-العدد - 24صيف 1430هـ 2009 -م
صدر حديث ًا عن مؤسسة عبدالرحمن السديري اخليرية
أضواء على جتربة الشاعر إلياس أبو شبكة غالية آل سعيد في (سنني مبعثرة) ابن زريق البغدادي في (ال تعذليه) قصص :شيمة الشمري سناء الشعالن شعر: يوسف العارف ،مالك اخلالدي، سعد الرفاعي مواجهات مع إبراهيم خليف السطام إدوار اخلراط الشاعر عدنان الصايغ أحمد حسن الزعبي
ملف العدد:
افتتاح جامعة الملك عبداهلل للعلوم والتقنية (كاوست) 24
24
من إصدارات اجلوبة
عمل فني ،في أحد مباني اجلامعة للفنان :سوبهيب رمية من كمبوديا
خادم احلرمني الشريفني امللك عبدالله بن عبدالعزيز آل سعود ،حفظه الله ،حلظة استقباله زعماء العالم في حفل االفتتاح التاريخي جلامعة امللك عبدالله للعلوم والتقنية (كاوست .)KAUST
اجلوبة -صيف 1430هـ
1
العدد 24 صيف 1430هـ 2009 -م
ملف ثقافي ربع سنوي يصدر عن مؤسسة عبدالرحمن السديري اخليرية
املشرف العام إبراهيم احلميد املراسالت توجه باسم املشرف العام ّ
هاتف)+966( )4( 6245992 : فاكس)+966( )4( 6247780 : ص .ب 458سكاكا اجلـ ــوف -اململكة العربية السعودية aljoubah@gmail.com www.aljoubah.com
ردمد ISSN 1319 - 2566
سعر النسخة 8رياالت تطلب من الشركة الوطنية للتوزيع
قواعد النشر
- 1أن تكون املادة أصيلة. - 2لم يسبق نشرها. - 3تراعي اجلدية واملوضوعية. - 4تخضع املواد للمراجعة والتحكيم قبل نشرها. - 5ترتيب املواد في العدد يخضع العتبارات فنية. - 6ترحب اجلوبة بإسهامات املبدعني والباحثني والكتّاب، على أن تكون املادة باللغة العربية. اجلوبة من األسماء التي كانت تطلق على منطقة اجلوف سابق ًا
الناش ـ ـ ـ ــر :مؤسسة عبدالرحمن السديري اخليرية أسسها األمير عبدالرحمن بن أحمد السديري (أمير منطقة اجلوف من 1362/9/5هـ 1410/7/1هـ املوافق 1943/9/4م 1990/1/27 -م) بهدف إدارة ومتويل املكتبة العامةالتي أنشأها عام 1383هـ املعروفة باسم دار اجلوف للعلوم .وتتضمن برامج املؤسسة نشر الدراسات واإلبداعات األدبية ،ودعم البحوث والرسائل العلمية ،وإصدار مجلة دورية ،وجائزة األمير عبدالرحمن السديري للتفوق العلمي ،كما أنشأت روضة ومدارس الرحمانية األهلية للبنني والبنات ،وجامع الرحمانية. 2
اجلوبة -صيف 1430هـ
الـمحتويــــات
6....................... افتتاح جامعة امللك عبدالله للعلوم والتقنية (كاوست )Kaust
71..................... رمزية املرأة واخلصب في أدب العجيلي
75..................... حوار مع الكاتب الروائي إدوار اخلراط
83 ..................... حوار مع أول مدير تعليم مبنطقة اجلوف الغالف: ص � ��ورة ل��واج��ه��ة م �ب �ن��ى االحتفال بتدشني اجلامعة
االفتتاحية4............................................................. ملف العدد :جامعة الملك عبدالله للعلوم والتقنية كاوست6......... دراسات :رواية غالية آل سعيد (سنين مبعثرة) -هدى المعجل28... بين السيرة الشعبية والقصص الشعبية -يسري عبدالغني 36..... أضواء على تجربة الشاعر إلياس أبو شبكة -رامي أبو شهاب 44... قصص قصيرة :المقعد الخالي -ابتسام التريسي 49.............. الحالمة -نادية العسري 50......................................... سبع قصص قصيرة جدا -شيمة الشمري 51...................... المجاعة -د .سناء شعالن52....................................... قلوب شائكة -لولوه العتيبي 54..................................... قصة لألطفال ..واحة الغزالن -إبراهيم شيخ 55.................. شعر :البرتقالة -د .يوسف العارف 58............................... بين غبار الثلج ونعومته! -مالك الخالدي 59....................... أعطني ..نايا أغني -ميسون أبو بكر 60............................ ثنائية البحر والقفر؟! -سعد بن سعيد الرفاعي 61................ تَار ِي ُخ الطمأنينة - !..علي العسيري62.............................. سيدةٌ تلعق وحدتها -د .دعاء صابر 63............................. قصيدتان -عبدالرحيم الماسخ64.................................. حينما يبكى النسيم -حمدي هاشم حسانين 65................... نقد« :تراتيل العدم» :لـ :مها حسن -هيثم حسين 66................ رمزية المرأة والخصب في أدب العجيلي -محمد السمّوري71.... ِسفْر (سيف بن أعطى) سيرة لم تكتمل بعد -فريال الحوار 73.... مواجهات :حوار مع الروائي إدوار الخراط -محمد الحمامصي75. حوار مع الكاتب الساخر أحمد حسن الزعبي -محمد صوانه79... حوار مع أول مدير تعليم بمنطقة الجوف -محمود الرمحي 83.... حوار مع الشاعر العراقي عدنان الصايغ -محمد نجيم 88........ نوافذ :ليلة العيد -فواز بن صالح الجعفر 94....................... المنفلوطي م��ن رواد ال�ت�ج��دي��د ف��ي ال�ن�ث��ر ال�ف�ن��ي ال�ح��دي��ث -د. عبدالناصر محمود عيسى95...................................... القراءة الرقمية -حسام عبدالقادر 99.............................. مقاربة حول عوالم الروائي حنا مينه -عمران عز الدين102....... قراءة في قصيدة (ال تعذليه) البن زريق البغدادي -نورا علي107. فنون :فيصل الخديدي اإلبداع والتجميد في حكايات من زمن الحب والجليد -ليلى ايت سعيد110....................................... مال واقتصاد :التورق في اإلسالم -د .نضال الرمحي 114......... قراءات119...........................................................: األنشطة الثقافية بالمؤسسة -عماد المغربي 127..............
اجلوبة -صيف 1430هـ
3
كاوست KAUST > إبراهيم احلميد لقد كان إنشاء جامعة الملك عبدالله للعلوم والتقنية (كاوست) -التي بدأت كبيرة، ككبر مؤسسها في أفعاله وأقواله -حلما يراود خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله ابن عبدالعزيز آل سعود .حلم ..ما بين الحلم والواقع مساحات ..قليل من يستطيع ردمها .ومن ال يحلم ،ال يستطيع أن يبني .وعندما يأتي الحلم من رجل حمل هموم أمته ووطنه طوال مسيرة حياته الحافلة بالعطاء ،يأتي هذا الحلم على قدر هذا الرجل شامخا ،قويا ،حامال معه مشاعل النور واألمل. لقد كانت العزيمة قوية وصادقة لدى هذا الملك الكبير ،ملك اإلنسانية ..ملك العلوم والتقدم والجامعات ،وعلى قدر أهل العزم تأتي العزائم .ولذا لم يأبه -حفظه الله -لكل الصعوبات التي قد تواجه حلمه الكبير ،فكانت النتائج مشرفة ومبهرة. إننا جميعا شهود لحظة انطالقة هذه الجامعة االستثنائية ،ألنها لحظة تاريخية فاصلة في تاريخ المملكة العلمي ،والتقني ،والثقافي .وإذا كانت األجيال الماضية قد شهدت بدايات انطالق التعليم النظامي وب��داي��ات التعليم الجامعي ،انتهاء بانطالق جامعات المناطق المختلفة ،فإننا قد شرفنا بأن نكون شهودا على المرحلة الجديدة، التي دشنها خادم الحرمين الشريفين ،حفظه الله ،بإدخال المملكة العربية السعودية إلى العالم المتقدم ،العالم األول ،الذي تكون فيه الجامعة نواة للمدينة العصرية ،والمدينة المتقدمة ،والمدينة المتكاملة ،حيث تقوم الجامعة بدور المعزز العلمي للحياة المعاصرة، مكرسة للمبدأ الخير لعمارة اإلنسان لألرض ،وما جامعة الملك عبدالله للعلوم والتقنية إال خير مثال على ذلك. إننا كمواطنين ،ال بد لنا أن نستشعر حجم اإلنجاز العظيم ،والنقلة العلمية الكبيرة التي يحققها تأسيس هذه الجامعة البحثية الكبرى وافتتاحها ،من خالل إخراج جيل من الشباب القادر على التعامل مع معطيات هذه الجامعة ،واالستجابة لرؤية خادم الحرمين الشريفين ،وحلمه في استقطاب المبدعين وتخريج العلماء من هذا الوطن وجميع أنحاء العالم ،تحقيقا لرؤيته اإلنسانية التي بقدر ما تحتضن أبناء وطنه ..ال تقصر عن احتضان
4
اجلوبة -صيف 1430هـ
لقد وفر خادم الحرمين الشريفين لهذه الجامعة كل أسباب التفوق ،فمن المدينة الجامعية العظيمة التي بنيت من الصفر ،إلى أحدث التقنيات الحاسوبية والكمبيوترات العمالقة والمعامل المتقدمة ،حتى أصبحت مدينة متكاملة ،تضم إلى جانب المكتبة وقاعات المحاضرات ومراكز األبحاث ..ممرات المشي ،ومسطحات الغولف ،والمتحف الذي يعبر عن استعادة رسالة المسلمين في العلوم ..بحثا عن بيت الحكمة .وها هي – الجامعة – تستعيده ،وتجده بعد أن تاه في غياهب القرون )750( -عاما -منذ أن اختفى بيت الحكمة البغدادي في ذلك الحين،
اف�����������ت�����������ت�����������اح�����������ي�����������ة
اإلنسانية كلها .ولذا فقد استحق لقب ملك اإلنسانية حفظه الله.
وقد جاء حفل االفتتاح التاريخي ،الذي رعاه خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله ابن عبدالعزيز ،خير دليل على استعادة هذه الحكمة التي جمعت زعماء العالم ،ليكونوا شهودا على انطالقة هذه المرحلة التاريخية الجديدة في بالدنا. لقد عزز إنشاء هذه الجامعة الكبيرة -بناء على حلم القائد الذي رافقه طوال خمس وعشرين عاما -االنطباع الذي يحمله كل أبناء هذا البلد ،عن قائد المسيرة ،بعد أن أنشأ جامعة في كل منطقة لم يكن بها جامعة ،وتعزيز المناطق المكتظة بالمزيد من الجامعات ،من أنه ملك يشغله هم أبنائه ومستقبلهم ،وأن مستقبل الوطن بخير ..ما دام هو من يخطط له .وها هي بواكير المستقبل األتي ..بدأت في التشكل على األرض.. وأصبحت حقيقة وواقعا ،تمثله هذه الجامعة التي بدأت كبيرة .ونرجو من الله جل وعال أن تزداد سموا ،وإنجازات ،تسابق بها العالم .وعليه ،فإن لقبا جديدا يستحقه خادم الحرمين الشريفين أو ألقابا أخرى ستشرف به ،وبتاريخه ،عن كل جدارة ،ومنها ملك العلوم ،وملك الجامعات ،وملك التقدم ،إلى جانب ملك اإلنسانية التي ازدادت به شرفا. إن مجلة الجوبة -وهي تخصص ملفا متواضعا عن الجامعة -لتدرك أهمية اللحظة التاريخية التي نعيشها في بالدنا ،بعد افتتاح هذه الجامعة؛ ولذا ،فقد حرصت الجوبة على توثيقها ،وتعريف قرائها ببعض تفاصيلها التي قد ال تغيب عن الكثير ،ولكنه تكريس ألهمية هذه الحدث ،واستنهاض لهمم الطالب والعلماء والباحثين للحاق بركب جامعة الملك عبدالله للعلوم والتقنية «كاوست» ،وال نبالغ إننا قد نرى من يؤرخ للمملكة بمرحلة ما قبل (كاوست) وما بعدها ،ومن هذا المنطلق جاء حرصها على إش��راك عدد من أساتذة الجامعات في هذا الملف للتعبير عن آرائهم وفرحتهم بكاوست ووالدتها.
اجلوبة -صيف 1430هـ
5
جامعة امللك عبدالله للعلوم والتقنية كاوست
بوابة التقدم للمملكة العربية السعودية
> كتب احملرر الثقافي
افتتح خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز، بحضور عدد من قادة الدول العربية واإلسالمية والصديقة جامعة الملك عبدالله للعلوم والتقنية في ثول ،وذلك يوم األربعاء -10-4 1430ه�ـ الموافق 2009-9-23م ،وقد بدأ حفل التدشين الكبير بمشاهدة خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز وضيوفه -رؤساء الدول -مجسماً للجامعة ،واستمعوا إلى شرح م��ن وزي��ر ال�ب�ت��رول وال �ث��روة المعدنية رئ�ي��س مجلس األم �ن��اء عن منشآت الجامعة ،كما قام حفظه الله وضيوفه بجولة في المعرض الذي أقيم بهذه المناسبة ،وقد شاهد خادم الحرمين الشريفين والحضور فيلماً قصيراً عن الجامعة وفكرتها. وأوض��ح رئيس الجامعة البروفيسور تشون فونج شيه( ،)1أن جامعة الملك عبدالله للعلوم والتقنية تهدف إلى اكتشاف المعرفة وتبادلها وتطبيقها ،وه��ي تجمع العلماء ال��رواد والواعدين من جميع أنحاء العالم ،لمتابعة تحصيلهم العلمي ،ليكونوا في مقدمة صفوف الباحثين والمخترعين والمبتكرين ،والذين ستساعد إنجازاتهم العلمية المنتظرة في رفع مستوى حياة الناس والتصدي للتحديات الكبيرة التي تواجه البشرية.
6
اجلوبة -صيف 1430هـ
م������������ل������������ف ال������������ع������������دد
خادم الحرمين الشريفين مع رؤساء الدول أثناء حفل االفتتاح
خادم الحرمين في صورة تذكارية مع منسوبي االحتفال بجامعة الملك عبدالله للعلوم
واستطرد ق��ائ�لا« :لقد اجتمعنا على شاطئ ال �ب �ح��ر األح��م��ر -ه �ن��ا -ع �ن��د م�ل�ت�ق��ى الشرق والغرب ..ملتقى القديم والجديد ،ملتقى التحديات والفرص ،لنشهد والدة أحدث جامعة في العالم، لقد جئنا من جميع أنحاء العالم ..من المؤسسات وتابع قائال« :وفي أكثر من مناسبة سمعنا من األكاديمية والصناعية ..من أروقة السلطة وقطاع خادم الحرمين الشريفين حديثه عن هذه الجامعة، األعمال ومختبرات العلوم ..من مختلف مناحي بوصفها بيتا جديدا للحكمة ،وهدية منه إلى شعب الحياة ..توحّ دنا تطلعاتنا المشتركة». المملكة وشعوب العالم». وأض���اف «ل �ق��د اش �ت��رك ك�ث�ي��رون ع�ب��ر فترات مؤكداً ثقته بأنه سيأتي اليوم ال��ذي نرى فيه زمنية طويلة ،وبذلوا جهودا شاقة ،ووهبوا قلوبهم ،الجامعة راسخة في هذا المركز الحيوي ،بينما وأفرغوا طاقاتهم ،إلنشاء جامعة غير عادية ..في يجري االعتراف بدورها المحفز للنمو االقتصادي زمن غير عادي .ويشرفني أنني أسهمت مع جمع للمملكة على نطاق واسع في الداخل والخارج ،كما غفير من الناس المتفانين المخلصين لنصل إلى ن��رى أفضل الخريجين من أب��رز جامعات العالم هذا اليوم المشهود». يختارون متابعة اهتماماتهم العلمية فيها .وأفاد
أنحاء العالم المعروف آنذاك ،فأسهموا في تقدم المعرفة في مجاالت عديدة مثل :الرياضيات، والطب ،وعلم الفلك ،وطبقوا اكتشافاتهم لتحسين حياة الناس القريب منهم والبعيد.
وأش�� � � � � � � � ��ار ت � �ش� ��ون فونج ش� �ي ��ه إل� � ��ى أن «دار الحكمة» ك���ان���ت مركزا عظيما للتعلم، وم � �س � �ت� ��ودع� ��ا ل � �ل � �م � �ع� ��ارف.. اجتذب العلماء م� � � � ��ن ج� �م� �ي���ع
مجلس أمناء الجامعة
اجلوبة -صيف 1430هـ
7
ب��أن الجامعة أصبحت م��رك��زا ذا شهرة عالمية
م��ن ج��ان�ب��ه ،ق��ال المهندس علي ب��ن إبراهيم النعيمي وزي��ر البترول وال �ث��روة المعدنية رئيس األمناء« ،اليوم هو يوم المملكة الوطني ،وفي ظل معاني ه��ذا اليوم المجيد ،يسجل التاريخ بادرة سعودية جديدة،ستذكرها األجيال القادمة بكثير م��ن العرفان واالم�ت�ن��ان والشكر لصاحب الرؤية الرائدة في بناء هذا الصرح العلمي الحديث».
خادم الحرمين الشريفين ـ حفظه الله ـ ويبدو معه رئيس الجامعة البروفيسور تشون فونج شيه
الحرم الجامعي الرئيسي في جامعة الملك عبد الله من مدارج البحر
للعلوم والتقنية واالبتكار والمشاريع ،وتقف كتفا
إلى كتف مع شركائها من الجامعات ومؤسسات الصناعة في جميع أنحاء العالم ،سعيا وراء إيجاد أحدث الحلول والتحديات العلمية الرئيسة.
وتوقع لهذه الجامعة أن تحقق بعد جيل واحد
فقط من اآلن حلم خادم الحرمين الشريفين ،بأن وأض� ��اف ق��ائ�ل�ا« :ف ��ي ه ��ذا ال �ي��وم المشهود تكون ملتقى للعلوم والبحوث ،ومنارة من منارات يجتمع العالم يا خادم الحرمين الشريفين ممثال المعرفة لألجيال القادمة ،متمنيا لها دوام النمو بقادته وعلمائه وموهوبيه ،ليشاركوكم تحقيق حلم واالزدهار ،وأن تبقى هبة نابضة بالحياة من أجل انطالقة جامعة الملك عبدالله إلى آفاقها العالمية ال��واس �ع��ة ..ولعلني ف��ي ه��ذا ال�م��وق��ف التاريخي أجيال العالم القادمة.
8
اجلوبة -صيف 1430هـ
م������������ل������������ف ال������������ع������������دد الكبير ،أستطيع أن أعبر لكم عن مدى ما أشعر الدراسي التالي. به من السرور واالغتباط،الكتمال مرحلة تأسيس وش��دد النعيمي على أن الجامعة ب��دأت في هذه الجامعة». تحقيق الجانب الثاني من رؤي��ة خ��ادم الحرمين
وتابع قائال« :ال أبالغ إطالقا إذا قلت إن مشروع هذه الجامعة هو أهم وأجمل المشاريع التي شاركت في بنائها ط��وال سنوات عملي؛ وبالنسبة لجميع أعضاء مجلس األمناء ،وجميع أعضاء فريق العمل، كان هذا المشروع (الحلم) يتشكل ليصبح حقيقة يوما بعد ي��وم ..على م��دى س�ن��وات ث�لاث ،افتتح أعمالها ونشاطاتها بحماس كبير ،وهمة عالية، أعضاء فريق العمل المكلف من «أرامكو السعودية»، الذين استثمروا مواهبهم وقدراتهم ،وبذلوا جهداً ول �ف��ت النعيمي األن �ظ��ار إل��ى أن الكثير من وحماسة كبيرين أثناء فترات التأسيس ،ليتحقق األبحاث التي ستجريها الجامعة ،سيستفيد منها وعدهم لكم ب��أن ت��رى ه��ذه الجامعة النور خالل ق�ط��اع الصناعة واالس�ت�ث�م��ار ال�س�ع��ودي ،بوصفه سنتين من بدء أعمال إنشائها». المؤثر األكبر في العملية التنموية ،مشيرا في وأف��اد النعيمي أن ع��دد ال��ذي��ن ت��م اختيارهم الوقت ذاته إلى أن من بين برامج الجامعة البحثية لاللتحاق بالجامعة بلغ نحو ( )800باحث ودارس، التعاون مع الشركات الصناعية الوطنية والعالمية، تم اختيارهم من بين ما يزيد على سبعة آالف ما يهدف إل��ى تحويل االكتشافات البحثية على متقدم ،حيث بدأ ( )400طالب الدراسة فعليا قبل تطبيقات عملية لصالح الشعب السعودي. ثالثة أسابيع ،فيما سيلتحق اآلخرون في الفصل وفي السياق ذاته ،قال الدكتور خالد بن محمد ال�ش��ري�ف�ي��ن ل �ه��ا ،ال� ��ذي ي�ت�م�ث��ل ف��ي ت �ق��دي��م بيت الحكمة الجديد على األراض ��ي ال�س�ع��ودي��ة ،من خالل استخدام أفضل ما يملكه العالم ،ليسخر في تنمية الواقع اإلنساني ،منوها برؤية جاللته التي تبلورت من خالل تسخير وسائل العلم ،لرفع وتيرة االستثمار االقتصادي في المملكة ،إذ ينتظر أن تقود هذه الجامعة العديد من جوانب التنمية االقتصادية فيها.
اجلوبة -صيف 1430هـ
9
مرحليا بناء على احتياجات شعب شغوف بالتطور وال�ت�ق��دم ،حتى أصبح لدينا اآلن أرب��ع وعشرون جامعة حكومية ،وت�س��ع جامعات أهلية ،تنتشر كلياتها ومعاهدها في ربوع المملكة كافة».
كلمة خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز آل سعود في حفل االفتتاح أصحاب الجاللة والفخامة والسمو العنقري وزير التعليم العالي« ،إنه لشرف عظيم أيها الحضور الكرام
أن أك��ون متحدثا بين يدي الصفوة المتميزة من رؤس��اء وملوك ال��دول في عالمنا الرحب ،الذين آثروا الحضور رغم مهامهم الجسام ،تقديرا منهم للعلم وأهله ،ودعما لمؤسساته ومخرجاته ،وإيمانا بدوره في إسعاد البشرية». وأضاف العنقري قائال« :إن الطموح في تلك الحقبة المبكرة ،كان بحجم حلم قادتنا األكابر، ال��ذي��ن رف�ع��وا م�ن��ارة التعليم ،منطلقين م��ن رؤية مؤسسة الملك عبدالعزيز الذي أمر -رحمه الله بإنشاء مديرية للمعارف عام 1344هـ 1929م،فكانت ال�ن��واة األول��ى التي انطلقت منها مسيرة التعليم ف��ي المملكة بخطاها ال��واث�ق��ة ،واستمر ال�ت�ط��ور ف��ي مسيرة التعليم ،وتشكلت خطواته
10
اجلوبة -صيف 1430هـ
لقد كانت فكرة هذه الجامعة حلما يراودني منذ أكثر من ( )25عاما ،وكانت هاجسا ملحا عشت معه ط��وي�لا ،وإن��ي أحمد الله سبحانه أن مكننا من تجسيدها واقعا ،نراه اليوم شامخا بحول الله وقوته على تراب أرضنا باسم الشعب السعودي، وهنا أع��رب لكم ع��ن شكرنا العميق لحضوركم ومشاركتنا احتفال مولد هذا الحلم.
إخواني ..أيها الحضور الكرام لقد كان للحضارة اإلسالمية في تاريخها دور عظيم في خدمة الحضارة اإلنسانية بعد الله جل جالله ،وقد أسهم علماء المسلمين في مجاالت كثيرة؛ ففي الطب كان ال��دور البن النفيس ،وفي
م������������ل������������ف ال������������ع������������دد
الكيمياء كان لجابر ابن حيان تأثيره الفارق في مسيرته ،وفي الجبر كان للخوارزمي دور فاعل، أما في علم االجتماع فقد كان البن خلدون تأثيره العظيم فيه؛ لذلك فإن الجامعة التي نحتفل بها ال ت�ب��دأ م��ن ال�ص�ف��ر ،فهي اس�ت�م��رار لما تميزت ب��ه حضارتنا على م��ر ال�ع�ص��ور ،وك��ان سببا في ازدهارها ..وهذا هو المعنى األول للجامعة.
أيها الحضور الكرام لقد ارتبطت القوة عبر التاريخ بعد الله بالعلم، واألم��ة اإلسالمية تعلم أنها لن تبلغ ذل��ك إال إذا اعتمدت بعد الله على العلم ،فالعلم واإليمان ال يمكن أن يكونا خصيمين إال في النفوس المريضة، ولقد أكرمنا الله بعقولنا،كي نعرف سنة الله في خلقه ،وهو القائل جل وع�لا{ :إنما يخشى الل َه م��ن ع �ب��اده ال �ع �ل �م��اءُ} ،وه ��ذا ه��و المعنى الثاني للجامعة .لقد تعرضت اإلنسانية لهجوم عنيف من المتطرفين الذين يرفعون لغة الكراهية ،ويخشون
الفرار ،ويسعون للهدم ،وال يمكن أن نواجههم إال إذا قمنا بالتعايش محل ال �ن��زاع ،والمحبة محل األح�ق��اد ،والصداقة محل ال�ص��دام ،وال شك أن المراكز العلمية التي تحتضن الجميع في الخط األول للدفاع ضد هؤالء المتطرفين. واليوم هذه الجامعة تنضم إلى زميالتها في كل مكان من العالم دارا للحكمة ومنارة للتسامح، وهذا هو المعنى الثالث للجامعة .وأخيرا ..أشكر شركة أرامكو السعودية التي أشرفت على تأسيس هذه الجامعة خالل فترة وجيزة ،وأتمنى لمنسوبي الجامعة التوفيق والسداد .والسالم عليكم ورحمة الله وبركاته.
اجلوبة -صيف 1430هـ 11
أضواء على الجامعة علماء بيت الحكمة ف��ي م �ج��االت الرياضيات رؤية خادم الحرمين الشريفين بيت الحكمة ..رغ�ب��ة منه ف��ي إح�ي��اء ونشر والعلوم والطب والمالحة والزراعة وعلم الفلك، فضيلة ال�ع�ل��م العظيمة ال�س��ام�ي��ة ال �ت��ي ميزت إسهامات مهمة للحضارة الغربية. وحينما غ��زا ال�م�غ��ول ب �غ��داد ع��ام 1258م، العالمين العربي واإلسالمي في العصور األولى، فقد أنشأها حفظه الله لتكون بيتًا جديدًا للحكمة دم��روا بيت الحكمة ،وجميع المكتبات األخرى في المدينة .ويقال إن مياه نهر دجلة صبغها على شواطئ البحر األحمر. فقد كان بيت الحكمة ال��ذي أسسه الخليفة السواد ستة أشهر من حبر الكتب التي طرحت المأمون مع وال��ده ه��ارون الرشيد عام 830م ،في النهر. بمثابة مكتبة ومركز بحوث وديوان ترجمة ،خالل الفترة من القرن التاسع إلى القرن الثالث عشر، في بغداد ،وكان يضم مخطوطات القدماء ،ومنها مخطوطات أصلية باللغات الفارسية ،واليونانية، والسنسكريتية ،التي جُ معت وتُرجمت إلى اللغة العربية .وق��د قدمت ه��ذه النصوص وانجازات
وال�ي��وم -وبعد م��رور ( )750عامًا -يرتفع «بيت جديد للحكمة» في الصحراء العربية .وكما أك��د حفظه الله خ�لال الكلمة التي ألقاها في حفل وضع حجر األساس« ،ستكون جامعة الملك عبدالله منارة للسالم واألمل والوفاق ،وستعمل لخدمة شعب المملكة ولنفع جميع شعوب العالم، ال بقول الله تعالى في كتابه العزيز (يَا أَ ّيُهَا عم ً ّاس ِإنَّا خَ ل َ ْقنَا ُك ْم مِ ْن َذك ٍَر َوأُنْثَى وَجَ َعلْنَا ُك ْم شُ عُوبًا النَ ُ َو َقبَا ِئ َل ِلتَعَا َرفُوا).
45ألف عامل إلنجاز الجامعة ذكرت مجلة القافلة :أوكلت إلى شركة هيلموث، أوباتا آند كاسابوم ( ،)HOKوهي إحدى كبريات ال�ش��رك��ات المعمارية ،مهمة التخطيط للحرم الجامعي ،وعهد بتنفيذ األع�م��ال الرئيسة إلى اثنتين من أكبر شركات الهندسة والمقاوالت في المملكة ،وهما «سعودي أوجيه» ،و«مجموعة بن الدن» .وتم تقسيم المشروع إلى ثالثة أقسام هي الحرم الجامعي ،واألحياء السكنية ،والخدمات والبنى التحتية. مباني مختبر األبحاث الجنوبي وقت الغروب
12
اجلوبة -صيف 1430هـ
وقد وصل عدد عمال المشروع في وقت من
مجاالت التدريس في الجامعة وتتمثل في العلوم اآلتية: -1الرياضيات التطبيقية. -2العلوم البيولوجية. -3الهندسة الكيميائية والبيولوجية. -4العلوم الكيميائية. -5علوم الكمبيوتر. -6علوم وهندسة األرض. -7الهندسة الكهربائية. -8العلوم والهندسة البيئية. -9العلوم والهندسة البحرية. -10علوم وهندسة المواد. -11الهندسة الميكانيكية.
• الحفر الكيميائي. • العلوم الحيوية الحاسوبية. • النمذجة الهندسية والتصوير العلمي. • األغشية. • جينيومات اإلجهاد في النبات.
م������������ل������������ف ال������������ع������������دد
األوقات إلى ( )45ألف عامل ،يعملون في فترتين سبتمبر بوجود تسعة مراكز أبحاث في الجامعة نهارية وليلية ،إلنجاز المشروع في وقته المحدَّ د .تشكِّل الوحدات األساسية لألبحاث فيها. وقد تطلَّب العمل استخدام ( )380رافعة ضخمة وينصبُّ االهتمام في مراكز األبحاث األولى وثمانية آالف معدة وشاحنة ثقيلة. على المجاالت التالية:
وكل مقررات التدريس باللغة اإلنجليزية.
مراكز األبحاث ي��وج��د ح��ال�ي�اً تسعة مراكز، من المقرر أن تصل إلى عشرين مركزا عام 2020م. وال تتضح ن��وع�ي��ة الدراسة في جامعة الملك عبدالله ،إال من خالل إطاللة سريعة على ما توفِّره الجامعة للباحثين والطلبة في رحابها من مختبرات ومراكز أب� �ح ��اث ،ت��دغ��دغ أح �ل�ام أشد الباحثين طموحاً .وقد انطلقت ال � ��دراس � ��ة ف���ي ال� �خ ��ام ��س من
بروجكتر النجمة في أحد مختبرات األبحاث.
اجلوبة -صيف 1430هـ 13
• الطاقة الشمسية والطاقة البديلة. • علوم وهندسة البحر األحمر. • مركز أبحاث كيمياء النانو. • االحتراق النظيف. • المواد المركَّبة والمتناهية الصغر. • االستشعار األرضي وتحت سطح األرض.
• تحلية المياه وإعادة استخدامها. • تكنولوجيا ألترا هرتز. ويضم مركز األبحاث النمطي ما بين ( 8و)10 أعضاء من هيئة التدريس والطالب والباحثين الزائرين والموظفين اإلداريين والفنيين .وتلقى ه��ذه المراكز الدعم ال�لازم في مرافق عديدة خاصة بكل مركز ومجموعة مختبرات مركزية تدعم هيئته. وتعمل الجامعة على تطوير وتقوية وتنويع قدراتها البحثية ف��ي حرمها الجامعي ،بحيث ت�ك��ون وثيقة الصلة بكل م��ن مجتمع األبحاث العالمي وبرامجها التعليمية للدراسات العليا. ودع � ًم��ا لخطة أب �ح��اث الجامعة وتوجيهها، حددت الجامعة أربعة محاور أبحاث إستراتيجية أس��اس �ي��ة ،وع ��دة م��راك��ز أب �ح��اث ت�ض��م مختلف ال �ت �خ �ص �ص��ات ،ت �ط �ب��ق ال �ع �ل��م وال �ت �ق �ن �ي��ة على ال�م�ش�ك�لات ال �ت��ي ت�ت�ص��ل ب��اح�ت�ي��اج��ات البشر، والتقدم االجتماعي والتنمية االقتصادية. وتتمثل محاور األبحاث في: • الموارد ،والطاقة والبيئة.
14
اجلوبة -صيف 1430هـ
• علم وهندسة المواد. • العلوم الحيوية والهندسة الحيوية. • الرياضيات التطبيقية والعلوم الحاسوبية. وقد اختارت الجامعة محاور ومراكز األبحاث هذه..ألهميتها في تقدم المعارف األساسية في العلوم والهندسة؛ وصلتها بالصناعات القائمة ف��ي المملكة؛ وتطوير الصناعات المستقبلية القائمة على ال�م�ع��رف��ة؛ واح�ت�ي��اج��ات المملكة االج�ت�م��اع�ي��ة واالق �ت �ص��ادي��ة؛ وأث��ره��ا اإلقليمي والدولي المحتمل.
مراكز األبحاث • مركز أبحاث األغشية. • مركز أبحاث الحفز الكيميائي. • مركز أبحاث االحتراق النظيف. • مركز أبحاث الطاقة الشمسية والطاقة البديلة للعلوم والهندسة. • مركز أبحاث تحلية المياه. • مركز اب�ح��اث النمذجة الهندسية والتصوير العلمي. • مركز أبحاث العلوم الحيوية الحاسوبية. • مركز أبحاث جينوميات اإلجهاد في النبات. • مركز أبحاث علوم وهندسة البحر األحمر.
في مركز أبحاث الخوارزمي المتخصص في علوم الرياضيات التطبيقية المتقدِّمة داخل مقر الجامعة ،نجد ج��وه��رة التقنية ال� �ك� �ب ��رى ،ل �ي��س ع �ل��ى مستوى الجامعة فقط ،بل على مستوى ال �ع��الَ � ْم ب��أس��ره ،إن��ه الكمبيوتر العمالق «شاهين» .سادس أقوى كمبيوتر في العالم ،وق��د نقلته طائرتان إلى جدة.
م������������ل������������ف ال������������ع������������دد
الكمبيوتر العمالق
وق���د ت �ط �لَّ��ب ح �ص��ول ال �ج��ام �ع��ة ع �ل��ى هذا ال�ك�م�ب�ي��وت��ر -ال���ذي ال م�ث�ي��ل ل��ه إال ف��ي دول خ�م��س -م �ف��اوض��ات ط��وي�ل��ة ت �ج��اوزت األشهر الستة مع وزارة التجارة األمريكية وشركة «آي. ب��ي .أم» ،وف��ق ما ذك��ر كبير مسئولي معلومات التقنية المكلَّف في الجامعة المهندس ماجد الغسالن ،مشيراً إلى أن تقدير العالَ ْم للجهود التي يبذلها خادم الحرمين الشريفين في نشر العلم والمعرفة ،أسهمت في تذليل عقبات كثيرة، وإج��راءات طويلة األم��د ،واجهتها الجامعة من أجل امتالك هذا الكمبيوتر العمالق.
كمبيوتر شاهين
اجلوبة -صيف 1430هـ 15
مركز القرنية ي�ق��ول ال�م�ه�ن��دس ال�غ�س�لان إن ه��ذا المركز يضم مختبر المحاكاة البصرية ثالثية األبعاد، وهي تقنية تدمج العالم االفتراضي بالتجارب ال�ب�ح�ث�ي��ة .ول�ت�ن�ف�ي��ذ ه ��ذا ال�م�خ�ت�ب��ر ،استعانت الجامعة بشركات عالمية في صناعة المرئيات والصوتيات المتطوِّرة ،لتمكين العلماء والباحثين من إجراء تجاربهم الحسابية والعملية بتصوير مشاهد حية للجزيئات ،كما أنها تمكن جمهور الباحثين م��ن رؤي ��ة م��ا ي�ج��ري��ه ب��اح�ث��ون وطلبة من أبحاث..على غ��رار تجارب انقسام الخلية الواحدة على سبيل المثال.
الوراثية والنانو إلكترون والعلوم الحيوية .وكل ما تبثه الشاشات من أفالم تصويرية وسمعيات يتم تسجيله تلقائياً ليبث مباشرة أو الحقاً إلى ( )40مركزاً ومعهداً بحثياً حول العالم ،ترتبط بها مراكز الجامعة حالياً.
زراع���ة القمح ف��ي المياه المالحة مثال ألبحاث الجامعة ض �م��ن ك��وك �ب��ة ال �ع �ل �م��اء وال �ب��اح �ث �ي��ن الذين يحتضنهم مركز األبحاث الجينومية في الجامعة، يبرز اس��م البروفيسور نيكوالس ب��ول هاربرد، الساعي إلى تطوير حلول تقنية وبيئية تساعد المحاصيل الزراعية على تحمل ظروف القحط والملوحة .األمر الذي يعزز األمن الغذائي في المملكة والعالم ،وي��وسِّ ��ع المساحات الزراعية في األراضي غير المنتجة في الوقت الحاضر، ويخفِّف الضغط على استخدام المياه العذبة.
ويضم مختبر القرنية أرب��ع ص��االت عرض، أكبرها مزوَّدة بشاشة عرض رئيسة تصل دقتها إلى ( )32مليون بكسل ،وهي مخصصة لعرض األب��ح��اث ع�ل��ى ع ��دد ك�ب�ي��ر ن�س�ب�ي�اً م��ن جمهور الباحثين والعلماء .في حين أن القاعات األخرى، ِّ األصغر حجماً ،مُعدَّ ة لكي يحضر الطالب فيها التنمية االقتصادية مشاريعهم البحثية ق�ب��ل ع��رض�ه��ا ف��ي القاعة سوف تعمل جامعة الملك عبدالله على تقدم الكبرى. العلم والتكنولوجيا من خالل البحوث الجريئة أيضا على تثقيف القادة أما المجاالت العلمية التي يمكن أن تستفيد والتعاونية .وسوف تعمل ً من مختبرات القرنية هذه ،فهي متنوعة وعديدة ،العلميين والتكنولوجيين ،وحفز تنويع االقتصاد وت�ش�م��ل ال�ط��اق��ة وه�ن��دس��ة ال �ب �ت��رول ،الهندسة ال�س�ع��ودي ،والتصدي للتحديات ذات األهمية اإلقليمية والعالمية .وستقوم ب��إج��راء البحوث العلمية التي تؤدي إلى االكتشافات واالختراعات في المجاالت اإلستراتيجية.
أحد الباحثين في جامعة الملك عبدالله داخل مركز القرنية للتصوير
16
اجلوبة -صيف 1430هـ
وباالعتماد على أفضل الممارسات العالمية، تعمل الجامعة على تأسيس مجتمع للبحوث يعزز اإلب��داع واالبتكار .وس��وف تدعم الجامعة التحالفات مع المؤسسات األكاديمية والقطاع ال �خ��اص م��ن خ�ل�ال م�ك�ت��ب ن�ق��ل التكنولوجيا،
شراكات األبحاث األكاديمية الهادفة
والدة جامعة الملك عبدالله
• جامعة كاليفورنيا في سان دييغو
م������������ل������������ف ال������������ع������������دد
وبرنامج التعاون الصناعي ،وحاضنة األعمال ال�ت�ج��اري��ة ،وب��رن��ام��ج تنظيم ال�م�ش��اري��ع ،وشبكة رأس المال االستثماري .وس��وف يشمل مجتمع الجامعة مدينة للبحوث لدعم األعمال الجديدة، وتوفير قاعدة للشركات القائمة لالستفادة من خبرة مجتمع الجامعة في العلوم والهندسة.
وب�م��وج��ب أح �ك��ام االت�ف��اق�ي��ات ،ي�ب��دأ البحث وقد دخلت الجامعة ،حتى عشية بدء الدراسة العلمي في المؤسسة الشريكة ،لينتقل الحقاً فيها في شراكات مع كل من: مع الباحثين إل��ى ح��رم جامعة الملك عبدالله. • معهد وودر هول لعلوم المحيطات وب��ذل��ك تساعد ال�ش��راك��ات األكاديمية ف��ي بناء • المعهد الفرنسي للبترول مراكز األبحاث في الجامعة ،وأيضاً بناء مجمع • جامعة سنغافورة الوطنية من الباحثين ورؤساء فرق األبحاث. • جامعة هونغ كونغ للعلوم والتقنية • الجامعة األمريكية في القاهرة • جامعة ميونيخ التقنية • جامعة الملك فهد للبترول والمعادن
أم��ا ش��راك��ات األب �ح��اث م��ع القطاع الخاص فتقوم على عدد من البرامج تهدف إلى تحويل األفكار والتقنيات والمهنيين المدربين تدريباً عالياً إلى مشاريع تجارية ،ومنها: • ب��رن��ام��ج ال �ج��ام �ع��ة ل �ل �ت �ع��اون م ��ع الشركات الصناعية. • مكتب جامعة الملك عبدالله لنقل التقنية وإدارة الملكية الفكرية. • م �ك �ت��ب ج��ام �ع��ة ال �م �ل��ك ع �ب��دال �ل��ه الستثمار المشاريع. • برنامج تأسيس األعمال التجارية. ومن كبريات الشركات والمؤسسات التي دخلت في شراكات مع الجامعة في إطار برامج التعاون المختلفة نذكر :أرامكو السعودية ،ومدينة الملك عبدالعزيز للعلوم والتقنية ،ومركز أبحاث شركة جنرال إلكتريك العالمي ،وسابك ،وشركة آي بي ام ،وشركة داو كيميكال ،وشلمبرجير ،وبوينغ...
اجلوبة -صيف 1430هـ 17
األبيض الشفاف ،ومن المرجح أن المصمم أراد من هذا البياض داللة إلى رمزية المكتبة كجوهرة ترصع الحرم الجامعي ككل. ولكن ما أن يدخل الزائر إلى هذه المكتبة، حتى تتراجع «الرمزية» لصالح الحدود القصوى من الجدوى والفاعلية. ويقوم إنشاء هذه المكتبة على خطة ستنتهي منظر داخلي للرواق في مبنى اإلدارة ف��ي ال�ع��ام 2013م ،حين يُتوقع لها أن تحتوي برنامج زمالة جامعة الملك عبدالله على ( )80ألف عنوان كتاب و ( )1500اشتراك تقدِّم الجامعة «برنامج زمالة جامعة الملك في المجالت العلمية ،إلى جانب رصيد رقمي عبدالله» للمنح ال��دراس�ي��ة ،ال��ذي ي��و ِّف��ر الدعم كبير من مجموعات البيانات وأن��واع أخ��رى من الكامل لرسوم الدراسة ،وراتباً شهرياً للطالب المعلومات العلمية. ال��ذي��ن ي �س �ع��ون إل ��ى ال �ح �ص��ول ع �ل��ى شهادات وي � ��زداد ن �م��و ال�م�ك�ت�ب��ة زخ� �م� �اً ،ب �م �ج��رد بدء الماجستير أو الدكتوراة خالل دراساتهم العليا. الدراسة وتفاعلها مع الطالب الذين سيطلبون المكتبة هذا الكتاب أو تلك المجلة ،الذي لن يتوقف في إن ال�ح�ص��ول على أي ك�ت��اب ف��ي المكتبات العام 2013م. العالمية ،يتم خالل دقيقتين.
متحف الجامعة لتاريخ العلوم والتقنية في كل جامعة مكتبة ،وعندما تكون الجامعة اإلسالمية
ال غير تقليدية ال ب��د وأن تكون جملة وتفصي ً ح��ول ه��ذا ال�م�ت�ح��ف .،أدل ��ى ن��ائ��ب الرئيس مكتبتها ك��ذل��ك .وه��ذا ه��و ح��ال مكتبة جامعة التنفيذي ف��ي الجامعة ،نظمي النصر ،ونائب الملك عبدالله للعلوم والتقنية. ال��رئ�ي��س المكلَّف للتنمية االق�ت�ص��ادي��ة ،أحمد أول ما يلفت النظر في هذه المكتبة هو تميز الخويطر ،بحديث صحافي شرحا فيه الغاية من مبناها عن باقي مباني الحرم الجامعي ،برخامه
مكتبة جامعة الملك عبد الله من مدارج البحر
18
اجلوبة -صيف 1430هـ
قاعة اجتماعات اإلدارة التنفيذية في مبنى اإلدارة
م������������ل������������ف ال������������ع������������دد
إنشاء المتحف وأبرز مالمحه وأهدافه.
ويضم المتحف ع ��دداً م��ن األق �س��ام؛ منها ال�م��دخ��ل وال�م�خ��رج،ح�ي��ث يتعرف ال��زائ��ر إلى المحتوى والمعروضات ،وقسم علوم الحياة وال�ب�ي�ئ��ة وع �ل��وم ال�ج�ب��ر وال��ري��اض �ي��ات ،وقسم معهد التعليم وال��دراس��ات ،وقسم علم الفلك والمالحة ،وقسم التكنولوجيا والكيمياء وعلوم الطاقة والصناعة.
وق� ��ال ال �ن �ص��ر إن ف �ك��رة ال �م �ت �ح��ف انبثقت حين شرعت الجامعة في إنشاء مركز لدراسة مخترعات المسلمين ،على غ��رار بيت الحكمة ال ��ذي أن �ش��أه الخليفة ال�ع�ب��اس��ي ال �م��أم��ون ،إذ ي �ش��ارك ع�ل�م��اء م��ن مختلف أن �ح��اء ال�ع��ال��م في إجراء البحوث والترجمة لتحقيق هذا الغرض. وت� �ض ��م م �ح �ت��وي��ات ال �م �ت �ح��ف مجسمات لكن ال ��رأي استقر أخ �ي��راً على إق��ام��ة متحف الكتشافات واختراعات العلماء المسلمين تحت ط �ب��ق األص� ��ل ل�م�خ�ت��رع��ات ع �ل �م��اء مسلمين، اسم «متحف تاريخ العلوم والتقنية اإلسالمية» ويغطي المرحلة التي شهدت ازدهار العلوم ،بدءاً من القرن الرابع وحتى القرن السابع ..مروراً بما أنتجته الحضارة اإلسالمية ،في األندلس ،ومن ثم ربط المتحف بمكتبة الجامعة اإللكترونية، بحيث يمكن للباحثين االستفادة من محتوياته من كتب ومخطوطات. مباني متحف الجامعة
اجلوبة -صيف 1430هـ 19
الجــامعة األم ــل
> أ .د .أحمد بن عبدالله السالم
()1
تمثل جامعة الملك ع � �ب� ��دال � �ل� ��ه للعلوم والتقنية أكبر اآلمال، وأس��م��ى الطموحات ل��م��واط��ن��ي المملكة طالب جامعة الملك عبد الله يسيرون أمام مبنى اإلدارة ال �ع��رب �ي��ة السعودية، ك��ون �ه��ا ج��ام �ع��ة تهتم ومخطوطات ،إضافة إلى كتب وأف�لام علمية ب��ال�ك�ي��ف وال��ن��وع دون ووثائقية أنتجت خصيصاً لهذا المتحف. ال� �ك ��م؛ ذل���ك أن �ه��ا ت �ه �ت��م ف ��ي أول م ��ا ت �ه �ت��م به الدراسات البحثية والعليا ،وهي ما تحتاجه كل وعليه س �ي��ؤدي ه��ذا المتحف دوراً كبيراً �لاد خطت خ�ط��وات مهمة ف��ي التعليم العالي ب ٍ ف��ي توضيح ال�ص��ورة المشرقة لتاريخ العلوم كالمملكة العربية السعودية. ع�ن��د ال �ع��رب ب�ك��ل زخ��ارف �ه��ا ال��دق�ي�ق��ة .ولكي إن ه��ذه الجامعة لهي إح��دى اللبنات المهمة يتمكن متحف الجامعة من أداء دوره على هذا للنماء والبناء اللذين يشهدهما عهد خادم الحرمين الصعيد ،أُع��دت له سياسة تختلف تماماً عن الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز آل سعود. سياسة المتاحف التقليدية.
20
اجلوبة -صيف 1430هـ
وإنه لمما يبعث على التفاؤل أن إنشاءها جاء
م������������ل������������ف ال������������ع������������دد
خريطة جامعة الملك عبدالله للعلوم التقنية
طالب جامعة الملك عبدالله يدرسون خريطة الحرم الجامعي
بعد دراسة متأنية لما تحتاجه البالد ،وما يحتاجه مواطنها الذي هو أول اهتمامات ملك اإلنسانية خ��ادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز يحفظه الله.
واالقتصاد ،إضاف ًة إلى وضع حلول كفيلة بإزالة جميع العقبات التي تعترض طريق المملكة إلى تحقيق مستقبلها ال��زاه��ر ،والتعامل م��ع كافة التحديات المستقبلية ،وبخاصة ما يتعلق منها بتحلية المياه ،وعلوم البحار والصناعات الدقيقة، وتقوم – أيضاً -عل تطوير القدرات البشرية وتنميتها وفق أسس علمية مدروسة ،وفتح أرحب مجاالت لم تنل نصيبها من االهتمام ٍ األفاق في في أكثر المؤسسات العلمية والتعليمية ،كالطاقة والصناعات الدقيقة وغيرها.
إن�ه��ا الجامعة األول ��ى م��ن نوعها ف��ي الشرق األوس��ط ،واألم��ل كبير بأنها ستكون في مصاف أرقى جامعات العالم المتقدم إن لم تتفوق عليها.
ح �ق �ي �ق �ي��ة ف ��ي مجال ال�ت�ع�ل�ي��م ،ب��ات��ت تهدد الحاضر والمستقبل، ب��ل دف �ع��ت الحاقدين إل � ��ى ال �ت �ش �ك �ي��ك في
وم �م��ا ي�ب�ع��ث ع�ل��ى ال �ت �ف��اؤل أك �ث��ر ف��أك�ث��ر أن جامعات ٍ تأسيسها يقوم أساساً على الشراكة مع بحث عالمية ،لها ب��ا ٌع طويل في مجال ومراكز ٍ الدراسات العليا والبحث العلمي.
وإن الذي ينظر إلى تخصصاتها التي ستبدأ بها وه��ي :الطاقة وال�م��وارد الطبيعية والبيئية، إن افتتاح هذه الجامعة وما هُيئَ له من أسباب والتكنولوجيا الحيوية ،وعلوم وأب�ح��اث المواد الدقيقة مثل (النانو تكنولوجي ،والرياضيات النجاح ،وما دعي له من قادة المسيرتين السياسة التطبيقية وع�ل��وم الكمبيوتر) ،ليثق ثقة تام َة والعلمية في العالم ،لهو مؤشر على والدة جامعة بمستقبلها ال��زاه��ر ،وع�ل��و كعبها ف��ي مجاالت علمية عالمية عالية. تخصصها ،كيف ال ..وه��ي تحظى بدعم خادم جامعة الملك عبدالله الحرمين الشريفين ومتابعته. إجالالً وتقديرً ا > د .جميل بن موسى احلميد وف��ي كلمته – حفظه الله -أله��ال��ي مدينة الطائف قبل ثالث سنوات ،ما يؤكد على اهتمامه عاش عالمنا العربي بإنشاء هذا المشروع العلمي التقني المتميز. – وم� ��ا زال – أزمة
وتقوم السياسة التعليمة للجامعة – فيما تقوم عليه – على رب��ط األب�ح��اث العلمية بالصناعة
اجلوبة -صيف 1430هـ 21
عراقة الماضي ،وبات اإلبداع العلمي هو الخيار األوح��د لهذه األم��ة ،للخروج من عنق الزجاجة، التي ضيقتها أي��دي الجهلة أو المتجاهلين في حقب تاريخية متعاقبة. ومما ال يدع مجاالً للشك أن العلم – ويقصد ب ��ه إن� �ت ��اج ال �م �ع��رف��ة وت�ط�ب�ي�ق�ه��ا وت �ط��وي��ره��ا ال مجرد استهالكها – هو ال��ذي يرقى بالحاضر، وي�س�ت�ش��رف ال�م�س�ت�ق�ب��ل ،وي�ح�م��ي ال �ت��اري��خ من التزييف والتدليس ،ويحفظ لهذه األمة هويتها التي تدمرها الهيمنة الثقافية واالنصهار في ثقافة اآلخ ��ر؛ ف��اإلب��داع العلمي ألي أم��ة -إن ج��از التعبير -ه��و ال�م��ر َك��ب الكيميائي الفريد الذي يتصدى لذوبان الهوية في أي من التيارات الجارفة للهيمنة بشتى أنواعها.
