JobaLayout_24

Page 1

‫‪ -‬العدد ‪ - 24‬صيف ‪1430‬هـ ‪2009 -‬م‬

‫صدر حديث ًا عن مؤسسة عبدالرحمن السديري اخليرية‬

‫أضواء على جتربة الشاعر‬ ‫إلياس أبو شبكة‬ ‫غالية آل سعيد في‬ ‫(سنني مبعثرة)‬ ‫ابن زريق البغدادي‬ ‫في (ال تعذليه)‬ ‫قصص‪ :‬شيمة الشمري‬ ‫سناء الشعالن‬ ‫شعر‪:‬‬ ‫يوسف العارف‪ ،‬مالك اخلالدي‪،‬‬ ‫سعد الرفاعي‬ ‫مواجهات مع‬ ‫إبراهيم خليف السطام‬ ‫إدوار اخلراط‬ ‫الشاعر عدنان الصايغ‬ ‫أحمد حسن الزعبي‬

‫ملف العدد‪:‬‬

‫افتتاح جامعة الملك عبداهلل للعلوم والتقنية (كاوست)‬ ‫‪24‬‬

‫‪24‬‬


‫من إصدارات اجلوبة‬

‫عمل فني‪ ،‬في أحد مباني اجلامعة للفنان‪ :‬سوبهيب رمية من كمبوديا‬


‫خادم احلرمني الشريفني امللك عبدالله بن عبدالعزيز آل سعود‪ ،‬حفظه الله‪ ،‬حلظة استقباله زعماء‬ ‫العالم في حفل االفتتاح التاريخي جلامعة امللك عبدالله للعلوم والتقنية (كاوست ‪.)KAUST‬‬

‫اجلوبة ‪ -‬صيف ‪1430‬هـ‬

‫‪1‬‬


‫العدد ‪24‬‬ ‫صيف ‪1430‬هـ ‪2009 -‬م‬

‫ملف ثقافي ربع سنوي‬ ‫يصدر عن مؤسسة عبدالرحمن السديري اخليرية‬

‫املشرف العام‬ ‫إبراهيم احلميد‬ ‫املراسالت‬ ‫توجه باسم املشرف العام‬ ‫ّ‬

‫هاتف‪)+966( )4( 6245992 :‬‬ ‫فاكس‪)+966( )4( 6247780 :‬‬ ‫ص‪ .‬ب ‪ 458‬سكاكا‬ ‫اجلـ ــوف ‪ -‬اململكة العربية السعودية‬ ‫‪aljoubah@gmail.com‬‬ ‫‪www.aljoubah.com‬‬

‫ردمد ‪ISSN 1319 - 2566‬‬

‫سعر النسخة ‪ 8‬رياالت‬ ‫تطلب من الشركة الوطنية للتوزيع‬

‫قواعد النشر‬

‫‪ - 1‬أن تكون املادة أصيلة‪.‬‬ ‫‪ - 2‬لم يسبق نشرها‪.‬‬ ‫‪ - 3‬تراعي اجلدية واملوضوعية‪.‬‬ ‫‪ - 4‬تخضع املواد للمراجعة والتحكيم قبل نشرها‪.‬‬ ‫‪ - 5‬ترتيب املواد في العدد يخضع العتبارات فنية‪.‬‬ ‫‪ - 6‬ترحب اجلوبة بإسهامات املبدعني والباحثني والكتّاب‪،‬‬ ‫على أن تكون املادة باللغة العربية‪.‬‬ ‫اجلوبة من األسماء التي كانت تطلق على منطقة اجلوف سابق ًا‬

‫الناش ـ ـ ـ ــر‪ :‬مؤسسة عبدالرحمن السديري اخليرية‬ ‫أسسها األمير عبدالرحمن بن أحمد السديري (أمير منطقة اجلوف من ‪1362/9/5‬هـ‬ ‫ ‪1410/7/1‬هـ املوافق ‪1943/9/4‬م ‪1990/1/27 -‬م) بهدف إدارة ومتويل املكتبة العامة‬‫التي أنشأها عام ‪1383‬هـ املعروفة باسم دار اجلوف للعلوم‪ .‬وتتضمن برامج املؤسسة‬ ‫نشر الدراسات واإلبداعات األدبية‪ ،‬ودعم البحوث والرسائل العلمية‪ ،‬وإصدار مجلة‬ ‫دورية‪ ،‬وجائزة األمير عبدالرحمن السديري للتفوق العلمي‪ ،‬كما أنشأت روضة ومدارس‬ ‫الرحمانية األهلية للبنني والبنات‪ ،‬وجامع الرحمانية‪.‬‬ ‫‪2‬‬

‫اجلوبة ‪ -‬صيف ‪1430‬هـ‬


‫الـمحتويــــات‬

‫‪6.......................‬‬ ‫افتتاح جامعة امللك عبدالله‬ ‫للعلوم والتقنية (كاوست ‪)Kaust‬‬

‫‪71.....................‬‬ ‫رمزية املرأة واخلصب في أدب العجيلي‬

‫‪75.....................‬‬ ‫حوار مع الكاتب الروائي إدوار اخلراط‬

‫‪83 .....................‬‬ ‫حوار مع أول مدير تعليم مبنطقة اجلوف‬ ‫الغالف‪:‬‬ ‫ص � ��ورة ل��واج��ه��ة م �ب �ن��ى االحتفال‬ ‫بتدشني اجلامعة‬

‫االفتتاحية‪4.............................................................‬‬ ‫ملف العدد‪ :‬جامعة الملك عبدالله للعلوم والتقنية كاوست‪6.........‬‬ ‫دراسات‪ :‬رواية غالية آل سعيد (سنين مبعثرة) ‪ -‬هدى المعجل‪28...‬‬ ‫بين السيرة الشعبية والقصص الشعبية ‪ -‬يسري عبدالغني ‪36.....‬‬ ‫أضواء على تجربة الشاعر إلياس أبو شبكة ‪ -‬رامي أبو شهاب ‪44...‬‬ ‫قصص قصيرة‪ :‬المقعد الخالي ‪ -‬ابتسام التريسي ‪49..............‬‬ ‫الحالمة ‪ -‬نادية العسري ‪50.........................................‬‬ ‫سبع قصص قصيرة جدا ‪ -‬شيمة الشمري ‪51......................‬‬ ‫المجاعة ‪ -‬د‪ .‬سناء شعالن‪52.......................................‬‬ ‫قلوب شائكة ‪ -‬لولوه العتيبي ‪54.....................................‬‬ ‫قصة لألطفال‪ ..‬واحة الغزالن ‪ -‬إبراهيم شيخ ‪55..................‬‬ ‫شعر‪ :‬البرتقالة ‪ -‬د‪ .‬يوسف العارف ‪58...............................‬‬ ‫بين غبار الثلج ونعومته! ‪ -‬مالك الخالدي ‪59.......................‬‬ ‫أعطني‪ ..‬نايا أغني ‪ -‬ميسون أبو بكر ‪60............................‬‬ ‫ثنائية البحر والقفر؟! ‪ -‬سعد بن سعيد الرفاعي ‪61................‬‬ ‫تَار ِي ُخ الطمأنينة‪ - !..‬علي العسيري‪62..............................‬‬ ‫سيدةٌ تلعق وحدتها ‪ -‬د‪ .‬دعاء صابر ‪63.............................‬‬ ‫قصيدتان ‪ -‬عبدالرحيم الماسخ‪64..................................‬‬ ‫حينما يبكى النسيم ‪ -‬حمدي هاشم حسانين ‪65...................‬‬ ‫نقد‪« :‬تراتيل العدم»‪ :‬لـ‪ :‬مها حسن ‪ -‬هيثم حسين ‪66................‬‬ ‫رمزية المرأة والخصب في أدب العجيلي ‪ -‬محمد السمّوري‪71....‬‬ ‫ِسفْر (سيف بن أعطى) سيرة لم تكتمل بعد ‪ -‬فريال الحوار ‪73....‬‬ ‫مواجهات‪ :‬حوار مع الروائي إدوار الخراط ‪ -‬محمد الحمامصي‪75.‬‬ ‫حوار مع الكاتب الساخر أحمد حسن الزعبي‪ -‬محمد صوانه‪79...‬‬ ‫حوار مع أول مدير تعليم بمنطقة الجوف ‪ -‬محمود الرمحي ‪83....‬‬ ‫حوار مع الشاعر العراقي عدنان الصايغ ‪ -‬محمد نجيم ‪88........‬‬ ‫نوافذ‪ :‬ليلة العيد ‪ -‬فواز بن صالح الجعفر ‪94.......................‬‬ ‫المنفلوطي م��ن رواد ال�ت�ج��دي��د ف��ي ال�ن�ث��ر ال�ف�ن��ي ال�ح��دي��ث ‪ -‬د‪.‬‬ ‫عبدالناصر محمود عيسى‪95......................................‬‬ ‫القراءة الرقمية ‪ -‬حسام عبدالقادر ‪99..............................‬‬ ‫مقاربة حول عوالم الروائي حنا مينه ‪ -‬عمران عز الدين‪102.......‬‬ ‫قراءة في قصيدة (ال تعذليه) البن زريق البغدادي ‪ -‬نورا علي‪107.‬‬ ‫فنون‪ :‬فيصل الخديدي اإلبداع والتجميد في حكايات من زمن الحب‬ ‫والجليد ‪ -‬ليلى ايت سعيد‪110.......................................‬‬ ‫مال واقتصاد‪ :‬التورق في اإلسالم ‪ -‬د‪ .‬نضال الرمحي ‪114.........‬‬ ‫قراءات‪119...........................................................:‬‬ ‫األنشطة الثقافية بالمؤسسة ‪ -‬عماد المغربي ‪127..............‬‬

‫اجلوبة ‪ -‬صيف ‪1430‬هـ‬

‫‪3‬‬


‫كاوست ‪KAUST‬‬ ‫> إبراهيم احلميد‬ ‫لقد كان إنشاء جامعة الملك عبدالله للعلوم والتقنية (كاوست) ‪ -‬التي بدأت كبيرة‪،‬‬ ‫ككبر مؤسسها في أفعاله وأقواله ‪ -‬حلما يراود خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله‬ ‫ابن عبدالعزيز آل سعود‪ .‬حلم‪ ..‬ما بين الحلم والواقع مساحات‪ ..‬قليل من يستطيع‬ ‫ردمها‪ .‬ومن ال يحلم‪ ،‬ال يستطيع أن يبني‪ .‬وعندما يأتي الحلم من رجل حمل هموم‬ ‫أمته ووطنه طوال مسيرة حياته الحافلة بالعطاء‪ ،‬يأتي هذا الحلم على قدر هذا الرجل‬ ‫شامخا‪ ،‬قويا‪ ،‬حامال معه مشاعل النور واألمل‪.‬‬ ‫لقد كانت العزيمة قوية وصادقة لدى هذا الملك الكبير‪ ،‬ملك اإلنسانية‪ ..‬ملك العلوم‬ ‫والتقدم والجامعات‪ ،‬وعلى قدر أهل العزم تأتي العزائم‪ .‬ولذا لم يأبه ‪ -‬حفظه الله ‪ -‬لكل‬ ‫الصعوبات التي قد تواجه حلمه الكبير‪ ،‬فكانت النتائج مشرفة ومبهرة‪.‬‬ ‫إننا جميعا شهود لحظة انطالقة هذه الجامعة االستثنائية‪ ،‬ألنها لحظة تاريخية‬ ‫فاصلة في تاريخ المملكة العلمي‪ ،‬والتقني‪ ،‬والثقافي‪ .‬وإذا كانت األجيال الماضية قد‬ ‫شهدت بدايات انطالق التعليم النظامي وب��داي��ات التعليم الجامعي‪ ،‬انتهاء بانطالق‬ ‫جامعات المناطق المختلفة‪ ،‬فإننا قد شرفنا بأن نكون شهودا على المرحلة الجديدة‪،‬‬ ‫التي دشنها خادم الحرمين الشريفين‪ ،‬حفظه الله‪ ،‬بإدخال المملكة العربية السعودية إلى‬ ‫العالم المتقدم‪ ،‬العالم األول‪ ،‬الذي تكون فيه الجامعة نواة للمدينة العصرية‪ ،‬والمدينة‬ ‫المتقدمة‪ ،‬والمدينة المتكاملة‪ ،‬حيث تقوم الجامعة بدور المعزز العلمي للحياة المعاصرة‪،‬‬ ‫مكرسة للمبدأ الخير لعمارة اإلنسان لألرض‪ ،‬وما جامعة الملك عبدالله للعلوم والتقنية‬ ‫إال خير مثال على ذلك‪.‬‬ ‫إننا كمواطنين‪ ،‬ال بد لنا أن نستشعر حجم اإلنجاز العظيم‪ ،‬والنقلة العلمية الكبيرة‬ ‫التي يحققها تأسيس هذه الجامعة البحثية الكبرى وافتتاحها‪ ،‬من خالل إخراج جيل من‬ ‫الشباب القادر على التعامل مع معطيات هذه الجامعة‪ ،‬واالستجابة لرؤية خادم الحرمين‬ ‫الشريفين‪ ،‬وحلمه في استقطاب المبدعين وتخريج العلماء من هذا الوطن وجميع أنحاء‬ ‫العالم‪ ،‬تحقيقا لرؤيته اإلنسانية التي بقدر ما تحتضن أبناء وطنه‪ ..‬ال تقصر عن احتضان‬

‫‪4‬‬

‫اجلوبة ‪ -‬صيف ‪1430‬هـ‬


‫لقد وفر خادم الحرمين الشريفين لهذه الجامعة كل أسباب التفوق ‪ ،‬فمن المدينة‬ ‫الجامعية العظيمة التي بنيت من الصفر‪ ،‬إلى أحدث التقنيات الحاسوبية والكمبيوترات‬ ‫العمالقة والمعامل المتقدمة‪ ،‬حتى أصبحت مدينة متكاملة‪ ،‬تضم إلى جانب المكتبة‬ ‫وقاعات المحاضرات ومراكز األبحاث‪ ..‬ممرات المشي‪ ،‬ومسطحات الغولف‪ ،‬والمتحف‬ ‫الذي يعبر عن استعادة رسالة المسلمين في العلوم‪ ..‬بحثا عن بيت الحكمة‪ .‬وها هي‬ ‫– الجامعة – تستعيده‪ ،‬وتجده بعد أن تاه في غياهب القرون ‪ )750( -‬عاما ‪ -‬منذ أن‬ ‫اختفى بيت الحكمة البغدادي في ذلك الحين‪،‬‬

‫اف�����������ت�����������ت�����������اح�����������ي�����������ة‬

‫اإلنسانية كلها‪ .‬ولذا فقد استحق لقب ملك اإلنسانية حفظه الله‪.‬‬

‫وقد جاء حفل االفتتاح التاريخي‪ ،‬الذي رعاه خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله‬ ‫ابن عبدالعزيز‪ ،‬خير دليل على استعادة هذه الحكمة التي جمعت زعماء العالم‪ ،‬ليكونوا‬ ‫شهودا على انطالقة هذه المرحلة التاريخية الجديدة في بالدنا‪.‬‬ ‫لقد عزز إنشاء هذه الجامعة الكبيرة ‪ -‬بناء على حلم القائد الذي رافقه طوال خمس‬ ‫وعشرين عاما ‪ -‬االنطباع الذي يحمله كل أبناء هذا البلد‪ ،‬عن قائد المسيرة‪ ،‬بعد أن‬ ‫أنشأ جامعة في كل منطقة لم يكن بها جامعة‪ ،‬وتعزيز المناطق المكتظة بالمزيد من‬ ‫الجامعات‪ ،‬من أنه ملك يشغله هم أبنائه ومستقبلهم‪ ،‬وأن مستقبل الوطن بخير‪ ..‬ما دام‬ ‫هو من يخطط له‪ .‬وها هي بواكير المستقبل األتي‪ ..‬بدأت في التشكل على األرض‪..‬‬ ‫وأصبحت حقيقة وواقعا‪ ،‬تمثله هذه الجامعة التي بدأت كبيرة‪ .‬ونرجو من الله جل وعال‬ ‫أن تزداد سموا‪ ،‬وإنجازات‪ ،‬تسابق بها العالم‪ .‬وعليه‪ ،‬فإن لقبا جديدا يستحقه خادم‬ ‫الحرمين الشريفين أو ألقابا أخرى ستشرف به‪ ،‬وبتاريخه‪ ،‬عن كل جدارة‪ ،‬ومنها ملك‬ ‫العلوم‪ ،‬وملك الجامعات‪ ،‬وملك التقدم‪ ،‬إلى جانب ملك اإلنسانية التي ازدادت به شرفا‪.‬‬ ‫إن مجلة الجوبة ‪ -‬وهي تخصص ملفا متواضعا عن الجامعة ‪ -‬لتدرك أهمية اللحظة‬ ‫التاريخية التي نعيشها في بالدنا‪ ،‬بعد افتتاح هذه الجامعة؛ ولذا‪ ،‬فقد حرصت الجوبة‬ ‫على توثيقها‪ ،‬وتعريف قرائها ببعض تفاصيلها التي قد ال تغيب عن الكثير‪ ،‬ولكنه تكريس‬ ‫ألهمية هذه الحدث‪ ،‬واستنهاض لهمم الطالب والعلماء والباحثين للحاق بركب جامعة‬ ‫الملك عبدالله للعلوم والتقنية «كاوست»‪ ،‬وال نبالغ إننا قد نرى من يؤرخ للمملكة بمرحلة‬ ‫ما قبل (كاوست) وما بعدها‪ ،‬ومن هذا المنطلق جاء حرصها على إش��راك عدد من‬ ‫أساتذة الجامعات في هذا الملف للتعبير عن آرائهم وفرحتهم بكاوست ووالدتها‪.‬‬

‫اجلوبة ‪ -‬صيف ‪1430‬هـ‬

‫‪5‬‬


‫جامعة امللك عبدالله‬ ‫للعلوم والتقنية‬ ‫كاوست‬

‫بوابة التقدم للمملكة العربية السعودية‬

‫> كتب احملرر الثقافي‬

‫افتتح خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز‪،‬‬ ‫بحضور عدد من قادة الدول العربية واإلسالمية والصديقة جامعة‬ ‫الملك عبدالله للعلوم والتقنية في ثول‪ ،‬وذلك يوم األربعاء ‪-10-4‬‬ ‫‪1430‬ه�ـ الموافق ‪2009-9-23‬م‪ ،‬وقد بدأ حفل التدشين الكبير‬ ‫بمشاهدة خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز‬ ‫وضيوفه ‪ -‬رؤساء الدول ‪ -‬مجسماً للجامعة‪ ،‬واستمعوا إلى شرح‬ ‫م��ن وزي��ر ال�ب�ت��رول وال �ث��روة المعدنية رئ�ي��س مجلس األم �ن��اء عن‬ ‫منشآت الجامعة‪ ،‬كما قام حفظه الله وضيوفه بجولة في المعرض‬ ‫الذي أقيم بهذه المناسبة‪ ،‬وقد شاهد خادم الحرمين الشريفين‬ ‫والحضور فيلماً قصيراً عن الجامعة وفكرتها‪.‬‬ ‫وأوض��ح رئيس الجامعة البروفيسور تشون فونج شيه(‪ ،)1‬أن‬ ‫جامعة الملك عبدالله للعلوم والتقنية تهدف إلى اكتشاف المعرفة‬ ‫وتبادلها وتطبيقها‪ ،‬وه��ي تجمع العلماء ال��رواد والواعدين من‬ ‫جميع أنحاء العالم‪ ،‬لمتابعة تحصيلهم العلمي‪ ،‬ليكونوا في مقدمة‬ ‫صفوف الباحثين والمخترعين والمبتكرين‪ ،‬والذين ستساعد‬ ‫إنجازاتهم العلمية المنتظرة في رفع مستوى حياة الناس والتصدي‬ ‫للتحديات الكبيرة التي تواجه البشرية‪.‬‬

‫‪6‬‬

‫اجلوبة ‪ -‬صيف ‪1430‬هـ‬


‫م������������ل������������ف ال������������ع������������دد‬

‫خادم الحرمين الشريفين مع رؤساء الدول أثناء حفل‬ ‫االفتتاح‬

‫خادم الحرمين في صورة تذكارية مع منسوبي االحتفال‬ ‫بجامعة الملك عبدالله للعلوم‬

‫واستطرد ق��ائ�لا‪« :‬لقد اجتمعنا على شاطئ‬ ‫ال �ب �ح��ر األح��م��ر ‪ -‬ه �ن��ا ‪ -‬ع �ن��د م�ل�ت�ق��ى الشرق‬ ‫والغرب‪ ..‬ملتقى القديم والجديد‪ ،‬ملتقى التحديات‬ ‫والفرص‪ ،‬لنشهد والدة أحدث جامعة في العالم‪،‬‬ ‫لقد جئنا من جميع أنحاء العالم‪ ..‬من المؤسسات‬ ‫وتابع قائال‪« :‬وفي أكثر من مناسبة سمعنا من‬ ‫األكاديمية والصناعية‪ ..‬من أروقة السلطة وقطاع خادم الحرمين الشريفين حديثه عن هذه الجامعة‪،‬‬ ‫األعمال ومختبرات العلوم‪ ..‬من مختلف مناحي بوصفها بيتا جديدا للحكمة‪ ،‬وهدية منه إلى شعب‬ ‫الحياة‪ ..‬توحّ دنا تطلعاتنا المشتركة»‪.‬‬ ‫المملكة وشعوب العالم»‪.‬‬ ‫وأض���اف «ل �ق��د اش �ت��رك ك�ث�ي��رون ع�ب��ر فترات‬ ‫مؤكداً ثقته بأنه سيأتي اليوم ال��ذي نرى فيه‬ ‫زمنية طويلة‪ ،‬وبذلوا جهودا شاقة‪ ،‬ووهبوا قلوبهم‪ ،‬الجامعة راسخة في هذا المركز الحيوي‪ ،‬بينما‬ ‫وأفرغوا طاقاتهم‪ ،‬إلنشاء جامعة غير عادية‪ ..‬في يجري االعتراف بدورها المحفز للنمو االقتصادي‬ ‫زمن غير عادي‪ .‬ويشرفني أنني أسهمت مع جمع للمملكة على نطاق واسع في الداخل والخارج‪ ،‬كما‬ ‫غفير من الناس المتفانين المخلصين لنصل إلى ن��رى أفضل الخريجين من أب��رز جامعات العالم‬ ‫هذا اليوم المشهود»‪.‬‬ ‫يختارون متابعة اهتماماتهم العلمية فيها‪ .‬وأفاد‬

‫أنحاء العالم المعروف آنذاك‪ ،‬فأسهموا في تقدم‬ ‫المعرفة في مجاالت عديدة مثل‪ :‬الرياضيات‪،‬‬ ‫والطب‪ ،‬وعلم الفلك‪ ،‬وطبقوا اكتشافاتهم لتحسين‬ ‫حياة الناس القريب منهم والبعيد‪.‬‬

‫وأش�� � � � � � � � ��ار‬ ‫ت � �ش� ��ون فونج‬ ‫ش� �ي ��ه إل� � ��ى أن‬ ‫«دار الحكمة»‬ ‫ك���ان���ت مركزا‬ ‫عظيما للتعلم‪،‬‬ ‫وم � �س � �ت� ��ودع� ��ا‬ ‫ل � �ل � �م � �ع� ��ارف‪..‬‬ ‫اجتذب العلماء‬ ‫م� � � � ��ن ج� �م� �ي���ع‬

‫مجلس أمناء الجامعة‬

‫اجلوبة ‪ -‬صيف ‪1430‬هـ‬

‫‪7‬‬


‫ب��أن الجامعة أصبحت م��رك��زا ذا شهرة عالمية‬

‫م��ن ج��ان�ب��ه‪ ،‬ق��ال المهندس علي ب��ن إبراهيم‬ ‫النعيمي وزي��ر البترول وال �ث��روة المعدنية رئيس‬ ‫األمناء‪« ،‬اليوم هو يوم المملكة الوطني‪ ،‬وفي ظل‬ ‫معاني ه��ذا اليوم المجيد‪ ،‬يسجل التاريخ بادرة‬ ‫سعودية جديدة‪،‬ستذكرها األجيال القادمة بكثير‬ ‫م��ن العرفان واالم�ت�ن��ان والشكر لصاحب الرؤية‬ ‫الرائدة في بناء هذا الصرح العلمي الحديث»‪.‬‬

‫خادم الحرمين الشريفين ـ حفظه الله ـ‬ ‫ويبدو معه رئيس الجامعة البروفيسور تشون فونج شيه‬

‫الحرم الجامعي الرئيسي‬ ‫في جامعة الملك عبد الله من مدارج البحر‬

‫للعلوم والتقنية واالبتكار والمشاريع‪ ،‬وتقف كتفا‬

‫إلى كتف مع شركائها من الجامعات ومؤسسات‬ ‫الصناعة في جميع أنحاء العالم‪ ،‬سعيا وراء إيجاد‬ ‫أحدث الحلول والتحديات العلمية الرئيسة‪.‬‬

‫وتوقع لهذه الجامعة أن تحقق بعد جيل واحد‬

‫فقط من اآلن حلم خادم الحرمين الشريفين‪ ،‬بأن‬ ‫وأض� ��اف ق��ائ�ل�ا‪« :‬ف ��ي ه ��ذا ال �ي��وم المشهود‬ ‫تكون ملتقى للعلوم والبحوث‪ ،‬ومنارة من منارات يجتمع العالم يا خادم الحرمين الشريفين ممثال‬ ‫المعرفة لألجيال القادمة‪ ،‬متمنيا لها دوام النمو بقادته وعلمائه وموهوبيه‪ ،‬ليشاركوكم تحقيق حلم‬ ‫واالزدهار‪ ،‬وأن تبقى هبة نابضة بالحياة من أجل انطالقة جامعة الملك عبدالله إلى آفاقها العالمية‬ ‫ال��واس �ع��ة‪ ..‬ولعلني ف��ي ه��ذا ال�م��وق��ف التاريخي‬ ‫أجيال العالم القادمة‪.‬‬

‫‪8‬‬

‫اجلوبة ‪ -‬صيف ‪1430‬هـ‬


‫م������������ل������������ف ال������������ع������������دد‬ ‫الكبير‪ ،‬أستطيع أن أعبر لكم عن مدى ما أشعر الدراسي التالي‪.‬‬ ‫به من السرور واالغتباط‪،‬الكتمال مرحلة تأسيس‬ ‫وش��دد النعيمي على أن الجامعة ب��دأت في‬ ‫هذه الجامعة»‪.‬‬ ‫تحقيق الجانب الثاني من رؤي��ة خ��ادم الحرمين‬

‫وتابع قائال‪« :‬ال أبالغ إطالقا إذا قلت إن مشروع‬ ‫هذه الجامعة هو أهم وأجمل المشاريع التي شاركت‬ ‫في بنائها ط��وال سنوات عملي؛ وبالنسبة لجميع‬ ‫أعضاء مجلس األمناء‪ ،‬وجميع أعضاء فريق العمل‪،‬‬ ‫كان هذا المشروع (الحلم) يتشكل ليصبح حقيقة‬ ‫يوما بعد ي��وم‪ ..‬على م��دى س�ن��وات ث�لاث‪ ،‬افتتح‬ ‫أعمالها ونشاطاتها بحماس كبير‪ ،‬وهمة عالية‪،‬‬ ‫أعضاء فريق العمل المكلف من «أرامكو السعودية»‪،‬‬ ‫الذين استثمروا مواهبهم وقدراتهم‪ ،‬وبذلوا جهداً‬ ‫ول �ف��ت النعيمي األن �ظ��ار إل��ى أن الكثير من‬ ‫وحماسة كبيرين أثناء فترات التأسيس‪ ،‬ليتحقق‬ ‫األبحاث التي ستجريها الجامعة‪ ،‬سيستفيد منها‬ ‫وعدهم لكم ب��أن ت��رى ه��ذه الجامعة النور خالل‬ ‫ق�ط��اع الصناعة واالس�ت�ث�م��ار ال�س�ع��ودي‪ ،‬بوصفه‬ ‫سنتين من بدء أعمال إنشائها»‪.‬‬ ‫المؤثر األكبر في العملية التنموية‪ ،‬مشيرا في‬ ‫وأف��اد النعيمي أن ع��دد ال��ذي��ن ت��م اختيارهم‬ ‫الوقت ذاته إلى أن من بين برامج الجامعة البحثية‬ ‫لاللتحاق بالجامعة بلغ نحو (‪ )800‬باحث ودارس‪،‬‬ ‫التعاون مع الشركات الصناعية الوطنية والعالمية‪،‬‬ ‫تم اختيارهم من بين ما يزيد على سبعة آالف‬ ‫ما يهدف إل��ى تحويل االكتشافات البحثية على‬ ‫متقدم‪ ،‬حيث بدأ (‪ )400‬طالب الدراسة فعليا قبل‬ ‫تطبيقات عملية لصالح الشعب السعودي‪.‬‬ ‫ثالثة أسابيع‪ ،‬فيما سيلتحق اآلخرون في الفصل‬ ‫وفي السياق ذاته‪ ،‬قال الدكتور خالد بن محمد‬ ‫ال�ش��ري�ف�ي��ن ل �ه��ا‪ ،‬ال� ��ذي ي�ت�م�ث��ل ف��ي ت �ق��دي��م بيت‬ ‫الحكمة الجديد على األراض ��ي ال�س�ع��ودي��ة‪ ،‬من‬ ‫خالل استخدام أفضل ما يملكه العالم‪ ،‬ليسخر‬ ‫في تنمية الواقع اإلنساني‪ ،‬منوها برؤية جاللته‬ ‫التي تبلورت من خالل تسخير وسائل العلم‪ ،‬لرفع‬ ‫وتيرة االستثمار االقتصادي في المملكة‪ ،‬إذ ينتظر‬ ‫أن تقود هذه الجامعة العديد من جوانب التنمية‬ ‫االقتصادية فيها‪.‬‬

‫اجلوبة ‪ -‬صيف ‪1430‬هـ‬

‫‪9‬‬


‫مرحليا بناء على احتياجات شعب شغوف بالتطور‬ ‫وال�ت�ق��دم‪ ،‬حتى أصبح لدينا اآلن أرب��ع وعشرون‬ ‫جامعة حكومية‪ ،‬وت�س��ع جامعات أهلية‪ ،‬تنتشر‬ ‫كلياتها ومعاهدها في ربوع المملكة كافة»‪.‬‬

‫كلمة خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله‬ ‫بن عبدالعزيز آل سعود في حفل االفتتاح‬ ‫أصحاب الجاللة والفخامة والسمو‬ ‫العنقري وزير التعليم العالي‪« ،‬إنه لشرف عظيم أيها الحضور الكرام‬

‫أن أك��ون متحدثا بين يدي الصفوة المتميزة من‬ ‫رؤس��اء وملوك ال��دول في عالمنا الرحب‪ ،‬الذين‬ ‫آثروا الحضور رغم مهامهم الجسام‪ ،‬تقديرا منهم‬ ‫للعلم وأهله‪ ،‬ودعما لمؤسساته ومخرجاته‪ ،‬وإيمانا‬ ‫بدوره في إسعاد البشرية»‪.‬‬ ‫وأضاف العنقري قائال‪« :‬إن الطموح في تلك‬ ‫الحقبة المبكرة‪ ،‬كان بحجم حلم قادتنا األكابر‪،‬‬ ‫ال��ذي��ن رف�ع��وا م�ن��ارة التعليم‪ ،‬منطلقين م��ن رؤية‬ ‫مؤسسة الملك عبدالعزيز الذي أمر ‪ -‬رحمه الله‬ ‫ بإنشاء مديرية للمعارف عام ‪1344‬هـ ‪1929‬م‪،‬‬‫فكانت ال�ن��واة األول��ى التي انطلقت منها مسيرة‬ ‫التعليم ف��ي المملكة بخطاها ال��واث�ق��ة‪ ،‬واستمر‬ ‫ال�ت�ط��ور ف��ي مسيرة التعليم‪ ،‬وتشكلت خطواته‬

‫‪10‬‬

‫اجلوبة ‪ -‬صيف ‪1430‬هـ‬

‫لقد كانت فكرة هذه الجامعة حلما يراودني منذ‬ ‫أكثر من (‪ )25‬عاما‪ ،‬وكانت هاجسا ملحا عشت‬ ‫معه ط��وي�لا‪ ،‬وإن��ي أحمد الله سبحانه أن مكننا‬ ‫من تجسيدها واقعا‪ ،‬نراه اليوم شامخا بحول الله‬ ‫وقوته على تراب أرضنا باسم الشعب السعودي‪،‬‬ ‫وهنا أع��رب لكم ع��ن شكرنا العميق لحضوركم‬ ‫ومشاركتنا احتفال مولد هذا الحلم‪.‬‬

‫إخواني‪ ..‬أيها الحضور الكرام‬ ‫لقد كان للحضارة اإلسالمية في تاريخها دور‬ ‫عظيم في خدمة الحضارة اإلنسانية بعد الله جل‬ ‫جالله‪ ،‬وقد أسهم علماء المسلمين في مجاالت‬ ‫كثيرة؛ ففي الطب كان ال��دور البن النفيس‪ ،‬وفي‬


‫م������������ل������������ف ال������������ع������������دد‬

‫الكيمياء كان لجابر ابن حيان تأثيره الفارق في‬ ‫مسيرته‪ ،‬وفي الجبر كان للخوارزمي دور فاعل‪،‬‬ ‫أما في علم االجتماع فقد كان البن خلدون تأثيره‬ ‫العظيم فيه؛ لذلك فإن الجامعة التي نحتفل بها‬ ‫ال ت�ب��دأ م��ن ال�ص�ف��ر‪ ،‬فهي اس�ت�م��رار لما تميزت‬ ‫ب��ه حضارتنا على م��ر ال�ع�ص��ور‪ ،‬وك��ان سببا في‬ ‫ازدهارها‪ ..‬وهذا هو المعنى األول للجامعة‪.‬‬

‫أيها الحضور الكرام‬ ‫لقد ارتبطت القوة عبر التاريخ بعد الله بالعلم‪،‬‬ ‫واألم��ة اإلسالمية تعلم أنها لن تبلغ ذل��ك إال إذا‬ ‫اعتمدت بعد الله على العلم‪ ،‬فالعلم واإليمان ال‬ ‫يمكن أن يكونا خصيمين إال في النفوس المريضة‪،‬‬ ‫ولقد أكرمنا الله بعقولنا‪،‬كي نعرف سنة الله في‬ ‫خلقه‪ ،‬وهو القائل جل وع�لا‪{ :‬إنما يخشى الل َه‬ ‫م��ن ع �ب��اده ال �ع �ل �م��اءُ}‪ ،‬وه ��ذا ه��و المعنى الثاني‬ ‫للجامعة‪ .‬لقد تعرضت اإلنسانية لهجوم عنيف من‬ ‫المتطرفين الذين يرفعون لغة الكراهية‪ ،‬ويخشون‬

‫الفرار‪ ،‬ويسعون للهدم‪ ،‬وال يمكن أن نواجههم إال‬ ‫إذا قمنا بالتعايش محل ال �ن��زاع‪ ،‬والمحبة محل‬ ‫األح�ق��اد‪ ،‬والصداقة محل ال�ص��دام‪ ،‬وال شك أن‬ ‫المراكز العلمية التي تحتضن الجميع في الخط‬ ‫األول للدفاع ضد هؤالء المتطرفين‪.‬‬ ‫واليوم هذه الجامعة تنضم إلى زميالتها في‬ ‫كل مكان من العالم دارا للحكمة ومنارة للتسامح‪،‬‬ ‫وهذا هو المعنى الثالث للجامعة‪ .‬وأخيرا‪ ..‬أشكر‬ ‫شركة أرامكو السعودية التي أشرفت على تأسيس‬ ‫هذه الجامعة خالل فترة وجيزة‪ ،‬وأتمنى لمنسوبي‬ ‫الجامعة التوفيق والسداد‪ .‬والسالم عليكم ورحمة‬ ‫الله وبركاته‪.‬‬

‫اجلوبة ‪ -‬صيف ‪1430‬هـ ‪11‬‬


‫أضواء على الجامعة‬ ‫علماء بيت الحكمة ف��ي م �ج��االت الرياضيات‬ ‫رؤية خادم الحرمين الشريفين‬ ‫بيت الحكمة‪ ..‬رغ�ب��ة منه ف��ي إح�ي��اء ونشر والعلوم والطب والمالحة والزراعة وعلم الفلك‪،‬‬ ‫فضيلة ال�ع�ل��م العظيمة ال�س��ام�ي��ة ال �ت��ي ميزت إسهامات مهمة للحضارة الغربية‪.‬‬ ‫وحينما غ��زا ال�م�غ��ول ب �غ��داد ع��ام ‪ 1258‬م‪،‬‬ ‫العالمين العربي واإلسالمي في العصور األولى‪،‬‬ ‫فقد أنشأها حفظه الله لتكون بيتًا جديدًا للحكمة دم��روا بيت الحكمة‪ ،‬وجميع المكتبات األخرى‬ ‫في المدينة‪ .‬ويقال إن مياه نهر دجلة صبغها‬ ‫على شواطئ البحر األحمر‪.‬‬ ‫فقد كان بيت الحكمة ال��ذي أسسه الخليفة السواد ستة أشهر من حبر الكتب التي طرحت‬ ‫المأمون مع وال��ده ه��ارون الرشيد عام ‪ 830‬م‪ ،‬في النهر‪.‬‬ ‫بمثابة مكتبة ومركز بحوث وديوان ترجمة‪ ،‬خالل‬ ‫الفترة من القرن التاسع إلى القرن الثالث عشر‪،‬‬ ‫في بغداد‪ ،‬وكان يضم مخطوطات القدماء‪ ،‬ومنها‬ ‫مخطوطات أصلية باللغات الفارسية‪ ،‬واليونانية‪،‬‬ ‫والسنسكريتية‪ ،‬التي جُ معت وتُرجمت إلى اللغة‬ ‫العربية‪ .‬وق��د قدمت ه��ذه النصوص وانجازات‬

‫وال�ي��وم ‪ -‬وبعد م��رور (‪ )750‬عامًا ‪ -‬يرتفع‬ ‫«بيت جديد للحكمة» في الصحراء العربية‪ .‬وكما‬ ‫أك��د حفظه الله خ�لال الكلمة التي ألقاها في‬ ‫حفل وضع حجر األساس‪« ،‬ستكون جامعة الملك‬ ‫عبدالله منارة للسالم واألمل والوفاق‪ ،‬وستعمل‬ ‫لخدمة شعب المملكة ولنفع جميع شعوب العالم‪،‬‬ ‫ال بقول الله تعالى في كتابه العزيز (يَا أَ ّيُهَا‬ ‫عم ً‬ ‫ّاس ِإنَّا خَ ل َ ْقنَا ُك ْم مِ ْن َذك ٍَر َوأُنْثَى وَجَ َعلْنَا ُك ْم شُ عُوبًا‬ ‫النَ ُ‬ ‫َو َقبَا ِئ َل ِلتَعَا َرفُوا)‪.‬‬

‫‪ 45‬ألف عامل إلنجاز الجامعة‬ ‫ذكرت مجلة القافلة‪ :‬أوكلت إلى شركة هيلموث‪،‬‬ ‫أوباتا آند كاسابوم (‪ ،)HOK‬وهي إحدى كبريات‬ ‫ال�ش��رك��ات المعمارية‪ ،‬مهمة التخطيط للحرم‬ ‫الجامعي‪ ،‬وعهد بتنفيذ األع�م��ال الرئيسة إلى‬ ‫اثنتين من أكبر شركات الهندسة والمقاوالت في‬ ‫المملكة‪ ،‬وهما «سعودي أوجيه»‪ ،‬و«مجموعة بن‬ ‫الدن»‪ .‬وتم تقسيم المشروع إلى ثالثة أقسام هي‬ ‫الحرم الجامعي‪ ،‬واألحياء السكنية‪ ،‬والخدمات‬ ‫والبنى التحتية‪.‬‬ ‫مباني مختبر األبحاث الجنوبي وقت الغروب‬

‫‪12‬‬

‫اجلوبة ‪ -‬صيف ‪1430‬هـ‬

‫وقد وصل عدد عمال المشروع في وقت من‬


‫مجاالت التدريس في الجامعة‬ ‫وتتمثل في العلوم اآلتية‪:‬‬ ‫‪ -1‬الرياضيات التطبيقية‪.‬‬ ‫‪ -2‬العلوم البيولوجية‪.‬‬ ‫‪ -3‬الهندسة الكيميائية والبيولوجية‪.‬‬ ‫‪ -4‬العلوم الكيميائية‪.‬‬ ‫‪ -5‬علوم الكمبيوتر‪.‬‬ ‫‪ -6‬علوم وهندسة األرض‪.‬‬ ‫‪ -7‬الهندسة الكهربائية‪.‬‬ ‫‪ -8‬العلوم والهندسة البيئية‪.‬‬ ‫‪ -9‬العلوم والهندسة البحرية‪.‬‬ ‫‪ -10‬علوم وهندسة المواد‪.‬‬ ‫‪ -11‬الهندسة الميكانيكية‪.‬‬

‫• الحفر الكيميائي‪.‬‬ ‫• العلوم الحيوية الحاسوبية‪.‬‬ ‫• النمذجة الهندسية والتصوير العلمي‪.‬‬ ‫• األغشية‪.‬‬ ‫• جينيومات اإلجهاد في النبات‪.‬‬

‫م������������ل������������ف ال������������ع������������دد‬

‫األوقات إلى (‪ )45‬ألف عامل‪ ،‬يعملون في فترتين سبتمبر بوجود تسعة مراكز أبحاث في الجامعة‬ ‫نهارية وليلية‪ ،‬إلنجاز المشروع في وقته المحدَّ د‪ .‬تشكِّل الوحدات األساسية لألبحاث فيها‪.‬‬ ‫وقد تطلَّب العمل استخدام (‪ )380‬رافعة ضخمة‬ ‫وينصبُّ االهتمام في مراكز األبحاث األولى‬ ‫وثمانية آالف معدة وشاحنة ثقيلة‪.‬‬ ‫على المجاالت التالية‪:‬‬

‫وكل مقررات التدريس باللغة‬ ‫اإلنجليزية‪.‬‬

‫مراكز األبحاث‬ ‫ي��وج��د ح��ال�ي�اً تسعة مراكز‪،‬‬ ‫من المقرر أن تصل إلى عشرين‬ ‫مركزا عام ‪2020‬م‪.‬‬ ‫وال تتضح ن��وع�ي��ة الدراسة‬ ‫في جامعة الملك عبدالله‪ ،‬إال‬ ‫من خالل إطاللة سريعة على ما‬ ‫توفِّره الجامعة للباحثين والطلبة‬ ‫في رحابها من مختبرات ومراكز‬ ‫أب� �ح ��اث‪ ،‬ت��دغ��دغ أح �ل�ام أشد‬ ‫الباحثين طموحاً‪ .‬وقد انطلقت‬ ‫ال � ��دراس � ��ة ف���ي ال� �خ ��ام ��س من‬

‫بروجكتر النجمة في أحد مختبرات األبحاث‪.‬‬

‫اجلوبة ‪ -‬صيف ‪1430‬هـ ‪13‬‬


‫• الطاقة الشمسية والطاقة البديلة‪.‬‬ ‫• علوم وهندسة البحر األحمر‪.‬‬ ‫• مركز أبحاث كيمياء النانو‪.‬‬ ‫• االحتراق النظيف‪.‬‬ ‫• المواد المركَّبة والمتناهية الصغر‪.‬‬ ‫• االستشعار األرضي وتحت سطح األرض‪.‬‬

‫• تحلية المياه وإعادة استخدامها‪.‬‬ ‫• تكنولوجيا ألترا هرتز‪.‬‬ ‫ويضم مركز األبحاث النمطي ما بين (‪ 8‬و‪)10‬‬ ‫أعضاء من هيئة التدريس والطالب والباحثين‬ ‫الزائرين والموظفين اإلداريين والفنيين‪ .‬وتلقى‬ ‫ه��ذه المراكز الدعم ال�لازم في مرافق عديدة‬ ‫خاصة بكل مركز ومجموعة مختبرات مركزية‬ ‫تدعم هيئته‪.‬‬ ‫وتعمل الجامعة على تطوير وتقوية وتنويع‬ ‫قدراتها البحثية ف��ي حرمها الجامعي‪ ،‬بحيث‬ ‫ت�ك��ون وثيقة الصلة بكل م��ن مجتمع األبحاث‬ ‫العالمي وبرامجها التعليمية للدراسات العليا‪.‬‬ ‫ودع � ًم��ا لخطة أب �ح��اث الجامعة وتوجيهها‪،‬‬ ‫حددت الجامعة أربعة محاور أبحاث إستراتيجية‬ ‫أس��اس �ي��ة‪ ،‬وع ��دة م��راك��ز أب �ح��اث ت�ض��م مختلف‬ ‫ال �ت �خ �ص �ص��ات‪ ،‬ت �ط �ب��ق ال �ع �ل��م وال �ت �ق �ن �ي��ة على‬ ‫ال�م�ش�ك�لات ال �ت��ي ت�ت�ص��ل ب��اح�ت�ي��اج��ات البشر‪،‬‬ ‫والتقدم االجتماعي والتنمية االقتصادية‪.‬‬ ‫وتتمثل محاور األبحاث في‪:‬‬ ‫• الموارد‪ ،‬والطاقة والبيئة‪.‬‬

‫‪14‬‬

‫اجلوبة ‪ -‬صيف ‪1430‬هـ‬


‫• علم وهندسة المواد‪.‬‬ ‫• العلوم الحيوية والهندسة الحيوية‪.‬‬ ‫• الرياضيات التطبيقية والعلوم الحاسوبية‪.‬‬ ‫وقد اختارت الجامعة محاور ومراكز األبحاث‬ ‫هذه‪..‬ألهميتها في تقدم المعارف األساسية في‬ ‫العلوم والهندسة؛ وصلتها بالصناعات القائمة‬ ‫ف��ي المملكة؛ وتطوير الصناعات المستقبلية‬ ‫القائمة على ال�م�ع��رف��ة؛ واح�ت�ي��اج��ات المملكة‬ ‫االج�ت�م��اع�ي��ة واالق �ت �ص��ادي��ة؛ وأث��ره��ا اإلقليمي‬ ‫والدولي المحتمل‪.‬‬

‫مراكز األبحاث‬ ‫• مركز أبحاث األغشية‪.‬‬ ‫• مركز أبحاث الحفز الكيميائي‪.‬‬ ‫• مركز أبحاث االحتراق النظيف‪.‬‬ ‫• مركز أبحاث الطاقة الشمسية والطاقة البديلة‬ ‫للعلوم والهندسة‪.‬‬ ‫• مركز أبحاث تحلية المياه‪.‬‬ ‫• مركز اب�ح��اث النمذجة الهندسية والتصوير‬ ‫العلمي‪.‬‬ ‫• مركز أبحاث العلوم الحيوية الحاسوبية‪.‬‬ ‫• مركز أبحاث جينوميات اإلجهاد في النبات‪.‬‬ ‫• مركز أبحاث علوم وهندسة البحر األحمر‪.‬‬

‫في مركز أبحاث الخوارزمي‬ ‫المتخصص في علوم الرياضيات‬ ‫التطبيقية المتقدِّمة داخل مقر‬ ‫الجامعة‪ ،‬نجد ج��وه��رة التقنية‬ ‫ال� �ك� �ب ��رى‪ ،‬ل �ي��س ع �ل��ى مستوى‬ ‫الجامعة فقط‪ ،‬بل على مستوى‬ ‫ال �ع��الَ � ْم ب��أس��ره‪ ،‬إن��ه الكمبيوتر‬ ‫العمالق «شاهين»‪ .‬سادس أقوى‬ ‫كمبيوتر في العالم‪ ،‬وق��د نقلته‬ ‫طائرتان إلى جدة‪.‬‬

‫م������������ل������������ف ال������������ع������������دد‬

‫الكمبيوتر العمالق‬

‫وق���د ت �ط �لَّ��ب ح �ص��ول ال �ج��ام �ع��ة ع �ل��ى هذا‬ ‫ال�ك�م�ب�ي��وت��ر ‪ -‬ال���ذي ال م�ث�ي��ل ل��ه إال ف��ي دول‬ ‫خ�م��س ‪ -‬م �ف��اوض��ات ط��وي�ل��ة ت �ج��اوزت األشهر‬ ‫الستة مع وزارة التجارة األمريكية وشركة «آي‪.‬‬ ‫ب��ي‪ .‬أم»‪ ،‬وف��ق ما ذك��ر كبير مسئولي معلومات‬ ‫التقنية المكلَّف في الجامعة المهندس ماجد‬ ‫الغسالن‪ ،‬مشيراً إلى أن تقدير العالَ ْم للجهود‬ ‫التي يبذلها خادم الحرمين الشريفين في نشر‬ ‫العلم والمعرفة‪ ،‬أسهمت في تذليل عقبات كثيرة‪،‬‬ ‫وإج��راءات طويلة األم��د‪ ،‬واجهتها الجامعة من‬ ‫أجل امتالك هذا الكمبيوتر العمالق‪.‬‬

‫كمبيوتر شاهين‬

‫اجلوبة ‪ -‬صيف ‪1430‬هـ ‪15‬‬


‫مركز القرنية‬ ‫ي�ق��ول ال�م�ه�ن��دس ال�غ�س�لان إن ه��ذا المركز‬ ‫يضم مختبر المحاكاة البصرية ثالثية األبعاد‪،‬‬ ‫وهي تقنية تدمج العالم االفتراضي بالتجارب‬ ‫ال�ب�ح�ث�ي��ة‪ .‬ول�ت�ن�ف�ي��ذ ه ��ذا ال�م�خ�ت�ب��ر‪ ،‬استعانت‬ ‫الجامعة بشركات عالمية في صناعة المرئيات‬ ‫والصوتيات المتطوِّرة‪ ،‬لتمكين العلماء والباحثين‬ ‫من إجراء تجاربهم الحسابية والعملية بتصوير‬ ‫مشاهد حية للجزيئات‪ ،‬كما أنها تمكن جمهور‬ ‫الباحثين م��ن رؤي ��ة م��ا ي�ج��ري��ه ب��اح�ث��ون وطلبة‬ ‫من أبحاث‪..‬على غ��رار تجارب انقسام الخلية‬ ‫الواحدة على سبيل المثال‪.‬‬

‫الوراثية والنانو إلكترون والعلوم الحيوية‪ .‬وكل‬ ‫ما تبثه الشاشات من أفالم تصويرية وسمعيات‬ ‫يتم تسجيله تلقائياً ليبث مباشرة أو الحقاً إلى‬ ‫(‪ )40‬مركزاً ومعهداً بحثياً حول العالم‪ ،‬ترتبط‬ ‫بها مراكز الجامعة حالياً‪.‬‬

‫زراع���ة القمح ف��ي المياه المالحة مثال‬ ‫ألبحاث الجامعة‬ ‫ض �م��ن ك��وك �ب��ة ال �ع �ل �م��اء وال �ب��اح �ث �ي��ن الذين‬ ‫يحتضنهم مركز األبحاث الجينومية في الجامعة‪،‬‬ ‫يبرز اس��م البروفيسور نيكوالس ب��ول هاربرد‪،‬‬ ‫الساعي إلى تطوير حلول تقنية وبيئية تساعد‬ ‫المحاصيل الزراعية على تحمل ظروف القحط‬ ‫والملوحة‪ .‬األمر الذي يعزز األمن الغذائي في‬ ‫المملكة والعالم‪ ،‬وي��وسِّ ��ع المساحات الزراعية‬ ‫في األراضي غير المنتجة في الوقت الحاضر‪،‬‬ ‫ويخفِّف الضغط على استخدام المياه العذبة‪.‬‬

‫ويضم مختبر القرنية أرب��ع ص��االت عرض‪،‬‬ ‫أكبرها مزوَّدة بشاشة عرض رئيسة تصل دقتها‬ ‫إلى (‪ )32‬مليون بكسل‪ ،‬وهي مخصصة لعرض‬ ‫األب��ح��اث ع�ل��ى ع ��دد ك�ب�ي��ر ن�س�ب�ي�اً م��ن جمهور‬ ‫الباحثين والعلماء‪ .‬في حين أن القاعات األخرى‪،‬‬ ‫ِّ‬ ‫األصغر حجماً‪ ،‬مُعدَّ ة لكي‬ ‫يحضر الطالب فيها التنمية االقتصادية‬ ‫مشاريعهم البحثية ق�ب��ل ع��رض�ه��ا ف��ي القاعة‬ ‫سوف تعمل جامعة الملك عبدالله على تقدم‬ ‫الكبرى‪.‬‬ ‫العلم والتكنولوجيا من خالل البحوث الجريئة‬ ‫أيضا على تثقيف القادة‬ ‫أما المجاالت العلمية التي يمكن أن تستفيد والتعاونية‪ .‬وسوف تعمل ً‬ ‫من مختبرات القرنية هذه‪ ،‬فهي متنوعة وعديدة‪ ،‬العلميين والتكنولوجيين‪ ،‬وحفز تنويع االقتصاد‬ ‫وت�ش�م��ل ال�ط��اق��ة وه�ن��دس��ة ال �ب �ت��رول‪ ،‬الهندسة ال�س�ع��ودي‪ ،‬والتصدي للتحديات ذات األهمية‬ ‫اإلقليمية والعالمية‪ .‬وستقوم ب��إج��راء البحوث‬ ‫العلمية التي تؤدي إلى االكتشافات واالختراعات‬ ‫في المجاالت اإلستراتيجية‪.‬‬

‫أحد الباحثين في جامعة الملك عبدالله داخل مركز‬ ‫القرنية للتصوير‬

‫‪16‬‬

‫اجلوبة ‪ -‬صيف ‪1430‬هـ‬

‫وباالعتماد على أفضل الممارسات العالمية‪،‬‬ ‫تعمل الجامعة على تأسيس مجتمع للبحوث‬ ‫يعزز اإلب��داع واالبتكار‪ .‬وس��وف تدعم الجامعة‬ ‫التحالفات مع المؤسسات األكاديمية والقطاع‬ ‫ال �خ��اص م��ن خ�ل�ال م�ك�ت��ب ن�ق��ل التكنولوجيا‪،‬‬


‫شراكات األبحاث األكاديمية الهادفة‬

‫والدة جامعة الملك عبدالله‬

‫• جامعة كاليفورنيا في سان دييغو‬

‫م������������ل������������ف ال������������ع������������دد‬

‫وبرنامج التعاون الصناعي‪ ،‬وحاضنة األعمال‬ ‫ال�ت�ج��اري��ة‪ ،‬وب��رن��ام��ج تنظيم ال�م�ش��اري��ع‪ ،‬وشبكة‬ ‫رأس المال االستثماري‪ .‬وس��وف يشمل مجتمع‬ ‫الجامعة مدينة للبحوث لدعم األعمال الجديدة‪،‬‬ ‫وتوفير قاعدة للشركات القائمة لالستفادة من‬ ‫خبرة مجتمع الجامعة في العلوم والهندسة‪.‬‬

‫وب�م��وج��ب أح �ك��ام االت�ف��اق�ي��ات‪ ،‬ي�ب��دأ البحث‬ ‫وقد دخلت الجامعة‪ ،‬حتى عشية بدء الدراسة‬ ‫العلمي في المؤسسة الشريكة‪ ،‬لينتقل الحقاً‬ ‫فيها في شراكات مع كل من‪:‬‬ ‫مع الباحثين إل��ى ح��رم جامعة الملك عبدالله‪.‬‬ ‫• معهد وودر هول لعلوم المحيطات‬ ‫وب��ذل��ك تساعد ال�ش��راك��ات األكاديمية ف��ي بناء‬ ‫• المعهد الفرنسي للبترول‬ ‫مراكز األبحاث في الجامعة‪ ،‬وأيضاً بناء مجمع‬ ‫• جامعة سنغافورة الوطنية‬ ‫من الباحثين ورؤساء فرق األبحاث‪.‬‬ ‫• جامعة هونغ كونغ للعلوم والتقنية‬ ‫• الجامعة األمريكية في القاهرة‬ ‫• جامعة ميونيخ التقنية‬ ‫• جامعة الملك فهد للبترول والمعادن‬

‫أم��ا ش��راك��ات األب �ح��اث م��ع القطاع الخاص‬ ‫فتقوم على عدد من البرامج تهدف إلى تحويل‬ ‫األفكار والتقنيات والمهنيين المدربين تدريباً‬ ‫عالياً إلى مشاريع تجارية‪ ،‬ومنها‪:‬‬ ‫• ب��رن��ام��ج ال �ج��ام �ع��ة ل �ل �ت �ع��اون م ��ع الشركات‬ ‫الصناعية‪.‬‬ ‫• مكتب جامعة الملك عبدالله لنقل التقنية وإدارة‬ ‫الملكية الفكرية‪.‬‬ ‫• م �ك �ت��ب ج��ام �ع��ة ال �م �ل��ك ع �ب��دال �ل��ه الستثمار‬ ‫المشاريع‪.‬‬ ‫• برنامج تأسيس األعمال التجارية‪.‬‬ ‫ومن كبريات الشركات والمؤسسات التي دخلت‬ ‫في شراكات مع الجامعة في إطار برامج التعاون‬ ‫المختلفة نذكر‪ :‬أرامكو السعودية‪ ،‬ومدينة الملك‬ ‫عبدالعزيز للعلوم والتقنية‪ ،‬ومركز أبحاث شركة‬ ‫جنرال إلكتريك العالمي‪ ،‬وسابك‪ ،‬وشركة آي بي‬ ‫ام‪ ،‬وشركة داو كيميكال‪ ،‬وشلمبرجير‪ ،‬وبوينغ‪...‬‬

‫اجلوبة ‪ -‬صيف ‪1430‬هـ ‪17‬‬


‫األبيض الشفاف‪ ،‬ومن المرجح أن المصمم أراد‬ ‫من هذا البياض داللة إلى رمزية المكتبة كجوهرة‬ ‫ترصع الحرم الجامعي ككل‪.‬‬ ‫ولكن ما أن يدخل الزائر إلى هذه المكتبة‪،‬‬ ‫حتى تتراجع «الرمزية» لصالح الحدود القصوى‬ ‫من الجدوى والفاعلية‪.‬‬ ‫ويقوم إنشاء هذه المكتبة على خطة ستنتهي‬ ‫منظر داخلي للرواق في مبنى اإلدارة‬ ‫ف��ي ال�ع��ام ‪2013‬م‪ ،‬حين يُتوقع لها أن تحتوي‬ ‫برنامج زمالة جامعة الملك عبدالله‬ ‫على (‪ )80‬ألف عنوان كتاب و (‪ )1500‬اشتراك‬ ‫تقدِّم الجامعة «برنامج زمالة جامعة الملك‬ ‫في المجالت العلمية‪ ،‬إلى جانب رصيد رقمي‬ ‫عبدالله» للمنح ال��دراس�ي��ة‪ ،‬ال��ذي ي��و ِّف��ر الدعم‬ ‫كبير من مجموعات البيانات وأن��واع أخ��رى من‬ ‫الكامل لرسوم الدراسة‪ ،‬وراتباً شهرياً للطالب‬ ‫المعلومات العلمية‪.‬‬ ‫ال��ذي��ن ي �س �ع��ون إل ��ى ال �ح �ص��ول ع �ل��ى شهادات‬ ‫وي � ��زداد ن �م��و ال�م�ك�ت�ب��ة زخ� �م� �اً‪ ،‬ب �م �ج��رد بدء‬ ‫الماجستير أو الدكتوراة خالل دراساتهم العليا‪.‬‬ ‫الدراسة وتفاعلها مع الطالب الذين سيطلبون‬ ‫المكتبة‬ ‫هذا الكتاب أو تلك المجلة‪ ،‬الذي لن يتوقف في‬ ‫إن ال�ح�ص��ول على أي ك�ت��اب ف��ي المكتبات العام ‪2013‬م‪.‬‬ ‫العالمية‪ ،‬يتم خالل دقيقتين‪.‬‬

‫متحف الجامعة لتاريخ العلوم والتقنية‬ ‫في كل جامعة مكتبة‪ ،‬وعندما تكون الجامعة اإلسالمية‬

‫ال غير تقليدية ال ب��د وأن تكون‬ ‫جملة وتفصي ً‬ ‫ح��ول ه��ذا ال�م�ت�ح��ف‪ .،‬أدل ��ى ن��ائ��ب الرئيس‬ ‫مكتبتها ك��ذل��ك‪ .‬وه��ذا ه��و ح��ال مكتبة جامعة‬ ‫التنفيذي ف��ي الجامعة‪ ،‬نظمي النصر‪ ،‬ونائب‬ ‫الملك عبدالله للعلوم والتقنية‪.‬‬ ‫ال��رئ�ي��س المكلَّف للتنمية االق�ت�ص��ادي��ة‪ ،‬أحمد‬ ‫أول ما يلفت النظر في هذه المكتبة هو تميز الخويطر‪ ،‬بحديث صحافي شرحا فيه الغاية من‬ ‫مبناها عن باقي مباني الحرم الجامعي‪ ،‬برخامه‬

‫مكتبة جامعة الملك عبد الله من مدارج البحر‬

‫‪18‬‬

‫اجلوبة ‪ -‬صيف ‪1430‬هـ‬

‫قاعة اجتماعات اإلدارة التنفيذية في مبنى اإلدارة‬


‫م������������ل������������ف ال������������ع������������دد‬

‫إنشاء المتحف وأبرز مالمحه وأهدافه‪.‬‬

‫ويضم المتحف ع ��دداً م��ن األق �س��ام؛ منها‬ ‫ال�م��دخ��ل وال�م�خ��رج‪،‬ح�ي��ث يتعرف ال��زائ��ر إلى‬ ‫المحتوى والمعروضات‪ ،‬وقسم علوم الحياة‬ ‫وال�ب�ي�ئ��ة وع �ل��وم ال�ج�ب��ر وال��ري��اض �ي��ات‪ ،‬وقسم‬ ‫معهد التعليم وال��دراس��ات‪ ،‬وقسم علم الفلك‬ ‫والمالحة‪ ،‬وقسم التكنولوجيا والكيمياء وعلوم‬ ‫الطاقة والصناعة‪.‬‬

‫وق� ��ال ال �ن �ص��ر إن ف �ك��رة ال �م �ت �ح��ف انبثقت‬ ‫حين شرعت الجامعة في إنشاء مركز لدراسة‬ ‫مخترعات المسلمين‪ ،‬على غ��رار بيت الحكمة‬ ‫ال ��ذي أن �ش��أه الخليفة ال�ع�ب��اس��ي ال �م��أم��ون‪ ،‬إذ‬ ‫ي �ش��ارك ع�ل�م��اء م��ن مختلف أن �ح��اء ال�ع��ال��م في‬ ‫إجراء البحوث والترجمة لتحقيق هذا الغرض‪.‬‬ ‫وت� �ض ��م م �ح �ت��وي��ات ال �م �ت �ح��ف مجسمات‬ ‫لكن ال ��رأي استقر أخ �ي��راً على إق��ام��ة متحف‬ ‫الكتشافات واختراعات العلماء المسلمين تحت ط �ب��ق األص� ��ل ل�م�خ�ت��رع��ات ع �ل �م��اء مسلمين‪،‬‬ ‫اسم «متحف تاريخ العلوم والتقنية اإلسالمية»‬ ‫ويغطي المرحلة التي شهدت ازدهار العلوم‪ ،‬بدءاً‬ ‫من القرن الرابع وحتى القرن السابع‪ ..‬مروراً بما‬ ‫أنتجته الحضارة اإلسالمية‪ ،‬في األندلس‪ ،‬ومن‬ ‫ثم ربط المتحف بمكتبة الجامعة اإللكترونية‪،‬‬ ‫بحيث يمكن للباحثين االستفادة من محتوياته‬ ‫من كتب ومخطوطات‪.‬‬ ‫مباني متحف الجامعة‬

‫اجلوبة ‪ -‬صيف ‪1430‬هـ ‪19‬‬


‫الجــامعة األم ــل‬

‫> أ‪ .‬د‪ .‬أحمد بن عبدالله السالم‬

‫(‪)1‬‬

‫تمثل جامعة الملك‬ ‫ع � �ب� ��دال � �ل� ��ه للعلوم‬ ‫والتقنية أكبر اآلمال‪،‬‬ ‫وأس��م��ى الطموحات‬ ‫ل��م��واط��ن��ي المملكة‬ ‫طالب جامعة الملك عبد الله يسيرون أمام مبنى اإلدارة ال �ع��رب �ي��ة السعودية‪،‬‬ ‫ك��ون �ه��ا ج��ام �ع��ة تهتم‬ ‫ومخطوطات‪ ،‬إضافة إلى كتب وأف�لام علمية ب��ال�ك�ي��ف وال��ن��وع دون‬ ‫ووثائقية أنتجت خصيصاً لهذا المتحف‪.‬‬ ‫ال� �ك ��م؛ ذل���ك أن �ه��ا ت �ه �ت��م ف ��ي أول م ��ا ت �ه �ت��م به‬ ‫الدراسات البحثية والعليا‪ ،‬وهي ما تحتاجه كل‬ ‫وعليه س �ي��ؤدي ه��ذا المتحف دوراً كبيراً‬ ‫�لاد خطت خ�ط��وات مهمة ف��ي التعليم العالي‬ ‫ب ٍ‬ ‫ف��ي توضيح ال�ص��ورة المشرقة لتاريخ العلوم‬ ‫كالمملكة العربية السعودية‪.‬‬ ‫ع�ن��د ال �ع��رب ب�ك��ل زخ��ارف �ه��ا ال��دق�ي�ق��ة‪ .‬ولكي‬ ‫إن ه��ذه الجامعة لهي إح��دى اللبنات المهمة‬ ‫يتمكن متحف الجامعة من أداء دوره على هذا للنماء والبناء اللذين يشهدهما عهد خادم الحرمين‬ ‫الصعيد‪ ،‬أُع��دت له سياسة تختلف تماماً عن الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز آل سعود‪.‬‬ ‫سياسة المتاحف التقليدية‪.‬‬

‫‪20‬‬

‫اجلوبة ‪ -‬صيف ‪1430‬هـ‬

‫وإنه لمما يبعث على التفاؤل أن إنشاءها جاء‬


‫م������������ل������������ف ال������������ع������������دد‬

‫خريطة جامعة الملك عبدالله للعلوم التقنية‬

‫طالب جامعة الملك عبدالله يدرسون خريطة الحرم الجامعي‬

‫بعد دراسة متأنية لما تحتاجه البالد‪ ،‬وما يحتاجه‬ ‫مواطنها الذي هو أول اهتمامات ملك اإلنسانية‬ ‫خ��ادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن‬ ‫عبدالعزيز يحفظه الله‪.‬‬

‫واالقتصاد‪ ،‬إضاف ًة إلى وضع حلول كفيلة بإزالة‬ ‫جميع العقبات التي تعترض طريق المملكة إلى‬ ‫تحقيق مستقبلها ال��زاه��ر‪ ،‬والتعامل م��ع كافة‬ ‫التحديات المستقبلية‪ ،‬وبخاصة ما يتعلق منها‬ ‫بتحلية المياه‪ ،‬وعلوم البحار والصناعات الدقيقة‪،‬‬ ‫وتقوم – أيضاً ‪ -‬عل تطوير القدرات البشرية‬ ‫وتنميتها وفق أسس علمية مدروسة‪ ،‬وفتح أرحب‬ ‫مجاالت لم تنل نصيبها من االهتمام‬ ‫ٍ‬ ‫األفاق في‬ ‫في أكثر المؤسسات العلمية والتعليمية‪ ،‬كالطاقة‬ ‫والصناعات الدقيقة وغيرها‪.‬‬

‫إن�ه��ا الجامعة األول ��ى م��ن نوعها ف��ي الشرق‬ ‫األوس��ط‪ ،‬واألم��ل كبير بأنها ستكون في مصاف‬ ‫أرقى جامعات العالم المتقدم إن لم تتفوق عليها‪.‬‬

‫ح �ق �ي �ق �ي��ة ف ��ي مجال‬ ‫ال�ت�ع�ل�ي��م‪ ،‬ب��ات��ت تهدد‬ ‫الحاضر والمستقبل‪،‬‬ ‫ب��ل دف �ع��ت الحاقدين‬ ‫إل � ��ى ال �ت �ش �ك �ي��ك في‬

‫وم �م��ا ي�ب�ع��ث ع�ل��ى ال �ت �ف��اؤل أك �ث��ر ف��أك�ث��ر أن‬ ‫جامعات‬ ‫ٍ‬ ‫تأسيسها يقوم أساساً على الشراكة مع‬ ‫بحث عالمية‪ ،‬لها ب��ا ٌع طويل في مجال‬ ‫ومراكز ٍ‬ ‫الدراسات العليا والبحث العلمي‪.‬‬

‫وإن الذي ينظر إلى تخصصاتها التي ستبدأ‬ ‫بها وه��ي‪ :‬الطاقة وال�م��وارد الطبيعية والبيئية‪،‬‬ ‫إن افتتاح هذه الجامعة وما هُيئَ له من أسباب‬ ‫والتكنولوجيا الحيوية‪ ،‬وعلوم وأب�ح��اث المواد‬ ‫الدقيقة مثل (النانو تكنولوجي‪ ،‬والرياضيات النجاح‪ ،‬وما دعي له من قادة المسيرتين السياسة‬ ‫التطبيقية وع�ل��وم الكمبيوتر)‪ ،‬ليثق ثقة تام َة والعلمية في العالم‪ ،‬لهو مؤشر على والدة جامعة‬ ‫بمستقبلها ال��زاه��ر‪ ،‬وع�ل��و كعبها ف��ي مجاالت علمية عالمية عالية‪.‬‬ ‫تخصصها‪ ،‬كيف ال‪ ..‬وه��ي تحظى بدعم خادم‬ ‫جامعة الملك عبدالله‬ ‫الحرمين الشريفين ومتابعته‪.‬‬ ‫إجالالً وتقديرً ا‬ ‫> د‪ .‬جميل بن موسى احلميد‬ ‫وف��ي كلمته – حفظه الله ‪ -‬أله��ال��ي مدينة‬ ‫الطائف قبل ثالث سنوات‪ ،‬ما يؤكد على اهتمامه‬ ‫عاش عالمنا العربي‬ ‫بإنشاء هذا المشروع العلمي التقني المتميز‪.‬‬ ‫– وم� ��ا زال – أزمة‬

‫وتقوم السياسة التعليمة للجامعة – فيما تقوم‬ ‫عليه – على رب��ط األب�ح��اث العلمية بالصناعة‬

‫اجلوبة ‪ -‬صيف ‪1430‬هـ ‪21‬‬


‫عراقة الماضي‪ ،‬وبات اإلبداع العلمي هو الخيار‬ ‫األوح��د لهذه األم��ة‪ ،‬للخروج من عنق الزجاجة‪،‬‬ ‫التي ضيقتها أي��دي الجهلة أو المتجاهلين في‬ ‫حقب تاريخية متعاقبة‪.‬‬ ‫ومما ال يدع مجاالً للشك أن العلم – ويقصد‬ ‫ب ��ه إن� �ت ��اج ال �م �ع��رف��ة وت�ط�ب�ي�ق�ه��ا وت �ط��وي��ره��ا ال‬ ‫مجرد استهالكها – هو ال��ذي يرقى بالحاضر‪،‬‬ ‫وي�س�ت�ش��رف ال�م�س�ت�ق�ب��ل‪ ،‬وي�ح�م��ي ال �ت��اري��خ من‬ ‫التزييف والتدليس‪ ،‬ويحفظ لهذه األمة هويتها‬ ‫التي تدمرها الهيمنة الثقافية واالنصهار في‬ ‫ثقافة اآلخ ��ر؛ ف��اإلب��داع العلمي ألي أم��ة ‪ -‬إن‬ ‫ج��از التعبير‪ -‬ه��و ال�م��ر َك��ب الكيميائي الفريد‬ ‫الذي يتصدى لذوبان الهوية في أي من التيارات‬ ‫الجارفة للهيمنة بشتى أنواعها‪.‬‬

