجاه سيكمل المشي‪.‬‬ ‫شخص يحاول أن يقدم له (العيدية) على الرغم من‬ ‫مشى الصغير والشمس عمودية فوقه حتى أسقطته‬ ‫أن شقيقه األكبر منه بثالث سنين ك��ان ال يتورع عن‬ ‫اختطاف العيدية م��ن ك��ل ضيف وزائ���ر‪ ..‬ب��ل إن��ه كان بأشعتها الملتهبة؛ فغاب عن الوعي‪ ..‬لم يص ُح سيف‬ ‫يختطف عيدية سيف أيضاً‪ ،‬عندما كان سيف يرميها من إغماءته إال بعد أن غابت الشمس تماماً‪ ..‬أفاق‬ ‫مقربة منه‪..‬‬ ‫ٍ‬ ‫على صوت الكالب التي كانت تنبح على‬ ‫على األرض ويهرب!‬ ‫ألول م��رة يشعر سيف أن��ه وح���ده م��ع ال��ك�لاب‪ ..‬كان‬ ‫أتى موسم الحج‬ ‫صوت الكالب مألوفاً لديه‪ ،‬فشوارع مكة كانت ال تخلو‬ ‫مع أن عائلة سيف تمتهن (الطوافة)‪ ،‬وهو ما يجعل من الكالب السائبة‪ ،‬وأصواتها كانت تمأل ليالي مكة‬ ‫جميع أفراد األسرة مشغولين بموسم الحج كل عام‪ ..‬باألنس!‬ ‫غير أن هذا العام كان مختلفاً‪ ..‬ذلك ألن األسرة كلها‬ ‫ق��ررت أن ت��ؤدي فريضة الحج‪ ..‬وبالطبع لم تكن هذه‬ ‫المرة األولى لألسرة‪ ،‬ولكنها كانت المرة األولى بالنسبة‬ ‫لسيف‪ ،‬الذي يخطو اآلن نحو السادسة من عمره‪.‬‬

‫ول��ك��نّ س��ي��ف��اً اآلن وح����ده‪ ،‬ي��ك��اد ال��ظ��م��أ أن يقتله‪،‬‬ ‫وأص��وات الكالب مخيفة ج��داً‪ ،‬والليلة كانت ظلماء ال‬ ‫قمر فيها‪ ..‬وربما لحسن حظه أنها كانت ليلة ظلماء‪..‬‬ ‫فمن شدة الظالم استطاع أن يلمح بصيص ضوء عن‬ ‫بعد‪ ،‬فقفز يركض إليه وهو يردد بينه وبين نفسه‪« :‬أنا‬ ‫كالب فاشلة»!‬ ‫الناجح بترتيب األول‪ ،‬لن أخاف من ٍ‬

‫ذهبت العائلة كلها ألداء شعائر الحج‪ ،‬في (منى) أوالً‪،‬‬ ‫مبيت ليلة واحدة‪ ،‬ثم الصعود إلى عرفات‪ ..‬وكان سيف‬ ‫سعيداً بهذه األج��واء‪ ،‬التي كان يسمع بها ولم يعشها‬ ‫اقترب سيف من مصدر الضوء‪ ..‬فانتبه أنه مكان‬ ‫من قبل‪ ..‬وك��ان قد اصطحب معه مجسمات صغيرة يضم مجموعة من (العسكر)‪ ..‬وكان سيف يسمع عن‬ ‫لسيارات ملونة‪ ،‬كان قد اشتراها بجزء من (العيدية) العسكر ول��م يرهم م��ن ق��ب��ل‪ ..‬ك��ان يسمع عنهم أنهم‬ ‫التي تلقاها من أم��ه‪ ..‬إذ ك��ان ال يفرح بعيدية إال إذا أناس قساة‪ ..‬ال يقع بين أيديهم إال المجرمون‪ ..‬فشعر‬

‫‪40‬‬

‫اجلوبة ‪ -‬ربيع ‪1428‬هـ‬


‫سيف بمزيد من الخوف منهم‪ ..‬ولكنه ظمآن‪ ..‬كيف‬ ‫سيتصرف؟‬ ‫لم يفعل سيف شيئاً‪ ،‬وقف حائراً‪ ..‬فانتبه لوجوده‬ ‫أحد العسكر‪ ،‬وصاح به‪ :‬من أنت وأين أهلك؟‬

‫عليّ من الطول امرؤ متط ّولُ‪.»..‬‬ ‫ول��ذل��ك أي��ض��اً‪ ،‬ظ��ل يشعر طيلة حياته بالتعايش‬ ‫الحقيقيّ مع المية العرب للشنفرى)!‬

‫ف��ي ه��ذه األث��ن��اء‪ ،‬ك��ان��ت ه��ن��اك‪ ..‬ف��ي مخيم عائلة‬ ‫س��ي��ف‪ ..‬م��ن��اح��ة م��ا ب��ع��ده��ا م��ن��اح��ة‪ ..‬إذ ك��ان��ت والدة‬ ‫هرب سيف‪..‬‬ ‫سيف تبكي حتى ك��ادت أن تفقد بصرها‪ ..‬وك��ان والد‬ ‫ونظر خلفه‪ ،‬فلم يجد أحداً يركض وراءه!‬ ‫سيف يرسل كل موظفيه بكل االتجاهات بحثاً عن ابنه‬ ‫فعاد ثانية‪ ..‬وعاد العسكريّ يسأله‪ :‬من أنت وأين الصغير‪..‬‬ ‫أهلك؟‬ ‫لم يكد سيف أن يرتوي من قطعة الثلج التي ذابت‬ ‫أج��اب��ه سيف بصوت مختنق‪( :‬أن��ا عطشان‪ ،‬أبغى سريعاً م��ن سخونة ال��ج��و‪ ،‬حتى لمح السيد (محمد‬ ‫أشرب مويه)‪.‬‬ ‫حسين) الذي كان يعمل موظفاً لدى والده‪ ،‬وقد جاء إلى‬ ‫مقر العسكر هذا‪ ،‬يسألهم عن الطفل الضائع‪..‬‬ ‫قال له العسكري‪ :‬تعال اشرب!‬ ‫قال سيف‪ :‬ال!‬

‫صاح سيف بأعلى صوته‪( :‬أنا هنا أنا هنا)‪ ..‬ركض‬ ‫إليه محمد حسين وأخ��ذه من ي��ده‪ ،‬وأركبه خلفه على‬ ‫الدراجة النارية (الدباب)‪ ،‬وطار به إلى مخيم العائلة‬ ‫الذي كان قد اقتلعت منه الخيام تماماً‪ ..‬وكانت سيارة‬ ‫العائلة وحدها الواقفة تنتظر االبن التائه‪..‬‬

‫استغرب منه العسكريّ ‪ ،‬ويبدو أن قلب العسكري‬ ‫كان حنوناً ومتعاطفاً مع موقف سيف‪ ..‬فراح يبحث عن‬ ‫شيء يضع به بعض الماء للطفل البائس‪ ،‬ولكنه عاد‬ ‫وقال‪( :‬اسمع يا ولد‪ ..‬ال توجد عندنا سوى كاسة واحدة‬ ‫مربوطة بسلك في الترمس‪ ،‬كيف أرمي لك الماء وأنت‬ ‫ارتمى سيف على حضن أمه التي راحت تقبّله وتبكي‬ ‫بعيد)؟‬ ‫وتحمد الله‪ ،‬بينما كان أبوه يشكر السيد محمد حسين‬ ‫لمح سيف قوالب الثلج حول (ترمس الماء) فقال ويجزىء له المكافأة!‬

‫للعسكري‪( :‬الله يخليك ارم لي وصلة من هذا الثلج)!‬ ‫قبل أن تتحرك السيارة بالعائلة‪ ،‬فتح سيفُ البابَ‬ ‫ال على م��ا ي��ب��دو‪ ،‬فما كاد وخرج محاوالً البحث عن (السيارات الصغيرة الملونة)‬ ‫ك��ان العسكري مستعج ً‬ ‫يسمع طلب سيف حتى رمى له على التراب قطعة من التي دفنها ه��ن��اك‪ ..‬فلم يعد يعرف مكانها‪ ..‬إذ كان‬ ‫يحفظ موقعها بين الخيام فلم يعد للخيام وجود‪..‬‬ ‫ذلك الثلج!‬ ‫شعر سيفٌ بالحزن فبكى‪ ..‬اآلن يسأل نفسه‪ :‬كيف لم‬ ‫اختطف سيف قطعة الثلج وهي مخضبة بالتراب‪،‬‬ ‫يستف منها الماء ويمتصه‪( ..‬ربما من أجل ذلك أبك وأنا ضائع‪ ،‬بينما بكيت من ضياع أشياء صغيرة؟!‬ ‫ُّ‬ ‫وراح‬ ‫ال��م��وق��ف‪ ،‬ت��أث��ر سيف عندما كبر وق���رأ الم��ي��ة العرب‬ ‫وجدير بالذكر أن سيفاً‪ ،‬بعد ذل��ك اليوم‪ ،‬ك��ان في‬ ‫للشنفرى‪ ،‬التي جاء فيها‪:‬‬ ‫ك��ل زي����ارة إل���ى منطقة ع��رف��ات ي��ظ��ل يفتش ع��ن تلك‬ ‫األرض كي ال يُرى له‬ ‫ِ‬ ‫«وأستف تُربَ‬ ‫ُّ‬

‫السيارات‪!..‬‬

‫(‪ )1‬من قصيدة (سيف بن أعطى) ‪1999‬م (مقدمة الكتاب األخير‪ -‬النادي األدبي بمنطقة حائل)‪.‬‬ ‫(‪( )2‬سيف بن أعطى) هي (رواية الصورة األخرى)‪ ،‬ما جاء هنا مداخل إلى الفصل األول فقط!‬ ‫< شاعر وكاتب سعودي‪.‬‬

‫اجلوبة ‪ -‬ربيع ‪1428‬هـ ‪41‬‬


‫املهيمن السايكلوجي في اشتغال قصيدة النثر‪:‬‬ ‫باسم فرات في خريف املآذن مقتربا ً‬

‫> صفاء عبدالعظيم خلف‬

‫طفولة مهربة تكشف بؤرة شعورية مقفلة في داخل مكبوت‬ ‫ربما تكون المبادىء الفرويدية في التأويل تسمح لمن يشتغل على فهم البنية السايكلوجية لنص النثر‬

‫الشعري‪ ،‬وتعينه على الم ُِضي ُقدُماً في فهم التركيبتين الذاتية واإلبداعية‪ ،‬اللتين يمكن عدهما رهاناً‬

‫حيوياً‪ ،‬بوصفهما يعطيان النص وعلته جرعة إنبعاث وإتقاد مستمرة يحفزها فضاء مجهولية نقطة‬ ‫االستقرار‪.‬‬

‫إن عمق الصورة في قصيدة النثر‪ ،‬يمكن أن يُعزى إلى تلك المهيمنات النفسية‪ ،‬المتأتية من االستالبات‬

‫ذات تحاول القبض على عِ لل القلق والشك واالغتراب‪ ،‬واستعداء اآلخر‬ ‫المتساوقة مع صراع داخلي‪ ،‬في ٍ‬

‫غير المتفق مع قناعات الشخصية‪ ،‬التي ترى نفسها متقزمة إزاءه‪.‬‬

‫يرى «برنار بانغو»‪ ،‬في القراءة النفسية للعمل االبداعي أن هناك «لعبة كاملة من التداعيات ال نملك‬

‫مفاتيحها‪ ،‬وهي تهدم باستمرار النص الذي ندّعي السيطرة عليه‪ ،‬وفي ذات الوقت تقوم بتنظيمه دون‬ ‫علمنا»‪.‬‬

‫إنها بؤرة توتر إيجابية؛ فهدم أي نص‪ ،‬هو اعتراف باآلخر وتأثيره‪ .‬فالكتابة اعتراف ضمني باالنتماء‬

‫للحلم‪ ،‬وعلني لليقظة؛ أي لها فضاءان لالشتغال‪ :‬باطني «الالوعي»‪ ،‬وظاهري «الوعي»‪ .‬ويرى فرويد أن‬

‫الكتابة كفعل‪ ،‬هي إفراغ لكبت الالوعي‪ ،‬ومن ثَ َّم فإن اشتغالها يرجع في النتيجة إلى وعي حُ فز بقدحة‬ ‫إتقاد مكمنها رغبة تتشكل في ما قبل ذلك‪.‬‬

‫فمسكوتات الذات المشرنقة بالسرية‪ ،‬تندلق متخطية كل الحواجز‪ ،‬التي بناها الكائن‪ ،‬حفاظاً على‬

‫صورته «المشرقة» أمام العالم الذي يتقنع الرضا ويبطن ذات السوء‪ ،‬وهي تدفعه الى إخفاء مواطن تلف‬ ‫متجذرة فيه‪ ،‬ومؤلمة‪ ،‬وال تتملكه أدنى رغبة «واعية» في إطالق سراحها‪.‬‬

‫ن������ق������د‬ ‫‪42‬‬

‫الوعي يقود جبهة مقاومة عنيفة‪ ،‬ضد رغبات الالوعي الالجئ‪ ،‬إلى محاوالت خداع تنتهز فرصة‬

‫الكتابة االنفعالية‪ ،‬التي يمثل الشعر إحدى دعاماتها األساسية‪ ،‬وقصيدة النثر أهم مقترباتها الجلية‪ ،‬في‬ ‫إفراغ نفسها وكشف خصوماتها وأحالمها وتهويماتها؛ منتج ًة التكوين السايكلوجي للقصيدة‪.‬‬

‫فضاء االشتغال السايكلوجي في خريف المآذن‪ :‬ذاكرة الهوية‬ ‫تتراسل فضاءات «ال��ذاك��رة»‪ ،‬صانع ًة أفقاً تتبدى التعبيرية فيه عن جغرافيا مشاهد‪ ،‬تتحكم فيها‬

‫اجلوبة ‪ -‬ربيع ‪1428‬هـ‬


‫نزعة البحث ع��ن «ه��وي��ة» معلنة ف��ي كشف األلفاظ‬

‫م���واط���ن ال��ت��ع��رّف واالس��ت��ك��ن��اه وال���غ���وص عنده‪،‬‬

‫عنها‪ ،‬ومبهمة ف��ي اس��ت��ب��اق ال��ص��ور المحتجة على «م��ؤف��ل��م��ة»‪ ،‬مشهدياً‪ ،‬عبر التلقّي ال عبر الصراع‪.‬‬ ‫ال ف��ي استنتاجي‪ ،‬لكن‬ ‫قسرية االنتماء لها‪ .‬فمنجز الشاعر (باسم فرات)‪ ،‬ورب��م��ا أك��ون مخطئاً ومتعج ً‬ ‫«تُ��م��سّ ��رح��ه» زم��ان��ات مركبة م��ن صمت «تاريخاني» األث��ر السايكولوجي بائن في اشتغال النص النثري؛‬

‫وترسيخ جمود لألمكنة‪ ،‬في تعارض فيزيولوجي مع فهو محصلة إفراغات لوعي خضع الى سلطة الوعيه‪،‬‬ ‫المنطق الرياضي ‪ -‬الزمان له بُعد واحد‪ ،‬وربما يتعدى فحضور الشخصنة كان جلياً‪ ،‬فهو «لم يخبئ طفولته‬ ‫الى آخر حسب النسبية والمكان‪ ،‬ذو أبعاد متفاوتة ‪ -‬في قميصه»‪.‬‬ ‫والبعد الذي يحكم العالقة بين االثنين صيرورة تقادم‬ ‫ف��أن��ت��ج األث���ر ال��س��اي��ك��ول��وج��ي ن��س��ق��يّ خ��ط��اب في‬ ‫المكان المفتوحة مع زمان مقفل باتجاه واحد‪.‬‬ ‫المجموعة‪:‬‬ ‫وبثقل‪ ،‬تلقي ظاللها على‬ ‫ٍ‬ ‫زمانات ف��رات أميبية؛‬ ‫‪ 1‬االنزياح نحو التقريرية والمباشرة‪ ،‬وإسقاطات‬‫المنجز برمته‪ ،‬لتكوّن في النهاية نصاً ال ينتمي إال إلى‬ ‫ذاتية محضة‪.‬‬ ‫ذات مفرطة االفتتان بطفولتها‪ ،‬المنزاحة من طقس‬ ‫البهجة الى عقدة توحّ د الزم��ت الشاعر (اإلنسان)‪ 2- ،‬سطوع ومضات لالوعي‪ ،‬نتاج استجابة ألنا منزاحة‬ ‫ف���أ ّث���رت‪ ،‬بشكل واض����ح‪ ،‬ع��ل��ى رؤي��ت��ه للعالم وكشفه‬

‫لمنطقة الشعر فيه‪.‬‬

‫أتذكّر أنني بال وطن‬ ‫وأن الحروب ما زالت تالحقني وتغيّرُ أشكالها‪.‬‬ ‫والشظايا‪..‬‬ ‫بساطيل‬ ‫مسخت ذاكرتي‬ ‫أين سأحفظ قبالت النهر؟‬

‫نحو الداخل قسراً أم��ام أنا الوعي المتعملقة‬ ‫نحو الخارج قسراَ أيضاً‪.‬‬

‫أنا لم أُخبِ ئ طفولتي في قميصي‬ ‫‪ ..‬سرقتني الحرب‬ ‫فأعددت لها قلبي فراش ًا وصحوت‬

‫ثان‬ ‫السرد معبر ٍ‬ ‫م��ا ال���ذي يميز أي م��وق��ف درام����ي؟ إن��ه��ا العالقة‬ ‫ال��م��أزوم��ة بين الشخصيات وعالقتها م��ع بعضها؛‬

‫تنساب «قيمومة» ذات الطفل على ذات الشاعر‪ ،‬اس��ت��ج��اب��ة ورف���ض���اً؛ وال��ت��م��اه��ي وال��ت��ق��وق��ع‪ ،‬وك���ل تلك‬ ‫إلى حد تخليه عن لغته الشعرية‪ ،‬المتعقلنة إلى لغة‬ ‫الخيوط المتنافسة على سلطة مادية أو معنوية‪.‬‬ ‫طيفية مبعثرة؛ تشهد ازدحاما صورياً‪ ،‬كمخيّلة طفل‬ ‫لكن‪ ،‬ما االتجاه الذي ستؤشره بوصلة سرد تتحكم‬ ‫حفزتها إشارات‪ ،‬وارتحاالت‪ ،‬واغتراب مبكر‪ ،‬وعملقة‬ ‫به نزعة «التماهي» و«اإلسقاط» و«التقمص»؟ وأعني‬ ‫كاذبة لشخصية لم تكتمل بنيتها الصبيانية‪ .‬فالضفة‬ ‫السرد هنا في قصيدة النثر‪ ،‬حصراً‪.‬‬ ‫التي أوجدت األقدار الشاعر بها‪ ،‬ضفة ممسوخة ال‬ ‫دالل��ة لها عنده‪ ،‬إذ لم يبلغها عبر ت��درج طبيعي‪ ،‬بل‬

‫متى اشتغل السرد في نص النثر الشعري‪ ،‬كانت‬

‫قفزة‪ ،‬أحرقت التمرحل لديه‪ ،‬من طفولة مهرّبة إلى بواباته‪ ،‬البحث عن ب��ؤرة تاريخية منزوية‪ ،‬وإسقاط‬

‫ذات ناضجة «متعملقة» في اآلن ذاته‪.‬‬

‫تجربة اإلنسان المعاصر عليها‪ ،‬بشكل تتناغم فيه‬

‫اجلوبة ‪ -‬ربيع ‪1428‬هـ ‪43‬‬


‫ال��ص��ورت��ان إل���ى «ال��ت��م��اه��ي»‪ ،‬ح��س��ب دق���ة التوظيف الذات وحلم اليقضة» في تفسير كهذا‪ ،‬ظاهرة تفصح‬ ‫واالشتغال‪ ،‬والتي كثيراً ما تجعل الشاعر المشتغل عنها الكتابة‪« :‬إن الخيط الرابط‪ ،‬ترك الذات تسرح‬

‫على هذه االوال��ة‪« ،‬يتقمص» الحكاية ويجعلها سرداً دون كبح‪ ،‬واالسترخاء الذي يعقب الشرود؛ فباإلفالت‬ ‫ذاتياً‪ ،‬يُطلق من خاللها شراراته النثرية‪.‬‬ ‫من أطر المنطق نتغّرب ونتّبدل ونستلب‪ ،‬وقد يصادفنا‬ ‫ومع ذلك‪ ،‬ليست الحكاوي التاريخية وحدها التي الحظ ونلتقي بذاتنا‪ ،‬أو ندخل في ذات أخرى»‪.‬‬

‫تهيمن على س��رد القصيدة النثرية الحديثة‪ ،‬لكنها‬

‫سمة اشتغال متداول‪.‬‬

‫وتنسحب بؤرة الفقدان الشعورية إلى كل النسوة‬ ‫الالتي ساق القدر أبطالهن إلى سجن السندي‪ ،‬حيث‬

‫هناك من يحاول أن يفعّل س��رداً كونياً حداثياً‪ ،‬تبدأ حكاية الفقد لدى الطفل‪ .‬فرمزية عشتروت هنا‬ ‫ال ج��ذر ل��ه‪ ،‬ف��ي محاولة لصناعة رم��ز وثيمة بالغة كانت جلية في البحث عن النماء‪ ،‬المقدم من الرمز‬ ‫االق��ت��راب م��ن ال��ت��ش��وّه‪ ،‬ال���ذي أص���اب روح الكائنات ال��ذك��وري ل��ه��ا‪ ،‬فأسلوبية االش��ت��غ��ال‪ ،‬ك��ان��ت معشقة‬ ‫األرضية‪ ،‬في عالم تقوده التكنلوجيا ونظم االتصال‪ ،‬باالقتراب من نصوص المناجاة في أسطورة الخلق‬

‫وتعليب المشاعر‪ ،‬وإنتاج أحاسيس رقمية جاهزة‪.‬‬

‫يلجأ «فرات» إلى آلية السرد في إشتغال القصيدة‪،‬‬

‫معتمداً على حكاوي تاريخية‪ ،‬أنعشتها الذاكرة الشعبية‪،‬‬ ‫في بناءات تخَ يلية‪ ،‬منحتهم منطقة خادعة‪ /‬مخدوعة‬

‫لرفض السلطة‪ ،‬وإلشباع رغبة في االقتصاص منها‪.‬‬ ‫إذ إن توظيف الرمز المستلب قهراً يشير إلى ذلك‪.‬‬

‫تتجه بنية االش��ت��غ��ال ال��س��ردي ف��ي ن��ص اب��ن آوى‬

‫البابلية‪ ،‬يقول «فرات» في نص (أرسم بغداد)‪:‬‬

‫أسمعتك نشيدي فما أسمعتتني غير احتراقي‬ ‫ق���دت ال��م��ط��ر ال���ى ب��اب��ك ف��ان��زل��ق��ت أن��ام��ل��ه فوق‬ ‫جبيني‬ ‫أرخ���ي���ت ت��س��ه��ي��دي ل��ل��ح��رائ��ق‪ ،‬ألن����ي أم�����ام أت���ون‬ ‫الفراشات‬ ‫ودون خرابي الماثل للوردة والعصافير‬

‫أيقونات مهربة‬

‫ال��ن��ث��ري‪ ،‬إل��ى ن��وع م��ن الغنائية وم��داع��ب��ة الوجدان‪،‬‬ ‫ال لو إنه‬ ‫وتهييج األحاسيس‪ ،‬وكادت أن تكون فخاً قات ً‬

‫اجتر الواقعة في نوع من العودة إلى الماضي المصاب‬ ‫بالحنين‪ ،‬إال إنه قدم طرفاً هامشياً ومحدود المالمح‪،‬‬

‫تساوق معه‪ ،‬أنتج رمزاً‪ ،‬له اشكالياته النفسية الذاتية‪.‬‬ ‫(األم) محور النص‪ ،‬تكشف عن وجه جديد للمعاناة‪،‬‬

‫وعقد سايكلوجية مؤثرة‪.‬‬

‫مجمل المجموعة تجوس في فضاء سايكلوجي‪،‬‬

‫م�لام��ح��ه األب����رز ه���ي‪ :‬ال��س��ع��ادة ال��ض��ائ��ع��ة‪ ،‬وهاجس‬ ‫الحنين‪ ،‬والمعصية‪ ،‬واالستالب‪.‬‬

‫ي��ق��ول «م��ارس��ي��ل ري��م��ون» ف��ي كتابه‪« :‬البحث عن‬

‫‪44‬‬

‫اجلوبة ‪ -‬ربيع ‪1428‬هـ‬

‫خريف المآذن‪ ،‬كان لصلتها الحميمة بالذاكرة أث ٌر‬ ‫بالغ في تكوينها الشعري‪ ،‬الذي هيمنت على أجوائه‬ ‫نصوص طقوسية باشتغال إشاراتي‪ ،‬نجد صداها في‬ ‫تراتيل المعابد واألل��واح المقدسة العراقية القديمة‪،‬‬ ‫كأغاني كهنة‪ ،‬وخشوعات مستلبين؛ ففي نص (أرسم‬ ‫بغداد) األجواء خاشعة ومنطوية‪ ،‬في مناجاةٍ ‪ ،‬يقول‪:‬‬ ‫ي��ت��أس��س ال��م��اء كلما ت��ن��ح��در ال��ش��م��س م��ن رحم‬ ‫ياقوته‬ ‫االنتظار كلملة تصل اليقين بي‬ ‫يتلوى العمر على ورقة‪,‬‬


‫أو يتبختر – يا لرعونته – تحت نزيف الطائرات‪.‬‬

‫أبتلعك المنفى‬

‫ت��س��ري�� ٌل ش��ف��ي��ف‪ ،‬ب��ي��ن مبتنيات خ��ري��ف المآذن‪،‬‬

‫وتخشى على بهائك من االندثار‬

‫إنه ال يكشف عن سر ما‪ ،‬بل يطلق صيحة استنفار‬

‫متوقدة الدهشة لما حولها‪ .‬عين الكشف لدى فرات‬ ‫بالغة البراءة‪ ،‬تعطيه حرية التجوال في معابر قاتلة‪،‬‬ ‫وأخرى فسيحة الحزن‪ ،‬فيما كل المرح باتجاه السماء‪،‬‬

‫الشاهد الوحيد المتزامن مع كل العذابات المتخطية‬

‫��ف�لا ل��دج��ل��ة ف��ي أق��ص��ى أقصى‬ ‫ك��ل ليلة تقيم ح ٍ ً‬ ‫الجنوب‬ ‫ال جنوب أمامي‪ ..‬هنا بالدي‪ ..‬ال جنوب ورائي‪..‬‬ ‫أنا جنوب مطلق‪.‬‬ ‫نص (خريف المآذن) المنعكس في مرآة عنوانية‬

‫للحدود في نصه (جنوب مطلق)‪ ،‬وال��ذي يمكن عده‬ ‫أحد أهم اشتغاالت فرات في المجموعة؛ فالتقطيع أخرى‪( :‬ربيع السواد‪ ..‬دمنا)‪ ،‬يغري اشتغاله المتلقي‬ ‫ال��ص��وري واألس��ل��وب��ي تحيلنا إل��ى النصوص الدينية السير على خيط رفيع‪ ،‬إلى أرض فردوسية مقفلة‪،‬‬ ‫والشعرية العراقية البابلية والسومرية الطينية التي ككاهن طين يطلق احتجاجاته ضد كل المهيمنات‬ ‫محا ال��م��اء رسمها؛ فنستشف ق��درة شعرية حالمة السلطوية المتفيزقية واألرضية‪ ،‬التي لم تكلف نفسها‬

‫بالغة الهدوء والسكينة على الرغم من كل الرصاصات يوماً عناء النزول إلى عذابات عبيدها‪ ،‬لتكشف عن‬ ‫المتنافرة‪ ،‬والجراحات المفتوحة‪ ،‬واألماني المتخندقة سمو انتماءاتهم إلى حياة دون ركوع‪.‬‬ ‫في حجابات العزلة‪.‬‬

‫جنوب مطلق أدق االشتغاالت‪ ،‬إال إن نص «خريف‬

‫المآذن» تكمن قيمته في الداللة الرمزية ومسكوتاته‬

‫النبوئية؛ ف��أي ق���راءة تناصية بين النصين‪ ،‬تكشف‬ ‫آص��رة تحتفي بالبحث في أرض متغضنة بالحروب‬

‫وال��م��آس��ي واالح��ت�لاالت واالس��ت�لاب‪ .‬ع��ق��دة الحرب‬ ‫طبعت ببصمتها على جلد الشاعر واألرض‪ ،‬ففجرت‬

‫لهم العزة كلما توغلوا في الرفض‬ ‫أطعموا الحالج َصبرَهموا‬ ‫وأفاضوا على المأل حلم ًا‬ ‫بطراوتهم بلّلوا الندى‬ ‫وفلقوا الصخر بالرقة‪.‬‬ ‫(خ��ري��ف ال��م��آذن) المجموعة‪ ،‬ن��ب��وءة خ�لاص من‬

‫خزيناً شعرياً هادئ الطبع‪ ،‬نعزو هدوءه إلى اطمئنان صنمية كل المهيمنات على ذواتنا المحترقة عطشاً‬

‫لذات «التوجع»‪ ،‬وانزياح إلى ذاك��رة ثقبتها رصاصة‪ ،‬وجوعاً واغتراباً‪ ،‬يشفع لها على الرغم من هفواتها التي‬ ‫لم ترعوي خدش طفولة نهر وحلم وردة؛ فأحالت كل نتجت عن اإلسهاب في تصوير المعاناة واالعترافات‪،‬‬ ‫مشاهد االغتصاب العسكرية لديه‪ ،‬إلى اغتراب حاد‪ ،‬بوحها البريء‪.‬‬ ‫ونشوة بحث عن جنوب يشبه جنوبه المحترق؛ فأرخى‬ ‫إن أعمق إشتغال لفرات في خريف المآذن الصادرة‬ ‫العنان لتماهيه المفرط مع أسى البردي‪ ،‬معلناً عن‬ ‫ذات��ه جنوباً مطلقاً‪ ،‬ال يحده سوى البحر من جهاته عن (دار أزمنة) في عمان ‪2001‬م‪ ،‬كان اكتشافه بؤرة‬ ‫شعور‪ ،‬منزوية في داخله المكبوت‪ ،‬فاستنطقها‪ ،‬فكان‬ ‫كلها‪« ،‬كمرموزية» للبقاء الحي‪.‬‬ ‫يا لهاث الجنوب‪..‬‬

‫المنجز نتاج تحفيز للوعي والالوعي‪.‬‬

‫اجلوبة ‪ -‬ربيع ‪1428‬هـ ‪45‬‬


‫جنـيب محفوظ‬

‫أصــوات اإلثـــم والبــراءة‬

‫> محمد جميل أحمد‬

‫<‬

‫رحيل محفوظ عن (القاهرة) لم يكن مجرد لحظة قدرية‪ ،‬واقعت تخلعا ً لحياة آذنت بانسحاب مأساوي‬ ‫لعالمه‪ ،‬الذي وازى إيقاع تلك المدينة‪ ،‬عبر تحوّالتها المفصلية طوال القرن العشرين‪ .‬ليس ذلك فحسب؛ بل‬ ‫إن هذا الرحيل كان يفيض بفراق ويُتم‪ ،‬لم تعرفه القاهرة عن محفوظ طول حياته‪.‬‬ ‫و لهذا المعنى العضوي لعالقة محفوظ بالقاهرة‪ ،‬يصبح الفراق على هذا النحو يُتماً حقيقياً؛ ينزاح على‬ ‫النيل والهرم والقاهرة القديمة‪ ،‬أو هذا‪ ،‬على األقل‪ ،‬ما شعرت به وأنا أتأمل‪ ،‬عبر الشاشة‪ ،‬شبح الحزن‬ ‫والغبار يخيمان على القاهرة القديمة من صورة علوية‪ ،‬صباح اليوم الذي رحل فيه نجيب محفوظ‪.‬‬ ‫ثمة قدر غالب‪ ،‬انخرط فيه ذلك المتفلسف العشريني في نهاية الثالثينيات‪ ،‬لتأسيس حكايات على‬ ‫هامش األحداث القاهرية‪ ،‬تخلص باستمرار جمالياتها من «التاريخانية»‪ ،‬وتتأمل فيها وجوه القاهرة عبر‬ ‫سرديات مقنـ َّعة‪ ،‬تصغي إلى وجودها من القاع؛ لتضخ فيه أسئلة الوجود والعدم‪ ،‬وفسيفساء الهواجس‬ ‫اإلنسانية مشغولة ً في نسيج يختبر حاالت متذررة في (دنيا الله)‪.‬‬ ‫انخرط محفوظ مبكرا في رهان (خاسر)‪ ،‬يشف من الحداثة وتجلياتها في سرديات الثقافة الغربية‪ ،‬أقنعة‬ ‫وحكايا تنحاز إلى حياة قاهرية بامتياز‪ .‬واتخذ محفوظ مجازاً روائيا ً للحياة العربية القاهرية‪ ،‬على نحو‬ ‫يحيل سؤال التنظير للرواية العربية سؤاال مقلوباً‪ ،‬لشدة رهانه البارع بصورة شخصية في تضييق الهوة بين‬ ‫الشرط التاريخي للرواية؛ أي تلك البنى المعقدة للحياة الصناعية‪ ،‬وتعددها‪ ،‬وسؤالها «األنطلوجي» العابر‬ ‫لألفكار والفلسفات‪ ،‬وبين االنبثاق الطبيعي لعالمه الروائي من قلب الحارة القاهرية‪.‬‬ ‫كان محفوظ يتأمل باستمرار حياة المصريين برؤيا الفيلسوف وخيال الروائي‪ ،‬ولذلك لم يقع في موجات‬ ‫كتابية جرفها الزمن إلى الفراغ‪ .‬فمحفوظ أمسك من الفلسفة ما سمح له باالشتغال على تدوير أسئلتها الكلية‬ ‫والمحايثة للزمن في قصصه ورواياته بمهارة‪ ،‬وبصبر لم يشغاله عما يراه هو‪ ،‬وما ال يراه اآلخرون‪ :‬ذلك أن‬ ‫ال عن األضواء والشهرة بمتعة حقيقية‪ ،‬لفت انتباه ناقد حائر كان يبحث‬ ‫اليقين الذي جعله يعزف عزوفاً كام ً‬ ‫عن صور قصصية ضائعة للحياة المصرية في اإلبداع‪ ،‬ويتوق إلى أدب قومي مواز للحكايات الدنيوية األوربية‪،‬‬ ‫دون أن يكون ذلك اإلبداع نسخة منها ؛ لهذا كانت فرحة (سيد قطب) بـ (خان الخليلي) و(القاهرة الجديدة)‪،‬‬ ‫ال معكوساً إليمانه العميق الذي دفع حياته ثمناً له‪ .‬وكثيراً ما صرح محفوظ‪ ،‬في حوارات‬ ‫و(كفاح طيبة)‪ ،‬تأوي ً‬ ‫مبكرة‪ ،‬أن «قطب» هو أول من لفت األنظار إليه مع (أنور المعداوي) (صديق سيد قطب الحميم)‪.‬‬ ‫ولعل الغريب أن محفوظاً كان يفصل تماماً بين عالمه الروائي‪ ،‬وبين ما يصدر عنه من التزامات بيروقراطية‪،‬‬ ‫فيما كان ينحاز إلى أصواته الروائية‪ ،‬عندما ينشأ تناقض يوحي بالتراجع عنها‪.‬‬ ‫انتبه محفوظ مبكراً إلى الحيثيات الجمالية التي تفصل بين زمنين‪ :‬زمن السرد الروائي‪ ،‬وزمن التحوالت‬ ‫السائلة في الواقع‪ ،‬وكثيراً ما كان يقع الخلط بين الزمنين‪ ،‬بضغط التاريخانية‪ ،‬في التجارب الروائية التي صاحبت‬

‫‪46‬‬

‫اجلوبة ‪ -‬ربيع ‪1428‬هـ‬


‫بعض عمره ال��س��ردي المديد (إح��س��ان عبدالقدوس أيقونة ضائعة في هذا العالم‪ ،‬بل لعجز المبدع ووقوفه‬ ‫يوسف السباعي‪ ...‬ألخ)‪ ،‬فلم تسلم من النسيان‪.‬‬ ‫حائراً حين يبصر كثافة األلغاز في هذه الحياة‪.‬‬ ‫استسلم محفوظ منذ ال��ب��داي��ة ل��غ��واي��ة المكان‬ ‫(القاهرة القديمة)‪ ،‬مقيماً فيه إقامة فيزيائة نادرة‪.‬‬ ‫وكان هذا الخضوع لسلطة المكان يحرره من كثافة‬ ‫ال��م��ع��ط��ي��ات الفنية وال��ف��ل��س��ف��ي��ة‪ ،‬ل��م��ص��ادر الرواية‬ ‫ومرجعيتها األوربية‪ ،‬حين يكتب نصه السردي‪ ،‬فيأتي‬ ‫شفافاً وملتصقاً بمصائر الناس‪ ،‬وشؤونهم الدنيوية‪.‬‬

‫تردد محفوظ أمام اللحظات الدينية ومعطياتها‬ ‫الملتبسة‪ ،‬في التصوف والتدين الشعبي‪ ،‬دون أن يقع‬ ‫على ص��ورة المؤمن ال��راس��خ حيال دنيوية الحداثة‬ ‫وكثافتها‪ ،‬التي تقتلع كل يقين‪ .‬لكن الهوامش الفلكلورية‬ ‫لحاالت التدين الخام‪ ،‬سجلت في متنه السردي حنيناً‬ ‫غنائياً مكبوتاً لبراءة مفتقدة‪ ،‬ليست من هذا العالم‪.‬‬

‫ك��ان��ت م��رج��ع��ي��ات الفلسفة ال��س��ردي��ة لحكايات‬ ‫محفوظ هي فقط في الخالصات النقدية الحاذقة‪،‬‬ ‫أما معطيات النص ولعبته الفنية الماكرة فهي غواية‬ ‫جميلة للقارئ ومن عالمه المعروض في الحواري‪،‬‬ ‫واألسواق‪ ،‬والوكاالت‪ ،‬والتاريخ‪ ،‬واألطياف‪ ،‬واألحالم‪،‬‬ ‫واألساطير‪ .‬فلقد ب��رع محفوظ في توظيف مقولة‬ ‫(نوفاليس) عن اإلب��داع‪ ،‬بوصفه‪( :‬كتابة غير عادية‬ ‫عن حياة عادية)‪.‬‬

‫لقد هجر محفوظ الفلسفة ربما خوفاً من أسئلتها‬ ‫العارية‪ ،‬لكنه أع��اد إنتاج ه��ذه األسئلة في السرد‪.‬‬ ‫وه��ذا التماهي بين جماليات «السرد المحفوظي»‪،‬‬ ‫وتأويالته المطمورة في عصب األسئلة الفلسفية‪،‬‬ ‫هو الذي جعل من (حارة) محفوظ صورة من العالم‪،‬‬ ‫وجعل من شخصياته أصواتاً عابرة في الوجود‪.‬‬

‫وف���ي م����وازاة لحظة تأسيسية ل��ل��س��رد العربي‪،‬‬ ‫كان محفوظ يمسك بخيوط بهلوانية بارعة تتوافر‬ ‫على ذلك التمزق‪ ،‬بين االنخراط في لحظة سردية‬ ‫ع��رب��ي��ة ت��ب��دأ ص��ي��رورت��ه��ا ال��م��ت��أخ��رة‪ ،‬وب��ي��ن اإلدراك‬ ‫الواعي لمرجعيات عتيدة وراسخة للرواية‪ ،‬وشروطها‬ ‫التاريخية المتحققة في لحظة سردية أوربية متقدمة!‬ ‫واإلم��س��اك على ه��ذا النحو بين الحداثة السردية‪،‬‬ ‫وتأويلها على نحو مخصوص‪ ،‬في حياة عربية راكدة‪،‬‬ ‫هو عبقرية تفتح على صاحبها وجوه التأويل المتعددة‪.‬‬ ‫ال عن المعاناة‪ ،‬تنطوي هذه المغامرة على حنين‬ ‫ففض ً‬ ‫لبراءة ضائعة‪ ،‬ظل البحث عنها هو مغزى السرد‪.‬‬ ‫ك���ان التعبير ع��ن ال��ت��ن��اق��ض��ات ه��و ج��وه��ر إبداع‬ ‫محفوظ‪ .‬كانت األسئلة تعود مرة أخ��رى عبر أقنعة‬ ‫السرد في‪( :‬كفاح طيبة؛ القاهرة الجديدة؛ ميرامار؛‬ ‫أوالد حارتنا؛ ثرثرة فوق النيل؛ اللص والكالب؛ حديث‬ ‫الصباح والمساء)؛ دون أن تتوقف يوماً‪ ،‬ال ألن اليقين‬

