-العدد - 26شتاء 1431هـ 2010 -م
صدر حديث ًا عن مؤسسة عبدالرحمن السديري اخليرية
دراسات صفاء خلف عبدالدامي السالمي قصص إبراهيم احلميد ،ضيف فهد عبدالوهاب امللوح شعر عيد احلجيلي ،جاسم عساكر عائشة احلطاب ،عائشة املؤدب مواجهات مع معاشي ذوقان العطية ناصر محمود عطاالله جمال جنيب التالوي
ملف العدد :قصيدة النثر
مبشاركة :محمد جميل أحمد ،محمد احلرز 26
عبدالله السمطي ،إبراهيم الكراوي
26
من إصدارات اجلوبة
إبل ترعى في ربيع اجلوف شرقي مدينة سكاكا وتظهر زهور الغر األصفر والسليح البنفسجي
جانب من قلعة مارد باجلوف ،يشرف على مدخل سوق دومة اجلندل التاريخي
اجلوبة -شتاء 1431هـ
1
العدد 26 شتاء 1431هـ 2010 -م
ملف ثقافي ربع سنوي يصدر عن مؤسسة عبدالرحمن السديري اخليرية
املشرف العام إبراهيم احلميد املراسالت توجه باسم املشرف العام ّ
هاتف)+966( )4( 6245992 : فاكس)+966( )4( 6247780 : ص .ب 458سكاكا اجلـ ــوف -اململكة العربية السعودية aljoubah@gmail. com www. aljoubah. com
ردمد ISSN 1319 - 2566
سعر النسخة 8رياالت تطلب من الشركة الوطنية للتوزيع
قواعد النشر
- 1أن تكون املادة أصيلة. - 2لم يسبق نشرها. - 3تراعي اجلدية واملوضوعية. - 4تخضع املواد للمراجعة والتحكيم قبل نشرها. - 5ترتيب املواد في العدد يخضع العتبارات فنية. - 6ترحب اجلوبة بإسهامات املبدعني والباحثني والكتّاب، على أن تكون املادة باللغة العربية. اجلوبة من األسماء التي كانت تطلق على منطقة اجلوف سابق ًا
الناش ـ ـ ـ ــر :مؤسسة عبدالرحمن السديري اخليرية أسسها األمير عبدالرحمن بن أحمد السديري (أمير منطقة اجلوف من 1362/9/5هـ 1410/7/1هـ املوافق 1943/9/4م 1990/1/27 -م) بهدف إدارة ومتويل املكتبة العامةالتي أنشأها عام 1383هـ املعروفة باسم دار اجلوف للعلوم .وتتضمن برامج املؤسسة نشر الدراسات واإلبداعات األدبية ،ودعم البحوث والرسائل العلمية ،وإصدار مجلة دورية ،وجائزة األمير عبدالرحمن السديري للتفوق العلمي ،كما أنشأت روضة ومدارس الرحمانية األهلية للبنني والبنات ،وجامع الرحمانية. 2
اجلوبة -شتاء 1431هـ
الـمحتويــــات
6....................... ملف العدد :قصيدة النثر
51..................... ناصر احلسن
73..................... قراءة في شعر ثاني احلميد
85..................... معاشي ذوقان العطية ،موسوعة جوفية تاريخية جغرافية اجتماعية ال���غ�ل�اف :ل��وح��ة زي �ت �ي��ة ل �ل �ف �ن��ان التشكيلي األستاذ /سعيد العالوي الذي يعتبر احد أبرز الفنانني ال�س�ع��ودي�ين ،أق��ام ع �ش��رات املعارض الشخصية وش ��ارك ف��ي ال�ع��دي��د م��ن املعارض الدولية ،وحصل على عدد من اجلوائز املهمة، وجتربته الفنية ثرية و مؤثرة.
االفتتاحية 4.................................................................... ملف العدد :قصيدة النثر 6.................................................. دراسات :التناقض الوجودي وما ورائيات النص -صفاء خلف 32.......... الواصف والموصوف -عبدالدّائم السالّمي 41............................ قصص قصيرة :نصوص قصيرة -إبراهيم الحميد46..................... نمل الكلمات -ضيف فهد48............................................... نصوص -عبدالوهاب الملوح 49........................................... قصص قصيرة -طاهر الزارعي50........................................ قصص قصيرة جدا -ناصر الحسن51.................................... مغلق بإحكام -ناصر العُمري 52........................................... نصوص قصصية -مريم الحسن 54....................................... نصوص قصصية -بشاير فارس55........................................ ثالث قصص قصيرة -صالح الحسيني 56................................ قصص قصير ة جدا -كوثر النحلي 58.................................... شعر :أعطابٌ باكِ َرةٌ -نوّارة لحرش 59....................................... دعــــــــــاك العشق - ..جاسم عساكر 60..................................... رحلة -د .حافظ المغربي61............................................... اصطَ َفيْتُكَ ِلنَف ِْسيَ نَفْسً ا -عائشة الحطاب 62............................. ْ من الشعر الفارسي المعاصر -سهيال كرمجي63......................... كمن يلتمس حلماً -عماد الدين موسى 65................................. قصائد -عيد الحجيلي 67................................................. لون الغياب -عائشة المؤدب 68............................................ يَشتعِ ُل العِ ط ُر غَ يما - !..علي العسيري69.................................. نقد :حين يصبح الحكي خطابًا -حسين الهاشمي 70...................... قراءة في شعر ثاني الحميد -د .محمود خلف الله 73.................... جماليّة المعمار الروائيّ وقوة السّ رد المراوغ -هشام بن الشاوي78........... قراءة في ديوان أوقات محجوزة للبرد -هشام الصباحي 83.............. مواجهات :حوار مع معاشي ذوقان العطية -محمود الرمحي 85........... حوار مع ناصر محمود عطا الله -محمد زيتون92........................ حوار مع الناقد د .جمال نجيب التالوي -محمد الحمامصي 96......... نوافذ :أثر الوسائل التعليمية في العملية التربوية -د .محمد البلخي 102... الطّ فــل وَالكتـَــاب -عالء الدين حسـن104.................................. دور التعليم في ترسيخ مفهوم المواطنة -د .جميل الحميد 107........... اللهجات العربية في منطقة الجوف -د .عبدالناصر عيسى109.......... هل تشبه الكلمات كاتبها؟ -إيمان مرزوق113.............................. ذكريات في زمن قد يخلو من االبتسامة -أمل الشمري114............... مال واقتصاد :تداعيات األزمة المالية العالمية على أزمة دبي المالية أ .د .محمود الوادي 115.................................................... قراءات 120.................................................................. األنشطة الثقافية 128.......................................................
اجلوبة -شتاء 1431هـ
3
على هامش قصيدة النثر > إبراهيم احلميد قصيدة النثر ،هذا الشكل الفني الذي بات يحتل مساحة كبيرة في النتاج الشعري العالمي، عامة ،وفي المشهد الشعري العربي المعاصر ،خاصة؛ يرى الكثيرون -ممن يعترضون على هذا المسمى -أنه يحمل تناقضا في بنيته ،وهو مبني على قناعتهم التامة بأن القصيدة «وفقا للموروث الثقافي» ،ال بد أن تؤلف على أوزان وإيقاعات ،وأن النثر يخلو من ذلك كله .وقد احتدم الجدل والنقاش حول شرعية هذه القصيدة وهويتها ،وتباينت اآلراء وتضاربت حولها ..ما بين القبول والرفض ،ما انعكس على الملتقيات والندوات والمحاضرات الثقافية واألدبية. فهناك من يرى أن قصيدة النثر متمردة على كافة القوانين الكالسيكية في نظم الشعر، وتستمد قوتها من الحداثة والمغايرة والتنافر ،في محاولة لتغيير القوالب الشعرية الجامدة والجاهزة؛ بل إنها محاولة جادة لتجديد الشكل الشعري العربي ،كما أضفت للمشهد األدبي، ال متجرداً من طوق الصرامة جنسا أدبيا ينزع نحو التجدد والعصرنة والحداثة ،جنساً مستق ً والقيود ،سيعزز -من دون شك -طريق األدب ،ويرفده بقوة التكثيف والتخييل والشفافية. تذهب س��وزان برنار إل��ى أ َّن قصيدة النثر «قطعة نثر موجزة بما فيه الكفاية ،موحّ دة، مضغوطة ،كقطعة من بلّور ...خلق حرّ ،ليس له من ضرورة غير رغبة المؤلف في البناء خارجاً عن ك ّل تحديد ،وشيء مضطرب ،إيحاءاته ال نهائية». ويقول أنسي الحاج -أحد أهم شعراء قصيدة النثر العربية -عن شروط قصيدة النثر: «لتكون قصيدة النثر قصيدة حقاً ال قطعة نثر فنية ،أو محملة بالشعر ،شروط ثالثة :اإليجاز، والتوهج ،والمجانية». وي� ��رى آخ � ��رون أن ق �ص �ي��دة ال �ن �ث��ر ،ج �ن��س أدب� ��ي ي�س�ت�م��د م ��ن ال��ح��داث��ة وال �ث �ق��اف��ة أهم م �ق��وم��ات��ه ،وه���ي ض � ��رورة ف��رض��ت ن�ف�س�ه��ا إزاء ال� �ت� �ط ��ورات ال �ح��اص �ل��ة ف ��ي المجتمعات، م��ن أه ��م م �ب��ادئ �ه��ا األس��اس��ي��ة :ال �ح �ص��ر ،واإلي� �ج���از ،وش� ��دة ال �ت��أث �ي��ر ،وال ��وح ��دة العضوية. وفي المقابل ..يرى بعضهم أنها من الناحية اإلبداعية ،ال تشكل قطيعة مع القصيدة العمودية أو قصيدة الشعر الحر؛ ويعدونها خارجة عن القواعد العامة لحركة الشعر ،بحجة عدم التزامها ب��أوزان الشعر المعروفة ،إال أن ما يؤكد عكس ذلك هو قول دي ب��وس( :إن هناك الكثير من
4
اجلوبة -شتاء 1431هـ
لقد برزت قصيدة النثر وتطورت في الغرب ،وعلى وجه الدقة في نهاية القرن التاسع عشر ،إال أن جذرها مستمد من الشرق؛ بل إن القارئ الفاحص ،والذي يمتلك ذائقة شعرية يستطيع أن يستنتج أن قصيدة النثر قد ظهرت أول ما ظهرت في ملحمة جلجامش ،التي كتبها السومريون في بالد ما بين النهرين.
اف�����������ت�����������ت�����������اح�����������ي�����������ة
القصائد الجميلة بال أبيات شعرية ،كما أن هناك الكثير من األبيات الشعرية التي تخلو من الشعر). وعلى الرغم من ذلك تبقى للقصيدة الموزونة تأثيراتها الجذابة والمدهشة.
إنها جنس أدبي مستقل ،بل ‘عدَت نوعاً أدبياً حقيقياً ،وإن لم تكن مالمحها واضحة حتى اآلن، وقد استطاعت أخيراً أن تتحول من الهامش إلى المركز ،بوصفها نوعاً من الكتابة الحرة ،وهذا ما أكده الشاعر عز الدين المناصرة في أطروحته للدكتوراه والمعنونة بـ (الجنس المستقل) ،إذ يرى أن قصيدة النثر نص مفتوح على أنواع سردية نثرية ،وفيه درجات عالية عن النثرية ،أي أنه كتابة حرة ،ومن ثم فهو جنس مستقل ،ألن من مميزات قصيدة النثر :االستقاللية بجانب اإليجاز والوحدة الموضوعية. ومن أجل أن تتطور قصيدة النثر وتستقل بذاتها كجنس أدبي معترف به ،يجب أن تسعى إلى أن تكون ظاهرة فنية؛ ولن يكون لها ذلك ،إال إذا تمكنت بمقدرة كتابها من امتالك أدواتها السليمة معرفيــاً ورؤيويـاً؛ فاألدب -والشعر منه بشكل خاص -ليس طريقة خاصة في التعبير فحسب، وإنما هو طريقة خاصة في الرؤيا كذلك ،وان التالعب باللغة وحده لن يخلق قصيدة النثر ويدفعها إلى مستوى الشعرية ،ما لم تنهض الرؤيا لتحرك ذلك النسيج اللغوي الخاص بتشكيالته المتميزة، تحركه وتتحرك داخله. وقصيدة النثر ليست -كما يعلن بعض الكتّاب -سهلة الكتابة ،بل إنها صعبة ،كونها قد تخلت عن الوزن ،فكان ال بد من إحالل إيقاع داخلي محله؛ يعمل على شد بنية القصيدة نحو المركز ،ولخلق عالقات حيوية بين مفاصل القصيدة ،كي تترك أثرها الواضح على ذائقة المتلقي .ومن هنا ،فإن كاتب قصيدة النثر يحتاج إلى دراية خاصة بهذا النوع من الجنس األدبي. وأرى أن التعريف الجامع المانع للشعر وهْ م ،ومن ثم ليس من حق أحد أن ينفي عن قصيدة النثر شعريتها مثالً ،لعدم وجود عنصر أو عنصرين من عناصر التعريف القديم للشعر فيها .وخصائص الشعرية يمكن أن تتجلى في كل خطاب أدبي فني ..لكن تجليها سيكون ضمن نوع الخطاب. ومن هذا المنطلق ،ارتأت الجوبة الثقافية تخصيص ملف خاص بقصيدة النثر يتناول فيه نخبة من الكتاب في داخل المملكة وخارجها حديثاً جديداً عنها من زوايا مختلفة ،ضمن مقاربات حاول كُتابها البحث عن قراءات جديدة في هذا الصدد. اجلوبة -شتاء 1431هـ
5
قصيدة النثر منذ ترجمة كتاب الناقدة الفرنسية سوزان برنار عن قصيدة النثر ،عبر جماعة مجلة شعر البيروتية في ستينيات القرن الماضي ،دار سجال عريض حيال شعرية قصيدة النثر وشرعيتها ،وما يزال. جدل ٍ في هذا السجال ..تم تسجيل الكثير من المواقف واآلراء بأسلوب لم يخل من دار أغلبه خارج معنى الشعر؛ وباألحرى ..فإن الصراع حول األشكال الشعرية الذي جرى في ذاك النقاش ،لم يكن ليكون بمثل هذه الحدة والشراسة ،لو توافرت بنيات معرفية موضوعية ،لثقافة تنطوي على معناها ،وتحدق في صورتها؛ بحيث تكون ق��ادرة من خالل تلك الصورة على فرز حيثياتها ،عبر آليات منتجة لألسس المعرفية الحاضنة لإلبداع؛ أي أنه تم تعويم سجال عريض حيال قصيدة النثر ،اختلطت فيه األسباب الثقافية باإلبداع ،وبصورة بلغ فيها التشويش مبلغا انعكس في سيل من النماذج الفجة والفطيرة ،لنصوص استسهل الكثيرون كتابتها كنماذج لقصيدة النثر ،فيما هي في الواقع ظلت تعبر باستمرار عن المأزق الثقافي. وعبر التباس الثقافي باإلبداع في السجال الذي دار حول قصيدة النثر ،أصبح الفرز من الصعوبة بمكان ،للمتلقي البسيط بين النماذج التي هي بالفعل داللة مكثفة على شعرية قصيدة النثر وشرعيتها ..كما في نصوص الماغوط ،وسركون بولص ،وأنسي ال��ح��اج ،وعباس بيضون ،وودي��ع سعادة وغيرهم؛ وبين النصوص التي تمارس فراغا وتجويفا في اللغة دون أن تتوافر على كيمياء المعنى في قصيدة النثر ،بحيث يمكننا القول إن أكثر من %90مما ينشر كنماذج على قصيدة النثر في الصحافة العربية ،إنما هو تعويم لتلك المجانية والفجاجة ،دون أي مقاربة حقيقية إلنتاج المعنى واإلبداع. ونتيجة لهذا االلتباس الذي غلبت عليه فوضى الكتابة المعبرة عن المأزق الثقافي، ما يزال هذا السجال العقيم يدور في الفراغ. وعلى الرغم من أن السجال النقدي المعرفي حول قصيدة النثر حسم شعرية هذه
6
اجلوبة -شتاء 1431هـ
وهكذا ،نجد أن الخلط بين ما هو ثقافي له أسبابه الموضوعية ،وبين ما هو إبداعي له أسبابه الذاتية ،هو الذي يعوم صراع األشكال الشعرية في السجال الذي يدور بين معسكرات كل واحد منها ،يتوهم أنه يكتب الشعر ،ويفترض شكال معينا له ،مخالفا بذلك طبيعة الشعر نفسها التي تسبق الشكل ابتداء ..وتتمرد عليه.
م������������ل������������ف ال������������ع������������دد
القصيدة وشرعيتها مرة وإلى األبد ،إال أن تجليات المأزق الثقافي الذي تكمن أسبابه في أمكنة أخرى خارج ساحة اإلبداع ،هي األكثر تشويشا في إعادة التشكيك حيال الكتابات الغالبة لقصيدة النثر؛ ذلك أن اإلشكال الحقيقي ألزمة السجال حولها يندرج فيما هو ثقافي؛ أي في الحالة البائسة للواقع الثقافي .ولهذا تنعكس هذه الحال أيضا على ما يكتب من النماذج الرديئة جدا ،كما هو معروف وشائع.
في هذا الملف ال��ذي أعددناه ،حديث جديد عن قصيدة النثر من زواي��ا مختلفة، ضمن مقاربات حاول كُ تابها البحث عن قراءات جديدة في هذا الصدد.
قصيدة النثر :شعرية النمط وإشكالية املأزق الثقافي
> محمد جميل أحمد*
إذا ك��ان التأويل الكالسيكي للشعر يندرج في التعريف بأنه :الكالم الموزون المقفى ..الخ ،فهذا -بطبيعة الحال -تعريف ال يمكن أن يتوافر على تحديد طبيعة الشعر ،ففضال عن خروج قصيدة التفعيلة والنثر عن هذا التعريف ،سنجده يُدخل المنظومات في مسمى الشعر ،بحسب توافرها على الوزن والقافية كمنظومة السلم لألخضري في المنطق مثلاً . وال �ح��ال ..إن هناك الكثير من العناصر من
خ��ارج ال ��وزن وال�ق��اف�ي��ة ،ه��ي م��ن صميم الشعر؛ كالصور والعاطفة واإليحاء والتجربة والتخييل
والتكثيف واإلزاح� ��ة والتقطيع وم��ا إل��ى ذلك.. لكننا سنجد أي�ض��ا أن العناصر اآلن�ف��ة الذكر،
يمكن أن تندرج في مقطوعة نثرية بخالف الوزن والقافية .ولهذا ،يستحيل تعريف الشعر تعريفا
جامعا مانعا؛ وعليه ،فإن مفهوم الشعرية الذي
ي��درج ال��وزن والقافية ضمن الموسيقى ،إضافة
تأثير كلمات تأخذ فاعليتها من طريقة تركيب الشاعر لها بأسلوب يكثف تلك العناصر ،بحيث يستخدم النص عالقات الكلمات واألشياء ،وفقا للعالم الداخلي للشاعر ..عالم التجربة ،وهو عالم ال يمكن أن تطرد فيه عالقات اللغة واألشياء ،كما هي في العالم الخارجي .واللغة القاموسية ،وهي عملية مركبة تستند أص�لا إل��ى موهبة الشاعر وثقافته؛ فالشعرية هي في األصل حالة شعورية تقوم في نفس الشاعر قبل أن تكون تعبيرا..
إلى تلك العناصر اآلنفة الذكر ،ربما هو الضابط ضمن هذا التأويل المركب لمعنى الشعرية، األق��رب إلى تأويل الشعر؛ فالشعرية هي سلطة ت �ج��اوز ال�ن�ق��اد ال�م�ح��دث��ون المفهوم الكالسيكي اجلوبة -شتاء 1431هـ
7
ال�م�ع��ان��ي وال�ك�ل�م��ات خ �ط��اب /نص ل�ت�ع��ري��ف ال �ش �ع��ر ،دون أن يهدروا ش�ع��ري ،ذو سلطة شعورية ،بحيث عناصره المذكورة ،ودشنوا شرعية يترك ظنا غالبا في وع��ي المتلقي قصيدة النثر وشعريتها في الوقت في أن ما يقرأه أو يسمعه هو شعر نفسه. فحسب .في هذا المعنى سنجد أن ف �ف��ي ق �ص �ي��دة ال �ن �ث��ر الحقيقية سركون بولص سلطة التأثير هذه -أي الشعرية - (ول�لأس��ف %90م��ن ق�ص��ائ��د النثر يمكن أن تكون غائبة حتى ف��ي نص العربية ه��ي همهمات لغوية) ال ينشأ اإلشكال ع��ب��ر ن��م��اذج��ه��ا ال� �ب���اذخ���ة ،ك��م��ا ف���ي قصيدة موزون مقفى ،بحيث ال يوحي بتجربة ..وال يُخلف الماغوط وسركون بولص وودي��ع سعادة وعباس تأثيرا. وحين يكون النص الشعري خطابا ،فهو بالقطع سينطوي على السرد والحوار والتخييل ..وما إلى ذلك من عناصر الشعرية ،لكن ليس لمجرد كونه ينطوي على نفس سردي أو حواري يعني أنه ليس شعرا ،فشعريته بالقطع تتكون من عناصر يدخل فيها السرد والحوار وغير ذلك ..لكنه يظل نصا شعريا حتى في الشعر الكالسيكي المقفى سنجد تلك العناصر؛ فمن حيث مفهوم الخطاب في أي نص ،تتكون خصائص فنية متعددة ،مع احتفاظ ذلك الخطاب بنوعه الخاص.
بيضون وغيرهم ،وإنما ينشأ اإلشكال من بعض االلتباسات التي صاحبت قصيدة النثر .وهذه االلتباسات ال تلغي ب��ال�ض��رورة شرعية قصيدة النثر ،ذل��ك أن الشكل المجاني لتقنية قصيدة النثر هو الذي أغرى كل من هب ودب بكتابتها؛ ما ترك انطباعا لدى القارئ بخلوها من الشعر .لكن ق��راءة نصوص للماغوط وأنسي الحاج وسركون م�ث�لا ،ت��دل ب��وض��وح على شرعية قصيدة النثر وشعريتها؛ ولذلك ،فإن هذا االلتباس هو تحديدا ما يستدعي فك االرتباط بين الجدوى الشعرية والشرعية لقصيدة النثر ،وبين المأزق الثقافي، التعريف الجامع المانع للشعر وهم؛ ومن ثم ليس الذي تكمن أسبابه خارج تلك الشرعية والشعرية من حق أحد أن ينفي عن قصيدة النثر شعريتها المكرسة نقديا وموضوعيا لقصيدة النثر. مثال لعدم وجود عنصر أو عنصرين من عناصر وبعبارة أخ��رى ،ف��إن ال�م��أزق الثقافي ،يكمن التعريف القديم للشعر .وخصائص الشعرية يمكن في انحطاط حال المعرفة ووسائطها في واقعنا أن تتجلى في كل خطاب أدبي فني ..لكن تجليها ال�ث�ق��اف��ي :ال�ج��ام�ع��ات ،ال�ت��أل�ي��ف ،الجهل بتاريخ سيكون ضمن نوع الخطاب .فالسرد مثال حين الشعر ،وضعف المعرفة اللغوية واالستالب ..يكون ضمن تقنيات النص الشعري ،يأتي كتقنية وغير ذل��ك م��ن األس�ب��اب التي تصب ف��ي ضعف مجزوءة من خالل السياق ،وال يأخذ صفاته الفنية الكاملة كما في الرواية أو القصة مثال( :الحبكة، الثقافة العربية المعاصرة. ولهذا ،ربما كان مفهوم الشعرية هو األقرب أو البداية ،أو ال ��ذروة ،أو النهاية ..ال��خ) ،وإنما يأتي كتقنية محكومة بالسياق ،ومجزوءة بحسب إلى اكتشاف حيثيات شعرية قصيدة النثر. عالقتها بعناصرالشعريةاألخرى.. فحين نقول الشعرية ،نقصد العناصر التي والتكثيف مثال هو في األساس خاصية شعرية ي �ت �ك��ون م��ن م �ج �م��وع ت�ف��اع�لات�ه��ا ف��ي س �ي��اق من
8
اجلوبة -شتاء 1431هـ
أول��ى ،ألن النص الشعري ع��ادة هو ن��ص قصير مهما ك��ان ط��ول��ه ،وهو تعبير شعوري يستخدم صفة التكثيف كطاقة تضغط المعاني ودالالتها في كلمات قليلة تكتسب وهجها من ذلك كل الفنون تنطوي في مصادرها التكثيف؛ وهنا تكمن إحدى خصائص األولى على ذلك الغموض واإليحاء، أدونيس الشعر الكبرى وهي :قابليته للقراءة كالقصة والموسيقى والتشكيل ..إلخ، ال �م �ت �ك��ررة ،وب��ص��ورة م �ت �ج��ددة مرة ولكن بمستويات مختلفة ،لكننا في واح��دة وإل��ى األب��د؛ وه��ذه الخاصية حالة الشعرية ،سنقف على داللتها ت�ف�ض��ي إل ��ى خ��اص�ي��ة أخ ��رى تحيل أي�ض��ا كحالة إنسانية شرطية في ع �ل��ى أن م �ص��در ال �غ �م��وض األزل ��ي حياة الشاعر وسلوكه ،قبل أن تكون للشعر -أي تلك الحالة التي يغيب تعبيرا .كما أن الفنون األخ��رى في عباس بيضون فيها الشاعر عن العالم والزمن -ال حاالتها الكالسيكية تظل باستمرار يمكن أن تنتج بقوتها تلك من دون الشعر ،ووحيها م�ص��درا للمتعة ال�م�ت�ج��ددة ،لكن ليس بمستوى هو الذي يجعل من الشعر طاقة شعورية خالدة؛ الشعر .فبإمكان القارئ أن يقرأ النص الشعري ألن قابلية تجدد تلك السلطة التأثيرية للشعرية م��رات عديدة ومتجددة ،أكثر من إعادته لقراءة في النص الشعري ،هي قابلية تعيد إنتاج نفسها ،رواية كالسيكية ،أو قصة جميلة جدا مثل (مائة كلما وقعت حالة القراءة للنص من طرف المتلقي ،عام من العزلة) ،ولكنه في أكثر األحوال سيقرأها سواء في زمن إنتاج النص أو في زمن آخر. مرتين أو ثالث مرات ،بخالف النص الشعري ،ألن
م������������ل������������ف ال������������ع������������دد
إن ال �غ �م��وض األزل � ��ي ه ��و تلك الحالة التي يغيب فيها الشاعر عن ال��زم��ن وال�ع��ال��م ..ال يمكن أن تنتج بقوتها تلك غير الشعر.
وب �ك �ل �م��ات أخ � � ��رى ..ف� ��إن ال �ش �ع��ري��ة جنس الطاقة التي تمنح الشعر قابلية القراءة المتكررة لخاصية الشعر ،تضمر تحتها أن��واع��ا متعددة دائما ..هي الشعرية الكاملة بخصائصها الكاملة من الخصائص ،يفضي اجتماعها في النص إلى أيضا. غلبة الظن في إحساس القارئ ،بأن ما يقرأه هو ص�ح�ي��ح أن أدون��ي��س وأع��ض��اء م�ج�ل��ة شعر، شعر وليس قصة مثال ،وإن انطوى النص الشعري ترجموا هذا الشكل عن الناقدة الفرنسية سوزان على خاصية م�ج��زوءة للسرد ضمن خصائصه .برنار بهذا االسم الملتبس( :قصيدة النثر) ،لكن وقوة اإلحساس في تعبير النص؛ تلك القوة التي شيوع الخطأ يشفع له ذلك االلتباس ،وال يرفع تضمرها الشعرية هي ما يجعل نصا بعينه شعراً .عنها الطبيعة الشعرية .وإذا كانت اليوم هناك األم��ر هنا يحيل على أن تعريف الشعر إنما هو بالفعل سلطة أيدلوجية لقصيدة النثر تقصي كتابة كتعريف الروح تماما ،بالسلب أو اإليجاب :جميع التفعيلة والكتابة الكالسيكية العمودية للشعر، الناس يعرفون أن الجثة ليست روحا ،ويعرفون أن خصوصا في الصفحات الثقافية في الصحافة ال��روح حياة دون إدراك كنهها على نحو محدد ،العربية؛ فإن هذا خطأ ال يبرره أي تأويل نقدي. لكنهم في الوقت نفسه يعرفون أيضا أن الحياة إذ أن األشكال الشعرية تتجاور ،وال تنقض بعضها ليست جثة. اجلوبة -شتاء 1431هـ
9
بعضا ،لسبب بسيط هو أن استدارة اللغة تمنع أي تقنية شعرية جديدة؛ بمعنى أنه ال يتصور أن ينتقل الشعر إلى تقنية أخرى بعد قصيدة النثر، فاللغة من حيث الشكل ال تقبل سوى هذه األشكال الثالثة ،وأي تقنية أخرى ستعود إلى القافية مرة أخ��رى .ول�ه��ذا ،ف��إن االلتباسات التي تنشأ على هامش قصيدة النثر ترتبط بأزمة الواقع الثقافي العربي ،وعالقاته المأزومة بالتراث والحداثة معا؛ ذلك أن المحنة المزمنة في هذا الواقع ،هي في أننا نقرأ التراث برؤية مجتزأة للحداثة ،ونقرأ الحداثة برؤية مجتزأة للتراث. وإذا كان من غير المقبول نسبة أزمة قصيدة إلى نماذجها السيئة والمأزومة ،كسبيل إلى الطعن في جدوى شعريتها وشرعيتها؛ فإن إدراج الغث الوافر من همهمات قصيدة النثر التي يمارس بها كثير من أدعيائها فراغا وتهويشا في اللغة ،ضمن الثمين النادر كنصوص الماغوط وسركون ووديع سعادة وعباس بيضون ،يهدر قيمة المعنى العميق لقصيدة النثر .وسنحاول توضيح ذلك بأن التمثل الجمالي لنصوص سركون والماغوط مثال ،هو فرع عن قضية االعتراف بقصيدة النثر جماليا؛ أي من حيث شرعيتها كنص شعري؛ فاستحضار المنطق الجمالي لقصيدة النثر هو الذي يسمح بتذوق تلك النصوص كنماذج شعرية عميقة.
والمثالية ،والنمذجة ،وتقلب المزاج ،واالنفعال السريع ،وال�ح��دة وغير ذل��ك؛ بمعنى أن النص الشعري حين ينفصل عن الشعرية ال يمكن أن يكون شعرا حقيقيا ،وصاحبه ال يلبث أن يفارق كتابته مهما ادعى ذلك ،على عكس الشاعر الذي ال يستطيع أن يفارق الشعر ،حتى لو أراد ذلك. وبالطبع ،فإن هذه الشعرية ليست على مستويات واح��دة بين الشعراء وال مالبساتها التي تتعالق م��ع حيثيات معقدة ل�ف��ردي��ة ال�ش��اع��ر وتاريخه الشخصي وظروف حياته ..وغير ذلك. كما أن الضابط من ذوبان قصيدة النثر في الكتابة النثرية (النثر الفني) هو اإليقاع الداخلي ل��وح��دات المعنى ،وال�ت�ن��اغ��م اإلي�ق��اع��ي لحركة الحروف ،والتكثيف ،والموسيقى الباطنية لبنية النص الكاملة ،ووحدة التجربة الشعورية ضمن تقنيات أخرى. ولهذا ،فإن الشعرية بعناصرها التي ذكرتها ت�ت�ج��اوز التعريف الكالسيكي للشعر ،ويمكن اس �ت �ق��راء عناصرها ف��ي ن �م��اذج قصيدة النثر ال �م �م �ت��ازة ..ك�ق�ص��ائ��د س��رك��ون م �ث�لا ،وه ��و ما سنتطرق ل��ه ع�ب��ر تحليل س��ري��ع ف��ي مقطوعة شعرية لسركون ،هذه المقطوعة جزء من قصيدة بعنوان: (م �ح��اول��ة ل �ل��وص��ول إل ��ى ب �ي��روت ع��ن طريق البحر) من دي��وان��ه( :ال��وص��ول إل��ى مدينة أين)، وهناك ارتباط وثيق بين عنوان النص ،ومادته، وموقف الشاعر ..وه��ذا على عكس النصوص الكالسيكية األولى للشعر العربي ،إذ أن العنوان ال يكاد يكون موجودا.
وهنا ،سنجد أنفسنا مرة أخ��رى أم��ام مفهوم الشعرية كتعريف مركب للعناصر التي تنتج الشعر في نفس الشاعر ،وهي عناصر تكمن وراء إدراك المعنى الدراماتيكي لسلوك الشاعر في الحياة، فشاعرية الشاعر ف��ي سلوكه أم��ر م�ع��روف من حيث ع��دد الصفات التي تتلبسه؛ كاإلحساس، سنجد في هذه المقطوعة العديد من عناصر وال ��ره ��اف ��ة ،وال� �ع ��زل ��ة ،واالغ� � �ت � ��راب ،والخفة ،ال �ش �ع��ري��ة؛ ك��ال �م �ف��ارق��ة ،وال �ت��رم �ي��ز ،والتدوير، والغرائبية ،والتردد ،والتمثل األقصى في خياراته ،والصورة ،والتشخيص ،والرؤية ،والتكثيف؛ وكل
10
اجلوبة -شتاء 1431هـ
ي�ب��دأ ال�ش��اع��ر نصه متوجها بالحديث إلى بيروت سنوات الحرب األهلية ،حيث كان يقيم في قبرص ،قائال: (ذات مساء بعيد بينما أ ُهـ ّربُ نافورة ً بين الخرائب أو أرشو ليلة بقصيدة رديئة تنزفين أنت ِ في خنادق الهدنة الباردة بجباهك األلف أردت أن أفرش طريقا بسجادة من أنفاسي إلى حيث ما زلت واقفة متراسك هيكل حمامة وجهك جنة جريحة أردت أن أحترق بين يديك قليال: ال مكان يحلم بوصولي والحياة طريدتي الخائفة عندما تفتح عينيها تستعد كل لحظة للوالدة)
م������������ل������������ف ال������������ع������������دد
تلك العناصر تأتي ضمن عالقات داخلية تأخذ دالالت�ه��ا م��ن خضوعها لمنطق ال�ن��ص ،وتجربة الشاعر.
عينيها تستعد كل لحظة للوالدة) ،فهو يريد أن يعود لبيروت ال��واق�ف��ة ..ليحترق معها ،بشعور يتردد بين أقصى الخوف على الحياة ،فروحه التي تتقمص حياة الطريدة الخائفة ،تستعد لكل والدة جديدة حينما تتوهم الموت عند إغماض عينها؛ يريدها في الوقت نفسه أن تكون قربانا وف���داء ل �ب �ي��روت ،وه��و إح �س��اس يخلق مفارقة درامية ظاهرة ،لكننا سنجد هذا التأويل بصورة أخ��رى في تعبير الشاعر حين ق��ال( :أردت أن أفرش طريقا بسجادة من أنفاسي)؛ فهو يعني أن نهاية الطريق هي نهاية الحياة أيضا؛ ألن نهاية األنفاس هي الموت .كما أن أنفاس الشاعر التي توازي نزيف بيروت ،تستعير سيولة الحياة التي تضيع هباء ،وسنجد كذلك أن عالقات السياق داخل النص هي التي تضيء العالمات الشعرية فيه ،وف��ي وص��ف الشاعر ل�ب�ي��روت( :متراسك هيكل حمامة) ،ما يكشف عن ال��رؤي��ة الرمزية النبيلة للشاعر؛ فحين ي�ك��ون م �ت��راس بيروت هيكل حمامة ،ستتجدد المفارقة الرمزية بقوة، وتكشف عن رغبة الشاعر في أن يكون قربانا لبيروت مع حبه األوقيانوسي للحياة ،فمتراس الحمامة ال يقوى على آل��ة الحرب التي تحرق بيروت المسالمة الهشة الوديعة .وهنا ،سنجد رؤية الشاعر؛ أي موقفه في أن يحترق معها ال أن يدافع عنها ،وفي قول الشاعر( :وجهك جنة جريحة) ..سنجد تأويال آخر لحيثيات الرغبة في الفداء؛ فالجنة عادة مكان ينطوي على معنى العيش السعيد ،لكنه هنا مكان للجرح أيضا، والشاعر يماهي بين تشرده في العالم( :ال مكان يحلم بوصولي) ،وبين المكان الجريح والمحترق الوحيد الذي آواه.
وهنا ،سنجد أن منطق السياق الذي تخلقه الشعرية بين عناصر النص هو المعنى الجمالي ل�ل�م�ق�ط��وع��ة؛ فنسيجها ي�ح�ي��ل إل ��ى ج�م�ل��ة من ال�ت��أوي�لات الجمالية ،ال تعبر بشعريتها تلك، إال م��ن خ�لال عالقاتها داخ��ل ال�ن��ص؛ فما بين معنى الخوف والرغبة ،من على البعد في نفس الشاعر تصطرع نقائض الحياة :رغبة الفداء بأن يكون الشاعر قربانا لبيروت (أردت أن أحترق بين يديك قليال) ،ورغ�ب��ة العشق للحياة حتى وحين يعبر الشاعر عن حبه للحياة من خالل الثمالة( :والحياة طريدتي الخائفة عندما تفتح صورة حية ،صورة الطريدة الخائفة التي تتوقع
اجلوبة -شتاء 1431هـ 11
ال�م��وت حين تغمض عينيها م��ن ش��دة الخوف؛ تلك على م��ا يسمى بتيمة التفاصيل واليومي فهو يكثف المعنى الذي أراد أن يعبر عنه تكثيفا والعادي ،ال شعرية النمذجة واالحتذاء (كنمذجة يجسد المفارقة في الرغبة والخوف معا ،لكن نعي األطالل) مثال. أيضا في قوله (وجهك جنة جريحة) ،ما يشي فتركيب العالم الشعري هنا يشف عن الحياة، ب��إي�ق��اع موسيقي ل�ل�ح��رف ،ال ي��أت��ي م �ع��زوال أو ويقترب منها ،ويتشكل على صورتها ،بحيث تكون خارجا عن شعرية المعنى. الشعرية ه��ي ال��زج��اج ال��ذي يمنع م��ن أن تكون مع كل ذل��ك ،ف��إن النص يضمر تفردا لجهة الكتابة الشعرية تقريرا ،أو تصويرا فوتوغرافيا ال �ع��ال��م ال� ��ذي ي�خ�ل�ق��ه ال �ش��اع��ر ..ع �ب��ر الصور للحياة ،وبحيث يرتطم به كل ُم��دَّ ٍع للشعرية ال والتكثيف والترميز وال��رؤي��ا ،فهو نسغ تحيله يملك أدواتها. التجربة الشعورية إلى بنية تمتلك نسيجا جماليا ومع ذلك ..فإن هذا التحليل السريع لمقطوعة محكما ،وسنجد مستويات عديدة من اإلحاالت سركون ،ال ينطوي على كل خصائص الشعرية، التي تربط بين المعاني والكلمات ف��ي النسق وإنما هو استقراء لبعض خصائصها في النص الداخلي للنص ،وه��ي بالطبع مستويات قابلة ضمن ق��راءة معينة؛ فالنص الشعري بطبيعته لقراءات تأويلية عديدة ،يسمح بها غنى النص ي�ح�م��ل م�س�ت��وي��ات مشككة م��ن دوال المعاني ورؤيته المركبة. وال �ق��راءات السياقية ،تلك التي تمنحه قابلية على هذا النحو تنطوي الشعرية بمواصفاتها التجدد األبدي في كل قراءة جديدة.
احلداثة :من تاريخ املصطلح إلى تاريخ القصيدة احلديثة
محمد احلرز**
تقدم هذه الورقة جملة من األفكار يمكن حصرها في توجهين؛ أولهما التركيز على الشروط التاريخية ،بوصفها تلك العوامل التي فسرت نوعا ما العالقة الجدلية القائمة بين تاريخ األف��ك��ار ،من جهة ،والتطورات االجتماعية والثقافية واألدبية في سياق التحوالت الكبرى التي تمر بها الحضارة اإلنسانية ،من جهة أخرى؛ إذ ما ينتج عن هذه العالقة هو بالتحديد ما نسميه ثمرة نشوء النوع األدب��ي ،وتغلبه على ما عداه من األنواع ،حسب ما يراه جون كوهن في هذا اإلطار .أما ثانيهما ،فإنه ينحو نحو التركيز على قصيدة النثر؛ ألنه في نظر الباحث هو التجلي األكثر وضوحا في تلك العالقة الجدلية القائمة بين تاريخ األفكار وتلك التطورات.
()1 مصطلح ال �ح��داث��ة ش ��يء ,وال �ش �ع��ر العربي
الثقافية واالجتماعية والدينية والسياسية التي نشأ من خاللها هذا المصطلح ,وأدى به من ثم
المعاصر شيء آخر .وال يمكن إضافة األول إلى إلى ما يشبه حجر الفالسفة الذي ذاع صيته ،وكثر الثاني بمعزل عن الشرط التاريخي ،والسياقات
12
اجلوبة -شتاء 1431هـ
الحديث حول وجوده دون أن يتعرف عليه أحد.
يرتكز أولهما على مفهوم الحداثة ،بوصفه مفهوما غربي المنشأ وال�ت�ط��ور ،وك��ذل��ك األثر الفاعل على الحضارة الحديثة؛ أما المحوراآلخر.. فهو يوجد بوصفه مفهوما يجسد -بصورة أو بأخرى -وعي النخبة العربية المثقفة ،بوصفه وعيا يعكس عمق المأزق الذي وجد نفسه فيه أمام نفسه ومجتمعه ،وكذلك تراثه ،وأمام الحياة والواقع ,وذل��ك إب��ان االنتكاسات والهزائم التي مني بها المجتمع العربي من جهة ,والمد الفكري والفلسفي واألدب ��ي والعسكري ال��ذي ج��اء من الغرب من جهة أخرى .وما بين هذين المحورين، سنكتشف أن القصيدة العربية منذ مطلع القرن العشرين سوف تدخل في خط الصدمة الحضارية التي خلخلت جميع القيم والمفاهيم في الثقافة العربية اإلسالمية ،منذ عصر النهضة وما تالها من مشاريع تنويرية وتقدمية ,لم يستطع الفكر وال األدب التواصل معها ،رغم االجتهادات التي حاولت التأسيس لذلك.
م������������ل������������ف ال������������ع������������دد
لذلك ينبغي في هذه الحالة أن ي��دور الحديث حول محورين اثنين؛ ألنهما يشكالن المرجعية التاريخية الطبيعية التي تؤسس القاعدة التي تنهض عليها تلك السياقات.
والبلشفية؛ ثم ج��رت بعدئذ محاولة من طرف الفكر الغربي للبحث عن مرجعية تاريخية ،يعيد م��ن خاللها وص��ل حضارته بالماضي؛ وعليه، فقد كانت نظرية األص��ول اليونانية اإلغريقية للحضارة الغربية قد تأسست وانتشرت وطغت على الدراسات الفكرية والفلسفية .وإذا كانت هذه النظرية ظلت مهيمنة على الخطاب الغربي حتى خمسينيات القرن المنصرم ،بسبب النظرة المركزية التي سيطرت على التفكير األوروبي؛ فإن مصطلح الحداثة من جانب أخر ظل مرتبكا ومتناقضا ال يحيل إلى معنى محدد ,إذ تضاربت آراء النقاد والمفكرين والباحثين حول الطبيعة الداللية لهذا المصطلح؛ فبعضهم حصره في أدب ال �ق��رن ال�ع�ش��ري��ن ,وآخ� ��رون ج�ع�ل��وه رديفا للحركة الرومانسية ف��ي ال�ق��رن التاسع عشر, وغيرهم ركّبه عنوانا للحضارة الغربية برمتها, وهناك من قال :بدأت الحداثة من حيث انتهت الحركة الرومانسية ,وهكذا..
ولكن في دراسته القيمة حول األدب الغربي، س�ع��ى ال �ش��اع��ر اك�ت��اف�ي��و ب ��اث ل�لإم �س��اك بعمق التحوالت الفكرية واألدبية التي طالت التاريخ وفيما يخص المحور األول ،ينبغي أن نشير األوروبي ,ولم ينزلق إلى الحديث عن إشكاليات أوال إل��ى أن ج��وه��ر ال�ح��داث��ة الغربية ه��و نقد التسمية ,وإن �م��ا اس�ت�ع��اض ب��دال عنها بمقولة األبدية من جهة ,ونقد الالهوت المسيحي ،من الجوهر :نقد األبدية والالهوت المسيحي .هذا جهة أخرى ،رغم عدم مشروعية الفصل بينهما السعي سيفضي بباث ع��ن ح��ق بالتعرف على إال إجرائيا .ولكن ..ما معنى ذلك؟ يكمن معناه المكونات الرئيسة التي لم تغير األدب األوروبي في كون أوروبا وجدت نفسها منذ أواخر القرن فقط ,وإنما األدب العالمي بطريقة أو بأخرى، ال �س��ادس ع �ش��ر ،ف��ي نهضة ح�ض��اري��ة شاملة ،بما فيها األدب العربي بطبيعة الحال .إن نزع طالت جميع ميادين الحياة المادية والروحية القداسة عن الدين المسيحي ،ومن ثم تحويله والفنية على السواء .وقد توّجت هذه النهضة إل��ى ح��دوده الدنيا ,أ ّث��ر بصورة أو بأخرى على بثالث ث��ورات م��ؤث��رة :اإلنجليزية ,والفرنسية ,األدب الغربي؛ إذ ك��ان المعول النقدي الغربي
اجلوبة -شتاء 1431هـ 13
ي�ك�س��ر ال��زم��ن المسيحي الدائري المغطى بالقداسة ،ليجد اإلنسان الغربي نفسه أمام زمن حداثي خال من التقديس ،ومعرى أمام عقالنية محضة .ومن ثم أصبح هذا الزمن الجديد ،بوطأته الثقيلة على اإلنسان ال �غ��رب��ي ف��ي ال ��درج ��ة األول � ��ى ،هو الحس المأساوي والتراجيدي الذي طبع نتاج األدب الغربي ،س��واء في الرواية والشعر ،أو المسرح والفن والسينما .وهذا ما نجده في التربية ال�ع��اط�ف�ي��ة ل�ف�ل��وب�ي��ر ,وال �ب �ح��ث عن الزمن الضائع لبروست ,ورسومات براك ,وشعر فرنسيس بونج ,وكامو ف��ي رواي� �ت ��ه ال �غ��ري �ب��ة ..إل� ��خ .لكن الالهوت المسيحي من جهة أخرى، انتقم لنفسه من الحضارة الغربية (ك�ل�م��ة ان�ت�ق��م ه�ن��ا ينبغي أن تفهم م�ج��ازي��ا ول�ي��س ح��رف�ي��ا) وذل ��ك عن طريق الشعر .فكيف تم ذلك؟ ف ��ي م �ن �ت �ص��ف ال� �ق ��رن التاسع عشر ،زمن بودلير ورامبو وماالرميه ولوتريامون ،الذين يسميهم الشاعر فرلين «الشعراء المنحطين» .هؤالء الشعراء أسسوا نظرتهم إلى الشعر بوصفه الحياة السرية الصافية, أو المجهول المطلق ال��ذي ينبغي الكشف عنه خلف الحياة الظاهرية؛ ل��ذل��ك دع ��وا -ل �ل��وص��ول إل��ى هذه ال� �ح ��ال ��ة -إل � ��ى خ��ل��ط ال� �ح ��واس وتشويشها واخ�ت�لال�ه��ا ,وأن يصبح
14
اجلوبة -شتاء 1431هـ
بودلير
لوتريامون
طه حسين
خليل مطران
الشاعر رائيا .وال يمكن من خالل هذه الدعوة ،الشك مطلقا بمدى ص �ل��ة ه ��ذه ال �ن �ظ��رة إل ��ى الشعور ب ��ال� �ح ��رك ��ات ال� �س ��ري ��ة الصوفية المسيحية اليهودية ،التي انتشرت في أوروب��ا قبل أن تُصفى جميعا م��ن ط ��رف ال�م�ج�م��ع ال�ك�ن�س��ي في روما ،بوصفها حركات وثنية تعادي المسيح .لذلك ،ما يمكن تسميته بالشعر الحديث أو األدب الغربي ل�ي��س ف��ي ع�م�ق��ه س ��وى االنقالب ال��روح��ي ضد ما خلفته الحضارة الغربية على مجتمعها من أزمات ك �ب��رى ف ��ي ال��ح��ي��اة .وه �ن��ا تكمن المفارقة الكبرى :األدب الحديث ه��و ف��ي العمق منه ض��د التسمية نفسها ،وتجاوز هذه التسمية إلى شيء آخر ،هو الرهان الذي يسعى إليه األدب الحديث على اختالف ت��وج�ه��ات��ه .إذاً ،ع�ل��ى خلفية هذا ال �م �ح��ور ..سننتقل إل ��ى المحور الثاني الذي يركز بدرجة كبيرة على المحطات التي ك��ان فيها الشعر العربي في إطار التجديد .إن هزيمة الجيوش العربية عام 1948م ،لها انعكاساتها في وعي النخب العربية المثقفة سياسيا وثقافيا وأدبيا. ولكن م��ا قبل ه��ذا ال�ت��اري��خ ،ومنذ مطلع ال �ق��رن ال�ع�ش��ري��ن ..ل��م يكن أص�ح��اب ال��دع��وات إل��ى التجديد م��أزوم�ي��ن بالثنائية االستقطابية
م������������ل������������ف ال������������ع������������دد
«ش ��رق – غ ��رب» ،وت��داع�ي��ات�ه��ا على تفكير النخبة العربية؛ فقد كان أبرز مثقفي م�ص��ر ،ي��دع��ون إل��ى تجديد الشعر العربي في مسألة االستهالل أما مرحلة ما بعد تاريخ 1948م، والبالغة الصورية ،والتحرر حتى من ف�ه��ي مختلفة ت�م��ام��ا ،س ��واء على القافية ,نجد صدى ذلك في كتابات مستوى تبني األف�ك��ار ..أو انتشار عباس محمود العقاد العقاد والمازني وطه حسين ،إال أن التيارات الفكرية المتناقضة ،أو هذه الدعوات ظلت حبيسة التنظير الحالة االجتماعية العربية ،تحت أكثر من تحويلها إلى التطبيق ,وقد نير االستعمار ومحاربته .هذا هو أح� ��ال ب �ع��ض ال �ن �ق��اد ه���ذه الحالة المشهد ال ��ذي ي�ق��وم على خلفية إل��ى ع��دم ك��ون ه ��ؤالء ع�ل��ى اتصال ال�م�ش��اري��ع ال�ت��ي س�ع��ت فعليا إلى ب�ح��رك��ات ال�ت�ج��دي��د ف��ي أم��ري�ك��ا أو تجديد األدب العربي وعلى رأسه فرنسا وانجلترا ،كما هو الحال عند الشعر. جبران خليل جبران خليل مطران وزكي أبو شادي اللذين ()2 كانا أكثر جرأة في دعوتهما الصريحة في تجديد على الرغم من ارتباك المصطلح الذي طال الشعر .لكن يُغفل هذا السبب مدى الصلة القوية بين الناقد الغربي «وليم هازلت» ،وبين العقاد التسمية عند الجيل المؤسس للحداثة ،إ ّال أن الذي تأثر كثيرا بـ «هازلت» ..وكان هذا األخير قصيدة النثر تعبر في العمق عن الوعي الشقي منخرطا في مسائل التجديد في األدب الغربي ,بمأساة التناقضات والمفارقات ،التي تجعل من ولكني أعتقد أن هناك أسبابا أخرى دعت هؤالء اإلنسان عاريا ..ووحيدا في صحراء الحياة؛ وهو ألن يكونوا أكثر حذرا في إطالق دعوات التجديد ،قدر تماثلي يصيب اإلنسان في أي جزء من هذا العالم .أل��م يعبر بودلير عن تلك النزعة حينما لسنا هنا بصدد تفصيلها. قال :إنه شعر منذ طفولته بشيئين في آن واحد، أم��ا الضفة األخ��رى التي دع��ت صراحة إلى هما سحر الحياة وكراهيتها .ه��ذا المنزع هو التجديد تحت وطأة التأثير الغربي ،فهي شعراء السمة التي حكمت تطور الشعر عند الشعراء المهجر ،وك��ان أب��رزه��م -على العموم -أمين بصفة عامة ،في جميع مراحل نموه عبر التاريخ, ال��ري �ح��ان��ي ,وج �ب��ران خليل ج �ب��ران .ف�ق��د دعا وأعطته صفة الحركة والديمومة. الريحاني إلى نبذ التقاليد الشعرية في التراث، لكنّ بعض الخصوصية التي تكمن في قصيدة وال �ت��وج��ه إل��ى مضامين ش�ع��ري��ة أك�ث��ر إنسانية النثر ،ليس في مفهوم التجريب الذي تحول إلى ومعاصرة ,والتخلص كذلك من الوزن والقافية.. فخ إيديولوجي يغذي االلتباس بين شكل القصيدة وهو أول من أطلق مصطلح «الشعر المنثور» .ولم التي نكتبها ،من جهة ,وبين موقفنا ورؤيتنا وطريقة تكن كتابات جبران سوى التطبيق العملي لمثل اقترابنا من الحياة والعالم ،من جهة أخرى ,وليس هذه الدعوات «األجنحة المتكسرة, ال�ع��واص��ف ,النبي» أل��م يقل «لكم لغتكم ولي لغتي».
اجلوبة -شتاء 1431هـ 15
ك��ذل��ك م�م��ارس��ة ال�ت�ج��ري��ب ال�ت��ي اق�ت�ص��رت على األرجح عندنا على مقاربة الشكل الشعري فقط، بوصفه يمثل الحداثة الشعرية ،أو الكتابة الجديدة, بينما في العمق من نظرتنا للحياة ..لم تزل القيم والعواطف واالنفعاالت هي هي ذاتها التي أسرت وعي القصيدة التقليدية؛ فالتنقل من شكل شعري إلى آخر ..ال يعني بالضرورة التجديد. إن م��ا أق�ص��ده م��ن التجريب ،ه��و ذاك الذي الزم قصيدة النثر في الشعر األوروبي ،ولم تنقطع صلته ع��ن الحياة ب��أي ح��ال م��ن األح ��وال .يقول أكتافيوباث « ..لقد شهدنا في القرنين التاسع عشر والعشرين ب��زوغ قصيدة النثر والتجديد ال ��دوري للغة الشعرية ،بحقنات ق��وي��ة متزايدة من الكالم الشعبي؛ لكن ما كان جديدا ،لم يكن يعني أن الشعراء يتأملون الشعر بالنثر ,بل إن هذا التأمل ,طاف عن حدود الشعرية القديمة, معلنا أن الشعر الجديد كان أيضا طريقة جديدة في الشعور والحياة» ،ولكن خلف هذه الحقنات القوية ،كانت تكمن فكرة متحفزة مفادها أن النثر قابل للشعر. وم �ن��ذ أواخ� ��ر ال �ق��رن ال �س��اب��ع ع �ش��ر ،عندما أصدر فينلون روايته «مغامرات تليماك» ،عدّها النقاد في حينه نوعا من الشعر ,واندفعوا بحثا ع��ن «النثر األع �ل��ى» ،وأص�ب��ح ه��ذا البحث أشبه ما يكون بـ«خميرة ثورية» على حد تعبير سوزان بيرنار ,وطالب فينلون بالفصل بين الشعر وفن نظم الشعر «نظمنا للشعر بالقافية يخسر أكثر مما يربح» ،وكما صرخ كذلك هودار دي ال موت: «النظم مضايقة فلنكتب بالنثر ..فلنقدم للناس قصيدا غير موزون» .وقد كانت الترجمة لآلداب األجنبية رسخت ف��ي ذه��ن ال �ق��ارئ الفرنسي - أوائ��ل القرن الثامن عشر -أن باإلمكان تذوق
16
اجلوبة -شتاء 1431هـ
الشعر ،دون الحاجة للجوء إلى النظم أو القافية. هذه العوامل جميعها كانت تمثل شروطا تاريخية، اس�ت�ط��اع��ت ال�ق�ص�ي��دة ال�ن�ث��ري��ة م��ن خ�لال�ه��ا أن تستوعب ت�ح��والت المدينة الحديثة ,أل��م يحول بودلير األسلوب الوصفي لليالي الغوطية المرعبة في ديوان (غسبار الليل) أللويزيوس برتران ،الذي تأثر به كثيرا ،إلى أسلوب نثري في وصف ليالي ب��اري��س الحديثة ف��ي عمله ال�م��وس��وم (سوداوية باريس)؟! ألم يكن الشاعر ولت ويتمان يرقب عن كثب تفتحات الحياة الحديثة على األرض الموعودة (أمريكا) ،ثم يعبر عنها في ديوانه (أوراق العشب)؟ ألم يأخذ رامبو الشعر إلى تخوم الصمت ،حينما أحس أنه فقد فاعليته إزاء الحياة؟ ولم يعد ثمة أسلوب ،وكأن بول فاليري عناه تماما عندما قال: (الشكل يكلف غاليا). ه��ذه م�ج��رد ن �م��اذج تبين إل��ى أي ح��د يمكن أن ن��ذه��ب إل��ى ال �ق��ول م��ن خ�لال�ه��ا إن السمات االجتماعية واالقتصادية والسياسية والثقافية واألدب �ي��ة ه��ي ال�ت��ي أوج ��دت ن��وع��ا م��ن المفارقة المرعبة في الواقع الحياتي للمدن الحديثة .ولم يكن سوى الشعراء والفنانين الذين عبروا عنها أف�ض��ل تعبير ،تحت وط��أة فالسفة ك �ب��ار ..مثل نيتشة وشليغل وشوبنهاور وميرلوبونتي .هذا هو المختبر الكيميائي (عكس المختبر الكيميائي ال�ع��رب��ي) ال��ذي يعكس الطبيعة النثرية للحياة المعاصرة .ولكن ..أليست هذه المفارقة المرعبة هي التي أوج��دت من جهة أخ��رى ،تقارب وحدة المنظور بين الفنون؟ لإلجابة ..هناك عبارة ترد دائما على لسان هوغو( :الريح هي الرياح جميعا)، ويمكننا أن نستعير ه��ذه العبارة بكل تداعياتها اإليحائية ،ونقول مع الفيلسوف الجمالي إيتيان سوريو( :الفن هو الفنون جميعها).