‫الملك عبدالله للعلوم والتقنية؛ ذل��ك الصرح‬ ‫العلمي والبحثي الرائد في العالم العربي‪ ،‬وفي‬ ‫منطقة الشرق األوس��ط‪ ،‬لتؤكد الرغبة الملحة‬ ‫ل�ل�إدارة الرشيدة ف��ي النهوض بالعلم والبحث‬ ‫العلمي في العالم ومنطقة الشرق األوسط بوجه‬ ‫عام‪ ..‬وفي المملكة العربية السعودية على وجه‬ ‫الخصوص‪ .‬وهذا النموذج الرائع الذي راود حلم‬ ‫مليكنا العظيم ‪ -‬وفقه الله ‪ -‬ط��وال ال �ـ (‪)25‬‬ ‫عامًا الماضية‪ ،‬يؤكد أشياء عديدة تفردت بها‬ ‫هذه الجامعة عن غيرها‪ ،‬أهمها‪ :‬الرويَة والتؤدة‬ ‫لإلفادة من جميع التجارب العالمية التي اهتمت‬ ‫بمجال البحث العلمي في العلوم والتقنية؛ فلم‬ ‫ي��أت إنشاء الجامعة مجرد فكرة إلنشاء صرح‬ ‫علمي وبحثي متميز في المملكة العربية السعودية‬ ‫والمنطقة العربية فحسب‪ ،‬بل كان األمر أعمق من‬ ‫ذلك بكثير‪ ،‬ويبدو جلياً في رسالة خادم الحرمين‬ ‫الشريفين عن هذه الجامعة‪ ،‬ورسالتها العظيمة‬ ‫ال�ت��ي تحمل ف��ي طياتها أهمية ال�ع�ل��م‪ ،‬ومكانة‬ ‫القيم‪،‬وعظمة الدين اإلسالمي الحنيف‪ ،‬وسمو‬ ‫الهدف‪،‬والثقة في النجاح بمشيئة الله تعالى‪.‬‬

‫وب�ن��ا ًء عليه ف��إن جامعة الملك عبدالله‪،‬تعد‬ ‫إضافة كيفية للتعلم والبحث العلمي‪ ،‬ليس في‬ ‫وف��ي ه��ذا ال �س �ي��اق‪ ،‬ت��أت��ي ال�خ�ط��وة الرائدة المملكة والمنطقة العربية فحسب‪ ،‬بل في العالم‬ ‫والحكيمة للملك عبدالله بن عبدالعزيز خادم كله؛ فقد حُ شد لهذه الجامعة ع��د ٌد يربو على‬ ‫الحرمين الشريفين ‪ -‬حفظه الله ‪ -‬بإنشاء جامعة المائة أستاذ من الباحثين والعلماء المتميزين‪،‬‬ ‫والمشهود لهم بالكفاءة والخبرة ‪ -‬في مجاالت‬ ‫الهندسة الكيميائية والبيلوجية‪ ،‬وعلوم البيئة‪،‬‬ ‫وال �ه �ن��دس��ة وال��ري��اض �ي��ات ال�ت�ط�ب�ي�ق�ي��ة‪ ،‬وعلوم‬ ‫الكمبيوتر‪ ،‬وع�ل��وم هندسة األرض‪ ،‬والهندسة‬ ‫الكهربائية‪ ،‬وع�ل��وم وهندسة ال�م��واد الهندسية‬ ‫الميكانيكية ‪ -‬م��ن أش�ه��ر جامعات العالم في‬ ‫مجال البحث العلمي مثل‪ :‬هارفرد‪ -‬استانفورد‬ ‫– كولومبيا – تكساس – باريس‪ ...‬إلخ‪ .‬أما مدير‬

‫‪22‬‬

‫اجلوبة ‪ -‬صيف ‪1430‬هـ‬


‫م������������ل������������ف ال������������ع������������دد‬

‫هذه الجامعة فهو البروفسور (تشون فونغ شي)‬ ‫مدير جامعة سنغافورة‪ ،‬وأحد مؤسسي التحالف‬ ‫الدولي لعشر جامعات في العالم‪.‬‬ ‫لقد وضعت الجامعة جل تحدياتها فيما يعود‬ ‫بالنفع وال�خ�ي��ر على المملكة العربية السعودية‬ ‫والمنطقة العربية‪ ،‬بتحويل األشعة الشمسية إلى‬ ‫مصدر دائ��م ومتجدد للطاقة‪ ،‬إضافة إلى اإلفادة‬ ‫من المياه المالحة والرمال الصحراوية‪ ،‬وتحويل‬ ‫النباتات الصحراوية إلى محاصيل زراعية عالية‬ ‫اإلنتاج‪ ،‬فضلاً عن أنها جعلت باكورة بحوثها العلمية‬ ‫دراس� ��ة ح��ول ان�ت�ش��ار ف �ي��روس (‪ )NIHI‬المسبب‬ ‫ألنفلونزا الخنازير‪ ،‬انطالقًا من رسالتها نحو مواكبة‬ ‫كل ما هو جديد في مجال البحث العلمي‪ ،‬بما فيه‬ ‫نفع للمنطقة العربية والبشرية جمعاء‪.‬‬ ‫لقد تزامن هذا العرس العلمي مع احتفاالت‬ ‫عيد الفطر المبارك وال�ي��وم الوطني ال �ـ (‪)79‬‬ ‫لمملكة العز والحكمة؛ فهنيئًا لوطننا الحبيب‪..‬‬ ‫وألمتنا‪ ..‬بل للعالم أجمع‪ .‬وحفظك الله يا ملك‬ ‫اإلنسانية‪ ،‬ودام عزك ومجدك يا وطن‪.‬‬ ‫وليدبَر أولو األلباب‪.‬‬

‫بوابة المملكة نحو العالم األول‬

‫> د‪.‬خليل بن إبراهيم املعيقل‬

‫(‪)3‬‬

‫تحل مناسبة ال�ي��وم‬ ‫ال��وط �ن��ي ه ��ذا العام‪,‬‬ ‫وال �ت��ي ت��واف��ق الرابع‬ ‫م��ن ش ��وال ‪1430‬ه� �ـ‪/‬‬ ‫الثالث والعشرين من‬ ‫س �ب �ت �م �ب��ر ‪2009‬م‪،‬‬ ‫م�ت��زام�ن��ة م��ع تدشين‬ ‫أه�� ��م م��ن��ج��ز علمي‬ ‫يتحقق للمملكة العربية السعودية‪ ،‬وهو افتتاح‬ ‫جامعة الملك عبدالله للعلوم والتقنية في موقع‬ ‫ثول شمالي مدينة جدة‪،‬هذه الجامعة التي كانت‬ ‫حلم خ��ادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله‬ ‫بن عبدالعزيز منذ سنوات بعيدة كما ذكر حفظة‬ ‫الله في مناسبة وضع حجر أساس الجامعة قبل‬ ‫عامين‪ ،‬وها هي المدينة الجامعية يكتمل بناؤها‬ ‫خالل عامين‪،‬حيث تعد هذه المدة قصيرة جدا‬ ‫ل��ب��ن��اء ج��ام��ع��ة ت �ك �ت �م��ل ب �ن �ي �ت �ي �ه��ا المعمارية‬ ‫األكاديمية‪.‬‬

‫اجلوبة ‪ -‬صيف ‪1430‬هـ ‪23‬‬


‫وقد أمر ‪ -‬حفظه الله ‪ -‬أن تكون هذه الجامعة‬ ‫مختلفة عن الجامعات األخرى في المملكة‪ ،‬من‬ ‫ناحية توجهها األك��ادي�م��ي واستقاللها المالي‬ ‫واإلداري واألكاديمي‪ ،‬لذلك أسند لشركة أرامكو‬ ‫السعودية مهمة تأسيس الجامعة‪ ،‬وبناء المدينة‬ ‫الجامعية‪ ،‬ووضع البنية األكاديمية بالتعاون مع‬ ‫أبرز الجامعات والخبرات الدولية‪ ،‬كما أمر بأن‬ ‫تتخصص الجامعة في الدراسات العليا والبحث‬ ‫العلمي التطبيقي‪ ،‬وأن ت��واك��ب وت�ن��اف��س أبرز‬ ‫المراكز البحثية في العالم‪ ،‬وأن تعالج مخرجاتها‬ ‫البحثية القضايا العلمية المستجدة‪،‬التي تخدم‬ ‫مستقبل المملكة العربية السعودية والمنطقة‬ ‫والعالم أجمع‪ .‬ولتحقيق هذه الرؤية رصد خادم‬ ‫الحرمين للجامعة وقفا ماليا كبيرا يبلغ عشرين‬ ‫مليار دوالر للصرف على الجامعة م��ن عائد‬ ‫هذا الوقف‪ ،‬وال��ذي سيمكن الجامعة من خالل‬ ‫استقرار م��وارده��ا المالية‪ ،‬واستقالل قرارها‬ ‫في تنفيذ برامجها التعليمية والبحثية بالصورة‬ ‫ال�ت��ي رس�م��ت ل�ه��ا‪ ،‬وك��ذل��ك تمكينها م��ن مواكبة‬ ‫المستجدات العلمية‪.‬‬

‫‪24‬‬

‫اجلوبة ‪ -‬صيف ‪1430‬هـ‬

‫ستدار جامعة الملك عبدالله من خالل مجلس‬ ‫أمناء يرأسه معالي وزير البترول‪ ،‬وعضوية ثالثة‬ ‫من أبناء الملك عبدالله‪ ،‬وعدد من األكاديميين‬ ‫من المملكة والعالم‪ ،‬إضافة إلى عدد من رجال‬ ‫األع��م��ال ال��ذي��ن ي �ق��ع ن �ش��اط ش��رك��ات �ه��م ضمن‬ ‫اهتمامات الجامعة البحثية‪,‬وقد عين للجامعة‬ ‫أس�ت��اذ م��ن دول��ة سنغافورة مشهود ل��ه بالتميز‬ ‫العلمي‪ ،‬واإلدارة األكاديمية‪ ،‬ما يؤكد نهج الجامعة‬ ‫الذي يقدم الكفاءة في التوظيف‪ ،‬بصرف النظر‬ ‫عن الجنسية أو الجنس‪ ،‬وهو المبدأ الذي أسهم‬ ‫في تطور الجامعات العالمية التي استقطبت‬ ‫العقول من كل أنحاء العالم‪ ،‬وقدمت لها كل ما‬ ‫يحقق استقرارها وإسهاماتها العلمية؛ لذا؛ سعت‬ ‫الجامعة منذ ب��داي��ة تأسيسها إل��ى استقطاب‬ ‫أفضل العقول‪ ،‬على أس��اس ال�ج��دارة البحثية‪،‬‬ ‫وس��وف تشكل مجتمعا متجانسا من الباحثين‬ ‫والموهوبين من شتى أنحاء العالم‪ ،‬لذلك وضعت‬ ‫معايير عالية ال �ج��ودة للقبول ل�ل��دراس��ة فيها‪،‬‬ ‫وستعمل على استقطاب الموهوبين والمبدعين‬ ‫من الطالب من جميع دول العالم‪.‬‬


‫جامعة الملك عبدالله للعلوم والتقنية‪،‬جامعة‬ ‫عالمية للدراسات العليا‪ ،‬متخصصة في مجال‬ ‫البحث العلمي‪ ،‬ت��رك��ز على مواضيع غ��اي��ة في‬ ‫األه �م �ي��ة ب��ال�ن�س�ب��ة ل�م�س�ت�ق�ب��ل ال �م �م �ل �ك��ة‪ ،‬مثل‬ ‫دراسات الطاقة‪ ،‬والبيئة‪ ،‬وتحلية المياه المالحة‪،‬‬ ‫والتقنية البيولوجية الصناعية‪ ،‬والتطبيقات‬ ‫العلمية للكمبيوتر‪ ،‬وستمنح درجتي الماجستير‬ ‫وال��دك��ت��وراه ف��ي م �ج��ال ال��ري��اض �ي��ات‪ ،‬والعلوم‬ ‫ولم يتوقف اهتمامه عند هذا الحد‪ ،‬بل تعداه‬ ‫البيولوجية‪ ،‬والهندسة الكيميائية والبيولوجية‪ ،‬إل��ى إنشاء جامعة علمية بحثية نوعية محليه‪،‬‬ ‫وعلوم الحاسب‪ ،‬وعلوم هندسة األرض والمواد‪ ،‬بمعايير وأهداف عالمية‪ ،‬أال وهي جامعة الملك‬ ‫والهندسة الميكانيكية‪ ،‬والبيئية‪ ،‬والكهربائية‪ ،‬عبدالله للعلوم والتقنية‪.‬‬ ‫والبحرية‪.‬‬ ‫هذه الجامعة البحثية السعودية التي تحمل‬ ‫ه���ذا ال �ت��وج��ه ال� ��ذي ت �س �ع��ى ال �ج��ام �ع��ة إلى رسالة إنسانية عالمية للتعاون في كل ما يخدم‬ ‫تحقيقه‪ ،‬وال��ذي يعبر عن رؤي��ة خ��ادم الحرمين شعوب العالم‪ ،‬وكما قال مؤسسها‪« :‬إنني أرغب‬ ‫ال�ش��ري�ف�ي��ن‪،‬ي�م�ث��ل ن�ق�ل��ة ن��وع�ي��ة ف��ي الدراسات‬ ‫أن تصبح ه��ذه الجامعة ال�ج��دي��دة واح ��دة من‬ ‫الجامعية والبحثية على مستوى ال�ع��ال��م‪ ،‬وال‬ ‫مؤسسات العالم الكبرى للبحوث‪ ،‬وأن تعلم أجيال‬ ‫شك أن ذلك سيؤدي إلى نقلة نحو العالم األول‪،‬‬ ‫المستقبل من العلماء والمهندسين والتقنيين‬ ‫وسوف تكون جامعة الملك عبدالله بوابة المملكة‬ ‫وتدربهم‪ ،‬وأن تعزز المشاركة والتعاون مع غيرها‬ ‫نحو العالم الصناعي األول‪ ،‬ونطمح أن تنهض‬ ‫من جامعات البحوث الكبرى‪ ،‬ومؤسسات القطاع‬ ‫جامعاتنا األخرى‪ ،‬فتلحق بركب هذه الجامعة في‬ ‫الخاص على أساس الجدارة والتميّز»‪.‬‬ ‫أسرع وقت‪ ،‬وقد ظهرت ب��وادر اللحاق في عدد‬ ‫وس�ي�ك��ون ل�ه��ذه ال�ج��ام�ع��ة – إن ش��اء ال�ل��ه ‪-‬‬ ‫من الجامعات الحكومية‪ ،‬والجامعات األهلية‬ ‫مردود إيجابي يتعدى حدود مملكتنا إلى مختلف‬ ‫حديثة النشأة‪.‬‬ ‫ال �ش �ع��وب‪ .‬وي�ع��د ه��ذا ال�ت��وج��ه ترجمة حقيقية‬ ‫آمال وتطلعات‬ ‫ل��رؤى خ��ادم الحرمين الشريفين وتطلعاته في‬ ‫(‪)4‬‬ ‫> د‪ .‬طارش بن مسلم سليمان الشمري‬ ‫توضيح رسالة اإلس�لام السامية‪ ،‬التي وجدت‬ ‫منذ تأسيس المملكة‬ ‫لصالح اإلن�س��ان�ي��ة ج�م�ع��اء‪ ،‬ب�ص��رف النظر عن‬ ‫العربية السعودية على‬ ‫جنسها وع��رق�ه��ا وب �ل��ده��ا‪ ..‬وس�ي��رف��ع ب��إذن الله‬ ‫يد الملك عبدالعزيز‬ ‫اسم المملكة العربية السعودية بين دول العالم‪،‬‬ ‫ب��ن ع �ب��دال��رح �م��ن آل‬ ‫وسيسهم ذل��ك في ال��رد على أرض الواقع على‬ ‫س� �ع ��ود –طيب الله‬ ‫م��ن ي�ح��اول انتقاص ش��أن المملكة واهتمامها‬ ‫ث� ��راه‪ -‬ك ��ان اهتمامه‬ ‫الالمحدود بالعلم والمعرفه‪ ،‬ويوضح بشكل جلي‬ ‫بالتعليم ف��ي مقدمة‬

‫دراس����ـ����ـ����ـ����ـ����ـ����ـ����ـ����ـ����ـ����ـ����ـ����ـ����ات‬

‫أولوياته‪،‬وسار على نهجه أبناؤه من بعده‪ ،‬سعود‬ ‫وفيصل وخالد وفهد – يرحمهم الله جميعاً‪.-‬‬ ‫وف��ي عهد خ ��ادم الحرمين الشريفين ‪ -‬رائد‬ ‫التعليم الشامل‪ -‬الملك عبدالله بن عبدالعزيز‬ ‫آل س�ع��ود أنشئت الجامعات ف��ي شتى مناطق‬ ‫المملكة مشتمل ًة على تخصصات طبية وهندسية‬ ‫وتطبيقية يحتاجها سوق العمل‪.‬‬

‫اجلوبة ‪ -‬صيف ‪1430‬هـ ‪25‬‬


‫توجهات قيادة هذا البلد‪ ،‬ومد جسور التعاون مع‬ ‫الشعوب األخرى‪ ،‬واإلسهام الفاعل في جعل هذا‬ ‫العالم أكثر مودة ومحبة وسالماً ووئاماً للبشرية‬ ‫جمعاء‪.‬‬

‫علمية في الدراسات العليا فقط‪ ،‬وسيكون البحث‬ ‫العلمي أس��اس ال�ب��رام��ج التعليمية على مستوى‬ ‫درجتي الماجستير وال��دك�ت��وراه‪ ،‬وتمنح الجامعة‬ ‫ال��درج��ات العليا ف��ي (‪ )11‬م�ج��االً دراس �ي �اً هي‪:‬‬ ‫العلوم البيولوجية – الرياضيات التطبيقية – علوم‬ ‫الحاسب – الهندسة الكيميائية والبيولوجية –‬ ‫علوم الكيمياء – علوم وهندسة األرض – الهندسة‬ ‫الكهربائية – العلوم والهندسة البيئية – العلوم‬ ‫والهندسة البحرية – علوم وهندسة ال�م��واد –‬ ‫الهندسة الميكانيكية‪.‬‬

‫إن إن �ش��اء ج��ام �ع��ة ال �م �ل��ك ع �ب��دال �ل��ه للعلوم‬ ‫والتقنية مفخرة ومصدر إع�ت��زاز لكل أكاديمي‬ ‫مواطن سعودي وعربي ومسلم‪ ..‬وستوجد بيئة‬ ‫علمية تنافسية تسهم ف��ي دف��ع ِح��راك البحث‬ ‫العلمي في جامعات مملكتنا والجامعات العالمية‪،‬‬ ‫وستستقطب أفضل العلماء والباحثين من جميع‬ ‫دول العالم‪ ،‬وستجرى فيها األبحاث العلمية التي‬ ‫وتعد ه��ذه الجامعة التي َكلّف إنشاؤها نحو‬ ‫ستعالج كثيراً من الظواهر والمشاكل التي تواجه عشرة مليارات ري��ال في مركز ثول على ضفاف‬ ‫عالمنا المعاصر‪.‬‬ ‫البحر األحمر على مسافة ‪80‬ك��م شمالي مدينة‬ ‫وال ي�ف��وت�ن��ي إال أن أت��وج��ه – ب�ع��د ال �ل��ه عز جده ‪ -‬ومن خالل المعلومات التي حصلنا عليها‬ ‫وجل ‪ -‬إلى مؤسس هذا الصرح العلمي الشامخ من موقع الجامعة على االنترنت ‪ -‬جامعة رائدة‬ ‫بعظيم الشكر والتقدير والعرفان على ما يبذله ومتميزة ف��ي م�ج��ال البحث العلمي‪ ،‬والتطوير‬ ‫من جهود مخلصة للسمو بمملكتنا إلى مصاف التقني‪ ،‬واالب�ت�ك��ار‪ ،‬واإلب ��داع‪ ،‬من خ�لال التعاقد‬ ‫ال��دول ق��والً وعمالً‪ ،‬سائال المولى أن يحقق له م��ع نخبة م��ن ال�ب��اح�ث�ي��ن وال �ع �ل �م��اء المتميزين‪،‬‬ ‫آماله وتطلعاته‪ ،‬وأن يحفظ لبلدنا نعمة األمن وال �ط�لاب الموهوبين والمبدعين‪ ،‬ب�ه��دف دعم‬ ‫التنمية واالق�ت�ص��اد الوطني‪ ،‬وتوجيه االقتصاد‬ ‫واألمان واالزدهار‪.‬‬ ‫نحو الصناعات القائمة على المعرفة‪ ،‬من خالل‬ ‫جامعة الملك عبدالله والدور المأمول البرامج التي تعتمد على البحوث التطبيقية التي‬ ‫(‪)5‬‬ ‫> د‪ .‬نايف بن صالح املعيقل‬ ‫تخدم مجاالت التنمية التي تشهدها بالدنا في‬ ‫ت ��م اف��ت��ت��اح ج��ام �ع��ة‬ ‫عهد خادم الحرمين الشريفين (حفظه الله)‪.‬‬ ‫الملك عبدالله للعلوم‬ ‫وم��ن المؤمل أن تكون ه��ذه الجامعة منارة‬ ‫والتقنية بثول رسمياً‬ ‫إش �ع��اع علمي‪ ،‬وق �ن��اة م��ن ق �ن��وات ال�ت��واص��ل بين‬ ‫ف��ي ال��راب��ع م��ن شوال‬ ‫الشعوب والحضارات‪ ،‬وستساهم في العمل على‬ ‫‪1430‬ه� � � �ـ المصادف‬ ‫زي��ادة ع��دد الحاصلين على ب��راءات اخ�ت��راع من‬ ‫ل��ذك��رى ال�ي��وم الوطني‬ ‫أبناء الوطن في التخصصات العلمية والهندسية‬ ‫ال� �ت ��اس ��ع والسبعين‬ ‫والطبية والتطبيقية‪ .‬كما يتوقع لها أن تسهم في‬ ‫للمملكة (‪ 23‬سبتمبر‬ ‫وضع خطط دقيقة وتنفيذية‪ ،‬لرعاية الموهوبين‬ ‫‪2009‬م)‪ .‬وس ��وف تمنح ه��ذه ال�ج��ام�ع��ة درجات‬

‫‪26‬‬

‫اجلوبة ‪ -‬صيف ‪1430‬هـ‬


‫م������������ل������������ف ال������������ع������������دد‬ ‫وال �م �ب��دع �ي��ن وال �ب��اح �ث �ي��ن‪ ،‬ودع � ��م الصناعات لتعزيز عملية التنمية المستدامة بالشراكة مع‬ ‫الوطنية‪ ،‬واستثمار ال �م��وارد االستثمار األمثل‪ ،‬القطاع الخاص‪.‬‬ ‫لدعم االقتصاد الوطني‪ ،‬وزيادة الناتج اإلجمالي‬ ‫وقد شهد حفل االفتتاح مشاركة العديد من‬ ‫لالقتصاد اعتماداً على المعرفة‪.‬‬ ‫زعماء العالم‪ ،‬بدعوة من خادم الحرمين الشريفين‬ ‫وال بد من القول ‪ -‬ومن خالل متابعة خطوات الملك عبدالله بن عبدالعزيز آل سعود‪ ،‬دعماً‬ ‫إن �ش��اء ه��ذه الجامعة ‪ -‬أن�ه��ا ت�ه��دف إل��ى توفير‬ ‫لهذا الصرح العلمي ال��ذي ب��دأت مالمح نجاحه‬ ‫البيئة المحفزة وال �ج��اذب��ة الستقطاب العلماء‬ ‫تظهر ل�ل�ع�ي��ان‪،‬م��ا ينسجم وال�س�ي��اس��ة التنموية‬ ‫المتميزين م��ن المملكة وال �ع��ال��م‪ ،‬واستقطاب‬ ‫التي تشهدها بالدنا في شتى المجاالت (علمية‬ ‫الطالب الموهوبين لاللتحاق ببرامج الدراسات‬ ‫وصحية واقتصادية وثقافية) وغيرها‪.‬‬ ‫العليا المتطورة التي تضمها الجامعة‪ ،‬والتي تركز‬ ‫وقد أعلن حفظه الله عن إنشاء هذه الجامعة في‬ ‫على استخدام التقنيات الحديثة‪ ،‬كتقنيات النانو‬ ‫(الجزيئات المتناهية الصغر)‪ ،‬لتنمية المعرفة الحفل الذي أقامه أهالي محافظة الطائف احتفاء‬ ‫وتحويل األفكار واالختراعات إلى مشاريع إنتاجية‪ ،‬بزيارته للمحافظة في ‪ 26‬جمادى اآلخرة ‪1427‬هـ‪.‬‬ ‫(‪ )1‬الرئيس األول للجـامعة‪ ..‬حاصل على درجة الدكتوراه من جامعة هارفارد‪ ،‬عمل سابقاً رئيساً لجامعة سنغافورة‬ ‫الوطنية‪ .‬كما كان على مدى ثالثين سنة أستاذاً في جامعة براون بالواليات المتحدة األمريكية‪ ،‬وترأس مجموعة‬ ‫أبحاث التصدع في مختبر أبحاث شركة جنرال إلكتريك‪.‬‬ ‫(‪ )2‬عميد كلية اللغة العربية بجا معة اإلمام محمد بن سعود اإلسالمية‪،‬ورئيس الجمعية العلمية السعودية للغة العربية‬ ‫(‪ )3‬عميد شئون المكتبات بجامعة الجوف‬ ‫(‪ )4‬عضو مجلس الشورى‬ ‫(‪ )5‬وكـــــــيل جـــــــامعة الجوف وأمين مجلس الجامعة‬ ‫(‪ )6‬رئيس اللجنة الدائمة للبحوث بجامعة الجوف‬ ‫مصادر المادة‪ :‬موقع كاوست على االنترنت – مجلة القافلة – أرامكو السعودية‪.‬‬

‫اجلوبة ‪ -‬صيف ‪1430‬هـ ‪27‬‬


‫حينما تتبعثر السنني تبعثرنا معها‬

‫دراسة لـ رواية غالية آل سعيد (سنني مبعثرة)‬ ‫> هدى فهد املعجل*‬ ‫يقول (ميشال بوتور)‪[ :‬إن قراءة الرواية رحلة في عالم مختلف عن العالم الذي يعيش‬ ‫فيه القارئ؛ فمن اللحظة األولى ينتقل القارئ إلى عالم خيالي من صنع كلمات الروائي‪،‬‬ ‫ويقع هذا العالم في مناطق مغايرة للواقع المكاني المباشر الذي يتواجد فيه القارئ]‪.‬‬ ‫ولألمكنة –حسب د‪ .‬عبدالحميد المحادين‪ -‬حضورها في ذهن اإلنسان‪ ،‬وهي أمكنة‬ ‫تحدد ذهنياً‪ ،‬ويحددها اإلنسان في الوقت ذاته‪ ،‬وقد تكون األمكنة واقعية‪ ،‬كالمكان الذي‬ ‫رسمت فيه الروائية العمانية (غالية ف‪ .‬ت آل سعيد) روايتها (سنين مبعثرة)؛ المكان‬ ‫األكثر ثرا ًء بالنسبة لها‪ ،‬ألنها عاشت فيه فاستحضرته‪ ،‬أو ربما توطن ذاكرتها وحسها‪.‬‬ ‫م �ك��ان وظ�ف�ت��ه ت��وظ�ي�ف�اً ج�م��ال�ي�اً خدم رواي ��ة ال�م�ك��ان ال��زم��ان‪ ،‬أو رواي ��ة الزمان‬

‫محور الرواية‪ ،‬حيث شكّلت عالماً حس ّياً المكان‪.‬‬

‫طابق كثيراً‪ ،‬أو يطابق الواقع‪ ،‬ولم يخالفه‬

‫(الحياة في لندن الحديثة‪ ،‬تختلف عن‬

‫يمكن نسبه [المدينة تقسو‪/‬يتحجر قلبها‪،‬‬

‫والرواية توشك أن تنهي الساردة أحداثها‪،‬‬

‫هكذا كانت (لندن) بالنسبة لـ (ناجي)‬

‫ل��ورن��س) ال �ف �ك��ري وال �م �ك��ان��ي‪ ،‬وعالقات‬

‫سوى في النزر اليسير‪( .‬لندن) المدينة‪ .‬ل�ن��دن الستينيات‪ ،‬حيث ال �ه��دوء واألمان‬ ‫وذاك��رة ل��دي تحتفظ بنص أجهل إل��ى من والجمال) ص‪ ،450‬من هنا ينبغي أن أبدأ‪..‬‬

‫ن�ه��اره��ا س��وط‪ ،‬ليلها م��ال��ح‪/‬ب��ره��ا شاه ٌد مسدلة ال�س�ت��ار على ف��وض��ى العالقات‪،‬‬ ‫أخرس‪/‬وعر كل ما فيها]‪.‬‬ ‫وفوضوية الرغبات‪ ..‬على شتات (ناجي‬ ‫الشخصية الرئيسة ف��ي (سنين مبعثرة) متخبطة أو نزوات متعددة‪.‬‬

‫‪28‬‬

‫اجلوبة ‪ -‬صيف ‪1430‬هـ‬


‫له في الغربة التي يرى (شاخت) أنها السطو أو‬ ‫السلب‪ ،‬أو التغريب‪ ،‬أو األخ��ذ‪ ،‬أو االنتماء إلى‬

‫ناجي لورنس‬ ‫كان مراهقاً يوم أن فتن بـ (كولييت) الشابة‬

‫آخر والتعلق به‪ .‬غربة ناجي من التعلق بوالديه‪،‬‬ ‫وانتماء إلى آخر‪ ،‬أخذه من حضن والديه الكهلين الفرنسية‪ ،‬زوجة جارهم العم (ألفونس)‪ ،‬حيث‬ ‫في ضاحية من ضواحي لندن المتواضعة‪ ،‬إلى كانت تصغر ألفونس بأكثر من ‪30‬عاماً (ص‪.)33‬‬ ‫حي من أحيائها‪ ،‬ك��ان بانتقاله (على وع��ي تام أم��ا ن��اج��ي‪ ،‬فكان طالباً ف��ي مراحله الدراسية‬ ‫بالثمن الذي كان عليه أن يدفعه في مسيرة حياته األخ� �ي���رة‪ ،‬وق���ت أن ت��أس �س��ت ع�لاق �ت��ه‪ ،‬وبعد‬

‫دراس����ـ����ـ����ـ����ـ����ـ����ـ����ـ����ـ����ـ����ـ����ـ����ـ����ات‬

‫(ناجي ل��ورن��س) وه��و ينتقل‪ ،‬مع أول تجربة بنيانها‪ ،‬كما سنرى مع ناجي‪ ،‬أو مع دافني‪.‬‬

‫المضنية‪ ،‬يبحث عن الحب‪ ،‬والحقيقة‪ ،‬وليعرف (امتالكه لقطعة مالبس كولييت َو َ​َّل��د في داخله‬ ‫طبائع األشياء) ص‪ ،12‬وقد أتى هذا الوعي بعد شغفاً شديداً تجاه صاحبتها) ص‪ .37‬كما بدا‬

‫فوات األوان‪ ،‬بعد هدر الجهد والطاقة والشباب لنا في ميعة الطفولة وعدم النضج أثناء تعامله‬ ‫وضياع العمر في الركض خلف امرأة لم يحسن مع ما شعر به تجاه زوجة جارهم الكهل‪ ،‬حيث‬ ‫اختيارها‪ ..‬ولم يقف على أرضية تحدد ما يريد (ك��ان مندهشاً مما ه��و مقدم عليه م��ن تناوله‬ ‫م��ن ال�م��رأة المبتغاة‪ ،‬ب��دءاً بـ(كولييت)‪ ،‬إل��ى أن الكحول معها‪ ،‬وهو دون السن القانونية‪ ،‬ال يزال‬

‫انتهت به رحلة سنواته المبعثرة مع (شنيد)‪.‬‬ ‫في صغره‪( ..‬أح��ب الكتب‪ ،‬ول��م يكن يلتفت‬ ‫للُّعب التي يراها عند أقرانه وأطفال الجيران‪،‬‬ ‫اللعبة الوحيدة التي الزمته أيام طفولته كانت‬ ‫ف��رس �اً خ�ش�ب�ي�اً‪ ،‬اش �ت��راه��ا ل��ه أب ��وه ه��دي��ة عيد‬

‫في السابعة عشرة والنصف من العمر) ص‪،41‬‬

‫الكحول ولندن‪ ..‬سهرات لندن‪ ..‬مقاهي لندن‪..‬‬ ‫وه��و البريطاني األص��ل‪ ،‬وإن أش��ار اسمه األول‬ ‫(ناجي) إلى االنتماء الشرق أوسطي!!‬ ‫هل لفترة دراسة الساردة العمانية في لندن‪،‬‬

‫م �ي�لاده ال �س��ادس) ص‪ ،16‬ف��رس �اً صنعت منه وسنوات تواجدها الطويلة هناك عامل أسهم في‬ ‫فارساً أغرى النساء‪ ،‬وتبعثرت ألجلهن سنوات تبلور هذا العمل الروائي؟!‬ ‫عمره‪ .‬هل بسبب كونه (شخص متذبذب وال‬

‫لندن‪ ،‬وترك األثر في الذاكرة السردية‪ ،‬وخليط‬

‫رسوخ في حياته‪ ،‬أم ألنه شخص من دون روابط م��ن ال��دم��اء اإلنجليزية والفرنسية واألفريقية‬

‫اجتماعية)؟ ص‪ ،383‬وي�ك��اد وضعه يتفق وما والفنزويلية‪ ،‬وشيء من الدماء الشرق أوسطية‪،‬‬

‫ذه��ب إليه عالم االجتماع دورك��اي��م‪ ،‬بخصوص ربما أرادت الساردة رفع الستار عن لندن المكان‬ ‫االغ�ت��راب الناتج عن التحول من المجتمعات والزمان‪ ،‬أو لندن الصخب والهدوء؛ لندن الثقافة‬ ‫الصغيرة إل��ى مجتمع المدينة المعقد‪ ،‬بحيث وال�ع��رب��دة‪ ،‬لندن األج�ن��اس المتعددة‪ ،‬واألعراق‬ ‫يصل الفرد إل��ى فقدان السعادة البشرية‪ ،‬أو المشتتة‪ ..‬وشتات ناجي‪ ،‬ناجي الذي (قبل رحيله‬ ‫تفشي حاالت االكتئاب‪ ،‬والتشاؤم‪ ،‬والقلق‪ .‬ولن للجامعة بيومين‪ ،‬احتفلت األس��رة بعيد ميالده‬ ‫نستغرب إذا فقدت الشخصية اتزانها‪ ،‬أو تصدع الثامن عشر) ص‪ ،23‬نجح في امتحانات الثانوية‬

‫اجلوبة ‪ -‬صيف ‪1430‬هـ ‪29‬‬


‫بتفوق‪ ،‬وصار أول فرد في األسرة يتمتع بتعليم الصحيفة) ص‪ ،64‬و(بعد شهرين من انضمامه‬ ‫ثانوي‪ ،‬ويتأهل للجامعة‪ .‬رأى في الجامعة المكان للصحيفة ت�ع��رف إل��ى إح ��دى زم�ي�لات��ه وتدعى‬ ‫ال��ذي يهيئ له الحرية واالن�ط�لاق‪ ،‬عكس ضيق ري�ت�ش��ل) ص‪( ،51‬ام ��رأة ف��ي العقد ال�ث��ال��ث من‬ ‫المكان‪ ،‬ومحدودية النطاق في بيتهم وحارتهم‪ ..‬عمرها‪ ،‬متزوجة من رجل يكبرها بأعوام كثيرة‪،‬‬ ‫وصداقات جديدة‪ ،‬أيضاً‪.‬‬

‫عربي‪ ،‬يدعى حمزة ال��درع) ص‪ ،53‬وه��ي تبوح‬

‫كان ي��درك أهمية مكتبة الجامعة في توفير لناجي قالت‪( :‬تزوجت من حمزة بمجرد تخرجي‬ ‫الكثير من المعلومات له في مجال يحبه جداً‪ ،‬من الجامعة وانخراطي في العمل‪ )..‬ص‪ ،57‬لم‬

‫وهو االقتصاد‪ .‬في الجامعة‪ ..‬استطاع تحقيق تكن على وفاق مع زوجها‪ ،‬فرأت في ناجي طوق‬ ‫ال �ن �ج��اح‪ ،‬وأص �ب��ح األس ��ات ��ذة ي�ط�ل�ب��ون م�ن��ه حل نجاة‪ ،‬ولكن‪ ..‬وقبل التعمق في العالقة العاطفية‪،‬‬

‫المعضالت التي يعجز عنها بقية الطالب‪ ،‬لم (ذات يوم لم تأت ريتشل للعمل‪ ،‬ولم تتصل به‪..‬‬ ‫يلتفت للمعجبات‪ ،‬وانطلق في التحصيل العلمي وه�ك��ذا انتهت قصة غ��رام أخ��رى) ص‪،65-66‬‬ ‫ال لما كان يعتمل في قصة غ��رام أخ��رى إذا نظر لعالقته مع كولييت‬ ‫كالسهم!! ولنا أن نعود قلي ً‬ ‫ذهنه وهو يغادر الثانوية إلى الجامعة‪ ..‬كان يفكر أنها عالقة عاطفية مع شاب لم ينضج بعد‪ .‬أو‬

‫في صداقة الفتيات الجميالت‪ ،‬وما أن انخرط وضعناها في الخانة األول��ى في قائمة سلسلة‬ ‫في معترك الجامعة‪ ،‬حتى ظهر لنا عدم التفاته غراماته التي سنراها‪.‬‬ ‫للمعجبات!!‬

‫س�ل�س�ل��ة غ ��رام ��ات (م �ب �ع �ث��رة) م �س �ت �م��رة في‬

‫هل هو صراع بين رغبات النفس وغرائزها‪( ،‬س �ن��وات��ه) األغ���رب ف��ي ع�لاق��ات�ه��ن‪ ،‬ع�لاق�ت��ه بـ‬ ‫(دافني) أو عالقة (دافني) به‪ ،‬بعد انتقاله للعمل‬ ‫وبين إرادة التنفيذ لتلك الرغبات والغرائز!؟؟‬ ‫أحسنت الساردة عملية االنتقال والتنقل من‬ ‫زم��ن إل��ى آخ��ر‪ ..‬أعني من الزمن الحاضر إلى‬ ‫الزمن الماضي‪ ،‬لتعود بنا برشاقة إل��ى الزمن‬ ‫الحاضر‪ .‬هل نصنف الرواية ضمن روايات تيار‬ ‫الوعي‪ ..‬على اعتبار أن الترابط الزمني فيها غير‬

‫من صحيفة في ضاحية‪ ،‬إلى صحيفة في لندن‬

‫المدينة‪ ،‬حيث تولى تحرير الصفحة االقتصادية‪،‬‬ ‫وكانت سكرتيرته (دافني)‪.‬‬

‫دافني‬ ‫(سيدة متقدمة في العمر‪ ..‬حاولت التقاعد‬

‫مرتب ترتيباً منتظماً‪ ،‬نَق ُ‬ ‫ُص فيه زمن الماضي عدة مرات) ص‪( ،78‬أسرتها بريطانية األصل‪..‬‬ ‫والحاضر والمستقبل؟‬ ‫سبق أن نزحت إلى جنوب أفريقيا) ص‪...( ،81‬‬ ‫انقضت أيام الدراسة ونجح بتفوق‪ ،‬ولم يكن ناجي يصغرها بسنوات عدة) ص ‪ ,147‬صارحته‬ ‫انتقاله لميدان العمل صعباً‪ ،‬إذ بدا العمل في ب��ذل��ك (أن ��ا أص �غ��رك ب��أع��وام ك�ث�ي��رة) ص‪،187‬‬ ‫صحيفة‪ ،‬ون��راه ي�ق��ول‪( :‬ن��زح��ت لهذه الضاحية (قررت أال تقبل بدور امرأة تجاوزها الزمن‪)...‬‬ ‫بعد تخرجي من الجامعة مباشرة للعمل في هذه ص‪ ،149‬فكان أن أخذت تنسج الحبال كي توقع‬

‫‪30‬‬

‫اجلوبة ‪ -‬صيف ‪1430‬هـ‬


‫ال عن ال��زواج منها‪،‬‬ ‫لم يعطها اهتماماً في األشهر التي قضتها معه ان��وي االرتباط بامرأة‪ ،‬فض ً‬

‫في أج��واء العمل) ص‪ ،168‬إال أنها (دخلت إلى أنا متزوج من هوايتي وحبي الكبير وهو البيانو)‬ ‫حياة ناجي بعد أشهر من المالحقة المستمرة) ص‪ ،85‬كيف أوه�م��ت نفسها ب��ه‪ ،‬حتى تفاتحه‬ ‫ص‪ ،174‬ورغم ذلك كانت تعاني صراعاً داخلياً‪ ،‬بها؟! أو كيف كان وقع المواجهة على أنوثتها وهو‬ ‫و(‪ ..‬تتساءل عن الذي يغري الشاب ناجي‪ ،‬وهي يكبرها بـ(‪ )25‬عاماً؟! انكسار نفسي أسس ألي‬

‫في ه��ذا العمر المتقدم ليقترن بها في عالقة شيء سنراه في مستقبلها ال��ذي جاء مع ناجي‬ ‫عاطفية) ص‪ ،159‬كثيراً ما (تأملت الشاب مفتول وقد تقدمت في العمر!!؟‬ ‫العضالت‪ ،‬ونظرت لجسدها العجوز المترهل‪،‬‬

‫دراس����ـ����ـ����ـ����ـ����ـ����ـ����ـ����ـ����ـ����ـ����ـ����ـ����ات‬

‫ناجي في الفخ‪ ،‬أو في شباكها‪ ..‬بيد أن ناجي (‪ ..‬ص‪ ،84‬لكنه بعد مدة من معرفتها به‪ ،‬واجهها (ال‬

‫الرجل الثاني دكتاتور عسكري‪ ،‬قرأت إعالناً‬

‫وعلمت أن العمر قد فعل فيها فعلته القاسية عن طلب سكرتيرة خاصة إلدارة وتنظيم األعمال‬

‫الرهيبة) ص‪ ،168‬بينما ناجي (وهو يتخبط في اليومية‪ ،‬لرجل يقيم بمفرده في لندن (‪ ..‬دكتاتور‬ ‫هواجسه الهوجاء‪ ،‬شعر كأنه تلميذ وقف أمام عسكري برتبة مشير‪ ،‬هرب بعد اإلطاحة بحكمه‪،‬‬ ‫م��دي��رة م��درس��ة) ص‪ ،173‬ل��ذا ك��ان‪ ،‬وه��و معها‪ ،‬ليبقى في لندن تحت الحماية البريطانية‪ ،‬حتى‬ ‫وهي تفرض عليه حضورها وغرامها به‪ ،‬وتلزمه يستعيد كرسي الحكم) ص‪ ،95‬لكنّ دافني‪ ،‬وبعد‬ ‫بها‪ ،‬ك��ان يخاطب نفسه (أي��ام الحياة بالنسبة ف�ت��رة العمل ل��دي��ه‪ ،‬وثقته بها واطمئنانه إليها‬

‫ل��ي مقيدة‪ ،‬والب��د م��ن التمتع بها قبل زوالها) (فشلتْ في إقناع الرجل بالزواج منها) ص‪،102‬‬ ‫بسكتة‬ ‫ٍ‬ ‫وظلّت مع ُه إلى أن (م��ات المشير فجأة‬ ‫ص‪.174‬‬ ‫للجلوس على كرسي الرئاسة)‬ ‫ِ‬ ‫حادةٍ ‪ ،‬قبل العود ِة‬ ‫ام��رأة تقتحم عواطف ش��اب ق�س��راً‪ ،‬وتضمه‬ ‫ص‪.110‬‬ ‫إليها سلباً‪ ،‬كيف أمكنها عبور شط حياتها وهي‬ ‫عملت بعدها ف��ي الصحافة‪ ،‬ف��ي الصفحةِ‬ ‫شابة في شعلة الشباب وتوقده؟‬ ‫كانت ل�ـ (داف �ن��ي)‪ ،‬قبل احتكاكها ب�ـ (ناجي)‬ ‫ع�ل�اق��ات ع� ��دة‪ ،‬ت�ن�ط��ق ب �ل �س��ان ال �ب �ع �ث��رة وحس‬ ‫التخبط‪ ،‬أو تضج بحيرة امرأة تبحث عن مستقر‬ ‫ومقر‪..‬‬ ‫بعد تخرجها وانتقالها إلى لندن‪ ،‬قررت تعلّم‬

‫االقتصاديةِ ‪ ،‬وك��ان أول محرر للصفحةِ عملت‬

‫�دد من‬ ‫م �ع��ه‪( ،‬ه��ان��ري أل �ب��رت ي�ك�ب��ر داف �ن��ي ب �ع� ٍ‬

‫السنين) ص‪( ،113‬وبعد فترة وجيزة من العمل‪،‬‬ ‫تحولت دافني من مجرد سكرتيرة لهانري إلى‬

‫عشيقته) ص‪!!114‬‬

‫سرعة ال��زم��ن ف��ي ال��رواي��ة تواكبها السرعة‬

‫الموسيقى على يد مدرس‪ ،‬وكانت أول عالقة لها في نشوء العالقات العاطفية بين شخصياتها‪،،‬‬ ‫برجل‪..‬‬ ‫كأنما الهم األساس إقامة العالقات! هانري رجل‬ ‫مدرس الموسيقى (أنغوس مكفارلند)‪( ،‬رجل متزوج‪ ،‬له أبناء‪ ،‬يشتكي كوابيس منتصف الليل‬

‫يكبرها بما ال يقل عن خمسة وعشرين عاماً) لمرض ألم به أو عانى منه‪ ،‬وكانت تجاهد معه‬

‫اجلوبة ‪ -‬صيف ‪1430‬هـ ‪31‬‬


‫أثيوبية تُدْعَ ى أسمرينا‬ ‫ٍ‬ ‫فتاةٍ‬

‫خ��وف �اً عليهِ (‪ ..‬الكابوس‬

‫م��ن ال� �س ��ودان‪ ،‬وب �ع��د رحيله‬

‫م �ص��دره م��ا ك ��ان ي �ق��وم به‬

‫م��ن ال� �س ��ودان (رح� ��ل وترك‬

‫أي� � ��ام ال � �ح� ��رب العالمية‬

‫خلفه أسمرينا وه��ي حامل)‬

‫الثانية) ص‪ ،115‬ووقوعه‬

‫ص‪ ،141‬الطفل الذي حملت‬

‫أس� �ي���راً ف ��ي أي � ��دي جيش‬

‫به سفاحاً‪ ،‬هو من أجهز عليه‬

‫األل� �م ��ان‪ ،‬وم � ��روره بمحنة‬

‫بعد م��رور س�ن��وات م��ن تركه‬

‫ح�ت��ى وص��ل ب��ه األم ��ر إلى‬

‫العسكرية‪..‬وفي أوج عالقته‬

‫ح��ال��ة نفسية مضطربة‪..‬‬

‫بـ دافني (بينما هو يقف أمام‬

‫تلك الكوابيس قضت عليه‬

‫البنك‪ ..‬أطلقت النار عليه من‬

‫وعلى حياته‪ .‬في حين أن‬

‫جهة غير معلومة) ص‪،143‬‬

‫نتيجة ان�ت�ه��اء خ��دم��ة والد‬

‫وقضت عليه‪ ..‬القاتل أسمه‬

‫(ناجي) العسكرية محارباً‬

‫(المنتظر المأسور)‪ ،‬أتى من‬

‫ف��ي ال �ج �ي��ش البريطاني‪،‬‬

‫أثناء الحرب العالمية الثانية مختلفة‪ ،‬بدليل أن ال�س��ودان خصيصاً للقضاء على وال��ده انتقاماً‬

‫ناجي يعتد بـ (خزانة خشبية مصنوعة من خشب لوالدته‪ .‬أحداث أقرب للسينمائية‪ ..‬لكنها تحدث‬

‫الجوز الخالص‪ ،‬أحضرها أبوه من ألمانيا بعد وتقع‪.‬‬

‫انتهاء الخدمة!!‬

‫جلبة رج ��ال ف��ي منطقة داف �ن��ي‪ ،‬ف�ه��ل نوت‬

‫(رج��ل في منتصف الستينيات من عمره‪ ،‬شغل‬

‫ال��س��اردة غ��ال�ي��ة أت�ق�ن��ت عملها ف��ي تصوير‬

‫توفي هانري‪ ،‬وعين خلفاً له في الصحيفة إسدال الستار على الجلبة بـ ناجي!؟‬

‫في الماضي مناصب عسكرية هامة‪ )..‬ص‪ ،125‬المجتمع األورب� ��ي ب�ع��رب��دت��ه وم�ج��ون��ه وصخبه‬ ‫يدعى هيربيرت أدموند‪ ،‬وأيضاً (دخلت دافني مع وجنونه‪ .‬رغم نجاحات ناجي المتكررة في عمله‬

‫هيربيرت في حقبة جديدة من العالقات الغرامية الصحفي‪ ،‬إال أنه يتخبط‪ ،‬أو ظل يتخبط‪ ..‬ها‬ ‫الدائمة‪ )..‬ص‪ ،130‬ولم أفهم مغزى الديمومة هو ينشر مقاالً يلفت نحوه األن�ظ��ار‪ ،‬موضوعه‬

‫ه �ن��ا!!‪ .‬ل��م ي �ت��زوج‪ ،‬وظ��ل أع��زب��اً‪ ،‬ك��ان مهووساً [قروض البنك ال�ت��ي يقدمها ل �ل��دول النامية]‪،‬‬ ‫ب��األس�ل�ح��ة ذات ال �ت��اري��خ ال�ع�س�ك��ري كمخلفات وبناء على هذا المقال‪ ،‬تمت إعارته إلى أفريقيا‬

‫ِ‬ ‫سجلُّه ح��اف� ٌل‬ ‫الحربين العالميتين‪ِ ،‬‬ ‫مراسل‬ ‫ٍ‬ ‫بالعالقات ل��دى صحيفة‪ ،‬وهناك أ ُطْ � ِل��ع على حياة‬ ‫النسائية‪ ،‬واستغالل عمله في المستعمرات‪ ،‬في وموسيقي‪ ،‬وشاعر شاب من مراسلي الصحيفة‪،‬‬

‫إقامة عالقاته مع النساء البائسات الصغيرات كتب ذات يوم قصيدة سياسية ترتب عليها سجنه‬ ‫منهن‪ ،‬والجميالت‪ ،‬حيث يمارس معهن نزواته في مكان معزول‪.‬‬

‫المتوحشة وملذّاته الخاصة‪ ،‬منها جرمه في حقِ‬

‫‪32‬‬

‫اجلوبة ‪ -‬صيف ‪1430‬هـ‬

‫ك��ان م��ن الممكن أن يستثمر ن��اج��ي قدراته‬


‫عن إقامة عالقة مع زوج��ة رئيس وزراء الدولة في ع��ام‪1948‬م‪ ،‬أودى بحياتهما‪..‬ونجوت أنت)‬ ‫األفريقية‪ ،‬لم يُ ْكتَب لهذه العالقة أن تستمر‪ ،‬ص‪ ،293‬أدرك حقيقته وهويته‪ ،‬وتركت (غالية‪/‬‬

‫حيث تم قطع إعارته النقالب محتمل‪ ،‬وخشوا الساردة) في ذهني أسئلة عدة‪ ،‬وعالمات تعجب‬ ‫على الرعايا هناك‪ .‬االنقالب وقع وأودى بحياة لم تقلل من عملها السردي‪ ،‬ودق��ة إتقانها عند‬ ‫رئيس الوزراء‪.‬‬

‫تسيير دفة األحداث لصالح العمل‪.‬‬

‫ت�خ�ب��ط ال �ف��رد ف��ي ع�لاق��ات��ه‪ ،‬ق�ل��ق نفسي‪..‬‬

‫ل��ن ن �خ��رج ع��ن ن��اج��ي وس�ن�ي�ن��ه ال�م�ب�ع�ث��رة أو‬

‫فراغ ينهش زوايا المكان‪ ،‬من ذلك تخبط ناجي‬

‫بعد وصوله نهاية الخمسينيات‪ ،‬وصلته دعوة‬

‫دراس����ـ����ـ����ـ����ـ����ـ����ـ����ـ����ـ����ـ����ـ����ـ����ـ����ات‬

‫وإمكاناته‪ ،‬إال انه وهو في فترة إعارته‪ ،‬لم يتوان ال �ط��ب‪ ،‬ولكنهما تعرضا ل �ح��ادث سير مؤسف‬

‫وتذبذب سلوكي‪ ،‬وربما صعوبة تحديد هدف‪ ،‬أو المتعثرة‪ ،‬إلى أين وصلت!‬

‫(أهدر وقتاً ثميناً من عمره مع دافني‪ ،‬في عالقة إللقاء محاضرة في شمالي بريطانيا أمام كلية‬ ‫م�ف��روض��ة ع�ل�ي��ه‪ ،‬وال تحمل المعنى الحقيقي الصحافة‪ ،‬ع��ن دور الصحافة ف��ي المجتمع‪..‬‬

‫للمحبة وال ��ود) ص‪ ،288‬أي شخصية مهزوزة ألقى المحاضرة‪ ،‬وف��ي طريق عودته إل��ى لندن‬ ‫تلبسته‪ ،‬كي يسمح بفرض عالقة دافني عليه؟‬ ‫بالقطار‪ ،‬تعرّف على فتاة من أمريكا الالتينية‪،‬‬ ‫وم��ن يستطيع إج�ب��ارك على عالقة عاطفية من فنزويال‪ ،‬تدعى (غابريال)‪ ..‬حكت الساردة‪،‬‬

‫ال مكتمالً‪ ،‬ذكياً‪ ،‬ناجحاً في حياتك وأت��ت على سطحيّة ت�ك�وّن العالقة وسرعتها‪،‬‬ ‫إن كنت رج ً‬

‫ومهنتك؟‬

‫وبقاء الفتاة معه مدة أسبوع قبل أن يرتب للزواج‬

‫هل لجينات الشرق األوسط تدخل‪ ،‬أو معاناته بها‪ ،‬وقد كان (‪ ..‬على مشارف العقد السادس‬ ‫لقلق مذ لمس اختالف األلوان فـواقع بينه وبين من العمر‪ ،‬وفي حالة من اليأس) ص‪ ،328‬تزوجا‪،‬‬ ‫ٍ‬ ‫والديه‪ ،‬لون الشعر‪ ،‬لون العينين‪ ،‬لون البشرة‪ .‬علمت دافني بعالقته بها‪ ،‬اشتعلت لديها غيرة‬ ‫اغترب عن والديه طلباً للعلم‪ ،‬وم��ن ثم العمل‪ ،‬النساء‪ ،‬حاولت عرقلة ال��زواج‪ ،‬رتبت للمحاولة‪،‬‬

‫ف�ك��ان��ت ال�ض��ري�ب��ة روح��ي��ة‪ ،‬ون�ف�س�ي��ة‪ ،‬وفكرية‪ ،‬لكنها فجأة هدأت واستكانت دون مبرر‪.‬‬ ‫وجسدية‪ ..‬وألن القدر قرر أن يكشف له عن سر‬

‫وقد تسبب إدمانه على المسكرات في انهيار‬

‫دفين خبأه عن وال��ده‪ ،‬أت��اه من يخبر أن والده عالقته بزوجته (غابريال)‪ ،‬أو ربما هي هجرته‬ ‫يعاني ب��ؤس الشيخوخة وت�ح��رش المنية فيه‪ ..‬إلى عشيق آخر (فرناندو)‪ ،‬ووضعت إدمانه على‬

‫مشهد‪ ،‬أو لقطة سينمائية تقليدية جداً‪ ،‬طرقت طاولة الحجة‪.‬‬ ‫كثيراً‪ ..‬بحيث لم تعد الذائقة السردية تقبل بها‪:‬‬

‫البعثرة استمرت‪ ..‬فقد لجأ إلى وسيلة جديدة‬

‫(ك��ل م��ا ف��ي األم ��ر ه��و أن �ن��ا وأم ��ك تبنيناك للعثور على امرأة بديلة‪ ،‬تقاسمه الحياة أو تمأل‬

‫وع �م��رك ث�لاث��ة أي� ��ام ف� �ق ��ط‪ )..‬ص‪( ،292‬أتى ف��راغ��ه‪ ،‬وسيلة المتناقضات‪ ،‬وه��و يقترفها‪..‬‬

‫أبوك وأمك إلى بريطانيا طالبين لتكملة دراسة ألنها تُناسب رجال فارغا سطحيا ساذجا‪ ،‬بيد‬

‫اجلوبة ‪ -‬صيف ‪1430‬هـ ‪33‬‬


‫أن ناجي لجأ إليها‪ ،‬وهي إعالنات الراغبات في وهو تخلي علوان عنها‪ ،‬عند دخولها في عمر ال‬ ‫إقامة عالقة برجل أو الزواج منه‪ ،‬اإلعالن أرشده تستطيع فيه االعتناء بنفسها) ص‪ .378‬إال أنها‬ ‫إلى (شنيد)‪ ..‬فتاة في الثالثين من عمرها‪ ،‬في (استسلمت أخيراً لغفوة أبدية بعد حياة مثيرة‬ ‫أول لقاء به معها روت له حكايتها‪ ،‬حكاية حبلى حافلة بالعمل‪ ،‬والطيش والعبث والمشاغبة‪ .‬ماتت‬

‫بالمآسي‪ ،‬لم تطل فترة عالقة ناجي بها؛ بسبب بعد أن تالعبت باألعراف االجتماعية الصارمة‬

‫قتلها‪.‬‬

‫التي قيدتها‪ ،‬بسبب انحدارها من وسط يقدّ س‬

‫انصرف يبحث عن سر قتلها‪ ،‬في حين أن التزمت والتقاليد) ص‪.279‬‬

‫«دافني» التي تحطم قلبها و(تمنت أن تتبنى طفلة‬

‫تحطم قلوب ال��رج��ال عندما تكبر‪ )..‬ص‪،297‬‬

‫جددت عالقة أخرى مع شاب ساقه القدر إليها‪،‬‬ ‫شاباً أفريقياً عازفاً للقيثارة‪ ،‬يشبه عازف القيثارة‬

‫األمريكي (جيمي هند يريكس)‪ .‬ويدعى سيوم‬ ‫علوان أحمدو‪ ،‬هو الصحفي الشاعر والموسيقي‬ ‫نفسه‪ ،‬ال ��ذي كتب قصيدة زج��ت ب��ه ف��ي أتون‬

‫التأريخ أو األعمار أو زمن الزمن في‬ ‫سنين مبعثرة‬ ‫وأنا أتناول الرواية كنت أشتم رائحة خلخلة‬

‫في التاريخ‪ ،‬أثّرت على ضبط األعمار‪ ،‬وأربكت‬ ‫ال��زم��ن‪ ،‬ورب �م��ا ام�ت��د ال��زم��ن ف�ي�ه��ا‪ ،‬أو ال أدري‬

‫بالضبط‪ ..‬لذا سأكتفي باإلشارة إلى المواضع‬

‫والشك الذي وقعت فيه‪..‬‬

‫ال�س�ج��ون‪ ،‬وح ��دثَ عنه ن��اج��ي عند إع��ارت��ه إلى‬ ‫أفريقيا‪ ..‬مع أن دافني (‪ ..‬بدأت تتقدم في العمر ‪ ..( -‬أنا وأمك تبنيناك وعمرك ثالثة أيام فقط)‬ ‫ص‪292‬‬ ‫يوماً بعد يوم‪ ،‬وتزايدت التجاعيد على وجهها‪،‬‬ ‫وترهلت عيناها‪ ،‬وذبلت بشرتها) ص‪ ،208‬حدثت ‪( -‬تعرضا لحادث سير مؤسف في عام ‪1948‬م)‬ ‫ص‪293‬‬ ‫نفسها بذلك بعد شهر من عالقتها بناجي‪ ..‬فكيف‬

‫بها اآلن وقد أحبّت‪ ..‬وتزوجت الشاب األفريقي؟! ‪ -‬قبل رحيله للجامعة احتفلت األس ��رة بعيد‬ ‫وقد قالت لناجي في بداية عالقته بها (لم يبق‬ ‫ميالده الثامن عشر‪.‬ص‪23‬‬

‫من عمري سوى القليل‪ ،‬وكل ما أطلبه منك أن‬ ‫تتحملني‪ ،‬ولو ألعوام قليلة قادمة‪ ،‬لم يعد أمامي‬ ‫متسع من الوقت‪ ،‬والعمر قد انقضى منه الكثير‬ ‫وشمسي آل��ت للمغيب) ص‪ ،190‬لكنها رجعت‬

‫(وتم زواج دافني وسيوم علوان في ذات الكنيسة‬

‫ نزح للضاحية بعد تخرجه من الجامعة مباشرة‪.‬‬‫ص‪63‬‬

‫ ب�ع��د ش�ه��ري��ن م��ن ان�ض�م��ام��ه للصحيفة في‬‫الضاحية تعرف على ريتشل‪.‬ص‪51‬‬

‫التي تمت فيها مراسيم تأبين هنري وهيربيرت) ‪ -‬كان ناجي يصغر دافني بأعوام كثيرة عندما‬ ‫تعرّف عليها‪.‬ص‪187‬‬ ‫ص‪ ،366‬دافني وهي تتجه نحو الشيخوخة بعكاز‬

‫متداعي ‪0‬ظل خوف واح��د ينتابها‪ ،‬ويسبب لها ‪ -‬وصل نهاية الخمسينيات من العمر‪ .‬ص‪،308‬‬ ‫كابوساً مستمراً يهاجمها في صحوها ونومها‪،‬‬ ‫وفي الوقت ذاته وصله خبر وفاة والدته عن‬

‫‪34‬‬

‫اجلوبة ‪ -‬صيف ‪1430‬هـ‬


‫ رأى النور وهما (أي والديه) في العقد الرابع الفوكالند التي شنتها بريطانيا على األرجنتين‪،‬‬‫رقصة الدراويش وبول روم‪ ،‬ورقصة قبائل جبال‬ ‫من العمر‪.‬ص‪15‬‬ ‫ عندما رت��ب ل �ل��زواج ب�ـ (غ��اب��ري�لا)‪ ،‬ك��ان على‬‫مشارف العقد السادس من العمر ص‪.328‬‬

‫اآلندي البيروفية‪ ،‬ورقصة الفالمنجو األسبانية‪،‬‬

‫ف�ن��دق ب��راوت��ز وف�ن��دق ال�س��اف��وي ف��ي الستراند‬

‫المطل على نهر التايمز‪ ،‬األكاديمية الملكية‬

‫ كان أنغوس يكبر دافني بما ال يقل عن ‪25‬عاماً‪ .‬للفنون‪ ،‬بنك الستي أوف لندن‪ ،‬مدينة برايتون‬‫ص‪.48‬‬ ‫الصيفية‪ ،‬مستشفى سنت تومس‪ ،‬كلية بيرباك‪،‬‬

‫دراس����ـ����ـ����ـ����ـ����ـ����ـ����ـ����ـ����ـ����ـ����ـ����ـ����ات‬

‫عمر يناهز الثامنة والثمانين‪.‬ص‪.309‬‬

‫وصحيفة ال �غ��اردي��ان وج��ري��دة ال�ت��اي�م��ز‪ ،‬حرب‬

‫ هانري كان أيضاً يكبرها بعدد من السنين‪ .‬قاعة اآلل�ب��رت المستديرة‪ ..‬وهناك الشوارع‪:‬‬‫ص‪.113‬‬ ‫ش��ارع س��اوث ستريت قريب من ش��ارع كروزن‪،‬‬ ‫ بعد وفاة هيربيرت كانت دافني قد وصلت إلى ش��ارع سنت جيمز‪ ،‬ش��ارع نكلوك ب��ارك‪ ،‬شارع‬‫ب��ردر في حي سوهو شهير بالمالهي الليلية‪،‬‬ ‫مشارف الستين من عمرها ص‪.145‬‬

‫ ليلة رأس السنة للعام ألفين‪ .‬ص‪ ،478‬بعد‬‫آخ��ر عالقة نسائية ل��ه‪ ،‬ف��ي حساب بسيط‬ ‫لمعرفة عمر ناجي نطرح عام‪1948-2000‬‬

‫سنة حادث والديه ونجاته‪ ،‬وعمره ثالثة أيام‬ ‫واحتضان والديه له =‪52‬سنة‬

‫‪ 52=1948-2000‬عمر ناجي‪.‬‬ ‫سنوات غربته ‪ 34=18-52‬سنة‪.‬‬

‫ثقافة المكان وثقافات أخرى‬ ‫لم أكن راوية فقط‪ ،‬بل كنت أتجوّل في شوارع‬

‫وأحياء ومقاهي وأمكنة في لندن‪ ،‬بصحبة كتاب‪،‬‬

‫أو أتأمل في معلم سياسي أو فكري وثقافي‪..‬‬

‫ش���ارع دوف���ر ال �ق��ري��ب م��ن ش���ارع ب��ون��د‪ ،‬شارع‬

‫ب��روم �ت��ون‪ ،‬ش��ارع أك �س �ف��ورد‪ ،‬ش��ارع ك�ن��ز‪ ،‬شارع‬

‫النكاستر غيت‪ ،‬شارع أودلي في حارة ماي فير‪.‬‬

‫أما الحواري والمناطق واألحياء‪ :‬حارة وست‬

‫ب��ورن غ��روف‪ ،‬منطقة ش��ور بشاير القريبة من‬

‫مقاطعة ويلز‪ ،‬منطقة إيلنغ‪ ،‬ح��ارة كينسنغتون‪،‬‬ ‫منطقة الستراند‪ ،‬حارة هولند بارك‪ ،‬حي بورتو‬

‫بلو‪ ،‬حارة جرين بارك قرب حي ماي فير القديم‪،‬‬ ‫منطقة الوست إند‪ ،‬منطقة سوهو‪ ،‬منطقة سنت‬ ‫جيمز‪ ،‬منطقة بترسي‪ ،‬ح��ارة فيكتوريا‪ ،‬حارة‬

‫وترلو‪.‬‬

‫ح� ��واري وأح��ي��اء وم �ن��اط��ق وم���دن ومكتبات‬

‫لماذا؟ ألن الرواية رحلة سياحية‪ ،‬دار األوبرا في ومقاهي وش ��وارع وك�ت��ب وم�ف�ك��رون وسياسيون‬ ‫كوفنت غاردن‪ ،‬حديقة باركلي‪ ،‬كاتدرائية القديس وغيرهم مما تضيف إل��ى ف��ن ال�س��رد وحبكته‪،‬‬ ‫ب��ول‪ ،‬وكاتدرائية ويست مينستر الكاثوليكية‪ ،‬وقوة البناء في الرواية‪ ،‬تضيف إليه كون الرواية‬ ‫المكتبة البريطانية‪ ،‬جريدة نيوز أوف ذا ورلد‪ ،‬مرجع سياحي‪.‬‬

‫* ‬

‫كاتبة وقاصة من السعودية‪.‬‬

‫اجلوبة ‪ -‬صيف ‪1430‬هـ ‪35‬‬


‫بني «السيرة الشعبية»‪ ،‬و«القصص الشعبية»‬ ‫الفروق والسمات‬

‫> يسري عبدالغني عبدالله*‬

‫المعنى والنسخة األميرية‬ ‫لقد عرف األدب الشعبي فن السيرة الشعبية‪ ،‬ذلك الفن الذي تمتزج فيه مجموعة‬ ‫فنون مختلفة‪ ،‬كالرواية والعزف والغناء والتمثيل في بعض األحيان‪ ،‬هذا الفن الذي تناقل‬ ‫عبر عصوره المختلفة حتى وصل إلينا في عصرنا الراهن‪ ،‬بعد رحلة غير يسيرة في قلب‬ ‫المجتمع العربي في ريفه وحضره‪ ،‬إلى أن قام بعض الناشرين بجمع بعض تلك السير‬ ‫الشعبية وطبعها في بدايات القرن العشرين‪ ،‬أو نحو ذلك‪.‬‬ ‫ويبدو أن الناشرين كانوا يعتمدون على‬ ‫نسخة معينة سموها (النسخة األميرية)‪،‬‬ ‫وعلى سبيل المثال‪ :‬صاحب مكتبة تسمى‬ ‫(مكتبة الجمهورية العربية) باألزهر في‬ ‫القاهرة‪ ،‬يقوم بنشر (سيرة ف��ارس اليمن‬ ‫الملك سيف بن ذي يزن)‪ ،‬من دون تاريخ‪،‬‬ ‫ويشير إل��ى أن��ه راج��ع نسخته المطبوعة‬ ‫على النسخة األميرية‪ ،‬وحالها بالصور‪.‬‬

‫تحريف‪ ،‬ويمكن للقارئ الكريم أن يراجع‬ ‫هذه السيرة في مجلدها األول‪.‬‬ ‫كما أشارت (قصة الزير سالم الكبرى)‬ ‫التي نشرتها المطبعة السعيدية‪ ،‬الكائنة‬ ‫بجوار األزه��ر‪ ،‬من دون تاريخ يوضح لنا‬ ‫وق ��ت ال�ط�ب��ع ب��ال�ت�ح��دي��د‪ ،‬وي �ب��دو م��ن نوع‬ ‫ال�ط�ب��اع��ة وال� ��ورق أن�ه��ا طبعت ف��ي بداية‬ ‫القرن العشرين‪.‬‬

‫ويشير الناشر نفسه في نهاية السيرة‪،‬‬ ‫ويضيف ناشر (الزير سالم)‪ :‬إن هذه‬ ‫في الجزء الرابع منها‪ ،‬إلى أن هذه النسخة ه��ي قصة ال��زي��ر س��ال��م ال�ك�ب��رى‪ ،‬أب��و ليلة‬ ‫األميرية مطبوعة سنة ‪ 1294‬هـ‪.‬‬ ‫المهلهل‪ ،‬فيها ما ك��ان من كليب وحسان‬ ‫وي��ذك��ر أي�ض�اً ف��ي (ص ‪ )319‬أن هذه اليماني وجساس بن مرة‪ ،‬وما وقع بينهم‬ ‫الطبعة كاملة وال ي��وج��د فيها نقص وال م��ن ال�ح��روب واأله ��وال بالتمام والكمال؛‬

‫‪36‬‬

‫اجلوبة ‪ -‬صيف ‪1430‬هـ‬


‫على أن��ه من الثابت من طريقة‬ ‫الطباعة والحروف وال��ورق واللغة‪،‬‬ ‫أن بداية القرن العشرين قد شهدت‬ ‫جمعاً لهذه السير والقصص‪ ،‬قامت‬ ‫به أكثر من مطبعة عربية‪ ،‬وتوافرت له أكثر من‬ ‫دار نشر‪.‬‬ ‫وت �ش �ي��ر ق ��وائ ��م م �ط �ب��وع��ات م�ط�ب�ع��ة بوالق‬ ‫المصرية ‪ -‬التي تحتفظ ببعضها دار الكتب‬ ‫المصرية بالقاهرة ‪ -‬إلى طبع (ألف ليلة وليلة)‬ ‫في جزأين سنة ‪1251‬هـ ‪1836 -‬م‪.‬‬

