سلة زيتون من منطقة اجلوف
اجلوبة -ربيع 1429هـ
1
العدد 19 ربيع 1429هـ 2008 -م
ملف ثقافي ربع سنوي يصدر عن مؤسسة عبدالرحمن السديري اخليرية
املشرف العام إبراهيم احلميد املراسالت توجه باسم املشرف العام ّ
هاتف)+966( )4( 6245992 : فاكس)+966( )4( 6247780 : ص .ب 458سكاكا اجلـ ــوف -اململكة العربية السعودية aljoubah@gmail. com ردمد ISSN 1319 - 2566
سعر النسخة 8رياالت تطلب من الشركة الوطنية للتوزيع
قواعد النشر
- 1أن تكون املادة أصيلة. - 2لم يسبق نشرها. - 3تراعي اجلدية واملوضوعية. - 4تخضع املواد للمراجعة والتحكيم قبل نشرها. - 5ترتيب املواد في العدد يخضع العتبارات فنية. - 6ترحب اجلوبة بإسهامات املبدعني والباحثني والكتّاب، على أن تكون املادة باللغة العربية. اجلوبة من األسماء التي كانت تطلق على منطقة اجلوف سابق ًا
الناش ـ ـ ـ ــر :مؤسسة عبدالرحمن السديري اخليرية أسسها األمير عبدالرحمن بن أحمد السديري (أمير منطقة اجلوف من 1362/9/5هـ 1410/7/1هـ املوافق 1943/9/4م 1990/1/27 -م) بهدف إدارة ومتويل املكتبة العامةالتي أنشأها عام 1383هـ املعروفة باسم دار اجلوف للعلوم .وتتضمن برامج املؤسسة نشر الدراسات واإلبداعات األدبية ،ودعم البحوث والرسائل العلمية ،وإصدار مجلة دورية ،وجائزة األمير عبدالرحمن السديري للتفوق العلمي ،كما أنشأت روضة ومدارس الرحمانية األهلية للبنني والبنات ،وكذلك أنشأت جامع الرحمانية. 2
اجلوبة -ربيع 1429هـ
الـمحتويــــات
>6...................... مهرجان الزيتون :إضافة اقتصادية وثقافية ملنطقة اجلوف
>76....................
سميح القاسم :أنا الشاعر األخير على الكرة األرضية
>92.................... منير نايفة أعجوبة العلم والعلماء لوحة الغالف:
ص����ورة ض��وئ��ي��ة :ج���ذع ش��ج��رة زي��ت��ون من اجل���وف ،بعدسة الفنانة ره��ام بنت سعد الكايد.
االفتتاحية 4......................................................... الملف :مهرجان الزيتون بالجوف 6................................... دراسات :قصيدة النثر الماغوطية -رامي أبو شهاب26............. البحريات ..اآلخر وتحوالت المكان..؟ -محمد الدبيسي 30....... قصص قصيرة :أقاصيص -وائل وجدي 40........................ الهر األسود -ياسر عبدالباقي 42.................................. كتابات -عبدالله السفر47.......................................... جريمة -جعفر الجشي48........................................... مرة غير قابلة للتكرار -حسن البقالي49........................... قصص قصيرة جداً -عبدالحفيظ الشمري50..................... على خيوط العنكبوت -ليلى آيت سعيد 51......................... شعر :قصائد قصيرة -سُ وف عبيد 54............................... والحب وأشياءٌ أخرى -عبدالله علي األقزم 55........... ُّ أنا وأنتَ نصوص -إيمان مرزوق 56.......................................... ثالث قصائد قصار -عبدالله أمين أبو شميس 57................. مُعادالت -مصطفى مَـل َ ْح 58......................................... سؤال م ّر -نواره الحرش59......................................... العاصف ُة التي اقتلعتنا -افراح الكبيسي 60......................... أنت ِالسيدة وأنت ِالقصيدة -زكريا إبراهيم العمري 61............ نقد :انقالب النص النسوي -محمد الفوز 62....................... بانت سعاد ..قراءة في اللغة والمعنى -د .علي محمد هنداوي 65... الرماد للكاتب عبدالمعز شاكر -هويدا صالح68................... مواجهات :أبو سنة :غابت سلطة النقد وانجرفنا مع «الفرقعة» - حاوره عصام أبو زيد 70............................................. أحمد الواصل« :سورة الرياض» عن جيل تسحقه الهوية الضائعة! حاوره محمد نجيم 72...........................................نوافذ :القاص عبدالرحمن الدرعان :إدغار ألن بو (السعودي) يرضع طفولته من حقائبه القصصية السردية -هدال القصار 86......... رجل جاء ..وذهب -ميسون أبو بكر 90............................. من روائع البيان في حديث القران عن الدابة -د .عبدالحميد الديب 97. المعلمون في تراثنا العربي :أخطار المهنة -الزبير مهداد100..... النص الرقمي -أشرف الخريبي103................................ ّ القصة القصيرة جداً واألشكال النثرية البسيطة -محمد تنفو111... نشاطات ثقافية :فعاليات دار الجوف للعلوم 114................... نفحات من معرض الرياض الدولي للكتاب -محمد صوانه115.... قراءات116............................................................
اجلوبة -ربيع 1429هـ
3
مراجعة خطط التنمية لتحقيق التوازن > إبراهيم احلميد
سعت الدولة الكريمة ،ممثلة في قادتها ،ومن خالل خطط التنمية المتعاقبة، وصوال إلى خطة التنمية الثامنة ،إلى نقل المملكة من حقبة زمنية سحيقة اتسمت بالبساطة والبدائية ،إلى مرحلة جديدة يملك المجتمع فيها كل أسباب المدنية المعاصرة من اقتصاد مزدهر ومدن متطورة. وقد كان الفتا أن تقوم الدولة بمراجعة هذه الخطط ،بين فترة وأخرى؛ لتتبين واقع خطط التنمية ومخرجاتها ،ال من خالل وزارة االقتصاد والتخطيط المناط بها مهمة مراجعة الخطط التنموية منذ العام 1976م ،بل بإشراف مباشر واهتمام واضح من رأس الهرم في القيادة ،من خالل التدخل إلصالح الخلل ،وذلك بإجراء بعض العمليات الجراحية التي كانت ضرورية ومطلوبة؛ مثل سعي القيادة عام 1416هـ من أجل تحقيق التنمية المتوازنة ،وتأكيد خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز ،في مناسبات مختلفة على تحقيق التوازن في التنمية، وتعويض المناطق التي لم تنل حظها منها ،وقد كللها بزياراته التاريخية لجميع مناطق المملكة.
ا فتتا حيــــة 4
لقد بدأت مرحلة مهمة في تاريخ بعض المناطق التي تم فيها إجراء تعديالت إدارية .ويمكن تأريخ تلك المرحلة في بداية السبعينيات الميالدية ،عندما تم تعيين سمو األمير خالد الفيصل أميرا لمنطقة عسير؛ ثم جاءت المرحلة الثانية، وهي فترة بداية الثمانينيات الميالدية التي تم تعيين سمو األمير عبداإلله أميرا لمنطقة القصيم ،وسمو األمير عبدالمجيد -يرحمه الله -لمنطقة تبوك ،وسمو األمير مقرن بن عبدالعزيز أميرا لمنطقة حائل ؛ ثم جاءت مرحلة تعيين سمو األمير محمد بن فهد أميرا للمنطقة الشرقية ،وكانت نتائج تلك المراحل مبهرة، إذ استطاعت تلك التعديالت اإلداري��ة النهوض بتلك المدن ،واالنتقال بها من
اجلوبة -ربيع 1429هـ
مرحلة النمو إل��ى مرحلة ال��ق��ف��زات التنموية، التي أدت إل��ى وص��ول تلك ال��م��دن إل��ى مراحل متقدمة جدا؛ وأصبحت تفصل بين تلك المناطق ومناطق المملكة األخرى فجوات تنموية لم يتسن تجسيرها أو ردمها حتى اليوم. ومع أن دراسة متعمقة لتلك المراحل التنموية التي عاشتها هذه المناطق -التي حدثت فيها التغييرات اإلداري��ة في وقت مبكر -لم تحدث بعد ،أو أنني لم أطلع عليها؛ إال أن واقع الحال يشير إلى أن ثمة مناطق استطاعت تحقيق أكبر قدر من الفوائد من خطط التنمية؛ ليس بسبب تلك الخطط التنموية ،بل لسبب بسيط يتعلق بالصالحيات اإلداري��ة والتنفيذية وقوة العزيمة التي تمتّع بها المسؤولون في تلك المناطق؛ بينما لم تتحقق التنمية المنشودة في مناطق أخرى ألسباب عدة ،منها :إسقاطها من برامج التنمية التي تقرها خطط التنمية المتعاقبة ،وعدم وجود نفوذ لتلك المناطق في الوزارات التنفيذية. واآلن فللمراقب أو المحلل أن يحتار في أمر المناطق األخرى التي شملتها التغييرات اإلدارية الالحقة ،مثل :منطقة الجوف ،التي ب��دأت في نهاية التسعينيات الميالدية ،إذ على الرغم من الحاجة الفعلية للمشاريع التنموية لتلك المناطق، وتركيز خطتي التنمية التاليتين :السابعة والثامنة نظريا على تحقيق التنمية المتوازنة ،وعلى الرغم من الزخم الذي رافق تلك التغييرات ،إال إنها لم تأت بما تطمح إليه قيادة الوطن وال المواطن في تلك المناطق ،من تغيير منشود ألحوال مدن تلك المناطق التي بقيت على حالها؛ بل ازدادت بؤسا ،مع تأخير تنفيذ مشاريع التنمية التي أتيح
إقرارها فيها؛ بسبب نقص المشاريع المعتمدة وع��دم إق��رار مشروعات تسهم بشكل فاعل في التغيير التنموي المنشود فيها؛ م��ا أسهم في إيجاد مشكالت باتت تؤرق متخذي القرار اليوم على مستوى الوطن :كالبطالة ،والهجرة سواء إل��ى العاصمة أو إل��ى المدن الكبرى ،وتصاعد الجريمة ،واإلرهاب. وي��س��ت��درج ه���ذا ال��ت��ح��ل��ي��ل ،ان��ع��ك��اس مستوى ال��ت��ن��م��ي��ة ،ع��ل��ى م��س��ت��وى ال��ت��غ��ي��ري��ن ال��ث��ق��اف��ي واالجتماعي؛ فقد انعكست التنمية المادية على التنمية االجتماعية والثقافية في المناطق التي شملتها خطط التنمية في وقت مبكر؛ بينما لم تتحقق ه��ذه التنمية االجتماعية والثقافية في المناطق األخرى ،التي انعكس الواقع المتخلف تنمويا فيها على الواقع االجتماعي والثقافي، ال��ذي ظ��ل ي���راوح مكانه؛ ب��ل إن��ه يشهد نكوصا مستمرا بسبب هذا التأخير.
*** إن��ه��ا دع����وة ل��م��راج��ع��ة خ��ط��ط ال��ت��ن��م��ي��ة في المناطق التي ل��م تصلها ي��د التنمية ،بالشكل ال��ذي رسمه ملك ال��ب�لاد حفظه ال��ل��ه ،ولتأكيد أحقيتها ف��ي تعويضها ع��ن ال��س��ن��وات العجاف التي عاشتها طوال العقود الماضية؛ من خالل توظيف جزء من الطفرة الجديدة فيها ،ومراجعة أسباب نجاح التغييرات اإلداري��ة التي تمت في مرحلة الثمانينيات الميالدية ،وإخفاق التغييرات التي تمت الحقا ،في إحداث التغيير المنشود، وتجسير الهوة التنموية والثقافية ،التي باتت تفصل بين مناطق المملكة اجلوبة -ربيع 1429هـ
5
مهرجان الزيتون:
إضافة اقتصادية وثقافية ملنطقة اجلوف > متابعة :أسرة التحرير نظمت منطقة الجوف خالل الفترة من 11/21وحتى 1428/12/21ه���ـ« ،مهرجان الجوف األول للزيتون» ليكون أول مهرجان رسمي للزيتون في المملكة والجزيرة العربية فدخلت المنطقة، بشكل خاص ،والمملكة ،بشكل عام ،في عقد اقتصادي وثقافي جديدين يتمثالن في تشجيع زراعة شجرة الزيتون واستثمارها ،إذ لم يكن معروفا لدى قطاعات واسعة من المهتمين وجود اقتصاد للزيتون في المملكة ،ينعكس ليشكل ثقافة جديدة في منطقة الجوف ،بدأت أولى خطواتها منذ سنوات طويلة .وقد جاء في كتاب الزيتون الصادر عن أمانة منطقة الجوف عام 1429ه��ـ ،أن أشجار الزيتون بلغت 12.300.000شجرة ،كما بلغ إنتاج زيت الزيتون حوالي 21ألف طن. وقد وجه صاحب السمو الملكي األمير فهد بن بدر بن عبدالعزيز ،أمير منطقة الجوف، صاحب فكرة المهرجان وموجهها ،باإلعداد الجيد للمهرجان ،الذي أقيمت فعالياته في مركز األمير عبداإلله الحضاري بمدينة سكاكا ،وقد خصصت فيه أماكن لمزارعي ومنتجي الزيتون من منطقة الجوف ،عُرِ ض فيها إنتاجهم من الزيتون ومشتقاته دون مقابل؛ كما خصصت أماكن للشركات المنتجة والمتخصصة بالزيتون وصناعاته .وقد استقطب المهرجان عدداً من كبرى الشركات التي تعنى بزراعة الزيتون وإنتاجه وعصره وتخليله ،كي يستفيد المواطنون مما لديها من خبرات وتجارب تتعلق بزراعة الزيتون واستثمار منتجاته.
مهرجان الزيتــون 6
وجاء تنظيم المهرجان بهدف االرتقاء بصناعة وتسويق منتجات الزيتون ،وتطوير قطاع زراعة الزيتون ،من خالل توجيه االستثمارات الزراعية نحو شجرة الزيتون. وقد أثبتت أمانة منطقة الجوف بالتعاون مع مختلف الجهات المشاركة أن باستطاعة العمل الجماعي فعل الكثير من النجاح ،بناء على النتائج الباهرة التي حققها المهرجان خالل فترة وجيزة ،إذ وصلت رسالة المهرجان والمنطقة عبر مختلف وسائل اإلعالم إلى كافة المتلقين بصورة مباشرة نقلت الحدث إلى كل مكان.
اجلوبة -ربيع 1429هـ
حفل االفتتاح
الدكتور عبدالله العبيد كلمة ذك��ر فيها أن منطقة ال��ج��وف تميزت ب��وج��وده��ا بين خطي ال��ع��رض 28 و 32شماال ،ما جعلها مكانا مناسبا لزراعة أشجار الفاكهة ،والمحاصيل الحقلية ،والخضار ،وكذلك أش��ج��ار ال��زي��ت��ون .ساعدها على تميزها ع��ن باقي مناطق المملكة مالءمة مناخها وصالحية تربتها وتوفر مياهها ،حتى أصبحت المنطقة ذات ري��ادة متميزة في زراعة أشجار الزيتون ،وأشار العبيد إلى أن زراعة الزيتون بدأت منذ أوائل عام 1380هـ ،وقد ساعد على زراعتها الدعم الذي تلقاه المزارعون من حكومة خادم الحرمين الشريفين وولي عهده األمين، ودع���م س��م��و أم��ي��ر منطقة ال��ج��وف م��ن خ�ل�ال حث سموه لألجهزة المعنية بالمنطقة على بذل المزيد من الجهود في خدمة مزارعي الزيتون ،مؤكدا أن رعاية سمو أمير الجوف للمهرجان الذي يُع ُّد األول من نوعه في المملكة ،وتخصيص جائزة مالية سخية مقدارها ( )100ألف ريال ألفضل إنتاج في زراعة الزيتون من أجل زيادة االهتمام في هذا القطاع.
برعاية كريمة م��ن سمو أم��ي��ر منطقة ال��ج��وف، ص��اح��ب ال��س��م��و ال��م��ل��ك��ي األم��ي��ر ف��ه��د ب��ن ب���در بن عبدالعزيز ،وح��ض��ور وكيل وزارة ال��زراع��ة لشؤون األبحاث الدكتور عبدالله العبيد ،ومشاركة أكثر من مائتي مزارع ،افتتح مساء السبت 1428/11/21ه��ـ مهرجان الزيتون األول في المنطقة .وق��د استهل الحفل بآيات من الذكر الحكيم رتلها الطفل باسل محمد من جمعية األطفال المعاقين ،بعدها ألقى رئيس اللجنة المنظمة للمهرجان المهندس محمد ابن حمد الناصر كلمة رحب فيها بالحضور ،وشكر سمو األمير على رعايته الكريمة ،ودعمه المتواصـل لكافة قطاعـات المنطقة بكافة م��ح��اوره��ا ،ومنها هذا المهرجان الذي يعول عليه بعد الله في إبراز م��ي��زات المنطقة؛ فالفكرة ب��دأت لمعالجة مشكلة تسويق الزيتون ومنتجاته ،ودعم مزارعي المنطقة، ومعالجة مشاكلهم فيما يخص زراعة الزيتون وإنتاج مشتقاته وذكر الناصر أن جائزة سمو األمير فهد بن وأشار العبيد إلى أن وزارة الزراعة أولت اهتماما بدر للزيتون تُعنى برفع جودة المنتج ليكون منافساً، ليس على مستوى الوطن فحسب ..بل على مستوى كبيرا بزراعة الزيتون ،عندما قامت بإنشاء وحدة خاصة بأبحاث الزيتون في الجوف ،بهدف تحسين األسواق العالمية. كما قدم الناصر شكره وعرفانه للجهات المشاركة إنتاج الزيتون وتطوير طرق إكثاره ،وإرشاد المزارعين ف��ي التنظيم وال��رع��اي��ة والتغطية اإلع�لام��ي��ة ،من بالتقنيات الحديثة ف��ي زراع��ت��ه ،وت��ط��وي��ر ق��درات الجهات األمنية والحكومية والشركات والمؤسسات المهندسين والفنيين الوطنيين على طرق أساليب واإلخ���وة العاملين ف��ي اللجان ،وعلى رأس��ه��ا إم��ارة العناية بأشجاره.
منطقة الجوف وأمانتها ،ووزارة ال��زراع��ة ،وجامعة ال��ج��وف ،والهيئة العليا للسياحة ،وكلية التقنية، وال��غ��رف��ة التجارية الصناعية؛ إض��اف��ة إل��ى الرعاة الرئيسيين والمشاركين والداعمين؛ مشيرا إلى أن الشركات الزراعية والشركات العاملة بالمنطقة في مختلف المجاالت بادرت في الرعاية بدافع الوطنية واإلسهام في دعم أنشطة المنطقة المختلفة. ث��م أل��ق��ى وك��ي��ل وزارة ال��زراع��ة ل��ش��ؤون األب��ح��اث
سمو األمير فهد بن بدر بن عبدالعزيز يتفقد معروضات المهرجان
اجلوبة -ربيع 1429هـ
7
واختتم العبيد كلمته قائال :إن شجرة الزيتون شجرة مباركة من الناحية الصحية ولها فوائد كثيرة للحفاظ على الصحة العامة. ث��م ت��وال��ت ف��ق��رات ال��ح��ف��ل ،فألقى ال��دك��ت��ور بدر المعيقل قصيدة بعنوان« :الجوبة والزيتون» ،تبعها عرض أوبريت «الشجرة المباركة» من تنظيم جامعة الجوف ،ليتم بعده تكريم الجهات المنظمة ،والرعاة ويتسلم سموه شعار المهرجان الرئيسيين للمهرجان ،وقد صاحب االفتتاح عروض األول للزيتون بمشاركة 23فنانا تشكيليا ،كان منهم لفرق المنطقة للفنون الشعبية والكاراتيه. الفنان نصير السمارة ،والمصورون :أحمد الشمري، معرض الزيتون واملعارض املرافقة له ون��اص��ر الحسن ،وع���واد ال��ع��واد ،وأح��م��د الغريري، وبعد حفل االفتتاح تجول سمو األمير بالمعرض ومحمد الضويحي ،وري��ه��ام الكايد ،وي��اس��ر العلي، ال��زراع��ي المصاحب للمهرجان ،ال��ذي ش��ارك فيه وعبدالله العتيق ،ومعجب الحواس ،وسلمان المشعل, م���زارع���و ال��م��ن��ط��ق��ة ،إض���اف���ة إل���ى اك��ب��ر ال��ش��رك��ات وبدر الرويلي. الزراعية بالمملكة ،وشركات التعبئة والتغليف ،وقد وقد احتوى المعرض على 45صورة مقاس «30سم عرضت منتجات الزيتون المصنع (المكبوس) في × 40سم» ,ألشجار الزيتون وثمارها وطرق عصرها, عبوات مختلفة في نوعية المحتوى ،ومتفاوتة في وإلى جانب الصور الفوتوغرافية تزينت القاعة بعدد الحجم تتناسب وحاجة المستهلكين ،إضافة إلى زيت من المنحوتات للفنان فيصل النعمان ،الذي استخدم الزيتون الفاخر بعبوات مختلفة نوعا وكما ،وكذلك شجرة الزيتون كخامة يقوم بنحتها وتشكيلها. ع��رض المشاركون في المعرض الصابون المصنّع كما قدم الفنان السمارة لقطات لحبات الزيتون من زي��ت الزيتون والفحم الناتج من جفت الزيتون وفروعها ,وكأنه يرسم لها بورتريها على خلفية من إضافة إلى بعض المنتجات األخرى ،والتي أقبل زوار السماء ,فتارة ن��رى السماء صافية زرق��اء من وراء المعرض على شرائها. اللوحة ,وت��ارة أخ��رى تتسلل إليها السحب البيضاء ثم تجول سموه في المعارض المصاحبة للمهرجان لتتداخل مع اللون األزرق برقة ونعومة؛ كما صور وهي معرض السيارات القديمة ،والمعرض الثقافي محمد الضويحي حبة الزيتون في لقطات أخرى وهي الذي اشتمل على معرض للمقتنيات األثرية والسدو ،منغمسة بين األفرع وأوراق الشجر في وضح النهار؛ ومعرض للصور الفوتوغرافية بالتعاون مع جماعة بينما أخ��ذ أحمد مبرد لقطاته ألوراق الشجر في ال��ج��وف للفنون التشكيلية ،وم��ع��رض المضبوطات وقت الغروب ,مستغال مشهد الشمس وهي تتساقط الجمركية ،ومعرض لجمعية تحفيظ القرآن الكريم لتصبح مع إضاءتها خلفية إلحدى أعماله. الخيرية ،وجامعة الجوف ،ومعرض الكلية التقنية، أما سامي العابد فاهتم بتصوير أجسام الشجر بما ومعرض جمعية األطفال المعاقين. فيه من نتوءات ,وتصوير جذوعها المورقة ,شابهه في معرض الزيتون الفوتوغرافي والتشكيلي ذلك الفنان صالح اليونس الذي اهتم بجذع الشجرة نظم مهرجان ال��ج��وف للزيتون المعرض الفني وفروعها ،ولكنه اختار لقطاته مغايرة ألنواع مختلفة
8
اجلوبة -ربيع 1429هـ
من الشجر ,إذ تناولها من منظور مختلف تظهر فيه أوراق شجر المزرعة كخلفية للوحات. أما جميل كساب فقد جاء بفكرة جديدة ,فأحضر كأسا وألقى فيه ثمار الزيتون ,ليلتقط صورته وكأن الثمار هي التي تخرج من الكأس منطلقة إلى رحابة الكون.
الحلويات التي تتفنن بصنعها ،وتتميز بلذة مذاقها ��واع أخرى مختلفة من المكسرات ،كما ونكهتها ،وأن ٍ أنها لم تكتف بالمأكوالت الشعبية ،فأضافت إلى معروضاتها أصنافا حديثة وغريبة لتلبية رغبات جميع الزوار.
وذك��ر رئيس اللجنة المنظمة لمهرجان الزيتون وف��ي مجال النحت ..ق��ام فيصل النعمان بنحت األول بالجوف المهندس محمد بن حمد الناصر أن اللجنة حرصت على إتاحة الفرصة لألسر المنتجة أشكال متنوعة من جذع شجرة الزيتون ,لنراه ٍ لكسب ال����رزق وال��ع��م��ل م��ن خ�لال في آن واحد يحوّل الجذع وكأنه فعاليات ال��م��ه��رج��ان التي مقاطع تظهر بها بعض استمرت لمدة شهر. النتوءات التجريدية
ب���ع���ض ال����ش����يء, وأك����د ال��ن��اص��ر م����ل����س����اء ,ذات أن ال����ل����ج����ن����ة لون فاتح؛ وفي ح���رص���ت ع��ل��ى آن آخ����ر ن���راه ت��وف��ي��ر المكان ي��ن��ش��يء عالقة ال������م������ن������اس������ب ح���م���ي���م���ي���ة ب��ي��ن ل��������ت��������س��������وي��������ق جذعين حتى كأنها المأكوالت الشعبية، ي��ت��ع��ان��ق��ان ,ل��ي��ه��ت��م في مبينا أن ال��س��وق حقق شكل آخر بإظهار التفاصيل ن���ج���اح���ا ك���ب���ي���را م����ن خ�ل�ال الدقيقة لجسم الشجرة التي تعبر عن المهرجان ،إذ تخطت مبيعاته في األيام ملمسها الخشن .وق��د استمر المعرض طيلة أيام األولى للمهرجان 100ألف ريال ،وبلغ زواره أكثر من المهرجان. 500متسوق يومياً ،مؤكدا أن عددا كبيرا من األسر سوق المأكوالت الشعبية في مهرجان الزيتون المنتجة استطاعت سد حاجتها من خالل السوق. ح��ق��ق س���وق ال��م��أك��والت الشعبية ال��ن��س��ائ��ي في مهرجان الزيتون األول مبيعات جيدة ،ويقام هذا ال��س��وق للمرة األول���ى على مستوى المنطقة كأحد الفعاليات المصاحبة للمهرجان ،إال أنه حقق نجاحا وأصبح له مرتادوه يوميا .وقد تواجدت فيه نسوة لبيع إنتاجهن من المأكوالت الشعبية والحلويات، وق��د ذك��رت إحداهن إنها تبيع أصنافا متنوعة من المأكوالت الشعبية الجوفية ،من أشهرها المرقوق، والهريس والجريش ،إضافة إلى أصناف كثيرة من
رالي الزيتون
نظم المهرجان ألول مرة على مستوى المنطقة رالي الزيتون بجوار ميدان الفروسية بمدينة سكاكا، وقد شارك فيه ( )13مشاركا بسيارات الدفع الرباعي، واشترطت اللجنة المنظمة للرالي على المتسابقين حمل رخصة ق��ي��ادة س��اري��ة المفعول ،وتأمين على المركبة ،ووجود طفاية حريق لكل سيارة ،مع التقيد التام بالزي الرياضي ،ولبس الخوذة. اجلوبة -ربيع 1429هـ
9
وجاء في المركز األول السائق عيد الغالي ،وفي المركز الثاني جمال الرويلي ،وفي المركز الثالث أح��م��د ال��ه��ذي��ل ،وف��ي ال��م��رك��ز ال��راب��ع عبدالمحسن النصيري ،وف��ي المركز الخامس أش��رف البديوي، وفي نهاية الرالي تم تكريم الفائزين.
اختتام فعاليات المهرجان 150ألف زائر حقق مهرجان الزيتون األول بالجوف مبيعات تجاوزت العشرة ماليين /10.387.000/ريال وبلغ عدد الزوار نحو ( )150ألف زائر من مختلف مناطق المملكة. وبين رئيس لجنة اإلع�لام والتسويق بالمهرجان ياسر بن إبراهيم العلي أن المهرجان استطاع جذب شريحة من المواطنين من خ��ارج المنطقة للتمتع بفعالياته ،وش���راء زي��ت زي��ت��ون ال��ج��وف ال��ذي يمتاز بجودة عالية .كما أن أهالي المنطقة قضوا إجازاتهم مع فعاليات مهرجان الزيتون ،حيث حرصت اللجنة على تكثيف الفعاليات ف��ي ه��ذه الفترة وق���ال :من الفعاليات التي صاحبت المهرجان خ�لال اإلج��ازة ع���روض للطيران ال��ش��راع��ي ،حيث نُ ِ��فّ�� َذ أك��ث��ر من عرض خالل أيام متفرقة ،وعروض مكثفة لألطفال، ومسابقات وهدايا لألطفال ،وكذلك رال��ي الزيتون الثاني. وق����د س��ج��ل ال��م��ه��رج��ان ح���ض���ورا م���ن ال��ع��وائ��ل واألطفال ،وفاق عدد حضور الفعالية الواحدة أكثر م��ن ( )10آالف متفرج ،كما أق��ي��م إف��ط��ار جماعي بالمهرجان في ي��وم عرفة ،وأقيمت أمسية شعرية للشاعر عبدالرحمن المرخان ،ومحاضرة التركيبة الكيمائية ل��زي��ت ال��زي��ت��ون للدكتور ن��اي��ف المعيقل، ومحاضرة عن الزيتون في الحضارات للدكتور خليل المعيقل. وق���د واص����ل ال��م��ه��رج��ان ف��ع��ال��ي��ات��ه المصاحبة
10
اجلوبة -ربيع 1429هـ
كالمعرض ال���زراع���ي ،وج��ن��اح ال��م��أك��والت الشعبية وج��ن��اح ال��ح��رف ال��ي��دوي��ة ،وج��ن��اح م��ع��رض ال��زي��ت��ون ب��ال��ق��ران نظمته الجمعية الخيرية للقران الكريم بالجوف ،وجناح التصوير الفوتوغرافي الذي نظمته جماعة الجوف للفنون التشكيلية ،وجناح الجمارك لجمرك ال��ح��دي��ث��ة ،وج��ن��اح الكلية التقنية ،وجناح جامعة ال��ج��وف ،والمقتنيات األث��ري��ة ال��ذي شاركت فيه ثالثة متاحف هي :متحف الشيخ فهد البلهيد ومتحف ع��ادل الشمدين ومتحف النويصر .وجناح السدو الذي شاركت فيه جمعية الملك عبدالعزيز الخيرية ،إل��ى ج��ان��ب ال��ح��رف ال��ي��دوي��ة بالمهرجان كحرفة الجمري ،وصناعة الصابون من زيت الزيتون، وصناعة التفل من الجفت ،والحدادة ،وحرفة السمح، ورباب الدالل ،وحرفة النسيج. وقد واصل المهرجان تقديم العروض الفلكلورية للعرضة والسامري والدحة والربابة من خالل مضافة المهرجان. وبين العلي أن المهرجان شهد حضور المستثمرين ورجال األعمال من خارج المنطقة ،بهدف تسويق زيت زيتون الجوف الذي يتمتع بجودة عالية على المستوى العالمي ،حسب ما أفادت به االختبارات والدراسات، مشيرا إلى أن عددا من مزارعي المنطقة و ِ ُّف َق لبيع كامل إنتاجه من الزيت في المهرجان ،وال��ذي بلغ نحو 30طناً ،فيما ق��درت الكميات المباعة خالل
من فعاليات المهرجان
المهرجان بنحو ( )300طن من الزيت و( )200طن من الزيتون. ورصد رئيس لجنة اإلعالم والتسويق بالمهرجان ارتفاعا على الطلب على األراضي الزراعية بالمنطقة، الستثمارها في مجال الزيتون وصناعاته ،مشيرا إلى أن ذلك سيدعم المقومات االقتصادية في المنطقة.
ختام المهرجان اختتمت مساء 1428/12/22هـ فعاليات مهرجان الزيتون األول بالجوف تحت رعاية صاحب السمو الملكي األمير فهد بن بدر بن عبدالعزيز أمير منطقة الجوف ،وذل��ك بمركز األمير عبداإلله الحضاري، ب��ح��ض��ور وك��ي��ل إم�����ارة م��ن��ط��ق��ة ال���ج���وف ال��م��س��اع��د ع��ب��دال��رح��م��ن ال��م��ف��رج ،ورئ��ي��س ال��ل��ج��ن��ة المنظمة لمهرجان الزيتون المهندس محمد بن حمد الناصر. وقد بدأ الحفل بالقرآن الكريم ،بعدها تم عرض فيلم وثائقي لفعاليات المهرجان منذ انطالقته والفعاليات المصاحبة له .ثم ألقى المفرج كلمة نيابة عن سمو أمير منطقة الجوف ،نقل فيها شكر سموه وتقديره لجميع العاملين ف��ي ال��م��ه��رج��ان ،وتهنئته ألهالي الجوف بنجاح المهرجان .بعدها ألقى رئيس اللجنة المنظمة المهندس الناصر كلمة شكر فيها العاملين بالمهرجان قائال إن المهرجان ولد عمالقا ،وحقق الهدف المنشود منه ،وهو تحقيق الفرصة االستثمارية لمزارعي المنطقة لتسويق منتجاتهم من الزيتون ،وتم تكريم الفائزين بالمسابقات التي صاحبت المهرجان
وقد فاز بجائزة فهد بن بدر للزيتون المزارع عبدالله ماطل الجريد ومقدارها ( )100ألف ريال .وأوضح الناصر أن لجنة الجائزة قامت باختبار عينات زيت الزيتون للمزارعين المشاركين في المعرض الزراعي المقام ضمن أنشطة المهرجان في مختبر الجودة والنوعية بالحديثة ،نظراً لتميز المختبر ودقة نتائجه المخبرية ،موضحاً أن أه��م المعايير التي أخذتها اللجنة بعين االعتبار جودة الزيت ،ومبيناً أن هناك العديد من المعايير التي ستدخل ضمن الجائزة في السنوات المقبلة .كما أشار إلى أن هناك عددا من المزارعين الذين أثبتت فحوصات المختبر أن زيتهم يصنف بأنه زي��ت زيتون بكر ممتاز ،وحصلوا على المراكز التالية :المركز الثاني أحمد عيد الضويحي، والمركز الثالث عبدالعزيز يوسف الثاري ،والمركز الرابع فهد عواد الدهام ،وفي المركز الخامس فهيد مخلف السردي .مشيراً إلى أن زيت زيتون الجوف يتميز بأنه زيت بكر ممتاز ،ويعد من الدرجة األولى وفقاً لنسبة الحموضة فيه. بعدها تم تكريم المزارعين المشاركين بالمهرجان، ومنسوبي المعارض المصاحبة له ،ورؤس��اء اللجان والعاملين فيها ،كما تم تكريم الجهات الحكومية المشاركة بتنظيم المهرجان وك��ذل��ك اإلعالميين الذين غطوا الفعاليات. وق��د ذك��ر رئيس لجنة اإلع�ل�ام والتسويق ياسر إبراهيم العلي أن سمو األمير وجه بإقامة المهرجان سنويا في شهر ديسمبر من كل عام ،مشيرا إلى انه تم اختيار هذا الوقت بالتحديد ليتزامن المهرجان مع موسم قطاف الزيتون. كما ذكر العلي أن المهرجان وفر للمنطقة العديد من المزايا ،أهمها استقطاب الكثير من أبناء المملكة، الذين توافدوا من كل المناطق لحضور فعالياته ،لما فيه من مزايا شتى ،ابتداء بالتعريف بشجرة الزيتون المباركة ومراحل نموها حتى قطاف ثمرها ،ومن ثم
اجلوبة -ربيع 1429هـ 11
ولذا فقد اتجهت شركة الجوف للتنمية الزراعية عصرها بالطرق السليمة ،مشيرا إلى أن عدد زوار إلى توجيه جزء من استثماراتها في إقامة مشروع المهرجان بلغ ( )150ألف زائر. وذك���ر ال��ع��ل��ي أن الهيئة العليا للسياحة قامت ل��زراع��ة م��ل��ي��ون ش��ج��رة بمنطقة بسيطا – وادي بدعم هذا المهرجان ماديا وإدراج��ه ضمن رزنامة السرحان على مساحة 4000هكتار. الفعاليات والهاتف السياحي ،وستتواصل في دعمه أهداف المشروع خالل السنوات القادمة. يهدف المشروع إلى زراعة مليون شجرة زيتون
تجربة شركة الجوف الزراعية
وذلك لغرض:
-1إنتاج ( )7000طن زيت زيتون و( )30000طن في زراعة الزيتون وإنتاج الزيت زيتون مائدة .اضافة إلى المنتجات األخرى مثل تعد شجرة الزيتون من األشجار المباركة التي ورد الصابون والفحم وغيرهما. ذكرها في القرآن الكريم ومنها قوله عز وجل (والتين والزيتون وطور سينين) سورة التين( ،وزيتونا ونخال) -2ت��ن��وي��ع م��ص��ادر ال��دخ��ل ل��ل��ش��رك��ة اس��ت��ن��ادا إل��ى االس��ت��ف��ادة م��ن ال��ظ��روف ال��م��ن��اخ��ي��ة المالئمة س��ورة عبس( ،وشجرة تخرج من ط��ور سيناء تنبت لزراعة أشجار الزيتون بمنطقة الجوف والمناطق بالدهن وصبغ لآلكلين) سورة المؤمنون. الشمالية. كما جاء ذكرها أيضا في اإلنجيل والتوراة ،ومن هنا فقد اكتسبت أهميتها عند المسلمين وغير -3خدمة المزارعين في المناطق الشمالية ،وذلك عن طريق توفير الشتالت الجيدة والمساعدة المسلمين على السواء ،إذ يستعمل زيتها في الغذاء في عمليات العصر والتسويق. والعالج معا .وتعد هذه الشجرة من أشجار حوض البحر المتوسط ،إذ يوجد به حاليا نحو %95من -4المساهمة في نشر الوعي الغذائي والصحي بفوائد زيت الزيتون. أشجار الزيتون ،كما نجحت زراع��ت��ه في المنطقة الواقعة بين خطي 45-30شماال وجنوبا. الخطوات العملية لهذا التوجه
توجه الشركة لزراعة الزيتون: -1القيام بإعداد عدة دراسات من قِ بَلِ مجموعة من المكاتب المتخصصة ،لدراسة جدوى اقتصاديات ازدادت زراع���ة أش��ج��ار ال��زي��ت��ون ف��ي السنوات مشروع زراعة أشجار الزيتون .إضافة إلى اإلفادة األخيرة في شمال المملكة العربية السعودية في كل من الجوف وتبوك وح��ائ��ل ،وساعد على ذلك تحمل هذه الشجرة للظروف البيئية الصعبة مقارنة بغيرها من أشجار الفاكهة األخرى ،خصوصا تحت ظروف الجفاف والملوحة وتباين أنواع التربة. وم���ن ال��م��ن��ظ��ور االق���ت���ص���ادي ل��ش��ج��رة ال��زي��ت��ون والمتمثل في قلة التكاليف وزي��ادة اإلنتاج ،إضافة إل��ى استخداماتها المتعددة ،األم��ر ال��ذي ينعكس إيجابا على اإليرادات وتنوع مصادر الدخل.
12
اجلوبة -ربيع 1429هـ
حضور كثيف من أهالي الجوف لفعاليات المهرجان
م��ن آراء ال��خ��ب��راء والمتخصصين ف��ي زراع���ة الزيتون ،س��واء في البلدان العربية والغربية، وقد كانت المؤشرات والدالئل مشجعة ،ما حدا بالشركة للبدء بالتنفيذ.
أ -قلة تكاليفها. ب -إنتاج الشتالت على مدار العام. ت -قلة الفترة الزمنية إلنتاج الشتالت. ث -تكون مطابقة تماما لألم.
-2بدأت الشركة باستجالب عدة أصناف عالمية -5ال��ق��ي��ام ب��إن��ش��اء ال��ب��س��ات��ي��ن وزراع��ت��ه��ا بأشجار وعربية وزراعتها قبل 12سنة ،وتتبع حالتها الزيتون ،وفق أحدث المعايير ،مع مراعاة األمور وم��دى مواءمتها لظروف المنطقة واألغ��راض التالية: التي تزرع من أجلها ،واستمرت على هذا النهج، أ -عمل خريطة للبستان موضحا عليها األقسام حيث تم إقامة مجمع وراثي للزيتون يضم العديد المختلفة :الطرق ،وشبكة الري ،ومصدات من األصناف ،التي زرعت تحت ظروف موحدة، الرياح ،مع عمل تحليالت التربة والمياه. لمعرفة م��دى مالءمتها واستجابتها للظروف البيئية السائدة في المنطقة. ب -مسافات ال��زراع��ة 6×6م ث��م تعديلها إلى 8×6م. -3توفير الكوادر البشرية المؤهلة لهذا لمشروع، وذل����ك ع���ن ط��ري��ق ال��ت��ع��اق��د م���ع م��ج��م��وع��ة من المهندسين العرب والمختصين في مجال زراعة الزيتون وعصره ،إضافة إلى توظيف مجموعة من المهندسين السعوديين في المشروع.
ت -ت��م زراع����ة أك��ث��ر م��ن ص��ن��ف ف��ي البستان، وروعي توافق مواعيد أزهارها للتغلب على مشاكل عدم التوافق. ث -مراعاة االحتياجات المائية للشجرة عند تصميم الشبكات ،وهي تختلف تبعا للعمر وم��وس��م النمو وال��ظ��روف البيئية ونوعية المياه.
-4إنشاء وتأسيس مشتل نموذجي إلكثار الزيتون، لتوفير احتياجات التوسع األفقي لهذا المشروع، إضافة إل��ى توفير شتالت موثوقة للمزارعين والشركات األخرى ،ومن ثم نشر الوعي وثقافة -6الحصول على الشهادات العضوية العالمية في زراعة الزيتون في المنطقة ،واإلكثار في الشركة منتج أشجار الزيتون وزيته ،ومن ثم فإن منتج يتم باستخدام العقلة النصف غضة أو النصف ���ال من زي��ت زي��ت��ون ش��رك��ة ال��ج��وف ع��ض��وي وخ ٍ األسمدة والمبيدات الكيماوية. خشبية أو تحت الطرفية للميزات التالية: -7القيام بدراسة إنشاء مجمع صناعي للزيتون، المرحلة األولى تتكون من مصنع للزيت ،ومصنع للتخليل ،وم��ص��ن��ع ل��ل��ص��اب��ون ،وم��ص��ن��ع للفحم واألس��م��دة .وق��د ب���دأت التجهيزات اإلنشائية إلنشاء المجمع.
ثمرات هذا التخطيط معروضات متنوعة لزيت الزيتون وثماره في مهرجان الجوف
-1تعد شركة الجوف للتنمية الزراعية أكبر منتج لزيت الزيتون في المملكة العربية السعودية.
اجلوبة -ربيع 1429هـ 13
-2زي��ت زي��ت��ون (ال��ج��وف) حظي بقبول واس��ع من المستهلكين في داخ��ل المملكة وف��ي خارجها, نظرا لما يمتاز به من جودة عالية. -3تم تصدير كميات من زي��ت زيتون الجوف إلى عدة بلدان عربية وأوروبية( :دول الخليج العربي واألردن واسبانيا وسويسرا).
الزيتون في الحضارات القديمة > د .خليل بن إبراهيم المعيقل
()1
تعد شجرة الزيتون من األشجار المباركة التي ورد ذكرها في ال��ق��رآن الكريم والحديث الشريف عدة مرات ،وكذلك ورد ذكرها في الكتب السماوية األخ��رى ،حيث ورد ذك��ر الزيتون وزيته ( )140مرة في اإلنجيل ،ما يؤكد أهمية شجرة الزيتون لإلنسان غذاء ودواء. وج��دت شجرة الزيتون على األرض منذ خلقت، وقد دلت بقايا األشجار المتحجرة التي وجدت في أماكن عدة ،وخاصة في منطقة الجوف ،وبالتحديد في حوض سكاكا ،أن بقايا تلك األشجار المتحجرة المنتشرة في بيئة سكاكا ما هي إال بقايا أشجار زيتون متحجرة بفعل العوامل والظروف المناخية، حيث يؤكد عدد من الجيولوجيين أن تلك األشجار المتحجرة تعود إلى العصر الجيولوجي الطباشيري، وتؤرخ ألكثر من أربعين مليون سنة ،وال شك أن هذا مؤشر على وجود شجرة الزيتون في المنطقة منذ عصور موغلة في القدم.
التي عرفها اإلنسان ،حيث تؤكد الدراسات األثرية أن اإلنسان -نظرا لتغيرات بيئية ومناخية حدثت في حدود ( )12ألف سنة مضت ،حيث قلت األمطار وتصحرت األرض التي كانت تغطيها الغابات في مناطق الشرق األدن��ى القديم -اضطر إلى البحث ع��ن م��ص��ادر ق��وت ثابتة ب��دال مما ك��ان��ت ت��وف��ره له البيئة الطبيعية من صيد وفير وثمار برية ،إذ كان اإلنسان قبل هذا التاريخ يعيش عالة على الطبيعة. هذا التغير المناخي دفعه إلى التوصل إلى إمكانية عدد من المنتجات في مواسم مختلفة من استزراع ٍ العام ،وتعد مراحل اكتشاف اإلنسان للزراعة أول مراحل االستقرار والتحضر ،حيث اضطر إنسان العصر الحجري الحديث أن يستقر في أماكن اإلنتاج الزراعي ،وهذا االستقرار استلزم بناء قرى زراعية شكلت بدايات الحواضر المبكرة 0ه��ذه المرحلة التي يطلق عليها العصر الحجري تمتد من 12000ـ 8000سنة قبل الميالد ،وخالل هذه المرحلة يعتقد أن اإلنسان قد تعلم تهجين وزراع��ة شجر الزيتون، ورغ��م أن��ه من الصعوبة بمكان تحديد تاريخ دقيق لبداية زراعة اإلنسان للزيتون -وقد أختلط تاريخ الزيتون بمزيج من الواقع والخرافة -إال أن البداية الحقيقية ل��زراع��ة الزيتون تعود لماض سحيق من تاريخ البشرية ،واختلط تاريخه بتاريخ حضارات بالد الشام وحوض البحر األبيض المتوسط ،وشكل جزءاً مهماً من حضارة وثقافة شعوب بالد الشام وحوض البحر األبيض المتوسط ،إال أن مراحل تطور زراعته كانت طويلة األمد ومرهقة.
لكن ال بد أن نفرق بين وجود شجرة الزيتون في مما سبق ..يعتقد أن بالد الشام شهدت بدايات البيئة الطبيعية ،وبين اه��ت��داء اإلن��س��ان األول إلى زراعة اإلنسان للزيتون ،والتوصل إلى تقنية استخالص تدجين ه��ذه الشجرة واستزراعها واالس��ت��ف��ادة من زيته ،حيث أن األدلة األثرية فيها ،والمتمثلة باكتشاف ثمارها ،والتوصل إلى طريقة الحصول على زيتها. قرى وحواضر زراعية كبيرة ومبكرة جدا ،إضافة إلى بدايات زراعة الزيتون عدد من أشجار الزيتون المعمرة في فلسطين وجود ٍ ارتبطت زراع��ة الزيتون بأقدم مراحل الزراعة وسوريا تؤكد تلك البدايات.
14
اجلوبة -ربيع 1429هـ
الفينيقيون ابتداء من القرن السادس عشر قبل الميالد هذه الشجرة هدية لسكان تلك المناطق وجزرها ،ولم يأت القرن الرابع عشر قبل الميالد إال وقد أصبحت شجرة الزيتون ذات أهمية كبرى في حياة سكان الجزر اليونانية ،وتحولت إلى شجرة مقدسة.
يوجد في تالل مدينة القدس الجنوبية ،وبالتحديد في قرية الولجة ،شجرة زيتون معمرة يطلق عليها ال��س��ك��ان ال��م��ح��ل��ي��ون اس���م (ش���ج���رة س��ي��دن��ا اح��م��د البدوي) ،ويزيد عمرها عن 5500سنة ،ويعتقد أن تلك الشجرة تعد أقدم شجرة زيتون في فلسطين بل أقدم شجرة في العالم ،وقد حدد تاريخ هذه الشجرة أما في تونس فقد ازدهرت زراعة الزيتون بعد أن عن طريق فريق علمي ياباني قام بفحص الشجرة ،أسس الفينيقيون مدينة قرطاجة في القرن التاسع وأجرى اختبارات علمية حدد من خاللها التاريخ. قبل الميالد ،وتحولت تونس بعد ذلك التاريخ إلى مراحل انتشار زراعة الزيتون واحدة من أهم مناطق إنتاج زيت الزيتون.
المرحلة األولى
المرحلة الثالثة
تعد منطقة ب�لاد ال��ش��ام م��وط��ن��اً أص��ل��ي��اً وم��ه��داً لبدايات نشاط زراع���ة الزيتون واستخالص زيته، حيث كشفت األدلة اآلثارية عن نشاط منظم لزراعة الزيتون وتخزين الزيت في مرحلة األلف الثالثة قبل الميالد ،حيث وج��دت في موقع «إيبال» في سوريا ن��ص��وص كتابية تتحدث ع��ن ذل���ك ،وق��د عثر على بقايا ج��رار تخزين الزيت في مستودعات الموقع المذكور أعاله ،إضافة إلى الكشف عن جرار تخزين المرحلة الرابعة زيت الزيتون التي وجدت في موقع « أوغاريت» في ف��ي نهاية األل���ف األول���ى قبل ال��م��ي�لاد ،ظهرت الساحل السوري على البحر األبيض المتوسط كانت اإلم��ب��راط��وري��ة ال��روم��ان��ي��ة ف��ي ال��ج��زر اإلي��ط��ال��ي��ة، تستخدم لتصديرها إلى الجزر اليونانية ومصر. واستطاعت أن تمد نفوذها وسيطرتها خالل مدة ل��ذا يعتقد أن زراع��ة الزيتون حتى بداية األلف زمنية قصيرة لتشمل كامل شواطئ شمالي إفريقيا الثانية قبل الميالد كانت مقصورة على مناطق بالد والجزء الجنوبي من أوربا وبالد الشام وتركيا ،ومن الشام (س��وري��ا وفلسطين ولبنان وجانب من وادي خالل هذا النفوذ اعتنى الرومان بشجرة الزيتون األردن) .وحتى هذا التاريخ لم يتأكد معرفة سكان نظرا ألهميتها كمصدر للغذاء ،والمصدر الوحيد الجزر اليونانية لهذه الشجرة. لوقود اإلض��اءة ،لذا حظيت شجرة الزيتون بعناية المرحلة الثانية ف��ائ��ق��ة ،وازده�����رت زراع��ت��ه��ا ف��ي كثير م��ن مناطق تبدأ المرحلة الثانية مع بداية األلف الثانية قبل اإلمبراطورية الرومانية ،حيث ق��ام ال��روم��ان بنقل الميالد ،إذ يعتقد أن شجرة الزيتون صدرت زراعتها زراعة الزيتون إلى بقية مناطق أوربا األخرى التي لم إل��ى ب��اق��ي ح��وض البحر األب��ي��ض ال��م��ت��وس��ط ،ونقل تعرف هذه الشجرة من قبل ،كذلك اعتنى الرومان الفينيقيون شجرة الزيتون معهم إل��ى سواحل ليبيا بنقل زيت الزيتون إلى المناطق التي ال ي��زرع فيها وتونس وبعض الجزر اليونانية واإليطالية ،حيث قدّم الزيتون ،وبذلك أصبح زيت الزيتون من أهم السلع تتمثل ه��ذه المرحلة في انتقال زراع��ة الزيتون إل��ى مصر القديمة ،حيث يعتقد أن مصر عرفت ال��زي��ت��ون م��ن خ�لال ال��ص�لات ال��ت��ج��اري��ة ال��ت��ي كانت تربطها بالفينيقيين خالل القرن السابع عشر قبل الميالد ،وقد أسهمت تلك الصالت في نقل معرفة زراعة الزيتون وإنتاج الزيت من الشواطئ الفينيقية والشامية القديمة.
اجلوبة -ربيع 1429هـ 15
التي راجت خالل تلك المرحلة ومن ثم خالل العصر نظرا الستخدامه في اإلضاءة على وجه التحديد ،بل البيزنطي. كاد أن يكون أبرز الزيوت التي استخدمت لإلضاءة واالستطباب والغذاء. المرحلة الخامسة وت��ع��د ه��ذه المرحلة مهمة ف��ي ت��اري��خ الحضارة اإلسالمية ،حيث عمل المسلمون -بعد ضم بالد األندلس -على تكثيف زراع��ة الزيتون في المناطق األندلسية ،ونقلوا إليها أنواعا من شجر الزيتون من بالد الشام وشمالي أفريقيا ،حتى أصبحت األندلس من أه��م مناطق إنتاج زي��ت الزيتون خ�لال العصور اإلسالمية المختلفة.
المرحلة السادسة وتعد ه��ذه المرحلة األح��دث في مسيرة انتشار زراعة الزيتون في مناطق لم تعرفها من قبل ،حيث عمل األسبان خالل مراحل اكتشافهم ألمريكا في القرنيين السادس عشر والسابع عشر الميالديين على نقل شجرة الزيتون معهم ،واستزراعها في كثير من مناطق أمريكا الجنوبية وكاليفورنيا في الواليات المتحدة األمريكية ،حيث راجت زراعة الزيتون وإنتاج زيته في معظم دول أمريكا الجنوبية خالل فترات االستعمار األسباني والبرتغالي ،وأصبحت أمريكا الجنوبية م��ن أه��م مناطق زراع��ت��ه .وخ�لال الفترة نفسها انتقلت زراعة الزيتون إلى القارة األسترالية مع المستعمرين البريطانيين.
الحضارات وزراعة وتجارة الزيتون ع��ن��ي��ت ح���ض���ارات ب�ل�اد ال��ش��ام وم��ص��ر وح��وض البحر األبيض المتوسط والجزيرة العربية بزراعة وتجارة الزيتون ،حتى أضحى زيت الزيتون من السلع المقدسة لدى معظم الحضارات ،وخاصة الحضارة اليونانية. لقد تحول زي��ت الزيتون إل��ى سلعة إستراتيجية تعادل في أهميتها وقيمتها وضع البترول في عصرنا الحاضر ،حيث كان مصدرا مهما من مصادر الطاقة،
16
اجلوبة -ربيع 1429هـ
حضارات بالد الشام
تعد بالد الشام الموطن األصلي للزيتون ،وسكانها ه��م أول م��ن ع��رف ش��ج��رة ال��زي��ت��ون وط���وّر زراعتها وأس��ال��ي��ب إن��ت��اج ال��غ��ذاء وال��زي��ت م��ن ث��م��اره��ا ،حتى أصبحت شجرة الزيتون من أهم األشجار في حياة سكان بالد الشام ،ومنتجاتها من أهم السلع التجارية ص ِدّرت إلى كل مناطق العالم القديم. التي ُ لقد أثبتت االكتشافات األثرية في موقع (تل مردوخ) بمملكة إيبال على أدلة أثرية كتابية تذكر عناية ملوك وسكان مملكة إيبال األكادية بالزيتون وزي��ت��ه ،ومملكة إي��ب�لا ال��ت��ي ع��اش��ت ب��ي��ن 2600ـ 2240ق��ب��ل الميالد في منطقة قريبة من مدينة حلب ،تعد من أهم الحضارات المبكرة التي عنيت ب��زراع��ة الزيتون ف��ي حقول كبيرة؛ حيث كشفت أعمال التنقيب التي قامت بها بعثة أثارية إيطالية غرفة تحوي عدة ٍ قبل أربعين عاما من الكشف عن أالف من ألواح الطين المكتوبة (الرقم الطيني)، ٍ والتي نسخ عليها بالخط المسماري األكاديمي معلومات تاريخية واقتصادية وسياسية عن نشاط مملكة إيبال وملوكها .وهذا االكتشاف يعد أقدم ما كتبه التاريخ ،وقد عثر في هذا األرشيف على أول توثيق رسمي حول أشجار الزيتون وزيته ،وقد تم تحديد اثني عشر رقما طينيا تتحدث عن األراضي المزروعة بالزيتون ،والتي تعود ملكيتها للملك والملكة ،كما تذكر أن األسرة الحاكمة وحاشيتها كانت تمتلك 4000جرة من زيت الزيتون و()7000 جرة من أمالك الشعب ،وحيث اكت ُِشف عدد من تلك الجرار التي يتسع كل منها لنحو 60كجم من الزيت ،فإن الكميات المشار إليها في الوثائق تبلغ 700طن من الزيت ،كما ذكرت الوثائق أن األسرة
المالكة كانت ت��زرع ح��وال��ي ( )1465هكتارا من األرض بشجر الزيتون. إن هذه المعلومات تؤكد -بشكل واضح -أن زراعة الزيتون وإنتاج الزيت كانا من أهم مصادر دخل تلك المجتمعات ،وال شك أن تلك الكميات من الزيت لم تُعَد لالستخدام المحلي ،بل كانت تُعَد للتجارة ،حيث كان يربط إيبال عالقات تجارية مع بالد الرافدين ومصر والجزر اليونانية وجزيرة العرب.
متحجرة تعود إلى عصور موغلة في القدم ،وعلى الرغم من وجود أشجار الزيتون البرية في المناطق الجبلية في جنوب غ��رب الجزيرة العربية ،إال أنه لم يثبت لنا أن إنسان الجزيرة العربية زرع أشجار الزيتون .وقد كان زيت الزيتون من أهم السلع التي تعامل معها تجار الجزيرة العربية ،وكانوا يصطحبون هذه السلعة في رحالتهم التجارية من بالد الشام ،بل ربما كانت أهم السلع التي كانوا يقايضونها بالبخور والبهارات مع سكان تلك البالد ،وقد وجدت في عدد من المواقع األثرية جرار من نوع خاص بنقل الزيت.
