JobaLayout_26

Page 1

‫‪ -‬العدد ‪ - 26‬شتاء ‪1431‬هـ ‪2010 -‬م‬

‫صدر حديث ًا عن مؤسسة عبدالرحمن السديري اخليرية‬

‫دراسات‬ ‫صفاء خلف‬ ‫عبدالدامي السالمي‬ ‫قصص‬ ‫إبراهيم احلميد‪ ،‬ضيف فهد‬ ‫عبدالوهاب امللوح‬ ‫شعر‬ ‫عيد احلجيلي‪ ،‬جاسم عساكر‬ ‫عائشة احلطاب‪ ،‬عائشة املؤدب‬ ‫مواجهات مع‬ ‫معاشي ذوقان العطية‬ ‫ناصر محمود عطاالله‬ ‫جمال جنيب التالوي‬

‫ملف العدد‪ :‬قصيدة النثر‬

‫مبشاركة‪ :‬محمد جميل أحمد‪ ،‬محمد احلرز‬ ‫‪26‬‬

‫عبدالله السمطي‪ ،‬إبراهيم الكراوي‬

‫‪26‬‬


‫من إصدارات اجلوبة‬

‫إبل ترعى في ربيع اجلوف شرقي مدينة سكاكا‬ ‫وتظهر زهور الغر األصفر والسليح البنفسجي‬


‫جانب من قلعة مارد باجلوف‪ ،‬يشرف على مدخل سوق دومة اجلندل التاريخي‬

‫اجلوبة ‪ -‬شتاء ‪1431‬هـ‬

‫‪1‬‬


‫العدد ‪26‬‬ ‫شتاء ‪1431‬هـ ‪2010 -‬م‬

‫ملف ثقافي ربع سنوي‬ ‫يصدر عن مؤسسة عبدالرحمن السديري اخليرية‬

‫املشرف العام‬ ‫إبراهيم احلميد‬ ‫املراسالت‬ ‫توجه باسم املشرف العام‬ ‫ّ‬

‫هاتف‪)+966( )4( 6245992 :‬‬ ‫فاكس‪)+966( )4( 6247780 :‬‬ ‫ص‪ .‬ب ‪ 458‬سكاكا‬ ‫اجلـ ــوف ‪ -‬اململكة العربية السعودية‬ ‫‪aljoubah@gmail. com‬‬ ‫‪www. aljoubah. com‬‬

‫ردمد ‪ISSN 1319 - 2566‬‬

‫سعر النسخة ‪ 8‬رياالت‬ ‫تطلب من الشركة الوطنية للتوزيع‬

‫قواعد النشر‬

‫‪ - 1‬أن تكون املادة أصيلة‪.‬‬ ‫‪ - 2‬لم يسبق نشرها‪.‬‬ ‫‪ - 3‬تراعي اجلدية واملوضوعية‪.‬‬ ‫‪ - 4‬تخضع املواد للمراجعة والتحكيم قبل نشرها‪.‬‬ ‫‪ - 5‬ترتيب املواد في العدد يخضع العتبارات فنية‪.‬‬ ‫‪ - 6‬ترحب اجلوبة بإسهامات املبدعني والباحثني والكتّاب‪،‬‬ ‫على أن تكون املادة باللغة العربية‪.‬‬ ‫اجلوبة من األسماء التي كانت تطلق على منطقة اجلوف سابق ًا‬

‫الناش ـ ـ ـ ــر‪ :‬مؤسسة عبدالرحمن السديري اخليرية‬ ‫أسسها األمير عبدالرحمن بن أحمد السديري (أمير منطقة اجلوف من ‪1362/9/5‬هـ‬ ‫ ‪1410/7/1‬هـ املوافق ‪1943/9/4‬م ‪1990/1/27 -‬م) بهدف إدارة ومتويل املكتبة العامة‬‫التي أنشأها عام ‪1383‬هـ املعروفة باسم دار اجلوف للعلوم‪ .‬وتتضمن برامج املؤسسة‬ ‫نشر الدراسات واإلبداعات األدبية‪ ،‬ودعم البحوث والرسائل العلمية‪ ،‬وإصدار مجلة‬ ‫دورية‪ ،‬وجائزة األمير عبدالرحمن السديري للتفوق العلمي‪ ،‬كما أنشأت روضة ومدارس‬ ‫الرحمانية األهلية للبنني والبنات‪ ،‬وجامع الرحمانية‪.‬‬ ‫‪2‬‬

‫اجلوبة ‪ -‬شتاء ‪1431‬هـ‬


‫الـمحتويــــات‬

‫‪6.......................‬‬ ‫ملف العدد‪ :‬قصيدة النثر‬

‫‪51.....................‬‬ ‫ناصر احلسن‬

‫‪73.....................‬‬ ‫قراءة في شعر ثاني احلميد‬

‫‪85.....................‬‬ ‫معاشي ذوقان العطية‪ ،‬موسوعة‬ ‫جوفية تاريخية جغرافية اجتماعية‬ ‫ال���غ�ل�اف‪ :‬ل��وح��ة زي �ت �ي��ة ل �ل �ف �ن��ان التشكيلي‬ ‫األستاذ‪ /‬سعيد العالوي الذي يعتبر احد أبرز‬ ‫الفنانني ال�س�ع��ودي�ين‪ ،‬أق��ام ع �ش��رات املعارض‬ ‫الشخصية وش ��ارك ف��ي ال�ع��دي��د م��ن املعارض‬ ‫الدولية‪ ،‬وحصل على عدد من اجلوائز املهمة‪،‬‬ ‫وجتربته الفنية ثرية و مؤثرة‪.‬‬

‫االفتتاحية ‪4....................................................................‬‬ ‫ملف العدد‪ :‬قصيدة النثر ‪6..................................................‬‬ ‫دراسات‪ :‬التناقض الوجودي وما ورائيات النص ‪ -‬صفاء خلف ‪32..........‬‬ ‫الواصف والموصوف ‪ -‬عبدالدّائم السالّمي ‪41............................‬‬ ‫قصص قصيرة‪ :‬نصوص قصيرة ‪ -‬إبراهيم الحميد‪46.....................‬‬ ‫نمل الكلمات ‪ -‬ضيف فهد‪48...............................................‬‬ ‫نصوص ‪ -‬عبدالوهاب الملوح ‪49...........................................‬‬ ‫قصص قصيرة ‪ -‬طاهر الزارعي‪50........................................‬‬ ‫قصص قصيرة جدا ‪ -‬ناصر الحسن‪51....................................‬‬ ‫مغلق بإحكام ‪ -‬ناصر العُمري ‪52...........................................‬‬ ‫نصوص قصصية ‪ -‬مريم الحسن ‪54.......................................‬‬ ‫نصوص قصصية ‪ -‬بشاير فارس‪55........................................‬‬ ‫ثالث قصص قصيرة ‪ -‬صالح الحسيني ‪56................................‬‬ ‫قصص قصير ة جدا ‪ -‬كوثر النحلي ‪58....................................‬‬ ‫شعر‪ :‬أعطابٌ باكِ َرةٌ ‪ -‬نوّارة لحرش ‪59.......................................‬‬ ‫دعــــــــــاك العشق‪ - ..‬جاسم عساكر ‪60.....................................‬‬ ‫رحلة ‪ -‬د‪ .‬حافظ المغربي‪61...............................................‬‬ ‫اصطَ َفيْتُكَ ِلنَف ِْسيَ نَفْسً ا ‪ -‬عائشة الحطاب ‪62.............................‬‬ ‫ْ‬ ‫من الشعر الفارسي المعاصر ‪ -‬سهيال كرمجي‪63.........................‬‬ ‫كمن يلتمس حلماً ‪ -‬عماد الدين موسى ‪65.................................‬‬ ‫قصائد ‪ -‬عيد الحجيلي ‪67.................................................‬‬ ‫لون الغياب ‪ -‬عائشة المؤدب ‪68............................................‬‬ ‫يَشتعِ ُل العِ ط ُر غَ يما‪ - !..‬علي العسيري‪69..................................‬‬ ‫نقد‪ :‬حين يصبح الحكي خطابًا ‪ -‬حسين الهاشمي ‪70......................‬‬ ‫قراءة في شعر ثاني الحميد ‪ -‬د‪ .‬محمود خلف الله ‪73....................‬‬ ‫جماليّة المعمار الروائيّ وقوة السّ رد المراوغ ‪ -‬هشام بن الشاوي‪78...........‬‬ ‫قراءة في ديوان أوقات محجوزة للبرد ‪ -‬هشام الصباحي ‪83..............‬‬ ‫مواجهات‪ :‬حوار مع معاشي ذوقان العطية ‪ -‬محمود الرمحي ‪85...........‬‬ ‫حوار مع ناصر محمود عطا الله ‪ -‬محمد زيتون‪92........................‬‬ ‫حوار مع الناقد د‪ .‬جمال نجيب التالوي ‪ -‬محمد الحمامصي ‪96.........‬‬ ‫نوافذ‪ :‬أثر الوسائل التعليمية في العملية التربوية ‪ -‬د‪ .‬محمد البلخي ‪102...‬‬ ‫الطّ فــل وَالكتـَــاب ‪ -‬عالء الدين حسـن‪104..................................‬‬ ‫دور التعليم في ترسيخ مفهوم المواطنة ‪ -‬د‪ .‬جميل الحميد ‪107...........‬‬ ‫اللهجات العربية في منطقة الجوف ‪ -‬د‪ .‬عبدالناصر عيسى‪109..........‬‬ ‫هل تشبه الكلمات كاتبها؟ ‪ -‬إيمان مرزوق‪113..............................‬‬ ‫ذكريات في زمن قد يخلو من االبتسامة ‪ -‬أمل الشمري‪114...............‬‬ ‫مال واقتصاد‪ :‬تداعيات األزمة المالية العالمية على أزمة دبي المالية‬ ‫أ‪ .‬د‪ .‬محمود الوادي ‪115....................................................‬‬ ‫قراءات ‪120..................................................................‬‬ ‫األنشطة الثقافية ‪128.......................................................‬‬

‫اجلوبة ‪ -‬شتاء ‪1431‬هـ‬

‫‪3‬‬


‫على هامش قصيدة النثر‬ ‫> إبراهيم احلميد‬ ‫قصيدة النثر‪ ،‬هذا الشكل الفني الذي بات يحتل مساحة كبيرة في النتاج الشعري العالمي‪،‬‬ ‫عامة‪ ،‬وفي المشهد الشعري العربي المعاصر‪ ،‬خاصة؛ يرى الكثيرون ‪ -‬ممن يعترضون على‬ ‫هذا المسمى ‪ -‬أنه يحمل تناقضا في بنيته‪ ،‬وهو مبني على قناعتهم التامة بأن القصيدة «وفقا‬ ‫للموروث الثقافي»‪ ،‬ال بد أن تؤلف على أوزان وإيقاعات‪ ،‬وأن النثر يخلو من ذلك كله‪ .‬وقد احتدم‬ ‫الجدل والنقاش حول شرعية هذه القصيدة وهويتها‪ ،‬وتباينت اآلراء وتضاربت حولها‪ ..‬ما بين‬ ‫القبول والرفض‪ ،‬ما انعكس على الملتقيات والندوات والمحاضرات الثقافية واألدبية‪.‬‬ ‫فهناك من يرى أن قصيدة النثر متمردة على كافة القوانين الكالسيكية في نظم الشعر‪،‬‬ ‫وتستمد قوتها من الحداثة والمغايرة والتنافر‪ ،‬في محاولة لتغيير القوالب الشعرية الجامدة‬ ‫والجاهزة؛ بل إنها محاولة جادة لتجديد الشكل الشعري العربي‪ ،‬كما أضفت للمشهد األدبي‪،‬‬ ‫ال متجرداً من طوق الصرامة‬ ‫جنسا أدبيا ينزع نحو التجدد والعصرنة والحداثة‪ ،‬جنساً مستق ً‬ ‫والقيود‪ ،‬سيعزز ‪ -‬من دون شك ‪ -‬طريق األدب‪ ،‬ويرفده بقوة التكثيف والتخييل والشفافية‪.‬‬ ‫تذهب س��وزان برنار إل��ى أ َّن قصيدة النثر «قطعة نثر موجزة بما فيه الكفاية‪ ،‬موحّ دة‪،‬‬ ‫مضغوطة‪ ،‬كقطعة من بلّور‪ ...‬خلق حرّ‪ ،‬ليس له من ضرورة غير رغبة المؤلف في البناء خارجاً‬ ‫عن ك ّل تحديد‪ ،‬وشيء مضطرب‪ ،‬إيحاءاته ال نهائية»‪.‬‬ ‫ويقول أنسي الحاج ‪ -‬أحد أهم شعراء قصيدة النثر العربية ‪ -‬عن شروط قصيدة النثر‪:‬‬ ‫«لتكون قصيدة النثر قصيدة حقاً ال قطعة نثر فنية‪ ،‬أو محملة بالشعر‪ ،‬شروط ثالثة‪ :‬اإليجاز‪،‬‬ ‫والتوهج‪ ،‬والمجانية»‪.‬‬ ‫وي� ��رى آخ � ��رون أن ق �ص �ي��دة ال �ن �ث��ر‪ ،‬ج �ن��س أدب� ��ي ي�س�ت�م��د م ��ن ال��ح��داث��ة وال �ث �ق��اف��ة أهم‬ ‫م �ق��وم��ات��ه‪ ،‬وه���ي ض � ��رورة ف��رض��ت ن�ف�س�ه��ا إزاء ال� �ت� �ط ��ورات ال �ح��اص �ل��ة ف ��ي المجتمعات‪،‬‬ ‫م��ن أه ��م م �ب��ادئ �ه��ا األس��اس��ي��ة‪ :‬ال �ح �ص��ر‪ ،‬واإلي� �ج���از‪ ،‬وش� ��دة ال �ت��أث �ي��ر‪ ،‬وال ��وح ��دة العضوية‪.‬‬ ‫وفي المقابل‪ ..‬يرى بعضهم أنها من الناحية اإلبداعية‪ ،‬ال تشكل قطيعة مع القصيدة العمودية‬ ‫أو قصيدة الشعر الحر؛ ويعدونها خارجة عن القواعد العامة لحركة الشعر‪ ،‬بحجة عدم التزامها‬ ‫ب��أوزان الشعر المعروفة‪ ،‬إال أن ما يؤكد عكس ذلك هو قول دي ب��وس‪( :‬إن هناك الكثير من‬

‫‪4‬‬

‫اجلوبة ‪ -‬شتاء ‪1431‬هـ‬


‫لقد برزت قصيدة النثر وتطورت في الغرب‪ ،‬وعلى وجه الدقة في نهاية القرن التاسع عشر‪ ،‬إال‬ ‫أن جذرها مستمد من الشرق؛ بل إن القارئ الفاحص‪ ،‬والذي يمتلك ذائقة شعرية يستطيع أن يستنتج‬ ‫أن قصيدة النثر قد ظهرت أول ما ظهرت في ملحمة جلجامش‪ ،‬التي كتبها السومريون في بالد ما‬ ‫بين النهرين‪.‬‬

‫اف�����������ت�����������ت�����������اح�����������ي�����������ة‬

‫القصائد الجميلة بال أبيات شعرية‪ ،‬كما أن هناك الكثير من األبيات الشعرية التي تخلو من الشعر)‪.‬‬ ‫وعلى الرغم من ذلك تبقى للقصيدة الموزونة تأثيراتها الجذابة والمدهشة‪.‬‬

‫إنها جنس أدبي مستقل‪ ،‬بل ‘عدَت نوعاً أدبياً حقيقياً‪ ،‬وإن لم تكن مالمحها واضحة حتى اآلن‪،‬‬ ‫وقد استطاعت أخيراً أن تتحول من الهامش إلى المركز‪ ،‬بوصفها نوعاً من الكتابة الحرة‪ ،‬وهذا ما‬ ‫أكده الشاعر عز الدين المناصرة في أطروحته للدكتوراه والمعنونة بـ (الجنس المستقل)‪ ،‬إذ يرى‬ ‫أن قصيدة النثر نص مفتوح على أنواع سردية نثرية‪ ،‬وفيه درجات عالية عن النثرية‪ ،‬أي أنه كتابة‬ ‫حرة‪ ،‬ومن ثم فهو جنس مستقل‪ ،‬ألن من مميزات قصيدة النثر‪ :‬االستقاللية بجانب اإليجاز والوحدة‬ ‫الموضوعية‪.‬‬ ‫ومن أجل أن تتطور قصيدة النثر وتستقل بذاتها كجنس أدبي معترف به‪ ،‬يجب أن تسعى إلى‬ ‫أن تكون ظاهرة فنية؛ ولن يكون لها ذلك‪ ،‬إال إذا تمكنت بمقدرة كتابها من امتالك أدواتها السليمة‬ ‫معرفيــاً ورؤيويـاً؛ فاألدب ‪ -‬والشعر منه بشكل خاص ‪ -‬ليس طريقة خاصة في التعبير فحسب‪،‬‬ ‫وإنما هو طريقة خاصة في الرؤيا كذلك‪ ،‬وان التالعب باللغة وحده لن يخلق قصيدة النثر ويدفعها‬ ‫إلى مستوى الشعرية‪ ،‬ما لم تنهض الرؤيا لتحرك ذلك النسيج اللغوي الخاص بتشكيالته المتميزة‪،‬‬ ‫تحركه وتتحرك داخله‪.‬‬ ‫وقصيدة النثر ليست ‪ -‬كما يعلن بعض الكتّاب ‪ -‬سهلة الكتابة‪ ،‬بل إنها صعبة‪ ،‬كونها قد تخلت عن‬ ‫الوزن‪ ،‬فكان ال بد من إحالل إيقاع داخلي محله؛ يعمل على شد بنية القصيدة نحو المركز‪ ،‬ولخلق‬ ‫عالقات حيوية بين مفاصل القصيدة‪ ،‬كي تترك أثرها الواضح على ذائقة المتلقي‪ .‬ومن هنا‪ ،‬فإن‬ ‫كاتب قصيدة النثر يحتاج إلى دراية خاصة بهذا النوع من الجنس األدبي‪.‬‬ ‫وأرى أن التعريف الجامع المانع للشعر وهْ م‪ ،‬ومن ثم ليس من حق أحد أن ينفي عن قصيدة النثر‬ ‫شعريتها مثالً‪ ،‬لعدم وجود عنصر أو عنصرين من عناصر التعريف القديم للشعر فيها‪ .‬وخصائص‬ ‫الشعرية يمكن أن تتجلى في كل خطاب أدبي فني‪ ..‬لكن تجليها سيكون ضمن نوع الخطاب‪.‬‬ ‫ومن هذا المنطلق‪ ،‬ارتأت الجوبة الثقافية تخصيص ملف خاص بقصيدة النثر يتناول فيه نخبة‬ ‫من الكتاب في داخل المملكة وخارجها حديثاً جديداً عنها من زوايا مختلفة‪ ،‬ضمن مقاربات حاول‬ ‫كُتابها البحث عن قراءات جديدة في هذا الصدد‪.‬‬ ‫اجلوبة ‪ -‬شتاء ‪1431‬هـ‬

‫‪5‬‬


‫قصيدة النثر‬ ‫منذ ترجمة كتاب الناقدة الفرنسية سوزان برنار عن قصيدة النثر‪ ،‬عبر جماعة مجلة‬ ‫شعر البيروتية في ستينيات القرن الماضي‪ ،‬دار سجال عريض حيال شعرية قصيدة‬ ‫النثر وشرعيتها‪ ،‬وما يزال‪.‬‬ ‫جدل‬ ‫ٍ‬ ‫في هذا السجال‪ ..‬تم تسجيل الكثير من المواقف واآلراء بأسلوب لم يخل من‬ ‫دار أغلبه خارج معنى الشعر؛ وباألحرى‪ ..‬فإن الصراع حول األشكال الشعرية الذي جرى‬ ‫في ذاك النقاش‪ ،‬لم يكن ليكون بمثل هذه الحدة والشراسة‪ ،‬لو توافرت بنيات معرفية‬ ‫موضوعية‪ ،‬لثقافة تنطوي على معناها‪ ،‬وتحدق في صورتها؛ بحيث تكون ق��ادرة من‬ ‫خالل تلك الصورة على فرز حيثياتها‪ ،‬عبر آليات منتجة لألسس المعرفية الحاضنة‬ ‫لإلبداع؛ أي أنه تم تعويم سجال عريض حيال قصيدة النثر‪ ،‬اختلطت فيه األسباب‬ ‫الثقافية باإلبداع‪ ،‬وبصورة بلغ فيها التشويش مبلغا انعكس في سيل من النماذج الفجة‬ ‫والفطيرة‪ ،‬لنصوص استسهل الكثيرون كتابتها كنماذج لقصيدة النثر‪ ،‬فيما هي في‬ ‫الواقع ظلت تعبر باستمرار عن المأزق الثقافي‪.‬‬ ‫وعبر التباس الثقافي باإلبداع في السجال الذي دار حول قصيدة النثر‪ ،‬أصبح الفرز‬ ‫من الصعوبة بمكان‪ ،‬للمتلقي البسيط بين النماذج التي هي بالفعل داللة مكثفة على‬ ‫شعرية قصيدة النثر وشرعيتها‪ ..‬كما في نصوص الماغوط‪ ،‬وسركون بولص‪ ،‬وأنسي‬ ‫ال��ح��اج‪ ،‬وعباس بيضون‪ ،‬وودي��ع سعادة وغيرهم؛ وبين النصوص التي تمارس فراغا‬ ‫وتجويفا في اللغة دون أن تتوافر على كيمياء المعنى في قصيدة النثر‪ ،‬بحيث يمكننا‬ ‫القول إن أكثر من ‪ %90‬مما ينشر كنماذج على قصيدة النثر في الصحافة العربية‪ ،‬إنما‬ ‫هو تعويم لتلك المجانية والفجاجة‪ ،‬دون أي مقاربة حقيقية إلنتاج المعنى واإلبداع‪.‬‬ ‫ونتيجة لهذا االلتباس الذي غلبت عليه فوضى الكتابة المعبرة عن المأزق الثقافي‪،‬‬ ‫ما يزال هذا السجال العقيم يدور في الفراغ‪.‬‬ ‫وعلى الرغم من أن السجال النقدي المعرفي حول قصيدة النثر حسم شعرية هذه‬

‫‪6‬‬

‫اجلوبة ‪ -‬شتاء ‪1431‬هـ‬


‫وهكذا‪ ،‬نجد أن الخلط بين ما هو ثقافي له أسبابه الموضوعية‪ ،‬وبين ما هو إبداعي‬ ‫له أسبابه الذاتية‪ ،‬هو الذي يعوم صراع األشكال الشعرية في السجال الذي يدور بين‬ ‫معسكرات كل واحد منها‪ ،‬يتوهم أنه يكتب الشعر‪ ،‬ويفترض شكال معينا له‪ ،‬مخالفا‬ ‫بذلك طبيعة الشعر نفسها التي تسبق الشكل ابتداء‪ ..‬وتتمرد عليه‪.‬‬

‫م������������ل������������ف ال������������ع������������دد‬

‫القصيدة وشرعيتها مرة وإلى األبد‪ ،‬إال أن تجليات المأزق الثقافي الذي تكمن أسبابه في‬ ‫أمكنة أخرى خارج ساحة اإلبداع‪ ،‬هي األكثر تشويشا في إعادة التشكيك حيال الكتابات‬ ‫الغالبة لقصيدة النثر؛ ذلك أن اإلشكال الحقيقي ألزمة السجال حولها يندرج فيما هو‬ ‫ثقافي؛ أي في الحالة البائسة للواقع الثقافي‪ .‬ولهذا تنعكس هذه الحال أيضا على ما‬ ‫يكتب من النماذج الرديئة جدا‪ ،‬كما هو معروف وشائع‪.‬‬

‫في هذا الملف ال��ذي أعددناه‪ ،‬حديث جديد عن قصيدة النثر من زواي��ا مختلفة‪،‬‬ ‫ضمن مقاربات حاول كُ تابها البحث عن قراءات جديدة في هذا الصدد‪.‬‬

‫قصيدة النثر‪ :‬شعرية النمط وإشكالية املأزق الثقافي‬

‫> محمد جميل أحمد*‬

‫إذا ك��ان التأويل الكالسيكي للشعر يندرج في التعريف بأنه‪ :‬الكالم‬ ‫الموزون المقفى‪ ..‬الخ‪ ،‬فهذا ‪ -‬بطبيعة الحال ‪ -‬تعريف ال يمكن أن يتوافر‬ ‫على تحديد طبيعة الشعر‪ ،‬ففضال عن خروج قصيدة التفعيلة والنثر عن‬ ‫هذا التعريف‪ ،‬سنجده يُدخل المنظومات في مسمى الشعر‪ ،‬بحسب توافرها‬ ‫على الوزن والقافية كمنظومة السلم لألخضري في المنطق مثلاً ‪.‬‬ ‫وال �ح��ال‪ ..‬إن هناك الكثير من العناصر من‬

‫خ��ارج ال ��وزن وال�ق��اف�ي��ة‪ ،‬ه��ي م��ن صميم الشعر؛‬ ‫كالصور والعاطفة واإليحاء والتجربة والتخييل‬

‫والتكثيف واإلزاح� ��ة والتقطيع وم��ا إل��ى ذلك‪..‬‬ ‫لكننا سنجد أي�ض��ا أن العناصر اآلن�ف��ة الذكر‪،‬‬

‫يمكن أن تندرج في مقطوعة نثرية بخالف الوزن‬ ‫والقافية‪ .‬ولهذا‪ ،‬يستحيل تعريف الشعر تعريفا‬

‫جامعا مانعا؛ وعليه‪ ،‬فإن مفهوم الشعرية الذي‬

‫ي��درج ال��وزن والقافية ضمن الموسيقى‪ ،‬إضافة‬

‫تأثير كلمات تأخذ فاعليتها من طريقة تركيب‬ ‫الشاعر لها بأسلوب يكثف تلك العناصر‪ ،‬بحيث‬ ‫يستخدم النص عالقات الكلمات واألشياء‪ ،‬وفقا‬ ‫للعالم الداخلي للشاعر‪ ..‬عالم التجربة‪ ،‬وهو عالم‬ ‫ال يمكن أن تطرد فيه عالقات اللغة واألشياء‪ ،‬كما‬ ‫هي في العالم الخارجي‪ .‬واللغة القاموسية‪ ،‬وهي‬ ‫عملية مركبة تستند أص�لا إل��ى موهبة الشاعر‬ ‫وثقافته؛ فالشعرية هي في األصل حالة شعورية‬ ‫تقوم في نفس الشاعر قبل أن تكون تعبيرا‪..‬‬

‫إلى تلك العناصر اآلنفة الذكر‪ ،‬ربما هو الضابط‬ ‫ضمن هذا التأويل المركب لمعنى الشعرية‪،‬‬ ‫األق��رب إلى تأويل الشعر؛ فالشعرية هي سلطة ت �ج��اوز ال�ن�ق��اد ال�م�ح��دث��ون المفهوم الكالسيكي‬ ‫اجلوبة ‪ -‬شتاء ‪1431‬هـ‬

‫‪7‬‬


‫ال�م�ع��ان��ي وال�ك�ل�م��ات خ �ط��اب‪ /‬نص‬ ‫ل�ت�ع��ري��ف ال �ش �ع��ر‪ ،‬دون أن يهدروا‬ ‫ش�ع��ري‪ ،‬ذو سلطة شعورية‪ ،‬بحيث‬ ‫عناصره المذكورة‪ ،‬ودشنوا شرعية‬ ‫يترك ظنا غالبا في وع��ي المتلقي‬ ‫قصيدة النثر وشعريتها في الوقت‬ ‫في أن ما يقرأه أو يسمعه هو شعر‬ ‫نفسه‪.‬‬ ‫فحسب‪ .‬في هذا المعنى سنجد أن‬ ‫ف �ف��ي ق �ص �ي��دة ال �ن �ث��ر الحقيقية‬ ‫سركون بولص‬ ‫سلطة التأثير هذه ‪-‬أي الشعرية ‪-‬‬ ‫(ول�لأس��ف ‪ %90‬م��ن ق�ص��ائ��د النثر‬ ‫يمكن أن تكون غائبة حتى ف��ي نص‬ ‫العربية ه��ي همهمات لغوية) ال ينشأ اإلشكال‬ ‫ع��ب��ر ن��م��اذج��ه��ا ال� �ب���اذخ���ة‪ ،‬ك��م��ا ف���ي قصيدة موزون مقفى‪ ،‬بحيث ال يوحي بتجربة‪ ..‬وال يُخلف‬ ‫الماغوط وسركون بولص وودي��ع سعادة وعباس تأثيرا‪.‬‬ ‫وحين يكون النص الشعري خطابا‪ ،‬فهو بالقطع‬ ‫سينطوي على السرد والحوار والتخييل‪ ..‬وما إلى‬ ‫ذلك من عناصر الشعرية‪ ،‬لكن ليس لمجرد كونه‬ ‫ينطوي على نفس سردي أو حواري يعني أنه ليس‬ ‫شعرا‪ ،‬فشعريته بالقطع تتكون من عناصر يدخل‬ ‫فيها السرد والحوار وغير ذلك‪ ..‬لكنه يظل نصا‬ ‫شعريا حتى في الشعر الكالسيكي المقفى سنجد‬ ‫تلك العناصر؛ فمن حيث مفهوم الخطاب في أي‬ ‫نص‪ ،‬تتكون خصائص فنية متعددة‪ ،‬مع احتفاظ‬ ‫ذلك الخطاب بنوعه الخاص‪.‬‬

‫بيضون وغيرهم‪ ،‬وإنما ينشأ اإلشكال من بعض‬ ‫االلتباسات التي صاحبت قصيدة النثر‪ .‬وهذه‬ ‫االلتباسات ال تلغي ب��ال�ض��رورة شرعية قصيدة‬ ‫النثر‪ ،‬ذل��ك أن الشكل المجاني لتقنية قصيدة‬ ‫النثر هو الذي أغرى كل من هب ودب بكتابتها؛ ما‬ ‫ترك انطباعا لدى القارئ بخلوها من الشعر‪ .‬لكن‬ ‫ق��راءة نصوص للماغوط وأنسي الحاج وسركون‬ ‫م�ث�لا‪ ،‬ت��دل ب��وض��وح على شرعية قصيدة النثر‬ ‫وشعريتها؛ ولذلك‪ ،‬فإن هذا االلتباس هو تحديدا‬ ‫ما يستدعي فك االرتباط بين الجدوى الشعرية‬ ‫والشرعية لقصيدة النثر‪ ،‬وبين المأزق الثقافي‪،‬‬ ‫التعريف الجامع المانع للشعر وهم؛ ومن ثم ليس‬ ‫الذي تكمن أسبابه خارج تلك الشرعية والشعرية من حق أحد أن ينفي عن قصيدة النثر شعريتها‬ ‫المكرسة نقديا وموضوعيا لقصيدة النثر‪.‬‬ ‫مثال لعدم وجود عنصر أو عنصرين من عناصر‬ ‫وبعبارة أخ��رى‪ ،‬ف��إن ال�م��أزق الثقافي‪ ،‬يكمن التعريف القديم للشعر‪ .‬وخصائص الشعرية يمكن‬ ‫في انحطاط حال المعرفة ووسائطها في واقعنا أن تتجلى في كل خطاب أدبي فني‪ ..‬لكن تجليها‬ ‫ال�ث�ق��اف��ي‪ :‬ال�ج��ام�ع��ات‪ ،‬ال�ت��أل�ي��ف‪ ،‬الجهل بتاريخ سيكون ضمن نوع الخطاب‪ .‬فالسرد مثال حين‬ ‫الشعر‪ ،‬وضعف المعرفة اللغوية واالستالب‪ ..‬يكون ضمن تقنيات النص الشعري‪ ،‬يأتي كتقنية‬ ‫وغير ذل��ك م��ن األس�ب��اب التي تصب ف��ي ضعف مجزوءة من خالل السياق‪ ،‬وال يأخذ صفاته الفنية‬ ‫الكاملة كما في الرواية أو القصة مثال‪( :‬الحبكة‪،‬‬ ‫الثقافة العربية المعاصرة‪.‬‬ ‫ولهذا‪ ،‬ربما كان مفهوم الشعرية هو األقرب أو البداية‪ ،‬أو ال ��ذروة‪ ،‬أو النهاية‪ ..‬ال��خ)‪ ،‬وإنما‬ ‫يأتي كتقنية محكومة بالسياق‪ ،‬ومجزوءة بحسب‬ ‫إلى اكتشاف حيثيات شعرية قصيدة النثر‪.‬‬ ‫عالقتها بعناصرالشعريةاألخرى‪..‬‬ ‫فحين نقول الشعرية‪ ،‬نقصد العناصر التي‬ ‫والتكثيف مثال هو في األساس خاصية شعرية‬ ‫ي �ت �ك��ون م��ن م �ج �م��وع ت�ف��اع�لات�ه��ا ف��ي س �ي��اق من‬

‫‪8‬‬

‫اجلوبة ‪ -‬شتاء ‪1431‬هـ‬


‫أول��ى‪ ،‬ألن النص الشعري ع��ادة هو‬ ‫ن��ص قصير مهما ك��ان ط��ول��ه‪ ،‬وهو‬ ‫تعبير شعوري يستخدم صفة التكثيف‬ ‫كطاقة تضغط المعاني ودالالتها في‬ ‫كلمات قليلة تكتسب وهجها من ذلك‬ ‫كل الفنون تنطوي في مصادرها‬ ‫التكثيف؛ وهنا تكمن إحدى خصائص‬ ‫األولى على ذلك الغموض واإليحاء‪،‬‬ ‫أدونيس‬ ‫الشعر الكبرى وهي‪ :‬قابليته للقراءة‬ ‫كالقصة والموسيقى والتشكيل‪ ..‬إلخ‪،‬‬ ‫ال �م �ت �ك��ررة‪ ،‬وب��ص��ورة م �ت �ج��ددة مرة‬ ‫ولكن بمستويات مختلفة‪ ،‬لكننا في‬ ‫واح��دة وإل��ى األب��د؛ وه��ذه الخاصية‬ ‫حالة الشعرية‪ ،‬سنقف على داللتها‬ ‫ت�ف�ض��ي إل ��ى خ��اص�ي��ة أخ ��رى تحيل‬ ‫أي�ض��ا كحالة إنسانية شرطية في‬ ‫ع �ل��ى أن م �ص��در ال �غ �م��وض األزل ��ي‬ ‫حياة الشاعر وسلوكه‪ ،‬قبل أن تكون‬ ‫للشعر ‪ -‬أي تلك الحالة التي يغيب‬ ‫تعبيرا‪ .‬كما أن الفنون األخ��رى في‬ ‫عباس بيضون‬ ‫فيها الشاعر عن العالم والزمن ‪ -‬ال‬ ‫حاالتها الكالسيكية تظل باستمرار‬ ‫يمكن أن تنتج بقوتها تلك من دون الشعر‪ ،‬ووحيها م�ص��درا للمتعة ال�م�ت�ج��ددة‪ ،‬لكن ليس بمستوى‬ ‫هو الذي يجعل من الشعر طاقة شعورية خالدة؛ الشعر‪ .‬فبإمكان القارئ أن يقرأ النص الشعري‬ ‫ألن قابلية تجدد تلك السلطة التأثيرية للشعرية م��رات عديدة ومتجددة‪ ،‬أكثر من إعادته لقراءة‬ ‫في النص الشعري‪ ،‬هي قابلية تعيد إنتاج نفسها‪ ،‬رواية كالسيكية‪ ،‬أو قصة جميلة جدا مثل (مائة‬ ‫كلما وقعت حالة القراءة للنص من طرف المتلقي‪ ،‬عام من العزلة)‪ ،‬ولكنه في أكثر األحوال سيقرأها‬ ‫سواء في زمن إنتاج النص أو في زمن آخر‪.‬‬ ‫مرتين أو ثالث مرات‪ ،‬بخالف النص الشعري‪ ،‬ألن‬

‫م������������ل������������ف ال������������ع������������دد‬

‫إن ال �غ �م��وض األزل � ��ي ه ��و تلك‬ ‫الحالة التي يغيب فيها الشاعر عن‬ ‫ال��زم��ن وال�ع��ال��م‪ ..‬ال يمكن أن تنتج‬ ‫بقوتها تلك غير الشعر‪.‬‬

‫وب �ك �ل �م��ات أخ � � ��رى‪ ..‬ف� ��إن ال �ش �ع��ري��ة جنس الطاقة التي تمنح الشعر قابلية القراءة المتكررة‬ ‫لخاصية الشعر‪ ،‬تضمر تحتها أن��واع��ا متعددة دائما‪ ..‬هي الشعرية الكاملة بخصائصها الكاملة‬ ‫من الخصائص‪ ،‬يفضي اجتماعها في النص إلى أيضا‪.‬‬ ‫غلبة الظن في إحساس القارئ‪ ،‬بأن ما يقرأه هو‬ ‫ص�ح�ي��ح أن أدون��ي��س وأع��ض��اء م�ج�ل��ة شعر‪،‬‬ ‫شعر وليس قصة مثال‪ ،‬وإن انطوى النص الشعري ترجموا هذا الشكل عن الناقدة الفرنسية سوزان‬ ‫على خاصية م�ج��زوءة للسرد ضمن خصائصه‪ .‬برنار بهذا االسم الملتبس‪( :‬قصيدة النثر)‪ ،‬لكن‬ ‫وقوة اإلحساس في تعبير النص؛ تلك القوة التي شيوع الخطأ يشفع له ذلك االلتباس‪ ،‬وال يرفع‬ ‫تضمرها الشعرية هي ما يجعل نصا بعينه شعراً‪ .‬عنها الطبيعة الشعرية‪ .‬وإذا كانت اليوم هناك‬ ‫األم��ر هنا يحيل على أن تعريف الشعر إنما هو بالفعل سلطة أيدلوجية لقصيدة النثر تقصي كتابة‬ ‫كتعريف الروح تماما‪ ،‬بالسلب أو اإليجاب‪ :‬جميع التفعيلة والكتابة الكالسيكية العمودية للشعر‪،‬‬ ‫الناس يعرفون أن الجثة ليست روحا‪ ،‬ويعرفون أن خصوصا في الصفحات الثقافية في الصحافة‬ ‫ال��روح حياة دون إدراك كنهها على نحو محدد‪ ،‬العربية؛ فإن هذا خطأ ال يبرره أي تأويل نقدي‪.‬‬ ‫لكنهم في الوقت نفسه يعرفون أيضا أن الحياة إذ أن األشكال الشعرية تتجاور‪ ،‬وال تنقض بعضها‬ ‫ليست جثة‪.‬‬ ‫اجلوبة ‪ -‬شتاء ‪1431‬هـ‬

‫‪9‬‬


‫بعضا‪ ،‬لسبب بسيط هو أن استدارة اللغة تمنع‬ ‫أي تقنية شعرية جديدة؛ بمعنى أنه ال يتصور أن‬ ‫ينتقل الشعر إلى تقنية أخرى بعد قصيدة النثر‪،‬‬ ‫فاللغة من حيث الشكل ال تقبل سوى هذه األشكال‬ ‫الثالثة‪ ،‬وأي تقنية أخرى ستعود إلى القافية مرة‬ ‫أخ��رى‪ .‬ول�ه��ذا‪ ،‬ف��إن االلتباسات التي تنشأ على‬ ‫هامش قصيدة النثر ترتبط بأزمة الواقع الثقافي‬ ‫العربي‪ ،‬وعالقاته المأزومة بالتراث والحداثة‬ ‫معا؛ ذلك أن المحنة المزمنة في هذا الواقع‪ ،‬هي‬ ‫في أننا نقرأ التراث برؤية مجتزأة للحداثة‪ ،‬ونقرأ‬ ‫الحداثة برؤية مجتزأة للتراث‪.‬‬ ‫وإذا كان من غير المقبول نسبة أزمة قصيدة‬ ‫إلى نماذجها السيئة والمأزومة‪ ،‬كسبيل إلى الطعن‬ ‫في جدوى شعريتها وشرعيتها؛ فإن إدراج الغث‬ ‫الوافر من همهمات قصيدة النثر التي يمارس بها‬ ‫كثير من أدعيائها فراغا وتهويشا في اللغة‪ ،‬ضمن‬ ‫الثمين النادر كنصوص الماغوط وسركون ووديع‬ ‫سعادة وعباس بيضون‪ ،‬يهدر قيمة المعنى العميق‬ ‫لقصيدة النثر‪ .‬وسنحاول توضيح ذلك بأن التمثل‬ ‫الجمالي لنصوص سركون والماغوط مثال‪ ،‬هو‬ ‫فرع عن قضية االعتراف بقصيدة النثر جماليا؛‬ ‫أي من حيث شرعيتها كنص شعري؛ فاستحضار‬ ‫المنطق الجمالي لقصيدة النثر هو الذي يسمح‬ ‫بتذوق تلك النصوص كنماذج شعرية عميقة‪.‬‬

‫والمثالية‪ ،‬والنمذجة‪ ،‬وتقلب المزاج‪ ،‬واالنفعال‬ ‫السريع‪ ،‬وال�ح��دة وغير ذل��ك؛ بمعنى أن النص‬ ‫الشعري حين ينفصل عن الشعرية ال يمكن أن‬ ‫يكون شعرا حقيقيا‪ ،‬وصاحبه ال يلبث أن يفارق‬ ‫كتابته مهما ادعى ذلك‪ ،‬على عكس الشاعر الذي‬ ‫ال يستطيع أن يفارق الشعر‪ ،‬حتى لو أراد ذلك‪.‬‬ ‫وبالطبع‪ ،‬فإن هذه الشعرية ليست على مستويات‬ ‫واح��دة بين الشعراء وال مالبساتها التي تتعالق‬ ‫م��ع حيثيات معقدة ل�ف��ردي��ة ال�ش��اع��ر وتاريخه‬ ‫الشخصي وظروف حياته‪ ..‬وغير ذلك‪.‬‬ ‫كما أن الضابط من ذوبان قصيدة النثر في‬ ‫الكتابة النثرية (النثر الفني) هو اإليقاع الداخلي‬ ‫ل��وح��دات المعنى‪ ،‬وال�ت�ن��اغ��م اإلي�ق��اع��ي لحركة‬ ‫الحروف‪ ،‬والتكثيف‪ ،‬والموسيقى الباطنية لبنية‬ ‫النص الكاملة‪ ،‬ووحدة التجربة الشعورية ضمن‬ ‫تقنيات أخرى‪.‬‬ ‫ولهذا‪ ،‬فإن الشعرية بعناصرها التي ذكرتها‬ ‫ت�ت�ج��اوز التعريف الكالسيكي للشعر‪ ،‬ويمكن‬ ‫اس �ت �ق��راء عناصرها ف��ي ن �م��اذج قصيدة النثر‬ ‫ال �م �م �ت��ازة‪ ..‬ك�ق�ص��ائ��د س��رك��ون م �ث�لا‪ ،‬وه ��و ما‬ ‫سنتطرق ل��ه ع�ب��ر تحليل س��ري��ع ف��ي مقطوعة‬ ‫شعرية لسركون‪ ،‬هذه المقطوعة جزء من قصيدة‬ ‫بعنوان‪:‬‬ ‫(م �ح��اول��ة ل �ل��وص��ول إل ��ى ب �ي��روت ع��ن طريق‬ ‫البحر) من دي��وان��ه‪( :‬ال��وص��ول إل��ى مدينة أين)‪،‬‬ ‫وهناك ارتباط وثيق بين عنوان النص‪ ،‬ومادته‪،‬‬ ‫وموقف الشاعر‪ ..‬وه��ذا على عكس النصوص‬ ‫الكالسيكية األولى للشعر العربي‪ ،‬إذ أن العنوان‬ ‫ال يكاد يكون موجودا‪.‬‬

‫وهنا‪ ،‬سنجد أنفسنا مرة أخ��رى أم��ام مفهوم‬ ‫الشعرية كتعريف مركب للعناصر التي تنتج الشعر‬ ‫في نفس الشاعر‪ ،‬وهي عناصر تكمن وراء إدراك‬ ‫المعنى الدراماتيكي لسلوك الشاعر في الحياة‪،‬‬ ‫فشاعرية الشاعر ف��ي سلوكه أم��ر م�ع��روف من‬ ‫حيث ع��دد الصفات التي تتلبسه؛ كاإلحساس‪،‬‬ ‫سنجد في هذه المقطوعة العديد من عناصر‬ ‫وال ��ره ��اف ��ة‪ ،‬وال� �ع ��زل ��ة‪ ،‬واالغ� � �ت � ��راب‪ ،‬والخفة‪ ،‬ال �ش �ع��ري��ة؛ ك��ال �م �ف��ارق��ة‪ ،‬وال �ت��رم �ي��ز‪ ،‬والتدوير‪،‬‬ ‫والغرائبية‪ ،‬والتردد‪ ،‬والتمثل األقصى في خياراته‪ ،‬والصورة‪ ،‬والتشخيص‪ ،‬والرؤية‪ ،‬والتكثيف؛ وكل‬

‫‪10‬‬

‫اجلوبة ‪ -‬شتاء ‪1431‬هـ‬


‫ي�ب��دأ ال�ش��اع��ر نصه متوجها بالحديث إلى‬ ‫بيروت سنوات الحرب األهلية‪ ،‬حيث كان يقيم‬ ‫في قبرص‪ ،‬قائال‪:‬‬ ‫(ذات مساء بعيد‬ ‫بينما أ ُهـ ّربُ نافورة ً بين الخرائب‬ ‫أو أرشو ليلة بقصيدة رديئة‬ ‫تنزفين أنت ِ‬ ‫في خنادق الهدنة الباردة‬ ‫بجباهك األلف‬ ‫أردت أن أفرش طريقا بسجادة من أنفاسي‬ ‫إلى حيث ما زلت واقفة‬ ‫متراسك هيكل حمامة‬ ‫وجهك جنة جريحة‬ ‫أردت أن أحترق بين يديك قليال‪:‬‬ ‫ال مكان يحلم بوصولي‬ ‫والحياة‬ ‫طريدتي الخائفة‬ ‫عندما تفتح عينيها‬ ‫تستعد كل لحظة للوالدة)‬

‫م������������ل������������ف ال������������ع������������دد‬

‫تلك العناصر تأتي ضمن عالقات داخلية تأخذ‬ ‫دالالت�ه��ا م��ن خضوعها لمنطق ال�ن��ص‪ ،‬وتجربة‬ ‫الشاعر‪.‬‬

‫عينيها تستعد كل لحظة للوالدة)‪ ،‬فهو يريد أن‬ ‫يعود لبيروت ال��واق�ف��ة‪ ..‬ليحترق معها‪ ،‬بشعور‬ ‫يتردد بين أقصى الخوف على الحياة‪ ،‬فروحه‬ ‫التي تتقمص حياة الطريدة الخائفة‪ ،‬تستعد لكل‬ ‫والدة جديدة حينما تتوهم الموت عند إغماض‬ ‫عينها؛ يريدها في الوقت نفسه أن تكون قربانا‬ ‫وف���داء ل �ب �ي��روت‪ ،‬وه��و إح �س��اس يخلق مفارقة‬ ‫درامية ظاهرة‪ ،‬لكننا سنجد هذا التأويل بصورة‬ ‫أخ��رى في تعبير الشاعر حين ق��ال‪( :‬أردت أن‬ ‫أفرش طريقا بسجادة من أنفاسي)؛ فهو يعني أن‬ ‫نهاية الطريق هي نهاية الحياة أيضا؛ ألن نهاية‬ ‫األنفاس هي الموت‪ .‬كما أن أنفاس الشاعر التي‬ ‫توازي نزيف بيروت‪ ،‬تستعير سيولة الحياة التي‬ ‫تضيع هباء‪ ،‬وسنجد كذلك أن عالقات السياق‬ ‫داخل النص هي التي تضيء العالمات الشعرية‬ ‫فيه‪ ،‬وف��ي وص��ف الشاعر ل�ب�ي��روت‪( :‬متراسك‬ ‫هيكل حمامة)‪ ،‬ما يكشف عن ال��رؤي��ة الرمزية‬ ‫النبيلة للشاعر؛ فحين ي�ك��ون م �ت��راس بيروت‬ ‫هيكل حمامة‪ ،‬ستتجدد المفارقة الرمزية بقوة‪،‬‬ ‫وتكشف عن رغبة الشاعر في أن يكون قربانا‬ ‫لبيروت مع حبه األوقيانوسي للحياة‪ ،‬فمتراس‬ ‫الحمامة ال يقوى على آل��ة الحرب التي تحرق‬ ‫بيروت المسالمة الهشة الوديعة‪ .‬وهنا‪ ،‬سنجد‬ ‫رؤية الشاعر؛ أي موقفه في أن يحترق معها ال‬ ‫أن يدافع عنها‪ ،‬وفي قول الشاعر‪( :‬وجهك جنة‬ ‫جريحة)‪ ..‬سنجد تأويال آخر لحيثيات الرغبة‬ ‫في الفداء؛ فالجنة عادة مكان ينطوي على معنى‬ ‫العيش السعيد‪ ،‬لكنه هنا مكان للجرح أيضا‪،‬‬ ‫والشاعر يماهي بين تشرده في العالم‪( :‬ال مكان‬ ‫يحلم بوصولي)‪ ،‬وبين المكان الجريح والمحترق‬ ‫الوحيد الذي آواه‪.‬‬

‫وهنا‪ ،‬سنجد أن منطق السياق الذي تخلقه‬ ‫الشعرية بين عناصر النص هو المعنى الجمالي‬ ‫ل�ل�م�ق�ط��وع��ة؛ فنسيجها ي�ح�ي��ل إل ��ى ج�م�ل��ة من‬ ‫ال�ت��أوي�لات الجمالية‪ ،‬ال تعبر بشعريتها تلك‪،‬‬ ‫إال م��ن خ�لال عالقاتها داخ��ل ال�ن��ص؛ فما بين‬ ‫معنى الخوف والرغبة‪ ،‬من على البعد في نفس‬ ‫الشاعر تصطرع نقائض الحياة‪ :‬رغبة الفداء بأن‬ ‫يكون الشاعر قربانا لبيروت (أردت أن أحترق‬ ‫بين يديك قليال)‪ ،‬ورغ�ب��ة العشق للحياة حتى‬ ‫وحين يعبر الشاعر عن حبه للحياة من خالل‬ ‫الثمالة‪( :‬والحياة طريدتي الخائفة عندما تفتح صورة حية‪ ،‬صورة الطريدة الخائفة التي تتوقع‬

‫اجلوبة ‪ -‬شتاء ‪1431‬هـ ‪11‬‬


‫ال�م��وت حين تغمض عينيها م��ن ش��دة الخوف؛ تلك على م��ا يسمى بتيمة التفاصيل واليومي‬ ‫فهو يكثف المعنى الذي أراد أن يعبر عنه تكثيفا والعادي‪ ،‬ال شعرية النمذجة واالحتذاء (كنمذجة‬ ‫يجسد المفارقة في الرغبة والخوف معا‪ ،‬لكن نعي األطالل) مثال‪.‬‬ ‫أيضا في قوله (وجهك جنة جريحة)‪ ،‬ما يشي‬ ‫فتركيب العالم الشعري هنا يشف عن الحياة‪،‬‬ ‫ب��إي�ق��اع موسيقي ل�ل�ح��رف‪ ،‬ال ي��أت��ي م �ع��زوال أو ويقترب منها‪ ،‬ويتشكل على صورتها‪ ،‬بحيث تكون‬ ‫خارجا عن شعرية المعنى‪.‬‬ ‫الشعرية ه��ي ال��زج��اج ال��ذي يمنع م��ن أن تكون‬ ‫مع كل ذل��ك‪ ،‬ف��إن النص يضمر تفردا لجهة الكتابة الشعرية تقريرا‪ ،‬أو تصويرا فوتوغرافيا‬ ‫ال �ع��ال��م ال� ��ذي ي�خ�ل�ق��ه ال �ش��اع��ر‪ ..‬ع �ب��ر الصور للحياة‪ ،‬وبحيث يرتطم به كل ُم��دَّ ٍع للشعرية ال‬ ‫والتكثيف والترميز وال��رؤي��ا‪ ،‬فهو نسغ تحيله يملك أدواتها‪.‬‬ ‫التجربة الشعورية إلى بنية تمتلك نسيجا جماليا‬ ‫ومع ذلك‪ ..‬فإن هذا التحليل السريع لمقطوعة‬ ‫محكما‪ ،‬وسنجد مستويات عديدة من اإلحاالت سركون‪ ،‬ال ينطوي على كل خصائص الشعرية‪،‬‬ ‫التي تربط بين المعاني والكلمات ف��ي النسق وإنما هو استقراء لبعض خصائصها في النص‬ ‫الداخلي للنص‪ ،‬وه��ي بالطبع مستويات قابلة ضمن ق��راءة معينة؛ فالنص الشعري بطبيعته‬ ‫لقراءات تأويلية عديدة‪ ،‬يسمح بها غنى النص ي�ح�م��ل م�س�ت��وي��ات مشككة م��ن دوال المعاني‬ ‫ورؤيته المركبة‪.‬‬ ‫وال �ق��راءات السياقية‪ ،‬تلك التي تمنحه قابلية‬ ‫على هذا النحو تنطوي الشعرية بمواصفاتها التجدد األبدي في كل قراءة جديدة‪.‬‬

‫احلداثة‪ :‬من تاريخ املصطلح إلى تاريخ القصيدة احلديثة‬

‫محمد احلرز**‬

‫تقدم هذه الورقة جملة من األفكار يمكن حصرها في توجهين؛ أولهما‬ ‫التركيز على الشروط التاريخية‪ ،‬بوصفها تلك العوامل التي فسرت نوعا‬ ‫ما العالقة الجدلية القائمة بين تاريخ األف��ك��ار‪ ،‬من جهة‪ ،‬والتطورات‬ ‫االجتماعية والثقافية واألدبية في سياق التحوالت الكبرى التي تمر‬ ‫بها الحضارة اإلنسانية‪ ،‬من جهة أخرى؛ إذ ما ينتج عن هذه العالقة هو‬ ‫بالتحديد ما نسميه ثمرة نشوء النوع األدب��ي‪ ،‬وتغلبه على ما عداه من‬ ‫األنواع‪ ،‬حسب ما يراه جون كوهن في هذا اإلطار‪ .‬أما ثانيهما‪ ،‬فإنه ينحو‬ ‫نحو التركيز على قصيدة النثر؛ ألنه في نظر الباحث هو التجلي األكثر وضوحا في تلك العالقة‬ ‫الجدلية القائمة بين تاريخ األفكار وتلك التطورات‪.‬‬

‫(‪)1‬‬ ‫مصطلح ال �ح��داث��ة ش ��يء‪ ,‬وال �ش �ع��ر العربي‬

‫الثقافية واالجتماعية والدينية والسياسية التي‬ ‫نشأ من خاللها هذا المصطلح‪ ,‬وأدى به من ثم‬

‫المعاصر شيء آخر‪ .‬وال يمكن إضافة األول إلى إلى ما يشبه حجر الفالسفة الذي ذاع صيته‪ ،‬وكثر‬ ‫الثاني بمعزل عن الشرط التاريخي‪ ،‬والسياقات‬

‫‪12‬‬

‫اجلوبة ‪ -‬شتاء ‪1431‬هـ‬

‫الحديث حول وجوده دون أن يتعرف عليه أحد‪.‬‬


‫يرتكز أولهما على مفهوم الحداثة‪ ،‬بوصفه‬ ‫مفهوما غربي المنشأ وال�ت�ط��ور‪ ،‬وك��ذل��ك األثر‬ ‫الفاعل على الحضارة الحديثة؛ أما المحوراآلخر‪..‬‬ ‫فهو يوجد بوصفه مفهوما يجسد ‪ -‬بصورة أو‬ ‫بأخرى ‪ -‬وعي النخبة العربية المثقفة‪ ،‬بوصفه‬ ‫وعيا يعكس عمق المأزق الذي وجد نفسه فيه‬ ‫أمام نفسه ومجتمعه‪ ،‬وكذلك تراثه‪ ،‬وأمام الحياة‬ ‫والواقع‪ ,‬وذل��ك إب��ان االنتكاسات والهزائم التي‬ ‫مني بها المجتمع العربي من جهة‪ ,‬والمد الفكري‬ ‫والفلسفي واألدب ��ي والعسكري ال��ذي ج��اء من‬ ‫الغرب من جهة أخرى‪ .‬وما بين هذين المحورين‪،‬‬ ‫سنكتشف أن القصيدة العربية منذ مطلع القرن‬ ‫العشرين سوف تدخل في خط الصدمة الحضارية‬ ‫التي خلخلت جميع القيم والمفاهيم في الثقافة‬ ‫العربية اإلسالمية‪ ،‬منذ عصر النهضة وما تالها‬ ‫من مشاريع تنويرية وتقدمية‪ ,‬لم يستطع الفكر‬ ‫وال األدب التواصل معها‪ ،‬رغم االجتهادات التي‬ ‫حاولت التأسيس لذلك‪.‬‬

‫م������������ل������������ف ال������������ع������������دد‬

‫لذلك ينبغي في هذه الحالة أن ي��دور الحديث‬ ‫حول محورين اثنين؛ ألنهما يشكالن المرجعية‬ ‫التاريخية الطبيعية التي تؤسس القاعدة التي‬ ‫تنهض عليها تلك السياقات‪.‬‬

‫والبلشفية؛ ثم ج��رت بعدئذ محاولة من طرف‬ ‫الفكر الغربي للبحث عن مرجعية تاريخية‪ ،‬يعيد‬ ‫م��ن خاللها وص��ل حضارته بالماضي؛ وعليه‪،‬‬ ‫فقد كانت نظرية األص��ول اليونانية اإلغريقية‬ ‫للحضارة الغربية قد تأسست وانتشرت وطغت‬ ‫على الدراسات الفكرية والفلسفية‪ .‬وإذا كانت‬ ‫هذه النظرية ظلت مهيمنة على الخطاب الغربي‬ ‫حتى خمسينيات القرن المنصرم‪ ،‬بسبب النظرة‬ ‫المركزية التي سيطرت على التفكير األوروبي؛‬ ‫فإن مصطلح الحداثة من جانب أخر ظل مرتبكا‬ ‫ومتناقضا ال يحيل إلى معنى محدد‪ ,‬إذ تضاربت‬ ‫آراء النقاد والمفكرين والباحثين حول الطبيعة‬ ‫الداللية لهذا المصطلح؛ فبعضهم حصره في‬ ‫أدب ال �ق��رن ال�ع�ش��ري��ن‪ ,‬وآخ� ��رون ج�ع�ل��وه رديفا‬ ‫للحركة الرومانسية ف��ي ال�ق��رن التاسع عشر‪,‬‬ ‫وغيرهم ركّبه عنوانا للحضارة الغربية برمتها‪,‬‬ ‫وهناك من قال‪ :‬بدأت الحداثة من حيث انتهت‬ ‫الحركة الرومانسية‪ ,‬وهكذا‪..‬‬

‫ولكن في دراسته القيمة حول األدب الغربي‪،‬‬ ‫س�ع��ى ال �ش��اع��ر اك�ت��اف�ي��و ب ��اث ل�لإم �س��اك بعمق‬ ‫التحوالت الفكرية واألدبية التي طالت التاريخ‬ ‫وفيما يخص المحور األول‪ ،‬ينبغي أن نشير األوروبي‪ ,‬ولم ينزلق إلى الحديث عن إشكاليات‬ ‫أوال إل��ى أن ج��وه��ر ال�ح��داث��ة الغربية ه��و نقد التسمية‪ ,‬وإن �م��ا اس�ت�ع��اض ب��دال عنها بمقولة‬ ‫األبدية من جهة‪ ,‬ونقد الالهوت المسيحي‪ ،‬من الجوهر‪ :‬نقد األبدية والالهوت المسيحي‪ .‬هذا‬ ‫جهة أخرى‪ ،‬رغم عدم مشروعية الفصل بينهما السعي سيفضي بباث ع��ن ح��ق بالتعرف على‬ ‫إال إجرائيا‪ .‬ولكن‪ ..‬ما معنى ذلك؟ يكمن معناه المكونات الرئيسة التي لم تغير األدب األوروبي‬ ‫في كون أوروبا وجدت نفسها منذ أواخر القرن فقط‪ ,‬وإنما األدب العالمي بطريقة أو بأخرى‪،‬‬ ‫ال �س��ادس ع �ش��ر‪ ،‬ف��ي نهضة ح�ض��اري��ة شاملة‪ ،‬بما فيها األدب العربي بطبيعة الحال‪ .‬إن نزع‬ ‫طالت جميع ميادين الحياة المادية والروحية القداسة عن الدين المسيحي‪ ،‬ومن ثم تحويله‬ ‫والفنية على السواء‪ .‬وقد توّجت هذه النهضة إل��ى ح��دوده الدنيا‪ ,‬أ ّث��ر بصورة أو بأخرى على‬ ‫بثالث ث��ورات م��ؤث��رة‪ :‬اإلنجليزية‪ ,‬والفرنسية‪ ,‬األدب الغربي؛ إذ ك��ان المعول النقدي الغربي‬

‫اجلوبة ‪ -‬شتاء ‪1431‬هـ ‪13‬‬


‫ي�ك�س��ر ال��زم��ن المسيحي الدائري‬ ‫المغطى بالقداسة‪ ،‬ليجد اإلنسان‬ ‫الغربي نفسه أمام زمن حداثي خال‬ ‫من التقديس‪ ،‬ومعرى أمام عقالنية‬ ‫محضة‪ .‬ومن ثم أصبح هذا الزمن‬ ‫الجديد‪ ،‬بوطأته الثقيلة على اإلنسان‬ ‫ال �غ��رب��ي ف��ي ال ��درج ��ة األول � ��ى‪ ،‬هو‬ ‫الحس المأساوي والتراجيدي الذي‬ ‫طبع نتاج األدب الغربي‪ ،‬س��واء في‬ ‫الرواية والشعر‪ ،‬أو المسرح والفن‬ ‫والسينما‪ .‬وهذا ما نجده في التربية‬ ‫ال�ع��اط�ف�ي��ة ل�ف�ل��وب�ي��ر‪ ,‬وال �ب �ح��ث عن‬ ‫الزمن الضائع لبروست‪ ,‬ورسومات‬ ‫براك‪ ,‬وشعر فرنسيس بونج‪ ,‬وكامو‬ ‫ف��ي رواي� �ت ��ه ال �غ��ري �ب��ة‪ ..‬إل� ��خ‪ .‬لكن‬ ‫الالهوت المسيحي من جهة أخرى‪،‬‬ ‫انتقم لنفسه من الحضارة الغربية‬ ‫(ك�ل�م��ة ان�ت�ق��م ه�ن��ا ينبغي أن تفهم‬ ‫م�ج��ازي��ا ول�ي��س ح��رف�ي��ا) وذل ��ك عن‬ ‫طريق الشعر‪ .‬فكيف تم ذلك؟‬ ‫ف ��ي م �ن �ت �ص��ف ال� �ق ��رن التاسع‬ ‫عشر‪ ،‬زمن بودلير ورامبو وماالرميه‬ ‫ولوتريامون‪ ،‬الذين يسميهم الشاعر‬ ‫فرلين «الشعراء المنحطين»‪ .‬هؤالء‬ ‫الشعراء أسسوا نظرتهم إلى الشعر‬ ‫بوصفه الحياة السرية الصافية‪,‬‬ ‫أو المجهول المطلق ال��ذي ينبغي‬ ‫الكشف عنه خلف الحياة الظاهرية؛‬ ‫ل��ذل��ك دع ��وا ‪ -‬ل �ل��وص��ول إل��ى هذه‬ ‫ال� �ح ��ال ��ة ‪ -‬إل � ��ى خ��ل��ط ال� �ح ��واس‬ ‫وتشويشها واخ�ت�لال�ه��ا‪ ,‬وأن يصبح‬

‫‪14‬‬

‫اجلوبة ‪ -‬شتاء ‪1431‬هـ‬

‫بودلير‬

‫لوتريامون‬

‫طه حسين‬

‫خليل مطران‬

‫الشاعر رائيا‪ .‬وال يمكن من خالل‬ ‫هذه الدعوة‪ ،‬الشك مطلقا بمدى‬ ‫ص �ل��ة ه ��ذه ال �ن �ظ��رة إل ��ى الشعور‬ ‫ب ��ال� �ح ��رك ��ات ال� �س ��ري ��ة الصوفية‬ ‫المسيحية اليهودية‪ ،‬التي انتشرت‬ ‫في أوروب��ا قبل أن تُصفى جميعا‬ ‫م��ن ط ��رف ال�م�ج�م��ع ال�ك�ن�س��ي في‬ ‫روما‪ ،‬بوصفها حركات وثنية تعادي‬ ‫المسيح‪ .‬لذلك‪ ،‬ما يمكن تسميته‬ ‫بالشعر الحديث أو األدب الغربي‬ ‫ل�ي��س ف��ي ع�م�ق��ه س ��وى االنقالب‬ ‫ال��روح��ي ضد ما خلفته الحضارة‬ ‫الغربية على مجتمعها من أزمات‬ ‫ك �ب��رى ف ��ي ال��ح��ي��اة‪ .‬وه �ن��ا تكمن‬ ‫المفارقة الكبرى‪ :‬األدب الحديث‬ ‫ه��و ف��ي العمق منه ض��د التسمية‬ ‫نفسها‪ ،‬وتجاوز هذه التسمية إلى‬ ‫شيء آخر‪ ،‬هو الرهان الذي يسعى‬ ‫إليه األدب الحديث على اختالف‬ ‫ت��وج�ه��ات��ه‪ .‬إذاً‪ ،‬ع�ل��ى خلفية هذا‬ ‫ال �م �ح��ور‪ ..‬سننتقل إل ��ى المحور‬ ‫الثاني الذي يركز بدرجة كبيرة على‬ ‫المحطات التي ك��ان فيها الشعر‬ ‫العربي في إطار التجديد‪ .‬إن هزيمة‬ ‫الجيوش العربية عام ‪1948‬م‪ ،‬لها‬ ‫انعكاساتها في وعي النخب العربية‬ ‫المثقفة سياسيا وثقافيا وأدبيا‪.‬‬ ‫ولكن م��ا قبل ه��ذا ال�ت��اري��خ‪ ،‬ومنذ‬ ‫مطلع ال �ق��رن ال�ع�ش��ري��ن‪ ..‬ل��م يكن‬ ‫أص�ح��اب ال��دع��وات إل��ى التجديد‬ ‫م��أزوم�ي��ن بالثنائية االستقطابية‬


‫م������������ل������������ف ال������������ع������������دد‬

‫«ش ��رق – غ ��رب»‪ ،‬وت��داع�ي��ات�ه��ا على‬ ‫تفكير النخبة العربية؛ فقد كان أبرز‬ ‫مثقفي م�ص��ر‪ ،‬ي��دع��ون إل��ى تجديد‬ ‫الشعر العربي في مسألة االستهالل‬ ‫أما مرحلة ما بعد تاريخ ‪1948‬م‪،‬‬ ‫والبالغة الصورية‪ ،‬والتحرر حتى من‬ ‫ف�ه��ي مختلفة ت�م��ام��ا‪ ،‬س ��واء على‬ ‫القافية‪ ,‬نجد صدى ذلك في كتابات‬ ‫مستوى تبني األف�ك��ار‪ ..‬أو انتشار‬ ‫عباس محمود العقاد‬ ‫العقاد والمازني وطه حسين‪ ،‬إال أن‬ ‫التيارات الفكرية المتناقضة‪ ،‬أو‬ ‫هذه الدعوات ظلت حبيسة التنظير‬ ‫الحالة االجتماعية العربية‪ ،‬تحت‬ ‫أكثر من تحويلها إلى التطبيق‪ ,‬وقد‬ ‫نير االستعمار ومحاربته‪ .‬هذا هو‬ ‫أح� ��ال ب �ع��ض ال �ن �ق��اد ه���ذه الحالة‬ ‫المشهد ال ��ذي ي�ق��وم على خلفية‬ ‫إل��ى ع��دم ك��ون ه ��ؤالء ع�ل��ى اتصال‬ ‫ال�م�ش��اري��ع ال�ت��ي س�ع��ت فعليا إلى‬ ‫ب�ح��رك��ات ال�ت�ج��دي��د ف��ي أم��ري�ك��ا أو‬ ‫تجديد األدب العربي وعلى رأسه‬ ‫فرنسا وانجلترا‪ ،‬كما هو الحال عند‬ ‫الشعر‪.‬‬ ‫جبران خليل جبران‬ ‫خليل مطران وزكي أبو شادي اللذين‬ ‫(‪)2‬‬ ‫كانا أكثر جرأة في دعوتهما الصريحة في تجديد‬ ‫على الرغم من ارتباك المصطلح الذي طال‬ ‫الشعر‪ .‬لكن يُغفل هذا السبب مدى الصلة القوية‬ ‫بين الناقد الغربي «وليم هازلت»‪ ،‬وبين العقاد التسمية عند الجيل المؤسس للحداثة‪ ،‬إ ّال أن‬ ‫الذي تأثر كثيرا بـ «هازلت»‪ ..‬وكان هذا األخير قصيدة النثر تعبر في العمق عن الوعي الشقي‬ ‫منخرطا في مسائل التجديد في األدب الغربي‪ ,‬بمأساة التناقضات والمفارقات‪ ،‬التي تجعل من‬ ‫ولكني أعتقد أن هناك أسبابا أخرى دعت هؤالء اإلنسان عاريا‪ ..‬ووحيدا في صحراء الحياة؛ وهو‬ ‫ألن يكونوا أكثر حذرا في إطالق دعوات التجديد‪ ،‬قدر تماثلي يصيب اإلنسان في أي جزء من هذا‬ ‫العالم‪ .‬أل��م يعبر بودلير عن تلك النزعة حينما‬ ‫لسنا هنا بصدد تفصيلها‪.‬‬ ‫قال‪ :‬إنه شعر منذ طفولته بشيئين في آن واحد‪،‬‬ ‫أم��ا الضفة األخ��رى التي دع��ت صراحة إلى‬ ‫هما سحر الحياة وكراهيتها‪ .‬ه��ذا المنزع هو‬ ‫التجديد تحت وطأة التأثير الغربي‪ ،‬فهي شعراء‬ ‫السمة التي حكمت تطور الشعر عند الشعراء‬ ‫المهجر‪ ،‬وك��ان أب��رزه��م ‪ -‬على العموم ‪ -‬أمين‬ ‫بصفة عامة‪ ،‬في جميع مراحل نموه عبر التاريخ‪,‬‬ ‫ال��ري �ح��ان��ي‪ ,‬وج �ب��ران خليل ج �ب��ران‪ .‬ف�ق��د دعا وأعطته صفة الحركة والديمومة‪.‬‬ ‫الريحاني إلى نبذ التقاليد الشعرية في التراث‪،‬‬ ‫لكنّ بعض الخصوصية التي تكمن في قصيدة‬ ‫وال �ت��وج��ه إل��ى مضامين ش�ع��ري��ة أك�ث��ر إنسانية‬ ‫النثر‪ ،‬ليس في مفهوم التجريب الذي تحول إلى‬ ‫ومعاصرة‪ ,‬والتخلص كذلك من الوزن والقافية‪..‬‬ ‫فخ إيديولوجي يغذي االلتباس بين شكل القصيدة‬ ‫وهو أول من أطلق مصطلح «الشعر المنثور»‪ .‬ولم‬ ‫التي نكتبها‪ ،‬من جهة‪ ,‬وبين موقفنا ورؤيتنا وطريقة‬ ‫تكن كتابات جبران سوى التطبيق العملي لمثل‬ ‫اقترابنا من الحياة والعالم‪ ،‬من جهة أخرى‪ ,‬وليس‬ ‫هذه الدعوات «األجنحة المتكسرة‪,‬‬ ‫ال�ع��واص��ف‪ ,‬النبي» أل��م يقل «لكم‬ ‫لغتكم ولي لغتي»‪.‬‬

‫اجلوبة ‪ -‬شتاء ‪1431‬هـ ‪15‬‬


‫ك��ذل��ك م�م��ارس��ة ال�ت�ج��ري��ب ال�ت��ي اق�ت�ص��رت على‬ ‫األرجح عندنا على مقاربة الشكل الشعري فقط‪،‬‬ ‫بوصفه يمثل الحداثة الشعرية‪ ،‬أو الكتابة الجديدة‪,‬‬ ‫بينما في العمق من نظرتنا للحياة‪ ..‬لم تزل القيم‬ ‫والعواطف واالنفعاالت هي هي ذاتها التي أسرت‬ ‫وعي القصيدة التقليدية؛ فالتنقل من شكل شعري‬ ‫إلى آخر‪ ..‬ال يعني بالضرورة التجديد‪.‬‬ ‫إن م��ا أق�ص��ده م��ن التجريب‪ ،‬ه��و ذاك الذي‬ ‫الزم قصيدة النثر في الشعر األوروبي‪ ،‬ولم تنقطع‬ ‫صلته ع��ن الحياة ب��أي ح��ال م��ن األح ��وال‪ .‬يقول‬ ‫أكتافيوباث «‪ ..‬لقد شهدنا في القرنين التاسع‬ ‫عشر والعشرين ب��زوغ قصيدة النثر والتجديد‬ ‫ال ��دوري للغة الشعرية‪ ،‬بحقنات ق��وي��ة متزايدة‬ ‫من الكالم الشعبي؛ لكن ما كان جديدا‪ ،‬لم يكن‬ ‫يعني أن الشعراء يتأملون الشعر بالنثر‪ ,‬بل إن‬ ‫هذا التأمل‪ ,‬طاف عن حدود الشعرية القديمة‪,‬‬ ‫معلنا أن الشعر الجديد كان أيضا طريقة جديدة‬ ‫في الشعور والحياة»‪ ،‬ولكن خلف هذه الحقنات‬ ‫القوية‪ ،‬كانت تكمن فكرة متحفزة مفادها أن النثر‬ ‫قابل للشعر‪.‬‬ ‫وم �ن��ذ أواخ� ��ر ال �ق��رن ال �س��اب��ع ع �ش��ر‪ ،‬عندما‬ ‫أصدر فينلون روايته «مغامرات تليماك»‪ ،‬عدّها‬ ‫النقاد في حينه نوعا من الشعر‪ ,‬واندفعوا بحثا‬ ‫ع��ن «النثر األع �ل��ى»‪ ،‬وأص�ب��ح ه��ذا البحث أشبه‬ ‫ما يكون بـ«خميرة ثورية» على حد تعبير سوزان‬ ‫بيرنار‪ ,‬وطالب فينلون بالفصل بين الشعر وفن‬ ‫نظم الشعر «نظمنا للشعر بالقافية يخسر أكثر‬ ‫مما يربح»‪ ،‬وكما صرخ كذلك هودار دي ال موت‪:‬‬ ‫«النظم مضايقة فلنكتب بالنثر‪ ..‬فلنقدم للناس‬ ‫قصيدا غير موزون»‪ .‬وقد كانت الترجمة لآلداب‬ ‫األجنبية رسخت ف��ي ذه��ن ال �ق��ارئ الفرنسي ‪-‬‬ ‫أوائ��ل القرن الثامن عشر ‪ -‬أن باإلمكان تذوق‬

‫‪16‬‬

‫اجلوبة ‪ -‬شتاء ‪1431‬هـ‬

‫الشعر‪ ،‬دون الحاجة للجوء إلى النظم أو القافية‪.‬‬ ‫هذه العوامل جميعها كانت تمثل شروطا تاريخية‪،‬‬ ‫اس�ت�ط��اع��ت ال�ق�ص�ي��دة ال�ن�ث��ري��ة م��ن خ�لال�ه��ا أن‬ ‫تستوعب ت�ح��والت المدينة الحديثة‪ ,‬أل��م يحول‬ ‫بودلير األسلوب الوصفي لليالي الغوطية المرعبة‬ ‫في ديوان (غسبار الليل) أللويزيوس برتران‪ ،‬الذي‬ ‫تأثر به كثيرا‪ ،‬إلى أسلوب نثري في وصف ليالي‬ ‫ب��اري��س الحديثة ف��ي عمله ال�م��وس��وم (سوداوية‬ ‫باريس)؟! ألم يكن الشاعر ولت ويتمان يرقب عن‬ ‫كثب تفتحات الحياة الحديثة على األرض الموعودة‬ ‫(أمريكا)‪ ،‬ثم يعبر عنها في ديوانه (أوراق العشب)؟‬ ‫ألم يأخذ رامبو الشعر إلى تخوم الصمت‪ ،‬حينما‬ ‫أحس أنه فقد فاعليته إزاء الحياة؟ ولم يعد ثمة‬ ‫أسلوب‪ ،‬وكأن بول فاليري عناه تماما عندما قال‪:‬‬ ‫(الشكل يكلف غاليا)‪.‬‬ ‫ه��ذه م�ج��رد ن �م��اذج تبين إل��ى أي ح��د يمكن‬ ‫أن ن��ذه��ب إل��ى ال �ق��ول م��ن خ�لال�ه��ا إن السمات‬ ‫االجتماعية واالقتصادية والسياسية والثقافية‬ ‫واألدب �ي��ة ه��ي ال�ت��ي أوج ��دت ن��وع��ا م��ن المفارقة‬ ‫المرعبة في الواقع الحياتي للمدن الحديثة‪ .‬ولم‬ ‫يكن سوى الشعراء والفنانين الذين عبروا عنها‬ ‫أف�ض��ل تعبير‪ ،‬تحت وط��أة فالسفة ك �ب��ار‪ ..‬مثل‬ ‫نيتشة وشليغل وشوبنهاور وميرلوبونتي‪ .‬هذا هو‬ ‫المختبر الكيميائي (عكس المختبر الكيميائي‬ ‫ال�ع��رب��ي) ال��ذي يعكس الطبيعة النثرية للحياة‬ ‫المعاصرة‪ .‬ولكن‪ ..‬أليست هذه المفارقة المرعبة‬ ‫هي التي أوج��دت من جهة أخ��رى‪ ،‬تقارب وحدة‬ ‫المنظور بين الفنون؟ لإلجابة‪ ..‬هناك عبارة ترد‬ ‫دائما على لسان هوغو‪( :‬الريح هي الرياح جميعا)‪،‬‬ ‫ويمكننا أن نستعير ه��ذه العبارة بكل تداعياتها‬ ‫اإليحائية‪ ،‬ونقول مع الفيلسوف الجمالي إيتيان‬ ‫سوريو‪( :‬الفن هو الفنون جميعها)‪.‬‬