‫وم� ��ا زل� �ن ��ا ن �س �ت �م��ع إل� ��ى بعض‬ ‫المتقدمين ف��ي ال�س��ن ف��ي صعيد‬ ‫م��ص��ر‪ ،‬وف� ��ي غ �ي��ره��ا م ��ن البالد‬ ‫العربية‪ ،‬وهم ي��روون لنا بعضاً من‬ ‫السير الشعبية‪ ..‬ولعلنا كمتلقين ما‬ ‫زلنا موصلي المعرفة بالعديد من ه��ذه السير‬ ‫التي رويت وتروى في بالدنا‪ ،‬وعلى سبيل المثال‪:‬‬ ‫سيرة الملك سيف ب��ن ذي ي��زن‪ ،‬وس�ي��رة الزير‬ ‫سالم‪ ،‬وسيرة عنترة بن ش��داد العبسي‪ ،‬وسيرة‬ ‫الظاهر بيبرس المملوكي‪ ،‬وسيرة األميرة ذات‬ ‫الهمة‪ ،‬وسيرة حمزة العرب أو حمزة البهلوان‪،‬‬ ‫وسيرة علي الزيبق‪ ،‬وحكايات ألف ليلة وليلة‪،‬‬ ‫وسيرة بني هالل‪.‬‬

‫دراس����ـ����ـ����ـ����ـ����ـ����ـ����ـ����ـ����ـ����ـ����ـ����ـ����ات‬

‫فعبارته بالتمام والكمال تشير أو‬ ‫توحي لنا بوجود مصدر يعتمد عليه‬ ‫في المقارنة بين ما هو معروف في‬ ‫السيرة الشعبية‪ ،‬وما هو بين دفتي‬ ‫كتابه اآلن‪.‬‬

‫العربي يعرف يقيناً عدداً كبيراً من‬ ‫القصص الشعبي‪ ،‬جاء عن طريق‬ ‫ال��رواي��ة وال��رب��اب��ة‪ ،‬وج��اء ثانية عن‬ ‫طريق الطباعة‪.‬‬

‫كما طبعت قصص (كليلة ودمنة) التي عربها‬ ‫ع��ن ال�ف��ارس�ي��ة ال �ك��ات��ب ال�ع�ب��اس��ي ع�ب��دال�ل��ه بن‬ ‫ال عن قصص شعبي آخر عرف منذ‬ ‫هذا‪ ،‬فض ً‬ ‫المقفع‪ ،‬وقد جاءت هذه الطبعة في جزء واحد‪،‬‬ ‫وصدرت في نفس العام الذي صدرت فيه (ألف فترة ليست عريقة في القدم‪ ،‬أو قد تصل إلى‬ ‫ليلة وليلة) [أبو الفتوح رض��وان‪ ،‬تاريخ مطبعة عدة قرون‪ ,‬ترجع إلى بدايات العصر الفاطمي‬ ‫تقريباً‪.‬‬ ‫بوالق‪ ،‬ص ‪ ،461‬بتصرف]‪.‬‬ ‫ول�ك��ن ال �ع��راق��ة ال ت�ص��ل إل��ى أك�ث��ر م��ن مائة‬ ‫وهذا يعني أن ازده��ار الطباعة ال يقصد به‬ ‫البتة توقفها عند بعض أج��زاء من كتب التراث ع��ام‪ ،‬إن ل��م يكن أق��ل على وج��ه التقريب‪ ،‬مثل‬ ‫الفصيح‪ ،‬أو ال�م�ع��ارف الغربية المترجمة إلى قصة (حسن ونعيمة)‪ ،‬و(ياسين وبهية)‪ ،‬و(أيوب‬ ‫اللغة العربية‪ ،‬وإنما يعني أيضاً االهتمام البالغ المصري)‪ ،‬و(أدهم الشرقاوي)‪ ،‬و(سعد اليتيم)‪..‬‬ ‫ببعض آثار التراث الشعبي القديم‪ ،‬وال يستبعد وغيرها من قصص بدأَ يُنشر مؤخراً‪ ،‬وبدأ الرواة‬ ‫أن تكون عبارة (النسخة األميرية) السابق ذكرها يهجرون تحلقات أهل الريف والمستمعين في‬ ‫في طبعة سيرة فارس اليمن سيف بن ذي يزن‪ ،‬األرياف والمدن إلى أشرطة (الكاسيت) يسجلون‬ ‫إشارة إلى طبعة تمت بالفعل لسيرة الملك سيف عليها عدداً من القصص المحتوي على المواعظ‬ ‫والحكم والعِ بر‪.‬‬ ‫بالمطبعة األميرية ببوالق المصرية‪.‬‬

‫الرواية والربابة‬ ‫ع�ل��ى أي ح� ��ال‪ ..‬ف ��إن ال �ق��ارئ أو المستمع‬

‫وفي رأينا أن هذه القصص المسجلة موضوعة‪،‬‬ ‫وأنها من تأليف أو من صنع هؤالء المغنين‪ ،‬وأن‬ ‫شيئاً منها ال يمتد إلى أكثر من بضعة أعوام أو‬

‫اجلوبة ‪ -‬صيف ‪1430‬هـ ‪37‬‬


‫أشهر‪ ،‬ولكن البعض منها قد يمتد إلى أكثر من‬ ‫ذلك‪ ،‬بل ويختلط بالمدائح النبوية‪ ،‬التي تنشد‬ ‫أو تقال في المناسبات الدينية المختلفة لتحول‬ ‫الراوي إلى راوية سيرة‪.‬‬

‫بين فنين‬ ‫وال بد هنا أن نشير إلى فروق جوهرية مهمة‬ ‫بين (ال�س�ي��رة الشعبية) و(ال�ق�ص��ص الشعبي)‪،‬‬ ‫والتي بناء عليها نحدد السمات المميزة للفنين‪.‬‬

‫واستمراريته من خالل نماذج بشرية أكثر موافقة‬ ‫أو مالءمة للواقع المعاش‪ ,‬تستقي قصصها من‬ ‫الحياة اليومية العادية‪ ،‬بطلها إنسان عادي بسيط‪،‬‬ ‫عادة ما يكون فقيراً‪ ،‬مثل (حسن المغنواتي) في‬ ‫(حسن ونعيمة)‪ ،‬و(ياسين) الفالح الفقير في‬ ‫(ياسين وبهية)‪ ،‬واألمر نفسه ينطبق على (سعد‬ ‫اليتيم)‪ ،‬وعلى (أيوب المصري)‪.‬‬

‫ص دائماً ما يجد آذاناً مصغية على‬ ‫َص ٌ‬ ‫وهو ق َ‬ ‫المستويات كافة‪ ،‬أو مختلف الطبقات‪ ،‬كآذان‬ ‫ونحن نحاول في هذه السطور أن نبرز هذه الشباب والشيوخ والنساء والفتيات‪ ،‬بينما تجذب‬ ‫الفروق المهمة‪ ،‬نظراً لعدم وضوحها وإظهارها ال�س�ي��رة الشعبية جمهور ال��رج��ال ف��ي حلقات‬ ‫في بعض الدراسات التي اطلعنا عليها‪.‬‬ ‫تثير الحماسة والحمية عبر س�ه��رات وأسمار‬ ‫فالسير الشعبية تاريخية في المقام األول‪ ،‬ومنتديات‪.‬‬ ‫تعكف على ال�ت��اري��خ بهدف استخالص مادتها‬ ‫وقد تكون لها أهداف أخرى غير ذلك‪ ،‬إال أنها‬ ‫منه‪ ،‬سواء من تاريخ بالد اليمن القديم كسيرة عادة ما تحمل تضمين حال العصر؛ أي تعبر عنه‬ ‫الزير سالم أو الملك سيف بن ذي يزن‪ ،‬أو من أكثر من غيرها‪ ،‬ومثال على ذلك‪ :‬سيرة عنترة‬ ‫تاريخ األدب الجاهلي كسيرة الشاعر الفارس بن شداد التي هي محور كتاب (فن كتابة السيرة‬ ‫عنترة بن ش��داد العبسي‪ ،‬أو من تاريخ القبائل الشعبية) الذي ألفه د‪ .‬محمود ذهني باالشتراك‬ ‫العربية كسيرة بني هالل‪ ،‬أو من تاريخ مصر في م��ع األس �ت��اذ ف ��اروق خ��ورش�ي��د‪ ،‬وال ��ذي صدرت‬ ‫العصر المملوكي كسيرة علي الزيبق الذي قاوم طبعته األولى بالقاهرة‪ ،‬سنة ‪1961‬م‪.‬‬ ‫ظلم المماليك وطغيانهم‪ ،‬وكسيرة الملك الظاهر‬ ‫التعبير الضمني عن متغيرات المجتمع‬ ‫بيبرس‪.‬‬ ‫مما ال ريب فيه أن السير والقصص الشعبية‬ ‫وال��س��ي��رة ال �ش �ع �ب �ي��ة ت��ح��رص ع �ل��ى الهدف‬ ‫التاريخي في المقام األول‪ ،‬وال تتحول عنه حتى تعبر تعبيراً ضمنياً عن متغيرات المجتمع في‬ ‫نهاية ال�س�ي��رة‪ ،‬وأبطالها يتحولون إل��ى أبطال مجاالته الحياتية كافة‪ ،‬فهي صورة واعية مدركة‬ ‫قوميين‪ ،‬أو بمعنى آخر يتحولون إلى نماذج أو وفي الوقت نفسه مباشرة‪ ،‬وأبطالها يعبرون عما‬ ‫رموز بطولية‪ ،‬يضرب بها المثل‪ ،‬ويقتدى بها في يمكن أن نسميه (الوجدان الجمعي)‪ ،‬وذلك عن‬ ‫الشجاعة والبسالة واإلق��دام والفروسية‪ ،‬ونحو طريق إسقاط الواقع على حقبة تاريخية سالفة‪،‬‬ ‫ذلك مثل سيرة عنترة‪[ .‬حلمي بدير‪ ،‬أثر األدب بل وإسقاط المضمون الراهن (المعاصر) على‬ ‫الشعبي في األدب الحديث‪ ،‬ص ‪ ،53‬وما بعدها‪ ،‬مضمون تاريخي سالف‪.‬‬

‫ن��رى ف��ي ه��ذه السير وت�ل��ك القصص حقباً‬ ‫بتصرف]‪.‬‬ ‫أم ��ا ال�ق�ص��ص ال�ش�ع�ب��ي ف�ه��و ق�ص��ص يصور تاريخية‪ ،‬تبدأ أحياناً في شكل مقدمات تتحدث‬ ‫لنا في أغلبه ال�ص��راع من أج��ل ديمومة الخير ع��ن قصة ب��دء الخلق‪ ،‬ث��م تنتقل لتبدأ الرحلة‬ ‫التاريخية للبطل‪ ،‬وذلك مثل ما نجده في سيرة‬

‫‪38‬‬

‫اجلوبة ‪ -‬صيف ‪1430‬هـ‬


‫وهي تلح على صراع بين قوتين‪،‬‬ ‫القوة األولى‪ :‬هي قوة الخير المطلق‪،‬‬ ‫وهي ع��ادة في كفة ميزان صاحب‬ ‫السيرة‪ ،‬فهو البطل‪ ،‬وهو المقدام‬ ‫الشجاع‪ ،‬وهو الفارس الحامل للواء‬ ‫الخير والخالص‪ ،‬وهو الذي يتحقق‬ ‫دوماً النصر المبين على يديه‪.‬‬ ‫أم��ا ال �ق��وة ال�ث��ان�ي��ة‪ :‬فهي القوة‬ ‫الشريرة المطلقة‪ ،‬تحقيقاً لقصة‬ ‫ال� �ص���راع األزل� � ��ي ال � ��ذي يواجهه‬ ‫اإلنسان منذ أن هبط على المعمورة‬ ‫األرض� �ي ��ة‪ ،‬وم ��ع أن ظ��واه��ر الشر‬ ‫عادة ما تكون خفية‪ ،‬ومختلفة‪ ،‬إال‬ ‫أنه موجود وسيظل موجوداً إلى أن‬ ‫يرث الله تعالى األرض ومن عليها‬ ‫[حلمي بدير‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪،54‬‬ ‫بتصرف]‪.‬‬

‫دراس����ـ����ـ����ـ����ـ����ـ����ـ����ـ����ـ����ـ����ـ����ـ����ـ����ات‬

‫سيف بن ذي يزن‪ ،‬أو الزير سالم‪،‬‬ ‫أو عنترة بن ش��داد‪ ،‬ثم تنطلق في‬ ‫�أن أحياناً لتتابع أحداث‬ ‫ه��دوء وت� ٍ‬ ‫ي��وم أو بضعة أي ��ام‪ ،‬ث��م ت�س��رع في‬ ‫أحيان لتلخص لنا حدثاً عاماً‪ ،‬أو‬ ‫تزيد على األحداث حدثاً آخر‪.‬‬

‫ن ��أت ��ي ب��ع��د ذل � ��ك إل � ��ى مؤلف‬ ‫س �ي��رة ع �ن �ت��رة ال� ��ذي ال ي�ن�س��ى أن‬ ‫يقدم لنا ص��ورة أخ��رى من الكفاح‬ ‫ضد العبودية‪ ،‬وذل��ك في شخصية‬ ‫(شيبوب) شقيق عنترة من أمه‪ ،‬فهو‬ ‫كما يُصور لنا دميم‪ ،‬أس��ود اللون‪،‬‬ ‫س��ري��ع ال� �ج ��ري‪ ،‬وه���و ف��ي الوقت‬ ‫نفسه‪ :‬ذكي‪ ،‬لماح‪ ،‬خفيف الحركة‪,‬‬ ‫جريء جرأة شديدة‪.‬‬ ‫ف ��إذا ك��ان ع�ن�ت��رة ف ��ارس الحب‬ ‫وال� �ح ��ري ��ة ي ��واج ��ه ال� �م ��واق ��ف في‬ ‫صراحة واضحة‪ ,‬فشيبوب يواجه‬ ‫ال�م��واق��ف بأسلوبه ال�خ��اص جداً‪،‬‬ ‫وعنترة يواجه مجتمعاً ب��أس��ره‪ ،‬إذ‬ ‫أن مواجهته ليست مواجهة موقف‬ ‫ف� � ��ردي‪ ,‬ول� �ك ��ن م��واج��ه��ة مجتمع‬ ‫بتقاليده وع��ادات��ه وأع��راف��ه وقيمه‬ ‫الصحيحة أو غير الصحيحة‪ ،‬في‬ ‫ال��وق��ت نفسه ال��ذي ه��و متيم حباً‬ ‫بابنة عمه عبلة‪.‬‬

‫وعبلة هنا قد تكون رمزاً‪ ,‬يفسر‬ ‫م�ن�ط�ق�ي�اً ع�لاق��ة ع �ن �ت��رة بالقبيلة‬ ‫ل�ي�ص�ب��ح ل�م�س�ع��اه ه ��دف أو غ ��رض أو مرمى‪،‬‬ ‫وسيرة عنترة بن شداد تعرض لفكرة مطلقة‪ ،‬فانتسابه لعبس ليس مجرد هدف معنوي‪ ،‬ولكنه‬ ‫هذه الفكرة تتعلق بقيمة اإلنسان وحريته‪ ،‬والقيمة ه��دف يتحقق م��ادي �اً ف��ي مسعى ي��ري��ده البطل‪،‬‬ ‫والحرية ترتبطان بظاهر ِخلقي هو لون عنترة‪ ،‬ويحول العرف القبلي دونه‪.‬‬ ‫ولكنها تتعلق بصفات اإلنسان‪ ،‬وتصبح القضية‬ ‫عندما يتعاطف الوجدان الجمعي‬ ‫المحورية أمام البطل عنترة هي الحرية المطلقة‬ ‫ول �ع��ل إص� ��رار ال�ض�م�ي��ر ال�ج�م�ع��ي ف��ي هذه‬ ‫التي يجب أن تمنح لإلنسان في كل مكان وزمان‪,‬‬ ‫القصة‪ ،‬والزيادات المختلفة فيها التي تصل إلى‬ ‫دون قيد من لون أو جنس أو قبيلة أو نسب‪ .‬هي‬ ‫حد المبالغة الشديدة في بعض المواقف‪ ،‬لدليل‬ ‫سيرة تطرح ه��ذه الطروحات في عصر سادت‬ ‫حي واضح على مدى تعاطف الوجدان الجمعي‬ ‫فيه العصبية القبلية‪ ،‬وانقسم الناس فيه إلى‬ ‫مع عنترة‪ ،‬وه��و دليل كذلك على رف��ض الناس‬ ‫أشراف وعبيد أو أسياد وعبيد‪.‬‬ ‫بوجه عام للتقاليد أو المعطيات القبلية البالية‪.‬‬

‫اجلوبة ‪ -‬صيف ‪1430‬هـ ‪39‬‬


‫ن �ق��ول‪ :‬إن��ه مهما ك��ان��ت طبيعة‬ ‫ال�ع�ص��ر ال ��ذي ع��رض��ت ف�ي��ه سيرة‬ ‫عنترة بن شداد‪ ،‬ثم انتقلت لنا بعد‬ ‫ذلك‪ ,‬فهي لم تنتقل بزياداتها‪ ,‬فلم‬ ‫ي�ع��رف أن ج���زءاً منها ق��د تعرض‬ ‫لتحريف‪ ،‬وإنما ظلت رمزاً للحرية‬ ‫وال �ح��ق وال��ع��دل وال �ح��ب الصادق‬ ‫ال �ع �ف �ي��ف‪ ،‬وح ��رب� �اً ع �ل��ى التفرقة‬ ‫العنصرية والظلم البين والطبقية‬ ‫المقيتة‪.‬‬ ‫وي �م �ك��ن ل �ن��ا ال� �ع ��ودة إل ��ى كتاب‬ ‫(السيرة الشعبية) لألستاذ فاروق‬ ‫خورشيد‪ ,‬والذي صدر سنة ‪1964‬م‪،‬‬ ‫ب��ال �ق��اه��رة‪ ،‬وك��ذل��ك ك �ت��اب (سيرة‬ ‫ع �ن �ت��رة) ل �ل��دك �ت��ور م �ح �م��ود أحمد‬ ‫ال�ح�ف�ن��ي ض�م��ن سلسلة (مذاهب‬ ‫وشخصيات)‪ ،‬وسنجد به صفحات‬ ‫كاملة من كتاب (فن كتابة السيرة‬ ‫الشعبية) الذي كتبه الدكتور محمود‬ ‫ذهني باالشتراك مع األستاذ فاروق‬ ‫خورشيد‪.‬‬

‫وه� ��ي س �م��ة ن �ج��ده��ا ف ��ي السير‬ ‫الشعبية جمعاء دون استثناء‪.‬‬

‫فاروق خورشيد‬

‫عبدالحميد يونس‬

‫والذي ال شك فيه أن قدراً كبيراً‬ ‫من السير الشعبية‪ ،‬صنع ودون في‬ ‫مصر‪ ,‬في عصر المماليك‪ ،‬أو قبله‪,‬‬ ‫ع�ل��ى ح��د ال���رأي ال ��ذي ذه��ب إليه‬ ‫أستاذنا الدكتور عبداللطيف حمزة‪،‬‬ ‫في كتابه المهم‪( :‬األدب المصري‪:‬‬ ‫من قيام الدولة األيوبية إلى مجيء‬ ‫الحملة الفرنسية)‪.‬‬ ‫وه� � ��ذا ال � � ��رأي ي �ن �ص��ب أيضاً‬ ‫على ح�ك��اي��ات الليالي (أل ��ف ليلة‬ ‫ول��ي��ل��ة)‪ ،‬ع �ل��ى ال ��رغ ��م م ��ن صورة‬ ‫بغداد الواضحة بها‪ ،‬في عصر من‬ ‫أزه��ى عصور اإلس�لام‪ ,‬وهو عصر‬ ‫الخليفة العباسي ه��ارون الرشيد‪،‬‬ ‫وكذلك صورة القاهرة الفاطمية بما‬ ‫تضم م��ن أح�ي��اء ومساكن ومتاجر‬ ‫وحوانيت‪.‬‬

‫وبالطبع ال تأتي سيرة الليالي‪،‬‬ ‫دون أن نذكر األستاذ رشدي صالح‬ ‫أق��ول لكم‪ :‬إن السيرة الشعبية‬ ‫الذي قام بإعداد حكايات ألف ليلة‬ ‫لعنترة تعتمد على النص الشعري‬ ‫ول�ي�ل��ة‪ ،‬وص ��در ال �ج��زء األول منها‬ ‫الفصيح الذي ينسب لعنترة وهو أحد أصحاب ضمن سلسلة (ك�ت��اب الشعب) ع��ن دار الشعب‬ ‫الشهرة الخاصة ف��ي ت��اري��خ األدب العربي في المصرية في أول يونيو ‪1968‬م‪.‬‬ ‫العصر الجاهلي‪ ،‬بل إليه ترجع مدرسة الشعر‬ ‫االنتقال والتدوين والعنصر القومي‬ ‫العفيف أو العذري في أدبنا العربي‪ ،‬على عكس‬ ‫م��ا ش��اع ب�ي��ن ب�ع��ض ال��دارس �ي��ن‪[ .‬محمد مفيد‬ ‫إن انتقال السير الشعبية من عصر إلى عصر‬ ‫الشوباشي‪ ،‬رحلة األدب العربي إلى أورب��ا‪ ،‬ص يحمل في طياته دائماً بحث الضمير الجمعي عن‬ ‫‪ ،206‬بتصرف]‪.‬‬ ‫البطل المنقذ أو المُخلص‪ ،‬ال��ذي يجسد آمال‬ ‫ولعل هذا ما يميز سيرة عنترة عن غيرها‪ ،‬الجماهير العربية وتطلعاتها في صراعها الطويل‬ ‫حيث تعتمد السير األخرى على نوع من الشعر من أجل االستمرارية والبقاء‪.‬‬ ‫الركيك‪ ،‬الذي يفتقد الوزن‪ ,‬ويقترب من العامية‪,‬‬

‫‪40‬‬

‫اجلوبة ‪ -‬صيف ‪1430‬هـ‬

‫وفي هذا الصدد نعود إلى الدكتور رجب النجار‬


‫وه��و ي�س��أل (ون�ح��ن م�ع��ه) كيف‬ ‫لسيرة بطولية عربية فيما هو شائع‬ ‫أن تأتي على ه��ذا النحو‪ ،‬خاذلة‬ ‫للعرب وللتاريخ العربي‪ ,‬وفاجعة‬ ‫لألماني واألح�ل�ام العربية‪ ,‬وهي‬ ‫ال �س �ي��رة الملحمية ال �ت��ي يفترض‬ ‫فيها أن تكون آخ��ر األم��ر أنشودة‬ ‫قومية؟!!‬ ‫وق��د ي �ك��ون ت��اري��خ ت��دوي��ن هذه‬ ‫السير وراء م��ا احتوته على هذا‬ ‫العنصر القومي الواضح الظهور‪,‬‬ ‫وه ��و ال�ع�ن�ص��ر ال�م��رت�ب��ط ارتباطاًُ‬ ‫وثيقاً بالبحث ال��دائ��م ع��ن البطل‬ ‫المنقذ أو المُخلص ال��ذي يحقق‬ ‫الحُ لم العربي القديم‪ ,‬المتمثل في‬ ‫عناصر الفُروسية والتوحد وااللتفاف‬ ‫حول شكل واحد أو زعيم واحد‪.‬‬ ‫وفي الوقت نفسه فإن هذا البطل أقرب في‬ ‫بعض مضامينه إلى األسطورية‪ ،‬ولذلك فنحن ال‬ ‫كثير من المالحم الغربية أو‬ ‫نجد هذا المغزى في ٍ‬ ‫الشرقية بهذا الوضوح‪ ،‬بدءاً من أناشيد (روالن)‪،‬‬ ‫أو ملحمة (بيولف)‪ ،‬أو (برامايانا) الهندية‪ ،‬أو‬ ‫(جلجامش) البابلية‪ ،‬ذلك على الرغُم من توافر‬ ‫عناصر البطولة التي تتضح بصورة كبيرة في‬ ‫إلياذة هوميروس اليونانية‪.‬‬

‫صورة أخرى للبطولة‬ ‫ونجد ص��ورة أخ��رى من البطولة‪ ،‬وذل��ك في‬

‫دراس����ـ����ـ����ـ����ـ����ـ����ـ����ـ����ـ����ـ����ـ����ـ����ـ����ات‬

‫في بحثه المنشور في مجلة (عالم‬ ‫الفكر الكويتية‪ ،‬إبريل مايو يونيو‪،‬‬ ‫‪1985‬م‪ ،‬ص ‪ ،)153‬إذ يرى أن سيرة‬ ‫(فيروز ش��اه) ليست عربية‪ ،‬وذلك‬ ‫الحتوائها على صورة الفرس وهم‬ ‫يخذلون العرب‪ ،‬ويستعلون عليهم‪.‬‬

‫ح �ك��اي��ات أل ��ف ل�ي�ل��ة ول �ي �ل��ة‪ ،‬وهي‬ ‫البطولة التي تتحول من المضمون‬ ‫التاريخي ال��ذي ج��وه��ره االنتصار‬ ‫ع�ل��ى أع���داء ال �ع��رب‪ ،‬والفروسية‪،‬‬ ‫واالستعانة بالوسائل المختلفة‪..‬‬ ‫المنطقية أو غير المنطقية‪ ،‬وذلك‬ ‫لتحقيق هذا االنتصار المنشود‪.‬‬ ‫صورة البطولة هذه تتحول إلى‬ ‫م �ض �م��ون اج �ت �م��اع��ي ب �ح��ت‪ ،‬حيث‬ ‫ي�ص�ب��ح ف�ي��ه ال�ب�ط��ل أح �ي��ان �اً حلماً‬ ‫رومنسياً رقيقاً يراود ابنة السلطان‬ ‫ويداعبها‪ ،‬ويسعى إليها باذالً الجهد‬ ‫والنفس من أجل الوصول إليها‪.‬‬ ‫ه ��ذا ال �ت �ح��ول ق��د ي �ك��ون وراءه‬ ‫ظ��روف ح�ك��اي��ات أل��ف ليلة وليلة‪،‬‬ ‫وذل� ��ك م��ن ح �ي��ث ط�ب�ي�ع��ة الرواية‬ ‫وال��راوي��ة‪ ،‬وطبيعة وزم��ان المتلقي‪،‬‬ ‫وأسباب الحكايات‪.‬‬ ‫ال��راوي��ة ه��ي ش �ه��رزاد‪ ،‬والمتلقي‬ ‫هو الملك شهريار‪ ،‬وم��ا يعانيه من‬ ‫ع �ق��دة م ��ؤرق ��ة‪ ،‬وزم� ��ان ال�ت�ل�ق��ي هو‬ ‫دائماً ما بين العشاء والفجر‪ ،‬وسبب الحكايات‬ ‫م �ح��اوالت ش �ه��رزاد ال�م�س�ت�م��رة م��ن أج��ل ترقيق‬ ‫مشاعر وأحاسيس متلقيها من أجل أن تنتزع من‬ ‫مخيلته ص��ورة الفتاة أو ال�م��رأة الخائنة؛ ولهذا‪،‬‬ ‫فإن هذه العوامل مجتمعة لن تتناسب معها صورة‬ ‫السير الحماسية البطولية المختلفة‪ ,‬إذ قد تؤدي‬ ‫إلى صورة عكسية‪ ،‬أو فلنقُل نتائج سلبية؛ فكان‬ ‫من المنطقي ج��داً أن تصبح حكايات أل��ف ليلة‬ ‫وليلة نوعاً آخر يتمثل فيها جانبا الخير والشر‪،‬‬ ‫وتتمثل فيها عناصر الصدق‪ ،‬والخيال والخرافة‪،‬‬ ‫واالستعانة بالجن والشياطين‪ ,‬ولكن بهدف يختلف‬ ‫في النهاية عن أهداف السير األخرى المختلفة‪.‬‬

‫اجلوبة ‪ -‬صيف ‪1430‬هـ ‪41‬‬


‫ففي أل��ف ليلة وليلة يسعى البطل لتحقيق تفاصيل من سير أخرى‪ ،‬ومثال على ذلك (حكاية‬ ‫ما تريده أميرته‪ ،‬ولكن ال يسوق أمامه قطيعاً ع�لاء ال��دي��ن أب��ي ال �ش��ام��ات)‪ ،‬ال� ��واردة ف��ي الليلة‬ ‫من األسود يجره إلى حديقة قصرها‪ ,‬كما فعل الثامنة والخمسين بعد المائة الثانية من الليالي‪.‬‬ ‫الملك سيف بن ذي يزن‪ ,‬أو يسوق أمامه قطيعاً‬ ‫كما تصور الليالي بعض عادات وتقاليد المجتمع‬ ‫من النوق العصافيري الحمراء جاء بها من بالد في مصر (كمثال) المتوارثة حتى اآلن‪ ,‬ففي حدث‬ ‫الملك النعمان في الحيرة العراقية كي يقدمها الميالد في (حكاية عالء الدين أبي الشامات)‪،‬‬ ‫مهراً لمحبوبته‪ ,‬كما فعل عنترة بن‬ ‫يقول‪ ...« :‬وقامت األف��راح فقاست‬ ‫شداد‪.‬‬ ‫الداية (القابلة أو المولّدة) المشقة‬ ‫والبطل في الليالي يركب الصعب‬ ‫ليصل إلى جزر (ال��واق واق) ليعود‬ ‫بما يحقق شرط الزواج‪ ,‬ولكنه يمثل‬ ‫في النهاية الفتى الجميل الرقيق‪،‬‬ ‫فصفة جمال الشكل مالزمة لجمال‬ ‫الخُ لق في أغلب حكايات الليالي‪.‬‬

‫وهنا أحب أن أشير إلى دراسة‬ ‫أعدت لنيل درجة الدكتوراه قدمها‬ ‫ال��دك�ت��ور محسن ج��اس��م الموسوي‬ ‫لجامعة (دال��ه��وزي) الكندية سنة‬ ‫‪1978‬م‪ ،‬بعنوان‪( :‬الوقوع في دائرة‬ ‫السحر‪ :‬أل��ف ليلة وليلة في النقد‬ ‫األدبي اإلنجليزي ‪1704‬م‪1910-‬م)‪,‬‬ ‫ونشرت ه��ذه ال��دراس��ة في كتاب ص��در عن دار‬ ‫الرشيد للنشر‪ ,‬التابعة ل��وزارة الثقافة واإلعالم‬ ‫العراقية‪ ،‬ضمن سلسلة دراس��ات‪ ،‬سنة ‪1982‬م‪,‬‬ ‫وه��ذه الدراسة يمكن أن تفيد الباحث في هذه‬ ‫الجزئية‪.‬‬

‫في الخالص‪ ،‬ورقت ُه باسمي محمد‬ ‫وع��ل��ي‪ ،‬وك��ب��رت وأذن � ��ت ف��ي أذن ��ه‪،‬‬ ‫ولفته وأعطته ألمه‪ ،‬فأعطته ثديها‬ ‫وأرضعته‪ ،‬فشرب وشبع ونام‪ ،‬وأقامت‬ ‫الداية عندهم ثالثة أيام حتى عملوا‬ ‫الحلوى ليفرقوها في اليوم السابع‬ ‫(ال �س �ب��وع)‪ ،‬ث��م رش��وا ملحه‪ ،‬ودخل‬ ‫التاجر (وال��د الطفل)‪ ،‬وهنأ زوجته‬ ‫بالسالمة‪[ ..‬رشدي صالح‪ ،‬ألف ليلة‬ ‫وليلة‪ ،‬العدد السابع‪ ،‬دار الشعب‪،‬‬ ‫ديسمبر‪1968 ،‬م‪ ،‬ص ‪.]501‬‬

‫وف��ي ه��ذه الفقرة جمع عادات‬ ‫الميالد والسبوع‪ ،‬وم��ا يتعلق بهما‬ ‫من تقاليد‪ ،‬وهي لم تتغير في مصر حتى يومنا‬ ‫هذا‪ ,‬وإن كان يالحظ عبارة (رقته باسمي محمد‬ ‫وعلي)‪ ،‬ويقصد بمحمد هنا رس��ول الله (صلى‬ ‫الله عليه وسلم)‪ ،‬ويقصد بعلي اإلمام علي بن أبي‬ ‫طالب (رضي الله عنه)‪ ،‬وأغلب الظن أن العهد‬ ‫ك��ان قريباً بين كتابة ه��ذه الليالي وبين الدولة‬ ‫انعكاس للبيئات العربية‬ ‫الفاطمية الشيعية‪ ،‬وإن كان هذا ال ينفي تعلق‬ ‫وم��ن المالمح المميزة لقصص الليالي أنها أهل مصر وحبهم الشديد ألهل بيت رسول الله‬ ‫تعكس عدداً من البيئات العربية األصيلة‪ ،‬وخاصة (صلى الله عليه وسلم)‪.‬‬ ‫في كل من بغداد والبصرة والقاهرة‪ ،‬وصورة هذه‬ ‫عن اإلطار الزمني والمكاني‬ ‫البيئات ص��ورة واضحة المعالم والسمات‪ ,‬تدل‬ ‫وكما سبق أن أشرنا فإن هناك فرقاً واضحاً‬ ‫على خبرة دقيقة وعميقة بطبائع هذه األمصار‬ ‫اإلسالمية عن ق��رب‪ ،‬بل هي تنقل أحياناً بعض بين ما عرف باسم السير الشعبية‪ ،‬وما عرف‬

‫‪42‬‬

‫اجلوبة ‪ -‬صيف ‪1430‬هـ‬


‫هكذا أرادوه‪..‬‬ ‫وتمثل سيرة الملك الظاهر بيبرس الوجه‬ ‫الذي أراده له المصريون في مواجهة الحمالت‬ ‫الصليبية على المشرق العربي‪ ,‬فهي سيرة ال‬ ‫تقف عند الحدث التاريخي فقط ال غير‪ ,‬رغم‬ ‫قرب العهد بينهم وبين روايتها‪ ،‬ولكنها تتعداه إلى‬ ‫حدث قصصي من صنع رواتها‪ ،‬يضفون به على‬ ‫شخصية الظاهر بيبرس صفات م��ن البطولة‬ ‫والفروسية‪ ،‬بل يضيفون إليه مناصب ووظائف‬ ‫لم تعهد إليه!‬ ‫وختاماً لهذه السطور أود أن أذك��ر ما كتبه‬ ‫الدكتور عبدالحميد يونس في كتابه (الظاهر‬ ‫بيبرس ف��ي القصص الشعبي) وال �ص��ادر سنة‬ ‫‪ 1959‬م‪ ،‬إذ يقول‪ ...« :‬وأذكر أن أحد المؤرخين‬ ‫المحدثين أن�ك��ر ه��ذه السيرة الشعبية (سيرة‬ ‫الظاهر بيبرس) التي نعرض لها اآلن‪ ،‬والتي‬ ‫ترسم الظاهر بيبرس كما يحب الشعب أن يكون‬ ‫البطل المجسم للمثل المحقق للرغبات‪ ,‬ورآها ال‬ ‫يمكن أن تصلح وثيقة من وثائق التاريخ‪.»!!..‬‬ ‫وال��رد على هذا ال��رأي يحتاج منا إلى مقال‬ ‫آخر‪ ،‬فلعلنا نوفق إليه بإذن الله تعالى‪.‬‬ ‫* ‬

‫دراس����ـ����ـ����ـ����ـ����ـ����ـ����ـ����ـ����ـ����ـ����ـ����ـ����ات‬

‫باسم القصص الشعبي‪ ،‬ولعل أوضح مثال على‬ ‫النوع األول هو (سيرة بني هالل)‪ ،‬ويرجع بدؤها‬ ‫بالعصر الجاهلي أو بمعنى أدق بانتهاء العصر‬ ‫الجاهلي‪ ،‬وبداية عصر صدر اإلسالم‪ ,‬وتستمر‬ ‫في أجيال متعاقبة لتغطي فترة زمنية متسعة‪،‬‬ ‫وتغطي إط��اراً مكانياً متسعاً أيضاً‪ ،‬هذا اإلطار‬ ‫المكاني يشمل بالد المغرب العربي‪ ,‬واألندلس‪،‬‬ ‫ومصر‪ ,‬ولهذا نجد صورة واضحة لبعض مالمح‬ ‫الشخصية العربية والمصرية فيها‪ ،‬وكذلك بعض‬ ‫معالم المدن العربية مثل القاهرة‪.‬‬

‫المراجع‬

‫ •حلمي بدير‪ ،‬أثر األدب الشعبي في األدب الحديث‪،‬‬ ‫دار المعارف‪ ،‬القاهرة‪1977 ،‬م‪.‬‬ ‫ •عبد الله بن المقفع‪ ،‬كليلة ودمنة‪ ،‬دار الشعب‪ ،‬القاهرة‪،‬‬ ‫دون تاريخ‪.‬‬ ‫ •أب��و الفتوح رض ��وان‪ ،‬ت��اري��خ مطبعة ب��والق‪ ،‬المطبعة‬ ‫األميرية‪ ،‬القاهرة‪1953 ،‬م‪.‬‬ ‫ •رج��ب ال �ن �ج��ار‪ ،‬ح�ك��اي��ات ال�ش�ط��ار وال �ع �ي��اري��ن‪ ،‬عالم‬ ‫المعرفة‪ ،‬الكويت‪ ،‬سبتمبر ‪1981‬م‪.‬‬ ‫ •رشدي صالح‪ ،‬ألف ليلة وليلة‪ ،‬كتاب الشعب‪ ،‬القاهرة‪،‬‬ ‫‪1968‬م‪.‬‬ ‫ •عبدالحميد يونس‪ ،‬التراث الشعبي‪ ،‬سلسلة كتابك‪،‬‬ ‫دار المعارف‪ ،‬القاهرة‪.‬‬ ‫ •عبدالحميد ي��ون��س‪ ،‬ال�ظ��اه��ر بيبرس ف��ي القصص‬ ‫ال�ش�ع�ب��ي‪ ،‬المكتبة ال�ث�ق��اف�ي��ة‪ ،‬ال �ع��دد ‪ ،3‬القاهرة‪،‬‬ ‫‪1959‬م‪.‬‬ ‫ • عبدالحميد ي��ون��س‪ ،‬ال�ح�ك��اي��ة ال�ش�ع�ب�ي��ة‪ ،‬المكتبة‬ ‫الثقافية‪ ،‬القاهرة‪1986 ،‬م‪.‬‬ ‫ •قصة الزير سالم الكبرى‪ ،‬نشرتها المطبعة والمكتبة‬ ‫السعيدية‪ ،‬مصر‪ ،‬دون تاريخ‪.‬‬ ‫ •سيرة فارس اليمن‪ ،‬الملك سيف بن ذي يزن‪ ،‬المجلد‬ ‫األول‪ ،‬مكتبة الجمهورية العربية باألزهر‪ ،‬القاهرة‪،‬‬ ‫دون تاريخ‪.‬‬ ‫ •محمود ذهني‪ ،‬باالشتراك مع ف��اروق خور شيد‪ ،‬فن‬ ‫كتابة السيرة الشعبية‪ ،‬دار الثقافة العربية‪ ،‬القاهرة‪،‬‬ ‫‪1961‬م‪.‬‬ ‫ •فاروق خورشيد‪ ،‬أضواء على السيرة الشعبية‪ ،‬المكتبة‬ ‫الثقافية‪ ،‬القاهرة‪1964 ،‬م‪.‬‬ ‫ •م �ح �م��ود ال �ح �ف �ن��ي‪ ،‬س �ي��رة ع �ن �ت��رة‪ ،‬س�ل�س�ل��ة مذاهب‬ ‫وشخصيات‪ ،‬القاهرة‪ ،‬دون تاريخ‪.‬‬ ‫ •محمد مفيد الشوباشي‪ ،‬رحلة األدب العربي إلى‬ ‫أوربا‪ ،‬دار المعارف‪ ،‬القاهرة‪1968 ،‬م‪.‬‬ ‫ •عبد اللطيف حمزة‪ ،‬األدب المصري‪ ..‬من قيام الدولة‬ ‫األيوبية إلى مجيء الحملة الفرنسية‪ ،‬سلسلة األلف‬ ‫كتاب األولى‪ ،‬العدد ‪ ،242‬القاهرة‪ ,‬دون تاريخ‪.‬‬ ‫ •رجب النجار‪ ،‬سيرة فيروز شاه‪ ،‬بحث منشور في مجلة‬ ‫عالم الفكر‪ ،‬المجلد ال�س��ادس عشر‪ ،‬العدد األول‪:‬‬ ‫أبريل مايو يونيو‪ ،‬الكويت‪1985 ،‬م‪.‬‬

‫كاتب من مصر‪.‬‬

‫اجلوبة ‪ -‬صيف ‪1430‬هـ ‪43‬‬


‫بصحبة شاعر‬

‫أضواء على جتربة الشاعر إلياس أبو شبكة‬ ‫> رامي أبو شهاب*‬ ‫كان للظروف التاريخية والثقافية‪ ،‬التي سادت إبان الحكم العثماني لبالد الشام‪ ،‬أثر‬ ‫في تشكيل البنية الثقافية العربية في تلك الفترة‪ ،‬وال سيما بعد أن تعرضت طوال قرون‬ ‫عدة للتهميش واإلقصاء؛ ما نتج عن ذلك ردة فعل سياسية‪ ،‬ظهرت في كل من سوريا‬ ‫وفلسطين ولبنان‪ ،‬وأحدث تحوال في البنية الثقافية التي بدأت تحطم صخرة التجهيل‬ ‫والظالمية‪ ،‬تبعا لعدة مؤثرات‪ ،‬منها االستقالل النسبي لجبل لبنان عن الدولة العثمانية‪،‬‬ ‫إضافة إلى اإلرساليات التبشيرية التي شهدتها بالد الشام‪ ،‬ومحاوالت الثورة في لبنان‬ ‫وفلسطين وسوريا‪ .‬وقد شكلت هذه المؤثرات مجتمعة بروز ثالثة اتجاهات سار بها‬ ‫المثقفون العرب‪ ،‬ونجملها بالسلفية الثقافية‪ ،‬واالنبهار بالغرب واالقتداء به‪ ،‬وأخيرا‪..‬‬ ‫االتجاه الثالث الذي حاول االستفادة من الثقافة الغربية‪ ،‬مع ربطها بالموروث لتأسيس‬ ‫مشهد توفيقي‪ ،‬ومن نتاج األخير كان الشاعر اللبناني إلياس أبو شبكة الذي تميز بطبيعة‬ ‫شعرية مغايرة‪ ،‬اتسمت بالخصوصية والتفرد‪ ،‬نتيجة عوامل عدة‪ ،‬نبرزها عبر عدد من‬ ‫المحاور التي سنأتي عليها‪.‬‬

‫ثنائيات‬ ‫من خالل المتابعة لحيثيات بيئة الشاعر‬ ‫ون�ش��أت��ه‪ ،‬نلحظ ع��ددا م��ن الثنائيات التي‬ ‫عملت على صياغة تجربته الشعرية‪ ،‬حيث‬ ‫عاش شاعرنا في مناخ يتسم باالزدواجية‬ ‫والقلق نتيجة للبعد المكاني؛ فالشاعر لبناني‬ ‫ال �ج��ذور‪ ،‬غ��رب��ي ال���والدة‪ .‬وت��ذك��ر المصادر‬ ‫أن��ه ول��د في ال��والي��ات المتحدة األميركية‪،‬‬ ‫وتحديدا في مدينة نيويورك عام ‪1903‬م‪،‬‬

‫‪44‬‬

‫اجلوبة ‪ -‬صيف ‪1430‬هـ‬

‫مكث فيها سنواته الثالث األولى‪ ،‬وقد كان‬ ‫يدين المسيحية‪ ،‬إذ عاش في جبل لبنان‪،‬‬ ‫الذي كان يتمتع بنوع من االستقالل النسبي‬ ‫عن الدولة العثمانية‪ ،‬ولكن المناخ السياسي‬ ‫ك��ان يشي بخطر وج��ود ال��دول��ة العثمانية‪،‬‬ ‫ويشكل نوعا م��ن القلق للفئة المسيحية‪،‬‬ ‫وقد ترك هذا اإلحساس بالخطر أثراً على‬ ‫الشاعر حيث‪ ،‬استشعر دوما التهديد والقلق‬ ‫اللذين باتا سمة مميزة لشخصيته‪.‬‬


‫وم ��ن ث �ن��ائ �ي��ات ت�ش�ك�ي��ل العالم‬ ‫ال��داخ �ل��ي للشاعر‪ ،‬ثنائية الحياة‬ ‫والموت‪ ،‬فقد عانى إلياس أبو شبكة‬ ‫من فقدان والده الذي مات قتالً‪ ،‬ما‬ ‫عمق فيه مأساة اإلحساس بعبثية‬ ‫الحياة‪ ،‬وتصاعد الحس الوجودي‬ ‫لديه‪ .‬تقول ريتا عوض بهذا الشأن‪:‬‬ ‫إلياس أبو شبكة‬ ‫«كان موت األب نكبة للشاعر‪ ،‬الذي‬ ‫ل��م ي �ك��ن ق��د ت �ج��اوز ال �ع��اش��رة من‬ ‫عمره‪ ،‬وخلفت تلك الفاجعة جرحا عميقا في‬ ‫مستوى الصراع‬ ‫نفس الطفل‪ ،‬وفتحت عينيه باكرا على حقيقة‬ ‫ع��اي��ش ال �ش��اع��ر ص��راع��ات ع�ل��ى أك �ث��ر من‬ ‫الموت»‪.‬‬ ‫مستوى‪ ،‬لعل أهمها الصراع مع الموت‪ ،‬فقد بدأ‬ ‫واستمرارا في تتبع تلك الثنائيات التي شكلت‬ ‫التعاطي معه كشيء ملموس وقريب بعد موت‬ ‫شخصيته‪ ،‬نجد ثنائية المرجعية الثقافية التي‬ ‫وال ��ده‪ ،‬إذ أدرك أب��و شبكة معنى ال�م��وت الذي‬ ‫تبرز من خالل عاملين‪ :‬أولهما الثقافة الدينية‬ ‫هشم بنيته النفسية‪ ،‬ليتعاظم الشعور بمرارة‬ ‫التي تشرّبها الشاعر عبر ديانته المسيحية‪،‬‬ ‫ال�ل�اج��دوى وال�ع�ب�ث�ي��ة؛ وم��ن ه�ن��ا ان�ب�ث��ق ارت ��داد‬ ‫ودراس�ت��ه في ع��دد من مدارسها‪ .‬وعلى الرغم‬ ‫فلسفي‪ ،‬تمثل بالنظر إل��ى ال�ح�ي��اة ع�ل��ى أنها‬ ‫من ع��دم ارتباط الشاعر بالكنيسة فعليا‪ ،‬فإن‬ ‫خديعة‪ ،‬وم��ن ثم ك��ان ال بد للشاعر من فلسفة‬ ‫ال �م��وروث ال��دي�ن��ي ت��وط��د ل��دي��ه‪ ،‬نتيجة قراءته‬ ‫هذه األزمة بمنظور متعال‪ ،‬قريب الصلة بفلسفة‬ ‫للتوراة التي أسهمت ف��ي زي��ادة ثقافته‪ ،‬ضمن‬ ‫ال�ش��اع��ر ط��رف��ة ب��ن ال�ع�ب��د‪ ،‬ح�ي��ن ق��رر مواجهة‬ ‫جو عام تسيطر عليه الثقافة اإلسالمية الممثلة‬ ‫سخرية الحياة‪ ،‬وما يتبعها من موت‪ ،‬باالنغماس‬ ‫بالمحيط‪ ،‬ونعني تواجد الدولة العثمانية القوي‬ ‫في فكرة تحقيق أكبر قدر من المتعة‪ .‬ولكن هذه‬ ‫في تلك المنطقة‪ ،‬والتركيبة السكانية لها؛ وهنا‬ ‫االتجاه لم يكن متوافرا لديه جراء الفقر وضيق‬ ‫يتحقق العامل الثاني المتمثل بالثقافة العربية‬ ‫ذات اليد‪ ،‬ويضاف له عامل آخر تمثل بالمعضلة‬ ‫اإلسالمية ذات الحضور القوي والمؤثر‪.‬‬ ‫األخالقية؛ فقد كان يستشعر القيمة األخالقية‬ ‫وإذا م��ا ن�ظ��رن��ا ف��ي ث�ق��اف��ة ال�ش��اع��ر األدبية للوجود اإلنساني‪ ،‬وه��ذا عائد إلى تلك التربية‬ ‫تحصلها من جراء وجوده في أكناف الرهبان‬ ‫ّ‬ ‫والفكرية‪ ،‬نجد أن تلك الثنائية‪ ،‬كانت حاضرة من التي‬ ‫خالل وج��ود ثقافتين مهمتين شكلتا الشخصية والمدارس الدينية‪ ،‬ومن أشعاره التي تعالج عبثية‬ ‫الثقافية للشاعر‪ ،‬وهما الموروث األدبي العربي‪ ،‬الحياة مقابل جبروت الموت هذه األبيات‪:‬‬ ‫وال � ��ذي ت�ج�ل��ى ف��ي ال �ش �ع��ر ال �ع��رب��ي‪ ،‬ف �ق��د كان ال��عُ ��م��رُ قَ��ص��رٌ َن��ح��نُ َب��ي��نَ رِ حابِ هِ‬ ‫إع �ج��اب ال�ش��اع��ر ينصب ع�ل��ى ال �غ��زل العذري‪،‬‬ ‫���وت مُ ��ن�� َت ِ��ص ٌ��ب عَ ��ل��ى أَبوابِ هِ‬ ‫وَال���مَ ُ‬ ‫��اب لَهُ‬ ‫عوضا عن شعر أب��ي العالء المعري وغيره من وَال���مَ ���رءُ إِ ن َي��ف��خَ ��ر بِ ��أَن��س ٍ‬ ‫الشعراء العرب‪ ،‬وبمحاذاة ذلك نرى وجودا قويا‬ ‫فَ��ال��تُ ��رقُ وَال���دي���دانُ م��ن أَنسابِ هِ‬

‫دراس����ـ����ـ����ـ����ـ����ـ����ـ����ـ����ـ����ـ����ـ����ـ����ـ����ات‬

‫آخر للثقافة الفرنسية الغربية‪ ،‬إذ‬ ‫تعلم أبو شبكة لغتها في المدارس‬ ‫الفرانكفونية‪ ،‬وقرأ الشعر الفرنسي‪،‬‬ ‫ونظم الشعر باللغة الفرنسية‪ ،‬وكان‬ ‫متأثرا بالشاعر ألفريد دي موسيه‪،‬‬ ‫وأل �ف��ري��د دي ف �ي �ن��ي‪ ،‬إض��اف��ة إلى‬ ‫الشاعر األهم بودلير وديوانه «أزهار‬ ‫الشر» ال��ذي أح��دث أث��را ُ ب��ارزا ُ في‬ ‫ديوان شبكة «أفاعي الفردوس»‪.‬‬

‫اجلوبة ‪ -‬صيف ‪1430‬هـ ‪45‬‬


‫��ض��ري��حُ مهيّأ‬ ‫ِم���ن عَ ��ه ِ��د آ َد َم وَال َ‬ ‫لق رَهنُ ِطالبِ هِ‬ ‫وَجَ ميعُ هذا الخَ ِ‬ ‫����ل يُ ��غَ��ي��ب��هُ ال��� َزم���انُ إِ ل����ى الهبا‬ ‫كُ ٌّ‬ ‫َوكَ���ذا ال�� َزم��انُ يَحينُ يَ��ومُ ِغيابِ هِ‬ ‫��ات لَ��دى ال���رَدى أُلعوبَةٌ‬ ‫وَال��ك��ائِ ��ن ُ‬ ‫الخلودُ يَصيرُ من أَلعابِ هِ‬ ‫حَ تّى ُ‬ ‫���ب ال��� َده���رِ ُّي ذا لكنَّما‬ ‫م��ا مُ ���ذه ُ‬ ‫كيم النابِ هِ‬ ‫َقل الحَ ِ‬ ‫هو مذهب الع ِ‬

‫دع��وة إل��ى إي�ج��اد م��درس��ة ث��ال�ث��ة‪ ،‬ي�ك��ون قوامها‬ ‫إظ �ه��ار الشخصية الثقافية ال�خ��اص��ة بالشعر‬ ‫العربي‪ ،‬بعيدا عن التقليد وظالله‪ ،‬والسقوط في‬ ‫دائرة التبعية للغرب‪.‬‬

‫«نريد أدب��ا جديدا نستقل به ونطبعه بطابع‬ ‫نفوسنا‪ ،‬نريد أدبا يقوم على ثورة الفكر والنظم‬ ‫والتقليد‪ ،‬ن��ري��د أدب��ا ي�خ��رج ع��ن ال�ق��اع��دة التي‬ ‫سنها المتقدمون ولو تهجم المتهجمون‪ .‬نريد أن‬ ‫ويتبدى الصراع مرة أخرى‪ ،‬ولكن هذه المرة‪ ،‬نضحي بتلك النظم والتقاليد األدبية في سبيل‬ ‫على مستوى المرأة من منطلق أخالقي‪ ،‬إذ أحب الفكرة والفن»‪.‬‬ ‫أبو شبكة عدة نساء‪ ،‬تميزت منهن واحدة تكبره‬ ‫ه��ذا ال ��رأي يكشف ع��ن ت�ص��ور أب��ي شبكة‬ ‫عدة سنوات‪ ،‬وكان له عالقات أخرى مع عدد من للتوجهات ال�ش�ع��ري��ة‪ ،‬فهو ي��ري��د نهضة فكرية‬ ‫النساء‪ ،‬منهن امرأة متزوجة‪ ،‬ما سبب له شعورا ف��ي سبيل تشكل ه��وي��ة عربية خ��ال�ص��ة‪ .‬وبناء‬ ‫ب��اإلث��م نتيجة تلك ال�ع�لاق��ة – المحرمة دينيا ع �ل��ى ذل� ��ك‪ ..‬وق ��ف ال �ش��اع��ر ف��ي وج ��ه الكثير‬ ‫واجتماعيا‪ -‬مع ما تنطوي عليه من شعور باإلثم من ال�م��دارس التي كانت تجتاح لبنان في تلك‬ ‫والخوف والقلق؛ ونتيجة لذلك وقع في تناقض الفترة‪ ،‬ومنها الرمزية ذات المرجعية الغربية‪.‬‬ ‫أخالقي تبدى على شكل ص��راع داخلي نفسي‪ ،‬ومع ذلك ‪ -‬وكما هو مالحظ من شعره ‪ -‬كان‬ ‫انعكس على شعره‪.‬‬ ‫أسيرا ألحد المذاهب الغربية‪ ،‬ونعني‬

‫حيرة الشاعر‬ ‫ج��اء ه��ذا العنوان تعبيرا عن‬ ‫ال��واق��ع الشعري‪ ،‬في زم��ن برزت‬ ‫ف �ي��ه ع� ��دة ات��ج��اه��ات وم� ��دارس‬ ‫ش �ع��ري��ة‪ ،‬ش �ك �ل��ت ب ��داي ��ة الوعي‬ ‫الفني في العصر الحديث‪ .‬هذه‬ ‫ال �م��دارس ت��راوح��ت بين التقليد‬ ‫واالب�ت�ك��ار‪ ،‬فنحن نجد الموروث‬ ‫الشعري العربي القديم ومحاولة‬ ‫م�ح��اك��ات��ه‪ ،‬ف��ي م�ق��اب��ل محاوالت‬ ‫حثيثة لالستفادة م��ن المذاهب‬ ‫ال �غ��رب �ي��ة وت��وج �ه��ات �ه��ا الشعرية‪.‬‬ ‫فكيف ك��ان م��وق��ف ال�ش��اع��ر من‬ ‫هاتين الحركتين؟‬ ‫كان موقفه توفيقياً تصاحبه‬

‫‪46‬‬

‫اجلوبة ‪ -‬صيف ‪1430‬هـ‬

‫به المذهب الرومانتيكي‪ ،‬الذي مثّل‬ ‫عاصفة اجتاحت المشهد الشعري‬ ‫العالمي‪ ،‬وك��ان ال بد ألي شاعر في‬ ‫تلك الفترة من مجاراته‪ ،‬السيما أنه‬ ‫قد صبغ الشعر في تلك الفترة بطابع‬ ‫عام‪ ،‬وخاصة لدى الشعراء الشباب‬ ‫ومنهم أبو شبكة‪.‬‬

‫قلق الوجود – قلق الشعر‬ ‫ن �ت �ح��دث ف��ي ه ��ذه ال �ج��زئ �ي��ة عن‬ ‫ذلك القلق الذي سكن أدب الشاعر‪،‬‬ ‫وخ��اص��ة ف��ي ب �ع��ض ق �ص��ائ��ده التي‬ ‫ام��ت��ازت ب�م��واج�ه�ت��ه م��ع ن�ف�س��ه‪ ،‬من‬ ‫خالل مواقف معينة تتسم بالصراع‬ ‫والتوتر‪ ،‬كما في األبيات اآلتية‪.‬‬


‫جان‬ ‫َربّا ُه عَ فوَك إِ نّي كافِ رٌ ِ‬ ‫َل��كَ��م دَعَ ��ت��ن��ي إِ ل���ى ال��فَ��ح��ش��اءِ أَميالُ‬ ‫����ب َوأَه����������والُ‬ ‫َوأَن������ َذ َرت������ن������ي تَ����ج����اري ٌ‬ ‫وعظَ ةٌ‬ ‫���اب مَ ِ‬ ‫إِ ن ال��تَ��ج��اري��بَ لِ �ل�أَ ل���ب ِ‬

‫دراس����ـ����ـ����ـ����ـ����ـ����ـ����ـ����ـ����ـ����ـ����ـ����ـ����ات‬

‫يقول الشاعر في قصيدة «الصالة الحمراء»‬ ‫من ديوانه أفاعي الفردوس‪:‬‬ ‫����ان‬ ‫رب��������ا ُه عَ �����ف�����و َ​َك إِ نّ��������ي ك�����افِ �����رٌ ج ِ‬ ‫َعت الهَوى الفاني‬ ‫عت نَفسي َوأَشب ُ‬ ‫جَ وَّ ُ‬ ‫��اس أَه�����واءً مُ حَ رَّ مَ ةً‬ ‫َت��بِ ��ع ُ��ت ف��ي ال��ن ِ‬ ‫ّ��اس قَ����و ًال عَ ��ن��هُ تَنهاني‬ ‫���ت لِ ��ل��ن ِ‬ ‫َوق���ل ُ‬ ‫َلب في ُسبُلي‬ ‫نون الق ِ‬ ‫وَلم أُفِ ق ِمن ُج ِ‬ ‫أله�������واءُ إيماني‬ ‫���ت ا َ‬ ‫إِ ال َوقَ�����د مَ ���حَ ِ‬

‫يقول الشاعر ف��ي قصيدته «ال��دي�ن��ون��ة» من‬ ‫ديوان أفاعي الفردوس‪:‬‬ ‫وصاحَ‪« :‬ما هذهِ الرّؤيا‪ ،‬وأينَ أنا؟‬ ‫إبليس «مَ ه ًال هذهِ سَ ـ ـ ـ ـ ــقر‬ ‫ُ‬ ‫فقالَ‬ ‫حملت قيثار ًة في األرض كاذبةً‬ ‫ُ‬ ‫َنبض بِ هـ ــا َوتـ ـ ــر‬ ‫من الحقيقةِ لم ي ْ‬ ‫مت‬ ‫ناح البوم ما رَسَ ْ‬ ‫وريشةٌ من جَ ِ‬ ‫ـاج تستتر‬ ‫خفافيش بالديبـ ـ ـ ـ ِ‬ ‫َ‬ ‫إال‬ ‫ف��أن��ت ل��ي وجحيمي ل��ي أوزعــه‬ ‫علىاألُلىأنشدواشعراوماشعروا»‬

‫مالمح رومانسية‬

‫تبرز المالمح الرومانسية في شعر أبي شبكة‬ ‫َض����ل����ال أَض���ل��الُ‬ ‫ِ‬ ‫ل���كِ ���نَّ���ه���ا لأِ ُ ل�������ي األ‬ ‫من خالل المضامين‪ ،‬إضافة إلى الجوانب الفنية‪.‬‬ ‫لك اللَيالي المواضي ال يَ��زالُ لَها‬ ‫تِ َ‬ ‫فإذا ما نظرنا إلى المضامين‪ ،‬نجد أن الشاعر يكاد‬ ‫بَ��ي��نَ ال���خَ ���رائِ ِ���ب ف��ي عَ ��ي��نَ��يَّ أَط��ل�الُ يتمحور غالبا حول مواضيع ذات طابع رومانسي‪.‬‬ ‫وَآح����س���� َرت����اه َوقَ���ل���ب���ي ال يَ�������زالُ لَ���هُ‬ ‫فثمة تأمالت في شعره ترتكز على الذات‪ ،‬حيث‬ ‫ف����ي لَ���������ذَّ ةِ ال�����ع�����ارِ أَوط����������ا ٌر وَآم�������الُ يكون اإلنسان بؤرتها؛ عوضا عن ما يعتريها من‬ ‫يكشف هذا المقطع الشعري عن تلك الطبيعة صراع في مواجهة الحياة والقدر‪ ،‬كلها متعالقة مع‬ ‫الصراعية بين الطهر والخطيئة‪ ،‬فهنا يتحقق قضايا الخوف والحساب واإلثم والخطيئة‪.‬‬ ‫م�ق��دار األل��م ال��ذي يعاني منه الشاعر‪ ،‬والذي‬ ‫ون�ج��د أي�ض��ا تلك القصائد ال�ت��ي ت��رك��ز على‬ ‫يتأتى على شكل اعترافات لله نتيجة الخطيئة‪ ،‬م �ظ��اه��ر ال �ط �ب �ي �ع��ة‪ ،‬وه� ��ي م ��ن أه� ��م مرتكزات‬ ‫وكأنه في هذا االعتراف يكفر عن ذنوبه‪ ،‬وهذا‬ ‫الرومانسية‪ ،‬وصحة ذلك‪ ،‬ما تطالعنا به عناوين‬ ‫ما يكشف عن حقيقة الصراع المتوقد في نفسه؛‬ ‫دواوينه وقصائده‪ ،‬ومنها‪ :‬ألحان الشتاء‪ ،‬والفالح‪،‬‬ ‫فهو يقف ليتأمل ويحاسب نفسه‪ ،‬وهو مسكون‬ ‫وقصيدة يا بالدي‪ .‬واألخيرة يربط بها أبو شبكة‬ ‫بمواجهة الخطيئة وال �ح �س��اب‪ .‬ون��ذك��ر ل��ه هنا‬ ‫ح��ب ال��وط��ن ب�ح��ب ال�ط�ب�ي�ع��ة‪ .‬ون �ق��ع أي �ض��ا على‬ ‫قصيدة بعنوان «الدينونة»‪ ،‬وفيها يصور الحساب‪،‬‬ ‫وال سيما حساب الشعراء‪ ،‬إذ يحاورهم إبليس‬ ‫ح��ول خ�ط��اي��اه��م وك��ذب �ه��م‪ ،‬يكشف ه��ذا مقدار‬ ‫القلق الذي ينتاب الشاعر وإحساسه بالمعضلة‬ ‫األخالقية التي تلح عليه‪ ،‬وتتجلى ف��ي شعره‪،‬‬ ‫فكأن الشاعر في حديثه هذا يفرغ ما بداخله من‬ ‫خوف‪ ،‬على شكل تطهير أرسطي‪ ،‬ويضع تساؤال‬ ‫في مواجهة نفسه‪.‬‬ ‫منزل أبو شبكة‬

‫اجلوبة ‪ -‬صيف ‪1430‬هـ ‪47‬‬


‫حضور مكثف للمرأة في شعره‪ ،‬من‬ ‫خالل قصائده التي يعبر فيها عن‬ ‫عشقه لبعض النساء‪ ،‬منها «غلواء»‬ ‫وقصيدة «التجلي» (العهد الثالث)‪.‬‬

‫ولتقترب من النرجسية بقالب ثنائي‪،‬‬ ‫يحمل شيئا من نكهة الشكوكية التي‬ ‫يألفها الشاعر‪.‬‬

‫وم��ن الناحية الفنية‪ ،‬تشير ريتا‬ ‫ع ��وض ف��ي م �ع��رض دراس �ت �ه��ا حول‬ ‫ونورد هنا بعض األبيات‪ ،‬تعبر‬ ‫الشاعر‪ ،‬إلى أن الشاعر عامة‪ ،‬يسير‬ ‫ع��ن ه ��ذه ال �ن��زع��ة ن �ح��و الطبيعة‬ ‫بقصائده بنفس رومانسي‪ ،‬محاوال‬ ‫المتسقة بحضور ال �م��رأة‪ ،‬ضمن‬ ‫التجديد في الشكل الفني‪ ،‬من خالل‬ ‫ت ��راب ��ط ع� �ض ��وي‪ ،‬ك �م��ا ف ��ي هذه‬ ‫التنويع ف��ي ال�ق��واف��ي‪ ،‬واالق �ت��راب من‬ ‫األبيات من قصيدة (ألحان الشتاء)‪،‬‬ ‫ونلمح فيها مظاهر الطبيعة متجلية في حركة الموشحات األندلسية‪ ،‬ويضاف إلى ما سبق‪..‬‬ ‫اعتماد الشاعر على الصور الشعرية‪ ،‬واالرتفاع‬ ‫دائرية من البعث والتجدد‪:‬‬ ‫باللغة أحيانا إلى درجة شعرية عالية جدا‪ ..‬كما‬ ‫األرض وبا‬ ‫ِ‬ ‫�����ادت ال���م���زنُ إل���ى‬ ‫عَ ِ‬ ‫َح ب��األع��اص��ي��رِ وب��ال��ث��ل ِ��ج الجَ بل في قصيدة الصالة الحمراء‪.‬‬ ‫في الثّرى جهدٌ وفي الج ِّو كفاحٌ‬ ‫مما ال ش��ك فيه أن الشاعر ق��د اتكأ على‬ ‫وعَ ����ل����ى ال����دُّ ن����ي����ا أم����ان����ي وأم����ل‬ ‫َضت‬ ‫فالشجَ ـ ــرُ نشـ ــوان وم��ا َنف ْ‬ ‫ّ‬ ‫��ص��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ب��ا إال عس ـ ـ ــل‬ ‫عَ ���ن���هُ ال ّ‬ ‫وه��ذه قصيدة أخ��رى يتحدث فيها عن تلك‬ ‫المرأة التي أحبّها‪:‬‬ ‫ُ��ك ه��ذا أَم جَ مالي فَإِ نَّني‬ ‫جَ ��م��ال ِ‬ ‫فيكإِنسان ًاجَ ميلَ الهَوى ِمثلي‬ ‫أَرى ِ‬ ‫َوه��ذا الَّ��ذي أَحيا بِ ��هِ أَن ِ��ت أَم أَنا‬ ‫وَهذا الَّذي أَهوا ُه شَ كل ُِك أَم شَ كلي‬ ‫لح ِّب‬ ‫��ح��ل ِ��م لِ ُ‬ ‫َوح��ي��نَ أَرى ف��ي ال ُ‬ ‫أ َِظل ُِّك يَجري في َضميريَ أَم ِظلّي‬ ‫َت�� َربَّ��ع ك��لُّ ال ُ��ح ِّ��ب ف��ي كُ ��لِّ م��ا أَرى‬ ‫أَم روحك الكُ لِّيِّ هذا السنى الكُ لّي‬

‫العديد من ال��رواف��د الثقافية‪ ،‬وخاصة الدينية‬ ‫منها‪ ،‬مصحوبة ب�م��ؤث��رات لبعض أع �م��ال كبار‬ ‫الشعراء الغربيين‪ ،‬حيث هجر الشاعر أبو شبكة‬ ‫ال�ت�ق��ري��ري��ة وال �خ �ط��اب��ة‪ ،‬وت �ح��ول إل��ى استخدام‬ ‫ال��ص��ورة ال �م��وح �ي��ة‪ ،‬ذات ال�م�ع��ان��ي المتعددة‪،‬‬ ‫واألبعاد الرمزية‪ ،‬وأبدع في رسم لوحات معقدة‬ ‫تزخر باأللوان والحركة‪ ،‬والتي تتكئ على تفعيل‬ ‫الحواس عبر القراءة‪.‬‬

‫ثمة في النهاية م��ذاق آخ��ر للعالم الشعري الذي‬ ‫أبدعه إلياس أبو شبكة‪ ،‬فهو شاعر مرهف اإلحساس‪..‬‬ ‫ومختلف ف��ي ط��رح��ه ال�ش�ع��ري‪ ،‬عبر ح��ال��ة ال ب��د أنها‬ ‫تحمل شيئا من التفرد والتميز‪ ،‬لعل أهمها عمق العنف‬ ‫التأملي لفلسفة الحياة وغموضها؛ بنبرة تشاؤمية‪ -‬إلى‬ ‫وف���ي ش �ع��ره‪..‬ن �ل �ح��ظ ت� �س ��اؤالت ذات عمق حد ما ‪ -‬طبعت الحصيلة الشعرية لشاعر يعد بامتياز‬ ‫فلسفي‪ ،‬تعكس التماهي بين شخصيتين في من العالمات الشعرية العربية التي اتسمت تجربتها‬ ‫ح ��وار ج�م�ي��ل‪ ،‬ت��رت�ف��ع ف�ي��ه ل�غ��ة ال� ��ذات‪ ،‬لتطغى بالهدوء‪ ،‬ولكن مع كثير من الجمال والشعرية الخالصة‪.‬‬ ‫* شاعر وناقد‪.‬‬