ك��ذل��ك اكتشفت معاصر حجرية أع���دت لعصر الزيتون في عدد كبير من المواقع األثرية في كل من الحضارة اليونانية األردن وسوريا ولبنان وفلسطين ،وتعود تلك المعاصر انتقلت زراع��ة الزيتون إلى الجزر اليونانية بدءاً إلى عصور تاريخية عديدة حتى الفترة المعاصرة ،ما يؤكد استمرار سكان بالد الشام في زراعة الزيتون من القرن السادس عشر قبل الميالد بواسطة التجار الفينيقيين ،وخالل قرنيين من الزمن أصبحت شجرة وإنتاج زيته في مختلف العصور. الزيتون من أهم وأقدس األشجار لدى شعوب الجزر الحضارة المصرية القديمة اليونانية .وتشير األساطير اليونانية إل��ى أن أثينا عرفت الحضارة المصرية القديمة زراعة الزيتون إلهة الحكمة -عندما منحت اإلنسانية شجرةف��ي ح��دود ال��ق��رن السابع عشر قبل الميالد ،وقد الزيتون ،فإنها تمكنت من الفوز على باقي اآللهة انتقلت إليها من بالد الشام ،وربما كان للفينيقيين اليونانية؛ ألنها قدمت لإلنسانية أكثر الهدايا فائدة دور في نقل هذه المعرفة ،حيث تزامن ذلك مع ظهور وأهمية. زراعة الزيتون على السواحل الليبية والتونسية. لقد أصبحت ش��ج��رة ال��زي��ت��ون ف��ي ك��اف��ة أرج��اء وق���د ت��ح��دث��ت األس��اط��ي��ر ال��م��ص��ري��ة إن اإلل��ه��ة بالد اليونان شجرة مقدسة ،وظهرت رسوماتها على المصرية إيزيس ك��ان لها الفضل في تعليم سكان ج��دران القصور واألوان���ي الفخارية ،وف��ي اللوحات مصر زراع���ة ال��زي��ت��ون ،وك��ذل��ك تعليمهم الحكمة ،الفنية ،ك��ذل��ك استخدم ال��ري��اض��ي��ون زي��ت الزيتون وق��د استخدم الزيتون وزيته كغذاء ودواء ،إضافة لتدليك أجسامهم بالزيت وتنظيفها من األوس��اخ، إلى استخدامه في عملية تحنيط الموتى ،وقد عد كما استخدم زيت الزيتون في المسابقات الرياضية كبير مملوءٍ المصريون زي��ت الزيتون من ال��زي��وت المحببة لهم كجوائز إذ كانوا يكافئون المنتصر بِقِ د ٍْر ٍ واعتبروها نفيسة ومقدسة. بزيت الزيتون.
حضارات الجزيرة العربية
اكتشف ف��ي ع��دد م��ن مناطق ال��ج��زي��رة العربية دالئ��ل قديمة ج��دا على وج��ود أشجار الزيتون في البيئة الطبيعية ،وكما ذكرنا في مقدمة هذا البحث فإن منطقة الجوف تنتشر فيها بقايا أشجار زيتون
لقد أسهمت زراع��ة الزيتون في ازده���ار الكثير من المدن اإلغريقية ،وكانت شجرة الزيتون محمية بموجب القانون ،فكان يتعرض للعقاب الحاد كل من قام بقطع تلك الشجرة ،كما كانت أشجار الزيتون تتعرض للقطع من قبل األع���داء ،حيث أن بساتين
اجلوبة -ربيع 1429هـ 17
ال��زي��ت��ون ك��ان��ت بمثابة ش��يء استراتيجي بالنسبة للخصم ،وتدميرها كان بمثابة تدمير ألهم المقومات االقتصادية. كذلك تشير المصادر اليونانية إلى أن أول شعلة أولمبية كانت غصن زيتون.
الحضارة الرومانية سيطرت اإلم��ب��راط��وري��ة ال��روم��ان��ي��ة على معظم أورب��ا وشمالي إفريقيا وب�لاد الشام وتركيا ،ومنذ القرن األول قبل الميالد حتى بداية القرن الرابع الميالدي أصبح الرومان س��ادة تلك المناطق ،وقد اهتموا بتجارة زيت الزيتون ،وعملوا على دعم زراعة ال��زي��ت��ون ،إذ ق��ام��وا بتوزيع زي��ت الزيتون على كافة مناطق اإلمبراطورية. ك��ذل��ك ازده�����رت ت��ج��ارة ال���زي���ت ،ووص���ل ال��زي��ت إل��ى مناطق لم تكن تعرفه من قبل ،وق��د دخ��ل في صناعة أن���واع ع��دي��دة م��ن أط��ب��اق الطعام ،كما قام الرومان بتصدير منتجات بالد الشام من الحنطة وزيت الزيتون إلى روما وباقي أجزاء اإلمبراطورية الرومانية.
الحضارة البيزنطية
إل��ى أن��ه ك��ان يوجد في البالط الملكي قاعة كبيرة تسمى بيت ال��ض��وء ،وكانت صفقات التجارة تعقد فيها .ونظرا ألن زيت الزيتون كان المادة األساسية لإلضاءة ،فقد كان يجمع في صوامع كبيرة صممت لذلك الغرض ،لضمان توافر كميات كافية منه ،ومن شدة تقديس البيزنطيين لشجرة الزيتون فقد كانوا يجمعون حبات الزيتون بأيديهم من أجل المحافظة على الشجرة ،وكانوا يُحَ ِرّمون ضرب الشجرة بالعصي لجني الزيتون -كما كان يُفعل سابقا -تكريما لهذه الشجرة المباركة ،ومن الشروط التي كانوا يتقيدون بها قبل الشروع بقطاف الزيتون أن يكون المزارعون نظيفين ،مثل شجرة الزيتون ،وكانوا يتقيدون كذلك بطقوس تقية معينة ،م��ث��ل :ال��ص��وم واالم��ت��ن��اع عن العالقات الجنسية.
منذ بداية القرن الرابع الميالدي استقل قسطنطين األول بتركيا وب�لاد الشام عن سلطة روم��ا ،واعتنق ال��دي��ان��ة ال��م��س��ي��ح��ي��ة ،وأت���خ���ذ م���ن القسطنطينية (اسطنبول) عاصمة للدولة البيزنطية ،وق��د ورث ال��ب��ي��زن��ط��ي��ون ال��ج��زء ال��ش��رق��ي م��ن اإلم��ب��راط��وري��ة ال��روم��ان��ي��ة ،وم��ع��ه��ا ك��ل ت��ق��ال��ي��د ال���دول���ة والمجتمع الروماني ،بما في ذلك عنايتهم واهتمامهم بزراعة الزيتون وت��ج��ارة زيته ،وق��د احتاج البيزنطيون إلى الحضارة اإلسالمية كميات كبيرة م��ن زي��ت الزيتون إلض���اءة عاصمتهم ع��ن��ي ال��ع��رب – المسلمون -ب��زراع��ة ال��زي��ت��ون القسطنطينية التي كانت مشهورة باإلضاءة الشديدة، كما احتاجت الكنائس العديدة إلى كميات من الزيت واستخالص زيته ،وقد كان لهم دو ٌر مهم في نشر تلك استخدمت ل�لإض��اءة .وتشير المصادر البيزنطية الصناعة وتطويرها ،حيث نقلوا أصنافا عديدة من
18
اجلوبة -ربيع 1429هـ
الزيتون إلى مناطق حوض البحر األبيض المتوسط، وخاصة اسبانيا والبرتغال وجزيرة صقلية. وقد تجلت عناية اإلسالم بالزيتون وزيته من خالل النصوص القرآنية ،حيث ورد في القرآن ذكر الزيتون والزيت في سبعة مواضع ،في س��ور :األنعام والنحل والمؤمنين والنور وعبس التين .كذلك ورد في صحيح الجامع الصغير حديث الرسول [ .وه��ذا التوجيه القرآني والنبوي يؤكد أهمية الزيتون وزي��ت��ه كغذاء ودواء ،كونه يخرج من شجرة مباركة؛ لذا نجد أن هناك وصفات طبية كثيرة وردت في كتاب الطب النبوي يكون زيت الزيتون فيها أساسا أو عنصراً مهماً.
غصن الزيتون رمزٌ للسالم
ثالثة عقود من ال��زم��ن ،أدرك��ن��ا خاللها أننا نمشي ف��ي خ��ط��ى زراع��ي��ة ل��م تحسب ل��ل��ص��ح��راء حسبتها الصحيحة ،إذ كان من األجدر التفكير كيف يمكن أن نزرع ونحافظ في الوقت نفسه على الثروات الناضبة (الماء والبترول)؟ ولكن مع مرور الوقت تجلت النتائج عن فقر في مخزون المياه الجوفية ،ما حدا بنا إلى التغيير الحاصل الذي نعيشه حالياً من االستفادة من المميزات النسبية لبعض المناطق الزراعية ،والحد من بعض الزراعات التي تستنزف كميات كبيره من م��ي��اه ال���ري ،ك��األع�لاف والشعير ،وتقنين زراع���ات كثيرة كالقمح حتى وإن ك��ان محصوال استراتيجيا مهما ،وتم التركيز على ال��زراع��ات االقتصادية في ال��م��اء وال��ض��روري��ة م��ا أدى إل��ى التوسع بالزراعات المختلفة في منطقة الجوف ذات معدالت اإلنتاج العالية مثل الفواكه كاللوزيات والتفاحيات والزيتون، أو المحاصيل المختلفة كالقمح والبطاطس .وكان للزيتون النصيب الوافر من االهتمام لدى المزارعين وال��ش��رك��ات م��ع م��رور ال��وق��ت ،وذل��ك ألس��ب��اب مهمة مثل تحمل الظروف المناخية في المنطقة ،وكذلك تحمل أغلب أن���واع التربة والمياه على ال��رغ��م من تأثر إنتاجيتها .وللحديث عن نجاح مستقبل الزيتون بالمنطقة ال بد من التطرق للمزايا التي دفعتنا للجزم بذلك ،وهي:
من القضايا المتعارف عليها عند كثير من شعوب األرض أن غصن الزيتون يمثل رمزا للسالم واألمان، وتعود جذور هذه القضية إلى عهد سيدنا نوح عليه ال��س�لام ،حيث تشير ال��م��ص��ادر التاريخية إل��ى أن سيدنا نوح -بعد الطوفان وقبل انحسار الماء -أطلق حمامة من على السفينة ،يريد أن يكتشف ما إذا كان الماء قد انحسر عن بعض مناطق األرض ،وبعد فترة من الزمن عادت الحمامة وهي تحمل غصن زيتون من شجرة زيتون ،فأدرك سيدنا نوح أن مياه الطوفان قد بدأت باالنحسار ،وأن اليابسة في طريقها إلى ال��ج��ف��اف ،ف���زال ال��خ��وف م��ن ال��م��وت غ��رق��ا ع��ن من الظروف المناخية والطبيعية المناسبة في السفينة ،واطمأنوا إلى أنهم يستطيعون العيش تقع منطقة الجوف شمالي المملكة بين خطي ف��ي أم��ان وس�ل�ام ،ومنذ ذل��ك التاريخ اتخذ الناس من غصن الزيتون والحمامة رم��زا للسالم والمودة عرض ْ 31ْ -29شماال وعلى ارتفاع بين 800 -500م عن سطح البحر ،وتكون بذلك ضمن نطاقات مناخ والصداقة بين الناس. البحر األبيض المتوسط التي تجود فيها %96من زراع���ات ال��زي��ت��ون بالعالم ،وال��ت��ي تتميز باالعتدال الرهان على مستقبل الزيتون بالجوف المناخي وت��واف��ر درج��ات ال��ح��رارة المالئمة لنجاح ()2 > بسام فارس العويش الزيتون سواء في الشتاء بدرجات حرارة دون ْ 7من إن ال��م��ت��اب��ع ل��م��اض��ي ال���زراع���ة وح��اض��ره��ا في 2000 – 1000ساعة حسب الصنف وذل��ك لنجاح المملكة ،يرى حجم التغير في االستراتيجيات بين تخلق األزه����ار ولتكشف ال��ب��رع��م ال��زه��ري ،أو في
اجلوبة -ربيع 1429هـ 19
فصل الربيع المعتدل بدرجات حرارة بين ْ 25-15م المناسبة لحدوث التلقيح واإلخصاب بشكل ناجح، وكذلك نمو األف��رع الخضرية في هذا الفصل التي تحمل عليها األزهار في العام القادم ،وفي الصيف هناك أشعة الشمس الكافية لتراكم الزيت في الثمار بدرجات حرارة بين 40 -25مْ ،وكذلك فصل الخريف الذي له أهميته في عملية النمو الخضري لألفرع التي تحمل األزه��ار في الموسم نفسه ،وه��ذه ميزه كبيرة ال تتوافر في كثير من مناطق زراع��ة الزيتون ب��ال��ع��ال��م ،كما أن لتوفر ال��م��ي��اه بكميات كبيره في المنطقة ومحتواها الجيد من العناصر بشكل متزن كان من أكبر الدعامات للتوسع الزراعي بشكل عام، وللزيتون بشكل خاص ،على الرغم من أن الزيتون ال يحتاج لكميات كبيره من المياه ولتحمله نسبا عالية من الملوحة تصل حتى ( )4000ppmبالمقارنة ببقية الفواكه والمحاصيل المختلفة. كما أن من أهم العوامل التي يرتكز عليها نجاح هذا القطاع في المنطقة هو توافر الترب الجيدة المختلفة وال��ت��ي تتميز ك��ث��ي��راً ف��ي ب��ع��ض ال��م��واق��ع كبسيطا مثال ،على الرغم من أن الزيتون يتالءم مع الكثير من أنواع الترب الفقيرة.
نجاح التجربة واألبحاث
600ألف شجرة زيتون من أصناف عالمية مشهورة أثبتت نجاحها ،كما ب��دأت تجربة بعض األساليب الحديثة بزراعة الزيتون المكثف واالعتماد الكامل على الزراعة العضوية .كذلك أقامت بعض الشركات ال��ن��دوات المتخصصة وشجعت على عمل البحوث في ه��ذا المجال ،حيث أج��ري��تُ بحثي في مشروع شركة الجوف الزراعية موسم 2004و2005م وكانت النتائج ممتازة ومشجعه ألهم األصناف المنتشرة في المنطقة ،مقارن ًة مع النتائج في كثير من الدول سواء في القياسات الزهرية والعقد أو في كمية اإلنتاج من الثمار وقياساتها المتعددة ،ونسب الزيت ،وهذا يعطي الداللة الواضحة والعملية على نجاح التوسع في هذا القطاع مستقبال ،ولكن بشكل مدروس.
الدعم احلكومي واإلمكانات نتيجة التوسع الكبير وانتشار زراعة الزيتون في المنطقة ،وبلوغ أعداد أشجارها بالماليين ،استحدثت وزارة ال��زراع��ة وح��دة ألب��ح��اث ال��زي��ت��ون بالمنطقة، وأسندت هذه الوحدة كذلك بمشروع تطوير إنتاج وتصنيع وتسويق الزيتون بالمملكة ،والذي تقوم علية منظمة األغذية والزراعة باألمم المتحدة (الفاو)، وذلك للدفع بالقطاع لمستوى أفضل ،والتغلب على المشكالت التي تواجه المزارع والمنتج بشكل عام، حيث تم تجهيز مختبر متكامل لعمل البحوث على الزيتون ،وإج��راء تحاليل الزيت .وت��م كذلك زراع��ة أهم األصناف العالمية لقياس مدى نجاحها تحت ال��ظ��روف المحلية؛ إض��اف��ة إل��ى ذل���ك ،ف��أن الدعم الحكومي لم يتوقف عند هذا الحد ،فقد تم التماس الحاجة الضرورية للعمالة المؤقتة في هذا القطاع، وتم السماح باستقدامها وذلك بسب ضيق الوقت في فترة جني محصول الزيتون ،حيث أصبح باإلمكان االستفادة من هذه الميزة المتاحة.
بدأت زراعة الزيتون في العهد القريب بين صغار المزارعين عن طريق األشتال الواردة من دول الجوار، ومن أصناف غير معروفه ،وأصبحت منتشرة بشكل بسيط دون التفكير بالتوسع الكبير الذي نشهده اليوم، وذلك لحداثة التجربة وعدم وجود معاصر الزيتون، ولكن بسبب النجاح الكبير لهذه الشجرة المباركة تم التوسع بزراعتها وجلب األصناف العالمية منها للمنطقة ،وأصبحت هذه الزراعة عبارة عن صناعه متكاملة لدى الشركات والمشاريع الزراعية الكبرى، التي زرعت أع��دادا كبيرة منها ،وعلى سبيل المثال ومن العوامل المشتركة والداعمة لعموم الزراعات شركة الجوف الزراعية التي تملك حالياً أكثر من داخل المملكة توافر القروض الحكومية للجمعيات
20
اجلوبة -ربيع 1429هـ
والمزارعين ،وانخفاض قيمة الوقود ،وتوافر األسمدة الدول المنتجة لزيت الزيتون. الكيماوية وع��ل��ى رأس��ه��ا النيتروجينية ،واكتشاف كما أن لزيادة الوعي الصحي دور كبير في اإلقبال كميات ضخمة م��ن الصخر الفوسفاتي ف��ي حزم على استهالك زيت الزيتون ال��ذي يعد من الزيوت الجالميد بالشمال يوفر ويكمل صناعة األسمدة كلها النباتية قليلة التشبع ،والتي عند استعمالها تقي من داخل المملكة. أضرار الدهون المشبعة األخرى التي تسبب تصلب
كما أنه من أهم الدعامات المهمة لمستقبل هذا الشرايين ،باإلضافة إلى أنه ال يمكن إغفال القيمة القطاع وج��ود اإلم��ك��ان��ات الضخمة ل��دى الشركات الروحية لهذه الشجرة المباركة ،والتي نؤمن بأنها التي من شأنها توفير أحدث التقنيات المستخدمة ليست كسواها. في المعاصر والتعبئة ،إذ توجد حالياً ( )16معصرة زيتون في شمال المملكة تقدر طاقتها اإلنتاجية بـ 730طن/يوم وتعد قدرة هذه المعاصر أكثر بكثير جودة زيت الزيتون وكيفية احلصول عليها ()3 > د .الهاشمي المهري من كمية اإلنتاج الكلية للزيتون في المملكة التي ال تتجاوز حاليا 30أل��ف ط��ن ف��ي ال��م��وس��م ,ونصيب ينفرد زيت الزيتون عن الزيوت النباتية األخرى بأنه منطقة الجوف منها هو 12معصرة طاقتها اإلنتاجية الزيت الوحيد الذي يؤكل مباشرة بشكله الطبيعي. 540طن/يوم وكمية إنتاج تقدر بـ 22ألف طن من وه��و م���ادة طبيعية نحصل عليها بعد عصر ثمار الثمار ،ول��م يصل فيها اإلن��ت��اج إل��ى ح��دود الطاقة الزيتون ،وهي خالية من المواد اإلضافية والملونة، االستيعابية لهذه المعاصر. ال مجال ألي عملية كيميائية خالل استخراج الزيت
السوق االستهالكية والثقة باملنتج الوطني وتحضيره ،ويتم ذل��ك بطرق ميكانيكية فقط ،إما تعد المملكة من أكبر األس��واق االستهالكية في بالضغط أو الطرد المركزي أو الترقيد. العالم لكثير من السلع والمنتجات الزراعية التي مكونات ثمار الزيتون لم نصل في أغلبها حتى إلى شبه االكتفاء الذاتي ،ثمار الزيتون هي ثمار غضة ،يمثل الماء والزيت نحو ومنها بطبيعة الحال زيتون التخليل وزيت الزيتون ،إذ %90 - 85من إجمالي وزن الثمار والباقي عبارة عن تنتج المملكة ثالثة آالف طن فقط من الزيت ,وهو سكريات وبروتينات وعناصر معدنية .تتكون من لب رق��م زهيد مقارنة بحجم االستهالك في المملكة، (طبقة متوسطة شحميه) وبذرة صلبة. كما أن زيتون التخليل ينتج ولكن بشكل بسيط جداً، التركيب الكيماوي لزيت الزيتون وأغلب التركيز هو على استخراج الزيت ,ولكن ما ي���ح���ت���وي زي�����ت ال����زي����ت����ون ع���ل���ى م�������واد ده��ن��ي��ة يميز المنتج المحلي هو ثقة المستهلك به ،ألنه من مصادر معروفة سواء كانت شركات أو مزارعين ،وهو (الغليسيريدات) ومكونات غير غليسيريدية .كما زي��ت زيتون بكر ،وتستخدم الستخراجه األساليب يحتوي على نسبة عالية من الفيتامينات الضرورية الحديثة ،وهو منتج عالي الجودة ،إضافة إلى أنه لم للجسم ،وم���واد ملونة (ك��ل��وروف��ي��ل) ،وم���واد عطرية تدخل لدينا تقنيات استخراج الزيت المكرر ،وهو ما تكسبه رائحة وطعما خاصا ،وعلى كميات ضئيلة تستخدم فيه بعض المذيبات الكيماوية الخطرة على من العناصر المعدنية (حديد ،منغنيز ،كالسيوم)، صحة اإلنسان ،والتي نراها تستخدم في كثير من وتقسم األح��م��اض الدهنية التي تدخل في تركيب
اجلوبة -ربيع 1429هـ 21
زيت الزيتون إلى قسمين:
المعبر عنها بحمض األوليك إلى:
< أحماض دهنية غير مشبعة :وتمثل %85 - 75من إجمالي األحماض الدهنية .وتمتاز بكونها سائلة بدرجة الحرارة العادية ومنها:
أ -زي��ت ال��زي��ت��ون البكر الممتاز :ه��و زي��ت فوق الممتاز في الطعم والرائحة ،وال تزيد نسبة حموضته عن %1في ( )100غرام زيت.
حمض األوليبيك :وتراوح نسبته في زيت الزيتونبين ،%83 -55وسمي حمض الزيت ألنه يشكل الغالبية العظمى في تركيب زيت الزيتون.
ب -زيت الزيتون البكر الجيد :ونسبة الحموضة فيه ال تزيد عن ،%2وله رائحة الفاكهة ،ولونه أصفر فاتح يميل إل��ى ال��خ��ض��رة ،وه��و زيت صالح لالستهالك البشري.
ح��م��ض اللينوليك :وت����راوح نسبته ف��ي زي��تالزيتون من .%21 - 3.5
ج -زيت الزيتون البكر شبه الجيد العادي :هو زيت جيد في الطعم والرائحة ,ونسبة الحموضة فيه ال تتجاوز %3.3وهى زيوت غذائية.
< أح���م���اض ده��ن��ي��ة م��ش��ب��ع��ة :وت��م��ث��ل %20 - 10 م��ن إجمالي األح��م��اض الدهنية ،ومنها حمض البالمتيك بنسبة ،%20 – 7.5وت��م��ت��از ه��ذه -زي���ت ال��زي��ت��ون وق����اد :ه��و زي���ت رديء ذو رائ��ح��ة وطعم كريهين ،وذو ل��ون أصفر مائل لألخضر األحماض بكونها صلبة بدرجة الحرارة العادية. البني ،حموضته تفوق ،%3.3فهو غير غذائي علما أن نسب األح��م��اض الدهنية ال��ت��ي تشكل وعند استخدامه في التغذية تُجْ رى عليه بعض زي��ت الزيتون تختلف باختالف المنطقة والصنف المعامالت الخاصة. والعمليات الزراعية ونوع التربة ودرجة نضج الثمار. زيت زيتون المكرر :هو زيت ناتج من زيت زيتونتصنيف زيت الزيتون البكر ،ول��ك��ن حموضته مرتفعة ،وت��ج��ري عليه حسب التصنيف ال��ص��ادر ع��ن المجلس الدولي خطوة التكرير لخفض حموضته إل��ى أق��ل من لزيت الزيتون والمتداول في التجارة الدولية ،يصنف ،%0.5وهو زيت غذائي. زي��ت الزيتون بحسب خصائصه المختلفة (الطعم زيت زيتون الخليط :هو زيت زيتون نقى ناتج عنوالرائحة وال��ل��ون) ،أو حسب (المظهر والشفافية) خلط زيت زيتون البكر مع زيت زيتون مكرر بنسبة أو على أساس (بعض الثوابت الكيميائية والصفات معينة بحيث ال تزيد نسبة الحموضة عن ،%1.5 الطبيعية والحسية) ،ويصنف إلى صنفين أساسيين: وهو زيت غذائي. زيت الزيتون ،وزيت تفل الزيتون. -2زيت تفل الزيتون - 1زيت الزيتون زيت تفل الزيتون :هو زيت ناتج عن تفل الزيتون زيت الزيتون البكر (صالح لالستهالك) :وتطلقويتم استخالصه بالمذيبات ،وله ثالث رتب: هذه التسمية على زيت الزيتون المستخلص من أ -زيت تفل الزيتون الخام :هو زيت زيتون ناتج ثمار الزيتون بالطرق الفيزيائية والميكانيكية، عن تفل الزيتون بدون تكرير ،وهو غير صالح وف��ي ظ��روف ح��راري��ة خاصة ال تغير في نوعية لالستهالك البشري نظراً الرتفاع حموضته. ال���زي���ت .وي���ك���ون ص��ال��ح��اً ل�لاس��ت��ه�لاك بحالته ب -زيت تفل الزيتون المكرر :هو زيت ناتج من الطبيعية ،ويصنف وفقاً لدرجة الحموضة الحرة
22
اجلوبة -ربيع 1429هـ
وفي الحالة الثانية تكون المواصفات التذوقية للزيت الناتج ضعيفة والحموضة مرتفعه.
تكرير زيت الـتفل الخام وال تزيد حموضته عن %0.5مع طعم ورائحة مقبولين ،وهو زيت غذائي صالح لالستهالك. -5فصل الثمار المتساقطة على األرض عن الثمار التي يتم قطفها من الشجرة. ج -زي��ت تفل الزيتون :هو زي��ت ناتج عن خلط زيت التفل المكرر مع زيت زيتون بكر ،ويتميز -6اإلس��راع في عصر الثمار بعد الجمع واجتناب بطعم ورائحة مقبولين وهو زيت غذائي صالح تخزينها ،وإذا كان ذلك غير ممكن ،فيجب تخزين لالستهالك. الثمار في مستودعات ب��اردة ذات تهوية جيدة،
-العوامل المؤثرة على جودة الزيت
وبطبقات قليلة السمك.
هناك عدة عوامل تؤثر مباشرة على جودة زيت -7اج��ت��ن��اب ن��ق��ل ال��ث��م��ار وت��خ��زي��ن��ه��ا ف��ي األك��ي��اس البالستيكية التي تسبب تعفنها. الزيتون وذلك من: أ -خالل تكوينه بالثمار. ب -خالل جني ثمار الزيتون. ج– خالل عمليات نقل وتخزين الثمار. د -خالل استخالص وتخزين الزيت.
نصائح عملية إلنتاج زيت زيتون جيد
-8يجب غسل الثمار وتنظيفها من الشوائب العالقة بالزيتون كاألوراق والتربة واألغصان ..الخ -9ال��ق��ي��ام بالعناية ال��دوري��ة لكل أج��ه��زة وم��ع��دات المعصرة وتنظيفها ،والتأكد من خلوها من كل ما هو غير صحي.
-10ينصح بخلط عجينة ال��زي��ت��ون ل��م��دة قصيرة ما يجب مراعاته للحصول على زيت زيتون بكر وبدرجة حرارة بين 30-26درجة مئوية. عالي الجودة: -11عند تخزين زي��ت ال��زي��ت��ون يجب ات��خ��اذ كافة -1تجب العناية الجيدة والالزمة ألشجار الزيتون االحتياطات الالزمة لمنع أي احتمال للتأكسد، زراع���ي���اً ،والمحافظة على ال��ث��م��ار حتى موعد وإزال�����ة ال���رواس���ب وح��م��اي��ة ال��زي��ت م��ن ال��ض��وء نضجها وقطافها. والحرارة. -2يجب أن يتم قطاف الثمار في الوقت المناسب لنضجها ،للحصول على أحسن مواصفات للزيت مع أكبر كمية زيت ممكنه. -3تقطف ال��ث��م��ار م��ن ال��ش��ج��رة ب��ال��ط��رق السليمة للقطف ،إم��ا باليد أو األدوات ال��خ��اص��ة التي تحافظ على ج���ودة ال��زي��ت وع��ل��ى كمية الزيت المشكلة في الثمار. -4اجتناب قطف الثمار الخضراء الداكنة أو ذات النضج ال��م��ت��ق��دم ،ألن ال��زي��ت المستخلص في الحالة األولى يكون بطعم األوراق وكميته قليلة،
زيت الزيتون وفوائده الغذائية > األستاذ الدكتور/رشود بن عبدالله الشقراوي
()4
يعد زيت الزيتون إحدى نعم الله علينا ،إذ عرف القدماء بعض فوائده ،وأدرك الطب الحديث البعض األخر .أقسم الله تعالى به حيث قال سبحانه (والتين والزيتون .وطور سنين) .وتتضح لنا فوائده وأسراره يوماً بعد ي��وم ،فهذا الزيت المبارك ال��ذي أت��ى من شجرة مباركة ،أم��رن��ا رسولنا الكريم باستخدامه حيث قال( :كلوا الزيت وادّهنوا به فانه من شجرة مباركة) وارتبطت األبحاث العلمية الطبية والتغذوية
اجلوبة -ربيع 1429هـ 23
بـ (غذاء حوض البحر المتوسط) الغني بزيت الزيتون والميزات العلمية لهذا النظام الغذائي .حيث أكد ذلك بعض المرضى لم يعد بحاجه إلى الدواء.علماء التغذية واألطباء في توصياتهم األخيرة في مالحظة :يجب استشارة الطبيب في ترك األدوية روما .كما استعرضوا العديد من الفوائد االيجابية الخاصة بالضغط. لهذا الزيت ومن أهمها: زيت الزيتون والسرطان القيمة الغذائية لزيت الزيتون يعد السرطان أحد األسباب األساسية لحاالت يعتبر زيت الزيتون من األغذية الغنية لعدة أسباب منها: ال��وف��ي��ات ف��ي العديد م��ن دول ال��ع��ال��م ،وق��د لوحظ ِغناه بالكلوروفيل chlorophyllعلى شكل كاروتين انخفاض معدل اإلصابة بالسرطان في دول أوروبا ،caroteneوهي تعمل على المحافظة على الزيت الواقعة في الجنوب الم ُِط ِ ّل على حوض البحر األبيض من التأكسد والتزنخ. المتوسط مقارنة بدول الشمال البعيدة عنه. يحتوي الزيت على الليسيثين lecithinوهو مضادوترجع هذه النتائج إلى نوع الطعام الذي يشتمل على أكسدة طبيعي ويعمل على تحفيز أيض كل من :زيت الزيتون كمصدر أساسي للدهون الغذائية لديهم. الدهون والسكريات والبروتين. وهناك عالقة عكسية بين زيت الزيتون وحدوث يحتوي كذلك على البولي فينول poliphenolوهوالسرطان ،وخصوصاً سرطان الثدي والمعدة والرحم أيضا مضاد لألكسدة. والقولون. كما أنه يحتوي على العديد من الفيتامينات ومنها: وفي دراسات حديثة نشرت في مجلة (medicine فيتامين أ vit. A؛ فيتامين هـ vit. E؛ فيتامين د .vit. D )archives of internalعام 1998م ،أف��ادت أن تناول ومن مواصفات زيت الزيتون أنه سهل الهضم. ملعقة طعام من زيت الزيتون يومياً يمكن أن تنقص من حدوث سرطان الثدي بنسبة تصل إلى .%45-40 زيت الزيتون والكولسترول -خفض جرعات األدوية إلى النصف.
وف��ي دراس����ات أخ���رى اس��ت��م��رت أك��ث��ر م��ن ثالث سنوات على شريحة من السيدات ( )70-60عاما، لوحظ أن النساء اللواتي لم يصبن بسرطان الثدي ك��ن ي��ت��ن��اول��ن ك��م��ي��ات ك��ب��ي��رة م��ن زي���ت ال��زي��ت��ون في طعامهن ،رغم عدم معرفة كيفية اآللية التي يلعبها زيت الزيتون في ذلك.
تشير ال��دراس��ات إل��ى أن زي��ت الزيتون يقلل من الكولسترول الضار في الدم ()ldl؛ ومن ثم يقي من تصلب الشرايين ومرض شرايين القلب التاجية .كما أن زيت الزيتون يدخل في دور مضاد لألكسدة الحتوائه على فيتامين هـ ( .)VIT. Eوقد وجد الباحثون أ َّن زيت البكر VIRGINيحتوي على كمية جيدة من مركبات البولي فينول التي تمنع تأكسد الزيت وتحافظ على زيت الزيتون والجلد ثباته ،وكذلك يمنع أكسدة الكولسترول الضار. ي���ع���د س����رط����ان ال���ج���ل���د melanomaم����ن أك��ث��ر زيت الزيتون وضغط الدم السرطانات انتشاراًً ،وخصوصا عند ذوي البشرة تشير األبحاث إلى أن استهالك كميات من زيت البيضاء الذين يتعرضون للشمس لفترات طويلة، الزيتون من قِ �� َب��لِ مرضى ضغط ال��دم أسهم بشكل وخ��اص��ة بعد السباحة الناتجة م��ن تأثير األشعة فوق البنفسجية .وقد تم إجراء بحث على حيوانات مباشر في إنقاص ضغط الدم إذ أدى إلى:
24
اجلوبة -ربيع 1429هـ
تجارب تم تعريضها ألشعة الشمس ثالث مرات في اإلدراك وف��ق��دان ال��ذاك��رة م��ع ت��ق��دم العمر .ويرجع األسبوع ،وقسمت إلى مجموعتين: الباحثون االيطاليون الذين قاموا بدراسة تأثير زيت مجموعة تم دهنها بزيت الزيتون لمدة خمس الزيتون على الذاكرة واإلدراك عند كبار السن أن التأثيردقائق. االيجابي لزيت الزيتون يرجع إلى مضادات األكسدة الموجودة فيه مثلpolyphenols & tocopherol : -ومجموعة أخرى لم يتم دهنها.
وبعد ( )18أسبوع تبين أن األورام ب��دأت تظهر زيت الزيتون واألطفال عند الحيوان الذي لم يدهن بزيت الزيتون. يحتاج الطفل الرضيع إلى األحماض الدهنية غير المشبعة أو التي تعرف باألحماض الدهنية األساسية، زيت الزيتون وقرحة المعدة وتسمى أساسية ألن الجسم ال يستطيع تصنيعها، قرحة المعدة من المشاكل التي تصيب الجهاز لذلك ال ب��د م��ن توافرها ف��ي الطعام .ول��ذا تنصح الهضمي ،حيث يؤثر ذلك على نمو جرثومة تسمى األمهات المرضعات باستهالك كمية جيدة من زيت ،pylori helicodaterوقد يتضاعف تأثير تلك البكتريا الزيتون ،حيث لوحظ انتقال هذا النوع من األحماض فتسبب حاالت سرطان المعدة .وتظهر التجارب في األساسية إلى الحليب ،ومن ثم يسهم بشكل كبير في هذا المجال أن الزيوت غير المشبعة عموماً ومنها رفع المستوى الصحي للطفل الرضيع. زي��ت ال��زي��ت��ون ،لها تأثير على ال��ح��د م��ن نمو هذه البكتريا؛ ومن ثم يكون لها تأثير معين في الوقاية من زيت الزيتون وحشرة القمل سرطان المعدة واإلقالل من اإلصابة بقرحتها. كما أن زيت الزيتون إذا وضع على رأس الشخص المصاب بالقمل لعدة ساعات ،سوف يساعد على زيت الزيتون والمفاصل يساعد زي��ت ال��زي��ت��ون بشكل غير م��ع��روف على قتل القمل الموجود في الرأس. ويتم ذلك بوضع خطة عالجية لفترة من الزمن ،وعلى إزال���ة السبب ف��ي التهاب المفاصل نظير الرئوي ،Rheumatoid arthritisوهو التهاب تصاب به مفاصل خمس خطوات ،حيث يوضع زيت الزيتون على الرأس قبل النوم مباشرة مع تغطية الرأس بغطاء االستحمام. اليدين والقدمين. زيت الزيتون والذاكرة
تركيبة ثمرة زيت الزيتون
م�����اء ب��ن��س��ب��ة %30؛ زي�����ت ب��ن��س��ب��ة %35-10؛ لوحظ في العديد من األبحاث أن الغذاء المحتوي على نسبة جيدة من األحماض الدهنية أحادية عدم كربوهيدرات بنسبة %15؛ بروتين بنسبة %15؛ أمالح التشبع مثل زيت الزيتون ،لها تأثير مضاد لتناقص معدنية بنسبة .%1 ( )1عضو مجلس الشورى حالياً ،ورئيس قسم اآلثار بجامعة الملك سعود سابقا .وقد ألقى محاضرته هذه في مهرجان الزيتون مساء يوم الثالثاء 1428/12/15هـ. ( )2مهندس زراعي وباحث بوحدة أبحاث الزيتون بالجوف. ( )3كبير الخبراء بمنظمة األغذية والزراعة العالمية -ألقى محاضرته هذه في ندوة فوائد الزيتون الغذائية والطرق العلمية لزراعته وتسويقه بمهرجان الزيتون. ( )4أستاذ الغذاء والتغذية بجامعة الملك سعود -ألقى محاضرته هذه في ندوة فوائد الزيتون الغذائية والطرق العلمية لزراعته وتسويقه بمهرجان الزيتون.
اجلوبة -ربيع 1429هـ 25
قصيدة النثر املاغوطية (ثورة على الثورة)
مجموعة «الفرح ليس مهنتي» منوذجا > رامي أبو شهاب
<
القصيدة الماغوطية – القصيدة الشفوية تمهيد: تمتح قصيدة النثر العربية بنيتها غير المستقرة من تجارب الشعراء ،مما يجعلها في حالة من التوالد والتجدد الذاتي ،الذي يساهم في تشكيل بنيات جمالية ربما تضل أحيانا ،ولكنها ال تعدم متعة االكتشاف .وربما ال نجانب الصواب إذا قلنا أن قصيدة النثر العربية اتخذت على يد الشاعر العربي محمد الماغوط بصمة متفردة ،صاغها الماغوط في أعماله الشعرية حين تجاوز مقوالت منظري قصيدة النثر واضعا لها بنية جديدة ال تتكئ على سابق .وهكذا يكون الماغوط قد قاد في اآلن ذاته ثورة على الثورة ،وسنستدل على ذلك من خالل اتخاذ مجموعة «الفرح ليس مهنتي» نموذجا ،حيث نبحث فيها عن مميزات التشكيل الماغوطي لقصيدته النثرية. لقد سارت قصيدة النثر العربية باتجاهين ،وهذان االتجاهان -كما يرى محمد جمال باروت - يتمثالن أوال بقصيدة الرؤيا وروادها أنسي الحاج وأدونيس ومن ينحو نحوهما ،بينما يتمثل االتجاه الثاني بالقصيدة الشفوية ،ويمثلها بامتياز الشاعر محمد الماغوط.
البوح املألوف
درا��������س�������ات 26
يعرف ب��اروت القصيدة الشفوية قائال «هي القصيدة التي تطرح تساؤالت اإلنسان في المدينة العربية المعاصرة حيث تلتقط توتر الحياة اليومية ،وشرائح جبروتها ولحظاتها الصغيرة ومشاعرها اليومية» ،وهذا ما نالحظه في ذلك التكون الذي صاغه الماغوط في قصيدته ،حيث ابتعد عن المسار الذي قاده شعراء مجلة شعر ،ونحا في قصيدته منحى آخر ،إذ أراد من خالل القصيدة أن تحمل همه ،بحيث تكون ذات صفة شفافية بعيدة عن الرؤية العاجية .ويذهب الدكتور القعود إلى أن القصيدة الشفوية الماغوطية تمتاز بالوضوح ،ومرد ذلك يعود -كما يرى -إلى احتفاظ الماغوط «للعالقات المألوفة في اللغة ،واقتصاده الواضح في التوسل بالرؤيا والخيال المتسلط
اجلوبة -ربيع 1429هـ
من ناحية» ،فنحن نلمح في قصائد الماغوط تلك اللغة يقصد به النَفس السردي كما يقول بيضون ،ونكاد نرى البسيطة السهلة ذات القدرة الشعرية المكثفة ،ومن أن اإلجماع يكاد يكون من تولد القصيدة من استراق ذلك نقرأ له: الشاعر لقصيدته لحظة زمنية يقوم بالبناء عليها، ويكون سير القصيدة من خاللها ،مما يحمل القصيدة «مذ كانت رائحة الخبز على ال��ت��ح��رك ول��ك��ن ضمن إط���ار معين ،يبني عليه شهية كالورد الشاعر لغته ،بحيث يجعل لها كينونة خاصة ،فحركة كرائحة األوطان على ثياب المسافرين الشاعر دائرية ليست سردية ،تبدأ من نقطة وتنتهي وأنا أسرح شعري كل صباح إلى نفس النقطة ،وهو ما يطلق عليه االعتباطية أو وأرتدي أجمل الثياب التذبذب. وأهرع كالعاشق في موعده األول «واآلن النتظارها النتظار تلك الثورة التي يبست» والمطر الحزين ففي المقطع الشعري السابق نجد كثافة اللغة يغمر وجهي الحزين اليومية ذات الداللة الشعرية ،حين نقرأ في معجمه أحلم بسلم من الغبار الشعري تلك األلفاظ اليومية التي نتداولها كل يوم :من الظهور المحدودبة كألفاظ الخبز ،واألوط����ان ،وال��م��س��اف��ري��ن ،وش��ع��ري ،والراحات المضغوطة على الركب وصباح .ولكن الشاعر في استخدامه لهذه األلفاظ ألصعد إلى السماء وتوظيفها ،يصنع حالة شعرية تتسلل إل��ى المتلقي ،وأعرف وتمارس عليه حضورا ينتج -في المحصلة األولى -أين تذهب آهاتنا وصلواتنا؟ من اقترابها من اليومي والمعاش ،ولكن غير المصاغ آ يا حبيبي» بالصورة التي اختلقها شاعر كالماغوط في القصيدة.
وهكذا نجد الماغوط يبتعد عن ذلك النهج الذي يفقد العالقات اللغوية مكانتها ،ويبتعد أيضا عن تلك الصور الغريبة التي تعتمد على عالقات غير واضحة الداللة ،وهذا ما يهدف إليه صالح فضل حين يطلق على النهج الماغوطي بأنه صاحب «النبرة األليفة للبوح الودود».
احلكائية واإليقاع السردي تعمد قصيدة الماغوط باإلضافة إل��ى ما سبق إلى الحكائية كتشكيل شعري جديد ،أو كما يطلق عليه ص�لاح فضل «اللحظة الزمنية اآلن��ي��ة» ويقصد بها سير القصيدة باعتمادها على السردية ،ونقلها لوقائع معينة بأسلوب يختلف عن السرد القصصي ،وربما
ن�لاح��ظ هنا ال��س��رد ال���ذي ي��أخ��ذ ح��ال��ة ال��وق��وف، فالحركة الداخلية تفتعل من خ�لال تطور القصيدة من الناحية السردية ،فالشاعر كأنه يكسر تلك اللغة السردية الرتيبة التي تميز بها كل من الشعر العمودي وقصيدة التفعيلة ،فيصطنع الماغوط في قصيدته ت��وه��ج��ا داخ��ل��ي��ا يتسلل إل���ى المتلقي م��ع��ت��م��دا على الصورة التي تتخذ أهميتها في القصيدة كأحد عوامل التعويض ع��ن ال���وزن ،ولكن تلك ال��ص��ور ف��ي قصيدة الماغوط تمثل حالة استثنائية ،فالماغوط قادر على حشد مجموعة من الصور الشعرية في نص واحد، مولدا إيقاعا خاصا به ،بحيث تحلق القصيدة لتفتح للقارئ أفقا رحبا ،يثير لديه تلك النشوة التي يصعب تحقيقها ضمن نصوص أخرى ،تفتقد إلى تلك الحالة التعويضية إلشكالية الوزن العروضي.
اجلوبة -ربيع 1429هـ 27
ي��ق��ول ك��م��ال خير ب��ك ع��ن ه��ذه النقطة وتحديدا العناصر الجمالية في قصيدة الماغوط «ق��د دللت تجربة الماغوط ألعضاء التجمع أن االمتيازات التي عاينوها في نتاجات الشعراء الغربيين قابلة للتحقق ع��ل��ى ي��د ش��اع��ر ع��رب��ي ،ح��ي��ث ت��وص��ل إل���ى التعويض تتكون ال��ص��ورة ف��ي المقطع السابق م��ن عبارات ع��ن غ��ي��اب ال���وزن والقافية بالتركيز على العناصر بسيطة :كالجناحين ،وشريطة المدرسة ،والجنين الذي الجمالية». ولد في المبغى ،وذلك الحزن الذي ال يعرف له نسب، قصائد الماغوط تحقق مواصفات جمالية عالية كلها تحمل طاقة إيحائية ال نهاية لها ،وهنا تتجلى ال���ج���ودة ،م��ن خ�ل�ال االت��ك��اء ع��ل��ى ال��ص��ور الشعرية ،مفارقة الماغوط لغيره من الشعراء ،كونه قادرا على واللغة البسيطة الدافئة ،والحكائية السردية .فقد خلق صورة شعرية أخاذة من مكونات بسيطة ،واختزال صنع الماغوط لنا نموذجا شعريا يتكئ على دمج تلك كبير للمفردة التي تحتمل في طياتها مساحات داللية العناصر الشعرية ،وخلق نصا شعريا يمتاز بالرؤية واسعة. أو رفاقي في المقهى فحزني ال حسب له وال نسب كاألرصفة كجنين ولد في المبغى»
الشعرية ،باإلضافة إلى االقتراب بالقصيدة من جهة ويبدو أن ارتباط الصورة الشعرية بقصيدة النثر ذو أهمية ،كما قلنا سابقا ،ألنه يشكل تعويضا عن ذلك المرسل دون ابتذال لها. اإليقاع الخارجي المتمثل بالوزن والقافية ،ويفسر لنا يقول الماغوط ف��ي قصيدة ل��ه بعنوان «إل��ى بدر شوقي بزيع هذا الرأي عند ما يرى في شعر الماغوط شاكر السياب»: النموذج األكثر قدرة على التعبير عن خصائص قصيدة «يا زميل الحرمان والتسكع النثر الحقيقة وتعويضها للوزن.
حزني طويل كشجر الحور حيث ينظر لصور الماغوط على أنها صور حسية ألنني لست ممدا إلى جوارك» قادرة على اختراق المعنى واالستعانة بعناصر التضاد يجب علينا أن نتأمل الصورة التي يصنعها الماغوط والتقطيع ،واإليقاع ،أو الصورة البصرية المتالحقة. بعناية «حزني طويل كشجر الحور» تلك الصورة تبدو وه��ن��اك م��ن ال��دارس��ي��ن م��ن ي��رى أن الماغوط في مدهشة وغريبة ،ولكنها تنساب إلى الداخل لتصنع استخدامه لبعض الصور قد أع��اد االعتبار للتشبيه تموجا وحالة نفسية تتعدى من نفسها إلى المتلقي. التمثيلي ال��ذي يعد مظهرا من مظاهر التجديد في ون��ق��رأ أيضا ل��ه م��ن قصيدة «المهذبة ف��ي عصر الصورة الشعرية. وحشي»
أيتها الحمامة التي تزورني وجناحاها معقودان كشريطة المدرسة كفاك تحديقا في راحتي بحثا عن خطوط العمر والحظ والمستقبل عبثا تتقصين أسرار حزني من إضبارتي المدرسية
28
اجلوبة -ربيع 1429هـ
منط مختلف
يرى غالي شكري أن الماغوط من الشعراء القادرين على استدراج المعالم الخارجية ،وإلغاء نسب الواقع واالستفادة من حرية الكتابة لصنع عالمه الشعري، حيث يمزج نسب الواقع مع الحلم. إن نص الماغوط الشعري عالم عجيب من التقاط لصور الواقع ،ووضعها في عالم سحري غرائبي يشبه
الحلم ،فنحن عندما نقرأ الماغوط نرى أنه يرانا من أج��اب« :ب��أن المحافظة على قافية ووزن في وسط زاوية ما ،ولكننا ال نستطيع تثبيت الصورة التي يخلقها اإليقاع السريع هو نوع من الردة». الماغوط ،ألنها تنتمي إلى عالم متموج ولكنه قريب فالشاعر في هذا العصر هو نتاج بيئة تختلف عن جدا. تلك البيئة التي كان امرؤ القيس يعيش فيها ،فنحن وتبقى القصيدة الماغوطية قائمة بتشكيلها لعالمها الشعري إذ تأخذ على عاتقها تفجير اللغة والنص وان��ب��ع��اث ط��اق��ات تعبيرية ه��دام��ة وب��ن��اءة ف��ي الوقت نفسه ،فالمفارقة التي تميز الماغوط عن غيره من الشعراء هو عدم اهتمامه بمسميات النص ووضعه ضمن خانات ،حيث يقول:
«أنا أكتب نصوصا ،ولن أغضب إذا قيل إنني لست شاعرا ،وإنما كاتب نصوص» ،هذه العبارة تعكس رؤية الماغوط للعمل اإلبداعي ووضعه في مسميات ،فهو ي��ؤم��ن ب��وج��ود ال��ن��ص األدب���ي بغض النظر ع��ن جنسه واسمه .حيث يرى عبدالواحد لؤلؤة أن الماغوط من الذين ينتمون إلى الذين يقولون بكتابة القصيدة ال عن نظم قصيدة ،ومنهم جبرا إبراهيم جبرا وتوفيق صايغ. وهكذا نستدل إلى أن الماغوط في اختياره لقصيدة النثر كان يبحث عن القوة الكامنة فيها ،وعن حريتها الفنية بما تمتاز به من حرية التركيب أو كما يعبر عن ذلك أدونيس: «قصيدة النثر حرة في تركيب جدلي رحب وحوار ال نهائي بين ه��دم األش��ك��ال وب��ن��ائ��ه��ا» ف��ه��ذا يكشف ع��ن تعلق ال��م��اغ��وط بقصيدة النثر التي تقترب من الشاعر بشكلها من حالته النفسية ،التي ترغب بالبناء والتغيير ،وإع��ادة صياغة الحياة بصورة أخ��رى تكون الحرية ركيزة فيها. قصيدة النثر تتخلص من الوزن والقافية حيث تجد فيهما عاملي تقييد للنص اإلبداعي وحجر عثرة في انسياب الشاعر ضمن عوالمه الشعرية ،فعندما سئل الماغوط لماذا ال تكتب شعرا موزونا أو شعر تفعيلة؟
إن أرهفنا السمع لهذه البيئة ،لن نسمع صوت الريح وح��داء اإلب��ل وص��وت النهر وحفيف األشجار أو ذلك الهدوء الساكن في أعماق الصحراء ،إن إيقاع الحياة تغير ،وقد حان الوقت الذي يلد فيه اإليقاع من داخل الشاعر ،حيث يصم أذنيه عن صوت العالم الخارجي. وأعتقد أن الماغوط قد أصاب في رؤيته لهذه القضية مما يدلل على مقدار الرؤية العميقة التي يمتاز بها هذا الشاعر في اقترابه من البيئة التي شكلته.
وإذا ما ولجنا بعيدا في قصيدة الماغوط سنجد أنها قد اختارت شكال متفردا ،يعود أوال إلى رفض الشاعر لقضية المسميات ،فهو أوال يكتب نصا -بغض النظر عن الجنوسة -فقد اتجه الشاعر إلى قصيدة النثر كتعبير عن ممارسة الحرية والتفرد وتحقيق الصدق المراد ،والذي ال يتأتى له إال إذا تخلص من األوزان والقوافي التي تحد من الحرية التي يجب أن تعطى للشاعر ،ومع أن الشاعر قد انحاز للتعبير عبر قصيدة النثر ،إال أنه خرج بها نحو عالم أكثر حرية وتفردا وتميزا ،حيت شكّل القصيدة الشفوية التي تحمل لغة يومية تعبر عن معاناة إنسان العصر ،وابتعد الشاعر عن القصيدة الغامضة ذات الرؤيا التي تمتاز لغتها بالصعوبة والغموض والتجريد ،واعتمد الشاعر كذلك على صورة شعرية بسيطة ولكن ذات مدلوالت كبيرة، وسار الشاعر بقصيدته باتجاه السرد والذي يكثر فيه من التفصيل ،وهذا يعد خروجا على قصيدة النثر. وإذا ما نظرنا إلى تلك الظواهر سنجد أن الشاعر كان بالدرجة األولى يكتب نصا غير آبه لماهيته ،ولكنه يدرك قيمته األدبية دون النظر إلى الموارد التراثية أو األنجلوسكسونية أو الفرانكفونية.
< شاعر وناقد.
اجلوبة -ربيع 1429هـ 29
البحريات ..اآلخر وحتوالت املكان ..؟
> محمد الدبيسي
<
صيغ التحول في مكان كـ (ال��ري��اض) ..ال يمكن التقاط مظاهرها إال عبر (اإلن��س��ان) ..كفاعل تستوي عبره أنماط وصيغ ذلك التحول؛ فـ (المكان) يعطي الكينونة اإلنسانية تَجَ ّ ُسدها وانقطاعها عن الذهنية البحتة ،ومطلقية التجريد؛ فهو المتالزم األهم مع فكرة الوجود. (وجود) تشكله شخصيات رواية (البحريات) ،العمل الروائي األول للكاتبة (أميمه الخميس) (، )1 الذي سبقته أربع مجموعات قصصية ..ظلت مستويات الرؤية فيها تتمحور على (المكان) ،وتتعالق مع مخاضاته ،وتؤثث لشخصياتها نطاقاً نصياً في إطاره ،بشكل تحول معه المكان إلى فضاء سردي، تستقطر الكاتبة من إفرازاته خطوط ومقاطع األحداث وبنى تمركزاتها ومحاضنها ..وال سيما في (الترياق) المجموعة القصصية األخيرة لها ،والتي أبرزت (المكان/الرياض) ،كعنصر وظيفي في عتبتها النصية (التفسيرية) ،التي تضافرت مع (الترياق) اسم المجموعة وتيمتها األساس ..ومن ثم اتخذت اللغة السردية (المكان) أفقاً ،تتشكل األحداث والوقائع في جزئياته وامتداداته ,كاشفة نظامه وثقافته وبناه السلطوية؛ لتعبر عن النسيج االجتماعي في حال اشتجاره مع تلك األنظمة والبنى والثقافات ،التي تلتبس وتوجه حياة تلك الشخصيات وحراكها ..بما ال يمكن معه عزل الشخصيات عن مكانها أو فصلها عنه؛ فهو حاضن الثقافة التي يُرام كشف أنساقها ،أو تعرية مظاهرها على صعيد األفكار والقيم والسلوك .وهو الذي يلقي بظالله على المواقف واألبعاد.
المكان /العتبات األولى أما (المكان) في هذا العمل الذي نحاول سبر تكويناته ومضامينه الداللية ،فقد اتخذت له الكاتبة منحى (أركولوجياً) يحفر في مستقراته وبناه االجتماعية األولى وتحوالته الحضرية الالحقة ..في بناء
30
اجلوبة -ربيع 1429هـ
ال عنها إيحاءات األل��وان التي يكتسيها السواد ..مشك ً مساحتها الكمية األك��ب��ر ..في إط��ار خطت في أعاله ع��ب��ارة (البحريات) بلون أب��ي��ض ،وك��أن نسبة البياض هي الكتلة األقل إلى جانب السواد؛ فالبياض الضئيل ال���ذي تشكله لفظة (ال��ب��ح��ري��ات) بصيغتها الجمعية وموقعها في ذروة س��واد الغالف ,يمكن أن يُعد جدالً بين (لونين) متناقضين يرمزان إلى صراع وجودي بين البحر (األبيض) والصحراء (السوداء) المحيطة ..وعبر تناقض كمية التناسب بينهما.
سردي يستجمع جمالياته النصية من اإلستراتيجية التي احترفتها الكاتبة ،لتعيد تشكيل المكان وضبط تحوالته وف��رزه��ا ع��ب��ر شخصيات ن��وع��ي��ة ..ه��ن (ال��ب��ح��ري��ات) حيث تستقصي الكاتبة -وبوعي باستراتيجيات السرد الروائي -القيمة المحورية الرئيسة للعتبات النصية, بوصفها نصوصاً محاذية ،تبدأ من تشكيل لوحة الغالف، وعبر النسبة غير المألوفة لذهنية التلقي -نسبة النساء إلى البحر -تنطوي على مفهوم (سوسيولوجي) لداللة تلك النسبة ..تنص الكاتبة عليها في (الغالف األخير) من الرواية( :البحريات نساء تقذفهن أمواج البحر إلى ومن هنا ،فال يمكن أن نحيل عناية الكاتبة الفائقة قلب الجزيرة العربية في المدن القديمة والجديدة، بهذه (العتبات) ..إلى قصد عفوي انساقت إليه كتقليد وفيما تغير الموجة ..تتجذر النساء البحريات في نسيج س��ائ��د ف��ي مضمار تصميم واخ��ت��ي��ار أغلفة األع��م��ال الحياة ،وتختلط حكايتهن بحكايات النساء األخريات في البيوت المغلقة ،التي يحكمها الرجال بغواياتهم اإلبداعية. ونزعاتهم الغريبة). وإنما إلى وعي بالقيمة الداللية لتلك (العتبات).. وه��ذه العتبة التعريفية للبحريات ،ال تأخذ صيغة التي أصبحت مكوناً نصياً محاذياً ..يتعالق مع بنية معيارية إخبارية في تقريب منطويات تلك النسبة وشرح النص األصلي التفصيلي المكتوب ،ويتداخل مع بعض داللتها؛ بل تحاول رسم تضاريس حياة هذه الفئة ..وفق طرائق تنظيمه؛ أي أنها تحمل في طياتها وظيفة داللية صيغة شاعرية تعتمد األسلوب الوصفي لتجسيد داللة تحاول كشف إستراتيجية الكتابة.