الملك عبدالله للعلوم والتقنية؛ ذل��ك الصرح العلمي والبحثي الرائد في العالم العربي ،وفي منطقة الشرق األوس��ط ،لتؤكد الرغبة الملحة ل�ل�إدارة الرشيدة ف��ي النهوض بالعلم والبحث العلمي في العالم ومنطقة الشرق األوسط بوجه عام ..وفي المملكة العربية السعودية على وجه الخصوص .وهذا النموذج الرائع الذي راود حلم مليكنا العظيم -وفقه الله -ط��وال ال �ـ ()25 عامًا الماضية ،يؤكد أشياء عديدة تفردت بها هذه الجامعة عن غيرها ،أهمها :الرويَة والتؤدة لإلفادة من جميع التجارب العالمية التي اهتمت بمجال البحث العلمي في العلوم والتقنية؛ فلم ي��أت إنشاء الجامعة مجرد فكرة إلنشاء صرح علمي وبحثي متميز في المملكة العربية السعودية والمنطقة العربية فحسب ،بل كان األمر أعمق من ذلك بكثير ،ويبدو جلياً في رسالة خادم الحرمين الشريفين عن هذه الجامعة ،ورسالتها العظيمة ال�ت��ي تحمل ف��ي طياتها أهمية ال�ع�ل��م ،ومكانة القيم،وعظمة الدين اإلسالمي الحنيف ،وسمو الهدف،والثقة في النجاح بمشيئة الله تعالى.
وب�ن��ا ًء عليه ف��إن جامعة الملك عبدالله،تعد إضافة كيفية للتعلم والبحث العلمي ،ليس في وف��ي ه��ذا ال �س �ي��اق ،ت��أت��ي ال�خ�ط��وة الرائدة المملكة والمنطقة العربية فحسب ،بل في العالم والحكيمة للملك عبدالله بن عبدالعزيز خادم كله؛ فقد حُ شد لهذه الجامعة ع��د ٌد يربو على الحرمين الشريفين -حفظه الله -بإنشاء جامعة المائة أستاذ من الباحثين والعلماء المتميزين، والمشهود لهم بالكفاءة والخبرة -في مجاالت الهندسة الكيميائية والبيلوجية ،وعلوم البيئة، وال �ه �ن��دس��ة وال��ري��اض �ي��ات ال�ت�ط�ب�ي�ق�ي��ة ،وعلوم الكمبيوتر ،وع�ل��وم هندسة األرض ،والهندسة الكهربائية ،وع�ل��وم وهندسة ال�م��واد الهندسية الميكانيكية -م��ن أش�ه��ر جامعات العالم في مجال البحث العلمي مثل :هارفرد -استانفورد – كولومبيا – تكساس – باريس ...إلخ .أما مدير
22
اجلوبة -صيف 1430هـ
م������������ل������������ف ال������������ع������������دد
هذه الجامعة فهو البروفسور (تشون فونغ شي) مدير جامعة سنغافورة ،وأحد مؤسسي التحالف الدولي لعشر جامعات في العالم. لقد وضعت الجامعة جل تحدياتها فيما يعود بالنفع وال�خ�ي��ر على المملكة العربية السعودية والمنطقة العربية ،بتحويل األشعة الشمسية إلى مصدر دائ��م ومتجدد للطاقة ،إضافة إلى اإلفادة من المياه المالحة والرمال الصحراوية ،وتحويل النباتات الصحراوية إلى محاصيل زراعية عالية اإلنتاج ،فضلاً عن أنها جعلت باكورة بحوثها العلمية دراس� ��ة ح��ول ان�ت�ش��ار ف �ي��روس ( )NIHIالمسبب ألنفلونزا الخنازير ،انطالقًا من رسالتها نحو مواكبة كل ما هو جديد في مجال البحث العلمي ،بما فيه نفع للمنطقة العربية والبشرية جمعاء. لقد تزامن هذا العرس العلمي مع احتفاالت عيد الفطر المبارك وال�ي��وم الوطني ال �ـ ()79 لمملكة العز والحكمة؛ فهنيئًا لوطننا الحبيب.. وألمتنا ..بل للعالم أجمع .وحفظك الله يا ملك اإلنسانية ،ودام عزك ومجدك يا وطن. وليدبَر أولو األلباب.
بوابة المملكة نحو العالم األول
> د.خليل بن إبراهيم املعيقل
()3
تحل مناسبة ال�ي��وم ال��وط �ن��ي ه ��ذا العام, وال �ت��ي ت��واف��ق الرابع م��ن ش ��وال 1430ه� �ـ/ الثالث والعشرين من س �ب �ت �م �ب��ر 2009م، م�ت��زام�ن��ة م��ع تدشين أه�� ��م م��ن��ج��ز علمي يتحقق للمملكة العربية السعودية ،وهو افتتاح جامعة الملك عبدالله للعلوم والتقنية في موقع ثول شمالي مدينة جدة،هذه الجامعة التي كانت حلم خ��ادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز منذ سنوات بعيدة كما ذكر حفظة الله في مناسبة وضع حجر أساس الجامعة قبل عامين ،وها هي المدينة الجامعية يكتمل بناؤها خالل عامين،حيث تعد هذه المدة قصيرة جدا ل��ب��ن��اء ج��ام��ع��ة ت �ك �ت �م��ل ب �ن �ي �ت �ي �ه��ا المعمارية األكاديمية.
اجلوبة -صيف 1430هـ 23
وقد أمر -حفظه الله -أن تكون هذه الجامعة مختلفة عن الجامعات األخرى في المملكة ،من ناحية توجهها األك��ادي�م��ي واستقاللها المالي واإلداري واألكاديمي ،لذلك أسند لشركة أرامكو السعودية مهمة تأسيس الجامعة ،وبناء المدينة الجامعية ،ووضع البنية األكاديمية بالتعاون مع أبرز الجامعات والخبرات الدولية ،كما أمر بأن تتخصص الجامعة في الدراسات العليا والبحث العلمي التطبيقي ،وأن ت��واك��ب وت�ن��اف��س أبرز المراكز البحثية في العالم ،وأن تعالج مخرجاتها البحثية القضايا العلمية المستجدة،التي تخدم مستقبل المملكة العربية السعودية والمنطقة والعالم أجمع .ولتحقيق هذه الرؤية رصد خادم الحرمين للجامعة وقفا ماليا كبيرا يبلغ عشرين مليار دوالر للصرف على الجامعة م��ن عائد هذا الوقف ،وال��ذي سيمكن الجامعة من خالل استقرار م��وارده��ا المالية ،واستقالل قرارها في تنفيذ برامجها التعليمية والبحثية بالصورة ال�ت��ي رس�م��ت ل�ه��ا ،وك��ذل��ك تمكينها م��ن مواكبة المستجدات العلمية.
24
اجلوبة -صيف 1430هـ
ستدار جامعة الملك عبدالله من خالل مجلس أمناء يرأسه معالي وزير البترول ،وعضوية ثالثة من أبناء الملك عبدالله ،وعدد من األكاديميين من المملكة والعالم ،إضافة إلى عدد من رجال األع��م��ال ال��ذي��ن ي �ق��ع ن �ش��اط ش��رك��ات �ه��م ضمن اهتمامات الجامعة البحثية,وقد عين للجامعة أس�ت��اذ م��ن دول��ة سنغافورة مشهود ل��ه بالتميز العلمي ،واإلدارة األكاديمية ،ما يؤكد نهج الجامعة الذي يقدم الكفاءة في التوظيف ،بصرف النظر عن الجنسية أو الجنس ،وهو المبدأ الذي أسهم في تطور الجامعات العالمية التي استقطبت العقول من كل أنحاء العالم ،وقدمت لها كل ما يحقق استقرارها وإسهاماتها العلمية؛ لذا؛ سعت الجامعة منذ ب��داي��ة تأسيسها إل��ى استقطاب أفضل العقول ،على أس��اس ال�ج��دارة البحثية، وس��وف تشكل مجتمعا متجانسا من الباحثين والموهوبين من شتى أنحاء العالم ،لذلك وضعت معايير عالية ال �ج��ودة للقبول ل�ل��دراس��ة فيها، وستعمل على استقطاب الموهوبين والمبدعين من الطالب من جميع دول العالم.
جامعة الملك عبدالله للعلوم والتقنية،جامعة عالمية للدراسات العليا ،متخصصة في مجال البحث العلمي ،ت��رك��ز على مواضيع غ��اي��ة في األه �م �ي��ة ب��ال�ن�س�ب��ة ل�م�س�ت�ق�ب��ل ال �م �م �ل �ك��ة ،مثل دراسات الطاقة ،والبيئة ،وتحلية المياه المالحة، والتقنية البيولوجية الصناعية ،والتطبيقات العلمية للكمبيوتر ،وستمنح درجتي الماجستير وال��دك��ت��وراه ف��ي م �ج��ال ال��ري��اض �ي��ات ،والعلوم ولم يتوقف اهتمامه عند هذا الحد ،بل تعداه البيولوجية ،والهندسة الكيميائية والبيولوجية ،إل��ى إنشاء جامعة علمية بحثية نوعية محليه، وعلوم الحاسب ،وعلوم هندسة األرض والمواد ،بمعايير وأهداف عالمية ،أال وهي جامعة الملك والهندسة الميكانيكية ،والبيئية ،والكهربائية ،عبدالله للعلوم والتقنية. والبحرية. هذه الجامعة البحثية السعودية التي تحمل ه���ذا ال �ت��وج��ه ال� ��ذي ت �س �ع��ى ال �ج��ام �ع��ة إلى رسالة إنسانية عالمية للتعاون في كل ما يخدم تحقيقه ،وال��ذي يعبر عن رؤي��ة خ��ادم الحرمين شعوب العالم ،وكما قال مؤسسها« :إنني أرغب ال�ش��ري�ف�ي��ن،ي�م�ث��ل ن�ق�ل��ة ن��وع�ي��ة ف��ي الدراسات أن تصبح ه��ذه الجامعة ال�ج��دي��دة واح ��دة من الجامعية والبحثية على مستوى ال�ع��ال��م ،وال مؤسسات العالم الكبرى للبحوث ،وأن تعلم أجيال شك أن ذلك سيؤدي إلى نقلة نحو العالم األول، المستقبل من العلماء والمهندسين والتقنيين وسوف تكون جامعة الملك عبدالله بوابة المملكة وتدربهم ،وأن تعزز المشاركة والتعاون مع غيرها نحو العالم الصناعي األول ،ونطمح أن تنهض من جامعات البحوث الكبرى ،ومؤسسات القطاع جامعاتنا األخرى ،فتلحق بركب هذه الجامعة في الخاص على أساس الجدارة والتميّز». أسرع وقت ،وقد ظهرت ب��وادر اللحاق في عدد وس�ي�ك��ون ل�ه��ذه ال�ج��ام�ع��ة – إن ش��اء ال�ل��ه - من الجامعات الحكومية ،والجامعات األهلية مردود إيجابي يتعدى حدود مملكتنا إلى مختلف حديثة النشأة. ال �ش �ع��وب .وي�ع��د ه��ذا ال�ت��وج��ه ترجمة حقيقية آمال وتطلعات ل��رؤى خ��ادم الحرمين الشريفين وتطلعاته في ()4 > د .طارش بن مسلم سليمان الشمري توضيح رسالة اإلس�لام السامية ،التي وجدت منذ تأسيس المملكة لصالح اإلن�س��ان�ي��ة ج�م�ع��اء ،ب�ص��رف النظر عن العربية السعودية على جنسها وع��رق�ه��ا وب �ل��ده��ا ..وس�ي��رف��ع ب��إذن الله يد الملك عبدالعزيز اسم المملكة العربية السعودية بين دول العالم، ب��ن ع �ب��دال��رح �م��ن آل وسيسهم ذل��ك في ال��رد على أرض الواقع على س� �ع ��ود –طيب الله م��ن ي�ح��اول انتقاص ش��أن المملكة واهتمامها ث� ��راه -ك ��ان اهتمامه الالمحدود بالعلم والمعرفه ،ويوضح بشكل جلي بالتعليم ف��ي مقدمة
دراس����ـ����ـ����ـ����ـ����ـ����ـ����ـ����ـ����ـ����ـ����ـ����ـ����ات
أولوياته،وسار على نهجه أبناؤه من بعده ،سعود وفيصل وخالد وفهد – يرحمهم الله جميعاً.- وف��ي عهد خ ��ادم الحرمين الشريفين -رائد التعليم الشامل -الملك عبدالله بن عبدالعزيز آل س�ع��ود أنشئت الجامعات ف��ي شتى مناطق المملكة مشتمل ًة على تخصصات طبية وهندسية وتطبيقية يحتاجها سوق العمل.
اجلوبة -صيف 1430هـ 25
توجهات قيادة هذا البلد ،ومد جسور التعاون مع الشعوب األخرى ،واإلسهام الفاعل في جعل هذا العالم أكثر مودة ومحبة وسالماً ووئاماً للبشرية جمعاء.
علمية في الدراسات العليا فقط ،وسيكون البحث العلمي أس��اس ال�ب��رام��ج التعليمية على مستوى درجتي الماجستير وال��دك�ت��وراه ،وتمنح الجامعة ال��درج��ات العليا ف��ي ( )11م�ج��االً دراس �ي �اً هي: العلوم البيولوجية – الرياضيات التطبيقية – علوم الحاسب – الهندسة الكيميائية والبيولوجية – علوم الكيمياء – علوم وهندسة األرض – الهندسة الكهربائية – العلوم والهندسة البيئية – العلوم والهندسة البحرية – علوم وهندسة ال�م��واد – الهندسة الميكانيكية.
إن إن �ش��اء ج��ام �ع��ة ال �م �ل��ك ع �ب��دال �ل��ه للعلوم والتقنية مفخرة ومصدر إع�ت��زاز لكل أكاديمي مواطن سعودي وعربي ومسلم ..وستوجد بيئة علمية تنافسية تسهم ف��ي دف��ع ِح��راك البحث العلمي في جامعات مملكتنا والجامعات العالمية، وستستقطب أفضل العلماء والباحثين من جميع دول العالم ،وستجرى فيها األبحاث العلمية التي وتعد ه��ذه الجامعة التي َكلّف إنشاؤها نحو ستعالج كثيراً من الظواهر والمشاكل التي تواجه عشرة مليارات ري��ال في مركز ثول على ضفاف عالمنا المعاصر. البحر األحمر على مسافة 80ك��م شمالي مدينة وال ي�ف��وت�ن��ي إال أن أت��وج��ه – ب�ع��د ال �ل��ه عز جده -ومن خالل المعلومات التي حصلنا عليها وجل -إلى مؤسس هذا الصرح العلمي الشامخ من موقع الجامعة على االنترنت -جامعة رائدة بعظيم الشكر والتقدير والعرفان على ما يبذله ومتميزة ف��ي م�ج��ال البحث العلمي ،والتطوير من جهود مخلصة للسمو بمملكتنا إلى مصاف التقني ،واالب�ت�ك��ار ،واإلب ��داع ،من خ�لال التعاقد ال��دول ق��والً وعمالً ،سائال المولى أن يحقق له م��ع نخبة م��ن ال�ب��اح�ث�ي��ن وال �ع �ل �م��اء المتميزين، آماله وتطلعاته ،وأن يحفظ لبلدنا نعمة األمن وال �ط�لاب الموهوبين والمبدعين ،ب�ه��دف دعم التنمية واالق�ت�ص��اد الوطني ،وتوجيه االقتصاد واألمان واالزدهار. نحو الصناعات القائمة على المعرفة ،من خالل جامعة الملك عبدالله والدور المأمول البرامج التي تعتمد على البحوث التطبيقية التي ()5 > د .نايف بن صالح املعيقل تخدم مجاالت التنمية التي تشهدها بالدنا في ت ��م اف��ت��ت��اح ج��ام �ع��ة عهد خادم الحرمين الشريفين (حفظه الله). الملك عبدالله للعلوم وم��ن المؤمل أن تكون ه��ذه الجامعة منارة والتقنية بثول رسمياً إش �ع��اع علمي ،وق �ن��اة م��ن ق �ن��وات ال�ت��واص��ل بين ف��ي ال��راب��ع م��ن شوال الشعوب والحضارات ،وستساهم في العمل على 1430ه� � � �ـ المصادف زي��ادة ع��دد الحاصلين على ب��راءات اخ�ت��راع من ل��ذك��رى ال�ي��وم الوطني أبناء الوطن في التخصصات العلمية والهندسية ال� �ت ��اس ��ع والسبعين والطبية والتطبيقية .كما يتوقع لها أن تسهم في للمملكة ( 23سبتمبر وضع خطط دقيقة وتنفيذية ،لرعاية الموهوبين 2009م) .وس ��وف تمنح ه��ذه ال�ج��ام�ع��ة درجات
26
اجلوبة -صيف 1430هـ
م������������ل������������ف ال������������ع������������دد وال �م �ب��دع �ي��ن وال �ب��اح �ث �ي��ن ،ودع � ��م الصناعات لتعزيز عملية التنمية المستدامة بالشراكة مع الوطنية ،واستثمار ال �م��وارد االستثمار األمثل ،القطاع الخاص. لدعم االقتصاد الوطني ،وزيادة الناتج اإلجمالي وقد شهد حفل االفتتاح مشاركة العديد من لالقتصاد اعتماداً على المعرفة. زعماء العالم ،بدعوة من خادم الحرمين الشريفين وال بد من القول -ومن خالل متابعة خطوات الملك عبدالله بن عبدالعزيز آل سعود ،دعماً إن �ش��اء ه��ذه الجامعة -أن�ه��ا ت�ه��دف إل��ى توفير لهذا الصرح العلمي ال��ذي ب��دأت مالمح نجاحه البيئة المحفزة وال �ج��اذب��ة الستقطاب العلماء تظهر ل�ل�ع�ي��ان،م��ا ينسجم وال�س�ي��اس��ة التنموية المتميزين م��ن المملكة وال �ع��ال��م ،واستقطاب التي تشهدها بالدنا في شتى المجاالت (علمية الطالب الموهوبين لاللتحاق ببرامج الدراسات وصحية واقتصادية وثقافية) وغيرها. العليا المتطورة التي تضمها الجامعة ،والتي تركز وقد أعلن حفظه الله عن إنشاء هذه الجامعة في على استخدام التقنيات الحديثة ،كتقنيات النانو (الجزيئات المتناهية الصغر) ،لتنمية المعرفة الحفل الذي أقامه أهالي محافظة الطائف احتفاء وتحويل األفكار واالختراعات إلى مشاريع إنتاجية ،بزيارته للمحافظة في 26جمادى اآلخرة 1427هـ. ( )1الرئيس األول للجـامعة ..حاصل على درجة الدكتوراه من جامعة هارفارد ،عمل سابقاً رئيساً لجامعة سنغافورة الوطنية .كما كان على مدى ثالثين سنة أستاذاً في جامعة براون بالواليات المتحدة األمريكية ،وترأس مجموعة أبحاث التصدع في مختبر أبحاث شركة جنرال إلكتريك. ( )2عميد كلية اللغة العربية بجا معة اإلمام محمد بن سعود اإلسالمية،ورئيس الجمعية العلمية السعودية للغة العربية ( )3عميد شئون المكتبات بجامعة الجوف ( )4عضو مجلس الشورى ( )5وكـــــــيل جـــــــامعة الجوف وأمين مجلس الجامعة ( )6رئيس اللجنة الدائمة للبحوث بجامعة الجوف مصادر المادة :موقع كاوست على االنترنت – مجلة القافلة – أرامكو السعودية.
اجلوبة -صيف 1430هـ 27
حينما تتبعثر السنني تبعثرنا معها
دراسة لـ رواية غالية آل سعيد (سنني مبعثرة) > هدى فهد املعجل* يقول (ميشال بوتور)[ :إن قراءة الرواية رحلة في عالم مختلف عن العالم الذي يعيش فيه القارئ؛ فمن اللحظة األولى ينتقل القارئ إلى عالم خيالي من صنع كلمات الروائي، ويقع هذا العالم في مناطق مغايرة للواقع المكاني المباشر الذي يتواجد فيه القارئ]. ولألمكنة –حسب د .عبدالحميد المحادين -حضورها في ذهن اإلنسان ،وهي أمكنة تحدد ذهنياً ،ويحددها اإلنسان في الوقت ذاته ،وقد تكون األمكنة واقعية ،كالمكان الذي رسمت فيه الروائية العمانية (غالية ف .ت آل سعيد) روايتها (سنين مبعثرة)؛ المكان األكثر ثرا ًء بالنسبة لها ،ألنها عاشت فيه فاستحضرته ،أو ربما توطن ذاكرتها وحسها. م �ك��ان وظ�ف�ت��ه ت��وظ�ي�ف�اً ج�م��ال�ي�اً خدم رواي ��ة ال�م�ك��ان ال��زم��ان ،أو رواي ��ة الزمان
محور الرواية ،حيث شكّلت عالماً حس ّياً المكان.
طابق كثيراً ،أو يطابق الواقع ،ولم يخالفه
(الحياة في لندن الحديثة ،تختلف عن
يمكن نسبه [المدينة تقسو/يتحجر قلبها،
والرواية توشك أن تنهي الساردة أحداثها،
هكذا كانت (لندن) بالنسبة لـ (ناجي)
ل��ورن��س) ال �ف �ك��ري وال �م �ك��ان��ي ،وعالقات
سوى في النزر اليسير( .لندن) المدينة .ل�ن��دن الستينيات ،حيث ال �ه��دوء واألمان وذاك��رة ل��دي تحتفظ بنص أجهل إل��ى من والجمال) ص ،450من هنا ينبغي أن أبدأ..
ن�ه��اره��ا س��وط ،ليلها م��ال��ح/ب��ره��ا شاه ٌد مسدلة ال�س�ت��ار على ف��وض��ى العالقات، أخرس/وعر كل ما فيها]. وفوضوية الرغبات ..على شتات (ناجي الشخصية الرئيسة ف��ي (سنين مبعثرة) متخبطة أو نزوات متعددة.
28
اجلوبة -صيف 1430هـ
له في الغربة التي يرى (شاخت) أنها السطو أو السلب ،أو التغريب ،أو األخ��ذ ،أو االنتماء إلى
ناجي لورنس كان مراهقاً يوم أن فتن بـ (كولييت) الشابة
آخر والتعلق به .غربة ناجي من التعلق بوالديه، وانتماء إلى آخر ،أخذه من حضن والديه الكهلين الفرنسية ،زوجة جارهم العم (ألفونس) ،حيث في ضاحية من ضواحي لندن المتواضعة ،إلى كانت تصغر ألفونس بأكثر من 30عاماً (ص.)33 حي من أحيائها ،ك��ان بانتقاله (على وع��ي تام أم��ا ن��اج��ي ،فكان طالباً ف��ي مراحله الدراسية بالثمن الذي كان عليه أن يدفعه في مسيرة حياته األخ� �ي���رة ،وق���ت أن ت��أس �س��ت ع�لاق �ت��ه ،وبعد
دراس����ـ����ـ����ـ����ـ����ـ����ـ����ـ����ـ����ـ����ـ����ـ����ـ����ات
(ناجي ل��ورن��س) وه��و ينتقل ،مع أول تجربة بنيانها ،كما سنرى مع ناجي ،أو مع دافني.
المضنية ،يبحث عن الحب ،والحقيقة ،وليعرف (امتالكه لقطعة مالبس كولييت َو ََّل��د في داخله طبائع األشياء) ص ،12وقد أتى هذا الوعي بعد شغفاً شديداً تجاه صاحبتها) ص .37كما بدا
فوات األوان ،بعد هدر الجهد والطاقة والشباب لنا في ميعة الطفولة وعدم النضج أثناء تعامله وضياع العمر في الركض خلف امرأة لم يحسن مع ما شعر به تجاه زوجة جارهم الكهل ،حيث اختيارها ..ولم يقف على أرضية تحدد ما يريد (ك��ان مندهشاً مما ه��و مقدم عليه م��ن تناوله م��ن ال�م��رأة المبتغاة ،ب��دءاً بـ(كولييت) ،إل��ى أن الكحول معها ،وهو دون السن القانونية ،ال يزال
انتهت به رحلة سنواته المبعثرة مع (شنيد). في صغره( ..أح��ب الكتب ،ول��م يكن يلتفت للُّعب التي يراها عند أقرانه وأطفال الجيران، اللعبة الوحيدة التي الزمته أيام طفولته كانت ف��رس �اً خ�ش�ب�ي�اً ،اش �ت��راه��ا ل��ه أب ��وه ه��دي��ة عيد
في السابعة عشرة والنصف من العمر) ص،41
الكحول ولندن ..سهرات لندن ..مقاهي لندن.. وه��و البريطاني األص��ل ،وإن أش��ار اسمه األول (ناجي) إلى االنتماء الشرق أوسطي!! هل لفترة دراسة الساردة العمانية في لندن،
م �ي�لاده ال �س��ادس) ص ،16ف��رس �اً صنعت منه وسنوات تواجدها الطويلة هناك عامل أسهم في فارساً أغرى النساء ،وتبعثرت ألجلهن سنوات تبلور هذا العمل الروائي؟! عمره .هل بسبب كونه (شخص متذبذب وال
لندن ،وترك األثر في الذاكرة السردية ،وخليط
رسوخ في حياته ،أم ألنه شخص من دون روابط م��ن ال��دم��اء اإلنجليزية والفرنسية واألفريقية
اجتماعية)؟ ص ،383وي�ك��اد وضعه يتفق وما والفنزويلية ،وشيء من الدماء الشرق أوسطية،
ذه��ب إليه عالم االجتماع دورك��اي��م ،بخصوص ربما أرادت الساردة رفع الستار عن لندن المكان االغ�ت��راب الناتج عن التحول من المجتمعات والزمان ،أو لندن الصخب والهدوء؛ لندن الثقافة الصغيرة إل��ى مجتمع المدينة المعقد ،بحيث وال�ع��رب��دة ،لندن األج�ن��اس المتعددة ،واألعراق يصل الفرد إل��ى فقدان السعادة البشرية ،أو المشتتة ..وشتات ناجي ،ناجي الذي (قبل رحيله تفشي حاالت االكتئاب ،والتشاؤم ،والقلق .ولن للجامعة بيومين ،احتفلت األس��رة بعيد ميالده نستغرب إذا فقدت الشخصية اتزانها ،أو تصدع الثامن عشر) ص ،23نجح في امتحانات الثانوية
اجلوبة -صيف 1430هـ 29
بتفوق ،وصار أول فرد في األسرة يتمتع بتعليم الصحيفة) ص ،64و(بعد شهرين من انضمامه ثانوي ،ويتأهل للجامعة .رأى في الجامعة المكان للصحيفة ت�ع��رف إل��ى إح ��دى زم�ي�لات��ه وتدعى ال��ذي يهيئ له الحرية واالن�ط�لاق ،عكس ضيق ري�ت�ش��ل) ص( ،51ام ��رأة ف��ي العقد ال�ث��ال��ث من المكان ،ومحدودية النطاق في بيتهم وحارتهم ..عمرها ،متزوجة من رجل يكبرها بأعوام كثيرة، وصداقات جديدة ،أيضاً.
عربي ،يدعى حمزة ال��درع) ص ،53وه��ي تبوح
كان ي��درك أهمية مكتبة الجامعة في توفير لناجي قالت( :تزوجت من حمزة بمجرد تخرجي الكثير من المعلومات له في مجال يحبه جداً ،من الجامعة وانخراطي في العمل )..ص ،57لم
وهو االقتصاد .في الجامعة ..استطاع تحقيق تكن على وفاق مع زوجها ،فرأت في ناجي طوق ال �ن �ج��اح ،وأص �ب��ح األس ��ات ��ذة ي�ط�ل�ب��ون م�ن��ه حل نجاة ،ولكن ..وقبل التعمق في العالقة العاطفية،
المعضالت التي يعجز عنها بقية الطالب ،لم (ذات يوم لم تأت ريتشل للعمل ،ولم تتصل به.. يلتفت للمعجبات ،وانطلق في التحصيل العلمي وه�ك��ذا انتهت قصة غ��رام أخ��رى) ص،65-66 ال لما كان يعتمل في قصة غ��رام أخ��رى إذا نظر لعالقته مع كولييت كالسهم!! ولنا أن نعود قلي ً ذهنه وهو يغادر الثانوية إلى الجامعة ..كان يفكر أنها عالقة عاطفية مع شاب لم ينضج بعد .أو
في صداقة الفتيات الجميالت ،وما أن انخرط وضعناها في الخانة األول��ى في قائمة سلسلة في معترك الجامعة ،حتى ظهر لنا عدم التفاته غراماته التي سنراها. للمعجبات!!
س�ل�س�ل��ة غ ��رام ��ات (م �ب �ع �ث��رة) م �س �ت �م��رة في
هل هو صراع بين رغبات النفس وغرائزها( ،س �ن��وات��ه) األغ���رب ف��ي ع�لاق��ات�ه��ن ،ع�لاق�ت��ه بـ (دافني) أو عالقة (دافني) به ،بعد انتقاله للعمل وبين إرادة التنفيذ لتلك الرغبات والغرائز!؟؟ أحسنت الساردة عملية االنتقال والتنقل من زم��ن إل��ى آخ��ر ..أعني من الزمن الحاضر إلى الزمن الماضي ،لتعود بنا برشاقة إل��ى الزمن الحاضر .هل نصنف الرواية ضمن روايات تيار الوعي ..على اعتبار أن الترابط الزمني فيها غير
من صحيفة في ضاحية ،إلى صحيفة في لندن
المدينة ،حيث تولى تحرير الصفحة االقتصادية، وكانت سكرتيرته (دافني).
دافني (سيدة متقدمة في العمر ..حاولت التقاعد
مرتب ترتيباً منتظماً ،نَق ُ ُص فيه زمن الماضي عدة مرات) ص( ،78أسرتها بريطانية األصل.. والحاضر والمستقبل؟ سبق أن نزحت إلى جنوب أفريقيا) ص...( ،81 انقضت أيام الدراسة ونجح بتفوق ،ولم يكن ناجي يصغرها بسنوات عدة) ص ,147صارحته انتقاله لميدان العمل صعباً ،إذ بدا العمل في ب��ذل��ك (أن ��ا أص �غ��رك ب��أع��وام ك�ث�ي��رة) ص،187 صحيفة ،ون��راه ي�ق��ول( :ن��زح��ت لهذه الضاحية (قررت أال تقبل بدور امرأة تجاوزها الزمن)... بعد تخرجي من الجامعة مباشرة للعمل في هذه ص ،149فكان أن أخذت تنسج الحبال كي توقع
30
اجلوبة -صيف 1430هـ
ال عن ال��زواج منها، لم يعطها اهتماماً في األشهر التي قضتها معه ان��وي االرتباط بامرأة ،فض ً
في أج��واء العمل) ص ،168إال أنها (دخلت إلى أنا متزوج من هوايتي وحبي الكبير وهو البيانو) حياة ناجي بعد أشهر من المالحقة المستمرة) ص ،85كيف أوه�م��ت نفسها ب��ه ،حتى تفاتحه ص ،174ورغم ذلك كانت تعاني صراعاً داخلياً ،بها؟! أو كيف كان وقع المواجهة على أنوثتها وهو و( ..تتساءل عن الذي يغري الشاب ناجي ،وهي يكبرها بـ( )25عاماً؟! انكسار نفسي أسس ألي
في ه��ذا العمر المتقدم ليقترن بها في عالقة شيء سنراه في مستقبلها ال��ذي جاء مع ناجي عاطفية) ص ،159كثيراً ما (تأملت الشاب مفتول وقد تقدمت في العمر!!؟ العضالت ،ونظرت لجسدها العجوز المترهل،
دراس����ـ����ـ����ـ����ـ����ـ����ـ����ـ����ـ����ـ����ـ����ـ����ـ����ات
ناجي في الفخ ،أو في شباكها ..بيد أن ناجي ( ..ص ،84لكنه بعد مدة من معرفتها به ،واجهها (ال
الرجل الثاني دكتاتور عسكري ،قرأت إعالناً
وعلمت أن العمر قد فعل فيها فعلته القاسية عن طلب سكرتيرة خاصة إلدارة وتنظيم األعمال
الرهيبة) ص ،168بينما ناجي (وهو يتخبط في اليومية ،لرجل يقيم بمفرده في لندن ( ..دكتاتور هواجسه الهوجاء ،شعر كأنه تلميذ وقف أمام عسكري برتبة مشير ،هرب بعد اإلطاحة بحكمه، م��دي��رة م��درس��ة) ص ،173ل��ذا ك��ان ،وه��و معها ،ليبقى في لندن تحت الحماية البريطانية ،حتى وهي تفرض عليه حضورها وغرامها به ،وتلزمه يستعيد كرسي الحكم) ص ،95لكنّ دافني ،وبعد بها ،ك��ان يخاطب نفسه (أي��ام الحياة بالنسبة ف�ت��رة العمل ل��دي��ه ،وثقته بها واطمئنانه إليها
ل��ي مقيدة ،والب��د م��ن التمتع بها قبل زوالها) (فشلتْ في إقناع الرجل بالزواج منها) ص،102 بسكتة ٍ وظلّت مع ُه إلى أن (م��ات المشير فجأة ص.174 للجلوس على كرسي الرئاسة) ِ حادةٍ ،قبل العود ِة ام��رأة تقتحم عواطف ش��اب ق�س��راً ،وتضمه ص.110 إليها سلباً ،كيف أمكنها عبور شط حياتها وهي عملت بعدها ف��ي الصحافة ،ف��ي الصفحةِ شابة في شعلة الشباب وتوقده؟ كانت ل�ـ (داف �ن��ي) ،قبل احتكاكها ب�ـ (ناجي) ع�ل�اق��ات ع� ��دة ،ت�ن�ط��ق ب �ل �س��ان ال �ب �ع �ث��رة وحس التخبط ،أو تضج بحيرة امرأة تبحث عن مستقر ومقر.. بعد تخرجها وانتقالها إلى لندن ،قررت تعلّم
االقتصاديةِ ،وك��ان أول محرر للصفحةِ عملت
�دد من م �ع��ه( ،ه��ان��ري أل �ب��رت ي�ك�ب��ر داف �ن��ي ب �ع� ٍ
السنين) ص( ،113وبعد فترة وجيزة من العمل، تحولت دافني من مجرد سكرتيرة لهانري إلى
عشيقته) ص!!114
سرعة ال��زم��ن ف��ي ال��رواي��ة تواكبها السرعة
الموسيقى على يد مدرس ،وكانت أول عالقة لها في نشوء العالقات العاطفية بين شخصياتها،، برجل.. كأنما الهم األساس إقامة العالقات! هانري رجل مدرس الموسيقى (أنغوس مكفارلند)( ،رجل متزوج ،له أبناء ،يشتكي كوابيس منتصف الليل
يكبرها بما ال يقل عن خمسة وعشرين عاماً) لمرض ألم به أو عانى منه ،وكانت تجاهد معه
اجلوبة -صيف 1430هـ 31
أثيوبية تُدْعَ ى أسمرينا ٍ فتاةٍ
خ��وف �اً عليهِ ( ..الكابوس
م��ن ال� �س ��ودان ،وب �ع��د رحيله
م �ص��دره م��ا ك ��ان ي �ق��وم به
م��ن ال� �س ��ودان (رح� ��ل وترك
أي� � ��ام ال � �ح� ��رب العالمية
خلفه أسمرينا وه��ي حامل)
الثانية) ص ،115ووقوعه
ص ،141الطفل الذي حملت
أس� �ي���راً ف ��ي أي � ��دي جيش
به سفاحاً ،هو من أجهز عليه
األل� �م ��ان ،وم � ��روره بمحنة
بعد م��رور س�ن��وات م��ن تركه
ح�ت��ى وص��ل ب��ه األم ��ر إلى
العسكرية..وفي أوج عالقته
ح��ال��ة نفسية مضطربة..
بـ دافني (بينما هو يقف أمام
تلك الكوابيس قضت عليه
البنك ..أطلقت النار عليه من
وعلى حياته .في حين أن
جهة غير معلومة) ص،143
نتيجة ان�ت�ه��اء خ��دم��ة والد
وقضت عليه ..القاتل أسمه
(ناجي) العسكرية محارباً
(المنتظر المأسور) ،أتى من
ف��ي ال �ج �ي��ش البريطاني،
أثناء الحرب العالمية الثانية مختلفة ،بدليل أن ال�س��ودان خصيصاً للقضاء على وال��ده انتقاماً
ناجي يعتد بـ (خزانة خشبية مصنوعة من خشب لوالدته .أحداث أقرب للسينمائية ..لكنها تحدث
الجوز الخالص ،أحضرها أبوه من ألمانيا بعد وتقع.
انتهاء الخدمة!!
جلبة رج ��ال ف��ي منطقة داف �ن��ي ،ف�ه��ل نوت
(رج��ل في منتصف الستينيات من عمره ،شغل
ال��س��اردة غ��ال�ي��ة أت�ق�ن��ت عملها ف��ي تصوير
توفي هانري ،وعين خلفاً له في الصحيفة إسدال الستار على الجلبة بـ ناجي!؟
في الماضي مناصب عسكرية هامة )..ص ،125المجتمع األورب� ��ي ب�ع��رب��دت��ه وم�ج��ون��ه وصخبه يدعى هيربيرت أدموند ،وأيضاً (دخلت دافني مع وجنونه .رغم نجاحات ناجي المتكررة في عمله
هيربيرت في حقبة جديدة من العالقات الغرامية الصحفي ،إال أنه يتخبط ،أو ظل يتخبط ..ها الدائمة )..ص ،130ولم أفهم مغزى الديمومة هو ينشر مقاالً يلفت نحوه األن�ظ��ار ،موضوعه
ه �ن��ا!! .ل��م ي �ت��زوج ،وظ��ل أع��زب��اً ،ك��ان مهووساً [قروض البنك ال�ت��ي يقدمها ل �ل��دول النامية]، ب��األس�ل�ح��ة ذات ال �ت��اري��خ ال�ع�س�ك��ري كمخلفات وبناء على هذا المقال ،تمت إعارته إلى أفريقيا
ِ سجلُّه ح��اف� ٌل الحربين العالميتينِ ، مراسل ٍ بالعالقات ل��دى صحيفة ،وهناك أ ُطْ � ِل��ع على حياة النسائية ،واستغالل عمله في المستعمرات ،في وموسيقي ،وشاعر شاب من مراسلي الصحيفة،
إقامة عالقاته مع النساء البائسات الصغيرات كتب ذات يوم قصيدة سياسية ترتب عليها سجنه منهن ،والجميالت ،حيث يمارس معهن نزواته في مكان معزول.
المتوحشة وملذّاته الخاصة ،منها جرمه في حقِ
32
اجلوبة -صيف 1430هـ
ك��ان م��ن الممكن أن يستثمر ن��اج��ي قدراته
عن إقامة عالقة مع زوج��ة رئيس وزراء الدولة في ع��ام1948م ،أودى بحياتهما..ونجوت أنت) األفريقية ،لم يُ ْكتَب لهذه العالقة أن تستمر ،ص ،293أدرك حقيقته وهويته ،وتركت (غالية/
حيث تم قطع إعارته النقالب محتمل ،وخشوا الساردة) في ذهني أسئلة عدة ،وعالمات تعجب على الرعايا هناك .االنقالب وقع وأودى بحياة لم تقلل من عملها السردي ،ودق��ة إتقانها عند رئيس الوزراء.
تسيير دفة األحداث لصالح العمل.
ت�خ�ب��ط ال �ف��رد ف��ي ع�لاق��ات��ه ،ق�ل��ق نفسي..
ل��ن ن �خ��رج ع��ن ن��اج��ي وس�ن�ي�ن��ه ال�م�ب�ع�ث��رة أو
فراغ ينهش زوايا المكان ،من ذلك تخبط ناجي
بعد وصوله نهاية الخمسينيات ،وصلته دعوة
دراس����ـ����ـ����ـ����ـ����ـ����ـ����ـ����ـ����ـ����ـ����ـ����ـ����ات
وإمكاناته ،إال انه وهو في فترة إعارته ،لم يتوان ال �ط��ب ،ولكنهما تعرضا ل �ح��ادث سير مؤسف
وتذبذب سلوكي ،وربما صعوبة تحديد هدف ،أو المتعثرة ،إلى أين وصلت!
(أهدر وقتاً ثميناً من عمره مع دافني ،في عالقة إللقاء محاضرة في شمالي بريطانيا أمام كلية م�ف��روض��ة ع�ل�ي��ه ،وال تحمل المعنى الحقيقي الصحافة ،ع��ن دور الصحافة ف��ي المجتمع..
للمحبة وال ��ود) ص ،288أي شخصية مهزوزة ألقى المحاضرة ،وف��ي طريق عودته إل��ى لندن تلبسته ،كي يسمح بفرض عالقة دافني عليه؟ بالقطار ،تعرّف على فتاة من أمريكا الالتينية، وم��ن يستطيع إج�ب��ارك على عالقة عاطفية من فنزويال ،تدعى (غابريال) ..حكت الساردة،
ال مكتمالً ،ذكياً ،ناجحاً في حياتك وأت��ت على سطحيّة ت�ك�وّن العالقة وسرعتها، إن كنت رج ً
ومهنتك؟
وبقاء الفتاة معه مدة أسبوع قبل أن يرتب للزواج
هل لجينات الشرق األوسط تدخل ،أو معاناته بها ،وقد كان ( ..على مشارف العقد السادس لقلق مذ لمس اختالف األلوان فـواقع بينه وبين من العمر ،وفي حالة من اليأس) ص ،328تزوجا، ٍ والديه ،لون الشعر ،لون العينين ،لون البشرة .علمت دافني بعالقته بها ،اشتعلت لديها غيرة اغترب عن والديه طلباً للعلم ،وم��ن ثم العمل ،النساء ،حاولت عرقلة ال��زواج ،رتبت للمحاولة،
ف�ك��ان��ت ال�ض��ري�ب��ة روح��ي��ة ،ون�ف�س�ي��ة ،وفكرية ،لكنها فجأة هدأت واستكانت دون مبرر. وجسدية ..وألن القدر قرر أن يكشف له عن سر
وقد تسبب إدمانه على المسكرات في انهيار
دفين خبأه عن وال��ده ،أت��اه من يخبر أن والده عالقته بزوجته (غابريال) ،أو ربما هي هجرته يعاني ب��ؤس الشيخوخة وت�ح��رش المنية فيه ..إلى عشيق آخر (فرناندو) ،ووضعت إدمانه على
مشهد ،أو لقطة سينمائية تقليدية جداً ،طرقت طاولة الحجة. كثيراً ..بحيث لم تعد الذائقة السردية تقبل بها:
البعثرة استمرت ..فقد لجأ إلى وسيلة جديدة
(ك��ل م��ا ف��ي األم ��ر ه��و أن �ن��ا وأم ��ك تبنيناك للعثور على امرأة بديلة ،تقاسمه الحياة أو تمأل
وع �م��رك ث�لاث��ة أي� ��ام ف� �ق ��ط )..ص( ،292أتى ف��راغ��ه ،وسيلة المتناقضات ،وه��و يقترفها..
أبوك وأمك إلى بريطانيا طالبين لتكملة دراسة ألنها تُناسب رجال فارغا سطحيا ساذجا ،بيد
اجلوبة -صيف 1430هـ 33
أن ناجي لجأ إليها ،وهي إعالنات الراغبات في وهو تخلي علوان عنها ،عند دخولها في عمر ال إقامة عالقة برجل أو الزواج منه ،اإلعالن أرشده تستطيع فيه االعتناء بنفسها) ص .378إال أنها إلى (شنيد) ..فتاة في الثالثين من عمرها ،في (استسلمت أخيراً لغفوة أبدية بعد حياة مثيرة أول لقاء به معها روت له حكايتها ،حكاية حبلى حافلة بالعمل ،والطيش والعبث والمشاغبة .ماتت
بالمآسي ،لم تطل فترة عالقة ناجي بها؛ بسبب بعد أن تالعبت باألعراف االجتماعية الصارمة
قتلها.
التي قيدتها ،بسبب انحدارها من وسط يقدّ س
انصرف يبحث عن سر قتلها ،في حين أن التزمت والتقاليد) ص.279
«دافني» التي تحطم قلبها و(تمنت أن تتبنى طفلة
تحطم قلوب ال��رج��ال عندما تكبر )..ص،297
جددت عالقة أخرى مع شاب ساقه القدر إليها، شاباً أفريقياً عازفاً للقيثارة ،يشبه عازف القيثارة
األمريكي (جيمي هند يريكس) .ويدعى سيوم علوان أحمدو ،هو الصحفي الشاعر والموسيقي نفسه ،ال ��ذي كتب قصيدة زج��ت ب��ه ف��ي أتون
التأريخ أو األعمار أو زمن الزمن في سنين مبعثرة وأنا أتناول الرواية كنت أشتم رائحة خلخلة
في التاريخ ،أثّرت على ضبط األعمار ،وأربكت ال��زم��ن ،ورب �م��ا ام�ت��د ال��زم��ن ف�ي�ه��ا ،أو ال أدري
بالضبط ..لذا سأكتفي باإلشارة إلى المواضع
والشك الذي وقعت فيه..
ال�س�ج��ون ،وح ��دثَ عنه ن��اج��ي عند إع��ارت��ه إلى أفريقيا ..مع أن دافني ( ..بدأت تتقدم في العمر ..( -أنا وأمك تبنيناك وعمرك ثالثة أيام فقط) ص292 يوماً بعد يوم ،وتزايدت التجاعيد على وجهها، وترهلت عيناها ،وذبلت بشرتها) ص ،208حدثت ( -تعرضا لحادث سير مؤسف في عام 1948م) ص293 نفسها بذلك بعد شهر من عالقتها بناجي ..فكيف
بها اآلن وقد أحبّت ..وتزوجت الشاب األفريقي؟! -قبل رحيله للجامعة احتفلت األس ��رة بعيد وقد قالت لناجي في بداية عالقته بها (لم يبق ميالده الثامن عشر.ص23
من عمري سوى القليل ،وكل ما أطلبه منك أن تتحملني ،ولو ألعوام قليلة قادمة ،لم يعد أمامي متسع من الوقت ،والعمر قد انقضى منه الكثير وشمسي آل��ت للمغيب) ص ،190لكنها رجعت
(وتم زواج دافني وسيوم علوان في ذات الكنيسة
نزح للضاحية بعد تخرجه من الجامعة مباشرة.ص63
ب�ع��د ش�ه��ري��ن م��ن ان�ض�م��ام��ه للصحيفة فيالضاحية تعرف على ريتشل.ص51
التي تمت فيها مراسيم تأبين هنري وهيربيرت) -كان ناجي يصغر دافني بأعوام كثيرة عندما تعرّف عليها.ص187 ص ،366دافني وهي تتجه نحو الشيخوخة بعكاز
متداعي 0ظل خوف واح��د ينتابها ،ويسبب لها -وصل نهاية الخمسينيات من العمر .ص،308 كابوساً مستمراً يهاجمها في صحوها ونومها، وفي الوقت ذاته وصله خبر وفاة والدته عن
34
اجلوبة -صيف 1430هـ
رأى النور وهما (أي والديه) في العقد الرابع الفوكالند التي شنتها بريطانيا على األرجنتين،رقصة الدراويش وبول روم ،ورقصة قبائل جبال من العمر.ص15 عندما رت��ب ل �ل��زواج ب�ـ (غ��اب��ري�لا) ،ك��ان علىمشارف العقد السادس من العمر ص.328
اآلندي البيروفية ،ورقصة الفالمنجو األسبانية،
ف�ن��دق ب��راوت��ز وف�ن��دق ال�س��اف��وي ف��ي الستراند
المطل على نهر التايمز ،األكاديمية الملكية
كان أنغوس يكبر دافني بما ال يقل عن 25عاماً .للفنون ،بنك الستي أوف لندن ،مدينة برايتونص.48 الصيفية ،مستشفى سنت تومس ،كلية بيرباك،
دراس����ـ����ـ����ـ����ـ����ـ����ـ����ـ����ـ����ـ����ـ����ـ����ـ����ات
عمر يناهز الثامنة والثمانين.ص.309
وصحيفة ال �غ��اردي��ان وج��ري��دة ال�ت��اي�م��ز ،حرب
هانري كان أيضاً يكبرها بعدد من السنين .قاعة اآلل�ب��رت المستديرة ..وهناك الشوارع:ص.113 ش��ارع س��اوث ستريت قريب من ش��ارع كروزن، بعد وفاة هيربيرت كانت دافني قد وصلت إلى ش��ارع سنت جيمز ،ش��ارع نكلوك ب��ارك ،شارعب��ردر في حي سوهو شهير بالمالهي الليلية، مشارف الستين من عمرها ص.145
ليلة رأس السنة للعام ألفين .ص ،478بعدآخ��ر عالقة نسائية ل��ه ،ف��ي حساب بسيط لمعرفة عمر ناجي نطرح عام1948-2000
سنة حادث والديه ونجاته ،وعمره ثالثة أيام واحتضان والديه له =52سنة
52=1948-2000عمر ناجي. سنوات غربته 34=18-52سنة.
ثقافة المكان وثقافات أخرى لم أكن راوية فقط ،بل كنت أتجوّل في شوارع
وأحياء ومقاهي وأمكنة في لندن ،بصحبة كتاب،
أو أتأمل في معلم سياسي أو فكري وثقافي..
ش���ارع دوف���ر ال �ق��ري��ب م��ن ش���ارع ب��ون��د ،شارع
ب��روم �ت��ون ،ش��ارع أك �س �ف��ورد ،ش��ارع ك�ن��ز ،شارع
النكاستر غيت ،شارع أودلي في حارة ماي فير.
أما الحواري والمناطق واألحياء :حارة وست
ب��ورن غ��روف ،منطقة ش��ور بشاير القريبة من
مقاطعة ويلز ،منطقة إيلنغ ،ح��ارة كينسنغتون، منطقة الستراند ،حارة هولند بارك ،حي بورتو
بلو ،حارة جرين بارك قرب حي ماي فير القديم، منطقة الوست إند ،منطقة سوهو ،منطقة سنت جيمز ،منطقة بترسي ،ح��ارة فيكتوريا ،حارة
وترلو.
ح� ��واري وأح��ي��اء وم �ن��اط��ق وم���دن ومكتبات
لماذا؟ ألن الرواية رحلة سياحية ،دار األوبرا في ومقاهي وش ��وارع وك�ت��ب وم�ف�ك��رون وسياسيون كوفنت غاردن ،حديقة باركلي ،كاتدرائية القديس وغيرهم مما تضيف إل��ى ف��ن ال�س��رد وحبكته، ب��ول ،وكاتدرائية ويست مينستر الكاثوليكية ،وقوة البناء في الرواية ،تضيف إليه كون الرواية المكتبة البريطانية ،جريدة نيوز أوف ذا ورلد ،مرجع سياحي.
*
كاتبة وقاصة من السعودية.
اجلوبة -صيف 1430هـ 35
بني «السيرة الشعبية» ،و«القصص الشعبية» الفروق والسمات
> يسري عبدالغني عبدالله*
المعنى والنسخة األميرية لقد عرف األدب الشعبي فن السيرة الشعبية ،ذلك الفن الذي تمتزج فيه مجموعة فنون مختلفة ،كالرواية والعزف والغناء والتمثيل في بعض األحيان ،هذا الفن الذي تناقل عبر عصوره المختلفة حتى وصل إلينا في عصرنا الراهن ،بعد رحلة غير يسيرة في قلب المجتمع العربي في ريفه وحضره ،إلى أن قام بعض الناشرين بجمع بعض تلك السير الشعبية وطبعها في بدايات القرن العشرين ،أو نحو ذلك. ويبدو أن الناشرين كانوا يعتمدون على نسخة معينة سموها (النسخة األميرية)، وعلى سبيل المثال :صاحب مكتبة تسمى (مكتبة الجمهورية العربية) باألزهر في القاهرة ،يقوم بنشر (سيرة ف��ارس اليمن الملك سيف بن ذي يزن) ،من دون تاريخ، ويشير إل��ى أن��ه راج��ع نسخته المطبوعة على النسخة األميرية ،وحالها بالصور.
تحريف ،ويمكن للقارئ الكريم أن يراجع هذه السيرة في مجلدها األول. كما أشارت (قصة الزير سالم الكبرى) التي نشرتها المطبعة السعيدية ،الكائنة بجوار األزه��ر ،من دون تاريخ يوضح لنا وق ��ت ال�ط�ب��ع ب��ال�ت�ح��دي��د ،وي �ب��دو م��ن نوع ال�ط�ب��اع��ة وال� ��ورق أن�ه��ا طبعت ف��ي بداية القرن العشرين.