‫هنا نقع على الصلة الوثيقة التي تكشف عن‬ ‫م��دى عمق التراسل ال��ذي يحدث بين الحواس‬ ‫داخ��ل الفنون المختلفة (الشعر واللون والعمارة‬ ‫والنحت والتصوير والرقص والمسرح والسينما‬ ‫وال �م��وس �ي �ق��ى)‪ .‬ه ��ذه ال�ص�ل��ة ه��ي ب�م�ث��اب��ة النهر‬ ‫المتدفق في عروق األعمال الفنية‪ ,‬وعلى المرء‬ ‫أن يفتح حواسه حتى آخر رمق فيها؛ ليتأكد له‬ ‫تماما أن اختالل الحواس على حد عبارة رامبو‪،‬‬ ‫أو ما يسميه آدغار آالن بو (بوحدة االنطباع)‪ ،‬ال‬ ‫وفقا لما سبق ذك��ره‪ ..‬هل يمكن أن نتحدث‬ ‫تختص بتثوير مخيلة اللغة فقط‪ ,‬وإنما المخيلة ع��ن ق �ص �ي��دة ال �ن �ث��ر ف��ي ض ��وء ع�لاق �ت �ه��ا بالفن‬ ‫بوصفها جنة عدن الموعودة في أحالم اإلنسان‪ ،‬التشكيلي؟ المجال أرح��ب وأوس��ع كما صورناه‪,‬‬ ‫من خالل موروثه عبر التاريخ‪.‬‬ ‫ول �ك��ن م��ن ج��ان��ب آخ���ر‪ ،‬ي�م�ك��ن أن ن�ت�ح��دث عن‬ ‫ل �ق��د أك���د أك �ت��اف �ي��و ب���اث أك �ث��ر م ��ن م���رة في التجربة السريالية‪ ،‬ومن قبلها الدادائية‪ ،‬وتأثير‬ ‫دراس��ات��ه أن ال�م��وروث الفني واألدب��ي في العالم ك��لٍّ منهما على تطور القصيدة (ليست قصيدة‬ ‫الزمته صفتان‪ ..‬كانتا تحركانه من العمق‪ :‬األولى النثر حصرا) والفن التشكيلي‪ ،‬ويمكن أن نضيف‬ ‫خضوعه لتأثيرات الزمن الدائري (معناه أن الفن ال�م�س��رح وال ��رواي ��ة وك��ذل��ك السينما‪ .‬ل�ق��د كانت‬ ‫واألدب الحديثين يتألفان من اكتشاف مستمر لما األعمال الفنية السريالية لكل من ماكس ارنست‪،‬‬ ‫هو قديم وبعيد) التي تشكل ضمن الرؤية الدينية وسلفادور دال��ي‪ ،‬وميرو واي��ف تانغي؛ إضافة إلى‬ ‫لألديان السماوية – وحتى غير السماوية كالبوذية العظيم بيكاسو‪ ،‬تحمل في داخلها منظورا مشتركا‬ ‫والهندوسية والتاوية ‪ -‬للزمن؛ والثانية خضوعه عن الفن والحياة‪ ،‬وإن كان بيكاسو ‪ -‬األبعد بينهم‬ ‫لمفهوم التناظر ال��ذي ب��ره��ن على أن األعمال ‪ -‬عن السريالية‪ ،‬ولكنه صاحب تأثير كبير على‬ ‫األدبية والفنية‪ ،‬ليست سوى صدى بعضها بعضاً‪ ,‬رموزها‪ ،‬يلتقي مع منظور الشعراء السريالين عن‬ ‫وإن كان يقصر حديثه على األدب األوروبي‪ ،‬إال أننا الشعر والحياة كذلك‪ ,‬حتى اعتبر أندريه برتون أن‬ ‫نجد أن ذلك يمكن أن ينطبق على بقية الموروث (ال فرق في األساس بين قصيدة من بول ايلوار أو‬ ‫األدبي والفني لبقية الشعوب األخرى‪.‬‬ ‫بنجامان بيريه‪ ,‬ولوحة من ماكس أرنست أو ميرو‬ ‫وعلى سبيل ال�م�ث��ال‪ ،‬الفكر الغنوصي الذي أو تانغي)‪ ،‬وهنا تحضرني لوحة ماكس «المرأة‬ ‫ازده��ر في القرن الثاني ق‪ .‬م على سواحل نهر التي بال رأس» وقصيدة بول «هي» من «عاصمة‬ ‫األردن‪ ،‬حيث اندمج بعد ذلك مع الفتح اإلسالمي األلم»‪.‬‬ ‫ضمن موروثه وأدبياته الكالسيكية‪ ,‬هذا الفكر‬ ‫حمل مخيلة خصبة في أغلب أدبياته؛ والمتأمل‬ ‫بعين فاحصة‪ ،‬يجد نوعا من التماثل والتشابه‬ ‫األسلوبي والفني بينها وبين‪ -‬إذا ما أخذنا على‬

‫م������������ل������������ف ال������������ع������������دد‬

‫سبيل المثال ال الحصر‪ -‬ال�م��وروث األسطوري‬ ‫لمخيلة ال�ش�ع��وب ف��ي أم��ري�ك��ا الالتينية‪ ,‬يكفي‬ ‫لتتأكد من ذلك أن تنظر في كتاب إدواردو كاليانو‬ ‫(ذاكرة النار)‪ .‬ويمكننا أن نضيف على أهمية هذا‬ ‫التأثير المتبادل بين جميع الفنون المقولة‪ ،‬التي‬ ‫مفادها أن اإليقاع الجسدي هو المنصة التي تقف‬ ‫عليها جميع األشكال الفنية واألدبية‪ ،‬في لحظة‬ ‫تشكالتها وتحوالتها إلى أعمال منجزة‪.‬‬

‫أم��ا م��ا ي�خ��ص ال�ج��ان��ب ال �ع��رب��ي‪ ،‬ف�ق��د أسس‬ ‫الشاعر ج��ورج حنين‪ ،‬وال�ف�ن��ان رمسيس يونان‪،‬‬ ‫جماعة الفن والحرية في القاهرة‪ ،‬عشية الحرب‬ ‫العالمية ال�ث��ان�ي��ة‪ ,‬وك��ان��ت ت�ح��ت ت��أث�ي��ر الحركة‬

‫اجلوبة ‪ -‬شتاء ‪1431‬هـ ‪17‬‬


‫السريالية‪ ،‬ونشطت هذه الحركة تحت شعار «يحيا‬

‫ثقافة المدينة وتحوالتها األدبية واالجتماعية هي‬

‫الفن المنحط»؛ فأقامت األمسيات والمعارض‪،‬‬

‫الحاضن والمرجع لكل فن من الفنون‪ ,‬وهذه الحالة‬

‫وأصدرت بيانات شعرية وفنية‪ ..‬إضافة إلى مجلة ال تنطبق على مشهدنا تماما‪ ،‬قدر انطباقها على‬

‫باسمها‪ ,‬ولكنها ل��م ت��واص��ل نجاحها‪ ..‬ألسباب‬

‫المشهد األدبي الغربي‪ ,‬فإذا كانت الفنون تسعى‬

‫لسنا بصدد ذكرها‪ ,‬وأخفقت مثل بقية المشاريع إلى التوحد على المستوى الوجودي عند الشاعر‬ ‫التنويرية العربية األخرى‪.‬‬ ‫والفنان الغربي‪ ,‬فإننا لم نزل نتحدث عن الوظيفة‬ ‫ما أردت��ه من العرض السابق‪ ،‬هو أن أبين أن االجتماعية للفن فقط!‬

‫جمالية التجربة الشعرية عند محمد املاغوط‬

‫عبدالله السمطي***‬

‫يمثل محمد الماغوط تجربة ثرية فارقة في أفق قصيدة النثر‪ ،‬بما‬ ‫منحه من طاقة تخييلية متميزة؛ تتمثل في حركية اللغة الحية‪ ،‬وتماهي‬ ‫جسد الكتابة في جسد التجربة الذاتية‪.‬‬ ‫كما تعد تجربة الماغوط الشعرية‪ ،‬من أبرز التجارب التصويرية في‬ ‫قصيدة النثر‪ ،‬وهي تمثل أحد األرك��ان الجمالية في هذا الشكل‪ ،‬الذي‬ ‫تحولت صيغه واتجاهاته في المراحل التالية‪.‬‬ ‫ت �ت �ب��دى ت �ج��رب��ة ق �ص �ي��دة ال �ن �ث��ر ع �ن��د محمد‬ ‫الماغوط‪ ،‬بوصفها من أصفى التجارب الشعرية‬ ‫العربية في هذا الشكل‪ ،‬من جهتين‪:‬‬ ‫ األول��ى‪ :‬ج��دة اللغة الشعرية لديه‪ ،‬ونهلها من‬‫ال�ت�ج��ارب الشخصية‪ ،‬وم��ن البيئة الرعوية‪،‬‬ ‫والطبيعة السورية‪.‬‬

‫(شعر) بديوان‪« :‬حزن في ضوء القمر»(‪ )1‬الذي‬ ‫مثّل الصدمة الجمالية األول��ى ف��ي الساحة‬ ‫الشعرية آن���ذاك‪ ،‬وج��رت ف��ي س�ي��اق تحديد‬ ‫هوية نصوص هذا الديوان مساجالت نقدية‬ ‫بين خ��ال��دة سعيد‪ ،‬ون��ازك المالئكة‪ ،‬ففيما‬ ‫عدّت خالدة سعيد أن هذا الديوان هو «شعر‬ ‫«أطلقت عليه نازك المالئكة مسمى‪« :‬خواطر»‪،‬‬ ‫وحين كتب أدونيس مقالته في العدد (‪ )14‬من‬ ‫(شعر) أعطى مسمى‪« :‬قصيدة النثر» الهوية‬ ‫الجمالية لهذا الديوان(‪.)2‬‬

‫ الثانية‪ :‬جدة صوره الشعرية‪ ،‬وعدم مألوفيتها‬‫في السياق الشعري لقصيدة النثر آنذاك‪،‬‬ ‫وهي صور تلقائية عفوية طليقة‪ ،‬يعلي فيها‬ ‫الشاعر من شأن الحسي الملموس‪ ،‬واليومي‬ ‫لقد أصدر محمد الماغوط في إطار قصيدة‬ ‫المعهود‪ ،‬ول��ذا فقد امتزجت بحيوية تجاربه‬ ‫النثر ثالثة دواوين شعرية(‪ ،)3‬تتضمن (‪ )72‬نصا‪،‬‬ ‫الشخصية وآنيتها‪.‬‬ ‫تتوزع كاآلتي‪:‬‬ ‫ وقد استهل محمد الماغوط تجربته الشعرية‬ ‫في ه��ذا الشكل بعد انضمامه لحركة مجلة ‪« -‬حزن في ضوء القمر» (‪ )18‬نصاً‪.‬‬

‫‪18‬‬

‫اجلوبة ‪ -‬شتاء ‪1431‬هـ‬


‫ «الفرح ليس مهنتي» (‪ )32‬نصا‪.‬‬‫أي أن ع��دد النصوص الشعرية‬ ‫في تصاعد‪ ،‬خاصة بعد أن ترسخ‬ ‫مسمى‪« :‬قصيدة النثر» عبر مجلة‬ ‫(ش� �ع ��ر)‪ ،‬وب �ع��د أن ت�ك�ش�ف��ت هوية‬ ‫ال��م��اغ��وط ال �ش �ع��ري��ة ف ��ي قصيدة‬ ‫النثر‪ ،‬إن أب��رز ال��دالالت التي تترى‬ ‫فيها تجربة الماغوط الشعرية تتمثل‬ ‫في تعبيره عن اآلتي‪:‬‬

‫محمد الماغوط‬

‫م������������ل������������ف ال������������ع������������دد‬

‫ «غرفة بماليين ال�ج��دران» (‪)22‬‬‫نصا‪.‬‬

‫‪ -5‬المرأة‪ ،‬حيث يمثل شعر الحب‪،‬‬ ‫واإلش�� ��ارات ال�ت�ص��وي��ري��ة الجنسية‬ ‫أح��د ال�ع�ن��اص��ر ال�م�ك��ون��ة للقصيدة‬ ‫عند ال�م��اغ��وط‪ ،‬خاصة ف��ي توجيه‬ ‫ال�خ�ط��اب ال�ش�ع��ري ل�ل�م��رأة‪ ،‬وتنويع‬ ‫ال� � ��دالالت ال �ش �ع��ري��ة ال �م��ؤن �ث��ة في‬ ‫النصوص‪.‬‬ ‫‪ -6‬ال ��وط ��ن‪ ،‬ف �م��ن س �م��ات تجربة‬ ‫ال �م��اغ��وط ال�ج��وه��ري��ة ال�ك�ت��اب��ة عن‬ ‫الوطن‪ ،‬بكيه وهجائه‪ ،‬وص��وال إلى‬ ‫واق� ��ع أن� �ق ��ى‪ ،‬واس��ت��ش��راف��ا لوطن‬ ‫جديد‪.‬‬

‫‪ -1‬األل��م والقهر‪ ،‬بما يمثله الواقع‬ ‫السياسي من مأزق في خنق حرية‬ ‫المبدع؛ ول��ذا فهو دائ��م البحث‬ ‫عن حريته‪ ،‬حتى لو أفضى ذلك‬ ‫إل��ى الصعلكة ال��دائ�م��ة‪ ،‬وه��و ما‬ ‫نراه في تعبيره الدائم عن التسكع‪ ،‬والتشرد‪،‬‬ ‫واألرصفة‪ ،‬واألزقة‪ ،‬والحواري‪ ،‬والحانات‪.‬‬ ‫‪ -8‬الحلم والمستقبل‪ ،‬وهما يتكرران عند الماغوط‬ ‫بوصفهما نوعا من الخالص باالنتقال إلى زمن‬ ‫‪ -2‬الحزن‪ ،‬حيث يمثل هذا الحزن تيمة جوهرية‬ ‫آخر‪ ،‬خارج زمن الواقع األليم‪.‬‬ ‫في شعرية الماغوط‪ ،‬وهو يتكرر بشكل كثيف‬ ‫‪ -7‬الشخصيات الشعرية‪ ،‬إذ تتكرر‬ ‫في نصوصه شخصيات‪ :‬السبايا‪،‬‬ ‫باعة الخبز‪ ،‬الجواسيس‪ ،‬الساقطة‪،‬‬ ‫العشيقة‪ ،‬الحداد‪ ،‬الحطاب‪ ،‬البحارة‪،‬‬ ‫العمال‪ ،‬الفران‪ ،‬الثوار المشبوهون‪.‬‬

‫في نصوصه‪ ،‬مع مفردات االغتراب‪ ،‬والوحدة‪،‬‬ ‫واالنكسار‪ ،‬واإلحباط‪.‬‬

‫‪ -3‬شهوة التملك وشهوة التغيير‪ ،‬فعندما يتملك‬ ‫الشاعر – أو يتمنى ذلك شعريا – فإنه يؤسس‬ ‫مملكته األسطورية الجمالية على آفاق العالم؛‬ ‫إنه ينشىء عالما جديدا يريد أن يوزعه كما‬ ‫يشاء في الهباء أو البناء‪ ،‬وهي شهوة تفضي‬ ‫إلى تغيير رتابة الواقع‪ ،‬وقهره وألمه‪ ،‬وينتشر‬ ‫هذا التعبير في نصوص متعددة للماغوط(‪.)4‬‬ ‫‪ -4‬الطفولة‪ ،‬حيث تتواتر اإلشارات الشعرية إلى‬ ‫ه��ذه المرحلة‪ ،‬واإلش ��ارة إل��ى األم واألب في‬ ‫بعض النصوص‪.‬‬

‫هذه أبرز ال��دالالت التي يعبر عنها الماغوط‬ ‫في قصيدته‪ ،‬وهي تتواتر بشكل كثيف تبعا لحالة‬ ‫كل نص‪ ،‬وبنسب مختلفة في تجربته في قصيدة‬ ‫النثر‪ ،‬ويمكن أن ندلل على ذلك بهذه النماذج‪:‬‬ ‫أديري قرص الهاتف يا حبيبتي‬ ‫واطلبي مزيدا من الرعب والعذاب‬ ‫لم أعد أبالي‬ ‫مستقبلي في قبري‬ ‫وجمهوري الوحيد هو ظلي‪.‬‬ ‫ سأقف على موجة عالية‬‫كما يقف القائد على شرفته‬ ‫وأصرخ‪:‬‬ ‫إنني وحيد يا إلهي‪.‬‬

‫اجلوبة ‪ -‬شتاء ‪1431‬هـ ‪19‬‬


‫سأرحل بعد قليل‬ ‫وحيدا ضائعا‬ ‫وخطواتي الكئيبة‬ ‫تلتفت نحو السماء وتبكي‬ ‫ قولوا لهذا التابوت الممدد‬‫حتى شواطىء األطلسي‬ ‫(‪)5‬‬ ‫إنني ال أملك ثمن المنديل ألرثيه‬

‫وأرنو إلى المارة‪ ،‬أنا أسير كالرعد االشقر في‬ ‫الزحام‪ ،‬أنا أتسكع تحت نور المصابيح»(‪.)7‬‬ ‫‪ -2‬ال �ن��داء‪ :‬إذ يمثل أس �ل��وب ال �ن��داء أح��د أبرز‬ ‫الصيغ الناتئة في شعرية الماغوط‪ ،‬وال تخلو‬ ‫أغلب نصوصه من ه��ذا األس�ل��وب‪ ،‬إذ يتكرر‬ ‫ه��ذا األس �ل��وب ف��ي دي��وان��ه األول‪« :‬ح��زن في‬ ‫ضوء القمر» – تمثيال ‪ -‬الذي يتضمن (‪)18‬‬ ‫نصا‪ ،‬يتكرر (‪ )105‬مرات‪ ،‬أي بمعدل تكراري‬ ‫(‪ )5.833‬مرّة لكل نص‪ .‬ويحضر النداء عند‬ ‫ال�م��اغ��وط عبر أدات �ي��ن رئيستين ه�م��ا‪( :‬يا)‬ ‫و(أي �ه��ا)‪ .‬ويأتي ال�ن��داء للبعيد دائما للوطن‪،‬‬ ‫«أم �ض��ي باكيا ي��ا وط �ن��ي» و«دم �ش��ق ي��ا عربة‬ ‫السبايا الوردية»(‪ ،)8‬أما أداة النداء «أيها» فتأتي‬ ‫على األغلب من األشياء الخاصة بالشاعر‪،‬‬ ‫ليعطيها أهميتها ال�ك�ب�ي��رة‪ ،‬ح�ت��ى ل��و كانت‬ ‫تتسم بالقبح‪ ،‬إذ يحولها شعريا إلى اكتشاف‬ ‫جمال ما خلف القبح الظاهري‪« :‬أيها الجراد‬ ‫المتناسل على رخام القصور والكنائس‪ ،‬أيتها‬ ‫السهول المنحدرة كمؤخرة الفرس»(‪.)9‬‬

‫إن القراءة الكثيفة المعمقة لتجربة الماغوط‪،‬‬ ‫تبين لنا هذا الحشد الثري من الصور المتنوعة‬ ‫وال�لام��أل��وف��ة؛ ألن �ه��ا ن��اب�ع��ة ع��ن ال��وع��ي بالواقع‬ ‫والتجربة الشخصية‪ ،‬والتأمل العميق في الحياة‬ ‫الشخصية وال�س�ي��رة ال��ذات�ي��ة للشاعر‪ .‬إن هذه‬ ‫المادة الخصبة بين ي��دي محمد الماغوط‪ ،‬كنز‬ ‫من األلوان واألجواء يسبح فيه شعره‪ .‬دور محمد‬ ‫الماغوط هنا دور التصيد واالن�ت�ق��اء؛ ألن هذه‬ ‫ال�م��ادة الشعرية الخصبة ل��م تتحول إل��ى صورة‬ ‫حديثة دائ�م��ا؛ لقد ظلت بدائية بسيطة تتقرب‬ ‫من الصورة الحديثة بسذاجتها وغرابتها وكونها‬ ‫م��ده�ش��ة‪ .‬ذل��ك أن ص ��وره ال تكشف غ��ال�ب��ا عن‬ ‫ع�لائ��ق ج��دي��دة تتخطى العالئق الشكلية‪ .‬هذه ‪ -3‬ال�ت�ش�ب�ي��ه‪ :‬ي�ح�ض��ر ال�ت�ش�ب�ي��ه ل ��دى الماغوط‬ ‫الصور مدهشة وغريبة‪ ،‬ألنها تتناول غالبا مادتها‬ ‫بشكل كثيف‪ ،‬ليصنع هذه العالقة التصويرية‬ ‫من أشياء مرمية في صندوق الذاكرة‪ ،‬عادت لتحيا‬ ‫بين األشياء المتنافرة والمتباعدة‪ ،‬وه��و من‬ ‫م��ن ج��دي��د‪ ،‬وه��ي مثقلة ب��أص��داء ال �ق��دم‪ ،‬وبريق‬ ‫األساليب البارزة لديه‪ ،‬ومن المكونات الجمالية‬ ‫الفجاءة المفرحة‪ ،‬وهي تعوض بعض الشيء عن‬ ‫األساسية في تجربته الشعرية‪ ،‬ويتكرر أسلوب‬ ‫الكشف عن العالئق الجديدة»(‪.)6‬‬ ‫التشبيه في ديوان‪« :‬حزن في ضوء القمر» على‬ ‫سبيل التمثيل أيضا‪ )158( ،‬مرة‪ ،‬أي بمعدل‬ ‫وتتخلق متوالية الجمل الشعرية في نصوص‬ ‫تكراري (‪ )8.777‬مرة لكل نص من نصوص‬ ‫محمد الماغوط‪ ،‬وبشكل دائري يقود أوله آلخره‪،‬‬ ‫الديوان الثمانية عشر‪ ،‬والتشبيه عبر األداة‬ ‫وعلى العكس في خمس متواليات تتمثل في‪:‬‬ ‫«الكاف» هو األكثر استعماال لدى الماغوط‪.‬‬ ‫‪ -1‬األن��ا‪ :‬حيث تتكرر الصيغ ال��دال��ة على األنا‪،‬‬ ‫كضمير المتكلم‪ ،‬وياء الملكية‪ ،‬وتاء الفاعل‪ ،‬في‬ ‫نصوص الماغوط‪ ،‬فارضة على النص الرؤية‬ ‫الذاتية الكثيفة للعالم؛ وتتكرر األن��ا بشكل‬ ‫طاغ لديه‪« :‬أنا راقد في غرفتي أكتب وأحلم‬

‫‪20‬‬

‫اجلوبة ‪ -‬شتاء ‪1431‬هـ‬

‫‪ -4‬ال �ع �ط��ف‪ :‬م��ن ال �ص �ي��غ ال� �ب ��ارزة ف��ي شعرية‬ ‫الماغوط‪ ،‬وهو ال يقيم المعطوفات باختيار‬ ‫كلمات متقاربة دالليا‪ ،‬بل من كلمات متباعدة‪،‬‬ ‫وم��ن حقول دالل�ي��ة متناكرة‪ ،‬وبشكل متوال؛‬


‫ ‬

‫«خذني إليها‪ ،‬قصيدة غرام أو طعنة خنجر‪،‬‬ ‫(‪ ،)...‬وكتبت قصيدة ع��ن الليل والخريف‬ ‫واألم� ��م ال�م�ق�ه��ورة – أح �ب��ك أك �ث��ر م��ن التبغ‬ ‫ ‬ ‫وال �ح��دائ��ق‪ ...‬وه��ي ت��رن��و إل��ى الليل والخبز‬ ‫والسكارى – أرضع التبغ والعار‪ ،‬أكره لحمها‬ ‫المشبع بالهمجية والعطر‪ ..‬من تلك السهول‬ ‫المغطاة بالشمس والمقابر‪ ..‬نزهة في شارع‬ ‫ممتلىء بالضجة‪ ،‬والدفاتر‪ ،‬واألطفال‪ ،‬رأيت‬ ‫نوافير الطيور‪ ،‬وال��دم‪ ،‬والفراشات الممزقة‬ ‫منذ أجيال تحت الحوافر‪ ،‬شربت قهوة‪ ،‬وماء‪،‬‬ ‫وتبغا‪ ،‬ودموعا»(‪.)10‬‬ ‫‪ -5‬النفي‪ :‬يمثل أحد األساليب التي تشكل بنية‬

‫وه���و غ��ال �ب��ا ي�ع�ب��ر ع ��ن االغ� �ت���راب والفقد‪،‬‬ ‫واإلحساس باأللم والقهر والوحشة‪« ،‬ال وطن‬ ‫لنا وال أج���راس‪ ،‬ال م ��زارع وال س �ي��اط‪ ..‬بال‬ ‫سيوف وال أمهات‪ ..‬وقفنا تحت نور الكهرباء‬ ‫نتثاءب ونبكي»(‪.)11‬‬

‫م������������ل������������ف ال������������ع������������دد‬

‫ويمكن تسمية هذا النوع من العطف‪ ،‬بالعطف‬ ‫ال�م�ت�ض��اد‪ ،‬إذ ت�ت�لاق��ى ك�ل�م��ات م�ت�ن��وع��ة عبر‬ ‫العطف‪ ،‬ال عالقة داللية بينها‪ ،‬كما في هذه‬ ‫النماذج‪:‬‬

‫جمالية مصغرة ترى في نصوص الماغوط‪،‬‬

‫إن هذه الصيغ المتكررة‪ ،‬تمثل اللعبة النصية‬ ‫التي يتكئ عليها الماغوط أسلوبيا في صنع‬ ‫تجربته الشعرية‪ ،‬حيث تترى نصوصه فيها‬ ‫بشكل دائري متتابع متكرر؛ ما يمثل نوعا من‬ ‫اإليقاعية األسلوبية الجلية التي يستعيض فيها‬ ‫الشاعر عن اإليقاع الوزني المتكرر‪ ،‬إذ تفرض‬ ‫ه��ذه الصيغ جمالياتها المنتظمة المتكررة‪،‬‬ ‫لتقدم إيقاع الحالة‪ ،‬أو إيقاع التعبير الجمالي‬ ‫الرحب بديال عن إيقاع الوزن‪.‬‬

‫شعرية قصيدة النثر‬

‫إبراهيم الكراوي****‬

‫تطرح مقاربة المنجز الشعري العربي في مساره التاريخي أسئلة متنوعة ترتبط باالنقالبات‬ ‫التي وسمت هذا المسار على مستوى «الوضع التاريخي «من جهة‪ ،‬والبنيوية النصية من جهة أخرى‪.‬‬ ‫ولعل أبرز هذه األسئلة ما يتعلق بمصطلح «قصيدة نثر» ومختلف إرهاصاته وتمثالته داخل الشعرية‬ ‫العربية‪ .‬والهدف من هذا الطرح هو استجالء مختلف تجليات هذه األسئلة انطالقا من مقاربة‬ ‫مختلف التجارب‪ ،‬التي تمثل وتجلي قضايا «قصيدة النثر»‪ ،‬مقاربة علمية وموضوعية‪.‬‬ ‫وه��ذا المستوى حسب تصورنا ه��و الكفيل‬ ‫بمعالجة ه��ذه األسئلة ومختلف القضايا التي‬ ‫أصبحت تطرح على صفحات المجالت والصحف‬ ‫ال�ع��رب�ي��ة بشكل روت �ي �ن��ي‪ .‬وأص �ب��ح ه��ذا الجدل‬ ‫المؤطر لهذه القضايا «موضة» وهاجسا خاصا‪،‬‬ ‫وفي أحيان أخ��رى سقط النقاش حول قصيدة‬ ‫النثر ف��ي فخاخ االي��دول��وج�ي��ا‪ ،‬ووه��م التقديس‬

‫وال �ت �ع��ال��ي ال �ح �ض��اري‪ ،‬وال �ب �ح��ث ع��ن أصحاب‬ ‫السبق‪ ،‬بمعزل وعلى حساب أي تصور علمي‪،‬‬ ‫يتعامل م��ع ال�ظ��اه��رة األدب �ي��ة كجوهر دينامي‪،‬‬ ‫وبنية داخ��ل «الوضع التاريخي»‪ ،‬وداخ��ل نظرية‬ ‫األدب‪ ،‬وفي إطار مشروع نظرية لألجناس‪ .‬ذلك‬ ‫أن كل «مرحلة تتميز بنسق من األجناس‪ ،‬يرتبط‬ ‫بأيديولوجيتها المهيمنة‪ ..‬إن األجناس مثلها مثل‬

‫اجلوبة ‪ -‬شتاء ‪1431‬هـ ‪21‬‬


‫أي مؤسسة تسعى إلى وضع الخصائص البنيوية‬ ‫للمجتمع الذي تنتمي إليه»(‪.)12‬‬ ‫ومن هذا المنطلق‪ ..‬نعتقد أن مشروع قراءة‬ ‫«قصيدة النثر» ال يمكنه أن يكون إجرائيا إال إذا‬ ‫انطلق من هذه الفرضيات التي يمكن أن تزود‬ ‫الحقل القرائي‪ ،‬ب��أدوات منهجية ذات فعالية‪،‬‬ ‫خصوصا وأن نص «قصيدة النثر» مؤثث بقضايا‬ ‫وج��ودي��ة وبالغية غاية ف��ي العمق‪ ،‬وجماليات‬ ‫ه��ذا النص تتميز باالنفتاح والالنهائية‪ .‬وهنا‬ ‫تجدر اإلش��ارة إل��ى المغالطة التاريخية (وهذا‬ ‫ال ينفي أهمية دراس��ة س��وزان برنار وأتباعها)‬ ‫التي سقطت فيها سوزان حين سقطت في فخاخ‬ ‫التقعيد‪ ،‬ومحاولة البحث عن تنميط لقصيدة‬ ‫النثر‪ ،‬والحال أن ه��ذه األخيرة تستعصي على‬ ‫التقعيد‪ ..‬خصوصا وأن الوتيرة المتسارعة التي‬ ‫كانت تطبع االن�ق�لاب��ات التي وسمت الشعرية‬ ‫األوروب�ي��ة‪ ،‬لم تكن لتسمح بمحاصرة الموضوع‬ ‫وضبط متونه المتناسلة‪.‬‬ ‫فكل تجربة في ه��ذا اإلط��ار تتمثل كأنساق‬ ‫مستقلة تنفرد بحداثتها وأسئلتها‪ .‬وهذا ما ينطبق‬ ‫على الشعرية العربية الراهنة بصورة أكثر جالء‪.‬‬ ‫إنها شعرية تتميز بالتنوع على مستوى التجربة‬ ‫والتشكل الخطابي‪ .‬فالحداثة في شعرية قصيدة‬ ‫النثر العربية ح��داث��اث‪ ،‬باعتبار أن�ه��ا تخضع‬ ‫لمفهوم االنفتاح واإلبداعية‪ .‬وفي هذا اإلطار‪،‬‬ ‫سننطلق من أجل مقاربة جماليات قصيدة النثر‪،‬‬ ‫من مفهومين إجرائيين ومركزيين في اللسانيات‬ ‫الحديثة‪ ،‬وهما اإلبداعية‪ ،‬والمالءمة‪ ..‬ف«للمظهر‬ ‫اإلبداعي الذي أولته اللسانيات األمريكية أهمية‬ ‫خاصة‪ ،‬خصوصا مع أعمال سابيير‪ ،‬عاد ليتبوأ‬ ‫المكانة األولى في مشروع تشو مسكي»(‪.)13‬‬

‫اإلب��داع �ي��ة‪ ،‬ب��اع�ت�ب��اره��ا أف �ق��ا خصبا لمعالجة‬ ‫األسئلة الجديدة للذات والواقع العربي‪ ،‬وبناء‬ ‫رؤية جديدة للعالم‪ .‬أما بالنسبة للمفهوم الثاني‬ ‫ف�ه��و ي��رت�ب��ط بمفهومين آخ��ري��ن ه�م��ا التوليد‬ ‫الداللي والالنهائية‪ .‬يقول أحد الباحثين في هذا‬ ‫اإلط ��ار«أرى أن ما يميز قصيدة النثر رح��م ذو‬ ‫وظيفتين بدال من واحدة‪ ،‬فهو يولد الداللة كما‬ ‫في كل شعر‪ ،‬ويولد ثابتا شكليا خاصا‪ ،‬إال أن هذا‬ ‫الثابت يكون مالزما للداللة»ـ(‪ .)14‬وإذا كان موضوع‬ ‫اللسانيات هو اللغة‪ ،‬فإن األمر نفسه يمكن أن‬ ‫ينطبق على مشروع قصيدة النثر‪ ،‬لكن بدرجات‬ ‫متفاوتة‪ ..‬فاللغة هنا مثلها مثل باقي الوسائط‬ ‫الجمالية‪ ،‬التي تخرق البعد الخطي‪ ،‬بل إنها لتنزع‬ ‫إلى مماثلة خطابات أخرى‪ ..‬مثل خطاب الصورة‬ ‫البصرية والتشكيل والسينما؛ بمعنى أنها تشتغل‬ ‫على اللغة في أبعادها المختلفة‪ ..‬لكن بدون أن‬ ‫تشتغل على اللغة بذاتها ولذاتها‪ .‬بل إنها تتجذر‬ ‫ف��ي التاريخ اإلن�س��ان��ي‪ ،‬الهوية‪ ،‬أس�ط��ورة الفرد‬ ‫والحياة‪ ،‬خطاب األفكار‪ ،‬والثقافة في تجلياتها‬ ‫األنتربولوجية‪ ..‬ولعل المقاربات التي سننجزها‪،‬‬ ‫ستكشف الطبقات الجيولوجية لهذا الخطاب‪،‬‬ ‫وت �ح��اول م��ن ث��م ت�ف��ادي ال �ق��راءات االنطباعية‪،‬‬ ‫والسطحية‪ ،‬والتاريخية‪ ،‬التي أس��اءت لخطاب‬ ‫شعرية قصيدة النثر‪ ،‬وشوهت معالمه‪.‬‬

‫قصيدة النثر‪ :‬مأزق التصنيف‪ ،‬سلطة‬ ‫األفكار والبحث عن الهوية الضائعة‬

‫ل�ق��د ان�ش�غ��ل أغ �ل��ب الباحثين ف��ي الشعرية‬ ‫العربية الجديدة بمسألة التسمية‪ ،‬فمنهم من‬ ‫رفض مصطلح «قصيدة نثر» الحتوائه المفارقة‪.‬‬ ‫فحسب هذه اآلراء‪ ،‬المصطلح ال يعبر عن جوهر‬ ‫التجربة‪ ،‬وع��ن المشروع ال��ذي أفرزته تحوالت‬ ‫إن مشروع قصيدة النثر ينطلق من هاجس ال�م�ح�ي��ط ال �ج��دي��د‪ ..‬وه �ن��اك م��ن أط �ل��ق عليها‬

‫‪22‬‬

‫اجلوبة ‪ -‬شتاء ‪1431‬هـ‬


‫ويكاد تاريخ قصيدة النثر إذاً يماثل تاريخ‬ ‫اللغة ‪ -‬كما سبقت اإلش ��ارة ‪ -‬فهي وإن كانت‬ ‫ت�خ�ت�ل��ف م�ع�ه��ا ف��ي م �س �ت��وى س �ع��ي اللسانيات‬ ‫الحديثة على مستوى الهدف (موضوعها في ذلك‬ ‫هو اللغة) إلى استخالص القوانين الكلية التي‬ ‫تحكم اللغات‪ ،‬فإنهما يشتركان في الخصائص‬ ‫والمفاهيم التي أشرنا إليها سابقا‪ .‬وسنتبين‬ ‫ذل��ك م��ن خ�لال المقاربات النصية وه��ذا دون‬ ‫أن ننسى ب��أن األرض �ي��ة مشتركة على مستوى‬ ‫الموضوع؛ فموضوع قصيدة النثر بشكل عام هو‬ ‫اللغة‪ ،‬أي االشتغال على اللغة‪ ،‬أو بتعبير أدق‪،‬‬ ‫على بالغة اللغة الشعرية‪ ،‬لكن ليس فقط في‬ ‫بعدها السانكوني‪ ،‬ب��ل ف��ي بعدها الدياكروني‬ ‫أي�ض��ا‪ .‬وأق�ت��رح هنا على ال��دارس�ي��ن أن يتأملوا‬ ‫بشكل أعمق هذا التوازي بين تاريخ اللسانيات‬ ‫الحديثة‪ ،‬وبين تاريخ قصيدة النثر‪ ،‬وأن يقربوا‬ ‫المسافة بينهما على مستوى المقاربة‪ .‬وستكون‬ ‫النتائج غاية في األهمية‪ ،‬ليس فقط بالنسبة‬ ‫للسانيات‪ ،‬ولكن في حقول معرفية أخ��رى بما‬ ‫فيها األنتربولوجيا‪ ،‬وعلمي النفس واالجتماع‬ ‫بجميع مدارسها‪ ،‬ألن قصيدة النثر هنا تتمثل‬ ‫أيضا كظاهرة ثقافية واجتماعية وحضارية‪،‬‬

‫ومن وجهة نظري‪ ،‬أعتقد أن موقعة قصيدة‬ ‫النثر ف��ي س�ي��اق ه��ذه االن �ش �غ��االت‪ ،‬ومقاربتها‬ ‫تقتضي االنطالق من أسئلة افتراضية من قبيل‪،‬‬ ‫ما ال��ذي يمكن أن يعنيه األدب في هذا القرن‪،‬‬ ‫وكيف تتشكل نظرية األدب المعاصرة‪..‬؟ وما‬ ‫عالقة مشروع قصيدة النثر بنظرية األجناس؟‬ ‫ولنؤجل التنقيب في هذا المستوى‪ ،‬الذي يقتضي‬ ‫سياقا خاص‪.‬‬

‫م������������ل������������ف ال������������ع������������دد‬

‫أسماء أخرى «كالتجربة الجديدة»‪« ،‬الحساسية‬ ‫الجديدة»‪« ،‬الشعرية الجديدة»‪ ،‬وهي تسميات‬ ‫خارج المدار التاريخي الذي انبعثت من داخله‬ ‫ه��ذه القصيدة‪ ،‬وال تسعف ف��ي تأسيس تصور‬ ‫لمشروع قصيدة النثر العربية‪ ،‬نطمح إل��ى أن‬ ‫يوضع ويناقش داخل نظرية األدب من جهة‪ ،‬وفي‬ ‫إطار نظرية األجناس (كما بدأ يتحقق ذلك في‬ ‫جنس السرد العربية)‪ .‬بل إنها مصطلحات تسهم‬ ‫في توسيع الهوة بين قصيدة النثر والنقد‪ ،‬بما‬ ‫أنها تتميز بنوع من االبتعاد عن الدقة العلمية في‬ ‫تحديد الموضوع والهدف‪.‬‬

‫وليس مجرد موضة حديثة من موضات العصر‪،‬‬ ‫أو مصطلح مفرغ من أي بعد معرفي أو إنساني‪.‬‬ ‫ولعل المهاد النظري السابق يقودنا إلى استحضار‬ ‫مفاهيم وأسئلة أخرى من قبيل‪ :‬األصالة‪ ،‬الهوية‪،‬‬ ‫التجديد‪ ،‬الخصوصية‪ ،‬التأثير‪ ،‬الترجمة‪ ..‬ومن‬ ‫هنا فمقاربة مشروع قصيدة النثر العربية‪ ،‬يجب‬ ‫أن ينطلق من خ��ارج هذا المدار حول التسمية‬ ‫وال�ت��اري��خ والمشروعية وأص �ح��اب السبق‪ ،‬وأن‬ ‫ينطلق تدقيقا من االنجازات التي حققتها هذه‬ ‫التجارب عبر مقاربات نصية علمية‪ ،‬تستفيد من‬ ‫منجزات العلوم والمناهج‪.‬‬

‫ولذلك نرى أن معالجة قصيدة النثر يجب أن‬ ‫تتموقع داخ��ل نظرية األدب الحديث‪ ،‬ومختلف‬ ‫األسئلة التي تطرحها هذه النظرية حديثا؛ ولذلك‬ ‫ن��رى أن��ه يجب أن نشتغل على س��ؤال‪ :‬ما الذي‬ ‫يعنيه األدب في هذا العصر‪ ،‬قبل أن نطرح سؤال‬ ‫ماهية قصيدة النثر؟ (وهي أسئلة تتطلب تضافر‬ ‫جهود علماء ذوي مشارب مختلفة‪ ،‬س��واء كانوا‬ ‫سوسيولوجيين‪ ،‬أو علماء نفس‪ ،‬أو لسانيين‪،)..‬‬ ‫ذلك أن «كل دراس��ة لألدب تسير في اتجاهين‪،‬‬ ‫شئنا أم أب�ي�ن��ا‪ :‬م��ن العمل األدب ��ي نحو نظرية‬ ‫األدب (أو نظرية األجناس)‪ ،‬ومن نظرية األدب‬ ‫نحو العمل األدب��ي‪ ،‬كما أن استخالص مظاهر‬ ‫التماثل واالخ �ت�لاف تعد عملية مشروعة»(‪)15‬؛‬ ‫وه��ذا يعني ط��رح ال �س��ؤال ح��ول ح��دود قصيدة‬

‫اجلوبة ‪ -‬شتاء ‪1431‬هـ ‪23‬‬


‫النثر داخل نظرية األجناس‪ ،‬في إطار تيبولوجية‬ ‫تركز على الوعي بالظاهرة األدبية‪ ،‬كنسق تتقاطع‬ ‫فيه حقول ومعارف متنوعة‪.‬‬ ‫يبدو جليا أننا ال نتصور مقاربة لنظرية األدب‬ ‫(قصيدة النثر)‪ ،‬دون استحضار العلوم اإلنسانية‬ ‫واتجاهاتها‪ .‬إذاً‪ ،‬هل قصيدة النثر جنس‪ ،‬نوع أو‬ ‫نمط؟ وما هي حدودها وعالئقها مع األجناس‬ ‫التاريخية‪ ،‬وبينها وبين األجناس الفرعية؟ في‬ ‫الحقيقة يمكن ال�ق��ول إن س��ؤال ال�ح��دود قديم‬ ‫ج��دا‪ ،‬منذ أن اكتشفنا التقابل بين الملحمي‬ ‫الغنائي‪ ،‬ومع أول محاولة لتصنيف األن��واع مع‬ ‫أرس�ط��و م��رورا ب�ب��وال��و‪ ،‬ليسينغ‪ ،‬وغيرهما إلى‬ ‫بارث وموريس بالنشو‪ ..‬وهو سؤال يحضر أيضا‬ ‫في التراث النقدي العربي بشكل أو بآخر؛ فنحن‬ ‫نجد وعيا خاصا بالجنس واألن��واع في التراث‬ ‫النقدي العربي‪ .‬يقول النويري الذي يقسم مؤلفه‬ ‫إلى أقسام فأبواب يجمعها ما سماه فن األدب‪:‬‬ ‫«ف �ف��رق��ت جليها وك�ش�ف��ت خفيها وبسطت‬ ‫ال�ف��رائ��د ونظمت منها اإلرت� �ف ��اع‪ ..‬واسترفعت‬ ‫القوانين‪ ،‬ووضعت الموازين»(‪ .)16‬ويقدم لنا حازم‬ ‫القرطجاني تصورا رائدا في هذا المستوى‪ ،‬إذ‬ ‫لم يعد معيار تصنيف الشعر كجنس يستند إلى‬ ‫الوزن فقط‪ ،‬بل نلفي التخييل عنصرا أساسيا في‬ ‫العملية اإلبداعية‪ ،‬يقول حازم القرطجاني في هذا‬ ‫اإلطار «وكان الشعر والخطابة يشتركان في مادة‬ ‫المعاني‪ ،‬ويفترقان بصورتي التخييل واإلقناع‪..‬‬ ‫تخيل األشياء التي يعبر عنها باألقاويل‪ ،‬وبإقامة‬ ‫صورها في الذهن بحسن المحاكاة»(‪.)17‬‬ ‫وإذا عدنا إلى صلب موضوعنا‪ ،‬ومن وجهة‬ ‫ن�ظ��ر س� ��وزان ب��رن��ار‪ ،‬ف ��إن ال �ح��دود ق��ائ�م��ة بين‬ ‫قصيدة النثر وأجناس أخ��رى‪ ،‬فهي حسب هذه‬ ‫األخيرة جنس قائم بذاته‪ .‬وبالتالي سقطت في‬

‫‪24‬‬

‫اجلوبة ‪ -‬شتاء ‪1431‬هـ‬

‫التناقض التاريخي ال��ذي تحدثنا ع�ن��ه‪ ،‬إذ أن‬ ‫القصيدة الجديدة ج��اءت ض��د التنميط‪ ،‬ومن‬ ‫أجل تجاوز القواعد الصارمة‪ ،‬التي تقيد حرية‬ ‫اإلب ��داع‪ ،‬وخ��ارج إط��ار أي تصنيف‪ ..‬وانشغلت‬ ‫بالمقابل بالتجديد‪ ،‬التجاوز‪ ،‬اإلب��داع ومحاولة‬ ‫البحث عن الهوية والذات في زمن عربي صعب‪،‬‬ ‫ومثخن بجراح الحرب‪ ،‬وأسئلة مواجهة التحديات‬ ‫الحضارية الجديدة‪ ،‬وفي مرحلة تاريخية تميزت‬ ‫ببداية ظهور ال�ص��راع بين الهويات واالثنيات‪،‬‬ ‫وصعود وتصادم المجتمع الصناعي والمجتمع‬ ‫ال�م��ؤس�س��ات��ي؛ م��رح�ل��ة ت�م�ي��زت ب��ان�ف�ج��ار إبداع‬ ‫اإلنسان‪ ،‬وبداية إلغاء الحدود الثقافية (بشكل‬ ‫نسبي)‪ ،‬وب��داي��ة عصر التكنولوجيا ذات الدقة‬ ‫العالية‪ ،‬المبنية أصال على اإلبداع والتقدم وظهور‬ ‫مفاهيم أخ��رى تمثل إف ��رازا للحياة الجديدة‪:‬‬ ‫كالتسامح‪ ،‬حوار الحضارات‪ ،‬العولمة‪ ..‬راجع في‬ ‫هذا اإلطار (غالف عنوان مجلة مواقف)؛ ومن‬ ‫جهة أخرى‪ ،‬في ظل استبداد المجتمع الصناعي‬ ‫المادي‪ ،‬جاء النص الجديد ليتمثل الطبيعة في‬ ‫مواجهة الثقافة‪ ..‬إن «قصيدة النثر» بتعبير آخر‬ ‫تمثيل وإفراز للحياة الجديدة في ظل المفاهيم‬ ‫واإلرهاصات الحضارية الجديدة‪.‬‬ ‫إن ق��راءة مشروع وتاريخ قصيدة نثر يفضي‬ ‫ب�ن��ا إل ��ى أن ال �ن��ص يستعصى ع�ل��ى التصنيف‬ ‫الصارم‪ .‬فهي ليست جنسا‪ ،‬وال نوعا‪ ،‬وال نمطا‪،‬‬ ‫وال ال شيء أيضا‪ ..‬إنها تنويع داخل جنس عام‬ ‫ه��و ال�ش�ع��ر‪ ،‬ب��اع�ت�ب��ار أن ال�ج�ن��س أو األجناس‬ ‫تخضع لسيرورة التطور‪ ،‬وتتبلور بفعل نحت رياح‬ ‫س �ي��رورة األج �ن��اس‪ ..‬ال��زم��ن وع��وام��ل المرحلة‪.‬‬ ‫وهو وضع طبيعي داخل هذا السياق «ألن تطور‬ ‫األدب المعاصر يكمن أساسا في أن نجعل من‬ ‫كل أثر على حدة‪ ،‬مساءلة لجنس الكائن األدبي‬ ‫ن�ف�س��ه»(‪ .)18‬وبالتالي‪ ..‬فحسب بالنشو فالنص‬


‫م������������ل������������ف ال������������ع������������دد‬

‫الحديث‪ ،‬يقترب من تدمير مفهوم الحدود‪ .‬ومن‬ ‫هنا‪ ،‬فاألنساق التي تشتغل داخل قصيدة النثر‬ ‫والنص الحديث بشكل عام تتميز باالنفتاح‪ ..‬لكن‬ ‫سوزان برنار بالمقابل‪ ،‬تضيء لنا جانبا من البنية‬ ‫الداخلية لقصيدة النثر‪ ،‬تمثل أرض�ي��ة خصبة‬ ‫لمقاربة المصطلح والبحث عن هويته الضائعة‬ ‫في النهائية التجارب واإلبداعية‪ .‬تقول في هذا‬ ‫اإلط ��ار‪« :‬ف��ي ال��واق��ع إن قصيدة النثر تتأسس‬ ‫ليس فقط ف��ي شكلها‪ ،‬ب��ل حتى ف��ي الماهية‪،‬‬ ‫على اتحاد األض��داد بين النثر الشعر‪ ،‬الحرية‪،‬‬ ‫الصرامة‪ ،‬الفوضى‪ ،‬والتناسق الفني»(‪ .)19‬إذاً‪،‬‬ ‫فالوعي بالمستويين عملية إجرائية في إطار‬ ‫مقاربة موضوعية ومنهجية لمسار قصيدة النثر‬ ‫وإرهاصاتها وتمثالتها المختلفة‪.‬‬

‫وم��ن ه�ن��ا‪ ،‬ف�ك��ل إط ��ار ت��اري �خ��ي‪ ،‬وك��ل ن�س��ق من‬ ‫األنساق المتنوعة‪ ،‬يفرز لنا بالضرورة أجناسا‬ ‫ت�ع�ب��ر ع��ن أي��دي��ول��وج �ي��ات وذه �ن �ي��ات‪ ،‬ومراحل‬ ‫خ��اص��ة‪ ،‬وت �ب �ح��ث م�ف��اه�ي��م وم� �ح ��ددات خاصة‬ ‫ب�م�ف�ه��وم األدب واألدب� �ي ��ة‪ .‬وه ��و م��ا ي��وض��ح أن‬ ‫«ح�ض��ور بعض األج �ن��اس داخ��ل مجتمع معين‪،‬‬ ‫وأخ��رى عملية كاشفة لهذه اإليديولوجية»(‪)20‬؛‬ ‫وه ��ذا يعني أن خ �ط��اب خ��ري�ط��ة األج �ن��اس هو‬ ‫بالدرجة األولى خطاب إنساني‪ ،‬يحفر في عمقه‬ ‫التاريخي وتحوالته السوسيولوجية والثقافية‪،‬‬ ‫واللسانية والحياتية والالوعي الجمعي‪ .‬والقول‬ ‫بأن قصيدة النثر خارج المدار التاريخي الشرعي‬ ‫للشعر‪ ،‬ألنها تستبعد مفهوم العروض التقليدي‪،‬‬ ‫أو إنها بديل حضاري نهائي للشعر القديم‪ ،‬يمثل‬ ‫وعيا خ��ارج األدب‪ ،‬وخ��ارج الصيرورة الطبيعية‬ ‫للحياة والجنس‪ ،‬وخ��ارج اإلط��ار المنهجي‪ .‬فكل‬ ‫جنس أو مجموعة من األجناس القديمة‪ ،‬تخضع‬ ‫لهذا التغيير إما بقلبها وتحويرها‪ ،‬أو تغييرها‪..‬‬ ‫وهذا التحديد أو التداخل أو االنزياح أو التحول‪،‬‬ ‫يمكن أن يستوعب أجناسا ويذيب أخرى في خانة‬ ‫معينة‪ ،‬وه��ذا ما يبرر جدلية االختفاء والتجلي‬ ‫التي وسمت بعض األج�ن��اس على م��ر التاريخ؛‬ ‫وكل هذا ينطبق بالضرورة على األجناس واألنواع‬ ‫واألن� �م ��اط‪ ،‬ك�م��ا ه��و ال �ش��أن بالنسبة لقصيدة‬ ‫النثر‪.‬‬

‫إن أول ما أث��ار انتباه الدارسين والباحثين‪،‬‬ ‫ه��و المصطلح ال��ذي ‪ -‬حسب رأي األغلبية ‪-‬‬ ‫ينهض على تناقض ومفارقة من خالل قصيدة‪/‬‬ ‫شعر‪ /‬نثر‪ ،‬وهو رأي ال يستند على تصور متين‬ ‫واس �ت��دالل��ي‪ .‬ويمكن ال �ق��ول‪ :‬إن ه��ذا التناقض‬ ‫يمثل مظهرا من مظاهر االنسجام الداخلي‪ .‬كما‬ ‫يمكن أن نستنتج ونحن نقرأ «إشراقات» وقصائد‬ ‫نثر بودلير‪ ،‬والتي تنهض على ثنائيات الطبيعة‬ ‫والثقافة وغيرها‪ ،‬ما يمثل تناقضا أو تقابال‪،‬‬ ‫والنماذج كثيرة في هذا الباب؛ فالتناقض هنا‬ ‫بنية تتمثل وتتفاعل داخلها مكبوتات العالم على‬ ‫حد تعبير فرويد‪ ،‬وتكشف عن الوعي والذات‪،‬‬ ‫وتجسد من ثم ه��ذه العالقة الجديدة مع هذا األصوات كيمياء الداللة وقصيدة النثر‬ ‫العالم الجديد‪ ،‬في شكل جديد‪ ،‬وبتعبير جديد‪.‬‬ ‫إن� �ن ��ا ل� ��م ن� �ح ��دد ب��ع��د ت��م��ظ��ه��رات الوعي‬ ‫لكن التناقض أو اجتماع األضداد ليس خاصية بمشروع قصيدة النثر داخل المسار التصنيفي‬ ‫نهائية وقطعية‪ ،‬ولكنها احتمال من محتمالت ‪ ،processus typologique‬ول��م نستكمل‬ ‫القراءة‪.‬‬ ‫بعد مشروعا تمهيديا لمقاربة نصوص قصيدة‬ ‫ويمكن القول إن قصيدة النثر تتمثل نتاجاً ال �ن �ث��ر‪ .‬إن ق� ��راءة ه��ذه ال �م �ت��ون المتناسلة من‬ ‫لسيرورة تميز حياة األجناس على مر التاريخ‪ .‬هاجس التجديد‪ ،‬ومسالك الحداثة المتشعبة‪،‬‬

‫اجلوبة ‪ -‬شتاء ‪1431‬هـ ‪25‬‬


‫يفتح أفقا لبناء فرضيات وأدوات جديدة تؤسس وج��اه��ز‪ ،‬ولكن تعبير ع��ن أن�س��اق ج��دي��دة‪ ،‬وعن‬ ‫ل�ق��راءة ج��دي��دة‪ ،‬وموضوعية للظاهرة الجديدة الذات والثقافة‪..‬‬ ‫قصيدة النثر‪ .‬وم��ن المعلوم أن الشعر القديم‬ ‫الدالئل النصية وشعرية المرجع‬ ‫ش َكّل مختبرا مهما وغنيا بالعينات التي تدرس‬ ‫نستحضر ونحن ن�ق��ارب ه��ذه القضية التي‬ ‫تفاعالت أو كيمياء األصوات‪ ،‬وتمثالتها النفسية‪،‬‬ ‫وعالقتها بعالم ال��دالل��ة‪ .‬في الواقع إن كل لغة تشكل أحد معالم فضاء «قصيدة النثر» أحد أهم‬ ‫تمتلك مختبراتها الصوتية واإليقاعية التي تعبر التجارب العربية في هذا اإلطار‪ ،‬والتي حاولت‬ ‫بناء مشروع حداثة شعرية‪ ،‬تؤثث فضاء الشعرية‬ ‫عن أفكار‪ ،‬انفعاالت‪ ،‬أيديولوجيا‪.‬‬ ‫العربية‪ .‬يتعلق األمر هنا بتجربة الشاعر العماني‬ ‫ول�ع��ل ه��ذه اإلستراتيجية‪ ،‬ه��ي ال�ت��ي دفعت‬ ‫سيف الرحبي‪ .‬ونظرا لتنوع المشروع (الشعري‬ ‫العالم األنتربولوجي إدوارد سابير‪ ،‬إلى محاولة‬ ‫ذاته) وكثافة القضايا التي تطرحها مقاربة حداثة‬ ‫االس�ت�ف��ادة م��ن اللسانيات الحديثة‪ ،‬بخصوص‬ ‫استثمار آلياتها ومكوناتها‪ ،‬ف��ي مقاربة بعض سيف الرحبي‪ ،‬سنقتصر في ه��ذا الحيز على‬ ‫الظواهر‪ ..‬وما يؤكد الدور اإلستراتيجي لإليقاع محاولة الكشف‪ ،‬عن أبعاد شعرية المرجع من‬ ‫واألصوات في بناء التواصل وتشكيل عالم الداللة‪ ،‬خالل مجموعة «رجل من الربع الخالي»‪ .‬وأهمية‬ ‫هو تأمل ظاهرة األصوات عند األقوام والقبائل هذه التجربة تنبع أساسا من تمظهرات المكان‬ ‫المسماة بدائية‪ .‬فاإليقاع إذاً في اللغة‪ ،‬ينهض الذي يتمثل باعتباره تجربة جماعية عبره تسافر‬ ‫بدوره بوظيفة خاصة‪ .‬ولذلك يجب أن يُمَيز بين الذات الشاعرة‪ ،‬وتترصد تجربتها الشعرية‪ ،‬من‬ ‫ع��دة مستويات م��ن اإلي �ق��اع‪ ،‬فهناك اإليقاعات خالل تفصيل جغرافية فضاء الصحراء‪ ،‬والتاريخ‬ ‫األولية‪ ،‬وهي تهم اللغة األم‪ .‬ومن جهة أخرى‪ ،‬الجماعي المميز له‪ ..‬ففي نص «أودية وشعاب»‬ ‫«تعتبر بعض اإليقاعات نتاج العادات االجتماعية تتماهى الذات الشاعرة مع المكان الذي تربطها‬ ‫عند بعض الجماعات‪ ،‬والتي تربطها عالقة مع به قرابة دموية‪ .‬فهناك عالقة داللية بين حضور‬ ‫اإلي�ق��اع��ات للغة األم‪ ،‬وخ�لاص��ة ال �ق��ول‪ :‬إن كل ال �ض��وء وال� ��دم‪ ،‬باعتبارهما يحمالن مقومات‬ ‫لغة وكل نظام تواصلي وإبداعي يمتلك أنساقه سياقية تدل على الحياة‪ .‬فضوء المكان شاحب‬ ‫اإليقاعية حسب الجنس النوع‪ ،‬الجسد‪ .)21(»..‬على اعتبار ما يحمله المكان من تاريخ األلم‪ ،‬وقد‬ ‫وتبعا لذلك‪ ،‬يمكن القول إن اإليقاع في قصيدة راكم النص هذا المدلول من خالل حقل معجمي‬ ‫النثر يخضع لنفس التمثالث‪ .‬فالنص الجديد ي��رت�ب��ط ب��ال�ف�ض��اء ن�ف�س��ه‪ ،‬ع�ل��ى م�س�ت��وى البنية‬ ‫ينطلق م��ن فرضية ه��ي أن اإلي �ق��اع أوس ��ع من العميقة (ألهث‪ ،‬ال بريق‪ ،‬ال شرب‪ ،‬الجرحى‪،)..‬‬ ‫العروض‪ ،‬ومتحرر من سلطات التقعيد والتقييد بل إن هذا الضوء الشاحب يتحول إلى دم‪ ،‬لكنه‬ ‫ال �ص��ارم‪ .‬إن��ه تعبير وتمثيل ل �ل��ذات ولتجاربها رغم ما يوحي به من األل��م‪ ،‬فإنه م��ازال (يصل)‬ ‫النفسية‪( .‬بغض النظر عن قصيدة النثر‪ ،‬أنظر يسري باحثا عن الحياة في هذا الفضاء المقفر‬ ‫في ه��ذا اإلط��ار خصائص اإليقاع عند محمود والملغز‪ .‬وما يالحظ هنا‪ ..‬هو أن النص يتأسس‬ ‫دروي��ش‪ ،‬حسب الشيخ جعفر‪ ،)..‬فاإليقاع هنا على تشاكلين دالليين متعارضين‪ :‬األول‪ :‬تشاكل‬ ‫ليس مجرد بنية تجريدية ارتبطت بنسق صارم الموت الذي يوحي بالغياب (ال بريق مدنية يلوح‬

‫‪26‬‬

‫اجلوبة ‪ -‬شتاء ‪1431‬هـ‬


‫لكني عرفت أن الضوء الشاحب‬ ‫يتسلل من رسغي‬ ‫خيط دم يصل الشعاب بوديانها األولى‬

‫(‪)22‬‬

‫إن التعارض بين التشاكلين ال يرسخ بنيات‬ ‫دالل�ي��ة متعارضة‪ ،‬ب��ل يؤشر إل��ى تشاكل داللي‬ ‫يؤسس لهاجس االنسجام بين الوحدات الداللية‬ ‫للنص‪:‬‬ ‫لجلبة تحمل األفق ذريعة للحكاية‬

‫(‪)23‬‬

‫إن مقاربة البنيات النصية لمجموعة «رجل‬ ‫من الربع الخالي» تستدعي استحضار مفهوم‬ ‫ال�م��رج��ع‪ ،‬وال ��ذي ح��اول��ت تجربة قصيدة النثر‬ ‫بلورته وفق رؤية ونسق مغايرين‪ .‬فالذات الشاعرة‬ ‫«األنا» تعثر من خالل هذا السفر الشعري على‬ ‫هويتها وانتمائها الثقافيين‪..‬‬ ‫وجدت أفقا يعيد إلي اسمي القديم‬ ‫ملفعا بوجوده غائبة‬ ‫وأخرى ستغيب‬ ‫‪...‬‬ ‫وجدت دمعة تستفز المارة‬ ‫من فوق شاحنة في األزمنة البعيدة(‪.)24‬‬

‫م������������ل������������ف ال������������ع������������دد‬

‫وال س��راب اس�ت��راح��ة)‪ .‬والثاني‪ :‬تشاكل الحياة‬ ‫الذي يوحي بأن الذات تمد المكان بالدم والماء‬ ‫بما يبعث فيها الحياة‪.‬‬

‫�اض وحاضر الكائن في‬ ‫بصدد فعل اكتشاف م� ٍ‬ ‫ع�لاق�ت��ه ب� ��األرض‪ ،‬ب��اع�ت�ب��اره��ا ام �ت��داد جسدي‬ ‫وثقافي‪ ،‬وأيديولوجي‪ .‬إن الشاعر في «رجل من‬ ‫الربع الخالي» يتحول إلى عالم حفريات‪ ،‬يحفر‬ ‫في األنا الجماعية‪ ،‬والالوعي الجمعي‪ ،‬ويتجلى‬ ‫ذل��ك م��ن خ�ل�ال ع�لاق��ة ه��ذا ال�ك��ائ��ن اإلنساني‬ ‫ب��األرض ‪ -‬الهوية ‪ -‬الصحراء‪ .‬فهذه القصائد‬ ‫رصد لجغرافية هذا المكان في أبعاده األفقية‬ ‫والعمودية‪ ،‬ولفضاء الصحراء بشخوصه وأحداثه‬ ‫وتاريخه‪..‬‬ ‫عجائز الطرقات‬ ‫يستجدون بسمة عابر‬ ‫في وجودهم مرايانا‬ ‫وفي حدبة العمر‬ ‫أيامهم معلقة في ذكرى‬ ‫كسنام يواجه فيض الصحراء‬

‫(‪)25‬‬

‫ولعل البعد المرجعي يترسخ حين استحضار‬ ‫الشاعر معالم أدبية (مصطلح)‪ ،‬أو شخصيات‬ ‫تاريخية كما في قصيدة «سليمة األزدي»‬ ‫السهام التي انطلقت ف��ي بطن ذل��ك القفر‬ ‫المعتم‪،‬‬ ‫الغليظ العتمة‪ ،‬من قوس سليمة األزدي‬ ‫باتجاه والده مالك‬ ‫وباتجاه التاريخ‬

‫واستحضار بعض المعالم األدبية التي وسمت‬ ‫ه ��ذا ال �ف �ض��اء ‪ -‬ال �ص �ح��راء ‪ -‬ب��اع�ت�ب��ار أبعاده‬ ‫بل سهام محبة في ذل��ك الليل القصير من‬ ‫الحضارية‪ ،‬يرسخ البعد الثقافي العميق بالمعنى‬ ‫(‪)26‬‬ ‫الفلسفي الشامل للمصطلح المرجع‪ .‬هكذا نجد شبه الجزيرة ‪.‬‬ ‫أسماء أمكنة‪ ،‬أشخاص‪ ،‬عناوين أسماء حيوانات‪،‬‬ ‫هكذا تستنفر ال��ذات الشاعرة المتخيل لبناء‬ ‫تؤشر على ه��ذا البعد المرجعي الثقافي (ليل المرجع الشعري المكون السردي‪ ،‬في إطار حداثة‬ ‫ام��رئ القيس‪ ،‬أودي ��ة وش �ع��اب)‪ .‬إن ال ��ذات هنا ت��روم توسيع أف��ق النص‪ ،‬ومحاولة االنفتاح على‬ ‫ليست سهام غدر وخيانة‬

‫اجلوبة ‪ -‬شتاء ‪1431‬هـ ‪27‬‬


‫إمكانات واحتماالت مغايرة ال تخلو من هاجس‬ ‫تأصيل‪ ،‬والبحث عن جذور عميقة للكلمة الشعرية‬ ‫والقصيدة العربية‪ .‬جذور تنبت في تربة عربية دون‬ ‫انغالق يؤدي إلى تجمد الفكر واإلبداع‪ ،‬واحتضار‬ ‫ال�ك��ائ��ن ف��ي مستنقعات ال�ع��زل��ة‪ .‬واالن�س�ج��ام في‬ ‫النص‪ ،‬فالذات تتماهى جسدا وروحا مع المكان‬ ‫(الصحراء)‪ ،‬بل إنها لتبعث فيه الحياة من جديد‪.‬‬ ‫ففضاء الصحراء يتمثل كرمز لالرتباط‪ ،‬إذ يربط‬ ‫بين أوصالها عبر ال��دم والماء (ال��ودي��ان)‪ .‬ورغم‬ ‫الطابع المأساوي الذي يوحي به المكان هنا‪ ،‬فإنه‬ ‫ال يخلو من احتفالية وتفصيل للتاريخ ووقائعه‬ ‫وجغرافية الفضاء المترامية‪:‬‬ ‫في الليلة األخيرة التي تشبه قلبا‬ ‫ينفجر على منعطف‬ ‫في هذه الليلة‬ ‫أصغي بين أضلعي لزئير األجداد‬ ‫ذاهبين إلى الحرب‬ ‫مقتفين أثر الكالب المندفعة‬ ‫كمبضع ينتهك صدر الصحراء‬ ‫لخيولهم تحمل جثث األعداء عبر المفازة‬ ‫للمعان األجنة والبطون المبقورة‬ ‫(‪)27‬‬ ‫لجلبته تحمل األفق ذريعة للحكاية‬ ‫ويستمر تشاكل الموت أو مأساة الصحراء في‬ ‫بسط تفاصيل المكان‪ ،‬فالصحراء هنا رحم نصي‬ ‫يؤشر على المرجع النصي الذي يتشكل انطالقا من‬ ‫خالل نسق سردي في النص‪ .‬وهذا ما يتضح من‬ ‫خالل مكون الحرب‪ ،‬وهنا نالحظ انفجاراً للدليل‪.‬‬ ‫إذ ال تنحصر م��ؤش��رات�ه��ا السياقية ف��ي ماضي‬ ‫المكان‪ ،‬بل أبعادها متجذرة في الحاضر‪ ،‬وهكذا‬ ‫فالجدل بين الماضي والحاضر‪ ،‬باعتبارهما ثنائية‬ ‫تؤثث ه��ذا الفضاء وتسمه‪ ،‬يحمل ت��وت��را خاصا‬ ‫تعيشه الذات الشاعرة‪ .‬ولعل قوة الصورة الشعرية‬ ‫وسلطتها تساهم ف��ي ب�ن��اء ه��ذا التشكل‪ ،‬وخلق‬

‫‪28‬‬

‫اجلوبة ‪ -‬شتاء ‪1431‬هـ‬

‫األبعاد الشعرية العميقة لهذه النصوص‪ ،‬باعتبارها‬ ‫تمثل حداثة خاصة داخل المشهد الشعري العربي‪،‬‬ ‫فالليلة األخيرة في هذا المكان تشبه قلبا ينفجر‪،‬‬ ‫باعتبار أن الليل يحمل مجموعة من السمات التي‬ ‫تتماشى مع فضاء الصحراء‪ :‬العزلة كالصحراء‪،‬‬ ‫الهموم‪ ،‬الخالء‪ ،‬األلم‪ ،‬الحرب‪ ،‬الطول‪ ،‬الشساعة‪..‬‬ ‫وبالتالي يتحول ليل الصحراء إل��ى دم��اء تنزف‪،‬‬ ‫بل الصحراء نفسها نتيجة تراكم ه��ذه السمات‪،‬‬ ‫وبالتالي فهذه البنية تعكس فقط تفاعل عناصر‬ ‫متباينة على مستوى المعنى (القلب‪ ،‬االنفجار‪،‬‬ ‫زئ �ي��ر‪ ،‬ال�م�ب�ق��ورة‪ ،‬ينتهك‪ ،‬ال �ص �ح��راء‪ ،‬األج� ��داد)‪.‬‬ ‫ويعمد الشاعر إلى تقنية تضعيف الجزئيات من‬ ‫أجل إضفاء شعرية خاصة على عالم الصحراء‪،‬‬ ‫فالقلب (الصحراء) بعد أن استنفد قدرته على‬ ‫تحمل األلم‪ ،‬والهاجس الوجودي للذات‪ ،‬لم ينفجر‬ ‫إال في الليلة األخيرة‪ .‬ففي هذه الليلة بالضبط‪..‬‬ ‫ومرة أخرى تتعطل إرادة الوصول‪ ،‬بعد أن تعطلت‬ ‫في النص األول‪ ،‬وينغلق النص على إيقاع مأساة‬ ‫الذات‪( ،‬في هذه الليلة أبتكر حربا أخرى وأمضي)‪،‬‬ ‫وهي تقنية‪ ،‬غالبا ما نجدها في نصوص قصيدة‬ ‫النثر‪ .‬فهي إب��دال لإليقاع الكالسيكي ال��ذي كان‬ ‫يستند على تقنية التدوير‪ ،‬دون أن ننسى أن النص‬ ‫الشعري الحديث ‪ -‬كما تبين من خالل المقاطع‬ ‫السابقة ‪ -‬يستثمر مكون السرد داخ��ل الخطاب‬ ‫الشعري‪ .‬فالنص أو النصوص التي تؤسس لتجربة‬ ‫سيف الرحبي‪ ،‬غنية باألخبار‪ ،‬وذك��ر التفاصيل‪،‬‬ ‫ف��ال�م�ك��ان ش��اه��د ع�ل��ى وق��ائ��ع وأح� ��داث م�ث��ل قوة‬ ‫األج��داد وتاريخهم‪ ،‬وال�ص��ورة ‪ -‬زئير األج��داد ‪-‬‬ ‫تترجم ه��ذه ال �ق��وة‪ ،‬حيث شبه الشاعر األجداد‬ ‫باألسود‪ ،‬وحذف األسود وأبقى على أحد لوازمها‬ ‫وهو الزئير‪ ،‬دالل��ة على شدة البأس في الحرب‪.‬‬ ‫وه��ذا يحيل ف��ي نفس اآلن إل��ى الجانب التراثي‬ ‫في النص الحديث‪ .‬فقصيدة النثر ال تتوانى في‬


‫م������������ل������������ف ال������������ع������������دد‬

‫نسج الحوارية مع نصوص سابقة تراثية تكشف من خالل قراءة النصوص التالية‪ ،‬ويمكن أن نمثل‬ ‫ع��ن الهوية وم��أس��اة ال ��ذات‪ ،‬وشعرية األل��م الذي للثنائيات التي يتأسس عليها التشاكل سابقا من‬ ‫يسم ويحمله فضاء ال�ص�ح��راء‪( :‬كمبضع ينتهك خالل المربع السيميائي التالي‪:‬‬ ‫ص��در الصحراء)‪ ،‬فالكالب التي شبهها الشاعر‬ ‫الالوصول‬ ‫الوصول ‬ ‫بمبضع ‪ -‬وهو يهم باصطياد الفريسة‪ ،‬والقضاء‬ ‫الموت‬ ‫الحياة ‬ ‫على كائنات الفضاء وانتهاك حرمة الطبيعة‪ .‬ورغم‬ ‫وهكذا يتحول المكان ‪ -‬الصحراء ‪ -‬إلى فضاء‬ ‫أثر الواقع الذي يكتمل أخيرا ويؤشر على امتداد‬ ‫ينبض بالحركة والشخوص واألحداث‪ ،‬ومن هنا‪..‬‬ ‫مأساة المكان في الذاكرة والماضي الحاضر ‪-‬‬ ‫فمقاربة البنيات النصية لمجموعة «رجل من الربع‬ ‫فإن الشاعر يرسم صورة المكان الصحراء باعتباره‬ ‫ال �خ��ال��ي» تستدعي اس�ت�ح�ض��ار م�ف�ه��وم المرجع‪،‬‬ ‫فضاء ديناميا متحركا غنيا‪ ،‬ال مجرد فضاء قاحل‬ ‫وال��ذي حاولت حداثة سيف الرحبي بلورته وفق‬ ‫متجمد‪ .‬ويالحظ هنا تأخير الفعل وتقديم االسم‬ ‫رؤي ��ة ون�س��ق خ ��اص‪ .‬ف��ال��ذات ال�ش��اع��رة تعثر من‬ ‫ال�م�ج��رور‪ ،‬فالنص ينتهي بفعل‪ ،‬مما يؤشر على‬ ‫خ�لال ه��ذا السفر الشعري عبر الصحراء‪ ،‬على‬ ‫استمرار الحدث والزمن‪ ،‬وبالتالي استمرار الحركة‬ ‫هويتها وانتمائها الثقافيين‪ ،‬واألنا ال يمكن أن تمثل‬ ‫(‪)29‬‬ ‫والحياة داخل هذا الفضاء‪ .‬وبذلك يمكن القول إن موضوعها «إذا لم تربط عالقة وجودية معه»‬ ‫«االهتمام لن ينصب فقط على اللفظة االستعارية‪ ،‬فنجد ال ��ذات ال�ش��اع��رة تعثر على األف ��ق‪ ،‬والذي‬ ‫ولكنه سينصب أيضا على العناصر غير التصويرية يحمل سمات تشابه وترابط مع األرض‪ ..‬الصحراء‬ ‫داخل إطار تلك العناصر التي ترتبط بها االستعارة (االمتداد‪ ،‬البعد‪:)..‬‬ ‫تركيبيا»(‪ ،)28‬بل إن كل مكونات الخطاب هنا من‬ ‫وجدت أفقا يعيد إلي اسمي القديم‬ ‫ب�لاغ��ة‪ ،‬ن�ح��وا‪ ،‬وتركيبا‪ ،‬وإي�ق��اع��ا‪ ،‬معجما تتعالق‬ ‫ملفعا بوجوه غائبة‬ ‫وتتفاعل لتنسج شعرية القصيدة وأبعادها العميقة‪.‬‬ ‫وأخرى ستغيب‬ ‫ولكن ما يعمق ويميز تجربة قصيدة النثر ‪ -‬كما‬ ‫وجدت دمعة تستنفر المارة‬ ‫سبقت اإلش ��ارة ‪ -‬ه��و انضمام المكون السردي‬ ‫من فوق شاحنة‬ ‫لتعميق ش�ع��ري��ة ال �ن��ص‪ .‬وق ��د تلمسنا ذل ��ك من‬ ‫لقد ذرفها فالح في األزمنة البعيدة(‪.)30‬‬ ‫خ�لال الخطاطة االف�ت��راض�ي��ة التالية ف��ي النص‬ ‫والتوسل بالتسويف (ستغيب) يؤكد الثنائية‬ ‫الذي حللناه سابقا‪ :‬حضور عامل ذات يرغب في‬ ‫ال�س��اب�ق��ة‪ ،‬واالم��ت��داد ف��ي ال�ح��اض��ر‪ .‬إن�ه��ا جدلية‬ ‫امتالك موضوع قيمي هو الوصول (رمزيا) وعبور الماضي الذي يمتد إلى الحاضر‪ .‬إن استحضار‬ ‫ال�ص�ح��راء وال��وص��ول إل ��ى‪ ..‬لكن ع��ام�لا معاكسا بعض المعالم األدبية التي وسمت هذا الفضاء ‪-‬‬ ‫سيحول دون هذه الرغبة (الحرب)‪ ،‬بما يمكن أن الصحراء ‪ -‬باعتبار أبعاده الحضارية‪ ،‬يرسخ البعد‬ ‫توحي به كما حللنا سابقا‪ .‬وبالتالي هناك تحول الثقافي العميق‪ ،‬هكذا نجد أس�م��اء وأشخاصاً‪،‬‬ ‫سيظهر على جسد النص‪ ،‬فبعد عالقة االتصال عناوين نصوص أدبية أسماء حيوانات‪ ..‬تؤشر على‬ ‫التي ميزت عالقة الذات بالصحراء‪ ،‬سيطرأ تحول هذا البعد المرجعي الثقافي‪ ،‬الذي يوجه عملية‬ ‫هو االنفصال‪ ..‬لكن ال��ذات ستعاود م��راودة هذه القراءة‪ .‬وبالتالي يمكن القول إن الذات الشاعرة‬ ‫الرغبة‪ ،‬وينفتح األفق النصي على احتماالت أخرى هنا بصدد فعل اكتشاف م��اض وح��اض��ر الكائن‬