نافذة لعمق المعنى واستبطاناته ..تليها عتبة أخرى هي (اإله��داء) في أول صفحات الرواية( ..إلى سهام سيدة البحريات) ،هذه الـ (سهام) التي ال تشي بأكثر من (اسم ام��رأة) ..ربما احتلت قيمة استثنائية في اعتبار الكاتبة ،لكي تستحق أن تُهدى لها ه��ذه المدونة من المفارقة/المكان سيرة (البحريات) ..؟ وبما أنها (سيدة البحريات) فهي المحرك والباعث الرئيسي للكاتبة على فعل (الكتابة) يحرر النص آثار وتجليات التزاوج بين (الصحراء/ وتدوين سيرة (البحريات). والبحر) ويعبر عن محايثات هذه العالقة المفارقة ،من هكذا تتعاضد داللة (العتبات) عبر تنويعاتها النصية؛ خالل الوقائع واألحداث ،التي تعيد الكاتبة استثمارها قاصدة الخوض في شرك تلك الحياة التي تشي العتبة في مضمار سردي روائي في سياق الخطاب السردي األولى (لوحة الغالف) بسمتها الحذر .كيانان أنثويان المحلي ال���ذي ب���دأت نماذجه ت��ق��ارب ت��خ��وم األمكنة، يتشابكان بصمت ..مموهان بألوان جامدة ..؟ ال تكاد وت��ص ِ��عّ��د م��ن إم��ك��ان��ات ك��ش��ف أن��س��اق��ه��ا االجتماعية، تبين إال عن وجهين متقابلين ..وعينين مطبقتين لكل وإض����اءة مضمراتها عبر الحفر وال��ت��ع��ري��ة والتقاطع منهما !..بما ينم عن صمت مزمن وإغفاءة سادرة؛ تعبر والتكثيف لحضور األمكنة وصيغ االلتزام باشتراطات وه���و م��ا ي��م��ه��د لعملية ال��ت��ل��ق��ي ب���إش���ارات تترسخ ضمناً في وعي المتلقي ,ب��دءاً من المكونات السردية الرئيسة التي يبنى عليها النص ،ويؤسس عليها معماره السردي.
اجلوبة -ربيع 1429هـ 31
ذلك الحضور ..في صنيع سردي جمالي ،يتفيأ المكان ويحرك مستقراته!..
المكان وأجوائه العطشى والمرة ..ومع (أم صالح) ربيبة المكان ورم��زه األوف��ى ,التي تشعل ض��راوة اإلحساس بغربة (ب��ه��ي��ج��ة) ..ال��ت��ي ال تستطيع ال��ت��واؤم م��ع ذلك ال عن استيطانه .لتظل (أم صالح) .تعلق (المكان) فض ً على غربتها مزيداً من مسوغات النفي ومبررات الحجر النفسي والعاطفي المريع.
التل األسود الشفاف الذي يغطي رأسها ومن ثم يستدير حول وجهها ،عندما يالمس وجنتها البيضاء الالمعة وكان يزيدها غرابة )..ص .7
يتحول ذلك النداء إلى تذكير متواتر يؤكد الغربة ويجدد موقف اإلقصاء (قومي صلي ،جعلك الوصل.. قومي صلي ،ال ربي يعاقبنا بسببك .الشر يعم والخير يخص .أن��ا أدري من وي��ن يجيبون لنا ها الكافرات.. عليك يا شامية إبليس) ص .36 ِ حسب الله
ومن هذه الفرضية ،جاءت رواية (البحريات) ..حفي ًة بهذه المهارات السردية؛ إذ اتخذت الكاتبة (البحريات) ال تحفر به قاع المكان وتوقظ بهن رك��وده ،فهن مدخ ً ال��م��ض��اف اإلن��س��ان��ي االستثنائي – إل��ى ال��ص��ح��راء - وال��ط��ارئ بثقافته ووج��دان��ه المضمخ برائحة البحر (غربة) ال تفتأ (أم صالح) تذكي أواره��ا ,ففي كل وأسراره وحكاياه. موقف تحاول إيقاظ شعور (بهيجة) بهزيمتها أمام الزمن فـ(بهيجة) عميدة (البحريات) (كانت فاقعة ،مفرق وسطوة المكان .فال تزال منفية عنه غريبة عليه ..حتى شعرها الكستنائي المستقر ..يلتمع تحت غطاء رأسها ,عندما تدعوها للصالة..
ف��ه��ذه البحرية األول���ى ال��ت��ي تستهل بها ال��رواي��ة.. ومنها يبدأ الغوص في المكان( :مكان التزام الوقار في اللون النبرة ،واصطفاف األثاث الشحيح قلب الصحراء المثقل ب��ال��م��رارات وأنين السواقي من ال��م��زارع التي تتوسل الحياة من قيعان بعيدة ..وكانت نبرات صوتها وألوانها البراقة ال تتناغم مع األلوان الترابية المطفأة للمكان وأصحابه )..ص .7 وال يعكس مثل ه��ذا الوصف المكاني لوناً نفسياً غير السواد ,المثقل بالمرارات .المفارق والمتناقض مع بياض (بهيجة) وجذور كينونتها البحرية ,ويلقي بظالله على (وجنتها البيضاء) ..وهو بداية انسراب الداللة النصية الرمزية للعتبات في المتن السردي.
وب��ق��در ال��م��س��ت��وى ال��م��ج��ازي ل��ه��ذه ال��ل��غ��ة ،وتناغم مستويي (المحكي المحلي) و(الفصيح) فيها الستظهار المكنون النفسي (ألم صالح) إزاء (بهيجة) ،فهي تعبر عن منطويات تفكير وموقف من (اآلخر) ..عندما تجزم بيقين اعتقادي مطلق بأنهن (كافرات) ! حتى في سياق واقعة (الدعوة للصالة) ..تأخذ هذا التبكيت القمعي ضد (بهيجة) ..وم��ن ثم ينسحب قانون ه��ذا التفكير وتبعاته على (البحريات) الالتي تخطو (بهيجة) بهن في خضم المكان الجديد ال��ذي ال يمكنه احتواءهن، على الرغم من اشتراطات عالقات الزواج والمصاهرة والحياة والتعامل ..يبقين منفيات خ��ارج إط��ار األلفة (العائلية /اإلن��س��ان��ي��ة) ال��ت��ي يمكن لتلك ال��ع�لاق��ة أن تؤسسها افتراضاً.
وم��ن ه��ذه ال��م��ف��ارق��ة بين (بهيجة وال��م��ك��ان) تبدأ األح���داث تنتظم وتتوالى من ال��ذاك��رة ال��س��اردة ..بعد أن ت��ص��ور طبيعة ال��ع�لاق��ة ب��ي��ن (ب��ه��ي��ج��ة) ..ومكانها والكاتبة أو (الراوية العليمة) ..التي تحاول استجالء الجديد (المثقل ب��ال��م��رارات ال��ذي يتوسل المياه من قيعان بعيدة) ..كما تتوسل (بهيجة) ألفة مفترضة مع حساسية وم���آزق العالقة بين (البحريات/والمكان) مكانها القدري ,بحسب وصفه المثخن بالنفي والعطش وإشكاالت هذه العالقة ،التي تأخذ مساقات توتر نفسي والسواد في منزل (آل معبل) الطيني المجسد ألنظمة وانفصام فكري على مستوى الرؤية ٍ واحتشاد عاطفي ٍ
32
اجلوبة -ربيع 1429هـ
الجدلية لشخصيات (إنسانية) من فضاءين مختلفين (البحر /الصحراء) ..ومن ثم تتبنى إستراتيجية عكسية للنمط السردي الخطي ،الذي يتخذ من بداية الحدث نواة النبثاقه ومن ثم امتداده وتراتبه المنطقي .فتبدأ الحكاية من نهايتها .حيث كانت نهاية (بهيجة) ..التي تسترجع -تحت وطأة المرض – مشهد حياتها الماضي ال ت��ب��رح تيمة ال��ل��ون بوصفها عتبة نصية س��ارت متخما ب��األح��داث والمفاجآت والمباهج والحسرات ب��م��ح��اذاة ال��ن��ص م��ن��ذ إش������ارات ت��ك��ون��ه األول������ى ..أن والصبا واألحالم والناس ..واختفى المشهد فجأة أمام تتشاكل مع مقتضيات الحراك السردي وألوان الطيف عينيها!.. االجتماعي األخ��رى في النسيج النصي؛ وك��أن (اللون وكأن الضباب غ َيّب مالمحه؛ التي ال تلبث تتماهى األبيض) متالزم النفي وموجب العصي على االندماج في (ضباب يطوق غرفتها منذ ثالثة أي��ام في مدينة مع ألوان الصحراء الفاقعة بالسواد. (منيابلس ب��والي��ة م��ي��ن��س��وت��ا)( ..ن��زع��وا ثديها وبعض وبهذه اللغة الشاعرية ،بتشكالت أسلوبها المجازي إبطها ،وغ��دا سيبدأ العالج بالكيماوي) ص��ـ .23حتى وإي��ح��اءات��ه��ا المشعة ،تستطلع الكاتبة ع��وال��م ذوات��ه��ا السطر األخير من ال��رواي��ة ( ..لكن بهيجة استجابت اإلنسانية ..وتستظهر دواخلها النفسية وتعاود استدرار لنداء تربتها). ف��ي��ض ذاك����رة (ب��ه��ي��ج��ة) وم���ا ت��خ��ت��زن��ه م��ن ش��ج��ن آس��ر فبين استعادة (المشهد/الحياة) ..ونهاية الحياة ..وذكريات مؤرقة ..كما تنحو الكاتبة إلى استثمار تقنيات وفي فصل (أجنحة تأخذ في طريقها األشياء) صـ ..23تيار الوعي ،في استدعاء مكان (بهيجة) األول (البحر).. تبدأ الذاكرة في استرجاع حموالتها ..ورحلة حياتها من ومن ثم تفسح أفق التداعي الستيعاب التفاصيل األكثر بيارات البرتقال في الشام وهي صبية في الثانية عشرة ..تعبيراً عن الوجدان البحري ،واستظهار جدله الذهني إل��ى أمومة فاقعة وكهولة مبكرة ..تجف ينابيعها في في مفردات الحياة اليومية البسيطة ،التي تنم عن معنى رمال العطش الصحراوي .وبيوت (آل معبل الطينية) ..أبلغ تأكيداً على ن��زوع تلك الشامية إلى كل ما يحيل وتخوم وادي حنيفة في أطراف الرياض ..المدينة التي إلى دفئها العائلي ،وحمى رابطة األمومة -الذي يخترقه تستظهر الكاتبة تاريخها االجتماعي المنسي منذ عام منفى (أم صالح) -عندما تسترجع ذاكرتها فصوالً من ( ،)1959حين هدَمت الرياض سورها القديم. ذلك التنافر الضدي بين وجداني (البحر /والصحراء)، ع��م��وم��اً( ..داخ���ل المحيط العدائي ال��راف��ض أللوانها الفاقعة ،لم يشربها ولم تشربه ..دخلت روحها معلقة في مكان ال تستطيع أن تمضي فيه مسافات أكبر ..لذا بدت روحها شعثاء نائية وفاقعة دوما ..تلك الروح التي تلتئم شظاياها بين يدي صالح فقط) ص 63
وهي تفرز وتفكك المفاهيم والتصورات والمواقف، وتتحسس أثرها على شخصياتها ,داخل مكان مغلق.. ينحو تدربجياً نحو التحول في صيغ المعيشة وأنماط االستهالك ..دون أن يمس ذلك التحول البنية الفوقية لمفاهيمه ،ومنظومة القيم والسلوك التي تستبطن قضايا قيمية فيه ،كالموقف من اآلخر. بهذا المعنى ،يمكن أن نستعيد موقف (أم صالح) من (بهيجة) الذي يعبر ضمناً عن الموقف من اآلخر
ف��ي صيغ مظهرية بسيطة تنطلق م��ن أع��م��اق نفسية دف��اق��ه (م��ا زال��ت تذكر بحرقة مرطبانات المكدوس والزيتون المعقود ،التي كانت تصلها من الشام من أمها بين فينة وأخرى فتضعها في الرف الخارجي لغرفتها؛ فتقوم أم صالح بالتخلص منها بحجة أنها تفسد الممر برائحة الثوم ..كانت عندها بهيجة تحس باأللم والحزن والفقد) ص.81 بهكذا (موقف) ونظائر أخرى مشابهة له ..يحصد
اجلوبة -ربيع 1429هـ 33
المكان فؤاد (بهيجه) ويعتصره ..ليعيد زرع لوعة الغربة والفقد والشعور الممض بالنفي!.. حتى ف��ي ال��ح��االت الحميمة ك��ان ق��در (بهيجة).. أن تتقاسم (صالح) مع ضرتها (م��وض��ي) ..عبر عدة مواقف تقتضيها طبيعة الحياة ..حيث تشهر (بهيجة) في أجوائها ضوعها اإلنساني الفواح وهسيس الليالي الدافئة ،التي ال تراها (أم ص��ال��ح) ،وتكاد مستويات السرد س��واء منها الحركي المباشر أو االسترجاعي، يسترد فيض ذاكرة (بهيجة) للتحلل من وطأة إلحاحات ال��م��ك��ان ووح��ش��ت��ه ال��ق��اس��ي��ة ،واس��ت��ح��ق��اق��ات أنظمته االجتماعية التي تراوح الساردة فيها بين الحوار والسرد الذكروي ..وطبيعته االسترجاعية -عندما تمتاح مادتها الموضوعية من حالة (بهيجة) في استرداد حموالت ماضيها -وبين الوصف الحركي وتنوعه المشهدي.. ال��ذي ل��م يُختزل أو يتنمط ف��ي األف��ق االس��ت��ذك��اري.. ب��ل ي��ن��اور -وبمقدرة فنية -على اإلم��س��اك بالخيط السردي الجمالي ..وتوالي انتظاماته ،وتشكيل سياقه الداللي وفقا لوحدات سردية ..تستوعب إيقاعَ ي الزمن والمكان ،على نحو تجلت فيه (المراوحة) بين المكان وتحوالته التاريخية التي تقتضي تحديد المناخات والفصول الموسمية ..كمحاور تستدعي بدورها أحداثاً ومواقف وتطورات تتوالى بانتظام ،وتعكس المستوى المفاهيمي للشخصيات ال��ذي يحدد الخط السردي لمسار ال��ح��دث ال��م��رك��زي ..وه��ي اإلستراتيجية التي يسميها الناقد (ص�ل�اح ف��ض��ل) (الوظيفة ال��دالل��ي��ة)، (عندما يعمد التركيب إلى إبراز معنى ال يستخلص من ال��وح��دات في حد ذاتها ،وذل��ك عن طريق ال��ت��وازي أو التناوب بين وحدات سردية ذات مضمون مختلف ,تخلق فكرة تابعة من هذا االقتران .وذلك في حاالت التورية والمجاز والرمز وغير ذلك من العالقات التركيبية) - (د .صالح فضل ،أساليب السرد في الرواية العربية. ط1؛ 1992م ص .)212
حققته بشكل ما( ..فآل معبل) (أم صالح وصالح وسعد موضي + /بهيجة) يشكلون تلك الوحدات ,في مركزية داللتها وامتالكها أج��زاء من كمية السرد وتجسيدها لمقتضياته الداللية ،كما أن العالقة التي تربطهم ال يمكن رص��د حساسيتها وم��أزق��ه��ا اإلش��ك��ال��ي ،إال في حالة التوازي والتناوب بين الحقول الداللية التي ترسم الكاتبة لكل منها أفقاً سردياً ،تتشكل وظيفته التعبيرية عبر اللغة السردية المحققة لمعادالتها الفنية وخيالها الجمالي (الصفحات 33إلى ..)60واستدرارها العميق لفيض الذاكرة ..وتوالي األحداث وتأزمها ..بشكل ينزع إلى خلخلة نظم المكان وغطيته ..واالنحراف بها إلى الرؤية المعالجة التي تبتدعها الساردة في هذا الفضاء ال��م��ك��ان��ي ,وف��ق��اً ل��م��ح��ددات تلك ال��رؤي��ة ,واالن��ح��راف بحسب (ريفاتير ولوتمان) نموذج بارز في استراتيجيات النص األدبي وشرط أساسي لشاعرية األسلوب .ولذلك ج��اء األس��ل��وب بذلك المستوى من االنتقاء المعياري أللفاظ وتراكيب لغوية مشحونة بطاقات إيحائية ،ودقة توظيف للمجاز في السياقات السردية واستثمار دالالته الرمزية في تكوين األحداث ،واستجالء مكنون وجدان الشخصيات والتعبير عنه؛ مثلما كان االنحراف مقنناً بمقتضيات وحدات النص وحقوله الداللية.
املكان /اآلخر بحكم الفترة التاريخية التي تحاول الكاتبة رصد طبيعتها ومظاهر حراكها وتجلياتها االجتماعية ,في إطار الرؤية التي اعتمدتها في عملها السردي ..حيث اقتضتها ال��ت��ح��والت ال��ت��ي م��ر بها ال��م��ك��ان ،وإشكالية عالقته مع (اآلخر).
وذل���ك ع��ب��ر خ��ي��ط (ب��ه��ي��ج��ة) ال��ت��ي ت��ق��وده��ا طبيعة ظ��روف التنمية التي تعتور المكان إلى لقاء (انغريد) األلمانية التي ترافق زوجها( -المهندس) في مشروع وادي حنيفة-والتي تتمثل لبهيجة وَجَ ��ا َءاً يخفف حالة وه��و الصنيع ال��ذي يمكن أن نزعم أن الكاتبة قد مكابدتها المريرة مع (مكان) ال تستطيع التآلف معه.
34
اجلوبة -ربيع 1429هـ
وتستثمر ال��ك��ات��ب��ة ه���ذا ال��ت�لاق��ي ف��ي ت��ث��وي��ر فكرة المشهد ال��ذي مثّل الصدمة لـ (مريما) وأيقظ جذوة (اآلخر) ..والتنويع في طرح نماذجها ..وانعكاسها على انتمائها الديني. نظام (المكان المغلق) ..فكيف يمكن لهذا المكان احتواء ولعل الكاتبة اختصرت في ذلك المشهد المساحة أبرز نماذج (اآلخر) غربة ونائياً عن نواميس المكان ..؟ الفكرية الواسعة لموقع (اآلخ��ر) في (ضمير المكان) وليثمر هذا التالقي كذلك جدلية أيديولوجية (المكان /الذي هو بالضرورة الضمير المحلي ..ومقدار معاناة بهيجة +انغريد) حيث تعرض الكاتبة ألثرها اإلشكالي (اآلخر) البالغة باإلحساس بوطأة النفي واالغتراب.. وترصد انعكاسها على الشخصيات وطبيعة استجابتها (اغ���ت���راب) ي��ض��ع شخصيات ال��م��ك��ان (أم صالح لها. وصالح وموضي ومحمد وسعد) إزاء اآلخ��ر (بهيجة فـيما (أم صالح) تناوئ -تلك العالقة اإلنسانية بين ومريما ورحاب وسعاد وانغريد) بما يمكن وسمه بجدلية (الغريبتين /بهيجة وانغريد) -الحذر المشوب بالشك التعايش المفترض في نطاق المكان - ..ويستدعي بعد أحياناً ..أو العداء السافر (بهيجة :كافرة شامية إبليس) ذلك نموذجا تقدمياً مغايراً (شكلياً) للمجتمع المحلي و(انغريد :كافرة تأكل الخنزير) واتفاقهما ووئامهما عبر (متعب) وستأتي له هذه القراءة الحقاً- .. يقوّض سلطة (أم صالح) بحسب تصورها ..ومن ربما ِ وتبدأ أولى عالمات تحول المكان من (ريف) بدوي هنا كان نبذهما وال��دأب على إقصائهما واجباً دينياً، واستجابة لمقررات نفسية واعتقادية وب��م��ب��ررات ال قبلي ..إلى (مدينة) تحاول وتيرة الحياة فيها وإيقاعها الجديد التساوق مع صيغ التحضر المظهري( ..فحيث يمكن تفنيدها؛ إنهما كافرتان! انتقل آل معبل إلى الملز في أوائل السبعينيات) لتلتئم غير أن المواقف وال��ح��وارات التي شكلت مساحة العائلة في فيال كبيرة تلم أفرادها ..بذات المحددات التقاء بين (بهيجة وانغريد) على الخارطة السردية تنم الفكرية البدائية التي غرستها شمس الصحراء الحارقة عن مستوى من التعايش اإلنساني البسيط والحميم في دواخلهم. في آن واحد ،والذي يعول على أدق المشاعر اإلنسانية ان��ت��ق��ال ص����وري م��ف��رغ م���ن ق��ي��م ح��ض��ري��ة ج��دي��دة نبال ،وعلى صفاء البداهة البشرية بين الغرباء وبروز المشترك األق��وى بينهم (الغربة) في المكان الطارد واشتراطات الحياة المدنية ..لتبدأ الساردة في حياكة لهما ..وال��ذي ال يمكنه استيعابهما ،كما ال يمكنهما فصول أخرى تقارب بها تلك المحددات الفكرية كبنية فوقية تحكم السلوك. التآلف معه. فالمقاطع التي يتشكل منها السرد في هذا الفصل، أم��ا (مريما) المحظية الحبشية لـ (أب��ي صالح).. فقد نكأت صورة المسيح في منزل (انغريد) كل حمم تلون الحكاية بظالل المكان الجديد ،في إشارات عدة وجدانها العقدي ،ووالئها الديني ..الذي ظل محكوماً إل��ى تغيير النمط المعايش ال��ذي انصاع آلياً للحركة بالصمت وال��خ��ف��اء ومحفوفاً بالرهبة ف��ي م��ن��زل (آل المدنية ..ومظاهر طقسها االستهالكي الفاقد لشروط معبل) ،لتنزف عبر ذلك المشهد الدرامي الشفيف كل تؤهله لتلك المدنية ،والمنقطع فكرياً عن اشتراطاتها. ألنه مفر ٌغ من الوعي القيمي اإلنساني بـ (اآلخر).. ما استودعته من أحاسيس ظلت محبوسة في روحها سنين ،وكل ما تراكم فيها من لوعة وحنين .في لحظة َق ِل ٌق إزاءه ..يناوئه القطيعة استباقاً ..كما في فصل ال يمكن تجاوزها أو كتمان آث��ار سعيرها ..عبر ذلك (رح���اب) الفلسطينية المقيمة بلبنان ،التي اقتضت
اجلوبة -ربيع 1429هـ 35
متدفقا وسياال بانتظام ,للتعبير عن ه��ذا الموقف.. دونما حاجة لتعتسف هذا السؤال المفترض -بزعم الكاتبة -من ل��دن ال��ق��ارئ ،الخادش للتسلسل العفوي للسرد ..والذي يفترض غياب ذهنية التلقي عن استيعاب خطوط الحكاية السردية وتقاطعاتها وتناميها .كما يتضامن مع (أفق انتظار القارئ) عندما ينحو منحىً إقرارياً في محاولة توقع سؤاله ..بل وإقحام الصيغة المفترضة للسؤال في النص( :كيف وصلت رحاب لبيت آل معبل ..؟).
طفرة التنمية المحلية اجتالبها إلى الرياض (بتأشيرة معلمة) ،لتشكل طوراً آخ َر من أطوار بنية السرد المعنية باستجالء نظم (ال��م��ك��ان) وت��ع��ري��ت��ه��ا ..وال��م��وق��ف من (اآلخ���ر) ..وال تُفوّت ال��س��اردة موضوعا كهذا دون أن تستدعي قضية (التعليم) بوصفها مكوناً مفصلياً من مكونات (العقلية المحلية) وبنائها القيمي والفكري.. (ط��ال��ب��ات يكتشفهن م��غ��ارة العلم بالصمت ،ويعانين تباريح الخجل والقلق ،وإحساساً قارصا بالخطيئة، فالعالم من حولهن لم يحسم أمره بخصوصهن بعد.. هل هن خاطئات مبتدعات لبدعة سيحملن وزرها إلى وقد شكلت (رح��اب) مستوىً موازياً نوعياً لحضور ي��وم القيامة ..أم هن صغيرات أم أمهات المؤمنين) (بهيجة) في البنية السردية ..واستحوذت على منسوب صـ.114 كمي طويل من النص ،في مقاطع متواصلة ..استظهرت وي��روم هذا المقطع عبر أسلوبه الجمالي ومجازه الكاتبة من خاللها المخزون النفسي لهذه (البحرية) ال��م��ك��ث��ف ت��أم��ل فلسفة التعليم ال��غ��ائ��ب��ة وال��م��م��وه��ة ,الجديدة ،عندما ألحت على اجتراح وجدانها الغاص والتعبير عن الموقف منه ،كما هو في أذهان المعنيات بجروح عالقة عاطفية (بعلي) ..ليقذف بها القدر في به والمسيرين له على حد س��واء ..وفي سياق وضعية (ال��ري��اض) ،حيث تناوئ انفتاح العقل وج��روح ال��روح.. اجتماعية تعاني قلق الموقف وقلق االخ��ت��ي��ار ..تجاه بمكان تمعن نظمه وتقاليده في شرخ كيانها المصطخب (قضية التعليم) ..كمسبار يخترق البنية االجتماعية، بكيمياء الحياة. ويتجه بها نحو معنى من معاني التحول ,تجاه التحضر وع��ب��ر (رح�����اب) ك���ان ث��م��ة اس��ت��ك��م��ال ل��م��س��ار حياة وحياة المدينة. (ال��ب��ح��ري��ات) ف���ي م��ك��ان��ه��ن ال��ج��دي��د ال����ط����ارد ..وف��ي ويبرز (فصل :رحاب) كما لو كان تحققاً جلياً جديداً محاوالتهن الدءوبة لاللتفاف على مواصفاته ،بثقافة ل��دالل��ة (اآلخ����ر) ..وم��س��اره ال��ق��دري ف��ي إط��ار (مكان) م��غ��اي��رة وبهسيس مشاعر تستعصي على االنصياع يجمعها (بعمر الحضرمي) ،لتنسج الكاتبة عبرهما للصمت ،الذي يكاد يشكل حاجزاً أمام كل إرادات البوح ال من فصول العالقات اإلنسانية الخفية ،والتهابات فص ً والحياة في المكان الجديد. العاطفة الفوارة في وجدان (رحاب وعمر) الذي يرزح ومن خالل هذا الفصل وما ت�لاه ..تتجلى جزئيات تحت س��ط��وة ال��م��ك��ان ،المحصور ف��ي دائ���رة س��ري��ة.. وفي تباريح النبض اإلنساني الحميم الذي يتلظى في وصفية وحوارية يسندها تعدد األصوات لتراكم الفكرة ف��ؤاد (عمر الحضرمي) منذ شاهد (رح���اب) ..وعبر األس���اس ،التي تنحو بها الكاتبة باضطراد لتجسيد بها مسافات الطريق الذي يقطعه برفقتها من منزلها حموالت المكان وديناميكية حركته ،في أت��ون تحول في شارع الخزان ..إلى قصر (آل معبل) ..في الفصل يشمل مسافات الحياة التي شكلت س��ن��وات الطفرة ذاته (فصل رحاب) الذي يجرحه ويكسر إيقاعه النتوء معطن توتراتها ،وبداية اشتجارها مع نماذج إنسانية السياقي الذي زرعته الكاتبة في سطر( :كيف وصلت ل�ل�آخ���ر ..؟ ع��ب��ر وح�����دات س���ردي���ة تستثمر ت��ح��والت رحاب لبيت آل معبل ..؟) ص��ـ ،119حيث كان السياق المكان الدائمة إلى المظاهر الشكلية في االستهالك
36
اجلوبة -ربيع 1429هـ
والضرورات الحياتية والترفيه أحياناً ,والتي كثيرا ما تلح الساردة على اإليماء إليها ,وإبانة المفارقة المريعة بين فكر التحديث والتمدن ,ومظاهره السطحية التي تمس الشعور اإلنساني المستكن للشخصيات .ففصول (رحاب ،والقبلة ,وصبايا بال صبا) استطاعت وبفعالية توطين (رح���اب) ف��ي لحمة (ال��ب��ح��ري��ات) ،لتقاسمهن لوعاته ومزاجه الطارد ،وليأتي على ما تبقى لها من شعور بالطمأنينة في ظل وقدة غربة ..وتشظيات رغبة في تحقيق شيء من االنتصار يضمد جروحها ،وهي تحاول تجاهل إش���ارات الرغبة واإلع��ج��اب من (عمر الحضرمي) -المتحد معها في الشعور بغربة المكان فيما تحقق لها تلك اإلش��ارات بعض الرضا األنثويالغريزي لكيان (أنثى) ..تعتريها أوجاع الغربة والشتات وجروح قديمة لم تندمل. كما تستوعب الفصول وباضطراد أحداثها فترة من فترات التكوين السيادي واإلداري للدولة ..ومظاهر ت��ق��ل��ي��دي��ة لمجتمع يتخفف ل��ل��ت��و م��ن ت��ب��ع��ات ب��داي��ات��ه الريفية ومزاجه القبلي ونظم تفكيره الثاوية في قرار ال��ص��ح��راء ..فيما ال يكف خ��ط ال��س��رد ال��ذي أت��اح له (ضمير الغائب) فرصة التوسع واالستطراد والبوح.. واستظهار الرصيد النفسي للشخصيات ،للتعبير عن مضمرات تستكن في أعماقها ,وفقاً لما تكشفه طرق التعامل ،والسيرورة الطبيعية لحراك الحياة ويومياتها.. وم��ا تشي به من تفسير لمكوناتها الفكرية وانتمائها الجهوي في السياقات النصية ،التي كان عليها مراعاة حساسية منح كل بنية سردية مما سبق ،نطاقاً نصياً محدداً يجسد أجواءها وينهض بدالالتها.
الصحراء( ..املواسم والسور املكني) تتعدد تقنيات السرد المحكومة برؤية فنية مدركة لمراداتها الداللية ،ولتوطين حكاية (كهذه) في ضمير ال��ت��ل��ق��ي ..ال ب��د م��ن كشف ال��م��ك��ان وف��ض��ح منطوياته وت��ع��ري��ة ن��م��اذج��ه الشخصانية ،وإع����ادة رس��م فصوله
وخ��ارط��ت��ه االجتماعية واستحثاث أن��س��اق��ه المخفية والمضمرة على التمدد األف��ق��ي وال��رأس��ي ف��ي فضاء السرد بمكاشفة واعية -دون استعارة قناع وهمي أو ترميز مغلق -يفض مغلقات ذلك (المكان /الصحراء) التي بدت تتاخم تكتالت المدينة ومجمعها الحضري. ودون انفكاك من رهانات الماضي وتراكمات أنظمته وتقاليده المترسخة في ضمائر الشخصيات ،وال تكاد تمحوها كل مراحل التحول التي طالت المكان ،ودون أن تمس العصب الحساس لألفكار القارة في أعماقه.. ؟ ألن تلك األفكار والقيم والمواقف بحسب امتثالها النصي هنا ،تملك من الحصانة والتمكن في قرارات الوجدان ما يجعلها متمنعة ضد أي اختراق ..رافضة ألي جديد أو طاريء. ففصول ال��م��واس��م ال��ص��ح��راوي��ة ال��ت��ي نصت عليها ال��س��اردة (المربعانية ،نجمة الشمال ،الوسمي ،سعد السعود ،طباخ التمر ،سهيل ) ..اصطالحات اتفق عليها نظام ال��ت��داول في أدب��ي��ات اللغة المحكية ..وتواقيت تترتب عليها م��س��ارات ال��ح��ي��اة وأنشطتها التقليدية لمجتمع صحراوي يظل يبحث أبداً عن مواسم الخصوبة والمطر ..فيما تؤصل فيه الصحراء كينونتها الجافة ومزاجها ال��ح��ارق .وغالباً م��ا ارتبطت تلك المواسم بمواقيت التحوالت والحقب الزمنية إلنسان الصحراء، إضافة إلى ما ترسخ لها وعنها من مفاهيم وتصورات في الذهنية الشعبية عبر ثقافة تؤمن بخير وشر هذه الفصول ومحاميلها ..كمطالع للفأل الحسن ،أو العاقبة الموجعة!.. وقد استثمرت الكاتبة هذه الثقافة السائدة كتقنية لتوجيه األحداث ..لتوافق تلك المواسم اتجاهات الداللة ال��س��ردي��ة ،م��ب��رزة رسوخها ف��ي ال��وج��دان الصحراوي بوصفها ثقافة تقليدية شعبية تأخذ بعداً مؤثراً في ال��ع��ق��ل ال��ج��م��ع��ي وت��وج��ي��ه ال��س��ل��وك .وه���ي الحتميات التي أتقنت الكاتبة التعبير عن استيطانها وتأصلها ف��ي ضمير الشخصيات ,لتحملها العديد م��ن م��آالت
اجلوبة -ربيع 1429هـ 37
األحدات ،وتوظفها كتقنية توجه الوقائع السردية. ففي مطلع الشتاء توفي (صالح) وتلته (بهيجة) في مستشفى (المايوكلنيك) حيث كانت تأخذ جرعتها األولى من الكيماوي. فليست تلك المواسم إال نبوء ًة لمستقبل مجهول.. وحيرة استشراف للجديد من التحوالت واألح��داث تستبق القلوب عند مقدمها نهايات القلق الدائم.. وبدايات االنتظار الطويل ..وعليها تؤسس مشاريع عيشها اليومي في ظل ما يتاح من إمكانات ..كما أن لها ذلك المدى من التأثير النفسي العميق وتقلبات الجوارح ،وسكونها وحركتها في فلك الصحراء وأهلَّة ليلها التي كانت (بهيجة) ترقبها من سطوح بيت (آل معبل الطيني) وتحملها تباريح ش َفّها األسى ،وتعاويذ تحن إل��ى اس��ت��واءات البحر في الشام حيث انبثقت كينونتها!.. وه��ي ذات ال��م��واس��م التي تمر وتعبر على سيرة (البحريات) الغارقة في جوف صحراء قاحلة ،وخلف سور المدينة المكين الذي كان رمزاً طوعت الكاتبة حضوره النصي ..لتجعل من (شخصياتها) طيوراً قلقة في فلكه تتلصص من ثقوبه بحثاً عن معنى للحياة التي جففت الصحراء لونها الفواح داخ��ل الجدران واألبواب المغلقة!.. (سعاد) التي استجابت لشرطها اإلنساني فخ َيّل لها أن (م��ت��ع��ب) رب��ي��ب ال��ص��ح��راء خ��ري��ج الجامعات ال��ب��ري��ط��ان��ي��ة ..ه���و م��س��ت��ج��اره��ا م���ن ف��ح��ي��ح ال��غ��رب��ة ومواسمها الخانقة ..فأذاقها لذة الكالم ،وصبابات العشق المحموم ..مفردات تفكير غريبة ..تتجاوز بها جدران ذلك السور الذي يحتوي داخله بيوت (آل معبل).
ل��ذل��ك ال��واق��ع وت��ل��ك ال��ح��ي��اة ..ف��ق��د أدرك����ت الكاتبة المسافة الجمالية بين (األيروتيكي والبرنوغرافي).. فكان احتواء أسلوبها السردي لطبيعة مواقف تعبر عن تلك الرغبة اإلنسانية الحميمة ,في إطار لغوي أسلوبي رفيع لم يتدن إلى مستوى الكشف الصريح ال���ذي اس��ت��ع��اض��ت ع��ن��ه بوعيها بتلك (ال��م��س��اف��ة).. وتكنيك صياغتها للمشاهد بشكل يفصح دون ابتذال، ويصف دون إغراق مشهدي فاقع قد ال يفسح مجاالً الستخدامها للمجاز الوصفي وتورياته المشوقة.. والمهارة التعبيرية في استثماره أسلوبياً. وقد كان بروز شخصية (سعد) الذي غاير صورياً السائد العام ألبناء (الصحراء) المتمدنين في تلك ال��م��رح��ل��ة ..إش����ار ًة إل��ى ش��ي��وع ثقافة سياسة م��ا..؛ ك��ان��ت التسعينيات الهجرية سياقها ال��زم��ن��ي ،فيما كان المد القومي أبرز تحققاتها ومتداول شعاراتها السائدة في المجتمع العربي آن��ذاك .فيما لم يتقن (سعد) من حقيقة تلك الثقافة إال ذلك األفق المتصل بانزياحه المرحلي ,م��ن ح��ي��اة ال��ب��داوة إل��ى معترك المدن وثقافاتها ،واالهتمامات واألف��ك��ار السياسية الشائعة ل��دى بعض طبقاتها ،والتي امتدت لتشمل العواصم العربية ..وم��ن ثم شكلت وسائل االتصال التقليدية آن����ذاك ،وال��ن��خ��ب المثقفة ال��خ��ارج��ة عن السائد االجتماعي العام معطنها ،ليتلقفها (سعد) كشعارات متداولة لدى الطبقة التي يتوهم االنتماء إليها ومشاركتها ه َمّها الفكري دونما وعي بمعطيات ذلك اله َمّ ..أو فلسفته الفكرية ,فينساق إليها اعتباطاً أو شراكة مؤقتة تصله ب��أج��واء ندمائه في جلسات السمر !..بينما يتبدى ( (متعب) ) نتاجاً محلياً لسني الطفرة ومخرجات التعليم العالي في سنواته األولى ورحالت االبتعاث للخارج.
ويكشف المسار السردي ..عن أن كال النموذجين وإذا ك��ان الجنس من مكونات الحياة األساسية، واش��ت��راط��ات واقعها الصميم .وم��ن ث��م ك��ان مواتياً (سعد ومتعب) ظ�لا وفيين الش��ت��راط��ات (ال��س��ور).. اس��ت��دع��اء ال��راوي��ة ل��ه؛ كونها صنيع ج��م��ال��ي ..م��واز وحموالت الصحراوي الذي ساقته تلك التحوالت إلى
38
اجلوبة -ربيع 1429هـ
ذلك الواقع .وظال نموذجين لقلق العالقة المتوترة بين اآلتي ..عبر المشهد الحدثي السردي ..وكم األسئلة (الصحراء والمدينة) ..على صعيد األفكار والتحوالت ال��وج��ودي��ة ال��ت��ي ك��ان��ت (بهيجة) تعبر عنها بعفوية، عندما تستكن إلى دواخلها التي اختمرت فيها كل تلك والميراث التقاليدى القديم. األحداث ،لتورق أسئلة وحيرة مؤرقة.
(بنات أبودحيم) ..األسطوري السردي
(أب��ودح��ي��م ..وبناته) ص��ـ 17هو الخيط السردي الغرائبي بإفضاءاته األسطورية ..ال��ذي انبنى كتلة رئيسة في الخط السردي العام للرواية ..ومنه تشكلت أبعاد تلك األسطورة المتداولة في محيط (آل معبل) وبيتهم الطيني ومفردات وتفاصيل معيشهم اليومي.
وقد واكبتها مبكراً من إيراقها صبية إلى عنفوان أزمتها مع المكان ..لتلجأ إل��ى أوراده���ا التي كانت تتلوها ساعة االحتضار ..كما كانت (أم صالح) تعول عليها في إسناد قوامتها العائلية ونفوذها التسلطي على (البحريات). كما كانت (ب��ن��ات أب��و دح��ي��م) عبر ذل��ك التكثيف الرمزي ألسطورتهن ..إشارة نصية إلى رحلة العقيالت إل��ى ال��ش��ام ..وه��ي الرحلة الواقعية المعاكسة من (الصحراء إلى البحر) التي حفلت بها مدونات تاريخ نجد القديم ..لتنزاح إل��ى مجالها ال��س��ردي وحقلها ال��دالل��ي الجديد ..ولتلون أطياف عوالم الصحراء بإيقاع السامري الشجي ..ورحلة العودة الموعودة!..
وقد كان هذا التناص بالغيبي األسطوري إضافة داللية ،أغنت المنسوب الفكري للعقلية الصحراوية وال��م��خ��ي��ال ال��ن��س��وي ال���ذي تشكل األس���ط���ورة مكوناً ضمنياً في بنيته ..قد تحقق له قناعة يركن إليها العقل البسيط في تفسير الظواهر الواقعية التي تلح عليه ،وإسنادها إلى قوى غيبية ،ليستقر قلقه مؤقتاً حيث ترضيه مبرراته التأويلية ،ولينفك من (فوبيا) وإذا كانت موضعية تلك األسطورة في (الصفحات ذلك المجهول الممتد في عوالم الصحراء وتقلبات الخمس) في بداية ال��رواي��ة ح��ض��وراً نصياً (رم��زي��اً) مواسمها!.. لها ..إال أن امتدادها الداللي وتعالقها مع الفصول (تلك األي���ام تحديداً ق��دم أب��و دحيم وبناته إلى الالحقة ،ظل الخيط الداللي الفاعل في شد الوحدات النخل ،وأب��و دحيم كان تاجراً كبيرا لديه سبع بنات السردية إلى المتن النصي العام للرواية ،والمتناغم مع فاتنات لم يقبل أن يتزوجن خوفاً من أن تتسرب الثروة حقبة التحوالت التي اعترت مسيرة أسرة (آل معبل) إلى غريب وتخرج عن العائلة ..وكان يمنيهن بأوالد وكونت (البحريات) قيمتها المحركة وعمقها النصي عمومتهن الذين ذهبوا مع قافلة للعقيالت إلى الشام اآلس���ر ،وج���ذاذات ان��ش��داده��ا لمسارب الحياة التي وسيعودون في موسم الوسم). نضحت بعد ذلك على (اآلخ��ري��ن) ..في نطاق مكان وإذا كان الفصل ال يتجاوز (خمس صفحات) من واحد سجلت (أميمة الخميس) عبره جادة موضوعية ال��رواي��ة ..إال أن��ه تمحور خيطا مفصلياً ف��ي المتن للخطاب السردي النسوي المحلي ،الذي اجترح عوالم ال���س���ردي ي����ؤول ال��ظ��واه��ر ال���ج���دي���دة ..وع��ل��ي��ه تعلق الرواية عبر مسار جمالي متقن على صعيد الرؤية الشخصيات تفسيرات لما انغلق فهمه عليها من واإلج����راءات األسلوبية والتكنيك ال��س��ردي ،واألف��ق ال��غ��وام��ض ..وتستشرف من خالله معالم وتفاصيل الجمالي لنص هو نص المكان بجدارة. < ناقد من السعودية. ( )1أميمه الخميس .البحريات ..رواية صادرة عن دار المدى ،دمشق ،الطبعة األولى 2006م
اجلوبة -ربيع 1429هـ 39
أقاصيص.. > وائل وجدي
<
طريق.. ..لم يبق إال لحظة ،ويغطس قرص الشمس؛ تستكين من وعثاء السفر ..تبحث عن الطريق ..اللون األصفر الداكن ،يفرش مدى بصرك.. تتعثر خطاك ،وتدور في دوائر ال نهائية ..العتمة ،وصفير الرياح سادران.. تعود إلى بداية الطريق؛ لعلك تجد بقعة ضوء..
احللـم الشمس تغرب باكية. يقف حائرًا .البرودة تتسرب في أوصاله .يتدثر بالثرى ،ويلتحف به .عيناه مغرورقتان بالدمع .يرنو إلى السماء .يجأر بالدعاء .استند إلى حائط قريب .وضع يده تحت رأسه. الظالم يتالشى رويدًا ،رويدًا .ضياء يغشى األبصار .أريج عطر ينبعث في األفق .أشجار وارفة .وجوه باسمة ،مستبشرة.
قصص قصيرة 40
ذكـرى تك ..تك ..تك…تأتى من بعيد خافتة ..يعلو صداها في نفسي ،تؤنسني ،تبعد وحشة الوحدة ،الليل، ومذاكرة الليسانس. انهض نافضاً السأم ..ألمح الحاج «سيد» ..جلبابه األبيض ،طاقيته البيضاء ،وعصاه صاحبة الطرقات الحميمة .أتابع خطاه المتئدة إلى مسجد «الصحابة» ..أشخص إلى اجلوبة -ربيع 1429هـ
ال النجم ..القمر ..السحب الداكنة.. السماء ،متأم ً يلفحني نسيم الفجر .أع��ود إل��ى األوراق وكوب الشاي.
دوائر حلزونية..
بـريـق ..يجثو على الصخر ،ترنو عيناه إلى زرقة البحر.. المدى البعيد ،بعيد.. يأخذ الموج بتالبيب نفسه ..شي ما يستبيه..
يعود إلى حضن جدته .تحدثه محذرة من عروس ت��دخ��ل ل��ع��ب��ة ال��ك��ر وال���ف���ر .ت��ت��رك ق��ل��ب��ك ع��ل��ى ب��اب البحر ،وعالمها.. الحلبة. أنت.. تتساءل :من أنت ..من ِ أتغنم بالجائزة أم تكون فارسً ا -كالمعتاد -منزوع الحسام..
يبتسم إليها ،وينتظر.
تالشي الغبار!!
تتصاعد دوائر الغبار ،الكثيف إلى المدى .تقف في منتصف الطريق .تنتظر -كل يوم -أمام النفق. صورة باهتة.. ترقب خروج « تاكسي» ،لعل سائقه يرضى ،أن يقلك إط��ف��اء ال��ن��ور ..أزي���ز ال��ط��ائ��رات ..يرعشني .أقفز إلى المستشفى البعيد ألخذ جلسة اإلشعاع .تسأم من سريري ،الصغير .أجري إلى سرير أبي وأمي. مشوارك؛ لكنك تجد دوائ��ر الغبار ،تتالشى وسط أرفع الغطاء .أدفس نفسي بينهما .أحضنهما .تهدأ أشعة الشمس الحارة.. رعشتي..
سيدة الوردة.. شاطئك/ ِ أتعبتي قلبي /روح��ي ..متى تبحرين من المخاتل..؟ أتنتظرين رحيل الموجة ،العاتية ..المدمرة.. ��رك ..ولعلي.. لعلي ..ال أنتظر؛ حتى يجف ب��ح ِ ولعلي..
تغريد
يرنو من وراء خصاص النافذة.. تطالعه يمامة ،تدندن لحن الصباح.. يفتح الضلفة.. تطير ،وينداح لحنها في المدى..
< قاص من مصر
اجلوبة -ربيع 1429هـ 41
الهر األسود > ياسر عبدالباقي
<
يدخل مقهاه المفضل ،ويجلس في كرسي قريب من زجاج المقهى المطل على الشارع ،خطواته المرتبكة عند دخوله إلى المطعم لفتت االنتباه للحظات قليلة ،خاصة عندما بعثر الكراسي من لثوان قليلة ،وصرف كل منهم النظر عنه. أمامهم بطريقه مثيرة ,لكن هذا استمر ٍ حاول أن يخفي يديه المرتجفتين تحت الطاولة أو بين فخديه ،عيناه ال تغادران الشارع ،عيناه ال تغادران األرض ،وراح يحدق في كومة من القمامة تحت بناية قديمة ،يضع النادل قدحاً من الشاي الحليب لزبونه الدائم ويرحل دون أن يقول شيئاً. يمسك قدح الشاي ،يتركه معلقاً لفترة طويلة ،ما زال يحدق في الشارع وفي كومة القمامة، يرى شيئاً يتحرك من بين القمامة ،يهتز القدح بيده ،وعيناه تتسعان تحديقا في ذلك الشيء المتحرك ،يخرج قط أبيض من بين القمامة ،يتنهد الرجل بارتياح. مرحبا .صوت رجل آخر وهو يهم بالجلوس أمامه. يسقط قدح الشاي من يده ،مما يؤدي إلى ضجة .مرة أخرى يلتفت رواد المقهى نحوهما، يسرع النادل في محو أثر الشاي والزجاج المنكسر. يعتذر الرجل اآلخر قائال :عفوا لم أقصد أن أفزعك. ينظر إليه الرجل بوجهه الشاحب ويسرع في إخفاء يده تحت الطاولة ,ثم يعيد وجهه إلى الشارع؟ سأطلب لك شاياً.عاد النادل وبيده قدحان من الشاي. لماذا تحدق في الشارع؟رأيتك أكثر من مرة تدخل مرتبكاً ومحدقاً في الشارع.
42
اجلوبة -ربيع 1429هـ
..-
خائفا ومرتبكا.
فيضحك ال��رج��ل وي��ق��ول :بالتأكيد أن���ت لست يحاول الخائف المرتبك الشاحب محو الصورة مجنونا ..فالمجنون ال يقود سيارة. السلبية عنه ،إذ ينظر للرجل بسخرية مصطنعة وابتسامة باهتة ويقول :أنا خائف؟ أنت تحلم. وعاد ليسأل :هل أنت هارب من شيء؟ ي��ه��ز ال��رج��ل رأس����ه :ك��� ّل م��ن��ا يعيش ال��خ��وف في بسرعة البرق يحدق الشاحب بركن عينه نحوه، جسمه ,مثال أنا ومنذ فترة قريبة بدأت أخاف من ومن ثم يعود بها إلى الشارع. عبور الشارع ،لعل سيارة تأتي وتدهسني. كانت ه��ذه النظرة كافية لآلخر قاس وقال العبارة األخيرة بصوت ٍ ل��ي��س��أل م����ره أخ������رى :مِ ����� ّم أن��ت وحاد. خائف؟ يضحك ال��رج��ل الشاحب ل���س���ت خ���ائ���ف���اً ،ي��ص��رخألول مرة :حقا ،وكيف ستكون الشاحب ويضرب الطاولة ويهتز ح���ي���ات���ك إذاً دون أن ت��ع��ب��ر قدحا ال��ش��اي ف��ي مكانهما .مرة شارعاً؟ أخ��رى يحدق رواد المقهى نحوهما، يبتسم ال��رج��ل وي��ق��ول ب��ب��رود :رأي���ت يا وإن طال نظرهم إليهما قليالً. صديقي ،أنا مثلك خائف. يبتسم الرجل ببرود ،ويطلب منه الجلوس ويقول: قلت لك لست خائفاً.اهدأ يا صاحبي ،ل ِ َم أنت غاضب. يضم الرجل يديه بين صدره ويقول :لنفترض أنك يكح ال��ش��اح��ب ،وي��ح��اول أن يكظم سعاله بكف يده ،يلتفت إلى الشارع ،ثم يجلس ،لكن بعد أن يدير لست خائفاً ،لنقل أنك فقط قلق ،ما الذي يقلقك، صدقني أنا هنا ألساعدك ،جربني. الكرسي وظهره عن الشارع. يمرر الشاحب لسانه على شفتيه ،ويحدق إلى يعلق الرجل على ذلك :آه ..اآلن أفضل ،لنتحدث المبنى القديم وكومة القمامة ،ويقول :هل ترى تلك قليالً. القمامة التي في أسفل المبنى؟ لهجته ال��م��ت��وت��رة م��ا زال���ت واض��ح��ة ف��ي كالمه: نعم إني أراها ،غالبا ما أمر أمامها.نتحدث ..لماذا؟ من أنت؟ لن تصدقني. صديق.ي��دي��ر ال��ش��اح��ب رأس���ه إل��ى ال��ش��ارع ،لكن لثوان قليلة.
-جرّب.
-منذ أكثر من شهر بدأ يتبعني ويراقبني.
-لماذا تنظر إلى المبنى القديم؟
-من؟
-ال تتدخل ..ال شيء يعنيك.
-هر.
-اعتبرني صديقا ..تكلم ما الذي يجعلك هكذا
-هر! قالها الرجل بلهجة ساخرة.
اجلوبة -ربيع 1429هـ 43
يلتفت إليه الشاحب غاضبا :قلت لك بأنك لن القمامة :انظر ها هو. تصدقني. نظر الرجل اآلخ��ر وعلق س��اخ��را :أي��ن ..ال أرى بل أنا أصدقك ،لكني ال أرى هذا الهر األسود ..سوى كيساً أسود. فيسقط الشاحب ،ويتنهد قائال :لقد رحل ،لقد أسود! لم أخبرك أنه أسود ..كيف عرفت أنهكان هنا .أال تصدقني؟ أسود؟ أصدقك .لكن اهدأ وأخبرني لماذا يراقبك هر أه��و أس��ود حقا؟ مجرد تخمين .أخبرني ماأسود؟ قصته؟ قلت لك إنه يراقبني منذ فترة ,لكنني اليوم ال أراه وهذا شيء غريب. شرب الرجل الشاي دفعه واحدة .ووقف ،ومن ثم استدار ليمشي ،ناداه الرجل الشاحب ،وقال :هيه.. أنت أيها الغريب .أال تصدقني؟
ال أدري ..ال أدري. فكّر ،لماذا يراقبك هر أسود؟ لقد.. -ماذا؟ أكمل؟
لقد حدث هذا منذ فترة طويلة ..لكن ال ..ال.. سأكون مجنونا إن صدقتك .هر يراقبك! أأنتال ..ال يمكن أن تكون هناك عالقة بــ ..ويسكت.. مريض؟ قل ،ما الذي حدث؟ أنا ال أك��ذب ,وصمت للحظات ثم قال بصوتكنت شابا طائشا ..حدث أني دهست هراً أسود، ضعيف وخجول :أنا خائف. لقد تعمدت أن أسحقه تحت عجالت السيارة أكثر هز الرجل اآلخر رأسه ،ومشى مبتعدا عنه ،فصاح من مرة ،لكن هذا كان قبل عشر سنوات. الشاحب :إلى أين؟ اكتفى الرجل بتنهيده. سأعود ،سأدخل الحمام. لكن ،ما عالقة هذا الهر بذاك؟!وعاد الشاحب ليحدق إلى أسفل المبنى القديم، ال أدري ,ربما جاء لينتقم.ومن بين القمامة ظهر ذيل أسود ،تحرك الشاحب ف��ي م��ك��ان��ه ،وي��خ��رج م��ن ب��ي��ن ك��وم��ة ال��ق��م��ام��ة هر أتسخر مني.أسود ،يدور حول نفسه ومن ثم يقف ويحدق إلى ال ..دهست هرا أسود ..أسود.المقهى ،يرتعب الشاحب ويلتفت باحثا عن الرجل، وكرر كلمة أسود بصوت عميق. فيركض نحو الحمام باحثا عنه ,لكنه لم يجده، فيخرج فيجده قادما من خارج المقهى ،فيسأله: ماذا تقصد؟أين كنت؟ إنه شيطان. ذهبت ألتصل ،ماذا حدث لماذا أنت مرتعب!فيقف ال��ش��اح��ب غ��اض��ب��ا وي��ص��ي��ح :أن���ت تسخر ج��ره الشاحب م��ن ي��ده إل��ى طاولته ،وأش���ار إلى مني.
44
اجلوبة -ربيع 1429هـ
يصمت جميع رواد المقهى لثوان قليلة ،ومن ثم أي شيء ..حتى اإلنسان. تعود الحياة مرة أخرى فيه ،فيجلس ويقول هامساً: ارحل من هنا.أنت تسخر مني. اهدأ ..سوف أرحل ،لكن ألم تفكر؟ ي���ا ص��دي��ق��ي ف��ك��ر .ه���ر اس����ود ي��راق��ب��ك منذ ِبمَ!!أسبوع.. ويشير الرجل نحو الشارع ويقول :أين الهر اآلن؟ يقاطعه الشاحب مندهشا: وكيف عرفت أنه قد مر أسبوع؟!يهز الرجل كتفه دون مباالة ويرد :أنت أخبرتني.
يهز الشاحب كتفه وعيناه عالقة نحو الشارع :ال أدري. -إنه هنا.
لم أخبرك. هنا .فيتحرك الشاحب في مكانه ويبعثر بقلق مجرد تخمين أو ألني شاهدتك على هذه الحالوخوف عينيه على المقهى. منذ أسبوع. نعم ..قلت لك الشيطان قادر أن يختبئ بجلدينظر الشاحب إلى الشارع ويقول :حسناً ..ماذا إنسان ..لماذا ال يكون هذا؟ أردت أن تقول؟ ويشير الرجل نحو النادل ،فيعلق الشاحب :هذا إن الشياطين يختبئون خلف كلب أسود أو هرأعرفه منذ سنوات. أسود. حسناً لماذا ..ذاك الرجل األسود ..إنه أسود. وبعد..يهز الرجل الشاحب معترضا: ويقرب الرجل وجهه منه ،فيقول بصوت هامس: ال ..لقد سبق أن رأيت هذا جالساً ،والهر واقف جاء لينتقم منك. تحت المبنى. يحاول الشاحب أن يضحك أو يصطنعها ،لكنه ثم يضيف :كما أني أعرف رواد المقهى ،غالبا ما يكظمها ويقول :هذا غير معقول. يدخله الغرباء. ه��ذا ل��س��وء حظك لقد ده��س��ت أب��ا ه��ذا الهر مثلي تماما.الشيطاني. وكيف عرفت أن الذي دهسته كان أباً له ،لم اليكون أخاً أو أختاً؟
ينظر إليه الشاحب ويكتفي قائال» :آه..