هنا نقع على الصلة الوثيقة التي تكشف عن م��دى عمق التراسل ال��ذي يحدث بين الحواس داخ��ل الفنون المختلفة (الشعر واللون والعمارة والنحت والتصوير والرقص والمسرح والسينما وال �م��وس �ي �ق��ى) .ه ��ذه ال�ص�ل��ة ه��ي ب�م�ث��اب��ة النهر المتدفق في عروق األعمال الفنية ,وعلى المرء أن يفتح حواسه حتى آخر رمق فيها؛ ليتأكد له تماما أن اختالل الحواس على حد عبارة رامبو، أو ما يسميه آدغار آالن بو (بوحدة االنطباع) ،ال وفقا لما سبق ذك��ره ..هل يمكن أن نتحدث تختص بتثوير مخيلة اللغة فقط ,وإنما المخيلة ع��ن ق �ص �ي��دة ال �ن �ث��ر ف��ي ض ��وء ع�لاق �ت �ه��ا بالفن بوصفها جنة عدن الموعودة في أحالم اإلنسان ،التشكيلي؟ المجال أرح��ب وأوس��ع كما صورناه, من خالل موروثه عبر التاريخ. ول �ك��ن م��ن ج��ان��ب آخ���ر ،ي�م�ك��ن أن ن�ت�ح��دث عن ل �ق��د أك���د أك �ت��اف �ي��و ب���اث أك �ث��ر م ��ن م���رة في التجربة السريالية ،ومن قبلها الدادائية ،وتأثير دراس��ات��ه أن ال�م��وروث الفني واألدب��ي في العالم ك��لٍّ منهما على تطور القصيدة (ليست قصيدة الزمته صفتان ..كانتا تحركانه من العمق :األولى النثر حصرا) والفن التشكيلي ،ويمكن أن نضيف خضوعه لتأثيرات الزمن الدائري (معناه أن الفن ال�م�س��رح وال ��رواي ��ة وك��ذل��ك السينما .ل�ق��د كانت واألدب الحديثين يتألفان من اكتشاف مستمر لما األعمال الفنية السريالية لكل من ماكس ارنست، هو قديم وبعيد) التي تشكل ضمن الرؤية الدينية وسلفادور دال��ي ،وميرو واي��ف تانغي؛ إضافة إلى لألديان السماوية – وحتى غير السماوية كالبوذية العظيم بيكاسو ،تحمل في داخلها منظورا مشتركا والهندوسية والتاوية -للزمن؛ والثانية خضوعه عن الفن والحياة ،وإن كان بيكاسو -األبعد بينهم لمفهوم التناظر ال��ذي ب��ره��ن على أن األعمال -عن السريالية ،ولكنه صاحب تأثير كبير على األدبية والفنية ،ليست سوى صدى بعضها بعضاً ,رموزها ،يلتقي مع منظور الشعراء السريالين عن وإن كان يقصر حديثه على األدب األوروبي ،إال أننا الشعر والحياة كذلك ,حتى اعتبر أندريه برتون أن نجد أن ذلك يمكن أن ينطبق على بقية الموروث (ال فرق في األساس بين قصيدة من بول ايلوار أو األدبي والفني لبقية الشعوب األخرى. بنجامان بيريه ,ولوحة من ماكس أرنست أو ميرو وعلى سبيل ال�م�ث��ال ،الفكر الغنوصي الذي أو تانغي) ،وهنا تحضرني لوحة ماكس «المرأة ازده��ر في القرن الثاني ق .م على سواحل نهر التي بال رأس» وقصيدة بول «هي» من «عاصمة األردن ،حيث اندمج بعد ذلك مع الفتح اإلسالمي األلم». ضمن موروثه وأدبياته الكالسيكية ,هذا الفكر حمل مخيلة خصبة في أغلب أدبياته؛ والمتأمل بعين فاحصة ،يجد نوعا من التماثل والتشابه األسلوبي والفني بينها وبين -إذا ما أخذنا على
م������������ل������������ف ال������������ع������������دد
سبيل المثال ال الحصر -ال�م��وروث األسطوري لمخيلة ال�ش�ع��وب ف��ي أم��ري�ك��ا الالتينية ,يكفي لتتأكد من ذلك أن تنظر في كتاب إدواردو كاليانو (ذاكرة النار) .ويمكننا أن نضيف على أهمية هذا التأثير المتبادل بين جميع الفنون المقولة ،التي مفادها أن اإليقاع الجسدي هو المنصة التي تقف عليها جميع األشكال الفنية واألدبية ،في لحظة تشكالتها وتحوالتها إلى أعمال منجزة.
أم��ا م��ا ي�خ��ص ال�ج��ان��ب ال �ع��رب��ي ،ف�ق��د أسس الشاعر ج��ورج حنين ،وال�ف�ن��ان رمسيس يونان، جماعة الفن والحرية في القاهرة ،عشية الحرب العالمية ال�ث��ان�ي��ة ,وك��ان��ت ت�ح��ت ت��أث�ي��ر الحركة
اجلوبة -شتاء 1431هـ 17
السريالية ،ونشطت هذه الحركة تحت شعار «يحيا
ثقافة المدينة وتحوالتها األدبية واالجتماعية هي
الفن المنحط»؛ فأقامت األمسيات والمعارض،
الحاضن والمرجع لكل فن من الفنون ,وهذه الحالة
وأصدرت بيانات شعرية وفنية ..إضافة إلى مجلة ال تنطبق على مشهدنا تماما ،قدر انطباقها على
باسمها ,ولكنها ل��م ت��واص��ل نجاحها ..ألسباب
المشهد األدبي الغربي ,فإذا كانت الفنون تسعى
لسنا بصدد ذكرها ,وأخفقت مثل بقية المشاريع إلى التوحد على المستوى الوجودي عند الشاعر التنويرية العربية األخرى. والفنان الغربي ,فإننا لم نزل نتحدث عن الوظيفة ما أردت��ه من العرض السابق ،هو أن أبين أن االجتماعية للفن فقط!
جمالية التجربة الشعرية عند محمد املاغوط
عبدالله السمطي***
يمثل محمد الماغوط تجربة ثرية فارقة في أفق قصيدة النثر ،بما منحه من طاقة تخييلية متميزة؛ تتمثل في حركية اللغة الحية ،وتماهي جسد الكتابة في جسد التجربة الذاتية. كما تعد تجربة الماغوط الشعرية ،من أبرز التجارب التصويرية في قصيدة النثر ،وهي تمثل أحد األرك��ان الجمالية في هذا الشكل ،الذي تحولت صيغه واتجاهاته في المراحل التالية. ت �ت �ب��دى ت �ج��رب��ة ق �ص �ي��دة ال �ن �ث��ر ع �ن��د محمد الماغوط ،بوصفها من أصفى التجارب الشعرية العربية في هذا الشكل ،من جهتين: األول��ى :ج��دة اللغة الشعرية لديه ،ونهلها منال�ت�ج��ارب الشخصية ،وم��ن البيئة الرعوية، والطبيعة السورية.
(شعر) بديوان« :حزن في ضوء القمر»( )1الذي مثّل الصدمة الجمالية األول��ى ف��ي الساحة الشعرية آن���ذاك ،وج��رت ف��ي س�ي��اق تحديد هوية نصوص هذا الديوان مساجالت نقدية بين خ��ال��دة سعيد ،ون��ازك المالئكة ،ففيما عدّت خالدة سعيد أن هذا الديوان هو «شعر «أطلقت عليه نازك المالئكة مسمى« :خواطر»، وحين كتب أدونيس مقالته في العدد ( )14من (شعر) أعطى مسمى« :قصيدة النثر» الهوية الجمالية لهذا الديوان(.)2
الثانية :جدة صوره الشعرية ،وعدم مألوفيتهافي السياق الشعري لقصيدة النثر آنذاك، وهي صور تلقائية عفوية طليقة ،يعلي فيها الشاعر من شأن الحسي الملموس ،واليومي لقد أصدر محمد الماغوط في إطار قصيدة المعهود ،ول��ذا فقد امتزجت بحيوية تجاربه النثر ثالثة دواوين شعرية( ،)3تتضمن ( )72نصا، الشخصية وآنيتها. تتوزع كاآلتي: وقد استهل محمد الماغوط تجربته الشعرية في ه��ذا الشكل بعد انضمامه لحركة مجلة « -حزن في ضوء القمر» ( )18نصاً.
18
اجلوبة -شتاء 1431هـ
«الفرح ليس مهنتي» ( )32نصا.أي أن ع��دد النصوص الشعرية في تصاعد ،خاصة بعد أن ترسخ مسمى« :قصيدة النثر» عبر مجلة (ش� �ع ��ر) ،وب �ع��د أن ت�ك�ش�ف��ت هوية ال��م��اغ��وط ال �ش �ع��ري��ة ف ��ي قصيدة النثر ،إن أب��رز ال��دالالت التي تترى فيها تجربة الماغوط الشعرية تتمثل في تعبيره عن اآلتي:
محمد الماغوط
م������������ل������������ف ال������������ع������������دد
«غرفة بماليين ال�ج��دران» ()22نصا.
-5المرأة ،حيث يمثل شعر الحب، واإلش�� ��ارات ال�ت�ص��وي��ري��ة الجنسية أح��د ال�ع�ن��اص��ر ال�م�ك��ون��ة للقصيدة عند ال�م��اغ��وط ،خاصة ف��ي توجيه ال�خ�ط��اب ال�ش�ع��ري ل�ل�م��رأة ،وتنويع ال� � ��دالالت ال �ش �ع��ري��ة ال �م��ؤن �ث��ة في النصوص. -6ال ��وط ��ن ،ف �م��ن س �م��ات تجربة ال �م��اغ��وط ال�ج��وه��ري��ة ال�ك�ت��اب��ة عن الوطن ،بكيه وهجائه ،وص��وال إلى واق� ��ع أن� �ق ��ى ،واس��ت��ش��راف��ا لوطن جديد.
-1األل��م والقهر ،بما يمثله الواقع السياسي من مأزق في خنق حرية المبدع؛ ول��ذا فهو دائ��م البحث عن حريته ،حتى لو أفضى ذلك إل��ى الصعلكة ال��دائ�م��ة ،وه��و ما نراه في تعبيره الدائم عن التسكع ،والتشرد، واألرصفة ،واألزقة ،والحواري ،والحانات. -8الحلم والمستقبل ،وهما يتكرران عند الماغوط بوصفهما نوعا من الخالص باالنتقال إلى زمن -2الحزن ،حيث يمثل هذا الحزن تيمة جوهرية آخر ،خارج زمن الواقع األليم. في شعرية الماغوط ،وهو يتكرر بشكل كثيف -7الشخصيات الشعرية ،إذ تتكرر في نصوصه شخصيات :السبايا، باعة الخبز ،الجواسيس ،الساقطة، العشيقة ،الحداد ،الحطاب ،البحارة، العمال ،الفران ،الثوار المشبوهون.
في نصوصه ،مع مفردات االغتراب ،والوحدة، واالنكسار ،واإلحباط.
-3شهوة التملك وشهوة التغيير ،فعندما يتملك الشاعر – أو يتمنى ذلك شعريا – فإنه يؤسس مملكته األسطورية الجمالية على آفاق العالم؛ إنه ينشىء عالما جديدا يريد أن يوزعه كما يشاء في الهباء أو البناء ،وهي شهوة تفضي إلى تغيير رتابة الواقع ،وقهره وألمه ،وينتشر هذا التعبير في نصوص متعددة للماغوط(.)4 -4الطفولة ،حيث تتواتر اإلشارات الشعرية إلى ه��ذه المرحلة ،واإلش ��ارة إل��ى األم واألب في بعض النصوص.
هذه أبرز ال��دالالت التي يعبر عنها الماغوط في قصيدته ،وهي تتواتر بشكل كثيف تبعا لحالة كل نص ،وبنسب مختلفة في تجربته في قصيدة النثر ،ويمكن أن ندلل على ذلك بهذه النماذج: أديري قرص الهاتف يا حبيبتي واطلبي مزيدا من الرعب والعذاب لم أعد أبالي مستقبلي في قبري وجمهوري الوحيد هو ظلي. سأقف على موجة عاليةكما يقف القائد على شرفته وأصرخ: إنني وحيد يا إلهي.
اجلوبة -شتاء 1431هـ 19
سأرحل بعد قليل وحيدا ضائعا وخطواتي الكئيبة تلتفت نحو السماء وتبكي قولوا لهذا التابوت الممددحتى شواطىء األطلسي ()5 إنني ال أملك ثمن المنديل ألرثيه
وأرنو إلى المارة ،أنا أسير كالرعد االشقر في الزحام ،أنا أتسكع تحت نور المصابيح»(.)7 -2ال �ن��داء :إذ يمثل أس �ل��وب ال �ن��داء أح��د أبرز الصيغ الناتئة في شعرية الماغوط ،وال تخلو أغلب نصوصه من ه��ذا األس�ل��وب ،إذ يتكرر ه��ذا األس �ل��وب ف��ي دي��وان��ه األول« :ح��زن في ضوء القمر» – تمثيال -الذي يتضمن ()18 نصا ،يتكرر ( )105مرات ،أي بمعدل تكراري ( )5.833مرّة لكل نص .ويحضر النداء عند ال�م��اغ��وط عبر أدات �ي��ن رئيستين ه�م��ا( :يا) و(أي �ه��ا) .ويأتي ال�ن��داء للبعيد دائما للوطن، «أم �ض��ي باكيا ي��ا وط �ن��ي» و«دم �ش��ق ي��ا عربة السبايا الوردية»( ،)8أما أداة النداء «أيها» فتأتي على األغلب من األشياء الخاصة بالشاعر، ليعطيها أهميتها ال�ك�ب�ي��رة ،ح�ت��ى ل��و كانت تتسم بالقبح ،إذ يحولها شعريا إلى اكتشاف جمال ما خلف القبح الظاهري« :أيها الجراد المتناسل على رخام القصور والكنائس ،أيتها السهول المنحدرة كمؤخرة الفرس»(.)9
إن القراءة الكثيفة المعمقة لتجربة الماغوط، تبين لنا هذا الحشد الثري من الصور المتنوعة وال�لام��أل��وف��ة؛ ألن �ه��ا ن��اب�ع��ة ع��ن ال��وع��ي بالواقع والتجربة الشخصية ،والتأمل العميق في الحياة الشخصية وال�س�ي��رة ال��ذات�ي��ة للشاعر .إن هذه المادة الخصبة بين ي��دي محمد الماغوط ،كنز من األلوان واألجواء يسبح فيه شعره .دور محمد الماغوط هنا دور التصيد واالن�ت�ق��اء؛ ألن هذه ال�م��ادة الشعرية الخصبة ل��م تتحول إل��ى صورة حديثة دائ�م��ا؛ لقد ظلت بدائية بسيطة تتقرب من الصورة الحديثة بسذاجتها وغرابتها وكونها م��ده�ش��ة .ذل��ك أن ص ��وره ال تكشف غ��ال�ب��ا عن ع�لائ��ق ج��دي��دة تتخطى العالئق الشكلية .هذه -3ال�ت�ش�ب�ي��ه :ي�ح�ض��ر ال�ت�ش�ب�ي��ه ل ��دى الماغوط الصور مدهشة وغريبة ،ألنها تتناول غالبا مادتها بشكل كثيف ،ليصنع هذه العالقة التصويرية من أشياء مرمية في صندوق الذاكرة ،عادت لتحيا بين األشياء المتنافرة والمتباعدة ،وه��و من م��ن ج��دي��د ،وه��ي مثقلة ب��أص��داء ال �ق��دم ،وبريق األساليب البارزة لديه ،ومن المكونات الجمالية الفجاءة المفرحة ،وهي تعوض بعض الشيء عن األساسية في تجربته الشعرية ،ويتكرر أسلوب الكشف عن العالئق الجديدة»(.)6 التشبيه في ديوان« :حزن في ضوء القمر» على سبيل التمثيل أيضا )158( ،مرة ،أي بمعدل وتتخلق متوالية الجمل الشعرية في نصوص تكراري ( )8.777مرة لكل نص من نصوص محمد الماغوط ،وبشكل دائري يقود أوله آلخره، الديوان الثمانية عشر ،والتشبيه عبر األداة وعلى العكس في خمس متواليات تتمثل في: «الكاف» هو األكثر استعماال لدى الماغوط. -1األن��ا :حيث تتكرر الصيغ ال��دال��ة على األنا، كضمير المتكلم ،وياء الملكية ،وتاء الفاعل ،في نصوص الماغوط ،فارضة على النص الرؤية الذاتية الكثيفة للعالم؛ وتتكرر األن��ا بشكل طاغ لديه« :أنا راقد في غرفتي أكتب وأحلم
20
اجلوبة -شتاء 1431هـ
-4ال �ع �ط��ف :م��ن ال �ص �ي��غ ال� �ب ��ارزة ف��ي شعرية الماغوط ،وهو ال يقيم المعطوفات باختيار كلمات متقاربة دالليا ،بل من كلمات متباعدة، وم��ن حقول دالل�ي��ة متناكرة ،وبشكل متوال؛
«خذني إليها ،قصيدة غرام أو طعنة خنجر، ( ،)...وكتبت قصيدة ع��ن الليل والخريف واألم� ��م ال�م�ق�ه��ورة – أح �ب��ك أك �ث��ر م��ن التبغ وال �ح��دائ��ق ...وه��ي ت��رن��و إل��ى الليل والخبز والسكارى – أرضع التبغ والعار ،أكره لحمها المشبع بالهمجية والعطر ..من تلك السهول المغطاة بالشمس والمقابر ..نزهة في شارع ممتلىء بالضجة ،والدفاتر ،واألطفال ،رأيت نوافير الطيور ،وال��دم ،والفراشات الممزقة منذ أجيال تحت الحوافر ،شربت قهوة ،وماء، وتبغا ،ودموعا»(.)10 -5النفي :يمثل أحد األساليب التي تشكل بنية
وه���و غ��ال �ب��ا ي�ع�ب��ر ع ��ن االغ� �ت���راب والفقد، واإلحساس باأللم والقهر والوحشة« ،ال وطن لنا وال أج���راس ،ال م ��زارع وال س �ي��اط ..بال سيوف وال أمهات ..وقفنا تحت نور الكهرباء نتثاءب ونبكي»(.)11
م������������ل������������ف ال������������ع������������دد
ويمكن تسمية هذا النوع من العطف ،بالعطف ال�م�ت�ض��اد ،إذ ت�ت�لاق��ى ك�ل�م��ات م�ت�ن��وع��ة عبر العطف ،ال عالقة داللية بينها ،كما في هذه النماذج:
جمالية مصغرة ترى في نصوص الماغوط،
إن هذه الصيغ المتكررة ،تمثل اللعبة النصية التي يتكئ عليها الماغوط أسلوبيا في صنع تجربته الشعرية ،حيث تترى نصوصه فيها بشكل دائري متتابع متكرر؛ ما يمثل نوعا من اإليقاعية األسلوبية الجلية التي يستعيض فيها الشاعر عن اإليقاع الوزني المتكرر ،إذ تفرض ه��ذه الصيغ جمالياتها المنتظمة المتكررة، لتقدم إيقاع الحالة ،أو إيقاع التعبير الجمالي الرحب بديال عن إيقاع الوزن.
شعرية قصيدة النثر
إبراهيم الكراوي****
تطرح مقاربة المنجز الشعري العربي في مساره التاريخي أسئلة متنوعة ترتبط باالنقالبات التي وسمت هذا المسار على مستوى «الوضع التاريخي «من جهة ،والبنيوية النصية من جهة أخرى. ولعل أبرز هذه األسئلة ما يتعلق بمصطلح «قصيدة نثر» ومختلف إرهاصاته وتمثالته داخل الشعرية العربية .والهدف من هذا الطرح هو استجالء مختلف تجليات هذه األسئلة انطالقا من مقاربة مختلف التجارب ،التي تمثل وتجلي قضايا «قصيدة النثر» ،مقاربة علمية وموضوعية. وه��ذا المستوى حسب تصورنا ه��و الكفيل بمعالجة ه��ذه األسئلة ومختلف القضايا التي أصبحت تطرح على صفحات المجالت والصحف ال�ع��رب�ي��ة بشكل روت �ي �ن��ي .وأص �ب��ح ه��ذا الجدل المؤطر لهذه القضايا «موضة» وهاجسا خاصا، وفي أحيان أخ��رى سقط النقاش حول قصيدة النثر ف��ي فخاخ االي��دول��وج�ي��ا ،ووه��م التقديس
وال �ت �ع��ال��ي ال �ح �ض��اري ،وال �ب �ح��ث ع��ن أصحاب السبق ،بمعزل وعلى حساب أي تصور علمي، يتعامل م��ع ال�ظ��اه��رة األدب �ي��ة كجوهر دينامي، وبنية داخ��ل «الوضع التاريخي» ،وداخ��ل نظرية األدب ،وفي إطار مشروع نظرية لألجناس .ذلك أن كل «مرحلة تتميز بنسق من األجناس ،يرتبط بأيديولوجيتها المهيمنة ..إن األجناس مثلها مثل
اجلوبة -شتاء 1431هـ 21
أي مؤسسة تسعى إلى وضع الخصائص البنيوية للمجتمع الذي تنتمي إليه»(.)12 ومن هذا المنطلق ..نعتقد أن مشروع قراءة «قصيدة النثر» ال يمكنه أن يكون إجرائيا إال إذا انطلق من هذه الفرضيات التي يمكن أن تزود الحقل القرائي ،ب��أدوات منهجية ذات فعالية، خصوصا وأن نص «قصيدة النثر» مؤثث بقضايا وج��ودي��ة وبالغية غاية ف��ي العمق ،وجماليات ه��ذا النص تتميز باالنفتاح والالنهائية .وهنا تجدر اإلش��ارة إل��ى المغالطة التاريخية (وهذا ال ينفي أهمية دراس��ة س��وزان برنار وأتباعها) التي سقطت فيها سوزان حين سقطت في فخاخ التقعيد ،ومحاولة البحث عن تنميط لقصيدة النثر ،والحال أن ه��ذه األخيرة تستعصي على التقعيد ..خصوصا وأن الوتيرة المتسارعة التي كانت تطبع االن�ق�لاب��ات التي وسمت الشعرية األوروب�ي��ة ،لم تكن لتسمح بمحاصرة الموضوع وضبط متونه المتناسلة. فكل تجربة في ه��ذا اإلط��ار تتمثل كأنساق مستقلة تنفرد بحداثتها وأسئلتها .وهذا ما ينطبق على الشعرية العربية الراهنة بصورة أكثر جالء. إنها شعرية تتميز بالتنوع على مستوى التجربة والتشكل الخطابي .فالحداثة في شعرية قصيدة النثر العربية ح��داث��اث ،باعتبار أن�ه��ا تخضع لمفهوم االنفتاح واإلبداعية .وفي هذا اإلطار، سننطلق من أجل مقاربة جماليات قصيدة النثر، من مفهومين إجرائيين ومركزيين في اللسانيات الحديثة ،وهما اإلبداعية ،والمالءمة ..ف«للمظهر اإلبداعي الذي أولته اللسانيات األمريكية أهمية خاصة ،خصوصا مع أعمال سابيير ،عاد ليتبوأ المكانة األولى في مشروع تشو مسكي»(.)13
اإلب��داع �ي��ة ،ب��اع�ت�ب��اره��ا أف �ق��ا خصبا لمعالجة األسئلة الجديدة للذات والواقع العربي ،وبناء رؤية جديدة للعالم .أما بالنسبة للمفهوم الثاني ف�ه��و ي��رت�ب��ط بمفهومين آخ��ري��ن ه�م��ا التوليد الداللي والالنهائية .يقول أحد الباحثين في هذا اإلط ��ار«أرى أن ما يميز قصيدة النثر رح��م ذو وظيفتين بدال من واحدة ،فهو يولد الداللة كما في كل شعر ،ويولد ثابتا شكليا خاصا ،إال أن هذا الثابت يكون مالزما للداللة»ـ( .)14وإذا كان موضوع اللسانيات هو اللغة ،فإن األمر نفسه يمكن أن ينطبق على مشروع قصيدة النثر ،لكن بدرجات متفاوتة ..فاللغة هنا مثلها مثل باقي الوسائط الجمالية ،التي تخرق البعد الخطي ،بل إنها لتنزع إلى مماثلة خطابات أخرى ..مثل خطاب الصورة البصرية والتشكيل والسينما؛ بمعنى أنها تشتغل على اللغة في أبعادها المختلفة ..لكن بدون أن تشتغل على اللغة بذاتها ولذاتها .بل إنها تتجذر ف��ي التاريخ اإلن�س��ان��ي ،الهوية ،أس�ط��ورة الفرد والحياة ،خطاب األفكار ،والثقافة في تجلياتها األنتربولوجية ..ولعل المقاربات التي سننجزها، ستكشف الطبقات الجيولوجية لهذا الخطاب، وت �ح��اول م��ن ث��م ت�ف��ادي ال �ق��راءات االنطباعية، والسطحية ،والتاريخية ،التي أس��اءت لخطاب شعرية قصيدة النثر ،وشوهت معالمه.
قصيدة النثر :مأزق التصنيف ،سلطة األفكار والبحث عن الهوية الضائعة
ل�ق��د ان�ش�غ��ل أغ �ل��ب الباحثين ف��ي الشعرية العربية الجديدة بمسألة التسمية ،فمنهم من رفض مصطلح «قصيدة نثر» الحتوائه المفارقة. فحسب هذه اآلراء ،المصطلح ال يعبر عن جوهر التجربة ،وع��ن المشروع ال��ذي أفرزته تحوالت إن مشروع قصيدة النثر ينطلق من هاجس ال�م�ح�ي��ط ال �ج��دي��د ..وه �ن��اك م��ن أط �ل��ق عليها
22
اجلوبة -شتاء 1431هـ
ويكاد تاريخ قصيدة النثر إذاً يماثل تاريخ اللغة -كما سبقت اإلش ��ارة -فهي وإن كانت ت�خ�ت�ل��ف م�ع�ه��ا ف��ي م �س �ت��وى س �ع��ي اللسانيات الحديثة على مستوى الهدف (موضوعها في ذلك هو اللغة) إلى استخالص القوانين الكلية التي تحكم اللغات ،فإنهما يشتركان في الخصائص والمفاهيم التي أشرنا إليها سابقا .وسنتبين ذل��ك م��ن خ�لال المقاربات النصية وه��ذا دون أن ننسى ب��أن األرض �ي��ة مشتركة على مستوى الموضوع؛ فموضوع قصيدة النثر بشكل عام هو اللغة ،أي االشتغال على اللغة ،أو بتعبير أدق، على بالغة اللغة الشعرية ،لكن ليس فقط في بعدها السانكوني ،ب��ل ف��ي بعدها الدياكروني أي�ض��ا .وأق�ت��رح هنا على ال��دارس�ي��ن أن يتأملوا بشكل أعمق هذا التوازي بين تاريخ اللسانيات الحديثة ،وبين تاريخ قصيدة النثر ،وأن يقربوا المسافة بينهما على مستوى المقاربة .وستكون النتائج غاية في األهمية ،ليس فقط بالنسبة للسانيات ،ولكن في حقول معرفية أخ��رى بما فيها األنتربولوجيا ،وعلمي النفس واالجتماع بجميع مدارسها ،ألن قصيدة النثر هنا تتمثل أيضا كظاهرة ثقافية واجتماعية وحضارية،
ومن وجهة نظري ،أعتقد أن موقعة قصيدة النثر ف��ي س�ي��اق ه��ذه االن �ش �غ��االت ،ومقاربتها تقتضي االنطالق من أسئلة افتراضية من قبيل، ما ال��ذي يمكن أن يعنيه األدب في هذا القرن، وكيف تتشكل نظرية األدب المعاصرة..؟ وما عالقة مشروع قصيدة النثر بنظرية األجناس؟ ولنؤجل التنقيب في هذا المستوى ،الذي يقتضي سياقا خاص.
م������������ل������������ف ال������������ع������������دد
أسماء أخرى «كالتجربة الجديدة»« ،الحساسية الجديدة»« ،الشعرية الجديدة» ،وهي تسميات خارج المدار التاريخي الذي انبعثت من داخله ه��ذه القصيدة ،وال تسعف ف��ي تأسيس تصور لمشروع قصيدة النثر العربية ،نطمح إل��ى أن يوضع ويناقش داخل نظرية األدب من جهة ،وفي إطار نظرية األجناس (كما بدأ يتحقق ذلك في جنس السرد العربية) .بل إنها مصطلحات تسهم في توسيع الهوة بين قصيدة النثر والنقد ،بما أنها تتميز بنوع من االبتعاد عن الدقة العلمية في تحديد الموضوع والهدف.
وليس مجرد موضة حديثة من موضات العصر، أو مصطلح مفرغ من أي بعد معرفي أو إنساني. ولعل المهاد النظري السابق يقودنا إلى استحضار مفاهيم وأسئلة أخرى من قبيل :األصالة ،الهوية، التجديد ،الخصوصية ،التأثير ،الترجمة ..ومن هنا فمقاربة مشروع قصيدة النثر العربية ،يجب أن ينطلق من خ��ارج هذا المدار حول التسمية وال�ت��اري��خ والمشروعية وأص �ح��اب السبق ،وأن ينطلق تدقيقا من االنجازات التي حققتها هذه التجارب عبر مقاربات نصية علمية ،تستفيد من منجزات العلوم والمناهج.
ولذلك نرى أن معالجة قصيدة النثر يجب أن تتموقع داخ��ل نظرية األدب الحديث ،ومختلف األسئلة التي تطرحها هذه النظرية حديثا؛ ولذلك ن��رى أن��ه يجب أن نشتغل على س��ؤال :ما الذي يعنيه األدب في هذا العصر ،قبل أن نطرح سؤال ماهية قصيدة النثر؟ (وهي أسئلة تتطلب تضافر جهود علماء ذوي مشارب مختلفة ،س��واء كانوا سوسيولوجيين ،أو علماء نفس ،أو لسانيين،).. ذلك أن «كل دراس��ة لألدب تسير في اتجاهين، شئنا أم أب�ي�ن��ا :م��ن العمل األدب ��ي نحو نظرية األدب (أو نظرية األجناس) ،ومن نظرية األدب نحو العمل األدب��ي ،كما أن استخالص مظاهر التماثل واالخ �ت�لاف تعد عملية مشروعة»()15؛ وه��ذا يعني ط��رح ال �س��ؤال ح��ول ح��دود قصيدة
اجلوبة -شتاء 1431هـ 23
النثر داخل نظرية األجناس ،في إطار تيبولوجية تركز على الوعي بالظاهرة األدبية ،كنسق تتقاطع فيه حقول ومعارف متنوعة. يبدو جليا أننا ال نتصور مقاربة لنظرية األدب (قصيدة النثر) ،دون استحضار العلوم اإلنسانية واتجاهاتها .إذاً ،هل قصيدة النثر جنس ،نوع أو نمط؟ وما هي حدودها وعالئقها مع األجناس التاريخية ،وبينها وبين األجناس الفرعية؟ في الحقيقة يمكن ال�ق��ول إن س��ؤال ال�ح��دود قديم ج��دا ،منذ أن اكتشفنا التقابل بين الملحمي الغنائي ،ومع أول محاولة لتصنيف األن��واع مع أرس�ط��و م��رورا ب�ب��وال��و ،ليسينغ ،وغيرهما إلى بارث وموريس بالنشو ..وهو سؤال يحضر أيضا في التراث النقدي العربي بشكل أو بآخر؛ فنحن نجد وعيا خاصا بالجنس واألن��واع في التراث النقدي العربي .يقول النويري الذي يقسم مؤلفه إلى أقسام فأبواب يجمعها ما سماه فن األدب: «ف �ف��رق��ت جليها وك�ش�ف��ت خفيها وبسطت ال�ف��رائ��د ونظمت منها اإلرت� �ف ��اع ..واسترفعت القوانين ،ووضعت الموازين»( .)16ويقدم لنا حازم القرطجاني تصورا رائدا في هذا المستوى ،إذ لم يعد معيار تصنيف الشعر كجنس يستند إلى الوزن فقط ،بل نلفي التخييل عنصرا أساسيا في العملية اإلبداعية ،يقول حازم القرطجاني في هذا اإلطار «وكان الشعر والخطابة يشتركان في مادة المعاني ،ويفترقان بصورتي التخييل واإلقناع.. تخيل األشياء التي يعبر عنها باألقاويل ،وبإقامة صورها في الذهن بحسن المحاكاة»(.)17 وإذا عدنا إلى صلب موضوعنا ،ومن وجهة ن�ظ��ر س� ��وزان ب��رن��ار ،ف ��إن ال �ح��دود ق��ائ�م��ة بين قصيدة النثر وأجناس أخ��رى ،فهي حسب هذه األخيرة جنس قائم بذاته .وبالتالي سقطت في
24
اجلوبة -شتاء 1431هـ
التناقض التاريخي ال��ذي تحدثنا ع�ن��ه ،إذ أن القصيدة الجديدة ج��اءت ض��د التنميط ،ومن أجل تجاوز القواعد الصارمة ،التي تقيد حرية اإلب ��داع ،وخ��ارج إط��ار أي تصنيف ..وانشغلت بالمقابل بالتجديد ،التجاوز ،اإلب��داع ومحاولة البحث عن الهوية والذات في زمن عربي صعب، ومثخن بجراح الحرب ،وأسئلة مواجهة التحديات الحضارية الجديدة ،وفي مرحلة تاريخية تميزت ببداية ظهور ال�ص��راع بين الهويات واالثنيات، وصعود وتصادم المجتمع الصناعي والمجتمع ال�م��ؤس�س��ات��ي؛ م��رح�ل��ة ت�م�ي��زت ب��ان�ف�ج��ار إبداع اإلنسان ،وبداية إلغاء الحدود الثقافية (بشكل نسبي) ،وب��داي��ة عصر التكنولوجيا ذات الدقة العالية ،المبنية أصال على اإلبداع والتقدم وظهور مفاهيم أخ��رى تمثل إف ��رازا للحياة الجديدة: كالتسامح ،حوار الحضارات ،العولمة ..راجع في هذا اإلطار (غالف عنوان مجلة مواقف)؛ ومن جهة أخرى ،في ظل استبداد المجتمع الصناعي المادي ،جاء النص الجديد ليتمثل الطبيعة في مواجهة الثقافة ..إن «قصيدة النثر» بتعبير آخر تمثيل وإفراز للحياة الجديدة في ظل المفاهيم واإلرهاصات الحضارية الجديدة. إن ق��راءة مشروع وتاريخ قصيدة نثر يفضي ب�ن��ا إل ��ى أن ال �ن��ص يستعصى ع�ل��ى التصنيف الصارم .فهي ليست جنسا ،وال نوعا ،وال نمطا، وال ال شيء أيضا ..إنها تنويع داخل جنس عام ه��و ال�ش�ع��ر ،ب��اع�ت�ب��ار أن ال�ج�ن��س أو األجناس تخضع لسيرورة التطور ،وتتبلور بفعل نحت رياح س �ي��رورة األج �ن��اس ..ال��زم��ن وع��وام��ل المرحلة. وهو وضع طبيعي داخل هذا السياق «ألن تطور األدب المعاصر يكمن أساسا في أن نجعل من كل أثر على حدة ،مساءلة لجنس الكائن األدبي ن�ف�س��ه»( .)18وبالتالي ..فحسب بالنشو فالنص
م������������ل������������ف ال������������ع������������دد
الحديث ،يقترب من تدمير مفهوم الحدود .ومن هنا ،فاألنساق التي تشتغل داخل قصيدة النثر والنص الحديث بشكل عام تتميز باالنفتاح ..لكن سوزان برنار بالمقابل ،تضيء لنا جانبا من البنية الداخلية لقصيدة النثر ،تمثل أرض�ي��ة خصبة لمقاربة المصطلح والبحث عن هويته الضائعة في النهائية التجارب واإلبداعية .تقول في هذا اإلط ��ار« :ف��ي ال��واق��ع إن قصيدة النثر تتأسس ليس فقط ف��ي شكلها ،ب��ل حتى ف��ي الماهية، على اتحاد األض��داد بين النثر الشعر ،الحرية، الصرامة ،الفوضى ،والتناسق الفني»( .)19إذاً، فالوعي بالمستويين عملية إجرائية في إطار مقاربة موضوعية ومنهجية لمسار قصيدة النثر وإرهاصاتها وتمثالتها المختلفة.
وم��ن ه�ن��ا ،ف�ك��ل إط ��ار ت��اري �خ��ي ،وك��ل ن�س��ق من األنساق المتنوعة ،يفرز لنا بالضرورة أجناسا ت�ع�ب��ر ع��ن أي��دي��ول��وج �ي��ات وذه �ن �ي��ات ،ومراحل خ��اص��ة ،وت �ب �ح��ث م�ف��اه�ي��م وم� �ح ��ددات خاصة ب�م�ف�ه��وم األدب واألدب� �ي ��ة .وه ��و م��ا ي��وض��ح أن «ح�ض��ور بعض األج �ن��اس داخ��ل مجتمع معين، وأخ��رى عملية كاشفة لهذه اإليديولوجية»()20؛ وه ��ذا يعني أن خ �ط��اب خ��ري�ط��ة األج �ن��اس هو بالدرجة األولى خطاب إنساني ،يحفر في عمقه التاريخي وتحوالته السوسيولوجية والثقافية، واللسانية والحياتية والالوعي الجمعي .والقول بأن قصيدة النثر خارج المدار التاريخي الشرعي للشعر ،ألنها تستبعد مفهوم العروض التقليدي، أو إنها بديل حضاري نهائي للشعر القديم ،يمثل وعيا خ��ارج األدب ،وخ��ارج الصيرورة الطبيعية للحياة والجنس ،وخ��ارج اإلط��ار المنهجي .فكل جنس أو مجموعة من األجناس القديمة ،تخضع لهذا التغيير إما بقلبها وتحويرها ،أو تغييرها.. وهذا التحديد أو التداخل أو االنزياح أو التحول، يمكن أن يستوعب أجناسا ويذيب أخرى في خانة معينة ،وه��ذا ما يبرر جدلية االختفاء والتجلي التي وسمت بعض األج�ن��اس على م��ر التاريخ؛ وكل هذا ينطبق بالضرورة على األجناس واألنواع واألن� �م ��اط ،ك�م��ا ه��و ال �ش��أن بالنسبة لقصيدة النثر.
إن أول ما أث��ار انتباه الدارسين والباحثين، ه��و المصطلح ال��ذي -حسب رأي األغلبية - ينهض على تناقض ومفارقة من خالل قصيدة/ شعر /نثر ،وهو رأي ال يستند على تصور متين واس �ت��دالل��ي .ويمكن ال �ق��ول :إن ه��ذا التناقض يمثل مظهرا من مظاهر االنسجام الداخلي .كما يمكن أن نستنتج ونحن نقرأ «إشراقات» وقصائد نثر بودلير ،والتي تنهض على ثنائيات الطبيعة والثقافة وغيرها ،ما يمثل تناقضا أو تقابال، والنماذج كثيرة في هذا الباب؛ فالتناقض هنا بنية تتمثل وتتفاعل داخلها مكبوتات العالم على حد تعبير فرويد ،وتكشف عن الوعي والذات، وتجسد من ثم ه��ذه العالقة الجديدة مع هذا األصوات كيمياء الداللة وقصيدة النثر العالم الجديد ،في شكل جديد ،وبتعبير جديد. إن� �ن ��ا ل� ��م ن� �ح ��دد ب��ع��د ت��م��ظ��ه��رات الوعي لكن التناقض أو اجتماع األضداد ليس خاصية بمشروع قصيدة النثر داخل المسار التصنيفي نهائية وقطعية ،ولكنها احتمال من محتمالت ،processus typologiqueول��م نستكمل القراءة. بعد مشروعا تمهيديا لمقاربة نصوص قصيدة ويمكن القول إن قصيدة النثر تتمثل نتاجاً ال �ن �ث��ر .إن ق� ��راءة ه��ذه ال �م �ت��ون المتناسلة من لسيرورة تميز حياة األجناس على مر التاريخ .هاجس التجديد ،ومسالك الحداثة المتشعبة،
اجلوبة -شتاء 1431هـ 25
يفتح أفقا لبناء فرضيات وأدوات جديدة تؤسس وج��اه��ز ،ولكن تعبير ع��ن أن�س��اق ج��دي��دة ،وعن ل�ق��راءة ج��دي��دة ،وموضوعية للظاهرة الجديدة الذات والثقافة.. قصيدة النثر .وم��ن المعلوم أن الشعر القديم الدالئل النصية وشعرية المرجع ش َكّل مختبرا مهما وغنيا بالعينات التي تدرس نستحضر ونحن ن�ق��ارب ه��ذه القضية التي تفاعالت أو كيمياء األصوات ،وتمثالتها النفسية، وعالقتها بعالم ال��دالل��ة .في الواقع إن كل لغة تشكل أحد معالم فضاء «قصيدة النثر» أحد أهم تمتلك مختبراتها الصوتية واإليقاعية التي تعبر التجارب العربية في هذا اإلطار ،والتي حاولت بناء مشروع حداثة شعرية ،تؤثث فضاء الشعرية عن أفكار ،انفعاالت ،أيديولوجيا. العربية .يتعلق األمر هنا بتجربة الشاعر العماني ول�ع��ل ه��ذه اإلستراتيجية ،ه��ي ال�ت��ي دفعت سيف الرحبي .ونظرا لتنوع المشروع (الشعري العالم األنتربولوجي إدوارد سابير ،إلى محاولة ذاته) وكثافة القضايا التي تطرحها مقاربة حداثة االس�ت�ف��ادة م��ن اللسانيات الحديثة ،بخصوص استثمار آلياتها ومكوناتها ،ف��ي مقاربة بعض سيف الرحبي ،سنقتصر في ه��ذا الحيز على الظواهر ..وما يؤكد الدور اإلستراتيجي لإليقاع محاولة الكشف ،عن أبعاد شعرية المرجع من واألصوات في بناء التواصل وتشكيل عالم الداللة ،خالل مجموعة «رجل من الربع الخالي» .وأهمية هو تأمل ظاهرة األصوات عند األقوام والقبائل هذه التجربة تنبع أساسا من تمظهرات المكان المسماة بدائية .فاإليقاع إذاً في اللغة ،ينهض الذي يتمثل باعتباره تجربة جماعية عبره تسافر بدوره بوظيفة خاصة .ولذلك يجب أن يُمَيز بين الذات الشاعرة ،وتترصد تجربتها الشعرية ،من ع��دة مستويات م��ن اإلي �ق��اع ،فهناك اإليقاعات خالل تفصيل جغرافية فضاء الصحراء ،والتاريخ األولية ،وهي تهم اللغة األم .ومن جهة أخرى ،الجماعي المميز له ..ففي نص «أودية وشعاب» «تعتبر بعض اإليقاعات نتاج العادات االجتماعية تتماهى الذات الشاعرة مع المكان الذي تربطها عند بعض الجماعات ،والتي تربطها عالقة مع به قرابة دموية .فهناك عالقة داللية بين حضور اإلي�ق��اع��ات للغة األم ،وخ�لاص��ة ال �ق��ول :إن كل ال �ض��وء وال� ��دم ،باعتبارهما يحمالن مقومات لغة وكل نظام تواصلي وإبداعي يمتلك أنساقه سياقية تدل على الحياة .فضوء المكان شاحب اإليقاعية حسب الجنس النوع ،الجسد .)21(»..على اعتبار ما يحمله المكان من تاريخ األلم ،وقد وتبعا لذلك ،يمكن القول إن اإليقاع في قصيدة راكم النص هذا المدلول من خالل حقل معجمي النثر يخضع لنفس التمثالث .فالنص الجديد ي��رت�ب��ط ب��ال�ف�ض��اء ن�ف�س��ه ،ع�ل��ى م�س�ت��وى البنية ينطلق م��ن فرضية ه��ي أن اإلي �ق��اع أوس ��ع من العميقة (ألهث ،ال بريق ،ال شرب ،الجرحى،).. العروض ،ومتحرر من سلطات التقعيد والتقييد بل إن هذا الضوء الشاحب يتحول إلى دم ،لكنه ال �ص��ارم .إن��ه تعبير وتمثيل ل �ل��ذات ولتجاربها رغم ما يوحي به من األل��م ،فإنه م��ازال (يصل) النفسية( .بغض النظر عن قصيدة النثر ،أنظر يسري باحثا عن الحياة في هذا الفضاء المقفر في ه��ذا اإلط��ار خصائص اإليقاع عند محمود والملغز .وما يالحظ هنا ..هو أن النص يتأسس دروي��ش ،حسب الشيخ جعفر ،)..فاإليقاع هنا على تشاكلين دالليين متعارضين :األول :تشاكل ليس مجرد بنية تجريدية ارتبطت بنسق صارم الموت الذي يوحي بالغياب (ال بريق مدنية يلوح
26
اجلوبة -شتاء 1431هـ
لكني عرفت أن الضوء الشاحب يتسلل من رسغي خيط دم يصل الشعاب بوديانها األولى
()22
إن التعارض بين التشاكلين ال يرسخ بنيات دالل�ي��ة متعارضة ،ب��ل يؤشر إل��ى تشاكل داللي يؤسس لهاجس االنسجام بين الوحدات الداللية للنص: لجلبة تحمل األفق ذريعة للحكاية
()23
إن مقاربة البنيات النصية لمجموعة «رجل من الربع الخالي» تستدعي استحضار مفهوم ال�م��رج��ع ،وال ��ذي ح��اول��ت تجربة قصيدة النثر بلورته وفق رؤية ونسق مغايرين .فالذات الشاعرة «األنا» تعثر من خالل هذا السفر الشعري على هويتها وانتمائها الثقافيين.. وجدت أفقا يعيد إلي اسمي القديم ملفعا بوجوده غائبة وأخرى ستغيب ... وجدت دمعة تستفز المارة من فوق شاحنة في األزمنة البعيدة(.)24
م������������ل������������ف ال������������ع������������دد
وال س��راب اس�ت��راح��ة) .والثاني :تشاكل الحياة الذي يوحي بأن الذات تمد المكان بالدم والماء بما يبعث فيها الحياة.
�اض وحاضر الكائن في بصدد فعل اكتشاف م� ٍ ع�لاق�ت��ه ب� ��األرض ،ب��اع�ت�ب��اره��ا ام �ت��داد جسدي وثقافي ،وأيديولوجي .إن الشاعر في «رجل من الربع الخالي» يتحول إلى عالم حفريات ،يحفر في األنا الجماعية ،والالوعي الجمعي ،ويتجلى ذل��ك م��ن خ�ل�ال ع�لاق��ة ه��ذا ال�ك��ائ��ن اإلنساني ب��األرض -الهوية -الصحراء .فهذه القصائد رصد لجغرافية هذا المكان في أبعاده األفقية والعمودية ،ولفضاء الصحراء بشخوصه وأحداثه وتاريخه.. عجائز الطرقات يستجدون بسمة عابر في وجودهم مرايانا وفي حدبة العمر أيامهم معلقة في ذكرى كسنام يواجه فيض الصحراء
()25
ولعل البعد المرجعي يترسخ حين استحضار الشاعر معالم أدبية (مصطلح) ،أو شخصيات تاريخية كما في قصيدة «سليمة األزدي» السهام التي انطلقت ف��ي بطن ذل��ك القفر المعتم، الغليظ العتمة ،من قوس سليمة األزدي باتجاه والده مالك وباتجاه التاريخ
واستحضار بعض المعالم األدبية التي وسمت ه ��ذا ال �ف �ض��اء -ال �ص �ح��راء -ب��اع�ت�ب��ار أبعاده بل سهام محبة في ذل��ك الليل القصير من الحضارية ،يرسخ البعد الثقافي العميق بالمعنى ()26 الفلسفي الشامل للمصطلح المرجع .هكذا نجد شبه الجزيرة . أسماء أمكنة ،أشخاص ،عناوين أسماء حيوانات، هكذا تستنفر ال��ذات الشاعرة المتخيل لبناء تؤشر على ه��ذا البعد المرجعي الثقافي (ليل المرجع الشعري المكون السردي ،في إطار حداثة ام��رئ القيس ،أودي ��ة وش �ع��اب) .إن ال ��ذات هنا ت��روم توسيع أف��ق النص ،ومحاولة االنفتاح على ليست سهام غدر وخيانة
اجلوبة -شتاء 1431هـ 27
إمكانات واحتماالت مغايرة ال تخلو من هاجس تأصيل ،والبحث عن جذور عميقة للكلمة الشعرية والقصيدة العربية .جذور تنبت في تربة عربية دون انغالق يؤدي إلى تجمد الفكر واإلبداع ،واحتضار ال�ك��ائ��ن ف��ي مستنقعات ال�ع��زل��ة .واالن�س�ج��ام في النص ،فالذات تتماهى جسدا وروحا مع المكان (الصحراء) ،بل إنها لتبعث فيه الحياة من جديد. ففضاء الصحراء يتمثل كرمز لالرتباط ،إذ يربط بين أوصالها عبر ال��دم والماء (ال��ودي��ان) .ورغم الطابع المأساوي الذي يوحي به المكان هنا ،فإنه ال يخلو من احتفالية وتفصيل للتاريخ ووقائعه وجغرافية الفضاء المترامية: في الليلة األخيرة التي تشبه قلبا ينفجر على منعطف في هذه الليلة أصغي بين أضلعي لزئير األجداد ذاهبين إلى الحرب مقتفين أثر الكالب المندفعة كمبضع ينتهك صدر الصحراء لخيولهم تحمل جثث األعداء عبر المفازة للمعان األجنة والبطون المبقورة ()27 لجلبته تحمل األفق ذريعة للحكاية ويستمر تشاكل الموت أو مأساة الصحراء في بسط تفاصيل المكان ،فالصحراء هنا رحم نصي يؤشر على المرجع النصي الذي يتشكل انطالقا من خالل نسق سردي في النص .وهذا ما يتضح من خالل مكون الحرب ،وهنا نالحظ انفجاراً للدليل. إذ ال تنحصر م��ؤش��رات�ه��ا السياقية ف��ي ماضي المكان ،بل أبعادها متجذرة في الحاضر ،وهكذا فالجدل بين الماضي والحاضر ،باعتبارهما ثنائية تؤثث ه��ذا الفضاء وتسمه ،يحمل ت��وت��را خاصا تعيشه الذات الشاعرة .ولعل قوة الصورة الشعرية وسلطتها تساهم ف��ي ب�ن��اء ه��ذا التشكل ،وخلق
28
اجلوبة -شتاء 1431هـ
األبعاد الشعرية العميقة لهذه النصوص ،باعتبارها تمثل حداثة خاصة داخل المشهد الشعري العربي، فالليلة األخيرة في هذا المكان تشبه قلبا ينفجر، باعتبار أن الليل يحمل مجموعة من السمات التي تتماشى مع فضاء الصحراء :العزلة كالصحراء، الهموم ،الخالء ،األلم ،الحرب ،الطول ،الشساعة.. وبالتالي يتحول ليل الصحراء إل��ى دم��اء تنزف، بل الصحراء نفسها نتيجة تراكم ه��ذه السمات، وبالتالي فهذه البنية تعكس فقط تفاعل عناصر متباينة على مستوى المعنى (القلب ،االنفجار، زئ �ي��ر ،ال�م�ب�ق��ورة ،ينتهك ،ال �ص �ح��راء ،األج� ��داد). ويعمد الشاعر إلى تقنية تضعيف الجزئيات من أجل إضفاء شعرية خاصة على عالم الصحراء، فالقلب (الصحراء) بعد أن استنفد قدرته على تحمل األلم ،والهاجس الوجودي للذات ،لم ينفجر إال في الليلة األخيرة .ففي هذه الليلة بالضبط.. ومرة أخرى تتعطل إرادة الوصول ،بعد أن تعطلت في النص األول ،وينغلق النص على إيقاع مأساة الذات( ،في هذه الليلة أبتكر حربا أخرى وأمضي)، وهي تقنية ،غالبا ما نجدها في نصوص قصيدة النثر .فهي إب��دال لإليقاع الكالسيكي ال��ذي كان يستند على تقنية التدوير ،دون أن ننسى أن النص الشعري الحديث -كما تبين من خالل المقاطع السابقة -يستثمر مكون السرد داخ��ل الخطاب الشعري .فالنص أو النصوص التي تؤسس لتجربة سيف الرحبي ،غنية باألخبار ،وذك��ر التفاصيل، ف��ال�م�ك��ان ش��اه��د ع�ل��ى وق��ائ��ع وأح� ��داث م�ث��ل قوة األج��داد وتاريخهم ،وال�ص��ورة -زئير األج��داد - تترجم ه��ذه ال �ق��وة ،حيث شبه الشاعر األجداد باألسود ،وحذف األسود وأبقى على أحد لوازمها وهو الزئير ،دالل��ة على شدة البأس في الحرب. وه��ذا يحيل ف��ي نفس اآلن إل��ى الجانب التراثي في النص الحديث .فقصيدة النثر ال تتوانى في
م������������ل������������ف ال������������ع������������دد
نسج الحوارية مع نصوص سابقة تراثية تكشف من خالل قراءة النصوص التالية ،ويمكن أن نمثل ع��ن الهوية وم��أس��اة ال ��ذات ،وشعرية األل��م الذي للثنائيات التي يتأسس عليها التشاكل سابقا من يسم ويحمله فضاء ال�ص�ح��راء( :كمبضع ينتهك خالل المربع السيميائي التالي: ص��در الصحراء) ،فالكالب التي شبهها الشاعر الالوصول الوصول بمبضع -وهو يهم باصطياد الفريسة ،والقضاء الموت الحياة على كائنات الفضاء وانتهاك حرمة الطبيعة .ورغم وهكذا يتحول المكان -الصحراء -إلى فضاء أثر الواقع الذي يكتمل أخيرا ويؤشر على امتداد ينبض بالحركة والشخوص واألحداث ،ومن هنا.. مأساة المكان في الذاكرة والماضي الحاضر - فمقاربة البنيات النصية لمجموعة «رجل من الربع فإن الشاعر يرسم صورة المكان الصحراء باعتباره ال �خ��ال��ي» تستدعي اس�ت�ح�ض��ار م�ف�ه��وم المرجع، فضاء ديناميا متحركا غنيا ،ال مجرد فضاء قاحل وال��ذي حاولت حداثة سيف الرحبي بلورته وفق متجمد .ويالحظ هنا تأخير الفعل وتقديم االسم رؤي ��ة ون�س��ق خ ��اص .ف��ال��ذات ال�ش��اع��رة تعثر من ال�م�ج��رور ،فالنص ينتهي بفعل ،مما يؤشر على خ�لال ه��ذا السفر الشعري عبر الصحراء ،على استمرار الحدث والزمن ،وبالتالي استمرار الحركة هويتها وانتمائها الثقافيين ،واألنا ال يمكن أن تمثل ()29 والحياة داخل هذا الفضاء .وبذلك يمكن القول إن موضوعها «إذا لم تربط عالقة وجودية معه» «االهتمام لن ينصب فقط على اللفظة االستعارية ،فنجد ال ��ذات ال�ش��اع��رة تعثر على األف ��ق ،والذي ولكنه سينصب أيضا على العناصر غير التصويرية يحمل سمات تشابه وترابط مع األرض ..الصحراء داخل إطار تلك العناصر التي ترتبط بها االستعارة (االمتداد ،البعد:).. تركيبيا»( ،)28بل إن كل مكونات الخطاب هنا من وجدت أفقا يعيد إلي اسمي القديم ب�لاغ��ة ،ن�ح��وا ،وتركيبا ،وإي�ق��اع��ا ،معجما تتعالق ملفعا بوجوه غائبة وتتفاعل لتنسج شعرية القصيدة وأبعادها العميقة. وأخرى ستغيب ولكن ما يعمق ويميز تجربة قصيدة النثر -كما وجدت دمعة تستنفر المارة سبقت اإلش ��ارة -ه��و انضمام المكون السردي من فوق شاحنة لتعميق ش�ع��ري��ة ال �ن��ص .وق ��د تلمسنا ذل ��ك من لقد ذرفها فالح في األزمنة البعيدة(.)30 خ�لال الخطاطة االف�ت��راض�ي��ة التالية ف��ي النص والتوسل بالتسويف (ستغيب) يؤكد الثنائية الذي حللناه سابقا :حضور عامل ذات يرغب في ال�س��اب�ق��ة ،واالم��ت��داد ف��ي ال�ح��اض��ر .إن�ه��ا جدلية امتالك موضوع قيمي هو الوصول (رمزيا) وعبور الماضي الذي يمتد إلى الحاضر .إن استحضار ال�ص�ح��راء وال��وص��ول إل ��ى ..لكن ع��ام�لا معاكسا بعض المعالم األدبية التي وسمت هذا الفضاء - سيحول دون هذه الرغبة (الحرب) ،بما يمكن أن الصحراء -باعتبار أبعاده الحضارية ،يرسخ البعد توحي به كما حللنا سابقا .وبالتالي هناك تحول الثقافي العميق ،هكذا نجد أس�م��اء وأشخاصاً، سيظهر على جسد النص ،فبعد عالقة االتصال عناوين نصوص أدبية أسماء حيوانات ..تؤشر على التي ميزت عالقة الذات بالصحراء ،سيطرأ تحول هذا البعد المرجعي الثقافي ،الذي يوجه عملية هو االنفصال ..لكن ال��ذات ستعاود م��راودة هذه القراءة .وبالتالي يمكن القول إن الذات الشاعرة الرغبة ،وينفتح األفق النصي على احتماالت أخرى هنا بصدد فعل اكتشاف م��اض وح��اض��ر الكائن
اجلوبة -شتاء 1431هـ 29
في عالقته ب��األرض الصحراء ،باعتبارها امتداد جسدي ثقافي إيديولوجي« .ذلك الكائن البشري ال��ذي يتوجب عليه أن يشهد ما هو عليه ،أي أن يكشف إنه يشهد انتماءه لألرض»( )31فالشاعر رجل من الربع الخالي يحفر في التاريخ الجمعي واألنا الجماعية .ويستحضر تفاصيل المكان والذاكرة، وال يتوانى في محاورة التراث واستدعاء نصوص وأحداث من الذاكرة ،تنسج شعرية فضاء الصحراء. إنه الفضاء الذي يتحول إلى مكان دينامي ،وغني بالحياة واألحداث.