‫ج��سّ ��د م��ح��ف��وظ ف��ي م��ش��روع��ه ال���س���ردي صيغة‬ ‫تستقطب االنهمام بأسئلة الحداثة ومرجعيتها الغربية‪،‬‬ ‫وكتابة سردية تقع على مثالها في الحياة الشعبية في‬ ‫آن؛ أي لقد كان محفوظ يخل ـ ِّص باستمرار تمثالته‬ ‫العميقة لمرجعيات السرد الغربي‪ .‬كان محفوظ من‬ ‫القالئل الذين قرأوا رواية مارسيل بروست الطويلة‬ ‫ج��داً‪« :‬البحث عن الزمن المفقود»‪( ،‬باإلنجليزية)‬ ‫من حكاياته القاهرية دون أن يقطع معها ؛ لذا يجد‬ ‫المتأمل في حياة محفوظ وس��رده ص��ورة من صور‬ ‫المثقف (العضوي) بالمعنيين الشعبي واالجتماعي‬ ‫المنذور ألمانة السرد الحميم‪ ،‬والمسكون بأنفاس‬ ‫الحياة الشعبية‪ ،‬فقدرة محفوظ على إدارة الحياد‬ ‫السردي في رواياته بمهارة عالية‪ ،‬هي جزء من ذلك‬ ‫التمثل العميق لصيرورة الحياة القاهرية عبر الزمن‪.‬‬ ‫فليس عجيباً أن ينعته أت��راب صباه البسطاء حتى‬ ‫بعد أن حاز جائزة نوبل بالـ (واد نجيب) ألنهم وجدوا‬ ‫فيه حالة عادية بامتياز‪ ،‬ووجد فيهم كتابة غير عادية‬ ‫رصدت مصائرهم ومثاالتهم في رواياته‪.‬‬

‫< شاعر وكاتب سوداني مقيم بالسعودية ‪.‬‬

‫اجلوبة ‪ -‬ربيع ‪1428‬هـ ‪47‬‬


‫شمس ال تعرف املغيب ‪ ..‬ومجد ال يعرف الصمت‬

‫ديوان الشاعر السعودي‪ :‬محمد احلربي «زمان العرب»‬ ‫> د‪ .‬خالد فهمي‬ ‫رائعٌ هو الشرقُ‬ ‫خلف الحوض المتوسط!‬ ‫َ‬ ‫القائمُ‬ ‫ال‬ ‫ربما كان هذان السطران الشعريان اللذان أبدعهما جوته في ديوانه الشرقي مدخ ً‬ ‫صالحاً من كثير من الوجوه لدراسة الديوان‪ ،‬الذي أبدعه الشاعر السعودي محمد جبر‬ ‫الحربي‪ ,‬وجعل عنوانه‪« :‬زمان العرب» وصدرت طبعته األولى عام ‪1427‬هـ‪.‬‬ ‫وربما صح كذلك أن نقرر أن هذه القصيدة‪ /‬الديوان ترغب في أن تفي العرب حقاً‬ ‫يهضمه الكثيرون في هذا الزمان تحت االنهزام‪ ,‬والديوان راغب كذلك في أن يعيد قراءة‬ ‫الحال‪ ،‬من زاوية المنجز الحضاري‪ ،‬معروضاً على ميزان الجوهر والعرض‪ ,‬وعلى ميزان‬ ‫الثوابت والمتغيرات‪ ,‬وقد تحقق له من خالل ما رصده مما يمثل جوهر عطاء العرب – أن‬ ‫يقرر أن هذا الزمان هو زمان العرب‪ ,‬على الرغم من معاكسات الشاغبين؛ ألنها معاكسات‬ ‫مغالطين خدعتهم خوادع‪ ،‬لفتتهم عن الجوهر األصيل الكامن في العطاء العربي‪ ,‬يقول‬ ‫الشاعر‪:‬‬ ‫تقول لي الوردة اآلن هذا زمان العرب‬ ‫حط‬ ‫وإن حط من ّ‬ ‫أو طار من طار‬ ‫أو غار من غار‬ ‫فاكتب هنا بالدم العربي وماء الذهب‬ ‫وفي أول السطر‪ ,‬في الصدر‬ ‫هذا زمان العرب‬ ‫والتوقف أمام اسم الزمان‪( :‬اآلن) الذي جاء معترضاً بنية السطر األول‪ ،‬بين القول‬ ‫والمقول‪ ،‬تظهر حرص الشاعر على بيان التوقيت؛ لتدفع توهم حمل الكالم على أي‬ ‫مجد قائم لم يغب؛ ألن أصوله التي‬ ‫ٍ‬ ‫زمن مضى‪ .‬القصيدة ترد النفس العربية الى‬ ‫أقامته وشيدته لم تزل قائمة ماثلة‪.‬‬ ‫وتأمل الداللة الكامنة وراء تنكير اسم ال َعل َم‪ :‬بوش مع أنه استجمع شروط المنع من‬ ‫التنوين – دال على هذه اإلرادة الجادة التي ترى بوش وتابعه نكرات‪ ،‬ال يصح أن تعيق‬

‫‪48‬‬

‫اجلوبة ‪ -‬ربيع ‪1428‬هـ‬


‫إع�لان تلك الحقيقة التي طمرتها شواغل الزمان‪،‬‬ ‫وه��و م��أخ��وذ م��ن ق��ول��ه ت��ع��ال��ى‪« :‬وأع����دوا لهم ما‬ ‫التي طرأت أخيراً‪.‬‬ ‫استطعتم من قوة ومن رباط الخيل» (سورة األنفال‬ ‫وقد استثمر الشاعر تقنية يعرفها التنظير البالغي ‪.)60 /8‬‬ ‫باسم براعة االستهالل‪ ،‬فأحسن عندما افتتح ديوانه‬ ‫وق��د حشد الشاعر المسوّغات التي قادته الى‬ ‫بذكر أجل مواريث العرب‪ ،‬وأجل ما يفخرون به‪ ،‬وأع ّز إعالن حقيقة إن زماننا هو زمان العرب‪ ،‬ونثرها في‬ ‫ما بنى مجدهم‪ ،‬وهو ما لم يغب مع مدارات الزمان‪ ،‬طول الديوان بعد هذه المباغتة التي افتح بها عمله‪،‬‬ ‫يقول محمد الحربي‪:‬‬ ‫في شكل من أشكال براعات االستهالل التي تحسب‬ ‫على األرض منه السالم‬ ‫ل��ه‪ ،‬ح��رص الشاعر على اإلع�ل�اء م��ن قيمة البيان‬ ‫وللعُ رْب طيّبهم والتقي‪ ،‬وفيهم رسالته‪ ،‬والنبيّ بحسبانه منحة ربانية ال يُ ْر َزقُّها أي أحد‪ ،‬وقد ظهر‬ ‫وأعلى صروح‬ ‫ه���ذا اإلع��ل��اء منذ‬ ‫البيان‪.‬‬ ‫مفتتح الديوان‪:‬‬ ‫ول����ل����ع����رب‪ ..‬أعلى‬ ‫وه������������������������ذه‬ ‫صروح البيان‬ ‫ال��م��ب��اغ��ت��ة التي‬

‫س�����م�����ي�����ت ف���ي‬ ‫التراث البالغي‬ ‫ب���اس���م (براعة‬ ‫االستهالل) تعلن‬ ‫ع������ن خطرها‬ ‫وقيمتها في أنها‬ ‫ب���ح��� ُّر المتلقي‬ ‫ج ّراً إلى التسليم‬ ‫بما هو مفتتح به‪ ،‬إن مفتح القصيدة‪ /‬الديوان يعلن‬ ‫أن���ه ال ث��م��ة م��ع��ارض ف��ي أن م��ج��د ال��ع��رب ك���ان في‬ ‫الرسالة الخاتمة‪ ،‬وفي صاحبها صلى الله عليه وسلم‬ ‫وص��روح البيان السامية‪ ،‬فلم تزل الكلمة هي أعلى‬ ‫مواريث الحضارات‪.‬‬ ‫وقد تترست القصيدة عن طريق تقنية التناص‪ ،‬أو‬ ‫تداخل النصوص وراء الحقيقة المفضية إلى اإلقرار‬ ‫بقيمة أع��ل��ى ن��ص مبين ف��ي ال��وج��ود‪ ،‬وه��و القرآن‬ ‫ال��ك��ري��م‪ ،‬فتسربت ع��ن س��ط��وره��ا ن��ف��ث��ات م��ن��ه على‬ ‫مستوى المعجم الشعري‪ ،‬وعلى مستوى التراكيب‪،‬‬ ‫يقول محمد الحربي‪:‬‬ ‫أعدّ وا لهم ما استطعتم من الكبرياء‪.‬‬

‫واستمر منسوباً‬ ‫ف���ي ك���ل ال����دي����وان‪،‬‬ ‫ي��ط��ل علينا وكأنه‬ ‫������اض في‬ ‫س��ل��اح م ٍ‬ ‫وج������ه ك�����ل ال���ذي���ن‬ ‫خ���������ارت ق�����واه�����م‪،‬‬ ‫ون�������س�������و أم�����ج�����اد‬ ‫العرب؛ يقول‪:‬‬ ‫و أما البيان فهذا بياني لكم فاحفظوه‬ ‫ويقول‪:‬‬ ‫رجه للعدو‪ ،‬وخالص‬ ‫ فهذا البيان من الشعر ما ُ‬ ‫للعرب‬

‫وقد تعانق مع هذه القيمة التي أعطيت للبيان‪،‬‬ ‫بوصفه من المسوّغات التي قادت إلى النتيجة التي‬ ‫حمل الديوان عنوانها‪ -‬قيمة من توابعها هي اإلعالء‬ ‫من اللغة العربية‪ ،‬ومما صدر عنها من علوم وحكمة؛‬ ‫يقول الشاعر‪:‬‬ ‫مسجل هنا مرة تلو أخرى‬ ‫َّ‬ ‫بأني أنا اليعربي‪..‬‬

‫اجلوبة ‪ -‬ربيع ‪1428‬هـ ‪49‬‬


‫انشد قافية الليل مبصرة كالنهار‪.‬‬ ‫تنتج ف��رع��ون وه��ام��ان‪ ،‬أو ب��وش وبلير ه��ي حضارة‬ ‫وت��زداد قيمة البيان واللسان‪ ،‬عندما ن��راه يدعو االنهيار‪ ،‬حتماً ستغيب عنها الشمس‪ ،‬وسيخرس يوماً‬ ‫لهما في سياق إكبار المفردات التي تلخص طريق مجدها إن وجد!‬ ‫استعادة المجد العربي‪ ،‬وهي مفردات بعضها مألوف‬ ‫وق��د أح��س��ن محمد ال��ح��رب��ي ف��ي استثمار هذه‬ ‫ف��ي س��ي��اق ال��م��ق��اوم��ة‪ ،‬وبعضها غير دائ���ر ف��ي ذلك التقنية‪ ،‬فأظهر من خالل المقارنة الصامتة الماثلة‪،‬‬ ‫المعجم‪ ،‬يقول‪:‬‬ ‫ف��ي بنية ال��دي��وان أن الحكم ال��م��وص��ول إل��ي��ه حكم‬ ‫ فبوركت يا حجر ًا ال ينام‬ ‫مشفوع ب��أدل��ت��ه‪ ،‬فقد احتشد ف��ي ال��دي��وان فجمع‬ ‫وبوركت يا لغتي العربية‬ ‫م��ا اشتهر م��ن رم��وز ال��ع��دوان‪ ،‬وال��خ��راب‪ ،‬والظالم‬ ‫وهذا التذكير بثوابت ما تمتلكه النفس العربية‪ ،‬في الثقافة العربية‪ ،‬س��واء كانت هذه الشخصيات‬ ‫لم يقف عند حدود دوائر الرسالة الخاتمة‪ ،‬والنبوة التراثية‪ ،‬تاريخية أو أسطورية أو دينية‪ ،‬أو غير ذلك‬ ‫الزاكية المشرفة‪ ،‬وما تراكم على مدار القرون من من التصنيفات المختلفة كما يلي‪:‬‬

‫تراث حنا على الوجود اإلنساني‪ ،‬ولكنه يمتد فيذكر‬ ‫بقوائم طويلة جداً من ميزات العرب التي تجسدت‬ ‫ف��أم��ا ال��ح��روب فمن صنع ف��رع��ون ه��ذا الزمان‬ ‫في البناء‪ ،‬واإلعمار‪ ،‬ورعاية اإلنسان‪ ،‬يقول‪:‬‬ ‫وهامانه‬ ‫وكونوا به الرمح والصولجان‬ ‫ب) المغول‪ /‬الروم‪ /‬الفرس‪:‬‬ ‫وكونوا الخالئف في جنة الله‪ ،‬أرض الرساالت‬ ‫لم أقف خائب ًا‬ ‫مهد ال��ح��ض��ارات‪ ،‬مفروشة بالغمام‪ ،‬ومفروشةً‬ ‫حين عاد المغول إلى غرّةِ األرض‬ ‫بالعنب‬ ‫واستنجد الروم بالفرس‬ ‫وفي الوقت نفسه يدخلنا الشاعر في مقارنة دالة‪،‬‬ ‫بالقس‬ ‫َّ‬ ‫واللص‬ ‫ُّ‬ ‫شديدة اإليحاء‪ ،‬ليثبّت نتائجه المرصودة سلفاً‪ ،‬التي‬ ‫ج) أبو جهل‪ /‬أبو لهب‬ ‫حكمت بأن هذا الزمان هو زمان العرب‪ ،‬تتجلى هذه‬ ‫صار لفارس في النسب العربي أبو جهل واللهب‬ ‫المقارنة الصامتة من خلف ما جمعه للعدد المحتل‬ ‫د) قارون‪ :‬من جرائر قارون‬ ‫من صفات تصب في قائمة الخراب‪ ،‬وتظهر حيثيات‬ ‫حكمة النهائي‪ ،‬الذي أعلنه م ْن عنوان الديوان‪ ،‬يقول‬ ‫ولم يكتف الشاعر محمد الحربي أن يرصد هذه‬ ‫في العدو‪:‬‬ ‫الشخصيات التراثية‪ ،‬تاركاً للمتلقي أمر التوصل الى‬ ‫ف��أم��ا ال��ح��روب ف��م��ن ص��ن��ع ف��رع��ون ه���ذا الزمان معادالتها الموضوعية‪ ،‬أو ما تشير إليه في الواقع‬ ‫وهامانه‬ ‫الذي تصوره القصيدة؛ ولكنه صرح مع التقدم في‬ ‫أ) فرعون‪ /‬هامان‪:‬‬

‫وب��ع��ي��داً ع��ن التخفي وراء ال��رم��زي��ن التراثيين؛‬ ‫فرعون وهامان اللذين سينكشف أمرهما مع التقدم‬ ‫في بناء القصيدة‪ /‬ال��دي��وان‪ ،‬فإن ما يهمنا هنا هو‬ ‫رؤية الديوان ألقوياء هذا الزمان من زاوية حضارية‪،‬‬ ‫هي المعيار الحقيقي للحكم على األمور‪ ،‬إن حضارة‬

‫‪50‬‬

‫اجلوبة ‪ -‬ربيع ‪1428‬هـ‬

‫ب��ن��اء ال��دي��وان بأسماء عصابة ال��ش��ر‪ ،‬ال��ذي��ن قادوا‬ ‫جحافل العداوة نحو بالد العرب‪  ،‬ليصبح شارون‪،‬‬ ‫وبوش‪ ،‬وبريمر‪ ،‬وبلير‪ ،‬هي المعادل الموضوعي لرمز‬ ‫الشر القديمة‪ ،‬وقد أكدت ذلك تصريحاته التي يقول‬ ‫فيها‪:‬‬


‫من جرائر قارون‬ ‫حتى جرائم شارون‬ ‫حتى بغال العراق األليفة في سرّة الحكم‬ ‫ف���ي رح��ل��ة ال��ب��ح��ث ع���ن ع��ل��ف ف���ي ب��ق��اي��ا بريمر‬ ‫‪Bremer‬‬ ‫أو في بقايا‪ :‬مستر بلير ‪Mr. Blair‬‬ ‫وكتابة أسماء هذين العلمين باألحرف الالتنبية‬ ‫وإن يكن من رواسب القصيدة الحداثية (المرفوضة‬ ‫من جانبنا) يمكن أن تفسر جماليًا بشيء من الرفض‬ ‫واالحتقار؛ ألن يحمل الحرف العربي صورة رسمهما‬ ‫اللفظي! وه��ذا تفسير متعاطف مع بنية الديوان‪،‬‬ ‫البعيد حقيقة عن روح الحداثيين وأفاعيلهم‪.‬‬ ‫لقد ص َوّرت أمريكا بالتتار‪ ،‬والمغول‪ ،‬وهما اختيار‬ ‫دالّ في هذا السياق المخَ رِّب‪ ،‬ال��ذي تمارسه هذه‬ ‫الشيطانة الرقطاء في عالم العرب‪.‬‬ ‫على أن الحكم الموثَّق من قبل محمد الحربي‬ ‫بتقدّم العرب‪ ،‬وسبق زمانهم‪ ،‬لم يهمل رسم الطريق‬ ‫الى نقص التراب‪ ،‬الذي علق بهذه الحقيقة فأخفى‬ ‫الوضاء‪ ،‬يقول‪:‬‬ ‫ّ‬ ‫وجهها المشرق‬ ‫لم أقف صامت ًا‬ ‫حين دكت جيوش التتار الجدار‬ ‫لم أقف خائن ًا‬ ‫حين عاد المغول الى غرة األرض‬ ‫واستنجد الروم بالفرس‬ ‫واللص بالقس‬ ‫لم أقف خائب ًا كاألوز!‬

‫التحلي بها‪ .‬ولعل أبرز ما ورد في بناء هذا الديوان‬ ‫هو استثمار (اإلوزّ) و(البغل )؛ فاألول معروف عنه‬ ‫عدم القدرة على فعل شيء‪ ،‬حتى أن األمثال القديمة‬ ‫في األوساط الشعبية تقول‪« :‬للبط تهددين الشط»‪،‬‬ ‫وه��و مثل يضرب في السخرية لمن يه َّدد وه��و في‬ ‫ضعف البط‪ ،‬وخوره‪ ،‬واإلوز في مدونة الحيوان عند‬ ‫العرب‪ ،‬هو البط الكبير؛ كما أن البغل معروف عنه‬ ‫التبلد في الوعي الثقافي العربي‪ ،‬ومعروف عنه رداءة‬ ‫األخالق‪ ،‬كما روى الدميري في حياة الحيوان‪ ،‬ومن‬ ‫أجل ذلك وجدنا الشاعر هنا ينفي عن نفسه‪ ،‬وعن‬ ‫العربي‪ ،‬إمكان أن يكون أحد هذين الرمزين يقول‪:‬‬ ‫لم أقف هائم ًا كالبغال‬ ‫أفتش في لغتي عن معان تخفف وطأتها‬ ‫أو تشير الى رحمة داخل النار‬ ‫ويقول‪:‬‬ ‫حتى بغال العراق األليفة‬ ‫في سرة الحكم‬ ‫كما استثمر الشاعر ما علق بالفرس أو الخيل‬ ‫ال كذلك‬ ‫من خصائص القوة‪ ،‬والنبل والعراقة‪ ،‬مستغ ً‬ ‫ما أستقر في الوعي الثقافي العربي من الخيرية‬ ‫الكامنة خلف هذا الحيوان‪ ،‬ربما بتأثير ممتد لألثر‬ ‫النبوي الشريف‪ :‬الخيل معقود بنواصيها الخير‪ ،‬وما‬ ‫ج��اء على شاكلته‪ ،‬فقد ج��اءت السياقات التي ذكر‬ ‫فيها الخيل دالة على ما نقول ونقرر‪.‬‬ ‫يقول الشاعر‪:‬‬ ‫وكونو الثوابت والعاديات‬

‫والتوقف أمام استثمار الحيوان في الديوان ملمح‬ ‫ وال يخفى أن ثمة قسماً تناولته بعض اآليات‬ ‫جيد بالقراءة‪ ،‬وهي تقنية عرفتها اآلداب العالمية‪ ،‬ال��ق��رآن��ي��ة الكريمة منذ اف��ت��ت��اح ال��وح��ي وت��ن��زل��ه في‬ ‫من زم��ان قديم‪ ،‬ربما بتأثير من األدب العربي في مكة المكرمة‪ ،‬كانت مادته هي العاديات وضبحها‬ ‫عصر سيادة العربية‪.‬‬ ‫وجريها‪.‬‬ ‫وقد وظف محمد الحربي ع��دداً من الحيوانات‬ ‫ف��ي ب��اب دف��ع تهمة ال��ت��خ��اذل ال��واج��ب على العربي‬

‫ويقول‪:‬‬ ‫وال تهلكوا‪ ،‬وتوخوا ما أمرتم به من عتاد‬

‫اجلوبة ‪ -‬ربيع ‪1428‬هـ ‪51‬‬


‫ومن زاد عزتكم من أياد‪ ،‬ومن صافنات الجياد‬

‫عندما دنسها األمريكان‪.‬‬

‫إن الشاعر مستكف أن يسدّ د خائن‪ ،‬ويرقى إلى‬ ‫وال���دع���وة إل���ى أن ي��ك��ون ال��ع��رب��ي م��ث��ل صافنات‬ ‫الجياد‪ ،‬دا ٌل على قائمة طويلة من استثمار القوة سدّة الحكم‪ ،‬في مكان ما عاله إال األكابر‪ ،‬يقول‪:‬‬ ‫وأضحى األمين الشريف العفيف بمحرا بها مَ نْ‬ ‫والنبل والعراقة‪.‬‬ ‫َذب‬ ‫ك ْ‬ ‫ويقول‪:‬‬ ‫وأضحى السفيه اللئيم حكيم ًا‬ ‫وال تستعيد ال��ل��غ��ات مهابتها وال��ك��واك��ب دريّها‪،‬‬ ‫وساد الخؤون على رأس بيت الخالفة‬ ‫والجبال غرابيبها‪ ،‬والجيا ُد الصهيل لتبهج إال إذا‬ ‫وتتمثل فكرة االرت��ق��اء برمزية الخالفة متعانقة‬ ‫اشتعل الليل في حدقات النواجل‪.‬‬ ‫ب��واح��دة م��ن أش��ه��ر األف��ك��ار ال��م��ت��داول��ة ف��ي مدونة‬ ‫لعذبات صهيل الجياد عالمة بهجة‪ ،‬وعالمة على النقد الحديث‪ ،‬التي تولي اهتماماً خاصاً لما يسمى‬ ‫استعادة ال��ذات العربية كينونته‪ ،‬ألن صهيل الجياد بجماليات المكان؛ وهو ما برز جلياً في التكثيف الذي‬ ‫إعالن عن قوة‪ ،‬واستجماع طاقة‪ ،‬وإقباالً على الحياة‪ ،‬صنعه الشاعر‪ ،‬من خالل استثمار مجموعة كبيرة من‬ ‫وتحركاً من أجلها‪.‬‬ ‫أعالم البلدان والمدن‪ ،‬التي علق في الذاكرة العربية‬ ‫وتستمر القصيدة مذكرة بشيء آخر جليل‪ ،‬على‬ ‫أن ذا الزمان هو زمان العرب‪ ،‬فتعلي من شأن الرابط‬ ‫الذي ظل يربط العرب جميعاً‪ ،‬وتأمر عليه األراذل؛‬ ‫فنالوا منه وأسقطوه‪ ،‬وهو رمز الخالفة‪ ،‬عنوان وصف‬ ‫األمة وترابطها‪ ،‬وهي أمر له تأصيالته الشرعية التي‬ ‫حرص الشاعر منذ البدء على بيانها؛ يقول‪:‬‬ ‫وكونوا الخالئف في جنة الله‪ ،‬أرض الرساالت‬ ‫مهد الحضارات‬

‫ما لها من تاريخ ماجد نبيل؛ فأشاع بهذا التكثيف‬ ‫ال‬ ‫جواً قائماً من الشعور بالمجد والعراقة التي تم ً‬ ‫الصدر نزوعاً نحو استعادته‪ ،‬والتعلق به‪ ،‬والحرص‬ ‫عليه‪ ،‬يقول‪:‬‬ ‫من عيون الرصافة والجسر حتى كروم الجليل‬ ‫ويقول‪:‬‬ ‫وأن ال طيرة ال عصر إال بأفياء دجلتهم والنخيل‬

‫ول��م تترابط ه��ذي األم��اك��ن إال في ظل ما تأمر‬ ‫في ربط دال ٍ‬ ‫وموح بما خلفته فكرة االرتباط بكون عليه األراذل فأسقطوه‪ ،‬وأزالوه بعد ما غيرنا زماناً‬ ‫اإلنسان مخلوقاً لإلعجاز‪ ،‬مستخلفاً  في األرض‪ ،‬مستظلين بأفياء الخالفة‪ ،‬وهو ما دعا الشاعر إلى‬ ‫ويقول‪:‬‬ ‫أن يقول‪:‬‬ ‫تبحر‬ ‫لم أقل إنها حالة ستمر‪ ،‬سحابة صيف ّ‬ ‫تقول لي األرض إن البالد بالد العرب‬ ‫بل قلت هذا احتالل‬ ‫وفيهم بدايتها بالخالفة حتى تعود كما شاء‬ ‫يبيح دمي في العراق‬ ‫ولم تأت الصورة الشعرية متنافرة مع هذا الطرح‬ ‫ويدمر دار الخالفة‬ ‫الذي قدّمه الشاعر‪ ،‬بل بدت الصورة الشعرية خادمة‬ ‫��ج��رت��ه ال��ع��ق��ول الجميلة ف��ي بيت‬ ‫ي��ح��رق م��ا ش ّ‬ ‫لموضوع النص‪ ،‬متسمة في غير قليل من المواضع‬ ‫حكمتها‬ ‫بالحدة واالبتكار‪ ،‬وإن قلت بشكل ع��ام‪ ،‬لكن قلتها‬ ‫وه��ذا التدمير ال��ذي فعله المغول قديماً عندما م��ب��ررة بسبب م��ن م��وض��وع ال��ق��ص��ي��دة‪ ،‬وبسبب من‬ ‫داسها رجس التتار‪ ،‬هو ما فعله مغول الزمان الحديث األفكار المطروحة فيها‪ ،‬فعلى حين نرى في القصيدة‬

‫‪52‬‬

‫اجلوبة ‪ -‬ربيع ‪1428‬هـ‬


‫تمجيداً لما أنتجته العربية من علوم وحكمة‪ ،‬وما‬ ‫قدمه العرب زم��ان خالفتهم من خير وب�� ّر بالعالم‪،‬‬ ‫رأينا ذلك طاّالً من وراء الصور التي أبدعها الشاعر‪،‬‬ ‫يقول‪:‬‬ ‫إلي وتشكو‬ ‫قلت هذي هي العربية تسعى ّ‬ ‫فقبلت مهجتها‪ ،‬وأخذت برفق يديها‬ ‫وأجلستها فوق روحي‬ ‫فسالت جروحي‬ ‫وفاض المداد بأنبل ما يصطفيه الفؤاد‬

‫واستنجد الروم بالفرس‬ ‫واللص بالقس‬ ‫وه��ذه استثمار جيد للتقارب ال��ذي بين السين‬ ‫والصاد‪ ،‬في الخصائص والسمات ويقول‪:‬‬ ‫وأجلستها فوق روحي‬ ‫فسالت جروحي‬ ‫ويقول‪:‬‬ ‫من جرائر قارون‬ ‫حتى جرائم شارون‬

‫في هذه الصورة الممتدة التي كان محورها هذه‬ ‫النبيلة‪ ،‬وقد أوشكت حادثات الزمان أن تكسرها‪،‬‬ ‫ولم يغب عن الشاعر أن يستثمر أخيراً التشكيل‬ ‫وج���دت م��ن ي��ت��رف��ق ب��ه��ا‪ ،‬وي��ح��ن��و عليها‪ ،‬وي��ق��ب��ل في الطباعي؛ إدراك��اً منه ألثر ذلك التشكيل الطباعي‬ ‫تشخيص تاريخ مهجتها‪ ،‬ويتخذ من الروح متكأ لها!‬ ‫ف��ي إث����راء دالل���ة ال��ن��ص؛ ف��ق��د أخ���رج ال���دي���وان في‬ ‫ويقول في بيان عدوان المحتل وهمجيته البادية‪ ،‬صورة عَ رْضية ال طولية‪ ،‬في هيئة كتالوج كما يصنع‬ ‫التي نزلت بمكانته ورشحته ألن يكون خ�لاف ما الفنانون الرسامون في إشارة واضحة إلى آثار العرب‬ ‫يعتقد الناس ويظنون‪:‬‬ ‫ال تدل عليها األوراق واألحبار وإنما تدل عليها لوحة‬ ‫بل قلت هذا احتالل‬ ‫أو لوحات سطروها على األرض‪ ،‬وحملوا بها وجه‬ ‫��ج��رت��ه ال��ع��ق��ول الجميلة ف��ي بيت‬ ‫ي��ح��رق م��ا ش ّ‬ ‫الحياة‪ ،‬وهو المعنى الذي لم يخف أو يغب التصريح‬ ‫حكمتها‬ ‫به في ذكر مآثر العرب‪ ،‬يقول الشاعر‪:‬‬ ‫وه���و ي��س��رق أس�����رار ف��ت��ن��ت��ه��ا‪ ،‬وم���ن���ازل أسيادها‬ ‫والسواد‬ ‫ي��ق��ول ل��ي ال��ب��رع��م ال��ص��ب�� َح ه���ذا ال��ج��م��ال جمال‬

‫وم��ن ناحية أخ���رى‪ ،‬استطاع الشاعر م��ن خالل العرب‬ ‫مما ساد قبح على األرض‬ ‫البنى الداخلية في النص أن يشيع جواً من اإليقاع‬ ‫إال وأسقطه الحسن‪ ،‬والحسن باب كباب عدن‬ ‫الجليل ال��ذي يوحي بالنبل والعراقة‪ ،‬وكأننا وسط‬ ‫عالم ملكي جليل القدر‪ ،‬ارتقت به منجزاته وآثاره‬ ‫والحسن هنا هو حسن العرب القادر على إسقاط‬ ‫وت��ف��ال��ي��ده األص��ي��ل��ة العريقة ال��ث��اب��ت��ة‪ ،‬معتمداً على‬ ‫مقابح الغرب الغازي األثيم‪.‬‬ ‫ما زرع��ه الشاعر من وسائل بديعية‪ ،‬تضافرت مع‬ ‫ك��م��ا ج���اء ال��خ��ط ق��ري��ب��اً ج����داً م��ن خ��ط النسخ‬ ‫تفعيلة (فعولن) الشائعة في الشعر الحرّ‪ ،‬التي راوح‬ ‫بينهما وبادل في بناء النص‪ ،‬من مثل‪ :‬حسن التقسيم‪ ،‬بوضوحه‪ ،‬وبيان تفصيالت الحروف في إشارة إلى‬ ‫والتشجيع الداخلي‪ ،‬واستثمار حروف الم َّد ليحقق ما تتمتع به النفس العربية‪ ،‬وما يتمتع به عطاؤها‬ ‫رثياً وهدوءاً مشعراً بالجالل‪ ،‬يقول الشاعر‪:‬‬ ‫الحضاري‪.‬‬

‫< كاتب وناقد ‪ -‬كلية التربية للبنات ‪ -‬الجوف‪.‬‬

‫اجلوبة ‪ -‬ربيع ‪1428‬هـ ‪53‬‬


‫املشروبات الغازية والصحة‬ ‫> د‪ .‬بشير محمود جرار‬

‫ع������ل������وم‬ ‫‪54‬‬

‫أصبحت المشروبات الغازية جزءاً من موائد معظم‬ ‫ المحليات الصناعية في المشروبات الغازية‪ ،‬التي‬‫األسر‪ ،‬والوجبات التي تقدمها المطاعم‪ ،‬خاصة تلك التي تعرف بالدايت أو الاليت‪.‬‬ ‫تقدم الوجبات السريعة‪ .‬وأخذت المشروبات الغازية ‪ -‬مع‬ ‫تسبب مضاعفات خطيرة‬ ‫األسف ‪ -‬مكان الحليب والعصائر‪ ،‬الغنية بالفيتامينات‬ ‫وال شك أن المبالغة في تناول المشروبات الغازية‬ ‫واألم�لاح المعدنية ومضادات األكسدة‪ ،‬التي تحمي من ولفترات طويلة‪ ،‬يُدخل إلى جسم اإلنسان جميع المواد‬ ‫اإلصابة بأمراض القلب والسرطان‪ .‬وتشير الدراسات سابقة الذكر‪ ،‬والتي ليس لها قيمة غذائية‪ .‬وق��د دلت‬ ‫إلى انخفاض تناول الحليب والعصائر بنحو‪ 30%‬لمصلحة ال��دراس��ات والبحوث على أن لهذه ال��م��واد مضاعفات‬ ‫المشروبات الغازية‪ ،‬عند أطفال بعمر خمس إلى تسع خطيرة على الصحة‪.‬‬ ‫سنوات في الواليات المتحدة األمريكية‪ ،‬خالل الفترة‬ ‫تلحق المواد الكيميائية التي تدخل جسم اإلنسان‬ ‫‪ 1988‬إلى ‪2003‬م‪.‬‬ ‫مع المشروبات الغازية الضرر الكبير بالصحة‪ .‬وتجمع‬ ‫وتقدّر مبيعات المشروبات الغازية سنوياً في أميركا األوس��اط الطبية على أنها المسبب األساسي للسمنة‬ ‫بنحو‪ 50‬بليون دوالر‪ ،‬ويتناول األمريكيون ‪ 14‬بليون جالون وتسوس األسنان‪ ،‬إضافة إلى أن الكميات الكبيرة منها‬ ‫م��ن المشروبات ال��غ��ازي��ة؛ بينما يصل نصيب المملكة لها تأثيرات ض��ارة على الكلى والكبد‪ ،‬وتعرقل مقدرة‬ ‫العربية السعودية إلى نحو ‪ 500‬ألف طن في العام من كريات الدم البيضاء الدفاعية ضد البكتيريا‪.‬‬ ‫تلك المشروبات‪ .‬وتصرف الشركات المنتجة للمشروبات‬ ‫وي��ق��در أن ‪ 21%‬م��ن ال��س��ك��ر ال����ذي ي��دخ��ل أجسام‬ ‫الغازية‪ ،‬ماليين ال��دوالرات من أجل البحث عن أسواق‬ ‫األمريكيين مصدره المشروبات الغازية‪ .‬ويعد السماح‬ ‫جديدة‪ ،‬وتستهدف في األساس صغار السن‪.‬‬ ‫ل��ش��رك��ات ال��م��ش��روب��ات ال��غ��ازي��ة ببيع منتجاتها داخل‬ ‫تخلو من المواد الغذائية‬ ‫المؤسسات التعليمية م��ن مسببات السمنة بين طلبة‬ ‫ول��و دققنا في محتويات ه��ذه المشروبات من واقع المدارس والجامعات‪ .‬وتؤكد دراسة في مستشفى بوستن‬ ‫ما هو مدون على عبواتها‪ ،‬لوجدنا أنها تخلو من المواد التابع لجامعة هارفرد عام ‪2001‬م أن اإلدمان في تناول‬ ‫الغذائية‪ ،‬بينما تحتوي إضافة إلى الماء‪ ,‬على العديد من المشروبات الغازية عند األطفال بين ‪ 10‬إلى ‪ 16‬سنة‪،‬‬ ‫المواد الكيميائية منها‪:‬‬ ‫ك��ان أح��د مسببات ع��دم تقيّدهم بتناول وجباتهم في‬ ‫ كمية كبيرة من السكر أو بدائله‪.‬‬‫أوقاتها‪ ،‬ومن ثم إصابتهم بالسمنة‪ .‬واتضح من الدراسة‬ ‫نفسها‪ ،‬أن تناول عبوة واحد يومياً من المشروبات الغازية‬ ‫ ثاني أكسيد الكربون‪.‬‬‫يزيد من احتمالية اإلصابة بالسمنة‪ ،‬بمعدل ‪.60%‬‬ ‫ الكافيين في بعضها‪.‬‬‫ نكهات صناعية‪.‬‬‫‪ -‬مواد حافظة‪.‬‬

‫‪ -‬الفسفور أو حمض الفوسفوريك‪.‬‬

‫اجلوبة ‪ -‬ربيع ‪1428‬هـ‬

‫ي��ؤدي تناول كميات كبيرة من المشروبات الغازية‪،‬‬ ‫ال��م��ح��ت��وي��ة ع��ل��ى ت��رك��ي��ز م��رت��ف��ع م��ن ال��ف��س��ف��ور وحمض‬ ‫الفوسفوريك‪ ،‬إل��ى إح���داث خلل ب��ال��ت��وازن بين فسفور‬ ‫وكالسيوم الجسم خاصة في العظام‪ ،‬وبشكل أساسي عند‬


‫األطفال والنساء‪ ،‬ومن ثم التسبب بهشاشة‬ ‫العظام‪ ،‬وإعاقة عملية تكلس عظام األطفال‪،‬‬ ‫خالل فترات النمو الحرجة‪.‬‬

‫وتشير الدراسات إلى أن تناول المشروبات‬ ‫الغازية يومياً وبمعدل ‪ 150‬عبوة في السنة‬ ‫ت��ج��ع��ل ص��اح��ب��ه��ا م��ع��رض��اً ل�لإص��اب��ة بكسر‬ ‫ال��ع��ظ��ام‪ ،‬بمعدل ث�لاث��ة إل��ى أرب��ع��ة أضعاف‪،‬‬ ‫مقارنة مع من ال يتعاطون هذه المشروبات‪.‬‬ ‫وكما أن ارتفاع نسبة الفسفور في الدم يجعل‬ ‫الكلية عند كبار السن غير قادرة على طرده ما‬ ‫يؤدي إلى إفساد التوازن الحمضي القاعدي‬ ‫في الكلية‪ ،‬ويلحق األذى بأنسجتها‪.‬‬

‫للمشروبات‬

‫ال��غ��ازي��ة‬

‫مضا عفا ت‬ ‫خ��ط��ي��رة‬ ‫على الكبد‬ ‫وال��ك��ل��ى‬ ‫و هشا شة‬

‫الغازية‪ ،‬بسبب خطورته المسرطنة للجهاز‬ ‫التناسلي األنثوي‪ ،‬وخاصة سرطان المثانة‪،‬‬ ‫وتسبّبه بحساسية عند بعض األشخاص‪،‬‬ ‫تظهر ع��ل��ى ش��ك��ل اح��م��رار ل��ل��ب��ش��رة‪ ,‬إال إن‬ ‫األسبارتيم ما زال يستخدم على نطاق واسع‬ ‫في المشروبات الغازية‪ ،‬التي تصنع لمرضى‬ ‫السكري ومن يعانون من السمنة‪ ,‬والغريب أن‬ ‫معظم مستهلكيها من الشبان وصغار السن‪.‬‬ ‫ي��ؤث��ر األس��ب��ارت��ي��م ع��ل��ى ج��م��ي��ع أعضاء‬ ‫الجسم‪ ،‬خاصة ال��دم��اغ‪ ،‬ويتحول إسبارتيم‬ ‫المشروبات الغازية إلى كحول الميثانول بعد‬ ‫ساعات من استهالكها‪ .‬ويعتقد أن ارتفاع‬ ‫تركيز األسبارتيم مرتبط باإلصابة بالذؤيبة‬ ‫ال��ح��م��راء‪ ،‬وبعض األم���راض الجينية وحتى‬ ‫أورام الدماغ‪.‬‬