‫‪48‬‬

‫اجلوبة ‪ -‬صيف ‪1430‬هـ‬


‫املقعد اخلالي‬

‫> ابتسام التريسي*‬

‫يصطد ُم بقدمي فأرتعش‪ ،‬يهتز مراراً‪ ،‬أنحني فوق يده المتشنج ُة حول عنقي‪ ،‬أضغطه إلى قلبي محاولة‬ ‫ألمس حشيتَه بأصابع أثلج حزنها فغدا استعادة نبضه‪ ،‬لكنّه يف ّر م��ن أصابعي ت��ارك�اً برود ًة‬ ‫ُ‬ ‫خشبه البارد‪،‬‬ ‫مخيفة‪ .‬أغفو على وجع يسحق روحي‪ ،‬وأستيقظ فزع ًة‬ ‫البيت صقيعاً‪ .‬تنهمر دموعي قاسية الوقع‪.‬‬ ‫ما تزال حرارة جسده الملتحمة بنسيج الغطاء‪ ،‬تمدّني من كابوس يالحقني‪ ،‬زرق � ٌة مخيفة تغطي مالمحه‪،‬‬ ‫بالثقة أنّه هنا‪ ..‬في مكان ما‪ ،‬أهمس مرتعشة‪ :‬يا قلبي‪ .‬أركض إلى كرسيه وبيدي كأس الماء وحبة الدواء‪.‬‬ ‫الكرسي الفارغ يتأرجح بألم ويصر بأنين مكتوم‪..‬‬ ‫يأتيني ص��دى الصوت صمتاً‪ ،‬يتمدد في رأسي‪،‬‬ ‫يتضخم‪ ،‬يقرعه بعنف‪ ،‬فتجحظ عيناي في محاولة تشدني عيوني المتورمة إلى النوم‪ ،‬ألراه هناك‪ ،‬امتداد‬ ‫األخضر في عينيه يقطر ألماً‪ ،‬وأسنانه تكز على شفتيه‬ ‫فاشلة الستحضار مالمحه‪.‬‬ ‫برعب‪ .‬يطحنني السؤال‪ :‬كيف أخفف عنه ذاك األلم؟‬ ‫في الحلم‪ ..‬يداعبني بيد حريرية الملمس‪ ،‬يسحبني‬ ‫صحوت فزعة ه��ذا الصباح على ص��وت ارتطامٍ‬ ‫وراء صمته حتّى االختناق‪ ،‬يهمس على إيقاع اللهفة في‬ ‫ضلوعي‪ ،‬تلفح حرارة أنفاسه أذني‪ ،‬أعاود التصاقي به‪ ،‬عنيف‪ ،‬ركضت صارخة باسمه صرخ ًة شقّت ضلوعي‪،‬‬ ‫ع ّل التحامَنا يعيد الروح إلى الجسد البارد‪ ..‬لع ّل الشمس وهزّت باب الشرفة في يدي‪ .‬كان هناك‪ ،‬مرمياً على‬ ‫المتوارية وراء ضحكته تغمر جسدي ب��دفء حضوره ال �ب�لاط ال�ن��اع��م ي��رت�ع��ش م��ن ال �ب��رد‪ ،‬وب �ح��ذر حاولت‬ ‫الصامت أب��داً‪ ،‬يسمّرني أل� ٌق في االبتسامة‪ ،‬فأتشبث حمله‪ ،‬ترنح بعيداً عن أصابعي‪ .‬عصفو ٌر صغير‪ ،‬ريشه‬ ‫بأهداب النوم‪ ،‬وأغوص تحت اللِحاف‪ .‬كم م ّر من العمر ال��رم��ادي المبتل‪ ،‬ون�ظ��رات��ه ال�ح��ائ��رة اقتلعت روحي‪.‬‬ ‫وأنا أنتظر تلك االبتسامة الّتي تغسل وجودي من الجدب ثانية حاول الطيران فاصطدم بزجاج الشرفة وارتطم‬ ‫بغيث يهطل في القلب ويروي الروح؟ كم حلمت به يمأل باألرض‪ ،‬ارتعد قلبي معه من األلم‪ ،‬محاولته األخيرة‬ ‫نجحت في إيجاد الطريق خ��ارج الشرفة‪ ،‬حين رأيته‬ ‫جنبات البيت مرحاً‪ ،‬ويعطي حياتي معنى؟‬ ‫ويحط على شجرة جوز قريبة‪ ،‬هدأ‬ ‫ّ‬ ‫يطير تحت المطر‬ ‫سنتان مرّتا على رحيله‪ ،‬وم��ا ي��زال يتنقل بخطو‬ ‫قلبي‪ ،‬ورأيت مالكي يبتسم‪ ،‬كان حضوره مختلفاً‪ ،‬م ّد‬ ‫متعثر في أرج��اء القلب‪ ،‬وم��ا أزال أراه مربوطاً إلى‬ ‫يديه الصغيرتين‪ ،‬وألوّل مرّة نطق ببطء حروفاً تشوقت‬ ‫كرسيه بالعجز والمرض‪.‬‬ ‫لسماعها وهو حي‪ :‬ماما‬ ‫الكرسي الفارغ يصرخ بي‪ ،‬يصفعني بحقيقة الغياب‬ ‫ثانية اصطدمت بكرسيه الخالي‪ ،‬تأرجح قليالً‪،‬‬ ‫كلّما نظرت إليه في الزاوية‪ .‬كم مرّة حاولت إقصاءه عن‬ ‫ابتسم لي‪ ،‬الهمس الدافئ غمر روحي‪ :‬ماما‪.‬‬ ‫ناظري‪ ،‬فلم تطاوعني يدي‪ ،‬أين يجلس حين يعود؟ أشعر‬ ‫أغمضت عينيّ على مالمحه المالئكية‪.‬‬ ‫أنّه هنا‪ ،‬في فضاء الغرفة تتحرك روحه‪ ،‬أسمع أنينه‬ ‫حيناً‪ ،‬وحيناً يغتالني صمتُه‪ ،‬ونظرةُ عينيه المتألمة‪.‬‬ ‫جالساً بهدوء في كرسيه‪ ،‬يتأرجح قليالً‪ ،‬ثم يغفو‪.‬‬ ‫بشفتيّ أقيس ح��رارت��ه المرتفعة‪ ،‬فجأة تتراخى‬ ‫* ‬

‫ق���������ص���������ص ق������ص������ي������رة‬

‫موتي هو موتك‬ ‫ما دمت أحيا‪ ،‬فأنت هنا دائماً‪ ،‬تتحرك في األمكنة نفسها‪..‬‬ ‫تتنفس الهواء ذاته‪ ،‬وتبتسم لغنائي!‬

‫إلى قيس‪ ،‬حيث سألقاه يوماً‪.‬‬

‫قاصة من سوريا‪.‬‬

‫اجلوبة ‪ -‬صيف ‪1430‬هـ ‪49‬‬


‫احلاملة‬

‫> نادية العسري*‬

‫ن��زل��ت ال ��درج بخطوات ثقيلة‪ ،‬خلعت نعليها‬ ‫واتجهت نحو البحر‪ ،‬ووقفت على شاطئه‪ ،‬وقد‬ ‫خال المكان إال من صياد جالس على صخرة‪،‬‬ ‫وصنارته ملقاة في البحر‪ ،‬وبين الفينة واألخرى‬ ‫ينظر إلى السماء متمتما بالدعاء‪ ،‬وعلى مقربة‬ ‫منه رس��ام وض��ع لوحته على عمودين خشبيين‬ ‫كانت أمها تخبرها دائما ‪ -‬وهي تطعمها أو‬ ‫يتحين لحظة ال �غ��روب ليبدعها عليها‪ .‬وقفت تعطيها الدواء ‪ -‬بأن والدها كثيراً ما المها عندما‬ ‫وعيناها الناعستان شاخصتان في األفق‪ ،‬ومياه أنجبتها‪ .‬فقد كان ينتظر مولوده األول الذكر‪ .‬وها‬ ‫البحر تداعب قدميها اللتين أتعبهما الوقوف طول أنت‪ ..‬لوالك لمتنا جوعا‪ ،‬وكما ترين‪ ..‬إخوانك ال‬ ‫النهار في المصنع‪ ،‬فقد نشأت في أسرة تعترف فائدة ترجى منهم‪.‬‬ ‫بحق ال�م��رأة ف��ي ال�خ��روج للعمل‪ ،‬ب��ل إن والدها‬ ‫لم تكن تدري‪ ..‬هل كانت أمها تقول لها هذا‬ ‫وإخوانها الثالثة تخلوا لها عن كامل مسئوليتهم‪،‬‬ ‫ال�ك�لام احتفاء ب�ه��ا‪ ،‬أو م��واس��اة ل�ه��ا‪ ،‬لكنها قد‬ ‫لتصبح ‪ -‬هي ‪ -‬ولي أمر أسرتها‪.‬‬ ‫اعتادت على كالم أمها‪ ،‬كما اعتادت على حياتها‪،‬‬ ‫لم تتمكن من إتمام تعليمها‪ ،‬واضطرت للعمل وكان الشيء الوحيد الذي يكسر روتين حياتها‪،‬‬ ‫صغيرة كخادمة في المنازل‪ ،‬لتقضي طفولتها هو عالم أحالمها الجميل المليء باألمل‪ ..‬بأن‬ ‫وب �ع��ض شبابها متنقلة م��ن م �ن��زل آلخ ��ر‪ ،‬ومن تتزوج رج�لا يعوضها سنوات حرمانها‪ ،‬وتربي‬ ‫م�ع��ان��اة ألخ��رى أش��د منها‪ ،‬إل��ى أن استطاعت فيها أبناءها على ض��رورة العمل‪ ،‬وت��رى بناتها‬ ‫أخيرا أن تجد لنفسها ‪ -‬بالواسطة والرشوة ‪ -‬يذهبن إلى المدرسة فالجامعة‪ ،‬أح�لام رافقت‬ ‫عمال في مصنع من مصانع السمك المنتشرة غروب الشمس‪ ،‬لتعود معها‪ ..‬وتعود حاملتها إلى‬ ‫ هنا وهناك ‪ -‬في المدينة‪ ،‬يضمن لها أجرا عالمها الواقعي في بيتها وعملها‪ ..‬كما غادر‬‫شهريا يكفي مستلزمات بيتها ودواء والدتها الصياد بعد أن ضمن رزق عياله‪ ،‬ول��م يبق إال‬ ‫المقعدة ‪ -‬نتيجة إصابتها بمرض في عمودها ص��ورة تلك الحالمة على لوحة ال��رس��ام‪ ،‬الذي‬ ‫الفقري‪ ،‬سببته آلة الخياطة التي عكفت عليها ربما وجد في قوامها النحيل‪ ،‬ومالبسها الرثة‬ ‫ط��وال عمرها‪ ،‬ورافقتها من منزل والدها إلى موضوعا للوحته‪..‬‬ ‫منزل زوجها‪ ،‬وبرزقها اليسير ربت إخوتها ومن‬ ‫بعدهم أبناءها ‪ ،-‬إال أن األجرة الشهرية كانت ال‬ ‫تكفي أحيانا‪ ،‬ما يضطرها لالستالف‪ ،‬من أجل‬ ‫دفع غرامة مالية عن أحد إخوانها في تهمة سكر‬ ‫علني‪ ،‬أو اعتداء‪ ،‬أو حيازة مخدرات‪!..‬‬

‫*‬

‫‪50‬‬

‫قاصة من المغرب‬

‫اجلوبة ‪ -‬صيف ‪1430‬هـ‬


‫ق���������ص���������ص ق������ص������ي������رة‬

‫سبع قصص قصيرة جدا‬

‫> شيمة الشمري*‬

‫عقوبة‬ ‫فقد األم��ل وتوشح ال �س��واد‪ ..‬س��ار في‬

‫طريق متعرج مليء باألوبئة‪..‬‬

‫فقد عقله‪ ..‬مضى زمن وهو يتابع البكاء‬

‫وتنتابه نوبات من الضحك والصراخ‪..‬‬

‫األطفال يحومون حوله ويضحكون!‬

‫ت�س��رب��ت م�ن��ه ك �ق �ط��رات ال� �م ��اء‪ ..‬غرق‬ ‫حزنا‪..‬‬ ‫هي‪ ..‬تنظر وتعبث برمل الساحل‪.‬‬

‫صراخ‬ ‫ت�ع��ال��ى ص ��راخ الطفلة وه��ي تلعب مع‬ ‫قريناتها‪ ..‬والدتها ترقبها بسعادة‪..‬‬

‫شعرت به بركانا ثائرا‪ ..‬حاولت الهروب‬

‫ط �ل �ب��ت م �ن �ه��ا إح � ��دى ص��دي �ق��ات �ه��ا أن‬ ‫تهدئ صغيرتها فقد بحَّ صوتها من كثرة‬ ‫الصراخ‪..‬‬

‫ج��ذب�ه��ا حنين وش� ��وق‪ ..‬ع ��ادت لتجده‬

‫تبسمت األم قائلة‪ :‬دعيها تتعود على‬ ‫الصراخ‪ ,‬غدا تصبح زوجة!!‬

‫عــودة‬ ‫منه‪ ..‬ابتعدت‪ ,‬وابتعدت أكثر‪..‬‬

‫يغني بحرقة وألم‪( :‬لسه فاكر‪!!)..‬‬

‫فرصة‬ ‫ل�م��ع ف��ي ح�ي��ات�ه��ا ك��ال �ب��رق الخاطف‪..‬‬

‫أغمضت عينيها لحظة‪..‬وعندما فتحتها‬ ‫كان قد اختفى!!‬

‫تسرب‪..‬‬ ‫ت�ع��اه��دا على اإلب �ح��ار م �ع��ا‪ ..‬غامرا‪..‬‬

‫هاجمتهما موجة شرسة‪..‬حضنها‪..‬‬ ‫*‬

‫مرحلة‬ ‫م َّر بها عابرا‪ ,‬بينما كانت تؤثث قلبها‬ ‫ليسكنه مدى الحياة!!‬

‫عمق‬ ‫خ� ��ارت ق� ��واه أم� ��ام ت �ل��ك العاصفة‪..‬‬ ‫اس �ت �س �ل��م‪ ..‬ف �ت��ح ذراع� �ي ��ه ل �ت��أخ��ذه حيث‬ ‫تريد‪..‬‬ ‫أما هي فقررت الولوج إلى أعماقه‪..‬‬

‫كاتبة من السعودية‬

‫اجلوبة ‪ -‬صيف ‪1430‬هـ ‪51‬‬


‫املجاعة‬

‫> د‪ .‬سناء شعالن*‬

‫«يحدث ك ّل شيء في زمن المجاعة»‬ ‫اس�ت�خ��دم الستكمال تمثاله ال�ص�خ��ري ال��شّ �ع��ر اآلدمي‪،‬‬ ‫واألظافر البشرية وبقايا المالبس المهترئة‪ ،‬الباقي الوحيد‬ ‫بعد الموت من أولئك الذين سقطوا في قبضة الموت‪ ،‬بعد‬ ‫هذه المجاعة الشرسة‪ ،‬التي طرقتْ بيوت الفقراء والمعدمين‪،‬‬ ‫وعاثتْ تحطيماً في أجسادهم‪ ،‬وقعدتْ بهم دون الهرب أو‬ ‫االستغاثة أو الثورة عليها‪ ،‬وأكلتْ من أجسادهم حتى بشمتْ ‪،‬‬ ‫وتقضب على عظام‬ ‫ّ‬ ‫بأجساد ذات جلد تهدّل‬ ‫ٍ‬ ‫وظلّوا جائعين‪،‬‬ ‫وهنة بعد أن ذاب دهنهم‪.‬‬ ‫الضنك‬ ‫ك��ان ن��حّ ��ات�اً م��وه��وب�اً ف��ي زم��ن ّ‬ ‫والفقر‪ ،‬ولكنّه اآلن ليس أكثر م��ن حفّار‬ ‫ق �ب��ور‪ ،‬أو ح��ان��وت��ي ق��ات��م ي�ح�ت��رف تشييع‬ ‫الموتى‪ ،‬ويُتقن إهالة التراب على األجساد‬ ‫التي اقتاتها الجوع‪ ،‬ويستثمر الباقي القليل‪،‬‬ ‫مما لن يمانع الموتى بسلبهم إيّاه في إكمال‬ ‫تمثاله الصخري‪ ،‬ال��ذي ق �دّه من الصخر‬ ‫منذ زمن‪ ،‬وأضنى ذهنه تفكيراً وتدبّراً في‬ ‫أيّ األشكال سينحَ تْ منه‪ ،‬فك ّر في أن ينحته‬

‫‪52‬‬

‫اجلوبة ‪ -‬صيف ‪1430‬هـ‬

‫على شكل جواد السلطان‪ ،‬لكنّه تراجع عن‬ ‫الفكرة‪ ،‬إذ إنّ السلطان يحبّ الخيل البريّة‬ ‫ال ال�ص�خ��ري��ة‪ ،‬وف��ي م��رة أخ ��رى ف� ّك��ر بأن‬ ‫ينحته على شكل حسناء ممشوقة القوام‪،‬‬ ‫لكنّ الحرمان الذي تحرّك في داخله أورثه‬ ‫غصة خنقتْ أنامله‪ ،‬فمنعته من أن ينحته‬ ‫ّ‬ ‫كما يحبّ ‪ ،‬وآل ق��راره إل��ى أن ينحته على‬ ‫شكل طفل صغير يستجدي المارّة بدموع‬ ‫صخرية خالّبة‪ ،‬وخمّن أنّه سيجني الكثير‬


‫يسعدون باقتناء فنون الحزن‪ ،‬ويكمّلون بها رفيع دون رحمة أو نظرة عطف‪.‬‬

‫أث��اث�ه��م ون ��ادر ممتلكاتهم‪ ،‬وال عجب ف��ي ذلك؛‬

‫المشهد الرهيب هو من احت ّل قريحة النحّ ات‪،‬‬

‫فالفقر بالمجّ ان‪ ،‬والفقراء هم من يبدعون الفنون‪ ،‬وأم�ل��ى على ط��رق��ات إزميله الصغير أن ينحتَ‬ ‫في حين أنّ األغنياء هم من يستمتعون بها‪.‬‬ ‫تمثاالً كبيراً على شكل مشهد موت عجيب‪ ،‬إذ أنّ‬

‫غضة‪ ،‬وتتنزّى‬ ‫لكنّ المجاعة المفترسة جعلته يتراجع عن الموت عمالق أسود يلوك أجساداً ّ‬

‫ق���������ص���������ص ق������ص������ي������رة‬

‫من المال من هذا التمثال الحزين؛ إذ أنّ األغبياء الجوع قبضته المهترئة على الجياع‪ ،‬ومحقهم‬

‫تمثاله ال�ص�ب��ي ال�م�س�ت�ج��دي‪ ،‬وشغلته بالموت من بين قبضيته أش�لاءٌ وأعضاءٌ شبه مهروسة‪،‬‬

‫وبالموتى‪ ،‬فقد داه�م��تْ المجاعة المكان على وتحت قدميه تجثو غربان سمينة تلتهم بشهوة‬ ‫غير غرّة‪ ،‬فقد كان من المتوقّع أن األمور ستزداد م��ا يسقط م��ن بين ي��دي��ه‪ ،‬ول�ك��ي ي�ك��ون التمثال‬

‫سوءاً ما دام الوالي يضيّق الخناق على المواطنين‪ ،‬أكثر صدقاً واستحضاراً لهيئة الموت البغيضة‪،‬‬ ‫ويرهقهم بالضرائب المضنية‪ ،‬ويشاركهم حتى في فقد استعان النحّ ات الملهم بشعر بعض الموتى‪،‬‬

‫سعاداتهم‪ ،‬في حين أنّ السلطان يمارس رياضاته وأظافرهم ومالبسهم‪ ،‬وثبّتها بين يدي التمثال‬ ‫المفضلة‪.‬‬ ‫ّ‬

‫الموت‪ ،‬فكان التمثال حقيقة مجسّ دة للموت الذي‬

‫أ ّم��ا ال�ش�ب��اب م��ن ال��رع�ي��ة‪ ،‬فقد ك��ان��وا نذوراً يصهر المستضعفين دون رحمة‪.‬‬

‫وقرابين لحروب يع ّز أن تُحصى لكثرتها‪ ،‬تشتعل‬

‫المجاعة والموت الرهيب وأ ّن��ات المنكودين‪،‬‬

‫ف��ي ب�ل�اد غ��ري�ب��ة‪ ،‬وألس �ب��اب ال تعني أمّهاتهم‪ ،‬لم تمنع المترفين من أن يستمتعوا بما تجود به‬ ‫وال تستف ّز ن�خ��وت�ه��م‪ ،‬وإن ك��ان��ت أس �ب��اب �اً كافية قرائح الملهمين الجياع‪ ،‬وأيدي الفنّانين الفقراء‪،‬‬

‫لكي يحتكر التجّ ار والمرابون السلع واألغذية‪ ،‬دي��وان الثقافة أق��ام معرضاً تسجيلياً للمجاعة‪،‬‬ ‫ويقصرونها على أص �ح��اب ال��دراه��م الذهبية‪ ،‬ش��ارك فيه الفنانون الجائعون م��ن ك � ّل البالد‪،‬‬

‫ويبقى الهواء الموجود المجاني الوحيد مالذاً وفي قلبه انتصب تمثال المجاعة الموت الذي‬ ‫للبطون الفارغة‪.‬‬

‫حصد الكثير من الجوائز والصور والمقابالت‬

‫المجاعة كانتْ أقوى من أن تهزمها المدّخرات التلفزيونية والصحفية‪.‬‬

‫القليلة‪ ،‬والمؤن القديمة‪ ،‬واألعمال ذات األجور‬

‫اقتربت تلك اإلع�لام� ّي��ة الثريّة المترفة من‬

‫المتدنية‪ ،‬والحدود الصحراوية التي تحنق البالد ال �ن��حّ ��ات‪ ،‬وس��أل�ت��ه بفضول ض��ارب��ة صفحاً عن‬

‫أشرس من أن يقطعها الجياع فارين الئذين بالعدم حذائه المهترئ ال��ذي تتفلّت منه أصابع قميئة‬ ‫مما هم فيه؛ لذا‪ ،‬فقد استكان الجميع أمام الجوع‪ ،‬متسخة‪ ،‬وقالتْ له‪« :‬أأنت من صنع هذا التمثال؟»‬

‫الحرَاب ذات األنصال الالمعة إثر ابتسم النّحات ابتسام ًة كسيرة ساخرة‪ ،‬وقال لها‬ ‫وتراجعوا أمام ِ‬

‫تتبعّهم لروائح موائد األغنياء والمترفين‪ ،‬فأحكم بال أدنى اهتمام‪« :‬بل أنتم!!!»‬ ‫* ‬

‫كاتبة وقاصة من األردن‪.‬‬

‫اجلوبة ‪ -‬صيف ‪1430‬هـ ‪53‬‬


‫قلوب شائكة‬

‫> لولوه العتيبي*‬

‫سؤال يراودني كثيرا‪ .‬شغلني‪..‬لم أجد فيها األش � ��واك‪ ..‬عندها ف �ق��ط‪ ..‬أعرف‬ ‫له جواباً‪ ..‬أو تفسيرا لما يجري‪..‬‬ ‫اإلجابة‪ ،‬وأشبع فضولي‪!!..‬‬ ‫[هل للحب وطن في قلوب ال تنبت إال‬ ‫األشواك‪..‬؟!]‪.‬‬

‫من أنا‪.‬؟؟‬ ‫اسمي‪ ..‬يحمل غموض كتاباتي‪.‬‬

‫ربما يجيب بعضهم‪ ..‬نعم‪ ،‬هناك وطن‪..‬‬ ‫بل هناك إمبراطورية تحكم عقل وقلب من‬ ‫هواياتي‪ ..‬حزن قسري دائم‪.‬‬ ‫استولى عليه‪ ..‬وآخ��ر يجيب ب��أن ال وطن‬ ‫للحب في قلوب أولئك الناس‪..‬ربما‪ ،‬ألنهم‬ ‫جنسيتي‪ ..‬متعددة في عالم مشاعري‪.‬‬ ‫لم يتذوقوا الحب أو يعرفوا معناه‪ ..‬وربما‪،‬‬ ‫وط �ن��ي‪ ..‬ك��وك��ب إن�س��ان��ي رق�ي��ق يغطيه‬ ‫ألنهم لم يدفعوا شيئا ثمنا ل��ذاك الحب‪ ،‬صمتي‪.‬‬ ‫حتى يشعروا بقيمته وأهميته في حياتهم‪..‬‬ ‫بيتي‪ ..‬زوايا الخيال ووقائع عالمي‬ ‫وآخ���رون ي �ج��دون ألنفسهم إج��اب��ة مقنعه‬ ‫أكلي‪ ..‬أوراق مجلدات‪!!..‬‬ ‫تماما‪ ..‬وهي أن الحب ليس له وجود في‬ ‫حياتهم‪ ..‬ليتخذ من قلوبهم موطنا‪ !!..‬وهم‬ ‫شربي‪ ..‬حبر أقالمي!!‬ ‫أصحاب القلوب التي ال تنبت إال األشواك‪،‬‬ ‫م� �خ ��دع ��ي‪ ..‬أس� �ي ��ر األرض وسجين‬ ‫لتقتل كل من يحاول االقتراب منها‪ ..‬ليبدل األفكار‪.‬‬ ‫تلك األشواك ورودا‪!!..‬‬ ‫أحالمي‪ ..‬أحالم يقظة تصطدم بالواقع‬ ‫أما أنا‪ ..‬فلكي أجد جوابا لهذا السؤال‪ ..‬عندما أستعيد وعيي‪.‬‬ ‫سأذهب بعيدا‪ !!..‬سأرحل مع الذكريات‪..‬‬ ‫«ه��ذا أن ��ا‪ ..‬إن ق�ب�ل��ت‪ ..‬فعلى الرحب‬ ‫سأعيش معها حتى أرى إ ْن ك��ان للحب‬ ‫والسعه‪ ،‬وإال‪ ..‬فقد اختصرت الطريق الى‬ ‫مكان في قلوب َم ْن حولي‪ ..‬أم عَ شْ عَشتْ‬ ‫النهاية»‪.‬‬ ‫عمري‪ ..‬شتات سنيني‪.‬‬

‫*‬

‫‪54‬‬

‫سكاكا ‪-‬الجوف‬

‫اجلوبة ‪ -‬صيف ‪1430‬هـ‬


‫ق���������ص���������ص ق������ص������ي������رة‬

‫قصة لألطفال‪ ..‬واحة الغزالن‬ ‫> إبراهيم شيخ*‬ ‫في واحة صغيرة وسط الصحراء‪ ،‬كانت تسكن مجموعة من الغزالن‪ ..‬كانت في سعادة‬ ‫غامرة بسبب خلو الواحة من الحيوانات المفترسة‪ ،‬وبعدها عن الغابة وعن التجمعات‬ ‫السكانية‪ ،‬ما أكسبها جوا من الهدوء والسكينة‪ ،‬جعلها تتكاثر وتزداد أعدادها حتى مألت‬ ‫الواحة‪ .‬عرفت الواحة بواحة الغزالن‪ ،‬سكانها الغزالن والحيوانات الضعيفة كاألرانب‬ ‫والفئران والضفادع‪ ،‬والتي ال تضايق بوجودها الغزالن‪ ،‬أو تسبب لها أذى‪.‬‬

‫في الغابة البعيدة عن الواحة‪ ،‬خالف الضعيفة هم سكانها فقط‪.‬‬ ‫فيها أسد ونمر وذئب وثعلب‪ ،‬النظام السائد‬ ‫لمح أحد الغزالن األسد والنمر والذئب‬

‫هناك فقام سكان الغابة ‪ -‬من الحيوانات والثعلب وهم يدخلون إلى الواحة‪ .‬فجرى‬ ‫ بطردهم‪ ،‬خرجوا يبحثون لهم عن مأوى ‪ -‬وه��و خائف وج��ل ‪ -‬إل��ى زعيم الغزالن‬‫وبعد عناء‪ ،‬شاهدوا عن بعد واحة تلوح لهم وباقي الغزالن الموجودين معه وقال‪:‬‬ ‫وسط الصحراء‪ ..‬فرحوا بها فرحا عظيما‪،‬‬ ‫لقد تحول أمن واحتنا إلى خوف وهالك‬ ‫فتوجهوا نحوها‪ ،‬وزاد فرحهم بعدما علموا‬ ‫وموت محقق‪.‬‬ ‫أنهم ه��م ال��وح�ي��دون فيها م��ن الحيوانات‬ ‫تلقته الغزالن تسأله بصوت واحد‪:‬‬ ‫المفترسة‪ ،‬وأن الغزالن وبعض الحيوانات‬

‫اجلوبة ‪ -‬صيف ‪1430‬هـ ‪55‬‬


‫ وما سبب ذلك؟‬‫ رأيت أسدا ونمرا وذئبا وثعلبا‪ ،‬دخلوا الواحة‬‫وهم اآلن يسيرون فيها‪ ،‬كي يعرفوا من فيها‪.‬‬ ‫دب ال ��ذع ��ر ف ��ي ق �ل��وب ال� �غ���زالن‪ ،‬وأخ� ��ذوا‬ ‫يتصايحون‪ ،‬فحذرهم ال�غ��زال الزعيم من ذلك‬ ‫وقال لهم‪:‬‬ ‫ ب��دال م��ن ال�ص�ي��اح‪ ..‬تعالوا نفكر ف��ي حل‬‫يخرجنا من هذه المشكلة المحدق خطرها بنا‪،‬‬ ‫ولكي نخرج منها بأقل الخسائر‪.‬‬ ‫ل��م يستطع ال��غ��زالن التفكير م��ن الخوف‪،‬‬ ‫وم �ك �ث��وا م�ج�ت�م�ع�ي��ن ف ��ي م �ك��ان �ه��م‪ ،‬وج� ��اء أمر‬ ‫الزعيم باالنصراف إلى بيوتهم‪ ،‬وتوخي الحذر‬ ‫ أنا لها يا زعيم الغزالن‪ ،‬لكن قل لي ماذا‬‫عند الخروج والسير في الواحة حتى ي��رى هو‬ ‫استطيع عمله من أجلكم‪.‬‬ ‫ومستشاروه حال مناسبا‪.‬‬ ‫ تستطيع ع �م��ل ال �ك �ث �ي��ر‪ ،‬ال �س��ت األلمعي‬‫بات الزعيم يفكر ويفكر حتى قبيل الفجر‪،‬‬ ‫المشهور بالذكاء؟‬ ‫والحت له فكرة‪ ..‬فجرى إلى مستشاريه قائال‪:‬‬ ‫وازداد غرور الثعلب وقال‪:‬‬ ‫ لقد وجدت حال لمشكلتنا وأظنه مناسبا‪،‬‬‫ بلى‪ ،‬بلى يا زعيم الغزالن‪ ،‬لكن قل لي ماذا‬‫لكنه يحتاج صبرا وتحمال حتى تتحقق النتائج‪.‬‬ ‫أفعل‪ ،‬وما هي مكافأتي إن نجحت في مهمتي‪.‬‬ ‫ وما الحل؟‬‫ ستكون مكافأتك في العيش معنا بمفردك‬‫ أملنا الوحيد ‪ -‬بعد الله ‪ -‬هو الثعلب‪.‬‬‫ونتخذك حاكما لواحتنا‪ ،‬أمرك مطاع ورغباتك‬ ‫ الثعلب!!‪ ،‬كيف؟‬‫مستجابة‪.‬‬ ‫ ستعرفون فيما بعد ما اقصده‪.‬‬‫ قل يا زعيم ال�غ��زالن‪ ..‬فأنا مشتاق للعمل‬‫ظ��ل ال��زع�ي��م يتحين ال�ف��رص��ة للقاء الثعلب من اآلن‪.‬‬ ‫بمفرده‪ ،‬وتحقق له ذلك‪ ،‬والتقى به‪ ..‬فبكى عنده‬ ‫ تستطيع أن توقع بين األسد والنمر والذئب‪،‬‬‫وقال‪:‬‬ ‫فيقتل بعضهم بعضاً‪ ،‬ونتخلص منهم جميعهم‪.‬‬ ‫ يا سيد السباع‪ ..‬نحن مجموعة الغزالن في‬‫ عرفت‪ ،‬عرفت‪ ،‬أيها الزعيم‪..‬سوف أبدا من‬‫مشكلة ال يستطيع مساعدتنا في حلها غيرك‪.‬‬ ‫اآلن‪.‬‬ ‫انتشى الثعلب غرورا وقال‪:‬‬ ‫اجتمع األسد برفاقه أول وصولهم إلى الواحة‪،‬‬

‫‪56‬‬

‫اجلوبة ‪ -‬صيف ‪1430‬هـ‬


‫ لقد انتهك حماك أيها الملك!!!‬‫ غضب األسد وزأر بشدة ثم قال‪:‬‬‫ ومن يقدر على انتهاك حماي؟!‪.‬‬‫ النمر‪ ..‬هو من انتهك حماك أيها الملك‪.‬‬‫عينوه ملكا عليها‪ ،‬طلب منهم أن ال يتصرفوا في‬ ‫شيء إال بعد الرجوع إليه‪.‬‬ ‫خرج النمر يتمشى‪..‬رأى ظبيا صغيرا أعجبه‪،‬‬ ‫فافترسه في الحال‪.‬‬ ‫أصاب الهلع مجموعة الغزالن‪ ،‬ظن الزعيم‬ ‫أن الثعلب خدعهم‪..‬‬ ‫لكن الثعلب استغل الحادثة‪ ،‬وجاء إلى الذئب‬ ‫قائال له‪:‬‬ ‫ المفروض أن ال�غ��زال الصغير ل��ك‪ ..‬فهو‬‫أطيب لحما‪.‬‬ ‫ ماذا أفعل بالنمر المتطفل؟‬‫ أوق�ف��ه عند ح��ده‪ ..‬وإال تجرأ وقتل باقي‬‫الصغار‪ ..‬ولن تذق لها طعما‪.‬‬

‫ق���������ص���������ص ق������ص������ي������رة‬

‫الثعلب متظاهر ب��ال�ح��زن العميق والغضب‬ ‫لساحة األسد‪:‬‬

‫ وأنى له ذلك؟‬‫بدا الثعلب وكأنه حزين لما حدث‪:‬‬ ‫ قتل واحدا من رعيتك من دون ذنب جناه‪.‬‬‫ ومن؟! هيا قل‪ ..‬فلم يعد لدي صبر‪.‬‬‫ قتل ال��ذئ��ب المسكين ي��ا س�ي��دي‪ ،‬ألن��ه هو‬‫الحاكم للواحة كما يقول‪.‬‬ ‫استشاط األسد غيظا‪ ،‬وتوعد بإنزال أقصى‬ ‫العقوبة بالنمر‪.‬‬ ‫أسرع الثعلب إلى النمر وقال له‪:‬‬ ‫ اح ��ذر م��ن األس ��د ي��ا س �ي��دي النمر‪..‬فهو‬‫غاضب منك ويهدد بقتلك إن رآك‪.‬‬ ‫غضب النمر وأب ��دى اس�ت�ع��داده للدفاع عن‬ ‫نفسه‪ ،‬وإظهار قوته للجميع‪.‬‬

‫اس�ت�ش��اط ال��ذئ��ب غضبا‪ ،‬وان�ط�ل��ق م��ن فوره‬ ‫التقى األسد والنمر في لقاء مرتقب‪ ،‬ووقعت‬ ‫بري‪،‬‬ ‫أرنب ٍ‬ ‫يبحث عن النمر‪ ،‬أدركه يحاول صيد ٍ‬ ‫معركة حامية الوطيس امتدت حتى الليل‪ ،‬وانتهت‬ ‫ناداه الذئب‪ ،‬فهرب األرنب‪ ..‬غضب النمر‪ ،‬ودخل‬ ‫ف��ي ال�ي��وم الثاني بموت االثنين معا‪ ،‬وق��د خال‬ ‫في معركة مع الذئب‪ ،‬راح ضحيتها الذئب‪.‬‬ ‫المكان للثعلب‪ ،‬فجاء يريد العرش الموعود به‪..‬‬ ‫انطلق الثعلب إلى األسد يبكي ويمرغ وجهه‬ ‫فتجمعت عليه ال �غ��زالن‪ ،‬ونطحته بقرونها‬ ‫في التراب‪ ،‬فزع األسد وأقبل عليه يزأر ويهدد‪:‬‬ ‫حتى ألحقته بأصحابه‪ ،‬وعاد األمن للواحة من‬ ‫روي��دا أيها الثعلب المسكين‪ ..‬حدثني بما‬ ‫جديد‪.‬‬ ‫وقع‪.‬‬ ‫*‬

‫قاص من السعودية‬

‫اجلوبة ‪ -‬صيف ‪1430‬هـ ‪57‬‬


‫البرتقالة‬

‫*‬

‫‪58‬‬

‫> د‪ .‬يوسف العارف*‬

‫كأن احتباس المآقي‪..‬‬

‫وإذ يحتفون بأيامنا المشرقيةِ ‪..‬‬

‫‪ -‬إذا الفجر سال ‪-‬‬

‫يذكرون‪..‬‬

‫عصيرٌ من البرتقال‪..‬‬

‫خيال مطهمة ً‪..‬‬

‫مزنةٌ هطلت من خيال‪..‬‬

‫وسرج ًا فراتيا‪..‬‬

‫أو الزعفران ُ تشرنق في قهوة‪..‬‬

‫«وغسقة ِعطره تِ حلى» ‬

‫عتقتها يدٌ من حالل!!‬

‫إذا الليل سال إلى آخره‪..‬‬

‫كأني أعيش لظى يومها البكر‪..‬‬

‫واكتوينا بم ِّر المآل!!‬

‫أستمطرُ الشع َر حاذق القافيات‪..‬‬

‫هي البرتقالة‪..‬‬

‫ونرجسةً ال تطال!!‬

‫رمز لهذا الزمان‪..‬‬

‫هي البرتقالة‪..‬‬

‫وهذ‪ 1‬الذي فاض من عروبتنا‪..‬‬

‫أوعزتْ للحروف أن تكتبني‪..‬‬

‫وأوغل في إرثنا والمكان‪..‬‬

‫أن تهيل من الذكريات الطوال‪..‬‬

‫وأوشك أن يعترينا سراب الفحولة‪..‬‬

‫ألق ًا سرمديا‪..‬‬

‫لكنها فتنة من وبال!!‬

‫وحزم َة ضوءٍ ‪..‬‬

‫هي البرتقالة‪..‬‬

‫وزنبقةً من سؤال!!‬

‫إذ ينتمي للجواب سؤال‪..‬‬

‫هي البرتقالة‪:‬‬

‫ويزهر من لغتي‪..‬‬

‫إذ يبتدرون الحديث‪..‬‬

‫وحروف التعجب‪..‬‬

‫تكون المثال‪،‬‬

‫ألف سؤال‪..‬‬

‫وإذ يحتكمون إلى امرأة‪..‬‬

‫وينبت في شفتي‪..‬‬

‫تكون الجمال‪،‬‬

‫ألف سؤال‪..‬‬

‫شاعر من السعودية‬

‫اجلوبة ‪ -‬صيف ‪1430‬هـ‬


‫ش������������������������������������ع������������������������������������ر‬

‫بني غبار الثلج ونعومته!‬ ‫> مالك اخلالدي*‬ ‫وهل للثلج غبار؟! سؤا ٌل يسابق بقية الحروف‪ ،‬ويلج أسماعنا مبكراً قبل أي هطول‪،‬‬ ‫(غبار الثلج) ربما كان بدعاً من القول ابتكره الشاعر األمريكي (روبرت فروست)‪ ،‬منطلقاً‬ ‫�راع دائم ألجل‬ ‫من فكرته السلبية تجاه الطبيعة‪ ،‬إذ يرى أن اإلنسان والطبيعة في ص� ٍ‬ ‫البقاء‪.‬‬ ‫وإليكم ترجمتي لقصيدتين قصيرتين جداً‪ ،‬أعرض فيهما فكرتين متناقضتين‪:‬‬

‫(غبار الثلج)‬ ‫روبرت فروست‬ ‫الغراب‬ ‫ِ‬ ‫طري ُق‬ ‫يُـساقط فوقي‬ ‫غبار الثلوج‬ ‫من تلكم الشجرة السامة‪.‬‬ ‫لقد من َح فؤادي‬ ‫تغيراً في المزاج‪،‬‬ ‫و اختص َر شيئاً من اليوم؛‬ ‫آسفاً!‬ ‫فأصبحتُ ِ‬

‫(الثلج الناعم)‬ ‫وليام بليك‬

‫يوم مُـثْـلج‬ ‫مشيتُ في الخارجِ في ٍ‬

‫سألتُ الثلج الناعم أن يلعبَ معي‬ ‫لقد لعِ ـبتْ وذابتْ في ريعان شبابها‬ ‫الشتاءُ أسمى ذلك جريم ًة بشعة!‬ ‫***‬ ‫في حين يخل ُع فروست رداء التشاؤم‬ ‫على عناصر الطبيعة‪ ،‬كالطريق والثلج‬ ‫ال في الثلج مصدراً‬ ‫والشجرة‪ ،‬فيرى مث ً‬ ‫لغبار الشجرة السامة‪ ،‬ن��رى بليك‪ ..‬وقد‬ ‫ج�ع��ل م��ن ال �ج �م��ال األن��ث��وي ث�ل�ج�اً يذوب‬ ‫ضحي ًة لتصرفات بعضهم الخاطئة‪.‬‬ ‫يسي ُر نهرا القصيدتين متوازيين حتى‬ ‫نهاية حزينة‪.‬‬ ‫يلتقيان في ٍ‬

‫* سكاكا ‪ -‬الجوف‪.‬‬

‫اجلوبة ‪ -‬صيف ‪1430‬هـ ‪59‬‬


‫أعطني‪ ..‬نايا أغني‬ ‫> ميسون أبو بكر*‬ ‫غني مواويل البالد‪..‬‬ ‫واألقصى‬ ‫للبحر غنـّي‪..‬‬ ‫ُص من حنيني‬ ‫فأخلـ ُ‬ ‫للمنافي‬ ‫إنَّ قيدي من حنين ٍ واشتياق‪..‬‬ ‫لألحبة في المنافي‪..‬‬ ‫للشواطئ‪ ..‬للحياة‬ ‫غنّي مواويل الحنين‬ ‫غنـّي مواويل الغياب‪..‬‬ ‫يا ميجنا يا ميجنا ويا ميجنا‬ ‫حتى يشيخ اللو ُز‬ ‫كانوا هـِنا‬ ‫من دمع الحنين‪..‬‬ ‫كنـّا هـِنا‪ ..‬ما ودعونا احبابنا‪..‬‬ ‫الحقول‬ ‫ِ‬ ‫ويفوحُ ليمون ُ‬ ‫غنـّي‪ ..‬لعلَّ البحر َ يـُرجعُ من سبا ُه الموجْ‬ ‫الغيمات عطرا وانتشاء‪..‬‬ ‫ُ‬ ‫فتحبلُ‬ ‫��ول الضوءِ‬ ‫��س ت��ع��ت��قُ ف��ي ح��ق ِ‬ ‫ل��ع��لَّ ال��ش��م َ‬ ‫غنـّي مواويل البالد‪..‬‬ ‫زهرتـ َها‬ ‫موج البحر‬ ‫ل�ل�أه ِ���ل‪ ..‬ل��ل��زي��ت��ون‪ ..‬للماضين ف��ي رحم لعلَّ الحو َر تكسرُ قي َد ِ‬ ‫التراب‬ ‫ثمَّ تخرج كالحقيقةِ‬ ‫غنـّي لدالية ٍ تروِّيها حروفـ َُك‬ ‫غني‪..‬‬ ‫والظاللُ بفيئها‬ ‫«ثقوا بالماء يا سكان أغنيتي»‬ ‫األحباب ضمهمُ الهوى‬ ‫ِ‬ ‫دُ نيا من‬ ‫غنـّي ألبكي‪..‬‬ ‫والذكريات‪ ..‬مواجعٌ‬ ‫ُ‬ ‫أفيض بما امتألت‬ ‫َ‬ ‫كي ال‬ ‫إ ْذ غادروا وتفرقوا‬ ‫ثم أشرق بالحروف وبالحنين‪..‬‬ ‫غياب‪..‬‬ ‫ْ‬ ‫غنـّي‪ ..‬لعلَّ الصوت يُ ـرجع من‬ ‫غني لكل الكائنات‬ ‫غنـّي‪..‬‬ ‫للتين والزيتونْ ‪..‬‬ ‫واللوز والليمونْ‬ ‫أحبك أن تغني‬ ‫البري‪..‬‬ ‫ّ‬ ‫ل ّليـلك‬ ‫فاعطني نايا‪..‬أغني‬ ‫غني‪ ..‬فمثلك للحياة‬ ‫واعطني قلبا أخبئُ فيه همـّي‬ ‫مثلي‪..‬‬ ‫والحكايا‪..‬‬ ‫اعطني روح���ي ت��رف��رف ف��ي ق��ب��اب القدس مسافرُ في منافي العمر‬ ‫* شاعرة وإعالمية عربية‪.‬‬

‫‪60‬‬

‫اجلوبة ‪ -‬صيف ‪1430‬هـ‬


‫والقفر؟!‬

‫> سعد بن سعيد الرفاعي*‬ ‫و للبحر ما للقفار‪..‬‬ ‫له أنجمٌ‬ ‫في ضحى الليل تزهو‬ ‫له فكرةٌ‬ ‫أوغلت في الغموض‪..‬‬ ‫له لمعةٌ‬ ‫تنتشي بالنهوض!‬ ‫مركب‬ ‫ٌ‬ ‫له‬ ‫عبقري القرار!!‬ ‫***‬ ‫و للقفر ما للبحار‪..‬‬ ‫لها البدء‪..‬‬ ‫قد برعمته الشجون‬ ‫تنامت به‪..‬‬ ‫رحلة للـ(يكون)‬ ‫لها النشأة البكر‪..‬‬ ‫ما مازجت‬ ‫عينها قطرةٌ من بحار!!‬ ‫***‬ ‫و للقفر ما للبحار‬ ‫لها العمق‪..‬‬ ‫يسرد شتى الحكايا‬ ‫لها الريح‪..‬‬ ‫تزرع‪ ..‬تنزع‪..‬‬ ‫تصخب باالشتجار‬ ‫لها الرمل يحكي‪..‬‬

‫لعرافه‬ ‫لها النجم يهفو‬ ‫إلى ومضةٍ من نهار‬ ‫***‬ ‫و للبحر ما للقفار‪..‬‬ ‫به الدر‪..‬‬ ‫إذ يعتليه المحار‬ ‫له الموج‪..‬‬ ‫يضرب في دوحة الماء‪..‬‬ ‫يعلن أعراسه‬ ‫النتشاء الزبد‬ ‫له الرق‪..‬‬ ‫في جوفه الرزق‪..‬‬ ‫من حوله العشق‪..‬‬ ‫حدث عن قصةٍ‬ ‫ختمها للبدايات‬ ‫من دهشة لم يلد!!‬ ‫***‬ ‫و للبحر مثل القفار‪..‬‬ ‫له‪ ..‬بل لها‪..‬‬ ‫أو لكم‪ ..‬أو لنا‪..‬‬ ‫أو لهم‬ ‫صهوة شارفت عنو ًة للنهار!!‬ ‫وجودٌ يتوق‪..‬‬ ‫وأبجدةٌ تشتهي جد ًة من حوار!!‬

‫ش������������������������������������ع������������������������������������ر‬

‫ثنائية البحر‬

‫* شاعر من السعودية‪.‬‬

‫اجلوبة ‪ -‬صيف ‪1430‬هـ ‪61‬‬


‫تَاري ِ ُ‬ ‫خ الطمأنينة‪!..‬‬ ‫> علي العسيري*‬ ‫ربّاه‬ ‫نفحها طمأنينَ َة النيَام‬ ‫َو سكبتُ م ْن ِ‬ ‫ض ��جَ � ٍ�ر َف ��دل � َ‬ ‫ُق� ��دَّ ُع� �م ��ريْ م� � ْن َ‬ ‫�س التي ُه فبتُّ مجذوعاً مُغرورَقاً إلى حيثُ ل ْم يُخل َق‬ ‫يُرفرفُني‬ ‫اإلِياب‬ ‫خبَاالً‪ ,‬ال يهف ُّه بش ٌر‬ ‫قة تُجيِبُ علِى التفكيِر‬ ‫إِلى سمَاءٍ سامِ ٍ‬ ‫ِحة‬ ‫عدَا امرأَ​َةٍ سَ اقهَا الزم ُن فيْ صبي ٍ‬ ‫تَطميَ الوَاقِ ع خُ لباً بي َن أكفَانِ الغُيومِ‬ ‫قحط الريَاض‪,‬‬ ‫ِ‬ ‫َيب َو‬ ‫تنا َء دونهَا و َر ُع الغ ِ‬ ‫ألبت ُّل ِشعراً م ْن اغتِسالِ عينيهَا‬ ‫عل َى يدِ هَ ا‬ ‫َو َم ��ا اغ � ِت �س��ال��ي ف ��يْ ع � ِي � ِن � َه��ا إ ّال تح ّي ًة‬ ‫الطوال‬ ‫با َء األَر ُق م ْن أسفَار ِه ِ‬ ‫لِلسحَ اب‪!..‬‬ ‫فَوقفتُ مُشمِّراً سَ اعديَّ فيْ الخَ الءِ ‪,‬‬ ‫يا امرأة‪..‬‬ ‫وجع‬ ‫أ ُبد ُّد الغفل َة المُستطَ ابةِ م ْن ٍ‬ ‫إنِّي أحبكِّ هالكاً أستترهُ‬ ‫راجمات البيَاض‪,‬‬ ‫َو تذبُّ ع ْن جبيني ِ‬ ‫الحرب‬ ‫ِ‬ ‫ب��رداً دفيناً‪ ,‬يختب ُئ بي َن دياجير‬ ‫الصب ُح نعماناً‪,‬‬ ‫أنفرد بهَا ُ‬ ‫وَالسالم‬ ‫ينف ُح ع ْن مقلتيَّ يباس‬ ‫حبكِّ ‪ ,‬اندما ٌج غيبيّ‬ ‫تعم ّد في صدري عقيدة‬ ‫انشطا ٌر صوفي‬ ‫ِ‬ ‫عطر تهاوتْ من فيَاض‬ ‫نفح ُة ٍ‬ ‫طغيٌ عربي‬ ‫فتمد َّد اللي ُل طوفاناً‬ ‫أحبكِّ ‪ ,‬فالمث ُل منيْ وارى الحُ طامِ‬ ‫اهراً بروق ُه في العاريات من حقولي‬ ‫شَ ِ‬ ‫و تسر ّب َل في مرازب الجهنميّة‬ ‫قصيدة ترسمها النار الزوابع‬ ‫يا امرأة‪,‬‬ ‫أمطار أغرتها جدران السهولِ‬ ‫ٍ‬ ‫حبكِّ ذاكِ رةٌ للمعرفةِ ‪,‬‬ ‫لعينيها‪ ,‬مهرَتُ عُمريْ عل َى أنواءِ النُجومِ‬ ‫قلبك تاريِخ للطمأنينة‪!..‬‬ ‫ِ‬

‫* شاعر من السعودية‪.‬‬

‫‪62‬‬

‫اجلوبة ‪ -‬صيف ‪1430‬هـ‬


‫ش������������������������������������ع������������������������������������ر‬

‫(سيدة ٌ تلعق وحدتها)‬ ‫> د‪ .‬دعاء صابر*‬ ‫الوجد ُوالسه ُر المُلوّن والزناب ُق‬

‫ميناء النوارس‪ /‬أين منى دفء كفيك‬

‫كلها تهفو لقاءك‬

‫الحنين يسيل م��ن شفتيك ف��وق جداول‬

‫والورو ُد العاشقات حملن لي عبق الهيام‬

‫األحالم ِ‬

‫العشب ينبت بين كفيك الندى‬

‫يغرقني‬

‫وهواك طف ٌل عمره يومان ِ‬

‫أحبك‬

‫ينعس كالمالك‬ ‫على وسادة لهفتي‬ ‫وصبابتي الخضراء تزرع وجنتيك مواسماً‬ ‫للشدو‬ ‫أدخل ُ في بساتين انبهارك َ‬ ‫أقطف األقمار َ‬ ‫ألتقط النجوم َ‬ ‫أرى الشتاء يهز ثوبك َ‬

‫ضحكة بيضاء تمأل نبض أيامي طيوبا‬ ‫دثريني بابتهاج سحابة هطلت‬ ‫فأورقت الحمام على شفاهى‬ ‫داعبيني حينما أبتل من ماء انتظارك‬ ‫عمديني باألهازيج الملونة‪ /‬الهوى يحتل‬ ‫قلبي‬ ‫منذ كم‬

‫ينشر العطر الذي ما زارني‬

‫لم ينبت النعناع في شفتي ولم‬

‫أحببت عينيك َ‪/‬السماء َ‪ /‬الوردةَ الزرقاء َ‬

‫يتذكر المالح أنك كنت مرفأه األخير‪.‬‬

‫*‬

‫شاعرة من مصر‪.‬‬

‫اجلوبة ‪ -‬صيف ‪1430‬هـ ‪63‬‬


‫قصيدتان‬ ‫> عبدالرحيم املاسخ*‬ ‫نتركُ السُّ ف َن‬ ‫َص ُع جبهَته بالسماء‬ ‫وأتاني يُر ِّ‬ ‫اختالف‬ ‫الرحلة ُ اختلفتْ‬ ‫وينث ُر في واحة الكِ بر والخيالءِ‬ ‫تطي ُر‬ ‫أغنيات ِ‬ ‫ٍ‬ ‫نعو ُد بال‬ ‫فالصحارى كتابُ الهموم !!‬ ‫الهوى دفترا دفترا‬ ‫أفراحنا وتغنِّي‬ ‫ِ‬ ‫إلى عرش‬ ‫ويقولُ‪ :‬العُال عن يدي ال يميل‬ ‫لتسحبَ أقدامُنا شج َر الحُ زن‬ ‫تحوُّ ر‬ ‫َ‬ ‫أنا المستحيل‬ ‫فوق شظايا الحرير‬ ‫كان مِ ثلي حزينًا ومنكسرا‬ ‫فكن لي مُريدا‬ ‫لنا قم ٌر يستح ُّم بأوتار ِه اللي ُل‬ ‫وأتانيَ يوما بشكواه‬ ‫أك ْن لكَ رزقا جرَى‬ ‫والري ُح نافذة ٌ‬ ‫أ ْد َم��ى ف��ؤاديَ َمبْكاه حتى بللتُ‬ ‫ويقولُ‪ :‬احتواكَ األسى والذهول‬ ‫ال يُ�ب��خِّ � ُر أن�ف��اسَ �ه��ا ال �ظ � ُّل قبل‬ ‫الثرى‬ ‫وأطفأ عينيك همٌّ يطول‬ ‫العُبور‬ ‫قال‪ :‬أطفاليَ الخائفون ينامون‬ ‫وبين يديك الهواءُ العليل‬ ‫رح�ل ْ�ن��ا ورا َء ال �ش��ذى المُتدثر‬ ‫قف‬ ‫تحت السماء بال سُ ً‬ ‫أمامك عم ُر الندى ال يزول‬ ‫بالعُشب‬ ‫وي �ق��وم��ون‪ ،‬ب��ال��جُ ��وع أقمارُهم‬ ‫فال تلزمِ الحقَّ‬ ‫والضوءُ يغشى الندَى‬ ‫تختفي‬ ‫فالحقُّ في زبَدِ السيل نار‬ ‫نتدفق في نهر المبتدا‬ ‫وينادونني‪ :‬يا أبي جائعون‬ ‫تمس ِك الصب َر‬ ‫وال ِ‬ ‫يتخلَّل ُنا ش َف ُق الحُ بِّ مُحتفال‬ ‫ينادونني‪ :‬يا أبي خائفون‬ ‫فالصب ُر بعد العطاء انتثار‬ ‫إذ يهي ُم ‪ُ ..‬ندي ُم تطلُّعَنا‬ ‫ينادونني ‪..................‬‬ ‫تحضنِ الحُ لم‬ ‫ِ‬ ‫وال‬ ‫يغرس ال ُقربَ فينا النسيم‬ ‫ُ‬ ‫ربّما‬ ‫ثم يبكون‬ ‫فالحل ُم والصح ُو ِض��دَّ ان حتى‬ ‫وال نمسكُ الفرحة األزلية من‬ ‫يبكون‬ ‫الفرار‬ ‫عُنقِ الوقت‬ ‫يبكون‬ ‫يقول ‪.....................‬‬ ‫نسقطُ في مطرِ الصمت‬ ‫والصب ُر يُمطرني حجَ را حجرا‬ ‫وقلبي تجُ ول به صو ٌر تتمز ُق‬ ‫فوق رمادِ النجوم‬ ‫وهو اآلن بعد الذي كا َن‬ ‫يطحنها حجَ ٌر سهم ُه البرق‬ ‫�ات تطي ُر إل��ى عرش‬ ‫ب�لا أغ�ن�ي� ٍ‬ ‫مالتْ له كِ فّة ُ الريح‬ ‫رقات القَبول !!‬ ‫في طُ ِ‬ ‫أفراحنا‬ ‫ِ‬ ‫فارتشف الكوثرا‬ ‫َ‬ ‫* شاعر من مصر‪.‬‬ ‫** نشرت خطاً في الجوبة ‪ 23‬باسم الشاعر عبدالرحيم الخصار وبهذ‪ 1‬فإن الجوبة تعتذر للشاعرين الكريمين عن ذلك‪.‬‬

‫‪64‬‬

‫اجلوبة ‪ -‬صيف ‪1430‬هـ‬


‫ش������������������������������������ع������������������������������������ر‬

‫حينما يبكى النسيم‬ ‫> حمدي هاشم حسانني*‬ ‫يمر أمامي الغي ُم المرت ُق‬ ‫الحسان ِ‪..‬‬ ‫باألمانيِّ ِ‬ ‫أنا هناك َ‬ ‫وا ْن أردت أنا هنا‬ ‫متوحدا بالبحر ِ‪..‬‬ ‫بالموج الرقيق‬ ‫والهثا خلف النجوم بأفقها‬ ‫أدنو من الذكرى‬ ‫فيجرعني الحني ُن‬ ‫إذا اتكأت على البنفسج ِ‬ ‫با َح صمت العطر لي‬ ‫وتمَّ دد الريحا ُن قبلني‬ ‫أنا‪....‬‬ ‫كفراشة الميالد أرنو للسحاب‬ ‫وأرشف التبغ المعتق‬ ‫أحتسى قدح الغياب‬ ‫فتصطفيني الريح‬ ‫تحملني إلى جزر القرنفل‬

‫ها أنا اجتر رائحة البحار‬ ‫أشق ناصية الغبار‬ ‫وحين يدهمني المساء‬ ‫ألملم الحزن الضبابي المالمح‬ ‫ثم أتلو ما تبقى‬ ‫من مزامير احتضاري‬ ‫أو أحلق في سماوات الصبابة‬ ‫كي أفر من الحصار‬ ‫حين أنظر في مرايا الروح‬ ‫أبكى‬ ‫مثل سوسنة‬ ‫نعتها الريح من صيفين‬ ‫ِظلي‬ ‫ف َّر منى اآلن َ‬ ‫َملَّ الظ ُل‬ ‫مات الف ُل في صوتي‬ ‫وموتى يبسط الكفين‬ ‫مبتسما‪.‬‬

‫* شاعر من مصر‪.‬‬

‫اجلوبة ‪ -‬صيف ‪1430‬هـ ‪65‬‬


‫«تراتيل العدم»‪ :‬لـ‪ :‬مها حسن‬ ‫> هيثم حسني*‬ ‫يبدو اهتمام الروائيّة السوريّة مها حسن بالتجديد في الصيغ التي تقدّ م بها رواياتها‪،‬‬

‫يتبدّى تمرّدها على القوالب الجاهزة التي باتت مقيّدة في الرواية‪ ،‬كأنّها تبحث عن‬

‫لغز تسعى إلى ح ّل شفراته مع القرّاء الذين ال تبقيهم متلقّين فقط‪ ،‬بل تُشركهم في‬

‫عمليّة البحث عن الدالالت واألبعاد المتضمّنة‪ ،‬ال ترتكن إلى تلك الطرق التي تُكتَب بها‬ ‫الروايات عادة‪ ،‬سواء من ناحية تقسيمها على فصول متسلسلة‪ ،‬أو سردها على لسان‬ ‫رواة بعينهم‪ ،‬أو من ناحية االلتزام بالعناصر المتعارَف عليها في كتابة الرواية؛ إذ تخرج‬

‫َ‬ ‫عن ذاك التسلسل‬ ‫المختصر في‪ :‬المقدَّ مة‪ ،‬محدّداً وال واضحاً‪ ،‬ال يقبض على الزمن‬ ‫والحبكة‪ ،‬والحلّ‪ .‬فقد تبدأ بحبكة‪ ،‬ث ّم تبدأ فيها‪ ،‬إنّما تكون هناك خيوط تكفل للمتابع‬

‫بالبحث عن خيوطها‪ ،‬وتنتهي إلى مقدّمة‬ ‫متأخّ رة‪ ،‬أو ال يهمّها أن تثبت مقدّمة أو‬

‫والتقصي‪ ،‬ث ّم تحرّضه على‬ ‫ّ‬ ‫بعض المتابعة‬ ‫البحث عن مفاتيح للدخول إلى بوّابة الزمن‬

‫انفراجاً للحوادث والمجريات التي ال تصل الذي ال يكون نسب ّياً عندها‪ ،‬بل يكون دائر ّياً‬

‫إل��ى ذروة ال�ت��أزي��م ع�ن��ده��ا‪ .‬ه��ذا ال يعني‬

‫التفاف ّياً‪ ،‬أو لولب ّياً‪ ،‬يقود الحدث األخير فيه‬

‫والغرائبيّة تكون مبثوثة على مدار صفحات‬

‫متمّمة نسيج ال��رواي��ة‪ ،‬ال�ت��ي تسير وفق‬

‫غياب التشويق‪ ،‬ذلك أنّ التشويق واإلثارة‬ ‫الرواية‪ ..‬تحضر ثورتها الزمنيّة االجتهاديّة‬

‫إلى األوّل ويحيل عليه‪ ،‬لتتكامل األحداث‬

‫خطوط متعدّدة منذ البداية التي قد تكون‬

‫ف��ي رواي��ات �ه��ا‪ ،‬ال�ت��ي ال ي�ك��ون ال��زم��ن فيها نهاية الرواية الفعليّة‪ ،‬والبداية المفترضة‬

‫‪66‬‬

‫اجلوبة ‪ -‬صيف ‪1430‬هـ‬


‫ن�������������������������������������ق�������������������������������������د‬

‫لها‪ ..‬هذا ما تطوّره في روايتها «تراتيل العدم»‬ ‫الصادرة حديثاً عن دار الكوكب‪ /‬الريّس‪ ،‬والتي‬

‫تقع في ‪ 298‬صفحة من القطع الوسط‪ ،‬ط‪/1‬‬ ‫نيسان ‪2009‬م‪.‬‬

‫تبتدئ الكاتبة في روايتها بمقولة لسوفوكليس‪:‬‬

‫«مَن ح ّل اللغز الذائع الصيت وكان أش ّد الرجال‬ ‫اقتداراً»‪ ،‬هي عبارة عن بيت من تراجيديا «أوديب‬ ‫ملكاً»‪ ،‬إذ كانت منقوشة على ميداليّة‪ ،‬أهديت‬

‫الميداليّة إلى فرويد من أحد تالمذته في أحد‬

‫أعياد م�ي�لاده‪ .‬ال يقتصر األم��ر على استشهاد‬ ‫وحيد‪ ،‬بل يتصاعد األم��ر‪ ،‬لتكون ظ�لال فرويد‬ ‫ح��اض��رة‪ ،‬مع كثيرين من المفكّرين والفالسفة‬ ‫اآلخرين‪ ،‬وذلك من خالل االستشهادات الكثيرة‬ ‫التي تستشهد بها الكاتبة‪ ،‬وتثبتها كمراجع أو‬ ‫تذييالت‪ ،‬وه��ذا ب��دوره قد يثقل كاهل الرواية‪،‬‬

‫من حيث تقريبها من الدراسة‪ ،‬بتثبيت الهوامش‬ ‫التي بلغت أكثر من ثالثين هامشاً وإش��ارة‪ .‬كما‬ ‫أنّه في الوقت نفسه‪ ،‬خروج وتمرّد على الطريقة‬ ‫الكالسيكيّة في كتابة الرواية‪ ،‬بإجراء دمج بين‬

‫األج �ن��اس األدب�� ّي��ة وال�ت�ن�ظ�ي��رات واالجتهادات‬

‫الفكريّة والفلسفيّة‪..‬‬

‫ال عكس فعله المعروف عنه؛‬ ‫فيكون العدم فاع ً‬ ‫أي يصبح وجوداً باللغة والرواية‪ ،‬وإن كان إلغاء‬ ‫لهذا الوجود مفرداً‪.‬‬ ‫وت �ك��ون التراتيل ال�م�ع��اد ترتيلها على مدار‬ ‫صفحات الرواية‪ ،‬كاملة حيناً‪ ..‬ومُجتزأة أحياناً‬

‫قد تحيل مفردة «تراتيل» إلى جوانب دينيّة‪ ،‬أخ ��رى‪ ،‬منها ه��ذا ال�ت��رت�ي��ل ال��رئ�ي��س المتكرّر‪:‬‬ ‫الس � ّي �م��ا أنّ ال �ت��رت �ي��ل م��ع��روف ف��ي النصوص «ح �ذّرت��ك أ ّال ت��ر ّت��ل ه��ذا النشيد‪ ،‬فيسكن في‬ ‫واألناشيد الدينيّة‪ ،‬كما قد تحيل عند إضافتها ذاك��رت��ك‪ ،‬ي��أس��رك وي�ل�ع�ن��ك‪ ،‬يفتنك فيستحوذ‬

‫أغان عليك‪ ،‬وال يكون لك منه فرار‪ ،‬فيعدمك‪ ،‬وحيداً‬ ‫إلى العدم‪ ،‬أنّها تنشد العدم‪ ،‬أو تجعل منه ٍ‬ ‫يمكن إنشادها وترتيلها‪ ،‬أو أنّها مراثي الموت‪ ،‬تموت وتش ّم رائحة رحيلك األرض‪ ،‬ولن ينقذك‬

‫حيث يكون الترتيل على الموتى نوعاً من التقدير من عذابك إ ّال عيد يأتي في ربيع يتلو رمادك»‪.‬‬ ‫�ض على الترتيل‪ ،‬يكون‬ ‫لذكراهم‪ ،‬مع إضفاء األجواء الكنسيّة‪ ،‬أو العويل ص‪ .10‬كما يكون ال�ح� ّ‬

‫ال�ص��اخ��ب‪ ..‬وق��د يكون ذل��ك ن��وع�اً م��ن التحايل التحذير أيضاً مرافقاً له‪ ،‬ث ّم يتكرّر هذا الترتيل‬ ‫ال أو مجتزأ‪ ،‬فقد ترِ د منه جملة أو‬ ‫على المعنى بقلبه‪ ،‬حين ينقلب العدم إلى الض ّد كثيراً‪ ،‬إمّا كام ً‬ ‫عندما يغدو مضافاً إل�ي��ه‪ ،‬لغة‪ ،‬يعرّفه معنىً ‪ ،‬بضع جمل‪ ،‬وقد يرد كامالً‪ ،‬ويغدو الزمة ترتّلها‬

‫اجلوبة ‪ -‬صيف ‪1430‬هـ ‪67‬‬


‫الشخصيّات التي يتباين تنغيمها‪ ،‬ويختلف إيقاع العمل‪ ،‬عندما تسلّم مقاليد السرد من جوزفين‬ ‫إنشادها وغنائها‪ .‬من الصفحات التي يرد فيها إلى جدار أو إلى نفسها‪ ،‬لكنّ األسلوب يبقى نفسه‬ ‫الترتيل منقوصاً‪ ،152 ،134 ،78 ،60 ،24« :‬بين الراويات الثالث‪ ،‬حيث ال تنوّع في األسلوب‪،‬‬

‫‪.»..275‬‬

‫ما يرسَّ خ الظنّ بأنّهنّ وجوه متعدّ دة في مرآتها‬

‫منذ البداية‪ ،‬يظهر حرص الكاتبة على إكمال الذاتيّة ذات األبعاد الكثيرة‪ ،‬والتي تعكس غنى‬ ‫ما بدأته في روايتيها السابقتين «سيرة اآلخر‪ ،‬الشخصيّة‪ ،‬القادرة على اإلفصاح عن مكنونات‬

‫ال�لام�ن�ت�ه��ي»‪« ،‬ل��وح��ة ال �غ�لاف‪ ،‬ج���دران الخيبة النفس‪ ،‬وهي تعاود أكثر من مرّة ذكر الراويات‬ ‫أعلى»‪ ،‬كأنّما تستكمل ثالثيّة فكريّة‪ ،‬من خالل الثالث‪ ،‬سواء عند مبادلة السرد بينهنّ ‪ ،‬أو عند‬ ‫ّ‬ ‫إكمال مشروعها ال��روائ��يّ ‪،‬‬ ‫خاصة في المقدَّ مة الحديث عنهنّ ‪ ،‬وال تخفي ظنّها ب��أنّ االشتراك‬ ‫ال �ت��ي ت�ت�ش��اب��ه ف�ي�م��ا ب�ي�ن�ه��ا‪ ،‬م��ن ج�ه��ة مشاركة ق��د ي�ك��ون م �ض � ّراً‪ ،‬لكنّها ت�ب�رّر ذل��ك بالضرورة‬

‫الشخصيّات الروائيّة للكاتبة في إنجاز روايتها‪ ،‬الف ّنيّة والفكريّة‪« ،‬وأن��ا أرى أ ّن��ه كما سار المثل‬ ‫وحيرتها المثبتة في تذييل الرواية باسمها‪ ،‬تكتب «إذا ت�ع�دّدت األي��ادي في الطبخة‪ ،‬احترقت!»‪،‬‬

‫في مقدَّ مة «تراتيل العدم»‪« :‬في البدء كانت هذه وأرى أيضاً أنّ الضرورة الف ّنيّة والفكريّة تلزمني‬ ‫القص الثالثة ومراحله الثالث‪،‬‬ ‫ّ‬ ‫الرواية لـ جدار‪ ،‬ث ّم انتقلت كتابتها إلى جوزفين‪ ،‬باعتماد مستويات‬ ‫وألس�ب��اب محض ف ّنيّة‪ ،‬أن�ج��زت العمل باسمي‬ ‫أن��ا‪ .»....‬كأنّما الشخصيّات هي تسميات مؤنّثة‬

‫أو مطوّرة لشخصيّاتها السابقة‪« :‬أدهم بن ورقة‬ ‫– يرقة‪ ،‬أو كريم الحاوي‪ ،‬أمين دالي»‪ ،‬وذلك مع‬

‫واالعتراف بك ّل ما جاء في المرحلتين السابقتين‬ ‫لقصي»‪ .‬ص‪.82 -81‬‬ ‫ّ‬ ‫كما أ ّن�ه��ا ت��وجّ ��ه ن�ق��داً استباق ّياً إل��ى نفسها‪،‬‬

‫إبقاء قارئها متأرجحاً بين الشكّ واليقين‪ ،‬بين على ألسنة ال��رواة‪ ،‬وه��و أنّها تُنتقد على ولعها‬ ‫بحث ع��ن راوي��ات�ه��ا ف��ي ال�ف�ص��ول‪ ،‬وف��ي الواقع‪ ،‬واهتمامها بتقديم الجانب الفكريّ في رواياتها‬ ‫وف��ي ك� ّل المَظانّ المحتملة‪ ،‬وانشغال بالقراءة على الفنّيّ ‪ ،‬وهي بذلك تبرّر تصرّفها‪ ،‬وتر ّد على‬ ‫ال ومؤثّراً‪ ،‬عندما نقّادها‪ ،‬ساحبة بساط المالحظة منهم‪ ،‬متّخذة‬ ‫عنهنّ ‪ ،‬فهي تُبقي الشكّ فاع ً‬ ‫ال تنفي إمكانيّة العثور على الشخصيّات‪ ،‬كما دور الكاتب والناقد معاً‪ ،‬لكنّها وهي تؤكّد ذلك‪،‬‬ ‫ال تنفي خياليّتها‪ ،‬لتكون بالنتيجة‪ ،‬شخصيّات تعتمده وال تبتعد ع�ن��ه‪ ،‬ي��ؤ ّك��د ذل��ك دأب�ه��ا على‬

‫روائ� ّي��ة‪ ،‬مركّبة من مزيج واقعيّ وآخ��ر متخيَّل‪ ،‬االستشهاد بالمفكّرين والفالسفة الذين تأثّرت‬

‫ت�ش��ارك ف��ي صنع األح ��داث وكتابتها‪« .‬تتحوّل بهم في كتابتها وتأويلها‪ ،‬حيث تكون الميثولوجيّات‬ ‫ّ‬ ‫أزمنة‬ ‫القص‪ ،‬وتتعدّد مستوياته‪ ،‬وتتبختر روايات والتأويالت الفلسفيّة حاضرة‪ ،‬للتعليق على بعض‬

‫العمل‪ ،‬وتختلط ضمائر الرواة بين ِحرز‪ ،‬وإغماء‪ ،‬السلوكيّات والتصرّفات‪ ،‬أو ربطها بأسطورة ما‪،‬‬ ‫ّ‬ ‫وسماء‪ ،‬وال يستق ّر فعل‬ ‫القص على الثالثة فقط‪ ،‬أو وضعها في سياقها التاريخيّ ‪ ،‬مع شرح لبعض‬ ‫بل يتدخّ ل ك ّل مَن له باع في الرواية‪ .»...‬ص‪.43‬‬

