-العدد - 27ربيع 1431هـ 2010 -م
صدر حديث ًا عن مؤسسة عبدالرحمن السديري اخليرية
دراسات: عبدالرحيم اخلصار بركات محمد مراد قصص: محمد معتصم منيرة صالح عبير املقبل شعر: لطفي زغلول سعد الرفاعي جناة الزباير مواجهات مع: زغلول النجار ،محمد الريشة شيمة الشمري ،مروة كريديه
ملف العدد:
القصة القصيرة جدًا ..جنس أدبي جديد
27
مشاركة :عمار اجلنيدي ،عبدالسالم احلميد ،ليلى األحيدب محمد جميل أحمد ،محمود العزازمة ،عبدالغني فوزي
27
من إصدارات اجلوبة
صورة ليلية لقلعة مارد بمدينة دومة الجندل تصوير سلطان ضيف الله الزيد
صورة ليلية لقلعة زعبل بمدينة سكاكا تصوير سلطان ضيف الله الزيد
اجلوبة -ربيع 1431هـ
1
العدد 27 ربيع 1431هـ 2010 -م
ملف ثقافي ربع سنوي يصدر عن مؤسسة عبدالرحمن السديري اخليرية
املشرف العام إبراهيم احلميد املراسالت توجه باسم املشرف العام ّ
هاتف)+966( )4( 6245992 : فاكس)+966( )4( 6247780 : ص .ب 458سكاكا اجلـ ــوف -اململكة العربية السعودية aljoubah@gmail. com www. aljoubah. com
ردمد ISSN 1319 - 2566
سعر النسخة 8رياالت تطلب من الشركة الوطنية للتوزيع
قواعد النشر
- 1أن تكون املادة أصيلة. - 2لم يسبق نشرها. - 3تراعي اجلدية واملوضوعية. - 4تخضع املواد للمراجعة والتحكيم قبل نشرها. - 5ترتيب املواد في العدد يخضع العتبارات فنية. - 6ترحب اجلوبة بإسهامات املبدعني والباحثني والكتّاب، على أن تكون املادة باللغة العربية. اجلوبة من األسماء التي كانت تطلق على منطقة اجلوف سابق ًا
الناش ـ ـ ـ ــر :مؤسسة عبدالرحمن السديري اخليرية أسسها األمير عبدالرحمن بن أحمد السديري (أمير منطقة اجلوف من 1362/9/5هـ 1410/7/1هـ املوافق 1943/9/4م 1990/1/27 -م) بهدف إدارة ومتويل املكتبة العامةالتي أنشأها عام 1383هـ املعروفة باسم دار اجلوف للعلوم .وتتضمن برامج املؤسسة نشر الدراسات واإلبداعات األدبية ،ودعم البحوث والرسائل العلمية ،وإصدار مجلة دورية ،وجائزة األمير عبدالرحمن السديري للتفوق العلمي ،كما أنشأت روضة ومدارس الرحمانية األهلية للبنني والبنات ،وجامع الرحمانية. 2
اجلوبة -ربيع 1431هـ
الـمحتويــــات
6....................... ملف العدد ..القصة القصيرة جد ًا
70..................... مالمح الواقعية الشعرية
84..................... حوار مع د .زغلول النجار
96..................... حوار مع القاصة شيمة الشمري الغالف :لوحة للفنانة التشكيلية مروه كريديه.
االفتتاحية4............................................................. ملف العدد :القصة قصيرة جداً ..جنس أدبي جديد 6.............. دراسات :دراسة في ..التجربة القصصية الجديدة في المغرب عبدالرحيم الخصار 28............................................الطفل وتربية الحس الجمالي -أ .د .بركات محمد مراد38....... قصص قصيرة :عتمة -محمد معتصم 48.......................... أربع قصص قصيرة جدا -صبيحة شبر 50........................ قصص قصيرة جداً -محمد صوانه51............................. قصص قصيرة جدا -عبدالسميع بنصابر 52...................... تح ــت جنـح الليل -عبدالباقـي يوس ـ ــف 53......................... رقصة الريح -منيرة صالح 55...................................... الوداع -لولوة العتيبي 58............................................ قصص قصيرة جدا -عبير المقبل 59.............................. من سرق ورقة التوت؟ -نجوى عبدالبر (شهد الرفاعى)60........ شعر :الطحلب المغرور -ياسر عثمان 62............................ حتى متى؟! -السيد موسى بن عبدالله البكري 63................. ق َِصي َدةٌ ُمتَ َم ِّن َع ٌة -نجاة الزباير64.................................... حسام الدّين والقنديل السحري -علي التومي عبّاسي65.......... عيناك ..يا سمراء -د .لطفي زغلول 67............................ هذا قليل دمي هذا قليل دمي -أحمد الخطيب 68................. وللحب ...نغني -سعد بن سعيد الرفاعي 69....................... ن��ق��د :م�لام��ح الواقعية الشعرية ف��ي«غ��رف ل�لإي��ج��ار» لمحمد البساطي -هشام بنشاوي70........................................ الفجوة بين طموح الروائيين وضعف إمكاناتهم الفنية -خالد ربيع السيد 74...................................................... األرض آلخرين» للشاعر َ الرؤيـ ُة االغترابية في مجموعة «تركتُ نجيب مبارك -محمد أحمد بنيس 77............................ مواجهات :حوار مع أ .د .زغلول النجار -محمود الرمحي84..... حوار مع الشاعر محمد الريشة -أحمد الدمناتي91............... حوار مع القاصة شيمة الشمري -عبدالله المتقي96.............. حوار مع الفنانة التشكيلية مروة كريديه -محمد نجيم 99......... نوافذ :أدب تفاعلي أم أدب تشعبي؟! -هويدا صالح103............ الشاعر السويسري برينو ميرسي ورحلة اكتشاف اآلخر -عالء كعيد حسب 107.................................................... تجويد الشعر العربي الحديث -د .محمد الصفراني 110.......... أزمة اللغة أم أزمة اإلبداع -د .محمود خلف الله 113.............. منمنمات على جدران دمشق القديمة -أشرف الخريبي 116....... قراءات122............................................................ األنشطة الثقافية -عماد المغربي 127............................
اجلوبة -ربيع 1431هـ
3
على هامش القصة القصيرة جداً.. > إبراهيم احلميد
إذا كان بعض النقاد يأخذ على كتاب القصة القصيرة جنوحهم إلى الشعرية العالية والتكثيف في اللغة ،وهو ما كان يعتبره كتاب القصة قوة في نصوصهم القصصية ،ودليال على ثراء لغتهم ،بينما كان يراه معارضو هذا االتجاه ابتعادا بها عن سياقها ،فإن حضور القصة القصيرة جدا ،أدخل مزيدا من الجدل إلى الساحة األدبية والنقدية؛ بسبب تداخل هذا الفن الجديد نسبياً مع عدد من األنواع األدبية األقدم منه حضوراً ،كالقصة القصيرة والشعر المنثور. ويؤكد ع��دد من الباحثين أن القصة القصيرة ج��دا ،قد ظهرت في العقود األخيرة من القرن العشرين في العراق والشام ،وازدهرت بشكل الفت في المغرب مع بداية األلفية الثالثة؛ ما يعني أن القصة القصيرة ليست وليدة اليوم؛ لكن ما استجد فيها هو تقنياتها ،وكثافتها ،وغرابتها ،وومضها السريع .ونجد من األسماء التي برزت في هذه الكتابة :فهد المصبح ،سعود قبيالت ،بسمه النسور، فاروق مواسي ،حسن برطال ،عبدالله المتقي ،فاطمة بوزيان ،منتصر القفاش, محمود علي السعيد ،جبير المليحان ,ناصر سالم الجاسم ،زكريا تامر ،احمد جاسم ،عبدالسالم الحميد ،عمار الجنيدي وطلعت سقيرق ،فقد استمال هذا الفن الكثير من األدباء لكتابتها ..كون مساحة النص صغيرة نسبيا ،وال يحتاج إلى سرد موسع. وتهتم القصة القصيرة جدا بالموضوع والفكرة ،دون االهتمام بالشخوص، وه��ي خالية من الغموض ،تتطلب صياغة متقنة من ناحية الحبكة ،وتوظيف الشخصيات ،وبنية الزمن ،واألسلوب ،والفضاءات ،واالختزال فيها ال يؤثر في التعبير ،والشخصية فيها تتحرك وفق فكرة وخيال القاص ،ال وفق شكلها العام أو تركيبتها ،فهي القصة (الومضة) التي تجعل القارئ أو المتلقي في حيرة من
4
اجلوبة -ربيع 1431هـ
وعلى الرغم من صغر مساحة كتابتها ،إال أن الكثير من األدباء لم يتمكن من اإلب��داع فيها ،وال��خ��روج بنصوص ترقى إل��ى ه��ذا الفن ال��ذي الق��ى ما الق��ى من الرفض من قبل العديد من النقاد والمهتمين بالنقد القصصي ،وبأنه فن ال يمت للقصة بأي صلة ..الن القصة تعتمد على السرد ،وهذا النوع من القص ال هوية له ،ألنه مكثف جداً ،ويختزل السرد اختزاالً كليا ،وما يزال الصراع قائما ..ما بين مؤيد ومدافع عنه ،ورافض ومعارض له..
اف�����������ت�����������ت�����������اح�����������ي�����������ة
أمرها؛ يتابع لحظتها اآلنية ليحل شفراتها.
وتنهض بُنية القصة القصيرة جدا على التكثيف وإضمار معنى الحكاية ،أو شديد يقوم على الحذف والتجريد والمفارقة ،ضمن صناعة ٍ تقطير ٍ بؤرتها في الدهشة التي ربما كان من أهم تيماتها الدرامية. إن التطورات التكنولوجية السريعة والهائلة التي شهدها العالم بشكل عام.. والوطن العربي بشكل خاص ،وكثرة مشاغل اإلنسان ،قد قرّبت إليه هذا الشكل من الفن األدبي بحجمه المحدود الذي قد ال يتجاوز الصفحة الواحدة ..ومحدودية كلماته وأسطره ،وأسهمت ظروف كثيرة في بروز االهتمام بفن القصة القصيرة ومحط جدل في كينونته وماهيته ّ جدا ،حتى صار هذا االهتمام ملفتا لالنتباه، وشرعيته وتأثيره. ومن هنا ،يمكن اعتبار القصة القصيرة جدا أنها أصبحت أكثر حضوراً ،حيث فرضتها متغيرات المرحلة التي اتسمت بالقلق والسرعة في كل شيء ،ولهذا، فقد استطاعت هذه القصة أن تأخذ باألساليب الجديدة التي جددت في القصة القديمة ،وزاوجت بين األنواع األدبية األخرى والقصة .ومن هذا المنطلق ،ارتأت الجوبه تخصيص ملف خاص بالقصة القصيرة جدا ،يتناول فيه نخبة من الكتاب هذا الجنس األدبي الجديد ،لتضع المتلقي في الصورة من حيث نشأته ،والتعريف به ،وما تناوله النقاد بشأنه.
اجلوبة -ربيع 1431هـ
5
القصة قصيرة جداً( ..ق .ق .ج) جنس أدبي جديد
شكّل االهتمام بفن القصة القصيرة جداً ،منذ مطالع تسعينيات القرن الغارب ،جدال واسعا حول ظروف اإلنسان المعاصر التي تحيط به ،وتؤثّر عليه بكل قلقها وإرباكاتها، الصعُد االجتماعية واالقتصادية والسياسية واإلنسانية؛ فدفع به ذلك إلى وعلى كافة ُ الركض السريع وراء لقمة عيشه ،ممّا قلّل من المساحة الزمنية المتاحة لديه للرفاهية والقراءة والكتابة ،فراح يتجه إلى التفاعل مع النصوص القصيرة ،واالبتعاد قدر ما أمكن عن النصوص الطويلة ،كالرواية واألبحاث األكاديمية. وقد أتاحت ثورة االتصاالت وسهولة استخدام التكنولوجيا الحصول على المعلومة والمعرفة بجهد قليل ،وسرعة قياسية ،أو كما يقال «بكبسة زر» ،فأخذت الشبكة العنكبوتية ووسائل االتصال الحديثة جزءا كبيرا من وقت اإلنسان ،ما أسهم في انتشار ظاهرة العزوف عن القراءة والكتابة ،وعدم االهتمام بال ُكتّاب ،والعزوف عن المكتبات العامة. إن التطورات التكنولوجية السريعة والهائلة التي شهدها العالم بشكل عام ،والوطن العربي بشكل خاص ،وكثرة مشاغل اإلنسان ،قرّبت إليه هذا الشكل من الفن األدبي بحجمه المحدود الذي قد ال يتجاوز الصفحة الواحدة ..ومحدودية كلماته وأسطره، وأسهمت ظروف كثيرة في بروز االهتمام بفن القصة القصيرة جدا ،حتى صار هذا ومحط جدل في كينونته وماهيته وشرعيته وتأثيره. ّ االهتمام ملفتا لالنتباه، والهتمام الجوبه بكل المستجدات على الساحة الثقافية واإلبداعية العربية ،فقد ارتأت تخصيص ملف خاص بالقصة القصيرة جدا ،يتناول فيه نخبة من الكتاب داخل المملكة وخارجها هذا الجنس األدبي الجديد من حيث نشأته والتعريف به وما تناوله النقاد بشأنه ..فكانت لهم رؤيتهم الخاصة من خالل المحاور اآلتية..
6
اجلوبة -ربيع 1431هـ
م������������ل������������ف ال������������ع������������دد
إضاءات ال بد منها
في أفق القصة القصيرة جداً.. > عمار اجلنيدي -األردن
تعريف القصة القصيرة جدا يمكن تعريف القصة القصيرة جداً بالتعرّف على مالمحها وسماتها ومميزاتها؛ فهي ،كجنس أدب��ي ،تمتاز بحجمها القصير من حيث عدد الكلمات ،واستخدامها لخصائص اإليحاء والتكثيف والتلميح واالختزال، واإليماض ،والمفارقة ،والسخرية ،والقفلة الموحية بالدهشة. ف��ه��ي ،إذاً ،جنس أدب���ي بتوصيف اختزالي دخيلة على عالم القصة ،بل إن البعض غالى لنص حكائي ،يخترق بنزعتها القصصية ذات في حُ كمه بأنها تسمية عبثية ودخيلة وال معنى البُعد السردي االختزالي المكثّف والمقتضب لها ،وعدّها أجنّة مجهضة لقصص قصيرة ،وأنها ح��دود الخطاب الفني المنسجم مع إرهاصات «ربما كانت كائنات كتابية ليس لها جنس محدد». القصة القصيرة والشعر؛ يمتاز بحجمه القصير ومنهم من لم يحدد رأيه بصراحة ،فترك اآلخرين المقتضب ،وجملته السردية القصيرة والموجزة ي��خ��وض��ون غ��م��ار ال��ت��ج��ري��ب اإلب���داع���ي والنقد والموسومة بالتوتر والتأزيم والتجريب. االنطباعي المتسرّع ،حتى يتبين الخيط األبيض
لماذا القصة القصيرة جدا؟
من الخيط األسود.
ووق��ف��وا أيضا على مصطلحات كثيرة لهذا
لقد وق��ف الكثير م��ن الباحثين والدارسين مواقف متباينة من هذا الجنس األدبي؛ فمنهم من ال��ج��ن��س األدب�����ي ،ف��أط��ل��ق��وا ع��ل��ي��ه مصطلحات قبله ورحّ ب به وبكتابته ،ومنهم من لم يعترف به وتسميات راحت تقترب حينا من دالالته الفنية، طاعنا بشرعيته ،متحفّظا على تسميته وانتسابه وت���رس���م ف���ي أح��اي��ي��ن أخ����رى م�لام��ح��ه الفنية إلى األجناس اإلبداعية ،مُعترضاً على انتمائها ب����دالالت ت��ن��ظ��ي��ري��ة؛ ف��أط��ل��ق��وا ع��ل��ي��ه��ا :القصة لعالم القصة لدرجة إنكار انتمائها إلى أي جنس القصيرة جدا ،ومشاهد قصصية ،واألقصوصة، أدب���ي ،ب��ل إن بعضهم ع�� ّده��ا «م��ج��رد ث��رث��رة بال ول���وح���ات ق��ص��ص��ي��ة ،وم��ق��ط��وع��ات قصصية، معنى» ،مُعترضين على التسمية بوصفها تسمية والخاطرة القصصية ،والقصة الومضة ،والقصة اجلوبة -ربيع 1431هـ
7
الكاريكاتورية ،وأطلقوا عليها اختصارا( :ق .ق. ج) ..لكن مصطلح القصة القصيرة ج��داً ظل األكثر قرباً لدالالت هذا الجنس األدبي.
اللغة في القصة القصيرة جدا تعتني القصة القصيرة ج��داً باللغة ،ب��ل إن اللغة المستخدمة في بنيتها السردية ،محكومة بمساحة ال��س��رد القصيرة؛ ف��ال��ق��اص والراوي المتمكن من أدوات��ه اإلبداعية يسعى دائما إلى إمتاع المتلقي بإدهاشه وتميز س��رده ،وإمساكه بخيوط القص متناً وبنا ًء ولغة وفناً ،بإفساحه المجال للسرد أن يتمدد كيفما كانت األحداث مواتية؛ لكن اإلسهاب وتسليط الضوء السردي على ح��دث ما ليسا من سمات وال من غايات القصة القصيرة جدا ،ألنها تعتمد على سرعة اإلده��اش والوصول إلى الهدف والغاية المراد توصيلها .كذلك ،فإن القيمة الحقيقية للمعنى فيها ليست في طول العبارة ،فالكثافة اللغوية، واللغة التي تعتمد على الجمل الفعلية الضاجّ ة بالحركة هي من أهم السمات العامة في القصة القصيرة ج���دا ،ألن��ه��ا م��ح��ش��وّة ب��ال��دالالت ذات الكثافة المعنوية الموحية.
وفيها يبتعد عن الوصف واإلطناب ،مستعيضا عنها بتلميحات سريعة ومباشرة ،ألنها تسعى إلى تفسير دالالت المضامين التي اختبأت وراءها ه��ذه التقنيات التي قد تكون وراءه���ا مضامين ومدلوالت سياسية أو دينية أو أخالقية ،ال يجرؤ الكاتب على البوح أو التصريح بها .وهنا تكمن أهم دواعي وجود هذا الجنس األدبي.
معياران ال ينفصالن
ينهض البناء الفني في القصة القصيرة جداً على أهم معيارين تقوم عليهما ،ويُعال شأن هذا الجنس األدبي بهما ،وهما معيارا الكم والكيف؛ إذ أن الحجم ال��ذي يمتد من جُ مَل بسيطة في أصغر طول لها إلى أخرى قد يمتد طولها إلى ص ْر الحجم صفحة كاملة .فالطول المحدد ،وقِ َ النابع من معين القصدية في التكثيف واإليجاز وال��ت��رك��ي��ز على ع��دم اإلس��ه��اب ف��ي ال��س��رد ،قد يصل إل��ى ح��د المبالغة وال��ح��ذف ،وت��ص��ل إلى حدود الترميز ،تماما كاعتنائها بالبعد السردي ذي الخصائص والركائز التي تمعن في التهيئة إلى استخدام عوامل ومعيار البناء الفني الكمّي، بالتنويع والتطعيم والتجريب باألشكال السردية المختلفة ،التي تتخذ من االختصار واإليجاز، زَ هو التقنيّ ات حتى في الجُ مَل والعبارات السردية ،واعتمادها يستخدم ُكتّاب القصة القصيرة جداً تقنيات وتركيزها على الجمل الفعلية على حساب الجمل معينة ،كالتكثيف ،والحذف ،واإليجاز ،واإلضمار ،اإلسمية ،كسمة تميزها ،وتدلل على وظيفتها في واإلي��ح��اء ،والتلميح ،واالستبصار ،والقصدية ،القصة القصيرة جدا. واالن��زي��اح��ات ال��دالل��ي��ة ،وال��ت��رم��ي��ز ،والفكاهة، إن انفتاح القصة القصيرة ج��داً على معظم واإلدهاش ،واالستفزاز ،بُغية إشراك المتلقي في األجناس اإلبداعية كالقصة القصيرة والمسرح.. التفاعل مع الهدف الذي ُك ِتبَتْ من أجله ،وتهيئته واس��ت��خ��دام��ه��ا لتقنيات السينما المختلفة ،ما لمفاجأة النهاية ..ولربما صدمتها في أحايين يتطلّب الحاجة إلى ق��راءات تأويلية ،أو الحاجة كثيرة؛ كذلك ج��رّه ما أمكن إل��ى االش��ت��راك في إلى قراءتها غير مرة للوقوف على دالالت المعنى لعبة التأويل والتكهّن بما ستئول إليه النهاية،
8
اجلوبة -ربيع 1431هـ
أدوار
لعبت المالحق الثقافية والصحف والمجالت التي تهتم بالشأن الثقافي واإلب��داع��ي ،ومواقع االن��ت��رن��ت :أدواراً مهمة ومختلفة ال��غ��اي��ات في انتشار القصة القصيرة جدا ،إما تشجيعا لهذا الفن الحديث (بالنسبة إلى األجناس اإلبداعية األخ���رى) ،وإم��ا لعدم دراي��ة المحرر أو الرقيب الثقافي بأهمية ه��ذا الفن األدب��ي وجدّ يته ،أو ُشبهة لجهلهم في تصنيفها األدبي ،أو لتغليبهم االهتمام يحاول الكثير من ال ُكتّاب ،بدواعي التجريب بجنس أدبي على آخر لغاية في نفس المحرر ،أو أو الالدراية ،أو االغترار بالوقوع بشبهة القصة لسهولة النشر دونما رقيب أو إش��راف كما في القصيرة جداً ،عند التحوّل عن البنية القصصية ،الشبكة العنكبوتية (اإلنترنت). أو عندما تتحوّل اللغة لديهم إلى ما يقترب من النقد حدود قصيدة النثر ،والتوغّ ل أحيانا كثيرة في ما يزال النقد األدبي غير مواكب للتطورات غمارها واالرت��واء من مائها« ،إلى درجة النزف الحاصلة في الساحة اإلبداعية ،وبالتحديد ،ما والبوح الشعري». يجري من انتشار سريع لفن القصة القصيرة القصة القصيرة جد ًا والتراث جدا ،فظل النقاد يروّجون أن القصة القصيرة ي��رى بعض ال��ن��قّ��اد وال��دارس��ي��ن أن مصطلح والرواية تمران بأزمة وركود مفتعلين سببهما القصة القصيرة ج��داً ..هو تسمية حديثة لفن االنتشار غير المضبوط لمن أراد أن يجرّب قديم حمله إلينا التراث العربي ،عبر مخزونه ويُ��ع��مِ ��ل أدوات�����ه ال��ك��ت��اب��ي��ة ف��ي ج��س��د القصة الهائل ك���إرث أدب���ي زاخ���ر ب��األخ��ب��ار والطرائف القصيرة جدا ،حتى لو كانت غير سويّة وغير والنكت والمواعظ التي تتشابه إلى ح ّد التماس ،ناضجة ،ما أثار نقمة الكثيرين ممّن يُحسبون بما تحمله القصة القصيرة جداً من مواصفات أنهم في خانة المنتصرين للقصة والرواية، االختزال والتكثيف؛ تلك األخبار والطرائف التي فاكتفوا بالتفرّج أو الهجوم غير المبرر على تجمع بين السخرية والمُفارقة ،كما في أخبار ه��ذا الفن المتطوّر ،وج���اروا عليه حتى باتت وطرائف جحا ،أو ما ورد في كتاب« :المستطرف آراؤهم وكتاباتهم نقدا قاسيا ،ألنهم لم يعتادوا في كل فن مستظرف» لـ(شهاب الدين محمد بن على هذا الشكل ،فيروحون بمحاكمة النصوص اجلوبة -ربيع 1431هـ
م������������ل������������ف ال������������ع������������دد
وترميزاته المختلفة ،بسبب التجريب في استخدام هذه التقنيات والمعايير بطابع تجريبي وحداثي. وكل ذلك مشروط بالحفاظ على األركان األساسية للقصة ،من وجود حبكة وشخوص واهتمام خاص بالحدث ،وأحيانا يجري فيه اهتمام خاص بعاملي ال��زم��ان وال��م��ك��ان ،أو ع��ل��ى ال��ع��ك��س؛ ق��د يجري إهمال تام ألحدهما أو كليهما على حساب إشهار العقدة أو ال��ح��دث؛ وال��ت��ي ق��د يتبعها استخدام مهارات التشويق كمهارات اللغة واألساليب الفنية المحدثة ،والنهايات الصادمة لذائقة المتلقي وتوقعاته ،وه��ي كذلك ب��ؤرة خصبة لكل عوامل التجريب والتحديث المعاصرة وأساليبهما.
أحمد) :الملقب باألبشيهي ،هو إذاً «موجود في شكله ومحتواه الراقيين ..ومتوافر في كم كبير من التراث األدب��ي القديم» ،وله ج��ذوره التي ال يمكن إنكارها أو االدعاء بحداثتها المطلقة.
9
الحداثية ب���أدوات نقدية قديمة ،عفا عليها الزمن وأشبعها اه��ت��راء ،ليدينهم االستعجال
والتسرّع في طرح انتقاداتهم وآرائهم ،ويدينهم االع��ت��راف بقلّة األبحاث وال��دراس��ات المعنية بهذا الفن.
مالحظة عابرة لليقين يالحظ بين الفينة واألخ��رى أن بعض كتاب
ُلحقون مجموعاتهم القصصية القصة القصيرة ي ِ ال��م��ن��ش��ورة بملحق ي��ض��م ع���ددا م��ن النصوص
التجريبية التي غالبا ما يُطلقون على هذا الملحق
اسم :قصص قصيرة جدا ،بداللة أنهم ما زالوا غير واعين لضرورات وإشكاليات التجنيس ،أو
لقواعد تصنيف هذا الجنس اإلب��داع��ي ،وأنهم ما يزالون يلحقون بالقصة القصيرة رغم الفروق ال��ف��ن��ي��ة ال��ت��ي ه��ي ب��ال��ض��رورة ف����روق تجنيسية م��ن المهم اإلل��م��ام واإلح��اط��ة بها منعا للخلط
والتشابك.
االستسهال في كتابة القصة القصيرة جدا شنّ بعض الدارسين والنقّاد حملة شعواء على
ُكتّاب فن القصة القصيرة جدا ،بأنهم استسهلوا الكتابة في هذا الفن تعويضا عن عجزهم في
ال��ول��وج إل��ى عالم القصة القصيرة أو الرواية أو حتى الشعر ،وأنهم وج��دوا في كتابة القصة القصيرة ج��داً غطا ًء يلوذون به من فشلهم في
كتابة القصة العادية ،متوهّ مين سهولة كتابتها،
وأن كثيرا مما يكتبونه بال مضمون وال فكرة أو معنى واضح ،وأن الكثيرين من الذين فشلوا في صياغة قصة قصيرة يبحثون عن تغطية ثقافية،
لدرجة أنها عبثية وال تستحق االلتفات.
10
اجلوبة -ربيع 1431هـ
ورغ��م ما في ه��ذه اآلراء من ص��واب وجدّيةِ بعض ما فيها ،إال أن فن القصة القصيرة جداً يضاهي ف��ي صعوبته أي جنس إب��داع��ي آخر، حيث له قواعده المعروفة ،ودارس��وه ومتذوقوه ومبدعوه ،ولم نرصد مبدعا واحدا يكتب القصة القصيرة ج��داً ولم يم ّر بالتجريب في أحد من األجناس اإلبداعية المعروفة.
إشارة سريعة أش����ار ب��ع��ض ال��ب��اح��ث��ي��ن إل���ى أن ف���ن القصة القصيرة جداً قد برع وتفوّق فيه كثيرا المغاربة وال��س��وري��ون وال��ع��راق��ي��ون ،وح��ت��ى ف��ي المجاالت النقدية التنظيرية ،لكن اإلشارة تستوجب الوقوف عند بعض التجارب المهمّة في تونس ومصر ،ومع بعض التجارب الخجولة في األردن وفلسطين. ففي سوريا هناك زكريا تامر ،وأحمد جاسم الحسين ،وطلعت سقيرق ،وف��ي المغرب حسن برطال وعبدالله المتقي وفاطمة ب��وزي��ان ،وفي السعودية فهد المصبح ،وفي األردن سعود قبيالت وبسمه النسور ،وفي فلسطين فاروق مواسي.