ويشير الناشر نفسه في نهاية السيرة، ويضيف ناشر (الزير سالم) :إن هذه في الجزء الرابع منها ،إلى أن هذه النسخة ه��ي قصة ال��زي��ر س��ال��م ال�ك�ب��رى ،أب��و ليلة األميرية مطبوعة سنة 1294هـ. المهلهل ،فيها ما ك��ان من كليب وحسان وي��ذك��ر أي�ض�اً ف��ي (ص )319أن هذه اليماني وجساس بن مرة ،وما وقع بينهم الطبعة كاملة وال ي��وج��د فيها نقص وال م��ن ال�ح��روب واأله ��وال بالتمام والكمال؛
36
اجلوبة -صيف 1430هـ
على أن��ه من الثابت من طريقة الطباعة والحروف وال��ورق واللغة، أن بداية القرن العشرين قد شهدت جمعاً لهذه السير والقصص ،قامت به أكثر من مطبعة عربية ،وتوافرت له أكثر من دار نشر. وت �ش �ي��ر ق ��وائ ��م م �ط �ب��وع��ات م�ط�ب�ع��ة بوالق المصرية -التي تحتفظ ببعضها دار الكتب المصرية بالقاهرة -إلى طبع (ألف ليلة وليلة) في جزأين سنة 1251هـ 1836 -م.
وم� ��ا زل� �ن ��ا ن �س �ت �م��ع إل� ��ى بعض المتقدمين ف��ي ال�س��ن ف��ي صعيد م��ص��ر ،وف� ��ي غ �ي��ره��ا م ��ن البالد العربية ،وهم ي��روون لنا بعضاً من السير الشعبية ..ولعلنا كمتلقين ما زلنا موصلي المعرفة بالعديد من ه��ذه السير التي رويت وتروى في بالدنا ،وعلى سبيل المثال: سيرة الملك سيف ب��ن ذي ي��زن ،وس�ي��رة الزير سالم ،وسيرة عنترة بن ش��داد العبسي ،وسيرة الظاهر بيبرس المملوكي ،وسيرة األميرة ذات الهمة ،وسيرة حمزة العرب أو حمزة البهلوان، وسيرة علي الزيبق ،وحكايات ألف ليلة وليلة، وسيرة بني هالل.
دراس����ـ����ـ����ـ����ـ����ـ����ـ����ـ����ـ����ـ����ـ����ـ����ـ����ات
فعبارته بالتمام والكمال تشير أو توحي لنا بوجود مصدر يعتمد عليه في المقارنة بين ما هو معروف في السيرة الشعبية ،وما هو بين دفتي كتابه اآلن.
العربي يعرف يقيناً عدداً كبيراً من القصص الشعبي ،جاء عن طريق ال��رواي��ة وال��رب��اب��ة ،وج��اء ثانية عن طريق الطباعة.
كما طبعت قصص (كليلة ودمنة) التي عربها ع��ن ال�ف��ارس�ي��ة ال �ك��ات��ب ال�ع�ب��اس��ي ع�ب��دال�ل��ه بن ال عن قصص شعبي آخر عرف منذ هذا ،فض ً المقفع ،وقد جاءت هذه الطبعة في جزء واحد، وصدرت في نفس العام الذي صدرت فيه (ألف فترة ليست عريقة في القدم ،أو قد تصل إلى ليلة وليلة) [أبو الفتوح رض��وان ،تاريخ مطبعة عدة قرون ,ترجع إلى بدايات العصر الفاطمي تقريباً. بوالق ،ص ،461بتصرف]. ول�ك��ن ال �ع��راق��ة ال ت�ص��ل إل��ى أك�ث��ر م��ن مائة وهذا يعني أن ازده��ار الطباعة ال يقصد به البتة توقفها عند بعض أج��زاء من كتب التراث ع��ام ،إن ل��م يكن أق��ل على وج��ه التقريب ،مثل الفصيح ،أو ال�م�ع��ارف الغربية المترجمة إلى قصة (حسن ونعيمة) ،و(ياسين وبهية) ،و(أيوب اللغة العربية ،وإنما يعني أيضاً االهتمام البالغ المصري) ،و(أدهم الشرقاوي) ،و(سعد اليتيم).. ببعض آثار التراث الشعبي القديم ،وال يستبعد وغيرها من قصص بدأَ يُنشر مؤخراً ،وبدأ الرواة أن تكون عبارة (النسخة األميرية) السابق ذكرها يهجرون تحلقات أهل الريف والمستمعين في في طبعة سيرة فارس اليمن سيف بن ذي يزن ،األرياف والمدن إلى أشرطة (الكاسيت) يسجلون إشارة إلى طبعة تمت بالفعل لسيرة الملك سيف عليها عدداً من القصص المحتوي على المواعظ والحكم والعِ بر. بالمطبعة األميرية ببوالق المصرية.
الرواية والربابة ع�ل��ى أي ح� ��ال ..ف ��إن ال �ق��ارئ أو المستمع
وفي رأينا أن هذه القصص المسجلة موضوعة، وأنها من تأليف أو من صنع هؤالء المغنين ،وأن شيئاً منها ال يمتد إلى أكثر من بضعة أعوام أو
اجلوبة -صيف 1430هـ 37
أشهر ،ولكن البعض منها قد يمتد إلى أكثر من ذلك ،بل ويختلط بالمدائح النبوية ،التي تنشد أو تقال في المناسبات الدينية المختلفة لتحول الراوي إلى راوية سيرة.
بين فنين وال بد هنا أن نشير إلى فروق جوهرية مهمة بين (ال�س�ي��رة الشعبية) و(ال�ق�ص��ص الشعبي)، والتي بناء عليها نحدد السمات المميزة للفنين.
واستمراريته من خالل نماذج بشرية أكثر موافقة أو مالءمة للواقع المعاش ,تستقي قصصها من الحياة اليومية العادية ،بطلها إنسان عادي بسيط، عادة ما يكون فقيراً ،مثل (حسن المغنواتي) في (حسن ونعيمة) ،و(ياسين) الفالح الفقير في (ياسين وبهية) ،واألمر نفسه ينطبق على (سعد اليتيم) ،وعلى (أيوب المصري).
ص دائماً ما يجد آذاناً مصغية على َص ٌ وهو ق َ المستويات كافة ،أو مختلف الطبقات ،كآذان ونحن نحاول في هذه السطور أن نبرز هذه الشباب والشيوخ والنساء والفتيات ،بينما تجذب الفروق المهمة ،نظراً لعدم وضوحها وإظهارها ال�س�ي��رة الشعبية جمهور ال��رج��ال ف��ي حلقات في بعض الدراسات التي اطلعنا عليها. تثير الحماسة والحمية عبر س�ه��رات وأسمار فالسير الشعبية تاريخية في المقام األول ،ومنتديات. تعكف على ال�ت��اري��خ بهدف استخالص مادتها وقد تكون لها أهداف أخرى غير ذلك ،إال أنها منه ،سواء من تاريخ بالد اليمن القديم كسيرة عادة ما تحمل تضمين حال العصر؛ أي تعبر عنه الزير سالم أو الملك سيف بن ذي يزن ،أو من أكثر من غيرها ،ومثال على ذلك :سيرة عنترة تاريخ األدب الجاهلي كسيرة الشاعر الفارس بن شداد التي هي محور كتاب (فن كتابة السيرة عنترة بن ش��داد العبسي ،أو من تاريخ القبائل الشعبية) الذي ألفه د .محمود ذهني باالشتراك العربية كسيرة بني هالل ،أو من تاريخ مصر في م��ع األس �ت��اذ ف ��اروق خ��ورش�ي��د ،وال ��ذي صدرت العصر المملوكي كسيرة علي الزيبق الذي قاوم طبعته األولى بالقاهرة ،سنة 1961م. ظلم المماليك وطغيانهم ،وكسيرة الملك الظاهر التعبير الضمني عن متغيرات المجتمع بيبرس. مما ال ريب فيه أن السير والقصص الشعبية وال��س��ي��رة ال �ش �ع �ب �ي��ة ت��ح��رص ع �ل��ى الهدف التاريخي في المقام األول ،وال تتحول عنه حتى تعبر تعبيراً ضمنياً عن متغيرات المجتمع في نهاية ال�س�ي��رة ،وأبطالها يتحولون إل��ى أبطال مجاالته الحياتية كافة ،فهي صورة واعية مدركة قوميين ،أو بمعنى آخر يتحولون إلى نماذج أو وفي الوقت نفسه مباشرة ،وأبطالها يعبرون عما رموز بطولية ،يضرب بها المثل ،ويقتدى بها في يمكن أن نسميه (الوجدان الجمعي) ،وذلك عن الشجاعة والبسالة واإلق��دام والفروسية ،ونحو طريق إسقاط الواقع على حقبة تاريخية سالفة، ذلك مثل سيرة عنترة[ .حلمي بدير ،أثر األدب بل وإسقاط المضمون الراهن (المعاصر) على الشعبي في األدب الحديث ،ص ،53وما بعدها ،مضمون تاريخي سالف.
ن��رى ف��ي ه��ذه السير وت�ل��ك القصص حقباً بتصرف]. أم ��ا ال�ق�ص��ص ال�ش�ع�ب��ي ف�ه��و ق�ص��ص يصور تاريخية ،تبدأ أحياناً في شكل مقدمات تتحدث لنا في أغلبه ال�ص��راع من أج��ل ديمومة الخير ع��ن قصة ب��دء الخلق ،ث��م تنتقل لتبدأ الرحلة التاريخية للبطل ،وذلك مثل ما نجده في سيرة
38
اجلوبة -صيف 1430هـ
وهي تلح على صراع بين قوتين، القوة األولى :هي قوة الخير المطلق، وهي ع��ادة في كفة ميزان صاحب السيرة ،فهو البطل ،وهو المقدام الشجاع ،وهو الفارس الحامل للواء الخير والخالص ،وهو الذي يتحقق دوماً النصر المبين على يديه. أم��ا ال �ق��وة ال�ث��ان�ي��ة :فهي القوة الشريرة المطلقة ،تحقيقاً لقصة ال� �ص���راع األزل� � ��ي ال � ��ذي يواجهه اإلنسان منذ أن هبط على المعمورة األرض� �ي ��ة ،وم ��ع أن ظ��واه��ر الشر عادة ما تكون خفية ،ومختلفة ،إال أنه موجود وسيظل موجوداً إلى أن يرث الله تعالى األرض ومن عليها [حلمي بدير ،مرجع سابق ،ص ،54 بتصرف].
دراس����ـ����ـ����ـ����ـ����ـ����ـ����ـ����ـ����ـ����ـ����ـ����ـ����ات
سيف بن ذي يزن ،أو الزير سالم، أو عنترة بن ش��داد ،ثم تنطلق في �أن أحياناً لتتابع أحداث ه��دوء وت� ٍ ي��وم أو بضعة أي ��ام ،ث��م ت�س��رع في أحيان لتلخص لنا حدثاً عاماً ،أو تزيد على األحداث حدثاً آخر.
ن ��أت ��ي ب��ع��د ذل � ��ك إل � ��ى مؤلف س �ي��رة ع �ن �ت��رة ال� ��ذي ال ي�ن�س��ى أن يقدم لنا ص��ورة أخ��رى من الكفاح ضد العبودية ،وذل��ك في شخصية (شيبوب) شقيق عنترة من أمه ،فهو كما يُصور لنا دميم ،أس��ود اللون، س��ري��ع ال� �ج ��ري ،وه���و ف��ي الوقت نفسه :ذكي ،لماح ،خفيف الحركة, جريء جرأة شديدة. ف ��إذا ك��ان ع�ن�ت��رة ف ��ارس الحب وال� �ح ��ري ��ة ي ��واج ��ه ال� �م ��واق ��ف في صراحة واضحة ,فشيبوب يواجه ال�م��واق��ف بأسلوبه ال�خ��اص جداً، وعنترة يواجه مجتمعاً ب��أس��ره ،إذ أن مواجهته ليست مواجهة موقف ف� � ��ردي ,ول� �ك ��ن م��واج��ه��ة مجتمع بتقاليده وع��ادات��ه وأع��راف��ه وقيمه الصحيحة أو غير الصحيحة ،في ال��وق��ت نفسه ال��ذي ه��و متيم حباً بابنة عمه عبلة.
وعبلة هنا قد تكون رمزاً ,يفسر م�ن�ط�ق�ي�اً ع�لاق��ة ع �ن �ت��رة بالقبيلة ل�ي�ص�ب��ح ل�م�س�ع��اه ه ��دف أو غ ��رض أو مرمى، وسيرة عنترة بن شداد تعرض لفكرة مطلقة ،فانتسابه لعبس ليس مجرد هدف معنوي ،ولكنه هذه الفكرة تتعلق بقيمة اإلنسان وحريته ،والقيمة ه��دف يتحقق م��ادي �اً ف��ي مسعى ي��ري��ده البطل، والحرية ترتبطان بظاهر ِخلقي هو لون عنترة ،ويحول العرف القبلي دونه. ولكنها تتعلق بصفات اإلنسان ،وتصبح القضية عندما يتعاطف الوجدان الجمعي المحورية أمام البطل عنترة هي الحرية المطلقة ول �ع��ل إص� ��رار ال�ض�م�ي��ر ال�ج�م�ع��ي ف��ي هذه التي يجب أن تمنح لإلنسان في كل مكان وزمان, القصة ،والزيادات المختلفة فيها التي تصل إلى دون قيد من لون أو جنس أو قبيلة أو نسب .هي حد المبالغة الشديدة في بعض المواقف ،لدليل سيرة تطرح ه��ذه الطروحات في عصر سادت حي واضح على مدى تعاطف الوجدان الجمعي فيه العصبية القبلية ،وانقسم الناس فيه إلى مع عنترة ،وه��و دليل كذلك على رف��ض الناس أشراف وعبيد أو أسياد وعبيد. بوجه عام للتقاليد أو المعطيات القبلية البالية.
اجلوبة -صيف 1430هـ 39
ن �ق��ول :إن��ه مهما ك��ان��ت طبيعة ال�ع�ص��ر ال ��ذي ع��رض��ت ف�ي��ه سيرة عنترة بن شداد ،ثم انتقلت لنا بعد ذلك ,فهي لم تنتقل بزياداتها ,فلم ي�ع��رف أن ج���زءاً منها ق��د تعرض لتحريف ،وإنما ظلت رمزاً للحرية وال �ح��ق وال��ع��دل وال �ح��ب الصادق ال �ع �ف �ي��ف ،وح ��رب� �اً ع �ل��ى التفرقة العنصرية والظلم البين والطبقية المقيتة. وي �م �ك��ن ل �ن��ا ال� �ع ��ودة إل ��ى كتاب (السيرة الشعبية) لألستاذ فاروق خورشيد ,والذي صدر سنة 1964م، ب��ال �ق��اه��رة ،وك��ذل��ك ك �ت��اب (سيرة ع �ن �ت��رة) ل �ل��دك �ت��ور م �ح �م��ود أحمد ال�ح�ف�ن��ي ض�م��ن سلسلة (مذاهب وشخصيات) ،وسنجد به صفحات كاملة من كتاب (فن كتابة السيرة الشعبية) الذي كتبه الدكتور محمود ذهني باالشتراك مع األستاذ فاروق خورشيد.
وه� ��ي س �م��ة ن �ج��ده��ا ف ��ي السير الشعبية جمعاء دون استثناء.
فاروق خورشيد
عبدالحميد يونس
والذي ال شك فيه أن قدراً كبيراً من السير الشعبية ،صنع ودون في مصر ,في عصر المماليك ،أو قبله, ع�ل��ى ح��د ال���رأي ال ��ذي ذه��ب إليه أستاذنا الدكتور عبداللطيف حمزة، في كتابه المهم( :األدب المصري: من قيام الدولة األيوبية إلى مجيء الحملة الفرنسية). وه� � ��ذا ال � � ��رأي ي �ن �ص��ب أيضاً على ح�ك��اي��ات الليالي (أل ��ف ليلة ول��ي��ل��ة) ،ع �ل��ى ال ��رغ ��م م ��ن صورة بغداد الواضحة بها ،في عصر من أزه��ى عصور اإلس�لام ,وهو عصر الخليفة العباسي ه��ارون الرشيد، وكذلك صورة القاهرة الفاطمية بما تضم م��ن أح�ي��اء ومساكن ومتاجر وحوانيت.
وبالطبع ال تأتي سيرة الليالي، دون أن نذكر األستاذ رشدي صالح أق��ول لكم :إن السيرة الشعبية الذي قام بإعداد حكايات ألف ليلة لعنترة تعتمد على النص الشعري ول�ي�ل��ة ،وص ��در ال �ج��زء األول منها الفصيح الذي ينسب لعنترة وهو أحد أصحاب ضمن سلسلة (ك�ت��اب الشعب) ع��ن دار الشعب الشهرة الخاصة ف��ي ت��اري��خ األدب العربي في المصرية في أول يونيو 1968م. العصر الجاهلي ،بل إليه ترجع مدرسة الشعر االنتقال والتدوين والعنصر القومي العفيف أو العذري في أدبنا العربي ،على عكس م��ا ش��اع ب�ي��ن ب�ع��ض ال��دارس �ي��ن[ .محمد مفيد إن انتقال السير الشعبية من عصر إلى عصر الشوباشي ،رحلة األدب العربي إلى أورب��ا ،ص يحمل في طياته دائماً بحث الضمير الجمعي عن ،206بتصرف]. البطل المنقذ أو المُخلص ،ال��ذي يجسد آمال ولعل هذا ما يميز سيرة عنترة عن غيرها ،الجماهير العربية وتطلعاتها في صراعها الطويل حيث تعتمد السير األخرى على نوع من الشعر من أجل االستمرارية والبقاء. الركيك ،الذي يفتقد الوزن ,ويقترب من العامية,
40
اجلوبة -صيف 1430هـ
وفي هذا الصدد نعود إلى الدكتور رجب النجار
وه��و ي�س��أل (ون�ح��ن م�ع��ه) كيف لسيرة بطولية عربية فيما هو شائع أن تأتي على ه��ذا النحو ،خاذلة للعرب وللتاريخ العربي ,وفاجعة لألماني واألح�ل�ام العربية ,وهي ال �س �ي��رة الملحمية ال �ت��ي يفترض فيها أن تكون آخ��ر األم��ر أنشودة قومية؟!! وق��د ي �ك��ون ت��اري��خ ت��دوي��ن هذه السير وراء م��ا احتوته على هذا العنصر القومي الواضح الظهور, وه ��و ال�ع�ن�ص��ر ال�م��رت�ب��ط ارتباطاًُ وثيقاً بالبحث ال��دائ��م ع��ن البطل المنقذ أو المُخلص ال��ذي يحقق الحُ لم العربي القديم ,المتمثل في عناصر الفُروسية والتوحد وااللتفاف حول شكل واحد أو زعيم واحد. وفي الوقت نفسه فإن هذا البطل أقرب في بعض مضامينه إلى األسطورية ،ولذلك فنحن ال كثير من المالحم الغربية أو نجد هذا المغزى في ٍ الشرقية بهذا الوضوح ،بدءاً من أناشيد (روالن)، أو ملحمة (بيولف) ،أو (برامايانا) الهندية ،أو (جلجامش) البابلية ،ذلك على الرغُم من توافر عناصر البطولة التي تتضح بصورة كبيرة في إلياذة هوميروس اليونانية.
صورة أخرى للبطولة ونجد ص��ورة أخ��رى من البطولة ،وذل��ك في
دراس����ـ����ـ����ـ����ـ����ـ����ـ����ـ����ـ����ـ����ـ����ـ����ـ����ات
في بحثه المنشور في مجلة (عالم الفكر الكويتية ،إبريل مايو يونيو، 1985م ،ص ،)153إذ يرى أن سيرة (فيروز ش��اه) ليست عربية ،وذلك الحتوائها على صورة الفرس وهم يخذلون العرب ،ويستعلون عليهم.
ح �ك��اي��ات أل ��ف ل�ي�ل��ة ول �ي �ل��ة ،وهي البطولة التي تتحول من المضمون التاريخي ال��ذي ج��وه��ره االنتصار ع�ل��ى أع���داء ال �ع��رب ،والفروسية، واالستعانة بالوسائل المختلفة.. المنطقية أو غير المنطقية ،وذلك لتحقيق هذا االنتصار المنشود. صورة البطولة هذه تتحول إلى م �ض �م��ون اج �ت �م��اع��ي ب �ح��ت ،حيث ي�ص�ب��ح ف�ي��ه ال�ب�ط��ل أح �ي��ان �اً حلماً رومنسياً رقيقاً يراود ابنة السلطان ويداعبها ،ويسعى إليها باذالً الجهد والنفس من أجل الوصول إليها. ه ��ذا ال �ت �ح��ول ق��د ي �ك��ون وراءه ظ��روف ح�ك��اي��ات أل��ف ليلة وليلة، وذل� ��ك م��ن ح �ي��ث ط�ب�ي�ع��ة الرواية وال��راوي��ة ،وطبيعة وزم��ان المتلقي، وأسباب الحكايات. ال��راوي��ة ه��ي ش �ه��رزاد ،والمتلقي هو الملك شهريار ،وم��ا يعانيه من ع �ق��دة م ��ؤرق ��ة ،وزم� ��ان ال�ت�ل�ق��ي هو دائماً ما بين العشاء والفجر ،وسبب الحكايات م �ح��اوالت ش �ه��رزاد ال�م�س�ت�م��رة م��ن أج��ل ترقيق مشاعر وأحاسيس متلقيها من أجل أن تنتزع من مخيلته ص��ورة الفتاة أو ال�م��رأة الخائنة؛ ولهذا، فإن هذه العوامل مجتمعة لن تتناسب معها صورة السير الحماسية البطولية المختلفة ,إذ قد تؤدي إلى صورة عكسية ،أو فلنقُل نتائج سلبية؛ فكان من المنطقي ج��داً أن تصبح حكايات أل��ف ليلة وليلة نوعاً آخر يتمثل فيها جانبا الخير والشر، وتتمثل فيها عناصر الصدق ،والخيال والخرافة، واالستعانة بالجن والشياطين ,ولكن بهدف يختلف في النهاية عن أهداف السير األخرى المختلفة.
اجلوبة -صيف 1430هـ 41
ففي أل��ف ليلة وليلة يسعى البطل لتحقيق تفاصيل من سير أخرى ،ومثال على ذلك (حكاية ما تريده أميرته ،ولكن ال يسوق أمامه قطيعاً ع�لاء ال��دي��ن أب��ي ال �ش��ام��ات) ،ال� ��واردة ف��ي الليلة من األسود يجره إلى حديقة قصرها ,كما فعل الثامنة والخمسين بعد المائة الثانية من الليالي. الملك سيف بن ذي يزن ,أو يسوق أمامه قطيعاً كما تصور الليالي بعض عادات وتقاليد المجتمع من النوق العصافيري الحمراء جاء بها من بالد في مصر (كمثال) المتوارثة حتى اآلن ,ففي حدث الملك النعمان في الحيرة العراقية كي يقدمها الميالد في (حكاية عالء الدين أبي الشامات)، مهراً لمحبوبته ,كما فعل عنترة بن يقول ...« :وقامت األف��راح فقاست شداد. الداية (القابلة أو المولّدة) المشقة والبطل في الليالي يركب الصعب ليصل إلى جزر (ال��واق واق) ليعود بما يحقق شرط الزواج ,ولكنه يمثل في النهاية الفتى الجميل الرقيق، فصفة جمال الشكل مالزمة لجمال الخُ لق في أغلب حكايات الليالي.
وهنا أحب أن أشير إلى دراسة أعدت لنيل درجة الدكتوراه قدمها ال��دك�ت��ور محسن ج��اس��م الموسوي لجامعة (دال��ه��وزي) الكندية سنة 1978م ،بعنوان( :الوقوع في دائرة السحر :أل��ف ليلة وليلة في النقد األدبي اإلنجليزي 1704م1910-م), ونشرت ه��ذه ال��دراس��ة في كتاب ص��در عن دار الرشيد للنشر ,التابعة ل��وزارة الثقافة واإلعالم العراقية ،ضمن سلسلة دراس��ات ،سنة 1982م, وه��ذه الدراسة يمكن أن تفيد الباحث في هذه الجزئية.
في الخالص ،ورقت ُه باسمي محمد وع��ل��ي ،وك��ب��رت وأذن � ��ت ف��ي أذن ��ه، ولفته وأعطته ألمه ،فأعطته ثديها وأرضعته ،فشرب وشبع ونام ،وأقامت الداية عندهم ثالثة أيام حتى عملوا الحلوى ليفرقوها في اليوم السابع (ال �س �ب��وع) ،ث��م رش��وا ملحه ،ودخل التاجر (وال��د الطفل) ،وهنأ زوجته بالسالمة[ ..رشدي صالح ،ألف ليلة وليلة ،العدد السابع ،دار الشعب، ديسمبر1968 ،م ،ص .]501
وف��ي ه��ذه الفقرة جمع عادات الميالد والسبوع ،وم��ا يتعلق بهما من تقاليد ،وهي لم تتغير في مصر حتى يومنا هذا ,وإن كان يالحظ عبارة (رقته باسمي محمد وعلي) ،ويقصد بمحمد هنا رس��ول الله (صلى الله عليه وسلم) ،ويقصد بعلي اإلمام علي بن أبي طالب (رضي الله عنه) ،وأغلب الظن أن العهد ك��ان قريباً بين كتابة ه��ذه الليالي وبين الدولة انعكاس للبيئات العربية الفاطمية الشيعية ،وإن كان هذا ال ينفي تعلق وم��ن المالمح المميزة لقصص الليالي أنها أهل مصر وحبهم الشديد ألهل بيت رسول الله تعكس عدداً من البيئات العربية األصيلة ،وخاصة (صلى الله عليه وسلم). في كل من بغداد والبصرة والقاهرة ،وصورة هذه عن اإلطار الزمني والمكاني البيئات ص��ورة واضحة المعالم والسمات ,تدل وكما سبق أن أشرنا فإن هناك فرقاً واضحاً على خبرة دقيقة وعميقة بطبائع هذه األمصار اإلسالمية عن ق��رب ،بل هي تنقل أحياناً بعض بين ما عرف باسم السير الشعبية ،وما عرف
42
اجلوبة -صيف 1430هـ
هكذا أرادوه.. وتمثل سيرة الملك الظاهر بيبرس الوجه الذي أراده له المصريون في مواجهة الحمالت الصليبية على المشرق العربي ,فهي سيرة ال تقف عند الحدث التاريخي فقط ال غير ,رغم قرب العهد بينهم وبين روايتها ،ولكنها تتعداه إلى حدث قصصي من صنع رواتها ،يضفون به على شخصية الظاهر بيبرس صفات م��ن البطولة والفروسية ،بل يضيفون إليه مناصب ووظائف لم تعهد إليه! وختاماً لهذه السطور أود أن أذك��ر ما كتبه الدكتور عبدالحميد يونس في كتابه (الظاهر بيبرس ف��ي القصص الشعبي) وال �ص��ادر سنة 1959م ،إذ يقول ...« :وأذكر أن أحد المؤرخين المحدثين أن�ك��ر ه��ذه السيرة الشعبية (سيرة الظاهر بيبرس) التي نعرض لها اآلن ،والتي ترسم الظاهر بيبرس كما يحب الشعب أن يكون البطل المجسم للمثل المحقق للرغبات ,ورآها ال يمكن أن تصلح وثيقة من وثائق التاريخ.»!!.. وال��رد على هذا ال��رأي يحتاج منا إلى مقال آخر ،فلعلنا نوفق إليه بإذن الله تعالى. *
دراس����ـ����ـ����ـ����ـ����ـ����ـ����ـ����ـ����ـ����ـ����ـ����ـ����ات
باسم القصص الشعبي ،ولعل أوضح مثال على النوع األول هو (سيرة بني هالل) ،ويرجع بدؤها بالعصر الجاهلي أو بمعنى أدق بانتهاء العصر الجاهلي ،وبداية عصر صدر اإلسالم ,وتستمر في أجيال متعاقبة لتغطي فترة زمنية متسعة، وتغطي إط��اراً مكانياً متسعاً أيضاً ،هذا اإلطار المكاني يشمل بالد المغرب العربي ,واألندلس، ومصر ,ولهذا نجد صورة واضحة لبعض مالمح الشخصية العربية والمصرية فيها ،وكذلك بعض معالم المدن العربية مثل القاهرة.
المراجع
•حلمي بدير ،أثر األدب الشعبي في األدب الحديث، دار المعارف ،القاهرة1977 ،م. •عبد الله بن المقفع ،كليلة ودمنة ،دار الشعب ،القاهرة، دون تاريخ. •أب��و الفتوح رض ��وان ،ت��اري��خ مطبعة ب��والق ،المطبعة األميرية ،القاهرة1953 ،م. •رج��ب ال �ن �ج��ار ،ح�ك��اي��ات ال�ش�ط��ار وال �ع �ي��اري��ن ،عالم المعرفة ،الكويت ،سبتمبر 1981م. •رشدي صالح ،ألف ليلة وليلة ،كتاب الشعب ،القاهرة، 1968م. •عبدالحميد يونس ،التراث الشعبي ،سلسلة كتابك، دار المعارف ،القاهرة. •عبدالحميد ي��ون��س ،ال�ظ��اه��ر بيبرس ف��ي القصص ال�ش�ع�ب��ي ،المكتبة ال�ث�ق��اف�ي��ة ،ال �ع��دد ،3القاهرة، 1959م. • عبدالحميد ي��ون��س ،ال�ح�ك��اي��ة ال�ش�ع�ب�ي��ة ،المكتبة الثقافية ،القاهرة1986 ،م. •قصة الزير سالم الكبرى ،نشرتها المطبعة والمكتبة السعيدية ،مصر ،دون تاريخ. •سيرة فارس اليمن ،الملك سيف بن ذي يزن ،المجلد األول ،مكتبة الجمهورية العربية باألزهر ،القاهرة، دون تاريخ. •محمود ذهني ،باالشتراك مع ف��اروق خور شيد ،فن كتابة السيرة الشعبية ،دار الثقافة العربية ،القاهرة، 1961م. •فاروق خورشيد ،أضواء على السيرة الشعبية ،المكتبة الثقافية ،القاهرة1964 ،م. •م �ح �م��ود ال �ح �ف �ن��ي ،س �ي��رة ع �ن �ت��رة ،س�ل�س�ل��ة مذاهب وشخصيات ،القاهرة ،دون تاريخ. •محمد مفيد الشوباشي ،رحلة األدب العربي إلى أوربا ،دار المعارف ،القاهرة1968 ،م. •عبد اللطيف حمزة ،األدب المصري ..من قيام الدولة األيوبية إلى مجيء الحملة الفرنسية ،سلسلة األلف كتاب األولى ،العدد ،242القاهرة ,دون تاريخ. •رجب النجار ،سيرة فيروز شاه ،بحث منشور في مجلة عالم الفكر ،المجلد ال�س��ادس عشر ،العدد األول: أبريل مايو يونيو ،الكويت1985 ،م.
كاتب من مصر.
اجلوبة -صيف 1430هـ 43
بصحبة شاعر
أضواء على جتربة الشاعر إلياس أبو شبكة > رامي أبو شهاب* كان للظروف التاريخية والثقافية ،التي سادت إبان الحكم العثماني لبالد الشام ،أثر في تشكيل البنية الثقافية العربية في تلك الفترة ،وال سيما بعد أن تعرضت طوال قرون عدة للتهميش واإلقصاء؛ ما نتج عن ذلك ردة فعل سياسية ،ظهرت في كل من سوريا وفلسطين ولبنان ،وأحدث تحوال في البنية الثقافية التي بدأت تحطم صخرة التجهيل والظالمية ،تبعا لعدة مؤثرات ،منها االستقالل النسبي لجبل لبنان عن الدولة العثمانية، إضافة إلى اإلرساليات التبشيرية التي شهدتها بالد الشام ،ومحاوالت الثورة في لبنان وفلسطين وسوريا .وقد شكلت هذه المؤثرات مجتمعة بروز ثالثة اتجاهات سار بها المثقفون العرب ،ونجملها بالسلفية الثقافية ،واالنبهار بالغرب واالقتداء به ،وأخيرا.. االتجاه الثالث الذي حاول االستفادة من الثقافة الغربية ،مع ربطها بالموروث لتأسيس مشهد توفيقي ،ومن نتاج األخير كان الشاعر اللبناني إلياس أبو شبكة الذي تميز بطبيعة شعرية مغايرة ،اتسمت بالخصوصية والتفرد ،نتيجة عوامل عدة ،نبرزها عبر عدد من المحاور التي سنأتي عليها.
ثنائيات من خالل المتابعة لحيثيات بيئة الشاعر ون�ش��أت��ه ،نلحظ ع��ددا م��ن الثنائيات التي عملت على صياغة تجربته الشعرية ،حيث عاش شاعرنا في مناخ يتسم باالزدواجية والقلق نتيجة للبعد المكاني؛ فالشاعر لبناني ال �ج��ذور ،غ��رب��ي ال���والدة .وت��ذك��ر المصادر أن��ه ول��د في ال��والي��ات المتحدة األميركية، وتحديدا في مدينة نيويورك عام 1903م،
44
اجلوبة -صيف 1430هـ
مكث فيها سنواته الثالث األولى ،وقد كان يدين المسيحية ،إذ عاش في جبل لبنان، الذي كان يتمتع بنوع من االستقالل النسبي عن الدولة العثمانية ،ولكن المناخ السياسي ك��ان يشي بخطر وج��ود ال��دول��ة العثمانية، ويشكل نوعا م��ن القلق للفئة المسيحية، وقد ترك هذا اإلحساس بالخطر أثراً على الشاعر حيث ،استشعر دوما التهديد والقلق اللذين باتا سمة مميزة لشخصيته.
وم ��ن ث �ن��ائ �ي��ات ت�ش�ك�ي��ل العالم ال��داخ �ل��ي للشاعر ،ثنائية الحياة والموت ،فقد عانى إلياس أبو شبكة من فقدان والده الذي مات قتالً ،ما عمق فيه مأساة اإلحساس بعبثية الحياة ،وتصاعد الحس الوجودي لديه .تقول ريتا عوض بهذا الشأن: إلياس أبو شبكة «كان موت األب نكبة للشاعر ،الذي ل��م ي �ك��ن ق��د ت �ج��اوز ال �ع��اش��رة من عمره ،وخلفت تلك الفاجعة جرحا عميقا في مستوى الصراع نفس الطفل ،وفتحت عينيه باكرا على حقيقة ع��اي��ش ال �ش��اع��ر ص��راع��ات ع�ل��ى أك �ث��ر من الموت». مستوى ،لعل أهمها الصراع مع الموت ،فقد بدأ واستمرارا في تتبع تلك الثنائيات التي شكلت التعاطي معه كشيء ملموس وقريب بعد موت شخصيته ،نجد ثنائية المرجعية الثقافية التي وال ��ده ،إذ أدرك أب��و شبكة معنى ال�م��وت الذي تبرز من خالل عاملين :أولهما الثقافة الدينية هشم بنيته النفسية ،ليتعاظم الشعور بمرارة التي تشرّبها الشاعر عبر ديانته المسيحية، ال�ل�اج��دوى وال�ع�ب�ث�ي��ة؛ وم��ن ه�ن��ا ان�ب�ث��ق ارت ��داد ودراس�ت��ه في ع��دد من مدارسها .وعلى الرغم فلسفي ،تمثل بالنظر إل��ى ال�ح�ي��اة ع�ل��ى أنها من ع��دم ارتباط الشاعر بالكنيسة فعليا ،فإن خديعة ،وم��ن ثم ك��ان ال بد للشاعر من فلسفة ال �م��وروث ال��دي�ن��ي ت��وط��د ل��دي��ه ،نتيجة قراءته هذه األزمة بمنظور متعال ،قريب الصلة بفلسفة للتوراة التي أسهمت ف��ي زي��ادة ثقافته ،ضمن ال�ش��اع��ر ط��رف��ة ب��ن ال�ع�ب��د ،ح�ي��ن ق��رر مواجهة جو عام تسيطر عليه الثقافة اإلسالمية الممثلة سخرية الحياة ،وما يتبعها من موت ،باالنغماس بالمحيط ،ونعني تواجد الدولة العثمانية القوي في فكرة تحقيق أكبر قدر من المتعة .ولكن هذه في تلك المنطقة ،والتركيبة السكانية لها؛ وهنا االتجاه لم يكن متوافرا لديه جراء الفقر وضيق يتحقق العامل الثاني المتمثل بالثقافة العربية ذات اليد ،ويضاف له عامل آخر تمثل بالمعضلة اإلسالمية ذات الحضور القوي والمؤثر. األخالقية؛ فقد كان يستشعر القيمة األخالقية وإذا م��ا ن�ظ��رن��ا ف��ي ث�ق��اف��ة ال�ش��اع��ر األدبية للوجود اإلنساني ،وه��ذا عائد إلى تلك التربية تحصلها من جراء وجوده في أكناف الرهبان ّ والفكرية ،نجد أن تلك الثنائية ،كانت حاضرة من التي خالل وج��ود ثقافتين مهمتين شكلتا الشخصية والمدارس الدينية ،ومن أشعاره التي تعالج عبثية الثقافية للشاعر ،وهما الموروث األدبي العربي ،الحياة مقابل جبروت الموت هذه األبيات: وال � ��ذي ت�ج�ل��ى ف��ي ال �ش �ع��ر ال �ع��رب��ي ،ف �ق��د كان ال��عُ ��م��رُ قَ��ص��رٌ َن��ح��نُ َب��ي��نَ رِ حابِ هِ إع �ج��اب ال�ش��اع��ر ينصب ع�ل��ى ال �غ��زل العذري، ���وت مُ ��ن�� َت ِ��ص ٌ��ب عَ ��ل��ى أَبوابِ هِ وَال���مَ ُ ��اب لَهُ عوضا عن شعر أب��ي العالء المعري وغيره من وَال���مَ ���رءُ إِ ن َي��ف��خَ ��ر بِ ��أَن��س ٍ الشعراء العرب ،وبمحاذاة ذلك نرى وجودا قويا فَ��ال��تُ ��رقُ وَال���دي���دانُ م��ن أَنسابِ هِ
دراس����ـ����ـ����ـ����ـ����ـ����ـ����ـ����ـ����ـ����ـ����ـ����ـ����ات
آخر للثقافة الفرنسية الغربية ،إذ تعلم أبو شبكة لغتها في المدارس الفرانكفونية ،وقرأ الشعر الفرنسي، ونظم الشعر باللغة الفرنسية ،وكان متأثرا بالشاعر ألفريد دي موسيه، وأل �ف��ري��د دي ف �ي �ن��ي ،إض��اف��ة إلى الشاعر األهم بودلير وديوانه «أزهار الشر» ال��ذي أح��دث أث��را ُ ب��ارزا ُ في ديوان شبكة «أفاعي الفردوس».
اجلوبة -صيف 1430هـ 45
��ض��ري��حُ مهيّأ ِم���ن عَ ��ه ِ��د آ َد َم وَال َ لق رَهنُ ِطالبِ هِ وَجَ ميعُ هذا الخَ ِ ����ل يُ ��غَ��ي��ب��هُ ال��� َزم���انُ إِ ل����ى الهبا كُ ٌّ َوكَ���ذا ال�� َزم��انُ يَحينُ يَ��ومُ ِغيابِ هِ ��ات لَ��دى ال���رَدى أُلعوبَةٌ وَال��ك��ائِ ��ن ُ الخلودُ يَصيرُ من أَلعابِ هِ حَ تّى ُ ���ب ال��� َده���رِ ُّي ذا لكنَّما م��ا مُ ���ذه ُ كيم النابِ هِ َقل الحَ ِ هو مذهب الع ِ
دع��وة إل��ى إي�ج��اد م��درس��ة ث��ال�ث��ة ،ي�ك��ون قوامها إظ �ه��ار الشخصية الثقافية ال�خ��اص��ة بالشعر العربي ،بعيدا عن التقليد وظالله ،والسقوط في دائرة التبعية للغرب.
«نريد أدب��ا جديدا نستقل به ونطبعه بطابع نفوسنا ،نريد أدبا يقوم على ثورة الفكر والنظم والتقليد ،ن��ري��د أدب��ا ي�خ��رج ع��ن ال�ق��اع��دة التي سنها المتقدمون ولو تهجم المتهجمون .نريد أن ويتبدى الصراع مرة أخرى ،ولكن هذه المرة ،نضحي بتلك النظم والتقاليد األدبية في سبيل على مستوى المرأة من منطلق أخالقي ،إذ أحب الفكرة والفن». أبو شبكة عدة نساء ،تميزت منهن واحدة تكبره ه��ذا ال ��رأي يكشف ع��ن ت�ص��ور أب��ي شبكة عدة سنوات ،وكان له عالقات أخرى مع عدد من للتوجهات ال�ش�ع��ري��ة ،فهو ي��ري��د نهضة فكرية النساء ،منهن امرأة متزوجة ،ما سبب له شعورا ف��ي سبيل تشكل ه��وي��ة عربية خ��ال�ص��ة .وبناء ب��اإلث��م نتيجة تلك ال�ع�لاق��ة – المحرمة دينيا ع �ل��ى ذل� ��ك ..وق ��ف ال �ش��اع��ر ف��ي وج ��ه الكثير واجتماعيا -مع ما تنطوي عليه من شعور باإلثم من ال�م��دارس التي كانت تجتاح لبنان في تلك والخوف والقلق؛ ونتيجة لذلك وقع في تناقض الفترة ،ومنها الرمزية ذات المرجعية الغربية. أخالقي تبدى على شكل ص��راع داخلي نفسي ،ومع ذلك -وكما هو مالحظ من شعره -كان انعكس على شعره. أسيرا ألحد المذاهب الغربية ،ونعني
حيرة الشاعر ج��اء ه��ذا العنوان تعبيرا عن ال��واق��ع الشعري ،في زم��ن برزت ف �ي��ه ع� ��دة ات��ج��اه��ات وم� ��دارس ش �ع��ري��ة ،ش �ك �ل��ت ب ��داي ��ة الوعي الفني في العصر الحديث .هذه ال �م��دارس ت��راوح��ت بين التقليد واالب�ت�ك��ار ،فنحن نجد الموروث الشعري العربي القديم ومحاولة م�ح��اك��ات��ه ،ف��ي م�ق��اب��ل محاوالت حثيثة لالستفادة م��ن المذاهب ال �غ��رب �ي��ة وت��وج �ه��ات �ه��ا الشعرية. فكيف ك��ان م��وق��ف ال�ش��اع��ر من هاتين الحركتين؟ كان موقفه توفيقياً تصاحبه
46
اجلوبة -صيف 1430هـ
به المذهب الرومانتيكي ،الذي مثّل عاصفة اجتاحت المشهد الشعري العالمي ،وك��ان ال بد ألي شاعر في تلك الفترة من مجاراته ،السيما أنه قد صبغ الشعر في تلك الفترة بطابع عام ،وخاصة لدى الشعراء الشباب ومنهم أبو شبكة.
قلق الوجود – قلق الشعر ن �ت �ح��دث ف��ي ه ��ذه ال �ج��زئ �ي��ة عن ذلك القلق الذي سكن أدب الشاعر، وخ��اص��ة ف��ي ب �ع��ض ق �ص��ائ��ده التي ام��ت��ازت ب�م��واج�ه�ت��ه م��ع ن�ف�س��ه ،من خالل مواقف معينة تتسم بالصراع والتوتر ،كما في األبيات اآلتية.
جان َربّا ُه عَ فوَك إِ نّي كافِ رٌ ِ َل��كَ��م دَعَ ��ت��ن��ي إِ ل���ى ال��فَ��ح��ش��اءِ أَميالُ ����ب َوأَه����������والُ َوأَن������ َذ َرت������ن������ي تَ����ج����اري ٌ وعظَ ةٌ ���اب مَ ِ إِ ن ال��تَ��ج��اري��بَ لِ �ل�أَ ل���ب ِ
دراس����ـ����ـ����ـ����ـ����ـ����ـ����ـ����ـ����ـ����ـ����ـ����ـ����ات
يقول الشاعر في قصيدة «الصالة الحمراء» من ديوانه أفاعي الفردوس: ����ان رب��������ا ُه عَ �����ف�����و ََك إِ نّ��������ي ك�����افِ �����رٌ ج ِ َعت الهَوى الفاني عت نَفسي َوأَشب ُ جَ وَّ ُ ��اس أَه�����واءً مُ حَ رَّ مَ ةً َت��بِ ��ع ُ��ت ف��ي ال��ن ِ ّ��اس قَ����و ًال عَ ��ن��هُ تَنهاني ���ت لِ ��ل��ن ِ َوق���ل ُ َلب في ُسبُلي نون الق ِ وَلم أُفِ ق ِمن ُج ِ أله�������واءُ إيماني ���ت ا َ إِ ال َوقَ�����د مَ ���حَ ِ
يقول الشاعر ف��ي قصيدته «ال��دي�ن��ون��ة» من ديوان أفاعي الفردوس: وصاحَ« :ما هذهِ الرّؤيا ،وأينَ أنا؟ إبليس «مَ ه ًال هذهِ سَ ـ ـ ـ ـ ــقر ُ فقالَ حملت قيثار ًة في األرض كاذبةً ُ َنبض بِ هـ ــا َوتـ ـ ــر من الحقيقةِ لم ي ْ مت ناح البوم ما رَسَ ْ وريشةٌ من جَ ِ ـاج تستتر خفافيش بالديبـ ـ ـ ـ ِ َ إال ف��أن��ت ل��ي وجحيمي ل��ي أوزعــه علىاألُلىأنشدواشعراوماشعروا»
مالمح رومانسية
تبرز المالمح الرومانسية في شعر أبي شبكة َض����ل����ال أَض���ل��الُ ِ ل���كِ ���نَّ���ه���ا لأِ ُ ل�������ي األ من خالل المضامين ،إضافة إلى الجوانب الفنية. لك اللَيالي المواضي ال يَ��زالُ لَها تِ َ فإذا ما نظرنا إلى المضامين ،نجد أن الشاعر يكاد بَ��ي��نَ ال���خَ ���رائِ ِ���ب ف��ي عَ ��ي��نَ��يَّ أَط��ل�الُ يتمحور غالبا حول مواضيع ذات طابع رومانسي. وَآح����س���� َرت����اه َوقَ���ل���ب���ي ال يَ�������زالُ لَ���هُ فثمة تأمالت في شعره ترتكز على الذات ،حيث ف����ي لَ���������ذَّ ةِ ال�����ع�����ارِ أَوط����������ا ٌر وَآم�������الُ يكون اإلنسان بؤرتها؛ عوضا عن ما يعتريها من يكشف هذا المقطع الشعري عن تلك الطبيعة صراع في مواجهة الحياة والقدر ،كلها متعالقة مع الصراعية بين الطهر والخطيئة ،فهنا يتحقق قضايا الخوف والحساب واإلثم والخطيئة. م�ق��دار األل��م ال��ذي يعاني منه الشاعر ،والذي ون�ج��د أي�ض��ا تلك القصائد ال�ت��ي ت��رك��ز على يتأتى على شكل اعترافات لله نتيجة الخطيئة ،م �ظ��اه��ر ال �ط �ب �ي �ع��ة ،وه� ��ي م ��ن أه� ��م مرتكزات وكأنه في هذا االعتراف يكفر عن ذنوبه ،وهذا الرومانسية ،وصحة ذلك ،ما تطالعنا به عناوين ما يكشف عن حقيقة الصراع المتوقد في نفسه؛ دواوينه وقصائده ،ومنها :ألحان الشتاء ،والفالح، فهو يقف ليتأمل ويحاسب نفسه ،وهو مسكون وقصيدة يا بالدي .واألخيرة يربط بها أبو شبكة بمواجهة الخطيئة وال �ح �س��اب .ون��ذك��ر ل��ه هنا ح��ب ال��وط��ن ب�ح��ب ال�ط�ب�ي�ع��ة .ون �ق��ع أي �ض��ا على قصيدة بعنوان «الدينونة» ،وفيها يصور الحساب، وال سيما حساب الشعراء ،إذ يحاورهم إبليس ح��ول خ�ط��اي��اه��م وك��ذب �ه��م ،يكشف ه��ذا مقدار القلق الذي ينتاب الشاعر وإحساسه بالمعضلة األخالقية التي تلح عليه ،وتتجلى ف��ي شعره، فكأن الشاعر في حديثه هذا يفرغ ما بداخله من خوف ،على شكل تطهير أرسطي ،ويضع تساؤال في مواجهة نفسه. منزل أبو شبكة
اجلوبة -صيف 1430هـ 47
حضور مكثف للمرأة في شعره ،من خالل قصائده التي يعبر فيها عن عشقه لبعض النساء ،منها «غلواء» وقصيدة «التجلي» (العهد الثالث).
ولتقترب من النرجسية بقالب ثنائي، يحمل شيئا من نكهة الشكوكية التي يألفها الشاعر.
وم��ن الناحية الفنية ،تشير ريتا ع ��وض ف��ي م �ع��رض دراس �ت �ه��ا حول ونورد هنا بعض األبيات ،تعبر الشاعر ،إلى أن الشاعر عامة ،يسير ع��ن ه ��ذه ال �ن��زع��ة ن �ح��و الطبيعة بقصائده بنفس رومانسي ،محاوال المتسقة بحضور ال �م��رأة ،ضمن التجديد في الشكل الفني ،من خالل ت ��راب ��ط ع� �ض ��وي ،ك �م��ا ف ��ي هذه التنويع ف��ي ال�ق��واف��ي ،واالق �ت��راب من األبيات من قصيدة (ألحان الشتاء)، ونلمح فيها مظاهر الطبيعة متجلية في حركة الموشحات األندلسية ،ويضاف إلى ما سبق.. اعتماد الشاعر على الصور الشعرية ،واالرتفاع دائرية من البعث والتجدد: باللغة أحيانا إلى درجة شعرية عالية جدا ..كما األرض وبا ِ �����ادت ال���م���زنُ إل���ى عَ ِ َح ب��األع��اص��ي��رِ وب��ال��ث��ل ِ��ج الجَ بل في قصيدة الصالة الحمراء. في الثّرى جهدٌ وفي الج ِّو كفاحٌ مما ال ش��ك فيه أن الشاعر ق��د اتكأ على وعَ ����ل����ى ال����دُّ ن����ي����ا أم����ان����ي وأم����ل َضت فالشجَ ـ ــرُ نشـ ــوان وم��ا َنف ْ ّ ��ص��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ب��ا إال عس ـ ـ ــل عَ ���ن���هُ ال ّ وه��ذه قصيدة أخ��رى يتحدث فيها عن تلك المرأة التي أحبّها: ُ��ك ه��ذا أَم جَ مالي فَإِ نَّني جَ ��م��ال ِ فيكإِنسان ًاجَ ميلَ الهَوى ِمثلي أَرى ِ َوه��ذا الَّ��ذي أَحيا بِ ��هِ أَن ِ��ت أَم أَنا وَهذا الَّذي أَهوا ُه شَ كل ُِك أَم شَ كلي لح ِّب ��ح��ل ِ��م لِ ُ َوح��ي��نَ أَرى ف��ي ال ُ أ َِظل ُِّك يَجري في َضميريَ أَم ِظلّي َت�� َربَّ��ع ك��لُّ ال ُ��ح ِّ��ب ف��ي كُ ��لِّ م��ا أَرى أَم روحك الكُ لِّيِّ هذا السنى الكُ لّي
العديد من ال��رواف��د الثقافية ،وخاصة الدينية منها ،مصحوبة ب�م��ؤث��رات لبعض أع �م��ال كبار الشعراء الغربيين ،حيث هجر الشاعر أبو شبكة ال�ت�ق��ري��ري��ة وال �خ �ط��اب��ة ،وت �ح��ول إل��ى استخدام ال��ص��ورة ال �م��وح �ي��ة ،ذات ال�م�ع��ان��ي المتعددة، واألبعاد الرمزية ،وأبدع في رسم لوحات معقدة تزخر باأللوان والحركة ،والتي تتكئ على تفعيل الحواس عبر القراءة.
ثمة في النهاية م��ذاق آخ��ر للعالم الشعري الذي أبدعه إلياس أبو شبكة ،فهو شاعر مرهف اإلحساس.. ومختلف ف��ي ط��رح��ه ال�ش�ع��ري ،عبر ح��ال��ة ال ب��د أنها تحمل شيئا من التفرد والتميز ،لعل أهمها عمق العنف التأملي لفلسفة الحياة وغموضها؛ بنبرة تشاؤمية -إلى وف���ي ش �ع��ره..ن �ل �ح��ظ ت� �س ��اؤالت ذات عمق حد ما -طبعت الحصيلة الشعرية لشاعر يعد بامتياز فلسفي ،تعكس التماهي بين شخصيتين في من العالمات الشعرية العربية التي اتسمت تجربتها ح ��وار ج�م�ي��ل ،ت��رت�ف��ع ف�ي��ه ل�غ��ة ال� ��ذات ،لتطغى بالهدوء ،ولكن مع كثير من الجمال والشعرية الخالصة. * شاعر وناقد.