يُقرب الرجل رأسه نحوه :،لماذا ال أكون أنا ذاك يتراجع الرجل قليال إل��ى ال���وراء وي��ق��ول :مجرد الهر األسود. تخمين. أن��ت تمزح .قالها الشاحب وق��د ارتسمت في -تخمين!! أنت تريد أن تخيفني.
-يا صديقي ..إن الشيطان له قدرة على تقمص
وجهة ابتسامة مرتبكة.
ه��ر أس���ود ص��غ��ي��ر ..ي���رى وال����ده ت��ده��س��ه س��ي��ارة
اجلوبة -ربيع 1429هـ 45
وتمزقه ..يكبر هذا الهر لينتقم لوالده.. اللعين..؟ وسكت .وعاد لينظر إلى الهر والهلع في وأي��ن كنت قبل عشر سنوات؟ قالها الشاحب وج��ه��ه .ق��ال أي��ض��اً :كيف ي��ع��رف ال��رج��ل أن��ي أملكسيارة ,وأنه مضى على خوفي من الهر أسبوع وأن ساخراً ومرتبكاً. الهر كان أسود ..هذا الغريب كأنه يعرفني ,كان واثقا كنت أبحث عنك.وهو يحدثني أن الهر الذي دهسته أبو هذا الهر». أنت تريد أن ترعبني.الهر ما زال واقفا ينظر إليه ،التفت الشاحب إلى ينزع الرجل نظارته الشمسية ويقول:
انظر إلى عيني ..إال تشبهان عيني الهر. ك��ان للرجل عينان خ��ض��راوان ،يتراجع الشاحب إلى الخلف ويقول متشككاً: كان أيضا لجدتي عينان خضراوان ،ولم تكن هرة. يلبس الرجل نظارته ،ويقف ويقول :سأعود. إلى أين أنت ذاهب. -إلى الحمام.
باب الحمام وسأل نفسه :يذهب إلى الحمام مرتين في نصف ساعة .هذا غير معقول ،كما أنه في المرة األولى كان قادما من الشارع ،آه .وسكت.
ولمعت عيناه ،وسأل نفسه :أيمكن أن يكون هو الهر .عيناه خ��ض��راوان .وتوهم الشاحب أن عيني الرجل أمامه تقتربان وتقتربان تطبقان عليه. فينهض من كرسيه ويصيح :سأقتله. فيهتز رواد المقهى لصرخته ،ويخرج الرجل من جيبه سكيناً ،ويصرخ وهو ينظر إلى الهر:
ويراقبه وهو يلج إلى الحمام ،ثم يشعل سيجارته، ويطلب من النادل أن يحضر له شاياً آخ��ر ,يلتفت ويركض إلى الشارع متجها إلى المبنى القديم، إلى الشارع ويجد الهر األس��ود ينظر إليه من عند رافعا يده إلى أعلى وبين أصابعه السكين ،تدهسه المبنى القديم ،يقف مذعوراً لكن سريعاً ينجح في شاحنة مسرعة وترمي به بعيدا نحو المبنى القديم. أن يخفي خوفه ،ويلتفت إلى مدخل الحمام وينتظر تتوقف حركة ال��س��ي��ارات ،يركض ال��ن��اس نحوه، خروج الرجل ،ومن ثم عاد لينظر إلى الهر وكرر هذا أكثر من مرة ،ولمعت عيناه وهتف يحدث نفسه :هل ويلتفون حوله ،يخترق أحدهم الحشد ويهتف: هذا معقول. هذا الرجل أعرفه ..لقد كنا معاً منذ قليل. سأقتله ..سأقتلك.
يضع النادل الشاي أمامه ويسأل :هل تحدثني. لكن النادل لم يل َق جواباً ويذهب وهو يشير لزميله وي��ض��ع أح��ده��م ث��وب��ا ممزقا على وج��ه الجثة بحركة من يده في أن الرجل قد جن. حيث كانت عيناه عالقة على قمامة المبنى القديم ع��اد الشاحب يحدث نفسه » :أيعقل أن يكون وه��ر أس���ود ي���دور ح��ول نفسه :م��ي��او ..م��ي��اووو.. ال��رج��ل ه��و ال��ه��ر ،ل��م��اذا عندما ي��ذه��ب يظهر الهر مياووووو. لقد مات.
< قاص من اليمن
46
اجلوبة -ربيع 1429هـ
كتابات (ِ )1ظل ال متدحرجا صوبَ الشاشة التي ظلت قام متثاق ً حط على الكرسي تخفق مرارا برقمه .قبل أن يصلَّ ، يسبقه ،يحمل أوراقه الثبوتيّة ذاتها .لم ينفع جداله وال نظراته النارية وال تهديداته .أيق َن أن جهدَه قنبل ًة دخانية سرعان ما يذهب أثرها .عاد أدراجه ينتزع انتظار جديدة. ٍ مضض شوك َة ٍ على عيناه مثبّتتان على توالي األرق���ام .حين اقتربَ حط على دوره وقبل أن تبرق الشاشة تدعوه إليها ّ حط قبله بأوراقه ذاتها .لم ينفع الغضب الكرسيّ . وال امتقاع الوجه .نف َخ وأراد أن يترك المكان يأساً. المعاملة ينبغي إنهاؤها اليوم ،وإال الغرامات. م��اذا ل��و انتظ َر وت��ك��رّر المشهد ن��ف��س��ه؟ ..لماذا ال يذهب إل��ى المسؤول مباشرة ،ويفتعل أ ّي��ة حجة لتجاوزه األنظمة التي ترتّب تسيير المعامالت؟ سوف يخترع عذراً؛ ِسنّه تسمح والبياض الكثيف يُ ْقنِع. طابتْ له الفكرة ونضجت عافي ًة في قدميه. تقدّم نحو مكتب المسؤول. قبل أن يرفع قدمَه الغائصة في السجّ اد ،ش َّم رائح ًة غرستْه في مكانه ،وتركتْ فمه مفتوحاً بمقدار ال يتّسع للدهشة وال للتراجع الحثيث.
( )2اسطوانة «اِكسري بيضة» ال فائدة .سأعيد المحاولة. «اِكسري بيضة» مرات عديدة والنتيجة نفسها.
> عبدالله السفر
<
«اِكسري بيضة» هذه هي الطريقة الصحيحة ،ج َّربَها غيري ،لماذا ال تستجيب. «اِكسري بيضة» أف .ي��ا لهذا األف��ق ال��م��س��دود .مَ��ن يكسر ط��و َق النّحس. «اِكسري بيضة» ال ب��أس .ال ب��أس .اه��دأْ قليالً .ركّ���زْ .رغ��م أنهم يقولون إذا لم تتغيّر النتيجة؛ ج��رّبْ طريقة أخرى. اِصبرْ .اِصبرْ .ال تتعجّ لْ .طريقتي مضبوطة موزونة فقط أط ّبقُها بحذافيرها وأظفر بنتيجة وال أحلى منها. «اِكسري بيضة» «اِكسري».. «اِكسري»..
اِكس ..ري
( )3تعبير تزاحَ موا عليه. من يريد أن يستنشق عطرَه؟! من يريد أن يلمسَ ه وأن يدخل إلى جلده؟! من يريد أن يوقّع له تذكاراً؟! من يريد أن يمنحَ ه ابتسام ًة ودودة يتذكرها بقيّة عمره ويرويها ألحفاده؟! ثمّة من يريد أن يقاتل ليقترب جدا من الدائرة الضيقة ،وأن تلتقي النظرات؛ ليم ّر َر رسال ًة واضحة ذات ثقل وغلظة« ،أنا ال أهتم».
< قاص من السعودية.
اجلوبة -ربيع 1429هـ 47
جرمية..
> جعفر اجلشي
<
أمشط جديلة الوقت ،وأستيقظ كل يوم على فوهة أم��س��ك ب��ال��ف��رش��اة م��ن ج��دي��د ..تتحجر األل���وان، الفقد ،وأس��ت��م��ريء أن تكونين إل��ى جانبي ..حكاية والماء يتيبس في الكوب ،واللوحة بدأت تضطرب كأن جدتي تلسعني ،كلما أومض في ذاكرتي أنك كنت يوماً مساً من الجنون قد اجتاحها ..تتراقص في الظالم، وتهرب ..تهرب بعيداً نحو البحر تطارد المسخ. تقودين ركبي.. لكن ذائقة الموت تترفق بحبل المسافات ..هويناً ه��وي��ن��اً لتمضي ب��ي ن��ح��و رج��ف��ة ف��ائ��ق��ة االش��ت��ع��ال.. لم تولد هذه السطور لترسم (بورتريه) لصديقي حنانيك ،فما أنا ناسك ،وما أنا ذاك الذي يصبر على ِ والصديق المخلص لجميع أفراد الشلة التي تجاوزت لسعة النار ..تلك اللسعة التي تمطرينني بها.. سنوات عالقتها أكثر من عشر سنوات. أت��دري��ن ..عندما كنت تقذفيني بالثلج ال��داف��ئ؟ يسمونه البسيط والمتواضع والعالمة والفقيه وكنت حينها أتمرغ في جدوله الصافي ..لم يعد الثلج وال��ف��هّ��ي��م ،وص��ف��ات أخ���رى كثيرة أع��ج��ز ع��ن ذكرها دافئا ..أصبح في ذاكرتي جمراً ..استحال إلى كرة هنا.. سوداء أرمقها يومياً كلما اقتربت منك ..لم يعد جدوله أخ��ي��راً أط��ل��ق عليه أح��د أف���راد الشلة (المثقف صافياً ،صارت الضفادع تتقافز حوله ..وأصبح اآلن الكبير) ،وهو إذ يطلق هذا اللقب ال يطلقه جزافاً، مراً إلى حد الغثيان.. وه��و يصر على ه��ذا التعريف متكئاً على قائمة من أمشط جديلة الوقت ،كي أنتهز فرصة دون فائدة ..اإلن��ج��ازات ال��ت��ي ق��ام بها صاحبنا ،وع���دد كبير من كي أقتنص عنف الماضي ،وأدون مضغة شقية ..أتلمظ مالحظات التقدير واالح��ت��رام م��ن قبل شخصيات سفر ال��ش��ه��وة ..أتحسس ق���دري ..ه��ل م��ا زل��ت أقف اجتماعية وثقافية. مصلوباً ..أم أن الهزة األرضية التي حدثت بالقرب منا م��رات كثيرة يتوج ملكاً للقاء أو لندوة يحضرها، ذات نزهة ما زالت تتردد ..هل تجرؤ على ذلك؟ فهو ال تنقصه الثقافة وال تعوقه المعلومة ،ودائماً مسخ يتلوى إل��ى ج��ان��ب ل��وح��ة تشكيلية رسمتها يكون في صدارة منتجي الرأي واألفكار الخالقة. باألمس ..فتاة تمرق بجانب تلك اللوحة ..تدخل فيها، أق��ول ليست ه��ذه محاولة لرسم (بورتريه) لهذا تخرج منها ..أصبحت الفتاة مكررة ..ثالث فتيات.. الصديق فهو يستحق أكثر من ذلك ،إنما مصدر هذا غابت اللوحة ..لم أعد أشاهد شيئاً ..وجع إلى حد ال��ب��وح ،هو خبر صغير قرأته قبل أي��ام في صحيفة ال��ل��وع��ة ..أع���ود للمسخ ..أح���اول عبثاً تشكيله من صفراء مهملة ربما يعود تاريخها لعدة أي��ام خلت، جديد ..وليس بمقدوري أن أفعل شيئاً.. مفاده وف��اة مثقف مغمور عن عمر يناهز السبعين ها هو يغادر ..يغادر ،يمضي مهروالً نحو البحر ،عاماً في شقته البائسة؛ ألن��ه لم يجد ال��دواء الذي ليغطس بعيداً عني ..حتى هذا الكائن المشوه الذي يعالج به أمراضه المختلفة ،بدءاً من السكر وضغط الدم وليس انتهاء بالربو وضعف الذاكرة. أفسد لوحتي ال يريد أن يطاوعني..
رد اعتبار في وقت متأخر
< قاص من السعودية.
48
اجلوبة -ربيع 1429هـ
مرة غير قابلة للتكرار
> حسن البقالي
<
حين م��رت الحافلة بتلك القرية الصغيرة التي يخرقها شارع طويل ووحيد ,لمحت عبر فرجة باب, عينا وبعض خضاب. كانت العين سوداء وحزينة جدا ..بينما الخضاب الزاهي على األنامل شبيه بدعوة مبهمة أو إشراقة مباغتة. يخامرني يقين راسخ بأني لو مررت من هناك مرة أخ��رى ,سأجد في انتظاري العين الحزينة الرائعة نفسها واألن��ام��ل المخضبة ذات��ه��ا ,عبر اإلن��ف��راج��ة الضئيلة للباب ,كما ل��و أن نظرتي األول���ى سجنتها هناك إل��ى األب���د ..وحتما سأعيد الشهقة الحالمة نفسها ,وأفكر ثانية ب��أن م��ب��دأَيْ التقابل واإلضمار أ ُسّ ان ال يضاهَ يان للجمال.. لكني أع��رف باليقين ال��راس��خ نفسه أن مشهدا ساحرا كذاك ال يمكن أن يُمنح للرائي مرتين ,وهذا معناه أني لن أمر من هناك أبدا.
بوح مؤجل قد يحدث أن أحدثك قليال..
قصة «بوليسية» تحدث كل يوم: في واضحة النهار.. أحاط به اثنان وثالثهما مدية. همس أحدهما فيما يشبه المناجاة: المبلغ ال���ذي صرفته للتو م��ن البنك ووضعته بالجيب الداخلي األيسر للسترة. و َّد أن يصرخ ..أن يستعطف ..أن يقاوم ..يجري.. ينام كي يحلم بشئ جميل ..كانت المدية قلقة بشكل يدعو إلى اإلنقياد. الشرطيان اللذان كانا بالقرب منه ,أدارا ظهريهما للعملية ,يتحادثان عن سهرة الليلة ,حين يتوصالن بالمظروف الدافئ.
اإلسم كان بين الجموع.. يتمشى في التيه ..يرى الناس والجدران والواجهات والسيارات المارقة في نزق ,مجرد أطياف ال لون لها في العتمات التي تسكنه كالموج. يتمشى دون اشتهاء..
وأهمس في أذن��ك بكالم جميل تتفتح له أكمام روحك ,وتدق سنابك الحب المبتهج شعاب القلب.. يكتفي ببحلقة فارغة في األشياء ,حين كانت ي ٌد حتى إذا تمكن منك كقراد بغيض ,وأصابك األرق تستوقفه وصوت يناديه: أي���ام���ا ..ث��م ت��ط��ور األرق إل���ى اك��ت��ئ��اب ومحاولتين محمود ..محمود.فاشلتين لإلنتحار ..عندها – وعلما ب��أن الثالثة وكمن يفيق من غيبوبة طالت أكثر مما قدر لها, ستنجح ال محالة -سأخبرك عن طبيعة عالقتنا.. أنت الشخصية الورقية ذات النفسية المهزوزة ,وأنا غمغم لنفسه: آه ..محمود ..اسمي محمود ..اسمي محمود!الكاتب الذي أقر أخيرا بفشله. < قاص من المغرب.
اجلوبة -ربيع 1429هـ 49
قصص قصيرة جدا ً
> عبداحلفيظ الشمري
<
ضجر متمترس ..يكيل ألعيننا النعاس « »1نعاس
بقرب برئه ،ويحيك خيوط وعد ممكن لخالص قريب.
ليست العتمة وح��ده��ا م��ن تبعث النعاس ف��ي هذا المكان المعد لوظيفة «ق��ارئ قضايا» ..إنما الضجر المتمترس ،يراتب أيضاً مللنا ال��دائ��ب ،لنجوس خواء نعاسنا ال��ذي يبين اآلن على هيئة فتور ،يرتسم على محيا هذا القارئ المتثائب.
الليل في مخاضه األبدي يلد -عادة -في النهاية شمساً رشيقة ت��ض��يء ق��ل��وب ال��خ�لائ��ق ،وت��ش��رق على األمكنة ..لكن العتمة ال تلبث إال أن يفاجئها المخاض، لتلد لنا في (الثامن من شوال) قمراً رائقاً..
« »2مسافة
« »6والدة
الشمس وح��ي��دة ألبيها ال��ن��ه��ار ،أم��ا الليل فإنه أبو األقمار وأهله.
« »7إيحاء
عندما يجافي القول العمل في متطلبات الحق لهذه المرأة الملقاة على قارعة الفقد ،في وضح نهار المدن، بقايا قشور الطين على هذه األرض السبخة توحي بانزواء التي تصم أذنيها دائ��م��اً عن كل ع��وي��ل ..يصبح الوعد الماء ال��ذي ظل يقاوم رغبة في البقاء ..ف��األرض الصدئة حيادياً موشى برمادية مجردة من برء محتمل ألسقامنا .نصبت له مكيدة على هيئة أخاديد ابتلعته دون عودة.
« »3هجير
« »8أمان
في الهجير ال��ذي يذيب ثبات ال��رع��اة ..ها هم مع في مخابئ الجدران داخل أسوار المدن الالمعة قد دوابهم في المفازة القفر ،يتذرعون بوهج الصبر المدرب ال تجد األم���ان ..حتى وإن حاولت أن تفتش عنه بين على دخول الحالة والخروج منها بأقل ضرر ممكن. أنقاض يومك ..لن تجدي المحاوالت نفعاً.
« »4أحياء األم���ان ه��ذا المخلوق العجيب ستجده ذات مساء األحياء داخل خوفهم ملجمين هنا على هذا المنحدر ..شارداً كوعل عفي وحذر يخب التخوم. يمكن ألي «قانط» أن يقول :إنهم على الهامش يتكاثرون، « »9جدران ب��ل ه��م منهكون دائ��م��اً لفرط إدالج��ه��م ب��دأب الصعود الجدران المائلة ،توحي بمآل حتمي إلى السقوط، والهبوط ،بال جسارة على كتف هذا المنحدر العنيد ..لكنها تعكس حال رغبة هرمة ،تتشبث بأهداب البقاء « »5صراع أطول مدة ممكنة في وجه نائبة ،قد تحيله في أي لحظة دبت في جسده الناحل مظاهر صراع خفي ومؤذ ..كل إلى أنقاض وركام. عضو في جسده يثكل فاجعة فقده لعافيته ،ويشي باآلخر « »10وخز سوء لمن سواه ..أقواها العقل كتبت له الجرأة أن يقول: ل�لأش��واك جَ ل َد عجيب على تقمص دور المحارب أرحم نفسك ،وارأف بأمري.. الشرس عن تخوم أرض تغرس فيها جذورها ،وتكفل لها لكن على الطرف اآلخر من معادلة حياته المضعضعة ،البقاء ،لكنها وبرغبة مخاتلة تخز وبدربة متقنة كل من لم يلو القلب المسكين على شيء ،إذ ظل يسكب األمل يطأ لها على طرف ولو من بعيد.
< قاص من السعودية
50
اجلوبة -ربيع 1429هـ
على خيوط العنكبوت > ليلى آيت سعيد
<
بداية مؤلمة ال يراها إال حين تودعه آخر أيام األسبوع ..أو حين ينقضي الشهر ،وال يجرؤ أن يسألها شيئا ..تقطعت به األسباب أو ك��ادت ..هو ال يعرف من أمرها شيئا خ��ارج زاويته التسعين.. وبالمثل هي..
النهاية ألف فكرة وفكرة راودت��ه ..تأخذه من حاضره لترميه خلف قضبان السنين الماضية ،التي جعلت من آبائه وأجداده رجاال يذكرهم التاريخ ..وما صنعت منه؟ رجال لينساه التاريخ!! حتما هذا ما فكر به وهو ينظر إلى الزاوية التسعين في غرفته ،أثاره منظر العش الكبير لعنكبوت تائه اختار زاوية منسية ..مالذا من تقلبات أحوال بني البشر الهستيرية.. _ أيها العنكبوت ..لن يذكرك التاريخ ها هنا.. هجس لنفسه ..ساخرا؟ ساخطا؟ أو حتى معاتبا ..تلك أحاسيس ذهبت مع الريح يوم حملت الريح كل شيء سواه.. لم يكن األمر بمنتهى السهولة كما تصور ،أو تبادر إلى ذهنه أول األمر ..فكر كثيرا كما لم يفكر من قبل ..وفجأة وجد أن كل ما فكر به لم يعد مجديا ..صفعته فكرة تائهة وضعها في خانة فارغة من شبكة أيامه المتقاطعة ..ليست صحيحة ..عليه أن يجد حال أو فكرة أخرى يسد بها فراغ عمره.. تساءل: كم عنكبوتا عاش ومات في زاويته هذه؟ باستئذان أو بدون استئذان.ابتسم ..تطلع -بعينين آسفهما منظره الراكد في الزاوية كحلزون أعرج -إلى العش من
اجلوبة -ربيع 1429هـ 51
جديد ..وحملق في كل الزوايا بشيء من التطلع نحو االدعاء بأنه قمة من قمم الصواب ..ولعمري ..فإن نقطة أو فكرة غائبة ش��اردة ،ال تريد أن تستقر في قمة ما أحرقت به صمتك كان عذرا أبشع من زلة.. ذهنه المهترئ.. أو ربما سأتعلم منك أنه إلبعاد الشيء،ال بد أن نبعد الذي أتى ..؟؟ نهاية منطقية الزمن وح��ده ال يكفي إلذاب��ة خريف عمر بائس رمى بظله على قارعة السنين الماضية ..قلب دفاتر الماضي ..فتح كتاب التاريخ ،يبحث عن سبب مقنع يشفي به غليل شبكة ال تريد أن تكتمل..
جنونك يجعل مني راقصة جعلت كرامتها وكبرياءها في كيس بالستيكي وضعته جانبا ،وهمت أن ترقص على أعصابها بكل برود ..وفي النهاية كانت المتعة.. أن نكتشف جمال الوهم وزيف الحقيقة ،وأن الخط األبيض الذي وحد أقدارنا ولطخ أجسادنا ما كان ليكون شيئا استثنائيا ..العالم ال يخلو من خطوط بيضاء ،ولعل الذي وحدنا كان أكثرهم سوادا..
ح��ي��ن زارت����ه آخ���ر م���رة ح��م��ل��ت إل��ي��ه ب��ع��ض��ا م��ن» الرغائف المعمرة» التي ك��ان يعشقها ..في يديها ملح البنة كما قال كاتبه المفضل ذات يوم ..وأنى له شبعت من الترهات ..لست مخطئة.. بلقائه اليوم ليصرخ في وجهه معاتبا أو شاكيا بأن يديها لم تعد بهما نكهة ال للملح وال للبنة ..صار كل الشياطين تتجسد في أث��واب المالئكة ..لم ال شيء» مسوسا» ال طعم له وال نكهة ،كحياته المظلمة أكون شيطانا يهابه الجميع..؟ وأفكاره الالمستقرة.. أنت هنا ..خلف سطور األلم والذكرى ..تتقاذفك بني املاضي واحلاضر ..رسالة.. أفكار ميتة.. لو كان في الذاكرة بعض مكان لك ..لي ..لنا.. لوال الكذب لما استشعرنا قيمة الصدق ..ولو كان قلبك واسعا لما طرحت س��ؤاال كهذا أيها العزيز ..لما ضاق قلبك النتن برائحة السجائر والكحول على سأدعي أن��ي لم أسمعك واعتبر كل ما تفوهت به إطالق رصاصة سؤالك البارد.. هرطقة من رجل يدعي أنه يعرف كل ما خفي حين اعتقدت ك��أي بلهاء أن بإمكاني أن اقعد لرجل تعظم األشياء.. مثلك يحترف الكذب بطريقة خيالية لذيذة ..بينما أراك اآلن ت��ح��رق ص��م��ت��ك ال��ص��دئ ب��م��داد من يمارس رجولته الحيوانية مع مراهقة تستر نفسها الكلمات ..إل��ى م��ن تكتب؟ وم��ن تدعي ان��ه سيقرأ بحجاب المجتمع ...بعيدا عن ضوضاء العقل وآالف السير الذاتية التي صبغت واجهة حياتك الموغلة لك؟؟ أنا مثال.. في السواد.. تستحضر في ذاكرتك الهرمة آالفاً من المتلقين.. ما أسوأ أن نكون مجرد عوامل معنوية ال لفظية وأنا على يقين بأنك ستشحتهم من الجادة المقابلة تحدت أثرا إعرابيا على كل من اعتقدنا لوهلة سرابية لبقايا جنونك المتداعي ..اآليل للسقوط.. أنهم يحبوننا ،ينسبونه في ما بعد إلى غيرنا ..ما ها أنت اآلن بعت صمتك الصدئ مقابل هرطقة أس���وا أن ن��ك��ون م��ج��رد أدوات ت��رك��ن م��ع ال��ظ��ل في ال معنى لها.. الزاوية التسعين لجادة الجنون والعقل. نتعلم أن الجنون حين ينطق ..لسنا مجبرين على أليس الصمت غريبا حين يزيد عن حده؟ تدخل
52
اجلوبة -ربيع 1429هـ
صامتا وتخرج صامتا ..ولو علمت انك تصمت في اليوم 24ساعة لتنطق خمس دقائق أو أقل ..تطلب شاعرها ينهار يوما بعد ي��وم ،يتمزق أش�لاء ينثرها القهوة ،تجيب على الهاتف ،أو لتقول لي ببرود ويأس: الغضب والحقد في سماء الموت ..برودتها الحامية تصبحين على خير!!.. أذابته في هدوء.. متى كان جوابك القاسي ماء يطفئ ظمئي إليك؟ ومتى كان سريرا ينام عليه اثنان تغطيه البرودة من وذاب ال��ش��اع��ر ..ووق��ف��ت تتفرج عليه بسخرية، كل جانب؟ مزقت على جثثه وهو ينظر كل قصيدة عشق كتبها ك��ان��ت ب�����اردة ..غ��ي��ر أن��ه��ا ك��ان��ت ع��ل��ى يقين ب��ان
هي متاهة ..علها تكون متاهة للذاكرة ،أو متاهة أو ادعى كتابتها ..خيانته لها أورثته عجزا ما بعده للصمت ال��ذي ال يستوجب ال��ن��دم مثلما يستوجبه عجز ..عجز عن اإلمساك بالقلم ،عجز عن الكتابة، الكالم.. عن التفكير ،عن ملء الشبكة ،وصار عاجزا حتى عن كم علي أن أخسر في هذا العالم النتن ألربحك؟ الحراك.. كم علي أن أبيع وأشتري من حماقات األيام البالية يقني متأخر: ألرى ابتسامة غبية ترسمها األنانية على محياك؟؟ صرنا محترفين في عالم الخطيئة ،بعيدين عن ذات��ن��ا ال��ت��ي تحن إل��ى ق��ط��رة ص��دق ف��ي بحر كذبك شأنها شان العناكب العابرة على تلك الزاوية ..تدارك المجنون.. خطاه وعلم ِل َم هو والزاوية التسعين يتيمان في قاع من تعتقد أنه سيصدق في رم��اد العمر الملطخ التاريخ.. بالقذارة؟؟ بعيدا عن أفكار الشؤم التي سكنت تاريخه وأفكاره،
وي��ق��ي��ن��ا ك���ان ع��ل��ي أن أع���ي م���ق���دار غ��ب��ائ��ي في ابتسامتك الهادئة ..ومقدار تفاهتي في اعتقادي غير صوت الرياح وصوت كرسي متحرك في لوحة أنك رجل استثنائي تحتله امرأة واحدة.. صدئة صارت روتينا مألوفا.. صمت غريب مريب عم المكان ..ولم يبق مسموعا
البداية األخيرة
وبين التيه واليقين تحول وعيه إلى بقايا حطام
يوم اكتشفت خيانته للمرة األولى بكت ،ولم تقل شيئا ..غير أن صمتها الحزين كان الذعا حين صرخ لقارب مهترئ لفظه البحر على شاطئ الحقيقة.. في أذنيه.. الحقيقة ال��ت��ي رفضها ووض��ع��ه��ا خلف س��ت��ار قاتم -لن يذكرك التاريخ يا شاعر الخيانة.
اسماه الزاوية التسعين..
< قاصة من المغرب
اجلوبة -ربيع 1429هـ 53
قصائد قصيرة > ُسوف عبيد
<
العطر
ا ُنظ ْر في األ ُفق ..فالسّ حاب قادمٌ!
إذَا كا َن العِ ط ُر
أمام المرآة
ف ـوّاحً ا
عندما تُكحّ ُل حوّاءُ عينيها
لاَ يَـ ُه ّ ُم
ك َّل صباح:
شك ُل الـزّجاجة!..
الصو َر البطيئ َة ..كيْ ترى كام َل اليومِ ّ ُ
رَ ُج ـ ُـل األمـ َـطار
ش��������ع��������ر
رَج ٌل تَحْ ت زَخّ ات المَطر
عندما تَطْ لي شفتيْها:
وثبات ٍ يَسي ُر بأناةٍ
..كيْ تتذكّر في ك ّل كلمة تقولُها مَذا َق التفّاحة!
تَوقّف المط ُر
تَنث ُر الور َد على وجنتيْها
مس اِنجَ لتْ الشّ ُ
مر ًةّ ..م ّر ًة
ّاصح: أَحَ ُد الما ّر ِة كالن ِ
تقتربُ من المرآة
يَا سيّدي ..أَيَا سيّدي!
تقتن ُع أنّها ما تزال في الجنّة
صحَ ا ..اِطْ وِ مِ ظلّتَكَ الج ّ ُو َ
وتطمئ ّ ُن
ما عاد مطرٌ!
أنّ آد َم إذا فتح عينيْه
أجابه وهو يَسير:
ال يرى الدّنيا..
< شاعر من تونس
54
ألحالمِ البارحة!
اجلوبة -ربيع 1429هـ
واحلب وأشياء ٌ أخرى وأنت أنا َ ُّ > عبدالله علي األقزم
<
ـ�ل�اق ُك ه����ج����رةٌ وت��� ِ ����اق ص������دري وص���������در َ ����اك ف������ي ع���ـ���ي���ن���ي رب������ي������عُ ع����ن ِ ع����ي����ن َ م���ا ك��ـ��ان��ـ ِ��ت األن����ه����ا ُر ت��ج��ـ��ري ه��ـ��ا هُ ��ـ��ن��ـ��ا إال ألنَّ خ ـُ�� ��ـ��ط��ـ��اك َ ف��ـ��ي أع��ـ��م��ـ��اق��ـ��ي ��������راق ����واك إغ�����راق�����ـ����� ًا ع���ل���ى إغ ِ ���ت ب����ـ����ه َ ت��ـ��ل��ـ��ت��ـ��ذ ُّ ش���ـ���ط���آن���ي إذا ه�����يَ واج���ه���ـ ْ ـاق ��ص ال��ه��وى ل���مْ تغتسلْ بـنـف ِ ������واك وأن������تَ في ق��ص ِ َ ���رت روح������يَ ف���ي ه ط���ـ���هَّ ُ ��اك ض��م��نَ ف��واص��ل��ي وسـيـاقـي ����روف ق��ـ��وارب��ـ��ي ول��ـ��ق��ـ َ ���رت ن���ح���ـ���وكَ وال����ح ُ أب���ح���ـ ُ ـ�ل�اق وأراك ز ي��ـ��ن��ـ��ة َ أج��ـ��م��ـ ِ��ل األخ��� ِ َ أراك ض���م���نَ ق��راءت��ـ��ي ��ت َ أن��ـَّ��ـ��ى ات��ـَّ��ج��ه��ـ ُ �����األوراق ِ األوراق ب�����ـ ِ ���ك وأراكَ م������ي���ل��اد ًا ل���ـ���ك���لِّ ق��ـ��ص��ـ��ائ��ـ��دي وت���ـ���ش���ـ���اب���ـُ���ـ ِ ��ف ال��ـ��رح��ـ��ي��ـ��لُ عَ ���نِ ���ال���غ���رامِ وأن�����تَ مَ ���نْ ك��ي َ
ق��ـ��د دا َر ف���ي ق��ل��ب��ي وف����ي أح��ـ��داق��ـ��ي
��راق ��ك ب��ـ��ف��ـ ِ ��ك م���ا اب��ـ��ت��ـُ��ـ��لِ ��ـ��ي بـتـفـكُّ ٍـك وج���ـ���ذو ُرن���ـ���ا ل����مْ ت��ـ��ش��ـ��ت��ـ��بِ ��ـ ْ ك��ـ�� ِّل��ـ��ي ب��ـ��ك��ـ�� ِّل��ـ َ ������راق �����ك ف����ي ف����ض����اءِ ت��ـ��ع��ـ�� ُّل��ـ��ق��ـ��ي ل���ـ���مْ ي��ـ��ن��ـ��ف��ـ��ت��ـ��حْ إال ع��ل��ى اإلش ِ ه�����ذا غ�����رامُ َ ��ك أن���ـ���ه���ـ���ر ًا ن���ـ���وري���ـَّ���ةً ���ت ح��ـ��ب��ـَّ��ـ َ ت���ـ���رج���ـ���مْ ���ـ ُ
ـاق ألي شـق ِ ِّ بـيـضـا َء مـا انـسـاق ْـت
��خ�لاق ِ ��زف ال��ـ��م��ـ��ب��ـ��دعِ ال ��اق أزل��ـ��ت��ـ�� َـ��هُ فـصفا الهـوى ع��ـ��ذب��ـ�� ًا ب��ـ��ع��ـ ِ ُل��ـ��غْ ��ـ��مُ ال��ـ ِّ��ش��ـ��ق��ـ ِ ح��ـ ٌّ��ق لِ ��ـ��مَ ��ـ��نْ ي��ـ��ه��ـ��واكَ يُ ��ـ��م��ـ��س��ـ��ي قـلـبـُـهُ
���واق �لا ب��ـ��ح��ـ��رائ��ـ ِ��ق األش���ـ ِ مُ ��ـ��ت��ـ��س��ـ��ل��ـ��س��ـ ً
��راق ��ك ال��ـ�� ِّرق��ـ ِ ��ك ال ي��ـ��رى إال ال����وص����ولَ ل��ـ��ق��ـ��ل��ـ��ب��ـ ِ َ مَ ����نْ ك����انَ ف��ـ��ي��ـ��هِ م��ث��ـ��لُ دف��ـ��ئ��ـ ِ َ ��اق ���ال تـفـتـ ُّحي وتـخـل ُّـصـي ِم��ـ��نْ ع��ـ��ال��ـ ِ��م اإلخ��ـ��ف��ـ ِ ���وص ِ ��ك ف��ي ال َ أق��ـ��سَ ��ـ��مْ ��ـ ُ��ت أن��ـَّ��ـ َ ���اق أدخ��ـ��ل��ـ��ت��ـ��ن��ـ��ي أأزل�����ـ�����تَ ك����ـ����لَّ م��ـ��واج��ع��ي أن���ـ َ���ه���ـ َْ���ض���ـ���تَ ل����ي ورد ًا ودا َر وف���ـ ِ ���ك وث��ـ��اق��ـ��ي �����ذاك ح��ي��نَ دخـلـتـُهـا ب���ـ���دأتْ ب��ـ��ت��ـ��ح��ـ��ري��ـ��ري وف���ـ ِّ َ دروس ش ُ ه��ـ��ذي ���اق ��ك ف���ي ال��ـ��ح��ـ��ق��ـ��ائ��ـ ِ��ق كُ ـلِّـهـا ف���ـ���سَ ���ـ���مَ ���ـ���وتَ آف���ـ���اق���ـ��� ًا ع��ـ��ل��ـ��ى آف���ـ ِ إن���ـِّ���ي ق��ـ��رأت��ـُ��ـ َ ـاق ��ك ف��ي دم��ي ل��ـ��مْ يـنـكسـ ْر ل��ـ��مْ يـلتـجئْ لـمُ ـح ِ ولِ ���ـ��� َم ال��ـ��مُ ��ـ��حَ ��ـ��اقُ ون����و ُر ح��ـ��ب��ـ��ِّـ َ �����اق ف���ل���مْ أج���دْ ��ت ع���ـ ِ���ن ال����� ِّرف ِ إن���ـ���ي ب��ح��ث ُ
���اك ح���دائ���ـ���ق���ي ورف���ـ���اق���ـ���ي إال س���ـ���ن���ـ َ
��اق ��وك ك��ي أرى أح��ل��ى ال��ه��وى ف���ـ���وج���ـ���دت���ـُ���هُ ف����ـ����وز ًا ب��ـ��ك��ـ��لِّ ِس��ـ��ب��ـ ِ ���ت ن��ح َ ورك���ض ُ درب ت��ـ�لاق ����اع����ـ����هِ ل��ـ��ل��ـ��ق��ـ��ل��ـ ِ��ب ُ �������داك في إرج����ـ ِ َ ���ض ل��ل��ه��وى وص مَ ����ا ض�����ا َع ن���ب ٌ < شاعر من السعودية
اجلوبة -ربيع 1429هـ 55
نصوص > إميان مرزوق
<
ماذا تركت لي مني؟
أيُها المار من هنا.. ماذا تركت لي مني؟ أيُها المار من هنا.. ال تسرع الخطى فالدرب قصير والوصول مؤكد! أيها المار من هنا.. ترفَق.. عل َنا بك نلحق
aaa أيُ جنون يجعلني أحمل مظل ًة في اإلعصار؟! أعرف لماذا يضيق األفق وتنحسر األشعار أعرف كيف تهترئ الكلمات وتتهدل النظرات؟
aaa < شاعرة من األردن
56
اجلوبة -ربيع 1429هـ
أيها المار من هنا عذرا.. أيها المار من هنا شكرا.. أيها المار من هنا إلى اللقاء.
أنوار..
في حياتنا أنوا ٌر تومض سريعاً ثم تختفي في عتمة اإلبهام لكنها تنير موطئ خطوةٍ لألمام..
أمل محموم ٌ
ما أقسى أن يحيى اإلنسان بأمل واهن محموم وعيون قومه سهام تستنكر وتلوم! وقلب الموؤودة يخشى أن يسألهم بأي ذنب اغتلتم الحلم؟ فيلوذ بصمت مؤلم..
ثالث قصائد قصار > عبدالله أمني أبو شميس
<
حجرات
بيضا ْء
حجراتٌ أرب ُع
يمك ُن أن تربح فيها ك ّل األشياءِ
البيت- ِ يكشفُها -من باب
بال معنى
زجا ٌج مكسو ْر
وبال معنى
و َم َم ّ ٌر تتبعثر فيه بذور العتمة صامت ًة كف النّو ْر في ّ
يمكن أن تخسر ك ّل األشيا ْء
نوافذ ثالثُ نواف َذ ما بيننا
وعناكبُ ترسم لألبواب شوارِ بَها وعلى خ ّد الجدران بثو ْر
يف الص ِ وفي ّ تُفتَ ُح نافذتانِ ..
حجرات هذي، ٍ ليستْ أرب َع
ونافذةُ القلب تلبث مغلق ًة بيننا
لك ْن أربعة قبو ْر
وك ّ ٌل يم ّ ُد يديهِ ليفتَحَ ها
بالط الغرفة
يهتف: ُ ث ّم
شطرنج ٍ رقع ُة
ليس أنا!
بيضاءٌ
ليس أنا!
< شاعر من األردن
اجلوبة -ربيع 1429هـ 57
معادالت ُ 1
قليل من الماء يكفي لنسقيَ عشرين زيتون ًة ذبلتْ وهوا ًء تجمد في رئتينا بعدئذ ،زمناً ٍ ونسقيَ ، شاخ فيه نشي ُد الصباحِ األخي ْر
2
الشمس يكفي ِ قليل من لتجفيف جسمينِ كادا يذوبان ِفوق الجليدِ ، ِ وإشعالِ قلبينِ كادا يموتانِ فوق السري ْر
3
قليل من الشعر يكفي لنرس َم عشينِ بينهما قم ٌر ثم نرس َم مملك ًة لصغارِ الخيولِ بيض الطيو ْر وعشا عظيماً لتجميعِ ِ ًّ قليل من الظل يكفي ِس أرواحنا المتعب ْة لنُجل َ أتربة من حري ْر ٍ فوق
4
5
قليل من الريح يكفي ليهت َّز جس ُم النخيل قليال يدي روائ ُح بغدا َد فتسقط بين َّ َ وأبكي بمقر ٍُبة خرائب قصرِ األمي ْر ِ من قليل من الحب يكفي لتدفئة الثلجِ فوق األس ّر ِة < شاعر من المغرب
58
اجلوبة -ربيع 1429هـ
6
> مصطفى َمـ َل ْح حيث الحبيبان يشتعالن هنالكَ مثل هزارينِ فوق هواءِ الغدي ْر
7
قليل من الحلم يكفي المر ِّ إليقاف قاطر ِة الواقعِ وفتحِ النوافذِ كي تول َد الرّو ُح مغسول ًة باألشعةِ ..والنورِ ..والزمهري ْر
8
قليل من الورد يكفي أحصنة في المروجِ ٍ إلطالقِ وإلغاءِ فوضى البساتي ْن الخراب بتاجِ الجمالْ.. ِ ومنعِ اصطدامِ قليل من الورد يكفي زحف الرمادِ الكثيرْ.. ِ إليقاف ِ
9
قليل من الضوء يكفي ِلنُب ِْص َر أجنح ًة في هوامش كرّاسةِ الرّسمِ ، بلـ ّلها الحب ُر فانتفضتْ ساع ًة القلب ِ ثم حطّ تْ على كاالرْتعاشةِ تول ُد من رحمِ الالشُ عو ْر
10
قليل من الحزن يكفي ِلنُدْرِ كَ أنّ الطفول َة بئرٌ، بداخلها لهبٌ ُقذف فيه النهار القصيرْ.. سوف ي ُ وندركَ أن القصيدةَ كالم سوف تصي ُر غ ًداً جث ًة من ٍ فتُنْسى هنالك ..بين القبو ْر
<
سؤال مرّ > نواره احلرش
<
( )1يمام الفرح ال يأتي
وعناكب الحزن تظ ُل تنس ُج السحاب بهيكلي ..ببيتي تذبلني ..تذبل وردي تنشرني نزفا في مهرجانات النكد فينخرني سوس الجراح ينخ ُر في عيوني نهاراتي ثم يرتشف زهو أمنياتي يرتشف زهو لوني ويخلفني في فناجين الريح دمعة بحجم المدى ال تطالها عصافير يدي وفقاعة برد تلفني بشال من شتاء تحيل القلب إلى غرفة من طقوس العناء
المر ( )2السؤال ُّ
يجرح القلب. الغصص الموحشة ِ يعل ُق براري على أهداب الذاكرة. فكم يلزمني وقتٌ كي أرقع خيمة جرحي الصاحي؟ كي أؤثث بالفرحِ الوهميّ جدران صباحي. السؤا ُل الم ّ ُر
يجر ُح
ثم يجر ُح ثم يجرح
نور يغتا ُل ك ّل ٍ
يتشك ُل زهرة أو قـ ُبرّة. السؤا ُل الم ّ ُر يجر ُح
يجر ُح يجرح
ول ُه في الجرحِ
طقوس المفخرة؟؟ ُ
فكيف أشعل الجرح في؟ وهو المشتعل ّْ
منذ النزيف البكر
يشعلني وال ينطفئ.
أرجوحة من نار ٍ يعلقني في علي يتفرج َّ
كرسي من غبار. ٍ من على
( )3ما الذي يلزم كي أكون في منتهى الحياة في منتهى المعنى
في منتهى الجدوى؟ في منتهى النهار في منتهى األنا ما الذي يلزم غير األلم؟!
< شاعرة من الجزائر
اجلوبة -ربيع 1429هـ 59
العاصف ُ ة التي اقتلعتنا > افراح الكبيسي
<
تسقطُ دموعكَ من عيني أوق ُن أننا صرنا واحداً اف الحيا ِة هشمنا لكن خطّ َ «حُ سدنا» هكذا اختز ُل القضية «ما كان ينبغي أ ْن نكونْ» هكذا تجمدها أنتْ األل ُق الضاحكُ في عيوننا ..كان كنزاً اكتشفناهُ معاً الحزنُ ..ميراثُ جدودنا ..كان ع��دواً حاربناهُ معاً األرض السمراءْ ..التي تمي ُل أحياناً إلى لونِ ُ الد ْم وأحياناً إلى لونِ دجل َة والفراتْ .. كصديق حتى النهاية ٍ رافقتنا «أتقو ُل إنها النهاية»؟ «أتسمعي َن سوى صوتها» «ال بل اسم ُع صمتها» ..؟ «يحيطُ العاصف َة التي اقتلعتنا» أما كان باإلمكان أ ْن نبني بيتاً من نخي ْل العواصف»؟ ْ نلو ُذ إليهِ وقتَ «أما كان باإلمكان ..أ ْن نحتمي بأحدنا اآلخ َر < شاعرة من العراق
60
اجلوبة -ربيع 1429هـ
فقط»؟
ال َب َر ُد اختا َر الهطو ْل
والعاصف ُة اختارتْ اقتالعنا
«ل��م��اذا على ال��رج��الِ أح��ي��ان��اً ..أ ْن يتصرفوا
كاألطفالْ»؟
حس المنطقِ عند الزوابعْ» «لماذا تفق ُد النساءُ َّ
«الحروبُ يصنعها الرجالْ..
يقودها الرجالْ..
يخوضها الرجالْ..
أما النساءْ ..فيرتدين السوادْ!»
وكانتْ الغيم ُة هذه المرة ..كبيرة
بوحشية ال متناهية ٍ غطتْ السما َء
أجبرتها أ ْن تكفه ْر
التكاثف ْ وأجبرتْ الضبابَ على
«كيف أسي ُر دون يديكْ .. دون عكازةٍ اتك ُئ إليها؟!
أين ألوذُ ..بغيرِ صدركْ ..
حين ستشت ُد العاصفة»؟
خيمةٌ ..بعمودين ..أطاحتهما العاصفة
بال عاطفة
وبال مراعاةٍ لعاطفتيهما
أنت ِالسيدة وأنت ِالقصيدة > زكريا إبراهيم العمري
<
سيدة الدفء والجنون في كل يوم شتائي ماطر ترتعشين في حدائق الروح كسوسنة تعانق الفجر والندى وتعيدين ترتيب غرفة القلب كما تشائين أو كما تشتهي الغيوم والشتاء يا أنثاي التي نزلت من السماء علميني كيف أحتضن المطر!؟ علميني كيف أتدثر بالغيوم المسافرة!؟ عندما تنثال موسيقى المطر تزهو النجوم في قصائدي ويسطع القمر تسافر أسراب الحروف في رحلتها األخيرة إلى عيونك الزرقاء وترحل من دفاتري قصائد البكاء
وتعتري جوارحي نشوة سحرية كنشوة العشاق لحظة اللقاء الريح يا أميرتي تداعب الشجر والزجاج في نوافذي صار أجمل لوحة مرسومة بريشة المطر فسافرت من فضاءات القلب نوارس القصائد لتغسل أجنحتها بالريح والمطر وتنتشي كطفلة تبللت بالفرح وتعود حاملة لي قوس قزح فيا أنثاي التي نزلت من السماء أتركي لي الشتاء كي تسطع النجوم في قصائدي ويزهر القمر سينضب شعري ..وينضب عشقي ..وينضب عمري إذا توقف المطر.
< شاعر من األردن
اجلوبة -ربيع 1429هـ 61
انقالب النص النسوي..
مترين شعري منحاز ٌ ملــا بعد احلداثة
> محمد الفوز
<
النص النسوي الحديث ال يلزمه التقصي والمساءلة؛ فهو بحاجة إلى اقتحام مباغت- متعالية ٍ برهافة ٍ دوما -يؤجج كينونة َ األنثى وإحساسها وأفعالها وهواجسها ،التي تؤصل ارتباطها األيكولوجي بالطبيعة ،بحسب اإلقرار المجازي «األرض امرأة … المرأة ُ أرض»؛ فهذا التصور المادي أخذ يتحول إلى عقيدةٍ وإصرار جاد على اقتراف هذا التعالق النصي عرب، واإلنساني والوجودي بين المرأة والطبيعة ،وفي عمق ِ الممارسة النصية لشاعرات ٍ نستوضح بيقين ِ التلقي مدى األواص��ر التي تش ّ ُد المرأة ب��األرض ،بحسب رؤية الناقد محمد العباس ،الذي حاول-ذاتَ مقال -تفسير األنثى بمضمونها األيكولوجي للتماس بل ِ ُّب الطبيعة التي تُسمى ” اإليكوفمنزم” ،أي أنوثة الحياة في قاموس النسوية .وهو تفكير جديد للتعالق والتواشج البيئي مع األرض ومثاقفتها ،وإسقاطات جميع الدالئل النسوية، وتحويلها إل��ى ما يشبه التنظيم النسوي ل�لأرض وللحياة وللوجود .وه��ذه المقترحات إثبات وجودها بإحساسها ،وتوحيد كينونتها البشرية ِ أخذت المرأة ب��إرادةٍ ضمنية إلى مع الطبيعة التي تُق ّر باالستحواذ األنثوي على مرادفات األرض بوصفها مركزا لالشتغال آخذ في النصي ،وللتكهن بمرئيات الوجود المخبوء في حساسية ٍ غير معلنة ،وفي فضاءٍ ٍ قبول ِ اإلفصاح عن ذاته؛ وذلك بجعلها المدى الزمني والالواعي لكل تحوالت الطبيعة ومستقبلها.
ن��������ق��������د 62
أتاح محمد العباس فُرصة لتماهي النصوص الشعرية بالرؤية األيكولوجية لموضعتها في إطار نسقي متكامل ،وقد جاءت النصوص الشعرية أكثر تصالحا مع فلسفة الوجود النسوي ،وتضمينا راقيا للحالة النفسية والوجدانية والمادية واللغوية للطبيعة ،بوصفها أ ُ ّ ٌم الخلق ِ ومحش ُر القلق الكوني الذي تختصره آمال موسى في نصها: «بيني وبين الطبيعة مسافة أقطعها خلفا إلى الوراء ناطقة
اجلوبة -ربيع 1429هـ
منشئة عالمي وه��ك��ذا ت��ب��دو خ��ص��وب��ة ال��ه��م ال��ن��س��وي المهموم بالقول وم��دى حساسية الذائقة التي تكرس رؤية على كل األطالل الجندر واإليكوفمنزم على حد سواء ،وهو يوجز ذلك أطلق فوضاي ساعة الجنون التعالق باألرضي ،الذاهب باألنا إلى حد التصوف لترتب بيت العالم» الرومانسي ،والقائم على وعي حداثي بالطبيعة ،هو وتُ��ض��ارع��ه��ا ف��وزي��ة ال��س��ن��دي ف��ي ح��ض��ور شعري ما أعطى للذات فسحة التمثل. بالصوت إلى أقصى وحدةٍ تختزلها ِ مينودرامي ،يرحل ول��ل��ن��ص األدب����ي أي��ض��ا ف��رص��ة اإلن��ك��ت��اب بوعي الطبيعة ُ بكينونةِ ام��رأةٍ تنكتبُ ذاتويا في محتشد مختلف وفي نطاق ايكولوجي مغاير ،يمثل المطاوعة كلماتها ،وف��ي م��ق ِ ّ��ر أرض��ه��ا /ورق��ة ُ ال��ن��ص ..ح��ربٌ ال��دي��ن��ام��ي��ة؛ ألن��ه��ا تنصص إحساسها ب��ارت��داد إلى للكتاب النسوي الذي ما ي��زا ُل غاويـ ــا في جرأته.. األص���ل ،أي إل��ى الطبيعة ،ليس كحاضن أو كواقع في صمته ..في التابو الذي يتكسر ببطء ..وفي كل م��ادي فحسب ،بل كإيقاع (يومي وفلكي) وكشعور، جاهلية قولبتها ٍ ِّ األزمنة التي تعبر النص بعصبية وكحساسية جمالية ب��ي��وري��ت��ان��ي��ة ،س���واء بمقاصد بمرونة برجماتية الشاعرة السندي بقولها: ٍ حقوقية أو بحس فطري خارج ذلك الوعي المسيّس، «دامت الورقة :وريثة الشجرة على اعتبار أن كينونة اإلنسان تقوم على مزدوجتي دام الحبر :دم البحر التماس باألرض ،والتعبير عن ذلك اإلنوجاد اإلنساني آه الكلمات :شهقة األرض» باللغة ،وتحديدا الشعري؛ وهذا ما يسميه ديمتري فالنص النسوي النثري لم يعد موارب ــا ،بل إنه أفييرينوس بمراودات توق المجتمع الثقافي الدائم ض�� َّد الفوبيا التي تجعله مرتهنا لخطابات الذكورة للعودة إلى رحم األرض ،بما هي األم األولى ،ومكمن وليوميات كالسيكية معتادة .وحينما يكون النص االنبثاق وتخليق البنى الكونية؛ بمعنى أنها موضع سج ــاال للواقع ،والذات ،والكينونةِ ،والرؤى المؤجلة ،تجدد الحياة وانبعاثها. والكتابة ..ولكل ما هو مقترح فِ علي أو نظري.
ستكو ُن األنثى أكثر قدرة على تخطي أشعارها بروحها المتمرد ِة في لهاث القول ،وفي معترك الوعي تعيش الشاعرات لحظة النص ُ المسبق واآلتي؛ لذلك إحقاقـ ـ ـ ــا لتطور الصوفي ال��ذي تتوسل به سوزان عليوان في نصها: «أشتهي أن أركض فوق األفق الممتد غطائي األرض.. بساطي السماء ألفهم عالما يرعش باألل ـ ــم» ُ
ه��ك��ذا يتأسس ال��وج��ود ف��ي أص��ل��ه على سحرية الشعر ،حيث اللغة هي الوجود ذاته وليست مجرد أداة للتعبير ع��ن ذل���ك ال��ح��ي��ز ،وع��ل��ي��ه ي��ص��ح هنا االف��ت��راض الهايدغري القائل ب��أن الشعر تأسيس للكينونة عبر الكالم؛ بمعنى أن اللغة هي الكينونة التي بها ينكشف الوجود؛ وهنا يمكن التمثيل بقصيدة النثر كمنتج حداثي وثيق الصلة بااليكوفمنزم بما هي فلسفة وكينونة ،وعلى اعتبار أن الفلسفة ال تقبل في مستواها إال الشعر ،وبالنظر إل��ى أن الحداثة تعني اإلنوجاد الواعي على خط الزمن ،والتعبير عن حضور تلك الكينونة بتنصيص الذات عبر موضوع يعمل من الوجهة النقدية بمثابة الوحدة الداللية؛ وعليه ،فإن اختيار المرأة للنثر ضرورة وليس اختيارا
اجلوبة -ربيع 1429هـ 63
متأثرا باللحظة ،حسب جانيت تود ،في كتابها «دفاعا وهو تأكي ٌد للتحري ال��دؤوب الذي تتبناه الشاعرات عن التاريخ األدبي النسوي» ،فالنساء الواثقات بصورة الجدد في نبرة حداثية متصاعدة أشاعتها المساحة متزايدة من وضعهن األدبي يبدو لهن األدب طريقا االلكترونية المتمثلة في الوجود االنترنتي من خالل إلدخال أعمالهن في الثقافة بوصفها حكايات مجازية المنتديات ،أو المواقع الشعرية الجادة. وقصص أخالقية وعوامل نشطة سياسيا. وقد استقى محمد العباس جميع هذه النصوص ذلك األم��ر تلبيه قصيدة النثر ،وفيه أو بموجبه َ��س�� ُر حيوية اللغة عند ال��م��رأة كانعكاس للمكون – تقريبا -من الجغرافيا االلكترونية ،وهي نصوص تُ��ف َّ ال��ب��ي��ئ��ي إض��اف��ة إل���ى م��ج��م��ل األب���ع���اد ال��روم��ان��س��ي��ة ش��اب��ة ذات ع��ن��ف��وان ش��ع��ري ح��داث��ي ،وذات قابلية والحقوقية واالجتماعية ،على اعتبار أن اللغة هي للتجديد وللنهوض بشعرية العالم وبحُ رية اللغة .وفي الحاضن العضوي لإلنسان ،فهذا هو ميثاق األنا هذا التناول النقدي اإلبستمولوجي لنصوص (سوزان واللغة ،القائم على اإلنكتاب الذاتي وإسباغ دينامية عليوان – فيفان صليوا – نبيلة الزبير – فوزية التصور الروحاني على الفعل اإلبداعي المتحقق في السندي – آم��ال موسى – بلقيس حميد – هدى الحركية اإلنتاجية للذات ،بمزيج هايدجري وبوذي حسين – حمدة خميس – ورود الموسوي – سعاد وهلولدرني إض��اف��ة إل��ى خالئط فلسفية وجمالية الكواري – زهري يسري – فوزية أبوخالد) ،وبحسب متباينة ،تجعل من النص الشعري تجربة ظاهراتية محمد العباس ،فإن النص النثري أتاح للمرأة فرصتها للتعبير عن الحقيقة. المكبوتة لإلنوجاد ال��ذي أسس بداية خروجها من ال��ن��ص أص��ب��ح رم����زا ل��ل��ح��ري��ة ال��ن��س��وي��ة ومكمنا كل إلحاالت النسوقراطية التي تتحكم في رؤية الجمهور معاقل ال��ذك��وري ،وانفتاحها على ذات��ه��ا ،وعلى ِ ّ ال��ن��س��وي ال��م��ت��ج��ذر ف��ي ن��س��غ ال��ع��ال��م ،وال��ق��اب��ع في جميل تسشرفه من خالل تواشجها البيئي شعريـ ـ ــا ��ود منشغل ٍ وداللة ،وهو أرقى ممارسة برجماتية تحوزها المرأة ��ذات مقترحة ،وك��وج ٍ أساطير األرض ك ٍ بالطبيعة ،وما حولها من تفاسير ٍ ُعمّرها حمدة حية للروح والجسد وتستوطنها ،بل وتشغل العالم بها؛ كما ت ِ واألج��ن��ح��ة ال��ت��ي ت��ق��و ُد مخيلة ال��م��رأة ال��ت��ي ارتكبت خميس: خطيئة البوح ذاتَ جرأة ،ثم أ َرّقت العالم بقولها وبما «انهضن ..انهضن ستقوله ،وبكل تأويالتها المقولة والالمقولة ،الواعية والالواعية ،سواء في منتجها النصي أو في تجنيسها خذن الرجال إلى حكمة األنثى لمفردات ِ الكالم ،أو في تأنيثها للحياة أو في تأوين فقد عظمت رزاياهم ٍ بحميمة ٍ الطبيعةِ واقتحامها أنثوية مستطابة ،تؤكد خذن الرجال والحكمة أن للطبيعةِ همّا كما لألنثى مغزى لتوطين ذلك الهمّ، إلى فيء األنوثة المطمئن. وجعله خطا موازيـ ـ ـ ــا للنظرية الشعرية األنثوية التي أسست للطبيعة صوتا وجمهورا وخطابا أيكولوجيا ،خذن األرض إلى رحاب الهدوء ومدى شاسعا للشعرية من خالل نظرية اإليكوفمنزم ،خذن السالم ..إلى السالم» < كاتب من السعودية
64
اجلوبة -ربيع 1429هـ
بانت سعاد..