المعاصرة ،بل من غير المجدي إجرائيا ومنهجيا، البحث ع��ن تيبولوجية ص��ارم��ة ونهائية لمشروع قصيدة النثر .وهذا ال يعني بالضرورة كما ذهب إل��ى ذل��ك بعض الباحثين والمنظرين والشعراء، إقصاء أي مشروع لدراسة قصيدة النثر من نظرية األجناس ،وإنما كان هاجسنا هو تلمس الخطوات األولى على سطح هذا العالم الجديد .وهذا ينبع أساسا من التصور الذي ينبني عليه انبثاق مشروع قصيدة النثر ،ال��ذي ج��اء لتمثيل ال��واق��ع الجديد الذي تعيشه الذات وتحوالته ،ومختلف إرهاصاته.
ويستعصي على الباحث في الشعرية العربية
وي�ج��در بنا ف��ي ه��ذا اإلط��ار أن نتتبع قصيدة النثر ،ضمن هذا التشكل الثقافي للحياة الجديدة. لقد ج��اءت الكتابة الجديدة كما أطلق عليها من طرف هيئة تحرير مجلة مواقف ،لتعبر عن هذا االنفجار ،ولتكسير الموضة واألن�م��اط الجاهزة، وتأسيس إب��داالت جديدة ،أي البحث عن أنساق ورؤى ج��دي��دة للكتابة وال �ع��ال��م .وه ��ذا يعني أن ال�م�ش��روع الحقيقي لقصيدة النثر ان�خ��رط منذ البداية ف��ي تأسيس المجتمع الجديد ،ومواكبة انشغاالت الذات العربية ،والكشف عن بنية التفكير ال�ت��ي ت��ؤط��ر ه��ذه ال���ذات ،وع��ن ال�لاوع��ي العربي وأسئلة الواقع والعصر .كان من الضروري إذاً أن تنطلق في هذا السياق من اإلبداعية إلى الحداثة. ومشروع الشعرية العربية لم يتميز بحداثة واحدة بل هناك حداثاث راكمت هذه األسئلة.
وهنا ،ال بد أن نستحضر ونحن نقارب مفهوم شعرية المرجع -تأملوا المفارقة في قصيدة النثر أهم تيمة نخلص إليها من خالل هذه الدراسة،وهي تمثالت خطاب الرحلة في هذه النصوص. إنها كما تبين سابقا رصد للرحلة الجماعية للذات وامتداداتها التاريخية والثقافية -المرجع -في فضاء .وال نعدم مكونات هذا الخطاب مثل مكون الوصف ،كما يمكن أن نلمس من خ�لال التحليل السابق .فالشاعر وصف فضاء الصحراء بطقوسه وع��ادات��ه وجميع تشكالته األنتربولوجية ،ورصد مظاهر الحركة في الفضاء مستخدما مكون السرد. ومن خالله تظهر الذات رؤية للعالم ،وللكتابة التي تصل الماضي الثقافي بهاجس الحاضر وأسئلته المقلقة.
1 .1محمد الماغوط :ديوان محمد الماغوط ،اآلثار الكاملة ،دار العودة ،بيروت 1973م ،ويضم الديوان ثالثة أعمال هي: «حزن في ضوء القمر ،غرة بماليين الجدران ،الفرح ليس مهنتي». 2 .2تكتب خالدة سعيد عن ديوان الماغوط« :حزن في ضوء القمر» دراسة بعنوان« :معاقرة الحزن والتشرد» نشرت أوال في مجلة شعر العدد 11السنة الثالثة 1959م ،ثم نشرت في كتابها :البحث عن الجذور ،فصول في نقد الشعر الحديث ،دار مجلة شعر ،بيروت ،الطبعة األولى إبريل (نيسان) 1960م ص .ص 80 – 71وفيها: «حزن في ضوء القمر مجموعة شعرية لم تعتمد الوزن والقافية التقليديتين .وغالبية القراء في البالد العربية ال تسمي ما جاء في هذه المجموعة شعرا باللفظ الصريح .لكنها تدور حول االسم ،فتقول إنه (شعر منثور) ،أو (نثر شعري) ،أو (نثر فني) .وهي مع ذلك تعجب به وتقبل على قراءته ،ليس على أساس أنه نثر يعالج موضوعات ،أو يروي قصة أو حديثا ،بل على أساس أنه مادة شعرية .لكنها ترفض أن تمنحه اسم الشعر» «وهذا طبيعي من وجهة نظر تاريخية بالنسبة للقراء العاديين .أما النقد فيجب أن يكون اكثر جرأة – أن يسمي األشياء بأسمائها الحقيقية. أنا أعتبر هذا (النثر الشعري) شعرا» ص .71
30
اجلوبة -شتاء 1431هـ
م������������ل������������ف ال������������ع������������دد
وتسمي نازك المالئكة ديوان الماغوط األول« :حزن في ضوء القمر» بـ(الخواطر). 3 .3محمد الماغوط :ديوان محمد الماغوط( .مصدر سابق). 4 .4كما في« :المطر لي ،المطر والرعد والريح والشوارع هي ملكي ،ومعي وثيقة من السماء بذلك» المصدر السابق: ص .ص .320-319 5 .5المصدر السابق :الصفحات (ص ( ))142( )269 -268ص .)273 6 .6خالدة سعيد :البحث عن الجذور :ص .ص .76-75 7 .7محمد الماغوط :ديوان محمد الماغوط الصفحات20 ،19 ،16 : (8 .8المصدر السابق ص)19 -16 . (9 .9المصدر السابق ص .ص )82-81 1010المصدر السابق ،الصفحات( :ص ( )17ص ( )25ص ( )30 ،29 ،28ص)154 1111المصدر السابق( :ص .)60-59 .Tziftan. todorov. les genres du discours. ed:seuil. paris. 1978. p: 511212 .G. lesprchy. la linguistique structural. ed: petite bibliotique. payot. paris. 1976. P:1851313 1414منشورات كلية اآلداب والعلوم اإلنسانية الرباط ..1997 .محمد معتصم .3مايكل ريفاتير .دالئليات الشعر .ترجمة ص.78 : 229 .:p .1966 .R. barthes. essais critiques. ed:minuit. paris1515 1616شهاب الدين أحمد بن عبدالوهاب النوييري .نهاية اإلرب في فنون األدب .وزارة الثقافة واإلرشاد القومي .بدون تاريخ .دمشق .ص.127 : 1717أبو محسن حازم القرطجاني .منهاج البلغاء وسراج األدباء .تحقيق وتقديم :محمد الحبيب الخوجة .دار الغرب اإلسالمي .ط .3بيروت .ص.19: .Tziftan. todorov. les genres du discours. ed:seuil. paris. 1978. p:441818 suzan bernard. le poeme en prose de baudlaire jusq a nos jour.. ed:nizit. Parit. 1959. P:1111919 :Tziftan. todorov. les genres du discours. ed:seuil. paris. 1978. p2020 :edward sapir. antropologie. TD: christian baudelot. pierre cliquart. introd: christian ba&udlot. ED: minuit. 1967. p2121 2222سيف الرحبي« .رجل من الربع الخالي» .دارالجديد بيروت1993 .م. 2323المرجع السابق نفسه. 2424المرجع السابق نفسه. 2525المرجع السابق نفسه. 2626المرجع السابق نفسه. 2727المرجع السابق نفسه. 2828مايكل ريفاتير .دالئليات الشعر .ترجمة وتقديم :محمد المعتصم .منشورات كلية اآلداب والعلوم اإلنسانية .الرباط. 1997م. .Roman jakobson. essais. de linguistique general. Td:nicolas ruwet. ed:minuit. 1963. p:1792929 3030سيف الرحبي« .رجل من الربع الخالي» .دار الجديد بيروت1993 .م. 3131المرجع السابق نفسه. 3232مارتن هيدجر .المنادى إنشاد .ت وتلخيص :بسام حجار .المركز الثقافي العربي ال��دار البيضاء1994 .م. ص.57: شاعر وناقد سوداني مقيم في الرياض. * شاعر وناقد من السعودية. ** *** شاعر وناقد من مصر. **** كاتب وناقد من المغرب.
اجلوبة -شتاء 1431هـ 31
التناقض الوجودي وما ورائيات النص عند محمود البريكان
(الغريب الذي لم ير وجهه أحد أنموذجاً)
> صفاء خلف*
التمازج المحتدم بين السيرة وجمالياتها اإلبداعية ،شكل مفص ًال مهم ًا في بنية البريكان الكلية؛ لذا ،فإن قراءة نتاجه بعيد ًا عن محاولة فهم عزلته ،ليس باألمر الهين؛ بسبب اإلشكاالت المبثوثة في جسد الطرح الشعري ،والمسكوتات التي تتمركز في ما ورائيات نصه. ف��ال��دخ��ول إل ��ى عوالمه ال �خ��اص��ة ،اج �ت��راح للواقع، وجعله إطاراً أميبياً للحالة، ال للسفر عبر أغوار ومدخ ً م�ب�ت�ن�ي��ات ال �ن �ت��اج الغامض المليء بتناقضات الكينونة والوجود. التناقض الوجودي ،ارتكاز متواز على خطين :سلوكي وإبداعي ،يتمحور ٍ ال عوالم متداخلة. في الذات مشك ً وم��ا ورائ �ي��ات ال�ن��ص ،م��زي��ج م��ن تقنية صورة (عالمات ترقيم /تنقيط) ،واالحتكام إل��ى االش�ت�غ��ال العقلي بتوظيف نظريات علمية لها ،عالقة وطيدة في ترسيخ تيمة الحدث وإعطائه بعداً حقيقياً لمواجهة تحديات العصور التي تتجول فيها كائناته
32
اجلوبة -شتاء 1431هـ
الشعرية المهمشة والمغيبة دوماً. التناقض ال��وج��ودي وما ورائ��ي��ات ال �ن��ص ،ن�ج��د لها ص��دى كبيراً في القصيدة األنموذج ،للحيز الكبير الذي تشغله فيها ،والذي ال يمكن إغفاله لما له من إيحاءات عالية االستشعار بالذات والمحيط.
القصية ّ الومضة الرصف التمهيدي لتصاعد المشاهد في جسد الطرح الشعري يمتلك حسية األشعار بالتواجد (المُغيَّب) في الذاكرة واألرض ،ويتفضى بوابة الفتتاح الحدث باإلخبار المباشر؛ ممهداً لحيثيات تأليف
(لعلك يوماً سمعت عن البدوي العجيب
الذي كتب الله أن ال يموت وأن ال يرى وجهه أحد). امتشاق التصحر الحلم من فيافي الضياع عبر التساؤل الكبير المطروح في مفاصل القصيدة بتنويعاتها ،خلق رشقاً من مثابات سيسيولوجية يبحر بها ،عارضاً تأمالته غير محدودة المكان، المستفزة في إمكانية قياس الزمن. (أنا البدوي الغريب ..يجوب البوادي ال إلى أخر ال فجي ً ويطوي العصور ويعبر جي ً األزمنة).
-2أن ال يرى وجهه أحد. اإلشكالية األول� ��ى ..تتمخض ف��ي تواصلية وهالمية الزمن بوصف الكائن (شاهداً أبدياً)، إما قاصداً العيش في ظل عوالم متداخلة ،أو قسراً بفعل ضرورة الخلود المستمكن في خبايا التوق الدائم ألسر الفناء واالسترسال في الكيان الوجودي للكشف عن أوجهه المتعددة.
دراس����ـ����ـ����ـ����ـ����ـ����ـ����ـ����ـ����ـ����ـ����ـ����ـ����ات
صلة بين المتلقي وال�ك��ائ��ن ال��ذي يتحرك في القصيدة باستدراكين من قبل قوة عظمى تمتلك ال من مفازة إل��ى أخرى ،هيمنة امتالك المصائر: أج��واء القصيدة متنق ً وفق التصاعد الدرامي لتاريخيته. -1كتب الله أن ال يموت.
وتلك رغبة البريكان نفسه ..ال��ذي «اعتاد ال��دخ��ول ف��ي ال�ت�ن��اق��ض ،وأن ي�ج��د الكثير من الجمال في وجه الحقيقة» وفق تعبيره. (حفظت أغاني الزوابع عبر األفق وكنت أمرأ القيس في التيه ،والمتنبي
إن هذا التنقل ما هو إال شكل إيقاعي ،ليس في الطرق النائية ،وفي عزلة الروح إيقاعا موسيقي النظم ،متراتبا يناغم النسيج ال�ع�ض��وي ف��ي ط��رح ال�ث�ي�م��ات ،وي�م�س��رح البناء كنت المعري رهين السجون الثالثة). المضموني؛ وصوالً لتركيب الشكل من حيث (أن وم��ن ال�م�ع��روف أن أب��ا ال �ع�لاء ال�م�ع��ري كان الجمال الشعري الحقيقي ،يكمن في امتصاص رهين المحبسين؛ العمى وعزلته عن المحيط، الشكل الفني لموضوعه ،أي «لجوهر االنفعال والبريكان ،تقمص الشخصية المعرية ،مضيفاً اإلن�س��ان��ي»( .محمود البريكان) تصحر الحس عليها محبساً ثالثاً ..أال وه��و (عزلة الروح).. وانسداد بؤرة الشعور وانقياد المصير نحو عزلة وهذا فيه وجهان: سلوكية ،سمة للزمكان ال��ذي ع��اش فيه ذلك الوجه األول :لم يشأ البريكان استخدام البدوي المقهور. مفردة (محبس) أو (محابس) المقرونة برهين هذه العزلة السلوكية ..هي في األصل نابعة المحبسين؛ ألنها ال تستنفر لدى المتلقي الطاقة من جوهر حياة البريكان مضفياً عليها (عزلة الحسية ال�ت��ي ي��ري��ده��ا ،وال�ت��ي تفجرها مفردة إب��داع �ي��ة) ،وه��ي «ال �ع��زل��ة الحقيقية ال�ت��ي كان (سجون) ،لما لها من وقع نفسي حاد في تشكيل البريكان يجاهد من أجل إنمائها وتعميقها ،ليبقى الصورة المأساوية للعزلة؛ و(السجن) ،ال يمكن شعره منعزالً ومختلفاً» (عبد الزهرة زكي). فرضه من الداخل ،أو حتى من اإلنسان نفسه وال�ع��زل��ة واالخ �ت�لاف حُ ��ددا ف��ي ن�ط��اق هذه ضد نفسه ،بل يفرض من قوة الخارج المؤثرة؛
اجلوبة -شتاء 1431هـ 33
أي أنه أراد أن يصور األمر على أن العزلة التي وج ��وه أخ� ��رى ..ن�م��ت ط�ب�ق��ات ت��راك��م األح ��داث أوجدها (هو) والمعري ،كانت لضغوط خارجية عليها ،فغيبها ،فأصبح ذا وج��ه أميبي يتلون مورست ضدهما بشكل غير مباشر أو مباشر .ويشكل وفق تغير المحيط بإرهاصاته ،بوصفه الوجه الثاني :أن البريكان يرى أن الحياة (شاهداً أبدياً): (نمت طبقات الزمان ه��ي م��وت الش �ع��وري ل�ل��روح بتقزيمها بقالب ال يحتويها ،خالقاً «فجوه بين الروح والقالب» ،هذه على جلده .فهو ال يتذكر صورته، الفجوة هي التي تتحرك وتجوس وتتمحور حولها صورة البدء). حياته ،وب��ذل��ك تبقى ال��روح على ضفة انتظار وهندسة الوجه البريء (المستدير) ال يمكن االنعتاق نحو مجالها الحيوي المفروض أن تكون فيه ،وبين القالب المموه الذي وضعت فيه .وهو تغييرها ،لكن من الطبيعي جداً أن يتلون اإلنسان بذلك يؤسس خطاً فكرياً غرائبياً يلغي فيه حتمية ويستجير بأخر ال يكشف عن براءته: الكينونة والوجود ،مع أن الحياة ما هي إال موت (وراء قناعي القديم /بصيص براءة) ضروري واضطراري لتمارس فيه الروح فعالياتها التي ال يمكن العيش بها في دائ��رة موحشة التشذيبية والتقويمية ،وصوالً إلى الكمال الذي فيلتهم.. ال يتم إال من خالل الخروج من زنزانة الجسد (أن� � ��ا ف���ي ع ��ال ��م ي �ت �ف �ج��ر ح ��ول ��ي بإيقاعه (عزلة ال��روح) ،لتحيا في رحابة الكون الفسيح، المتوحش) مزهوة بالفضاء المطلق. أم��ا التقدير الثاني ..االن ��زواء عن الفعل (هذا الرميم متى يتحرك؟ االستعراضي اليومي ال��ذي قد يسبب له هدم هذه العروق متى تتدفق بالدم؟ مبنياته المثالية ،ويحيلها هامشاً تختزنه الذاكرة، هذه اليد الذابلة متى تتحرر من موتها؟). وق��د يصيبه النسيان واالس �ت �غ��راق بالملهيات اإلشكالية الثانية ..االعتكاف ،كان أحد أركان اليومية ،وفضفاضة االنغماس فيها ،قد تسبب حياته المغلقة ،التقدير األول :جاء محموال في له صدمة نفسية على صعيد أخالقي ،تؤدي به ثنايا القصيدة ،وه��و تقدير (نصي) في الوجه إلى الخروج من كيانه الذي أسسه على المثالية ال���ذي غضنته ال �م �ه��ال��ك ،وش��وه��ت تضاريسه والرقي المعرفي والفكري ،ومع ذلك ،بقي يتصل ال� �ح ��روب ،ورس��م��ت ع �ل��ى أرج ��ائ ��ه السقطات بالحياة عبر قنوات رفيعة ،تضمن له وصول رؤية ال�خ��ارج دون خ��دش لمخيلته ،وه��ذا مبني على المتوالية عالماتها: أساس التعامل مع البريكان إنساناً ،ومن ثم ذلك (وجهه األول المستدير البريء، التشابه الغريب مع البدوي في قصيدته. الذي غضنته المهالك وافترسته الحروب وخطت عليه عالماتها).
المستوى األول..
جدالً ،هناك وجه أول ،فإنه بالضرورة وجود (أن��ا هو ذل��ك… على الموت تسقط ذاكرتي في
34
اجلوبة -شتاء 1431هـ
وم��ن المالحظ أن الشاعر عمد إل��ى تركيز ضمير (األن���ا) ،تتكرر ثماني م��رات ف��ي سياق عملية موازنة التركيبة الشعرية. يقابلها ت��واف��ق ف��ي التكنيك اإلب��داع��ي من حيث ..أن فعل (الموت) يعني انفصال اإلنسان ويمكن أن نحدد وظائفها: -1ال �ت �ك��رار ج��اء مبنياً وف��ق اح �ت��واء العمق لـ عن الحياة المادية بكل الجوارح ،ومنها الحسيه (الفعل /الصورة) إذ أن كل أنا جديدة تعني كـ (العين) التي تقوم بفعلها البصري من خالل انعكاس الضوء فيها ،وسقوطها في الظالم ،يعني بداية الشروع بتوظيف جديد ومغاير. انعدام الرؤية التامة ،وبذلك تنتفي الحاجة لها ( -2األن ��ا) األول ��ى ج��اءت بعد عملية الومضة عملياً .ومن باب أخر ..أن فعل الذاكرة يتوقف القصية (لعلك يوما )..والتي بعدها يستقريء على عمليات التصوير والمونتاج داخ��ل العقل. هيكليته العامة ..تأتي (األنا) لتفاجىء المتلقي وإخضاع الذاكرة للفراغ الموحش. بأن الشاعر (هو ذاك) ،وبذلك يتحول النص وهناك أيضا توافق مادي أخر وهو: إلى منولوج داخلي يبدأ الشاعر ليبث ثيماته في التكوين. الذاكرة ___ الشاهد األبدي -3أرب ��ع ت �ك��رارات ل �ـ (األن� ��ا) ..ج ��اءت مقرونة بمفردة (ال��ب��دوي) ،وأول �ه��ا ج��اءت مفرده.. (الغريب) مضافة إليها ..وه��ذا التخصص جاء كتمييز عن التكرارات األخرى من جهة لوجود مد طوبوغرافي له عالقة حضارية بالبداوة لها تقليعاتها.
دراس����ـ����ـ����ـ����ـ����ـ����ـ����ـ����ـ����ـ����ـ����ـ����ـ����ات
الظالم) (أن ��ا ال �ش��اه��د األب� ��دي ع�ل��ى ال �م��وت تسقط ال ي�م�ك��ن أن ن��دع��وه��ا اس �ت��رج��اع �اً للذاكرة ذاكرتي في الظالم) المغيبة ،حيث تأسيساتها على استعراض تاريخية هناك توافق في التركيبة الجملية: ال لتركيز (الفادي الطليق) المأسور البدوي مدخ ً ف ��ي الظالم ع� �ل���ى م���وت و(البطل المنقذ) المهزوم ،في زوايا توثيق الحالة جار ومجرور جار ومجرور بشيء من الشجن والتأسف.. معرفة معرفة
ب�م��ا أن ال �ك��ائ��ن ك ��ان م�ب�ث��وث�اً ف��ي األح���داث المكانية والزمانية ..فحصيلة الخروج فيها هو الذاكرة ..ومن هذا نستخلص أن (فعل السقوط) هو اإلسفين الغريب في التركيبة الشعرية وحياله قلق ،وهذا سنبينه:
-1ليس الموت هو ال��ذي ينقض على الذاكرة، -4ث�ل�اث ت��ك��رارات ل �ـ (األن � ��ا) ..ج ��اءت تحمل بل هي الذاكرة التي تنقض على الموت .دون مفاهيم جديدة (الفارس والضيف /الزائر/ الوعي الكامل منها في احتماالت عرضية: الشاهد األبدي) ،وتنقل صوراً تعبر عن حدود أ -إن الذاكرة بتحررها من غاللة الجسد بفعل زمنية ومحددات مكانية. الموت ،تمارس فعالياتها في رحابة الكون ينتهي المستوى األول بإشكالية متداخلة الفسيح مزهوة بالفضاء المطلق. األبعاد وهي..
اجلوبة -شتاء 1431هـ 35
ب -أو تفاجأ على العكس ،لتجد أن الموت نفسه ت��واط��أ م��ع ق��وى ال �ظ�لام ل �ي��رزح ه��و ونفسه والذاكرة تحت وطأتها.
النسق الخطابي تعدلت لغته من االعتراف إلى اإلثبات فالمواصلة ..وهذا التغيير جاء نتيجة تبدالت هائلة في المحيط ،أثرت على نفسيته، �رط بقيمه وجعلته ي�ن�ق��اد لفعل ميكافيلي م �ف� ٍ األخالقية ،وينسى ضرورته ،وبحال وجوده إلى التهميش كواحد من الذين يزجون في السلطة وأالعيبها دون الوعي لشخصيته وإرثه الواعي.
-2فعل ال�س�ق��وط ق�س��ري وعنيف ف��ي إخضاع الذاكرة للسكوت .فكان سقوطاً حراً للشاهد وال��ذاك��رة وال�م��وت بفعل ح��رف الجر (على) الموحي بالسقوط من األعلى نحو الهاوية، واالس�ت�ق��رار فيها م��أوى نهائياً بفعل حرف ك��ذل��ك إن ه��ذا المستوى ه��و اس�ت�ك�م��ال ،أو الجر (في). بفارق غير كبير زمنياً ،لكن التغيير الحاصل كان وبذلك أصبح (الموت) ليس المرحلة النهائية ،على صعيد الفضاء العام وصعيد اللغة. أو المحطة األخيرة ،بل نقطة عبور ،فوجدت الفضاء العام ال��ذاك��رة نفسها مستمرة ف��ي السقوط نحو ف�ف��ي ال�م�س�ت��وى األول ،ك ��ان ال �ف �ض��اء العام الظالم. مميزاً بروحيته اإلنسانية ذات الهموم المشتركة -3فعل الظالم :حتمي ومجحف في االستغناء المطلقة في التعايش السلمي ،والبقاء (قصداً عن الذاكرة واالنزواء عن الحركة في خضم أو قسراً) خارج نص السياسة ،وبقاءه متفرجاً ال��وض��ع ال �ج��دي��د ،ك��ذل��ك أن ال �ظ�لام يمثل المحطة النهائية وقاعدة الثبات األخير ،إذ محايداً ،تأثر ولم ينجرف في التيار .وهنا اختل أن الموت بإمكانه أن يكون القاعدة األخيرة ،الفضاء من:
إال أن��ه ج��اء كمرحلة ممهدة بين فضاءين -1روحية الفضاء العام: (ال �ح �ي��اة /ال��ظ�ل�ام) ،ف��أص�ب��ح م �م��راً ،وقناة العبور للمصب األخير.
المستوى الثاني رجع الذاكرة القريب (أقمت على صخرة الروح مملكتي…) (كنت أملك هذا اللسان وال أتذكر شيئاً)
اختلفت روح �ي��ة ال�ف�ض��اء ال �ع��ام ،ب��أن أصبح جوها مشبعاً بالسياسة وأالعيبها وسقطاتها ،ما أثر بشكل كبير على الخطاب المروي من حيث التعامل السيمولوجي مع األح��داث التاريخية، وبشكل غامض ومبهم ،لكنه مكشوف بالقراءة المعمقة ،وتتبع الترتيب النسقي للقصيدة في جزئها هذا.
التالحق المبتكر النحناءات الوفق ضمن فضاء النصف م��ن اللوحة القصيدة ،م��ارس تمازجً ا بعدما كان شاهداً متفرجاً حيادياً في المستوى نصياً /سلوكياً مع تكوينات المستوى األول.. وهذا المستوى مبنياته تعبىء الكائن المتحرك األول ..رفض أن يلعب نفس ال��دور المستعبد، في وفقها ال شعورياً باإلفرازات والتقنيات التي فقرر التحول من المسار االجتماعي الهادئ، إل��ى المسار السياسي المضطرب ..عله يفلح احتوتها في المستوى األول..
-2االنقالب األيديولوجي:
36
اجلوبة -شتاء 1431هـ
(أق �م��ت ع�ل��ى ص �خ��رة الروح مملكتي) وه� ��ذا ال �ب �ن �ي��ان ي�ف�ت�ق��ر إلى الخبرة وال�ت�م��رس ،ويحتاج إل��ى أالع�ي��ب وخدع السياسة التي يمكنها أن تبقيه صامداً ،إال أنه وبحكم طبيعته اإلنسانية -سقط في فخ الثقةالكاملة بالمحيط.. (استبعدت روحي الطيبات إلى أن تفتت لحمي). وانتهت مسيرته السياسية القصيرة كـ (بطل منقذ) و(فادي طليق) ،ليتحول إلى مغيب مهمش تحت وط��أة السلطة الغاشمة التي تتالعب به، وتنتهك إنسانيته ،وتضع من قدره ،كعذاب يومي في الصحوة والمنام ..التي تمسخه شيئاً على القارعة. (رأيت كالب الملوك تطاردني في المنام رأيت الرجال يخدمون كالب السالطين أو يضحكون الطواشية المتخمين وقوفاً وراء الموائد وكالببغاء التي هرمت كنت أملك هذا اللسان وال أتذكر شيئاً)
اع �ت �م��د أس��ل��وب ال �خ �ط��اب في ال �م �س �ت��وى األول ع �ل��ى ضمير الفاعل المنفصل (أنا) ..لتوكيد الشخصية كما بينا كضرورة ق�� �ص� ��وى الح � � �ت� � ��واء ال� �ح���دث والسيطرة على مقوماته ،أما في المستوى الثاني ،فقد جاء األس�ل��وب مغايراً ،حيث اعتمد الشاعر على الضمير المتصل المعبر عن الفاعل (التاء) ،الداخلة على األفعال الماضية (أقمت، بدأت ،تالشت ،نسيت ،دخلت ،بايعت ،خضعت، م��ا ع��دت ،رأي ��ت) ،فأصبح التركيز على الفعل بحد ذات��ه وتأثيثه لبنة تعنى بالبناء الصوري/ ال�ح��دث��ي ..بسبب ال�ت��داخ��ل التاريخي والتنقل الزمني السريع ..وه��ذه األفعال الماضية التي شكلت خطاً جمالياً ضمن سياق الجملة الشعرية، تحمل بعداً زمنياً جمالياً إذ أنها تتمتع بروحية الحاضر ،وشمولية النظرة التاريخية ،ومستقبلية التواتر على النهج نفسه.
دراس����ـ����ـ����ـ����ـ����ـ����ـ����ـ����ـ����ـ����ـ����ـ����ـ����ات
في تمكين قدرته على النهوض بواقعة وتحقيق تطلعاته المبهمة (ال�ت��ي ل��م يعلن عنها على طول القصيدة) .والمباشرة باالنقالب اإليديولوجي ،بناء على موروثه الروحي االجتماعي الهادئ.
تقني ــة اللغــة..
تعد ظاهرة عالمات الترقيم والتنقيط واحدة م��ن س�م��ات ال�ح��داث��ة ف��ي اإلب� ��داع ،لما لها من مدلوالت تغني العمل فنياً ،وتقدم له إيحاءات ب �ص��ري��ة ،وخ ��اص ��ة إذا وظ �ف��ت ف ��ي الملفوظ الشعري( ..واستثمارها لوصل الملفوظ ببعضه م��ن ج�ه��ة ،وبالمغيب أو المسكوت عنه خارج النص من جهة أخرى( .أقاويل الجملة الشعرية، حاتم الصكر). وبذلك نفتح فضا ًء رحباً ،يمارس فيه المتلقي حريته في إعادة أنتجة النص أو الصورة حسب رؤيته الخاصة ..مؤسساً جسراً إبداعياً /جمالياً
اجلوبة -شتاء 1431هـ 37
بين تقنيات النص /مسكوتات الشاعر /خيال المستوى الثالث المتلقي.. يعتمد ال�ب��ري�ك��ان ع�ل��ى م�ث��ل ه ��ذه التقنيات
البصرية داخ��ل النص في أغلب أعماله إن لم
تكن كلها ،لتكوين رواب��ط عضوية داخ��ل الطرح الشعري.
وهذا المستوى ينتهي بسطرين من (التنقيط
ال�م�ت��واص��ل) ،دالل��ة على اس�ت�م��راري��ة الحدث..
وأن هنالك مسكوتاً عنه (مبهم) و(منطوق به) سابق يتوالى لتكملة الصورة ..لكن المتلقي قد
يسيء فهم هذه التقنية ويعتبرها فاصلة /نهاية، لكن المتتبع إنتاج البريكان الشعري (المنشور) يالحظ أن البريكان عندما يريد االنتقال من
(الحدث /صورة) إلى آخر ،فانه يستخدم تقنية ث�لاث ن�ق��اط كبيرة (<<<)؛ أم��ا هنا فالقصد مغاير ،وبذلك نتوصل إلى أن البريكان أراد أن
ي�م��زج اإلش�ك��ال�ي��ة األخ �ي��رة م��ن المستوى األول
(أن��ا الشاهد األب��دي ..في الظالم) بعد انتهاء المستوى الثاني ،مستعيضاً عن ذلك بسطرين
من النقاط المتواصلة ..وقد رأينا في ذلك: -1كنت أملك هذا اللسان وال أتذكر شيئاً
على الموت تسقط ذاكرتي في الظالم. -2أنا الشاهد األبدي
كنت أملك هذا اللسان
على الموت تسقط ذاكرتي في الظالم وال أتذكر شيئاً.
-3كنت أملك هذا اللسان
على الموت تسقط ذاكرتي في الظالم أنا الشاهد األبدي.
38
اجلوبة -شتاء 1431هـ
(تخاطبني الريح ...متى يا إلهي؟ متى).. يشتغل المستوى الثالث على التكنيك العلمي للظواهر واإلمكانات الحالية ،كمسلمات طبيعية دالة على تبدل النظرة الحسية لألشياء ،واالبتداع المستمر ف��ي السيطرة ،لتكون على قسمين: أولهما ما ذكرنا ،وثانيهما هو الحركة الروحية المقبلة.. (تخاطبني الريح افتح عيني) إن اإليحاء في الجملة الشعرية يصل بالمتلقي لحدود (المكان) ال��ذي بقي مهمشاً على طول المفازتين .بسبب أن المكان ال يمثل فتحاً في حدود الصورة؛ أما اآلن ،فإن المكان يمثل فتحاً البد منه في ح��دود الصورة /الثيمة .إن الريح بالفعل المحسوس والموروث عندما تجوب األرض المفتوحة ،فإنها تصدر أصواتاً تشبه (الموسيقى البدائية) .أو صوتا بشريا مضخما ،كـ(الهمهمة)، أو بعض المقاطع الصوتية كالفونيمات اإليحائية المستعملة في اللهجات المحلية ،وهذا اإليحاء, قدرة الكائن على أنه محاولة للسفر عبر الزمن واالن��ت��ق��ال ل �ل �م��اض��ي ،ح �ي��ث ب��اإلم �ك��ان النظر ب�ه��ذه اإلشكالية على أس��اس ظ��اه��رة االنتشار ( )Diffysionالمعروفة في الفيزياء. من حيث التعامل مع المائع( ،هي ذات الحالة في هبوب الرياح من منطقة الضغط العالي إلى منطقة الضغط المنخفض ،واإلنجازات الفكرية واإلب��داع�ي��ة تكون في ال�ع��ادة مشحونة بالطاقة وال�ق��اب�ل�ي��ة ع�ل��ى أح ��داث ح��رك��ة ون �ش��اط معين، (إنها مثل المائع الكثيف) ،وف��ي حالة تراكمها في موقع (مكان) محدد ،فإنها ستقوم انتقاالت مكانية من منطقة النشاط اإلبداعي الكبير ،إلى المنطقة الخالية في فترات زمنية متقاربة «بعض
ومن ذلك نستنتج:
دوار العولمة)
ومن المالحظ آن فضاءات الحاضر تختلف -1تحديد المكان وهو (الصحراء). ج��ذري�اً ع��ن البناء الفكري والمبنيات الشكلية -2األف��ق المفتوح ،واالنبساط المترامي ،جعل ع��ن ال�م��اض��ي ..لكن مسببات ال�ح��دث واحدة، ال�م�خ�ي�ل��ة تشتغل س�ي�ن�م��ائ�ي�اً وت�ع�ي��د أنتجة واالستبداد بطبائعه واحدة. األح� � ��داث ب ��ال� �ص ��ورة ال��ت��ي ظ��ه��رت عليها وإن ال�ت��وط�ي��ن ل�ل�إرث وال ��ذاك ��رة ،واالنتقال القصيدة ،م��ن ومضة قصية ،ورج��ع ذاكرة بعيد ،ورجع الذاكرة القريب .وص��والً لحالة للتأسي بالماضي ،ومحاولة تهميش الحاضر، والمسارعة بحلول المستقبل ،تخلصاً من الفشل االنفكاك من الطقس الفيزيولوجي.. واالنتكاسات والقيود القسرية ،أمر طبيعي جداً (هل كان ذلك حلماً بعمق الزمان؟) في المجتمعات الممتلكة لخلفيات ميثولوجية م��ن ح �ي��ث االن �ف �ص��ال ع��ن م� �ج ��اراة الواقع ناضجة ،فتتحكم لمثل هذه الظاهرة في هيكلية (ال �ح��اض��ر) ،والتقوقع ف��ي دائ ��رة (الماضي) ..ال�ح��اض��ر على تشكيلة ال�م��اض��ي؛ أي م��ا يعني كفعل يومي له تقاليده ومقاييسه التي ال تحترم (الحنين إلى الماضي .)PAST SICKNESS ال��زم��ن الفعلي ال�م�ع��اش ف��ي ال�ح��رك��ة م��ن حيث أفتح عيني: (البناء العمري ،التقدم المعرفي). هل كان ذلك حلماً بعمق الزمان؟ أو في عود على المكان ..فإن هالمية البنية.. وهل أحلم اآلن؟.. وبسبب أبعاده الثالثة التوافقية ،سمحت بحرية الحركة إزاء جمود الزمن في البعد الواحد ،لذا الحلم يتوزع على مكمنين: ف��ان الكائن (ح��دد الصحراء) ،وجعلها منطلقاً األول :الحلم الحكواتي( :بعمق الزمان) ،من م��رك��زي �اً ،ون�ق�ط��ة ث �ب��ات ج��وه��ري��ة ف��ي االنتقال حيث أن ال �ظ��روف وال�ن�ك��وص ال��دائ��م ه��و سمة والعودة. نشاط آالمه ،فخلفت عقدة متأصلة فيها باشرت
دراس����ـ����ـ����ـ����ـ����ـ����ـ����ـ����ـ����ـ����ـ����ـ����ـ����ات
الشيء» وهي الظاهرة نفسها ،يمكن حدوثها عبر (ط��اح��ون��ة ب �ق��وى ال��ظ�ل�ام ،م�ك��ات��ب هندسة الزمن)« .د .محمد عز الدين الصندوق ،كيف الموت ،المدن الالهية) نخلص المستقبل من الماضي؟». (مفاعالت نووية ،مختبرات األسلحة الذرية،
وعلى الرغم من التهميش المقصود للمكان ،عملها ع�ب��ر األج� �ي ��ال ،وص� ��والً ل�ل�ح��اض��ر ،وقد فإنه كان موحداً في جميع فضاءات المفازتين تتواصل لتبلغ المستقبل. والتي تتفرع منها فضاءات داخلية: الثاني :الحلم التوافقي :عندما أغمض عينيه (ال �ق �ص��ور ،ال�س�ج��ون ،ال �م �ض��ارب ،الموائد) (افتح عيني سبقه فعل اإلغماض بالضرورة) .راح (الخيمة ،الغرف ،المسجد). نسيج الذاكرة يعيد بناء إحداثياته بشكل مغاير.. والعودة ..كانت مرة أخرى في الصحراء .في في الغوص بمكنونات الماضي واالشتغال فيها، مفتتح المستوى الثالث ..فتصبح فضاءاً جامعاً لتغيير النسق التاريخي ،ليلد الحاضر بشكل عفوي جديد معافى ،إال أن المشكلة الكبرى.. ال لفضاءات داخلية.. ومدخ ً
اجلوبة -شتاء 1431هـ 39
تات على هاتين أي ..وبتعبير آخر :لماذا لم ِ أن الكائن وجد نفسه يعيد نفس الكرة مجسداً انثياالته السابقة ملتصقاً فيها ،وهذا ما يعبر عنه الشاكلتين؟ باألفعال الماضية ذات روحية الحاضر ،المفتتح 1ـ البدوي الذي كتب الله أن ال يموت.. بها كل حدث جديد ومغاير في المستوى الثاني.. 2ـ البدوي الذي لن ير وجهه أحد.. إذ أن الفاعل مستت ٌر تقديره (األن��ا) التي عُدَّ ت الشاكلة األول���ى :ل��و جعلها البريكان ثريا لولباً للحركة في المستوى األول. وب��ذل��ك تفشل الحركية المكانية والظرفية لنصه ،ألحدث تضارباً كبيراً في ثنايا أطروحته، ال يحمل الكثير من المجانيات الزمانية في تعديل موازين الماضي والحاضر ،وبذلك يخرج عم ً وهذا يهيئ إلى الحركة الثانية في هذه المستوى ،ال�ح��دي�ث��ة ،ويتنقص الكثير م��ن قيمته .مثلما توصلنا من قبل ..إن البريكان له نظرة تتناقض وهي الحركة الروحية: مع المسار الكوني الوجودي في أن الموت ما هو (سأجمع أجزاء روحي وأبحث ثانية عن مكاني إال الحياة الحقيقية للروح ،حيث تمارس كامل وإسمي ومسقط رأسي) إنسانيتها وصوالً إلى الكمال المطلق في التوحد والفضاء الجديد للتحرك هو االنتقال الروحي مع جوهر الكوني ..وتخليده في الحياة (أن ال الذي هو بالضرورة االنفصال عن: ي�م��وت) يعني التخلي ع��ن الثيمة المركزية في 1ـ القالب الجسدي. العمل ..لكن قد يتساءل المتلقي بأن هذه الثيمة 2ـ المعيار المكاني. 3ـ اإلرث الزماني.
طرحت في سياق القصيدة ،كواحدة من مميزات االختالف ،وأحد عناصر التركيب الشخصوية..
لو نظرنا لتشكيل الومضة القصية (لعلك يوماً وبذلك يكون وع��اءاً طبيعياً للحركة الحرة، واالشتغال غير القياسي /المفتوح ،البتكار الوجه سمعت) ،انقطاع استمرار الفعل وتوقفه عند حدود زمنية سابقة ،وبذلك يكون أن البدوي قد المستقبلي الجديد. انتهت ضرورته المادية (الحياة) ،وظلت ضرورته ثريا النص التاريخية متواترة كحدث موروث. (البدوي الذي لم ي َر وجهه أحد) الشاكلة الثانية :الحرف (لن) حرف جزم نفي
ثريا ال�ن��ص ،إشكالية بحد ذات�ه��ا لما تثيره من أسئلة تتجاوز ح��دود المألوف ،لتدخل في حيز الغيب واإلبهام ،لتشكل مع بقية اإلشكاالت المتالغزة على طول القصيدة ،ناقوسا يدق في إيقاعها ..كأرضية حانية لكل متشعب. والسؤال املثير :لماذا جاءت ثريا النص على هذه الشاكلة (البدوي الذي لم ير وجهه أحد)؟. * كاتب وناقد من العراق.
40
اجلوبة -شتاء 1431هـ
نهائي قاطع ،ال يتالءم مع التغيرات الكبيرة الحاصلة ف��ي أج ��واء القصيدة ،منها (ال �ف��ارس والضيف) اللذان من المهم جداً معرفة وجوههما إلقامة صلة اجتماعية بينهما وبين المجتمع .وكما أشرنا أن المستوى األول كان يتمتع بجو اجتماعي هاديء. وبذلك يتعرض النص لخطر فقدان المصداقية، والحط من قيمة المعالجة والتشخيص.
في أقاصيص الكاتب التونسي املهاجر كمال العيادي
دراس����ـ����ـ����ـ����ـ����ـ����ـ����ـ����ـ����ـ����ـ����ـ����ـ����ات
الواصف واملوصوف
عبدالدائم السالّ مي* > ّ
يتوافّ ر الكاتب والصحفي كمال العيّادي على تجربة ثريّة في األرض ،حوّلها -ب َوك ٍْد منه وإصرارٍ -إلى تجرُ بة مبدعٌ ج���وّالٌ :انطلقت َثرَية في الكتابةِ والتخييل .هو ِ تجرُ بتُه من تونس ،واتسعت به عبارتُها إلى أوروبا الشرقيّة (روسيا) فأوروبا الغربية (ألمانيا) حيث غنم من ترحالِ ه النحيف ُ بؤسا لم يحتمله جسدُ ه بؤسا حيات ّيًا وف��ي��رً اً ، ً فاحتملتْه لغتُه الثخينةُ بصور الواقع ،تُنقّ يها في غير قصصا تنأى بالمتلقّ ي ً تزلُّ ٍف من أحساكِ ها لتنحتَ منها الوصف وكثر ُة ماءِ ِ أرض المعنى ،حيث ثراءُ المغامرةِ وخصوبةُ األرض إلى ِ ِ من معنى شخصيات كا َن أو أمكنةً أو زمانًا. ٍ الموصوف، ِ والذي نذهب إليه هو أنّ َميْ َزةَ قصص �ات ،ف��إنّ ق ��ارئَ قصص كمال كمال العيّادي تتمثّل في صدقِ ها التخييليِّ ،م��ع ال �م��رو ّي� ِ إ ْذ نجدها تمت ُح من واقِ عِ ها رُوا َء كائناتِها العيّادي ال يملك القدرة على الحيادِ ،وال النصوص ِ ال��ورق � ّي��ةَ ،م��ا يجعل ال �ق��ارئَ ي�نْ��وج� ُد فيها حتّى على الفصل الموهومِ بين ب��ال�ق� ّوةِ ،ال ..ب��ل ينوج ُد فيها بالفعلِ في لقصص له مثل ٍ وصاحبها ،ذلك أنّ قراء ًة شيءٍ من التماهي ال ِّتدْالليِّ الذي يُفْضي به «آنيتا» و«حميد ميتشكو» و«الدغفوص أبو من تلقّي المُغامر ِة القصصيّة إلى التالقي التآليل» أو «صاحب ربطة العنق الخضراء» مع أحداثِها ،تُحاكيه فيَحْ كيها عبر فعله القرائيِّ معانيَ تكا ُد تمشي أمامه وتدخل وغيرها من القصص القصيرة ،ال يمكن أن مسامَّه ويتشرّبها جسدُه وفكرُه ،وأحيانًا تبلغ صدقيتَها إ ّال متى استحضرتْ تجرُب َة الواصف ُ ال�ك��ات� ِ�ب فيها على اع�ت�ب��ار أ ّن ��ه يتبنّاها فتصي ُر منه ويصير بها فيها. �وف وال�ص�ف�ةُ ،وه��و م��ا سنحاول يتنصلون وال �م��وص� ُ وإذا كان بعض النقّاد المحدثين ّ �ص��دق � ّي � َة ف��ي التعاطي ال �م��وض��وع � ّي � َة وال� ّ
الكاتب ويكتفون بأحوالِ ِ أحيانًا من ح��الِ المكتوب بما يضمن لقراءاتهم الحياد ّي َة ِ
تفصيل َه في ه��ذه اإلطاللة السريعة على عالَمِ ه القصصيِّ .
اجلوبة -شتاء 1431هـ 41
ال نقرأ المقطع قصة «آنيتا» مث ً ّ واصفً ا الكاتب ِ ُ التالي «لنتّفق في البداية على أنّه ال ي �ك �ت �ف��ي ك� �م���ال ال� �ع� � ّي ��ادي من حقّي أن أض��رب رأس��ي .أوّال بالوصف ،في العيّنة من القصص ألنّه رأسي ،وأنا ح ّر أن أفعل به ما التي ذكرناها سابقًا ،تقن ّي ًة تعضد الضربَ ، أشاء ،وثانيا ألنّه يستحقّ ّ السّ ر َد لتُغنيَ معناه عبر الزخرفة فهو السّ بب في ك ّل بالئي وما أنا والتزيين اللفظي ،ب��ل ن��راه يُع ِّو ُل فيه .ورغم أنّني أجد لذّة مدغدغة الوصف باعتباره سَ ْردًا داخ َل ِ على مثل دبيب النمل وخ��درًا بنفسج ّيًا مقاط ُع قصصه ِ ال��سّ �رْدِ ،إ ْذ تأتي مح ّببًا حين أضربه ،ف��إ ّن السبب باألحداث كثيفتَها ،ويجري ِ ثخين ًة كمال العيادي الحقيقيّ وراء ذلك أنّني اكتشفتُ زم � ُن الحك ِْي فيها جريانًا لطيفًا منذ سنتَيْن تقريبًا أنّني أجني فوائد بارتداداته واستباقاته ,دون توق ٍّف ،بما يقط ُع مع ق��ول القائلين إ ّن ال��وص��ف يُ��وقِ ��ف ال��سّ ��ر َد ويُعْدِ ُم عظيم ًة حين أقوم بتلك الحركة الخرقاء وأضرب القص ،ذلك أ ّن الوصف عند كمال العيّادي رأسي بك ّل ما أوتيت من قوّة على الباب أو الجدار ِّ َز َم� َن ال يقوم فقط على الجُ مَلِ االسميّة بما هي زيادةُ أو ببساطة هكذا بقبضتي أو بكفّي .اعتدتُ ذلك �وف ،وال يحفل باالستعارات بعد أن اكتشفتُ مصادف ًة أ ّن تلك الحركة الخرقاء الصفة ف��ي ال�م��وص� ِ الخوف والجزع الشدي َد في نفس َ كثيرًا؛ بل هو يستشري في أفعال الحكايةِ ،باعِ ثًا تحديدًا تبعث الحرك َة في أحوالِ الموصوفات وفي أعمالِها وفي زوجتي-آنيتا -بعد أن كنتُ استنفدتُ ك ّل الطُ رُق أقوالِها ،دون المبالغةِ في البحث عن مُعجَ ٍم يخد ُم والوسائل والحيل إلرهابها .ولذلك أضربُ رأسي ِّش الحكاية؛ ذلك أ ّن «الوصف يتطلّب يوم ّيًا». الوصف ويُهم ُ َ
كفاي ًة معرفيّة وليست لسانيّة» على ح ّد ما ذهب إليه جون مولينو( ،)1كفاي ًة تقوم على بنية منطقيّة م��ن حيث ت��راب��طُ المقاطع الوصفيّة بما يخدم الحكي ،ومن حيث خصوصياتُ ك ّل مقطع ِ سيا َق وصفيّ واستقاللُه بذاته دون الخروج عن نسيج بمحور ٍ الحكايةِ األمِّ ،إ ْذ يكتفي ك ّل مقطع وصفيّ وحيد ،بما يسمح للجمل المكوّنة له ٍ الوصف ِ في بالترابط فيما بينها دالل ّيًا ،وبالتعالُقِ السببيّ العلِّيِّ ال��ذي يوحي بوجود بنية وصفيّة تتحوّط أفعا َل المغامر ِة المسرود ِة وتتجاوزها إلى بناء معناها، على اعتبار أ ّن من أشراط البنية أن تُمثّل «وحد ًة خاص بها؛ ٍّ مستقلّة نسب ّيًا مجهّزة بتنظيم داخليٍّ إذاً مرتبطة بعالقةِ تبعيّة/استقالليّة بالمجموع األكثر اتساعً ا ال��ذي تنتمي إل �ي��ه»( .)2ففي بداية
42
اجلوبة -شتاء 1431هـ
موح والمالحظ في هذا المقطع الوصفيّ أنّه ٍ بالدّورية الحدثيّةِ التي تتجلّى في ال�دّال «يوم ّيًا» وهو ما يضمن اتساقَه مع المغامرة ككلٍّ ،كما أنّه �رأس» وقد محور واح� ٍ�د هو «ض��ربُ ال� ِ ٍ يقوم على متتاليات وصفي ٍّة تضمّنتها ٍ فرّعه كمال العيّادي إلى جُ َم ٌل بسيطةٌ ،سعى من ورائها الكاتب إلى تبرير الوصف وجعله خادِ مًا لمُجْ مَلِ الحكايةِ من ِ موضوع حيثُ بناءُ معناها.
فالترابط العِ لِيُّ بين فروع الوصف يبدأ من حقّ الكاتب في ضرب رأسه ،وهذا الحقّ متأتٍّ من كون الرأس رأسه ،وهو ما يُجي ُز له الحرّية في ضربه، ث ّم إ ّن موضوع الوصف (الرأس) يستحقّ الضرب، بوصفه سبب البالء .كما أ ّن فع َل «ضرب الرأس» للواص ِف ول � ّذةً ،ومن جهة ِ يحقّق ،من جهة ،متع ًة
ومِ مَّا يدعِّ ُم قيا َم الوصف في هذا المقطع على بنية منطقيّة حسب األشراط المتعارف عليها في ٍ بنية ،والتي منها وجوب توافّرها على مجموع ك ّل ٍ مستق ّل وإمكانية «ترتيب عناصر [هذا] المجموع التي يمكن لها ذاتها أن تتكوّم حسب شكل تُمْكن أحداث؛ ٍ معرِ َفتُه»( ،)3هو ما يتتالى في الحكاية من وصف ِ الرأس يمت ُّد رويدًا رويدًا إلى ِ ضرب ِ فوصفُ ال على الك ِّل حال الراوي ،ومن ث ّم يصي ُر الجزءُ مُحي ً ال على �رأس (حيث يوجد العقلُ) مُحي ً ويصي ُر ال� ُ القصة ،إذْ ،تنعقد ّ الالمعقولِ الحياتيِّ في كامل ك ّل المغامرة فيها على محاوالت بحث الراوي عن طريقة للتخلّص من شرور زوجته آنيتا وطبيعتها العِ دائيّة ،التي اجتهد في تبريرِ ها عبر المبالغة في وصف أحوالِها ،دون االكتفاء بأقوالِها أو بأفعالِها؛ ِ ُّطف فنراه يجرّب معها ك ّل الحيل بالتدرّج من الل ِ إلى الغِ ل ْظةِ ،إ ّال أ ّن جارتَها – مارتينا -تسعى دومًا إلى إشعال فتيل الحرب بينهما .ومن ث ّم يهتدي الراوي إلى وسيلة «ضرب الرأس» إلرهاب زوجته القصة بنوع من ال َعوْدِ على ال َبدْءِ ّ وإسكاتِها .وتنتهي إطار من الترابط المنطقيِّ الحكائيِّ ،فتصير في ٍ �ص��ةِ وص� ًف��ا لخاتمتِها (ت �ك��رار جُ مَلِ م�ق� ِّد َم� ُة ال�ق� ّ المقدِّمةِ ذاتها في الخاتمةِ ) ،وينوجد القارئ في رجل دائ��رة من المعنى الواقعيّ التخييليّ ،معنَى ٍ غريب يتزوّج امرأة جامعيّة جاوزت ٍ ُهاجر أجنبيّ م ٍ
دراس����ـ����ـ����ـ����ـ����ـ����ـ����ـ����ـ����ـ����ـ����ـ����ـ����ات
أخرى يعود على الواصف بفوائد جمّة ،لع ّل أهمَّها بعثُ الذُّعر في قلب زوجته بعدما جرّب معها ك ّل الطرائق والحيل إلرهابِها .وجليٌّ هنا أ ّن الوصف بنية عقلي ٍّة تُ َب ِّررُه في هذا المقطع يخضع إلى هكذا ٍ مفاصلِه اجتهد الكاتب ِ ترابطات سببيّة بين ٍ عبر في صياغتِها حسب ما يتطلّبه سيا ُق الحَ ك ِْي في اللفظية مَا ِ خالية من الحشوِ والزخرفةِ ٍ شكل جُ م ٍَل القصة، ّ جعل منه مقطَ عًا واجبَ الوجود في بداية حتّى تُح ِّق َق تالقِ يًا مع القارئ عبر حيرةٍ تنتابُه وشَ ٍّك يعتريه بخصوص عالقة الراوي بزوجته.