‫تداعياتها‪ ،‬وذلك كلّه في سياق الرواية‪ ،‬تلميحاً‬

‫تبقى الكاتبة وف� ّي��ة لفكرة ت�ع�دّد ال ��رواة في وتصريحاً‪..‬‬

‫‪68‬‬

‫اجلوبة ‪ -‬صيف ‪1430‬هـ‬


‫يكون هناك تركيز‪ ،‬يكاد يكون مبالغاً‪ ،‬على كما قد يكون االسم حامياً ال لصاحبه فقط‪ ،‬بل‬ ‫تتحصن‬ ‫ّ‬ ‫استحضار األس �م��اء‪ ،‬يبلغ ع��دده��ا ح��وال��ي مِ ائة متعدّياَ ومتعدّد الحماية‪ ،‬فنجد أنّ نجمة‬ ‫ال بها في نهاية الرواية‪ ،‬كملحق بحرز‪ ،‬يحميها اسمه‪.‬‬ ‫اسم‪ ،‬تثبت دلي ً‬ ‫�ان‪ ،‬تكون كلّها متحدّرة من األم «أرض»‬ ‫أوّل وث� ٍ‬

‫قد تكون األل�ق��اب مستحضرة ب��ال�م��وازاة مع‬

‫«ح� ��رث»‪ ،‬كأنّما األس�م��اء‪« :‬وظهرت أفعوانة (وه��ذا لقبها الذي‬ ‫اب�ن��ة أرض ��ى وي��رض��ى‪ ،‬واألب‪ِ :‬‬ ‫يختصران حوّاء وآدم‪ ،‬ينجبان التوائم‪ ،‬اثني عشر كانت تناديه بها أرض‪ ،‬قبل أن تعرف اسمها)‪،‬‬

‫ن�������������������������������������ق�������������������������������������د‬

‫األسماء ودالالتها‬

‫لك‪ ،‬وتتذكّر فقط أنّ اسمك هو ِحرز‪ .»..‬ص‪.31‬‬

‫ت ْوأَماً‪ ،‬في حين يأتي المولود الثالث عشر ذكراً فينقلب المعنى ال��ذي تحمله حسب الشخصيّة‬ ‫مفرداً «طُ هر»‪ ،‬وكأنّه بتسميته بهذه التسمية قد ال�ت��ي تتّسم بها ال�م�س� ّم��اة‪ ،‬وه��ي ه�ن��ا‪ ،‬ال تظهر‬ ‫يشكّل سبيل الخالص للعائلة التي تحيا في قلعة دوماً على أنّها شكل واحد أو أداء واحد‪ ،‬بل هي‬ ‫واح��دة‪ ،‬وألجيال متعاقبة‪ ،‬حيث ينفرد بمسكن خليط من أفعال مندمجة‪ ،‬وشخصيّات مندمجة‬ ‫مستقلّ‪ ،‬ويفكّر بطريقة عقالنيّة‪ ،‬يكون العلمانيّ‬

‫ورغ�ب��ات وتكوينات»‪ .‬ص‪ .52‬وه��ي مع إيرادها‬

‫تغدو محجّ اً للزوّار يتبرّكون بها‪.‬‬

‫دوم��اً ف��ي ت��ذ ّك��ر أس�م��اء أبنائهم حسب تسلسل‬

‫الوحيد ال��ذي ال ينساق إلى استيهامات العائلة لهذا الك ّم الكبير من األسماء‪ ،‬تعترف بصعوبة‬ ‫واآلخرين حول قدرات أمّه الخارقة «أرض»‪ ،‬التي اإلحاطة بها كلّها‪ ،‬وتؤكّد أنّ األبوين كانا يفشالن‬ ‫ترد األسماء بشكل مدروس‪ ،‬حيث يكون االسم والداتهم‪ ،‬وكانا يخطئان في مناداتهم بأسمائهم‬ ‫داالً على صاحبه‪ ،‬معنىً ومبنىً ‪ ،‬فنجدها تبرّر في كثير من األحيان‪ ،‬ولم يكن الفشل حال األبوين‬ ‫سبب تسمية هذا أو ذاك‪ ،‬أو تعلّق عليها‪ ،‬فيكون فحسب‪ ،‬بل كان من نصيب اإلخوة كذلك‪ ،‬حيث‬ ‫االسم صفة صاحبه‪ ،‬يكون وبَاالً على صاحبه إذا كانوا يحتاجون إلى دليل باألسماء مع الصور‪،‬‬

‫لم يكن مستح ّقاً لالسم‪ ،‬أو مقدّراً ومُدركاً أله ّميّة كي يتمكّنوا من مناداة الشخص المطلوب باسمه‬ ‫وثقل ما حُ مّله‪« :‬حين ُولِد ِحرز‪ ،‬ظ ّل لعدّة أسابيع الصحيح‪ .‬وتنتقل عدوى الفشل إلى القرّاء الذين‬

‫دون اسم‪ ،‬إذ لم تكن أمه تستطيع إدراك أه ّميّة يعاودون الرجوع إلى دليل األسماء كي يربطوا‬ ‫االس��م في حياة اإلن�س��ان‪ ،‬ول��م يكن أب��وه مهت ّماً بينها‪ ،‬ويستخرجوا العالقات التي تتطوّر على‬ ‫بتسميته‪ ،‬أل ّن��ه ب��إدراك��ه أله ّميّة االس��م‪ ،‬لم يشأ إثرها‪ ..‬فقد يتغيّر االسم تبعاً للحالة‪ ،‬وقد يحوّل‬ ‫اإلسهام في تحديد هذا الكائن الذي لم يعرف أحدهم اسمه أو يتالعب به‪« ،‬حوّلت اسمها من‬ ‫مصدره‪ ،‬فهو إن أطلق عليه اسماً سيّئاً‪ ،‬حبس سيما إل��ى سيمياء‪ .»..‬ص‪ .205‬تنتقل الداللة‬ ‫الولد فيه‪ ،‬وقد يكون ابنه‪ .‬أمّا لو أطلق عليه اسماً إلى الترميز والتلغيز‪ ،‬فال تعود األسماء دالّة بل‬

‫مهماً‪ ،‬فقد يسبغ عليه صفات ال يستحقّها مَن هو مرمزة ومتشظّ ية في آن‪ ..‬تصبح هناك أسماء‬ ‫ليس بابنه‪« ..»..‬فهمست في أذنه‪ :‬أسمّيك حرز‪ ،‬س ّريّة وأخرى معلنة‪..‬‬ ‫أس ّر‬ ‫ألحميك باسمك‪ ،‬م��ن ال��وق��ع ف��ي أس��ر م��ا ِ‬

‫ال يخفى الضجيج الذي تخلقه كثرة األسماء‬

‫لي‪ ،‬إلى أ ّن��ه سيقع عليك‪ ،‬سوف تنسى ما قلته للقارئ‪ ،‬وال تبدو الكاتبة ال مبالية إزاء القارئ‪،‬‬

‫اجلوبة ‪ -‬صيف ‪1430‬هـ ‪69‬‬


‫بل تأخذ نفسيّته بعين االعتبار‪ ،‬تعلن أنّها بصدد عشرات الشخصيّات‪ ،‬ويملي األحداث التي كانت‬

‫إراحته‪ ،‬وتخفيف العبء عنه‪ ،‬تتكلّم إليه مباشرة‪ ،‬مصدر اآلالم لهم جميعاً‪..‬‬

‫مزيحة الستار بينها وبينه‪ ،‬غير متخفّية خلف‬

‫أجيال متعدّدة تتكاثر‪ ،‬تنقل العدوى من جيل‬

‫راوياتها‪ ،‬تلخّ ص له بإيجاز مُجم َل ما م ّر وما سيم ّر إلى آخر‪ ،‬لكنّ جينة الجنون والتخبّط تكون األكثر‬ ‫معه‪ ،‬كي يكون على اطّ الع في إبحاره في عوالمها‬ ‫فحرز حفيد ِحرث الذي يرث منه ثلثي‬ ‫فاعليّة‪ِ ..‬‬ ‫الروائيّة‪« :‬يستطيع القارئ اآلن‪ ،‬االسترخاء‪ ،‬من‬ ‫اسمه‪ ،‬يتعرّض لتغيّرات مفاجئة تجتاحه‪ ،‬تقلبه‬ ‫ضجيج األسماء واألح��داث‪ ،‬قبل أن يدخل إلى‬ ‫رأس �اً على عقب‪ ،‬تحوّله من شخص إل��ى آخر‪،‬‬ ‫الفصل الثالث‪ ،‬ألنّه بعد أن كان الفصل األوّل‪،‬‬ ‫يقبع الجنس خلفيّة لتلك التغيّرات التي تبدو‬ ‫ه��و التعريف ب��األس�م��اء‪ /‬أو األش �خ��اص‪ ،‬وجاء‬ ‫مفاجئة‪ ،‬لينتقل م��ن خ��وّاف م��ن ك � ّل ش��يء‪ ،‬من‬ ‫الفصل الثاني للتعريف ب��األح��داث‪ ،‬سنبدأ في‬ ‫ناقم على «ذاك ��ه»‪ ،‬عضوه الصغير ال��ذي أشبه‬ ‫الفصل الثالث بالرواية‪ ،‬وك ّل ما سبق كان تمهيداً‬ ‫ما يكون بزائدة لحميّة أو دودة ملتصقة به‪ ،‬إلى‬ ‫للرواية‪ ،‬التي تبدأ اآلن‪ ،‬ش�دّوا األحزمة سنقلع‬ ‫عاشق للجنس‪ ،‬فاتح الفتوحات فيه‪ ،‬منتقل من‬ ‫في الصفحة التالية»‪ .‬ص‪.210‬‬ ‫واحدة إلى أخرى‪ ،‬في لعبة األنوثة والذكورة‪ ،‬التي‬ ‫كما يكون هناك استحضار التأويل والحلم‪،‬‬ ‫تتحوّل إلى فحولة‪ ،‬حيث يكون خوافه مَرض ّياً‪،‬‬ ‫الفكر والوهم‪ ،‬الدين والعلم‪ ،‬وكلّها في سياقات‬ ‫ي�غ��دو تعويضه أك�ث��ر م��رض � ّي��ة‪ ..‬ك�م��ا أنّ هناك‬ ‫روائيّة‪ ،‬وعلى ألسنة الرواة والشخصيّات‪ ،‬كأنّما‬ ‫الكثير الكثير من األح��داث‪ ،‬والوقائع‪ ،‬والحكم‪،‬‬ ‫ت�ق�دّم الكاتبة شيئاً م��ن ك � ّل ش��يء‪ ،‬ف��ي محاكاة‬ ‫والعبر‪ ،‬تقدّمها الكاتبة في روايتها‪ ،‬عبر األسماء‬ ‫روائيّة لرائعة ماركيز «مِ ائة عام من العزلة»‪ ،‬حيث‬ ‫واألحداث تارة‪ ،‬وبشكل مباشر من دون تورية أو‬ ‫األج��واء الغرائبيّة السحريّة والساحرة‪ ،‬وحيث‬ ‫مواربة تارة أخرى‪..‬‬ ‫التناسل واالنئِسار لسلطات خارجة عن المألوف‪،‬‬ ‫«تراتيل العدم» لمها حسن‪ ،‬رواي ٌة لتواريخ نمَتْ‬ ‫ما يؤدّي إلى فناء واندثار الشخصيّات‪ ،‬فال تعود‬ ‫القلعة التي تجمع الجميع وحيدة وشامخة‪ ،‬بل في الظلّ‪ ،‬وألقت بظاللها على الكثيرين‪ ..‬رواية‬ ‫تتثنّى وتتثلّث‪ ،‬تخرج عن المسار المحدّد لها‪ ،‬األسماء؛ ال��دوالّ والمداليل‪ ،‬محاولة الختصار‬ ‫يكون ذلك إنذاراً بالكارثة الوشيكة الوقوع‪ ،‬كما سير ومراحل عديدة‪ ..‬تسرد التطوّر المفترض‬

‫يكون تمهيداً للعدم كنتيجة حتميّة‪ .‬يكون ك ّل ما ال�م�ه� ّم��ش‪ ،‬ع�ب��ر التغلغل ف��ي ق�ل��ب الصراعات‬ ‫سبق من األل�غ��از مقدّمات للفناء‪ ..‬يكون قائد وال �خ��راف��ات واألس��اط �ي��ر‪ ،‬ع�ب��ر وص ��ف حاالت‬

‫األورك�س�ت��را ال��ذي تجري أح��داث ال��رواي��ة على متباينة‪ ،‬تتكامل لتنتج ع��ال�م�اً روائ � ّي �اً سحر ّياً‬ ‫خلفيّة مشهد احتراقه‪ ،‬ضحيّة الضحايا‪ ،‬يقود ثر ّياً‪..‬‬

‫* كاتب من سوريا‬

‫‪70‬‬

‫اجلوبة ‪ -‬صيف ‪1430‬هـ‬


‫ن�������������������������������������ق�������������������������������������د‬

‫رمزية املرأة واخلصب في أدب العجيلي‬ ‫السموري*‬ ‫> محمد‬ ‫ّ‬ ‫يتقصد‬ ‫ّ‬ ‫تكشف وظائف النقد األدبي عن مكنونات متوضعة في النتاج اإلبداعي‪ ،‬لم‬ ‫األديب إيرادها صراحة‪ ،‬لكنها تطفح من الوعيه‪ ،‬لتعبّر عن بيئته الثقافية‪ ،‬وأمثال ذلك‬ ‫التوضع موجودة بكثرة في النتاج اإلبداعي من الشعر إلى القصة إلى الرواية‪ ,‬فسمة‬ ‫القصيدة من فرح أو حزن تقدم كشفا عن البيئة الثقافية للوجود االجتماعي‪ ،‬المنعكس‬ ‫في اإلدراك والوعي التاريخي‪ ،‬وكذلك األمر في األدب الروائي والقصصي حيث اإللماح‪,‬‬ ‫والرمز‪ ,‬والتبئير اإلخفائي‪ ,‬واإلشارة‪.‬‬ ‫وهنا محور دراستنا عن عالقة الزمن‬ ‫بإضفاء سمات البيئة الثقافية في مرحلتها‬ ‫التاريخية على اإلبداع‪ ,‬واالنعكاس المتداور‬ ‫أو المتبادل بين المعطى اإلبداعي وتأثيره‬ ‫على تلك المرحلة‪ ..‬وه��ذه مهمة األدب‪,‬‬ ‫أو على العكس أث��ر البيئة الثقافية التي‬ ‫أسمّيها بالزمن الثقافي‪ ،‬ومدى تجسده في‬ ‫النتاج اإلبداعي وانعكاسه فيه‪.‬‬ ‫ون��ت��ن��اول أدب ال��دك��ت��ور عبدالسالم‬ ‫العجيلي ن�م��وذج��ا ل��دراس �ت �ن��ا‪ ،‬ك��ون��ه عبّر‬ ‫بشكل واض��ح عن ه��ذه العالقة الزمكانية‬ ‫ف��ي األدب‪ ،‬ب�ي��ن ش���روط ال�ب�ي�ئ��ة وثالثية‬ ‫الزمن‪ ،‬وكانت المرأة هي المدخل إلى هذا‬ ‫التعبير‪ ،‬ذلك أن المرأة كانت عبر التاريخ‪..‬‬ ‫رمز الخصب والحياة والتجدّد والديمومة‪..‬‬ ‫وهي اإللهة الجميلة التي تمنح الحياة سحر‬ ‫األلق والتفاؤل‪ ،‬كما هو الحال في (إيزيس)‪،‬‬ ‫و(ارتيميس)‪ ،‬و(اإللهة أثينا)‪ ،‬و(عشتار)‪،‬‬

‫و(عنات)‪ ،‬و(نيت)‪،‬‬ ‫و(إي� � � � �ن � � � ��ان � � � ��ا)‪..‬‬ ‫وغ �ي��ره��ن الالتي‬ ‫ص ��اغ� �ه ��ن الفكر‬ ‫اإلن � �س� ��ان� ��ي عبر‬ ‫التاريخ‪ ،‬على هيئة‬ ‫إن��اث أسطوريات‪،‬‬ ‫ل� � �ح�� ��اج� � �ت�� ��ه إل� � ��ى‬ ‫الديمومة وتوقه للبقاء‪.‬‬ ‫فهذا الفنان الذي رسمها تحمل تفاحة‪،‬‬ ‫وه��ي ع��اري��ة وي��ده��ا ت�ط��اول ال�س�م��اء‪ ،‬يرى‬ ‫فيها ديمومة العطاء واستمرار الحياة‪ ،‬وهو‬ ‫رف��ض ال واع��ي للموت‪ ،‬وآخ��ر جعلها ذات‬ ‫أث��داء كثيرة مكتظة باللبن‪ ،‬ألنه يرى فيها‬ ‫النماء كرفض ل��واق��ع اجتماعي وسياسي‬ ‫واقتصادي ضاغط بمفردات مختلفة‪.‬‬ ‫وه ��ذا أدي �ب �ن��ا ع�ب��دال�س�لام العجيلي‪،‬‬

‫اجلوبة ‪ -‬صيف ‪1430‬هـ ‪71‬‬


‫جعلها عاقراً ال تلد في مجمل أعماله القصصية‬ ‫والروائية‪ ..‬فهذه سلمى في قصة الخائن‪ ,‬وسالي‬ ‫في قناديل أشبيلية‪ ,‬وه��دى وأختها ماجدة في‬ ‫قلوب على األس�لاك‪ ،‬وهيام وأختها باسمة في‬ ‫رواية باسمة بين الدموع‪ ,‬وندى في (المغمورون)‪..‬‬ ‫وحتى السويدية ماريا لينا في «رصيف العذراء‬ ‫السوداء»‪ .‬وغيرهن كثير‪ ..‬كلهن عاقرات في أدب‬ ‫العجيلي وتراثه القصصي والروائي‪.‬‬ ‫ث ��م ن �ج��د ب �ع��دا ج ��دي ��دا ف ��ي هذه‬ ‫الثالثية‪ ،‬وهو بعد افتراضي يعنى‬ ‫ب�م��ا ب ��دأت بمقدماته ومعطياته‪،‬‬ ‫وه��و التعبير ال�ل�اواع��ي المكنون‬ ‫في الزمن العربي‪ ..‬لكن العجيلي‬ ‫أوج���ده ‪-‬وه ��و األدي���ب الفيلسوف‬ ‫ فكأنّي به يقول‪ :‬كلهن عاقرات‪،‬‬‫ألن الزمن العربي كان عقيما‪ ،‬وألن‬ ‫العرب سلفيون في الزمان‪.‬‬ ‫ل��ك��ن ال �م �س �ت �ق �ب��ل ه� ��و الزمن‬ ‫ال�م��وج��ود بالكمون ف��ي أحالمهم‪،‬‬ ‫ومرتبط بحياتهم القبلية‪ ،‬وبيئتهم‬ ‫الرعوية التي ترى الماضي‪ ،‬وتنش ّد‬ ‫إليه بقوّة‪ ،‬فإن قلم األديب ال ينفك‬ ‫يعبّر عن هذا االرتباط‪.‬‬ ‫لقد اتسم الزمن الذي عايشة‬ ‫العجيلي بالعديد من اإلرهاصات‬ ‫* كاتب من سوريا‪.‬‬

‫‪72‬‬

‫اجلوبة ‪ -‬صيف ‪1430‬هـ‬

‫والنكبات التي حالت دون تحقيق الوحدة القومية‪،‬‬ ‫والتقدم العلمي‪ ،‬والثورة الصناعية‪ ،‬وهذه مدعاة‬ ‫أخرى لخصي الزمن‪ ،‬من خالل عقم النساء‪ ،‬رغم‬ ‫دأبه لولوج زمن عربي خصيب‪ ،‬من خالل تقديم‬ ‫األسباب الرامزة إلى ذلك الخصب‪ ،‬فنقرأ لديه‬ ‫زيجات شرعية‪ ،‬كما هو الحال لدى سالي‪ ،‬لكنه‬ ‫جعلها في قناديل أشبيلية‪ ،‬كرمز لالنكفاء إلى‬ ‫أمجاد األسالف‪ ،‬وليس للمستقبل‪ ..‬ألن سالي لم‬ ‫تلد صبيا يحمل اسم والديه‪ ,‬أما هدى الزوجة‬ ‫الشرعية في «قلوب على األس�لاك»‪ ،‬فقد جعل‬ ‫بعلها البرجوازي يهجرها‪ ،‬ويهرب بأمواله إلى‬ ‫ال�خ��ارج‪ ،‬وه��و تعبير آخ��ر عن عجز البرجوازية‬ ‫العربية عن تحقيق الثورة الصناعية والتقدم‪ ،‬كما‬ ‫عملت البرجوازية الفرنسية في إحداث انقالب‬ ‫فكري غيّر وجه التاريخ‪.‬‬ ‫والمحاولة الثانية للعجيلي‪ ،‬ه��ي اإلباحية‬ ‫التي منحها ألبطاله مع نساء اآلخرين‬ ‫كصفية‪ ،‬ون�ه��اد‪ ،‬ونظمية‪ ،‬وسامية‪،‬‬ ‫وش ��اه� �ن ��از‪ ،‬وه� ��ذه اإلب��اح��ي��ة أقرأ‬ ‫ترميزها وخلفياتها الالواعية‪ ،‬على‬ ‫أنها تعبير عن نزعة االستهالك عند‬ ‫العرب‪ ،‬وما أريد لهم من قبل القوى‬ ‫الغربية المنتجة للتقنية‪ ،‬فهي تسمح‬ ‫لهم باستيرادها واستعمالها‪ ،‬لكنها‬ ‫ال ت�س�م��ح ب��إن �ت��اج �ه��ا‪ ..‬ل ��ذا جعلهن‬ ‫عاقرات أيضا ً‪.‬‬ ‫وبعد‪ :‬فإن هذا االجتهاد النقدي‬ ‫أقدمه بين أيدي النقاد والباحثين‪،‬‬ ‫وال أحسبة م�ج��ازف��ة ن�ق��دي��ة‪ ،‬بقدر‬ ‫ما هو قراءة متأنية وواقعية‪ ،‬لحالة‬ ‫عقم الزمن العربي عن إنتاج أدوات‬ ‫المعرفة‪ ،‬بدال من اجترار منجزها‪.‬‬


‫سيرة لم تكتمل بعد‪..‬‬

‫ن�������������������������������������ق�������������������������������������د‬

‫ِ‬ ‫س ْفر (سيف بن أعطى) والقارئ‬ ‫> فريال احلوار*‬ ‫تتعدد أشكال األجناس األدبية بتعدد آراء كتابها وأجوائهم الفكرية ومناخاتهم الحياتية‪ ،‬وأساليبهم‬ ‫في الكشف والتعبير‪ ،‬ودوافعهم وغاياتهم الكامنه وراء كتاباتهم هذه‪ ،‬وإذا كان ثمة أسباب ال يمكن‬ ‫بروزها إال من خالل تصريحات الكاتب‪ ،‬فهناك في المقابل أسباب متوارية في العمل‪ ،‬يستشفها‬ ‫ويكشف عنها الباحث والقارئ الواعي‪.‬‬ ‫ي�ق��ول ال�ش��اع��ر فيصل أك��رم أن��ه كتب (سيف‬ ‫بن أعطى)‪ :‬رداً على االستفزازات والمغالطات‬ ‫واالف �ت��راءات التي تزعم أن الشاعر الخليجي ‪-‬‬ ‫وت�ح��دي��داً ال�س�ع��ودي ‪ -‬ه��و بالمجمل والتفصيل‬ ‫مجرد (شاعر نص)‪ ،‬وال يرقى إلى شعر التجربة‪.‬‬

‫خلف امتداد كل األحداث والمواقف واالنطباعات‬ ‫في سفْر‪/‬سيف ابن أعطى‪ /‬الذي اختار لغالفه‬ ‫صورة فوتوغرافية (لملف قديم)‪ ،‬ربما يكون ملف‬ ‫سيف بن أعطى الذي ظل متشبثا به رغم األسياخ‬ ‫الحديدية التي انغرست في ساقه‪ ،‬ليقول لنا اليوم‪:‬‬ ‫هذا ما تبقى لسيف من تلك الحقبة‪ ،‬بعد أن فقد‬ ‫كل شيء‪.‬‬

‫ال أظن بأن القول السابق للكاتب هو السبب‬ ‫الرئيس لكتابة ِسفْر (سيف بن أعطى) بمداخله‬ ‫في مدخل (أهرب من قلبي)‪ ،‬يقول صاحبه في‬ ‫التسعة‪ ،‬بل كتب هذا السفْر رغبة منه بالعثور على‬ ‫(معنى الحياة)‪ ،‬عبر استعادة مراحل حياة سيف حديثه عن دعاء‪ ..( :‬تناقشت معك حول الكون‪،‬‬ ‫بن أعطى‪ ،‬التي توقفت في هذا الكتاب عند سن وراحت تتكلم عن برنامج الدكتور مصطفى محمود‬ ‫الخامسة عشر‪ ،‬وتوضيح أبعادها‪ ،‬وذلك ألنه قدم ف��ي ال�ت�ل�ف��زي��ون‪( :‬ال�ع�ل��م واإلي� �م ��ان)‪ ،‬ف��رح��تَ أنت‬ ‫(س�ي��ف ب��ن أع �ط��ى) ب��إره��اص م��ن دي ��وان مقدمة تخبرها بأنك تقرأ كتب مصطفى محمود أيضاً‪،‬‬ ‫وتكلمت معها بإسهاب عن إعجابك بكتابه األخير‬ ‫(الكتاب األخير)‪ ،‬يقول فيه‪:‬‬ ‫«لغز الحياة»‪ ،‬ونصحتها بقراءته‪ ،)..‬إذا كان سيف‬ ‫(يا سيف‪..‬‬ ‫بن أعطى يبحث عن فك رموز لغز الحياة‪ ،‬ويدعو‬ ‫‪ ،.‬كلّهم‪ ..‬تركوا الهوى يأتي عليك فال تضعْ‪..‬‬ ‫من يتعرف عليهم‪ ،‬لفعل ذلك أيضا وهو لم يتعد‬ ‫ما دم��تَ علقت السالم على جبينك‪ ،‬ألتبع طفل‬ ‫الخامسة عشرة من عمره‪ .‬وبعد أن عرف الكاتب‬ ‫ال�ك�لام‪ ،‬ه��ي الحياة اآلن‪ :‬أم��ك‪ ،‬وال��زم��ان أبوك‪،‬‬ ‫الحياة ول��و جزئيا‪ ،‬ألن��ه ال أح��د يمتلك الحقيقة‬ ‫فاصرخ‪ ..‬قل‪ :‬وجدت اآلن أهلي‪.)..‬‬ ‫المطلقة‪ ،‬ق��ام ب��إع��داد ملف تكريمي ع��ن معلمه‬ ‫ص��رخ ه�ن��ا وك��أن��ه ي �ق��ول‪ :‬أن��ا (ال �ك��ائ��ن) الذي األول في الحياة ‪ -‬د‪ .‬مصطفى محمود نشره في‬ ‫يصنع قدره بإرادته ووعيه! لذلك فالكاتب يكمن العدد (‪ )254‬من ثقافية الجزيرة ‪ -‬ليقول له شكراً‬

‫اجلوبة ‪ -‬صيف ‪1430‬هـ ‪73‬‬


‫بقلمه وقلم كل من تعلم من مصطفى‬ ‫م �ح �م��ود وأح� �ب ��ه‪ ،‬ول �ي �ج �ع��ل القراء‬ ‫ي �ح��اول��ون اك �ت �ش��اف (ل �غ��ز الحياة)‬ ‫بقراءة مصطفى محمود من جديد‪،‬‬ ‫وف��ي الصفحة (‪ )78‬م��ن المدخل‬ ‫السابق‪ ،‬أشار الكاتب إشارة طفيفة‬ ‫إلى األخ (حسن) الذي غادرهم بعد‬ ‫وفاة األم‪ ،‬وانقطعت أخباره‪ ،‬بعدها‬ ‫وجدنا الكاتب يكشف لنا في مقالة‬ ‫نشرها في العدد (‪ )256‬من ثقافية الجزيرة عن‬ ‫سيرة كاتب كالسيكي‪ ،‬من طراز رفيع يدعى (حسن‬ ‫علي أك��رم)‪ ،‬وربما يكون األدي��ب العربي الوحيد‬ ‫الذي سنقرأ نتاجه األدبي بعد وفاته‪ ،‬وبهذا يكون‬ ‫ال�ك��ات��ب ق��د جعل ال �ق��ارئ ف��ي ح��ال��ة ت��رق��ب دائم‬ ‫للحكايات واألسرار‪ ،‬التي تتناسل من ِسفْر (سيف‬ ‫ابن أعطى)‪ ،‬لقد جعل الكاتب من بطله (سيف)‬ ‫معبراً لالتصال بالنماذج البشرية في الحضارات‬ ‫المتنوعة‪ ،‬ومحاولة تمثلها واستيعابها واإلفادة‬ ‫منها‪( ،‬مصطفى محمود المصري ‪ -‬حسن أكرم‬ ‫السعودي)‪ ،‬وبذلك يكون قد أسهم إسهاما فعاالً‬ ‫في عملية البناء اإلنساني‪ ،‬ذلك أن األديب حينما‬ ‫ي�ص��ور حياته الباطنية‪ ،‬وسيرته ال��ذات�ي��ة عقليا‬ ‫وان�ف�ع��ال�ي��ا وال �خ��ارج��ة ع��ن م�ن�ظ��ور رؤي �ت��ه‪ ،‬فإنما‬ ‫يثري حياة العقل اإلنساني بوجه عام‪ ،‬والمعرفة‬ ‫السيكولوجية ودراسة الطبيعة البشرية‪ ،‬والخبرة‬ ‫اإلنسانية بوجه خاص‪.‬‬ ‫تكمن أهمية ِسفْر (سيف بن أعطى) في ما‬ ‫يشتمل عليه ه��ذا السفر م��ن ت �ج��ارب وخبرات‬ ‫إنسانية‪ ،‬قد تشكل درسا وعبرة في الحياة‪ .‬كما‬ ‫تكمن ف��ي الشهادة اإلنسانية التي يقدمها هذا‬ ‫السفْر‪ ،‬أي فيما يحتويه من دالل��ة الشخصية ‪-‬‬ ‫ِ‬ ‫شخصية كاتبه ‪ -‬فحياة اإلنسان مهما كان طابعها‪،‬‬ ‫فهي دائما تحمل شيئا ما ذا فائدة‪ ،‬ألنها تحتوي‬ ‫على داللة إنسانية ما‪ ،‬وما أكثر ما حمل ِسفْر (سيف‬ ‫*‬

‫‪74‬‬

‫كاتبة من السعودية‪.‬‬

‫اجلوبة ‪ -‬صيف ‪1430‬هـ‬

‫ب��ن أع �ط��ى) م��ن دالالت‪( :‬الصفعة‬ ‫األول � ��ى‪ ،‬ال��رك �ع��ة األول � ��ى‪ ،‬الخروج‬ ‫األول‪ ،‬الضياع األول‪ ،‬الشتات األول‪،‬‬ ‫ال �م �غ��ادرة األول� ��ى‪ ،‬ال �ه �ب��وط األول‪،‬‬ ‫أهرب من قلبي‪ ،‬و‪ ..‬فقدان)‪ ،‬حتى‬ ‫جعلنا نشك فعال أن ه��ذا السيف‬ ‫فعال لم يرفع كفيه بالدعاء‪ :‬يا إلهي‬ ‫ال تدخلني في تجربة!‬ ‫ومن هنا‪ ،‬كان تأثيره عميقا على القارئ‪ ،‬ألنه‬ ‫أيقظ المعاني والمشاعر المترسبة في أعماقنا‬ ‫منذ الصغر‪ ،‬وجعلها تتناسق مع معانيه ومشاعره‬ ‫وص ��وره‪ .‬بحيث نقلنا م��ن مرحلة التلقي للعمل‪،‬‬ ‫إلى مرحلة المشاركة فيه‪ ،‬من خالل تفاعلنا معه‬ ‫وتحسس آالمه‪ ،‬فوجدنا أنفسنا بطريقة أو بأخرى‪،‬‬ ‫مندسين في أحد مداخل هذا العمل‪.‬‬ ‫عندما ق��رأت سيف ب��ن أع�ط��ى‪ ،‬لمست بأنه‬ ‫وس�ي�ل��ة تنفيس ل�ك��ل م��ن ال �ق��ارئ وال �ك��ات��ب معا‪.‬‬ ‫فالقارئ ال يطالعه لما فيه من تشابه في المواقف‬ ‫بينه وبين الكاتب فحسب‪ ،‬وإنما أيضا لينفس من‬ ‫خالله عما يعتريه من ضغط داخلي‪ .‬إنه يدخل‬ ‫ال�ق��ارئ في مناخ وع��ي جديد بذاته وب��اآلخ��ر‪ ،‬ما‬ ‫يسهم في تحرره وانعتاقه من الضغوطات والقيود‬ ‫المفروضة عليه‪.‬‬ ‫إن ِس � ْف��ر س �ي��ف ب��ن أع �ط��ى‪ ،‬ي�ت�م�ت��ع بأهمية‬ ‫نفسية تتعلق بالكاتب والقارئ معا‪ ،‬وكم تمنيت لو‬ ‫تحلى الكاتب بالجرأة والشجاعة‪ ،‬ورمى بالعوائق‬ ‫الداخلية والخارجية التي منعته من البوح بسر‬ ‫(األوراق واألختام) التي جعلته يتلقى ‪ -‬الصفعة‬ ‫األول��ى ‪ ،-‬ليكشف ع��ن ذات ��ه‪ ..‬وتتكامل تجربته‬ ‫اإلن�س��ان�ي��ة‪ ،‬ف�ه��ل سيفعل ه��ذا ف��ي وق��ت قريب؟‬ ‫لنقف بعدها ونقول له شكرا فيصل أكرم‪..‬شكرا يا‬ ‫سيف بن أعطى‪ ..‬شكرا على المكاشفة في زمن‪..‬‬ ‫الحقيقة فيه ضمير مستتر‪.‬‬


‫العالقة بني الشرق والغرب من الناحية‬ ‫الثقافية عالقة جيدة‬

‫م������������������واج������������������ه������������������ات‬

‫الكاتب الروائي الكبير إدوار اخلراط‬

‫> محمد احلمامصي*‬

‫يحتل الكاتب إدوار الخراط مكانة بارزة على خارطة الثقافة‬ ‫المصرية‪ ،‬خاصة‪ ،‬والعربية‪ ،‬عامة‪ .‬وقد حظيت أعماله القصصية‬ ‫والروائية باهتمام نقدي كبير‪ ،‬وترجمت إلى العديد من اللغات‪،‬‬ ‫كاإلنكليزية والفرنسية واإليطالية واأللمانية واألسبانية وغيرها؛‬ ‫وفضال عن تجربته اإلبداعية المتميزة‪ ،‬فهو إلى جانب القصة‬ ‫وال��رواي��ة شاعر وناقد‪ ،‬له ب��اع طويل في التنظير‪ ،‬ومترجم له‬ ‫العديد من الترجمات‪ ،‬أشهرها رواية الحرب والسالم لتولستوى‪،‬‬ ‫وفنان تشكيلي‪ ،‬له أكثر من معرض‪ ،‬وله أيضا كتابات نقدية في‬ ‫الفن التشكيلي‪ .‬ومجمل كتبه في اإلبداع والنقد والترجمة تتجاوز‬ ‫المائة كتاب‪ ..‬من أهم أعماله القصصية والروائية‪ :‬أبنية متطايرة (رواي��ة)‪ ،‬حيطان عالية‬ ‫(قصص)‪ ،‬حريق األخيلة (رواية)‪ ،‬ساعات الكبرياء (قصص)‪ ،‬اسكندريتي (كوالج قصصي)‪،‬‬ ‫رامة والتنين (رواية)‪ ،‬يقين العطش (رواية)‪ ،‬الزمن األخير (رواية)‪ ،‬عمل نبيل (مختارات)‪،‬‬ ‫محطة السكة الحديد (رواية)‪ ،‬رقصة األشواق (مختارات)‪ ،‬أضالع الصحراء (رواية)‪ ،‬صخور‬ ‫السماء (رواي��ة)‪ ،‬يا بنات اسكندرية (رواي��ة)‪ ,‬الغجرية والمخزنجي حجارة بوبيللو (رواية)‪..‬‬ ‫ومن أعماله الشعرية‪( :‬تأويالت‪ :‬سبع قصائد إلى عدلي رزق الله)‪( ،‬لماذا؟‪ :‬مقاطع من‬ ‫قصيدة حب)‪ ،‬و(ضربتني أجنحة طائرك)‪ ،‬و(سبع سحابات‪ ،‬دانتيلال السماء)‪..‬‬ ‫في هذا الحوار مع الروائي الكبير نستطلع رأيه في هموم وشجون الثقافة واإلبداع‪..‬‬ ‫ > ك��ي��ف ت���رى وض���ع ال��ث��ق��اف��ة العربية‬ ‫اآلن في ظل التحديات الكثيرة التي‬ ‫تواجهها؟‬ ‫> ‬ ‫< الثقافة العربية مرت بمراحل متعددة من‬ ‫التحدي‪ ،‬واالستجابة له والتغلب عليه‪ < ،‬‬ ‫وال ش��ك ع�ن��دي ف��ي أن األم��ل كبير في‬ ‫المثقفين العرب في الوطن العربي كله‪،‬‬ ‫في التغلب على هذه التحديات‪ ،‬ومواجهة‬

‫العصر ومشاكله‪ ،‬والتقدم بالثقافة العربية‬ ‫إلى األمام‪.‬‬ ‫ل���ك���ن ه���ن���اك م����ن ي��ت��ه��م المثقفين‬ ‫بالتقصير؟‬ ‫ال أعتقد أن هناك تقصيراً‪ ،‬وعلى المثقف‬ ‫أن يقوم بواجب‪ ،‬وهو واجب مشروع‪ ،‬وهو‬ ‫أيضا الموقف وتعميق التحليل‪ ،‬عندما‬

‫اجلوبة ‪ -‬صيف ‪1430‬هـ ‪75‬‬


‫ظل األوضاع العربية الراهنة؟‬

‫ي� �ق ��وم المثقف‬ ‫ب� �ه ��ذا الواجب‬ ‫ي� �ك ��ون ق���د قام‬ ‫ب� � � ��أداء مهمته‬ ‫األصيلة‪.‬‬ ‫> ك������ي������ف ت������رى‬ ‫األج������������ي������������ال‬ ‫ال��ج��دي��دة من‬ ‫الروائيين؟‬

‫< طبعا أن��ا ال أتكلم ع��ن النواحي السياسية أو‬ ‫غ �ي��ره��ا‪ ،‬وال �ع�لاق��ة ب�ي��ن ال �ش��رق وال��غ��رب من‬ ‫الناحية الثقافية عالقة جيدة‪ .‬هناك نوع جيد‬ ‫م��ن التبادل والتقييم وال�ت�ع��ارف‪ ،‬ي��زداد وثاقة‬ ‫واتساعا يوما بعد يوم‪ ،‬وعاما بعد عام‪.‬‬ ‫إدوار الخراط‬

‫ ‬

‫تقوم الثقافة بدور مهم وحيوي في تقريب أو سد‬ ‫الفجوة‪ ،‬وتقريب المسافات بين الثقافات وبين‬ ‫القراء‪ ..‬أيضا عن طريق الترجمات المتبادلة‬ ‫وال�ن��دوات وال��زي��ارات وتعميق العالقات بشتى‬ ‫أنواعها‪.‬‬

‫ < ف��ي األج �ي��ال ال �ج��دي��دة‪ ،‬ع�ل��ى اخ �ت�لاف وتنوع‬ ‫اتجاهاتها‪ ،‬هناك ‪ -‬بال شك ‪ -‬روح المغامرة‪،‬‬ ‫وأيضا ليس فقط الوعد والبشارة‪ ،‬بل اإلنجاز > ع��ش��ت ال��ح��رك��ة ال��ث��ق��اف��ي��ة ال��م��ص��ري��ة في‬ ‫وال �ت �ح �ق��ق‪ .‬ه �ن��اك ب��ال�ف�ع��ل م �غ��ام��رات جديرة‬ ‫فترات مختلفة من الخمسينيات وحتى‬ ‫ب��ال�ت�ق��دي��ر وااله �ت �م��ام ال �ن �ق��دي ع�ن��د األجيال‬ ‫اآلن‪ ..‬كيف ترى الوضع الثقافي في مصر‬ ‫الجديدة من الروائيين والقصاصين‪.‬‬ ‫حاليا؟‬ ‫> وإدوار ال����خ����راط‪..‬أي����ن ي��ق��ف اآلن عبر < الوضع الثقافي في مصر اآلن ليس من السهل‬ ‫مسيرته الروائية؟‬ ‫توصيفه‪ ،‬من ناحية اإلبداع الروائي والقصصي‬ ‫< ماذا تريد مني أن أقول‪ ،‬ماذا علي أن أفعل إال‬ ‫أن أكتب وأستجيب لما يمكن أن أسميه أشواق‬ ‫الروح‪ ..‬وأشواك العالم‪.‬‬

‫> مسيرتك ال��روائ��ي��ة إل��ي أي��ن أف��ض��ت رؤاها‬ ‫اإلبداعية؟‬ ‫< هذا سؤال يوجه للنقاد‪ ،‬ال للكاتب‪ ،‬الكاتب يقوم‬ ‫بمهمته وللنقاد أن يقوموا بمهمتهم من تحليل‬ ‫وتقييم‪.‬‬ ‫> وهل يقوم النقاد بمهامهم؟‬

‫والشعري‪ ..‬هناك ازده��ار ومغامرة واقتحام؛‬ ‫هناك بال شك انجازات‪ .‬أما الناحية الثقافية‬ ‫العامة‪ ،‬فتحتاج إلى أكثر من توصيف‪ ..‬ألن هناك‬ ‫وضعا معقدا ومركبا‪ ،‬هناك نوع من التهميش‬ ‫للثقافة ال�ج��ادة‪ ،‬والتي نسميها ع��ادة بالثقافة‬ ‫الرفيعة‪ ،‬وهي مجرد الثقافة‪ .‬وهناك نوع من‬ ‫الهيمنة أو السيطرة‪ ،‬أو على األقل النفوذ الواسع‬ ‫ألجهزة اإلعالم العريضة مثل التليفزيون؛ لكني‬ ‫أتصور أن الوضع الثقافي وخاصة فيما يتعلق‬ ‫باإلبداع‪..‬هو من األشياء القليلة في حياتنا التي‬ ‫تدعو إلى التأمل والتفاؤل‪ ،‬بينما هناك أشياء‬ ‫كثيرة تدعو إلى األسى على األقل‪.‬‬

‫ < إلى حد كبير‪ ،‬هناك اتجاه أو موضة لإلنحاء‬ ‫باللوم على النقاد‪ ..‬وهذا غير صحيح‪ ،‬هناك‬ ‫نقاد ج��ادون يقومون بمهمتهم‪ ،‬وطبعا يطلب > لكن هناك من يرى أن االزده��ار الروائي أو‬ ‫القصصي أو الشعري الذي نشهده ال يقيم‬ ‫المبدعون باستمرار المزيد المزيد‪ ،‬وهذا من‬ ‫حقيقة الموقف؟‬ ‫حقهم‪..‬لكن النقاد‪ -‬في تصوري وفيما أرى ‪-‬‬ ‫حتى اآلن قاموا بجهد كبير في أداء واجبهم‪.‬‬ ‫< التعميمات غالبا ال أم�ي��ل إليها‪ ،‬ألن�ه��ا م��ا لم‬ ‫تستند إل��ى دراس� ��ات نصية م�ل�م��وس��ة‪ ..‬تظل‬ ‫> كيف تقيم العالقة بين الشرق والغرب في‬

‫‪76‬‬

‫اجلوبة ‪ -‬صيف ‪1430‬هـ‬


‫م������������������واج������������������ه������������������ات‬

‫م��ن ن��وع ال�ك�لام المرسل على ع��واه�ن��ه‪ ،‬وهذا‬ ‫ال أوث��ره‪ .‬وباختصار ليس ه��ذا التوصيف في‬ ‫تقديري صحيحا‪ ،‬هناك ان�ج��ازات وإبداعات‬ ‫جيدة‪ ،‬وأكثر من جيدة‪ ،‬سواء من المخضرمين‬ ‫كبار السن‪ ،‬أو من األكثر شبابا‪ ،‬سواء من ناحية‬ ‫العمر أو من ناحية الحيوية والعقلية‪..‬‬ ‫> لكن بعضهم يرى أن هناك انطفاء شعريا؟‬ ‫< هناك أمران في الشعر‪ ،‬الشعر المنبري شعر‬ ‫االحتفاالت‪ ،‬والشعر الجهير‪ ..‬إذا صح التعبير‪.‬‬ ‫وهناك الشعر الذي أطلق عليه الراحل العظيم‬ ‫محمد مندور الشعر المهموس‪ ،‬أو ما أسميه‬ ‫الشعر الحميم‪ ،‬أو العالقة الحميمة بين الشعر‬ ‫والمتلقي‪ ،‬الشاعر لم يعد الخطيب ال��ذي له‬ ‫جمهور‪ ،‬هذا نوع من الشعر كان له في الماضي‬ ‫نوع من التأثير‪ ..‬ما يزال جذابا لعدد من الناس‪،‬‬ ‫لكن الشعر الحقيقي في تصوري هو العالقة‬ ‫بين نص الشاعر ومفرد متلق واح��د‪ ،‬ما يكون‬ ‫ ‬ ‫عالقة ت�ج��اذب ون�ج��وى ومشاركة حميمة‪ ،‬إذا‬ ‫صح هذا التعبير‪ ،‬وهو صحيح‪..‬‬ ‫> م�����اذا ع���ن اه��ت��م��ام��ك ب��ال��ف��ن التشكيلي‬ ‫والخصائص األساسية التي انطلق منها؟‬ ‫< بدأ هذا االهتمام منذ بدأ االهتمام بالحياة بكل‬ ‫أشكالها‪ ،‬والخصائص التي تدعو إلى االهتمام‬ ‫بالكتابة‪ ،‬هي نفسها التي تدعو لالهتمام بالفنون‬ ‫المختلفة‪ ،‬وي�م�ك��ن تلخيصها ب�ع�ب��ارة شديدة‬ ‫البساطة‪ ،‬أنها سعى إلى الجمال‪ ،‬والتواصل‪..‬‬ ‫> أش��رت في كتابك (ف��ي ن��ور آخ��ر‪ ..‬دراسات‬ ‫وإيماءات في الفن التشكيلي) إلى عالقة‬ ‫خاصة بالفنانين الكبيرين أحمد مرسى‬ ‫وعدلي رزق الله‪ ..‬كيف كان أثرها؟‬ ‫< بالفعل لي تجربة خاصة معهما‪ ،‬فقد عايشت‬ ‫لوحات وتخطيطات ومغامرات أحمد مرسى‬ ‫منذ الخمسينيات‪ ،‬وأعمال عدلي رزق الله منذ‬ ‫السبعينيات بمعنى المعايشة‪ ،‬ال مجرد الرؤية‬

‫أو المعرفة‪ ،‬وجدت في أعمالهما – على تباينها‬ ‫وانتمائها إل��ى عالمين مختلفين – نوعا من‬ ‫التساوق أو التجاوب أو التشارك في خبرتي‬ ‫الروحية‪ ،‬أو في إدراك بصري ورؤيوي لعالمي‪..‬‬ ‫متراسل ومتناغم مع عالميهما‪ ،‬وكتبت عنهما‬ ‫كتابين كاملين‪ ،‬وفي تقديري لم تكن أعمالهما‬ ‫ملهمة ل��ي‪ ،‬بقدر ما أن اإللهام يقع فيما وراء‬ ‫هذه األعمال – إن صح التعبير – من ساحات‬ ‫الروح أو مناطق المعرفة الجمالية‪.‬‬ ‫ك��أن �ن��ي وج� ��دت ف��ي ه��ذي��ن ال�ع��ال�م�ي��ن نغمات‬ ‫عميقة‪ ،‬كنت أسمعها‪ ..‬ب��ل أص�غ��ي إليها في‬ ‫دخ �ي �ل��ة ن �ف �س��ي‪ ،‬ح �ت��ى م��ن ق �ب��ل أن أرى هذه‬ ‫األعمال الفنية‪ ،‬بكل ما يحمل فعل «الرؤية» من‬ ‫إمكانات‪ ..‬األسطورية والبعد الالواقعي عند‬ ‫مرسى‪ ،‬والحسية الجسدانية الروحية معاً عند‬ ‫رزق الله هي‪ ،‬من األول أبعاد من ذات روحي‬ ‫ومن الثاني خبرة الوعي بالكون – والكينونة –‬ ‫عندي‪ ..‬لذلك وجدت أن هذا التناغم قد ابتعث‬ ‫عندي جوهر الشعر الذي لم يفارقني قط‪ .‬ومن‬ ‫ثم كتبت «ت��أوي�لات» إلى رزق الله‪ ،‬و«ضربتني‬ ‫أجنحة طائرك» إلى مرسى‪ ،‬كما كتبت أخيراً‬ ‫– وفي السياق نفسه «صيحة وحيد القرن» إلى‬ ‫سامي علي‪ ،‬صديق الصبا منذ الثالثينيات‪،‬‬ ‫هو فنان كبير‪ ،‬إلى جانب كونه أستاذاً ومفكراً‬ ‫وعالما جليال‪ ،‬كانت لوحاته األولى – في العام‬ ‫‪1939‬م ربما – مرهفة الجمال ورقيقة الحس‬ ‫– مثل روحه الجياشة بأشواق المعرفة ونشوات‬ ‫النور الهادئة‪.‬‬

‫اجلوبة ‪ -‬صيف ‪1430‬هـ ‪77‬‬


‫> ت��ع��ن��ي أن ه����ذه األش����ع����ار م��س��ت��ل��ه��م��ة من‬ ‫أعمالهم التشكيلية؟‬ ‫< ليست مستلهمة من األعمال التشكيلية بقدر‬ ‫ما هي متناغمة أو متساوقة معها‪ ،‬نابعة عن‬ ‫خبرة مشتركة أو متقاربة‪ ،‬ولكن ال شك في أن‬ ‫معايشة األعمال التشكيلية – من ناحية أخرى‬ ‫– قد حفزت هذه األشعار الكامنة أصالً‪ ،‬إلى‬ ‫التشكل‪.‬‬

‫تضفي على هذه المواد داللة أخرى‪ ،‬وجمالية‬ ‫خاصة لم تكن قائمة بذاتها من قبل‪ ،‬تصوري‬ ‫للوحات الكوالج عندي هو هذا التصور‪ ،‬حيث‬ ‫نجد فيها ما يوحي بالتراث العريق المصري‬ ‫القديم‪ ،‬والقبطي‪ ،‬واإلسالمي‪ ،‬جنباً إلي جنب‬ ‫مع عناصر شديدة المعاصرة‪ ،‬هذا التقارب‬ ‫أو ال�ت�م��ازج بين تلك العناصر ف��ي تصوري‪،‬‬ ‫ل��ه قيمة دالل�ي��ة وجمالية خ��اص��ة‪ ..‬أرج��و أن‬ ‫أكون قد قطعت شوطاً في تحقيقها في هذا‬ ‫المعرض‪..‬‬

‫ هذا إلى أن اللغة التي وجدت أو انوجدت بها‬ ‫هذه األشعار‪ ،‬لغة تشكيلية لعل هنا ما يتضافر‬ ‫معها ف��ي كتاباتي ال��روائ�ي��ة نفسها م��ن حيث > كيف كان اختيار فن الكوالج؟‬ ‫اللون‪ ،‬والتجسيم‪ ،‬وتوزيع المساحات‪ ،‬وإقامة < االختيار ذاته في كتابة أعمالي كلها‪ ،‬إذ يجمع‬ ‫النسب‪ ،‬ودرجات التضوي‪ ،‬أو التعتيم‪ ..‬وكلها‬ ‫التراثي مع الحداثي‪ ،‬والمصري مع العالمي في‬ ‫ق�ي��م‪ ،‬إن ل��م تكن تشكيلية باالقتصار‪..‬فهي‬ ‫صياغة جديدة‪ ،‬أرجو أن تكون منعشة ومثيرة‬ ‫تشكيلية ب��ام�ت�ي��از‪ ،‬ق��د ال ت�ك��ون ق��اص��رة على‬ ‫في الوقت نفسه‪..‬‬ ‫ال�ف�ن��ون التشكيلية‪ ،‬ولكنها ف��ي ه��ذه الفنون > هذا العام أقمت معرضك األول‪ ..‬ومن قبل‬ ‫بالذات تكاد تكون هي المعايير األولى بصرف‬ ‫كانت لك مشاركة في معرض جماعي‪..‬‬ ‫النظر عن فحوى الصورة أو العمل النحتي أو‬ ‫ه��ل تعد تجربتك التشكيلية ج���زء ُا من‬ ‫معناها‪.‬‬ ‫مشروعك اإلبداعي ككل؟‬ ‫> هل لك أن تلقي الضوء على مشاركاتك < ج��زء ال ينفصل م��ن المسعى الحياتي كله‪،‬‬ ‫الفنية وتجربتها؟‬ ‫وليس فقط اإلبداعي‪ ،‬ال أتصور نفسي بعيداً‬ ‫ < كنت قد شاركت في معرض جماعي في أتيليه‬ ‫القاهرة منذ عدة سنوات‪ ،‬وكان معرضاً للكتاب‬ ‫الذين لهم اهتمام بالفن التشكيلي‪ ،‬وعرضت‬ ‫من خ�لال ه��ذا المعرض سبع لوحات كوالج‪ > ،‬وكيف ترى العالقة بين الفنون التشكيلية‬ ‫وم�ع��رض��ي األول ك��ان ف��ي ديسمبر الماضي‬ ‫وفنون الكتابة األدبية؟‬ ‫بمركز الهناجر للفنون‪ ،‬وض��م أربعين لوحة‬ ‫كوالج‪ ،‬ومن المقرر لهذا المعرض أن يقام في < العالقة وثيقة‪ ،‬وال تنفصل االهتمامات بالفنون‬ ‫بشتى أنواعها عن بعضها بعضاً‪ ،‬أعتقد أن‬ ‫اإلسكندرية في سبتمبر القادم‪..‬‬ ‫الفنون تثري بعضها اآلخر‪ ،‬وأتصور أن من بين‬ ‫ إن�ن��ي أعتبر أن ال�ف��ن كله ليس خلقاً م��ن ال‬ ‫أسباب هزال أو فقر بعض النتاجات الروائية‬ ‫شيء‪ ،‬وليس إنشاء من فراغ‪ ،‬وإنما هو إعادة‬ ‫والقصصية والشعرية‪ ،‬ه��و بالضبط افتقار‬ ‫تشكيل لمواد سابقة الوجود‪ ،‬أي أن الفن كله‬ ‫أص �ح��اب ه��ذه ال�ن�ت��اج��ات إل��ى ت ��ذوق الفنون‬ ‫عندي هو إع��ادة صياغة‪ ،‬أي هو م��رة أخرى‬ ‫األخ ��رى المختلفة‪ ،‬س��واء ك��ان��ت تشكيلية أو‬ ‫ن��وع من ال�ك��والج‪ ..‬وال�ك��والج كما هو معروف‪،‬‬ ‫موسيقية أو غيرها‪..‬‬ ‫اس �ت �خ��دام م ��واد ج��اه��زة ف��ي تركيبة جديدة‬ ‫عن االهتمام أو االنشغال أو االنخطاف نحو‬ ‫الفن التشكيلي أو الموسيقى‪ ،‬في الوقت نفسه‬ ‫مع العكوف على فن الكتابة‪.‬‬

‫‪78‬‬

‫اجلوبة ‪ -‬صيف ‪1430‬هـ‬


‫ال أحد يستطيع االستغناء عنه‪ ..‬والعامة أكثر احتفاالً به‬ ‫الكتابة الساخرة شقيقة الرسم الكاريكاتيري‬

‫حوار مع الكاتب الساخر‬

‫أحمد حسن الزعبي‬

‫م������������������واج������������������ه������������������ات‬

‫األدب الساخر خبز القراء‬

‫> حاوره‪ :‬محمد صوانه‬ ‫واحد من الكتّاب الساخرين‪ ،‬عرف بلماحيته‪ ،‬وسخريته التي ينتظرها الكثير من‬ ‫قرائه‪ ،‬سواء في أوعية النشر الورقية أو الرقمية‪..‬‬ ‫إنه أحمد حسن الزعبي‪ ،‬قاص وكاتب ساخر‪ ..‬اشتهر بشخصيته الكاريكاتورية «أبو‬ ‫يحيى» التي يستخدمها في كتاباته‪ .‬صدر له كتابان ساخران؛ األول‪ ،‬بعنوان «سواليف»‪،‬‬ ‫والثاني‪ ،‬بعنوان‪« :‬الممعوط»‪..‬‬ ‫> ‪ ..‬شقاوتك؟‬

‫بدأ كاتباً للقصة القصيرة وما يزال‪..‬‬ ‫ت��وجّ ��ه ال��ى الصحافة‪ ،‬فكتب ف��ي صحف‬ ‫إم��ارات �ي��ة‪ ،‬ث��م ان�ت�ق��ل إل ��ى ج��ري��دة الرأي‬ ‫األردنية عام ‪2004‬م‪ ،‬بعمود يومي ساخر‬ ‫تحت عنوان «سواليف»‪ ،‬وم��ا ي��زال‪ ..‬كما‬ ‫ش� ��ارك ب��ال �ك �ت��اب��ة ف��ي ص �ح��ف أسبوعية‬ ‫منها‪« :‬أخبار الناس» و»المواطن» و«العالم‬ ‫اإلماراتية» و«خبرني»‪ ..‬وينتظر أن ينجز‬ ‫ب��ال�ت�ع��اون م��ع ال�ف�ن��ان ال�ك��وم�ي��دي «موسى‬ ‫ح�ج��ازي��ن» ال�م�ع��روف ب�ـ «س�م�ع��ه» ‪ -‬الذي‬ ‫ك�ت��ب ل��ه ث�لاث��ة م�س�ل�س�لات ت�ل�ف��زي��ون�ي��ة ‪-‬‬ ‫ال كوميدياً ضخماً‪ ،‬سيبث على إحدى‬ ‫عم ً‬ ‫الفضائيات العربية‪.‬‬

‫< أقرأ كل شيء حتى فاتورة الكهرباء‪..‬‬ ‫لكني أعشق القصة والرواية‪.‬‬

‫ومع أحمد الزعبي كان لنا هذا الحوار‬

‫> الوظائف واألعمال التي مارستها؟‬

‫> ‪ ..‬طفولتك ماذا تعني لك‪..‬؟!‬ ‫< «كهولة» بسن مبكرة‪.‬‬

‫< ل��م أع��رف�ه��ا إ ّال ب�ع��د أن تيقنّت أنني‬ ‫أستطيع الدفاع عن نفسي‪.‬‬ ‫> ‪ ..‬دراستك وشهادتك العلمية؟‬ ‫< ال عالقة للدراسة بالموهبة‪ .‬بكالوريس‬ ‫ف��ي المحاسبة‪ ،‬وهنا المفارقة‪ ..‬من‬ ‫أرق��ام وم��وازن��ات إل��ى شغب الحروف‪،‬‬ ‫ومناكفة الحكومات‪..‬‬ ‫> ‪ ..‬قراءاتك؟‬

‫< مدير مبيعات في شركة إماراتية‪ ..‬وفي‬ ‫الوقت نفسه كاتب صحفي‪..‬اآلن‪ ،‬مقيم‬

‫اجلوبة ‪ -‬صيف ‪1430‬هـ ‪79‬‬


‫في األردن ومتفرغ لإلبداع بشكل تام‪.‬‬ ‫> ماذا يعني لك مصطلح األدب الساخر أو‬ ‫الكتابة الساخرة؟‬ ‫< الخبز اليومي ال��ذي يجب أن يكون حاضراً‬ ‫وطازجاً بين الناس‪ ،‬وهو بوابة التمرّد األولى‪،‬‬ ‫وتثني الحروف لتشبه حرف» ال»‪..‬‬ ‫> متى بدأت ساخراً؟‬ ‫< ب��دأت الكتابة الساخرة في ‪1993‬م‪ ،‬وبدأت‬ ‫بالنشر عام ‪2003‬م‪ ،‬يعني هناك (‪ )10‬سنين‬ ‫م��ن ال �ك �م��ون‪ ،‬واالس��ت��ع��داد ل �ل �خ��روج بكلمة‬ ‫> هل يضحك أحمد في بيته ومع أسرته؟‬ ‫تستحق القراءة‪.‬‬ ‫بمعنى؛ هل هو ساخر داخل البيت؟‬ ‫> ومتى بدأ قلمك ساخراً؟‬ ‫< ‬ ‫> ‬ ‫< ‬ ‫> ‬

‫قبل القلم كان الفم ساخراً‪ ..‬يقولون إن لساني < الساخر‪ ،‬ساخر‪ ..‬في البيت‪ ،‬في الشارع‪ ،‬في‬ ‫العمل‪ ..‬لكن يحدث أن يتعكّر المزاج قليالً‪..‬‬ ‫سليط‪ ..‬وتعيس الحظ من يقع في مرماه‪..‬‬ ‫فالساخر أوال ً وأخ�ي��راً ان�س��ان‪ ..‬وأن��ا أشبه‬ ‫ومتى ق��ررت أن ال مفر من هذه الطريق‬ ‫بالحلواني‪ ..‬أحياناً يمل ّ الصنعة‪ ،‬ويبحث عن‬ ‫ألحمد الزعبي؟‬ ‫شيء آخر‪ ..‬حتى ولو كان النكد‪..‬‬ ‫الكتابة الساخرة هي التي اختارتني ولست‬ ‫> ه��ل ي��ج��د ال��ك��ات��ب ال��س��اخ��ر خ��ف��ة الدم‬ ‫من اختارها‪..‬‬ ‫ه���ذه ف���ي ال��ط��رق��ات أم���ام���ه؟ أم يحاول‬ ‫ه��ل أت��اح��ت ل��ك ف��رص��ة ال��ت��ن��ق��ل بشكل‬ ‫هو إيجادها لجمهور يعيش في أجواء‬ ‫شبه يومي االحتكاك المباشر مع هموم‬ ‫تسودها هموم المعيشة‪ ،‬والركض وراء‬ ‫الناس ونبضهم؟‬ ‫متطلبات الحياة‪ ،‬وتأمين لقمة الخبز‬

‫< بالطبع الناس وهمومهم‪..‬هم منجمي الذي‬ ‫احفر فيه كل يوم وازداد غنىً ‪.‬‬

‫> هل كاد الكاتب أحمد حسن الزعبي أن‬ ‫يبكي وهو يكتب ساخر ًا نتيجة حادثة ‬ ‫حاول معالجتها؟ ولِ َم؟‬

‫لألطفال‪ ،‬وعالج المرضى‪ ،‬وتأمين أجور‬ ‫المواصالت وثمن السندويتش لطالب‬ ‫جامعي‪..‬‬

‫أرى أن��ه كلما زادت الحياة ص�ع��وب��ة‪ ..‬كلما‬ ‫زادت س�خ��ري��ة ال �ن��اس‪ .‬وه ��ذا أم��ر طبيعي‬ ‫عندما تنفد كل أسلحة التغيير‪ ،‬وال يبقى إال‬ ‫لسانك وخيالك‪.‬‬

‫< بكيت أكثر من م��رة‪ ..‬لكن أصعبها‪ ..‬عندما‬ ‫كتبت عن طفل يتيم اسمه عمر‪ ،‬فارق الحياة‬ ‫وهو في حاوية قمامة يجمع العلب الفارغة‪ > ،‬ل���م���ن ي���ت���وج���ه األدب ال���س���اخ���ر أوال‪..‬‬ ‫للنخبة أم العامة؟ وأيهما أكثر تأثرا؟‬ ‫ليبيعها بدراهم قليلة يعتاش منها؛ صدمت‬ ‫وه��ل تتعرض إلي���ذاء اآلخ��ري��ن على ما‬ ‫الحاوية سيارة مسرعة فتوفي في داخلها؛‬ ‫تكتبه أحياناً؟‬ ‫وكان اسم المقال «عمر‪ ..‬يا قربان الفقر»‪..‬‬

‫‪80‬‬

‫اجلوبة ‪ -‬صيف ‪1430‬هـ‬


‫م������������������واج������������������ه������������������ات‬

‫< األدب الساخر كما سبق أن عرّفته خبز القراء‪،‬‬ ‫ال أحد يستطيع االستغناء عنه‪ ..‬ال النخبة‬ ‫وال ال �ع��ام��ة‪ ..‬وإن ك��ان��ت ال�ع��ام��ة ه��ي األكثر‬ ‫التفافاً ومحبة لنا‪ ،‬ألننا نتكلم بألسنتهم في‬ ‫مواجهة صانعي القرار‪ ..‬أما بالنسبة للشق‬ ‫اآلخر من السؤال‪ ،‬فقد تنامى غضب بعض‬ ‫المسئولين من العتب‪ ،‬الى المقاطعة‪ ،‬وأخيراً‬ ‫إلى التهديد‪ ..‬لقد هددت بالضرب!‬ ‫> ه���ل ال��ص��ح��اف��ة ب��ح��اج��ة إل����ى الكتابة‬ ‫الساخرة؟ ولماذا؟‬ ‫< الصحافة بحاجة إل��ى الكتابة الصادقة‪..‬‬ ‫بصرف النظر إن كانت س��اخ��رة أم ج��ادة‪..‬‬ ‫لقد م ّل القارىء مقاالت التجميل والتطبيل‬ ‫وال�ت��زم�ي��ر‪ ..‬يريد ال �ق��ارىء م�ق��االً تفوح منه‬ ‫رائحة الضمير‪.‬‬ ‫ > ماذا وجدت في الكتابة الرقمية (الموقع‬ ‫على شبكة االنترنت‪ :‬سواليف)‪ ..‬وهل‬ ‫�����م ف���ك���رت ب��ج��م��ع ك��ت��اب��ات��ك ف���ي كتب‬ ‫ترى المستقبل للصحافة المطبوعة أم > لِ َ‬ ‫للصحافة الرقمية‪ ..‬وم��ا ال��ذي حفزك‬ ‫مستقلة؟ وه��ل يالقي الكتاب الساخر‬ ‫على تأسيس موقع رقمي؟‬ ‫إقباالً كمقال الجريدة؟!‬ ‫< الكتابة الرقمية أو المواقع اإللكترونية‪ ،‬تتيح < نعم‪ ،‬أصدرت كتابين ساخرين‪ ..‬والقيا رواجاً‬ ‫لك التفاعل مع القراء أكثر من غيرها‪ ،‬فهي‬ ‫ك�ب�ي��راً‪ ..‬األم��ر ال��ذي دع��ان��ي إلص ��دار طبعة‬ ‫لحظية وس��ري�ع��ة ومفتوحة‪ ،‬وتتمتع بحرية‬ ‫ثانية لكتاب «سواليف»‪ ،‬بعد أن نفدت الطبعة‬ ‫م�م�ت��ازة‪ ..‬وال��ذي حفزني لتأسيس الموقع‪،‬‬ ‫األولى من السوق‪.‬‬ ‫هو نشر المقاالت الممنوعة في الصحافة‬ ‫> هل كتبت القصة القصيرة أو الرواية أو‬ ‫األردنية‪ ،‬والتي قد تكون ذات سقف عال من‬ ‫فكرت بالكتابة فيهما؟‬ ‫النقد‪.‬‬ ‫< كتبت القصة وف��زت بجوائز رابطة الكتاب‬ ‫> ما أوجه التشابه أو التنافر بين الرسوم‬ ‫األردنيين «وهي العرض األخير» و«الدرويش»‪..‬‬ ‫الكاريكاتورية والكتابة الساخرة؟‬ ‫وأحلم بالرواية‪.‬‬ ‫< الكتابة الساخرة شقيقة الرسم الكاريكاتيري‪..‬‬ ‫> ه��ل ت��س��رق الصحافة اليومية اإلب���داع‬ ‫هذه ترسم بالحروف وتلك ترسم بالخطوط‪.‬‬ ‫األدب����ي م��ن ال��ش��اع��ر وال���ق���اص‪ ،‬وتتركه‬ ‫> ما التأثير المتوقع للكتابة الساخرة؟‬ ‫ك��ات��ب��ا س��ط��ح��ي��اً‪ ..‬وم���ن ه��و األق����در على‬ ‫المقاومة‪ ..‬فيحفظ قلمه المبدع ليبقى‬ ‫< على األقل ‪ -‬وذلك ما أعده انتصاراً ‪ -‬تزيل‬ ‫تلك الهيبة وال�ه��ال��ة الوهمية ال�ت��ي وضعها‬ ‫صاحب القرار لنفسه‪ ..‬وتتفيه عظمته‪.‬‬

‫اجلوبة ‪ -‬صيف ‪1430‬هـ ‪81‬‬


‫م��ب��دع��اً‪ ،‬حتى ل��و اشتغل ف��ي الصحافة > ن�������وادر وط����رائ����ف ح��ص��ل��ت ل����ك بسبب‬ ‫مقاالتك؟‬ ‫اليومية؟‬ ‫< الش��ك أن الصحافة اليومية ت�س��رق إبداع < ك��ل ي��وم ن� ��ادرة‪ ..‬يصعب إح�ص��اؤه��ا‪ ،‬أهمها‬ ‫انتحال أحدهم شخصيتي!! ألنه يملك االسم‬ ‫ال��م��ب��دع‪ ..‬ألن �ه��ا ت��ري��ده ح ��اض ��راً متجددا‬ ‫الثالثي نفسه‪.‬‬ ‫في كل ي��وم‪ ،‬لكن في الوقت نفسه‪ ..‬تغذيه‬ ‫بموضوعات وم�ه��ارات جديدة للتواصل مع > هل هناك مقاالت ساخرة لك أو لغيرك‬ ‫الحدث‪ ..‬كل منا بحاجة إلى أن يرتاح زمناً‬ ‫تعيد قراءتها مرات جديدة‪ ..‬ولِ َم؟‬ ‫ليعيد تقييم نفسه‪.‬‬ ‫< محمد ال �م��اغ��وط وم�ح�م��د ط�م�ل�ي��ة‪ ..‬أعيد‬ ‫> م���ن ه���م ف���ي ن��ظ��رك أه���م رواد الكتابة‬ ‫قراءتهما كلما أصابني الفتور‪ ،‬أو حاصرني‬ ‫الساخرة عالمي ًا وعربي ًا وأردنياً‪..‬؟‬ ‫الخوف‪..‬‬ ‫< عالميا‪ :‬تشيخوف‪ ،‬عزيز نيسين‪.‬‬ ‫> مشكالت مع مسئولين حصلت لك بسبب‬

‫ ‬

‫عربيا‪ :‬محمد الماغوط وأحمد رجب‪.‬‬

‫ ‬

‫أردنيا‪ :‬جميعهم‪.‬‬ ‫> كيف ترى مستقبل الكتابة الساخرة؟‬ ‫< جيد وف��ي تطور مستمر‪ ..‬لكن بحاجة الى‬ ‫نفس طويل لدى الكاتب‪.‬‬