قراءة في اللغة واملعنى > د .علي محمد هنداوي دفعني إلى إعادة قراءة قصيدة كعب بن زهير المعروفة «بانت سعاد» ،وتلمس
سمات بنيتها اللغوية ،ما تميزت به من صدورها عن صاحبها وهو يعاني تجربة ذات طرافة وخصوص ،تعلق بتفصيالتها ونتائجها مصير الشاعر نفسه في هذه الدنيا ،بل كذلك مآله في اآلخ��رة؛ إذ تصف بإسهاب مالبسات تحوله العقدي
ورحلته الشاقة ،يلتمس النجاة من الموت على أيدي من يطلبونه ،بعد أن أ ُِح َّل دمه، مس قلبه بعد طول إعراض. ويطمح إلى نجاة في اآلخرة يسمو به إليها إيمان َّ
وعُرِ فت هذه القصيدة بأنها إمام لنظائر لها من قصائد أبدعها في عصور
متعاقبة شعراء آخرون ،استلهموا شيئا مما أفاضت به روحها .وقد تركت تلك
التجربة الخاصة التي خاضها الشاعر بحثا عن خالص الجسد والروح جميعا، أثرا في البناء اللغوي للقصيدة ،جعل أشكاال من التالحم تسود أبياتها وتربط
معضدا ألحاسيس الرجل ناطقا بها. أفكارها ،وصار البناء اللغوي بمستوياته ِ ّ
تجمع القصيدة بين التقليد واإلبداع ،أو ِلنَقُل مثَّلت اإلبداع في إطار من التقليد،
(فهي) قصيدة مدح إذا صنَّفناها في نطاق األغراض المتعارفة ،بل هي كذلك عند القدماء بكل رسوم المِ دحة الجاهلية ،من االستهالل بالغزل ووصف الرحلة
إلى المحبوب/الممدوح ،ثم الخلوص إلى الغرض األصيل ،من ذكر المناقب وما يتعلق بها ،بل إن أثر اإلسالم في هذه القصيدة الجاهلية البِناء ،يكاد يتوارى خلف
هذا المديح الذي يجري على نهج المديح الجاهلي ،ولوال أنها قيلت في مدح
اجلوبة -ربيع 1429هـ 65
النبي ،[ ،ل ُع َّدت جاهلية ،كما يقول الدكتور صالح الوزنية والداللية ،وقد الحظنا سيادة األصوات ذات
الهادي (األدب في عصر النبوة والراشدين.)230
اإلس��م��اع القوي المناسب لجو الحركة والصخب
وتبرز سمات التقليد في قصيدة كعب ،فضال الذي ي��وازي حالة القلق واالضطراب المائجة بها عن الغرض ،في بنيتها العروضية ،إذ هي من بحر نفس الشاعر ،ويمثل الالم أعلى نسبة ت��ردد ،وهو بالسعة ومناسبة الموضوعات أح��د األص��وات التي تلي العلل في ق��وة إسماعها، َّ البسيط الموصوف المترَعة بجَ يَشان العواطف ،وكذلك ما عُرِ فَت به مع الميم والنون ،ويزيد الال َم حضورا اتخاذها رويا القصيدة الجاهلية م��ن ميل إل��ى وص��ف ال��داب��ة ،وتكرارها في كلمة القافية المردوفة ،مثل :معلول، وسيلة الشاعر لبلوغ ممدوحه/محبوبه أو غايته ،يعاليل ،تضليل ،شمليل ،زهاليل ..الخ .كذلك تعلو
كما نوضح في البحث ،والشاعر يسوق ذلكم في نسبة المجهورات ،بل إن المهموسات تحقق وضوحا ألفاظ تدور في أمثال تلك القصيدة ،وهو ما يعنيه إسماعيا بوساطة التشديد أو المدّ ،كالذي الحظناه في صوت التاء.
زهير بقوله:
م������ا ن������ران������ا ن�����ق�����ول إال مُ ������ع������ارًا
أمّ��ا ال��بِ��نَ��ى الصرفية المستعملة فإنها ترتبط
أو مُ �����ع�����ادا م����ن ل���ف ِ ���ظ���ن���ا م����ك����رورًا بالوزن والقافية؛ إذ يتيح البسيط استعمال الصيغ
وهذا القول ال يعارض ما ذكرنا من جانب اإلبداع المزيدة والمض َعّفة لألسماء واألف��ع��ال ،وق��د أ ّثَ��ر
في الفكرة الذي أمْلته ورفَدتْه مشاعر حادة سيطرت التجانس الداللي على كلمات القوافي التي تكررت على نفس الشاعر حال إنشاء القصيدة.
فيها أص��وات مع َيّنة وأوزان صرفية متشابهة ،كما
ويتوازى في قصيدة كعب رحلة شاقة للشاعر عبر ت��ش��ي��ع ال��ص��ي��غ ال��م��زي��دة وال��م��ض��ع��ف��ة ف��ي ال��ح��ش��و، درب الرسوم الشعرية القديمة ،ورحلة نفسية كابد واس��ت��ع��م��ال ص��ي��غ ج��م��ع ال��ج��م��ع ومنتهى ال��ج��م��وع، أهوالها في االنتقال من اإلنكار إلى اإليمان ،ورحلة الموحية باستغراق جنس المس َمّى بها وبلوغ أقصى عبور من اليأس والخوف إلى الرجاء والطمأنينة .المعنى وغ��اي��ة الصفة ف��ي موصوفها ،وم��ن ذل��ك: وعليه ،فليس صحيحا ما قاله الدكتور شوقي ضيف يعاليل ،وأباطيل ،ومثاكيل ،وأقاويل ،وأراجيل ..الخ.
م��ن أن ه��ذه القصيدة ال تختلف ع��ن م��دح ملوك
ومن مصادر األفعال المضعفة :تبديل ،وتضليل،
العرب وسادتهم القدماء .فذلكم فيما نرى هو ما وتنويل ،وتنعيل ،وهي مسوقة لضرب من اإلمعان ي ِ ُوهم به التزام الشاعر اإلط��ار الشكلي المتعارف في تضخيم األح���داث .وعلى الرغم من التقارب
لقصيدة المدح ،ولو وافقنا القائلين بوصف الشعر النسبي بين صيغتَي اسمَي الفاعل والمفعول ،فإن الجاهلي بالحركة ،فإننا ال نرتب على ذلك ما رتبوه أسماء الفاعلين الواردة ال تدل على أفعال قام بها
من مروره بالمعاني مرورا خاطفا أو افتقاد الوحدة الشاعر ،وال على حدَث في ذاتها ،بل هي إمّا وصف الموضوعية. ومصطخد، ِ صاف ،والحقة ،وضامرة، ٍ ساكن مثل: وق��د اعتمدنا في دراس��ة البنية الصوتية على أو وصف هو إلى اسم الذات أدنى ،مثل :حاديهم،
ج��دول إحصائي ع��ام ،يتبين منه صلتها بالبنيتين ونافلة ،وخادر ،وقائلهم.
66
اجلوبة -ربيع 1429هـ
أما دراس��ة بنية التركيب ،وهي جزء من البنية التحذيري «فال يغ َّرنْكَ ما منَّتْ وما َوع��دَتْ » ،وكذا ال��ل��غ��وي��ة للقصيدة ،ف��إن��ه��ا ت��ق��وم بوصفها ترجمة في أسلوب القصر» وما مواعيدها إال أباطيلُ». لمجموعة من العالقات بين عناصر مختلفة ،أي
ومما يدل على اضطراب نفس الشاعر ما نلمح
البحث عن النظام أو النسق الذي يحكم مجموعة أحيانا م��ن ال��ت��واء وإل��غ��از ف��ي ال��ع��ب��ارة ،ك��ال��ذي في العالقات الباطنة الثابتة المتعالقة ،وفقا لمبدأ قوله»أخوها أبوها ،عمها خالها ،في وصف الناقة، األولوية المطلقة للكل على األجزاء ،بحيث ال يمكن فضال عن وصفها بأنها «حرف»: فهم أي عنصر من عناصر البنية خارجا عن الوضع ��ج��ن��ةٍ ����رف أخ��وه��ا أب��وه��ا م��ن م��ه ّ َ ح ٌ الذي يشغله داخلها( ..راجع :بنية القصيدة في شعر وع���م���ه���ا خ���ال���ه���ا قَ��������وداء ِش��م��ل��ي��لُ أبي تمام ،د .يسرية المصري ،ص 55وما بعدها). فليس «حرف» خبر «أخوها» ،وليس شبه الجملة تمثل جملة المطلع الخبرية ذات الفعل الماضي «من مهجنة» خبر «أب��وه��ا» ،و ُق��ل مثل ذا في عجُ ز «بانت سعاد» الفعل اإليجابي القاهر الذي لم يأته البيت ،وإن كان أقل غموضا. المدوّية لرحلة الخوف التي ِ الشاعر ،بل هو البداية والشاعر ال يصرح بأن إبِله المنهَكة المكدودة عايشها ،فحفزته إلى إب��داع قصيدته وتركت فيها أثرها؛ فهي بفعلها الماضي المنتهي وفاعلها ال َعل َم بلغت أرض محبوبته ،بل يُف ِْجؤُنا بالجملة المضارعية الذي اختلفت اآلراء حوله بين الرمز والحقيقة « -تسعى الوشاة جَ نابَيْها» التي بها التفات عجيب منجملة محورية تتعلق بها دالليا ونحويا كذلك طائفة ضمير الغائبة العائد على الثَّكل َى التي تبكي بكرها من الجمل ترتبط بها معطوفة عليها أو نعتا متعلقا في البيت السابق «تَفرِ ي اللبان بك َّفيْها ،» ..أو على بها. الناقة التي تَحُ ّ ُث الخُ طى في رحلتها الشاقة ،التفات وتتعاقب جمل وأبيات يراوح بها الشاعر في مكانه ،إلى ضمير الغائبة ،الحاضرة في عقل الشاعر «سعاد» بين أمل يُق ِبِل به ويأس يَر ُدّه ،وهي جمل تغلب عليها التي «بانت» في مطلع القصيدة/أول الرحلة ،ولنا أن
الخبرية ،ويغلب الخوف فيها على الرجاء ،وتلعب نُعرِ ب جملة «تسعى الوشاة جَ نابَيْها» حاال إذا ق َّدرنا التقفية الداخلية بين بعض األفعال مثل :فجع ،وولع ،قبلها فعال ،أو حاال من «سعاد» ،بل زاد ابن هشام دورها في تعميق إحساس المتلقي بشعور اإلحباط جواز إعرابها مستأنَفة للتخلُّص للمديح ،وهو وجه ال��ذي يأخذ بنفس الشاعر ،بل إن الرجاء واألم��ل -فيما نرى -يمزق أوصال القصيدة دالل ًة وتركيبا؛ يرافقهما ضمير الغائبة البعيدة «أرجو وآمل أن تدنو إذ به تَنْب ّ َُت ِصلة هذه الجملة بجملة المطلع وجملة
مودتها» ،على حين يرافق اليأس ضمير المخاطَ بة» البيت السابق ،على تقدير االلتفات .وتبدو القصيدة وم��ا إخ��ال لدينا ِ منك تنويلُ»؛ ويتن َوّع التعبير عن -فيما نرى -سلسلة متعاقبة من الجمل واألبيات اليأس ،فيرد في ص��ورة الجملة الخبرية المؤ َكّدة يُسْ لِم بعضها إلى بعض ،ويتجلَّى التالحم الشديد
«إن األم��ان َّ ��ي واألح�لام تضليلُ» ،وفي ص��ورة النهي الذي يربط الجمل ومتعلَّقاتها ومعطوفاتها. < استاذ مشارك بجامعة الجوف.
اجلوبة -ربيع 1429هـ 67
الرماد للكاتب عبداملعز شاكر:
رواية مهمومة بفكرة الطبقية والفوارق االجتماعية بني األغنياء والفقراء > هويدا صالح
<
ه��ن��اك بعض األع��م��ال ال��ت��ي ال نسعى وراء جماليات تالزمه ..أن يكون واحدا من هؤالء الذين وصفتهم األم. الكتابة فيها بقدر ما نسعى إلى الكشف عن رؤية الكاتب ظل الصراع قائما ،وشكّل هذا الصراع مقدرات السرد للعالم وس��ؤال الكاتبة عنده ،ومساحات الوعي والالوعي حتى آخر سطر في الرواية ،حيث نذر البطل نفسه من في النص ..وهناك من األعمال ما يفرض علينا أن نسعى لحظتها الختراق تلك الطبقة المتعالية بدورها وناسها جاهدين وراء الجماليات والفنيات .ورواي��ة الرماد ربما وح��دائ��ق��ه��ا ،حتى أف��ن��ى حياته وه��و يبحث ع��ن تحقيقه تفرض علينا -كما سأبين -أن نتعامل معها من هذا المنطق .الحلم /الوهم. بداية هي رواية اجتماعية واقعية مهمومة في المقام األول ونلحظ أن الكاتب ركز بشكل كبير على الهم الخاص بكشف الفارق الشاسع بين الطبقات االجتماعية في بغداد، مهمومة بفكرة الطبقية والفوارق االجتماعية بين األغنياء ولم يتعرض للهم العام إال مرات قليلة ،فنجده يذكر عهد الملك ،أو ضياع عهد الملك الليبرالي وسقوط البالد بعد والفقراء الذين يعيشون على هامش الحياة. الثورة في حكم كمم األفواه وكتم الحريات. البطل فيها يعيش الصراع الطبقي في شتى تجلياته؛ ونجد الكاتب يشعر بالحنين أو النوستالجيا للعهد فمنذ اليوم األول لذهابه للمدرسة طفال صغيرا ال يتعدى ال��س��ادس��ة إال ب��أي��ام ،وه��و ينظر إل��ى بيت ج��اره��م العالي ال��م��اض��ي ..وينتصر ط��وال ال��وق��ت للماضي على حساب بحديقته ال��غ��ن��اء ..وس��ت الحسن والجمال تطل عليه من الحاضر ال��ذي قيد حرية ال��ن��اس ..وإن ج��اءت مثل هذه الشرفة ..من لحظتها صار كل همه أن يختصر المسافة الرؤية بشكل سريع وسطحي ،فلم يكن الكاتب معنيا بإلقاء بينه وبينها على الرغم من األميال الواسعة التي تفصله عنها الضوء على األحداث السياسية ،وإنما أتى بها عرضا في عمريا أو طبقيا ..فهي ابنة السادسة عشرة ،وهو ما زال الكالم ،فنجده يقول في صفحة ( )43في حوار دار بين صغيرا في السادسة ..وهي ابنة البيك ،وهو ابن األسطى األب والعم في المرة التي اجتمعا فيها األخ��وان اللذان الحالق!! عالمة استفهام كبيرة تتشكل أم��ام عينه حينما فرقتهما فكرة الطبقية: يسأل أمه في طريق عودته من المدرسة وفي يومه الدراسي «إذا حصل ش��يء مما تقول فسوف يغرق العراق في األول فيقول: حرب أهلية ،وتسيل الدماء أنهارا ،الكل يطالب اآلن بالثورة على الحكم الملكي القائم بدعوى تبعيته لبريطانيا ..فإذا «ما معنى بيك؟!تحققت أحالمهم في الثورة على الحكم الملكي ،فإن البلد رج��ل واس��ع ال��ث��راء شخصية كبيرة ج���دا ..ه��ذه أم��ور سيتحول إلى ساحة لتصفية الحسابات بينهم جميعا» .كما يصعب عليك اآلن معرفتها ،ولكنك ستعرفها جيدا بمرور يقول في صفحة ( )177على لسان إحسان عطا الذي الزمن ،فهناك بيك ،وهناك باشا ،وهناك أف��ن��دي ..فال قرر ترك العراق والذهاب إلى أمريكا « :فراق الوطن ليس تشغل نفسك بهذه األمور اآلن.. باألمر السهل ،ولكنك تعلم أن األوض���اع في ال��ع��راق قد ساءت بشكل كبير ..خنق الحريات وتكميم األفواه ،ونشر وإذا به يسألها: وكالء األمن في كل مكان». وأبي؟! من يكون من هؤالء؟!أما عن الحنين للماضي فنراه طوال الوقت يتذكر أيامهم هو عبدمن عباد الله ..أبوك أسطى ألنه يعمل حالقا الماضية ،وأماكن جلوسهم فيقول في صفحة (« :)189لمفي سوق األعظمية». يعد لهما حديث هو وماجد صالح إال عن الماضي .أصبح وهنا تتشكل في عين الصغير مشكلة حياته التي ظلت الماضي مركزا ألحاديثهما ،استعراضا وحنينا وتذكرا
68
اجلوبة -ربيع 1429هـ
وتزكية وتفضيال على الحاضر القبيح والمستقبل المجهول التكثيف واالختزال ،مما أصاب اللغة بالترهل واالستطالة والمنذر بالظالم». فيقول في صفحة (:)45 الزمان في الرواية يبدأ من عام 1943م تقريبا وربما «انتهت األسرة من تناول طعام العشاء ،قال أبوه وهو ينتهي في الثمانينيات ..يسير الزمن في ال��رواي��ة بشكل يجفف يديه بالمنشفة (البشكير) بعد أن غسلهما بالماء تدريجي ،ال قفزات فيه ،وال صعود وهبوط ..بل هو زمن والصابون: تراتبي ،نستدل على م��روره إما بوقوف األصدقاء الثالثة جاءني اليوم صالح الحارس ،وهو كما تعلمون حارس أم��ام لوحة النتائج في المدرسة أو الجامعة ،فنعرف أن بيت محمد بيك ،ق��ال أن البيك مريض وال يقوى على عددا من السنين مر ،وإما بأحداث بعينها مثل والدة أحد المجيء للدكان لحالقة شعر رأس��ه ولحيته ،وإن الحالة األطفال ألحد األصدقاء ،وإما بتغيرات بيولوجية تطرأ على توجب أن أذهب إليه غدا في بيته ومعي أدوات الحالقة جسد البطل أو أحد أصدقائه مثل الشعر األبيض أو ضعف إلجراء عملية الحالقة هناك « البصر ..يقول في صفحة (« :)82الزمان 1954 /7 /15م، تعالوا نحلل المقطع السابق: المكان العام :إعدادية األعظمية للبنين ،المكان الخاص أمام لوحة اإلعالنات التي تعرض قوائم بنتائج االمتحانات بما أنه قال «وهو يجفف يديه بالمنشفة» لم يكن مضطرا النهائية للدراسة اإلعدادية (الصف المنتهي).».. أن يفسر المنشفة بالبشكير ،ولم يكن مضطرا كذلك أن أما المكان في الرواية فهو مدينة بغداد وأحياؤها ،حي يقول بعد أن غسلهما بالماء والصابون ،فلن يجفف إال بعد األعظمية بجزأيه الفقير ،الذي يعيش فيه البطل ،والغني غسيل ،فلو كان يقصد أنه لم يغسل لقال «يمسح». ال��ذي تعيش فيه سناء ابنة محمد بيك ،كذلك ن��رى حي كذلك قال «صالح الحارس ،وهو كما تعلمون حارس الوزيرية وغيره من األحياء. بيت محمد بيك» لم يكن مضطرا بإخبارنا أنه حارس بيت نأتي إل��ى نقطة مهمة وه��ي الضمير ال��ذي تحكي به محمد بيك ،ألنهم يعلمون ونحن القراء نعلم منذ بداية الرواية ،استخدم الكاتب تقنية الراوي العليم الذي يسيطر الرواية أن صالح أبا ماجد حارس بيت محمد بيك. على مقدرات السرد ،ينتقل حيث يشاء ،يصف لنا دواخل كذلك قوله «أن البيك مريض وال يقوى على المجيء األب��ط��ال وأف��ك��اره��م وم��ش��اع��ره��م ،ويظهر أح��ي��ان��ا صوت ل��ل��دك��ان» ل��م يكن مضطرا أن ي��ق��ول لحالقة شعر رأس��ه المؤلف متدخال بتعليق على األحداث ،أو متأمال لموقف ولحيته ،ألنه لن يذهب للدكان لشرب العصير مثال.. ما ،محلال له. كذلك حين قال« :وأن الحالة توجب أن أذهب إليه غدا لم تتنوع مساحات أو مستويات السرد في ال��رواي��ة ،في بيته ومعي أدوات الحالقة». فكلها ت��روى بضمير ال «ه��و» كما أسلفنا ،فال تنوع وال ترى هل كان الكاتب مطالبا أن يتبعها بجملة «إلجراء ف��رص��ة ألح��د م��ن األب��ط��ال أن ي��ق��دم ذات���ه أو يتمرد على ال��راوي العليم ،أو يرفض لغته ،فلغة السرد تقريبا ذات عملية الحالقة؟!. مستوى واح��د .لقد قيد الكاتب الفضاء الحكائي نتيجة كذلك رغم خلو الرواية من األخطاء اللغوية الفادحة، الستخدام تقنية الراوي العليم بكل شيء. إال أن الكاتب بينه وبين الهمزات ع��داوة غريبة ،فهمزة اللغة :إن زمن الحكي في الرواية هو زمن الحدث ،وهذا الوصل يكتبها قطع ،والهمزة المكسورة يكتبها مفتوحة، ما جعل الكاتب يلهث وراء التفاصيل الدقيقة س��واء في وهكذا طوال الرواية. الوصف أو الحوار ،كان شديد األمانة في وصف األحداث، وه��ذا أوقعه في إشكالية خطيرة ،فجاءت اللغة تقليدية ال تحفل كثيرا بالبالغة السردية ،بل هي لغة أق��رب إلى التقريرية المباشرة ،وج��اءت كثير من العبارات والجمل محمولة على ما قبلها معللة لها أو مفسرة ،ما أبعده عن
كما أن الكاتب لم يراجع نصه قبل الطباعة مباشرة والدليل على ذلك أن بعض الصفحات تكررت ،وهذا حدث ربما في ثالثة مواضع م��رة في صفحة ( )103وصفحة ( )104وصفحة ( 105إلى صفحة )107وصفحة ()147 وصفحتي ( 157و.)158
• كاتبة وناقدة من مصر.
اجلوبة -ربيع 1429هـ 69
مبناسبة بلوغه عامه السبعني
أبو سنة :غابت سلطة النقد واجنرفنا مع «الفرقعة»
> حاوره عصام أبوزيد (القاهرة) احتفل المجلس األعلى المصري للثقافة مؤخراً بمناسبة بلوغ الشاعر العربي الكبير محمد إبراهيم أبوسنه عامه السبعين ،وأبو سنة ارتبط اسمه بالرومانسية الشعرية في مرحلة ما ،وقال في ح��وار مع (الجوبة)« :إننا أصبحنا في مرحلة سلطة النص في مواجهة سلطة النقد» ورأى أن «من حق كل جيل أن يطرح رؤيته الخاصة ولكن ليس من حقه أن ينفي اآلخرين خارج األسوار ولو أن كل جيل قطع ما يربطه بالجيل الذي سبقه لما بقي من تراثنا الشعري سوى موجة ضائعة». وفي ما يلي نص الحوار: < ارتبط اسمك بالرومانسية ،فإلى أي م��دى نجحت الرومانسية في الصمود أمام المدارس الحديثة؟
م����واج����ه����ات 70
> ما معنى الرومانسية؟ الرومانسية كمذهب فني تجاوزها الزمن ،ألن حركة الشعر الحديث منذ منتصف األربعينيات كانت انتهاكاً لحصون الرومانسية وبرجها العاجي – لقد احتلت الواقعية والحداثة الشعرية والتيارات التجريبية قلعة الشعر العربي طوال الخمسين عاماً الماضية ،وظهرت ألوان من الشعر تراوح على لوحة فسيحة بين أقصى اليمين الشعري وأقصى اليسار الشعري؛ فمن حيث الواقع اإلبداعي ،نجد شعراء ينتمون إلى مدرسة شوقي الكالسيكية ،ويكتبون قصائدهم ويلقونها اآلن في المحافل ،ونجد شعراء يذكروننا بمدرسة علي محمود طه وإبراهيم ناجي – ولكن التيار الرئيسي في حركة الشعر العربي اآلن هو التيار الذي أسسه الرواد وتابعهم بعد ذلك شعراء من األجيال المختلفة ،على الرغم من أن هذا التيار الرئيسي ينضوي تحت راية الواقعية والحداثة الشعرية والتجريب الشعري ،إال أن الهاجس الرومانسي ظل يسري في شرايين قصائد بعض شعراء الحداثة ممتزجاً بالوجدان المعاصر؛ ذلك ألن الواقع العربي نفسه لم يتخلص كلية من الشروط النفسية والعاطفية التي أدت إلى ظهور الرومانسية في الثلث األول من القرن العشرين ..الرومانسية كإحساس عميق بالذات ،وصراع الذات مع العالم ،وقلق الوجدان أمام تحوالت الحياة ،هاجس أبدي ال يخلو منه أي إبداع شعري أو أدبي ،وهناك شعراء كبار يمكن أن يندرجوا تحت مفهوم اجلوبة -ربيع 1429هـ
الرومانسية بالمعنى ال��واس��ع وال��ع��ص��ري لهذه الكلمة ،ومنهم على سبيل المثال نزار قباني الذي هو في جوهره شاعر رومانسي ،ولكنه استطاع أن يحطم القوقعة الرومانسية ،ويتحرر مستفيداً من تجارب عصره ومغامرات الحداثة الجديدة، فكتب قصيدة هي في جوهرها رومانسية ،ولكنها تنهل من الواقعية والحداثة الشعرية والتجريب الشعري ..وأنا أراهن على الزمن أن يحسم وحده ليس مصير الشعر العربي ،ولكن مصير هذه األمة كلها. < ل��ك إس��ه��ام��ات نقدية اح��ت��واه��ا أك��ث��ر م��ن كتاب، ك���ان آخ��ره��ا (ظ�ل�ال ن��ق��دي��ة) .ف��ه��ل ل��دي��ن��ا اآلن حركة نقدية فاعلة تستحق أن نطلق عليها هذه التسمية؟
ال��ت��ي تحملها رس��ال��ة ال���رواد إل��ى األج��ي��ال التي جاءت بعدها؛ بمعنى أن النقد اكتفى بالتشجيع، وفاجأت الحياة األدبية تيارات نقدية مثل البنيوية والتفكيكية وما بعد الحداثة ،ساهمت في تدمير العالقة بين القارئ والمبدع ،ألن الخطاب النقدي أصبح نوعاً من الفرقعة ،وهنا افتقدنا ما يسمى بالسلطة النقدية. والسلطة النقدية ف��ي رأي���ي تعني م��ا يعطيه الرأي العام لشخصية نقدية؛ بحيث يصبح لهذه الشخصية تأثيرها على هذا ال��رأي العام ،هذه الشخصية تكون قادرة على إلهام المبدع وتوجيه الحياة األدبية في اتجاه المنظومة الجمالية التي يدعو لها الناقد من الجيل الجديد. وبسبب غموض الخطاب النقدي ،فإن الرأي العام لم يجد من يبايعه ،وافتقد هذا الوسيط ال��ش��ج��اع ال���ذي يعطي االن��ط��ب��اع بالموضوعية والنزاهة األدبية ..وهذا ال يعني أنه ليس لدينا نقاد بل لدينا اآلن عدد من أفضل نقادنا الذين قطعوا شوطاً بعيداً ،ولكن اعتقد أننا أصبحنا في مرحلة سلطة النص في مواجهة سلطة النقد.
> في مرحلة الريادة التي مرت بها تجربة الشعر الحديث ،ك��ان ال بد من مساندة عمالقة النقد األدبي للتجربة الوليدة ،وقد وقف محمد مندور ول��وي��س ع���وض وع��ب��دال��ق��ادر ال��ق��ط وع���ز ال��دي��ن إسماعيل وشكري عياد ورجاء النقاش لتشجيع هذه الحركة وإبراز رموزها .وكان هذا الجيل من النقاد بما أتيح له من ثقافة موسوعية وصالبة < كيف ترى مسألة الصراع بين األجيال؟ فكرية وشجاعة أدبية يمثل سلطة حقيقية للنقد > .ما زلت أعتقد أن الحاضر ينبثق من الماضي وأن وحين أق��ول سلطة نقدية ،أعني وضع المعايير المستقبل ينبثق منهما معاً ،وأن المقولة التي تقول وال��ق��درة على التمييز بين الحقيقي وال��زائ��ف، ال شيء يأتي من ال شيء مقولة صحيحة؛ولهذا واألخ��ذ بيد الصاعدين من األج��ي��ال الجديدة، ف��إن تفاعل األج��ي��ال ب��دالً م��ن حروبها ه��و أنفع بحيث يمكن أن تكون للكلمة النقدية مصداقية لحركة اإلبداع الشعري ويأتي التفاعل الصحيح تاريخية لدى الرأي العام األدبي .واعتقد أن هذا ح��ي��ن ت��ت��م م��واج��ه��ة م��ا ه��و حقيقي ف��ي الشعر الجيل ساعد حركة الشعر الحديث على الرسوخ العربي ب��روح االتفاق والموضوعية ،واعتقد أن واالستمرار ،ولكن األجيال الجديدة من النقاد إهمال دراس��ة جيل الستينيات خلق فجوة بين تأثرت بما لحق بالحياة الثقافية من تطورات؛ هذا الجيل وجيل السبعينيات ،ولهذا فأنا أرى فقد اعتقد معظم النقاد أن حركة الشعر الحديث أن على النقد أن ينهض بتأسيس الجسور التي قد بلغت سن الرشد ،وأنهم خاضوا من أجلها تعبر عليها األجيال الشعرية المختلفة ،ومن حق م��ع��ارك ح��اس��م��ة وع��ل��ي��ه��ا أن ت��واج��ه مصيرها كل جيل أن يطرح رؤيته الخاصة ،ولكن ليس من وحدها ،واتجهوا إلى النقد المسرحي والدراما حقه أن ينفي اآلخرين خارج األسوار .ولو أن كل والقصة القصيرة ما كان له أثر واضح في إثارة جيل قطع ما يربطه بالجيل الذي سبقه لما بقي من تراثنا الشعري سوى موجة ضائعة في غياب البلبلة لدى األجيال الجديدة حول القيم الفنية
اجلوبة -ربيع 1429هـ 71
اعتبر األدب العربي ذا طبيعة مزدوجة مثل شخصياتنا:
أحمد الواصل« :سورة الرياض» عن جيل تسحقه الهوية الضائعة!
> حاوره :محمد جنيم ..عرفناه ناقداً ،وشاعراً يحمل مشروعاً أكيداً ،صدرت له روايته األول��ى« :سورة الرياض» (الفارابي 2007م) الفائزة بجائزة الرواية من مؤسسة الصدى الثقافية في اإلمارات العربية المتحدة. «سحارة َّ أحمد الواصل ،كتب دراسات في الغناء الخليجي والعربي ت َوّجَ هُا بكتاب مهم: الخليج» (الفارابي 2006م) ،كما أصدر مجموعات شعرية كان آخرها «تمائم» (االنتشار العربي 2007م) ،ولكن ..يبقى الحديث عن السرد ،فاكتشف أشياء جديدة في األدب العربي ،والثقافة الشعبية ،وأشياء أخرى نطالعها في هذ الحوار. < القليل من يعرف أنك قدمت أطروحتك الجامعية عن السرد ،،وذلك ما يوحي إلى وج��ود عالقة مع السرد وتاريخه ،فقد قدمتها حول الرواية السعودية ،ولم تختر الشعر ،أليس كذلك؟ > نعم ،هي دراسة نقدية بمنهج تأويلي حول إحدى روايات المرحلة الثالثة (-1980 2000م) في الرواية السعودية ،وك��ان النموذج« :لغط موتى» ،ليوسف المحيميد، فتناولت مسائل عدة منها :البنية األدبية ،والتفاعل النصي ،والدرس المقارن ،منتهياً إلى كشف البيان الروائي للمحيميد ،وقد أشرف عليها الناقد واألستاذ الجامعي صالح بن زياد الذي ساندني بثقة وتواضع متناهيين. < تحدثت عن مرحلة ثالثة ،فما هما المرحلتان األولى والثانية؟ وما هي األسماء التي تحضرها؟ وهل من مرحلةٍ رابعةٍ ؟ > تمثل المرحلة األولى (1959-1930م) تأسيساً ،بالهوس الوعظي والهاجس التربوي، في طابع أدبي حائر بين القص والحكاية ،رومانسي المزاج ،عند محمد الجوهري (االنتقام 1930م) وأحمد السباعي (فكرة 1946م) حتى حامد دمنهوري ،ثم مرحلة انتقالية بأسماء عدة لم تستمر ،ولكن هيأت المرحلة الثانية (1980-1960م) ،الكاشفة
72
اجلوبة -ربيع 1429هـ
ال بين جنس الرواية والقصة القصيرة حداً فاص ً مع سميرة بنت الجزيرة ،وعبد الرحمن منيف، وجيل الغرباء ،مثل :فهد الخليوي وحسين علي حسين؛ وأم��ا المرحلة الثالثة (2000-1980م) اتضحت تيارات أسلوبية كالرمزية والرومانسية المستحدثة والتخييلية ،وحنين الريف وصدمة المدينة ،ومنهم :ه��دى الرشيد ،وهند باغفار، وعبدالعزيز مشري ،وتركي الحمد.. < إذاً ..أين جيل رجاء عالم ،وعبده خال؟ > هذا الجيل مع المحيميد وبدرية البشر وأميمة الخميس وغيرهم ،يلحقهم لكونه أنجز انشقاقاً يكوّن المرحلة من داخل المرحلة الثالثة ،وبذلك ِ االن��ت��ق��ال��ي��ة إل���ى ال��م��رح��ل��ة ال��راب��ع��ة ،ال��ت��ي تتسم بتقويض ل��ل��م��دارس واألس��ال��ي��ب ،عبر الوسائل السردية ،تعبيراً عن الهوية المتشظية التي تشمل كل من جاء بعدها.. < خالل عام واحد ..صدر العديد من الروايات قياس ًا بما سبق ،فكان اإلنتاج غزيرا ..أليس كذلك!؟ > ال أعتقد ذلك ،فالروايات التي ستبقى قليلة جدا، وما سنذكر أسما ًء للتاريخ ال أعماالً ،وفي هذا فرق كبير.
أدبنا سالفة وقصيدة < كيف تصنف قراءاتك األولى ،وحتى يومنا هذا، أهي شعرية خالصة أم سردية أم ماذا ..؟
وال����ب����ط����والت، وال����م����دي����حَ ����ة وال�����م�����رث�����ي�����ة، ك��ل��ه��ا ع��ن��اص��ر ق�����ص�����ص�����ي�����ة, ول������ذا وج���دن���ا ال�����ق�����ص�����ي�����دة تنزوي وحدها، ل������ت������ت������ح������ول ال������س������ال������ف������ة وال���س���ب���ح���ون���ة إل���������ى رواي���������ة وقصة قصيرة؛ ولكن األدب العربي ،في وضعه الطبيعي ..بعيداً عن تعقيمه وتطهيره ،ذو طبيعة مزدوجة ،فما ال تقوله القصيدة (الشعر) تؤديه السالفة (الحكاية) ،فال استغناء عن ذلك ،ونعرف أن رواة الشعر النبطي في نجد حافظوا على هذه المزية ،فلم يلوثهم ذلك الوهم النظري المستورد، وما كان ل��زوال السطوة األكاديمية إغريقياً في العصر العباسي إال سبباً في عودة األدب العربي في العصر األيوبي والمملوكي إلى طبيعته في: «أل��ف ليلة وليلة»« ،الزير سالم»« ،األم��ي��رة ذات الهِ َمّة» ،و«سيف بن ذي يزن» ،وأيام العرب كلها توصلنا مباشرة ودون عناء بمالحم وأساطير من ذات النسل لسومر وبابل في العراق ،وكنعان وفينقيا في الشام .وسترى نموذج جبران خليل ج��ب��ران ش��اع��راً وروائ���ي���اً ،وج��ب��را إب��راه��ي��م جبرا وغ��ادة السمان وسنية صالح كذلك على سبيل المثال..
> إن ما يميز األدب العربي ،وربما السامي منه، أن السرد والشعر ،جزء من بنية متشابكة ،وقد فشلت كل المحاوالت لفك جنس أدبي عن اآلخر، وما إن صدقنا وهمنا في انتفاء الوحدة العضوية < ،هل ترى أن تركيبة المجتمع في الجزيرة العربية تحاذي بين الشعر والسرد (القصيدة والسالفة) لقصيدة القرن الخامس الميالدي (الجاهلي كما لكونهما أدب ًا بصرف النظر عن اللغة واللهجة؟ ي���روق لبعضنا) ،كنا ط��ردن��ا العنصر الملحمي (التمثيلي) ،فوصف الرحلة والراحلة ،والمعشوقة > نعم ،بال أدنى جدال ،نحن نتاج الثقافة الشعبية
اجلوبة -ربيع 1429هـ 73
ال الرسمية ،وال أقصد بالشعبية الكليشيهات الرائجة حاليا في المجالت والفضائيات ،بل فيما ه��و اس��ت��م��رار لتاريخ ي��ع��ود إل��ى أل��ف سنة وربما أكثر؛ وال أدل على ذلك من أزمة المناهج > تقوم الرواية ،في أصلها على لعبة (الشخصية التربوية والتعليمية ،لكونها تعيق وتعرقل نمو االستقطابية)؛ فشخصية تركي (عن شباب عدة)، الذهن الثقافي ،فيقع في مطبات عسر التاريخ وكذلك سميرة (عن شابات عدة أيضاً) .واللعبة وعصابية اإليديولوجيا ،ف��األدب هو االصطالح في أساسها هي محاولة لتكريس روح البصرية الجامع للكتابة والقراءة ،التعلم والتربية ،الفنون التشكيلية على عدة أوجه ،فالوجه له دور حاضر واألس��ال��ي��ب ،واألدب ب��ي��ن وظيفتيه األزل��ي��ت��ي��ن: من خالل حيويته وحركته ،وصورته وقسماته .في الطقوسي (الديني) ،والثقافي (الدنيوي) ،وما الرواية وجوه لشخصيات من الممكن أن يراها غير ذلك فهو فضلة ال أساس.. بعض جيلنا تشبهه في لحظات ،مرة قريبة ومرة < هال ح ّ َدثتنا عن قراءاتك في فن الرواية عربي ًا غريبة ،وهكذا نحن واآلخرون.. ومترجمةً ؟ < في لحظة موت (ثناء) إحدى شخصيات الرواية شخصيتي تركي وسميرة ،تقومان بهذه المهمة، وتكسرهما بثالثة غير متوقعة ،فكيف جاء ذلك في أول رواية؟
> قرأت في الطفولة مجلَّدات من القصص العالمية الموجهة للناشئة ،بعضها ل��ح��ي��وان��ات ناطقة، و َّف َرتْها مجالت ،مثل :العربي الصغير والشبل ،ثم مكوّن عربي ثقافي قرأت الحقاً لجبران خليل جبران مع ألف ليلة > ليس (مكوناً وثنياً) ،،بل هو ِ وليلة ،وإحسان عبدالقدوس مع روايات مترجمة، طقوسي كان زمن الممالك العربية في القرون وب��ع��ده��ا ان��ت��ق��ل��ت إل���ى ق����راءة ن����وال ال��س��ع��داوي (المكوّن) ِ الميالدية األربعة األولى ،وما زال هذا وب��ورخ��س ،وصنع الله إبراهيم ومحمد شكري، ي��ف��ت��رش أرض ال��ج��زي��رة ال��ع��رب��ي��ة ،وم���ا ك���ان في وروايات أخرى ال تحضرني أسماء أصحابها وال الرواية قليل جداً.. أذكرها أيضاً.. < من العبارات السردية ذات اإليحاء العالي« :مهما سورة الرياض :الشرف والمكانة كانت نجد خرساء ،ففي وجوه أهلها صحف تحمل وطء الزمن عليها» ،فإلى ماذا كنت تلمح؟ < لماذا اخترت هذا العنوان :سورة الرياض؟ ل��م��اذا استدعيت (م��ك��ون�� ًا وث��ن��ي��اً) اإلل��ه��ة روض��ا، معبد روافة ،والملك النبطي ،والبخور الطقوسي لموكب الجنازة؟
> لم أختره عبطاً ،لكن كانت الموضوعات المسيطرة على العمل ،موضوعات عالمة المدينة ،وعالمتها هي تاريخها األركيولوجي ،وهو العراء (الصحراء) بحثاً عن منزلة أو ش��رف مكانة ،وم��ن هنا جاء العنوان..
> على الرغم من محاولة جمع المأثور الشفوي، من النتاج الثقافي ،نعرف أن تجربة رائ��دة في م��ج��ل��دات ع��دة أنتجتها مؤسسة ال��دائ��رة حول الثقافة التقليدية في المملكة ،أشرف عليها سعد الصويان ،إال أن في الوجه النجدي ما هو أبلغ من بحث أو تأريخ!
< لم تتورط في روايتك بـ (ال��راوي العليم) حيث يسيطر على أحداثها وشخصياتها ،بل جعلت من < أشرت في تتمة الرواية إلى عدة تواريخ :خريف
74
اجلوبة -ربيع 1429هـ
2002م ،ربيع 2003م ،صيف 2005م ،فإلى م��اذا > ف��رض��ت المرحلة التاريخية ،والبيئة المكانية كانت تشير تلك التواريخ؟ وك��ذل��ك الحياة االجتماعية وج��ود اآلخ���ر ،فهل يمكن أن ننكر وجود اآلخر على صعيد الجيرة في > تمت كتابة ال��رواي��ة كاملة ف��ي خ��ري��ف 2002م، البيوت ،والزمالة في العمل ..؟ ،ال أظن ذلك.. وأع���ي���دت صياغتها ب��ع��د تصحيحها ف��ي ربيع 2003م ،وبقيت ج��اه��زة ع��ن��دي حتى أعددتها < اع��ت��م��دت ق��ائ��م��ة م���ن اإلح�����االت ل��ن��ص��وص من بعد مراجعة نهائية لمسابقة مؤسسة الصدى أشرطة وصحف ،كتب ودراسات ،بحوث ومقاالت، الثقافية ،وبعد أن طلبتها دار الفارابي ..وفوزها فهل هذه عملية (تناص) أم هي أسلوب يتع ّ َداها ال كامالً. بالجائزة ،أضفت فص ً إلى أمر آخر؟ < لكونك ناقدا في الموسيقى ،فهل أقول إن النص > بال شك ،لعبة النص الروائي هي (التناص) أو ما ال���روائ���ي ي��وح��ي بحركتين أدعوه ب ِـ (وسائلية سردية) ،بعد زمنيتين :واحدة تشبه ألحانا أن تحدثنا ع��ن طبيعة األدب ع��ص��ري��ة (ق��ل��ق��ة وم��ت��وث��ب��ة)، ال��ع��رب��ي ،بين الشعر وال��س��رد، وأخ�����رى ق��دي��م��ة (ط��ق��وس��ي��ة وربما السيرة والمثل ،فإن في ونج َو َيّة)؟ ال��ن��ص ال���روائ���ي ف��رص��ة لدمج وسائل ومعارف العصر ،لكونها > ن�����ع�����م ،س���ت���ج���د ال���ح���ك���اي���ة مواداً أدبية كمقاالت الصحف، وال���ق���ص���ي���دة ف����ي أص��ل��ه��م��ا أو م���واد علمية معجمية ،وما حالة (ت��ذ ُكّ��ر تخييلي) ،وأما سوى ذلك. الموسيقى ،فهي حالة (خلق
َّ ذاك����رة) ،ورب��م��ا ل��م يتيسر ل��ي اس��ت��دع��اء ماضي < اعتنيت بالحوار جيداً ،فلم تقع في عامية كاملة، الحكايات القريب والبعيد إال بموسيقى سردية! تفصح الحوار حتى يفقد طبيعته العفوية، ولم ِ ّ فكيف كانت هذه العملية؟
اآلخر معنا في البيت والعمل
< هناك لعبة زمنية ذات مسافات بعيدة :دخ��ول إب��راه��ي��م ب��اش��ا إل���ى ن���ج���د1818-م ،وه��زي��م��ة (أو احتالل القدس) 1967-م ،وحرب الخليج الثانية- 1990م ،كيف استدعيت هذه لتلك؟ > الحالة االجتماعية ،واألزم��ة الحضارية ،والعبث الثقافي كلها أسباب كانت وراء تلك اللعبة كما تقول! < لماذا يحضر اآلخ��ر كثيراً ،مثل :المسيو ميرو، والصحفية جيرالدا ،ومينا وديبورا ،وسواهن؟
> لقد خضت صراعاً خفياً بين تحويل الصوت المنطوق غير المعتمد في الفصحى ،إلى إيحاء، وليس تصويتاً ،فهل تعقل كتابة نطقنا النجدي لحرف القاف :طريق (ز) وحريق (ز) ،أو كاف الخطاب المؤنث في عندك (تس) و(وشلونك ال (تس) .إنه من الصعب ما لم يكن مقامه عم ً مسرحياً أو تلفزيونياً أو سينمائياً ،ولكنني وج���دت أن ب��ع��ض ال��ج��م��ل ال��ح��ال��ي��ة وال��ص��ف��ات ض��روري بقاؤها كما ه��ي ،فلعلها أبلغ من أي وصف آخر ،ولو كان مرادفاً ،سيؤخذ ميتاً من المعجم!
اجلوبة -ربيع 1429هـ 75
الشاعر سميح القاسم:
أنا الشاعر األخير على الكرة األرضية > حاوره محمد احلمامصي يعد الشاعر الفلسطيني سميح القاسم واح��داً من رواد حركة الشعر الفلسطيني الحديثة ،احتلت تجربته وال تزال موقعا بارزا في مجمل الحركة الشعرية العربية ،بما حملته من تنوع وثراء وتطور على مستوى الرؤية واألسلوب ،وقد احتفي بها نقديا في كافة األقطار العربية ،وتناولتها بالدراسة والتحليل أقالم كبار النقاد ،كما حظيت بالترجمة إلى مجمل اللغات العالمية ،صدر له أكثر من ( )50كتابا في الشعر والقصة والمسرح والرواية والترجمة ،ونشرت كلها مجمعة في سبعة مجلدات وصدرت عن ثالث دور نشر في القدس وبيروت. وقد ك ُِرّم الشاعر الكبير ،وحصد عددا من الجوائز والدروع وشهادات التقدير وعضوية الشرف من عدة مؤسسات عربية ودولية. ولد القاسم لعائلة فلسطينية في مدينة الزرقاء األردنية عام 1929م ،وتعلّم في مدارس الرامة والناصرة .وعلّم في إحدى المدارس ،ثم انصرف بعدها إلى نشاطه السياسي قبل أن يترك الحزب ويتفرّغ لعمله األدبي ..سجن القاسم أكثر من مرة ،كما وضع رهن اإلقامة الجبرية بسبب أشعاره ومواقفه السياسية .من أعماله الشعرية :مواكب الشمس أغاني الدروب دخان البراكين سقوط األقنعة رحلة السراديب الموحشة ديوان سميح القاسم الموت الكبير وغيرها كثير.. < أين تقف تجربتك الشعرية اآلن؟ > تجربتي الشعرية ال تقف إال يوم يتوقف قلبي ،أما أين هي؟ فهي جزء موضوعي من هذه الكينونة الساقطة للحياة العربية المهينة والمشينة بال رحمة ،وأحاول
76
اجلوبة -ربيع 1429هـ
رغم السنين والعذابات وحوادث الطريق وهذا العكاز ،أن أتابع الخطى منتصبا قدر اإلمكان. ال أريد أن أقول مقاوما أو متحديا ،بل أستعير كلمة للشاعر لوركا حين سُ ئِل لماذا تتدخل في السياسة وأن��ت شاعر؟ ق��ال :أن��ا ال أتدخل في السياسة بالمفهوم اليومي المألوف ،أنا أدافع عن ابتسامتي ..أنا أستعير هذا القول مع تغيير طفيف :أنا أدافع عن دمعتي ،وبهذا المعنى أنا الذي هو قصيدتي وال شيء آخر على اإلطالق، أح��اول العثور على حفنة ه��واء نظيف لرئتي، وأح��اول العثور على كلمة نظيفة من القاموس (ال��وس��خ) ،ألنني أحترم شفتي ،أحترم صوتي < ،عنيت قصيدتك ب��ال��ه��م ال��ع��رب��ي ع��ام��ة وال��ه��م أحترم قصيدتي ،أعتقد أنني ألعب الشطرنج الفلسطيني خاصة؟ مع الموت ،سأكش ملكه إلى حين ،وفي نهاية المطاف سيكش ملكي ،وكل ما في األمر أنني > جملة اع��ت��راض��ي��ة على ال��س��ري��ع ،قصيدتي لم تعن ال بالهم العربي وال بالهم الفلسطيني ،وال أري��د أن أتهاوى على رقعة الشطرنج دون ألم بالهم الكوني ،قصيدتي عنيت بهمي الشخصي، ش��دي��د ،وال أع��ن��ي األل���م ال��ج��س��دي طبعا ،لكن هي قصيدتي الشخصية والموغلة في ذاتيتها أعني األلم األشد ..ألم الروح ،ألم الوجدان ،ألم الحقيقية ،ول��ي��س��ت ال��ذات��ي��ة المستنسخة أو الذاكرة ،وألم الشعر. المستوردة أو التي تقلد وت��س��رق وتسطو هنا < ماذا عن حجم التطوير الذي لحق بقصيدتك وهناك على ذاتيات اآلخرين ،قصيدتي هي بنت في السنوات األخيرة؟ همي وهاجسي ووجعي وقلقي وغضبي ،وبما > أن���ا ل��س��ت م��ن��ش��أة تنتج ال��س��ي��ارات ،أو أج��ه��زة أنني -كما ي��ب��دو -عضو ملتحم بشعب ووط��ن الكمبيوتر ،أو ال��س��اع��ات أو أق�لام الحبر ،أنا وإنسانية .فحين عبرت قصيدتي عني ،يبدو أنها ش��اع��ر ،واع��ذرون��ي على إح��س��اس��ي المتواضع عبرت عن الشعب الفلسطيني وعن األمة العربية بأنني الشاعر ربما األخير على الكرة األرضية، وعن األمة اإلسالمية ،وعن المضطهدين ،وعن هذا إحساس متواضع جدا ،ألن المفهوم الرائج الفقراء والمحرومين والمقموعين في كل بقاع من التجديد والتطوير والتحديث والحداثة في األرض .يسعدني أن��ن��ي حيث ذه��ب��ت ف��ي هذا الحياة الشعرية العربية والثقافة العربية والفكر ال��ع��ال��م ،حيث ت��أخ��ذن��ي ق��ص��ائ��دي بالعربية أو العربي والوعي العربي هو من قبيل (الدعارة بالترجمات األخرى ،أجد لها أهلها وجمهورها، الثقافية) واستنساخ وضيع وتافه ،بهذا المعنى حيث أذه���ب ل��ه��ذه القصيدة أص��دق��اء وأح��ب��اء أن��ا خ��ارج ه��ذه اللعبة ،قصيدتي تطور نفسها رائعين ،لذلك ال أدعي التأطيرات ،أصال تعبير ب��اس��ت��م��رار بما ل��م يجترحه أي ش��اع��ر عربي، شعراء المقاومة أن��ا رفضته منذ البداية ،أنا حسب توصيف النقاد المحترمين والجادين ،وال لست واحدا من سرب ،لست واحدا من قطيع، أعني نقاد المائة دوالر ،نقاد الوجبات السريعة، أعني النقاد المحترمين ،يعتقدون -ول��ي أن أؤي���ده���م -أن ق��ص��ي��دت��ي ع��رف��ت ك��ي��ف تعيش وتنمو وتتطور بما تريد وبما ينبغي أن تريد دون مشاعر دونية ،ال إزاء شاعر فرنسي أو إنجليزي أو أمريكي أو روسي أو ياباني ،ودون سقوط في مستنقع االستحداث االستنساخي السائد في الشعر العربي اآلن ،وبالتواضع نفسه أقول إن الحداثة العربية الشعرية التي تؤمنها قصيدتي هي حداثة معافاة ،ولن يعلو عليها صوت بإذن الله ال اليوم وال غدا.
اجلوبة -ربيع 1429هـ 77
ل��س��ت ف���ردا م��ن م��ج��م��وع��ة ،ال ع�لاق��ة ل��ي بأية مجموعة وب��أي إط��ار وب��أي��ة ح��رك��ة( ،أن��ا لست جزءاً من الحركة الثقافية العربية) ،لست جزءا من شيء ،وقصيدتي ليست جزءا من أية حركة < هل تعتقد أن الجمهور العربي ق��ادر اآلن على وأية مجموعة ،أعلن براءتي من كل التسميات تلقي القصيدة؟ واألط���ر واالدع����اءات التي تحاصرني بفجاجة وبقلة ذوق وبقلة أدب أيضا ،هذه قصيدتي هي > (سؤال غريب مجوبش عليه) لكن سوف أجاوب عليه ،لدينا جمهور رائع ،يؤسفني أن أقول لك تسوقني ،أنا لم أسوّق قصيدتي في أي وقت من م��ا ه��و م��ع��روف ف��ي اإلع�ل�ام ،أمسياتي ف��ي كل األوقات ،هي تسوقني ،هي تقودني ،هي تأخذني األقطار العربية تحضرها حشود كثيفة ،وتتدخل إلى حيث شاءت. ال��ش��رط��ة لتنظيم السير، < ع���ذرا ..ف��ي ض��وء هذه الحمد لله عندنا جمهور ال��رؤي��ا التي طرحتها رائ��ع ،المشكلة ليست في م������ا ه������و م���ف���ه���وم���ك ال��ج��م��ه��ور ،ال��م��ش��ك��ل��ة في للشعر؟ القصيدة ،القصيدة التي > ليس ل��دي أي مفهوم ت���أت���ي ل��ل��ج��م��ه��ور ال��ع��رب��ي ل��ل��ش��ع��ر ،وأع��ت��ق��د أن بلكنة فرنسية ال يفهمها كل من يدعي أن لديه ليس مطالبا بمعانقتها، مفهوما قاطعا ونهائيا للشعر ي��ك��ذب ويدعي أن��ا ال أستطيع أن أت���زوج ام���رأة ال أتقن لغتها ويهرطق ،ثم إنني لست مطالبا بأن يكون لدي وال تتقن لغتي ،كيف يمكن أن تتم قصة حب مفهوم للشعر ،أت���رك ه��ذا للنقاد وال��م��دارس مع ام��رأة ال تتقن لغتك وال تتقن لغتها( ،ربما النقدية والباحثين والمحللين السيكولوجيين، يحدث ذلك لدى جارسيا ماركيز) ،ماركيز يؤلف لكن باختصار أستطيع أن أتحدث عن نفسي رواية حب جميلة ،أما الحياة فال تقول هذا ،إذا التي هي أم قصيدتي ،أنا إنسان ..في النصف كان الشعر يكتبه المرء ليضعه في درجه الخاص األول من عمري صدقت كل ما قيل ،في النصف فهذا شأنه ،لكن حين تنشر قصيدة أو تُقرأ على الثاني من عمري ال أصدق شيئا على اإلطالق، منبر أو منصة أو تنشر في صحيفة إن أحبت أو على اإلطالق ،على اإلطالق ،لماذا أكتب؟ ليس لم تحب هي مطالبة بالتواصل مع من يقرؤونها، لتحرير شعب وال وط��ن وال أم��ة ،أكتب ألحمي إذا كانت عاجزة عن هذا التواصل فلتذهب (في نفسي من الجنون ومن فكرة االنتحار ،ألحمي ستين داهية) ستتحول إلى ورق��ة (تواليت) ،ال نفسي من الجنون واالنتحار فأنا أكتب ،وهذه تلوموا الجمهور ،اللوم يقع على القصيدة فقط، ال��ع�لاق��ة االستثنائية ب��ي��ن قصيدتي وجمهور هذا هو الجمهور ،عندنا مائة مليون أم��ي ،إذا الشعر ف��ي ال��وط��ن ال��ع��رب��ي ،وف��ي ال��ع��ال��م يبدو فشلت قصيدتي في إشعال بصيص من النور ناشئة ،عن كون ماليين البشر في العالم أيضا ومن النار في أعماق هذا الجمهور األكاديمي يريدون أن يحموا أنفسهم من الجنون واالنتحار، واألمي ،فهذا يعني أنها غير مبررة ،غير مؤهلة
ه���ذا االن��س��ج��ام ب��ي��ن ن��ف��س��ي ون��ف��وس��ه��م ،بين هاجسي وهاجسهم هو الذي يولد هذه العالقة االستثنائية بين قصيدتي وبينهم.