‫اجلوبة ‪ -‬شتاء ‪1431‬هـ ‪29‬‬


‫في عالقته ب��األرض الصحراء‪ ،‬باعتبارها امتداد‬ ‫جسدي ثقافي إيديولوجي‪« .‬ذلك الكائن البشري‬ ‫ال��ذي يتوجب عليه أن يشهد ما هو عليه‪ ،‬أي أن‬ ‫يكشف إنه يشهد انتماءه لألرض»(‪ )31‬فالشاعر رجل‬ ‫من الربع الخالي يحفر في التاريخ الجمعي واألنا‬ ‫الجماعية‪ .‬ويستحضر تفاصيل المكان والذاكرة‪،‬‬ ‫وال يتوانى في محاورة التراث واستدعاء نصوص‬ ‫وأحداث من الذاكرة‪ ،‬تنسج شعرية فضاء الصحراء‪.‬‬ ‫إنه الفضاء الذي يتحول إلى مكان دينامي‪ ،‬وغني‬ ‫بالحياة واألحداث‪.‬‬

‫المعاصرة‪ ،‬بل من غير المجدي إجرائيا ومنهجيا‪،‬‬ ‫البحث ع��ن تيبولوجية ص��ارم��ة ونهائية لمشروع‬ ‫قصيدة النثر‪ .‬وهذا ال يعني بالضرورة كما ذهب‬ ‫إل��ى ذل��ك بعض الباحثين والمنظرين والشعراء‪،‬‬ ‫إقصاء أي مشروع لدراسة قصيدة النثر من نظرية‬ ‫األجناس‪ ،‬وإنما كان هاجسنا هو تلمس الخطوات‬ ‫األولى على سطح هذا العالم الجديد‪ .‬وهذا ينبع‬ ‫أساسا من التصور الذي ينبني عليه انبثاق مشروع‬ ‫قصيدة النثر‪ ،‬ال��ذي ج��اء لتمثيل ال��واق��ع الجديد‬ ‫الذي تعيشه الذات وتحوالته‪ ،‬ومختلف إرهاصاته‪.‬‬

‫ويستعصي على الباحث في الشعرية العربية‬

‫وي�ج��در بنا ف��ي ه��ذا اإلط��ار أن نتتبع قصيدة‬ ‫النثر‪ ،‬ضمن هذا التشكل الثقافي للحياة الجديدة‪.‬‬ ‫لقد ج��اءت الكتابة الجديدة كما أطلق عليها من‬ ‫طرف هيئة تحرير مجلة مواقف‪ ،‬لتعبر عن هذا‬ ‫االنفجار‪ ،‬ولتكسير الموضة واألن�م��اط الجاهزة‪،‬‬ ‫وتأسيس إب��داالت جديدة‪ ،‬أي البحث عن أنساق‬ ‫ورؤى ج��دي��دة للكتابة وال �ع��ال��م‪ .‬وه ��ذا يعني أن‬ ‫ال�م�ش��روع الحقيقي لقصيدة النثر ان�خ��رط منذ‬ ‫البداية ف��ي تأسيس المجتمع الجديد‪ ،‬ومواكبة‬ ‫انشغاالت الذات العربية‪ ،‬والكشف عن بنية التفكير‬ ‫ال�ت��ي ت��ؤط��ر ه��ذه ال���ذات‪ ،‬وع��ن ال�لاوع��ي العربي‬ ‫وأسئلة الواقع والعصر‪ .‬كان من الضروري إذاً أن‬ ‫تنطلق في هذا السياق من اإلبداعية إلى الحداثة‪.‬‬ ‫ومشروع الشعرية العربية لم يتميز بحداثة واحدة‬ ‫بل هناك حداثاث راكمت هذه األسئلة‪.‬‬

‫وهنا‪ ،‬ال بد أن نستحضر ونحن نقارب مفهوم‬ ‫شعرية المرجع ‪ -‬تأملوا المفارقة في قصيدة النثر‬ ‫ أهم تيمة نخلص إليها من خالل هذه الدراسة‪،‬‬‫وهي تمثالت خطاب الرحلة في هذه النصوص‪.‬‬ ‫إنها كما تبين سابقا رصد للرحلة الجماعية للذات‬ ‫وامتداداتها التاريخية والثقافية ‪ -‬المرجع ‪ -‬في‬ ‫فضاء‪ .‬وال نعدم مكونات هذا الخطاب مثل مكون‬ ‫الوصف‪ ،‬كما يمكن أن نلمس من خ�لال التحليل‬ ‫السابق‪ .‬فالشاعر وصف فضاء الصحراء بطقوسه‬ ‫وع��ادات��ه وجميع تشكالته األنتربولوجية‪ ،‬ورصد‬ ‫مظاهر الحركة في الفضاء مستخدما مكون السرد‪.‬‬ ‫ومن خالله تظهر الذات رؤية للعالم‪ ،‬وللكتابة التي‬ ‫تصل الماضي الثقافي بهاجس الحاضر وأسئلته‬ ‫المقلقة‪.‬‬

‫‪1 .1‬محمد الماغوط‪ :‬ديوان محمد الماغوط‪ ،‬اآلثار الكاملة‪ ،‬دار العودة‪ ،‬بيروت ‪1973‬م‪ ،‬ويضم الديوان ثالثة أعمال هي‪:‬‬ ‫«حزن في ضوء القمر‪ ،‬غرة بماليين الجدران‪ ،‬الفرح ليس مهنتي»‪.‬‬ ‫‪2 .2‬تكتب خالدة سعيد عن ديوان الماغوط‪« :‬حزن في ضوء القمر» دراسة بعنوان‪« :‬معاقرة الحزن والتشرد» نشرت‬ ‫أوال في مجلة شعر العدد ‪ 11‬السنة الثالثة ‪1959‬م‪ ،‬ثم نشرت في كتابها‪ :‬البحث عن الجذور‪ ،‬فصول في نقد الشعر‬ ‫الحديث‪ ،‬دار مجلة شعر‪ ،‬بيروت‪ ،‬الطبعة األولى إبريل (نيسان) ‪1960‬م ص‪ .‬ص ‪ 80 – 71‬وفيها‪:‬‬ ‫«حزن في ضوء القمر مجموعة شعرية لم تعتمد الوزن والقافية التقليديتين‪ .‬وغالبية القراء في البالد العربية ال‬ ‫ ‬ ‫تسمي ما جاء في هذه المجموعة شعرا باللفظ الصريح‪ .‬لكنها تدور حول االسم‪ ،‬فتقول إنه (شعر منثور)‪ ،‬أو (نثر‬ ‫شعري)‪ ،‬أو (نثر فني)‪ .‬وهي مع ذلك تعجب به وتقبل على قراءته‪ ،‬ليس على أساس أنه نثر يعالج موضوعات‪ ،‬أو يروي‬ ‫قصة أو حديثا‪ ،‬بل على أساس أنه مادة شعرية‪ .‬لكنها ترفض أن تمنحه اسم الشعر» «وهذا طبيعي من وجهة نظر‬ ‫تاريخية بالنسبة للقراء العاديين‪ .‬أما النقد فيجب أن يكون اكثر جرأة – أن يسمي األشياء بأسمائها الحقيقية‪.‬‬ ‫أنا أعتبر هذا (النثر الشعري) شعرا» ص ‪.71‬‬ ‫ ‬

‫‪30‬‬

‫اجلوبة ‪ -‬شتاء ‪1431‬هـ‬


‫م������������ل������������ف ال������������ع������������دد‬

‫وتسمي نازك المالئكة ديوان الماغوط األول‪« :‬حزن في ضوء القمر» بـ(الخواطر)‪.‬‬ ‫ ‬ ‫‪3 .3‬محمد الماغوط‪ :‬ديوان محمد الماغوط‪( .‬مصدر سابق)‪.‬‬ ‫‪4 .4‬كما في‪« :‬المطر لي‪ ،‬المطر والرعد والريح والشوارع هي ملكي‪ ،‬ومعي وثيقة من السماء بذلك» المصدر السابق‪:‬‬ ‫ص‪ .‬ص ‪.320-319‬‬ ‫‪5 .5‬المصدر السابق‪ :‬الصفحات (ص ‪( ))142( )269 -268‬ص ‪.)273‬‬ ‫‪6 .6‬خالدة سعيد‪ :‬البحث عن الجذور‪ :‬ص‪ .‬ص ‪.76-75‬‬ ‫‪7 .7‬محمد الماغوط‪ :‬ديوان محمد الماغوط الصفحات‪20 ،19 ،16 :‬‬ ‫‪(8 .8‬المصدر السابق ص‪)19 -16 .‬‬ ‫‪(9 .9‬المصدر السابق ص‪ .‬ص ‪)82-81‬‬ ‫‪1010‬المصدر السابق‪ ،‬الصفحات‪( :‬ص ‪( )17‬ص ‪( )25‬ص ‪( )30 ،29 ،28‬ص‪)154‬‬ ‫‪1111‬المصدر السابق‪( :‬ص ‪.)60-59‬‬ ‫‪.Tziftan. todorov. les genres du discours. ed:seuil. paris. 1978. p: 511212‬‬ ‫‪.G. lesprchy. la linguistique structural. ed: petite bibliotique. payot. paris. 1976. P:1851313‬‬ ‫‪1414‬منشورات كلية اآلداب والعلوم اإلنسانية الرباط‪ ..1997 .‬محمد معتصم ‪ .3‬مايكل ريفاتير‪ .‬دالئليات الشعر‪ .‬ترجمة‬ ‫ص‪.78 :‬‬ ‫‪229 .:p .1966 .R. barthes. essais critiques. ed:minuit. paris1515‬‬ ‫‪1616‬شهاب الدين أحمد بن عبدالوهاب النوييري‪ .‬نهاية اإلرب في فنون األدب‪ .‬وزارة الثقافة واإلرشاد القومي‪ .‬بدون‬ ‫تاريخ‪ .‬دمشق‪ .‬ص‪.127 :‬‬ ‫‪1717‬أبو محسن حازم القرطجاني‪ .‬منهاج البلغاء وسراج األدباء‪ .‬تحقيق وتقديم‪ :‬محمد الحبيب الخوجة‪ .‬دار الغرب‬ ‫اإلسالمي‪ .‬ط‪ .3‬بيروت‪ .‬ص‪.19:‬‬ ‫‪.Tziftan. todorov. les genres du discours. ed:seuil. paris. 1978. p:441818‬‬ ‫‪suzan bernard. le poeme en prose de baudlaire jusq a nos jour.. ed:nizit. Parit. 1959. P:1111919‬‬ ‫‪:Tziftan. todorov. les genres du discours. ed:seuil. paris. 1978. p2020‬‬ ‫‪:edward sapir. antropologie. TD: christian baudelot. pierre cliquart. introd: christian ba&udlot. ED: minuit. 1967. p2121‬‬ ‫‪2222‬سيف الرحبي‪« .‬رجل من الربع الخالي»‪ .‬دارالجديد بيروت‪1993 .‬م‪.‬‬ ‫‪2323‬المرجع السابق نفسه‪.‬‬ ‫‪2424‬المرجع السابق نفسه‪.‬‬ ‫‪2525‬المرجع السابق نفسه‪.‬‬ ‫‪2626‬المرجع السابق نفسه‪.‬‬ ‫‪2727‬المرجع السابق نفسه‪.‬‬ ‫‪2828‬مايكل ريفاتير‪ .‬دالئليات الشعر‪ .‬ترجمة وتقديم‪ :‬محمد المعتصم‪ .‬منشورات كلية اآلداب والعلوم اإلنسانية‪ .‬الرباط‪.‬‬ ‫‪1997‬م‪.‬‬ ‫‪.Roman jakobson. essais. de linguistique general. Td:nicolas ruwet. ed:minuit. 1963. p:1792929‬‬ ‫‪3030‬سيف الرحبي‪« .‬رجل من الربع الخالي»‪ .‬دار الجديد بيروت‪1993 .‬م‪.‬‬ ‫‪3131‬المرجع السابق نفسه‪.‬‬ ‫‪3232‬مارتن هيدجر‪ .‬المنادى إنشاد‪ .‬ت وتلخيص‪ :‬بسام حجار‪ .‬المركز الثقافي العربي ال��دار البيضاء‪1994 .‬م‪.‬‬ ‫ص‪.57:‬‬ ‫شاعر وناقد سوداني مقيم في الرياض‪.‬‬ ‫ *‬ ‫شاعر وناقد من السعودية‪.‬‬ ‫** ‬ ‫*** شاعر وناقد من مصر‪.‬‬ ‫**** كاتب وناقد من المغرب‪.‬‬ ‫ ‬

‫اجلوبة ‪ -‬شتاء ‪1431‬هـ ‪31‬‬


‫التناقض الوجودي وما ورائيات النص‬ ‫عند محمود البريكان‬

‫(الغريب الذي لم ير وجهه أحد أنموذجاً)‬

‫> صفاء خلف*‬

‫التمازج المحتدم بين السيرة وجمالياتها اإلبداعية‪ ،‬شكل مفص ًال مهم ًا في بنية‬ ‫البريكان الكلية؛ لذا‪ ،‬فإن قراءة نتاجه بعيد ًا عن محاولة فهم عزلته‪ ،‬ليس باألمر الهين؛‬ ‫بسبب اإلشكاالت المبثوثة في جسد الطرح الشعري‪ ،‬والمسكوتات التي تتمركز في ما‬ ‫ورائيات نصه‪.‬‬ ‫ف��ال��دخ��ول إل ��ى عوالمه‬ ‫ال �خ��اص��ة‪ ،‬اج �ت��راح للواقع‪،‬‬ ‫وجعله إطاراً أميبياً للحالة‪،‬‬ ‫ال للسفر عبر أغوار‬ ‫ومدخ ً‬ ‫م�ب�ت�ن�ي��ات ال �ن �ت��اج الغامض‬ ‫المليء بتناقضات الكينونة‬ ‫والوجود‪.‬‬ ‫التناقض الوجودي‪ ،‬ارتكاز‬ ‫متواز على خطين‪ :‬سلوكي وإبداعي‪ ،‬يتمحور‬ ‫ٍ‬ ‫ال عوالم متداخلة‪.‬‬ ‫في الذات مشك ً‬ ‫وم��ا ورائ �ي��ات ال�ن��ص‪ ،‬م��زي��ج م��ن تقنية‬ ‫صورة (عالمات ترقيم‪ /‬تنقيط)‪ ،‬واالحتكام‬ ‫إل��ى االش�ت�غ��ال العقلي بتوظيف نظريات‬ ‫علمية لها‪ ،‬عالقة وطيدة في ترسيخ تيمة‬ ‫الحدث وإعطائه بعداً حقيقياً لمواجهة‬ ‫تحديات العصور التي تتجول فيها كائناته‬

‫‪32‬‬

‫اجلوبة ‪ -‬شتاء ‪1431‬هـ‬

‫الشعرية المهمشة والمغيبة‬ ‫دوماً‪.‬‬ ‫التناقض ال��وج��ودي وما‬ ‫ورائ��ي��ات ال �ن��ص‪ ،‬ن�ج��د لها‬ ‫ص��دى كبيراً في القصيدة‬ ‫األنموذج‪ ،‬للحيز الكبير الذي‬ ‫تشغله فيها‪ ،‬والذي ال يمكن‬ ‫إغفاله لما له من إيحاءات‬ ‫عالية االستشعار بالذات والمحيط‪.‬‬

‫القصية‬ ‫ّ‬ ‫الومضة‬ ‫الرصف التمهيدي لتصاعد المشاهد‬ ‫في جسد الطرح الشعري يمتلك حسية‬ ‫األشعار بالتواجد (المُغيَّب) في الذاكرة‬ ‫واألرض‪ ،‬ويتفضى بوابة الفتتاح الحدث‬ ‫باإلخبار المباشر؛ ممهداً لحيثيات تأليف‬


‫(لعلك يوماً سمعت عن البدوي العجيب‬

‫الذي كتب الله أن ال يموت وأن ال يرى وجهه‬ ‫أحد)‪.‬‬ ‫امتشاق التصحر الحلم من فيافي الضياع عبر‬ ‫التساؤل الكبير المطروح في مفاصل القصيدة‬ ‫بتنويعاتها‪ ،‬خلق رشقاً من مثابات سيسيولوجية‬ ‫يبحر بها‪ ،‬عارضاً تأمالته غير محدودة المكان‪،‬‬ ‫المستفزة في إمكانية قياس الزمن‪.‬‬ ‫(أنا البدوي الغريب‪ ..‬يجوب البوادي‬ ‫ال إلى أخر‬ ‫ال فجي ً‬ ‫ويطوي العصور ويعبر جي ً‬ ‫األزمنة)‪.‬‬

‫‪ -2‬أن ال يرى وجهه أحد‪.‬‬ ‫اإلشكالية األول� ��ى‪ ..‬تتمخض ف��ي تواصلية‬ ‫وهالمية الزمن بوصف الكائن (شاهداً أبدياً)‪،‬‬ ‫إما قاصداً العيش في ظل عوالم متداخلة‪ ،‬أو‬ ‫قسراً بفعل ضرورة الخلود المستمكن في خبايا‬ ‫التوق الدائم ألسر الفناء واالسترسال في الكيان‬ ‫الوجودي للكشف عن أوجهه المتعددة‪.‬‬

‫دراس����ـ����ـ����ـ����ـ����ـ����ـ����ـ����ـ����ـ����ـ����ـ����ـ����ات‬

‫صلة بين المتلقي وال�ك��ائ��ن ال��ذي يتحرك في القصيدة باستدراكين من قبل قوة عظمى تمتلك‬ ‫ال من مفازة إل��ى أخرى‪ ،‬هيمنة امتالك المصائر‪:‬‬ ‫أج��واء القصيدة متنق ً‬ ‫وفق التصاعد الدرامي لتاريخيته‪.‬‬ ‫‪ -1‬كتب الله أن ال يموت‪.‬‬

‫وتلك رغبة البريكان نفسه‪ ..‬ال��ذي «اعتاد‬ ‫ال��دخ��ول ف��ي ال�ت�ن��اق��ض‪ ،‬وأن ي�ج��د الكثير من‬ ‫الجمال في وجه الحقيقة» وفق تعبيره‪.‬‬ ‫(حفظت أغاني الزوابع عبر األفق‬ ‫وكنت أمرأ القيس في التيه‪ ،‬والمتنبي‬

‫إن هذا التنقل ما هو إال شكل إيقاعي‪ ،‬ليس‬ ‫في الطرق النائية‪ ،‬وفي عزلة الروح‬ ‫إيقاعا موسيقي النظم‪ ،‬متراتبا يناغم النسيج‬ ‫ال�ع�ض��وي ف��ي ط��رح ال�ث�ي�م��ات‪ ،‬وي�م�س��رح البناء‬ ‫كنت المعري رهين السجون الثالثة)‪.‬‬ ‫المضموني؛ وصوالً لتركيب الشكل من حيث (أن‬ ‫وم��ن ال�م�ع��روف أن أب��ا ال �ع�لاء ال�م�ع��ري كان‬ ‫الجمال الشعري الحقيقي‪ ،‬يكمن في امتصاص‬ ‫رهين المحبسين؛ العمى وعزلته عن المحيط‪،‬‬ ‫الشكل الفني لموضوعه‪ ،‬أي «لجوهر االنفعال‬ ‫والبريكان‪ ،‬تقمص الشخصية المعرية‪ ،‬مضيفاً‬ ‫اإلن�س��ان��ي»‪( .‬محمود البريكان) تصحر الحس‬ ‫عليها محبساً ثالثاً‪ ..‬أال وه��و (عزلة الروح)‪..‬‬ ‫وانسداد بؤرة الشعور وانقياد المصير نحو عزلة‬ ‫وهذا فيه وجهان‪:‬‬ ‫سلوكية‪ ،‬سمة للزمكان ال��ذي ع��اش فيه ذلك‬ ‫الوجه األول‪ :‬لم يشأ البريكان استخدام‬ ‫البدوي المقهور‪.‬‬ ‫مفردة (محبس) أو (محابس) المقرونة برهين‬ ‫هذه العزلة السلوكية‪ ..‬هي في األصل نابعة المحبسين؛ ألنها ال تستنفر لدى المتلقي الطاقة‬ ‫من جوهر حياة البريكان مضفياً عليها (عزلة الحسية ال�ت��ي ي��ري��ده��ا‪ ،‬وال�ت��ي تفجرها مفردة‬ ‫إب��داع �ي��ة)‪ ،‬وه��ي «ال �ع��زل��ة الحقيقية ال�ت��ي كان (سجون)‪ ،‬لما لها من وقع نفسي حاد في تشكيل‬ ‫البريكان يجاهد من أجل إنمائها وتعميقها‪ ،‬ليبقى الصورة المأساوية للعزلة؛ و(السجن)‪ ،‬ال يمكن‬ ‫شعره منعزالً ومختلفاً» (عبد الزهرة زكي)‪.‬‬ ‫فرضه من الداخل‪ ،‬أو حتى من اإلنسان نفسه‬ ‫وال�ع��زل��ة واالخ �ت�لاف حُ ��ددا ف��ي ن�ط��اق هذه ضد نفسه‪ ،‬بل يفرض من قوة الخارج المؤثرة؛‬

‫اجلوبة ‪ -‬شتاء ‪1431‬هـ ‪33‬‬


‫أي أنه أراد أن يصور األمر على أن العزلة التي وج ��وه أخ� ��رى‪ ..‬ن�م��ت ط�ب�ق��ات ت��راك��م األح ��داث‬ ‫أوجدها (هو) والمعري‪ ،‬كانت لضغوط خارجية عليها‪ ،‬فغيبها‪ ،‬فأصبح ذا وج��ه أميبي يتلون‬ ‫مورست ضدهما بشكل غير مباشر أو مباشر‪ .‬ويشكل وفق تغير المحيط بإرهاصاته‪ ،‬بوصفه‬ ‫الوجه الثاني‪ :‬أن البريكان يرى أن الحياة (شاهداً أبدياً)‪:‬‬ ‫(نمت طبقات الزمان‬ ‫ه��ي م��وت الش �ع��وري ل�ل��روح بتقزيمها بقالب ال‬ ‫يحتويها‪ ،‬خالقاً «فجوه بين الروح والقالب»‪ ،‬هذه‬ ‫على جلده‪ .‬فهو ال يتذكر صورته‪،‬‬ ‫الفجوة هي التي تتحرك وتجوس وتتمحور حولها‬ ‫صورة البدء)‪.‬‬ ‫حياته‪ ،‬وب��ذل��ك تبقى ال��روح على ضفة انتظار‬ ‫وهندسة الوجه البريء (المستدير) ال يمكن‬ ‫االنعتاق نحو مجالها الحيوي المفروض أن تكون‬ ‫فيه‪ ،‬وبين القالب المموه الذي وضعت فيه‪ .‬وهو تغييرها‪ ،‬لكن من الطبيعي جداً أن يتلون اإلنسان‬ ‫بذلك يؤسس خطاً فكرياً غرائبياً يلغي فيه حتمية ويستجير بأخر ال يكشف عن براءته‪:‬‬ ‫الكينونة والوجود‪ ،‬مع أن الحياة ما هي إال موت‬ ‫(وراء قناعي القديم‪ /‬بصيص براءة)‬ ‫ضروري واضطراري لتمارس فيه الروح فعالياتها‬ ‫التي ال يمكن العيش بها في دائ��رة موحشة‬ ‫التشذيبية والتقويمية‪ ،‬وصوالً إلى الكمال الذي فيلتهم‪..‬‬ ‫ال يتم إال من خالل الخروج من زنزانة الجسد‬ ‫(أن� � ��ا ف���ي ع ��ال ��م ي �ت �ف �ج��ر ح ��ول ��ي بإيقاعه‬ ‫(عزلة ال��روح)‪ ،‬لتحيا في رحابة الكون الفسيح‪،‬‬ ‫المتوحش)‬ ‫مزهوة بالفضاء المطلق‪.‬‬ ‫أم��ا التقدير الثاني‪ ..‬االن ��زواء عن الفعل‬ ‫(هذا الرميم متى يتحرك؟‬ ‫االستعراضي اليومي ال��ذي قد يسبب له هدم‬ ‫هذه العروق متى تتدفق بالدم؟‬ ‫مبنياته المثالية‪ ،‬ويحيلها هامشاً تختزنه الذاكرة‪،‬‬ ‫هذه اليد الذابلة متى تتحرر من موتها؟)‪.‬‬ ‫وق��د يصيبه النسيان واالس �ت �غ��راق بالملهيات‬ ‫اإلشكالية الثانية‪ ..‬االعتكاف‪ ،‬كان أحد أركان اليومية‪ ،‬وفضفاضة االنغماس فيها‪ ،‬قد تسبب‬ ‫حياته المغلقة‪ ،‬التقدير األول‪ :‬جاء محموال في له صدمة نفسية على صعيد أخالقي‪ ،‬تؤدي به‬ ‫ثنايا القصيدة‪ ،‬وه��و تقدير (نصي) في الوجه إلى الخروج من كيانه الذي أسسه على المثالية‬ ‫ال���ذي غضنته ال �م �ه��ال��ك‪ ،‬وش��وه��ت تضاريسه والرقي المعرفي والفكري‪ ،‬ومع ذلك‪ ،‬بقي يتصل‬ ‫ال� �ح ��روب‪ ،‬ورس��م��ت ع �ل��ى أرج ��ائ ��ه السقطات بالحياة عبر قنوات رفيعة‪ ،‬تضمن له وصول رؤية‬ ‫ال�خ��ارج دون خ��دش لمخيلته‪ ،‬وه��ذا مبني على‬ ‫المتوالية عالماتها‪:‬‬ ‫أساس التعامل مع البريكان إنساناً‪ ،‬ومن ثم ذلك‬ ‫(وجهه األول المستدير البريء‪،‬‬ ‫التشابه الغريب مع البدوي في قصيدته‪.‬‬ ‫الذي غضنته المهالك وافترسته الحروب‬ ‫وخطت عليه عالماتها)‪.‬‬

‫المستوى األول‪..‬‬

‫جدالً‪ ،‬هناك وجه أول‪ ،‬فإنه بالضرورة وجود (أن��ا هو ذل��ك… على الموت تسقط ذاكرتي في‬

‫‪34‬‬

‫اجلوبة ‪ -‬شتاء ‪1431‬هـ‬


‫وم��ن المالحظ أن الشاعر عمد إل��ى تركيز‬ ‫ضمير (األن���ا)‪ ،‬تتكرر ثماني م��رات ف��ي سياق عملية موازنة‬ ‫التركيبة الشعرية‪.‬‬ ‫يقابلها ت��واف��ق ف��ي التكنيك اإلب��داع��ي من‬ ‫حيث‪ ..‬أن فعل (الموت) يعني انفصال اإلنسان‬ ‫ويمكن أن نحدد وظائفها‪:‬‬ ‫‪ -1‬ال �ت �ك��رار ج��اء مبنياً وف��ق اح �ت��واء العمق لـ عن الحياة المادية بكل الجوارح‪ ،‬ومنها الحسيه‬ ‫(الفعل‪ /‬الصورة) إذ أن كل أنا جديدة تعني كـ (العين) التي تقوم بفعلها البصري من خالل‬ ‫انعكاس الضوء فيها‪ ،‬وسقوطها في الظالم‪ ،‬يعني‬ ‫بداية الشروع بتوظيف جديد ومغاير‪.‬‬ ‫انعدام الرؤية التامة‪ ،‬وبذلك تنتفي الحاجة لها‬ ‫‪( -2‬األن ��ا) األول ��ى ج��اءت بعد عملية الومضة‬ ‫عملياً‪ .‬ومن باب أخر‪ ..‬أن فعل الذاكرة يتوقف‬ ‫القصية (لعلك يوما‪ )..‬والتي بعدها يستقريء‬ ‫على عمليات التصوير والمونتاج داخ��ل العقل‪.‬‬ ‫هيكليته العامة‪ ..‬تأتي (األنا) لتفاجىء المتلقي‬ ‫وإخضاع الذاكرة للفراغ الموحش‪.‬‬ ‫بأن الشاعر (هو ذاك)‪ ،‬وبذلك يتحول النص‬ ‫وهناك أيضا توافق مادي أخر وهو‪:‬‬ ‫إلى منولوج داخلي يبدأ الشاعر ليبث ثيماته‬ ‫في التكوين‪.‬‬ ‫الذاكرة ___ الشاهد األبدي‬ ‫‪ -3‬أرب ��ع ت �ك��رارات ل �ـ (األن� ��ا)‪ ..‬ج ��اءت مقرونة‬ ‫بمفردة (ال��ب��دوي)‪ ،‬وأول �ه��ا ج��اءت مفرده‪..‬‬ ‫(الغريب) مضافة إليها‪ ..‬وه��ذا التخصص‬ ‫جاء كتمييز عن التكرارات األخرى من جهة‬ ‫لوجود مد طوبوغرافي له عالقة حضارية‬ ‫بالبداوة لها تقليعاتها‪.‬‬

‫دراس����ـ����ـ����ـ����ـ����ـ����ـ����ـ����ـ����ـ����ـ����ـ����ـ����ات‬

‫الظالم)‬ ‫(أن ��ا ال �ش��اه��د األب� ��دي ع�ل��ى ال �م��وت تسقط‬ ‫ال ي�م�ك��ن أن ن��دع��وه��ا اس �ت��رج��اع �اً للذاكرة ذاكرتي في الظالم)‬ ‫المغيبة‪ ،‬حيث تأسيساتها على استعراض تاريخية‬ ‫هناك توافق في التركيبة الجملية‪:‬‬ ‫ال لتركيز (الفادي الطليق) المأسور‬ ‫البدوي مدخ ً‬ ‫ف ��ي الظالم‬ ‫ع� �ل���ى م���وت‬ ‫و(البطل المنقذ) المهزوم‪ ،‬في زوايا توثيق الحالة‬ ‫جار ومجرور‬ ‫جار ومجرور‬ ‫بشيء من الشجن والتأسف‪..‬‬ ‫معرفة‬ ‫معرفة‬

‫ب�م��ا أن ال �ك��ائ��ن ك ��ان م�ب�ث��وث�اً ف��ي األح���داث‬ ‫المكانية والزمانية‪ ..‬فحصيلة الخروج فيها هو‬ ‫الذاكرة‪ ..‬ومن هذا نستخلص أن (فعل السقوط)‬ ‫هو اإلسفين الغريب في التركيبة الشعرية وحياله‬ ‫قلق‪ ،‬وهذا سنبينه‪:‬‬

‫‪ -1‬ليس الموت هو ال��ذي ينقض على الذاكرة‪،‬‬ ‫‪ -4‬ث�ل�اث ت��ك��رارات ل �ـ (األن � ��ا)‪ ..‬ج ��اءت تحمل‬ ‫بل هي الذاكرة التي تنقض على الموت‪ .‬دون‬ ‫مفاهيم جديدة (الفارس والضيف‪ /‬الزائر‪/‬‬ ‫الوعي الكامل منها في احتماالت عرضية‪:‬‬ ‫الشاهد األبدي)‪ ،‬وتنقل صوراً تعبر عن حدود‬ ‫أ‪ -‬إن الذاكرة بتحررها من غاللة الجسد بفعل‬ ‫زمنية ومحددات مكانية‪.‬‬ ‫الموت‪ ،‬تمارس فعالياتها في رحابة الكون‬ ‫ينتهي المستوى األول بإشكالية متداخلة‬ ‫الفسيح مزهوة بالفضاء المطلق‪.‬‬ ‫األبعاد وهي‪..‬‬

‫اجلوبة ‪ -‬شتاء ‪1431‬هـ ‪35‬‬


‫ب‪ -‬أو تفاجأ على العكس‪ ،‬لتجد أن الموت نفسه‬ ‫ت��واط��أ م��ع ق��وى ال �ظ�لام ل �ي��رزح ه��و ونفسه‬ ‫والذاكرة تحت وطأتها‪.‬‬

‫النسق الخطابي تعدلت لغته من االعتراف‬ ‫إلى اإلثبات فالمواصلة‪ ..‬وهذا التغيير جاء نتيجة‬ ‫تبدالت هائلة في المحيط‪ ،‬أثرت على نفسيته‪،‬‬ ‫�رط بقيمه‬ ‫وجعلته ي�ن�ق��اد لفعل ميكافيلي م �ف� ٍ‬ ‫األخالقية‪ ،‬وينسى ضرورته‪ ،‬وبحال وجوده إلى‬ ‫التهميش كواحد من الذين يزجون في السلطة‬ ‫وأالعيبها دون الوعي لشخصيته وإرثه الواعي‪.‬‬

‫‪ -2‬فعل ال�س�ق��وط ق�س��ري وعنيف ف��ي إخضاع‬ ‫الذاكرة للسكوت‪ .‬فكان سقوطاً حراً للشاهد‬ ‫وال��ذاك��رة وال�م��وت بفعل ح��رف الجر (على)‬ ‫الموحي بالسقوط من األعلى نحو الهاوية‪،‬‬ ‫واالس�ت�ق��رار فيها م��أوى نهائياً بفعل حرف‬ ‫ك��ذل��ك إن ه��ذا المستوى ه��و اس�ت�ك�م��ال‪ ،‬أو‬ ‫الجر (في)‪.‬‬ ‫بفارق غير كبير زمنياً‪ ،‬لكن التغيير الحاصل كان‬ ‫ وبذلك أصبح (الموت) ليس المرحلة النهائية‪ ،‬على صعيد الفضاء العام وصعيد اللغة‪.‬‬ ‫أو المحطة األخيرة‪ ،‬بل نقطة عبور‪ ،‬فوجدت‬ ‫الفضاء العام‬ ‫ال��ذاك��رة نفسها مستمرة ف��ي السقوط نحو‬ ‫ف�ف��ي ال�م�س�ت��وى األول‪ ،‬ك ��ان ال �ف �ض��اء العام‬ ‫الظالم‪.‬‬ ‫مميزاً بروحيته اإلنسانية ذات الهموم المشتركة‬ ‫‪ -3‬فعل الظالم‪ :‬حتمي ومجحف في االستغناء‬ ‫المطلقة في التعايش السلمي‪ ،‬والبقاء (قصداً‬ ‫عن الذاكرة واالنزواء عن الحركة في خضم‬ ‫أو قسراً) خارج نص السياسة‪ ،‬وبقاءه متفرجاً‬ ‫ال��وض��ع ال �ج��دي��د‪ ،‬ك��ذل��ك أن ال �ظ�لام يمثل‬ ‫المحطة النهائية وقاعدة الثبات األخير‪ ،‬إذ محايداً‪ ،‬تأثر ولم ينجرف في التيار‪ .‬وهنا اختل‬ ‫أن الموت بإمكانه أن يكون القاعدة األخيرة‪ ،‬الفضاء من‪:‬‬

‫إال أن��ه ج��اء كمرحلة ممهدة بين فضاءين ‪ -1‬روحية الفضاء العام‪:‬‬ ‫(ال �ح �ي��اة‪ /‬ال��ظ�ل�ام)‪ ،‬ف��أص�ب��ح م �م��راً‪ ،‬وقناة‬ ‫العبور للمصب األخير‪.‬‬

‫المستوى الثاني‬ ‫رجع الذاكرة القريب‬ ‫(أقمت على صخرة الروح مملكتي…)‬ ‫(كنت أملك هذا اللسان وال أتذكر شيئاً)‬

‫اختلفت روح �ي��ة ال�ف�ض��اء ال �ع��ام‪ ،‬ب��أن أصبح‬ ‫جوها مشبعاً بالسياسة وأالعيبها وسقطاتها‪ ،‬ما‬ ‫أثر بشكل كبير على الخطاب المروي من حيث‬ ‫التعامل السيمولوجي مع األح��داث التاريخية‪،‬‬ ‫وبشكل غامض ومبهم‪ ،‬لكنه مكشوف بالقراءة‬ ‫المعمقة‪ ،‬وتتبع الترتيب النسقي للقصيدة في‬ ‫جزئها هذا‪.‬‬

‫التالحق المبتكر النحناءات الوفق ضمن فضاء‬ ‫النصف م��ن اللوحة القصيدة‪ ،‬م��ارس تمازجً ا‬ ‫بعدما كان شاهداً متفرجاً حيادياً في المستوى‬ ‫نصياً‪ /‬سلوكياً مع تكوينات المستوى األول‪..‬‬ ‫وهذا المستوى مبنياته تعبىء الكائن المتحرك األول‪ ..‬رفض أن يلعب نفس ال��دور المستعبد‪،‬‬ ‫في وفقها ال شعورياً باإلفرازات والتقنيات التي فقرر التحول من المسار االجتماعي الهادئ‪،‬‬ ‫إل��ى المسار السياسي المضطرب‪ ..‬عله يفلح‬ ‫احتوتها في المستوى األول‪..‬‬

‫‪ -2‬االنقالب األيديولوجي‪:‬‬

‫‪36‬‬

‫اجلوبة ‪ -‬شتاء ‪1431‬هـ‬


‫(أق �م��ت ع�ل��ى ص �خ��رة الروح‬ ‫مملكتي)‬ ‫وه� ��ذا ال �ب �ن �ي��ان ي�ف�ت�ق��ر إلى‬ ‫الخبرة وال�ت�م��رس‪ ،‬ويحتاج إل��ى أالع�ي��ب وخدع‬ ‫السياسة التي يمكنها أن تبقيه صامداً‪ ،‬إال أنه‬ ‫ وبحكم طبيعته اإلنسانية ‪ -‬سقط في فخ الثقة‬‫الكاملة بالمحيط‪..‬‬ ‫(استبعدت روحي الطيبات‬ ‫إلى أن تفتت لحمي)‪.‬‬ ‫وانتهت مسيرته السياسية القصيرة كـ (بطل‬ ‫منقذ) و(فادي طليق)‪ ،‬ليتحول إلى مغيب مهمش‬ ‫تحت وط��أة السلطة الغاشمة التي تتالعب به‪،‬‬ ‫وتنتهك إنسانيته‪ ،‬وتضع من قدره‪ ،‬كعذاب يومي‬ ‫في الصحوة والمنام‪ ..‬التي تمسخه شيئاً على‬ ‫القارعة‪.‬‬ ‫(رأيت كالب الملوك‬ ‫تطاردني في المنام‬ ‫رأيت الرجال يخدمون كالب السالطين‬ ‫أو يضحكون الطواشية المتخمين‬ ‫وقوفاً وراء الموائد‬ ‫وكالببغاء التي هرمت‬ ‫كنت أملك هذا اللسان‬ ‫وال أتذكر شيئاً)‬

‫اع �ت �م��د أس��ل��وب ال �خ �ط��اب في‬ ‫ال �م �س �ت��وى األول ع �ل��ى ضمير‬ ‫الفاعل المنفصل (أنا)‪ ..‬لتوكيد‬ ‫الشخصية كما بينا كضرورة‬ ‫ق�� �ص� ��وى الح � � �ت� � ��واء ال� �ح���دث‬ ‫والسيطرة على مقوماته‪ ،‬أما‬ ‫في المستوى الثاني‪ ،‬فقد جاء‬ ‫األس�ل��وب مغايراً‪ ،‬حيث اعتمد‬ ‫الشاعر على الضمير المتصل المعبر عن الفاعل‬ ‫(التاء)‪ ،‬الداخلة على األفعال الماضية (أقمت‪،‬‬ ‫بدأت‪ ،‬تالشت‪ ،‬نسيت‪ ،‬دخلت‪ ،‬بايعت‪ ،‬خضعت‪،‬‬ ‫م��ا ع��دت‪ ،‬رأي ��ت)‪ ،‬فأصبح التركيز على الفعل‬ ‫بحد ذات��ه وتأثيثه لبنة تعنى بالبناء الصوري‪/‬‬ ‫ال�ح��دث��ي‪ ..‬بسبب ال�ت��داخ��ل التاريخي والتنقل‬ ‫الزمني السريع‪ ..‬وه��ذه األفعال الماضية التي‬ ‫شكلت خطاً جمالياً ضمن سياق الجملة الشعرية‪،‬‬ ‫تحمل بعداً زمنياً جمالياً إذ أنها تتمتع بروحية‬ ‫الحاضر‪ ،‬وشمولية النظرة التاريخية‪ ،‬ومستقبلية‬ ‫التواتر على النهج نفسه‪.‬‬

‫دراس����ـ����ـ����ـ����ـ����ـ����ـ����ـ����ـ����ـ����ـ����ـ����ـ����ات‬

‫في تمكين قدرته على النهوض‬ ‫بواقعة وتحقيق تطلعاته المبهمة‬ ‫(ال�ت��ي ل��م يعلن عنها على طول‬ ‫القصيدة)‪ .‬والمباشرة باالنقالب‬ ‫اإليديولوجي‪ ،‬بناء على موروثه‬ ‫الروحي االجتماعي الهادئ‪.‬‬

‫تقني ــة اللغــة‪..‬‬

‫تعد ظاهرة عالمات الترقيم والتنقيط واحدة‬ ‫م��ن س�م��ات ال�ح��داث��ة ف��ي اإلب� ��داع‪ ،‬لما لها من‬ ‫مدلوالت تغني العمل فنياً‪ ،‬وتقدم له إيحاءات‬ ‫ب �ص��ري��ة‪ ،‬وخ ��اص ��ة إذا وظ �ف��ت ف ��ي الملفوظ‬ ‫الشعري‪( ..‬واستثمارها لوصل الملفوظ ببعضه‬ ‫م��ن ج�ه��ة‪ ،‬وبالمغيب أو المسكوت عنه خارج‬ ‫النص من جهة أخرى‪( .‬أقاويل الجملة الشعرية‪،‬‬ ‫حاتم الصكر)‪.‬‬ ‫وبذلك نفتح فضا ًء رحباً‪ ،‬يمارس فيه المتلقي‬ ‫حريته في إعادة أنتجة النص أو الصورة حسب‬ ‫رؤيته الخاصة‪ ..‬مؤسساً جسراً إبداعياً‪ /‬جمالياً‬

‫اجلوبة ‪ -‬شتاء ‪1431‬هـ ‪37‬‬


‫بين تقنيات النص‪ /‬مسكوتات الشاعر‪ /‬خيال المستوى الثالث‬ ‫المتلقي‪..‬‬ ‫يعتمد ال�ب��ري�ك��ان ع�ل��ى م�ث��ل ه ��ذه التقنيات‬

‫البصرية داخ��ل النص في أغلب أعماله إن لم‬

‫تكن كلها‪ ،‬لتكوين رواب��ط عضوية داخ��ل الطرح‬ ‫الشعري‪.‬‬

‫وهذا المستوى ينتهي بسطرين من (التنقيط‬

‫ال�م�ت��واص��ل)‪ ،‬دالل��ة على اس�ت�م��راري��ة الحدث‪..‬‬

‫وأن هنالك مسكوتاً عنه (مبهم) و(منطوق به)‬ ‫سابق يتوالى لتكملة الصورة‪ ..‬لكن المتلقي قد‬

‫يسيء فهم هذه التقنية ويعتبرها فاصلة‪ /‬نهاية‪،‬‬ ‫لكن المتتبع إنتاج البريكان الشعري (المنشور)‬ ‫يالحظ أن البريكان عندما يريد االنتقال من‬

‫(الحدث‪ /‬صورة) إلى آخر‪ ،‬فانه يستخدم تقنية‬ ‫ث�لاث ن�ق��اط كبيرة (<<<)؛ أم��ا هنا فالقصد‬ ‫مغاير‪ ،‬وبذلك نتوصل إلى أن البريكان أراد أن‬

‫ي�م��زج اإلش�ك��ال�ي��ة األخ �ي��رة م��ن المستوى األول‬

‫(أن��ا الشاهد األب��دي‪ ..‬في الظالم) بعد انتهاء‬ ‫المستوى الثاني‪ ،‬مستعيضاً عن ذلك بسطرين‬

‫من النقاط المتواصلة‪ ..‬وقد رأينا في ذلك‪:‬‬ ‫‪ -1‬كنت أملك هذا اللسان‬ ‫وال أتذكر شيئاً‬

‫على الموت تسقط ذاكرتي في الظالم‪.‬‬ ‫‪ -2‬أنا الشاهد األبدي‬

‫كنت أملك هذا اللسان‬

‫على الموت تسقط ذاكرتي في الظالم‬ ‫وال أتذكر شيئاً‪.‬‬

‫‪ -3‬كنت أملك هذا اللسان‬

‫على الموت تسقط ذاكرتي في الظالم‬ ‫أنا الشاهد األبدي‪.‬‬

‫‪38‬‬

‫اجلوبة ‪ -‬شتاء ‪1431‬هـ‬

‫(تخاطبني الريح‪ ...‬متى يا إلهي؟ متى)‪..‬‬ ‫يشتغل المستوى الثالث على التكنيك العلمي‬ ‫للظواهر واإلمكانات الحالية‪ ،‬كمسلمات طبيعية‬ ‫دالة على تبدل النظرة الحسية لألشياء‪ ،‬واالبتداع‬ ‫المستمر ف��ي السيطرة‪ ،‬لتكون على قسمين‪:‬‬ ‫أولهما ما ذكرنا‪ ،‬وثانيهما هو الحركة الروحية‬ ‫المقبلة‪..‬‬ ‫(تخاطبني الريح افتح عيني)‬ ‫إن اإليحاء في الجملة الشعرية يصل بالمتلقي‬ ‫لحدود (المكان) ال��ذي بقي مهمشاً على طول‬ ‫المفازتين‪ .‬بسبب أن المكان ال يمثل فتحاً في‬ ‫حدود الصورة؛ أما اآلن‪ ،‬فإن المكان يمثل فتحاً‬ ‫البد منه في ح��دود الصورة‪ /‬الثيمة‪ .‬إن الريح‬ ‫بالفعل المحسوس والموروث عندما تجوب األرض‬ ‫المفتوحة‪ ،‬فإنها تصدر أصواتاً تشبه (الموسيقى‬ ‫البدائية)‪ .‬أو صوتا بشريا مضخما‪ ،‬كـ(الهمهمة)‪،‬‬ ‫أو بعض المقاطع الصوتية كالفونيمات اإليحائية‬ ‫المستعملة في اللهجات المحلية‪ ،‬وهذا اإليحاء‪,‬‬ ‫قدرة الكائن على أنه محاولة للسفر عبر الزمن‬ ‫واالن��ت��ق��ال ل �ل �م��اض��ي‪ ،‬ح �ي��ث ب��اإلم �ك��ان النظر‬ ‫ب�ه��ذه اإلشكالية على أس��اس ظ��اه��رة االنتشار‬ ‫(‪ )Diffysion‬المعروفة في الفيزياء‪.‬‬ ‫من حيث التعامل مع المائع‪( ،‬هي ذات الحالة‬ ‫في هبوب الرياح من منطقة الضغط العالي إلى‬ ‫منطقة الضغط المنخفض‪ ،‬واإلنجازات الفكرية‬ ‫واإلب��داع�ي��ة تكون في ال�ع��ادة مشحونة بالطاقة‬ ‫وال�ق��اب�ل�ي��ة ع�ل��ى أح ��داث ح��رك��ة ون �ش��اط معين‪،‬‬ ‫(إنها مثل المائع الكثيف)‪ ،‬وف��ي حالة تراكمها‬ ‫في موقع (مكان) محدد‪ ،‬فإنها ستقوم انتقاالت‬ ‫مكانية من منطقة النشاط اإلبداعي الكبير‪ ،‬إلى‬ ‫المنطقة الخالية في فترات زمنية متقاربة «بعض‬


‫ومن ذلك نستنتج‪:‬‬

‫دوار العولمة)‬

‫ومن المالحظ آن فضاءات الحاضر تختلف‬ ‫‪ -1‬تحديد المكان وهو (الصحراء)‪.‬‬ ‫ج��ذري�اً ع��ن البناء الفكري والمبنيات الشكلية‬ ‫‪ -2‬األف��ق المفتوح‪ ،‬واالنبساط المترامي‪ ،‬جعل‬ ‫ع��ن ال�م��اض��ي‪ ..‬لكن مسببات ال�ح��دث واحدة‪،‬‬ ‫ال�م�خ�ي�ل��ة تشتغل س�ي�ن�م��ائ�ي�اً وت�ع�ي��د أنتجة‬ ‫واالستبداد بطبائعه واحدة‪.‬‬ ‫األح� � ��داث ب ��ال� �ص ��ورة ال��ت��ي ظ��ه��رت عليها‬ ‫وإن ال�ت��وط�ي��ن ل�ل�إرث وال ��ذاك ��رة‪ ،‬واالنتقال‬ ‫القصيدة‪ ،‬م��ن ومضة قصية‪ ،‬ورج��ع ذاكرة‬ ‫بعيد‪ ،‬ورجع الذاكرة القريب‪ .‬وص��والً لحالة للتأسي بالماضي‪ ،‬ومحاولة تهميش الحاضر‪،‬‬ ‫والمسارعة بحلول المستقبل‪ ،‬تخلصاً من الفشل‬ ‫االنفكاك من الطقس الفيزيولوجي‪..‬‬ ‫واالنتكاسات والقيود القسرية‪ ،‬أمر طبيعي جداً‬ ‫(هل كان ذلك حلماً بعمق الزمان؟)‬ ‫في المجتمعات الممتلكة لخلفيات ميثولوجية‬ ‫م��ن ح �ي��ث االن �ف �ص��ال ع��ن م� �ج ��اراة الواقع ناضجة‪ ،‬فتتحكم لمثل هذه الظاهرة في هيكلية‬ ‫(ال �ح��اض��ر)‪ ،‬والتقوقع ف��ي دائ ��رة (الماضي)‪ ..‬ال�ح��اض��ر على تشكيلة ال�م��اض��ي؛ أي م��ا يعني‬ ‫كفعل يومي له تقاليده ومقاييسه التي ال تحترم (الحنين إلى الماضي ‪.)PAST SICKNESS‬‬ ‫ال��زم��ن الفعلي ال�م�ع��اش ف��ي ال�ح��رك��ة م��ن حيث‬ ‫أفتح عيني‪:‬‬ ‫(البناء العمري‪ ،‬التقدم المعرفي)‪.‬‬ ‫هل كان ذلك حلماً بعمق الزمان؟‬ ‫أو في عود على المكان‪ ..‬فإن هالمية البنية‪..‬‬ ‫وهل أحلم اآلن؟‪..‬‬ ‫وبسبب أبعاده الثالثة التوافقية‪ ،‬سمحت بحرية‬ ‫الحركة إزاء جمود الزمن في البعد الواحد‪ ،‬لذا‬ ‫الحلم يتوزع على مكمنين‪:‬‬ ‫ف��ان الكائن (ح��دد الصحراء)‪ ،‬وجعلها منطلقاً‬ ‫األول‪ :‬الحلم الحكواتي‪( :‬بعمق الزمان)‪ ،‬من‬ ‫م��رك��زي �اً‪ ،‬ون�ق�ط��ة ث �ب��ات ج��وه��ري��ة ف��ي االنتقال حيث أن ال �ظ��روف وال�ن�ك��وص ال��دائ��م ه��و سمة‬ ‫والعودة‪.‬‬ ‫نشاط آالمه‪ ،‬فخلفت عقدة متأصلة فيها باشرت‬

‫دراس����ـ����ـ����ـ����ـ����ـ����ـ����ـ����ـ����ـ����ـ����ـ����ـ����ات‬

‫الشيء» وهي الظاهرة نفسها‪ ،‬يمكن حدوثها عبر‬ ‫(ط��اح��ون��ة ب �ق��وى ال��ظ�ل�ام‪ ،‬م�ك��ات��ب هندسة‬ ‫الزمن)‪« .‬د‪ .‬محمد عز الدين الصندوق‪ ،‬كيف الموت‪ ،‬المدن الالهية)‬ ‫نخلص المستقبل من الماضي؟»‪.‬‬ ‫(مفاعالت نووية‪ ،‬مختبرات األسلحة الذرية‪،‬‬

‫وعلى الرغم من التهميش المقصود للمكان‪ ،‬عملها ع�ب��ر األج� �ي ��ال‪ ،‬وص� ��والً ل�ل�ح��اض��ر‪ ،‬وقد‬ ‫فإنه كان موحداً في جميع فضاءات المفازتين تتواصل لتبلغ المستقبل‪.‬‬ ‫والتي تتفرع منها فضاءات داخلية‪:‬‬ ‫الثاني‪ :‬الحلم التوافقي‪ :‬عندما أغمض عينيه‬ ‫(ال �ق �ص��ور‪ ،‬ال�س�ج��ون‪ ،‬ال �م �ض��ارب‪ ،‬الموائد) (افتح عيني سبقه فعل اإلغماض بالضرورة)‪ .‬راح‬ ‫(الخيمة‪ ،‬الغرف‪ ،‬المسجد)‪.‬‬ ‫نسيج الذاكرة يعيد بناء إحداثياته بشكل مغاير‪..‬‬ ‫والعودة‪ ..‬كانت مرة أخرى في الصحراء‪ .‬في في الغوص بمكنونات الماضي واالشتغال فيها‪،‬‬ ‫مفتتح المستوى الثالث‪ ..‬فتصبح فضاءاً جامعاً لتغيير النسق التاريخي‪ ،‬ليلد الحاضر بشكل‬ ‫عفوي جديد معافى‪ ،‬إال أن المشكلة الكبرى‪..‬‬ ‫ال لفضاءات داخلية‪..‬‬ ‫ومدخ ً‬

‫اجلوبة ‪ -‬شتاء ‪1431‬هـ ‪39‬‬


‫تات على هاتين‬ ‫أي‪ ..‬وبتعبير آخر‪ :‬لماذا لم ِ‬ ‫أن الكائن وجد نفسه يعيد نفس الكرة مجسداً‬ ‫انثياالته السابقة ملتصقاً فيها‪ ،‬وهذا ما يعبر عنه الشاكلتين؟‬ ‫باألفعال الماضية ذات روحية الحاضر‪ ،‬المفتتح‬ ‫‪1‬ـ البدوي الذي كتب الله أن ال يموت‪..‬‬ ‫بها كل حدث جديد ومغاير في المستوى الثاني‪..‬‬ ‫‪2‬ـ البدوي الذي لن ير وجهه أحد‪..‬‬ ‫إذ أن الفاعل مستت ٌر تقديره (األن��ا) التي عُدَّ ت‬ ‫الشاكلة األول���ى‪ :‬ل��و جعلها البريكان ثريا‬ ‫لولباً للحركة في المستوى األول‪.‬‬ ‫وب��ذل��ك تفشل الحركية المكانية والظرفية لنصه‪ ،‬ألحدث تضارباً كبيراً في ثنايا أطروحته‪،‬‬ ‫ال يحمل الكثير من المجانيات‬ ‫الزمانية في تعديل موازين الماضي والحاضر‪ ،‬وبذلك يخرج عم ً‬ ‫وهذا يهيئ إلى الحركة الثانية في هذه المستوى‪ ،‬ال�ح��دي�ث��ة‪ ،‬ويتنقص الكثير م��ن قيمته‪ .‬مثلما‬ ‫توصلنا من قبل‪ ..‬إن البريكان له نظرة تتناقض‬ ‫وهي الحركة الروحية‪:‬‬ ‫مع المسار الكوني الوجودي في أن الموت ما هو‬ ‫(سأجمع أجزاء روحي وأبحث ثانية عن مكاني‬ ‫إال الحياة الحقيقية للروح‪ ،‬حيث تمارس كامل‬ ‫وإسمي ومسقط رأسي)‬ ‫إنسانيتها وصوالً إلى الكمال المطلق في التوحد‬ ‫والفضاء الجديد للتحرك هو االنتقال الروحي مع جوهر الكوني‪ ..‬وتخليده في الحياة (أن ال‬ ‫الذي هو بالضرورة االنفصال عن‪:‬‬ ‫ي�م��وت) يعني التخلي ع��ن الثيمة المركزية في‬ ‫‪1‬ـ القالب الجسدي‪.‬‬ ‫العمل‪ ..‬لكن قد يتساءل المتلقي بأن هذه الثيمة‬ ‫‪2‬ـ المعيار المكاني‪.‬‬ ‫‪3‬ـ اإلرث الزماني‪.‬‬

‫طرحت في سياق القصيدة‪ ،‬كواحدة من مميزات‬ ‫االختالف‪ ،‬وأحد عناصر التركيب الشخصوية‪..‬‬

‫لو نظرنا لتشكيل الومضة القصية (لعلك يوماً‬ ‫وبذلك يكون وع��اءاً طبيعياً للحركة الحرة‪،‬‬ ‫واالشتغال غير القياسي‪ /‬المفتوح‪ ،‬البتكار الوجه سمعت)‪ ،‬انقطاع استمرار الفعل وتوقفه عند‬ ‫حدود زمنية سابقة‪ ،‬وبذلك يكون أن البدوي قد‬ ‫المستقبلي الجديد‪.‬‬ ‫انتهت ضرورته المادية (الحياة)‪ ،‬وظلت ضرورته‬ ‫ثريا النص‬ ‫التاريخية متواترة كحدث موروث‪.‬‬ ‫(البدوي الذي لم ي َر وجهه أحد)‬ ‫الشاكلة الثانية‪ :‬الحرف (لن) حرف جزم نفي‬

‫ثريا ال�ن��ص‪ ،‬إشكالية بحد ذات�ه��ا لما تثيره‬ ‫من أسئلة تتجاوز ح��دود المألوف‪ ،‬لتدخل في‬ ‫حيز الغيب واإلبهام‪ ،‬لتشكل مع بقية اإلشكاالت‬ ‫المتالغزة على طول القصيدة‪ ،‬ناقوسا يدق في‬ ‫إيقاعها‪ ..‬كأرضية حانية لكل متشعب‪.‬‬ ‫والسؤال املثير‪ :‬لماذا جاءت ثريا النص على‬ ‫هذه الشاكلة (البدوي الذي لم ير وجهه أحد)؟‪.‬‬ ‫* كاتب وناقد من العراق‪.‬‬

‫‪40‬‬

‫اجلوبة ‪ -‬شتاء ‪1431‬هـ‬

‫نهائي قاطع‪ ،‬ال يتالءم مع التغيرات الكبيرة الحاصلة‬ ‫ف��ي أج ��واء القصيدة‪ ،‬منها (ال �ف��ارس والضيف)‬ ‫اللذان من المهم جداً معرفة وجوههما إلقامة صلة‬ ‫اجتماعية بينهما وبين المجتمع‪ .‬وكما أشرنا أن‬ ‫المستوى األول كان يتمتع بجو اجتماعي هاديء‪.‬‬ ‫وبذلك يتعرض النص لخطر فقدان المصداقية‪،‬‬ ‫والحط من قيمة المعالجة والتشخيص‪.‬‬


‫في أقاصيص الكاتب التونسي املهاجر كمال العيادي‬

‫دراس����ـ����ـ����ـ����ـ����ـ����ـ����ـ����ـ����ـ����ـ����ـ����ـ����ات‬

‫الواصف واملوصوف‬

‫عبدالدائم السالّ مي*‬ ‫>‬ ‫ّ‬

‫يتوافّ ر الكاتب والصحفي كمال العيّادي على تجربة‬ ‫ثريّة في األرض‪ ،‬حوّلها ‪ -‬ب َوك ٍْد منه وإصرارٍ ‪ -‬إلى تجرُ بة‬ ‫مبدعٌ ج���وّالٌ ‪ :‬انطلقت‬ ‫َثرَية في الكتابةِ والتخييل‪ .‬هو ِ‬ ‫تجرُ بتُه من تونس‪ ،‬واتسعت به عبارتُها إلى أوروبا الشرقيّة‬ ‫(روسيا) فأوروبا الغربية (ألمانيا) حيث غنم من ترحالِ ه‬ ‫النحيف‬ ‫ُ‬ ‫بؤسا لم يحتمله جسدُ ه‬ ‫بؤسا حيات ّيًا وف��ي��رً ا‪ً ،‬‬ ‫ً‬ ‫فاحتملتْه لغتُه الثخينةُ بصور الواقع‪ ،‬تُنقّ يها في غير‬ ‫قصصا تنأى بالمتلقّ ي‬ ‫ً‬ ‫تزلُّ ٍف من أحساكِ ها لتنحتَ منها‬ ‫الوصف وكثر ُة ماءِ‬ ‫ِ‬ ‫أرض المعنى‪ ،‬حيث ثراءُ المغامرةِ وخصوبةُ‬ ‫األرض إلى ِ‬ ‫ِ‬ ‫من معنى‬ ‫شخصيات كا َن أو أمكنةً أو زمانًا‪.‬‬ ‫ٍ‬ ‫الموصوف‪،‬‬ ‫ِ‬ ‫والذي نذهب إليه هو أنّ َميْ َزةَ قصص‬ ‫�ات‪ ،‬ف��إنّ ق ��ارئَ قصص كمال‬ ‫كمال العيّادي تتمثّل في صدقِ ها التخييليِّ ‪ ،‬م��ع ال �م��رو ّي� ِ‬ ‫إ ْذ نجدها تمت ُح من واقِ عِ ها رُوا َء كائناتِها العيّادي ال يملك القدرة على الحيادِ ‪ ،‬وال‬ ‫النصوص‬ ‫ِ‬ ‫ال��ورق � ّي��ة‪َ ،‬م��ا يجعل ال �ق��ارئَ ي�نْ��وج� ُد فيها حتّى على الفصل الموهومِ بين‬ ‫ب��ال�ق� ّوةِ‪ ،‬ال‪ ..‬ب��ل ينوج ُد فيها بالفعلِ في‬ ‫لقصص له مثل‬ ‫ٍ‬ ‫وصاحبها‪ ،‬ذلك أنّ قراء ًة‬ ‫شيءٍ من التماهي ال ِّتدْالليِّ الذي يُفْضي به‬ ‫«آنيتا» و«حميد ميتشكو» و«الدغفوص أبو‬ ‫من تلقّي المُغامر ِة القصصيّة إلى التالقي‬ ‫التآليل» أو «صاحب ربطة العنق الخضراء»‬ ‫مع أحداثِها‪ ،‬تُحاكيه فيَحْ كيها عبر فعله‬ ‫القرائيِّ معانيَ تكا ُد تمشي أمامه وتدخل وغيرها من القصص القصيرة‪ ،‬ال يمكن أن‬ ‫مسامَّه ويتشرّبها جسدُه وفكرُه‪ ،‬وأحيانًا تبلغ صدقيتَها إ ّال متى استحضرتْ تجرُب َة‬ ‫الواصف‬ ‫ُ‬ ‫ال�ك��ات� ِ�ب فيها على اع�ت�ب��ار أ ّن ��ه‬ ‫يتبنّاها فتصي ُر منه ويصير بها فيها‪.‬‬ ‫�وف وال�ص�ف�ةُ‪ ،‬وه��و م��ا سنحاول‬ ‫يتنصلون وال �م��وص� ُ‬ ‫وإذا كان بعض النقّاد المحدثين ّ‬ ‫�ص��دق � ّي � َة ف��ي التعاطي‬ ‫ال �م��وض��وع � ّي � َة وال� ّ‬

‫الكاتب ويكتفون بأحوالِ‬ ‫ِ‬ ‫أحيانًا من ح��الِ‬ ‫المكتوب بما يضمن لقراءاتهم الحياد ّي َة‬ ‫ِ‬

‫تفصيل َه في ه��ذه اإلطاللة السريعة على‬ ‫عالَمِ ه القصصيِّ ‪.‬‬

‫اجلوبة ‪ -‬شتاء ‪1431‬هـ ‪41‬‬


‫ال نقرأ المقطع‬ ‫قصة «آنيتا» مث ً‬ ‫ّ‬ ‫واصفً ا‬ ‫الكاتب ِ‬ ‫ُ‬ ‫التالي «لنتّفق في البداية على أنّه‬ ‫ال ي �ك �ت �ف��ي ك� �م���ال ال� �ع� � ّي ��ادي‬ ‫من حقّي أن أض��رب رأس��ي‪ .‬أوّال‬ ‫بالوصف‪ ،‬في العيّنة من القصص‬ ‫ألنّه رأسي‪ ،‬وأنا ح ّر أن أفعل به ما‬ ‫التي ذكرناها سابقًا‪ ،‬تقن ّي ًة تعضد‬ ‫الضربَ ‪،‬‬ ‫أشاء‪ ،‬وثانيا ألنّه يستحقّ ّ‬ ‫السّ ر َد لتُغنيَ معناه عبر الزخرفة‬ ‫فهو السّ بب في ك ّل بالئي وما أنا‬ ‫والتزيين اللفظي‪ ،‬ب��ل ن��راه يُع ِّو ُل‬ ‫فيه‪ .‬ورغم أنّني أجد لذّة مدغدغة‬ ‫الوصف باعتباره سَ ْردًا داخ َل‬ ‫ِ‬ ‫على‬ ‫مثل دبيب النمل وخ��درًا بنفسج ّيًا‬ ‫مقاط ُع قصصه‬ ‫ِ‬ ‫ال��سّ �رْدِ ‪ ،‬إ ْذ تأتي‬ ‫مح ّببًا حين أضربه‪ ،‬ف��إ ّن السبب‬ ‫باألحداث كثيفتَها‪ ،‬ويجري‬ ‫ِ‬ ‫ثخين ًة‬ ‫كمال العيادي‬ ‫الحقيقيّ وراء ذلك أنّني اكتشفتُ‬ ‫زم � ُن الحك ِْي فيها جريانًا لطيفًا‬ ‫منذ سنتَيْن تقريبًا أنّني أجني فوائد‬ ‫بارتداداته واستباقاته‪ ,‬دون توق ٍّف‪ ،‬بما يقط ُع مع‬ ‫ق��ول القائلين إ ّن ال��وص��ف يُ��وقِ ��ف ال��سّ ��ر َد ويُعْدِ ُم عظيم ًة حين أقوم بتلك الحركة الخرقاء وأضرب‬ ‫القص‪ ،‬ذلك أ ّن الوصف عند كمال العيّادي رأسي بك ّل ما أوتيت من قوّة على الباب أو الجدار‬ ‫ِّ‬ ‫َز َم� َن‬ ‫ال يقوم فقط على الجُ مَلِ االسميّة بما هي زيادةُ أو ببساطة هكذا بقبضتي أو بكفّي‪ .‬اعتدتُ ذلك‬ ‫�وف‪ ،‬وال يحفل باالستعارات بعد أن اكتشفتُ مصادف ًة أ ّن تلك الحركة الخرقاء‬ ‫الصفة ف��ي ال�م��وص� ِ‬ ‫الخوف والجزع الشدي َد في نفس‬ ‫َ‬ ‫كثيرًا؛ بل هو يستشري في أفعال الحكايةِ ‪ ،‬باعِ ثًا تحديدًا تبعث‬ ‫الحرك َة في أحوالِ الموصوفات وفي أعمالِها وفي زوجتي‪-‬آنيتا‪ -‬بعد أن كنتُ استنفدتُ ك ّل الطُ رُق‬ ‫أقوالِها‪ ،‬دون المبالغةِ في البحث عن مُعجَ ٍم يخد ُم والوسائل والحيل إلرهابها‪ .‬ولذلك أضربُ رأسي‬ ‫ِّش الحكاية؛ ذلك أ ّن «الوصف يتطلّب يوم ّيًا»‪.‬‬ ‫الوصف ويُهم ُ‬ ‫َ‬

‫كفاي ًة معرفيّة وليست لسانيّة» على ح ّد ما ذهب‬ ‫إليه جون مولينو(‪ ،)1‬كفاي ًة تقوم على بنية منطقيّة‬ ‫م��ن حيث ت��راب��طُ المقاطع الوصفيّة بما يخدم‬ ‫الحكي‪ ،‬ومن حيث خصوصياتُ ك ّل مقطع‬ ‫ِ‬ ‫سيا َق‬ ‫وصفيّ واستقاللُه بذاته دون الخروج عن نسيج‬ ‫بمحور‬ ‫ٍ‬ ‫الحكايةِ األمِّ‪ ،‬إ ْذ يكتفي ك ّل مقطع وصفيّ‬ ‫وحيد‪ ،‬بما يسمح للجمل المكوّنة له‬ ‫ٍ‬ ‫الوصف‬ ‫ِ‬ ‫في‬ ‫بالترابط فيما بينها دالل ّيًا‪ ،‬وبالتعالُقِ السببيّ العلِّيِّ‬ ‫ال��ذي يوحي بوجود بنية وصفيّة تتحوّط أفعا َل‬ ‫المغامر ِة المسرود ِة وتتجاوزها إلى بناء معناها‪،‬‬ ‫على اعتبار أ ّن من أشراط البنية أن تُمثّل «وحد ًة‬ ‫خاص بها؛‬ ‫ٍّ‬ ‫مستقلّة نسب ّيًا مجهّزة بتنظيم داخليٍّ‬ ‫إذاً مرتبطة بعالقةِ تبعيّة‪/‬استقالليّة بالمجموع‬ ‫األكثر اتساعً ا ال��ذي تنتمي إل �ي��ه»(‪ .)2‬ففي بداية‬

‫‪42‬‬

‫اجلوبة ‪ -‬شتاء ‪1431‬هـ‬

‫موح‬ ‫والمالحظ في هذا المقطع الوصفيّ أنّه ٍ‬ ‫بالدّورية الحدثيّةِ التي تتجلّى في ال�دّال «يوم ّيًا»‬ ‫وهو ما يضمن اتساقَه مع المغامرة ككلٍّ ‪ ،‬كما أنّه‬ ‫�رأس» وقد‬ ‫محور واح� ٍ�د هو «ض��ربُ ال� ِ‬ ‫ٍ‬ ‫يقوم على‬ ‫متتاليات وصفي ٍّة تضمّنتها‬ ‫ٍ‬ ‫فرّعه كمال العيّادي إلى‬ ‫جُ َم ٌل بسيطةٌ‪ ،‬سعى من ورائها الكاتب إلى تبرير‬ ‫الوصف وجعله خادِ مًا لمُجْ مَلِ الحكايةِ من‬ ‫ِ‬ ‫موضوع‬ ‫حيثُ بناءُ معناها‪.‬‬

‫فالترابط العِ لِيُّ بين فروع الوصف يبدأ من حقّ‬ ‫الكاتب في ضرب رأسه‪ ،‬وهذا الحقّ متأتٍّ من كون‬ ‫الرأس رأسه‪ ،‬وهو ما يُجي ُز له الحرّية في ضربه‪،‬‬ ‫ث ّم إ ّن موضوع الوصف (الرأس) يستحقّ الضرب‪،‬‬ ‫بوصفه سبب البالء‪ .‬كما أ ّن فع َل «ضرب الرأس»‬ ‫للواص ِف ول � ّذةً‪ ،‬ومن جهة‬ ‫ِ‬ ‫يحقّق‪ ،‬من جهة‪ ،‬متع ًة‬


‫ومِ مَّا يدعِّ ُم قيا َم الوصف في هذا المقطع على‬ ‫بنية منطقيّة حسب األشراط المتعارف عليها في‬ ‫ٍ‬ ‫بنية‪ ،‬والتي منها وجوب توافّرها على مجموع‬ ‫ك ّل ٍ‬ ‫مستق ّل وإمكانية «ترتيب عناصر [هذا] المجموع‬ ‫التي يمكن لها ذاتها أن تتكوّم حسب شكل تُمْكن‬ ‫أحداث؛‬ ‫ٍ‬ ‫معرِ َفتُه»(‪ ،)3‬هو ما يتتالى في الحكاية من‬ ‫وصف‬ ‫ِ‬ ‫الرأس يمت ُّد رويدًا رويدًا إلى‬ ‫ِ‬ ‫ضرب‬ ‫ِ‬ ‫فوصفُ‬ ‫ال على الك ِّل‬ ‫حال الراوي‪ ،‬ومن ث ّم يصي ُر الجزءُ مُحي ً‬ ‫ال على‬ ‫�رأس (حيث يوجد العقلُ) مُحي ً‬ ‫ويصي ُر ال� ُ‬ ‫القصة‪ ،‬إذْ‪ ،‬تنعقد‬ ‫ّ‬ ‫الالمعقولِ الحياتيِّ في كامل‬ ‫ك ّل المغامرة فيها على محاوالت بحث الراوي عن‬ ‫طريقة للتخلّص من شرور زوجته آنيتا وطبيعتها‬ ‫العِ دائيّة‪ ،‬التي اجتهد في تبريرِ ها عبر المبالغة في‬ ‫وصف أحوالِها‪ ،‬دون االكتفاء بأقوالِها أو بأفعالِها؛‬ ‫ِ‬ ‫ُّطف‬ ‫فنراه يجرّب معها ك ّل الحيل بالتدرّج من الل ِ‬ ‫إلى الغِ ل ْظةِ ‪ ،‬إ ّال أ ّن جارتَها – مارتينا ‪ -‬تسعى دومًا‬ ‫إلى إشعال فتيل الحرب بينهما‪ .‬ومن ث ّم يهتدي‬ ‫الراوي إلى وسيلة «ضرب الرأس» إلرهاب زوجته‬ ‫القصة بنوع من ال َعوْدِ على ال َبدْءِ‬ ‫ّ‬ ‫وإسكاتِها‪ .‬وتنتهي‬ ‫إطار من الترابط المنطقيِّ الحكائيِّ ‪ ،‬فتصير‬ ‫في ٍ‬ ‫�ص��ةِ وص� ًف��ا لخاتمتِها (ت �ك��رار جُ مَلِ‬ ‫م�ق� ِّد َم� ُة ال�ق� ّ‬ ‫المقدِّمةِ ذاتها في الخاتمةِ )‪ ،‬وينوجد القارئ في‬ ‫رجل‬ ‫دائ��رة من المعنى الواقعيّ التخييليّ ‪ ،‬معنَى ٍ‬ ‫غريب يتزوّج امرأة جامعيّة جاوزت‬ ‫ٍ‬ ‫ُهاجر أجنبيّ‬ ‫م ٍ‬

‫دراس����ـ����ـ����ـ����ـ����ـ����ـ����ـ����ـ����ـ����ـ����ـ����ـ����ات‬

‫أخرى يعود على الواصف بفوائد جمّة‪ ،‬لع ّل أهمَّها‬ ‫بعثُ الذُّعر في قلب زوجته بعدما جرّب معها ك ّل‬ ‫الطرائق والحيل إلرهابِها‪ .‬وجليٌّ هنا أ ّن الوصف‬ ‫بنية عقلي ٍّة تُ َب ِّررُه‬ ‫في هذا المقطع يخضع إلى هكذا ٍ‬ ‫مفاصلِه اجتهد الكاتب‬ ‫ِ‬ ‫ترابطات سببيّة بين‬ ‫ٍ‬ ‫عبر‬ ‫في صياغتِها حسب ما يتطلّبه سيا ُق الحَ ك ِْي في‬ ‫اللفظية مَا‬ ‫ِ‬ ‫خالية من الحشوِ والزخرفةِ‬ ‫ٍ‬ ‫شكل جُ م ٍَل‬ ‫القصة‪،‬‬ ‫ّ‬ ‫جعل منه مقطَ عًا واجبَ الوجود في بداية‬ ‫حتّى تُح ِّق َق تالقِ يًا مع القارئ عبر حيرةٍ تنتابُه‬ ‫وشَ ٍّك يعتريه بخصوص عالقة الراوي بزوجته‪.‬‬