المراجع ( )1القصة القصيرة ج��داً ،أحمد جاسم الحسين ،دار عكرمة ،دمشق عام 1997م. ( )2القصة القصيرة جداً جنس أدبي جديد ،بقلم جميل حمداوي ،موقع ديوان العرب على االنترنت. ( )3القصة القصيرة ج��داً عند زك��ري��ا ت��ام��ر ،د .يوسف ح��ط��ي��ن��ي ،األس����ب����وع األدب�������ي ،ال���ع���دد ( ،)778في 2001/10/6م. ( )4بروق (قصص قصيرة جدا) ،إعداد د .يوسف حطيني، مطبعة اليازجي ،دمشق 2001م.
نتاج متغيرات اجتماعية واقتصادية يتالءم وعصر السرعة
> عبدالسالم احلميد -السعودية
السرد احتياج إنساني ،يسعى اإلنسان من خالله للتواصل مع اآلخرين؛ فالحكاية مكون رئيس في مختلف الثقافات ..حتى البدائية منها ،ألن الحكاية الشفهية تتضمن إمكانات تعبيرية هائلة تجعلها الوعاء الطبيعي للوعي والتراث؛ أما أجناس السرد الفني المعروفة اآلن ،فهي ابنة الثقافة الغربية ،ولم يعرفها العرب إال في القرن التاسع عشر ،رغم إقرار الغربيين بأن أصول هذه األجناس من الحضارات الشرقية كالفرعونية والهندية، بينما بدأ السرد اليوناني قبل الميالد في الشعر الملحمي. ورغم أن الثقافة اللغوية العربية في جوهرها ثقافة شعرية ،كما يقول الدكتور عبدالله الغذامي، فقد وُجدت أساطير في التراث تواصل بعضها حتى التاريخ اإلس�لام��ي ..مثل حكاية «الغصن الذهبي» في قوم صالح ،وأعمال سرد أخرى مثل «ألف ليلة وليلة» ،و«كليلة ودمنة». وق���د واج���ه ال��س��رد ال��ع��رب��ي إش��ك��ال��ي��ة ظهور حركة نقدية م��وازي��ة ل�لإب��داع في بداياته ،كما حدث في مصر وبلدان الشام والعراق والمغرب العربي ،واستمرت اإلشكالية وقتاً طويالً .كما ظهر السرد في بلدان قبل غيرها مثل بالدنا التي عرفت السرد متأخراً عن غيرها ،وعانت هي أيضاً من غياب نقد مواز ،يفي باحتياجات ال��س��رد السعودي ال��ذي عبر بقوة ع��ن تطلعات السعوديين؛ حتى أصبح السرد تجسيداً لمقولة الدكتور جابر عصفور «إن ال��رواي��ة هي ديوان العرب الجديد». وألن السرد الطويل يحتاج إل��ى جهد فائق، ويستلزم خبرة تقنية ووقت طويل قد ال يتاحان مهموم بالوطن وثقافته، ٍ مبدع ٍ لكاتب من شباب
م������������ل������������ف ال������������ع������������دد
القصة القصيرة جدا
ت��ش��ت��ع��ل روح����ه ف���ي ل��ح��ظ��ة إب�����داع ال يستطي ُع كبتها ،وتلح تجربته ف��ي ال��خ��روج إل��ى الوجود، شكلت القصة القصيرة مخرجاً تعبيرياً يماثل القصيدة بال قيودها ،وبخصائص أكثر مرونة، وألن األس���ب���اب ذات��ه��ا تكثفت م��ع المتغيرات الثقافية ..خرجت للحياة القصة القصيرة جداً، التي تع ُّد ول��ي��داً غضاً مقارنة ببقية األجناس األدبية ،وهي لم تتشكل على حساب األجناس السردية األخرى بقدر ما تكونت نتيجة متغيرات اج��ت��م��اع��ي��ة واق��ت��ص��ادي��ة ،وم���ا ارت���ب���ط ب��ه��ا من ظ���روف ،مثل العولمة وث���ورة االت��ص��االت ،وهي في صميم تكوينها قصة قصيرة ،فليس مهماً المساحة السردية وإنما المضمون ..فقد تكون وم��ض��ة ،يعتمد توصيفها ع��ل��ى م��ا تمتلك من عناصر القصة المصاغة بكثافة سردية ،وأنها ال تفتقد -بحكم مساحتها -للبنية القصصية أو عناصر أخرى مهمة ..مثل :الخطاب التاريخي وال��ف��ن��ي ،وب��ن��اء ال��ح��دث ،وسيكولوجية الحدث وأبطاله؛ أي أنها تقدم -رغم مساحتها السردية الضئيلة -دراسة لعوامل نفسية في فكرة درامية، وتصرفات األبطال ،لوصف حالة معينة تصنع
اجلوبة -ربيع 1431هـ 11
الدهشة واإلحساس بحدث ما ،وتحقق التواصل متغيرات عصر ال��س��رع��ة ،ف��وج��دت إق��ب��االً من مع المتلقي ،لرفض أو قبول مواقف شخصيات القراء ألنها ال تستهلك من وقتهم الكثير الذي النص السردي ،أو القناعة الفكرية بموقف أو يحتاجونه ألمورهم الحياتية. نهاية ،ورب��م��ا بمضمون وروح دع��اب��ة ،أو فكرة إال أن القصة القصيرة ج���داً تعاني غياب فلسفية في نص شاعري الروح والمظهر. النقاد وابتعادهم ،ربما لعدم وجود اإلغراء الذي
إن الفهم العميق للقصة القصيرة جداً ،يُظهر أن أهم خصائص هذا الفن هو (العمق الداللي واللغوي) الناتج عن كثافة اللغة والتعبير ،وهو ما قال عنه الدكتور محمد الشنطي« :إن القصة القصيرة من أكثر الفنون استعصاء على التنظير والتأطير الشكليين ،إل��ى الحد ال��ذي أدى إلى شيوع ال��ق��ول ب��أن ك��ل قصة ه��ي تجربة جديدة في التكنيك» .ربما من أجل ذلك شقت القصة ال��ق��ص��ي��رة ج���داً طريقها ب��س��رع��ة؛ ألن��ه��ا تالئم
تقدمه الرواية كطريق سهل للشهرة ،وافتقار فن القصة القصيرة جداً إلى رواد حقيقيين مقارنة ب��رواد ال��رواي��ة إذا ما استثنينا نجيب محفوظ، وزكريا تامر على سبيل المثال .ورغ��م كل ذلك أكرر أن السرد في كل أشكاله وحاالته ،سيبقى عنصراً رئيساً ومؤثراً مهماً من عناصر ثقافة المجتمع ..سواء في أشكاله التي نعرفها ،أو تلك التي ال نعرفها ،ألنها ما ت��زال في ظهر الغيب حتى يأتي بها المستقبل.
تأمالت في املشهد..
فس العميق في القصة القصيرة جدا ً النَّ َ
> عبدالغني فوزي -املغرب
هذه الورقة أشبه ما تكون بتقرير عن أوراق أعددتها -بمناسبة أو من دون مناسبة في القصة القصيرة جدا .أوراق ال أرى من خاللها خالصات نمطية أو أجوبة يقينية ،بقدر ما أنتصر للسؤال الذي يجعل األدب مرتعشا وعلى محتمل ما .ذاك أن التحقق على صورة معينة ،يبقى مفتوحا على اآلتي ،لتجاوز الذات باستمرار؛ والبحث عن صيغ جديدة على خلق عميق. من هذه الصيغ القصة القصيرة جدا التي نسائلها اليوم ،ونتركها لسبيلها وحافتها.
القصة القصيرة جد ًا كموضوع بحث
كلما سعيت للحديث قليال في القصة القصيرة ج��دا ،تنتابني ح��ي��رة؛ أظنها حيرة الباحث في تناول موضوعه .وهي إشكالية مطروحة بحدة في األدب والعلوم اإلنسانية .ويمكن تقديم بعض مالمح هذه الحيرة كاآلتي:
12
اجلوبة -ربيع 1431هـ
م��ا يتعلق ب��ال��ب��اح��ث :ك��ث��ي��رة ه��ي الكتابات والدراسات التي تبني عالقات متوترة في تناول القصة القصيرة ج��دا؛ ذاك أن بعض الكتابات تسعى لخدمة األص��ول النظرية .تكون مع هذه الحالة القصة القصيرة جدا مجرد تعلة للتبرير فقط أو التعضيد .وال يمكن أن نستثني هنا ال���دراس���ات االن��ط��ب��اع��ي��ة ال��س��ري��ع��ة ال��ت��ي تراكم
عن النفاق الثقافي الذي أوجد ما يمكن تسميته
تتعدد أمامنا ط��رق ت��ن��اول القصة القصيرة جدا (تاريخ األدب ،النقد األدبي ،نظرية األنواع األدب���ي���ة) ،وم��ن ث��م ف��األف��ك��ار م��ت��ع��ددة ومتنوعة المنطلقات وزوايا النظر .منها ما يتعلق بشعرية ه��ذا ال��ن��وع ،واآلخ��ر بتاريخه ،وثالث بعالئقه.. فأغلب الدراسات تقر أن القصة القصيرة جدا نوع أدبي حديث ،ظهر عربيا في العقود األخيرة من القرن السالف .وتطور بشكل ملحوظ في ب��داي��ة األل��ف��ي��ة ال��ث��ال��ث��ة :ه��ل ه��و ت��ط��ور ك��م��ي أم كيفي؟ أم هما معا؟ القصة القصيرة جدا متعددة المصطلح والخصائص؛ ويمكن االستئناس هنا بالقائمة التي خلص إليها الباحث أحمد جاسم ال��ح��س��ي��ن ف��ي ك��ت��اب��ه «ال��ق��ص��ة ال��ق��ص��ي��رة جدا» الصادر سنة 1997م .فالقصة القصيرة جدا هي قصصية تتوسل بـ :الجرأة ،التكثيف ،االنزياح، الرمز ،اإلش���ارة ،البداية المخصوصة ،القفلة، وحدة الموضوع ،التناص ،المفارقة ،السخرية.. طبعا هذه الخصائص كانت محط تناول ونظر الكثير م��ن ال��ك��ت��اب��ات .ول��ك��ن م��ا يهمني هنا.. أصوغه عبر السؤال :بأية طريقة سردية يمكن للقصة أن تشتمل على كل ذل��ك ،أو بعضه ،في انتظام وجدل داخلي؟
«قصة قصيرة ج��دا» .وف��ي المقابل ..فالمبدع
أكيد أن ه��ذه الخصائص تليق بالمساحات ال��ص��غ��ي��رة ج���دا ف��ي اإلب�����داع .وع��ل��ي��ه ،فالقصة القصيرة جدا مساحة سردية ،على قدر كبير من الحرية؛ إلعادة اختبار عناصر األدب من جديد، وبشكل جاد وحاد .لكن في تقديري ال يمكن أن يتحقق ذلك دون جدل األدب الداخلي والخارجي ضمن منعطفاته القديمة والحديثة .فالتكثيف، م��ث�لا ،يقتضي االخ��ت��ص��ار؛ وال��ع��رب ت��ق��ول هنا: «ال��ب�لاغ��ة ف��ي اإلي��ج��از» .هنا الم��ف��ر م��ن إدراك نظريات بالغية ونقدية (النظم ،مقتضى الحال،
«بالنقد األملس» الذي اليؤسس ،وال يفضي ألي شيء؛ بل يخضع كل بناء لمنزلقات.
م���ا ي��ت��ع��ل��ق ب���امل���وض���وع :إن م��وض��وع��ن��ا هذا
شائك في تحديده ،نظرا العتبارات عدة ،منها الجدة وعدم وضوح الملمح .وإذا تناولنا األمر
ضمن إش��ك��ال ال��ت��راث والمرجعيات اإلنسانية األخ��رى ،ازداد األمر تعقيدا ،ألن هذا اإلشكال
غير محسوم على صعيد مجتمعي وفكري .هذا فضال عن المد المتسارع في اإلنتاج القصصي،
واستسهال هذا النوع األدبي في الكتابة ،والذي غدا مطية للغافلين.
م��ع ه��ذه الوضعية ،كيف يمكن انتقاء عينة
تمثيلية؟ لوضع اليد على مشترك ،وبالتالي،
اإلق���رار بنصوص استثنائية ،تمنحنا المعايير
المشتركة بالمعنى اإلبداعي.
ما يتعلق بالقارئ :يواجه األدب ،بشكل عام،
تحديا خطيرا ضمن ت��واص��ل معطوب وغياب
االعتبار األدبي .في هذا السياق ،يبقى التواصل محدودا إلى حد ..فالكثير ال يعرف هذه المدعوة
يقرأ قصصة أمام جدار أصم!
وأن���ا أع���رض ل��ه��ذه ال��ع��وائ��ق ،ال أق��ت��رح فتحا
ج��دي��دا ،ب��ل أنتصر ل��ـ «حقيقة» األدب ،ليست كوهم أو اتفاق؛ بل كقيم جوهرية ،يتم تنسيبها
بالشرط األدبي ضمن النص الثقافي العام .وهو ما يقتضي االنتقاالت الموضعية من النص إلى
بنية فكرية م��ؤط��رة ل��رؤي��ا العالم ضمن شرط تاريخي معين.
م������������ل������������ف ال������������ع������������دد
أحكاما وأف��ك��ارا مسبقة بال سند .ه��ذا فضال
في شعرية القصة القصيرة جدا
اجلوبة -ربيع 1431هـ 13
مشاكلة اللفظ للمعنى .)..فالكثافة واالنزياح والترميز ،يقتضي ك��ل ذل��ك ،التلميح واإلشارة المقامية .وم��ن ث��م ،ال مجال للمهمل والحشو وال��زوائ��د في هذه القصة .كما أن التوسل بكل الخصائص أو بعضها ،يقتضي النهوض برِ هانات جمالية وفكرية (الحلم ،اللغة ،القصر ،الحكي.).. والحالة هذه ،ووفق هذه العدة ،فالقصة القصيرة جدا لها غنائيتها المتشظية على نفس درامي م�ل�ازم .لكن ال غنائية ب���دون م��داخ��ل فلسفية وشعرية وتاريخية ..إليجاد مزيج صقيل بحس رؤي���وي ..وإال سقط المبدع ف��ي متاهة ،ضمن شرنقة ذاتية ال ترى أبعد من األنف.
في معنى القصر القصة القصيرة جدا لها مساحتها الصغيرة كصياغة لغوية مضغوطة ،تؤدي دالالت عديدة. وال يمكن أن يتم ذل��ك دون تشكيل ورؤي���ا ،كما يُ��ف��ص��ل ال��ن��اق��د حسين ع��ل��ي محمد ف��ي كتابه «ال��ق��ص��ة ال��ق��ص��ي��رة ج���دا :ق����راءة ف��ي التشكيل والرؤية» .وهي وفق هذا الطرح أكثر صعوبة كما يقر جابر عصفور.
���س دق��ي ٍ��ق ب��ال��م��رح��ل��ة .وم���ن ثم، ال��ع��ال��م وف���ق ح ٍّ فالقصة القصيرة ج��دا ع��ص��ارة تجربة وحياة تقطر خبرة ال تسقط صاحبها في التيه أو خارج الحكي كحاجة وامتالء.
في عالئق القصة القصيرة جدا بناء على م��ا سبق ،فالقصة القصيرة جدا كينونة وتقطيع خ��اص لألشياء وال��ع��ال��م .وهي ب��ذل��ك م��س��اح��ة مضغوطة ب��إم��ك��ان��ه��ا استيعاب األن��واع األدبية األخ��رى .هنا تبدو قصيدة النثر واألخبار والحواشي أق��رب إلى شطآن بحرها. لكن بأي طريقة تربط هذه القصة الصلة وتخلق جدلها ،لتبني حدها الخاص أو محمولها؟ أكيد، فالشعر يمنحها التكثيف والترميز واإليحاء ،لكن ضمن شرط سردي بمختلف تلويناته .تكون معه مستلزمات الشعر كعالمات فارقة تغور اللغة وتقعرها .وتخلق لها نفسها العميق .في هذا ال��م��ق��ام ،تمر ك��ل م��ك��ون��ات ال��س��رد م��ن شخوص وأح�����داث وإط�������ارات ،فتتخفف وت���ب���دو معبرة بدورها عوض استقبال األحداث واألفعال .كما أن األمثال والحكم النابعة أساسا من التجارب ومحك الحياة ،بإمكانها أن تخلق تعدد الروافد وت��ن��وي��ع ن��غ��م��ات ال��ق��ص ف��ي ح���وار م��ق��ص��دي مع النص الغائب .فالقصة ليست خبرا وال نكتة.. وال م��ف��ارق��ة س��اري��ة ف��ي المخيال الجمعي؛ بل إعادة بناء واكتشاف جديد .وهنا تغدو المفارقة مفارقات متخلقة ،وذات طبقات .وفي ذلك تتعدد الصياغات السردية والرؤى الجمالية والفكرية، تبعا للسياقات الخاصة والعامة.
القصر هنا ملتبس الداللة والملمح ،الشيء ال��ذي و َّل��د مصطلحات في التسمية من قبيل: قصيصة ،لقطة ،ومضة ،مشهد ،قصة قصيرة ج��دا ..ويمكن أن يكون ذلك مصدر غنى ،حين ال يطول النقاش لعقود ،إلبعاد النزعة التشكيكية ف��ي مسيرة ه��ذا ال��ن��وع األدب���ي .كما أن القصر يمكن فهمه ب���دالالت أخ���رى ،ك��ون المساحات الصغيرة نحيا بها (المناديل ،مرآة ،جيوب ،ظالل، غرف .)..وعليه ،فهو قصر وجودي يرقب العالم على سبيل الختم من نقط معينة .ها هنا ،يمكن اعتبار القصص هل ثبت أن القصة هي انتقاء فكرة ،تكون القصيرة جدا الجديرة بهذه المواصفات ،بمثابة معها ك��ل مكونات ال��س��رد أم���ام محك التعبير، كوات على قدر كبير من التأمل واإلطاللة على ضمن إبداع سردي «إشكالي» وإستراتيجي يثير
14
اجلوبة -ربيع 1431هـ
أو تصلب أو ف��راغ خ��ال من التأمل ال��ذي يمنح
المدخالت لخلق مزيج ،على قدر كبير من الرؤيا ال��م��ت��ع��رق��ة؟ فلتتأمل ه���ذه ال��ق��ص��ة ك��ن��وع وليس
كجنس نفسها ،وتبحث لها عن ترسيخ من خالل المراجع: وقعها وأثرها ،لتكون سارية في اللغة والمتخيل
آنذاك يمكن الحديث ثانية عن بالغتها وفلسفتها في الحياة والكتابة .وهذا يعني أنها على نفس
عميق ،ونحن ننتظر عودتها على صفاء قصصي،
على غ��رار الصفاء الشعري ال��ذي ظل يطارده الشاعر محمود درويش في آخر حياته.
في آخر مسار هذا الطواف ،أستحضر ما قاله
•مجلة «قاف صاد» العدد 1سنة 2004م ،عن مجموعة البحث في القصة القصيرة بالدار البيضاء المغرب. •شهوة القصص «عن دار الحرف بالقنيطرة (المغرب)، محمد المنصور. •مجلة «م��ج��رة» ع��دد خ��اص بالقصة القصيرة جدا، عن دار البوكيلي للنشر بالقنيطرة (المغرب) خريف 2008م. •«أسئلة القصة القصيرة بالمغرب» عن مطبعة طوب بريس بالرباط المغرب ،محمد رمصيص.
م������������ل������������ف ال������������ع������������دد
األسئلة الحارقة في الحياة والكتابة دون انغالق
الكاتب والمفكر المغربي عبدالكبير الخطيبي في آخر حياته ،وإن في سياق آخر ،ما مضمونه :ال أح��ب الفن ال��س��اذج ،مقابل الفن العالم .بدوري أقول هنا :ال أحب القصة الساذجة والغافلة.
نصوص تقودنا إليها الفراشات أسئلة في (تقليدية القصة القصيرة جدا) > ليلى إبراهيم األحيدب -السعودية هل الكتابة دائرة أم مستطيل بزوايا أربع؟ وهل انتمت الكتابة لباب مستحيل الحل؟ لغ ٌز ال يمكن وضع إجابة واحدة له! هل يمكننا اختيار إجابة واحدة مما سبق؟! إجابة واحدة ال غير؟! إن كنت تراها مستطيال بزوايا أرب��ع ،فهي مجموعة م��ن ال��ق��واع��د واألط���ر ،ت��ب��دأ بنقطة وتمتد بخط طويل محدد ،وهي الشكل الذي ينتمي إليه الناظمون في الشعر ،المصنفون في الكتب ،الساردون الذين يكتبون القصص على شمعات ث�لاث ،م��ن ب��داي��ة وع��ق��دة وحل، الكتابة هنا تستلزم ق��ارئ��ا مستطيال أيضا، قارئاً يستوقفك ليقول إن هناك خلال في بحر المتدارك ،وخفوتاً في العقدة وخطأ علم ّياً في التصنيف ..وله الحق في ذلك.
بالكتابة نحو عوالم جديدة ،وسيظل مرتهنا للمسطرة األدبية القديمة.
وإن كنت تراها تنتمي لباب مستحيل الحل، لغز ال يمكن وض��ع إجابة واح��دة ل��ه ،فهي أو ٍ أحاجي تكشف حجبها للبعض ،وتمثل العماء بالنسبة لبعض آخر ،لها قوانين تشبه العقائد ال��ش��اذة التي تنشئ معابدها ف��ي الخفاء وال تطلع منتسبيها على أسفارها ،بل تطلب منهم إيمانا مطلقا ،لن تجد لها حال وال إجابة ،وهذا النوع من الكتابات قراؤها هُم كتابها أنفسهم، ال��ن��ص المستطيل ليس ل��ه أجنحة تحلق ينشرونها ليختبروا صبر القارئ فينا.
اجلوبة -ربيع 1431هـ 15
أما إن كنت تراها دائرة ..فهي فلك بمجرات ضخمة ،نجوم وكواكب ونيازك خاملة ،يتصل فيها الشعر بالنثر ،وال��ن��ص المفتوح بالنص ال��م��ؤط��ر ،القصة ال��وم��ض��ة بالقصة اللقطة، النثر بالشعر ،الشطري بالتفعلية ..ال شيء ينتهي ليبدأ ش��يء آخ��ر ..ال ش��يء يتخلق من رح��م ش��يء آخ���ر ،ليست التفعيلة اب��ن��ة كبرى للشطرية ،وليست قصيدة النثر االبنة الشاذة للوزن والقافية ..ليس ثمة قطيعة! أو تشظي أو عقوق ..كلها دوائر يفضي بعضها إلى بعض..
القصيرة ج��دا م��ن جهة أخ���رى ،وم��ا ل��م يكن خالق.. ٍ نص الكاتب ناضجا بما يكفي إلنجاز ٍّ فلن تكون كتابته إال مراوحة للشكل ليس إال. ما الفرق بين قصتين إحداهما قصيرة تطرح فكرتها بأسلوب تقليدي ..وتراكيب خالية من الجدة ،وأخرى قصيرة جدا تطرح ذات الفكرة بذات التقليدية! ولكن بعدد أقل من الكلمات؟! هل هو الشكل فحسب؟! فإن كان كذلك فبئس للنصوص التي تخلق أجنحتها من فلين هش!
الكتابة لذة ال يحسنها إال من تحرر من ربقة الشكل وهو يكتب ،ومن قيد المستطيل وهو فبعض هذه الدوائر مجرات المعة.. ينتج نصه .الكتابة لذة ال تعبر بدرجاتها السبع وبعضها نجوم صغيرة مشعة.. إال م��ن وج��د ف��ي روح��ه��ا مكانا لنصه ،وهذه وأخرى نيازك خاملة.. الرؤية لن تتأتى لكاتب يرى التجديد في كتابة وغيرها كواكب لها دورتها االعتيادية في قصة قصيرة جدا معتمدا على عدد الكلمات درب الكتابة ال التبانة طبعا! ال غير!
إذا كنا نظن أن قصيدة النثر مثال هي تطور للقصيدة العربية ..فهذا خطأ فادح؛ فقصيدة النثر شكل جديد من أشكال التعبير عن شعرية ما في نثر الكلمات والصور والتراكيب ،ال يمكن قياسها من قارئ يرى الكتابة مستطيلة الشكل! وال يمكن الركون أيضا لحكم متحمس للتجديد، يرى في التجديد كسراً للقوالب فحسب ،فهذا ال يقرأ النص إال بمسطرة أيضا .الكتابة نزوح نحو براريَ جديدة في المضامين واألشكال ،وما لم يلمس القارئ ذلك ..فهذا يعني أن الكتابة هل أضافوا جديدا لما سبق طرحه؟ تعاني من قطيعة ما ..كما أن القصة القصيرة هل جربوا قمصانا أشد شفافية؟ ج��دا أي��ض��ا ليست ت��ط��ورا نوعيا ف��ي السرد، هل حلقوا بالنص بستمائة جناح؟ إن��م��ا ه��ي شكل م��ن أش��ك��ال التعبير ،بعضهم يكتبها كمستطيل! بمعنى يكتب نصه ملتزما هل -وه��و األه��م -اعتمدوا على تجربة ب��ش��روط القصة القصيرة ج��دا ،لكنه يكتبها س��ردي��ة عميقة يمكن ال��رك��ون إل��ى فضاءاتها بروح قديمة ..روح مستطيلة ال تجديد فيها ،لتقديم شيء مختلف؟ أم أنهم كتبوا من فضاء وهذا هو مأزق قصيدة النثر من جهة والقصة يفضي إلى فضاء؟!
القصة القصيرة جدا ليست طفرة جينية طارئة ،هي شكل موجود عند أغلب من يكتبون القصة بنفس حديث ،تجدها في قصص جار الله الحميد ،وسعد الدوسري ،وعبد العزيز الصقعبي ،وجبير المليحان وغيرهم .إذاً ما ال���ذي ح��دث وجعلها تتجلى وكأنها ف��ن للتو يصعد عتبته األول��ى مع جيل األلفية الثانية م��ن ال��ك��ت��اب ال��ج��دد -ج��دي��د مرحليا وليس عمريا؟!!
16
اجلوبة -ربيع 1431هـ
ه���ل ف��ش��ل��وا ف���ي ك��ت��اب��ة ن���ص ط���وي���ل بال عثرات؟ واأله����م م��ن ه���ذا ك��ل��ه ك��ي��ف ي��ت��ع��اط��ون مع الكتابة؟ هل يتعاطون معها كقيد أم كمفاتيح لسموات ال سياج لها! هل يحضر شيطان العدد ويذكرهم بالحد األقصى! هل يتبدى لهم شيطان المفارقة ويذكرهم بأن عليهم أن يصدموا القارئ!