بالصدفة ،ويعيش ُّ األرب�ع�ي��ن ،التقاها ف��ي مقهى ضاغطات اجتماعيّة وشخصيّة متنوّعة ٍ معها تحت أب��دع ال��راوي في توصيفِ ها لتبرير عالقةِ العداء بينهما وان�ش��داد ك� ّل منهما إل��ى اآلخ��ر حسب ما يحقّق له ذلك من منافع .وبالرّغم من كون هذا الراوي ما يزا ُل شا ّبًا بينما زوجته «ال تحيض وال تبيض» وهو أم ٌر يُسْ عِ دُه كثيرًا ،فإنّها لم تتأقلم، خالل سنيِّ زواجه منها ،مع عاداتِهِ وعَ ْودَاتِهِ ،فهي «ل��م تتغيّر ك�ث�ي�رًا .تكوي المالبس بعناية فائقة وتُصلح ما أفسده يوم ّيًا من نظام البيت الصارم. لتقف لي َ ولكنّها تنتظر كآلة معدَّ ل ٍَة عودتي ك ّل ليلة بين ثقب الباب ولحاف السرير [ ] ...آنيتا جاوزت ال �ح �دّ .أض��رب رأس��ي ب�ق�وّة على ال�ب��اب أو على الحائط أو ببساطة هكذا بقبضتي أو بكفّي ألتل ّذ َذ طع َم ريقي ال ُم َّر وأنا أرى ك ّل ذلك الذّعر والفزع في عينيْها .في عينيْ حبيبتي وزوجتي آنيتا». وال��ذي نخل ُص إليه ف��ي خاتمة ه��ذا العنصر من ال�ق��راء ِة أ ّن قصص كمال العيّادي تقوم على الوصف المشهديِّ قيامَها على السردِ الحكائيِّ ؛ َم��ا يجعل م��ن ال��وص��ف بني ًة مخصوص ًة تعْض ُد بني َة الحكايةِ فتُغْنيها وتغتني فيها بما للكاتب من ونسجها نسيجً ا مُح َكمًا ِ فات، الص ِ قدرةٍ على تخيّر ّ بنيات مترابط ًة لها ٍ تصي ُر فيه المقاطع الوصفيّة أشراطُ ها ولها معانيها التي تمتح من واقع الكاتب داللتَها ،وهو ما سينْعَقِ ُد عليه عمل ُنا في العنصر الموالي.
الكاتب موصوفً ا ُ ال تُحيل عبارتُنا «الكاتبُ موصوفًا» على مفهوم ال�س�ي��رة ال �ذّات �ي��ة المبثوثة ف��ي أق��اص�ي��ص كمال العيّادي ،وإ ْن كانت ال تنفيها وتقف عندها فقط، بل هي تؤ ِّكدُ ،في العيّنة من القصص التي نشتغل عليها ،على االن��زي��احِ ال�ح��اص��ل ف��ي زاوي ��ة نظر جنس السيرة إلى ِ ال��راوي للمغامرة ،ان��زي� ٍ�اح من
اجلوبة -شتاء 1431هـ 43
ال ألوّل مرّة بطريقة تُمكن االنفتاح بها على التجربة التخييليّة عا ّمةً؛ فترقى على الظرف عنوانَه كام ً ٍ بذلك عناص ُر اليوميّ الذاتيّ المعيش من مفردات قراءتها بيُسر مُباعدا بين الحروف بشكل متعم ٍَّد ٍ موغلة في هموم «األن��ا الكاتبةِ » إلى مراقي أفق بليغِ الدَّ اللة رغم أنّه يعرف بأ ّن مطلّقتَه بتونس ال انتظارات «األنا القارئة» وهو ما يزيد العم َل الفنيَّ تكتب وال تَ ُر ّد بأيّ حال من األحوال. سع ًة وإشعاعً ا وحلمًا بالمعنى. إ ّن هذه ال �دّوال االسميّة والزمانية والمكانية
غير أ ّن فع َل الترقّي الكتابيّ بالخا ِّم الذّاتيِّ المعيش إلى العا ِّم المتخيَّلِ ال يعني عج َز الكاتب تشخيص واقع أيّامه وتوصيفِ ها بما يلي ُق بها ِ عن �اف؛ فنحن نجده يجتهد بك َّل طاقتِه في من أوص� ٍ تشخيصا دقيقًا يُراعي ً تشخيص المرجعِ /الواقعِ للقصة اختالف التفاصيلِ وائتالفَها بما يضمن ّ َ فيه ال إبداع ّيًا له وح َدتَها المعنو ّي َة التي تجعل منها عم ً طرائ ُق مقرو ِئتِه وله قرّاؤُه .وهو إ ْذ يفعل ذلك ،يعتم ُد الوصف م�ح��دَّ َد ًة تقو ُم في أغلبِها على ِ تقني ًة في محورِ وصف ال��راوي لحظة سردِ ه المغامرةَ؛ وهو قصته «حميد ميتشكو» صديقه ما يتجلّى لنا في ّ التونسيّ الذي التقاه بألمانيا (وهو كائ ٌن غير ورقيٍّ ما يزال ح ّيًا يُ� ْر َز ُق من عائدات رسومه التشكيليّة بميونيخ) حيث نراه يلجأُ فيها إلى عدّة وسائل تُحي ُل عليه في الوقت الذي تصفُ حاَلَه ،منها استعمالُه ضمي َر المتكلّم «عرفتُ حميد ميتشكو منذ األسبوع األوّل لحلولي بهذا البلد» ومنها إي ��رادُه أسما ًء الباب ِ �رس معروفة «اع �ت��دتُ أن أش��دَّ ج� َ ٍ ل �ش��وار َع بتلك العمارة الحمراء بشارع آمالين بشفابينغ» أو أسماء مَشارِ بَ مثل «مقهى األنسويفايتا» ،ومنها نوع من االرتجاع على زمن إقامته القارئ في ٍ ِ إحالَ ُة بروسيا من خ�لال قوله « ...وأح�ف��ظُ الكثي َر من القصائد الروسيّة والعربيّة» وكذلك ذِ كِ رُه لبلده في قوله متحدّثا عن رسالة صديقه «حميد ميتشكو»، كما أرس��ل أل ّم�ه��ا (أ ِّم مطلّقته) رس��ال��ة ف��ي ثالثة سطور يعلمها ب��أ ّن ال� َف� َر َج قريبٌ ،وأ ّن ألمانيا بلد رائع ،والطقس جميلٌ ،وأنّه أرسل لها صورتَيْن وهو يعتمر قبّعته االسكتلنديّة الجديدة ،ومعطفه األزرق الداكن رغم أ ّن الح ّر ال يُطاق هذا الصيف .وكتب
44
اجلوبة -شتاء 1431هـ
التي اعتمد الراوي في إيراد المغامرة تقوم على الواصف صوب ِ أوصاف تخرج بالكاتب من موقع ٍ الموصوف ،ال بل إنّها تخر ُج به من كينونته ِ موقع كينونة معنويّة يكاد يبلغ فيها مرتبة ٍ البشريّة إلى الصفة الصفة المشبّهة بما تعنيه من استمرار ِّ في الموصوف ودوامِ �ه��ا ب��دوامِ ��ه .وم��ن ث� ّم يصبح وصف ًة وصف ًة للفاعلِ ِ الكاتب/الراوي ِصف ًة للفعلِ ِ ص إلى للمفعولِ ،فيتجاوز الوصفُ مرجعَه المشخّ َ المُطْ لقِ تج ُربَ ًة ومآالً؛ فإذا حميد ميتشكو يصير مغترب ٍ ح��االً عامًا وعالمة دا ّل��ة على ك� ّل عربيٍّ والغموض والالمباالةُ ،حيث ينسى ُ يكتنفه النسيان جسدَه ويُهمِ ُل في خض ِّم مظاهر الحياة الغربية ألنفسنا ِ المتسارعةِ االعتنا َء بمظهره ،ولعلّنا نج ِّو ُز القو َل إ ّن حكاي َة حميد ميتشكو هي بداية لحكاية الراوي ،إذ يبدو لنا أنّه يتبنّاها فيكتبها كما لو كان يحياها؛ فالشخصيتان تتماهيان غرب ًة ووجودًا، ف�ك��أ ّن ال ��راوي وه��و يذكر أ ّن «حميد ميتشكو ال يموت» يحي ُل القارئَ على أ ّن مسا َر هذه الشخصية لسبب أو ٍ األرض ُ هو مسا ُر ك ّل مواطن تضي ُق به الغرب وتٌلقي به في شوارع ِ آلخ��ر ،فتحمل ُه ري��ا ُح م��دن مخمورةٍ بالثلج والكحول ورائ�ح��ة النّساء؛ فتموتُ فيه حواسُّ ه وال يموتُ . وحتّى يُقنعَنا ال��راوي بهذا ال َّتتْويهِ الوجوديِّ المجّ انيّ ،وبهذه العبثيّة الحياتيّة في بالد الغربة، وبانعدام التواصل األفقي البنّاء مع اآلخ��ر «بعد اإلعالن الرسمي للنوايا األمريكيّة الطيّبة» ،نراه قصة «حميد ميتشكو» ض علينا ف��ي نهايةِ ّ ي�ع��رِ ُ مقطعًا من رواية كان قد كتبها صديقُه حميد جاء
خاتمة ُص إليه في نهاية هذه القراءة ،هو والذي نخل ُ تماهي روّاةُ قصص كمال العيّادي مع واقعِ ها ،تماهٍ الصورةَ الخامَّ ،فينكبُّ عليها نراه يمت ُح من الواقع ّ ِهاب الكاتبُ يعرِ كُ تفاصيل َها حتى يُخْ رِ جَ ها في إ ِ ْصوصة لها َميِّزاتُها من حيث تخ ّي ُر اللفظةِ في ٍ أُق والتركيب في المقطع ِ التركيب ِ الجملةِ والجملةِ في والمقطعِ في نسيج الحكايةِ ،يفعل ذلك دون تكل ٍُّف *
( )1 ( )2 ( )3
دراس����ـ����ـ����ـ����ـ����ـ����ـ����ـ����ـ����ـ����ـ����ـ����ـ����ات
فيه « قلبتُ الصفحة الثانية ،عنوان بارز يتوسّ ط أعلى الصفحة و ُدوِّن بحروف كبيرة موزّعة على سطريْن .يبدو أ ّن الصفحة الثانية التي بدأتُ بقراءتِها هي في األص��ل الصفح ُة األول��ىَ .كتَبَ قصة (يعني حميد ميتشكو) :مخطوطة لرواية عن ّ حياتي بالتفصيل .وتحت العنوان تصدير باللون األحمر يمثّل مقول ًة ألح��د ال ُكتّاب أو الفالسفة المغمورين ،ربّما ،مدوّنة باللغة الفرنسيّة ودون أخطاء ،وتَرْجُ َمتُها تقريبًا (دخلتُ ولم أخرج بعدُ، فكيف يطالبونني أن أصف لهم ما شاهدتُ ؟)». إ ّن هذا الشاه َد األخير يُحي ُل على مشقّة الراوي للقارئ أشياءَه في الغربة ،ولكنّه في ِ وهو يصفُ ال الوصف ليس إ ّال فع ً ِ ذات الحين ي َِشي بكون فعل معتاصا على التقعيدِ والتقنينِ ،إ ّن��ه فع ٌل تنصبُّ ً بواسطتِه روح الكاتب على موضوعاتِها انصبابًا نوع من الحميميّة التي تجعل من مرارة ح ّرًا ،في ٍ انتظام ٍ دافئ، انتظام ٍ ٍ صفات تتوال ُد في ٍ االغتراب مشروط ،ولكنّه في األصل ٍ قد يبدو أحيانًا غي َر �اق حكائيٍّ َم��ا ي��و ِّف � ُر على �اض � ٌع إل��ى ه�ك��ذا س�ي� ٍ خ� ِ الجري وراء المعنى ،ويمن َح القارئَ ِ الكاتب مشقّةِ ِ الموصوفات؛ أعني معانيها. ِ ألبابَ
وال إج �ه� ٍ�اد ،ب��ل يفعل ذل��ك بما ل��ه م��ن ق��درة على أحداث تخييليّة ي َِشي ُع ٍ تحويلِ األحداث المعيشةِ إلى فيها المعنى ب ِّينًا من خالل ما توافرت عليه هذه القصص من حَ ب ٍْك سرديٍّ سانَده حَ بْكٌ توصيفيٌّ بلغ لدى الكاتب مح ّل البنيةِ الوصفيّة التي تتحوّط وتكشفُه أحيانًا ِ في ثيابِها المعنى ،تُخفيه حينًا المكتوب. ِ حسب قدرة المتلقّي على تعرية وإذا كنّا ركّزنا اهتمامَنا في هذه اإلطاللة على عالَم كمال العيادي القصصي ،من خالل العيّنة التي اشتغلنا عليها ،على موضوعة الوصف فإ ّن لذلك مبرّراتِه :فقصص هذا الكاتب رغم عدم انوجادها خاص يُبي ُح لنا قراءتَها قراءة تفصيليّة ّ في كتاب علميّة م��ن حيث ال�م�ن��اص��اتُ ،وم��ن حيث جذو ُر ومراجعُها ،ومن حيث شخص ّي ُة المثقّف ِ الحكايا فيها ،ومن حيث المفارقاتُ السرد ّيةُ؛ وهي كلّها محاو ُر مهمة تُسهّل على القارئ بناء المعنى ،أوّل الوصف في العيّنة المدروسة ِ ِّرات قيا ُم هذه المبر ِ بنية لها مالمحُ ها ولها فواتِحُ ها وخوا ِتمُها قلّما على ٍ ال لها في القصص القصيرة عامّة على نجد مثي ً القصة تنبني على ّ عكس الرواية على أساس أ ّن التكثيف واالخ�ت��زال بما يح ُّد من حركة األلفاظ الوصف َ َات أ ّن النص ،وثاني المب ِّرر ِ ِّ داخل نسيج ال ٌق لمعاني األشياء في في هذه القصص وصفٌ خ ّ حركيتِها ،إ ْذ ال يكتفي بتصوير المالمح تصويرًا ال بل يتجاوزها إلى دواخل الموصوفات يحف ُر مُترهِّ ً قصة من في أعماقها عن خفاياها ،مَا يجعل لك ّل ّ قصص الكاتب مستويَيْن :مستوىً سطح ّيًا تتراشح فيه األل �ف��اظُ بمعانيها األُوَلِ ،وم�س�ت�وًى عميقًا الكاتب الحياتيّة ِ ينبُتُ فيه المعنى ويغتني بتجربة ويتعسل ُج عاليًا في التخييلِ .
كاتب وناقد أدبي من تونس. المجموعة من القصص بعث بها إلينا كمال العيادي عبر بريدنا األلكترونيّ . (من مقاله Logique de la descriptionص .)367 (ج .ميشال آدام Les textes types et prototypes :ص .)28 ( Dictionnaire de poétiqueص .)286
اجلوبة -شتاء 1431هـ 45
نصوص قصيرة > إبراهيم احلميد*
استيقظت فجأة على نشيجها ،من حنين لم تكن هذه الشوارع بكماء ..من ح�ل��م ال �ب��ارح��ة ،ب�ع��د أن أن �ه��ت للتو رغيفها الثالث على صاجها األزلي. بعيد تطل ذوائ ��ب أش�ج��ار النخيل،
ع�ل��ى ال�ع�ل�ي��ات وال �م �ص��اط��ب .وكان مكابرة
اإليوان الوحيد الذي يكسر الصمت ظ� �ل� �ل ��ت أك� � ��اب� � ��ر ،واه� � � � ��رب من في تلك األماكن ...إيوانها! خ��اف �ق��ي ،ب��ال �م �س��اف��ات القصيرة، من مقعدها المسمر في الصمت ،وال �م �س��اح��ة ال�ض�ي�ق��ة ،رغ ��م تزاحم ك��ان��ت تطلق أه��ازي�ج�ه��ا ،وأغانيها ،األفكار ،بكل أنحاء جسدي ،كجنود مدججين بالسالح ،ينتظرون شارة مبللة بالحنين ،والشوق ،والقهر. االنقضاض. ل��م تكن تسلي نفسها ،ب��ل كانت تارة أشعر بلغو المكان ،وهرطقة تحاول أن تصل إلى المدى البعيد، ال �ض��وء ،وب�ع��د ال��واق��ع ،وت ��ارة اشعر إلى رام الله والقدس والخليل ،بعد بالقرب والتجلي ،وتلمس األشياء أن قام العدو باحتاللها. ق��ري �ب��ة م �ن��ي إل ��ى ال ��درج ��ة ال �ت��ي ال كانت تغني «وين ع رام الله» عندما يمكنني إال أن أصدقها! 46
اجلوبة -شتاء 1431هـ
ق���������ص���������ص ق������ص������ي������رة
ربما تأتي ،ولعلها كانت في الواقع حاضرة ،لم ال وقد كانت تغني دوما في ليالي السمر« ،راجعين يا هوا راجعين» و«ش��ط اسكندرية» وكنت أصغي لها ،أتنفس دقاتها التي تنبض بها ،قبل أن يصلني صوتها ،من بعيد: لن أطفو فوق الجزر المتعبة ،أرنو إلى صحوتي كي تستنهضني ،فأنا بعيدة على الحد الذي يكفي للنسيان!.
عناق
بعد حادث التصادم!
لم يمض على تشغيل القطارين ال �س��ري �ع �ي��ن ...س ��وى ب�ض�ع��ة أي ��ام، وم��ع ه��ذا فقد اص�ط��دم��ا عند أول لقاء لهما ،كان القطار األول قادما م��ن ال �ج �ن��وب ،وك� ��ان اآلخ� ��ر قادما من الشرق ،وقد حدث العناق رغم ال�م�ص��اب�ي��ح ال�م�ع�ل�ق��ة ع �ل��ى جوانب لقد صنعت ي��د م��ا ه��ذا القطار ال� �ط ��ري ��ق ،وأص� � ��وات الصفارات، لكي يصل المحطة ويغادر ،لكنه هذه وأج �ه��زة IBMال �ت��ي خصصت لها المرة ،لن يفعل ،ألنه وقع في شَ ر َِك المحطة أكبر صاالتها ،ورغم العيون الحب!. السحرية التي بقيت تومض ،حتى ع�ل��ى ج��ان��ب ال �ط��ري��ق ،ك��ان رعاة يلهون بعيدا ع��ن أغنامهم ،وجمال باركة ،ضلت من أصحابها ،وكانت الحصباء المتكلسة من بقايا العصر الديفوني ،أفضل وسيلة الفتراش المكان.
* كاتب من السعودية.
اجلوبة -شتاء 1431هـ 47
منل الكلمات أسمَعها ،أسمعها تركض كسلسلة من النمل األس��ود ال �ق��وي ،كمخلوقات هائلة لديها القدرة على المثابرة.
> ضيف فهد*
التي أمامي.
أك��اد أمسك بها أث�ن��اء األك��ل والتجول وشرب الشاي ،أثناء السهر مع األصدقاء، ت�ت�س�ل��ق أرج� ��ل ال �س��ري��ر ،وت�ن�ت�ث��ر على وع �ن��د ال �ع��ودة ف��ي آخ��ر ال�ل�ي��ل .أرصدها دائما ،وه��ي تطير وت��زن وبشكل غامض: اللحاف ،وتجول باحثة عن أذني.. ال تطلقهم اآلن ،يجب أن تنتظرني .سوف وم��ع أن��ي حاولت فعل كل ش��يء ألدلها أجد طريقي. على الطريق ،إال أنها تتوه في النهاية.. يجب أن تتحلى بحكمة وصبر األنبياء أف��رزتُ رائحة ده��ن نافذة من أذني.. أثناء انتظارهم الوحي. إلغ��وائ �ه��ا ،لكنها ب�م�ج��رد أن ت�ق�ت��رب من وأنا أنتظرها مثلما تطلّب مني.. رأس��ي ،تفقد حاسة الشم ،أو مهما يكن، وتضل طريقها. وأقوم بأكثر من ذلك.. استلقيتُ بطريقة م�ش��وه��ة ،اتخذتُ أحتجزهم في رأسي ،أتركهم يتحدثون، وضعية تجعل من أذن��ي حفرة كبيرة في يصفون بعضهم ،يبحثون عن فرص ،يُقيمون األس �ف��ل ..للحد ال��ذي ل��و تَ� َع �ثَ��رتْ ،سوف األغ ��ان ��ي ،وأخ��ب��ار ال�ص�ح��ف والروايات الجديدة ..أتركهم ينشغلون بأي شيء إال تتدحرج مباشرة وتسقط هناك.. ولكن ..لم يتعثر نمل الكلمات األسود بفكرة الخروج ،عندما يحدث هذا يجب أن يتم بصورة تليق بهم ..كزعماء مافيا القوي وسقط ..ولو لمرة واحدة. أقوياء ،أو كرسل.. وعندما ال تجيء على هذا النحو: وحتى يجيء ذلك الوقت ،الوقت الذي أشعر بها وه��ي تطير ع��اب��رة الشقوق يستدل فيه نمل الكلمات إلى رائحة الدهن الضيقة للنافذة. في أذني ،الوقت الذي أتقن فيه صنع فخ أسمع حركتها بالقرب مني ،توقظني من للكلمات الجيدة ،سوف أ ُبقي -بشكل غير النوم لشدة رغبتها في المجيء ،ترافقني قانوني -كل هؤالء الرجال الذين يصنعون إلى العمل ،وترتسم على مؤخرة العربات القصص داخل رأسي.
* قاص من السعودية.
48
اجلوبة -شتاء 1431هـ
الوهم أحاول دائما عدم الوقوع في فخ الوهم والتوهم واإليهام والهيام وكل مشتقات و /ه/م.. حدث أن قلت في نفسي ، ألجرب األمر مرة واحدة على أن ما سأتوهمه يكون على قدر من العقالنية متوفرا على ش��يء من المنطق ؛ فلن أتوهم مثال أني رئيس دولة عربية ،فال أتقن فن السياسة ،ناهيك أنه لن يكون هناك منصب شاغر قبل قرنين من اآلن .لن أتوهم أن��ي ث��ري ،فمن طبعي أن ال أترك مليما واحدا يبيت في جيبي أو في حسابي .لن اتوهم أيضا أني معبود النساء، فال أجيد فن التغزل بهن .لن أتوهم أني إنسان مشهور ،ألني ببساطة ال امتلك أية موهبة لذلك. لن أتوهم أني شقي ،فال أعرف كيف ألعب دور الضحية ..سأكتفي إذا بتوهم أني أنا فالن بن فالن موجود هنا فعال .عندها تقدم مني عون أم��ن وط�ل��ب بطاقة هويتي ،فتشت جيوبي فلم أعثر على أي��ة ورق��ة ثبوتية ،فما ك��ان من العون إال أن ساقني ألق��رب مخفر .وفي الطريق قلت في نفسي :طالما أني حقيقةِ ..ل َم ال أطلق ساقي للريح؟؟ وهو ما تم فعال...
إني المتأخر دائما
> عبدالوهاب امللوح*
آخر الليل .يسبقني الصباح إلى موعد مؤجل في القصيدة .بائع الصحف اليومية وهو يروج لحرب لن تندلع ..ك��ان قد سبقني هو أيضا..يسبقني ظلي إلى حيث ينتصب عموديا .تسبقني سلحفاة ابني الصغيرةِ .يسبقني األطفال إل��ى نهر عند أعلى الفرح فاض من حلميِ .إني المتأخر دائما وهو أمر ال يزعجني ،لن يسبقني أحد إلى امرأة تهبني الصباح كل لحظة متجددا.
ق���������ص���������ص ق������ص������ي������رة
نصوص
الطفل والسلحفاة أشجار الحديقة وهي تُثمر في عينيك من حلم البارحةِ ..لن تفسِّ ر حزن الصباح في صوتك. كان الصباح فعال حزينا بل نحيل الخطو. الستائر وقد أزاحتها ي ٌد ما عجلى ،أخطأت أن تفسح الطريق لضوء من المفترض أن يهبط بأجنحة طائر مخطوف من ألف ليلة وليلة. رغم ذلك.. لم يكن الباب مرتبكا.. لم تكن درفات النافذة نائمة.. والغيمة التي تركتها البارحة قرب البهو..هي اآلن تنتظرك عند حافَّة يقظتك لتهطل.. ما الذي جعل الصباح يجيء حزينا؟
ه �ك��ذا أن �ه��ار ف��رح��ك ال �ق �ل �ي��ل ..ل � ّم��ا وجدت يسبقني التالميذ إل��ى ضحكة منسية خلف البابِ..يسبقني عامل التنظيف البلدي المسن سلحفاتك قوقعة بال حلم ،وتضامنت مع الحزن إلى شارع غسل سترته في أحواض دموع سكارى ليجيء الصباح على غير عادته. * كاتب وشاعر من تونس.
اجلوبة -شتاء 1431هـ 49
قصص قصيرة > طاهر الزارعي*
تباهي نظر إلى الماء ،خاطب نفسه: ال ..ال ..هذا ليس وجهي الوسيم الذي أتباهى به! رج ��ع إل ��ى ال�م�ن�ب��ع .ب�ص��ق ف �ي��ه ،ورمى مخاط أنفه.
شاهد عراة وتائهين وجياعا.. عبر بخطواته الالهثة إلى مساحة أكثر زحاما، لكنه انتصب مكانه مثل تمثال، ف�ط��رق��ات�ه��ا ك��ان��ت م��س��دودة بقمامات متراصة.
ط ��ال ��ع وج� �ه ��ه م � ��رة أخ�� � ��رى ،وص� ��رخ قوت
بأعلى صوته :نعم .،نعم ه��ذا هو وجهي الحقيقي.
سائح
ت �ق��رأ ف��ي م�ق�ه��اه��ا ال�م�ع�ت��اد جريدتها اليومية «يديعوت أحرنوت» ترتسم على شفتيها ابتسامة كبيرة.
ت�ج��ول ف��ي بقعة م��ا ،م��ن دول ��ة عربية في الصفحة األخيرة كانت تقتات أخبارا أخرى. عربية ،وتمضغ جريدتها بشكل مخيف.
* قاص من السعودية.
50
اجلوبة -شتاء 1431هـ
> ناصر احلسن*
قفل صدئ
شرنقة
أفلتت ك� ّل المفاتيح التي في حلقتها بزهو مفرط ،حتى إذا صدأ قفلها لجأت إلى المفاتيح بترج. المستوردة ٍ
مزقت الشرنقة التي وضعتها أمها عليها كمهاد دافئ، بعد أن جذبها النور ال �ب �ع �ي��د المنبثق م��ن خلف العتمة. ط��ار قلبها يشق الفضاء نحوه .دن��ت منه على عجل ،تشحذ مساحات من اللهفة .أخذ يتالشى ويتالشى حتى تالشت معه.
ه ـ ــروب الهروب منه ك ّل يوم .حاول ِ تتسارع خطاه فيْ الطرقات واألزقة ،كان يغلق باب ِ أن يتحاشاه في الدار بإحكام ،خوفاً منه .والنوافذ يسد ثقوبها كي ال يدخل منها .خرج ذات صباح فرآه أمامه يحدق فيه ،عانقه وفر معه لألبد.
عارية
ق���������ص���������ص ق������ص������ي������رة
قصص قصيرة جدا
صهيل الحرية
اشرأبت إليه األعناق وهو يزعق في حقل من خ��رج��تْ إل��ى ال �ش��ارعِ ع��اري� ًة ِل�ي��روا جَ مالها .المعرفة .أخذ صوته ي��دوي ملعلعا .توقف عن ٍ بلحاف ٍ استنكروا فِ علها المُشين .غَ طوها رهيف الزعيق بعد أن تخشبت حنجرته .عرض المايك وقالوا: على الجمهور .لم يشاركه أحد البوح بما خالج صدورهم .خرج منتشيا وأياديهم ظلت معلّقة. (إنّا وجدنا آباءنا)
عَ ��ادوا إل��ى منازلهِ م ،ت�ج��ردوا م� ْن ك� ّل شيءٍ ،بريق باهت
أطفأوا األنوار ولعنوا آباءَهم.
زائرة الليل
لمعت نجمة في األفق ،فحام حولها الذباب بطنين.
تالقفتها األيدي الموبوءة كتالقف الكرة .بهت حين يرخي الليل سدوله ،تزورني على حين غ ��رة .تلتحف م�ع��ي ف��ي ف ��راش واح ��د محاولة لونها. خطب ودي ...عبثاً أح ��اول ط��رده��ا ،أدي��ر لها انبلج الصباح ،ضلّت طريق العودة. ظهري وأنام.. ينبثق نور الصباح ،أهم باحتضانها ..أجدها قد تالشت.
بائن
أطلق عليها أعيرته الطائشة بدم بارد ،فأطلقت عليه زغاريدها المنتظمة بحرقة فائرة.
* قاص من السعودية.
اجلوبة -شتاء 1431هـ 51
مغلق بإحكام العمري* > ناصر بن محمد ُ
يقف خلف ب��اب مغلق ب��إح��ك��ام ،أوه��م��وه بأنهم أض��اع��وا مفتاحه ..برجولة زائ���دة ي��ح��اول فتحه.. يسأله جاره الذي يراقب ما يجري عن بعد :لماذا تحاول فتحه؟ يجيبه بحنق :أبحث عن شيء ما ،لن أخبركم ما هو ،ألنه يعنيني وحدي ،لعله تحلو به الحياة. يحمل بين يديه معوال قديما مهترئا ،الكل يراقبني ،تدهشهم أسمالي ،تغرقهم يحاول به فك الباب المغلق ،حاول به حتى الضحكات من حالي ..يثرثرون: خ��ارت ق ��واه .يجلس على األرض ،يسند
((أداته ال تصلح لهذه المهمة))؛
ظهره إلى الباب المغلق ،يغرق في نوبة من
((النقطة التي اختارها لكي تكون مكانا
جنون ،يحدث نفسه بصوت مسموع: أوش� ��ك أن أغ �ت �ن��م ال��ف��رص��ة ..ألبكي وأول ��ول كما ل��م أفعلها م��ن قبل ،أعلم أن
52
اجلوبة -شتاء 1431هـ
للثقب خاطئة))؛ ((الوضع الذي يتخذه خاطئاً))؛ لو أنه يرتدي حذا ًء لكان أجمل..
لو أن أظافره أطول ..لو لو لو لو
مجدداً يحدث نفسه:
ع �ل��ى ال ��رغ ��م م ��ن ك��ون��ي م �ت �ي �ق �ن �اً م ��ن أنهم
سأعترف(( :لم أعد أقوى على النهوض))..
سينصرفون بعد أن تنتهي طقوس شهواتهم.. شهوة النظر.. شهوة الكالم..
لكن هذا ليس كافيا. سأواصل ثقب هذا الباب ،حتى أنفذ منه إلى الداخل ،أو أموت دونه.
شهوة اإلنتقاد ..وشهوة اإلنقياد..
((يقطع وحدته وانهماكه نداء من الخارج))..
إال أنني أكاد أموت حنقاً؛ فهذا الباب الحقير
هلاّ غيرت أداتك؟
محكم بإغالق ،وق��واي خ��ارت ..وه��م يمارسون الغباء. عندما أتذكر ما بداخلي من اليقين بأنهم بعد قضاء ((نزواتهم)) ..سيرحلون. تتسلل إلى داخلي نفحة من رضا، لكن ،وآه من لكن هذه.. سيأتي آخرون.. لكن يجب عليَّ أن أتقبل األمر.. ل��ن أس �ت �غ��رب ..إذا م��ا اق �ت��رب بعضهم مني أكثر. يشاهدون ما يحدث ..ال يهمهم ما يحدث.. ينتقدون ما يحدث ..يهزأون بما يحدث.. هكذا هم البشر دوماً.. يتكرر نهوضه.. تتساقط هامته..
ق���������ص���������ص ق������ص������ي������رة
لو أن على رأسه كابا لكان أقوى..
يتكرر النهوض..
هلاّ حاولت بطريقة أخرى؟ ال تكرر مأساتهم.. يتساءل من هم؟! يجيبه ((ط�ي��ف ع��اب��ر)) يمر م��ن ف��وق رأسه المنكس: إنهم أساتذة السقوط المتكرر. قال حكيم: ((نظر شعاع من أعلى ،فهم بالسقوط على ذات النقطة التي ك��ان باألمس يهتك عذريتها وينتهك فضاءاتها ،فتراجع عن ذلك ..ألنه كان قد أحدث من الدمار ما يكفي ..في لحظة سقوطه األولى!! فوفر طاقته لسقوط مختلف)). يتملكه اليأس ،يغادر بعيداً عن ذل��ك الباب الموصد، مخلّفاً آثار حزن تمأل المكان.
* قاص من السعودية.
اجلوبة -شتاء 1431هـ 53
نصوص قصصية > مرمي احلسن*
زوبعة
تنغرس خطواتها في صحراء جافة.. تتردد أصوات تليدة.. تتمعن أصداءها في التشظي.. تستحضر ما غبر من ذكريات.. تجتذبها الذكرى ،كزوبعة حلزونية.. ت�غ�ي��ب ع��ن وع �ي �ه��ا م � � ��داداً ..ت��وص��د أبوابها لألبد.. فتتردد صرخاتها في زنزانة الحرمان..
غفلة
تتنفس طفولتنا هواء فاسداً.. ثمة جراثيم تعبث به.. تتحين الغفلة لتنفث دمها الفاسد فيه.. تتخلل أوبئتهم أجسادنا.. تولج أدمغتنا بين فوهات الجدران.. وتعشش فيها بيوت العناكب.. تسقط عقولنا في غيبوبة.. فتتحرر طفولتهم..
نور
تسقط السماء نجمة ساطعة.. تحوي نورين.. أحدهما يغطى ببهجته دنيانا.. وآخر يدفن تحت التراب.. * قاصة من السعودية.
54
اجلوبة -شتاء 1431هـ
يستخرجه الغرباء وهو لنا.. نتعلمه منهم ،ونحن نحفظه عن ظهر قلب.. ي �ش �ت �ه��رون ب��اك �ت �ش��اف خ �ب��اي��اه ،وه ��و طبيعة خلقنا.. يدمرون النور.. فيتمثل لهم على أرض الواقع..
سر الرجولة
ت �ت �ف �ج��ر رج ��ول� �ت ��ه ف���ي وم� �ض ��ة ف��ك��ر تحمي المظلومين.. عند مفترق طرق ،يقرر طريقه بين حب النفس واآلخرين.. الركون إلى اللذائذ أو رفض الظلم.. األولى يجد نفسه في متاهات الحياة.. واألخ � ��رى ت��دع��وه إل ��ى اإلع � ��دام رج �م �اً حتى الموت..
هواجس
يتعجلون القرار ..ال يعلمون.. من أي جهل يخلقون.. هي كوكب دري ..يدور في درب التبانة.. يبحث عن موقعة ..ال يصل.. يدور حول نفسه ثمالً.. فال يرى سوى ظله..
عشق الشتاء اعشق الشتاء بسببك..
> بشاير فارس*
ومرت األعوام ..ومن ذاك اليوم في كل صباح افتح نافذتي بانتظار تلك األوهام!
ق���������ص���������ص ق������ص������ي������رة
نصوص قصصية
أص� � ��اب ب���ال���زك���ام ف �ت �خ �ت �ف��ي رائحة قادمون..
عطرك..
دفء الشمس يلفني.. فأدرك مدى برودة دفئك.. أتأمل الطيور وهي تهجر األعشاش.. فأتعلم منها هجر وطنك..
نافذة أمل.. فتحت ع�ي�ن��ي ..تلفتُّ ح��ول��ي ..ليست هنا.. بحثت عنها ف��وج��دت�ه��ا أم ��ام الموقد، فتحت لي ذراعيها ،عانقتني رائحة العجين بيديها.. حدثيني صغيرتي :ما بالك؟ أماه ..لماذا هناك أحالم مزعجة؟! لك األيام، ال تيأسي ..سيأتي يوم تبتسم ِ وتتلون أحالمك بالسعادة.. ومن أين تدخل األحالم؟ عليك م��ن ال�س�م��اء ،وتخترق ِ ستمطر النوافذ والوجدان..
أن�ح��ن ال�س�ف��اح��ون ..أن�ح��ن القاتلون.. المتعطشون للدماء! ت ��دع ��ون أن� �ن ��ا ه �م �ج �ي��ون ن �ت �خ �ل��ى عن األخالق.. ل �ي �ت �ن��ا ك �م��ا وص �ف �ت �م��ون��ا ي ��ا أصحاب اإلرهاب.. على يديكم رأينا ماال عين رأت.. رأينا اإلرهاب بحقيقته المرة.. علمتمونا كيف ترمل ال�ن�س��اء ..وكيف يشرد األطفال.. ع ��ال ��م ت��رس��م��ون��ه ب ��ال ��دم ��اء ي� ��ا رمز السالم.. ألم تتشبعوا من رائحة الدماء؟! ال تتعجلوا حتفكم!! فالعرب قادمون.. قادمون.. فخيول خالد ستثير الغبار ،وسيف عمر سيعيد مجد األخيار.. وإن ط� ��ال االن� �ت� �ظ ��ار س �ي �ع��ود تاريخ األبطال..
* الجوف -سكاكا.
اجلوبة -شتاء 1431هـ 55
ثالث قصص قصيرة > صالح احلسيني*
طمع شرِ بَ الما َء حتىّ خر َج من أظفاره! يعلم أنه ليس له وحده ..لكن..؟! كا َن بي َن طرف اإلناء وشفتيه شيء ما؟
رحيل بعد أن تجاوز السبعين.. قال وقد شقّه عناء الراحلين ،..وتوسد
متعبُ هوَ.؟!
ذراع ألطف الصغار المحبوبين ،..إذا كان
ترجّ ل حتى وصل الباب المفتوح قليالً؛
من رحل جزءاً من طينة أرض الحُ ب؛ فإني
نهار في أوله. مث ُل ٍ مس ُه بيده،
56
كفاه مئونة النداء..
نجم بدأ في األفول ..سأستخلي بالذكرى.. فهي بال شك ..أنيسي الملول..
دفع ُه كما فعلتْ بهِ مئات األيادي قبله.
ذهب من كان في مثل سنه..
للباب صرير ِ كان
أمّا دمع ُه فال يزال مهراقا..
يشبه األنين
.....
اجلوبة -شتاء 1431هـ
الُقدامى، وأنشد والشهيق يلعثم لسانه ،وتيبس ال�ه��واء في حلقومه ،ثم اغ��رورق��ت عيناه، ب��أح��ر ال��دم��وع ،وأذن���ت م��دام�ع��ه بالذبول
اسمها؟
ق���������ص���������ص ق������ص������ي������رة
م�ل�ك�ت� ُه ال��ح��ي��رة ..ف�ت�ن�ف��س م��ن تنفس
بعد صمت المتحدّث -رددت الحيطان
مسّ ه االسم المتضخم بفعل الصدى كصوت من لهب لسع قلبه!.. ٍ فكان �س على إث��ره أن الشعرات النائمة أح� ّ
ال �م �س �م��وع؛ ف �ك��رِ ه أن ي�س�ت��وك�ف�ه��ا ،فقطع على ساعدي يديه تشوكت!.. إنشاده المُستحلى، افترشت صورتها كل نفسه.. وأوجز في الوداع وولى! تماسك في داخله ...جمع أغراضه.. بعد أيام... دفع الحساب.. سمعوه في أعلى أحد الرجوم ..يهيجن ه ّم بالعودة إلى سيارته ..لكن
بأسمائهم ..ومناقبهم..
ج� ��وار ال��ب��اب ال�ك�ب�ي��ر ي �ت��زاح��م الناس
قضى نحبه ..وكل من مر إلى جوار ذلك للخروج.. الرجم الذي كان يقتعده ..شعر بقصائده االسم أنهك قواه.. المهوجنة ..تنداح في األرجاء اقتعد كرسياً خلف المحاسبين حتى
مصباح الطفولة
يقف داخل المجمع التجاري ..في جمع ُ الناس.. ْ من
يخف الِزحام.. ّ
همس لنفسه :ف��ي ال�ص�م��ت ..تئن ما
تريد..
التبضع. ُّ مشغولٌ ..غير آبه بشىء سوى
ابتلع ريقه بصعوبة ..مغمضاً عينيه..
س�م��ع ن� ��داءاً م��ن خ�ل�ال «الميكرفون»
عاد إلى البيت..
الداخلي للسوق..؟ لم ينتبه للنّداء..
يحمل كل أشيائه المعتادة إال األلعاب..
* كاتب من السعودية.
اجلوبة -شتاء 1431هـ 57
قصص قصير ة جدا > كوثر النحلي*
مساء في مساء بدا له رهيبا اتجه نحو البحر.. بعنف.. ضمّه ٍ ف �ت��ح ف �م��ه ع �ل��ى حاشية الرمل.. لتباغته شهقة عميقة وباردة ثم انتهى..
مسودة
ث� � ��م ت� �م� �ت� �م ��ت ب� �ص ��وت خافت: « -أنت أنا»
طائرة ورق.. المساء رائق رغم بعض الغيوم التي لبدت السماء، صنعت من صفوتها فستانا رماديا بحلة شتوية جميلة.. وف ��ي ال �ش��رف��ة ال �ع��ري �ض��ة م �ت �ك �أٌ وثير ووسادة وردية.
وقفت أمام المرآة في كامل بهائها.. ش�ك�ل��تُ ط��ائ��رة ورق ،وت��رك�ت�ه��ا تسافر بوجهي إل��ى السماء ،تصنع من مالمحي تأملت مالمحها عميقا.. لمحت خدوشا باهتة في حاشية نفس مزيجا من األحاسيس.. س ��اف ��رت ال��ط��ائ��رة وت ��رك ��ت الخيوط المرآة.. متشابكة ب��أص��اب�ع��ي ،ووج �ه��ي ل��م يفارق اندهشت ،لتهمس لها المرآة: السماء، من تكونين؟ لتبلله قطرات مطر. أغلقت عينيها لتسترق السمع للصمت،
* قاصة من المغرب.
58
اجلوبة -شتاء 1431هـ
نوارة حلرش* > ّ
حين أَل ٍَم على ِ
لَمْ أ َْس ِدلْ الغُ روبَ
َقت بأظافِ َر بارِ دَةٍ طوَى الو ُ
روب ه َو الذي سَ َدلَني الغُ ُ
هات الج ِ َفتَش ّرد َِت ال ّروْحُ في ِ
*** باب ِمن قَرارَةِ العُ مْ ِق ا ْنهَمَ َر َض ٌ
قَشعريرَةٌ تَبحَ ُث عنْ ِمعطَ ٍف ِمن كَلِ ماتْ . *** الجدرانَ البَشرُ الذينَ ي َْسنُدونَ ُ يَمْ نحونَها حَ نان ًا بارِ د ًا الشوارِ عِ َيرْبِ تونَ على كَتِ ِف ّ َمان. َرج ٍل مُ َتوَعِّ كَةِ األ ِ بأ ُ السما َء البَشرُ الذين يَغمرونَ ّ يات مُ سَ هَّ دَةٍ بأُمْ نِ ٍ
المرآ َة د ََّججَ ِ قالَ :لَمْ تَعُ دْ الزِ مَ ةً ألَنَّ الحَ يا َة لَيسَ ْت مُ الئِ مَ ةً ؟ *** ات َكأ ُْت على دَمعَتي المُ ْشرَئِ بَّةِ بِ ُحزنِ ها وَمَ شَ ي ُْت لَمْ أقُ لْ شَ يئاً.. بالصمْ ِت فقط ا ْك َت َفي ُْت َّ ْ فعا َدةً ،أَما َم دَمْ عَتي َت َتع ََّطلُ ُلغَتي
هلْ أنا ِمنهُ مْ ؟
نديل؟ وقصيدَتي َليْسَ ْت بِ ِم ٍ
هلْ هُ مْ أنا؟
شَ هْ قَتي ِمنْ َفر ِْط األَسى
وأنا هُ مْ ؟ السعالُ أَيُّ ها ُّ
ش������������������������������������ع������������������������������������ر
ِ باكرَة ٌ أعطاب ٌ
***
ُصاب بال ّت ْأ َتأَةِ ت ُ وحالَتي ِمنْ َفر ِْط العُ ْط ِب َفحلَةٍ ُصاب بِ َعتْمَ ةٍ مُ ْست ِ ت ُ
يا رَفيقي الحَ ميمُ
لكِ نْ هلْ حق ًا قصيدَتي َليْسَ ْت بِ ِمنْديلْ ؟
صباح ٍ َتتَسَ لّقُ ني كُ لَّ
*** تستيقظ األشجا ُر باكرا ُ
إلى يوْمٍ مُ َتوَعِّ ٍك َتتَسَ لّقُ ني كُ لَّ لَيلَةٍ
منْ ربيعها
إلى ُحل ٍْم مُ ْنه ٍَك
تفرك حفيفَها باألنين ُ
إزعاج ِ كُ َّف عنْ شرايين الذّ اكِ رِ ةِ .. ِ شرات األوهامِ في ما تبقى ِمنْ حَ ِ
ترتدي خدوشَ ها العالي َة
عطوب.. ِ َلب المَ فأنتَ جَ رْحُ الق ِ
ثم تأوي مُ غمَ ض َة األمنيات
***
ّعاس! خريف ال يطرقُ هُ الن ُ ٍ إلى
* شاعرة من الجزائر.
اجلوبة -شتاء 1431هـ 59
دعــــــــــاك العشق.. > جاسم عساكر*
��س ف��ي ن��ب��ض��ي فأحيا س��ك��ب ِ��ت ال��ه��م َ
�����������ن قتيال ف�������������ؤاد ًا ك���������انَ م������ن زمَ ٍ
ت�������م������� ّ َو َج بِ ����ال����ح����ي����اةِ ول�������م أخ����لْ����هُ
���ط���رُ سلسبيال!! قُ ���ب���ي���لَ ال����ي����ومِ ي���ق ُ
����ت ل�����هُ ال����ذك����رى غ���دي���ر ًا ف���ق���د ش����قّ ْ
�������������واق ي���غ���س���ل���هُ غسيال ِ م�����ن األش
��ات ال��ه��وى ام���تَ��� ّ َدتْ وط��ب��عُ الـ ح��ك��اي ُ
���ط���هْ ���رِ ت��ع��شَ ��قُ أنْ ت َُطوال ح��ك��اي��ا ال ُ
إذا اخ���ت���تَ��� َم ال����زم����انُ بِ ���ه���ا فصو ًال
أض���ف���ن���ا ب�����ال�����غ�����رامِ ل����ه����ا ،فصوال
أواص�����������لُ رح�����ل����� َة األش�����������واق حتى
ت����ف����تّ����قَ خ����اف����ق����ي ورد ًا خضيال
وأَس����ق����ي مُ ��ه��ج��ت��ي شَ ���غ���ف��� ًا وأَروي
����������ال ف�����ي روح�������ي نخيال م������نَ اآلم ِ
�����م أغ���ن���ي���ات���ي وأص������ع������دُ ف�����ي س��ل��ال ِ
������ل�����أ ك��������لّ ج����ان����ح����ت����ي ه���دي�ل�ا ُ وأم
����ك ت���رح���ل���ي���نَ ع���ل���ى غ������رامٍ هُ ����ن����ال َ
�����ص�����ى ش����راي����ي����ن����ي رح���ي�ل�ا إل�������ى أق َ ***
���ك اآلنَ استه َل ّْت س���ح���اب���ةُ ع���ش���ق ِ
ع����ل����ى ق���ل���ب���ي لِ ����تُ ����ش����ب����عَ����هُ ه���ط���وال
ف����ت����زه����رُ ف�����ي أق����اص����ي����هِ األم����ان����ي
ا ظليال ت����م����دّ ع���ل���ى ال�����ه�����وى ظ���ل�� ّ
����ت ُخ�����ط�����ايَ ع���ل���ى ط���ري ٍ���ق إذا ت����اه ْ
ُ���������ك ف�������ي زواي������������������ا ُه دل����ي��ل�ا ق���������رأت ِ
���ج���ي ف����ؤادي ������اك ال���ع���ش���قُ أن ت���لِ ِ دع ِ
َ�����ب ال����ش����ـ����وقُ م���ن���ب���ع���ث��� ًا رس����وال ف�����ه ّ َ ***
* شاعر من السعودية.
60
اجلوبة -شتاء 1431هـ
> د .حافظ املغربي* أبحث في عُ يُ ونِ ِك ُ َعت وشَ ر ُ
الرُّ عبَ الكئِ يبَ قصي َد ًة
موخ األَقفيَه على ُش ِ
بعيد عن وطن من ٍ
ن ُِظمَ ت من البحرِ الذَّ ليل
الن َنتش ِ و َيدَا ُه ت ِ
امئات الظ ِ َيه َُب الرِّمالَ َّ
نَكِ رَتهُ أنغامُ « الخليل»
وح ِسح َر الرُّ ِ
وب معانيَ الماءِ العَذُ ِ
مل بحرٌ تموجُ بِ هِ دماءُ الرَّ ِ
من فجرٍ بهِ
على ِشفاهٍ من ظمأ
ُصفر ًا قانيات
ئاب تَسعَى الذِّ ُ
و َيلُمُّ أشال َء الكرامةِ
َات َاعي الحانِ ي ِ َيه َُب األف ِ
أرضنَا إلى َبكَارَةِ ِ
جوف ِ �������دودِ ف���ي ���ون ال ٍ ُّ م���ن ب���ط ِ
الشه َد كأس ًا من دِ مَ ا ٍ ْه َّ
الحفَر ُ
السمِّ َسقي ر َِحيقُ ُّ ي ِ
قريب ٍ أبحث من ُ َعت وشَ ر ُ
البراكين ِ أنفاس َ ويَعُ دُّ
مُ هجتَهُ حيا ْه
في عيونِ ِك عن وطن
التي ثارت حَ ِفيظتُ ها
***
***
القلب ُشريَان ًا ُ إليك يخطو ِ
خواطرُ من عَ دَم ِ تبارِ كُ ها
عيونك ِ أبحث في ُ وشرعت ُ
الملهوف ِ يُ حَ اكِ ي ُحر َق َة
َته َُب الثَّكالى الدِّ ف َء
بعيد عن وطن من ٍ
الغريب ْ من في الزَّ ِ
من ُحمَ ِم الَّلهيب
ُض فيهِ األرض تَنب ُ ُ
وص ِقي َع وحدَتِ نَا ت َِح ُّن َ
و ُتدَثِ رُ المقرو َر
بالفكرِ الجديد
لشمس ِك المُ لقَاةِ ِ
عد الرَّ غيد بالرَّ ِ
تَهفُ و وفي أحشَ ائِ هَا
َّلهيب حضن ال ْ ِ في
ض عن وليد أَمَ لٌ تَمَ َّخ َ
لكنَّني00بل إنَّنِ ي00
عيونك ِ أبحث في ُ وشرعت ُ
الحقائق ِ عينَا ُه تلمَ حُ في
بَع َد ال َعنَاءِ 00
بعيد عن وطن من ٍ
صو َتنَا المَ رهُ ونَ
الطمُ وح ورحلَةِ األمَ ِل َّ
يشكو األمانَ ِح َكاَيةً
لق الغراب في حَ ِ
عينيك ِ مس في الش َ لم أدرِ أنَّ َّ
ينشرُ حو َلَهُ والخوف ُ ُ
َقع األَكُ ِّف يشدُ و على و ِ
َّلهيب.. وص َد ُة ال ِ مُ َ
***
ش������������������������������������ع������������������������������������ر
رحلة
* أستاذ النقد األدبي -كلية اآلداب -جامعة الملك سعود.
اجلوبة -شتاء 1431هـ 61
ُك لِن َْف ِ ط َ اص َ ف ْيت َ سا ي ن َ ْف ً ْ س َ > عائشة احلطاب* أَ َتبَرَّ جُ بِ ِع ْطرِ ال َّلي ِْل
اشتِ عَالِ ي وَمَ ا زَالَ َك َروَانُ ف َِمي ِسرَّ ْ
اطرُ ا ْل َكوْنَ بِ أَ ْرقَط و َْج ِهي أُشَ ِ
َوأَنَا النَّهْ رُ يَا مَ دَى ا ْلعَدْ وِ ،
يضا لِ ن َْجمَ تِ ي يك و َِم ً أ َْصطَ ِف َ
األجفَانُ بِ ذُ هُ ولِ ِك، فَال ت َْجفَلِ ي أَيَّتُ هَا ْ
يل َصمْ تِ َك أل َكلِّلَ ا ْلف َْج َر بِ َترَاتِ ِ
يل سَ ��أَعْ ��زِ ُف عَ لَى َو َت��رِ المَ اءِ ُل َغ َة َفبَعْ َد قَلِ ٍ
ْك سَ رَّ ْح ُت خَ ُشو َع عَ ْي َني َ
ل َْحنِ ي،
ُأدَارِ ي أَهْ دَابَ الن َّْج ِم المُ َتنَهِّ ِد ف َْجرً ا
َصائِ ِدي عَ لَى مَ رَايَا الْبِ حَ ارِ َوأَر ُْشقُ ق َ
َضاءِ ، هَ جَ ع َِت الرِّيحُ فِ ي كَبِ ِد ا ْلف َ
َضاءِ ا ْلبَالبِ ِل. ُوحي فِ ي ف َ كَيْ ُأ َت ِّو َج ر ِ
وق ا ْل َكو ِْن، فَلِ مَ اذَا ي َْخ ِفقُ ا ْل َقل ُْب فِ ي ُصفُ ِ
ون ا ْلق َِصيدَةِ ، َضفَّ ر ُْت غُ َر َر الن َّْخ ِل فِ ي عُ يُ ِ
وَيُ عْ لِ نُ ُضمُ و َر عُ بُورِ ي؟
َات السب ِ َورَمَ ي ُْت غُ بَا َر ال ُْخطَ ِب بِ َلي ِْل َّ
اش ِع وح بِ د َِمي الْخَ ِ ألأُحَ ابِ ي إِ غْ مَ ا َء َة الرُّ ِ
َ��ط�� َر عَ ��رَقِ ��ي ِض��يَ��اءً فَ����وْقَ يَ���أ ِْس ْ��ت ق ْ أَهْ ��طَ ��ل ُ
عَ ِقيقُ شَ َفتَيَّ ي َْظمَ ُأ هُ تَافً ا،
َاب؛ ا ْل َيب ِ
َوكَمْ جَ مَ عْ ُت بِ مَ ْأوَى المَ جَ رَّ ِات شَ هْ ِدي
فِ ي البَدْ ءِ غَ رَّ َد القَدُّ قَمَ رً ا،
طَ َوي ُْت ُجمُ و َح الْخَ رِ يرِ بِ عُ ن ِْق ا ْليَمَ امِ ،
ثُ مَّ ا ْزدَانَ ر َْحمُ ال َكو ِْن خَ جَ الً.
* شاعرة من األردن.
62
اجلوبة -شتاء 1431هـ
ش������������������������������������ع������������������������������������ر
من الشعر الفارسي املعاصر > شعر :سهيال كرمجي، ترجمة :بدل رفو املزوري*
القلب
حينها !..أطلقت عنان ضحكاتك
أيها القلب الممزوج
صوبي
بالذنوب والخديعة،
أيا قلب،
عمّ تبحث!..؟
هكذا كان مكرك وخديعتك
عمّ !... عن العزلة أم الوحدة
وهداياك جبال وحزم أوجاع صدى العتمة أنت وهدوء الظالم أنت
أم ع��ن ص��دى العتمة ..ف��ي فضاء ال روح والفضاء الذي ال روح فيه أنت والعزلة األزلية أنت فيه تركتني وحيدة أتبحث عن حزم أوجاع أيها القلب ومكابدات أنت من خان المواثيق والعهود كي تهديها لي في غربتي!!.. وأنت صديق المكر والخديعة أيها الفؤاد أنت يا قلبي؟؟ الملتحف بالذنوب والمكر والخديعة *** أنت من حطمني
أنت وأنا
مَ ن سرقني من ذاتي وكنت وحيدة حين أبصرتني في وحدتي
في خيالك
اجلوبة -شتاء 1431هـ 63
مالك وحورية
وإذا بي أراك أنت
وأنا مثقلة بك في
وأنت ال تملك مفتاحه
أحشائي
فكيف كان بوسعك أن تغزوه وتقطنه؟!