‫بالصدفة‪ ،‬ويعيش‬ ‫ُّ‬ ‫األرب�ع�ي��ن‪ ،‬التقاها ف��ي مقهى‬ ‫ضاغطات اجتماعيّة وشخصيّة متنوّعة‬ ‫ٍ‬ ‫معها تحت‬ ‫أب��دع ال��راوي في توصيفِ ها لتبرير عالقةِ العداء‬ ‫بينهما وان�ش��داد ك� ّل منهما إل��ى اآلخ��ر حسب ما‬ ‫يحقّق له ذلك من منافع‪ .‬وبالرّغم من كون هذا‬ ‫الراوي ما يزا ُل شا ّبًا بينما زوجته «ال تحيض وال‬ ‫تبيض» وهو أم ٌر يُسْ عِ دُه كثيرًا‪ ،‬فإنّها لم تتأقلم‪،‬‬ ‫خالل سنيِّ زواجه منها‪ ،‬مع عاداتِهِ وعَ ْودَاتِهِ ‪ ،‬فهي‬ ‫«ل��م تتغيّر ك�ث�ي�رًا‪ .‬تكوي المالبس بعناية فائقة‬ ‫وتُصلح ما أفسده يوم ّيًا من نظام البيت الصارم‪.‬‬ ‫لتقف لي‬ ‫َ‬ ‫ولكنّها تنتظر كآلة معدَّ ل ٍَة عودتي ك ّل ليلة‬ ‫بين ثقب الباب ولحاف السرير [‪ ] ...‬آنيتا جاوزت‬ ‫ال �ح �دّ‪ .‬أض��رب رأس��ي ب�ق�وّة على ال�ب��اب أو على‬ ‫الحائط أو ببساطة هكذا بقبضتي أو بكفّي ألتل ّذ َذ‬ ‫طع َم ريقي ال ُم َّر وأنا أرى ك ّل ذلك الذّعر والفزع في‬ ‫عينيْها‪ .‬في عينيْ حبيبتي وزوجتي آنيتا»‪.‬‬ ‫وال��ذي نخل ُص إليه ف��ي خاتمة ه��ذا العنصر‬ ‫من ال�ق��راء ِة أ ّن قصص كمال العيّادي تقوم على‬ ‫الوصف المشهديِّ قيامَها على السردِ الحكائيِّ ؛‬ ‫َم��ا يجعل م��ن ال��وص��ف بني ًة مخصوص ًة تعْض ُد‬ ‫بني َة الحكايةِ فتُغْنيها وتغتني فيها بما للكاتب من‬ ‫ونسجها نسيجً ا مُح َكمًا‬ ‫ِ‬ ‫فات‪،‬‬ ‫الص ِ‬ ‫قدرةٍ على تخيّر ّ‬ ‫بنيات مترابط ًة لها‬ ‫ٍ‬ ‫تصي ُر فيه المقاطع الوصفيّة‬ ‫أشراطُ ها ولها معانيها التي تمتح من واقع الكاتب‬ ‫داللتَها‪ ،‬وهو ما سينْعَقِ ُد عليه عمل ُنا في العنصر‬ ‫الموالي‪.‬‬

‫الكاتب موصوفً ا‬ ‫ُ‬ ‫ال تُحيل عبارتُنا «الكاتبُ موصوفًا» على مفهوم‬ ‫ال�س�ي��رة ال �ذّات �ي��ة المبثوثة ف��ي أق��اص�ي��ص كمال‬ ‫العيّادي‪ ،‬وإ ْن كانت ال تنفيها وتقف عندها فقط‪،‬‬ ‫بل هي تؤ ِّكدُ‪ ،‬في العيّنة من القصص التي نشتغل‬ ‫عليها‪ ،‬على االن��زي��احِ ال�ح��اص��ل ف��ي زاوي ��ة نظر‬ ‫جنس السيرة إلى‬ ‫ِ‬ ‫ال��راوي للمغامرة‪ ،‬ان��زي� ٍ�اح من‬

‫اجلوبة ‪ -‬شتاء ‪1431‬هـ ‪43‬‬


‫ال ألوّل مرّة بطريقة تُمكن‬ ‫االنفتاح بها على التجربة التخييليّة عا ّمةً؛ فترقى على الظرف عنوانَه كام ً‬ ‫ٍ‬ ‫بذلك عناص ُر اليوميّ الذاتيّ المعيش من‬ ‫مفردات قراءتها بيُسر مُباعدا بين الحروف بشكل متعم ٍَّد‬ ‫ٍ‬ ‫موغلة في هموم «األن��ا الكاتبةِ » إلى مراقي أفق بليغِ الدَّ اللة رغم أنّه يعرف بأ ّن مطلّقتَه بتونس ال‬ ‫انتظارات «األنا القارئة» وهو ما يزيد العم َل الفنيَّ تكتب وال تَ ُر ّد بأيّ حال من األحوال‪.‬‬ ‫سع ًة وإشعاعً ا وحلمًا بالمعنى‪.‬‬ ‫إ ّن هذه ال �دّوال االسميّة والزمانية والمكانية‬

‫غير أ ّن فع َل الترقّي الكتابيّ بالخا ِّم الذّاتيِّ‬ ‫المعيش إلى العا ِّم المتخيَّلِ ال يعني عج َز الكاتب‬ ‫تشخيص واقع أيّامه وتوصيفِ ها بما يلي ُق بها‬ ‫ِ‬ ‫عن‬ ‫�اف؛ فنحن نجده يجتهد بك َّل طاقتِه في‬ ‫من أوص� ٍ‬ ‫تشخيصا دقيقًا يُراعي‬ ‫ً‬ ‫تشخيص المرجعِ ‪/‬الواقعِ‬ ‫للقصة‬ ‫اختالف التفاصيلِ وائتالفَها بما يضمن ّ‬ ‫َ‬ ‫فيه‬ ‫ال إبداع ّيًا له‬ ‫وح َدتَها المعنو ّي َة التي تجعل منها عم ً‬ ‫طرائ ُق مقرو ِئتِه وله قرّاؤُه‪ .‬وهو إ ْذ يفعل ذلك‪ ،‬يعتم ُد‬ ‫الوصف م�ح��دَّ َد ًة تقو ُم في أغلبِها على‬ ‫ِ‬ ‫تقني ًة في‬ ‫محورِ وصف ال��راوي لحظة سردِ ه المغامرةَ؛ وهو‬ ‫قصته «حميد ميتشكو» صديقه‬ ‫ما يتجلّى لنا في ّ‬ ‫التونسيّ الذي التقاه بألمانيا (وهو كائ ٌن غير ورقيٍّ‬ ‫ما يزال ح ّيًا يُ� ْر َز ُق من عائدات رسومه التشكيليّة‬ ‫بميونيخ) حيث نراه يلجأُ فيها إلى عدّة وسائل تُحي ُل‬ ‫عليه في الوقت الذي تصفُ حاَلَه‪ ،‬منها استعمالُه‬ ‫ضمي َر المتكلّم «عرفتُ حميد ميتشكو منذ األسبوع‬ ‫األوّل لحلولي بهذا البلد» ومنها إي ��رادُه أسما ًء‬ ‫الباب‬ ‫ِ‬ ‫�رس‬ ‫معروفة «اع �ت��دتُ أن أش��دَّ ج� َ‬ ‫ٍ‬ ‫ل �ش��وار َع‬ ‫بتلك العمارة الحمراء بشارع آمالين بشفابينغ» أو‬ ‫أسماء مَشارِ بَ مثل «مقهى األنسويفايتا»‪ ،‬ومنها‬ ‫نوع من االرتجاع على زمن إقامته‬ ‫القارئ في ٍ‬ ‫ِ‬ ‫إحالَ ُة‬ ‫بروسيا من خ�لال قوله «‪ ...‬وأح�ف��ظُ الكثي َر من‬ ‫القصائد الروسيّة والعربيّة» وكذلك ذِ كِ رُه لبلده في‬ ‫قوله متحدّثا عن رسالة صديقه «حميد ميتشكو»‪،‬‬ ‫كما أرس��ل أل ّم�ه��ا (أ ِّم مطلّقته) رس��ال��ة ف��ي ثالثة‬ ‫سطور يعلمها ب��أ ّن ال� َف� َر َج قريبٌ ‪ ،‬وأ ّن ألمانيا بلد‬ ‫رائع‪ ،‬والطقس جميلٌ‪ ،‬وأنّه أرسل لها صورتَيْن وهو‬ ‫يعتمر قبّعته االسكتلنديّة الجديدة‪ ،‬ومعطفه األزرق‬ ‫الداكن رغم أ ّن الح ّر ال يُطاق هذا الصيف‪ .‬وكتب‬

‫‪44‬‬

‫اجلوبة ‪ -‬شتاء ‪1431‬هـ‬

‫التي اعتمد الراوي في إيراد المغامرة تقوم على‬ ‫الواصف صوب‬ ‫ِ‬ ‫أوصاف تخرج بالكاتب من موقع‬ ‫ٍ‬ ‫الموصوف‪ ،‬ال بل إنّها تخر ُج به من كينونته‬ ‫ِ‬ ‫موقع‬ ‫كينونة معنويّة يكاد يبلغ فيها مرتبة‬ ‫ٍ‬ ‫البشريّة إلى‬ ‫الصفة‬ ‫الصفة المشبّهة بما تعنيه من استمرار ِّ‬ ‫في الموصوف ودوامِ �ه��ا ب��دوامِ ��ه‪ .‬وم��ن ث� ّم يصبح‬ ‫وصف ًة‬ ‫وصف ًة للفاعلِ ِ‬ ‫الكاتب‪/‬الراوي ِصف ًة للفعلِ ِ‬ ‫ص إلى‬ ‫للمفعولِ ‪ ،‬فيتجاوز الوصفُ مرجعَه المشخّ َ‬ ‫المُطْ لقِ تج ُربَ ًة ومآالً؛ فإذا حميد ميتشكو يصير‬ ‫مغترب‬ ‫ٍ‬ ‫ح��االً عامًا وعالمة دا ّل��ة على ك� ّل عربيٍّ‬ ‫والغموض والالمباالةُ‪ ،‬حيث ينسى‬ ‫ُ‬ ‫يكتنفه النسيان‬ ‫جسدَه ويُهمِ ُل في خض ِّم مظاهر الحياة الغربية‬ ‫ألنفسنا‬ ‫ِ‬ ‫المتسارعةِ االعتنا َء بمظهره‪ ،‬ولعلّنا نج ِّو ُز‬ ‫القو َل إ ّن حكاي َة حميد ميتشكو هي بداية لحكاية‬ ‫الراوي‪ ،‬إذ يبدو لنا أنّه يتبنّاها فيكتبها كما لو كان‬ ‫يحياها؛ فالشخصيتان تتماهيان غرب ًة ووجودًا‪،‬‬ ‫ف�ك��أ ّن ال ��راوي وه��و يذكر أ ّن «حميد ميتشكو ال‬ ‫يموت» يحي ُل القارئَ على أ ّن مسا َر هذه الشخصية‬ ‫لسبب أو‬ ‫ٍ‬ ‫األرض‬ ‫ُ‬ ‫هو مسا ُر ك ّل مواطن تضي ُق به‬ ‫الغرب وتٌلقي به في شوارع‬ ‫ِ‬ ‫آلخ��ر‪ ،‬فتحمل ُه ري��ا ُح‬ ‫م��دن مخمورةٍ بالثلج والكحول ورائ�ح��ة النّساء؛‬ ‫فتموتُ فيه حواسُّ ه وال يموتُ ‪.‬‬ ‫وحتّى يُقنعَنا ال��راوي بهذا ال َّتتْويهِ الوجوديِّ‬ ‫المجّ انيّ ‪ ،‬وبهذه العبثيّة الحياتيّة في بالد الغربة‪،‬‬ ‫وبانعدام التواصل األفقي البنّاء مع اآلخ��ر «بعد‬ ‫اإلعالن الرسمي للنوايا األمريكيّة الطيّبة»‪ ،‬نراه‬ ‫قصة «حميد ميتشكو»‬ ‫ض علينا ف��ي نهايةِ ّ‬ ‫ي�ع��رِ ُ‬ ‫مقطعًا من رواية كان قد كتبها صديقُه حميد جاء‬


‫خاتمة‬ ‫ُص إليه في نهاية هذه القراءة‪ ،‬هو‬ ‫والذي نخل ُ‬ ‫تماهي روّاةُ قصص كمال العيّادي مع واقعِ ها‪ ،‬تماهٍ‬ ‫الصورةَ الخامَّ‪ ،‬فينكبُّ عليها‬ ‫نراه يمت ُح من الواقع ّ‬ ‫ِهاب‬ ‫الكاتبُ يعرِ كُ تفاصيل َها حتى يُخْ رِ جَ ها في إ ِ‬ ‫ْصوصة لها َميِّزاتُها من حيث تخ ّي ُر اللفظةِ في‬ ‫ٍ‬ ‫أُق‬ ‫والتركيب في المقطع‬ ‫ِ‬ ‫التركيب‬ ‫ِ‬ ‫الجملةِ والجملةِ في‬ ‫والمقطعِ في نسيج الحكايةِ ‪ ،‬يفعل ذلك دون تكل ٍُّف‬ ‫* ‬

‫ ‬ ‫(‪ )1‬‬ ‫(‪ )2‬‬ ‫(‪ )3‬‬

‫دراس����ـ����ـ����ـ����ـ����ـ����ـ����ـ����ـ����ـ����ـ����ـ����ـ����ات‬

‫فيه « قلبتُ الصفحة الثانية‪ ،‬عنوان بارز يتوسّ ط‬ ‫أعلى الصفحة و ُدوِّن بحروف كبيرة موزّعة على‬ ‫سطريْن‪ .‬يبدو أ ّن الصفحة الثانية التي بدأتُ‬ ‫بقراءتِها هي في األص��ل الصفح ُة األول��ى‪َ .‬كتَبَ‬ ‫قصة‬ ‫(يعني حميد ميتشكو)‪ :‬مخطوطة لرواية عن ّ‬ ‫حياتي بالتفصيل‪ .‬وتحت العنوان تصدير باللون‬ ‫األحمر يمثّل مقول ًة ألح��د ال ُكتّاب أو الفالسفة‬ ‫المغمورين‪ ،‬ربّما‪ ،‬مدوّنة باللغة الفرنسيّة ودون‬ ‫أخطاء‪ ،‬وتَرْجُ َمتُها تقريبًا (دخلتُ ولم أخرج بعدُ‪،‬‬ ‫فكيف يطالبونني أن أصف لهم ما شاهدتُ ؟)»‪.‬‬ ‫إ ّن هذا الشاه َد األخير يُحي ُل على مشقّة الراوي‬ ‫للقارئ أشياءَه في الغربة‪ ،‬ولكنّه في‬ ‫ِ‬ ‫وهو يصفُ‬ ‫ال‬ ‫الوصف ليس إ ّال فع ً‬ ‫ِ‬ ‫ذات الحين ي َِشي بكون فعل‬ ‫معتاصا على التقعيدِ والتقنينِ ‪ ،‬إ ّن��ه فع ٌل تنصبُّ‬ ‫ً‬ ‫بواسطتِه روح الكاتب على موضوعاتِها انصبابًا‬ ‫نوع من الحميميّة التي تجعل من مرارة‬ ‫ح ّرًا‪ ،‬في ٍ‬ ‫انتظام‬ ‫ٍ‬ ‫دافئ‪،‬‬ ‫انتظام ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫صفات تتوال ُد في‬ ‫ٍ‬ ‫االغتراب‬ ‫مشروط‪ ،‬ولكنّه في األصل‬ ‫ٍ‬ ‫قد يبدو أحيانًا غي َر‬ ‫�اق حكائيٍّ َم��ا ي��و ِّف � ُر على‬ ‫�اض � ٌع إل��ى ه�ك��ذا س�ي� ٍ‬ ‫خ� ِ‬ ‫الجري وراء المعنى‪ ،‬ويمن َح القارئَ‬ ‫ِ‬ ‫الكاتب مشقّةِ‬ ‫ِ‬ ‫الموصوفات؛ أعني معانيها‪.‬‬ ‫ِ‬ ‫ألبابَ‬

‫وال إج �ه� ٍ�اد‪ ،‬ب��ل يفعل ذل��ك بما ل��ه م��ن ق��درة على‬ ‫أحداث تخييليّة ي َِشي ُع‬ ‫ٍ‬ ‫تحويلِ األحداث المعيشةِ إلى‬ ‫فيها المعنى ب ِّينًا من خالل ما توافرت عليه هذه‬ ‫القصص من حَ ب ٍْك سرديٍّ سانَده حَ بْكٌ توصيفيٌّ‬ ‫بلغ لدى الكاتب مح ّل البنيةِ الوصفيّة التي تتحوّط‬ ‫وتكشفُه أحيانًا‬ ‫ِ‬ ‫في ثيابِها المعنى‪ ،‬تُخفيه حينًا‬ ‫المكتوب‪.‬‬ ‫ِ‬ ‫حسب قدرة المتلقّي على تعرية‬ ‫وإذا كنّا ركّزنا اهتمامَنا في هذه اإلطاللة على‬ ‫عالَم كمال العيادي القصصي‪ ،‬من خالل العيّنة التي‬ ‫اشتغلنا عليها‪ ،‬على موضوعة الوصف فإ ّن لذلك‬ ‫مبرّراتِه‪ :‬فقصص هذا الكاتب رغم عدم انوجادها‬ ‫خاص يُبي ُح لنا قراءتَها قراءة تفصيليّة‬ ‫ّ‬ ‫في كتاب‬ ‫علميّة م��ن حيث ال�م�ن��اص��اتُ ‪ ،‬وم��ن حيث جذو ُر‬ ‫ومراجعُها‪ ،‬ومن حيث شخص ّي ُة المثقّف‬ ‫ِ‬ ‫الحكايا‬ ‫فيها‪ ،‬ومن حيث المفارقاتُ السرد ّيةُ؛ وهي كلّها‬ ‫محاو ُر مهمة تُسهّل على القارئ بناء المعنى‪ ،‬أوّل‬ ‫الوصف في العيّنة المدروسة‬ ‫ِ‬ ‫ِّرات قيا ُم‬ ‫هذه المبر ِ‬ ‫بنية لها مالمحُ ها ولها فواتِحُ ها وخوا ِتمُها قلّما‬ ‫على ٍ‬ ‫ال لها في القصص القصيرة عامّة على‬ ‫نجد مثي ً‬ ‫القصة تنبني على‬ ‫ّ‬ ‫عكس الرواية على أساس أ ّن‬ ‫التكثيف واالخ�ت��زال بما يح ُّد من حركة األلفاظ‬ ‫الوصف‬ ‫َ‬ ‫َات أ ّن‬ ‫النص‪ ،‬وثاني المب ِّرر ِ‬ ‫ِّ‬ ‫داخل نسيج‬ ‫ال ٌق لمعاني األشياء في‬ ‫في هذه القصص وصفٌ خ ّ‬ ‫حركيتِها‪ ،‬إ ْذ ال يكتفي بتصوير المالمح تصويرًا‬ ‫ال بل يتجاوزها إلى دواخل الموصوفات يحف ُر‬ ‫مُترهِّ ً‬ ‫قصة من‬ ‫في أعماقها عن خفاياها‪ ،‬مَا يجعل لك ّل ّ‬ ‫قصص الكاتب مستويَيْن‪ :‬مستوىً سطح ّيًا تتراشح‬ ‫فيه األل �ف��اظُ بمعانيها األُوَلِ ‪ ،‬وم�س�ت�وًى عميقًا‬ ‫الكاتب الحياتيّة‬ ‫ِ‬ ‫ينبُتُ فيه المعنى ويغتني بتجربة‬ ‫ويتعسل ُج عاليًا في التخييلِ ‪.‬‬

‫كاتب وناقد أدبي من تونس‪.‬‬ ‫المجموعة من القصص بعث بها إلينا كمال العيادي عبر بريدنا األلكترونيّ ‪.‬‬ ‫(من مقاله ‪ Logique de la description‬ص ‪.)367‬‬ ‫(ج‪ .‬ميشال آدام‪ Les textes types et prototypes :‬ص ‪.)28‬‬ ‫(‪ Dictionnaire de poétique‬ص ‪.)286‬‬

‫اجلوبة ‪ -‬شتاء ‪1431‬هـ ‪45‬‬


‫نصوص قصيرة‬ ‫> إبراهيم احلميد*‬

‫استيقظت فجأة على نشيجها‪ ،‬من‬ ‫حنين‬ ‫لم تكن هذه الشوارع بكماء‪ ..‬من ح�ل��م ال �ب��ارح��ة‪ ،‬ب�ع��د أن أن �ه��ت للتو‬ ‫رغيفها الثالث على صاجها األزلي‪.‬‬ ‫بعيد تطل ذوائ ��ب أش�ج��ار النخيل‪،‬‬

‫ع�ل��ى ال�ع�ل�ي��ات وال �م �ص��اط��ب‪ .‬وكان مكابرة‬

‫اإليوان الوحيد الذي يكسر الصمت‬ ‫ظ� �ل� �ل ��ت أك� � ��اب� � ��ر‪ ،‬واه� � � � ��رب من‬ ‫في تلك األماكن‪ ...‬إيوانها!‬ ‫خ��اف �ق��ي‪ ،‬ب��ال �م �س��اف��ات القصيرة‪،‬‬ ‫من مقعدها المسمر في الصمت‪ ،‬وال �م �س��اح��ة ال�ض�ي�ق��ة‪ ،‬رغ ��م تزاحم‬ ‫ك��ان��ت تطلق أه��ازي�ج�ه��ا‪ ،‬وأغانيها‪ ،‬األفكار‪ ،‬بكل أنحاء جسدي‪ ،‬كجنود‬ ‫مدججين بالسالح‪ ،‬ينتظرون شارة‬ ‫مبللة بالحنين‪ ،‬والشوق‪ ،‬والقهر‪.‬‬ ‫االنقضاض‪.‬‬ ‫ل��م تكن تسلي نفسها‪ ،‬ب��ل كانت‬ ‫تارة أشعر بلغو المكان‪ ،‬وهرطقة‬ ‫تحاول أن تصل إلى المدى البعيد‪،‬‬ ‫ال �ض��وء‪ ،‬وب�ع��د ال��واق��ع‪ ،‬وت ��ارة اشعر‬ ‫إلى رام الله والقدس والخليل‪ ،‬بعد‬ ‫بالقرب والتجلي‪ ،‬وتلمس األشياء‬ ‫أن قام العدو باحتاللها‪.‬‬ ‫ق��ري �ب��ة م �ن��ي إل ��ى ال ��درج ��ة ال �ت��ي ال‬ ‫كانت تغني «وين ع رام الله» عندما يمكنني إال أن أصدقها!‬ ‫‪46‬‬

‫اجلوبة ‪ -‬شتاء ‪1431‬هـ‬


‫ق���������ص���������ص ق������ص������ي������رة‬

‫ربما تأتي‪ ،‬ولعلها كانت في الواقع‬ ‫حاضرة‪ ،‬لم ال وقد كانت تغني دوما‬ ‫في ليالي السمر‪« ،‬راجعين يا هوا‬ ‫راجعين» و«ش��ط اسكندرية» وكنت‬ ‫أصغي لها‪ ،‬أتنفس دقاتها التي تنبض‬ ‫بها‪ ،‬قبل أن يصلني صوتها‪ ،‬من بعيد‪:‬‬ ‫لن أطفو فوق الجزر المتعبة‪ ،‬أرنو إلى‬ ‫صحوتي كي تستنهضني‪ ،‬فأنا بعيدة‬ ‫على الحد الذي يكفي للنسيان!‪.‬‬

‫عناق‬

‫بعد حادث التصادم!‬

‫لم يمض على تشغيل القطارين‬ ‫ال �س��ري �ع �ي��ن‪ ...‬س ��وى ب�ض�ع��ة أي ��ام‪،‬‬ ‫وم��ع ه��ذا فقد اص�ط��دم��ا عند أول‬ ‫لقاء لهما‪ ،‬كان القطار األول قادما‬ ‫م��ن ال �ج �ن��وب‪ ،‬وك� ��ان اآلخ� ��ر قادما‬ ‫من الشرق‪ ،‬وقد حدث العناق رغم‬ ‫ال�م�ص��اب�ي��ح ال�م�ع�ل�ق��ة ع �ل��ى جوانب‬ ‫لقد صنعت ي��د م��ا ه��ذا القطار‬ ‫ال� �ط ��ري ��ق‪ ،‬وأص� � ��وات الصفارات‪،‬‬ ‫لكي يصل المحطة ويغادر‪ ،‬لكنه هذه‬ ‫وأج �ه��زة ‪ IBM‬ال �ت��ي خصصت لها‬ ‫المرة‪ ،‬لن يفعل‪ ،‬ألنه وقع في شَ ر َِك‬ ‫المحطة أكبر صاالتها‪ ،‬ورغم العيون‬ ‫الحب!‪.‬‬ ‫السحرية التي بقيت تومض‪ ،‬حتى‬ ‫ع�ل��ى ج��ان��ب ال �ط��ري��ق‪ ،‬ك��ان رعاة‬ ‫يلهون بعيدا ع��ن أغنامهم‪ ،‬وجمال‬ ‫باركة‪ ،‬ضلت من أصحابها‪ ،‬وكانت‬ ‫الحصباء المتكلسة من بقايا العصر‬ ‫الديفوني‪ ،‬أفضل وسيلة الفتراش‬ ‫المكان‪.‬‬

‫* كاتب من السعودية‪.‬‬

‫اجلوبة ‪ -‬شتاء ‪1431‬هـ ‪47‬‬


‫منل الكلمات‬ ‫أسمَعها‪ ،‬أسمعها تركض كسلسلة من‬ ‫النمل األس��ود ال �ق��وي‪ ،‬كمخلوقات هائلة‬ ‫لديها القدرة على المثابرة‪.‬‬

‫> ضيف فهد*‬

‫التي أمامي‪.‬‬

‫أك��اد أمسك بها أث�ن��اء األك��ل والتجول‬ ‫وشرب الشاي‪ ،‬أثناء السهر مع األصدقاء‪،‬‬ ‫ت�ت�س�ل��ق أرج� ��ل ال �س��ري��ر‪ ،‬وت�ن�ت�ث��ر على وع �ن��د ال �ع��ودة ف��ي آخ��ر ال�ل�ي��ل‪ .‬أرصدها‬ ‫دائما‪ ،‬وه��ي تطير وت��زن وبشكل غامض‪:‬‬ ‫اللحاف‪ ،‬وتجول باحثة عن أذني‪..‬‬ ‫ال تطلقهم اآلن‪ ،‬يجب أن تنتظرني‪ .‬سوف‬ ‫وم��ع أن��ي حاولت فعل كل ش��يء ألدلها‬ ‫أجد طريقي‪.‬‬ ‫على الطريق‪ ،‬إال أنها تتوه في النهاية‪..‬‬ ‫يجب أن تتحلى بحكمة وصبر األنبياء‬ ‫أف��رزتُ رائحة ده��ن نافذة من أذني‪..‬‬ ‫أثناء انتظارهم الوحي‪.‬‬ ‫إلغ��وائ �ه��ا‪ ،‬لكنها ب�م�ج��رد أن ت�ق�ت��رب من‬ ‫وأنا أنتظرها مثلما تطلّب مني‪..‬‬ ‫رأس��ي‪ ،‬تفقد حاسة الشم‪ ،‬أو مهما يكن‪،‬‬ ‫وتضل طريقها‪.‬‬ ‫وأقوم بأكثر من ذلك‪..‬‬ ‫استلقيتُ بطريقة م�ش��وه��ة‪ ،‬اتخذتُ‬ ‫أحتجزهم في رأسي‪ ،‬أتركهم يتحدثون‪،‬‬ ‫وضعية تجعل من أذن��ي حفرة كبيرة في يصفون بعضهم‪ ،‬يبحثون عن فرص‪ ،‬يُقيمون‬ ‫األس �ف��ل‪ ..‬للحد ال��ذي ل��و تَ� َع �ثَ��رتْ ‪ ،‬سوف األغ ��ان ��ي‪ ،‬وأخ��ب��ار ال�ص�ح��ف والروايات‬ ‫الجديدة‪ ..‬أتركهم ينشغلون بأي شيء إال‬ ‫تتدحرج مباشرة وتسقط هناك‪..‬‬ ‫ولكن‪ ..‬لم يتعثر نمل الكلمات األسود بفكرة الخروج‪ ،‬عندما يحدث هذا يجب‬ ‫أن يتم بصورة تليق بهم‪ ..‬كزعماء مافيا‬ ‫القوي وسقط‪ ..‬ولو لمرة واحدة‪.‬‬ ‫أقوياء‪ ،‬أو كرسل‪..‬‬ ‫وعندما ال تجيء على هذا النحو‪:‬‬ ‫وحتى يجيء ذلك الوقت‪ ،‬الوقت الذي‬ ‫أشعر بها وه��ي تطير ع��اب��رة الشقوق‬ ‫يستدل فيه نمل الكلمات إلى رائحة الدهن‬ ‫الضيقة للنافذة‪.‬‬ ‫في أذني‪ ،‬الوقت الذي أتقن فيه صنع فخ‬ ‫أسمع حركتها بالقرب مني‪ ،‬توقظني من للكلمات الجيدة‪ ،‬سوف أ ُبقي‪ -‬بشكل غير‬ ‫النوم لشدة رغبتها في المجيء‪ ،‬ترافقني قانوني ‪ -‬كل هؤالء الرجال الذين يصنعون‬ ‫إلى العمل‪ ،‬وترتسم على مؤخرة العربات القصص داخل رأسي‪.‬‬

‫* قاص من السعودية‪.‬‬

‫‪48‬‬

‫اجلوبة ‪ -‬شتاء ‪1431‬هـ‬


‫الوهم‬ ‫أحاول دائما عدم الوقوع في فخ الوهم والتوهم‬ ‫واإليهام والهيام وكل مشتقات و‪ /‬ه‪/‬م‪..‬‬ ‫حدث أن‪ ‬قلت في نفسي‪ ، ‬ألجرب األمر مرة‬ ‫واحدة على أن ما سأتوهمه يكون على قدر من‬ ‫العقالنية متوفرا على ش��يء من المنطق ؛ فلن‬ ‫أتوهم مثال أني رئيس دولة عربية‪ ،‬فال أتقن فن‬ ‫السياسة‪ ،‬ناهيك أنه لن يكون هناك منصب شاغر‬ ‫قبل قرنين من اآلن‪ .‬لن أتوهم أن��ي ث��ري‪ ،‬فمن‬ ‫طبعي‪ ‬أن ال أترك مليما واحدا يبيت في جيبي‬ ‫أو في حسابي‪ .‬لن اتوهم أيضا أني معبود‪ ‬النساء‪،‬‬ ‫فال أجيد فن التغزل بهن‪ .‬لن أتوهم‪ ‬أني إنسان‬ ‫مشهور‪ ،‬ألني ببساطة ال امتلك أية موهبة لذلك‪.‬‬ ‫لن أتوهم أني‪ ‬شقي‪ ،‬فال أعرف كيف ألعب دور‬ ‫الضحية‪ ..‬سأكتفي إذا بتوهم أني أنا فالن بن‬ ‫فالن موجود هنا فعال‪ .‬عندها تقدم مني عون‬ ‫أم��ن وط�ل��ب بطاقة هويتي‪ ،‬فتشت جيوبي فلم‬ ‫أعثر على أي��ة ورق��ة ثبوتية‪ ،‬فما ك��ان من العون‬ ‫إال أن‪ ‬ساقني ألق��رب مخفر‪ .‬وفي الطريق قلت‬ ‫في نفسي‪ :‬طالما أني حقيقة‪ِ ..‬ل َم ال أطلق ساقي‬ ‫للريح؟؟‬ ‫وهو ما تم فعال‪...‬‬

‫إني المتأخر دائما‬

‫> عبدالوهاب امللوح*‬

‫آخر الليل‪ .‬يسبقني الصباح إلى موعد مؤجل في‬ ‫القصيدة‪ .‬بائع الصحف اليومية وهو يروج لحرب‬ ‫لن تندلع‪ ..‬ك��ان قد سبقني هو أيضا‪..‬يسبقني‬ ‫ظلي إلى حيث ينتصب عموديا‪ .‬تسبقني سلحفاة‬ ‫ابني الصغيرة‪ِ .‬يسبقني األطفال إل��ى نهر عند‬ ‫أعلى الفرح فاض من حلمي‪ِ .‬إني المتأخر دائما‬ ‫وهو أمر ال يزعجني‪ ،‬لن يسبقني أحد إلى امرأة‬ ‫تهبني الصباح كل لحظة متجددا‪.‬‬

‫ق���������ص���������ص ق������ص������ي������رة‬

‫نصوص‬

‫الطفل والسلحفاة‬ ‫أشجار الحديقة وهي تُثمر في عينيك من حلم‬ ‫البارحةِ ‪ ..‬لن تفسِّ ر حزن الصباح في صوتك‪.‬‬ ‫كان الصباح فعال حزينا بل نحيل الخطو‪.‬‬ ‫الستائر وقد أزاحتها ي ٌد ما عجلى‪ ،‬أخطأت‬ ‫أن تفسح الطريق لضوء من المفترض أن يهبط‬ ‫بأجنحة طائر مخطوف من ألف ليلة وليلة‪.‬‬ ‫رغم ذلك‪..‬‬ ‫لم يكن الباب مرتبكا‪..‬‬ ‫لم تكن درفات النافذة نائمة‪..‬‬ ‫والغيمة التي تركتها البارحة قرب البهو‪..‬هي‬ ‫اآلن تنتظرك عند حافَّة يقظتك لتهطل‪..‬‬ ‫ما الذي جعل الصباح يجيء حزينا؟‬

‫ه �ك��ذا أن �ه��ار ف��رح��ك ال �ق �ل �ي��ل‪ ..‬ل � ّم��ا وجدت‬ ‫يسبقني التالميذ إل��ى ضحكة منسية خلف‬ ‫الباب‪ِ..‬يسبقني عامل التنظيف البلدي المسن سلحفاتك قوقعة بال حلم‪ ،‬وتضامنت مع الحزن‬ ‫إلى شارع غسل سترته في أحواض دموع سكارى ليجيء الصباح على غير عادته‪.‬‬ ‫* كاتب وشاعر من تونس‪.‬‬

‫اجلوبة ‪ -‬شتاء ‪1431‬هـ ‪49‬‬


‫قصص قصيرة‬ ‫> طاهر الزارعي*‬

‫تباهي‬ ‫نظر إلى الماء‪ ،‬خاطب نفسه‪:‬‬ ‫ال‪ ..‬ال‪ ..‬هذا ليس وجهي الوسيم الذي‬ ‫أتباهى به!‬ ‫رج ��ع إل ��ى ال�م�ن�ب��ع‪ .‬ب�ص��ق ف �ي��ه‪ ،‬ورمى‬ ‫مخاط أنفه‪.‬‬

‫شاهد عراة وتائهين وجياعا‪..‬‬ ‫عبر بخطواته الالهثة إلى مساحة أكثر‬ ‫زحاما‪،‬‬ ‫لكنه انتصب مكانه مثل تمثال‪،‬‬ ‫ف�ط��رق��ات�ه��ا ك��ان��ت م��س��دودة بقمامات‬ ‫متراصة‪.‬‬

‫ط ��ال ��ع وج� �ه ��ه م � ��رة أخ�� � ��رى‪ ،‬وص� ��رخ قوت‬

‫بأعلى صوته‪ :‬نعم‪ .،‬نعم ه��ذا هو وجهي‬ ‫الحقيقي‪.‬‬

‫سائح‬

‫ت �ق��رأ ف��ي م�ق�ه��اه��ا ال�م�ع�ت��اد جريدتها‬ ‫اليومية «يديعوت أحرنوت»‬ ‫ترتسم على شفتيها ابتسامة كبيرة‪.‬‬

‫ت�ج��ول ف��ي بقعة م��ا‪ ،‬م��ن دول ��ة عربية‬ ‫في الصفحة األخيرة كانت تقتات أخبارا‬ ‫أخرى‪.‬‬ ‫عربية‪ ،‬وتمضغ جريدتها بشكل مخيف‪.‬‬

‫* قاص من السعودية‪.‬‬

‫‪50‬‬

‫اجلوبة ‪ -‬شتاء ‪1431‬هـ‬


‫> ناصر احلسن*‬

‫قفل صدئ‬

‫شرنقة‬

‫أفلتت ك� ّل المفاتيح التي في حلقتها بزهو‬ ‫مفرط‪ ،‬حتى إذا صدأ قفلها لجأت إلى المفاتيح‬ ‫بترج‪.‬‬ ‫المستوردة ٍ‬

‫مزقت الشرنقة‬ ‫التي وضعتها أمها‬ ‫عليها كمهاد دافئ‪،‬‬ ‫بعد أن جذبها النور‬ ‫ال �ب �ع �ي��د المنبثق‬ ‫م��ن خلف العتمة‪.‬‬ ‫ط��ار قلبها يشق الفضاء نحوه‪ .‬دن��ت منه على‬ ‫عجل‪ ،‬تشحذ مساحات من اللهفة‪ .‬أخذ يتالشى‬ ‫ويتالشى حتى تالشت معه‪.‬‬

‫ه ـ ــروب‬ ‫الهروب منه ك ّل يوم‪ .‬حاول‬ ‫ِ‬ ‫تتسارع خطاه فيْ‬ ‫الطرقات واألزقة‪ ،‬كان يغلق باب‬ ‫ِ‬ ‫أن يتحاشاه في‬ ‫الدار بإحكام‪ ،‬خوفاً منه‪ .‬والنوافذ يسد ثقوبها‬ ‫كي ال يدخل منها‪ .‬خرج ذات صباح فرآه أمامه‬ ‫يحدق فيه‪ ،‬عانقه وفر معه لألبد‪.‬‬

‫عارية‬

‫ق���������ص���������ص ق������ص������ي������رة‬

‫قصص قصيرة جدا‬

‫صهيل الحرية‬

‫اشرأبت إليه األعناق وهو يزعق في حقل من‬ ‫خ��رج��تْ إل��ى ال �ش��ارعِ ع��اري� ًة ِل�ي��روا جَ مالها‪ .‬المعرفة‪ .‬أخذ صوته ي��دوي ملعلعا‪ .‬توقف عن‬ ‫ٍ‬ ‫بلحاف‬ ‫ٍ‬ ‫استنكروا فِ علها المُشين‪ .‬غَ طوها‬ ‫رهيف الزعيق بعد أن تخشبت حنجرته‪ .‬عرض المايك‬ ‫وقالوا‪:‬‬ ‫على الجمهور‪ .‬لم يشاركه أحد البوح بما خالج‬ ‫صدورهم‪ .‬خرج منتشيا وأياديهم ظلت معلّقة‪.‬‬ ‫(إنّا وجدنا آباءنا)‬

‫عَ ��ادوا إل��ى منازلهِ م‪ ،‬ت�ج��ردوا م� ْن ك� ّل شيءٍ ‪ ،‬بريق باهت‬

‫أطفأوا األنوار ولعنوا آباءَهم‪.‬‬

‫زائرة الليل‬

‫لمعت نجمة في األفق‪ ،‬فحام حولها الذباب‬ ‫بطنين‪.‬‬

‫تالقفتها األيدي الموبوءة كتالقف الكرة‪ .‬بهت‬ ‫حين يرخي الليل سدوله‪ ،‬تزورني على حين‬ ‫غ ��رة‪ .‬تلتحف م�ع��ي ف��ي ف ��راش واح ��د محاولة لونها‪.‬‬ ‫خطب ودي‪ ...‬عبثاً أح ��اول ط��رده��ا‪ ،‬أدي��ر لها‬ ‫انبلج الصباح‪ ،‬ضلّت طريق العودة‪.‬‬ ‫ظهري وأنام‪..‬‬ ‫ينبثق نور الصباح‪ ،‬أهم باحتضانها‪ ..‬أجدها‬ ‫قد تالشت‪.‬‬

‫بائن‬

‫أطلق عليها أعيرته الطائشة بدم بارد‪ ،‬فأطلقت‬ ‫عليه زغاريدها المنتظمة بحرقة فائرة‪.‬‬

‫* قاص من السعودية‪.‬‬

‫اجلوبة ‪ -‬شتاء ‪1431‬هـ ‪51‬‬


‫مغلق بإحكام‬ ‫العمري*‬ ‫> ناصر بن محمد ُ‬

‫يقف خلف ب��اب مغلق ب��إح��ك��ام‪ ،‬أوه��م��وه بأنهم‬ ‫أض��اع��وا مفتاحه‪ ..‬برجولة زائ���دة ي��ح��اول فتحه‪..‬‬ ‫يسأله جاره الذي يراقب ما يجري عن بعد‪ :‬لماذا‬ ‫تحاول فتحه؟‬ ‫يجيبه بحنق‪ :‬أبحث عن شيء ما‪ ،‬لن أخبركم ما‬ ‫هو‪ ،‬ألنه يعنيني وحدي‪ ،‬لعله تحلو به الحياة‪.‬‬ ‫يحمل بين يديه معوال قديما مهترئا‪ ،‬الكل يراقبني‪ ،‬تدهشهم أسمالي‪ ،‬تغرقهم‬ ‫يحاول به فك الباب المغلق‪ ،‬حاول به حتى الضحكات من حالي‪ ..‬يثرثرون‪:‬‬ ‫خ��ارت ق ��واه‪ .‬يجلس على األرض‪ ،‬يسند‬

‫((أداته ال تصلح لهذه المهمة))؛‬

‫ظهره إلى الباب المغلق‪ ،‬يغرق في نوبة من‬

‫((النقطة التي اختارها لكي تكون مكانا‬

‫جنون‪ ،‬يحدث نفسه بصوت مسموع‪:‬‬ ‫أوش� ��ك أن أغ �ت �ن��م ال��ف��رص��ة‪ ..‬ألبكي‬ ‫وأول ��ول كما ل��م أفعلها م��ن قبل‪ ،‬أعلم أن‬

‫‪52‬‬

‫اجلوبة ‪ -‬شتاء ‪1431‬هـ‬

‫للثقب خاطئة))؛‬ ‫((الوضع الذي يتخذه خاطئاً))؛‬ ‫لو أنه يرتدي حذا ًء لكان أجمل‪..‬‬


‫لو أن أظافره أطول‪ ..‬لو لو لو لو‬

‫مجدداً يحدث نفسه‪:‬‬

‫ع �ل��ى ال ��رغ ��م م ��ن ك��ون��ي م �ت �ي �ق �ن �اً م ��ن أنهم‬

‫سأعترف‪(( :‬لم أعد أقوى على النهوض))‪..‬‬

‫سينصرفون بعد أن تنتهي طقوس شهواتهم‪..‬‬ ‫شهوة النظر‪..‬‬ ‫شهوة الكالم‪..‬‬

‫لكن هذا ليس كافيا‪.‬‬ ‫سأواصل ثقب هذا الباب‪ ،‬حتى أنفذ منه إلى‬ ‫الداخل‪ ،‬أو أموت دونه‪.‬‬

‫شهوة اإلنتقاد‪ ..‬وشهوة اإلنقياد‪..‬‬

‫((يقطع وحدته وانهماكه نداء من الخارج))‪..‬‬

‫إال أنني أكاد أموت حنقاً؛ فهذا الباب الحقير‬

‫هلاّ غيرت أداتك؟‬

‫محكم بإغالق‪ ،‬وق��واي خ��ارت‪ ..‬وه��م يمارسون‬ ‫الغباء‪.‬‬ ‫عندما أتذكر ما بداخلي من اليقين بأنهم بعد‬ ‫قضاء ((نزواتهم))‪ ..‬سيرحلون‪.‬‬ ‫تتسلل إلى داخلي نفحة من رضا‪،‬‬ ‫لكن‪ ،‬وآه من لكن هذه‪..‬‬ ‫سيأتي آخرون‪..‬‬ ‫لكن يجب عليَّ أن أتقبل األمر‪..‬‬ ‫ل��ن أس �ت �غ��رب‪ ..‬إذا م��ا اق �ت��رب بعضهم مني‬ ‫أكثر‪.‬‬ ‫يشاهدون ما يحدث‪ ..‬ال يهمهم ما يحدث‪..‬‬ ‫ينتقدون ما يحدث‪ ..‬يهزأون بما يحدث‪..‬‬ ‫هكذا هم البشر دوماً‪..‬‬ ‫يتكرر نهوضه‪..‬‬ ‫تتساقط هامته‪..‬‬

‫ق���������ص���������ص ق������ص������ي������رة‬

‫لو أن على رأسه كابا لكان أقوى‪..‬‬

‫يتكرر النهوض‪..‬‬

‫هلاّ حاولت بطريقة أخرى؟‬ ‫ال تكرر مأساتهم‪..‬‬ ‫يتساءل من هم؟!‬ ‫يجيبه ((ط�ي��ف ع��اب��ر)) يمر م��ن ف��وق رأسه‬ ‫المنكس‪:‬‬ ‫إنهم أساتذة السقوط المتكرر‪.‬‬ ‫قال حكيم‪:‬‬ ‫((نظر شعاع من أعلى‪ ،‬فهم بالسقوط على‬ ‫ذات النقطة التي ك��ان باألمس يهتك عذريتها‬ ‫وينتهك فضاءاتها‪ ،‬فتراجع عن ذلك‪ ..‬ألنه كان قد‬ ‫أحدث من الدمار ما يكفي‪ ..‬في لحظة سقوطه‬ ‫األولى!! فوفر طاقته لسقوط مختلف))‪.‬‬ ‫يتملكه اليأس‪ ،‬يغادر بعيداً عن ذل��ك الباب‬ ‫الموصد‪،‬‬ ‫مخلّفاً آثار حزن تمأل المكان‪.‬‬

‫* قاص من السعودية‪.‬‬

‫اجلوبة ‪ -‬شتاء ‪1431‬هـ ‪53‬‬


‫نصوص قصصية‬ ‫> مرمي احلسن*‬

‫زوبعة‬

‫تنغرس خطواتها في صحراء جافة‪..‬‬ ‫تتردد أصوات تليدة‪..‬‬ ‫تتمعن أصداءها في التشظي‪..‬‬ ‫تستحضر ما غبر من ذكريات‪..‬‬ ‫تجتذبها الذكرى‪ ،‬كزوبعة حلزونية‪..‬‬ ‫ت�غ�ي��ب ع��ن وع �ي �ه��ا م � � ��داداً‪ ..‬ت��وص��د أبوابها‬ ‫لألبد‪..‬‬ ‫فتتردد صرخاتها في زنزانة الحرمان‪..‬‬

‫غفلة‬

‫تتنفس طفولتنا هواء فاسداً‪..‬‬ ‫ثمة جراثيم تعبث به‪..‬‬ ‫تتحين الغفلة لتنفث دمها الفاسد فيه‪..‬‬ ‫تتخلل أوبئتهم أجسادنا‪..‬‬ ‫تولج أدمغتنا بين فوهات الجدران‪..‬‬ ‫وتعشش فيها بيوت العناكب‪..‬‬ ‫تسقط عقولنا في غيبوبة‪..‬‬ ‫فتتحرر طفولتهم‪..‬‬

‫نور‬

‫تسقط السماء نجمة ساطعة‪..‬‬ ‫تحوي نورين‪..‬‬ ‫أحدهما يغطى ببهجته دنيانا‪..‬‬ ‫وآخر يدفن تحت التراب‪..‬‬ ‫* قاصة من السعودية‪.‬‬

‫‪54‬‬

‫اجلوبة ‪ -‬شتاء ‪1431‬هـ‬

‫يستخرجه الغرباء وهو لنا‪..‬‬ ‫نتعلمه منهم‪ ،‬ونحن نحفظه عن ظهر قلب‪..‬‬ ‫ي �ش �ت �ه��رون ب��اك �ت �ش��اف خ �ب��اي��اه‪ ،‬وه ��و طبيعة‬ ‫خلقنا‪..‬‬ ‫يدمرون النور‪..‬‬ ‫فيتمثل لهم على أرض الواقع‪..‬‬

‫سر الرجولة‬

‫ت �ت �ف �ج��ر رج ��ول� �ت ��ه ف���ي وم� �ض ��ة ف��ك��ر تحمي‬ ‫المظلومين‪..‬‬ ‫عند مفترق طرق‪ ،‬يقرر طريقه بين حب النفس‬ ‫واآلخرين‪..‬‬ ‫الركون إلى اللذائذ أو رفض الظلم‪..‬‬ ‫األولى يجد نفسه في متاهات الحياة‪..‬‬ ‫واألخ � ��رى ت��دع��وه إل ��ى اإلع � ��دام رج �م �اً حتى‬ ‫الموت‪..‬‬

‫هواجس‬

‫يتعجلون القرار‪ ..‬ال يعلمون‪..‬‬ ‫من أي جهل يخلقون‪..‬‬ ‫هي كوكب دري‪ ..‬يدور في درب التبانة‪..‬‬ ‫يبحث عن موقعة‪ ..‬ال يصل‪..‬‬ ‫يدور حول نفسه ثمالً‪..‬‬ ‫فال يرى سوى ظله‪..‬‬


‫عشق الشتاء‬ ‫اعشق الشتاء بسببك‪..‬‬

‫> بشاير فارس*‬

‫ومرت األعوام‪ ..‬ومن ذاك اليوم في كل‬ ‫صباح افتح نافذتي بانتظار تلك األوهام!‬

‫ق���������ص���������ص ق������ص������ي������رة‬

‫نصوص قصصية‬

‫أص� � ��اب ب���ال���زك���ام ف �ت �خ �ت �ف��ي رائحة قادمون‪..‬‬

‫عطرك‪..‬‬

‫دفء الشمس يلفني‪..‬‬ ‫فأدرك مدى برودة دفئك‪..‬‬ ‫أتأمل الطيور وهي تهجر األعشاش‪..‬‬ ‫فأتعلم منها هجر وطنك‪..‬‬

‫نافذة أمل‪..‬‬ ‫فتحت ع�ي�ن��ي‪ ..‬تلفتُّ ح��ول��ي‪ ..‬ليست‬ ‫هنا‪..‬‬ ‫بحثت عنها ف��وج��دت�ه��ا أم ��ام الموقد‪،‬‬ ‫فتحت لي ذراعيها‪ ،‬عانقتني رائحة العجين‬ ‫بيديها‪..‬‬ ‫حدثيني صغيرتي‪ :‬ما بالك؟‬ ‫أماه‪ ..‬لماذا هناك أحالم مزعجة؟!‬ ‫لك األيام‪،‬‬ ‫ال تيأسي‪ ..‬سيأتي يوم تبتسم ِ‬ ‫وتتلون أحالمك بالسعادة‪..‬‬ ‫ومن أين تدخل األحالم؟‬ ‫عليك م��ن ال�س�م��اء‪ ،‬وتخترق‬ ‫ِ‬ ‫ستمطر‬ ‫النوافذ والوجدان‪..‬‬

‫أن�ح��ن ال�س�ف��اح��ون‪ ..‬أن�ح��ن القاتلون‪..‬‬ ‫المتعطشون للدماء!‬ ‫ت ��دع ��ون أن� �ن ��ا ه �م �ج �ي��ون ن �ت �خ �ل��ى عن‬ ‫األخالق‪..‬‬ ‫ل �ي �ت �ن��ا ك �م��ا وص �ف �ت �م��ون��ا ي ��ا أصحاب‬ ‫اإلرهاب‪..‬‬ ‫على يديكم رأينا ماال عين رأت‪..‬‬ ‫رأينا اإلرهاب بحقيقته المرة‪..‬‬ ‫علمتمونا كيف ترمل ال�ن�س��اء‪ ..‬وكيف‬ ‫يشرد األطفال‪..‬‬ ‫ع ��ال ��م ت��رس��م��ون��ه ب ��ال ��دم ��اء ي� ��ا رمز‬ ‫السالم‪..‬‬ ‫ألم تتشبعوا من رائحة الدماء؟!‬ ‫ال تتعجلوا حتفكم!! فالعرب قادمون‪..‬‬ ‫قادمون‪..‬‬ ‫فخيول خالد ستثير الغبار‪ ،‬وسيف عمر‬ ‫سيعيد مجد األخيار‪..‬‬ ‫وإن ط� ��ال االن� �ت� �ظ ��ار س �ي �ع��ود تاريخ‬ ‫األبطال‪..‬‬

‫* الجوف ‪ -‬سكاكا‪.‬‬

‫اجلوبة ‪ -‬شتاء ‪1431‬هـ ‪55‬‬


‫ثالث قصص قصيرة‬ ‫> صالح احلسيني*‬

‫طمع‬ ‫شرِ بَ الما َء حتىّ خر َج من أظفاره!‬ ‫يعلم أنه ليس له وحده‪ ..‬لكن‪..‬؟!‬ ‫كا َن بي َن طرف اإلناء وشفتيه شيء ما؟‬

‫رحيل‬ ‫بعد أن تجاوز السبعين‪..‬‬ ‫قال وقد شقّه عناء الراحلين‪ ،..‬وتوسد‬

‫متعبُ هوَ‪.‬؟!‬

‫ذراع ألطف الصغار المحبوبين‪ ،..‬إذا كان‬

‫ترجّ ل حتى وصل الباب المفتوح قليالً؛‬

‫من رحل جزءاً من طينة أرض الحُ ب؛ فإني‬

‫نهار في أوله‪.‬‬ ‫مث ُل ٍ‬ ‫مس ُه بيده‪،‬‬

‫‪56‬‬

‫كفاه مئونة النداء‪..‬‬

‫نجم بدأ في األفول‪ ..‬سأستخلي بالذكرى‪..‬‬ ‫فهي بال شك‪ ..‬أنيسي الملول‪..‬‬

‫دفع ُه كما فعلتْ بهِ مئات األيادي قبله‪.‬‬

‫ذهب من كان في مثل سنه‪..‬‬

‫للباب صرير‬ ‫ِ‬ ‫كان‬

‫أمّا دمع ُه فال يزال مهراقا‪..‬‬

‫يشبه األنين‬

‫‪.....‬‬

‫اجلوبة ‪ -‬شتاء ‪1431‬هـ‬


‫الُقدامى‪،‬‬ ‫وأنشد والشهيق يلعثم لسانه‪ ،‬وتيبس‬ ‫ال�ه��واء في حلقومه‪ ،‬ثم اغ��رورق��ت عيناه‪،‬‬ ‫ب��أح��ر ال��دم��وع‪ ،‬وأذن���ت م��دام�ع��ه بالذبول‬

‫اسمها؟‬

‫ق���������ص���������ص ق������ص������ي������رة‬

‫م�ل�ك�ت� ُه ال��ح��ي��رة‪ ..‬ف�ت�ن�ف��س م��ن تنفس‬

‫بعد صمت المتحدّث ‪ -‬رددت الحيطان‬

‫مسّ ه االسم المتضخم بفعل الصدى‬ ‫كصوت من لهب لسع قلبه‪!..‬‬ ‫ٍ‬ ‫فكان‬ ‫�س على إث��ره أن الشعرات النائمة‬ ‫أح� ّ‬

‫ال �م �س �م��وع؛ ف �ك��رِ ه أن ي�س�ت��وك�ف�ه��ا‪ ،‬فقطع على ساعدي يديه تشوكت‪!..‬‬ ‫إنشاده المُستحلى‪،‬‬ ‫افترشت صورتها كل نفسه‪..‬‬ ‫وأوجز في الوداع وولى!‬ ‫تماسك في داخله‪ ...‬جمع أغراضه‪..‬‬ ‫بعد أيام‪...‬‬ ‫دفع الحساب‪..‬‬ ‫سمعوه في أعلى أحد الرجوم‪ ..‬يهيجن‬ ‫ه ّم بالعودة إلى سيارته‪ ..‬لكن‬

‫بأسمائهم‪ ..‬ومناقبهم‪..‬‬

‫ج� ��وار ال��ب��اب ال�ك�ب�ي��ر ي �ت��زاح��م الناس‬

‫قضى نحبه‪ ..‬وكل من مر إلى جوار ذلك للخروج‪..‬‬ ‫الرجم الذي كان يقتعده‪ ..‬شعر بقصائده‬ ‫االسم أنهك قواه‪..‬‬ ‫المهوجنة‪ ..‬تنداح في األرجاء‬ ‫اقتعد كرسياً خلف المحاسبين حتى‬

‫مصباح الطفولة‬

‫يقف داخل المجمع التجاري‪ ..‬في جمع‬ ‫ُ‬ ‫الناس‪..‬‬ ‫ْ‬ ‫من‬

‫يخف الِزحام‪..‬‬ ‫ّ‬

‫همس لنفسه‪ :‬ف��ي ال�ص�م��ت‪ ..‬تئن ما‬

‫تريد‪..‬‬

‫التبضع‪.‬‬ ‫ُّ‬ ‫مشغولٌ‪ ..‬غير آبه بشىء سوى‬

‫ابتلع ريقه بصعوبة‪ ..‬مغمضاً عينيه‪..‬‬

‫س�م��ع ن� ��داءاً م��ن خ�ل�ال «الميكرفون»‬

‫عاد إلى البيت‪..‬‬

‫الداخلي للسوق‪..‬؟‬ ‫لم ينتبه للنّداء‪..‬‬

‫يحمل كل أشيائه المعتادة‬ ‫إال األلعاب‪..‬‬

‫* كاتب من السعودية‪.‬‬

‫اجلوبة ‪ -‬شتاء ‪1431‬هـ ‪57‬‬


‫قصص قصير ة جدا‬ ‫> كوثر النحلي*‬

‫مساء‬ ‫في مساء بدا له رهيبا‬ ‫اتجه نحو البحر‪..‬‬ ‫بعنف‪..‬‬ ‫ضمّه ٍ‬ ‫ف �ت��ح ف �م��ه ع �ل��ى حاشية‬ ‫الرمل‪..‬‬ ‫لتباغته شهقة عميقة وباردة‬ ‫ثم انتهى‪..‬‬

‫مسودة‬

‫ث� � ��م ت� �م� �ت� �م ��ت ب� �ص ��وت‬ ‫خافت‪:‬‬ ‫‪« -‬أنت أنا»‬

‫طائرة ورق‪..‬‬ ‫المساء رائق رغم بعض‬ ‫الغيوم التي لبدت السماء‪،‬‬ ‫صنعت من صفوتها فستانا رماديا بحلة‬ ‫شتوية جميلة‪..‬‬ ‫وف ��ي ال �ش��رف��ة ال �ع��ري �ض��ة م �ت �ك �أٌ وثير‬ ‫ووسادة وردية‪.‬‬

‫وقفت أمام المرآة في كامل بهائها‪..‬‬ ‫ش�ك�ل��تُ ط��ائ��رة ورق‪ ،‬وت��رك�ت�ه��ا تسافر‬ ‫بوجهي إل��ى السماء‪ ،‬تصنع من مالمحي‬ ‫تأملت مالمحها عميقا‪..‬‬ ‫لمحت خدوشا باهتة في حاشية نفس مزيجا من األحاسيس‪..‬‬ ‫س ��اف ��رت ال��ط��ائ��رة وت ��رك ��ت الخيوط‬ ‫المرآة‪..‬‬ ‫متشابكة ب��أص��اب�ع��ي‪ ،‬ووج �ه��ي ل��م يفارق‬ ‫اندهشت‪ ،‬لتهمس لها المرآة‪:‬‬ ‫السماء‪،‬‬ ‫من تكونين؟‬ ‫لتبلله قطرات مطر‪.‬‬ ‫أغلقت عينيها لتسترق السمع للصمت‪،‬‬

‫* قاصة من المغرب‪.‬‬

‫‪58‬‬

‫اجلوبة ‪ -‬شتاء ‪1431‬هـ‬


‫نوارة حلرش*‬ ‫> ّ‬

‫حين أَل ٍَم‬ ‫على ِ‬

‫لَمْ أ َْس ِدلْ الغُ روبَ‬

‫َقت بأظافِ َر بارِ دَةٍ‬ ‫طوَى الو ُ‬

‫روب ه َو الذي سَ َدلَني‬ ‫الغُ ُ‬

‫هات‬ ‫الج ِ‬ ‫َفتَش ّرد َِت ال ّروْحُ في ِ‬

‫***‬ ‫باب ِمن قَرارَةِ العُ مْ ِق‬ ‫ا ْنهَمَ َر َض ٌ‬

‫قَشعريرَةٌ‬ ‫تَبحَ ُث عنْ ِمعطَ ٍف ِمن كَلِ ماتْ ‪.‬‬ ‫***‬ ‫الجدرانَ‬ ‫البَشرُ الذينَ ي َْسنُدونَ ُ‬ ‫يَمْ نحونَها حَ نان ًا بارِ د ًا‬ ‫الشوارِ عِ‬ ‫َيرْبِ تونَ على كَتِ ِف ّ‬ ‫َمان‪.‬‬ ‫َرج ٍل مُ َتوَعِّ كَةِ األ ِ‬ ‫بأ ُ‬ ‫السما َء‬ ‫البَشرُ الذين يَغمرونَ ّ‬ ‫يات مُ سَ هَّ دَةٍ‬ ‫بأُمْ نِ ٍ‬

‫المرآ َة‬ ‫د ََّججَ ِ‬ ‫قالَ ‪ :‬لَمْ تَعُ دْ الزِ مَ ةً‬ ‫ألَنَّ الحَ يا َة لَيسَ ْت مُ الئِ مَ ةً ؟‬ ‫***‬ ‫ات َكأ ُْت على دَمعَتي المُ ْشرَئِ بَّةِ بِ ُحزنِ ها وَمَ شَ ي ُْت‬ ‫لَمْ أقُ لْ شَ يئاً‪..‬‬ ‫بالصمْ ِت‬ ‫فقط ا ْك َت َفي ُْت َّ‬ ‫ْ‬ ‫فعا َدةً‪ ،‬أَما َم دَمْ عَتي َت َتع ََّطلُ ُلغَتي‬

‫هلْ أنا ِمنهُ مْ ؟‬

‫نديل؟‬ ‫وقصيدَتي َليْسَ ْت بِ ِم ٍ‬

‫هلْ هُ مْ أنا؟‬

‫شَ هْ قَتي ِمنْ َفر ِْط األَسى‬

‫وأنا هُ مْ ؟‬ ‫السعالُ‬ ‫أَيُّ ها ُّ‬

‫ش������������������������������������ع������������������������������������ر‬

‫ِ‬ ‫باكرَة ٌ‬ ‫أعطاب‬ ‫ٌ‬

‫***‬

‫ُصاب بال ّت ْأ َتأَةِ‬ ‫ت ُ‬ ‫وحالَتي ِمنْ َفر ِْط العُ ْط ِب‬ ‫َفحلَةٍ‬ ‫ُصاب بِ َعتْمَ ةٍ مُ ْست ِ‬ ‫ت ُ‬

‫يا رَفيقي الحَ ميمُ‬

‫لكِ نْ هلْ حق ًا قصيدَتي َليْسَ ْت بِ ِمنْديلْ ؟‬

‫صباح‬ ‫ٍ‬ ‫َتتَسَ لّقُ ني كُ لَّ‬

‫***‬ ‫تستيقظ األشجا ُر باكرا‬ ‫ُ‬

‫إلى يوْمٍ مُ َتوَعِّ ٍك‬ ‫َتتَسَ لّقُ ني كُ لَّ لَيلَةٍ‬

‫منْ ربيعها‬

‫إلى ُحل ٍْم مُ ْنه ٍَك‬

‫تفرك حفيفَها باألنين‬ ‫ُ‬

‫إزعاج‬ ‫ِ‬ ‫كُ َّف عنْ‬ ‫شرايين الذّ اكِ رِ ةِ ‪..‬‬ ‫ِ‬ ‫شرات األوهامِ في‬ ‫ما تبقى ِمنْ حَ ِ‬

‫ترتدي خدوشَ ها العالي َة‬

‫عطوب‪..‬‬ ‫ِ‬ ‫َلب المَ‬ ‫فأنتَ جَ رْحُ الق ِ‬

‫ثم تأوي مُ غمَ ض َة األمنيات‬

‫***‬

‫ّعاس!‬ ‫خريف ال يطرقُ هُ الن ُ‬ ‫ٍ‬ ‫إلى‬

‫* شاعرة من الجزائر‪.‬‬

‫اجلوبة ‪ -‬شتاء ‪1431‬هـ ‪59‬‬


‫دعــــــــــاك العشق‪..‬‬ ‫> جاسم عساكر*‬

‫��س ف��ي ن��ب��ض��ي فأحيا‬ ‫س��ك��ب ِ��ت ال��ه��م َ‬

‫�����������ن قتيال‬ ‫ف�������������ؤاد ًا ك���������انَ م������ن زمَ ٍ‬

‫ت�������م������� ّ َو َج بِ ����ال����ح����ي����اةِ ول�������م أخ����لْ����هُ‬

‫���ط���رُ سلسبيال!!‬ ‫قُ ���ب���ي���لَ ال����ي����ومِ ي���ق ُ‬

‫����ت ل�����هُ ال����ذك����رى غ���دي���ر ًا‬ ‫ف���ق���د ش����قّ ْ‬

‫�������������واق ي���غ���س���ل���هُ غسيال‬ ‫ِ‬ ‫م�����ن األش‬

‫��ات ال��ه��وى ام���تَ��� ّ َدتْ وط��ب��عُ الـ‬ ‫ح��ك��اي ُ‬

‫���ط���هْ ���رِ ت��ع��شَ ��قُ أنْ ت َُطوال‬ ‫ح��ك��اي��ا ال ُ‬

‫إذا اخ���ت���تَ��� َم ال����زم����انُ بِ ���ه���ا فصو ًال‬

‫أض���ف���ن���ا ب�����ال�����غ�����رامِ ل����ه����ا‪ ،‬فصوال‬

‫أواص�����������لُ رح�����ل����� َة األش�����������واق حتى‬

‫ت����ف����تّ����قَ خ����اف����ق����ي ورد ًا خضيال‬

‫وأَس����ق����ي مُ ��ه��ج��ت��ي شَ ���غ���ف��� ًا وأَروي‬

‫����������ال ف�����ي روح�������ي نخيال‬ ‫م������نَ اآلم ِ‬

‫�����م أغ���ن���ي���ات���ي‬ ‫وأص������ع������دُ ف�����ي س��ل��ال ِ‬

‫������ل�����أ ك��������لّ ج����ان����ح����ت����ي ه���دي�ل�ا‬ ‫ُ‬ ‫وأم‬

‫����ك ت���رح���ل���ي���نَ ع���ل���ى غ������رامٍ‬ ‫هُ ����ن����ال َ‬

‫�����ص�����ى ش����راي����ي����ن����ي رح���ي�ل�ا‬ ‫إل�������ى أق َ‬ ‫***‬

‫���ك اآلنَ استه َل ّْت‬ ‫س���ح���اب���ةُ ع���ش���ق ِ‬

‫ع����ل����ى ق���ل���ب���ي لِ ����تُ ����ش����ب����عَ����هُ ه���ط���وال‬

‫ف����ت����زه����رُ ف�����ي أق����اص����ي����هِ األم����ان����ي‬

‫ا ظليال‬ ‫ت����م����دّ ع���ل���ى ال�����ه�����وى ظ���ل�� ّ‬

‫����ت ُخ�����ط�����ايَ ع���ل���ى ط���ري ٍ���ق‬ ‫إذا ت����اه ْ‬

‫ُ���������ك ف�������ي زواي������������������ا ُه دل����ي��ل�ا‬ ‫ق���������رأت ِ‬

‫���ج���ي ف����ؤادي‬ ‫������اك ال���ع���ش���قُ أن ت���لِ ِ‬ ‫دع ِ‬

‫َ�����ب ال����ش����ـ����وقُ م���ن���ب���ع���ث��� ًا رس����وال‬ ‫ف�����ه ّ َ‬ ‫***‬

‫* شاعر من السعودية‪.‬‬

‫‪60‬‬

‫اجلوبة ‪ -‬شتاء ‪1431‬هـ‬


‫> د‪ .‬حافظ املغربي*‬ ‫أبحث في عُ يُ ونِ ِك‬ ‫ُ‬ ‫َعت‬ ‫وشَ ر ُ‬

‫الرُّ عبَ الكئِ يبَ قصي َد ًة‬

‫موخ األَقفيَه‬ ‫على ُش ِ‬

‫بعيد عن وطن‬ ‫من ٍ‬

‫ن ُِظمَ ت من البحرِ الذَّ ليل‬

‫الن‬ ‫َنتش ِ‬ ‫و َيدَا ُه ت ِ‬

‫امئات‬ ‫الظ ِ‬ ‫َيه َُب الرِّمالَ َّ‬

‫نَكِ رَتهُ أنغامُ « الخليل»‬

‫وح‬ ‫ِسح َر الرُّ ِ‬

‫وب‬ ‫معانيَ الماءِ العَذُ ِ‬

‫مل‬ ‫بحرٌ تموجُ بِ هِ دماءُ الرَّ ِ‬

‫من فجرٍ بهِ‬

‫على ِشفاهٍ من ظمأ‬

‫ُصفر ًا قانيات‬

‫ئاب‬ ‫تَسعَى الذِّ ُ‬

‫و َيلُمُّ أشال َء الكرامةِ‬

‫َات‬ ‫َاعي الحانِ ي ِ‬ ‫َيه َُب األف ِ‬

‫أرضنَا‬ ‫إلى َبكَارَةِ ِ‬

‫جوف‬ ‫ِ‬ ‫�������دودِ ف���ي‬ ‫���ون ال ٍ ُّ‬ ‫م���ن ب���ط ِ‬

‫الشه َد كأس ًا من دِ مَ ا ٍ ْه‬ ‫َّ‬

‫الحفَر‬ ‫ُ‬

‫السمِّ‬ ‫َسقي ر َِحيقُ ُّ‬ ‫ي ِ‬

‫قريب‬ ‫ٍ‬ ‫أبحث من‬ ‫ُ‬ ‫َعت‬ ‫وشَ ر ُ‬

‫البراكين‬ ‫ِ‬ ‫أنفاس‬ ‫َ‬ ‫ويَعُ دُّ‬

‫مُ هجتَهُ حيا ْه‬

‫في عيونِ ِك عن وطن‬

‫التي ثارت حَ ِفيظتُ ها‬

‫***‬

‫***‬

‫القلب ُشريَان ًا‬ ‫ُ‬ ‫إليك‬ ‫يخطو ِ‬

‫خواطرُ من عَ دَم‬ ‫ِ‬ ‫تبارِ كُ ها‬

‫عيونك‬ ‫ِ‬ ‫أبحث في‬ ‫ُ‬ ‫وشرعت‬ ‫ُ‬

‫الملهوف‬ ‫ِ‬ ‫يُ حَ اكِ ي ُحر َق َة‬

‫َته َُب الثَّكالى الدِّ ف َء‬

‫بعيد عن وطن‬ ‫من ٍ‬

‫الغريب‬ ‫ْ‬ ‫من‬ ‫في الزَّ ِ‬

‫من ُحمَ ِم الَّلهيب‬

‫ُض فيهِ‬ ‫األرض تَنب ُ‬ ‫ُ‬

‫وص ِقي َع وحدَتِ نَا ت َِح ُّن‬ ‫َ‬

‫و ُتدَثِ رُ المقرو َر‬

‫بالفكرِ الجديد‬

‫لشمس ِك المُ لقَاةِ‬ ‫ِ‬

‫عد الرَّ غيد‬ ‫بالرَّ ِ‬

‫تَهفُ و وفي أحشَ ائِ هَا‬

‫َّلهيب‬ ‫حضن ال ْ‬ ‫ِ‬ ‫في‬

‫ض عن وليد‬ ‫أَمَ لٌ تَمَ َّخ َ‬

‫لكنَّني‪00‬بل إنَّنِ ي‪00‬‬

‫عيونك‬ ‫ِ‬ ‫أبحث في‬ ‫ُ‬ ‫وشرعت‬ ‫ُ‬

‫الحقائق‬ ‫ِ‬ ‫عينَا ُه تلمَ حُ في‬

‫بَع َد ال َعنَاءِ ‪00‬‬

‫بعيد عن وطن‬ ‫من ٍ‬

‫صو َتنَا المَ رهُ ونَ‬

‫الطمُ وح‬ ‫ورحلَةِ األمَ ِل َّ‬

‫يشكو األمانَ ِح َكاَيةً‬

‫لق الغراب‬ ‫في حَ ِ‬

‫عينيك‬ ‫ِ‬ ‫مس في‬ ‫الش َ‬ ‫لم أدرِ أنَّ َّ‬

‫ينشرُ حو َلَهُ‬ ‫والخوف ُ‬ ‫ُ‬

‫َقع األَكُ ِّف‬ ‫يشدُ و على و ِ‬

‫َّلهيب‪..‬‬ ‫وص َد ُة ال ِ‬ ‫مُ َ‬

‫***‬

‫ش������������������������������������ع������������������������������������ر‬

‫رحلة‬

‫* أستاذ النقد األدبي ‪ -‬كلية اآلداب‪ -‬جامعة الملك سعود‪.‬‬

‫اجلوبة ‪ -‬شتاء ‪1431‬هـ ‪61‬‬


‫ُك لِن َْف ِ‬ ‫ط َ‬ ‫اص َ‬ ‫ف ْيت َ‬ ‫سا‬ ‫ي ن َ ْف ً‬ ‫ْ‬ ‫س َ‬ ‫> عائشة احلطاب*‬ ‫أَ َتبَرَّ جُ بِ ِع ْطرِ ال َّلي ِْل‬

‫اشتِ عَالِ ي‬ ‫وَمَ ا زَالَ َك َروَانُ ف َِمي ِسرَّ ْ‬

‫اطرُ ا ْل َكوْنَ بِ أَ ْرقَط و َْج ِهي‬ ‫أُشَ ِ‬

‫َوأَنَا النَّهْ رُ يَا مَ دَى ا ْلعَدْ وِ ‪،‬‬

‫يضا لِ ن َْجمَ تِ ي‬ ‫يك و َِم ً‬ ‫أ َْصطَ ِف َ‬

‫األجفَانُ بِ ذُ هُ ولِ ِك‪،‬‬ ‫فَال ت َْجفَلِ ي أَيَّتُ هَا ْ‬

‫يل َصمْ تِ َك‬ ‫أل َكلِّلَ ا ْلف َْج َر بِ َترَاتِ ِ‬

‫يل سَ ��أَعْ ��زِ ُف عَ لَى َو َت��رِ المَ اءِ ُل َغ َة‬ ‫َفبَعْ َد قَلِ ٍ‬

‫ْك‬ ‫سَ رَّ ْح ُت خَ ُشو َع عَ ْي َني َ‬

‫ل َْحنِ ي‪،‬‬

‫ُأدَارِ ي أَهْ دَابَ الن َّْج ِم المُ َتنَهِّ ِد ف َْجرً ا‬

‫َصائِ ِدي عَ لَى مَ رَايَا الْبِ حَ ارِ‬ ‫َوأَر ُْشقُ ق َ‬

‫َضاءِ ‪،‬‬ ‫هَ جَ ع َِت الرِّيحُ فِ ي كَبِ ِد ا ْلف َ‬

‫َضاءِ ا ْلبَالبِ ِل‪.‬‬ ‫ُوحي فِ ي ف َ‬ ‫كَيْ ُأ َت ِّو َج ر ِ‬

‫وق ا ْل َكو ِْن‪،‬‬ ‫فَلِ مَ اذَا ي َْخ ِفقُ ا ْل َقل ُْب فِ ي ُصفُ ِ‬

‫ون ا ْلق َِصيدَةِ ‪،‬‬ ‫َضفَّ ر ُْت غُ َر َر الن َّْخ ِل فِ ي عُ يُ ِ‬

‫وَيُ عْ لِ نُ ُضمُ و َر عُ بُورِ ي؟‬

‫َات‬ ‫السب ِ‬ ‫َورَمَ ي ُْت غُ بَا َر ال ُْخطَ ِب بِ َلي ِْل َّ‬

‫اش ِع‬ ‫وح بِ د َِمي الْخَ ِ‬ ‫ألأُحَ ابِ ي إِ غْ مَ ا َء َة الرُّ ِ‬

‫َ��ط�� َر عَ ��رَقِ ��ي ِض��يَ��اءً فَ����وْقَ يَ���أ ِْس‬ ‫ْ��ت ق ْ‬ ‫أَهْ ��طَ ��ل ُ‬

‫عَ ِقيقُ شَ َفتَيَّ ي َْظمَ ُأ هُ تَافً ا‪،‬‬

‫َاب؛‬ ‫ا ْل َيب ِ‬

‫َوكَمْ جَ مَ عْ ُت بِ مَ ْأوَى المَ جَ رَّ ِات شَ هْ ِدي‬

‫فِ ي البَدْ ءِ غَ رَّ َد القَدُّ قَمَ رً ا‪،‬‬

‫طَ َوي ُْت ُجمُ و َح الْخَ رِ يرِ بِ عُ ن ِْق ا ْليَمَ امِ ‪،‬‬

‫ثُ مَّ ا ْزدَانَ ر َْحمُ ال َكو ِْن خَ جَ الً‪.‬‬

‫* شاعرة من األردن‪.‬‬

‫‪62‬‬

‫اجلوبة ‪ -‬شتاء ‪1431‬هـ‬


‫ش������������������������������������ع������������������������������������ر‬

‫من الشعر الفارسي املعاصر‬ ‫ > شعر‪ :‬سهيال كرمجي‪،‬‬ ‫ ترجمة‪ :‬بدل رفو املزوري*‬