48
اجلوبة -صيف 1430هـ
املقعد اخلالي
> ابتسام التريسي*
يصطد ُم بقدمي فأرتعش ،يهتز مراراً ،أنحني فوق يده المتشنج ُة حول عنقي ،أضغطه إلى قلبي محاولة ألمس حشيتَه بأصابع أثلج حزنها فغدا استعادة نبضه ،لكنّه يف ّر م��ن أصابعي ت��ارك�اً برود ًة ُ خشبه البارد، مخيفة .أغفو على وجع يسحق روحي ،وأستيقظ فزع ًة البيت صقيعاً .تنهمر دموعي قاسية الوقع. ما تزال حرارة جسده الملتحمة بنسيج الغطاء ،تمدّني من كابوس يالحقني ،زرق � ٌة مخيفة تغطي مالمحه، بالثقة أنّه هنا ..في مكان ما ،أهمس مرتعشة :يا قلبي .أركض إلى كرسيه وبيدي كأس الماء وحبة الدواء. الكرسي الفارغ يتأرجح بألم ويصر بأنين مكتوم.. يأتيني ص��دى الصوت صمتاً ،يتمدد في رأسي، يتضخم ،يقرعه بعنف ،فتجحظ عيناي في محاولة تشدني عيوني المتورمة إلى النوم ،ألراه هناك ،امتداد األخضر في عينيه يقطر ألماً ،وأسنانه تكز على شفتيه فاشلة الستحضار مالمحه. برعب .يطحنني السؤال :كيف أخفف عنه ذاك األلم؟ في الحلم ..يداعبني بيد حريرية الملمس ،يسحبني صحوت فزعة ه��ذا الصباح على ص��وت ارتطامٍ وراء صمته حتّى االختناق ،يهمس على إيقاع اللهفة في ضلوعي ،تلفح حرارة أنفاسه أذني ،أعاود التصاقي به ،عنيف ،ركضت صارخة باسمه صرخ ًة شقّت ضلوعي، ع ّل التحامَنا يعيد الروح إلى الجسد البارد ..لع ّل الشمس وهزّت باب الشرفة في يدي .كان هناك ،مرمياً على المتوارية وراء ضحكته تغمر جسدي ب��دفء حضوره ال �ب�لاط ال�ن��اع��م ي��رت�ع��ش م��ن ال �ب��رد ،وب �ح��ذر حاولت الصامت أب��داً ،يسمّرني أل� ٌق في االبتسامة ،فأتشبث حمله ،ترنح بعيداً عن أصابعي .عصفو ٌر صغير ،ريشه بأهداب النوم ،وأغوص تحت اللِحاف .كم م ّر من العمر ال��رم��ادي المبتل ،ون�ظ��رات��ه ال�ح��ائ��رة اقتلعت روحي. وأنا أنتظر تلك االبتسامة الّتي تغسل وجودي من الجدب ثانية حاول الطيران فاصطدم بزجاج الشرفة وارتطم بغيث يهطل في القلب ويروي الروح؟ كم حلمت به يمأل باألرض ،ارتعد قلبي معه من األلم ،محاولته األخيرة نجحت في إيجاد الطريق خ��ارج الشرفة ،حين رأيته جنبات البيت مرحاً ،ويعطي حياتي معنى؟ ويحط على شجرة جوز قريبة ،هدأ ّ يطير تحت المطر سنتان مرّتا على رحيله ،وم��ا ي��زال يتنقل بخطو قلبي ،ورأيت مالكي يبتسم ،كان حضوره مختلفاً ،م ّد متعثر في أرج��اء القلب ،وم��ا أزال أراه مربوطاً إلى يديه الصغيرتين ،وألوّل مرّة نطق ببطء حروفاً تشوقت كرسيه بالعجز والمرض. لسماعها وهو حي :ماما الكرسي الفارغ يصرخ بي ،يصفعني بحقيقة الغياب ثانية اصطدمت بكرسيه الخالي ،تأرجح قليالً، كلّما نظرت إليه في الزاوية .كم مرّة حاولت إقصاءه عن ابتسم لي ،الهمس الدافئ غمر روحي :ماما. ناظري ،فلم تطاوعني يدي ،أين يجلس حين يعود؟ أشعر أغمضت عينيّ على مالمحه المالئكية. أنّه هنا ،في فضاء الغرفة تتحرك روحه ،أسمع أنينه حيناً ،وحيناً يغتالني صمتُه ،ونظرةُ عينيه المتألمة. جالساً بهدوء في كرسيه ،يتأرجح قليالً ،ثم يغفو. بشفتيّ أقيس ح��رارت��ه المرتفعة ،فجأة تتراخى *
ق���������ص���������ص ق������ص������ي������رة
موتي هو موتك ما دمت أحيا ،فأنت هنا دائماً ،تتحرك في األمكنة نفسها.. تتنفس الهواء ذاته ،وتبتسم لغنائي!
إلى قيس ،حيث سألقاه يوماً.
قاصة من سوريا.
اجلوبة -صيف 1430هـ 49
احلاملة
> نادية العسري*
ن��زل��ت ال ��درج بخطوات ثقيلة ،خلعت نعليها واتجهت نحو البحر ،ووقفت على شاطئه ،وقد خال المكان إال من صياد جالس على صخرة، وصنارته ملقاة في البحر ،وبين الفينة واألخرى ينظر إلى السماء متمتما بالدعاء ،وعلى مقربة منه رس��ام وض��ع لوحته على عمودين خشبيين كانت أمها تخبرها دائما -وهي تطعمها أو يتحين لحظة ال �غ��روب ليبدعها عليها .وقفت تعطيها الدواء -بأن والدها كثيراً ما المها عندما وعيناها الناعستان شاخصتان في األفق ،ومياه أنجبتها .فقد كان ينتظر مولوده األول الذكر .وها البحر تداعب قدميها اللتين أتعبهما الوقوف طول أنت ..لوالك لمتنا جوعا ،وكما ترين ..إخوانك ال النهار في المصنع ،فقد نشأت في أسرة تعترف فائدة ترجى منهم. بحق ال�م��رأة ف��ي ال�خ��روج للعمل ،ب��ل إن والدها لم تكن تدري ..هل كانت أمها تقول لها هذا وإخوانها الثالثة تخلوا لها عن كامل مسئوليتهم، ال�ك�لام احتفاء ب�ه��ا ،أو م��واس��اة ل�ه��ا ،لكنها قد لتصبح -هي -ولي أمر أسرتها. اعتادت على كالم أمها ،كما اعتادت على حياتها، لم تتمكن من إتمام تعليمها ،واضطرت للعمل وكان الشيء الوحيد الذي يكسر روتين حياتها، صغيرة كخادمة في المنازل ،لتقضي طفولتها هو عالم أحالمها الجميل المليء باألمل ..بأن وب �ع��ض شبابها متنقلة م��ن م �ن��زل آلخ ��ر ،ومن تتزوج رج�لا يعوضها سنوات حرمانها ،وتربي م�ع��ان��اة ألخ��رى أش��د منها ،إل��ى أن استطاعت فيها أبناءها على ض��رورة العمل ،وت��رى بناتها أخيرا أن تجد لنفسها -بالواسطة والرشوة -يذهبن إلى المدرسة فالجامعة ،أح�لام رافقت عمال في مصنع من مصانع السمك المنتشرة غروب الشمس ،لتعود معها ..وتعود حاملتها إلى هنا وهناك -في المدينة ،يضمن لها أجرا عالمها الواقعي في بيتها وعملها ..كما غادرشهريا يكفي مستلزمات بيتها ودواء والدتها الصياد بعد أن ضمن رزق عياله ،ول��م يبق إال المقعدة -نتيجة إصابتها بمرض في عمودها ص��ورة تلك الحالمة على لوحة ال��رس��ام ،الذي الفقري ،سببته آلة الخياطة التي عكفت عليها ربما وجد في قوامها النحيل ،ومالبسها الرثة ط��وال عمرها ،ورافقتها من منزل والدها إلى موضوعا للوحته.. منزل زوجها ،وبرزقها اليسير ربت إخوتها ومن بعدهم أبناءها ،-إال أن األجرة الشهرية كانت ال تكفي أحيانا ،ما يضطرها لالستالف ،من أجل دفع غرامة مالية عن أحد إخوانها في تهمة سكر علني ،أو اعتداء ،أو حيازة مخدرات!..
*
50
قاصة من المغرب
اجلوبة -صيف 1430هـ
ق���������ص���������ص ق������ص������ي������رة
سبع قصص قصيرة جدا
> شيمة الشمري*
عقوبة فقد األم��ل وتوشح ال �س��واد ..س��ار في
طريق متعرج مليء باألوبئة..
فقد عقله ..مضى زمن وهو يتابع البكاء
وتنتابه نوبات من الضحك والصراخ..
األطفال يحومون حوله ويضحكون!
ت�س��رب��ت م�ن��ه ك �ق �ط��رات ال� �م ��اء ..غرق حزنا.. هي ..تنظر وتعبث برمل الساحل.
صراخ ت�ع��ال��ى ص ��راخ الطفلة وه��ي تلعب مع قريناتها ..والدتها ترقبها بسعادة..
شعرت به بركانا ثائرا ..حاولت الهروب
ط �ل �ب��ت م �ن �ه��ا إح � ��دى ص��دي �ق��ات �ه��ا أن تهدئ صغيرتها فقد بحَّ صوتها من كثرة الصراخ..
ج��ذب�ه��ا حنين وش� ��وق ..ع ��ادت لتجده
تبسمت األم قائلة :دعيها تتعود على الصراخ ,غدا تصبح زوجة!!
عــودة منه ..ابتعدت ,وابتعدت أكثر..
يغني بحرقة وألم( :لسه فاكر!!)..
فرصة ل�م��ع ف��ي ح�ي��ات�ه��ا ك��ال �ب��رق الخاطف..
أغمضت عينيها لحظة..وعندما فتحتها كان قد اختفى!!
تسرب.. ت�ع��اه��دا على اإلب �ح��ار م �ع��ا ..غامرا..
هاجمتهما موجة شرسة..حضنها.. *
مرحلة م َّر بها عابرا ,بينما كانت تؤثث قلبها ليسكنه مدى الحياة!!
عمق خ� ��ارت ق� ��واه أم� ��ام ت �ل��ك العاصفة.. اس �ت �س �ل��م ..ف �ت��ح ذراع� �ي ��ه ل �ت��أخ��ذه حيث تريد.. أما هي فقررت الولوج إلى أعماقه..
كاتبة من السعودية
اجلوبة -صيف 1430هـ 51
املجاعة
> د .سناء شعالن*
«يحدث ك ّل شيء في زمن المجاعة» اس�ت�خ��دم الستكمال تمثاله ال�ص�خ��ري ال��شّ �ع��ر اآلدمي، واألظافر البشرية وبقايا المالبس المهترئة ،الباقي الوحيد بعد الموت من أولئك الذين سقطوا في قبضة الموت ،بعد هذه المجاعة الشرسة ،التي طرقتْ بيوت الفقراء والمعدمين، وعاثتْ تحطيماً في أجسادهم ،وقعدتْ بهم دون الهرب أو االستغاثة أو الثورة عليها ،وأكلتْ من أجسادهم حتى بشمتْ ، وتقضب على عظام ّ بأجساد ذات جلد تهدّل ٍ وظلّوا جائعين، وهنة بعد أن ذاب دهنهم. الضنك ك��ان ن��حّ ��ات�اً م��وه��وب�اً ف��ي زم��ن ّ والفقر ،ولكنّه اآلن ليس أكثر م��ن حفّار ق �ب��ور ،أو ح��ان��وت��ي ق��ات��م ي�ح�ت��رف تشييع الموتى ،ويُتقن إهالة التراب على األجساد التي اقتاتها الجوع ،ويستثمر الباقي القليل، مما لن يمانع الموتى بسلبهم إيّاه في إكمال تمثاله الصخري ،ال��ذي ق �دّه من الصخر منذ زمن ،وأضنى ذهنه تفكيراً وتدبّراً في أيّ األشكال سينحَ تْ منه ،فك ّر في أن ينحته
52
اجلوبة -صيف 1430هـ
على شكل جواد السلطان ،لكنّه تراجع عن الفكرة ،إذ إنّ السلطان يحبّ الخيل البريّة ال ال�ص�خ��ري��ة ،وف��ي م��رة أخ ��رى ف� ّك��ر بأن ينحته على شكل حسناء ممشوقة القوام، لكنّ الحرمان الذي تحرّك في داخله أورثه غصة خنقتْ أنامله ،فمنعته من أن ينحته ّ كما يحبّ ،وآل ق��راره إل��ى أن ينحته على شكل طفل صغير يستجدي المارّة بدموع صخرية خالّبة ،وخمّن أنّه سيجني الكثير
يسعدون باقتناء فنون الحزن ،ويكمّلون بها رفيع دون رحمة أو نظرة عطف.
أث��اث�ه��م ون ��ادر ممتلكاتهم ،وال عجب ف��ي ذلك؛
المشهد الرهيب هو من احت ّل قريحة النحّ ات،
فالفقر بالمجّ ان ،والفقراء هم من يبدعون الفنون ،وأم�ل��ى على ط��رق��ات إزميله الصغير أن ينحتَ في حين أنّ األغنياء هم من يستمتعون بها. تمثاالً كبيراً على شكل مشهد موت عجيب ،إذ أنّ
غضة ،وتتنزّى لكنّ المجاعة المفترسة جعلته يتراجع عن الموت عمالق أسود يلوك أجساداً ّ
ق���������ص���������ص ق������ص������ي������رة
من المال من هذا التمثال الحزين؛ إذ أنّ األغبياء الجوع قبضته المهترئة على الجياع ،ومحقهم
تمثاله ال�ص�ب��ي ال�م�س�ت�ج��دي ،وشغلته بالموت من بين قبضيته أش�لاءٌ وأعضاءٌ شبه مهروسة،
وبالموتى ،فقد داه�م��تْ المجاعة المكان على وتحت قدميه تجثو غربان سمينة تلتهم بشهوة غير غرّة ،فقد كان من المتوقّع أن األمور ستزداد م��ا يسقط م��ن بين ي��دي��ه ،ول�ك��ي ي�ك��ون التمثال
سوءاً ما دام الوالي يضيّق الخناق على المواطنين ،أكثر صدقاً واستحضاراً لهيئة الموت البغيضة، ويرهقهم بالضرائب المضنية ،ويشاركهم حتى في فقد استعان النحّ ات الملهم بشعر بعض الموتى،
سعاداتهم ،في حين أنّ السلطان يمارس رياضاته وأظافرهم ومالبسهم ،وثبّتها بين يدي التمثال المفضلة. ّ
الموت ،فكان التمثال حقيقة مجسّ دة للموت الذي
أ ّم��ا ال�ش�ب��اب م��ن ال��رع�ي��ة ،فقد ك��ان��وا نذوراً يصهر المستضعفين دون رحمة.
وقرابين لحروب يع ّز أن تُحصى لكثرتها ،تشتعل
المجاعة والموت الرهيب وأ ّن��ات المنكودين،
ف��ي ب�ل�اد غ��ري�ب��ة ،وألس �ب��اب ال تعني أمّهاتهم ،لم تمنع المترفين من أن يستمتعوا بما تجود به وال تستف ّز ن�خ��وت�ه��م ،وإن ك��ان��ت أس �ب��اب �اً كافية قرائح الملهمين الجياع ،وأيدي الفنّانين الفقراء،
لكي يحتكر التجّ ار والمرابون السلع واألغذية ،دي��وان الثقافة أق��ام معرضاً تسجيلياً للمجاعة، ويقصرونها على أص �ح��اب ال��دراه��م الذهبية ،ش��ارك فيه الفنانون الجائعون م��ن ك � ّل البالد،
ويبقى الهواء الموجود المجاني الوحيد مالذاً وفي قلبه انتصب تمثال المجاعة الموت الذي للبطون الفارغة.
حصد الكثير من الجوائز والصور والمقابالت
المجاعة كانتْ أقوى من أن تهزمها المدّخرات التلفزيونية والصحفية.
القليلة ،والمؤن القديمة ،واألعمال ذات األجور
اقتربت تلك اإلع�لام� ّي��ة الثريّة المترفة من
المتدنية ،والحدود الصحراوية التي تحنق البالد ال �ن��حّ ��ات ،وس��أل�ت��ه بفضول ض��ارب��ة صفحاً عن
أشرس من أن يقطعها الجياع فارين الئذين بالعدم حذائه المهترئ ال��ذي تتفلّت منه أصابع قميئة مما هم فيه؛ لذا ،فقد استكان الجميع أمام الجوع ،متسخة ،وقالتْ له« :أأنت من صنع هذا التمثال؟»
الحرَاب ذات األنصال الالمعة إثر ابتسم النّحات ابتسام ًة كسيرة ساخرة ،وقال لها وتراجعوا أمام ِ
تتبعّهم لروائح موائد األغنياء والمترفين ،فأحكم بال أدنى اهتمام« :بل أنتم!!!» *
كاتبة وقاصة من األردن.
اجلوبة -صيف 1430هـ 53
قلوب شائكة
> لولوه العتيبي*
سؤال يراودني كثيرا .شغلني..لم أجد فيها األش � ��واك ..عندها ف �ق��ط ..أعرف له جواباً ..أو تفسيرا لما يجري.. اإلجابة ،وأشبع فضولي!!.. [هل للحب وطن في قلوب ال تنبت إال األشواك..؟!].
من أنا.؟؟ اسمي ..يحمل غموض كتاباتي.
ربما يجيب بعضهم ..نعم ،هناك وطن.. بل هناك إمبراطورية تحكم عقل وقلب من هواياتي ..حزن قسري دائم. استولى عليه ..وآخ��ر يجيب ب��أن ال وطن للحب في قلوب أولئك الناس..ربما ،ألنهم جنسيتي ..متعددة في عالم مشاعري. لم يتذوقوا الحب أو يعرفوا معناه ..وربما، وط �ن��ي ..ك��وك��ب إن�س��ان��ي رق�ي��ق يغطيه ألنهم لم يدفعوا شيئا ثمنا ل��ذاك الحب ،صمتي. حتى يشعروا بقيمته وأهميته في حياتهم.. بيتي ..زوايا الخيال ووقائع عالمي وآخ���رون ي �ج��دون ألنفسهم إج��اب��ة مقنعه أكلي ..أوراق مجلدات!!.. تماما ..وهي أن الحب ليس له وجود في حياتهم ..ليتخذ من قلوبهم موطنا !!..وهم شربي ..حبر أقالمي!! أصحاب القلوب التي ال تنبت إال األشواك، م� �خ ��دع ��ي ..أس� �ي ��ر األرض وسجين لتقتل كل من يحاول االقتراب منها ..ليبدل األفكار. تلك األشواك ورودا!!.. أحالمي ..أحالم يقظة تصطدم بالواقع أما أنا ..فلكي أجد جوابا لهذا السؤال ..عندما أستعيد وعيي. سأذهب بعيدا !!..سأرحل مع الذكريات.. «ه��ذا أن ��ا ..إن ق�ب�ل��ت ..فعلى الرحب سأعيش معها حتى أرى إ ْن ك��ان للحب والسعه ،وإال ..فقد اختصرت الطريق الى مكان في قلوب َم ْن حولي ..أم عَ شْ عَشتْ النهاية». عمري ..شتات سنيني.
*
54
سكاكا -الجوف
اجلوبة -صيف 1430هـ
ق���������ص���������ص ق������ص������ي������رة
قصة لألطفال ..واحة الغزالن > إبراهيم شيخ* في واحة صغيرة وسط الصحراء ،كانت تسكن مجموعة من الغزالن ..كانت في سعادة غامرة بسبب خلو الواحة من الحيوانات المفترسة ،وبعدها عن الغابة وعن التجمعات السكانية ،ما أكسبها جوا من الهدوء والسكينة ،جعلها تتكاثر وتزداد أعدادها حتى مألت الواحة .عرفت الواحة بواحة الغزالن ،سكانها الغزالن والحيوانات الضعيفة كاألرانب والفئران والضفادع ،والتي ال تضايق بوجودها الغزالن ،أو تسبب لها أذى.
في الغابة البعيدة عن الواحة ،خالف الضعيفة هم سكانها فقط. فيها أسد ونمر وذئب وثعلب ،النظام السائد لمح أحد الغزالن األسد والنمر والذئب
هناك فقام سكان الغابة -من الحيوانات والثعلب وهم يدخلون إلى الواحة .فجرى بطردهم ،خرجوا يبحثون لهم عن مأوى -وه��و خائف وج��ل -إل��ى زعيم الغزالنوبعد عناء ،شاهدوا عن بعد واحة تلوح لهم وباقي الغزالن الموجودين معه وقال: وسط الصحراء ..فرحوا بها فرحا عظيما، لقد تحول أمن واحتنا إلى خوف وهالك فتوجهوا نحوها ،وزاد فرحهم بعدما علموا وموت محقق. أنهم ه��م ال��وح�ي��دون فيها م��ن الحيوانات تلقته الغزالن تسأله بصوت واحد: المفترسة ،وأن الغزالن وبعض الحيوانات
اجلوبة -صيف 1430هـ 55
وما سبب ذلك؟ رأيت أسدا ونمرا وذئبا وثعلبا ،دخلوا الواحةوهم اآلن يسيرون فيها ،كي يعرفوا من فيها. دب ال ��ذع ��ر ف ��ي ق �ل��وب ال� �غ���زالن ،وأخ� ��ذوا يتصايحون ،فحذرهم ال�غ��زال الزعيم من ذلك وقال لهم: ب��دال م��ن ال�ص�ي��اح ..تعالوا نفكر ف��ي حليخرجنا من هذه المشكلة المحدق خطرها بنا، ولكي نخرج منها بأقل الخسائر. ل��م يستطع ال��غ��زالن التفكير م��ن الخوف، وم �ك �ث��وا م�ج�ت�م�ع�ي��ن ف ��ي م �ك��ان �ه��م ،وج� ��اء أمر الزعيم باالنصراف إلى بيوتهم ،وتوخي الحذر أنا لها يا زعيم الغزالن ،لكن قل لي ماذاعند الخروج والسير في الواحة حتى ي��رى هو استطيع عمله من أجلكم. ومستشاروه حال مناسبا. تستطيع ع �م��ل ال �ك �ث �ي��ر ،ال �س��ت األلمعيبات الزعيم يفكر ويفكر حتى قبيل الفجر، المشهور بالذكاء؟ والحت له فكرة ..فجرى إلى مستشاريه قائال: وازداد غرور الثعلب وقال: لقد وجدت حال لمشكلتنا وأظنه مناسبا، بلى ،بلى يا زعيم الغزالن ،لكن قل لي ماذالكنه يحتاج صبرا وتحمال حتى تتحقق النتائج. أفعل ،وما هي مكافأتي إن نجحت في مهمتي. وما الحل؟ ستكون مكافأتك في العيش معنا بمفردك أملنا الوحيد -بعد الله -هو الثعلب.ونتخذك حاكما لواحتنا ،أمرك مطاع ورغباتك الثعلب!! ،كيف؟مستجابة. ستعرفون فيما بعد ما اقصده. قل يا زعيم ال�غ��زالن ..فأنا مشتاق للعملظ��ل ال��زع�ي��م يتحين ال�ف��رص��ة للقاء الثعلب من اآلن. بمفرده ،وتحقق له ذلك ،والتقى به ..فبكى عنده تستطيع أن توقع بين األسد والنمر والذئب،وقال: فيقتل بعضهم بعضاً ،ونتخلص منهم جميعهم. يا سيد السباع ..نحن مجموعة الغزالن في عرفت ،عرفت ،أيها الزعيم..سوف أبدا منمشكلة ال يستطيع مساعدتنا في حلها غيرك. اآلن. انتشى الثعلب غرورا وقال: اجتمع األسد برفاقه أول وصولهم إلى الواحة،
56
اجلوبة -صيف 1430هـ
لقد انتهك حماك أيها الملك!!! غضب األسد وزأر بشدة ثم قال: ومن يقدر على انتهاك حماي؟!. النمر ..هو من انتهك حماك أيها الملك.عينوه ملكا عليها ،طلب منهم أن ال يتصرفوا في شيء إال بعد الرجوع إليه. خرج النمر يتمشى..رأى ظبيا صغيرا أعجبه، فافترسه في الحال. أصاب الهلع مجموعة الغزالن ،ظن الزعيم أن الثعلب خدعهم.. لكن الثعلب استغل الحادثة ،وجاء إلى الذئب قائال له: المفروض أن ال�غ��زال الصغير ل��ك ..فهوأطيب لحما. ماذا أفعل بالنمر المتطفل؟ أوق�ف��ه عند ح��ده ..وإال تجرأ وقتل باقيالصغار ..ولن تذق لها طعما.
ق���������ص���������ص ق������ص������ي������رة
الثعلب متظاهر ب��ال�ح��زن العميق والغضب لساحة األسد:
وأنى له ذلك؟بدا الثعلب وكأنه حزين لما حدث: قتل واحدا من رعيتك من دون ذنب جناه. ومن؟! هيا قل ..فلم يعد لدي صبر. قتل ال��ذئ��ب المسكين ي��ا س�ي��دي ،ألن��ه هوالحاكم للواحة كما يقول. استشاط األسد غيظا ،وتوعد بإنزال أقصى العقوبة بالنمر. أسرع الثعلب إلى النمر وقال له: اح ��ذر م��ن األس ��د ي��ا س �ي��دي النمر..فهوغاضب منك ويهدد بقتلك إن رآك. غضب النمر وأب ��دى اس�ت�ع��داده للدفاع عن نفسه ،وإظهار قوته للجميع.
اس�ت�ش��اط ال��ذئ��ب غضبا ،وان�ط�ل��ق م��ن فوره التقى األسد والنمر في لقاء مرتقب ،ووقعت بري، أرنب ٍ يبحث عن النمر ،أدركه يحاول صيد ٍ معركة حامية الوطيس امتدت حتى الليل ،وانتهت ناداه الذئب ،فهرب األرنب ..غضب النمر ،ودخل ف��ي ال�ي��وم الثاني بموت االثنين معا ،وق��د خال في معركة مع الذئب ،راح ضحيتها الذئب. المكان للثعلب ،فجاء يريد العرش الموعود به.. انطلق الثعلب إلى األسد يبكي ويمرغ وجهه فتجمعت عليه ال �غ��زالن ،ونطحته بقرونها في التراب ،فزع األسد وأقبل عليه يزأر ويهدد: حتى ألحقته بأصحابه ،وعاد األمن للواحة من روي��دا أيها الثعلب المسكين ..حدثني بما جديد. وقع. *
قاص من السعودية
اجلوبة -صيف 1430هـ 57
البرتقالة
*
58
> د .يوسف العارف*
كأن احتباس المآقي..
وإذ يحتفون بأيامنا المشرقيةِ ..
-إذا الفجر سال -
يذكرون..
عصيرٌ من البرتقال..
خيال مطهمة ً..
مزنةٌ هطلت من خيال..
وسرج ًا فراتيا..
أو الزعفران ُ تشرنق في قهوة..
«وغسقة ِعطره تِ حلى»
عتقتها يدٌ من حالل!!
إذا الليل سال إلى آخره..
كأني أعيش لظى يومها البكر..
واكتوينا بم ِّر المآل!!
أستمطرُ الشع َر حاذق القافيات..
هي البرتقالة..
ونرجسةً ال تطال!!
رمز لهذا الزمان..
هي البرتقالة..
وهذ 1الذي فاض من عروبتنا..
أوعزتْ للحروف أن تكتبني..
وأوغل في إرثنا والمكان..
أن تهيل من الذكريات الطوال..
وأوشك أن يعترينا سراب الفحولة..
ألق ًا سرمديا..
لكنها فتنة من وبال!!
وحزم َة ضوءٍ ..
هي البرتقالة..
وزنبقةً من سؤال!!
إذ ينتمي للجواب سؤال..
هي البرتقالة:
ويزهر من لغتي..
إذ يبتدرون الحديث..
وحروف التعجب..
تكون المثال،
ألف سؤال..
وإذ يحتكمون إلى امرأة..
وينبت في شفتي..
تكون الجمال،
ألف سؤال..
شاعر من السعودية
اجلوبة -صيف 1430هـ
ش������������������������������������ع������������������������������������ر
بني غبار الثلج ونعومته! > مالك اخلالدي* وهل للثلج غبار؟! سؤا ٌل يسابق بقية الحروف ،ويلج أسماعنا مبكراً قبل أي هطول، (غبار الثلج) ربما كان بدعاً من القول ابتكره الشاعر األمريكي (روبرت فروست) ،منطلقاً �راع دائم ألجل من فكرته السلبية تجاه الطبيعة ،إذ يرى أن اإلنسان والطبيعة في ص� ٍ البقاء. وإليكم ترجمتي لقصيدتين قصيرتين جداً ،أعرض فيهما فكرتين متناقضتين:
(غبار الثلج) روبرت فروست الغراب ِ طري ُق يُـساقط فوقي غبار الثلوج من تلكم الشجرة السامة. لقد من َح فؤادي تغيراً في المزاج، و اختص َر شيئاً من اليوم؛ آسفاً! فأصبحتُ ِ
(الثلج الناعم) وليام بليك
يوم مُـثْـلج مشيتُ في الخارجِ في ٍ
سألتُ الثلج الناعم أن يلعبَ معي لقد لعِ ـبتْ وذابتْ في ريعان شبابها الشتاءُ أسمى ذلك جريم ًة بشعة! *** في حين يخل ُع فروست رداء التشاؤم على عناصر الطبيعة ،كالطريق والثلج ال في الثلج مصدراً والشجرة ،فيرى مث ً لغبار الشجرة السامة ،ن��رى بليك ..وقد ج�ع��ل م��ن ال �ج �م��ال األن��ث��وي ث�ل�ج�اً يذوب ضحي ًة لتصرفات بعضهم الخاطئة. يسي ُر نهرا القصيدتين متوازيين حتى نهاية حزينة. يلتقيان في ٍ
* سكاكا -الجوف.
اجلوبة -صيف 1430هـ 59
أعطني ..نايا أغني > ميسون أبو بكر* غني مواويل البالد.. واألقصى للبحر غنـّي.. ُص من حنيني فأخلـ ُ للمنافي إنَّ قيدي من حنين ٍ واشتياق.. لألحبة في المنافي.. للشواطئ ..للحياة غنّي مواويل الحنين غنـّي مواويل الغياب.. يا ميجنا يا ميجنا ويا ميجنا حتى يشيخ اللو ُز كانوا هـِنا من دمع الحنين.. كنـّا هـِنا ..ما ودعونا احبابنا.. الحقول ِ ويفوحُ ليمون ُ غنـّي ..لعلَّ البحر َ يـُرجعُ من سبا ُه الموجْ الغيمات عطرا وانتشاء.. ُ فتحبلُ ��ول الضوءِ ��س ت��ع��ت��قُ ف��ي ح��ق ِ ل��ع��لَّ ال��ش��م َ غنـّي مواويل البالد.. زهرتـ َها موج البحر ل�ل�أه ِ���ل ..ل��ل��زي��ت��ون ..للماضين ف��ي رحم لعلَّ الحو َر تكسرُ قي َد ِ التراب ثمَّ تخرج كالحقيقةِ غنـّي لدالية ٍ تروِّيها حروفـ َُك غني.. والظاللُ بفيئها «ثقوا بالماء يا سكان أغنيتي» األحباب ضمهمُ الهوى ِ دُ نيا من غنـّي ألبكي.. والذكريات ..مواجعٌ ُ أفيض بما امتألت َ كي ال إ ْذ غادروا وتفرقوا ثم أشرق بالحروف وبالحنين.. غياب.. ْ غنـّي ..لعلَّ الصوت يُ ـرجع من غني لكل الكائنات غنـّي.. للتين والزيتونْ .. واللوز والليمونْ أحبك أن تغني البري.. ّ ل ّليـلك فاعطني نايا..أغني غني ..فمثلك للحياة واعطني قلبا أخبئُ فيه همـّي مثلي.. والحكايا.. اعطني روح���ي ت��رف��رف ف��ي ق��ب��اب القدس مسافرُ في منافي العمر * شاعرة وإعالمية عربية.
60
اجلوبة -صيف 1430هـ
والقفر؟!
> سعد بن سعيد الرفاعي* و للبحر ما للقفار.. له أنجمٌ في ضحى الليل تزهو له فكرةٌ أوغلت في الغموض.. له لمعةٌ تنتشي بالنهوض! مركب ٌ له عبقري القرار!! *** و للقفر ما للبحار.. لها البدء.. قد برعمته الشجون تنامت به.. رحلة للـ(يكون) لها النشأة البكر.. ما مازجت عينها قطرةٌ من بحار!! *** و للقفر ما للبحار لها العمق.. يسرد شتى الحكايا لها الريح.. تزرع ..تنزع.. تصخب باالشتجار لها الرمل يحكي..
لعرافه لها النجم يهفو إلى ومضةٍ من نهار *** و للبحر ما للقفار.. به الدر.. إذ يعتليه المحار له الموج.. يضرب في دوحة الماء.. يعلن أعراسه النتشاء الزبد له الرق.. في جوفه الرزق.. من حوله العشق.. حدث عن قصةٍ ختمها للبدايات من دهشة لم يلد!! *** و للبحر مثل القفار.. له ..بل لها.. أو لكم ..أو لنا.. أو لهم صهوة شارفت عنو ًة للنهار!! وجودٌ يتوق.. وأبجدةٌ تشتهي جد ًة من حوار!!
ش������������������������������������ع������������������������������������ر
ثنائية البحر
* شاعر من السعودية.
اجلوبة -صيف 1430هـ 61
تَاري ِ ُ خ الطمأنينة!.. > علي العسيري* ربّاه نفحها طمأنينَ َة النيَام َو سكبتُ م ْن ِ ض ��جَ � ٍ�ر َف ��دل � َ ُق� ��دَّ ُع� �م ��ريْ م� � ْن َ �س التي ُه فبتُّ مجذوعاً مُغرورَقاً إلى حيثُ ل ْم يُخل َق يُرفرفُني اإلِياب خبَاالً ,ال يهف ُّه بش ٌر قة تُجيِبُ علِى التفكيِر إِلى سمَاءٍ سامِ ٍ ِحة عدَا امرأََةٍ سَ اقهَا الزم ُن فيْ صبي ٍ تَطميَ الوَاقِ ع خُ لباً بي َن أكفَانِ الغُيومِ قحط الريَاض, ِ َيب َو تنا َء دونهَا و َر ُع الغ ِ ألبت ُّل ِشعراً م ْن اغتِسالِ عينيهَا عل َى يدِ هَ ا َو َم ��ا اغ � ِت �س��ال��ي ف ��يْ ع � ِي � ِن � َه��ا إ ّال تح ّي ًة الطوال با َء األَر ُق م ْن أسفَار ِه ِ لِلسحَ اب!.. فَوقفتُ مُشمِّراً سَ اعديَّ فيْ الخَ الءِ , يا امرأة.. وجع أ ُبد ُّد الغفل َة المُستطَ ابةِ م ْن ٍ إنِّي أحبكِّ هالكاً أستترهُ راجمات البيَاض, َو تذبُّ ع ْن جبيني ِ الحرب ِ ب��رداً دفيناً ,يختب ُئ بي َن دياجير الصب ُح نعماناً, أنفرد بهَا ُ وَالسالم ينف ُح ع ْن مقلتيَّ يباس حبكِّ ,اندما ٌج غيبيّ تعم ّد في صدري عقيدة انشطا ٌر صوفي ِ عطر تهاوتْ من فيَاض نفح ُة ٍ طغيٌ عربي فتمد َّد اللي ُل طوفاناً أحبكِّ ,فالمث ُل منيْ وارى الحُ طامِ اهراً بروق ُه في العاريات من حقولي شَ ِ و تسر ّب َل في مرازب الجهنميّة قصيدة ترسمها النار الزوابع يا امرأة, أمطار أغرتها جدران السهولِ ٍ حبكِّ ذاكِ رةٌ للمعرفةِ , لعينيها ,مهرَتُ عُمريْ عل َى أنواءِ النُجومِ قلبك تاريِخ للطمأنينة!.. ِ
* شاعر من السعودية.
62
اجلوبة -صيف 1430هـ
ش������������������������������������ع������������������������������������ر
(سيدة ٌ تلعق وحدتها) > د .دعاء صابر* الوجد ُوالسه ُر المُلوّن والزناب ُق
ميناء النوارس /أين منى دفء كفيك
كلها تهفو لقاءك
الحنين يسيل م��ن شفتيك ف��وق جداول
والورو ُد العاشقات حملن لي عبق الهيام
األحالم ِ
العشب ينبت بين كفيك الندى
يغرقني
وهواك طف ٌل عمره يومان ِ
أحبك
ينعس كالمالك على وسادة لهفتي وصبابتي الخضراء تزرع وجنتيك مواسماً للشدو أدخل ُ في بساتين انبهارك َ أقطف األقمار َ ألتقط النجوم َ أرى الشتاء يهز ثوبك َ
ضحكة بيضاء تمأل نبض أيامي طيوبا دثريني بابتهاج سحابة هطلت فأورقت الحمام على شفاهى داعبيني حينما أبتل من ماء انتظارك عمديني باألهازيج الملونة /الهوى يحتل قلبي منذ كم
ينشر العطر الذي ما زارني
لم ينبت النعناع في شفتي ولم
أحببت عينيك َ/السماء َ /الوردةَ الزرقاء َ
يتذكر المالح أنك كنت مرفأه األخير.
*
شاعرة من مصر.
اجلوبة -صيف 1430هـ 63
قصيدتان > عبدالرحيم املاسخ* نتركُ السُّ ف َن َص ُع جبهَته بالسماء وأتاني يُر ِّ اختالف الرحلة ُ اختلفتْ وينث ُر في واحة الكِ بر والخيالءِ تطي ُر أغنيات ِ ٍ نعو ُد بال فالصحارى كتابُ الهموم !! الهوى دفترا دفترا أفراحنا وتغنِّي ِ إلى عرش ويقولُ :العُال عن يدي ال يميل لتسحبَ أقدامُنا شج َر الحُ زن تحوُّ ر َ أنا المستحيل فوق شظايا الحرير كان مِ ثلي حزينًا ومنكسرا فكن لي مُريدا لنا قم ٌر يستح ُّم بأوتار ِه اللي ُل وأتانيَ يوما بشكواه أك ْن لكَ رزقا جرَى والري ُح نافذة ٌ أ ْد َم��ى ف��ؤاديَ َمبْكاه حتى بللتُ ويقولُ :احتواكَ األسى والذهول ال يُ�ب��خِّ � ُر أن�ف��اسَ �ه��ا ال �ظ � ُّل قبل الثرى وأطفأ عينيك همٌّ يطول العُبور قال :أطفاليَ الخائفون ينامون وبين يديك الهواءُ العليل رح�ل ْ�ن��ا ورا َء ال �ش��ذى المُتدثر قف تحت السماء بال سُ ً أمامك عم ُر الندى ال يزول بالعُشب وي �ق��وم��ون ،ب��ال��جُ ��وع أقمارُهم فال تلزمِ الحقَّ والضوءُ يغشى الندَى تختفي فالحقُّ في زبَدِ السيل نار نتدفق في نهر المبتدا وينادونني :يا أبي جائعون تمس ِك الصب َر وال ِ يتخلَّل ُنا ش َف ُق الحُ بِّ مُحتفال ينادونني :يا أبي خائفون فالصب ُر بعد العطاء انتثار إذ يهي ُم ُ ..ندي ُم تطلُّعَنا ينادونني .................. تحضنِ الحُ لم ِ وال يغرس ال ُقربَ فينا النسيم ُ ربّما ثم يبكون فالحل ُم والصح ُو ِض��دَّ ان حتى وال نمسكُ الفرحة األزلية من يبكون الفرار عُنقِ الوقت يبكون يقول ..................... نسقطُ في مطرِ الصمت والصب ُر يُمطرني حجَ را حجرا وقلبي تجُ ول به صو ٌر تتمز ُق فوق رمادِ النجوم وهو اآلن بعد الذي كا َن يطحنها حجَ ٌر سهم ُه البرق �ات تطي ُر إل��ى عرش ب�لا أغ�ن�ي� ٍ مالتْ له كِ فّة ُ الريح رقات القَبول !! في طُ ِ أفراحنا ِ فارتشف الكوثرا َ * شاعر من مصر. ** نشرت خطاً في الجوبة 23باسم الشاعر عبدالرحيم الخصار وبهذ 1فإن الجوبة تعتذر للشاعرين الكريمين عن ذلك.
64
اجلوبة -صيف 1430هـ
ش������������������������������������ع������������������������������������ر
حينما يبكى النسيم > حمدي هاشم حسانني* يمر أمامي الغي ُم المرت ُق الحسان ِ.. باألمانيِّ ِ أنا هناك َ وا ْن أردت أنا هنا متوحدا بالبحر ِ.. بالموج الرقيق والهثا خلف النجوم بأفقها أدنو من الذكرى فيجرعني الحني ُن إذا اتكأت على البنفسج ِ با َح صمت العطر لي وتمَّ دد الريحا ُن قبلني أنا.... كفراشة الميالد أرنو للسحاب وأرشف التبغ المعتق أحتسى قدح الغياب فتصطفيني الريح تحملني إلى جزر القرنفل
ها أنا اجتر رائحة البحار أشق ناصية الغبار وحين يدهمني المساء ألملم الحزن الضبابي المالمح ثم أتلو ما تبقى من مزامير احتضاري أو أحلق في سماوات الصبابة كي أفر من الحصار حين أنظر في مرايا الروح أبكى مثل سوسنة نعتها الريح من صيفين ِظلي ف َّر منى اآلن َ َملَّ الظ ُل مات الف ُل في صوتي وموتى يبسط الكفين مبتسما.
* شاعر من مصر.
اجلوبة -صيف 1430هـ 65
«تراتيل العدم» :لـ :مها حسن > هيثم حسني* يبدو اهتمام الروائيّة السوريّة مها حسن بالتجديد في الصيغ التي تقدّ م بها رواياتها،
يتبدّى تمرّدها على القوالب الجاهزة التي باتت مقيّدة في الرواية ،كأنّها تبحث عن
لغز تسعى إلى ح ّل شفراته مع القرّاء الذين ال تبقيهم متلقّين فقط ،بل تُشركهم في
عمليّة البحث عن الدالالت واألبعاد المتضمّنة ،ال ترتكن إلى تلك الطرق التي تُكتَب بها الروايات عادة ،سواء من ناحية تقسيمها على فصول متسلسلة ،أو سردها على لسان رواة بعينهم ،أو من ناحية االلتزام بالعناصر المتعارَف عليها في كتابة الرواية؛ إذ تخرج
َ عن ذاك التسلسل المختصر في :المقدَّ مة ،محدّداً وال واضحاً ،ال يقبض على الزمن والحبكة ،والحلّ .فقد تبدأ بحبكة ،ث ّم تبدأ فيها ،إنّما تكون هناك خيوط تكفل للمتابع
بالبحث عن خيوطها ،وتنتهي إلى مقدّمة متأخّ رة ،أو ال يهمّها أن تثبت مقدّمة أو
والتقصي ،ث ّم تحرّضه على ّ بعض المتابعة البحث عن مفاتيح للدخول إلى بوّابة الزمن
انفراجاً للحوادث والمجريات التي ال تصل الذي ال يكون نسب ّياً عندها ،بل يكون دائر ّياً
إل��ى ذروة ال�ت��أزي��م ع�ن��ده��ا .ه��ذا ال يعني
التفاف ّياً ،أو لولب ّياً ،يقود الحدث األخير فيه
والغرائبيّة تكون مبثوثة على مدار صفحات
متمّمة نسيج ال��رواي��ة ،ال�ت��ي تسير وفق
غياب التشويق ،ذلك أنّ التشويق واإلثارة الرواية ..تحضر ثورتها الزمنيّة االجتهاديّة
إلى األوّل ويحيل عليه ،لتتكامل األحداث
خطوط متعدّدة منذ البداية التي قد تكون
ف��ي رواي��ات �ه��ا ،ال�ت��ي ال ي�ك��ون ال��زم��ن فيها نهاية الرواية الفعليّة ،والبداية المفترضة
66
اجلوبة -صيف 1430هـ
ن�������������������������������������ق�������������������������������������د
لها ..هذا ما تطوّره في روايتها «تراتيل العدم» الصادرة حديثاً عن دار الكوكب /الريّس ،والتي
تقع في 298صفحة من القطع الوسط ،ط/1 نيسان 2009م.
تبتدئ الكاتبة في روايتها بمقولة لسوفوكليس:
«مَن ح ّل اللغز الذائع الصيت وكان أش ّد الرجال اقتداراً» ،هي عبارة عن بيت من تراجيديا «أوديب ملكاً» ،إذ كانت منقوشة على ميداليّة ،أهديت
الميداليّة إلى فرويد من أحد تالمذته في أحد
أعياد م�ي�لاده .ال يقتصر األم��ر على استشهاد وحيد ،بل يتصاعد األم��ر ،لتكون ظ�لال فرويد ح��اض��رة ،مع كثيرين من المفكّرين والفالسفة اآلخرين ،وذلك من خالل االستشهادات الكثيرة التي تستشهد بها الكاتبة ،وتثبتها كمراجع أو تذييالت ،وه��ذا ب��دوره قد يثقل كاهل الرواية،
من حيث تقريبها من الدراسة ،بتثبيت الهوامش التي بلغت أكثر من ثالثين هامشاً وإش��ارة .كما أنّه في الوقت نفسه ،خروج وتمرّد على الطريقة الكالسيكيّة في كتابة الرواية ،بإجراء دمج بين
األج �ن��اس األدب�� ّي��ة وال�ت�ن�ظ�ي��رات واالجتهادات
الفكريّة والفلسفيّة..
ال عكس فعله المعروف عنه؛ فيكون العدم فاع ً أي يصبح وجوداً باللغة والرواية ،وإن كان إلغاء لهذا الوجود مفرداً. وت �ك��ون التراتيل ال�م�ع��اد ترتيلها على مدار صفحات الرواية ،كاملة حيناً ..ومُجتزأة أحياناً
قد تحيل مفردة «تراتيل» إلى جوانب دينيّة ،أخ ��رى ،منها ه��ذا ال�ت��رت�ي��ل ال��رئ�ي��س المتكرّر: الس � ّي �م��ا أنّ ال �ت��رت �ي��ل م��ع��روف ف��ي النصوص «ح �ذّرت��ك أ ّال ت��ر ّت��ل ه��ذا النشيد ،فيسكن في واألناشيد الدينيّة ،كما قد تحيل عند إضافتها ذاك��رت��ك ،ي��أس��رك وي�ل�ع�ن��ك ،يفتنك فيستحوذ
أغان عليك ،وال يكون لك منه فرار ،فيعدمك ،وحيداً إلى العدم ،أنّها تنشد العدم ،أو تجعل منه ٍ يمكن إنشادها وترتيلها ،أو أنّها مراثي الموت ،تموت وتش ّم رائحة رحيلك األرض ،ولن ينقذك
حيث يكون الترتيل على الموتى نوعاً من التقدير من عذابك إ ّال عيد يأتي في ربيع يتلو رمادك». �ض على الترتيل ،يكون لذكراهم ،مع إضفاء األجواء الكنسيّة ،أو العويل ص .10كما يكون ال�ح� ّ
ال�ص��اخ��ب ..وق��د يكون ذل��ك ن��وع�اً م��ن التحايل التحذير أيضاً مرافقاً له ،ث ّم يتكرّر هذا الترتيل ال أو مجتزأ ،فقد ترِ د منه جملة أو على المعنى بقلبه ،حين ينقلب العدم إلى الض ّد كثيراً ،إمّا كام ً عندما يغدو مضافاً إل�ي��ه ،لغة ،يعرّفه معنىً ،بضع جمل ،وقد يرد كامالً ،ويغدو الزمة ترتّلها
اجلوبة -صيف 1430هـ 67
الشخصيّات التي يتباين تنغيمها ،ويختلف إيقاع العمل ،عندما تسلّم مقاليد السرد من جوزفين إنشادها وغنائها .من الصفحات التي يرد فيها إلى جدار أو إلى نفسها ،لكنّ األسلوب يبقى نفسه الترتيل منقوصاً ،152 ،134 ،78 ،60 ،24« :بين الراويات الثالث ،حيث ال تنوّع في األسلوب،
.»..275
ما يرسَّ خ الظنّ بأنّهنّ وجوه متعدّ دة في مرآتها
منذ البداية ،يظهر حرص الكاتبة على إكمال الذاتيّة ذات األبعاد الكثيرة ،والتي تعكس غنى ما بدأته في روايتيها السابقتين «سيرة اآلخر ،الشخصيّة ،القادرة على اإلفصاح عن مكنونات
ال�لام�ن�ت�ه��ي»« ،ل��وح��ة ال �غ�لاف ،ج���دران الخيبة النفس ،وهي تعاود أكثر من مرّة ذكر الراويات أعلى» ،كأنّما تستكمل ثالثيّة فكريّة ،من خالل الثالث ،سواء عند مبادلة السرد بينهنّ ،أو عند ّ إكمال مشروعها ال��روائ��يّ ، خاصة في المقدَّ مة الحديث عنهنّ ،وال تخفي ظنّها ب��أنّ االشتراك ال �ت��ي ت�ت�ش��اب��ه ف�ي�م��ا ب�ي�ن�ه��ا ،م��ن ج�ه��ة مشاركة ق��د ي�ك��ون م �ض � ّراً ،لكنّها ت�ب�رّر ذل��ك بالضرورة
الشخصيّات الروائيّة للكاتبة في إنجاز روايتها ،الف ّنيّة والفكريّة« ،وأن��ا أرى أ ّن��ه كما سار المثل وحيرتها المثبتة في تذييل الرواية باسمها ،تكتب «إذا ت�ع�دّدت األي��ادي في الطبخة ،احترقت!»،
في مقدَّ مة «تراتيل العدم»« :في البدء كانت هذه وأرى أيضاً أنّ الضرورة الف ّنيّة والفكريّة تلزمني القص الثالثة ومراحله الثالث، ّ الرواية لـ جدار ،ث ّم انتقلت كتابتها إلى جوزفين ،باعتماد مستويات وألس�ب��اب محض ف ّنيّة ،أن�ج��زت العمل باسمي أن��ا .»....كأنّما الشخصيّات هي تسميات مؤنّثة
أو مطوّرة لشخصيّاتها السابقة« :أدهم بن ورقة – يرقة ،أو كريم الحاوي ،أمين دالي» ،وذلك مع
واالعتراف بك ّل ما جاء في المرحلتين السابقتين لقصي» .ص.82 -81 ّ كما أ ّن�ه��ا ت��وجّ ��ه ن�ق��داً استباق ّياً إل��ى نفسها،
إبقاء قارئها متأرجحاً بين الشكّ واليقين ،بين على ألسنة ال��رواة ،وه��و أنّها تُنتقد على ولعها بحث ع��ن راوي��ات�ه��ا ف��ي ال�ف�ص��ول ،وف��ي الواقع ،واهتمامها بتقديم الجانب الفكريّ في رواياتها وف��ي ك� ّل المَظانّ المحتملة ،وانشغال بالقراءة على الفنّيّ ،وهي بذلك تبرّر تصرّفها ،وتر ّد على ال ومؤثّراً ،عندما نقّادها ،ساحبة بساط المالحظة منهم ،متّخذة عنهنّ ،فهي تُبقي الشكّ فاع ً ال تنفي إمكانيّة العثور على الشخصيّات ،كما دور الكاتب والناقد معاً ،لكنّها وهي تؤكّد ذلك، ال تنفي خياليّتها ،لتكون بالنتيجة ،شخصيّات تعتمده وال تبتعد ع�ن��ه ،ي��ؤ ّك��د ذل��ك دأب�ه��ا على
روائ� ّي��ة ،مركّبة من مزيج واقعيّ وآخ��ر متخيَّل ،االستشهاد بالمفكّرين والفالسفة الذين تأثّرت
ت�ش��ارك ف��ي صنع األح ��داث وكتابتها« .تتحوّل بهم في كتابتها وتأويلها ،حيث تكون الميثولوجيّات ّ أزمنة القص ،وتتعدّد مستوياته ،وتتبختر روايات والتأويالت الفلسفيّة حاضرة ،للتعليق على بعض
العمل ،وتختلط ضمائر الرواة بين ِحرز ،وإغماء ،السلوكيّات والتصرّفات ،أو ربطها بأسطورة ما، ّ وسماء ،وال يستق ّر فعل القص على الثالثة فقط ،أو وضعها في سياقها التاريخيّ ،مع شرح لبعض بل يتدخّ ل ك ّل مَن له باع في الرواية .»...ص.43
تداعياتها ،وذلك كلّه في سياق الرواية ،تلميحاً
تبقى الكاتبة وف� ّي��ة لفكرة ت�ع�دّد ال ��رواة في وتصريحاً..