م������������ل������������ف ال������������ع������������دد
وجود هذه التجربة السردية مهم في تكوين رؤي��ة متجاوزة لما سبق ط��رح��ه ،ال يستطيع الكاتب أن يكسر قالبا لم يشارك في صنعه، وال يمكن لكاتب قصة قصيرة جدا أن يزعم أنه قادر على صياغة خطاباتها المتجاوزة.. وه��و ل��م ي��ج��اوز نصه القصير .عندما كتب ق��اس��م ح���داد ق��ص��ي��دة ال��ن��ث��ر ك���ان يبحث عن قميص جديد للكتابة ،آمن بوجود الشعرية في النثر ،وبحث عن نوافذ تقوده إليها الفراشات ال القوالب الجامدة ،ومعلوم سلفا أن قاسم حداد كتب الشطرية والتفعيلة قبال ..وما يزال يقدم أش��ك��اال ج��دي��دة ف��ي الكتابة ،وم��ا يقال عن قصيدة النثر يقال عن القصة القصيرة ج���دا ،فهل خ��رج ال��ك��ت��اب إل��ى ف��ض��اء القصة القصيرة جدا ..ألنهم جربوا القصة القصيرة واس��ت��ن��ف��دوا أدوات��ه��م فيها وأح��ب��وا أن يتبعوا فراشات النص؟
فيها ح��داث��ة ف��ي التقنيات ال��س��ردي��ة ،وال في اللغة ،وال في الفكرة .نصوص مرتهنة للتقليدية السردية ،نصوص مسيجة ومقيدة كمستطيل. نقرأها فنشعر بخواء اللغة ..واللغة في ظني هي المفتاح .كيف يمكننا أن نقرأ نصا قصصيا قصيرا ما يزال يستخدم التقاطعات التقليدية ذاتها بين المفردات؛ بمعنى أن الكاتب يكتب نصه معتمدا على اللغة السائدة والمتداولة، فاللغة عنده ال تصعد نحو تقاطعات جديدة.. وال تحفر عميقا لتطرح معنى جديدا ،وكي ال أك��ون حدية ف��ي طرحي أق��ر ب��وج��ود نصوص نصوص ٍ م��ت��ج��اوزة ع��ل��ى ال��م��س��ت��وى ال��م��ح��ل��ي، تشتغل على التجريب ف��ي ال��س��رد القصصي القصير جدا ،التجريب في شكل القصة وفي لغتها وفي أخيلتها ،تقرأ النص فتندهش من الفضاءات التي يقدمها النص ،وتعرف يقينا أن كاتبها أتى من تجربة سردية أصيلة وعميقة، ليست طارئة وال مؤقتة. ولكن كثيراً من موج القصة القصيرة جدا ب�لا ص��وت ،وال ل��ون ،وال رائ��ح��ة ،م��وج طارئ يفتقر لألصالة ،والخطيئة هنا ليست معلقة بعنق القصة القصيرة جدا ،بل بأولئك الذين يصفقون لنصوص هشة وتقليدية ،أولئك الذين يبيعون الوهم بنقد مستطيل ال يرى إال زوايا أربعاً للكتابة ،ولألسف ،فهذا الوهم تتغذى عليه كثير من األسماء الطارئة على المشهد، لكن قميص الكتابة ب��ريء م��ن دم النصوص الضعيفة والركيكة والتقليدية التي تظهر لتقول لنا هذا شكل جديد في الكتابة!
أعتقد أننا بحاجة إلى إعادة الفراشات إلى يقول عبدالله المتقي عن ال «ق .ق .ج» إنها حقل القصة القصيرة ج��دا ،الفراشات التي تكسر القوالب المستطيلة وتحط على الدائرة( ،طفلة مخنثة ما تزال تحبو) ..وهي كذلك عند وكثير ..كثير من القصص القصيرة جدا التي أولئك الذين ما يزالون يكتبون القصة اعتمادا أقرأها نصوص مستطيلة بزوايا ح��ادة ،ليس على مؤشر عدد الكلمات في أعلى الصفحة!
اجلوبة -ربيع 1431هـ 17
القصة القصيرة جدا
تقاطعات قصيدة النثر وإشكالية التجنيس > محمد جميل أحمد -السودان جاءت حداثة الشكل في القصة القصيرة جدا ،موازية لطبيعة الحياة وحراكها ،وما يناظر ذلك في عصر السرعة والصورة ،على نحو جعل من هذا الشكل الجديد في نص القصة القصيرة جدا ،تعبيرا جسد معنى الكتابة حين ال تصبح هامشا فقط؛ بل حين تواجه ضغط الحياة وكثافتها بمواكبة نظيرة له. هكذا ،حين نشأ هذا الفن القصصي الجديد ،أعمق في حيثيات أخرى لكل من الشكلين. كان يتقاطع مع شكل آخر للكتابة الشعرية هو وعلى الرغم من أن كل تجنيس لفن ما يضمن (قصيدة النثر)؛ نشأ هو أيضا ضمن حيثيات الهوية الخاصة لصورته األولى على امتداد النص، أخرى واكبت التحوالت الكبرى للحياة اإلنسانية مع بعض التقاطعات التي يستدعيها من الفنون ف��ي ال��ق��رن العشرين ،وم��ا ج��رى ف��ي أتونها من األخ���رى؛ إال أن��ن��ا حين نتأمل تلك المضارعة اهتزازات وتغييرات وثورات في المعرفة ،ونظرة بين القصة القصيرة جدا وقصيدة النثر ،نجد اإلنسان في العالم الحديث والحياة الصناعية تضييقا يوشك أن يجسر الفرق بينهما ،ويكاد وغير ذلك من التحوالت. يخفي الكثير من العالمات الفارقة. تنهض بنية القصة القصيرة جدا على التكثيف تقطير ٍ وإض��م��ار معنى الحكاية ،أو بؤرتها في شديد يقوم على الحذف والتجريد والمفارقة ٍ ضمن صناعة الدهشة التي ربما كانت من أهم تيماتها الدرامية.
فإذا كان النص الشعري يملك خاصية التكوين المدهش ،والقابل لالستعادة المتجددة في بنيته، بصورة ال تكتمل فيها لحظة اإلده��اش أب��دا إال ع��ن��د ن��ه��اي��ة ال���ق���راءة اللحظية ،بفعل عالقات المجاز التي تضخها المخيلة في معجم النص الجديد وكلماته ،فهذه التيمة ربما كانت التيمة الوحيدة التي تنهض كفرق ما وإن كان ال يخلو من شبه أيضا بين النص الشعري في قصيدة النثر وبين القصة القصيرة جدا.
إن طيف الحكاية المضمر ،وطريقة قولها المضغوطة في تجربة القصة القصيرة جدا هو ال��ذي يكاد أن يكون الخيط الرفيع المانع من تجنيسها في نسيج قصيدة النثر ،لكننا في الوقت نفسه حين نتأمل التيمة السردية في تقنيات وعلى مستوى القصة القصيرة جدا ،ربما كان قصيدة النثر ،وم��ا يصاحب ذل��ك م��ن عناوين هناك فرق آخر يجعل من اسمها (القصيرة جدا) التقطيع القصيرة في بعض نصوصها ،قد يلتبس عالمة دالة على كينونتها؛ لكن عالمة القص التي ال��وض��ع بين النصين بطريقة تستدعي تأمال يمكن أن تكون عنوانا لهويتها تنهض أيضا كدليل
18
اجلوبة -ربيع 1431هـ
في قصيدة النثر ينحو أسلوب النص بصورة عامة إلى شعرية التفاصيل ،وتجريد اليومي من ضغط التاريخ ،وتكثيف المعنى عبر انزياحات تتجاوز الوقوع في األفكار المجردة ،إلى تمثل ال��ح��واس كمنافذ للتعبير ،ون��س��ج ال��م��ج��از في صفاتها ضمن عالقات جديدة.
ه��ذه االل��ت��ب��اس��ات ف��ي عمومها تضمر بعدا عميقا للعملية اإلب��داع��ي��ة ،ال سيما ف��ي مجال الكتابة ..كما أنها في الوقت نفسه تختبر الذائقة بتجارب جديدة ال تحيل جدتها فقط على صعوبة التجنيس ،بل على هموم الكتابة الجديدة أيضا؛ في التفاصيل اليومية ،في الهاجس اإلنساني وبإمكان المتلقي أن يرصد التيمات السابقة للتعبير ،وكذلك في حيثيات التجربة الخاصة في بعض نماذج القصة القصيرة جدا ،وبصورة والترهين اللغوي الذي يؤشر على حداثة النص ت��دع��و إل���ى ال��ك��ث��ي��ر م���ن ال��ت��س��اؤل ح���ول حدود من جهة الشكل والمضمون معا. التجنيس الظاهرة بين هذين الشكلين الجماليين ربما للوهلة األولى يؤشر التقاطع بين الشكلين في الكتابة الحديثة. ع��ل��ى م��وض��وع��ة ال��ن��ص ال��م��ف��ت��وح ال��ت��ي دع���ا لها سنحاول استعراض بعض التيمات المشتركة بعض النقاد والمبدعين ،على خلفية التباسات بين قصيدة النثر وبين القصة القصيرة جدا التجنيس في فنون الكتابة اإلبداعية ،لكن نقاط في النصوص القصيرة التالية ،لكل من الشاعر التقاطع هنا ..ربما كانت نابعة من طبيعة الشكل اللبناني وديع سعادة ،والقاصة السودانية فاطمة الحديث لكل من الفنين (أي القصة القصيرة السنوسي. جدا ،وقصيدة النثر) من ناحية ،وهوية الكتابة يقول الشاعر وديع سعادة من قصيدة طويلة الجديدة وأسئلتها من ناحية أخرى. له(:)1 بالقطع هناك أسباب ثقافية إنسانية عابرة، (مر الورد ابني الحبيب ورجع وقال: نشأت من تنميط الحياة الصناعية والحداثة خلصني يا أزرق األرض وال��ع��ول��م��ة ال��ت��ي تخترق المجتمعات المختلفة يا أبيض الفراشة ب��ن��م��وذج ال��ح��ي��اة ال��ح��دي��ث��ة ون��زع��ة االستهالك واإلغ��راق في الفردية ،وهي بطبيعتها مكونات المكان يؤثث نفسه غربية لحياة ت��م تعويمها م��ن خ�لال التواصل **** واالن��ف��ج��ار ال����ذي ح���دث ف��ي ث����ورة المعلومات سأذهب إلى الغابة أقعد مع الحطابين واالت��ص��االت (االنفوميديا) ،وم��ا راف��ق ذل��ك من وبفأس دهشتهم صيرورات أخرى في السينما واإلعالم واإلنترنت؛
م������������ل������������ف ال������������ع������������دد
محتمل على الفرق من هذه الجهة .وفيما تقترن التيمات األخرى كالتكثيف والتقطيع والتصوير وال��ت��ج��ري��د ،وغ��ي��ره��ا ب��م��س��اح��ة م��ش��ت��رك��ة بين الشكلين المختلفين ،تظل بعض النصوص لكل منهما عصية على التجنيس لحساب أحدهما على اآلخر.
كل تلك الحيثيات تسير بالدفع نحو خلق صورة حياة قابلة للتعميم في خطوطها العريضة ،األمر الذي يجعل من طبيعة التعبير عنها في القصة القصيرة جدا ،وفي قصيدة النثر ،أهم العالمات الفنية ذات الداللة في هذا الخصوص.
اجلوبة -ربيع 1431هـ 19
أقطع أحالمي وأرميها في النار
يشكل فارقا ظاهريا في تجنيسها س��واء لجهة قصيدة النثر أو للقصة القصيرة جدا.
اليابس يقطع
وإذ تبدأ النصوص في كل من المقطعين بصيغ الفعل ،وتستثمر تيمات السرد كالحوار مثال ،فال ش��ك أن هناك م��ا يتجاوز هاتين التيمتين في النماذج السابقة ،ويذهب عميقا في تشكالت البينة الداللية واإليحائية لكل منهما ،فضال عن ذلك الهم اإلنساني الحميم حيال الذات والتعبير الفردي عن العوالم الخاصة.
يقول الحطابون **** مهما بدا طاهرا هذا الوجه إنه ملعب العائلة الذكرى ثلج ال يضمن الوقوف فوقه طويال
إرحل). هنا ،سنجد أنه ربما كان في هذه النصوص أم���ا ال��ق��اص��ة ال��س��ودان��ي��ة ف��اط��م��ة السنوسي ال��م��ج��زوءة وال��م��س��ت��ل��ة ع��ن س��ي��اق��ات��ه��ا الكاملة، (وهي واحدة من رائ��دات القصة القصيرة جدا ما ينهض كسؤال على أن نقض ه��ذه المقارنة في السودان) فتقول: المجزوءة ،يمكن أن يكون مفيدا لجهة الفرق بين (عبر منفذ صغير اقتحمت حياته الشكلين عند اإلحالة إلى النصوص الكلية ،ومن دخلت عالمه الرحب ثم تأمل جوانب االختالف بطريقة ربما كانت أكثر منهجية. استغرقتني كنوزه ضاعت مني بوابة الخروج **** تحاببنا بصدق توحدنا سألني صورتي
وم��ع أن تمثل مثل ه��ذه المقارنة يقع ضمن الشروط المعرفية للنقد ،إال أن شبهة التجنيس تظل واردة في النصوص والمقطوعات القصيرة، األم���ر ال���ذي يجعل م��ن ذائ��ق��ة المتلقي العادي تميل إلى الوقوع في شبهة االلتباس والتجنيس ال��م��ش��ك��ك ل��ح��س��اب ال��ش��ك��ل��ي��ن م��ع��ا ،وبطريقة مضطردة منعكسة أيضا.
فأعطيته المرآة! ثمة بالطبع م��ا ي��ؤش��ر على تفاصيل أخرى **** لجهة الفروق من خالل تعميق النظر في ما وراء خلعت ثوب عافيتي النصوص ،ومقاربة البنية الداللية واإليحائية ألنشره عليك بالعودة إلى النصوص الكلية .لكن هذا االختالف سيطرح أسئلة أخ��رى؛ فالبحث عن االختالف ما وجدتك في الشكلين ،سينطوي على طريقة تختبر فروق صار في الدنيا مريضان)(!)2 الشكلين في هامش ضيق ،كما أن��ه سيقع إزاء **** ب��ع��ض اإلش���ك���االت ال��ت��ي تسمح ب��ت��م��دد ك��ل من في هذه النصوص شبه غياب لما يمكن أن الشكلين تجاه اآلخر؛ على خلفية غياب التعريفات
20
اجلوبة -ربيع 1431هـ
م������������ل������������ف ال������������ع������������دد
الجامعة المانعة ال سيما ف��ي تعريف الشعر ،للتكثيف والضغط والتقشف في الكلمات ،وهنا تقترب من منطقة الشعر ،ال سيما في نموذج وينسحب ذلك على تعريف السرد أيضا!؟ وهكذا ،ربما كانت تيمة الموقف والحالة هي قصيدة النثر. هكذا نجد أنفسنا أمام (قناع جانوس) عند القاسم المشترك في النصوص القصيرة لقصيدة النثر ونماذج القصة القصيرة جدا .لكن الحديث ال��غ��وص عميقا ف��ي حيثيات ال��ت��ق��اط��ع ب��ي��ن كل عن مفهوم الموقف والحالة سيتجاوز بنا قصيدة من القصة القصيرة جدا وقصيدة النثر .فثمة النثر إلى سؤال الشعر من حيث هو شعر ،أي من وج��ه��ان للتشابه يحيل ك��ل واح���د منهما على حيث كونه حالة تعبير تقوم أص�لا على ضغط اآلخ��ر تماما كوجه اإلل��ه جانوس في األسطورة النص مهما طال في عالقات خيالية تجعل من الرومانية .ولعل األمر الذي يفرضه هذا التقاطع نسيج الكلمات صفة للشعرية ،كمعمار يقوم على بين الشكلين على مستوى القصر ومحدودية قابلية التيمة السماعية والقرائية التي تجعل الكلمات ،سيقتصر بالضرورة على بعض نماذج من النص الشعري يتجدد تجددا لحظيا أثناء قصيدة النثر ،أي تلك التي تتشكل في مقطوعات القراءة والسماع بصورة ال متناهية ،ليس لمجرد صغيرة يصعب التفريق بينها عند ذل��ك ..وبين كونه أث��را فنيا فحسب ،بل أيضا لكونه يمتلك القصة القصيرة جدا. وبالعودة إلى النموذجين ،ربما وجدنا فروقاً تلك القدرة الخاصة على صناعة الدهشة ..عبر تكثيف الطاقة اإليحائية والسحرية التي تتولد أخ��رى للخصائص النوعية تظهر على نحو ما، من عالقة الكلمات ببعضها ،عند إعادة إيجادها في سياق ذل��ك التشابه كعالمات على إمكانية في عالم خاص ال يمكن االستمتاع به إال حين تتم وجود بذرة األصل النوعي لكل من الجنسين .أي بين الواقع كفضاء للسرد ،وبين الخيال كفضاء استعادة قراءته وسماعه مرات ومرات. للشعر على مستوى البصمة األول���ى لكل من وعلى الرغم من هذه الشعرية العالية التي الشكلين ،كما بين صيغ الفعل بالنسبة للسرد، تنطوي عليها تجربة القصة القصيرة جدا، وصيغ اإلن��ش��اء بخصوص الشعر .ففي نهايات إال أن��ه ربما ك��ان السبب أيضا فيما يمنح تلك نصوص الشاعر وديع سعادة نجد سيادة لإلنشاء الحالة والموقف في القصة القصيرة جدا جدوى في بنية الجملة بطريقة تقارب التلخيص في شرعيتها؛ فكلما طال السرد في النص ..اتضح المعنى( :المكان يؤثث نفسه) (اليابس يقطع) المعنى الفني بصورة تصبح فيها قابلية القراءة (الذكرى ثلج ال يضمن الوقوف فوقه طويال).. واالستمتاع محدودة جدا ،لمرة أو مرتين أو حتى فيما نجد ن��ه��اي��ات ن��ص��وص فاطمة السنوسي ث�لاث م��رات على األك��ث��ر .أي أن هناك عالقة حضورا لألفعال ك��دوال على ما يمكن أن يكون مضطردة منعكسة بين طول النص السردي من بمثابة خاتمة درامية للنص( :ضاعت مني بوابة ناحية ،ووضوح معناه من ناحية أخرى. ال��خ��روج) (فأعطيته ال��م��رآة) (ص��ار ف��ي الدنيا لكن حين تنحو القصة القصيرة ج��دا على مريضان) .كذلك سنجد ثمة حضور للواقع الذي عكس ما يجعل معنى السرد واضحا ،أي حين ه��و ف��ض��اء ال��س��رد ف��ي نهايات ن��ص��وص فاطمة تنحو للقصر ال��ش��دي��د ..فهي تلجأ بالضرورة ال��س��ن��وس��ي ،على حين أن��ن��ا نجد ح��ض��ورا قويا
اجلوبة -ربيع 1431هـ 21
للصورة الخيالية والتجريدية في نهايات نصوص
انفتاح تعريفه ،الذي يتسع لمستويات أخرى من
وديع سعادة.
الكتابة اإلبداعية كالقصة القصيرة ج��دا ،دون
ه��ك��ذا ،رب��م��ا ك��ان��ت إشكالية التجنيس بين القصة القصيرة جدا وبعض نماذج قصيدة النثر،
أن يعني ذلك غيابا مطلقا للخصائص النوعية األول��ى لكل من الشكلين؛ ودون أن يكون تعبيرا
تقع في ذلك الحيز الذي يسمح به الشعر لناحية عن ما يسمى عند بعض النقاد بالنص المفتوح.
القصة القصيرة جدا في ضوء النقد > محمود العزازمة -األردن
الميالد والنشأة يع ُّد آرنست همنجواي( )3أول من أطلق مصطلح «القصة القصيرة جداً» على إحدى قصصه عام 1925م ،إذ كتب قصة قصيرة جدا تتألف من ست كلمات فقط ،هي« :للبيع ،حذاء لطفل ،لم يلبس قط» ،وكان يعدها أعظم ما كتب في تاريخه اإلبداعي .وكان صدور كتاب انفعاالت للفرنسية (ناتالي ساروت)( )4عام 1938م ،فاتح ًة أولى أثارت الجدل حول فنٍّ سرديّ جديد أقرب ما يكون إلى فن القصة القصيرة ،وأول ترجمة عربية للكتاب كانت على يد الباحث المصري فتحي العشري عام 1971م .ث ّم تناوبت الدراسات والمقاالت التي تتناول القصة القصيرة جداً على تسمية كتاب «انفعاالت» لنتالي ساروت بالقصص القصيرة جداً .ولع ّل السبب في ذلك يعود إلى مترجم كتاب «انفعاالت» الذي وضع عنوان الكتاب «قصص قصيرة جداً». ويرى الناقد العراقي نجاح الجبيلي أنّ الكاتبة
الفرنسية س���اروت ل��م تقصد أن ي��ك��ون كتابها
وي��رى الناقد نجم عبدالله كاظم أن القصة
صر ..بما القصيرة جدا أول ما تتسم به صفة القِ َ
قصصا قصيرة جدا ،إذ لم يتبلور هذا الصنف يعني اختالفها عن الرواية في البعد الذي أطلق ال حينذاك في الغرب ،ولم يكن معروفاً في التراث عليه أرسطو الحجم ،وإن كان القصر ليس عام ً القصصي الفرنسي ،بل إن الكتاب حين انتشر
في الغرب كان يطلق عليه مسميات عديدة ..مثل
وأط��ل��ق ال��ق��اص المصري يوسف الشاروني
ما يؤكد أن «انفعاالت» ليست قصصاً قصيرة
بمعنى أن قصصه هذه أكثر قصراً من القصص
«ان��ف��ع��االت» ب��ـ ال��رواي��ة ف��ي ق��ول��ه« :ك��ذل��ك نتالي
إال إلى وقت قصير لقراءتها .ومن قصصه:
عام 1938م»(.)5
ام���رأة» ع��ام 1960م ،و«ال���زح���ام» ع��ام 1969م،
«القصة الومضة» و«القصة الصدمة» وغيرهما،
على بعض قصصه تعبير «قصص في دقائق».
ج��داً .ويذهب الكاتب نهاد التكرلي إلى تسمية
القصيرة االع��ت��ي��ادي��ة ،وبالتالي فهي ال تحتاج
ساروت التي يعود تاريخ روايتها (انتحاءات) إلى
22
رئيساً في تحديد هذا المصطلح.
اجلوبة -ربيع 1431هـ
()6
«العشاق الخمسة» ع��ام 1954م ،و«رس��ال��ة إلى
وي��ورد الناقد العراقي هيثم بهنام ب��ردى في مقالة له بعنوان« :قصاصون سريان :نكتب على موقد النار» أن القاص العراقي نوئيل رسام هو أول من أطلق مصطلح قصة قصيرة جدا عام 1930م على بعض قصصه التي نشرها في مجلة «البالد» العراقية. أم��ا تجربة ال��ق��اص اللبناني توفيق يوسف عواد ،فتشير إلى أنه أصدر مجموعته القصصية «العذارى» عام 1944م ،وضمت قصصا قصيرة جدا ،غير أنه أطلق عليها اسم« :حكايات».
فقال أحدُهما :أنا أتمنّى قطائع غنم أنتف ُع بلبنِها ولحمها وصوفِ ها. ��اب أرسل ُها وقال اآلخ��ر :أنا أتمنّى قطائ َع ذئ ٍ على غَ نمِ كَ حتى ال تتركَ منها شيئاً..
م������������ل������������ف ال������������ع������������دد
و«الكراسي الموسيقية» وغيرها.
«حُ كي أن أحمقيْنِ اصطحبا في طريق ،فقال أحدهما لآلخر :تعا َل نتمنَّ على الله ،فإنَّ الطري َق تُقط ُع بالحديث.
قال :ويحكَ ! أهذا من حقِّ الصحبةِ وحُ رمة العشرةِ؟! اصما ،واش��ت��دّ ت الخصوم ُة فتصايَحا ،وتَخَ َ تراضيَا على َ بينهما حتى تماسكا باألطواق ،ث َّم أنَّ أو َل م�� ْن يطل ُع عليهما يكو ُن حكَماً بيْنهما، بحمار عليهِ زقَّانِ م ْن عسل، ٍ فطلع عليهما شي ٌخ فحدّثاه بحديثِهما ،فنزل بال ّزقّين وفتحهما حتى ص َّب الل ُه دمي سال العسل على التراب ،وقالَ : مث َل هذا العسلِ إ ْن ل ْم تكونا أحمقين!».
وي��رج��ع ال��ن��اق��د ب��اس��م عبدالحميد حمودي ب��داي��ة ظهور ه��ذا الفن إل��ى ب��داي��ة األربعينيات من القرن الماضي ،إذ نُشرت قصص قصيرة ج���دا ،ث��م تالحقت ال��ت��ج��ارب حتى بلغت درجة كبيرة من النضج الفني في مرحلتي الستينيات والسبعينيات ،ويذكر أن بثينة الناصري من العراق، وي������رى أن ه�����ذا ال���ف���ن ظ���ه���ر ب���ع���د سقوط نشرت مجموعتها (حدوة حصان) الصادرة عام األيديولوجيات الكبرى, ليعبر عن اإلنسان العربي 1974م ،وأط��ل��ق��ت على إح���دى قصصها اسم: العادي (الذي كان يعبر عنه الخبر في التراث)، «ق��ص��ة قصيرة ج���دا» .ث�� ّم نَ��شَ �� َر ال��ق��اص خالد ويؤكد على القيم اإلنسانية التي تنطوي عليها حبيب الراوي خمس قصص قصيرة جدا ضمن الكتابة الصادقة, التي تتشوق للعدل والحرية, مجموعته «القطار الليلي» الصادرة عام 1975م، وتنحاز إلى المظلومين والهامشيين ،وتحاول أن ثم ت�لاه عبدالرحمن مجيد الربيعي ،ث�� ّم جمعة تغمس مدادها في جراح مجتمعها لتكشف عن الالمي وأحمد خلف وإبراهيم أحمد. األدواء السياسية واالجتماعية التي تستشري، أما الناقد حسين علي محمد؛ فير ُّد القصة وتصور الهامشيين الذين آن لهم أن ينتصفوا في القصيرة ج��دا إل��ى أص��ول تراثية ،وي��رى ظهور شعرية شفيفة ،أو سخرية مُخادعة تستطيع أن هذا الفن تطويراً لفن الخبر في التراث العربي تنجو بهما دائماً من القمع والمصادرة. القديم؛ وبخاصة تلك األخبار التي كانت تجمع المصطلح بين السخرية والمُفارقة ،ومنها ما جاء في كتاب «المستطرف في كل فن مستظرف» لألبشيهي، يتمحور مصطلح القصة القصيرة جدا حول ويذكر عددا من األمثلة ومنها هذا النموذج: مفهوم القصر؛ القصة تؤكد أسماء كثيرة مثل:
اجلوبة -ربيع 1431هـ 23
أقصوصة ،ومضة ،حكاية ،شذرة ،مشهد ،لقطة، ث��م يتبعها كلمة (ق��ص��ي��رة) .وي��ب��دو أنّ القصر والسرعة ،هما سمتا هذا العصر ،وعليه يمكن أن ينعكس األم��ر على القول ال��س��ردي .كما أن األدب نفسه وعبر تاريخه الطويل ،كان وال يزال في ص��راع دائ��م مع األشكال واألن��واع والقوالب واإلط��ارات ،بغية تجديد نفسه وتحسين أدائه. ويمكن مالحظة أن القصة القصيرة جدا تعتني أكثر من غيرها من أشكال األدب بـ :التكثيف، والقصر ،واإليجاز ،والحذف ،واإلضمار واإليحاء، وال��ت��ن��اص ،والتخريف األس��ط��وري ،والمفارقة، واألسلبة ،والباروديا ،والسخرية والفانطاستيك وت��ش��غ��ي��ل ال��م��س��ت��ن��س��خ��ات ،واس���ت���خ���دام التوتر الدرامي ،وتراكب الجمل ،واإلده��اش ،واالنزياح وال���ج���رأة وال��ت��ش��وي��ق ،وال��ت��ل��غ��ي��ز ،والشاعرية، والقصصية ،وتخييب أفق انتظار القارئ ،والتفنن في التلوين الترقيمي.
وال��ت��ج��ري��ب واإلب�����داع وال��ت��م��رد ع��ل��ى ك��ل م��ا هو ثابت ،وم��واق��ف متحفظة في آرائ��ه��ا وقراراتها التقويمية ،تشبه مواقف فرقة المرجئة في علم الكالم العربي القديم ،تترقب نتائج هذا الجنس األدب���ي ال��ج��دي��د ،وك��ي��ف سيستوي ف��ي الساحة الثقافية العربية ،وم��اذا سينتج عن ظهوره من ردود فعل ،وال تطرح رأيها بصراحة إال بعد أن يتمكن هذا الجنس من فرض وجوده ،ويتمكن من إثبات نفسه داخل أرضية األجناس األدبية وحقل اإلبداع والنقد.