وأنت تسرح في خيال الحورية
وبلمح البصر أقفلت باب الخزانة
أبصرك في خيالي
كي ال تهرب منه،
تعاني
ال فرار.
من المباالة الفاتنة أنت وأنا أتلوى ألم ًا واحتراق ًا من إهمالك لي
أظن بأنه حلم فما عشته كان حلما ً:
آه... كم أتمنى لو أغدو ولو للحظة تلك الحورية سيدة أحالمك.
ال فرار
نجوم فضيةً بالسم ،براعم حظ، حلمت بك أنت ،أنت أظن بأنه الحلم
تسكنني في كل لحظة
ففي الحلم:
في اليقظة
تسيل دموعي الفضية
والكرى
على وجنتيّ الشاحبتين
مهووسة أنا بك
وتحيالن الشحوب نضارة وحياة
وحين أغفو
وأنت أيتها البالبل والكناري
تمتزج بدموعي
وطيور الحب
وحين أصحو
هامس ٍ بصوت ٍ غنِّ لِ ي
انت ضوء عيوني
ألحان الفرح
فماذا بوسعي أن افعل معك!..؟
كي ترحل
أينما كنت أنت معي
األوجاع والمكابدات والمعاناة
أبد ًا ودائم ًا
عن حياتي
وفي يوم ما
حينها سيصبح لحياتي
فتحت خزانة قلبي
معنى للحرية
كي أرى ما فيها
لكنه ..كان حلماً.
* كاتب ومترجم مقيم في النمسا -غراتس.
64
أظن بأنه حلم
اجلوبة -شتاء 1431هـ
> عماد الدين موسى*
-1-
ال أنظرُ إلى الوردةِ ال أشتمُّ العصافير كلُّ شيءٍ تغ ّي َر في ناظري على األقل، حياتي التي أجهلُ أنها حياتي.. تسبقني إلى حتفي.
-2-
ندف الثلج تتساقط ُ الحب ّ العصافير أطفالنا في كلما أنظر إلى امرأة ٍ يولدُ ألف عصفور ألف آخر. ويموت ٌ ُ لن أموت إليك أنظرُ طالما ِ ـاس بعددِ نظراتي. حياتي تـُق ُ
-3-
البستانيّ ... يجهلُ الكثير البستانيّ ال يعرف سوى الورود التي للهباءِ ، كذلك َ طيوره البستانيّ يجهل تمام ًا أنّ ورود ًا تنمو ابتسمت ِ إنْ أنّ أطيار ًا تغزو غرفتي رسائلك... ِ إنْ قرأت ُ وحدي أعلم.
-4-
-5-
الحب ّ أنك تجهلينَ أجهلُ ِ وأحبك كلما ارتعش القلب. ِ أنك تحبّينَ الجهل أحبك ِ ِ وأجهلُ سقطت امرأة ٌ ْ كلما القلب. ِ من نافذة
ش������������������������������������ع������������������������������������ر
كمن يلتمس حلما ً
-6-
القلب ُ كلما نبض أحبك ِ من جديد ٍ كلما رفّ ْت جفني أحبك ِ من جديد ٍ كأنـ ِّك كل نساء األرض أحببتك ِ وكلما من جديد ٍ أولدُ .
-7-
ستظلّ الشجرة ُتعاندُ الخريف انتظارك... ِ في ستظلّ الشجرة ُ توهمُ الفراشات بقدومك... ِ ستظلّ الشجرة ُ ستظلّ لعل ِّك ،لعل ِّك. النافذة ُ التي يلعب الطفل ُ الحب.. ّ فيسقط في النافذة ُ التي تمشي القطة
-8-
اجلوبة -شتاء 1431هـ 65
َع سور البيت «لطرد الملل»... النافذة ُ التي أجهلُ أنها نافذة حتى تعبر فتاة أناقتك. ِ بكامل ِ
ليس فخـّأً». «الحب َ ّ تقول القطة: ليس ملك ًا ألحد». «سياج البيت ّ تقول: «السياج بيت القطط».
-9-
حياة ٌ أخرى عدا التي أعرفها تنتظرني.. حياة ٌ أخرى خيالك ِ عدا التي ترسمها ريشة تنتظرك.. ِ حياة ٌ أخرى ليست لنا ْ تنتظرنا.
-10-
أصابعك التي ِ باقة ورد ٍ في يدي، أصابعك التي ِ فقدت ُ ألجلها أصابعي، أصابعك التي ِ أصابعي.
-11-
الحب ال يولدُ ّ الحب إلى الوراء ال ينظرُ ّ الحب ال يستريحُ ّ الحب يسيرُ ّ يقف الحب ال ُ ّ الحب نحنُ ضحاياه ّ يموت ُ الحب ال ّ الحب أن نموت! ّ يقول الطفل: *
66
شاعر من سوريا.
اجلوبة -شتاء 1431هـ
-12-
الوردة ُ التي سقطت في الحب، ْ الوردة ُ التي ذاتَ نحل ٍ سقطت.. ْ أثمرتْ الحب.
-13-
-14-
تحب ّ ثمّ ة من ثمّ ة من تتسوّل حبا ثمّ ة من تنتشل حب ًا ثمّ ة من ال تعرف الحب ثمّ ة من لم تحب ثمّ ة من ال تحب.
-15-
الحياة ُ كاميرا الحب سوى العدسة. ّ وما
-16-
منزلك ومنزلي ِ ما بينَ الجسر... أذهب ُ إليهِ وأتأملُ منزلينا. منزلك ومنزلي ِ ما بينَ منزل... ٌ يسمّ ى الجسر. حياتي التي أجهلـُهـا أنت. ِ
-17-
الطقس أحوال ّ
> عيد احلجيلي*
األفق ِستا ٌر من حديدْ !! ِ وعلى
ال جديدْ
أسئلة
ال جديدْ
-1-
الصهْ ِد على القلب تزيدْ نسبةُ ّ والسما قاحلةٌ ..
لماذا تُضاءُ المدين ْه
واألرض غرثى
وهذي الوجوه عليها ظالل دكينهْ؟!
َمي في مدى الرؤيةِ وضباب عَ ْند ٌّ ٌ جاث ٍ الست ِّ وجفاف في الجهات ٌ يعوي ثمّ يُ بدي ويُ عيدْ
-2لماذا تضيئين في عتْمة السطح ..والقبوِ .. ّ في ُسدْ فة الدّ رج المتجهّ ِم
ُس ُحب األحالم تنثالُ
المغيب.. ِ بعد
نجيع ًا
وظلمة ليل الصحاري /
وصديدْ
الكئيب.. ِ المالذِ
ويدُ الخوف َصنَاعٌ ال تبيدْ
َوي وفي وحشة الهاتف الخل ِّ
الصمت تعلو ِ درجات ُ
الرسائل ِ وبين
الغبن تشتدُّ ِ ورياحُ وتجتث المرائي ُّ ونبوءات النشيدْ ِ
ش������������������������������������ع������������������������������������ر
قصائد
في علبة الوارد المستكنّة نان حصينهْ؟! خلف كِ ٍ
-3-
وغداً ...ال شيء يبدو فالرؤى معتمةٌ
لماذا المدينهْ؟
عات والنقع ٍ
لماذا لماذا حزينهْ؟!
* شاعر من السعودية.
اجلوبة -شتاء 1431هـ 67
لون الغياب > عائشة املؤدب* ي َْحت َِدمُ اللّيلُ فِ ـ ــي د َِم َك
يق إِ لَيَّ عَ ِّجلْ بِ الْحَ رِ ِ
يُ طوِّقُ هُ األَسَ ــى
السمَ اءِ واخت َِص ْر ُج ْر َح ّ ْ
َاف منْ هُ الَمٍ بِ أطي ٍ
َاب الغي ِ َات ِ فِ ي عَ تْمَ ةٍ خ َّلفَـ ْتهَا بِ دَاي ُ
السوادُ َيتَخبَّط َّ
عَ ِّجل إِ لَيّ
ثُ مَّ َينْدلِ ــقُ الشعُ ورِ الظلمةِ سَ وْء ُة ُّ ُك فِ ي ّ َو تَطَ ال َ سَ مَ اءٌ َت َتهَاوَى عَ لَى نَفْ ِسهَا االحتِ ضا َر ُشهُ بًا تَقْ ِذ ُف ْ استِ دار َة األُفُ ِق تَعْ ت َِصرُ ْ وت َْخنُقُ البُكا َء الْمُ مْ ت َِق َع ْك َلوْنُ عَ يني َ يب ِحينَ ت َِغ ُ
وغلٌ فِ ي ال ُبكَاءِ َك مُ ِ فَالْمَ ساءُ حَ ْول َ َك يَقْ ـترِ ُف اللَّيلَ الكَئِ يبَ والضياءُ خَ ْلف َ ِّ هَ ا أَنَا هُ ـنَا أ َْست َِمرُّ فِ ي مُ حَ اوَلةٍ لِ لتَّسَ تُّ رِ عَ لَى مَ وْتِ ـي راق َبقَايَا إح ِ أ َْست َِمرُّ فِ ي ْ كَان َْت عَ الِ قَةً فِ ي ُحن ُْجرَتِ ي أ َْس��تَ��م��رُّ فِ ��ي سَ ��فْ ِ��ح ال���كَ�ل�اَ مِ عَ �� َل��ى مَ شَ ارِ ِف
َات الْمَ ِّيتَةِ السنُو ُنو ِ سَ هْ لٌ ِمنَ ُّ
الصمْ ِت َّ
بِ الَدٌ أفْ رجَ ْت عَ نْ أ َْحزَانِ هَا
الغيَـابَ مَ ا دُ مْ تَ ُتعَاقِ رُ ِ
وا ْكتَمَ ل َْت فِ يهَا الفَجَ ائِ عُ
َو تُمَ ارِ ُس عَ لَى الْمَ و ِْت نِ هَايَةً مُ ؤَقّ ـتَةً
* شاعرة من تونس.
68
واستَرِ حْ ْ
اجلوبة -شتاء 1431هـ
> علي العسيري*
()1
شَ َّ َق بِ أكتَافهِ
نُخاَ َع البَصيرةِ
َنت بِ القَلب، ِعطرٌ أ ِ
أَحشَ ا َء الهَواءِ
السهدْ ارتَقى ُ
تحفُ نيْ ، نَسمَ ات ُِك ِّ
َاحدٌ اح ٌب و ِ َص ِ
ُس َّل َم الدُ عاءِ ،
تَسأَلني اليَقظَ ة،
ال ظَ نَّ بِ هِ َ
عَ ا َد النَها ُر
هَ لْ ِم ْت؟
اِ ستَوى بِ الجَ و
دلدلُ َصباَحه، يُ ِ
يَند ُه العَقل
ِعطرٌ فَاقِ دٌ
غَ ارَاتهُ ا قَائِ مة،
اَثكَلنيَ
()6 لمْ يَكُ نْ نُو َراً،
شَ راَبَ الحَ دائِ ق،
ُجوم َو َزِ ينَة كَانَ ِشهاَب ًا ِمنْ ر ٍ
أ َِمنْ ِحيلَةٍ
()4
َتقَاذَفتَها أَكِّ ُف المُ فردَات،
أَيهُّ ا ال َورَى
َو ِهيَ شَ هديَ
بِ خالَءٍ أَعمَ ق،
َاق ت َِّح ُط بِ المذ ِ
أَوسَ عُ
أَلفيتُ ها مدَاميْ
َلب ِمنْ فَضاءِ الق ِ
كَافأَتها الرُ وح
أَبعدُ
أََغنَى العُ مرِ
ُمح األَغَ اني، ِمنْ ر ِ
َجل ُس ِجواَره، َت ِ
()3
()5
َوق تَس َّلَقَ العَين، أَو إِ نزال ت ٍ
يح هَ جَ ُس الرِ ِ
ِمنْ ظَ مأ ُِك
يل كَان َْت مَ وجةُ النِ ِ
أَمَْ ،صراحَ ةِ الرَائِ حةِ
َأس عَ ب َر الي ُ
روف تُهامَ ة. ُتكَافِ ئُ ُج َ
()2
ش������������������������������������ع������������������������������������ر
ل ِ ِ العطر ُ َ شتع ُ غيما!.. يَ
لمْ تَكُ نْ فَراَشة، َانت ِغير ُة البَسَ اتيِ ن، ك ْ لمْ يَكُ نْ مَ اء كَانَ دمٌ يخرِ ُش السَ ماءِ لمْ َتَكُ نْ محَ ارَة، ل��مْ َت��كُ ��نْ َن��سَ ��جُ ِح��كَ��اي��ةٍ عَ مياءٍ رفع مُ قلةٍ لِ ِ
* شاعر من السعودية.
اجلوبة -شتاء 1431هـ 69
حني يصبح احلكي خطابًا يغزله جيل ضائع
> حسني الهاشمي* السبب الوحيد لوجود الرواية – كما يقول كونديرا _ هو أنها تفصح عن شيء ال يفصح عنه سوى الرواية وحدها ..هذا المدخل قد يقودنا بال شك إلى مستويات عدّة من الرؤى والتصورات التي يمكن أن تثيرها مستويات الخطاب الروائي؛ تلك التي تبتكرها العوالم الخاصة المشحونة بمحتوياتها الفكرية والسيسيولوجية لدى الكاتب أو المرسل باتجاه المتلقي ..هناك إشكالية الرسالة إذاً ،وهناك معادلة ال تكتمل من دون توافر أطرافها الثالثة (المرسل _ الرسالة _ المتلقي) ،ولكن حساسية الكتابة ..ربما تبدأ من اللحظة التي يشعر فيها الكاتب بأنه يغامر ،طالما أن اللعبة بينه وبين الواقع الذي يقيم فيه ،تتطلب الكشف عنه بطرق وأساليب غير مكررة ،جديدة ،ولكننا بحاجة لها فعال ،كي تؤدي المهمة بكفاءة ..اإلفصاح في السر أحيانا نوع من أنواع المخاتلة الشرعية والفنية، ونعني التستر المشروع وراء حجب تسمح ألشعة الحقيقة ،ما يكفي لكي تترك ظال أو أثرا، كصدى بعيد يتردد في المنجم الخفي ،أو القاع اإلنساني المعتم والمعزول أحيانا.. لهذا كله ،ال ينبغي علينا أن نتصور أن ثمة نمط محدد من اإلفصاح كسبب وحيد إليصال الحقيقة إل��ى المتلقي ،بل إن هذا ه��و م��ا ي �ح��دده طبيعة ال�م��وق��ف أو الواقع الذي يجترح أساليبه ،وفق الحاجة الملحّ ة والقدرة على تنشئة العالئق السردية ،التي تشاغل ح��دة ال�ص��راخ ،ومنطوق األزم��ات أو المالبسات المتداخلة في نسيج واقع يعيشه الكاتب ،بما يملك من أدوات حسية ورؤيوية؛ بغية اكتشافه وإعادة تشكيله ثانية وفق ذلك كله.. ه���ذا االس �ت �ه�ل�ال أراه ض���روري���ا ،ربما ك��ي ن�ب��دأ معه ق ��راءة العمل ال��روائ��ي البكر
70
اجلوبة -شتاء 1431هـ
والموسوم (غزل الحكي) ،للشاعرة والكاتبة المغربية -حبيبة زوكي -هذا العمل الذي يتشكل م��ن ع��دة ف�ص��ول قصيرة مرسومة بعناوين فرعية ،أري��د لها أن تكون بمثابة إش��ارات ذات أبعاد داللية ،تعطي بمجملها بوحا تناغميا مولدا للعنونة الرئيسة ،مثلما ت�م�ث��ل ب �ع��دا س��ردي��ا خ��اص��ا ت�م�ل�ي��ه الرغبة الواضحة لدى الكاتبة في االختزال ،اختزال ما تراه وتعرفه وما تتخيله؛ ولعله روح اإليجاز الشعري الذي يخلّف الوميض المتوهج هنا وه�ن��اك ،وال شك أن روح الشعرية حاضرة ف��ي ه��ذا ال�ع�م��ل بكليته وهيئته اإليحائية والرمزية ..فكلما كان المضمون مهيمنا وذا
قيمة لدى المبدع ،أصبح االحتواء والتدليل عليه، أو التعبير عنه ،من المهمات الشاقة ،وهو يحاول إيصال الرسالة إل��ى المتلقي بلغة وآليات مميزة وجذابة ،ربما حفاظا عليها من السطحية والرتابة والعادي من اإليقاع المكرور الذي يلتهمنا كل يوم. هذه الرواية القصيرة تبدو للوهلة األول��ى ،وكأنها قصيدة نثر طويلة ،مغزولة وف��ق منولوج خاص، محورها الرئيس -كوثر -التي تمثل صوت الراوي العليم أيضا ،إضافة إلى شخصية -نور -الشاب الذي يرتبط بها بوشائج عدّة أهمها الحب ،أما باقي الشخصيات فهي محدودة؛ تبدو لنا كشخصيات ((لقد شبعنا غضبا ويأسا والى أين المفر؟ ص24 عابرة أحيانا أو هامشية ،وأحيانا إشارية تتناسب ((إلى أين؟ والمجرى اإليحائي للسرد ،ذلك الذي يبغي التعامل إل��ى أي أرض تحتضنني فأحقق بها ذاتيمع ص��ورة الواقع المعيش وف��ق مفهوم ((أن حالة ووجودي)) ص27 الشعور يمكن التعبير عنها بكفاءة من خالل رمز ((نحن جيل مصاب بالفشل والفجيعة)) ص27 معين ..طالما أن الرمز يضفي معنى على الشيء ك�م��ا ت �ك��ون ث�م��ة ف��رص��ة ف��ي ه ��ذه ال ��رواي ��ة كي الذي يرمز إليه؛ وعليه ،فان استبدال الرمز بشيء نطّ لع على وجهة نظر -كوثر -التي تمثل الخط يعد أمرا يتعذر إلغاؤه)) ،بتعبير بيتر مونز. إذاً ..فالكاتبة تعي ما تفعل إزاء موضوعة كبيرة القوي في رؤيتها إلى الحياة بعكس -نور -حبيبها تالمس جوهر وروح األشياء المتولدة الشائكة في وزوجها ،فهي متفائلة وصامدة برغم رومانسيتها محيط عالم تصفه وكأنه ((حلقة مفرغة أو ربما وروحها الحالمة وما تواجهه من مضادات ومعوقات حلزونية ،ال نصل معها إلى نهاية الطريق وال إلى هائلة: نهاية الحكاية؛ ألن النهايات ،كل النهايات هي بداية ال �ب��داي��ات)) .ه��ذه الحقيقة ال�ص��ادم��ة ه��ي العتبة األول ��ى والمهمة ال�ت��ي تتكئ عليها ال��رواي��ة ،وهي العتبة النهائية لها ،ربما ألنها حكاية تاريخ دائري يكرر نفسه لجيل ضائع مهمّش ومصاب بالفجيعة وال �ي��أس ..ورغ��م ذل��ك ،فثمة نفس آخ��ر لإلصرار وعدم االستكانة ،يمضي متوازيا مع النفس المنكسر لهذا الجيل الذي يمثله -نور -الشاب الذي يبحث عن أرض أخرى تحتضنه ،ليحقق من خاللها ذاته ووجوده ،فالمرء أحيانا يجد نفسه ممنوعا حتى من األحالم ،وألن الشخصيتين -كوثر ونور -تنتميان إلى الشريحة المثقفة ،يصبح بإمكاننا الفرز بأن الموجهات المضمونية لهذا العمل تحاكي قضية جيل ذي حساسية بالغة إزاء قضايا ومحاور خطيرة
ن�������������������������������������ق�������������������������������������د
ومهمة؛ تشكل -في مجملها -العقد الرئيسة التي من أجلها أرادت – كوثر – أو الطيف المحوري للرواية ،إيصال رسالتها لآلخرين ،وأهمها قضايا البطالة ،والعزلة ،والقهر والتشرد ،والى غير ذلك مما يتعلق بأحوال هذا الجيل المثقف؛ المحارَب من شتى صنوف أعدائه ،الحقيقيين والوهميين منهم.. ولنقرأ بعضا من الحوارات التي تجري بينهما ،أو تلك التي تدور كمنولوج داخلي ،كلها تختزل الكامن اليائس والمتذمر والمتسائل أي�ض��ا ل�ه��ذا الجيل الضائع:
((أي �ت �ه��ا ال �ش �م��س ،ل �م��اذا رغ ��م رح�ي�ل��ك نحس باالنتشاء ،ونجد رحيلك اختزاال أللف س��ر؟)) أو ((رحيلك رغم المهانة والظلمة يوحي لنا بان الحياة مستمرة))..
يمكن أن نعثر م��ن خ�لال ه��ذه المنولوجات الداخلية أيضا على العديد من الرؤى واألفكار التي تمس حياة الشابين الثقافية واالقتصادية أوالسيسيولوجية ،مثلما نتعرف على المنحى التساؤلي أو الفلسفي للشخصيتين ،فشخصية كوثر -تتطابق مع شخصية الكاتبة على ما يبدو،والتي كانت تدون األحداث في دفتر رافقها طويال، وكأنها تخطط لكتابة سيرة حياتها ،غير أنها ظلت أمينة بشكل واض��ح على خط سيرها الفني ،من دون الوقوع بالسطحية والمباشرة ،برغم االنغماس
اجلوبة -شتاء 1431هـ 71
باألحداث والتفاصيل اليومية والحياتية العادية التي تحتاج إلى التنقل بحذر بين محطاتها ،وصوال إلى دوائرها المعقدة والشائكة ..إذاً ,أمسكت الكاتبة بخيط سردها المميز ،وه��ي ت��زاوج بين خطابها الحياتي الصعب والجاف ،وبين روح الشعر والتأمل التي تميز هذا العمل ،وتعطيه نكهة خاصة ..ولنقرأ بعضا مما تفيض به ه��ذه الصور التي توحي بما ذكرناه(( :ذهبت إلى السيد البحر لتزف إليه الخبر، أمام السيد البحر الذي كانت مياهه خشبة مسرح ،بما يتشابك من خيوط هذا الواقع التي تتلبسهم أبطالها :موج رمل وصخر)) ص.39 بالفجيعة ،طالما ظلت مقترنة باإلحساس الموجع أو ه��ذه ال �ص��ورة األخ ��اذة ال�ت��ي تختزل الكثير للحرية المفتقدة والمنشودة لهذا الجيل عموما. من األحاسيس المتماوجة لدى الطيف المحوري ففي حوار آخر بينها وبين -نور -يتجسد حجم للرواية: هذا اإلحساس المفجع بالحرية بشكل صريح: ((وم��ا الفرق في البحر إال صورة غرقنا في الحياة معكوسة على شاشة البحر)) ص..40 هكذا تنسج خيوط (غزل الحكي) لدى -حبيبة زوكي -رصد خفي مهاري ورشيق ،يريد قول كل شيء بين القوة والضعف ،بين الصمت والفعل باتجاه حلم التغيير الشاق وشبه المستحيل ،س��رد يبغي اختزال األبعاد الزمنية ،وينقب في ما حولها من انعكاسات وإرهاصات تدور في مخيلة وعقل هذا الجيل الذي يتالطم بين أمواج الماضي والحاضر والمستقبل كذلك ..سرد ينقب في دهاليز الذات ال�م�ت��ذم��رة والمشتتة ال�ب��اح�ث��ة ع��ن خ�ل�اص ،فمن الصعب أن نحيا ونحتمي بالمبادئ والشعارات دون انكسار؛ بينما تفتك بالعصر آفات خطيرة أبرزها االزدواجية ،ومن الصعب أن يهاجر المرء إلى مدن وع��وال��م وأم��اك��ن أخ��رى من دون أن يتذوق ((هذه الهجرة الرائعة خ��ارج نفوسنا ولغاية واح��دة هي إيجاد هذه النفوس)) ص ،71كما أنه من الصعب أن تؤمن بالحرية وتعيش تحت وط��أة أحاسيسك ((بأنك تمشي وتمشي لكنك محكوم عليك بعدم الوصول)) ،هكذا تصل الحال بشخصية -كوثر - وهي تحاور أمها ،إنها الصورة المقابلة لها وتمثل اعترافا باإلحباط ال تريد تصديقه أيضا ،اعترافاً
72
* كاتب وشاعر من العراق.
اجلوبة -شتاء 1431هـ
(( -ما ذنبنا أن نصاب بالفجيعة؟ ذنبنا أننا آمنا بالحرية))..هكذا تمضي هذه القطعة الموسيقية المصورة بشجن بليغ ،وهي تنمي كوامنها الضمنية باتجاه أفق مفتوح ينمو بتعدد صورته الداللية أو بتعبير ايتالو كالفينو ((إن الصور ذاتها هي التي تنمّي كوامنها الضمنية ،أي القصة التي تحملها في داخلها))، فهذه الصور السردية حملت كوامنها أيضا باتجاه ذلك األفق المفتوح الذي ال ينتهي ..وهذا هو سر تأثيرها البليغ ،طالما ظلت الحكاية واقعة تحت مغزلها الواقعي والرمزي في آن معا ،منذ المدخل األول ��ي ل�ه��ا ،ك��اس�ت�ه�لال ..وال ��ذي ت �ص��وره الرواية ه�ك��ذا ((خ�ل��ت ال�س��اح��ة إال م��ن ع�ج��وز تبحث عن نهايات الحكايات الغابرة في جسد الزمن العسير والضائع)) لتختتم في هذه الصورة المفتوحة أيضا ((خ �ل��ت ال �س��اح��ة إال م��ن ع �ج��وز تعشق األخضر وتدوس األس��ود)) ،وهي صورة داللية موحية غاية في األهمية والجمال ،تبعث فينا تلك ال��روح التي تعشق االن�ت�ف��اض��ة م��ن رم ��اد األش �ي��اء ،روح طائر الفينيق الذي ينتفض من ركام الموت ليصنع الحياة مرة أخرى من بين ذلك الرماد..
قراءة في شعر ثاني احلميد
ن�������������������������������������ق�������������������������������������د
انغماس الشاعر في الثقافة العربية وسبر أغوارها أملكه القدرة على التأثير غير المصنوع في متلقيه
من خالل قصيدة «أبحرت في عينيك»
()1
> د .محمود عبداحلافظ خلف الله*
ذكر أبو عمرو عثمان بن بحر الجاحظ في كتابه «البيان والتبيين» أن المعاني واألفكار ملقاة في الطرقات ،ليست صفاتها حكرً ا على امريء دون غيره ،فإذا ما تناولها الشاعر.. وعبّد بنيتها ،ثم رصفها ليسكنها عواطفه ووجدانه ،صارت ملكً ا له دون غيره. إن المتأمل في هذه المقولة ..يقرأ فيها العديد من األسس والمبادئ النقدية ،كما يلحظ فيها إشارة الجاحظ -رحمه الله -إلى بصمة األديب نفسه في تناوله لألفكار والمعاني ،وهو في الواقع أحد أهم المعايير التي يحكم بها على جودة الشعر وخصوبة الشاعرية. فليس شعرًا الذي ال تشعر فيه بحرارة الصدق ،و تسمع فيه دقات القلب ،وأنين األل��م ،من خ�لال الصور الكلية والجزئية النابعة من العاطفة والفكر معًا .وفي هذا السياق ،يؤكد جاكسيون أن الشعر يتمركز حول االستعارة كتقنية أسلوبية؛ ألن الصور االبتكارية التي يخلقها الشاعر ،هي التي تقوده إل��ى اقتناص المسافات الشاسعة بالتعبير الكامل عن مشاعره الكامنة في لحظة تصادمه مع المحيط حوله. ف��ي ال��واق��ع ،ل��م ت��أت ه��ذه التوطئة من
فراغ ،أو لمجرد التقديم ،إال أنها تداعيات أثارتها قراءتي لبعض قصائد الشاعر فوق ال �ع��ادة ث��ان��ي ال�ح�م�ي��د ..ال ��ذي امتلك من الموهبة واإلب��داع ما جعله يكسر حواجز المعقول إلى الالمعقول ،ويطوف بأرواح المعاني واألفكار بين الماضي والحاضر. لقد امتلك من القدرة اللغوية التي أملكته نواصي اللغة ..فانسابت األلفاظ والمعاني بين يديه عذوبة وتدفقًا ،وتكسرت أمام شاعريته كل الحواجز؛ فحلق بشعره في سماء الفكر والوجدان معًا .تأخذك جرأته
اجلوبة -شتاء 1431هـ 73
واقتحامه النقاط الحصينة في أعماق النفس، ويستثني فيك اإلحساس بحواجز الزمن ،بعد أن يستسلم له القارئ ..فيطوف به بين الماضي والحاضر ،في مساحة من الالمعقول ،تتنافى مع إعمال اإلرادة التخاذ أي قرار غير الذي يريده الشاعر نفسه.
أك�ث��ر م��ن دالل���ه ..فالهائم ه��و ال��ذي ال يتحكم ف��ي م�ش��اع��ره ،ب��ل ينسى نفسه ،وال يشعر بها إال عندما يهتدي لغايته ،كما أن الهيام مثلما أيضا يناسب بيئة يتناسب مع طبيعة الشوق ،هو ً الصحراء التي نبت فيها الشاعر ،هذا فضلاً عن أن الفعل المضارع يدل على التجدد واالستمرار واستحضار الصورة ،فحبه مستمر دون انقطاع.. وبالقوة نفسها .أما قوله أن��ت ،فهو استحضار لصورتها في ذهنه ،وفيه إفساح جيد يسقطه القارئ على نفسه أحيانًا ،ما يزيد من مساحة المصداقية التي سلف الحديث عنها في التوطئة السابقة.
ومن أهم قصائد الشاعر ثاني الحميد التي أتت من هذه المساحة اإلبداعية غير المألوفة قصيدة «أبحرت في عينيك».
ثم ع��اود مخاطبتها بفعل المضارع لتجديد العهد معها أو مع نفسه على الحب ،ولم ال؟ فهو يراها في نفسه ،فهي ليست بعيدة عنه ،تسكن وجدانه وأعماقه ،فعندما يبحر إليها ،فإنه في الواقع يبحر في أعماق نفسه في عالم الالحدود، فأصبح الحال وصاحبه في الوقت ذاته.
إن الشاعر ال��ذي يسلمه ال�ق��ارئ نفسه ،وال يستطيع أن يتخلص م��ن سيطرته العاطفية والوجدانية ..هو بالتأكيد -أقصد الشاعر - ليست إبداعيته في المساحة التي يلتقي فيها كثير من الشعراء؛ لكنه يتجاوز هذه اإلبداعية إلى مساحة من الفري غير المألوف.
لقد عرض هذه السيمفونية البارعة ،في سرد قصصي مثير حالم ،مزج فيها بعبقرية فريدة بين الحقيقة والخيال ،ولعبت فيها االستعارة دور البطل الحقيقي ،وال�ت��ي استطاع الشاعر من خاللها أن ينقلنا بكل انسيابية بين الحلم والحقيقة .وق��د س��اع��ده ف��ي ذل��ك استخدامه لعناصر وم �ف��ردات البيئة ح��ول��ه؛ حيث صبغته ال�ب�ي�ئ��ة ال �ص �ح��راوي��ة ب��ات �س��اع ف �ك��ري وعاطفي مترامي األطراف. أهيم بحبك في كل ساح وأنًى ذكرتك أنت بقلبي الجراح وأبحر وحدي إليك لقد نعت نفسه بالهائم المكبّ على وجهه؛ فقد أسلم نفسه إلى هذا الحب ،فأضحى تائهًا بين شعاب هذه الذكريات التي تمتد إلى حيث ال يعلم ..وهنا ،استخدم الفعل أهيم؛ ليحمله
74
اجلوبة -شتاء 1431هـ
أصارع شوقي إلى نظرة السحر في ناظريك وأبحر وحدي وقد عصفت بالفؤاد الجراح وفي خافقي قد غرست الرماح ويعلن من خالل هذه األبيات أنه فارس نبيل يحب ويعشق ،ولكنه يترفع عن كل ما يشينه أو يشين محبوبته ،فهو يصارع نفسه أن تتنازل عن أخالق الفرسان العرب وتضحياتهم حتى الموت، في سبيل حبهم دون أن ينال ذلك من كبريائهم أو نبلهم .الفعل المضارع يؤكد على استمرارية ال�ص��راع الداخلي ،وأي�ض�اً استمرارية الحفاظ على م�ب��ادئ ال�ح��ب ال�ش��ري��ف؛ واس�ت�خ��دم سحر العيون ،وهو سمة الجمال العربي الذي يتغنى بها
ونمشي سويًا
وق��د ع��اد على بدء، بقوله« :أب�ح��ر وحدي»؛ ليؤكد اإلصرار والتحدي ون �ش��رب م��ن صفو وإبقائه على العهد رغم كأس الغرام الرحيق ال� �ج ��راح ال �ت��ي عصفت يعاود الشاعر مرة بقلبه ،واستخدام الفعل ثانية للتغزل في عينيها، ع� �ص� �ف ��ت ف � ��ي صيغة فهو هنا ،يسافر فيها الشاعر ثاني الحميد ال� �م ��اض ��ي ي ��ؤك ��د على بعد أن أعلن أن عينيها شاعريته وتقنية انتقائه ألل�ف��اظ��ه ومفرداته؛ فزمن الماضي يدل على التحقق والثبات ،وهو حبه ،وهذا التشبيه البليغ تأكيد منه على جمال بذا يؤكد على أن ما أصابه من هذا الحب واقع عينيها؛ لذا ،جاءت الصورة بعدها ممتدة ..فهو فعلي ال يخفى على أحد بما فيهم المحبوبة ،كما يسافر في عيونها ،والسفر هنا يحمل دالالت أن الفعل عصفت أقوى بكثير من قوله وقعت أو كثيرة؛ فقد جعل عينيها ج�س�رًا يعبر منه من أصابت؛ ألن العصف فيه ضياع وتدمير وهالك ،الحقيقة إل��ى ال�خ�ي��ال ،فعندها يتوقف عامل وأ ّك��د ذلك في البيت الالحق ب��األداة التي طعن الزمن في موقف استثنائي ،ليعبر من خالله إلى بها قلبه ..وهي رماح العين ،حيث شبه نظرات اإلبحار في أعماق نفسه التي يراها في عينيها، العيون العربية الجميلة بالرماح التي أدمت قلبه فهي ليست كيانًا آخر ولكنها ذاته. وعصفت به. إنها قد رسمت بعينيها دربه الذي يسير فيه، ولعله يلحظ استخدامه لعناصر البيئة العربية عندما ي�ق��ول» س��و ًي��ا» أو «أن��ت ال��رف�ي��ق»؛ فهذا ف��ي ق��ول��ه ال��رم��اح ،ك��أح��د أدوات ال �ح��رب التي تأكيد منه على أنهما كيان واحد ،الروح والجسد استخدمها العرب عبر العصور القديمة ،ويشار ال ينفصالن ،روحها التي تسكنه ،هي نفسها التي هنا إلى أنه رغم انتماء الشاعر ثاني الحميد إلى تنير طريقه بين الدروب ،ويمشيان سويًا إلى خلد جيل الحداثة ،إال أن شاعريته مصبوغة بصبغة العاشقين ،وكأنه جعل من حبها جنته ،ودلل على المحافظين ،ويبدو ذلك جليًا في صوره وألفاظه ،ذلك بأن شرابهم فيها رحيق. ن�� �غ�� �ن� ��ي ل � �ل � �ح� ��ب، للعاشقين
ن�������������������������������������ق�������������������������������������د
كثير م��ن الشعراء على مر العصور.
تنيرالطريق
فهو بذلك يمثل التجديد ال��ذي ل��م ي�ت��ورط في أي إب� ��داع ،وأي ��ة ع�ب�ق��ري��ة جمعتها األبيات أخطاء العصرية المطلقة. ال �س��اب �ق��ة ،ف �ق��د ق ��دم ال �ش��اع��ر ل��وح��ة ف�ن�ي��ة لو اس �ت �ط��اع أن ي��رس�م�ه��ا ف �ن��ان ع�ب�ق��ري لتحيرت وعينيك حبي في عبقريتها األل�ب��اب ،فقد استطاع أن يرتقي أسافر فيها بداللته الشعرية إلى إضفاء الصفات اإلنسانية وأمضي لدربي على ك��ل المحسوسات ال�م��ادي��ة والمعنوية من وأنت الرفيق حوله ،فصارت األبيات بمثابة صورة كلية ركَب عناصرها من الطبيعة حوله ،ثم جعلها نابضة
اجلوبة -شتاء 1431هـ 75
ب��ال�ح�ي��اة م��ن خ�ل�ال األص� ��وات ال�م�س�م��وع��ة في الغناء للحب والعاشقين ،ولون الضوء الذي ينير الطريق ،والحيوية والحركة في السفر والتنقل بين الدروب؛ وهذا يذكرنا بقول «سيشل داي لويس»: «إن الصورة الشعرية رسم قوامه الكلمات» ،إنها بحق لوحة فنية بديعة. وأنت بقربي أقول أحقًا حبيبي بجنبي أحقًا حبيبي أودع همي وأشجان قلبي فتحكي العيون وتسبل أهدابها في خشوع نضم كلينا بشوق الغريب يهم إلى أهله بالرجوع فتخفق منا القلوب وتهمس أرواحنا للضلوع ق��د ال يصدق المحب نفسه ،فالزمن يكون استثنائيًا ف��ي لحظات ال �س �ع��ادة ،يمر سريعًا قبل أن يستفيق العشاق من نشوة اللقاء ،ويدلل على ذلك بقوله »:أحقًا حبيبي بجنبي؟» « أحقًا حبيبي»؟ التكرار هنا يفيد التوكيد ،فهو مشدوه ال يصدق نفسه ،وه��ذه اللحظات التي يختلط فيها النوم باليقظة والحقيقة بالخيال .وعندئذ يلقي كل همومه على شواطىء الماضي الحزين، ثم يبحر في أمواج عينيها ،فتستسلم في خشوع، ليسبحا سويًا في الغرام الالمحدود ،وفجأة يفتح عينيه ليعاني مرارة الحقيقة ،فما أجمل الحلم في عشق يستحيل فيه الواقع .يستفيق الشاعر م��ن نومه وه��و يشعر بصدى خفقان قلبها في صدره ،وهمس أنفاسها يلهب جسده. لقد حوت هذه األبيات موسيقى داخلية نابعة من تخير الشاعر أللفاظه التي تعبر بصدق عن عاطفته؛ فيستشعرها القارئ عزفًا على أوتار
76
اجلوبة -شتاء 1431هـ
قلبه ،إن الموسيقى الخارجية ومصدرها الوزن والقافية في الشعر العمودي وال��وزن فقط في شعر التفعيلة ،إضافة إلى المحسنات البديعية من تجانس وغيره ،رغم أهميتها وقوة تأثيرها، إال أنها ال تعادل في وقعها على النفس الموسيقى الداخلية التي سلف ذكرها ،وفي الواقع مثلت األبيات السابقة سيمفونية موسيقية رائعة ،يتردد صداها عاليًا ،لينبه في القارئ جميع حواسه؛ فيوقظ فيه األحاسيس التي سكنت مؤقتًا في ذاك��رة ال��وج��دان ،ويبعث الذكريات الدفينة في أروق��ة الماضي؛ إن الشاعر ال��ذي يمتلك هذه المهارة من الصدق العاطفي والدقة في التعبير؛ هو في الواقع يكتب لشعره الخلود عبر الزمن، ألن اإلنسان قد ينسى الواقع الذي يحياه ،ولكنه يستحيل أن ينسى ما يشعره بلذة هذا الواقع متى ما أراد. لقد ذكر األدي��ب المصري «نجيب محفوظ» في هذا السياق« :إن الواقع يموت عبر الزمن ب�م��وت م��ن يحيوه ،أو بتقادم األح���داث ،إال أن األدب يستحيل أن يموت ،فهو أبقى من الواقع؛ ألنه ال يعبر عن شخص بعينه ،بل هو تعبير عن البشرية ف��ي ك��ل زم��ان وم �ك��ان .» .وت��ؤك��د هذه العبارة أن صفة الخلود التي تنعت بها األعمال األدب �ي��ة ليست مطلقة ،ولكنها تأتي على قدر براعة األديب في مالمسة المراكز الدقيقة من عاطفة ووجدان البشر. وأصحو وحيدًا وأسأل عنك المنام الحزين وأسأل عنك الطريق وأعرف أني ببحر من الوهم وحدي غريق فها أنذا مبحر في عباب الضياع بزورق شوق بغير شراع فلو يبتلعني العباب
وعلى ال�ت��وزاي من مسحة األصالة في شعر
الحميد ،تجلت الحداثة أيضا بأبرز خصائصها،
يستفيق الشاعر م��ن حلمه وح �ي �دًا ،فيسأل وهي الحديث الصادق عن النفس؛ ألن الحداثة المنام الحزين ع��ن السبيل إل��ى السعادة التي كما يراها الدكتور عز الدين إسماعيل ،رحمه سلبها منه الواقع ،ولكن يكتشف أنه بوهم كبير.. الله ،هي أن تقول نفسك قبل أن تقول غيرك ،وأن هيهات هيهات أن يكون ل�لأوه��ام شطآن .لقد تصدق نفسك كي يكون عرضك لآلخر صدقًا. أضحى غريقًا في بحر ليس له ح��دود ،يواجه إن ان �غ �م��اس ال �ش��اع��ر ف��ي ال�ث�ق��اف��ة العربية أم��واج الضياع ،لقد فقد نفسه ،وأصبح يستقل زورقًا من أشواقه ،ولكنه فقد شراع اإلبحار ،فقد وسبر أغوارها ،أملكه القدرة على التأثير غير الحلم الذي كان يقوده إلى محبوبته ،إلى نفسه ال�م�ص�ن��وع ف��ي متلقيه ،م��ن خل��ال التعبير عن التي يبحث عنها ليبحر فيها. مشاعر العاشقين ،متمثلة في تجربته بمساحة
ن�������������������������������������ق�������������������������������������د
أقول وداعً ا أماني الشباب ولو تعترضني الرياح أقول سالمًا لكل الجراح
الخاصة من التجديد.
ل �ق��د ض��اع��ت أم �ن �ي��ات ال �ش �ب��اب ،وتحطمت غير محدودة من الصدق التي تجعل المتلقي في األح�ل�ام على صخرة ال��واق��ع ،ولكنه رغ��م ذلك أي زمان ومكان ،يعيش انفعاالت الذات الشاعرة، يصر على البحث ع��ن ذات��ه ،يصر على العبور وهي تبوح بأسرارها في عالقتها بمن تحب ،في إل��ى المستحيل ،ال ب��د أن يقتحم ك��ل الصعاب لحظات انتصارها أو انكسارها. حتى ولو كانت مستحيلة ،ويجعل الخيال حقيقة وأخ�ي�رًا ،لقد استطاع الشاعر ثاني الحميد باستثناء نفسه من القواعد الكونية ،إنه سوف أن يعرض ه��ذه القصيدة «أبحرت في عينيك» يقاوم ويقاوم ،سوف يصمد حبه أمام رياح الزمن في س��رد قصصي مبدع ،من خ�لال استخدامه العاتية ،أمام صخور الواقع الصلبة ،مرحبًا بكل ألسلوب التداعي الذي ابتكره األديب األيرلندي الجراح التي تشعرني بنشوة الحب. جيمس جويس ف��ي رواي �ت��ه «ع��ول�ي��س» ،ث��م شاع إن المتأمل ف��ي شعر ث��ان��ي الحميد ،بوجه استخدامه بعد ذلك ،نظرًا لقدرة هذا األسلوب عام ،وفي هذه القصيدة ،بوجه خاص ،يصل إلى على التعمق في حنايا النفس البشرية وأحوالها مجموعة من الحقائق ،أهمها رغم أنه جديد في المختلفة عبر تعاقب األزم�ن��ة ،وتبدل األماكن شكله من خالل انتمائه إلى شعر الحداثة ،إال أنه تغلغل فيه نبض القديم وروحه ،بيد أنه كثيرًا قد ال �م �خ �ت �ل �ف��ة ،م ��ن خ�ل�ال ال� �م ��زج ب �ي��ن الحقيقة يتصادف أن يكون الشعر في تجربته الجديدة والخيال ،والماضي والحاضر؛ مما يفجر في أقصد شعر التفعيلة أو الشعر الحر -مجرد المتلقي ذكريات الحب والسعادة والحزن ،وهواح �ت��ذاء وتقليد للنماذج الجيدة واألص�ي�ل��ة ،ال بذلك استطاع أن يرسم على قصيدته ظاللاً ال يتجاوز الشكل أو الظاهر ،بينما يخلو من فنياته تمحى من ذاكرة الوجدان. ( )1الشاعر ثاني الحميد شاعر من الجوف تعود تجربته الشعرية إلى نهاية الستينيات الميالدية وبداية السبعينيات .له كتاب «قبس من التربية» صدر في منتصف الستينيات الميالدية. * جامعة الجوف.
اجلوبة -شتاء 1431هـ 77
رواية «دابادا» حلسن مطلك
السرد املراوغ الروائي وقوة جمال ّية املعمار ّ ّ > هشام بن الشاوي* يستهل حسن مطلك روايته الماتعة «داب��ادا» بوصف الخريف( ،وه��و فصل الكآبة بامتياز ،حيث يثير قدومه في النفس شجنا مجهوال ،وخوفا مبهما من النهايات) ،وهاجر/ أم شاهين وهي تلملم الحطب ،فتشتعل الذكرى الخريفية التي ال تخبو :ذكرى محمود، ال��زوج الذي ضاع في البراري بسبب أرنب مبقع ،ويصافح القارئ حزنها غير المعلن عنه ،الحزن على االبن المنعزل عن الناس ،األبله الذي لم يتجاوز الطفولة ،وهو في سن السابعة والعشرين؛ وال يمكن أن نغفل الداللة العميقة لهذا الرقم المقدس دينيا. ونبدأ في التعرف على شاهين ،وهوايته الوحيدة في غرفته العلوية ،وهي التلصص على الصباحات ال�ن��دي��ة ..يستيقظ قبل ال�ش�م��س ل �ي��رى ال �ط �ي��ور ،وف �ج��ر الحقول يتسلل إلى غرفته.
المعنونة ،أما رواية «داب��ادا» ،فتبدو أشبه بسباق ماراثوني ،سباق يتحدى فيه حسن مطلك نفسه ال غير ،غير معني بمجاراة أو محاكاة ما يكتبه الكتبة أو أصحاب «دكاكين األدب» -كما كان يدعوهم -من روايات ترمى بعد ال�ق��راءة األول��ى ،مثل المناديل الورقية!!
للتوضيح ،الرواية -كما أكد الكثيرون من الصعب اإللمام بتفاصيلها ،حيث أنالسارد العليم يراوغ القارئ عبر رواية تبدو ال أن�ك��ر أن�ن��ي كنت أه�ج��ره��ا لفترات، مثل قصة مسترسلة ،عكس بقية الروايات م �س �ت��ا ًء م��ن ت�لاع �ب��ات ال �ك��ات��ب بالقارئ ال �ت��ي ت�ت�ي��ح ل �ل �ق��ارئ ،م�ح�ط��ات استراحة وب��األح��داث وال�ش�خ��وص .أحيانا ،أضجر واس �ت �ج �م��ام ب �ي��ن ال �ف �ص��ول ال �م��رق �م��ة أو من لغتها الشعرية المتعالية الباذخة ،إذ
78
اجلوبة -شتاء 1431هـ
ترى إخالصه كبقية األبناء ،حيث يسألون عن طبخة اليوم ،فقط ترى جحودًا مشعًا ،وتنادي عليه أن ينزل ،ويغادر شباك الضحك ،والجيران الالّهين ،المحتفلين بـ «ذكرى المعذب صابر يوم األربعاء بعد المطر» ،تأمره أن يلبس ويتبعها، بعد أن تصفعه ،وم��ن بين أص��وات الحيوانات وال�ح�ش��رات ،ك��ان يكتفي باإلصغاء إل��ى حفيف
ونلمح شاهيناً في شباك الضحك ،والفتحات (األف� � ��واه) ال �س��ت غ��ارق��ة ف��ي ن�ش�ي��د الضحك المتواصل ،وحين يسمع صرير الباب ،يندس في الفراش ،وتسأله أمه عن سبب تركه لها وهروبه، وتخبره بضرورة البحث معها عن أبيه في الغد، فهو ما زال ح ّياً ،كما قالت وزة .في الجوار ،يخبو ال�ض�ح��ك ،وي ��ذوب ف��ي ت��أم��ل م �ف��ردات المشهد
لكن ،وأنا أقرأ الرواية ،كنت أتخيلها سيناريو سينمائيٍّ ،حيث يعنى الكاتب بالمؤثرات الصوتية، برسم اإلطار (الكادر) ،وبناء المشاهد على طريقة التقطيع السينمائي ،حيث تتجاور اللقطات، تتداخل ،وتتوازى؛ ولن نستغرب ،فحسن مطلك كان رساما ،وهذا ما يفسر وجود شخصية عواد، �ص��ا ،حيث ويلج شاهين مقهى صغيرًا رخ�ي� ً الفنان التشكيلي المحبط ،الـ«ملتاع مثل خسارة ال��وج��وه القاسية تدخل بصحبة غبار الطريق، نهائية» .تأملوا جيدا هذا التشبيه ،حتى تشفقوا وتنساب الذكريات ،الضحك والمزاح الثقيل.. على قارئ هذه الرواية!! في انتظار الغائبة .لكن ،يخيل إلينا أنه كان يحلم فقط ،كما أن السارد لم يحدد لنا أين اتجه مع ولنعد إلى المتن الحكائي. والدته؟! تذهب األم إلى المطبخ ،وتوقد ما تبقى من ي �ع��ود ال��س��ارد ل�ي�غ��وص ف��ي أع �م��اق شاهين الحطب ،ونرى شاهينًا يتلصص على أربعة رجال وامرأتين في البيت المقابل له ،يضحكون بعيون المفتقد للحميمية العائلية ،وكذلك قسوة األب دامعة ،وسط رفعة األثاث ،ويبدو له «ترف الحياة الضائع في البراري ،وهاجر تنتظر عند الباب، التي تعلو مقابل شباكه» ،ثم يغوص في تخيالت في إش��ارة إلى جرحها النازف في صمت ،وهو انتظار أشبه بانتظارات مسرح العبث ..وسيدرك مستقبلية.. تبدو هاجر في كامل أناقة الحداد ،وتنتظر القارئ أن لشاهين رغبات حميمية أيضا ،حيث أن يكبر ابنها ،ال��ذي ال يشبه أب��اه ،األب الذي غواية الحفيف السري للثياب ،وه��ذا ما يفسر ك��ان مليئا بالغناء ،وك��ان م�ي�لاده (األب) حدثا ب�ع��ودة الصبي ،شاهين إل��ى بيت الغائبة ،التي استثنائيا ،وكان يركض خلف األرانب بعد خطواته تغيّب الحاضرين وهي تفك ضفائرها ،ويغرق في األول��ى .وشاهين ال يعرف كيف يقول :أمي ،وال أحالم هالمية ..مرة أخرى.
ن�������������������������������������ق�������������������������������������د
تحس أن��ك بصدد ق��راءة قصيدة نثر سرمدية، فتضيع خيوط الحبكة في دروب المجاز ،وأزقة االس�ت�ع��ارة ،وت ��ارة ،أس��أم أج��واءه��ا القريبة من الواقعية السحرية.
عباءة هاجر ..وكما سبق وأشرنا ،فالكاتب يعتمد على طريقة السرد السمع -بصري ،مثل كتّاب ال�س�ي�ن��اري��و ،حيث يمكنك تخيل المشهد بكل تفاصيله ،واإلصغاء إلى ما يرافقه من أصوات خارجية ،لكن حسن مطلك ال ينسى الغوص في أيضا ،واإلصغاء إلى ضجيجهم أعماق شخوصه ً الداخلي ،فيكتب عن شاهين ومشاعره الغريبة ونحس بأنه «ال يكرهها ،لكنه فقط ال ّ باتجاه أمه، يعرف كيف يقول :أمي».
اجلوبة -شتاء 1431هـ 79
الليلي ،يتذكر خديعة الختان، وهو الذي لم يضحك ضحكة حقيقية بعد تلك الخديعة.
منذ عشرين عامًا ،بخالف ابنتها زه��رة ،التي ال نعرف عنها م��ن خ�لال المتواليات ال�ح�ك��ائ�ي��ة س��وى أن �ه��ا أخت ع � ��واد ،وت �ن �ص��رع ع �ن��د ذكر ال��زواج ،وأمها تخشى مضي األع � � ��وام ،وال� �ت ��ي ل ��ن تكون جديرة سوى بإقامة الصلوات وفق حسابات زوجها مسعود، وال ��ذي ينهرها ق��ائ�لا ،حين يراها واقفة في الشباك:
ب�ع��د اح�ت�ب��اس ط��وي��ل عن رؤية الفصول ،يقرر أن يخرج إل ��ى ال� �ن ��اس ،ب �ع��د أن صار رض��اه ن��ادرًا ،والرسائل تعاد إل��ى أصحابها حيث ال أحد يعرف شاهين محمود .يخرج بخطوات مربوطة باتجاه وادي السدرة ،ونخمن أن الروائي يكتب ع��ن قريته (اسديرة) ل � �س� ��ت ص � �غ � �ي� ��رة ياايحاءً ،وعن العالقة الغريبة عجوزي. بين شاهين وع��واد ،والحمير الطينية التي كان يتعلق بصر شاهين بها ،وال يسقط عليها.. يحطمها الرجل التقي (أب��و ع��واد) باعتبار أنها وعند النهر يلتقي بعزيزة التي تصر على أن يتعلم أصنام ،وعالقة عواد بالكلب شرار ،جرو الكلبة ركوب القارب ،ويتذكر رحالت الصيد مع أبيه، الغدارة التي تعض األطفال ،وعزيزة ابنة القطان ،ويصاب بالدوار ،وهو يمد يده ليلمس أنثى.. التي تختلف عن بقية نساء القرية المنشغالت منذ عشرين عامًا ،توقظه هاجر ،يفتح الباب بجلسات نقش صوف الوسائد.. ويجد األربعاء دون أن يعرف الجمعة ،وخسارة ع���زي���زة ال� �ت ��ي ي � ��رى ش��اه��ي��ن ف���ي عينيها فادحة -بالنسبة له -أن يكتشف أن «أسوأ عمل الشيطانيتين تعابير أخ ��رى ،حتى ل��و ل��م يكن يقوم به اإلنسان هو :أن يفتح الباب». يعرف غير هاجر ،وال يعرف كيف يقول لها :أمي. األربعاء الذي يحسبه ثاني أيام األسبوع ،حزين يقف مسحورًا أمام عينيها ،ال يعرف أي تفسير ألنه مدهون بلون سرة اللحاف ،وكل صباح يسمع لنظراتها ،وحين يبدأ ع��واد في رسمها ،يغادر األخبار المتجهمة نفسها عن الكوارث والحروب.. شاهين ،ويعترف عواد بعدم قدرته على مجاراة يذهب إلى بيت عواد ،تحدثه عالية -في محاولة السحر الربّاني ،وبغرور األنثى وإحساسها ،تقول يائسة إلغوائه -عن بقعة حمراء في فخذها، له في زهو« :فلتتعذبا بي ،أنت وصديقك». قرصة حشرة ..تسأله إن كان يعرف التدليك، بيد أن العالقة األغرب هي ذلك الميل الخفي وببالهته يشير إليها أن تحك الفخذ بالحائط، إلى عالية ،وال��دة شاهين ،ذات األربعين ربيعاً ،ما دام الفخد فخذها ..يدخل زوجها مسعود، بطقوسها اليومية :الوقوف بالشباك ،البرنامج ويحثه على أن يتعلم الصالة حتى ال ينجرف مثل البدوي ،السجائر الحادة ،وتغيير الثياب. ابنه ،ال سيما واليوم يوم جمعة ،وألن اليوم جمعة، عالية التي تستمع إلى ربابة البرنامج البدوي فقد ظنه شاهين أربعاء ،وحين أخبرته زهرة أن
80
اجلوبة -شتاء 1431هـ
ن�������������������������������������ق�������������������������������������د
عوادًا في المقبرة ،قال لها ببالهته« :متى حدث سفر صاحب النظارة السوداء (عواد) ،وحديثها ذلك؟ يجب أن أتألم» ،فاستدركت بأنه على قيد إل��ى شاهين -دون ذك��ر اسمه -ع��ن عالقتها الحياة.. بعواد التي أنهتها ،ألنه مرتفع عنها ،وتشعر أنها وع ��ن ط��ري��ق ال �ت��داع��ي ،ي�ن�ت�ق��ل ال �س��رد إلى صغيرة. المقبرة ووص��ف أجوائها ،وس��رد حكاية الشيخ وسيتضح أن السارد يراوغ القارئ مستخدما عبدالمجيد ال��ذي جن قبيل موته ،بعد أن دس تقنيات شتى :االس�ت�ب��اق ،االس�ت��رج��اع والتأمل، له «حالب» سم الفئران في الطعام ،حتى يصير تعطيل ال �س��رد وت�س��ري�ع��ه ،ال �ح��ذف والتكرار، مختار القرية ،ويبدو قبره أشبه بمزار ،بعدها التداعي ،تيار الوعي ..ويعود إلى الحديث عن نتعرف على «ح�ل�اب» ،ال��ذي ل��م يبصر إال بعد الذئب الذي طارد محمودًا وشاهيناً ،حين تعطلت بلوغه سن الخامسة ،حيث فتحت إحدى العجائز السيارة في الحفرة ،وال�ع��واء ال��ذي سمعه قبل قبتي عينيه بسكين البصل حتى يبصر ،وكان عشرين عاما ،وقد حاول الذئب أن يهاجمهما، يتساءل دومًا« :هل يصلح هذا الوجه للحب؟». فلجأ األب إل��ى إض���رام ال �ن��ار ف��ي قميصه ثم يرى شاهين أمه في الصفوف األخيرة ،تشيخ سرواله ،بعد أن يجعل الثوب على شكل فتيل.. أكثر عند حلول المناسبات ،تحتجز في قلبها يستدعي «حالب» شاهيناً ،وترفض أمه ،يهدد دموعا مؤجلة ،وينقل بصره نحو العراء ،ألنه ال رجاله بكسر الباب ،وفي أجمل المشاهد السردية يحتمل صدق تلك االبتسامة .ومن المقبرة نبحر المتزامنة ،يتنقل حسن مطلك بعدسته بين هاجر باتجاه النهر ،واللقاءات الغرامية ،وتأرجح قلب وعزيزة وشاهين ..في أماكن مختلفة ،يوحدها عزيزة بين عواد وشاهين.. الظالم والترقب ،معتمدًا على تقنية التقطيع
تطلع العجائز م��ن ال��ودي��ان بمناسبة خروج ابن هاجر إلى الناس ،ملبيات دعوتها ،تنزع ثوب ال�ح��داد ،وتصعد إليه ،بصحبة إح��دى النساء، تطلب منه حمل البندقية والتماسك ،بعد ارتداء زي احتفالي ،يتذكر ج��والت��ه م��ع أب�ي��ه ،بيد أن ال ��راوي يستدرك أن شاهيناً «يحلم أكثر مما يتذكر» ..حسن مطلك ،وبسخرية مبطنة يستفز القارئ الذي تعود على قراءة الروايات التقليدية، ويخاطبه قائال إنه ال يعرف من أبطال الرواية أحدًا ،وأنه يكتب بمنطق :إمأل الفراغات التالية، حتى تصير الرواية أكبر حجمًا!!..