‫مقال معين؟ وكيف تصرفت‪..‬‬

‫< ال أكترث بهم‪ ..‬يتصلون بالجريدة يشكونني‪..‬‬ ‫أنا مطمئن‪ ،‬ما دام لساني مُلكي وأنا «أديره»‬ ‫فلن أخشى أحداً!‬ ‫> كيف ترى تأثير الصحافة على صناعة‬ ‫القرار‪..‬؟‬ ‫< جيد‪ ،‬لكن ليس كما يجب‪ ..‬المشكلة أن صناع‬ ‫القرار ما يزالون يعتبرون الكتاب الساخرين‬ ‫درجة ثانية أو ثالثة‪ ،‬فال يأخذون برأيهم‪ ،‬وال‬ ‫يصغون إلى أصواتهم‪..‬‬ ‫> ه��ل ث��م��ة م��ا ي��م��ي��ز ال���ق���ارئ ال��ع��رب��ي عن‬ ‫الغربي أو الشرقي؟‬ ‫< ال �ق��ارىء العربي بشكل ع��ام ‪ -‬وه��و قليل ‪-‬‬ ‫قارىء ذكي يعرف أين موقع الكاتب بالضبط‪،‬‬ ‫وله مجساته الخاصة التي يعرف من خاللها‬ ‫صدق الكاتب من عدمه‪ ..‬لذا نحن نعاني من‬ ‫رقيبين‪ ..‬رقيب ما قبل النشر‪ ..‬ورقيب ما‬ ‫بعد النشر «القارىء»‪.‬‬ ‫> كيف ت��رى توجه اإلن��س��ان العربي نحو‬ ‫القراءة؟‬ ‫< «سالمة تسلمك»‪ ،‬مثل توجه جدّ تي للقنبلة‬ ‫النووية‪.‬‬

‫‪82‬‬

‫اجلوبة ‪ -‬صيف ‪1430‬هـ‬


‫م���ش���روع ال���س���ع���ودة ل���م ي��ح��ق��ق م���ا ه���و م��ت��وق��ع م��ن��ه وت��ك��ت��ن��ف��ه ب��ع��ض الصعوبات‬ ‫راض ع�����ن أداء ال���ب���ل���دي���ات‬ ‫م���ع���ظ���م أف����������راد ال���م���ج���ت���م���ع ال�����س�����ع�����ودي غ����ي����ر ٍ‬

‫م������������������واج������������������ه������������������ات‬

‫عوامل التفوق الدراسي مرتبطة بحسن العالقة بين البيت والمدرسة والمجتمع‬

‫حوار مع أول مدير تعليم مبنطقة اجلوف‬ ‫> أجراه محمود عبدالله الرمحي‬ ‫ال عرفته وعاصرته تعليميا منذ بداية‬ ‫رج ً‬ ‫الستينيات‪ ..‬فكان علما من أعالم المنطقة‪،‬‬ ‫ورمزا تعليميا يقتدى به‪ ..‬يعرف ما له وما‬ ‫عليه‪ ..‬تحمّل المسئولية معلما وإداريا‪ ،‬وما‬ ‫يزال اسمه المعا حتى اللحظة‪ ..‬كثير الحركة‬ ‫والتجوال عربيا وعالميا‪ ،‬شرقا وغربا‪..‬‬ ‫قوي الشخصية‪ ..‬واسع االطالع والمعرفة‪،‬‬ ‫تشهد له مكتبته الخاصة التي تحوي مئات‬ ‫الكتب النفيسة‪ ..‬الدينية والعلمية واألدبية‪.‬‬ ‫بحر من المعلومات‪ ،‬ويعد مرجعاً لمن أراد‬ ‫االستزادة عن منطقة الجوف وأهلها‪..‬‬ ‫مع األخ والمربي الفاضل إبراهيم خليف‬ ‫السطام‪ ..‬كان لنا هذا الحوار‪..‬‬ ‫> إب��راه��ي��م خليف ال��س��ط��ام‪ ..‬ك��ي��ف كانت‬ ‫ب��داي��ات��ك التعليمية؟ أي���ن درس����ت؟ من‬ ‫ه��م م��ع��ل��م��وك؟ ك��ي��ف ك���ان ت��أث��ي��ره��م في‬ ‫شخصيتك؟‬

‫األستاذ إبراهيم خليف‬

‫وال دفاتر‪ ،‬وال أقالم‪ ،‬وفى عام ‪1362‬هـ التحقت‬ ‫مع والدي في حلقات الدروس بجامع الشيخ‬ ‫فيصل بن عبدالعزيز المبارك‪ ،‬يرحمه الله‪،‬‬ ‫وف��ى منزله‪ ،‬وه��و المعلم والمؤثر في حياتي‬ ‫بعد والدي‪.‬‬

‫< معلمي األول ك��ان وال��دي يرحمه ال�ل��ه‪ ،‬وفى‬ ‫سن مبكرة علمني مبادئ ال�ق��راءة (الحروف > ك��ي��ف ك��ان��ت ال��ح��ي��اة ف��ي س��ك��اك��ا قديما‪،‬‬ ‫الهجائية والحركات) على الرمل‪ .‬إذ ال سبورة‪،‬‬ ‫وعند ب��داي��ة م��ش��وارك التعليمي؟ وأين‬

‫اجلوبة ‪ -‬صيف ‪1430‬هـ ‪83‬‬


‫من اليمين ‪ :‬عبدالعزيز الهنيدي "قائد سالح الجو السعودي‬ ‫في الثمانينيات"في زي��ارة للجوف ليدعو خريجي الثانوية‬ ‫العامة لاللتحاق بالكليات العسكرية ‪ ،‬يليه إبراهيم خليف‪.‬‬

‫مع‪ ‬الصحفي محمد عبدالواحد رفيق ‪ -‬أثناء‪ ‬انعقاد الللقاء‬ ‫الخليجي‪ ‬المغربي‪ ‬في الدار البيضاء ‪200/5/4‬م‬

‫وجه المقارنة في ذلك؟‬

‫موقع سكاكا ومنطقة ال��ج��وف ف��ي ذلك‬ ‫< أنت عاصرت مرحلة من مراحل التعليم في‬ ‫العهد من المدن المحيطة بها؟‬ ‫هذه المنطقة‪ ،‬ويعلم الجميع أن للتعليم فيما‬ ‫< ال وج��ه للمقارنة‪ ..‬فقد كانت الحياة بدائية‬ ‫مضى خصائص منها‪:‬‬ ‫وبسيطة‪ ،‬إذ ال توجد سيارات‪ ،‬وال تليفونات‪،‬‬ ‫أ – أنه كان يعتمد إلى حد كبير على الحفظ‬ ‫وال شبكات للمياه‪ ،‬وال كهرباء‪ ،‬وال راديو‪ ،‬وال‬ ‫والتلقين‪.‬‬ ‫تلفاز‪ ،‬والمساكن من الطين اللبن‪ ،‬تستخرج‬ ‫ب‪ -‬إن المناهج والمقررات في بدايات التعليم‬ ‫المياه من اآلب��ار للزراعة وال�ش��رب بواسطة‬ ‫كانت غزيرة في مادتها خاصة في العلوم‬ ‫ال �س��وان��ي‪ ،‬وي�م�ك�ن��ك أن ت �ق��رأ ص�ف�ح��ات من‬ ‫الدينية واللغة العربية‪.‬‬ ‫(خ ��واط ��ر م��ن ال �م��اض��ي) ف��ي ك �ت��اب مسيرة‬ ‫التعليم في منطقة الجوف‪ ،‬لترى بعضاً من‬ ‫ج‪ -‬إن نوعية المعلمين ف��ي ب��داي��ات مراحل‬ ‫أوجه االختالف بين األمس واليوم‪.‬‬ ‫التعليم كانت متميزة على الرغم من أنهم‬ ‫> لديكم إمكانية لكتابة سيرة ذاتية عن‬ ‫مسيرة حياتكم العلمية واإلدارية‪ ..‬فهل‬ ‫من الممكن أن يتحقق ذلك قريبا؟‬ ‫< النية معقودة‪..‬وكل شيء بأمر الله‪.‬‬ ‫> ش���اه���د ع���ل���ى ال�����ج�����وف‪ ..‬وف�����ي مختلف‬ ‫مراحله التعليمية‪ ..‬تلميذ في الكتاتيب‬ ‫فمدرس‪ ،‬فمفتش إداري‪ ،‬فمدير مكتب‬ ‫ت��ع��ل��ي��م‪ ،‬ف����أول م��دي��ر ت��ع��ل��ي��م ألول إدارة‬ ‫تعليمية في المنطقة‪ .‬فمتقاعد حاليا‪..‬‬ ‫ماذا لديه عن التعليم سابقا والحقا‪ ،‬وما‬

‫‪84‬‬

‫اجلوبة ‪ -‬صيف ‪1430‬هـ‬

‫من اليمين‪ :‬إبراهيم خليف‪ ،‬أحمد الكحيمي «السفير السعودي‬ ‫في عمّان»‪ ،‬سليمان النابلسي «رئيس ال��وزراء األردن��ي»‪ ،‬سلطان‬ ‫السديري وكيل إم��ارة منطقة الجوف آن��ذاك‪ ،‬أويسط الجريد‬ ‫رحمه الله‪ ،‬خالل تقديم دعم منطقة الجوف المادي للحكومة‬ ‫األردنية عقب نكبة ‪67‬م واحتالل الضفة الغربية‪.‬‬


‫ال يحملون ش �ه��ادات عالية‪ ،‬م��ع تقديرنا‬ ‫لعطاء األخوة المعلمين في هذه األيام‪.‬‬ ‫د‪ -‬أن بعض الكتب التي ت��درس آن��ذاك في‬ ‫مراحل التعليم العام‪ ،‬تدرس اآلن في بعض‬ ‫الكليات الجامعية‪.‬‬

‫م������������������واج������������������ه������������������ات‬

‫أثناء تكريمه من قبل‪ ‬برلمان‪ ‬والية‪ ‬فيرشيلي في إيطاليا‬

‫وف��ى المجتمع‬ ‫عامة‪ ،‬وتخرج‬ ‫ع� � �ل � ��ى ي� ��دي� ��ه‬ ‫ع�� � � � �ش� � � � ��رات‬ ‫م� ��ن الفقهاء‬ ‫و ا لمحد ثين‬ ‫وحفظة القرآن‬ ‫ال �ك��ري��م‪ ،‬وبرز‬ ‫م � � ��ن ط �ل�اب� ��ه‬ ‫عدد ممن تولى مناصب في القضاء‪ ،‬والوعظ‪،‬‬ ‫والخطابة‪ ،‬والتدريس في الجوف وغيرها‪.‬‬ ‫وق��د تَ� ْرج � ْم��تُ ل��ه بإيجاز ف��ي ك�ت��اب (مسيرة‬ ‫التعليم في منطقة الجوف)‪.‬‬

‫هـ‪ -‬فى وقت الحق‪ ..‬وعند حضور مجموعة من‬ ‫األخوة المدرسين العرب‪ ،‬وفيهم مجموعة‬ ‫م��ن المصريين ك��ان��وا على ق��در ع��ال من‬ ‫غزارة العلم والثقافة‪ ،‬كان منهم خريجو دار‬ ‫العلوم بالقاهرة‪ ،‬ومنهم من يحمل العالمية‬ ‫مع إجازة التدريس من األزهر‪ ،‬وهى تعادل‬ ‫شهادة الدكتوراه‪ ،‬وه��ؤالء يُ َع ِلمُون طالب‬ ‫المرحلة المتوسطة وال�ث��ان��وي��ة‪ ،‬ك��ان لهم‬ ‫مواهب وتأثير في سلوك طالبهم كقدوة‬ ‫ < أعتقد أن م��ن ع��وام��ل ال�ت�ف��وق آن ��ذاك حسن‬ ‫صالحة في حياة الطالب‪.‬‬

‫> تبرز ظاهرة نجاح نسبة كبيرة من طالب‬ ‫التعليم سابقا‪ ،‬ف��ي وق��ت تشح فيه تلك‬ ‫القدرات حاليا؛ بمعنى حصول عدد من‬ ‫أبناء المنطقة سابقا على أعلى الدرجات‬ ‫العلمية وف��ي وق��ت مبكر‪ ،‬بينما شهدت‬ ‫السنوات األخيرة نكوصا في ذلك‪ ..‬فهل‬ ‫سببه التعليم‪ ،‬أم تغير المجتمع‪ ،‬أم غير‬ ‫ذلك؟‬

‫> مدرسة الشيخ فيصل بن مبارك يرحمه‬ ‫الله مدرسة تعليمية ذات طابع متميز‪،‬‬ ‫ت��رك��ت بصماتها ف��ي منطقة الجوف‪..‬‬ ‫وأنت أحد تالميذها‪ ..‬فما المميز الذي‬ ‫قدمته هذه المدرسة للجوف وأبنائه؟‬ ‫< نعم‪ ،‬مدرسة الشيخ فيصل المبارك‪ ،‬يرحمه‬ ‫الله‪ ،‬متميزة‪ ،‬ألنها تركز على العلوم الدينية‬ ‫فقط‪ .‬وقد ترك الشيخ أثراً ال ينسى في طالبه‪،‬‬

‫أثناء زيارته لمدرسة القريات االبتدائية عام ‪1381‬هـ‬

‫اجلوبة ‪ -‬صيف ‪1430‬هـ ‪85‬‬


‫العالقة بين البيت والمدرسة والمجتمع‪ ،‬وقد‬ ‫يكون ألسلوب الثواب والعقاب ‪ -‬وهو سائد‬ ‫آن��ذاك ‪ -‬دور إيجابي حافز للطالب لتحقيق‬ ‫تفوقهم الدراسي‪.‬‬ ‫> ت��ح��دث��ت��م – وف���ي أك��ث��ر م��ن م��ق��ال ‪ -‬عن‬ ‫فشل السعودة وأس��ب��اب��ه‪ ،‬ل��ن أخ��وض في‬ ‫التفاصيل‪ ..‬ول��ك��ن – ف��ي رأي��ك��م ‪ -‬م��ا هو‬ ‫العالج الناجع لتالفي مثل ذلك الفشل؟‬ ‫< نعم مشروع السعودة لم يحقق ما هو متوقع‬ ‫منه‪ ،‬وأعتقد أن مشروع السعودة يكتنفه بعض‬ ‫الصعوبات ألسباب منها‪:‬‬ ‫‪ -1‬أن ال �ب��اح �ث �ي��ن ع��ن ال �ع �م��ل ي�ح�م�ل��ون شهادة‬ ‫التوجيهي ف�م��ا دون‪ ،‬وه���ؤالء ال�ش�ب��اب غير‬ ‫مؤهلين ألعمال فنية‪ ،‬وال يرغبون في األعمال ‬ ‫المهنية (نجار – حداد – سمكري – كهربائي‬ ‫– ميكانيكي – فني صيانة‪ ...‬إلخ)‪.‬‬

‫في آحتفال مدرسي‬

‫والسؤال المطروح لماذا لم تسعود الوزارات‬ ‫والدوائر الحكومية وظائف مشغولة اآلن بغير‬ ‫السعوديين مثل‪ :‬خدمات الصيانة والنظافة‬ ‫وصب الشاي والقهوة‪ ،‬وهذا ممكن في حال‬ ‫إعطاء رواتب مغرية للشباب السعودي‪.‬‬

‫‪ -2‬أن المزايا في القطاع الحكومي مغرية أكثر‬ ‫من القطاع ال�خ��اص‪ ،‬ومنها األج��ور‪ ،‬والعمل‬ ‫ > (المكتبات العامة) ما الذي تعنيه هاتان‬ ‫على فترتين كامل أيام األسبوع‪.‬‬ ‫الكلمتان؟ وما تفسيركم لعزوف الشباب‬ ‫‪ -3‬أن القطاع الخاص ال يبحث عن كتبة‪ ،‬ولكنه‬ ‫والشابات عن القراءة؟‬ ‫يبحث عن عمالة فنية مدربة منخفضة األجور‪،‬‬ ‫كما تفعل الوزارات في تفضيلها ألقل التكاليف < إن وسائل النشر اإللكتروني ومواقع اإلنترنت‬ ‫تخوض منافسة مع الكتاب والمكتبات‪ ،‬وقد‬ ‫مع متعهدي النظافة والصيانة‪.‬‬ ‫يكون اآلب��اء مقصرين مع أبنائهم لتشجيعهم‬ ‫ع�ل��ى ال� �ق ��راءة‪ ،‬ول�ع�ل��ه م��ن ال�م�ف�ي��د أن تعلن‬ ‫المكتبات العامة عن برامج ومسابقات في‬ ‫القراءة‪ ،‬وكتابة القصة‪ ،‬والنثر‪ ،‬والشعر‪ ..‬إلخ‪.‬‬

‫خالل حضوره أحد المعارض المدرسية‬

‫‪86‬‬

‫اجلوبة ‪ -‬صيف ‪1430‬هـ‬

‫> ص��در لكم كتاب عن مسيرة التعليم في‬ ‫منطقة الجوف‪ ،‬وك��ان بمثابة موسوعة‬ ‫تعليمية جوفية‪ ..‬هل من نية إلصداره‬ ‫مجددا خاصة وأن إحصائياته تقف عند‬


‫م������������������واج������������������ه������������������ات‬

‫لقاء عمل‪ ‬مع رؤساء األقسام‪ ‬في بلدية طبرجل‪ ‬بمنطقة الجوف‬

‫< ف��ي ت�ق��دي��ري أن الجمعيات والمستودعات‬ ‫الخيرية والداعمين لهذه األنشطة كثيرون‪،‬‬ ‫وح� �ب ��ذا ل ��و ت �ن �ظ��م م�� ��وارد ه� ��ذه الجمعيات‬ ‫ومصارفها‪ ،‬لنصل إل��ى مرحلة توزيع عادل‪،‬‬ ‫على هيئة مخصصات شهرية للمحتاجين‪،‬‬ ‫ب��دالً م��ن توزيعها على البعض منهم‪ ،‬بشكل‬ ‫عشوائي ومتكرر‪.‬‬

‫> أي��ن كانت نجاحات التنمية في منطقة‬ ‫الجوف‪ ..‬وأين كانت إخفاقاتها؟‬ ‫ع��ام ‪1426‬ه����ـ‪ ..‬وه��ل م��ن إص���دارات أخرى‬ ‫لكم سترى النور قريبا‪..‬‬ ‫< م��ج��االت ال�ت�ن�م�ي��ة ك �ث �ي��رة وم �ت �ع��ددة (تنمية‬

‫< من المتوقع أن تصدر طبعة أخ��رى من كتاب‬ ‫مسيرة التعليم ف��ي منطقة ال �ج��وف‪ ،‬وهناك‬ ‫إصداران‪ ..‬أحدهما قيد الطباعة‪ ،‬واآلخر قيد‬ ‫اإلعداد‪ ،‬وسوف تراهما قريباً إن شاء الله‪.‬‬ ‫> كيف ت��رون تجربتكم ف��ي إدارة بلديات‬ ‫ ‬ ‫منطقة الجوف؟‬ ‫< يطول الحديث عن تجربة العمل في البلديات‪،‬‬ ‫وق��د يحتاج األم��ر إل��ى ك�ت��اب خ��اص‪ ،‬إذا ما‬ ‫أري��د االستفادة من ط��رح ه��ذا ال�س��ؤال‪ .‬ومع‬ ‫ما توفر للبلديات من مشاريع في ظل الطفرة‬ ‫المادية الحالية‪ ،‬إال أن معظم أفراد المجتمع‬ ‫راض ع��ن أداء البلديات‪،‬‬ ‫ال �س �ع��ودي غ�ي��ر ٍ‬ ‫ألسباب كثيرة يعلمها الجميع‪ ،‬ومنها أن بعض‬ ‫رؤس ��اء ال�ب�ل��دي��ات ي �ح��اول تحقيق ذات��ه ورفع‬ ‫مكانته بهدم ما أنجزه زم�لاؤه السابقون من‬ ‫مشاريع وتنظيمات‪ ،‬وهذا توجه سلبي وخطير‬ ‫جداً‪ ،‬وحبذا لو تتصدى لذلك وزارة البلديات‬ ‫والمجالس البلدية‪.‬‬ ‫> ك��ي��ف ت��ن��ظ��رون إل���ى ال��ع��م��ل االجتماعي‬ ‫الخيري بالجوف‪ .‬وكيف تقيمون مستوى‬ ‫العمل الجماعي للناس؟‬

‫اج�ت�م��اع�ي��ة‪ ،‬ع�م��ران�ي��ة‪ ،‬اق �ت �ص��ادي��ة‪ ،‬ثقافية‪،‬‬ ‫ري ��اض� �ي ��ة‪ ..‬إل� � ��خ)‪ .‬وق� ��د ح �ق �ق��ت نجاحات‬ ‫ملحوظة‪ ،‬لكن المفقود والذي لم يتحقق بعد‪،‬‬ ‫ه��و التنمية االجتماعية ف��ي مجال السلوك‬ ‫الفردي واالجتماعي‪.‬‬

‫أل��م ت��ر أن صحافتنا زاخ���رة بنشر حوادث‬ ‫ال �ع �ن��ف‪ ،‬وال� �م� �خ ��درات‪ ،‬وال� �غ ��ش التجاري‪،‬‬ ‫والتحرش‪ ،‬والفساد اإلداري‪ ،‬وتغليب المصالح‬ ‫ال�خ��اص��ة ع�ل��ى ال�ص��ال��ح ال �ع��ام‪ ،‬وك�ن��ا ن��ود أن‬ ‫ينشغل المفكرون والمسئولون في عالج هذه‬ ‫الظواهر السلبية في المجتمع‪ ،‬وأن يطرحوا‬ ‫على صفحات ال�ج��رائ��د وال�م�ن�ت��دي��ات هموم‬ ‫المواطنين ومعاناتهم‪ ،‬وهى كثيرة ومتعددة‪،‬‬ ‫وال يتسع المجال لذكرها‪.‬‬

‫لقاء عمل في إيطاليا‬

‫اجلوبة ‪ -‬صيف ‪1430‬هـ ‪87‬‬


‫الشعر رئتنا والنافذة المفتوحة على العالم‪.‬‬ ‫الشاعر قادر على تأسيس مشروعه الجمالي واإلنساني والثقافي أينما كان ويكون‪.‬‬ ‫لماذا ينتهي زمن الشعر وهو كل األزمنة‪.‬‬

‫حوار مع الشاعر العراقي عدنان الصايغ‬ ‫> حاوره محمد جنيم*‬ ‫ولد الشاعر العراقي عدنان الصائغ بالكوفة سنة ‪1955‬م‪ ،‬وهو عضو اإلتحاد العام‬ ‫لألدباء والكتاب العرب‪ ،‬وعضو إتحاد الصحفيين العراقيين‪ ،‬وعضو منظمة الصحفيين‬ ‫العالميين‪ ،‬وعضو إتحاد األدباء السويديين‪ ،‬وعضو نادي القلم الدولي السويدي‪.‬‬ ‫نشر الكثير من دواوين الشعر‪ ،‬أهمها‪ :‬تحت سماء غريبة‪ ،‬تأبط منفى (الذي ترجمه‬ ‫مؤخرا إلى االنجليزية الشاعر العراقي جواد وادي)‪ ،‬صراخ بحجم الوطن‪ ،‬نشيد أرووك‪،‬‬ ‫تكوينات‪ ،‬غيمة الصمغ‪ ،‬سرايا لشعرها الطويل‪ ،‬سماء في خ��وذة‪ ،‬العصافير ال تحب‬ ‫الرصاص‪ ،‬أغنيات على جسر الكوفة‪ ،‬انتظريني تحت نصب الحرية‪.‬‬ ‫فاز بعدد كبير من الجوائز العالمية‪ ،‬وبمناسبة فوزه بجائزة إتحاد الكتاب السويديين‬ ‫التقينا معه وكان لنا هذا الحوار‪.‬‬ ‫ > حدثنا عن عدنان الصائغ الطفل‬ ‫ال���ص���غ���ي���ر إل������ى ع�����دن�����ان ال���ص���ائ���غ ث َّم ألصق ُه فوق قلبي‬ ‫الشاعر‪..‬‬ ‫وأبكي‪..‬‬ ‫< سأترك للقصيدة وحدها أن تحدثك‬ ‫الصف ‪-‬‬ ‫ِ‬ ‫ألني كسرتُ الزجاج َة ‪ -‬في‬ ‫ع��ن ال�ش��اع��ر ال��ذي ه��و أن��ا‪ ،‬بينما أنا‬ ‫أجلس إل��ى طاولة مكتبتي في جنوب يا لبراء ِة هذا الشج ْن‬ ‫القطب‪ ،‬أقلب أوراق مجموعاتي‪ ،‬وكأني‬ ‫وأعرف‪..‬‬ ‫ُ‬ ‫أقلب فصول المطر وسطور الريح‪.‬‬ ‫الخميس ‪-‬‬ ‫ِ‬ ‫إمّا نسيتُ نشيديَ ‪ -‬يو َم‬ ‫تقول القصيدة‪:‬‬ ‫سيزع ُل مني الوطنْ»‬ ‫«‪ ..‬وكان المعل ُم حين يعلّمني‪..‬‬ ‫***‬ ‫الكراريس شك َل الوط ْن‬ ‫ِ‬ ‫كيف أرسمُ‪ ..‬فو َق‬ ‫َ‬ ‫أغافلهُ‪!!..‬‬

‫‪88‬‬

‫اجلوبة ‪ -‬صيف ‪1430‬هـ‬


‫«هل تذكرني‪!..‬‬ ‫كنتُ صبياً‬ ‫أجلس تحت ظاللِ التوت‬ ‫ُ‬ ‫منتظراً‪ ..‬خطوتها الخجلى‬ ‫عذب‬ ‫وجل ٍ‬ ‫في ٍ‬ ‫أكتبُ فوق سياجِ حديقتهم‪..‬‬ ‫‪ ..‬بعضاً من أبياتي‬ ‫علَّ معذبتي‪ ..‬تقرأ ُها‬ ‫‪ ..‬حين تمرّ‪!..‬‬ ‫فترقُّ ‪ ..‬لحالي»‬ ‫***‬ ‫المشاكس شاخَ‪..‬‬ ‫ُ‬ ‫«الصبيُّ‬ ‫وأنت‪!..‬؟‬ ‫ِ‬ ‫زلت مجنون ًة برذاذِ النوافيرِ‬ ‫أما ِ‬ ‫أذك ُر كنّا نجوبُ الشوار َع‬ ‫نحل ُم ف��ي وط� ٍ�ن بمساحةِ كفي‬ ‫وكفك‬ ‫ِ‬ ‫لكنهم صادروا حلمَنا‪..‬‬ ‫ها أنا اآلنَ‪ ،‬أنظ ُر من شقِ نافذةٍ‬ ‫للشوارعِ‬ ‫وهي تضيقُ‪..‬‬ ‫تضي ُق‬ ‫تضي ُق‬ ‫فأبكي‪»..‬‬ ‫***‬ ‫«آهِ‪ ،‬ما كان لي‪...‬‬ ‫‪ ..‬أ ْن أغاد َر مر َج الطفولةِ‬ ‫نحو المدينةِ‬ ‫ما كان لي‪...‬‬ ‫برباط الوظيفةِ‬ ‫ِ‬ ‫أ ْن أب ّد َل زقزقتي‬ ‫ما كان لي‪..‬‬

‫عدنان الصايغ مع أدونيس‬

‫***‬ ‫«ال� �ف� �ت ��ى ال �ل�اه� ��ي ال� � ��ذي قد‬ ‫تذكري ْن‬ ‫صا َر أبْ‬ ‫وله طفالنِ أو ذنبانِ ‪ ،‬آهٍ‬ ‫وديونٌ‪..‬‬ ‫ووظيف ْة‬ ‫سرقتْ منه أراجي َح الحني ْن‬ ‫الفتى‪ ..‬آهِ‪ ،‬الفتى‬ ‫لو تعلمي ْن‬ ‫م���ا ال�� ��ذي ق���د ص��ن��ع��تْ فيه‪،‬‬ ‫مداراتُ الليالي‬ ‫واحتراقاتك‪ ،‬والحل ُم الضنينْ»‬ ‫ِ‬

‫م������������������واج������������������ه������������������ات‬

‫أستعيض عن النهرِ‬ ‫َ‬ ‫أ ْن‬ ‫ما كان لي‪..‬‬ ‫ول� �ك� �ن� �ه ��م أوص�� �ل� ��ون� ��ي لهذا‬ ‫الخراب»‬ ‫ِ‬

‫***‬ ‫جمّعتُ عمري في جعبتي‪..‬‬ ‫ثم قسّ متهُ‪:‬‬ ‫بين طفلي‪..‬‬ ‫ومكتبتي‪..‬‬ ‫والخنادق‬ ‫(للطفولة‪ ،‬يتمي‪..‬‬ ‫والمرأتي‪ ،‬الشع ُر‬ ‫والفقرُ‪..‬‬ ‫ـزيف الطويلُ‪..‬‬ ‫للحرب‪ ,‬هذا الن ُ‬ ‫ِ‬ ‫وللذكريات‪ ..‬الرمادْ)‬ ‫ِ‬ ‫عمر‬ ‫وماذا تبقى لكَ اآلن من ٍ‬ ‫***‬

‫اجلوبة ‪ -‬صيف ‪1430‬هـ ‪89‬‬


‫الحقول المحروثة بغاز الخردل‪ ،‬والتي كانت‬ ‫تلوح على مبعدة من شهقاتنا الحبيسة‪.‬‬

‫شارع‬ ‫ٍ‬ ‫شارع إلى‬ ‫ٍ‬ ‫ال حياتي بقدمي من‬ ‫«راك ً‬ ‫مثلما يرك ُل الطف ُل كرتَ ُه الصغيرةَ ضجراً منها‬ ‫وأنا‪..‬‬ ‫أتأم ُل وجهي في المرايا المتعاكسة‬ ‫وأعجبُ‬ ‫كيف هرمتُ‬ ‫بهذه العجالة»‬ ‫***‬

‫ ‬

‫في عام ‪1993‬م سأغادر العراق إلى عمان‪،‬‬ ‫وسيحمل ل��ي أح��د األص��دق��اء بين حقائبه‬ ‫نسخة القصيدة ال�ت��ي تركتها ه�ن��اك خوفا‬ ‫عليها م��ن عيونهم‪ ..‬وس��أظ��ل أشتغل عليها‬ ‫ثم لتنتقل معي في طوافي إلى صنعاء وعدن‬ ‫ال منها إلى بيروت‪،‬‬ ‫والخرطوم فدمشق منس ً‬ ‫حيث تأخذها أحد دور النشر‪ ،‬وتباشر بطبعها‬ ‫كاملة‪..‬‬

‫> ه��ل ل��ك أن تحدثنا ع��ن ظ���روف كتابة > ك���ي���ف ت��س��ت��ش��رف ال���ح���رك���ة الشعرية‬ ‫نشيد أوروك‪ ،‬وكيفية استجماع مصادر‬ ‫بالعراق في ظل المتغيرات الحالية؟‬ ‫العمل‪ ،‬ألنني حين اطلعت على الديوان‪،‬‬ ‫< الحركة الشعرية العراقية في كل منعطفات‬ ‫وج��دت��ه حافال باألساطير والخرافات‬ ‫التاريخ الحادة لم تزدد إال لمعاناً واستشرافاً‬ ‫والفلسفة والحكمة والتاريخ‪ ,‬ويذكرنا‬ ‫وتجريباً‪ .‬ودليلي على هذا هو تلك النصوص‬ ‫ه��ذا العمل بالعمل الخالد يوليسيس‬ ‫الضاجة بفيوضاتها رغم مشهد الخراب‪..‬‬ ‫لجيمس ج��وي��س‪ .‬وب��وص��ف ه��ذا النص‬ ‫ه��و أط���ول ن��ص ش��ع��ري ع��راق��ي كتب في وليس ذل��ك غريباً‪ ..‬فكثيراً ما يولد الشعر‬ ‫العظيم من رحم المعاناة الكبيرة‪.‬‬ ‫السنوات االخيرة‪.‬‬ ‫< المكان‪ :‬اصطبل مهجور للحيوانات في قرية > ما يبقى يؤسسه الشعراء‪ ..‬م��اذا تنوي‬ ‫ت��أس��ي��س��ه ل��ت��س��اه��م ف���ي ب���ن���اء مجتمع‬ ‫«شيخ اوص��ال» في شمال العراق (وجدتني‬ ‫يسوده العدل والسالم في بلدك العراق‬ ‫فيه جندياً محتجزاً كعقوبة‪ ،‬ألنهم عثروا على‬ ‫الذي أنهكته الحروب والديكتاتورية؟‬ ‫مجموعة من الكتب تحت يطغي)‪..‬‬ ‫ ‬ ‫ ‬

‫‪90‬‬

‫ال��زم��ان‪ :‬منتصف س�ن��وات ال�ح��رب العراقية < ما أحلم به حقاً هو أن أصحو ذات صباح‬ ‫ف � �ي� ��روزي‪ ،‬ف�ل�ا أس� �م ��ع دوي االنفجارات‬ ‫االيرانية وما تالها (‪1996 -1984‬م)‪.‬‬ ‫والتصريحات والمزايدات‪.‬‬ ‫األحداث‪ :‬كل ما مر على هذه األرض الطاعنة‬ ‫بالمرارات والحضارات والثروات والحروب‪ > ،‬ه���ل ل���ك أن ت��ع��رف��ن��ا ع��ل��ى منطلقاتك‬ ‫ال��ج��م��ال��ي��ة وال���ش���ع���ري���ة ب���ع���د ك����ل ه���ذا‬ ‫وجدتني أستقريء من خاللها وفيها أحداث‬ ‫التحول؟‬ ‫روح��ي الالئبة‪ ،‬وسطوري وأحالمي وأرضي‬ ‫وش�ع�ب��ي وت��اري �خ��ي‪ ،‬م��ن أغ��ان��ي اي�ن��ان��ا حتى < أنطلق من فكرة أن التحرر يبدأ من اإلنسان‬

‫اجلوبة ‪ -‬صيف ‪1430‬هـ‬


‫نفسه‪ ،‬بمعنى أن يتحرر اإلن �س��ان العراقي ‬ ‫من قيوده هو أي�ض�اً‪ ،‬مثلما تحرر من قيود‬ ‫الطغيان المسلطة عليه‪ .‬بمعنى آخ��ر أن ال‬ ‫يمارس قهره وطغيانه على اآلخر‪ .‬أن ال يفهم‬ ‫الحرية مكسباً فردياً ينعم بها هو‪ ،‬بينما يضن > الكثير من أصدقائي الشعراء والروائيين‬ ‫بها على اآلخر أو يمنحها وقت ما يشاء‪..‬‬ ‫هنا وهناك في المغرب وأوروبا وأمريكا‪،‬‬ ‫ك���ان���وا ي���ع���ول���ون ك��ث��ي��را ع��ل��ى عودتكم‬ ‫ إن التحرر ينبغي أن يؤسس لمفهوم الحرية‬ ‫النهائية للوطن‪ ،‬وس��د ال��ف��راغ الثقافي‬ ‫األعمق‪ ،‬أن يشيع مفردات الجمال والعدالة‬ ‫هناك ف��ي مجال ال��ت��واص��ل ال��ف��ك��ري‪ ،‬إن‬ ‫والمعرفة والعمل وال�ح��ق وال�ح��ب‪ ،‬أن يفتح‬ ‫كان على مستوى اإلص��دارات الثقافية‪.‬‬ ‫نافذة حرة على العالم‪ ،‬ليرى ويتحاور‪ ،‬ويتعلم‬ ‫أو ع��ل��ى األق����ل ت��أس��ي��س ق��ن��اة عراقية‬ ‫ويستشرف‪ ،‬ويتأثر ويؤثر‪.‬‬ ‫ثقافية‪.‬‬ ‫ > بعد زيارتك مؤخرا لبغداد‪ ..‬كيف كان‬ ‫ش��ع��ورك ب��ع��د ف��ت��رة المنفى الطويلة‪ < ،‬من ناحيتي أرى أن الشاعر قادر على تأسيس‬ ‫م �ش��روع��ه ال�ج�م��ال��ي واإلن �س��ان��ي والثقافي‬ ‫وك���ي���ف ت��ع��ام��ل��ت م���ع ال���واق���ع الجديد‪،‬‬ ‫ومواصلته أينما ك��ان وي �ك��ون‪ ..‬وم��ن تالقح‬ ‫ول����م����اذا ل���م ت��ف��ك��ر ف���ي ت��أس��ي��س مشهد‬ ‫هذه المشاريع وتحاورها يمكن بناء المشروع‬ ‫ثقافي يتالءم مع المتغيرات الجديدة‪،‬‬ ‫الثقافي العام‪ ،‬وتأسيس ثقافة وط��ن قادرة‬ ‫سيما وأنتم تحملون رؤي��ا جديدة بعد‬ ‫ع�ل��ى ف�ت��ح ك��وى خ �ض��راء مضيئة ف��ي جدار‬ ‫ت��ج��رب��ة ال��غ��رب��ة‪ ،‬ب��ع��د اإلن��ه��ي��ارات التي‬ ‫الظالم السميك ال��ذي بناه الطغاة وأعداء‬ ‫طالت المشهد الثقافي العراقي‪.‬‬ ‫الحرية‪..‬‬ ‫< لم تمهلنا االنفجارات أن نرتوي من لحظة‬

‫ ‬

‫ال �ف��رح ب�س�ق��وط ال �ط��اغ �ي��ة‪ .‬أن ن�ت��أم��ل تلك ‬ ‫اللحظة‪ ،‬أن نستوعبها‪ ،‬أن نقومها‪ ..‬أن نراجع‬ ‫ما لها وم��ا عليها وم��ا لنا وم��ا لها‪ .‬وم��ن ثم‬ ‫ل��م نتمكن حتى م��ن فتح حقائبنا وأحالمنا‬ ‫التي حملناها معنا لنحط رحالنا بعد سنوات‬ ‫النفي والشتات‪.‬‬ ‫ ‬ ‫ولم نتمكن من ايجاد أي فسحة للتأسيس‪،‬‬ ‫أو حتى للحلم بالتأسيس وسط واقع منهك‪،‬‬ ‫زادت ��ه المطامع السياسية ال�ج��دي��دة نهشاً‬ ‫وانهاكاً‪..‬‬

‫م������������������واج������������������ه������������������ات‬

‫المشاريع الثقافية والحضارية والعمرانية‬ ‫والتربوية تحتاج الى استقرار‪ ،‬وهذا االستقرار‬ ‫يحتاج الى أرض غير رجراجة‪ ،‬يمكن أن تقف‬ ‫عليها لبنات البناء‪..‬‬

‫ومشروعي يندرج في هذا االطار مبتعداً عن‬ ‫التدافع بالمناكب والخطابات التي أرهقتنا‬ ‫كثيرا بصخبها وعجاجها طيلة عقود طويلة‪،‬‬ ‫مؤمناً أن «م��ا يبقى يؤسسه الشعراء»‪ ،‬كما‬ ‫يقول الشاعر األلماني هولدرلن‪.‬‬ ‫ال عودة نهائية وال بقاء نهائي‪ ،‬هكذا وضعتنا‬ ‫أق� ��دار ال��وط��ن وال�م�ن�ف��ى أو أق� ��دار الشعر‪،‬‬ ‫وبينهما أجدني منهمكاً بنصي الجديد «نرد‬ ‫النص»‪ ،‬الذي أحاول أن أفتح به نفقاً مغايراً‪،‬‬ ‫لمشروع الكتابة الجديدة‪.‬‬

‫اجلوبة ‪ -‬صيف ‪1430‬هـ ‪91‬‬


‫ > هل هناك مؤامرة ضد الثقافة العربية‪،‬‬ ‫تحاك باستمرار من ط��رف الفضائيات‬ ‫ال���ت���ي ال ت���ق���دم إال ال���ط���رب المبتذل‪ > ،‬حين زرت ال��ع��راق‪ ،‬أري���د أن أس��أل��ك عن‬ ‫والكليبات التي تصيب المشاهد بكسل‬ ‫أح��وال أصدقاء أعتز بصدقاتهم جدا‪،‬‬ ‫وخمول‪.‬‬ ‫سلمان داوود محمد‪ ،‬علي حبش‪ ،‬كزاز‬ ‫ شبعنا ح ّد التخمة من هذه الكلمة‪« :‬المؤامرة»‬ ‫حنتوش‪ ،‬عبدالزهرة زكي‪ ،‬علي الطائي‪،‬‬ ‫على مستوى ال �ش��ارع وال�س�ي��اس��ة والثقافة‬ ‫صفاء دياب وآخرون‪.‬‬ ‫والدين‪ .‬ليس هناك أكثر ايذاء وخطورة على < في مقهى الشابندر التي تقع في ركني شارع‬ ‫الوطن أو الثقافة من القائمين عليها أنفسهم‪،‬‬ ‫المتنبي وسوق السراي‪ ،‬التقيت بالعديد من‬ ‫إذا كانوا ذوي عقليات متحجرة وظالمية‪ ،‬ال‬ ‫األصدقاء القدامى والجدد‪ ،‬وجمعتني وإياهم‬ ‫يبغون م��ن أم��ر ال��وط��ن س��وى تأسيس جهاز‬ ‫استذكارات الشعر والوطن والكارثة‪ ،‬بكينا‬ ‫مخابرات‪ ،‬وحرس جمهوري‪ ،‬وصناديق اقتراع‬ ‫وضحكنا حتى ابتلت أطراف األحاديث بيننا‪,‬‬ ‫تفرز لهم أص��وات�اً ثابتة م��دى الحياة بنسبة‬ ‫«وسالت بأعناق المطي األباطح» كما يقول‬ ‫‪ ،%99.99‬وال يعلمون من شؤون الثقافة سوى‬ ‫الشاعر كثيّر عزة‪.‬‬ ‫تعليق الفتاتهم وشعاراتهم وقصائد المديح‬ ‫ جمعني واألص��دق��اء أك�ث��ر م��ن ل �ق��اء‪ :‬صفاء‬ ‫الجنجلوتية بحقهم‪ ،‬وال يفقهون من الدين‬ ‫ذي� ��اب‪ ،‬وع �ل��ي ح �ب��ش‪ ،‬وخ��زع��ل الماجدي‪،‬‬ ‫سوى السيارات المفخخة والتفجيرات والقتل‬ ‫وقاسم محمد عباس‪ ،‬وعبد الخالق الركابي‪،‬‬ ‫والتحريم‪.‬‬ ‫وعبدالرحمن طهمازي‪ ،‬وأحمد خلف‪ ،‬وصفاء‬ ‫ ه��ذه العقليات أينما تكون ف��ي الفضائيات‬ ‫صنكور‪ ،‬والتميمي‪ ،‬والحطاب‪ ،‬وزعيم النصار‪،‬‬ ‫أو الصحافة أو ال�ش��ؤون الثقافية أو دائرة‬ ‫وماجد طوفان‪ ،‬وناظم عودة‪ ،‬وشوقي كريم‪،‬‬ ‫الفنون‪ ،‬فإنها تلغي كل مجال للعقل والتطور‪.‬‬ ‫وعبد الزهرة زكي الذي آلمني وأحزنني كثيراً‬ ‫ وق��د شهدنا ف��ي ال�س�ن��وات األخ �ي��رة طوفانا‬ ‫ما تعرض له من سجن‪ ،‬خرج منه قبل سقوط‬ ‫عارماً من اإلستسهال والتعمية‪..‬عاد بنا إلى‬ ‫النظام باعجوبة زاد رأسه األشيب توهجاً‪.‬‬ ‫الوراء عقوداً وعقوداً حد أن نجد أن ما كان وجمعني وصديقي سلمان داوود محمد حوار‬ ‫يمكن تداوله من كتب وآراء في مطلع القرن‬ ‫ثقافي في قناة الجزيرة عن (أدب الداخل‬ ‫الماضي‪ ،‬بات بحكم المحرم والممنوع‪ .‬وخذ‬ ‫وال �خ��ارج) قلنا فيه بوضوح أن ال داخ��ل وال‬ ‫قائمة الكتب المصادرة في معارض الكتب‪..‬‬ ‫خارج في األدب العراقي‪ .‬هناك إبداع حقيقي‬ ‫الجميع مشترك – وإن بنسب متفاوتة – في‬ ‫هذا التقهقر الفاجع والمستمر إلى الوراء‪..‬‬

‫ ‬

‫‪92‬‬

‫وخ��ذ م��ا ي�ص��در م��ن ف�ن��ون الطبيخ الثقافي‬ ‫والسياسي‪ ،‬في كتب فاخرة زاهية األلوان‪،‬‬ ‫وش��دة اإلق�ب��ال الجماهيري عليها‪..‬تجد أن‬

‫اجلوبة ‪ -‬صيف ‪1430‬هـ‬

‫واح��د أو ال إب��داع‪ .‬والجميل والمدهش أننا‬ ‫انجمعنا في رأي واحد‪ ،‬رغم أن الحوار أجري‬ ‫لكل منا منفصالً‪ ،‬فلم اكن أعرف ما كان يقول‬


‫ويفكر به‪ ،‬ولم يكن هو يعرف أيضاً ما كنت‬ ‫ ‬

‫أقوله‪..‬‬

‫بن علي الخزاعي‪ .‬صلبوا منا الحالج‪ ،‬ورموا‬

‫وهكذا سقط هذا المصطلح أمام المشاهدين‬

‫أب��ن المقفع في تنور مسجور‪ ،‬وأم��روا يزيد‬ ‫بن مفرغ أن يحك بأظافره قصائد هجائه‬

‫ال مفلسو‬ ‫من تلقاء نفسه‪ ،‬بعد أن تاجر به طوي ً‬

‫للحاكم‪ ،‬التي كتبها على الحيطان‪ ،‬حتى بريت‬

‫االبداع وتجار الشائعات األدبية‪..‬‬

‫أصابعه‪ ،‬وظلت تنزف دم�اً حتى م��ات‪ ،‬والخ‬

‫> ع��دن��ان الصائغ وط���ارق حربي إذا طلب‬

‫والخ‪ ،‬وقائمة الذبح والتشرد تطول‪.‬‬

‫رأيكما في كتابة دستور جديد للعراق‬

‫فما الذي تقترحانه؟‬

‫ ‬

‫شوارع الوطن العربي‪ ،‬وساحات المنافي بحثاً‬

‫وال�ب�ن��اء وال �ق��ان��ون واألم ��ن وال�ج�م��ال ف��ي أي‬

‫عن وطن آمن لكلماتنا‪.‬‬

‫دستور جديد يكتب للعراق‪ ،‬بعد أن غيبت عنه‬

‫هذه المفردات وغيرها لسنين طويلة‪ ،‬ليضج ‬ ‫بالطغيان والظلم وتمجيد الجنراالت‪.‬‬

‫> هل انتهى زمن الشعراء؟‬ ‫ ‬

‫لماذا نتوقف عن كتابة الشعر وه��و رئتنا‪..‬‬

‫ ‬

‫يقول الشاعر الفرنسي جان كوكتو‪« :‬الشعر‬

‫والنافذة المفتوحة على العالم‪..‬؟!‬

‫ض��رورة‪ ..‬وآه لو أع��رف لماذا» نعم‪ - ،‬أيها‬ ‫األصدقاء ‪ -‬آه لو أعرف أو لو نعرف لماذا‬

‫نكتب؟ نحن حفاة التاريخ ومؤسسو ممالك‬ ‫الدهشة‪ ،‬المشردون على أرصفة الكلمات‪.‬‬

‫طردنا أفالطون من جمهوريته‪ ،‬فهمنا على‬

‫واد – كما وصفنا القرآن –‬ ‫وجوهنا في كل ٍ‬

‫يتبعنا الغاوون‪ ،‬وتالحقنا التقارير واألنظمة‬ ‫والحكام‪ ،‬والشتائم‪ .‬نحمل الوطن المصلوب‬

‫م��ن منفى إل��ى منفى‪..‬كما ردد البياتي‪ ،‬أو‬

‫نحمل خشبة الصلب على أكتافنا‪ ،‬نبحث عمن‬

‫فلماذا الشعر ولماذا نكتب؟ بل قل لماذا نحمل‬ ‫صليب كلماتنا على أكتافنا يومياً‪ ،‬ونمشي في‬

‫< ليدخل الشعر وال �ح��ب وال�ح��ري��ة والمعرفة‬

‫< لماذا ينتهي زمن الشعر وهو كل األزمنة‪..‬؟!‬

‫م������������������واج������������������ه������������������ات‬

‫يصلبنا عليها‪ ،‬كما فعل الشاعر القديم دعبل‬

‫وكنت أتمنى لو وُجه هذا السؤال إلى القراء‪:‬‬ ‫لماذا ما تزالون مصرين على ق��راءة الشعر‬ ‫رغم هذه الظروف الصعبة كلها؟‬

‫ ‬

‫ذلك أن الشاعر مهما أوتي من قدرة التنظير‬ ‫عن فنه وهواجسه‪ ،‬سيجد نفسه مرتبكاً أمام‬ ‫س��ؤال مثل ه��ذا يريد أن يختصر عمره كله‬ ‫بكلمتين فقط‪ ،‬ثم يختمهما بعالمة استفهام‬ ‫تشبه أنف محقق في دائرة أمنية‪ .‬وأعود إلى‬ ‫كوكتو ثاني ًة وهو يقول‪« :‬إن الفنان ال يستطيع‬ ‫أن ي�ت�ح��دث ع��ن ف�ن��ه إال ب�ق��در م��ا تستطيع‬ ‫الشجرة أن تناقش في الهندسة الزراعية»‬ ‫ونمضي معه في دروب الحياة والكتابة والفن‬ ‫والطبيعة‪ ،‬لنجد أن الكاتب ال يعرف أيضاً‬ ‫لماذا يكتب‪ .‬مثلما الشجرة ال تعرف لماذا‬ ‫ت�ث�م��ر؟! وال�ع�ص�ف��ور ال ي�ع��رف ل �م��اذا يغني؟!‬ ‫والبحر ال يعرف لماذا يهدر؟! والسنبلة لماذا‬ ‫تنضج؟! والسحابة لماذا تمطر؟! والخ والخ‪.‬‬

‫* كاتب من المغرب‪.‬‬

‫اجلوبة ‪ -‬صيف ‪1430‬هـ ‪93‬‬


‫ليلة العيد‬

‫> فواز بن صالح اجلعفر*‬

‫بفرشاة سوداء‪ ..‬اليمكنك أن‬ ‫ترسم «الزهر»!‬

‫تهنئة ليست من القلب‪..‬‬ ‫مصير معناها القلب‪..‬‬

‫س�ي�ه��اج�م��ك ف��ي ال �ع �ي��د شبح‪..‬‬ ‫رسمته يداك!‬

‫حتى بتهنئته يتكلف!‬

‫ويوافيك في الصبح ليل‪..‬‬

‫من لم تمأل «الحلوى» أعياده‪..‬‬ ‫فليس بـ «صاحب سعادة»!‬ ‫يعرفون كيف يمرحون‪ ..‬لكنهم ال‬ ‫يعرفون كيف يفرحون!‬

‫خذ نصيحتي‪:‬‬ ‫تتأسف‪..‬‬ ‫ْ‬ ‫تأس وال‬ ‫ابتسم‪ ..‬وال َ‬ ‫ب �ع �ض �ه��م‪ ..‬ف ��ي ص �ل�اة العيد‬ ‫يجتمعون‪ ..‬ثم‪« ..‬يتفرقون»!‬ ‫لماذا تلتئم الدروب‪ ..‬ثم تختلف القلوب؟!‬

‫وتمتد األيدي للمصافحة‪ ..‬ثم تعرض الصدور‬ ‫الحلوى‪ ..‬هي التي يتذوقها القلب‪ ..‬وتذوب عن الصفح؟!‬ ‫في خلجاته‪..‬‬ ‫أل �ي��س م��ن م�ع��ان��ي «ع �ي��د اإلس �ل��ام»‪ ..‬العود‬ ‫وليست باأللوان‪ ..‬أو «السولفان»‪..‬‬ ‫لـ»السالم»؟!‬

‫كل عام وأنت‪ ..‬أنت!‬ ‫«ل��م يعد للعيد طعم»‪ ..‬يكررها الكبار‪ ..‬وال‬ ‫يتقدم أن� ��اس‪ ..‬ويحلق آخ� ��رون‪ ..‬وأن ��ت في يفهم معناها الصغار!‬ ‫مكانك تراوح‪..‬‬ ‫وكم يحلو العيد‪ ..‬في أفواه «الغيد»‪« :‬عساتم‬

‫يتصافى أناس‪ ..‬ويقترب آخرون‪ ..‬وأنت كما من عوَّاده»!‬ ‫أنت‪ ..‬تنافح‪..‬‬ ‫اب� �ت� �س ��ام ��ة ال � �ع � �ي� ��د‪ ..‬الت� �ق� �ب ��ل «ال � �ت � �ل � �وّن»‬ ‫يهجر الخطأ أناس‪ ..‬ويطلِّقه آخرون‪ ..‬وأنت و»االنكسار»‪..‬‬ ‫في غيِّك‪ ..‬سارح‪..‬‬ ‫«الصفار»‪..‬‬ ‫َّ‬ ‫تماماً كبياضه الذي ال يقبل‬ ‫لن أق��ول ل��ك‪( :‬ك��ل ع��ام وأن��ت بخير)‪ ..‬حتى‬ ‫تقول‪ :‬كل عام وأنا غير!‬

‫يأتي العيد‪ ..‬ويعود األلم‪ ..‬واألمل‪..‬‬ ‫ماذا فعلت يا أبا الطيب؟!‬ ‫إن كان العيد واقعا‪ ..‬فقد ألبت المواجعَ‪..‬‬ ‫يا ليتها أزهرت بينك وبين «كافور»!‬ ‫لترى في العيد ما لم تره!‬

‫* سكاكا ‪ -‬الجوف‪.‬‬

‫‪94‬‬

‫اجلوبة ‪ -‬صيف ‪1430‬هـ‬

‫تضرب األضحية أقوى رمز للتضحية‪..‬‬ ‫حينما تقول‪« :‬اذبحوني‪ ..‬وأحيوا عيدكم»!‬

‫في صباح العيد‪..‬‬

‫كم هم الذين يبنون رؤاهم للعام القادم‪..‬‬ ‫ل �ي �ك��ون��وا م���ن ال� �ف ��ائ ��زي ��ن‪ ..‬إن ك���ان���وا من‬ ‫«العايدين»؟!‬


‫ن����������������������������������واف����������������������������������ذ‬

‫من رواد التجديد في النثر الفني احلديث‬ ‫مصطفي لطفي املنفلوطي‬

‫> د‪ .‬عبدالناصر محمود عيسى‬ ‫هو مصطفى لطفي بن محمد لطفي بن حسن لطفي‬ ‫المنفلوطي‪ ،‬المولود في منفلوط إحدى مدن محافظة‬ ‫أس�ي��وط سنة ‪1876‬م‪ ،‬وقيل ‪1877‬م‪ ،‬وقيل ‪1872‬م‪،‬‬ ‫ألبوين مختلفي األص��ل‪ ،‬فأبوه مصري عربي صريح‬ ‫النسب ينتهي نسبه لعترة الحسين بن على رضي الله‬ ‫عنهما وأمه تركية شابكة القرابة إلى أسرة الجوربجى‪،‬‬ ‫وتوفى سنة ‪1924‬م(‪.)1‬‬ ‫كان مولده في بيت كريم بالدين جليل‬

‫وت�ف�س�ي��ر ال� �ق ��رآن‪ ،‬واالخ� �ت�ل�اف إل ��ى كتب‬

‫مئة عام‪ ،‬ولذا نهج المنفلوطي سبيل آبائه‬

‫والجاحظ وبديع الزمان‪ ،‬كما يقرا للنقاد‬

‫وتلقى العلم في األزهر؛ و لكنه على الرغم‬

‫تناولوا وصف الكالم الجيد‪ ،‬وممن وقفوا‬

‫بالفقه‪ ،‬توارث أهله القضاء الشرعي نحو القدماء ودواوينهم فهو يقرأ البن المقفع‬ ‫في الثقافة‪ ،‬فحفظ ال�ق��ران في الكتّاب‪ ،‬كاالمدى والباقالنى وعياض وغيرهم ممن‬ ‫من ورع قلبه ورعاية أبيه لم يكن يلقي باالً‬ ‫لغير علوم اللسان وفنون األدب‪ ،‬فهو يحفظ‬

‫عند إعجاز القران وجمال أساليبه‪ .‬وقد‬ ‫س��اع��ده ذوق��ه الجيد وحسه المرهف أن‬

‫األشعار ويتصيد الشوارد ويصوغ القريض يختار لنفسه أروع ما فى الكتب والدواوين‬

‫وينشئ الرسائل‪ ،‬ويجمع بين اختالفه إلى من قطع وقصائد رائعة‪ ،‬فعكف على هذا‬

‫دروس الشيخ محمد ع�ب��ده ف��ى البالغة كله‪ ،‬كما عكف على كتابات أستاذه محمد‬

‫اجلوبة ‪ -‬صيف ‪1430‬هـ ‪95‬‬


‫عبده‪ ،‬يعب منها كما يعب وينهل‬

‫المنفلوطي الذي اصطفاه الله‬

‫وال�م��ؤل�ف��ة؛ وب��ذل��ك ه�ي��أ نفسه‬

‫اإلم��ام المفتي (الشيخ محمد‬

‫م��ن آث��ار معاصريه المترجمة‬

‫لرسالة هذا األدب البكر وجعله‬

‫عبده) تلميذه المختار‪. »:‬‬

‫ل�ي�ك��ون أدي �ب��ا ب��ارع��ا وك��ات �ب��ا ال‬

‫(‪)2‬‬

‫يشق له غبار فى مجال القصة‬

‫وقد ساعدته صلته الوثيقة‬

‫والمقال‪ ،‬وكذلك الشعر‪.‬‬

‫باإلمام محمد عبده وبالزعيم‬

‫وقد عرف المنفلوطي بغيرته‬

‫الوطني سعد زغلول والكاتب‬

‫القيم السامية‪ ،‬يدل على ذلك‬

‫كان هؤالء النفر أقوى العناصر‬

‫الصحفي على ي��وس��ف‪ ،‬حيث‬

‫على الفصحى‪ ،‬ومحافظته على‬

‫فى تكوين شخصية المنفلوطي‬

‫م��ا ن �ش��ره م��ن م �ق��االت ثقافيه‬

‫ودينية أشرقت على وجه صحيفة المؤيد إشراق األدي��ب‪ ،‬إل��ى جانب استعداده الفطري وتوجيه‬ ‫البشاشة‪ ،‬وسطع أسلوبه العذب فى أندية األدب‬

‫أس��رت��ه‪ ،‬ألن ه ��ؤالء ال�ث�لاث��ة على م��ا بينهم من‬

‫س�ط��وع ال�ع�ب�ي��ر‪ ،‬ورن ف��ى أس �م��اع األدب� ��اء رنين تفاوت فى نواحي النبوغ كانوا أفهم رجال العصر‬

‫النغم‪ ،‬ورأى القراء واألدب��اء فى فنه ما لم يروه الحديث لحقيقة األدب‪ ،‬وأش��ده��م حدبا على‬

‫فى فقرات الجاحظ وسجعات الهمذانى‪ ،‬وما بؤس أهله(‪0)3‬‬

‫لم ي��رون فى غثاثة الصحافة وركاكة الترجمة‪،‬‬ ‫فاقبلوا على أعماله إق�ب��ال الهيم على المورد‬ ‫العذب الزالل‪.‬‬

‫وقد كان المنفلوطي أديبا موهوباً‪ ،‬حظ الطبع‬

‫في أدبه أكبر من حظ الصنعة‪ ،‬ألن الصنعة ال‬ ‫تخلق أدبا مبتكرا‪ ،‬وال أديبا ممتازا‪ ،‬وال طريقة‬

‫يقول عنه أحمد حسن ال��زي��ات‪« :‬وك��ان هذا مستقلة‪ ،‬وكان النثر الفني فى عصره لونا حائال‬

‫النفر من األيفاع المتأدبين يجلسون فى أصائل‬

‫أيامهم الغريرة أمام الرواق العباسي فى األزهر‪،‬‬

‫ي �ت �ق��ارض��ون األش� �ع ��ار ويلهون‬ ‫ب ��اغ� �ف ��ال ال � �ن� ��اس‪ ،‬ويترقبون‬

‫«مؤيد الخميس» ليقرءوا مقال‬ ‫ال�م�ن�ف�ل��وط��ي خ �م��اس وسداس‬ ‫وس� �ب ��اع‪ ,‬وط ��ه م��ره��ف أذنيه‪،‬‬

‫وزن��ات��ى مسبل عينيه والزيات‬ ‫م��أخ��وذ ب��روع��ة األس �ل��وب‪ ،‬فال‬

‫ي��ن��ب��س‪ ،‬وال ي � �ط� ��رف‪ ،‬وكلهم‬

‫يودون لو يعقدون أسبابهم بهذا‬

‫‪96‬‬

‫اجلوبة ‪ -‬صيف ‪1430‬هـ‬

‫من أدب القاضي الفاضل‪ ،‬أو أثرا مائال لفن ابن‬ ‫خلدون يتمثل األول قويا فى طبقة المويلحي‬ ‫وحفني ناصف‪ ،‬ويظهر األدب‬ ‫الثاني ضعيفا فى طبقة قاسم‬ ‫أم� �ي ��ن ول��ط��ف��ي ال� �س� �ي ��د‪ ،‬وال‬

‫يستطيع ن��اق��د أن ي��ق��ول‪ :‬إن‬ ‫أسلوب المنفلوطي كان مضروبا‬ ‫على أح��د هذين القالبين‪ ،‬بل‬

‫كان له أسلوبه المالئم لعصره‬ ‫ك�م�لاءم��ة أس �ل��وب اب��ن خلدون‬

‫لعصره‪ ،‬فجاء أسلوبه بديعا فى‬


‫ب��األدب��اء القدامى كابن المقفع‬

‫وي �ح��اول أن ي��ؤث��ر ب��ه ف��ى سمع‬

‫على غير مثال‪ ،‬فمع أنه قد تأثر‬ ‫وابن العميد‪ ،‬وبالمحدثين منهم‬ ‫كجبران خليل جبران وميخائيل‬ ‫ن�ع�ي�م��ه وغ �ي��ره��م‪ ،‬إال أن هذا‬

‫التأثر دخ��ل فنه دخ��ول اإللهام‬ ‫واإلي � �ح� ��اء ال دخ � ��ول التقليد‬ ‫واالح � �ت� ��ذاء‪ ،‬ف �ل��ه م��ن األولين‬

‫إشراق الديباجة وقوة النسيج‪،‬‬ ‫وله من اآلخرين جدة الموضوع‬

‫وطرافة الفكرة(‪.)4‬‬

‫يقول الدكتور شوقي ضيف‪:‬‬

‫«وتلمح فى كتاباته آثار القدماء‪،‬‬ ‫فقد تحس أحيانا أن��ه يحتذي‬

‫ن �ث��ر ال� �ج ��اح ��ظ أو ن �ث��ر بديع‬ ‫ال��زم��ان‪ ،‬ول �ك��ن م��ا يحتذيه أو‬ ‫ما ينقله يدخل فى كيان تعبيره‬ ‫بحيث يصبح كأنه يعاد خلقه‬ ‫م��ن ج��دي��د‪ ،‬وه� ��ذا م��ا نسميه‬ ‫شخصية الكاتب‪ ،‬فكل ما يكتبه‬

‫يطبع بطابعه‪ ..‬ه��ذا من حيث‬ ‫الشكل‪ ،‬أما من حيث الموضوع‪,‬‬

‫فقد اختار الحياة االجتماعية‬ ‫لبيئته واتخذها ينبوعا ألفكاره‪،‬‬

‫وت� �ح ��ول ف �ي �ه��ا ب �ت��أث �ي��ر أستاذه‬

‫الشيخ محمد عبده إلى مصلح اجتماعي‪ ،‬فهو‬ ‫يردد آراء المصلحين من حوله ويؤديها بلغته التي‬

‫تأثِر السامع وتخل ُب لُبّه»(‪.)5‬‬

‫وال�م�ن�ف�ل��وط��ي ف��ى أدب ��ه ال يعنى بموضوعه‬

‫أداء فنيا يتخير ف�ي��ه اللفظ‪،‬‬ ‫ال� �ق���ارئ ووج� ��دان� ��ه‪ ،‬وه� ��و فى‬

‫ذل��ك م�ت��أث��ر ب�ط��ري�ق��ة القدماء‬ ‫ال��ذي��ن ك��ان��وا ي�ع�ن��ون بالجرس‬

‫الموسيقي للكالم ال��ذي ينتهي‬

‫ن����������������������������������واف����������������������������������ذ‬

‫إنشائه حيث أنشأه الطبع القوي‬

‫ف�ح�س��ب‪ ،‬ب��ل ي �ح��اول أن يؤديه‬

‫بهم إلى السجع فى الغالب‪ ،‬لكن‬ ‫المنفلوطي ال ي�س�ج��ع‪ ،‬ولكنه‬

‫يعنى عناية شديدة بموسيقى‬ ‫ألفاظه‪ ،‬وكأن الناس ال يقرءونه‬ ‫ب��أب�ص��اره��م ف��ي ال �ص �ح��ف‪ ،‬بل‬

‫ي�ق��رءون��ه أو يسمعونه بآذانهم‬ ‫ع �ل��ى ط��ري �ق��ة ال� �ق ��دم ��اء‪ ،‬قبل‬

‫أن تتحول ال �ق��راءة م��ن السمع‬ ‫إل ��ى ال �ب �ص��ر‪ .‬ف�م��ا أش �ب��ه أدبه‬

‫فى عباراته الرصينة المنغمة‬ ‫باآلنية المزخرفة‪ ،‬وإن قل ما‬ ‫تحمله هذه اآلنية من زاد للعقل‬ ‫أو الفكر‪ ،‬بما عرضه لالنتقاد‪،‬‬

‫ول�ك��ن ال��واج��ب على النقاد أن‬

‫يقيسوا األديب بمقاييس عصره‬

‫وظروف بيئته وأال يحكموا عليه‬ ‫بمقاييس عصر تال له‪ ،‬وخاصة‬

‫أن ال �م �ن �ف �ل��وط��ي ق� ��دم لمصر‬ ‫ول �ل �ع��ال��م ال �ع��رب��ي أث� ��ارا أدبية‬

‫بارعة كانت المثل األعلى للشباب فى إنشائهم‬ ‫وصقل أساليبهم(‪.)6‬‬

‫ومن آثاره األدبية‪ :‬النظرات‪ ،‬وتقع فى ثالثة‬

‫م�ج�ل��دات‪ ،‬وه��ى مجموعة كبيرة م��ن المقاالت‬

‫اجلوبة ‪ -‬صيف ‪1430‬هـ ‪97‬‬


‫االج� �ت� �م ��اع� �ي ��ة ال� �ت ��ي نشرها‬

‫عنوان‪ :‬الفضيلة‪ ,‬والشاعر أو‬

‫الماضي بجريدة المؤيد التي‬

‫روس��ت��ان‪« ,‬وف ��ي سبيل التاج»‬

‫المنفلوطي ف��ى أوائ� ��ل القرن‬

‫كان يحررها الشيخ على يوسف‪،‬‬ ‫وهذه المقاالت تمتاز من حيث‬

‫الشكل باألسلوب النقي الخالص‬ ‫من شوائب العامية‪ ،‬وأساليب‬ ‫ال�س�ج��ع ال�م�ل�ت��وي��ة؛ والعبرات‪:‬‬

‫وه ��ى م�ج�م��وع��ة م��ن القصص‬ ‫ب��ع��ض��ه��ا م� ��وض� ��وع وبعضها‬

‫م �ت��رج��م‪ ,‬ص��اغ��ه المنفلوطي‬ ‫بأسلوبه‪ ,‬بعد أن ترجم له من‬ ‫ب �ع��ض أص ��دق ��ائ ��ه‪ ,‬إذ أعطى‬

‫ل�ن�ف�س��ه ال �ح��ري��ة ف��ي التحوير‬ ‫والتصرف في الصياغة‪ ,‬وقد‬

‫أشار في عبراته إلى الموضوع‬ ‫منها والمترجم‪.‬‬

‫�ص���ر المنفلوطي‬ ‫ك� �م ��ا م�� ّ‬

‫العديد من ال��رواي��ات الفرنسية‬

‫«سيرا نودي برجراك» ألدمون‬

‫لفرانسو كوبيه‪.‬‬

‫ول��ه أي �ض �اً م�خ�ت��ارات أدبية‬

‫ان �ت �ق��اه��ا م���ن ع� �ص ��ور األدب‬

‫ال�م�خ�ت�ل�ف��ة‪ ,‬إل ��ى ج��ان��ب بعض‬ ‫ال �ق �ص��ائ��د ال �ش �ع��ري��ة القليلة‬

‫التي ال تتجاوز ف��ي مجموعها‬

‫سبعمائة بيت‪ ،‬تنوعت أغراضها‬ ‫ب�ي��ن ال �م��دح وال ��رث ��اء والهجاء‬

‫واالس� �ت� �ع� �ط���اف‪ ،‬إل � ��ى جانب‬

‫الشعر السياسي واالجتماعي‬ ‫وال�ق�ص�ص��ي‪ ,‬وق��د ح ��اول فيها‬

‫السير على نهج ال�ق��دم��اء في‬

‫التركيب وال�ص��ورة‪ ,‬إل��ى جانب‬ ‫م �ع��ارض �ت��ه ل �ب �ع��ض القصائد‬

‫ال �ق��دي �م��ة‪ .‬وي �ع��ود ق�ل��ة إنتاجه‬

‫الشعري النشغاله بفن المقالة‬

‫المترجمة م�ث��ل‪« :‬م��اج��د ول �ي��ن» أو «ت�ح��ت ظل والقصة دون التفرغ للشعر‪ ,‬حتى ع��رف ناثراً‬ ‫ال��زي��زف��ون» ألل �ف��ون��س ك ��ار‪ ,‬و»ب� ��ول وفرجيني» أكثر منه شاعراً‪ ,‬وبالنثر وحده ال بالشعر كانت‬

‫لبرنا ردي��ن دي س��ان بير‪ ,‬التي ّ‬ ‫مصرها تحت شهرته(‪.)7‬‬

‫* أستاذ علم اللغة المساعد بقسم اللغة العربية ‪ -‬كلية اآلداب ‪ -‬جامعة أسيوط‪.‬‬ ‫(‪ )1‬انظر ترجمة في اإلعالم ‪ 142/8‬ومعجم المؤلفين ‪ 273-272/12‬ومعجم المطبوعات ‪ 1805/2‬وتاريخ األدب العربي‬ ‫للزيات ‪ 460‬ووحي الرسالة ‪ 385/1‬واألدب العربي المعاصر ‪ 227‬والموسوعة العربية ‪271/24‬‬ ‫(‪ )2‬وحي الرسالة ‪.386/1‬‬ ‫(‪ )3‬وحي الرسالة ‪.388/1‬‬ ‫(‪ )4‬السابق ‪.390/1‬‬ ‫(‪ )5‬األدب العربي المعاصر ‪.232-230‬‬ ‫(‪ )6‬السابق ‪.233‬‬ ‫(‪ )7‬انظر اإلعالم ‪ 142/8‬ومعجم المطبوعات ‪ 1805/2‬ومعجم المؤلفين ‪ 273-272 /12‬وتاريخ األدب العربي ‪-460‬‬ ‫‪ 462‬والموسوعة العربية العالمية ‪ 280-279/24‬واألدب العربي المعاصر ‪ 229‬ووحي الرسالة ‪.390/1‬‬