وي��رى الناقد جميل ح��م��داوي أن هناك من يرفض ف��ن القصة القصيرة ج��دا ،وال يعترف ب��م��ش��روع��ي��ت��ه ،ألن���ه ي��ع��ارض م��ق��وم��ات الجنس السردي بكل أنواعه وأنماطه ،وهناك من يدافع عن هذا الفن األدبي المستحدث ،تشجيعا وكتابة وتقريضا ون��ق��دا وتقويما؛ قصد أن يحل هذا المولود في مكانه الالئق به بين كل األجناس ورب��م��ا ه��ذه األش��ك��ال ت��ب��دو أك��ث��ر ق���درة على األدب��ي��ة ال��م��وج��ودة داخ��ل شبكة نظرية األدب. تحديد جنس القصة القصيرة جدا ،ذلك أنه من وهناك من يتريث وال يريد أن يبدي رأي��ه بكل الصعب أن تظهر في أي جنس أدبي آخر بذات جرأة وشجاعة ،وينتظر الفرصة المناسبة ليعلن رأيه بكل صراحة سلبا أو إيجابا. الوضوح كما في القصة القصيرة جدا. ويؤكد الناقد حمداوي أنه يعترف بهذا الفن موقف النقد األدبي الجديد ويعدّه مكسبا مهما ال غنى عنه ،وأنه يرى الناقد جميل حمداوي أن مواقف النقاد من إفرازات الحياة المعاصرة المعقدة التي تتسم من القصة القصيرة ج��دا انحصرت في ثالثة بالسرعة والطابع التنافسي المادي والمعنوي من مواقف مختلفة ،وهي ذات المواقف التي أفرزها أجل تحقيق كينونة اإلنسان وإثباتها بكل السبل الشعر التفعيلي ،ثم قصيدة النثر ،بل يفرضها الكفيلة لذلك .كما يؤكد على أن دراسات كثيرة كل مولود أدب��ي جديد وح��داث��ي؛ ما يترتب عن انصبت على فن القصة القصيرة جدا ،بالتعريف ذلك ظهور مواقف محافظة تدافع عن األصالة والدراسة والتقويم والتوجيه ،ومن أهمها كتاب وتتخوف من كل ما هو حداثي وتجريبي جديد ،أحمد جاسم الحسين «القصة القصيرة جدا ومواقف النقاد الحداثيين الذين يرحبون بكل 1997م» ،وكتاب محمد محيي الدين مينو «فن الكتابات الثورية الجديدة التي تنزع نحو التغيير القصة القصيرة ،مقاربات أول���ى2000:م» ،دون
24
اجلوبة -ربيع 1431هـ
م������������ل������������ف ال������������ع������������دد
نسيان الدراسات األدبية القيمة التي تصدى لها عن طريق جمل قصيرة موحية دالة ،تترك القارئ كثير من الدارسين العرب ،مثل حسن المودن ليتصور ،ويجول بخياله ويضع الكالم المسكوت ف��ي م��ق��ال��ه ال��ق��ي��م« :ش��ع��ري��ة ال��ق��ص��ة القصيرة عنه. جدا» المنشور في عدة مواقع رقمية الكترونية ك��م��ا ج���رت م��ق��ارب��ة ال��ق��ص��ة ال��ق��ص��ي��رة جدا ك��دروب وال��ف��وان��ي��س ...ومحمد علي سعيد في بمفاهيم النقد ال��روائ��ي ،أو بمكونات القصة دراسته «ح��ول القصة القصيرة ج��دا» ،وحسين القصيرة ،أو على ض��وء مناهج نقدية تأويلية علي محمد في «القصة القصيرة جدا ،قراءة في خارجية ،كالمنهج النفسي ،أو المنهج االجتماعي، التشكيل والرؤية» ،وعدنان كنفاني في «القصة أو المنهج الفني ،أو المنهج التأثري االنطباعي، القصيرة جدا ،إشكالية في النص أم جدلية حول أو يتسلحون ب���أدوات الشكالنية ال��روس��ي��ة ،أو المصطلح ،»! ..وي��وس��ف حطيني ف��ي «القصة بتقنيات النقد ال��ج��دي��د ،كما ل��دى (أالن روب القصيرة جدا عند زكريا تامر» وغير ذلك من غرييه) و(ج���ان ري��ك��اردو)و(م��ي��ش��ي��ل ب��وت��ور) ،أو الدراسات النقدية. االنطالق من آليات البنيوية السردية كما عند
ويرى الناقد عبدالغني فوزي أن بنية القصة القصيرة ج��دا ه��ي بنية غير ثابتة أو نمطية؛ وفي المقابل ،فإنها زئبقية منفتحة على الشعر، واألس��اط��ي��ر ،وف��ن المقال؛ غير أن لكلٍّ منهجه في التكثيف والقصر .وعليه ،فالقصة تأخذ من الشعر انزياحه لتصوبه تجاه مكونات سردية، فيحصل التبئير وتقضيم تلك المكونات .وهو م��ا يوجد المشهدية ،ف��ي سبك حكائي يسعى لتقديم النواة ع��وض التجليات .كما أن شكلها البصري ،وسرعتها الداخلية قد يخلقان مجانية متنام ،تبعا لعنف الحالة ٍ منتظمة بخيط درامي أو المشهد .إن��ه خيط درام���ي ق��د يفيض على القصة القصيرة جدا ،ويسقط في ذاك البياض الذي ال يقال ليخبر ،بل يمتد في أسفل؛ ليشد قدر كبير من اإلماءة هذه القصة لنواة ما على ٍ وهناك في المقابل ،دراس��ات نقدية حاولت واإلشارة الذكيتين. مقاربة القصة القصيرة جدا بأدوات هذا الجنس وترى هيام عبدالهادي أن القصص القصيرة األدبي الجديد ،وبمفاهيمه النظرية والتطبيقية جدا قصص تميل إلى التجديد من خالل الجملة كما هو حال كتاب« :القصة القصيرة جدا» ألحمد المكثفة ،واللغة الشاعرية ،وب��ذل��ك يمكن في جاسم ال��ح��س��ي��ن( ،)8وك��ت��اب« :القصة القصيرة بضعة أسطر قول ووصف ما يفرد له صفحات ،جدا بين النظرية والتطبيق» ليوسف حطيني(،)9 (روالن بارت) و(فليب هامون)و(جوليا كريستيفا) أو (كلود بريموند) أو (جيرار جنيت) ،فيشرع هؤالء النقاد العرب المعاصرون -كما يرى الناقد جميل ح��م��داوي -في الحديث عن القصة ،من خ�ل�ال ال��ت��رك��ي��ز ع��ل��ى األح����داث والشخصيات، والفضاء المكاني والزماني ،وبعد ذلك ،ينتقلون إل���ى دراس����ة ال��خ��ط��اب بالتركيز ع��ل��ى ال����راوي، والمنظور ال��س��ردي ،ودراس��ة الوصف والصيغة التعبيرية والتزمين السردي ،كما هو الشأن مع الناقد التونسي عبدالدائم السالمي ،الذي قارب قصص المبدعين المغربيين :عبدالله المتقي ومصطفى لغتيري ،على ضوء المقاربة السردية ف��ي ك��ت��اب��ه ال��ق��ي��م «ش��ع��ري��ة ال���واق���ع ف��ي القصة القصيرة جدا»(.)7
اجلوبة -ربيع 1431هـ 25
وكتاب« :الماكرو تخييل في القصة القصيرة جدا بالمغرب» لعبد العاطي الزياني( ،)10وكتابا «القصة القصيرة جدا بالمغرب»( ،)11و«خصائص القصة القصيرة جدا عند الكاتب السعودي حسن علي بطران» لجميل حمداوي(.)12
من يعتبـرها كتابة مجانية ال تفضي إل��ى شيء. والحال أن القصة القصيرة ج��داً عبـر نماذجها السيئة ،تشجع على توجيه االت��ه��ام��ات لها ،في حين أن الكثير من الكتابات التي توصف بأنها قصص قصيرة جداً ..تسقط في هوة االتهامات التي يوجهها بعض النقاد .حيث تجد تسطيحاً، وتجد الغموض حيث انعدام شروط كتابة القصة القصيرة ج���داً ،وأح��ي��ان��اً تجد أن��ك ت��ق��رأ مقالة مكثفة ج���داً ال ق��ص��ة ق��ص��ي��رة ج����داً ،أع��ت��ق��د أن هنالك نماذج قليلة في األدب العربي الحديث ال��ت��ي يمكن أن نطلق عليها اس��م قصة قصيرة جداً ،ففي القصة القصيرة جداً ال بد من توافر الحدث القصصي ..حتى وإن كان ومضة سريعة، ألنه من دون حدث ..ال يمكن أن تجد ما ترويه، وبذلك تفتقد منذ اللحظة األولى أهم شرط من شروطها ،كذلك ينبغي توفر عنصر التكثيف في اللغة ،واالقتصاد الشديد فيها ،وإال لماذا نكتب قصة قصيرة جداً ما دمنا نرغب في االستطراد، كما ال بد من قدر ما من الشاعرية التي تحقق ارتفاعاً ملموساً بالعنصر اللغوي أثناء القص .وال بد من توافر عنصر المفارقة واإلدهاش والنهاية المحكمة التي ينبغي لها أن تفاجئ القارئ ..وقد تصدمه .ويمكن للقصة القصيرة جداً أن تعكس هموم اإلنسان العربي المعاصر ،وأن تجسد أهم وأعمق اللحظات اإلنسانية في حياته .ولكن علينا أال نتوقع منها (بسبب القصر والكثافة) أن تقدم شرحاً مستفيضاً لمشكالت الواقع العربي(.)13
يرى القاص محمود شقير أنّ القصة القصيرة ج��داً م��ا ت��زال تتعرض إل��ى ن��وع م��ن إن��ك��ار بعض ال��ن��ق��اد ل��ه��ا ،حيث يعتبـرونها غريبة ع��ن جنس القصة القصيرة ،وبعضهم يعتبـرها مجرد خواطر وجدانية ،وآخرون يلحقونها بقصيدة النثر ،وثمة
ويبدو أن لجوء كتاب القصة إلى هذا الفن، ليس ألنها أقل طوال من القصة القصيرة األم ،بل لقيمتها الفنية أوال ،ومهارة كاتبها ثانيا ،ذلك أن القاص ال بد أن يتعامل بمهارة ،وبطريقة البناء واختزال الحدث ،واالشتغال على مساحة أقل ال
ويطرح الناقد الحمداوي رؤي��ة نقدية جديدة ل��م��ق��ارب��ة ال��ق��ص��ة ال��ق��ص��ي��رة ج���دا ،وق���د سماها: «ال��م��ق��ارب��ة ال��م��ي��ك��روس��ردي��ة»؛ لكونها تتعامل مع المكونات الداخلية للقصة القصيرة جدا وشروطها ال��خ��ارج��ي��ة م��ع االن��ف��ت��اح على م��ك��ون��ات األجناس األدبية األخ��رى ،وهي من ال��رؤى النقدية الرائدة والجديدة في حقل نقد القصة القصيرة جدا.
رواد القصة القصيرة جدا من أهم رواد القصة القصيرة ج��دا :محمود شقير ،وفاروق مواسي من فلسطين ،وفخري قعوار من األردن ،وزكريا تامر ،ومحمد الحاج صالح، وعزت السيد أحمد ،وعدنان محمد ،ونور الدين الهاشمي ،وجمانة ط��ه ،وانتصار بعلة ،ومحمد منصور ،وإبراهيم خريط ،وفوزية جمعة المرعي م��ن س��وري��ا .وم��ن المغرب حسن ب��رط��ال وسعيد منتسب ،وعبد الله المتقي ،وفاطمة بوزيان .ومن تونس إب��راه��ي��م درغ��وث��ي .وم��ن السعودية جبير المليحان وفهد المصبح ،وم��ن األدب��اء الشباب: طاهر الزارعي ،وعلي المجنوني ،وشيمة الشمري، وخالد المرضي الغامدي ،وحسن الشجرة ،ومريم الحسن ،وناصر الجاسم وغيرهم.
26
اجلوبة -ربيع 1431هـ
على صناعة القصة بنجاح .وربما تكمن صعوبة
في الختام يمكن القول :إن القصة القصيرة
عناصره ومقوماته ،ويدقق ما يكتبه كما يقول
ص��راع مرير حتى يتمكن منه ،غير أنها خطت
إلى أقصى حد».
ك��غ��ي��ره��ا م��ن األن���م���اط األدب���ي���ة أج��ي��اال عديدة
المعاني الكبيرة التي تختصر السرد ،والقدرة التأمل والتأني في إطالق األحكام على اإلبداع.
ه��ذا ال��ف��ن ف��ي أن كاتبه يجب أن يعي حقيقة
ج��دا كائن زئبقي ،ي���راوغ بين ي��دي المبدع في
باشالر« :المؤلف يجب أن يكون قارئا متيقظا
في الوطن العربي خطوات مشجعة ،وستشهد
وال ب ّد من مالحظة أن النقد القصصي العربي
في المستقبل ،وال بد أنها ستنتقل من مرحلة
يمر بخمول نسبي ،قد يكون متأتيا من ظاهرة
البدايات إلى مرحلة النضوج الفعلية ،وتصل إلى
مقطع من قصيدة :ليس للمساء إخوة وديع سعادة- األعمال الشعرية -طبعة دار النهضة العربية بيروت 2008م. قصص قصيرة ج��دا :فاطمة السنوسي من كتاب «غ��اب��ة صغيرة» (أنطلوجيا القصة القصيرة في السودان) إعداد وتحرير الشاعر السوداني نصار ال��ح��اج إص����دار م��ن��ش��ورات ال��ب��ي��ت وزارة الثقافة الجزائرية 2009م. آرنست ميلر همنجواي ،كاتب أمريكي ،ع��اش بين ( 1961 - 1899م) يعد من أه��م الروائيين وكتاب القصة األمريكيين .لقب ب��ـ «ب��اب��ا» .وغلبت عليه النظرة السوداوية للعالم في البداية ،غير أنه عاد ليجدد أفكاره ،فعمل على تمجيد القوة النفسية لعقل اإلن��س��ان في رواي��ات��ه ،غالبا ما تصور أعماله هذه القوة وهي تتحدى القوى الطبيعية األخرى في صراع ثنائي ،وفي طقس من العزلة واالنطوائية .شارك في الحرب العالمية األولى والثانية ،إذ خدم على سفينة حربية أم��ري��ك��ي��ة،ك��ان��ت مهمتها إغ���راق الغواصات األلمانية ,وحصل في كل من الحربين على أوسمة، وتأثر بأجواء الحرب ونقلها عبر إبداعاته السردية. ن��ات��ال��ي س���اروت،أدي���ب���ة ف��رن��س��ي��ة ،ول����دت ف��ي بلدة (إيفانوفا) بروسيا ,وبعد عامين من مولدها استقرّت ف��ي فرنسا ،ون��ال��ت إج���ازة ف��ي ال��ح��ق��وق ،ث��م عملت بالمحاماة حتى عام 938م ،وهو العام الذي نشرت فيه مؤلّفها (ان��ف��ع��االت) ال��ذي يحتوي ( )24قطعة أدبية.
نهاد التكرلي ،الرواية الفرنسية الجديدة جـ 1الموسوعة الصغيرة ص 166دار الشؤون الثقافية 1985م. مجلة األقالم ،بغداد ،العدد 1988/11/10م( ،القصة الواقعية القصيرة ج���داً ،ع��ن المصطلح والصورة التاريخية). ع��ب��دال��دائ��م ال��س�لام��ي :شعرية ال��واق��ع ف��ي القصة القصيرة جدا (قصص عبدالله المتقي ومصطفى لغتيري أنموذجا) ،منشورات أج��راس ،مطبعة دار القرويين ،الدار البيضاء ،الطبعة األولى2007 ،م. أحمد جاسم الحسين :القصة القصيرة ج��دا ،دار عكرمة ،دمشق ،سوريا ،الطبعة األولى سنة 1997م. يوسف الحطيني :القصة القصيرة جدا بين النظرية والتطبيق ،مطبعة اليازجي ،دمشق ،الطبعة األولى سنة 2004م. عبدالعاطي ال��زي��ان��ي :الماكروتخييل ف��ي القصة القصيرة جدا بالمغرب ،منشورات مقاربات ،آسفي، الطبعة األولى سنة 2009م. جميل ح��م��داوي :القصة القصيرة ج��دا بالمغرب، م��ن��ش��ورات م��ق��ارب��ات ،آس��ف��ي ،الطبعة األول���ى سنة 2009م. جميل ح��م��داوي :خصائص القصة القصيرة جدا عند الكاتب السعودي حسن علي بطران (دراسات ن��ق��دي��ة) ،دار السمطي للنشر واإلع��ل�ام ،القاهرة، مصر ،الطبعة األولى 2009م. لقاء مع الكاتب محمود شقير ،أعده الشاعر عمر أبو الهيجاء،جريدة الدستور األردنية.
ت��أخ��ر النقد ع��ن اللحاق بالتجارب اإلبداعية ( )1
( )2
( )3
( )4
م������������ل������������ف ال������������ع������������دد
تحتمل المناورة من المفردات التي ت��ؤدي إلى
المتسارعة ،كون النقد بطبيعته الفنية ،يميل إلى
مرحلة اكتشاف الذات والهوية. ( )5 ( )6
( )7
( )8 ( )9
( )10
( )11
( )12
( )13
اجلوبة -ربيع 1431هـ 27
دراسة في..
التجربة القصصية اجلديدة في املغرب
> عبدالرحيم اخلصار*
لقد تحوّل المغرب اليوم إلى واحد من أبرز البلدان العربية في كتابة القصة القصيرة؛ فبرز في هذا المجال عدد من الكتّاب عبر مختلف األج��ي��ال ،مثل :ابراهيم بوعلو ،وعبد الجبار السحيمي ،وعبدالمجيد بنجلون ،وخناثة بنونة، ومحمد زف����زاف ،وإدري����س ال��خ��وري ،ومحمد ش��ك��ري ،وم��ح��م��د ع��زال��دي��ن ال���ت���ازي ،وأحمد المديني ،وأبو يوسف طه ،وأحمد بوزفور ،وليلى أبو زيد ،ومحمد صوف ،والميلودي شغموم ،وعبدالحميد الغرباوي ،ومحمد الدغومي، واألمين الخمليشي ،وربيعة ريحان ،ولطيفة باقا ،وعبد الله المتقي ،وحسن إغالن ،ومليكة نجيب ،وعز الدين الماعزي ،وحسن رياض ،وأنيس الرافعي ،وحسن البقالي وغيرهم. ب��دأت ال��ب��وادر األول���ى للقصة المغربية في ثالثينيات ال��ق��رن ال��م��اض��ي ،لكنها ل��م تتشكل كجنس أدبي مكتمل المالمح إال في الستينيات، وج��رت في المراحل الالحقة تحوالت عديدة ألسباب تاريخية واجتماعية وثقافية. وسأقف في هذه الدراسة عند أربعة أعمال قصصية للجيل الجديد ،لنكتشف من خاللها العديد م��ن التقنيات السردية الحديثة ،التي تجسد تغيرا على مستوى البناء ،كما سنكتشف أيضا التحوالت التي لحقت المضامين.
28
اجلوبة -ربيع 1431هـ
-1«هذه ليلتي» لفاطمة بوزيان حين يصبح اإلنترنت بطال للنص كان إميل سيوران متطرفا في رأيه إلى حد بعيد ،إذ يَ���� ُع����دّ األدب هو النثر فقط .ونحن إذ نقرأ عددا من ال���روائ���ع النثرية
أو بآخر ،تحامل سيوران على الشعر.
على «الجريمة المضادة» التي ارتكبها األب:
ب����دأت ال��ك��ات��ب��ة ال��م��غ��رب��ي��ة ف��اط��م��ة بوزيان «هذا الرجل مزق قلبي ،انتهك أسراري ،وألقى مشوارها اإلب��داع��ي قبل عشر سنوات ،بكتابة بها في القمامة» .ه��ذا ما قاله خوليو لمديرة الشعر ،لكنها أدرك��ت أن ه��ذه النصوص قد ال الكوليخيو ،بينما كان األب يصرخ في وجه ابنته، تصنع أدبا حقيقيا ،ولعلها أيضا فهمت ،وبعمق ،ويذكرها بما فعله فرانكو بالمغاربة ،وبما سببه
مقولة أندريه جيد« :ال يمكن أن نخلق أدبا جيدا األسبان للزعيم الخطابي من متاعب ،وسيكون بعواطف طيبة» .ل��ذا لجأت إل��ى النثر مسلحة صعبا عليها أن تقنعه بأن خوليو –كرمز للجيل
دراس����ـ����ـ����ـ����ـ����ـ����ـ����ـ����ـ����ـ����ـ����ـ����ـ����ات
التي أبدعها القاصون والروائيون ،نفهم بشكل على هذه «الجريمة» ،كان خوليو هو اآلخر يحتج
بترسانة من تقنيات الكتابة السردية الحديثة ،ال��ج��دي��د -ك��ان يحب الخطابي ،ويعشق لوركا وسيتضح ذل��ك ف��ي مجموعتها األول���ى «همس ال��ذي قتل بسبب موقفه من االستعمار ،لوركا النوايا» ،ليتجسد بشكل أوضح في مجموعتها ال��ذي ستستدعي الكاتبة في نصها واح��دا من أجمل وأشهر مقاطعه الشعرية: الجديدة «هذه ليلتي». يتجانس عنوان المجموعة جناسا تاما مع
بسبب هواك
عنوان واحدة من روائع الطرب العربي ،ولربما
تعذبني األنسام وقلبي
أرادت الكاتبة أن تكون لها ليلتها الخاصة ،ليلة
تؤلمني قبعتي.
واحدة من ليالي شهرزاد ،ليلة للحكي.
يقف النص أيضا عند إشكال نفسي آخر:
في نصها األول «أس���رار» – وه��و أح��د أهم الرجل الذي في البيت والرجل الذي في القلب: ن��ص��وص المجموعة وأق��واه��ا -تلعب الكاتبة «أحب الرجل الحزين الصامت ...لتكن صامتا يا
بعامل ال��زم��ن بحرفية واض��ح��ة مستفيدة من خوليو كي أحبك أكثر ،أنا ال أحب هذا الرجل تقنيات الرواية الحديثة. ال��ذي يزعمون أنه رجلي ،أنا ال يطرح النص أزم��ة الصراع
أعرفه ..ال أعرف أعماقه ،ألنه
بين ثقافتين مختلفتين ،ثقافة
يتكلم قبل األك���ل وب��ع��د األكل،
أب الساردة المنحدر من جبال
قبل النوم وبعد النوم ،قبل أن
ال��ري��ف ال��م��غ��رب��ي المحافظ،
أتكلم وبعد أال أتكلم جالسا أو
وثقافة «خوليو» الفتى اإلسباني
مستلقيا ك����ان ...وأن���ا أصمت
المتحرر الذي سيسلم محبوبته
أصمت.»...
الريفية الصغيرة رس��ال��ة حب أم��ام وال��ده��ا ،وحين ك��ان األب «يقيم الدنيا ويقعدها» احتجاجا
ف���ي ن���ص «ع������ادي» يحضر ن��م��وذج ال��رج��ل ال��ع��رب��ي الذي يتباهى بتعدد عشيقاته ،والذي
اجلوبة -ربيع 1431هـ 29
يتفنن في سرد مغامراته ،وال��ذي يرى الجنس تسجيل ال��خ��روج –
impossible d afficher la
ض��رورة بيولوجية ،بينما يريد في المقابل أن - pageالكونيكسيون – إعادة البحث – تحميل يتزوج امرأة «صالحة» لم يقربها أحد من قبل – .أنتيفيروس». يحضر هذا النموذج أيضا -لكن بجلباب آخر-
ب��ل إن بعض ال��ن��ص��وص تماهت ف��ي بنائها
في نص «هذه ليلتي» حيث األب يمجد المغنية وتركيبها مع خصائص إنترنتية محضة ،لذلك.. فريدة الحسيمية في الحفالت ،بينما يستعيذ س��ي��ح��س ال���ق���ارئ أن اإلن��ت��رن��ت ه���و أح���د أهم منها أمام الفقيه.
شخصيات المجموعة ،إن لم يكن بالفعل يحتل
يبدو أن فاطمة بوزيان تجهد نفسها كثيرا في مكانة البطل. البحث عن صيغ سردية جديدة ،لذلك ستتولد
على مستوى البناء ،كانت بوزيان موفقة إلى
في نصها «االزدحامولوجي» شخصية قصصية ح��د كبير ف��ي تشكيل النصوص بطريقة غير لم نألفها من قبل ،شخصية تعاني من تسرب نمطية وتقليدية ،متوخية بذلك ممارسة تجريب
شخصيات أخرى إليها ،ومن تسربها هي أيضا متوازن – على حد تعبير الباحث محمد المعادي إلى تلك الشخصيات. – إذ ف��ي ك��ل ن��ص أك��ث��ر م��ن حكاية ،وأك��ث��ر من ت��راه��ن ال��ك��ات��ب��ة ف��ي مجموعتها الجديدة عنوان ،وجنوح واضح إلى الخلط بين البدايات على ره��ان التحديث ،لكن وف��ق معايير واقعية والنهايات .نلمس أيضا ذلك التوظيف المحكم وموضوعية تفرضها طبيعة تفكيرها وطريقة لتقنيات أخرى كالتشذر ،والتمفصل ،واإلستدعاء، حياتها ،فمعظم كتاب الجيل الجديد يستفيدون والتناص ،والتبئير ،واللقطة ،والبناء الحلزوني من التقنيات الحديثة في التواصل ،وفي قراءة والشجري ،إضافة إلى توزيع النص عبر فقرات المتون األدب��ي��ة ،ومتابعة الحركة الثقافية في غير منسجمة زمنيا ومكانيا.
مختلف بقاع العالم ،لذلك سنجد المجموعة
ثمة أيضا نحت لكلمات وتراكيب جديدة:
القصصية «هذه ليلتي» حافلة بعدد من التيمات «يستولجني إل��ى قلبه كأنه راب��ط الكتروني –
ال���ج���دي���دة ،إذ ت���ح���اول م��خ��ت��ل��ف ال��ن��ص��وص أن االزدح��ام��ول��وج��ي – ش��ع��رت وأن���ا أرف��ع��ن��ي من ترصد بأشكال متنوعة المفارقات االجتماعية ،األريكة أن ليس في سواي خفيفة جدا» ...
وال��ت��ح��والت العاطفية ف��ي عصر المحموالت، والفضائيات واإلنترنت.
أري��د أن أشير في نهاية حديثي عن تجربة ف��اط��م��ة ب���وزي���ان ،إل���ى أن ال��ح��رك��ة القصصية
ال��ح��ق��ل ال���دالل���ي ل�لإن��ت��رن��ت يغطي مساحة النسائية في المغرب تعرف حركة أقوى بكثير هائلة من معجم المجموعة« :بريد إلكتروني -من مثيلتها الشعرية ،فإذا كنا نجد الجواب صعبا لوجيسييل -إيميل ص��ادر -إيميل وارد -غوغل حين نطرح س��ؤاال عن مدى حضور الشاعرات – وي��ب – ماكروسوفت – تسجيل ال��دخ��ول – المغربيات ،نجد في المقابل أجوبة كثيرة حين
30
اجلوبة -ربيع 1431هـ
هنا أن نستحضر أسماء من عيار زهرة زيراوي ،ع��م��ي��ق م��ت��رف��ع ع��ن ال��ن��زع��ة ال��ع��اط��ف��ي��ة ونزعة ولطيفة باقا ،وربيعة ريحان ،وعائشة موقيظ ،االن��ت��م��اء ،ف���إن ه���ذا ال��ع��م��ق يحضر أي��ض��ا في وال��راح��ل��ة مليكة مستظرف ،ورج���اء الطالبي ،المجموعة القصصية «حجر دافئ» التي حصلت ومليكة نجيب ،ولطيفة لبصير ،وليلى الشافعي ..على إح���دى ج��وائ��ز ال��ش��ارق��ة -اإلص���دار األول وأسماء أخ��رى ستنضم لعالم القصة مع مطلع جنس القصة -لكن البحث هذه المرة لم يكن في التاريخ ،وإنما في عيون الناس وواقعهم.