‫تحتوي معظم المشروبات الغازية على‬ ‫الكافيين‪ .‬والمشروبات الغازية هي المصدر‬ ‫األساس للكافيين في دم األطفال تحت سن ا لعظا م ‪! ! . .‬‬ ‫‪ 12‬سنة‪ .‬وإن تناول طفل بمعدل عبوة واحدة‬ ‫كما تحتوي جميع المشروبات الغازية على‬ ‫من الكوال يومياً تدخل إلى دمه ‪ 45‬ميلغرام‬ ‫م��واد حافظة‪ ،‬أشهرها ب��ن��زوات الصوديوم‪،‬‬ ‫ال في توازن الصوديوم في الجسم‪ .‬وإن من‬ ‫من الكافيين‪ ،‬وهذا ليس أقل مما يدخل دم شخص بالغ والتي تسبب خل ً‬ ‫مدمن على شرب القهوة‪ .‬وكما هو معروف فإن الكافيين تأثيراتها ظهور الطفح واإلكزيما الجلدية‪ .‬وهناك مؤشرات‬ ‫يعد مادة منبهة‪ ،‬تسبب األرق والصداع وفقدان الشهية‪ ،‬على أن لمادة بولي إثلين رباعية الفثاليت‪ ،‬التي يرمز لها‬ ‫وت��ض��ع��ف ال���م���ق���درة ع��ل��ى ال��ت��رك��ي��ز‪ .‬وقد أ ظهر ت بالرمز (‪ ،)PET‬تأثيرات مسرطنة‪ ،‬وهي تدخل في تصنيع‬ ‫دراسة قامت بها كلية الطب بجامعة جون‬ ‫هو بكنز العبوات المعدنية للمشروبات الغازية‪.‬‬ ‫أن ت��ن��اول ال��م��ش��روب��ات الغازية‬ ‫وت��ش��ي��ر ال��ب��ح��وث ال��ط��ب��ي��ة إل���ى إن اإلك���ث���ار م���ن تناول‬ ‫المحتوية على الكافيين بمعدل‬ ‫المشروبات الغازية يسبب نقص ال��ب��ورون‪ ،‬م��ا ي��ؤدي إلى‬ ‫ع��ب��وة واح����دة ي��وم��ي��اً م��ن شأنه‬ ‫اضطراب في الدورة الشهرية لإلناث‪ ،‬ويربك أيض الحديد‪,‬‬ ‫خفض اإلخ��ص��اب بمعدل ‪50%‬‬ ‫العنصر الضروري لتكوين الهيموجلوبين‪.‬‬ ‫عند اإلناث‪.‬‬ ‫وترى بعض األوساط الطبية أن‬

‫وت��ح��ت��وي ال��م��ش��روب��ات الغازية‬ ‫ال��م��ع��روف��ة ب��ـ (ال���داي���ت أو الاليت)‬ ‫على بدائل للسكر‪ ،‬على هيئة محليات‬ ‫مصنعة‪ ،‬لخفض ال��س��ع��رات ال��ح��راري��ة‪ .‬وم��ن أشهر‬ ‫المحليات المستخدمة ف��ي ال��م��ش��روب��ات الغازية‬ ‫األسبارتيم والسكرين‪ .‬وعلى الرغم من أن استخدام‬ ‫السكرين أصبح محدوداً في الصناعات الغذائية والمشروبات‬

‫حموضة المشروبات الغازية‪،‬‬ ‫ال��ت��ي ت��ع��ادل ح��م��وض��ة ال��خ��ل‪ ،‬وال‬ ‫يشعر بها م��ن يتناولها‪ ،‬بسبب التركيز‬ ‫المرتفع للسكر تتسبب في اإلمساك‪ ،‬وترفع‬ ‫ضغط الدم‪ ،‬وتتلف األسنان‪ ،‬وتؤثر على فعالية‬ ‫األدوية‪ ،‬مثل‪ :‬البنسلين واألمبسلين وغيرها‪.‬‬

‫< د‪ .‬بشير جرار‪ :‬قسم علوم المختبرات الطبية ‪ -‬كلية العلوم الطبية التطبيقية ‪ -‬جامعة الجوف‪.‬‬

‫اجلوبة ‪ -‬ربيع ‪1428‬هـ ‪55‬‬


‫القاص جبير املليحان‪ :‬ليس ضروريا ً أن‬ ‫يكون القاص روائيا ً‬

‫> حاوره‪ :‬عبدالعزيز النبط – اجلوف‬ ‫يرى األستاذ جبير المليحان‪ ،‬رئيس نادي الشرقية األدبي‪ ،‬أن هناك ارتفاعاً في سقف‬ ‫الحرية في الصحافة واإلع�لام السعودية‪ ،‬مؤكداً أن الرقيب المباشر فقد الكثير من‬ ‫أدواته‪.‬‬ ‫وأشار صاحب موقع «القصة العربية»‪ ،‬الذي يعد أشهر منتدى لكتاب القصة في الوطن‬ ‫العربي‪ ،‬إلى أن الموقع ال يستهدف الكم في نشر القصص وفي مشاركات األعضاء‪ ،‬ودلل‬ ‫على ذلك بأنهم يعتذرون في كل يوم ألعضاء عن نشر مواد ال تتوافر فيهم شروط النشر؛‬ ‫ألن هدفهم في الموقع‪ ،‬كما يقول المليحان‪ ،‬هو جودة الكلمة‪.‬‬ ‫وكشف المليحان عن عشقه القديم لمسقط رأسه في حائل «قصر العشروات»‪ ،‬وعن‬ ‫تجربة نادي الشرقية األدبي في عرض األفالم السينمائية ألول مرة على مستوى األندية‬ ‫األدبية‪ ،‬التي أثارت العديد من ردود األفعال المتباينة‪ .‬وكان هذا نص الحوار الذي تناول‬ ‫هذه التجربة‪ ،‬وغيرها‪:‬‬ ‫ بعد مرور نحو عام على التغييرات الجديدة في عضوية مجالس األندية األدبية‬‫السعودية‪ ،‬ما أبرز منجزات األندية في تلك الفترة؟‬

‫م��واج��ه��ات‬ ‫‪56‬‬

‫< قبل ذل��ك‪ ،‬مرت الساحة الثقافية في بالدنا بانفراج كبير‪ ،‬على مستويات عدة؛‬ ‫متغيرات في الطرح‪ ،‬وارتفاع في سقف حرية الصحافة واإلعالم‪ ،‬وتجاوز بعض المسكوت‬ ‫عنه ‪-‬اجتماعياً غالباً‪ -‬واتساع مجال النشر الورقي واإللكتروني‪ ،‬إضافة إلى احتضار‬ ‫سطوة الرقيب المباشرة‪ ،‬تمهيداً لنقله إلى متحف تاريخي؛ وكما ترى اآلن فق ْد َف َق َد الرقيب‬ ‫الكثير من أدواته‪ ،‬ولم يعد يملك قضباناً يحاصر به الفضاء المفتوح على اتساعه‪.‬‬ ‫وهذه نقطة تشكل تحوالً تاريخياً على مستوى سيرة اإلنسان في العالم كله؛ إذ أصبحت‬ ‫المعلومة في متناول أي فرد في أي وقت وأي زمن‪.‬‬ ‫اآلن كل السُ ل َِط التي كانت تحصي أنفاس الفكر‪ ،‬وتالحق أضواء الكلمات‪ ،‬تفلت األغالل‬ ‫من أيديها بشكل تدريجي دون انقطاع‪ .‬إنه خطو جديد في مسار الحرية يتنامى‪.‬‬

‫اجلوبة ‪ -‬ربيع ‪1428‬هـ‬


‫م��ن ج��ان��ب األن���دي���ة األدب���ي���ة ف��ق��د اك��ت��م��ل تشكيل‬ ‫ ما تقييمك لتجربة ن��ادي الشرقية األدب��ي في‬‫مجالس إداراتها تقريباً‪ ،‬وهي تخوض نقاشاً متواص ً‬ ‫ال عرض األعمال السينمائية‪ ،‬وهل واجهت هذه العروض‬ ‫ح��ول بناء الئحة األن��دي��ة األدب��ي��ة وال��ل��وائ��ح الداخلية معارضة من المجتمع؟‬ ‫وشروط العضوية‪ ،‬التي مضى على إقرارها أكثر من‬ ‫< يتيح نظام النادي والئحته األساسية استخدام‬ ‫ربع ق��رن‪ ،‬ولم تعد تمثل المرحلة اآلنية؛ إضافة إلى األفالم السينمائية للتوعية والتثقيف‪ ،‬وطرح الحوار‬ ‫أن األندية بدأت ‪-‬بتشكيالتها الجديدة‪ -‬التوجه إلى وال��ن��ق��اش‪ ،‬لكن تجهيزات ال��ن��ادي وم��ق��ره ال��ح��ال��ي ال‬ ‫طَ رْقِ المجاالت الثقافية الواسعة باتجاه البناء والثقافة‬ ‫يتيحان مكاناً للسينما كمفهوم‬ ‫ال��م��ع��رف��ي��ة األوس�����ع‪ ،‬واألشمل‬ ‫مستقل‪ .‬وقد استخدمنا في‬ ‫لألنشطة اإلبداعية اإلنسانية‪.‬‬ ‫العرض األجهزة المستخدمة‬ ‫ ه��ل تتفق م��ع مَ��� ْن ينادي‬‫ب�����أن ي��م��ن��ح رؤس�������اء األن���دي���ة‬ ‫األدب��ي��ة ال��م��رأة دور ف��اع��ل في‬ ‫رسم سياسات وخطط األندية‬ ‫األدب��ي��ة‪ ،‬أم تعتقد أن المرأة‬ ‫يجب أن تبادر بنفسها من أجل‬ ‫أخذ هذا الدور؟‬

‫< ف���ي رأي����ي أن المسألة‬ ‫ال ت��ط��رح ب��ي��ن رج����ل وام�����رأة‪.‬‬ ‫الطبعي أن يتم رسم السياسات‬ ‫والخطط األدبية والثقافية من‬ ‫قبل ال��ع��ق��ول‪ ،‬دون النظر إلى‬ ‫جنس اإلنسان‪.‬‬

‫ف��ي ال��م��دارس والجامعات‬ ‫«البروجكتر»‪ ،‬وعبر دائرة‬ ‫تلفزيونية مغلقة‪ ،‬مفصولة‬ ‫للنساء‪.‬‬

‫ب����دأن����ا ك�������أول ن�����اد في‬ ‫اس���ت���خ���دام ه����ذه الوسيلة‬ ‫ال���ح���دي���ث���ة ل����ع����رض بعض‬ ‫األفالم السينمائية المختارة‬ ‫للجمهور‪ ،‬وفد القت إقباالً‬ ‫مدهشاً‪.‬‬

‫قليلون ممن لم يعجبهم‬ ‫ذلك‪ ،‬وقد استمعنا إليهم وإلى كل رأي‪ ،‬بعقول وقلوب‬ ‫مفتوحة ألن النادي للجميع؛ كان ثمة مالحظات‪ ،‬وقد‬ ‫ ما م��دى تعاون ن��ادي الشرقية األدب��ي مع بقية احترمنا مشاعرهم‪ ،‬وشُ ��كّ��ل��ت لجنة إلج���ازة األفالم‬‫األندية في المملكة‪ ،‬خاصة نادي الجوف األدبي‪ ،‬في والوثائق قبل عرضها على الجمهور‪.‬‬ ‫مجال إقامة األمسيات الثقافية وغيرها؟‬ ‫‪ -‬هل توجد نية لدى نادي الشرقية األدبي في نشر‬

‫< نحن س��ع��داء ب��وج��ود األدي���ب ال��م��ب��دع الصديق أعمال المثقفين؟‬ ‫عبدالرحمن الدرعان في قيادة النادي مع زمالء آخرين‬ ‫تجاوزنا النية منذ بدء استالم مجلس اإلدارة مهامه‪،‬‬ ‫مضيئين‪ ،‬في هذه المرحلة يتم التنسيق والتشاور حول وت��م تشكيل لجنة للنشر حيث أق��رت حتى اآلن أكثر‬ ‫كل األمور‪.‬‬ ‫من سبعة كتب جديدة بين الشعر والقصة‪ ،‬وأغلبها‬ ‫ونخطط إلقامة أنشطة مشتركة مع نادي الجوف للشباب‪.‬‬ ‫بتشكيلته الجديدة‪ ،‬وكذا األندية األخرى‪.‬‬ ‫‪ -‬هل تتفق مع مطالبة رئيس نادي الجوف األدبي‬

‫اجلوبة ‪ -‬ربيع ‪1428‬هـ ‪57‬‬


‫عبدالرحمن الدرعان بان تفوق موازنة األندية األدبية تدشينه قريباً‪.‬‬ ‫التي تقع في مناطق إداري��ة كبيرة مثل ن��ادي الجوف‬ ‫ي��ش��ارك ف��ي م��وق��ع «ال��ق��ص��ة ال��ع��رب��ي��ة» اآلن كتاب‬ ‫األدبي‪ ،‬موازنة أندية تقع في مدن قريبة من المراكز من ث�لاث وعشرين دول��ة عربية‪ ،‬ويزيد عددهم عن‬ ‫الثقافية الكبرى‪ ،‬مثل نادي الرياض األدبي؟‬ ‫ألف وثالثمائة مبدعة ومبدع‪ .‬ويشكل موقع «القصة‬

‫< ال أتفق مع صديقي عبدالرحمن في ذل��ك من‬ ‫ج��ان��ب‪ ،‬وأت��ف��ق معه ف��ي ج��ان��ب آخ���ر؛ صحيح أن ما‬ ‫يخصص للتشغيل يجب أن يكون متساوياً‪ ،‬لكن ما‬ ‫يخصص لألنشطة والمشاريع‪ ،‬التي تغطي رقعة معينة‬ ‫يجب ‪ -‬حسب رأيي ‪ -‬أن يختلف‪ .‬وكمثال على ذلك‬ ‫فإن نادي الشرقية األدبي يغطي مساحة واسعة تضم‬ ‫مدناً كثيرة‪ ،‬وكثافة سكانية ال تقارن بما يقدمه ناد آخر‬ ‫تغطي خدماته جمهوراً أقل‪.‬‬

‫العربية» مرجعاً ضخماً للقصة العربية القصيرة‪ ،‬إنه‬ ‫المرجع األول دون منافس ‪ -‬حتى اآلن ‪ -‬في القصة‬ ‫القصيرة؛ إذ يحتوي الموقع على أكثر من ثمانية آالف‬ ‫نص قصصي‪ .‬وه��و مكان للتوثيق‪ ..‬إذ أن نشر نص‬ ‫قصصي لمبدع باسمه وبتاريخ محدد يمنع انتحاله أو‬ ‫سرقته من قبل آخرين‪ ،‬خاصة في الشبكة‪ ،‬حيث تكثر‬ ‫السرقات‪.‬‬

‫كما يعد موقع «القصة العربية» جامعة للبحث‬ ‫إن ال��ع��ام��ل ال��رئ��ي��س ف��ي ذل���ك ‪ -‬ف��ي رأي���ي ‪ -‬هو والدراسة‪ ،‬وورش العمل األدبية للجامعات والمدارس‬ ‫والمهتمين‪ ،‬حيث استخدمت م���واده اإلب��داع��ي��ة في‬ ‫الجمهور المستفيد‪.‬‬ ‫ في ظل وج��ود العشرات من المواقع الثقافية بلدان كثيرة ‪-‬حسب علمي ‪ -‬للبحوث وورش العمل‪،‬‬‫العربية على اإلن��ت��رن��ت‪ ،‬م��اذا أض��اف موقع «القصة والتحضير للدراسات العليا‪.‬‬ ‫إن��ه باختصار جامعة عربية ثقافية مفتوحة ال‬ ‫العربية» ‪ www.arabicstory.net‬ال��ذي أسسه‬ ‫تعترف بالحدود الجغرافية‪ ،‬أو األطر السياسية‪.‬‬ ‫جبير المليحان للمثقف العربي؟‬

‫ يدخل موقع «القصة العربية» سنته السادسة‪،‬‬‫< تحول الموقع إلى شبكة «القصة العربية»‪ ،‬بعد‬ ‫ثالث سنوات من إنشائه‪ ،‬نحن اآلن على عتبة السنة وب��ال��ك��اد ت��ج��اوز ع��دد أع��ض��ائ��ه ال��ـ ‪ 500‬ع��ض��و‪ ،‬فهل‬ ‫السابعة‪ ،‬ولدينا الكثير مما أنجز‪ ،‬والكثير مما هو تقتصر العضوية على األدباء والمثقفين؟‬ ‫مخطط له‪ ،‬وآمال عريضة تتوالد مع كل نجاح‪.‬‬ ‫< بلغ عدد كتاب موقع «القصة العربية» المتعمدين‬

‫ب��دأ تأسيس الموقع ف��ي ب��داي��ة ال��ق��رن الميالدي‬ ‫ال��ح��ال��ي‪ ،‬بعدد قليل م��ن مبدعي ال��س��رد القصصي‪،‬‬ ‫وبنصوص قليلة‪ ،‬ولتخصصه‪ ،‬ووضوحه أهدافه‪ ،‬وكون‬ ‫كتّابه يوقعون بأسمائهم الحقيقية‪ ،‬فقد انتشر بسرعة‬ ‫كبيرة‪.‬‬

‫كأعضاء (‪ )1375‬عضواً‪ ،‬أما منتدى «القصة العربية»‬ ‫فيبلغ عدد أعضائه حتى اآلن (‪ )561‬عضواً‪ .‬إننا ال‬ ‫ن��ه��دف إل��ى ال��ك��م‪ ..‬ففي ك��ل ي��وم نعتذر ألص��دق��اء ال‬ ‫تتوفر فيهم شروط النشر‪ .‬إن هدفنا هو جودة الكلمة‪،‬‬ ‫وصحتها‪ ،‬وتحمّل الكاتب لمسؤولية حروفه بشكل ال‬ ‫لبس فيه‪.‬‬

‫في السنة الثالثة تم تدشين منتدى «القصة العربية»‬ ‫ على الرغم من أن موقع «القصة العربية» يحتوي‬‫الحواري‪ ،‬وفي السنة الرابعة صدر أول كتاب ورقي‬ ‫(قصص من السعودية)‪ ،‬وت��م ه��ذا العام االنتهاء من على قصص ألدباء من مختلف الدول العربية‪ ،‬إال أن‬ ‫بناء الموقع الثالث‪« :‬مدونات القصة العربية» وسيتم المالحظ أن الكتاب األول ال��ذي ص��در ع��ن الموقع‬

‫‪58‬‬

‫اجلوبة ‪ -‬ربيع ‪1428‬هـ‬


‫بعنوان (قصص من السعودية)‪ ،‬اقتصر فقط على ‪ 70‬السلطة للقوة العضلية وليس الفكرية‪ .‬إنها مرحلة‬ ‫بائسة يمر بها مجتمعنا المتجه إلى النمو واالنفتاح‪.‬‬ ‫قاصة وقاصاً من السعودية‪ ،‬ما تعليقك ؟‬ ‫هذا هو مشروعنا األول للنشر الورقي‪ .‬وحيث أن‬ ‫الموقع يموّل بموارد مالية شخصية‪ .‬فإننا نواجه بعض‬ ‫الصعوبات‪ .‬لقد صدر الكتاب األول‪ ،‬وقد خصصناه‬ ‫لكاتبات وك��ت��اب القصة ف��ي ال��س��ع��ودي��ة‪ .‬أم��ا الكتاب‬ ‫الثاني فسيكون للكتاب العرب جميعاً‪ ،‬وسيحتوي على‬ ‫خمسين نصاً لخمسين مبدعاً عربياً‪ .‬إن ك��ل شيء‬ ‫جاهز‪( :‬النصوص ولجنة االختيار واآلليات الفنية)‪،‬‬ ‫الصعوبة تكمن في كيفية توزيعه بعد طباعته‪ .‬لقد‬ ‫كلفنا إيصال النسخ من الكتاب األول إلى أصدقاء في‬ ‫مصر وسوريا والعراق‪ ..‬والبلدان العربية األخرى أكثر‬ ‫من ضعف قيمته أجوراً للبريد‪ ..‬ومن هنا فقد تمهلنا‬ ‫في إصدار الكتاب الثاني حتى نجد حالً‪.‬‬ ‫ هل قصص المليحان الموجهة للطفل متواجدة‬‫في المكتبات المدرسية؟‬ ‫< أص��درت لي لجنة العالقات العامة في شركة‬ ‫الزيت العربية السعودية (أرامكو) أول مجموعة موجهة‬ ‫لألطفال بعنوان (الهدية) وقد طبع من العدد ‪ 150‬ألف‬ ‫نسخة توزع مجاناً‪ .‬وقد تم توزيع نسخ على مدارس‬ ‫المنطقة الشرقية ومدارس مملكة البحرين‪.‬‬ ‫لدي سلسلة من كتب األطفال المكتوبة برؤية تربوية‬ ‫مناسبة تستحث التفكير(قرابة أربعين كتاباً صغيراً)‬ ‫المشكلة ذاتها‪ ،‬من يطبع؟ ومن ي��وزِّع؟ إضافة إلى أن‬ ‫كتب األط��ف��ال تتطلب أن تصاحب الكلمات برسوم‬ ‫مناسبة تتوازى مع النص‪ ،‬وكل هذه غير متوافرة اآلن!‬ ‫ كيف ترى منع األعمال الفنية بالقوة‪ ،‬كما حصل‬‫ذلك في مسرح اليمامة؟‬

‫ أين أعمال جبير المليحان في مجال الرسم؟‬‫< معلقة في منزلي! لقد توقفت عن الرسم منذ‬ ‫سنوات‪.‬‬ ‫ متى تصدر الرواية األولى للقاص جبير المليحان‪،‬‬‫وما رأيك بكثرة األعمال الروائية السعودية أخيراً‪ ،‬التي‬ ‫تناول بعضها قضايا اجتماعية حساسة‪ ،‬مثل رواية‬ ‫بنات الرياض لرجاء الصانع؟‬ ‫< ولماذا متى؟ وهل على كل قاص أن يكتب رواية؟‬ ‫إنني أجد نفسي في القصة بكل ألوانها‪ .‬ومجال السرد‬ ‫الواسع (الرواية) يحتاج إلى وقت وشبه تفرغ‪ ،‬وهذا ما‬ ‫ال أملكه اآلن‪.‬‬ ‫أم��ا ك��ث��رة األع��م��ال ال��روائ��ي��ة ف��ي ال��س��ع��ودي؛ فهي‬ ‫طفرة جميلة جداً‪ .‬إن هذا الكم سيفرز كيفاً جميالً‪.‬‬ ‫وف���ي ك��ل ح���ال أن���ا م��ع أي���ة ن��اف��ذة أو وس��ي��ل��ة سلمية‬ ‫للتعبير يستخدمها اإلنسان‪ .‬أما «بنات الرياض» فقد‬ ‫اخترقت ما كان يدور تحت األرض وفي الغرف المغلقة‬ ‫والشاشات؛ إن ذلك يحسب لها‪.‬‬ ‫ ما سبب ابتعادك عن الصحافة‪ ،‬بعد أن وصلت‬‫إلى منصب نائب رئيس تحرير صحيفة اليوم؟‬ ‫< فصلوني!‪.‬‬ ‫ من الذي فصلك‪ ،‬ولماذا؟‬‫< كان الشاعر محمد العلي رئيسا للتحرير‪ ،‬وكنت‬ ‫مدير تحرير متفرغ‪ .‬و ُكلّفتُ برئاسة التحرير أثناء إجازة‬

‫< لإلرهاب ألف وجه تظهر لنا بألوان كثيرة‪ ..‬يتجلى‬ ‫أدناها باستخدام القوة‪ .‬إنه األسلوب البدائي‪ ،‬الذي‬ ‫يرتبط مباشرة بتفكير إنسان الكهف والغابة‪ ،‬حيث‬

‫اجلوبة ‪ -‬ربيع ‪1428‬هـ ‪59‬‬


‫رئيس التحرير‪ .‬كان التعاون بين إدارة التحرير وإدارة‬ ‫الجريدة ضعيفاً‪ ،‬وكنا نواجه الكثير من المشكالت‪،‬‬ ‫ونحتاج إلى الدعم‪ .‬وكنا نطالب بذلك وال نجد آذانا‬ ‫صاغية‪ .‬كانت اإلدارة تركز على اإلعالنات فقط؛ بل‬ ‫إنها أجلّت حقوق العاملين في صف المواد والمحررين‬ ‫المتعاونين‪ ،‬وأل��غ��ت بعضها بشكل غير مسبوق أو‬ ‫مقبول‪ .‬كان جهاز التحرير يعتمد على المتعاونين‪ ،‬وكنا‬ ‫حينها في شهر رمضان‪ ،‬فأخذوا إجازاتهم من أعمالهم‬ ‫ووظائفهم الحكومية‪ ،‬وطالبوا أن تصرف لهم مكافآت‬ ‫إن هم بقوا يعملون في الجريدة‪ .‬رأيت أن ذلك منصفاً‬ ‫ومن حقهم‪ .‬وكتبت إلى اإلدارة فلم تستجب؛ فكتبت‬ ‫إل��ى وزارة اإلع�ل�ام‪ ،‬فلم تجب‪ .‬فما ك��ان مني إال أن‬ ‫أعطيهم الحق بالتمتع بإجازاتهم مع أسرهم‪ ..‬وهكذا‬ ‫كان‪ .‬حيث خلت الجريدة من المحررين المتعاونين‪ ,‬ما‬ ‫اضطرنا إلى تقليص عدد الصفحات من ‪ 12‬إلى ‪8‬‬ ‫ال في الصفحة‬ ‫ثم إلى ‪ 4‬صفحات‪ .‬وكتبت مقاالً طوي ً‬ ‫األخ��ي��رة أش���رح فيه ال��وض��ع ل��ل��ق��ارئ‪ ،‬وأن���دد بموقف‬ ‫اإلدارة والوزارة‪ .‬غضبوا وجاؤوني إلى البيت بخطاب‬ ‫فصل وت��ه��دي��د‪ .‬ك��ان معهم رج���ال رس��م��ي��ون‪ .‬رفضت‬ ‫الذهاب معهم قائالً‪ :‬إنني صائم‪ ،‬وعليهم االنتظار حتى‬ ‫وقت ذهابي إلى المكتب‪ .‬وهكذا وجدتهم مساء في‬ ‫انتظاري حيث سلمت إدارة التحرير إلى أحد مسؤولي‬ ‫وزارة اإلعالم وأخذت أوراقي وخرجت‪ .‬كان هذا عام‬ ‫‪1399‬هـ‪.‬‬ ‫ ك��ي��ف ت��ق�� ّي��م تجربتك الصحافية ف��ي صحيفة‬‫اليوم؟‬ ‫< أن���ا ج���زء م��ن ه���ذه ال��ج��ري��دة ب���دأت ال��ع��م��ل بها‬ ‫مصححاً لغوياً بعد تخرجي من الثانوية‪ ،‬وتدرجت‬ ‫حتى رئاسة التحرير باإلنابة‪.‬‬ ‫بعد فصلي منها‪ ،‬مُنعت من الكتابة فيها‪ ،‬ليس من‬ ‫قبل جهة رسمية‪ ،‬لكن إدارة الجريدة ومديرها العام‬ ‫كان يصرخ غاضباً عندما يسمع باسمي‪ .‬مرت سنوات‬

‫‪60‬‬

‫اجلوبة ‪ -‬ربيع ‪1428‬هـ‬

‫طويلة‪ ،‬سقطت فيها دول وانهارت أنظمة وتغيّر وجه‬ ‫العالم‪ ..‬وال زالت هذه الجريدة ‪ -‬حتى اليوم ‪ -‬ال تتيح‬ ‫لي الكتابة فيها‪ .‬لقد تلقيت في مراحل مختلفة‪ ،‬من‬ ‫رؤساء تحرير هذه الجريدة ثالث دعوات لكتابة زاوية‬ ‫ثابتة (عمود) فيها‪ ،‬ووافقت‪ ،‬وأرسلت المادة لكنها لم‬ ‫تنشر‪ .‬ودعوتان تلقيتهما من رئيس التحرير الحالي‪،‬‬ ‫لكن اسمي عندما يذهب إلى إدارتها يرفض‪ .‬بل إنني‬ ‫عندما قدمت طلباً لضم خدماتي في الجريدة إلى‬ ‫خدمتي الحكومية رفضت الجريدة بحجة أنه ال يوجد‬ ‫لي (ملف) مع أن لدي الوثائق الرسمية الصادرة من‬ ‫الجريدة التي تثبت مدة عملي فيها‪.‬‬ ‫ تعمدت وزارة الثقافة واإلع�ل�ام في ضخ دماء‬‫ش��اب��ة ف��ي التشكيل ال��ج��دي��د لمجلس إدارة األندية‬ ‫األدبية‪ ،‬هل تتفق مع رأي بعض اإلعالميين بأن الدور‬ ‫في هذا التوجّ ه سيكون على رؤس��اء تحرير الصحف‬ ‫السعودية؟‬ ‫< ه��ذا مطلب ض����روري‪ ،‬فقد ش��اخ البعض على‬ ‫كرسيه‪ .‬صحيح أن للخبرة دوراً‪ .‬لكن الحياة مليئة‬ ‫بالشباب الطموح والموهوب‪.‬‬ ‫ م���اذا يمثل ق��ص��ر ال��ع��ش��روات بالنسبة لجبير‬‫المليحان؟‬ ‫< كل ما يخطر على بال طفل كبير يشبهني‪ .‬إنه كل‬ ‫ما تختزنه الذاكرة من أحالم‪ .‬إن «قصر العشروات»‬ ‫عشب ذكرياتي الجميلة‪ ،‬التي عشتها وأعيشها في‬ ‫حلم متواصل ال أمِ ��� ُّل م��ن��ه؛ إن��ه��ا‪ :‬ال��رب��ي��ع‪ ،‬والجبال‪،‬‬ ‫وال��م��ط��ر‪ ،‬وال��س��ه��ول‪ ،‬وال��ح��ق��ول‪ ،‬وأص����وات الطبيعة‪،‬‬ ‫واللعب‪ ،‬والمرح‪ ،‬والبساطة‪ ..‬أحقاً تريدني أن أقول كل‬ ‫شيء؟ ال أستطيع اآلن‪ !..‬فأنت تحثني على أن أحكي‬ ‫لك سنوات ممتدة لحياة ممتدة‪ .‬إن قلبي م��وزع بين‬ ‫أشجار الشيح‪ ،‬والنفل‪ ،‬والقحويان‪ ،‬والربلة‪ ،‬وبين زرقة‬ ‫سرقتني من الجبال!‬


‫صاحب «عمارة يعقوبيان» و «شيكاغو»‬

‫عالء األسواني‪ :‬قسوة النقد تؤدي إلى الوعي‬ ‫> حاورته في القاهرة ‪ :‬سهى علي رجب‬ ‫كتب الشاعر الكبير شوقي بزيع عن رواية عمارة يعقوبيان‪« :‬ال أذكر على وجه التحديد‬ ‫اسم الصديق الذي كان أول من أشار عليّ بقراءة رواية جديدة صدرت في القاهرة تحت‬ ‫عنوان (عمارة يعقوبيان)‪ ،‬ولكنني أذكر أن الصديق إياه نسي اسم المؤلف‪ ،‬ولم يبق في ذهنه‬ ‫سوى عنوان الرواية التي أفتتن بها‪ ،‬كما سيحدث لي شخصياً بعد ذلك‪ .‬وحين تكرر الحديث‬ ‫عن الرواية المذكورة في مناسبات مختلفة‪ ،‬أدركت أن عليّ البحث عنها خالل زيارتي األخيرة‬ ‫إلى القاهرة‪ ،‬تماماً كما حدث لي مع رواية (العطر) لأللماني زوسكند‪ ،‬ومع (مريم الحكايا)‬ ‫للبنانية علوية صبح‪ .‬إذ ال يمكن لمثل هذه الوشايات أن تكون زائفة وأن يتواطأ هذا العدد‬ ‫من القراء المميزين على تقريظ عمل أدبي‪ ،‬ما لم تتوافر له عناصر الجدة والفرادة واإلمتاع‪.‬‬ ‫األمر اآلخر الذي حرّضني على قراءة الرواية‪ ،‬هو ظني أن العمارة التي تحمل الرواية اسمها‬ ‫هي العمارة الشهيرة نفسها الواقعة في رأس بيروت‪ ،‬التي تضم عشرات الشقق السكنية‪،‬‬ ‫وتجثم كجبل صغير من اإلسمنت وسط إحدى أكثر مناطق بيروت عراقة وجماالً‪.‬‬ ‫حسبت قبل الشروع في القراءة أن عالء األسواني‪ ،‬الذي كان مجهوالً لديّ حتى تلك‬ ‫اللحظة‪ ،‬شأنه شأن العديد من المصريين قد عاش في العاصمة اللبنانية ردحاً من الزمن‪،‬‬ ‫وأراد أن يؤرخ بالرواية لذلك المبنى الضخم القديم‪ ،‬الذي يعج بالمكاتب والشقق السكنية‬ ‫المتفاوتة الفخامة واالتساع‪ .‬على أن دهشتي تلك لم تتبدد تماماً حين أدركت أن عمارة‬ ‫يعقوبيان هي واحدة من المباني القاهرية القديمة‪ ،‬الواقعة في شارع سليمان باشا‪ ،‬حيث‬ ‫يتدفق الدم األكثر حرارة لمدينة المعزّ‪ .‬فالرواية على الرغم من إيغالها في المحلية‪ ،‬لم‬ ‫تنغلق تماماً على حيزها المكاني‪ ،‬بل بدت في دوائرها األوسع تجسيداً لروح المكان الكوني‪،‬‬ ‫الذي تتكرر نظائره في كل عاصمة أو مدينة كبرى»‪.‬‬ ‫«اذا أردت أن تخدم قضية ما فلتكتب رواية جيدة»‪ ،‬هكذا يقول الروائي الكبير جابرييل‬ ‫جارسيا ماركيز‪ .‬وألن الرواية هى أقرب األنواع األدبية إلى قلب القارئ‪ ،‬الذي يجد نفسه‬ ‫ال كلياً أو جزئياً في شخوصها‪ ،‬طرق عالء األسواني باب الرواية مبكراً‪ ،‬عندما وجد‬ ‫متمث ً‬ ‫ومحام من طراز رفيع؛ عرف كيف يعشق األدب حتى يعشقه األدب‪،‬‬ ‫ٍ‬ ‫نفسه إبناً لكاتب وإذاعي‬ ‫تخير لنفسه الطريق الصعب تاركاً األموال والرفاهية‪ ،‬ليسير على األشواك‪ ،‬رافعاً راية‪( :‬ال‬ ‫تراجع وال إستسالم)‪.‬‬

‫اجلوبة ‪ -‬ربيع ‪1428‬هـ ‪61‬‬


‫< عالء األسواني في سطور‬ ‫ عالء عباس األسواني من مواليد محافظة القاهرة‬‫عام ‪ 1957،‬وال��دي من محافظة أس��وان‪ ،‬ووالدتي من‬ ‫محافظة اإلس��ك��ن��دري��ة؛ طبيب أس��ن��ان‪ ،‬روائ���ي وكاتب‬ ‫أحاول قصارى جهدي أن أكتب شيئاً ينال رضا القراء‪.‬‬ ‫< أي اللقبين أحب إليك‪ :‬الطبيب أم األديب؟‬ ‫ حقيقة لقب األديب هو األقرب إلى قلبى‪ ،‬فاألدب‬‫أول إهتماماتي‪ ،‬ولقد ظهر األدب في حياتى مبكرا منذ‬ ‫سن التاسعة والفضل يعود في ذلك إلى والدي الكاتب‬ ‫ع��ب��اس األس��وان��ي رح��م��ه ال��ل��ه‪ ،‬فكانت أح�لام��ى أدبية‬ ‫خالصة‪ ،‬وربما أكون قد عملت بالطب من أجل مساعدة‬ ‫األدب (مادياً)‪ ،‬ألن األدب ليس مهنة‪ ،‬واألديب العربي ال‬ ‫يستطيع التكسب من وراء أدبه؛ حتى إن الروائي العربي‬ ‫الكبير نجيب محفوظ ظل يعمل في وزارة األوقاف إلى‬ ‫أن بلغ سن المعاش؛ وذلك أكبر دليل على أن األدب ليس‬ ‫مهنة للكسب‪ ،‬واألدي��ب الحقيقى يعي ه��ذا وال ينتظر‬ ‫عائداً مادياً من وراء أدبه‪.‬‬ ‫< أث��ي��رت ال���زواب���ع واألق���اوي���ل ب��ع��د رواي����ة (عمارة‬ ‫يعقوبيان)‪ ،‬هل توقعت كل ما أثير حولها؟‬

‫< م��ا ال���ذي ج��ذب��ك إل��ى ع��م��ارة يعقوبيان تحديداً‬ ‫لتكتب عنها روايتك؟‬ ‫ عشقى لمنطقة وسط البلد هو السبب‪ ،‬فوسط‬‫مدينة القاهرة أو ما نطلق عليه‪« :‬وس��ط البلد»‪ ،‬هو‬ ‫جيولوجيا إجتماعية‪ .‬والسر الذي ربما أبوح به للمرة‬ ‫األولى أن رواية عمارة يعقوبيان كتبت في ثالث سنوات‪،‬‬ ‫ك��ان عنوانها أثناء الكتابة‪« :‬وس��ط البلد»‪ ،‬وف��ي نهاية‬ ‫السنة الثانية إيّرت اسمها إلى «عمارة يعقوبيان»‪ ،‬حيث‬ ‫أني أمتلك عيادة في العمارة‪ ،‬وأب��ي‪ ،‬رحمة الله عليه‪،‬‬ ‫كان يمتلك مكتب محاماة فيها؛ فشعرت ان من الممكن‬ ‫ان تكون مسرحاً ألحداث روايتى على الرغم من أننى‬ ‫لم أصوّرها حرفياً؛ فالعمارة الحقيقية ستة أدوار وانا‬ ‫ذكرت انها عشرة أدوار‪ ،‬كذلك اسم صاحب العمارة من‬ ‫وحى خيالي‪ .‬لقد كانت العمارة حيلة فنية ليس أكثر‪.‬‬

‫ منذ ص��دور مجموعتى األول���ى‪ « :‬ال��ذي أقترب‬‫ورأى» عام ‪1998‬م‪ ،‬والمشكالت بدأت‪ ،‬إذ سحبت من‬ ‫األس��واق بعد الطبعة األول��ى‪ ،‬وحدثت م��ش��ادّات كثيرة‬ ‫مع هيئة الكتاب؛ نتيجة لفهم خاطئ‪ ،‬وخلط بين بطل‬ ‫حققت عمارة يعقوبيان نجاحات في أوروبا‪ ،‬ما مدى‬ ‫الرواية و مؤلفها‪ .‬فال يعنى أن بطل الرواية ناقم على‬ ‫ذلك النجاح وهل يوازي النجاح الذي حققته في الدول‬ ‫بعض سلبيات المجتمع أن هذه اآلراء تخصني‪.‬‬ ‫العربية؟‬ ‫وفى مجموعتى القصصية التالية‪« :‬جمعية منتظرى‬ ‫د‪ .‬عالء‪ :‬نعم‪ ..‬الرواية نجحت بالفعل‪ .‬وقد تُرجمت‬ ‫الزعيم» حدث خالف شخصى بينى وبين مسؤول سلسلة‬ ‫إل��ى أرب���ع ل��غ��ات حتى اآلن‪ :‬اإلنجليزية‪ ،‬والفرنسية‪،‬‬ ‫االصدارات‪ ،‬فرفض نشرها! فحدث نو ٌع من األلفة بينى‬ ‫واإلي��ط��ال��ي��ة‪ ،‬واإلس��ب��ان��ي��ة‪ .‬وه��ي اآلن ف��ي طريقها إلى‬ ‫وبين المشكالت والزوابع‪ ،‬فأعتد عليها‪ ،‬وهذا ما حدث‬ ‫الترجمة بلغات أخ��رى‪ .‬وحققت نجاحا جيدًا‪ ،‬خاصة‬ ‫في عمارة يعقوبيان كذلك؛ ولكن قد يكون األمر مختلفاً‬ ‫ألن عمارة يعقوبيان خرجت عن إط��ار جمهور األدب في فرنسا‪ ،‬حيث جاءت الرواية في المركز السابع في‬ ‫المحدود إلى نطاق الجمهور العادي الرحب‪ ،‬ما جعلها ترتيب مبيعات الروايات‪.‬‬ ‫< من خالل رحلتك ماذا كسبت ؟ وماذا خسرت؟‬ ‫سبب شهرتى خارج األوساط األدبية‪.‬‬