‫القلب‬

‫حينها‪ !..‬أطلقت عنان ضحكاتك‬

‫أيها القلب الممزوج‬

‫صوبي‬

‫بالذنوب والخديعة‪،‬‬

‫أيا قلب‪،‬‬

‫عمّ تبحث‪!..‬؟‬

‫هكذا كان مكرك وخديعتك‬

‫عمّ ‪!...‬‬ ‫عن العزلة‬ ‫أم الوحدة‬

‫وهداياك جبال وحزم أوجاع‬ ‫صدى العتمة أنت‬ ‫وهدوء الظالم أنت‬

‫أم ع��ن ص��دى العتمة‪ ..‬ف��ي فضاء ال روح والفضاء الذي ال روح فيه أنت‬ ‫والعزلة األزلية أنت‬ ‫فيه‬ ‫تركتني وحيدة‬ ‫أتبحث عن حزم أوجاع‬ ‫أيها القلب‬ ‫ومكابدات‬ ‫أنت من خان المواثيق والعهود‬ ‫كي تهديها لي في غربتي‪!!..‬‬ ‫وأنت صديق المكر والخديعة‬ ‫أيها الفؤاد‬ ‫أنت يا قلبي؟؟‬ ‫الملتحف بالذنوب والمكر والخديعة‬ ‫***‬ ‫أنت من حطمني‬

‫أنت وأنا‬

‫مَ ن سرقني من ذاتي‬ ‫وكنت وحيدة حين أبصرتني في وحدتي‬

‫في خيالك‬

‫اجلوبة ‪ -‬شتاء ‪1431‬هـ ‪63‬‬


‫مالك وحورية‬

‫وإذا بي أراك أنت‬

‫وأنا مثقلة بك في‬

‫وأنت ال تملك مفتاحه‬

‫أحشائي‬

‫فكيف كان بوسعك أن تغزوه وتقطنه؟!‬

‫وأنت تسرح في خيال الحورية‬

‫وبلمح البصر أقفلت باب الخزانة‬

‫أبصرك في خيالي‬

‫كي ال تهرب منه‪،‬‬

‫تعاني‬

‫ال فرار‪.‬‬

‫من المباالة الفاتنة أنت‬ ‫وأنا أتلوى ألم ًا واحتراق ًا‬ ‫من إهمالك لي‬

‫أظن بأنه حلم‬ ‫فما عشته كان حلما ً‪:‬‬

‫آه‪...‬‬ ‫كم أتمنى لو أغدو ولو للحظة‬ ‫تلك الحورية سيدة أحالمك‪.‬‬

‫ال فرار‬

‫نجوم فضيةً‬ ‫بالسم‪ ،‬براعم حظ‪،‬‬ ‫حلمت بك أنت‪ ،‬أنت‬ ‫أظن بأنه الحلم‬

‫تسكنني في كل لحظة‬

‫ففي الحلم‪:‬‬

‫في اليقظة‬

‫تسيل دموعي الفضية‬

‫والكرى‬

‫على وجنتيّ الشاحبتين‬

‫مهووسة أنا بك‬

‫وتحيالن الشحوب نضارة وحياة‬

‫وحين أغفو‬

‫وأنت أيتها البالبل والكناري‬

‫تمتزج بدموعي‬

‫وطيور الحب‬

‫وحين أصحو‬

‫هامس‬ ‫ٍ‬ ‫بصوت‬ ‫ٍ‬ ‫غنِّ لِ ي‬

‫انت ضوء عيوني‬

‫ألحان الفرح‬

‫فماذا بوسعي أن افعل معك‪!..‬؟‬

‫كي ترحل‬

‫أينما كنت أنت معي‬

‫األوجاع والمكابدات والمعاناة‬

‫أبد ًا ودائم ًا‬

‫عن حياتي‬

‫وفي يوم ما‬

‫حينها سيصبح لحياتي‬

‫فتحت خزانة قلبي‬

‫معنى للحرية‬

‫كي أرى ما فيها‬

‫لكنه‪ ..‬كان حلماً‪.‬‬

‫* كاتب ومترجم مقيم في النمسا ‪ -‬غراتس‪.‬‬

‫‪64‬‬

‫أظن بأنه حلم‬

‫اجلوبة ‪ -‬شتاء ‪1431‬هـ‬


‫> عماد الدين موسى*‬

‫‪-1-‬‬

‫ال أنظرُ إلى الوردةِ‬ ‫ال أشتمُّ العصافير‬ ‫كلُّ شيءٍ تغ ّي َر‬ ‫في ناظري على األقل‪،‬‬ ‫حياتي التي‬ ‫أجهلُ أنها حياتي‪..‬‬ ‫تسبقني إلى حتفي‪.‬‬

‫‪-2-‬‬

‫ندف الثلج تتساقط ُ‬ ‫الحب‬ ‫ّ‬ ‫العصافير أطفالنا في‬ ‫كلما أنظر إلى امرأة ٍ‬ ‫يولدُ ألف عصفور‬ ‫ألف آخر‪.‬‬ ‫ويموت ٌ‬ ‫ُ‬ ‫لن أموت‬ ‫إليك أنظرُ‬ ‫طالما ِ‬ ‫ـاس بعددِ نظراتي‪.‬‬ ‫حياتي تـُق ُ‬

‫‪-3-‬‬

‫البستانيّ ‪...‬‬ ‫يجهلُ الكثير‬ ‫البستانيّ ال يعرف‬ ‫سوى الورود التي للهباءِ ‪،‬‬ ‫كذلك‬ ‫َ‬ ‫طيوره‬ ‫البستانيّ يجهل تمام ًا‬ ‫أنّ ورود ًا تنمو‬ ‫ابتسمت‬ ‫ِ‬ ‫إنْ‬ ‫أنّ أطيار ًا تغزو غرفتي‬ ‫رسائلك‪...‬‬ ‫ِ‬ ‫إنْ قرأت ُ‬ ‫وحدي أعلم‪.‬‬

‫‪-4-‬‬

‫‪-5-‬‬

‫الحب‬ ‫ّ‬ ‫أنك تجهلينَ‬ ‫أجهلُ ِ‬ ‫وأحبك كلما ارتعش القلب‪.‬‬ ‫ِ‬ ‫أنك تحبّينَ الجهل‬ ‫أحبك ِ‬ ‫ِ‬ ‫وأجهلُ‬ ‫سقطت امرأة ٌ‬ ‫ْ‬ ‫كلما‬ ‫القلب‪.‬‬ ‫ِ‬ ‫من نافذة‬

‫ش������������������������������������ع������������������������������������ر‬

‫كمن يلتمس حلما ً‬

‫‪-6-‬‬

‫القلب‬ ‫ُ‬ ‫كلما نبض‬ ‫أحبك‬ ‫ِ‬ ‫من جديد ٍ‬ ‫كلما رفّ ْت جفني‬ ‫أحبك‬ ‫ِ‬ ‫من جديد ٍ‬ ‫كأنـ ِّك كل نساء األرض‬ ‫أحببتك‬ ‫ِ‬ ‫وكلما‬ ‫من جديد ٍ أولدُ ‪.‬‬

‫‪-7-‬‬

‫ستظلّ الشجرة ُتعاندُ الخريف‬ ‫انتظارك‪...‬‬ ‫ِ‬ ‫في‬ ‫ستظلّ الشجرة ُ‬ ‫توهمُ الفراشات‬ ‫بقدومك‪...‬‬ ‫ِ‬ ‫ستظلّ الشجرة ُ‬ ‫ستظلّ‬ ‫لعل ِّك‪ ،‬لعل ِّك‪.‬‬ ‫النافذة ُ التي‬ ‫يلعب الطفل‬ ‫ُ‬ ‫الحب‪..‬‬ ‫ّ‬ ‫فيسقط في‬ ‫النافذة ُ التي‬ ‫تمشي القطة‬

‫‪-8-‬‬

‫اجلوبة ‪ -‬شتاء ‪1431‬هـ ‪65‬‬


‫َع سور البيت‬ ‫«لطرد الملل»‪...‬‬ ‫النافذة ُ التي‬ ‫أجهلُ أنها نافذة‬ ‫حتى تعبر فتاة‬ ‫أناقتك‪.‬‬ ‫ِ‬ ‫بكامل‬ ‫ِ‬

‫ليس فخـّأً»‪.‬‬ ‫«الحب َ‬ ‫ّ‬ ‫تقول القطة‪:‬‬ ‫ليس ملك ًا ألحد»‪.‬‬ ‫«سياج البيت ّ‬ ‫تقول‪:‬‬ ‫«السياج بيت القطط»‪.‬‬

‫‪-9-‬‬

‫حياة ٌ أخرى‬ ‫عدا التي أعرفها‬ ‫تنتظرني‪..‬‬ ‫حياة ٌ أخرى‬ ‫خيالك‬ ‫ِ‬ ‫عدا التي ترسمها ريشة‬ ‫تنتظرك‪..‬‬ ‫ِ‬ ‫حياة ٌ أخرى‬ ‫ليست لنا‬ ‫ْ‬ ‫تنتظرنا‪.‬‬

‫‪-10-‬‬

‫أصابعك التي‬ ‫ِ‬ ‫باقة ورد ٍ في يدي‪،‬‬ ‫أصابعك التي‬ ‫ِ‬ ‫فقدت ُ ألجلها أصابعي‪،‬‬ ‫أصابعك التي‬ ‫ِ‬ ‫أصابعي‪.‬‬

‫‪-11-‬‬

‫الحب ال يولدُ‬ ‫ّ‬ ‫الحب إلى الوراء ال ينظرُ‬ ‫ّ‬ ‫الحب ال يستريحُ‬ ‫ّ‬ ‫الحب يسيرُ‬ ‫ّ‬ ‫يقف‬ ‫الحب ال ُ‬ ‫ّ‬ ‫الحب نحنُ ضحاياه‬ ‫ّ‬ ‫يموت‬ ‫ُ‬ ‫الحب ال‬ ‫ّ‬ ‫الحب أن نموت!‬ ‫ّ‬ ‫يقول الطفل‪:‬‬ ‫* ‬

‫‪66‬‬

‫شاعر من سوريا‪.‬‬

‫اجلوبة ‪ -‬شتاء ‪1431‬هـ‬

‫‪-12-‬‬

‫الوردة ُ التي‬ ‫سقطت في الحب‪،‬‬ ‫ْ‬ ‫الوردة ُ التي‬ ‫ذاتَ نحل ٍ‬ ‫سقطت‪..‬‬ ‫ْ‬ ‫أثمرتْ الحب‪.‬‬

‫‪-13-‬‬

‫‪-14-‬‬

‫تحب‬ ‫ّ‬ ‫ثمّ ة من‬ ‫ثمّ ة من تتسوّل حبا‬ ‫ثمّ ة من تنتشل حب ًا‬ ‫ثمّ ة من ال تعرف الحب‬ ‫ثمّ ة من لم تحب‬ ‫ثمّ ة من ال تحب‪.‬‬

‫‪-15-‬‬

‫الحياة ُ كاميرا‬ ‫الحب سوى العدسة‪.‬‬ ‫ّ‬ ‫وما‬

‫‪-16-‬‬

‫منزلك ومنزلي‬ ‫ِ‬ ‫ما بينَ‬ ‫الجسر‪...‬‬ ‫أذهب ُ إليهِ‬ ‫وأتأملُ منزلينا‪.‬‬ ‫منزلك ومنزلي‬ ‫ِ‬ ‫ما بينَ‬ ‫منزل‪...‬‬ ‫ٌ‬ ‫يسمّ ى الجسر‪.‬‬ ‫حياتي‬ ‫التي أجهلـُهـا‬ ‫أنت‪.‬‬ ‫ِ‬

‫‪-17-‬‬


‫الطقس‬ ‫أحوال ّ‬

‫> عيد احلجيلي*‬

‫األفق ِستا ٌر من حديدْ !!‬ ‫ِ‬ ‫وعلى‬

‫ال جديدْ‬

‫أسئلة‬

‫ال جديدْ‬

‫‪-1-‬‬

‫الصهْ ِد على القلب تزيدْ‬ ‫نسبةُ ّ‬ ‫والسما قاحلةٌ ‪..‬‬

‫لماذا تُضاءُ المدين ْه‬

‫واألرض غرثى‬

‫وهذي الوجوه عليها ظالل دكينهْ؟!‬

‫َمي في مدى الرؤيةِ‬ ‫وضباب عَ ْند ٌّ‬ ‫ٌ‬ ‫جاث‬ ‫ٍ‬ ‫الست‬ ‫ِّ‬ ‫وجفاف في الجهات‬ ‫ٌ‬ ‫يعوي‬ ‫ثمّ يُ بدي ويُ عيدْ‬

‫‪-2‬‬‫لماذا تضيئين في عتْمة‬ ‫السطح‪ ..‬والقبوِ ‪..‬‬ ‫ّ‬ ‫في ُسدْ فة الدّ رج المتجهّ ِم‬

‫ُس ُحب األحالم تنثالُ‬

‫المغيب‪..‬‬ ‫ِ‬ ‫بعد‬

‫نجيع ًا‬

‫وظلمة ليل الصحاري ‪/‬‬

‫وصديدْ‬

‫الكئيب‪..‬‬ ‫ِ‬ ‫المالذِ‬

‫ويدُ الخوف َصنَاعٌ ال تبيدْ‬

‫َوي‬ ‫وفي وحشة الهاتف الخل ِّ‬

‫الصمت تعلو‬ ‫ِ‬ ‫درجات‬ ‫ُ‬

‫الرسائل‬ ‫ِ‬ ‫وبين‬

‫الغبن تشتدُّ‬ ‫ِ‬ ‫ورياحُ‬ ‫وتجتث المرائي‬ ‫ُّ‬ ‫ونبوءات النشيدْ‬ ‫ِ‬

‫ش������������������������������������ع������������������������������������ر‬

‫قصائد‬

‫في علبة الوارد المستكنّة‬ ‫نان حصينهْ؟!‬ ‫خلف كِ ٍ‬

‫‪-3-‬‬

‫وغداً‪ ...‬ال شيء يبدو‬ ‫فالرؤى معتمةٌ‬

‫لماذا المدينهْ؟‬

‫عات‬ ‫والنقع ٍ‬

‫لماذا لماذا حزينهْ؟!‬

‫* شاعر من السعودية‪.‬‬

‫اجلوبة ‪ -‬شتاء ‪1431‬هـ ‪67‬‬


‫لون الغياب‬ ‫> عائشة املؤدب*‬ ‫ي َْحت َِدمُ اللّيلُ فِ ـ ــي د َِم َك‬

‫يق إِ لَيَّ‬ ‫عَ ِّجلْ بِ الْحَ رِ ِ‬

‫يُ طوِّقُ هُ األَسَ ــى‬

‫السمَ اءِ‬ ‫واخت َِص ْر ُج ْر َح ّ‬ ‫ْ‬

‫َاف منْ هُ الَمٍ‬ ‫بِ أطي ٍ‬

‫َاب‬ ‫الغي ِ‬ ‫َات ِ‬ ‫فِ ي عَ تْمَ ةٍ خ َّلفَـ ْتهَا بِ دَاي ُ‬

‫السوادُ‬ ‫َيتَخبَّط َّ‬

‫عَ ِّجل إِ لَيّ‬

‫ثُ مَّ‬ ‫َينْدلِ ــقُ‬ ‫الشعُ ورِ‬ ‫الظلمةِ سَ وْء ُة ُّ‬ ‫ُك فِ ي ّ‬ ‫َو تَطَ ال َ‬ ‫سَ مَ اءٌ َت َتهَاوَى عَ لَى نَفْ ِسهَا‬ ‫االحتِ ضا َر ُشهُ بًا‬ ‫تَقْ ِذ ُف ْ‬ ‫استِ دار َة األُفُ ِق‬ ‫تَعْ ت َِصرُ ْ‬ ‫وت َْخنُقُ البُكا َء الْمُ مْ ت َِق َع‬ ‫ْك‬ ‫َلوْنُ عَ يني َ‬ ‫يب‬ ‫ِحينَ ت َِغ ُ‬

‫وغلٌ فِ ي ال ُبكَاءِ‬ ‫َك مُ ِ‬ ‫فَالْمَ ساءُ حَ ْول َ‬ ‫َك يَقْ ـترِ ُف اللَّيلَ الكَئِ يبَ‬ ‫والضياءُ خَ ْلف َ‬ ‫ِّ‬ ‫هَ ا أَنَا هُ ـنَا‬ ‫أ َْست َِمرُّ فِ ي مُ حَ اوَلةٍ لِ لتَّسَ تُّ رِ عَ لَى مَ وْتِ ـي‬ ‫راق َبقَايَا‬ ‫إح ِ‬ ‫أ َْست َِمرُّ فِ ي ْ‬ ‫كَان َْت عَ الِ قَةً فِ ي ُحن ُْجرَتِ ي‬ ‫أ َْس��تَ��م��رُّ فِ ��ي سَ ��فْ ِ��ح ال���كَ�ل�اَ مِ عَ �� َل��ى مَ شَ ارِ ِف‬

‫َات الْمَ ِّيتَةِ‬ ‫السنُو ُنو ِ‬ ‫سَ هْ لٌ ِمنَ ُّ‬

‫الصمْ ِت‬ ‫َّ‬

‫بِ الَدٌ أفْ رجَ ْت عَ نْ أ َْحزَانِ هَا‬

‫الغيَـابَ‬ ‫مَ ا دُ مْ تَ ُتعَاقِ رُ ِ‬

‫وا ْكتَمَ ل َْت فِ يهَا الفَجَ ائِ عُ‬

‫َو تُمَ ارِ ُس عَ لَى الْمَ و ِْت نِ هَايَةً مُ ؤَقّ ـتَةً‬

‫* شاعرة من تونس‪.‬‬

‫‪68‬‬

‫واستَرِ حْ‬ ‫ْ‬

‫اجلوبة ‪ -‬شتاء ‪1431‬هـ‬


‫> علي العسيري*‬

‫(‪)1‬‬

‫شَ َّ َق بِ أكتَافهِ‬

‫نُخاَ َع البَصيرةِ‬

‫َنت بِ القَلب‪،‬‬ ‫ِعطرٌ أ ِ‬

‫أَحشَ ا َء الهَواءِ‬

‫السهدْ‬ ‫ارتَقى ُ‬

‫تحفُ نيْ ‪،‬‬ ‫نَسمَ ات ُِك ِّ‬

‫َاحدٌ‬ ‫اح ٌب و ِ‬ ‫َص ِ‬

‫ُس َّل َم الدُ عاءِ ‪،‬‬

‫تَسأَلني اليَقظَ ة‪،‬‬

‫ال ظَ نَّ بِ هِ‬ ‫َ‬

‫عَ ا َد النَها ُر‬

‫هَ لْ ِم ْت؟‬

‫اِ ستَوى بِ الجَ و‬

‫دلدلُ َصباَحه‪،‬‬ ‫يُ ِ‬

‫يَند ُه العَقل‬

‫ِعطرٌ فَاقِ دٌ‬

‫غَ ارَاتهُ ا قَائِ مة‪،‬‬

‫اَثكَلنيَ‬

‫(‪)6‬‬ ‫لمْ يَكُ نْ نُو َراً‪،‬‬

‫شَ راَبَ الحَ دائِ ق‪،‬‬

‫ُجوم َو َزِ ينَة‬ ‫كَانَ ِشهاَب ًا ِمنْ ر ٍ‬

‫أ َِمنْ ِحيلَةٍ‬

‫(‪)4‬‬

‫َتقَاذَفتَها أَكِّ ُف المُ فردَات‪،‬‬

‫أَيهُّ ا ال َورَى‬

‫َو ِهيَ شَ هديَ‬

‫بِ خالَءٍ أَعمَ ق‪،‬‬

‫َاق‬ ‫ت َِّح ُط بِ المذ ِ‬

‫أَوسَ عُ‬

‫أَلفيتُ ها مدَاميْ‬

‫َلب‬ ‫ِمنْ فَضاءِ الق ِ‬

‫كَافأَتها الرُ وح‬

‫أَبعدُ‬

‫أَ​َغنَى العُ مرِ‬

‫ُمح األَغَ اني‪،‬‬ ‫ِمنْ ر ِ‬

‫َجل ُس ِجواَره‪،‬‬ ‫َت ِ‬

‫(‪)3‬‬

‫(‪)5‬‬

‫َوق تَس َّلَقَ العَين‪،‬‬ ‫أَو إِ نزال ت ٍ‬

‫يح‬ ‫هَ جَ ُس الرِ ِ‬

‫ِمنْ ظَ مأ ُِك‬

‫يل‬ ‫كَان َْت مَ وجةُ النِ ِ‬

‫أَمْ‪َ ،‬صراحَ ةِ الرَائِ حةِ‬

‫َأس‬ ‫عَ ب َر الي ُ‬

‫روف تُهامَ ة‪.‬‬ ‫ُتكَافِ ئُ ُج َ‬

‫(‪)2‬‬

‫ش������������������������������������ع������������������������������������ر‬

‫ل ِ‬ ‫ِ‬ ‫العطر ُ َ‬ ‫شتع ُ‬ ‫غيما‪!..‬‬ ‫يَ‬

‫لمْ تَكُ نْ فَراَشة‪،‬‬ ‫َانت ِغير ُة البَسَ اتيِ ن‪،‬‬ ‫ك ْ‬ ‫لمْ يَكُ نْ مَ اء‬ ‫كَانَ دمٌ يخرِ ُش السَ ماءِ‬ ‫لمْ َتَكُ نْ محَ ارَة‪،‬‬ ‫ل��مْ َت��كُ ��نْ َن��سَ ��جُ ِح��كَ��اي��ةٍ عَ مياءٍ‬ ‫رفع مُ قلةٍ‬ ‫لِ ِ‬

‫* شاعر من السعودية‪.‬‬

‫اجلوبة ‪ -‬شتاء ‪1431‬هـ ‪69‬‬


‫حني يصبح احلكي خطابًا‬ ‫يغزله جيل ضائع‬

‫> حسني الهاشمي*‬ ‫السبب الوحيد لوجود الرواية – كما يقول كونديرا _ هو أنها تفصح عن شيء ال‬ ‫يفصح عنه سوى الرواية وحدها‪ ..‬هذا المدخل قد يقودنا بال شك إلى مستويات عدّة من‬ ‫الرؤى والتصورات التي يمكن أن تثيرها مستويات الخطاب الروائي؛ تلك التي تبتكرها‬ ‫العوالم الخاصة المشحونة بمحتوياتها الفكرية والسيسيولوجية لدى الكاتب أو المرسل‬ ‫باتجاه المتلقي‪ ..‬هناك إشكالية الرسالة إذاً‪ ،‬وهناك معادلة ال تكتمل من دون توافر‬ ‫أطرافها الثالثة (المرسل _ الرسالة _ المتلقي)‪ ،‬ولكن حساسية الكتابة‪ ..‬ربما تبدأ‬ ‫من اللحظة التي يشعر فيها الكاتب بأنه يغامر‪ ،‬طالما أن اللعبة بينه وبين الواقع الذي يقيم‬ ‫فيه‪ ،‬تتطلب الكشف عنه بطرق وأساليب غير مكررة‪ ،‬جديدة‪ ،‬ولكننا بحاجة لها فعال‪ ،‬كي‬ ‫تؤدي المهمة بكفاءة‪ ..‬اإلفصاح في السر أحيانا نوع من أنواع المخاتلة الشرعية والفنية‪،‬‬ ‫ونعني التستر المشروع وراء حجب تسمح ألشعة الحقيقة‪ ،‬ما يكفي لكي تترك ظال أو أثرا‪،‬‬ ‫كصدى بعيد يتردد في المنجم الخفي‪ ،‬أو القاع اإلنساني المعتم والمعزول أحيانا‪..‬‬ ‫لهذا كله‪ ،‬ال ينبغي علينا أن نتصور أن‬ ‫ثمة نمط محدد من اإلفصاح كسبب وحيد‬ ‫إليصال الحقيقة إل��ى المتلقي‪ ،‬بل إن هذا‬ ‫ه��و م��ا ي �ح��دده طبيعة ال�م��وق��ف أو الواقع‬ ‫الذي يجترح أساليبه‪ ،‬وفق الحاجة الملحّ ة‬ ‫والقدرة على تنشئة العالئق السردية‪ ،‬التي‬ ‫تشاغل ح��دة ال�ص��راخ‪ ،‬ومنطوق األزم��ات أو‬ ‫المالبسات المتداخلة في نسيج واقع يعيشه‬ ‫الكاتب‪ ،‬بما يملك من أدوات حسية ورؤيوية؛‬ ‫بغية اكتشافه وإعادة تشكيله ثانية وفق ذلك‬ ‫كله‪..‬‬ ‫ه���ذا االس �ت �ه�ل�ال أراه ض���روري���ا‪ ،‬ربما‬ ‫ك��ي ن�ب��دأ معه ق ��راءة العمل ال��روائ��ي البكر‬

‫‪70‬‬

‫اجلوبة ‪ -‬شتاء ‪1431‬هـ‬

‫والموسوم (غزل الحكي)‪ ،‬للشاعرة والكاتبة‬ ‫المغربية ‪ -‬حبيبة زوكي ‪ -‬هذا العمل الذي‬ ‫يتشكل م��ن ع��دة ف�ص��ول قصيرة مرسومة‬ ‫بعناوين فرعية‪ ،‬أري��د لها أن تكون بمثابة‬ ‫إش��ارات ذات أبعاد داللية‪ ،‬تعطي بمجملها‬ ‫بوحا تناغميا مولدا للعنونة الرئيسة‪ ،‬مثلما‬ ‫ت�م�ث��ل ب �ع��دا س��ردي��ا خ��اص��ا ت�م�ل�ي��ه الرغبة‬ ‫الواضحة لدى الكاتبة في االختزال‪ ،‬اختزال‬ ‫ما تراه وتعرفه وما تتخيله؛ ولعله روح اإليجاز‬ ‫الشعري الذي يخلّف الوميض المتوهج هنا‬ ‫وه�ن��اك‪ ،‬وال شك أن روح الشعرية حاضرة‬ ‫ف��ي ه��ذا ال�ع�م��ل بكليته وهيئته اإليحائية‬ ‫والرمزية‪ ..‬فكلما كان المضمون مهيمنا وذا‬


‫قيمة لدى المبدع‪ ،‬أصبح االحتواء والتدليل عليه‪،‬‬ ‫أو التعبير عنه‪ ،‬من المهمات الشاقة‪ ،‬وهو يحاول‬ ‫إيصال الرسالة إل��ى المتلقي بلغة وآليات مميزة‬ ‫وجذابة‪ ،‬ربما حفاظا عليها من السطحية والرتابة‬ ‫والعادي من اإليقاع المكرور الذي يلتهمنا كل يوم‪.‬‬ ‫هذه الرواية القصيرة تبدو للوهلة األول��ى‪ ،‬وكأنها‬ ‫قصيدة نثر طويلة‪ ،‬مغزولة وف��ق منولوج خاص‪،‬‬ ‫محورها الرئيس ‪ -‬كوثر ‪ -‬التي تمثل صوت الراوي‬ ‫العليم أيضا‪ ،‬إضافة إلى شخصية ‪ -‬نور ‪ -‬الشاب‬ ‫الذي يرتبط بها بوشائج عدّة أهمها الحب‪ ،‬أما باقي‬ ‫الشخصيات فهي محدودة؛ تبدو لنا كشخصيات‬ ‫((لقد شبعنا غضبا ويأسا والى أين المفر؟ ص‪24‬‬ ‫عابرة أحيانا أو هامشية‪ ،‬وأحيانا إشارية تتناسب‬ ‫((إلى أين؟‬ ‫والمجرى اإليحائي للسرد‪ ،‬ذلك الذي يبغي التعامل‬ ‫ إل��ى أي أرض تحتضنني فأحقق بها ذاتي‬‫مع ص��ورة الواقع المعيش وف��ق مفهوم ((أن حالة‬ ‫ووجودي)) ص‪27‬‬ ‫الشعور يمكن التعبير عنها بكفاءة من خالل رمز‬ ‫((نحن جيل مصاب بالفشل والفجيعة)) ص‪27‬‬ ‫معين‪ ..‬طالما أن الرمز يضفي معنى على الشيء‬ ‫ك�م��ا ت �ك��ون ث�م��ة ف��رص��ة ف��ي ه ��ذه ال ��رواي ��ة كي‬ ‫الذي يرمز إليه؛ وعليه‪ ،‬فان استبدال الرمز بشيء‬ ‫نطّ لع على وجهة نظر ‪ -‬كوثر ‪ -‬التي تمثل الخط‬ ‫يعد أمرا يتعذر إلغاؤه))‪ ،‬بتعبير بيتر مونز‪.‬‬ ‫إذاً‪ ..‬فالكاتبة تعي ما تفعل إزاء موضوعة كبيرة القوي في رؤيتها إلى الحياة بعكس ‪-‬نور ‪ -‬حبيبها‬ ‫تالمس جوهر وروح األشياء المتولدة الشائكة في وزوجها‪ ،‬فهي متفائلة وصامدة برغم رومانسيتها‬ ‫محيط عالم تصفه وكأنه ((حلقة مفرغة أو ربما وروحها الحالمة وما تواجهه من مضادات ومعوقات‬ ‫حلزونية‪ ،‬ال نصل معها إلى نهاية الطريق وال إلى هائلة‪:‬‬ ‫نهاية الحكاية؛ ألن النهايات‪ ،‬كل النهايات هي بداية‬ ‫ال �ب��داي��ات))‪ .‬ه��ذه الحقيقة ال�ص��ادم��ة ه��ي العتبة‬ ‫األول ��ى والمهمة ال�ت��ي تتكئ عليها ال��رواي��ة‪ ،‬وهي‬ ‫العتبة النهائية لها‪ ،‬ربما ألنها حكاية تاريخ دائري‬ ‫يكرر نفسه لجيل ضائع مهمّش ومصاب بالفجيعة‬ ‫وال �ي��أس‪ ..‬ورغ��م ذل��ك‪ ،‬فثمة نفس آخ��ر لإلصرار‬ ‫وعدم االستكانة‪ ،‬يمضي متوازيا مع النفس المنكسر‬ ‫لهذا الجيل الذي يمثله ‪ -‬نور ‪ -‬الشاب الذي يبحث‬ ‫عن أرض أخرى تحتضنه‪ ،‬ليحقق من خاللها ذاته‬ ‫ووجوده‪ ،‬فالمرء أحيانا يجد نفسه ممنوعا حتى من‬ ‫األحالم‪ ،‬وألن الشخصيتين ‪ -‬كوثر ونور ‪ -‬تنتميان‬ ‫إلى الشريحة المثقفة‪ ،‬يصبح بإمكاننا الفرز بأن‬ ‫الموجهات المضمونية لهذا العمل تحاكي قضية‬ ‫جيل ذي حساسية بالغة إزاء قضايا ومحاور خطيرة‬

‫ن�������������������������������������ق�������������������������������������د‬

‫ومهمة؛ تشكل ‪ -‬في مجملها ‪ -‬العقد الرئيسة التي‬ ‫من أجلها أرادت – كوثر – أو الطيف المحوري‬ ‫للرواية‪ ،‬إيصال رسالتها لآلخرين‪ ،‬وأهمها قضايا‬ ‫البطالة‪ ،‬والعزلة‪ ،‬والقهر والتشرد‪ ،‬والى غير ذلك‬ ‫مما يتعلق بأحوال هذا الجيل المثقف؛ المحارَب من‬ ‫شتى صنوف أعدائه‪ ،‬الحقيقيين والوهميين منهم‪..‬‬ ‫ولنقرأ بعضا من الحوارات التي تجري بينهما‪ ،‬أو‬ ‫تلك التي تدور كمنولوج داخلي‪ ،‬كلها تختزل الكامن‬ ‫اليائس والمتذمر والمتسائل أي�ض��ا ل�ه��ذا الجيل‬ ‫الضائع‪:‬‬

‫((أي �ت �ه��ا ال �ش �م��س‪ ،‬ل �م��اذا رغ ��م رح�ي�ل��ك نحس‬ ‫باالنتشاء‪ ،‬ونجد رحيلك اختزاال أللف س��ر؟)) أو‬ ‫((رحيلك رغم المهانة والظلمة يوحي لنا بان الحياة‬ ‫مستمرة))‪..‬‬

‫يمكن أن نعثر م��ن خ�لال ه��ذه المنولوجات‬ ‫الداخلية أيضا على العديد من الرؤى واألفكار‬ ‫التي تمس حياة الشابين الثقافية واالقتصادية‬ ‫أوالسيسيولوجية‪ ،‬مثلما نتعرف على المنحى‬ ‫التساؤلي أو الفلسفي للشخصيتين‪ ،‬فشخصية‬ ‫ كوثر ‪ -‬تتطابق مع شخصية الكاتبة على ما يبدو‪،‬‬‫والتي كانت تدون األحداث في دفتر رافقها طويال‪،‬‬ ‫وكأنها تخطط لكتابة سيرة حياتها‪ ،‬غير أنها ظلت‬ ‫أمينة بشكل واض��ح على خط سيرها الفني‪ ،‬من‬ ‫دون الوقوع بالسطحية والمباشرة‪ ،‬برغم االنغماس‬

‫اجلوبة ‪ -‬شتاء ‪1431‬هـ ‪71‬‬


‫باألحداث والتفاصيل اليومية والحياتية العادية التي‬ ‫تحتاج إلى التنقل بحذر بين محطاتها‪ ،‬وصوال إلى‬ ‫دوائرها المعقدة والشائكة‪ ..‬إذاً‪ ,‬أمسكت الكاتبة‬ ‫بخيط سردها المميز‪ ،‬وه��ي ت��زاوج بين خطابها‬ ‫الحياتي الصعب والجاف‪ ،‬وبين روح الشعر والتأمل‬ ‫التي تميز هذا العمل‪ ،‬وتعطيه نكهة خاصة‪ ..‬ولنقرأ‬ ‫بعضا مما تفيض به ه��ذه الصور التي توحي بما‬ ‫ذكرناه‪(( :‬ذهبت إلى السيد البحر لتزف إليه الخبر‪،‬‬ ‫أمام السيد البحر الذي كانت مياهه خشبة مسرح‪ ،‬بما يتشابك من خيوط هذا الواقع التي تتلبسهم‬ ‫أبطالها‪ :‬موج رمل وصخر)) ص‪.39‬‬ ‫بالفجيعة‪ ،‬طالما ظلت مقترنة باإلحساس الموجع‬ ‫أو ه��ذه ال �ص��ورة األخ ��اذة ال�ت��ي تختزل الكثير للحرية المفتقدة والمنشودة لهذا الجيل عموما‪.‬‬ ‫من األحاسيس المتماوجة لدى الطيف المحوري ففي حوار آخر بينها وبين ‪ -‬نور ‪ -‬يتجسد حجم‬ ‫للرواية‪:‬‬ ‫هذا اإلحساس المفجع بالحرية بشكل صريح‪:‬‬ ‫((وم��ا الفرق في البحر إال صورة غرقنا في‬ ‫الحياة معكوسة على شاشة البحر)) ص‪..40‬‬ ‫هكذا تنسج خيوط (غزل الحكي) لدى ‪ -‬حبيبة‬ ‫زوكي ‪ -‬رصد خفي مهاري ورشيق‪ ،‬يريد قول كل‬ ‫شيء بين القوة والضعف‪ ،‬بين الصمت والفعل باتجاه‬ ‫حلم التغيير الشاق وشبه المستحيل‪ ،‬س��رد يبغي‬ ‫اختزال األبعاد الزمنية‪ ،‬وينقب في ما حولها من‬ ‫انعكاسات وإرهاصات تدور في مخيلة وعقل هذا‬ ‫الجيل الذي يتالطم بين أمواج الماضي والحاضر‬ ‫والمستقبل كذلك‪ ..‬سرد ينقب في دهاليز الذات‬ ‫ال�م�ت��ذم��رة والمشتتة ال�ب��اح�ث��ة ع��ن خ�ل�اص‪ ،‬فمن‬ ‫الصعب أن نحيا ونحتمي بالمبادئ والشعارات دون‬ ‫انكسار؛ بينما تفتك بالعصر آفات خطيرة أبرزها‬ ‫االزدواجية‪ ،‬ومن الصعب أن يهاجر المرء إلى مدن‬ ‫وع��وال��م وأم��اك��ن أخ��رى من دون أن يتذوق ((هذه‬ ‫الهجرة الرائعة خ��ارج نفوسنا ولغاية واح��دة هي‬ ‫إيجاد هذه النفوس)) ص‪ ،71‬كما أنه من الصعب‬ ‫أن تؤمن بالحرية وتعيش تحت وط��أة أحاسيسك‬ ‫((بأنك تمشي وتمشي لكنك محكوم عليك بعدم‬ ‫الوصول))‪ ،‬هكذا تصل الحال بشخصية ‪ -‬كوثر ‪-‬‬ ‫وهي تحاور أمها‪ ،‬إنها الصورة المقابلة لها وتمثل‬ ‫اعترافا باإلحباط ال تريد تصديقه أيضا‪ ،‬اعترافاً‬

‫‪72‬‬

‫* كاتب وشاعر من العراق‪.‬‬

‫اجلوبة ‪ -‬شتاء ‪1431‬هـ‬

‫((‪ -‬ما ذنبنا أن نصاب بالفجيعة؟‬ ‫ ذنبنا أننا آمنا بالحرية))‪..‬‬‫هكذا تمضي هذه القطعة الموسيقية المصورة‬ ‫بشجن بليغ‪ ،‬وهي تنمي كوامنها الضمنية باتجاه أفق‬ ‫مفتوح ينمو بتعدد صورته الداللية أو بتعبير ايتالو‬ ‫كالفينو ((إن الصور ذاتها هي التي تنمّي كوامنها‬ ‫الضمنية‪ ،‬أي القصة التي تحملها في داخلها))‪،‬‬ ‫فهذه الصور السردية حملت كوامنها أيضا باتجاه‬ ‫ذلك األفق المفتوح الذي ال ينتهي‪ ..‬وهذا هو سر‬ ‫تأثيرها البليغ‪ ،‬طالما ظلت الحكاية واقعة تحت‬ ‫مغزلها الواقعي والرمزي في آن معا‪ ،‬منذ المدخل‬ ‫األول ��ي ل�ه��ا‪ ،‬ك��اس�ت�ه�لال‪ ..‬وال ��ذي ت �ص��وره الرواية‬ ‫ه�ك��ذا ((خ�ل��ت ال�س��اح��ة إال م��ن ع�ج��وز تبحث عن‬ ‫نهايات الحكايات الغابرة في جسد الزمن العسير‬ ‫والضائع)) لتختتم في هذه الصورة المفتوحة أيضا‬ ‫((خ �ل��ت ال �س��اح��ة إال م��ن ع �ج��وز تعشق األخضر‬ ‫وتدوس األس��ود))‪ ،‬وهي صورة داللية موحية غاية‬ ‫في األهمية والجمال‪ ،‬تبعث فينا تلك ال��روح التي‬ ‫تعشق االن�ت�ف��اض��ة م��ن رم ��اد األش �ي��اء‪ ،‬روح طائر‬ ‫الفينيق الذي ينتفض من ركام الموت ليصنع الحياة‬ ‫مرة أخرى من بين ذلك الرماد‪..‬‬


‫قراءة في شعر ثاني احلميد‬

‫ن�������������������������������������ق�������������������������������������د‬

‫انغماس الشاعر في الثقافة العربية وسبر أغوارها أملكه القدرة على‬ ‫التأثير غير المصنوع في متلقيه‬

‫من خالل قصيدة «أبحرت في عينيك»‬

‫(‪)1‬‬

‫> د‪ .‬محمود عبداحلافظ خلف الله*‬

‫ذكر أبو عمرو عثمان بن بحر الجاحظ في كتابه «البيان والتبيين» أن المعاني واألفكار‬ ‫ملقاة في الطرقات‪ ،‬ليست صفاتها حكرً ا على امريء دون غيره‪ ،‬فإذا ما تناولها الشاعر‪..‬‬ ‫وعبّد بنيتها‪ ،‬ثم رصفها ليسكنها عواطفه ووجدانه‪ ،‬صارت ملكً ا له دون غيره‪.‬‬ ‫إن المتأمل في هذه المقولة‪ ..‬يقرأ فيها العديد من األسس والمبادئ النقدية‪ ،‬كما‬ ‫يلحظ فيها إشارة الجاحظ ‪ -‬رحمه الله ‪ -‬إلى بصمة األديب نفسه في تناوله لألفكار‬ ‫والمعاني‪ ،‬وهو في الواقع أحد أهم المعايير التي يحكم بها على جودة الشعر وخصوبة‬ ‫الشاعرية‪.‬‬ ‫فليس شعرًا الذي ال تشعر فيه بحرارة‬ ‫الصدق‪ ،‬و تسمع فيه دقات القلب‪ ،‬وأنين‬ ‫األل��م‪ ،‬من خ�لال الصور الكلية والجزئية‬ ‫النابعة من العاطفة والفكر معًا‪ .‬وفي هذا‬ ‫السياق‪ ،‬يؤكد جاكسيون أن الشعر يتمركز‬ ‫حول االستعارة كتقنية أسلوبية؛ ألن الصور‬ ‫االبتكارية التي يخلقها الشاعر‪ ،‬هي التي‬ ‫تقوده إل��ى اقتناص المسافات الشاسعة‬ ‫بالتعبير الكامل عن مشاعره الكامنة في‬ ‫لحظة تصادمه مع المحيط حوله‪.‬‬ ‫ف��ي ال��واق��ع‪ ،‬ل��م ت��أت ه��ذه التوطئة من‬

‫فراغ‪ ،‬أو لمجرد التقديم‪ ،‬إال أنها تداعيات‬ ‫أثارتها قراءتي لبعض قصائد الشاعر فوق‬ ‫ال �ع��ادة ث��ان��ي ال�ح�م�ي��د‪ ..‬ال ��ذي امتلك من‬ ‫الموهبة واإلب��داع ما جعله يكسر حواجز‬ ‫المعقول إلى الالمعقول‪ ،‬ويطوف بأرواح‬ ‫المعاني واألفكار بين الماضي والحاضر‪.‬‬ ‫لقد امتلك من القدرة اللغوية التي أملكته‬ ‫نواصي اللغة‪ ..‬فانسابت األلفاظ والمعاني‬ ‫بين يديه عذوبة وتدفقًا‪ ،‬وتكسرت أمام‬ ‫شاعريته كل الحواجز؛ فحلق بشعره في‬ ‫سماء الفكر والوجدان معًا‪ .‬تأخذك جرأته‬

‫اجلوبة ‪ -‬شتاء ‪1431‬هـ ‪73‬‬


‫واقتحامه النقاط الحصينة في أعماق النفس‪،‬‬ ‫ويستثني فيك اإلحساس بحواجز الزمن‪ ،‬بعد‬ ‫أن يستسلم له القارئ‪ ..‬فيطوف به بين الماضي‬ ‫والحاضر‪ ،‬في مساحة من الالمعقول‪ ،‬تتنافى مع‬ ‫إعمال اإلرادة التخاذ أي قرار غير الذي يريده‬ ‫الشاعر نفسه‪.‬‬

‫أك�ث��ر م��ن دالل���ه‪ ..‬فالهائم ه��و ال��ذي ال يتحكم‬ ‫ف��ي م�ش��اع��ره‪ ،‬ب��ل ينسى نفسه‪ ،‬وال يشعر بها‬ ‫إال عندما يهتدي لغايته‪ ،‬كما أن الهيام مثلما‬ ‫أيضا يناسب بيئة‬ ‫يتناسب مع طبيعة الشوق‪ ،‬هو ً‬ ‫الصحراء التي نبت فيها الشاعر‪ ،‬هذا فضلاً عن‬ ‫أن الفعل المضارع يدل على التجدد واالستمرار‬ ‫واستحضار الصورة‪ ،‬فحبه مستمر دون انقطاع‪..‬‬ ‫وبالقوة نفسها‪ .‬أما قوله أن��ت‪ ،‬فهو استحضار‬ ‫لصورتها في ذهنه‪ ،‬وفيه إفساح جيد يسقطه‬ ‫القارئ على نفسه أحيانًا‪ ،‬ما يزيد من مساحة‬ ‫المصداقية التي سلف الحديث عنها في التوطئة‬ ‫السابقة‪.‬‬

‫ومن أهم قصائد الشاعر ثاني الحميد التي‬ ‫أتت من هذه المساحة اإلبداعية غير المألوفة‬ ‫قصيدة «أبحرت في عينيك»‪.‬‬

‫ثم ع��اود مخاطبتها بفعل المضارع لتجديد‬ ‫العهد معها أو مع نفسه على الحب‪ ،‬ولم ال؟ فهو‬ ‫يراها في نفسه‪ ،‬فهي ليست بعيدة عنه‪ ،‬تسكن‬ ‫وجدانه وأعماقه‪ ،‬فعندما يبحر إليها‪ ،‬فإنه في‬ ‫الواقع يبحر في أعماق نفسه في عالم الالحدود‪،‬‬ ‫فأصبح الحال وصاحبه في الوقت ذاته‪.‬‬

‫إن الشاعر ال��ذي يسلمه ال�ق��ارئ نفسه‪ ،‬وال‬ ‫يستطيع أن يتخلص م��ن سيطرته العاطفية‬ ‫والوجدانية‪ ..‬هو بالتأكيد ‪ -‬أقصد الشاعر ‪-‬‬ ‫ليست إبداعيته في المساحة التي يلتقي فيها‬ ‫كثير من الشعراء؛ لكنه يتجاوز هذه اإلبداعية‬ ‫إلى مساحة من الفري غير المألوف‪.‬‬

‫لقد عرض هذه السيمفونية البارعة‪ ،‬في سرد‬ ‫قصصي مثير حالم‪ ،‬مزج فيها بعبقرية فريدة‬ ‫بين الحقيقة والخيال‪ ،‬ولعبت فيها االستعارة‬ ‫دور البطل الحقيقي‪ ،‬وال�ت��ي استطاع الشاعر‬ ‫من خاللها أن ينقلنا بكل انسيابية بين الحلم‬ ‫والحقيقة‪ .‬وق��د س��اع��ده ف��ي ذل��ك استخدامه‬ ‫لعناصر وم �ف��ردات البيئة ح��ول��ه؛ حيث صبغته‬ ‫ال�ب�ي�ئ��ة ال �ص �ح��راوي��ة ب��ات �س��اع ف �ك��ري وعاطفي‬ ‫مترامي األطراف‪.‬‬ ‫أهيم بحبك في كل ساح‬ ‫وأنًى ذكرتك‬ ‫أنت بقلبي الجراح‬ ‫وأبحر وحدي إليك‬ ‫لقد نعت نفسه بالهائم المكبّ على وجهه؛‬ ‫فقد أسلم نفسه إلى هذا الحب‪ ،‬فأضحى تائهًا‬ ‫بين شعاب هذه الذكريات التي تمتد إلى حيث‬ ‫ال يعلم‪ ..‬وهنا‪ ،‬استخدم الفعل أهيم؛ ليحمله‬

‫‪74‬‬

‫اجلوبة ‪ -‬شتاء ‪1431‬هـ‬

‫أصارع شوقي‬ ‫إلى نظرة السحر في ناظريك‬ ‫وأبحر وحدي‬ ‫وقد عصفت بالفؤاد الجراح‬ ‫وفي خافقي قد غرست الرماح‬ ‫ويعلن من خالل هذه األبيات أنه فارس نبيل‬ ‫يحب ويعشق‪ ،‬ولكنه يترفع عن كل ما يشينه أو‬ ‫يشين محبوبته‪ ،‬فهو يصارع نفسه أن تتنازل عن‬ ‫أخالق الفرسان العرب وتضحياتهم حتى الموت‪،‬‬ ‫في سبيل حبهم دون أن ينال ذلك من كبريائهم‬ ‫أو نبلهم‪ .‬الفعل المضارع يؤكد على استمرارية‬ ‫ال�ص��راع الداخلي‪ ،‬وأي�ض�اً استمرارية الحفاظ‬ ‫على م�ب��ادئ ال�ح��ب ال�ش��ري��ف؛ واس�ت�خ��دم سحر‬ ‫العيون‪ ،‬وهو سمة الجمال العربي الذي يتغنى بها‬


‫ونمشي سويًا‬

‫وق��د ع��اد على بدء‪،‬‬ ‫بقوله‪« :‬أب�ح��ر وحدي»؛‬ ‫ليؤكد اإلصرار والتحدي‬ ‫ون �ش��رب م��ن صفو‬ ‫وإبقائه على العهد رغم‬ ‫كأس الغرام الرحيق‬ ‫ال� �ج ��راح ال �ت��ي عصفت‬ ‫يعاود الشاعر مرة‬ ‫بقلبه‪ ،‬واستخدام الفعل‬ ‫ثانية للتغزل في عينيها‪،‬‬ ‫ع� �ص� �ف ��ت ف � ��ي صيغة‬ ‫فهو هنا‪ ،‬يسافر فيها‬ ‫الشاعر ثاني الحميد‬ ‫ال� �م ��اض ��ي ي ��ؤك ��د على‬ ‫بعد أن أعلن أن عينيها‬ ‫شاعريته وتقنية انتقائه ألل�ف��اظ��ه ومفرداته؛‬ ‫فزمن الماضي يدل على التحقق والثبات‪ ،‬وهو حبه‪ ،‬وهذا التشبيه البليغ تأكيد منه على جمال‬ ‫بذا يؤكد على أن ما أصابه من هذا الحب واقع عينيها؛ لذا‪ ،‬جاءت الصورة بعدها ممتدة‪ ..‬فهو‬ ‫فعلي ال يخفى على أحد بما فيهم المحبوبة‪ ،‬كما يسافر في عيونها‪ ،‬والسفر هنا يحمل دالالت‬ ‫أن الفعل عصفت أقوى بكثير من قوله وقعت أو كثيرة؛ فقد جعل عينيها ج�س�رًا يعبر منه من‬ ‫أصابت؛ ألن العصف فيه ضياع وتدمير وهالك‪ ،‬الحقيقة إل��ى ال�خ�ي��ال‪ ،‬فعندها يتوقف عامل‬ ‫وأ ّك��د ذلك في البيت الالحق ب��األداة التي طعن الزمن في موقف استثنائي‪ ،‬ليعبر من خالله إلى‬ ‫بها قلبه‪ ..‬وهي رماح العين‪ ،‬حيث شبه نظرات اإلبحار في أعماق نفسه التي يراها في عينيها‪،‬‬ ‫العيون العربية الجميلة بالرماح التي أدمت قلبه فهي ليست كيانًا آخر ولكنها ذاته‪.‬‬ ‫وعصفت به‪.‬‬ ‫إنها قد رسمت بعينيها دربه الذي يسير فيه‪،‬‬ ‫ولعله يلحظ استخدامه لعناصر البيئة العربية عندما ي�ق��ول» س��و ًي��ا» أو «أن��ت ال��رف�ي��ق»؛ فهذا‬ ‫ف��ي ق��ول��ه ال��رم��اح‪ ،‬ك��أح��د أدوات ال �ح��رب التي تأكيد منه على أنهما كيان واحد‪ ،‬الروح والجسد‬ ‫استخدمها العرب عبر العصور القديمة‪ ،‬ويشار ال ينفصالن‪ ،‬روحها التي تسكنه‪ ،‬هي نفسها التي‬ ‫هنا إلى أنه رغم انتماء الشاعر ثاني الحميد إلى تنير طريقه بين الدروب‪ ،‬ويمشيان سويًا إلى خلد‬ ‫جيل الحداثة‪ ،‬إال أن شاعريته مصبوغة بصبغة العاشقين‪ ،‬وكأنه جعل من حبها جنته‪ ،‬ودلل على‬ ‫المحافظين‪ ،‬ويبدو ذلك جليًا في صوره وألفاظه‪ ،‬ذلك بأن شرابهم فيها رحيق‪.‬‬ ‫ن�� �غ�� �ن� ��ي ل � �ل � �ح� ��ب‪،‬‬ ‫للعاشقين‬

‫ن�������������������������������������ق�������������������������������������د‬

‫كثير م��ن الشعراء على‬ ‫مر العصور‪.‬‬

‫تنيرالطريق‬

‫فهو بذلك يمثل التجديد ال��ذي ل��م ي�ت��ورط في‬ ‫أي إب� ��داع‪ ،‬وأي ��ة ع�ب�ق��ري��ة جمعتها األبيات‬ ‫أخطاء العصرية المطلقة‪.‬‬ ‫ال �س��اب �ق��ة‪ ،‬ف �ق��د ق ��دم ال �ش��اع��ر ل��وح��ة ف�ن�ي��ة لو‬ ‫اس �ت �ط��اع أن ي��رس�م�ه��ا ف �ن��ان ع�ب�ق��ري لتحيرت‬ ‫وعينيك حبي‬ ‫في عبقريتها األل�ب��اب‪ ،‬فقد استطاع أن يرتقي‬ ‫أسافر فيها‬ ‫بداللته الشعرية إلى إضفاء الصفات اإلنسانية‬ ‫وأمضي لدربي‬ ‫على ك��ل المحسوسات ال�م��ادي��ة والمعنوية من‬ ‫وأنت الرفيق‬ ‫حوله‪ ،‬فصارت األبيات بمثابة صورة كلية ركَب‬ ‫عناصرها من الطبيعة حوله‪ ،‬ثم جعلها نابضة‬

‫اجلوبة ‪ -‬شتاء ‪1431‬هـ ‪75‬‬


‫ب��ال�ح�ي��اة م��ن خ�ل�ال األص� ��وات ال�م�س�م��وع��ة في‬ ‫الغناء للحب والعاشقين‪ ،‬ولون الضوء الذي ينير‬ ‫الطريق‪ ،‬والحيوية والحركة في السفر والتنقل بين‬ ‫الدروب؛ وهذا يذكرنا بقول «سيشل داي لويس»‪:‬‬ ‫«إن الصورة الشعرية رسم قوامه الكلمات»‪ ،‬إنها‬ ‫بحق لوحة فنية بديعة‪.‬‬ ‫وأنت بقربي‬ ‫أقول أحقًا حبيبي بجنبي‬ ‫أحقًا حبيبي‬ ‫أودع همي‬ ‫وأشجان قلبي‬ ‫فتحكي العيون وتسبل أهدابها في خشوع‬ ‫نضم كلينا بشوق الغريب‬ ‫يهم إلى أهله بالرجوع‬ ‫فتخفق منا القلوب‬ ‫وتهمس أرواحنا للضلوع‬ ‫ق��د ال يصدق المحب نفسه‪ ،‬فالزمن يكون‬ ‫استثنائيًا ف��ي لحظات ال �س �ع��ادة‪ ،‬يمر سريعًا‬ ‫قبل أن يستفيق العشاق من نشوة اللقاء‪ ،‬ويدلل‬ ‫على ذلك بقوله‪ »:‬أحقًا حبيبي بجنبي؟» « أحقًا‬ ‫حبيبي»؟ التكرار هنا يفيد التوكيد‪ ،‬فهو مشدوه‬ ‫ال يصدق نفسه‪ ،‬وه��ذه اللحظات التي يختلط‬ ‫فيها النوم باليقظة والحقيقة بالخيال‪ .‬وعندئذ‬ ‫يلقي كل همومه على شواطىء الماضي الحزين‪،‬‬ ‫ثم يبحر في أمواج عينيها‪ ،‬فتستسلم في خشوع‪،‬‬ ‫ليسبحا سويًا في الغرام الالمحدود‪ ،‬وفجأة يفتح‬ ‫عينيه ليعاني مرارة الحقيقة‪ ،‬فما أجمل الحلم‬ ‫في عشق يستحيل فيه الواقع‪ .‬يستفيق الشاعر‬ ‫م��ن نومه وه��و يشعر بصدى خفقان قلبها في‬ ‫صدره‪ ،‬وهمس أنفاسها يلهب جسده‪.‬‬ ‫لقد حوت هذه األبيات موسيقى داخلية نابعة‬ ‫من تخير الشاعر أللفاظه التي تعبر بصدق عن‬ ‫عاطفته؛ فيستشعرها القارئ عزفًا على أوتار‬

‫‪76‬‬

‫اجلوبة ‪ -‬شتاء ‪1431‬هـ‬

‫قلبه‪ ،‬إن الموسيقى الخارجية ومصدرها الوزن‬ ‫والقافية في الشعر العمودي وال��وزن فقط في‬ ‫شعر التفعيلة‪ ،‬إضافة إلى المحسنات البديعية‬ ‫من تجانس وغيره‪ ،‬رغم أهميتها وقوة تأثيرها‪،‬‬ ‫إال أنها ال تعادل في وقعها على النفس الموسيقى‬ ‫الداخلية التي سلف ذكرها‪ ،‬وفي الواقع مثلت‬ ‫األبيات السابقة سيمفونية موسيقية رائعة‪ ،‬يتردد‬ ‫صداها عاليًا‪ ،‬لينبه في القارئ جميع حواسه؛‬ ‫فيوقظ فيه األحاسيس التي سكنت مؤقتًا في‬ ‫ذاك��رة ال��وج��دان‪ ،‬ويبعث الذكريات الدفينة في‬ ‫أروق��ة الماضي؛ إن الشاعر ال��ذي يمتلك هذه‬ ‫المهارة من الصدق العاطفي والدقة في التعبير؛‬ ‫هو في الواقع يكتب لشعره الخلود عبر الزمن‪،‬‬ ‫ألن اإلنسان قد ينسى الواقع الذي يحياه‪ ،‬ولكنه‬ ‫يستحيل أن ينسى ما يشعره بلذة هذا الواقع متى‬ ‫ما أراد‪.‬‬ ‫لقد ذكر األدي��ب المصري «نجيب محفوظ»‬ ‫في هذا السياق‪« :‬إن الواقع يموت عبر الزمن‬ ‫ب�م��وت م��ن يحيوه‪ ،‬أو بتقادم األح���داث‪ ،‬إال أن‬ ‫األدب يستحيل أن يموت‪ ،‬فهو أبقى من الواقع؛‬ ‫ألنه ال يعبر عن شخص بعينه‪ ،‬بل هو تعبير عن‬ ‫البشرية ف��ي ك��ل زم��ان وم �ك��ان‪ .» .‬وت��ؤك��د هذه‬ ‫العبارة أن صفة الخلود التي تنعت بها األعمال‬ ‫األدب �ي��ة ليست مطلقة‪ ،‬ولكنها تأتي على قدر‬ ‫براعة األديب في مالمسة المراكز الدقيقة من‬ ‫عاطفة ووجدان البشر‪.‬‬ ‫وأصحو وحيدًا‬ ‫وأسأل عنك المنام الحزين‬ ‫وأسأل عنك الطريق‬ ‫وأعرف أني ببحر من الوهم‬ ‫وحدي غريق‬ ‫فها أنذا مبحر في عباب الضياع‬ ‫بزورق شوق بغير شراع‬ ‫فلو يبتلعني العباب‬


‫وعلى ال�ت��وزاي من مسحة األصالة في شعر‬

‫الحميد‪ ،‬تجلت الحداثة أيضا بأبرز خصائصها‪،‬‬

‫يستفيق الشاعر م��ن حلمه وح �ي �دًا‪ ،‬فيسأل وهي الحديث الصادق عن النفس؛ ألن الحداثة‬ ‫المنام الحزين ع��ن السبيل إل��ى السعادة التي كما يراها الدكتور عز الدين إسماعيل‪ ،‬رحمه‬ ‫سلبها منه الواقع‪ ،‬ولكن يكتشف أنه بوهم كبير‪..‬‬ ‫الله‪ ،‬هي أن تقول نفسك قبل أن تقول غيرك‪ ،‬وأن‬ ‫هيهات هيهات أن يكون ل�لأوه��ام شطآن‪ .‬لقد‬ ‫تصدق نفسك كي يكون عرضك لآلخر صدقًا‪.‬‬ ‫أضحى غريقًا في بحر ليس له ح��دود‪ ،‬يواجه‬ ‫إن ان �غ �م��اس ال �ش��اع��ر ف��ي ال�ث�ق��اف��ة العربية‬ ‫أم��واج الضياع‪ ،‬لقد فقد نفسه‪ ،‬وأصبح يستقل‬ ‫زورقًا من أشواقه‪ ،‬ولكنه فقد شراع اإلبحار‪ ،‬فقد وسبر أغوارها‪ ،‬أملكه القدرة على التأثير غير‬ ‫الحلم الذي كان يقوده إلى محبوبته‪ ،‬إلى نفسه ال�م�ص�ن��وع ف��ي متلقيه‪ ،‬م��ن خل��ال التعبير عن‬ ‫التي يبحث عنها ليبحر فيها‪.‬‬ ‫مشاعر العاشقين‪ ،‬متمثلة في تجربته بمساحة‬

‫ن�������������������������������������ق�������������������������������������د‬

‫أقول وداعً ا أماني الشباب‬ ‫ولو تعترضني الرياح‬ ‫أقول سالمًا لكل الجراح‬

‫الخاصة من التجديد‪.‬‬

‫ل �ق��د ض��اع��ت أم �ن �ي��ات ال �ش �ب��اب‪ ،‬وتحطمت غير محدودة من الصدق التي تجعل المتلقي في‬ ‫األح�ل�ام على صخرة ال��واق��ع‪ ،‬ولكنه رغ��م ذلك أي زمان ومكان‪ ،‬يعيش انفعاالت الذات الشاعرة‪،‬‬ ‫يصر على البحث ع��ن ذات��ه‪ ،‬يصر على العبور وهي تبوح بأسرارها في عالقتها بمن تحب‪ ،‬في‬ ‫إل��ى المستحيل‪ ،‬ال ب��د أن يقتحم ك��ل الصعاب لحظات انتصارها أو انكسارها‪.‬‬ ‫حتى ولو كانت مستحيلة‪ ،‬ويجعل الخيال حقيقة‬ ‫وأخ�ي�رًا‪ ،‬لقد استطاع الشاعر ثاني الحميد‬ ‫باستثناء نفسه من القواعد الكونية‪ ،‬إنه سوف‬ ‫أن يعرض ه��ذه القصيدة «أبحرت في عينيك»‬ ‫يقاوم ويقاوم‪ ،‬سوف يصمد حبه أمام رياح الزمن‬ ‫في س��رد قصصي مبدع‪ ،‬من خ�لال استخدامه‬ ‫العاتية‪ ،‬أمام صخور الواقع الصلبة‪ ،‬مرحبًا بكل‬ ‫ألسلوب التداعي الذي ابتكره األديب األيرلندي‬ ‫الجراح التي تشعرني بنشوة الحب‪.‬‬ ‫جيمس جويس ف��ي رواي �ت��ه «ع��ول�ي��س»‪ ،‬ث��م شاع‬ ‫إن المتأمل ف��ي شعر ث��ان��ي الحميد‪ ،‬بوجه‬ ‫استخدامه بعد ذلك‪ ،‬نظرًا لقدرة هذا األسلوب‬ ‫عام‪ ،‬وفي هذه القصيدة‪ ،‬بوجه خاص‪ ،‬يصل إلى‬ ‫على التعمق في حنايا النفس البشرية وأحوالها‬ ‫مجموعة من الحقائق‪ ،‬أهمها رغم أنه جديد في‬ ‫المختلفة عبر تعاقب األزم�ن��ة‪ ،‬وتبدل األماكن‬ ‫شكله من خالل انتمائه إلى شعر الحداثة‪ ،‬إال أنه‬ ‫تغلغل فيه نبض القديم وروحه‪ ،‬بيد أنه كثيرًا قد ال �م �خ �ت �ل �ف��ة‪ ،‬م ��ن خ�ل�ال ال� �م ��زج ب �ي��ن الحقيقة‬ ‫يتصادف أن يكون الشعر في تجربته الجديدة والخيال‪ ،‬والماضي والحاضر؛ مما يفجر في‬ ‫ أقصد شعر التفعيلة أو الشعر الحر ‪ -‬مجرد المتلقي ذكريات الحب والسعادة والحزن‪ ،‬وهو‬‫اح �ت��ذاء وتقليد للنماذج الجيدة واألص�ي�ل��ة‪ ،‬ال بذلك استطاع أن يرسم على قصيدته ظاللاً ال‬ ‫يتجاوز الشكل أو الظاهر‪ ،‬بينما يخلو من فنياته تمحى من ذاكرة الوجدان‪.‬‬ ‫(‪ )1‬الشاعر ثاني الحميد شاعر من الجوف تعود تجربته الشعرية إلى نهاية الستينيات الميالدية وبداية السبعينيات‪ .‬له‬ ‫كتاب «قبس من التربية» صدر في منتصف الستينيات الميالدية‪.‬‬ ‫* جامعة الجوف‪.‬‬

‫اجلوبة ‪ -‬شتاء ‪1431‬هـ ‪77‬‬


‫رواية «دابادا» حلسن مطلك‬

‫السرد املراوغ‬ ‫الروائي وقوة‬ ‫جمال ّية املعمار‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫> هشام بن الشاوي*‬ ‫يستهل حسن مطلك روايته الماتعة «داب��ادا» بوصف الخريف‪( ،‬وه��و فصل الكآبة‬ ‫بامتياز‪ ،‬حيث يثير قدومه في النفس شجنا مجهوال‪ ،‬وخوفا مبهما من النهايات)‪ ،‬وهاجر‪/‬‬ ‫أم شاهين وهي تلملم الحطب‪ ،‬فتشتعل الذكرى الخريفية التي ال تخبو‪ :‬ذكرى محمود‪،‬‬ ‫ال��زوج الذي ضاع في البراري بسبب أرنب مبقع‪ ،‬ويصافح القارئ حزنها غير المعلن‬ ‫عنه‪ ،‬الحزن على االبن المنعزل عن الناس‪ ،‬األبله الذي لم يتجاوز الطفولة‪ ،‬وهو في سن‬ ‫السابعة والعشرين؛ وال يمكن أن نغفل الداللة العميقة لهذا الرقم المقدس دينيا‪.‬‬ ‫ونبدأ في التعرف على شاهين‪ ،‬وهوايته‬ ‫الوحيدة في غرفته العلوية‪ ،‬وهي التلصص‬ ‫على الصباحات ال�ن��دي��ة‪ ..‬يستيقظ قبل‬ ‫ال�ش�م��س ل �ي��رى ال �ط �ي��ور‪ ،‬وف �ج��ر الحقول‬ ‫يتسلل إلى غرفته‪.‬‬

‫المعنونة‪ ،‬أما رواية «داب��ادا»‪ ،‬فتبدو أشبه‬ ‫بسباق ماراثوني‪ ،‬سباق يتحدى فيه حسن‬ ‫مطلك نفسه ال غير‪ ،‬غير معني بمجاراة أو‬ ‫محاكاة ما يكتبه الكتبة أو أصحاب «دكاكين‬ ‫األدب» ‪ -‬كما كان يدعوهم ‪ -‬من روايات‬ ‫ترمى بعد ال�ق��راءة األول��ى‪ ،‬مثل المناديل‬ ‫الورقية!!‬

‫للتوضيح‪ ،‬الرواية ‪ -‬كما أكد الكثيرون‬ ‫ من الصعب اإللمام بتفاصيلها‪ ،‬حيث أن‬‫السارد العليم يراوغ القارئ عبر رواية تبدو‬ ‫ال أن�ك��ر أن�ن��ي كنت أه�ج��ره��ا لفترات‪،‬‬ ‫مثل قصة مسترسلة‪ ،‬عكس بقية الروايات م �س �ت��ا ًء م��ن ت�لاع �ب��ات ال �ك��ات��ب بالقارئ‬ ‫ال �ت��ي ت�ت�ي��ح ل �ل �ق��ارئ‪ ،‬م�ح�ط��ات استراحة وب��األح��داث وال�ش�خ��وص‪ .‬أحيانا‪ ،‬أضجر‬ ‫واس �ت �ج �م��ام ب �ي��ن ال �ف �ص��ول ال �م��رق �م��ة أو من لغتها الشعرية المتعالية الباذخة‪ ،‬إذ‬

‫‪78‬‬

‫اجلوبة ‪ -‬شتاء ‪1431‬هـ‬


‫ترى إخالصه كبقية األبناء‪ ،‬حيث يسألون عن‬ ‫طبخة اليوم‪ ،‬فقط ترى جحودًا مشعًا‪ ،‬وتنادي‬ ‫عليه أن ينزل‪ ،‬ويغادر شباك الضحك‪ ،‬والجيران‬ ‫الالّهين‪ ،‬المحتفلين بـ «ذكرى المعذب صابر يوم‬ ‫األربعاء بعد المطر»‪ ،‬تأمره أن يلبس ويتبعها‪،‬‬ ‫بعد أن تصفعه‪ ،‬وم��ن بين أص��وات الحيوانات‬ ‫وال�ح�ش��رات‪ ،‬ك��ان يكتفي باإلصغاء إل��ى حفيف‬

‫ونلمح شاهيناً في شباك الضحك‪ ،‬والفتحات‬ ‫(األف� � ��واه) ال �س��ت غ��ارق��ة ف��ي ن�ش�ي��د الضحك‬ ‫المتواصل‪ ،‬وحين يسمع صرير الباب‪ ،‬يندس في‬ ‫الفراش‪ ،‬وتسأله أمه عن سبب تركه لها وهروبه‪،‬‬ ‫وتخبره بضرورة البحث معها عن أبيه في الغد‪،‬‬ ‫فهو ما زال ح ّياً‪ ،‬كما قالت وزة‪ .‬في الجوار‪ ،‬يخبو‬ ‫ال�ض�ح��ك‪ ،‬وي ��ذوب ف��ي ت��أم��ل م �ف��ردات المشهد‬

‫لكن‪ ،‬وأنا أقرأ الرواية‪ ،‬كنت أتخيلها سيناريو‬ ‫سينمائيٍّ ‪ ،‬حيث يعنى الكاتب بالمؤثرات الصوتية‪،‬‬ ‫برسم اإلطار (الكادر)‪ ،‬وبناء المشاهد على طريقة‬ ‫التقطيع السينمائي‪ ،‬حيث تتجاور اللقطات‪،‬‬ ‫تتداخل‪ ،‬وتتوازى؛ ولن نستغرب‪ ،‬فحسن مطلك‬ ‫كان رساما‪ ،‬وهذا ما يفسر وجود شخصية عواد‪،‬‬ ‫�ص��ا‪ ،‬حيث‬ ‫ويلج شاهين مقهى صغيرًا رخ�ي� ً‬ ‫الفنان التشكيلي المحبط‪ ،‬الـ«ملتاع مثل خسارة ال��وج��وه القاسية تدخل بصحبة غبار الطريق‪،‬‬ ‫نهائية»‪ .‬تأملوا جيدا هذا التشبيه‪ ،‬حتى تشفقوا وتنساب الذكريات‪ ،‬الضحك والمزاح الثقيل‪..‬‬ ‫على قارئ هذه الرواية!!‬ ‫في انتظار الغائبة‪ .‬لكن‪ ،‬يخيل إلينا أنه كان يحلم‬ ‫فقط‪ ،‬كما أن السارد لم يحدد لنا أين اتجه مع‬ ‫ولنعد إلى المتن الحكائي‪.‬‬ ‫والدته؟!‬ ‫تذهب األم إلى المطبخ‪ ،‬وتوقد ما تبقى من‬ ‫ي �ع��ود ال��س��ارد ل�ي�غ��وص ف��ي أع �م��اق شاهين‬ ‫الحطب‪ ،‬ونرى شاهينًا يتلصص على أربعة رجال‬ ‫وامرأتين في البيت المقابل له‪ ،‬يضحكون بعيون المفتقد للحميمية العائلية‪ ،‬وكذلك قسوة األب‬ ‫دامعة‪ ،‬وسط رفعة األثاث‪ ،‬ويبدو له «ترف الحياة الضائع في البراري‪ ،‬وهاجر تنتظر عند الباب‪،‬‬ ‫التي تعلو مقابل شباكه»‪ ،‬ثم يغوص في تخيالت في إش��ارة إلى جرحها النازف في صمت‪ ،‬وهو‬ ‫انتظار أشبه بانتظارات مسرح العبث‪ ..‬وسيدرك‬ ‫مستقبلية‪..‬‬ ‫تبدو هاجر في كامل أناقة الحداد‪ ،‬وتنتظر القارئ أن لشاهين رغبات حميمية أيضا‪ ،‬حيث‬ ‫أن يكبر ابنها‪ ،‬ال��ذي ال يشبه أب��اه‪ ،‬األب الذي غواية الحفيف السري للثياب‪ ،‬وه��ذا ما يفسر‬ ‫ك��ان مليئا بالغناء‪ ،‬وك��ان م�ي�لاده (األب) حدثا ب�ع��ودة الصبي‪ ،‬شاهين إل��ى بيت الغائبة‪ ،‬التي‬ ‫استثنائيا‪ ،‬وكان يركض خلف األرانب بعد خطواته تغيّب الحاضرين وهي تفك ضفائرها‪ ،‬ويغرق في‬ ‫األول��ى‪ .‬وشاهين ال يعرف كيف يقول‪ :‬أمي‪ ،‬وال أحالم هالمية‪ ..‬مرة أخرى‪.‬‬

‫ن�������������������������������������ق�������������������������������������د‬

‫تحس أن��ك بصدد ق��راءة قصيدة نثر سرمدية‪،‬‬ ‫فتضيع خيوط الحبكة في دروب المجاز‪ ،‬وأزقة‬ ‫االس�ت�ع��ارة‪ ،‬وت ��ارة‪ ،‬أس��أم أج��واءه��ا القريبة من‬ ‫الواقعية السحرية‪.‬‬

‫عباءة هاجر‪ ..‬وكما سبق وأشرنا‪ ،‬فالكاتب يعتمد‬ ‫على طريقة السرد السمع ‪ -‬بصري‪ ،‬مثل كتّاب‬ ‫ال�س�ي�ن��اري��و‪ ،‬حيث يمكنك تخيل المشهد بكل‬ ‫تفاصيله‪ ،‬واإلصغاء إلى ما يرافقه من أصوات‬ ‫خارجية‪ ،‬لكن حسن مطلك ال ينسى الغوص في‬ ‫أيضا‪ ،‬واإلصغاء إلى ضجيجهم‬ ‫أعماق شخوصه ً‬ ‫الداخلي‪ ،‬فيكتب عن شاهين ومشاعره الغريبة‬ ‫ونحس بأنه «ال يكرهها‪ ،‬لكنه فقط ال‬ ‫ّ‬ ‫باتجاه أمه‪،‬‬ ‫يعرف كيف يقول‪ :‬أمي»‪.‬‬

‫اجلوبة ‪ -‬شتاء ‪1431‬هـ ‪79‬‬


‫الليلي‪ ،‬يتذكر خديعة الختان‪،‬‬ ‫وهو الذي لم يضحك ضحكة‬ ‫حقيقية بعد تلك الخديعة‪.‬‬

‫منذ عشرين عامًا‪ ،‬بخالف‬ ‫ابنتها زه��رة‪ ،‬التي ال نعرف‬ ‫عنها م��ن خ�لال المتواليات‬ ‫ال�ح�ك��ائ�ي��ة س��وى أن �ه��ا أخت‬ ‫ع � ��واد‪ ،‬وت �ن �ص��رع ع �ن��د ذكر‬ ‫ال��زواج‪ ،‬وأمها تخشى مضي‬ ‫األع � � ��وام‪ ،‬وال� �ت ��ي ل ��ن تكون‬ ‫جديرة سوى بإقامة الصلوات‬ ‫وفق حسابات زوجها مسعود‪،‬‬ ‫وال ��ذي ينهرها ق��ائ�لا‪ ،‬حين‬ ‫يراها واقفة في الشباك‪:‬‬