68
اجلوبة -صيف 1430هـ
يكون هناك تركيز ،يكاد يكون مبالغاً ،على كما قد يكون االسم حامياً ال لصاحبه فقط ،بل تتحصن ّ استحضار األس �م��اء ،يبلغ ع��دده��ا ح��وال��ي مِ ائة متعدّياَ ومتعدّد الحماية ،فنجد أنّ نجمة ال بها في نهاية الرواية ،كملحق بحرز ،يحميها اسمه. اسم ،تثبت دلي ً �ان ،تكون كلّها متحدّرة من األم «أرض» أوّل وث� ٍ
قد تكون األل�ق��اب مستحضرة ب��ال�م��وازاة مع
«ح� ��رث» ،كأنّما األس�م��اء« :وظهرت أفعوانة (وه��ذا لقبها الذي اب�ن��ة أرض ��ى وي��رض��ى ،واألبِ : يختصران حوّاء وآدم ،ينجبان التوائم ،اثني عشر كانت تناديه بها أرض ،قبل أن تعرف اسمها)،
ن�������������������������������������ق�������������������������������������د
األسماء ودالالتها
لك ،وتتذكّر فقط أنّ اسمك هو ِحرز .»..ص.31
ت ْوأَماً ،في حين يأتي المولود الثالث عشر ذكراً فينقلب المعنى ال��ذي تحمله حسب الشخصيّة مفرداً «طُ هر» ،وكأنّه بتسميته بهذه التسمية قد ال�ت��ي تتّسم بها ال�م�س� ّم��اة ،وه��ي ه�ن��ا ،ال تظهر يشكّل سبيل الخالص للعائلة التي تحيا في قلعة دوماً على أنّها شكل واحد أو أداء واحد ،بل هي واح��دة ،وألجيال متعاقبة ،حيث ينفرد بمسكن خليط من أفعال مندمجة ،وشخصيّات مندمجة مستقلّ ،ويفكّر بطريقة عقالنيّة ،يكون العلمانيّ
ورغ�ب��ات وتكوينات» .ص .52وه��ي مع إيرادها
تغدو محجّ اً للزوّار يتبرّكون بها.
دوم��اً ف��ي ت��ذ ّك��ر أس�م��اء أبنائهم حسب تسلسل
الوحيد ال��ذي ال ينساق إلى استيهامات العائلة لهذا الك ّم الكبير من األسماء ،تعترف بصعوبة واآلخرين حول قدرات أمّه الخارقة «أرض» ،التي اإلحاطة بها كلّها ،وتؤكّد أنّ األبوين كانا يفشالن ترد األسماء بشكل مدروس ،حيث يكون االسم والداتهم ،وكانا يخطئان في مناداتهم بأسمائهم داالً على صاحبه ،معنىً ومبنىً ،فنجدها تبرّر في كثير من األحيان ،ولم يكن الفشل حال األبوين سبب تسمية هذا أو ذاك ،أو تعلّق عليها ،فيكون فحسب ،بل كان من نصيب اإلخوة كذلك ،حيث االسم صفة صاحبه ،يكون وبَاالً على صاحبه إذا كانوا يحتاجون إلى دليل باألسماء مع الصور،
لم يكن مستح ّقاً لالسم ،أو مقدّراً ومُدركاً أله ّميّة كي يتمكّنوا من مناداة الشخص المطلوب باسمه وثقل ما حُ مّله« :حين ُولِد ِحرز ،ظ ّل لعدّة أسابيع الصحيح .وتنتقل عدوى الفشل إلى القرّاء الذين
دون اسم ،إذ لم تكن أمه تستطيع إدراك أه ّميّة يعاودون الرجوع إلى دليل األسماء كي يربطوا االس��م في حياة اإلن�س��ان ،ول��م يكن أب��وه مهت ّماً بينها ،ويستخرجوا العالقات التي تتطوّر على بتسميته ،أل ّن��ه ب��إدراك��ه أله ّميّة االس��م ،لم يشأ إثرها ..فقد يتغيّر االسم تبعاً للحالة ،وقد يحوّل اإلسهام في تحديد هذا الكائن الذي لم يعرف أحدهم اسمه أو يتالعب به« ،حوّلت اسمها من مصدره ،فهو إن أطلق عليه اسماً سيّئاً ،حبس سيما إل��ى سيمياء .»..ص .205تنتقل الداللة الولد فيه ،وقد يكون ابنه .أمّا لو أطلق عليه اسماً إلى الترميز والتلغيز ،فال تعود األسماء دالّة بل
مهماً ،فقد يسبغ عليه صفات ال يستحقّها مَن هو مرمزة ومتشظّ ية في آن ..تصبح هناك أسماء ليس بابنه« ..»..فهمست في أذنه :أسمّيك حرز ،س ّريّة وأخرى معلنة.. أس ّر ألحميك باسمك ،م��ن ال��وق��ع ف��ي أس��ر م��ا ِ
ال يخفى الضجيج الذي تخلقه كثرة األسماء
لي ،إلى أ ّن��ه سيقع عليك ،سوف تنسى ما قلته للقارئ ،وال تبدو الكاتبة ال مبالية إزاء القارئ،
اجلوبة -صيف 1430هـ 69
بل تأخذ نفسيّته بعين االعتبار ،تعلن أنّها بصدد عشرات الشخصيّات ،ويملي األحداث التي كانت
إراحته ،وتخفيف العبء عنه ،تتكلّم إليه مباشرة ،مصدر اآلالم لهم جميعاً..
مزيحة الستار بينها وبينه ،غير متخفّية خلف
أجيال متعدّدة تتكاثر ،تنقل العدوى من جيل
راوياتها ،تلخّ ص له بإيجاز مُجم َل ما م ّر وما سيم ّر إلى آخر ،لكنّ جينة الجنون والتخبّط تكون األكثر معه ،كي يكون على اطّ الع في إبحاره في عوالمها فحرز حفيد ِحرث الذي يرث منه ثلثي فاعليّةِ .. الروائيّة« :يستطيع القارئ اآلن ،االسترخاء ،من اسمه ،يتعرّض لتغيّرات مفاجئة تجتاحه ،تقلبه ضجيج األسماء واألح��داث ،قبل أن يدخل إلى رأس �اً على عقب ،تحوّله من شخص إل��ى آخر، الفصل الثالث ،ألنّه بعد أن كان الفصل األوّل، يقبع الجنس خلفيّة لتلك التغيّرات التي تبدو ه��و التعريف ب��األس�م��اء /أو األش �خ��اص ،وجاء مفاجئة ،لينتقل م��ن خ��وّاف م��ن ك � ّل ش��يء ،من الفصل الثاني للتعريف ب��األح��داث ،سنبدأ في ناقم على «ذاك ��ه» ،عضوه الصغير ال��ذي أشبه الفصل الثالث بالرواية ،وك ّل ما سبق كان تمهيداً ما يكون بزائدة لحميّة أو دودة ملتصقة به ،إلى للرواية ،التي تبدأ اآلن ،ش�دّوا األحزمة سنقلع عاشق للجنس ،فاتح الفتوحات فيه ،منتقل من في الصفحة التالية» .ص.210 واحدة إلى أخرى ،في لعبة األنوثة والذكورة ،التي كما يكون هناك استحضار التأويل والحلم، تتحوّل إلى فحولة ،حيث يكون خوافه مَرض ّياً، الفكر والوهم ،الدين والعلم ،وكلّها في سياقات ي�غ��دو تعويضه أك�ث��ر م��رض � ّي��ة ..ك�م��ا أنّ هناك روائيّة ،وعلى ألسنة الرواة والشخصيّات ،كأنّما الكثير الكثير من األح��داث ،والوقائع ،والحكم، ت�ق�دّم الكاتبة شيئاً م��ن ك � ّل ش��يء ،ف��ي محاكاة والعبر ،تقدّمها الكاتبة في روايتها ،عبر األسماء روائيّة لرائعة ماركيز «مِ ائة عام من العزلة» ،حيث واألحداث تارة ،وبشكل مباشر من دون تورية أو األج��واء الغرائبيّة السحريّة والساحرة ،وحيث مواربة تارة أخرى.. التناسل واالنئِسار لسلطات خارجة عن المألوف، «تراتيل العدم» لمها حسن ،رواي ٌة لتواريخ نمَتْ ما يؤدّي إلى فناء واندثار الشخصيّات ،فال تعود القلعة التي تجمع الجميع وحيدة وشامخة ،بل في الظلّ ،وألقت بظاللها على الكثيرين ..رواية تتثنّى وتتثلّث ،تخرج عن المسار المحدّد لها ،األسماء؛ ال��دوالّ والمداليل ،محاولة الختصار يكون ذلك إنذاراً بالكارثة الوشيكة الوقوع ،كما سير ومراحل عديدة ..تسرد التطوّر المفترض
يكون تمهيداً للعدم كنتيجة حتميّة .يكون ك ّل ما ال�م�ه� ّم��ش ،ع�ب��ر التغلغل ف��ي ق�ل��ب الصراعات سبق من األل�غ��از مقدّمات للفناء ..يكون قائد وال �خ��راف��ات واألس��اط �ي��ر ،ع�ب��ر وص ��ف حاالت
األورك�س�ت��را ال��ذي تجري أح��داث ال��رواي��ة على متباينة ،تتكامل لتنتج ع��ال�م�اً روائ � ّي �اً سحر ّياً خلفيّة مشهد احتراقه ،ضحيّة الضحايا ،يقود ثر ّياً..
* كاتب من سوريا
70
اجلوبة -صيف 1430هـ
ن�������������������������������������ق�������������������������������������د
رمزية املرأة واخلصب في أدب العجيلي السموري* > محمد ّ يتقصد ّ تكشف وظائف النقد األدبي عن مكنونات متوضعة في النتاج اإلبداعي ،لم األديب إيرادها صراحة ،لكنها تطفح من الوعيه ،لتعبّر عن بيئته الثقافية ،وأمثال ذلك التوضع موجودة بكثرة في النتاج اإلبداعي من الشعر إلى القصة إلى الرواية ,فسمة القصيدة من فرح أو حزن تقدم كشفا عن البيئة الثقافية للوجود االجتماعي ،المنعكس في اإلدراك والوعي التاريخي ،وكذلك األمر في األدب الروائي والقصصي حيث اإللماح, والرمز ,والتبئير اإلخفائي ,واإلشارة. وهنا محور دراستنا عن عالقة الزمن بإضفاء سمات البيئة الثقافية في مرحلتها التاريخية على اإلبداع ,واالنعكاس المتداور أو المتبادل بين المعطى اإلبداعي وتأثيره على تلك المرحلة ..وه��ذه مهمة األدب, أو على العكس أث��ر البيئة الثقافية التي أسمّيها بالزمن الثقافي ،ومدى تجسده في النتاج اإلبداعي وانعكاسه فيه. ون��ت��ن��اول أدب ال��دك��ت��ور عبدالسالم العجيلي ن�م��وذج��ا ل��دراس �ت �ن��ا ،ك��ون��ه عبّر بشكل واض��ح عن ه��ذه العالقة الزمكانية ف��ي األدب ،ب�ي��ن ش���روط ال�ب�ي�ئ��ة وثالثية الزمن ،وكانت المرأة هي المدخل إلى هذا التعبير ،ذلك أن المرأة كانت عبر التاريخ.. رمز الخصب والحياة والتجدّد والديمومة.. وهي اإللهة الجميلة التي تمنح الحياة سحر األلق والتفاؤل ،كما هو الحال في (إيزيس)، و(ارتيميس) ،و(اإللهة أثينا) ،و(عشتار)،
و(عنات) ،و(نيت)، و(إي� � � � �ن � � � ��ان � � � ��ا).. وغ �ي��ره��ن الالتي ص ��اغ� �ه ��ن الفكر اإلن � �س� ��ان� ��ي عبر التاريخ ،على هيئة إن��اث أسطوريات، ل� � �ح�� ��اج� � �ت�� ��ه إل� � ��ى الديمومة وتوقه للبقاء. فهذا الفنان الذي رسمها تحمل تفاحة، وه��ي ع��اري��ة وي��ده��ا ت�ط��اول ال�س�م��اء ،يرى فيها ديمومة العطاء واستمرار الحياة ،وهو رف��ض ال واع��ي للموت ،وآخ��ر جعلها ذات أث��داء كثيرة مكتظة باللبن ،ألنه يرى فيها النماء كرفض ل��واق��ع اجتماعي وسياسي واقتصادي ضاغط بمفردات مختلفة. وه ��ذا أدي �ب �ن��ا ع�ب��دال�س�لام العجيلي،
اجلوبة -صيف 1430هـ 71
جعلها عاقراً ال تلد في مجمل أعماله القصصية والروائية ..فهذه سلمى في قصة الخائن ,وسالي في قناديل أشبيلية ,وه��دى وأختها ماجدة في قلوب على األس�لاك ،وهيام وأختها باسمة في رواية باسمة بين الدموع ,وندى في (المغمورون).. وحتى السويدية ماريا لينا في «رصيف العذراء السوداء» .وغيرهن كثير ..كلهن عاقرات في أدب العجيلي وتراثه القصصي والروائي. ث ��م ن �ج��د ب �ع��دا ج ��دي ��دا ف ��ي هذه الثالثية ،وهو بعد افتراضي يعنى ب�م��ا ب ��دأت بمقدماته ومعطياته، وه��و التعبير ال�ل�اواع��ي المكنون في الزمن العربي ..لكن العجيلي أوج���ده -وه ��و األدي���ب الفيلسوف فكأنّي به يقول :كلهن عاقرات،ألن الزمن العربي كان عقيما ،وألن العرب سلفيون في الزمان. ل��ك��ن ال �م �س �ت �ق �ب��ل ه� ��و الزمن ال�م��وج��ود بالكمون ف��ي أحالمهم، ومرتبط بحياتهم القبلية ،وبيئتهم الرعوية التي ترى الماضي ،وتنش ّد إليه بقوّة ،فإن قلم األديب ال ينفك يعبّر عن هذا االرتباط. لقد اتسم الزمن الذي عايشة العجيلي بالعديد من اإلرهاصات * كاتب من سوريا.
72
اجلوبة -صيف 1430هـ
والنكبات التي حالت دون تحقيق الوحدة القومية، والتقدم العلمي ،والثورة الصناعية ،وهذه مدعاة أخرى لخصي الزمن ،من خالل عقم النساء ،رغم دأبه لولوج زمن عربي خصيب ،من خالل تقديم األسباب الرامزة إلى ذلك الخصب ،فنقرأ لديه زيجات شرعية ،كما هو الحال لدى سالي ،لكنه جعلها في قناديل أشبيلية ،كرمز لالنكفاء إلى أمجاد األسالف ،وليس للمستقبل ..ألن سالي لم تلد صبيا يحمل اسم والديه ,أما هدى الزوجة الشرعية في «قلوب على األس�لاك» ،فقد جعل بعلها البرجوازي يهجرها ،ويهرب بأمواله إلى ال�خ��ارج ،وه��و تعبير آخ��ر عن عجز البرجوازية العربية عن تحقيق الثورة الصناعية والتقدم ،كما عملت البرجوازية الفرنسية في إحداث انقالب فكري غيّر وجه التاريخ. والمحاولة الثانية للعجيلي ،ه��ي اإلباحية التي منحها ألبطاله مع نساء اآلخرين كصفية ،ون�ه��اد ،ونظمية ،وسامية، وش ��اه� �ن ��از ،وه� ��ذه اإلب��اح��ي��ة أقرأ ترميزها وخلفياتها الالواعية ،على أنها تعبير عن نزعة االستهالك عند العرب ،وما أريد لهم من قبل القوى الغربية المنتجة للتقنية ،فهي تسمح لهم باستيرادها واستعمالها ،لكنها ال ت�س�م��ح ب��إن �ت��اج �ه��ا ..ل ��ذا جعلهن عاقرات أيضا ً. وبعد :فإن هذا االجتهاد النقدي أقدمه بين أيدي النقاد والباحثين، وال أحسبة م�ج��ازف��ة ن�ق��دي��ة ،بقدر ما هو قراءة متأنية وواقعية ،لحالة عقم الزمن العربي عن إنتاج أدوات المعرفة ،بدال من اجترار منجزها.
سيرة لم تكتمل بعد..
ن�������������������������������������ق�������������������������������������د
ِ س ْفر (سيف بن أعطى) والقارئ > فريال احلوار* تتعدد أشكال األجناس األدبية بتعدد آراء كتابها وأجوائهم الفكرية ومناخاتهم الحياتية ،وأساليبهم في الكشف والتعبير ،ودوافعهم وغاياتهم الكامنه وراء كتاباتهم هذه ،وإذا كان ثمة أسباب ال يمكن بروزها إال من خالل تصريحات الكاتب ،فهناك في المقابل أسباب متوارية في العمل ،يستشفها ويكشف عنها الباحث والقارئ الواعي. ي�ق��ول ال�ش��اع��ر فيصل أك��رم أن��ه كتب (سيف بن أعطى) :رداً على االستفزازات والمغالطات واالف �ت��راءات التي تزعم أن الشاعر الخليجي - وت�ح��دي��داً ال�س�ع��ودي -ه��و بالمجمل والتفصيل مجرد (شاعر نص) ،وال يرقى إلى شعر التجربة.
خلف امتداد كل األحداث والمواقف واالنطباعات في سفْر/سيف ابن أعطى /الذي اختار لغالفه صورة فوتوغرافية (لملف قديم) ،ربما يكون ملف سيف بن أعطى الذي ظل متشبثا به رغم األسياخ الحديدية التي انغرست في ساقه ،ليقول لنا اليوم: هذا ما تبقى لسيف من تلك الحقبة ،بعد أن فقد كل شيء.
ال أظن بأن القول السابق للكاتب هو السبب الرئيس لكتابة ِسفْر (سيف بن أعطى) بمداخله في مدخل (أهرب من قلبي) ،يقول صاحبه في التسعة ،بل كتب هذا السفْر رغبة منه بالعثور على (معنى الحياة) ،عبر استعادة مراحل حياة سيف حديثه عن دعاء ..( :تناقشت معك حول الكون، بن أعطى ،التي توقفت في هذا الكتاب عند سن وراحت تتكلم عن برنامج الدكتور مصطفى محمود الخامسة عشر ،وتوضيح أبعادها ،وذلك ألنه قدم ف��ي ال�ت�ل�ف��زي��ون( :ال�ع�ل��م واإلي� �م ��ان) ،ف��رح��تَ أنت (س�ي��ف ب��ن أع �ط��ى) ب��إره��اص م��ن دي ��وان مقدمة تخبرها بأنك تقرأ كتب مصطفى محمود أيضاً، وتكلمت معها بإسهاب عن إعجابك بكتابه األخير (الكتاب األخير) ،يقول فيه: «لغز الحياة» ،ونصحتها بقراءته ،)..إذا كان سيف (يا سيف.. بن أعطى يبحث عن فك رموز لغز الحياة ،ويدعو ،.كلّهم ..تركوا الهوى يأتي عليك فال تضعْ.. من يتعرف عليهم ،لفعل ذلك أيضا وهو لم يتعد ما دم��تَ علقت السالم على جبينك ،ألتبع طفل الخامسة عشرة من عمره .وبعد أن عرف الكاتب ال�ك�لام ،ه��ي الحياة اآلن :أم��ك ،وال��زم��ان أبوك، الحياة ول��و جزئيا ،ألن��ه ال أح��د يمتلك الحقيقة فاصرخ ..قل :وجدت اآلن أهلي.).. المطلقة ،ق��ام ب��إع��داد ملف تكريمي ع��ن معلمه ص��رخ ه�ن��ا وك��أن��ه ي �ق��ول :أن��ا (ال �ك��ائ��ن) الذي األول في الحياة -د .مصطفى محمود نشره في يصنع قدره بإرادته ووعيه! لذلك فالكاتب يكمن العدد ( )254من ثقافية الجزيرة -ليقول له شكراً
اجلوبة -صيف 1430هـ 73
بقلمه وقلم كل من تعلم من مصطفى م �ح �م��ود وأح� �ب ��ه ،ول �ي �ج �ع��ل القراء ي �ح��اول��ون اك �ت �ش��اف (ل �غ��ز الحياة) بقراءة مصطفى محمود من جديد، وف��ي الصفحة ( )78م��ن المدخل السابق ،أشار الكاتب إشارة طفيفة إلى األخ (حسن) الذي غادرهم بعد وفاة األم ،وانقطعت أخباره ،بعدها وجدنا الكاتب يكشف لنا في مقالة نشرها في العدد ( )256من ثقافية الجزيرة عن سيرة كاتب كالسيكي ،من طراز رفيع يدعى (حسن علي أك��رم) ،وربما يكون األدي��ب العربي الوحيد الذي سنقرأ نتاجه األدبي بعد وفاته ،وبهذا يكون ال�ك��ات��ب ق��د جعل ال �ق��ارئ ف��ي ح��ال��ة ت��رق��ب دائم للحكايات واألسرار ،التي تتناسل من ِسفْر (سيف ابن أعطى) ،لقد جعل الكاتب من بطله (سيف) معبراً لالتصال بالنماذج البشرية في الحضارات المتنوعة ،ومحاولة تمثلها واستيعابها واإلفادة منها( ،مصطفى محمود المصري -حسن أكرم السعودي) ،وبذلك يكون قد أسهم إسهاما فعاالً في عملية البناء اإلنساني ،ذلك أن األديب حينما ي�ص��ور حياته الباطنية ،وسيرته ال��ذات�ي��ة عقليا وان�ف�ع��ال�ي��ا وال �خ��ارج��ة ع��ن م�ن�ظ��ور رؤي �ت��ه ،فإنما يثري حياة العقل اإلنساني بوجه عام ،والمعرفة السيكولوجية ودراسة الطبيعة البشرية ،والخبرة اإلنسانية بوجه خاص. تكمن أهمية ِسفْر (سيف بن أعطى) في ما يشتمل عليه ه��ذا السفر م��ن ت �ج��ارب وخبرات إنسانية ،قد تشكل درسا وعبرة في الحياة .كما تكمن ف��ي الشهادة اإلنسانية التي يقدمها هذا السفْر ،أي فيما يحتويه من دالل��ة الشخصية - ِ شخصية كاتبه -فحياة اإلنسان مهما كان طابعها، فهي دائما تحمل شيئا ما ذا فائدة ،ألنها تحتوي على داللة إنسانية ما ،وما أكثر ما حمل ِسفْر (سيف *
74
كاتبة من السعودية.
اجلوبة -صيف 1430هـ
ب��ن أع �ط��ى) م��ن دالالت( :الصفعة األول � ��ى ،ال��رك �ع��ة األول � ��ى ،الخروج األول ،الضياع األول ،الشتات األول، ال �م �غ��ادرة األول� ��ى ،ال �ه �ب��وط األول، أهرب من قلبي ،و ..فقدان) ،حتى جعلنا نشك فعال أن ه��ذا السيف فعال لم يرفع كفيه بالدعاء :يا إلهي ال تدخلني في تجربة! ومن هنا ،كان تأثيره عميقا على القارئ ،ألنه أيقظ المعاني والمشاعر المترسبة في أعماقنا منذ الصغر ،وجعلها تتناسق مع معانيه ومشاعره وص ��وره .بحيث نقلنا م��ن مرحلة التلقي للعمل، إلى مرحلة المشاركة فيه ،من خالل تفاعلنا معه وتحسس آالمه ،فوجدنا أنفسنا بطريقة أو بأخرى، مندسين في أحد مداخل هذا العمل. عندما ق��رأت سيف ب��ن أع�ط��ى ،لمست بأنه وس�ي�ل��ة تنفيس ل�ك��ل م��ن ال �ق��ارئ وال �ك��ات��ب معا. فالقارئ ال يطالعه لما فيه من تشابه في المواقف بينه وبين الكاتب فحسب ،وإنما أيضا لينفس من خالله عما يعتريه من ضغط داخلي .إنه يدخل ال�ق��ارئ في مناخ وع��ي جديد بذاته وب��اآلخ��ر ،ما يسهم في تحرره وانعتاقه من الضغوطات والقيود المفروضة عليه. إن ِس � ْف��ر س �ي��ف ب��ن أع �ط��ى ،ي�ت�م�ت��ع بأهمية نفسية تتعلق بالكاتب والقارئ معا ،وكم تمنيت لو تحلى الكاتب بالجرأة والشجاعة ،ورمى بالعوائق الداخلية والخارجية التي منعته من البوح بسر (األوراق واألختام) التي جعلته يتلقى -الصفعة األول��ى ،-ليكشف ع��ن ذات ��ه ..وتتكامل تجربته اإلن�س��ان�ي��ة ،ف�ه��ل سيفعل ه��ذا ف��ي وق��ت قريب؟ لنقف بعدها ونقول له شكرا فيصل أكرم..شكرا يا سيف بن أعطى ..شكرا على المكاشفة في زمن.. الحقيقة فيه ضمير مستتر.
العالقة بني الشرق والغرب من الناحية الثقافية عالقة جيدة
م������������������واج������������������ه������������������ات
الكاتب الروائي الكبير إدوار اخلراط
> محمد احلمامصي*
يحتل الكاتب إدوار الخراط مكانة بارزة على خارطة الثقافة المصرية ،خاصة ،والعربية ،عامة .وقد حظيت أعماله القصصية والروائية باهتمام نقدي كبير ،وترجمت إلى العديد من اللغات، كاإلنكليزية والفرنسية واإليطالية واأللمانية واألسبانية وغيرها؛ وفضال عن تجربته اإلبداعية المتميزة ،فهو إلى جانب القصة وال��رواي��ة شاعر وناقد ،له ب��اع طويل في التنظير ،ومترجم له العديد من الترجمات ،أشهرها رواية الحرب والسالم لتولستوى، وفنان تشكيلي ،له أكثر من معرض ،وله أيضا كتابات نقدية في الفن التشكيلي .ومجمل كتبه في اإلبداع والنقد والترجمة تتجاوز المائة كتاب ..من أهم أعماله القصصية والروائية :أبنية متطايرة (رواي��ة) ،حيطان عالية (قصص) ،حريق األخيلة (رواية) ،ساعات الكبرياء (قصص) ،اسكندريتي (كوالج قصصي)، رامة والتنين (رواية) ،يقين العطش (رواية) ،الزمن األخير (رواية) ،عمل نبيل (مختارات)، محطة السكة الحديد (رواية) ،رقصة األشواق (مختارات) ،أضالع الصحراء (رواية) ،صخور السماء (رواي��ة) ،يا بنات اسكندرية (رواي��ة) ,الغجرية والمخزنجي حجارة بوبيللو (رواية).. ومن أعماله الشعرية( :تأويالت :سبع قصائد إلى عدلي رزق الله)( ،لماذا؟ :مقاطع من قصيدة حب) ،و(ضربتني أجنحة طائرك) ،و(سبع سحابات ،دانتيلال السماء).. في هذا الحوار مع الروائي الكبير نستطلع رأيه في هموم وشجون الثقافة واإلبداع.. > ك��ي��ف ت���رى وض���ع ال��ث��ق��اف��ة العربية اآلن في ظل التحديات الكثيرة التي تواجهها؟ > < الثقافة العربية مرت بمراحل متعددة من التحدي ،واالستجابة له والتغلب عليه < ، وال ش��ك ع�ن��دي ف��ي أن األم��ل كبير في المثقفين العرب في الوطن العربي كله، في التغلب على هذه التحديات ،ومواجهة
العصر ومشاكله ،والتقدم بالثقافة العربية إلى األمام. ل���ك���ن ه���ن���اك م����ن ي��ت��ه��م المثقفين بالتقصير؟ ال أعتقد أن هناك تقصيراً ،وعلى المثقف أن يقوم بواجب ،وهو واجب مشروع ،وهو أيضا الموقف وتعميق التحليل ،عندما
اجلوبة -صيف 1430هـ 75
ظل األوضاع العربية الراهنة؟
ي� �ق ��وم المثقف ب� �ه ��ذا الواجب ي� �ك ��ون ق���د قام ب� � � ��أداء مهمته األصيلة. > ك������ي������ف ت������رى األج������������ي������������ال ال��ج��دي��دة من الروائيين؟
< طبعا أن��ا ال أتكلم ع��ن النواحي السياسية أو غ �ي��ره��ا ،وال �ع�لاق��ة ب�ي��ن ال �ش��رق وال��غ��رب من الناحية الثقافية عالقة جيدة .هناك نوع جيد م��ن التبادل والتقييم وال�ت�ع��ارف ،ي��زداد وثاقة واتساعا يوما بعد يوم ،وعاما بعد عام. إدوار الخراط
تقوم الثقافة بدور مهم وحيوي في تقريب أو سد الفجوة ،وتقريب المسافات بين الثقافات وبين القراء ..أيضا عن طريق الترجمات المتبادلة وال�ن��دوات وال��زي��ارات وتعميق العالقات بشتى أنواعها.
< ف��ي األج �ي��ال ال �ج��دي��دة ،ع�ل��ى اخ �ت�لاف وتنوع اتجاهاتها ،هناك -بال شك -روح المغامرة، وأيضا ليس فقط الوعد والبشارة ،بل اإلنجاز > ع��ش��ت ال��ح��رك��ة ال��ث��ق��اف��ي��ة ال��م��ص��ري��ة في وال �ت �ح �ق��ق .ه �ن��اك ب��ال�ف�ع��ل م �غ��ام��رات جديرة فترات مختلفة من الخمسينيات وحتى ب��ال�ت�ق��دي��ر وااله �ت �م��ام ال �ن �ق��دي ع�ن��د األجيال اآلن ..كيف ترى الوضع الثقافي في مصر الجديدة من الروائيين والقصاصين. حاليا؟ > وإدوار ال����خ����راط..أي����ن ي��ق��ف اآلن عبر < الوضع الثقافي في مصر اآلن ليس من السهل مسيرته الروائية؟ توصيفه ،من ناحية اإلبداع الروائي والقصصي < ماذا تريد مني أن أقول ،ماذا علي أن أفعل إال أن أكتب وأستجيب لما يمكن أن أسميه أشواق الروح ..وأشواك العالم.
> مسيرتك ال��روائ��ي��ة إل��ي أي��ن أف��ض��ت رؤاها اإلبداعية؟ < هذا سؤال يوجه للنقاد ،ال للكاتب ،الكاتب يقوم بمهمته وللنقاد أن يقوموا بمهمتهم من تحليل وتقييم. > وهل يقوم النقاد بمهامهم؟
والشعري ..هناك ازده��ار ومغامرة واقتحام؛ هناك بال شك انجازات .أما الناحية الثقافية العامة ،فتحتاج إلى أكثر من توصيف ..ألن هناك وضعا معقدا ومركبا ،هناك نوع من التهميش للثقافة ال�ج��ادة ،والتي نسميها ع��ادة بالثقافة الرفيعة ،وهي مجرد الثقافة .وهناك نوع من الهيمنة أو السيطرة ،أو على األقل النفوذ الواسع ألجهزة اإلعالم العريضة مثل التليفزيون؛ لكني أتصور أن الوضع الثقافي وخاصة فيما يتعلق باإلبداع..هو من األشياء القليلة في حياتنا التي تدعو إلى التأمل والتفاؤل ،بينما هناك أشياء كثيرة تدعو إلى األسى على األقل.
< إلى حد كبير ،هناك اتجاه أو موضة لإلنحاء باللوم على النقاد ..وهذا غير صحيح ،هناك نقاد ج��ادون يقومون بمهمتهم ،وطبعا يطلب > لكن هناك من يرى أن االزده��ار الروائي أو القصصي أو الشعري الذي نشهده ال يقيم المبدعون باستمرار المزيد المزيد ،وهذا من حقيقة الموقف؟ حقهم..لكن النقاد -في تصوري وفيما أرى - حتى اآلن قاموا بجهد كبير في أداء واجبهم. < التعميمات غالبا ال أم�ي��ل إليها ،ألن�ه��ا م��ا لم تستند إل��ى دراس� ��ات نصية م�ل�م��وس��ة ..تظل > كيف تقيم العالقة بين الشرق والغرب في
76
اجلوبة -صيف 1430هـ
م������������������واج������������������ه������������������ات
م��ن ن��وع ال�ك�لام المرسل على ع��واه�ن��ه ،وهذا ال أوث��ره .وباختصار ليس ه��ذا التوصيف في تقديري صحيحا ،هناك ان�ج��ازات وإبداعات جيدة ،وأكثر من جيدة ،سواء من المخضرمين كبار السن ،أو من األكثر شبابا ،سواء من ناحية العمر أو من ناحية الحيوية والعقلية.. > لكن بعضهم يرى أن هناك انطفاء شعريا؟ < هناك أمران في الشعر ،الشعر المنبري شعر االحتفاالت ،والشعر الجهير ..إذا صح التعبير. وهناك الشعر الذي أطلق عليه الراحل العظيم محمد مندور الشعر المهموس ،أو ما أسميه الشعر الحميم ،أو العالقة الحميمة بين الشعر والمتلقي ،الشاعر لم يعد الخطيب ال��ذي له جمهور ،هذا نوع من الشعر كان له في الماضي نوع من التأثير ..ما يزال جذابا لعدد من الناس، لكن الشعر الحقيقي في تصوري هو العالقة بين نص الشاعر ومفرد متلق واح��د ،ما يكون عالقة ت�ج��اذب ون�ج��وى ومشاركة حميمة ،إذا صح هذا التعبير ،وهو صحيح.. > م�����اذا ع���ن اه��ت��م��ام��ك ب��ال��ف��ن التشكيلي والخصائص األساسية التي انطلق منها؟ < بدأ هذا االهتمام منذ بدأ االهتمام بالحياة بكل أشكالها ،والخصائص التي تدعو إلى االهتمام بالكتابة ،هي نفسها التي تدعو لالهتمام بالفنون المختلفة ،وي�م�ك��ن تلخيصها ب�ع�ب��ارة شديدة البساطة ،أنها سعى إلى الجمال ،والتواصل.. > أش��رت في كتابك (ف��ي ن��ور آخ��ر ..دراسات وإيماءات في الفن التشكيلي) إلى عالقة خاصة بالفنانين الكبيرين أحمد مرسى وعدلي رزق الله ..كيف كان أثرها؟ < بالفعل لي تجربة خاصة معهما ،فقد عايشت لوحات وتخطيطات ومغامرات أحمد مرسى منذ الخمسينيات ،وأعمال عدلي رزق الله منذ السبعينيات بمعنى المعايشة ،ال مجرد الرؤية
أو المعرفة ،وجدت في أعمالهما – على تباينها وانتمائها إل��ى عالمين مختلفين – نوعا من التساوق أو التجاوب أو التشارك في خبرتي الروحية ،أو في إدراك بصري ورؤيوي لعالمي.. متراسل ومتناغم مع عالميهما ،وكتبت عنهما كتابين كاملين ،وفي تقديري لم تكن أعمالهما ملهمة ل��ي ،بقدر ما أن اإللهام يقع فيما وراء هذه األعمال – إن صح التعبير – من ساحات الروح أو مناطق المعرفة الجمالية. ك��أن �ن��ي وج� ��دت ف��ي ه��ذي��ن ال�ع��ال�م�ي��ن نغمات عميقة ،كنت أسمعها ..ب��ل أص�غ��ي إليها في دخ �ي �ل��ة ن �ف �س��ي ،ح �ت��ى م��ن ق �ب��ل أن أرى هذه األعمال الفنية ،بكل ما يحمل فعل «الرؤية» من إمكانات ..األسطورية والبعد الالواقعي عند مرسى ،والحسية الجسدانية الروحية معاً عند رزق الله هي ،من األول أبعاد من ذات روحي ومن الثاني خبرة الوعي بالكون – والكينونة – عندي ..لذلك وجدت أن هذا التناغم قد ابتعث عندي جوهر الشعر الذي لم يفارقني قط .ومن ثم كتبت «ت��أوي�لات» إلى رزق الله ،و«ضربتني أجنحة طائرك» إلى مرسى ،كما كتبت أخيراً – وفي السياق نفسه «صيحة وحيد القرن» إلى سامي علي ،صديق الصبا منذ الثالثينيات، هو فنان كبير ،إلى جانب كونه أستاذاً ومفكراً وعالما جليال ،كانت لوحاته األولى – في العام 1939م ربما – مرهفة الجمال ورقيقة الحس – مثل روحه الجياشة بأشواق المعرفة ونشوات النور الهادئة.
اجلوبة -صيف 1430هـ 77
> ت��ع��ن��ي أن ه����ذه األش����ع����ار م��س��ت��ل��ه��م��ة من أعمالهم التشكيلية؟ < ليست مستلهمة من األعمال التشكيلية بقدر ما هي متناغمة أو متساوقة معها ،نابعة عن خبرة مشتركة أو متقاربة ،ولكن ال شك في أن معايشة األعمال التشكيلية – من ناحية أخرى – قد حفزت هذه األشعار الكامنة أصالً ،إلى التشكل.
تضفي على هذه المواد داللة أخرى ،وجمالية خاصة لم تكن قائمة بذاتها من قبل ،تصوري للوحات الكوالج عندي هو هذا التصور ،حيث نجد فيها ما يوحي بالتراث العريق المصري القديم ،والقبطي ،واإلسالمي ،جنباً إلي جنب مع عناصر شديدة المعاصرة ،هذا التقارب أو ال�ت�م��ازج بين تلك العناصر ف��ي تصوري، ل��ه قيمة دالل�ي��ة وجمالية خ��اص��ة ..أرج��و أن أكون قد قطعت شوطاً في تحقيقها في هذا المعرض..
هذا إلى أن اللغة التي وجدت أو انوجدت بها هذه األشعار ،لغة تشكيلية لعل هنا ما يتضافر معها ف��ي كتاباتي ال��روائ�ي��ة نفسها م��ن حيث > كيف كان اختيار فن الكوالج؟ اللون ،والتجسيم ،وتوزيع المساحات ،وإقامة < االختيار ذاته في كتابة أعمالي كلها ،إذ يجمع النسب ،ودرجات التضوي ،أو التعتيم ..وكلها التراثي مع الحداثي ،والمصري مع العالمي في ق�ي��م ،إن ل��م تكن تشكيلية باالقتصار..فهي صياغة جديدة ،أرجو أن تكون منعشة ومثيرة تشكيلية ب��ام�ت�ي��از ،ق��د ال ت�ك��ون ق��اص��رة على في الوقت نفسه.. ال�ف�ن��ون التشكيلية ،ولكنها ف��ي ه��ذه الفنون > هذا العام أقمت معرضك األول ..ومن قبل بالذات تكاد تكون هي المعايير األولى بصرف كانت لك مشاركة في معرض جماعي.. النظر عن فحوى الصورة أو العمل النحتي أو ه��ل تعد تجربتك التشكيلية ج���زء ُا من معناها. مشروعك اإلبداعي ككل؟ > هل لك أن تلقي الضوء على مشاركاتك < ج��زء ال ينفصل م��ن المسعى الحياتي كله، الفنية وتجربتها؟ وليس فقط اإلبداعي ،ال أتصور نفسي بعيداً < كنت قد شاركت في معرض جماعي في أتيليه القاهرة منذ عدة سنوات ،وكان معرضاً للكتاب الذين لهم اهتمام بالفن التشكيلي ،وعرضت من خ�لال ه��ذا المعرض سبع لوحات كوالج > ،وكيف ترى العالقة بين الفنون التشكيلية وم�ع��رض��ي األول ك��ان ف��ي ديسمبر الماضي وفنون الكتابة األدبية؟ بمركز الهناجر للفنون ،وض��م أربعين لوحة كوالج ،ومن المقرر لهذا المعرض أن يقام في < العالقة وثيقة ،وال تنفصل االهتمامات بالفنون بشتى أنواعها عن بعضها بعضاً ،أعتقد أن اإلسكندرية في سبتمبر القادم.. الفنون تثري بعضها اآلخر ،وأتصور أن من بين إن�ن��ي أعتبر أن ال�ف��ن كله ليس خلقاً م��ن ال أسباب هزال أو فقر بعض النتاجات الروائية شيء ،وليس إنشاء من فراغ ،وإنما هو إعادة والقصصية والشعرية ،ه��و بالضبط افتقار تشكيل لمواد سابقة الوجود ،أي أن الفن كله أص �ح��اب ه��ذه ال�ن�ت��اج��ات إل��ى ت ��ذوق الفنون عندي هو إع��ادة صياغة ،أي هو م��رة أخرى األخ ��رى المختلفة ،س��واء ك��ان��ت تشكيلية أو ن��وع من ال�ك��والج ..وال�ك��والج كما هو معروف، موسيقية أو غيرها.. اس �ت �خ��دام م ��واد ج��اه��زة ف��ي تركيبة جديدة عن االهتمام أو االنشغال أو االنخطاف نحو الفن التشكيلي أو الموسيقى ،في الوقت نفسه مع العكوف على فن الكتابة.
78
اجلوبة -صيف 1430هـ
ال أحد يستطيع االستغناء عنه ..والعامة أكثر احتفاالً به الكتابة الساخرة شقيقة الرسم الكاريكاتيري
حوار مع الكاتب الساخر
أحمد حسن الزعبي
م������������������واج������������������ه������������������ات
األدب الساخر خبز القراء
> حاوره :محمد صوانه واحد من الكتّاب الساخرين ،عرف بلماحيته ،وسخريته التي ينتظرها الكثير من قرائه ،سواء في أوعية النشر الورقية أو الرقمية.. إنه أحمد حسن الزعبي ،قاص وكاتب ساخر ..اشتهر بشخصيته الكاريكاتورية «أبو يحيى» التي يستخدمها في كتاباته .صدر له كتابان ساخران؛ األول ،بعنوان «سواليف»، والثاني ،بعنوان« :الممعوط».. > ..شقاوتك؟
بدأ كاتباً للقصة القصيرة وما يزال.. ت��وجّ ��ه ال��ى الصحافة ،فكتب ف��ي صحف إم��ارات �ي��ة ،ث��م ان�ت�ق��ل إل ��ى ج��ري��دة الرأي األردنية عام 2004م ،بعمود يومي ساخر تحت عنوان «سواليف» ،وم��ا ي��زال ..كما ش� ��ارك ب��ال �ك �ت��اب��ة ف��ي ص �ح��ف أسبوعية منها« :أخبار الناس» و»المواطن» و«العالم اإلماراتية» و«خبرني» ..وينتظر أن ينجز ب��ال�ت�ع��اون م��ع ال�ف�ن��ان ال�ك��وم�ي��دي «موسى ح�ج��ازي��ن» ال�م�ع��روف ب�ـ «س�م�ع��ه» -الذي ك�ت��ب ل��ه ث�لاث��ة م�س�ل�س�لات ت�ل�ف��زي��ون�ي��ة - ال كوميدياً ضخماً ،سيبث على إحدى عم ً الفضائيات العربية.
< أقرأ كل شيء حتى فاتورة الكهرباء.. لكني أعشق القصة والرواية.
ومع أحمد الزعبي كان لنا هذا الحوار
> الوظائف واألعمال التي مارستها؟
> ..طفولتك ماذا تعني لك..؟! < «كهولة» بسن مبكرة.
< ل��م أع��رف�ه��ا إ ّال ب�ع��د أن تيقنّت أنني أستطيع الدفاع عن نفسي. > ..دراستك وشهادتك العلمية؟ < ال عالقة للدراسة بالموهبة .بكالوريس ف��ي المحاسبة ،وهنا المفارقة ..من أرق��ام وم��وازن��ات إل��ى شغب الحروف، ومناكفة الحكومات.. > ..قراءاتك؟
< مدير مبيعات في شركة إماراتية ..وفي الوقت نفسه كاتب صحفي..اآلن ،مقيم
اجلوبة -صيف 1430هـ 79
في األردن ومتفرغ لإلبداع بشكل تام. > ماذا يعني لك مصطلح األدب الساخر أو الكتابة الساخرة؟ < الخبز اليومي ال��ذي يجب أن يكون حاضراً وطازجاً بين الناس ،وهو بوابة التمرّد األولى، وتثني الحروف لتشبه حرف» ال».. > متى بدأت ساخراً؟ < ب��دأت الكتابة الساخرة في 1993م ،وبدأت بالنشر عام 2003م ،يعني هناك ( )10سنين م��ن ال �ك �م��ون ،واالس��ت��ع��داد ل �ل �خ��روج بكلمة > هل يضحك أحمد في بيته ومع أسرته؟ تستحق القراءة. بمعنى؛ هل هو ساخر داخل البيت؟ > ومتى بدأ قلمك ساخراً؟ < > < >
قبل القلم كان الفم ساخراً ..يقولون إن لساني < الساخر ،ساخر ..في البيت ،في الشارع ،في العمل ..لكن يحدث أن يتعكّر المزاج قليالً.. سليط ..وتعيس الحظ من يقع في مرماه.. فالساخر أوال ً وأخ�ي��راً ان�س��ان ..وأن��ا أشبه ومتى ق��ررت أن ال مفر من هذه الطريق بالحلواني ..أحياناً يمل ّ الصنعة ،ويبحث عن ألحمد الزعبي؟ شيء آخر ..حتى ولو كان النكد.. الكتابة الساخرة هي التي اختارتني ولست > ه��ل ي��ج��د ال��ك��ات��ب ال��س��اخ��ر خ��ف��ة الدم من اختارها.. ه���ذه ف���ي ال��ط��رق��ات أم���ام���ه؟ أم يحاول ه��ل أت��اح��ت ل��ك ف��رص��ة ال��ت��ن��ق��ل بشكل هو إيجادها لجمهور يعيش في أجواء شبه يومي االحتكاك المباشر مع هموم تسودها هموم المعيشة ،والركض وراء الناس ونبضهم؟ متطلبات الحياة ،وتأمين لقمة الخبز
< بالطبع الناس وهمومهم..هم منجمي الذي احفر فيه كل يوم وازداد غنىً .
> هل كاد الكاتب أحمد حسن الزعبي أن يبكي وهو يكتب ساخر ًا نتيجة حادثة حاول معالجتها؟ ولِ َم؟
لألطفال ،وعالج المرضى ،وتأمين أجور المواصالت وثمن السندويتش لطالب جامعي..
أرى أن��ه كلما زادت الحياة ص�ع��وب��ة ..كلما زادت س�خ��ري��ة ال �ن��اس .وه ��ذا أم��ر طبيعي عندما تنفد كل أسلحة التغيير ،وال يبقى إال لسانك وخيالك.
< بكيت أكثر من م��رة ..لكن أصعبها ..عندما كتبت عن طفل يتيم اسمه عمر ،فارق الحياة وهو في حاوية قمامة يجمع العلب الفارغة > ،ل���م���ن ي���ت���وج���ه األدب ال���س���اخ���ر أوال.. للنخبة أم العامة؟ وأيهما أكثر تأثرا؟ ليبيعها بدراهم قليلة يعتاش منها؛ صدمت وه��ل تتعرض إلي���ذاء اآلخ��ري��ن على ما الحاوية سيارة مسرعة فتوفي في داخلها؛ تكتبه أحياناً؟ وكان اسم المقال «عمر ..يا قربان الفقر»..
80
اجلوبة -صيف 1430هـ
م������������������واج������������������ه������������������ات
< األدب الساخر كما سبق أن عرّفته خبز القراء، ال أحد يستطيع االستغناء عنه ..ال النخبة وال ال �ع��ام��ة ..وإن ك��ان��ت ال�ع��ام��ة ه��ي األكثر التفافاً ومحبة لنا ،ألننا نتكلم بألسنتهم في مواجهة صانعي القرار ..أما بالنسبة للشق اآلخر من السؤال ،فقد تنامى غضب بعض المسئولين من العتب ،الى المقاطعة ،وأخيراً إلى التهديد ..لقد هددت بالضرب! > ه���ل ال��ص��ح��اف��ة ب��ح��اج��ة إل����ى الكتابة الساخرة؟ ولماذا؟ < الصحافة بحاجة إل��ى الكتابة الصادقة.. بصرف النظر إن كانت س��اخ��رة أم ج��ادة.. لقد م ّل القارىء مقاالت التجميل والتطبيل وال�ت��زم�ي��ر ..يريد ال �ق��ارىء م�ق��االً تفوح منه رائحة الضمير. > ماذا وجدت في الكتابة الرقمية (الموقع على شبكة االنترنت :سواليف) ..وهل �����م ف���ك���رت ب��ج��م��ع ك��ت��اب��ات��ك ف���ي كتب ترى المستقبل للصحافة المطبوعة أم > لِ َ للصحافة الرقمية ..وم��ا ال��ذي حفزك مستقلة؟ وه��ل يالقي الكتاب الساخر على تأسيس موقع رقمي؟ إقباالً كمقال الجريدة؟! < الكتابة الرقمية أو المواقع اإللكترونية ،تتيح < نعم ،أصدرت كتابين ساخرين ..والقيا رواجاً لك التفاعل مع القراء أكثر من غيرها ،فهي ك�ب�ي��راً ..األم��ر ال��ذي دع��ان��ي إلص ��دار طبعة لحظية وس��ري�ع��ة ومفتوحة ،وتتمتع بحرية ثانية لكتاب «سواليف» ،بعد أن نفدت الطبعة م�م�ت��ازة ..وال��ذي حفزني لتأسيس الموقع، األولى من السوق. هو نشر المقاالت الممنوعة في الصحافة > هل كتبت القصة القصيرة أو الرواية أو األردنية ،والتي قد تكون ذات سقف عال من فكرت بالكتابة فيهما؟ النقد. < كتبت القصة وف��زت بجوائز رابطة الكتاب > ما أوجه التشابه أو التنافر بين الرسوم األردنيين «وهي العرض األخير» و«الدرويش».. الكاريكاتورية والكتابة الساخرة؟ وأحلم بالرواية. < الكتابة الساخرة شقيقة الرسم الكاريكاتيري.. > ه��ل ت��س��رق الصحافة اليومية اإلب���داع هذه ترسم بالحروف وتلك ترسم بالخطوط. األدب����ي م��ن ال��ش��اع��ر وال���ق���اص ،وتتركه > ما التأثير المتوقع للكتابة الساخرة؟ ك��ات��ب��ا س��ط��ح��ي��اً ..وم���ن ه��و األق����در على المقاومة ..فيحفظ قلمه المبدع ليبقى < على األقل -وذلك ما أعده انتصاراً -تزيل تلك الهيبة وال�ه��ال��ة الوهمية ال�ت��ي وضعها صاحب القرار لنفسه ..وتتفيه عظمته.
اجلوبة -صيف 1430هـ 81
م��ب��دع��اً ،حتى ل��و اشتغل ف��ي الصحافة > ن�������وادر وط����رائ����ف ح��ص��ل��ت ل����ك بسبب مقاالتك؟ اليومية؟ < الش��ك أن الصحافة اليومية ت�س��رق إبداع < ك��ل ي��وم ن� ��ادرة ..يصعب إح�ص��اؤه��ا ،أهمها انتحال أحدهم شخصيتي!! ألنه يملك االسم ال��م��ب��دع ..ألن �ه��ا ت��ري��ده ح ��اض ��راً متجددا الثالثي نفسه. في كل ي��وم ،لكن في الوقت نفسه ..تغذيه بموضوعات وم�ه��ارات جديدة للتواصل مع > هل هناك مقاالت ساخرة لك أو لغيرك الحدث ..كل منا بحاجة إلى أن يرتاح زمناً تعيد قراءتها مرات جديدة ..ولِ َم؟ ليعيد تقييم نفسه. < محمد ال �م��اغ��وط وم�ح�م��د ط�م�ل�ي��ة ..أعيد > م���ن ه���م ف���ي ن��ظ��رك أه���م رواد الكتابة قراءتهما كلما أصابني الفتور ،أو حاصرني الساخرة عالمي ًا وعربي ًا وأردنياً..؟ الخوف.. < عالميا :تشيخوف ،عزيز نيسين. > مشكالت مع مسئولين حصلت لك بسبب
عربيا :محمد الماغوط وأحمد رجب.
أردنيا :جميعهم. > كيف ترى مستقبل الكتابة الساخرة؟ < جيد وف��ي تطور مستمر ..لكن بحاجة الى نفس طويل لدى الكاتب.
مقال معين؟ وكيف تصرفت..