‫‪62‬‬

‫اجلوبة ‪ -‬ربيع ‪1428‬هـ‬


‫كسبت أشياء كثيرة‪ ،‬أهمها حب الجمهور العربي فيما بعد‪ ،‬لكن تجربة السنوات األولى هي األهم‪.‬‬ ‫ألعمالي‪ ،‬وكذلك وإنتقالها إلى الغرب؛ فلقد ترجمت‬ ‫< مشهد زيارة الرئيس إلى أمريكا‪ ..‬هل قصدت أن‬ ‫رواي��ت��ي عمارة يعقوبيان إل��ى ‪ 17‬لغة‪ ،‬وأصبحتُ على يكون المشهد الرئيسي لروايتك « شيكاجو»؟‬ ‫قائمة أعلى كتـ ّاب العالم مبيعاً‪ ،‬وقبل ع��دة أسابيع‬ ‫ ال لم أتعمد أن يكون المشهد الرئيسي أو (الماستر‬‫ص���درت رواي��ت��ي ال��ث��ال��ث��ة‪« :‬ش��ي��ك��اج��و» فأصبحت هي‬ ‫سين)‪ ،‬ولكنني ال أنكر أن السياق الدرامي جعله المشهد‬ ‫األخرى حديث الساحة األدبية‪ ،‬بعدما نفدت منها ثالث‬ ‫الرئيسي؛ والسبب ليس كما أعتقد البعض أنني انتقدت‬ ‫طبعات خالل أقل من شهرين‪ ،‬ما يعني نفاد حوالي ‪120‬‬ ‫حالة االستنفار األمني ل��دى البعثة الدبلوماسية‪ ،‬أو‬ ‫الف نسخة‪.‬‬ ‫عالقة الرئيس بشعبه‪ ،‬ولكن تلك الزيارة للرئيس إلى‬ ‫ أما عن الخسارة فأنا لم أخسر كثيراً‪ ،‬بل أكاد الواليات المتحدة‪ ،‬كشفت الشخصيات على حقيقتها‪،‬‬‫أك���ون ل��م أخ��س��ر ش��ي��ئ��اً‪ ،‬ال��ب��داي��ات ك��ان��ت صعبة جداً سواء التي تعاطف معها القارىء منذ البداية أو التي‬ ‫وخصوصاً مع جهات النشر الحكومية‪ ،‬وهذا ما يحدث‬ ‫كان ضدها‪.‬‬ ‫للمؤلفين والكتّاب كلهم تقريباً​ً‪ .‬في‬ ‫< عمارة يعقوبيان‪ ،‬منطقة وسط‬ ‫العالم العربي‪ ،‬إذا كنت تملك المال‪،‬‬ ‫البلد‪ ،‬وأخيرا مدينة شيكاجو‪ ..‬هل‬ ‫تستطيع أن تطبع وتنشر أعمالك‬ ‫بطولة المكان تستهويك؟‬ ‫دون عناء؛ أما إذا كنت ال تمتلك إال‬ ‫ ه��ذا شكل معروف من األدب‪،‬‬‫موهبتك فلن تجد طريقك إال بشق‬ ‫وه��و (بطولة المكان)‪ ،‬و ال��ذي بدأه‬ ‫األنفس!!‬ ‫األدي���ب اليوغسالفى الشهير إيفو‬ ‫< ح��د ّث��ن��ا ع��ن رواي���ت���ك األخيرة‬ ‫أن��دري��ت��ش ف��ي رواي��ت��ه « ج��س��ر على‬ ‫«شيكاجو»‪..‬‬ ‫نهر دري��ن��ا» وحكى من خ�لال روايته‬ ‫تاريخ هذا الجسر من محض خياله‪.‬‬ ‫ فكرت فيها في اليوم األول الذي‬‫وج��اء م��ن بعده كتـّاب سلكوا النهج‬ ‫سافرت فيه إل��ى ال��والي��ات المتحدة‬ ‫نفسه‪ ،‬وك��ان أول عربى يسير على‬ ‫األمريكية‪ ،‬لدراسة الطب في جامعة‬ ‫هذا الدرب هو أديبنا الجميل نجيب‬ ‫«إلينوي»‪ ،‬كانت المرة األولى التي أرى‬ ‫فيها عبر النافذة‪ ،‬أمريكيين يبحثون في حاوية النفايات محفوظ في روائعتيه‪« :‬خان الخليلي»‪،‬و «زقاق المدق»‪،‬‬ ‫ع��ن ش��يء ي��أك��ل��ون��ه!! فأنزعجت وتعجبت؛ وبحاستي وغيرهما وها أنا أنتهج‪ ،‬على إستحياء‪ ،‬النهج نفسه‪،‬‬ ‫األدب��ي��ة أحسست أن ه��ذه تجربة مهمة ق��د ال تتكرر‪ ،‬وإن كان هدفى الرئيسى ليس «عمارة يعقوبيان» في حد‬ ‫ويمكن استغاللها فيما بعد في مشروع أدبي‪ ،‬فأخذت ذاتها؛ ألن العمارة ليس فيها ما يثير فضول أديب‪ ،‬لكنه‬ ‫الفكرة تختمر في داخلي‪ ،‬خاصة بعد أن قررت التجوال عشقى لمنطقة وسط البلد ‪ -‬كما ذكرت سابقاً‪ -‬وكذلك‬ ‫في شوارع وأحياء أمريكا‪ ،‬حتى أني أكاد أحفظها عن ما أثارني في مدينة شيكاجو من غرابة األحداث‪.‬‬ ‫< ن��اق��ش��ت ف��ي ال���رواي���ة نفسها ق��ض��ي��ة غ��اي��ة في‬ ‫ظهر قلب‪ ،‬مثل القاهرة تماماً! واختلطت بالمهاجرين‬ ‫المصريين والعرب‪ ،‬وذهبت إلى جمعيات العدميين حتي الخطورة‪ ،‬هي قضية (اإلنتماء)‪ ،‬ال��ذي يفتقده الكثير‬ ‫تكونت ل��ديّ م��ادة أدبية غنية خ�لال السنوات الثالث من أبناء الوطن العربي‪ ،‬فهل نقدك القاسي لهذا األمر‬ ‫األولى‪ ،‬التي قضيتها هناك‪ ،‬صحيح أنني ذهبت كثيراً‪ ،‬الشائك سيغير منه؟‬

‫اجلوبة ‪ -‬ربيع ‪1428‬هـ ‪63‬‬


‫لك بالشكر على مالحظتك لهذا األح��رار مجموعة من حثالة البشر فهل هذا يعنى‬ ‫في البداية أتوجه ِ‬ ‫ال األدب الكالسيكي كان ينتقد إن هذا رأيى؟‬ ‫األمر في الرواية‪ ،‬فمث ً‬ ‫العيوب‪ ،‬ويجعل الجمهور يسخر منها حتى يقلع عنها‪.‬‬ ‫وه���ل ل��ن��ا م��ع��رف��ة ال��ع��م��ل ال��ق��ادم ل��ل��دك��ت��ور عالء‬ ‫لألدب خاصية جميلة فهو يستطيع أن يصل إلى الهدف األسواني؟‬ ‫باستعمال عكسه‪ ،‬بمعنى أن القسوة في نقد االنتماء‬ ‫أستعد لكتابة عمل يناقش االزدواج��ي��ة‪ ،‬التي‬ ‫تؤدي بالقارىء إلى زيادة االنتماء أو إعادة التفكير في‬ ‫نحياها في حياتنا العربية‪ ،‬وتدفعنا إلى عمل الشيء‬ ‫مسلّماته‪ ،‬وهذا في النهاية يصب في مصلحة الفكرة‬ ‫واإلع�ل�ان عن ض��ده في السياسة‪ ،‬كما في الحب‬ ‫الوطنية‪ ،‬وه��ذا السؤال ال��ذي طرحته عجز عن فهمه‬ ‫والدين والعالقات االجتماعية‪.‬‬ ‫نقاد يفترض أنهم ق��دي��رون‪ ،‬على ال��رغ��م م��ن أن��ه من‬ ‫< المرأة في حياتك؟‬ ‫مفردات التذوق األدبي!‬ ‫ زوج��ت��ى ال��س��ي��دة إي��م��ان ت��ي��م��ور ملكة متوجة‬‫< كيف ترى العالقة بين األديب والناقد في عالمنا‬ ‫ع���ل���ى ع�����رش ق���ل���ب���ي‪ ،‬ف���ه���ي أهم‬ ‫العربي؟‬ ‫أس���ب���اب ن��ج��اح��ى‪ ..‬ف���أن تكونى‬ ‫ ل��ل�أس����ف ه����ي ع��ل�اق����ة غير‬‫زوج���ة ألدي���ب ه��ى ق��م��ة الشقاء‪،‬‬ ‫متكافئة‪ ،‬ال ننكر وج���ود ن��ق��اد كبار‬ ‫فبقدر أحاسيسه المرهفة وذوقه‬ ‫مثل األساتذة رج��اء النقاش‪ ،‬وأحمد‬ ‫العالي‪ ،‬إال أن��ه في أحيان كثيرة‬ ‫الخميسي‪ ،‬وعالء الديب‪ ،‬ود‪ .‬صالح‬ ‫يكون مزعجاً‪ ،‬وعلى ال��رغ��م من‬ ‫فضل‪ ،‬ولكنهم جميعا ينتمون إلى جيل‬ ‫ذلك فهى وفّرت لي جواً ساعدني‬ ‫الرواد‪ .‬ولم نجد من بين جيل الشباب‬ ‫على االستمرار والعمل الدؤوب؛‬ ‫م��ن ينقد بشكل م����دروس وحيادي‪،‬‬ ‫أضيفي إلى ذلك‪ ،‬المزاج المتقلّب‬ ‫ب��ل ن��ج��ده��م إم���ا غ��ي��ر متخصصين‪،‬‬ ‫لدى الكاتب‪ ،‬الذي أستطاعت ان‬ ‫أو م��ن ال���دخ�ل�اء ع��ل��ى زم����رة النقاد‬ ‫تمتصه بذكاء المرأة المحبة‪ ،‬فكم‬ ‫المخضرمين؛ ول��ذل��ك ف��إن الحركة‬ ‫من العروض المغرية للعمل سواء‬ ‫األدبية تتأثر كثيرا بقلة النقاد‪.‬‬ ‫في الواليات المتحدة أو في دول‬ ‫< هل تتأثر أعمالك األدبية بآرائك السياسية؟‬ ‫الخليج‪ ،‬رفضتها من أجل األدب‪ ،‬ولم أسمع منها‬ ‫ لم تظهر آرائ��ى السياسية في رواي��ات��ى نهائياً‪ ،‬تعليقاً واح��داً يضر بي أو بمشاعري‪ .‬وقتى ضيق‬‫آرائى أكتبها في مقاالتى التى أكتبها في بعض الصحف‪ ،‬ج��داً ومحدود‪ ،‬وعلى الرغم من ذلك لم تشكُ من‬ ‫ولكن ما يصدر من آراء في رواياتى يكون على لسان ذل��ك‪ ،‬بل أستطاعت أن تكون أم��اً ناجحة ج��داً مع‬ ‫الشخصيات وحسب تركيبة كل شخصية‪ ،‬سواء النفسية أبنائها وزوجة حنونة جداً مع زوجها‪ ،‬ما جعلني دائماً‬ ‫ال أنا أعشق جمال أحاول أن أمنحها بعض ما منحتني إياه‪ .‬وللعلم فهو‬ ‫أو اإلقتصادية أو االجتماعية‪ ..‬فمث ً‬ ‫عبدالناصر وم��ن أك��ث��ر ال��ن��اس إع��ج��اب��ا ب��ه على كافة الزواج الثاني لي‪ ،‬ففي زواجي األول حدثت لي مع‬ ‫المستويات وأكتب في جريدة الحزب الناصرى‪ ،‬وعلى زوجتي مشكالت كثيرة وكبيرة‪ ،‬وكان السبب األول‬ ‫ال��رغ��م م��ن ذل��ك ج��اء على لسان أح��د شخوص رواية في اإلنفصال هو عدم تحمّلها حياة األديب‪ ،‬الذي‬ ‫عمارة يعقوبيان (ذكي الدسوقي) أنه يرى أن الضباط يُفضل األدب عن أي شيء آخر في الحياة!‬

‫‪64‬‬

‫اجلوبة ‪ -‬ربيع ‪1428‬هـ‬


‫في الترابط القصصي‬

‫عند القاص املغربي محمد شويكة‬ ‫> حاوره‪ :‬نور الدين بازين‬ ‫غيروا مجرى التاريخ‪ ،‬وذهبوا في صمت!‬ ‫محمد شويكة‪ :‬كثيرون هم الذين ّ‬ ‫جاءت التجربة في سياق اإلبداع‪ ،‬دون إغفال أن االنترنت وسيلة تواصلية‬ ‫محمد شويكة‪ ،‬واحد من الكتّاب والمبدعين المغاربة القالئل‪ ،‬الذين ال يرسون على‬ ‫خط إبداعي واحد‪ .‬فهو يعشق التجريب ويغامر فيه‪ ،‬وال يخشى الذي سيكون؛ المهم‬ ‫عنده هو اإلبداع‪ ،‬وكفى‪.‬‬ ‫هو أحد مؤسسي الكوليزيوم القصصي في المغرب (حلقة دراسية مهتمة بالقصة‬ ‫التجريبية)‪ ،‬وأحد مؤسسي نادي القصة القصيرة بالمغرب‪ ،‬وعضو اتحاد كتّاب المغرب‪،‬‬ ‫ومسؤول سابق في فرع مراكش‪ ،‬وأستاذ مادة الفلسفة‪.‬‬ ‫في هذا الحوار كانت لنا معه جلسة حول تجاربه في القصة والتأليف‪ ،‬كان يميل دائما‬ ‫إلى الحكي كما هي عادته‪ ،‬يسرد دون أن يعود إلى مرجع‪ ،‬فكان السفر معه شيقاً‪.‬‬ ‫ على إثر جولتنا في دروب موقعك وعند طرقنا بابه‪ ،‬عثرنا على كلمتين «البص‬‫والقص»‪ ،‬وهما مفتاح الموقع‪ ،‬أو لنقل العنوان الذي تتخذه لموقعك (‪www. chouika.‬‬ ‫‪ ،)com‬ما داللة الكلمتين؟‬ ‫> لكل بيت رقم يدل عليه‪ ،‬ولكل خطاب مرجعيته‪ ،‬كما أن كل اسم يحيل على مسماه؛‬ ‫وما اختياري لكلمتي البص والقص‪ ،‬إال استناداً لهذه الرمزية‪ ،‬التي تحيل على معنى‬ ‫يدمج الجانبين الحسي والذهني في عملية التفكير؛ فالسائح السابح في ثنايا البحار‬ ‫َص‬ ‫اإللكترونية‪ ،‬ال يقرأ فقط‪ ،‬بل يرى‪ ،‬ورؤيته تبحث عن شيء له عالقة بالالوعي‪ ،‬فالب ُّ‬ ‫إحالة نفسية أكثر إلى «التلصص البصري» أو ما نسميه بالدَّ ارجة «سارق الشويفة»؛‬ ‫ولذلك إحاالت كثيرة في المتخيل الجماعي العام والعَالِم‪ :‬قد نجلس في المقهى لنبص‬ ‫على المارة‪ ،‬وقد نقف في رأس الدرب لنبص على «الغادي والجاي»‪ ،‬وقد نقرأ نصوصاً‬ ‫كثيرة وإن كان األمر مسكوتا عنه إلى درجة المنع عن البصاصين في التاريخ‪ ،‬وهو ليس‬

‫اجلوبة ‪ -‬ربيع ‪1428‬هـ ‪65‬‬


‫قدحياً كما قد يتوقع البعض‪.‬‬ ‫هو العمل‪ ،‬أما من يصطنع اللغط حول عمله‪ ،‬فيرميه‬ ‫ف��إذا أردن���ا أن ن���ؤوّل األم���ر‪ ،‬يصبح لكل بصاص األدب في مزبلته بمجرد أن يفتر لغطه‪ ..‬ولنا عبرة‬ ‫ال مما يرى‪ ،‬ومما يسرق عبر النظر‪ ،‬في ما نقرأ!‬ ‫حكاية‪ ،‬تنبع أص ً‬ ‫لذلك فالجمع بين البص والقص‪ ،‬انفتاح على عوالم‬ ‫إن لحظات اإلب���داع قليلة‪ ،‬وغ��ال��ب��اً م��ا ت��أت��ي في‬ ‫القصة القصيرة والجماليات البصرية؛ م��ا يجعل لحظات متناقضة جداً‪ :‬الصفاء التام أو العتمة التامة!‬ ‫الكتابة محكومة برؤية تمتح من المرئي على نطاق وهذا ما يمكن تأويله من خالل الصحة والمرض‪ ،‬أي‬ ‫يسمح ب��ت��أم��ل م��ا ح��ول��ن��ا‪ ،‬وك��أن��ن��ا أم���ام «ظاهراتية صفاء اللحظة أو قلق القريحة! وهنا‪ ،‬ال يمكن أن‬ ‫قصصية»‪ ،‬أو «ظاهراتية قصصية بصرية»‪ ،‬بمعنى نتحدث عن التخندق ألنه إقبار للحقيقة اإلبداعية‪،‬‬ ‫االهتمام باليومي‪ ،‬على أس��اس ال يجعل منه مادة التي يسلك السالك طريقها بتأن وحذر‪.‬‬ ‫نراها ونستهلكها ببساطة‪ ،‬تعيقنا على النفاد إلى ما‬ ‫ «المبدع إنسان اكتوى بنار الكلمة والواقع‪ ،‬فغدا‬‫وراءها‪.‬‬ ‫مثل طائر جريح بين يدي طفل برئ‪ :‬ولم يعد يقوى‬

‫فالبص يحيل في اللغة العربية إلى البريق والتأللؤ‬ ‫اصة‪ ،‬العين في‬ ‫واللمعان واإلض��اءة والتفتق‪ .‬والب ََّص َ‬ ‫بعض اللغات‪ ،‬كما يدلنا لسان العرب البن منظور‪.‬‬ ‫وهذا ما يهمني من دالالت البص‪.‬‬

‫على الطيران نتيجة ألمه‪ ،‬والطفل لم يدرك بعد معنى‬ ‫األلم‪ ..‬الحلم بالشفاء يتطلب تحمّل وطأة األلم بين‬ ‫يدي الطفل مع التشبث بقليل من أمل االنفالت‪.»...‬‬ ‫م��ن خ�لال ه��ذه الجملة يبدو أن��ك تصطفي مخارج‬ ‫كلماتك من فلسفة حديثة‪ ،‬أال يستحق المبدع حياة‬ ‫أجمل مما صورتها؟‬

‫ (أن تبدع اآلن‪ ،‬معناه أن تأخذ لك موقعاً بين‬‫الحلم والواقع‪ ..‬بين الصحة والمرض‪ ..‬المبدع ال هو‬ ‫بالعليل وال هو بـ «الصحيح»‪ .)..‬كيف يمكنك أن تجعل‬ ‫> الفلسفة ال��ح��دي��ث��ة ال ت��ص��ور ل��ل��م��ب��دع صورة‬ ‫المبدع بين هاتين الصفتين‪ ،‬أال يمكن خندقته في ال تليق ب��ه‪ ،‬بل تضعه في إط��اره اإلنساني‪ .‬أظ��ن أن‬ ‫خانة واح��دة أو صفة واح��دة‪ ،‬إما أن يكون معافاً أو المبدع إنسان يعي ما يفعل‪ ،‬وهو صاحب اختيارات‬ ‫مريضاً؟‬ ‫ال انهيارات‪ .‬قد يختار الفلسفة التي تالئمه كأسلوب‬ ‫> تلك «مقدمة عتبة» أرح��ب بها ب��زوار الموقع‪ ،‬في الحياة‪ ،‬وقد يختار الطرق التعبيرية التي تالئم‬ ‫وهو كما ترى بسيط‪ ،‬وال يكثر على زائ��ره من كثرة نفسيته‪ .‬فما دام المبدع يبحث‪ ،‬ال أظن أنه سيجد‬ ‫األل��وان أو اللجوء إلى برامج «التزويق اإللكتروني‪ »،‬شيئاً قد توقع الوصول إليه قبل إتمام عملية البحث‪،‬‬ ‫لسبب بسيط‪ :‬الموقع ليس دِ عَ ائِيا وال ادِّعَ ائِيا؛ ربما فهو كالمهندس المنقب‪ ،‬ينطلق من معطيات‪ ،‬وقد‬ ‫أتعلم األش��ي��اء م��ن أج��ل توظيفها‪ ،‬وع��ن��دم��ا أعرف تفاجئه أخرى في الطريق‪ ،‬فينقلب التبر في يديه إلى‬ ‫أس��اس��ه��ا ينتهي األم���ر بالنسبة ل��ي م��ن خ�لال ذلك ت��راب‪ ،‬أو يحدث العكس‪ .‬الكل مبني على المفاجأة‬ ‫التقديم‪ .‬أحاول أن أقدم رؤية إنسان يعيش كما يقول (أقصد المفاجأة اإلبداعية)‪.‬‬

‫تماماً‪ ،‬ينفر من األشياء التي يكثر اللغط حولها‪ ،‬وال‬ ‫إن لالنفالت المقصود في القولة‪ ،‬عالقة بالقلق‬ ‫يحب أن يكون السبَّاق إلى األشياء بلغط‪ .‬إذا رجعنا المعرفي واإلبداعي‪ ،‬القلق الحقيقي وليس المفتَعَل‪،‬‬ ‫إلى تاريخ األدب‪ ،‬نجد أن الذي يصنع اللغط ال َبنَّاء ك��أن تجد «المبدع» يصطنع االع��ت��زال والتفرد وما‬

‫‪66‬‬

‫اجلوبة ‪ -‬ربيع ‪1428‬هـ‬


‫شابه ذلك‪ ،‬وهو في النهاية يعيش عكس ما يمارس! وال تلبية لحقد مضاد‪ ،‬بل من أجل عَ قْلِ العابر ليتحول‬ ‫فالمبدع القلق‪ ،‬من كانت عبارته تدل على ذلك‪ ،‬و َم ْن إلى ما هو أرقى‪ :‬ما يطور الخيال اإلنساني‪ ،‬وما يغني‬ ‫ك��ان موقفه متساوقاً مع أفعاله‪ .‬كثيرون هم الذين المخيال الجمعي‪ ،‬وه��ذا ليس وصفة سحرية‪ ،‬بل‬ ‫غ�� ّي��روا م��ج��رى ال��ت��اري��خ‪ ،‬وذه��ب��وا ف��ي ص��م��ت! أليس مجرد أرضية أملتها ظروف السؤال‪.‬‬ ‫في األم��ر تواضعاً أم��ام الحقيقة التي يعد اإلنسان‬ ‫ ف��ي مجموعتك القصصية ال��ث��ان��ي��ة «النصل‬‫مصدرها؟ فمن يدرك بعضاً من أصول البحث عن‬ ‫والغمد» يسيطر الحكي بالممارسة النقدية الواعية‪،‬‬ ‫الحقيقة‪ ،‬يفطن مبكراً إلى حكمة التواضع في البحث‬ ‫كما ي��ق��ول ال��ن��اق��د إب��راه��ي��م ال��ح��ج��ري‪ .‬ه��ل ولوجك‬ ‫عن المزيد منها بوصفها تُطْ ل َبُ لذاتها‪ ،‬وه��ذا سر‬ ‫إل��ى متاهات الحرف هي نتيجة لما ترسّ ب عندك‬ ‫تجددها الدائم‪ .‬اإلبداع حقيقة غير منتهية‪ ،‬وهذا ما‬ ‫م��ن أف��ك��ار‪ ،‬انطالقاً م��ن مجموعتك األول���ى «الحب‬ ‫أقتنع به حتى اآلن‪.‬‬ ‫الحافي»؟‬ ‫ تقول إن اإلب���داع عملية تواصلية ك��ب��رى‪ ،‬وإذا‬‫> في الحقيقة‪ ،‬ال تجد في إب��داع��ي المتواضع‬ ‫أردنا أن نحقق هذه العملية‪ ،‬ماذا يشترط أن يكون في‬ ‫المبدع‪ ،‬خصوصاً إذا كانت العملية متعلقة باإلبداع؟ صراعاً بين ما سبق وما سيأتي؛ بمعنى أنني أحاول‬ ‫أن أتحدث عن ذلك بنوع من عدم الرضا أو التحقيب‪،‬‬ ‫> وفقاً لما أشرت إليه فيما سبق‪ ،‬أظن أن لإلبداع‬ ‫ال���ذي ينكر م��ا سبق وي��أس��ف ل��ه؛ ب��ل تجد صراعاً‬ ‫جانبه األخالقي‪ ،‬أقصد (‪La déontologie de la‬‬ ‫ضمنياً بين معالجات متغيّرة لقضايا وجودية ومعرفية‬ ‫‪)création‬؛ فال أظن أن (اإلستيتيقا) تقع صدفة‬ ‫وأخالقية‪ ،‬مرتبطة بالكائن المغربي‪.‬‬ ‫ضمن مبحث األخالق في النسق الفلسفي! ال أعني‬ ‫هنا الجانب االتفاقي في مجال األخالق‪ ،‬وإنما أشير‬ ‫في كل قصة أنفتح على قضية محددة‪ ،‬أراها من‬ ‫إلى التساؤل اآلتي‪ :‬كيف أقدم نفسي‪ ،‬وأقدم اآلخر زاوية ما‪ ،‬في زمان ما‪ ،‬ووفقاً لوعي أو منظور ما‪ .‬كثيراً‬ ‫وأقدم العالم في نوع من االنسجام‪ ،‬يجعلني مسؤوالً ما أعجب لمن يدافع عن أشياء ال توجد في منجزه‪،‬‬ ‫عما أفعل بمعنى من المعاني؟ فمسؤولية الفعل تعود وال يريد أن يتخلى عن بعض أفكاره على الرغم من‬ ‫إلى فاعله‪ ،‬والمبدع فاعل عاقل ومريد‪ ،‬يبحث في اقتناعه باطناً أنها خاطئة أو متجاوزة؛ بل هناك من‬ ‫تدبير النفس وال��ع��ال��م‪ ،‬وه���ذا م��ا يجعل مسؤوليته يشرح خطأه ويتمادى في إكثار التبريرات‪.‬‬ ‫مزدوجة‪.‬‬ ‫إن م��ا بُ��نِ��يَ على ب��اط��ل فهو ب��اط��ل ف��ي لغة أهل‬ ‫أرى أن األم�������ر ال يتنافى‬ ‫والحرية‪ ،‬التي هي شرط كل إبداع صدر له‪:‬‬ ‫إنساني‪ .‬أتحدث عن الحرية التي‬ ‫ «الحب الحافي»‪ ،‬قصص قصيرة‪ ،‬مراكش؛ ‪2001‬م‪.‬‬‫تجعلني أفكر وأضع في الحسبان‬ ‫ «النصل والغمد»‪ ،‬ورشة قصصية‪ ،‬مراكش؛ ‪2003‬م‪.‬‬‫اإلنسانية في بعدها المطلق‪ ،‬أي‬ ‫ «الصورة السينمائية‪ :‬التقنية والقراءة»‪ ،‬دراسة؛ ‪.2005‬‬‫كغاية عليا‪ .‬لذلك أقول إن اإلبداع‬ ‫ «احتماالت» (سيرة كائن من زماننا)‪ ،‬قصة ترابطية‪2006 ،‬م‬‫ال يأتي رداً على أي شيء عابر‪،‬‬

‫اجلوبة ‪ -‬ربيع ‪1428‬هـ ‪67‬‬


‫المنطق‪ .‬فهل م��ن يتخلى ع��ن أف��ك��اره السابقة أو تحقيق السبق‪ ،‬ال في المغرب وال في العالم العربي‬ ‫يراجعها أو يعدلها ليس مبدعاً؟! أظن أن ميزة العقل وال العالم برمته‪ .‬كل ما في األمر أن مجال التفاعل‬ ‫البشري تكمن في تناقضاته‪ ،‬وتجاوزاته‪ ،‬ومفارقاته‪ ،‬والترابط‪ ،‬وما أتت به التكنولوجيات الحديثة‪ ،‬خصوصاً‬ ‫وال��ت��ب��اس��ات��ه‪ ،‬وظ��ل��م��ات��ه‪ ،‬وع��ث��رات��ه‪ ،‬وس��ق��ط��ات��ه‪ .‬فما الرقمية منها‪ ،‬مجال يعكس تطور العقل اإلنساني‪،‬‬ ‫أقوله اآلن‪ ،‬هو مجرد وع��ي مرحلي قد أتشبث به‪ ،‬ويمتلك من الجاذبية‪ ،‬ما يجعل المبدع يفكر بالفعل‬ ‫إذا لم أكتشف ما يتجاوزه‪ ..‬والزمن محك الحقائق في خوض غمار اإلب��داع داخ��ل تجاويفه؛ فاالنترنت‬ ‫البشرية‪.‬‬ ‫تتيح إمكانيات تواصلية ال حد لها‪ ،‬والرقمي يمارس‬

‫في قصصي قد تتغير الحوامل والبدائل والطرق؛ سحراً خاصاً على الفرد؛ لذلك وجدتني أمام تجربة‬ ‫�لا أف��ك��اراً مثل‪ :‬ف��ري��دة ف��ي م��س��اري ال��ش��خ��ص��ي؛اإلب��داع على حامل‬ ‫ألن األرض��ي��ة غير وث��وق��ي��ة‪ .‬خ��ذ م��ث ً‬ ‫الحياة‪ ،‬أو األل��م‪ ،‬أو الموت‪ ،‬أو الحب‪ ،‬أو الكراهية‪ ،‬غير ورق���ي‪ ،‬وبتقنيات ج��دي��دة‪ ،‬تضع أم��ام المتلقي‬ ‫في المجموعتين السابقتين‪ ،‬وقارنهما بما سيأتي؛ أسئلة مستفزة‪ .‬أنا لست من المتحمسين المنبهرين‬ ‫ستجد أن الذي يتحدث في الماضي‪ ،‬ال يضع حدوداً المندهشين لالنترنت‪ ،‬ولست م��ن المتوهمين في‬ ‫تعسفية قاطعة على المستوى السيكولوجي‪ ،‬بين ما هذا المجال‪ ،‬المفتوح على المغامرة ألي شيء؛ ألن‬ ‫وق��ع وم��ا ه��و ح��اض��ر؛ ول��ن يستطيع أن يكون األمر مخترعي االنترنت‪ ،‬أن��ج��زوا عنه وب��ه أشياء كثيرة‪،‬‬ ‫لديه بالحال نفسه في المستقبل‪ .‬وكأني أراك تقول وفي ظروف «سوسيو ثقافية» مخالفة لنا تماماً؛ إنني‬ ‫��ص حياتك ف��ي كلمة؟! أظ��ن أنني إن قلتها أدرك أن إمكانية استعماله وفق الظروف والسياقات‬ ‫ل��ي‪ :‬لَ��خِّ ْ‬ ‫اض��ط��راراً‪ ،‬ستكون حاملة لبعد نفسي يقاس بسني التي أعيش فيها ممكن للغاية؛ لذلك قمت بأول تكوين‬ ‫وتجاربي‪ ،‬وسيصبح لذلك «المونيم» معنى في الزمن‪ .‬على االنترنت في أواخر الثمانينيات‪ ،‬واستمر الشغف‬ ‫إننا نشتغل داخل اللغة‪ ،‬وهي من ثم الحامل للتجربة إلى اليوم‪.‬‬ ‫البشرية‪ ،‬فهل استطاع اإلنسان أن يدخل تجربته داخل‬ ‫جاءت التجربة في سياق اإلب��داع‪ ،‬دون إغفال أن‬ ‫اللغة؟ وهل استطاعت أن تستوعب اللغة تجربته؟ هذا االنترنت وسيلة تواصلية أوالً‪ ،‬وستظل كذلك‪ ،‬ولن‬ ‫إذا تحدثنا عن التجربة بمعناها الشامل‪ ،‬فما بالك ت��ع��وض ال��ك��ت��اب أو م��ا شابهه م��ن وس��ائ��ل المعرفة‬ ‫بالتجربة القصصية الحديثة في الزمن والتشكل؟! األخرى‪ ،‬الكثير يعد ذلك تفوقا أو ذكا ًء زائداً‪ ،‬في حين‬ ‫أرى أن ره���ان المبدع ف��ي م��ج��ال القصة القصيرة أن المسألة مسألة دُربة على لغات البرمجة والتعرف‬ ‫صرِ ‪.‬‬ ‫صعب‪ ،‬ألنه يشتغل داخل القِ َ‬ ‫على البرامج في مجاالت اإلعالميات وهندستها‪،‬‬ ‫ من آخر إبداعاتك مجموعة قصصية تعد التجربة ومحاولتي ه��ي استثمار لمعرفتي المتواضعة في‬‫األولى في العالم العربي على شبكة االنترنت‪ ،‬حملت ال��م��ج��ال‪ ،‬خ��ص��وص��اً وأن اإلع�لام��ي��ات ج���زء مكمل‬ ‫عنوان «احتماالت‪ :‬سيرة ذهنية لكائن افتراضي من لتكويني األصلي‪.‬‬ ‫زماننا «‪ ،‬وهي قصة ترابطية هل لك أن تقربنا من‬ ‫حين أستشير مهندسي معلومات‪ ،‬سيما األدباء‬ ‫هذه التجربة؟‬ ‫م��ن��ه��م‪ ،‬أراه����م ال ي��ت��ح��دث��ون ف��ي أم����ور ك��ث��ي��رة‪ ،‬وهم‬ ‫> كما قلت سابقاً‪ ،‬ليس من ديدني البحث عن العارفون‪ ،‬بل يتفرجون! أخلص إلى أن هناك الكثير‬

‫‪68‬‬

‫اجلوبة ‪ -‬ربيع ‪1428‬هـ‬


‫عندما نتأمل القصة في حد ذاتها‪ ،‬وبشكل خاص‬

‫من المدَّ عين‪ ،‬الذين يتحدثون عما ال يعرفون بلغة‬ ‫العارف المتمكن‪ ،‬وتلك مصيبة «المثقف»‪ .‬أظن أن لغتها‪ ،‬نعثر على لغات‪ :‬وهذا راجع إلى طبيعة الشبكة‬ ‫مناقشة غير ذوي االختصاص ال تصل إلى أفق يطور نفسها‪ ،‬فهي س��وق لغوي بامتياز‪ ،‬كما أن مرتاديها‬ ‫الفكر‪.‬‬ ‫يتحدثون لغات عدة‪ :‬لهجات محلية‪ ،‬ولغات مقعدة‪،‬‬ ‫ُوضعُو َن أمام حاالت تعبيرية عدة‪،‬‬ ‫وبشكل ع���ام‪ ،‬ج���اءت التجربة ف��ي ه��ذا السياق ولغات أجنبية‪ ،‬وي َ‬ ‫التجريبي التواصلي التعرفي االستكشافي؛ ألنني أؤمن ق��د تجعلهم يتواصلون أك��ث��ر مما يفكرون ف��ي فعل‬ ‫بالتعلم عن طريق إنجاز مشروع «‪ Lapprentissage‬التواصل‪ ،‬أي أن حاجة المتكلم هي الموجّ ه مما يجعله‬ ‫‪ ،»par projet‬لذلك فالتجربة أغنت بحثي اإلبداعي مجرد مُ�� َر ِّت ٍ��ق لغوي‪ ،‬إذا ج��از التعبير «‪Bricoleur‬‬ ‫وخلقت لي آفاقاً جمالية إضافية‪ ،‬وأخرى ممكنة من ‪ ،»linguistique‬وه��ذا ما حاولت أن أراه��ن عليه‬ ‫شأنها أن تفيدني على مستوى كتابة القصة القصيرة‪ ،‬لغوياً‪.‬‬ ‫خاصة وأن ذل��ك يتالءم مع جوهرها‪ ،‬المبني على‬ ‫القصة تقدم عبر خليط لغوي (دارج���ة‪ ،‬عربية‪،‬‬ ‫التحرك داخ��ل حيز قصير‪ .‬إن «اح��ت��م��االت‪ :‬سيرة‬ ‫فرنسية‪ ..‬إلخ)‪ ،‬وذلك بحسب القراء المفترضين؛ ألن‬ ‫ذهنية لكائن من زماننا» تسير في األف��ق الرصدي‬ ‫نفسه‪ ،‬المتعلق بمظهر الكائن المغربي عبر القصة‪ ،‬ماسك الفأرة ال يعرف أين سيستقر به التنقل!؟ لذلك‬ ‫من خالل االنفتاح ما أمكن على مناهج وفنون وعلوم ال يجب أن نتوهم أن كل (ناقر) على النتاج األدبي‬ ‫المنشور عبر شبكة االنترنت مستهلك له‪ .‬قد يتوهم‬ ‫أخرى‪.‬‬ ‫البعض أن ع��دد ال��ن��ق��رات ي��س��اوي ع��دد القراءات!‬ ‫ «لحمر ف لكحل» و»اإلط���ار» قصص ت��ؤدي بنا‬‫هيهات هيهات!‬ ‫إلى قراءات قصص أخرى عبر السهم المرسوم في‬ ‫األسفل‪ ،‬وقصة تؤدي بنا إلى قصص أخرى وهكذا‬ ‫ إذا سألنا محمد شويكة عن التخصص الذي‬‫دواليك‪ ،‬أال ترى أن العملية الحسابية لهذه التجربة ي��ف��ض��ل أن ي��ب��ح��ث ف��ي��ه‪ :‬ال��ق��ص��ة‪ ،‬أم ال��ف��ل��س��ف��ة‪ ،‬أم‬ ‫قد تبعثر فكر القارئ؟‬ ‫السينما‪ ..‬ماذا يقول؟‬ ‫> أظن أن قارئ القصة الترابطية‪ ،‬ليس هو قارئ‬ ‫القصة المنشورة على الورق‪ ،‬ألن قارئ الكتاب يقرأ‬ ‫على األق��ل نصاً في حيز يمتلكه بين يديه‪ ،‬بمعنى‬ ‫يعرف حدوده مسبقاً (بين دفتي مجموعة قصصية)‪،‬‬ ‫إال أن الترابط تقنية تجعل التبعثر جماالً في حد ذاته؛‬ ‫فالقراءة ليست عملية مريحة دائماً‪ ،‬بل هي تفاعلية‬ ‫وانفعالية في آن‪ ،‬وما يزيد من مغامرة قراءة القصة‬ ‫الترابطية أن القابض على ال��ف��أرة «‪،»La souris‬‬ ‫ليس كالقابض على الكتاب‪ .‬الفأرة منسابة‪ ،‬نزقة‪،‬‬ ‫مسافرة‪ ،‬تحب المتاهة؟‬

‫َض َع المعارف‬ ‫> في الحقيقة‪ ،‬كلما تأملنا بعمق و ْ‬ ‫اليوم‪ ،‬نُقِ ُّر بصعوبة الشمولية والموسوعية‪ ،‬لكن‪ ،‬كلما‬ ‫تخصصنا أكثر‪ ،‬ندرك حجم الورطة المعرفية التي‬ ‫نضع أنفسنا فيها!‬ ‫أؤك��د لك أنني ال أستطيع أن أتخلى عن المتعة‬ ‫البصرية‪ ،‬وال عن شغف الكتابة؛ لذلك تجدني أتحرك‬ ‫داخل سياق فلسفي‪ ،‬يمدني بطاقة االستمرار‪ ،‬كلما‬ ‫كاد محركي أن يتوقف‪ ،‬ففي بعض النصوص الفلسفية‬ ‫ما يخفف من شدة الصراع داخل نفسي!‬