78
اجلوبة -ربيع 1429هـ
للحياة وللوجود ،لماذا تنشر في صحف وكتب وكاسيت وإنترنت؟ ألن هذا الضجيج المفتعل والتعالي على ال��ش��ع��ب ،يعني أن القصيدة ال عالقة لها بالشعب وبالوطن ،إذا كنت متعاليا على الشعب وعلى الجماهير وعلى الوطن فلي ذل��ك ،شرط أال أنشر في مطابع وصحف هذا الشعب وهذا الوطن وعلى إنترنت هذا الشعب وهذا الوطن ،أال أقدم قصيدتي ،ال مشكلة في الشعب وال في الوطن وال في الجمهور ،المشكلة في القصائد ،في اإلبداع. < في ضوء ذلك ما هي مشكلة القصيدة العربية م��ن وجهة نظرك على مستوى كونها قصيدة أوال؟
جون بيرس أو ت .س .إليوت فقط ،أنا قرأت سان جون بيرس وت .س .إليوت ،وقرأت الشعر األوروبي واألمريكي والياباني والروسي ،قرأت ما استطعت أن أق��رأ من شعر العالم ،لكن لم يصبني فيروس الشعر بالنقص تجاه أي شاعر بالعالم ،لدي أصدقاء من كبار شعراء العالم، لوي أراجون ،رفائيل ألبيرتي ،يانيس ريتسوس، وعدد هائل من كبار الشعراء -هائل نسبيا - ك��ان��وا على ص��داق��ة معي ،وه��ذه أم��ور منشورة إعالميا ،ح��وار ل��وي أراج���ون معي :إنني أحب قصيدتك ألنها قصيدة عربية ،ال أحب القصيدة المترجمة إلى الفرنسية عن اللغة العربية بعد أن ترجمت سابقا من الفرنسية ،هم ال يحبون أن نقلدهم ،يريدون صوتك ووجهك ورائحتك ولونك وطبعك وثقافتك وبيئتك ،ال يريدون أن تقلدهم ،أن تسرق منهم كما يفعل الكثير من أشباه الشعراء ،يسرقون من كل لغات األرض ويصيغونها بالعربية ويقدمونها للعرب :خذوا شعرا عربيا ،وبطبيعة الحال ..فالعرب ينفرون من هذا التقليد الوضيع وهذا االستنساخ الفج، ال��ع��رب ي��ري��دون قصيدتهم ،أعطهم قصيدتك فأنت تعطيهم قصيدتهم إن كنت واحدا منهم.
> أن��ا لست ن��اق��دا محترفا لكنني ك��ق��ارئ أقولها ب��ص��راح��ة ال ي��وج��د ش����يء ،ال ي��وج��د م��خ��ل��وق ي��ق��ال ل��ه قصيدة أوال ،ي��وج��د مخلوق ي��ق��ال له قصيدة أوال وأخيرا ،شعر أو ال شعر ،هذه هي المعادلة ،إم��ا شعر أو ال شعر ،وم��ا ع��دا ذلك فهو استنساخ ،هلوسات شعراوية ،وهذا لألسف الشديد في الوطن العربي منه كثيركثير ،أكثر من الهم على القلب ،لذلك فإن القول بالفصل بين القصيدة والشاعر ،بين القصيدة والبيئة، والقصيدة والتاريخ ،القصيدة والمكان ،هو هراء < إذاً ..أنت تؤيد االتهامات التي توجه تحديدا إلى تيار قصيدة النثر؟ أشخاص وش��ع��راء غير مثقفين ..ولدينا منهم أط��ن��ان ،قطعان ،قطعان م��ن ال��ش��ع��راء والنقاد > ال ..أبدا ،أبدا ،ليس لدي إشكال ال مع قصيدة والكتاب ،قطعان غريبة على الثقافة الحقيقية نثر وال مع قصيدة تفعيلة وال مع قصيدة العمود، وع��ل��ى المعنى اإلن��س��ان��ي ل��ل��ث��ق��اف��ة ،ه��ن��اك من أب��دا ،أب��دا أنا ضد توجيه االتهامات بالجملة، يعتقد أن القصيدة الجيدة هي القصيدة التي قصيدة نثر أو تفعيلة أو عمودية ،السؤال هو ال يفهمها الناس ،هكذا يعتقد البعض ،وبهذا شعر أو ال شعر ،هناك قصائد نثر ف��ي رأي��ي االع��ت��ق��اد ي��خ��رج نفسه م��ن التقويم اإلنساني، أفضل من أفضل قصيدة موزونة ومقفاة ..إلخ، ويفتقد الحس اإلنساني ،ألنه هو دون مستوى وهناك قصائد موزونة أحسن من ألف قصيدة البشر ،ليس فوق البشر وإنما دون البشر ،أو نثر ،فالشعر ليس بالشكل ،الشعر حالة وجدانية أن يعتقد أن الناس يجب أن يحبوا قصيدة سان وسيكولوجية وفنية وذوقية ،مازلنا نقرأ قصائد
اجلوبة -ربيع 1429هـ 79
ابن زريق البغدادي ونشتعل إح��س��اس��ا ب��ه��ا ،وق���د نقرأ ق��ص��ي��دة ن��ث��ر ل��ش��اع��ر حي اآلن وننفعل بها ،إذاً ليست ال��م��س��أل��ة م��س��أل��ة ش��ك��ل، هي مشكلة حالة شعرية، الشعر ح��ال��ة ،م��ن��اخ ،جو، فضاء ،كثافة معينة. < ه����ل ت���ت���اب���ع ه�����ذا ال���زخ���م الشعري الكبير من قصائد النثر ورأيك فيه؟ > ال أتابع ال قصائد النثر وال قصائد ال��وزن بما كنت أفعله في شبابي ،اليوم أنا انتقائي جدا في ق��راءات��ي ،لكن أق��رأ من حين آلخر قصائد نثر تعجبني ،وقصائد نثر تقززني ،وقصائد عمود تعجبني وقصائد عمود تقرفني ،وقصائد تفعيلة تمتعني وقصائد تفعيلة تغيظني ،إذاً الشكل ليس هو المهم وإنما الحالة التي تخلقها القصيدة، ال��م��زاج ،المناخ ،الطقس ،الكثافة ،تخلق شيئا مكثفا في نفسك وحولك ،الشكل شيء ثانوي، التكوين الشعري هو األهم ،أرفض أيضا الحديث عن الشكل والمضمون الشعريين ،أنا أتحدث عن التكوين الشعري هو كائن متكامل بشكله وبمضمونه ،ب��ص��وره ،بلغته ،بخياله ،بمزاجه، بسيكولوجيته ،هذا التكوين إما أن يكون شعرا حقيقة أو أن يكون زائفا ،والزائف ال يصل إلى الناس ،والحقيقي ببساطة يصل إليهم.
ال��ش��اع��ر الفلسطيني أعتبره إه��ان��ة أي��ض��ا ،أعتقد أن لدي ف��ي مصر م��ا يكفي ألن أك��ون ش��اع��را مصريا ،وف��ي العراق وف����ي س���وري���ا وف����ي ال��ب��ح��ري��ن وف��ي المغرب وف��ي ك��ل مكان، أن���ا ش��اع��ر ع��رب��ي ،ويسعدني أن عروبتي لم تفقد صداقتها لدى شعوب أخرى ،مترجم إلى كل اللغات الحية ،وحيث أذه��ب أج��د أصدقاء لقصيدتي ،أما أنا (شو شاعر فلسطيني ..ما حد يحصرني بها الجغرافيا الصغيرة). < إذ ًا كونك مقيما في فلسطين ..متابعا لتجربة شعرائها؟ > أنا مقيم ليس هناك فقط ،يوم أقيم في الرامة بلدي /قريتي على سفح جبل حيدر في الجليل، القرية الجميلة والجبل الهائل الجميل ،والمنطقة المدهشة ،في اللحظة نفسها وفي منزلي أهتم بحالة الطقس في الربع الخالي ،وبما يحدث في اإلسكندرية ،وأعيش ما يحدث في بغداد ،ما العمل؟ هذا تكويني النفسي. < الشعر العربي في فلسطين؟
> لدينا أصوات جديدة جميلة وجيدة ،وبطبيعتي أحب أن أستضيف في قراءاتي في كل العالم شاعرا جديدا ،صوتا جديدا استثنائيا ،ولدينا أصوات استثنائية جميلة جدا ،وأرجو أن تريح < أود س���ؤال���ك ع���ن م�لام��ح ال��ت��ج��رب��ة ال��ش��ع��ري��ة شيخوختي وأن تقدم لي الصوت الذي يعوضني الفلسطينية اآلن؟ عن صوتي. > رجاء ..أنا ال أحب أن أعرّف بالشاعر الفلسطيني < لكن بعض هؤالء الشعراء العرب الفلسطينيين ب��ال��م��ن��اس��ب��ة أن���ا فلسطيني وأع��ت��ز بفلسطين يرون أنك ومحمود درويش قد اختطفتما الشعر وشعبها وبثورتها وبنضالها وبكفاحها ،وعبرت العربي الفلسطيني؟ عنها ي��وم ع��ب��رت ع��ن��ي ،لكن وض��ع��ي ف��ي خانة
80
اجلوبة -ربيع 1429هـ
> هذا غير صحيح على اإلطالق ،أنا ترأست تحرير ع���دد م��ن ال��م��ج�لات وال��ص��ح��ف ،ك��ن��ت أف��ت��رض دائما وجود األصوات الجديدة ،أنا رأست اتحاد الكتاب العرب في الداخل لسنوات طويلة ،وكان هناك حضور مكثف لألصوات الجديدة ،حتى حين كنت أدع��ى إلى لندن أو إلى روم��ا أو إلى القاهرة ،كنت أشترط على أصحاب الدعوة أن أصطحب معي أصواتا جديدة وقديمة ،وأكثر < أش��رت إل��ى بعض مشكالت القصيدة العربية، من مائتي شاعر وكاتب وفنان أخرجتهم إلى لكن هناك مشكلة تبني بعض النقاد لمقوالت العالم على حساب دع��وات��ي الشخصية ،هذا أن ال��رواي��ة أصبحت دي���وان ال��ع��رب وأن الشعر ات��ه��ام ب��اط��ل وغ��ي��ر صحيح ومتجن ج���دا ،لكن العربي انحسر وتراجع وانصرف عنه المتلقي؟ م��ا العمل؟ هناك ح���االت ،يعني ف��ي تونس أبو > أنت تعلم أن الحياة العربية في هذه األيام هي القاسم الشابي ظهر بعده مئات الشعراء لكن حياة حرب طوائف ،وحرب قبائل ،وحرب عشائر، بقي ص��وت أب��و القاسم الشابي ،ال يعاقب أبو وفي هذا اإلطار يحدث خلل كثير وخراب كثير القاسم الشابي ،في مصر ظهر آالف الشعراء، في النفس وفي الوجدان وفي الفكر وفي الرؤية، وب��ق��ي ص���وت أح��م��د ش��وق��ي وح��اف��ظ إب��راه��ي��م ليست لدي مشكلة إذا كانت الحقيقة تتفق مع وخليل مطران ومحمود حسن إسماعيل وعلى هذا الطرح ،لو أن الرواية العربية بالفعل تطورت محمود طه ،هل نعدمهم ونعاقبهم كونهم بقوا؟ بهذا الشكل المدهش لتصبح ديوان العرب ،فال حرام ،يجب احترام التجربة اإلنسانية واحترام بأس في ذلك ،لكن الحقيقة هي أن الشعر ما الذاكرة والتاريخ ،والشعور بالعدائية مع األجيال زال ديوان العرب؛ ألنه ما زال الجنس األدبي خطأ كبير ،ص��راع األجيال في نظري أكذوبة، األرق����ى واألك���ث���ر ح��ض��ورا وت��ف��اع�لا ،وال���رواي���ة أنا مع تكامل وتداخل األجيال وليس مع صراع العربية مازالت في طور التكوين ،يجب أال نغتر األج��ي��ال وه��ذا م��ا قلته لشوقي ف��ي قصيدتي: بأن نجيب محفوظ حصل على جائزة نوبل ومن ونظل جيال ال ن��ف��ارق ج��ي�لا ..سمعتوني ،هذا ثم يعني ذلك أن الرواية أصبحت سيدة الموقف، م��ا قلته ألحمد ش��وق��ي ،أن��ا ض��د القطيعة بين مازالت الرواية العربية في طور التكوين ،وتتطور األجيال ،وجيل يقضي على جيل ،لسنا برابرة بشكل جميل جدا وأتتبع األعمال الروائية ،وعن ولسنا أكلة لحوم البشر ،والعكس تماما ناحيتي نفسي نشرت عملين يشبهان الرواية أسميتهما هو الصحيح ،شجعت أصواتا من فلسطين ومن حكاية أوتوبلوجرافية (إلى الجحيم أيها الليلك) مصر ومن لبنان وسوريا والمغرب ومن كل مكان، و(الصورة األخيرة في األلبوم) ،لكن هذا الكالم ويعرفون ذلك ،في لبنان في أمسية لي ولنزار يجوز في أمريكا الالتينية بعد رحيل كبار شعراء قباني ومحمود دروي��ش وألنسي الحاج أخذت أسبانيا لوركا ورافائيل ألبيرتي وبابلو نيرودا شاعرا لبنانيا شابا من يده إلى المنصة وقرأ ونيكوالسكين وكبار الشعراء باللغة األسبانية، وبروز جيل جابرييل جارسيا ماركيز وزمالئه من على منبري ،وزمالئي الشعراء ومنهم أبو توفيق علي هذا التصرف ،أنا أصعدته رحمه الله أخذوا َّ في لندن إلى المنصة وقلت له إقرأ إلى جانبنا، أن��ا أح��ب األص��وات الجديدة وأتمناها وه��ي ال تناقضني ،وإذا ناقضتني فهذا شيء جميل جدا، أي شاعر يأتيني إلى صحيفة أو مجلة أحررها بقصيدة تشبه قصيدتي أط��رده قائال :إذهب وجئني بصوتك ،بوجهك ،بصورتك.
اجلوبة -ربيع 1429هـ 81
الروائيين العظام ،بعد تأصل الرواية في أمريكا الالتينية إلى هذه الدرجة أصبحت الرواية ديوان أمريكا الالتينية وهذا غير قائم عندنا.
وهناك مشكلة أخرى هي انتشار األمية بشكل مروع، وأمية ليست فقط بالمفهوم القديم بل بالمفهوم الجديد ،أمية ال تتقن التعامل مع الكمبيوتر ،مع اإلنترنت ،مع التكنولوجيا الحديثة.
أما بالنسبة لتراجع حجم التلقي للشعر ،فهذا صحيح ،صحيح لكنه خدعة بصرية ،دار النشر < أال ت���رى أن ه��ن��اك سببا أخ���ر م��رت��ب��ط بتطور التي كانت تطبع من ديوان شاعر معروف عشرة القصيدة العربية؟ آالف ،أو عشرين ألف نسخة ،أو خمسين ألف > ال ..ه��ن��اك س��ب��ب س��ي��اس��ي وه���ذه اإلج��اب��ة قد نسخة ،أو م��ائ��ة أل��ف نسخة مثال -وه���ذا ما تفاجئك وتفاجئ الكثيرين لكني ال أحب اللف كنت أسمعه من دور نشر تطبع لي ولزمالئي وال����دوران الشعر وال��ف��ن والشعر بشكل خاص اليوم تطبع أق��ل من ذل��ك ،وسبب ه��ذا ليسلعب دورا تاريخيا ف��ي تعبئة الجماهير ضد ان��ح��س��ار اه��ت��م��ام ال��ن��اس بالشعر ،لكن بسبب األنظمة ،ضد االستعمار ،ضد الحكم األجنبي، وس��ائ��ل االت��ص��ال والتلقي ال��ج��دي��دة كاإلنترنت ث��م أف���رز االس��ت��ع��م��ار أن��ظ��م��ة ال��ح��ك��م المحلية والتليفزيون ،قراءتي الشعرية في أي بلد عربي العسكر (العسكريتارية) ،ونفوذ السلطة ..أصبح يشاهدها الماليين ،الكتاب يقرؤه مئات اآلالف، هناك اشتباه بين السلطة االستعمارية والسلطة لكن التليفزيون واإلن��ت��رن��ت يصالن للماليين، القمعية العربية ،والشاعر أصبح في ورطة ،لو وأح��د الناشرين اق��ت��رح أن أع��د ل��ه (س��ي دي) كتب قصيدة ضد وضع اجتماعي أو اقتصادي لقراءة شعرية وقدمت له بالفعل أكثر من (سي أو س��ي��اس��ي أو ف��ك��ري ،رأس���ا ي��ق��ال إن���ه عميل دي) ،ومن قبل قدمت كاسيتات ق��راءة شعرية، أجنبي ،وال صوت يعلو على صوت المعركة وال اآلن هناك صاحب مؤسسة ترتبط باإلنترنت صوت يعلو على صوت الثورة ،ومثل هذا الكالم علي فيديو كليب شعري (يضحك ويقول: يقترح َّ اإلنشائي ،فهناك حالة قمعية جديدة فيما مضى الخالف على الراقصات). كانت واضحة بين المثقف العربي واالستعمار إذاً ..اخ��ت��ل��ف ش��ك��ل ال��ت��واص��ل ب��ي��ن الجمهور األجنبي ،اآلن بين المثقف العربي وبين السلطة والقصيدة .مسألة أخرى أن الكتاب أصبح ثمنه (الوطنية) ،وأكثر من ذل��ك :األنظمة أصبحت غاليا ،فحين تكون الطباعة أقل يصبح الكتاب أكثر ذكاء ،فهي تشتري الذمم واألقالم ،وتشتري أغ��ل��ى ،يتقلص ال��ق��راء فيرتفع س��ع��ر ال��ك��ت��اب، الشعراء والمبدعين واإلعالميين ،حقيقة يجب ألن الناشر أيضا هو مشروع اقتصادي وليس أال نتغافل عنها أو نتناساها أو نتجاهلها ،هناك مشروعا ثقافيا فحسب ،وال ألومه على ذلك، شراء لألقالم ولكل شاعر ثمن ،ولكل روائي ثمن، والوضع االقتصادي له دوره ،حيث يعيش أكثر ولكل إعالمي ثمن ،هناك قائمة أشبه بقائمة من خمسين بالمائة من أبناء األمة العربية على الطعام في المطاعم ،لكل وجبة ثمن ،والشعراء أقل من دوالر في اليوم ،وفق إحصائيات األمم واألدب���اء والمثقفون مذلولون .تحولوا إل��ى نوع المتحدة وجامعة ال���دول العربية .إذاً رغيف من العبيد واألرقاء عند النظام ،عند المؤسسة، الخبز أهم عندهم من القصيدة وأهم من الورد عند السلطة أو عند الشركة االقتصادية ،نحن وأهم من اللوحة. نتجاهل هذا االنهيار الروحي في الحياة العربية
82
اجلوبة -ربيع 1429هـ
قصيدة عربية مازالت قائمة بكل عنفوان وبكل هيبة وج��ب��روت ف��ي الحياة العربية ،القصيدة العربية موجودة هناك ،لكن هناك أطنان للذين تحولوا إل��ى قطعان ،الشعر تجربة ف��ردي��ة ،إن كنت فردا متميزا ولقصيدتك عنفوانها وكرامتها وإبداعيتها الخاصة بها ،غير المستنسخة ،غير المنقولة ،غير المستعارة ،ستجدها في صدارة الروح العربية ،ألنها مازالت ديوان العرب.
وف��ي الثقافة ال��ع��رب��ي��ة ،ه��ن��اك ان��ه��ي��ار أخالقي وروح�����ي وث��ق��اف��ي وأص���ب���ح ال��ش��ع��راء وال��ك��ت��اب يفرضون رقابة ذاتية على أنفسهم ،والشعراء يتبرؤون من القضايا السياسية ومن المقاومة الشعبية في فلسطين ولبنان والعراق وفي كل مكان ،يتبرؤون من معاداة الصهيونية ومن معاداة االستعمار ،يتقربون من األجنبي ،يتقربون من المؤسسات األوروب��ي��ة واألمريكية التي تغدق الجوائز والمكافآت واإلغراءات ،وهناك هستيريا < الشعراء الشباب يرون أن قصيدة العمود وقصيدة نوبل ،هناك مثقفون عرب يحلمون بنوبل ،وطبعا التفعيلة لم تعد أي منهما قادرة على االبتكار نوبل ال تأتي لمن يحلم بها ،هي تأتي لمن تريده وال تقديم صورة أو رؤية جديدة للشعر؟ المؤسسة الحاكمة عولميا ال��ـ CIAوالموساد والحكومات والسوق األوروبية ،هم من يوزعون > ي��ا أخ��ي محمد اسمح ل��ي ،ه��ذا ك�لام سخيف، هذا كالم يقوله أشخاص غير موهوبين وغير جوائز نوبل ،ونوبل ليست شرفا أدبيا ،ولألسف مثقفين وغير مدركين لطبيعة العملية اإلبداعية، هناك مثقفون عرب مسعورون ،كأنهم ال يجدون االع��ت��راف إال إذا نالوا نوبل ،وبالمناسبة أنتم الذي يقول إن العروض انتهى زمانه كمن يقول تعرفون قصتي منذ أكثر من عشر سنوات مع لرسام ارسم بدون أل��وان ،األل��وان انتهى زمنها، مشروع خذ جائزة إسرائيل وبعدها نوبل ،وطبعا أو كمن يقول لنحات اصنع تمثاال بدون جرانيت، قلت ال أريد ال جائزة إسرائيل وال جائزة نوبل، الجرانيت قديم انتهي زمنه ،هذا ادع��اء من ال وال أري��د أي جائزة ،الجائزة التي تأتيني أهال ي��ع��رف ،يعني ال���ذي ال يتقن ال��ع��روض سيكره وسهال ،الجائزة التي تأتيني عن طيب خاطر ويحارب العروض ،ألنه ال يتقنه ،يقولون العروض وبصدق أهال وسهال ،جائزة مشروطة ال ،جائزة واألوزان والقوافي قيود تقيد الشاعر والمخيلة أدفع ثمنها ال ،ولألسف هناك من العرب وغير العربية ،أن��ا أق��ول إن ال��ع��روض وال��ق��واف��ي هي ال��ع��رب ،ه��ن��اك ش��ع��راء وأدب����اء ف��ي ال��ع��ال��م كله أج��ن��ح��ة ح��ري��ة ،تعطيك م��ج��اال ل�لان��ط�لاق بال أصبحت تجارتهم أن يكتبوا ما يرضي األمريكان ح��دود ،إذا كنت تستوعبها ،إذا كنت ج��زءا من واإلسرائيليين واألوروبيين ليحصلوا على نوبل، ذاتيتك ،إذا كنت متماهيا معها وكانت متماهية وبهذا الشكل كاتب من الدرجة الثالثة من الصين معك ،إذا كانت هذه اإليقاعات جزءا من نبضك أو تركيا أو بريطانيا يحصل على نوبل في هذه فهي أجنحة حرية ،وهكذا ،أما القول بالقطيعة األيام ،ليست معجزة. مع األوزان فهذه أيضا قضية سياسية مشبوهة < لكنك لم تجب على سؤالي هل كان أحد أسباب ومفضوحة عندي ،هناك حملة ،هناك سونامي إط�لاق مقوالت انحسار الشعر وتراجعه تطور عولمي يريد إلغاء األمة العربية بإلغاء ذاكرتها، القصيدة العربية؟ بإلغاء ثقافتها ،بإلغاء وجدانها ،بإلغاء تاريخها، ب���دون ال��ع��روض ل��ن يفهم أب��ن��اؤن��ا وأح��ف��ادن��ا ال > أنا أجبتك عن هذا السؤال قبل أن تسأله ،هناك
اجلوبة -ربيع 1429هـ 83
المتنبي وال ام��رؤ القيس وال أحمد شوقي وال محمد م��ه��دي ال��ج��واه��ري وال المعري وال أبو تمام ،يعني ستمحى مرحلة من تاريخنا الثقافي وم��ن موروثنا وم��ن كنوزنا الثقافية ،اذك���روا ما حدث في تركيا حين جاء ذلك الطاغية كمال أتاتورك وألغى الحرف العربي ،يريد أن يطور تركيا وأن ينقلها إلى الحضارة األوروبية ،ألغى الحرف العربي وألغى تراثا تركيا طويال مكتوبا بالحرف العربي ،محاه ،وب��دؤوا من جديد فلم يصنعوا شيئا ،وضع الثقافة العربية اليوم أفضل بكثير من وض��ع الثقافة في تركيا ،فالعمليات القصيرية الجاهلة الحمقاء االنتحارية تعبر عن دونية وعن تخلف وعن فقدان الثقة بالنفس وبالتراث وبالتاريخ ،يخطط لنا ونحن غافلون، مرة أخرى يا سيدي (ما بدك تكتب بالعمود ال تكتب بالعمود ،من يجبرك؟)( ،م��ا ب��دك تكتب بالتفعيلة ال تكتب بالتفعيلة ،م��ن ي��ج��ب��رك؟)، (بدك تكتب قصيدة النثر اكتب قصيدة النثر) لكن قدّ مها قصيدة جيدة ،حسابي مرة أخرى ال مع شكل وال مع مضمون ،حسابي مع كيان ،قدم لي كيانا شعريا ،وأيضا ال أح��ب كلمة (ن��ص)، ق��دم لي كيانا شعريا جيدا وسأنحني أمامك، لكن محاولة إلغاء ما سبق فهذا جهل وتخلف وحمق ،وأعوذ بالله من الشيطان الرجيم. < هل ترى أن الحركة النقدية العربية واكبت تطور التجربة الشعرية العربية؟ > االن��ح��س��ار أو ال��ب��ل��ب��ل��ة ف���ي ح��ي��ات��ن��ا ال��س��ي��اس��ي��ة واالق��ت��ص��ادي��ة واالجتماعية أف���رز بلبلة ثقافية ونقدية وفكرية ،وطبعا النقد في النصف األول من القرن الماضي ونصفه الثاني -إل��ى حد ما شهد حالة من الديالوج بين اإلب��داع والنقد،وكان ديالوجا شبه متكافئ هنا أتكلم عن النقد
84
اجلوبة -ربيع 1429هـ
اإلب���داع���ي ،ف��ف��ي رأي���ي ال��ن��اق��د عملية إب��داع��ي��ة وليس قضية عرض ،ولكن بالقفزة في النشر ،لم يكن كل شاعر يستطيع طبع دي��وان وك��ل روائ��ي يطبع رواية ،كان األمر صعبا ،كان فقط بمقدور المتميزين والمتفوقين الحصول على إمكانية النشر ،أم��ا اآلن فلكثرة الصحف ودور النشر والمجالت ومواقع اإلنترنت صار النشر عملية يسيرة ج���دا ،ك��ل م��ن يكتب يستطيع أن ينشر، وه���ذا خلق ف��ج��وة بين اإلب���داع ككم وب��ي��ن ق��درة النقاد على المتابعة ،وخلق شيئا من الفوضى والركاكة والسلق (يسلق المقالة النقدية) وظهر النقد الصحفي؛ بمعنى الكتابة عن دي��وان شعر أو رواي���ة أو بحث أك��ادي��م��ي وبطريقة صحفية سريعة ،تماما كالوجبات السريعة ،فنشأت فجوة بين ض��رورة النقد وإمكانياته والكم الهائل من الكتابة والنشر وال أقول اإلبداع ،ونشأت حالة من الفوضى في كل حياتنا السياسية واالجتماعية والثقافية ،واآلن هناك إشكالية في النقد :ذائقة وثقافة الناقد في ورطة مع ثقافة المبدع وذائقة المبدع ،ك ّ ٌم هائل مما يصدر ال يصمد أمام حد أدنى من النقد األكاديمي المحترف ،وأعتقد أن تراجع النقد جاء نتيجة وليس سببا ،الناقد عادة، يتبع اإلبداع؛ بمعنى أنه بدون إبداع جيد لن يكون هناك نقد راق وعال ومحترف ،فتراجع العملية اإلبداعية أدى إلى تراجع في النقد أيضا وهذا ما أفقد الكثيرين من الكتاب والشعراء الشبان البوصلة ،كان النقد ..إذا كتب محمد مندور أو أي ن��اق��د ع��رب��ي مهم ف��ي زم���ان أن���ور المعداوي ولويس عوض -نقاد كبار -كانت مقالة من أحدهم تشجع موهبة أو تحبط أخرى ،كان هناك احترام للنقد أيضا ،كان مارون عبود إذا كتب مقالة في شاعر أو كاتب يحدد له وجهة تطوره وتقدمه، اليوم صار نوع من البالدة في العملية الكتابية
وال أقول اإلبداعية ،تبعتها حالة بالدة في النقد، ولغة السوق والبضاعة والعرض والطلب دخلت في الحياة األدبية؛ في الشعر والموسيقى والنقد والفكر ،انعكس التوحش والتوغل الرأسمالي بقوة وعنف على الحياة الثقافية ،بالش لف ودوران.. هناك أناس ينظرون لتبرير الخراب في حياتنا، أنا غير ملزم بهذا وغير مدعو له ،وأرفض التنظير للخراب ،المكتبة العامة تتحول إلى كافتيريا ،هذا يحدث بأثر التوغل الرأسمالي في العالم كله. < أخ���ي���را م����اذا ع���ن خ��ط��ط��ك ال��ق��ادم��ة ف���ي إط���ار مشروعك في الكتابة؟
الفكرة ووح���دة الصياغة ،يقوم على تداعيات يربطها بالكوالج البنية الشكلية ،لكن تختلف عن الكوالج بأنها ذات مناخ نفساني وشعري واحد، يعني م��وض��وع واح���د م���وزع /مبعثر ف��ي ح��االت م��ت��ع��ددة ،ال ي��ق��وم على وح���دة القصيدة ووح��دة الصياغة ب��ل ي��ق��وم على وح���دة ال��م��ن��اخ ،نشرت ع��ددا من السربيات منذ العام 1965م ،جاءت السربية األولي (إرم) مستوحاة من أسطورة (إرم ذات العماد) وبعدها نشرت عددا من السربيات منها إسكندر ون في رحلة الخارج ورحلة الداخل، وم��راث��ي سميح القاسم وث��ال��ث أكسيد الكربون والصحراء ،وخذلتني الصحارى ،وكلمة الفقيد ف��ي م��ه��رج��ان تأبينه ،وه���ذا الشكل تبناه عدد من أخوتي الشعراء وكتبوا فيه ،لم يطلقوا عليه اسم سربية ال بأس المهم انتصر الشكل وأصبح عدد من الشعراء. معتمدا لدى ٍ
> ال أخطط أب��دا ،ولم أخطط أبدا في حياتي ،ال أطيق الحديث عن مشروع شعري قبل تحققه، بعد انتهاء شاعر -برحيله عن الوجود -ندرس مشروعه الشعري ،نقول كان لديه مشروع أو لم يكن لديه مشروع ،أما التخطيط المسبق فهذا أتركه ل���وزارات التخطيط ،ال تخطيط اإلب��داع < ،هل لك طقوس خاصة في الكتابة؟ ل��ك��ن م��ن ال��ن��اح��ي��ة العملية ل َّ ����دي مجموعة من < أعتقد أن افتعال الطقوس هو نوع من خلق هالة القصائد الكالسيكية الحديثة ،أرجو أن أصدرها حول الشاعر ،نوع من اللعب اإلعالمي ،كأن يقول قريبا ،ول��دي ما أطلقت عليه الكوالج الشعري، شاعر أنه ال يستطيع الكتابة إال إذا اشتم رائحة وه��و شكل أعتقد أنني أسست له من أكثر من األج��اص الفاسد ،أو أنه ال يستطيع الكتابة إال ع��ش��ري��ن س��ن��ة ،ال��ق��ص��ي��دة /أو البنية الشعرية على ورق بقياسات معينة ،لدي عادة ال أسميها ال��ك��والج��ي��ة ،وه��ي ت��داع��ي��ات على وم��ض��ات على ط��ق��س��ا ،أف��ض��ل س��اع��ات ال��ك��ت��اب��ة ب��ع��د منتصف حاالت ،اكتئابات ،إشراقات ،تجمع بشكل الكوالج الليل حتى الصباح ،حتى الفجر األزرق ،هناك في العمل التشكيلي وتقدم حالة شعرية عريضة لحظات يكون فيها الفجر أزرق���ا ،أعتقد أنني وعميقة وبعيدة ،هذا الكوالج الشعري لدي منه أكثر من شاهدها في العالم ،لدرجة أنني أحاول ستة كوالجات منشورة ،األول طبع في كتاب من أن أسجلها في الشهر العقاري كملكية خاصة، عشرين عاما ،واألعمال الجديدة أرجو أن تطبع ألن أحدا في العالم ال يشاهدها كما أشاهدها، قريبا. مشاهدة شبه يومية ،لحظات فقط ،ليس الفجر كله ،لحظات بين الفجر والليل والفجر والنهار وطبعا لدي مشروع آخر هو السربيات ،والسربية ي��ص��ع��ب ت��ح��دي��ده��ا ي��ك��ون ال���ك���ون ف��ي��ه��ا ب��زرق��ة هي ما كان يسمى مطولة شعرية ،لكنه ليس مطولة استثنائية تماما ،غير الزرقة التي نألفها. شعرية؛ ألنه ال يقوم على وحدة الموضوع ووحدة
اجلوبة -ربيع 1429هـ 85
القاص عبدالرحمن الدرعان:
إدغار ألن بو (السعودي) الذي يرضع طفولته من حقائبه القصصية السردية
> هدال القصار
<
(أديبان سعوديان صاحباني أثناء سفري من القاهرة إلى بيروت وبالعكس ،األول كان القاص عبد الرحمن الدرعان والثاني كاتب وشاعر ختمت رحلتي معه ومع نصوصه سأتحدث عنه في المقال القادم ،لكن ما لفت نظري هو طرحهما لمشكلة واحدة ،مع اختالف الشرح ،أما في األسلوب فهما يتفقان في طرح المشكلة نفسها ومعالجة الوضع اإلنسان عامة والوضع الصحراوي خاصة. قبيل خروجي من غزة بأيام معدودة ،لفت انتباه تطفلي األدبي عنوان يقول« :مثقف متعدد المواهب استطاع أن يهزم الشعر والرسم بالقصص القصيرة» علقت هذه الكلمات في ذهني ألبحث عن األسباب وال��دواف��ع ،وكيفية «ه��زم الشعر» التي أثارتني ،وأدخل جوف هذا القاص الذي حملت بعض أوراقه التي نشرت ،طالمة لمست رائحة الشعر على أوراقه وما يحمله من مفاتيح النغمات وشفافية المفردات األنثوية برشاقتها التي تحملها نصوصه.
ن��������واف��������ذ 86
في صالة االنتظار رقم 22في مطار القاهرة الدولي ،وبانتظار وصول الطائرة ،التقطت من حقيبتي بعض األوراق التي دونت عليها بعض العناوين والمالحظات لدراسات نقدية، ودفترين أحدهما لخربشة الومضات ،واآلخر لصياغة األسطر ،وبدون تحديد وجدت بين يديَّ أوراق القاص عبدالرحمن الدرعان ،دهشت مما قام به الدرعان من حرق لقصائده ومجموعاته القصصية (نصوص الطين) نتيجة عدم رضاه عنهما ،ثم اصدر مجموعة بعنوان (رائحة الطفولة) .هنا نقلني القاص الدرعاني السعودي إلى طفولته الناضجة في كتاباته وأحالمه التي عبر عنها في مضامينها ،ومن داخل نصوصه ونقده المنفرد به ،وقوة تأثره بمجريات الحياة اإلنسانية ومعطيات الحاضر والمستقبل ،وهو يغوص فيها ويضعها بين شخصيات أبطاله ،وشخصيته المسربة ما بين السطور ،حين يسرح بأحالمه التي ال تهدأ حين يرتجف ببكائه الصامت فوق أوراقه ،بشفافية البوح وعمق الصور اإلنسانية وحول ما يشير إليه في تمرده على جفاف الصحراء المجبلة بالحكايات.
اجلوبة -ربيع 1429هـ
شق القاص المبدع عبدالرحمن طريقه في مجال ال عن الشعر ،حيث ما لبثت تلك السرد القصصي بدي ً األخيلة المحملة بهلوساته العقالنية من تحت عقاله، وبهدوء طرح لنا أعمدة وجسور قصصه التي تسيطر على حقيقة الواقع ،التي نسجت اكتشافه من عنق الزجاجة ،حين سافر بأدواته الصوفية مع شخصياته التي يلقنها هموم الصحراء الخشنة :الكبت والقمع اإلنساني ،إنه يلعب في خلق الشخصيات وتصوير ال��واق��ع الحقيقي وإن���ذار ال��رم��وز والقناعات لديه، ويطرح ترميم ما يجب ترميمه دون وراثة ورؤى فيما يطرح مساءالته في نصوصه السردية:
وي��دور ح��ول الشخصية التي يريد أن يثبت صوره عليها في سرده على عدم مقدرته الستيعاب الواقع. وه��و ما زال يبحث عن ق��درة وتكيف اإلنسان فيه، محاوال إقناع الشاهد على مجريات الوقائع بخصوبة أبعاد القصة وقناعاته ،والقيم الموروثة باليقين الذي يدخل في سطوره ،وهو يكشف لنا تلك المحاوالت من خلف أدوار أبطاله التي يقول فيها الكاتب في النهاية وبالالوعي إن الكاتب أنا أنا هنا أنا هناك وأنا في كل زاوية من القصة ،وفي تلك المدينة البعيدة وبكل الحاالت التي حملتها نصوصه وعناوين قصصه؛ كما انه يسعى إلعادة بناء النفس من جديد لتتناسب مع الواقع الزمني الحديث ال��ذي ي��راه متناقضا للواقع الحالي.
أن���ت ال��ق��ادم ال��م��ت��وح��ش م��ن ال��ط��رق��ات المتربة ر ّوض��ت��ك اإلش�����ارات ال��ض��وئ��ي��ة ،ف��وق��ف��ت أخ��ي��را مع الموجوئين ..روضتك بصعوبة ..لكنك أذعنت لها أخ��ي��را وتحب األس��م��اء التي ت��ت��ردد ف��ي األساطير، حين تضع أم��ك رأس��ك ف��ي حجرها وتقص عليك أحسن القصص ،وهي تفلي شعرك وتزعم أنك أقل الناس حظاً ..وأنك الرجل الذي لم تضطهد األيام أحدا مثله ،وحين تفشل مع األطباء المناوبين الذين يناورونك في المستوصفات آخر الليل ،ال تتردد في الذهاب من فورك إلى المشائخ ،وأسواق العطارين
على سبيل الوفاء فقط ،بيد أنها لم تعد تخصك. فقد تعلمت بالوراثة أن تصدق كل الشائعات التي كان أهل قريتك يروجون لها ،مثل مبدأ «أن الصعوبات التي ت��ذل اإلن��س��ان ويعجز عن التصدي لها تتكفل بمحوها األي��ام» ،ويوم فرم جنـزير الدراجة كاحلك آن���ذاك وأوق��ع��ت��ك مهرتك الصغيرة أرض���اً ل��م تجد عكازاً تسند ضعفك يومها غير تلك الكلمات التي رماها جدك القاعد في شمس الضحى يمضغ رطب أول النهار إذ حصبك بالنواة.
ربابة مشعان
أن��ت على ال��رغ��م منك تظل اب��ن القرية ،تخاف كما في إحدى سردياته كانت له طرقه الخاصة، من األب��واب التي تنفتح من تلقاء نفسها في فنادق التي حاول أن يبرر لنا فيها كبت الطفولة الناضجة الدرجة الممتازة والمطارات والمستشفيات الكبيرة، بين هاللين داخل عنوان: تتلفت كثيرا توقعا للمباغتة كأن أحدا يتتبع خطواتك، دم الجمعة وال تحسن قيافة مالبسك ،وعندما جربت أن ترتدي البدلة كنت تتملى جسدك في المرايا كما لو كنت ج����راح ك��ث��ي��رة اس��ت��ط��ع��ت أن ت��ت��ج��اوزه��ا ب��م��رور عاريا ،وتدس يدك في جيبك لتع ّد نقودك بطريقة الوقت ،موت عاهل ،إهانات إخفاق ،وحرمان ،تحكي اللمس كالعميان. تفاصيلها اآلن بحياد كأنك تستدينها من ذمة الزمان
***
***
يتردد القاص عبدالرحمن ،أن يفصح عن ذاته تتجه أبطال قصص الكاتب دائما إلى عدم القدرة كعناد ال��ص��ح��راء ،لكنه يعمل على إص�ل�اح وبنائه على تحمل الواقع الذي فرض نفسه ،لذا نراه يحوم المجتمع برشاقة رؤاه للواقع ،إذ يواجه المجتمع والقيم
اجلوبة -ربيع 1429هـ 87
اإلنسانية ومعالجتها من خ�لال مفاتيحه الشعرية وتعابيره التي ألقى علينا بها. وسرديته القصصية الخاصة به ،فكلما نظرت إليه ب�� َم يمكنني أن اسميه؟ غير أن��ه «إدغ���ار أل��ن بو من خالل قراءاتي ومن بين القوافي والسطور أراه »EDGAR ALLAN POEالذي أزاح شعره ورسوماته ال يبحث عن األمان ،والحنان االمومي المستمد طف ً وتبع الرواية وصنف شفافية سرده على أوراقه. من ام��ت��داد ق��وة األب الموروثة في تكوينه وكينونة ه���ذا ال��ك��ات��ب وال���ق���اص ال��س��ع��ودي أو ال��ش��اع��ر ونضوجه ،يعزف لنا رنين عباراته من خالل كلماته المبعثرة في نصوصه ،واألل��ق ال��ذي ينتابه من تلك ال��درع��ان��ي ال��س��ع��ودي أري���د أن أس��ال��ه :كيف يمكن األحاسيس الممخض بالعجز أم��ام رائ��ح��ة الموت لخشونة الصحراء أن تطلق مثل ه��ذا النص الذي وكوابيسه؛ فهو يحاول قتل هذا الشعور في أعماق تحوّل بين أصابعه إلى غزل شعري رقيق في هذه الالوعي من خالل قصصه حيث يعبر عن مخاوفه القصيدة وليعذرني القارئ لعدم تمكني وتيقني أن اإلنسانية العميقة والسعي إليقاظ العالم من حوله كانت هذه القصيدة؟ من ديوانه الذي أحرق: ومن فوضى النفوس ،والحاالت التي يمر فيها بنسج ديما أخيلته الروائية؛ ليوجه اللوم على الواقع الصحراوي ي��ا ع���ازف ال��ع��ود غ��ن اللحن تنغيما أو على المدن الصغيرة والبعيدة واضطهاد الذات، وأش���ع���ل ال���وت���ر ال���غ���اف���ي ت��ق��اس��ي��م��ا اإلنسان لإلنسان ،وعدم نمو الطبيعة في الصحراء وارم التهاني شموعا كلما اعتكرت كما حدثنا عن الجبل القائم في طفولته. أو أوغ�����ل ال��ل��ي��ل اب���ه���ام���ا وت��ع��ت��ي��م��ا إن القاص السعودي يسعى لتحرير الروح المكبوتة ل��ق��د ب���دا ال���ب���در ف���ي أع��ل��ى م��ن��ازل��ه في كتاباته السردية وفوق سطوره وهو يصطاد طفولته وع���ان���ق���ت���ه س����م����اء ش��م��س��ه��ا دي��م��ا من خالل الشخصيات ،ويحملها عمق المعاناة أثناء ي���ا درة ال��ص��ب��ح ي��م��م��ن��ا وم��رش��دن��ا خربشات أصابع أطفال رواياته ،وتوظيفها وتحويلها س��ن��ا ض���ي���اك – أق��ال��ي��م��ا أق��ال��ي��م��ا نحو الجمال الروحي ،من خالل شخصياته المحببة ف��ل��م ت��ض��ل��ل ن��ج��وم ال��ف��ج��ر سكتنا والتي تصارع حجمها الخاص وتعكس الوضع األكثر ول���م ت��ن��ج��م ح����داة ال���رك���ب تنجيما ال من خلف تجربته الواعية. تأم ً وأذن ال���ق���م���ر ال����غ����ي����ران ي��س��أل��ن��ا إن����ه ش��اع��ر وق����اص ي��ح��م��ل ف���ي ص����دره ع��اط��ف��ة أن������ا أن�������ا ،أم أن�������ا! أم إن����ه����ا دي��م��ا ال��روم��ان��س��ي��ة وع��ل��ى أك��ت��اف��ه ح��زن��ه وأوج�����اع ه��م��وم س��ي��أف��ل ال��ق��م��ر ال���غ���ي���ران ف���ي غ��ده ال��ص��ح��راء ،وك��أن��ه رج���ل ي��ع��ب��ث خ����ارج ع��ص��ره وإن وس�����وف ي��ن��ك��ص إذع����ان����ا وت��س��ل��ي��م��ا إحساسه بالكبرياء لم ير َق له إلى الحد الذي يلغي ي���ا ح����ادي ال��غ��ي��م أم��ط��ره��ا م����رذرذة إحساسه بقسوة العالم من حوله ،خاصة بعد وفاة وح���وم���ي ي���ا ط��ي��ور ال���م���اء تحويما والدته ووال��ده الذي توفي بعد فترة طويلة بمعاناته واغ����زل ل��ه��ا م��ن وش���اح ال��ب��رق أردي���ة مع المرض أمام عينيه ،ووضعه في قفص الحرمان وع��ل��م ال��ب��در ه���ذا ال��ح��س��ن تعليما من شعور الطفولة الذي كان يسكنه ويحبو به نحوه ،وام��ل��أ ع���ي���ون ذوي���ه���ا م���ن ه��ن��اءت��ه��ا واليوم خطفه الموت وقيده الطفل في داخله ،وهو ما وام���ل��أ ل���ه���ا ق�����دح األي�������ام ت��س��ن��ي��م��ا مثله في بطل قصته «رائحة الطفولة» الطفل الذي أس��ت��غ��ف��ر ال���ل���ه ي����ا دي���م���ا وم���ع���ذرة حشره داخل غرفة ضيقة. ف���إن ف���ي ال��ش��ع��ر ت��ش��وي��ه��ا وت��ه��وي��م��ا ال ادري بعد ه��ذا الحشد القليل م��ن قصصه ق���د ك��ن��ت م��ث��ل��ك ط��ف�لا ش���ع���ره درر
88
اجلوبة -ربيع 1429هـ
زمن ،سيد قاعد جاح ُد وجهه واحد ،صوته واح ُد نومه ،صوم ُه شكله ،جهل ُه قتله ،قتل ُه
فجاءك اليوم يهديك (المالليما) مشت ال��ي��ك ال��ق��واف��ي وه��ي خاشعة م��ش��ي ال��غ��ي��ي��م��ات إج��ل�اال وت��ك��ري��م��ا فأسمعيني م��ن��اغ��ات��ي ال��ت��ي ذهبت ق��ص��ي��دت��ي أص��ب��ح��ت ل��غ��وا وت��أث��ي��م��ا رأي��������ت ف���ي���ك ص���ب���ي���ا ك���ن���ت���ه وي�����دا وتواريخه وفضائحه ملء هذي المحيطات لكنما ت��ه��ده��د ال��م��ه��د ت��ح��ن��ان��ا وت��ن��وي��م��ا شكلها واحد ملحها واح ُد م��ن��دي��ل أم����ي ،ب��ك��ائ��ي ك��ل��م��ا نعست وص�����وت ب��ح��ت��ه��ا ي��ل��ق��ي ال��ت��ران��ي��م��ا لمن سأقيم المناسك؟ ف���م���ن ي�����رد أغ���ان���ي���ه���ا ال���ت���ي نُ��ه��ب��ت وري���ح (دي��رم��ه��ا) ال��م��س��روق ي��ا ديما كيف أرتب ما وقب القلب من حجر الواقفين على رأي�����ت ف��ي��ك ب��ي��وت��ا ش��دت��ه��ا ب��ي��دي شهوات ترافع ضد طلوع اإلماء؟ ف��رش��ت س��اح��ات��ه��ا ق��م��ح��ا وبرسيما إلى حجر الفقراء إلى ما يقول (الدُالر) ن��س��ج��ت ط��ي��ارت��ي وال���خ���وف طيرها إل�����ى ح���ج���ر األب���ج���دي���ي���ن وال���ق���ات���ل���ي���ن ع���ل���ى س��ن��ة ف���م���ن س��ي��ب��ع��ث��ه��ا ن���ش���را وت��رم��ي��م��ا (الالحياء) ض���اق���ت ع��ل��ي ث���ي���اب ك��ن��ت أل��ب��س��ه��ا أودى بها العمر تمزيقا وتحريما بمن أحتفي؟ نصف أزمنتي ضائع، كم توهتني السنين السود مرتحال هل أراب��ي بعمري وأدخ��ل في سبت ه��ذا الشفاء، وأش��ب��ع��ت��ن��ي ي����د األي�������ام ت��ح��ط��ي��م��ا الوباء؟! ف�����إن رأي������ت ص��ب��ي��ا ض�����اع م����ن زم���ن بمن أحتفي والقناديل مطفأة ولمن؟ ف���أق���رئ���ي���ه أم��������ان ال����ل����ه ي�����ا دي���م���ا ط����ف��ل�ا ت�����روع�����ه ن�����ي�����روز ي�����ا أب���ت���ي متى يستوي قارب العدل فينا ،ونصف القوافل تعبر ن���ي���روزُ!! م��ا زل��ت طفال ع��م��ره ديما حين تغام ُر كالنسغ في عضالت الوطن وم��ن بين نصوصه النثرية وأب��ج��دي��ات��ه ،نصف ونصف األكل تحاول مفردة في الهواء القوافل ،وعضالت الوطن ،ومخاط البقاء ،والعواصم وويل ألية قارورة ستقول أنا التي تحتد كل المالمح ،التقط هذه من نص وجدته له في «مجلة اليمامة»: ههنا
***
من مرافعات طيور الظل بمن أحتفي؟! بزمان معاق يصنفنا ما يشاء ،ينصفنا ما يشاء يبرقعنا ويقطعنا اطلب من القاص والكاتب «عبد الرحمن الدرعان» ويوزعنا بالمزاج على من يشاء وال يترك الهاربين إلى ان ال يتمسك بعناد ال��ص��ح��راء وي��ح��رم ال��ق��ارئ من أفق الله يصغون إلى ما يقول صهيل المدن نصوصه النثرية المعطرة بزخات المطر وشمس صحرائه المزمنة على رماله. يا زمن؟!
***
< شاعرة لبنانية مقيمة في فلسطين.
اجلوبة -ربيع 1429هـ 89
رجل جاء ..وذهب > ميسون أبو بكر
<
ما أن شفيت من تقمص عالم الرواية األولى «حكاية حب» حتى وقعت فريسة شعور جديد في روايته الثانية «رجل جاء وذهب». الروايتان وجهان لعملة واح��دة؛ الوجه األول لمشاعر رجل استهلكه الحب والغياب آلخر رمق ،والوجه اآلخر المرأة ..لما عاندت القدر ،وأرادت أن تتوارى عنه بستائر من حلم وأمنيات امرأة عاشقة ،كان القدر لها بالمرصاد ،فأذاب جبال الجليد التي كانت تواري بها أحالمها عنه ،وأغلق نوافذ الشمس التي كانت تسطع في نهدة حلمها. مع كل قصة حب نعيش تفاصيلها في عالم الرواية ،وبخاصة عالم روائي مبدع ،كهذا الذي كنت توحدت فيه مع القدر والحياة والموت واأللم وبعض السعادة الهاربة من هنا وهناك. في عالم د .غ��ازي القصيبي «رج��ل ج��اء وذه��ب» ،ن��درك تماما أن��ه على الرغم من اختالف سيناريو النهاية وطريقة إسدال الستار ،فإن الحب في النهاية ال بد وأن تعرقله المستحيالت ،ومشيئة القدر والحياة التي يلونها بريشته الباهتة ..كم هي الحياة أصغر بكثير من أن تستوعب خطى الحب على أديمها ،وأنفاسه في فضائها المحدود. إنك حين تقرأ لغازي القصيبي ،تدرك فوراً ودون الحاجة لقراءة توقيعه على غالف كتاباته ،أن هذه اللغة ال يملكها إال هو ..وال يقدر على ارتعاشة الحبر إاله ،وكل ذلك الحب ال يملك أن يتدفق إال من نبض يراعه ،وهذه الجرأة ال يحسن مسك زمامها إال شاعر متمرس وروائي من الطراز األول.
90
اجلوبة -ربيع 1429هـ
كنت قررت أال أتجرأ وأدخل عالم إحدى رواياته من األلم الممزوج بالذكرى والحنين والشوق. إال وأنا متأهبة تماما للمغامرة ،ولكن وقوع الرواية البحر لملم أمواجه وأصدافه وتبعه.. في يدي أفشل كل المشاريع ،ووجدتني ألج إلى هذا القمر لن يـ ُش َّع بنوره إال حيث رقد رقدته األخيرة.. العالم االستثنائي دون أن أُأَخ��ر لحظة واح��دة من ألنه قرر أن يتجاهل العالم من بعده.. التوحد بها. وح��ب��ي��ب��ات ال��رم��ل س��ي��ت��دف��ق م��ن��ه��ا ب��ئ��ر م��ن دم��ع أقنعت نفسي أن من يعشق البحر ال يخشى من ال��غ��رق ..وعلى ال��رغ��م م��ن ذل��ك كنت أدرك حتمية ساخن.. غرقي ،لكنه شيء كالسحر ..كالقدر المكتوب لك سابقا في لوح محفوظ.
ك��ان ال ب��د أن تعلم أن��ه اب��ن الصحراء المسافر أب��دا مع الريح وال��س��راب ..هو وري��ث ذهبها األسود ال��ذي تطارده دوم��ا لعنته ،إذا كرمت عليها السماء به سرعان ما سيتبخر مع شمسها الحارقة ..ويعود ويتجمد نبضه تحت ترابها ،وه��ي المسافرة أب��دا ألبعد م��ن ح��دود عالمها ..لعالم تكون فيه أسيرة الحلم والوهم والقدر الذي ال مفر منه ..وهي تدرك تماما أنها ستدفع ثمنا باهظا لهذه السعادة القصيرة المدى.
امرأة القصيبي ،التي كلما أحبت رجلها ،ازدادت ألما وخوفا وموتا وتشبثاً بمستحيل تدرك حقيقته. كانت أحالمها كالمطر الذي كثيرا ما يخلف وعده، وكلما كبر هذا الحلم تحول إلى فقاعات ،سرعان ما تذوب وتتالشى.
رجل جاء ..لكنه لم يذهب أبدا ،ألنه كالبحر إن غادر شطآنه يترك أنفاسه ومحاراته وطحالبه على عتبات ال��ش��اط��ئ ،كالشمس ال��ت��ي إن ول��ت للطرف اآلخر من العالم تلبس القمر رداء النور..
االستسالم لرواية كهذه يعني االستسالم للحب والحياة والموت والجنون أيضا والكثير من الوهم.. هو االستسالم لواقعة المكان والزمان ..للبحر الذي احتواهما في ك��وخ بسيط على الشاطئ تنبت فيه األح�لام كشجرة الجنة ..وتتبخر فيه أشجار الهند متحولة إل��ى عطر العود ال��ذي كلما التهمه الهواء ازداد حياة.
رحل الرجل ..لكنها بقيت تستدل بكل جزيئات أحبت رجلها باسم كيانها ..وأنوثتها وروحها التي الحياة عليه.. آه لتلك الذكرى التي تنمو كنبت شيطاني يتسلق ترحل معه كلما أزف غيابه ،ثم تعود بعودته لتورق في جدرانها ،ويتلصص على كل تفاصيل حياتها. جسدها إذا ما عاد وروتها قبالته.
لم يذهب ذلك الرجل أبدا ..ألن الفراغ سيمتلئ وفي رحلته األخيرة وغيابه حيث لن يعود ..قصت ضفائرها ..وطمرت معالم الطريق إلى قلبها ،كي ال به ،هو تبخر كالعطر لكن بقي له كل األثر. يعثر أحد بعده عليها ،حزمت حقائبها ولوحت لقطار رجل ج��اء ..وربما ذهب بالحياة معه إلى عالمه الرحلة األخيرة ليحملها حيث ال عودة. الذي رحل إليه وربما ذهب بأسئلتنا وكل اندهاشنا بعد رحيله لن يبقى إال ٌ بعض من عطره ..والكثير معه.