األلفية الجديدة.
-2« حجر دافئ» لحسن رياض كاتب يهرب إلى الظل ليرى ما يعتمل في الضوء ي��ل��ج��أ ال���ك���ت���اب ال��م��غ��ارب��ة الجدد إل������ى
التجريب
ك��خ��ي��ار أساسي ف��������ي ال����ك����ت����اب����ة السردية ،غير أن فئة منهم ما تزال تحافظ على تقاليد ال���ك���ت���اب���ة ال��ق��ص��ص��ي��ة بكافة عناصرها ،حيث تحضر الحكاية كعماد للنص ال يمكن االستعاضة عنه بلغة وتقنيات الكتابة ،وهذا ما يراهن عليه القاص والروائي ح��س��ن ري�����اض ال�����ذي س��ب��ق أن حظيت رواي��ت��ه األول����ى «أوراق ع��ب��ري��ة» أواس����ط التسعينيات ب��ج��ائ��زة ات��ح��اد ك��ت��اب المغرب لألدباء الشباب ،وإذا كانت هذه
دراس����ـ����ـ����ـ����ـ����ـ����ـ����ـ����ـ����ـ����ـ����ـ����ـ����ات
نطرح نفس السؤال بخصوص القاصات .ويكفي الرواية تبحث في تاريخ اليهود المغاربة بحس
يقع الكتاب في ( )144صفحة ،ويتضمن ()18 نصا ،وباستثناء النصوص الثالثة األول��ى التي جاءت عناوينها مركبة من كلمتين «حجر دافئ – بقايا أثر -خط الرمل ،»-جاءت بقية النصوص بعناوين مفردة «خواء -رغبة -عرق -مشروب- ال��ع��م��ى – ال��غ��ائ��ب -أم���وم���ة -م��ط��ر -ذك���رى- الرسول -ليل -اآلنسة -وصايا – خجل». يركز رياض على الوصول إلى عمق شخصياته انطالقا من مظاهرها الخارجية ،إنه يؤمن بأن الكائن مهما تفنن في إخفاء أس��راره وعوالمه الداخلية ،فإن أشياء قليلة تتسلل إلى الخارج لتفضح المخفي ،وه��ذه األشياء ال تلتقطها إال عين روائي متمكن. وه��ذه الطريقة ف��ي النظر إلى الحياة هي سالح الكاتب، ف���ه���و ال ي���ث���خ���ن النصوص بالتقنيات المستحدثة للكتابة ال���س���ردي���ة ،وال ي��ت��وخ��ى هذا النوع من السبل من أجل تلميع النص ،إنه يعتمد طريقة خاصة م��ن��ت��زع��ة م��ن ط��ري��ق��ة عيشه: الهدوء والتريث والهروب إلى
اجلوبة -ربيع 1431هـ 31
الظل ..لرؤية ما يعتمل في الضوء.
الحفاظ على مكونات ال��ذاك��رة ،مهما اختلفت
ال يكتب حسن رياض قصصا متسرعة هدفها مرجعياتها ومصادر تشكلها .ه��ذه الرغبة في الوحيد أن تصل إلى قارئ مفترض ،وال يحب أن مراقبة اآلخ��ر ،ومتابعة حركاته دون تدخل أو
يكون بطال لمحكياته ،إنه يتراجع إلى الخلف تأثير ،يوازيها دائما احتشاد للجمل الواصفة، ليبقى شاهدا على ما يقع ،فهو مفتون بالتأمل وه��ذا ال يظهر في النصوص الطويلة فحسب، والنظر أكثر من افتتانه بالحكي. حين تقرأ نصوصه ت��درك أنها كتبت بنفس روائي ،وهذه سمة تندر عند جيله ،وتكاد تنعدم عند الجيل ال��ذي لحقه ،ويكفي أن نقف عند قصة «بقايا أثر» ،وهي واحدة من أروع قصص المجموعة ،حيث تتعاقب المشاهد في أمكنة مختلفة في بوخارست ،رفقة إدريس الذي قضى سبع سنوات في روم��ا ،و«سيلفيا البلهاء» التي تغطي بحضورها الالفت مطلع النص وعمقه ونهايته ،و«فيكتور» صديقها الطويل ،والمهاجرين الروس واألتراك. ي��م��ارس ال��ك��ات��ب مهمته األث��ي��رة عبر تركيز النظر على الشخصية التي تدخل دائرة الحكي فجأة ..وفي الغالب دون مبرر« :هو في حوالي
ب��ل حتى ف��ي ن��ص قصير ج��دا مثل «الغائب»، ح��ي��ث يكتفي ال���س���ارد ب��اس��ت��ق��ب��ال رج���ل يطرق الباب بإلحاح ،ويجلس مدة طويلة ينتظر والد
السارد ،ويتحدث بمفرده عن عالقته به ،فاردا ذراعيه لنوستالجيا األيام القديمة ،ثم يستأذن لالنصراف بعد أن طال انتظاره ،دون أن يدرك ال����راوي م��ا إذا ك���ان ه���ذا ال��رج��ل ق��د ن��س��ي أن صديقه القديم ال��ذي جاء يبحث عنه قد مات منذ فترة. وطوال ثرثرة الضيف ..كان السارد ال يتجاوب معه ،بل يكتفي بوصفه ،وحين ينتهي من ذلك يغرق في وصف اللوحة التي توجد على مقربة من صورة والده المعلقة على الحائط ،الصورة التي سيبقى الرجل بمفرده واقفا أمامها ،وهو
الخمسين من عمره ،كان طويل القامة ،شعره ي��خ��اط��ب صاحبها ال��م��ي��ت ب��ص��وت واه����ن« :أنا كثيف ،يعلو الشيب مقدمة رأسه» ،هذا ما يقوله سعيد ،هل تذكرني؟ أنا سعيد». ع��ن «ف��ي��ك��ت��ور» ،ويستطرد بعد مقطع سردي:
«شفتاه ممتلئتان ،لون بشرته أبيض.» ...
يحاول الكاتب هنا أن يقنعنا بأن الشخصيات
الغريبة ق��د توجد ف��ي أمكنة بعيدة ومتخيلة،
ث��م ي��ع��م��د إل���ى ال��م��ق��ارن��ة ب��ي��ن شخصيتين ،ولكن الشخصيات األكثر غرابة توجد دائما على حيث يستحضر -وه��و على مقربة من سرير مقربة منا. جدة سيلفيا -صورة جده المولع بجمع األواني
في العديد من القصص ،يتبدى رذاذ األدب
الصدئة ،يطرح النص هنا – خصوصا إذا علمنا العالمي سيَّما الروسي ،حيث الحوذي ،والمعطف، أن جدة سيلفيا كانت تهوى أيضا جمع اآلالت وال��ع��رب��ة ،ووق���ع ال��ح��واف��ر ،وال���ض���وء الخافت، المستعملة – إشكالية الرغبة المشتركة في واألرام��ل ،واألشياء القديمة والمستعملة .وفي
32
اجلوبة -ربيع 1431هـ
نصه المميز «عرق» يبدو التأثر واضحا بعوالم فرانز كافكا ،أو بوسيط آخر هو األقرب للنص
«تفاح الظل» لـياسين عدنان السرد البريء ..السرد الماكر
الكافكاوي ،وأقصد تحديدا «اللجنة» لصنع الله إبراهيم ،فالبطل عند حسن ري��اض هو اآلخر يحمل ملفا منكمشا ،وي��ط��وف ب��ه ف��ي مؤسسة غريبة يعمل بها موظفون ..هم أقرب إلى األشباح منهم إل��ى اإلن��س��ان ال��ع��ادي ،حيث يتفننون في قتل اآلخر عبر إهماله ،والتراخي في التواصل معه ،والعمل على تعكير مزاجه ،وإبادة أحالمه،
ي���ل���ج���أ ي���اس���ي���ن
عدنان إلى القصة كمالذ يحميه من
دراس����ـ����ـ����ـ����ـ����ـ����ـ����ـ����ـ����ـ����ـ����ـ����ـ����ات
-3-
ع��بء الشعر ،من
ص��رام��ت��ه وتوتره
وم���زاج���ي���ت���ه ،من
والتقليل من شأنه ،ودفعه إلى الكآبة أو الجنون ال��ق��ل��ق الوجودي أو االنتحار. ال��������ذي ي��ل�ازم����ه،
فبعد سلسلة مملة من االنتقاالت بين المكاتب ،والحزن الذي يغلّفه بشكل يكاد يكون أبديا ،وإن
والدخول في حوارات روتينية متشابهة مع عدة يكن شفافا وخفيفا ،وغ��ي��ر خ��ال م��ن المسحة موظفين ،يجد الشاب -الباحث عن عمل -نفسه الجمالية التي تجعله يتحول بالتدريج إلى شعور مثل ورق��ة منكمشة ف��ي سلة المهمالت« :بعد آخر. ذلك اختفيا ،وبقيت وحدي أمام اللوحة الطويلة
من يتصفح قصص «تفاح الظل» الصادرة عن
الشبيهة بالخازوق ،إلى أن ظهر الرجل النحيل منشورات مجموعة البحث في القصة القصيرة
الذي قادني إلى خارج البناية جائعا ومنهكا كقط في المغرب ،يكتشف ذل��ك .وستقوده مجموعة األف���ع���ال وال���س�ل�اس���ل ال���س���ردي���ة إل����ى خالصة عفن». غير أن ص��اح��ب «ح��ج��ر داف����ئ» ،يملك من ال��ق��درة وال��ب��راع��ة م��ا يتيح ل��ه أن ينسج عمله ال��س��ردي بشكل يمتح م��ن ال��م��ق��روء ،ويتجاوزه ليصنع ع��وال��م��ه ال��خ��اص��ة ،ف��ث��م��ة ال��ك��ث��ي��ر من االبتكار واإلبداع ليس في بناء النصوص وتشكيل موضوعاتها فحسب ،بل أيضا في العناية الفائقة باللغة وتوظيف جيد لمعجم أدبي رصين ،يسمح بتشكيل جمل سردية تتسم بالتبلّر والتماسك.. من حيث الشكل ،وسعة القدرة اإليحائية من حيث الداللة.
حاسمة ،مفادها أن ياسين عدنان يغيّر خطته
وعدّته و«أسلوبه» ،حين يخرج من غرفة الشعر ويدخل إلى بهو السرد .ال يتحقق هذا التحول
على المستوى الشكلي أو التقني للنصوص ،بل على المستوى األعمق ،أقصد الداللة والخلفيات المنتجة لها.
ف��إذا ك��ان اله ّم ال��وج��ودي هو العمق الداللي
لمجموعة ياسين الشعرية« ،رصيف القيامة»، ال��ص��ادرة ل��دى «دار ال��م��دى» ،ف��إن السخرية من
ال��م��وج��ودات ه��ي السمة الطاغية على قصص
اجلوبة -ربيع 1431هـ 33
ع��ب��ث��ي» ،ي��ب��رره��ا ال��ك��ات��ب بملحق
«تفاح الظل».
صغير ..يبيّن فيه أن الهدف من
يسخر ياسين من الجميع،
قتل الشخصية ك��ان الرغبة في
بل يضع العالم برمته موضع
ال��خ�لاص م��ن أسئلتها .خالص
سخرية .إنه في الجوهر يهزأ
ف��ي��ص��ل اوالً ،وخ��ل�اص الكاتب
من الجدية التي تحوّل الكائن
ثانياً ،وخالص القارئ ثالثاً.
البشري إل��ى كائن آل��ي فاقد
تطرق المجموعة باب تيمات
ل��ل��ش��ع��ور ب���ذات���ه ..وبمحيطه
ع�����دة ،م��ن��ه��ا :ال���ح���ب ،والحلم،
على السواء.
وال��ج��ن��س ،وال��ح��ن��ي��ن ،والتربية،
ف��ف��ي «ف��ي��ص��ل العطار»،
والفن والفشل ،لكن تناولها يأتي
ي��س��رد ت��ف��اص��ي��ل ج��زئ��ي��ة من حياة شخص يوجد شيء منه في كل كائن منا .ال م��ن م��ن��ظ��ار م��ح��دد :ال��س��خ��ري��ة ،ال��ع��ب��ث ،وإلغاء يتوقف فيصل عن طرح األسئلة ،المهمة التافهة المنطق في التنسيق بين األفعال السردية. ع��ل��ى ال���س���واء ،وس��ت��ق��وده أسئلته إل���ى الهاوية.
يفترض االشتغال على هذا النوع من المدلوالت
ف��ف��ي وق���ت ت���ح���وّل أص���دق���اؤه م���ن أط���ف���ال إلى تغييرا واضحا لخريطة ال��دوال ،لذا تتسم لغة
أف��راد «مهمين» في المجتمع ،كان هو قد غادر ياسين بالخفة واالبتعاد ما أمكن عن البالغة، ال��م��درس��ة ..وظ��ل يطرح أسئلته على جدرانها ،ويتسم البناء السردي بالمفارقات واالنزياحات ومنها األسئلة الواضحة بغموض« :لماذا يموت وال��ع��ب��ث ال��م��ق��ص��ود .ف��ف��ي «ع��ب��دو المسعوف»
الناس؟ ولماذا يركضون في الشوارع كالحمقى مثال يقسم ياسين عدنان النص إل��ى قسمين،
رغ��م أنهم جميعا س��ي��م��وت��ون؟» .ومنها األسئلة ويقحم بينهما ما يسمّيه االستراحة القصيرة، الغامضة بوضوح« :م��اذا تفعل الشمس في كبد يتحدث من خاللها عن تاريخ الطوابع في المدن السماء؟ وهل للسماء كبد حقا؟ إذاً كيف لم تش َو المغربية ،وهذا ما ال عالقة له بتعاقبات الحكي.
بعد رغم أنها معرضة لنار الشمس الحامية منذ كأنما يريد أن يبرز لنا القطيعة بين شخصية آالف السنين؟».
«عبدو المسعوف» في القسم األول ..وشخصيته
يتحول فيصل العطار شيئا فشيئا من طفل الثانية في الالحق.
نجيب إل��ى عاطل ع��ن العمل ،مهمته الوحيدة
إنه مكر السرد .ياسين عدنان مفتون بالحكي
طرح األسئلة .يكبر وتكبر معه أسئلته ،فيركض في نصوصه ،سواء القصصية أو الشعرية .فإذا
ال بها في الشوارع ..إلى أن ينتهي نهاية هي ك��ان س��اردا بريئا في الشعر ..فإنه في القصة مثق ً األخ��رى ساخرة وس��وداء ،إذ ستدهسه عجالت سارد ماكر. سيارة قديمة خاصة بنقل اللحوم .هذه السلسلة السردية الختامية التي يمكن تسميتها «موت
34
اجلوبة -ربيع 1431هـ
ف���ي م��ج��م��وع��ت��ي��ه ال��ش��ع��ري��ت��ي��ن« ،مانيكان»
والمتخيلة أي��ض��ا ،بشكل يجعلنا نتلقى حزنه ي��وم��ي��ات ال��ح��رب على ال��ع��راق ،ال��ت��ي ستحتشد
ومشاعره الطفولية بكثير من الهدوء والتعاطف .فيها النصوص بشكل عبثي ساخر ،حيث تشمل لكنه في «تفاح الظل» ،وفي مجموعته السابقة ال��ي��وم��ي��ة أح��ي��ان��ا م��س��ت��ج��دات ال��ح��رب ،وأحيانا
أيضا« ،من يصدّق الرسائل؟» الصادرة لدى «دار مستملحة أو رسالة من صديق ،أو أخ��ب��اراً من ميريت» ,يجعلنا نتلقف المحكي بكثير من التوتر مدير المدرسة ،أو تصريحا باللهجة المصرية، والتشويق وانتظار النهاية وفق أفق جاهز ،حتى أو إشهار قصد ال��زواج ،أو نعياً في جريدة ،أو إذا أحسسنا باالطمئنان إل��ى حيله السردية ,نصاً من ملحمة قديمة. فاجأنا بنهاية غير متوقعة ،ق��د ت��ك��ون أحيانا
دراس����ـ����ـ����ـ����ـ����ـ����ـ����ـ����ـ����ـ����ـ����ـ����ـ����ات
و«رصيف القيامة» ،يسرد ياسين حياته الحقيقية األخ���ي���ر« ،ال��ص��دم��ة وال���ت���روي���ع» ،ال����ذي يحكي
هكذا يضع ياسين عدنان نصا عبثيا ساخرا،
ب��اردة ..لكنها تجعلنا نضحك ونسخر حتى من منتزعا من نصوص متعددة ومتباينة ،كأنه يخلص أنفسنا ،ومن طريقة تفكيرنا. إل��ى أن الطريقة األنسب لمواجهة ه��ذا العالم يبدو ذل��ك واض��ح��ا ف��ي «فيلم حلمي طويل» العابث ه��ي السخرية ،حتى ل��و ك��ان��ت سخرية ال����ذي ل��م ي��ك��ن ط��وي�لا ع��ل��ى اإلط��ل��اق .ف��م��ا أن سوداء وقاتلة.
استغرق السارد في النوم ،واستغرق معه القارئ أيضا متعقباً أحالمه اإليروتيكية اللذيذة وقصته مع حليمة ،حتى استيقظ السارد في ع ّز الحلم وف��ي عز ال��س��رد ،مكسّ را أف��ق المتلقي ،مخيّبا ظ��ن��ه .ف��ال��ق��ارئ ك��ان ينتظر م��ع «ال��ب��ط��ل» عودة حليمة لتبدأ الحكاية المهمة ،لكن خ��روج هذا «البطل» البعيد كليا عن البطولة من النوم ومن الحلم ..أعقبه خ��روج آخ��ر ج��اء مباغتا ومبررا بطريقة ساخرة ،أقصد الخروج من السرد« :وأنا تعبت من االنتظار فاستيقظت عرقانا ...كان من الطبيعي أن أستيقظ في نهاية هذه القصة، فماذا يمكن كاتباً أن يفعل في نهاية قصة تحكي ع��ن ح��ل��م ..س��وى أن يستيقظ ف��ي األخ��ي��ر .أما م��دام حليمة -حبي األول القديم -فتلك فعال قصة أخرى».
-4«زقاق الموتى» لعبدالعزيز الراشدي إشراق النص يكتب عبدالعزيز
الراشدي نصوصا ع��م��ي��ق��ة ووازن������ة،
وذلك راجع حسب اعتقادي –بصرف
النظر عن موهبته وق���������������راءات���������������ه
ال���ش���اس���ع���ة -إلى
تواجده بعيدا عن العالم ،عن صخبه وضجيجه.
ذل��ك أن��ن��ا يجب أن نبتعد زم��ان��ي��ا ومكانيا عن التجربة التي عشناها بمسافة تتيح لنا رؤيتها
بوضوح ..لذلك فالعمق غالبا هو البعد األكثر
ال��خ��ط العبثي الناظم ال���ذي يسبك قصص ورودا في النصوص التي نصل من خاللها إلى المجموعة ،سيجد القارئ مسوّغاته في النص
اجلوبة -ربيع 1431هـ 35
ف��رق واض��ح بين زم��ن الحدث
عميقا بالنثر ،إنه حفيد إيميل سيوران ال��ذي ي��رى أن تأسيس األدب يعني تأليف النثر ،لذلك سيضع إح���دى م��ق��والت��ه كعتبة لنص «مذكرات لوجع أليف».
ابتعدت نحو ال��وراء ،تبدى لك
ي��ب��دو «وج���ع ال��رم��ال» كأحد أع���م���ق ن���ص���وص المجموعة، إذ يحكي فيه ال��س��ارد ،بتبئير خارجي ،عن رجل «ت��درب قلبه على ال��ب��داوة» ،فظل يمشي بال توقف ألن «وج��وده األول علّمه أن البدوي الحق ال يستقر إال حين يموت» ،يبحث هذا الرجل عن شيء ال يعرفه الراوي «لن أقول إن��ه يخبّ في الرمل بحثا عن ام���رأة ،المسألة أج��دى بكثير ،سوف أك��ذب إذا قلت إsن الرجل يبحث عن مال أو تبر ،وسأكون مفتعال إذا قلت إنه يبحث عن فكرة .إنه يبحث وكفى» ،لعله الرجل ذات��ه ال��ذي نجده ف��ي معظم النصوص األدبية العميقة لكبار الكتاب في شرق العالم وغربه، الرجل الذي يحمل في خرجه كل االستفهامات الفلسفية والوجودية ،ويحمل أيضا في يده كل مصابيح العالم ليرى حقيقة ذات��ه ،وحقيقة ما يحيط بها ،إنه «سدهارتا» الذي يبحث عن أتمان «الذات المكتملة» في رواية روحية لهرمان هيسه، هو أيضا ذلك الشاب الذي يستغرب من أشكال العالم وتمظهراته ف��ي رواي���ة «ال��ع��دو» لجيمس دروت ،إنه حسين في «الضوء األزرق» للبرغوثي.. حائرا مشتت الذهن أم��ام «ب��ري» التركي الذي أدرك الهوة السحيقة ،والمسافة المؤلمة بين «المعرفة» ،و«فهم المعرفة» فيطلب من حسين أن يكون هو «السمكة» و«ال��ش�لال» ال��ذي تسبح فيه هذه السمكة ،محاوال تعليمه أن العقل يسبح في نفسه ،تماما مثلما يحاول شيخ الزاوية في
وزمن السرد ،األمر يشبه تماما
ال��ن��ظ��ر ف��ي ال���م���رآة ،ف���إذا كان
وج��ه��ك ل��ص��ي��ق��ا ب���ال���زج���اج لن تستطيع رؤية شيء ،بينما كلما جسدك أكثر وضوحا.
يقيم ال���راش���دي بضواحي مدينة زاكورة جنوبي المغرب، وف��ي كتابه القصصي الصادر ض��م��ن م���ن���ش���ورات «مجموعة البحث في القصة القصيرة بالمغرب» ،قرائن لفظية وبصرية تؤسس نوعا من التبلر مع كلمة «ال��ج��ن��وب»؛ فلوحة «خ���وان م��ي��رو» ال��ت��ي شغلت دفتي الكتاب تحمل أل��وان��ا دال���ة :األص��ف��ر وما إليه كرمز للصحراء ،واألزرق البعيد والعالي ك��دالل��ة على ال��س��م��اء الغامضة غموضا يحيل عليه خفوت البقعة الزرقاء التي تتوسط أعلى اللوحة ،ويحضر اللون ال��رم��ادي كرمز للعزلة، بينما األخضر الخفيف والقليل الذي يبدو أسفل اللوحة ..قد يكون معادال لخفة األخضر وندرته في تضاريس الصحراء .عنوان المجموعة «زقاق الموتى» ..كُتب باللون األصفر أيضا وخطوط اللوحة المتوزعة هنا وهناك تشبه ما يتركه عابرو الصحراء من تخطيطات على كثبانها .ولعناوين النصوص إح��االت أكثر قوة ومباشرة لما أرمي إليه( :والئم الجنوب ،وجع الرمال ،عزلة الكائن)، معظم نصوص المجموعة طالعناها في المنابر الثقافية العربية :اآلداب – المدى – القدس العربي – العلم.. يكتب عبدالعزيز ال��راش��دي بلغة شعرية ال تخطئها العين ،وي��ؤم��ن ف��ي ال��وق��ت ذات��ه إيمانا
36
اجلوبة -ربيع 1431هـ
يطالعك وجه األنثى من نص إلى آخر ..األنثى البعيدة الغائبة والمنتظرة« :لكم أشتهي حدوثك المفاجئ :أسمع الطرقات ،أفتح الباب فتنبثقني. أع��ان��ق بللك وأدع���وك لكوب ال��ش��اي الساخن.. م��ازال حبك في ذهني طازجا كالفجيعة نفاذا كعطر ..مالحا كرغبة آثمة».
دراس����ـ����ـ����ـ����ـ����ـ����ـ����ـ����ـ����ـ����ـ����ـ����ـ����ات
نص «وجع الرمال» لعبد العزيز الراشدي ،تعليم الرجل أن��ه لن يجد ما يبحث عنه خ��ارج ذاته: «إن التيه ليس في الرمال والحر والريح ،البدوي تائه على ال��دوام .التيه هنا في الداخل ،وأشار إلى صدره ،نحن التيه وإذا لم تجد ضالتك في صدرك فلن» ،وستنتهي قصة الرجل بموته ميتة خاسرة وعبثية على كثيب رملي ،دون أن يدرك شيئا مما أراد؛ أل��م تقل س��ي��دوري لجلجامش: «إل��ى أي��ن تمضي يا جلجامش؟ إن الحياة التي تبغي لن تجد»؟
لي نصير شمة يتوسط عازفي مجموعة «عيون لموسيقى الصالة» ،ك��ان الرجل يحني رأسه.. بينما الناي «لسان الريح» يقلب بنحيبه أوجاع الحاضرين ويقيس فراغاتهم .كانت آلة «تشيلو» التي يعزف عليها كمال عبدالمنعم تجهش ببكاء ذك��وري يحيل على الرجل الوحيد ،ثم تتعاقب الكمانات الرقيقة كداللة على حضور األنثى، وفجأة يتصاعد اللحن بشكل يوحي باالنبعاث، ك��ان��ت إي��ق��اع��ات رق ع��م��رو حسين رم���زا للزمن الذي تتعاقب لحظاته سراعا ،وكانت كونترباص صالح رجب بوصفها أكبر آلة تحيل على المكان الذي يتمدد ويبدو أكثر شساعة ،بينما كان عود نصير شمة هو ال��ذي ي��روي تفاصيل الحكاية. وسأصاب أنا اآلخر بالدهشة ..وبما ال أستطيع تفسيره حين كتب على الشاشة اسم المقطوعة الموسيقية «إشراق» ،كانت المعزوفة حقا تنتهي ب��ب��ل��وغ اإلش�����راق ذروت�����ه -واإلش������راق م��ق��ام من مقامات التصوف -لم أبلغ ذلك المقام في تلك الليلة عقب ث�لاث ساعات بعد منتصف الليل، ولكني بقيت مشتتا بين إشراقات أخرى :إشراق «المعزوفة» وإشراق «األنثى» وإشراق «النص».
ف��ي ن��ص خ��اص كتبه ال��راش��دي بعد تجربة خ��اص��ة ت��ب��دو ل��ك «إش����راق» ال��ت��ي يحمل النص اسمها كعنوان ،إش��راق «الفتاة الساكنة الوديعة كماء مرتج يتصافى» .ي��روي لي صاحب زقاق الموتى أنه كان يصغي إلى مقطوعة موسيقية المصادر: مؤثرة ،لعازف العود البارع نصير شمة ،تفاعل ( )1هذه ليلتي» ،منشورات مجموعة البحث في القصة معها بألم ولذة ،واشتد تفاعله وارتجت حواسه القصيرة بالمغرب ،الطبعة األولى 2006م. حين ظهر اسم المعزوفة على الشاشة« :إشراق» ( )2حجر داف��ئ ،حسن ري��اض ،دائ��رة الثقافة واإلعالم، ليظهر معه كل الماضي ،وليحضر بالتالي شبح الشارقة ،الطبعة األولى 2006م. أنثاه ،ذلك الحضور المشرق والمؤلم في اآلن ( )3ت��ف��اح ال��ظ��ل ،ي��اس��ي��ن ع���دن���ان ،م��ن��ش��ورات مجموعة ذاته. البحث في القصة القصيرة بالمغرب ،الطبعة األولى من غرائب الصدف أني كنت أقرأ المجموعة 2006م. للمرة الثانية في إح��دى ليالي يوليو ،أردت أن ( )4زقاق الموتى ،عبدالعزيز الراشدي ،منشورات مجموعة البحث في القصة القصيرة بالمغرب 2004م. أستريح قليال ،شغلت الجهاز الذي أمامي ،فبدا *
شاعر وكاتب من المغرب.