السينمائي المتوازي ببراعة ،ثم يعود إلى الليلة الماضية ،وعودة شاهين حامال ذئبا على كتفه، وعزيزة في مخزن التبن تنتظر عوادًا ،تسأله عن أوان الزواج ،ويضربها ،حين تسخر منه قائلة إن زواجهما سيكون حين تكتمل اللوحة.
وفي الظالم يتم استنطاق شاهين ،حيث ال يسمع غير احتكاك الخفين ..ويقربنا الكاتب من حالب ،غريب األطوار ،عن طريق ثرثرة زوجته مع إحدى النساء ،متفاديا بذلك كسارد عليم ،الوقوع في فخ التقريرية والمباشرة ،فنعلم أنه يكتئب من نفسه ،يمزق ثيابه بال سبب ،يتألم لرؤية الفقراء، يكتب عن انكسار ع��واد ،ولقائه بعزيزة بعد ويعجبه ال �ظ�لام ..وف��ي ال �ظ�لام يتشاجر أهل عامين م��ن المقاطعة ،وق��د ص��ارت أك�ث��ر بهاء البيت بسبب المالعق ..وهنا ال بد من اإلشارة وشجاعة في النظر إلى وجهه ،ثم الحديث عن إلى السخرية الطافحة عبر المتواليات الحكائية
اجلوبة -شتاء 1431هـ 81
والسردية ،والتي يدرك الراوي متى يستخدمها لتبديد قتامة ال�م�ن��اخ ال��روائ��ي ،وإزاح���ة بعض الملل عن القارئ .ويطلب منه العودة في الرابعة صباحا ،وفي تلك اللحظة ،تقبل أمه تسأل عنه، ويرد عليها بأنه كان يعلّم ابنها الحساب ،ليجد له مهنة مناسبة.. ي��راق��ب شاهين ال�ف�ج��ر ،يحس ب��أن��ه حزين، ويريد أن يبكي ..وقبل ذهابه إليه تناوله أمه مدية.
وكنوع من الخالص أو العقاب اإللهي ،يموت «ح�لاب» بسبب قرصة الحشرة ،وينقلنا حسن مطلك إل��ى أج��واء غرائبية ع��ن النهر ،والليل، والجنيات المنهمكات في الحفر.. ونراه يركض خلف آالم الليل ،والقرية تستيقظ ضاحكة ،كل ما فيها من كائنات حية يضحك، حتى ال�ن�ب��ات��ات ..وث�م��ة رج��ل غ��ري��ب ن��ام خجال بفضل تكرار الكرم( ،لم يحدد السارد من هو)، يتساءل :ما الذي يضحككم؟ يهز ابنته ،ويسألها وهو ال يعرف ماذا يحدث ،ثم يهمل رأسه ،ليكمل نشيد الضحك الناقص ...وقبلها نتلصص على البيت الالهي ،والمسمار المشويّ ينطفئ في الماء ،ويضحكون لسماع صوت «الكش».
في الطريق يصادف شاهين امرأة تخبره أن عزيزة تنتظره عند السدرة ،وفي اللحظة ذاتها، يسأل عنه «ح�لاب» بعد أن غادر سريره المعد لثالثة أشخاص ،تقابله بوجه مليء بالكدمات ال ��زرق ��اء ،ت�ح��دث��ه ع��ن ع���واد ال���ذي س��اف��ر إلى «دابادا» ،صرخة باحثين عن الحرية واالنعتاق، العاصمة ،بحثا عن الشهرة ،وتؤكد له أنها ال وتعرية ألوضاع سريالية يعيشها العراق وما يزال، تحبه ،حتى لو طلبت مقابلته. ولعل ه��ذا ال�ت��وق الهائل إل��ى الحرية المجيدة ي �ق��وم رج� ��ال «ح�ل��اب» ب �ق��ص ش �ع��ر شاهين المشتهاة في زم��ن النخاسة الفكرية والخراب مستخدمين مقص جز الصوف ،ويحتفلون بحدث الداخلي واللهو المجاني ،هو ما جعل الروائي انضمام شاهين إلى رعايا «حالب» ،تسمع هاجر يلجأ إلى تحطيم أس��وار الرواية التقليدية ،كما ضحك الضيوف وص��وت ربابة شعبان ،ويصير كرسها األسلوب المحفوظي ،إضافة إلى تجاوز شاهين مسئوال ع��ن ال�ح�م��ار ق �ن��دس ،األغرب اللغة ال�ع��ادي��ة الشاحبة ،واج �ت��راح ع�ن��وان غير من صاحبه ،وللتخلص منه قام بطعنه ..وهرب م��أل��وف وغ��ري��ب ،وه��و -ال�ع�ن��وان -ليس سوى عبر فتحة السياج ،ويحمله عارف في قاربه إلى تهجي الطفل في بدايات النطق( :دا ..با ..دا،).. الجبل ،وفي القرية يبحثون عن الهارب متأسفين وتفتيت الحدث السردي ،بحيث يصعب القبض على قندس ،لكن ع��ارف يخبره -الحقا -أن على تفاصيل الرواية ،التي تحتاج إلى أكثر من الحمار لم يمت ،يفاجئنا ال�س��ارد ب��أن شاهيناً ق��راءة ،وهي الرواية التي قال عنها في مراسلة استخدم المدية بالشكل المعكوس ،فالدم دمه، خاصة مع عبدالهادي سعدون بأنها أتعبته ويريد وليس دم ال�ح�م��ار ..لكن كيف ل��م ينتبه عارف إلى الدم النازف ،من يد شاهين ،والذي سيبقى أن يستريح ..وال يرغب في الحديث عنها! هي رواية متعبة حقا ،لكن سر حالوتها ،يكمن ينزف لمدة ،حتى لو افترضنا أنه أبله ،وسيظن في تمنعها وداللها!!!.. أنه قتله..؟
* كاتب وناقد من المغرب.
82
اجلوبة -شتاء 1431هـ
ن�������������������������������������ق�������������������������������������د
س َّ كر اخلارج حاال من الفرن شعر بطعم ورائحة خبز الفقراء امل ُ َ
قراءة في ديوان أوقات محجوزة للبرد
> هشام الصباحي* في طفولتي ،التي ال أعرف إن كانت سعيدة أو تعيسة، لم أح��دد بعد رأي��ا أو انطباعات في ه��ذا الشأن ،ولكني اآلن أدرك��ت أنني أمسكت بسبب الديوان لحظة من أكثر اللحظات سعادة ،وتأكدت من استحالة تكرارها على الرغم من بساطتها المفرطة ،إذ كانت أمي ونساء الحي الفقير جدا الذي كنا نعيش فيه ،والذي يحتوى على فرن واحد.. فرن فالحي بلدي مبني من التراب المعجون بالماء ،تقوم كل سيدة بخبز ما يكفي أسرتها شهراً من الحياة بالتعاون مع باقي النساء ،وكنا كأطفال ..هذا األمر ال يعنينا في شيء ،فالذي يعنينا هو أرغفة الخبز التي تخبز لنا بالسمن والسكر ،وت��وزع علينا في نهاية يوم الخبيز ،فكان هذا الرغيف الطازج الذي يخرج من الفرن إلى يدي تفوح منه رائحة البخار الجميل ،ورائحة السمن البلدي والسكر والطعم الرائع ،هذه الحالة هي اإلحساس تماما. ال��ذي انتابني بعد االنتهاء م��ن ديوان
وتحسسها واكتشافها م��ن ج��دي��د ،وكان
«أوقات محجوزة للبرد» للشاعرة الجزائرية
اإلهداء إلى األهل متوافقاً ،مع الجو العام
صاف محيط بنا نقلنا الديوان ٍ نوارة لحرش ،حيث االحتفاء األولي بالبرد لعالم شتوي وال �ش �ت��اء وال �ج��و ال ��ذي يصيبك بالوحدة
إليه ،هذا العالم الذي يخلو من الضجيج
وال �ت��وح��د وال� �ه ��دوء وال� �ح ��وار م��ع ال ��ذات،
وال تسمع به إال موسيقى الطبيعة والهدوء
اجلوبة -شتاء 1431هـ 83
مفرداته ومكوناته المرئية والالمرئية ،وإحداث ح��وار م��ع «األن ��ا» للوصول إل��ى درج��ة أعلى من األلفة والتوحد مع الذات ..ومع كل ما هو متاح، حتى أنها تسأل الذات العليا أيضا (وتسأل الله: لماذا يمام /الفرح ال يأتي؟) وكما أن السؤال هو الطريق األساسي للمعرفة والتنوير ،وربما أيضا للتغير وإدراك حقيقة األشياء ،كانت األسئلة في ال��دي��وان ع��دي��دة وإنسانية وملحة ،وت��دور حول أح��زان ال��ذات (كيف أستحض ُر األغنيات التي/ الصوت الجريحْ؟)( ،ما الذي ِ جفت في مواسم/ يلزم /غير األل��م؟ ).حتى نجد أن ح��رف النفي «ال» يتكرر ( )59مرة خالل الديوان ،وخالل ()30 قصيدة هي حجم الديوان .وحول هذا الحرف يتحدد شكل الذات التي تكتب وتتعامل مع العالم الذي دائما ينفيها خارج إطاره ،وكيف ترى وتحدد عالقتها معه خاصة أن حرف «ال» دائما فاصل بينهما. والروح ،لذا كان التصدير الذي بدأ به الديوان، ال ب��د أن ي�ك��ون ل��ه ع �ن��وان ف��ي روع ��ة (معاطف معنوية) ،وهذه السمة األولى للديوان؛ حيث أن
وحتى وحدة الجو العام للديوان تجبر الشاعرة على تغيير اسم الفهرس إلى «األوقـات» وبـردهـا، لما له من داللة واضحة على صدق الربط بين االسم والفهرس ،ومتن القصائد وروح الشاعرة،
تقنية العناوين رائعة ومدهشة وطازجة تدفعك إلى القراءة عمدا للقصائد ،إذ نجحت الشاعرة الكل أصبح واحدا في حالة توحد كاملة. في اختيار عناوين القصائد كلها ،وهذه مشكلة
نوارة لحرش شاعرة جزائرية ..كل من يعرفها
يعاني منها العديد من الشعراء الشبان ،إذ يجدون يتحدث ع��ن حبها للجميع ،ل��ذا ،ه��ي ال تنسى صعوبة في اختيار العناوين ،فيكون من األسهل كونها أنثى/صديقة /حبيبه ،إذ نجد رومانسية ترك القصائد بدونها .أيضا تتخذ الشاعرة من األنثى تطل بشكل خجل خالل الديوان ،ليعبر عن آلية السؤال طريقاً للتعرف على العالم وتحسس العاطفية والروحية. * كاتب من مصر.
84
اجلوبة -شتاء 1431هـ
تاريخية جغرافية اجتماعية
م������������������واج������������������ه������������������ات
معاشي ذوقان العطية ،موسوعة جوفية > حاوره محمود عبدالله الرمحي
من مواليد الجوف عام 1350هـ ،لواء ركن متقاعد حاصل على درجة الماجستير في العلوم العسكرية.. وأحد أبرز الكتاب والمؤلفين في المنطقة ،ألف عدد ًا م��ن الكتب تناولت ال��ت��راث الشعبي والتاريخي في منطقة ال��ج��وف ،إضافة إل��ى كتب أخ��رى في الشأن العربي العام .من مؤلفاته :أوراق جوفية؛ عصاميون؛ ح��دائ��ق ال��ج��وف؛ ال��غ��زو األم��ري��ك��ي للوطن العربي؛ خطوات على الطريق.. يعد من جيل المخضرمين الذين عاشوا تجارب إنسانية وعملية عديدة ،فقد هاجر مع العديد من شباب الجوف للعمل في الجيش العربي األردن��ي .ش��ارك في حرب فلسطين ضد العصابات الصهيونية ،وعمل مندوبا لألردن في عدد من الدول ،ثم عاد إلى المملكة وعمل في الحرس الوطني ليصل فيه إلى رتبة لواء. يعمل حاليا وكيال لشركة سيارات ..يزدان مكتبه بلوحات تراثية لمنطقة الجوف.. تتوسطها خارطة فلسطين بمدنها وقراها ،سهولها وجبالها ..ربما يعيش معها ذكريات األربعينيات من القرن العشرين حينما كان متواجدا فيها.. معه كان لنا هذا الحوار.. < خرجت من سكاكا يافعا ،تجاه ما عرف آن���ذاك بالغربية (األردن وب�لاد الشام). م��ت��ى ك���ان ذل���ك؟ وك���م ك���ان ع��م��رك؟ وما ه��ي الصعوبات التي واجهتك ف��ي تلك ال��رح��ل��ة؟ وه��ل تتذكر أح���دا م��ن رفاقك فيها؟
> كنت أس�م��ع م��ن ال��ذي��ن ت�غ��رب��وا ف��ي بالد ال �ش��ام وع� ��ادوا إل��ى المنطقة ،أحاديث م�ش��وق��ة ع��ن ال �ح �ي��اة ه �ن��اك ..وأن أهل الغربية في بحبوحة من العيش ،والعمل فيها س�ه��ل ،م�ق��ارن��ة بما ه��و عندنا من صعوبة الحياة والعمل ال �ش��اق ،كما أن
اجلوبة -شتاء 1431هـ 85
الحديث عن الجيش العربي زادن � ��ي ش��وق��ا ،خ��اص��ة وقد انخرط فيه أعداد وفيرة من أبناء المنطقة.
اس�ت�ه��وت�ن��ي ال �ت �غ��ري �ب��ة ،وكان ع �م��ري آن � ��ذاك ث�لاث��ة عشر ع ��ام ��ا ..وف���ي ي���وم م ��ن أيام ال �ش �ت��اء ..سمعت ع��ن قافلة تجار إب��ل يسمون (عقيالت) قد نزلوا بين سكاكا والطوير، وي � �ن� ��وون ال� ��ذه� ��اب للغربية ل �ت �س��وي��ق إب� �ل� �ه ��م .شجعني �س بما أح��ده��م – وق ��د أح� � َّ ي� �ج ��ول ف ��ي خ� ��اط� ��ري -بأن أذه��ب إلى مخيمهم وأعرض ن��ف��س��ي ل �ل �ت �غ��ري �ب��ة معهم، وأساعدهم في العناية باإلبل دون مقابل ..ففعلت .رحب بي مالك اإلبل ،فاستعنت بالله ثم باألخ عبدالرحمن المعيوف – أطال الله عمره -وكان يكبرني سنا ،ليحمل عني تنكة التمر التي أخذتها من مستودع أبي رحمه الله ،دون علمه-ألوضح ل�ت��اج��ر اإلب ��ل أن��ي أع ��رف ما لي وم��ا عليّ -وتقبل الرجل هديتي ،وشعرت بأنني كبرت في عينه وأعين رعاته ..ولم أج��د أي صعوبة تذكر خالل رحلتنا إلى عمّان.
صورة التقطها في مدينة نابلس عام 1949م
صورة أسلحة فلسطينية
< ما قصة التحاقك بالجيش ال��ع��رب��ي األردن�������ي ،وك����م كان سنك آنذاك؟ > وص�ل��ت ع�م��ان وال أم�ل��ك من متاع الدنيا س��وى م��ا ألبسه
86
اجلوبة -شتاء 1431هـ
وم ��ا أن�ت�ع�ل��ه .وث�ل�اث رياالت سعودية قدمها لي تاجر اإلبل وتعتبر رص�ي��دا كبيرا فيذلك الوقت -وهناك التقيت ب��رج��ال م��ن س�ك��اك��ا يقومون ب��أع �م��ال م �خ �ت �ل �ف��ة ،فعملت معهم ،ووج��دت أن العمل في سكاكا أهون مما نحن فيه.. فقلت لنفسي :لماذا ال أذهب إلى كلوب باشا (قائد الجيش العربي آن��ذاك) ،وأطلب منه قبولي للخدمة ف��ي جيشه.. اه �ت��دي��ت إل��ى م�ق��ر القيادة، ف��وج��دت أع���دادا م��ن طالبي التجنيد ،وأك�ث��ره��م م��ن أهل نجد وب��ادي��ة ال �ع��راق .فخرج ل�م�ق��اب�ل�ت�ه��م ..ف�ق�ب��ل بعضهم وأعرض عن بعض ..وعندما وص�ل�ن��ي -وك �ن��ت ف��ي نهاية ال�ط��اب��ور -س��أل�ن��ي :م��ن أين؟ ف��أج�ب�ت��ه م��ن ال �ج��وف .فقال ل ��ي :م��ا ت� ��زال ص �غ �ي��را على العسكرية ،اذهب إلى أمك.. وكل تمرا ،واشرب لبنا ،وعد إليَّ بعد ثالث سنوات..
عند خروجه من الجيش العربي
تحطمت آمالي ,والحظ أحد ال�م��وج��ودي��ن م��ا أن��ا عليه!!.. ف��أش��ار ل��ي ب��االق�ت��راب منه.. ون �ص �ح �ن��ي ب ��ال ��ذه ��اب قبل ال� �غ���روب إل� ��ى ب �ي��ت الباشا وأطلب مقابلته ،وعرفت فيما بعد أن اسم ذلك الرجل كان (م�ب��رد الصحن الضفيري)، وك��ان برتبة ع��ري��ف ..أخذت بنصيحته ،وذهبت إلى منزل
م������������������واج������������������ه������������������ات
الباشا ،وكان منزال متواضعا كأي منزل عادي، ومن دون حراسة ..وبينما أنا واقف ،اقترب مني شاب سوداني وقال :ماذا تريد؟ فقلت له :أريد أن أصبح عسكريا ..فعاد إل��ى المنزل ..وبعد هنيهة ،خرج الباشا بمالبسه المدنية ،وبادرني بالقول :ألم أقل لك إنك صغير وال تتحمل العمل للجمال ،فابتسم العسكري ..فقلت ل��ه الكبر ِ ابتسامة خفيفة وق��ال :البندقية أط��ول منك!! فأجبته :سلّحني أبي ببندقية كويتية ألصطاد بها الطيور ،واتسعت ابتسامته وقال لي :انتظر.. ودخل منزله ثم عاد بورقة ملفوفة أعطاني إياها، وقال اذهب غدا إلى الطبيب ..ودخل منزله.
مع األمير محمد السديري
فتحت الورقة ،وإذا بها نصف جنيه فلسطيني، وكنت أمياً ال أقرا وال أكتب ،فطلبت من صاحب دكان قراءة ما فيها ..فقال لي :مبروك :الباشا يقول :يجند بغض النظر عن سنه.
ذهبت إلى مصدار عايشه ،حيث يتواجد أبناء الجوف ،فوجدت خالي مفضي المسعر ،فسلمت عليه ،وبشرته ب��أن الباشا ق��د قبل تجنيدي ، وقدمت له نصف الجنيه ،فرفضه قائال :والله إنك ألحوج إليه مني ،وانصرفت مسرورا.
اصطدمت في مكتب التجنيد بأحد الموظفين وكان قصير القامة ،جاحظ العينين -الذيأب��دى استغرابه م��ن قبولي ،فسألني إن كنت ابن شيخ ..فقلت :ال ..فقال :تصرفات الباشا غريبة .وتمت كافة إج��راءات التجنيد ،وسجلوا تاريخ ميالدي 1930م.
ت��درج��ت إل��ى رت�ب��ة وك�ي��ل رق �ي��ب ..ث��م التحقت بمدرسة الضباط ،وعملت بعد تخرجي منها بعدد من المراكز القيادية ،واشتركت في كثير من الدورات التدريبية المقررة لتأهيل الضباط، < أنت واحد ممن شاركوا في حرب فلسطين عام والتي توجت بدورة كلية األركان ..وابتعثت مرتين 1948م .ومن يدخل اآلن مكتبك تواجهه خارطة إلى بريطانيا .حصلت على عدد من األوسمة فلسطين ..هل هي ذكريات األمس أثناء وجودك منها وس��ام اإلق��دام العسكري ..وآخ��ر منصب هناك وما تركته من بصمات في نفس معاشي..
مع األمير سلطان السديري
شغلته كان قائد كتيبة شرحبيل بن حسنة. وعلى ضوء نتائج حرب 1967م التي هزم فيها العرب شر هزيمة ،وتعود أسبابها إلى الظروف والمالبسات ذاتها التي قادتنا إلى هزيمة عام 1948م ..وبناء على ما تولد عن تلك الحرب من م��زاي��دات غير محسوبة من قبل العرب.. ف��ي وق��ت كانت فيه إسرائيل تهزأ منا بقولها وم���ذك���رات ق ��ادت� �ه ��ا ..ق��دم��ت اس �ت �ق��ال �ت��ي من الخدمة ،وأنا ال أملك أكثر من مائة دينار ..وقد رفض رئيس هيئة األرك��ان آن��ذاك اللواء عامر خماش استقالتي ..فلجأت للتحايل للحصول على تقرير طبي ،وك��ان لي ذل��ك ،وخرجت من الجيش العربي األردني عام 1968م برتبة مقدم ركن ،براتب قدره خمسون دينارا..
اجلوبة -شتاء 1431هـ 87
أم م��اذا؟ وم��ا هو االنطباع واألث��ر ال��ذي تركته تلك الحرب في نفسك؟ > فلسطين بالنسبة ل��ي ليست م �ج��رد خارطة أعلقها على ج��دار ف��ي مكتبي أو ف��ي بيتي.. إنها تعيش في وجداني -كما هي في وجدان كل عربي حر مخلص لقضية فلسطين -إنها تجري في عروقي مجرى ال��دم ..أتذكر مدنها وقراها ،سهولها وجبالها ووديانها ..وال تغيب ع��ن مخيلتي لحظة واح ��دة ..أعيش على أمل الصالة في المسجد األقصى وقبة الصخرة، وهما محررتان من اليهود الغاصبين.
88
نعم ،شاركت في حرب فلسطين ..وكنت ضمن الكتيبة الثالثة التي طهرت حي المصراره وبوابة مندلبوم ،وقد حاولت احتالل عمارة نوتردام، لكنها استعصت ع�ل��يّ ل�ق��وة ال �ع��دو الموجودة فيها ،ورغم أن عددا كبيرا من الضباط العرب ال ي�ق��رأون أو يكتبون ..إال أنهم ع��وض��وا ذلك بالشجاعة واإلقدام ..وقد منيت كتيبتي بخسائر في األرواح ،وما أزال أذك��ر نشيد الجنود وهم في حالة هجوم على عمائر غربي المصراره (يا بنية ياللي في البيت شوفيني كني ذليت).. وم��ا أزال أذك��ر س�ق��وط العريف خليف حربي الشمري من فوق سطح إحدى البنايات -عندما أراد أن يرفع علم الجيش العربي ف��وق سطح العمارة -وتمكن منه أحد قناصة العدو ،فهوى إل��ى األرض شهيدا رحمه ال�ل��ه ..كما أسعدني سماعي ألص��وات الجنود وهم يكبرون ويهللون مع أصوات الرماية على اختالف أنواعها ..وال هَ َّم لهم إال التفوق على العدو ..وأقولها بصدق وأم��ان��ة :إن��ه ك��ان للضباط البريطانيين الذين يعملون ف��ي الجيش العربي فضل باالحتفاظ باألرض بأقل الخسائر ..وقد تركت تلك الحرب في نفسي إحساسا بالمرارة ..وكيف ال؟! ونحن ن��رى عدونا أمامنا ..وال نملك مقومات طرده لتفوقه العسكري.
اجلوبة -شتاء 1431هـ
في المعلوفية قرب مدينة رام الله 1948م
معاشي وزميله مع جاسوس كان معاشي قد قبض عليه قبل تنفيذ حكم اإلعدام فيه
< ك��ان ل��وع��د بلفور م��ن بريطانيا إلع��ط��اء وطن قومي لليهود في فلسطين ،دوره الكبير في إذكاء شعلة الهجرة الصهيونية إلى األرض المقدسة! حدثنا عن الدور البريطاني في ذلك ،وهل تؤيد مطالبة بريطانيا بتعويض الفلسطينيين عن جريمتهم ت��ل��ك ،كما ت��ق��وم ألمانيا بتعويض اليهود حاليا؟ > لقد ارتكبت بريطانيا جريمة في حق فلسطين وأهلها ،وظلما وعدوانا غير مسبوق ..ويتمثل ذلك بما يلي: أ -تشجيعها للهجرة ال�ي�ه��ودي��ة م��ن ك��اف��ة أنحاء العالم خصوصا من ألمانيا وأوروبا الشرقية. ب -عملت حكومة االن �ت��داب على منح األراضي البور للوكالة اليهودية لتبني عليها المستوطنات السكنية للمهاجرين الجدد. ج -عملت حكومة االن �ت��داب البريطانية بواسطة
م������������������واج������������������ه������������������ات
مخابراتها ،على التفرقة بين زعماء فلسطين وقادة الدول العربية ،والتي وصلت إلى درجة التباغض والعداوة ،وكذلك بين زعماء فلسطين أنفسهم. د -معاملة المواطنين العرب على نحو ابن الجارية. وأما اليهود فأبناء الحرة. هـ -فرض الضرائب الباهظة على مالكي األراضي في فلسطين إلرغامهم على بيع أراضيهم. و -سن القوانين الغاشمة على أبناء عرب فلسطين.. فالذي يحمل منهم سكينا كأنه يحمل رشاشا.. ف �يُ �ق��اب��ل ب �ح �ك��م ال �م��ؤب��د أو اإلع � � ��دام .وفي المقابل ..يعيش الصهاينة بأمان مهما حملوا من سالح ..وفي الوقت نفسه جندت بريطانيا قوة من اليهود تحت اسم حرس المستعمرات، متسلحين ب��أف�ض��ل األس �ل �ح��ة ال �ف��ردي��ة ،كما سمحوا لليهود المدنيين بحمل المسدسات.
أما من حيث تعويض الفلسطينيين فإني أعتقد أن ما تدعو إليه بريطانيا مجرد مناورة ال أكثر.. وال يمكن أن تقدم عليه ،القتناعها بما فعلته في فلسطين أي��ام االن�ت��داب ..وإن أي��دت ذلك فمن قبيل إحراجها ال أكثر.. < متى عدت إلى أرض الوطن ،وكيف انضممت إلى الحرس الوطني؟ > بعد استقالتي تم اختياري من قبل وجهاء مدينة إرب��د ب��أن أعمل نائب قائد المقاومة الشعبية العميد محمد توفيق ال��روس��ان ،والتي تشكلت تطوعا للمساهمة بالدفاع عن المدينة إذا ما وقع عدوان عليها ..وضمت اللجنة عددا من األطباء والمحامين وبعض الضباط المتقاعدين..
في سوق األحد بجيزان
في سامطة بجيزان
إال أننا كنا ف��ي واد واآلخ ��رون ف��ي واد آخر.. وأحسست بريبة !!..وتشاورت مع زميلي عودة ضويحي هبيكان الشمري ..وقلت له ..لماذا ال نذهب إلى الرياض ونعرض خدماتنا على األمير عبدالله بن عبدالعزيز رئيس الحرس الوطني.. واتفقنا على ذلك.. وفي الرياض استقبلنا الزمالء الذين سبقونا إل��ى ه�ن��اك ..ون�ف� ٌر م��ن أب�ن��اء ال�ج��وف العاملين فيها ..وقدمنا أوراقنا إلى سمو األمير عبدالله الذي وافق عليها ,,ووقع كل منا عقد العمل.. وقد عينت مديرا للعمليات والخطط ..ومن ثم استعدت جنسيتي ،وجندت برتبة عقيد ركن، وكان ذلك عام1393هـ .واستمريت بالعمل إلى نهاية العام 1402ه�ـ ،حيث أحلت على التقاعد برتبة لواء ركن.
ات�ص��ل ب��ي وباثنين م��ن ال�ض�ب��اط المتقاعدين م �ن��دوب منظمة ف�ت��ح ف��ي معسكر الالجئين < م���اذا ب��ق��ي م��ن م��ع��اش��ي ال���ل���واء وال��ض��اب��ط في الجيش العربي والحرس الوطني تاليا؟ الفلسطينيين شمالي مدينة إرب ��د ،وحاولت وزم�لائ��ي تقديم ما تعلمناه لخدمة القضية > ..بقي منه الكثير ..فما أزال أعيش بعقلية ونفسية
اجلوبة -شتاء 1431هـ 89
المالزم الطموح الذي وقف يوما ما على الخطوط األمامية ..أعمل بإتقان وحماس ،وأتمتع بذاكرة جيدة ولله الحمد ..أفكر في كتابة مذكراتي إن سمحت لي الظروف ،وأطال الله في عمري. < جاءت مؤلفاتك بعد انتهاء مشوارك الطويل في العمل العسكري ..م��ا س��ر ذل���ك؟! أه��و الفراغ واستغالله في البحث والعطاء ..أم المخزون المكدس داخلك فوجد ضالته في الخروج إلى الضوء؟!
مع األستاذ علي الراشد مساعد مدير عام المؤسسة
«ال �غ��زو األم��ري�ك��ي للوطن ال�ع��رب��ي» ف��أردت من خ�لال��ه تعريف الجيل الصاعد ب�م��اذا يخطط لهم ..وأن قدوم األميركان للعراق مخطط له من قبل..
> حاولت الكتابة منذ عام 1956م إال أن انشغالي بالعمل ح��ال دون ذل ��ك ..ول��دي م�خ��زون كبير للكتابة فيه لتوعية األج�ي��ال ،وتحديد الهدف < في مطلع كتابك خطوات على الطريق أوردت والعمل على تحقيقه. اآلية القرآنية التي جاءت على لسان هود عليه < بدأت مؤلفاتك بكتاب «أوراق جوفية» التاريخي، السالم (إني أخاف عليكم عذاب يومٍ عظيم).. ث����م ان��ت��ق��ل��ت إل�����ى ال���ح���ك���اي���ات ال��ش��ع��ب��ي��ة في وأت��ب��ع��ت��ه��ا ب���ق���ول���ك ..وأن����ا أخ����اف ع��ل��ي��ك��م من «عصاميون» و«ح��دائ��ق ال��ج��وف» ثم قفزت إلى المستقبل المجهول ..ماذا أردت بهذه العبارة.. ال��س��ي��اس��ة ف��ي ك��ت��اب «ال��غ��زو األم��ي��رك��ي للعالم وأي خوف تعنيه؟!! العربي» وص��وال إل��ى «خ��ط��وات على الطريق»، م��اذا أردت أن تقول من خ�لال ه��ذه المؤلفات؟ > أردت بها أن نتعلم من أخطائنا ..والخوف من ما هو حاصل في فلسطين وب�لاد عربية وإسالمية وهل استطعت أن توصل رسالتك إلى األجيال أخ���رى ،وال���ذي ي�ع��د تمهيدا ل�م��ا ي��ري��د أعداؤنا من خاللها؟ تحقيقه. > لقد اجتهدت وكتبت على قدر معرفتي التاريخية، ليكون لدى هذا الجيل واألجيال القادمة خلفية < ه��ل ت��وق��ف معاشي ال��ذوق��ان ع��ن التأليف أم أن هناك مشاريع أخرى على الطريق؟! عن تاريخ أجدادهم ،من خالل «أوراق جوفية» و«عصاميون» و«ح��دائ��ق ال �ج��وف» ..أم��ا كتابي > لم ولن أتوقف عن التأليف ..ولي مؤلف تحت الطبع بعنوان (شاهد عيان على ذلك الزمان 1948- 1946م). < كيف ت��رون دور األجهزة الثقافية بالمنطقة مثل النادي األدبي وجمعية الثقافة والفنون؟
أثناء محاضرة له في النادي األدبي بالجوف
90
اجلوبة -شتاء 1431هـ
> إن� �ن ��ي ه �ن��ا أش� �ك ��ر ال �ق��ائ �م �ي��ن ع �ل��ى هاتين المؤسستين ..وما أريده فقط من المحاضرين أال يتكلموا عن المشاكل فقط دون طرح الحلول أمس الحاجة إلى المناسبة لها ...فنحن في ّ
< أن��ت عضو ف��ي المجلس الثقافي بمؤسسة عبدالرحمن السديري الخيرية ،كيف ترى دور المؤسسة الثقافي؟
> ال أري��د مشاريعا يبنيها غيرنا ويعمل فيها.. أريد مشاريعا يعمل بها أبناء البلد ..مشاريع تشغيلية اقتصادية ،يعمل بها أبناؤنا وبناتنا.. كمصانع للنسيج ..وتعليب الخضار والفاكهة.. ومشاغل خاصة بالخياطة والتريكو ..إلخ.. والطريق طويل!!..
> أن��ا فخور بأني عضو في المجلس الثقافي بمؤسسة عبدالرحمن ال�س��دي��ري الخيرية، وأشكر القائمين عليها ..وما آمله في ندواتهم وم �ح��اض��رات �ه��م ال�م�ق�ت��رح��ة أن ي�ع��ال�ج��وا من < ك���ي���ف ت������رى مستقبل منطقة الجوف؟ خاللها بعض مشاكلنا العربية واالجتماعية.. فنحن يا أخي في حالة حرب ،وما زلنا نجري > م � ��ا ل � ��م نعالج وراء أحالم عنترة وغيره!!.. م� ��ا ن �ش �ك��و منه أن��ت وأن� ��ا ..فال < ك��ي��ف ت���رى م��س��ت��وى ال��ت��ع��ل��ي��م؟ وم���ا ه��ي أبرز ح� � � ��اض� � � ��ر وال مشاكله؟ وم��ا ه��ي أس��ب��اب ضعف مخرجات مستقبل يرجى التعليم لدينا؟ لنا!!.. > يا ليتنا استفدنا من التجربة الهندية في التعليم في عهد االستقالل عن التاج البريطاني ..وأود القول:
م������������������واج������������������ه������������������ات
ثورة ثقافية تربوية حتى يعرف الجيل القادم الخطأ من الصواب..
المملكة .ما تعليقك على هذه الرؤية ..وإلى ماذا يعزو معاشي ذلك؟
أ -إن مستوى التعليم ضعيف ..فال يصل إلى الهدف المنشود منه. ب -من أبرز مشاكل التعليم ضعف المعلم أمام الطالب ..خاصة وأنه يؤدي عمال وظيفيا ال عمال مهنيا يخدم األبناء ويرقى بهم. ج -تحديد ال�غ��اي��ة م��ن ال�ت��دري��س وال�ع�م��ل على تحقيقها. د -أرى أن الموجهين ال يقومون بواجبهم كما ينبغي.. فالموجه يُستقبل على باب المدرسة بحرارة، وي��ودع بمثل ما استقبل به ،وكأنه ضيف عزيز ن��ازل على هذه المؤسسة ..والحديث عن هذا الموضوع طويل ..واإلصالح يجيء من فوق!!.. < ي��رى الكثير هنا أن منطقة ال��ج��وف ل��م تنل حظها من المشاريع التنموية كسائر مناطق
بعض مؤلفاته
اجلوبة -شتاء 1431هـ 91
حوار مع
ناصر محمود عطا الله
()1
> حاوره محمد زيتون**
شاعر وصحفي فلسطيني ،احترقت أنامله كما قلبه بغصة الوجود السيزيفي ،الذي هو كل حظ اإلنسان من الحياة في فلسطين .فأولع صدره بيقين األمل والحب ،وتشرنق في سماء الشعر بوداعة كأي أريج طيب. إلتقيته بصدفة الشعر ،فكان التعارف وكانت البداية صيف 2006م ،حين كان القصف جار في سماء غزة ،وكان خط االتصال ينقطع ثم يعاود.. قبل أن يمتد القصف إلى جنوب لبنان.، ه����ذا ال����ح����وار ال�����ذي ي��ش��رئ��ب ك��ك��ل أعناق المقاومة ،في أوضاع االستثناء .يجسد فهما خاصا للوطن واألرض والشعر والحب.. والحياة .إذ لم ينطفئ قط بريق األمل في عتمة هذا الليل الذي نصبت خيمته أيادي تختف عبارات التفاؤل قط من معجم الشاعر ،ما يجعل الواحد يقترب ِ العدوان ،ولم بالفعل ،كي يعرف أي طينة من الرجال هؤالء المرابطون في وجه الغاصب في أرض فلسطين ،سيما والقصف ما يزال يتجدد. < الشعب الفلسطيني ،شعب الجبارين كما يقول الراحل ياسر عرفات ،أجدني م��رغ��م��ا ع��ل��ى ال��ب��دء م��ن ه��ن��ا ،أي من القضية .فكيف هو الوضع في األرض المحتلة؟ وكيف هو حال المبدع بشكل عام في وضع االستثناء هذا؟ > الفلسطينيون ما قبل النكبة ،كأي شعب مارس الحياة بطريقة المطر والحدائق المشتاقة ،ك��ان الحب على الطرقات
92
اجلوبة -شتاء 1431هـ
وتحت النوافذ وفي خيوط المالبس، والصباحات تستقبل المساءات بأنهار الود والتحنان ،لم يكن البرتقال غريبا يقف ف��ي م�ك��ان ليس م�ك��ان��ه ،ب��ل كان ح� ��ارس ال �ش �ه��وة وص ��اح ��ب العطية، وك ��ذا ك ��ان ال �ق �م��ر ،واألح�ل��ام كاأليام ت ��رص ك��ال�ق�ط��ن ف��ي ال��وس��ائ��د ،وأما ريح الغرباء وسوطهم الغليظ ..فبدل شعبا طبيعيا بشعب استثنائي ،بشعب
م������������������واج������������������ه������������������ات
يضحي باالبتسامة لحين كسر السوط ،شعب يقف في وجه الريح التي تجتاحه على مدار الثانية وال تكسره ،إنه شعب يقف منذ السنين < وق�����ع اخ����ت����ي����ارك ع���ل���ى ال���ع���م���ل ف����ي مهنة الغابرة ،مؤجال كل سعادته لحين الوصول الى الصحافة ،ومن ثم االكتواء بنار المتاعب. بقعة الوطن الكاملة. وإضافة إلى نار اإلب��داع ،تفضل الصمود في وعن اإلبداع ،فهو كالنهر ال ينقطع عن ساق أرض الوطن ،نار على نار على نار ،ما يجعل األميرة ،رواف��ده وإن كانت مؤلمة ..إال أنها وج��ودك مفتوحا على كل االحتماالت ،كما متفائلة في غد ينتظرنا عند الصبح. كل المبدعين الصامدين إلى حدود اآلن :ما إلى معكوسها ،بدعوى التوافق ولجم المسافة بين نقيضين ،كجمع النار والماء في غربال.
السر في هذا الشموخ؟
< س��اف��رت القضية ف��ي مسارها ال��خ��اص زمنا ل��ي��س باليسير ح��ت��ى اآلن ،وال��ف��اع��ل��ون في > ألنها فلسطين ،منارة الروح صاحبة الجاللة مسارها أطراف كثر ،إذا كان العرب طرفا أوال التي اغسل ساقها بماء العين ،وأط��وف بها بوصفهم أصحاب القضية ،فما هو انطباعك السبع المقدسة في النهار ،وأكدسها حلما ال ال��خ��اص ت��ج��اه م��ا ي��ت��ع��ارف��ون على تسميته تنازل عنه عند كل ليل. بمجهودات السالم؟ وكيف تقيم دور أدبائهم ه��ي ذات ال��رح��م أم��ي ،وذات الشموخ أبي، ومثقفيهم ف��ي ه��ذا ال��ش��أن؟ وم��ا ال��ف��رق في وصلتي بسروة حضنت الظل واسكنت طيري رأيك بين التطبيع والسالم؟ منازلها العالية ،وإن كنت ولدها فلن أكون > النار على رأس التل ،واألهل متفرقون عنها، ناكرا لحليبها النازل روح��ي بصفاء ،مع كل كلهم يرى شررها ،ولكن ليس كلهم يكتوي بها، جرح ينزف من يدها. وإن جمعتهم على رأيهم بها ،جمعوك على < ولدت في دمشق وأنت فلسطيني ،وتقيم اآلن جواب واحد ،وهو أنها ظالمة. في يافا ،واألكثر من ذلك ولدت في عام 67م وأم��ا السالم ،فمن يكرهه مخبول بال شك، الذي يوافق في الوعي العربي عام النكسة.. فهو هدية الله إل��ى عباده ونعمته ،ولكن ال وأول منجزك الشعري هو« :هل يكفي الورد؟» أجد فيمن يحتل أرض غيره ،ويقيم مملكته لماذا هذا السؤال؟ ولماذا الورد تحديداً؟ بعظام شعب أع��زل أنه طالب س�لام ،ولكننا نتعايش معه على قاعدة المفروض المنبوذ ال > نعم أنا فلسطيني ولدت في دمشق ،وأسكن ال�ي��وم غ��زة ،ول�ي��س ي��اف��ا وإن ك��ان��ت جذوري على قاعدة الرضا به من ضعفنا وقوته. يافاوية ،عابرة واح��دة اخذتني إليها كانت وأم� ��ا ال �ف��رق ب �ي��ن ال�ت�ط�ب�ي��ع وال� �س�ل�ام ،فهو حياتي التي وجدتني أبكيها. ش��اس��ع ،فالسالم تعايش وت �ب��ادل واختالط أمان ،وتجاوب يومي في التعاطي ،له صدقه تسلقت جدران بيتنا الذي ولد فيه أبي ،ولم أجد قبر جدي عند التلة ،وفتشت عن رسائل المتين وجسوره القوية ،بعيدا عن التزييف أمي إلى والدي قبل العرس لكي اخفيها عن واإلجبار والتلوين ،والتطبيع مصنفات مدخلة قصاصي اآلثر ،ولكني وجدت أضرحة كثيرة لتطبيقها جزئيا على معينات لتغيير وضعها
اجلوبة -شتاء 1431هـ 93
لعشاق الحياة في يافا .وعن تاريخ مولدي.. فهو ق��در ت�ح��دان��ي وقبلته ،وأرف ��ض النكبة ومعها النكسة ،ألنني موجود في حضن بلدي ال�ي��وم ،وم��ازل��ت ف��وق ال�ت��راب ،وإن استبدلت ال�م�ص�ط�ل�ح��ات ب��ال �م��أس��اة ،ف��أت�ج��رع�ه��ا وال > لست متسلقا جبال الوطنية والقضايا الكبرى أستسلم لها. لخدمة اآلنا ،فلذا أدفع بالذات دفعا مرضيا من أجل وطني وهمومه ،وال أنكر على «أنايا» ودي��وان��ي ف��ي ال��س��ؤال ..ول�ي��س ال �س��ؤال في مسارها الطبيعي في التعبير عنها ،هنا لي الديوان ،هل يكفي الورد واإلسرائيلي يشهر قلب يحب الحياة ،وهنا لي عين ترى الجمال، سيفه ليل نهار في وجهي؟ ولي ليل هو كوخ أحالمي ،وكل هذا «أنايا» متى ه��زم��ك الشعر أول م���رة ،وك��ي��ف كانت المسئولة عنه .ومادامت «أنايا» سابحة في بداياتك فوق حلبته؟ داخلي ،وأنا ابن قضيتي ،فال تكون «أنايا» إن ال أذك� ��ر ل�ح�ظ��ة ال �م �خ��اض ،رب �م��ا طفولتي لم تكتب بأظافرها مأساتي ،كيف أشرد من القاسية ردمت انتباهي للشعر ،والضوء كان جلدي؟ ف��ي أواخ��ر العشرينيات م��ن ع�م��ري ،لحظة < «الصباح الفلسطينية» ه��ي الجريدة التي ارتطامي بالشعر ،انشق ج��دار صمتي على تعمل بها ككاتب صحفي ،و«ملتقى شعراء ضجيج اللغة ،وصدقت مسيري حتى وجدتني العرب» هو الموقع االلكتروني الذي أسسته، ص��اح��ب دي���وان ،وآخ��ر ف��ي ال�ط��ري��ق ،وثالث وأنت اآلن تشرف عليه ،كيف تقيم تجربتك ينتظر الجمع. ف��ي ه��ذا ال��ب��اب؟ ول��م��اذا ه��ذا اإلص����رار على ديوانك الثاني تحت الطبع ،قلت لي إن عنوانه المحلي /الجريدة والقومي /شعراء العرب، هو «عتبات» هال قربتنا من مضمونه؟ وأوجه في نفس اآلن؟ االختالف واالئتالف بينه وبين سابقه؟ > ألنني أرى من عين واس�ع��ة ،وأم��ام��ي أزهار نعم ..التجربة اختلفت ،فاألول دفعه اإلرباك وط �ي��ور ،رغ��م ج��رح��ي ال �ن��ازف ،أبتسم لكي المقلق ،ألن��ه ال �ش��رارة ،وأم��ا ال�ث��ان��ي فأكثر يراني أخي البعيد ويطمئن للحياة ،فوجدتني تشبعا في اللغة ومرونة في التصوير ،ال أغبن في الداخل الفلسطيني ناقال الفرح إليه من األول ،فهو البداية ..ولكنني أتمنى من الثاني الخارج العربي ،ليسكن الجريح ويتفاءل بالغد، أن يعطي عني عناوين أكثر وضوحا ،فالشعر وكذلك نقلت االبتسامة الخجولة المدماة إلى يكسر المرايا دوما من أجل التفرد باألصل. القريب ال�ع��رب��ي ..ليشد س��اع��ده ..ويستقر وي��رف��ض ك��ل اق���ت���ران ب��ي��ن اس��م��ه والقضية الوطنية أو المجتمعية ..ويدعي أن الذات هي قضيته األول��ى واألخ��ي��رة :فما هو رأيك في هذا األمر؟
< >
<
>
قلبه على محبتي ،وأقول له :ال لن أتنازل عن وطن أزرع فيه قصائدي وتحصدها مشاعرك طيبا يا أخي.
< بين أع��م��دة الشعر وهواجسه التي تسكننا نلملم لنا أحيانا بعض القش ،لنقيم ملجأنا الخاص ،هروبا من واقع ما ،حتى أن هناك من يتنكر لكل قضية خارج محيط « األنا» < ،هل تعتقد أن الذاكرة ما زالت أمينة في واقع
94
اجلوبة -شتاء 1431هـ
<
>
< <
م������������������واج������������������ه������������������ات
ال��ح��رك��ة الشعرية العربية اآلن؟ أم أن آفة > الحياة حتى بعد موتها. النسيان والتجاوز نخرت الكيان الشعري < ،الوطن؟ وطوحت بمنجزه في الهواء؟ > سرير أحالمي وقميص النور الذي يرتديني > الذاكرة قط شرس ،ال تعرف كيف ومن أين فأكون الضياء. ومتى يهاجمك ،والشعر حارسه وعصاه ،وال < الذاكرة؟ أميل للحظة بأن القط انحرق في بركة النار (العولمة) ،وال أتخيل القط من غير حارسه > أنا حيٌّ . وعصاه. < الوردة الحمراء؟ ك��ي��ف ت��ن��ظ��ر إل���ى واق����ع ال��ت��ج��رب��ة الشعرية > شفاه تحب وتغضب. ال��ع��رب��ي��ة؟ وك��ي��ف ت���ق���ارب م��س��ت��ق��ب��ل��ه��ا ،من < جسد طفل مثقوب بالرصاص؟ خ�لال تجربتك وم��ا تطلع عليه من تجارب > ب��اب يطل على نقيضين ن��ار أشعلها ظالم اآلخرين؟ سام يكشف عن التشبث وتحد ٍ ٍ لتغتال الحياة، هذه الجدلية مؤلمة لي ،وعندي النص يُعَرف والموت عشقا ،حياة خالدة لفرح خالد. على صاحبه ،ولكن ال يحكم عليه بالمطلق، < طفلة صغيرة تبتسم؟ فالزمن والتجربة عامالن مهمان في نتاج كل شاعر ،وال أطلب من شجيرة زرعت باألمس > الغد. أن تعصر ل��ي حباتها ف��ي ال�غ��د ،وف��ي عموم < قصيدة أتت في غير موعدها ثم لم تراودك الفوضى التعريفية لشعر العرب اليوم أقف بعد؟ بخجل وح�ي��رة ،ولكن ال أقترب إل��ى منطقة > حبيبتي التي ج��اءت ول��م أحضر لموعدها، محرمة على النثر والحداثة ،ومباحة للتراث حزن يشق الصدر وال يدميه. من عامودي وقافية ،فال مناطق تحتكر لدي، م��ادام��ت اللغة العربية ه��ي ال�ت��راب الواحد < ما هو السؤال ال��ذي تعتقد أنني لم أسألك إياه؟ للمناطق جميعها ،وال أجيد التصنيف ،وال أغ��رق ف��ي التهم ،فبين األل��ف وال�ي��اء فهمي > كيف أحب أن أكون؟ وذوقي وسكن روحي. < وما هو جوابك عليه؟ ماذا تعني هذه األشياء بالنسبة إليك: > كما تحب أن تراني كل عين ،وتسمعني كل أذن ،ويقبلني كل قلب. األم؟
* ولد في دمشق سنة 1967ويقيم في غزة ،وهو محرر الصباح األدبي في جريدة الصباح الفلسطينية ،وهو عضو اتحاد الكتاب الفلسطينين ،عضو نقابة الصحفيين الفلسطينين ،عضو اتحاد كتاب االنترنت العرب ،عضو اتحاد شعراء العالم ،من مؤسسي ملتقى غزة للشعراء ،ومن مؤسسي ملتقى شعراء العرب (.)www.gpoets.com ** كاتب من المغرب.
اجلوبة -شتاء 1431هـ 95
نمتدح كتاباتهم حتى ال نتهم بالجهل نقاد كبار ينقلون النص األجنبي كنص مقدس ودون وعي كاف
الناقد د .جمال جنيب التالوي > محمد احلمامصي*
يعد الناقد د .جمال نجيب التالوي -أستاذ النقد األدبي المقارن بكلية اآلداب جامعة المنيا -واحدا من أهم نقاد جيل الثمانينيات في مصر ،قدم للعديد من أعمال شعراء وروائيي وقصاصي األجيال الجديدة ،واستطاعت أطروحاته وآراؤه أن تثير جدال واسعا في الوسط النقدي واإلبداعي ،خاصة كشفه عن ما نقله بعض النقاد الكبار ترجمة ونسبوه إلى أنفسهم ،وكذلك األمر في الشعر .حاصل على درجة الدكتوراه في النقد اإلنجليزي المقارن ،له العديد من الترجمات الشعرية منها (قصائد للحياة .مختارات من الشعر الصيني المعاصر) ،و (أن توجه الشمس) و (استرجاع إلزرا باوند «نقد مترجم») و (فن الحرب لسن تزو) ،ومن كتبه النقدية (أغنيات من موسيقى الجنوب) و (المثاقفة ..عبدالصبور وإليوت دراسة حضارية) ،وله أكثر من كتاب باللغة اإلنجليزية، ونشر دراساته النقدية في المجالت والدوريات المصرية والعربية ،كما يكتب د .التالوي القصة والرواية ،من مجموعاته (البحث عن شيء ما)( ،والفجر) ،وروايات (الخروج على النص)( ،تكوينات الدم والتراب). وفي هذا الحوار نتعرف على مشروعه النقدي ورؤاه للحركة النقدية داخل الجامعة وخارجها ،وكذلك وضع اإلبداع العربي حاليا. < ما العناصر الرئيسة في رؤيتك النقدية والمرتكزات التي بنيت عليها؟ > أوال م��ن الصعب تحديد رؤى نقدية م�ح��ددة ،ألنني في تصوراتي النقدية ال أتبع منهجا نقديا بعينه ،وإن كنت أتبع اتجاهات نقدية ،وأتصور أنه من
96
اجلوبة -شتاء 1431هـ
المشاكل التي يمر بها نقدنا العربي، أن يتبنى ناقد نظرية أو مدرسة بعينها، ويظل مستعبدا لها ،ألن هناك نصوصا تستعصي على االتجاهات ،وتستجيب الت �ج��اه��ات أخ� ��رى ،أم ��ا المرتكزات األساسية فهي بالتأكيد التراث العربي أوال ،قديمه وحديثه ،واتجاهات النقد
هناك بعض االتجاهات النقدية من وجهة نظري ال تُعني على تحليل النصوص األدبية، وربما هذه واحدة من مشكالت نقدنا العربي المعاصر واآلن��ي؛ فمثال ..معظم اتجاهات ن�ق��د م��ا ب�ع��د ال �ح��داث��ة كالتفكيكية والنقد النسائي ه��ي معطيات نظرية أدب �ي��ة تميل إل��ى التنظير أكثر منها إل��ى التطبيق ،سواء في معطياتها األصلية الغربية أو من ينقلها إل��ى العربية س ��واء بالترجمة أو التنظير، الدراسات التطبيقية في هذا قليلة ،والمتاح منها ال يفضي ب�ن��ا إل ��ى ف�ه��م مقنع للعمل األدبي ،ومن ثم أدخلتنا هذه االتجاهات ومن نقلوها إلى العربية أو إذا شئنا الدقة نقول معظمهم ،ألنه بالتأكيد لم أق��رأ كل ما كتب بالعربية نقال متعسفا ،يكتبون ما يمكن أن أسميه ترجمات غير أمينة؛ بمعنى أن ما يكتب من كتب في هذه االتجاهات على أنه
م������������������واج������������������ه������������������ات
العالمية من خالل اللغة اإلنجليزية ،وأقصد باإلنجليزية النقد اإلن�ج�ل�ي��زي ،واتجاهات النقد األخرى التي أقرأها باللغة اإلنجليزية، علي أي ح��ال ..أن��ا أت�ص��ور أن مهمة النقد األدبي األساسية هي تأويل النصوص األدبية، وأت�ص��ور أن أي منهج نقدي عليه أن يؤدي إلى تأويل النص األدب��ي ،ومن ثم ربما تكون التأويلية هي أقرب االتجاهات النقدية التي أتعامل معها اآلن ،وربما تتغير ه��ذه الرؤى مستقبال؛ لكني ال أقصر وجهة نظري على التأويل فقط .أقرأ في كل االتجاهات ،وأفيد كل ما يساعدني في التعامل مع نص أدبي، ألن��ه -كما ذك��رت -هناك بعض النصوص تستجيب لبعض االت �ج��اه��ات ،ون �ص��وص ال تستجيب التجاهات أخرى.