‫اجلوبة ‪ -‬ربيع ‪1428‬هـ ‪69‬‬


‫الشاعر محمد حسيب القاضي‪:‬‬

‫قصيدة النثر املنفلتة من أي إيقاع تواجه صعوبات‬

‫أسعى إلى املصاحلة بني أشكال التعبير الشعرية!‬

‫> حاوره‪ :‬علي أبو خطاب‬

‫<‬

‫محمد حسيب القاضي‪ ،‬شاعر فلسطيني من جيل السبعينات‪ ،‬كتب معظم أغاني الثورة الفلسطينية‪ ،‬مثل‪:‬‬ ‫«فدائية»‪ ،‬و«طالعلك يا عدوي طالع»‪ ،‬و«هز البارود»‪ ،‬وغيرها الكثير‪ .‬كما قدّم مسرحيات نوعية‪ ،‬ومقاالت نقدية‬ ‫مهمة‪ ،‬فيها الكثير من الجهد البحثي‪ .‬اتجه أخيراً إلى كتابة النص المفتوح‪ ،‬في تطور طبيعي في تجربته الشعرية‬ ‫والسردية‪ ،‬التي مارسها في كتابته قصيدة النثر‪ ،‬وأبدع فيها‪.‬‬ ‫تنقل حسيب‪ ،‬بعد إبعاده عن قطاع غزة من قبل االحتالل‪ ،‬إلى عدة منافي من بيروت إلى القاهرة‪ ،‬فالجزائر‪،‬‬ ‫فالسودان‪ ،‬فتونس‪ ،‬ثم عاد عام ‪ 1994‬إلى أرض الوطن‪ ،‬مع قدوم السلطة الوطنية الفلسطينية؛ ومنذ ذلك الحين‬ ‫إلى اآلن يتنقل بين القاهرة وغزة‪ ،‬في نشاط كتابي ال يتوقف‪ ،‬على الرغم من صراعه مع أمراض تنتابه بين الحين‬ ‫واآلخ��ر‪ .‬وهو ع��ادة يستقبل الكتّاب الشباب والجيل األكبر منهم‪ ،‬في بيته‪ ،‬بكل ترحاب وم��ودة‪ ،‬وت��دور نقاشات‬ ‫وحوارات ثقافية؛ فيصبح مجلسه أشبه بصالون ثقافي‪.‬‬ ‫< حدّثنا عن تجربتك الطويلة مع المعاناة والتشرد والمنافي؟‬ ‫ّف‪ ،‬في كلمات سريعة؛ لكن نقول لم يكن ديواني‬ ‫> يصعب اختزال تجربة شعرية‪ ،‬امتدت (‪ )25‬عاما وني ً‬ ‫«فصول الهجرة األربعة» الصادر عام ‪1974‬م عن وزارة الثقافة العراقية هو أول ديوان؛ فقد سبقه ديوان‬ ‫فقدته في قطاع غزة أثناء اعتقالي عام ‪1967‬م‪ ،‬حين صودرت مكتبتي‪.‬‬ ‫فصول الهجرة األربعة‪ ،‬البداية واللغة الصافية‬ ‫«مجموعة فصول» تمثل اختباراً للغة والمكونات الشعرية األولى‪ ،‬التي يمكن أن تشكل قصيدة في نهاية‬ ‫األمر‪ ،‬وهو صدى لحالة الغربة وال أقول االغتراب؛ فكان ذلك التمازج بين السياسي والشعري‪ ،‬دون أن‬ ‫تطغى السياسة على لغة الشعر‪ ...‬وأذكر أنني تسلمت نسخة هذا الديوان في بغداد من يد الشاعر الراحل‬ ‫عبدالوهاب البياتى‪ ،‬المدير عام في وزارة الثقافة العراقية آنذاك‪ ،‬وقال لي‪« :‬لغتك صافية وال تشبه أحداً»؛‬ ‫وكان لهذه الكلمات من هذا الشاعر الكبير‪ ،‬أعمق األثر في نفسي‪ ،‬وفي شعري كذلك‪.‬‬ ‫«مريم تأتي»‪ ،‬بداية التفرد واالختالف‬ ‫في ديواني الثاني «مريم تأتي»‪ ،‬أحاول البحث عن قصيدتي‪ ،‬التي حرصت منذ البداية أن ال تشبه أي‬ ‫صوت‪ ،‬مدفوعاً برأي البياتى‪ ،‬الذي عزّز قناعاتي بضرورة التفرّد‪ .‬في الديوان طموح إلى كتابة قصيدة ال‬ ‫إطار ما؛ فيه كذلك‪ ،‬تنتقل الغربة إلى حالة االغتراب‪ ،‬بالمعنى الوجودي واإلنساني‪ ،‬من خالل‬ ‫«تتقولب» في ٍ‬ ‫التقاط جزئيات حياتي المبعثرة في المنفى‪ ،‬وإعادة صياغتها‪ ،‬من زوايا متعددة‪.‬‬

‫‪70‬‬

‫اجلوبة ‪ -‬ربيع ‪1428‬هـ‬


‫«أربعاء أيوب»‪ ،‬بداية الدراما الشعرية‬ ‫في ديواني الثالث «أربعاء أيوب»‪ ،‬رأى بعض النقاد‬ ‫أن��ه ب��داي��ة دخ��ول قصيدتي مجال ال��درام��ا متعددة‬ ‫األص��وات؛ فهو قصيدة واح��دة مطولة‪ ،‬تعتمد على‬ ‫حكاية أيوب في التراث الشعبي‪ ،‬مع اسقاطات بعيدة‬ ‫من التراث العالمي‪ .‬والديوان لوحات تتناول حياة‬ ‫الفلسطيني‪ ،‬من خ�لال ح��االت وم��واق��ف متداخلة‪،‬‬ ‫بخيط رهيف من النسج واألداء الشعري‪.‬‬ ‫ٍ‬ ‫ومتواشجة‬ ‫«أقبية الليل» ديوان المنفى‬ ‫أما الديوان الرابع «أقبية الليل»؛ فإنه يختلف من‬ ‫ناحية النبض والنبرة‪ ،‬وهو ما أحرص عليه بين ديوان‬ ‫وآخر؛ إذ إن كل مجموعة عندي‪ ،‬تُمثّل تجربة خاصة‪،‬‬ ‫تحمل ش��روط إنتاجها شعرياً‪ ،‬بمعزل عن التكرار‬ ‫والتشابه‪ ،‬الذي قد نالحظه عند بعض الشعراء‪ .‬فيه‬ ‫شهادة شعرية عن المنفى‪ ،‬تحمل مالمح االحتكاك‬ ‫بواقع عبثي ضاغط وجودياً‪ ،‬بحثاً عن لحظة إضاءة‬ ‫في المسافة المثقوبة والمعتمة‪.‬‬

‫فلسفي وصوفي‪ ،‬في بعض األحيان‪.‬‬ ‫دواوين العودة‬ ‫ف��ي ج��ان��ب آخ����ر‪ ،‬وب��ع��د م��ا ي��س��م��ى – سياسياً‬ ‫ بالعودة إل��ى الوطن‪ ،‬أص��درت ثالثة دواوي���ن‪ :‬هي‬‫على التوالي‪« :‬قمر للعواء»‪ ،‬ثم «رمادك في رقصة»‪،‬‬ ‫و«السدى قطرة قطرة»‪ .‬وفي هذه المجموعات يحتل‬ ‫الحلم المساحة األوس���ع ف��ي تشكيل رؤي��ت��ي للعالم‬ ‫واألشياء‪ ،‬مع ميل للتجريب في اللغة‪ ،‬وخاصة في‬ ‫ديوان «ثم رمادك في رقصة»‪ .‬المهم أنني في هذا‬ ‫النتاج أ ُعنى بالتفاصيل والمهمش والمسكوت عنه‪.‬‬ ‫< كيف استطاع حسيب أن يتجاوز الشعر وشعراء‬ ‫المقاومة‪ ،‬وأن يخرج بنصه من قيود السياسة؟‬ ‫> أذكر أن «سارتر» قد أشار في كتابه «ما األدب»‪،‬‬ ‫ح��ي��ن ق���ال ع��ن أدب ال��م��ق��اوم��ة ال��ف��رن��س��ي��ة‪« :‬ل���م تخلق‬ ‫المقاومة أدب���اً ذا قيمة‪ ،‬ول��ك��ن ه��ذه التجربة‪ ،‬تجربة‬ ‫المقاومة أشعرتنا بما يمكن أن يكون عليه أدباً موضوعه‬ ‫عالمي ملموس»‪.‬‬

‫وكما ذك��رت في أحد مقاالتي‪ ،‬إن مثل هذا الكالم‬ ‫«إنه الصراخ وأنا فيه» والسقوط في المنفي‬ ‫يذكّرنا دائماً أن األعمال الروائية والمسرحية الناضجة‬ ‫وفي ديوان «إنه الصراخ وأنا فيه»‪ ،‬ثمة نقلة نوعية ظهرت آثارها بعد تحرير باريس من النازي بفترة طويلة‬ ‫في اتجاه األسطوري واليومي‪ ،‬مبنية على اختزال نسبياً‪ ،‬مثل‪ :‬رواي���ة «ال��ط��اع��ون» لكامي‪ ،‬و«الشيوعية»‬ ‫أشد‪ ،‬واختراق لمسافات من حيث التقنية والرؤية‪ ،‬ألراغون‪ ،‬ورواية «الحرية» لسارتر‪.‬‬ ‫للتعبير عن المنفى واالغتراب الداخلي‪ ،‬حالة وموقفاً‬ ‫شعر المقاومة‬ ‫وحواراً مع األشياء والمدن والناس‪.‬‬ ‫ي��ت��ف��اوت ال��ك�� ّت��اب أو ال��ش��ع��راء ف��ي درج���ة استيعابهم‬ ‫للتجربة‪ ،‬تجربة ال��ح��رب أو ال��م��ق��اوم��ة‪ ،‬حتى وه��م في‬ ‫«الرماد الصباحي»‪ ،‬ديوان المرأة‬ ‫وسطها وبين نيرانها؛ فليس كل من عاش انفعال المقاومة‬ ‫ثم كان ديوان «الرماد الصباحي»‪ ،‬وهو آخر ديوان‬ ‫يتعين أن يكتب شعراً جيداً أو رواية جيدة‪ ،‬وال ينبغي أن‬ ‫أنجزته في الخارج‪ ،‬أثناء وج��ودي في تونس‪ .‬وهنا تكون المقاومة الشرط الوحيد لكتابة جيدة؛ فاألمر يتعلق‬ ‫أعبّر عن تجارب وحاالت إنسانية عدة‪ ،‬تعكس عالقة بالكيفية التي تجعل من انفعال ما أدباً أو شعراً قادراً على‬ ‫الشعر بالمرأة؛ فنحن نفضح أنفسنا بالشعر‪ ..‬وهذه اختراق اللحظة إنسانياً وفنياً‪ ،‬حتى نستطيع أن نقول بعد‬ ‫الفضيحة هي الوجه اآلخر للتجربة‪ .‬لكن المرأة في ذلك‪ :‬إن لدينا حقاً أدب مقاومة‪ ،‬وليس مجرد شعارات‪ ،‬ال‬ ‫ه��ذا ال��دي��وان تتخذ ع��دة ص��ور‪ ،‬وت��ح��والت ذات بعد تلبث أن تنالشى عقب مرور فترة من الزمن‪.‬‬

‫اجلوبة ‪ -‬ربيع ‪1428‬هـ ‪71‬‬


‫ويالحظ‪ ،‬أثناء المقاومة‪ ،‬أن الشعر هو أسرع أشكال‬ ‫الكتابة في التعبير عن انفعاالت اللحظة؛ بينما تحتاج‬ ‫القصة والرواية والمسرحية إلى وقت غير محدد‪ ،‬لكي‬ ‫تنضج في ذهن الكاتب ووجدانه‪ ،‬وتتحول ألدب ناضج‬ ‫وجيد‪ .‬وأقول للشعراء الشباب‪ :‬اكتبوا‪ ..‬فليس من حق‬ ‫أحد أن يوقف أياديكم عن الكتابة‪ ،‬ال سيما في خضم‬ ‫الحالة الراهنة‪ ،‬التي تحتاج إلى كل كلمة‪ ،‬وكل صرخة‪.‬‬ ‫ولكن ت��ذكّ��روا أن��ه من أج��ل أن تستمر كلماتنا وتعيش‪،‬‬ ‫يتطلب األمر أكثر من الصراخ والحماسة المؤقتة لقضية‬ ‫أك��ب��ر م��ن أي ك�ل�ام‪ ،‬وأع��م��ق م��ن أي ص���راخ؛ ل��ذا فعلى‬ ‫القصيدة الفلسطينية‪ ،‬وقصيدة المقاومة بشكل خاص‪،‬‬ ‫أن تتخلص من قيود اإلن��ش��اد والخطابة‪ ،‬وأن تتخطى‬ ‫البالغة التقليدية على مستوى اللغة والخطاب‪ ،‬وأن تفلت‬ ‫مما هو مكرس وشائع ومسموح به؛ ليكون للشاعر ذاته‪.‬‬ ‫< نتسرع ف��ي النشر أح��ي��ان��اً‪ ،‬ون�لاح��ظ أن��ن��ا نكتب‬ ‫ونشطب ونحذف كثيراً‪ .‬حدّثنا أستاذ حسيب من خالل‬ ‫تجربتك عن طريقتك في الكتابة‪ ،‬وه��ل تشعر بوجود‬ ‫حركة شعرية جديدة تنمو في الوطن؟‬

‫اإلنساني بطبيعته عاجز ومحدود‪ ،‬مهما بلغ أو تخيّل أنه‬ ‫بلغ ذروة الفعل والخلق‪ ،‬ألنه سيبقى مشدوداً ومشدوهاً‬ ‫إزاء قوى أكبر منه‪ ،‬تشكّل اللغز أو الرمز المحير‪ ،‬الذي‬ ‫تستطيع الكلمة اجتراحه أو تفسيره‪ .‬فقد وقف كثير من‬ ‫الشعراء والفالسفة أمام هذه اإلشكالية‪ ،‬خالل بحثهم‬ ‫عن القي ّم واألفكار واألشكال المتعلقة بالتعبير عن رؤيا‬ ‫تعيد صياغة عالمهم من جديد‪ ،‬لكن جهودهم لم تتجاوز‬ ‫اكتشاف ما هو معروف بشكل وأسلوب مختلفين‪.‬‬ ‫وفي حالتنا الفلسطينية‪ ،‬المهم هو التجربة وليس‬ ‫الموضوع‪ ،‬فمهما كانت أفكار الشاعر السياسية والثقافية‬ ‫فإنها ال تبرر رداءة الكتابة‪ .‬وتبقى المشكلة الحقيقية‬ ‫التي تواجهه هي عملية الخلق نفسها‪ ،‬ومدى نجاحه أو‬ ‫إخفاقه في اختبار اللغة والشكل الفني‪ ،‬بعد استيعابه‬ ‫وهضمه للفكرة أو التجربة التي يريد أن يعبّر عنها‪.‬‬ ‫عندما سئل الصديق الشاعر سعدي يوسف‪ :‬كيف‬ ‫تكتب القصيدة؟ ق��ال‪« :‬قد أق��وم بتصميمات وعمليات‬ ‫شطب بعد االنتهاء من القصيدة‪ ،‬أو من مرحلة ما في‬ ‫القصيدة‪ ،‬بل أنني قد ألقي بالقصيدة في سلة المهمالت‬ ‫غير آس��ف‪ ،‬إال لشيء واح��د وه��و أن القوى المحيطة‬ ‫باإلنسان ما تزال أقوى منه‪ ،‬وأن أدوات اإلنسان ما تزال‬ ‫بسيطة»!‬

‫> ليس من شك أن مطلب الكمال من بين أحالم أي‬ ‫شاعر أو كاتب أو فنان‪ ،‬وهو أمر صعب المنال بالتأكيد‪،‬‬ ‫فليس هناك قصيدة كاملة‪ ،‬أو لوحة كاملة‪ ،‬أو رواية‬ ‫كاملة‪ ،‬إال ويرى فيها المبدع نقصانه‪ .‬يقول (بورخيس)‪:‬‬ ‫أعتقد أن��ه م��ن المفيد أن نضع ه��ذا المثال أمام‬ ‫«نظل نكتب ط��ول حياتنا‪ ،‬ال يبقى من قصائدنا سوى‬ ‫أبيات قليلة»‪ .‬والشاعر دي�لان توماس‪ ،‬عندما أراد أن الشعراء الشبان‪ ،‬خاصة أولئك الذين يتعجلون النشر قبل‬ ‫يجمع أعماله الكاملة في مجلد‪ ،‬تجرأ وحذف ما يقارب أن تنضج أدواتهم ومعارفهم الثقافية واللغوية‪ .‬وعلينا أن‬ ‫‪ 70%‬م��ن ق��ص��ائ��ده دون أن ي��ط��رف ل��ه ج��ف��ن؛ فالكائن ندرك أن ليس ما يكتبه الشاعر مهما بلغت قامته يمكن‬ ‫من أعماله الشعرية‪« :‬فصول الهجرة األربعة» (بغداد‪1974 ،‬م)‪ ،‬و«مريم تأتي» (القاهرة‪1983 ،‬م)‪،‬‬

‫و«أربعاء أيوب»‪ /‬قصيدة طويلة (القاهرة‪1983 ،‬م)‪ ،‬و«أقبية الليل» (دار الكرمل‪ ،‬عمان‪1985 ،‬م)‪ ،‬و«إنه‬

‫الصراخ وأنا فيه» (بيروت‪1989 ،‬م)‪ ،‬و«الرماد الصباحي» (القاهرة‪1989 ،‬م)‪ ،‬و«إعادة وصفنا للتيه»‬

‫(‪1993‬م)‪ ،‬و«قمر للعواء» (اتحاد الكتاب الفلسطينيين‪ ،‬القدس‪1996 ،‬م)‪ ،‬و«ثم رم��ادك في رقصة»‬ ‫(وزارة الثقافة‪ ،‬غزة‪1997 ،‬م)‪ ،‬و«السدى قطرة قطرة» (بيت الشعر الفلسطيني‪ ،‬رام الله‪2000 ،‬م)‪ .‬ومن‬

‫أعماله المسرحية‪« :‬دولة أيوب»‪ ،‬ومونودراما «العنكبوت»‪ ،‬و«شمهورش»‪ .‬وجمعت أغانيه الثورية في‬

‫كتاب‪ ،‬طبع ثالث مرات‪ ،‬بعنوان‪« :‬نشيد البندقية والرجل» (بيروت‪1975 ،‬م)‪.‬‬

‫‪72‬‬

‫اجلوبة ‪ -‬ربيع ‪1428‬هـ‬


‫أن ينشر على القارئ‪ ،‬وعلينا أن نتذكر دائماً أن التواجد رؤيته الشعرية‪ ،‬شأن غيره من الشعراء الذين اتخذوا‬ ‫يتطلب جهداً وارتقاء باللغة‪ ،‬والصورة والرؤية األعمق هذا االتجاه‪ ،‬ومنهم الصديق سعدي يوسف‪ ،‬وكاتب هذه‬ ‫السطور‪.‬‬ ‫لألشياء والعالم‪.‬‬ ‫ب��ال��ن��س��ب��ة ل���ي‪ ،‬ف��أن��ا م��ع��ن��ي ف���ي ش��ع��ري بالمهمش‬ ‫الحركة الشعرية الجديدة‬ ‫والتفصيلي والمسكوت عنه‪ ،‬وهي «مناطق» أعمل فيها‬ ‫إال إن ذلك ال يمنع من رؤية حركة شعرية في بالدنا‪،‬‬ ‫على خلفية «ميثولوجية»‪ ،‬ممزوجة بإرث‬ ‫تنمو وسط األشواك‪ ،‬وتحاول شق طريقها‬ ‫إسالمي وتوراتي‪.‬‬ ‫بكثير من الجهد والثقافة والموهبة‪ ،‬وهذا ل��ي��س كل‬ ‫وبمعنى آخ��ر‪ ،‬أن��ا مشغول بالمرئيات‬ ‫ما تشي به بعض األسماء القليلة‪ .‬ويجب‬ ‫اليومية في عالم اإلنسان ومحاولة القبض‬ ‫أن تكون قليلة ألن الشعر ال يحتمل الزحام‬ ‫والضوضاء والغبار واألص��وات‪ ،‬التي تكاد م��ا يكتبه على األبدي من خالل هذه المرئيات؛ ولعل‬ ‫هذا هو سبب تعدد التأويالت الكامنة في‬ ‫تتشابه فيما بينها كما لو كانت تصدر عن‬ ‫ش��اع��ر واح���د‪ .‬وال ش��ك أن ال��زم��ن وحده ال��ش��اع��ر قصائدي‪ ،‬من حيث أنها تخفي دالالت أبعد‬ ‫من السطح المرئي‪ ،‬وهذه سمة تدخل في‬ ‫كفيل بالحكم على من سيبقى ويستمر‪ ،‬من‬ ‫بين هذا العدد الكبير من الشعراء الجدد‪ .‬ي���ص���ل���ح مفصل القصيدة المركّبة ِبنَفَس درامي يقوم‬ ‫على حوار «األنا» مع «األنا اآلخر»‪ ،‬وربما‬ ‫إنها معركة طويلة وشاقة يخوضها الشاعر‬ ‫هذا ما يميز قصيدة التفاصيل عندي‪ .‬بعد‬ ‫مع أدواته وثقافته وموهبته الحقيقية‪ ،‬من ل��ل��ن��ش��ر‬ ‫ذلك أعترف أنني ال أملك وصفة سحرية‪،‬‬ ‫أج��ل إثبات وج��وده شعرياً‪ ،‬وان��ت��زاع مكان‬ ‫يمكن أن أضعها أمامكم كشعراء شبان‪،‬‬ ‫ل��ه تحت س��م��اء الشعر ال��ت��ي م��ن االتساع‬ ‫سوى تجربتي المتواضعة وتجارب غيري‪،‬‬ ‫بحيث تستوعب الكثير والكثير من النجوم‬ ‫ممن تقرؤون لهم على أم��ل أن تجدوا ما‬ ‫والشموس‪.‬‬ ‫يفيدكم في هذا الشأن‪.‬‬ ‫< حسيب شاعر السبعينات الميالدية م��ن القرن‬ ‫وال بد من القول إنه ال توجد معايير نقدية محددة‪،‬‬ ‫الماضي‪ ،‬يكتب قصيدة التفاصيل واللحظة‪ ،‬وقصيدة‬ ‫�لا حدّثت توجّ ه نسق الكتابة بشكل ع��ام‪ ،‬وه��ذا ما يقوله روالن‬ ‫المشهد‪ ،‬وغيرها من القصائد الحديثة‪ .‬ه ّ‬ ‫ال��ش��ع��راء ال��ش��ب��اب ع��ن ال��ح��داث��ة ف��ي قصيدة القاضي بارت؛ ذلك أن لكل نسق شعري قوانينه الخاصة‪ ،‬التي‬ ‫تحكمه منذ لحظة ال��ش��روع في الكتابة‪ ،‬حتى اكتمال‬ ‫الشعرية؟‬ ‫النص‪ ،‬أو ما نتصور أنه اكتمال‪!!..‬‬ ‫> م��ا يسمى قصيدة التفاصيل حسب المصطلح‬ ‫< حسيب ش��اع��ر السبعينات‪ ،‬كيف ي��رى المشهد‬ ‫النقدي الشائع هي‪ ،‬في األساس‪ ،‬دعوة قديمة دعا إليها‬ ‫محمد مندور‪ ،‬وسمّاها في حينه «فتات الحياة اليومية»‪ ،‬الشعرى وتطوره منذ السبعينات الميالدية إلى اآلن؟‬ ‫ولم يلتفت أحد إلى أن كالم مندور سيكون له تأثيره في‬ ‫> في عقد السبعينيات‪ ،‬حدث التحوّل الدراماتيكي‬ ‫شعر المستقبل‪ .‬ثم إننا قرأنا اليوناني «ريتسوس» بوصفه ال��ذي قلب كثيراً من المعايير والثوابت والمفهومات‪:‬‬ ‫أهم شاعر يعنى بلغة التفاصيل اليومية والبسيطة‪ ،‬التي «أيلول‪ ،‬كامب ديفيد‪ ،‬وبوادر الحرب األهلية في لبنان‪..‬‬ ‫تشكل معظم شعره‪ .‬في المقابل نجد هذا المنحى في الخ»‪ ،‬ما انعكس بدوره على السياسة‪ ،‬والثقافة‪ ،‬ومنحى‬ ‫قصيدة ص�لاح عبدالصبور الشهيرة‪« :‬وش��رب��ت شاياً الحياة العربية عامة‪.‬‬ ‫ورتقت نعلي»‪ ،‬وإن لم يجعل منها مركز اهتمامه‪ ،‬وأساس‬ ‫وع��ل��ى ص��ع��ي��د ال��ش��ع��ر‪ ،‬ح��م��ل ج��ي��ل السبعينات‬

‫اجلوبة ‪ -‬ربيع ‪1428‬هـ ‪73‬‬


‫مشروعه‪ ،‬المغاير للمؤسسة الشعرية الراسخة في دون حياء‪ ،‬وهو بالمناسبة شاعر للسلطة بامتياز‪ ،‬وأكثر‬ ‫ذلك الوقت‪ ،‬وك��ان ال بد أن يخوض معركة قصيدته المستفيدين منها‪.‬‬ ‫الجديدة‪ ،‬في مواجهة حالة االنكسار والتراجع‪ ،‬التي‬ ‫التفعيلة وحداثة النص‬ ‫أصابت الشعر والمجتمع العربي على حد سواء‪ .‬وقد‬ ‫< م��ا أن يُ��ذك��ر حسيب ال��ش��اع��ر حتى ت��ت��داف��ع إلى‬ ‫ت��ع��رّض ه��ذا الجيل السبعيني الضطهاد المؤسسة‬ ‫الثقافية العربية؛ فتجاهله النقاد‪ ،‬وامتنعت المجالت الذهن قصيده النثر‪ ،‬فقد أبدعت في كتابة النثر‪ ،‬حدثنا‬ ‫عن نشر نتاجه الشعري‪ .‬وإزاء هذا الحصار والتجاهل عن تجربتك في كتابة قصيده النثر؟‬ ‫المفروض عليهم أنشأوا مجالتهم «الماستر» الخاصة‬ ‫> هناك مفهوم خاطئ لدى َم ْن يربط بين الحداثي‬ ‫بهم‪ ،‬وخرج من بينهم نقاد واستمروا في دعوتهم إلى والخروج المطلق إلى النثر‪ ،‬والسؤال‪ :‬مَن سوف يملك‬ ‫قصيدة جديدة‪ ،‬مختلفة عن شعر الستينيات‪ ،‬وتؤرخ “فضيلة” الحداثة‪ :‬قصيدة النثر أم قصيدة التفعيلة؟‬ ‫لمشهد شعري‪ ،‬نحت مالمحه من التمزق والمعاناة والجواب ال هذه وال تلك‪.‬‬ ‫وح��ال��ة اإلح��ب��اط‪ ،‬التي انبثقت م��ن ال��ظ��روف العامة‬ ‫صحيح أن الشاعر العربي الحديث ضيّق على نفسه‪،‬‬ ‫السيئة التي سادت في العالم العربي آنذاك‪.‬‬ ‫حين ك���رّس ف��ي قصيدته وزن��ي��ن أو ث�لاث��ة‪ ،‬أصبحت‪،‬‬ ‫نقلت قصيدة السبعينات الشعر من النبوءة إلى أرض فيما بعد‪ ،‬متداولة منذ “السيّاب” إلى اآلن‪ ،‬ونسي أن‬ ‫ال��واق��ع‪ ،‬وم��ن اإلن��ش��اد إل��ى ال��رؤي��ة‪ ،‬وم��ن األيديولوجي إيقاعات الشعر العربي أكثر غنى وثراء من ذلك‪ .‬ومَن‬ ‫إلى الحياتي واليومي‪ ،‬وذات الفرد كبؤرة مفتوحة على قال إ َن الوزن شرط الشعرية الحقة؟‬ ‫العالم وثقافته وهمومه المشتركة‪ .‬هذا عدا ما أحدثته‬ ‫إن المسألة في تقديري أبعد وأعمق من هذا الفهم‬ ‫م��ن اخ��ت��راق لألبنية‪ ،‬وط��رق األداء‪ ،‬التي س��ادت فترة الخاطئ لطبيعة الشعر واإليقاعات‪ ،‬وربما هو ما أعطى‬ ‫الستينيات خصوصاً عندما اتخذ معظمهم من القصيدة بعضهم الفرصة للهجوم على قصيدة التفعيلة‪ ،‬فعدوها‬ ‫النثرية شك ً‬ ‫ال مقترحاً لتجاربهم وموضوعاتهم‪ ،‬أو المزج من محنطات التراث التي ال ينبغي االقتراب منها؛ وكان‬ ‫بين التفعيلي والنثري في بعض الحاالت‪.‬‬ ‫السبب وراء ذل��ك أن قصيدة التفعيلة ب��دت مرهقة‪،‬‬ ‫من كثرة االستخدام التقليدي لها ضمن خطاب بعض‬ ‫الشعراء‪ ،‬الذين ما يزالون يحتفظون باإليقاع في شعرهم‬ ‫“ومنهم شعراء كبار كما يسَّ مون”‪ ،‬وإيقاعاتهم تنحصر‬ ‫في وزنين أو ثالثة أوزان‪ ،‬كما أش��رت‪ ،‬غير أو ذلك ال‬ ‫يمنع أن قصيدة التفعيلة م��ا زال��ت تحتفظ بحيويتها‬ ‫اإليقاعية “الطازجة” ل��دى بعض الشعراء الحداثيين‬ ‫الذين ما زالوا يراوحون بين النثري والتفعيلي‪“ ،‬وهذا‬ ‫يحتاج إل��ى ناقد يتوافر على دراس��ة اإلي��ق��اع‪ ،‬وعالقته‬ ‫بحداثة النص الشعري”؛ فأنا م��ا زل��ت أعتقد أن��ه ال‬ ‫تناقض بين الحداثيّ واإليقاعيّ ‪ ،‬وإن حداثة الشعر ال‬ ‫بحال من األح��وال االنصراف الكليّ نحو قصيدة‬ ‫تعنى ٍ‬ ‫النثر‪ ،‬والعكس صحيح‪.‬‬

‫وفي الحالة الفلسطينية‪ ،‬نرى أن ظروف االحتالل‬ ‫والشتات الجغرافي‪ ،‬ال��ذي ت��وزع عليه ع��دد كبير من‬ ‫الشعراء الفلسطينيين‪ ،‬قد أجهض ما يمكن أن يسمى‬ ‫بأجيال الشعر الفلسطيني‪ ،‬ومن ثم لم يتوافر النقد‬ ‫على متابعة هذه األجيال وتقويم تجاربها المختلفة‪،‬‬ ‫وذائقتها المتنوعة‪ ،‬ومن ثم وضعها في مكانها الصحيح‬ ‫من عملية اإلبداع‪ .‬ولعل هذا ما أتاح لشاعر أو اثنين‬ ‫أو ثالثة‪ ،‬الحيّز األوسع من الرسوخ الشعري الرسمي‬ ‫كمؤسسة مغلقة‪ ،‬ت��ق��اوم أي ص��وت ج��دي��د وأي تيار‬ ‫حداثي يمكن أن يمس هيبة تلك المؤسسة الشعرية‬ ‫أو يهز مكانها‪ .‬وال عجب إذا شاهدنا هذه “المؤسسة”‬ ‫ت��ح��اول التقليل م��ن ش��أن تجربة ش��ع��راء السبعينيات‬ ‫ع��ن��دن��ا‪ ،‬وأن ت��ص��ف ال��ش��ع��راء بالمليشيات‪ ،‬وتنعتهم‬ ‫المهم في األمر هو “الشعرية” وليس الشكل؛ إذ ال‬ ‫بالمخبرين للسلطة “هكذا”‪ ،‬على لسان شاعر معروف خلود ألي شكل؛ كما أن دورة التاريخ والحياة أثبتت أن‬

‫‪74‬‬

‫اجلوبة ‪ -‬ربيع ‪1428‬هـ‬


‫الحداثيّ اليوم هو كالسيكي غداً‪.‬‬ ‫تسألني عن تجربتي في هذا الشأن؟ ربما ما قلته‬ ‫في السابق يلخص مفهومي لمسألة اإليقاع‪ ،‬ويصلح‬ ‫جواباً على سؤالك‪ .‬وأضيف أنني أحياناً أم��زج في‬ ‫بعض قصائدي بين النثر والتفعيلي‪ ،‬وه��ذا المزج‬ ‫ال يتأتى بوعي مقصود‪ ،‬وإنما تمليه حالة التجربة‬ ‫نفسها‪ ،‬وهي حالة ال تتبع نسقاً معيناً‪ ،‬بقدر ما تتجه‬ ‫لكسر الرتابة‪ ،‬وتغريب الحالة‪ ،‬داخل النص‪ .‬وعلى أي‬ ‫حال أقول لم أقطع نهائياً مع إيقاعات الشعر‪ ،‬مثلما‬ ‫فعل بعض الشعراء‪ ،‬وال أفكر بذلك حالياً على األقل‪،‬‬ ‫وإن كنت أكتب قصيدة النثر‪ ،‬مستفيداً من الفضاءات‬ ‫ل��ه��ذه ال��ق��ص��ي��دة‪ ،‬ف��ي التعبير ع��ن ت��ج��ارب وحاالت‬ ‫تستدعي هذا الشكل‪ ،‬وفي الوقت نفسه أجد ّد داخل‬ ‫بنية التفعيلة‪.‬‬

‫وطلقة من هناك‪ ،‬توجه إلى ظهر هذه القصيدة‪ ،‬دون‬ ‫أن تسقط على مدرج ينحني تحت سماء المتعاليات‪..‬‬ ‫أربعين سنة ما ت��زال‪ ..‬ومن هنا‪ ..‬وهنا تثور األسئلة‪،‬‬ ‫كغبار في محاولة للبحث عن إجابة‪ ،‬وال ش��يء يقينياً‬ ‫سوى اإلبداع ذاته والسفر ذاته‪.‬‬ ‫في دراستي المعنونة‪“ :‬قصيدة النثر إلى أين؟” (لم‬ ‫تنشر بعد)‪ ،‬محاولة‪ ،‬أزعم أنها جادة ومرهِ قة‪ ،‬استغرقتني‬ ‫ال الكتشاف عوالم هذه القصيدة‪ ،‬التي تحتل‬ ‫وقتاً طوي ً‬ ‫اآلن ص��دارة الصفحات األدب��ي��ة‪ ،‬ومنابر الشعر‪ ،‬على‬ ‫الرغم من أنها قصيدة يُفترض أنها غير منبرية‪ .‬في‬ ‫دراستي أقول‪:‬‬ ‫‪ 1‬قصيدة النثر‪ :‬ال تقبل التقليد وال المحاكاة‪.‬‬‫‪ 2‬ضرورة الكتابة خارج نسق اللغة الرائجة إلى درجة‬‫االستهالك‪.‬‬

‫وثمة نقطة أخرى‪ ،‬وهي تتمثل في منحى تجريبي‬ ‫في اإليقاع أو ما يشبه ذلك‪ ،‬أحاول أن أكسر به رتابة ‪ 3-‬قصيدة ال��ن��ث��ر‪ :‬ال تنحصر ف��ي ال��ش��ك��ل‪ ،‬ول��ك��ن في‬ ‫الكيفية التي يكتب بها الشاعر‪ ،‬وزواي��ا النظر إلى‬ ‫التفعيلة؛ بحيث أقترب من قصيدة النثر‪ ،‬عبر بناء‬ ‫العالم‪.‬‬ ‫الجملة الشعرية المفارقة للتقليدي والجاهز الذي‬ ‫طغى على شعر التفعيلة‪ ،‬بمعنى آخ��ر أن يتماهى ‪ 4-‬الرتابة والتكرار هما أخطر ما يواجه قصيدة النثر‪.‬‬ ‫الشعري بالنثري‪ ،‬ضمن اإلي��ق��اع دون ح��دود فارقة‪،‬‬ ‫‪ 5‬أتساءل‪ :‬هل هي قصيدة بدون إيقاع؟‬‫إل��ى درج��ة جعلت بعض الشعراء المصريين يلتفتون‬ ‫باهتمام إلى هذه الطريقة‪ ،‬ويعد الشبان منهم ما أكتبه ‪ 6-‬يُحكم على قصيدة النثر من خالل النماذج الجيدة‪.‬‬ ‫ضمن اإليقاع قصيدة نثر تستخدم السرد والمشهد ‪ 7-‬شعراء هذه القصيدة الجيّدون هم قلة في العالم‬ ‫واللقطة‪ ...‬إلخ‪ ،‬وفي الوقت نفسه تنطوي على طواعية‬ ‫العربي‪ ،‬مقارنة بشعراء التفعيلة‪.‬‬ ‫وك��ث��اف��ة‪ ،‬ال ت��خ��ل��وان م��ن ال��ب��س��اط��ة وال���وض���وح‪ ،‬وهي‬ ‫في هذه الدراسة (البحث) أعلن إنحيازي إلى كافة‬ ‫المعادلة األصعب‪.‬‬ ‫أشكال التعبير الشعري‪ ،‬وأسعى جاهداً أو مجتهداً لعقد‬ ‫نوع من المصالحة بين هذه األشكال‪ ،‬وخصوصاً بين‬ ‫قصيدة النثر‪ ..‬إلى أين؟‬ ‫< في الختام‪ ،‬أود أن أسأل سؤاالً‪ ،‬ربما صار تقليدياً التفعيلي والنثري؛ لقناعة لديّ أن قصيدة التفعيلة لم تنتهِ‬ ‫بعد‪ ،‬على الرغم من ما اعتراها من أمراض الشيخوخة‬ ‫وهو‪ :‬لمن المستقبل‪ :‬للتفعيلة أم لقصيدة النثر؟‬ ‫على يد كثير من الشعراء‪ ،‬وخاصة المعروفين منهم‪.‬‬ ‫> قصيدة النثر هل هي قصيدة نقصان أم أنها تكتمل‬ ‫وأعتقد أنها سوف تبقى مجاورة لقصيدة النثر من‬ ‫بهذا النقصان وتمتلئ؟ أنا أخفي الحيرة في اليقين‪ ،‬أو‬ ‫أستدرج اليقين كطائر إلى فخاخ السؤال‪ ،‬طلقة من هنا ناحية‪ ،‬وأداة للمسرح الشعري على وجه الخصوص‪.‬‬ ‫< ناص وشاعر فلسطيني‪.‬‬

‫اجلوبة ‪ -‬ربيع ‪1428‬هـ ‪75‬‬


‫املؤسسة تقيم محاضرة عن مرض‬

‫االلتهاب الكبدي للدكتور فالح الفالح‬ ‫> كتب‪ :‬تيسير العيد‬ ‫وذك��ر المحاضر أن��ه أج��ري��ت دراس���ة اخرى‬ ‫في العام نفسه لمعرفة نسبة اإلصابة بمنطقة‬ ‫ال��ج��وف‪ ،‬م��ن خ�لال عينات عشوائية‪ ،‬أخذت‬ ‫لمجموعة من الموطنين‪ ،‬سجلت انخفاض معدل‬ ‫اإلصابة بفيروس االلتهاب الكبدي (أ)‪ ،‬بنسبة‬ ‫ت��راوح��ت بين ‪ 64%‬إل��ى ‪47%‬؛ كما انخفضت‬ ‫ضمن برنامج المجلس الثقافي في مؤسسة نسبة اإلصابة بالفيروس االلتهاب الكبدي (ب)‬ ‫عبدالرحمن السديري الخيرية‪ ،‬ألقى الدكتور من ‪ 9.4%‬إل��ى ‪ 0%‬وانخفضت نسبة اإلصابة‬ ‫فالح بن زيد الفالح أستاذ األمراض الباطنية بالفيروس (ج) إلى ‪. % 1.1‬‬ ‫والكبد بجامعة الملك سعود محاضرة عن‬ ‫كما ذك��ر أن تغيرات نسبة اإلص��اب��ة عند‬ ‫مرض االلتهاب الكبدي‪ ،‬في قاعة دار الجوف متبرعين بالدم منذ عام ‪ 1994‬إلى عام ‪،2006‬‬ ‫للعلوم‪ ،‬وحضرها جمع غفير من المهتمين‪.‬‬ ‫انخفضت م��ن ‪ 4.4%‬إل��ى ‪ , 0.5%‬وأوضح‬