< ال أكترث بهم ..يتصلون بالجريدة يشكونني.. أنا مطمئن ،ما دام لساني مُلكي وأنا «أديره» فلن أخشى أحداً! > كيف ترى تأثير الصحافة على صناعة القرار..؟ < جيد ،لكن ليس كما يجب ..المشكلة أن صناع القرار ما يزالون يعتبرون الكتاب الساخرين درجة ثانية أو ثالثة ،فال يأخذون برأيهم ،وال يصغون إلى أصواتهم.. > ه��ل ث��م��ة م��ا ي��م��ي��ز ال���ق���ارئ ال��ع��رب��ي عن الغربي أو الشرقي؟ < ال �ق��ارىء العربي بشكل ع��ام -وه��و قليل - قارىء ذكي يعرف أين موقع الكاتب بالضبط، وله مجساته الخاصة التي يعرف من خاللها صدق الكاتب من عدمه ..لذا نحن نعاني من رقيبين ..رقيب ما قبل النشر ..ورقيب ما بعد النشر «القارىء». > كيف ت��رى توجه اإلن��س��ان العربي نحو القراءة؟ < «سالمة تسلمك» ،مثل توجه جدّ تي للقنبلة النووية.
82
اجلوبة -صيف 1430هـ
م���ش���روع ال���س���ع���ودة ل���م ي��ح��ق��ق م���ا ه���و م��ت��وق��ع م��ن��ه وت��ك��ت��ن��ف��ه ب��ع��ض الصعوبات راض ع�����ن أداء ال���ب���ل���دي���ات م���ع���ظ���م أف����������راد ال���م���ج���ت���م���ع ال�����س�����ع�����ودي غ����ي����ر ٍ
م������������������واج������������������ه������������������ات
عوامل التفوق الدراسي مرتبطة بحسن العالقة بين البيت والمدرسة والمجتمع
حوار مع أول مدير تعليم مبنطقة اجلوف > أجراه محمود عبدالله الرمحي ال عرفته وعاصرته تعليميا منذ بداية رج ً الستينيات ..فكان علما من أعالم المنطقة، ورمزا تعليميا يقتدى به ..يعرف ما له وما عليه ..تحمّل المسئولية معلما وإداريا ،وما يزال اسمه المعا حتى اللحظة ..كثير الحركة والتجوال عربيا وعالميا ،شرقا وغربا.. قوي الشخصية ..واسع االطالع والمعرفة، تشهد له مكتبته الخاصة التي تحوي مئات الكتب النفيسة ..الدينية والعلمية واألدبية. بحر من المعلومات ،ويعد مرجعاً لمن أراد االستزادة عن منطقة الجوف وأهلها.. مع األخ والمربي الفاضل إبراهيم خليف السطام ..كان لنا هذا الحوار.. > إب��راه��ي��م خليف ال��س��ط��ام ..ك��ي��ف كانت ب��داي��ات��ك التعليمية؟ أي���ن درس����ت؟ من ه��م م��ع��ل��م��وك؟ ك��ي��ف ك���ان ت��أث��ي��ره��م في شخصيتك؟
األستاذ إبراهيم خليف
وال دفاتر ،وال أقالم ،وفى عام 1362هـ التحقت مع والدي في حلقات الدروس بجامع الشيخ فيصل بن عبدالعزيز المبارك ،يرحمه الله، وف��ى منزله ،وه��و المعلم والمؤثر في حياتي بعد والدي.
< معلمي األول ك��ان وال��دي يرحمه ال�ل��ه ،وفى سن مبكرة علمني مبادئ ال�ق��راءة (الحروف > ك��ي��ف ك��ان��ت ال��ح��ي��اة ف��ي س��ك��اك��ا قديما، الهجائية والحركات) على الرمل .إذ ال سبورة، وعند ب��داي��ة م��ش��وارك التعليمي؟ وأين
اجلوبة -صيف 1430هـ 83
من اليمين :عبدالعزيز الهنيدي "قائد سالح الجو السعودي في الثمانينيات"في زي��ارة للجوف ليدعو خريجي الثانوية العامة لاللتحاق بالكليات العسكرية ،يليه إبراهيم خليف.
مع الصحفي محمد عبدالواحد رفيق -أثناء انعقاد الللقاء الخليجي المغربي في الدار البيضاء 200/5/4م
وجه المقارنة في ذلك؟
موقع سكاكا ومنطقة ال��ج��وف ف��ي ذلك < أنت عاصرت مرحلة من مراحل التعليم في العهد من المدن المحيطة بها؟ هذه المنطقة ،ويعلم الجميع أن للتعليم فيما < ال وج��ه للمقارنة ..فقد كانت الحياة بدائية مضى خصائص منها: وبسيطة ،إذ ال توجد سيارات ،وال تليفونات، أ – أنه كان يعتمد إلى حد كبير على الحفظ وال شبكات للمياه ،وال كهرباء ،وال راديو ،وال والتلقين. تلفاز ،والمساكن من الطين اللبن ،تستخرج ب -إن المناهج والمقررات في بدايات التعليم المياه من اآلب��ار للزراعة وال�ش��رب بواسطة كانت غزيرة في مادتها خاصة في العلوم ال �س��وان��ي ،وي�م�ك�ن��ك أن ت �ق��رأ ص�ف�ح��ات من الدينية واللغة العربية. (خ ��واط ��ر م��ن ال �م��اض��ي) ف��ي ك �ت��اب مسيرة التعليم في منطقة الجوف ،لترى بعضاً من ج -إن نوعية المعلمين ف��ي ب��داي��ات مراحل أوجه االختالف بين األمس واليوم. التعليم كانت متميزة على الرغم من أنهم > لديكم إمكانية لكتابة سيرة ذاتية عن مسيرة حياتكم العلمية واإلدارية ..فهل من الممكن أن يتحقق ذلك قريبا؟ < النية معقودة..وكل شيء بأمر الله. > ش���اه���د ع���ل���ى ال�����ج�����وف ..وف�����ي مختلف مراحله التعليمية ..تلميذ في الكتاتيب فمدرس ،فمفتش إداري ،فمدير مكتب ت��ع��ل��ي��م ،ف����أول م��دي��ر ت��ع��ل��ي��م ألول إدارة تعليمية في المنطقة .فمتقاعد حاليا.. ماذا لديه عن التعليم سابقا والحقا ،وما
84
اجلوبة -صيف 1430هـ
من اليمين :إبراهيم خليف ،أحمد الكحيمي «السفير السعودي في عمّان» ،سليمان النابلسي «رئيس ال��وزراء األردن��ي» ،سلطان السديري وكيل إم��ارة منطقة الجوف آن��ذاك ،أويسط الجريد رحمه الله ،خالل تقديم دعم منطقة الجوف المادي للحكومة األردنية عقب نكبة 67م واحتالل الضفة الغربية.
ال يحملون ش �ه��ادات عالية ،م��ع تقديرنا لعطاء األخوة المعلمين في هذه األيام. د -أن بعض الكتب التي ت��درس آن��ذاك في مراحل التعليم العام ،تدرس اآلن في بعض الكليات الجامعية.
م������������������واج������������������ه������������������ات
أثناء تكريمه من قبل برلمان والية فيرشيلي في إيطاليا
وف��ى المجتمع عامة ،وتخرج ع� � �ل � ��ى ي� ��دي� ��ه ع�� � � � �ش� � � � ��رات م� ��ن الفقهاء و ا لمحد ثين وحفظة القرآن ال �ك��ري��م ،وبرز م � � ��ن ط �ل�اب� ��ه عدد ممن تولى مناصب في القضاء ،والوعظ، والخطابة ،والتدريس في الجوف وغيرها. وق��د تَ� ْرج � ْم��تُ ل��ه بإيجاز ف��ي ك�ت��اب (مسيرة التعليم في منطقة الجوف).
هـ -فى وقت الحق ..وعند حضور مجموعة من األخوة المدرسين العرب ،وفيهم مجموعة م��ن المصريين ك��ان��وا على ق��در ع��ال من غزارة العلم والثقافة ،كان منهم خريجو دار العلوم بالقاهرة ،ومنهم من يحمل العالمية مع إجازة التدريس من األزهر ،وهى تعادل شهادة الدكتوراه ،وه��ؤالء يُ َع ِلمُون طالب المرحلة المتوسطة وال�ث��ان��وي��ة ،ك��ان لهم مواهب وتأثير في سلوك طالبهم كقدوة < أعتقد أن م��ن ع��وام��ل ال�ت�ف��وق آن ��ذاك حسن صالحة في حياة الطالب.
> تبرز ظاهرة نجاح نسبة كبيرة من طالب التعليم سابقا ،ف��ي وق��ت تشح فيه تلك القدرات حاليا؛ بمعنى حصول عدد من أبناء المنطقة سابقا على أعلى الدرجات العلمية وف��ي وق��ت مبكر ،بينما شهدت السنوات األخيرة نكوصا في ذلك ..فهل سببه التعليم ،أم تغير المجتمع ،أم غير ذلك؟
> مدرسة الشيخ فيصل بن مبارك يرحمه الله مدرسة تعليمية ذات طابع متميز، ت��رك��ت بصماتها ف��ي منطقة الجوف.. وأنت أحد تالميذها ..فما المميز الذي قدمته هذه المدرسة للجوف وأبنائه؟ < نعم ،مدرسة الشيخ فيصل المبارك ،يرحمه الله ،متميزة ،ألنها تركز على العلوم الدينية فقط .وقد ترك الشيخ أثراً ال ينسى في طالبه،
أثناء زيارته لمدرسة القريات االبتدائية عام 1381هـ
اجلوبة -صيف 1430هـ 85
العالقة بين البيت والمدرسة والمجتمع ،وقد يكون ألسلوب الثواب والعقاب -وهو سائد آن��ذاك -دور إيجابي حافز للطالب لتحقيق تفوقهم الدراسي. > ت��ح��دث��ت��م – وف���ي أك��ث��ر م��ن م��ق��ال -عن فشل السعودة وأس��ب��اب��ه ،ل��ن أخ��وض في التفاصيل ..ول��ك��ن – ف��ي رأي��ك��م -م��ا هو العالج الناجع لتالفي مثل ذلك الفشل؟ < نعم مشروع السعودة لم يحقق ما هو متوقع منه ،وأعتقد أن مشروع السعودة يكتنفه بعض الصعوبات ألسباب منها: -1أن ال �ب��اح �ث �ي��ن ع��ن ال �ع �م��ل ي�ح�م�ل��ون شهادة التوجيهي ف�م��ا دون ،وه���ؤالء ال�ش�ب��اب غير مؤهلين ألعمال فنية ،وال يرغبون في األعمال المهنية (نجار – حداد – سمكري – كهربائي – ميكانيكي – فني صيانة ...إلخ).
في آحتفال مدرسي
والسؤال المطروح لماذا لم تسعود الوزارات والدوائر الحكومية وظائف مشغولة اآلن بغير السعوديين مثل :خدمات الصيانة والنظافة وصب الشاي والقهوة ،وهذا ممكن في حال إعطاء رواتب مغرية للشباب السعودي.
-2أن المزايا في القطاع الحكومي مغرية أكثر من القطاع ال�خ��اص ،ومنها األج��ور ،والعمل > (المكتبات العامة) ما الذي تعنيه هاتان على فترتين كامل أيام األسبوع. الكلمتان؟ وما تفسيركم لعزوف الشباب -3أن القطاع الخاص ال يبحث عن كتبة ،ولكنه والشابات عن القراءة؟ يبحث عن عمالة فنية مدربة منخفضة األجور، كما تفعل الوزارات في تفضيلها ألقل التكاليف < إن وسائل النشر اإللكتروني ومواقع اإلنترنت تخوض منافسة مع الكتاب والمكتبات ،وقد مع متعهدي النظافة والصيانة. يكون اآلب��اء مقصرين مع أبنائهم لتشجيعهم ع�ل��ى ال� �ق ��راءة ،ول�ع�ل��ه م��ن ال�م�ف�ي��د أن تعلن المكتبات العامة عن برامج ومسابقات في القراءة ،وكتابة القصة ،والنثر ،والشعر ..إلخ.
خالل حضوره أحد المعارض المدرسية
86
اجلوبة -صيف 1430هـ
> ص��در لكم كتاب عن مسيرة التعليم في منطقة الجوف ،وك��ان بمثابة موسوعة تعليمية جوفية ..هل من نية إلصداره مجددا خاصة وأن إحصائياته تقف عند
م������������������واج������������������ه������������������ات
لقاء عمل مع رؤساء األقسام في بلدية طبرجل بمنطقة الجوف
< ف��ي ت�ق��دي��ري أن الجمعيات والمستودعات الخيرية والداعمين لهذه األنشطة كثيرون، وح� �ب ��ذا ل ��و ت �ن �ظ��م م�� ��وارد ه� ��ذه الجمعيات ومصارفها ،لنصل إل��ى مرحلة توزيع عادل، على هيئة مخصصات شهرية للمحتاجين، ب��دالً م��ن توزيعها على البعض منهم ،بشكل عشوائي ومتكرر.
> أي��ن كانت نجاحات التنمية في منطقة الجوف ..وأين كانت إخفاقاتها؟ ع��ام 1426ه����ـ ..وه��ل م��ن إص���دارات أخرى لكم سترى النور قريبا.. < م��ج��االت ال�ت�ن�م�ي��ة ك �ث �ي��رة وم �ت �ع��ددة (تنمية
< من المتوقع أن تصدر طبعة أخ��رى من كتاب مسيرة التعليم ف��ي منطقة ال �ج��وف ،وهناك إصداران ..أحدهما قيد الطباعة ،واآلخر قيد اإلعداد ،وسوف تراهما قريباً إن شاء الله. > كيف ت��رون تجربتكم ف��ي إدارة بلديات منطقة الجوف؟ < يطول الحديث عن تجربة العمل في البلديات، وق��د يحتاج األم��ر إل��ى ك�ت��اب خ��اص ،إذا ما أري��د االستفادة من ط��رح ه��ذا ال�س��ؤال .ومع ما توفر للبلديات من مشاريع في ظل الطفرة المادية الحالية ،إال أن معظم أفراد المجتمع راض ع��ن أداء البلديات، ال �س �ع��ودي غ�ي��ر ٍ ألسباب كثيرة يعلمها الجميع ،ومنها أن بعض رؤس ��اء ال�ب�ل��دي��ات ي �ح��اول تحقيق ذات��ه ورفع مكانته بهدم ما أنجزه زم�لاؤه السابقون من مشاريع وتنظيمات ،وهذا توجه سلبي وخطير جداً ،وحبذا لو تتصدى لذلك وزارة البلديات والمجالس البلدية. > ك��ي��ف ت��ن��ظ��رون إل���ى ال��ع��م��ل االجتماعي الخيري بالجوف .وكيف تقيمون مستوى العمل الجماعي للناس؟
اج�ت�م��اع�ي��ة ،ع�م��ران�ي��ة ،اق �ت �ص��ادي��ة ،ثقافية، ري ��اض� �ي ��ة ..إل� � ��خ) .وق� ��د ح �ق �ق��ت نجاحات ملحوظة ،لكن المفقود والذي لم يتحقق بعد، ه��و التنمية االجتماعية ف��ي مجال السلوك الفردي واالجتماعي.
أل��م ت��ر أن صحافتنا زاخ���رة بنشر حوادث ال �ع �ن��ف ،وال� �م� �خ ��درات ،وال� �غ ��ش التجاري، والتحرش ،والفساد اإلداري ،وتغليب المصالح ال�خ��اص��ة ع�ل��ى ال�ص��ال��ح ال �ع��ام ،وك�ن��ا ن��ود أن ينشغل المفكرون والمسئولون في عالج هذه الظواهر السلبية في المجتمع ،وأن يطرحوا على صفحات ال�ج��رائ��د وال�م�ن�ت��دي��ات هموم المواطنين ومعاناتهم ،وهى كثيرة ومتعددة، وال يتسع المجال لذكرها.
لقاء عمل في إيطاليا
اجلوبة -صيف 1430هـ 87
الشعر رئتنا والنافذة المفتوحة على العالم. الشاعر قادر على تأسيس مشروعه الجمالي واإلنساني والثقافي أينما كان ويكون. لماذا ينتهي زمن الشعر وهو كل األزمنة.
حوار مع الشاعر العراقي عدنان الصايغ > حاوره محمد جنيم* ولد الشاعر العراقي عدنان الصائغ بالكوفة سنة 1955م ،وهو عضو اإلتحاد العام لألدباء والكتاب العرب ،وعضو إتحاد الصحفيين العراقيين ،وعضو منظمة الصحفيين العالميين ،وعضو إتحاد األدباء السويديين ،وعضو نادي القلم الدولي السويدي. نشر الكثير من دواوين الشعر ،أهمها :تحت سماء غريبة ،تأبط منفى (الذي ترجمه مؤخرا إلى االنجليزية الشاعر العراقي جواد وادي) ،صراخ بحجم الوطن ،نشيد أرووك، تكوينات ،غيمة الصمغ ،سرايا لشعرها الطويل ،سماء في خ��وذة ،العصافير ال تحب الرصاص ،أغنيات على جسر الكوفة ،انتظريني تحت نصب الحرية. فاز بعدد كبير من الجوائز العالمية ،وبمناسبة فوزه بجائزة إتحاد الكتاب السويديين التقينا معه وكان لنا هذا الحوار. > حدثنا عن عدنان الصائغ الطفل ال���ص���غ���ي���ر إل������ى ع�����دن�����ان ال���ص���ائ���غ ث َّم ألصق ُه فوق قلبي الشاعر.. وأبكي.. < سأترك للقصيدة وحدها أن تحدثك الصف - ِ ألني كسرتُ الزجاج َة -في ع��ن ال�ش��اع��ر ال��ذي ه��و أن��ا ،بينما أنا أجلس إل��ى طاولة مكتبتي في جنوب يا لبراء ِة هذا الشج ْن القطب ،أقلب أوراق مجموعاتي ،وكأني وأعرف.. ُ أقلب فصول المطر وسطور الريح. الخميس - ِ إمّا نسيتُ نشيديَ -يو َم تقول القصيدة: سيزع ُل مني الوطنْ» « ..وكان المعل ُم حين يعلّمني.. *** الكراريس شك َل الوط ْن ِ كيف أرسمُ ..فو َق َ أغافلهُ!!..
88
اجلوبة -صيف 1430هـ
«هل تذكرني!.. كنتُ صبياً أجلس تحت ظاللِ التوت ُ منتظراً ..خطوتها الخجلى عذب وجل ٍ في ٍ أكتبُ فوق سياجِ حديقتهم.. ..بعضاً من أبياتي علَّ معذبتي ..تقرأ ُها ..حين تمرّ!.. فترقُّ ..لحالي» *** المشاكس شاخَ.. ُ «الصبيُّ وأنت!..؟ ِ زلت مجنون ًة برذاذِ النوافيرِ أما ِ أذك ُر كنّا نجوبُ الشوار َع نحل ُم ف��ي وط� ٍ�ن بمساحةِ كفي وكفك ِ لكنهم صادروا حلمَنا.. ها أنا اآلنَ ،أنظ ُر من شقِ نافذةٍ للشوارعِ وهي تضيقُ.. تضي ُق تضي ُق فأبكي».. *** «آهِ ،ما كان لي... ..أ ْن أغاد َر مر َج الطفولةِ نحو المدينةِ ما كان لي... برباط الوظيفةِ ِ أ ْن أب ّد َل زقزقتي ما كان لي..
عدنان الصايغ مع أدونيس
*** «ال� �ف� �ت ��ى ال �ل�اه� ��ي ال� � ��ذي قد تذكري ْن صا َر أبْ وله طفالنِ أو ذنبانِ ،آهٍ وديونٌ.. ووظيف ْة سرقتْ منه أراجي َح الحني ْن الفتى ..آهِ ،الفتى لو تعلمي ْن م���ا ال�� ��ذي ق���د ص��ن��ع��تْ فيه، مداراتُ الليالي واحتراقاتك ،والحل ُم الضنينْ» ِ
م������������������واج������������������ه������������������ات
أستعيض عن النهرِ َ أ ْن ما كان لي.. ول� �ك� �ن� �ه ��م أوص�� �ل� ��ون� ��ي لهذا الخراب» ِ
*** جمّعتُ عمري في جعبتي.. ثم قسّ متهُ: بين طفلي.. ومكتبتي.. والخنادق (للطفولة ،يتمي.. والمرأتي ،الشع ُر والفقرُ.. ـزيف الطويلُ.. للحرب ,هذا الن ُ ِ وللذكريات ..الرمادْ) ِ عمر وماذا تبقى لكَ اآلن من ٍ ***
اجلوبة -صيف 1430هـ 89
الحقول المحروثة بغاز الخردل ،والتي كانت تلوح على مبعدة من شهقاتنا الحبيسة.
شارع ٍ شارع إلى ٍ ال حياتي بقدمي من «راك ً مثلما يرك ُل الطف ُل كرتَ ُه الصغيرةَ ضجراً منها وأنا.. أتأم ُل وجهي في المرايا المتعاكسة وأعجبُ كيف هرمتُ بهذه العجالة» ***
في عام 1993م سأغادر العراق إلى عمان، وسيحمل ل��ي أح��د األص��دق��اء بين حقائبه نسخة القصيدة ال�ت��ي تركتها ه�ن��اك خوفا عليها م��ن عيونهم ..وس��أظ��ل أشتغل عليها ثم لتنتقل معي في طوافي إلى صنعاء وعدن ال منها إلى بيروت، والخرطوم فدمشق منس ً حيث تأخذها أحد دور النشر ،وتباشر بطبعها كاملة..
> ه��ل ل��ك أن تحدثنا ع��ن ظ���روف كتابة > ك���ي���ف ت��س��ت��ش��رف ال���ح���رك���ة الشعرية نشيد أوروك ،وكيفية استجماع مصادر بالعراق في ظل المتغيرات الحالية؟ العمل ،ألنني حين اطلعت على الديوان، < الحركة الشعرية العراقية في كل منعطفات وج��دت��ه حافال باألساطير والخرافات التاريخ الحادة لم تزدد إال لمعاناً واستشرافاً والفلسفة والحكمة والتاريخ ,ويذكرنا وتجريباً .ودليلي على هذا هو تلك النصوص ه��ذا العمل بالعمل الخالد يوليسيس الضاجة بفيوضاتها رغم مشهد الخراب.. لجيمس ج��وي��س .وب��وص��ف ه��ذا النص ه��و أط���ول ن��ص ش��ع��ري ع��راق��ي كتب في وليس ذل��ك غريباً ..فكثيراً ما يولد الشعر العظيم من رحم المعاناة الكبيرة. السنوات االخيرة. < المكان :اصطبل مهجور للحيوانات في قرية > ما يبقى يؤسسه الشعراء ..م��اذا تنوي ت��أس��ي��س��ه ل��ت��س��اه��م ف���ي ب���ن���اء مجتمع «شيخ اوص��ال» في شمال العراق (وجدتني يسوده العدل والسالم في بلدك العراق فيه جندياً محتجزاً كعقوبة ،ألنهم عثروا على الذي أنهكته الحروب والديكتاتورية؟ مجموعة من الكتب تحت يطغي)..
90
ال��زم��ان :منتصف س�ن��وات ال�ح��رب العراقية < ما أحلم به حقاً هو أن أصحو ذات صباح ف � �ي� ��روزي ،ف�ل�ا أس� �م ��ع دوي االنفجارات االيرانية وما تالها (1996 -1984م). والتصريحات والمزايدات. األحداث :كل ما مر على هذه األرض الطاعنة بالمرارات والحضارات والثروات والحروب > ،ه���ل ل���ك أن ت��ع��رف��ن��ا ع��ل��ى منطلقاتك ال��ج��م��ال��ي��ة وال���ش���ع���ري���ة ب���ع���د ك����ل ه���ذا وجدتني أستقريء من خاللها وفيها أحداث التحول؟ روح��ي الالئبة ،وسطوري وأحالمي وأرضي وش�ع�ب��ي وت��اري �خ��ي ،م��ن أغ��ان��ي اي�ن��ان��ا حتى < أنطلق من فكرة أن التحرر يبدأ من اإلنسان
اجلوبة -صيف 1430هـ
نفسه ،بمعنى أن يتحرر اإلن �س��ان العراقي من قيوده هو أي�ض�اً ،مثلما تحرر من قيود الطغيان المسلطة عليه .بمعنى آخ��ر أن ال يمارس قهره وطغيانه على اآلخر .أن ال يفهم الحرية مكسباً فردياً ينعم بها هو ،بينما يضن > الكثير من أصدقائي الشعراء والروائيين بها على اآلخر أو يمنحها وقت ما يشاء.. هنا وهناك في المغرب وأوروبا وأمريكا، ك���ان���وا ي���ع���ول���ون ك��ث��ي��را ع��ل��ى عودتكم إن التحرر ينبغي أن يؤسس لمفهوم الحرية النهائية للوطن ،وس��د ال��ف��راغ الثقافي األعمق ،أن يشيع مفردات الجمال والعدالة هناك ف��ي مجال ال��ت��واص��ل ال��ف��ك��ري ،إن والمعرفة والعمل وال�ح��ق وال�ح��ب ،أن يفتح كان على مستوى اإلص��دارات الثقافية. نافذة حرة على العالم ،ليرى ويتحاور ،ويتعلم أو ع��ل��ى األق����ل ت��أس��ي��س ق��ن��اة عراقية ويستشرف ،ويتأثر ويؤثر. ثقافية. > بعد زيارتك مؤخرا لبغداد ..كيف كان ش��ع��ورك ب��ع��د ف��ت��رة المنفى الطويلة < ،من ناحيتي أرى أن الشاعر قادر على تأسيس م �ش��روع��ه ال�ج�م��ال��ي واإلن �س��ان��ي والثقافي وك���ي���ف ت��ع��ام��ل��ت م���ع ال���واق���ع الجديد، ومواصلته أينما ك��ان وي �ك��ون ..وم��ن تالقح ول����م����اذا ل���م ت��ف��ك��ر ف���ي ت��أس��ي��س مشهد هذه المشاريع وتحاورها يمكن بناء المشروع ثقافي يتالءم مع المتغيرات الجديدة، الثقافي العام ،وتأسيس ثقافة وط��ن قادرة سيما وأنتم تحملون رؤي��ا جديدة بعد ع�ل��ى ف�ت��ح ك��وى خ �ض��راء مضيئة ف��ي جدار ت��ج��رب��ة ال��غ��رب��ة ،ب��ع��د اإلن��ه��ي��ارات التي الظالم السميك ال��ذي بناه الطغاة وأعداء طالت المشهد الثقافي العراقي. الحرية.. < لم تمهلنا االنفجارات أن نرتوي من لحظة
ال �ف��رح ب�س�ق��وط ال �ط��اغ �ي��ة .أن ن�ت��أم��ل تلك اللحظة ،أن نستوعبها ،أن نقومها ..أن نراجع ما لها وم��ا عليها وم��ا لنا وم��ا لها .وم��ن ثم ل��م نتمكن حتى م��ن فتح حقائبنا وأحالمنا التي حملناها معنا لنحط رحالنا بعد سنوات النفي والشتات. ولم نتمكن من ايجاد أي فسحة للتأسيس، أو حتى للحلم بالتأسيس وسط واقع منهك، زادت ��ه المطامع السياسية ال�ج��دي��دة نهشاً وانهاكاً..
م������������������واج������������������ه������������������ات
المشاريع الثقافية والحضارية والعمرانية والتربوية تحتاج الى استقرار ،وهذا االستقرار يحتاج الى أرض غير رجراجة ،يمكن أن تقف عليها لبنات البناء..
ومشروعي يندرج في هذا االطار مبتعداً عن التدافع بالمناكب والخطابات التي أرهقتنا كثيرا بصخبها وعجاجها طيلة عقود طويلة، مؤمناً أن «م��ا يبقى يؤسسه الشعراء» ،كما يقول الشاعر األلماني هولدرلن. ال عودة نهائية وال بقاء نهائي ،هكذا وضعتنا أق� ��دار ال��وط��ن وال�م�ن�ف��ى أو أق� ��دار الشعر، وبينهما أجدني منهمكاً بنصي الجديد «نرد النص» ،الذي أحاول أن أفتح به نفقاً مغايراً، لمشروع الكتابة الجديدة.
اجلوبة -صيف 1430هـ 91
> هل هناك مؤامرة ضد الثقافة العربية، تحاك باستمرار من ط��رف الفضائيات ال���ت���ي ال ت���ق���دم إال ال���ط���رب المبتذل > ،حين زرت ال��ع��راق ،أري���د أن أس��أل��ك عن والكليبات التي تصيب المشاهد بكسل أح��وال أصدقاء أعتز بصدقاتهم جدا، وخمول. سلمان داوود محمد ،علي حبش ،كزاز شبعنا ح ّد التخمة من هذه الكلمة« :المؤامرة» حنتوش ،عبدالزهرة زكي ،علي الطائي، على مستوى ال �ش��ارع وال�س�ي��اس��ة والثقافة صفاء دياب وآخرون. والدين .ليس هناك أكثر ايذاء وخطورة على < في مقهى الشابندر التي تقع في ركني شارع الوطن أو الثقافة من القائمين عليها أنفسهم، المتنبي وسوق السراي ،التقيت بالعديد من إذا كانوا ذوي عقليات متحجرة وظالمية ،ال األصدقاء القدامى والجدد ،وجمعتني وإياهم يبغون م��ن أم��ر ال��وط��ن س��وى تأسيس جهاز استذكارات الشعر والوطن والكارثة ،بكينا مخابرات ،وحرس جمهوري ،وصناديق اقتراع وضحكنا حتى ابتلت أطراف األحاديث بيننا, تفرز لهم أص��وات�اً ثابتة م��دى الحياة بنسبة «وسالت بأعناق المطي األباطح» كما يقول ،%99.99وال يعلمون من شؤون الثقافة سوى الشاعر كثيّر عزة. تعليق الفتاتهم وشعاراتهم وقصائد المديح جمعني واألص��دق��اء أك�ث��ر م��ن ل �ق��اء :صفاء الجنجلوتية بحقهم ،وال يفقهون من الدين ذي� ��اب ،وع �ل��ي ح �ب��ش ،وخ��زع��ل الماجدي، سوى السيارات المفخخة والتفجيرات والقتل وقاسم محمد عباس ،وعبد الخالق الركابي، والتحريم. وعبدالرحمن طهمازي ،وأحمد خلف ،وصفاء ه��ذه العقليات أينما تكون ف��ي الفضائيات صنكور ،والتميمي ،والحطاب ،وزعيم النصار، أو الصحافة أو ال�ش��ؤون الثقافية أو دائرة وماجد طوفان ،وناظم عودة ،وشوقي كريم، الفنون ،فإنها تلغي كل مجال للعقل والتطور. وعبد الزهرة زكي الذي آلمني وأحزنني كثيراً وق��د شهدنا ف��ي ال�س�ن��وات األخ �ي��رة طوفانا ما تعرض له من سجن ،خرج منه قبل سقوط عارماً من اإلستسهال والتعمية..عاد بنا إلى النظام باعجوبة زاد رأسه األشيب توهجاً. الوراء عقوداً وعقوداً حد أن نجد أن ما كان وجمعني وصديقي سلمان داوود محمد حوار يمكن تداوله من كتب وآراء في مطلع القرن ثقافي في قناة الجزيرة عن (أدب الداخل الماضي ،بات بحكم المحرم والممنوع .وخذ وال �خ��ارج) قلنا فيه بوضوح أن ال داخ��ل وال قائمة الكتب المصادرة في معارض الكتب.. خارج في األدب العراقي .هناك إبداع حقيقي الجميع مشترك – وإن بنسب متفاوتة – في هذا التقهقر الفاجع والمستمر إلى الوراء..
92
وخ��ذ م��ا ي�ص��در م��ن ف�ن��ون الطبيخ الثقافي والسياسي ،في كتب فاخرة زاهية األلوان، وش��دة اإلق�ب��ال الجماهيري عليها..تجد أن
اجلوبة -صيف 1430هـ
واح��د أو ال إب��داع .والجميل والمدهش أننا انجمعنا في رأي واحد ،رغم أن الحوار أجري لكل منا منفصالً ،فلم اكن أعرف ما كان يقول
ويفكر به ،ولم يكن هو يعرف أيضاً ما كنت
أقوله..
بن علي الخزاعي .صلبوا منا الحالج ،ورموا
وهكذا سقط هذا المصطلح أمام المشاهدين
أب��ن المقفع في تنور مسجور ،وأم��روا يزيد بن مفرغ أن يحك بأظافره قصائد هجائه
ال مفلسو من تلقاء نفسه ،بعد أن تاجر به طوي ً
للحاكم ،التي كتبها على الحيطان ،حتى بريت
االبداع وتجار الشائعات األدبية..
أصابعه ،وظلت تنزف دم�اً حتى م��ات ،والخ
> ع��دن��ان الصائغ وط���ارق حربي إذا طلب
والخ ،وقائمة الذبح والتشرد تطول.
رأيكما في كتابة دستور جديد للعراق
فما الذي تقترحانه؟
شوارع الوطن العربي ،وساحات المنافي بحثاً
وال�ب�ن��اء وال �ق��ان��ون واألم ��ن وال�ج�م��ال ف��ي أي
عن وطن آمن لكلماتنا.
دستور جديد يكتب للعراق ،بعد أن غيبت عنه
هذه المفردات وغيرها لسنين طويلة ،ليضج بالطغيان والظلم وتمجيد الجنراالت.
> هل انتهى زمن الشعراء؟
لماذا نتوقف عن كتابة الشعر وه��و رئتنا..
يقول الشاعر الفرنسي جان كوكتو« :الشعر
والنافذة المفتوحة على العالم..؟!
ض��رورة ..وآه لو أع��رف لماذا» نعم - ،أيها األصدقاء -آه لو أعرف أو لو نعرف لماذا
نكتب؟ نحن حفاة التاريخ ومؤسسو ممالك الدهشة ،المشردون على أرصفة الكلمات.
طردنا أفالطون من جمهوريته ،فهمنا على
واد – كما وصفنا القرآن – وجوهنا في كل ٍ
يتبعنا الغاوون ،وتالحقنا التقارير واألنظمة والحكام ،والشتائم .نحمل الوطن المصلوب
م��ن منفى إل��ى منفى..كما ردد البياتي ،أو
نحمل خشبة الصلب على أكتافنا ،نبحث عمن
فلماذا الشعر ولماذا نكتب؟ بل قل لماذا نحمل صليب كلماتنا على أكتافنا يومياً ،ونمشي في
< ليدخل الشعر وال �ح��ب وال�ح��ري��ة والمعرفة
< لماذا ينتهي زمن الشعر وهو كل األزمنة..؟!
م������������������واج������������������ه������������������ات
يصلبنا عليها ،كما فعل الشاعر القديم دعبل
وكنت أتمنى لو وُجه هذا السؤال إلى القراء: لماذا ما تزالون مصرين على ق��راءة الشعر رغم هذه الظروف الصعبة كلها؟
ذلك أن الشاعر مهما أوتي من قدرة التنظير عن فنه وهواجسه ،سيجد نفسه مرتبكاً أمام س��ؤال مثل ه��ذا يريد أن يختصر عمره كله بكلمتين فقط ،ثم يختمهما بعالمة استفهام تشبه أنف محقق في دائرة أمنية .وأعود إلى كوكتو ثاني ًة وهو يقول« :إن الفنان ال يستطيع أن ي�ت�ح��دث ع��ن ف�ن��ه إال ب�ق��در م��ا تستطيع الشجرة أن تناقش في الهندسة الزراعية» ونمضي معه في دروب الحياة والكتابة والفن والطبيعة ،لنجد أن الكاتب ال يعرف أيضاً لماذا يكتب .مثلما الشجرة ال تعرف لماذا ت�ث�م��ر؟! وال�ع�ص�ف��ور ال ي�ع��رف ل �م��اذا يغني؟! والبحر ال يعرف لماذا يهدر؟! والسنبلة لماذا تنضج؟! والسحابة لماذا تمطر؟! والخ والخ.
* كاتب من المغرب.
اجلوبة -صيف 1430هـ 93
ليلة العيد
> فواز بن صالح اجلعفر*
بفرشاة سوداء ..اليمكنك أن ترسم «الزهر»!
تهنئة ليست من القلب.. مصير معناها القلب..
س�ي�ه��اج�م��ك ف��ي ال �ع �ي��د شبح.. رسمته يداك!
حتى بتهنئته يتكلف!
ويوافيك في الصبح ليل..
من لم تمأل «الحلوى» أعياده.. فليس بـ «صاحب سعادة»! يعرفون كيف يمرحون ..لكنهم ال يعرفون كيف يفرحون!
خذ نصيحتي: تتأسف.. ْ تأس وال ابتسم ..وال َ ب �ع �ض �ه��م ..ف ��ي ص �ل�اة العيد يجتمعون ..ثم« ..يتفرقون»! لماذا تلتئم الدروب ..ثم تختلف القلوب؟!
وتمتد األيدي للمصافحة ..ثم تعرض الصدور الحلوى ..هي التي يتذوقها القلب ..وتذوب عن الصفح؟! في خلجاته.. أل �ي��س م��ن م�ع��ان��ي «ع �ي��د اإلس �ل��ام» ..العود وليست باأللوان ..أو «السولفان».. لـ»السالم»؟!
كل عام وأنت ..أنت! «ل��م يعد للعيد طعم» ..يكررها الكبار ..وال يتقدم أن� ��اس ..ويحلق آخ� ��رون ..وأن ��ت في يفهم معناها الصغار! مكانك تراوح.. وكم يحلو العيد ..في أفواه «الغيد»« :عساتم
يتصافى أناس ..ويقترب آخرون ..وأنت كما من عوَّاده»! أنت ..تنافح.. اب� �ت� �س ��ام ��ة ال � �ع � �ي� ��د ..الت� �ق� �ب ��ل «ال � �ت � �ل � �وّن» يهجر الخطأ أناس ..ويطلِّقه آخرون ..وأنت و»االنكسار».. في غيِّك ..سارح.. «الصفار».. َّ تماماً كبياضه الذي ال يقبل لن أق��ول ل��ك( :ك��ل ع��ام وأن��ت بخير) ..حتى تقول :كل عام وأنا غير!
يأتي العيد ..ويعود األلم ..واألمل.. ماذا فعلت يا أبا الطيب؟! إن كان العيد واقعا ..فقد ألبت المواجعَ.. يا ليتها أزهرت بينك وبين «كافور»! لترى في العيد ما لم تره!
* سكاكا -الجوف.
94
اجلوبة -صيف 1430هـ
تضرب األضحية أقوى رمز للتضحية.. حينما تقول« :اذبحوني ..وأحيوا عيدكم»!
في صباح العيد..
كم هم الذين يبنون رؤاهم للعام القادم.. ل �ي �ك��ون��وا م���ن ال� �ف ��ائ ��زي ��ن ..إن ك���ان���وا من «العايدين»؟!
ن����������������������������������واف����������������������������������ذ
من رواد التجديد في النثر الفني احلديث مصطفي لطفي املنفلوطي
> د .عبدالناصر محمود عيسى هو مصطفى لطفي بن محمد لطفي بن حسن لطفي المنفلوطي ،المولود في منفلوط إحدى مدن محافظة أس�ي��وط سنة 1876م ،وقيل 1877م ،وقيل 1872م، ألبوين مختلفي األص��ل ،فأبوه مصري عربي صريح النسب ينتهي نسبه لعترة الحسين بن على رضي الله عنهما وأمه تركية شابكة القرابة إلى أسرة الجوربجى، وتوفى سنة 1924م(.)1 كان مولده في بيت كريم بالدين جليل
وت�ف�س�ي��ر ال� �ق ��رآن ،واالخ� �ت�ل�اف إل ��ى كتب
مئة عام ،ولذا نهج المنفلوطي سبيل آبائه
والجاحظ وبديع الزمان ،كما يقرا للنقاد
وتلقى العلم في األزهر؛ و لكنه على الرغم
تناولوا وصف الكالم الجيد ،وممن وقفوا
بالفقه ،توارث أهله القضاء الشرعي نحو القدماء ودواوينهم فهو يقرأ البن المقفع في الثقافة ،فحفظ ال�ق��ران في الكتّاب ،كاالمدى والباقالنى وعياض وغيرهم ممن من ورع قلبه ورعاية أبيه لم يكن يلقي باالً لغير علوم اللسان وفنون األدب ،فهو يحفظ
عند إعجاز القران وجمال أساليبه .وقد س��اع��ده ذوق��ه الجيد وحسه المرهف أن
األشعار ويتصيد الشوارد ويصوغ القريض يختار لنفسه أروع ما فى الكتب والدواوين
وينشئ الرسائل ،ويجمع بين اختالفه إلى من قطع وقصائد رائعة ،فعكف على هذا
دروس الشيخ محمد ع�ب��ده ف��ى البالغة كله ،كما عكف على كتابات أستاذه محمد
اجلوبة -صيف 1430هـ 95
عبده ،يعب منها كما يعب وينهل
المنفلوطي الذي اصطفاه الله
وال�م��ؤل�ف��ة؛ وب��ذل��ك ه�ي��أ نفسه
اإلم��ام المفتي (الشيخ محمد
م��ن آث��ار معاصريه المترجمة
لرسالة هذا األدب البكر وجعله
عبده) تلميذه المختار. »:
ل�ي�ك��ون أدي �ب��ا ب��ارع��ا وك��ات �ب��ا ال
()2
يشق له غبار فى مجال القصة
وقد ساعدته صلته الوثيقة
والمقال ،وكذلك الشعر.
باإلمام محمد عبده وبالزعيم
وقد عرف المنفلوطي بغيرته
الوطني سعد زغلول والكاتب
القيم السامية ،يدل على ذلك
كان هؤالء النفر أقوى العناصر
الصحفي على ي��وس��ف ،حيث
على الفصحى ،ومحافظته على
فى تكوين شخصية المنفلوطي
م��ا ن �ش��ره م��ن م �ق��االت ثقافيه
ودينية أشرقت على وجه صحيفة المؤيد إشراق األدي��ب ،إل��ى جانب استعداده الفطري وتوجيه البشاشة ،وسطع أسلوبه العذب فى أندية األدب
أس��رت��ه ،ألن ه ��ؤالء ال�ث�لاث��ة على م��ا بينهم من
س�ط��وع ال�ع�ب�ي��ر ،ورن ف��ى أس �م��اع األدب� ��اء رنين تفاوت فى نواحي النبوغ كانوا أفهم رجال العصر
النغم ،ورأى القراء واألدب��اء فى فنه ما لم يروه الحديث لحقيقة األدب ،وأش��ده��م حدبا على
فى فقرات الجاحظ وسجعات الهمذانى ،وما بؤس أهله(0)3
لم ي��رون فى غثاثة الصحافة وركاكة الترجمة، فاقبلوا على أعماله إق�ب��ال الهيم على المورد العذب الزالل.
وقد كان المنفلوطي أديبا موهوباً ،حظ الطبع
في أدبه أكبر من حظ الصنعة ،ألن الصنعة ال تخلق أدبا مبتكرا ،وال أديبا ممتازا ،وال طريقة
يقول عنه أحمد حسن ال��زي��ات« :وك��ان هذا مستقلة ،وكان النثر الفني فى عصره لونا حائال
النفر من األيفاع المتأدبين يجلسون فى أصائل
أيامهم الغريرة أمام الرواق العباسي فى األزهر،
ي �ت �ق��ارض��ون األش� �ع ��ار ويلهون ب ��اغ� �ف ��ال ال � �ن� ��اس ،ويترقبون
«مؤيد الخميس» ليقرءوا مقال ال�م�ن�ف�ل��وط��ي خ �م��اس وسداس وس� �ب ��اع ,وط ��ه م��ره��ف أذنيه،
وزن��ات��ى مسبل عينيه والزيات م��أخ��وذ ب��روع��ة األس �ل��وب ،فال
ي��ن��ب��س ،وال ي � �ط� ��رف ،وكلهم
يودون لو يعقدون أسبابهم بهذا
96
اجلوبة -صيف 1430هـ
من أدب القاضي الفاضل ،أو أثرا مائال لفن ابن خلدون يتمثل األول قويا فى طبقة المويلحي وحفني ناصف ،ويظهر األدب الثاني ضعيفا فى طبقة قاسم أم� �ي ��ن ول��ط��ف��ي ال� �س� �ي ��د ،وال
يستطيع ن��اق��د أن ي��ق��ول :إن أسلوب المنفلوطي كان مضروبا على أح��د هذين القالبين ،بل
كان له أسلوبه المالئم لعصره ك�م�لاءم��ة أس �ل��وب اب��ن خلدون
لعصره ،فجاء أسلوبه بديعا فى
ب��األدب��اء القدامى كابن المقفع
وي �ح��اول أن ي��ؤث��ر ب��ه ف��ى سمع
على غير مثال ،فمع أنه قد تأثر وابن العميد ،وبالمحدثين منهم كجبران خليل جبران وميخائيل ن�ع�ي�م��ه وغ �ي��ره��م ،إال أن هذا
التأثر دخ��ل فنه دخ��ول اإللهام واإلي � �ح� ��اء ال دخ � ��ول التقليد واالح � �ت� ��ذاء ،ف �ل��ه م��ن األولين
إشراق الديباجة وقوة النسيج، وله من اآلخرين جدة الموضوع
وطرافة الفكرة(.)4
يقول الدكتور شوقي ضيف:
«وتلمح فى كتاباته آثار القدماء، فقد تحس أحيانا أن��ه يحتذي
ن �ث��ر ال� �ج ��اح ��ظ أو ن �ث��ر بديع ال��زم��ان ،ول �ك��ن م��ا يحتذيه أو ما ينقله يدخل فى كيان تعبيره بحيث يصبح كأنه يعاد خلقه م��ن ج��دي��د ،وه� ��ذا م��ا نسميه شخصية الكاتب ،فكل ما يكتبه
يطبع بطابعه ..ه��ذا من حيث الشكل ،أما من حيث الموضوع,
فقد اختار الحياة االجتماعية لبيئته واتخذها ينبوعا ألفكاره،
وت� �ح ��ول ف �ي �ه��ا ب �ت��أث �ي��ر أستاذه
الشيخ محمد عبده إلى مصلح اجتماعي ،فهو يردد آراء المصلحين من حوله ويؤديها بلغته التي
تأثِر السامع وتخل ُب لُبّه»(.)5
وال�م�ن�ف�ل��وط��ي ف��ى أدب ��ه ال يعنى بموضوعه
أداء فنيا يتخير ف�ي��ه اللفظ، ال� �ق���ارئ ووج� ��دان� ��ه ،وه� ��و فى
ذل��ك م�ت��أث��ر ب�ط��ري�ق��ة القدماء ال��ذي��ن ك��ان��وا ي�ع�ن��ون بالجرس
الموسيقي للكالم ال��ذي ينتهي
ن����������������������������������واف����������������������������������ذ
إنشائه حيث أنشأه الطبع القوي
ف�ح�س��ب ،ب��ل ي �ح��اول أن يؤديه
بهم إلى السجع فى الغالب ،لكن المنفلوطي ال ي�س�ج��ع ،ولكنه
يعنى عناية شديدة بموسيقى ألفاظه ،وكأن الناس ال يقرءونه ب��أب�ص��اره��م ف��ي ال �ص �ح��ف ،بل
ي�ق��رءون��ه أو يسمعونه بآذانهم ع �ل��ى ط��ري �ق��ة ال� �ق ��دم ��اء ،قبل
أن تتحول ال �ق��راءة م��ن السمع إل ��ى ال �ب �ص��ر .ف�م��ا أش �ب��ه أدبه
فى عباراته الرصينة المنغمة باآلنية المزخرفة ،وإن قل ما تحمله هذه اآلنية من زاد للعقل أو الفكر ،بما عرضه لالنتقاد،
ول�ك��ن ال��واج��ب على النقاد أن
يقيسوا األديب بمقاييس عصره
وظروف بيئته وأال يحكموا عليه بمقاييس عصر تال له ،وخاصة
أن ال �م �ن �ف �ل��وط��ي ق� ��دم لمصر ول �ل �ع��ال��م ال �ع��رب��ي أث� ��ارا أدبية
بارعة كانت المثل األعلى للشباب فى إنشائهم وصقل أساليبهم(.)6
ومن آثاره األدبية :النظرات ،وتقع فى ثالثة
م�ج�ل��دات ،وه��ى مجموعة كبيرة م��ن المقاالت
اجلوبة -صيف 1430هـ 97
االج� �ت� �م ��اع� �ي ��ة ال� �ت ��ي نشرها
عنوان :الفضيلة ,والشاعر أو
الماضي بجريدة المؤيد التي
روس��ت��ان« ,وف ��ي سبيل التاج»
المنفلوطي ف��ى أوائ� ��ل القرن
كان يحررها الشيخ على يوسف، وهذه المقاالت تمتاز من حيث
الشكل باألسلوب النقي الخالص من شوائب العامية ،وأساليب ال�س�ج��ع ال�م�ل�ت��وي��ة؛ والعبرات:
وه ��ى م�ج�م��وع��ة م��ن القصص ب��ع��ض��ه��ا م� ��وض� ��وع وبعضها
م �ت��رج��م ,ص��اغ��ه المنفلوطي بأسلوبه ,بعد أن ترجم له من ب �ع��ض أص ��دق ��ائ ��ه ,إذ أعطى
ل�ن�ف�س��ه ال �ح��ري��ة ف��ي التحوير والتصرف في الصياغة ,وقد
أشار في عبراته إلى الموضوع منها والمترجم.
�ص���ر المنفلوطي ك� �م ��ا م�� ّ
العديد من ال��رواي��ات الفرنسية
«سيرا نودي برجراك» ألدمون
لفرانسو كوبيه.
ول��ه أي �ض �اً م�خ�ت��ارات أدبية
ان �ت �ق��اه��ا م���ن ع� �ص ��ور األدب
ال�م�خ�ت�ل�ف��ة ,إل ��ى ج��ان��ب بعض ال �ق �ص��ائ��د ال �ش �ع��ري��ة القليلة
التي ال تتجاوز ف��ي مجموعها
سبعمائة بيت ،تنوعت أغراضها ب�ي��ن ال �م��دح وال ��رث ��اء والهجاء
واالس� �ت� �ع� �ط���اف ،إل � ��ى جانب
الشعر السياسي واالجتماعي وال�ق�ص�ص��ي ,وق��د ح ��اول فيها
السير على نهج ال�ق��دم��اء في
التركيب وال�ص��ورة ,إل��ى جانب م �ع��ارض �ت��ه ل �ب �ع��ض القصائد
ال �ق��دي �م��ة .وي �ع��ود ق�ل��ة إنتاجه
الشعري النشغاله بفن المقالة
المترجمة م�ث��ل« :م��اج��د ول �ي��ن» أو «ت�ح��ت ظل والقصة دون التفرغ للشعر ,حتى ع��رف ناثراً ال��زي��زف��ون» ألل �ف��ون��س ك ��ار ,و»ب� ��ول وفرجيني» أكثر منه شاعراً ,وبالنثر وحده ال بالشعر كانت
لبرنا ردي��ن دي س��ان بير ,التي ّ مصرها تحت شهرته(.)7
* أستاذ علم اللغة المساعد بقسم اللغة العربية -كلية اآلداب -جامعة أسيوط. ( )1انظر ترجمة في اإلعالم 142/8ومعجم المؤلفين 273-272/12ومعجم المطبوعات 1805/2وتاريخ األدب العربي للزيات 460ووحي الرسالة 385/1واألدب العربي المعاصر 227والموسوعة العربية 271/24 ( )2وحي الرسالة .386/1 ( )3وحي الرسالة .388/1 ( )4السابق .390/1 ( )5األدب العربي المعاصر .232-230 ( )6السابق .233 ( )7انظر اإلعالم 142/8ومعجم المطبوعات 1805/2ومعجم المؤلفين 273-272 /12وتاريخ األدب العربي -460 462والموسوعة العربية العالمية 280-279/24واألدب العربي المعاصر 229ووحي الرسالة .390/1
98
اجلوبة -صيف 1430هـ
ن����������������������������������واف����������������������������������ذ
القراءة الرقمية
فى ظل تطور تكنولوجيا االتصال > حسام عبدالقادر* إن الحصول على المعرفة هو دائماً الشغل الشاغل لإلنسان منذ بدء الخليقة، فقد عرف اإلنسان أن وجوده بجانب غذائه يعني قدرته على البقاء ،ثم تعرف أن الوقود والطاقة هى األهم ،وبها يمكنه شراء غذائه ،ثم جاءت التكنولوجيا الهائلة فى جميع المجاالت ،لتسيطر على اإلنسان وتجعل من يمتلك قدرا من المعرفة بالتكنولوجيا ،يستطيع أن يسيطر على العالم من حوله ..هذه المعرفة التى حيرت اإلنسان قام بتجميعها من المعلومات البسيطة ومن ثم المعقدة ،ثم استخدمها االستخدام الصحيح ليبقى ،والقراءة الوسيلة األساسية للحصول على المعرفة ،فبدونها ال يمكن التواصل مع اآلخرين ،وال يمكن إقامة أي نوع من أنواع االتصال الجماهيرى ،إال أن القراءة اختلفت باختالف التكنولوجيا، فبعد أن كانت القراءة تتم بالشكل التقليدى من خالل كتاب مطبوع أو صحيفة، تحولت اآلن إلى قراءة رقمية ،تجري من خالل وسائط تكنولوجية متعددة مثل: الكمبيوتر ،والموبايل ،والكتاب اإللكتروني.