‫ب�ع��د اح�ت�ب��اس ط��وي��ل عن‬ ‫رؤية الفصول‪ ،‬يقرر أن يخرج‬ ‫إل ��ى ال� �ن ��اس‪ ،‬ب �ع��د أن صار‬ ‫رض��اه ن��ادرًا‪ ،‬والرسائل تعاد‬ ‫إل��ى أصحابها حيث ال أحد‬ ‫يعرف شاهين محمود‪ .‬يخرج‬ ‫بخطوات مربوطة باتجاه وادي‬ ‫السدرة‪ ،‬ونخمن أن الروائي‬ ‫يكتب ع��ن قريته (اسديرة)‬ ‫ ل � �س� ��ت ص � �غ � �ي� ��رة يا‬‫ايحاءً‪ ،‬وعن العالقة الغريبة‬ ‫عجوزي‪.‬‬ ‫بين شاهين وع��واد‪ ،‬والحمير الطينية التي كان‬ ‫يتعلق بصر شاهين بها‪ ،‬وال يسقط عليها‪..‬‬ ‫يحطمها الرجل التقي (أب��و ع��واد) باعتبار أنها وعند النهر يلتقي بعزيزة التي تصر على أن يتعلم‬ ‫أصنام‪ ،‬وعالقة عواد بالكلب شرار‪ ،‬جرو الكلبة ركوب القارب‪ ،‬ويتذكر رحالت الصيد مع أبيه‪،‬‬ ‫الغدارة التي تعض األطفال‪ ،‬وعزيزة ابنة القطان‪ ،‬ويصاب بالدوار‪ ،‬وهو يمد يده ليلمس أنثى‪..‬‬ ‫التي تختلف عن بقية نساء القرية المنشغالت‬ ‫منذ عشرين عامًا‪ ،‬توقظه هاجر‪ ،‬يفتح الباب‬ ‫بجلسات نقش صوف الوسائد‪..‬‬ ‫ويجد األربعاء دون أن يعرف الجمعة‪ ،‬وخسارة‬ ‫ع���زي���زة ال� �ت ��ي ي � ��رى ش��اه��ي��ن ف���ي عينيها فادحة ‪ -‬بالنسبة له ‪ -‬أن يكتشف أن «أسوأ عمل‬ ‫الشيطانيتين تعابير أخ ��رى‪ ،‬حتى ل��و ل��م يكن يقوم به اإلنسان هو‪ :‬أن يفتح الباب»‪.‬‬ ‫يعرف غير هاجر‪ ،‬وال يعرف كيف يقول لها‪ :‬أمي‪.‬‬ ‫األربعاء الذي يحسبه ثاني أيام األسبوع‪ ،‬حزين‬ ‫يقف مسحورًا أمام عينيها‪ ،‬ال يعرف أي تفسير‬ ‫ألنه مدهون بلون سرة اللحاف‪ ،‬وكل صباح يسمع‬ ‫لنظراتها‪ ،‬وحين يبدأ ع��واد في رسمها‪ ،‬يغادر‬ ‫األخبار المتجهمة نفسها عن الكوارث والحروب‪..‬‬ ‫شاهين‪ ،‬ويعترف عواد بعدم قدرته على مجاراة‬ ‫يذهب إلى بيت عواد‪ ،‬تحدثه عالية ‪ -‬في محاولة‬ ‫السحر الربّاني‪ ،‬وبغرور األنثى وإحساسها‪ ،‬تقول‬ ‫يائسة إلغوائه ‪ -‬عن بقعة حمراء في فخذها‪،‬‬ ‫له في زهو‪« :‬فلتتعذبا بي‪ ،‬أنت وصديقك»‪.‬‬ ‫قرصة حشرة‪ ..‬تسأله إن كان يعرف التدليك‪،‬‬ ‫بيد أن العالقة األغرب هي ذلك الميل الخفي وببالهته يشير إليها أن تحك الفخذ بالحائط‪،‬‬ ‫إلى عالية‪ ،‬وال��دة شاهين‪ ،‬ذات األربعين ربيعاً‪ ،‬ما دام الفخد فخذها‪ ..‬يدخل زوجها مسعود‪،‬‬ ‫بطقوسها اليومية‪ :‬الوقوف بالشباك‪ ،‬البرنامج ويحثه على أن يتعلم الصالة حتى ال ينجرف مثل‬ ‫البدوي‪ ،‬السجائر الحادة‪ ،‬وتغيير الثياب‪.‬‬ ‫ابنه‪ ،‬ال سيما واليوم يوم جمعة‪ ،‬وألن اليوم جمعة‪،‬‬ ‫عالية التي تستمع إلى ربابة البرنامج البدوي فقد ظنه شاهين أربعاء‪ ،‬وحين أخبرته زهرة أن‬

‫‪80‬‬

‫اجلوبة ‪ -‬شتاء ‪1431‬هـ‬


‫ن�������������������������������������ق�������������������������������������د‬

‫عوادًا في المقبرة‪ ،‬قال لها ببالهته‪« :‬متى حدث سفر صاحب النظارة السوداء (عواد)‪ ،‬وحديثها‬ ‫ذلك؟ يجب أن أتألم»‪ ،‬فاستدركت بأنه على قيد إل��ى شاهين ‪ -‬دون ذك��ر اسمه ‪ -‬ع��ن عالقتها‬ ‫الحياة‪..‬‬ ‫بعواد التي أنهتها‪ ،‬ألنه مرتفع عنها‪ ،‬وتشعر أنها‬ ‫وع ��ن ط��ري��ق ال �ت��داع��ي‪ ،‬ي�ن�ت�ق��ل ال �س��رد إلى صغيرة‪.‬‬ ‫المقبرة ووص��ف أجوائها‪ ،‬وس��رد حكاية الشيخ‬ ‫وسيتضح أن السارد يراوغ القارئ مستخدما‬ ‫عبدالمجيد ال��ذي جن قبيل موته‪ ،‬بعد أن دس تقنيات شتى‪ :‬االس�ت�ب��اق‪ ،‬االس�ت��رج��اع والتأمل‪،‬‬ ‫له «حالب» سم الفئران في الطعام‪ ،‬حتى يصير تعطيل ال �س��رد وت�س��ري�ع��ه‪ ،‬ال �ح��ذف والتكرار‪،‬‬ ‫مختار القرية‪ ،‬ويبدو قبره أشبه بمزار‪ ،‬بعدها التداعي‪ ،‬تيار الوعي‪ ..‬ويعود إلى الحديث عن‬ ‫نتعرف على «ح�ل�اب»‪ ،‬ال��ذي ل��م يبصر إال بعد الذئب الذي طارد محمودًا وشاهيناً‪ ،‬حين تعطلت‬ ‫بلوغه سن الخامسة‪ ،‬حيث فتحت إحدى العجائز السيارة في الحفرة‪ ،‬وال�ع��واء ال��ذي سمعه قبل‬ ‫قبتي عينيه بسكين البصل حتى يبصر‪ ،‬وكان عشرين عاما‪ ،‬وقد حاول الذئب أن يهاجمهما‪،‬‬ ‫يتساءل دومًا‪« :‬هل يصلح هذا الوجه للحب؟»‪.‬‬ ‫فلجأ األب إل��ى إض���رام ال �ن��ار ف��ي قميصه ثم‬ ‫يرى شاهين أمه في الصفوف األخيرة‪ ،‬تشيخ سرواله‪ ،‬بعد أن يجعل الثوب على شكل فتيل‪..‬‬ ‫أكثر عند حلول المناسبات‪ ،‬تحتجز في قلبها‬ ‫يستدعي «حالب» شاهيناً‪ ،‬وترفض أمه‪ ،‬يهدد‬ ‫دموعا مؤجلة‪ ،‬وينقل بصره نحو العراء‪ ،‬ألنه ال رجاله بكسر الباب‪ ،‬وفي أجمل المشاهد السردية‬ ‫يحتمل صدق تلك االبتسامة‪ .‬ومن المقبرة نبحر المتزامنة‪ ،‬يتنقل حسن مطلك بعدسته بين هاجر‬ ‫باتجاه النهر‪ ،‬واللقاءات الغرامية‪ ،‬وتأرجح قلب وعزيزة وشاهين‪ ..‬في أماكن مختلفة‪ ،‬يوحدها‬ ‫عزيزة بين عواد وشاهين‪..‬‬ ‫الظالم والترقب‪ ،‬معتمدًا على تقنية التقطيع‬

‫تطلع العجائز م��ن ال��ودي��ان بمناسبة خروج‬ ‫ابن هاجر إلى الناس‪ ،‬ملبيات دعوتها‪ ،‬تنزع ثوب‬ ‫ال�ح��داد‪ ،‬وتصعد إليه‪ ،‬بصحبة إح��دى النساء‪،‬‬ ‫تطلب منه حمل البندقية والتماسك‪ ،‬بعد ارتداء‬ ‫زي احتفالي‪ ،‬يتذكر ج��والت��ه م��ع أب�ي��ه‪ ،‬بيد أن‬ ‫ال ��راوي يستدرك أن شاهيناً «يحلم أكثر مما‬ ‫يتذكر»‪ ..‬حسن مطلك‪ ،‬وبسخرية مبطنة يستفز‬ ‫القارئ الذي تعود على قراءة الروايات التقليدية‪،‬‬ ‫ويخاطبه قائال إنه ال يعرف من أبطال الرواية‬ ‫أحدًا‪ ،‬وأنه يكتب بمنطق‪ :‬إمأل الفراغات التالية‪،‬‬ ‫حتى تصير الرواية أكبر حجمًا‪!!..‬‬

‫السينمائي المتوازي ببراعة‪ ،‬ثم يعود إلى الليلة‬ ‫الماضية‪ ،‬وعودة شاهين حامال ذئبا على كتفه‪،‬‬ ‫وعزيزة في مخزن التبن تنتظر عوادًا‪ ،‬تسأله عن‬ ‫أوان الزواج‪ ،‬ويضربها‪ ،‬حين تسخر منه قائلة إن‬ ‫زواجهما سيكون حين تكتمل اللوحة‪.‬‬

‫وفي الظالم يتم استنطاق شاهين‪ ،‬حيث ال‬ ‫يسمع غير احتكاك الخفين‪ ..‬ويقربنا الكاتب من‬ ‫حالب‪ ،‬غريب األطوار‪ ،‬عن طريق ثرثرة زوجته مع‬ ‫إحدى النساء‪ ،‬متفاديا بذلك كسارد عليم‪ ،‬الوقوع‬ ‫في فخ التقريرية والمباشرة‪ ،‬فنعلم أنه يكتئب من‬ ‫نفسه‪ ،‬يمزق ثيابه بال سبب‪ ،‬يتألم لرؤية الفقراء‪،‬‬ ‫يكتب عن انكسار ع��واد‪ ،‬ولقائه بعزيزة بعد ويعجبه ال �ظ�لام‪ ..‬وف��ي ال �ظ�لام يتشاجر أهل‬ ‫عامين م��ن المقاطعة‪ ،‬وق��د ص��ارت أك�ث��ر بهاء البيت بسبب المالعق‪ ..‬وهنا ال بد من اإلشارة‬ ‫وشجاعة في النظر إلى وجهه‪ ،‬ثم الحديث عن إلى السخرية الطافحة عبر المتواليات الحكائية‬

‫اجلوبة ‪ -‬شتاء ‪1431‬هـ ‪81‬‬


‫والسردية‪ ،‬والتي يدرك الراوي متى يستخدمها‬ ‫لتبديد قتامة ال�م�ن��اخ ال��روائ��ي‪ ،‬وإزاح���ة بعض‬ ‫الملل عن القارئ‪ .‬ويطلب منه العودة في الرابعة‬ ‫صباحا‪ ،‬وفي تلك اللحظة‪ ،‬تقبل أمه تسأل عنه‪،‬‬ ‫ويرد عليها بأنه كان يعلّم ابنها الحساب‪ ،‬ليجد‬ ‫له مهنة مناسبة‪..‬‬ ‫ي��راق��ب شاهين ال�ف�ج��ر‪ ،‬يحس ب��أن��ه حزين‪،‬‬ ‫ويريد أن يبكي‪ ..‬وقبل ذهابه إليه تناوله أمه‬ ‫مدية‪.‬‬

‫وكنوع من الخالص أو العقاب اإللهي‪ ،‬يموت‬ ‫«ح�لاب» بسبب قرصة الحشرة‪ ،‬وينقلنا حسن‬ ‫مطلك إل��ى أج��واء غرائبية ع��ن النهر‪ ،‬والليل‪،‬‬ ‫والجنيات المنهمكات في الحفر‪..‬‬ ‫ونراه يركض خلف آالم الليل‪ ،‬والقرية تستيقظ‬ ‫ضاحكة‪ ،‬كل ما فيها من كائنات حية يضحك‪،‬‬ ‫حتى ال�ن�ب��ات��ات‪ ..‬وث�م��ة رج��ل غ��ري��ب ن��ام خجال‬ ‫بفضل تكرار الكرم‪( ،‬لم يحدد السارد من هو)‪،‬‬ ‫يتساءل‪ :‬ما الذي يضحككم؟ يهز ابنته‪ ،‬ويسألها‬ ‫وهو ال يعرف ماذا يحدث‪ ،‬ثم يهمل رأسه‪ ،‬ليكمل‬ ‫نشيد الضحك الناقص‪ ...‬وقبلها نتلصص على‬ ‫البيت الالهي‪ ،‬والمسمار المشويّ ينطفئ في‬ ‫الماء‪ ،‬ويضحكون لسماع صوت «الكش»‪.‬‬

‫في الطريق يصادف شاهين امرأة تخبره أن‬ ‫عزيزة تنتظره عند السدرة‪ ،‬وفي اللحظة ذاتها‪،‬‬ ‫يسأل عنه «ح�لاب» بعد أن غادر سريره المعد‬ ‫لثالثة أشخاص‪ ،‬تقابله بوجه مليء بالكدمات‬ ‫ال ��زرق ��اء‪ ،‬ت�ح��دث��ه ع��ن ع���واد ال���ذي س��اف��ر إلى‬ ‫«دابادا»‪ ،‬صرخة باحثين عن الحرية واالنعتاق‪،‬‬ ‫العاصمة‪ ،‬بحثا عن الشهرة‪ ،‬وتؤكد له أنها ال‬ ‫وتعرية ألوضاع سريالية يعيشها العراق وما يزال‪،‬‬ ‫تحبه‪ ،‬حتى لو طلبت مقابلته‪.‬‬ ‫ولعل ه��ذا ال�ت��وق الهائل إل��ى الحرية المجيدة‬ ‫ي �ق��وم رج� ��ال «ح�ل��اب» ب �ق��ص ش �ع��ر شاهين المشتهاة في زم��ن النخاسة الفكرية والخراب‬ ‫مستخدمين مقص جز الصوف‪ ،‬ويحتفلون بحدث الداخلي واللهو المجاني‪ ،‬هو ما جعل الروائي‬ ‫انضمام شاهين إلى رعايا «حالب»‪ ،‬تسمع هاجر‬ ‫يلجأ إلى تحطيم أس��وار الرواية التقليدية‪ ،‬كما‬ ‫ضحك الضيوف وص��وت ربابة شعبان‪ ،‬ويصير‬ ‫كرسها األسلوب المحفوظي‪ ،‬إضافة إلى تجاوز‬ ‫شاهين مسئوال ع��ن ال�ح�م��ار ق �ن��دس‪ ،‬األغرب‬ ‫اللغة ال�ع��ادي��ة الشاحبة‪ ،‬واج �ت��راح ع�ن��وان غير‬ ‫من صاحبه‪ ،‬وللتخلص منه قام بطعنه‪ ..‬وهرب‬ ‫م��أل��وف وغ��ري��ب‪ ،‬وه��و ‪ -‬ال�ع�ن��وان ‪ -‬ليس سوى‬ ‫عبر فتحة السياج‪ ،‬ويحمله عارف في قاربه إلى‬ ‫تهجي الطفل في بدايات النطق‪( :‬دا‪ ..‬با‪ ..‬دا‪،)..‬‬ ‫الجبل‪ ،‬وفي القرية يبحثون عن الهارب متأسفين‬ ‫وتفتيت الحدث السردي‪ ،‬بحيث يصعب القبض‬ ‫على قندس‪ ،‬لكن ع��ارف يخبره ‪ -‬الحقا ‪ -‬أن‬ ‫على تفاصيل الرواية‪ ،‬التي تحتاج إلى أكثر من‬ ‫الحمار لم يمت‪ ،‬يفاجئنا ال�س��ارد ب��أن شاهيناً‬ ‫ق��راءة‪ ،‬وهي الرواية التي قال عنها في مراسلة‬ ‫استخدم المدية بالشكل المعكوس‪ ،‬فالدم دمه‪،‬‬ ‫خاصة مع عبدالهادي سعدون بأنها أتعبته ويريد‬ ‫وليس دم ال�ح�م��ار‪ ..‬لكن كيف ل��م ينتبه عارف‬ ‫إلى الدم النازف‪ ،‬من يد شاهين‪ ،‬والذي سيبقى أن يستريح‪ ..‬وال يرغب في الحديث عنها!‬ ‫هي رواية متعبة حقا‪ ،‬لكن سر حالوتها‪ ،‬يكمن‬ ‫ينزف لمدة‪ ،‬حتى لو افترضنا أنه أبله‪ ،‬وسيظن‬ ‫في تمنعها وداللها‪!!!..‬‬ ‫أنه قتله‪..‬؟‬

‫* كاتب وناقد من المغرب‪.‬‬

‫‪82‬‬

‫اجلوبة ‪ -‬شتاء ‪1431‬هـ‬


‫ن�������������������������������������ق�������������������������������������د‬

‫س َّ‬ ‫كر اخلارج حاال من الفرن‬ ‫شعر بطعم ورائحة خبز الفقراء امل ُ َ‬

‫قراءة في ديوان أوقات محجوزة للبرد‬

‫> هشام الصباحي*‬ ‫في طفولتي‪ ،‬التي ال أعرف إن كانت سعيدة أو تعيسة‪،‬‬ ‫لم أح��دد بعد رأي��ا أو انطباعات في ه��ذا الشأن‪ ،‬ولكني‬ ‫اآلن أدرك��ت أنني أمسكت بسبب الديوان لحظة من أكثر‬ ‫اللحظات سعادة‪ ،‬وتأكدت من استحالة تكرارها على الرغم‬ ‫من بساطتها المفرطة‪ ،‬إذ كانت أمي ونساء الحي الفقير‬ ‫جدا الذي كنا نعيش فيه‪ ،‬والذي يحتوى على فرن واحد‪..‬‬ ‫فرن فالحي بلدي مبني من التراب المعجون بالماء‪ ،‬تقوم‬ ‫كل سيدة بخبز ما يكفي أسرتها شهراً من الحياة بالتعاون‬ ‫مع باقي النساء‪ ،‬وكنا كأطفال‪ ..‬هذا األمر ال يعنينا في شيء‪ ،‬فالذي يعنينا هو أرغفة‬ ‫الخبز التي تخبز لنا بالسمن والسكر‪ ،‬وت��وزع علينا في نهاية يوم الخبيز‪ ،‬فكان هذا‬ ‫الرغيف الطازج الذي يخرج من الفرن إلى يدي تفوح منه رائحة البخار الجميل‪ ،‬ورائحة‬ ‫السمن البلدي والسكر والطعم الرائع‪ ،‬هذه الحالة هي اإلحساس تماما‪.‬‬ ‫ال��ذي انتابني بعد االنتهاء م��ن ديوان‬

‫وتحسسها واكتشافها م��ن ج��دي��د‪ ،‬وكان‬

‫«أوقات محجوزة للبرد» للشاعرة الجزائرية‬

‫اإلهداء إلى األهل متوافقاً‪ ،‬مع الجو العام‬

‫صاف محيط بنا نقلنا الديوان‬ ‫ٍ‬ ‫نوارة لحرش‪ ،‬حيث االحتفاء األولي بالبرد لعالم شتوي‬ ‫وال �ش �ت��اء وال �ج��و ال ��ذي يصيبك بالوحدة‬

‫إليه‪ ،‬هذا العالم الذي يخلو من الضجيج‬

‫وال �ت��وح��د وال� �ه ��دوء وال� �ح ��وار م��ع ال ��ذات‪،‬‬

‫وال تسمع به إال موسيقى الطبيعة والهدوء‬

‫اجلوبة ‪ -‬شتاء ‪1431‬هـ ‪83‬‬


‫مفرداته ومكوناته المرئية والالمرئية‪ ،‬وإحداث‬ ‫ح��وار م��ع «األن ��ا» للوصول إل��ى درج��ة أعلى من‬ ‫األلفة والتوحد مع الذات‪ ..‬ومع كل ما هو متاح‪،‬‬ ‫حتى أنها تسأل الذات العليا أيضا (وتسأل الله‪:‬‬ ‫لماذا يمام‪ /‬الفرح ال يأتي؟) وكما أن السؤال هو‬ ‫الطريق األساسي للمعرفة والتنوير‪ ،‬وربما أيضا‬ ‫للتغير وإدراك حقيقة األشياء‪ ،‬كانت األسئلة في‬ ‫ال��دي��وان ع��دي��دة وإنسانية وملحة‪ ،‬وت��دور حول‬ ‫أح��زان ال��ذات (كيف أستحض ُر األغنيات التي‪/‬‬ ‫الصوت الجريحْ؟)‪( ،‬ما الذي‬ ‫ِ‬ ‫جفت في مواسم‪/‬‬ ‫يلزم‪ /‬غير األل��م؟‪ ).‬حتى نجد أن ح��رف النفي‬ ‫«ال» يتكرر (‪ )59‬مرة خالل الديوان‪ ،‬وخالل (‪)30‬‬ ‫قصيدة هي حجم الديوان‪ .‬وحول هذا الحرف‬ ‫يتحدد شكل الذات التي تكتب وتتعامل مع العالم‬ ‫الذي دائما ينفيها خارج إطاره‪ ،‬وكيف ترى وتحدد‬ ‫عالقتها معه خاصة أن حرف «ال» دائما فاصل‬ ‫بينهما‪.‬‬ ‫والروح‪ ،‬لذا كان التصدير الذي بدأ به الديوان‪،‬‬ ‫ال ب��د أن ي�ك��ون ل��ه ع �ن��وان ف��ي روع ��ة (معاطف‬ ‫معنوية)‪ ،‬وهذه السمة األولى للديوان؛ حيث أن‬

‫وحتى وحدة الجو العام للديوان تجبر الشاعرة‬ ‫على تغيير اسم الفهرس إلى «األوقـات» وبـردهـا‪،‬‬ ‫لما له من داللة واضحة على صدق الربط بين‬ ‫االسم والفهرس‪ ،‬ومتن القصائد وروح الشاعرة‪،‬‬

‫تقنية العناوين رائعة ومدهشة وطازجة تدفعك‬ ‫إلى القراءة عمدا للقصائد‪ ،‬إذ نجحت الشاعرة الكل أصبح واحدا في حالة توحد كاملة‪.‬‬ ‫في اختيار عناوين القصائد كلها‪ ،‬وهذه مشكلة‬

‫نوارة لحرش شاعرة جزائرية‪ ..‬كل من يعرفها‬

‫يعاني منها العديد من الشعراء الشبان‪ ،‬إذ يجدون يتحدث ع��ن حبها للجميع‪ ،‬ل��ذا‪ ،‬ه��ي ال تنسى‬ ‫صعوبة في اختيار العناوين‪ ،‬فيكون من األسهل كونها أنثى‪/‬صديقة ‪/‬حبيبه‪ ،‬إذ نجد رومانسية‬ ‫ترك القصائد بدونها‪ .‬أيضا تتخذ الشاعرة من األنثى تطل بشكل خجل خالل الديوان‪ ،‬ليعبر عن‬ ‫آلية السؤال طريقاً للتعرف على العالم وتحسس العاطفية والروحية‪.‬‬ ‫* كاتب من مصر‪.‬‬

‫‪84‬‬

‫اجلوبة ‪ -‬شتاء ‪1431‬هـ‬


‫تاريخية جغرافية اجتماعية‬

‫م������������������واج������������������ه������������������ات‬

‫معاشي ذوقان العطية‪ ،‬موسوعة جوفية‬ ‫> حاوره محمود عبدالله الرمحي‬

‫من مواليد الجوف عام ‪1350‬هـ‪ ،‬لواء ركن متقاعد‬ ‫حاصل على درجة الماجستير في العلوم العسكرية‪..‬‬ ‫وأحد أبرز الكتاب والمؤلفين في المنطقة‪ ،‬ألف عدد ًا‬ ‫م��ن الكتب تناولت ال��ت��راث الشعبي والتاريخي في‬ ‫منطقة ال��ج��وف‪ ،‬إضافة إل��ى كتب أخ��رى في الشأن‬ ‫العربي العام‪ .‬من مؤلفاته‪ :‬أوراق جوفية؛ عصاميون؛‬ ‫ح��دائ��ق ال��ج��وف؛ ال��غ��زو األم��ري��ك��ي للوطن العربي؛‬ ‫خطوات على الطريق‪..‬‬ ‫يعد من جيل المخضرمين الذين عاشوا تجارب‬ ‫إنسانية وعملية عديدة‪ ،‬فقد هاجر مع العديد من شباب الجوف للعمل في الجيش‬ ‫العربي األردن��ي‪ .‬ش��ارك في حرب فلسطين ضد العصابات الصهيونية‪ ،‬وعمل مندوبا‬ ‫لألردن في عدد من الدول‪ ،‬ثم عاد إلى المملكة وعمل في الحرس الوطني ليصل فيه‬ ‫إلى رتبة لواء‪.‬‬ ‫يعمل حاليا وكيال لشركة سيارات‪ ..‬يزدان مكتبه بلوحات تراثية لمنطقة الجوف‪..‬‬ ‫تتوسطها خارطة فلسطين بمدنها وقراها‪ ،‬سهولها وجبالها‪ ..‬ربما يعيش معها ذكريات‬ ‫األربعينيات من القرن العشرين حينما كان متواجدا فيها‪..‬‬ ‫معه كان لنا هذا الحوار‪..‬‬ ‫< خرجت من سكاكا يافعا‪ ،‬تجاه ما عرف‬ ‫آن���ذاك بالغربية (األردن وب�لاد الشام)‪.‬‬ ‫م��ت��ى ك���ان ذل���ك؟ وك���م ك���ان ع��م��رك؟ وما‬ ‫ه��ي الصعوبات التي واجهتك ف��ي تلك‬ ‫ال��رح��ل��ة؟ وه��ل تتذكر أح���دا م��ن رفاقك‬ ‫فيها؟‬

‫> كنت أس�م��ع م��ن ال��ذي��ن ت�غ��رب��وا ف��ي بالد‬ ‫ال �ش��ام وع� ��ادوا إل��ى المنطقة‪ ،‬أحاديث‬ ‫م�ش��وق��ة ع��ن ال �ح �ي��اة ه �ن��اك‪ ..‬وأن أهل‬ ‫الغربية في بحبوحة من العيش‪ ،‬والعمل‬ ‫فيها س�ه��ل‪ ،‬م�ق��ارن��ة بما ه��و عندنا من‬ ‫صعوبة الحياة والعمل ال �ش��اق‪ ،‬كما أن‬

‫اجلوبة ‪ -‬شتاء ‪1431‬هـ ‪85‬‬


‫الحديث عن الجيش العربي‬ ‫زادن � ��ي ش��وق��ا‪ ،‬خ��اص��ة وقد‬ ‫انخرط فيه أعداد وفيرة من‬ ‫أبناء المنطقة‪.‬‬ ‫ ‬

‫اس�ت�ه��وت�ن��ي ال �ت �غ��ري �ب��ة‪ ،‬وكان‬ ‫ع �م��ري آن � ��ذاك ث�لاث��ة عشر‬ ‫ع ��ام ��ا‪ ..‬وف���ي ي���وم م ��ن أيام‬ ‫ال �ش �ت��اء‪ ..‬سمعت ع��ن قافلة‬ ‫تجار إب��ل يسمون (عقيالت)‬ ‫قد نزلوا بين سكاكا والطوير‪،‬‬ ‫وي � �ن� ��وون ال� ��ذه� ��اب للغربية‬ ‫ل �ت �س��وي��ق إب� �ل� �ه ��م‪ .‬شجعني‬ ‫�س بما‬ ‫أح��ده��م – وق ��د أح� � َّ‬ ‫ي� �ج ��ول ف ��ي خ� ��اط� ��ري‪ -‬بأن‬ ‫أذه��ب إلى مخيمهم وأعرض‬ ‫ن��ف��س��ي ل �ل �ت �غ��ري �ب��ة معهم‪،‬‬ ‫وأساعدهم في العناية باإلبل‬ ‫دون مقابل‪ ..‬ففعلت‪ .‬رحب بي‬ ‫مالك اإلبل‪ ،‬فاستعنت بالله ثم‬ ‫باألخ عبدالرحمن المعيوف –‬ ‫أطال الله عمره‪ -‬وكان يكبرني‬ ‫سنا‪ ،‬ليحمل عني تنكة التمر‬ ‫التي أخذتها من مستودع أبي‬ ‫رحمه الله‪ ،‬دون علمه‪-‬ألوضح‬ ‫ل�ت��اج��ر اإلب ��ل أن��ي أع ��رف ما‬ ‫لي وم��ا عليّ ‪ -‬وتقبل الرجل‬ ‫هديتي‪ ،‬وشعرت بأنني كبرت‬ ‫في عينه وأعين رعاته‪ ..‬ولم‬ ‫أج��د أي صعوبة تذكر خالل‬ ‫رحلتنا إلى عمّان‪.‬‬

‫صورة التقطها في مدينة نابلس عام ‪1949‬م‬

‫صورة أسلحة فلسطينية‬

‫ ‬

‫< ما قصة التحاقك بالجيش‬ ‫ال��ع��رب��ي األردن�������ي‪ ،‬وك����م كان‬ ‫سنك آنذاك؟‬ ‫> وص�ل��ت ع�م��ان وال أم�ل��ك من‬ ‫متاع الدنيا س��وى م��ا ألبسه‬

‫‪86‬‬

‫اجلوبة ‪ -‬شتاء ‪1431‬هـ‬

‫وم ��ا أن�ت�ع�ل��ه‪ .‬وث�ل�اث رياالت‬ ‫سعودية قدمها لي تاجر اإلبل‬ ‫ وتعتبر رص�ي��دا كبيرا في‬‫ذلك الوقت ‪ -‬وهناك التقيت‬ ‫ب��رج��ال م��ن س�ك��اك��ا يقومون‬ ‫ب��أع �م��ال م �خ �ت �ل �ف��ة‪ ،‬فعملت‬ ‫معهم‪ ،‬ووج��دت أن العمل في‬ ‫سكاكا أهون مما نحن فيه‪..‬‬ ‫فقلت لنفسي‪ :‬لماذا ال أذهب‬ ‫إلى كلوب باشا (قائد الجيش‬ ‫العربي آن��ذاك)‪ ،‬وأطلب منه‬ ‫قبولي للخدمة ف��ي جيشه‪..‬‬ ‫اه �ت��دي��ت إل��ى م�ق��ر القيادة‪،‬‬ ‫ف��وج��دت أع���دادا م��ن طالبي‬ ‫التجنيد‪ ،‬وأك�ث��ره��م م��ن أهل‬ ‫نجد وب��ادي��ة ال �ع��راق‪ .‬فخرج‬ ‫ل�م�ق��اب�ل�ت�ه��م‪ ..‬ف�ق�ب��ل بعضهم‬ ‫وأعرض عن بعض‪ ..‬وعندما‬ ‫وص�ل�ن��ي ‪ -‬وك �ن��ت ف��ي نهاية‬ ‫ال�ط��اب��ور‪ -‬س��أل�ن��ي‪ :‬م��ن أين؟‬ ‫ف��أج�ب�ت��ه م��ن ال �ج��وف‪ .‬فقال‬ ‫ل ��ي‪ :‬م��ا ت� ��زال ص �غ �ي��را على‬ ‫العسكرية‪ ،‬اذهب إلى أمك‪..‬‬ ‫وكل تمرا‪ ،‬واشرب لبنا‪ ،‬وعد‬ ‫إليَّ بعد ثالث سنوات‪..‬‬

‫عند خروجه من الجيش العربي‬

‫تحطمت آمالي‪ ,‬والحظ أحد‬ ‫ال�م��وج��ودي��ن م��ا أن��ا عليه‪!!..‬‬ ‫ف��أش��ار ل��ي ب��االق�ت��راب منه‪..‬‬ ‫ون �ص �ح �ن��ي ب ��ال ��ذه ��اب قبل‬ ‫ال� �غ���روب إل� ��ى ب �ي��ت الباشا‬ ‫وأطلب مقابلته‪ ،‬وعرفت فيما‬ ‫بعد أن اسم ذلك الرجل كان‬ ‫(م�ب��رد الصحن الضفيري)‪،‬‬ ‫وك��ان برتبة ع��ري��ف‪ ..‬أخذت‬ ‫بنصيحته‪ ،‬وذهبت إلى منزل‬


‫م������������������واج������������������ه������������������ات‬

‫الباشا‪ ،‬وكان منزال متواضعا كأي منزل عادي‪،‬‬ ‫ومن دون حراسة‪ ..‬وبينما أنا واقف‪ ،‬اقترب مني‬ ‫شاب سوداني وقال‪ :‬ماذا تريد؟ فقلت له‪ :‬أريد‬ ‫أن أصبح عسكريا‪ ..‬فعاد إل��ى المنزل‪ ..‬وبعد‬ ‫هنيهة‪ ،‬خرج الباشا بمالبسه المدنية‪ ،‬وبادرني‬ ‫بالقول‪ :‬ألم أقل لك إنك صغير وال تتحمل العمل‬ ‫للجمال‪ ،‬فابتسم‬ ‫العسكري‪ ..‬فقلت ل��ه الكبر ِ‬ ‫ابتسامة خفيفة وق��ال‪ :‬البندقية أط��ول منك!!‬ ‫فأجبته‪ :‬سلّحني أبي ببندقية كويتية ألصطاد‬ ‫بها الطيور‪ ،‬واتسعت ابتسامته وقال لي‪ :‬انتظر‪..‬‬ ‫ودخل منزله ثم عاد بورقة ملفوفة أعطاني إياها‪،‬‬ ‫وقال اذهب غدا إلى الطبيب‪ ..‬ودخل منزله‪.‬‬

‫مع األمير محمد السديري‬

‫ ‬

‫فتحت الورقة‪ ،‬وإذا بها نصف جنيه فلسطيني‪،‬‬ ‫وكنت أمياً ال أقرا وال أكتب‪ ،‬فطلبت من صاحب‬ ‫دكان قراءة ما فيها‪ ..‬فقال لي‪ :‬مبروك‪ :‬الباشا‬ ‫يقول‪ :‬يجند بغض النظر عن سنه‪.‬‬

‫ ‬

‫ذهبت إلى مصدار عايشه‪ ،‬حيث يتواجد أبناء‬ ‫الجوف‪ ،‬فوجدت خالي مفضي المسعر‪ ،‬فسلمت‬ ‫عليه‪ ،‬وبشرته ب��أن الباشا ق��د قبل تجنيدي‪ ،‬‬ ‫وقدمت له نصف الجنيه‪ ،‬فرفضه قائال‪ :‬والله‬ ‫إنك ألحوج إليه مني‪ ،‬وانصرفت مسرورا‪.‬‬

‫ ‬

‫اصطدمت في مكتب التجنيد بأحد الموظفين‬ ‫ وكان قصير القامة‪ ،‬جاحظ العينين ‪ -‬الذي‬‫أب��دى استغرابه م��ن قبولي‪ ،‬فسألني إن كنت‬ ‫ابن شيخ‪ ..‬فقلت‪ :‬ال‪ ..‬فقال‪ :‬تصرفات الباشا‬ ‫غريبة‪ .‬وتمت كافة إج��راءات التجنيد‪ ،‬وسجلوا‬ ‫تاريخ ميالدي ‪1930‬م‪.‬‬

‫ ‬

‫ت��درج��ت إل��ى رت�ب��ة وك�ي��ل رق �ي��ب‪ ..‬ث��م التحقت‬ ‫بمدرسة الضباط‪ ،‬وعملت بعد تخرجي منها‬ ‫بعدد من المراكز القيادية‪ ،‬واشتركت في كثير‬ ‫من الدورات التدريبية المقررة لتأهيل الضباط‪،‬‬ ‫< أنت واحد ممن شاركوا في حرب فلسطين عام‬ ‫والتي توجت بدورة كلية األركان‪ ..‬وابتعثت مرتين‬ ‫‪1948‬م‪ .‬ومن يدخل اآلن مكتبك تواجهه خارطة‬ ‫إلى بريطانيا‪ .‬حصلت على عدد من األوسمة‬ ‫فلسطين‪ ..‬هل هي ذكريات األمس أثناء وجودك‬ ‫منها وس��ام اإلق��دام العسكري‪ ..‬وآخ��ر منصب‬ ‫هناك وما تركته من بصمات في نفس معاشي‪..‬‬

‫مع األمير سلطان السديري‬

‫شغلته كان قائد كتيبة شرحبيل بن حسنة‪.‬‬ ‫وعلى ضوء نتائج حرب ‪1967‬م التي هزم فيها‬ ‫العرب شر هزيمة‪ ،‬وتعود أسبابها إلى الظروف‬ ‫والمالبسات ذاتها التي قادتنا إلى هزيمة عام‬ ‫‪1948‬م‪ ..‬وبناء على ما تولد عن تلك الحرب‬ ‫من م��زاي��دات غير محسوبة من قبل العرب‪..‬‬ ‫ف��ي وق��ت كانت فيه إسرائيل تهزأ منا بقولها‬ ‫وم���ذك���رات ق ��ادت� �ه ��ا‪ ..‬ق��دم��ت اس �ت �ق��ال �ت��ي من‬ ‫الخدمة‪ ،‬وأنا ال أملك أكثر من مائة دينار‪ ..‬وقد‬ ‫رفض رئيس هيئة األرك��ان آن��ذاك اللواء عامر‬ ‫خماش استقالتي‪ ..‬فلجأت للتحايل للحصول‬ ‫على تقرير طبي‪ ،‬وك��ان لي ذل��ك‪ ،‬وخرجت من‬ ‫الجيش العربي األردني عام ‪1968‬م برتبة مقدم‬ ‫ركن‪ ،‬براتب قدره خمسون دينارا‪..‬‬

‫اجلوبة ‪ -‬شتاء ‪1431‬هـ ‪87‬‬


‫أم م��اذا؟ وم��ا هو االنطباع واألث��ر ال��ذي تركته‬ ‫تلك الحرب في نفسك؟‬ ‫> فلسطين بالنسبة ل��ي ليست م �ج��رد خارطة‬ ‫أعلقها على ج��دار ف��ي مكتبي أو ف��ي بيتي‪..‬‬ ‫إنها تعيش في وجداني ‪ -‬كما هي في وجدان‬ ‫كل عربي حر مخلص لقضية فلسطين ‪ -‬إنها‬ ‫تجري في عروقي مجرى ال��دم‪ ..‬أتذكر مدنها‬ ‫وقراها‪ ،‬سهولها وجبالها ووديانها‪ ..‬وال تغيب‬ ‫ع��ن مخيلتي لحظة واح ��دة‪ ..‬أعيش على أمل‬ ‫الصالة في المسجد األقصى وقبة الصخرة‪،‬‬ ‫وهما محررتان من اليهود الغاصبين‪.‬‬ ‫ ‬

‫‪88‬‬

‫نعم‪ ،‬شاركت في حرب فلسطين‪ ..‬وكنت ضمن‬ ‫الكتيبة الثالثة التي طهرت حي المصراره وبوابة‬ ‫مندلبوم‪ ،‬وقد حاولت احتالل عمارة نوتردام‪،‬‬ ‫لكنها استعصت ع�ل��يّ ل�ق��وة ال �ع��دو الموجودة‬ ‫فيها‪ ،‬ورغم أن عددا كبيرا من الضباط العرب‬ ‫ال ي�ق��رأون أو يكتبون‪ ..‬إال أنهم ع��وض��وا ذلك‬ ‫بالشجاعة واإلقدام‪ ..‬وقد منيت كتيبتي بخسائر‬ ‫في األرواح‪ ،‬وما أزال أذك��ر نشيد الجنود وهم‬ ‫في حالة هجوم على عمائر غربي المصراره‬ ‫(يا بنية ياللي في البيت شوفيني كني ذليت)‪..‬‬ ‫وم��ا أزال أذك��ر س�ق��وط العريف خليف حربي‬ ‫الشمري من فوق سطح إحدى البنايات ‪ -‬عندما‬ ‫أراد أن يرفع علم الجيش العربي ف��وق سطح‬ ‫العمارة ‪ -‬وتمكن منه أحد قناصة العدو‪ ،‬فهوى‬ ‫إل��ى األرض شهيدا رحمه ال�ل��ه‪ ..‬كما أسعدني‬ ‫سماعي ألص��وات الجنود وهم يكبرون ويهللون‬ ‫مع أصوات الرماية على اختالف أنواعها‪ ..‬وال‬ ‫هَ َّم لهم إال التفوق على العدو‪ ..‬وأقولها بصدق‬ ‫وأم��ان��ة‪ :‬إن��ه ك��ان للضباط البريطانيين الذين‬ ‫يعملون ف��ي الجيش العربي فضل باالحتفاظ‬ ‫باألرض بأقل الخسائر‪ ..‬وقد تركت تلك الحرب‬ ‫في نفسي إحساسا بالمرارة‪ ..‬وكيف ال؟! ونحن‬ ‫ن��رى عدونا أمامنا‪ ..‬وال نملك مقومات طرده‬ ‫لتفوقه العسكري‪.‬‬

‫اجلوبة ‪ -‬شتاء ‪1431‬هـ‬

‫في المعلوفية قرب مدينة رام الله ‪1948‬م‬

‫معاشي وزميله مع جاسوس كان معاشي قد قبض عليه‬ ‫قبل تنفيذ حكم اإلعدام فيه‬

‫< ك��ان ل��وع��د بلفور م��ن بريطانيا إلع��ط��اء وطن‬ ‫قومي لليهود في فلسطين‪ ،‬دوره الكبير في إذكاء‬ ‫شعلة الهجرة الصهيونية إلى األرض المقدسة!‬ ‫حدثنا عن الدور البريطاني في ذلك‪ ،‬وهل تؤيد‬ ‫مطالبة بريطانيا بتعويض الفلسطينيين عن‬ ‫جريمتهم ت��ل��ك‪ ،‬كما ت��ق��وم ألمانيا بتعويض‬ ‫اليهود حاليا؟‬ ‫> لقد ارتكبت بريطانيا جريمة في حق فلسطين‬ ‫وأهلها‪ ،‬وظلما وعدوانا غير مسبوق‪ ..‬ويتمثل‬ ‫ذلك بما يلي‪:‬‬ ‫أ‪ -‬تشجيعها للهجرة ال�ي�ه��ودي��ة م��ن ك��اف��ة أنحاء‬ ‫العالم خصوصا من ألمانيا وأوروبا الشرقية‪.‬‬ ‫ب‪ -‬عملت حكومة االن �ت��داب على منح األراضي‬ ‫البور للوكالة اليهودية لتبني عليها المستوطنات‬ ‫السكنية للمهاجرين الجدد‪.‬‬ ‫ج‪ -‬عملت حكومة االن �ت��داب البريطانية بواسطة‬


‫م������������������واج������������������ه������������������ات‬

‫مخابراتها‪ ،‬على التفرقة بين زعماء فلسطين‬ ‫وقادة الدول العربية‪ ،‬والتي وصلت إلى درجة‬ ‫التباغض والعداوة‪ ،‬وكذلك بين زعماء فلسطين‬ ‫أنفسهم‪.‬‬ ‫د‪ -‬معاملة المواطنين العرب على نحو ابن الجارية‪.‬‬ ‫وأما اليهود فأبناء الحرة‪.‬‬ ‫هـ‪ -‬فرض الضرائب الباهظة على مالكي األراضي‬ ‫في فلسطين إلرغامهم على بيع أراضيهم‪.‬‬ ‫و‪ -‬سن القوانين الغاشمة على أبناء عرب فلسطين‪..‬‬ ‫فالذي يحمل منهم سكينا كأنه يحمل رشاشا‪..‬‬ ‫ف �يُ �ق��اب��ل ب �ح �ك��م ال �م��ؤب��د أو اإلع � � ��دام‪ .‬وفي‬ ‫المقابل‪ ..‬يعيش الصهاينة بأمان مهما حملوا‬ ‫من سالح‪ ..‬وفي الوقت نفسه جندت بريطانيا‬ ‫قوة من اليهود تحت اسم حرس المستعمرات‪،‬‬ ‫متسلحين ب��أف�ض��ل األس �ل �ح��ة ال �ف��ردي��ة‪ ،‬كما‬ ‫سمحوا لليهود المدنيين بحمل المسدسات‪.‬‬ ‫ ‬

‫أما من حيث تعويض الفلسطينيين فإني أعتقد‬ ‫أن ما تدعو إليه بريطانيا مجرد مناورة ال أكثر‪..‬‬ ‫وال يمكن أن تقدم عليه‪ ،‬القتناعها بما فعلته في‬ ‫فلسطين أي��ام االن�ت��داب‪ ..‬وإن أي��دت ذلك فمن‬ ‫قبيل إحراجها ال أكثر‪..‬‬ ‫< متى عدت إلى أرض الوطن‪ ،‬وكيف انضممت إلى ‬ ‫الحرس الوطني؟‬ ‫> بعد استقالتي تم اختياري من قبل وجهاء مدينة‬ ‫إرب��د ب��أن أعمل نائب قائد المقاومة الشعبية‬ ‫العميد محمد توفيق ال��روس��ان‪ ،‬والتي تشكلت‬ ‫تطوعا للمساهمة بالدفاع عن المدينة إذا ما وقع‬ ‫عدوان عليها‪ ..‬وضمت اللجنة عددا من األطباء‬ ‫والمحامين وبعض الضباط المتقاعدين‪..‬‬

‫ ‬

‫في سوق األحد بجيزان‬

‫في سامطة بجيزان‬

‫إال أننا كنا ف��ي واد واآلخ ��رون ف��ي واد آخر‪..‬‬ ‫وأحسست بريبة‪ !!..‬وتشاورت مع زميلي عودة‬ ‫ضويحي هبيكان الشمري‪ ..‬وقلت له‪ ..‬لماذا ال‬ ‫نذهب إلى الرياض ونعرض خدماتنا على األمير‬ ‫عبدالله بن عبدالعزيز رئيس الحرس الوطني‪..‬‬ ‫واتفقنا على ذلك‪..‬‬ ‫وفي الرياض استقبلنا الزمالء الذين سبقونا‬ ‫إل��ى ه�ن��اك‪ ..‬ون�ف� ٌر م��ن أب�ن��اء ال�ج��وف العاملين‬ ‫فيها‪ ..‬وقدمنا أوراقنا إلى سمو األمير عبدالله‬ ‫الذي وافق عليها‪ ,,‬ووقع كل منا عقد العمل‪..‬‬ ‫وقد عينت مديرا للعمليات والخطط‪ ..‬ومن ثم‬ ‫استعدت جنسيتي‪ ،‬وجندت برتبة عقيد ركن‪،‬‬ ‫وكان ذلك عام‪1393‬هـ‪ .‬واستمريت بالعمل إلى‬ ‫نهاية العام ‪1402‬ه�ـ‪ ،‬حيث أحلت على التقاعد‬ ‫برتبة لواء ركن‪.‬‬

‫ات�ص��ل ب��ي وباثنين م��ن ال�ض�ب��اط المتقاعدين‬ ‫م �ن��دوب منظمة ف�ت��ح ف��ي معسكر الالجئين < م���اذا ب��ق��ي م��ن م��ع��اش��ي ال���ل���واء وال��ض��اب��ط في‬ ‫الجيش العربي والحرس الوطني تاليا؟‬ ‫الفلسطينيين شمالي مدينة إرب ��د‪ ،‬وحاولت‬ ‫وزم�لائ��ي تقديم ما تعلمناه لخدمة القضية‪ > ..‬بقي منه الكثير‪ ..‬فما أزال أعيش بعقلية ونفسية‬

‫اجلوبة ‪ -‬شتاء ‪1431‬هـ ‪89‬‬


‫المالزم الطموح الذي وقف يوما ما على الخطوط‬ ‫األمامية‪ ..‬أعمل بإتقان وحماس‪ ،‬وأتمتع بذاكرة‬ ‫جيدة ولله الحمد‪ ..‬أفكر في كتابة مذكراتي إن‬ ‫سمحت لي الظروف‪ ،‬وأطال الله في عمري‪.‬‬ ‫< جاءت مؤلفاتك بعد انتهاء مشوارك الطويل في‬ ‫العمل العسكري‪ ..‬م��ا س��ر ذل���ك؟! أه��و الفراغ‬ ‫واستغالله في البحث والعطاء‪ ..‬أم المخزون‬ ‫المكدس داخلك فوجد ضالته في الخروج إلى‬ ‫الضوء؟!‬

‫مع األستاذ علي الراشد مساعد مدير عام المؤسسة‬

‫«ال �غ��زو األم��ري�ك��ي للوطن ال�ع��رب��ي» ف��أردت من‬ ‫خ�لال��ه تعريف الجيل الصاعد ب�م��اذا يخطط‬ ‫لهم‪ ..‬وأن قدوم األميركان للعراق مخطط له من‬ ‫قبل‪..‬‬

‫> حاولت الكتابة منذ عام ‪1956‬م إال أن انشغالي‬ ‫بالعمل ح��ال دون ذل ��ك‪ ..‬ول��دي م�خ��زون كبير‬ ‫للكتابة فيه لتوعية األج�ي��ال‪ ،‬وتحديد الهدف‬ ‫< في مطلع كتابك خطوات على الطريق أوردت‬ ‫والعمل على تحقيقه‪.‬‬ ‫اآلية القرآنية التي جاءت على لسان هود عليه‬ ‫< بدأت مؤلفاتك بكتاب «أوراق جوفية» التاريخي‪،‬‬ ‫السالم (إني أخاف عليكم عذاب يومٍ عظيم)‪..‬‬ ‫ث����م ان��ت��ق��ل��ت إل�����ى ال���ح���ك���اي���ات ال��ش��ع��ب��ي��ة في‬ ‫وأت��ب��ع��ت��ه��ا ب���ق���ول���ك‪ ..‬وأن����ا أخ����اف ع��ل��ي��ك��م من‬ ‫«عصاميون» و«ح��دائ��ق ال��ج��وف» ثم قفزت إلى‬ ‫المستقبل المجهول‪ ..‬ماذا أردت بهذه العبارة‪..‬‬ ‫ال��س��ي��اس��ة ف��ي ك��ت��اب «ال��غ��زو األم��ي��رك��ي للعالم‬ ‫وأي خوف تعنيه؟!!‬ ‫العربي» وص��وال إل��ى «خ��ط��وات على الطريق»‪،‬‬ ‫م��اذا أردت أن تقول من خ�لال ه��ذه المؤلفات؟ > أردت بها أن نتعلم من أخطائنا‪ ..‬والخوف من ما‬ ‫هو حاصل في فلسطين وب�لاد عربية وإسالمية‬ ‫وهل استطعت أن توصل رسالتك إلى األجيال‬ ‫أخ���رى‪ ،‬وال���ذي ي�ع��د تمهيدا ل�م��ا ي��ري��د أعداؤنا‬ ‫من خاللها؟‬ ‫تحقيقه‪.‬‬ ‫> لقد اجتهدت وكتبت على قدر معرفتي التاريخية‪،‬‬ ‫ليكون لدى هذا الجيل واألجيال القادمة خلفية < ه��ل ت��وق��ف معاشي ال��ذوق��ان ع��ن التأليف أم أن‬ ‫هناك مشاريع أخرى على الطريق؟!‬ ‫عن تاريخ أجدادهم‪ ،‬من خالل «أوراق جوفية»‬ ‫و«عصاميون» و«ح��دائ��ق ال �ج��وف»‪ ..‬أم��ا كتابي > لم ولن أتوقف عن التأليف‪ ..‬ولي مؤلف تحت‬ ‫الطبع بعنوان (شاهد عيان على ذلك الزمان‬ ‫‪1948- 1946‬م)‪.‬‬ ‫< كيف ت��رون دور األجهزة الثقافية بالمنطقة‬ ‫مثل النادي األدبي وجمعية الثقافة والفنون؟‬

‫أثناء محاضرة له في النادي األدبي بالجوف‬

‫‪90‬‬

‫اجلوبة ‪ -‬شتاء ‪1431‬هـ‬

‫> إن� �ن ��ي ه �ن��ا أش� �ك ��ر ال �ق��ائ �م �ي��ن ع �ل��ى هاتين‬ ‫المؤسستين‪ ..‬وما أريده فقط من المحاضرين‬ ‫أال يتكلموا عن المشاكل فقط دون طرح الحلول‬ ‫أمس الحاجة إلى‬ ‫المناسبة لها‪ ...‬فنحن في ّ‬


‫< أن��ت عضو ف��ي المجلس الثقافي بمؤسسة‬ ‫عبدالرحمن السديري الخيرية‪ ،‬كيف ترى دور‬ ‫المؤسسة الثقافي؟‬

‫> ال أري��د مشاريعا يبنيها غيرنا ويعمل فيها‪..‬‬ ‫أريد مشاريعا يعمل بها أبناء البلد‪ ..‬مشاريع‬ ‫تشغيلية اقتصادية‪ ،‬يعمل بها أبناؤنا وبناتنا‪..‬‬ ‫كمصانع للنسيج‪ ..‬وتعليب الخضار والفاكهة‪..‬‬ ‫ومشاغل خاصة بالخياطة والتريكو‪ ..‬إلخ‪..‬‬ ‫والطريق طويل‪!!..‬‬

‫ > أن��ا فخور بأني عضو في المجلس الثقافي‬ ‫بمؤسسة عبدالرحمن ال�س��دي��ري الخيرية‪،‬‬ ‫وأشكر القائمين عليها‪ ..‬وما آمله في ندواتهم‬ ‫وم �ح��اض��رات �ه��م ال�م�ق�ت��رح��ة أن ي�ع��ال�ج��وا من < ك���ي���ف ت������رى مستقبل‬ ‫منطقة الجوف؟‬ ‫خاللها بعض مشاكلنا العربية واالجتماعية‪..‬‬ ‫فنحن يا أخي في حالة حرب‪ ،‬وما زلنا نجري > م � ��ا ل � ��م نعالج‬ ‫وراء أحالم عنترة وغيره‪!!..‬‬ ‫م� ��ا ن �ش �ك��و منه‬ ‫أن��ت وأن� ��ا‪ ..‬فال‬ ‫< ك��ي��ف ت���رى م��س��ت��وى ال��ت��ع��ل��ي��م؟ وم���ا ه��ي أبرز‬ ‫ح� � � ��اض� � � ��ر وال‬ ‫مشاكله؟ وم��ا ه��ي أس��ب��اب ضعف مخرجات‬ ‫مستقبل يرجى‬ ‫التعليم لدينا؟‬ ‫لنا‪!!..‬‬ ‫> يا ليتنا استفدنا من التجربة الهندية في التعليم‬ ‫في عهد االستقالل عن التاج البريطاني‪ ..‬وأود‬ ‫القول‪:‬‬

‫م������������������واج������������������ه������������������ات‬

‫ثورة ثقافية تربوية حتى يعرف الجيل القادم‬ ‫الخطأ من الصواب‪..‬‬

‫المملكة‪ .‬ما تعليقك على هذه الرؤية‪ ..‬وإلى‬ ‫ماذا يعزو معاشي ذلك؟‬

‫أ ‪ -‬إن مستوى التعليم ضعيف‪ ..‬فال يصل إلى‬ ‫الهدف المنشود منه‪.‬‬ ‫ب ‪ -‬من أبرز مشاكل التعليم ضعف المعلم أمام‬ ‫الطالب‪ ..‬خاصة وأنه يؤدي عمال وظيفيا ال‬ ‫عمال مهنيا يخدم األبناء ويرقى بهم‪.‬‬ ‫ج ‪ -‬تحديد ال�غ��اي��ة م��ن ال�ت��دري��س وال�ع�م��ل على‬ ‫تحقيقها‪.‬‬ ‫د‪ -‬أرى أن الموجهين ال يقومون بواجبهم كما ينبغي‪..‬‬ ‫فالموجه يُستقبل على باب المدرسة بحرارة‪،‬‬ ‫وي��ودع بمثل ما استقبل به‪ ،‬وكأنه ضيف عزيز‬ ‫ن��ازل على هذه المؤسسة‪ ..‬والحديث عن هذا‬ ‫الموضوع طويل‪ ..‬واإلصالح يجيء من فوق‪!!..‬‬ ‫< ي��رى الكثير هنا أن منطقة ال��ج��وف ل��م تنل‬ ‫حظها من المشاريع التنموية كسائر مناطق‬

‫بعض‬ ‫مؤلفاته‬

‫اجلوبة ‪ -‬شتاء ‪1431‬هـ ‪91‬‬


‫حوار مع‬

‫ناصر محمود عطا الله‬

‫(‪)1‬‬

‫> حاوره محمد زيتون**‬

‫شاعر وصحفي فلسطيني‪ ،‬احترقت أنامله‬ ‫كما قلبه بغصة الوجود السيزيفي‪ ،‬الذي هو كل‬ ‫حظ اإلنسان من الحياة في فلسطين‪ .‬فأولع‬ ‫صدره بيقين األمل والحب‪ ،‬وتشرنق في سماء‬ ‫الشعر بوداعة كأي أريج طيب‪.‬‬ ‫إلتقيته بصدفة الشعر‪ ،‬فكان التعارف وكانت‬ ‫البداية صيف ‪2006‬م‪ ،‬حين كان القصف جار في‬ ‫سماء غزة‪ ،‬وكان خط االتصال ينقطع ثم يعاود‪..‬‬ ‫قبل أن يمتد القصف إلى جنوب لبنان‪.،‬‬ ‫ه����ذا ال����ح����وار ال�����ذي ي��ش��رئ��ب ك��ك��ل أعناق‬ ‫المقاومة‪ ،‬في أوضاع االستثناء‪ .‬يجسد فهما خاصا للوطن واألرض والشعر والحب‪..‬‬ ‫والحياة‪ .‬إذ لم ينطفئ قط بريق األمل في عتمة هذا الليل الذي نصبت خيمته أيادي‬ ‫تختف عبارات التفاؤل قط من معجم الشاعر‪ ،‬ما يجعل الواحد يقترب‬ ‫ِ‬ ‫العدوان‪ ،‬ولم‬ ‫بالفعل‪ ،‬كي يعرف أي طينة من الرجال هؤالء المرابطون في وجه الغاصب في أرض‬ ‫فلسطين‪ ،‬سيما والقصف ما يزال يتجدد‪.‬‬ ‫< الشعب الفلسطيني‪ ،‬شعب الجبارين‬ ‫كما يقول الراحل ياسر عرفات‪ ،‬أجدني‬ ‫م��رغ��م��ا ع��ل��ى ال��ب��دء م��ن ه��ن��ا‪ ،‬أي من‬ ‫القضية‪ .‬فكيف هو الوضع في األرض‬ ‫المحتلة؟ وكيف هو حال المبدع بشكل‬ ‫عام في وضع االستثناء هذا؟‬ ‫> الفلسطينيون ما قبل النكبة‪ ،‬كأي شعب‬ ‫مارس الحياة بطريقة المطر والحدائق‬ ‫المشتاقة‪ ،‬ك��ان الحب على الطرقات‬

‫‪92‬‬

‫اجلوبة ‪ -‬شتاء ‪1431‬هـ‬

‫وتحت النوافذ وفي خيوط المالبس‪،‬‬ ‫والصباحات تستقبل المساءات بأنهار‬ ‫الود والتحنان‪ ،‬لم يكن البرتقال غريبا‬ ‫يقف ف��ي م�ك��ان ليس م�ك��ان��ه‪ ،‬ب��ل كان‬ ‫ح� ��ارس ال �ش �ه��وة وص ��اح ��ب العطية‪،‬‬ ‫وك ��ذا ك ��ان ال �ق �م��ر‪ ،‬واألح�ل��ام كاأليام‬ ‫ت ��رص ك��ال�ق�ط��ن ف��ي ال��وس��ائ��د‪ ،‬وأما‬ ‫ريح الغرباء وسوطهم الغليظ‪ ..‬فبدل‬ ‫شعبا طبيعيا بشعب استثنائي‪ ،‬بشعب‬


‫ ‬

‫م������������������واج������������������ه������������������ات‬

‫يضحي باالبتسامة لحين كسر السوط‪ ،‬شعب‬ ‫يقف في وجه الريح التي تجتاحه على مدار‬ ‫الثانية وال تكسره‪ ،‬إنه شعب يقف منذ السنين‬ ‫< وق�����ع اخ����ت����ي����ارك ع���ل���ى ال���ع���م���ل ف����ي مهنة‬ ‫الغابرة‪ ،‬مؤجال كل سعادته لحين الوصول الى‬ ‫الصحافة‪ ،‬ومن ثم االكتواء بنار المتاعب‪.‬‬ ‫بقعة الوطن الكاملة‪.‬‬ ‫وإضافة إلى نار اإلب��داع‪ ،‬تفضل الصمود في‬ ‫وعن اإلبداع‪ ،‬فهو كالنهر ال ينقطع عن ساق‬ ‫أرض الوطن‪ ،‬نار على نار على نار‪ ،‬ما يجعل‬ ‫األميرة‪ ،‬رواف��ده وإن كانت مؤلمة‪ ..‬إال أنها‬ ‫وج��ودك مفتوحا على كل االحتماالت‪ ،‬كما‬ ‫متفائلة في غد ينتظرنا عند الصبح‪.‬‬ ‫كل المبدعين الصامدين إلى حدود اآلن‪ :‬ما‬ ‫إلى معكوسها‪ ،‬بدعوى التوافق ولجم المسافة‬ ‫بين نقيضين‪ ،‬كجمع النار والماء في غربال‪.‬‬

‫السر في هذا الشموخ؟‬

‫ < س��اف��رت القضية ف��ي مسارها ال��خ��اص زمنا‬ ‫ل��ي��س باليسير ح��ت��ى اآلن‪ ،‬وال��ف��اع��ل��ون في > ألنها فلسطين‪ ،‬منارة الروح صاحبة الجاللة‬ ‫مسارها أطراف كثر‪ ،‬إذا كان العرب طرفا أوال‬ ‫التي اغسل ساقها بماء العين‪ ،‬وأط��وف بها‬ ‫بوصفهم أصحاب القضية‪ ،‬فما هو انطباعك‬ ‫السبع المقدسة في النهار‪ ،‬وأكدسها حلما ال‬ ‫ال��خ��اص ت��ج��اه م��ا ي��ت��ع��ارف��ون على تسميته‬ ‫تنازل عنه عند كل ليل‪.‬‬ ‫بمجهودات السالم؟ وكيف تقيم دور أدبائهم‬ ‫ ه��ي ذات ال��رح��م أم��ي‪ ،‬وذات الشموخ أبي‪،‬‬ ‫ومثقفيهم ف��ي ه��ذا ال��ش��أن؟ وم��ا ال��ف��رق في‬ ‫وصلتي بسروة حضنت الظل واسكنت طيري‬ ‫رأيك بين التطبيع والسالم؟‬ ‫منازلها العالية‪ ،‬وإن كنت ولدها فلن أكون‬ ‫> النار على رأس التل‪ ،‬واألهل متفرقون عنها‪،‬‬ ‫ناكرا لحليبها النازل روح��ي بصفاء‪ ،‬مع كل‬ ‫كلهم يرى شررها‪ ،‬ولكن ليس كلهم يكتوي بها‪،‬‬ ‫جرح ينزف من يدها‪.‬‬ ‫وإن جمعتهم على رأيهم بها‪ ،‬جمعوك على‬ ‫< ولدت في دمشق وأنت فلسطيني‪ ،‬وتقيم اآلن‬ ‫جواب واحد‪ ،‬وهو أنها ظالمة‪.‬‬ ‫في يافا‪ ،‬واألكثر من ذلك ولدت في عام ‪67‬م‬ ‫ وأم��ا السالم‪ ،‬فمن يكرهه مخبول بال شك‪،‬‬ ‫الذي يوافق في الوعي العربي عام النكسة‪..‬‬ ‫فهو هدية الله إل��ى عباده ونعمته‪ ،‬ولكن ال‬ ‫وأول منجزك الشعري هو‪« :‬هل يكفي الورد؟»‬ ‫أجد فيمن يحتل أرض غيره‪ ،‬ويقيم مملكته‬ ‫لماذا هذا السؤال؟ ولماذا الورد تحديداً؟‬ ‫بعظام شعب أع��زل أنه طالب س�لام‪ ،‬ولكننا‬ ‫نتعايش معه على قاعدة المفروض المنبوذ ال > نعم أنا فلسطيني ولدت في دمشق‪ ،‬وأسكن‬ ‫ال�ي��وم غ��زة‪ ،‬ول�ي��س ي��اف��ا وإن ك��ان��ت جذوري‬ ‫على قاعدة الرضا به من ضعفنا وقوته‪.‬‬ ‫يافاوية‪ ،‬عابرة واح��دة اخذتني إليها كانت‬ ‫ وأم� ��ا ال �ف��رق ب �ي��ن ال�ت�ط�ب�ي��ع وال� �س�ل�ام‪ ،‬فهو‬ ‫حياتي التي وجدتني أبكيها‪.‬‬ ‫ش��اس��ع‪ ،‬فالسالم تعايش وت �ب��ادل واختالط‬ ‫أمان‪ ،‬وتجاوب يومي في التعاطي‪ ،‬له صدقه تسلقت جدران بيتنا الذي ولد فيه أبي‪ ،‬ولم‬ ‫أجد قبر جدي عند التلة‪ ،‬وفتشت عن رسائل‬ ‫المتين وجسوره القوية‪ ،‬بعيدا عن التزييف‬ ‫أمي إلى والدي قبل العرس لكي اخفيها عن‬ ‫واإلجبار والتلوين‪ ،‬والتطبيع مصنفات مدخلة‬ ‫قصاصي اآلثر‪ ،‬ولكني وجدت أضرحة كثيرة‬ ‫لتطبيقها جزئيا على معينات لتغيير وضعها‬

‫اجلوبة ‪ -‬شتاء ‪1431‬هـ ‪93‬‬


‫لعشاق الحياة في يافا‪ .‬وعن تاريخ مولدي‪..‬‬ ‫فهو ق��در ت�ح��دان��ي وقبلته‪ ،‬وأرف ��ض النكبة‬ ‫ومعها النكسة‪ ،‬ألنني موجود في حضن بلدي‬ ‫ال�ي��وم‪ ،‬وم��ازل��ت ف��وق ال�ت��راب‪ ،‬وإن استبدلت‬ ‫ال�م�ص�ط�ل�ح��ات ب��ال �م��أس��اة‪ ،‬ف��أت�ج��رع�ه��ا وال > لست متسلقا جبال الوطنية والقضايا الكبرى‬ ‫أستسلم لها‪.‬‬ ‫لخدمة اآلنا‪ ،‬فلذا أدفع بالذات دفعا مرضيا‬ ‫من أجل وطني وهمومه‪ ،‬وال أنكر على «أنايا»‬ ‫ودي��وان��ي ف��ي ال��س��ؤال‪ ..‬ول�ي��س ال �س��ؤال في‬ ‫مسارها الطبيعي في التعبير عنها‪ ،‬هنا لي‬ ‫الديوان‪ ،‬هل يكفي الورد واإلسرائيلي يشهر‬ ‫قلب يحب الحياة‪ ،‬وهنا لي عين ترى الجمال‪،‬‬ ‫سيفه ليل نهار في وجهي؟‬ ‫ولي ليل هو كوخ أحالمي‪ ،‬وكل هذا «أنايا»‬ ‫متى ه��زم��ك الشعر أول م���رة‪ ،‬وك��ي��ف كانت‬ ‫المسئولة عنه‪ .‬ومادامت «أنايا» سابحة في‬ ‫بداياتك فوق حلبته؟‬ ‫داخلي‪ ،‬وأنا ابن قضيتي‪ ،‬فال تكون «أنايا» إن‬ ‫ال أذك� ��ر ل�ح�ظ��ة ال �م �خ��اض‪ ،‬رب �م��ا طفولتي‬ ‫لم تكتب بأظافرها مأساتي‪ ،‬كيف أشرد من‬ ‫القاسية ردمت انتباهي للشعر‪ ،‬والضوء كان‬ ‫جلدي؟‬ ‫ف��ي أواخ��ر العشرينيات م��ن ع�م��ري‪ ،‬لحظة‬ ‫< «الصباح الفلسطينية» ه��ي الجريدة التي‬ ‫ارتطامي بالشعر‪ ،‬انشق ج��دار صمتي على‬ ‫تعمل بها ككاتب صحفي‪ ،‬و«ملتقى شعراء‬ ‫ضجيج اللغة‪ ،‬وصدقت مسيري حتى وجدتني‬ ‫العرب» هو الموقع االلكتروني الذي أسسته‪،‬‬ ‫ص��اح��ب دي���وان‪ ،‬وآخ��ر ف��ي ال�ط��ري��ق‪ ،‬وثالث‬ ‫وأنت اآلن تشرف عليه‪ ،‬كيف تقيم تجربتك‬ ‫ينتظر الجمع‪.‬‬ ‫ف��ي ه��ذا ال��ب��اب؟ ول��م��اذا ه��ذا اإلص����رار على‬ ‫ديوانك الثاني تحت الطبع‪ ،‬قلت لي إن عنوانه‬ ‫المحلي‪ /‬الجريدة والقومي‪ /‬شعراء العرب‪،‬‬ ‫هو «عتبات» هال قربتنا من مضمونه؟ وأوجه‬ ‫في نفس اآلن؟‬ ‫االختالف واالئتالف بينه وبين سابقه؟‬ ‫> ألنني أرى من عين واس�ع��ة‪ ،‬وأم��ام��ي أزهار‬ ‫نعم‪ ..‬التجربة اختلفت‪ ،‬فاألول دفعه اإلرباك‬ ‫وط �ي��ور‪ ،‬رغ��م ج��رح��ي ال �ن��ازف‪ ،‬أبتسم لكي‬ ‫المقلق‪ ،‬ألن��ه ال �ش��رارة‪ ،‬وأم��ا ال�ث��ان��ي فأكثر‬ ‫يراني أخي البعيد ويطمئن للحياة‪ ،‬فوجدتني‬ ‫تشبعا في اللغة ومرونة في التصوير‪ ،‬ال أغبن‬ ‫في الداخل الفلسطيني ناقال الفرح إليه من‬ ‫األول‪ ،‬فهو البداية‪ ..‬ولكنني أتمنى من الثاني‬ ‫الخارج العربي‪ ،‬ليسكن الجريح ويتفاءل بالغد‪،‬‬ ‫أن يعطي عني عناوين أكثر وضوحا‪ ،‬فالشعر‬ ‫وكذلك نقلت االبتسامة الخجولة المدماة إلى‬ ‫يكسر المرايا دوما من أجل التفرد باألصل‪.‬‬ ‫القريب ال�ع��رب��ي‪ ..‬ليشد س��اع��ده‪ ..‬ويستقر‬ ‫وي��رف��ض ك��ل اق���ت���ران ب��ي��ن اس��م��ه والقضية‬ ‫الوطنية أو المجتمعية‪ ..‬ويدعي أن الذات‬ ‫هي قضيته األول��ى واألخ��ي��رة‪ :‬فما هو رأيك‬ ‫في هذا األمر؟‬

‫ ‬

‫< ‬ ‫> ‬

‫< ‬

‫> ‬

‫قلبه على محبتي‪ ،‬وأقول له‪ :‬ال لن أتنازل عن‬ ‫وطن أزرع فيه قصائدي وتحصدها مشاعرك‬ ‫طيبا يا أخي‪.‬‬

‫< بين أع��م��دة الشعر وهواجسه التي تسكننا‬ ‫نلملم لنا أحيانا بعض القش‪ ،‬لنقيم ملجأنا‬ ‫الخاص‪ ،‬هروبا من واقع ما‪ ،‬حتى أن هناك‬ ‫من يتنكر لكل قضية خارج محيط « األنا»‪ < ،‬هل تعتقد أن الذاكرة ما زالت أمينة في واقع‬

‫‪94‬‬

‫اجلوبة ‪ -‬شتاء ‪1431‬هـ‬


‫< ‬

‫> ‬

‫< ‬ ‫< ‬

‫م������������������واج������������������ه������������������ات‬

‫ال��ح��رك��ة الشعرية العربية اآلن؟ أم أن آفة > الحياة حتى بعد موتها‪.‬‬ ‫النسيان والتجاوز نخرت الكيان الشعري‪ < ،‬الوطن؟‬ ‫وطوحت بمنجزه في الهواء؟‬ ‫> سرير أحالمي وقميص النور الذي يرتديني‬ ‫> الذاكرة قط شرس‪ ،‬ال تعرف كيف ومن أين‬ ‫فأكون الضياء‪.‬‬ ‫ومتى يهاجمك‪ ،‬والشعر حارسه وعصاه‪ ،‬وال‬ ‫< الذاكرة؟‬ ‫أميل للحظة بأن القط انحرق في بركة النار‬ ‫(العولمة)‪ ،‬وال أتخيل القط من غير حارسه > أنا حيٌّ ‪.‬‬ ‫وعصاه‪.‬‬ ‫< الوردة الحمراء؟‬ ‫ك��ي��ف ت��ن��ظ��ر إل���ى واق����ع ال��ت��ج��رب��ة الشعرية > شفاه تحب وتغضب‪.‬‬ ‫ال��ع��رب��ي��ة؟ وك��ي��ف ت���ق���ارب م��س��ت��ق��ب��ل��ه��ا‪ ،‬من‬ ‫< جسد طفل مثقوب بالرصاص؟‬ ‫خ�لال تجربتك وم��ا تطلع عليه من تجارب‬ ‫> ب��اب يطل على نقيضين ن��ار أشعلها ظالم‬ ‫اآلخرين؟‬ ‫سام يكشف عن التشبث‬ ‫وتحد ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫لتغتال الحياة‪،‬‬ ‫هذه الجدلية مؤلمة لي‪ ،‬وعندي النص يُعَرف‬ ‫والموت عشقا‪ ،‬حياة خالدة لفرح خالد‪.‬‬ ‫على صاحبه‪ ،‬ولكن ال يحكم عليه بالمطلق‪،‬‬ ‫< طفلة صغيرة تبتسم؟‬ ‫فالزمن والتجربة عامالن مهمان في نتاج كل‬ ‫شاعر‪ ،‬وال أطلب من شجيرة زرعت باألمس > الغد‪.‬‬ ‫أن تعصر ل��ي حباتها ف��ي ال�غ��د‪ ،‬وف��ي عموم < قصيدة أتت في غير موعدها ثم لم تراودك‬ ‫الفوضى التعريفية لشعر العرب اليوم أقف‬ ‫بعد؟‬ ‫بخجل وح�ي��رة‪ ،‬ولكن ال أقترب إل��ى منطقة‬ ‫> حبيبتي التي ج��اءت ول��م أحضر لموعدها‪،‬‬ ‫محرمة على النثر والحداثة‪ ،‬ومباحة للتراث‬ ‫حزن يشق الصدر وال يدميه‪.‬‬ ‫من عامودي وقافية‪ ،‬فال مناطق تحتكر لدي‪،‬‬ ‫م��ادام��ت اللغة العربية ه��ي ال�ت��راب الواحد < ما هو السؤال ال��ذي تعتقد أنني لم أسألك‬ ‫إياه؟‬ ‫للمناطق جميعها‪ ،‬وال أجيد التصنيف‪ ،‬وال‬ ‫أغ��رق ف��ي التهم‪ ،‬فبين األل��ف وال�ي��اء فهمي > كيف أحب أن أكون؟‬ ‫وذوقي وسكن روحي‪.‬‬ ‫< وما هو جوابك عليه؟‬ ‫ماذا تعني هذه األشياء بالنسبة إليك‪:‬‬ ‫> كما تحب أن تراني كل عين‪ ،‬وتسمعني كل‬ ‫أذن‪ ،‬ويقبلني كل قلب‪.‬‬ ‫األم؟‬

‫* ولد في دمشق سنة ‪1967‬ويقيم في غزة‪ ،‬وهو محرر الصباح األدبي في جريدة الصباح الفلسطينية‪ ،‬وهو عضو‬ ‫اتحاد الكتاب الفلسطينين‪ ،‬عضو نقابة الصحفيين الفلسطينين‪ ،‬عضو اتحاد كتاب االنترنت العرب‪ ،‬عضو اتحاد‬ ‫شعراء العالم‪ ،‬من مؤسسي ملتقى غزة للشعراء‪ ،‬ومن مؤسسي ملتقى شعراء العرب (‪.)www.gpoets.com‬‬ ‫** كاتب من المغرب‪.‬‬

‫اجلوبة ‪ -‬شتاء ‪1431‬هـ ‪95‬‬


‫نمتدح كتاباتهم حتى ال نتهم بالجهل‬ ‫نقاد كبار ينقلون النص األجنبي كنص مقدس ودون وعي كاف‬

‫الناقد د‪ .‬جمال جنيب التالوي‬ ‫> محمد احلمامصي*‬

‫يعد الناقد د‪ .‬جمال نجيب التالوي ‪ -‬أستاذ النقد األدبي المقارن بكلية اآلداب جامعة‬ ‫المنيا ‪ -‬واحدا من أهم نقاد جيل الثمانينيات في مصر‪ ،‬قدم للعديد من أعمال شعراء‬ ‫وروائيي وقصاصي األجيال الجديدة‪ ،‬واستطاعت أطروحاته وآراؤه أن تثير جدال واسعا‬ ‫في الوسط النقدي واإلبداعي‪ ،‬خاصة كشفه عن ما نقله بعض النقاد الكبار ترجمة‬ ‫ونسبوه إلى أنفسهم‪ ،‬وكذلك األمر في الشعر‪ .‬حاصل على درجة الدكتوراه في النقد‬ ‫اإلنجليزي المقارن‪ ،‬له العديد من الترجمات الشعرية منها (قصائد للحياة‪ .‬مختارات‬ ‫من الشعر الصيني المعاصر)‪ ،‬و (أن توجه الشمس) و (استرجاع إلزرا باوند «نقد‬ ‫مترجم») و (فن الحرب لسن تزو)‪ ،‬ومن كتبه النقدية (أغنيات من موسيقى الجنوب)‬ ‫و (المثاقفة‪ ..‬عبدالصبور وإليوت دراسة حضارية)‪ ،‬وله أكثر من كتاب باللغة اإلنجليزية‪،‬‬ ‫ونشر دراساته النقدية في المجالت والدوريات المصرية والعربية‪ ،‬كما يكتب د‪ .‬التالوي‬ ‫القصة والرواية‪ ،‬من مجموعاته (البحث عن شيء ما)‪( ،‬والفجر)‪ ،‬وروايات (الخروج على‬ ‫النص)‪( ،‬تكوينات الدم والتراب)‪.‬‬ ‫وفي هذا الحوار نتعرف على مشروعه النقدي ورؤاه للحركة النقدية داخل الجامعة‬ ‫وخارجها‪ ،‬وكذلك وضع اإلبداع العربي حاليا‪.‬‬ ‫< ما العناصر الرئيسة في رؤيتك النقدية‬ ‫والمرتكزات التي بنيت عليها؟‬ ‫> أوال م��ن الصعب تحديد رؤى نقدية‬ ‫م�ح��ددة‪ ،‬ألنني في تصوراتي النقدية‬ ‫ال أتبع منهجا نقديا بعينه‪ ،‬وإن كنت‬ ‫أتبع اتجاهات نقدية‪ ،‬وأتصور أنه من‬