< شاعرة وإعالمية عربية.
اجلوبة -ربيع 1429هـ 91
منير نايفة
أعجوبة العلم والعلماء
أول من جنح في حتريك الذرات > إعداد محمود عبدالله الرمحي
<
ُ��در عدد سكان قرية شويكة بفلسطين عام 2003م نحو 7000نسمة ،وهناك ق ِّ اآلالف من المغتربين من القرية يعيشون في كثير من الدول العربية واألجنبية .يوجد في القرية ثالثة مساجد وأربع مدارس حكومية ،وأغلب سكانها متعلمون؛ أنتجت ()22 دكتورا في العلوم ،من بينهم أربعة أبناء لتاجر زيت الزيتون حسن نايفة وهم: -1علي حسن نايفة :ويشغل اآلن منصب أستاذ الهندسة الميكانيكية في جامعة فرجينيا. -2عدنان حسن نايفة :أستاذ الهندسة الميكانيكية والطيران في جامعة سينسيناتي في أوهايو .ويشغل اآلن رئيس جامعة الزرقاء األهلية في األردن. -3منير حسن نايفة :أستاذ الفيزياء التجريبية في جامعة إيلينوي. -4تيسير حسن نايفة :أستاذ الهندسة الصناعية في جامعة كليفالند.
وتعود بي الذاكرة أثناء تصفحي على اإلنترنت صفحات العلم والعلماء والباحثين واألدب��اء ..وقفت طويال عند بعضها ..ودارت بي الدنيا لتعود بي الذاكرة إلى الوراء ..وإلى ما يربو عن
92
اجلوبة -ربيع 1429هـ
خمسين عاما ..تذكرت ذل�������ك ال�����ح�����ي ال�����ذي ع���ش���ت ف����ي����ه ..وع��ل��ى مسافة ثالثمائة متر فقط م��ن بيتنا ،كانت ت���ج���اورن���ا أس����رة ال��ع��م أبوعلي نايفـة .تذكرت ح����ي ال���ش���ـ���رف���ة أح��ـ��د أحياء مدينة البيرة - المدينة التوأم لمدينة رام الله -والمدرسة ال��ه��اش��م��ي��ة ال��ث��ان��وي��ة
قرية شويكة من أعمال طولكرم مسقط رأس العالم نايفة
التي أمضيت فيها سنوات دراستي كلها؛ تذكرت األحبة من الزمالء الطالب الذين كانوا معي في الصف نفسه ،أو ممن سبقتهم أو سبقوني بسني الدراسة .تذكرت منير نايفة وذهابنا ومجيئنا يوميا
وعربي ،استطاع أن يحقق ما يبدو ضرباً من الخيال العلمي ..الكتــابة بالــذرات. والحديث في حقه قليل.. ولد «نايفة» في ديسمبر من عام 1945بقرية
سيراً على األقدام من وإلى الهاشمية الثانوية قلعة «اشويكة« ناحية طولكرم الفلسطينية ثم انتقل مع أسرته إلى بلدة البيرة حيث أكمل دراسته االبتدائية العلم الراسخة. ذك��ري��ات جميلة ..وأجمل منها ما وصلت إليه تلك الصحبة الخيرة من أمثال منير نايفة ،من علم ومقام مرموق.
منير حسن نايفة عالم فلسطيني يكشف أسرار الذرة عَ ل َم من أعالم الريادة في حقل ال���ذرات ،أع��اد األم��ل في أن أهل ال��ض��اد ق����ادرون على مَ��س��ك راي��ة العلم والتفوق من جديد. ه����و ع���ال���م ف��ـ��ي��زي��ائ��ي م��س��ل��م
واإلعدادية قبل أن يغادرها إلى األردن الستكمال دراسته الثانوية ،ثم إلى لبنان للحصول على درجة
البكالوريوس من الجامعة األمريكية ببيروت عام
إن��������������������ه ال���������ع���������ال���������م الفلسطيني البروفسور «منير حسن نايفة» أحد أب�����رز ع��ل��م��اء ال��ف��ي��زي��اء ف����ي ال����ق����رن ال��ع��ش��ري��ن، ال������ذي وض�����ع ي�����ده ع��ل��ى مفاتيح ال����ذرة .،فقررت أن ت��ب��وح ل��ه ب��أس��راره��ا.
1968م ،ثم الماجستير في الفيزياء عام 1970م. حاز على الدكتوراه في الفيزياء من جامعة ستانفورد عام 1974م. خ���دم ك��زم��ي��ل م��ا ب��ع��د دك���ت���وراه، وفيزيائيّ البحث ف��ي معمل» أوك ري��دج القوميّ » من 1977-1974م, وكمحاضر في جامعة يال في عام 1977م ,قبل االن��ض��م��ام إل��ى كلّيّة
اجلوبة -ربيع 1429هـ 93
الفيزياء في جامعة إيلينوي عام 1978م
(.)1
وأثناء عمله بمعامل ستانفورد كاليفورنيا ،وجهه
إلى ذروة المجد عمل نايفة في الفترة من عام 1977م وحتى عام
أستاذه لدراسة ذرة الهيدروجين ،أبسط العناصر 1979م باحثا فيزيائيا بمعامل أوج – رج بجامعة الكيميائية الموجودة في الطبيعة باستخدام أشعة كنتاكي ،ثم التحق في نهاية هذه الفترة عام 1979م
الليزر؛ أمال في الوصول إلى المزيد من األسرار بجامعة الينوى .وهو العام ذاته الذي شهد حصوله ال��ت��ي م��ا زال���ت تستعصي ع��ل��ى ال��ع��ل��م التجريبي على جائزة البحث التصنيعي في الواليات المتحدة؛ بخصوص ه��ذه ال��ذرة .وحصل بالفعل نايفة على حيث تم تأسيس مؤتمر سنوي يعرض آخر التطورات
درج��ة الدكتوراه في حقل الفيزياء الذرية وعلوم والتطبيقات في ابتكاره. الليزر.
البداية
أصدر العديد من المؤلفات العلمية وحاز علىكثير من الجوائز.
يعود حب نايفة للعلم إل��ى فترة الطفولة؛ فما -حصل على مائة جائزة في أبحاث صناعية.
زال يتذكر إلى أي مدى كان شغوفا بصناعة أجهزة -عضو مسجل ومعتمد في موسوعات أمريكية ال���رادي���و (ال��م��ذي��اع) ،وي��ع��ده��ا ه��واي��ت��ه المفضلة، ويقضي كثيرا من الوقت في القراءة عنها ،ويذهب
ع��ل��م��ي��ة ف���ي م���ج���ال االك���ت���ش���اف ف���ي ال��ت��ق��ن��ي��ة المعاصرة.
إلى السوق ومحالت األدوات الكهربائية ليشتري -ع��ض��و رئ��ي��س��ي م��س��ج��ل وم��ع��ت��م��د ف���ي جماعة الهوائيات لكي يتم عمله ال��ذي طالما أحبه وهو المستشارين التقنيين. بداية الطريق الذي أوصله ليصبح عالما كبيرا.
م��ا زال يتذكر س��ن��وات ال��دراس��ة ف��ي المرحلة الثانوية ،وأستاذيه سليمان وداود العبيدي ،وكيف كانت معاملتهما له أشبه بالعالقة التي تربط بين مجموعة من األصدقاء ،وليست مجرد عالقة بين
عضو مسجل ومعتمد بقائمة أصحاب االنجازاتالمميزة.
علم (النانو تكنولوجي) يقوم هذا العلم بصناعة هياكل وآالت مجهرية
األستاذ وتلميذه ،وذلك على الرغم من أنه كان ما تبنى بالذرات لتدخل إلى تجويف األجسام وتسير يزال تلميذا وشابا صغيرا .وفى الجامعة األمريكية مع السوائل وهي تمثل جز ًء واحداً من المليار. ببيروت كان للدكتور أنطون أصالن -الفلسطيني
ومنير نايفة عالم فيزيائي أح��دث ث��ورة علمية
األصل -أكبر األثر في حبه للفيزياء ،وهو ما دفعه في علم النانو ،عندما أستطاع أن يحرك الذرات للتخصص فيها على عكس ما كان سائدا في ذلك ال��م��ن��ف��ردة ذرة ذرة ،فقد تمكن ف��ي التسعينيات الوقت من أن توجّ ه الطلبة لدراسة التخصصات بواسطة الذرات رسم صورة تمثل القلب والحرف التطبيقية كالهندسة والطب. اإلن��ج��ل��ي��زي Pوتناقلت وك���االت األن��ب��اء ال��ص��ورة،
94
اجلوبة -ربيع 1429هـ
وذك��رت المجلة البريطانية واسعة االنتشار «نيوساينتست «أن نايفة اخ��ت��ار ال��ح��رف P ألن���ه يمثل ال��ح��رف األول م��ن ك��ل��م��ة» فيزياء Physicsباإلنجليزية تعبيرا عن حبه للفيزياء التي تعد أم العلوم .إال أن البعض يقول إن منير نايفة يقصد بالقلب والحرف « Pأحب فلسطين» Palestineولكن لم يصرح بذلك تجنباً الستفزاز األوساط اليهودية ذات النفوذ العلمي ،فيحرم من الترشيح لجائزة نوبل التي يستحقها. وي������رى ال���ع���ل���م���اء أن ه�����ذا ال���ك���ش���ف م��ن االكتشافات الثورية التي أتاحت للعلم ال��دخ��ول إل���ى منطقة لم يسبق له الدخول فيها من قبل، ويمكن استنتاج تلك القفزة التي سيحققها ذلك العلم من خالل المقارنة بـ»المايكروتكنولوجي» التي أنتجت أج��ه��زة الكمبيوتر وال��ت��ران��زي��س��ت��ور وك���ل ال��م��ع��دات اإللكترونية الحالية. وفى هذا اإلطار يشير الكتاب السنوي الصادر عن الموسوعة
نايفة يرصد الذرات المفردة بالليزر داخل معمله عام1977م
في علم الكيمياء يدعى «كيمياء ال��ذرة المنفردة»
تحطيم الذرات أنتج الطاقة النووية والقنابل الذرية ،ماذا يمكن أن يحدث ل��و استطعنا ب������دال م�����ن ت���ف���ج���ي���ر ال��������ذرات
بوست» فإنه يؤسس لفرع جديد
هذا اإلنجاز بناء أجهزة ومعدات
مواقعها وإع���ادة ترتيبها كما ن���ش���اء؟ ه����ذا ال���س���ؤال ط��رح��ه
جسم اإلن��س��ان ،وال��س��ي��ر داخ��ل
عام 1959م ريتشارد فينمان، ال����ذي ي��ع��د م��ن أع��ظ��م علماء الفيزياء في القرن العشرين.
ت��ق��ن��ي��ة ن��اي��ف��ة س����وف ت��زي��د من
وكما ذكرت صحيفة «واشنطن
أمامها سنوات طويلة؛ حيث يتيح
ذرات بما يمكنها من الولوج في
نوبل في الفيزياء أن يتوصل
الطرق التقليدية.
األمراض التي وقف العلم عاجزا
ال��ت��ح��ك��م ب��ح��رك��ت��ه��ا وت��غ��ي��ي��ر
البريطانية «بريتانيكا» إل��ى أن
مليون و 10آالف مليون مرة على
سوف تسهم في عالج العديد من
مجهرية ال يزيد حجمها عن عدة
ول��م يتوقع فينمان ال��ذي نال
كفاءة أداء اآلالت ما بين 100
ال��ذي يمهد ب��دوره لطفرة طبية
العلماء إل��ى طريقة لتحريك الذرات إال في مستقبل بعيد. ل���ك���ن ب���ع���د أق�����ل م����ن ع��ق��دي��ن استطاع منير نايفة أن يحرك الذرات المنفردة ذرة ذرة.
الشرايين والوصول إلى أعضائه ال��داخ��ل��ي��ة .وت��ت��ج��اوز تطبيقات هذا الكشف مجاالت الطب إلى الهندسة الصناعية والعسكرية وح��ت��ى التكنولوجيات ال��ن��ووي��ة؛ حيث يتوقع أن تسهم في تطوير أجهزة رص��د جوية الستكشاف المعادن واأللغام األرضية .ويعلق بعض العلماء اآلم��ال عليها في رصد جسيمات «كوارك» الخفية التي من المفترض أن تسهم في
اجلوبة -ربيع 1429هـ 95
حل بعض ألغاز الكون.
ويهدف الموقع الذي أطلقته جامعة الملك سعود
بعد وصوله يو آي يو سي ,طوّر األستاذ نايفة برنامجً ا تجريب ًيّا نشيطً ا لدراسة المتعدّ د الفوتونات (غير مستقيم) فصل الجزيئات كوسائل لتحسين انتقاء الفصل. كان األوّل لتبيين فصل النّظائر باستخدام هذه أيضا كان الفيزيائيّ األوّل الختبار سلوك العمليّةً . جزيئات الهيدروجين في مجاالت اللّيزر الشّ ديدة, وعمله اإلبداعيّ في هذه المنطقة بدأ منطق َة بحث بالكامل وجديد ًة في انفجارات كولوم الجزيئيّة. وفي السنوات القليلة الماضية ,تابع األستاذ منير نايفة برنامجين في البحث منفصلين ( )2وهما: -1برنامج نظريّ يركّز فيه على دور الدّ يناميكا الفوضويّة الكالسيكيّة في ذرّات الهيدروجين.
أخيرا إلى شراكة مجتمعية لبناء مجتمع المعرفة في السعودية.
وأستاذ غير متفرغ في «معهد النانو» وكان الدكتور منير نايفة قد زار جامعة الملك سعود ،حيث استقبله مدير الجامعة والدكتور على الغامدي المشرف على برنامج النانو في الجامعة وأع��ض��اء ال��ب��رن��ام��ج ،ال��ذي��ن ع��ق��دوا اج��ت��م��اع��ا مع الدكتور نايفة بهدف التحالف مع جامعة إلينوي في تطبيقات النانو. وأطلع مدير جامعة الملك سعود العالم نايفة على برنامج خ��ادم الحرمين الشريفين ألبحاث (النانو) في الجامعة ال��ذي دعمه بتبرع شخصي كريم بمبلغ وقدرة 12مليون ريال ،إلى جانب شرح
-2البرنامج التّجريبيّ الذي سمّاه الكتابة بالذّ رّات ,مزايا البرنامج والتي تتضمن إنشاء معهد خادم ك��ان نايفة المسؤول عن مفهوم ه��ذا التكنيك الحرمين الشريفين ألبحاث التقنيات المتناهية المبتكر وتطويره.
الصغر (النانو).
نايفة ي��ش��ارك جامعة الملك س��ع��ود في
وات��ف��ق��ت الجامعة م��ع ال��ع��ال��م ن��اي��ف��ة ،أن يكون
()3
أستاذاً غير متفرغ في هذا المعهد؛ بهدف توطين
دش��ن ال��دك��ت��ور عبدالله العثمان مدير جامعة
التطورات الحديثة في ه��ذه التقنية ،ونقل خبرة
تدشين «كراسي البحث» على اإلنترنت
الملك سعود بمشاركة الدكتور منير نايفه ،عالم
جامعة إلينوي في هذا الشأن إلى جامعة الملك
تقنية النانو المشهور وأستاذ الفيزياء في جامعة سعود ,من خالل برنامج بحثي يشارك فيه الدكتور
إلينوي األمريكية ،أخيرا ،موقع برنامج «كراسي
نايفه مع الباحثين السعوديين المتخصصين في
البحث» على شبكة اإلنترنت .والذي أطلقته جامعة
تقنية (ال��ن��ان��و) ،إض��اف��ة إل��ى ت��ب��ادل الخبرات بين
الملك سعود.
الجامعتين.
< كاتب وشاعر أردني مقيم في السعودية. ال عن صفحته في الشبكة المعلوماتية. ( )2 ،1نق ً ( )3االقتصادية 1428/05/21 -هـ
96
اجلوبة -ربيع 1429هـ
من روائع البيان في حديث القرآن عن الدابة > الدكتور /عبداحلميد خميس الديب الحمد لله الذي نزّل الفرقان على عبده ليكون للعالمين نذيرا ،والصالة والسالم على نبيه ومصطفاه محمد بن عبدالله الرحمة المهداة والنعمة المسداة وعلى اله وصحبه ومن وااله ,وبعد: فإن الله تعالى أمر بتالوة القرآن الكريم وتدبر آياته ،ونبّه إلى أنه القول الفصل والحجة البيّنة والذكر الحكيم ،ونزهه عن الريب والعوج واالختالف والهزل. وان كالماً هذا شأنه وتلك منزلته ال يثقف محاسن أنواره إال أولو البصائر الحية ،وال يقطف أطايب ثماره إال أصحاب األيدي الزكية ,وال ينال منافع شفائه إال أرباب النفوس النقية. جعلنا الله -سبحانه – ممن تولى هدايته حتى بلغ هذه المنزلة وخوّله هذه المكرمة؛ فإنه من يهد الله فهو المهتد ،ومن يضلل فلن تجد له وليا مرشدا. هذه تأمالت بالغية متأنية اتخذت «من الدابة في القرآن الكريم» موضوعاً لها ,وكان الحافز إلى ذلك معرفة الفروق األسلوبية بين الصياغات والنعوت التي وردت هذه اللفظة القرآنية في إطارها :حيث تقرن تارة بألفاظ الشمول ,وتارة تقيد بكونها في األرض أو من األرض ,وثالثة تضاف إلى األرض ,وكل ذلك وغيره وراءه مزايا وأسرار سنحاول – بعون الله تعالى – الكشف عن شيء منها. وحديث القرآن الكريم عن «الدابة» ورد في أربعة مقامات رئيسة بيانها كالتالي: أوالً :ما ورد في مقام االستدالل على األلوهية والوحدانية ,وعن ذلك قوله سبحانه «ولله يسجد ما في السماوات وما في األرض من دابة والمالئكة وهم ال يستكبرون» (النحل.)49 :
اجلوبة -ربيع 1429هـ 97
ثانياً :ما ورد في مقام بيان كمال القدرة اإللهية وحسن التدبير وشمول العلم ,ومن ذلك قوله سبحانه {وما من دابة في األرض وال طائر يطير بجناحيه إال أمم أمثالكم( }..األنعام: .)38
التوكيد ،ونكتته البالغية أن الخبر الوارد في اآلية الكريمة غريب عند المخاطبين ومظنة إنكار منهم ،ول��ذا فهو حقيق بالتأكيد ال��ذي يتضمنه الوصف بقوله« :في األرض» كقوله تعالى{ :وما من دابة في األرض وال طائر يطير بجناحيه إال أمم أمثالكم( }..األنعام.)38 :
ذل��ك قوله تعالى{ :وإذا وق��ع ال��ق��ول عليهم أخرجنا لهم دابة من األرض تكلمهم أن الناس كانوا بآياتنا ال يوقنون( }..النمل.)82 :
وردت «دابة» مضافة إلى األرض في موضع واحدهو قوله سبحانه {فلما قضينا عليه الموت ما دلهم على موته إال دابة األرض تأكل منسأته}.. اآلي���ة (س��ب��ا .)14 :وف���ى ه���ذه اإلض��اف��ة تفخيم للدابة .ومعناها أن ال داب��ة ل�لأرض غيرها لما أفادته من العلم ,وألن كونها تأكل من كل شيء من أج��زاء األرض من الخشب والحجر والتراب والثياب وغير ذلك ،أحق الدواب بهذا االسم.
ورد ل��ف��ظ «ال���داب���ة» م��ف��رداً ف��ي ال��ق��رآن الكريمفي أربعة عشر موضعاً ،وورد جمعها في أربعة مواضع.
وردت «داب��ة» نكرة موصوفة بـ «من األرض» فيموضع واحد هو قوله سبحانه{ :وإذا وقع القول عليهم أخرجنا لهم دابة من األرض( }..النمل: ،)82وه���ى ال��ج��س��اس��ة ف��ي م��ق��ام ب��ي��ان اش���راط الساعة ال��ت��ي م��ن بينها ال��داب��ة ال��ت��ي ت��خ��رج من األرض .وفى التعبير عنها باسم الجنس وتأكيد إبهامه بالتنوين التفخيمي داللة على غرابة شأنها وخ���روج أوص��اف��ه��ا ع��ن ط��ور ال��ب��ي��ان ،إذ ستتكلم الناس على الرغم من أن الدواب ال تتكلم ,واألصل أال يفهمها الناس ,ولكنهم العوام يفهمون ويعلمون أنها الخارقة المنبهة باقتراب الساعة.
ثالثاً :ما ورد في مقام بيان حلمه تعالى على عباده وحكمته ف��ي اإلم��ه��ال دون اإله���م���ال ,وم��ن -إيراد «دابة» نكرة وواقعة في سياق النفي كقوله ذلك قوله سبحانه{ :ولو يؤاخذ الله الناس تعالى{ :وم��ا من داب��ة في األرض إال على الله بظلمهم ما ترك عليها من دابة ولكن يؤخرهم رزقها( }..هود )6 :يفيد استغراق جنس الدابة إلى أجل مسمى( }..النحل.)61 : التي في األرض :أي كل دابة في األرض لعاقل أو غير عاقل. رابعا :ما ورد في مقام بيان اش��راط الساعة ,من
وتلك بعض النقاط الرئيسة التي تمخضت عن ه��ذه ال��ت��أم�لات البيانية ،أقدمها بين ي��دي القارئ العزيز في تواضع واستحياء أم��ام عظمة األسلوب القرآني الذي بلغ من اإلعجاز غايته فاستوت أمامه أقدام البلغاء في العجز:
– الدابة في اللغة :تطلق على كل نسمة حية ذكراً كانت أم أن��ث��ى ,عاقلة أم غير عاقلة ,غير أنها حقيقة في البعض ومجاز ا في البعض اآلخر. – إذا سبقت ال���داب���ة بلفظ «ك���ل» أف����ادت العموم وال��ش��م��ول ,ك��ق��ول��ه ت��ع��ال��ى{ :وب���ث فيها م��ن كل دابة( }»..البقرة.)164 :
– إذا وصفت الدابة بقوله «في األرض» قصد بذلك إرادة التعميم بذكر اسم المكان الذي يحوي جميع -أكثر ورود «دابة» في القرآن الكريم في مقام بيان الدواب – وهو األرض -وهو وصف آيل إلى معنى كمال القدرة اإللهية على كل شيء وحسن تدبير
98
اجلوبة -ربيع 1429هـ
شؤون الخلق واالستئثار بعلم الغيب وشموله. وم��ن مقامات وروده���ا االس��ت��دالل على األلوهيةوالوحدانية بخلقه سبحانه -كل ما ي��دب على األرض بعد أن لم يكن موجودا ،ونشره في أجزائها على اختالف أنواع الدواب في األشكال والصفات واألحوال.
الذين كفروا فهم ال يؤمنون} (األنفال)55 : وهذا في مقام تقرير نفي اإليمان من الكفار م��ع أن دع���وة اإلس�ل�ام أظ��ه��ر م��ن ال��دي��ان��ات السابقة ومعجزاته [ أظهر ،وألن الداللة على أحقية اإلسالم عقلية بيّنة ،فمن يجده فهو أشبه بما ال عقل له. ثالثها :في قوله تعالى{ :أل��م تر أن الله يسجد له من في السماوات ومن في األرض والشمس والقمر والنجوم والجبال والشجر وال��دواب وك��ث��ي��ر م��ن ال���ن���اس( }..ال��ح��ج ,)18 :وه��ذا ف��ي مقام االس��ت��دالل على ان��ف��راده سبحانه باأللوهية إذ إن دالئل أحوال المخلوقات كلها عاقلها وجمادها شاهدة بتفرده – عز وجل - باأللوهية ومن تلك الداللة شهادة على بطالن دعوة من يدعو من دون الله ما ال يضره وال ينفعه.
ومن مقامات ورودها أيضاً بيان حلمه تعالى علىعباده وإيضاح حكمته – سبحانه -في اإلمهال دون اإلهمال بتقرير قدرته التامة على استئصال كل أف��راد ال��داب��ة إذا قضى –سبحانه -بتعجيل عقوبة الظالمين ،لكنه –سبحانه -يمهل وال يهمل ،وتلك غاية الحكمة التي تصاحب القوة قمة الرحمة التي يصحبها العدل ،وما أحوج بني آدم إل��ى فضل الله تعالى ورحمته .وذل��ك مثل قوله تعالى{ :ولو يؤاخذ الله الناس بما كسبوا ما ترك على ظهرها م��ن داب��ة ولكن يؤخرهم إل��ى اجل رابعها :في قوله تعالى{ :ومن الناس والدواب واألنعام مسمى( }..فاطر.)45 : مختلف ألوانه كذلك( }..فاطر )27 :وهذا االقتصار على ذكر لفظ «دابة» عند مؤاخذة اللهوارد في سياق تقرير اختالف أحوال الناس تعالى الظالمين إيجاز بليغ؛ إذ إنه إذا كان الظلم إزاء م��ا ج��اءه��م ب��ه المرسلون م��ن البيّنات من الناس مفضياً إلى استئصال الدواب كان العلم مبشرين ومنذرين ببيان أن هذا التفاوت أمر ال بداللة بأنه مفض إلى استئصال الظالمين حاص ً مطرد في جميع مخلوقات الله عز وجل من االقتضاء. الناس والنبات والجماد والحيوان. ورد لفظ «ال��دواب» جمعا في القرآن الكريم فيهذا وتبقى الكلمة القرآنية الشريفة من سياقها أربعة مواضع: الذي اقتضاها بما تتضمنه من أسرار ومزايا غالبة أولها :قوله تعالى{ :إن شر الدواب عند الله الصم مفحمة لكل مكابر يجادل في الله بغير علم وال هدى البكم الذين ال يعقلون} (األنفال ,)22 :في وال كتاب منير. مقام التعريض بالذين قالوا سمعنا وهم ال والله الموفق ،والحمد لله أوالً وآخراً. يسمعون :حيث شبهوا بدواب صماء بكماء. رئيس قسم اللغة العربية بكلية التربية بجامعة ثانيها :في قوله تعالى{ :إن شر ال��دواب عند الله الجوف. < رئيس قسم اللغة العربية بكلية التربية بجامعة الجوف.
اجلوبة -ربيع 1429هـ 99
املعلمون في تراثنا العربي :أخطار املهنة > الزبير مهداد
<
المعلم وصي على نقل العلوم ونشرها بين المتعلمين ،وتنشئتهم ورعاية نموهم العقلي ،وتنمية قدراتهم ومهاراتهم التواصلية واالجتماعية؛ فالتعلم والتعليم دعامتان أساسيتان لتوارث العلوم ونقلها وإثرائها ،وإعادة اإلنتاج االجتماعي ،وتنشئة األجيال وإدماجها في المجتمع .لذلك يعد العالم المعلم خير من العالم لذاته. وعلى مر العصور ،كان يتصدر تعليم الناس وتدريسهم رجال وقفوا أنفسهم لهذه المهمة وتسموا والمؤدّب والمفيد ،والمعيد ،والمكتب؛ ِ معلمين ،وهم أنواع؛ فهناك معلم المكتب ،ومعلم المدرسة، ولكل واحد من هؤالء اختصاصات ووظائف تختلف عن اآلخرين. فمعلم المكتب كان يتصدر لتعليم الصبيان في المكاتب الخصوصية أو التي يقيمها الوالة واألعيان ،وكان كثير من الناس ممن يتوسمون في أنفسهم القدرة واألهلية لذلك يمتهنون هذه المهنة ،التي كانت تتطلب شروطا بسيطة ،وهي قراءة القرآن ومعرفة العربية ومبادئ الدين .وكانوا يكترون حوانيت يتخذونها مكاتب يستقبلون فيها صبيان المسلمين ،فيحفظونهم القرآن ،ويعلمونهم مبادئ القراءة والكتابة ،مقابل أجر مالي يدفعه اآلباء؛ بينما في مكاتب السبيل التي ينشئها األمراء والوالة ،كان تعيين المعلم يتم من طرف الوالي أو ناظر الوقف .وكان المعلم يتولى تعليم الصبيان القرآن خاصة والعلوم األخرى ،أما الخط والكتابة ففي أكثر األحيان كان يكلف بها معلم خاص يسمى ال ُم َك ِتّبُ . ولم تكن هذه المهنة على الرغم من كثرة اإلقبال عليها سهلة يسيرة كما قد يبدو للوهلة األولى، فقد كانت محفوفة بالمصاعب .ومن أوالها ما وضعه الفقهاء وسدنة العلم من شروط للراغب في امتهان الحرفة ،ومنها أال يكون عزبا وال شابا ،بل يكون شيخا محصنا خيّرا ،وأن يكون من أهل الصالح والتقوى والعفة واألمانة ،أن يكون حافظا لكتاب الله تعالى ،حسن الخط ،يعرف الحساب وغير ذلك من الشروط العديدة ،وكان يعهد للمحتسب بمراقبتهم في عملهم ،التأكد من احترامهم آلداب المهنة واألخ�لاق العامة؛ ما كان يشكل تهديدا أم��ام كثير من معلمي المكتب بالمنع من التدريس وقطع باب الرزق ،أما معلمو مكاتب السبيل ،فكانوا أحسن حاال للمرتب الذي يعود عليهم من ريع األوقاف المحبسة على المكتب ،ولعدم ارتباطهم المباشر باآلباء واستقاللهم عنهم. وعلى الرغم من ذل��ك فقد كانوا موضوعا للنوادر والحكايات الطريفة في التراث العربي، وأشهر من صنف في ذلك الجاحظ .وتصور هذه الكتابات تواضع معرفتهم وضعف تكوينهم العلمي وفقرهم وتعسف الصبيان بهم ،تناقلتها كتب عديدة ،وهي طرائف كثيرة وثقيلة يضيق المجال بذكرها؛ وقد حاول بعض األدباء االنتصار لهم واإلشادة بمكانتهم االجتماعية وما تضفيه عليهم 100اجلوبة -ربيع 1429هـ
غاية القبض ،فاستدعاه السلطان وطيب خاطره وقال له أن��ا أم��رت بذلك حتى تعلم ما عندك من العلم وما عند الناس ،وتعلم أن دار الغرب هي كعبة كل قاصد، فال يجب أن تتكل على حفظك وتقتصر على ما حصل عندك ،وال يمنعك ما أنت فيه من التصدي عن مالقاة كل من ي��رد من العلماء والتنزل لهم لألخذ عنهم ،وال يقدح ذلك في رتبتك عندنا إن شاء الله.
مهنتهم م��ن س��ط��وة وس��ل��ط��ة ،وم��ن ذل��ك ق��ول المقري: (ال�لاح��ظ م��ا ق��ال الجاحظ ف��اع��ت��راض ال ي��رد وقياس ال يطرد ،حبذا والله عيش التأديب ،فال بالضنك وال بالجديب ،معاهدة اإلحسان ومشاهدة الصور الحسان. يمينا إن المعلمين لسادة المسلمين ،وإني ألنظر منهم كلما خطرت على المكاتب أمراء فوق المراتب ،من كل مسيطر الدرة متقطب األسرة متنمر للوارد تنمر الهرة؛ يغدو إلى مكتبه كاألمير في موكبه ،حتى إذا استقل فى أما المؤدبون فهم معلمو أوالد الملوك واألمراء ،يقول فرشه واستوى على عرشه وترنم بتالوة قالونه وورشه، الجاحظ( :ويستدل من نصائح األمراء والملوك للمؤدبين أظهر للخلق احتقارا وأزرى بالجبال وقارا ورفعت إليه أنهم ما قلدوهم أمور أبنائهم إال بعدما ارتفع إليهم في الخصوم ووقف بين يديه الظالم والمظلوم). الخبر حالهم في األدب ،وبعد أن كشفهم االمتحان وقاموا أما في المدارس التي هي أعلى مستوى من المكاتب على الخالص) .وهكذا كانوا يختارون المؤدب بعد أن وكانت تدرس بها علوم شتى ،فكان يعين عادة لكل علم من يستقصوا أخباره ويستفسروا عنه معارفه ثم يختبر ،وإذا العلوم أستاذ ويساعده معيد أو أكثر ،وأحيانا كان األساتذة وقع عليه االختيار وحظي بالقبول ،فإنه ينال االحترام يرتبون في طبقات أعالها الصدر ،هذا اللقب كان يمنح واإلج�ل�ال ،ويحيطه لقب ال��م��ؤدب بإهاب من العظمة. ألئمة العصر ف��ي العلوم ويقصدهم األم���راء وال���وزراء فاللقب يعني سعة العلم والتمكن من اللغة والتبحر في ل�لإف��ادة منهم ،وعليهم يتخرج النوابغ من المدرسين .األخبار وغير ذلك. وهناك المفيد ،الذي عليه قدر زائد من اإلفادة واإلفهام، فقد نقل المؤرخون أن طاهر بن الحسين حين سار ثم المدرس الذي يتصدر لتدريس العلوم ،ثم المعيد الذي إلى خراسان نزل بمرو فطلب رجال يحدثه ليلة ،فقيل هو أدنى رتبة من المدرس ،ووظيفته تنحصر في إعادة ما ها هنا إال رجل مؤدب ،فأدخلوا عليه أبا عبيد فوجده ال��درس للتالميذ بعد أن يلقيه المدرس ليفهموه ،كما أعلم الناس بأيام الناس والنحو واللغة والفقه فقال له يساعدهم على حفظ الدروس ومراجعتها. من المظالم تركك أنت بهذه البلدة ،فأعطاه ألف دينار ومن أوجه الصعوبات التي كانت تثقل كاهل المدرسين وقال له :أنا متوجه إلى حرب ،وليس أحب استصحابك المناظرات واالمتحانات ،ومما يحكى في هذا الباب أن شفقا عليك فأنفق ه��ذه إل��ى أن أع��ود إليك فألف أبو الملوك كانوا ال يتوانون عن تنظيم مناظرات الختبار عبيد غريب المصنف وعاد طاهر بن الحسين من ثغر كفاءة المدرسين ومستواهم ،وهو ما فعله السلطان أبو خراسان فحمل معه أبا عبيد إلى سر من رأى (سامراء) عنان المريني (ت )1358 :الذي عين للتدريس بمدرسته وكان أبو عبيد ثقة ديّناً ورِ عاً كبير الشأن. المتوكلية الشيخ الصرصري ،وكان تعيينه محل اعتبار وذكر آخرون أنه لما قدم محمد بن قحطبة الكوفة وتقدير من حاشية السلطان التي اقترحته لهذا المنصب العلمي الرفيع ،ولما جلس الصرصري بالمدرسة واتسع فقال أحتاج إلى مؤدب يؤدب األوالد ،حافظ لكتاب الله صيته ،وجه إليه السلطان من يسأله في مسائل التهذيب عالم بسنة رس��ول الله وباآلثار والفقه والنحو والشعر ال��ت��ي ان��ف��رد بإتقانها وحفظها ،فتوجه ال��س��ائ�لان إلى وأي��ام الناس ،فقيل له ما يجمع ه��ذه األشياء إال داود الشيخ وطالباه بتحقيق ما أورده من المسائل عن ظهر الطائي ،وكان محمد بن قحطبة بن عم داود ،فأرسل إليه قلب على المشهور من حفظه ،فانقطع انقطاعا فاحشا ،يعرض ذلك عليه ويسنى له األرزاق والفائدة فأبى داود. وح��ف��ظ��ت ك��ت��ب ال��ت��اري��خ واألدب أس��م��اء ع���دد كبير ولما أضجره ذلك نزل عن كرسيه وانصرف كئيبا في
اجلوبة -ربيع 1429هـ 101
من المؤدبين ومنهم الضحاك بن مزاحم م��ؤدب أوالد عن المظالم. عبدالملك بن مروان ،والصولي مؤدب األمين والمأمون، وفي كثير من األحيان كانت عالقة المؤدب باألمير والمفضل الضبي مؤدب المهدي ،وعبد الملك بن المقفع ال تنتهي بسن محددة ،بل كانت تستمر فيرتبط الطرفان مؤدب أوالد إسماعيل بن علي ،والكسائي مؤدب الرشيد ،بعالقات ود وصداقة وتناصح حتى بعد أن يكبر األمير وابن السكيت مؤدب أبناء المتوكل .كانوا يتمتعون برغد ويتولى مقاليد األم���ور ،مما يعرض ال��م��ؤدب لمخاطر العيش ويحظون بالتكريم الفائق .فضال عن أن طبيعة فيذهب ضحية دسائس أو م��ؤام��رات ،ومما يحكى في الوظيفة كانت تمنحهم فرصة اإلقامة في جناح خاص هذا الباب أنه بعد موت يزيد ومبايعة معاوية ،توجه هذا بالقصر ليكون إشرافه على الصبي األمير أحكم وأشمل ،األخير إل��ى معلمه ليسأله رأي��ه ،فنصحه مؤدبه عمرو وتتاح له الفرصة لتعليم الصبي وتربيته عقليا ووجدانيا المقصص بالعدل أو االعتزال ،فخطب معاوية في الناس واجتماعيا وسياسيا ،فكانوا يعيشون بمنأى عن الحاجة معلنا اعتزاله واستقالته ،فوثب بنو أمية على المؤدب والعوز والفقر. عمرو المقصص وقالوا له أنت علمته وأفسدته ،ثم دفنوه
وم��م��ا ي���روى أن ه���ارون ب��ن زي���اد دخ��ل على ال��واث��ق فأكرمه غاية الكرم ،فقيل له من هذا يا أمير المؤمنين ويعقوب بن السكيت النحوي األدي��ب كان قد ألزمه الذي فعلت به هذا الفعل ،فقال هذا أول من فتق لسانى المتوكل تأديب ابنه المعتز ،فلما جلس عنده قال له يا بذكر الله وأدنانى من رحمة الله. بني ب��أي ش��يء يحب األمير أن يبتدئ من العلوم ،قال إال أن المؤدب لم يكن حرا في اختيار مواد التعليم أو باالنصراف ،ق��ال اب��ن السكيت فأقوم ،ق��ال المعتز أنا الكتب لألمير المتأدب إال بموافقة أهل الصبي .فالمؤدب أخف نهوضا منك؛ فقام المعتز مسرعا فعثر بسراويله في عمله ملزم بإنفاذ البرنامج الذي يضعه األب ،ويحكي فسقط فالتفت خجال فقال ابن السكيت: الصولي كيف كان موقف القصر منه حين اختار لألمير ي���ص���اب ال��ف��ت��ى م���ن ع���ث���رة ب��ل��س��ان��ه ال��راض��ي ب��ال��ل��ه وأخ��ي��ه ه����ارون ب��ع��ض ال��ك��ت��ب ،فحجزت وليس يصاب المرء من عثرة الرجل وصودرت وأمر بأال يتجاوز تعليمهما الحدود التي رسمت ف���ع���ث���رت���ه ب���ال���ق���ول ت���ذه���ـ���ب رأس���ـ���ه له ،وأن ينفذ ما طولب به إنفاذا حرفيا دقيقا. وع��ث��رت��ه ب��ال��رج��ـ��ل ت��ب��ري ع��ل��ى مهـل كما كان األدباء المربون معرضين للمخاطر المترتبة حيا حتى مات.
عن مخالطة ذوي السلطة ،ولم يكونوا قادرين على دفع الدسائس التي كانت تحاك ضدهم وتستهدفهم ،فلكل شيء ثمن ،فهذا محمد بن عمران الضبي مؤدب المعتز كان قد سمى رج��اال للمعتز للقضاء نحو ثمانية رجال فيهم الخلنجي والخصاف وكتب كتبهم ،فوقع فيه شفيع الخادم ومحمد بن إبراهيم بن الكردية وعبد السميع بن هارون بن سليمان بن أبي جعفر ،وقالوا إنهم من أصحاب ابن أبي داود وهم رافضة وقدرية وزيدية وجهمية ،فأمر المعتز بطردهم وإخ��راج��ه��م إل��ى ب��غ��داد ووث���ب العامة بالخصاف وخرج اآلخ��رون إلى بغداد وعزل الضبي إال < معلم وباحث من المغرب
102اجلوبة -ربيع 1429هـ
فلما ك��ان من الغد دخ��ل على المتوكل فقال له قد بلغني البيتان وأمر له بخمسين ألف ،ولكن لن يكتب البن السكيت أن يستمتع بهذا الرغد طويال ،حيث ستؤدي عثرته بالقول إلى أن تذهب برأسه ،إذ يحكي المؤرخون أن ابن السكيت كان يوما عند المتوكل فدخل عليه ابناه المعتز والمؤيد ،فقال له يا يعقوب أيما أحب إليك ابناي هذان أم الحسن والحسين ،فغض ابن السكيت من ابنيه وذكر محاسن الحسن والحسين ،فأمر المتوكل األتراك فداسوا بطنه وحمل إلى داره فمات من الغد ،ويقال أنه حمل ديته إلى أوالده.
النص الرقمي ّ > أشرف اخلريبي
<
كيف نستفيد من الثورة التقنية ومن النص المفتوح؟ وكيف نقرأ وعيها اآلني؟ كيف نشيد بناءنا
المتميز؟ وكيف نعيد لوجودنا وجوده؟!
أمام أسئلتنا التي تطرح تفاعلها وتنبئ عن إجابات شتى متخيلة أو جاهزة ،علينا أن نتفهم موقعنا
في العالم كأدباء ومثقفين ،ونتطلع بدورنا ومسؤوليتنا وأهمية وجودنا ،وموقفنا من العالم حولنا،
في ظل طفرات نوعية ،منها أدبية وفكرية واقتصادية تسيطر على الوجود اإلنساني في كثير من القضايا .ليس مجرد التعبير هو الفعل الكافي ،والذي علينا أن نمارس كونه في ضوء المعادالت
الكيميائية أو في الحديث عن الميتافيزيقيا ،كي تتشكل معارفنا وتقدم نموذجها التعبيري .ليت المسالة تقف عند حد النقاش والرأي والتعبير المجازي والرمزي والتصويري ،إال أنها تمر من بين
أصابعنا كي تنفلت وتحدث تغيرا أخر ينبئ عن إضافة دور جديد للمثقف والكاتب؛ ذلك الدور الذي
غاب في زحام العالم وضجيج األخر ،المتسلط بأيدلوجياته وأفكاره االستعمارية على وعينا أحيانا، وعلى مُقدراتنا.
ربما كانت المسألة كلها تكمن في إيماننا العميق والحقيقي بذلك الدور الذي يمكن أن نقوم به،
وتعظيم إمكانياته المعرفية في ظل التقنية الحديثة التي تسهم بشكل فاعل وكبير في وصول صوتنا الواحد إلى األخر ،ووصول كياناتنا المختلفة إلى أكثر من مجرد قارئ عادي ،حيث تتفاعل مجموعة كبيرة جدا من المتلقين على كل المستويات عبر التقنيات الحديثة ،وتقرأ أصواتنا المختلفة وتقرر
بنفسها مدى حرصها على وجودنا ووجودها معنا أيضا ،وم��دى ما يمكن أن نسهم به في حركة المجتمع الذي ينهض ويحاول في شتى المواقع أن يتفرد ويبنى كيانه الجديد بالقوة ذاتها التي
أسستها حضارتنا القديمة جدا؟
اجلوبة -ربيع 1429هـ 103
هل ما زال لحضارتنا وجودها األثري في وجداننا؟ اإلجابة تصعب علينا أحيانا فنمضى تاركين وراءنا المفردات الهثة هنا وهناك .ما زلت أومن بقوة اإلنسان العربي الشرقي وق��درات��ه وذك��ائ��ه ال��ف��ردي ،كما أومن بقدراتنا الخالقة الوثابة على العطاء ودورن��ا الفاعل في واقعنا ،أومن بالفعل بالتجربة والخبرة اإلنسانية التي تعكس مدى أهمية هذا الدور الذي ننشده. ولشد ما يهمني هنا في االستفادة القصوى من الثورة التقنية هو العمل الجاد والتناول المثمر الذي يجعل من أس��اس بنائنا عنصرا مهماً لحياتنا التالية على ما بها من متخيل ال ندرك كنهه ،وعلى ما يمكن أن تجود به ثقافتنا .المسألة تنبني في األساس على فهم عميق لما تحدثه ه��ذه ال��ث��ورة ،التي ال شك أنها تتجاوز بمراحل هذا التبسيط المتصور على اعتبار أنه واقع افتراضي وحسب ،وعلى اعتبار أن عالم الرقمية اختراع مثل التليفزيون والراديو. إنها في جانب كبير منه أكثر بكثير مما نتصور ،وإن كانت االختراعات ستتوالى ال شك ،غير أنها جميعا ستجعل م��ن الرقمية حجر زاوي���ة لها ،وستجعل من وجوده بناء أساسيا لكافة تطوراتها بعد ذلك ،والفرق كبير نظراً ألن الرقمية عالم افتراضي وحسب ،تلك النظرة التي أراها .لذا كان من المهم أن نقدم دورا أكثر ايجابية مما ننظر ،وأن نوسع في دائرة عالمنا ونعطي أبعادا فاعلة ومثمرة ،جادة لواقعنا الجديد على اعتبار أن الواقع االفتراضي في أحد جوانبه يقدم ما نريد أن نقول ،ليس هذا فحسب ،إنه يقدم محتواه في األساس ومعه ما نريد أن نقول.
فهل يجوز أن يكون هناك نصا رقميا؟ وهل يمكن أن يكون نصا رقميا مُمكنا ومتاحا ومؤهال لبناء جديد يُحدث بعناصره المختلفة والجديدة بنية 104اجلوبة -ربيع 1429هـ
مغايرة وقافزة على ما سبق من نصوص مكتوبة ورقيا، ومحدثا بهذا البناء تغيرا جذريا على كافة المستويات نص النوعية والكمية للنص األدب��ي تحديدا؟! إن كل ّ مهم يكن توجهه إن لم يكن أدب�� ّي��ا فهو كتابة م��ا ،في أساس وجودها لتدوين معلومات وتخزينها ،وللتعبير عن المشاعر واألفكار .سواء تلك المكتوبة على الورق، كما هو الحال في الواقع الورقي .أو كتبت بعد تحويلها رقمية بواسطة الكمبيوتر ،أو بواسطة البرامج المعروفة ك��ب��رن��ام��ج wordال��ش��ه��ي��ر ،أو ب��واس��ط��ة الماسحات الضوئية (آلة تصوير المستندات) إذ ال يخرج النص عن كونه موضوعا يحمل أفكاراً بعينها؛ أي فكرة مُمكنة التحقق ،وأمرا محتمل الحدوث إلى جانب مضمونه، ويجب التمييز بين الموضوع والمضمون فى هذا اإلنتاج الفني (النص) الرقمي ،إذ يمكن القول إن الموضوع هو الذي يشمل العمل كلية بما يحمله من مفردات عالمه أيما كان نوع هذه المفردات ،ولفظة مفردة هنا تتحصل على المفردات اللغوية ،إل��ى جانب كم من الوسائط اإللكترونية التى تحيط بالعمل ،وتحمل بوجودها داللة طرحها فى هذا العمل الفني تحديدا وإمكانية تواصل التلقي معها ،ويكون المضمون تأويال لهذا الموضوع القابل لالمتداد والتعدد الذي يبيحه -االبتكار الفني فى النص الرقمي -كي يحتمل العمل الفني أكثر من تأويل وأكثر من قراءة واشتراك مع العمل ،وربما يرد هنا تساؤل مهم حول النص الرقمي وتحققه فى الواقع، وإن كان ابنا شرعيا للواقع أصال ،وهو أحد المعطيات التى أفرزتها الحضارة الحديثة ،وهذا بحد ذاته أحد معطيات النص الرقمي .وال شك أن النص الرقمي هو نص مكوّن من عناصر عديدة يعمل على آليات مُفترضة ،وربما يمزج إمكانات جديدة ومختلفة؛ حالة مُنفتحة على كل التأويالت ،تحمل فى طياتها المجهول الذي تذهب إليه النصوص مع إمكانية ثباتها وبقائها فى حصار ه��ذه العناصر على الرغم من محاوالتها
الوصول إلى حالة التغير والتبدل المتخيل.
نص افتراضي في األساس بال هوية وال موقف ،ألن كل ّ واقعي بالدرجة األولى وليد لحظته اإلبداعية؛ فالقصة وال���رواي���ة والمسرحية وح��ت��ى ال��ن��ص ال��ش��ع��ري يحمل بنية تخيلية داخل واقع افتراضي هو الواقع الرقمي فى النص األدبي ،مروى عنها فى بنية زمنية ومكانية وعناصر أخرى تحمل أنساقها المُمكنة داخل النص، ومن خالل شخصيات مُفترضة تتماهى وتتماس مع الواقع.
فهل النص الرقمي يحمل إمكانيات الخلق اللّغوي المُختلف ،وقدرته على إنشاء أفكار ومضامين مغايرة؟ أو يقدم نموذجا بعينه للكتابة الجديدة حيث تقدم هذا النموذج فى عالم افتراضي (عالم االنترنت) بأفكار ممكنة ،وم��ن ث��م مُتخيلة لهذا العالم ،وواق���ع متخيل له ينتج فيه النص ابناً لبيئته الجديدة؟ وه��ى واقعه الجديد الذي ينمو ويتطور من خالله فقط (الكمبيوتر) من هنا نستطيع أن نالحظ العمل الفني الرقمي االنترنت كي نطلق عليه من هذه الميزة التى يحملها، نص ال��ذي يقدم خياله الخاص مع وعينا المشترك بهذا وهى جوهر وج��وده األصيل المحفز إلنتاجه أنه ٌ النص وإمكانيات طرحه ،وهو يكاد يمزج مزجاً تـامـاً جديد فى بيئة جديدة. بين قضاياه الخاصة اللفظية المتاحة ،وبين قضايا أهمية التقنيات الرقمية تقنية ترتبط بالوسائط المتعددة ،أو يطرح قضايا متلق إن التقنيات الرقمية تعد وثبة هائلة فى إمكانية التذوق تبدو عامة ،ولكنا نستقبلها في منطقة خاصة بكل ٍ الفني واإلب��داع والنقد ،من حيث تأثيراتها المختلفة وحسب موقفه الخاص ،ذلك ألن تأثير النص ال يتم وال فى مجاالت التصوير وال��ص��وت والمونتاج والعرض؛ يكتمل إال بوعي وخيال وإرادة المتلقي المشترك فى أي م��ن خ�ل�ال واق���ع ال��م��ش��اه��دة غ��ي��ر جلسة التلقي العمل وإنتاجه ،وهى منتجة من أجله أصال ،األمر الذي السلبي المعروفة أو حتى التلقي المتفاعل ،فإن كان يسمح بمثل ه��ذا التداخل بين اإلب��داع كعملية أول��ى، كتال لها ،ويصبح اإلب��داع هو المحرك لثبات بإمكان التلقي أن يؤثر بلمسة من أصابعه على التدفق والتلقي ٍ ال��درام��ي لنص ،بحيث يؤثر ويغير من وجهة التدفق التلقي ،والعكس عند حاجة التلقي لفكرة اإلبداع وهو الدرامي لألحداث ومصائر األبطال ،وحيث يتيح بهذه في جانب من تجلياته ,وبهذا االش��ت��راك االفتراضى اإلمكانيات اشتراكه الفاعل ،وتحويل الصور المسطحة بين المبدع والمتلقي يصبح العمل مختلفا كلياً فى إلى صور مُجسدة ومتحركة ،والتي يتم فيها تجسيد موضوعه ومضمونه وزواي��ا إدراك فنيتـه ،وف��ي كونه األش��ي��اء ال��م��ادي��ة ف��ي ص��ور تخيلية؛ إذ يتم استبدال وعالمه المتخيل .إن آليات عملية إنتاج النص الرقمي العالم الحقيقي بعالم تخيلي مجازي هو مطلب مهم يوصف بأنه عمل فني؛ أي التجربة اإلبداعية والتقنية م��ن مطالب الرقمية ،تصبح المشاهدة التي تتكون فى ذات الوقت. من أشكال ثالثية األبعاد داخل النص ،ومن ثم تصبح إن ال��ن��ص ال��رق��م��ي ي��م��ارس ن��ش��اط��اً تخيليا ،ل��دى الصور حقيقة ،ويدخل ال��ق��ارئ في المشهد المرئي المتلقي مع إدخ��ال عناصر أخ��رى أكثر صلة بواقعها ويصبح جزءاً من تفاصيل الحدث الذي كان ينظر إليه االفتراضي ،وإدخال التلقي فى منطقة النص واشتراكه فى شكل تخيلي. فيه لرؤية جديدة حيث العالم النصي م��ؤول لصالح على عكس ما يتوقع الكثيرون ،من أن النص الرقمي التلقي المفترض وجوده ذهنياً ،ودال بحسب الصورة هو اآلتي من مُحصلة تقنيات الكترونية وحسب ،وهو المطروحة فى بنائه ،وفى شكل تجسدها عبر عوالـم
اجلوبة -ربيع 1429هـ 105
وأحاسيس مُتخيلة خالل واق��ع افتراضي ,ومن حيث إل��م��ام التلقي م��ث�لا ع��ل��ى معطيات ال��رم��وز ودالئ��ل��ه��ا وتعبيراتها المختلفة .وينشغل العمل الرقمي بمفردات موضوعية غير م��أل��وف��ة للمتلقين ،تعمل على خلق انطباعات مغايرة ومختلفة ب��األس��اس؛ إذ تقدم بنية أو مشهداً ربما مكتمل األداء له أكثر من بعد مرئي ومسموع ومحسوس تستدعي أخيلة وت��ص��ورات لدى المتلقي ،ومفاهيم عقلية وتداعيـات ذهنية تحمل من مشاعر التلقي ق��درة االستجابة المباشرة والسريعة لهذا النص. وتبقى بعض ه��ذه التقنيات داخ���ل ال��ن��ص نفسها التى هي نشاط معرفي لعمل ه��ذه الرموز وإشارتها المختلفة ،وتتحول إلى تراكيب متناهية ومحالة إلى موقف أخر طوال الوقت ،ومنشغلة بصورة ذهنية خاصة بكل تلقي على حده ،مع تغيـر التركيبات المألوفة التى تعودها التلقي؛ تلك التي ال تستدعي أكثـر من مجرد االس��ت��ج��اب��ات ال��ج��اه��زة والمحفوظة وال��ت��ي ال تحتاج من ثم إلى نشاط استجابة يتعين فرضيتها فى هذه الحالة ،وتصبح القيمـة الفنيـة للنص الرقمي في قدرته على إش��راك التلقي معه وإدخاله فى مجمل العملية اإلبداعية ،ويتحول تاليا إلى المؤلف الثاني (المتلقي). ون��ج��د عملية النشر اإلل��ك��ت��رون��ي ال��ت��ى تتم حاليا من خالل الشبكة الرقمية تقدم الوسائط المطبوعة Printed-Based Materialsكالكتب واألب��ح��اث العلمية بصيغة يمكن استقبالها وقراءتها عبر شبكة اإلنترنت، هذه الصيغة تتميز بأنها صيغة مضغوطة ،Compacted ومدعومة بوسائط وأدوات كاألصوات والرسوم ونقاط التوصيل التى تربط القارئ بمواقع على شبكة اإلنترنت. مع تصميم صفحات ال��وي��ب .كما توجد صيغة PDF وهى تقنية تهدف إلى نشر وتبادل المعلومات المقروءة إلكترونياً بشكل يحفظ للمادة التى يتم تبادلها كافة األشكال التى يريدها الكاتب ،من حيث الدقة والتنسيق 106اجلوبة -ربيع 1429هـ
وجودة العرض والطباعة ،حيث ال يمكن إعادة تنسيقها من قبل القارئ عن طريق برنامج التصفح ،وهى تظهر كما وضعها الكاتب والمصمم .كما أن تنسيق النص ال يتغير على عكس HTMLحيث يمكن أن يتغير تنسيق النص بتغير الخط ،أو بتغير برنامج التصفح .وهذا األم��ر ض��روري فى مجال النشر والوثائق الرسمية. وقد توسعت مجاالت النشر اإللكترونى ،فشملت نشر األبحاث العلمية ،وأوراق المحاضرات Lecture Notes وال��م��ذك��رات ل��ط�لاب ال��ج��ام��ع��ات ،كما يمكن ألس��ات��ذة الجامعات نشر أوراق محاضراتهم إلكترونياً ليحصل عليها الطلبة من مواقع األساتذة على اإلنترنت .كذلك نشر الكتب والمراجع األكاديمية ،Text Booksوتزود الكتب بأقراص مضغوطة CDمرافقة للكتاب ،وعلى الرغم من غموض مستقبل الكتاب اإللكتروني ،فإن كل التوقعات المستقبلية تتنبأ بعصر رقمي جديد يعتمد النظم الرقمية ،المجهزة بشاشات من الورق اإللكتروني الذي ظهر حاليا ،وهو عبارة عن صفحة بسمك خفيف من البالستيك الشفاف ،وتُحَ مل بما يشبه الشرائح االلكترونية لعرض المحتويات المختلفة.