اجلوبة -صيف 1430هـ 99
ب��ل إن طبيعة ال �م��ادة ال �م �ق��روءة أص�ب��ح لها
أشكال متعددة مثل:
أن ان�خ�ف�ض��ت م �ع��دالت ال� �ق ��راءة ف��ى منتصف
الثمانينيات حتى منتصف التسعينيات كثيرا.. ارتفعت هذه المعدالت مرة أخرى وبشكل هائل،
الكتاب اإللكترونى :وه��و جهاز مستقل يعد كمبيوتراً صغيراً ج��داً فى حجم كف اليد ولكن فى صور وأشكال مختلفة عما كانت عليه ال ��واح ��دة ،وي�ح�م��ل ك�ت��اب�اً أو ع��دة ك �ت��ب ،يسهّل من قبل.
للمستخدم طريقة التصفح والبحث داخل هذا
وقد يكون معدل شراء الكتب المطبوعة فى
ال��رس��ائ��ل اإلخ���ب���اري���ة ع��ل��ى املوبايل :SMSوالتى تجلب عناوين األخبار من خالل
التوزيع بسبب قلة الشراء ..إال أن كل ذلك مجرد
الكتاب
خ��دم��ة ال �ت��زوي��د ب��األخ �ب��ار وه��ى ت�ت��م باشتراك
شهرى.
الرسائل األخبارية على اإلمييل :وتتم
باشتراك أيضاً ولكنه غالباً مجانى ،ومن خالله
تأتى رسالة يومية أو أسبوعية أو شهرية –على
حسب الموقع المزود باألخبار -بكل األخبار التى تهم مستخدم هذا اإليميل؛ فهو يحدد نوعية األخبار التى يريد أن يعرفها بشكل دورى سواء
رياضية أو فنية أو ثقافية ...الخ.
نقصان ،وق��د تشتكى بعض الصحف م��ن سوء عوامل اقتصادية غالباً ما تمنع المشتري من
القيام بعملية الشراء ،وفى المقابل اتجه هذا
المشتري إلى الوسيلة األسهل واألرخ��ص ،وهى «القراءة الرقمية» من خالل الوسائط المتعددة
التى ذكرناها ..خاصة أن هناك سهولة ويسر
فى قراءة المادة التى يريدها ..فهناك خصائص عديدة تميز القراءة الرقمية مثل:
رخص سعرها :وتكاد تكون مجانية فى ظل
سهولة االتصال بشبكة اإلنترنت.
سهولة االستخدام والتصفح :ويمكن
أي �ض �اً ه�ن��اك ال �ق��راءة على شبكة اإلنترنت للقارئ أن يطلع على المادة التى يريد قراءتها مباشرة م��ن خ�لال زي ��ارة ال�م��واق��ع اإللكترونية وتصفحها فى سهولة ويسر واختيار الفقرة التى المختلفة ،وهي تتيح كما هائال من المعلومات ي��ري��ده��ا ،ب��ل يمكنه حفظ ال �م��ادة على حاسبه وال�م�ع��رف��ة ل �ل �ق��ارئ ،يمكنه االط�ل�اع عليه بكل وقراءتها فى الوقت الذى يريده.
سهولة.
سهولة البحث :إذ يمكن للقارئ أن يقوم
بالبحث عن الجزء الذى يهمه فقط من المادة
إن ع�ن��اص��ر ال��ق��راءة ال��رق�م�ي��ة كلها محفزة للتشجيع على القراءة ،على عكس ما قد يظن التى يريدها ويركز عليه. بعضهم ،فبعد أن ك��ان ال �ف��رد ي��ذه��ب ليشترى الصحيفة أو الكتاب ليتعرف على خبر جديد أو
موضوع أو متابعة حدث أو قراءة رواية جديدة،
ت���ن���وع امل���ص���ادر ف���ى امل������ادة امل���ق���روءة:
وخ��اص��ة م��ع ال�م��واض�ي��ع وال�ت�ق��اري��ر اإلخبارية،
إذ يمكن للقارئ اإلط�لاع على نفس الخبر من
أصبح كل هذا فى متناول يديه من خالل جهاز عدة مصادر صحفية فى الوقت ذاته؛ ما يؤكد الكمبيوتر واتصاله بالشبكة العنكبوتية ،وبعد له صحة الخبر من عدمه إضافة إلى تفاصيله
100اجلوبة -صيف 1430هـ
كلها.
املشاركة والتعرف على ردود الفعل: وه��ى م�ي��زة مهمة حيث يمكن للقارئ أن يقرأ
المادة ويعلق عليها ،كما يمكن التعرف على باقى
التعليقات.
إن ما تتطلبه القراءة الرقمية غالباً هو وجود
جهاز « »Hard wareسواء كان هذا الجهاز حاسباً
آلياً ،أو جهازاً للكتاب اإللكتروني أو الموبايل، ثم وضع البرامج التى تتيح التصفح فى المادة
المقروءة بعد ذلك.
إال أن هناك خالفا دائما ومشتداً بين فريقين
ح��ول تأثير الوسيلة اإللكترونية على الوسيلة
المطبوعة من كتب وصحف ،وهل ستنهي الوسيلة اإللكترونية الوسيلة المطبوعة ،وكما أعلنت من
ن����������������������������������واف����������������������������������ذ
ف��ى ال��رس��ائ��ل اإلخ�ب��اري��ة حيث يتم االكتفاء ب �ع �ن��وان ال �خ �ب��ر ف �ق��ط ،وذل� ��ك ف ��ى ،SMS وف��ى شرائط األخ�ب��ار بالمواقع اإللكترونية اإلخبارية والفضائيات .فلم يعد هناك وقت للقارئ لقراءة م��ادة إخبارية مطولة عن أى ال موضوع ،فهو يريد معرفة نتيجة مباراة مث ً دون الخوض فى التفاصيل وطريقة اللعب، ولمن يريد التعرف يمكنه اإلطالع والتصفح لمزيد من التفاصيل. األم��ر نفسه أث��ر أيضا على اإلب��داع��ات من ال�ق�ص��ص وال �ش �ع��ر وال� ��رواي� ��ات ،فأصبحت القصيدة قصيرة ،وظهرت القصص القصيرة جداً ،كما يقل حاليا كتابة الروايات إلى حد كبير ،والمكتوب منها صفحاته أقل كثيرا عما كنا نقرأ فى الماضي.
قبل وأك��رر أن ظهور وسيط إع�لام��ى جديد ال -2األخ� �ب ��ار وال �م �ق��االت ال�ص�ح�ف�ي��ة أصبحت يمكن أن ينهي الوسيط الموجود أو الوسائط تستخدم الجمل القصيرة والسريعة إضافة السابقة ،بل يضيف مكاناً جديداً وموقعاً وسط إلى قلة عدد الكلمات عما كان يتم من قبل. الوسائط المختلفة مثلما حدث مع التليفزيون -3ظ�ه��ور التقنيات الحديثة ال�م�س��اع��دة على الذى لم يقض على اإلذاعة ،ومع السينما التى لم
ال��ق��راءة م�ث��ل اس �ت �خ��دام ب��رام��ج الجرافيك المتنوعة التي ساعدت فى إضافة عوامل جذب للقارئ.
المطبوعة ل��ن تختفى ،ولكنها -ف��ى رأي ��ي -
-4استخدام خاصية الروابط Linksفى الفن ال�ق�ص�ص��ى مثلما ق ��ام ب��ه ال��دك �ت��ور محمد سناجلة رئيس اتحاد كتاب اإلنترنت العرب فى نظريته عن األدب االفتراضي ،وإستخدام برامج وصور تساعد القارئ على تخيل الجو الذى يعيش فيه بطل القصة أو الرواية ،وهو م��ا ط��ور م��ن ال �ق��راءة وأض ��اف إليها ،وجعل القارئ يعيش داخل ما يقرأ ويتفاعل معه.
تقض على التليفزيون ومع الفيديو وهكذا..
وم��ن ث��م ف��إن ال�ك�ت��اب المطبوع والصحيفة
ستكون فى المستقبل مجرد وسيط إعالمى له وظائف محددة ،لن تكون مثل وظائفها اآلن.
تأثير التكنولوجيا على طبيعة القراءة لقد صاحب وجود التكنولوجيا الهائلة تأثير
كبير على طبيعة القراءة نفسها نورد بعضه:
-1اختصار المادة المقروءة :مثلما نرى حاليا
* كاتب وصحفي من مصر.
اجلوبة -صيف 1430هـ 101
مقاربة حول عوالم الروائي السوري حنا مينه زوربا الروائيني العرب
> عمران عزالدين أحمد* ربّما كان لقراءة الكِ تَاب األول ،لكاتب ما ،سطوة ال تقل تأثيراً وسحراً وحساسية، عن تلك المرحلة العمرية المبكرة ،التي أت ّم فيها ذلك القارئ قراءة ذلك العمل ،أعني.. المرحلة العمرية التي يكون فيها الوعي قد بدأ يشهد بواكير النضوج /االرتقاء نوعاً ما؛ ث َّم يأتي ذلك العمل ،لذلك الكاتب ،ليعلن انقالباً على روتين ذلك القارئ ،طقوسه القرائية والحياتية .بعد ذلك يتمحور االنقالب الذي ا ُستمد من ذلك العمل اإلبداعيّ ،في تغيير ومحو شبه كليّ للقناعات ،واألحالم ،واألهداف المبتغاة والموضوعة نصب العين. هكذا باختصار تتناسل /تتكاثر األعمال العظيمة ،التي تحدث ث��ورة م��ا ،في رسم وتشييد معمار سيرة ذاتية ،لقرّاء انقادوا مصادفة ،إلى قراءة أولئك ال ُكتَّاب ،وقراءة أعمالهم! ال يختلف قارئان /كاتبان /وربّما ناقدان، حول المكانة المهمة ،بالغة الخصوصية، التي يحتلها الروائي السوري «حنا مينه» في المكتبة الثقافية واإلبداعية ،السورية 102اجلوبة -صيف 1430هـ
والعربية ،على حد سواء؛ إذ ارتبط اسمه باسم الروائي المصري «نجيب محفوظ» في أكثر من محفل ومعرض ،فهما عالمة ف��ارق��ة ف��ي ن�ق��ل األدب ال�ع��رب��ي الحديث عامة ،والروائي على وجه الخصوص ،من التقليدية والرتابة ،إلى حداثة مرتكزة على التراث ،بجمالية فنية موظفة ،لم يسبقهما إليها كاتب في ذلك. تتلخص رواي �ت��ه «ال �ش��راع والعاصفة»
ن����������������������������������واف����������������������������������ذ
بجملة أوكلها السارد /الروائي إلى بطل الرواية، اختار لألخير اسم «الطروسي» ،وه��ذه الجملة ه��ي« :إن ال�ح�ي��اة ك�ف��اح ف��ي البحر وف��ي البر»، رافقتني هذه الجملة المعبرة طويالً ،ما زلتُ حتى اليوم أقرأ جديده ،دون أن تفارقني تلك الدهشة ،دهشة القراءة األولى ألعماله .فهذا الروائي الذي تميز بأسلوبه المغرق في الواقعية -إذ إن��ه م��ن ُك� َّت��اب المدرسة الواقعية، المعنية ب��دراس��ة حيثيات الواقع االج �ت �م��اع��ي ال �م��وص��وف -اتخذ م��ن المحلي وال �ي��وم��ي واللحظي، م ��واداً ول�ب�ن��ات ألف �ك��اره ومشاريعه اإلب ��داع� �ي ��ة ،وف� ��ق ت �ص��وي��ر بديع، لمجريات أبطال رواياته وأحداثها، وما اللغة العامية التي استعان بها ولجأ إليها في بعض رواياته -كما في روايته «الوالعة» -إال تأكي ٌد على انتماء /إخالص هذا الروائي لهذه المدرسة ،أعني المدرسة الواقعية، ف �ق��د ح�ف�ل��ت ه ��ذه ال ��رواي ��ة بجمل عامية من قبيل« :الخناقة» و«زعق» و«طرمخة الرأس» و«شوربوكة».
فلسفي إلى جدلية االستقرار ،فاتخذ من الغرب والشرق موضوعاً للمقارنة ،الشرق الالمستقر بطابعه ال � ُم��حَ ��افِ ��ظ /المُستهل َك والمُستهلِك، وان �ح�لال ال�ق�ي��م وتفسخها ف��ي غ��رب فضولي ص��اخ��ب ،يشكّ ف��ي ك � ّل ش��يء ،كما في اقتحام «غبريال انداش» مالكة الغرفة ،لخَ لوة «أيهم القمطور» التي راح��ت ت�س��أل��ه :ل�م��اذا تجلس على حقيبة سفركَ ؟! فيرد عليها :حتى ال تهرب األغراض منها!
ونقرأ في قصة أخرى له بعنوان: «الكتابة على األكياس» ،كيف صوّر ل�ن��ا ت�ل��ك ال��ظ��روف ال�ص�ع�ب��ة التي م �ي��زت ط �ف��ول �ت��ه ،وك �ي��ف أن���ه كان صبياً نحيالً ،نتيجة سوء التغذية، بحيث أنه لم يكن قادراً على القيام بعمل يستلزم قوة بدنية /جسدية، وعندما قصد الميناء ،ك��ي يدخر مصروفاً لمساعدة عائلته المُعدمة مادياً ،شعر بالحزن واألس��ى ،ألنه اك �ت �ش��ف ع� ��دم ق ��درت ��ه ع �ل��ى رفع األك�ي��اس ،وكانت معرفته بالكتابة ف��رص��ة ليكلف م��ن ق�ب��ل «المعلم» كتب مينه القصة ف��ي بدايات بكتابة بيانات على األكياس ،مقابل مشواره األدبي؛ ففي قصة له بعنوان مبلغ مادي ،ساعده بشكل أو بآخر، «النار بين أصابع امرأة» يسرد كاتب في تغطية نفقات العائلة .ويذكر ال�ك�ف��اح وال �ف��رح اإلنسانيين قصة مينه إن��ه ح�ي��ن ال�ت�ق��ى ب �ـ «معلمه» إشكالية ،بطلها «أيهم القمطور»، في دمشق بعد مرور سنين طويلة، الذي هاجر إلى بودابست واستأجر وكان بصحبة صديق يعرف كليهما، غرفة في بيت يتألف من ثالثة طوابق ،ث ّم دفع قال ذلك الصديق للمعلم :إن حنا كاتب معروف أج��رة شهر ك��ام��ل م�ق��دم�اً ،وج�ل��س على حقيبة اليوم .فقال ذلك الرجل /المعلم :نعم ،أعرف سفره ،التي تحتوي على ثيابه وكتبه ،دون أن ذلك .لقد بدأ الكتابة عندي ،على األكياس! يبرح مكانه .تطرق مينه في تلك القصة بأسلوب يشكّل الحب مفهوماً مركزياً في أدب مينه،
اجلوبة -صيف 1430هـ 103
الذي أحب عوالم ديكنز وبلزاك ومكسيم غوركي وهمنغواي ،لكنّ هذا المفهوم يتخذ مُرتسمات/ إح� ��االت م�خ�ت�ل�ف��ة ،ي�ش�م��ل م�ف��اه�ي��م وتعبيرات مُتعددّة ،قد تبدأ بحبّ األرض /الوطن ،وال تنتهي عند أشكال التراحم المُتباينة ،وقد وصل بالمرأة والبحر إل��ى س��دة ال� ُك� َّت��اب العالميين ،إذ يمكن تقسيم عوالمه ال��روائ�ي��ة تحت هذين البابين: المرأة والبحر .لكن قبل الشروع في شرح هذين البابين ،ك��ان صاحب «ال �ش��راع والعاصفة» قد ق��ال ف��ي ح��وار م�ع��ه« :ل��و خ� ّي��رون��ي بكتابة كالم فوق شاهدة قبري ،الخترتُ هذه العبارة :المرأة، البحر ،وظمأ لم يرتوِ »!
مصيرية مهمة جداً ،فهو عندما كتب عن المرأة األم والعشيقة وال��زوج��ة والمناضلة والماجنة والمشردة والمكبوتة والمقموعة ،ومنها« :ماريا» ف��ي «ال �ش��راع وال�ع��اص�ف��ة» ،و«زن��وب��ة» ف��ي «بقايا صور» ،و«شكيبة» في «الياطر» ،و«فروسيا» في «الوالعة» .كان يؤرخ بذلك لمنعطفات ومراحل تاريخية مفصلية .لقد ح��اول رص��د الحياة في كليتها ..في حركتها ،لكن ليس من موقف المُتفرّج، بل من موقع المُتأمّل /النابش فيها بعمق ،فارتقى بالرمز إلى مرتبة المُعادل الموضوعي للواقع في أسّ ه العميق. يقول الكاتب السوري «شوقي ب�غ��دادي» في المقدمة التي كتبها لروايته «المصابيح الزرق» قائالً« :يسجل لمينه قدرته على «إذهال القارئ» ومفاجأته ،رغ��م أن م��ا يقدمه ف��ي رواي��ات��ه هو مظاهر الحياة اليومية البسيطة ألناس بسطاء. وه��و بذلك يلعب على وت��ر متميز داخ��ل نفسية القارئ الذي تفترض بعض نظريات األدب ،إنه «يمارس نوعاً من التعليق لنزعة عدم التصديق» ( )suspension of disbeliefمن أجل أن يتفاعل مع األدب الذي يفترض أنه يدرك أنه وإن كان واقعياً ..فإنه غير حقيقي ».في حين يأخذ عليه نقاد آخ ��رون أن��ه متعاطف م��ع أب�ط��ال أعماله، الذين غالباً ما يكونون عماالً ،يتحلون بالحكمة وكالمهم موزون وصائب دائماً».
وال �س��ؤال ه��و :ل �م��اذا ات�خ��ذ مينه م��ن هذين البابين ،أيّ البحر والمرأة ،ليسرد علينا تالياً ك ّل ما يتعلق بهما ،بمدهما وجزرهما ،بتشعباتهما لا واس�ت�ن�ط��اق�اً؛ ثم ال وت��أوي� ً وتفرعاتهما ،تحلي ً ينطلق منهما إلى الحديث عن موضوعات أخرى، تاريخية وراهنة ،مهمشة ومحورية ومفصلية؟ ما هي تلك العالقة الجدلية واإلشكالية التي تربط بينهما ،وأيّ تشابه بين هذين العالمين؟ لماذا لم يقابل مينه األنثى /المرأة التي كتب عنها بـ الذكر /الرجل مثالً؟ لماذا كتب عن المرأة بكل ذلك الحب والجنون المُعقلن ،ولماذا اشتغل على البحر؟ ما الذي يربط بين المرأة والبحر؟ أثمة نقاط لالختالف وااللتقاء بينهما.؟ أتشبه عوالم البحر في شيءٍ ما عوالم الرجل مثالً ،لتتقابل يمكن ال �ق��ول ح�س��ب مصطلح «ل��وك��اش» عن تلك العوالم مع عوالم األنثى /المرأة؟ البطل اإلشكالي روائياً ،إن أبطال رواي��ات مينه حسبنا هنا أن نستشهد بما قاله ف��ي هذا إشكاليون ب��درج��ة أو ب��أخ��رى ،وبنسب متفاوتة، الصدد« :إذا ن��ادوا :يا بحر! أجبتُ أن��ا! البحر تتصاعد درج���ة /ق��وة اإلش�ك��ال�ي��ة وف��ق المهمة أنا ،فيه ُو ِل��دتُ ،وفيه أرغب أن أموت»؛ لكن في التي يوكلها الراوي لبطل العمل ،ذلك أن أبطاله الجانب اآلخر ،ال يخفى ما لتلك العوالم المستمدة ال يكتفون بالبحث ع��ن القيم ف��ي وس��ط مُنحل من المرأة والبحر في أدب مينه ،تلك التأثيرات فحسب ،بل يعيشون تلك القيم ،ينافحون عنها واالمتدادات التي ولجها ،وهو يتصدى لقضايا أيضاً ،يطمحون إلى بناء كليّات جديدة ،يُحلونها 104اجلوبة -صيف 1430هـ
ن����������������������������������واف����������������������������������ذ
محل بنى تقليديّة مُتداعية .فمينه يحاول االرتقاء بالمحسوس والمعيشي ،إلى صعيد روحي يتخلص من الظرفي والعابر ،ليقبض على ما هو متخط للزمني والتاريخي ،حتى وإن كان تطور األحداث، ال للتنبؤ، وسلوك الشخصيات ،كثيراً ما يكون قاب ً لكنه ينجح ف��ي إض�ف��اء أب�ع��اد غير متوقعة على شخصيات رواي��ات��ه ،أح�ي��ان�اً ت�ك��ون مقنعة ،وفي «لقد فكّرتُ منذ ق��رأتُ عمر الفاخوريّ ،في أحيان أخرى تبدو مثالية. األربعينيات ،كيف يكون األديب من لحم ودم ،وليس ال ��رواي ��ة ب �ه��ذا ال�م�ع�ن��ى ت�ش�ك��ل إط�ل�ال��ة على من حبر وورق ،وأدرك��تُ أ َّال ش��يء يجعل األديب ضمير اآلخر ،فهو يرسم وجوه أبطاله ..ويعايش ح ّياً ،مثل أن يُباشر األحياء ،ويخرج من وحدته واقعهم ،يرصد حركة الوعي الجماهيري .تمثل البودليريّة التي ال تتيح سوى السقم واألشباح، أعماله حالة خاصة من اإلبداع الروائي السوري ،وأنّ التجربة وحدها بأوسع وأعمق معانيها ،بك ّل وخصوصيته تنبع م��ن تجسيده لعموم أصناف أخالقيّتها ،وال أخالقيّتها ،هي التي تكسو هيكل الحياة ،ومعماره الفني ال��روائ��ي يتشكل حجرة األدي��ب باللحم وهي التي تجعل ال��دم يجري في ح�ج��رة دون أن ينفك ع��ن أرض ال��واق��ع .وألنه شرايينه ،وبذلك تُؤهِّ له ألن يكون خالقاً ح َّياً ،يخلق كتب بصدق عن البحر والميناء والمرأة والغابة شخوصاً أحياء ،يعيشون بيننا ،ويتنفّسون هواءنا، والكهوف والجبال ،ساخراً من الحياة ،متباهياً ويكونون صورة عنّا ،حتّى إذا عايشناهم في الكتب بكل المهن التي زاولها ،فإن أعماله الروائية التي ُقل ْنا :هؤالء هم نحن». استفادت منها السينما والتلفزيون ،حققت أفالماً حنا مينه الذي فاجأ الساحة األدبية والثقافية ومسلسالت ،تابعها ال�م�ش��اه��دون بشغف وحب بوصيته ،التي كتب فيها« :عندما ألفظ النفس واهتمام ،ما يعكس قوّة وجاذبية تلك الروايات.. األخير ،آمل ،وأشدد على هذه الكلمة ،أال يُذاع خبر ما يؤثر في حياة الناس ووعيهم على السواء ،كما موتي في أية وسيلة إعالمية ،مقروءة أو مسموعة في روايته «نهاية رجل شجاع» التي مثلت كعمل أو مرئية ،فقد كنتُ بسيطاً في حياتي ،وأرغب بأن درامي على الشاشة الفضية ،وفيها مفيد الوحش أكون بسيطاً في مماتي ،أعتذر للجميع ،أقرباء، قام بالدور سعد مينه وأيمن زي��دان ال��ذي يشب أصدقاء ،رفاق ،قراء ،إذا طلبتُ منهم أن يدعوا عن الطوق ،يتمرد على عادات وتقاليد فيها من نعشي ،محموالً من بيتي إلى عربة الموت ،على الظلم الكثير ،كعادة دفع «األتاوات» للمعلم والعمل أكتاف أربعة أشخاص مأجورين من دائ��رة دفن لخدمته مثالً ،تتطور /تتدرج شخصيته ،ليصبح الموتى ،وبعد إهالة التراب عليّ ،في أي قبر متاح، ال قوي البنية ،شجاعاً ،يهابه المعلم وعمال رج ً ينفض الجميع أيديهم ،ويعودون إلي بيوتهم ،فقد الميناء ،إلى أن يصاب بداء السكري في السجن، انتهي الحفل ،وأغلقت الدائرة.ال حزن ،ال بكاء ،ال ُقعد على كرسي ليؤول به المطاف إل��ى رج��ل م ٍ لباس أسود ،ال للتعزيات ،بأي شكل ،ومن أي نوع، وبائع للدخان في كشك صغير. متحركٍ ، في البيت أو خارجه ،ثم ،وهذا هو األهم ،وأشدد: فالسر في إقبال القارئ على ق��راءة /متابعة
أدب��ه ،هو ابتعاد الكاتب عن تأطيره وتقعيده في قالب معين ،فهو ال يكتب للنخبة والطبقة المثقفة فقط ،بل يكتب لك ّل فئات المجتمع وشرائحه، أبطال رواياته أناس حقيقيون ،دماً وروحاً وفكراً وأصالة .يقول مينه في هذا الصدد ،شارحاً هذا المعنى:
اجلوبة -صيف 1430هـ 105
ال حفل تأبين ،فالذي سيقال بعد موتي ،سمعته في حياتي».
الواقع االجتماعي ،بأنسجته الحياتية المتداخلة، بلغة شعرية شفيفة ،بالجرأة في الطرح ،والحيادية التامة ،من خ�لال الصدق في نقل المعلومة أو الواقعة المروية ،ومن ثم صدق المالبسات التي أح��اط��ت بها على المستويين ال��واق�ع��ي والفني. وإدانتها لك ّل ما يسئ إلى اإلنسان والقيم ،بسعيها الحثيث إل��ى تناول القضايا المصيرية العالقة، ذات البنية اإلشكالية ،قضايا االنتماء لألرض والوطن ،قضايا الحب والغيرة والشباب والمرأة وال�ع�لاق��ات األس��ري��ة .باالشتغال على المحلي، التراث والفلكلور ،بإثارة األسئلة ،أسئلة الوجود الكبرى ،وتصديره بقالب جمالي وفني رفيع ،من خالل الصدق الفني واألداء المبهر ،بمغافلة القارئ وإدهاشه وإذهاله ،إضافة إلى لغته الروائية الهادرة ذات البعدين الرمزي والواقعي ،حتى إنه سُ ِئ َل عن مصدرها ،ومن أي الكتب/المدارس أخذها ،فكان يجيبهم «روائي البحر» و«بلزاك الرواية السورية» و«زورب��ا الروائيين العرب» وغيرها من األلقاب التي أطلقها عليه العديد من النقاد السوريين والعرب ،قائالً:
هو ذاته الذي نال عدة جوائز سورية وعربية وعالمية ،ومنها جائزة «سلطان بن علي العويس الثقافية» عن مجمل أعماله عام 1990م ،ووسام االستحقاق ال�س��وري م��ن ال��درج��ة الممتازة عام 2005م ،وكتب كماً كبيراً من مقاالت ودراسات ن �ق��دي��ة ،ن�ش��رت�ه��ا ل��ه ك �ب��ري��ات ال�ص�ح��ف العربية ال والعالمية ،كما كتب ما يربو على الـثالثين عم ً روائياً ،كان قد استهل مشروعه الروائي برواية «المصابيح الزرق» عام 1954م ،ث َّم تتالت بعد ذلك أعماله الروائية ومنها :النجوم تحاكم القمر ،القمر في المحاق ،بقايا صور المستنقع ،حيث نتعرف «ال أدري ،أنا لم أبذل جهداً ،لم أتعب ،لم أتلقّ في هذه الروايات إلى الطفل الذي جاء مع أسرته دروس�اً عند أستاذ ،لغتي مثل حظي ،مكافأة من من لواء اسكندرونه إلى الالذقية ،ليعمل في ٍ مهن السماء». صعبة مثل صبي حالق ،ومصلّح دراجات ،وبحّ ار، حيث سيتعرف إلى حياة الصيادين والبحارة في الميناء ،ليكتب رواي��ة البحر في مغامرة سردية متجاوزة .أما آخر رواية له ،فقد صدرت حديثاً تحت عنوان «عاهرة ونصف مجنون». م��ا يميز رواي ��ات مينه ه��و ك��ل م��ا ت�ق��دم من عوالم ،فأدواته الروائية الثرية نجحت في رصد * كاتب من سوريا
106اجلوبة -صيف 1430هـ
البن زريق البغدادي > نورا علي*
ن����������������������������������واف����������������������������������ذ
قراءة في قصيدة (ال تعذليه)
يقال «أكثر من اللقاء فإن الفراق حاصل». قصيدة الشاعر العاشق المحروم ابن زريق البغدادي ..قصيدة ال تشبه القصائد ،بل أشبه بموشحات تصب في القلب تراتيل الحزن ,ترسل نغمًا جنائز ّيًا يحرّك وجدان الوله, تمنح الحزن من كل الدروب ،وتصبها في أوردة القلب ،وشرايين الجسد ,إذ تصوّر الوجع القابع في أقاصي الروح. تم له اللقاء والوصل .لكن ضيق العيش وقف حائال بينه وبين حبه ،وأب��ت نفسه الطموحة إال أن يكون في أجمل صورة ،وأحسن حال في نظر من يحب ,وأراد أن يكون لقاؤه به في سعة ورغد من العيش. يذكرني حاله هنا بحال المتنبي آثر البعد باحثا عن الرزق حتى حينما فارق من يحب ،لطلب السعة ينعم بالقرب ،دون منغصات العوز ف��ي ال ��رزق ,لكن ال�ف��راق (الموت) والحاجة ,لكن غ��اب عن ذهنه أن كان أسرع بالعود منه ،إذ يقول في الليالي ال تعي م��ا ي��ري��د ،وال تأبه القصيدة التي يرثي فيها جدته: بحاله وآماله ,وال يعنيها أمر عشقه ط��ل��ب��ت ل��ه��ا حظا وولهه ،حتى.. ف���ف���ات���ت وفاتني حَ تّى جَ رى البَينُ فِ يما بَينَنا بِ ي ٍَد وقد رضيت بي لو رضيت بها قسما عَ ����س����را َء تَمنَعُ نِ ي ب���������������ك���������������ي���������������ت ����ظ����ي َوتَ���م���نَ���عُ ���هُ حَ ّ كان ي��راوده خوف من حين آلخر من أحداث ع���ل���ي���ه���ا خ���ي���ف���ة ف�����ي حياتها وذاق كالنا ثكل ص ـ ــاحبه قدم ـ ــا الدهر وصروفه ,لكنه لم يحسب لذلك حسابا ول��م يسلها إال المنايـ ـ ـ ــا وإنما فيقول: أشد من السقم الذي أذهب السقما َيب دهرِ ي جازِ ع ًا فَرِ ق ًا نت ِمن ر ِ قَد كُ ُ نت أَجزَعُ هُ وكنت قبل الموت أستعظم النوى َفلَم أَوقَّ الَّ��ذي قَ��د كُ ُ ف��ق��د ص����ارت ال��ص��غ��رى ال��ت��ي ك��ان��ت العظمى ويحدّث نفسه ليلتمس لها العذر ،فقد أحسن وه��ذا ال�ح��ال ينطبق على اب��ن زري ��ق ،إذ إن الظن باأليام ،ولم يتوقع غدرها فيقول: أشد من سقمه (الفقر) الذي أذهب السقم عنه نت أَحسَ ُب أَنَّ الده َر يَفجَ عُ نِ ي ما كُ ُ أليّ������ا َم تَفجعُ هُ (الموت) ،وأصبح الفقر الذي كان الهم األكبر، بِ ���هِ وَال أَنَّ بِ ���ي ا َ هو األصغر ،مقارنة بالفراق األبدي (الموت).
اجلوبة -صيف 1430هـ 107
ما أجمل النديّة في الحب ..كم من عاشق ذاب وج��دا وحنينا..من ج��راء هجر الحبيب وصده. وفي األبيات التالية يبين ابن زري��ق اقتناعه فهذا قيس بن الملوح (مجنون ليلى) يقول: بأن األرزاق بيد الله سبحانه ،وهو وحده المعني فيا رب س�� ِّو الحب بيني وبينها بتقسيمها بين عباده ,ويؤمن بـ {إن الله هو الرزاق يكون كفاف ـ ــا ال علي وال ليـ ــا ذو القوة المتين}( ،سورة الذاريات). وإال فبغّ ضهـ ـ ــا إل ـ ــيّ وأهلــها ل�ك��ن ال�ن�ف��س اإلن�س��ان�ي��ة جُ �ب�ل��ت ع�ل��ى الطمع فإني بليلى قد لقيت الدواهيا والزيادة ،وال تقتنع بشيء فيقول: ويقول العباس بن األحنف: لق رزقَهُ مُ قَد َوزَّع اللَهُ بَينَ الخَ ِ م��ت��ى ي��ك��ون ال����ذي أرج����و وآمله لق يُ َضيِّعُ هُ لَم يَخلُق اللَهُ ِمن خَ ٍ أمّ ��ا ال��ذي كنت أخشاه فقد كانا لَكِ نَّهُ م كُ لِّفُ وا ِحرص ًا فلَستَ تَرى يا ليت من نتمنى عند خلوتنا الغايات تُقنُعُ هُ ِ مُ ستَرزِ ق ًا و َِس��وى رص في ال��رِ ِزق وَاألَرزاقُ قَد قُ ِسمَت َالح ُ إذا خ ــال خلوة يوم ــا تمنان ـ ــا و ِ ابن زريق عافاه الله من مؤونة حب من طرف ب َِغ ٌي أَال إِ نَّ بَغيَ المَ رءِ يَصرَعُ هُ واح ��د ،فقد أع�ط��اه م��ا ل��م يعط غ �ي��ره ..حبيبا وعلى الرغم من مرارة الفراق ,واللوعة التي يماثله الحب ويبادله المشاعر ,يأنس بقربه ,يخلّفها ال��وداع ،إال أنه أصر على ال��وداع طامعا ويشقى لبعده .وفي هذه األبيات يصف مشاعره في الزيادة ،مع يقينه أن الحياة ال تصفو لمفارق وحاله ،المتماثلين مع مشاعر وحال محبوبته ..أحبابه ,وال تطيب لمن نأى عنهم ,فيقول: حيث يقول: أَال أَق����م����تَ فَ����ك����ا َن ال����� ُرش�����دُ أَج���مَ���عُ ��� ُه ���ت لَهُ بِ ��مَ ��ن إِ ذا هَ ��جَ �� َع ال���نُ���وّامُ بِ ُّ َل��و أَنَّ��نِ ��ي َي���و َم ب��انَ ال��رُ ش��دُ اتبَعُ هُ بِ لَوعَ ةٍ ِمنهُ لَيلي ل ُ َست أَهجَ عُ هُ ِإنّ������ي لأَ َق�����طَ �����عُ أيّ����امِ ����ي َوأُنفقُ هـ ـ ـ ــا ئن لِ جَ نبي مَ ضجَ عٌ َوكَذا َطم ُّ ال ي ِ بِ حَ س ـرَةٍ ِمنهُ فِ ��ي قَلبِ ي ُتق َِّطعُ هُ نت مَ ضجَ عُ هُ ال يَطمَ ئِ ُّن لَهُ مُ ذ بِ ُ والبيت التالي كأنه تصدي ٌق للمقولة الشائعة مَ ن ِعن َد ُه لِ ي عَ هدٌ ال يُ ضيّعُ ـ ـ ــهُ «الشخص المناسب في المكان المناسب»: ُضيِّعُ هُ ��دق ال أ َ َكم ـ ــا َل��هُ عَ هدُ ِص ٍ َحسن ِسياسَ تَهُ رُزِ ق ُ��ت مُ لك ًا َفلَم أ ِ ���ص���دِّ عُ قَ��ل��ب��ي ذِ ك����� َر ُه وَإِ ذا وَمَ ����ن يُ َ جَ ��رى عَ لى قَلبِ هِ ذِ ك��ري يُ َصدِّ عُ هُ مُ ����وَكَّ ����لٌ بِ ���فَ���ض���اءِ ال��� َل���هِ يَ����ذرَعُ ����هُ
ل�ق��د أراد اب��ن زري ��ق أن يحيط ه��ذا الحب بسياج منيع ،وال يترك ثغرة أو ثلمة قد يتسرب منها ,وظ��ن ..وص��دق من ق��ال «إن الظن أكذب الحديث» ،إن الغنى والسعة تنقص هذه العالقة, فصدّق ظنه وتبع حدسه ,وس��اح في أرض الله الواسعة ,,لكأنه مكلف بقياسها طوال وعرضا، فأخذ يذرعها: رتحل ٍ كَ���أَنَّ���م���ا هُ ���� َو فِ ���ي ِح����لِّ وَمُ 108اجلوبة -صيف 1430هـ
لك يَخلَعُ هُ وس المُ َ وَكُ لُّ مَ ن ال يُ ُس ُ ويؤكد أنه بالشكر تدوم النعم ،إذ يقول: وَمَ ن غَ دا البِ س ًا ثَوبَ الن َِعيم بِ ال شَ ��ك��رٍ عَ �� َل��ي��هِ فَ�����إِ نَّ ال��� َل��� َه يَنزَعُ هُ
أخذ ابن زريق يروّض نفسه على الصبر إذ ال مالذ غيره فيقول: لأَ َص�����بِ �����رَنَّ ل���ده���ر ال يُ مَ تِّعُ نِ ي ـال يُ مَ تِّعُ ـ ـ ـ ــهُ بِ ��هِ وَال بِ ��يَ فِ ي حـ ـ ٍ عق ٌب َفرَج ًا صطباري مُ ِ ِعلم ًا بِ أَنَّ اِ ِ ألم��رِ إِ ن فَ��كَّ ��رتَ أَوسَ عُ هُ َفأَضيَقُ ا َ عَ سى اللَيالي الَّتي أَضنَت بِ فُ ر َقتَنا ِجسمي سَ تَجمَ عُ نِ ي يَوم ًا َوتَجمَ عُ هُ ُ���غ���لُّ أَحَ ������� َد ًا ِم���نّ���ا مَ ن َّيتَهُ وَإِ ن ت ِ فَما الَّ��ذي بِ قَضاءِ اللَهِ يَصنَعُ هُ
ن����������������������������������واف����������������������������������ذ
ماذا تفعل إن كان كما يقولون (الشق أكبر من الرقعة)؟
آه يا ابن زريق ..لم ترحم الليالي ضعفك ,ولم أن تفارق شخصا هو في الحقيقة شخصك ..تأس لحرمانك ,وكانت عند سوء ظنك بها ,فوقع ذاتك ..أن تبتعد عنه ,يعني بتر بعض أعضائك .ما كنت تحذر منه: َيب دَهرِ ي جازِ ع ًا فَرِ ق ًا نت ِمن ر ِ ل��م يستطع اب��ن زري��ق العيش مبتور القلب ،قَد كُ ُ ففارق الحياة وه��و يتأوه ألج��ل جزئه المبتور, نت أَجزَعُ هُ َفلَم أَوقَّ الَّ��ذي قَ��د كُ ُ ورسم تأوهاته شعرًا عذبا سلسا.. لكن ماذا نستطيع حيال القدر ،وكما قيل «إذا وي �ص��ور اب��ن زري��ق لحظة ال���وداع المريرة ..وق��ع القضاء ض��اق الفضاء» ،وليس بوسعنا إال وكأنه وداع طفل ألمه التي ال يقوى العيش دونها, الخضوع والتسليم. أو كأنك أمام نعش حبيب ,تتشبث به في لحظات دمعة ساخنة ما قبل الدفن.. قضى ولم يقض من أحبابه أربا َحيل ُضحَ ىً َوكَم تَشبَّثَ بي يَو َم الر ِ صب إذا م ّر خفاق النسيم صبا ٌّ ����ع����ي مُ ���س���ت َِ���ه�ّل�اّ ٍت َوأَدمُ ����عُ ����هُ َوأَدمُ ِ ما أقسى قرارك يا ابن زريق وما أشد عزمك على تنفيذه! ليتك أذع �ن��ت لرغبة قلبك ،ول��م ت��ر ّق��ع شق الصبر فيه ,حيث مل الصبر صبره ,وباعترافك يا ابن زريق إذ تقول: رق الصبرِ مُ نخَ ٌ ثوب َ ذب ال َل َه ُ ال أَكُ ُ عَ ���نّ���ي ,بِ ���فُ ���رقَ���تِ ���هِ َ ,ل���كِ ���ن أَرَقِّ ����عُ ����هُ *
القريات -الجوف.
اجلوبة -صيف 1430هـ 109
...فيصل اخلديدي
اإلبداع والتجميد في حكايات من زمن احلب واجلليد..
في عمق النسيان ..ثمة ما يستحق.. > ليلى ايت سعيد* لم يكن برترند راسل كاذبا حين قال صدقا أو اعتباطا« :في كل األحوال ،من الصحي بين الحين واآلخر ،أن تضع عالمات استفهام على األشياء التي كانت ثوابت على المدى الطويل». حين نتأمل دواخل حياتنا الصغيرة جدا ،والعميقة كثيرا ،نجد أن كثيرا من األشياء ال تستحق فقط عالمة استفهام ،بقدر ما تستحق عالمة إلغاء وحذف ..أشياء اعتقدنا على المدى الطويل من عمر حياتنا الهستيري أنها أشياء ذات أهمية ،أشياء تستحق ما تستحقه من ذلك االهتمام ،أو حتى أن نخصص لها ذلك الحيز المقدس من خط حياتنا المستقيم.. ولم يكن فيصل الخديدي كاذبا حين قال في تقديمه لمعرضه ثمة ما يستحق« :إن اإلنسان متى ما هبت عليه رياح النسيان فإن األثلجة والتجميد هما البديل لكل ما هو قيم».. إن المالحظ والمتفحص لتجارب الفنان فيصل ال�خ��دي��دي ،والقائمة على عملية التجميد ،يالحظ أن ما تم تجميده ليس بالضرورة أشياء تستحق التجميد في واقع معين ،لكن ..بقليل من التمعن ،نكتشف أن ما يسعى الفنان فيصل إلى تجميده ليس 110اجلوبة -صيف 1430هـ
ظواهر األشياء ،بقدر بواطنها .هل يحاول تجميد اللحظات السعيدة لكي ال تطير عبر رياح النسيان؟؟ هل يحاول أن يجمد المشاعر الجميلة ال�ت��ي تركها اإلنسان تباعا في عالم الصدأ ورح��ل بعيدا؟؟ أم ي�ح��اول بكل بساطة اخ �ت��راق ه��ذا الواقع اللعين ،الغبي ،المستعصي على اإلمساك.. والمنفلت من دائ��رة البؤساء..كما تنفلت الذكريات من الذاكرة في مرحلة عمرية ما؟؟ ي��ح��اول ف�ي�ص��ل ال �خ��دي��دي م��ن خالل
ف�����������������������������������ن�����������������������������������ون
تجربته الجديدة القائمة على عملية التجميد، أن يعكس فكرة أساس ،مفادها أنه بالفعل ثمة ف��ي ع��ال��م النسيان م��ا يستحق التجميد ،بكل م��ا ف��ي التجميد م��ن معنى ،م��ن خ�لال معرضه الشخصي ال��ذي جاء مؤخرا تحت عنوان «ثمة ما يستحق».. يضم معرض «ثمة ما يستحق» أفكارا جديدة وجميلة ،فيها خليط من االتجاهات التي تحس ح�ي��ن ي��أخ��ذك ال�ن�ظ��ر إل�ي�ه��ا ،أن �ه��ا ال تعكس إال صورتك أنت ،أو ربما ال تعكس إال ذلك الجانب من حزنك الذي كنت تفكر طويال كيف تتخلص منه.. ليأتي فيصل الخديدي بفكرة التجميد ألشياء، ه��ي ف��ي العمق العميق تستحق التجميد.وعن طريق اللدائن البالستيكية ،ومادة بالستيك يطلق عليها علميا أوفنيا «ريزن» ..جاءت أعمال فيصل الخديدي معبرة عن كثير مما ال يمكن للنسيان أن يطويه بتلك السهولة والبساطة الممكنة..
الحفاظ على السعادة في ثالجة: ثمة ما يستحق تضم أع�م��ال الخديدي ت�م��ردا على مستوى الفكرة ،فهو حين يجمد اللعب ،ويجمد صور األطفال الصغار ،وبالضبط صور أبنائه وألعابهم، نجده يحاول أن يجمد اللحظات الجميلة في ال��زم��ن ،كي ال تنفلت منه -من اإلن�س��ان بصفة
عامة ،ألن اإلنسان مع مرور الوقت يبقى حنين ال �ع��ودة إل��ى م��راح��ل طفولته أم ��را ي��راف�ق��ه كل عمره ..من هنا ،يمكن أن نستنتج محاولة فيصل للحفاظ على لحظات عمرية جميلة ،وتجميدها زمنيا؛ فنجده يحاول ما أمكن تجميد اللحظات السعيدة ،ك��ي ي�ع��ود إليها ك��ل ح�ي��ن ،حيث نراه يبقيها عالقة في الزمن ،وفي الذاكرة ,ال تمحى وال تعرف النسيان؛ ومن ثم فان فيصل الخديدي هنا ،يعمل على تجميد المستحيل ،في زمن ال يعرف إال أن ينطلق بسرعة نحو األمام ،متجاوزا بسرعة البرق -كل اللحظات الطفولية الجميلةف��ي ح�ي��اة اإلن��س��ان ..تجميدا لمرحلة عمرية تستحق الذكرى والحنين ..والمتمعن لألعمال التي تصدح برائحة الطفولة ،يكتشف أن فيصل يحاول أن يمتلك اللحظة ،ويمارس عليها عملية أخد معاكسة من الزمن ،إنه يحاول أن يبقي ما يملكه ملكا ل��ه ع��ن طريق تجميده ..والحفاظ عليه ألطول مدة ممكنة ،بل وجعله لحظة خالدة ثابتة..ال يواريها الزمن بلحظات أخرى. من هنا ،نكتشف ..أو ببساطة القول ،نستنج أنه يعطينا طريقة جديدة لنحافظ على ما نملكه، إنه التفكير الذي يجعل ما نفرح من أجله ملكا لنا ولذاكرتنا ..مهما هرب الزمن وحاول جعل ما نملكه منفلتا من هذه الذاكرة ..فثمة ما يستحق التجميد ف��ي ح�ي��اة اإلن �س��ان م��ن أج��ل اإلنسان نفسه ..ومن أجل لحظات سعادة قد ال يتبقى
اجلوبة -صيف 1430هـ 111
الكثير من الوقت ،حتى للمرور عليها مرور الكرام مخادعة أو صادقة ،ما يعني بذلك كومة من المشاعر الموقوتة التي تخبئها أعين ،كالتي اختارها فيصل في عصر السرعة ،ودموع التماسيح. دالة على المعادلة.. ** قلوب تحترق برودة ..ثمة ما يستحق.. نرى أيضا في مجموعة أعماله المجمدة ،النسيان نبض ..نبض».. مقابل التذكر ،في عملية تجميد اللحظات الجميلة ما يزال في العمر نبض لمراحل عمرية من حياة اإلنسان .وبالضبط مرحلة حين تكثر أكوام الركام وأعمدة الغمام ،علي الطفولة ،ويمكن هنا أن نضيف إليها تجميد أشياء أن أعلم أن هنالك بعض من نبض السنين يتربع أخ��رى في مراحل العمر ،قد ال تشكل بالضرورة فينا».. جزءا من السعادة ،لكنها خلقت بطريقة أو بأخرى,
هكذا أخبرني فيصل حين سألته عن شيء ما، من سؤال ما ،في حلقة ما من حلقات التجميد المتوالية..رجل الثلج يحاول جاهدا أن يبحث عن طريقة يجمد بها نفسه ..هنا وجدتني أتساءل بعيدا ع��ن أعين فيصل المتطلعة إل��ى م��ا وراء ال ��وراء ،كيف يمكن لإلنسان أن يجمد نفسه؟؟ لم انتظر اإلجابة طويال..ألني وجدتها في بقية أع �م��ال��ه..أو ب��األح��رى ف��ي بقية مجمداته ،هذه المرة هو ال يجمد األشياء من أجل أن يحافظ عليها من النسيان ،وج��دت أن��ه يجمد ما يجب عليه أن يجمد في قلب اإلنسان وحياته ،يجمد ك��ل المشاعر الجميلة ،تلك ال�ت��ي تحولت إلى ركام ت��ذروه رياح الالمباالة ..كيف نجمد قلوبنا الصغيرة ،ونقول لآلخر ..تعامل كما تشاء ،فنحن صرنا كما نشاء؟؟ بل كيف وصل فيصل إلى هذه النوع من التجميد؟؟ حين تتمعن من جديد أعماله ،تجد أنها عالم من المتناقضات المجمدة، المضغوطة في قالب بالستيكي ،إما يحميها أو يمنعها ،كل عمل بحسب داللته وأبعاده التي تختلف من وجهة ن�ظ��ر إل ��ى أخ� ��رى .ف��ي أع �م��ال��ه تجد الحب يقابله الكره والخداع ،ومشاعر أخ��رى مبهمة يصورها لنا من خالل العيون المجمدة ،التي يمكن أن تكون 112اجلوبة -صيف 1430هـ
لحظات سعادة ل��ذي��ذة؛ وهنا ،يمكن أن أق��ول إني أتحدت عن تجميد البحوث والرسائل الجامعية، إضافة إلى تجميد المخطوطات والكتب ،فلحظات الدراسة على الرغم من صعوبتها ،تبقى لحظات يشتاق اإلن�س��ان إليها ك��ل حين ،أو كلما ه � َّم مثال في عملية بسيطة بتقليب ألبوم الصور الذي يخبئه بإحكام في زوايا ذاكرته المنفلتة. نجد أيضا في أعمال فيصل الخديدي الحديث مقابل التقليدي ،في اللوحات التي جمدت فيها لوحات مفاتيح الحواسيب ،مقابل تجميد الكتب وال�م�خ�ط��وط��ات ،حيت عصر التكنولوجيا صار يضغط كل ما هو ورقي بامتياز؛ كما نجد كذلك الغموض مقابل ال �ب��راءة ..الغموض المتمثل في ص�ع��وب��ة م�ع��رف��ة ن��واي��ا اإلن��س��ان وب��واط �ن��ه ،هذا المخلوق الغامض بطبعه وطبيعته ،والذي مثله من خالل مجموعة من األعمال ،كصورة الجيوكندة لدافنشي ،هذه المرأة الخالدة التي ال تعرف إن كانت تبتسم في وجهك، أو تحقد عليك ،إن كانت تبكي من أج �ل��ك ،أو تبكي م��ن أج��ل نفسها، إن كانت تنظر إليك ،أو تنظر إلى غ��ي��رك ،م��وه �م��ة إي� ��اك أن �ه��ا تنظر إل�ي��ك..ال��خ؛ مجموعة من المشاعر واألحاسيس الغامضة ،التي اختزلتها هذه اللوحة الشهيرة ،ولعله الغموض
ف�����������������������������������ن�����������������������������������ون
ذات��ه ال��ذي يشكل طبيعة اإلن �س��ان ،حيت يمكننا ال�ق��ول إن دافنشي ق��د أفلح ف��ي نقله ،واختزاله بدقة غامضة في لوحة الجوكندة الخالدة ..والذي أفلح فيصل الخديدي في تجميده ،محاوال بذلك تجميد مشاعر اإلن �س��ان ،وت�ص��رف��ات��ه الغامضة تجاه نفسه ،وتجاه بني جنسه ..في مقابل البراءة بكل تشكالتها التي صورها لنا من خالل مرحلة الطفولة ،وتجميد اللعب والرسومات..