اجلوبة -ربيع 1431هـ 37
الطفل وتربية احلس اجلمالي > أ .د .بركات محمد مراد*
تتعلق حاجات الطفل األساسية شأنه شأن الكائن الحي في مدى إشباعه منذ مولده بحاجاته األساسية ،تلك التي تتركز حول الطعام والشراب ،وتنظيم درجات الحرارة لطعامه وشرابه وبيئته في الحجرة الصغيرة حوله .كذلك تنظيم نشاطه ونوعيته وحمايته من كل ما يخل بهذا النظام أو يؤثر فيه .كل هذه األمور تمثل أهمية كبيرة في مدى نمو الطفل وتفاعله المستمر م��ع البيئة المحيطة ب��ه ،والعمل على تحقيق ثبات العمليات الحيوية الكيميائية وتوازنها ،حيث يشبع بعد جوع ،ويحرك أطرافه ،ويتحرك بسهولة وتناغم بعد أن كان يتحرك بطريقة عشوائية ،يغلب عليها الطابع الكتلي .Massive وإذا كانت الحاجات األساسية تمثل هذه األهمية ،ف��إن الحاجات االجتماعية تلعب دورا ال يقل أهمية عن الحاجات العضوية، فبفضل ال��ح��اج��ات االج��ت��م��اع��ي��ة يستطيع الطفل إذا تشبعت إشباعا سليما أن يكوّن فكرته عن نفسه ثم عن اآلخرين ،ألنه في بداية حياته ومراحله األول��ى منذ ميالده، لم يكن في مقدوره أن يفصل بين حاجاته وميوله ورغباته وحاجات اآلخرين وميولهم ورغباتهم. وم��ع استمرار النضج والنمو ..استطاع
38
اجلوبة -ربيع 1431هـ
أن يكشف ذلك الحضن االجتماعي المتمثل ف��ي األس���رة واألق����ارب واألص���دق���اء ،ويصل م���ن خ�لال��ه إل���ى م��رك��ز اج��ت��م��اع��ي تتحدد فيه درج���ات معينة م��ن االت��ص��ال والوصال اللذين بفضلهما قد يصل الطفل إلى األمن النفسي والطمأنينة ،واإلحساس باالنتماء .Belongingnessوه���و أي��ض��ا ي��س��ع��ى إلى أن يؤكد ذات��ه م��ن خ�لال شبكة االتصاالت االجتماعية ،تلك التي تجعله متفاعال مع الجماعة ،مستخدما لغتها مخاطرا معها خياليا ،عندما ينسج لنفسه دورا مهما يراه
وجدير بالذكر أن هذا الطفل الذي يحاول بشتى األساليب الطفولية أن ينسلخ بفعل خياله وتصوراته عن ذاته ،ال يملك إال أن يتكيف مع عادات مَن حوله، وتقاليد المجتمع ال��ذي يعيش بين جوانبه .لقد اهتمت الدراسات النفسية بهذه المرحلة اهتماما بالغا ،وبضرورة العناية بها ،ومحاوَلة الكشف عن ال��ج��وان��ب المعرفية بتلك ال��ت��ي ترتهن بقدراتها للطفل ..المعرفية العقلية واتجاهات اآلب��اء نحو األبناء وعملية التطبيع االجتماعي Soualization Processالتي تحدث في األسرة ،وأثر الثقافة بوجه عام على ما يتصل بنمو الطفل من المراحل على المستوى العضوي والتربوي.
فالجمال ..هذا البعد العميق في شخصية اإلنسان، برز منذ وجود اإلنسان على وجه البسيطة ،ولعل ف��ي تفاعله م��ع الطبيعة وم��ح��اك��ات��ه��ا ،واهتمامه بتطوير وتجديد مسكنه ،وملبسه ،وأدوات���ه -كما تشي بذلك رسومات وتماثيل الحضارات القديمة- الدليل على فطرية الحس الجمالي عند اإلنسان
والواقع يقول :إن العائلة هي التي يجب أن تبدأ بالتربية الثقافية ،وبتنمية الحس الجمالي السامي، وإنها هي التي يمكنها زرع هذه البذرة العصرية وتنميتها بأسرع ما يمكن ..وعليها أن تستخدم مختلف الوسائل وأفضلها ..فالعائلة التي ال يقرأ اآلباء فيها الكتب والصحف ،وال يتمتعون بالحس
دراس����ـ����ـ����ـ����ـ����ـ����ـ����ـ����ـ����ـ����ـ����ـ����ـ����ات
ه��و اعتمادا على وهمه وت��ص��وره الجانح حينا.. ويتصوره دورا واقعيا فعاال مؤثرا.
الذي ظل إما منتجا للجمال (مبدعا) ،أو باحثا عنه (متلقيا /متذوقا) ،وإن بشكل غير واع ،أحيانا بحكم وج��وده في نطاقات ،أو إتيانه ألفعال وممارسات يومية تتسم بجمالية م��ا .ول��م يلبث الجمال أن اخ��ت��ار لنفسه علما قائما ،اصطلح عليه بـ«علم الجمال» أو«الجماليات» ،وقد ظل هذا العلم تابعا للفلسفة ردحا من الزمن ،قبل أن يستقل بمباحثه ومفاهيمه .ورغ��م ه��ذا التأطير العلمي لمفهوم ال��ج��م��ال ،ف���إن اإلح��س��اس ب��ه أف��ض��ل م��ن معرفة الطريقة التي نحسه بها ،على حد تعبير (جورج سانتيانا فيلسوف الفن والجمال) ،ذلك أن اللحظة الجمالية -بوصفها عصية على القبض والتحليل المعرفيين ،وال يفضل منها غير تلك االنفعاالت، واألحاسيس العائمة في مناطق الوجدان -وكل دراس���ة ل��ه��ا ،إن��م��ا ه��ي دراس���ة لنتائجها ارتباطا بموضوع ما (عمل فني).
ثم تتوالى مراحل النمو األخرى من عمر الطفل. وعلينا هنا أن نشجعه على المالحظة والنشاط تشكيل وعي الطفل جماليا وت��وظ��ي��ف ال��ح��واس ف��ي ال��ت��ق��اط ه��ذه المعطيات الحسية التي تحيط به ..في كل حركة أو إيقاع أو يظن بعض الناس أن المدرسة والمجتمع هما كلمة أو نغمة أو لون .ومن هنا ،تأتي أهمية التربية وحدهما المسؤوالن عن التربية الثقافية ،وعن الجمالية وتكوين الحس الجمالي في حياته. التنشئة الجمالية ،وع��ن تنمية القيم اإلنسانية وإذا كانت التربية الجمالية تنطلق م��ن كون السامية .وأن العائلة ال تستطيع القيام بشيء في االنتماء إلى الجمال والبحث عنه ،هو من جملة هذا الميدان ،ألن واجبها األول أن تهتم بغذاء هذا االن���ت���م���اءات ال��ف��ط��ري��ة ل���دى اإلن���س���ان (االنتماء الطفل ولباسه ولعبه وتسلياته ..وواجبها ينحصر للجماعة/االنتماء للمكان /االن��ت��م��اء للثقافة) ،كذلك في توفير الصحة المتينة له قبل الذهاب فقد أضحت ضرورة ملحة وحجر أساس في بناء إل���ى ال��م��درس��ة ،وال��ت��ي ستتكفل ب��أم��ور الثقافة شخصية اإلنسان بناء سويا ،مستمرا ،متفاعال .والجمال والتحضر والتمدن اإلنساني.
اجلوبة -ربيع 1431هـ 39
الجمالي وال��ذوق الرفيع في التعامل مع األشياء، وال��ن��اس الذين ال يشاهدون البرامج التلفزيونية المعنية بالثقافة واآلداب ..وال يهتمون بالمعارض الفنية على مختلف صنوفها ..وال يزورون المتاحف.. بالتأكيد سيصعب عليهم أن يوفروا للطفل ثقافة راقية ،وحسا جماليا عصريا ،وستبقى مساعيهم مساع ٍ بسبب عزوفهم عن الفعل الثقافي الحضاري زائفة ال تؤتي أكلها. وعندما يتعلم الطفل القراءة ،فإنه ينتقل إلى م��رح��ل��ة ت��ال��ي��ة ..ه��ي م��رح��ل��ة اك��ت��س��اب المعارف الجمالية بمفرده ،أو باالستعانة بغيره من أترابه، أو من الراشدين ،حيث تحتل المدرسة ساعتها المقام الالئق في حياة الصبي الصغير .وال شك أنه لم يعد للبيت والمدرسة وحدهما ينبوع معرفة الطفل والتلميذ وال��ط��ال��ب .ول��م يعد لهما مركز تربيتهم الوحيد ،وتعليمهم في عصرنا الحاضر، ال���ذي أخ���ذت فيه مختلف المؤسسات الثقافية والتربوية والفنية تسهم في حسن تثقيفهم ،وتوفير وسائل الترفيه والتسلية والمعرفة ،واالضطالع وتنمية الرغبة في اإلب��داع ،في عصر تميز بطابع العلم التقني واإلب���داع الفني والجمالي ،وبتعدد االكتشافات في مختلف ميادين الحياة .وفيه تحقق حلم اإلنسانية في غزو مجاهيل هذا الكون في كل المناحي. وم��ن ه��ن��ا ،يعد تشكيل ال��وع��ي الجمالي لدى الطفل ه��دف��ا تربويا أساسيا تفضل عنه جهود تربوية كثيرة ،ما يقلل من فاعليتها وإيجابيتها، وال يتم تشكيل هذا الوعي من خالل األسرة فقط كأول وسط تربوي يتعامل معه الطفل -بل عبرالوسائل الثقافية والتعليمية واإلعالمية التي عليها صياغة وعي الطفل بكل القيم الجمالية حوله.. كطاقة تدفع وتحرض ملكاته للعمل متناغمة ،وعلى نحو متجدد دائما.
40
اجلوبة -ربيع 1431هـ
والطفل عامة خامة تحتوي الكثير من إمكانات التشكيل ،وزواي���ا النظر المتنوعة ال��ت��ي تحرض ملكات الطفل ،وتجعلها تتآزر بشكل يعالج كثيرا من شكوانا ،أح��ادي��ة النظرة في الطفل ال��ذي لم يجد المناخ المناسب لتشكيل وع��ي��ه الجمالي. وتشكيل وعيه الجمالي يبدأ من تعلم األطفال غاية؛ األشكال كلغة مكثفة تحمل رسالة ذات مضمون.. وتستهدف غاية ،فلغة األشكال هي همزة الوصل بين الطفل وعالمه الخارجي المحيط به والمتفاعل معه ،ويتوقف التفاعل على المهارة واستثمار هذه األشكال واعتبارها قناة من خاللها يتحقق االتصال بين أفراد المجتمع اإلنساني. وإذا كان الطفل ال يعي الشكل بالمفهوم الجمالي واالص��ط�لاح��ي ل��ه ،فإنه ينتبه لتشكل ال��ص��ور أو العمل على تذوقها ،وهي تلك الصور التي يتيحها له محيطه من خالل الكيفيات التي يمتلكها ،وعلى األس��رة أن تستخدم الكيفيات الجمالية الخاصة به في تشكيالت منظمة ..يعنينا منها التشكيل الجمالي في اللون بصباغة أو تلوين لعبة معينة بألوان الفاكهة أو الورد. وهناك قصة جديرة بالتسجيل ،تساعد على تشكيل الوعي التشكيلي والجمالي للطفل وتدعيمه قدمها الفنان العالمي «جون كلي» لتالميذه ،معتقدا أن للخطوط والنقاط والملمس حياة ،وأطلق «كلي» على القصة «فلنأخذ ال��خ��ط إل��ى ن��زه��ة»! وعلى الرغم من بساطة القصة ،فإنها تدعم وعي الطفل التشكيلي والجمالي بالحدث وتطوره وفعالياته. وتنحدر عبقرية «كلي» في اختياره للخط كبطل، تعمل ببساطة على تدعيم ملكة المالحقة عند األطفال ،وعلى تحريك خيالهم التشكيلي ووعيهم بالعناصر والجزئيات ،وذلك مع عدم تعارضه مع طبيعة وعيهم الجمالي ،يحرض فيهم القدرة على تكوين الصورة ذات المعنى الرمزي الذي يعبر عن
اإلدراك التشكيلي
والتجسيد الفني يتيح من جانب آخر للعمليات العقلية المعرفية األخ���رى ان ت��ق��وم ب��دوره��ا في اس��ت��ق��ب��ال ال��رس��ال��ة االت���ص���ال���ي���ة ..وف���ي فهمها، فاألطفال عند استماعهم أو مشاهدتهم أو قراءتهم لمضمون لفظي ،تسانده األل���وان أو األض���واء أو الحركات أو الرسوم ..يتذكرون «خبرات سابقة»، ويتخيلون «صورا جديدة مركبة» ،فيكون إدراكهم، وبالتالي فهمهم أكثر دقة.
رغم تعدد التعريفات المتداولة للوعي الجمالي أو الحس الجمالي ،فإن التعريف األقرب للشمول هو كونه إدراك ح��واس الطفل لوحدة العالقات الشبكية بين األشياء ،بحيث يصبح الطفل قادرا على ال��ت��ذوق أو ال��ش��ع��ور أو االن��ت��ب��اه إل��ى القيمة الجمالية أو الكيفية التشكيلية التي تتوحد في شيء ما ،سواء أكان طبيعيا أو عاديا أو عمال فنيا، وإذا ك���ان التجسيد ال��ف��ن��ي عملية الزم���ة في وه��ذا الوعي بما فيه من قيم جمالية وعلى نحو التوجه االتصالي عموما ،سواء كان للراشدين أو متجدد دائما. األطفال ،فإن لزومه لألطفال أشد ،ألن حواسهم وق��د أثبتت ال��دراس��ات المهتمة بنمو الطفل شديدة االستجابة لعناصر التجسيد .لذا ،عملت وارتقائه المعرفي ،خصوصا في السنة األولى ،أن وسائل االتصال الثقافي على تقديم المضمون لهم هناك مجاالت متعددة يرتقي الطفل من خاللها في أطباق من ذهب ،فازدانت مطبوعاتهم وأفالمهم معرفيا مثل جانب اإلدراك ،وجانب المعلومات ،وب��رام��ج��ه��م بتلك ال��ع��ن��اص��ر .وال تشكل عناصر وج��ان��ب التصنيف ،وج��ان��ب ال��ذاك��رة ،ويهمنا في التجسيد أدوات لإلصالح وإبراز المعاني فحسب، األس���اس هنا ،جانب اإلدراك ..إذ يكون الطفل بل تشكل حوافز إلث��ارة انتباه الطفل واهتمامه، قادرا على إدراك الموضوعات وبعض خصائصها وخلق االستمرار لديه في استقبال المضمون من كاللون والخطوط واألنغام وغيرها. خالل ما تضفيه من عناصر التشويق والجاذبية. ويعد جذب انتباه الطفل مسألة أساسية في عملية أهمية اللغة الفنية االتصال الثقافي ،ألنه يهيئ ذهنه الستقبال الرسالة إذا كانت اللغة المكتوبة والمنطوقة تساعد وتركيز طاقته العقلية ،وإح�ل�ال تلك ال��م��ادة في الطفل على التعبير عن الحس الجمالي والتشكيل مركز شعوره مع إبعاده عن المؤثرات الجانبية .وال الفني في مختلف مراحل نموه ،فإن هناك عناصر شك أن التجسيد يتيح للطفل التوحد مع المواقف أخرى مساندة للغة ،تعد عناصر للتجسيد الفني؛ التي يحملها المضمون االتصالي ،دون أن يشعر كاألصوات واأللوان واألنغام والرسوم .وعلى هذا ،بأنه يتلقى مواعظ وتوجيهات وإرشادات ثقيلة ..أو فإن اإلنسان ال يستعين بلغة الكالم وحدها ،بل بلغة معلومات جافة ،خصوصا وأن الطفل شديد النفرة أخرى ليست كالمية بالمعنى المصطلح عليه ،حيث من كل ما يقدم له على تلك الشاكلة ،وإن استجاب تساعده هذه األخيرة على التصوير بشكل أكثر دقة لها فإن استجابته مؤقتة سرعان ما يتخلى عنها، ووضوحا وتجسيدا .وإذا كانت اللغة اللفظية وعاء وقد يتمرد عليها إذا واتته الفرصة.
دراس����ـ����ـ����ـ����ـ����ـ����ـ����ـ����ـ����ـ����ـ����ـ����ـ����ات
شعورهم اإلنساني .وفي الوقت نفسه تعلم الطفل الفكر ،فإن اللغة غير اللفظية تعد وعاء آخر له ،إذ ف��ي ح��ال كونه ن��واة فنان إب���داع أش��ك��ال ،أو صور أتيح لإلنسان بفضلها أن يفكر من خالل األشكال واإلشارات واألصوات واأللوان والحركات. رمزية تمثل الشعور اإلنساني.
اجلوبة -ربيع 1431هـ 41
أهمية وسائل اإلعالم
3ـ دفع الطفل إلى العناية بالكتاب والحفاظ عليه نظيفا ومتسقا مع غيره من الكتب .وفي هذا ال��ن��وع م��ن أن���واع التربية الجمالية ..ن��وع من أن��واع االرتقاء بالحس الفني والجمالي الذي يأتي عن طريق االهتمام بالكتاب ،وبتصنيفه ون��ظ��اف��ت��ه وح��ف��ظ��ه ،وال��م��ح��اف��ظ��ة عليه وعلى محتواه وصوره.
ومن هنا تأتي أهمية أن تحتل الصحيفة مكانا ب��ارزا في انطباعات الطفل ،حتى ال��ذي ال يعرف ال��ق��راءة .وتجب ق��راءة الصحف والمجالت أمام األط��ف��ال ،وعلى مأل منهم ،بما تحمله من أخبار جميلة ..ومعارف خاصة وعامة ،غريبة وطريفة. ويتم ذل��ك بشكل ال يحس الطفل فيه بأنه معنيٌّ كما أن للسينما دور آخ��ر ف��ي مجال التربية ب��ال��ق��راءة ،ب��ل يجب أن تكون ق���راءة اآلب���اء جهرية يسمع الطفل تفاصيلها دون التوجه المباشر إليه .المعرفية والفنية والجمالية ،وهي تؤدي دورا مهماً في تنمية الحس الجمالي لدى الطفل .والسينما تعد وف��ي م��راح��ل أخ��رى متقدمة ،يمكن أن تكون في عصرنا الراهن من العوامل التربوية والثقافية للمطبوعات المصورة دور مهم في حياة الطفل، ُحسن توظيفها للتربية بكل جوانبها ،ويدخل إذا أ ِ وعلينا أن ندفعه إل��ى االهتمام بها ،واالشتراك هنا التلفزيون والفيديو ،ليس فقط لألطفال ،بل بالمطبوعات الخاصة بالطفولة ،واقتناء ما يناسبه للشباب والبالغين ،وذلك العتمادها على الصورة منها ..فمحتوياتها من الصور والرسوم تسهم في بكل مفرداتها الجمالية والفنية ،لذلك يجب ان رفع الحساسية الجمالية والمعرفية لديه بشكل تكون الرقابة على ك��ل م��ا تعرضه ه��ذه الوسائل تدريجي غير مباشر ..لكنه فعال. من ص��ور ،رقابة حقيقية ،تربوية وفعالة ،فاآلثار أم��ا الكتاب ،فإنه ي��ؤدي دورا آخ��ر ،إذ يتعرف السلبية لها كبيرة وفادحة إن لم تعالج في وقتها. الطفل إل��ي��ه ع��ن ط��ري��ق ال��ق��راءة المشتركة التي كما أن المسرح يمكن أن يلعب دورا في تكوين يجب ان تظل إحدى أهم اهتمامات األسرة ..وفي ال��ح��س الجمالي ل�لأط��ف��ال ،فجماليات المسرح ال��ب��دء يكون ال��ق��راء ه��م اآلب���اء ،ث��م تنتقل المهمة المرافقة ،وإضاءته وديكوراته وصفوفه المنتظمة إلى األبناء ..وتساعد القراءة على توحيد األذواق كبير األثر في الرقي بحسه الجمالي وتغذيته .كما وتهذيبها ،وعلى السمو بها جماليا وفنيا وخياليا ،أن للمتاحف وم��ع��ارض الفن شأنها ه��ي األخرى ومن ثم تعطيهم حسا نقديا ومعرفيا عميقا.. في االرت��ق��اء بالحس الجمالي ل��دى األط��ف��ال .إن ال مفر إذاً من تنمية مهارة القراءة المستقلة زيارة الطفل للمتاحف وإطالعه على مجموعاتها بصوت صامت ل��دى الطفل عندما يكبر .ولكي وروائ����ع ف��ن ال��رس��م وال��ن��ح��ت وال��ت��ص��وي��ر والحفر يكون دور الكتاب كبيرا في تنمية الحس الجمالي ..والنقوش والفسيفساء والمنسوجات والمخطوطات والمسكوكات والحلي والفخار والخزف والزجاج يجب أن تعتمد مهمة اآلباء على: وال���م���ع���ادن ،ت��ث��ي��ر إع��ج��اب��ه ب��م��ا أب��دع��ت��ه األجيال 1ـ مراقبة االنتقاء الجمالي واألدبي لشكل الكتاب المتعاقبة ،ويشعر ب��االرت��ي��اح للجهود المبذولة ومضمونه. ف��ي سبيل المحافظة على تلك اآلث���ار المنقولة، 2ـ تدريب األطفال على القراءة واالستمتاع الجمالي والممتلكات الثقافية التي تشكل ج��زءاً مهماً من بها.. التراث اإلنساني.
42
اجلوبة -ربيع 1431هـ
أحدهما :أن النمو الموسيقي ال يعتمد كثيرا على النمو العقلي ،فال توجد عالقة مطردة بين العمرين الزمني والموسيقي ،فقد يمتلك طفل في بداية نموه العقلي عبقرية موسيقية مبدعة ،كما أن نمو هذه الموهبة قد يكون بقوة عوامل بيولوجية بخاصة ،وقد لوحظ نمو هذه الموهبة بقوة فيما بين الثالثة والخامسة ع��ش��رة ،وه��ي السن التي يتوقف فيها النمو البدني ،ويكون هناك وقت كبير لنمو الملكات الذهنية.
ونضرب مثاال بالحس الموسيقى لدى األطفال، ال في فن فنجد الجانب اإليقاعي عنصراً أصي ً العربية األول ،ذلك الفن الذي اختص بالغنائية.. وك��ان ال��وزن والقافية أب��رز العناصر النمطية في حده المعروف ،لذا يصبح اإلحساس الموسيقي ض����رورة ل��ي��س ف��ق��ط ف��ي ت��ذوق��ه وت��ع��ل��ي��م��ه ،ولكن أيضا ف��ي تنميته والتنبؤ ب��ه .وألن اإلي��ق��اع سمة لصيقة بنفس الطفل ،وأكثر تأثيرا في مشاعره، فإن الطفل غالبا ما يعبر عن انفعاله في صورة (ح��س حركية) كالتصفيق ،والتنقير ،أو التمايل وثانيهما :أن الموسيقى ال تستمد موضوعاتها واالهتزاز ،بل كثيرا ما نالحظه وهو يهمهم في لعبه م��ن الطبيعة ،وال تعتمد على خبرة حياتية ،ألن االنفرادي ،ويغني ويتفوه بكلمات مرتجلة ،حتى قبل مصدرها وغناءها الرئيس يكمن في الفنان ذاته، دخوله المدرسة. وطبيعة الموسيقى المجردة أن تجعل مادتها بعيدة وإذا افتقد الطفل هذا الحس الموسيقي افتقد تماما عن عالم المحسوسات ،وليس ثمة فن آخر الصالحية لفن العربية األول ،ول��ع��ل ف��ي قصة يستمد مادة كلية من نفسه وال يعتمد في نموه على األصمعي (ابن رشيق ،العمدة ج )198 /1مع مؤدبه الفنون األخرى سوى الموسيقى. ما يدل على أنه كان وقتئذ مبتدئا ،وأن مؤدبه لما والطفل حين يتعامل مع اللغة ،أو يطالع صورة، ل َِحظ ُه من افتقاده األذن الموسيقية القادرة على أو يشاهد عمال مسرحيا ،أو يتأمل تمثاال ،أو ضبط النغم والتغني به ،ألمح إليه أن تعلم العروض يستمع إلى أغنية ،فإنما يلجأ إلى وسائل تقرب ال يغنيه ،وص��رف��ه ع��ن صناعة الشعر إل��ى العلم ل��ه المعنى ،بينما الموسيقى ال تحتاج إل��ى هذه بأدواته ،فكان فقط (عالما شاعرا) وليس (شاعرا الوسائل ،ألنها تعطي اللب الباطني ،واألصل األول عالما) .من هنا كان (التغني) مقود الموهبة ،وأحد الذي يسبق كل صورة ،بحيث يمكن القول إن الطفل إرهاصات الطفل المترشح ،وليس ذلك إال ألن هذا يستطيع االتصال باللون منفردا ،أو بقطعة الحجر الطفل لم يكتمل قاموسه اللغوي ،وليس لديه خبرة وحدها ،أو بكلمة من كلمات اللغة ،وهو في اتصاله معرفية ،أو أدوات لفظية تنهض للتعبير عن ذاته .بهذه األشياء ..إنما يتعامل في الحقيقة مع مادة ل��ه��ذا تنهض الموسيقى ألداء ه���ذه المهمة، فتعوض فقره اللغوي ،دون حاجة إلى إدراك قدراته اإلبداعية األخرى ،التي ال تظهر قبل الثانية عشرة، ألنها في هذه المرحلة تكون في خدمة نموه الجسمي والعقلي ..بحيث يمتصها ويستنفدها تماما .ولعل
دراس����ـ����ـ����ـ����ـ����ـ����ـ����ـ����ـ����ـ����ـ����ـ����ـ����ات
لطافة الحس الموسيقى (الدندنة والتغني)
اعتماد الموهبة الشعرية على الموسيقى أكثر من الفنون األخرى يرجع إلى أمرين:
األدب ،ولكنه ال يستطيع أن يستمع إل��ى الصوت سابقا على دخوله البناء الموسيقي ،فيرى فيه مادة هذا العمل ذاته ،ذلك ألنه ال بد في كل عمل موسيقي من اإليقاع واالنسجام الصوتي ،ونظرا القتضاء الشعر هذه الخاصية ،فإنه يعتمد على
اجلوبة -ربيع 1431هـ 43
الموسيقى ..ألنه أدخل في الشعر ،وهو جزء منها ف��إن وج��ود ال��ص��ورة أو ال��رس��م أدع��ى إل��ى اإلقناع في التعبير عن ذات��ه ،وقديما قطع الجاحظ بأن والتصديق .أما الحركات ..فهي عنصر آخر من عناصر الجاذبية والتشويق ،وهي ،فضال عن ذلك الشعر وكتاب العروض من كتب الموسيقى. تضفي على المواقف واألفكار أبعادا جديدة.
الطفولة وعالم اللوحة الجمالي
من أين يبدأ الطفل في التعرف الجمالي على محيطه وبيئته؟ إنه يبدأ من اللحظة التي يشده فيها أي مؤثر جميل وفعال وجذاب ،سواء كان سمعيا أو بصريا. وتبدأ حواسه بالتنبه والتأمل ..ثم محاولة التعرف على الكليات والعموميات ،ف��األج��زاء أو العكس. المهم أن يبدأ المؤثر الجمالي فعله في حواس الطفل العليا ،وبقدر ما يكون ه��ذا المؤثر فعاال ومؤثرا وجميال وممتعا ،بقدر ما يالقي في النفس ال��ص��دى الكبير واالستجابة المثلى ..مهما كان هذا الطفل صغيرا ،ومهما كانت مدركاته العقلية محدودة وبسيطة.