‫نشاطات ثقافية‬ ‫‪76‬‬

‫وقد تناول المحاضر دراسته التي أجريت الفالح أن هنالك قانون ب��وزارة الصحة ينص‬ ‫على ‪ 90‬شخصاً‪ ،‬وأثبتت أن نسبة ‪ 60%‬من على إلزام العاملين بالمهن الصحية بالتطعيم‬ ‫اإلصابة بالمملكة بفيروس االلتهاب الكبدي ضد فيروس االلتهاب الكبدي(ب)‪.‬‬ ‫(ب) هي من النوع السلبي‪ ,‬مؤكدا أن نسبة‬ ‫وتحدث الدكتور الفالح عن تطور عالج‬ ‫‪ 50%‬م���ن س��ك��ان ال��م��م��ل��ك��ة م��ح ّ‬ ‫��ص��ن��ي��ن ضد فيروسات االلتهاب الكبدي مشيراً إلى أن‬ ‫الفيروس (ب)‪.‬‬ ‫علماء العالم لم يوفقوا إل��ى إكتشاف لقاح‬ ‫وأشار الدكتور الفالح إلى برنامج التحصين‬ ‫الوطني للفيروس االلتهاب الكبدي (ب)‪ ،‬الذي‬ ‫انطلق ع��ام ‪1409‬ه����ـ‪ ،‬وق���ارن نسبة اإلصابة‬ ‫بالفيروس منذ ان��ط�لاق الحملة وحتى عام‬ ‫‪1417‬ه��ـ لألطفال‪ ،‬إذ بلغت نسبة اإلنخفاض‬ ‫من ‪ 7%‬إلى ‪ % 0,3‬في جميع مناطق المملكة‬ ‫ع��دا منطقة جيزان‪ ،‬التي لم تنخفض نسبة‬ ‫األصابه فيها‪.‬‬

‫اجلوبة ‪ -‬ربيع ‪1428‬هـ‬

‫تحصيني ضد فيروس االلتهاب الكبدي(ج)؛‬ ‫وأع����اد ذل���ك ل��ق��درة ال��ف��ي��روس ع��ل��ى تغيير‬ ‫ج��ل��دة‪ .‬وأوض���ح أن اخ��ت�لاط المياه العذبة‬ ‫بمياه الصرف الصحي يساعد على انتشار‬ ‫الفيروسات‪ ،‬كما أن بعض المبيدات الزراعية‬ ‫المستخدمة تؤدي إلى إلتهاب الكبد‪ .‬ودعا د‪.‬‬ ‫الفالح إلى عدم القلق من اإلصابة بفيروسات‬ ‫االلتهاب الكبدي ما داموا محصنين‪.‬‬


‫مشاهدات علمية في صحراء الربع اخلالي‬ ‫ض���م���ن خ���ط���ة النشاط‬ ‫ال������ث������ق������اف������ي ب����م����ؤس����س����ة‬ ‫ع���ب���دال���رح���م���ن السديري‬ ‫ال���خ���ي���ري���ة أق���ي���م���ت ن����دوة‬ ‫بعنوان‪( :‬مشاهدات علمية‬ ‫في صحراء الربع الخالي)‪.‬‬ ‫وق���د ش���ارك ف��ي الندوة‬ ‫الدكتور زهير عبدالحفيظ‬ ‫نواب‪ ،‬رئيس هيئة المساحة‬ ‫الجيولوجية‪ ،‬والدكتور اللواء‬ ‫ع��ب��دال��ع��زي��ز ب���ن إبراهيم‬ ‫العبيداء‪ ،‬نائب مدير إدارة‬ ‫المساحة العسكرية‪ ،‬والدكتور عبدالعزيز بن عبدالله اللعبون أستاذ الجيولوجيا بجامعة الملك سعود‪،‬‬ ‫والدكتور عبدالله بن محمد الشارخ أستاذ اآلثار بجامعة الملك سعود وعضو هيئة تحرير مجلة أدوماتو؛‬ ‫وحضر الندوة جمهور غفير من المهتمين بمنطقة الجوف‪.‬‬

‫القطاع الزراعي في ظل إنضمام اململكة‬ ‫ملنظمة التجارة العاملية‬

‫أقيمت في قاعة المحاضرات في دار الجوف من المهتمين بالزراعة في منطقة الجوف‪.‬‬

‫للعلوم محاضرة بعنوان‪( :‬القطاع الزراعي في ظل‬ ‫إنضمام المملكة العربية السعودية لمنظمة التجارة‬ ‫العالمية‪ :‬ال���رؤى وال��ت��ح��دي��ات)‪ ،‬أل��ق��اه��ا الدكتور‬

‫عبدالله بن عبدالله بن سليمان العبيد‪ ،‬وكيل وزارة‬ ‫الزراعة‪.‬‬

‫وق���دم للمحاضر المهندس ص�لال ب��ن عيسى‬

‫الصالل‪ ،‬مدير مركز أبحاث تنمية المراعي والثروة‬

‫الحيوانية بالجوف‪ ،‬واستمع إلى المحاضرة جمع‬

‫وتحدث الدكتور العبيد عن العديد من القضايا‬ ‫التي تهم القطاع الزراعي‪ ،‬ووسائل تطويره وتنميته‪،‬‬ ‫األسس العلمية والعملية لتحسين اإلنتاج الزراعي‬ ‫بنوعيه النباتي والحيواني‪.‬‬ ‫وف��ي نهاية المحاضرة ج��رى ح���وار مثمر بين‬ ‫المحاضر والجمهور‪ ،‬أج��اب فيه المحاضر عن‬ ‫العديد من أسئلة واستفسارات الحضور‪.‬‬

‫اجلوبة ‪ -‬ربيع ‪1428‬هـ ‪77‬‬


‫دار اجلوف للعلوم استضافت معرض املخطوطات‬ ‫واملسكوكات والوثائق التاريخية‪:‬‬

‫مركز البابطني يسعى السترداد‬ ‫املخطوطات العربية من تركيا‬

‫أقيم في قاعة دار الجوف‬ ‫للعلوم م��ع��رض المخطوطات‬ ‫وال����م����س����ك����وك����ات وال����وث����ائ����ق‬ ‫ال���ت���اري���خ���ي���ة‪ ،‬ن���ظ���م���ه مركز‬ ‫البابطين الثقافي‪ ،‬بالتعاون مع‬ ‫مؤسسة عبدالرحمن السديري‬ ‫الخيرية‪ ،‬ضمن برنامج النشاط‬ ‫الثقافي بالمؤسسة‪ .‬وحضر‬ ‫حفل االفتتاح‪ ،‬الذي رعاه وكيل‬ ‫إمارة منطقة الجوف األستاذ أحمد بن عبدالله آل الشيخ‪ ،‬جمهور كبير من أبناء الجوف‬ ‫والمهتمين بالتراث والمخطوطات العربية‪.‬‬ ‫وقد شاهد زوار المعرض العديد من المخطوطات العربية النادرة والقيّمة‪ ،‬التي‬ ‫شملت مخطوطات ابتداء من القرن الرابع الهجري إلى بداية العصر الحديث‪ ،‬حين‬ ‫ظهرت اآللة الطابعة‪ .‬ومن المخطوطات التي عرضت‪ :‬مصاحف نادرة‪ ،‬من العصور‬ ‫المملوكية والفاطمية واأليوبية‪.‬‬ ‫واشتمل المعرض كذلك على مؤلفات ن��ادرة وقيّمة نسخت بأيدي مؤلفيها؛ منها‬ ‫مخطوطة لشيخ اإلس�لام ابن تيمية كتبها بخط يده وهو في سجن القلعة بدمشق‪.‬‬ ‫كما شاهد زوار المعرض مخطوطات متنوعة في مجاالت‪ :‬الطب‪ ،‬والهندسة‪ ،‬والفلك‪،‬‬ ‫والرياضيات‪ ،‬والكيمياء‪ ،‬والفيزياء‪ ،‬والزراعة‪ ،‬ونظم الري‪ ،‬وغيرها‪.‬‬

‫‪78‬‬

‫اجلوبة ‪ -‬ربيع ‪1428‬هـ‬


‫وق��د أك��د األم��ي��ن ال��ع��ام لمركز س��ع��ود البابطين‬

‫للتراث والثقافة د‪ .‬ناصر بن عبداللطيف البابطين‬

‫خ�لال اف��ت��ت��اح ال��م��ع��رض أن المخطوطات العربية‬

‫الموجودة في المتاحف والمراكز الثقافية في تركيا‬ ‫أصلها عربية وليست تركية‪.‬‬

‫وأضاف البابطين أن «هناك نظام دولي متبع ينص‬

‫على أن ك��ل مخطوط أو أث��ر مسجل ل��دى الجهات‬ ‫الثقافية الدولية منذ ‪ 100‬عام‪ ،‬ينبغي أن يُعاد إلى‬

‫موطنه‪ ،‬في حال المطالبة فيه‪ .‬أما قبل هذا التاريخ‬ ‫فال توجد هناك ضوابط تحكم هذه اآلث��ار؛ فهناك‬ ‫م��س�لاّت ف��رع��ون��ي��ة م��وج��ودة ف��ي م��ت��اح��ف إيطاليا‪،‬‬

‫وتطالب بها مصر ولم يبت في األمر إلى اآلن»‪.‬‬

‫وك��ش��ف ال��ب��اب��ط��ي��ن ع���ن ت���وجّ ���ه ال��م��رك��ز إله���داء‬

‫آالت تصوير إل��ى المتاحف التركية التي تحتفظ‬

‫بالمخطوطات والوثائق العربية األصلية‪« ،‬من أجل‬ ‫تصوير تلك الوثائق والمخطوطات األصلية»‪.‬‬

‫وأوضح أن المركز يقدم خدماته لكل من يمتلك‬

‫مخطوطات قديمة‪ ،‬ويرغب بالمحافظة عليها من‬

‫التلف‪ .‬وق��ال‪« :‬يقدم المركز خدماته مجانية‪ ،‬لكل‬ ‫ال��ج��ه��ات س���وا ًء حكومية أو خ��اص��ة‪ ،‬مثل التعقيم‪،‬‬

‫وتصوير المخطوطات‪ ،‬والتعاون الثقافي‪ ،‬إضافة إلى‬

‫إمكانية ترميم الوثائق التي يمتلكها أفراد»‪.‬‬

‫اجلوبة ‪ -‬ربيع ‪1428‬هـ ‪79‬‬


‫صورة املرأة وسؤال الكتابة‬ ‫في السردات العربية‬

‫> هويدا صالح‬ ‫تُعد الكتابة بالنسبة للمرأة فعل التوازن بين الداخل والخارج؛ بين الصوت الداخلي‬ ‫ال��ذي يحاول أن يفتح ذلك الداخل ال��ذي ظنته المرأة مفقوداً‪ ،‬نتيجة لعالم القسوة‬ ‫والخوف‪ .‬وجدت المرأة من خالل الكتابة أضواء صغيرة؛ تضيء داخلها‪ ،‬وشعلة في‬ ‫قلبها تشع‪ ،‬فتحلّت بالشجاعة‪ ،‬وغاصت في الداخل؛ لتخرج لنا اللؤلؤ المخبوء‪ ،‬ذلك‬ ‫المسكوت عنه منذ قرون طويلة‪ .‬تسرّب النور من داخلها‪ ،‬فصار الداخل خارجاً‪ ،‬تحولت‬ ‫وتجلت‪ ،‬وقالت ال داعي للخوف‪ ،‬فقط علَّي أن أتحلى بالصمود والجلد‪ ،‬فربما ال نعلم‬ ‫أبداً من أين تأتي القوة‪.‬‬ ‫إذاً‪ ،‬حاولت المرأة أن تُمازج بين ما هو ذاتي وأنثوي في بُنىً سردية متباينة‪ ،‬ومشهدية‬ ‫مختلفة‪ ،‬تعبّر عن قسوة التجربة التي تعيشها المرأة‪ ،‬وعن معنى اختراق السائد في‬ ‫القيم االجتماعية‪ ،‬الذي يُبقي وضع المرأة المستلبة على حاله‪.‬‬ ‫وإن كانت المرأة‪ ،‬في تجربة الوجود األول��ي‪ ،‬هي التي قادت إلى المعرفة‪ ،‬عندما‬ ‫أكلت من الشجرة المحّ رمة‪ ،‬شجرة الخلود‪ ،‬شجرة التفاح في الجنة‪ ،‬فإن الرجل مجرد‬ ‫تابع لها؛ وهل يتساوي ألم الكشف المعرفي ببهائه وجماله بالتلقي دون ألم أو معاناة؟‬ ‫هيهات بين لذة المرأة‪ ،‬تلك اللذة التي تنبثق من تعب‪ ،‬وبين لذة الرجل التي تنثال عليه‬ ‫دونما جهد أو معاناة!‬ ‫لنلق نظرة سريعة على واقع المرأة العربية كمبدعة‪ ،‬قبل أن نرصد الخصائص التي‬ ‫يمكن أن تميز أدب المرأة عن أدب الرجل‪.‬‬

‫ن�����واف�����ذ‬ ‫‪80‬‬

‫في ظل ثقافة ذكورية تؤسس لكل ما هو ذك��وري‪ ،‬تحاول المرأة أن تكتب‪ ،‬وتبدع‪،‬‬ ‫وتعبّر عن ذات واقعة طوال الوقت تحت نير العيب والحرام‪ .‬خالل قرون طويلة‪ ،‬كانت‬ ‫المرأة العربية بصفة عامة هي اآلخر المهمش‪ .‬وصارت ثقافة ذلك اآلخر مثل ثقافة‬ ‫معظم المهمشين في المجتمع الذكوري المركزي‪ ،‬ربما يتعاطف معها قليال‪ ،‬ولكن في‬ ‫النهاية يظل ينظر إليها بوصفها اآلخر المحتقر الذي يمنّ عليه ببعض من أجله‪ ،‬وهو‬ ‫تربية األبناء والخضوع ألوامر الرجل‪ .‬وال يتاح لها إال فيما ندر حرية اإلبداع؛ فالرجل‬ ‫من حقه أن يرسم وجه المرأة بحرية‪ ،‬وأن يكتب جسدها‪ ،‬وأن يصور آالم مخاضها‪،‬‬

‫اجلوبة ‪ -‬ربيع ‪1428‬هـ‬


‫تلك التجربة شديدة الخصوصية بالنسبة للمرأة‪ .‬كان الزيات؛ و«ذاكرة الجسد» ألحالم مستغانمي؛ و«السيقان‬ ‫من حقه أن صور انفعاالتها‪ ،‬ورغباتها‪ ،‬وكثيراً ما حجب الرفيعة ل��ل��ك��ذب» لعفاف ال��س��ي��د‪ ،‬إل��ى غير ذل��ك من‬ ‫حقيقة ذلك اآلخر‪ /‬المرأة‪.‬‬ ‫النصوص‪.‬‬ ‫ولذلك‪ ،‬فإن البحث عن نظرية نقدية تتناول إبداع‬ ‫المرأة‪ ،‬يجاوز الواقع؛ فإبداع المرأة ال يتطور بمعزل عن‬ ‫السياقات الثقافية المختلفة‪ ،‬وكأن أدب المرأة يتطور‬ ‫ل��وح��ده بمعزل ع��ن السياقات الثقافية األخ���رى التي‬ ‫أنتجته‪ ،‬وبمعزل عن تطور النظرية النقدية‪.‬‬

‫فالمرأة حين تكتب فن السيرة الذاتية‪ ،‬تكتب حقيقة‬ ‫كونها ذات أنثوية تقص وتحكي وتراوغ‪ ،‬حتى ال تصبح‬ ‫هي الذات الساردة‪ .‬فتتعرض دوماً لتساؤل ساذج‪ :‬هل‬ ‫م��ا تكتبه حقيقة؟ ه��ل عاشت ه��ذه األح���داث؟ فتقف‬ ‫موقف المتهم أحياناً‪ ،‬وتمزج منتجها اإلبداعي بالتخييل‬ ‫كنوع من المخاتلة أحياناً أخرى‪ .‬والخطاب في السيرة‬ ‫الذاتية النسائية يشكل معضلة كبرى‪ ،‬فهل يحيل هذا‬ ‫الضمير على الكاتبة‪ ،‬أم أنه بناء سردي اتخذته الكاتبة‬ ‫كتيمة للسيرة الذاتية؟‬

‫وبدالً من النظريات الكبرى التي تدور حول االضطهاد‬ ‫الواقع على النساء‪ ،‬ب��دأت ال��دراس��ات التاريخية حول‬ ‫التكوين األنثوي في سياق وفترة محددين‪ ،‬تهيمن على‬ ‫مجال دراسات المرأة‪.‬‬

‫نفس األعماق‪ ،‬حول بنية المرأة العقلية والنفسية؛ األمر‬ ‫الذي يكشف عن الفضاء الثقافي الذي تتحرك من خالله‬ ‫كاتبات مثل‪ :‬لطيفة الزيات دون تجييل وغ��ادة السمان‪،‬‬ ‫ون��وال ال��س��ع��داوي‪ ،‬وأليفة رفعت‪ ،‬وه��دى ج��اد‪ ،‬وفتحية‬ ‫العسال‪ ،‬ورضوي عاشور‪ ،‬وسلوى بكر‪ ،‬واعتدال عثمان‪،‬‬ ‫ونعمات البحيري‪ ،‬وغيرهن كثيرات‪.‬‬

‫ويستمر ه��ذا التغييب والتهميش ألدب النساء‪،‬‬ ‫حتى إن بعض الدراسات التنظيرية لألدب تغفل سيّر‬ ‫النساء وشهاداتهن‪ ،‬كمبدعات ومثقفات؛ فنجد كتاباً‬ ‫مثل م��ؤل��ف د‪ .‬ج��اب��ر عصفور ال��ص��ادر ع��ن المجلس‬ ‫األعلى للثـقافة بمصر المعنون‪« :‬زمن الرواية»‪ ،‬يغفل‬ ‫وبما إن اآلراء متباينة ومعقّدة فيما يُسمي بالكتابة‬ ‫الشاهدات النسائية؛ باستثناء المحاوالت التي قامت النسوية‪ ،‬فيمكن لنا أن نحصر ات��ج��اه��ات الكاتبات‬ ‫بها د‪ .‬هدى الصدة ود‪ .‬سمية رمضان‪ ،‬في كتاب‪« :‬زمن العربيات بصفة عامة والمصريات بصفة خاصة في‬ ‫النساء والذاكرة الجدلية»‪ ،‬وكذلك في عدد من مجلة اتجاهين اثنين‪:‬‬ ‫«ألف»‪ ،‬بعنوان‪ « :‬الجنوسة والمعرفة‪ ،‬صياغة المعارف‬ ‫األول‪ ،‬هو اشتغال الكاتبات بقضية المرأة‪ ،‬وتجربتها‬ ‫بين التذكير والتأنيث «‪.‬‬ ‫الوجودية‪ ،‬التي تعكس وضعاً اجتماعياً وتاريخياً وإنسانياً‬ ‫لقد شغلت إشكالية المرأة ‪ /‬الكتابة وفكرة األدب مختالً؛ نتيجة للقهر والتسلط اللذين يمارسهما عليها‬ ‫النسوي الفكر منذ فترة طويلة‪ .‬لقد انكبت الحركة المجتمع الذكوري‪ ،‬بصورة تجعلها تشعر بالضعف والدونية‬ ‫النسوية في العالم على مشكلة وضع المرأة الرسمي واالستالب؛ فحاولن عبر مستويات السرد الروائي‪ ،‬أو‬ ‫وال��م��ادي‪ ،‬الرسمية والمادية واالضطهاد الواقع على السيرذاتي أن يظهرن المعنى الخاص الذي تمثله المرأة‬ ‫النساء‪ ،‬وحاجتهن إلى التحرر‪ ،‬والمساواة‪ ،‬مع التأكيد على المستوى الوجودي‪ ،‬إذ يستحضرن على مستوى البنى‬ ‫على الحاجة إلى تغيير بنية المجتمع وتوجهاته‪.‬‬ ‫السردية حكايات وأساطير وأفكاراً ومفاهيم قدمها علم‬

‫وهناك إشكالية الوضع االجتماعي للمرأة‪ ،‬والعيب‪،‬‬ ‫والحرام‪ ،‬الذي يقيّد رصد المرأة لسيرتها الذاتية‪ ،‬من‬ ‫االت��ج��اه الثاني‪ ،‬هو اشتغال الكاتبات على قضايا‬ ‫خ�لال أدب االع��ت��راف؛ ف��ص��ارت ال��م��رأة متذبذبة بين‬ ‫الرواية وأدب االعترافات‪ .‬ومن أهم الكتابات في هذا ذات��ي��ة ش��دي��دة الخصوصية‪ ،‬خصوصية عالم المرأة‪،‬‬ ‫السياق‪ ،‬التي وقعت في منطقة ليست محددة تماماً وفتح كوىً صغيرة نطّ لع من خاللها على أعماق النفس ‪/‬‬ ‫بين الرواية وأدب االعتراف‪« ،‬أوراق شخصية» للطيفة األنثى المنسية التي تسميها الكاتبة الالتينية «كالريسا‬

‫اجلوبة ‪ -‬ربيع ‪1428‬هـ ‪81‬‬


‫إن الوعي بدور المرأة المبدعة‪ .‬وقيمتها‪ ،‬ال يعود‬ ‫بنكوال» في كتابها «نساء يركضن مع الذئاب»‪ ،‬المرأة‬ ‫الوحشية‪ ،‬المرأة األولى‪ ،‬التي ترفض أشكال القهر التي القهقرى‪ ،‬والحركة النسائية العامة التي بدأت تسري‬ ‫تُمارس على جسدها‪.‬‬ ‫من مكان إل��ى مكان‪ ،‬وتمأل الجو حولنا‪ ،‬ال يمكن أن‬ ‫إن فعل الكتابة لدى المرأة‪ ،‬سواء كانت معنية بقضايا تتراجع‪ ،‬أو تتحول إلى هباء منثور‪.‬‬ ‫وجودية نضالية‪ ،‬أو منغمسة في كتابة ذاتها‪ ،‬هذا الفعل‬ ‫ح��اول��ت ال���م���رأة‪ ،‬س���واء كتبت ق��ض��اي��ا ق��وم��ي��ة كلية‬ ‫هو تحقيق لرؤية إداورد سعيد لحال المثقف‪ ،‬إذ يرى ومزجتها بالذاتية‪ ،‬مثلما فعلت لطيفة الزيات في «أوراق‬ ‫أن المثقف رج ً‬ ‫ال كان أم امرأة إنسان مستقل عن مركز شخصية»‪ ،‬أو قضايا الذات كموضوع‪ ،‬مثلما فعلت نبيلة‬ ‫السلطة‪ ،‬ومعارض لها‪ ،‬يريد تحطيم األفكار التي تختزل الزبير في‪« :‬إن��ه جسدي»‪ ،‬حاولت المرأة إب��داع كتابة‬ ‫اإلنسان في صفة واحدة؛ فللمثقف القدرة على تمثيل نسوية خالصة‪ ،‬في مقابل الكتابة الذكورية‪.‬‬ ‫ذاته‪ ،‬والعالم‪ ،‬في خطابه وكتاباته‪ ،‬فهو ملتزم ومخاطر‬ ‫ربما صارت الذات وتشظيها‪ ،‬والجسد وما يمارس عليه‬ ‫في الوقت نفسه‪ .‬وهكذا فعلت الكاتبة العربية؛ فهي من طقوس‪ ،‬هو الموضوع األثير في اآلون��ة األخيرة من‬ ‫التزمت بقضايا جنسها ووضعيها االجتماعي والتاريخي‪ ،‬إبداع المرأة‪ ،‬على نحو ما رأينا في كتابات بسمة النسور‬ ‫وخ��اط��رت بتوصيل م��ا ي���دور ف��ي داخلها م��ن أصوات في‪« :‬مزيداً من الوحشة»‪ ،‬وأحالم مستغانمي في‪« :‬فوضي‬ ‫تطالبها بالخروج والثورة ضد أشكال القهر اإلنساني الحواس»‪ ،‬وحنان الشيخ في‪« :‬حكاية زهرة»‪ ،‬ونبيلة الزبير‬ ‫واالجتماعي‪ ،‬وضد ما يمارس على جسدها من طقوس في‪« :‬إنه جسدي»‪ ،‬وهالة كوثراني في‪ « :‬األسبوع األخير»‪،‬‬ ‫وعادات وتقاليد‪ ،‬ضد كونها أنثى‪.‬‬ ‫وقبلهن هدي بركات في‪« :‬درب الهوى»‪.‬‬ ‫وعلينا أن نرصد بعض السمات والخصائص التي‬ ‫تميز إبداع المرأة‪ ،‬عن إبداع الرجل‪ ،‬ثم نخلص لبعض‬ ‫النصوص الدالة على تلك الخصائص‪ ،‬والمتمثلة فيها‪:‬‬

‫‪1‬ـ على مستوى ال��م��وض��وع��ات ال��ت��ي تعالجها الكتابة‬ ‫النسوية‪.‬‬ ‫‪ .2‬على مستوى اللغة المستخدمة في البنى السردية‪.‬‬ ‫‪ .3‬على مستوى آليات السرد‪.‬‬

‫ك��ذل��ك‪ ،‬ق��د تلجأ الكاتبات العربيات إل��ى سردات‬ ‫غنائية تحتفي بخصوصيات ال��ذات األن��ث��ى‪ ،‬ومقاربة‬ ‫ال��س��ي��رة ال��ذات��ي��ة‪ ،‬وت��ل��مّ��س أش��ي��اء ك��ان��ت م��ح��ظ��ورة في‬ ‫الكتابة النسوية قبالً‪ ..‬سردات تحتفي بالجسد‪ ،‬وتقيم‬ ‫طقوسها على أعتابه‪ ..‬ال تخجل من االعتراف بضعف‬ ‫األنثى وحاجتها إلى الرجل‪ .‬وغني عن الذكر أن المشهد‬ ‫السردي اتسع وتنّوع‪ ،‬وحقق مقوالت ما بعد الحداثة‬ ‫التي رسخت للعادي واليومي‪ ،‬وخاضت في موضوعات‬ ‫شديدة الخصوصية‪ ،‬حتى إنها لتشبه االعترافات والبوح‬ ‫والثرثرة الفنية‪.‬‬

‫إن ال��ق��رن ال��ح��ادي والعشرين ه��و ق��رن ال��م��رأة بال‬ ‫منازع‪ .‬هو قرن الثورة ضد التهميش واالستالب‪ ،‬ولكنها‬ ‫كما عمدت الرواية الجديدة إلى التفكيكية (تفكيك‬ ‫ثورة بيضاء‪ ،‬هادئة‪ ،‬بال دماء‪ ،‬وبال أصوات جهورية؛ ثورة‬ ‫شمولية سوف تستمر‪ ،‬ألنها تضم نساء العالم‪ ،‬ضد كل السرد) واالستفادة من الخبرات المعلوماتية‪ ،‬وتشظي‬ ‫أشكال القهر والسلطوية الذكورية‪ .‬وللمرأة العربية نصيب ال��ذات‪ ،‬وغربتها النفسية‪ ،‬والقفز بالسرد بين الحكي‬ ‫كبير من تلك الثورة؛ فهي حين تمسك القلم لتكتب‪ ،‬تسهم والوصف في اللحظة اآلنية‪ ،‬إلى االسترجاع والفالش‬ ‫في والدة المستقبل بطريقتين إيجابيتين‪ :‬األولى الوالدة باك‪ ،‬ثم السرد اآلني‪ ،‬وهكذا‪ ،‬فال توجد هناك حكاية‬ ‫الطبيعية‪ ،‬ودورها البيولوجي في اإلنجاب‪ .‬والثانية‪ ،‬وهي محبوكة م��ب��ررة‪ .‬ص���ارت ال��رواي��ة ال��ج��دي��دة تجعل من‬ ‫ال تقل أهمية عن الوالدة األولى‪ ،‬توسيع نطاق الحاضر‪ ،‬الواقع الحياتي المعاش م��ادة للسرد‪ ،‬تصور انسحاق‬ ‫الذات في مفردات الحياة اليومية‪ ،‬وتشكيل هذه الحياة‬ ‫حتى يظل نافذة مفتوحة على المستقبل‪.‬‬

‫‪82‬‬

‫اجلوبة ‪ -‬ربيع ‪1428‬هـ‬


‫ال للواقع؛ كي يتحدث من‬ ‫وإعطائها مصداقية الوجود داخل نسق سردي‪ ،‬تخرج النصوص‪ ،‬وال��ذي يأتي بدي ً‬ ‫من الشخصانية إلى براح أكثر اتساعاً‪ ،‬هو براح اإلبداع خالل التخييل عن الذات‪.‬‬ ‫األدبي ‪.‬‬ ‫وق���د ت��أت��ي ال��ل��غ��ة ف��ي ك��ت��اب��ات أخ���رى ص��ادم��ة حد‬

‫لغة في الكتابة النسوية‪:‬‬

‫الفجيعة‪ ،‬وموغلة في التصريح ب��دالً عن التلميح‪ ،‬في‬ ‫الكشف بدالً عن الكناية واالستعارات‪ .‬صارت الذات‬ ‫في هذا المستوى من اللغة منشغلة بكشف المسكوت‬ ‫عنه‪ ،‬والبحث عن تشظي ال��ذات أم��ام اآلخ��ر‪ ،‬وعملت‬ ‫على تحطيم الثوابت والمطلقات‪ ،‬واحتفت بالحواس‪،‬‬ ‫واستهانت بالمحظورات؛ فهي لغة ال تنافق الذائقة‬ ‫التقليدية للمتلقي‪ ،‬بقدر ما تهزها بعنف وبشكل صادم!‬

‫تراوحت اللغة في الكتابة النسوية بين اللغة الغنائية‪،‬‬ ‫واللغة التي ال تتخذ م��ن المجاز رداء‪ ،‬ب��ل تميل إلى‬ ‫صدم المتلقي‪ ،‬وتحدي وعيه‪ ،‬وتستهين بمحظوراته‪،‬‬ ‫حتى تصل إلى االبتذال والحوشية‪ ،‬على نحو ما نجد‬ ‫في كتابات‪ :‬عفاف السيد‪ ،‬وه��دي حسين؛ ولغة تقف‬ ‫في مرحلة وسط بين اللغتين السابقتين‪ ،‬فتأخذ من‬ ‫ثم يأتي المستوى الثالث من اللغة‪ ،‬في منطقة وسط‬ ‫الوصف والمجاز والشعرانية بحظ‪ ،‬وتأخذ من اللغة‬ ‫بين الغنائية الوجدانية االستعارية‪ ،‬واللغة الصادمة التي‬ ‫الصادمة المبتذلة بحظ مثلما نجد في كتابات‪ :‬صفاء‬ ‫تصل إلى حد االبتذال‪.‬‬ ‫عبدالمنعم‪ ،‬ونعمات البحيري‪ ،‬وهالة البدري‪.‬‬ ‫ف��ي نهاية المقال‪ ،‬ال أج��د وسيلة أختم بها سوى‬ ‫وأب��رز ما يميز السرد النسوي يتجلى واضحاً على‬ ‫مقاطع م��ن إب���داع بعض الكاتبات المتميزات‪ ،‬مثل‪:‬‬ ‫مستوي الشكل والداللة‪ .‬وألن اللغة وعاء الشكل الذي‬ ‫الكاتبة الالتينية كالريسا بنكوال‪ :‬في «نساء يركضن مع‬ ‫يقدم ال��دالل��ة‪ ،‬فالالوعي النصي يتجلى على مستوى‬ ‫الذئاب»‪ ،‬إذ تقول‪:‬‬ ‫اللغة واألس��ال��ي��ب التي تستخدمها الكاتبة وتصوغها‬ ‫ل��غ��ة ال���رواي���ة وال��ش��ع��ر ه��ي الشقيقة األق����وى للغة‬ ‫الساردة؛ فهناك بجانب التعدد والتجاور الذي أشرنا‬ ‫إليه سابقاً‪ ،‬توجد جدلية وثنائية تصبغ لغة الكتابة األحالم‪ ،‬ومن خالل تحليل الكثير من األحالم (القديمة‬ ‫األنثوية‪ ،‬وهذه الثنائية هي األنا واألنا العليا؛ فنظرتها والمعاصرة المسجلة على مر السنين‪ ،‬وكذلك النصوص‬ ‫للمحرم والمسكوت عنه مختلفة عن ال��رج��ل‪ .‬وبعض المقدسة واألعمال األسطورية)‪.‬‬ ‫كما تقول «فرجينيا وول��ف»‪ ،‬في مقال لها بعنوان‪:‬‬ ‫الكاتبات يُلبِسن المسكوت عنه والتعبير عن الجنس ثوب‬ ‫اللغة الوجدانية الموحية‪ ،‬التي تكني وال تصرح‪ ،‬ولكنها «المرأة والكتابة الروائية «‪:‬‬ ‫تعج بالدالالت الجنسية‪ ،‬فتأتي رهيفة وغير صادمة‬ ‫كتابة ال��م��رأة في الوقت الحالي وبشكل مختصر‪،‬‬ ‫بالمحرم‪ ،‬عالقة مختلفة‪ .‬ولذلك‪ ،‬ال يمكن قراءتها إال تتسم بالشجاعة والصدق‪ ،‬وإنها تبقى على اتصال دائم‬ ‫من خالل سيميائية الدوال والتفسير النفسي لألدب‪ ،‬بمشاعر المرأة‪ .‬لم يعد في هذه الكتابة طعم المرارة‪،‬‬ ‫فعالقة ال��ذات ال��س��اردة األنثوية بميكانزمات الدفاع إنها نوع من الكتابة ال يصر على األنوثة‪ ،‬ولكن في الوقت‬ ‫ال للذي يكتبه‬ ‫تختلف؛ فهي تبحث ع��ن توازنها م��ن خ�لال إل��غ��اء أي نفسه فإن كتاباً تكتبه امرأة لن يكون مماث ً‬ ‫تمظهر يجعلها ت��ب��دو واض��ح��ة‪ .‬ول���ذا‪ ،‬نجد التحوير‪ ،‬الرجل‪ .‬لقد أصبحت ه��ذه السمات في كتابة المرأة‬ ‫والقلب‪ ،‬واالس��ت��ع��ارات‪ ،‬والكثافة اللغوية‪ ،‬التي تتكرر أكثر انتشاراً مما كانت عليه‪ ،‬وهي السمات نفسها التي‬ ‫في النص‪ ،‬وتصنع المسافة بين األنا والرغبة؛ بل إنها تعطي األعمال ‪ -‬حتى من الدرجة الثانية والثالثة ‪-‬‬ ‫تذهب إلى إنجاز محكي الحلم‪ ،‬الذي يهيمن على هذه قيمة‪ ،‬تجعلها حقيقية وصادقة مع نفسها»‪.‬‬ ‫< كاتبة وروائية ‪ -‬مصر‪.‬‬

‫اجلوبة ‪ -‬ربيع ‪1428‬هـ ‪83‬‬


‫أدوات الكتابة‪:‬‬

‫عالمات الترقيم وأثرها في النص‬

‫‪ ،‬؛‪!.= ..)( »...« /- :‬؟‬

‫> محمد صوانه‬

‫<‬

‫مرت الكتابة على مدار التاريخ بمراحل عدة‪ ،‬بدءاً بالتعبير من خالل الرسوم‬

‫والرموز التصويرية ومروراً بالحروف التي تشكلت منها الكلمات؛ فتكونت الجمل‬ ‫والنصوص‪ ،‬وظهرت الكتابة بشكلها النهائي المتطور‪ ،‬بعد مراحل طويلة من التطوير‬ ‫والتحسين‪ ،‬وتعامل الكتّاب مع أدواتها‪ ،‬وتفاعل القراء معهم في ما يكتبون‪ .‬وتشكلت‬ ‫عالقة بين كتّاب النصوص وقرائهم‪ .‬ومن الطبعي أن يكون هدف كتّاب النصوص أن‬

‫يصل القارئ (المتلقي) إلى المضمون نفسه‪ ،‬الذي كان في ذهن الكاتب عند إعداد‬

‫النص‪ .‬وإن العالقة بين مستوى الفهم‪ ،‬الذي يتحقق لدى القارئ عند قراءته النص‪،‬‬ ‫وبين ما كان يختلج في ذهن كاتب النص ذات��ه‪ ،‬عالقة نسبية يتدخل النص ذاته‪،‬‬

‫ال عن مضمونه‪ ،‬في تحديدها والتحكّم بها!‬ ‫وطريقة إعداده وتقديمه‪ ،‬فض ً‬

‫وإن من بدهيات إعداد النص‪ ،‬أن يمتلك الكاتب القدرة الفنية على استخدام‬

‫عالمات الترقيم‪ ،‬تلك التي من شأنها أن تسهم في إيصال الرسالة (المضمون) إلى‬

‫القارئ (المتلقي) في يسر وسهولة؛ ليتحقق الهدف من النص ابتداءً! ويالحظ على‬ ‫كثير من الكتابات والنصوص ضعف االهتمام بتلك العالمات‪ .‬ويهدف هذا المقال‬

‫إلى التعريف بعنصر مهم من عناصر الكتابة وأدواتها‪ ،‬هو عالمات الترقيم‪.‬‬

‫‪84‬‬

‫اجلوبة ‪ -‬ربيع ‪1428‬هـ‬


‫ع�لام��ات الترقيم ج��زء مهم م��ن أدوات الكتابة‪،‬‬

‫الكتابة ليست كلمات ت َُصف وتطرح أمام القارئ ‪,‬‬

‫خريطة النص وتشكيله‪ ,‬وتبعث الحياة فيه‪ ,‬وتمده‬

‫داخل النص‪ ,‬لينقل القارئ إلى حالة ذهنية صافية‪،‬‬

‫وهي تؤثر في منهجيتها‪ ،‬كما تؤثر في مستوى الفهم فال بد للكاتب من امتالك أدواتها الفنية‪ ,‬التي ال غنى‬ ‫الذي يتحقق لدى قارئ النص؛ فهي تسهم في رسم له عنها؛ إذ يستطيع توظيف تلك األدوات (العالمات)‬ ‫بطاقة متّقدة‪ .‬تأمّل نصاً دون عالمات الترقيم‪ ،‬كيف‬ ‫سيكون؟ ستجده‪ ،‬دون ش��ك‪ ،‬نصاً جامداً ال حراك‬

‫تساعده على استقبال المعلومة بيسر وسهولة؛ فيدرك‬ ‫المضامين التي حرص الكاتب على إيصالها إليه‪.‬‬

‫فيه! أو سيكون نصاً تزدحم فيه المعاني‪ ،‬كأنما‬

‫إذاً عالمات الترقيم هي رم��وز توضع‬

‫ضيق‪ ،‬تزدحم فيه وتضطرب؛ فيتعسر عليها‬

‫من إعمال الفكر في استيعاب المضامين‬

‫تتدافع المعاني والكلمات فيه من خالل عنق‬

‫داخ��ل النص‪ ,‬لتوفّر على القارئ الكثير‬

‫المرور!‬

‫والمعاني‪ ،‬التي يهدف إليها الكاتب؛ كما‬

‫إن ازدح������ام ال��ك��ل��م��ات وال��ج��م��ل‪ ،‬دون فواصل‬

‫وإش��ارات‪ ،‬من شأنه أن يعيق الحركة داخ��ل النص؛‬ ‫فهو يقلل مستوى االستيعاب والفهم لدى القارئ‪،‬‬ ‫ويربكه‪ ،‬أو ق��د يجعل النص يتيه ف��ي ف��راغ كبير‬

‫يصعب على المتلقي لملمة أجزائه المبعثرة؛ فتضيع‬ ‫المعاني ال��ت��ي ي��ح��رص ال��ك��ات��ب على إيصالها إلى‬

‫القارئ‪ ،‬فيضل قبل آن يتمكن من اإللمام بها‪ ،‬وقد‬

‫يضجر ويترك النص!‬

‫وفي الداللة على ذلك ‪ ,‬تأمّل مدينة من المدن‬

‫الكبرى التي تكتظ بالسيارات ‪ ,‬وه��ي تسير في‬

‫ش��وارع متقاطعة ومتعرجة دون أن يكون في تلك‬

‫الشوارع والطرق أية إشارات مرور أو لوحات إرشادية‬ ‫تنظّ م السير‪ ,‬وترشد مستخدمي الطرق إلى ضوابط‬

‫ولوحات تحدد لهم مسارات الطرق يمينا أو يساراً‪,‬‬

‫ترشد تلك العالمات إلى أماكن تغيّر نبرات‬

‫الصوت عند ال��ق��راءة‪ ،‬ليصل إل��ى المعنى الذي‬ ‫قصده الكاتب‪ ،‬ويتفاعل معه؛ فيتحقق الهدف‬