‫‪98‬‬

‫اجلوبة ‪ -‬صيف ‪1430‬هـ‬


‫ن����������������������������������واف����������������������������������ذ‬

‫القراءة الرقمية‬

‫فى ظل تطور تكنولوجيا االتصال‬ ‫> حسام عبدالقادر*‬ ‫إن الحصول على المعرفة هو دائماً الشغل الشاغل لإلنسان منذ بدء الخليقة‪،‬‬ ‫فقد عرف اإلنسان أن وجوده بجانب غذائه يعني قدرته على البقاء‪ ،‬ثم تعرف‬ ‫أن الوقود والطاقة هى األهم‪ ،‬وبها يمكنه شراء غذائه‪ ،‬ثم جاءت التكنولوجيا‬ ‫الهائلة فى جميع المجاالت‪ ،‬لتسيطر على اإلنسان وتجعل من يمتلك قدرا من‬ ‫المعرفة بالتكنولوجيا‪ ،‬يستطيع أن يسيطر على العالم من حوله‪ ..‬هذه المعرفة‬ ‫التى حيرت اإلنسان قام بتجميعها من المعلومات البسيطة ومن ثم المعقدة‪ ،‬ثم‬ ‫استخدمها االستخدام الصحيح ليبقى‪ ،‬والقراءة الوسيلة األساسية للحصول‬ ‫على المعرفة‪ ،‬فبدونها ال يمكن التواصل مع اآلخرين‪ ،‬وال يمكن إقامة أي نوع‬ ‫من أنواع االتصال الجماهيرى‪ ،‬إال أن القراءة اختلفت باختالف التكنولوجيا‪،‬‬ ‫فبعد أن كانت القراءة تتم بالشكل التقليدى من خالل كتاب مطبوع أو صحيفة‪،‬‬ ‫تحولت اآلن إلى قراءة رقمية‪ ،‬تجري من خالل وسائط تكنولوجية متعددة مثل‪:‬‬ ‫الكمبيوتر‪ ،‬والموبايل‪ ،‬والكتاب اإللكتروني‪.‬‬

‫اجلوبة ‪ -‬صيف ‪1430‬هـ ‪99‬‬


‫ب��ل إن طبيعة ال �م��ادة ال �م �ق��روءة أص�ب��ح لها‬

‫أشكال متعددة مثل‪:‬‬

‫أن ان�خ�ف�ض��ت م �ع��دالت ال� �ق ��راءة ف��ى منتصف‬

‫الثمانينيات حتى منتصف التسعينيات كثيرا‪..‬‬ ‫ارتفعت هذه المعدالت مرة أخرى وبشكل هائل‪،‬‬

‫الكتاب اإللكترونى‪ :‬وه��و جهاز مستقل‬ ‫يعد كمبيوتراً صغيراً ج��داً فى حجم كف اليد ولكن فى صور وأشكال مختلفة عما كانت عليه‬ ‫ال ��واح ��دة‪ ،‬وي�ح�م��ل ك�ت��اب�اً أو ع��دة ك �ت��ب‪ ،‬يسهّل من قبل‪.‬‬

‫للمستخدم طريقة التصفح والبحث داخل هذا‬

‫وقد يكون معدل شراء الكتب المطبوعة فى‬

‫ال��رس��ائ��ل اإلخ���ب���اري���ة ع��ل��ى املوبايل‬ ‫‪ :SMS‬والتى تجلب عناوين األخبار من خالل‬

‫التوزيع بسبب قلة الشراء‪ ..‬إال أن كل ذلك مجرد‬

‫الكتاب‬

‫خ��دم��ة ال �ت��زوي��د ب��األخ �ب��ار وه��ى ت�ت��م باشتراك‬

‫شهرى‪.‬‬

‫الرسائل األخبارية على اإلمييل‪ :‬وتتم‬

‫باشتراك أيضاً ولكنه غالباً مجانى‪ ،‬ومن خالله‬

‫تأتى رسالة يومية أو أسبوعية أو شهرية –على‬

‫حسب الموقع المزود باألخبار ‪ -‬بكل األخبار‬ ‫التى تهم مستخدم هذا اإليميل؛ فهو يحدد نوعية‬ ‫األخبار التى يريد أن يعرفها بشكل دورى سواء‬

‫رياضية أو فنية أو ثقافية‪ ...‬الخ‪.‬‬

‫نقصان‪ ،‬وق��د تشتكى بعض الصحف م��ن سوء‬ ‫عوامل اقتصادية غالباً ما تمنع المشتري من‬

‫القيام بعملية الشراء‪ ،‬وفى المقابل اتجه هذا‬

‫المشتري إلى الوسيلة األسهل واألرخ��ص‪ ،‬وهى‬ ‫«القراءة الرقمية» من خالل الوسائط المتعددة‬

‫التى ذكرناها‪ ..‬خاصة أن هناك سهولة ويسر‬

‫فى قراءة المادة التى يريدها‪ ..‬فهناك خصائص‬ ‫عديدة تميز القراءة الرقمية مثل‪:‬‬

‫رخص سعرها‪ :‬وتكاد تكون مجانية فى ظل‬

‫سهولة االتصال بشبكة اإلنترنت‪.‬‬

‫سهولة االستخدام والتصفح‪ :‬ويمكن‬

‫أي �ض �اً ه�ن��اك ال �ق��راءة على شبكة اإلنترنت للقارئ أن يطلع على المادة التى يريد قراءتها‬ ‫مباشرة م��ن خ�لال زي ��ارة ال�م��واق��ع اإللكترونية وتصفحها فى سهولة ويسر واختيار الفقرة التى‬ ‫المختلفة‪ ،‬وهي تتيح كما هائال من المعلومات ي��ري��ده��ا‪ ،‬ب��ل يمكنه حفظ ال �م��ادة على حاسبه‬ ‫وال�م�ع��رف��ة ل �ل �ق��ارئ‪ ،‬يمكنه االط�ل�اع عليه بكل وقراءتها فى الوقت الذى يريده‪.‬‬

‫سهولة‪.‬‬

‫سهولة البحث‪ :‬إذ يمكن للقارئ أن يقوم‬

‫بالبحث عن الجزء الذى يهمه فقط من المادة‬

‫إن ع�ن��اص��ر ال��ق��راءة ال��رق�م�ي��ة كلها محفزة‬ ‫للتشجيع على القراءة‪ ،‬على عكس ما قد يظن التى يريدها ويركز عليه‪.‬‬ ‫بعضهم‪ ،‬فبعد أن ك��ان ال �ف��رد ي��ذه��ب ليشترى‬ ‫الصحيفة أو الكتاب ليتعرف على خبر جديد أو‬

‫موضوع أو متابعة حدث أو قراءة رواية جديدة‪،‬‬

‫ت���ن���وع امل���ص���ادر ف���ى امل������ادة امل���ق���روءة‪:‬‬

‫وخ��اص��ة م��ع ال�م��واض�ي��ع وال�ت�ق��اري��ر اإلخبارية‪،‬‬

‫إذ يمكن للقارئ اإلط�لاع على نفس الخبر من‬

‫أصبح كل هذا فى متناول يديه من خالل جهاز عدة مصادر صحفية فى الوقت ذاته؛ ما يؤكد‬ ‫الكمبيوتر واتصاله بالشبكة العنكبوتية‪ ،‬وبعد له صحة الخبر من عدمه إضافة إلى تفاصيله‬

‫‪ 100‬اجلوبة ‪ -‬صيف ‪1430‬هـ‬


‫كلها‪.‬‬

‫املشاركة والتعرف على ردود الفعل‪:‬‬ ‫وه��ى م�ي��زة مهمة حيث يمكن للقارئ أن يقرأ‬

‫المادة ويعلق عليها‪ ،‬كما يمكن التعرف على باقى‬

‫التعليقات‪.‬‬

‫إن ما تتطلبه القراءة الرقمية غالباً هو وجود‬

‫جهاز «‪ »Hard ware‬سواء كان هذا الجهاز حاسباً‬

‫آلياً‪ ،‬أو جهازاً للكتاب اإللكتروني أو الموبايل‪،‬‬ ‫ثم وضع البرامج التى تتيح التصفح فى المادة‬

‫المقروءة بعد ذلك‪.‬‬

‫إال أن هناك خالفا دائما ومشتداً بين فريقين‬

‫ح��ول تأثير الوسيلة اإللكترونية على الوسيلة‬

‫المطبوعة من كتب وصحف‪ ،‬وهل ستنهي الوسيلة‬ ‫اإللكترونية الوسيلة المطبوعة‪ ،‬وكما أعلنت من‬

‫ ‬

‫ن����������������������������������واف����������������������������������ذ‬

‫ف��ى ال��رس��ائ��ل اإلخ�ب��اري��ة حيث يتم االكتفاء‬ ‫ب �ع �ن��وان ال �خ �ب��ر ف �ق��ط‪ ،‬وذل� ��ك ف ��ى ‪،SMS‬‬ ‫وف��ى شرائط األخ�ب��ار بالمواقع اإللكترونية‬ ‫اإلخبارية والفضائيات‪ .‬فلم يعد هناك وقت‬ ‫للقارئ لقراءة م��ادة إخبارية مطولة عن أى‬ ‫ال‬ ‫موضوع‪ ،‬فهو يريد معرفة نتيجة مباراة مث ً‬ ‫دون الخوض فى التفاصيل وطريقة اللعب‪،‬‬ ‫ولمن يريد التعرف يمكنه اإلطالع والتصفح‬ ‫لمزيد من التفاصيل‪.‬‬ ‫األم��ر نفسه أث��ر أيضا على اإلب��داع��ات من‬ ‫ال�ق�ص��ص وال �ش �ع��ر وال� ��رواي� ��ات‪ ،‬فأصبحت‬ ‫القصيدة قصيرة‪ ،‬وظهرت القصص القصيرة‬ ‫جداً‪ ،‬كما يقل حاليا كتابة الروايات إلى حد‬ ‫كبير‪ ،‬والمكتوب منها صفحاته أقل كثيرا عما‬ ‫كنا نقرأ فى الماضي‪.‬‬

‫قبل وأك��رر أن ظهور وسيط إع�لام��ى جديد ال ‪ -2‬األخ� �ب ��ار وال �م �ق��االت ال�ص�ح�ف�ي��ة أصبحت‬ ‫يمكن أن ينهي الوسيط الموجود أو الوسائط‬ ‫تستخدم الجمل القصيرة والسريعة إضافة‬ ‫السابقة‪ ،‬بل يضيف مكاناً جديداً وموقعاً وسط‬ ‫إلى قلة عدد الكلمات عما كان يتم من قبل‪.‬‬ ‫الوسائط المختلفة مثلما حدث مع التليفزيون ‪ -3‬ظ�ه��ور التقنيات الحديثة ال�م�س��اع��دة على‬ ‫الذى لم يقض على اإلذاعة‪ ،‬ومع السينما التى لم‬

‫ال��ق��راءة م�ث��ل اس �ت �خ��دام ب��رام��ج الجرافيك‬ ‫المتنوعة التي ساعدت فى إضافة عوامل‬ ‫جذب للقارئ‪.‬‬

‫المطبوعة ل��ن تختفى‪ ،‬ولكنها ‪ -‬ف��ى رأي ��ي ‪-‬‬

‫‪ -4‬استخدام خاصية الروابط ‪ Links‬فى الفن‬ ‫ال�ق�ص�ص��ى مثلما ق ��ام ب��ه ال��دك �ت��ور محمد‬ ‫سناجلة رئيس اتحاد كتاب اإلنترنت العرب‬ ‫فى نظريته عن األدب االفتراضي‪ ،‬وإستخدام‬ ‫برامج وصور تساعد القارئ على تخيل الجو‬ ‫الذى يعيش فيه بطل القصة أو الرواية‪ ،‬وهو‬ ‫م��ا ط��ور م��ن ال �ق��راءة وأض ��اف إليها‪ ،‬وجعل‬ ‫القارئ يعيش داخل ما يقرأ ويتفاعل معه‪.‬‬

‫تقض على التليفزيون ومع الفيديو وهكذا‪..‬‬

‫وم��ن ث��م ف��إن ال�ك�ت��اب المطبوع والصحيفة‬

‫ستكون فى المستقبل مجرد وسيط إعالمى له‬ ‫وظائف محددة‪ ،‬لن تكون مثل وظائفها اآلن‪.‬‬

‫تأثير التكنولوجيا على طبيعة القراءة‬ ‫لقد صاحب وجود التكنولوجيا الهائلة تأثير‬

‫كبير على طبيعة القراءة نفسها نورد بعضه‪:‬‬

‫‪ -1‬اختصار المادة المقروءة‪ :‬مثلما نرى حاليا‬

‫* كاتب وصحفي من مصر‪.‬‬

‫اجلوبة ‪ -‬صيف ‪1430‬هـ ‪101‬‬


‫مقاربة حول عوالم الروائي السوري حنا مينه‬ ‫زوربا الروائيني العرب‬

‫> عمران عزالدين أحمد*‬ ‫ربّما كان لقراءة الكِ تَاب األول‪ ،‬لكاتب ما‪ ،‬سطوة ال تقل تأثيراً وسحراً وحساسية‪،‬‬ ‫عن تلك المرحلة العمرية المبكرة‪ ،‬التي أت ّم فيها ذلك القارئ قراءة ذلك العمل‪ ،‬أعني‪..‬‬ ‫المرحلة العمرية التي يكون فيها الوعي قد بدأ يشهد بواكير النضوج‪ /‬االرتقاء نوعاً ما؛‬ ‫ث َّم يأتي ذلك العمل‪ ،‬لذلك الكاتب‪ ،‬ليعلن انقالباً على روتين ذلك القارئ‪ ،‬طقوسه القرائية‬ ‫والحياتية‪ .‬بعد ذلك يتمحور االنقالب الذي ا ُستمد من ذلك العمل اإلبداعيّ ‪ ،‬في تغيير‬ ‫ومحو شبه كليّ للقناعات‪ ،‬واألحالم‪ ،‬واألهداف المبتغاة والموضوعة نصب العين‪.‬‬ ‫هكذا باختصار تتناسل‪ /‬تتكاثر األعمال‬ ‫العظيمة‪ ،‬التي تحدث ث��ورة م��ا‪ ،‬في رسم‬ ‫وتشييد معمار سيرة ذاتية‪ ،‬لقرّاء انقادوا‬ ‫مصادفة‪ ،‬إلى قراءة أولئك ال ُكتَّاب‪ ،‬وقراءة‬ ‫أعمالهم!‬ ‫ال يختلف قارئان‪ /‬كاتبان‪ /‬وربّما ناقدان‪،‬‬ ‫حول المكانة المهمة‪ ،‬بالغة الخصوصية‪،‬‬ ‫التي يحتلها الروائي السوري «حنا مينه»‬ ‫في المكتبة الثقافية واإلبداعية‪ ،‬السورية‬ ‫‪ 102‬اجلوبة ‪ -‬صيف ‪1430‬هـ‬

‫والعربية‪ ،‬على حد سواء؛ إذ ارتبط اسمه‬ ‫باسم الروائي المصري «نجيب محفوظ»‬ ‫في أكثر من محفل ومعرض‪ ،‬فهما عالمة‬ ‫ف��ارق��ة ف��ي ن�ق��ل األدب ال�ع��رب��ي الحديث‬ ‫عامة‪ ،‬والروائي على وجه الخصوص‪ ،‬من‬ ‫التقليدية والرتابة‪ ،‬إلى حداثة مرتكزة على‬ ‫التراث‪ ،‬بجمالية فنية موظفة‪ ،‬لم يسبقهما‬ ‫إليها كاتب في ذلك‪.‬‬ ‫تتلخص رواي �ت��ه «ال �ش��راع والعاصفة»‬


‫ن����������������������������������واف����������������������������������ذ‬

‫بجملة أوكلها السارد‪ /‬الروائي إلى بطل الرواية‪،‬‬ ‫اختار لألخير اسم «الطروسي»‪ ،‬وه��ذه الجملة‬ ‫ه��ي‪« :‬إن ال�ح�ي��اة ك�ف��اح ف��ي البحر وف��ي البر»‪،‬‬ ‫رافقتني هذه الجملة المعبرة طويالً‪ ،‬ما زلتُ حتى‬ ‫اليوم أقرأ جديده‪ ،‬دون أن تفارقني‬ ‫تلك الدهشة‪ ،‬دهشة القراءة األولى‬ ‫ألعماله‪ .‬فهذا الروائي الذي تميز‬ ‫بأسلوبه المغرق في الواقعية ‪ -‬إذ‬ ‫إن��ه م��ن ُك� َّت��اب المدرسة الواقعية‪،‬‬ ‫المعنية ب��دراس��ة حيثيات الواقع‬ ‫االج �ت �م��اع��ي ال �م��وص��وف ‪ -‬اتخذ‬ ‫م��ن المحلي وال �ي��وم��ي واللحظي‪،‬‬ ‫م ��واداً ول�ب�ن��ات ألف �ك��اره ومشاريعه‬ ‫اإلب ��داع� �ي ��ة‪ ،‬وف� ��ق ت �ص��وي��ر بديع‪،‬‬ ‫لمجريات أبطال رواياته وأحداثها‪،‬‬ ‫وما اللغة العامية التي استعان بها‬ ‫ولجأ إليها في بعض رواياته ‪ -‬كما‬ ‫في روايته «الوالعة» ‪ -‬إال تأكي ٌد على‬ ‫انتماء‪ /‬إخالص هذا الروائي لهذه‬ ‫المدرسة‪ ،‬أعني المدرسة الواقعية‪،‬‬ ‫ف �ق��د ح�ف�ل��ت ه ��ذه ال ��رواي ��ة بجمل‬ ‫عامية من قبيل‪« :‬الخناقة» و«زعق»‬ ‫و«طرمخة الرأس» و«شوربوكة»‪.‬‬

‫فلسفي إلى جدلية االستقرار‪ ،‬فاتخذ من الغرب‬ ‫والشرق موضوعاً للمقارنة‪ ،‬الشرق الالمستقر‬ ‫بطابعه ال � ُم��حَ ��افِ ��ظ‪ /‬المُستهل َك والمُستهلِك‪،‬‬ ‫وان �ح�لال ال�ق�ي��م وتفسخها ف��ي غ��رب فضولي‬ ‫ص��اخ��ب‪ ،‬يشكّ ف��ي ك � ّل ش��يء‪ ،‬كما‬ ‫في اقتحام «غبريال انداش» مالكة‬ ‫الغرفة‪ ،‬لخَ لوة «أيهم القمطور» التي‬ ‫راح��ت ت�س��أل��ه‪ :‬ل�م��اذا تجلس على‬ ‫حقيبة سفركَ ؟! فيرد عليها‪ :‬حتى‬ ‫ال تهرب األغراض منها!‬

‫ونقرأ في قصة أخرى له بعنوان‪:‬‬ ‫«الكتابة على األكياس»‪ ،‬كيف صوّر‬ ‫ل�ن��ا ت�ل��ك ال��ظ��روف ال�ص�ع�ب��ة التي‬ ‫م �ي��زت ط �ف��ول �ت��ه‪ ،‬وك �ي��ف أن���ه كان‬ ‫صبياً نحيالً‪ ،‬نتيجة سوء التغذية‪،‬‬ ‫بحيث أنه لم يكن قادراً على القيام‬ ‫بعمل يستلزم قوة بدنية‪ /‬جسدية‪،‬‬ ‫وعندما قصد الميناء‪ ،‬ك��ي يدخر‬ ‫مصروفاً لمساعدة عائلته المُعدمة‬ ‫مادياً‪ ،‬شعر بالحزن واألس��ى‪ ،‬ألنه‬ ‫اك �ت �ش��ف ع� ��دم ق ��درت ��ه ع �ل��ى رفع‬ ‫األك�ي��اس‪ ،‬وكانت معرفته بالكتابة‬ ‫ف��رص��ة ليكلف م��ن ق�ب��ل «المعلم»‬ ‫كتب مينه القصة ف��ي بدايات‬ ‫بكتابة بيانات على األكياس‪ ،‬مقابل‬ ‫مشواره األدبي؛ ففي قصة له بعنوان‬ ‫مبلغ مادي‪ ،‬ساعده بشكل أو بآخر‪،‬‬ ‫«النار بين أصابع امرأة» يسرد كاتب‬ ‫في تغطية نفقات العائلة‪ .‬ويذكر‬ ‫ال�ك�ف��اح وال �ف��رح اإلنسانيين قصة‬ ‫مينه إن��ه ح�ي��ن ال�ت�ق��ى ب �ـ «معلمه»‬ ‫إشكالية‪ ،‬بطلها «أيهم القمطور»‪،‬‬ ‫في دمشق بعد مرور سنين طويلة‪،‬‬ ‫الذي هاجر إلى بودابست واستأجر‬ ‫وكان بصحبة صديق يعرف كليهما‪،‬‬ ‫غرفة في بيت يتألف من ثالثة طوابق‪ ،‬ث ّم دفع قال ذلك الصديق للمعلم‪ :‬إن حنا كاتب معروف‬ ‫أج��رة شهر ك��ام��ل م�ق��دم�اً‪ ،‬وج�ل��س على حقيبة اليوم‪ .‬فقال ذلك الرجل‪ /‬المعلم‪ :‬نعم‪ ،‬أعرف‬ ‫سفره‪ ،‬التي تحتوي على ثيابه وكتبه‪ ،‬دون أن ذلك‪ .‬لقد بدأ الكتابة عندي‪ ،‬على األكياس!‬ ‫يبرح مكانه‪ .‬تطرق مينه في تلك القصة بأسلوب‬ ‫يشكّل الحب مفهوماً مركزياً في أدب مينه‪،‬‬

‫اجلوبة ‪ -‬صيف ‪1430‬هـ ‪103‬‬


‫الذي أحب عوالم ديكنز وبلزاك ومكسيم غوركي‬ ‫وهمنغواي‪ ،‬لكنّ هذا المفهوم يتخذ مُرتسمات‪/‬‬ ‫إح� ��االت م�خ�ت�ل�ف��ة‪ ،‬ي�ش�م��ل م�ف��اه�ي��م وتعبيرات‬ ‫مُتعددّة‪ ،‬قد تبدأ بحبّ األرض‪ /‬الوطن‪ ،‬وال تنتهي‬ ‫عند أشكال التراحم المُتباينة‪ ،‬وقد وصل بالمرأة‬ ‫والبحر إل��ى س��دة ال� ُك� َّت��اب العالميين‪ ،‬إذ يمكن‬ ‫تقسيم عوالمه ال��روائ�ي��ة تحت هذين البابين‪:‬‬ ‫المرأة والبحر‪ .‬لكن قبل الشروع في شرح هذين‬ ‫البابين‪ ،‬ك��ان صاحب «ال �ش��راع والعاصفة» قد‬ ‫ق��ال ف��ي ح��وار م�ع��ه‪« :‬ل��و خ� ّي��رون��ي بكتابة كالم‬ ‫فوق شاهدة قبري‪ ،‬الخترتُ هذه العبارة‪ :‬المرأة‪،‬‬ ‫البحر‪ ،‬وظمأ لم يرتوِ »!‬

‫مصيرية مهمة جداً‪ ،‬فهو عندما كتب عن المرأة‬ ‫األم والعشيقة وال��زوج��ة والمناضلة والماجنة‬ ‫والمشردة والمكبوتة والمقموعة‪ ،‬ومنها‪« :‬ماريا»‬ ‫ف��ي «ال �ش��راع وال�ع��اص�ف��ة»‪ ،‬و«زن��وب��ة» ف��ي «بقايا‬ ‫صور»‪ ،‬و«شكيبة» في «الياطر»‪ ،‬و«فروسيا» في‬ ‫«الوالعة»‪ .‬كان يؤرخ بذلك لمنعطفات ومراحل‬ ‫تاريخية مفصلية‪ .‬لقد ح��اول رص��د الحياة في‬ ‫كليتها‪ ..‬في حركتها‪ ،‬لكن ليس من موقف المُتفرّج‪،‬‬ ‫بل من موقع المُتأمّل‪ /‬النابش فيها بعمق‪ ،‬فارتقى‬ ‫بالرمز إلى مرتبة المُعادل الموضوعي للواقع في‬ ‫أسّ ه العميق‪.‬‬ ‫يقول الكاتب السوري «شوقي ب�غ��دادي» في‬ ‫المقدمة التي كتبها لروايته «المصابيح الزرق»‬ ‫قائالً‪« :‬يسجل لمينه قدرته على «إذهال القارئ»‬ ‫ومفاجأته‪ ،‬رغ��م أن م��ا يقدمه ف��ي رواي��ات��ه هو‬ ‫مظاهر الحياة اليومية البسيطة ألناس بسطاء‪.‬‬ ‫وه��و بذلك يلعب على وت��ر متميز داخ��ل نفسية‬ ‫القارئ الذي تفترض بعض نظريات األدب‪ ،‬إنه‬ ‫«يمارس نوعاً من التعليق لنزعة عدم التصديق»‬ ‫(‪ )suspension of disbelief‬من أجل أن يتفاعل‬ ‫مع األدب الذي يفترض أنه يدرك أنه وإن كان‬ ‫واقعياً‪ ..‬فإنه غير حقيقي‪ ».‬في حين يأخذ عليه‬ ‫نقاد آخ ��رون أن��ه متعاطف م��ع أب�ط��ال أعماله‪،‬‬ ‫الذين غالباً ما يكونون عماالً‪ ،‬يتحلون بالحكمة‬ ‫وكالمهم موزون وصائب دائماً»‪.‬‬

‫وال �س��ؤال ه��و‪ :‬ل �م��اذا ات�خ��ذ مينه م��ن هذين‬ ‫البابين‪ ،‬أيّ البحر والمرأة‪ ،‬ليسرد علينا تالياً ك ّل‬ ‫ما يتعلق بهما‪ ،‬بمدهما وجزرهما‪ ،‬بتشعباتهما‬ ‫لا واس�ت�ن�ط��اق�اً؛ ثم‬ ‫ال وت��أوي� ً‬ ‫وتفرعاتهما‪ ،‬تحلي ً‬ ‫ينطلق منهما إلى الحديث عن موضوعات أخرى‪،‬‬ ‫تاريخية وراهنة‪ ،‬مهمشة ومحورية ومفصلية؟ ما‬ ‫هي تلك العالقة الجدلية واإلشكالية التي تربط‬ ‫بينهما‪ ،‬وأيّ تشابه بين هذين العالمين؟ لماذا‬ ‫لم يقابل مينه األنثى‪ /‬المرأة التي كتب عنها بـ‬ ‫الذكر‪ /‬الرجل مثالً؟ لماذا كتب عن المرأة بكل‬ ‫ذلك الحب والجنون المُعقلن‪ ،‬ولماذا اشتغل على‬ ‫البحر؟ ما الذي يربط بين المرأة والبحر؟ أثمة‬ ‫نقاط لالختالف وااللتقاء بينهما‪.‬؟ أتشبه عوالم‬ ‫البحر في شيءٍ ما عوالم الرجل مثالً‪ ،‬لتتقابل‬ ‫يمكن ال �ق��ول ح�س��ب مصطلح «ل��وك��اش» عن‬ ‫تلك العوالم مع عوالم األنثى‪ /‬المرأة؟‬ ‫البطل اإلشكالي روائياً‪ ،‬إن أبطال رواي��ات مينه‬ ‫حسبنا هنا أن نستشهد بما قاله ف��ي هذا إشكاليون ب��درج��ة أو ب��أخ��رى‪ ،‬وبنسب متفاوتة‪،‬‬ ‫الصدد‪« :‬إذا ن��ادوا‪ :‬يا بحر! أجبتُ أن��ا! البحر تتصاعد درج���ة‪ /‬ق��وة اإلش�ك��ال�ي��ة وف��ق المهمة‬ ‫أنا‪ ،‬فيه ُو ِل��دتُ ‪ ،‬وفيه أرغب أن أموت»؛ لكن في التي يوكلها الراوي لبطل العمل‪ ،‬ذلك أن أبطاله‬ ‫الجانب اآلخر‪ ،‬ال يخفى ما لتلك العوالم المستمدة ال يكتفون بالبحث ع��ن القيم ف��ي وس��ط مُنحل‬ ‫من المرأة والبحر في أدب مينه‪ ،‬تلك التأثيرات فحسب‪ ،‬بل يعيشون تلك القيم‪ ،‬ينافحون عنها‬ ‫واالمتدادات التي ولجها‪ ،‬وهو يتصدى لقضايا أيضاً‪ ،‬يطمحون إلى بناء كليّات جديدة‪ ،‬يُحلونها‬ ‫‪ 104‬اجلوبة ‪ -‬صيف ‪1430‬هـ‬


‫ن����������������������������������واف����������������������������������ذ‬

‫محل بنى تقليديّة مُتداعية‪ .‬فمينه يحاول االرتقاء‬ ‫بالمحسوس والمعيشي‪ ،‬إلى صعيد روحي يتخلص‬ ‫من الظرفي والعابر‪ ،‬ليقبض على ما هو متخط‬ ‫للزمني والتاريخي‪ ،‬حتى وإن كان تطور األحداث‪،‬‬ ‫ال للتنبؤ‪،‬‬ ‫وسلوك الشخصيات‪ ،‬كثيراً ما يكون قاب ً‬ ‫لكنه ينجح ف��ي إض�ف��اء أب�ع��اد غير متوقعة على‬ ‫شخصيات رواي��ات��ه‪ ،‬أح�ي��ان�اً ت�ك��ون مقنعة‪ ،‬وفي‬ ‫«لقد فكّرتُ منذ ق��رأتُ عمر الفاخوريّ ‪ ،‬في‬ ‫أحيان أخرى تبدو مثالية‪.‬‬ ‫األربعينيات‪ ،‬كيف يكون األديب من لحم ودم‪ ،‬وليس‬ ‫ال ��رواي ��ة ب �ه��ذا ال�م�ع�ن��ى ت�ش�ك��ل إط�ل�ال��ة على من حبر وورق‪ ،‬وأدرك��تُ أ َّال ش��يء يجعل األديب‬ ‫ضمير اآلخر‪ ،‬فهو يرسم وجوه أبطاله‪ ..‬ويعايش ح ّياً‪ ،‬مثل أن يُباشر األحياء‪ ،‬ويخرج من وحدته‬ ‫واقعهم‪ ،‬يرصد حركة الوعي الجماهيري‪ .‬تمثل البودليريّة التي ال تتيح سوى السقم واألشباح‪،‬‬ ‫أعماله حالة خاصة من اإلبداع الروائي السوري‪ ،‬وأنّ التجربة وحدها بأوسع وأعمق معانيها‪ ،‬بك ّل‬ ‫وخصوصيته تنبع م��ن تجسيده لعموم أصناف أخالقيّتها‪ ،‬وال أخالقيّتها‪ ،‬هي التي تكسو هيكل‬ ‫الحياة‪ ،‬ومعماره الفني ال��روائ��ي يتشكل حجرة األدي��ب باللحم وهي التي تجعل ال��دم يجري في‬ ‫ح�ج��رة دون أن ينفك ع��ن أرض ال��واق��ع‪ .‬وألنه شرايينه‪ ،‬وبذلك تُؤهِّ له ألن يكون خالقاً ح َّياً‪ ،‬يخلق‬ ‫كتب بصدق عن البحر والميناء والمرأة والغابة شخوصاً أحياء‪ ،‬يعيشون بيننا‪ ،‬ويتنفّسون هواءنا‪،‬‬ ‫والكهوف والجبال‪ ،‬ساخراً من الحياة‪ ،‬متباهياً ويكونون صورة عنّا‪ ،‬حتّى إذا عايشناهم في الكتب‬ ‫بكل المهن التي زاولها‪ ،‬فإن أعماله الروائية التي ُقل ْنا‪ :‬هؤالء هم نحن»‪.‬‬ ‫استفادت منها السينما والتلفزيون‪ ،‬حققت أفالماً‬ ‫حنا مينه الذي فاجأ الساحة األدبية والثقافية‬ ‫ومسلسالت‪ ،‬تابعها ال�م�ش��اه��دون بشغف وحب بوصيته‪ ،‬التي كتب فيها‪« :‬عندما ألفظ النفس‬ ‫واهتمام‪ ،‬ما يعكس قوّة وجاذبية تلك الروايات‪..‬‬ ‫األخير‪ ،‬آمل‪ ،‬وأشدد على هذه الكلمة‪ ،‬أال يُذاع خبر‬ ‫ما يؤثر في حياة الناس ووعيهم على السواء‪ ،‬كما‬ ‫موتي في أية وسيلة إعالمية‪ ،‬مقروءة أو مسموعة‬ ‫في روايته «نهاية رجل شجاع» التي مثلت كعمل‬ ‫أو مرئية‪ ،‬فقد كنتُ بسيطاً في حياتي‪ ،‬وأرغب بأن‬ ‫درامي على الشاشة الفضية‪ ،‬وفيها مفيد الوحش‬ ‫أكون بسيطاً في مماتي‪ ،‬أعتذر للجميع‪ ،‬أقرباء‪،‬‬ ‫قام بالدور سعد مينه وأيمن زي��دان ال��ذي يشب‬ ‫أصدقاء‪ ،‬رفاق‪ ،‬قراء‪ ،‬إذا طلبتُ منهم أن يدعوا‬ ‫عن الطوق‪ ،‬يتمرد على عادات وتقاليد فيها من‬ ‫نعشي‪ ،‬محموالً من بيتي إلى عربة الموت‪ ،‬على‬ ‫الظلم الكثير‪ ،‬كعادة دفع «األتاوات» للمعلم والعمل‬ ‫أكتاف أربعة أشخاص مأجورين من دائ��رة دفن‬ ‫لخدمته مثالً‪ ،‬تتطور‪ /‬تتدرج شخصيته‪ ،‬ليصبح‬ ‫الموتى‪ ،‬وبعد إهالة التراب عليّ ‪ ،‬في أي قبر متاح‪،‬‬ ‫ال قوي البنية‪ ،‬شجاعاً‪ ،‬يهابه المعلم وعمال‬ ‫رج ً‬ ‫ينفض الجميع أيديهم‪ ،‬ويعودون إلي بيوتهم‪ ،‬فقد‬ ‫الميناء‪ ،‬إلى أن يصاب بداء السكري في السجن‪،‬‬ ‫انتهي الحفل‪ ،‬وأغلقت الدائرة‪.‬ال حزن‪ ،‬ال بكاء‪ ،‬ال‬ ‫ُقعد على كرسي‬ ‫ليؤول به المطاف إل��ى رج��ل م ٍ‬ ‫لباس أسود‪ ،‬ال للتعزيات‪ ،‬بأي شكل‪ ،‬ومن أي نوع‪،‬‬ ‫وبائع للدخان في كشك صغير‪.‬‬ ‫متحرك‪ٍ ،‬‬ ‫في البيت أو خارجه‪ ،‬ثم‪ ،‬وهذا هو األهم‪ ،‬وأشدد‪:‬‬ ‫فالسر في إقبال القارئ على ق��راءة‪ /‬متابعة‬

‫أدب��ه‪ ،‬هو ابتعاد الكاتب عن تأطيره وتقعيده في‬ ‫قالب معين‪ ،‬فهو ال يكتب للنخبة والطبقة المثقفة‬ ‫فقط‪ ،‬بل يكتب لك ّل فئات المجتمع وشرائحه‪،‬‬ ‫أبطال رواياته أناس حقيقيون‪ ،‬دماً وروحاً وفكراً‬ ‫وأصالة‪ .‬يقول مينه في هذا الصدد‪ ،‬شارحاً هذا‬ ‫المعنى‪:‬‬

‫اجلوبة ‪ -‬صيف ‪1430‬هـ ‪105‬‬


‫ال حفل تأبين‪ ،‬فالذي سيقال بعد موتي‪ ،‬سمعته‬ ‫في حياتي»‪.‬‬

‫الواقع االجتماعي‪ ،‬بأنسجته الحياتية المتداخلة‪،‬‬ ‫بلغة شعرية شفيفة‪ ،‬بالجرأة في الطرح‪ ،‬والحيادية‬ ‫التامة‪ ،‬من خ�لال الصدق في نقل المعلومة أو‬ ‫الواقعة المروية‪ ،‬ومن ثم صدق المالبسات التي‬ ‫أح��اط��ت بها على المستويين ال��واق�ع��ي والفني‪.‬‬ ‫وإدانتها لك ّل ما يسئ إلى اإلنسان والقيم‪ ،‬بسعيها‬ ‫الحثيث إل��ى تناول القضايا المصيرية العالقة‪،‬‬ ‫ذات البنية اإلشكالية‪ ،‬قضايا االنتماء لألرض‬ ‫والوطن‪ ،‬قضايا الحب والغيرة والشباب والمرأة‬ ‫وال�ع�لاق��ات األس��ري��ة‪ .‬باالشتغال على المحلي‪،‬‬ ‫التراث والفلكلور‪ ،‬بإثارة األسئلة‪ ،‬أسئلة الوجود‬ ‫الكبرى‪ ،‬وتصديره بقالب جمالي وفني رفيع‪ ،‬من‬ ‫خالل الصدق الفني واألداء المبهر‪ ،‬بمغافلة القارئ‬ ‫وإدهاشه وإذهاله‪ ،‬إضافة إلى لغته الروائية الهادرة‬ ‫ذات البعدين الرمزي والواقعي‪ ،‬حتى إنه سُ ِئ َل عن‬ ‫مصدرها‪ ،‬ومن أي الكتب‪/‬المدارس أخذها‪ ،‬فكان‬ ‫يجيبهم «روائي البحر» و«بلزاك الرواية السورية»‬ ‫و«زورب��ا الروائيين العرب» وغيرها من األلقاب‬ ‫التي أطلقها عليه العديد من النقاد السوريين‬ ‫والعرب‪ ،‬قائالً‪:‬‬

‫هو ذاته الذي نال عدة جوائز سورية وعربية‬ ‫وعالمية‪ ،‬ومنها جائزة «سلطان بن علي العويس‬ ‫الثقافية» عن مجمل أعماله عام ‪1990‬م‪ ،‬ووسام‬ ‫االستحقاق ال�س��وري م��ن ال��درج��ة الممتازة عام‬ ‫‪2005‬م‪ ،‬وكتب كماً كبيراً من مقاالت ودراسات‬ ‫ن �ق��دي��ة‪ ،‬ن�ش��رت�ه��ا ل��ه ك �ب��ري��ات ال�ص�ح��ف العربية‬ ‫ال‬ ‫والعالمية‪ ،‬كما كتب ما يربو على الـثالثين عم ً‬ ‫روائياً‪ ،‬كان قد استهل مشروعه الروائي برواية‬ ‫«المصابيح الزرق» عام ‪1954‬م‪ ،‬ث َّم تتالت بعد ذلك‬ ‫أعماله الروائية ومنها‪ :‬النجوم تحاكم القمر‪ ،‬القمر‬ ‫في المحاق‪ ،‬بقايا صور المستنقع‪ ،‬حيث نتعرف‬ ‫«ال أدري‪ ،‬أنا لم أبذل جهداً‪ ،‬لم أتعب‪ ،‬لم أتلقّ‬ ‫في هذه الروايات إلى الطفل الذي جاء مع أسرته دروس�اً عند أستاذ‪ ،‬لغتي مثل حظي‪ ،‬مكافأة من‬ ‫من لواء اسكندرونه إلى الالذقية‪ ،‬ليعمل في ٍ‬ ‫مهن السماء»‪.‬‬ ‫صعبة مثل صبي حالق‪ ،‬ومصلّح دراجات‪ ،‬وبحّ ار‪،‬‬ ‫حيث سيتعرف إلى حياة الصيادين والبحارة في‬ ‫الميناء‪ ،‬ليكتب رواي��ة البحر في مغامرة سردية‬ ‫متجاوزة‪ .‬أما آخر رواية له‪ ،‬فقد صدرت حديثاً‬ ‫تحت عنوان «عاهرة ونصف مجنون»‪.‬‬ ‫م��ا يميز رواي ��ات مينه ه��و ك��ل م��ا ت�ق��دم من‬ ‫عوالم‪ ،‬فأدواته الروائية الثرية نجحت في رصد‬ ‫* كاتب من سوريا‬

‫‪ 106‬اجلوبة ‪ -‬صيف ‪1430‬هـ‬


‫البن زريق البغدادي‬ ‫> نورا علي*‬

‫ن����������������������������������واف����������������������������������ذ‬

‫قراءة في قصيدة (ال تعذليه)‬

‫يقال «أكثر من اللقاء فإن الفراق حاصل»‪.‬‬ ‫قصيدة الشاعر العاشق المحروم ابن زريق البغدادي‪ ..‬قصيدة ال تشبه القصائد‪ ،‬بل‬ ‫أشبه بموشحات تصب في القلب تراتيل الحزن‪ ,‬ترسل نغمًا جنائز ّيًا يحرّك وجدان الوله‪,‬‬ ‫تمنح الحزن من كل الدروب‪ ،‬وتصبها في أوردة القلب‪ ،‬وشرايين الجسد‪ ,‬إذ تصوّر الوجع‬ ‫القابع في أقاصي الروح‪.‬‬ ‫تم له اللقاء والوصل‪ .‬لكن ضيق العيش وقف حائال بينه وبين حبه‪ ،‬وأب��ت نفسه‬ ‫الطموحة إال أن يكون في أجمل صورة‪ ،‬وأحسن حال في نظر من يحب‪ ,‬وأراد أن يكون‬ ‫لقاؤه به في سعة ورغد من العيش‪.‬‬ ‫يذكرني حاله هنا بحال المتنبي‬ ‫آثر البعد باحثا عن الرزق حتى‬ ‫حينما فارق من يحب‪ ،‬لطلب السعة‬ ‫ينعم بالقرب‪ ،‬دون منغصات العوز‬ ‫ف��ي ال ��رزق‪ ,‬لكن ال�ف��راق (الموت)‬ ‫والحاجة‪ ,‬لكن غ��اب عن ذهنه أن‬ ‫كان أسرع بالعود منه‪ ،‬إذ يقول في‬ ‫الليالي ال تعي م��ا ي��ري��د‪ ،‬وال تأبه‬ ‫القصيدة التي يرثي فيها جدته‪:‬‬ ‫بحاله وآماله‪ ,‬وال يعنيها أمر عشقه‬ ‫ط��ل��ب��ت ل��ه��ا حظا‬ ‫وولهه‪ ،‬حتى‪..‬‬ ‫ف���ف���ات���ت وفاتني‬ ‫حَ تّى جَ رى البَينُ فِ يما بَينَنا بِ ي ٍَد‬ ‫وقد رضيت بي لو رضيت بها قسما‬ ‫عَ ����س����را َء تَمنَعُ نِ ي‬ ‫ب���������������ك���������������ي���������������ت‬ ‫����ظ����ي َوتَ���م���نَ���عُ ���هُ‬ ‫حَ ّ‬ ‫كان ي��راوده خوف من حين آلخر من أحداث ع���ل���ي���ه���ا خ���ي���ف���ة ف�����ي حياتها‬ ‫وذاق كالنا ثكل ص ـ ــاحبه قدم ـ ــا‬ ‫الدهر وصروفه‪ ,‬لكنه لم يحسب لذلك حسابا‬ ‫ول��م يسلها إال المنايـ ـ ـ ــا وإنما‬ ‫فيقول‪:‬‬ ‫أشد من السقم الذي أذهب السقما‬ ‫َيب دهرِ ي جازِ ع ًا فَرِ ق ًا‬ ‫نت ِمن ر ِ‬ ‫قَد كُ ُ‬ ‫نت أَجزَعُ هُ وكنت قبل الموت أستعظم النوى‬ ‫َفلَم أَوقَّ الَّ��ذي قَ��د كُ ُ‬ ‫ف��ق��د ص����ارت ال��ص��غ��رى ال��ت��ي ك��ان��ت العظمى‬ ‫ويحدّث نفسه ليلتمس لها العذر‪ ،‬فقد أحسن‬ ‫وه��ذا ال�ح��ال ينطبق على اب��ن زري ��ق‪ ،‬إذ إن‬ ‫الظن باأليام‪ ،‬ولم يتوقع غدرها فيقول‪:‬‬ ‫أشد من سقمه (الفقر) الذي أذهب السقم عنه‬ ‫نت أَحسَ ُب أَنَّ الده َر يَفجَ عُ نِ ي‬ ‫ما كُ ُ‬ ‫أليّ������ا َم تَفجعُ هُ (الموت)‪ ،‬وأصبح الفقر الذي كان الهم األكبر‪،‬‬ ‫بِ ���هِ وَال أَنَّ بِ ���ي ا َ‬ ‫هو األصغر‪ ،‬مقارنة بالفراق األبدي (الموت)‪.‬‬

‫اجلوبة ‪ -‬صيف ‪1430‬هـ ‪107‬‬


‫ما أجمل النديّة في الحب‪ ..‬كم من عاشق ذاب‬ ‫وج��دا وحنينا‪..‬من ج��راء هجر الحبيب وصده‪.‬‬ ‫وفي األبيات التالية يبين ابن زري��ق اقتناعه‬ ‫فهذا قيس بن الملوح (مجنون ليلى) يقول‪:‬‬ ‫بأن األرزاق بيد الله سبحانه‪ ،‬وهو وحده المعني‬ ‫فيا رب س�� ِّو الحب بيني وبينها‬ ‫بتقسيمها بين عباده‪ ,‬ويؤمن بـ {إن الله هو الرزاق‬ ‫يكون كفاف ـ ــا ال علي وال ليـ ــا ذو القوة المتين}‪( ،‬سورة الذاريات)‪.‬‬ ‫وإال فبغّ ضهـ ـ ــا إل ـ ــيّ وأهلــها‬ ‫ل�ك��ن ال�ن�ف��س اإلن�س��ان�ي��ة جُ �ب�ل��ت ع�ل��ى الطمع‬ ‫فإني بليلى قد لقيت الدواهيا‬ ‫والزيادة‪ ،‬وال تقتنع بشيء فيقول‪:‬‬ ‫ويقول العباس بن األحنف‪:‬‬ ‫لق رزقَهُ مُ‬ ‫قَد َوزَّع اللَهُ بَينَ الخَ ِ‬ ‫م��ت��ى ي��ك��ون ال����ذي أرج����و وآمله‬ ‫لق يُ َضيِّعُ هُ‬ ‫لَم يَخلُق اللَهُ ِمن خَ ٍ‬ ‫أمّ ��ا ال��ذي كنت أخشاه فقد كانا لَكِ نَّهُ م كُ لِّفُ وا ِحرص ًا فلَستَ تَرى‬ ‫يا ليت من نتمنى عند خلوتنا‬ ‫الغايات تُقنُعُ هُ‬ ‫ِ‬ ‫مُ ستَرزِ ق ًا و َِس��وى‬ ‫رص في ال��رِ ِزق وَاألَرزاقُ قَد قُ ِسمَت‬ ‫َالح ُ‬ ‫إذا خ ــال خلوة يوم ــا تمنان ـ ــا و ِ‬ ‫ابن زريق عافاه الله من مؤونة حب من طرف‬ ‫ب َِغ ٌي أَال إِ نَّ بَغيَ المَ رءِ يَصرَعُ هُ‬ ‫واح ��د‪ ،‬فقد أع�ط��اه م��ا ل��م يعط غ �ي��ره‪ ..‬حبيبا‬ ‫وعلى الرغم من مرارة الفراق‪ ,‬واللوعة التي‬ ‫يماثله الحب ويبادله المشاعر‪ ,‬يأنس بقربه‪ ,‬يخلّفها ال��وداع‪ ،‬إال أنه أصر على ال��وداع طامعا‬ ‫ويشقى لبعده‪ .‬وفي هذه األبيات يصف مشاعره في الزيادة‪ ،‬مع يقينه أن الحياة ال تصفو لمفارق‬ ‫وحاله‪ ،‬المتماثلين مع مشاعر وحال محبوبته‪ ..‬أحبابه‪ ,‬وال تطيب لمن نأى عنهم‪ ,‬فيقول‪:‬‬ ‫حيث يقول‪:‬‬ ‫أَال أَق����م����تَ فَ����ك����ا َن ال����� ُرش�����دُ أَج���مَ���عُ ��� ُه‬ ‫���ت لَهُ‬ ‫بِ ��مَ ��ن إِ ذا هَ ��جَ �� َع ال���نُ���وّامُ بِ ُّ‬ ‫َل��و أَنَّ��نِ ��ي َي���و َم ب��انَ ال��رُ ش��دُ اتبَعُ هُ‬ ‫بِ لَوعَ ةٍ ِمنهُ لَيلي ل ُ‬ ‫َست أَهجَ عُ هُ ِإنّ������ي لأَ َق�����طَ �����عُ أيّ����امِ ����ي َوأُنفقُ هـ ـ ـ ــا‬ ‫ئن لِ جَ نبي مَ ضجَ عٌ َوكَذا‬ ‫َطم ُّ‬ ‫ال ي ِ‬ ‫بِ حَ س ـرَةٍ ِمنهُ فِ ��ي قَلبِ ي ُتق َِّطعُ هُ‬ ‫نت مَ ضجَ عُ هُ‬ ‫ال يَطمَ ئِ ُّن لَهُ مُ ذ بِ ُ‬ ‫والبيت التالي كأنه تصدي ٌق للمقولة الشائعة‬ ‫مَ ن ِعن َد ُه لِ ي عَ هدٌ ال يُ ضيّعُ ـ ـ ــهُ‬ ‫«الشخص المناسب في المكان المناسب»‪:‬‬ ‫ُضيِّعُ هُ‬ ‫��دق ال أ َ‬ ‫َكم ـ ــا َل��هُ عَ هدُ ِص ٍ‬ ‫َحسن ِسياسَ تَهُ‬ ‫رُزِ ق ُ��ت مُ لك ًا َفلَم أ ِ‬ ‫���ص���دِّ عُ قَ��ل��ب��ي ذِ ك����� َر ُه وَإِ ذا‬ ‫وَمَ ����ن يُ َ‬ ‫جَ ��رى عَ لى قَلبِ هِ ذِ ك��ري يُ َصدِّ عُ هُ‬ ‫مُ ����وَكَّ ����لٌ بِ ���فَ���ض���اءِ ال��� َل���هِ يَ����ذرَعُ ����هُ‬

‫ل�ق��د أراد اب��ن زري ��ق أن يحيط ه��ذا الحب‬ ‫بسياج منيع‪ ،‬وال يترك ثغرة أو ثلمة قد يتسرب‬ ‫منها‪ ,‬وظ��ن‪ ..‬وص��دق من ق��ال «إن الظن أكذب‬ ‫الحديث»‪ ،‬إن الغنى والسعة تنقص هذه العالقة‪,‬‬ ‫فصدّق ظنه وتبع حدسه‪ ,‬وس��اح في أرض الله‬ ‫الواسعة‪ ,,‬لكأنه مكلف بقياسها طوال وعرضا‪،‬‬ ‫فأخذ يذرعها‪:‬‬ ‫رتحل‬ ‫ٍ‬ ‫كَ���أَنَّ���م���ا هُ ���� َو فِ ���ي ِح����لِّ وَمُ‬ ‫‪ 108‬اجلوبة ‪ -‬صيف ‪1430‬هـ‬


‫لك يَخلَعُ هُ‬ ‫وس المُ َ‬ ‫وَكُ لُّ مَ ن ال يُ ُس ُ‬ ‫ويؤكد أنه بالشكر تدوم النعم‪ ،‬إذ يقول‪:‬‬ ‫وَمَ ن غَ دا البِ س ًا ثَوبَ الن َِعيم بِ ال‬ ‫شَ ��ك��رٍ عَ �� َل��ي��هِ فَ�����إِ نَّ ال��� َل��� َه يَنزَعُ هُ‬

‫أخذ ابن زريق يروّض نفسه على الصبر إذ ال‬ ‫مالذ غيره فيقول‪:‬‬ ‫لأَ َص�����بِ �����رَنَّ ل���ده���ر ال يُ مَ تِّعُ نِ ي‬ ‫ـال يُ مَ تِّعُ ـ ـ ـ ــهُ‬ ‫بِ ��هِ وَال بِ ��يَ فِ ي حـ ـ ٍ‬ ‫عق ٌب َفرَج ًا‬ ‫صطباري مُ ِ‬ ‫ِعلم ًا بِ أَنَّ اِ ِ‬ ‫ألم��رِ إِ ن فَ��كَّ ��رتَ أَوسَ عُ هُ‬ ‫َفأَضيَقُ ا َ‬ ‫عَ سى اللَيالي الَّتي أَضنَت بِ فُ ر َقتَنا‬ ‫ِجسمي سَ تَجمَ عُ نِ ي يَوم ًا َوتَجمَ عُ هُ‬ ‫ُ���غ���لُّ أَحَ ������� َد ًا ِم���نّ���ا مَ ن َّيتَهُ‬ ‫وَإِ ن ت ِ‬ ‫فَما الَّ��ذي بِ قَضاءِ اللَهِ يَصنَعُ هُ‬

‫ن����������������������������������واف����������������������������������ذ‬

‫ماذا تفعل إن كان كما يقولون (الشق أكبر من‬ ‫الرقعة)؟‬

‫آه يا ابن زريق‪ ..‬لم ترحم الليالي ضعفك‪ ,‬ولم‬ ‫أن تفارق شخصا هو في الحقيقة شخصك‪ ..‬تأس لحرمانك‪ ,‬وكانت عند سوء ظنك بها‪ ,‬فوقع‬ ‫ذاتك‪ ..‬أن تبتعد عنه‪ ,‬يعني بتر بعض أعضائك‪ .‬ما كنت تحذر منه‪:‬‬ ‫َيب دَهرِ ي جازِ ع ًا فَرِ ق ًا‬ ‫نت ِمن ر ِ‬ ‫ل��م يستطع اب��ن زري��ق العيش مبتور القلب‪ ،‬قَد كُ ُ‬ ‫ففارق الحياة وه��و يتأوه ألج��ل جزئه المبتور‪,‬‬ ‫نت أَجزَعُ هُ‬ ‫َفلَم أَوقَّ الَّ��ذي قَ��د كُ ُ‬ ‫ورسم تأوهاته شعرًا عذبا سلسا‪..‬‬ ‫لكن ماذا نستطيع حيال القدر‪ ،‬وكما قيل «إذا‬ ‫وي �ص��ور اب��ن زري��ق لحظة ال���وداع المريرة‪ ..‬وق��ع القضاء ض��اق الفضاء»‪ ،‬وليس بوسعنا إال‬ ‫وكأنه وداع طفل ألمه التي ال يقوى العيش دونها‪,‬‬ ‫الخضوع والتسليم‪.‬‬ ‫أو كأنك أمام نعش حبيب‪ ,‬تتشبث به في لحظات‬ ‫دمعة ساخنة‬ ‫ما قبل الدفن‪..‬‬ ‫قضى ولم يقض من أحبابه أربا‬ ‫َحيل ُضحَ ىً‬ ‫َوكَم تَشبَّثَ بي يَو َم الر ِ‬ ‫صب إذا م ّر خفاق النسيم صبا‬ ‫ٌّ‬ ‫����ع����ي مُ ���س���ت َِ���ه�ّل�اّ ٍت َوأَدمُ ����عُ ����هُ‬ ‫َوأَدمُ ِ‬ ‫ما أقسى قرارك يا ابن زريق وما أشد عزمك‬ ‫على تنفيذه!‬ ‫ليتك أذع �ن��ت لرغبة قلبك‪ ،‬ول��م ت��ر ّق��ع شق‬ ‫الصبر فيه‪ ,‬حيث مل الصبر صبره‪ ,‬وباعترافك‬ ‫يا ابن زريق إذ تقول‪:‬‬ ‫رق‬ ‫الصبرِ مُ نخَ ٌ‬ ‫ثوب َ‬ ‫ذب ال َل َه ُ‬ ‫ال أَكُ ُ‬ ‫عَ ���نّ���ي‪ ,‬بِ ���فُ ���رقَ���تِ ���هِ ‪َ ,‬ل���كِ ���ن أَرَقِّ ����عُ ����هُ‬ ‫* ‬

‫القريات ‪ -‬الجوف‪.‬‬

‫اجلوبة ‪ -‬صيف ‪1430‬هـ ‪109‬‬


‫‪...‬فيصل اخلديدي‬

‫اإلبداع والتجميد في حكايات من زمن‬ ‫احلب واجلليد‪..‬‬

‫في عمق النسيان‪ ..‬ثمة ما يستحق‪..‬‬ ‫> ليلى ايت سعيد*‬ ‫لم يكن برترند راسل كاذبا حين قال صدقا أو اعتباطا‪« :‬في كل األحوال‪ ،‬من الصحي‬ ‫بين الحين واآلخر‪ ،‬أن تضع عالمات استفهام على األشياء التي كانت ثوابت على المدى‬ ‫الطويل»‪.‬‬ ‫حين نتأمل دواخل حياتنا الصغيرة جدا‪ ،‬والعميقة كثيرا‪ ،‬نجد أن كثيرا من األشياء‬ ‫ال تستحق فقط عالمة استفهام‪ ،‬بقدر ما تستحق عالمة إلغاء وحذف‪ ..‬أشياء اعتقدنا‬ ‫على المدى الطويل من عمر حياتنا الهستيري أنها أشياء ذات أهمية‪ ،‬أشياء تستحق ما‬ ‫تستحقه من ذلك االهتمام‪ ،‬أو حتى أن نخصص لها ذلك الحيز المقدس من خط حياتنا‬ ‫المستقيم‪..‬‬ ‫ولم يكن فيصل الخديدي كاذبا حين قال‬ ‫في تقديمه لمعرضه ثمة ما يستحق‪« :‬إن‬ ‫اإلنسان متى ما هبت عليه رياح النسيان‬ ‫فإن األثلجة والتجميد هما البديل لكل ما‬ ‫هو قيم‪»..‬‬ ‫إن المالحظ والمتفحص لتجارب الفنان‬ ‫فيصل ال�خ��دي��دي‪ ،‬والقائمة على عملية‬ ‫التجميد‪ ،‬يالحظ أن ما تم تجميده ليس‬ ‫بالضرورة أشياء تستحق التجميد في واقع‬ ‫معين‪ ،‬لكن‪ ..‬بقليل من التمعن‪ ،‬نكتشف أن‬ ‫ما يسعى الفنان فيصل إلى تجميده ليس‬ ‫‪ 110‬اجلوبة ‪ -‬صيف ‪1430‬هـ‬

‫ظواهر األشياء‪ ،‬بقدر بواطنها‪ .‬هل يحاول‬ ‫تجميد اللحظات السعيدة لكي ال تطير‬ ‫عبر رياح النسيان؟؟ هل يحاول أن يجمد‬ ‫المشاعر الجميلة ال�ت��ي تركها اإلنسان‬ ‫تباعا في عالم الصدأ ورح��ل بعيدا؟؟ أم‬ ‫ي�ح��اول بكل بساطة اخ �ت��راق ه��ذا الواقع‬ ‫اللعين‪ ،‬الغبي‪ ،‬المستعصي على اإلمساك‪..‬‬ ‫والمنفلت من دائ��رة البؤساء‪..‬كما تنفلت‬ ‫الذكريات من الذاكرة في مرحلة عمرية‬ ‫ما؟؟‬ ‫ي��ح��اول ف�ي�ص��ل ال �خ��دي��دي م��ن خالل‬


‫ف�����������������������������������ن�����������������������������������ون‬

‫تجربته الجديدة القائمة على عملية التجميد‪،‬‬ ‫أن يعكس فكرة أساس‪ ،‬مفادها أنه بالفعل ثمة‬ ‫ف��ي ع��ال��م النسيان م��ا يستحق التجميد‪ ،‬بكل‬ ‫م��ا ف��ي التجميد م��ن معنى‪ ،‬م��ن خ�لال معرضه‬ ‫الشخصي ال��ذي جاء مؤخرا تحت عنوان «ثمة‬ ‫ما يستحق»‪..‬‬ ‫يضم معرض «ثمة ما يستحق» أفكارا جديدة‬ ‫وجميلة‪ ،‬فيها خليط من االتجاهات التي تحس‬ ‫ح�ي��ن ي��أخ��ذك ال�ن�ظ��ر إل�ي�ه��ا‪ ،‬أن �ه��ا ال تعكس إال‬ ‫صورتك أنت‪ ،‬أو ربما ال تعكس إال ذلك الجانب من‬ ‫حزنك الذي كنت تفكر طويال كيف تتخلص منه‪..‬‬ ‫ليأتي فيصل الخديدي بفكرة التجميد ألشياء‪،‬‬ ‫ه��ي ف��ي العمق العميق تستحق التجميد‪.‬وعن‬ ‫طريق اللدائن البالستيكية‪ ،‬ومادة بالستيك يطلق‬ ‫عليها علميا أوفنيا «ريزن»‪ ..‬جاءت أعمال فيصل‬ ‫الخديدي معبرة عن كثير مما ال يمكن للنسيان أن‬ ‫يطويه بتلك السهولة والبساطة الممكنة‪..‬‬

‫الحفاظ على السعادة في ثالجة‪:‬‬ ‫ثمة ما يستحق‬ ‫تضم أع�م��ال الخديدي ت�م��ردا على مستوى‬ ‫الفكرة‪ ،‬فهو حين يجمد اللعب‪ ،‬ويجمد صور‬ ‫األطفال الصغار‪ ،‬وبالضبط صور أبنائه وألعابهم‪،‬‬ ‫نجده يحاول أن يجمد اللحظات الجميلة في‬ ‫ال��زم��ن‪ ،‬كي ال تنفلت منه‪ -‬من اإلن�س��ان بصفة‬

‫عامة‪ ،‬ألن اإلنسان مع مرور الوقت يبقى حنين‬ ‫ال �ع��ودة إل��ى م��راح��ل طفولته أم ��را ي��راف�ق��ه كل‬ ‫عمره‪ ..‬من هنا‪ ،‬يمكن أن نستنتج محاولة فيصل‬ ‫للحفاظ على لحظات عمرية جميلة‪ ،‬وتجميدها‬ ‫زمنيا؛ فنجده يحاول ما أمكن تجميد اللحظات‬ ‫السعيدة‪ ،‬ك��ي ي�ع��ود إليها ك��ل ح�ي��ن‪ ،‬حيث نراه‬ ‫يبقيها عالقة في الزمن‪ ،‬وفي الذاكرة‪ ,‬ال تمحى‬ ‫وال تعرف النسيان؛ ومن ثم فان فيصل الخديدي‬ ‫هنا‪ ،‬يعمل على تجميد المستحيل‪ ،‬في زمن ال‬ ‫يعرف إال أن ينطلق بسرعة نحو األمام‪ ،‬متجاوزا‬ ‫بسرعة البرق‪ -‬كل اللحظات الطفولية الجميلة‬‫ف��ي ح�ي��اة اإلن��س��ان‪ ..‬تجميدا لمرحلة عمرية‬ ‫تستحق الذكرى والحنين‪ ..‬والمتمعن لألعمال‬ ‫التي تصدح برائحة الطفولة‪ ،‬يكتشف أن فيصل‬ ‫يحاول أن يمتلك اللحظة‪ ،‬ويمارس عليها عملية‬ ‫أخد معاكسة من الزمن‪ ،‬إنه يحاول أن يبقي ما‬ ‫يملكه ملكا ل��ه ع��ن طريق تجميده‪ ..‬والحفاظ‬ ‫عليه ألطول مدة ممكنة‪ ،‬بل وجعله لحظة خالدة‬ ‫ثابتة‪..‬ال يواريها الزمن بلحظات أخرى‪.‬‬ ‫من هنا‪ ،‬نكتشف‪ ..‬أو ببساطة القول‪ ،‬نستنج‬ ‫أنه يعطينا طريقة جديدة لنحافظ على ما نملكه‪،‬‬ ‫إنه التفكير الذي يجعل ما نفرح من أجله ملكا‬ ‫لنا ولذاكرتنا‪ ..‬مهما هرب الزمن وحاول جعل ما‬ ‫نملكه منفلتا من هذه الذاكرة‪ ..‬فثمة ما يستحق‬ ‫التجميد ف��ي ح�ي��اة اإلن �س��ان م��ن أج��ل اإلنسان‬ ‫نفسه‪ ..‬ومن أجل لحظات سعادة قد ال يتبقى‬

‫اجلوبة ‪ -‬صيف ‪1430‬هـ ‪111‬‬


‫الكثير من الوقت‪ ،‬حتى للمرور عليها مرور الكرام مخادعة أو صادقة‪ ،‬ما يعني بذلك كومة من المشاعر‬ ‫الموقوتة التي تخبئها أعين‪ ،‬كالتي اختارها فيصل‬ ‫في عصر السرعة‪ ،‬ودموع التماسيح‪.‬‬ ‫دالة على المعادلة‪..‬‬ ‫** قلوب تحترق برودة‪ ..‬ثمة ما يستحق‪..‬‬ ‫نرى أيضا في مجموعة أعماله المجمدة‪ ،‬النسيان‬ ‫نبض‪ ..‬نبض‪»..‬‬ ‫مقابل التذكر‪ ،‬في عملية تجميد اللحظات الجميلة‬ ‫ما يزال في العمر نبض‬ ‫لمراحل عمرية من حياة اإلنسان‪ .‬وبالضبط مرحلة‬ ‫حين تكثر أكوام الركام وأعمدة الغمام‪ ،‬علي الطفولة‪ ،‬ويمكن هنا أن نضيف إليها تجميد أشياء‬ ‫أن أعلم أن هنالك بعض من نبض السنين يتربع أخ��رى في مراحل العمر‪ ،‬قد ال تشكل بالضرورة‬ ‫فينا‪»..‬‬ ‫جزءا من السعادة‪ ،‬لكنها خلقت بطريقة أو بأخرى‪,‬‬

‫هكذا أخبرني فيصل حين سألته عن شيء ما‪،‬‬ ‫من سؤال ما‪ ،‬في حلقة ما من حلقات التجميد‬ ‫المتوالية‪..‬رجل الثلج يحاول جاهدا أن يبحث عن‬ ‫طريقة يجمد بها نفسه‪ ..‬هنا وجدتني أتساءل‬ ‫بعيدا ع��ن أعين فيصل المتطلعة إل��ى م��ا وراء‬ ‫ال ��وراء‪ ،‬كيف يمكن لإلنسان أن يجمد نفسه؟؟‬ ‫لم انتظر اإلجابة طويال‪..‬ألني وجدتها في بقية‬ ‫أع �م��ال��ه‪..‬أو ب��األح��رى ف��ي بقية مجمداته‪ ،‬هذه‬ ‫المرة هو ال يجمد األشياء من أجل أن يحافظ‬ ‫عليها من النسيان‪ ،‬وج��دت أن��ه يجمد ما يجب‬ ‫عليه أن يجمد في قلب اإلنسان وحياته‪ ،‬يجمد‬ ‫ك��ل المشاعر الجميلة‪ ،‬تلك ال�ت��ي تحولت إلى‬ ‫ركام ت��ذروه رياح الالمباالة‪ ..‬كيف نجمد قلوبنا‬ ‫الصغيرة‪ ،‬ونقول لآلخر‪ ..‬تعامل كما تشاء‪ ،‬فنحن‬ ‫صرنا كما نشاء؟؟ بل كيف وصل فيصل إلى هذه‬ ‫النوع من التجميد؟؟‬ ‫حين تتمعن من جديد أعماله‪ ،‬تجد‬ ‫أنها عالم من المتناقضات المجمدة‪،‬‬ ‫المضغوطة في قالب بالستيكي‪ ،‬إما‬ ‫يحميها أو يمنعها‪ ،‬كل عمل بحسب‬ ‫داللته وأبعاده التي تختلف من وجهة‬ ‫ن�ظ��ر إل ��ى أخ� ��رى‪ .‬ف��ي أع �م��ال��ه تجد‬ ‫الحب يقابله الكره والخداع‪ ،‬ومشاعر‬ ‫أخ��رى مبهمة يصورها لنا من خالل‬ ‫العيون المجمدة‪ ،‬التي يمكن أن تكون‬ ‫‪ 112‬اجلوبة ‪ -‬صيف ‪1430‬هـ‬

‫لحظات سعادة ل��ذي��ذة؛ وهنا‪ ،‬يمكن أن أق��ول إني‬ ‫أتحدت عن تجميد البحوث والرسائل الجامعية‪،‬‬ ‫إضافة إلى تجميد المخطوطات والكتب‪ ،‬فلحظات‬ ‫الدراسة على الرغم من صعوبتها‪ ،‬تبقى لحظات‬ ‫يشتاق اإلن�س��ان إليها ك��ل حين‪ ،‬أو كلما ه � َّم مثال‬ ‫في عملية بسيطة بتقليب ألبوم الصور الذي يخبئه‬ ‫بإحكام في زوايا ذاكرته المنفلتة‪.‬‬ ‫نجد أيضا في أعمال فيصل الخديدي الحديث‬ ‫مقابل التقليدي‪ ،‬في اللوحات التي جمدت فيها‬ ‫لوحات مفاتيح الحواسيب‪ ،‬مقابل تجميد الكتب‬ ‫وال�م�خ�ط��وط��ات‪ ،‬حيت عصر التكنولوجيا صار‬ ‫يضغط كل ما هو ورقي بامتياز؛ كما نجد كذلك‬ ‫الغموض مقابل ال �ب��راءة‪ ..‬الغموض المتمثل في‬ ‫ص�ع��وب��ة م�ع��رف��ة ن��واي��ا اإلن��س��ان وب��واط �ن��ه‪ ،‬هذا‬ ‫المخلوق الغامض بطبعه وطبيعته‪ ،‬والذي مثله من‬ ‫خالل مجموعة من األعمال‪ ،‬كصورة الجيوكندة‬ ‫لدافنشي‪ ،‬هذه المرأة الخالدة التي‬ ‫ال تعرف إن كانت تبتسم في وجهك‪،‬‬ ‫أو تحقد عليك‪ ،‬إن كانت تبكي من‬ ‫أج �ل��ك‪ ،‬أو تبكي م��ن أج��ل نفسها‪،‬‬ ‫إن كانت تنظر إليك‪ ،‬أو تنظر إلى‬ ‫غ��ي��رك‪ ،‬م��وه �م��ة إي� ��اك أن �ه��ا تنظر‬ ‫إل�ي��ك‪..‬ال��خ؛ مجموعة من المشاعر‬ ‫واألحاسيس الغامضة‪ ،‬التي اختزلتها‬ ‫هذه اللوحة الشهيرة‪ ،‬ولعله الغموض‬


‫ف�����������������������������������ن�����������������������������������ون‬

‫ذات��ه ال��ذي يشكل طبيعة اإلن �س��ان‪ ،‬حيت يمكننا‬ ‫ال�ق��ول إن دافنشي ق��د أفلح ف��ي نقله‪ ،‬واختزاله‬ ‫بدقة غامضة في لوحة الجوكندة الخالدة‪ ..‬والذي‬ ‫أفلح فيصل الخديدي في تجميده‪ ،‬محاوال بذلك‬ ‫تجميد مشاعر اإلن �س��ان‪ ،‬وت�ص��رف��ات��ه الغامضة‬ ‫تجاه نفسه‪ ،‬وتجاه بني جنسه‪ ..‬في مقابل البراءة‬ ‫بكل تشكالتها التي صورها لنا من خالل مرحلة‬ ‫الطفولة‪ ،‬وتجميد اللعب والرسومات‪..‬‬