المعيار الفني للنص الرقمي وناقده الفني تبدو ممازجة فاعلة أن يجتمعا معا فى النص الرقمي بهذا التخيل من حيث المفاهيم والمنطلقات ،وفيما يثيرانه فى هذا النص -المنفتح على كل التأويالت التي تثير التساؤل -على الرغم من ما يتضمنه من جملة تعقيدات فى شكل بنائه؛ ألن��ه يشك ًل منظومة متكاملة من الوسائط المستخدمة إلنتاج هذا النص بمفهومه ال���ذي يتضمن ال��س��رد ،وال��ب��ن��ي��ة ،وال��ش��ك��ل، واألس��ل��وب ،وال��ل��غ��ة ،وال��دالل��ة ،ومنطق البناء … ال��خ؛ فالنص عمل يستخدم الكتابة لطرح عالمه وعرض أشيائه المتخيلة من خالل عوالمه المتعددة التي تبقي -بعد تحققها -لها ذلك األث��ر ال��ذي يمثل الخطاب
المعرفي إج��م��اال حيث تكمن أهميته ،بينما يختفي الشكل القديم ،وهو أحد معطيات النص الذي يشمل بداللته جزءا من جوهر النص قديما ،إذ يرسم آفاق الموضوع وال��ذات معاً ،وهى تشكل منظومة متكاملة من العمل اإلبداعي ،أخذت طابعاً مختلفا في النص من حيث طريقة طرحها للعالم ،محاولة إبراز عالميها الداخلي والخارجي على السواء ،ومن ثم استكشاف العالم ووقوف الذات ،متجاورة على شكل تفاعلها مع هذه الوسائط وطريقة استخدامها كمرآة تصور شكل التجسد النصي ،والموافقة على حضورها فى العالم بهذا الشكل الذي يعبر عنها وفق الطرق المتاحة أمامه وخياراتها الرقمية التي يقدمها للتلقي ،حتى وإن كانت جديدة عنه كاستخدامه للفالشات وامتدادات الصور وغيرها بوصفها تأويال لما أراد أن يقول ،ه��ذا هو المؤلف فى النهاية أم��ام المتلقي ال��ذي يشترك معه، يرسم له خرائط عشوائية لقراءة الذات والعالم ،مكوناً ال يخرج من ح��دوده الطبيعية إلى حدود نصا متواص ً ال نهائية ،ترسم اإلنسان ضمن تفاصيل أخ��رى تبدو ه��ي األس���اس م��ن خ�لال ال��ش��يء المحيط (ال��خ��ارج). ويبقى العالم بجدلية الذات والموضوع محوالً أطراف المُعادلة إلى كون متماسك البناء – متخيل -مكتمل كتلة مموهة نسبيا فى ص��ورة متخيلة لهذا التماسك ٍ قابل للتغيير والتبديل فى أي وقت وبمجرد اشتراك ٍ التلقي ،إذ يتخذ من ه��ذا التحول ام��ت��دادا ومسارات ل��ه وموقفا م��ن العالم ب��األس��اس ،والموقف م��ن إث��ارة الخيال والسيطرة على الذهن الكامل للتلقي بنسيج شبه متكامل فى النص الرقمي ،يشترك فى إحداثه المؤلف مع المتلقي ،وهي ترتبط إلى حد كبير بأكثر من موقف ،أوال :ق��درة من المؤلف على إح��داث هذا متلق مستعد مباشرة للتعامل م��ع هذا الخيال ل��دى ٍ المعطى الفني ،والتخلي عن ثوابته فى ه��ذا التلقي بإحساسه ومشاعره كمعرفة جديدة؛ وثانيا :هو طرح
تراكيب وكيانات جديدة تستلزم معرفة ووعيا مختلفا ومغايرا ،وتطرح في الوقت نفسه إدراكا جديدا موظفا توظيفا هائال لصالح وجودنا الذي ننحاز إليه أصال مع استمرار وتعدد هذا الخلق الجديد ،ألنها ربما تقدم وتصور عالما بديال له قوانين مغايرة وموقفا مغايرا ال يتفق مع كثير مما نتصور ،واإلبداع هنا يعمل على طرح الجديد والمدهش والمختلف أيضا ،ولكن هل سيكون ممتعا وأصيال؟ إن الفرق بين النص الرقمي والنص ال��ورق��ي فى جانب منه يمثل فارقا عند التلقي ،من حيث تأثير هذه النصوص عليه وتجاوبه معها من عدمه أو عدم تأثيرها عليه ،وكذلك طريقة الكتابة وشكلها وأسلوبها ،وثبات النصوص وال��خ��ط��وط وحركتها ،وت��درج��ه��ا وأبعادها المختلفة ،وتفاعلها مع نصوص أخرى موازية أو مقاربة، وكذلك تجاوز النص الرقمي لوحدة الزمان والمكان، إذ تمثل ه��ذه المتغيرات في الكتابة الرقمية موقفا مغايرا؛ حيث يقوم المتلقي من موقفه الخاص وحسب رؤيته هو ،في تأمل هذا الطرح النصي والتفاعل معه مُجسدا موقفه منه ،ومن ثم تحريك خيالَي المتلقي وال��م��ؤل��ف أي��ض��ا ،ورب��م��ا يُ��ك��رس ل��ه إم��ك��ان��ي��ات أخ��رى باإلضافة والحذف ،ويكون العمل الفني الذي يخلو من هذه اإلمكانية وقبوله لمثلية هذه التغيرات والتبديالت القابلة للتشكيل وال��ت��ح��ول ه��ي الدليل الحيوي على مرونة هذا النص. وبمثل هذه التحوالت والتأويالت سوف يكون الحكم التالي على النص ،األمر الذي يُحيلنا إلى مسألة أعمق تتعلق بتعريف هذا النص ،ووض��ع أُط��ر نظرية للحكم على أهميته إي��ج��اب��ا وس��ل��ب��ا ،وم���دى ق��درت��ه على من إشراك المتلقي معه؛ مما يجرنا أيضا لتساؤل أخر عن مواصفات المؤلف والمتلقي أو المنتج للنص الرقمي. وم���ا يعنيني ه��ن��ا ه��و ال��م��واص��ف��ات األول���ي���ة التي
اجلوبة -ربيع 1429هـ 107
يجب توافرها فى الكاتب الرقمي ،وليست الصفات البيولوجية أو السيكولوجية ،أو حتى مواقفه السياسية االجتماعية أو األخالقية الدينية؛ إن م��ا أعنيه هو هذا الوعي بالخلق الفني االفتراضي ،وعيه الفني مع المزيد من الكفاءة المعرفية ووسائل تعبيرية عميقة ذات أبعاد شمولية ،وموقفه من التجربة اإلبداعية وما تحمله من توجهات لتوجيه خطاب معرفي جديد على علم تام باألنساق السابقة لهذا التجاوز ،ذو ثقافة فنيـة خالقة تعرف خطوات العمل الرقمي وتتبنى وج��وده، وأن هذه المواصفات يجب تحديدها وتحجيمها إلى مستوى أكثر بكثير مما نتصوره اآلن؛ ألنه فى موقفه الفني يعتمد على ثالثة مواقف حتى اآلن :أولها المبدع اللفظي ،وثانيها المبدع التقني ،وثالثها المتلقي المكمل، إن جازت هذه التعبيرات التى قد تجتمع في شخص واح��د ،ويعتمد النص الرقمي على الكتابة داخل بيئة بذاتها ،هي الكمبيوتر أحد الوسائط اإللكترونية. وعلى فرضية أن شبكة اإلنترنت هي بيئته التي تقيم وجودا للنص ،وهي تمثل بهذا الشكل التربة الخصبة التي تجعل من وجود هذه البيئة بحد ذاتها أحد روافد الكتابة ،وهي أساس فني فى كثير من األحيان لتوليد حالة الكتابة ،وشكلها التى تعد العنصر األكثر أهمية فى النص الرقمي ،وربما تحاول إنجاز موضوعه فى بعض األحيان القليلة ،فهل يمكن إطالق أن هذه الكتابة تنزع إلى الشكالنية على حساب موضوعها؟ وهي تمثل بذلك منجزها األساسي ،وهي بهذا المعيار تقدم حالة مختلفة للكتابة ،وتتخلق منها مواقف متعددة تمثل مناحي شتى للرؤيا التشكيلة فى النص الرقمي؛ إذ تقوم على فرضيات أساسية وتقنيات معدة لالستخدام ،تبدأ باختيارات متعددة رغم كونها تأتى من خلفية إبداعية فى األصل ،إذ تعد األوامر والرموز مادة لهذه الكتابة.
الحالة سوف يتغير الشكل والمضمون ،ويصبح النص المرئي حسب البيئة الجديدة المطبوعة مثال ،وليس اختالف فكرة الكتابة األدبية عما كان ،فلم تعد هي هذا الهاجس الذي يسمى والدة النص ،إذاً تمثل تقنية النص الرقمي ش��رط وج��وده فى بيئته الرقمية ،والمقصود أن يُقرأ في بيئة إلكترونية ،حيث تندمج فيه العناصر المرئية مع الكلمات لتشكل النص المرئي والمسموع معا مع العناصر األخرى المخلقة داخل النص ،كالحركة وال���رم���وز وتفاعلها داخ���ل ال��ن��ص؛ ويعتمد ب��األس��اس على شرط أخر هو وج��وده داخ��ل بيئته كي يأتي أثره س��واء كان النص بصريا صوتيا /أو بصرياحركيا ،أو ك��ان نصا ال يستخدم التقنيات الصوتية أو الحركية، بينما يعتمد على وج��ود المفردات داخ��ل ه��ذه البيئة االلكترونية فحسب ،مكتفيا بقليل من التقنيات التي تعنى بالمفردات وإعطاء رموز وإشارات وتغيرات على مستوى الخط واللون والتنسيق الخاص بالكتابة فقط، وهو يعنى بالكلمات دون تداخل عناصر أخ��رى ،حيث يقتضي هذا الشكل االهتمام بالمفردات وجملة التعابير الخاصة بها ،ويسهل على التلقي العادي التعامل معها من موقف النص نفسه الذي تعوده ،وعلى أن يراه ،إذ ال تمثل العناصر السابقة تغيرا جذريا فى شكل الكتابة.
أم��ا ع��ن تلك النصوص التي تعتمد ب��األس��اس من بين عناصرها التقنيات الفنية (الوسائط االلكترونية األخ����رى ال��ح��رك��ي��ة وال��ص��وت��ي��ة وال���رم���وز وغ��ي��ره��ا من الوسائط) ،حيث تحيل النص مع تداخل هذه العناصر لتقدم صورة مغايرة لهذه النصوص ،هو عبارة عن خلط وأفعال تعمل على سير كل الحواس وليس العين فقط للتلقي ،وتوجه خطابها مُحمال بكافة اإلمكانات المتاحة لدى المؤلف ،حيث الحركة والصوت والضوء واللون والكادرج ومعطيات السينما ،حيث تمثل جميعها جملة وال يمكن ع��زل ه��ذه البيئة االلكترونية عن شرط الكتابة ،وال يمكن عزل أحد هذه العناصر عن بنية النص الكتابة من خاللها ،وإال اتخذت شكال آخر؛ إذ فى هذه ألنها أصبحت هي الركائز التي يعتمد وجوده عليها ،فال
108اجلوبة -ربيع 1429هـ
وجود لهذا النص بدون هذه العناصر ،أو على أقل تقدير يفقد بفقدها جزءا مهما من بنيته وتركيبه األساسي، فهو سلسلة مشاهد تُ��روى بالحوار والوصف ،وتتحول فيها الكلمات إلى صور ومشاهد ،والحركة هي التي تضفي على الصورة مغزاها غالبا ،وتكسبها خاصية التعبير عن مضمونها داخل النص الرقمي. وانعكاس كل ذلك على التلقي ،وهي عناصر ممتدة من النص تمثل ديناميكية بنّاءة الفاعل والمؤثر ،ما يعني أن النص ليس نتاجاً أحاديا بل هو نتاج مواقف متعددة ،فليس الكاتب وحده هو المنتج للنص إلى جانب التلقي ،إنما هذه الوسائط ومدى تطورها تتحكم فى بقاء النص على الحالة المتخيلة له ،ألن المؤلف وحده لم يعد يستطيع أن يقدم النص وليس هو مؤلفه بمفرده وبدون وجود هذه الوسائط ،والتي تعنى بمعرفته الفنية بعمل هذه الوسائط وقدرته الخالقة على استخدامها ووضعها فى أطر بعينها ،وأنه في عملية الكتابة يعطي باستمرار طرحا جديدا ووعيا متعددا إلى ماال نهاية لهذا الطرح المرتبط بإحداث طفرات كبيرة ال تخص وعي الكاتب فقط ،بل تخص وعي أخر مشترك معه، هو وعي التكنولوجي (المبرمجين) الممتد إلى ما ال نهاية أيضا ،ويصبح هنا النص بال ثبات .إذ يمضى نحو التعدد واالستمرار بال توقف من أجل تلبية االهتمامات السريعة للمتصفح ،كأن يُعدّل النص ،يبحث عن خلفية له ،أو يستوثق من شكل وج��وده ،أو يستعرض أج��زا ًء مختلفة منه ،أو يعيد ترتيبه ،وهكذا لم يعد االتصال به فعال من خارجه ،بل فعال معه. وهنا تظهر المسألة على أنها كتابة مزدوجة؛ أي كتابة نصين متجاورين ملتحمين فى آن واح��د؛ وهى كتابة تمثل في أحد جوانبها كاتبا في اآلخر مبرمجا، ربما يكون الكاتب نفسه وربما يصنعها شخص أخر، وهي كتابة مضاعفة ،ألنها تقوم بتوحيد النصين من حيث المفردات ككلمة وأثرها فى ال��ذاك��رة الجمعية
للتلقي ،وبين هذه الوسائط الجديدة نسبيا التي تتجه لمناطق تأثير أخ���رى ج��دي��دة ،بحيث ال يتحقق أي منها بخصائصه الذاتية بمفرده ،بل يكون مشروطا بخصائص األخ���ر ،وي��ع��د ه��ذا ال��م��وق��ف ب��ه��ذا الشكل موقفا نوعيا فى الكتابة – كتابة النص األدبي – الذي يعتمد على وجود غيره وال يوجد بدونه؛ تمنح القاريء خيارات االشتراك في تشكيلها .وك ُل من التعليق عليها/ أو مراسلة مؤلفها /أو كتابة تعليق عليها يعد اشتراكا نسبيا فى إكمالها ،س��واء بإنتاج نص م��واز لها أحيانا أو مشترك معها ،أو يتجادل بشكل من األش��ك��ال مع هذا النص؛ وهذه العملية تعد أكثر الطرق بساطة فى التعامل مع النص الرقمي وتشكيل مسارات امتداده.. وهذا النص المنتج حاليا منذ منتصف التسعينيات وال��ذي له مواصفات بعينها حتى اآلن؛ حيث خيارات التشكيل مختلفة من حيث تشكيل النص ،فمثال نجد النص الذي يتضمن كلمات بسيطة تتحرك باتجاهات متعددة تعتمد على التقنية فى إحداثها ،تتبادل الظهور واالختفاء ،ثم بضغطة زر تتوقف عن الحركة ،مُشكلة جملة مكتملة فى إخبارها .وطريقة أخرى نجد الكلمات أو األسطر تتسارع عشوائيا ،ومع كل ضغطة على زر التوقف يتشكل نصا مختلفا ،إلى أن تنتهي احتماالت التراكيب المقيدة بالكم العددي للمفردات أو السطور، ونجد أيضا نصا يشتمل على كلمات بعينها ،تتغير بالنقر عليها إلى كلمات أخرى بمعاني أخرى ،ويصنع بهذا الوجود نصا جديدا فى كل مرة ،ويختار المؤلف كلمات معينة لها تقريبا نفس المعنى ،لكي تشترك فى ه��ذا النص الرقمي ويستطيع ال��ق��ارئ إنتاج نص كامل ،عن طريق اختيار عشوائي غير منتظم للرموز المتاحة .وهناك أيضا أشكال أخرى تم إنتاجها حيث تتضمن الصفحات أنماطا مختلفة من النصوص ،في كل صفحة نص قيد الكتابة ،والمتلقي مدعو إلضافة سطر إلى هذا النص أو االشتراك مثال فى كتابة رواية
اجلوبة -ربيع 1429هـ 109
رقمية أو قصيدة تحمل توقيع الجميع ،تشبه هذه الطريقة أسلوبا كان معروفا في الشعر العربي قديما آملة فى إحداث مشاركة القارئ التي تعني قبوال مبدئيا التعامل مع النص واالشتراك فى صنعه إذ تعد لحظة القراءة هي نفسها لحظة اإلب��داع ،فالمبدع والمتلقي كون واحد ،ونجد أمثلة بدأت بالفعل وتم إنجازها مثل: رواي��ة (صقيع) ،وقبلها شات للروائي محمد سناجلة وه��ي رواي���ة عربية رقمية ,ورواي���ة تخيلية لميكائيل جويس( ,ربع مخيفة) للروائي د .أحمد خالد توفيق, رواية تخيلية فرنسية.
الكتابة الرقمية فى مواجهة الورقية إن اإلرث التراكمي لإلبداع الورقي المحفوظ عبر الكتاب هو قيمة الفكر اإلنسانى ،وخالصة التجارب التى أنتجتها الحضارة اإلنسانية ،والتي يرى البعض أن الرقمية تتسم بجرأة الطرح والتعدي على تراث إنساني كبير جدا ،وميراث ال أول له وال أخر .وهذا صحيح بالطبع ،والقطيعة مع هذا الميراث ربما تسبب أزم��ات كثيرة لدى المتلقي بعد م��رور سنوات قادمة، إن األدب اإلنساني العميق الذي مر بمراحل متعددة، منها مرحلة التعبير الشفوي وم��ا تالها قبل اختراع الكتابة ومنذ ظهورها على الحجر والنقوش الفرعونية القديمة واألل����واح السومرية وال��ت��راث اإلن��س��ان��ي فى اإللياذة واألوديسة بما تمثله من أساطير بقي صداها حتى يومنا هذا (ملحمة جلجامش ،المالحم اليونانية، األساطير الفرعونية ،حكايات ألف ليلة وليلة). ولكي تصبح ه��ذه النصوص الرقمية محملة بذاك اإلرث الكبير ،أ ُِخ َذ بعين االعتبار وعي التلقي بها ،وليس هناك جدوى من كالم ال طائل من ورائه من عزل النص الرقمي عن الواقع؛ فالمواجهة الفاعلة أهم بكثير مما نتصور من خالل عقل ووج��دان الناقد وليس المتفرج < كاتب من مصر
110اجلوبة -ربيع 1429هـ
السلبي ،وال يتأتى ذل��ك إال بتشجيع اإلب���داع وتحرير المبدع م��ن القيود التى ال مبرر لها ،وه��ذا م��ا نجده واضحاً في النص الرقمي الذي دفع النظريات األدبية ال ل�لأدب مكون ًة مناهج الحديثة أن تنحى منحىً مماث ً جديدة في التحليل النقدي ،وه��ذا المشروع النقدي الذي دفع ب��دوره النص أن ينفتح للعالم وان يخرج من أطره السابقة التي تنظر إليه كنظام للسرد ،وللحكاية أو «م��ج��م��وع��ة ن��وع��ي��ة م��ن ال��وق��ائ��ع « وت��ش��ك��ي��ل سابق التجهيز من المفردات ،فلم يعد الموضوع الحكائي أو ال للتشكيل بالكلمات فقط ،لتدخل عناصر السرد قاب ً السينما والمسرح بكل معطياتها داخل النص ،ثم انفتح إلى الصوتي الحركي المتماهي فى جملته بما يحمله من تعابير وإيماءات ،ورم��وز وصوتيات وأل��وان وأضواء تعتمد على الصورة واإلشارة كوسيط الكتروني ،وليس نقال بالمفردات وما يتشكل من كل هذا من صيغ تعكس الفعل اإلنساني المتعدد والممتد إلى ماال نهاية. فالنص الرقمي يتخذ أحياناً م��ن الرقمية نظاماً الختيار الرموز والعالمات واإلشارات فى النص ،وهذا ما يجعله في أشكاله المتعددة والقابلة إلى االنقسام على ال���دوام ي��وظ��ف ال��رم��وز ويفعلها إل��ى ج��ان��ب باقي تقنياته الممتدة والمتعددة؛ وان كانت الرقمية ستسهل كثيرا من األم��ور التقنية والفنية ،محدثة ث��ورة هائلة ولكن ال عالقة لها بجوهر المواقف الفنية والتعبيرية المختلفة والرؤيوية الخاصة بالمبدع؛ ألنها -في النهاية مُحصلة قيمة إنسانية خالصة ،وهى نتاج إرادة ووعىللكاتب ،ومن العبث التعامل معها بتجاهل ،أو إنكارها، أو االستهانة بها داخل منظومة متكاملة هي المجتمع اإلنساني حيث تكمن أهمية النهوض بالواقع المعاش، متجاوزة واقعها التاريخي ،وعلينا إدراك ما ينقصنا من رؤى وتوجهات بنظرة جديدة فى ضوء هذا الفهم للرقمية ذلك العالم الجديد القادم.
القصة القصيرة جدا ً واألشكال النثرية البسيطة
> محمد تنفو قبل أن أسلط الضوء على عالقة القصة القصيرة جداً باألشكال النثرية والفنية البسيطة، سأحاول الوقوف عند نقطة أساسية؛ مفادها أن كل كتابة إبداعية يمكنها أن تستغل النكتة والمثل والحكمة والخرافة واألخبار. لكن ال بد أن نضع شرطا ضروريا مقتضاه طريقة التوظيف ،بل التوظيف الصحيح لهذه األشكال القريبة التي تشعرنا على الرغم من قربها منا باالندهاش والمتعة. ولكي أقطع داب��ر الشك باليقين ،أوم��ئ باختصار إلى االشتغال الفريد والرائع لـ «باولو كويلهو» على «ألف ليلة وليلة .فقد امتاح اإلطار العام لروايته العالمية «الخيميائي» من حكاية «ألف ليلة وليلة» ،كما استهل روايته الرائعة «إحدى عشرة دقيقة» وذيّلها بالعبارة الشهيرة: «كان يا ما كان» .كذلك األمر بالنسبة لـ «خورخي لويس بورخيس» ،هذا الكاتب الذي يتوسد «ألف ليلة وليلة» ،ويعشق التراث العربي ،والعشق يرشح من كتاباته .فبورخيس الكائن الغريب والجميل في كل شيء ،استعار عوالم «ألف ليلة وليلة» وشخوصها ورموزها ودالالتها ،لكتابة قصيدة موسومة باستعاراتها .كما ال ننسى اشتغال هاني الراهب على هذا الكتاب الكوني في روايته «ألف ليلة وليلتان» ،واشتغال نجيب محفوظ في روايته «ليالي ألف ليلة المتخمة بالعجائبي» .ولن تفوتنا فرصة االعتراف ببراعة القاص أحمد بوزفور في توظيفه لألمثال في أضمومته القصصية «صياد النعام». هذا االشتغال غير العادي يدفع القارئ إلى طرح تساؤل في غاية الخطورة :كيف تمكّن هؤالء المبدعون من االشتغال على هذه األشكال وبهذه الطريقة الفريدة في مشاريعهم اإلبداعية؟ ترى أين يكمن السر؟ هل في المخيلة التي يتمتعون بها ،أم في العين المبدعة التي يمتلكونها؟ أم في أشياء أخرى؟ أما عن عالقة القصة القصيرة جداً (وسنرمز لها في هذه المقالة بـ «ق .ق .ج )».باألشكال الفنية البسيطة ،مثل :النكتة والخبر والحكايا والحكمة والمثل ،فيمكن مقاربتها كما يأتي:
اجلوبة -ربيع 1429هـ 111
القصة القصيرة جد ًا والنكتة
التكثيف يرتبط بالقصة القصيرة ج��داً التي تتهدم بنيتها عند حذف كلمة واحدة ،إنها تقنية تتطلب الوعي بها وبميكانيزماتها وآلياتها ،ومقياس أساس لتأكيد نجاح القاص .ومن ثم يستلزم على عاشق القصة .ق .ج أن يصغي إلى نبضاتها بإذن القلب! وأن يبصر عوالمها بعين العقل.
إذا كانت النكتة شكال شفاهيا لحظيا يتبخر مثل فقاعات الصابون؛ يضحك في الوهلة األولى ،ثم يصبح بعد ذل��ك مبتذالً ،تمجه األذن ويموت ويذبل من كثرة االستماع؛ فإن القصة .ق .ج فن كتابي واع��ي قد يثير الضحك وال��م��رح وال��ده��ش��ة ،لكنه يمكن أن ي��و ّل��د لدى إذا كانت النكتة تعتمد التفسير ،فإن القصة .ق .ج المتلقي االشمئزاز والغثيان والقلق والقرف والضجر تقوم على التأويل الذي يتطلب عدة أمور أهمها :إدراك واأللم.. بنية القصة ال��م��رك��ب��ة ،وتفكيكها إل��ى بنيات متعددة، القصة ق .ج أزلية وخ��ال��دة ،تحيا من كثرة القراءة واستحضار الفكرة األساس ..الفكرة المتاهة ،وتشظيتها والتداول ،ال تقدم فهما واحدا ،كما هو األمر في النكتة إلى أفكار ال نهائية. التي تمنح فهما واحدا وإدراكا وحيدا لجميع المستمعين؛ وظائف النكتة عديدة ،ال يمكن حصرها؛ فمنها ما بل تبدأ عملها بعد ف��راغ المتلقي من قراءتها ،تدفعه إلى إع��ادة كتابتها من جديد ،تحثه على تفكيك الفكرة هو نفسي ،ومنها ما هو سياسي ،أو اجتماعي .في حين المتاهة ..الفكرة األم ..الفكرة الملكة ،وتشظيتها لتوليد يمكن حصر وظيفة القصة .ق .ج في المتعة .وأوج��ه م��ا ال يحصى م��ن األف��ك��ار .طريقة ق��ول نكتة واح���دة ،االختالف هذه ،ال تلزم القاص -بالتأكيد -أن يضرب تختلف وتتنوع بتنوع الرواة ،وهذا راجع طبعا إلى طابعها صفحا عن النكتة ،بل يمكنه أن ينفتح على هذا الشكل الشائع ،وأن يغترف منه بعض سماته ،من قبيل التورية الشفوي. ()1 والتالعب بالكلمات واألفكار واإلزاحة أو اإلبدال . أما القصة .ق .ج فتهتم بطريقة سردها؛ فالقاص يسعى إلى إخراجها على أحسن صورة وفي أبهى حلة، القصة القصيرة جد ًا والخبر ويشتغل كثيرا على هذا األمر من خالل الحذف واإلضافة أبادر بطرح السؤال التالي :هل القصة القصيرة جداً والتنقيح ،وتجريب مختلف ال��ط��رق ،حتى تستقر في خبر تم تحويله وتطويره؟ ال نستطيع تقديم جواب حاسم النهاية على صورة واحدة ثابتة غير متغيرة .هذه الصورة ومقنع .كل ما يمكن قوله اآلن إنه رغم أن الخبر والقصة ينبغي أن تكون جميلة ،ألنها هي التي ستبقى عليها إلى القصيرة جداً يلتقيان في تركيزهما على الحدث أكثر من األبد. الشخصية ،ومن المكونات األخرى .فإن أوجه االختالف صحيح أن النكتة تلتقي مع ق .ق .ج في الفجائية تبقى عديدة. وال��م��ف��ارق��ة .لكنها تختلف ع��ن��ه��ا ف��ي��م��ا أس��م��اه بعض فإذا كان الخبر أصغر وحدة حكائية( ،)2وشكال شفاهيا الدارسين بالتكثيف .وفي رأيي فإن النكتة تتميز باإليجاز مكتوبا يراهن على تقديم فكرة أو معلومة ،ويغض الطرف واالختصار وليس التكثيف .اإليجاز واالختصار ال نقصد عن الكيفية والطريقة؛ ذا بنية سردية بسيطة ال تسمح بهما المعنى البالغي ،بل المعنى البسيط ،بل تلك العملية له ب��أن يصنف ضمن األج��ن��اس األدب��ي��ة ،يتميز -شأنه البسيطة التي يمكن ألي متكلم مهما كان مستواه أن يقوم شأن النكتة -باإليجاز والنهاية التي تحيل على البداية، بها .فال يمكن بتاتا أن نتحدث عن التكثيف في النكتة ما وبالغموض وااللتباس وع��دم االكتمال وهيمنة الصوت دامت قابلة لالختزال أكثر. 112اجلوبة -ربيع 1429هـ
السردي الواحد وذك��ر السند()3؛ فإن القصة القصيرة ج��داً جنس أدب��ي كتابي ،ذو بنية سردية مركبة ،يراهن وصيَغ على التقنية والفكرة المتاهة ،وكيفية تقديمهاِ ، الخطاب المتنوعة ،يعتمد التكثيف والمفارقة والخاتمة المفاجئة والنهاية غير المتوقعة ،واللغة الرصينة.
القصة القصيرة جد ًا والحكايا
ق .ج مقصودة لذاتها ،وتحظى بعناية فائقة واهتمام كبير .فال قصة دون سرد .بينما الحكاية في المثل تأتي في درجة ثانية بعد الحكمة ،إذ إنه لوال الحكمة لما رويت الحكاية .إنها الغاية من المثل ،وهي أيضا -أي الحكمة- وسيلة لغاية أخرى هي العمل أو السلوك( .)6ومن ثم يجب التمييز بين القصة القصيرة ج��داً بوصفها نوعا أدبيا له سماته ومرتكزاته وخصائصه التي يسعى من خاللها إلى تحقيق المتعة والدهشة ،والمثل بوصفه قوالً «يندرج ضمن الحديث ...س��واء ك��ان ه��ذا الحديث لخطيب أو لحكيم أو للرسول صلى الله عليه وسلم ،أو لصحابي أو لبليغ أو أعرابي ...سواء جاء في قالب موعظة ،أو رسالة أو قول مأثور أو خطبة أو وصية أو دعاء.)7(»...
الحكاية تراكم لمجموعة من األخ��ب��ار المتصلة(،)4 ت��ت��وس��ل ب��ال��ت��ص��وي��ر وال���وص���ف وك���ث���رة االس���ت���ط���رادات والتعليقات واإليقاع؛ شخوصها في الغالب دون أسماء ذات أوص��اف عامة م��ك��رورة .ال تخضع لمنطق الزمان وال��م��ك��ان المطلقين .لغتها بسيطة تختلف باختالف الرواة .لكن على الرغم من هذه السمات المغايرة للقصة يبدو ،مما سبق ذكره ،أن القصة القصيرة جداً تختلف القصيرة جداً ،فيمكن أن ينهل القاص من الحكايا بنيتها عن النكتة والخبر والحكايا والحكمة والمثل وغيرها؛ إذ الرصينة التي تستند في الغالب على التكرار الثالثي تعد األولى نوعا أدبيا له قوانينه وقواعده ومكوناته ،التي للفعل ،وأنسنة الحيوان وال��رم��وز المتخمة ب��ال��دالالت، تجعله -دون مراء -متميزا عن الثانية بوصفها أشكاال وعوالمها العجائبية. بسيطة ال ترقى إلى مستوى األجناس األدبية وأنواعها.
القصة القصيرة جد ًا والحكمة والمثل
القصة القصيرة جداً نوع أدبي قائم على التخييل، يحقق المتعة لدى المتلقي؛ على عكس المثل والحكمة والموعظة وخطبة الجمعة التي تنتمي إل��ى الخطاب التعليمي القائم على صيغة األمر والنهي ،والذي يقدم الحقيقة مباشرة( .)5المثل يلتقي مع القصة القصيرة جداً في اعتماد السرد أو الحكاية .لكن الحكاية في القصة. < ( )1 ( )2 ( )3 ( )4 ( )5 () 6 ( )7
لذا من الالزم أن نكون حذرين أمام القصة القصيرة جداً بوصفها نوعا وعراً يحتاج إلى دربة وحنكة وخبرة وك��ف��اءة ع��ال��ي��ة ل��رك��وب��ه ،دون ال��وق��وع ف��ي االب���ت���ذال ،أو السقوط في جبة إحدى األشكال البسيطة .هذا االبتذال كان ديدن بعض المبتدئين الذين استسهلوا هذا النوع �لا له .فبدالً من أن ينحتوا قصصاً، دون أن يكونوا أه ً دبجوا نكتاً وأخباراً وحكماً وأمثاالً بسيطة جداً!
قاص وباحث من المغرب شاكر عبد الحميد ،الفكاهة والضحك ،عالم المعرفة ،العدد 289 :يناير ،2003ص.394 : سعيد يقطين ،الكالم والخبر ،مقدمة للسرد العربي ،المركز الثقافي العربي ،الدار البيضاء -بيروت ،ط ،1997 ،1 :ص.195 : سعيد جبار ،التوالد السردي ،قراءة في بعض أنساق النص التراثي ،جذور للنشر ،الرباط ،ط ،2006 ،1 :ص 10 :وما بعدها. سعيد يقطين ،مصدر سابق ،ص.195 : عبد الفتاح كيليطو ،األدب والغرابة ،دراسات بنيوية في األدب العربي ،دار الطليعة ،بيروت ،الشركة المغربية للناشرين المتحدين، ط ،1 :مايو 1982ص17: عبد الفتاح كيليطو ،الحكاية والتأويل ،دراسات في السرد العربي ،دار توبقال للنشر ،ط ،1999 ،2 :ص.37 : سعيد يقطين ،مصدر سابق ،ص.192 :
اجلوبة -ربيع 1429هـ 113
فعاليات دار اجلوف للعلوم ندوة عن «اإلسكان» بمنطقة الجوف ضمن خطة النشاط الثقافي لمؤسسة عبدالرحمن السديري الخيرية لعام 1429/1428ه��ـ وبرعاية وكيل إمارة منطقة الجوف أحمد آل الشيخ ،أقامت المؤسسة بالتعاون م��ع مؤسسة الملك عبدالله ب��ن عبدالعزيز لوالديه لإلسكان التنموي ندوة عن «اإلسكان» ،وذلك مساء يوم الثالثاء 1429/12/20ه��ـ في قاعة العرض والمحاضرات ب��دار الجوف للعلوم .وق��د ش��ارك فيها كل من د .يوسف العثيمين أمين عام المؤسسة ،ود. عبيد بن عبدالله العمري ،وم .فهد بن محمد الجاسر؛ وحضر الندوة عدد كبير من مديري الدوائر الحكومية وأهالي منطقة الجوف.
عرض كتاب سيرة عبدالرحمن بن أحمد السديري
> احملرر الثقافي اإلع�لام��ي��ة ،وخ��ال��د ال��م��ال��ك رئ��ي��س ت��ح��ري��ر صحيفة الجزيرة ،وجميل الذيابي مدير تحرير صحيفة الحياة، وذلك بحضور وكيل إمارة منطقة الجوف األستاذ أحمد آل الشيخ وعدد من مديري الدوائر الحكومية ونخبة من مثقفي وإعالميي المنطقة .واستعرض المنتدون الصحافة اإلقليمية وعناصر ال��ق��وة والضعف فيها. وعقب الندوة شارك الضيوف أهالي الجوف مهرجانهم الربيعي واستمتعوا بفقراته التراثية األصيلة.
ندوة التو رق اإلسالمي أق��ام��ت مؤسسة عبدالرحمن ال��س��دي��ري الخيرية مساء الثالثاء 11429/2/19هـ (2008/2/26م ) ندوة (التورق االسالمي) ،شارك فيها فضيلة د .يوسف بن عبدالله الشبيلي أس��ت��اذ الفقه المقارن ف��ي المعهد العالي للقضاء ،وق��دم لها األس��ت��اذ فخري ب��ن حماد الشالل مدير مكتب هيئة اإلغاثة اإلسالمية العالمية بالجوف .وقد نقلت عبر الدائرة التلفزيونية المغلقة إلى القسم النسائي بالمؤسسة.
ن�شاطات ثقافية
بحضور رئيس مجلس إدارة مؤسسة عبدالرحمن السديري الخيرية األستاذ فيصل السديري ومديرها العام د .زي��اد السديري ،أقامت المؤسسة في قاعة العرض والمحاضرات بدار الجوف للعلوم عرضا لكتاب معالي األمير عبدالرحمن بن أحمد السديري ،قدمه مثقفو السعودية ..إلى أين؟ د .عبدالرحمن الشبيلي ،بتاريخ 12محرم 1429هـ (21 يناير 2008م) .حضره حشد كبير من أهالي المنطقة ضمن برنامجها الثقافي ل��ع��ام 1429/1428ه�����ـ، ومنسوبي الدوائر الحكومية .وقد تضمن العرض دعوة وب��رع��اي��ة صاحبة السمو الملكي األم��ي��رة س���ارة بنت للعناية بالوثائق األسرية. عبدالله بن عبدالعزيز آل سعود ،وحضور جمع غفير م��ن مثقفات منطقة ال��ج��وف ..أق��ام القسم النسائي د .هاشم والمالك والذيابي في ندوة ب��م��ؤس��س��ة ع��ب��دال��رح��م��ن ال��س��دي��ري ال��خ��ي��ري��ة م��س��اء الصحافة اإلقليمية شارك ثالثة من كبار رجال الصحافة في المملكة األرب����ع����اء1429/2/27ه����ـ (2008/3/5م) محاضرة في الندوة التي نظمتها مؤسسة عبدالرحمن السديري بعنوان( :مثقفو السعودية ..إلى أين؟) ألقتها الدكتورة الخيرية بمنطقة الجوف عن صحافة المناطق ،وذلك الشاعرة فوزية أبو خالد .وفي نهاية الللقاء تم تكريم ضمن برنامجها الثقافي لعام 1429/1428هـ ،وهم د .المشاركات في اللقاء الثاني للتعليم األهلي الذي عقد هاشم عبده هاشم رئيس مؤسسة اإلس��راء للخدمات في المنطقة عام 1428/1427هـ.
114اجلوبة -ربيع 1429هـ
نفحات من معرض الرياض الدولي للكتاب
> محمد صوانه
<
ت��زدان مدينة الرياض كل ع��ام بأجواء ثقافية مميزة في معرض الكتاب الدولي ،الذي أصبح حدثاً ثقافياً مهماً ينتظره الكثيرون من عشاق الكتاب .وشهد المعرض -الذي نظمته وزارة الثقافة بالمملكة -هذا العام إقباالً كبيراً من مختلف شرائح المجتمع رج��االً ونسا ًء وأطفاالً ،كما ش��ارك فيه نحو 600دار نشر عربية وسعودية ،عرضت عشرات اآلالف من قديم الكتب وجديدها ،كما حفل المعرض بعدة ندوات ثقافية؛ وقد لوحظ تواجد مستمر ومؤثر للدكتور عبدالعزيز السبيّل وكيل وزارة الثقافة واإلعالم للشؤون الثقافية. ويختلج في نفوس الكثيرين من محبي الكتاب أنه أصبح ينظر إليه بوصفه رأس مال مهم في المجالين الثقافي والتجاري ال عن وجود أدوار أخرى تختلف باختالف حد سواء؛ فض ً على ٍ توجهات المؤلفين والناشرين والداعمين لصناعة الكتاب والكلمة .وتالياً نفحات سريعة من هذا المهرجان السنوي:
< يُ َعوّل على معارض الكتب أن تنشّ ط العالقة مع هذا المخترع القديم ،الذي ما زال يمثل مخزناً مهماً للمعرفة في مختلف مجاالت العلوم واآلداب والفنون واإلبداع الكتابي ،على الرغم من االنتشار الهائل لشبكة المعلومات الرقمية (االنترنت).
الجناح الخاص بإصدارات المؤسسة في المعرض
بالكتب واألف��ك��ار اإلبداعية التي تحفّز التفكير ،وبعضها للتسلية؛ ليكن ..على أمل أن تهدف األلعاب المسلية إلى تنمية تفكير الطفل ..لكننا ما زلنا نحبو في مجال االنتاج المخصص لألطفال! إن بناء األمم يأتي من هنا. < تسعد كثيرا عند رؤيتك ه��ذه اإلص���دارات على اختالف أنواعها ,وتقول لو أن القرّاء العرب يقرأون بمثل الحماسة التي نشاهدها من المؤلفين والناشرين والموزعين؛ فإن االهتمام بالقراءة والمطالعة بين أمة اقرأ سيصبح بخير، وسيُثمر علماً ومعرف ًة وسع َة اطالعٍ ،وستكون له انعكاسات إيجابية على الفرد والمجتمع ،على حد سواء.
< زوار المعرض جاءوا ألهداف شتى ،يجمعهم حب االطالع على الجديد والقديم من إص��دارات دور النشر المحلية < وعلى الرغم من كل ذلك ،فإننا لو قارنّا حجم إصدارات والعربية ،التي لوحظ أنها أصبحت تنتظر المعرض في كل الدول العربية مجتمعة من الكتب في عام واحد فإنها لن عام؛ لتقدم ما وجدت له قبوالً عند القارئ!.. تعادل ما يصدر في دولة غربية واحدة مثل إسبانيا على < شاهدت أُن��اس��اً يتنقلون بين أجنحة الكتب ،كما النحلة سبيل المثال!! فأين نحن من صناعة الكتاب في العالم؟ تطوف على الثمرات وال��زه��ور والرياحين كلها ،لتأخذ < انتهى المعرض ،لكن المهم عندما تبدأ المرحلة األهم، ال سائغاً شرابه» فيه خالصة الرحيق؛ فيكون المنتج «عس ً وهي مرحلة قراءة الكتاب! غذاء العقول وشفاؤها! < أيها القارىء :اقرأ بأعين مفتوحة؛ وناقش في عقلك < التنقل بين أجنحة الكتب متعة ،ال يشعر بها ويعرف قيمتها ما تقرؤه ،خذ منه ما تراه صواباً ،ودع ما يريبك وال إال القرّاء المُجيدين ،هواة الكتابة والفكر والبحث واإلبداع، يوافق عقلك؛ ففي الكتب تجد الكثير من األهواء ،وقد لألُنس بخبرات العلماء والكتّاب المبدعين في مختلف ال تتوافق مع العقل أو مع القيم أو مع ما تعارف عليه مجاالت المعرفة على تنوعها.. الناس؛ فكن يقظاً دائماً عند القراءة ،متنبهاً لما تقرؤه من معلومات وآراء! < كان هناك جناح للطفل ..ثمة دور نشر محدودة العدد شاركت < كاتب وإعالمي أردني.
اجلوبة -ربيع 1429هـ 115
الكتاب :النباتات البرية في مراعي شمال اململكة العربية السعودية -دليل حقلي مصور. املؤلف :حمدان بن عجيريف احلسن
> عبدالله مبارك احلسن صدر للكاتب حمدان بن عجيريف الحسن المتخصص في علم النبات كتابا بعنوان (النباتات البرية في مراعي شمال المملكة العربية السعودية -دليل حقلي مصور) وذلك عن مركز اإلبل والمراعي في الجوف التابع لوزارة الزراعة. وقد تميز الكتاب بالتوثيق العلمي المصور للنباتات البرية في مراعي شمال المملكة ،وهو يتكون من 246صفحة تم من خاللها حصر 59فصيلة تشمل 239جنسا يتفرع منها 458 نوعا ،وتحت نوع شكلت النباتات المعمرة %47والنباتات الحولية ،%53وكانت أهم الفصائل من حيث كثرة األنواع النباتية هي الفصيلة المركبة 81نوعا ،تليها الفصيلة الصليبية 39نوعا، ومن ثم النجيلية 39نوعا ،يليها السرمقية 34نوعا ،والفراشية 31نوعا ،والقرنفلية 25نوعا، والبوراجينية 23نوعا.
ق���������������راءات
بيّن المؤلف النباتات البرية في مراعي شمال المملكة ،ووصفها بأشكالها وأحجامها وألوانها المختلفة ،وتتبع العديد من الفصائل النباتية التي تكيفت مع ظروفها البيئية ،وتوزيع النباتات حسب انتشار كل فصيلة في مراعي شمال المملكة .كما بين المؤلف األسماء المحلية والعلمية للنباتات البرية ،وأشار إلى جودة النبات سواء كان ساما أو رعويا أو عطريا أو مما يؤكل ،وقد غطى هذا اإلصدار القطاع األوسط من شمالي المملكة وعلى مساحة تقدر بنحو 200ألف كيلومتر مربع ،شملت منطقة الجوف وأجزاء من مناطق تبوك ،حائل ،وعرعر ،كما تشمل أجزاء أوسع في النفود جنوبا والحجرة شرقا .والمنطقة بمجملها تعتبر ضمن حوض النفود الرسوبي ،وتشمل عددا من الوحدات المميزة هي :الجوبة ،والطويل ،والنفود ،وبسيطا ،ووادي السرحان ،والحرة، والحماد ،والوديان ،والحجرة ،واللبة .وتشمل هذه الوحدات عددا من البيئات المميزة ،أهمها تكوينات الرمال ،والهضاب ذات الصخور الرملية ،والهضاب ذات الصخور الجيرية ،والجبال، والحرات ،والسهول الحصوية ،والسهول الرملية ،والشعاب ،واألودية ،والفياض والحبارى ،وأخيرا السبخات.
116اجلوبة -ربيع 1429هـ
الكتاب :فتنة (رواية) الكاتب :أميرة القحطاني الناشر :بيروت دار العلم للماليني2007 ،
> احملرر الثقافي صدرت لألستاذة أميرة القحطاني روايتها األولى بعنوان« :فتنة» عن دار العلم للماليين في بيروت ،وتقع الرواية في 134صفحة من القطع المتوسط. تتحدث الرواية عن رحلة -بطلتها فتنة -إلى مكة المكرمة خالل مرافقتها والدتها وأخاها للحج .ترتسم في مخيّلة «فتنة» صور مختلفة من حياتها ،تسترجع فيها أفكاراً لطالما شغلت بالها ،فتراها خاضعة في مكان ،ومنتفضة في مكان آخر ،ومستنكرة في مكان ثالث.. وفتنة واحدة من كثيرات يبحثن عن مكانتهن في مجتمع تأثر بالمدنية المطلقة ،وما زالت جذوره متعلقة بالقبيلة والعادات والتقاليد. تقول البطلة :أنا فتاة اسمها فتنة ،وصلت إلى هذه الدنيا من زواج أب سعودي وأم قطرية ،كما أنني لست كباقي الفتيات .ربما ظاهرياً أبدو كذلك ،أما داخلياً فال ..ففي داخلي توجد فجوة خلقها طالق أبي من أمي وخلقتها القبيلة ،خلقها هذا المجتمع المريض وهذه العائلة المحافظة، خلقتها العادات والتقاليد البالية ،خلقتها كلمة عيب وكلمة حرام .فجوة لعينة جعلتني -منذ وعيت هذه الدنيا -أدور في فراغ سادني ،وأسير بخطىً متعثرة في طريق مظلم يؤدي بي دائماً إلى ال شيء! أنا في الواقع ال أملك حياة ،أو مبدأ ،أو هدفاً ..ال أملك شيئاً على اإلطالق .ال أملك سوى هذه القصة التي لم أكن أنوي كتابتها لوال تدخل صديقتي أميرة القحطاني ،والتي حثتني على كتابتها للخروج من حالة البؤس التي أعيشها ،فقد أقنعتني بأن المتنفس الحقيقي والوحيد لإلنسان هو «الحرف» ،وقد بدأت أدوّن حكايتي أثناء رحلتي إلى الحج ،وهذا أمر غريب بعض الشيء ،ولكن لو نظرتم إل��ى حياتي فلن تستغربوا أي ش��يء أفعله .وبصرف النظر عن هذه المقدمة ال ُم َؤلّفة ،أنا اآلن -عزيزي القارئ -بين يديك ،ولك حرية االختيار ،إما أن ترافقني الرحلة ،وإما أن تعيدني إلى رفوف المكتبة». < فتنة عبدالرحمن القحطاني /بطلة القصة وراويتها.
اجلوبة -ربيع 1429هـ 117
الكتاب :املضاف إلى نفسه املؤلف :زياد بن عبدالكرمي السالم الناشر :دار أزمنة – عمان
> ياسر حمد الناصر ص���درت ع��ن دار أزم��ن��ة ب����األردن المجموعة الشعرية «ال��م��ض��اف إل��ى نفسه» للشاعر وال��ق��اص زي���اد عبدالكريم السالم ،واحتوت المجموعة ( )32نصاً شعرياً متنوعاً منها: حقول الفلين ،مدينة الدمى ،المضاف إلى نفسه ،نبأ الدخان، عرائس البحر ،يرقة تأخرت كثيراً. يقول عبدالله السفر الذي كتب مقدمة المجموعة« :زياد.. هذا الشاعر الشمالي يتكئ على السرد ويطيل في خيطه, ينظم فيه ما فات على العين ,واستدخلته الذاكرة من تربة تغوص إلى الباطن ,األراض��ي المنسية المحجوبة المتروكة في وداعتها ,يحركها زياد فيما يشبه الحمى ،ال يرتب المشهد وال يعيد تأهيله إلى ما نألف ،واستقرت عند المضاهاة التي تحبذ أن تنتمي الخطوة إلى أختها ،يمارس غوايته في خريطة كالم وبث كائناته الغريبة بمسوح تأخذ جدتها وطرافتها من فعل انتفاء المشابهة ,وليس المعنى انتفاء المرجعية التي تجمع الشاعر بقائمة مضيئة (سليم بركات ,ادونيس ,خزعل الماجدي) ولكن بمعنى التوليد الجديد في سياق تجربة وقول خاصين .إن شعرية زياد تتفتح في بئر ماؤها تلتم جزئياته من هواء األسطورة التي تتخلّق بكيفية خاصة ,تحيل إلى جذور يعاد استنباتها في أرض المخيلة وفضائها الرحب ،مفتوحة على ما هو مدهش وعجيب وغريب. حظيت نصوص السالم اإلعجاب من قبل عدد من النقاد، ووص���ف ال��ن��اق��د ح��س��ن المصطفى ن��ص��وص��ه ب��ـ «ال��ن��ص��وص المفتوحة» ،التي تتكئ على اللغة أكثر من اتكائها على السرد»،
118اجلوبة -ربيع 1429هـ
وتخلو من التعمية اللغوية؛ ألن تجربته « تشربت من منابع رصينة لغويا أولها القرآن الكريم ،الحاضر كثيراً في نصوصه، والتي جعلت للنص مرجعيته اللغوية» أما مرجعيته الثانية فهي الشعراء الثالثة» أدونيس ،وقاسم حداد ،وسليم بركات» التي بشكل أحاله على حد ٍ بينت بوضوح اشتغاله الواثق على اللغة وصفه لمستوى «صناعة الرؤية عبر اللغة ،وليس العكس». وتقول الدكتورة فاطمة الوهيبي :يمكن أن تفسر نصوص زي��اد بأنها تصوير لعمل الفنان في محترفه قبل أن يتخلق الشكل النهائي لعمله :إنها فوضاه وأحالمه واجتهاده وتعبه. في أماكن معينة من كل نص من نصوص السالم تشعر بتعب اللغة وإرهاق الفكرة التي دارت دورات عدة تحت ضربات من هنا وهناك ،إلى أن استقرت في نتوء معين أو حفرة غائرة في تمثال اللغة الصخري. ويقول القاص عبدالحفيظ الشمري :إنه (شاعر يتكئ على السرد) ..هذا ما تشي به مقدمة ديوانه الجديد (المضاف إل��ى نفسه) فهو ي��زاوج بين تجربتين هما الشعر والسرد، بوصفهما حالتين من حاالت دهشته وألمه الذي يمور كمرجل على وشك الطيش المدمر ..ويكشف في أعماله مأساة موت العالقة اإلنسانية وأخطارها المحدقة فينا. زياد السالم في ديوانه الجديد يعدد مواطن األلم ،ويصف بتجرد وأمانة سحن خيباتنا ،وتمايزات لواعجنا التي باتت تصعب على الجماد ..ففي اإلهداء مصافحة أليمة أولى لما تسير إليه فعاليات الشعر في هذا الديوان.
الكتاب :عدت ياسادتي بعد موت قصير (شعر) املؤلف :رامي نزيه أبو شهاب الناشر :فضاءات – 2007عمان – األردن.
> احملرر الثقافي صدر مؤخرا عن دار فضاءات للنشر والتوزيع المجموعة الشعرية األول��ى للشاعر رامي نزيه أبو شهاب حملت عنوان« :عدت يا سادتي بعد موت قصير» ،وقد احتوت المجموعة على ( )27نصا من قصائد النثر ،جاءت في ( )120صفحة من القطع المتوسط ،وتميزت النصوص بانحراف معظمها عن الشائع الشعري ،وانحيازها إلى أنساق شعرية تحمل رؤى جديدة في قراءة المعاصر واليومي والمألوف في لغة شعرية غير مألوفة ،تحمل الكثير من الدهشة واإلدهاش، والقلق الدائم والمستمر ،في رصد محاوالت اإلنسان لتخطي رداءة واقعه ،وسبر أغوار وجوده في عالم دائم المخاض واالنشغال .وقد قام بتصميم غالف المجموعة الفنان نضال جمهور. وهذه مقاطع من قصيدة أمر بالدم تمر أمر بالدّ مِ كما ُّ ُّ الساعةِ السابعة حافلةُ ّ كل يوم َّ وإذا ما تأخرتْ سقط اليومُ عن صهوةِ ال َنّبض َ وغرقَ في الال شيء
*** يمر العاشقون أمر بالدّ م كما ُّ ُّ بحبيباتهم الطريق على حافةِ ّ َ
اجلوبة -ربيع 1429هـ 119
الكتاب :امللكات العربيات قبل اإلسالم املؤلف :هند محمد التركي الناشر :مؤسسة عبدالرحمن السديري اخليرية
> احملرر الثقافي ضمن برنامج النشر في مؤسسة عبدالرحمن السديري الخيرية ،صدر حديثاً ،كتاب بعنوان «الملكات العربيات قبل اإلس�لام :دراس��ة في التاريخ السياسي» ،للباحثة هند بنت محمد التركي. يلقي ه���ذا ال��ك��ت��اب ال��ض��وء ع��ل��ى ج��وان��ب مهمة للمرأة العربية في التاريخ السياسي للحضارة العربية .ففيه تتبع للملكات العربيات قبل اإلس�لام ،في كل من مصر والشام وبالد الرافدين واألناضول وإي��ران .كما يستعرض األنظمة السياسية في الجزيرة العربية ،كنظام المشيخة القبلية، ون��ظ��ام المكربين ،وال��ن��ظ��ام الملكي؛ وي��ن��اق��ش دور ال��م��رأة العربية ومكانتها في ظل األنظمة السياسية آن��ذاك ،بدءاً بملكة سبأ ،وانتهاء بملكات شمالي الجزيرة العربية( :زبيبة، وشمسي ،ويطيعة ،ويافا ،وباسلو ،وتعلخونو ،وتبوأه ،وعادية، وأخيراً ملكة تدمر زنوبيا) .والكتاب غني بحصر الشواهد في النقوش اآلشورية ،والعربية الجنوبية القديمة ،والنبطية وال��ت��دم��ري��ة ،ال��ت��ي أش���ارت إل��ى ملكات ال��ع��رب ،وال��ع�لاق��ات السياسية لكل ملكة مع الممالك المعاصرة لحكمها. ج��اء الكتاب ف��ي تمهيد وأرب��ع��ة ف��ص��ول ،واشتمل على ل��وح��ات لعمالت معدنية عربية قديمة -عُ��ث��ر عليها في عدد من المناطق العربية -ظهرت عليها صور لبعض تلك الملكات. اس��ت��ع��رض��ت ال��م��ؤل��ف��ة ف��ي التمهيد اإلط����ار ال��ج��غ��راف��ي والحضاري لمنطقة الشرق األدنى القديم ومكانة المرأة فيه، في كل من الجزيرة العربية ومصر وبالد الشام والرافدين وب�ل�اد األن��اض��ول وإي����ران .وف��ي الفصل األول تحدثت عن النظام السياسي في الجزيرة العربية قبل اإلسالم من خالل
120اجلوبة -ربيع 1429هـ
استعراض نظام المشيخة القبلية ونظام المكربين والنظام الملكي .وبينت األلقاب السياسية التي استخدمت آنذاك في ممالك جنوبي الجزيرة وشماليها .وكذلك المرأة في ظل األنظمة السياسية السائدة في الجزيرة العربية في مملكة سبأ وممالك شمال غربي الجزيرة العربية. وفي الفصل الثاني تحدثت عن الملكات العربيات من خالل النقوش واآلثار العربية القديمة ،وقد ضمنت الكتاب صوراً للعديد من العمالت البرونزية والفضية التي ظهرت عليها صور تلك الملكات .إضافة إلى دراسة النقوش السبئية، والنقوش النبطية لملكات األنباط :خلدو ،وشقيلة ،وجميلة. وتحدثت في الفصل الثالث عن الملكات العربيات في ال��م��ص��ادر الدينية وال��م��وروث ال��ع��رب��ي .أم��ا الفصل ال��راب��ع فخصصته للحديث عن األدوار السياسية لهن .كما تطرقت لعالقة ملكة سبأ بالنبي سليمان عليه السالم ،وعالقات ملكة تدمر مع األنظمة السياسية المعاصرة لحكمها ،وعن زوجات الملوك ودورهن السياسي. واش��ت��م��ل ال��ك��ت��اب ع��ل��ى م�لاح��ق ل��ل��خ��رائ��ط وال��ل��وح��ات واألشكال وفهرس لألعالم واألماكن وآخر لآليات القرآنية ذات العالقة بموضوع الكتاب. وخالصة القول إن الكتاب يقدّم دراس��ة علمية مهمة، تتصف بالشمولية والتفصيل لتاريخ الملكات العربيات قبل اإلس�لام ،واألدوار السياسية التي لعبتها المرأة في النظام العربي القديم؛ ما يقدم خدمة كبيرة للباحثين والمتخصصين ف��ي دراس���ة ت��اري��خ ال��م��رأة العربية وأدواره����ا السياسية في الممالك واألنظمة العربية القديمة.