كتجميده األوجه التي تحمل ذلك الحب المقدس، إن المتمعن لتجربة فيصل خالد الخديدي «ثمة أو الحقد المقدس ،أو حتى البراءة المقدسة... ما يستحق» ،يجده في كل مجمداته يحاول قدر فيما يجمده فيصل ،يدعو المشاهد إل��ى أن المستطاع -بل وأفلح في ذلك عن جدارة -تجميد اللحظات الشعورية ،بل وتجميد الحاالت اإلنسانية ،يكون شاهدا ليس فقط ببصره ،وإنما بأحاسيسه، إنه باختصار تجميد المشاعر في لحظات معينة ،وأنت حين تلمس أعماله ،أو حتى تفكر بوضع يدك تجميد الخوف والفرح والبؤس..الخ ،كلها حاالت عليها ,ينتابك شعور غريب ،وكأن البرودة سرت في إنسانية تستحق التجميد ،إما لحاجتنا إليها ،أو بدنك كله ،تجد أن أعمال فيصل تقول ما قاله نتشه ألنها تؤلمنا ،ويجب التخلص منها بتجميدها ،كل يوما« :ال يعجبنا الجيد حين ال نكون في مستواه، شيء في عالم فيصل الخديدي تجاوز المستحيل لكن بقليل من التمعن ،نجد أن ما ال يعجبنا في في عملية التجميد ،كل ش��يء قابل للتجميد ما الحقيقة هو السيئ ،ألننا ال نستطيع أن ننزل إلى دامت الحياة على األرض قد تعرضت للتجميد ،في مستواه» .هكذا هي أعمال فيصل ،تجربة جديدة مرحلة سابقة من مراحل حياتها ..وعلى المتمعن في عالم الفن ،تقول إن ما ال يعجبنا في الحقيقة ألعمال فيصل الخديدي أن ال يكون متمعنا وقارئا إن قسرا أو اعتباطا هو ما يستحق التجميد، مسرعا ،بقدر ما يجب عليه أن يكون بقليل من ل�ك��ن م��ا يثير ال��ده�ش��ة وم��ا ي�ب��دو جميال في الذكاء ..سريع الفهم. الموضوع أن كل شيء في عالم فيصل الخديدي وبالتالي نالحظ أن فيصل جمد شيئا يستحق التجميد في حياة اإلنسان ،أو بكل بساطة..نجد فيصل ي �ح��اول أن ي��وص��ل ع��ن ط��ري��ق مجمداته، فكرة مفادها أن القلوب اإلنسانية تختلف ،وأن ما يستحق التجميد أيضا يختلف من إنسان إلى آخر، شكل تعدد األفكار ،والطبائع ،واألوجه ،والمشاعر، واألقنعة التي يحب كثير من الناس ارتداءها في األوقات الخطأ دائما.. في أعمال فيصل ،نجده جمد أشياء كثيرة،
ق��اب��ل للتجميد ،إن ب�م��ادة ال�ل��دائ��ن البالستيكية «ال��ري��زن أوف �ي �ن��ا» ،أو ب��أي طريقة أخ ��رى ،فقط لنكتشف أن في عالم هذا الفنان التشكيلي «الحب والجليد» ..ثمة ما يستحق الحياة ..ثمة ما يستحق الذكرى ،ثمة ما يستحق النسيان ..وثمة ما يستحق الحلم ..ه��ل يمكن أن نجمد أحالمنا الجميلة، لنحافظ عليها ،ونجمد كوابيسنا لننساها ،أو ألنها فقط تستحق التجميد؟ ما المانع مادام كل شيء يستحق في عالم «ثمة ما يستحق»؟؟
* كاتبة من المغرب.
اجلوبة -صيف 1430هـ 113
التورق في اإلسالم ما له وما عليه > د .نضال الرمحي* احتدم الجدل حول تحريم «التورق» بعد تأييد مجمع الفقة اإلسالمي ،الذي صدر مؤخرا ،وال��ذي دعا فيه المؤسسات والمصارف اإلسالمية ،إلى تشجيع القرض الحسن ،وإنشاء صناديق له ،وذلك لتجنيب المحتاجين اللجوء إلى «التورق». ويذهب مجمع الفقة اإلسالمي في رؤيته التي أطلقها في مؤتمر الشارقة ،إلى التشديد على ضرورة التزام المؤسسات المالية والمصارف اإلسالمية باستخدام صيغ االستثمار والتمويل المشروعة ،وتجنب الصيغ المحرمة والمشبوهة، واالل �ت��زام بالضوابط الشرعية .في الوقت نفسه ال��ذي ع��اد فيه الخالف ح��ول رؤية إسالمية في «ال�ت��ورق» ،بين عدد من العلماء في المصرفية اإلسالمية ،دعا أحدهم إلى إيجاد حلول شرعية حقيقية ،واالستفادة من البدائل الكثيرة المتوافرة في فقه المعامالت ،واالستعاضة بها عن «التورق» الذي تدعي فيه الكثير من البنوك أنه متوافق مع الشريعة اإلسالمية.
معنى التورق ال �ت��ورق ه��و ش��راء سلعة ب��األج��ل ،بسعر معين ،ثم بيعها في السوق لغير بائعها نقداً، بسعر أقل ،لالستفادة من النقد .وهذا جائز عند كثير من الفقهاء ،ومنهم الحنابلة في المعتمد .وما تجريه المصارف اإلسالمية غالباً -يجري وفقاً لهذا القاعدة ،والمحذورفي هذه المسألة أن تستخدم هذه المصارف هذه العملية ،كوسيلة لجدولة الديون.
بعمل نمطي ،يتم فيه ترتيب بيع سلعة - ليست من الذهب أو الفضة -من أسواق السلع العالمية أو غيرها ،على المستورق بثمن آج��ل ،على أن يلتزم المصرف -إما بشرط في العقد ،أو بحكم العرف والعادة بأن ينوب عنه في بيعها على مشتر آخربثمن حاضر ،وتسليم ثمنها للمستورق.
وي�ع�رّف «ال �ت��ورق» ب�ش��راء العميل طالب السيولة سلعة بثمن مقسط مؤجل من البنك، إن التورق الذي تجريه بعض المصارف ثم بعد ذل��ك يبيع السلعة ،ويقضي بثمنها ف��ي ال��وق��ت ال�ح��اض��ر ،ه��و :ق�ي��ام المصرف الحاجة التي أراد من أجلها المال ،وهو من 114اجلوبة -صيف 1430هـ
األدوات المالية التمويلية التي شهدت ج��دال واس�ع��ا بين ع��دد م��ن الفقهاء ف��ي العالم اإلس�لام��ي .وي�ت��م تطبيق «التورق» في عدد من البنوك ،بهدف توفير السيولة النقدية لشريحة مهمة من عمالء المصارف ،من خالل أداة تمويلية إس�لام�ي��ة ،ب��دون تعريضهم لخسائر مالية كبيرة .وال �ت��ورق كما د .يوسف الشبيلي أنواع التورق وأحكامها يعرفه العلماء( :أن يشتري أحدهم ي�ق�س��م فضيلة ال�ش�ي��خ الدكتور سلعة بثمن م��ؤج��ل ،ث��م يبيعها نقداً بثمن أق��ل ،ليحصل على النقد ،ف��إن باعها إلى يوسف الشبيلي التورق المصرفي إلى نوعين ،األول البائع نفسه فهي العينة المحرمة ،وإن باعها إلى وهو (بيع التورق الحقيقي المعروف لدى الفقهاء المتقدمين) ،والثاني ه��و :التورق المنظم ،الذي غيره فهو التورق). يقوم على (شراء السلعة من المصرف باألجل مع ويعرف مجمع الفقه اإلسالمي التورق بـ(شراء توكيله ببيعها) .ويذهب الشيخ الشبيلي إلى إجازة سلعة مملوكة للبائع بثمن مؤجل ،وتملك المشتري النوع األول بشرط (أال يبيع العميل -المستورق للسلعة وحيازتها ،وبيع المشتري السلعة إلى غير السلعة المشتراة حتى يملكها ملكاً حقيقياً،البائع بثمن حاضر) .أما اللجنة الدائمة للبحوث ويقبضها القبض المعتبر شرعاً) ،وأال يبيعها على العلمية واإلفتاء فتعرف التورق بـ(أن تشتري سلعة المصرف البائع؛ ألن ذلك من العينة .في الوقت بثمن مؤجل ،ثم تبيعها بثمن ح��ال على غير من نفسه الذي حَ َر َم فيه التورق المنظم ،بسبب عدم اشتريتها منه ،بالثمن المؤجل؛ من أجل أن تنتفع تحقيقه القبض الواجب شرعاً؛ وألنه عقد صوري، بثمنها) .ويشير كثير من المختصين اللغويين إلى فهو حيلة على الربا. أن الورق في اللغة هي الدراهم من الفضة ،والتورق طلب ال��ورق أي ال��دراه��م .في حين يُشار إل��ى أن -1التورق في اصطالح الفقهاء :هو شراء شخص المستورق -سلعة بثمن مؤجل من أجل أناالصطالح الفقهي المرتبط بالتورق ،يعني شراء يبيعها نقدا بثمن أقل غالبا الى غير من اشتريت سلعة ليبيعها إلى آخر غير بائعها األول ،للحصول منه ،بقصد الحصول على النقد .وهذا التورق على النقد .ك��أن يقوم ال�م��رء ب�ش��راء سلعة بثمن جائز شرعا ،شرط أن يكون مستوفيا لشروط مؤجل ،ثم يبيعها آلخر نقداً ،لرغبته في الحصول البيع المقررة شرعا. على النقد .فإن باعها إلى بائعها األول نفسه؛ فهي العِ ينَة الممنوعة ،أما إن باعها إلى طرف ثالث فهي - 2التورق المنظم في االصطالح المعاصر :هو التورق .وقد ذهب جمهور الفقهاء إلى جواز شراء شراء المستورق سلعة من األسواق المحلية ،أو الرجل سلعة باآلجل ،وبيعها إلى غير بائعها نقداً، الدولية ،أو ما شابهها بثمن مؤجل يتولى البائع وغرضه الحصول على النقود. الممول ترتيب بيعها ،إما بنفسه أو بتوكيل غيره وهذه التعريفات رغم شموليتها ووضوحها ،إال أن الخالف ح��ول شرعية (ال �ت��ورق) ال��ذي تقدمه
م����������������ال واق��������ت��������ص��������اد
المصارف اإلسالمية ،ما زال يثير ال�ك�ث�ي��ر م��ن ال��ج��دل ب �ي��ن العلماء. وم�ح��ل ال �ج��دل ع ��ادة م��ا يتركز في (صيغة البيع الشرعي الصحيح)، و(آلية التطبيق) اللذين يُعتقد بأن بعض المصارف اإلسالمية ،ال تلتزم في الغالب بتطبيقهما كما يجب.
أو بتواطؤ المستورق مع البائع على ذلك ،وذلك بثمن حال أقل غالبا.
اجلوبة -صيف 1430هـ 115
- 3ال��ت��ورق العكسي :ه��و ص��ورة ال�ت��ورق المنظم -3يتقدم العميل للبنك بطلب شراء وحدات معينة ن�ف�س�ه��ا ،م��ع ك ��ون ال �م �س �ت��ورق ه��و المؤسسة من السلع. والممول هو العميل. -4توقيع عقد بيع بالتقسيط بين البنك والعميل -4ال يجوز التورقان -المنظم والعكسي -وذلك الن فيهما ت��واط��ؤ بين ال�م�م��ول والمستورق -5 ،تملك العميل للوحدات بموجب مستندات. صراحة أو ضمنا أو عرفا ،تحايال لتحصيل -6توكيل العميل للبنك لبيع السلعة نقدا ،وإيداع النقد الحاضر بأكثر منه في الذمة وهو ربا. المبلغ في حسابه. (بيع على الوصف).
أطراف عملية التورق
-1العميل :يشتري باألجل من البنك (عقد بيع بالتقسيط).
-7سداد العميل لالقساط المستحقة.
آلية التورق في المصارف االسالمية
ويتمثل تطبيق منتج «ال �ت��ورق» ف��ي المصارف -2ال� �ب� �ن ��ك :ع �ق��د ب �ي��ع ل �ل �ع �م �ي��ل ب ��اآلج ��ل (بيع اإلسالمية ،من خالل شراء البنك كمية من السلع بالتقسيط). التي تتسم بالثبات النسبي في أسعارها ،والتي -3مشتري :يشتري السلعة من العميل نقداً. يمكن ضبطها ووصفها للعميل بما ينفي الجهالة. وقد يتم شراء هذه السلع من السوق الدولية عبر لماذا ظهر التورق في المصارف؟ وسطاء للبنك ،وترتيبات مع أطرف مختلفة ،أو يتم -1تلبية إحتياجات العمالء من النقد. الشراء من السوق المحلية ،ومن ثم يتقدم العميل -2تجنيب العمالء للخسائر العالية. بطلب لشراء كمية من هذه السلع المملوكة للبنك، على أن يسدد ثمنها على عدة أقساط شهرية أو -3تجربة حديثة لتمويل العمالء. سنوية ،أو حسب االتفاق بينهما.
الضوابط الشرعية للتورق
وبعد دراسة طلب العميل وموافقته؛ يتم التوقيع بيع ال�ت��ورق من البيوع الجائزة (ق��رار مجلس على عقد بيع آجل ،أو مرابحة بين البنك والعميل، الفقه اإلسالمي في دورته الخامسة عشرة بتاريخ ثم يتملك العميل السلعة ،ويكون له الحق في قبضها 1998/10/31م) .كما صدرت فتوى من هيئة كبار والتصرف فيها ،أو بيعها .ويوكل العميل عادة البنك العلماء بالمملكة العربية السعودية بإجازته. ببيع هذه السلعة لحسابه نقدا ،وإي��داع ثمنها في ح�س��اب��ه ،ب �ش��رط أن ي�ت��م ال�ب�ي��ع ع�ل��ى ط��رف ثالث عقود التورق خ�لاف الطرف ال��ذي سبق أن اشترى منه البنك -1عقد بيع باألجل مع طرف. هذه السلعة .وفي بعض البنوك يوكل العميل المورد -2عقد بيع بالنقد مع طرف آخر. ببيع السلعة نيابة عنه ،وتحويل قيمتها إلى حسابه ط��رف البنك ،على أال يضمن البنك للعميل بيع آلية عمل التورق السلعة بثمن معين في السوق ،ولكن يبيعها بأفضل -1يشتري البنك كمية من السلع ويتملكها. سعر ،حسب ظ��روف العرض والطلب وقت البيع. ومن المعروف أن المصارف تجري نوعين من عقود -2يعرض البنك السلعة على العمالء لشرائها. 116اجلوبة -صيف 1430هـ
-1أن يتملك البنك السلعة ويقبضها قبل أن يبيعها على العميل. -2أال يبيع العمي ُل السلعة المشتراة حتى يملكها ملكية حقيقية ،ويقبضها م��ن البنك القبض المعتبر شرعا. -3أال يبيع العميل السلعة إل��ى البنك ،وال على الشخص الذي باعها إلى البنك أوال ،وأال يكون هناك تواطؤ أو عرف بذلك؛ ألن هذا من العينة المحرمة. ال��ن��وع ال��ث��ان��ي« :ال �ت��ورق ال�م�ن�ظ��م» ،وه��و شراء السلعة م��ن البنك ب��األج��ل م��ع توكيله ببيعها قبل أن يقبضها -أي العميل -واألغلب أن يكون هذا النوع من «ال�ت��ورق» في السلع الدولية ،كالمعادن، وق��د ي�ك��ون ف��ي السلع المحلية ،كالحديد واألرز والمكيفات والسيارات وغيرها.
هل يتوافق التورق مع أحكام الشريعة يعتقد كثير من المختصين في عالم المصارف اإلسالمية والتمويل اإلسالمي ،أنه نظراً للمتغيرات المستمرة في هذا العالم ،فإن كثيراً من التحديات والمشكالت ت��واج��ه عالم ال�م�ص��ارف اإلسالمية، وتتطلب مواجهة وحلوالً ،وهو ما تمكنت الصيرفة اإلس�لام �ي��ة م��ن ت�ق��دي��م ح �ل��ول ن��اج�ح��ة لكثير من ال �ت �ح��دي��ات .وم ��ن ه�ن��ا -دائ �م��ا -ي��أت��ي السؤال ال��ذي يشير إل��ى أن��ه كلّما زادت متطلبات المرء، ازدادت حاجته لمصادر التمويل الالزمة لتلبية تلك المتطلبات ،فكيف يمكن تحقيق أهدافه وطموحاته في عالم من المتغيرات والتعقيدات التي تحكم شئون التمويل ،دون الحاجة للتنازل عن المبادئ والمعتقدات؟ وم��ن هنا ،ج��اءت فكرة التعامل مع التورق كتمويل متوافق مع أحكام الشريعة اإلسالمية تم تصميمه ليوفّر السيولة التي يحتاجها المرء، ضمن إطار من الخدمة الراقية الملتزمة بمبادئ الشريعة اإلسالمية.
م����������������ال واق��������ت��������ص��������اد
«التورق» :النوع األول -:التورق الحقيقي ،وهو أن فيها ،ولهذا لو اختار العميل أن يقبض السلعة؛ يحتاج شخص ما إل��ى النقد؛ فيشتري سلعة من فسيجد أمامه عراقيل كثيرة ،أقلها أنه سيخسر البنك بثمن مؤجل ،ثم يبيعها على غير البنك نقدا ،في السلعة خسارة مضاعفة ،ما يضطره حتما إلى وهو «تورق» يجيزه بعض الفقهاء بثالثة شروط: توكيل البنك ،أو من يختاره البنك.
والفرق بينه وبين «التورق الحقيقي» ،أن العميل في «ال�ت��ورق المنظم» ال يقبض السلعة ثم يبيعها بنفسه ،فليس أمامه إال خيار واحد ،وهو أن يوكل وي�ت�ي��ح ال �ت��ورّق ت�س��دي��د ك��اف��ة ال �ت��زام��ات المرء البنك ببيعها ،بينما في «ال�ت��ورق الحقيقي» يكون العميل بالخيار بين أن يحتفظ بالسلعة ،أو يبيعها المالية ال�ح��ال�ي��ة ،وال �ب��دء ف��ي االس�ت�م�ت��اع بتمويل بنفسه في السوق؛ ألنه قبضها قبضا يتمكن به من مبنيّ على أحكام الشريعة اإلسالمية .وغالباً ما التصرف فيها بما يشاء. تتميّز عملية الحصول على هذا التمويل بالسرعة وقد تضع بعض البنوك خيارات متعددة للعميل والسهولة ،إضافة إلى كونها حاصلة على موافقة ف��ي ن�م��اذج «ال �ت��ورق المنظم» ،ك��أن تخيره بين أن هيئة الرقابة الشرعية .وعلى الرغم من الجدل يقبض السلعة بنفسه ،أو يوكل البنك في ذلك ،أو ال��دائ��ر ب��اس�ت�م��رار ح��ول م��وض��وع ال��ت��ورق ،إال أن يوكل طرفا ثالثا له عالقة بالبنك ،وهذا التخيير كثيرا من علماء االقتصاد اإلسالمي حسموا األمر في الواقع شكلي؛ ألن «التورق المنظم» إنما يكون بعدم مشروعية التورق ،كأحد المنتجات التمويلية سلع يصعب على العميل قبضها ،أو التصرف للبنوك اإلسالمية ،مستندين إل��ى س��وء تطبيقات في ٍ
اجلوبة -صيف 1430هـ 117
البنوك اإلسالمية والتقليدية ،التي تقدم له منتجات تتوافق مع الشريعة له .فقد أشار الدكتور حسين حامد ويتم تطبيق التورق في عدد من حسان رئيس الهيئة الشرعية لبنك البنوك ،بهدف توفير السيولة النقدية دب��ي اإلس�لام��ي إل��ى أن فقهاء أقروا لشريحة مهمة من عمالء المصارف، ب��اإلج �م��اع ع��دم م�ش��روع�ي��ة التورق، م��ن خ�ل�ال أداة ت�م��وي�ل�ي��ة إسالمية وأن تطبيقاته ف��ي ال�ب�ن��وك ل��م تكن م��ن دون تعريضهم لخسائر مالية د .حسين حامد حسان دقيقة ،وشابها بعض الشبهات التي كبيرة .ويتمثل تطبيق منتج التورق دف �ع��ت ال �ع �ل �م��اء إل ��ى اإلج� �م ��اع على في المصارف اإلسالمية من خالل تحريم التورق المنظم .وذكر أن سبب ش ��راء ال�ب�ن��ك كمية م��ن ال�س�ل��ع التي تحريم التورق يعود إلى أنه ال يحتمل تتسم بالثبات النسبي في أسعارها، الخسارة التي ينطلق منها االقتصاد والتي يمكن ضبطها ووصفها للعميل اإلسالمي في تحمل نسب المخاطرة بما ينفي الجهالة .وقد يتم شراء هذه وال�خ�س��ارة ،م��ؤك��دا أن ه��ذا اإلجماع السلع من السوق الدولية عبر وسطاء على التحريم يدعمه ق��رار من هيئة للبنك ،وترتيبات مع أطرف مختلفة، المحاسبة وال�م��راج�ع��ة للمؤسسات الشيخ سليمان المنيع أو يتم ال�ش��راء من السوق المحلية، ال �م��ال �ي��ة اإلس�ل�ام �ي��ة .وت �ب��رز دائما وم��ن ثم يتقدم العميل بطلب لشراء قضية جدوى فتوى الهيئات الشرعية في البنوك لمنتج التورق ،في الوقت الذي تدور فيه كمية من هذه السلع المملوكة للبنك ،على أن يسدد شبهات وشكوك حول مدى جدية والتزام البنوك ثمنها على عدة أقساط شهرية أو سنوية ،أو حسب نفسها بما أج��ازت��ه الهيئات الشرعية ،خاصة أن االتفاق بينهما .وبعد دراسة طلب العميل وموافقته، مفهوم واستيعاب المصرفية اإلسالمية غير واضح يتم التوقيع على عقد بيع آج��ل ،أو مرابحة بين من قبل كثير من العاملين في البنوك التي تقدم البنك والعميل ،ثم يتملك العميل السلعة ،وله الحق خدمات مصرفية إسالمية ،ون��درة المتخصصين في قبضها والتصرف بها أو بيعها .ويوكل العميل في هذا المجال .وكان الشيخ سليمان المنيع عضو عادة البنك ببيع هذه السلعة لحسابه نقدًا ،وإيداع هيئة كبار العلماء السعودية ،وأحد أبرز الشخصيات ثمنها في حسابه ،بشرط أن يتم البيع على طرف العاملة في الهيئات الشرعية في معظم البنوك ثالث غير الطرف الذي سبق أن اشترى منه البنك السعودية والدولية ،قد نبه بأنه ال يجوز في عملية هذه السلعة .وفي بعض البنوك يوكل العميل المورد ال�ت��ورق أن يبيع العميل البضاعة على البنك ،بل ببيع السلعة نيابة عنه ،وتحويل قيمتها إلى حسابه ينبغي أن يبيعها على طرف ثالث؛ ألنه لو باعها على ط��رف البنك ،على أال يضمن البنك للعميل بيع البنك صار من بيع الرنة ،وبيوع الرنة هي حيلة من السلعة بثمن معين في السوق ،ولكن يبيعها بأفضل الحيل الموصلة إلى الربا ،وفي األمر نفسه ينبغي سعر حسب ظروف العرض والطلب وقت البيع. أن تكون السلعة التي يشتريها العميل معلومة إما بالصفة أو بالرؤية.
*
رئيس قسمي المحاسبة ونظم المعلومات بجامعة الزرقاء الخاصة –األردن
118اجلوبة -صيف 1430هـ
ق�������������������������������������������������������������راءات
الكتاب :مجموعة «خامت في مياه بعيدة» املؤلف :بسمة النسور الناشر :مؤسسة التنوخي للطباعة -املغرب
> عبدالله املتقي* صدر عن مؤسسة «التنوخي» للطباعة والنشر والتوزيع بالمغرب ،الطبعة األولى من مجموعة«خاتم في مياه بعيدة للكاتبة األردنية بسمة النسور .ﺃضمومة تقع في 76صفحة من القطع الصغير ،وتزين غالفها لوحة تجريدية للفنان بنيونس عميروش .وقد ضمت بين حناياها ( )59قصة قصيرة جدا ،صيغتها المؤلفة تارة بتقنية «السرير الفرويدي» الذي يمنح إمكانيات البوح القصوى للعديد من الحاالت الجوانية المستعصية ،وتارة أخرى بتقنية «الكاميرا المحمولة» ،التي تتوق إلى تأبيد بعض المشاهدات الواقعية التي تضعها الحياة في مهب المفارقة .وعلى ظهر غالف المجموعة ..نقرأ الشهادة التالية للقاص المغربي أنيس الرافعي« :توجيز السرد وتقطير العطر :وجهان لبالغة واحدة». بالغة القبض على الجوهر الخالص، بتواضع وإط��راق من يسعى لرؤية الكون في حبة رمل .غير أن هذا الجوهر فادح إل��ى أقسى ال�ح��دود ،ومشرع على أقصى احتماالت الخذالن ،إذا تعلق األمر بكاتبة م��ن ط� ��راز ب�س�م��ة ال �ن �س��ور ،ت �ع��ودت على اس�ت�خ�لاص ه��ذا ال�ج��وه��ر بشفرة حادة، من لحم الروح والتجربة وأعطاب الوجود، كي تقدمه لنا فيما بعد على شكل حفنات ذكية ،ح��ادة ،مركزة ،وعلى شفير الصمت الناطق الذي ال يشي بكل شيء ،وإنما على وتيرة اللمعان ال��ذي يشرق وي�غ��رب ..مثل «خاتم في مياه بعيدة» .فصرامة النحات التواق إلى الكمال ،ودقة النسر المترصد في األعالي ،وحكمة المتفاني في مكابدات
ال�ح��د األدن ��ى للعالم .كلها شيم تتجاور وتتساكن دون انفصال أو انفصام في هذه البروق الجميلة ..الجميلة حقا..الجميلة إل��ى األب ��د ..الجميلة ب�ج��دارة سامقة ،ال يمكن لباطل التلقي أن يطيح بأساساتها المتينة .وتجدر اإلش��ارة في هذا الصدد، إل��ى أن ه��ذا العمل الجديد ه��و المحطة السادسة ضمن المدونة القصصية لرئيسة تحرير مجلة «ت��اي �ك��ي» المتخصصة في األدب النسوي بعد مجاميع« :نحو الوراء» (1991م)« ،اع�ت�ي��اد األش �ي��اء «(1994م)، «قبل األوان بكثير»(1999م)« ،النجوم ال تسرد الحكايات «(2001م) ،و» مزيدا من الوحشة «(2006م).
* كاتب من المغرب.
اجلوبة -صيف 1430هـ 119
الكتاب :جدل الثقافة واإلبداع. املؤلف :عزمي خميس. الناشر :وزارة الثقافة األردنية 2004م.
> سمير الشريف* أخيرا ،نزل األديب (عزمي خميس) عند رغبة الذين طالبوه بجمع افتتاحيات مجلة أفكار في كتاب .ووضع بين أيدي األجيال عصارة خبرته في الساحة الثقافية ،بتواضع المفكر وحساسية األديب. علمنا عزمي خميس درسا في التواضع الناضج البعيد عن اإلدعاء ،ذاك الرجل الذي خدم الحركة الثقافية بدأب ،مخلصا لقناعاته دون أن ينتظر مكافأة من أحد ،وظل شعاره (إنني أعمل بدافع اإلخالص كما أقوم به). طلبت من األستاذ عزمي خميس وبإلحاح إجراء مقابلة لصحيفة بالخارج ،محاوال أن أحصل على نسخة لمجموعته القصصية ألكتب عنها ،فكان يرد بتواضع جم (ليس في األمر ما يستحق) ،ويزوغ من اإلجابة حتى أدركت أن الرجل ال يسعى إلى األضواء ..بل يهرب منها ،وتلك فلسفة ال يملك المرء إال أن يقدرها ويحترمها. عزمي خميس مرجع للثقافة األردنية في مخاضاتها ومنابرها ،يغوص في هموم ت�ج�ت��رح ال �ب �ط��والت ال��وه�م�ي��ة والفتوحات اإلب� ��داع وال�م�ب��دع�ي��ن ،ف�ي�خ��رج إل �ي��ك بما المدّعاة ألصحابها في تقديمهم لكتاباتهم يشخص الحالة. «ال شيء مما يمكن لفت األنظار إليه ،أو ي �ق��ول ،وع�ل��ى العكس م��ن المقدمات،
وراء الغوص العميق والكشف الدقيق توجيه القارئ نحوه في هذه الموضوعات؛ والرصد االستشرافي في مقاالت عزمي فهي ال تملك إال قناعة كاتبها». خميس التي ضمنها كتابه (ج��دل اإلبداع لن نستطيع أن نفي كل مقالة ،حقها وال �ث �ق��اف��ة) ،يستطيع ال��م��رء أن يمسك ولكننا نستشهد فقط؛ فالنص المبدع هو خيطا من حزن إنساني جميل ،فماذا قال ال ��ذي ي ��زرع ف��ي خ�لاي��اك ج��رث��وم��ة القلق الرجل؟ ال��ذي ال شفاء منه ،ويفجر فيك براكين لنقف أوال مع تواضعه في مقدمته؟
120اجلوبة -صيف 1430هـ
العواطف والمشاعر واألحاسيس ،ويفتح
ق�������������������������������������������������������������راءات
لك أب��واب ال��رؤى الجامحة والخياالت العصية، أما موهبة التزييف ،فال يجد من يتصدى لها، ك�م��ا ت�ف�ع��ل ال �ش��رك��ات ال �ك �ب��رى ،حينما تسحق المنتجات المزيفة بالمداحل ،إذ أن من زيفّوا الفن «وبهدلوا» (النفري وابن عربي ولوركا) ،ال يقودنا ه��ذا النتشار ظ��اه��رة محيرة اسمها يحصيهم العدد ممن نزعوا الهيبة عن الشعر ،األع �م��ال ال�ك��ام�ل��ة ،ف�ل�م��اذا ي�ق��وم أص �ح��اب هذه ومزقوا الذوق ،وشوهوا النظرة لألدب. المبادرات بها؟ هل ألن أعمالهم في حياتهم لم ال�م�ب��دع الحقيقي ل��ن ي �ك��ون م�ب��دع��ا إن لم تلق ما تستحق ،فيعزي الكاتب نفسه بمثل هذه يمتلك ح��س ال��ده�ش��ة ،وه��و م��ن يعيش فكرته المهمة ..كأنما يكرم نفسه بنفسه؟ أو يحاول أن ويموت من أجلها ،ويتوحد بها ،ويحيا بعيدا عن يلفت النظر له عند مقارنة بينه وبين األعالم االنفصام الحاد ،المستشري بين لسان المبدع المشهورين في العالم كـ(مارجريت ميتشل) ،التي ونتاج قلمه. لم تكتب غير رواية واحدة ،و«والت ويتمان» الذي ع��ن مهمة الناقد ال�ت��ي ب��ات��ت ف��ي م�ن��أى عن لم يبدع غير دي��وان شعر ،و(كيركجارد) الذي محاكمة المضمون ،ودفنت المؤلف ،وانهمكت لم يشارك في ندوة في حياته ،بينما المسكين ألف عشرات الروايات وعقدت له عشرات في تحليل هيكل النص مجردا من روحه ،مكتفية هناّ ، بممارسة لعبة حل األحاجي واأللغاز ،سعيا وراء المقابالت ،صحيح أن النشر أصبح ميسورا أمام المهارات اللغوية واللفظية ،مهملة حيوية النص م��ن يقدر أن ي��دف��ع ،لكن على ال�م��رء أال ينسى وأبعاده العميقة ،وأن الحداثة التي ال تأتي إال أن اح �ت��رام الكاتب ال يتم بعدد اإلص� ��دارات.. بالخروج على األص��ول المترسخة عبر تجارب ب��ل بمستوى م��ا ق� �دّم ،ل�ه��ذا ن��رى مبدعين بال المبدعين ليست س��وى وه��م؛ ف��اإلب��داع حصيلة إض ��اف ��ات..ألن اإلب� ��داع الحقيقي ي��رت�ق��ي فوق تراكمات ،أم��ا القفز في ال �ه��واء ..فليس له إال الجغرافيا واأليدلوجيا واللقب..حين يالمس جوهر اإلنسان. السقوط ،حتى لو تحت شعار التجريب. وإضافة وتأويل وإعادة صياغة ،فأين النقد الذي يحافظ على براءة النص ويحترم مبدعه وينظر للعمل ككائن حي تحاوره وتختلف معه ،وال نقمعه ونشوهه؟
ال�م�ب��دع الحقيقي ال يستند لغير إبداعه، وال يكتسب قيمته م��ن لقبه العلمي ،وال اسم الصحيفة التي يكتب بها ،اآلالف ش��ارك��وا في الحرب العالمية ،لكن (همنجواي) وحده من صاغ من تجربته أدبا خالدا.
م��ن ه�ن��ا ،تنبع إشكالية النقد ال��ذي يكون ف��ي األص ��ل ع��ال��ة ع�ل��ى ال �ن �ص��وص وت��اب �ع �اً لها، األمر الذي فعل فعله في نفوس النقاد ودفعهم دون وع��ي ،لخوض ص��راع خفي مع اإلب��داع في محاولة لتجاوز عقدة التطفل والتبعية بتنصيب أنفسهم أوصياء على النصوص لتنشأ التفكيكية، األدب ال �خ��ال��د ه��و ال� ��ذي ت �ح��رك��ه األسئلة وكافة المناهج الحديثة ممن تنظر للنص بعيدا اإلنسانية ال�ك�ب��رى ،وغ�ي��ر ذل��ك م�ج��رد ثرثرات عن مؤلفه ،ولنجد أنفسنا أمام إشكالية وضعنا تمتلئ بها الصفحات ،وتراكمات ستجرفها بال النقد أمامها ،مع ما يلحق بالنصوص من تمزيق شك رياح النسيان. *
كاتب من األردن.
اجلوبة -صيف 1430هـ 121
الكتاب :املدهون مبا ال نعرف املؤلف :رنا جعفر ياسني. الناشر :دار سنابل للكتاب -القاهرة.
(المدهون بما ال نعرف) ،هو عنوان االصدار الرابع للشاعرة واإلعالمية والتشكيلية العراقية رنا جعفر ياسين ،صدر مؤخرا عن دار سنابل للكتاب في القاهرة. وقدم الكتاب الذي صنفته الشاعرة بوصفه نصوصا جمعت فيها بين االيجاز والسرد، تكامل تجربة رنا جعفر ياسين الشعرية والتشكيلية .ويعد نصا واحدا متصال ،منفصال ال��ى تسعة عشر مشهدا مختوما ً بالترقيمات دونما عناوين فرعية ,مالقحاً الشعر بالتشكيل في كل مشهد ،من خالل رسومات داخلية بالحبر األسود للفنانة. وقالت الشاعرة عن نصوص (المدهون وف ��ي ك��ل ق� ��راءة ت�ن��رس��م ص ��ورة مختلفة، بما ال نعرف) ،إنها محاولة لخلق حالة بحث وتنبلج داللة جديدة. ع��ن ال�لام�س�م��وع وال�لام��رئ��ي ,الالمسمى
والالممسك ،األكثر غموضا من المجهول,
من خالل توظيف لغة مركبة وفضفاضة، ورؤى تنفتح على دالالت مختلفة قابلة
ألكثر من تأويل.
وجاءت النصوص فيه بموازاة اللوحات
للبحث عن الغامض المغمض ،مؤكدة رؤى الشاعرة المغايرة للمألوف والحتمي ،اذ ال
وت �م �ك �ن��ت ال��ش��اع��رة م��ن ف���رض حالة الغموض ابتداء من العنوان (المدهون بما ال نعرف) ..مرورا باإلهداء الذي كتبت فيه: (إليه فقط ..والى كل ما حوله من غموض وبالونات وأسئلة معلقة) ،وقوفا وانتهاء بالنصوص والتخطيطات الداخلية. يقع الكتاب في ( )94صفحة من القطع
يمكن الخروج بنتيجة واح��دة خالل قراءة المتوسط ،وضم غالفه لوحة من الكوالج النصوص ،بل يحتاج الى أكثر من قراءة ،للشاعرة ,وتضمن غالفه الخلفي مقطعا
122اجلوبة -صيف 1430هـ
قمْ ,وامش ِ إلى دائرتكَ الالعنةِ القرف انظ ْر أنيقا ً إلى العالم ِالمتكوِّر ِفي راحتكَ ..
ال��ق��د ُر األق � ��ربُ ب��ج��وارِ اس �ت �غ��اث� ٍ�ة ال يراها بفيض القمع ،بل كلما اشتدَّ فحي ُح ِ المُعمَّدو َن
َ تبص ْر الخب َز الجالس بمحاذا ِة ال�ل��ذة ,وقد ال� �ه ��روب ..أُغ��مِ �ض��تْ خ�ط��واتُ�ه��م ع�ل��ى السوادِ تبص ْر أيضاً الما َء المنسابَ من رغو ِة الجرائم. الهش من الريحِ على مداخلِ ُّ المقابل ،فال يدلـ ُّهم لن تفكرَ:
(ال� �ي ��و ُم ال� �ق ��اد ُم ي�ن�ح�ن��ي ل �ل �م �ق��دام ِالقاهرِ
للصمت)
ستلوي النها َر حتى ينكسرَ ,وتخر َج من ُه بملءِ
بياضكَ .
والشاعرة رنا جعفر ياسين من مواليد بغداد
عام 1980م ،درس��ت الهندسة المعمارية فيها. وه��ي تقيم ف��ي ال�ق��اه��رة منذ أكثر م��ن عامين،
صدر لها من قبل ثالث مجموعات شعرية هي (طفولة تبكي على حجر) ،الصادرة عن االتحاد العام لألدباء والكتاب في العراق عام 2006م،
و(مسامير في ذاكرة) الصادرة في القاهرة عن دار المحروسة للنشر والتوزيع عام 2007م ،بينما
صدرت مجموعتها الشعرية الثالثة (مقصلة بلون جدائلي) أواخ��ر عام 2008م ،في القاهرة عن دار سنابل للكتاب أيضا.
ومن مشاهد (المدهون بما ال نعرف):
ق�������������������������������������������������������������راءات
من أحد النصوص الداخلية جاء فيه:
لن تكفي الوجهاتُ لهجر ِة الدخان.
الوحلِ الرطب. �ات ال �م �ح �ف��ورةَ على �ش ال �ب �ص �م� ِ ه �ك��ذا ي�خ�م� ُ الكآبة: أنت المبللة َللنهاية لست ِ (الِ .. أنت فقط الهادرةُ باللهيب. ِ لن أكتفي من النارِ بآثارِ الندب سأفت ُح اللهيبَ على مصراعيهِ ألبعث َر نو َم ُه وأص� �ع� � ُد ح �ت��ى آخ� ��رِ ال� �ض ��وءِ ع �ل �ـ �َّن��ي أدفأ ُبالضباب. النعاس ِ أغام ُر بنكهةِ �راف األوب �ئ��ةِ التي لينكتبَ ال �ك�لا ُم على أط� � ِ عبرتُها بحذاءٍ مُحطـِم). ثقب مُقتلـ َع ,يتواطأ مع المُفزعِ المهربُ على ٍ ذات من التكوين ،ويتهامسان ِللنيلِ من األسئلةِ ِ
بأنصاف األسرار ،متمادياً كنز ٍَق ِ قشط الحكاية َ َ ينقص االكتما َل ُ �ات الفوضوية .ك� ُّل ما ملول .لم تغدرهُ المعاو ُل ولم تتحاي ْل عليهِ المياهُ االي�ق��اع� ِ يتماهى ليز َّج نفس ُه في تلكَ الخلو ِة المتحوِّلة.. المساهم ُة في عجنِ السماءِ بأديم ِالخواء. للنهب ..فقط يدانِ تكفيان ح�ي��ثُ الحكاية ُب �ع��ريٍّ ي�ت�خ��دَّ ُر م��ن ش��د ِة لزوجةِ ِ ك ُّل ما تناث َر أرشدهُ
لردمِ المخفيِّ من االنكسار.
هامش الموت. ِ
اجلوبة -صيف 1430هـ 123
الكتاب :ديوان «أنظر وأكتفي بالنظر». املؤلف :عبدالرحيم اخلصار. الناشر :دار احلرف باملغرب.
هل بإمكان الشعر أن يقود العالم؟
> عبدالغني فوزي*
ديوان «أنظر وأكتفي بالنظر» للشاعر عبدالرحيم الخصار يعلن قلقه في وجه السطوة المالزمة.. صدر مؤخرا عن دار الحرف بالمغرب ديوان شعري بعنوان «أنظر وأكتفي بالنظر» وثمان وعشرين صفحة ،من الحجم ٍ للشاعر عبدالرحيم الخصار ،ويمتد على مدار مئة المتوسط ،تحتوي على اثني عشر نصا هي( :الربان األعمى ،حطاب األشجار الهرمة، ليس ذنبي أن يغرق هذا المركب ،أبي ،األمازيغي ،حسن مطلك ،دعي العالم يقيم في نزل المجانين ،أورتان ،مليكة ،هذا ما يفعله الحب بي ،المحارب ،دع عصافيرك تغرد على أشجاري) .عناوين ال توصد الباب ،وال تتقنع أمام القصائد؛ بل تدفعك لتنخرط في صف هذه القصائد ،والتي هي بمثابة رحالت على قدر كبير من التعدد والتشابك بين حاالت ووضعيات ،بين الجزئي والكلي ،بين التفاصيل نفسها في تلك المعارك التي تنفض العالم من دسائسه ،وتسلطه الذي ال ولن يستسيغه الشعر أبدا. ي�ب��دو ل��ي أن ق ��راءة أح��د أع�م��ال هذا وأنا أقرأ هذه المجموعة الشعرية ،فرأيت ال �ش��اع��ر ،تقتضي ل�ف��ت ال�ن�ظ��ر لمدونته أن ص�ي��اغ�ت�ه��ا ال �م �غ��اي��رة ل �ه��ا امتدادات الشعرية ،اب�ت��داء من مجموعته الشعرية وتقاطعات .فكثيرة هي الكلمات الواردة في «أخيرا وصل الشتاء» إلى «نيران صديقة» ،الديوان التي تتحول إلى مفردات حياة في ه��ذا فضال ع��ن ح��وارات��ه وان �خ��راط��ه في الشعر ،وبه تنسج الرؤيا ،وتقطع العالم من ال �م �ش �ه��د ال��ش��ع��ري ال �م �غ��رب��ي والعربي زاوية ما .يقول هنا في إحدى حواراته مع بالمتابعة والتفاعل .وه��و ما سعيت إليه القاصة منى وفيق« :الفصل الذي يغويني 124اجلوبة -صيف 1430هـ
الوحيدة ،الحياة هي الخريف» .وفي اآلن نفسه
هل هذه هي الحياة التي انتظرناها طويال يا
تقول المجموعة الشعرية قيد النظر في قصيدة صديقي؟ «الربان األعمى»(:)1 هل هذه هي األفكار التي رتبناها في دفاتر في زحمة الفصول الطفولة؟ لم أنتبه إلى خطاي فوضعت قدمي باكرا في الخريف
ك ��م ح�ل�م�ن��ا ب���أن ي �ص��ل أج��س��ادن��ا النحيفة والباردة
لم تجن علي الجسور التي عبرتها
شعاع من الشمس التي تختفي وراء الجبل
ربما جنى علي هوسي بالغابة..
سرنا على األرض حتى تشققت جوارحنا
إن الشاعر ضمن المرحلة التي ينتمي إليها،
سرنا أيضا في الماء بال معجزة
ال يعبر عن موضوعات محددة بشعرية تراتبية
وفي عز أحالمنا خذلتنا الطريق
ضمن قالب حيكت مصفوفاته؛ ب��ل يدخل في مواجهة مع ذاته ،لتغدو معبرا يؤزم األشياء ،ألنه يعيد تشكيلها ضمن أفق واحتمال مغايرين.
ق�������������������������������������������������������������راءات
كثيرا هو الخريف ،ألنه في اعتقادي هو الحقيقة الهرمة» (:)2
سرد شعري يقدم أحداثا وأماكن على الرغم من مالمحها الواقعية ،فإن السياق غير اآلني، والشعرية المتعددة األوجه ،حولت المعطيات إلى
م��ن ه��ذا المنطلق ،تسوق مجموعة «أنظر إطارات غير مرتهنة لزمن؛ بل لصيقة بتحققات وأكتفي بالنظر» خرائب ذات صغيرة تحت وطء تنطبق على أي إنسان ينوء في أي مكان وزمان. العالم والوجود .في هذه الحالة ،تتحول القصيدة
بدورها إلى معبر لحيوات عديدة ،ترتكن لذات تتدحرج على م��رأى م��ن العالم بين التفاصيل وال�ق�ض��اي��ا ال�ك�ب��رى .م��ن ه��ذا ال �ب��اب ،ق��د تقول القصيدة بعض الحكايا بكيفية شعرية .وفي هذا توسيع إلمكانيات القصيدة التعبيرية والتخييلية، لتكسير أي تمركز غنائي غافل.
تصور المجموعة رح�لات لصيقة بالذات، بين المصير الفردي والجماعي المرمي لجبر السلط والمصادفات ،وب�لادة التاريخ الجارف. لكن سرعان ما تتعدد أنفاس القصيدة لتسوق ت �ع��دده��ا ض�م��ن ت�ج��ان��س م��رك��ب (ن �ف��س غنائي وملحمي) ،يجعل القصيد بمثابة إقامة فسيحة، كلما فتحت بابا ،يقودك لباب آخ��ر ك��أن النص
الشاعر هنا يحكي شعرا ..بعضا من التاريخ ط�ب�ق��ات م��ن ال�ت�ش�ك�ي��ل .وه��ي أول �ي��ات تركيبية وال �ح��ب وال�ش�ع��ر أي �ض��ا ،أو ق��ل ع�لائ��ق الذات .وتخييلية تطوي على تجربة حياة غنية بترحالتها
فتغدو هذه األخيرة كأداة سابحة في امتدادات في الهواء ،أو امتداد الحياة والمرجع ،.أقول هي ع��دي��دة ،ام �ت��دادات الحياة وال��وج��ود اإلنساني .أوليات ،يقتضي فكها بهدوء وحذر حتى ال نفقد
تقول المجموعة في قصيدة «حطاب األشجار للقصيدة طينتها المركبة.
اجلوبة -صيف 1430هـ 125
نعم في إمكان الشاعر أن يقود العالم انطالقا م��ن تخشبها ال �ب�لاغ��ي المتصلب ق��ي حديده من وعائة ال��ذي تستحم فيه ال�ح��روب .وعليه ،المحروس. فالذات تتعدد وتتقمص وضعيات وحاالت تجعل
ت��وج��ه المجموعة ك��ل سهامها وإمكاناتها
المتكلم متعددا ،محيال على ضحايا المرحلة ،ال�ل�غ��وي��ة والتخييلية ال �ت��ي ت�ت�غ��ذى ع�ل��ى مقروء وع �ل��ى أب �ط��ال أس��اط �ي��ر ،وع �ل��ى ق ��در ك�ب�ي��ر من فلسفي وأدب��ي قلق ،أق��ول توجه سهامها ضمن الماء في ذاك العمق غير المنتهي ،في احتمال حرارة تجربة إنسانية تجاه الحياة .فغدت الحياة حياة أخ��رى ،ولو في االفتراض الشعري .تقول الصغيرة ،كأنها ذات إنسانية تتغذى على قيم
المجموعة في قصيدة «المحارب»(:)3
جوهرية ف��ي ال��وج��ود (ق�ل��ق ،ان�ع�ت��اق ،حرية.)..
إلى أين أمضي؟
الشيء الذي انعكس على البناء الشعري :صور
الكالب في وطني تخنق الهواء بنباحها
مركبة تتوالد تبعا للحالة والموقف.
والطرائد تسقط في أول رحلة صيد البؤس يعدو أمامي على الرصيف والخسة تحدق في من الشرفات
س��ردي��ة ه �ن��ا ال ت �ق��دم أخ� �ب ��ارا ،ب��ل تسوق حاالت ،تستحم في توصيف يسعى إلى تشخيص المتناقضات .فكانت ال��ذات أرج��وح��ة الشاعر لضم العالم والحياة إليها .في هذه الحالة قد
األشرار هنا يسوقون عربات الورد
تعبر األش�ي��اء المحيطة ب��دوره��ا ع��ن الخلجات
والشياطين يلقنون دروس اإليمان
والمسالك الخفية.
يغلب ظني أن المجموعة تخففت بما يكفي،
ثمة ف��ي ال�م�غ��رب واألق �ط��ار العربية اآلن،
من ثقل الخطابات وحيفها في التسييج والتضليل أص��وات شعرية عميقة تخلق إقامتها الشعرية وتحريف الشعر أيضا ..والتفتت لنفسها الثكلى بطرائق ول�م�س��ات ،تحتاج ليس للكشف ولوك
ضمن الحياة ،معانقة وهمها الجميل .وه��و ما الكالم التعميمي والمكرور حولها ،بل إلى شحذ يثبت أن الشعر بإمكانه أن يقود العالم في ذاك األدوات لمعاركة ه��ذه األع �م��ال ،ك��ل على حدة الوهم الصافي ،بوصفه أصل الهدم بمعاول البلور إلن�ص��اف ه��ذا الشعر أوال وأخ �ي��را ،ألن��ه يغتني القابل للكسر نبضا نبضا .من هنا ترقب الذات ب �ت �ج��ارب ول �م �س��ات وإض ��اف ��ات ..فلنتحرر من العالم وتسوقه بالعالمات والرموز ،بالصور التي صداقتنا النمطية م��ع الشعر؛ ألن��ه ل��ن يتحول تفتح اللغة نفسها على آف ��اق أخ ��رى ،لتتطهر بشكل من األشكال إلى بصل في كل األفواه.
* كاتب من المغرب. ( ) 1مقطع من قصيدة «الربان األعمى» من المجموعة نفسها ص 7 ( )2المقطع الثاني من قصيدة «حطاب األشجار الهرمة» من الديوان نفسه ص 18 ( )3المقطع الثالث من قصيدة «المحارب» من المجموعة الشعرية نفسها ،ص102
126اجلوبة -صيف 1430هـ
األنشطة الثقافية باملؤسسة
< إعداد :عماد املغربي
سبل االستثمار السياحي في تنمية اقتصاديات منطقة الجوف أقيمت يوم األربعـــــاء 1430/6/10هـ في قاعة العــــــــــرض والمحاضرات بدار الجوف للعلوم ندوة ع��ن« :س�ب��ل االستثمار السياحي في تنمية اقتصاديات منطقة الجــــوف»، شارك فيها :الدكتور علي بن إبراهيم الغبان -نائب رئيس الهيئة العامـــة للسياحة واآلثار والمتاحف ،والدكتور ص �ل�اح ب ��ن خ��ال��د ال �ب �خ �ي��ت -نائب رئيس الهيئة العامة للسياحة واآلثار لالستثمار ،والدكتور خليل بن إبراهيم المعيقل – عضو مجلس الشورى ،وقدم لها األستاذ حسين بن علي المبارك – المدير التنفيذي لجهاز السياحة بمنطقة الجوف ،وحضرها عدد من أهالي المنطقة ومثقفيها، وجرى نقلها إلى القسم النسائي عبر الدائرة التليفزيونية المغلقة. وخالل الندوة -وألول مرة -عرض د .علي الغبان صورة لمشروع متحف منطقة الجوف الجديد، المزمع تنفيذه من قبل الهيئة العامة للسياحة واآلثار ،والذي تعادل مساحته ثمانية أضعاف مساحة المتحف الحالي.
صورة لمتحف منطقة الجوف الجديد المزمع تنفيذه
اجلوبة -صيف 1430هـ 127
تخطيط واقتصاديات العمارة السعودية أقيمت يوم الثالثاء 1430/6/23هـ في قاعة العرض والمحاضرات بدار الجوف للعلوم ندوة عن «تخطيــــط واقتصـــــاديـــات العمــــارة السعودية» ،شارك فيها الدكتور مشاري بن عبدالله النعيم -أستاذ النقد المعماري بجامعة الملك فيصل، والمهندس صالح بن ظاهر العشيش – ن��ائ��ب م��دي��ر ع��ام المشاريع بوزارة الصحة ،وق��دم لها األس �ت��اذ إبراهيم اب��ن موسى الحميد – رئيس النادي األدبي بمنطقة الجوف ،حضرها عدد من أهالي المنطقة ومديري الدوائر الحكومية ،وقد نقلت للقسم النسائي عبر الدائرة التليفزيونية المغلقة.
أمسية شعرية أق� � �ي� � �م�� ��ت ي � � � � ��وم ال� � �ث��ل��اث�� ��اء 1430/6/30ه� �ـ« .أمسية شعرية»، ش � ��ارك ف �ي �ه��ا ال� �ش ��اع ��ران جاسم محمـــــــد ال �ص �ح �ي��ح ،وإبراهيم حســــــــــــين زولي ،وأدارها عبدالبر علواني – المعلم بمتوسطة وثانوية الرحمانيــــــــة. أل �ق��ى ال�ص�ح�ي��ح م�ج�م��وع��ة من ق�ص��ائ��ده م�ن�ه��ا( :م��ا وراء حنجرة ال�م�غ�ن��ي -ال ش ��يء م�ث��ل ال �ح��ب - غراب على شجرة الميالد -لجـــــوء جمالي) ،ثم أعقبه الزولي بمجموعة من قصائده من شعر التفعيله ..منها( :فجراً أتوك -كفن ال يليق بفقري -حيث النباتات تجلس عارية -قصائد ضالة تمارس شعيرة الفوضى (22قصيدة قصيرة) -الثبوت -زيارة إلى روح أمي -دروب) .وقد نقلت األمسية إلى القسم النسائي عبر الدائرة التليفزيونية المغلقة. 128اجلوبة -صيف 1430هـ