كيف يقرأ الطفل األثر الجمالي باللوحة وإلى أي مدى تثير انتباهه واهتمامه؟ ولإلجابة على هذا ال بد من تمييز الخصائص التالية في الطفل: أوال :الحركة ..إن الطفل تثيره الحركة ،لذلك يتابع بشغف أف�ل�ام ال��ك��رت��ون المتحركة .واألثر ال��ج��م��ال��ي ال��ح��رك��ي ه��و ال���ذي س��ي��ك��ون ف��ع��اال في استخدامه لتنمية ال��ذوق الجمالي .وتعد الصور وال���رس���وم ال��م��ت��ح��رك��ة أوع��ي��ة تعبير ذات أهمية كبيرة بالنسبة لألطفال ،فهم يعبرون عن أنفسهم ب��ال��رس��وم منذ عمر مبكر ،كما أن��ه��م يستقبلون التعبير من خاللها ،ويعنون بكثير من تفصيالتها، وتنطبع في أذهانهم ال��ص��ورة الذهنية الموحية، وتشير دراس��ات عديدة إلى أن الرسم أو الصورة أكثر اقناعا من الكلمة في كثير من األحيان .لذا
44
اجلوبة -ربيع 1431هـ
وي��ث��ار ان��ت��ب��اه األط���ف���ال ب��ال��ح��رك��ات ،ويريدون لألشياء أن تتحرك ،فهم ال يطيلون التمعن في مشهد تلفازي يظهر فيه أس��د واق���ف ،إن��ه��م في ه��ذه الحالة يقولون اقفز ..تحرك ..إزأر ..ومن خالل المزج بين الرسوم والحركة ظهر نوع جديد من أف�لام األطفال ،وهي الرسوم المتحركة التي تمتاز عن األشكال السينمائية األخرى ،حيث يكون التجسيد الفني عبر هذه األفالم يعتمد على إدخال الحياة ف��ي ال��ص��ورة وال��رس��وم ال��ج��ام��دة ،وتشكيل عالم خيالي مثير ،إضافة إلى أن ما توفره من جدة تجعل المواقف اعتيادية ،خصوصا وأنها تالئم رغبات األطفال ،وتناسب طبيعة عملياتهم العقلية واالنفعالية ،إضافة إلى أنها قريبة من حيث بنائها الفني والنفسي ،واعتمادها على الخيال واإلثارة، تنقل الطفل من حالته االعتيادية إلى حالة تتصف بالغرابة التي تشابه الحالة التي يخلقها اللعب إلى حد كبير. ثانياً :العناصر األساسية في اللوحة أو الرسم، سواء كانت بشرية أم حيوانية ،فإنها تثير انتباهه واهتمامه ..وفي الغالب يستمتع بها أكثر باألشكال الحيوانية ،ألنها ليست تحت بصره ..وال يراها إال في الصور .لذلك يستمتع بها أكثر ،ألنها بالنسبة له عملية اكتشاف ألشياء جديدة .وهذا في حد ذاته مفتاح جديد يمكن استخدامه في تنمية الحواس الجمالية عند الطفل ،من خ�لال ع��رض النماذج الحيوانية الجيدة الرسم أو التصوير ،لشد االنتباه عنده ،واالهتمام فيما بعد بالجماليات األخرى المرافقة ،وغ��اب��ات وأش��ج��ار وعمائر وتشكيالت طبيعية ،من جبال وت�لال وج��داول وظ�لال .وهذا
ثالثا :ال��ل��ون ..لعنصر اللون أهمية كبيرة في اللوحة التي يراها الطفل ،فكلما كانت أكثر إثارة وح����رارة وت��ض��ادا ،كلما اه��ت��م بها ولفتت نظره. لذا نجد إقباال من األطفال على األف�لام ورسوم أهمية الصورة الكرتون الملونة بألوان صريحة وصارخة أكثر من في كتب األط��ف��ال ..ينبغي أن ترافق الصورة الصور والرسوم الملونة بانسجام وهرمونية هادئة دائما النص ،حيث العالقة بينهما عالقة وثيقة.. وشاعرية ..أي المعتمدة على التكامل وليس على ف��ال��ت��ص��وي��ر وال���رس���م ي��ج��س��د م���ا ي��ق��ول��ه النص. التضاد الحاد. وال��ن��ص ب���دوره ي��ش��رح ال��ص��ورة ويكملها ..وبدون وذه��ب بعض علماء النفس -خصوصا أولئك ذلك فإنها تصبح صورة ملتبسة المعاني متعددة الذين ينحون منحى مدرسة التحليل النفسي -إلى الطروح ،وعلى الصورة أن تتولى نقل معاني النص تأكيد أهمية األل���وان ف��ي النفس ،خصوصا وأن وحكائيته ..وبهذا تكون الصورة تجسيدا للنص.. هناك اتفاقا على أن األل���وان تساعد في تقديم ولقد لوحظ أنها تسهل اتصال الطفل فيما بين األش���ك���ال ب��ط��ري��ق��ة م���ؤث���رة ،ن��ظ��را الت��ص��ال اللون الثالثة وال��س��ادس��ة بالكتابة ،وتحفزه -إذا كانت ب��ال��ح��س ،خصوصا وأن اإلدراك ال��ب��ص��ري يقوم معبرة ناطقة -على القيام ببعض المالحظات على وق��وع الموجات الضوئية على العين .وتلعب حول الحكاية ،بل تستطيع الصورة أن تعوض بشكل األل��وان دورا مهما في تحقيق االنسجام والتوازن من األشكال النص ،وه��ي تكتفي بذاتها بالنسبة في األشكال ،في عين الطفل وفي كسب انتباهه ،لألطفال الذين ال يعرفون القراءة أو تمييز كتاب وفي إرضاء ميله نحو ألوان معينة .إن أكثر األلوان عن اآلخر من خالل صورة الغالف التي تحل محل اس��ت��ح��واذا ع��ل��ى اه��ت��م��ام األط���ف���ال ص��غ��ار السن عنوانه. وج��ذب��ا ألبصارهم ه��ي األل���وان الثالثة األساس: وبنظرتنا إل���ى رس���وم األط��ف��ال ال��ت��ي يقومون األصفر ،األزرق ،األحمر ،بشرط أن تكون زاهية برسمها ،نجد أن فيها فروقا ظاهرة في التعبير ونظيفة ومفرحة .لذلك يجب أن يكون لهذه األلوان عند الجنسين من األطفال ،فالصبيان وخصوصا األس���اس النصيب األك��ب��ر ف��ي ال��رس��وم المقدمة بعد س��ن الثامنة يميلون إل��ى التعبير االنفعالي لألطفال صغار السن دون أن تمزج بينها ،ودون أن التصويري المصحوب ببعض التفاصيل ..فهم تستخدم أية ظالل أو تدرجات في اللون الواحد ،يتصورون مستقبلهم -كيف سيكون -وهم يصورون حتى ال يرتبك الطفل الصغير وينفر من الصورة ،أنفسهم ف��ي وظ��ائ��ف مهمة (ح��س��ب مكتسباتهم ويحسن أن تكون مساحات األل��وان مفصولة عن م��ن البيئة المحيطة ب��ه��م ..وم��ن خ�لال أسرهم بعضها بعضا. وعائالتهم) .ولكنهم يرسمون ص��ورا مبالغا فيها
دراس����ـ����ـ����ـ����ـ����ـ����ـ����ـ����ـ����ـ����ـ����ـ����ـ����ات
مجال واسع من المجاالت التي تسهم في تطوير خياله وتجعله في حالة استمتاع بصرية وتخيلية دائمة.
الطفل كثيرا :ف��إذا جاء الموضوع عاديا لم يلفت نظره ،لذلك نجد أن أكثر الرسامين الكبار الذين يرسمون لوحات تعرض على األطفال ،يجنحون إلى الخيال والغرابة واألس��ط��ورة ،وإل��ى ما ال يصدق، س��واء من حياة اإلنسان أو الحيوان ،أو النوعين معا.
راب��ع��ا :غرابة الموضوع وط��راف��ة الفكرة تشد وف��ق سعة األف��ق ،ووف��ق تصور كل منهم ..ضابط
اجلوبة -ربيع 1431هـ 45
شرطة يركب حصانا أسود جبارا ،أو يركب سيارة تسابق الريح ليلحق بالمجرمين واللصوص ،هو قوي البنية طويل عريض المنكبين مفتول العضالت ،أو ضابط جيش يعتلي دبابة ،وال مانع من أن يرفع عليها العلم ،وقد يكون جسده في حجم الدبابة. وق���د ي��ن��ج��ح ط��ف��ل آخ���ر وي���ص���ور ن��ف��س��ه فنانا مسرحيا يعتلي خشبة المسرح وه��و أعلى صوتا وأضخم جثة .تظهر كل تلك الصور في ممارسة الطفل للرسم والتجسيد بالنحت والتركيب واأللوان الصارخة القوية ،المحاطة بسياج ملون مبهر جدا، وخطوطها عادة قوية تميل إلى الخطوط الهندسية، تأخذ وجهة محددة صريحة .أما الفتاة فنراها من خالل رسومها تميل إلى التعبير الزخرفي الممتلئ بالتفصيالت ،وهي إذا تصورت مستقبلها ..فإنها ترسم نفسها بين أقرانها من البنات متساوية في الحجم والمساحة ،ولكنها تضفي على أقرانها من الصبيان ألوانا باهتة ال تقوى صورهم ،وإنما وجودهم فقط يكمل الصورة.
يكون هذا الطفل على قدر ملموس من الذكاء .وإذا أخذنا باألبحاث الجديدة التي تقّيم الطفل بأنه شيء مهم في عملية التعلم ..وإذا اعترفنا به على أنه كائن حي له ميوله واستعداداته ،وأن أسلوبه ف��ي التعبير الفني والتشكيلي يحمل خصائصه وصفاته المميزة ،وج��ب علينا أن نبحث ل��ه عن حريته ونكفلها له .ووجب على المربين والمشرفين على الطفل احترام هذه الحرية ،على أن ال يترك الطفل وشأنه ليقع أسير حريته في التعبير والوقوع فيما يضره ..ولكن علينا -بعد تأكدنا بالدراسة من ميوله -أن نختار له المثيرات الهادفة بالعمل بطرق غير قاهرة ،ودون مبالغة في الفرضية التي قد يتنبه إليها الطفل.
إن تشكيل الوعي الجمالي عند األطفال يجعلهم يكتسبون ما يسميه «ج��روس» (خبرة الفن) ،ألن الطفل يكتسب إذا لم يستطع أن يعي التشكيل.. ويطلق عنان خياله ويعيش شعوريا مع الشكل؛ ألن الجوهر أو الخاصية األساسية للفن كما قالت «س���وزان النجر» (فيلسوفة علم الجمال) هو أنه وف���ي ج��ول��ة ف��ي ع���دد م��ن ال��م��ت��اح��ف المهتمة حياة الشعور. ب��اإلن��س��ان��ي��ات وال����دراس����ات ال��ب��ش��ري��ة والبيئية، إن تربية الذائقة الجمالية عند الطفل ،تقتضي نجد التشابه الكبير بين رس���وم اإلن��س��ان األول ورس���وم الطفل الصغير ،ون��ج��د م��راح��ل التعبير معرفة وثقافة غنيتين ومتنوعتين ،سواء من لدن كذلك متشابهة؛ فالحذف والتسطيح والشفافية األس����رة ،أو م��ن ل��دن المربين ف��ي ال��م��درس��ة ،أو والتجسيد والمبالغة حسب االهتمامات المختلفة مؤسسات التعليم األول���ى ،ويأتي في قائمة هذه كما نراها في رس��وم الكبير غير الناضج ذهنيا ،المعارف ،دراسة الطفولة ،ومعرفة ميول الطفل، وهذه الحالة بالذات تجري فيها دراسات متعمقة واهتماماته ودوافعه الشخصية وما إلى ذلك ،ثم تأتي بعد ذلك خطوات يمكن أن نجملها على سبيل متعددة االتجاهات. المثال ال الحصر فيما يأتي: وإذا تتبعنا طفال لقياس ذكائه ،نجد أن هناك •إث���راء بيئة الطفل ب��ال��م��ف��ردات الجميلة عالقة كبيرة بين رس��وم ه��ذا الطفل ومدلوالتها والمالئمة لمداركه ومستوى نضجه. وق��درات��ه الفنية ودرج���ات ذك��ائ��ه ..وم��ا قد يظهره م��ن ق���درات ف��ي تعبيره الفني ،وم��ح��اول��ة إيصال •تحقيق الجمال عمليا في محيط تفاعل مفاهيمه ع��ن طريق األف�ل�ام واألل����وان .غالبا ما ال��ط��ف��ل م��ع ذات���ه وم���ع غ��ي��ره (الترتيب/
46
اجلوبة -ربيع 1431هـ
المصادر والمراجع:
•ال��ع��ن��اي��ة ب��ال��م��ظ��ه��ر ال���خ���ارج���ي لإلنسان 1ـ حسين جمعه :العالقات الجمالية والطفل، (الهندام /المأكل /الحركة.)... أب��ح��اث م��ؤت��م��ر ال��م��ج��ل��س األع��ل��ى للثقافة، •تعويد الطفل على االه��ت��م��ام بالتفاصيل القاهرة 2000م. واألجزاء. 2ـ د .رات���ب ال��غ��وث��ان��ي :تربية ال��ح��س الجمالي •تنبيه الطفل إلى أن الجمال يكمن أحيانا عند الطفل العربي ،المنهل العدد ،563جدة كثيرة في العالقات القائمة بين األشياء، يناير2000م. والتنويع المستمر في هذه العالقات. 3ـ سامي دقاقي :التربية الجمالية عند الطفل، •التأكيد على أن الجمال ينبع من الداخل ال��م��ج��ل��ة ال��ع��رب��ي��ة ،ال����ري����اض ،ال����ع����دد،382 أساسا ،بمعنى أن الجمال هو حالة داخلية نوفمبر2008م. مثل الفرح وال��ح��زن وغيرهما ،وه��و أيضا 4ـ عادل البطوس :تشكيل وعي الطفل التشكيلي، استعدا ٌد قبل أي شيء آخر. الخفجي ،العدد أكتوبر 2003م. •تعويد الطفل على بعض الصفات المهمة 5ـ غ��ازي الخالدي :موقف الطفل من اللوحة، في تربية الذائقة الجمالية كالصبر ،واألناة، حلقة بحث ،دمشق 1990م. الصفاء الذهني والنفسي ،وعدم التأثر أو االنسياق مع تقييمات اآلخرين ،واكتساب 6ـ د .محمد ط��ه عصر :سيكولوجية الموهبة األدب���ي���ة وال��ط��ف��ول��ة ،ع��ال��م ال��ك��ت��ب ،القاهرة ثقافة غنية ومتنوعة تبعا لنضج الطفل. 2000م. ل��ذل��ك ال ب��د أن نحشد ك��ل ال��ج��ه��ود التربوية لتنمية ال��وع��ي الجمالي عند أطفالنا ،وتشكيله 7ـ د .فاخر عاقل :طبائع البشر ،كتاب العربي العدد ،6الكويت يناير 1985م. م��ن خ�ل�ال جميع ال��وس��ائ��ط وال��ت��ع��ام��ل م��ع ثقافة الطفل البصرية ،من خالل لغة التعبير التشكيلي8 ،ـ د .هادي نعمان الهيتي :ثقافة الطفل ،عالم والتركيز على تنمية قدرته على االستجابة للعناصر المعرفة ،عدد 123الكويت 1988م. والعالئق البصرية ،وإكسابه الخبرات الفنية من 9ـ د .وفاء إبراهيم :الوعي الجمالي عند الطفل، خ�ل�ال معايير م��وض��وع��ي��ة بسيطة ،إض��اف��ة إلى الهيئة المصرية العامة للكتاب1997 ،م. تنمية سلوكه االبتكاري ،وتوثيق صلته بعلم الجمال وفلسفة الفن ،وإكسابه القيم الجمالية في الحياة10 ،ـ .F. L. Lucas Style. New York, Collier Book ,1967 واالرت��ب��اط بالبيئة وفهمها ،وصقل ذوق��ه وتعويده 11ـ Nancy Larrick, Aparent, Guide Children Reading, على االبتكار والترقي برؤيته التشكيلية ومواهبه .4 TH ,1975
دراس����ـ����ـ����ـ����ـ����ـ����ـ����ـ����ـ����ـ����ـ����ـ����ـ����ات
ال��ت��ن��س��ي��ق /ال��ت��ن��ظ��ي��م) وف����ق اإلمكانات اإلبداعية ومشاعره اإلنسانية. المتاحة.
* أستاذ الفلسفة اإلسالمية ورئيس قسم الفلسفة واالجتماع -كلية التربية جامعة عين شمس روكسي /مصر الجديدة.
اجلوبة -ربيع 1431هـ 47
عتمة > محمد معتصم*
«في هذه المدن الصغيرة يخاف اإلنسان شيئين :الملل والرقابة». حيدر حيدر ل��م يكن ه��ن��اك ه��اج��س م��ح��دد يفرض
في البدء عندما طوح بي في هذه المدينة،
على نفسه ساعة ولوجي مقهى أم الربيع
ك��ان الحلم بعالم حميمي ،بنبض جماعي
في تلك العشية التائهة.
يحتضن الصراخ العنيف للذات ،بأياد دافئة
فقط كنت أريد تخفيف بعض من قلقي ،متشابكة ع��ل��ى خ��اص��رة ال��غ��د .ك��ن��ت أحلم ونسيان ما بي من ضيق .في المقهى لوحات بفضاء تمتد أبعاده داخ��ل القلوب ،يمارس
بشرية دائمة التعليق تثير فضول البصر ،أحالمه عالنية في فضاء داخلي مكشوف تؤثث ل��ذاك��رة ،تحتضن ثلة معكوفة على مع بشر من نفس الكوكب الوجداني. ال��دوام على لعب ال��ورق .تتعالى أصواتهم
ُنزو كالعادة، أخ��ذت كرسيا في رك ٍ��ن م ٍ
مهللة ب��االح��ت��ج��اج ،ضجيجهم السرمدي
وطلبت قهوة س��وداء .رشفت جرعتين أو
يفتض بكارة الفضاء .دائما كانت تأسرني ثالث ،وجلت ببصري في فضاء المقهى. هذه الجغرافيا السفلى ،أحس بأشياء من كان حنيني إلى الهروب من واقعي العقيم
48
األعماق تطفو على السطح ،أحمل مآسيها
يتفجر ف��ي داخ��ل��ي كغيمة تحولت مطرا
وأحزان أعماقي الجارحة.
ه��اط�لا ف���وق ت����راب خ��ش��ن ,وأص��غ��ي إلى
اجلوبة -ربيع 1431هـ
ق���������ص���������ص ق������ص������ي������رة
ص�����وت س���ح���ري ق����ادم م����ن أع����م����اق����ي ،حيث ي���ق���ب���ع ش������يء غامض م��رت��ج��ف يُ��خ��ل��ق وهو ي���ن���ت���ح���ب .وتسارعت دق��ات قلبي ،ث��م بدأت أت���غ���ي���ر ح���ت���ى ص���رت كائنا غريبا متوحشا. أح��س��س��ت أن بداخلي شهية تكبر وتكبر لتبتلع كل ما يحتويه المكان، وأتخلص من أصواتهم
تعقبت خطوها الضليل تتطاير كبقايا دخان ,حتى
لم أعد أرغب في لقياها ،وصور تبعثرت إطاراتها
وأترك حاسة الشم تقودني إليها ،فحواسي لن
التي تحيي في نفسي جرحا قد نسيته ،من وجوه في لحظات الجد حزينة ،وكنت أغمض عيني
حتى أصبحت تباع في الخردة ،أحسست بأن ثمة عالما مجهوال قريبا مني كل القرب ،وال يفصله
تخطئ أبدا أريج عطرها الكوني ،ولكن األوغاد ك��ان��وا يشوشون علي بتأجيج دخ��ان مجامرهم
عني س��وى جسر م��ن ال��زج��اج .أن��دف��ع الجتياز المشعوذة التي كانت تنفث روائ��ح بخور كريهة
الجسر الزجاجي ،فأحتضنه برأفة ،عالم شاسع تصيبني بالغثيان وال��ت��ق��زز ،تشل ك��ل حواسي مبهم ،ساده ظالم كثيف .وتجسدت في مخيلتي
وتصيبها بالعطب ،حتى شككت في جدوى البقية
بقايا جثث متعفنة ،وأجساد متخشبة ،فهتفت
الباقية من حواسي التي أصبحت تتوقع نداءها
لن تتوقف ،وأن��ا قابع في ركني أرش��ف ما بقي
األزقة الموحشة ،ودائما أحضن الفراغ .تبلبلت
بدون صوت ،قلبي يطرق بابا مغلقا ..ودموعي ال��رخ��ي��م ،وص����ورا ل��ه��ا م��ش��وش��ة ف��ي منعطفات
من القهوة .اخترق بصري ال��زج��اج ،فأبصرتها
مجد لنور يتزأبق كلما حاولت ما بين اختفاء غير ٍ
على الهامش المقابل للمقهى ت��رت��دي فستانا احتضانه ،وعودة مهزومة لبؤرة الضجيج األعته.
في لون السماء الصافية ،محبوكا على جسدها فيممت وجهي شطر بيتي حتى ألتقط بعضا من المشدود .كانت تزيح شعرها األصفر الذهبي أنفاسي وأجلو الغشاوة عن ذهني ..وأعيد ترتيب عن وجهها ،وتنظر ناحيتي .جريت نحو النافذة لقطات الشريط كما عشته أو ضمنته داخل أبحث عنها كما أفعل دائما .كلما بحثت عنها أو مستطيالته الشفافة الهاجعة في خرسها.
*
قاص من المغرب.
اجلوبة -ربيع 1431هـ 49
أربع قصص قصيرة جدا > صبيحة شبر*
مساواة تزوج الرجل للمرة الثانية بفتاة صغيره ،قال لزوجته الكبيرة: اشتريت لكما نفس اللون من القماش وسوف أخيطه لكما بنفس التفصيل ،وابتاع لكما الشيء عينه كل مرة ،سأعدل معكما في كل شيء وحتى غرفة النوم ستكون واحدة لثالثتنا.
معونة الشتاء وقفت مديرة المدرسة أمام طابور الصباح، وهي تمسك بيدها س��روال ابنها القديم ،وبعد أن ألقت خطبة عصماء ،عن ض��رورة مساعدة الفقراء والمساكين ،في فصل البرد والمطر، ون��ح��ن ن��ن��ص��ت إل��ي��ه��ا ب��إع��ج��اب ،ن����ادت بأعلى صوتها: أين أحمد؟ لقد جلبت له معونة الشتاء.
الثمن
قلبي. مرحبا أستاذنا الكبير. ..... -اشتقنا لك ،كنت أتمنى رؤيتك ،وأتوقعها،
فجلبت لك هدية. ..... -
-وض��ع��ت ي��ده��ا ف��ي جيبي ،فصفق القلب
ابتهاجا ،وغابت عني الحروف. -محبتي لك أستاذنا.
غادرتني الجميلة ،أسرعت لمعرفة الهدية،
أدخ���ل���ت ي����دي إل����ى ج��ي��ب��ي ،ف��ل��م أج����د هاتفي
المحمول.
الفنان أع��ج��ب��ت ال��ج��م��اه��ي��ر ال��م��ح��ت��ش��دة ،ببراعة
النحات ،على تجسيد أض��رار التدخين ،بهيكل عظمي يوشك على السقوط ،من فرط الهشاشة
ك��ن��ت م��ت��ع��ب��ا ،أس��ي��ر ال��ه��وي��ن��ى ف���ي السوق، والكيسان الكبيران في يديّ االثنتين ،هلت علي والضعف ،خلدت مهارته بصورة تذكارية وهو غادة حسناء :قبلتني على وجنتي ،فارتعش لها يدخن سيجارته العاشرة. *
50
قاصة من العراق.
اجلوبة -ربيع 1431هـ
> محمد صوانه*
صانعة الغد
تحويه.. ثم تتلقفه يداها الواهنتان بلهفة.. تصنعه على عينها.. كأنه عجينة! .. ثم تطلقه ..وقلبها يظله.. فيبلغ عنا َن السماء!
أحالم اليقظة..
تنفس صبحه الجديد ..فاستيقظ منتشياً سارا سوياً تتحرر الشمس من رفقتهما يركن الصباح إلى خدره ويغفو ليتجهز لمشوار جديد.. يتحرر أمله الساكن في أعماقه يغذ السير في دربه الزاهي مغنياً.. يمضى معه سحابة يومه باحثاً في أزقة النهار عن مستقر فتصدمه العتمة
إنقاذ
ذات غفلة، غشيه موجها ينتفض.. ثم يستسلم كريشة حائرة، حتى إذا اطمأنت لسكونه؛ استل شراعها، وأبحر! .. *
اليوم يوم األرض (رواية طويلة جداً!)
ق���������ص���������ص ق������ص������ي������رة
قصص قصيرة جدا ً
سمعهم ي��ه��ت��ف��ون ب��ي��وم األرض ..ي��س��ي��رون في الطرقات المعبدة.. خرج إلى حديقة بيته القابع في المخيم ،غرف حفنة من تراب.. ودلف إلى صورة األقصى الملتصقة منذ عقود على الجدار.. يتهادى نحوها.. يتأملها ويده المرتجفة تحمل حفنة التراب أخذ يشمها ..يتحسسها بخده.. ثم شَ هَق!..
أفول رغم انحناءة ظهره وتقوس األفق من حوله؛ يزرع نخله.. ثم يرخي ما بقي من جسده على قارعة الزمن يمر قطاره ..يتجرجر رويدا رويداً.. يرتقي عربة حبلى.. لكنه يترك فأسه العتيقة.. وزوادة كان يحرص على حملها, يعثر عليها مالك البيت الجديد, في زاوية عشعش فيها النمل!
قاص من األردن.
اجلوبة -ربيع 1431هـ 51
قصص قصيرة جدا > عبدالسميع بنصابر*
كسوف في البدء كانت السماء. السماء أمطرت وأنبتت زهورا زاهية ألوانها. بعد ذلك ،جاءت الشمس؛ فأدفأتها بأشعتها. ثم جاء القمر ..فداعبها بضيائه. لو لم يتواعدا.. لو لم يلتقيا، لما حدث الكسوف ،ولما ذبلت كل تلك الزهور الجميلة!
تتويج
برد قوافيه، هجا النظام. شحذ كلماته، رمى السهام.. أصاب قلوب الجماهير. صفقوا بحماس. وريثما خال إلى شياطينه ،هنؤوه بحرارة ووعدوه باألوسكار.
فنان
حلم طويال، الوزير رسم قمرا. متلحفا بغبش الليل ،شاهدناه يتسلل (حبوا) إلى «البد له من مسكن!» بستان قصر البلدة ،وفي لمح البصر ،كان قد رسم خلفه سماء. (ارتقى) أسمق شجرة هناك. تذكر الحبيبة، ومع انبالج الصبح ،حملنا صور داروي��ن وجلنا رسم قربه شمسا. لكن الشمس أحرقت القمر والسماء ..والفنان! أزقة البلدة ..محتفين بذكراه. *
52
شاعر من المغرب.
اجلوبة -ربيع 1431هـ
ق���������ص���������ص ق������ص������ي������رة
حتـــت جنـح الليل > عبدالباقـي يوس ـ ــف*
منذ ثالث ساعات وهو يتقلب في الفراش ،ال يعرف أي حالة لعينة هذه التي تسيطر على جملته العصبية وتفقده توازنه ،تضرم الروح بحريق ال ينطفئ .تشير عقارب الساعة إلى الثانية ليالً ،يسود صمت هائل في خيمة الظالم الحالك ،وليس من صوت غير الموسيقى الهادئة التي تحاول أن تهدئ من لهيب االضطراب في روحه ،بيد أنها تخفق مرة تلو المرة ،رغم أنه يكرر األسطوانة للمرة الرابعة. ك��أن��ه ي��س��ت��ل��ق��ي ع��ل��ى ق��ن��ب��ل��ة م��وق��وت��ة قابلة لالنفجار بعد لحظات ،يحاول نسيان كل شيء يمتُّ له بالحياة ليستغرق في نوم ،لكنه بعد ساعة أخرى يدرك فشله في إغفاءة بسيطة. ال ت��وج��د أزم���ة ت��ؤرق��ه ليعالجها ،ه��ك��ذا من دون أي مقدمات وال تمهيد ..انتابه اضطراب مجهول؟!