‫‪96‬‬

‫اجلوبة ‪ -‬شتاء ‪1431‬هـ‬

‫المشاكل التي يمر بها نقدنا العربي‪،‬‬ ‫أن يتبنى ناقد نظرية أو مدرسة بعينها‪،‬‬ ‫ويظل مستعبدا لها‪ ،‬ألن هناك نصوصا‬ ‫تستعصي على االتجاهات‪ ،‬وتستجيب‬ ‫الت �ج��اه��ات أخ� ��رى‪ ،‬أم ��ا المرتكزات‬ ‫األساسية فهي بالتأكيد التراث العربي‬ ‫أوال‪ ،‬قديمه وحديثه‪ ،‬واتجاهات النقد‬


‫ ‬

‫هناك بعض االتجاهات النقدية من وجهة‬ ‫نظري ال تُعني على تحليل النصوص األدبية‪،‬‬ ‫وربما هذه واحدة من مشكالت نقدنا العربي‬ ‫المعاصر واآلن��ي؛ فمثال‪ ..‬معظم اتجاهات‬ ‫ن�ق��د م��ا ب�ع��د ال �ح��داث��ة كالتفكيكية والنقد‬ ‫النسائي ه��ي معطيات نظرية أدب �ي��ة تميل‬ ‫إل��ى التنظير أكثر منها إل��ى التطبيق‪ ،‬سواء‬ ‫في معطياتها األصلية الغربية أو من ينقلها‬ ‫إل��ى العربية س ��واء بالترجمة أو التنظير‪،‬‬ ‫الدراسات التطبيقية في هذا قليلة‪ ،‬والمتاح‬ ‫منها ال يفضي ب�ن��ا إل ��ى ف�ه��م مقنع للعمل‬ ‫األدبي‪ ،‬ومن ثم أدخلتنا هذه االتجاهات ومن‬ ‫نقلوها إلى العربية أو إذا شئنا الدقة نقول‬ ‫معظمهم‪ ،‬ألنه بالتأكيد لم أق��رأ كل ما كتب‬ ‫بالعربية نقال متعسفا‪ ،‬يكتبون ما يمكن أن‬ ‫أسميه ترجمات غير أمينة؛ بمعنى أن ما‬ ‫يكتب من كتب في هذه االتجاهات على أنه‬

‫م������������������واج������������������ه������������������ات‬

‫العالمية من خالل اللغة اإلنجليزية‪ ،‬وأقصد‬ ‫باإلنجليزية النقد اإلن�ج�ل�ي��زي‪ ،‬واتجاهات‬ ‫النقد األخرى التي أقرأها باللغة اإلنجليزية‪،‬‬ ‫علي أي ح��ال‪ ..‬أن��ا أت�ص��ور أن مهمة النقد‬ ‫األدبي األساسية هي تأويل النصوص األدبية‪،‬‬ ‫وأت�ص��ور أن أي منهج نقدي عليه أن يؤدي‬ ‫إلى تأويل النص األدب��ي‪ ،‬ومن ثم ربما تكون‬ ‫التأويلية هي أقرب االتجاهات النقدية التي‬ ‫أتعامل معها اآلن‪ ،‬وربما تتغير ه��ذه الرؤى‬ ‫مستقبال؛ لكني ال أقصر وجهة نظري على‬ ‫التأويل فقط‪ .‬أقرأ في كل االتجاهات‪ ،‬وأفيد‬ ‫كل ما يساعدني في التعامل مع نص أدبي‪،‬‬ ‫ألن��ه ‪ -‬كما ذك��رت ‪ -‬هناك بعض النصوص‬ ‫تستجيب لبعض االت �ج��اه��ات‪ ،‬ون �ص��وص ال‬ ‫تستجيب التجاهات أخرى‪.‬‬

‫تأليف في معظمه ليس تأليفا‪ ،‬حتى لكثير‬

‫م��ن األس �م��اء ال �ت��ي نحترمها ون �ق��دره��ا في‬ ‫الساحة العربية‪ ،‬ه��ي ك�ت��اب��ات‪ ..‬ع�ب��ارة عن‬

‫مزج بين الترجمة وبين فهم للترجمة‪ ،‬ويقدم‬ ‫هذه على أنه نوع من التأليف‪ ،‬هذه الرؤية‬

‫تأتي في معظمها غامضة وضبابية‪ ،‬لسببين‬

‫أولهما أن هذه االتجاهات أو بعضها مستغلق‪،‬‬ ‫وثانيهما أن من يقدم هذه االتجاهات‪ ..‬ربما‬ ‫تكون الرؤية غير واضحة بالنسبة لهم‪ ،‬وكثير‬ ‫من منظري هذه االتجاهات‪ ،‬ومنهم ‪ -‬جاك‬ ‫دريدا‪ ،‬وجمسون ‪ -‬الذين روجوا كثيرا لهذه‬

‫االتجاهات راج��وا نقد ما بعد الحداثة‪ ،‬هم‬ ‫اآلن ف��ي العقد األخ�ي��ر ي��راج�ع��ون أنفسهم‪،‬‬ ‫وي�ع�ت��رف��ون أن النظرية األدب �ي��ة وتنظيرات‬

‫نقد م��ا بعد الحداثة ك��ان م��ن المفترض ‪-‬‬

‫أو عندما تبنوها وطوروها ‪ -‬أن تفضي بنا‬ ‫إلى فهم أفضل للعمل األدبي‪ ،‬لكنهم يقولون‬

‫أنها أفضت بهم إلى نفق مظلم‪ ،‬فأصبحت‬ ‫النظرية النقدية األدبية هي الهدف‪ ،‬وضاع‬ ‫ال�ه��دف األس��اس��ي وه��و النص األدب ��ي‪ .‬هذا‬

‫ف��ي ال �غ��رب‪ ..‬وه��م اآلن ي��راج�ع��ون أنفسهم‬

‫بموضوعية وصراحة‪ ،‬ونحن ال نراجع أنفسنا‪،‬‬

‫وإنما ننقل عنهم كثيرا‪.‬‬

‫اجلوبة ‪ -‬شتاء ‪1431‬هـ ‪97‬‬


‫< هل ترى أن هناك اتجاهات أو اتجاها صاحب‬ ‫خصوصية في النقد العربي؟‬ ‫> ف��ي حكم تجربتي المتواضعة ف��ي القراءة‬ ‫والمتابعة‪ ،‬ليست هناك خصوصية‪ ،‬فكما‬ ‫قلت‪ :‬كل ناقد يكتب حسب ثقافته‪ ،‬فالذي‬ ‫لديه ثقافة عربية تراثية ال يريد أن يغيرها‬ ‫أو يضيف إليها‪ ،‬وال��ذي لديه ثقافة عربية‬ ‫معاصرة ال يريد أن يغيرها أيضا‪ ،‬والمرتمي‬ ‫في أحضان اتجاه أو نظرية غربية يعبدها‬ ‫ويقدسها ال يريد أن يضيف إليها أو يناقشها‬ ‫أو يتعامل معها‪ .‬إننا نتعامل بسلبية‪ ،‬ومن ثم‬ ‫ال أرى ثمة تصور لمالمح نقد عربي‪ ،‬نضيف‬ ‫إلى ذلك أننا لم نعتد على العمل الجماعي‪.‬‬ ‫االتجاهات والنظريات الغربية تظهر مدارس‬ ‫ف��ي ال�ج��ام�ع��ات‪ ،‬وال��دوائ��ر األك��ادي�م�ي��ة تقوم‬ ‫بها مجموعات أو جماعات‪ ،‬نحن ال نعمل‬ ‫في إط��ار جماعة‪ ،‬وحتى عندما يكون لدينا‬ ‫ناقد؛ مثال‪ ،‬في سياقنا المعاصر كانت هناك‬ ‫محاولة جادة للدكتور محمد مندور‪ ،‬لكن لم‬ ‫يأت من يكمل هذا السياق‪ ،‬كل واحد يبدأ من‬ ‫الصفر في تجربته الشخصية‪ ،‬وهذه مشكلة‬ ‫أخرى‪ ،‬إننا ال نعمل في إطار سياق جماعي‪،‬‬ ‫وال بد عندما تتشكل نظرية أن يكون هناك‬ ‫سياق جماعي‪ ،‬سواء مجموعة تعمل معا‪ ،‬أو‬ ‫مجموعة يكمل بعضها بعضاً‪ ،‬نحن نفتقر‬ ‫لهذا العمل الجماعي‪ ،‬ليس فقط في النقد‪،‬‬ ‫ولكن في كل مناحي الحياة وأولها السياسي‪،‬‬ ‫نحن نعمل بشكل مفرد‪ ،‬وكل من يأتي يلغي‬ ‫من قبله‪ ،‬وكما يحدث في السياسة يحدث‬ ‫في النقد‪.‬‬ ‫< م��ا ت��أث��ي��ر ه���ذه ال��رؤي��ة ع��ل��ى ح��رك��ة اإلب���داع‬ ‫العربي؟‬

‫‪98‬‬

‫اجلوبة ‪ -‬شتاء ‪1431‬هـ‬

‫> ال ش��ك أنها تؤثر على حركة اإلب ��داع‪ ،‬لكن‬ ‫لدينا حركة إب��داع في العالم العربي كبيرة‬ ‫جدا‪ ،‬وكما يشكو المبدعون دائما أن النقد‬ ‫ال يتابع اإلب���داع‪ ،‬علينا أال نحمل ف��ي هذه‬ ‫الجزئية على النقد كثيرا‪ ،‬ألن جزءاً من هذه‬ ‫المشكلة هو عدم وج��ود منافذ نشر كافية‪،‬‬ ‫ف ��إذا ك��ان ه �ن��اك ن �ق��اد ي��ري��دون المتابعة‪..‬‬ ‫فالمنافذ م�ح��دودة ج��دا ج��دا‪ ،‬وم��ن ثم هذه‬ ‫مشكلة أخرى أمام المبدع‪ ..‬وأقصد المبدع‬ ‫الحقيقي الذي يضيف ويؤثر‪ ،‬عليه أن تواكبه‬ ‫حركة نقدية أيضا متجددة‪ ،‬تناقشه وتختلف‬ ‫أو تتفق معه‪ ،‬وتجادله‪ ..‬وربما تفتح له آفاقا‪.‬‬ ‫ولكن الغالب األعم ليس كذلك‪ ،‬فالدراسات‬ ‫النقدية التطبيقية في معظمها غارقة في‬ ‫الغموض كما سبق الذكر‪ ،‬غارقة في االقتباس‬ ‫من كتابات السابقين‪ ،‬غارقة في االقتباس‬ ‫من الكتابات النظرية‪ ،‬والمعطى التطبيقي‬ ‫قليل جدا في معظم ال��دراس��ات التطبيقية‪،‬‬ ‫وفي الوقت نفسه ال تفتح أفقا جديدا أمام‬ ‫المبدع إال ما ندر‪ ،‬هي عملية تابعة للمبدع‬ ‫وليست سابقة ومبشرة له‪ ،‬صحيح أن النقد‬ ‫طبيعي أن يكون تابعا لإلبداع أو تاليا له‪ ،‬لكن‬ ‫عليه أن يجادل اإلبداع ‪ -‬كما كان يقول «ألن‬ ‫تيت» ‪ -‬بتوتر‪ ،‬أي يجعل عالقة متوترة‪ ،‬لكي‬ ‫تشحذ المبدع لعمل ج��دي��د‪ ،‬ه��ذا الغموض‬ ‫ف��ي الحركة النقدية ليس غموضا‪ ،‬ويمكن‬ ‫أن نسميه ف��وض��ى ف��ي ال�ح��ال��ة اإلبداعية‪،‬‬ ‫أصبحنا ‪ -‬من كثرة األعمال اإلبداعية وقلة‬ ‫المتابعات النقدية وعدم وضوح مالمح رؤية‬ ‫نقدية محددة ‪ -‬ال نستطيع التمييز بين عمل‬ ‫�س أن لدينا ف��ي العالم‬ ‫جيد وآخ ��ر‪ ،‬وال ت�ن� َ‬ ‫العربي عيبا م��ؤث��راً ج ��داً‪ ،‬وه��و االنتماءات‬ ‫الشللية‪ ،‬هذه الشللية قد تكون أيديولوجية‬


‫< يرى بعض األدباء تراجعا لقصيدة التفعيلة‬ ‫يتمثل في كونها عاطلة عن اإلتيان بجديد‬ ‫يؤكد قدرتها على االبتكار والتطور؟‬

‫م������������������واج������������������ه������������������ات‬

‫أو مصالح‪ ،‬أو قوميات عنصرية‪ ،‬أيا كانت‪،‬‬ ‫فيمكن لناقد أو مجموعة نقاد أن يساندوا‬ ‫كاتبا بعينه‪ ،‬أو مجموعة كتاب بعينهم‪ ،‬سواء‬ ‫أجادوا أم لم يجيدوا‪ ،‬وهناك مبدعون ينبغي‬ ‫أن يظلوا مهمشين دائ�م��ا س��واء أج ��ادوا أم‬ ‫لم يجيدوا؛ هذه مشكلة أخ��رى موجودة في‬ ‫الحياة الثقافية في العالم العربي‪ ،‬ومن ثم‬ ‫يصعب تحديد وض��ع محدد لوضع الحالة‬ ‫اإلب��داع �ي��ة ف��ي ال�ع��ال��م ال �ع��رب��ي‪ ،‬ل�ك��ن هناك‬ ‫توهجً ا وهناك غزارة في اإلبداع‪ ،‬لكن ليست‬ ‫هناك المقاييس التي تميز بين الجيد وغير‬ ‫الجيد‪ ،‬أو أن تشجع الموهوب سواء المبتدئ‬ ‫أو المتمرس‪ ،‬أو أن توقف من ال يضيف شيئا‪،‬‬ ‫أقصد عدم الوضوح في الحركة النقدية أشاع‬ ‫فوضى في مشهد اإلبداع العربي‪.‬‬

‫> أتفق معك في هذا‪ ،‬وأتصور أنه أحد عيوب‬ ‫المشهد الثقافي العربي‪ ،‬نحن نضيع وقتا‬ ‫كبيرا في محاولة محاربتنا لبعضنا بعضاً؛‬ ‫م�ب��دع�ي��ن ون��ق��اد وم�ث�ق�ف�ي��ن‪ .‬وم ��ن األفضل‬ ‫أن ننتقل إل��ى المعارك األدب�ي��ة‪ ،‬أن نتحاور‬ ‫ونتصارع ونختلف أشكاال واتجاهات ومدارس؛‬ ‫فنضيف ونحذف ونتحاور‪ ،‬لكن نتحاور كما‬ ‫ذكرت كأشخاص‪ ،‬ونحاول نفي بعضنا بعضاً‬ ‫حتى في داخل االتجاه الشعري الواحد‪ .‬وأنا‬ ‫ال أريد أن أستثير األصدقاء الذين بدأوا مع‬ ‫بعضهم ف��ي تجربة السبعينيات‪ ،‬وم��ا كانوا‬ ‫يسمون أنفسهم مجموعة إض��اءة‪ ..‬أي��ن هم‬ ‫اآلن من بعضهم بعضاً؟ وكيف يتحدثون اآلن‬ ‫عن بعضهم بعضاً؟ وكيف ينفي بعض منهم‬ ‫اآلخر‪ ،‬وكيف يوجهون االتهام لبعضهم بعضاً؟‬ ‫مع أن ظهورهم ارتبط بوجودهم كمجموعة‬ ‫في مقابل تيارات أخرى‪ ،‬بعد أن تواجدوا على‬ ‫الساحة‪ ،‬اآلن هم ال يختلفون مع االتجاهات‬ ‫األخرى بقدر ما يتجهون مع بعضهم بعضاً؟‬ ‫هذا نمط من أنماط الصراع الذي تحول من‬ ‫الصراع من أجل الشكل الشعري‪ ،‬ومن أجل‬ ‫المنجز الشعري إل��ى ص��راع شخوص وضد‬ ‫مصالح شخصية لن تفيد القصيدة العربية‪.‬‬

‫ > اسمح لي‪ ،‬فأنا أختلف معهم في ذلك‪ ،‬وأقول‬ ‫إنه ليس هناك تراجع ألي شكل من األشكال‬ ‫الشعرية‪ ،‬قصيدة التفعيلة موجودة وقصيدة‬ ‫النثر موجودة والقصيدة العمودية موجودة‪،‬‬ ‫وأت� �ص ��ور أن ال �م �ع��ارك ال �ت��ي ت �ق��وم بسبب < ه��ل تقصد أن مرجعية قصيدة النثر كما‬ ‫األشكال العربية‪ ،‬يصنعها نفر من كل اتجاه‪،‬‬ ‫يردد البعض أجنبية أو كما يرى البعض أنها‬ ‫لمحاولة نفي اآلخر ولجذب األضواء تجاهه‪،‬‬ ‫مترجمة؟‬ ‫الحقيقي أن يكتب كل بالشكل واالتجاه اللذين‬ ‫> ربما يكون هذا هو القصد‪ ،‬وربما يكون هذا‬ ‫يريدهما‪ ،‬المهم أن تكتب في إط��ار الشكل‬ ‫ه��و ال��واق��ع ف��ي الحقيقة‪ ،‬ن�ح��ن ال ننفي أن‬ ‫الذي تختاره بما هو مختلف عن اآلخر وبما‬ ‫ش�ع��راء النثر ه��م م�ب��دع��ون‪ ،‬ويضيفون‪ ،‬لكن‬ ‫يضيف جديدا‪.‬‬ ‫عندما نتحدث عن اإلبداع‪ ،‬أي إبداع نضيف‪،‬‬ ‫< إذا ما يحدث لدينا هو نوع من الصراع بين‬ ‫ليست كل كتابة إبداع‪ ،‬أقصد اإلبداع الحقيقي‬ ‫أشخاص وليس بين أشكال؟‬ ‫الذي يضيف ويختلف عن اآلخرين‪ ،‬كم ديوان‬

‫اجلوبة ‪ -‬شتاء ‪1431‬هـ ‪99‬‬


‫قصيدة نثر قد أض��اف إضافة حقيقية‪ ،‬وكم‬ ‫شاعر قصيدة نثر أض��اف إضافة حقيقية؟‬ ‫هناك جهود ومواهب فردية ربما نلمحها في‬ ‫قصائد في ديوان أو في دواوين لحركة شعر‬ ‫قصيدة النثر‪ ،‬لكن ليست هناك مالمح كاملة‬ ‫نستطيع أن نقول هذه مصرية خالصة‪ ،‬أو حتى‬ ‫عربية خالصة‪ ،‬دون أن ننظر لمثال ما تلتف‬ ‫حوله وتأخذ منه ه��ذه التجارب‪ .‬وال أتصور‬ ‫وال آمل أن يكون ذلك محبطا لشعراء قصيدة‬ ‫النثر‪ ،‬ولكن ربما يكون هذا تحفيزا لهم‪.‬‬ ‫< هل ترى أن شعراء السبعينيات قد استطاعوا‬ ‫تحريك المشهد الشعري لألمام؟‬

‫جماعات‪ ،‬وال أتصور أن نفوذهم ووجودهم‬ ‫اآلن ب�ق��در وج��وده��م ف��ي ف�ت��رة الثمانينيات‬ ‫التي بدأوا فيها يزدهرون‪ ،‬ألنهم اآلن يعملون‬ ‫ف ��رادى‪ ،‬ورب�م��ا يعملون ض��د بعضهم بعضاً‪،‬‬ ‫أو ضد اآلخرين‪ ،‬أو اآلخرين ضدهم؛ لكنهم‬ ‫عندما ب��دأوا كحركة وجماعة لفتوا األنظار‬ ‫إليهم‪ ،‬وأن��ا أت�ص��ور أن ه��ذا يدعونا إل��ى أن‬ ‫ننظر إلى حركات الشعر على األقل في التراث‬ ‫اإلنجليزي واألمريكي ال��ذي أق��رأ فيه‪ ،‬وأجد‬ ‫أن الحركة التي أثرت بالفعل هي التي بدأت‬ ‫في شكل جماعات‪ ،‬وليس في شكل فردي‪ ،‬أو‬ ‫أف��راد توالى عليها أف��راد وأكملوا المسيرة‪،‬‬ ‫ه �ن��اك م��ن ي��رى ات �ج��اه��ا‪ ..‬ل�ك��ن ل�ي��س هناك‬ ‫من يصنع اتجاها بمفرده‪ ،‬كل حركات الشعر‬ ‫فيما أتصور‪ ..‬العالمية كانت كذلك‪ ،‬وشعراء‬ ‫السبعينيات عندما كانوا كذلك كانوا يقدمون‬ ‫ويلفتون النظر ويغيرون في مسيرة الشعر‪ ،‬هم‬ ‫اآلن أصبحوا شعراء مثل كل الشعراء‪.‬‬

‫ > هم استطاعوا حقيقية أن يحركوا المشهد‬ ‫ال� �ش� �ع���ري‪ ،‬ل� �ي ��س اآلن وإن � �م� ��ا ف� ��ي حقبة‬ ‫الثمانينيات‪ ،‬ألن شعراء السبعينيات ظهروا‬ ‫في الثمانينيات والتسعينيات عندما ظهرت‬ ‫إبداعاتهم‪ .‬هم بالفعل استطاعوا كما يقول‬ ‫السيد فاروق حسني وزير الثقافة أن يصنعوا‬ ‫< بماذا تعلل الزحف الروائي الحالي وهل هو‬ ‫ضجيجا ثقافيا‪ ،‬ه��م صنعوا ضجيجا حول‬ ‫دليل على ازدهار الرواية حقا؟‬ ‫أنفسهم‪ ،‬ولفتوا األنظار سواء من أتّفِ ُق معهم‬ ‫أو أخ�ت� ِل��ف‪ ،‬وأن��ا كنت وم��ا أزال أح�ي��ي ذلك > أوال ليس هناك زحف روائي في مقابل تراجع‬ ‫أج�ن��اس أدب�ي��ة أخ��رى‪ ،‬فهناك زح��ف شعري‬ ‫كثيرا‪ ،‬وأتصور أنهم لو لم يفعلوا ذلك‪ ،‬ولوال‬ ‫أي�ض��ا‪ ،‬وه�ن��اك زح��ف ف��ي القصة القصيرة‬ ‫أنهم في معظم تجاربهم كانوا يكتبون حتى‬ ‫ربما أكثر من الرواية والشعر‪ ،‬وهناك زحف‬ ‫تنظيراتهم ألنفسهم ويكتبون نقدا عن أنفسهم‬ ‫في المسرح أيضا‪ ،‬لكن أي نوع من الزحف‪.‬‬ ‫وي�ق��دم��ون بعضهم بعضاً لما استطاعوا أن‬ ‫يوجدوا ألنفسهم هذه المساحة على خارطة أس�ت�ط�ي��ع أن أت �ح��دث ع��ن م�ج�م��ل اإلنجاز‬ ‫الشعر العربي المعاصر؛ لكني ال أستطيع‬ ‫الروائي هذا‪ ..‬هل هو لألمام أو للوراء‪ ،‬أنا‬ ‫القول إن هذه الحركة إلى األم��ام أم ال؟ هم‬ ‫أتصور مثال أن هناك حركة في المسرح‪ ،‬لكن‬ ‫استطاعوا أن يلفتوا األنظار واستطاعوا أن‬ ‫ال أتصور أن حركة المسرح حركة مزدهرة‬ ‫يقدموا جديدا وأن يكسروا المعتاد التقليدي‬ ‫ومتقدمة‪ ،‬أقصد أن هناك زحفا‪ ،‬أي أن هناك‬ ‫في ذلك الوقت‪ ،‬لكن نالحظ أنهم فعلوا ذلك‬ ‫كما كبيرا من األعمال المسرحية أيضا‪ ،‬كما‬ ‫عندما كانوا يعملون مع بعضهم كجماعة أو‬ ‫أن هناك كما لألعمال الروائية‪ ،‬لكنها ليست‬ ‫‪ 100‬اجلوبة ‪ -‬شتاء ‪1431‬هـ‬


‫ ‬

‫هذا ربما يكون قد لفت النظر إلى الرواية‪،‬‬ ‫هل ه��ذا أث��ر على الروائيين أن يشعروا أن‬ ‫م�ح�ف��وظ ال���ذي ح�ص��ل ع�ل��ى ن��وب��ل ق��د فتح‬ ‫الطريق ألن تزدهر الرواية؟ أنا لست أدري‪..‬‬ ‫لكني أستطيع القول إن الرواية بالفعل في‬ ‫حالة ازدهار‪ ،‬وال أكرر ‪ -‬بعد ذلك ‪ -‬ما يقوله‬ ‫البعض أن ه��ذا زم��ن ال��رواي��ة أو ليس زمن‬ ‫الرواية‪ ،‬هذا زمن كل األجناس األدبية‪ ،‬ولكن‬ ‫الرواية في حالة ازده��ار كما أن الشعر في‬ ‫حالة ازدهار بدرجة أقل‪ ،‬لكني أرى أن المسرح‬ ‫في حالة تراجع‪ ..‬س��واء المسرح النثري أو‬

‫م������������������واج������������������ه������������������ات‬

‫ملفتة للنظر‪ ،‬ألنه ليس هناك إضافة حقيقية‬ ‫في العشرين عاما األخيرة‪ ،‬على سبيل المثال‬ ‫لإلنجاز المسرحي‪ ،‬لكن في الرواية مع هذا‬ ‫الكم الكبير ال بد أن تأخذ منه أيضا نسبة‬ ‫كبيرة من اإلنجازات الجيدة‪ ،‬ليس كل اإلنجاز‬ ‫الروائي في صالح ال��رواي��ة‪ ..‬لكن فيه كثير‬ ‫من األعمال الجيدة‪ ،‬وربما أتصور أن هناك‬ ‫إنجازا في الرواية العربية وال يرتبط ذلك‬ ‫بحصول نجيب محفوظ على جائزة نوبل؛‬ ‫فحصول نجيب محفوظ على ج��ائ��زة نوبل‬ ‫لفت أنظار العالم إلى الرواية العربية‪ ،‬فقد‬ ‫أوجد لها مساحة في األدب العالمي؛ وربما‬ ‫يعرف بعض القراء أن��ه بعد ترجمة أعمال‬ ‫كثيرة لمحفوظ‪ ،‬أثر محفوظ في الكثير من‬ ‫الكتاب الغربيين‪ ،‬وأنه أصبح السم محفوظ‬ ‫اشتقاق ووص��ف كما هو موجود لشكسبير ‬ ‫م�ث�لا‪ ،‬فنقول شكسبيريا ال��درام��ا‪ ،‬فهناك‬ ‫محفوظ نوفيل‪ ،‬موجودة في دوائر المعارف‬ ‫والدراسات األكاديمية والنقدية العالمية‪..‬‬ ‫على األقل باللغة اإلنجليزية التي أعرفها‪.‬‬

‫المسرح الشعري‪ ،‬مسرح العرض المسرحي‬ ‫أو حتى المسرح المكتوب‪ .‬لست أدري هل‬ ‫مهرجان المسرح التجريبي المفروض علينا‬ ‫له دور في انتكاسة حركة المسرح‪ ،‬ربما يرى‬ ‫بعضنا ذلك‪ ،‬وربما أنا أيضا أتفق معهم‪ ،‬ماذا‬ ‫أضاف لنا هذا المهرجان الذي تعدى خمسة‬ ‫عشر ع��ام��ا ف��ي مسيرة ال�م�س��رح‪ ،‬ف��ي حين‬ ‫أن��ه ليس هناك مهرجان للشعر‪ ،‬ومهرجان‬ ‫الشعر على المستوى العالمي تقيمه مصر‬ ‫كما تفعل في المسرح‪ ،‬ليست هناك حركة‬ ‫ترجمة لمنجز الروايات العالمية أو الدواوين‬ ‫الشعرية عالميا سنويا‪ ،‬كما تفعل أكاديمية‬ ‫الفنون في ترجمة (‪ )30‬أو (‪ )40‬كتابا سنويا‬ ‫مع مهرجان المسرح التجريبي عن أحدث‬ ‫اتجاهات المسرح التجريبي في العالم‪.‬‬ ‫إنني أتساءل معك هل أثرت كل هذه الكتب‬ ‫المترجمة وهذا المسرح في تغيير الذائقة‬ ‫المسرحية‪ ،‬أو حتى التأثير على انتشار‬ ‫ح��رك��ة ال�م�س��رح‪ ،‬نحن نتحدث ع��ن ازدهار‬ ‫رواي��ة‪ ،‬ربما نكتشف أنه ليست المؤسسات‬ ‫الثقافية هي التي تستطيع أن تساعد فن دون‬ ‫آخر‪ ،‬ربما الذوق العام يتجه للرواية‪ ،‬أو ربما‬ ‫وجود الفضائيات بهذا الشكل‪ ،‬والمساحات‬ ‫الكثيرة المعروضة للدراما‪ ،‬دعت البعض أو‬ ‫الكثيرين لكتابة الرواية‪ ،‬ألنها هي المصدر‬ ‫األساسي للتحويل للدراما التليفزيونية‪ ،‬أنا‬ ‫ال أعرف إجابة يقينية‪ ،‬لكني أحاول أن أفهم‬ ‫معك ومع القراء؛ لكني على أية حال أتصور‬ ‫أن لدينا منجزاً راق�ي�اً ومهماً في الرواية‪،‬‬ ‫سواء لكتاب راسخين أو لكتاب جدد نقرأهم‬ ‫كل يوم‪.‬‬

‫* كاتب من مصر‪.‬‬

‫اجلوبة ‪ -‬شتاء ‪1431‬هـ ‪101‬‬


‫أثر الوسائل التعليمية‬ ‫في العملية التربوية‬

‫> د‪ .‬محمد عامر البلخي*‬

‫التعلّم عملية أساسية في الحياة؛ فنحن نتعلم من المهد إل��ى اللحد‪ ،‬ق��ال تعالى‪:‬‬ ‫{الرحمن (‪ )1‬علّم القرآن (‪ )2‬خلق اإلنسان (‪ )3‬علّمه البيان (‪ })4‬سورة الرحمن (اآليات‬ ‫من ‪.)4 – 1‬‬ ‫ما هو التعلّم؟‬ ‫إن��ه تعديل في سلوك الفرد عن طريق الخبرة والممارسة‪ .‬والتعلم ليس من طبيعة‬ ‫المعلمين وحدهم؛ فاألب معلم‪ ،‬وصاحب العمل معلم‪ ،‬وكل إنسان في مجال عمله معلم‪.‬‬ ‫إن ال�ت�ف�ج��ر ال �م �ع��رف��ي ال� ��ذي يشهده‬ ‫هذا العصر أصبح يتضاعف بعد انتشار‬ ‫شبكات المعلومات الحاسوبية‪ ،‬ما يلقي‬ ‫على التربية مسؤوليات كبيرة في إعداد‬ ‫المتعلمين؛ بما يساعدهم على مواكبة هذا‬ ‫التفجر والتطور التقني السريع‪ ،‬وضرورة‬ ‫لقد تغير دور التربية مع ظهور التقدم‬ ‫التكيف م��ع متطلبات ال�ع�ص��ر ومواجهة الصناعي والتقني‪ ،‬فلم تعد مهمة المتعلم‬ ‫تحدياته‪ ،‬باألساليب والوسائل المالئمة‪.‬‬ ‫ال �ن �ظ��ر إل���ى األح� � ��داث وال �ت �ع��رف عليها‬ ‫لقد أصبحت الوسائل التعليمية منتشرة فحسب‪ ،‬بل أن يبحث عن العلل التي تفسر‬ ‫من حولنا‪ ،‬وأصبح وجودها أكثر رؤية في وقوعها وتتحكم بها‪.‬‬ ‫المستقبل القريب‪.‬‬ ‫لذا‪ ،‬ينبغي أال تنحصر مهمة المدرسة‬

‫التنبؤ بإمكانية الناس على التغيير من دون‬ ‫أن يتعلموا معنى التغيير؛ وما التغييرات‬ ‫التي يمكن أن تحسّ ن التعليم‪ ،‬إنها تفاعل‬ ‫ال�ط��ال��ب باستخدام ال��وس��ائ��ل التعليمية‪.‬‬ ‫(‪.)Henderson, 1993,17‬‬

‫إن ال �ت �ط��ور ال�ت�ق�ن��ي ال �م �ت �س��ارع‪ ،‬وما‬ ‫أحدثه من تغيرات متالحقة‪ ،‬فرض على‬ ‫التربية ض��رورة استيعاب هذه التغيرات‪،‬‬ ‫وتسخيرها لمصلحة ال �ف��رد والمجتمع‪،‬‬ ‫ول��ذل��ك يفترض ف��ي ال�ن�ظ��ام ال�ت��رب��وي أن‬ ‫لذلك ب��دأ اهتمام المربين في الحث‬ ‫يسهم في هذا التغيير التقني‪.‬‬ ‫على استخدام الوسائل التعليمية والتقنيات‬ ‫وب� ّي��ن ه�ن��درس��ون (‪ )Henderson‬معنى الحديثة في المدارس‪ ،‬لالنتقال بالتعليم‬ ‫التغيير في عملية التعليم‪ ،‬بأنه ال يمكن من صورته التقليدية إلى التعليم الفعّال‪.‬‬ ‫الحديثة في تلقين المعلومات‪ ،‬وحشوها‬ ‫وصبّها في أذهان المتعلمين‪ ،‬وإنما ينبغي‬ ‫االهتمام بتكوين عقلية المتعلم وتعويده‬ ‫كيف يتعلم‪.‬‬

‫‪ 102‬اجلوبة ‪ -‬شتاء ‪1431‬هـ‬


‫{فبعث الله غراباً يبحث في األرض ليريه كيف •أن يتم اختيار الوسيلة بحيث تتناسب مع‬ ‫أهداف الدرس‪.‬‬ ‫يواري سوءة أخيه} (سورة المائدة اآلية ‪)31‬‬ ‫وف��ي قصة م��وس��ى م��ع ف��رع��ون‪ ،‬وذل ��ك بقوله •أن تكون واضحة بالنسبة للطالب‪ ،‬وصحيحة‬ ‫علمياً‪.‬‬ ‫تعالى‪{ :‬فألقى ع�ص��اه ف��إذا ه��ي ثعبان مبين}‬ ‫(سورة األعراف اآلية ‪.)107‬‬ ‫ •أن تكون مالئمة لمستوى ال�ط�لاب العقلي‬ ‫والزمني‪.‬‬ ‫وفي قوله ج ّل وعال‪{ :‬فألقى موسى عصاه فإذا‬

‫هي تلقف ما يأفكون} (سورة الشعراء اآلية ‪)45‬‬ ‫واآليات الكريمة كثيرة في هذا المجال‪.‬‬

‫ن����������������������������������واف����������������������������������ذ‬

‫وق��د أش��ار ال �ق��رآن الكريم إل��ى ب�ي��ان أهمية‬ ‫ول�ك��ي ت ��ؤدي الوسيلة التعليمية دوره ��ا في‬ ‫الوسيلة الحسية في عملية التعلم‪ ،‬وهذا ما نجده العملية التربوية بشكل فعّال‪ ،‬ال بد من مراعاة‬ ‫مجموعة من النقاط أهمها‪:‬‬ ‫في قصة ابني آدم‪ ،‬وذلك بقوله عز وجل‪:‬‬

‫ •أن ي�ت�ن��اس��ب ع ��رض ال��وس�ي�ل��ة م��ع الموقف‬ ‫التعليمي أثناء الحصة‪ ،‬حتى ال تفقد عنصر‬ ‫اإلثارة والتشويق‪.‬‬

‫وت�ب��دو فاعلية الوسائل التعليمية بأنواعها‬ ‫السمعية وال�ب�ص��ري��ة والسمعية ال�ب�ص��ري��ة في •أن تخدم غرضاً واح��داً‪ ،‬بحيث تكون بعيدة‬ ‫عن اكتظاظ المعلومات‪ ،‬فقد تشتت الوسيلة‬ ‫استخدامها الشامل في المواد الدراسية‪ ،‬لما‬ ‫ان�ت�ب��اه ال �ط�لاب إذا تضمّنت م��ادة تعليمية‬ ‫تتصف به هذه الوسائل من مزايا ال تتوافر في‬ ‫غزيرة‪ ،‬أكثر مما هو مطلوب‪.‬‬ ‫ال�ت��دري��س بالطريقة التقليدية‪ ،‬إذ يمكن لهذه‬ ‫ال��وس��ائ��ل والتقنيات الحديثة تقديم المحتوى •أن يجرّب المدرس الوسيلة قبل استخدامها‬ ‫للتأكد من صالحيتها‪.‬‬ ‫التعليمي بأسلوب مشوّق ومثير لالنتباه‪ ،‬ما يؤدي‬ ‫إلى احتفاظ المتعلم بالمعلومات في ذاكرته لفترة‬ ‫وأخيراً‪ ،‬ينبغي أ ّال ننظر إلى الوسائل التعليمية‬ ‫أطول‪ ،‬مما لو تلقاها بأسلوب التلقين‪.‬‬ ‫على أنها أدوات إضافية لعملية التعلم‪ ،‬وإنما هي‬ ‫وق��د أش ��ار غ��ال�ب��ري��ث (‪ )Galbreath‬إل��ى أن مكوّن من مكونات المنهج‪ ،‬وج��زء أساسي منه‪،‬‬ ‫األفراد يتذكرون ‪ % 20‬مما يسمعون‪ ،‬و‪ % 40‬مما فهي تتكامل مع أهداف الدرس‪ ،‬ومحتواه‪ ،‬وطرق‬ ‫يرون ويسمعون معاً‪ ،‬و‪ % 75‬مما يرون ويسمعون التدريس وأساليب التقويم‪ ،‬بحيث تتحقق في‬ ‫النهاية فاعلية العملية التعليمية‪.‬‬ ‫ويعملون معاً (‪)Galbreath, 1992, 28‬‬

‫وإضافة إلى ما سبق ذكره عن أهمية الوسائل المراجع‪:‬‬

‫التعليمية‪ ،‬فإنها تجعل الخبرات التعليمية أكثر ‪ -‬القرآن الكريم‪.‬‬ ‫فاعلية‪ ،‬وتقدم أساساً مادياً ل�لإدراك الحسّ ي‪،‬‬ ‫‪Galbreath, J; 1992: Education Video Production,‬‬ ‫إذ تخفّف من األلفاظ التي يجد الطالب صعوبة‬ ‫‪Educational-Technology, October.‬‬ ‫ف��ي ف�ه��م م�ع�ن��اه��ا‪ ،‬ك�م��ا ت�س��اع��د ال �م��درس على‬ ‫‪Henderson, R. E; 1993: the Rocky But Exciting‬‬ ‫تنويع أساليب التعلم نتيجة استخدامه للوسائل ‪Road to Restructuring, The Education Digest,‬‬ ‫‪Vol. (58), No. (6), February.‬‬ ‫المتنوعة‪.‬‬ ‫* كلية التربية ‪ -‬جامعة الجوف‪.‬‬

‫اجلوبة ‪ -‬شتاء ‪1431‬هـ ‪103‬‬


‫ّ‬ ‫الطفــل وَالكتـَــاب‬ ‫> عالء الدين حسـن*‬ ‫القراءة في عالمنا المعاصر‪ ،‬أهم وسيلة من وسائل التواصل؛ ذلك أنها تُعِ ُّد اإلنسان‬ ‫للحياة المؤثرة المتجددة‪ ،‬وقد سُ ئل المفكر الفرنسي المعروف «فولتير»‪ :‬من سيقود‬ ‫البشر؟ فأجاب‪ :‬الذين يعرفون كيف يقرؤون ويكتبون‪.‬‬ ‫ويوماً بعد يوم‪ ..‬تتزايد أهمية القراءة في عالم يشهد التقدم التكنولوجي والتفجر‬ ‫المعرفي‪ ،‬ويكاد يحتل فيه الكمبيوتر واإلنترنت مكان الصدارة‪.‬‬ ‫القراءة لها الدور األهم في تنمية الفكر‬ ‫اإلنساني‪ ،‬وإغناء الوجدان‪ ،‬واكتشاف ما فيما تخيَّل أف�لاط��ون جمهورية مثالية‪،‬‬ ‫هو جديد ومتجدد‪ ،‬وملء أوقات الفراغ بما أما الغزالي‪ ،‬ف��أراد اإلنقاذ من الضالل‪..‬‬ ‫يفيد ويُستفاد منه؛ كما أن للكلمة المكتوبة الجميع كتب‪ ،‬ونحن نقرأ ونكتب‪ ..‬الكتب‬ ‫ميزة الدوام والمداومة‪ ،‬وهذا ما ال نجده هي العالم‪ ..‬هي الحياة‪ ..‬هي وجهنا اآلخر‬ ‫في الكلمة المسموعة‪ ،‬وقد قال المتنبي من‬ ‫ف��ي ال �م��رآة‪ ..‬ه��ي فسحة أم��ل‪ ،‬وق��د قال‬ ‫قديم‪ ..:‬وخير جليس في الحياة كتاب‪.‬‬ ‫شاعرنا‪:‬‬ ‫ف��ي الكتاب يبحث اإلن�س��ان ع��ن معنى‬ ‫األمل‬ ‫ِ‬ ‫ما أضيق العيش لوال فسحة‬ ‫ذات� � ��ه‪ ،‬وع �ن��دم �ـ��ا رأى ال��م��ع��ري الحياة‬ ‫ومعروف أن تنـزيل الذكر الحكيم بدأ‬ ‫جحيماً؛ كتب « رسالة الغفران»‪ ،‬وعندما‬ ‫رأى «ديورانت «العالم بحراً عميقا؛ كتب بكلمة‪[ :‬اقرأ]‪ ،‬والقراءة تبدأ مع الطفولة‪،‬‬ ‫«قصة الفلسفة»‪ ،‬وكتب «قصة الحضارة»‪..‬‬

‫‪ 104‬اجلوبة ‪ -‬شتاء ‪1431‬هـ‬


‫أ‪ .‬التزام الهدوء وتقدير مشاعر اآلخرين وتفادي‬ ‫إزعاجهم‪.‬‬ ‫ب‪ .‬بث روح التعاون والعمل الجماعي عن طريق‬ ‫األبحاث الجماعية‪.‬‬ ‫ت‪ .‬غ��رس األم��ان��ة واإلخ�ل�اص‪ ،‬واح�ت��رام حقوق‬ ‫اآلخرين وحب النظام وحب الكتاب وإدراك‬ ‫أهميته‪.‬‬

‫ن����������������������������������واف����������������������������������ذ‬

‫والكتب التي نقدمها لألطفال‪ ،‬ينبغي أن تنبئ‬ ‫عن جوهر أدبي أصيل‪ ،‬وتزود األطفال بطريقة‬ ‫مباشرة للمعرفة‪ ،‬وتضم األشياء الجميلة القابلة‬ ‫لإلدراك بشكل تلقائي‪ ،‬ويرى المربون أن المكتبة‬ ‫المدرسية بالنسبة للطفل أم ٌر غاية في األهمية‪،‬‬ ‫فعلى المكتبة المدرسية يتوقف ص�لاح العمل‬ ‫التربوي؛ ومن أهدافها أن يجد التلميذ فيها ما‬ ‫ييسر له الفهم األوس��ع واألدق للمواد التعليمية‬ ‫ال�م�ق��ررة‪ ،‬وأن يجد ف��ي القصص المتنوعة ما‬ ‫يقدم له معرفة عميقة ذات صلة وثقى بالبيئة‬ ‫واألح��داث المحيطة‪ ،‬وانتقاء الكتب بما يتوافق‬ ‫مع النمو اللغوي‪..‬‬

‫ومن أهم العادات التي يكتسبها التلميذ‪:‬‬

‫ث‪ .‬تعويد التالميذ على استغالل وقت الفراغ‬ ‫االستغالل األمثل‪.‬‬

‫التصور النموذجي لمكتبة مدرسية‬

‫هذا‪ ،‬وتنمي المكتبة المدرسية ميول األطفال‪،‬‬ ‫حتى تكون المكتبة المدرسية مكتبة حقيقية‪،‬‬ ‫وتعمق لديهم حب القراءة؛ فتتوطد صلة الصداقة‬ ‫ونموذجية‪ ،‬وفعالة‪ ..‬ال بد أن يتوافر فيها‪:‬‬ ‫بين الطرفين‪ .‬وتستطيع المكتبة المدرسية أن‬ ‫تغدو مركز إشعاع حضاري ثقافي بما تقتنيه من ‪ -‬قاعة خاصة بالمطالعة‪ ،‬وفيها حاملة لخزانة‬ ‫الفهرس‪ ،‬مع وجود صندوق اإلع��ارة‪ ،‬وحامل‬ ‫كتب مفيدة‪.‬‬ ‫ل�ل�م�ج�لات‪ ،‬وال �ك �ت��ب‪ ،‬إض��اف��ة إل��ى صناديق‬ ‫وال يُظَ ن أن محاولة اكتشاف طبيعة وتأثيرات‬ ‫خاصة بالسجالت‪ ،‬وأخرى خاصة ببطاقات‬ ‫التفاعل بين األط �ف��ال وكتبهم المفضلة مهمة‬ ‫التالميذ‪.‬‬ ‫سهلة‪ ..‬وق��د توصل بحث ‪ -‬ت � َّم م��ؤخ��راً ودرس‬ ‫استجابات األطفال للمطالعة بعمق ‪ -‬إلى نتيجة ‪ -‬قاعة خاصة بالكتب‪ ،‬مزودة برفوف تصنف‬ ‫عليها الكتب وفق فهارس خاصة‪.‬‬ ‫فحواها‪ :‬إذا سمح للطفل أن يختار ماذا يريد أن‬ ‫يقرأ‪ ،‬وسمح لـه باالستجابة لما يقرأ دون توجيه؛ ‪ -‬إيجاد آليات‪ ،‬وأدوات عمل مثل‪( :‬أصدقاء‬ ‫فإن طبيعة هذه االستجابة تكون ذاتية شخصية‪،‬‬ ‫ال�م�ك�ت�ب��ة‪ ،‬وال �ج��ري��دة ال��ج��داري��ة‪ ،‬والتربية‬ ‫ول��ن تكون موضوعية‪ ،‬أي أن الطفل يشعر بها‬ ‫التشكيلية)‪.‬‬ ‫بإحساسه دونما تفكير بها‪ .‬إذاً‪ ،‬فاألمر يتطلب ‪ -‬طريقة التسجيل بالكتب‪( :‬رق��م الترتيب ‪-‬‬ ‫قدراً كبيراً من التفكير والتأمل‪.‬‬ ‫رق��م التسجيل ‪ -‬ت��اري��خ التسجيل ‪ -‬عنوان‬ ‫ويمكننا القول‪ :‬إنَّ األطفال الصغار ال يحبّون‬ ‫بشكل عام الغموض في األدب الخاص بهم‪ ..‬كما‬ ‫ال يرغبـون في مناقشـة أي تفاصيل دقيقة‪ ،‬وإنما‬ ‫يرغبون في تأييد األحكام األخالقية السريعة‬ ‫إسهامات المكتبة في ثقافة الطفل‬ ‫المبنية على أفعال عاطفية مباشرة‪.‬‬ ‫تسهم كل من المكتبات العامة والمدرسية‪،‬‬ ‫الكتاب ‪ -‬المؤلف المترجم ‪ -‬دار النشر ‪-‬‬ ‫تاريخ النشر ‪ -‬عدد األجزاء ‪ -‬رقم التصنيف‬ ‫‪ -‬المالحظات‪.)..‬‬

‫اجلوبة ‪ -‬شتاء ‪1431‬هـ ‪105‬‬


‫بشكل مباشر في ثقافة‬ ‫الطفل‪ ،‬من خالل جملة‬ ‫ال� �م� �ن ��اش ��ط ال� �ت ��ي يتم‬ ‫إعدادها لهذا الغرض‪،‬‬ ‫إال أن مكتبات األطفال‬ ‫ال �ت��ي ق��د ت �ك��ون ملحقة‬ ‫ب��ال �م �ك �ت �ب��ات العامة‪،‬‬ ‫أو م��ن��ف��ص��ل��ة عنها‪،‬‬ ‫أك �ث��ر إس �ه��ام �اً وتأثيراً‬ ‫ع �ل��ى ث �ق��اف��ة األطفال‪،‬‬ ‫م� ��ن خ��ل��ال تحقيقها‬ ‫ل �ل�أه� ��داف السابقة‪،‬‬ ‫ب��واس�ط��ة مجموعة من‬ ‫ال� �ب ��رام ��ج واألنشطة‪.‬‬ ‫ويمكن تحديد إسهامات‬ ‫المكتبة ف��ي مجموعة‬ ‫من النقاط‪ ،‬منها‪:‬‬ ‫‪ -1‬تعدد المواد وتنوعها‪ ،‬فمن خاللها تستطيع‬ ‫ال�م�ك�ت�ب��ة إت ��اح ��ة م� �ص ��ادر ق��رائ �ي��ة متنوعة‬ ‫لألطفال في مراحل مختلفة من أعمارهم؛‬ ‫خ��اص��ة المرحلة األول ��ى ال�ت��ي تعد م��ن أهم‬ ‫المراحل المؤدية إل��ى غ��رس ع��ادة القراءة‬ ‫في نفوسهم‪ ،‬ما يساعد على إيجاد المواطن‬ ‫الواعي المستنير؛ إذ يتم توطيد الصلة بين‬ ‫الطفل ومواد القراءة وفي مقدمتها الكتاب‪.‬‬ ‫‪ -2‬ت�ن�م�ي��ة ال �ث �ق��اف��ة ال��ذات �ي��ة‪ :‬ي �س��اع��د التردد‬ ‫المتكرر على المكتبة‪ ،‬وتأصل عادة القراءة‬ ‫على ترسيخ التعلم الذاتي‪ ،‬وتهيئة األطفال‬ ‫الكتساب الثقافة الذاتية المستقلة‪ ،‬والوصول‬ ‫إلى مفاتيح المعرفة بأنفسهم‪.‬‬ ‫‪ - 3‬إنَّ استخدام الطفل للمكتبة في سن مبكرة‬ ‫* كاتب من سوريا‪.‬‬

‫‪ 106‬اجلوبة ‪ -‬شتاء ‪1431‬هـ‬

‫يجعله أك�ث��ر اس�ت�خ��دام��ا وت� ��ردداً عليها في‬ ‫المستقبل‪ ،‬ف�ت��زداد ثقافته‪ ،‬وتنمو حصيلته‬ ‫ال�ع�ل�م�ي��ة‪ ،‬وي �ص �ب��ح أك �ث��ر ق� ��درة ع �ل��ى الفهم‬ ‫والتحصيل‪ .‬كما يساعد ذلك على استخدامه‬ ‫ل�ل�أن���واع األخ� � ��رى م ��ن ال �م �ك �ت �ب��ات – مثل‬ ‫المكتبات الجامعية‪ -‬في شبابه وجميع أطوار‬ ‫حياته المقبلة‪ .‬وق��د أش��ار أح��د المكتبيين‬ ‫إلى الجوانب اإليجابية لالستخدام المبكر‬ ‫للمكتبة العامة من قبل األطفال‪ ،‬بقوله‪ :‬إن‬ ‫القراءات العامة في المكتبة العامة من جانب‬ ‫الناشئ والمراهق‪ ،‬تجعل التعليم الجامعي‬ ‫أك�ث��ر ف��ائ��دة وأك�ث��ر نضجا‪ ،‬كما أن اعتياده‬ ‫التردد عليها‪ ،‬يجعل األثر النهائي للقراءات‬ ‫أبعد وأكثر استمراراً بعد تخرجه‪ ،‬وخاصة إذا‬ ‫ظلت المكتبة في متناوله‪ ،‬وإذا استمرت البيئة‬ ‫تيسر له حصوله على الكتب التي يريدها‪.‬‬


‫> د‪ .‬جميل بن موسى احلميد*‬

‫ن����������������������������������واف����������������������������������ذ‬

‫دور التعليم في ترسيخ مفهوم املواطنة‬

‫في الغالب‪ ،‬ال يستحضر اإلنسان قيمة بعض المبادئ دون أن يعايشها‪ ،‬وتصير إحدى‬ ‫الرواسخ األيدلوجية التي توجه سلوكه‪ .‬ونحن المسلمون جمع الله لنا في ديننا العظيم‬ ‫كل المبادئ والقيم الجامعة المانعة‪ ،‬وبلغة المنطق التي ال تدع مجا ًال للفرد أن يخرج‬ ‫عن األطر الشرعية التي حددها الله‪ ..‬إال من خالل موجهات سلوكية‪ ،‬وإرادة جانحة‪،‬‬ ‫استقت روافدها من قنوات غير شرعية‪.‬‬ ‫وض� ��رب� ��ت المدرسة‬ ‫ال �ن �ب��وي��ة ال �ش��ري �ف��ة أروع‬ ‫األم �ث �ل��ة ف��ي تجسيد كل‬ ‫المبادئ والقيم األخالقية‬ ‫ال� �ت ��ي ت �ح �ف��ظ لإلنسان‬ ‫ك��رام�ت��ه ال�ت��ي كفلها الله‬ ‫ل��ه‪ ،‬قبل وج��ود القوانين‬ ‫الوضعية التي يتشدق بها‬ ‫اآلخ��رون‪ ،‬ثم ال يتورعون‬ ‫ف��ي اخ �ت��راق �ه��ا ف��ي معظم‬ ‫األحيان‪.‬‬

‫محددة‪.‬‬

‫فقد ذك��ر اب��ن منظور‬ ‫ف�� ��ي م� �ع� �ج� �م ��ه «ل � �س� ��ان‬ ‫ال� �ع ��رب»‪ :‬أن المواطنة‬ ‫منسوبة إلى الوطن‪ ،‬وهو‬ ‫ال�م�ن��زل ال ��ذي يقيم فيه‬ ‫اإلنسان‪ ،‬وجمعه أوطان‪،‬‬ ‫وي� �ق���ال وط � ��ن بالمكان‬ ‫وأوط��ن به؛ أي أق��ام فيه‪،‬‬ ‫وأوط �ن��ه‪ ..‬أي اتخذه وط�ن�اً‪ ،‬وأوط��ن فالن‬ ‫لا ومسكناً‬ ‫أرض ك ��ذا‪ ..‬أي ات�خ��ذه��ا م�ح� ً‬ ‫ويأتي مفهوم المواطنة في طليعة القيم يقيم فيه‪.‬‬ ‫والمبادئ األخالقية التي ينبغي أن تتوافر‬ ‫وب��ال��رج��وع إل ��ى ال �م��وس��وع��ة العربية‬ ‫في أي مجتمع؛ ألنها تعد الصبغة اإلنسانية العالمية‪ ،‬نجدها تعرف المواطنة بأنها‬ ‫له‪ ،‬فهي جزء من إنسانية اإلنسان تتجاوز «اص �ط�لاح يشير إل��ى االن �ت �م��اء إل��ى أمة‬ ‫في الواقع مفاهيم الحق والواجب‪.‬‬ ‫أو وط��ن»‪ .‬وت��م تعريفها ف��ي ق��ام��وس علم‬ ‫إن مفهوم المواطنة من المفاهيم التي االج��ت��م��اع ع �ل��ى أن��ه��ا م �ك��ان��ة أو عالقة‬ ‫أث��ارت ج �دلاً كبيرًا‪ ،‬الرتباطها بكثير من اجتماعية تقوم بين فرد طبيعي ومجتمع‬ ‫العلوم اإلنسانية مثل‪ :‬علم االجتماع وعلم سياسي‪.‬‬ ‫النفس‪ ،‬والتربية‪ ،‬والتاريخ والجغرافيا‪..‬‬ ‫إن المواطنة تربى بالمعايشة‪ ،‬وقد ذكر‬ ‫إل� ��خ‪ ،‬ف��ب��ات ك ��ل ع �ل��م ي ��راه ��ا م ��ن زاوي� ��ة غاندي أن المواطنة مثل الديمقراطية‪ ،‬لكي‬

‫اجلوبة ‪ -‬شتاء ‪1431‬هـ ‪107‬‬


‫تعيش يجب أن تعاش‪ .‬وهذا يعني أن المواطنة‬ ‫تربى كما يربى الطفل الصغير في قنوات التربية‬ ‫المختلفة التي يمر بها اإلن�س��ان ط��وال حياته‪،‬‬ ‫‪ -5‬البعد الديني‪ :‬ويعني غ��رس القيم الدينية‬ ‫بدءًا من األسرة‪ ،‬ومرورًا بجميع روافد الفكر في‬ ‫مثل‪ :‬العدالة‪ ،‬والمساواة‪ ،‬واحترام اآلخرين‪،‬‬ ‫المجتمع التي يكون لها دور تربوي مباشر أو غير‬ ‫وعدم التمييز ضد الدين أو العرق أو الجنس‬ ‫مباشر‪.‬‬ ‫أو ال��ل��ون‪ ،‬وال �ت �س��ام��ح وال �ح��ري��ة والشورى‪،‬‬ ‫وت ��أت ��ي ال �م��ؤس �س��ات ال�ت�ع�ل�ي�م�ي��ة النظامية‬ ‫والديمقراطية‪.‬‬ ‫كالمدرسة والجامعة‪ ،‬في طليعة قنوات التربية‬ ‫وتستطيع أنظمة التعليم ترسيخ هذه المبادئ‪،‬‬ ‫المنوطة بتنمية المواطنة‪ ،‬وينبغي أال يقتصر‬ ‫دور هذه المؤسسات على التركيز على الجوانب م��ن خ�لال توظيف وتفعيل دور جميع عناصر‬ ‫المعرفية فقط‪ ،‬بل يتعداها إلى تنمية المواطنة المؤسسة التعليمية لخدمة هذا الهدف؛ فعلى‬ ‫من خالل ممارستها بشكل حيوي في بيئة التعلم‪ ،‬سبيل المثال‪ ..‬توجه األنشطة المختلفة‪ ،‬مثل‪:‬‬ ‫إما في مواقف واقعية أو أخرى محاكية للواقع‪ .‬األنشطة الفنية والرياضية وغيرها‪ ،‬إلى تجاوز‬ ‫وينمى مفهوم المواطنة بكل أبعادها‪:‬‬ ‫األه��داف التقليدية لها‪ ،‬مثل اكتشاف المواهب‬ ‫بالمسؤولية‪ ،‬وغ��رس روح االنتماء للمجتمع‬ ‫والوطن‪.‬‬

‫‪ -1‬البعد المعرفي الثقافي‪ :‬تمثل المعرفة عنصرًا‬ ‫أساسيًا مهمًا لتنشئة المواطن الصالح من‬ ‫أج��ل البناء الذاتي لكيانه‪ ،‬وإكسابه القدرة‬ ‫ع �ل��ى ال �ت �ع��اي��ش م��ع ال �م �ج �ت �م��ع‪ ،‬م��ع ضمان‬ ‫ح��ق االس�ت�م�ت��اع بحياته ال �خ��اص��ة‪ ،‬ف��ي ظل‬ ‫المحافظة على حقوق اآلخ��ري��ن‪ ،‬وااللتزام‬ ‫بالمعايير القيمية واألخالقية‪ ،‬التي تحددها‬ ‫ضوابط القيم في المجتمع كالدين والعادات‬ ‫واألعراف السائدة‪.‬‬

‫‪ -2‬البعد المهاراتي‪ :‬ويقصد به المهارات الفكرية‪،‬‬ ‫مثل‪ :‬إكساب المواطن مهارات التفكير الناقد‪،‬‬ ‫والتحليل‪ ،‬والحل السريع للمشكالت التي قد‬ ‫تواجهه‪ ..‬وغيرها‪ ،‬فالمواطن الذي يتمتع بهذه‬ ‫المهارات‪ ،‬يستطيع تمييز األمور ووضعها في‬ ‫نصابها الحقيقي‪ ،‬كما أنه يكون أكثر عقالنية‬ ‫ومنطقية فيما يقول أو يفعل‪.‬‬

‫وال �ن �ه��وض ب�ه��ا إل��ى تعليم ال�ح�ي��اة المجتمعية‪،‬‬ ‫وإدراك الحقوق والواجبات‪ ،‬ومفهوم العمل في‬ ‫فريق‪ ،‬واحترام القانون والمشاركة في صناعة‬ ‫القرار‪ ،‬ومحاسبة النفس قبل محاسبة اآلخرين؛‬ ‫ألن معظم األنشطة التعليمية إن لم تكن واقعية‬ ‫ت �خ��دم ال�م�ج�ت�م��ع‪ ،‬ف �ه��ي ت �ح��اك��ي ال ��واق ��ع‪ ،‬وفي‬ ‫ك�لا االتجاهين‪ ،‬يمكن توظيفها لتنمية مفهوم‬ ‫المواطنة بشكل عملي‪.‬‬ ‫ك�م��ا يمكن االس �ت �ف��ادة م��ن اس �ت �خ��دام بعض‬ ‫اإلستراتيجيات التدريسية في تنمية هذا المفهوم‪،‬‬ ‫مثل‪ :‬إستراتيجيات لعب الورق‪ ،‬والمحاكاة‪ ،‬وحل‬ ‫ال�م�ش�ك�لات‪ ،‬وغ�ي��ره��ا م � َّم يستطيع المعلم من‬ ‫خالل استخدامها في التدريس‪ ،‬تطبيق مبادئ‬ ‫المواطنة والتأكيد على بعض خصائصها بشكل‬ ‫غير مباشر‪ ،‬عن طريق محاكاة الواقع بمواقف‬ ‫تمثيلية هادفة‪.‬‬

‫‪ -3‬البعد االجتماعي‪ :‬ويقصد به ال�ق��درة على‬ ‫التكيف اإليجابي‪ ،‬والتعايش مع اآلخرين في‬ ‫وه ��ذا يستدعي م��ن ال�ق��ائ�م�ي��ن ع�ل��ى شؤون‬ ‫جو ينأى به عن الصراعات المختلفة‪.‬‬ ‫التعليم إعادة النظر في كثير من األمور‪ ،‬لتفعيل‬ ‫‪ -4‬البعد االنتمائي‪ :‬االعتراف بالهوية‪ ،‬والشعور دوره في ترسيخ هذا المفهوم بشكل أفضل‪.‬‬ ‫* عميد شؤون المكتبات ‪ -‬جامعة الجوف‪.‬‬

‫‪ 108‬اجلوبة ‪ -‬شتاء ‪1431‬هـ‬


‫ن����������������������������������واف����������������������������������ذ‬

‫اللهجات العربية في منطقة اجلوف‬ ‫> د‪ .‬عبدالناصر محمود عيسى*‬

‫ال شك أن وجود اللغة المشتركة واللهجات المحلية في اللغات الحية‪ ،‬أمر تحتمه‬ ‫الضرورة االجتماعية‪ ،‬وما تقتضيه من تفاوت مستوى االستعمال وحاجاته‪ ،‬تبعا لحاجة‬ ‫الناطقين أنفسهم الستخدام اللغة في المواقف العامة أو الراقية‪ ،‬أو في مواقف الحياة‬ ‫العادية والخاصة بالبيئة المحلية‪ .‬وهذا األمر كالمجمع عليه بين اللغويين المحدثين‪،‬‬ ‫وإن تفاوتت جهودهم في بيان الظروف التي تؤدي إلى وجود كل من هذين المستويين‪.‬‬ ‫ولذلك يرى «دي سوسير» أن لكل لغة لهجاتها‪ ،‬وهي في العادة متفرقة ومختلفة‪ ،‬ومن‬ ‫ثم يصعب الفصل بين اللغة المشتركة أو الفصحى وبين اللهجات‪ ،‬فكالهما يسير مع‬ ‫اآلخر جنبا إلى جنب(‪.)1‬‬ ‫واللغة ما هي إال عادات صوتية‪ ،‬تؤديها من الصفات اللغوية التي تنتمي إلى بيئة‬ ‫أعضاء النطق بصورة يتوارثها الخلف عن معينة‪ .‬ويشترك في هذه الصفات جميع‬ ‫السلف‪ ،‬غير أن تلك األعضاء‪ ،‬ال تؤدي تلك‬

‫أف��راد تلك البيئة‪ ،‬وبيئة اللهجة ج��زء من‬

‫العادات بصورة واحدة في كل مرة‪ ،‬وإن بدا‬

‫بيئة أوسع وأشمل‪ ،‬تضم عدة لهجات لكل‬

‫التطور الصوتي بين لغة السلف والخلف منها خصائصها‪ ،‬وتلك البيئة الشاملة هي‬ ‫بطيئا في بعض األحيان‪.‬‬ ‫وبالتالي‪ ،‬فاللهجة عبارة عن مجموعة‬

‫اللغة‪.‬‬ ‫فالعالقة بين اللغة واللهجة هي عالقة‬

‫اجلوبة ‪ -‬شتاء ‪1431‬هـ ‪109‬‬


‫األصل بالفرع أو عالقة العام بالخاص(‪.)2‬‬

‫ال��دك �ت��وراه‪ ،‬بتقديمه بحثا م��وض��وع��ه «لهجات‬

‫ولقد نمت دراسة اللهجات بالجامعات األوربية الجزيرة وآدابها في السودان» إلى كلية اآلداب ‪-‬‬ ‫خ�ل�ال ال�ق��رن�ي��ن ال�م��اض�ي�ي��ن‪ ،‬وأ ُسِّ ��س��ت ل�ه��ا في جامعة القاهرة سنة ‪1958‬م‪ .‬كما حصل الدكتور‬

‫الجامعات الراقية فروع خاصة بدراستها‪ ،‬تعنى أحمد علم الدين الجندي على درجة الدكتوراه‬ ‫بشرحها‪ ،‬وتحليل خصائصها‪ ،‬وتسجيل نماذج من كلية اآلداب ‪ -‬جامعة القاهرة سنة ‪1965‬م‬ ‫برسالته المعنونة‪ :‬بـ«اللهجات العربية في كتب‬ ‫منها‪ ،‬تسجيال صوتيا يبقى على مر العصور‪.‬‬ ‫وخ�ط��ت دراس ��ة اللهجات العربية خطوات‬

‫متقدمة على أي��دي المبعوثين ال �ع��رب‪ ،‬الذين‬

‫س ��اف ��روا ط�ل�ب��ا ل ��دراس ��ة ع �ل��م ال �ل �غ��ة ال �ع��ام في‬ ‫الجامعات األوربية‪ ،‬ومن هؤالء الدكتور إبراهيم‬ ‫أنيس الذي حصل على درجة الدكتوراه من جامعة‬

‫لندن برسالته المعنونة بــ«في لهجة القاهرة»‪.‬‬

‫والدكتور تمام حسان الذي حصل على درجة‬

‫الماجستير ببحثه في لهجة الكرنك (من أعمال‬

‫مركز أبي طشت بمحافظة قنا بمصر) من جامعة‬ ‫لندن ك��ذل��ك‪ ،‬كما حصل على درج��ة الدكتوراه‬

‫ال�ت��راث»‪ ،‬وحصل الدكتور عبده الراجحي على‬

‫درجة الدكتوراه ببحث عنوانه «اللهجات العربية‬ ‫في ال�ق��راءات القرآنية»‪ ،‬كما حصلت الدكتورة‬

‫صالحة راشد غنيم على درجة الدكتوراه ببحث‬ ‫عنوانه‪« :‬اللهجات في كتاب سيبويه»‪ ،‬كما قدم‬ ‫الدكتور عبدالمنعم سيد عبدالعال بحثا بعنوان‬

‫«لهجة شمال المغرب ‪ -‬تطوان وما حولها‪.»-‬‬

‫كذلك قدم المستشرقون العديد من البحوث‬

‫اللغوية تناولوا فيها دراسة اللهجات العربية(‪.)3‬‬

‫وعند تأسيس مجمع اللغة القاهري أ ُ ِّلفَتْ‬

‫م��ن الجامعة نفسها ببحثه «لهجة ع��دن»‪ .‬كما لجنة خاصة ب��ه ل��دراس��ة اللهجات العربية في‬ ‫حصل الدكتور عبدالرحمن أي��وب على درجتي مصر وغيرها من البالد العربية‪ ،‬وكان ألعضائه‬ ‫الماجستير والدكتوراه ببحثيه‪ ،‬األول في «لهجة ب �ح��وث ق�ي�م��ة ف��ي ه ��ذا ال �م �ج��ال‪ .‬وق ��د أوضح‬ ‫الجعفرية» (من أعمال مركز السنطة بمحافظة األستاذ عباس العقاد عضو المجمع أن دراسة‬ ‫الغربية بمصر)‪ .‬والثاني في «لهجة النوبة» من اللهجات العربية من أنفع أغ��راض المجمع في‬ ‫جامعة لندن‪ ،‬ون��ال الدكتور كمال البشر درجة خدمة اللغة الفصحى‪ .‬كما بيّن الدكتور إبراهيم‬ ‫الدكتوراه من الجامعة نفسها‪ ،‬بتقديمه دراسة أنيس أن دراس��ة اللهجات العربية الحديثة من‬ ‫نحوية في اللهجة اللبنانية‪ .‬وك��ل ه��ذه البحوث أهم األسس التي تعتمد عليها دراس��ة اللهجات‬ ‫باللغة اإلنجليزية‪ .‬وباللغة العربية نال الدكتور العربية القديمة التي روي��ت متناثرة في بطون‬ ‫عبدالعزيز مطر درجة الماجستير ببحثه الذي الكتب اللغوية واألدبية‪ ،‬يتخللها الخلط واللبس‬ ‫قدمه إلى كلية دار العلوم‪ -‬جامعة القاهرة في في كثير من األحيان‪.‬‬

‫لهجة البدو في إقليم مريوط بشمالي مصر سنة‬

‫‪1961‬م‪.‬‬

‫والسبيل إل��ى تحقيق رواي��ات ه��ذه اللهجات‬

‫وت�خ�ل�ي�ص�ه��ا م �م��ا ف�ي�ه��ا م��ن ل �ب��س وخ��ل��ط‪ ،‬هو‬

‫وحصل الدكتور عبدالحميد طلب على درجة دراسة اللهجات العربية الحديثة‪ ،‬فضال عن أن‬ ‫‪ 110‬اجلوبة ‪ -‬شتاء ‪1431‬هـ‬


‫االجتماعية‪ ،‬ودراستها تسجيل لهذه المرحلة وغيرهم (‪ .)4‬غير أن هذه اللهجة يبدو أنها انتقلت‬

‫بصورة صادقة‪.‬‬

‫مع أصحابها الذين انتقلوا إلى شمالي الجزيرة‬

‫ويجب التنبيه إل��ى أن دراس��ة ه��ذه اللهجات العربية‪ ،‬بحسب طبيعة القبائل العربية في التنقل‬ ‫ال تعني التشجيع على استعمال اللغة العامية‪ ،‬والترحال بحثا عن الماء والكأل‪.‬‬

‫أو ال��دع��وة إليها على حساب الفصحى‪ ،‬بل إن‬

‫وقد حار علماء اللغة المحدثون في تفسير‬

‫ن����������������������������������واف����������������������������������ذ‬

‫هذه اللهجات تكون مرحلة تاريخية من حياتنا وس�ع��د ب��ن ب�ك��ر واألن �ص��ار (األوس والخزرج)‪،‬‬

‫دراسة هذه اللهجات ما هي إال تسجيل للمراحل سبب ت�ح��ول العين إل��ى ن��ون ف��ي ه��ذه الكلمة‪،‬‬ ‫التاريخية التي مرت بها العربية‪ ،‬لمعرفة ما طرأ مع تباعد مخرج الحرفين‪ ،‬حتى ذهب بعضهم‬ ‫عليها من تغيير خالل هذه المراحل‪ ,‬والتنبه له‪ .‬إل��ى أنها قد تكون منحوتة من الكلمة العربية‬ ‫كما أن دراسة هذه اللهجات الحديثة تهدف في «أع�ط��ى»‪ ،‬والكلمة العبرية «ن��ات��ن»‪ ،‬أو اآلرامية‬ ‫أغلب األحيان إلى التعرف على ما ذكر في بطون‬

‫الكتب العربية من اللهجات القديمة‪ ،‬ومحاولة‬

‫فهم هذه اللهجات بصورة أكثر واقعية مما ذكر‬ ‫منها مكتوبا في المصادر القديمة‪ ،‬فليس من‬

‫سمع بأذنه كمن أخذ عن غيره‪.‬‬

‫وقد سمعت بأذني العديد من اللهجات العربية‬

‫التي ق��رأت عنها ف��ي كتب ال �ت��راث ف��ي منطقة‬

‫الجوف‪ ،‬منذ أن وطأت قدماي هذا المكان‪ ،‬وذلك‬

‫من خالل االحتكاك المباشر بأبنائي طالب قسم‬ ‫اللغة العربية بكلية التربية للبنين بالجوف‪.‬‬

‫وفي هذه العجالة‪ ،‬أعرض بعضا من اللهجات‬

‫العربية القديمة التي ما تزال مستمرة على ألسنة‬

‫«نتان»‪ ،‬وذهب الدكتور أنيس إلى أن هذه العين‬ ‫ال تُنطق نونا خالصة‪ ،‬وإنما تتحول إلى صوت‬ ‫أنفمى قريب من النون‪ ،‬ويبدو أنه اعتمد على‬ ‫وصف القدماء لنطق هؤالء دون أن يسمع بنفسه‪،‬‬ ‫وأنا بعد السماع أُثْبِت أن العين تتحول في نطق‬ ‫القوم إلى نون خالصة‪ ،‬وليست حرفا بين العين‬ ‫والنون كما ذكر الدكتور إبراهيم أنيس(‪.)5‬‬ ‫ومن اللهجات القديمة التي ما تزال مستمرة‬ ‫على ألسنة القوم‪ ،‬ما يعرف عن علمائنا القدماء‬ ‫بالكسكسةِ ‪ ،‬وهو إبدال الكاف سينا‪ ،‬أو إلحاقها‬ ‫السين‪ .‬غير أن القدماء ذك��روا أن هذا اإلبدال‬ ‫مقصور على ك��اف المخاطبة وح��ده��ا‪ ،‬للتمييز‬

‫القوم كما سمعتها‪ ،‬ومنها ما يسمى عند القدماء‬ ‫باالستنطاء‪ ،‬وهو إبدال العين من كلمة «أعطى» بينها وبين كاف المخاطب(‪.)6‬‬ ‫ومايشتق منها نونا‪ ,‬فيقولون‪ :‬أنطيني‪ ،‬وأنطيتك‬

‫غير أنني سمعت إبدال الكاف سينا أو صوتا‬

‫وينطي ومنطي‪ ..‬الخ‪ .‬بدال من أعطني وأعطيتك مركبا من التاء والسين (ت��س)‪ ،‬في ك�لام بعض‬ ‫ويعطي ومعطي‪.‬‬ ‫أهالي ه��ذه المنطقة في كل ك��اف‪ ،‬وليس كاف‬ ‫والملفت لالنتباه أن الكتب القديمة تنسب المؤنثة وحدها‪ ،‬فهم يقولون‪ :‬تســذب وفتسـر‬ ‫هذه اللهجة لقبائل عربية كانت تعيش في جنوب ويبـتـسي بدال من تكذب وفكـر ويبكــي‪ .‬وهذا يدل‬

‫الجزيرة العربية ووسطها‪ ،‬كاألزد وهذيل وقيس على أن سمـاع القدماء ربما كان ناقصا‪ ،‬أو ربما‬

‫اجلوبة ‪ -‬شتاء ‪1431‬هـ ‪111‬‬


‫يكون هذا اإلبدال قد تطور حتى أصبح يعم كل‬ ‫كاف في اللهجات الحديثة‪.‬‬

‫والغرض من ه��ذا الحذف كما ذك��ر علماؤنا‬ ‫تخفيف هذه األلفاظ بحذف بعض حروفها‪ .‬ومن‬

‫ومن اللهجات العربية القديمة التي ما تزال اللهجات القديمة التي لم يسمها القدماء في‬ ‫مستمرة على ألسنة القوم ما عرف عند القدماء كالم هؤالء القوم‪ ،‬إبدال القاف صوتا مركبا من‬ ‫بالعنعنة‪ ،‬وهو إبدال الهمزة عينا‪ ،‬غير أن علماءنا الدال والزاي في قولهم‪ :‬دزبلة ودزليب واندزلع‬ ‫وأن وحدهما‪ ،‬لكنني ونحوها أي‪ :‬قبلة وقليب وانقلع وهكذا‪.‬‬ ‫خصوا هذا اإلبدال بهمزة أ ْن ًّ‬