تأليف في معظمه ليس تأليفا ،حتى لكثير
م��ن األس �م��اء ال �ت��ي نحترمها ون �ق��دره��ا في الساحة العربية ،ه��ي ك�ت��اب��ات ..ع�ب��ارة عن
مزج بين الترجمة وبين فهم للترجمة ،ويقدم هذه على أنه نوع من التأليف ،هذه الرؤية
تأتي في معظمها غامضة وضبابية ،لسببين
أولهما أن هذه االتجاهات أو بعضها مستغلق، وثانيهما أن من يقدم هذه االتجاهات ..ربما تكون الرؤية غير واضحة بالنسبة لهم ،وكثير من منظري هذه االتجاهات ،ومنهم -جاك دريدا ،وجمسون -الذين روجوا كثيرا لهذه
االتجاهات راج��وا نقد ما بعد الحداثة ،هم اآلن ف��ي العقد األخ�ي��ر ي��راج�ع��ون أنفسهم، وي�ع�ت��رف��ون أن النظرية األدب �ي��ة وتنظيرات
نقد م��ا بعد الحداثة ك��ان م��ن المفترض -
أو عندما تبنوها وطوروها -أن تفضي بنا إلى فهم أفضل للعمل األدبي ،لكنهم يقولون
أنها أفضت بهم إلى نفق مظلم ،فأصبحت النظرية النقدية األدبية هي الهدف ،وضاع ال�ه��دف األس��اس��ي وه��و النص األدب ��ي .هذا
ف��ي ال �غ��رب ..وه��م اآلن ي��راج�ع��ون أنفسهم
بموضوعية وصراحة ،ونحن ال نراجع أنفسنا،
وإنما ننقل عنهم كثيرا.
اجلوبة -شتاء 1431هـ 97
< هل ترى أن هناك اتجاهات أو اتجاها صاحب خصوصية في النقد العربي؟ > ف��ي حكم تجربتي المتواضعة ف��ي القراءة والمتابعة ،ليست هناك خصوصية ،فكما قلت :كل ناقد يكتب حسب ثقافته ،فالذي لديه ثقافة عربية تراثية ال يريد أن يغيرها أو يضيف إليها ،وال��ذي لديه ثقافة عربية معاصرة ال يريد أن يغيرها أيضا ،والمرتمي في أحضان اتجاه أو نظرية غربية يعبدها ويقدسها ال يريد أن يضيف إليها أو يناقشها أو يتعامل معها .إننا نتعامل بسلبية ،ومن ثم ال أرى ثمة تصور لمالمح نقد عربي ،نضيف إلى ذلك أننا لم نعتد على العمل الجماعي. االتجاهات والنظريات الغربية تظهر مدارس ف��ي ال�ج��ام�ع��ات ،وال��دوائ��ر األك��ادي�م�ي��ة تقوم بها مجموعات أو جماعات ،نحن ال نعمل في إط��ار جماعة ،وحتى عندما يكون لدينا ناقد؛ مثال ،في سياقنا المعاصر كانت هناك محاولة جادة للدكتور محمد مندور ،لكن لم يأت من يكمل هذا السياق ،كل واحد يبدأ من الصفر في تجربته الشخصية ،وهذه مشكلة أخرى ،إننا ال نعمل في إطار سياق جماعي، وال بد عندما تتشكل نظرية أن يكون هناك سياق جماعي ،سواء مجموعة تعمل معا ،أو مجموعة يكمل بعضها بعضاً ،نحن نفتقر لهذا العمل الجماعي ،ليس فقط في النقد، ولكن في كل مناحي الحياة وأولها السياسي، نحن نعمل بشكل مفرد ،وكل من يأتي يلغي من قبله ،وكما يحدث في السياسة يحدث في النقد. < م��ا ت��أث��ي��ر ه���ذه ال��رؤي��ة ع��ل��ى ح��رك��ة اإلب���داع العربي؟
98
اجلوبة -شتاء 1431هـ
> ال ش��ك أنها تؤثر على حركة اإلب ��داع ،لكن لدينا حركة إب��داع في العالم العربي كبيرة جدا ،وكما يشكو المبدعون دائما أن النقد ال يتابع اإلب���داع ،علينا أال نحمل ف��ي هذه الجزئية على النقد كثيرا ،ألن جزءاً من هذه المشكلة هو عدم وج��ود منافذ نشر كافية، ف ��إذا ك��ان ه �ن��اك ن �ق��اد ي��ري��دون المتابعة.. فالمنافذ م�ح��دودة ج��دا ج��دا ،وم��ن ثم هذه مشكلة أخرى أمام المبدع ..وأقصد المبدع الحقيقي الذي يضيف ويؤثر ،عليه أن تواكبه حركة نقدية أيضا متجددة ،تناقشه وتختلف أو تتفق معه ،وتجادله ..وربما تفتح له آفاقا. ولكن الغالب األعم ليس كذلك ،فالدراسات النقدية التطبيقية في معظمها غارقة في الغموض كما سبق الذكر ،غارقة في االقتباس من كتابات السابقين ،غارقة في االقتباس من الكتابات النظرية ،والمعطى التطبيقي قليل جدا في معظم ال��دراس��ات التطبيقية، وفي الوقت نفسه ال تفتح أفقا جديدا أمام المبدع إال ما ندر ،هي عملية تابعة للمبدع وليست سابقة ومبشرة له ،صحيح أن النقد طبيعي أن يكون تابعا لإلبداع أو تاليا له ،لكن عليه أن يجادل اإلبداع -كما كان يقول «ألن تيت» -بتوتر ،أي يجعل عالقة متوترة ،لكي تشحذ المبدع لعمل ج��دي��د ،ه��ذا الغموض ف��ي الحركة النقدية ليس غموضا ،ويمكن أن نسميه ف��وض��ى ف��ي ال�ح��ال��ة اإلبداعية، أصبحنا -من كثرة األعمال اإلبداعية وقلة المتابعات النقدية وعدم وضوح مالمح رؤية نقدية محددة -ال نستطيع التمييز بين عمل �س أن لدينا ف��ي العالم جيد وآخ ��ر ،وال ت�ن� َ العربي عيبا م��ؤث��راً ج ��داً ،وه��و االنتماءات الشللية ،هذه الشللية قد تكون أيديولوجية
< يرى بعض األدباء تراجعا لقصيدة التفعيلة يتمثل في كونها عاطلة عن اإلتيان بجديد يؤكد قدرتها على االبتكار والتطور؟
م������������������واج������������������ه������������������ات
أو مصالح ،أو قوميات عنصرية ،أيا كانت، فيمكن لناقد أو مجموعة نقاد أن يساندوا كاتبا بعينه ،أو مجموعة كتاب بعينهم ،سواء أجادوا أم لم يجيدوا ،وهناك مبدعون ينبغي أن يظلوا مهمشين دائ�م��ا س��واء أج ��ادوا أم لم يجيدوا؛ هذه مشكلة أخ��رى موجودة في الحياة الثقافية في العالم العربي ،ومن ثم يصعب تحديد وض��ع محدد لوضع الحالة اإلب��داع �ي��ة ف��ي ال�ع��ال��م ال �ع��رب��ي ،ل�ك��ن هناك توهجً ا وهناك غزارة في اإلبداع ،لكن ليست هناك المقاييس التي تميز بين الجيد وغير الجيد ،أو أن تشجع الموهوب سواء المبتدئ أو المتمرس ،أو أن توقف من ال يضيف شيئا، أقصد عدم الوضوح في الحركة النقدية أشاع فوضى في مشهد اإلبداع العربي.
> أتفق معك في هذا ،وأتصور أنه أحد عيوب المشهد الثقافي العربي ،نحن نضيع وقتا كبيرا في محاولة محاربتنا لبعضنا بعضاً؛ م�ب��دع�ي��ن ون��ق��اد وم�ث�ق�ف�ي��ن .وم ��ن األفضل أن ننتقل إل��ى المعارك األدب�ي��ة ،أن نتحاور ونتصارع ونختلف أشكاال واتجاهات ومدارس؛ فنضيف ونحذف ونتحاور ،لكن نتحاور كما ذكرت كأشخاص ،ونحاول نفي بعضنا بعضاً حتى في داخل االتجاه الشعري الواحد .وأنا ال أريد أن أستثير األصدقاء الذين بدأوا مع بعضهم ف��ي تجربة السبعينيات ،وم��ا كانوا يسمون أنفسهم مجموعة إض��اءة ..أي��ن هم اآلن من بعضهم بعضاً؟ وكيف يتحدثون اآلن عن بعضهم بعضاً؟ وكيف ينفي بعض منهم اآلخر ،وكيف يوجهون االتهام لبعضهم بعضاً؟ مع أن ظهورهم ارتبط بوجودهم كمجموعة في مقابل تيارات أخرى ،بعد أن تواجدوا على الساحة ،اآلن هم ال يختلفون مع االتجاهات األخرى بقدر ما يتجهون مع بعضهم بعضاً؟ هذا نمط من أنماط الصراع الذي تحول من الصراع من أجل الشكل الشعري ،ومن أجل المنجز الشعري إل��ى ص��راع شخوص وضد مصالح شخصية لن تفيد القصيدة العربية.
> اسمح لي ،فأنا أختلف معهم في ذلك ،وأقول إنه ليس هناك تراجع ألي شكل من األشكال الشعرية ،قصيدة التفعيلة موجودة وقصيدة النثر موجودة والقصيدة العمودية موجودة، وأت� �ص ��ور أن ال �م �ع��ارك ال �ت��ي ت �ق��وم بسبب < ه��ل تقصد أن مرجعية قصيدة النثر كما األشكال العربية ،يصنعها نفر من كل اتجاه، يردد البعض أجنبية أو كما يرى البعض أنها لمحاولة نفي اآلخر ولجذب األضواء تجاهه، مترجمة؟ الحقيقي أن يكتب كل بالشكل واالتجاه اللذين > ربما يكون هذا هو القصد ،وربما يكون هذا يريدهما ،المهم أن تكتب في إط��ار الشكل ه��و ال��واق��ع ف��ي الحقيقة ،ن�ح��ن ال ننفي أن الذي تختاره بما هو مختلف عن اآلخر وبما ش�ع��راء النثر ه��م م�ب��دع��ون ،ويضيفون ،لكن يضيف جديدا. عندما نتحدث عن اإلبداع ،أي إبداع نضيف، < إذا ما يحدث لدينا هو نوع من الصراع بين ليست كل كتابة إبداع ،أقصد اإلبداع الحقيقي أشخاص وليس بين أشكال؟ الذي يضيف ويختلف عن اآلخرين ،كم ديوان
اجلوبة -شتاء 1431هـ 99
قصيدة نثر قد أض��اف إضافة حقيقية ،وكم شاعر قصيدة نثر أض��اف إضافة حقيقية؟ هناك جهود ومواهب فردية ربما نلمحها في قصائد في ديوان أو في دواوين لحركة شعر قصيدة النثر ،لكن ليست هناك مالمح كاملة نستطيع أن نقول هذه مصرية خالصة ،أو حتى عربية خالصة ،دون أن ننظر لمثال ما تلتف حوله وتأخذ منه ه��ذه التجارب .وال أتصور وال آمل أن يكون ذلك محبطا لشعراء قصيدة النثر ،ولكن ربما يكون هذا تحفيزا لهم. < هل ترى أن شعراء السبعينيات قد استطاعوا تحريك المشهد الشعري لألمام؟
جماعات ،وال أتصور أن نفوذهم ووجودهم اآلن ب�ق��در وج��وده��م ف��ي ف�ت��رة الثمانينيات التي بدأوا فيها يزدهرون ،ألنهم اآلن يعملون ف ��رادى ،ورب�م��ا يعملون ض��د بعضهم بعضاً، أو ضد اآلخرين ،أو اآلخرين ضدهم؛ لكنهم عندما ب��دأوا كحركة وجماعة لفتوا األنظار إليهم ،وأن��ا أت�ص��ور أن ه��ذا يدعونا إل��ى أن ننظر إلى حركات الشعر على األقل في التراث اإلنجليزي واألمريكي ال��ذي أق��رأ فيه ،وأجد أن الحركة التي أثرت بالفعل هي التي بدأت في شكل جماعات ،وليس في شكل فردي ،أو أف��راد توالى عليها أف��راد وأكملوا المسيرة، ه �ن��اك م��ن ي��رى ات �ج��اه��ا ..ل�ك��ن ل�ي��س هناك من يصنع اتجاها بمفرده ،كل حركات الشعر فيما أتصور ..العالمية كانت كذلك ،وشعراء السبعينيات عندما كانوا كذلك كانوا يقدمون ويلفتون النظر ويغيرون في مسيرة الشعر ،هم اآلن أصبحوا شعراء مثل كل الشعراء.
> هم استطاعوا حقيقية أن يحركوا المشهد ال� �ش� �ع���ري ،ل� �ي ��س اآلن وإن � �م� ��ا ف� ��ي حقبة الثمانينيات ،ألن شعراء السبعينيات ظهروا في الثمانينيات والتسعينيات عندما ظهرت إبداعاتهم .هم بالفعل استطاعوا كما يقول السيد فاروق حسني وزير الثقافة أن يصنعوا < بماذا تعلل الزحف الروائي الحالي وهل هو ضجيجا ثقافيا ،ه��م صنعوا ضجيجا حول دليل على ازدهار الرواية حقا؟ أنفسهم ،ولفتوا األنظار سواء من أتّفِ ُق معهم أو أخ�ت� ِل��ف ،وأن��ا كنت وم��ا أزال أح�ي��ي ذلك > أوال ليس هناك زحف روائي في مقابل تراجع أج�ن��اس أدب�ي��ة أخ��رى ،فهناك زح��ف شعري كثيرا ،وأتصور أنهم لو لم يفعلوا ذلك ،ولوال أي�ض��ا ،وه�ن��اك زح��ف ف��ي القصة القصيرة أنهم في معظم تجاربهم كانوا يكتبون حتى ربما أكثر من الرواية والشعر ،وهناك زحف تنظيراتهم ألنفسهم ويكتبون نقدا عن أنفسهم في المسرح أيضا ،لكن أي نوع من الزحف. وي�ق��دم��ون بعضهم بعضاً لما استطاعوا أن يوجدوا ألنفسهم هذه المساحة على خارطة أس�ت�ط�ي��ع أن أت �ح��دث ع��ن م�ج�م��ل اإلنجاز الشعر العربي المعاصر؛ لكني ال أستطيع الروائي هذا ..هل هو لألمام أو للوراء ،أنا القول إن هذه الحركة إلى األم��ام أم ال؟ هم أتصور مثال أن هناك حركة في المسرح ،لكن استطاعوا أن يلفتوا األنظار واستطاعوا أن ال أتصور أن حركة المسرح حركة مزدهرة يقدموا جديدا وأن يكسروا المعتاد التقليدي ومتقدمة ،أقصد أن هناك زحفا ،أي أن هناك في ذلك الوقت ،لكن نالحظ أنهم فعلوا ذلك كما كبيرا من األعمال المسرحية أيضا ،كما عندما كانوا يعملون مع بعضهم كجماعة أو أن هناك كما لألعمال الروائية ،لكنها ليست 100اجلوبة -شتاء 1431هـ
هذا ربما يكون قد لفت النظر إلى الرواية، هل ه��ذا أث��ر على الروائيين أن يشعروا أن م�ح�ف��وظ ال���ذي ح�ص��ل ع�ل��ى ن��وب��ل ق��د فتح الطريق ألن تزدهر الرواية؟ أنا لست أدري.. لكني أستطيع القول إن الرواية بالفعل في حالة ازدهار ،وال أكرر -بعد ذلك -ما يقوله البعض أن ه��ذا زم��ن ال��رواي��ة أو ليس زمن الرواية ،هذا زمن كل األجناس األدبية ،ولكن الرواية في حالة ازده��ار كما أن الشعر في حالة ازدهار بدرجة أقل ،لكني أرى أن المسرح في حالة تراجع ..س��واء المسرح النثري أو
م������������������واج������������������ه������������������ات
ملفتة للنظر ،ألنه ليس هناك إضافة حقيقية في العشرين عاما األخيرة ،على سبيل المثال لإلنجاز المسرحي ،لكن في الرواية مع هذا الكم الكبير ال بد أن تأخذ منه أيضا نسبة كبيرة من اإلنجازات الجيدة ،ليس كل اإلنجاز الروائي في صالح ال��رواي��ة ..لكن فيه كثير من األعمال الجيدة ،وربما أتصور أن هناك إنجازا في الرواية العربية وال يرتبط ذلك بحصول نجيب محفوظ على جائزة نوبل؛ فحصول نجيب محفوظ على ج��ائ��زة نوبل لفت أنظار العالم إلى الرواية العربية ،فقد أوجد لها مساحة في األدب العالمي؛ وربما يعرف بعض القراء أن��ه بعد ترجمة أعمال كثيرة لمحفوظ ،أثر محفوظ في الكثير من الكتاب الغربيين ،وأنه أصبح السم محفوظ اشتقاق ووص��ف كما هو موجود لشكسبير م�ث�لا ،فنقول شكسبيريا ال��درام��ا ،فهناك محفوظ نوفيل ،موجودة في دوائر المعارف والدراسات األكاديمية والنقدية العالمية.. على األقل باللغة اإلنجليزية التي أعرفها.
المسرح الشعري ،مسرح العرض المسرحي أو حتى المسرح المكتوب .لست أدري هل مهرجان المسرح التجريبي المفروض علينا له دور في انتكاسة حركة المسرح ،ربما يرى بعضنا ذلك ،وربما أنا أيضا أتفق معهم ،ماذا أضاف لنا هذا المهرجان الذي تعدى خمسة عشر ع��ام��ا ف��ي مسيرة ال�م�س��رح ،ف��ي حين أن��ه ليس هناك مهرجان للشعر ،ومهرجان الشعر على المستوى العالمي تقيمه مصر كما تفعل في المسرح ،ليست هناك حركة ترجمة لمنجز الروايات العالمية أو الدواوين الشعرية عالميا سنويا ،كما تفعل أكاديمية الفنون في ترجمة ( )30أو ( )40كتابا سنويا مع مهرجان المسرح التجريبي عن أحدث اتجاهات المسرح التجريبي في العالم. إنني أتساءل معك هل أثرت كل هذه الكتب المترجمة وهذا المسرح في تغيير الذائقة المسرحية ،أو حتى التأثير على انتشار ح��رك��ة ال�م�س��رح ،نحن نتحدث ع��ن ازدهار رواي��ة ،ربما نكتشف أنه ليست المؤسسات الثقافية هي التي تستطيع أن تساعد فن دون آخر ،ربما الذوق العام يتجه للرواية ،أو ربما وجود الفضائيات بهذا الشكل ،والمساحات الكثيرة المعروضة للدراما ،دعت البعض أو الكثيرين لكتابة الرواية ،ألنها هي المصدر األساسي للتحويل للدراما التليفزيونية ،أنا ال أعرف إجابة يقينية ،لكني أحاول أن أفهم معك ومع القراء؛ لكني على أية حال أتصور أن لدينا منجزاً راق�ي�اً ومهماً في الرواية، سواء لكتاب راسخين أو لكتاب جدد نقرأهم كل يوم.
* كاتب من مصر.
اجلوبة -شتاء 1431هـ 101
أثر الوسائل التعليمية في العملية التربوية
> د .محمد عامر البلخي*
التعلّم عملية أساسية في الحياة؛ فنحن نتعلم من المهد إل��ى اللحد ،ق��ال تعالى: {الرحمن ( )1علّم القرآن ( )2خلق اإلنسان ( )3علّمه البيان ( })4سورة الرحمن (اآليات من .)4 – 1 ما هو التعلّم؟ إن��ه تعديل في سلوك الفرد عن طريق الخبرة والممارسة .والتعلم ليس من طبيعة المعلمين وحدهم؛ فاألب معلم ،وصاحب العمل معلم ،وكل إنسان في مجال عمله معلم. إن ال�ت�ف�ج��ر ال �م �ع��رف��ي ال� ��ذي يشهده هذا العصر أصبح يتضاعف بعد انتشار شبكات المعلومات الحاسوبية ،ما يلقي على التربية مسؤوليات كبيرة في إعداد المتعلمين؛ بما يساعدهم على مواكبة هذا التفجر والتطور التقني السريع ،وضرورة لقد تغير دور التربية مع ظهور التقدم التكيف م��ع متطلبات ال�ع�ص��ر ومواجهة الصناعي والتقني ،فلم تعد مهمة المتعلم تحدياته ،باألساليب والوسائل المالئمة. ال �ن �ظ��ر إل���ى األح� � ��داث وال �ت �ع��رف عليها لقد أصبحت الوسائل التعليمية منتشرة فحسب ،بل أن يبحث عن العلل التي تفسر من حولنا ،وأصبح وجودها أكثر رؤية في وقوعها وتتحكم بها. المستقبل القريب. لذا ،ينبغي أال تنحصر مهمة المدرسة
التنبؤ بإمكانية الناس على التغيير من دون أن يتعلموا معنى التغيير؛ وما التغييرات التي يمكن أن تحسّ ن التعليم ،إنها تفاعل ال�ط��ال��ب باستخدام ال��وس��ائ��ل التعليمية. (.)Henderson, 1993,17
إن ال �ت �ط��ور ال�ت�ق�ن��ي ال �م �ت �س��ارع ،وما أحدثه من تغيرات متالحقة ،فرض على التربية ض��رورة استيعاب هذه التغيرات، وتسخيرها لمصلحة ال �ف��رد والمجتمع، ول��ذل��ك يفترض ف��ي ال�ن�ظ��ام ال�ت��رب��وي أن لذلك ب��دأ اهتمام المربين في الحث يسهم في هذا التغيير التقني. على استخدام الوسائل التعليمية والتقنيات وب� ّي��ن ه�ن��درس��ون ( )Hendersonمعنى الحديثة في المدارس ،لالنتقال بالتعليم التغيير في عملية التعليم ،بأنه ال يمكن من صورته التقليدية إلى التعليم الفعّال. الحديثة في تلقين المعلومات ،وحشوها وصبّها في أذهان المتعلمين ،وإنما ينبغي االهتمام بتكوين عقلية المتعلم وتعويده كيف يتعلم.
102اجلوبة -شتاء 1431هـ
{فبعث الله غراباً يبحث في األرض ليريه كيف •أن يتم اختيار الوسيلة بحيث تتناسب مع أهداف الدرس. يواري سوءة أخيه} (سورة المائدة اآلية )31 وف��ي قصة م��وس��ى م��ع ف��رع��ون ،وذل ��ك بقوله •أن تكون واضحة بالنسبة للطالب ،وصحيحة علمياً. تعالى{ :فألقى ع�ص��اه ف��إذا ه��ي ثعبان مبين} (سورة األعراف اآلية .)107 •أن تكون مالئمة لمستوى ال�ط�لاب العقلي والزمني. وفي قوله ج ّل وعال{ :فألقى موسى عصاه فإذا
هي تلقف ما يأفكون} (سورة الشعراء اآلية )45 واآليات الكريمة كثيرة في هذا المجال.
ن����������������������������������واف����������������������������������ذ
وق��د أش��ار ال �ق��رآن الكريم إل��ى ب�ي��ان أهمية ول�ك��ي ت ��ؤدي الوسيلة التعليمية دوره ��ا في الوسيلة الحسية في عملية التعلم ،وهذا ما نجده العملية التربوية بشكل فعّال ،ال بد من مراعاة مجموعة من النقاط أهمها: في قصة ابني آدم ،وذلك بقوله عز وجل:
•أن ي�ت�ن��اس��ب ع ��رض ال��وس�ي�ل��ة م��ع الموقف التعليمي أثناء الحصة ،حتى ال تفقد عنصر اإلثارة والتشويق.
وت�ب��دو فاعلية الوسائل التعليمية بأنواعها السمعية وال�ب�ص��ري��ة والسمعية ال�ب�ص��ري��ة في •أن تخدم غرضاً واح��داً ،بحيث تكون بعيدة عن اكتظاظ المعلومات ،فقد تشتت الوسيلة استخدامها الشامل في المواد الدراسية ،لما ان�ت�ب��اه ال �ط�لاب إذا تضمّنت م��ادة تعليمية تتصف به هذه الوسائل من مزايا ال تتوافر في غزيرة ،أكثر مما هو مطلوب. ال�ت��دري��س بالطريقة التقليدية ،إذ يمكن لهذه ال��وس��ائ��ل والتقنيات الحديثة تقديم المحتوى •أن يجرّب المدرس الوسيلة قبل استخدامها للتأكد من صالحيتها. التعليمي بأسلوب مشوّق ومثير لالنتباه ،ما يؤدي إلى احتفاظ المتعلم بالمعلومات في ذاكرته لفترة وأخيراً ،ينبغي أ ّال ننظر إلى الوسائل التعليمية أطول ،مما لو تلقاها بأسلوب التلقين. على أنها أدوات إضافية لعملية التعلم ،وإنما هي وق��د أش ��ار غ��ال�ب��ري��ث ( )Galbreathإل��ى أن مكوّن من مكونات المنهج ،وج��زء أساسي منه، األفراد يتذكرون % 20مما يسمعون ،و % 40مما فهي تتكامل مع أهداف الدرس ،ومحتواه ،وطرق يرون ويسمعون معاً ،و % 75مما يرون ويسمعون التدريس وأساليب التقويم ،بحيث تتحقق في النهاية فاعلية العملية التعليمية. ويعملون معاً ()Galbreath, 1992, 28
وإضافة إلى ما سبق ذكره عن أهمية الوسائل المراجع:
التعليمية ،فإنها تجعل الخبرات التعليمية أكثر -القرآن الكريم. فاعلية ،وتقدم أساساً مادياً ل�لإدراك الحسّ ي، Galbreath, J; 1992: Education Video Production, إذ تخفّف من األلفاظ التي يجد الطالب صعوبة Educational-Technology, October. ف��ي ف�ه��م م�ع�ن��اه��ا ،ك�م��ا ت�س��اع��د ال �م��درس على Henderson, R. E; 1993: the Rocky But Exciting تنويع أساليب التعلم نتيجة استخدامه للوسائل Road to Restructuring, The Education Digest, Vol. (58), No. (6), February. المتنوعة. * كلية التربية -جامعة الجوف.
اجلوبة -شتاء 1431هـ 103
ّ الطفــل وَالكتـَــاب > عالء الدين حسـن* القراءة في عالمنا المعاصر ،أهم وسيلة من وسائل التواصل؛ ذلك أنها تُعِ ُّد اإلنسان للحياة المؤثرة المتجددة ،وقد سُ ئل المفكر الفرنسي المعروف «فولتير» :من سيقود البشر؟ فأجاب :الذين يعرفون كيف يقرؤون ويكتبون. ويوماً بعد يوم ..تتزايد أهمية القراءة في عالم يشهد التقدم التكنولوجي والتفجر المعرفي ،ويكاد يحتل فيه الكمبيوتر واإلنترنت مكان الصدارة. القراءة لها الدور األهم في تنمية الفكر اإلنساني ،وإغناء الوجدان ،واكتشاف ما فيما تخيَّل أف�لاط��ون جمهورية مثالية، هو جديد ومتجدد ،وملء أوقات الفراغ بما أما الغزالي ،ف��أراد اإلنقاذ من الضالل.. يفيد ويُستفاد منه؛ كما أن للكلمة المكتوبة الجميع كتب ،ونحن نقرأ ونكتب ..الكتب ميزة الدوام والمداومة ،وهذا ما ال نجده هي العالم ..هي الحياة ..هي وجهنا اآلخر في الكلمة المسموعة ،وقد قال المتنبي من ف��ي ال �م��رآة ..ه��ي فسحة أم��ل ،وق��د قال قديم ..:وخير جليس في الحياة كتاب. شاعرنا: ف��ي الكتاب يبحث اإلن�س��ان ع��ن معنى األمل ِ ما أضيق العيش لوال فسحة ذات� � ��ه ،وع �ن��دم �ـ��ا رأى ال��م��ع��ري الحياة ومعروف أن تنـزيل الذكر الحكيم بدأ جحيماً؛ كتب « رسالة الغفران» ،وعندما رأى «ديورانت «العالم بحراً عميقا؛ كتب بكلمة[ :اقرأ] ،والقراءة تبدأ مع الطفولة، «قصة الفلسفة» ،وكتب «قصة الحضارة»..
104اجلوبة -شتاء 1431هـ
أ .التزام الهدوء وتقدير مشاعر اآلخرين وتفادي إزعاجهم. ب .بث روح التعاون والعمل الجماعي عن طريق األبحاث الجماعية. ت .غ��رس األم��ان��ة واإلخ�ل�اص ،واح�ت��رام حقوق اآلخرين وحب النظام وحب الكتاب وإدراك أهميته.
ن����������������������������������واف����������������������������������ذ
والكتب التي نقدمها لألطفال ،ينبغي أن تنبئ عن جوهر أدبي أصيل ،وتزود األطفال بطريقة مباشرة للمعرفة ،وتضم األشياء الجميلة القابلة لإلدراك بشكل تلقائي ،ويرى المربون أن المكتبة المدرسية بالنسبة للطفل أم ٌر غاية في األهمية، فعلى المكتبة المدرسية يتوقف ص�لاح العمل التربوي؛ ومن أهدافها أن يجد التلميذ فيها ما ييسر له الفهم األوس��ع واألدق للمواد التعليمية ال�م�ق��ررة ،وأن يجد ف��ي القصص المتنوعة ما يقدم له معرفة عميقة ذات صلة وثقى بالبيئة واألح��داث المحيطة ،وانتقاء الكتب بما يتوافق مع النمو اللغوي..
ومن أهم العادات التي يكتسبها التلميذ:
ث .تعويد التالميذ على استغالل وقت الفراغ االستغالل األمثل.
التصور النموذجي لمكتبة مدرسية
هذا ،وتنمي المكتبة المدرسية ميول األطفال، حتى تكون المكتبة المدرسية مكتبة حقيقية، وتعمق لديهم حب القراءة؛ فتتوطد صلة الصداقة ونموذجية ،وفعالة ..ال بد أن يتوافر فيها: بين الطرفين .وتستطيع المكتبة المدرسية أن تغدو مركز إشعاع حضاري ثقافي بما تقتنيه من -قاعة خاصة بالمطالعة ،وفيها حاملة لخزانة الفهرس ،مع وجود صندوق اإلع��ارة ،وحامل كتب مفيدة. ل�ل�م�ج�لات ،وال �ك �ت��ب ،إض��اف��ة إل��ى صناديق وال يُظَ ن أن محاولة اكتشاف طبيعة وتأثيرات خاصة بالسجالت ،وأخرى خاصة ببطاقات التفاعل بين األط �ف��ال وكتبهم المفضلة مهمة التالميذ. سهلة ..وق��د توصل بحث -ت � َّم م��ؤخ��راً ودرس استجابات األطفال للمطالعة بعمق -إلى نتيجة -قاعة خاصة بالكتب ،مزودة برفوف تصنف عليها الكتب وفق فهارس خاصة. فحواها :إذا سمح للطفل أن يختار ماذا يريد أن يقرأ ،وسمح لـه باالستجابة لما يقرأ دون توجيه؛ -إيجاد آليات ،وأدوات عمل مثل( :أصدقاء فإن طبيعة هذه االستجابة تكون ذاتية شخصية، ال�م�ك�ت�ب��ة ،وال �ج��ري��دة ال��ج��داري��ة ،والتربية ول��ن تكون موضوعية ،أي أن الطفل يشعر بها التشكيلية). بإحساسه دونما تفكير بها .إذاً ،فاألمر يتطلب -طريقة التسجيل بالكتب( :رق��م الترتيب - قدراً كبيراً من التفكير والتأمل. رق��م التسجيل -ت��اري��خ التسجيل -عنوان ويمكننا القول :إنَّ األطفال الصغار ال يحبّون بشكل عام الغموض في األدب الخاص بهم ..كما ال يرغبـون في مناقشـة أي تفاصيل دقيقة ،وإنما يرغبون في تأييد األحكام األخالقية السريعة إسهامات المكتبة في ثقافة الطفل المبنية على أفعال عاطفية مباشرة. تسهم كل من المكتبات العامة والمدرسية، الكتاب -المؤلف المترجم -دار النشر - تاريخ النشر -عدد األجزاء -رقم التصنيف -المالحظات.)..
اجلوبة -شتاء 1431هـ 105
بشكل مباشر في ثقافة الطفل ،من خالل جملة ال� �م� �ن ��اش ��ط ال� �ت ��ي يتم إعدادها لهذا الغرض، إال أن مكتبات األطفال ال �ت��ي ق��د ت �ك��ون ملحقة ب��ال �م �ك �ت �ب��ات العامة، أو م��ن��ف��ص��ل��ة عنها، أك �ث��ر إس �ه��ام �اً وتأثيراً ع �ل��ى ث �ق��اف��ة األطفال، م� ��ن خ��ل��ال تحقيقها ل �ل�أه� ��داف السابقة، ب��واس�ط��ة مجموعة من ال� �ب ��رام ��ج واألنشطة. ويمكن تحديد إسهامات المكتبة ف��ي مجموعة من النقاط ،منها: -1تعدد المواد وتنوعها ،فمن خاللها تستطيع ال�م�ك�ت�ب��ة إت ��اح ��ة م� �ص ��ادر ق��رائ �ي��ة متنوعة لألطفال في مراحل مختلفة من أعمارهم؛ خ��اص��ة المرحلة األول ��ى ال�ت��ي تعد م��ن أهم المراحل المؤدية إل��ى غ��رس ع��ادة القراءة في نفوسهم ،ما يساعد على إيجاد المواطن الواعي المستنير؛ إذ يتم توطيد الصلة بين الطفل ومواد القراءة وفي مقدمتها الكتاب. -2ت�ن�م�ي��ة ال �ث �ق��اف��ة ال��ذات �ي��ة :ي �س��اع��د التردد المتكرر على المكتبة ،وتأصل عادة القراءة على ترسيخ التعلم الذاتي ،وتهيئة األطفال الكتساب الثقافة الذاتية المستقلة ،والوصول إلى مفاتيح المعرفة بأنفسهم. - 3إنَّ استخدام الطفل للمكتبة في سن مبكرة * كاتب من سوريا.
106اجلوبة -شتاء 1431هـ
يجعله أك�ث��ر اس�ت�خ��دام��ا وت� ��ردداً عليها في المستقبل ،ف�ت��زداد ثقافته ،وتنمو حصيلته ال�ع�ل�م�ي��ة ،وي �ص �ب��ح أك �ث��ر ق� ��درة ع �ل��ى الفهم والتحصيل .كما يساعد ذلك على استخدامه ل�ل�أن���واع األخ� � ��رى م ��ن ال �م �ك �ت �ب��ات – مثل المكتبات الجامعية -في شبابه وجميع أطوار حياته المقبلة .وق��د أش��ار أح��د المكتبيين إلى الجوانب اإليجابية لالستخدام المبكر للمكتبة العامة من قبل األطفال ،بقوله :إن القراءات العامة في المكتبة العامة من جانب الناشئ والمراهق ،تجعل التعليم الجامعي أك�ث��ر ف��ائ��دة وأك�ث��ر نضجا ،كما أن اعتياده التردد عليها ،يجعل األثر النهائي للقراءات أبعد وأكثر استمراراً بعد تخرجه ،وخاصة إذا ظلت المكتبة في متناوله ،وإذا استمرت البيئة تيسر له حصوله على الكتب التي يريدها.
> د .جميل بن موسى احلميد*
ن����������������������������������واف����������������������������������ذ
دور التعليم في ترسيخ مفهوم املواطنة
في الغالب ،ال يستحضر اإلنسان قيمة بعض المبادئ دون أن يعايشها ،وتصير إحدى الرواسخ األيدلوجية التي توجه سلوكه .ونحن المسلمون جمع الله لنا في ديننا العظيم كل المبادئ والقيم الجامعة المانعة ،وبلغة المنطق التي ال تدع مجا ًال للفرد أن يخرج عن األطر الشرعية التي حددها الله ..إال من خالل موجهات سلوكية ،وإرادة جانحة، استقت روافدها من قنوات غير شرعية. وض� ��رب� ��ت المدرسة ال �ن �ب��وي��ة ال �ش��ري �ف��ة أروع األم �ث �ل��ة ف��ي تجسيد كل المبادئ والقيم األخالقية ال� �ت ��ي ت �ح �ف��ظ لإلنسان ك��رام�ت��ه ال�ت��ي كفلها الله ل��ه ،قبل وج��ود القوانين الوضعية التي يتشدق بها اآلخ��رون ،ثم ال يتورعون ف��ي اخ �ت��راق �ه��ا ف��ي معظم األحيان.
محددة.
فقد ذك��ر اب��ن منظور ف�� ��ي م� �ع� �ج� �م ��ه «ل � �س� ��ان ال� �ع ��رب» :أن المواطنة منسوبة إلى الوطن ،وهو ال�م�ن��زل ال ��ذي يقيم فيه اإلنسان ،وجمعه أوطان، وي� �ق���ال وط � ��ن بالمكان وأوط��ن به؛ أي أق��ام فيه، وأوط �ن��ه ..أي اتخذه وط�ن�اً ،وأوط��ن فالن لا ومسكناً أرض ك ��ذا ..أي ات�خ��ذه��ا م�ح� ً ويأتي مفهوم المواطنة في طليعة القيم يقيم فيه. والمبادئ األخالقية التي ينبغي أن تتوافر وب��ال��رج��وع إل ��ى ال �م��وس��وع��ة العربية في أي مجتمع؛ ألنها تعد الصبغة اإلنسانية العالمية ،نجدها تعرف المواطنة بأنها له ،فهي جزء من إنسانية اإلنسان تتجاوز «اص �ط�لاح يشير إل��ى االن �ت �م��اء إل��ى أمة في الواقع مفاهيم الحق والواجب. أو وط��ن» .وت��م تعريفها ف��ي ق��ام��وس علم إن مفهوم المواطنة من المفاهيم التي االج��ت��م��اع ع �ل��ى أن��ه��ا م �ك��ان��ة أو عالقة أث��ارت ج �دلاً كبيرًا ،الرتباطها بكثير من اجتماعية تقوم بين فرد طبيعي ومجتمع العلوم اإلنسانية مثل :علم االجتماع وعلم سياسي. النفس ،والتربية ،والتاريخ والجغرافيا.. إن المواطنة تربى بالمعايشة ،وقد ذكر إل� ��خ ،ف��ب��ات ك ��ل ع �ل��م ي ��راه ��ا م ��ن زاوي� ��ة غاندي أن المواطنة مثل الديمقراطية ،لكي
اجلوبة -شتاء 1431هـ 107
تعيش يجب أن تعاش .وهذا يعني أن المواطنة تربى كما يربى الطفل الصغير في قنوات التربية المختلفة التي يمر بها اإلن�س��ان ط��وال حياته، -5البعد الديني :ويعني غ��رس القيم الدينية بدءًا من األسرة ،ومرورًا بجميع روافد الفكر في مثل :العدالة ،والمساواة ،واحترام اآلخرين، المجتمع التي يكون لها دور تربوي مباشر أو غير وعدم التمييز ضد الدين أو العرق أو الجنس مباشر. أو ال��ل��ون ،وال �ت �س��ام��ح وال �ح��ري��ة والشورى، وت ��أت ��ي ال �م��ؤس �س��ات ال�ت�ع�ل�ي�م�ي��ة النظامية والديمقراطية. كالمدرسة والجامعة ،في طليعة قنوات التربية وتستطيع أنظمة التعليم ترسيخ هذه المبادئ، المنوطة بتنمية المواطنة ،وينبغي أال يقتصر دور هذه المؤسسات على التركيز على الجوانب م��ن خ�لال توظيف وتفعيل دور جميع عناصر المعرفية فقط ،بل يتعداها إلى تنمية المواطنة المؤسسة التعليمية لخدمة هذا الهدف؛ فعلى من خالل ممارستها بشكل حيوي في بيئة التعلم ،سبيل المثال ..توجه األنشطة المختلفة ،مثل: إما في مواقف واقعية أو أخرى محاكية للواقع .األنشطة الفنية والرياضية وغيرها ،إلى تجاوز وينمى مفهوم المواطنة بكل أبعادها: األه��داف التقليدية لها ،مثل اكتشاف المواهب بالمسؤولية ،وغ��رس روح االنتماء للمجتمع والوطن.
-1البعد المعرفي الثقافي :تمثل المعرفة عنصرًا أساسيًا مهمًا لتنشئة المواطن الصالح من أج��ل البناء الذاتي لكيانه ،وإكسابه القدرة ع �ل��ى ال �ت �ع��اي��ش م��ع ال �م �ج �ت �م��ع ،م��ع ضمان ح��ق االس�ت�م�ت��اع بحياته ال �خ��اص��ة ،ف��ي ظل المحافظة على حقوق اآلخ��ري��ن ،وااللتزام بالمعايير القيمية واألخالقية ،التي تحددها ضوابط القيم في المجتمع كالدين والعادات واألعراف السائدة.
-2البعد المهاراتي :ويقصد به المهارات الفكرية، مثل :إكساب المواطن مهارات التفكير الناقد، والتحليل ،والحل السريع للمشكالت التي قد تواجهه ..وغيرها ،فالمواطن الذي يتمتع بهذه المهارات ،يستطيع تمييز األمور ووضعها في نصابها الحقيقي ،كما أنه يكون أكثر عقالنية ومنطقية فيما يقول أو يفعل.
وال �ن �ه��وض ب�ه��ا إل��ى تعليم ال�ح�ي��اة المجتمعية، وإدراك الحقوق والواجبات ،ومفهوم العمل في فريق ،واحترام القانون والمشاركة في صناعة القرار ،ومحاسبة النفس قبل محاسبة اآلخرين؛ ألن معظم األنشطة التعليمية إن لم تكن واقعية ت �خ��دم ال�م�ج�ت�م��ع ،ف �ه��ي ت �ح��اك��ي ال ��واق ��ع ،وفي ك�لا االتجاهين ،يمكن توظيفها لتنمية مفهوم المواطنة بشكل عملي. ك�م��ا يمكن االس �ت �ف��ادة م��ن اس �ت �خ��دام بعض اإلستراتيجيات التدريسية في تنمية هذا المفهوم، مثل :إستراتيجيات لعب الورق ،والمحاكاة ،وحل ال�م�ش�ك�لات ،وغ�ي��ره��ا م � َّم يستطيع المعلم من خالل استخدامها في التدريس ،تطبيق مبادئ المواطنة والتأكيد على بعض خصائصها بشكل غير مباشر ،عن طريق محاكاة الواقع بمواقف تمثيلية هادفة.
-3البعد االجتماعي :ويقصد به ال�ق��درة على التكيف اإليجابي ،والتعايش مع اآلخرين في وه ��ذا يستدعي م��ن ال�ق��ائ�م�ي��ن ع�ل��ى شؤون جو ينأى به عن الصراعات المختلفة. التعليم إعادة النظر في كثير من األمور ،لتفعيل -4البعد االنتمائي :االعتراف بالهوية ،والشعور دوره في ترسيخ هذا المفهوم بشكل أفضل. * عميد شؤون المكتبات -جامعة الجوف.
108اجلوبة -شتاء 1431هـ
ن����������������������������������واف����������������������������������ذ
اللهجات العربية في منطقة اجلوف > د .عبدالناصر محمود عيسى*
ال شك أن وجود اللغة المشتركة واللهجات المحلية في اللغات الحية ،أمر تحتمه الضرورة االجتماعية ،وما تقتضيه من تفاوت مستوى االستعمال وحاجاته ،تبعا لحاجة الناطقين أنفسهم الستخدام اللغة في المواقف العامة أو الراقية ،أو في مواقف الحياة العادية والخاصة بالبيئة المحلية .وهذا األمر كالمجمع عليه بين اللغويين المحدثين، وإن تفاوتت جهودهم في بيان الظروف التي تؤدي إلى وجود كل من هذين المستويين. ولذلك يرى «دي سوسير» أن لكل لغة لهجاتها ،وهي في العادة متفرقة ومختلفة ،ومن ثم يصعب الفصل بين اللغة المشتركة أو الفصحى وبين اللهجات ،فكالهما يسير مع اآلخر جنبا إلى جنب(.)1 واللغة ما هي إال عادات صوتية ،تؤديها من الصفات اللغوية التي تنتمي إلى بيئة أعضاء النطق بصورة يتوارثها الخلف عن معينة .ويشترك في هذه الصفات جميع السلف ،غير أن تلك األعضاء ،ال تؤدي تلك
أف��راد تلك البيئة ،وبيئة اللهجة ج��زء من
العادات بصورة واحدة في كل مرة ،وإن بدا
بيئة أوسع وأشمل ،تضم عدة لهجات لكل
التطور الصوتي بين لغة السلف والخلف منها خصائصها ،وتلك البيئة الشاملة هي بطيئا في بعض األحيان. وبالتالي ،فاللهجة عبارة عن مجموعة
اللغة. فالعالقة بين اللغة واللهجة هي عالقة
اجلوبة -شتاء 1431هـ 109
األصل بالفرع أو عالقة العام بالخاص(.)2
ال��دك �ت��وراه ،بتقديمه بحثا م��وض��وع��ه «لهجات
ولقد نمت دراسة اللهجات بالجامعات األوربية الجزيرة وآدابها في السودان» إلى كلية اآلداب - خ�ل�ال ال�ق��رن�ي��ن ال�م��اض�ي�ي��ن ،وأ ُسِّ ��س��ت ل�ه��ا في جامعة القاهرة سنة 1958م .كما حصل الدكتور
الجامعات الراقية فروع خاصة بدراستها ،تعنى أحمد علم الدين الجندي على درجة الدكتوراه بشرحها ،وتحليل خصائصها ،وتسجيل نماذج من كلية اآلداب -جامعة القاهرة سنة 1965م برسالته المعنونة :بـ«اللهجات العربية في كتب منها ،تسجيال صوتيا يبقى على مر العصور. وخ�ط��ت دراس ��ة اللهجات العربية خطوات
متقدمة على أي��دي المبعوثين ال �ع��رب ،الذين
س ��اف ��روا ط�ل�ب��ا ل ��دراس ��ة ع �ل��م ال �ل �غ��ة ال �ع��ام في الجامعات األوربية ،ومن هؤالء الدكتور إبراهيم أنيس الذي حصل على درجة الدكتوراه من جامعة
لندن برسالته المعنونة بــ«في لهجة القاهرة».
والدكتور تمام حسان الذي حصل على درجة
الماجستير ببحثه في لهجة الكرنك (من أعمال
مركز أبي طشت بمحافظة قنا بمصر) من جامعة لندن ك��ذل��ك ،كما حصل على درج��ة الدكتوراه
ال�ت��راث» ،وحصل الدكتور عبده الراجحي على
درجة الدكتوراه ببحث عنوانه «اللهجات العربية في ال�ق��راءات القرآنية» ،كما حصلت الدكتورة
صالحة راشد غنيم على درجة الدكتوراه ببحث عنوانه« :اللهجات في كتاب سيبويه» ،كما قدم الدكتور عبدالمنعم سيد عبدالعال بحثا بعنوان
«لهجة شمال المغرب -تطوان وما حولها.»-
كذلك قدم المستشرقون العديد من البحوث
اللغوية تناولوا فيها دراسة اللهجات العربية(.)3
وعند تأسيس مجمع اللغة القاهري أ ُ ِّلفَتْ
م��ن الجامعة نفسها ببحثه «لهجة ع��دن» .كما لجنة خاصة ب��ه ل��دراس��ة اللهجات العربية في حصل الدكتور عبدالرحمن أي��وب على درجتي مصر وغيرها من البالد العربية ،وكان ألعضائه الماجستير والدكتوراه ببحثيه ،األول في «لهجة ب �ح��وث ق�ي�م��ة ف��ي ه ��ذا ال �م �ج��ال .وق ��د أوضح الجعفرية» (من أعمال مركز السنطة بمحافظة األستاذ عباس العقاد عضو المجمع أن دراسة الغربية بمصر) .والثاني في «لهجة النوبة» من اللهجات العربية من أنفع أغ��راض المجمع في جامعة لندن ،ون��ال الدكتور كمال البشر درجة خدمة اللغة الفصحى .كما بيّن الدكتور إبراهيم الدكتوراه من الجامعة نفسها ،بتقديمه دراسة أنيس أن دراس��ة اللهجات العربية الحديثة من نحوية في اللهجة اللبنانية .وك��ل ه��ذه البحوث أهم األسس التي تعتمد عليها دراس��ة اللهجات باللغة اإلنجليزية .وباللغة العربية نال الدكتور العربية القديمة التي روي��ت متناثرة في بطون عبدالعزيز مطر درجة الماجستير ببحثه الذي الكتب اللغوية واألدبية ،يتخللها الخلط واللبس قدمه إلى كلية دار العلوم -جامعة القاهرة في في كثير من األحيان.
لهجة البدو في إقليم مريوط بشمالي مصر سنة
1961م.
والسبيل إل��ى تحقيق رواي��ات ه��ذه اللهجات
وت�خ�ل�ي�ص�ه��ا م �م��ا ف�ي�ه��ا م��ن ل �ب��س وخ��ل��ط ،هو
وحصل الدكتور عبدالحميد طلب على درجة دراسة اللهجات العربية الحديثة ،فضال عن أن 110اجلوبة -شتاء 1431هـ
االجتماعية ،ودراستها تسجيل لهذه المرحلة وغيرهم ( .)4غير أن هذه اللهجة يبدو أنها انتقلت
بصورة صادقة.
مع أصحابها الذين انتقلوا إلى شمالي الجزيرة
ويجب التنبيه إل��ى أن دراس��ة ه��ذه اللهجات العربية ،بحسب طبيعة القبائل العربية في التنقل ال تعني التشجيع على استعمال اللغة العامية ،والترحال بحثا عن الماء والكأل.
أو ال��دع��وة إليها على حساب الفصحى ،بل إن
وقد حار علماء اللغة المحدثون في تفسير
ن����������������������������������واف����������������������������������ذ
هذه اللهجات تكون مرحلة تاريخية من حياتنا وس�ع��د ب��ن ب�ك��ر واألن �ص��ار (األوس والخزرج)،
دراسة هذه اللهجات ما هي إال تسجيل للمراحل سبب ت�ح��ول العين إل��ى ن��ون ف��ي ه��ذه الكلمة، التاريخية التي مرت بها العربية ،لمعرفة ما طرأ مع تباعد مخرج الحرفين ،حتى ذهب بعضهم عليها من تغيير خالل هذه المراحل ,والتنبه له .إل��ى أنها قد تكون منحوتة من الكلمة العربية كما أن دراسة هذه اللهجات الحديثة تهدف في «أع�ط��ى» ،والكلمة العبرية «ن��ات��ن» ،أو اآلرامية أغلب األحيان إلى التعرف على ما ذكر في بطون
الكتب العربية من اللهجات القديمة ،ومحاولة
فهم هذه اللهجات بصورة أكثر واقعية مما ذكر منها مكتوبا في المصادر القديمة ،فليس من
سمع بأذنه كمن أخذ عن غيره.
وقد سمعت بأذني العديد من اللهجات العربية
التي ق��رأت عنها ف��ي كتب ال �ت��راث ف��ي منطقة
الجوف ،منذ أن وطأت قدماي هذا المكان ،وذلك
من خالل االحتكاك المباشر بأبنائي طالب قسم اللغة العربية بكلية التربية للبنين بالجوف.
وفي هذه العجالة ،أعرض بعضا من اللهجات
العربية القديمة التي ما تزال مستمرة على ألسنة
«نتان» ،وذهب الدكتور أنيس إلى أن هذه العين ال تُنطق نونا خالصة ،وإنما تتحول إلى صوت أنفمى قريب من النون ،ويبدو أنه اعتمد على وصف القدماء لنطق هؤالء دون أن يسمع بنفسه، وأنا بعد السماع أُثْبِت أن العين تتحول في نطق القوم إلى نون خالصة ،وليست حرفا بين العين والنون كما ذكر الدكتور إبراهيم أنيس(.)5 ومن اللهجات القديمة التي ما تزال مستمرة على ألسنة القوم ،ما يعرف عن علمائنا القدماء بالكسكسةِ ،وهو إبدال الكاف سينا ،أو إلحاقها السين .غير أن القدماء ذك��روا أن هذا اإلبدال مقصور على ك��اف المخاطبة وح��ده��ا ،للتمييز
القوم كما سمعتها ،ومنها ما يسمى عند القدماء باالستنطاء ،وهو إبدال العين من كلمة «أعطى» بينها وبين كاف المخاطب(.)6 ومايشتق منها نونا ,فيقولون :أنطيني ،وأنطيتك
غير أنني سمعت إبدال الكاف سينا أو صوتا
وينطي ومنطي ..الخ .بدال من أعطني وأعطيتك مركبا من التاء والسين (ت��س) ،في ك�لام بعض ويعطي ومعطي. أهالي ه��ذه المنطقة في كل ك��اف ،وليس كاف والملفت لالنتباه أن الكتب القديمة تنسب المؤنثة وحدها ،فهم يقولون :تســذب وفتسـر هذه اللهجة لقبائل عربية كانت تعيش في جنوب ويبـتـسي بدال من تكذب وفكـر ويبكــي .وهذا يدل
الجزيرة العربية ووسطها ،كاألزد وهذيل وقيس على أن سمـاع القدماء ربما كان ناقصا ،أو ربما
اجلوبة -شتاء 1431هـ 111
يكون هذا اإلبدال قد تطور حتى أصبح يعم كل كاف في اللهجات الحديثة.
والغرض من ه��ذا الحذف كما ذك��ر علماؤنا تخفيف هذه األلفاظ بحذف بعض حروفها .ومن
ومن اللهجات العربية القديمة التي ما تزال اللهجات القديمة التي لم يسمها القدماء في مستمرة على ألسنة القوم ما عرف عند القدماء كالم هؤالء القوم ،إبدال القاف صوتا مركبا من بالعنعنة ،وهو إبدال الهمزة عينا ،غير أن علماءنا الدال والزاي في قولهم :دزبلة ودزليب واندزلع وأن وحدهما ،لكنني ونحوها أي :قبلة وقليب وانقلع وهكذا. خصوا هذا اإلبدال بهمزة أ ْن ًّ
سمعت هذا اإلب��دال يحدث في الهمزة في غير
ومنها كذلك إبدال الضاد ظاء ،والجيم ياء في
أن ّ وأنً ،فهم يقولون :فالن سعـل عليـك وأسعلك ،قولهم :ظحكة وشيرة بدال من ضحكة وشجرة. وأبدع القيل بدال من سأل واسألك وأبدأ .وهذا ومنها كذلك التخلص م��ن الهمزة ،وخاصة يدلنا على تطور ما ذكره القدماء ،بحيث أصبح وس��ط وآخ��ر األل�ف��اظ ،وال�ب��دء بالساكن ،وصوغ يعم الهمزة في غير ما ذكروا(.)7 اسم المفعول من األجوف على التمام كقولهم: ومن اللهجات القديمة التي ما تزال مستمرة مبيوع ومخيوط ومديون ،ونحوها ،بدال من ف��ي ك�لام أه��ال��ي ه��ذه المنطقة ،م��ا ع��رف عند مبيع ومخيط ومدين. القدماء بالتلتلة ،وه��و كسر ح��روف المضارعة وهذه الظواهر اللهجية كلها وردت في كتب ب��دال م��ن فتحها أو ضمها ،فهم يقولون :فالن ِيعمل وِ يسوي ،وِ يقرا وِ يكتب وهكذا بكسر حرف التراث عن العرب القدماء ،وما ت��زال مستمرة على ألسنة القوم إلى وقتنا هذا ،مع حدوث بعض المضارعة. التطور اللغوي عليها.. وم��ن اللهجات القديمة ف��ي ك�لام ه��ؤالء ما وقد تعرض علماؤنا لهذه الخصائص اللهجية عرف عند القدماء بالقُطعة ،وهو حذف أواخر
األل �ف��اظ قبل تمامها كقولهم :تحا وت�ع��ا ودف وع �ل �ل��وا ل �ه��ا ،وف �س��روه��ا م��ن ال �ن��واح��ي اللغوية وي �م��ش واس �ق �ي��ن ،ب ��دال م��ن ت�ح��ت وت �ع��ال ودفع المختلفة بطرق يصعب استعراضها ف��ي هذه ويمشي واسقيني وغير ذلك.