‫من النص‪.‬‬

‫لقد تهاون كثير من الكتّاب بعالمات الترقيم؛‬ ‫إذ ت��ج��د ن���ص���وص��� ًا ع���دي���دة ف���ق���دت روحها‬ ‫ال��ح��ق��ي��ق��ي��ة‪ ،‬ب��س��ب��ب إه��م��ال أو ع���دم ضبط‬ ‫عالمات الترقيم‪ ،‬بشكل مناسب؛ كما تجد‬ ‫نصوص ًا أخ��رى تنبض بالحيوية والحكمة‪،‬‬ ‫ألن كاتب النص ح��رص على ضبط عالمات‬ ‫ال��ت��رق��ي��م‪ ،‬ف��ب��دت ك��أن��ه��ا أع��م��دة وأس���س تدعم‬ ‫النص المكتوب وت��س��ن��ده‪ .‬وه��ي حقا تدعم النص‪,‬‬ ‫وتحسنه‪ ,‬وتجمله؛ وتجعل م��ن السهل على‬ ‫ّ‬ ‫القارئ استيعابه‪ ,‬بل واالستمتاع بقراءته‪.‬‬

‫وتنظّ م عبور تقاطعات الطريق والجسور واألنفاق؛‬

‫ولعلي أ ُشَ �� ِّب��ه النصوص بالطعام؛ بعضه‬

‫ي��ؤدي إلى تداخل في صفوف السيارات القادمة‬

‫وكذلك النصوص‪ ،‬فالكتابة التي تحتوي على‬

‫فإنك ستدرك أن غياب اللوحات اإلرشادية سوف‬

‫سهل الهضم‪ ،‬وبعضه اآلخر يتعسر هضمه‪.‬‬

‫م��ن مختلف االت��ج��اه��ات‪ ،‬وس���وف ت��زدح��م مسارات عالمات الترقيم يسهل على القارئ أن يستوعبها‪،‬‬ ‫الطرق؛ فيكون السير عسيراً‪ ،‬والحركة غير منضبطة دون عناء‪ ،‬والتي ال تحتوي على عالمات الترقيم‪ ،‬أو‬

‫وسلسة!‬

‫أسيء استخدامها؛ فإن القارئ سيشعر بعسر أثناء‬

‫اجلوبة ‪ -‬ربيع ‪1428‬هـ ‪85‬‬


‫القراءة!‬ ‫(‪ )4‬الشرطة األفقية مع السطر (‪ :)-‬توضع‬ ‫في المحاورات‪ ،‬وبين أجزاء العنوان المكون من‬ ‫ولعالمات الترقيم أماكن بين الكلمات والجمل‬ ‫جُ زءين‪ ،‬وبعد أعداد الترقيم‪.‬‬ ‫داخ��ل النص‪ ،‬ينبغي للكاتب أن يعرفها‪ ،‬فيضع كل‬ ‫عالمة منها في مكانها الصحيح‪ ،‬بين أجزاء النص‪،‬‬ ‫(‪ )5‬الشرطة المائلة (‪ :)/‬ف��ي التواريخ‬ ‫لتمييزه عن بعضه‪ .‬وتعد تلك العالمات محطات‬ ‫والفصل بين التقويمين الهجري والميالدي‪،‬‬ ‫تساعد ال��ق��ارئ في التوقف عندها أثناء القراءة‪،‬‬ ‫وف��ي الرياضيات تكون ب��دالً م��ن كلمة لكل‪،‬‬ ‫ليلتقط أنفاسه ويتمكن من االستمرار في القراءة‪،‬‬ ‫وكذلك للداللة على الكسر العادي‪.‬‬ ‫مع الفهم السلس والمتسلسل في الوقت نفسه؛ وعلى‬ ‫(‪ )6‬القوسان ()‪ :‬يستخدمان لتمييز الجمل‬ ‫اإلج��م��ال ف��إن ع�لام��ات الترقيم تعمل على تجميل‬ ‫االعتراضية أو التوضيحية‪ ،‬كما توضع األرقام‬ ‫النص كما تصقله وتبسطه‪.‬‬ ‫داخل النص إذا زادت عن عشرة بين قوسين‪.‬‬ ‫وألن ل��ك��ل ع�لام��ة م��ن ع�لام��ات ال��ت��رق��ي��م مكان‬ ‫(‪ )7‬القوسان المربعان ‪ :‬يستخدمان‬ ‫بعينه‪ ،‬ينبغي أن توضع فيه دون غيره‪ ،‬وخدمة للقراء‬ ‫في وض��ع االض��اف��ات التي ال تكون من النص‬ ‫األع��زاء‪ ،‬نجد من المناسب أن نعرض بإيجاز لهذه‬ ‫ذاته‪ ،‬وعندما يلجأ كاتب نص منقول إلى‬ ‫العالمات‪:‬‬ ‫التدخل فيضع عبارة أو تفسيرا ليس‬ ‫(‪ )1‬الفاصلة (‪( )،‬وتسمى أيضاً الفصلة‬ ‫من النص نفسه‪.‬‬ ‫والشولة)‪ :‬تستخدم للفصل بين الجمل‬ ‫(‪ )8‬ع�ل�ام���ت���ا االق����ت����ب����اس «»‪:‬‬ ‫المتصلة المعنى‪ ،‬وبين الجمل المعطوفة‬ ‫تستخدمان في النص المنقول عن مرجع‬ ‫على بعضها‪ ،‬وبين التواريخ‪ .‬وال تستخدم بين‬ ‫آخر بالنص الحرفي‪ ،‬أو لتمييز األسماء والصفات‬ ‫الفعل والفاعل‪ ،‬وال بين الصفة والموصوف‪ ،‬وال‬ ‫أو المصطلحات‪ ،‬أو وضع النصوص غير‬ ‫بين الجار والمجرور‪ ،‬وال بين المضاف‬ ‫العربية داخل نص عربي‪.‬‬ ‫والمضاف إليه‪.‬‬ ‫(‪ )9‬ع�لام��ة ال��ح��ذف (‪ :)...‬ثالث‬ ‫(‪ )2‬الفاصلة المنقوطة (؛)‪ :‬توضع بين‬ ‫نقاط متتالية أفقية‪ ،‬تستخدم عند حذف جزء‬ ‫الجملتين ال��ل��ت��ي��ن ت��ك��ون ال��ث��ان��ي��ة منهما سبباً‬ ‫من نص منقول؛ ألن الكاتب ال يحتاج أو ال يرغب‬ ‫لحدوث األولى أو مسببة عنها‪ .‬كما توضع بين‬ ‫في إيراده‪.‬‬ ‫أجزاء الجمل متساوية الدرجات‪ .‬وفي إحاالت‬ ‫ال��ه��وام��ش ت��وض��ع ب��ي��ن ال��م��راج��ع ال��م��ت��ك��ررة في (‪ )10‬النقطة (‪ :).‬تستخدم عند نهايات الجملة‬ ‫المكتملة المعنى ونهايات الفقرات‪ .‬وبعد األلقاب‬ ‫اإلحالة نفسها‪.‬‬ ‫المختصرة‪ ،‬مثل‪( :‬د‪ ).‬دكتور‪ ،‬و(م‪ ).‬مهندس‪.‬‬ ‫(‪ )3‬النقطتان الرأسيتان (‪ :):‬توضعان قبل‬ ‫القول المنقول‪ ،‬أو قبل الشرح والتفسير لجملة‪ )11( ،‬عالمة التعجب (!)‪ :‬تستخدم في نهاية النص‬ ‫الذي يدل على التعجب‪ ،‬أو للتعبير عن االنفعال‬ ‫أو مصطلح ما‪.‬‬

‫[]‬

‫‪86‬‬

‫اجلوبة ‪ -‬ربيع ‪1428‬هـ‬


‫النفسي للكاتب‪ ،‬أو للتعبير عن الفرح‬ ‫أو ال��ح��زن‪ .‬واألف��ض��ل ع��دم االكثار‬ ‫منها ف��ي ال��ن��ص‪ .‬ويكتفى بالنقطة‬

‫تحتها بدالً عن نقطة نهاية الجملة‪.‬‬ ‫(‪)12‬‬

‫عالمة السؤال‬

‫(؟)‪ :‬وتستخدم‬

‫عند االستفهام وفي نهاية السؤال‬

‫ال���ن���ق���ط���ت���ان األف���ق���ي���ت���ان‪ :‬ع�ل�ام���ة ج����دي����دة من‬ ‫ع�لام��ات ال��ت��رق��ي��م ش���اع اس��ت��خ��دام��ه��ا ف��ي الشعر‬ ‫وال�����رواي�����ة وال���ن���ص���وص ال���ح���دي���ث���ة‪ ،‬وه�����ذه دع���وة‬ ‫لفقهاء ال��ل��غ��ة ل��دراس��ة ه���ذه ال��ع�لام��ة‪ ،‬وم���ن حق‬ ‫ال��ل��غ��ة أن ت��ت��ط��ور ك��م��ا ف��ع��ل��ت ع��ل��ى م���ر التاريخ‬

‫المكتمل المباشر‪ ،‬وأحياناً تستخدم‬

‫(‪ )14‬النقطتان األفقيتان‬

‫ل��ل��دالل��ة ع��ل��ى ال���ش���كّ ف���ي معلومة‬

‫أو نص أو نتيجة‪ ،‬وتوضع في ه��ذه الحالة بين‬

‫قوسين (؟)‪ ،‬لنقل شعور الكاتب في التشكيك‬ ‫في المعلومة إلى القارئ في مثل هذه الحاالت‪.‬‬

‫ويكتفى بالنقطة تحتها ب���دالً ع��ن نقطة نهاية‬

‫(‪ :)..‬رأيت كثيراً من‬

‫كتاب القصة الحديثة والرواية والشعر الحديث‬ ‫يستخدمونها بين الجمل المترابطة المتصلة؛‬ ‫للداللة على وقفات خفيفة أثناء القراءة‪ .‬وهم‬ ‫بذلك يضعونها أحياناً بدل الفاصلة‪ ،‬وأحيانا‬

‫الجملة‪.‬‬

‫أخ��رى ليس ب��دالً عنها‪ .‬وي��ل��ج��أؤون لمثل هذه‬

‫وق����د ي��ج��م��ع ال���ك���ات���ب ب��ي��ن ع�لام��ت��ي التعجب‬

‫ال��ع�لام��ة الع��ط��اء ال���ق���ارئ ف��رص��ة االستمتاع‬

‫واالستفهام معاً (؟!)‪ ،‬إذا ك��ان النص يحتمل‬

‫المعنيين معاً‪ ،‬أي فيه استفهام وتعجب‪ ،‬وتقدم‬

‫ع�لام��ة االستفهام على التعجب ف��ي مثل هذه‬ ‫الحالة‪.‬‬

‫(‪ )13‬عالمة الهامش داخل النص‬

‫(‪)1‬‬

‫(هكذا )‪:‬‬

‫وتكون في نهاية النص المنقول أو المراد شرحه‬ ‫في الهامش السفلي أو في نهاية النص‪ ،‬ويكون‬ ‫ال عن نهاية الجملة المراد‬ ‫الهامش مرتفعاً قلي ً‬ ‫شرحها ليتنبه ال��ق��ارئ إليها‪ .‬وي��وض��ع الشرح‬

‫في أسفل الصفحة في حالة الكتب‪ .‬وفي هذه‬ ‫الحالة يكون الترقيم لكل صفحة لوحدها‪ ،‬وفي‬ ‫نهاية ال��ن��ص ف��ي ال��م��ج�لات وال��ص��ح��ف‪ ،‬يكون‬

‫ترقيم الهوامش – عادة ‪ -‬متسلسالً‪.‬‬

‫والتمعن بالنص أثناء القراءة‪ .‬وال أرى في ذلك‬ ‫م��ا يعيب‪ ،‬وه��ي ف��رص��ة لفقهاء اللغة العربية‬ ‫أن يتناولوا ه��ذه العالمة بالبحث والمناقشة‪،‬‬ ‫وأعتقد ان اللغة ليست جامدة وم��ن حقها أن‬ ‫تتطور‪ ،‬كما فعلت على مر التاريخ اإلنساني‪.‬‬ ‫علماً ب��أن هاتين النقطتين ليس لهما أصل‬ ‫في عالمات الترقيم المعتمدة في االستخدام‬ ‫األدبي الحالي؛ ولكن ذلك ال يمنع استخدامهما‬ ‫إن ك��ان ثمة ما يستوجب إع��ادة النظر في أي‬ ‫من العالمات الموجودة‪ ،‬أو استحداث عالمات‬ ‫جديدة‪ ،‬أن نبدأ بهاتين النقطتين األفقيتين على‬ ‫السطر‪ ،‬في ضوء استخدامهما من قبل كتّاب‬ ‫القصة والرواية والشعر في النصوص الحديثة‪.‬‬

‫< كاتب وإعالمي‪.‬‬ ‫(‪ )1‬يوضع نص الهامش هنا ‪ -‬يفصله خط متصل عن نص المتن ‪ -‬باستخدام الخط نفسة‪ ،‬ولكن بحجم أصغر منه لتمميزه عن‬ ‫متن المقال‪.‬‬

‫اجلوبة ‪ -‬ربيع ‪1428‬هـ ‪87‬‬


‫قراءة في «رسـالة» لشريفة العلوي‬

‫> زياد جيوسي‬

‫ن��ص إم��ت��از ب��روم��ان��س��ي��ة ف��ائ��ق��ة‪ ،‬اع��ت��م��د السرد‬ ‫والمفاجأة‪ ،‬ووضع صوراً جذابة تشد القارئ‪ ،‬وتجعله‬ ‫ينتظر ال��ن��ه��اي��ة‪ .‬ح��ال��ة م��ن االن��ت��ظ��ار‪ ،‬وضعتنا فيها‬ ‫الشاعرة‪ ،‬وهي تصور انتظار الرسالة؛ حتى إن ذاكرتها‬ ‫ترنحّ ت بين التوهم والسؤال‪ ،‬ووصلت إلى مرحلة من‬ ‫الغياب‪ ،‬بين غياب القمر وغياب نجم الشاعرة‪ .‬هذه‬ ‫الصور‪ ،‬صوّرت لحظات كأنها شهور أو أع��وام‪ ،‬وفي‬ ‫لحظة صوّرتها بتفتيتها إل��ى أج���زاء‪ ،‬مثل قصاصة‬ ‫مهترئة‪ ،‬تعبث بها العواصف والرياح! تأتي الرسالة‪:‬‬ ‫من أجلها ظللت أرصد البريد‬ ‫ترنحت ذاكرتي توهمّ اً‪ ..‬تساؤ ًال‬ ‫غاب الهالل‪ ،‬أم غاب نجمي في الفضاء‬ ‫في زمن يمتد للشهور والسنين‬ ‫في لحظة مرت كأنها قرون‬ ‫تشتت أجزائي كالقصاصة المهترئة‬ ‫تعبث بها عواصف الرياح‬ ‫تنتقل الشاعرة‪ ،‬مباشرة بعد وصول القارئ إلى تشوّق‬ ‫كبير‪ ،‬إلى الرسالة المنتظرة؛ فهي رسالة ترتقبها الشاعرة‪،‬‬ ‫بشوق وشغف‪ ،‬وجعلت القارئ ينتظر معها‪ ،‬ربما بشوق‬ ‫أكبر‪ .‬تبدأ الشاعرة بوصف الرسالة‪ ،‬مستخدمة مجموعة‬ ‫كبيرة من لوحات تثير التشوق والجمال‪ /‬تعلن القدر‪ /‬بلسم‬ ‫حياة‪ /‬هدية من السماء‪ /‬زهرة قرنفل‪ /‬مروج خضراء‪..‬‬ ‫رسالة جاءت تبّلغ الخبر‬ ‫لتحسم األمر وتعلن القدر‬ ‫مدادها في ثغري بلسم الحياة‬ ‫كأنها هدية جاءت من السماء‬ ‫تزينت بلمسة الطيف المضيء‬ ‫كلماتها من زهرة القرنفل‬ ‫بل اكتست ستارة الربيع‬ ‫وفي مروج خضرة القلوب‬ ‫ك���ل ه���ذه األوص�����اف ن��ج��ده��ا ب��وت��ق��ة م���ن اإلب����داع‬ ‫والجمال‪ ،‬تجمّعت وانتظمت؛ لتعطي النتظار القارئ‬ ‫دفعة جديدة من الشوق والتشوق‪ ،‬والرغبة في الوصول‬ ‫إلى ما تحمله هذه الرسالة‪ .‬فنجد الوصف هنا لما في‬

‫‪88‬‬

‫اجلوبة ‪ -‬ربيع ‪1428‬هـ‬

‫داخل هذه الرسالة من صياغة إبداع‪ ،‬وجمال وبيان‪/‬‬ ‫سحابة شموع‪ /‬آللئ الندى‪ /‬أس��رار‪ /‬ترنيمة‪ /‬شالل‬ ‫شجن‪ /‬وغير ذل��ك‪ ،‬م��ن وص��ف يشد أن��ف��اس القارئ‬ ‫ويكتمها للوصول إلى النهاية ومحتوى الرسالة‪.‬‬ ‫تنسقت‪ ،‬إنتظمت وتدرجت‬ ‫صياغة اإلبداع في المعاني والدالل‬ ‫في عمقها سحابة الشموع‬ ‫تذرف الرذاذ من آلليء الندى‬ ‫تردد الصدى براعة الجمال‬ ‫سرد يبوح أسرار المقال‬ ‫وقع البيان ساحر ًا على مسامعي‬ ‫حروفها ترنيمة مختومة‬ ‫من ماء السماء‬ ‫تفوح عنبر ًا يثير غيرة األنوف‬ ‫يزيد رغبة العيون في نهم بال حدود‬ ‫ويستحيل أن يقابل السدود‬ ‫و وجبة تغري‪ ،‬تدر لوعة العيون‬ ‫ينساب منها شالل يواصل الشجون‬ ‫وف��ي قمة اإلنتظار وال��ش��وق وكتم األن��ف��اس؛ تفاجئنا‬ ‫الشاعرة بأمر‪ ،‬لم يكن في الحسبان‪ ،‬ولم يكن متوقعاً أبداً‪،‬‬ ‫بعد تلك اللوحات المثيرة كلها‪ ،‬ما بين إنتظار ورغبة‪..‬‬ ‫في أوج لحظة الولع‬ ‫قررت‬ ‫دفنها في عمق أسفل التراب‬ ‫فتدفنها في أسفل ال��ت��راب!! نهاية غير متوقعة‬ ‫أب��داً وتثير ال��س��ؤال‪ ،‬هل ق��ررت الشاعرة دف��ن هذا‬ ‫الحلم المنتظر واإلعالن عن موته؟! فالدفن ال يكون‬ ‫لرسالة أبداً‪ ،‬بمقدار ما هو تعبير عن دفن حلم ورغبة‬ ‫بال عودة‪ .‬فلو كانت مسألة رسالة‪ ،‬لخبأتها في مكان‬ ‫ما‪ ،‬بين أوراق أو كتب‪ ،‬أو في خزانة‪ ،‬أو ملف أوراق؛‬ ‫لكن الشاعرة استطاعت أن تضعنا في جو من التوتر‬ ‫النفسي‪ ،‬القائم على االنتظار‪ ،‬والتشوق إلى النهاية؛‬ ‫لتفاجئنا بنهاية غير متوقعة أب���داً‪ ،‬تجعل القارئ‬ ‫يفاجأ‪ ،‬ويعود إلى البدء‪ ،‬في محاولة إكتشاف السر‪.‬‬


‫هذا النحو ال نحتاجه‬ ‫> عبدالبر علواني‬

‫<‬

‫«النحو في الكالم كالملح في الطعام»‪ ،‬مقولة قديمة ‪ 4-‬أن عويص النحو ليست له فائدة عملية في الحياة‪،‬‬ ‫أدرك��ه��ا أص��ح��اب الفطرة السليمة‪ ،‬أي��ام ك��ان اللحن في‬ ‫فأولى به أن يتفرغ له المتخصصون‪.‬‬ ‫الكالم فحشاً‪ ،‬وي��وم ك��ان الخطأ جرماً‪ ،‬حتى ج��اء اليوم‬ ‫يدلنا ذلك على أن النحو‪ ،‬كان وما زال‪ ،‬يمثل مشكلة‬ ‫الذي عجز فيه اللسان عن البيان‪ ،‬وسيطرت فيه العجمة لدى المتعلمين‪ ،‬حتى أصبحت مادة القواعد من أبغض‬ ‫على اللسان‪ ،‬كل ذلك ونحن ندرّس أبنائنا النحو العربي المواد الدراسية لدى تالميذ المرحلة االبتدائية‪ ،‬وليس‬ ‫نحو تسعة أعوام‪ ،‬وما استقام لهم لسان (؟!)‪.‬‬ ‫لها نصيب من حب بين تالميذ المرحلة الثانوية‪ ،‬حتى إن‬

‫والمتتبع لمخرجات التعليم في بالدنا العربية‪ ،‬ال ينكر المربين اإلنجليز تنبهوا إلى ذلك‪ ،‬وانتهوا من دراساتهم‬ ‫ما آل إليه حال التعليم؛ فالطالب عاجزون عن مهارات إلى وصف قواعد النحو بأنها‪:‬‬ ‫اللغة على مستوى المكتوب والمنطوق‪ .‬ولم نفكر في علة‬ ‫‪ 1‬ال تحقق نجاحاً في تدريب عقول التالميذ تدريباً‬‫هذا التدني‪ ،‬حتى وقع تحت يديَّ نص للجاحظ «رسالة‬ ‫عاماً‪.‬‬ ‫إلى المعلمين»‪ ،‬جاء فيه‪« :‬أما النحو فال نُشغل قلب الصبي‬ ‫‪ 2‬ال تساعد التالميذ في القدرة على التعبير‪.‬‬‫منه إال بقدر ما يؤديه إلى السالمة من فاحش اللحن‪ ،‬ومن‬ ‫مقدار جهل العوام في كتاب إن كتبه‪ ،‬وفي شعر إن أنشده‪ 3- ،‬تستغرق وق��ت��اً‪ ،‬ك��ان من الخير أن يخصص لدراسة‬ ‫األدب؛ فتكون الفائدة أعم‪.‬‬ ‫وشيء إن وصفه‪ ،‬وما زاد على ذلك فهو مشغلة عما هو‬ ‫ولهذا ألغوا تدريس النحو في ال��م��دارس االبتدائية‬ ‫أولى به من رواية المثل الشاهد‪ ،‬والخير الصادق‪ ،‬والتعبير‬ ‫البارع‪ ،‬وإنما يرغب في بلوغ غايته‪ ،‬ومجاوزة القصد فيه‪ ،‬اإلنجليزية منذ عهد بعيد‪ ،‬أما في المدارس الثانوية فقد‬ ‫ومن ال يحتاج إلى تعرّف جسيمات األم��ور‪ ،‬ومن ليس له اقتصروا على تدريس ما يسمى بالنحو الوظيفي‪ ،‬ويقصد‬ ‫حظ غيره‪ ،‬وال معاش سواه‪ .‬وعويص النحو ال يجدي في به القواعد التي تحقق وظيفة من حيث دقة الفهم عند‬ ‫المعامالت‪ ،‬وال يضطر إليه في شيء»!‬ ‫االستقبال‪ ،‬وسالمة التعبير عند اإلرسال؛ وكأني بالمربين‬ ‫وبتحليل هذا النص‪ ،‬يتبين أن منهج الجاحظ يقضي اإلنجليز قد قرأوا الجاحظ في مقولته التي أشرنا إليها‬ ‫آنفا‪.‬‬ ‫باآلتي‪:‬‬ ‫‪ 1‬أال يدرّس الصبي من النحو إال ما له وظيفة في سالمة‬‫إذا كان هذا هو الحال في التراثين العربي والغربي‬ ‫التعبير والقراءة والفهم‪.‬‬ ‫منذ القدم‪ ،‬فما لنا ال نفكر في آلية نزيل بها هذه الغربة‬ ‫‪ 2‬أن يقتصر فيما ي��درس منه على الحد األدن���ى من بين الطالب العربي ولغته؟ فالنحو الذي ندرسه نحوان‪:‬‬‫نحو ندرسه وال نحتاجه‪ ،‬ونحو ال ندرسه ونحتاجه‪.‬‬ ‫األساسيات‪ ،‬التي تؤدي هذه الوظائف‪.‬‬ ‫وقد يعترض علينا بعض الناس ممن يهمهم أمر هذه‬ ‫‪ 3‬إن دراس��ة األدب أول��ى أن ينفق فيها ما يدخره من‬‫وق��ت‪ ،‬ك��ان ينفق من قبل في دراس��ة حواشي النحو اللغة‪ ،‬ويتهمنا أننا نحول بدعوتنا هذه بين اللغة وأهلها‪،‬‬ ‫فمعاذ ال��ل��ه أن ن��ك��ون ك��ذل��ك؛ لكننا فقط م��ن معايشتنا‬ ‫وتفريعاته‪.‬‬

‫اجلوبة ‪ -‬ربيع ‪1428‬هـ ‪89‬‬


‫لطالب المدارس والجامعات نرى أن النحو الذي نقدمه‬ ‫لطالبنا في قاعات الدرس ال يقيّم لساناً‪ .‬فالمرء يكون‬ ‫قد أتقن لغة ما إذا كان يتكلم ويقرأ ويكتب بهذه اللغة‪،‬‬ ‫جارياً على قواعدها‪ ،‬مراعياً قوانينها‪ ،‬ال يلحن فيها أو‬ ‫يخطىء‪ .‬وإن المدرسة تكون قد نجحت في تعليم اللغة‬ ‫إذا كان الذين تخرجوا فيها جميعهم أو أكثرهم على هذه‬ ‫الصفة‪ ،‬فهل من تخرجوا في مدارسنا كذلك؟ فالطالب‬ ‫يتخرج في المدرسة أو الجامعة ولسانه ال يكاد يصوغ‬ ‫وق���د علمتني ال��ت��ج��رب��ة أي���ض���اً‪ ،‬أن م��ا ي��ؤخ��ذ من‬ ‫جملة صحيحة! أو يُعرب كالماً‪ ،‬وال يستطيع أن يعبر عن المطالعة في العام ال��دراس��ي أم��ام ال��م��درس ال يغني‬ ‫خلجات نفسه بأسلوب صحيح ولسان مستقيم! فإذا لم التالميذ شيئاً‪ ،‬فمن الواجب أن يكلفوا بكتب يطالعونها‬ ‫أثناء العام الدراسي‪ ،‬ثم يكتبون آراءهم فيها ويلخصون‬ ‫يكن هذا إخفاقاً‪ ،‬فماذا يكون؟‬ ‫يا معشر السادة‪ ،‬إن النحو ليس هو اللغة ذاتها‪ ،‬ولكنه محتوياتها‪ ،‬ويكون لهذا شأن في التقويم‪.‬‬ ‫ما يؤخذ من المحفوظات في المدارس ال يغني التالميذ‬ ‫شيئاً؛ فمن الواجب أن يكلف التالميذ بأن يعكفوا على‬ ‫بعض دواوين الشعر فيقرؤوها ويختاروا منها‪ ،‬ويجمعوا‬ ‫ما يختارون في كراسة ويحفظوه ويفهموا معناه‪ ،‬وتكون‬ ‫هذه الكراسة بيد التلميذ عند االمتحان شاهدة على‬ ‫جده واجتهاده‪ ،‬ثم يمتحن فيها من أولها ووسطها ومن‬ ‫آخرها ليعلم هل حفظ ما اختار بنفسه؟‬

‫القواعد التي تسير عليها هذه اللغة؛ هو حديث عن اللغة‬ ‫وليس اللغة ذاتها‪ ،‬وال توجد عالقة بين إتقان قواعد اللغة‬ ‫والدراية بقوانينها‪ ،‬وبين القدرة على استخدام هذه اللغة‬ ‫أداة للتواصل والتفاهم‪ .‬وتاريخ التراث العربي يشهد أن‬ ‫الكثيرين ممن كانوا في قمة الفصاحة لم تكن لهم دراية‬ ‫بالنحو ومسائله‪.‬‬

‫وأخيراً‪ ،‬إذا أردنا أن تزول الغربة القائمة اآلن بين‬ ‫الطالب واللغة العربية‪ ،‬فال بد أن يتضمن المنهج وسيلة‬ ‫فاعلة‪ ،‬ليتمكن التلميذ من ق��راءة ما ال يقل عن كتاب‬ ‫واحد في األسبوع‪ ،‬دون إعنات عليه بالتفاصيل واألسئلة‬ ‫المتقعرة؛ وذل��ك ألن الطالب العربي يسمع كثيراً عن‬ ‫األدب��اء المشهورين ويراهم في التلفاز‪ ،‬ولكنه ال يجد‬ ‫ال أو استصعاباً‪ ،‬للتعرف على إبداعهم‬ ‫سبيالً‪ ،‬إما كس ً‬ ‫بنفسه‪ ،‬وإتاحة الفرصة له‪ ،‬لسد هذا النقص‪ ،‬من خالل‬ ‫منهج منظم في المدارس والمرحلة الجامعية‪ ،‬يقرّبه من‬ ‫لغته ومن حضارته‪ ،‬ويرقى بإحساسه باألدب وباللغة‪.‬‬

‫لقد أثبت التركيز على النحو فشله في تحقيق المهمة‬ ‫المزعومة له‪ ،‬وهي رفع كفاءة المتعلم في اللغة ذاتها‪ .‬إن‬ ‫ما نقدمه للناشئة يمثل دوراً مخجالً‪ ،‬فنحن كمن يطرق‬ ‫الحديد وهو بارد‪ ،‬فيشقى ثم يشقى‪ ،‬والحديد ال ينطرق‬ ‫معه وال يلين؛ فيهزأ منه مَن يراه‪ ،‬ويضحك ملء شدقيه‪ ،‬المراجع‪:‬‬ ‫ويرى كيف يُشقي الجهل بطبائع األشياء صاحبه‪ ،‬ثم ال ‪ 1-‬ع��م��رو ب��ن بحر ب��ن عثمان ال��ج��اح��ظ‪ ،‬رس��ال��ة إلى‬ ‫المعلمين‪.‬‬ ‫يحظى بطائل وال كبير فائدة‪.‬‬ ‫م��ا قدمته ف��ي ه��ذا ال��س��ط��ور‪ ،‬دع���وة إل��ى التفكير ‪ 2-‬محمد عرفة‪ ،‬مشكلة اللغة العربية‪ ،‬القاهرة ‪.1936‬‬

‫والمناقشة‪ ،‬ح��ول إمكانية غربلة المناهج والمباحث ‪ 3-‬د‪ .‬السعيد محمد ب��دوي‪ ،‬تعليم اللغة العربية في‬ ‫المستوى الجامعي‪.‬‬ ‫النحوية المُقدَّ مة لطالب ال��م��دارس‪ ،‬لنرى م��اذا نضع‬ ‫وماذا ندع؟ ونوازن بين من هو وظيفي وغير وظيفي‪ .‬وال ‪ 4-‬د‪ .‬محمد محمود رض���وان‪ ،‬معايير اختيار منهج‬ ‫أجد في النهاية إال أن أعلن براءتي من كل ما يقدم في‬ ‫النحو في التعليم قبل الجامعي‪ ،‬مؤتمر تعليم اللغة‬ ‫العربية‪ ،‬اإلمارات العربية المتحدة‪1992 ،‬م‪.‬‬ ‫المدرسة من نصوص وقراءات‪ ،‬فقد علمتني التجربة أن‬ ‫< معلم في مدارس الرحمانية – الجوف‪.‬‬

‫‪90‬‬

‫اجلوبة ‪ -‬ربيع ‪1428‬هـ‬


‫تأمــالت‪..‬‬ ‫خمسون‬ ‫عاما على‬ ‫رحيل‬ ‫الشاعرة‬ ‫التشيلية‬ ‫غابرييال‬ ‫مسترال‪:‬‬ ‫أنا يقظى‬ ‫وقلبي‬ ‫نائم‬

‫> عبدالرحيم اخلصار‬

‫<‬

‫الذين يعشقون األدب‪ ،‬ويستلذون بالحياة في األرياف مثلي‪ ،‬يعرفون بالضرورة ما‬ ‫معنى أن تستلقي في ظهيرة غشت تحت شجرة التين‪ ،‬على مقربة من كأس شاي‬ ‫كثيف الرغوة‪ ،‬وفي يدك مجموعة من قصائد غابرييال مسترال‪ .‬تكمن اللذة األولى‬ ‫في كون هذه الشاعرة التشيلية كتبت أروع القصائد‪ ،‬وغ��ادرت هذا العالم قبل أن‬ ‫تصل إلينا مفاهيم الحداثة وتكمن اللذة الثانية في كونها كانت معلمة في األرياف‪،‬‬ ‫اعتذرت عن حضور حفل تتويجها في سانتياغو عام ‪1914‬؛ ألنها لم تكن تملك سوى‬ ‫بدلة واحدة ال تليق بالحفالت العامة‪.‬‬ ‫سنحس حتماً باللذة الثالثة‪ ،‬حين نعلم أن الذي ترجم لها هذه القصائد الخمس‬ ‫واألربعين هو شاعر كبير من عيار حسب الشيخ جعفر‪ ،‬العراقي الذي أقرأ قصائده‬ ‫كما لو أن أنني أقرأ لمحفوظ مصيص الشاعر التشيلي األعظم؛ حيث ماهو إنساني‬ ‫يعلو فوق كل شيء‪ ،‬وحيث الصنعة تصير مجرد زبد يسبق الموج‪.‬يسوق المترجم في‬ ‫مقدمته القصيرة قصة الحب اليتيمة التي عاشتها الشاعرة في بداية شبابها‪ ،‬والتي‬ ‫اكملتها وحيدة بقية العمر‪ ،‬فالرجل الذي أحبته غابرييال قطع ليلة الحب بكابوس‬ ‫االنتحار‪ ،‬فكتبت من أجله مجموعتها الشعرية «قصائد حب في ذكرى الميت»‪ ،‬بينما‬ ‫ستنفذ رائحته بالضرورة إلى عدد من قصائدها الالحقة‪.‬‬ ‫ويكفي أن نصغي إلى رنين الحب والخوف والرهافة والضعف والتوسل والحزن‬ ‫والحرمان في نصها المؤثر «شجن»‪:‬‬ ‫أنت أبصرت بي وقد انطرحت على حافة الطريق‬ ‫غير متحسرة على شيء‬ ‫أنت سمعت ينبوعي وقد جرت سيوله‬ ‫أجراس ًا ذات رنين‬ ‫وتعرف أنت أن خوفي أمام الرؤيا المرعبة‬ ‫لم يكن نزوة جامحة‬ ‫و تعرف أنت كيف ارتعبت وظللت متطلعة إلى معجزة ال توصف‬ ‫و اآلن مازلت ‪ ،‬يتيمة‪ ،‬أتلمس أي شيء‬ ‫حيث بيتك‪ ،‬وحيث طريقك‬ ‫فال تحجب وجهك عني‪ ،‬ال تحرمني نعمة الضوء‬ ‫ال تصمت بحق اإلله‬ ‫أن تقفل بابك‪ ،‬فلن أنسى أبدا‬ ‫تعبي ومرارتي‪،‬‬ ‫فالعالم في شتاء‪ ،‬والليل يتطلع إليَّ من كل جهة‬

‫اجلوبة ‪ -‬ربيع ‪1428‬هـ ‪91‬‬


‫بعيون مجنونة‬ ‫في قصيدتها «االنتظار عبثاً‪ ،‬ترسم ص��ورة تلك‬ ‫أنظر‪ :‬من العيون كلها‪ ،‬العيون التي رنت معي‬ ‫المرأة التي تنسى أن محبوبها قد مات فتخرج للقائه‪،‬‬ ‫إلى الدروب والطرقات‬ ‫تجتاز ال���وادي وتقف في المكان ال��ذي تعودت على‬ ‫لم يبق معي غير عينيك لكن – وا حسرتاه – قد مالقاته فيه وتناديه لكن صوت الصدى يعيدها إلى‬ ‫ال أنه قد مات‪ ،‬تركض في‬ ‫حالة الوعي ‪ ،‬وحين تعي فع ً‬ ‫أغلقتهما الثلوج‪.‬‬ ‫الحب عند غابرييال مسترال – كما عند أمثالها كل الطرق المقفرة على أمل أن تلقاه‪:‬‬ ‫ومثيالتها – هو الحياة‪ ،‬وهو السالح الذي يجدر بنا أن‬ ‫ناسية أن قدميك الخفيفتين‬ ‫نحمله في وجه كل غيم يريد أن يكدر علينا صفوها‪،‬‬ ‫قد تحولتا إلى غبار‬ ‫ألم يقل محفوظ مصيص‪« :‬فلينظروا إليَّ عاريا‬ ‫خرجت كما في األيام الرائعة‬ ‫سالحي الوحيد القبلة‬ ‫ألستقبلك في الطريق‬ ‫و في يدي بالكاد متسع لميتة شاعر»‬ ‫تتساقط بذور الخشخاش‬ ‫ق��ص��ة ال��ح��ب ع��ن��د غ��اب��ري��ي�لا م��س��ت��رال ت��ب��دو لي‬ ‫محترقة بالقيظ‬ ‫تفاصيلها الطويلة‪ ،‬في مقطع شعري موجز ألدريان‬ ‫و فوق الحقول أهداب ضباب‬ ‫ميتشل» الحب هو تلك النافذة المفتوحة‪ ،‬ذلك النسيم‬ ‫و أنا وحيدة‪ ..‬وحيدة كل يوم‪.‬‬ ‫الذي نتنفسه في غرفة النوم عبر النافذة‪ ،‬الحب هو‬ ‫هذه الشاعرة التي بدأت حياتها طفلة يتيمة تعمل‬ ‫شجرة دموع شاهقة»‬ ‫من أجل طعامها‪ ،‬ثم معلمة في قرية نائية ستشغل فيما‬ ‫إن إغ�ل�اق ه��ذه ال��ن��اف��ذة‪ ،‬معناه ال��ك��ف ع��ن تنسم‬ ‫بعد منصب قنصل للتشيلي في اسبانيا والبرتغال‪،‬‬ ‫الهواء‪ ،‬معناه بصورة أوضح الموت‪.‬‬ ‫وس��ت��ق��وم ب��ت��دري��س األدب االس��ب��ان��ي ف��ي الجامعات‬ ‫إذا ك��ان صعباً على ام��رأة أن تتخلص من صورة‬ ‫األمريكية‪ ،‬وستحصل على جائزة نوبل عام ‪1945‬م؛من‬ ‫حبيبها المنتحر‪ ،‬فكيف سيكون ذلك بالنسبة لشاعرة‬ ‫أج��ل شعرها الغنائي ال��ذي ألهمته العواطف القوية‬ ‫يبدو قلبها في القصائد أهش من جناح فراشة‪:‬‬ ‫فجعل اسمها رمزاً للطموحات المثالية للعالم الالتيني‬ ‫حين التقيت به في درب ريفي‬ ‫األمريكي بأكمله»‪ ،‬وف��ق ما أورده تقرير األكاديمية‬ ‫لم تكن المياه قد افترقت عن أحالمها بعد‬ ‫السويدية‪ .‬إن قراءة أعمال غابرييال مسترال تقود إلى‬ ‫لم تكن الورود قد تفتحت في يد ما‬ ‫خالصة مفادها أن الشعر العظيم يتولد بالضرورة‬ ‫غير أن اللهب قد أيقظ روحي‬ ‫مما هو إنساني‪ ،‬من تلك االصطدامات الناجمة عن‬ ‫و هاهو وجه امرأة مسكينة‬ ‫يتغطى بالدموع‪ .‬ستعيش غابرييال طوال حياتهاعلى احتكاك الجسد البشري باألعمدة والحواجز النابتة‬ ‫ذك��رى الرجل ال��راح��ل ال��ذي أحبته في أول شبابها‪ ،‬ف��ي رواق الحياة‪ ،‬م��ن ابتسامة طفل رض��ي��ع‪ ،‬أو من‬ ‫والذي أغلقت بعده غرفة الحب دونها‪ ،‬وجلست فيها بكاء كهل على زوجته الراحلة‪ ،‬من رقصة باليه‪ ،‬أو من‬ ‫وحيدة مصرة على أال تفتح ب��اب القلب لرجل آخر لحظة قاتمة في جنازة‪ ،‬من إحساس باكتمال الوجود‪،‬‬ ‫أو إحساس جارف بالتيه والضياع‪.‬‬ ‫مهما احتدت الطرقات‪« :‬أنا يقظى وقلبي نائم»‬ ‫< شاعر من المغرب‪.‬‬