‫سمعت هذا اإلب��دال يحدث في الهمزة في غير‬

‫ومنها كذلك إبدال الضاد ظاء‪ ،‬والجيم ياء في‬

‫أن ّ‬ ‫وأنً‪ ،‬فهم يقولون‪ :‬فالن سعـل عليـك وأسعلك‪ ،‬قولهم‪ :‬ظحكة وشيرة بدال من ضحكة وشجرة‪.‬‬ ‫وأبدع القيل بدال من سأل واسألك وأبدأ‪ .‬وهذا‬ ‫ومنها كذلك التخلص م��ن الهمزة‪ ،‬وخاصة‬ ‫يدلنا على تطور ما ذكره القدماء‪ ،‬بحيث أصبح‬ ‫وس��ط وآخ��ر األل�ف��اظ‪ ،‬وال�ب��دء بالساكن‪ ،‬وصوغ‬ ‫يعم الهمزة في غير ما ذكروا(‪.)7‬‬ ‫اسم المفعول من األجوف على التمام كقولهم‪:‬‬ ‫ومن اللهجات القديمة التي ما تزال مستمرة‬ ‫مبيوع ومخيوط ومديون‪ ،‬ونحوها‪ ،‬بدال من‬ ‫ف��ي ك�لام أه��ال��ي ه��ذه المنطقة‪ ،‬م��ا ع��رف عند‬ ‫مبيع ومخيط ومدين‪.‬‬ ‫القدماء بالتلتلة‪ ،‬وه��و كسر ح��روف المضارعة‬ ‫وهذه الظواهر اللهجية كلها وردت في كتب‬ ‫ب��دال م��ن فتحها أو ضمها‪ ،‬فهم يقولون‪ :‬فالن‬ ‫ِيعمل وِ يسوي‪ ،‬وِ يقرا وِ يكتب وهكذا بكسر حرف التراث عن العرب القدماء‪ ،‬وما ت��زال مستمرة‬ ‫على ألسنة القوم إلى وقتنا هذا‪ ،‬مع حدوث بعض‬ ‫المضارعة‪.‬‬ ‫التطور اللغوي عليها‪..‬‬ ‫وم��ن اللهجات القديمة ف��ي ك�لام ه��ؤالء ما‬ ‫وقد تعرض علماؤنا لهذه الخصائص اللهجية‬ ‫عرف عند القدماء بالقُطعة‪ ،‬وهو حذف أواخر‬

‫األل �ف��اظ قبل تمامها كقولهم‪ :‬تحا وت�ع��ا ودف وع �ل �ل��وا ل �ه��ا‪ ،‬وف �س��روه��ا م��ن ال �ن��واح��ي اللغوية‬ ‫وي �م��ش واس �ق �ي��ن‪ ،‬ب ��دال م��ن ت�ح��ت وت �ع��ال ودفع المختلفة بطرق يصعب استعراضها ف��ي هذه‬ ‫ويمشي واسقيني وغير ذلك‪.‬‬

‫العجالة‪ .‬وبالله التوفيق‬

‫* األستاذ المساعد بقسم اللغة العربية ‪ -‬كلية التــربية للبنـيـن ‪ -‬جـامعـة الجــوف‪.‬‬ ‫(‪ )1‬علم اللغة العام ‪.127‬‬ ‫(‪ )2‬في اللهجات العربية ‪17-16‬واللهجات العربية في القراءات القرآنية ‪.37‬‬ ‫(‪ )3‬لهجة البدو في إقليم مريوط ‪.3 -1‬‬ ‫(‪ )4‬فصول في فقه العربية ‪.120‬‬ ‫(‪ )5‬في اللهجات العربية ‪.105 -103‬‬ ‫(‪ )6‬كتب سيبويه ‪.199/4‬‬ ‫(‪ )7‬في اللهجات العربية ‪.93 -92‬‬

‫‪ 112‬اجلوبة ‪ -‬شتاء ‪1431‬هـ‬


‫> إميان مرزوق*‬

‫كلما قرأت كتابا أو تذوقت عمال فنيا انتابتني زوبعة من األسئلة التي ال‬ ‫أجد لها جوابا محددا‪.‬‬ ‫هل تشبه الكلمات كاتبها فتكون انعكاسا لصورته؟! هل يكتب اإلنسان‬ ‫حقيقة نفسه؟ أم يكتب ما ينبغي أن يكونه؟! هل يجمل نفسه‪ ،‬ويخفي‬ ‫عيوبه متواريا خلف أثواب األدب والثقافة والفنون؟!‬

‫ن����������������������������������واف����������������������������������ذ‬

‫هل تشبه الكلمات كاتبها؟‬

‫هل ينتصر لنفسه أم ينتصر عليها فيما يقدم!‬ ‫وه��ل ي�ك��ون ف��ي اإلب���داع – بأشكاله ‪ -‬عالما‬ ‫ربما يكون هذا ممكنا‪ ،‬إذا بقيت منفصال تماما‬ ‫افتراضيا مثاليا نوجده هربا من الواقع وعجزا عن عن ذات «ال�م�ب��دع»‪ .‬ويكون مستحيال إذا عرفته‬ ‫مجابهته؟‬ ‫ع��ن ق��رب‪ ,‬ف�لا يمكن ل��ك أب��دا فصل العمل عن‬ ‫خ�لال عملي في الصحافة‪ ..‬قابلت الكثيرين صاحبه!‬ ‫من أولئك «المبدعين»‪ ،‬وكنت في كل مرة أتوجس‬ ‫وهنا أتساءل مرة أخ��رى‪ ..‬كيف يتعامل النقاد‬ ‫خيفة‪ ,‬وأض��ع يدي على قلبي قبل أن أتعرف إلى مع العمل الفني؟ وإلى أي مدى سيكونون منصفين‬ ‫شخصياتهم عن ق��رب‪ ،‬خوفا من أن أُص��دم بهم للعمل إذا عرفوا حقيقة مبدعه إيجابية كانت أو‬ ‫وتسقط أوراقهم من حساباتي!‬ ‫سلبية‪ ,‬وإذا تأثروا بهذه الحقيقة‪ ..‬فإلى أي مدى‬ ‫فرق كبير بين الصورة التي تعيشها وتفهمها عن تصل موضوعيتهم في التعاطي مع هذا المُنجز؟!‬ ‫المبدع من خالل إبداعه رواي��ة أو قصة أو لوحة وإلى أي حد يمكن للمتلقي أن يغفر هذه االزدواجية!‬ ‫أو موسيقى‪ ..‬وبين ال�ص��ورة الحقيقية التي قد وقد حاولت أن أغفر هذه االزدواجية التي تكون في‬ ‫تخيب ظنك‪ ،‬في كثير من األحيان؛ فيفقد المبدع بعض األحيان فاضحة! لكني لم أفلح‪.‬‬ ‫مصداقيته لديك! ولهذا كله كنت أتوجس قبل أن‬ ‫ألتقي بأي منهم‪.‬‬

‫فكم من ال ُكتَاب الذين كانت تستهويني أعمالهم‪,‬‬ ‫أصبحتُ غير قادرة على تصديقها أو حتى قراءتها‬ ‫بعد أن عرفت شخوصهم الحقيقية الممسرحة!‬

‫عندما تسقط األق�ن�ع��ة‪ ،‬وت�ك��ون أم��ام خيارين‬ ‫ال ثالث لهما‪ :‬إم��ا أن تتحد ص��ورت��ك الذهنية ‪-‬‬ ‫رب �م��ا ك ��ان أج���دى ب��ك أن ت�ت�ع��ام��ل م��ع العمل‬ ‫التي استوحيتها من خالل العمل اإلبداعي الذي اإلبداعي كشخص بحد ذاته‪ ،‬وبشكل منفصل عن‬ ‫تذوقته ‪ -‬عن المبدع مع صورته الحقيقية‪ ,‬فتزداد منت ِ​ِجه‪ ،‬إذا أردت أن تحتفظ بنكهة العمل ومذاقه‬ ‫تأثرا به وإيمانا بما يقدم‪ .‬أو تُصدم ببعد الواقع ال ��ذي ذاب ف��ي قلبك‪ ،‬دون أن يعكر صفو هذا‬ ‫عن الصورة التي رسمتها له‪ ،‬أو رسمتها أعماله المذاق أي شيء‪.‬‬ ‫عنه‪ .‬وهنا أتساءل هل من المنطق تحييد العمل‬ ‫ولكن هيهات لك ذلك إذا قادك الحظ العاثر‬ ‫اإلبداعي عن صاحبه؟!‬ ‫لتتعرف على أحد هؤالء «الممثلين» البارعين!‬ ‫* كاتبة من األردن‪.‬‬

‫اجلوبة ‪ -‬شتاء ‪1431‬هـ ‪113‬‬


‫ذكريات‬

‫في زمن قد يخلو من االبتسامة‬ ‫> أمل الشمري*‬ ‫وتمضي األيام مرها وحلوها‪ ..‬ساعاتها‬ ‫ودقائقها وثوانيها؛ لتترك في نفوسنا حالوة‬ ‫أشهى من العسل‪ ،‬ومرارة أشد من العلقم‪..‬‬ ‫إنها أعمارنا الفانية بفصولها المتتالية‪..‬‬ ‫ربيعها وخريفها‪ .‬وتتعاقب معها األجيال‬ ‫جيال بعد جيل‪ ،‬لتبقى الذكريات‪ ..‬ذكريات‬ ‫اآلب ��اء واألج� ��داد‪ ،‬ال��ذي��ن منحونا الحنان‬ ‫كله‪ ،‬وأفنوا عمرهم في سبيل سعادتنا‪..‬‬ ‫فهل ننسى أولئك الذين رعونا فأحسنوا‬ ‫الرعاية وعلمونا فأجادوا التعليم‪..‬؟ إنهم‬ ‫صانعو الحياة التي نعيشها‪ ،‬ول��واله��م –‬ ‫بعد الله ‪ -‬لما كنا شيئا‪ ،‬ولما صرنا إلى‬ ‫ما صرنا إليه في هذه الحياة‪ ..‬ذكرياتهم‬ ‫ت�ع�ي��ش ف��ي م�خ�ي�ل�ت��ي‪ ،‬ب��ل ت�س�ب��ق حديثي‬ ‫عنهم ألحفادهم‪ ..‬فكم أح��نُّ إل��ى أيامهم‬ ‫المليئة بالعطف وال�ح�ن��ان‪ ..‬حينما كانت‬ ‫أمي تغمرني بعطفها وأبي بكده وعطائه‪..‬‬

‫* الجوف ‪ -‬سكاكا‪.‬‬

‫‪ 114‬اجلوبة ‪ -‬شتاء ‪1431‬هـ‬

‫وال أدري إن كنا نملك ما قد أعطوه لنا‪،‬‬ ‫لنقدمه ألبنائنا وف �ل��ذات أك �ب��ادن��ا‪ ..‬وهل‬ ‫سيجدون في ذاكرة أحفادهم ما يستحقونه‬ ‫من ذكر وتخليد لعطائهم‪..‬‬ ‫ك��ل م��ا أخ�ش��اه أن ي��أت��ي ي��وم يفتقدون‬ ‫فيه ذكراهم مع جيل بَعُد عنهم وال يعرف‬ ‫إال نفسه‪ ..‬ولم يعد في ذاكرته غير اللهو‬ ‫ووسائله‪ ..‬وربما اآلتي من األجيال القادمة‬ ‫أع �ظ��م‪ ،‬إن ��ه ج�ي��ل ي �ق��دس ن�ف�س��ه وينسى‬ ‫غيره‪ ..‬وال غرابه في ذل��ك‪ ،‬فنحن نعيش‬ ‫زمنا ريما يخلو من الضحكة أو االبتسامة‬ ‫أو تذكر اآلخرين‪ ..‬رحم الله آباءنا وأجدادنا‬ ‫وأسكنهم فسيح جناته‪ ..‬وجمعنا وإياهم مع‬ ‫النبيين والصديقين والشهداء والصالحين‬ ‫وحسن أولئك رفيقا‪.‬‬


‫على أزمة دبي املالية‬

‫> أ‪ .‬د‪ .‬محمود الوادي‬

‫م����������������ال واق��������ت��������ص��������اد‬

‫تداعيات األزمة املالية العاملية‬

‫بعد أح��داث ‪ ،9/11‬والتي بدت حينها كارثية‬ ‫على استقطاب االستثمارات إلى الشرق األوسط‪،‬‬ ‫أعاد المستثمرون العرب ما يقدر بتريليون دوالر‬ ‫إلى المنطقة من أمريكا‪ ،‬بعد أن كانت تحت تهديد‬ ‫الحجز‪ .‬وكانت هذه األموال السبب الرئيس لبدء‬ ‫الطفرة العقارية‪ ،‬وخصوصا في دبي‪ .‬وعزز ذلك‬ ‫أمران؛ أولهما‪ ،‬الحرب العراقية عام ‪2003‬م‪ ،‬حين‬ ‫بدا أن دبي ستكون المالذ اآلمن في منطقة مضطربة في أعقاب الحرب؛ وثانيهما‪ ،‬زيادة األعمال‬ ‫التجارية في المنطقة‪ ،‬نتيجة ارتفاع أسعار البترول‪.‬‬ ‫إال أن دبي أسرفت في مشاريع عقارية كبرى‪،‬‬ ‫واقترضت شركاتها الحكومية ‪ -‬وأبرزها شركة دبي‬ ‫العالمية ‪ -‬قروضا أكبر من طاقة اإلمارة نفسها‪ ،‬في‬ ‫وقت تشير فيه التقديرات إلى أن الناتج اإلجمالي‬ ‫المحلي لإلمارة في ح��دود (‪ )50‬مليار دوالر‪ ،‬وأن‬ ‫ف��أزم��ة دب ��ي ه��ي أزم ��ة م�ش��اب�ه��ة ب�ن�ي��وي�اً ألزمة‬ ‫الديون المستحقة عليها خاصة عبر دبي العالمية‪،‬‬ ‫العقارات في الواليات المتحدة‪ ،‬من حيث المراهنة‬ ‫ت �ت��راوح ب�ي��ن (‪ )60‬و(‪ )100‬م�ل�ي��ار دوالر‪ ،‬وكانت‬ ‫المالية غير المتوازنة على االستثمار العقاري‪.‬‬ ‫المراهنة على أن تقوم هذه الشركات ببيع الممتلكات‬ ‫فالتمويل باالقتراض ال��ذي اتبعته دب��ي‪ ،‬يعد أحد‬ ‫والمنتجات العقارية لتسديد الديون‪ ،‬والسيما في‬ ‫ظل اإلقبال الشديد على شراء العقارات في دبي‪ ،‬ال �ن �م��اذج ال��رئ�ي�س��ة ل�ل��رف��ع ال �م��ال��ي ف��ي العمليات‬ ‫االق�ت�ص��ادي��ة الحديثة‪ .‬وم��ن ث��م تمثل عملية حكم‬ ‫وتوقعاتهم بتواصل ارتفاع أسعارها‪.‬‬ ‫وقياس المخاطر أهمية قصوى لتحديد نسبة الرفع‬ ‫وب��دأت القصة منذ عامين‪ ،‬حين ضغطت أزمة‬ ‫المالي‪ .‬وكلما ارتفعت نسبة الرفع المالي‪ ،‬ساعد‬ ‫الرهن العقاري في الواليات المتحدة على فقاعات‬ ‫ذلك على زيادة األرباح في ظل الظروف االقتصادية‬ ‫االستثمار في أنحاء متفرقة في العالم‪ ،‬من ضمنها‬ ‫المفضلة‪ ،‬فيما قد يصبح من األم��ور المدمرة في‬ ‫بريطانيا‪ ،‬وأن��ه سرعان ما فجرت تلك الفقاعات‬ ‫االقتصادية؛ لكن أثرها في انهيار العقار بمناطق بيئة اقتصادية سيئة‪.‬‬ ‫داي��و) بعد عامين من األزم��ة اآلسيوية الضخمة ‪-‬‬ ‫منتصف تسعينيات القرن الماضي‪ -‬إال خير دليل‬ ‫على ق��درة األزم��ات المالية العالمية على إحداث‬ ‫أزمات متعاقبة بعد سنوات من األزمة الرئيسة‪.‬‬

‫وف ��ي ح��ال��ة دب� ��ي‪ ،‬ف ��ان اإلن� �ف ��اق ال �م �ف��رط في‬ ‫أخرى كان بطيئا‪ ،‬واستغرق وقتا أطول حتى ظهر‪.‬‬ ‫وما انهيار أكبر الشركات الكورية الجنوبية (شركة العقارات باهظة التكاليف والتمويل من أجل تحقيق‬

‫اجلوبة ‪ -‬شتاء ‪1431‬هـ ‪115‬‬


‫على أنشطة عقارية وسياحية من النوع الفاخر‬ ‫الموجه ل��ذوي ال��دخ��ول المرتفعة‪ ،‬أي موجهة‬ ‫لطلب مستثمرين يفكرون بالدرجة األول��ى في‬ ‫المضاربات»‪.‬‬

‫قفزة تنموية ف��ارق��ة‪ ،‬هيأ بيئة محتملة للمخاطر‪،‬‬ ‫وبشكل خاص بعد حدوث األزمة المالية العالمية‪ ،‬إذ‬ ‫جفت منابع السيولة‪ ،‬وتراجعت شهية المستثمرين‬ ‫لالستثمار في هذين القطاعين‪ ،‬وبدأت بوادر األزمة‬ ‫التي تواجها دبي‪ ،‬ألن أغلب المشاريع القائمة كانت ‪ -3‬ما زاد من تفاقم األمر‪ ،‬أن دبي أعلنت أنها لن‬ ‫بحاجة إل��ى تمويل على المدى القصير‪ .‬وحاولت‬ ‫تبيع منتجاتها وأصولها بأسعار أقل من السوق‪،‬‬ ‫الحكومة خالل العام الجاري إيجاد مصادر تمويل‬ ‫حتى لو اضطرت إل��ى أن تعلن إفالسها‪ ،‬فهي‬ ‫دولية لهذه المشاريع‪ ،‬لكنها أخفقت في ذلك‪ .‬ولم‬ ‫تريد أن تبيع األصول بأسعار محددة من قبلها‬ ‫ي�ك��ن ه�ن��اك ط�ل��ب ع�ل��ى المنتجات ال�ع�ق��اري��ة لهذه‬ ‫سابقا‪ ،‬وال�ت��ي ل��م يقبل عليها المستثمرون أو‬ ‫ال�ش��رك��ات‪ ،‬وأحجمت بنوك العالم ع��ن اإلقراض‪،‬‬ ‫الراغبون في الشراء‪ ،‬ومن ثم وقعت المصيبة‪،‬‬ ‫ولم تستطع حكومة دبي‪ ،‬أو الشركات الحكومية‪ ،‬أن‬ ‫وحلت مواعيد السداد‪ ،‬ولم تستطع حكومة دبي‬ ‫تبيع تلك األصول‪ ،‬أو تبيع بالحجم المأمول من تلك‬ ‫التسديد بسبب عدم وجود سيولة كافية‪.‬‬ ‫األصول‪.‬‬ ‫‪ -4‬إن االرتباط الوثيق بين األزمة الراهنة في دبي‪،‬‬ ‫ويمكن إجمال المشهد وآثاره على النحو اآلتي‪:‬‬ ‫وتفاعالت األزمة العالمية التي أنتجت حالة من‬ ‫الركود واالنكماش‪ ،‬ما ت��زال فصولها الخانقة‬ ‫‪ -1‬م��ن ال��واض��ح أن الفقاعة التي أنتجت األزمة‪،‬‬ ‫مستمرة‪ ،‬خالفا لجميع التقارير التي تحرص‬ ‫ت �ن �ط��وي ع �ل��ى م�لاب �س��ات م�م��اث�ل��ة ل �م��ا شهدته‬ ‫حكومات ال��دول الغربية والمؤسسات المالية‬ ‫أس��واق العالم األخ��رى لجهة ال��دور الرئيس في‬ ‫العالمية على تعميمها‪ ،‬والتي تتحدث عن تجاوز‬ ‫المضاربات العقارية والمالية‪ ،‬الذي لعبه حلف‬ ‫األزم���ة‪ ،‬بينما ي��ؤك��د ال�م�ن�ظ��رون االقتصاديون‬ ‫م��ن م��دي��ري ال �ش��رك��ات ال�ع�ق��اري��ة والمصارف‬ ‫العكس تماما‪ ،‬ويحذرون من اإلفراط في التفاؤل‬ ‫األج �ن �ب �ي��ة وال �م �ح �ل �ي��ة‪ ،‬ف ��ي ت �خ �ط��ي السقوف‬ ‫االفتراضي‪.‬‬ ‫الطبيعية لقوانين ال �ع��رض وال�ط�ل��ب‪ ،‬كنتيجة‬ ‫للسوق المالية االفتراضية‪ ،‬التي أباحت تسنيد‬ ‫األسهم والسندات‪ ،‬وتحويلها إلى أوراق مالية‬ ‫للتداول في البورصة‪ .‬وبقدر ما يطرح ذلك في‬ ‫مواجهة االنهيارات المالية المستجدة أهمية‬ ‫إع��ادة الهيكلة‪ ،‬يملي تدابير أخ��رى للحد من‬ ‫تأثير ال��ورم غير الطبيعي‪ ،‬وهذا ما تشير إليه‬ ‫التفاعالت الظاهرة لألزمة‪ ،‬من خالل الدعوة‬ ‫الرسمية للشراكة ف��ي تحمل الخسائر التي‬ ‫ترتبها الديون الهالكة‪ ،‬التي ستطرح إعادة تقويم‬ ‫الرساميل في القطاع العقاري بصورة خاصة‪ -6 ،‬إن س�ب��ب ال��ذع��ر ال���ذي أص���اب المستثمرين‬ ‫وإعادة النظر في قواعد عمل القطاع المالي‪.‬‬ ‫والبنوك األجنبية‪ ،‬مرده إلى احتمال قيام دبي‬ ‫‪ -2‬إن «م�ش�ك�ل��ة دي ��ون دب ��ي ت��رج��ع إل ��ى أن جميع‬ ‫وأبو ظبي‪ ،‬ببيع بعض الممتلكات واألصول الثابتة‬ ‫حول العالم‪ ،‬مما قد يتسبب في انهيار أسعار‬ ‫المشاريع ‪-‬التي تم االستدانة لتنفيذها‪ -‬تركزت‬ ‫‪ -5‬ال شك أن تأثير األزمة سينعكس على الكثيرين‬ ‫في دبي‪ .‬فهناك – حاليا‪ -‬أالف العمال‪ ،‬وخاصة‬ ‫من اآلسيويين‪ ،‬عالقين في دبي‪ ،‬ال يستطيعون‬ ‫ال �س �ف��ر‪ ،‬وس� �ي ��زداد ع��دده��م م��ع ت��وق��ف العمل‬ ‫في مزيد من المشاريع‪ .‬كما سيخسر المزيد‬ ‫من الموظفين من ال��دول الغربية وظائفهم في‬ ‫اإلم � ��ارة‪ ،‬إض��اف��ة إل��ى تكبد المستثمرين في‬ ‫القطاع العقاري فيها خسائر ف��ادح��ة‪ ،‬بسبب‬ ‫تراجع أسعار العقارات هناك بشدة‪.‬‬

‫‪ 116‬اجلوبة ‪ -‬شتاء ‪1431‬هـ‬


‫‪ -7‬إن وزن دب��ي المالي واالق �ت �ص��ادي‪ ،‬ه��و بالقوة‬ ‫ال�ك��اف�ي��ة ال �ت��ي تجعل أزم�ت�ه��ا ذات آث ��ار دولية‬ ‫واضحة؛ وإن تململ األس��واق المالية من آسيا‬ ‫حتى ال��والي��ات المتحدة ن��زوال وص �ع��ودا‪ ،‬منذ‬ ‫اإلع�ل�ان ع��ن طلب تأجيل دف��ع ال��دي��ون‪ ،‬مؤشر‬ ‫أساسي على هذا التأثير‪ .‬وهناك أنباء عن تأثر‬ ‫مجمعات صناعية كبيرة‪ ،‬مثل شركتي «بوينغ»‬ ‫و«إيرباص» لصناعة الطائرات‪ ،‬وذلك بعد بدء‬ ‫االقتصاد األميركي في النمو‪ ،‬وظهور نسب نمو‬ ‫كبيرة ف��ي االق�ت�ص��ادي��ات ال�ص��اع��دة مثل الهند‬ ‫بأكثر م��ن ‪%7‬؛ ف��إن األخ�ب��ار القادمة م��ن دبي‪ -10 ،‬كشفت الدراسة السنوية التي تصنف أهم عشرة‬ ‫تؤكد أن هذا االنتعاش الظاهر شديد الهشاشة‪،‬‬ ‫مخاطر ‪ -‬والصادرة بالتعاون مع شركة أكسفورد‬ ‫ويمكن أن يتبخر بسهولة‪.‬‬ ‫أناليتيكا ل�لاس�ت�ش��ارات ‪ -‬أن أه��م المخاطر‬ ‫اإلس�ت��رات�ي�ج�ي��ة ال �ت��ي ت��واج��ه ال �ش��رك��ات حول‬ ‫‪ -8‬على المدى القصير ال يبدو أن هناك قلقا من‬ ‫أن األزمة ستكون عميقة‪ ،‬أو دون حلول إنقاذية‬ ‫العالم في عام ‪2009‬م‪ ،‬هي تبعات الصدمات‬ ‫وطارئة‪ ،‬إذ أ ّن إمارة أبو ظبي ‪-‬الشقيق األكبر في‬ ‫ال�ن��ات�ج��ة ع��ن األزم���ة ال�م��ال�ي��ة‪ ،‬والتشريعات‪،‬‬ ‫دولة اإلمارات العربية المتحدة‪ -‬تمتلك أحد أكبر‬ ‫وقوانين االل �ت��زام‪ ،‬وال��رك��ود المتزايد‪ .‬وتظهر‬ ‫الصناديق السيادية في العالم‪ ،‬وبما يفوق (‪)650‬‬ ‫الدراسة ازدياد أهمية مخاطر السمعة‪ ،‬قافزة‬ ‫مليار دوالر‪ ،‬وليس من مصلحتها تراجع موقع‬ ‫اثنتي عشرة رتبة لتحتل المرتبة العاشرة‪ ،‬كما‬ ‫دبي‪ ،‬فرغم المشاكل الخاصة بوحدة السياسات‬ ‫دخ�ل��ت م�خ��اط��رة ت �ك��رار ن �م��وذج األع �م��ال إلى‬ ‫المالية داخ��ل دول��ة اإلم���ارات‪ ،‬ف��إن إم��ارة دبي‬ ‫قائمة المخاطر اإلستراتيجية‪ ،‬محتلة المرتبة‬ ‫مثلت م�ص��درا ريعيا مفيدا لجاراتها التي ما‬ ‫التاسعة بين التحديات التي تواجهها الشركات‬ ‫ت��زال تعتمد أس��اس��ا على ري��ع ال�ن�ف��ط‪ .‬وحلول‬ ‫في عام ‪2009‬م‪ ،‬بينما احتلت مخاطر تبعات‬ ‫ال�ط��وارئ التي تستنزف الصناديق السيادية‪..‬‬ ‫الصدمات الناتجة عن األزمة المالية والركود‬ ‫ليست بالضرورة مؤشرا على آفاق إيجابية‪ ،‬إذ‬ ‫العالمي‪ ،‬مخاطر التشريعات وقوانين االلتزام‬ ‫أنها تعني باألساس أن هذه الصناديق ستنخرط‬ ‫التي كانت تحتل قمة هذه التحديات والمخاطر‬ ‫في النهاية في لعبة تسديد الديون وفوائدها‬ ‫في العام الماضي‪.‬‬ ‫المتراكمة‪ ،‬بما يعرضها للخسارة على المدى‬ ‫الطويل‪ ،‬خاصة إذا تراجع السيل المالي القادم ‪ -11‬من المعلوم أن النظام االقتصادي الرأسمالي‬ ‫من الريع النفطي‪ -‬أي المصدر األساسي لهذه‬ ‫يقوم على مبادئ عامة؛ كالحرية االقتصادية‬ ‫الصناديق ‪ -‬بسبب تراجع أسعار النفط‪.‬‬ ‫المطلقة‪ ،‬وم��ا يتفرع عنها م��ن قضايا تتعلق‬

‫م����������������ال واق��������ت��������ص��������اد‬

‫العقارات في شتى أنحاء المعمورة‪ ،‬إضافة إلى‬ ‫احتمال وجود أزمات مالية أخرى لم تزل مخفية‬ ‫عن األنظار‪.‬‬

‫‪ -9‬من المؤكد أن دوالً عدة‪ ،‬ستتأثر باألزمة المالية‬ ‫العالمية ال �ت��ي لحقت ب��االق�ت�ص��اد األمريكي‪،‬‬ ‫وانتقلت إلى أوروبا وآسيا‪ ،‬وآخرها في ديسمبر‬ ‫‪2009‬م‪ ..‬ما حصل في دبي‪ ،‬حيث تحوّلت األزمة‬ ‫إل��ى أزم��ة اقتصادية هبطت فيها معدالت نمو‬ ‫االقتصاد األم��ري�ك��ي‪ ،‬وع��دد م��ن االقتصاديات‬ ‫األوروبية إلى الصفر‪ .‬ونظراً ألن االقتصاد العربي‬ ‫جزءٌ من هذا العالم‪ ،‬ومتشابك في عالقات شتى‬ ‫باالقتصاد األمريكي واالقتصاديات األوروبية‪،‬‬ ‫ف�س��وف تتأثر ب��األزم��ة بشكل م�ب��اش��ر‪ ،‬وسوف‬ ‫يؤثر تراجع معدالت نمو االقتصاد العربي على‬ ‫البنوك العربية‪ ،‬وذل��ك في جانب الطلب على‬ ‫خدماتها بشكل أساس‪.‬‬

‫اجلوبة ‪ -‬شتاء ‪1431‬هـ ‪117‬‬


‫باإلنتاج‪ ،‬واالستهالك‪ ،‬والتداول‪ ،‬واالستثمار‪،‬‬ ‫والملكية‪ ،‬والمعامالت المالية المطلقة غير‬ ‫المنضبطة‪ ،‬واإلنفاق االستثماري‪ ،‬واالستهالكي‪..‬‬ ‫كل ذلك أسهم في نشوء هذه األزمة‪ ،‬وسيسبب‬ ‫أزم��ات أخ��رى؛ فالحرية االقتصادية المطلقة‬ ‫في المعامالت المالية المطلقة بذرت أساس‬ ‫هذه األزم��ة‪ .‬فقد أعطى القانون ال��ذي صدر‬ ‫ع��ام ‪1999‬م‪ ،‬وال��ذي سمي ق��ان��ون (ج�لاس –‬ ‫ستيجال) الحرية المطلقة للمصارف‪ .‬وهذا‬ ‫القانون شكل األرضية القانونية الخصبة التي‬ ‫هيأت لحدوث األزمة‪ ,‬فمقتضى القانون سمح‬ ‫للشركات المصرفية حرية التعامل في نشاط‬ ‫التأمين واألوراق المالية‪ ,‬كما سمح لها القيام‬ ‫بأعمال ال�م�ص��ارف التجارية واالستثمارية‪،‬‬ ‫واالستثمار في العقارات والنشاطات المتممة‬ ‫ل��ذل��ك‪ .‬ف�ب�ع��د ص� ��دور ه ��ذا ال��ق��ان��ون‪ ,‬عكف‬ ‫الموظفون والمستثمرون الذين تنقصهم الخبرة‬ ‫في المؤسسات المالية الكبرى‪ ،‬على ابتكار‬ ‫أدوات ومشتقات مالية متطورة‪ ،‬باستخدام‬ ‫ج��داول اإلكسل وبرامج التحليل المالي‪ ،‬بغية‬ ‫مضاعفة أرب ��اح مؤسساتهم دون النظر إلى‬ ‫المخاطر واآلث ��ار االقتصادية التي يمكن أن‬ ‫تنتج عن هذه األدوات‪ ,‬ثم تولت آليات السوق‬ ‫المختلة عملها في نشر هذه األدوات وتعميمها‬ ‫لتُفاقِ م من األزم��ة وتُعولِمها‪ .‬ومن نتائج هذه‬ ‫الحرية المطلقة في التعامالت المالية أيضاً‪,‬‬ ‫ما تعج به األسواق المالية من أنواع المعامالت‬ ‫المشبوهة‪ ،‬ال�ت��ي ك��ان لها دور كبير ف��ي نقل‬ ‫األزمة إلى األسواق المالية العالمية‪ ,‬من أمثلة؛‬ ‫عقود المستقبليات‪ ,‬والمشتقات‪ ,‬والخيارات‪,‬‬ ‫والبيع بالهامش‪ ,‬والبيع القصير‪ ..‬إلخ‪.‬‬ ‫‪ -12‬كان أول آثار األزمة تهاوي عروش مالية كبرى‬ ‫عمرها أكثر من قرن من الزمن‪ ,‬والحلقة األولى‬ ‫‪ 118‬اجلوبة ‪ -‬شتاء ‪1431‬هـ‬

‫في سلسلة تهاوي هذه المؤسسات الكبرى‪ ،‬كان‬ ‫إف�لاس بنك «ليمان ب ��روذرز» وه��و راب��ع أكبر‬ ‫بنك في ال��والي��ات المتحدة‪ ,‬تبعه تعثر شركة‬ ‫«ميريل لينش» ‪ Merillynch‬التي خسرت‬ ‫في عام واحد ما قيمته (‪ )23‬مليار دوالر‪ ,‬ثم‬ ‫تتابعت حلقات السلسلة في التفكك واحدة تلو‬ ‫األخ��رى‪ ,‬وك��ان أهمها‪« :‬واشنطن ميوتشوال»‬ ‫أح��د أك �ب��ر م �ص��ارف ال�ت��وف�ي��ر وال��ق��روض في‬ ‫ال��والي��ات المتحدة‪ ,‬إض��اف��ة إل��ى «ف��ان��ي ماي»‬ ‫و«فريدي ماك» المختصتين بتمويل العقارات‪.‬‬ ‫وق��د بلغت خسائر شركة «فاني م��اي»‪ ،‬خالل‬ ‫ال��رب��ع األول م��ن ع��ام ‪2009‬م‪ )2.23( ،‬مليار‬ ‫دوالر‪ .‬وق ��د ت �ع��دت األزم� ��ة ح���دود الواليات‬ ‫المتحدة‪ ،‬لتضرب مؤسسات مالية ضخمة في‬ ‫أوروب��ا‪ ،‬مثل‪ :‬مصرف «نورثن روك» للتسليف‬ ‫العقاري في بريطانيا‪ ،‬والذي قامت الحكومة‬ ‫بتأميمه‪ ,‬إض��اف��ة إل��ى بنك «إت��ش ب��ي أو إس»‬ ‫راب��ع بنك ف��ي بريطانيا م��ن حيث الرسملة‪,‬‬ ‫وك��ان م��ن ضحايا األزم��ة أي�ض�اً ف��ي بريطانيا‬ ‫بنك «هاليفاكس بنك أوف سكوتالند» الذي‬ ‫قام بنك «لويدز» البريطاني بشرائه؛ أما خارج‬ ‫بريطانيا فقد ضربت األزمة العديد من البنوك‬ ‫من أمثلة‪ :‬شركة «غليتنير» المالية في أيسلندا‪,‬‬ ‫وبنك «هيبو ريل إيستيت» في ألمانيا‪ ,‬ناهيك‬ ‫عن الخسائر التي منيت بها مجموعة «سيتي‬ ‫غ��روب» المصرفية األمريكية‪ ،‬وبنك «جي بي‬ ‫مورغان تشيس»‪ ,‬لكن الطامة الكبرى كانت في‬ ‫إفالس أكبر شركة تأمين في الواليات المتحدة‬ ‫األمريكية والعالم وهي «‪ ،»AIG‬دافعة معها‬ ‫قطاع شركات التأمين في العالم إلى الهبوط‪,‬‬ ‫حتى أن سهم هذه الشركة أصبح يتداول عند‬ ‫سعر (‪ )46‬سنتاً أمريكياً فقط في شهر آذار‬ ‫‪2009‬م‪ ،‬بعد أن فقد أكثر من ‪ %90‬من قيمته‪.‬‬


‫وعليه‪ ،‬ف��إن التوصيات التالية ق��د تساعد في‬ ‫التخفيض من تلك اآلثار‪:‬‬ ‫‪ -1‬في الوقت الذي يتعافى فيه االقتصاد العالمي‪،‬‬ ‫ما يزال هناك ضعف بالغ‪ .‬فعلى كل اقتصاد أن‬ ‫يولي أهمية قصوى إلدارة المخاطر‪ ،‬وأن يعمل‬ ‫على تدعيمها‪ ،‬السيما في القطاع المالي‪.‬‬ ‫‪ -2‬على ال�ش��رك��ات اآلن أن تطور إدارة المخاطر‬ ‫ال��داخ�ل�ي��ة وتحسنها‪ ،‬بالتركيز ع�ل��ى الخطط‬ ‫متوسطة المدى‪ ،‬بدالً من تركيزها على الخطط‬ ‫قصيرة المدى‪ .‬وقد يتأخر الكثير من القرارات‬ ‫التي اتخذت في عجالة عن اللحاق بركب النمو‬ ‫عندما تتعافى االقتصاديات العالمية من جديد‪.‬‬ ‫‪ -3‬إصالح آليات العمل في المؤسسات الدولية مثل‬

‫م����������������ال واق��������ت��������ص��������اد‬

‫والحقيقة أن األزمة ما تزال تطيح بالعديد من‬ ‫المؤسسات المالية‪ ،‬وتُمنِّي أخرى بخسائر كبيرة‬ ‫كل يوم‪ ،‬دون أن يتضح لها نهاية‪ .‬وبلغت خسائر‬ ‫شركة «جنرال موتورز» أكبر شركة للسيارات‬ ‫في العالم في العام ‪2008‬م ما قيمته (‪ -4 )30.9‬وض��ع قوانين صارمة‪ ،‬وقواعد جديدة عالمية‬ ‫معاصرة‪ ،‬تحكم التبادل في األس��واق المالية‪،‬‬ ‫مليار دوالر‪ ،‬وبلغت خسائر شركة تويوتا خالل‬ ‫ب�ح�ي��ث ت �ك��ون ع�م�ل�ي��ات ال�ب�ي��ع وال� �ش ��راء معبرة‬ ‫الربع األول من عام ‪2009‬م‪ )7( ،‬مليار دوالر‬ ‫ع��ن اح�ت�ي��اج��ات البائعين وال�م�ش�ت��ري��ن‪ ،‬وليس‬ ‫بسبب تراجع مبيعاتها‪ ،‬والتأثر بأزمة السيولة‬ ‫كما ه��و م��وج��ود م��ن أج��ل المضاربة بالمفهوم‬ ‫ال�ع��ال�م�ي��ة‪ ،‬وان �خ �ف��اض ال�ط�ل��ب ال�ع��ال�م��ي على‬ ‫االقتصادي‪.‬‬ ‫السيارات‪.‬‬ ‫‪ -5‬تشجيع البنوك على تنفيذ استثمارات كبيرة في‬ ‫‪ -13‬أف��رزت األزم��ة المالية العالمية أزم��ة سيولة‬ ‫الصناعة والزراعة‪ ،‬ووجود الرقابة الفعالة على‬ ‫خانقة‪ ،‬تَ��ول��د عنها أزم��ة ثقة بين المصارف‬ ‫الرهن العقاري‪ ،‬ومنع اإلعالنات التي قد تورط‬ ‫في شتى أنحاء العالم‪ ,‬األم��ر ال��ذي أدى إلى‬ ‫األفراد في زيادة االستدانة‪.‬‬ ‫انخفاض اإلق��راض على مستوى العالم بشكل‬ ‫‪ -6‬تزويد مراكز األزمة المالية العالمية بالمعلومات‬ ‫كبير‪ ,‬وقد حاولت المصارف المركزية مواجهة‬ ‫األساسية الدقيقة والسليمة‪ ،‬والحفاظ على‬ ‫ه��ذا الجفاف في السيولة‪ ،‬وإع��ادة الثقة إلى‬ ‫استمرار تحديثها في الوقت المناسب‪ ،‬وبشكل‬ ‫النظام المصرفي عن طريق عدة خطوات ال‬ ‫يمكِّن م��ن إع ��داد ال�ت�ق��دي��رات ح��ول التحديات‬ ‫يتسع المجال لذكرها‪.‬‬ ‫والمخاطر والتهديدات المحتملة‪.‬‬ ‫صندوق النقد الدولي‪ ،‬إلى جانب المؤسسات‬ ‫وال�ه�ي�ئ��ات األخ���رى‪ ،‬مثل لجنة ب ��ازل واالتحاد‬ ‫الدولي لمراقبي التأمين‪ ،‬والهيئة الدولية ألسواق‬ ‫المال‪.‬‬

‫‪ -7‬إج��راء المزيد من الدراسات المتعلقة باألبعاد‬ ‫االق �ت �ص��ادي��ة واالج �ت �م��اع �ي��ة ل�ل�أزم ��ة المالية‬ ‫المعاصرة‪ ،‬ودراس��ة اتجاهاتها وتداعياتها على‬ ‫ح��ال��ة االس �ت �ق��رار ف��ي ال��وط��ن ال �ع��رب��ي ونمائه‬ ‫االقتصادي‪.‬‬

‫المراجع‪:‬‬

‫‪ -1‬حصاد الجمعة االقتصادي‪ ،‬الجزيرة‪ ،‬تاريخ ‪2009-5-8‬م‪.‬‬ ‫‪ -2‬مؤشرات األسهم األمريكية على قناة سي إن بي سي عربية‬ ‫بتاريخ ‪2009-3-3‬م‪.‬‬ ‫‪ -3‬محمد أيمن عزت الميداني‪ ,‬ندوة الثالثاء االقتصادية‪ ,‬قراءة‬ ‫في األزمة االقتصادية العالمية الراهنة ‪2009-3-3‬م‪.‬‬ ‫‪ -4‬الجزيرة نت‪ ,‬االقتصاد واألعمال ‪2009-2-26‬م‪.‬‬ ‫‪ -5‬مجلة رؤية‪ ،‬كيف حدثت أزمة دبي‪.www.royaah. net ،‬‬ ‫‪ -6‬الجزيرة نت‪ ،‬االقتصاد واألعمال‪2009-12-4 ،‬م‪.‬‬

‫* عميد كلية اإلقتصاد والعلوم اإلدارية – جامعة الزرقاء الخاصة‪.‬‬

‫اجلوبة ‪ -‬شتاء ‪1431‬هـ ‪119‬‬


‫إصدارات جديدة للنادي األدبي باجلوف‪ ،‬تزامنت‬ ‫مع افتتاح معرض الرياض الدولي للكتاب‬ ‫لعام ‪1431‬هـ‪2010 /‬م‬

‫ديوان غواية بيضاء‬ ‫مالك الخالدي‬

‫وترمز الشاعرة من خالل هذا العنوان‬ ‫إلى الغربة في المكان التي نبعت من عدم‬ ‫ام�ت��زاج�ي��ة أي��دل��وج�ي��ة ال ��ذات م��ع فرضية‬ ‫االم �ت �ث��ال م��ع م �ف��ردات ال��واق��ع‪ ،‬وذل ��ك ما‬ ‫حداها لنعت العنوان بالبياض‪ ،‬لما يحمله‬ ‫هذا النعت من رغبة في الخالص والتحرر‬ ‫من كل شيء يتعارض مع أيدلوجية الذات‪.‬‬

‫رأت فيه الشاعرة رمزا مرنا مطاطيا يتسع‬

‫لتحمل المثاليات التي تتآلف معها‪ ،‬وتجد‬

‫فيه أيضا م�لاذا آمنا تهدهد ب��ه اآلهات‬ ‫الحبيسة‪.‬‬

‫إن العناوين الداخلية المتمثلة في (جبين‬

‫البياض – غربة البياض – وطن البياض‬ ‫– تراتيل البياض – حنين البياض – ذاكرة‬ ‫البياض) شكلتها ثنائية اإلحساس بالغربة‬ ‫التي تتقاطع مع الرؤية الوطنية‪ ،‬وبذا فإنها‬ ‫تختزل ديوانها الشعري في عبارة مؤداها‬

‫ولعل اختيار البياض في العنوان الرئيس (م�ع��ان��اة ال�ش��اع��رة م��ن االغ �ت��راب الذاتي‬

‫والعناوين أو العتبات الداخلية في الديوان والمكاني المشذر بومضات األمل)‪.‬‬ ‫‪ 120‬اجلوبة ‪ -‬شتاء ‪1431‬هـ‬


‫ق�������������������������������������������������������������راءات‬

‫مقطع من قصيدة «هكذا تموتُ األزها ُر حفرة الصحراء وسياج المدينة‪:‬‬ ‫الكتابة السردية في السعودية‬ ‫في مدينتي»‬ ‫للوَجَ عِ في مدينتي حكاية‪..‬‬ ‫باهظ ُة الحُ زن‪..‬‬ ‫تفاصيل ُها تسري في الهشيمِ ‪..‬‬ ‫بال ضوء‪..‬‬ ‫يَتَجرّعونَها من كؤوسهمِ النَّخرةِ‪..‬‬ ‫كأنَّهم أوثان !‬

‫الجرح إذا تنفس‬ ‫نجاة الماجد‬

‫عبدالله السفر‬

‫وال� ��ذي ج ��اء ف��ي وق ��ت يعتبر مناسبا‬

‫للحديث حول الرواية السعودية التي رأى‬ ‫فيها األستاذ السفر في مقدمته أن��ه في‬ ‫وق � ٍ�ت م��ن األوق� ��ات ق �ي��ل‪ :‬إن م��ن أسباب‬

‫قلة الرواية في السعودية فقدان التجربة‬ ‫الحياتية ال�ي��وم�ي��ة والمعيشية المتلوّنة‬

‫والمطروقة بالساخن والبارد من أحداث‪.‬‬

‫واآلن ن�ك��اد نعيد ال �ق��ول‪ ،‬وه�ن��ا انتقام‬

‫وهو أول ديوان للشاعرة نجاة الماجد‪ ،‬ال��ك��ت��اب��ة‪ ،‬ب �ش �ك��ل آخ� ��ر ه ��و ال���وق���وع في‬ ‫«التناسخ»؛ موضوعة واحدة تنتقل من قلم‬ ‫وق��د ج��اءت قصائدها ف��ي ه��ذا الديوان‬ ‫روائية أو روائي إلى آخر‪ ،‬موضوعة مشغولة‬ ‫ب �م �ث��اب��ة ق� �ف ��زات ن��وع �ي��ة ج��ري �ئ��ة خالفت‬ ‫بالسطوح وباستدرار الفقاعات التي تذهب‬ ‫فيها المفاهيم السائدة من حولها‪ ،‬وأنها‬ ‫سريعاً‪ ،‬دون أن تؤثّر أو تترك عالمة‪ ،‬ينقل‬ ‫تستطيع من خاللها أن ترى كل شيء في‬ ‫الرواية من مجرد كونها شاهدا ووثيقة‪ ،‬إلى‬ ‫عيون كلماتها في أث��واب جديدة لم ترها بناء مُحْ كَم؛ ممهور بصبغة الفن وحدها‪.‬‬ ‫من قبل‪ ،‬فمن المألوف أن تفهم المعاني تلك الميزة التي تجعل الرواية شاهدا فنيا‬ ‫والدالالت التي تحملها األبيات‪ ،‬ولكن من يملك ح��قَّ المكوث في الضمير الثقافي‬

‫الصعب ‪ -‬إن لم يكن مستحيلاً ‪ -‬أن تشم والمسيرة األدبية‪.‬‬ ‫رائحة الكلمات‪ ،‬أو تنتشي بتراكيب عذرية‬

‫وب �ح��ق يعتبر ه ��ذا ال �ك �ت��اب ذا قيمة‬

‫ل��م ي�ج��رؤ على اقتحامها أح��د قبل نجاة عالية في نقد ودراسة وتمحيص التجارب‬

‫الماجد‪.‬‬

‫السردية والروائية السعودية الحديثة‪.‬‬

‫اجلوبة ‪ -‬شتاء ‪1431‬هـ ‪121‬‬


‫الكتاب ‪ :‬قافلة األحـالم‪.‬‬ ‫املؤلف ‪ :‬عبدالسـتار خليف‬ ‫الناشر ‪ :‬الهيئة املصرية العامة للكتاب بالقاهرة‬

‫أصـدرت الهيئة المصرية العامة للكتاب بالقاهرة‪ ،‬روايـة جديدة للروائي المصري‬ ‫(عبدالسـتار خليف)‪ ،‬تحت عنوان‪( :‬قافلة األحـالم)‪ .‬ضمن سـلسـلة (كتاب اإلتحاد) والتي‬ ‫يشرف عليها إتحاد كتّاب مصر‪.‬‬ ‫تدور أحداث الروايـة خالل سنـوات النكسة‪ ،‬يسـرد أحداثها فـالح بسـيط‪ ،‬إبراهيم علي‬ ‫البحـراوي‪ ،‬لذا تبدو األحداث من خـالل رؤيته هو ووجهة نظـره‪ ،‬وتبـدو غريبة من وجهة‬ ‫نظـر القارئ؛ فال ترتيب زمني لألحـداث‪ ،‬أو تسلسل منطقي‪ ،‬يسـرد لنا عن األحداث الغريبة‬ ‫التي تقـع بالبلدة‪ ،‬وفي واقع األمـر‪ ،‬تدور حـول مأسـاة حيـاته هـو بعد رحيـله عن بلدته‪،‬‬ ‫وحلمـه الكبير في حيـاة أخرى كريمة‪ ..‬لكنه يفقد كل شيء‪ :‬ماضيه وحاضره ومستقبله‪.‬‬ ‫وسـقوط ابنته ذوات ومقتلها في ظروف غامضة‪ ..‬والفاعـل مجـهول‪.‬‬ ‫وف ��ي ال�ن�ـ�ه��اي��ة‪ ،‬ي�ع�ل��ن ع��ن ع��زم��ه على أصـدر العـديد من الروايات منها‪:‬‬ ‫ال��رح�ي��ل إل��ى منطقة أب�ي��س الصحراوية‬ ‫«البحث عن بندقية»‪ .‬أصدرتها الهيئة‬ ‫البـكر‪ ،‬ليبدأ من هنـاك حيـاة جديدة‪..‬‬ ‫العامة للكتاب بالقاهرة‪.‬‬ ‫وتنتهى ال��رواي��ة وال��س��ارد ال�م�ع�ت��وه ال‬ ‫و«ال� �م� �س���اف���رون»‪ ..‬ال���رواي���ة الفائزة‬ ‫يتوقف عن الحديث معه‪..‬‬ ‫بالجائزة األولى والميدالية الذهبية بنادي‬ ‫إن �ه��ا م �غ��ام��رة ف ��ي ال �س �ـ��رد ال ��روائ ��ي‪،‬‬ ‫القصة بالقاهرة‪ .‬أصدرتها دار المعارف‪.‬‬ ‫ومحاولـة التجديد في الشـكل التقليدي‪..‬‬ ‫و«رواية غريب بين الديار»‪ ..‬ورواية «أبناء‬ ‫ت�ص��ل ص�ف�ح�ـ��ات ال ��رواي ��ة إل ��ى (‪)214‬‬ ‫العصير ال �م �ـ��ر»‪ ..‬م��ن إص� ��دارات الهيئة‬ ‫ص�ف�ح�ـ��ة م��ن ال �ق �ط��ع ال� �ع ��ادي‪ .‬التصميم‬ ‫ال��داخ �ل��ي ل�ل�ف�ن��ان‪ :‬ص �ب��ري عبدالواحد‪ .‬أيضا‪.‬‬ ‫الغالف للفنان‪ :‬عبدالعال‪.‬‬ ‫وأحدث إصداراته هي «قافلة األحـالم‪..‬‬ ‫الجدير بالذكـر أن��ه سـبق للكاتب أن المنـكوبة»!!‪.‬‬ ‫‪ 122‬اجلوبة ‪ -‬شتاء ‪1431‬هـ‬


‫ق�������������������������������������������������������������راءات‬

‫الكتاب ‪ :‬لن أصدقك أيتها املدينة‪.‬‬ ‫املؤلف ‪ :‬منير بولعيش‪.‬‬ ‫الناشر ‪ :‬مطبعة سليكي ‪ -‬إخوان بطنجة‪.‬‬

‫> عبدالسالم دخان*‬

‫«لن أصدقك أيتها المدينة» هو عنوان العمل الشعري األول للشاعر المغربي‬ ‫الطنجاوي منير بولعيش‪ ،‬الصادر عن مطبعة سليكي ‪ -‬إخوان بطنجة‪ ،‬بصحبة لوحة‬ ‫فاتنة ومعبرة أبدعها الفنان حمزة حلوي‪ .‬وتتسم هذه المجموعة المكونة من (‪)66‬‬ ‫صفحة من القطع المتوسط‪ ،‬والمقسمة إلى محورين‪ .‬يضم المحور األول القصائد‬ ‫التالية‪ :‬حكمة‪ ،‬نوستالجيا‪ ،‬تعاسة‪ ،‬الرجيم‪ ،‬عولمة‪ ،‬غ��رق‪ ،‬هكذا إذاً‪ ،‬الكيخوطي‪،‬‬ ‫شهادة إثبات‪ ،‬ريح الشرقي‪ ،‬الرافضة‪ ،‬إقامة جبرية‪ ،‬هيراقليطس‪ ،‬ذكرى‪ ،‬نخبك أيها‬ ‫الرجيم‪.‬‬ ‫أما المحور الثاني‪ ،‬فيتكون من القصائد‪ :‬وال��رم��زي واإلن �س��ان��ي‪ ،‬بحثا ع��ن الممكن‬ ‫(الشاعر‪ ،‬مفتاح المدينة‪ ،‬حروب المدينة‪ ،‬الجمالي عبر لغة قلقة ومشاكسة‪ ،‬تعكس‬ ‫ل��م أك��ن رائ �ي��ا كما ال �ي��وم‪ ،‬عميل مزدوج‪ ،‬تواجد الشاعر –هنا واآلن‪ -‬في الفضاءات‬ ‫قبلة س��وداء‪ ،‬طنجافوبيا‪ ،‬حكاية األميرة المفتوحة والمغلقة‪ ،‬المعلومة والمجهولة‪،‬‬ ‫التي ال تبدأ ب‪ ،..‬القصيدة خرجت إلى وعبر قصائد قائمة على اإلب��دال الداللي‬ ‫الشارع)‪ .‬وتعكس هذه العناوين الدالة على والكتلة والشذرة ما دام الشاعر‪ -‬الهيبي‬ ‫طبيعة المتن الشعري تجربة منير بولعيش‪،‬‬ ‫األخ��ي��ر‪ -‬ال ي �ص��دق م��دي�ن�ت��ه‪ ،‬ب��ل يصدق‬ ‫المتسمة بالقطع م��ع ال��ذاك��رة اإليقاعية‬ ‫قصيدته األبهى‪.‬‬ ‫الكالسيكية القائمة على شعرية السطر‬ ‫«درالكوروا‬ ‫الشعري لصالح شعرية التكثيف واإليجاز‬ ‫أيها التعس‬ ‫وق ��وة االس �ت �ع��ارة‪ ،‬كما يتميز ه��ذا العمل‬ ‫أجئت تبحث عن الضوء‬ ‫اإلبداعي بانفتاحه الواعي على مرجعيات‬ ‫في مدينة‬ ‫جمالية مختلفة‪ ..‬جعلت م��ن دي ��وان «لن‬ ‫كل ما فيها‬ ‫أص��دق��ك أي�ت�ه��ا ال �م��دي �ن��ة» يتسم بهيمنة‬ ‫يهدد بالسواد‪»..‬؟!‪.‬‬ ‫مكون المكان‪ ،‬ومحاورته بثقله التاريخي‬

‫اجلوبة ‪ -‬شتاء ‪1431‬هـ ‪123‬‬


‫الكتاب ‪ :‬التنوع األحيائي احليواني في منطقة‬ ‫اجلوف من اململكة العربية السعودية‪.‬‬ ‫املؤلف ‪ :‬أ‪ .‬د‪ .‬محمد بن خالد السعدون‪.‬‬ ‫الناشر ‪ :‬مؤسسة عبدالرحمن السديري اخليرية‪.‬‬ ‫سنة النشر‪1430 :‬هـ (‪2009‬م)‪.‬‬ ‫> محمد صوانه*‬

‫يعد الكتاب ثمرة دراس���ة علمية ميدانية استمرت نحو عامين‪ ،‬ق��ام بها الباحث‬ ‫المتخصص في علم الحيوان‪ ،‬والمدرس بكلية العلوم بجامعة الملك سعود‪ ،‬أ‪ .‬د‪ .‬محمد‬ ‫ابن خالد السعدون‪ .‬ونفذت الدراسة بتمويل من مؤسسة عبدالرحمن السديري الخيرية‬ ‫ضمن برنامج النشر ودعم األبحاث‪.‬‬ ‫التنوع األح��ي��ائ��ي ث��روة الحياة على األرض‪ ،‬يتكون م��ن مجموع األن���واع النباتية‬ ‫والحيوانية التي خلقها الله سبحانه وتعالى لخدمة اإلن��س��ان‪ .‬ويقدر ع��دد األنواع‬ ‫الموجودة بنحو (‪ )5.125‬مليون نوع؛ إال أن العلماء يرون أن العدد الحقيقي يصل إلى‬ ‫ثالثين مليون نوع‪ ،‬ولم يتم التعرف بالوصف إال على (‪ )1.700.000‬مليون نوع تقريبا‪،‬‬ ‫تمثل ‪ ٪10‬من األنواع المقدرة‪.‬‬ ‫ويشير المؤلف إلى أن الباحثين اهتموا‬

‫والوطن العربي من أكثر بقاع األرض‬

‫بالتنوع األحيائي في الغابات االستوائية تنوعاً في أحيائه؛ وعلى الرغم من ذلك‬ ‫لكثرة النباتات والحيوانـات فيها‪ ،‬حيث ال�ث��راء‪ ،‬فإنه لم يحظ باالهتمام الواجب‬ ‫الظروف البيئية المناسبة‪ .‬لكن أهمية ذلك ل�ت�ف�ه��م األخ �ـ �ط��ار ال �ت��ي ت �ح��دث بموارده‬ ‫التنوع ال تقاس بعدد األنواع‪ ،‬بل بفائدتها الطبيعية من النباتات والحيوانات البرية‬ ‫وخدمتها لإلنسان‪ .‬فالبيئة الصحراوية إال منذ عهد ق��ري��ب‪ .‬إن رص��د النباتات‬ ‫تحمل بين جنباتها آالفاً من األنواع النباتية في الوطن العربي أكبر بكثير من رصد‬ ‫والحيوانية ذات الفائدة الطبية لإلنسان‪ ،‬الحيوانات البرية‪ ،‬ويختلف ذلك من دولة‬ ‫ولبعضها فوائد اقتصادية بما تحويه من إلى أخرى؛ وعليه‪ ،‬فإن بعض هذه الدول‬ ‫أل�ي��اف وزي ��وت ون�ب��ات��ات ووق ��ود‪ .‬وهنالك تحتاج إلى بذل المزيد من الجهود في هذا‬ ‫العديد من مصانع األدوية التي تستخلص المجال‪ .‬وإن توافر شبكة عنكبوتية لتبادل‬ ‫الكثير من األدوية من حيوانات الصحراء‪ .‬المعلومات بين ال��دول العربية يعد أمراً‬ ‫‪ 124‬اجلوبة ‪ -‬شتاء ‪1431‬هـ‬


‫علماء التصنيف الذين لديهم الخبرة في مجال كثير من المشاكل الطبية كأمراض السرطان‬ ‫التنوع األحيائي‪.‬‬

‫واإليدز وغيرها‪ .‬ما يؤكد أهمية المحافظة على‬

‫وتتميز المملكة العربية ال�س�ع��ودي��ة بمناخ ه��ذا اإلرث العالمي اإلستراتيجي؛ وق��د عمل‬ ‫ص �ح��راوي م��رت�ف��ع ال��ح��رارة ص�ي�ف�اً ومنخفض المهتمون على اعتماد اتفاقية للمحافظة عليه‬ ‫شتاءً‪ ،‬ما جعلها تحوي أنماطاً بيئية عديدة‪ ،‬تضم في قمة األرض التي عقدت في ريودي جانيرو‬ ‫تنوعاً أحيائيا كبيراً وجديرا بالدراسة والبحث‪ .‬بالبرازيل عام ‪1992‬م‪ .‬وصادقت عليها (‪)187‬‬

‫ق�������������������������������������������������������������راءات‬

‫مهماً‪ ،‬وواقع الحال يكشف عن نقص شديد في عنها بعد‪ ،‬وتضيع معها إل��ى األب��د مفاتيح حل‬

‫فهناك نحو (‪ )2243‬نوعاً من النباتات‪ ،‬و(‪ 100‬دولة‪.‬‬

‫ن��وع) من السـحالي‪ ،‬و(‪ 55‬نوعاً) من الثعـابين‪،‬‬

‫يتكون ال�ك�ت��اب م��ن سبعة ف�ص��ول ومقدمة‪،‬‬

‫و(‪ 10‬أن ��واع) م��ن السـالحف‪ ،‬و(‪ 9‬أن �ـ��واع) من إض��اف��ة إل��ى م�لاح��ق وت��وص �ي��ات‪ ،‬ت��وزع��ت على‬ ‫البرمـائيات‪ .‬و(‪ 500‬ن�ـ��وع) م��ن الطـيور‪ ،‬و(‪ )458( 81‬صفحة مقاس ‪ 24 ×20‬سم‪ ،‬ورسم لوحة‬

‫نوعاً) من الثدييات‪ .‬وقد بلغ عدد أسماك المياه الغالف الفنان عمر البدور‪ .‬وهو يمثل مرجعاً‬ ‫العذبة نحو (‪ 17‬نوعاً) أما الحشرات فقد تصل مهماً في تسجيل ودراس��ة ما تزخر به منطقة‬

‫إلى أكثر من (‪ )200.000‬نوع‪.‬‬

‫الجوف في شمالي المملكة العربية السعودية‬

‫وق��د أثبتت األب�ح��اث الحديثة أن كثيراً من من مختلف أنواع الحيوانات والطيور والزواحف‬ ‫سموم الثعابين الصحراوية تستخدم في عالج والحشرات‪.‬‬

‫ال يستخدم س��م الكوبرا‬ ‫بعض األم ��راض‪ .‬فمث ً‬

‫خصص المؤلف الفصل األول مقدمة عامة‬

‫ف��ي ع�لاج ال��رب��و الشعبي‪ ،‬والشلل ال�ه��زاز (داء للكتاب‪ ،‬وف��ي الفصل ال�ث��ان��ي ت�ح��دث فيه عن‬

‫باركنسون)‪ .‬كما تستخدم بعض سموم األفاعي منطقة ال��دراس��ة مستعرضاً األن�ظ�م��ة البيئية‬ ‫في عالج تجلط الدم‪ ،‬وإذاب��ة الجلطة الدموية‪ ،‬األح �ي��ائ �ي��ة ف��ي منطقة ال��ج��وف‪ ،‬ال �ت��ي تشمل‬ ‫وال �ت �ح��ام األع� �ص ��اب‪ .‬وال ش��ك أن الدراسات بيئات الكثبان الرملية واألودي� ��ة الصحراوية‬ ‫المخبرية ستكشف مستقبال ع��ن الكثير من والجبلية والبيئات الجبلية والسهلية والرطبة‪،‬‬

‫األدوي��ة المستخلصة من النباتات والحيوانات وبيئات الحرات والحماد‪ ،‬كما استعرض العوامل‬ ‫الصحراوية‪.‬‬

‫المناخية ال�س��ائ��دة فيها‪ ،‬مستعرضا درجات‬

‫يعد ال�ت�ن��وع األح�ي��ائ��ي إرث��ا عالميا ال يقدر الحرارة وكميات مياه األمطار ومعدل الرطوبة‪.‬‬ ‫بثمن‪ ،‬وم��ع األس ��ف‪ ،‬ف��إن النشاطات البشرية أما الفصل الثالث فخصصه للبيانات الخاصة‬

‫ت�ه��دده بشكل كبير‪ .‬إذ أش��ارت ن�ش��رات برامج بالزواحف في منطقة الجوف‪ ،‬بيّن فيه المؤلف‬ ‫األمم المتحدة للبيئة إلى أنه ينقرض يومياً وإلى أن نتيجة الدراسة تضمنت تسجيل (‪ )34‬نوعاً‬ ‫األب��د م��ن (‪ )100‬إل��ى (‪ )300‬ن��وع‪ ،‬تدفن معها من ال��زواح��ف يرتبط توزيعها بالغطاء النباتي‬ ‫أس��رار العالم الطبيعية التي لم يُكشف النقاب الذي تتميز به منطقة الجوف‪.‬‬

‫اجلوبة ‪ -‬شتاء ‪1431‬هـ ‪125‬‬


‫وخصص الفصل ال��راب��ع للثدييات‪ ،‬ويعدها أهمية إيجاد أفضل الوسائل العلمية لمواجهة‬

‫المؤلف من أنجح المجاميع الحيوانية معيشة خطر تلك الحشرات التي تحد من كمية اإلنتاج‬

‫في المملكة‪ ،‬ويوجد منها في العالم (‪ )93‬نوعاً الزراعي وتؤثر على جودته‪.‬‬

‫منها‪ ،‬ينتشر في المملكة نحو (‪ )79‬نوعاً برياً؛‬

‫وف ��ي ال�ف�ص��ل ال �س��اب��ع ت �ح��دث ال �م��ؤل��ف عن‬

‫منها (‪ )39‬ن��وع�اً ف��ي منطقة ال��دراس��ة‪ ،‬تنتمي المحافظة على الحياة الفطرية‪ ،‬وأب��ان أهمية‬ ‫إلى ست رتب هي‪ :‬آكالت اللحوم والخفاشيات الحفاظ على األن��واع المهددة باالنقراض من‬

‫والقوارض واألرنبيات وآكالت الحشرات ورتبة خالل بناء المحميات الطبيعية‪ ،‬وتوفير الغطاء‬ ‫زوجية األصابع‪.‬‬ ‫النباتي المناسب لتكاثر الحيوانات وغذائها‪ .‬إذ‬ ‫وف���ي ال �ف �ص��ل ال �خ��ام��س ت �ح��دث ع ��ن تنوع أن كل جيل من حقه اإلف��ادة من خيرات البيئة‬

‫الطيور‪ ،‬إذ سجل الباحث في هذه الدراسة نحو التي يعيش فيها‪ ،‬لكن دون أن يغمط حق األجيال‬ ‫(‪ )105‬أنواع من الطيور تنتمي إلى (‪ )37‬فصيلة م��ن ب�ع��ده‪ ،‬ل��ذا ح��رم اإلس�ل�ام على اإلن �س��ان أن‬ ‫من أص��ل (‪ )67‬فصيلة مسجلة في السعودية؛ يفسد الثروات الطبيعية أو يسيء استغاللها أو‬

‫وبلغت أعداد الطيور المهاجرة (‪ )73‬نوعاً منها يشوهها‪ .‬وهي مهمة منوطة بالدولة والمواطن‬ ‫الزائرة شتوياً أو عابرة‪ ،‬بينما بلغت عدد األنواع على حد سواء‪.‬‬ ‫المقيمة (‪ )32‬نوعاً؛ منها الغطاسيات والبجعيات‬

‫وف ��ي ق��ائ�م��ة ال �ت��وص �ي��ات دع ��ا ال �ب��اح��ث إلى‬

‫واللقلقيات والبلشونات وال��وزي��ات والعقابيات التركيز على إنماء األن��واع النباتية والحيوانية‬ ‫والصقريات والزقزاقيات والحماميات والبوميات النادرة والمهددة باالنقراض من خالل مراكز‬ ‫والالقدميات والشقراقيات والعصفوريات‪.‬‬

‫أب�ح��اث متخصصة‪ ،‬كما دع��ا إل��ى تنفيذ مزيد‬

‫واستعرض المؤلف المفصليات في الفصل من األبحاث العلمية الحقلية في مجاالت حماية‬

‫ال��س��ادس‪ .‬وي �ع��ده��ا م��ن أن �ج��ح ش�ع��ب المملكة الحياة الفطرية وإنمائها‪ ،‬وكذلك إل��ى ترشيد‬

‫ال �ح �ي��وان �ي��ة ن��ظ��راً ل�ن�ج��اح�ه��ا ف��ي ال�ت�ك�ي��ف مع استخدام ال �م��وارد الفطرية ومنع استنزافها‪،‬‬ ‫التغيرات المناخية والبيئية عبر ماليين السنين‪ .‬وإلى تشجيع األعمال التطوعية في مجال حماية‬

‫وأظهرت الدراسة تسجيل (‪ )90‬نوعاً منها تتبع الحياة الفطرية‪ .‬وتكثيف التوعية البيئية ومنع‬ ‫ثالث طوائف هي‪ :‬العنكبيات ضمت (‪ )16‬نوعاً الصيد في مواسم الهجرة العطائها الفرصة‬

‫والحشرات وضمت (‪ )73‬نوعاً‪ ،‬وطائفة ذوات للتكاثر‪.‬‬ ‫المائة رجل وضمت نوعاً واحداً‪ .‬وبما أن منطقة‬

‫وخ �ت��م ال �ك �ت��اب ب��ال �م��راج��ع‪ ،‬وم�ل�اح��ق تبين‬

‫الجوف تعد من سالل األغذية التي تمد المملكة التوزيع الجغرافي ل�لأن��واع الحيوانية التي تم‬ ‫بالمنتجات ال��زراع�ي��ة والحيوانية‪ ،‬ف��إن التنوع تسجيلها خالل هذه الدراسة القيمة‪ ،‬التي تعد‬

‫الكبير ف��ي ال�ح�ش��رات يؤشر على خطر يهدد سابقة تسجل شرف رعايتها ودعمها مؤسسة‬ ‫الغطاء النباتي والمنتجات الزراعية‪ ،‬ما يؤكد عبدالرحمن السديري الخيرية‪.‬‬ ‫‪ 126‬اجلوبة ‪ -‬شتاء ‪1431‬هـ‬


‫ق�������������������������������������������������������������راءات‬

‫الكتاب ‪ :‬من سرق منا غزة؟‪.‬‬ ‫املؤلف ‪ :‬أنس أبو سعده‪.‬‬ ‫الناشر ‪ :‬شمس للنشر واإلعالم بالقاهرة‪.‬‬

‫عن مؤسسة شمس للنشر واإلعالم بالقاهرة؛ صدر كتاب «من سرق منا غزة؟» للكاتب‬ ‫والباحث الهولندي من أصل فلسطيني «أنس أبو سعده»‪.‬‬ ‫يقع الكتاب في (‪ )116‬صفحة من القطع المتوسط‪ ،‬ويضم (‪ )28‬مقا ًال تتناول الشأن‬ ‫الفلسطيني والعربي‪ ،‬وهم الوطن وقضاياه المصيرية؛ كون غزة ليست همً ا فلسطينيًا‬ ‫خاصا‪ ،‬وإنما باتت معضلة عربية إسالمية ما يزال البحث جاريًا حول كيفية معالجتها‪.‬‬ ‫ً‬ ‫يقول المؤلف في مقدمة كتابه‪:‬‬ ‫(ال أعتبر كلماتي ه��ذه غير الكلمات‪،‬‬ ‫وال مقاالتي التي أنشرها بشكل دوري في‬ ‫بعض الصحف العربية ‪ -‬اإللكترونية منها‬ ‫أو العادية ‪ -‬ذات صفة خاصة‪ ،‬تُميزها عن‬ ‫غيرها من المقاالت التي يكتبها الكثير من‬ ‫الكتاب العرب عامة‪ ،‬والفلسطينيون منهم‬ ‫خاصة‪ ..‬بل أجد الكثير من مقاالتهم رسائل‬ ‫مهمة‪ ،‬وت�ج�س�ي�دًا واق�ع� ًي��ا ل�لأم��ة العربية‬ ‫وحالها وقضاياها الكبيرة والمعقدة‪ ..‬لكن‬ ‫اعتبر مقاالتي ‪ -‬وهذا ما ألمسه من خالل‬ ‫التعليقات والنقاش الذي اقرأ معظمه أو‬ ‫أسمعه من األصدقاء والمعارف ‪ -‬هو ما‬ ‫تتطرقه هذه المقاالت من قضايا أعتبرها‬ ‫ويعتبرها قرّائي قضايا مصيرية وحساسة‬ ‫في الوقت نفسه‪..‬‬

‫ط ��رق ��تُ أب� ��وا ًب� ��ا ك �ث �ي��رة ك��ان��ت دائمًا‬ ‫م��وص��دة‪ ،‬ت�ح�ت��اج ل�م��ن ي �ح��اول فتحها أو‬ ‫فرصا للنقاش‬ ‫ً‬ ‫طرقها على األق��ل‪ ،‬فتفتح‬ ‫والحوار لهذه القضايا واألمور التي تمس‬ ‫اإلن �س��ان البسيط ق�ب��ل ال�م�ه��م‪ ،‬وتالمس‬ ‫أم��ورًا أو قضايا يواجهها اإلنسان العربي‬ ‫والفلسطيني بشكل خاص‪ ..‬كل هذه األمور‬ ‫والقضايا كان لي على األقل رأي فيها‪ ،‬إن‬ ‫لم يكن اقتراح بشأنها؛ اقتراح لحل عقدها‬ ‫حل لها‪،‬‬ ‫أو يفتح مجاالً للحوار وللبحث عن ٍ‬ ‫وه��ذا م��ا يكفيني ويسعدني أن أقدمه‪..‬‬ ‫وها أنا أُقْدِ ُم على نشر بعض هذه المقاالت‬ ‫في كتاب بعنوان «من سرق منا غزة؟» ومن‬ ‫خ�ل�ال ال �ن��اش��ر «م��ؤس �س��ة ش �م��س للنشر‬ ‫واإلعالم»‪ ،‬لعل الحوار يتسع‪ ،‬والفائدة تعم‬ ‫وتشمل مواقع أكثر‪.)..‬‬

‫اجلوبة ‪ -‬شتاء ‪1431‬هـ ‪127‬‬


‫منتدى األمير عبدالرحمن السديري‬ ‫للدراسات السعودية ‪ -‬الغاط‬ ‫(الدورة الثالثة – الغاط)‬

‫‪1430/11/24- 22‬هـ الموافق ‪2009/11/12- 11‬م‬

‫عُ قد في مركز الرحمانية الثقافي التابع لمؤسسة عبدالرحمن السديري الخيرية في‬ ‫محافظة الغاط ضمن برنامجه الثقافي للعام ‪1430/29‬هـ منتدى األمير عبدالرحمن‬ ‫ابن أحمد السديري للدراسات السعودية (الدورة الثالثة للعام ‪2009‬م) الفترة من ‪-23‬‬ ‫‪1430/11/24‬هـ الموافق ‪2009/11/12-11‬م‪ ،‬بحضور رئيس مجلس اإلدارة األستاذ فيصل‬ ‫ابن عبدالرحمن بن أحمد السديري‪ ،‬والدكتور زياد بن عبدالرحمن السديري‪ ،‬والدكتور‬ ‫عبدالعزيز بن عبدالرحمن السديري‪ ،‬والدكتور سلمان بن عبدالرحمن السديري‪،‬‬ ‫واألستاذ علي بن محمود الراشد‪ ،‬واألستاذ عبدالرحمن إسماعيل الدرعان‪ ،‬وأعضاء‬ ‫الجمعية العامة في المؤسسة‪.‬‬ ‫وكان محور المنتدى‪« :‬القضاء السعودي»‬ ‫ الذي نوقش خالل جلستين ‪ -‬شارك في‬‫الجلسة األولى التي أدارها الدكتور إبراهيم‬ ‫بن عبدالرحمن المديميغ‪ ،‬كل من‪ :‬معالي‬ ‫الشيخ أحمد بن علي سير مباركي (متحدثاً‬ ‫عن التطور التاريخي للقضاء السعودي)‬ ‫وال�ش�ي��خ ال�ق��اض��ي ي��وس��ف ب��ن عبدالعزيز‬ ‫ال �ف��راج (ال�ن�ظ��ام القضائي ال�ج��دي��د)‪ ،‬أما‬ ‫الجلسة الثانية فأدارها الدكتور محمد بن‬ ‫عبدالملك آل الشيخ‪ ،‬وشارك فيها‪ :‬الدكتور‬ ‫‪ 128‬اجلوبة ‪ -‬شتاء ‪1431‬هـ‬

‫محمد ب��ن عبدالله ب��ن محمد المرزوقي‬ ‫(التحديات التي تواجه النظام القضائي‬ ‫ال �ج��دي��د)‪ ،‬واألس� �ت ��اذ ع�ب��دال�ل��ه ب��ن عوض‬ ‫الحبردي (ما تم تنفيذه من النظام القضائي‬ ‫الجديد وما لم يُنفذ)‪.‬‬ ‫حضر المنتدى جمع غفير من أهالي‬ ‫محافظة الغاط‪ ،‬ونقل للقسم النسائي عبر‬ ‫الدائرة التليفزيونية المغلقة‪ ،‬وقد اشتملت‬ ‫فعاليات المنتدى على معرض إلصدارات‬ ‫مؤسسة عبدالرحمن السديري الخيرية‪.‬‬


Turn static files into dynamic content formats.

Create a flipbook
Issuu converts static files into: digital portfolios, online yearbooks, online catalogs, digital photo albums and more. Sign up and create your flipbook.