العجالة .وبالله التوفيق
* األستاذ المساعد بقسم اللغة العربية -كلية التــربية للبنـيـن -جـامعـة الجــوف. ( )1علم اللغة العام .127 ( )2في اللهجات العربية 17-16واللهجات العربية في القراءات القرآنية .37 ( )3لهجة البدو في إقليم مريوط .3 -1 ( )4فصول في فقه العربية .120 ( )5في اللهجات العربية .105 -103 ( )6كتب سيبويه .199/4 ( )7في اللهجات العربية .93 -92
112اجلوبة -شتاء 1431هـ
> إميان مرزوق*
كلما قرأت كتابا أو تذوقت عمال فنيا انتابتني زوبعة من األسئلة التي ال أجد لها جوابا محددا. هل تشبه الكلمات كاتبها فتكون انعكاسا لصورته؟! هل يكتب اإلنسان حقيقة نفسه؟ أم يكتب ما ينبغي أن يكونه؟! هل يجمل نفسه ،ويخفي عيوبه متواريا خلف أثواب األدب والثقافة والفنون؟!
ن����������������������������������واف����������������������������������ذ
هل تشبه الكلمات كاتبها؟
هل ينتصر لنفسه أم ينتصر عليها فيما يقدم! وه��ل ي�ك��ون ف��ي اإلب���داع – بأشكاله -عالما ربما يكون هذا ممكنا ،إذا بقيت منفصال تماما افتراضيا مثاليا نوجده هربا من الواقع وعجزا عن عن ذات «ال�م�ب��دع» .ويكون مستحيال إذا عرفته مجابهته؟ ع��ن ق��رب ,ف�لا يمكن ل��ك أب��دا فصل العمل عن خ�لال عملي في الصحافة ..قابلت الكثيرين صاحبه! من أولئك «المبدعين» ،وكنت في كل مرة أتوجس وهنا أتساءل مرة أخ��رى ..كيف يتعامل النقاد خيفة ,وأض��ع يدي على قلبي قبل أن أتعرف إلى مع العمل الفني؟ وإلى أي مدى سيكونون منصفين شخصياتهم عن ق��رب ،خوفا من أن أُص��دم بهم للعمل إذا عرفوا حقيقة مبدعه إيجابية كانت أو وتسقط أوراقهم من حساباتي! سلبية ,وإذا تأثروا بهذه الحقيقة ..فإلى أي مدى فرق كبير بين الصورة التي تعيشها وتفهمها عن تصل موضوعيتهم في التعاطي مع هذا المُنجز؟! المبدع من خالل إبداعه رواي��ة أو قصة أو لوحة وإلى أي حد يمكن للمتلقي أن يغفر هذه االزدواجية! أو موسيقى ..وبين ال�ص��ورة الحقيقية التي قد وقد حاولت أن أغفر هذه االزدواجية التي تكون في تخيب ظنك ،في كثير من األحيان؛ فيفقد المبدع بعض األحيان فاضحة! لكني لم أفلح. مصداقيته لديك! ولهذا كله كنت أتوجس قبل أن ألتقي بأي منهم.
فكم من ال ُكتَاب الذين كانت تستهويني أعمالهم, أصبحتُ غير قادرة على تصديقها أو حتى قراءتها بعد أن عرفت شخوصهم الحقيقية الممسرحة!
عندما تسقط األق�ن�ع��ة ،وت�ك��ون أم��ام خيارين ال ثالث لهما :إم��ا أن تتحد ص��ورت��ك الذهنية - رب �م��ا ك ��ان أج���دى ب��ك أن ت�ت�ع��ام��ل م��ع العمل التي استوحيتها من خالل العمل اإلبداعي الذي اإلبداعي كشخص بحد ذاته ،وبشكل منفصل عن تذوقته -عن المبدع مع صورته الحقيقية ,فتزداد منت ِِجه ،إذا أردت أن تحتفظ بنكهة العمل ومذاقه تأثرا به وإيمانا بما يقدم .أو تُصدم ببعد الواقع ال ��ذي ذاب ف��ي قلبك ،دون أن يعكر صفو هذا عن الصورة التي رسمتها له ،أو رسمتها أعماله المذاق أي شيء. عنه .وهنا أتساءل هل من المنطق تحييد العمل ولكن هيهات لك ذلك إذا قادك الحظ العاثر اإلبداعي عن صاحبه؟! لتتعرف على أحد هؤالء «الممثلين» البارعين! * كاتبة من األردن.
اجلوبة -شتاء 1431هـ 113
ذكريات
في زمن قد يخلو من االبتسامة > أمل الشمري* وتمضي األيام مرها وحلوها ..ساعاتها ودقائقها وثوانيها؛ لتترك في نفوسنا حالوة أشهى من العسل ،ومرارة أشد من العلقم.. إنها أعمارنا الفانية بفصولها المتتالية.. ربيعها وخريفها .وتتعاقب معها األجيال جيال بعد جيل ،لتبقى الذكريات ..ذكريات اآلب ��اء واألج� ��داد ،ال��ذي��ن منحونا الحنان كله ،وأفنوا عمرهم في سبيل سعادتنا.. فهل ننسى أولئك الذين رعونا فأحسنوا الرعاية وعلمونا فأجادوا التعليم..؟ إنهم صانعو الحياة التي نعيشها ،ول��واله��م – بعد الله -لما كنا شيئا ،ولما صرنا إلى ما صرنا إليه في هذه الحياة ..ذكرياتهم ت�ع�ي��ش ف��ي م�خ�ي�ل�ت��ي ،ب��ل ت�س�ب��ق حديثي عنهم ألحفادهم ..فكم أح��نُّ إل��ى أيامهم المليئة بالعطف وال�ح�ن��ان ..حينما كانت أمي تغمرني بعطفها وأبي بكده وعطائه..
* الجوف -سكاكا.
114اجلوبة -شتاء 1431هـ
وال أدري إن كنا نملك ما قد أعطوه لنا، لنقدمه ألبنائنا وف �ل��ذات أك �ب��ادن��ا ..وهل سيجدون في ذاكرة أحفادهم ما يستحقونه من ذكر وتخليد لعطائهم.. ك��ل م��ا أخ�ش��اه أن ي��أت��ي ي��وم يفتقدون فيه ذكراهم مع جيل بَعُد عنهم وال يعرف إال نفسه ..ولم يعد في ذاكرته غير اللهو ووسائله ..وربما اآلتي من األجيال القادمة أع �ظ��م ،إن ��ه ج�ي��ل ي �ق��دس ن�ف�س��ه وينسى غيره ..وال غرابه في ذل��ك ،فنحن نعيش زمنا ريما يخلو من الضحكة أو االبتسامة أو تذكر اآلخرين ..رحم الله آباءنا وأجدادنا وأسكنهم فسيح جناته ..وجمعنا وإياهم مع النبيين والصديقين والشهداء والصالحين وحسن أولئك رفيقا.
على أزمة دبي املالية
> أ .د .محمود الوادي
م����������������ال واق��������ت��������ص��������اد
تداعيات األزمة املالية العاملية
بعد أح��داث ،9/11والتي بدت حينها كارثية على استقطاب االستثمارات إلى الشرق األوسط، أعاد المستثمرون العرب ما يقدر بتريليون دوالر إلى المنطقة من أمريكا ،بعد أن كانت تحت تهديد الحجز .وكانت هذه األموال السبب الرئيس لبدء الطفرة العقارية ،وخصوصا في دبي .وعزز ذلك أمران؛ أولهما ،الحرب العراقية عام 2003م ،حين بدا أن دبي ستكون المالذ اآلمن في منطقة مضطربة في أعقاب الحرب؛ وثانيهما ،زيادة األعمال التجارية في المنطقة ،نتيجة ارتفاع أسعار البترول. إال أن دبي أسرفت في مشاريع عقارية كبرى، واقترضت شركاتها الحكومية -وأبرزها شركة دبي العالمية -قروضا أكبر من طاقة اإلمارة نفسها ،في وقت تشير فيه التقديرات إلى أن الناتج اإلجمالي المحلي لإلمارة في ح��دود ( )50مليار دوالر ،وأن ف��أزم��ة دب ��ي ه��ي أزم ��ة م�ش��اب�ه��ة ب�ن�ي��وي�اً ألزمة الديون المستحقة عليها خاصة عبر دبي العالمية، العقارات في الواليات المتحدة ،من حيث المراهنة ت �ت��راوح ب�ي��ن ( )60و( )100م�ل�ي��ار دوالر ،وكانت المالية غير المتوازنة على االستثمار العقاري. المراهنة على أن تقوم هذه الشركات ببيع الممتلكات فالتمويل باالقتراض ال��ذي اتبعته دب��ي ،يعد أحد والمنتجات العقارية لتسديد الديون ،والسيما في ظل اإلقبال الشديد على شراء العقارات في دبي ،ال �ن �م��اذج ال��رئ�ي�س��ة ل�ل��رف��ع ال �م��ال��ي ف��ي العمليات االق�ت�ص��ادي��ة الحديثة .وم��ن ث��م تمثل عملية حكم وتوقعاتهم بتواصل ارتفاع أسعارها. وقياس المخاطر أهمية قصوى لتحديد نسبة الرفع وب��دأت القصة منذ عامين ،حين ضغطت أزمة المالي .وكلما ارتفعت نسبة الرفع المالي ،ساعد الرهن العقاري في الواليات المتحدة على فقاعات ذلك على زيادة األرباح في ظل الظروف االقتصادية االستثمار في أنحاء متفرقة في العالم ،من ضمنها المفضلة ،فيما قد يصبح من األم��ور المدمرة في بريطانيا ،وأن��ه سرعان ما فجرت تلك الفقاعات االقتصادية؛ لكن أثرها في انهيار العقار بمناطق بيئة اقتصادية سيئة. داي��و) بعد عامين من األزم��ة اآلسيوية الضخمة - منتصف تسعينيات القرن الماضي -إال خير دليل على ق��درة األزم��ات المالية العالمية على إحداث أزمات متعاقبة بعد سنوات من األزمة الرئيسة.
وف ��ي ح��ال��ة دب� ��ي ،ف ��ان اإلن� �ف ��اق ال �م �ف��رط في أخرى كان بطيئا ،واستغرق وقتا أطول حتى ظهر. وما انهيار أكبر الشركات الكورية الجنوبية (شركة العقارات باهظة التكاليف والتمويل من أجل تحقيق
اجلوبة -شتاء 1431هـ 115
على أنشطة عقارية وسياحية من النوع الفاخر الموجه ل��ذوي ال��دخ��ول المرتفعة ،أي موجهة لطلب مستثمرين يفكرون بالدرجة األول��ى في المضاربات».
قفزة تنموية ف��ارق��ة ،هيأ بيئة محتملة للمخاطر، وبشكل خاص بعد حدوث األزمة المالية العالمية ،إذ جفت منابع السيولة ،وتراجعت شهية المستثمرين لالستثمار في هذين القطاعين ،وبدأت بوادر األزمة التي تواجها دبي ،ألن أغلب المشاريع القائمة كانت -3ما زاد من تفاقم األمر ،أن دبي أعلنت أنها لن بحاجة إل��ى تمويل على المدى القصير .وحاولت تبيع منتجاتها وأصولها بأسعار أقل من السوق، الحكومة خالل العام الجاري إيجاد مصادر تمويل حتى لو اضطرت إل��ى أن تعلن إفالسها ،فهي دولية لهذه المشاريع ،لكنها أخفقت في ذلك .ولم تريد أن تبيع األصول بأسعار محددة من قبلها ي�ك��ن ه�ن��اك ط�ل��ب ع�ل��ى المنتجات ال�ع�ق��اري��ة لهذه سابقا ،وال�ت��ي ل��م يقبل عليها المستثمرون أو ال�ش��رك��ات ،وأحجمت بنوك العالم ع��ن اإلقراض، الراغبون في الشراء ،ومن ثم وقعت المصيبة، ولم تستطع حكومة دبي ،أو الشركات الحكومية ،أن وحلت مواعيد السداد ،ولم تستطع حكومة دبي تبيع تلك األصول ،أو تبيع بالحجم المأمول من تلك التسديد بسبب عدم وجود سيولة كافية. األصول. -4إن االرتباط الوثيق بين األزمة الراهنة في دبي، ويمكن إجمال المشهد وآثاره على النحو اآلتي: وتفاعالت األزمة العالمية التي أنتجت حالة من الركود واالنكماش ،ما ت��زال فصولها الخانقة -1م��ن ال��واض��ح أن الفقاعة التي أنتجت األزمة، مستمرة ،خالفا لجميع التقارير التي تحرص ت �ن �ط��وي ع �ل��ى م�لاب �س��ات م�م��اث�ل��ة ل �م��ا شهدته حكومات ال��دول الغربية والمؤسسات المالية أس��واق العالم األخ��رى لجهة ال��دور الرئيس في العالمية على تعميمها ،والتي تتحدث عن تجاوز المضاربات العقارية والمالية ،الذي لعبه حلف األزم���ة ،بينما ي��ؤك��د ال�م�ن�ظ��رون االقتصاديون م��ن م��دي��ري ال �ش��رك��ات ال�ع�ق��اري��ة والمصارف العكس تماما ،ويحذرون من اإلفراط في التفاؤل األج �ن �ب �ي��ة وال �م �ح �ل �ي��ة ،ف ��ي ت �خ �ط��ي السقوف االفتراضي. الطبيعية لقوانين ال �ع��رض وال�ط�ل��ب ،كنتيجة للسوق المالية االفتراضية ،التي أباحت تسنيد األسهم والسندات ،وتحويلها إلى أوراق مالية للتداول في البورصة .وبقدر ما يطرح ذلك في مواجهة االنهيارات المالية المستجدة أهمية إع��ادة الهيكلة ،يملي تدابير أخ��رى للحد من تأثير ال��ورم غير الطبيعي ،وهذا ما تشير إليه التفاعالت الظاهرة لألزمة ،من خالل الدعوة الرسمية للشراكة ف��ي تحمل الخسائر التي ترتبها الديون الهالكة ،التي ستطرح إعادة تقويم الرساميل في القطاع العقاري بصورة خاصة -6 ،إن س�ب��ب ال��ذع��ر ال���ذي أص���اب المستثمرين وإعادة النظر في قواعد عمل القطاع المالي. والبنوك األجنبية ،مرده إلى احتمال قيام دبي -2إن «م�ش�ك�ل��ة دي ��ون دب ��ي ت��رج��ع إل ��ى أن جميع وأبو ظبي ،ببيع بعض الممتلكات واألصول الثابتة حول العالم ،مما قد يتسبب في انهيار أسعار المشاريع -التي تم االستدانة لتنفيذها -تركزت -5ال شك أن تأثير األزمة سينعكس على الكثيرين في دبي .فهناك – حاليا -أالف العمال ،وخاصة من اآلسيويين ،عالقين في دبي ،ال يستطيعون ال �س �ف��ر ،وس� �ي ��زداد ع��دده��م م��ع ت��وق��ف العمل في مزيد من المشاريع .كما سيخسر المزيد من الموظفين من ال��دول الغربية وظائفهم في اإلم � ��ارة ،إض��اف��ة إل��ى تكبد المستثمرين في القطاع العقاري فيها خسائر ف��ادح��ة ،بسبب تراجع أسعار العقارات هناك بشدة.
116اجلوبة -شتاء 1431هـ
-7إن وزن دب��ي المالي واالق �ت �ص��ادي ،ه��و بالقوة ال�ك��اف�ي��ة ال �ت��ي تجعل أزم�ت�ه��ا ذات آث ��ار دولية واضحة؛ وإن تململ األس��واق المالية من آسيا حتى ال��والي��ات المتحدة ن��زوال وص �ع��ودا ،منذ اإلع�ل�ان ع��ن طلب تأجيل دف��ع ال��دي��ون ،مؤشر أساسي على هذا التأثير .وهناك أنباء عن تأثر مجمعات صناعية كبيرة ،مثل شركتي «بوينغ» و«إيرباص» لصناعة الطائرات ،وذلك بعد بدء االقتصاد األميركي في النمو ،وظهور نسب نمو كبيرة ف��ي االق�ت�ص��ادي��ات ال�ص��اع��دة مثل الهند بأكثر م��ن %7؛ ف��إن األخ�ب��ار القادمة م��ن دبي -10 ،كشفت الدراسة السنوية التي تصنف أهم عشرة تؤكد أن هذا االنتعاش الظاهر شديد الهشاشة، مخاطر -والصادرة بالتعاون مع شركة أكسفورد ويمكن أن يتبخر بسهولة. أناليتيكا ل�لاس�ت�ش��ارات -أن أه��م المخاطر اإلس�ت��رات�ي�ج�ي��ة ال �ت��ي ت��واج��ه ال �ش��رك��ات حول -8على المدى القصير ال يبدو أن هناك قلقا من أن األزمة ستكون عميقة ،أو دون حلول إنقاذية العالم في عام 2009م ،هي تبعات الصدمات وطارئة ،إذ أ ّن إمارة أبو ظبي -الشقيق األكبر في ال�ن��ات�ج��ة ع��ن األزم���ة ال�م��ال�ي��ة ،والتشريعات، دولة اإلمارات العربية المتحدة -تمتلك أحد أكبر وقوانين االل �ت��زام ،وال��رك��ود المتزايد .وتظهر الصناديق السيادية في العالم ،وبما يفوق ()650 الدراسة ازدياد أهمية مخاطر السمعة ،قافزة مليار دوالر ،وليس من مصلحتها تراجع موقع اثنتي عشرة رتبة لتحتل المرتبة العاشرة ،كما دبي ،فرغم المشاكل الخاصة بوحدة السياسات دخ�ل��ت م�خ��اط��رة ت �ك��رار ن �م��وذج األع �م��ال إلى المالية داخ��ل دول��ة اإلم���ارات ،ف��إن إم��ارة دبي قائمة المخاطر اإلستراتيجية ،محتلة المرتبة مثلت م�ص��درا ريعيا مفيدا لجاراتها التي ما التاسعة بين التحديات التي تواجهها الشركات ت��زال تعتمد أس��اس��ا على ري��ع ال�ن�ف��ط .وحلول في عام 2009م ،بينما احتلت مخاطر تبعات ال�ط��وارئ التي تستنزف الصناديق السيادية.. الصدمات الناتجة عن األزمة المالية والركود ليست بالضرورة مؤشرا على آفاق إيجابية ،إذ العالمي ،مخاطر التشريعات وقوانين االلتزام أنها تعني باألساس أن هذه الصناديق ستنخرط التي كانت تحتل قمة هذه التحديات والمخاطر في النهاية في لعبة تسديد الديون وفوائدها في العام الماضي. المتراكمة ،بما يعرضها للخسارة على المدى الطويل ،خاصة إذا تراجع السيل المالي القادم -11من المعلوم أن النظام االقتصادي الرأسمالي من الريع النفطي -أي المصدر األساسي لهذه يقوم على مبادئ عامة؛ كالحرية االقتصادية الصناديق -بسبب تراجع أسعار النفط. المطلقة ،وم��ا يتفرع عنها م��ن قضايا تتعلق
م����������������ال واق��������ت��������ص��������اد
العقارات في شتى أنحاء المعمورة ،إضافة إلى احتمال وجود أزمات مالية أخرى لم تزل مخفية عن األنظار.
-9من المؤكد أن دوالً عدة ،ستتأثر باألزمة المالية العالمية ال �ت��ي لحقت ب��االق�ت�ص��اد األمريكي، وانتقلت إلى أوروبا وآسيا ،وآخرها في ديسمبر 2009م ..ما حصل في دبي ،حيث تحوّلت األزمة إل��ى أزم��ة اقتصادية هبطت فيها معدالت نمو االقتصاد األم��ري�ك��ي ،وع��دد م��ن االقتصاديات األوروبية إلى الصفر .ونظراً ألن االقتصاد العربي جزءٌ من هذا العالم ،ومتشابك في عالقات شتى باالقتصاد األمريكي واالقتصاديات األوروبية، ف�س��وف تتأثر ب��األزم��ة بشكل م�ب��اش��ر ،وسوف يؤثر تراجع معدالت نمو االقتصاد العربي على البنوك العربية ،وذل��ك في جانب الطلب على خدماتها بشكل أساس.
اجلوبة -شتاء 1431هـ 117
باإلنتاج ،واالستهالك ،والتداول ،واالستثمار، والملكية ،والمعامالت المالية المطلقة غير المنضبطة ،واإلنفاق االستثماري ،واالستهالكي.. كل ذلك أسهم في نشوء هذه األزمة ،وسيسبب أزم��ات أخ��رى؛ فالحرية االقتصادية المطلقة في المعامالت المالية المطلقة بذرت أساس هذه األزم��ة .فقد أعطى القانون ال��ذي صدر ع��ام 1999م ،وال��ذي سمي ق��ان��ون (ج�لاس – ستيجال) الحرية المطلقة للمصارف .وهذا القانون شكل األرضية القانونية الخصبة التي هيأت لحدوث األزمة ,فمقتضى القانون سمح للشركات المصرفية حرية التعامل في نشاط التأمين واألوراق المالية ,كما سمح لها القيام بأعمال ال�م�ص��ارف التجارية واالستثمارية، واالستثمار في العقارات والنشاطات المتممة ل��ذل��ك .ف�ب�ع��د ص� ��دور ه ��ذا ال��ق��ان��ون ,عكف الموظفون والمستثمرون الذين تنقصهم الخبرة في المؤسسات المالية الكبرى ،على ابتكار أدوات ومشتقات مالية متطورة ،باستخدام ج��داول اإلكسل وبرامج التحليل المالي ،بغية مضاعفة أرب ��اح مؤسساتهم دون النظر إلى المخاطر واآلث ��ار االقتصادية التي يمكن أن تنتج عن هذه األدوات ,ثم تولت آليات السوق المختلة عملها في نشر هذه األدوات وتعميمها لتُفاقِ م من األزم��ة وتُعولِمها .ومن نتائج هذه الحرية المطلقة في التعامالت المالية أيضاً, ما تعج به األسواق المالية من أنواع المعامالت المشبوهة ،ال�ت��ي ك��ان لها دور كبير ف��ي نقل األزمة إلى األسواق المالية العالمية ,من أمثلة؛ عقود المستقبليات ,والمشتقات ,والخيارات, والبيع بالهامش ,والبيع القصير ..إلخ. -12كان أول آثار األزمة تهاوي عروش مالية كبرى عمرها أكثر من قرن من الزمن ,والحلقة األولى 118اجلوبة -شتاء 1431هـ
في سلسلة تهاوي هذه المؤسسات الكبرى ،كان إف�لاس بنك «ليمان ب ��روذرز» وه��و راب��ع أكبر بنك في ال��والي��ات المتحدة ,تبعه تعثر شركة «ميريل لينش» Merillynchالتي خسرت في عام واحد ما قيمته ( )23مليار دوالر ,ثم تتابعت حلقات السلسلة في التفكك واحدة تلو األخ��رى ,وك��ان أهمها« :واشنطن ميوتشوال» أح��د أك �ب��ر م �ص��ارف ال�ت��وف�ي��ر وال��ق��روض في ال��والي��ات المتحدة ,إض��اف��ة إل��ى «ف��ان��ي ماي» و«فريدي ماك» المختصتين بتمويل العقارات. وق��د بلغت خسائر شركة «فاني م��اي» ،خالل ال��رب��ع األول م��ن ع��ام 2009م )2.23( ،مليار دوالر .وق ��د ت �ع��دت األزم� ��ة ح���دود الواليات المتحدة ،لتضرب مؤسسات مالية ضخمة في أوروب��ا ،مثل :مصرف «نورثن روك» للتسليف العقاري في بريطانيا ،والذي قامت الحكومة بتأميمه ,إض��اف��ة إل��ى بنك «إت��ش ب��ي أو إس» راب��ع بنك ف��ي بريطانيا م��ن حيث الرسملة, وك��ان م��ن ضحايا األزم��ة أي�ض�اً ف��ي بريطانيا بنك «هاليفاكس بنك أوف سكوتالند» الذي قام بنك «لويدز» البريطاني بشرائه؛ أما خارج بريطانيا فقد ضربت األزمة العديد من البنوك من أمثلة :شركة «غليتنير» المالية في أيسلندا, وبنك «هيبو ريل إيستيت» في ألمانيا ,ناهيك عن الخسائر التي منيت بها مجموعة «سيتي غ��روب» المصرفية األمريكية ،وبنك «جي بي مورغان تشيس» ,لكن الطامة الكبرى كانت في إفالس أكبر شركة تأمين في الواليات المتحدة األمريكية والعالم وهي « ،»AIGدافعة معها قطاع شركات التأمين في العالم إلى الهبوط, حتى أن سهم هذه الشركة أصبح يتداول عند سعر ( )46سنتاً أمريكياً فقط في شهر آذار 2009م ،بعد أن فقد أكثر من %90من قيمته.
وعليه ،ف��إن التوصيات التالية ق��د تساعد في التخفيض من تلك اآلثار: -1في الوقت الذي يتعافى فيه االقتصاد العالمي، ما يزال هناك ضعف بالغ .فعلى كل اقتصاد أن يولي أهمية قصوى إلدارة المخاطر ،وأن يعمل على تدعيمها ،السيما في القطاع المالي. -2على ال�ش��رك��ات اآلن أن تطور إدارة المخاطر ال��داخ�ل�ي��ة وتحسنها ،بالتركيز ع�ل��ى الخطط متوسطة المدى ،بدالً من تركيزها على الخطط قصيرة المدى .وقد يتأخر الكثير من القرارات التي اتخذت في عجالة عن اللحاق بركب النمو عندما تتعافى االقتصاديات العالمية من جديد. -3إصالح آليات العمل في المؤسسات الدولية مثل
م����������������ال واق��������ت��������ص��������اد
والحقيقة أن األزمة ما تزال تطيح بالعديد من المؤسسات المالية ،وتُمنِّي أخرى بخسائر كبيرة كل يوم ،دون أن يتضح لها نهاية .وبلغت خسائر شركة «جنرال موتورز» أكبر شركة للسيارات في العالم في العام 2008م ما قيمته ( -4 )30.9وض��ع قوانين صارمة ،وقواعد جديدة عالمية معاصرة ،تحكم التبادل في األس��واق المالية، مليار دوالر ،وبلغت خسائر شركة تويوتا خالل ب�ح�ي��ث ت �ك��ون ع�م�ل�ي��ات ال�ب�ي��ع وال� �ش ��راء معبرة الربع األول من عام 2009م )7( ،مليار دوالر ع��ن اح�ت�ي��اج��ات البائعين وال�م�ش�ت��ري��ن ،وليس بسبب تراجع مبيعاتها ،والتأثر بأزمة السيولة كما ه��و م��وج��ود م��ن أج��ل المضاربة بالمفهوم ال�ع��ال�م�ي��ة ،وان �خ �ف��اض ال�ط�ل��ب ال�ع��ال�م��ي على االقتصادي. السيارات. -5تشجيع البنوك على تنفيذ استثمارات كبيرة في -13أف��رزت األزم��ة المالية العالمية أزم��ة سيولة الصناعة والزراعة ،ووجود الرقابة الفعالة على خانقة ،تَ��ول��د عنها أزم��ة ثقة بين المصارف الرهن العقاري ،ومنع اإلعالنات التي قد تورط في شتى أنحاء العالم ,األم��ر ال��ذي أدى إلى األفراد في زيادة االستدانة. انخفاض اإلق��راض على مستوى العالم بشكل -6تزويد مراكز األزمة المالية العالمية بالمعلومات كبير ,وقد حاولت المصارف المركزية مواجهة األساسية الدقيقة والسليمة ،والحفاظ على ه��ذا الجفاف في السيولة ،وإع��ادة الثقة إلى استمرار تحديثها في الوقت المناسب ،وبشكل النظام المصرفي عن طريق عدة خطوات ال يمكِّن م��ن إع ��داد ال�ت�ق��دي��رات ح��ول التحديات يتسع المجال لذكرها. والمخاطر والتهديدات المحتملة. صندوق النقد الدولي ،إلى جانب المؤسسات وال�ه�ي�ئ��ات األخ���رى ،مثل لجنة ب ��ازل واالتحاد الدولي لمراقبي التأمين ،والهيئة الدولية ألسواق المال.
-7إج��راء المزيد من الدراسات المتعلقة باألبعاد االق �ت �ص��ادي��ة واالج �ت �م��اع �ي��ة ل�ل�أزم ��ة المالية المعاصرة ،ودراس��ة اتجاهاتها وتداعياتها على ح��ال��ة االس �ت �ق��رار ف��ي ال��وط��ن ال �ع��رب��ي ونمائه االقتصادي.
المراجع:
-1حصاد الجمعة االقتصادي ،الجزيرة ،تاريخ 2009-5-8م. -2مؤشرات األسهم األمريكية على قناة سي إن بي سي عربية بتاريخ 2009-3-3م. -3محمد أيمن عزت الميداني ,ندوة الثالثاء االقتصادية ,قراءة في األزمة االقتصادية العالمية الراهنة 2009-3-3م. -4الجزيرة نت ,االقتصاد واألعمال 2009-2-26م. -5مجلة رؤية ،كيف حدثت أزمة دبي.www.royaah. net ، -6الجزيرة نت ،االقتصاد واألعمال2009-12-4 ،م.
* عميد كلية اإلقتصاد والعلوم اإلدارية – جامعة الزرقاء الخاصة.
اجلوبة -شتاء 1431هـ 119
إصدارات جديدة للنادي األدبي باجلوف ،تزامنت مع افتتاح معرض الرياض الدولي للكتاب لعام 1431هـ2010 /م
ديوان غواية بيضاء مالك الخالدي
وترمز الشاعرة من خالل هذا العنوان إلى الغربة في المكان التي نبعت من عدم ام�ت��زاج�ي��ة أي��دل��وج�ي��ة ال ��ذات م��ع فرضية االم �ت �ث��ال م��ع م �ف��ردات ال��واق��ع ،وذل ��ك ما حداها لنعت العنوان بالبياض ،لما يحمله هذا النعت من رغبة في الخالص والتحرر من كل شيء يتعارض مع أيدلوجية الذات.
رأت فيه الشاعرة رمزا مرنا مطاطيا يتسع
لتحمل المثاليات التي تتآلف معها ،وتجد
فيه أيضا م�لاذا آمنا تهدهد ب��ه اآلهات الحبيسة.
إن العناوين الداخلية المتمثلة في (جبين
البياض – غربة البياض – وطن البياض – تراتيل البياض – حنين البياض – ذاكرة البياض) شكلتها ثنائية اإلحساس بالغربة التي تتقاطع مع الرؤية الوطنية ،وبذا فإنها تختزل ديوانها الشعري في عبارة مؤداها
ولعل اختيار البياض في العنوان الرئيس (م�ع��ان��اة ال�ش��اع��رة م��ن االغ �ت��راب الذاتي
والعناوين أو العتبات الداخلية في الديوان والمكاني المشذر بومضات األمل). 120اجلوبة -شتاء 1431هـ
ق�������������������������������������������������������������راءات
مقطع من قصيدة «هكذا تموتُ األزها ُر حفرة الصحراء وسياج المدينة: الكتابة السردية في السعودية في مدينتي» للوَجَ عِ في مدينتي حكاية.. باهظ ُة الحُ زن.. تفاصيل ُها تسري في الهشيمِ .. بال ضوء.. يَتَجرّعونَها من كؤوسهمِ النَّخرةِ.. كأنَّهم أوثان !
الجرح إذا تنفس نجاة الماجد
عبدالله السفر
وال� ��ذي ج ��اء ف��ي وق ��ت يعتبر مناسبا
للحديث حول الرواية السعودية التي رأى فيها األستاذ السفر في مقدمته أن��ه في وق � ٍ�ت م��ن األوق� ��ات ق �ي��ل :إن م��ن أسباب
قلة الرواية في السعودية فقدان التجربة الحياتية ال�ي��وم�ي��ة والمعيشية المتلوّنة
والمطروقة بالساخن والبارد من أحداث.
واآلن ن�ك��اد نعيد ال �ق��ول ،وه�ن��ا انتقام
وهو أول ديوان للشاعرة نجاة الماجد ،ال��ك��ت��اب��ة ،ب �ش �ك��ل آخ� ��ر ه ��و ال���وق���وع في «التناسخ»؛ موضوعة واحدة تنتقل من قلم وق��د ج��اءت قصائدها ف��ي ه��ذا الديوان روائية أو روائي إلى آخر ،موضوعة مشغولة ب �م �ث��اب��ة ق� �ف ��زات ن��وع �ي��ة ج��ري �ئ��ة خالفت بالسطوح وباستدرار الفقاعات التي تذهب فيها المفاهيم السائدة من حولها ،وأنها سريعاً ،دون أن تؤثّر أو تترك عالمة ،ينقل تستطيع من خاللها أن ترى كل شيء في الرواية من مجرد كونها شاهدا ووثيقة ،إلى عيون كلماتها في أث��واب جديدة لم ترها بناء مُحْ كَم؛ ممهور بصبغة الفن وحدها. من قبل ،فمن المألوف أن تفهم المعاني تلك الميزة التي تجعل الرواية شاهدا فنيا والدالالت التي تحملها األبيات ،ولكن من يملك ح��قَّ المكوث في الضمير الثقافي
الصعب -إن لم يكن مستحيلاً -أن تشم والمسيرة األدبية. رائحة الكلمات ،أو تنتشي بتراكيب عذرية
وب �ح��ق يعتبر ه ��ذا ال �ك �ت��اب ذا قيمة
ل��م ي�ج��رؤ على اقتحامها أح��د قبل نجاة عالية في نقد ودراسة وتمحيص التجارب
الماجد.
السردية والروائية السعودية الحديثة.
اجلوبة -شتاء 1431هـ 121
الكتاب :قافلة األحـالم. املؤلف :عبدالسـتار خليف الناشر :الهيئة املصرية العامة للكتاب بالقاهرة
أصـدرت الهيئة المصرية العامة للكتاب بالقاهرة ،روايـة جديدة للروائي المصري (عبدالسـتار خليف) ،تحت عنوان( :قافلة األحـالم) .ضمن سـلسـلة (كتاب اإلتحاد) والتي يشرف عليها إتحاد كتّاب مصر. تدور أحداث الروايـة خالل سنـوات النكسة ،يسـرد أحداثها فـالح بسـيط ،إبراهيم علي البحـراوي ،لذا تبدو األحداث من خـالل رؤيته هو ووجهة نظـره ،وتبـدو غريبة من وجهة نظـر القارئ؛ فال ترتيب زمني لألحـداث ،أو تسلسل منطقي ،يسـرد لنا عن األحداث الغريبة التي تقـع بالبلدة ،وفي واقع األمـر ،تدور حـول مأسـاة حيـاته هـو بعد رحيـله عن بلدته، وحلمـه الكبير في حيـاة أخرى كريمة ..لكنه يفقد كل شيء :ماضيه وحاضره ومستقبله. وسـقوط ابنته ذوات ومقتلها في ظروف غامضة ..والفاعـل مجـهول. وف ��ي ال�ن�ـ�ه��اي��ة ،ي�ع�ل��ن ع��ن ع��زم��ه على أصـدر العـديد من الروايات منها: ال��رح�ي��ل إل��ى منطقة أب�ي��س الصحراوية «البحث عن بندقية» .أصدرتها الهيئة البـكر ،ليبدأ من هنـاك حيـاة جديدة.. العامة للكتاب بالقاهرة. وتنتهى ال��رواي��ة وال��س��ارد ال�م�ع�ت��وه ال و«ال� �م� �س���اف���رون» ..ال���رواي���ة الفائزة يتوقف عن الحديث معه.. بالجائزة األولى والميدالية الذهبية بنادي إن �ه��ا م �غ��ام��رة ف ��ي ال �س �ـ��رد ال ��روائ ��ي، القصة بالقاهرة .أصدرتها دار المعارف. ومحاولـة التجديد في الشـكل التقليدي.. و«رواية غريب بين الديار» ..ورواية «أبناء ت�ص��ل ص�ف�ح�ـ��ات ال ��رواي ��ة إل ��ى ()214 العصير ال �م �ـ��ر» ..م��ن إص� ��دارات الهيئة ص�ف�ح�ـ��ة م��ن ال �ق �ط��ع ال� �ع ��ادي .التصميم ال��داخ �ل��ي ل�ل�ف�ن��ان :ص �ب��ري عبدالواحد .أيضا. الغالف للفنان :عبدالعال. وأحدث إصداراته هي «قافلة األحـالم.. الجدير بالذكـر أن��ه سـبق للكاتب أن المنـكوبة»!!. 122اجلوبة -شتاء 1431هـ
ق�������������������������������������������������������������راءات
الكتاب :لن أصدقك أيتها املدينة. املؤلف :منير بولعيش. الناشر :مطبعة سليكي -إخوان بطنجة.
> عبدالسالم دخان*
«لن أصدقك أيتها المدينة» هو عنوان العمل الشعري األول للشاعر المغربي الطنجاوي منير بولعيش ،الصادر عن مطبعة سليكي -إخوان بطنجة ،بصحبة لوحة فاتنة ومعبرة أبدعها الفنان حمزة حلوي .وتتسم هذه المجموعة المكونة من ()66 صفحة من القطع المتوسط ،والمقسمة إلى محورين .يضم المحور األول القصائد التالية :حكمة ،نوستالجيا ،تعاسة ،الرجيم ،عولمة ،غ��رق ،هكذا إذاً ،الكيخوطي، شهادة إثبات ،ريح الشرقي ،الرافضة ،إقامة جبرية ،هيراقليطس ،ذكرى ،نخبك أيها الرجيم. أما المحور الثاني ،فيتكون من القصائد :وال��رم��زي واإلن �س��ان��ي ،بحثا ع��ن الممكن (الشاعر ،مفتاح المدينة ،حروب المدينة ،الجمالي عبر لغة قلقة ومشاكسة ،تعكس ل��م أك��ن رائ �ي��ا كما ال �ي��وم ،عميل مزدوج ،تواجد الشاعر –هنا واآلن -في الفضاءات قبلة س��وداء ،طنجافوبيا ،حكاية األميرة المفتوحة والمغلقة ،المعلومة والمجهولة، التي ال تبدأ ب ،..القصيدة خرجت إلى وعبر قصائد قائمة على اإلب��دال الداللي الشارع) .وتعكس هذه العناوين الدالة على والكتلة والشذرة ما دام الشاعر -الهيبي طبيعة المتن الشعري تجربة منير بولعيش، األخ��ي��ر -ال ي �ص��دق م��دي�ن�ت��ه ،ب��ل يصدق المتسمة بالقطع م��ع ال��ذاك��رة اإليقاعية قصيدته األبهى. الكالسيكية القائمة على شعرية السطر «درالكوروا الشعري لصالح شعرية التكثيف واإليجاز أيها التعس وق ��وة االس �ت �ع��ارة ،كما يتميز ه��ذا العمل أجئت تبحث عن الضوء اإلبداعي بانفتاحه الواعي على مرجعيات في مدينة جمالية مختلفة ..جعلت م��ن دي ��وان «لن كل ما فيها أص��دق��ك أي�ت�ه��ا ال �م��دي �ن��ة» يتسم بهيمنة يهدد بالسواد»..؟!. مكون المكان ،ومحاورته بثقله التاريخي
اجلوبة -شتاء 1431هـ 123
الكتاب :التنوع األحيائي احليواني في منطقة اجلوف من اململكة العربية السعودية. املؤلف :أ .د .محمد بن خالد السعدون. الناشر :مؤسسة عبدالرحمن السديري اخليرية. سنة النشر1430 :هـ (2009م). > محمد صوانه*
يعد الكتاب ثمرة دراس���ة علمية ميدانية استمرت نحو عامين ،ق��ام بها الباحث المتخصص في علم الحيوان ،والمدرس بكلية العلوم بجامعة الملك سعود ،أ .د .محمد ابن خالد السعدون .ونفذت الدراسة بتمويل من مؤسسة عبدالرحمن السديري الخيرية ضمن برنامج النشر ودعم األبحاث. التنوع األح��ي��ائ��ي ث��روة الحياة على األرض ،يتكون م��ن مجموع األن���واع النباتية والحيوانية التي خلقها الله سبحانه وتعالى لخدمة اإلن��س��ان .ويقدر ع��دد األنواع الموجودة بنحو ( )5.125مليون نوع؛ إال أن العلماء يرون أن العدد الحقيقي يصل إلى ثالثين مليون نوع ،ولم يتم التعرف بالوصف إال على ( )1.700.000مليون نوع تقريبا، تمثل ٪10من األنواع المقدرة. ويشير المؤلف إلى أن الباحثين اهتموا
والوطن العربي من أكثر بقاع األرض
بالتنوع األحيائي في الغابات االستوائية تنوعاً في أحيائه؛ وعلى الرغم من ذلك لكثرة النباتات والحيوانـات فيها ،حيث ال�ث��راء ،فإنه لم يحظ باالهتمام الواجب الظروف البيئية المناسبة .لكن أهمية ذلك ل�ت�ف�ه��م األخ �ـ �ط��ار ال �ت��ي ت �ح��دث بموارده التنوع ال تقاس بعدد األنواع ،بل بفائدتها الطبيعية من النباتات والحيوانات البرية وخدمتها لإلنسان .فالبيئة الصحراوية إال منذ عهد ق��ري��ب .إن رص��د النباتات تحمل بين جنباتها آالفاً من األنواع النباتية في الوطن العربي أكبر بكثير من رصد والحيوانية ذات الفائدة الطبية لإلنسان ،الحيوانات البرية ،ويختلف ذلك من دولة ولبعضها فوائد اقتصادية بما تحويه من إلى أخرى؛ وعليه ،فإن بعض هذه الدول أل�ي��اف وزي ��وت ون�ب��ات��ات ووق ��ود .وهنالك تحتاج إلى بذل المزيد من الجهود في هذا العديد من مصانع األدوية التي تستخلص المجال .وإن توافر شبكة عنكبوتية لتبادل الكثير من األدوية من حيوانات الصحراء .المعلومات بين ال��دول العربية يعد أمراً 124اجلوبة -شتاء 1431هـ
علماء التصنيف الذين لديهم الخبرة في مجال كثير من المشاكل الطبية كأمراض السرطان التنوع األحيائي.
واإليدز وغيرها .ما يؤكد أهمية المحافظة على
وتتميز المملكة العربية ال�س�ع��ودي��ة بمناخ ه��ذا اإلرث العالمي اإلستراتيجي؛ وق��د عمل ص �ح��راوي م��رت�ف��ع ال��ح��رارة ص�ي�ف�اً ومنخفض المهتمون على اعتماد اتفاقية للمحافظة عليه شتاءً ،ما جعلها تحوي أنماطاً بيئية عديدة ،تضم في قمة األرض التي عقدت في ريودي جانيرو تنوعاً أحيائيا كبيراً وجديرا بالدراسة والبحث .بالبرازيل عام 1992م .وصادقت عليها ()187
ق�������������������������������������������������������������راءات
مهماً ،وواقع الحال يكشف عن نقص شديد في عنها بعد ،وتضيع معها إل��ى األب��د مفاتيح حل
فهناك نحو ( )2243نوعاً من النباتات ،و( 100دولة.
ن��وع) من السـحالي ،و( 55نوعاً) من الثعـابين،
يتكون ال�ك�ت��اب م��ن سبعة ف�ص��ول ومقدمة،
و( 10أن ��واع) م��ن السـالحف ،و( 9أن �ـ��واع) من إض��اف��ة إل��ى م�لاح��ق وت��وص �ي��ات ،ت��وزع��ت على البرمـائيات .و( 500ن�ـ��وع) م��ن الطـيور ،و( )458( 81صفحة مقاس 24 ×20سم ،ورسم لوحة
نوعاً) من الثدييات .وقد بلغ عدد أسماك المياه الغالف الفنان عمر البدور .وهو يمثل مرجعاً العذبة نحو ( 17نوعاً) أما الحشرات فقد تصل مهماً في تسجيل ودراس��ة ما تزخر به منطقة
إلى أكثر من ( )200.000نوع.
الجوف في شمالي المملكة العربية السعودية
وق��د أثبتت األب�ح��اث الحديثة أن كثيراً من من مختلف أنواع الحيوانات والطيور والزواحف سموم الثعابين الصحراوية تستخدم في عالج والحشرات.
ال يستخدم س��م الكوبرا بعض األم ��راض .فمث ً
خصص المؤلف الفصل األول مقدمة عامة
ف��ي ع�لاج ال��رب��و الشعبي ،والشلل ال�ه��زاز (داء للكتاب ،وف��ي الفصل ال�ث��ان��ي ت�ح��دث فيه عن
باركنسون) .كما تستخدم بعض سموم األفاعي منطقة ال��دراس��ة مستعرضاً األن�ظ�م��ة البيئية في عالج تجلط الدم ،وإذاب��ة الجلطة الدموية ،األح �ي��ائ �ي��ة ف��ي منطقة ال��ج��وف ،ال �ت��ي تشمل وال �ت �ح��ام األع� �ص ��اب .وال ش��ك أن الدراسات بيئات الكثبان الرملية واألودي� ��ة الصحراوية المخبرية ستكشف مستقبال ع��ن الكثير من والجبلية والبيئات الجبلية والسهلية والرطبة،
األدوي��ة المستخلصة من النباتات والحيوانات وبيئات الحرات والحماد ،كما استعرض العوامل الصحراوية.
المناخية ال�س��ائ��دة فيها ،مستعرضا درجات
يعد ال�ت�ن��وع األح�ي��ائ��ي إرث��ا عالميا ال يقدر الحرارة وكميات مياه األمطار ومعدل الرطوبة. بثمن ،وم��ع األس ��ف ،ف��إن النشاطات البشرية أما الفصل الثالث فخصصه للبيانات الخاصة
ت�ه��دده بشكل كبير .إذ أش��ارت ن�ش��رات برامج بالزواحف في منطقة الجوف ،بيّن فيه المؤلف األمم المتحدة للبيئة إلى أنه ينقرض يومياً وإلى أن نتيجة الدراسة تضمنت تسجيل ( )34نوعاً األب��د م��ن ( )100إل��ى ( )300ن��وع ،تدفن معها من ال��زواح��ف يرتبط توزيعها بالغطاء النباتي أس��رار العالم الطبيعية التي لم يُكشف النقاب الذي تتميز به منطقة الجوف.
اجلوبة -شتاء 1431هـ 125
وخصص الفصل ال��راب��ع للثدييات ،ويعدها أهمية إيجاد أفضل الوسائل العلمية لمواجهة
المؤلف من أنجح المجاميع الحيوانية معيشة خطر تلك الحشرات التي تحد من كمية اإلنتاج
في المملكة ،ويوجد منها في العالم ( )93نوعاً الزراعي وتؤثر على جودته.
منها ،ينتشر في المملكة نحو ( )79نوعاً برياً؛
وف ��ي ال�ف�ص��ل ال �س��اب��ع ت �ح��دث ال �م��ؤل��ف عن
منها ( )39ن��وع�اً ف��ي منطقة ال��دراس��ة ،تنتمي المحافظة على الحياة الفطرية ،وأب��ان أهمية إلى ست رتب هي :آكالت اللحوم والخفاشيات الحفاظ على األن��واع المهددة باالنقراض من
والقوارض واألرنبيات وآكالت الحشرات ورتبة خالل بناء المحميات الطبيعية ،وتوفير الغطاء زوجية األصابع. النباتي المناسب لتكاثر الحيوانات وغذائها .إذ وف���ي ال �ف �ص��ل ال �خ��ام��س ت �ح��دث ع ��ن تنوع أن كل جيل من حقه اإلف��ادة من خيرات البيئة
الطيور ،إذ سجل الباحث في هذه الدراسة نحو التي يعيش فيها ،لكن دون أن يغمط حق األجيال ( )105أنواع من الطيور تنتمي إلى ( )37فصيلة م��ن ب�ع��ده ،ل��ذا ح��رم اإلس�ل�ام على اإلن �س��ان أن من أص��ل ( )67فصيلة مسجلة في السعودية؛ يفسد الثروات الطبيعية أو يسيء استغاللها أو
وبلغت أعداد الطيور المهاجرة ( )73نوعاً منها يشوهها .وهي مهمة منوطة بالدولة والمواطن الزائرة شتوياً أو عابرة ،بينما بلغت عدد األنواع على حد سواء. المقيمة ( )32نوعاً؛ منها الغطاسيات والبجعيات
وف ��ي ق��ائ�م��ة ال �ت��وص �ي��ات دع ��ا ال �ب��اح��ث إلى
واللقلقيات والبلشونات وال��وزي��ات والعقابيات التركيز على إنماء األن��واع النباتية والحيوانية والصقريات والزقزاقيات والحماميات والبوميات النادرة والمهددة باالنقراض من خالل مراكز والالقدميات والشقراقيات والعصفوريات.
أب�ح��اث متخصصة ،كما دع��ا إل��ى تنفيذ مزيد
واستعرض المؤلف المفصليات في الفصل من األبحاث العلمية الحقلية في مجاالت حماية
ال��س��ادس .وي �ع��ده��ا م��ن أن �ج��ح ش�ع��ب المملكة الحياة الفطرية وإنمائها ،وكذلك إل��ى ترشيد
ال �ح �ي��وان �ي��ة ن��ظ��راً ل�ن�ج��اح�ه��ا ف��ي ال�ت�ك�ي��ف مع استخدام ال �م��وارد الفطرية ومنع استنزافها، التغيرات المناخية والبيئية عبر ماليين السنين .وإلى تشجيع األعمال التطوعية في مجال حماية
وأظهرت الدراسة تسجيل ( )90نوعاً منها تتبع الحياة الفطرية .وتكثيف التوعية البيئية ومنع ثالث طوائف هي :العنكبيات ضمت ( )16نوعاً الصيد في مواسم الهجرة العطائها الفرصة
والحشرات وضمت ( )73نوعاً ،وطائفة ذوات للتكاثر. المائة رجل وضمت نوعاً واحداً .وبما أن منطقة
وخ �ت��م ال �ك �ت��اب ب��ال �م��راج��ع ،وم�ل�اح��ق تبين
الجوف تعد من سالل األغذية التي تمد المملكة التوزيع الجغرافي ل�لأن��واع الحيوانية التي تم بالمنتجات ال��زراع�ي��ة والحيوانية ،ف��إن التنوع تسجيلها خالل هذه الدراسة القيمة ،التي تعد
الكبير ف��ي ال�ح�ش��رات يؤشر على خطر يهدد سابقة تسجل شرف رعايتها ودعمها مؤسسة الغطاء النباتي والمنتجات الزراعية ،ما يؤكد عبدالرحمن السديري الخيرية. 126اجلوبة -شتاء 1431هـ
ق�������������������������������������������������������������راءات
الكتاب :من سرق منا غزة؟. املؤلف :أنس أبو سعده. الناشر :شمس للنشر واإلعالم بالقاهرة.
عن مؤسسة شمس للنشر واإلعالم بالقاهرة؛ صدر كتاب «من سرق منا غزة؟» للكاتب والباحث الهولندي من أصل فلسطيني «أنس أبو سعده». يقع الكتاب في ( )116صفحة من القطع المتوسط ،ويضم ( )28مقا ًال تتناول الشأن الفلسطيني والعربي ،وهم الوطن وقضاياه المصيرية؛ كون غزة ليست همً ا فلسطينيًا خاصا ،وإنما باتت معضلة عربية إسالمية ما يزال البحث جاريًا حول كيفية معالجتها. ً يقول المؤلف في مقدمة كتابه: (ال أعتبر كلماتي ه��ذه غير الكلمات، وال مقاالتي التي أنشرها بشكل دوري في بعض الصحف العربية -اإللكترونية منها أو العادية -ذات صفة خاصة ،تُميزها عن غيرها من المقاالت التي يكتبها الكثير من الكتاب العرب عامة ،والفلسطينيون منهم خاصة ..بل أجد الكثير من مقاالتهم رسائل مهمة ،وت�ج�س�ي�دًا واق�ع� ًي��ا ل�لأم��ة العربية وحالها وقضاياها الكبيرة والمعقدة ..لكن اعتبر مقاالتي -وهذا ما ألمسه من خالل التعليقات والنقاش الذي اقرأ معظمه أو أسمعه من األصدقاء والمعارف -هو ما تتطرقه هذه المقاالت من قضايا أعتبرها ويعتبرها قرّائي قضايا مصيرية وحساسة في الوقت نفسه..
ط ��رق ��تُ أب� ��وا ًب� ��ا ك �ث �ي��رة ك��ان��ت دائمًا م��وص��دة ،ت�ح�ت��اج ل�م��ن ي �ح��اول فتحها أو فرصا للنقاش ً طرقها على األق��ل ،فتفتح والحوار لهذه القضايا واألمور التي تمس اإلن �س��ان البسيط ق�ب��ل ال�م�ه��م ،وتالمس أم��ورًا أو قضايا يواجهها اإلنسان العربي والفلسطيني بشكل خاص ..كل هذه األمور والقضايا كان لي على األقل رأي فيها ،إن لم يكن اقتراح بشأنها؛ اقتراح لحل عقدها حل لها، أو يفتح مجاالً للحوار وللبحث عن ٍ وه��ذا م��ا يكفيني ويسعدني أن أقدمه.. وها أنا أُقْدِ ُم على نشر بعض هذه المقاالت في كتاب بعنوان «من سرق منا غزة؟» ومن خ�ل�ال ال �ن��اش��ر «م��ؤس �س��ة ش �م��س للنشر واإلعالم» ،لعل الحوار يتسع ،والفائدة تعم وتشمل مواقع أكثر.)..
اجلوبة -شتاء 1431هـ 127
منتدى األمير عبدالرحمن السديري للدراسات السعودية -الغاط (الدورة الثالثة – الغاط)
1430/11/24- 22هـ الموافق 2009/11/12- 11م
عُ قد في مركز الرحمانية الثقافي التابع لمؤسسة عبدالرحمن السديري الخيرية في محافظة الغاط ضمن برنامجه الثقافي للعام 1430/29هـ منتدى األمير عبدالرحمن ابن أحمد السديري للدراسات السعودية (الدورة الثالثة للعام 2009م) الفترة من -23 1430/11/24هـ الموافق 2009/11/12-11م ،بحضور رئيس مجلس اإلدارة األستاذ فيصل ابن عبدالرحمن بن أحمد السديري ،والدكتور زياد بن عبدالرحمن السديري ،والدكتور عبدالعزيز بن عبدالرحمن السديري ،والدكتور سلمان بن عبدالرحمن السديري، واألستاذ علي بن محمود الراشد ،واألستاذ عبدالرحمن إسماعيل الدرعان ،وأعضاء الجمعية العامة في المؤسسة. وكان محور المنتدى« :القضاء السعودي» الذي نوقش خالل جلستين -شارك فيالجلسة األولى التي أدارها الدكتور إبراهيم بن عبدالرحمن المديميغ ،كل من :معالي الشيخ أحمد بن علي سير مباركي (متحدثاً عن التطور التاريخي للقضاء السعودي) وال�ش�ي��خ ال�ق��اض��ي ي��وس��ف ب��ن عبدالعزيز ال �ف��راج (ال�ن�ظ��ام القضائي ال�ج��دي��د) ،أما الجلسة الثانية فأدارها الدكتور محمد بن عبدالملك آل الشيخ ،وشارك فيها :الدكتور 128اجلوبة -شتاء 1431هـ
محمد ب��ن عبدالله ب��ن محمد المرزوقي (التحديات التي تواجه النظام القضائي ال �ج��دي��د) ،واألس� �ت ��اذ ع�ب��دال�ل��ه ب��ن عوض الحبردي (ما تم تنفيذه من النظام القضائي الجديد وما لم يُنفذ). حضر المنتدى جمع غفير من أهالي محافظة الغاط ،ونقل للقسم النسائي عبر الدائرة التليفزيونية المغلقة ،وقد اشتملت فعاليات المنتدى على معرض إلصدارات مؤسسة عبدالرحمن السديري الخيرية.