‫كتجميده األوجه التي تحمل ذلك الحب المقدس‪،‬‬ ‫إن المتمعن لتجربة فيصل خالد الخديدي «ثمة‬ ‫أو الحقد المقدس‪ ،‬أو حتى البراءة المقدسة‪...‬‬ ‫ما يستحق»‪ ،‬يجده في كل مجمداته يحاول قدر‬ ‫فيما يجمده فيصل‪ ،‬يدعو المشاهد إل��ى أن‬ ‫المستطاع ‪ -‬بل وأفلح في ذلك عن جدارة ‪ -‬تجميد‬ ‫اللحظات الشعورية‪ ،‬بل وتجميد الحاالت اإلنسانية‪ ،‬يكون شاهدا ليس فقط ببصره‪ ،‬وإنما بأحاسيسه‪،‬‬ ‫إنه باختصار تجميد المشاعر في لحظات معينة‪ ،‬وأنت حين تلمس أعماله‪ ،‬أو حتى تفكر بوضع يدك‬ ‫تجميد الخوف والفرح والبؤس‪..‬الخ‪ ،‬كلها حاالت عليها‪ ,‬ينتابك شعور غريب‪ ،‬وكأن البرودة سرت في‬ ‫إنسانية تستحق التجميد‪ ،‬إما لحاجتنا إليها‪ ،‬أو بدنك كله‪ ،‬تجد أن أعمال فيصل تقول ما قاله نتشه‬ ‫ألنها تؤلمنا‪ ،‬ويجب التخلص منها بتجميدها‪ ،‬كل يوما‪« :‬ال يعجبنا الجيد حين ال نكون في مستواه‪،‬‬ ‫شيء في عالم فيصل الخديدي تجاوز المستحيل لكن بقليل من التمعن‪ ،‬نجد أن ما ال يعجبنا في‬ ‫في عملية التجميد‪ ،‬كل ش��يء قابل للتجميد ما الحقيقة هو السيئ‪ ،‬ألننا ال نستطيع أن ننزل إلى‬ ‫دامت الحياة على األرض قد تعرضت للتجميد‪ ،‬في مستواه»‪ .‬هكذا هي أعمال فيصل‪ ،‬تجربة جديدة‬ ‫مرحلة سابقة من مراحل حياتها‪ ..‬وعلى المتمعن في عالم الفن‪ ،‬تقول إن ما ال يعجبنا في الحقيقة‬ ‫ألعمال فيصل الخديدي أن ال يكون متمعنا وقارئا إن قسرا أو اعتباطا هو ما يستحق التجميد‪،‬‬ ‫مسرعا‪ ،‬بقدر ما يجب عليه أن يكون بقليل من‬ ‫ل�ك��ن م��ا يثير ال��ده�ش��ة وم��ا ي�ب��دو جميال في‬ ‫الذكاء‪ ..‬سريع الفهم‪.‬‬ ‫الموضوع أن كل شيء في عالم فيصل الخديدي‬ ‫وبالتالي نالحظ أن فيصل جمد شيئا يستحق‬ ‫التجميد في حياة اإلنسان‪ ،‬أو بكل بساطة‪..‬نجد‬ ‫فيصل ي �ح��اول أن ي��وص��ل ع��ن ط��ري��ق مجمداته‪،‬‬ ‫فكرة مفادها أن القلوب اإلنسانية تختلف‪ ،‬وأن ما‬ ‫يستحق التجميد أيضا يختلف من إنسان إلى آخر‪،‬‬ ‫شكل تعدد األفكار‪ ،‬والطبائع‪ ،‬واألوجه‪ ،‬والمشاعر‪،‬‬ ‫واألقنعة التي يحب كثير من الناس ارتداءها في‬ ‫األوقات الخطأ دائما‪..‬‬ ‫في أعمال فيصل‪ ،‬نجده جمد أشياء كثيرة‪،‬‬

‫ق��اب��ل للتجميد‪ ،‬إن ب�م��ادة ال�ل��دائ��ن البالستيكية‬ ‫«ال��ري��زن أوف �ي �ن��ا»‪ ،‬أو ب��أي طريقة أخ ��رى‪ ،‬فقط‬ ‫لنكتشف أن في عالم هذا الفنان التشكيلي «الحب‬ ‫والجليد»‪ ..‬ثمة ما يستحق الحياة‪ ..‬ثمة ما يستحق‬ ‫الذكرى‪ ،‬ثمة ما يستحق النسيان‪ ..‬وثمة ما يستحق‬ ‫الحلم‪ ..‬ه��ل يمكن أن نجمد أحالمنا الجميلة‪،‬‬ ‫لنحافظ عليها‪ ،‬ونجمد كوابيسنا لننساها‪ ،‬أو ألنها‬ ‫فقط تستحق التجميد؟ ما المانع مادام كل شيء‬ ‫يستحق في عالم «ثمة ما يستحق»؟؟‬

‫* كاتبة من المغرب‪.‬‬

‫اجلوبة ‪ -‬صيف ‪1430‬هـ ‪113‬‬


‫التورق في اإلسالم ما له وما عليه‬ ‫> د‪ .‬نضال الرمحي*‬ ‫احتدم الجدل حول تحريم «التورق» بعد تأييد مجمع الفقة‬ ‫اإلسالمي‪ ،‬الذي صدر مؤخرا‪ ،‬وال��ذي دعا فيه المؤسسات‬ ‫والمصارف اإلسالمية‪ ،‬إلى تشجيع القرض الحسن‪ ،‬وإنشاء‬ ‫صناديق له‪ ،‬وذلك لتجنيب المحتاجين اللجوء إلى «التورق»‪.‬‬ ‫ويذهب مجمع الفقة اإلسالمي في رؤيته التي أطلقها في‬ ‫مؤتمر الشارقة‪ ،‬إلى التشديد على ضرورة التزام المؤسسات‬ ‫المالية والمصارف اإلسالمية باستخدام صيغ االستثمار‬ ‫والتمويل المشروعة‪ ،‬وتجنب الصيغ المحرمة والمشبوهة‪،‬‬ ‫واالل �ت��زام بالضوابط الشرعية‪ .‬في الوقت نفسه ال��ذي ع��اد فيه الخالف ح��ول رؤية‬ ‫إسالمية في «ال�ت��ورق»‪ ،‬بين عدد من العلماء في المصرفية اإلسالمية‪ ،‬دعا أحدهم‬ ‫إلى إيجاد حلول شرعية حقيقية‪ ،‬واالستفادة من البدائل الكثيرة المتوافرة في فقه‬ ‫المعامالت‪ ،‬واالستعاضة بها عن «التورق» الذي تدعي فيه الكثير من البنوك أنه متوافق‬ ‫مع الشريعة اإلسالمية‪.‬‬

‫معنى التورق‬ ‫ال �ت��ورق ه��و ش��راء سلعة ب��األج��ل‪ ،‬بسعر‬ ‫معين‪ ،‬ثم بيعها في السوق لغير بائعها نقداً‪،‬‬ ‫بسعر أقل‪ ،‬لالستفادة من النقد‪ .‬وهذا جائز‬ ‫عند كثير من الفقهاء‪ ،‬ومنهم الحنابلة في‬ ‫المعتمد‪ .‬وما تجريه المصارف اإلسالمية‬ ‫غالباً‪ -‬يجري وفقاً لهذا القاعدة‪ ،‬والمحذور‬‫في هذه المسألة أن تستخدم هذه المصارف‬ ‫هذه العملية‪ ،‬كوسيلة لجدولة الديون‪.‬‬

‫بعمل نمطي‪ ،‬يتم فيه ترتيب بيع سلعة ‪-‬‬ ‫ليست من الذهب أو الفضة ‪ -‬من أسواق‬ ‫السلع العالمية أو غيرها‪ ،‬على المستورق‬ ‫بثمن آج��ل‪ ،‬على أن يلتزم المصرف ‪ -‬إما‬ ‫بشرط في العقد‪ ،‬أو بحكم العرف والعادة‬ ‫ بأن ينوب عنه في بيعها على مشتر آخر‬‫بثمن حاضر‪ ،‬وتسليم ثمنها للمستورق‪.‬‬

‫وي�ع�رّف «ال �ت��ورق» ب�ش��راء العميل طالب‬ ‫السيولة سلعة بثمن مقسط مؤجل من البنك‪،‬‬ ‫إن التورق الذي تجريه بعض المصارف ثم بعد ذل��ك يبيع السلعة‪ ،‬ويقضي بثمنها‬ ‫ف��ي ال��وق��ت ال�ح��اض��ر‪ ،‬ه��و‪ :‬ق�ي��ام المصرف الحاجة التي أراد من أجلها المال‪ ،‬وهو من‬ ‫‪ 114‬اجلوبة ‪ -‬صيف ‪1430‬هـ‬


‫األدوات المالية التمويلية التي شهدت‬ ‫ج��دال واس�ع��ا بين ع��دد م��ن الفقهاء‬ ‫ف��ي العالم اإلس�لام��ي‪ .‬وي�ت��م تطبيق‬ ‫«التورق» في عدد من البنوك‪ ،‬بهدف‬ ‫توفير السيولة النقدية لشريحة مهمة‬ ‫من عمالء المصارف‪ ،‬من خالل أداة‬ ‫تمويلية إس�لام�ي��ة‪ ،‬ب��دون تعريضهم‬ ‫لخسائر مالية كبيرة‪ .‬وال �ت��ورق كما‬ ‫د‪ .‬يوسف الشبيلي‬ ‫أنواع التورق وأحكامها‬ ‫يعرفه العلماء‪( :‬أن يشتري أحدهم‬ ‫ي�ق�س��م فضيلة ال�ش�ي��خ الدكتور‬ ‫سلعة بثمن م��ؤج��ل‪ ،‬ث��م يبيعها نقداً‬ ‫بثمن أق��ل‪ ،‬ليحصل على النقد‪ ،‬ف��إن باعها إلى يوسف الشبيلي التورق المصرفي إلى نوعين‪ ،‬األول‬ ‫البائع نفسه فهي العينة المحرمة‪ ،‬وإن باعها إلى وهو (بيع التورق الحقيقي المعروف لدى الفقهاء‬ ‫المتقدمين)‪ ،‬والثاني ه��و‪ :‬التورق المنظم‪ ،‬الذي‬ ‫غيره فهو التورق)‪.‬‬ ‫يقوم على (شراء السلعة من المصرف باألجل مع‬ ‫ويعرف مجمع الفقه اإلسالمي التورق بـ(شراء‬ ‫توكيله ببيعها)‪ .‬ويذهب الشيخ الشبيلي إلى إجازة‬ ‫سلعة مملوكة للبائع بثمن مؤجل‪ ،‬وتملك المشتري‬ ‫النوع األول بشرط (أال يبيع العميل ‪ -‬المستورق‬ ‫للسلعة وحيازتها‪ ،‬وبيع المشتري السلعة إلى غير‬ ‫ السلعة المشتراة حتى يملكها ملكاً حقيقياً‪،‬‬‫البائع بثمن حاضر)‪ .‬أما اللجنة الدائمة للبحوث‬ ‫ويقبضها القبض المعتبر شرعاً)‪ ،‬وأال يبيعها على‬ ‫العلمية واإلفتاء فتعرف التورق بـ(أن تشتري سلعة‬ ‫المصرف البائع؛ ألن ذلك من العينة‪ .‬في الوقت‬ ‫بثمن مؤجل‪ ،‬ثم تبيعها بثمن ح��ال على غير من‬ ‫نفسه الذي حَ َر َم فيه التورق المنظم‪ ،‬بسبب عدم‬ ‫اشتريتها منه‪ ،‬بالثمن المؤجل؛ من أجل أن تنتفع‬ ‫تحقيقه القبض الواجب شرعاً؛ وألنه عقد صوري‪،‬‬ ‫بثمنها)‪ .‬ويشير كثير من المختصين اللغويين إلى‬ ‫فهو حيلة على الربا‪.‬‬ ‫أن الورق في اللغة هي الدراهم من الفضة‪ ،‬والتورق‬ ‫طلب ال��ورق أي ال��دراه��م‪ .‬في حين يُشار إل��ى أن ‪ -1‬التورق في اصطالح الفقهاء‪ :‬هو شراء شخص‬ ‫ المستورق ‪ -‬سلعة بثمن مؤجل من أجل أن‬‫االصطالح الفقهي المرتبط بالتورق‪ ،‬يعني شراء‬ ‫يبيعها نقدا بثمن أقل غالبا الى غير من اشتريت‬ ‫سلعة ليبيعها إلى آخر غير بائعها األول‪ ،‬للحصول‬ ‫منه‪ ،‬بقصد الحصول على النقد‪ .‬وهذا التورق‬ ‫على النقد‪ .‬ك��أن يقوم ال�م��رء ب�ش��راء سلعة بثمن‬ ‫جائز شرعا‪ ،‬شرط أن يكون مستوفيا لشروط‬ ‫مؤجل‪ ،‬ثم يبيعها آلخر نقداً‪ ،‬لرغبته في الحصول‬ ‫البيع المقررة شرعا‪.‬‬ ‫على النقد‪ .‬فإن باعها إلى بائعها األول نفسه؛ فهي‬ ‫العِ ينَة الممنوعة‪ ،‬أما إن باعها إلى طرف ثالث فهي ‪ - 2‬التورق المنظم في االصطالح المعاصر‪ :‬هو‬ ‫التورق‪ .‬وقد ذهب جمهور الفقهاء إلى جواز شراء‬ ‫شراء المستورق سلعة من األسواق المحلية‪ ،‬أو‬ ‫الرجل سلعة باآلجل‪ ،‬وبيعها إلى غير بائعها نقداً‪،‬‬ ‫الدولية‪ ،‬أو ما شابهها بثمن مؤجل يتولى البائع‬ ‫وغرضه الحصول على النقود‪.‬‬ ‫الممول ترتيب بيعها‪ ،‬إما بنفسه أو بتوكيل غيره‬ ‫وهذه التعريفات رغم شموليتها ووضوحها‪ ،‬إال‬ ‫أن الخالف ح��ول شرعية (ال �ت��ورق) ال��ذي تقدمه‬

‫م����������������ال واق��������ت��������ص��������اد‬

‫المصارف اإلسالمية‪ ،‬ما زال يثير‬ ‫ال�ك�ث�ي��ر م��ن ال��ج��دل ب �ي��ن العلماء‪.‬‬ ‫وم�ح��ل ال �ج��دل ع ��ادة م��ا يتركز في‬ ‫(صيغة البيع الشرعي الصحيح)‪،‬‬ ‫و(آلية التطبيق) اللذين يُعتقد بأن‬ ‫بعض المصارف اإلسالمية‪ ،‬ال تلتزم‬ ‫في الغالب بتطبيقهما كما يجب‪.‬‬

‫أو بتواطؤ المستورق مع البائع على ذلك‪ ،‬وذلك‬ ‫بثمن حال أقل غالبا‪.‬‬

‫اجلوبة ‪ -‬صيف ‪1430‬هـ ‪115‬‬


‫‪ - 3‬ال��ت��ورق العكسي‪ :‬ه��و ص��ورة ال�ت��ورق المنظم ‪ -3‬يتقدم العميل للبنك بطلب شراء وحدات معينة‬ ‫ن�ف�س�ه��ا‪ ،‬م��ع ك ��ون ال �م �س �ت��ورق ه��و المؤسسة‬ ‫من السلع‪.‬‬ ‫والممول هو العميل‪.‬‬ ‫‪ -4‬توقيع عقد بيع بالتقسيط بين البنك والعميل‬ ‫‪ -4‬ال يجوز التورقان ‪ -‬المنظم والعكسي‪ -‬وذلك‬ ‫الن فيهما ت��واط��ؤ بين ال�م�م��ول والمستورق‪ -5 ،‬تملك العميل للوحدات بموجب مستندات‪.‬‬ ‫صراحة أو ضمنا أو عرفا‪ ،‬تحايال لتحصيل‬ ‫‪ -6‬توكيل العميل للبنك لبيع السلعة نقدا‪ ،‬وإيداع‬ ‫النقد الحاضر بأكثر منه في الذمة وهو ربا‪.‬‬ ‫المبلغ في حسابه‪.‬‬ ‫(بيع على الوصف)‪.‬‬

‫أطراف عملية التورق‬

‫‪ -1‬العميل‪ :‬يشتري باألجل من البنك (عقد بيع‬ ‫بالتقسيط)‪.‬‬

‫‪ -7‬سداد العميل لالقساط المستحقة‪.‬‬

‫آلية التورق في المصارف االسالمية‬

‫ويتمثل تطبيق منتج «ال �ت��ورق» ف��ي المصارف‬ ‫‪ -2‬ال� �ب� �ن ��ك‪ :‬ع �ق��د ب �ي��ع ل �ل �ع �م �ي��ل ب ��اآلج ��ل (بيع‬ ‫اإلسالمية‪ ،‬من خالل شراء البنك كمية من السلع‬ ‫بالتقسيط)‪.‬‬ ‫التي تتسم بالثبات النسبي في أسعارها‪ ،‬والتي‬ ‫‪ -3‬مشتري‪ :‬يشتري السلعة من العميل نقداً‪.‬‬ ‫يمكن ضبطها ووصفها للعميل بما ينفي الجهالة‪.‬‬ ‫وقد يتم شراء هذه السلع من السوق الدولية عبر‬ ‫لماذا ظهر التورق في المصارف؟‬ ‫وسطاء للبنك‪ ،‬وترتيبات مع أطرف مختلفة‪ ،‬أو يتم‬ ‫‪ -1‬تلبية إحتياجات العمالء من النقد‪.‬‬ ‫الشراء من السوق المحلية‪ ،‬ومن ثم يتقدم العميل‬ ‫‪ -2‬تجنيب العمالء للخسائر العالية‪.‬‬ ‫بطلب لشراء كمية من هذه السلع المملوكة للبنك‪،‬‬ ‫على أن يسدد ثمنها على عدة أقساط شهرية أو‬ ‫‪ -3‬تجربة حديثة لتمويل العمالء‪.‬‬ ‫سنوية‪ ،‬أو حسب االتفاق بينهما‪.‬‬

‫الضوابط الشرعية للتورق‬

‫وبعد دراسة طلب العميل وموافقته؛ يتم التوقيع‬ ‫بيع ال�ت��ورق من البيوع الجائزة (ق��رار مجلس على عقد بيع آجل‪ ،‬أو مرابحة بين البنك والعميل‪،‬‬ ‫الفقه اإلسالمي في دورته الخامسة عشرة بتاريخ ثم يتملك العميل السلعة‪ ،‬ويكون له الحق في قبضها‬ ‫‪1998/10/31‬م)‪ .‬كما صدرت فتوى من هيئة كبار والتصرف فيها‪ ،‬أو بيعها‪ .‬ويوكل العميل عادة البنك‬ ‫العلماء بالمملكة العربية السعودية بإجازته‪.‬‬ ‫ببيع هذه السلعة لحسابه نقدا‪ ،‬وإي��داع ثمنها في‬ ‫ح�س��اب��ه‪ ،‬ب �ش��رط أن ي�ت��م ال�ب�ي��ع ع�ل��ى ط��رف ثالث‬ ‫عقود التورق‬ ‫خ�لاف الطرف ال��ذي سبق أن اشترى منه البنك‬ ‫‪-1‬عقد بيع باألجل مع طرف‪.‬‬ ‫هذه السلعة‪ .‬وفي بعض البنوك يوكل العميل المورد‬ ‫‪-2‬عقد بيع بالنقد مع طرف آخر‪.‬‬ ‫ببيع السلعة نيابة عنه‪ ،‬وتحويل قيمتها إلى حسابه‬ ‫ط��رف البنك‪ ،‬على أال يضمن البنك للعميل بيع‬ ‫آلية عمل التورق‬ ‫السلعة بثمن معين في السوق‪ ،‬ولكن يبيعها بأفضل‬ ‫‪ -1‬يشتري البنك كمية من السلع ويتملكها‪.‬‬ ‫سعر‪ ،‬حسب ظ��روف العرض والطلب وقت البيع‪.‬‬ ‫ومن المعروف أن المصارف تجري نوعين من عقود‬ ‫‪ -2‬يعرض البنك السلعة على العمالء لشرائها‪.‬‬ ‫‪ 116‬اجلوبة ‪ -‬صيف ‪1430‬هـ‬


‫‪ -1‬أن يتملك البنك السلعة ويقبضها قبل أن يبيعها‬ ‫على العميل‪.‬‬ ‫‪ -2‬أال يبيع العمي ُل السلعة المشتراة حتى يملكها‬ ‫ملكية حقيقية‪ ،‬ويقبضها م��ن البنك القبض‬ ‫المعتبر شرعا‪.‬‬ ‫‪ -3‬أال يبيع العميل السلعة إل��ى البنك‪ ،‬وال على‬ ‫الشخص الذي باعها إلى البنك أوال‪ ،‬وأال يكون‬ ‫هناك تواطؤ أو عرف بذلك؛ ألن هذا من العينة‬ ‫المحرمة‪.‬‬ ‫ال��ن��وع ال��ث��ان��ي‪« :‬ال �ت��ورق ال�م�ن�ظ��م»‪ ،‬وه��و شراء‬ ‫السلعة م��ن البنك ب��األج��ل م��ع توكيله ببيعها قبل‬ ‫أن يقبضها ‪ -‬أي العميل ‪ -‬واألغلب أن يكون هذا‬ ‫النوع من «ال�ت��ورق» في السلع الدولية‪ ،‬كالمعادن‪،‬‬ ‫وق��د ي�ك��ون ف��ي السلع المحلية‪ ،‬كالحديد واألرز‬ ‫والمكيفات والسيارات وغيرها‪.‬‬

‫هل يتوافق التورق مع أحكام الشريعة‬ ‫يعتقد كثير من المختصين في عالم المصارف‬ ‫اإلسالمية والتمويل اإلسالمي‪ ،‬أنه نظراً للمتغيرات‬ ‫المستمرة في هذا العالم‪ ،‬فإن كثيراً من التحديات‬ ‫والمشكالت ت��واج��ه عالم ال�م�ص��ارف اإلسالمية‪،‬‬ ‫وتتطلب مواجهة وحلوالً‪ ،‬وهو ما تمكنت الصيرفة‬ ‫اإلس�لام �ي��ة م��ن ت�ق��دي��م ح �ل��ول ن��اج�ح��ة لكثير من‬ ‫ال �ت �ح��دي��ات‪ .‬وم ��ن ه�ن��ا ‪ -‬دائ �م��ا ‪ -‬ي��أت��ي السؤال‬ ‫ال��ذي يشير إل��ى أن��ه كلّما زادت متطلبات المرء‪،‬‬ ‫ازدادت حاجته لمصادر التمويل الالزمة لتلبية تلك‬ ‫المتطلبات‪ ،‬فكيف يمكن تحقيق أهدافه وطموحاته‬ ‫في عالم من المتغيرات والتعقيدات التي تحكم‬ ‫شئون التمويل‪ ،‬دون الحاجة للتنازل عن المبادئ‬ ‫والمعتقدات؟ وم��ن هنا‪ ،‬ج��اءت فكرة التعامل مع‬ ‫التورق كتمويل متوافق مع أحكام الشريعة اإلسالمية‬ ‫تم تصميمه ليوفّر السيولة التي يحتاجها المرء‪،‬‬ ‫ضمن إطار من الخدمة الراقية الملتزمة بمبادئ‬ ‫الشريعة اإلسالمية‪.‬‬

‫م����������������ال واق��������ت��������ص��������اد‬

‫«التورق»‪ :‬النوع األول‪ -:‬التورق الحقيقي‪ ،‬وهو أن فيها‪ ،‬ولهذا لو اختار العميل أن يقبض السلعة؛‬ ‫يحتاج شخص ما إل��ى النقد؛ فيشتري سلعة من فسيجد أمامه عراقيل كثيرة‪ ،‬أقلها أنه سيخسر‬ ‫البنك بثمن مؤجل‪ ،‬ثم يبيعها على غير البنك نقدا‪ ،‬في السلعة خسارة مضاعفة‪ ،‬ما يضطره حتما إلى‬ ‫وهو «تورق» يجيزه بعض الفقهاء بثالثة شروط‪:‬‬ ‫توكيل البنك‪ ،‬أو من يختاره البنك‪.‬‬

‫والفرق بينه وبين «التورق الحقيقي»‪ ،‬أن العميل‬ ‫في «ال�ت��ورق المنظم» ال يقبض السلعة ثم يبيعها‬ ‫بنفسه‪ ،‬فليس أمامه إال خيار واحد‪ ،‬وهو أن يوكل‬ ‫وي�ت�ي��ح ال �ت��ورّق ت�س��دي��د ك��اف��ة ال �ت��زام��ات المرء‬ ‫البنك ببيعها‪ ،‬بينما في «ال�ت��ورق الحقيقي» يكون‬ ‫العميل بالخيار بين أن يحتفظ بالسلعة‪ ،‬أو يبيعها المالية ال�ح��ال�ي��ة‪ ،‬وال �ب��دء ف��ي االس�ت�م�ت��اع بتمويل‬ ‫بنفسه في السوق؛ ألنه قبضها قبضا يتمكن به من مبنيّ على أحكام الشريعة اإلسالمية‪ .‬وغالباً ما‬ ‫التصرف فيها بما يشاء‪.‬‬ ‫تتميّز عملية الحصول على هذا التمويل بالسرعة‬ ‫وقد تضع بعض البنوك خيارات متعددة للعميل والسهولة‪ ،‬إضافة إلى كونها حاصلة على موافقة‬ ‫ف��ي ن�م��اذج «ال �ت��ورق المنظم»‪ ،‬ك��أن تخيره بين أن هيئة الرقابة الشرعية‪ .‬وعلى الرغم من الجدل‬ ‫يقبض السلعة بنفسه‪ ،‬أو يوكل البنك في ذلك‪ ،‬أو ال��دائ��ر ب��اس�ت�م��رار ح��ول م��وض��وع ال��ت��ورق‪ ،‬إال أن‬ ‫يوكل طرفا ثالثا له عالقة بالبنك‪ ،‬وهذا التخيير كثيرا من علماء االقتصاد اإلسالمي حسموا األمر‬ ‫في الواقع شكلي؛ ألن «التورق المنظم» إنما يكون بعدم مشروعية التورق‪ ،‬كأحد المنتجات التمويلية‬ ‫سلع يصعب على العميل قبضها‪ ،‬أو التصرف للبنوك اإلسالمية‪ ،‬مستندين إل��ى س��وء تطبيقات‬ ‫في ٍ‬

‫اجلوبة ‪ -‬صيف ‪1430‬هـ ‪117‬‬


‫البنوك اإلسالمية والتقليدية‪ ،‬التي‬ ‫تقدم له منتجات تتوافق مع الشريعة‬ ‫له‪ .‬فقد أشار الدكتور حسين حامد‬ ‫ويتم تطبيق التورق في عدد من‬ ‫حسان رئيس الهيئة الشرعية لبنك‬ ‫البنوك‪ ،‬بهدف توفير السيولة النقدية‬ ‫دب��ي اإلس�لام��ي إل��ى أن فقهاء أقروا‬ ‫لشريحة مهمة من عمالء المصارف‪،‬‬ ‫ب��اإلج �م��اع ع��دم م�ش��روع�ي��ة التورق‪،‬‬ ‫م��ن خ�ل�ال أداة ت�م��وي�ل�ي��ة إسالمية‬ ‫وأن تطبيقاته ف��ي ال�ب�ن��وك ل��م تكن‬ ‫م��ن دون تعريضهم لخسائر مالية‬ ‫د‪ .‬حسين حامد حسان‬ ‫دقيقة‪ ،‬وشابها بعض الشبهات التي‬ ‫كبيرة‪ .‬ويتمثل تطبيق منتج التورق‬ ‫دف �ع��ت ال �ع �ل �م��اء إل ��ى اإلج� �م ��اع على‬ ‫في المصارف اإلسالمية من خالل‬ ‫تحريم التورق المنظم‪ .‬وذكر أن سبب‬ ‫ش ��راء ال�ب�ن��ك كمية م��ن ال�س�ل��ع التي‬ ‫تحريم التورق يعود إلى أنه ال يحتمل‬ ‫تتسم بالثبات النسبي في أسعارها‪،‬‬ ‫الخسارة التي ينطلق منها االقتصاد‬ ‫والتي يمكن ضبطها ووصفها للعميل‬ ‫اإلسالمي في تحمل نسب المخاطرة‬ ‫بما ينفي الجهالة‪ .‬وقد يتم شراء هذه‬ ‫وال�خ�س��ارة‪ ،‬م��ؤك��دا أن ه��ذا اإلجماع‬ ‫السلع من السوق الدولية عبر وسطاء‬ ‫على التحريم يدعمه ق��رار من هيئة‬ ‫للبنك‪ ،‬وترتيبات مع أطرف مختلفة‪،‬‬ ‫المحاسبة وال�م��راج�ع��ة للمؤسسات‬ ‫الشيخ سليمان المنيع‬ ‫أو يتم ال�ش��راء من السوق المحلية‪،‬‬ ‫ال �م��ال �ي��ة اإلس�ل�ام �ي��ة‪ .‬وت �ب��رز دائما‬ ‫وم��ن ثم يتقدم العميل بطلب لشراء‬ ‫قضية جدوى فتوى الهيئات الشرعية‬ ‫في البنوك لمنتج التورق‪ ،‬في الوقت الذي تدور فيه كمية من هذه السلع المملوكة للبنك‪ ،‬على أن يسدد‬ ‫شبهات وشكوك حول مدى جدية والتزام البنوك ثمنها على عدة أقساط شهرية أو سنوية‪ ،‬أو حسب‬ ‫نفسها بما أج��ازت��ه الهيئات الشرعية‪ ،‬خاصة أن االتفاق بينهما‪ .‬وبعد دراسة طلب العميل وموافقته‪،‬‬ ‫مفهوم واستيعاب المصرفية اإلسالمية غير واضح يتم التوقيع على عقد بيع آج��ل‪ ،‬أو مرابحة بين‬ ‫من قبل كثير من العاملين في البنوك التي تقدم البنك والعميل‪ ،‬ثم يتملك العميل السلعة‪ ،‬وله الحق‬ ‫خدمات مصرفية إسالمية‪ ،‬ون��درة المتخصصين في قبضها والتصرف بها أو بيعها‪ .‬ويوكل العميل‬ ‫في هذا المجال‪ .‬وكان الشيخ سليمان المنيع عضو عادة البنك ببيع هذه السلعة لحسابه نقدًا‪ ،‬وإيداع‬ ‫هيئة كبار العلماء السعودية‪ ،‬وأحد أبرز الشخصيات ثمنها في حسابه‪ ،‬بشرط أن يتم البيع على طرف‬ ‫العاملة في الهيئات الشرعية في معظم البنوك ثالث غير الطرف الذي سبق أن اشترى منه البنك‬ ‫السعودية والدولية‪ ،‬قد نبه بأنه ال يجوز في عملية هذه السلعة‪ .‬وفي بعض البنوك يوكل العميل المورد‬ ‫ال�ت��ورق أن يبيع العميل البضاعة على البنك‪ ،‬بل ببيع السلعة نيابة عنه‪ ،‬وتحويل قيمتها إلى حسابه‬ ‫ينبغي أن يبيعها على طرف ثالث؛ ألنه لو باعها على ط��رف البنك‪ ،‬على أال يضمن البنك للعميل بيع‬ ‫البنك صار من بيع الرنة‪ ،‬وبيوع الرنة هي حيلة من السلعة بثمن معين في السوق‪ ،‬ولكن يبيعها بأفضل‬ ‫الحيل الموصلة إلى الربا‪ ،‬وفي األمر نفسه ينبغي سعر حسب ظروف العرض والطلب وقت البيع‪.‬‬ ‫أن تكون السلعة التي يشتريها العميل‬ ‫معلومة إما بالصفة أو بالرؤية‪.‬‬

‫* ‬

‫رئيس قسمي المحاسبة ونظم المعلومات بجامعة الزرقاء الخاصة –األردن‬

‫‪ 118‬اجلوبة ‪ -‬صيف ‪1430‬هـ‬


‫ق�������������������������������������������������������������راءات‬

‫الكتاب ‪ :‬مجموعة «خامت في مياه بعيدة»‬ ‫املؤلف ‪ :‬بسمة النسور‬ ‫الناشر ‪ :‬مؤسسة التنوخي للطباعة ‪ -‬املغرب‬

‫> عبدالله املتقي*‬ ‫صدر عن مؤسسة «التنوخي» للطباعة والنشر والتوزيع بالمغرب‪ ،‬الطبعة األولى من‬ ‫مجموعة«خاتم في مياه بعيدة للكاتبة األردنية بسمة النسور‪ .‬ﺃضمومة تقع في ‪ 76‬صفحة‬ ‫من القطع الصغير‪ ،‬وتزين غالفها لوحة تجريدية للفنان بنيونس عميروش‪ .‬وقد ضمت‬ ‫بين حناياها (‪ )59‬قصة قصيرة جدا‪ ،‬صيغتها المؤلفة تارة بتقنية «السرير الفرويدي»‬ ‫الذي يمنح إمكانيات البوح القصوى للعديد من الحاالت الجوانية المستعصية‪ ،‬وتارة‬ ‫أخرى بتقنية «الكاميرا المحمولة»‪ ،‬التي تتوق إلى تأبيد بعض المشاهدات الواقعية التي‬ ‫تضعها الحياة في مهب المفارقة‪ .‬وعلى ظهر غالف المجموعة‪ ..‬نقرأ الشهادة التالية‬ ‫للقاص المغربي أنيس الرافعي‪« :‬توجيز السرد وتقطير العطر‪ :‬وجهان لبالغة واحدة»‪.‬‬ ‫بالغة القبض على الجوهر الخالص‪،‬‬ ‫بتواضع وإط��راق من يسعى لرؤية الكون‬ ‫في حبة رمل‪ .‬غير أن هذا الجوهر فادح‬ ‫إل��ى أقسى ال�ح��دود‪ ،‬ومشرع على أقصى‬ ‫احتماالت الخذالن‪ ،‬إذا تعلق األمر بكاتبة‬ ‫م��ن ط� ��راز ب�س�م��ة ال �ن �س��ور‪ ،‬ت �ع��ودت على‬ ‫اس�ت�خ�لاص ه��ذا ال�ج��وه��ر بشفرة حادة‪،‬‬ ‫من لحم الروح والتجربة وأعطاب الوجود‪،‬‬ ‫كي تقدمه لنا فيما بعد على شكل حفنات‬ ‫ذكية‪ ،‬ح��ادة‪ ،‬مركزة‪ ،‬وعلى شفير الصمت‬ ‫الناطق الذي ال يشي بكل شيء‪ ،‬وإنما على‬ ‫وتيرة اللمعان ال��ذي يشرق وي�غ��رب‪ ..‬مثل‬ ‫«خاتم في مياه بعيدة»‪ .‬فصرامة النحات‬ ‫التواق إلى الكمال‪ ،‬ودقة النسر المترصد‬ ‫في األعالي‪ ،‬وحكمة المتفاني في مكابدات‬

‫ال�ح��د األدن ��ى للعالم‪ .‬كلها شيم تتجاور‬ ‫وتتساكن دون انفصال أو انفصام في هذه‬ ‫البروق الجميلة‪ ..‬الجميلة حقا‪..‬الجميلة‬ ‫إل��ى األب ��د‪ ..‬الجميلة ب�ج��دارة سامقة‪ ،‬ال‬ ‫يمكن لباطل التلقي أن يطيح بأساساتها‬ ‫المتينة‪ .‬وتجدر اإلش��ارة في هذا الصدد‪،‬‬ ‫إل��ى أن ه��ذا العمل الجديد ه��و المحطة‬ ‫السادسة ضمن المدونة القصصية لرئيسة‬ ‫تحرير مجلة «ت��اي �ك��ي» المتخصصة في‬ ‫األدب النسوي بعد مجاميع‪« :‬نحو الوراء»‬ ‫(‪1991‬م)‪« ،‬اع�ت�ي��اد األش �ي��اء «(‪1994‬م)‪،‬‬ ‫«قبل األوان بكثير»(‪1999‬م)‪« ،‬النجوم ال‬ ‫تسرد الحكايات «(‪2001‬م)‪ ،‬و» مزيدا من‬ ‫الوحشة «(‪2006‬م)‪.‬‬

‫* كاتب من المغرب‪.‬‬

‫اجلوبة ‪ -‬صيف ‪1430‬هـ ‪119‬‬


‫الكتاب ‪ :‬جدل الثقافة واإلبداع‪.‬‬ ‫املؤلف ‪ :‬عزمي خميس‪.‬‬ ‫الناشر ‪ :‬وزارة الثقافة األردنية ‪2004‬م‪.‬‬

‫> سمير الشريف*‬ ‫أخيرا‪ ،‬نزل األديب (عزمي خميس) عند رغبة الذين طالبوه بجمع افتتاحيات مجلة‬ ‫أفكار في كتاب‪ .‬ووضع بين أيدي األجيال عصارة خبرته في الساحة الثقافية‪ ،‬بتواضع‬ ‫المفكر وحساسية األديب‪.‬‬ ‫علمنا عزمي خميس درسا في التواضع الناضج البعيد عن اإلدعاء‪ ،‬ذاك الرجل الذي‬ ‫خدم الحركة الثقافية بدأب‪ ،‬مخلصا لقناعاته دون أن ينتظر مكافأة من أحد‪ ،‬وظل شعاره‬ ‫(إنني أعمل بدافع اإلخالص كما أقوم به)‪.‬‬ ‫طلبت من األستاذ عزمي خميس وبإلحاح إجراء مقابلة لصحيفة بالخارج‪ ،‬محاوال أن‬ ‫أحصل على نسخة لمجموعته القصصية ألكتب عنها‪ ،‬فكان يرد بتواضع جم (ليس في‬ ‫األمر ما يستحق)‪ ،‬ويزوغ من اإلجابة حتى أدركت أن الرجل ال يسعى إلى األضواء‪ ..‬بل‬ ‫يهرب منها‪ ،‬وتلك فلسفة ال يملك المرء إال أن يقدرها ويحترمها‪.‬‬ ‫عزمي خميس مرجع للثقافة األردنية‬ ‫في مخاضاتها ومنابرها‪ ،‬يغوص في هموم ت�ج�ت��رح ال �ب �ط��والت ال��وه�م�ي��ة والفتوحات‬ ‫اإلب� ��داع وال�م�ب��دع�ي��ن‪ ،‬ف�ي�خ��رج إل �ي��ك بما المدّعاة ألصحابها في تقديمهم لكتاباتهم‬ ‫يشخص الحالة‪.‬‬ ‫«ال شيء مما يمكن لفت األنظار إليه‪ ،‬أو‬ ‫ي �ق��ول‪ ،‬وع�ل��ى العكس م��ن المقدمات‪،‬‬

‫وراء الغوص العميق والكشف الدقيق توجيه القارئ نحوه في هذه الموضوعات؛‬ ‫والرصد االستشرافي في مقاالت عزمي فهي ال تملك إال قناعة كاتبها»‪.‬‬ ‫خميس التي ضمنها كتابه (ج��دل اإلبداع‬ ‫لن نستطيع أن نفي كل مقالة‪ ،‬حقها‬ ‫وال �ث �ق��اف��ة)‪ ،‬يستطيع ال��م��رء أن يمسك ولكننا نستشهد فقط؛ فالنص المبدع هو‬ ‫خيطا من حزن إنساني جميل‪ ،‬فماذا قال ال ��ذي ي ��زرع ف��ي خ�لاي��اك ج��رث��وم��ة القلق‬ ‫الرجل؟‬ ‫ال��ذي ال شفاء منه‪ ،‬ويفجر فيك براكين‬ ‫لنقف أوال مع تواضعه في مقدمته؟‬

‫‪ 120‬اجلوبة ‪ -‬صيف ‪1430‬هـ‬

‫العواطف والمشاعر واألحاسيس‪ ،‬ويفتح‬


‫ق�������������������������������������������������������������راءات‬

‫لك أب��واب ال��رؤى الجامحة والخياالت العصية‪،‬‬ ‫أما موهبة التزييف‪ ،‬فال يجد من يتصدى لها‪،‬‬ ‫ك�م��ا ت�ف�ع��ل ال �ش��رك��ات ال �ك �ب��رى‪ ،‬حينما تسحق‬ ‫المنتجات المزيفة بالمداحل‪ ،‬إذ أن من زيفّوا‬ ‫الفن «وبهدلوا» (النفري وابن عربي ولوركا)‪ ،‬ال‬ ‫يقودنا ه��ذا النتشار ظ��اه��رة محيرة اسمها‬ ‫يحصيهم العدد ممن نزعوا الهيبة عن الشعر‪ ،‬األع �م��ال ال�ك��ام�ل��ة‪ ،‬ف�ل�م��اذا ي�ق��وم أص �ح��اب هذه‬ ‫ومزقوا الذوق‪ ،‬وشوهوا النظرة لألدب‪.‬‬ ‫المبادرات بها؟ هل ألن أعمالهم في حياتهم لم‬ ‫ال�م�ب��دع الحقيقي ل��ن ي �ك��ون م�ب��دع��ا إن لم تلق ما تستحق‪ ،‬فيعزي الكاتب نفسه بمثل هذه‬ ‫يمتلك ح��س ال��ده�ش��ة‪ ،‬وه��و م��ن يعيش فكرته المهمة‪ ..‬كأنما يكرم نفسه بنفسه؟ أو يحاول أن‬ ‫ويموت من أجلها‪ ،‬ويتوحد بها‪ ،‬ويحيا بعيدا عن يلفت النظر له عند مقارنة بينه وبين األعالم‬ ‫االنفصام الحاد‪ ،‬المستشري بين لسان المبدع المشهورين في العالم كـ(مارجريت ميتشل)‪ ،‬التي‬ ‫ونتاج قلمه‪.‬‬ ‫لم تكتب غير رواية واحدة‪ ،‬و«والت ويتمان» الذي‬ ‫ع��ن مهمة الناقد ال�ت��ي ب��ات��ت ف��ي م�ن��أى عن لم يبدع غير دي��وان شعر‪ ،‬و(كيركجارد) الذي‬ ‫محاكمة المضمون‪ ،‬ودفنت المؤلف‪ ،‬وانهمكت لم يشارك في ندوة في حياته‪ ،‬بينما المسكين‬ ‫ألف عشرات الروايات وعقدت له عشرات‬ ‫في تحليل هيكل النص مجردا من روحه‪ ،‬مكتفية هنا‪ّ ،‬‬ ‫بممارسة لعبة حل األحاجي واأللغاز‪ ،‬سعيا وراء المقابالت‪ ،‬صحيح أن النشر أصبح ميسورا أمام‬ ‫المهارات اللغوية واللفظية‪ ،‬مهملة حيوية النص م��ن يقدر أن ي��دف��ع‪ ،‬لكن على ال�م��رء أال ينسى‬ ‫وأبعاده العميقة‪ ،‬وأن الحداثة التي ال تأتي إال أن اح �ت��رام الكاتب ال يتم بعدد اإلص� ��دارات‪..‬‬ ‫بالخروج على األص��ول المترسخة عبر تجارب ب��ل بمستوى م��ا ق� �دّم‪ ،‬ل�ه��ذا ن��رى مبدعين بال‬ ‫المبدعين ليست س��وى وه��م؛ ف��اإلب��داع حصيلة إض ��اف ��ات‪..‬ألن اإلب� ��داع الحقيقي ي��رت�ق��ي فوق‬ ‫تراكمات‪ ،‬أم��ا القفز في ال �ه��واء‪ ..‬فليس له إال الجغرافيا واأليدلوجيا واللقب‪..‬حين يالمس‬ ‫جوهر اإلنسان‪.‬‬ ‫السقوط‪ ،‬حتى لو تحت شعار التجريب‪.‬‬ ‫وإضافة وتأويل وإعادة صياغة‪ ،‬فأين النقد الذي‬ ‫يحافظ على براءة النص ويحترم مبدعه وينظر‬ ‫للعمل ككائن حي تحاوره وتختلف معه‪ ،‬وال نقمعه‬ ‫ونشوهه؟‬

‫ال�م�ب��دع الحقيقي ال يستند لغير إبداعه‪،‬‬ ‫وال يكتسب قيمته م��ن لقبه العلمي‪ ،‬وال اسم‬ ‫الصحيفة التي يكتب بها‪ ،‬اآلالف ش��ارك��وا في‬ ‫الحرب العالمية‪ ،‬لكن (همنجواي) وحده من صاغ‬ ‫من تجربته أدبا خالدا‪.‬‬

‫م��ن ه�ن��ا‪ ،‬تنبع إشكالية النقد ال��ذي يكون‬ ‫ف��ي األص ��ل ع��ال��ة ع�ل��ى ال �ن �ص��وص وت��اب �ع �اً لها‪،‬‬ ‫األمر الذي فعل فعله في نفوس النقاد ودفعهم‬ ‫دون وع��ي‪ ،‬لخوض ص��راع خفي مع اإلب��داع في‬ ‫محاولة لتجاوز عقدة التطفل والتبعية بتنصيب‬ ‫أنفسهم أوصياء على النصوص لتنشأ التفكيكية‪،‬‬ ‫األدب ال �خ��ال��د ه��و ال� ��ذي ت �ح��رك��ه األسئلة‬ ‫وكافة المناهج الحديثة ممن تنظر للنص بعيدا اإلنسانية ال�ك�ب��رى‪ ،‬وغ�ي��ر ذل��ك م�ج��رد ثرثرات‬ ‫عن مؤلفه‪ ،‬ولنجد أنفسنا أمام إشكالية وضعنا تمتلئ بها الصفحات‪ ،‬وتراكمات ستجرفها بال‬ ‫النقد أمامها‪ ،‬مع ما يلحق بالنصوص من تمزيق شك رياح النسيان‪.‬‬ ‫* ‬

‫كاتب من األردن‪.‬‬

‫اجلوبة ‪ -‬صيف ‪1430‬هـ ‪121‬‬


‫الكتاب ‪ :‬املدهون مبا ال نعرف‬ ‫املؤلف ‪ :‬رنا جعفر ياسني‪.‬‬ ‫الناشر ‪ :‬دار سنابل للكتاب ‪ -‬القاهرة‪.‬‬

‫(المدهون بما ال نعرف)‪ ،‬هو عنوان االصدار الرابع للشاعرة واإلعالمية والتشكيلية‬ ‫العراقية رنا جعفر ياسين‪ ،‬صدر مؤخرا عن دار سنابل للكتاب في القاهرة‪.‬‬ ‫وقدم الكتاب الذي صنفته الشاعرة بوصفه نصوصا جمعت فيها بين االيجاز والسرد‪،‬‬ ‫تكامل تجربة رنا جعفر ياسين الشعرية والتشكيلية‪ .‬ويعد نصا واحدا متصال‪ ،‬منفصال‬ ‫ال��ى تسعة عشر مشهدا مختوما ً بالترقيمات دونما عناوين فرعية‪ ,‬مالقحاً الشعر‬ ‫بالتشكيل في كل مشهد‪ ،‬من خالل رسومات داخلية بالحبر األسود للفنانة‪.‬‬ ‫وقالت الشاعرة عن نصوص (المدهون وف ��ي ك��ل ق� ��راءة ت�ن��رس��م ص ��ورة مختلفة‪،‬‬ ‫بما ال نعرف)‪ ،‬إنها محاولة لخلق حالة بحث وتنبلج داللة جديدة‪.‬‬ ‫ع��ن ال�لام�س�م��وع وال�لام��رئ��ي‪ ,‬الالمسمى‬

‫والالممسك‪ ،‬األكثر غموضا من المجهول‪,‬‬

‫من خالل توظيف لغة مركبة وفضفاضة‪،‬‬ ‫ورؤى تنفتح على دالالت مختلفة قابلة‬

‫ألكثر من تأويل‪.‬‬

‫وجاءت النصوص فيه بموازاة اللوحات‬

‫للبحث عن الغامض المغمض‪ ،‬مؤكدة رؤى‬ ‫الشاعرة المغايرة للمألوف والحتمي‪ ،‬اذ ال‬

‫وت �م �ك �ن��ت ال��ش��اع��رة م��ن ف���رض حالة‬ ‫الغموض ابتداء من العنوان (المدهون بما‬ ‫ال نعرف)‪ ..‬مرورا باإلهداء الذي كتبت فيه‪:‬‬ ‫(إليه فقط‪ ..‬والى كل ما حوله من غموض‬ ‫وبالونات وأسئلة معلقة)‪ ،‬وقوفا وانتهاء‬ ‫بالنصوص والتخطيطات الداخلية‪.‬‬ ‫يقع الكتاب في (‪ )94‬صفحة من القطع‬

‫يمكن الخروج بنتيجة واح��دة خالل قراءة المتوسط‪ ،‬وضم غالفه لوحة من الكوالج‬ ‫النصوص‪ ،‬بل يحتاج الى أكثر من قراءة‪ ،‬للشاعرة‪ ,‬وتضمن غالفه الخلفي مقطعا‬

‫‪ 122‬اجلوبة ‪ -‬صيف ‪1430‬هـ‬


‫قمْ‪ ,‬وامش ِ إلى دائرتكَ الالعنةِ القرف‬ ‫انظ ْر أنيقا ً إلى العالم ِالمتكوِّر ِفي راحتكَ ‪..‬‬

‫ال��ق��د ُر األق � ��ربُ ب��ج��وارِ اس �ت �غ��اث� ٍ�ة ال يراها‬ ‫بفيض القمع‪ ،‬بل كلما اشتدَّ فحي ُح‬ ‫ِ‬ ‫المُعمَّدو َن‬

‫َ‬ ‫تبص ْر الخب َز‬ ‫الجالس بمحاذا ِة ال�ل��ذة‪ ,‬وقد ال� �ه ��روب‪ ..‬أُغ��مِ �ض��تْ خ�ط��واتُ�ه��م ع�ل��ى السوادِ‬ ‫تبص ْر أيضاً الما َء المنسابَ من رغو ِة الجرائم‪.‬‬ ‫الهش من الريحِ على مداخلِ‬ ‫ُّ‬ ‫المقابل‪ ،‬فال يدلـ ُّهم‬ ‫لن تفكرَ‪:‬‬

‫(ال� �ي ��و ُم ال� �ق ��اد ُم ي�ن�ح�ن��ي ل �ل �م �ق��دام ِالقاهرِ‬

‫للصمت)‬

‫ستلوي النها َر حتى ينكسرَ‪ ,‬وتخر َج من ُه بملءِ‬

‫بياضكَ ‪.‬‬

‫والشاعرة رنا جعفر ياسين من مواليد بغداد‬

‫عام ‪1980‬م‪ ،‬درس��ت الهندسة المعمارية فيها‪.‬‬ ‫وه��ي تقيم ف��ي ال�ق��اه��رة منذ أكثر م��ن عامين‪،‬‬

‫صدر لها من قبل ثالث مجموعات شعرية هي‬ ‫(طفولة تبكي على حجر)‪ ،‬الصادرة عن االتحاد‬ ‫العام لألدباء والكتاب في العراق عام ‪ 2006‬م‪،‬‬

‫و(مسامير في ذاكرة) الصادرة في القاهرة عن‬ ‫دار المحروسة للنشر والتوزيع عام ‪ 2007‬م‪ ،‬بينما‬

‫صدرت مجموعتها الشعرية الثالثة (مقصلة بلون‬ ‫جدائلي) أواخ��ر عام ‪ 2008‬م‪ ،‬في القاهرة عن‬ ‫دار سنابل للكتاب أيضا‪.‬‬

‫ومن مشاهد (المدهون بما ال نعرف)‪:‬‬

‫ق�������������������������������������������������������������راءات‬

‫من أحد النصوص الداخلية جاء فيه‪:‬‬

‫لن تكفي الوجهاتُ لهجر ِة الدخان‪.‬‬

‫الوحلِ الرطب‪.‬‬ ‫�ات ال �م �ح �ف��ورةَ على‬ ‫�ش ال �ب �ص �م� ِ‬ ‫ه �ك��ذا ي�خ�م� ُ‬ ‫الكآبة‪:‬‬ ‫أنت المبللة َللنهاية‬ ‫لست ِ‬ ‫(ال‪ِ ..‬‬ ‫أنت فقط الهادرةُ باللهيب‪.‬‬ ‫ِ‬ ‫لن أكتفي من النارِ بآثارِ الندب‬ ‫سأفت ُح اللهيبَ على مصراعيهِ ألبعث َر نو َم ُه‬ ‫وأص� �ع� � ُد ح �ت��ى آخ� ��رِ ال� �ض ��وءِ ع �ل �ـ �َّن��ي أدفأ‬ ‫ُبالضباب‪.‬‬ ‫النعاس‬ ‫ِ‬ ‫أغام ُر بنكهةِ‬ ‫�راف األوب �ئ��ةِ التي‬ ‫لينكتبَ ال �ك�لا ُم على أط� � ِ‬ ‫عبرتُها بحذاءٍ مُحطـِم)‪.‬‬ ‫ثقب مُقتلـ َع‪ ,‬يتواطأ مع المُفزعِ‬ ‫المهربُ على ٍ‬ ‫ذات‬ ‫من التكوين‪ ،‬ويتهامسان ِللنيلِ من األسئلةِ ِ‬

‫بأنصاف األسرار‪ ،‬متمادياً كنز ٍَق‬ ‫ِ‬ ‫قشط الحكاية َ‬ ‫َ‬ ‫ينقص االكتما َل‬ ‫ُ‬ ‫�ات الفوضوية‪ .‬ك� ُّل ما‬ ‫ملول‪ .‬لم تغدرهُ المعاو ُل ولم تتحاي ْل عليهِ المياهُ االي�ق��اع� ِ‬ ‫يتماهى ليز َّج نفس ُه في تلكَ الخلو ِة المتحوِّلة‪..‬‬ ‫المساهم ُة في عجنِ السماءِ بأديم ِالخواء‪.‬‬ ‫للنهب‪ ..‬فقط يدانِ تكفيان ح�ي��ثُ الحكاية ُب �ع��ريٍّ ي�ت�خ��دَّ ُر م��ن ش��د ِة لزوجةِ‬ ‫ِ‬ ‫ك ُّل ما تناث َر أرشدهُ‬

‫لردمِ المخفيِّ من االنكسار‪.‬‬

‫هامش الموت‪.‬‬ ‫ِ‬

‫اجلوبة ‪ -‬صيف ‪1430‬هـ ‪123‬‬


‫الكتاب ‪ :‬ديوان «أنظر وأكتفي بالنظر»‪.‬‬ ‫املؤلف ‪ :‬عبدالرحيم اخلصار‪.‬‬ ‫الناشر ‪ :‬دار احلرف باملغرب‪.‬‬

‫هل بإمكان الشعر أن يقود العالم؟‬

‫> عبدالغني فوزي*‬

‫ديوان «أنظر وأكتفي بالنظر» للشاعر عبدالرحيم الخصار يعلن قلقه‬ ‫في وجه السطوة المالزمة‪..‬‬ ‫صدر مؤخرا عن دار الحرف بالمغرب ديوان شعري بعنوان «أنظر وأكتفي بالنظر»‬ ‫وثمان وعشرين صفحة‪ ،‬من الحجم‬ ‫ٍ‬ ‫للشاعر عبدالرحيم الخصار‪ ،‬ويمتد على مدار مئة‬ ‫المتوسط‪ ،‬تحتوي على اثني عشر نصا هي‪( :‬الربان األعمى‪ ،‬حطاب األشجار الهرمة‪،‬‬ ‫ليس ذنبي أن يغرق هذا المركب‪ ،‬أبي‪ ،‬األمازيغي‪ ،‬حسن مطلك‪ ،‬دعي العالم يقيم في نزل‬ ‫المجانين‪ ،‬أورتان‪ ،‬مليكة‪ ،‬هذا ما يفعله الحب بي‪ ،‬المحارب‪ ،‬دع عصافيرك تغرد على‬ ‫أشجاري)‪ .‬عناوين ال توصد الباب‪ ،‬وال تتقنع أمام القصائد؛ بل تدفعك لتنخرط في صف‬ ‫هذه القصائد‪ ،‬والتي هي بمثابة رحالت على قدر كبير من التعدد والتشابك بين حاالت‬ ‫ووضعيات‪ ،‬بين الجزئي والكلي‪ ،‬بين التفاصيل نفسها في تلك المعارك التي تنفض العالم‬ ‫من دسائسه‪ ،‬وتسلطه الذي ال ولن يستسيغه الشعر أبدا‪.‬‬ ‫ي�ب��دو ل��ي أن ق ��راءة أح��د أع�م��ال هذا وأنا أقرأ هذه المجموعة الشعرية‪ ،‬فرأيت‬ ‫ال �ش��اع��ر‪ ،‬تقتضي ل�ف��ت ال�ن�ظ��ر لمدونته أن ص�ي��اغ�ت�ه��ا ال �م �غ��اي��رة ل �ه��ا امتدادات‬ ‫الشعرية‪ ،‬اب�ت��داء من مجموعته الشعرية وتقاطعات‪ .‬فكثيرة هي الكلمات الواردة في‬ ‫«أخيرا وصل الشتاء» إلى «نيران صديقة»‪ ،‬الديوان التي تتحول إلى مفردات حياة في‬ ‫ه��ذا فضال ع��ن ح��وارات��ه وان �خ��راط��ه في الشعر‪ ،‬وبه تنسج الرؤيا‪ ،‬وتقطع العالم من‬ ‫ال �م �ش �ه��د ال��ش��ع��ري ال �م �غ��رب��ي والعربي زاوية ما‪ .‬يقول هنا في إحدى حواراته مع‬ ‫بالمتابعة والتفاعل‪ .‬وه��و ما سعيت إليه القاصة منى وفيق‪« :‬الفصل الذي يغويني‬ ‫‪ 124‬اجلوبة ‪ -‬صيف ‪1430‬هـ‬


‫الوحيدة‪ ،‬الحياة هي الخريف»‪ .‬وفي اآلن نفسه‬

‫هل هذه هي الحياة التي انتظرناها طويال يا‬

‫تقول المجموعة الشعرية قيد النظر في قصيدة صديقي؟‬ ‫«الربان األعمى»(‪:)1‬‬ ‫هل هذه هي األفكار التي رتبناها في دفاتر‬ ‫في زحمة الفصول‬ ‫الطفولة؟‬ ‫لم أنتبه إلى خطاي‬ ‫فوضعت قدمي باكرا في الخريف‬

‫ك ��م ح�ل�م�ن��ا ب���أن ي �ص��ل أج��س��ادن��ا النحيفة‬ ‫والباردة‬

‫لم تجن علي الجسور التي عبرتها‬

‫شعاع من الشمس التي تختفي وراء الجبل‬

‫ربما جنى علي هوسي بالغابة‪..‬‬

‫سرنا على األرض حتى تشققت جوارحنا‬

‫إن الشاعر ضمن المرحلة التي ينتمي إليها‪،‬‬

‫سرنا أيضا في الماء بال معجزة‬

‫ال يعبر عن موضوعات محددة بشعرية تراتبية‬

‫وفي عز أحالمنا خذلتنا الطريق‬

‫ضمن قالب حيكت مصفوفاته؛ ب��ل يدخل في‬ ‫مواجهة مع ذاته‪ ،‬لتغدو معبرا يؤزم األشياء‪ ،‬ألنه‬ ‫يعيد تشكيلها ضمن أفق واحتمال مغايرين‪.‬‬

‫ق�������������������������������������������������������������راءات‬

‫كثيرا هو الخريف‪ ،‬ألنه في اعتقادي هو الحقيقة الهرمة» (‪:)2‬‬

‫سرد شعري يقدم أحداثا وأماكن على الرغم‬ ‫من مالمحها الواقعية‪ ،‬فإن السياق غير اآلني‪،‬‬ ‫والشعرية المتعددة األوجه‪ ،‬حولت المعطيات إلى‬

‫م��ن ه��ذا المنطلق‪ ،‬تسوق مجموعة «أنظر إطارات غير مرتهنة لزمن؛ بل لصيقة بتحققات‬ ‫وأكتفي بالنظر» خرائب ذات صغيرة تحت وطء تنطبق على أي إنسان ينوء في أي مكان وزمان‪.‬‬ ‫العالم والوجود‪ .‬في هذه الحالة‪ ،‬تتحول القصيدة‬

‫بدورها إلى معبر لحيوات عديدة‪ ،‬ترتكن لذات‬ ‫تتدحرج على م��رأى م��ن العالم بين التفاصيل‬ ‫وال�ق�ض��اي��ا ال�ك�ب��رى‪ .‬م��ن ه��ذا ال �ب��اب‪ ،‬ق��د تقول‬ ‫القصيدة بعض الحكايا بكيفية شعرية‪ .‬وفي هذا‬ ‫توسيع إلمكانيات القصيدة التعبيرية والتخييلية‪،‬‬ ‫لتكسير أي تمركز غنائي غافل‪.‬‬

‫تصور المجموعة رح�لات لصيقة بالذات‪،‬‬ ‫بين المصير الفردي والجماعي المرمي لجبر‬ ‫السلط والمصادفات‪ ،‬وب�لادة التاريخ الجارف‪.‬‬ ‫لكن سرعان ما تتعدد أنفاس القصيدة لتسوق‬ ‫ت �ع��دده��ا ض�م��ن ت�ج��ان��س م��رك��ب (ن �ف��س غنائي‬ ‫وملحمي)‪ ،‬يجعل القصيد بمثابة إقامة فسيحة‪،‬‬ ‫كلما فتحت بابا‪ ،‬يقودك لباب آخ��ر ك��أن النص‬

‫الشاعر هنا يحكي شعرا‪ ..‬بعضا من التاريخ ط�ب�ق��ات م��ن ال�ت�ش�ك�ي��ل‪ .‬وه��ي أول �ي��ات تركيبية‬ ‫وال �ح��ب وال�ش�ع��ر أي �ض��ا‪ ،‬أو ق��ل ع�لائ��ق الذات‪ .‬وتخييلية تطوي على تجربة حياة غنية بترحالتها‬

‫فتغدو هذه األخيرة كأداة سابحة في امتدادات في الهواء‪ ،‬أو امتداد الحياة والمرجع‪ ،.‬أقول هي‬ ‫ع��دي��دة‪ ،‬ام �ت��دادات الحياة وال��وج��ود اإلنساني‪ .‬أوليات‪ ،‬يقتضي فكها بهدوء وحذر حتى ال نفقد‬

‫تقول المجموعة في قصيدة «حطاب األشجار للقصيدة طينتها المركبة‪.‬‬

‫اجلوبة ‪ -‬صيف ‪1430‬هـ ‪125‬‬


‫نعم في إمكان الشاعر أن يقود العالم انطالقا م��ن تخشبها ال �ب�لاغ��ي المتصلب ق��ي حديده‬ ‫من وعائة ال��ذي تستحم فيه ال�ح��روب‪ .‬وعليه‪ ،‬المحروس‪.‬‬ ‫فالذات تتعدد وتتقمص وضعيات وحاالت تجعل‬

‫ت��وج��ه المجموعة ك��ل سهامها وإمكاناتها‬

‫المتكلم متعددا‪ ،‬محيال على ضحايا المرحلة‪ ،‬ال�ل�غ��وي��ة والتخييلية ال �ت��ي ت�ت�غ��ذى ع�ل��ى مقروء‬ ‫وع �ل��ى أب �ط��ال أس��اط �ي��ر‪ ،‬وع �ل��ى ق ��در ك�ب�ي��ر من فلسفي وأدب��ي قلق‪ ،‬أق��ول توجه سهامها ضمن‬ ‫الماء في ذاك العمق غير المنتهي‪ ،‬في احتمال حرارة تجربة إنسانية تجاه الحياة‪ .‬فغدت الحياة‬ ‫حياة أخ��رى‪ ،‬ولو في االفتراض الشعري‪ .‬تقول الصغيرة‪ ،‬كأنها ذات إنسانية تتغذى على قيم‬

‫المجموعة في قصيدة «المحارب»(‪:)3‬‬

‫جوهرية ف��ي ال��وج��ود (ق�ل��ق‪ ،‬ان�ع�ت��اق‪ ،‬حرية‪.)..‬‬

‫إلى أين أمضي؟‬

‫الشيء الذي انعكس على البناء الشعري‪ :‬صور‬

‫الكالب في وطني تخنق الهواء بنباحها‬

‫مركبة تتوالد تبعا للحالة والموقف‪.‬‬

‫والطرائد تسقط في أول رحلة صيد‬ ‫البؤس يعدو أمامي على الرصيف‬ ‫والخسة تحدق في من الشرفات‬

‫س��ردي��ة ه �ن��ا ال ت �ق��دم أخ� �ب ��ارا‪ ،‬ب��ل تسوق‬ ‫حاالت‪ ،‬تستحم في توصيف يسعى إلى تشخيص‬ ‫المتناقضات‪ .‬فكانت ال��ذات أرج��وح��ة الشاعر‬ ‫لضم العالم والحياة إليها‪ .‬في هذه الحالة قد‬

‫األشرار هنا يسوقون عربات الورد‬

‫تعبر األش�ي��اء المحيطة ب��دوره��ا ع��ن الخلجات‬

‫والشياطين يلقنون دروس اإليمان‬

‫والمسالك الخفية‪.‬‬

‫يغلب ظني أن المجموعة تخففت بما يكفي‪،‬‬

‫ثمة ف��ي ال�م�غ��رب واألق �ط��ار العربية اآلن‪،‬‬

‫من ثقل الخطابات وحيفها في التسييج والتضليل أص��وات شعرية عميقة تخلق إقامتها الشعرية‬ ‫وتحريف الشعر أيضا‪ ..‬والتفتت لنفسها الثكلى بطرائق ول�م�س��ات‪ ،‬تحتاج ليس للكشف ولوك‬

‫ضمن الحياة‪ ،‬معانقة وهمها الجميل‪ .‬وه��و ما الكالم التعميمي والمكرور حولها‪ ،‬بل إلى شحذ‬ ‫يثبت أن الشعر بإمكانه أن يقود العالم في ذاك األدوات لمعاركة ه��ذه األع �م��ال‪ ،‬ك��ل على حدة‬ ‫الوهم الصافي‪ ،‬بوصفه أصل الهدم بمعاول البلور إلن�ص��اف ه��ذا الشعر أوال وأخ �ي��را‪ ،‬ألن��ه يغتني‬ ‫القابل للكسر نبضا نبضا‪ .‬من هنا ترقب الذات ب �ت �ج��ارب ول �م �س��ات وإض ��اف ��ات‪ ..‬فلنتحرر من‬ ‫العالم وتسوقه بالعالمات والرموز‪ ،‬بالصور التي صداقتنا النمطية م��ع الشعر؛ ألن��ه ل��ن يتحول‬ ‫تفتح اللغة نفسها على آف ��اق أخ ��رى‪ ،‬لتتطهر بشكل من األشكال إلى بصل في كل األفواه‪.‬‬

‫* كاتب من المغرب‪.‬‬ ‫(‪ ) 1‬مقطع من قصيدة «الربان األعمى» من المجموعة نفسها ص ‪7‬‬ ‫(‪ )2‬المقطع الثاني من قصيدة «حطاب األشجار الهرمة» من الديوان نفسه ص ‪18‬‬ ‫(‪ )3‬المقطع الثالث من قصيدة «المحارب» من المجموعة الشعرية نفسها‪ ،‬ص‪102‬‬

‫‪ 126‬اجلوبة ‪ -‬صيف ‪1430‬هـ‬


‫األنشطة الثقافية باملؤسسة‬

‫< إعداد‪ :‬عماد املغربي‬

‫سبل االستثمار السياحي في تنمية اقتصاديات منطقة الجوف‬ ‫أقيمت يوم األربعـــــاء ‪1430/6/10‬هـ في قاعة العــــــــــرض والمحاضرات بدار الجوف للعلوم ندوة‬ ‫ع��ن‪« :‬س�ب��ل االستثمار السياحي في‬ ‫تنمية اقتصاديات منطقة الجــــوف»‪،‬‬ ‫شارك فيها‪ :‬الدكتور علي بن إبراهيم‬ ‫الغبان ‪ -‬نائب رئيس الهيئة العامـــة‬ ‫للسياحة واآلثار والمتاحف‪ ،‬والدكتور‬ ‫ص �ل�اح ب ��ن خ��ال��د ال �ب �خ �ي��ت ‪ -‬نائب‬ ‫رئيس الهيئة العامة للسياحة واآلثار‬ ‫لالستثمار‪ ،‬والدكتور خليل بن إبراهيم‬ ‫المعيقل – عضو مجلس الشورى‪ ،‬وقدم‬ ‫لها األستاذ حسين بن علي المبارك –‬ ‫المدير التنفيذي لجهاز السياحة بمنطقة الجوف‪ ،‬وحضرها عدد من أهالي المنطقة ومثقفيها‪،‬‬ ‫وجرى نقلها إلى القسم النسائي عبر الدائرة التليفزيونية المغلقة‪.‬‬ ‫وخالل الندوة ‪ -‬وألول مرة ‪ -‬عرض د‪ .‬علي الغبان صورة لمشروع متحف منطقة الجوف الجديد‪،‬‬ ‫المزمع تنفيذه من قبل الهيئة العامة للسياحة واآلثار‪ ،‬والذي تعادل مساحته ثمانية أضعاف مساحة‬ ‫المتحف الحالي‪.‬‬

‫صورة لمتحف منطقة الجوف الجديد المزمع تنفيذه‬

‫اجلوبة ‪ -‬صيف ‪1430‬هـ ‪127‬‬


‫تخطيط واقتصاديات العمارة السعودية‬ ‫أقيمت يوم الثالثاء ‪1430/6/23‬هـ في قاعة العرض والمحاضرات بدار الجوف للعلوم ندوة عن‬ ‫«تخطيــــط واقتصـــــاديـــات العمــــارة السعودية»‪ ،‬شارك فيها الدكتور مشاري بن عبدالله النعيم ‪ -‬أستاذ‬ ‫النقد المعماري بجامعة الملك فيصل‪،‬‬ ‫والمهندس صالح بن ظاهر العشيش‬ ‫– ن��ائ��ب م��دي��ر ع��ام المشاريع بوزارة‬ ‫الصحة‪ ،‬وق��دم لها األس �ت��اذ إبراهيم‬ ‫اب��ن موسى الحميد – رئيس النادي‬ ‫األدبي بمنطقة الجوف‪ ،‬حضرها عدد‬ ‫من أهالي المنطقة ومديري الدوائر‬ ‫الحكومية‪ ،‬وقد نقلت للقسم النسائي‬ ‫عبر الدائرة التليفزيونية المغلقة‪.‬‬

‫أمسية شعرية‬ ‫أق� � �ي� � �م�� ��ت ي � � � � ��وم ال� � �ث��ل��اث�� ��اء‬ ‫‪1430/6/30‬ه� �ـ‪« .‬أمسية شعرية»‪،‬‬ ‫ش � ��ارك ف �ي �ه��ا ال� �ش ��اع ��ران جاسم‬ ‫محمـــــــد ال �ص �ح �ي��ح‪ ،‬وإبراهيم‬ ‫حســــــــــــين زولي‪ ،‬وأدارها عبدالبر‬ ‫علواني – المعلم بمتوسطة وثانوية‬ ‫الرحمانيــــــــة‪.‬‬ ‫أل �ق��ى ال�ص�ح�ي��ح م�ج�م��وع��ة من‬ ‫ق�ص��ائ��ده م�ن�ه��ا‪( :‬م��ا وراء حنجرة‬ ‫ال�م�غ�ن��ي ‪ -‬ال ش ��يء م�ث��ل ال �ح��ب ‪-‬‬ ‫غراب على شجرة الميالد ‪ -‬لجـــــوء‬ ‫جمالي)‪ ،‬ثم أعقبه الزولي بمجموعة من قصائده من شعر التفعيله‪ ..‬منها‪( :‬فجراً أتوك ‪ -‬كفن ال‬ ‫يليق بفقري ‪ -‬حيث النباتات تجلس عارية ‪ -‬قصائد ضالة تمارس شعيرة الفوضى (‪22‬قصيدة‬ ‫قصيرة) ‪ -‬الثبوت ‪ -‬زيارة إلى روح أمي ‪ -‬دروب)‪ .‬وقد نقلت األمسية إلى القسم النسائي عبر الدائرة‬ ‫التليفزيونية المغلقة‪.‬‬ ‫‪ 128‬اجلوبة ‪ -‬صيف ‪1430‬هـ‬


Turn static files into dynamic content formats.

Create a flipbook
Issuu converts static files into: digital portfolios, online yearbooks, online catalogs, digital photo albums and more. Sign up and create your flipbook.