‫‪92‬‬

‫اجلوبة ‪ -‬ربيع ‪1428‬هـ‬


‫في أعمالهن اجلديدة‬

‫كاتبات مغربيات يغادرن‬

‫«األنثى» للدخول إلى «النص»‬ ‫> عبدالعزيز الراشدي‬

‫<‬

‫أطلقت ثالث كاتبات مغربيات مجاميعاً قصصية خالل الفترة األخيرة‪ ،‬إذ صدر لمليكة‬ ‫نجيب مجموعة جديدة سمتها «السماوي»‪ ،‬عن منشورات القلم المغربي؛ وأطلقت فاطمة‬ ‫بوزيان مجموعة جديدة سمتها «هذه ليلتي»‪ ،‬عن مجموعة البحث في القصة القصيرة؛‬ ‫بينما فضلت منى وفيق أن تصدر مجموعتها األولى «شمع‪ ،‬نعناع‪ ،‬وموت»‪ ،‬عن دار شرقيات‬ ‫بمصر‪.‬‬ ‫ما يميز المجموعات الثالث‪ ،‬على المستوى العام‪ ،‬هو أن هؤالء النسوة‪ ،‬غادرن األنثى‬ ‫إلى حد بعيد ودخلن في النص؛ إذ اختارت مليكة موضوعات تتصل بالخرافة واالجتماعي‬ ‫والرقمي؛ بينما اختارت فاطمة بوزيان التكنولوجيا واألمومة والطفولة‪ ،‬أما منى وفيق‬ ‫فرصدت من خالل عنوانها المركّب شمع نعناع وموت عناصراً مركّبة في الحياة‪ ،‬تراوح بين‬ ‫قسوة الفقد ورؤية اآلخر للذات‪.‬‬ ‫فاطمة بوزيان‪ ،‬ومنى وفيق‪ ،‬قاصتان شابتان‪ ،‬وعلى الرغم من الفارق الزمني بينهما‪،‬‬ ‫إذ تسبق فاطمة بانتمائها إل��ى جيل التسعينات‪ ،‬ال��ذي يهتم بشعرية اللغة والتفاصيل‬ ‫الصغيرة وينغمس في التجريب بمستويات عدة قد تصل إلى حدود قصوى كما لدى بعض‬ ‫القصاصين‪ ،‬وقد تظل في الحدود المعقولة‪ ،‬التي تحافظ على هوية النص دون تخريب‬ ‫كما لدى بعضهم اآلخر‪.‬‬ ‫وقد احتفت مجموعة بوزيان األولى باللغة واشتغلت عليها ال بها فقط‪ ،‬واتخدت موضوعاً‬

‫اجلوبة ‪ -‬ربيع ‪1428‬هـ ‪93‬‬


‫لها قضايا األنثى لتحكي همومها وانكساراتها مع‬ ‫الحب والزواج والعالقة‪ ،‬كما مارست تجريباً محتشما‬ ‫ل��م ي��خ��رج ب��ال��ن��ص ع��ن ال��ح��دود ال��م��رس��وم��ة للقصة‬

‫األساسية التي هي تلك المسافة البرزخ‪.‬‬ ‫وتوزعت موضوعات مجموعة منى بين شمع المرأة‬

‫التي يطمح اآلخرون إلى إيقاده ليذوب بينما تحترق‪،‬‬

‫الكالسيكية؛ لكنها انزاحت في مجموعتها الثانية نحو ونعناع الحياة التي تتلون بين الصداقة والحب والغيرة‪،‬‬ ‫قضايا «أكثر نضجاً»‪ ،‬إذ أصبحت مهمومة بالتطرق والموت القاسي الذي اتخذ أشكاالً عدة‪ ،‬بعضها مادي‬

‫إلى االشكاالت التي تطرحها التكنولوجيا‪ ،‬والتخبط وآخر معنوي ورمزي‪.‬‬ ‫الذي تلقي فيه الكائن‪ ،‬حيث «الصور تمر من المحمول‬ ‫ويعتري شخوص قصصها قلق وتردد وتمرد كذلك‪،‬‬ ‫إلى المحمول»‪ ،‬كما المست في نصوص أخرى هموم‬ ‫تعكسه الحياة التي تعيشها تلك الشخوص المصابة‬ ‫األم المسكونة بالحفاظ على ابنتها من العالم والناس‪،‬‬ ‫ب��ال��واق��ع ال��م��ري��ض م��ن ج��ه��ة‪ ،‬لكن أي��ض��ا الطموحة‪.‬‬ ‫«لم أعد أهتم به وال بي‪ ،‬بها فقط أهتم‪ ،‬هي قطبي‪،‬‬ ‫النعناع يرمز إلى الحياة وخضرة الشباب الذي تعيشه‬ ‫هاجسي»‪ ،‬و«م��اذا بوسعي أن أفعل؟ الهاتف الصغير‬ ‫أغلب شخوص المجموعة‪ ،‬حيث األن��وث��ة الطازجة‬ ‫يظل لصق كفها‪ ،‬وحين تنام يحرس الكود خفاياه‪،‬‬ ‫واالنطالق‪ ،‬بينما الموت يعشش قريباً من الوجود‪ ،‬أما‬ ‫علبها االلكترونية أيضا محروسة بكلمة السر»‪.‬‬ ‫لطف واحتراق‪..‬‬ ‫ٌ‬ ‫الشمع فبرزخ بينهما‪،‬‬ ‫لقد تحولت الساردة التي كانت تشكو من تلصص‬ ‫ذلك البرزخ الذي يتشكل من خالل إحساس أغلب‬ ‫اآلخرين على عالقتها بحبيبها في المجموعة األولى‪ ،‬شخوصها‪ ،‬حيث تتجاوز األمكنة ذاتها لتسقط على‬ ‫إلى متلصصة على أسرار ابنتها في المجموعة الثانية‪.‬‬ ‫كما تلمح فاطمة في غير نص إلى البيئة التي تنتمي‬

‫الحياة بشكل ع��ام‪ ..‬وتؤكد ال��س��اردة على أن «أغلب‬ ‫الناس رماديين»‪ ،‬وأن��ه قد «تعدّدت أسباب البكاء‪..‬‬

‫إليها (شمالي المغرب)‪ ،‬حيث تتجاور الثقافة المغربية وما عدت ق��ادرة على أن أبكي‪ ..‬اختفت ك ّل أسباب‬ ‫مع االسبانية‪ ،‬مع اختالفهما وتالحمهما العسير‪.‬‬ ‫الـدّهشـة وأجدني ال زلت أندهش‪ ،‬وعياً مني بجهلي‬ ‫في نصوص فاطمة بوزيان الجديدة كذلك ابتعاد‬

‫عن البوح العاطفي‪ ،‬وما يستتبعه من لغة شعرية‪ ،‬إذ‬

‫الدّائم‪ ،‬ربّما»‪.‬‬

‫وهذا ما تقوله كذلك إحدى شخوصها‪« :‬ال يحتاج‬

‫تبدو النصوص مهمومة أكثر بالتفلسف وتأمل الواقع‪،‬‬

‫المرء لكثير إدراك ليعرف أنّ هكذا فراشات دائما‬

‫أما منى وفيق‪ ،‬فهي واحدة ممن يمكن أن نسميهن‬

‫أح��ي��ان��ا يخالجنا أن ش��خ��وص م��ن��ى ه��ي الكاتبة‬

‫مع لغة عارية ومشدبة كالنار‪.‬‬

‫قاصات األلفية الجديدة‪ .‬وهي صحفية شابة استطاعت‬

‫تحترق»‪..‬‬

‫ذات��ه��ا‪ ،‬ون��زي��د ف��ي ه��ذا االع��ت��ق��اد حين تضع اسمها‬

‫رغم حداثة سنها أن ترسم لنفسها مساراً واضحاً في الشخصي «م��ن��ى» ف��ي أغلب النصوص‪ ،‬وتستحضر‬ ‫خريطة السرد المغربي‪ ،‬كما أن لها حضوراً واضحاً األدب كممارسة‪ ،‬حتى إنها كتبت قصة واقعية فعالً‪،‬‬

‫في المواقع االلكترونية والمنتديات‪ ،‬وتراسل صحفاً بشخوصها وعالماتها ونزقها وخيبتها أيضاً‪ :‬سمتها‬ ‫عدة‪ .‬تكتب منى بلغة لزجة لعوب‪ ،‬تخلق تلك المسافة «مطر على ورق»‪ .‬لكن ذلك ال يعفي أبداً من اعتبار‬ ‫بين البساطة واالستشكال؛ وبذلك تحقق قاعدة النثر المسافة بين واق��ع الكتابة والواقع الموضوعي‪ ،‬ألم‬

‫‪94‬‬

‫اجلوبة ‪ -‬ربيع ‪1428‬هـ‬


‫يقل ماريو فارغاس يوصا باستحالة‬ ‫مطابقة الواقع المادي مع واقع الكتابة‪،‬‬ ‫ألن األول أغنى أما الثاني فمحنط؟‬

‫كتبن نصوصهن بمزاج الكاتبة الضاجة بهمّ ها‬ ‫وهمّ اآلخر‪ ،‬ما يؤشر على أن الكاتبة في المغرب‬ ‫كفت عن أن تضع كل ما بجعبتها في سلة األنوثة‬

‫وف��ي حضرة الموت‪ ،‬تكون الجمل‬ ‫المتسائلة التي تطلقها الكاتبة بسيطة‬ ‫وتشي بالسذاجة‪ ،‬لكنها على عكس ذلك‪ ،‬تحفل بالكثير مجموعتها‪« :‬اعترافات رجل وق��ح»‪ ،‬ولطيفة لبصير‬ ‫من عناصر تأمل الحياة والوجود‪.‬‬ ‫في مجموعتها‪« :‬ضفائر»‪ ،‬أن يكتبن عن األنثى دون‬

‫تكتب مليكة نجيب نصوصها بحرفية‪ ،‬وتالمس ه��وادة‪ ،‬وعن الجسد والطبيعة والعالقة؛ بينما تنحو‬ ‫العديد من المجاالت الحساسة في المجتمع المغربي‪ ،‬المجموعات الثالث – موضوع ه��ذه المقالة ‪ -‬إلى‬ ‫وق��د راه��ن��ت ف��ي ه��ذه المجموعة على ال��دخ��ول في االل��ح��اح على ال��خ��روج م��ن ال��ص��ورة النمطية لكتابة‬ ‫مناطق متوترة‪ ،‬بدءاً من عنوان المجموعة» السماوي»‪ ،‬المرأة التي تحصرها في لونين ال ثالث لهما‪ :‬اإلغراء‬ ‫الذي يحيل في الثقافة المغربية إلى مرجعية روحية أو الصراخ ضد التمييز ال��ذي يطالها‪ .‬وقد تطرقن‬ ‫خ��اص��ة‪ ،‬إل���ى ن��ص��وص أخ���رى ول��غ��ة تمتح م��ن عالم إلى اإلنساني األكثر عمقاً ألن شخوص مجموعاتهن‪،‬‬ ‫الشعوذة والخرافة‪ ،‬والحكي الشعبي المتواتر‪ ،‬الذي على األرجح‪ ،‬ال يحتجن إلى بكاء على وضعيتهن‪ ،‬ما‬ ‫يغري بالقراءة والرصد‪.‬‬ ‫دامت المرأة قد قطعت األشواط الضرورية وهن لسن‬

‫وشخوص مليكة نساء في األغلب‪ ،‬لكن قضاياهن في حاجة إل��ى إغ��راء الرجل لتضمن كتابتهن صك‬ ‫عامة‪ ،‬ومعاناتهن إنسانية مشتركة؛ كما هو األمر في المرور‪ ،‬وما دام اإلغ��راء ال��ذي يفيض به في الواقع‬ ‫فوبيا األعالي في القصة األول��ى‪ ،‬وهي فوبيا تصيب أكثر‪ .‬وبذلك‪ ،‬تكتب هذه النساء نصوصاً مجردة من‬ ‫الرجال والنساء على السواء؛ وكما هو األمر في عالم أي مضايقات أو خلفيات أو أذرع أمنية‪ ،‬على حد‬ ‫النت ال��ذي يخلق المفاجآت ل��دى الجميع؛ وأحيانا تعبير أحمد بوزفور‪.‬‬ ‫يكون ال��س��ارد البطل رج�لاً‪ ،‬وحين تحضر ال��م��رأة ال‬ ‫م��ا يميّز نصوصهن ك��ذل��ك‪ ،‬ويعطيها ال��ق��وة هو‬ ‫تحضر كأنثى مترعة بالخصوبة والغنج‪ ،‬بل ككائن اتجاههن نحو أقاليم لم تتورع األنثى الكاتبة الجديدة‬ ‫يواجه الحياة بأفراحها وأحزانها؛ إنها أرملة مث ً‬ ‫ال عن دخولها‪ ،‬لكنهن مع ذلك لم ينسقن نحو إدعاء‪ ،‬أو‬ ‫تتفلسف أو عانس تضج باألنا‪ .‬وتراوح لغة مجموعتها يبحثن عن احتماء بالبوح؛ ليخلقن صور الكاتبة‪ .‬لنقل‬ ‫الجديدة بين الدارج والفصيح‪ ،‬عنواناً للتجديد‪ ،‬كما أن كل واحدة منهن تكتب نصوصها بمزاج الكاتب(ة)‬ ‫إن هناك تجديداً على مستوى جسد النص‪ ،‬حيث الضاجة بهمّها وه�� ّم اآلخ��ر‪ ،‬ما يؤشر على أن كتابة‬ ‫تتقطع أوصاله‪ ،‬وتدخل السرد مقاطع شعرية تؤثته المرأة في المغرب كفت عن أن تضع كل بيضها في‬ ‫وتكسر رتابة الخطية‪.‬‬ ‫سلة واحدة هي سلة األنوثة‪ ،‬وستهجس في القادم من‬ ‫تفضل القاصات المغربيات كوفاء مليح مث ً‬ ‫ال في األيام بموضوعات وقضايا أخرى‪.‬‬ ‫< ناقد من المغرب‪.‬‬

‫اجلوبة ‪ -‬ربيع ‪1428‬هـ ‪95‬‬


‫اإلشعاع الذري ودراسة غاز الرادون‬ ‫مبساكن منطقة اجلوف‬

‫المؤلف‪ :‬أ‪ .‬د‪ .‬محمد بن إبراهيم الجارالله‪.‬‬ ‫ أستاذ الفيزياء بجامعة الملك فهد للبترول والمعادن ‪ -‬الظهران‪.‬‬‫الناشر ‪ :‬مؤسسة عبدالرحمن السديري الخيرية‪.‬‬

‫أص���ب���ح اإلش���ع���اع ال������ذري أح����د األم����ور‬ ‫المهمة التي ال غنى للمجتمعات المعاصرة‬ ‫عنها‪ ،‬الستخدامها ف��ي مختلف مناشط‬ ‫الحياة التكنولوجية والطبية والصناعية‬ ‫وغيرها الكثير؛ بل ت��زاي��دت الحاجة إليه‬ ‫مع نمو المجتمعات المعاصرة وتطورها‪،‬‬ ‫نتيجة التطبيقات المهمة التي يستخدم‬ ‫ف��ي��ه��ا اإلش���ع���اع ال������ذري؛ ف���أخ���ذت أجهزة‬ ‫اإلشعاع الذري تحتل مكاناً بارزاً في معظم‬ ‫لذا‪ ،‬يأتي هذا الكتاب‪ ،‬للتعريف باإلشعاع‬ ‫المستشفيات والجامعات وم��راك��ز البحث‬ ‫ال���ذري واس��ت��خ��دم��ات��ه‪ ،‬وه��و مهم لكل قارىء‬ ‫العلمي على تنوعها‪.‬‬ ‫ومهتم بزيادة معرفته عن اإلشعاع الذري وغاز‬ ‫وعلى ال��رغ��م م��ن ف��وائ��ده ال��ع��دي��دة‪ ،‬فإن الرادون‪.‬‬ ‫لإلشعاع الذري مضار واضحة على الصحة‬ ‫وم��ن الجدير بالذكر أن الكتاب الصادر‬ ‫والبيئة والسالالت البشرية‪ .‬وألن اإلستغناء‬ ‫ع��ن استخدمامه أص��ب��ح مستحيالً‪ ،‬فقد بداية ه��ذا العام ‪1428‬ه���ـ ‪2007‬م‪ ،‬هو ثمرة‬ ‫أصبح من الضروري دراسة وسائل الحماية دراس���ة علمية ميدانية أج��راه��ا الباحث في‬ ‫منه وتطوير تقنياتها‪ ،‬وزيادة فاعلية التثقيف منطقة الجوف‪ ،‬بتمويل ودع��م مشكورين من‬ ‫ال عن م��ؤس��س��ة ع��ب��دال��رح��م��ن ال��س��دي��ري الخيرية‪،‬‬ ‫حول سبل الوقاية من اإلشعاع‪ ،‬فض ً‬ ‫السيطرة على آث���اره وتحجيمها إل��ى أقل ضمن برنامج دعم األبحاث الذي تشرف عليه‬ ‫هيئة النشر بالمؤسسة‪.‬‬ ‫قدر ممكن‪.‬‬ ‫يتعرّض اإلنسان إل��ى إشعاع بيئته التي‬ ‫ي��ع��ي��ش ف��ي��ه��ا‪ ،‬وي���أت���ي اإلش���ع���اع الطبيعي‬ ‫األس��اس��ي م��ن ث�لاث��ة م��ص��ادر رئيسة هي‪:‬‬ ‫اإلش���ع���اع ال��ك��ون��ي‪ ،‬وال��م��ص��ادر األرضية‪،‬‬ ‫وال��م��واد اإلشعاعية داخ���ل الجسم‪ .‬وأهم‬ ‫مصدر لإلشعاع الطبيعي هو غاز الرادون‪،‬‬ ‫الذي يتولّد من التحلل اإلشعاعي الطبيعي‬ ‫لليورانيوم‪.‬‬

‫ق���������راءات‬ ‫‪96‬‬

‫اجلوبة ‪ -‬ربيع ‪1428‬هـ‬


‫األوسمة العثمانية واحلاصلني عليها‬ ‫من اجلزيرة العربية‬

‫في وثائق األرشيف العثماني‬ ‫المؤلـف‪ :‬د‪ .‬سهيل صابان‬ ‫الناشـ ــر‪ :‬مركز حمد الجاسر الثقافي ‪1427‬هـ‪.‬‬ ‫> عرض‪ :‬د‪ .‬علي محمد هنداوي‬ ‫المرصع‪ ،‬ثم‬ ‫َّ‬ ‫األوسمة على أربع درجات‪ ،‬إضافة إلى الوسام‬ ‫كانت الميداليات الذهبية‪ ،‬ثم الوسام المجيدي‪ ،‬والوسام‬ ‫العثماني‪ ،‬ووسام آل عثمان في عهد السلطان عبدالحميد‪،‬‬ ‫وق���د تميز ال��ع��ه��د ال���ذي ت�ل�اه بمنح ال��م��زي��د م��ن األوسمة‬ ‫للشخصيات العربية‪.‬‬

‫ترجع أهمية هذا الكتاب –بدايةً‪ -‬إلى شح المعلومات‬ ‫الوثائقية المنشورة عن عالقة الدولة العثمانية بالجزيرة‬ ‫العربية‪ ،‬كما يشير د‪ .‬أحمد الضبيب في تقديمه للكتاب؛‬ ‫ويسلط المؤلف ض��وءًا ‪ -‬يحتاج إليه الباحثون في تاريخ‬ ‫الجزيرة العربية‪ -‬على شخصيات منها برَّزت في عصرها‪،‬‬ ‫وأدت للدولة ومواطنيها‪ ،‬في هذا الجزء ذي الخصوصية من‬ ‫ث��م يعرض الكتاب ص���وراً لوثائق تتعلق بمنح أوسمة‪،‬‬ ‫ال لهذا األوسمة‪.‬‬ ‫أرض الخالفة خدمات جعلتها أه ً‬ ‫منها م��ذك��رة ن��ظ��ارة ال��داخ��ل��ي��ة ب��إع��داد ثالثين قطعة من‬ ‫ويؤكد المؤلف أن معرفة الحاصلين على هذه األوسمة الوسام المجيديّ من الدرجات الثالثة والرابعة والخامسة‪،‬‬ ‫وم��ا يحيط بأمر منحهم إياها‪ ،‬تساعد في كشف النقاب لمنحها ل��ش��ي��وخ ال��ع��رب��ان‪ .‬وأش����ار ال��م��ؤل��ف إل���ى أن تآلف‬ ‫عن جوانب غير معروفة من سياسة الدولة العثمانية في بعض الشخصيات هو من أسباب منح الوسام‪ ،‬وقد تبين‬ ‫المنطقة‪ ،‬والعالقات الثنائية بين الدولة وهؤالء الحاصلين األثر الكبير الذي تركته األوسمة في استمالة شخصيات‬ ‫على األوسمة؛ من خالل تبيّن أسباب المنح‪ ،‬والعمل الذي المنطقة‪ .‬وم��ن أه��م م��ن حصلوا على تلك األوس��م��ة من‬ ‫كان يزاوله صاحب الوسام‪ ،‬وهو أمر يستبعد المؤلف إمكان الجزيرة العربية‪:‬‬ ‫حصره في هذا العمل؛ إذ قد تكون هناك شخصيات أخرى ‪ -‬حمود‪ :‬شيخ مشايخ السبوت من بني عطية‪.‬‬ ‫لم يطلع على الوثائق الخاصة بها في ذلك األرشيف‪.‬‬ ‫ مطر بن هرماس‪ :‬شيخ مشايخ العقيالت‪ ،‬من بني عطية‪.‬‬‫وقد بدأ المؤلف كتابه بإشارة تجمع بين اللغة والتاريخ‪،‬‬ ‫ووضح أ ّن الوسام الذي عُرِ ف‬ ‫فذكر المعنى اللغوي للوسام‪َّ ،‬‬ ‫في أورب��ا جرى تحديثه في عهد السلطان محمود الثاني‪،‬‬ ‫وك���ان العثمانيون قبل ذل��ك يستخدمون ذؤاب���ات م��ن وبر‬ ‫الخيل‪ ،‬تعلق على العمائم بحسب درجات أصحابها‪ ،‬وكانت‬

‫ بنية‪ :‬من شيوخ عشيرة عبدة‪.‬‬‫ رايس‪ :‬من شيوخ الحويطات‪.‬‬‫ مفلح‪ :‬من شيوخ عشيرة الفقير (من عنزة)‪.‬‬‫ محمد الحسن‪ :‬من شيوخ عشيرة الفقير (من عنزة)‪.‬‬‫‪ -‬جويعد‪ :‬من شيوخ الحويطات‪.‬‬

‫اجلوبة ‪ -‬ربيع ‪1428‬هـ ‪97‬‬


‫> مليحة الشهاب‬

‫ألم يبدع‬

‫فوانيسه؟‬

‫ديوان‬

‫الشاعر‬

‫محمد‬ ‫احلرز‪:‬‬

‫«أخف‬

‫من الريش‬ ‫أعمق من‬ ‫األلم»‬

‫<‬

‫نستطيع أن نراهن على وعي محمد الحرز بقصيدة النثر‪ ،‬ونراهن على رؤيته األكثر‬ ‫وضوحا كشاعر‪ .‬الحرز يعمل على استكشاف الطاقات اإلبداعية لقصيدة النثر‪ ،‬كمقترح‬ ‫ال للعصر‪ ،‬وهو يدفع بها إلى أقصاها‪ ،‬بما‬ ‫شعري أكثر موائمة وانسجاماً وتعبيراً وتمثي ً‬ ‫يتيح للقصيدة إظهار إمكانياتها الهائلة‪ ،‬في التعبير واإليحاء والتمثيل‪.‬‬ ‫جاء ديوانه «أخف من الريش أعمق من األلم»‪ ،‬في قسمين منفصلين تماماً وبمسميين‬ ‫مختلفين‪ :‬القسم األول موسوم ب ـ «ألم بحجم دب��وس»‪ ،‬وهو نصوص نثرية مكتوبة بلغة‬ ‫شعرية متقنة‪ .‬وحينما سئل عنها الشاعر أجاب‪ :‬إنها هنات تعبّر عن ثغرات الكائن‪ ،‬وهي‬ ‫جزء حقيقي من عالقته بالحياة‪ ،‬ال يجوز إخفاؤها‪ ..‬ولقد جانب الصواب حينما أسماها‬ ‫«هنات»؛ فهو في نثريته يذهب عميقاً ح ّد الغياب‪ ،‬ببوح يتشظى أسئلة وإض��اءات‪ ،‬نتاج‬ ‫تأمالت في العمق‪ ،‬تتالحق كفيض الحكمة‪»..‬لقد كتبتنا األيام كتجربة ولم نكتبها كإيقاع‪،‬‬ ‫وأعطتنا الحياة طرف الخيط لكننا لم نحسن االستماع‪ ،‬أليس وهماً أن أظن بعد ذلك‬ ‫أننا نكتب شعراً ؟!»‪.‬‬ ‫القسم الثاني بمسمى «لن أرفع حياتي كفانوس»‪ ،‬مجموعة نصوص تنتمي إلى قصيدة‬ ‫النثر برهانها على اإليقاع‪ ،‬في اللحظة التي تتمرد على الشكل المتوارث للقصيدة‪ .‬وهو‬ ‫في قسمه الثاني كأنه يؤكد أن القصيدة هي الوصف األعلى للشعر بوصفه شعوراً مرهفاً‬ ‫يدخل في األلوان األدبية كلها‪.‬‬ ‫وهو ال يتكئ على الشكل الحداثي للقصيدة‪ ،‬بل يتجاوز إلى تقديم مضامين جديدة‪،‬‬ ‫وكأنه بتجاوزه األطر الشكلية للقصيدة العربية يكتشف أطراً تعبّر عن حاالت مختلفة‪،‬‬ ‫تصب في محاولة التيار الحداثي لترسيخ رؤية مغايرة لألشياء‪ ،‬أو الذهاب إلى العميق‬ ‫منها واستجالئه‪..‬‬ ‫التجربة الحقيقية تستوقف حتى العابرين‪ ،‬والحرز يقدم مقترحه على المشهد الثقافي‬ ‫بقصيدة لها حضور‪ ،‬ال تؤطره بيئة أو مكان‪ ،‬ليعبر بها عن الذات اإلنسانية بحموالتها‬ ‫وهواجسها وخيباتها وآمالها؛ على نحو ال تجد لها أفقاً خارج قصيدة النثر‪ ،‬وكأنها خيار‬ ‫وج��ودي‪ ،‬وذل��ك دون اإلنشغال الفلسفي أو التحليق في أفق صوفي‪ ،‬بل تناوال لليومي‬ ‫والحياتي‪ ،‬بعين لها رؤيتها الخاصة التي صنعتها مشارب ثقافية متعددة‪ ،‬دون أن تلغي‬ ‫شاعريتها؛ وهو يتوغل في هذا المسار وكأنه يراهن على ما سيكتشفه أو سيقدمه‪.‬‬ ‫ما الغواية عند الحرز؟ ربما هي الفلسفة؛ فلسفة ليست بالمعنى الميتافيزيقي‪ ،‬أو‬ ‫االتكاء على الرموز األسطورية وإعادة إنتاجها‪ ..‬بل الخروج من الذاتية الرومنطيقية إلى‬ ‫الذات اإلنسانية‪ ،‬بأزماتها النفسية والروحية وآالم اإلنسان وحيرته وعذاباته وغربته‪.‬‬ ‫هنا الذات وال شيء سواها‪ ،‬القصيدة مرآة الذات‪ ،‬بكثافة إيحاءات تعيد ترتيب األشياء‬ ‫بنرجسية شغوفة بالتجريد بجمالية الدهشة لحظة االكتشاف‪ ،‬دونما الولوج في فلسفة‬ ‫تثقل المتلقي والقصيدة في آن واحد‪.‬‬

‫‪98‬‬

‫اجلوبة ‪ -‬ربيع ‪1428‬هـ‬


‫وال يعيب القصيدة أنها ترسم مالمح‪ ،‬ال يتلمس القارئ‬ ‫مالمحه فيها‪ ،‬بقدر ما تخرجه من ذاتيته إلى تباين آخر‪،‬‬ ‫وك��أن القصيدة لم تعد معنية بالتعبير الجمعي‪ ،‬بقدر‬ ‫ما تهتم بالتعبير عن الفرد وذاته بفرادتها واختالفاتها‬ ‫عن اآلخرين‪ ،‬ألنها ليست مهتمة بتجميع أكبر عدد من‬ ‫الجماهير من حولها؛ فليس التصفيق ما يغريها‪ ،‬بل متعة‬ ‫إضاءة لون كان في العتمة‪ .‬ربما هذا ما يجعل لقصائد‬ ‫الحرز تمايزاً وإن كانت تخلو من الجاذبية المستهلكة‪،‬‬ ‫لتبدع لها جاذبيتها الخاصة‪ ،‬التي تبقيك ممسكاً بالديوان‬ ‫إلى آخر دفقة فيه‪ ،‬بمتعة مغايرة! فهو كما أسماه «أخف‬ ‫من الريش‪ ،‬أعمق من األلم»‪.‬‬ ‫وال��ح��رز يقدم قصيدة تقوم على مشهد مسرحي‪،‬‬ ‫كأنه يسعى إلى تقديم قصيدة بصرية بطقوس شعرية‪،‬‬ ‫ممسرحة بمشاهد تتوالد وتتوالى وتتعاقب بسرعة‪،‬‬ ‫وتمتد على مساحة مكانية‪ ،‬دون أن يشغلنا عن الداللة‪،‬‬ ‫بل هو توظيف لداللة واح��دة‪ ،‬هي الغاية من القصيدة‪.‬‬ ‫ف��ف��ي ق��ص��ي��دة «ح��ك��اي��ة ع���ن ج���ن���ازة»؛ ص���ور مسرحية‬ ‫تتعاقب من اللحظة األول��ى للوصول إل��ى المقبرة‪ ..‬ما‬ ‫الذي يفعله األحياء في حضرة القبور؟ األم��وات أشياء‬ ‫انتهت صالحيتها! لذا‪ ،‬لم تكن منازلهم فسحة للتأمل‪،‬‬ ‫ووج��وده��م (األح��ي��اء) في اللحظات األخيرة ك��ان مجرد‬ ‫روت��ي��ن ال يرتقي إل��ى الطقوس ل��ذا ك��ان��ت األدع��ي��ة بال‬ ‫أجنحة تصعدّها إلى أبواب الجنة‪..‬‬ ‫«حينما أردنا أن نترحم على أسالفنا الموتى‪ /‬أكتفينا‬ ‫بالشفاه فقط‪ /‬وعندما خطا الدعاء خطوات‪ /‬باتجاه‬ ‫الخارج‪ /‬تجمد هو أيضا»‪.‬‬

‫بل عقلية متحفزة‪ ..‬فالقصيدة تطرح ال��واق��ع بطريقة‬ ‫إشكالية؛ ألن منظورها مختلف وبزاوية منفرجة تدعو‬ ‫القارئ أن يكون شريكا في النص لو أراد‪ ..‬ال قوالب‬ ‫جاهزة‪ ،‬تستريح على عتباتها الذائقة‪ ،‬دون الشعور بملل؛‬ ‫فهو يقدم مقترحاً جديداً دون صخب لغوي أو تقعر في‬ ‫الصورة بمنعرجات تفضي إلى فوضى أشبه بالال جدوى‪،‬‬ ‫كمن أراد أن يزيح الغبار لكنه ق��ام ببعثرته‪ ..‬فجاءت‬ ‫القصيدة بإيقاعات خفية ه��ادئ��ة‪ ،‬أشبه بمن يتداعى‬ ‫همساً على الرغم من سعار األفكار ومغامرة البوح‪.‬‬ ‫ال بأنسي‬ ‫وهو (الديوان) في اللحظة التي يذكرك شك ً‬ ‫الحاج في ديوانه‪»:‬الوليمة»‪( ،‬من حيث الشكل المتمثل‬ ‫في القسم النثري واآلخر الشعري)‪ ..‬إال إنه ظل محتفظا‬ ‫بصوته المتفرد بتمايز‪ ،‬من حيث األسلوب والمضمون‪،‬‬ ‫فهو يشق طريقاً خاصاً له وبه‪ ،‬وبمحاذاة من سبقه دون‬ ‫أن يكون م��رآة تعكس صورهم‪ ،‬أو يستعير أصواتهم‪..‬‬ ‫فأنت أمام نص ال يذكّرك بنص آخر لغة ومجازاً‪ ،‬وإن‬ ‫بدت القصيدة في اتجاهها الفكري واإلنفعالي متأثرة‬ ‫بالتيار الحداثي الذي يتلبس اللبوس الغربية‪ ..‬فشبيه‬ ‫الحرز‪ ،‬ما هو إال زوج إليثا في رواية «ابنة الحظ»‪ ،‬وال‬ ‫يسأل عنه إال إيزابيل‪( ..‬وهذا شبيهي الذي تتكئ عليه‪/‬‬ ‫عربة حياتي‪..‬غاب من الحانة‪ /../‬أظنه أقفل راجعا‪/‬‬ ‫إلى زوجته إليثا‪ /‬في رواية (ابنة الحظ)‪ /‬ال بدَّ لي أن‬ ‫أسأل عنه‪ /‬إيزابيل ألليندي يوما ما!)‪..‬‬

‫وهذا يشكل ‪ -‬في رأيي ‪ -‬حاجزاً نفسياً بين القصيدة‬ ‫ال‬ ‫والمتلقي العام الذي غالباً يجهل الرموز الغربية فض ً‬ ‫لكن األحياء بتوالي األح���داث‪ ،‬ال يخرجون باليقين على بطل في رواية ما‪!..‬‬ ‫نفسه؛ بل يسترجعون ما قاله ريتسوس‪:‬‬ ‫ما الذي يضطر الحرز إلى التشبه برمز غربي على‬ ‫((وح��اال تذكرنا ما قاله ريتسوس‪ :‬علينا أن نحرس كثرة رم��وزن��ا ال��ع��رب��ي��ة‪..‬؟ ربما ألن م��ا ي��ح��اول ترسيخه‬ ‫قبور موتانا‪ ...‬كيف لنا أن نحيا دون بيوتنا؟))‪.‬‬ ‫ليس نتاج حركة تاريخية ثقافية عربية تماماً‪ ،‬بل كتأثير‬ ‫وأنت تقرأ الديوان‪ ،‬هناك سؤال يلوب في الداخل ؛ أو باألحرى تأثر بالغرب؛ ما أظهر الرمز الغربي على‬ ‫ماذا يريد أن يقول الشاعر؟ فأنت ال تعيش حالة وجدانية حساب الرمز العربي‪.‬‬ ‫< كاتبة سعودية – الظهران‪.‬‬

‫اجلوبة ‪ -‬ربيع ‪1428‬هـ ‪99‬‬


‫«غوغل» حتت مجهر الفلسفة الفرنسية‬ ‫وتواصل رقمنتها للمكتبات‬

‫صدر أخيراً في فرنسا كتابان يتناوالن محرك أو التشكيك بادعائه العالمية‪ ،‬كما لو أن األمريكية‬ ‫البحث األشهر في العالم‪« :‬غوغل»‪ .‬الكتاب األول هي العالمية»‪.‬‬ ‫لدانيال إيشبياه‪ ،‬صدر لدى منشورات «الرشيبيل»‪،‬‬ ‫من جهة أخرى‪ ،‬يحظى مشروع «غوغل» لرقمنة‬ ‫وعنوانه‪« :‬كيف سيأكل غوغل العالم»؟ وعلى الرغم المكتبات بمزيد من النجاح واإلنتشار‪ .‬فبعد رقمنة‬ ‫م��ن عنوانه ال��ذي ق��د يشير إل��ى محتوى جدلي أو مكتبتَي جامعة «كومبلوتونس» في إسبانيا وجامعة‬ ‫إشكالي‪ ،‬يتناول الكتاب في نبرة إخبارية موضوعية أوكسفورد في بريطانيا‪ ،‬وقّع المسؤول عن تقنيات‬ ‫«قصة غوغل» منذ تأسيسه إلى اليوم‪.‬‬ ‫المعلومات في الشركة عقداً مع المكتبة الوطنية‬

‫أما الكتاب الثاني الصادر عن منشورات «ألبان في كاتالونيا وأربع مكتبات كاتالونية أخرى‪ .‬وكانت‬ ‫ال��ش��رك��ة أع��ل��ن��ت ف��ي وقت‬ ‫م������ي������ش������ال»‪ ،‬ب�����ع�����ن�����وان‪:‬‬ ‫سابق عن نيّتها التعامل مع‬ ‫«غَ و ِْغل ْني‪ .‬الرسالة الثانية‬ ‫مكتبات إسبانية‪ ،‬ليتأكّد‬ ‫ألميركا»‪ ،‬فهو للفيلسوفة‬ ‫ال��خ��ب��ر أخ���ي���راً م��ن طريق‬ ‫باربرا كاسين‪.‬‬ ‫هذا التوقيع‪.‬‬ ‫وف�������ي ن�����ب�����رة نقدية‬ ‫وذك��������رت ال���ش���رك���ة أن‬ ‫وه����ج����ائ����ي����ة واض�����ح�����ة‪،‬‬ ‫«غ�����وغ�����ل» س�����وف ترقمن‬ ‫ت���ط���رح ال���ك���ات���ب���ة مسائل‬ ‫تتخطى قضية «غ��وغ��ل» لتصل إل��ى البعد الثقافي «مئات األلوف من الكتب المملوكة من القطاع العام‪.‬‬ ‫للديمقراطية‪ .‬ويستند تحليلها إل��ى تفكيك دقيق‬ ‫ويهدف هذا المشروع الضخم إلى إتاحة المجال‬ ‫للعبارتين اللتين تشكالن ما يشبه القاعدة األخالقية للقرّاء في مختلف أنحاء العالم االطّ الع على أمهات‬ ‫المهنية لمؤسسَ ي محرّك البحث‪« :‬تنظيم كل معلومات الكتب اإلسبانية‪ ،‬والقيام بأبحاث‪ ،‬أو نقل مقاطع‬ ‫العالم لجعلها في متناول الجميع وفائدتهم»‪ ،‬و«ال تكن من هذه الكتب‪ .‬وقالت مديرة المكتبة الوطنية في‬ ‫سيئاً»‪ .‬ومن خالل هذا التفكيك تحاول رصد البعد برشلونة دول��ورس الم��ارك��ا‪« :‬ف��ي الماضي‪ ،‬وحدهم‬ ‫األيديولوجي ال��ذي يجعل م��ش��روع «غ��وغ��ل» الوجه زوّار المكتبة كان يمكنهم اإلفادة من الكتب الموجودة‬ ‫األكثر «لطافة» من مشروع جورج بوش‪ ،‬لتنتهي إلى فيها‪ .‬من اآلن فصاعداً كل من يهمّه االط�لاع على‬ ‫القول‪« :‬إذا أردنا أن نقولها في شكل مباشر‪ ،‬فغوغل ألوف الكتب الموجودة لدينا‪ .‬يمكنه ذلك من خالل‬ ‫بطل الديمقراطية الثقافية‪ ،‬لكن من دون ثقافة أو بحث بسيط على «غوغل خدمة الكتب»‪ .‬ويعود اختيار‬ ‫ديمقراطية‪ .‬يمكن القول أن غوغل غير ديمقراطي «غوغل» للمكتبات اإلسبانية إلى كون اللغة اإلسبانية‬ ‫ألنه أمريكي حتى العظم وال يسمح لنا بمعرفة ذلك هي اللغة الثانية األكثر استخداماً خارج األطلسي‪.‬‬ ‫‪ 100‬اجلوبة ‪ -‬ربيع ‪1428‬هـ‬


Turn static files into dynamic content formats.

Create a flipbook
Issuu converts static files into: digital portfolios, online yearbooks, online catalogs, digital photo albums and more. Sign up and create your flipbook.