يعيشه .تمتم لنفسه :م��ا دام ال��م��رء يميل إلى
لون من الحياة ويمارسه بالطريقة التي يبتغيها، فذلك ال يسبب له قلقاً .ثم عاد ليتمتم :هل هو
الخوف من الموت؟
رغم كل حبه للحياة وتعلقه بها ،فقد استطاع
التغلب على كل إحساس بالخوف من الموت، وي��ظ��ن ب���أن ال���وح���دة س��اع��دت��ه ف��ي ت��ع��زي��ز هذا
يشرد وهو ينظر في السقف عله يعثر على سبب ما :هل الوحدة هي السبب؟
ال��ش��ع��ور ،ألن ال��ذي��ن يعيشون ح��ي��اة اجتماعية
رم���ى ال��ف��ك��رة ،ألن��ه��ا ل��ي��س��ت ال���م���رة األول���ى ال��ت��ي ي��ن��ام فيها وح��ي��داً ،فمنذ س��ن��وات طويلة، اع��ت��اد ال��وح��دة التي تحقق ل��ه ج���واً م��ن الحرية واالستقاللية ،وهو منسجم مع نمط الحياة الذي
من الموت الذي سوف يأخذهم من وقائع الحياة
حافلة يكونون أكثر عرضة لإلحساس بالخوف الثرية التي يعيشونها ،أما هو فعالقته محدودة بالحياة ،وال توجد لديه عالقات عميقة وحميمة
تجعله يخاف فقدانها.
اجلوبة -ربيع 1431هـ 53
ينهض من الفراش ،يشعر بوخزات في جبهته ،حافلة ،في حديقة ،في أي مكان آخر. فكر في أن يتناول قرصاً منوماً ،لكنه تراجع ثم أردف موبخاً نفسه :ما الذي حدث؟؟ منذ قائالً :إن لم يأت النوم بشكل طبيعي ،فال خير ست ساعات وأن��ا أتسول النوم للحظة واحدة، فيه إن أتى بشكل آخر. وكأني لم أذق النوم من قبل ،ول��م أشبع نوماً. شعر بتعرّق شديد ،لم يعد يحتمله ،فهرع بغتة أشعر بعدم حاجتي إلى النوم ،أستطيع أن أخرج إلى الشارع.. اآلن ،أدور في الطرقات حتى الصباح ،ومن هناك يُطبق صمت مهيب على الطرقات .والناس أتجه إلى عملي ،عندما أشعر بالنعاس سيكون في بيوت خافتة األض��واء ..يرقدون بأمان .كان االستغراق على وسادة الغفوة ممتعاً ..ألن النوم حينذاك هو الذي يأتي ويجرني إلى رحابه. عليه أن يكون نائماً اآلن. ه���ل ي��س��ه��ر ل��ي��ح��رس ال��ن��ائ��م��ي��ن ،م���ا معنى استيقاظه وخ��روج��ه إل��ى ال��ش��ارع ف��ي مثل هذا الوقت المتأخر؟!
أجمل ساعات النوم هي تلك التي تأتي على ال وأنا أسهر أشاهد التلفاز مع برنامج غفلة ،مث ً ج���دي���د ..وف��ج��أة أغ���رق ف��ي ن���وم عميق لثالث ساعات متواصلة ،وعندما أفيق أرى البرنامج قد انتهى وتبعه برنامجان آخران ،فأضع رأسي وأكمل النوم على الكنبة حتى الصباح.
تعيده الخطوات إلى حجرة نومه ،فيرتشف رشفة ماء ويتمتم ..سأنام ،ال بد من النوم اآلن، الحالة الهذيانية ولت إلى غير رجعة ،فالساعة تشير إل��ى الرابعة والنصف ،وعلي أن أفيق في الثامنة تذكر للتو بأنه كاد أن يرتكب حماقة عندما ألذهب إلى عملي. فكر ب��أخ��ذ أق���راص منومة ليرغم نفسه على ال النوم. استلقى على فراشه ..وأغمض عينيه متخي ً بأنه خرج من عالم اليقظة. أج���ل ..عليه أن يستمتع باليقظة م��ا دام ال ومضت ساعة أخرى اكتشف من خاللها أنه يشعر برغبة في النوم ،وكل تلك الحركات التي بدرت منه ما كانت إال هراء في هراء. يغف لحظة واحدة!! لم ُ
لم يعد األمر محتمالً ..انتفض مرة أخرى.. ذهب إلى المطبخ وتناول كأساً من اللبن ،وعاد إلى غرفة نومه دون أن يجرؤ على دخول فراشه، ثم ما لبث أن تمتم :إنني معتوه .اآلن اكتشفت بأنني معتوه ..أريد أن أقمع نفسي وأرغمها على النوم بالقوة ،أليس من حق النفس أن ترفض النوم ولو ليلة واحدة في السنة ،أليس من حقها أن تتمرد على القانون وتضجره لتقرر ولو مرة واحدة النوم في النهار ..في مقر العمل مثالً ،في * كاتب من سوريا.
54
اجلوبة -ربيع 1431هـ
وق��ف على قدميه م��ن ج��دي��د ،تحركت فيه نشوة ،أراد أن يفعل شيئاً م��ا ،وض��ع في جهاز التسجيل أغنية تحمل إليه عبق ذكريات حنونة. عندها اكتشف خسرانه ألمر هام ،وهو أنه منذ أمد بعيد لم يسهر ليلة كاملة ،يكون فيها يقظا والناس نيام ،أال يحدث أنه عندما يكون نائماً في ليلته ،هناك شخص ما في هذا العالم يكون يقظاً ،وكم يتمنى لو عاد الليل من أوله ليستمتع بسهر كل لحظة من لحظاته الذهبية تلك.
ق���������ص���������ص ق������ص������ي������رة
رقصة الريح > منيرة صالح* أقلقْتني. ()1 هدهدي الطفلة .أسكتي بكاءها بلعبة أو ك�����أن�����ك تلمحينبترويدة .احمليها .أحدبي عطفا عليها لتنام .ل���ش���يء .وتخافين يصعب ع��ل��يَّ ب��ك��اؤه��ا ،ك��أن��ي أس��م��ع ن��ه��راً في ق���ول���ه .استعيذي بالله ونامي.. طفولته يبكي من الجفاف .أرضعيها.
أقول :أحدث ما ال��ط��ف��ل��ة خ��ائ��ف��ة م��ن ص���وت ال��ري��ح التيتضرب الخيام بقوة ،تعوي كأنها ذئب كبير يريد أفزعها اليوم ،لما االنقضاض علينا ..وال ج��دار عندنا ندفع به رافقتك عصراً؟ ال أع��ت��ق��د .ف��ق��د ب��ق��ي��ت أس���م���ع لهولهاسطوتها. والصغار .غير بعيد عن مجلسنا .وقد شغلنا ارضعيها لتنام.بمشاهدة إحدى الفضائيات. أنسيتَ أن طفلتنا بلغت سن الفطام .انظر هل من جديد.أسنان الغزال تمأل فمها .سأساهرها قليالً، كانت الفضائية تعيد أحداث احتالل بغدادليس الجوع ما يبكيها .بل هو شيء غامض يدور في الذكرى السنوية الثانية. في إحساسها الصغير. التاسع من نيسان يوم أسود ال ينمحي من ..أذكر ليلة .كنا في العراق ،وبكت طوال ليل الذاكرة. بهيم .أصبح الصبح على نعي جدتنا الحبيبة.
اجلوبة -ربيع 1431هـ 55
بطفلتها ،التصقت بحضنها وق��ال��ت( :بدي) أدفئي الصغيرة .الليلة باردة. ندعو الله أن نصبح والخيمة في مكانها .أرض��ع) ،قرّبتها من رائحة الحليب ،ثم أبعدتهابحزم ممزوج بنهر حنان ينبع من القلب .صرت ال تقتلعها الريح. كبيرة ،صباحا نذهب معا إلى خيمة التغذية في ال���م���رأة تتمتم ب��ص��م��ت :ي��ا ري���ح ال تقتلعي المخيم ،وسيعطونك حليبا وبسكويتا لذيذا. خ��ي��م��ت��ن��ا .رق��ص��ة ال��س��اح��رات ه���ذه ارقصيها – أنت تمتنعين عني .إذاً سأزعل ،أو تدعيني بعيداً عن خيمنا البالية ،ال جدران عندنا تصد أرجع إلى بطنك .فأنا أشعر بالبرد. جنونك.
()2
()4
غفتْ الطفلة ،النوم ألصق بيديها جناحي عصفورة ،راح��ت ت��دور في أفق المخيم ،تنشر ج��ن��اح��ي��ه��ا ال��ص��غ��ي��ري��ن ،ف��ي��ن��ت��ش��ر زه���ر وتكثر ع��ص��اف��ي��ر .ت��رف��ع وج��ه��ه��ا ال��ب��رئ إل���ى السماء فتتقافز غيوم بيض كأنها جداء وليدة .نظيفة ووديعة.
راح األب إل��ى ال��ن��وم .فجاءه النوم ببيجامة زرقاء جديدة .لكنه رفضها وطلب من النوم أن يأتيه بمدينة مضاءة بالكهرباء ،كي ينتقل للعيش فيها ب��دال من المخيم المقفر المليء باليأس والزوابع والحر الخانق.
()3
()5 الصباح لم يطلع.
ب��ع��دم��ا ط��م��أن��ت��ه��ا ض��ح��ك��ات ع��ل��ى وجنات كيف يطلع م��ن دون ض��ي��اء؟ وألن���ه يستمد الصغيرة ،راحت األم إلى النوم ،والنوم جاءها ضياءه من جبهة «آية» الصغيرة ،وهي اآلن بجبهة متفحمة .ال صبح تعطيه للصبح ،وال فرح تمنحه لألشياء.
()6 الريح لما رأت الناس نياماً .وال أح��د ي��رق��ص معها ،غضبت .هزت الالجئين النائمين ف��ي الخيام من أرجلهم .زمجرت :أرقصوا معي. قال الناس لها :في هذه الظلمة تريديننا أن ن��رق��ص؟ م��ا رأي���ك أن نشعل نارا نرقص حولها؟ لكن الريح زمجرت ..فانصاع الناس إلرادتها.
56
اجلوبة -ربيع 1431هـ
تحيطهم ظلمة كثيفة .والريح تنعف في وجوههم خيمته يبحث عن مخرج وسط اللهب .اصطدم رمال كالدقيق .التقطته من صحراء المخيم .ب��وت��د الخيمة الكبير ،ف��ج رأس الصبي وعال تذمُّر الناس جعل الريح تتعنت خيامكم سترقص أيضاً.ف��ي حمئة المشهد تثنت ال��خ��ي��ام .وم��ع كل
خفقة ف��ي ال��ش��وادر ،ينتعف م��زي��د م��ن الرمل
صراخه .فضيع صوت األب وهو يحث األم على
اإلسراع بالخروج.
المرأة في الخيمة محاصرة بالنيران.
ق���������ص���������ص ق������ص������ي������رة
ت��رك��وا فراشهم ال ي���درون أي��ن تطأ أقدامهم.
حمل ال��رج��ل طفله ال��ن��ائ��م ..وت��راك��ض في
صاحت :آي��ة ،تعالي ماما .آية تعالي ،نشج
البارد في عيون الالجئين وأفواههم ..ال شيء صوتها .الطفلة وقفت متجمدة .مدت األم يداً إليها وامتد لسان النار فشدّ البنية. يرى في المكان. فجأة انطلق ص��وت ،حمل ح��روف الحريق،
ح ري ي ي يق .الريح ضيعت الصوت ..فشك
السامعون أن ه��ن��اك م��ن ضيع ال��ط��ري��ق .لكن صوتاً زاعقاً أجشاً صاح زاعقاً :حريق.
ابنتي ..ابنتي وهبتها الريح للنار ..تحسست
األم ال��م��ل��ت��اع��ة ط��ري��ق��ه��ا ن��ح��و ال���خ���ارج .تجأر بالمصيبة ،فلحقتها ال��ن��ار وأمسكت بظهرها ورمتها خارج الخيمة.
ت��ح��ت ال���رق���ص ال��م��ت��ه��ور ل���ل���ري���ح ،وصلت
وص��ل ال��ص��وت عاليا ُ ون��ق��ي��اً .وف��ي اللحظة ذاتها ق��ررت الريح أن تنقل الرقص إل��ى قدم ال��م��ط��اف��ئ ،مشهد ال��ن��ار وه���ي تلتهم الجسد أخرى ..فتسلل الصوت من بين قدميها .نسي ال���غ���ض ك����ان األش�����د ق���س���وة .ص�����راخ األم دل
الناس خوفهم من تهديد الريح وانطلقوا حفاة الالجئين ورج��ال المطافئ إلى المكان .وسط يركضون إل��ى ال�لام��ك��ان .س��واد يطلي الهواء ،أكوام مطمورة بالسواد ،امتدت األيدي ورفعت رمل ساخن يطلي الوجوه ،واندلعت كتلة لهب الجثة الصغيرة المتفحمة .وسريعاً لفت بقماش تعاظمت لتلتهم شيئاً غير معروف. نادى الناس: يا ريح:
الموتى ووضعت في سيارة اإلسعاف.
م����ن ب���ي���ن أن�������ات ال���ج���رح���ى وحشرجات
المحتضرين نبتت في المكان رائحة للحم حي يحترق ،صعدت على شكل عامود ،والتصقت
أرغمتِنا على الرقص معك ،ف ِل َم سمحت للنار أن تلتهمنا ،لم هذا الحريق؟
ك��ان ال��ن��اس يبكون خ��وف��اً ورع��ب��اً وإدان����ة ..كان
ليست الريح مسئولة عمن أشعل النار وشوى
المكان ولم يغب حتى اآلن صوت النحيب عن
عبر الدهن بفتحات األن��ف والعينين .وعندما
الريح زاد غضبها وزمجرتها ،بقبضة واحدة رم��اد أس��ود برائحة ملتصقة ب��ال��رؤوس يتنزل اقتلعت أوتاد الخيام ،فهوت على رؤوس قاطنيها .من عيونهم .تكاثر الرماد المبكي ،حتى غطى وجوهكم .عاث صراخ واختلط بشهقات. *
ما ِّر الطريق عند المخيم.
قاصة من األردن.
اجلوبة -ربيع 1431هـ 57
الوداع ..
حين علمت برحيلك ,أوقفت الساعة صـ ــدمة ف ـ ــاقت كـ ــل التوقعات00 مدارها ..لحظات تحتضر تريد االنتهاء.. ذل���ك م���ا ح�����دث ..ول��رب��م��ا خ ـ ــانتني وكل الثواني تعاندها تريد البق ـ ـ ـ ـ ــاء.. ال���ذاك���رة ,ت��ل��ك هـ ــي ال��ح��ق��ي��ق��ة المرة..
لتــرى ما يتركه خبر رح ـ ــيلك ..تــريد اله ــروب قبل أن يتهموها بـأنها سبب في خطف أعـ ــز الن ـ ــاس 00 أما الشم ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــس! ..
ليتـ ـ ــك لم تكن هن ـ ــا وهنـ ـ ـ ــاك ,من يمأل الفراغ الذي تركته؟! وم���ن ي��زي��ح ع��ن روح����ي األل��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��م الذي ينتابها!
كــانت شفافه ليراها الجم ــيع ويعاتبها.. كــانت شاهده على قــرار القدر..
مرت اللحظ ــات بطيئه تئنُّ من أح ــزان موجعة..
سك ــنت الريــاح عن صفـ ــيرها ..وع ـ ـ ـ ـ ــم السكــون المــكان.. وقد كـ ـ ــف الجم ـ ـ ــيع عن الح ــركه! اختفت األصـ ـ ــوات – ال ش ــيء هن ــا بمقدوره التعبي ـ ـ ــر عمـ ـ ــا حدث ,فقد كانت
58
فـق ـ ــدت األمـ ــان..
فقد كــانت باهته على غيـ ــر عادت ــها.. ت��داري نفسـ ـ ــها بسحــابة س��وداء هك ـ ــذا ظننتــها..
فل ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــم تعتــرض!!
*
خ ــلت الدن ــيا منك ,وخ ــال المكـ ـ ــان من صــوتك..
لولوة العتيبي -الجوف.
اجلوبة -ربيع 1431هـ
وراحت النف ـ ـ ــوس مودعة... لقد رح ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــل الحبيب.. فتبددت األمـ ـ ــاني .ونقلـ ـ ــت من حديقة م��خ��ض��رة إل���ى ص��ح��ـ��ـ��ـ��راء ق��اح��ل��ة ..فقد ت ــأخذني إلى هن ـ ــاك.. إلى الحبيب الراحـ ـ ـ ــل..
> عبير املقبل*
جفاء األيام
تزوجته مكرهة ..صدت عنه لسنين عديدة.. تعامله بكل جفاء.. وفي يوم مرضه ..هرعت إليه باكية وهي تردد.. أفديك بروحي!! ..
مشاعر خوف
أجّ ل سفره الخاص باستكمال الدكتوراه.. كان يخشى االبتعاد عن أمه المريضة.. لكنها أصرت على سفره.. وفي اليوم التالي لوصوله مدينة لندن.. وصلته برقية عزاء!! ..
في ذكرى الزواج
أحبته لدرجة الجنون.. فأرادت أن تفاجئه بذكرى زواجهما األول.. جهزت كل شيء كما أرادت.. واستعدت الستقباله.. وم���ا أن دخ���ل ح��ت��ى ان��ص��دم��ت ب���ام���رأة تتأبط ذراعه..
الصندوق األسود
أهدى له يوم زواجه « الصندوق األسود» ك���ان ش��ك��ل��ه م���ث���ي���راً ! ..م��م��ي��زاً ع���ن ك���ل هدايا زمالئه.. وفي مساء اليوم التالي.. ف��ت��ح ه���داي���اه ..ليجد داخ���ل ال��ص��ن��دوق رسالة غرامية قديمة لزوجته!! *
فقر على فقر
ق���������ص���������ص ق������ص������ي������رة
قصص قصيرة جدا
ك��ل ي���وم ي��ج��ر ع��رب��ت��ه ال��خ��ش��ب��ي��ة وس���ط السوق
الشعبي.
وفي المساء ...يعد حفنة نقوده بألم ..وحسرة..
وفي صباح اليوم التالي..
خسر عربته وسط مضاربات في السوق!! ..
صدمة
أرادت أن تتزوج ..فقررت االرتباط به..
وفي لحظة االستعداد لليلة المنتظرة ،وأن تُزَف
إليه..
همست امرأة في أذنها بأنها الرابعة..
فأصيبت بذهول ،وصدمة ال يعلمها إال الله..
تراجع
قبل سفره بفترة طويلة..
قررت توديعه ألخر لحظة.. لكنها تراجعت ..عندما
(اكتشفت أنه يحمل تذكرة أخرى المرأة).
قمة التضحية قررت في اللحظة األخيرة أن:
(تموت ويبقى ابنها الوحيد على قيد الحياة)..
وانتهت عملية نقل القلب منها إليه ..لكنها لم
تكن تعلم أنه فارق الحياة قبل إجراء عملية النقل له..
قاصة من السعودية.
اجلوبة -ربيع 1431هـ 59
من سرق ورقة التوت؟ > جنوى عبدالبر (شهد الرفاعى)*
خلف زج��اج النافذة ..وقفت أطالع وجهه ،اليوم أزرق وباألمس أخضر ،وربما غدا رماديا ،فال أعرف له لونا معتادا .حتى صوته سيمفونية متعددة الطبقات ،ربما كان يعزف في لحظات لحنا سماوياً ،وبعد هنيهة أسمعه يضج بالنشوة وال��ف��رح ،إل��ى أن ألمسه ..فموسيقاه حينئذ مزيج من الرومانسية واألح�لام والصخب ،سيل جارف من تتابع األوتار يأتيني بأعذب األلحان كل مساء ،أنام على صوته وإن كان هادرا ،أحبه وإن كان صامتا ،وأعشقه وإن كان حائرا ..لكنه اليوم يحيرني ،فال أعرف له وزن ًا أو مقام ًا أو.. ال ..ال ..ال داعي للتفكير في أشياء أخرى .فاألفضل االسترخاء في أشعة الشمس. أي��ع��ق��ل م��ل��ي��ار ،أع��ت��ق��د أق���ل ،ال ف��ائ��دة من يا إلهي ما لي أرى كل شيء ضيقا!! هذا الكون ..ما عاد يتسع لي إال بالكاد ..الرصد فالكل يتنفس الرماد والدم. نحاول اختراق االتجاهات ،من حولنا حتى القلوب والسماء كلها تضيق من حولي، األرض لم يعد لها بع ُد من اتساع ،كل شيء بحور تعج بالحيتان واألس��م��اك ،الجميع يطل على بعضه بعضاً ،وال أحد يستطيع فی صيرورة حالكة الظالم ،ابتالع. ماذا حدث؟ ال أعرف ..أحاول الخروج البوح ،األنهار تحول عذبها أچاچا «محفوفة من هذا المكان الضيق ولكن ..بال فائدة .بالدم ،والجماجم حراس القصر». وما هذا؟ كالب تمأل رمال الشط!! ..
أتلفت حولي ،كل من حولي يعاني ضيق ال م��ف��ر ،ال م��ف��ر ،ق��د سُ ���دت علينا كل المكان ،ربما أكثر مني ،وربما أقل ولكن هي نفس المعاناة ،يا رب النجاة ..أين المفر؟ ،المنافذ ،الهواء أزرق والضياء كالجمر ،ال أين القمر؟ ،هل جننت؟ وما فائدة القمر مفر سوى البحر. في هذا الوقت؟ آه ..القمر ..حتى القمر يصيح ص��وت ك��ال��رع��د ،ال ب��د م��ن خلع قد غشاه الظالم وقد كان باألمس بدرا!! م�لاب��س��ن��ا ،ال ي��ق��رب ال��ي��م م��ن ك���ان أسير عليك ِ ك��م ع��ددن��ا اآلن؟ ع��ش��رة ..ال ،أكثر ..غ�لال��ت��ه ،ي��ش��ي��رون ل���ي م���ن ب��ع��ي��د: عشرين ،بل مائة ..ال ال ،ألف ..ال ،مليار؟ بالتجرد والهروب إلى البحر ،في لحظة من
60
اجلوبة -ربيع 1431هـ
يتكرر النداء اخلعي ِ عنك ورقة التوت ..اخلعي تبكين؟ عنك الحقيقة. ِ فأجيبها بانهمار دمع حزين ..ضاعت ورقة أغ��وص ف��ي البحر ..فتحاصرني القهقهات التوت. العالية ،تستنفرني ،تأتيني من كل حدب وصوب، ت��ب��ت��س��م ال��ص��غ��ي��رة وه����ى ت��م��د ي���ده���ا بزهر وأياد بالدم ملوثة، وجوه مبتسمة ..وأخرى عابثةٍ .. كنت تحلمين يا أماه.. الياسمينِ ، حائرة أن��ا!! حولي صياح وضحك وص��راخ ودمع أج���ول ب��ن��ظ��ري فيمن ح��ول��ي ..ات��س��ع الكون ودم ،فأصيح بصوت مخنوق :أريد الخروج. والشمس كما لم أعهدها من قبل ،بحر ذهبي أعدو هاربة من اليم والموج يلطمني بقسوة.. ال��ض��ي��اء ،ه��ا ه��ي ال����ورود وزه���ور الياسمين في يحاول طرحي أرضا ،يجذبني إلى القاع ،أتشبث ح��دي��ق��ت��ي ،وع��ل��ى األغ��ص��ان عصافير وأطيار، باألمل ،أحاول الخروج إلى الشط ،أتوارى تحت الماء ،آهٍ ..فالماء أيضا يكشفني ،ويبصرني الكل وها هو البحر معشوقي ،وكما أحببته بصفحته ال��زرق��اء يعكس ل��ون صفاء السماء ،نظرت إلى عارية. بنيتي وأخذت بيدها ،وقلت لها في مرح: يا إلهي!!! ال أبصر مالبسي!! أين هي؟ أتريدين السباحة ف��ي البحر؟ ه��ي��ا ..هياعلى الشط ،تعلقت مالبسي بأنياب ،أقنعة، لنسبح بمالبسنا. ال أتلمس لها شبهاً ،مربعة أم مثلثة الوجه أم وتضحك بنيتي ،نسبح ب��م�لاب��س��ن��ا؟!! ال بل سداسية الشكل ،ال وض��وح ..ضباب من حولي يلفني ويلف معه الحقيقة ،وأنياب تغدو بمالبسي بالمايوه ،سأرتدي المايوه، فى الظالم. ال ..بل بمالبسنا..
ص���ارخ���ة ..أع��ي��دوا م�لاب��س��ي ،أع��ي��دوا ورقة ال���ت���وت ،ل��ق��د خ��دع��ت ،ق��د اس��ت��ب��دل��ت الحقيقة بالوهم ،العذب باألُجاج.
ق���������ص���������ص ق������ص������ي������رة
الالوعي ..أتجرد من مالبسي قطعة قطعة ،وكلما ب��اس��ت��ه��زاء ،أح����اول ال��ن��ه��وض ب�لا ف���ائ���دة ،أرفع ِ أبقيت على إحداها ،ترتفع اليد: عليك بالتجرد ،رأس��ي ..أتنفس ..أبحث عن أشياء أعرفها في عليك بالتجرد! ِ م��ك��ان ..وبين أن��اس ال أعرفهم ،أبكي صارخة: كيف؟ أتلفت حولي حائرة في خ��وف ،أتلفت أعيدوا لي ورقة التوت. في خزي والمقل مثقلة بالدمع ،أتلفت راجفة ،لم ي��د تمتد ن��ح��وي ،ه��ي ي��د (ل��وج��ي��ن) ،توقظني يعد لدي سوى ورقة التوت!! ���ك ي��ا أمي ص��غ��ي��رت��ي ،وت��ت��س��اءل ب���ب���راءة ..م��ا ب ِ
وتضحك الصغيرة ..بل بالمايوه، نضحك وتتوالى ضحكاتنا.
نردد معا ..المهم أن نسبح في البحر ..المهم أتلفت راجفة ،كل ال��رؤوس بانحناء ،هامات ساجدة وأجساد متالصقة متزاحمة ،وهمهمات أن نسبح ونخرج لنلعب على الشط. كم أنت بريئة وجميلة يا صغيرتي! أشبه بسيمفونية مرعبة ،عيون ساخرة تنظرني *
كاتبة من مصر.
اجلوبة -ربيع 1431هـ 61
الطحلب املغرور > ياسر عثمان*
الطحلب المغرورُ، ُ ...وظنَّ
الغروب ْ يا شفقَ
أنَّ الما َء يحملهُ
نخاف إذا يظنُ النهرُ أ َّال فرقَ ُ إنا
الطحالب، ْ ألن الما َء يحترمُ
والطحلب» ْ الغصن ِ بين
فتاه الطحلب المعتو ُه فوقَ الماءِ سي ِِّدهِ ،
ويرمي النهرُ آذان ْه
ومانحهِ حقوقَ الطفوْ. ِ
الغصن، ِ فيعجبه نقاءُ
صغيرات على الساحلْ ٌ شجيرات ٌ
للطحلب، ْ يرسلُ نظر ًة صفراء
تكذِّ ُب ما تقول الريحُ ،
للريح، ِ ويصدر أم َر ُه
حين الريحُ تدفعها تجاه النهرِ :
َّاءب تث ْ
«إنَّ الما َء سيِّدُ نا،
أناملُهُ ا،
تعصف الريحُ - ُ ومانحنا -إذا ما ُ
الطحلب المغرو ُر أشتات ًا ُ فيغدو
الثباتْ ،
على الساحلْ
-إذا ما الرملُ يحرقنا -البروده..
يميل النهرُ
يا أيها المسكون بال َعتَهِ المعتقْ
في ولَهٍ ،
وهم يا طحلب ًا من ِ
يعانقُ نضر َة األشجارِ ..
*
62
شاعر وناقد من مصر مقيم في البحرين.
اجلوبة -ربيع 1431هـ
ش������������������������������������ع������������������������������������ر
حتى متى؟! > السيد موسى بن عبدالله البكري*
*
منقلص ُ ح��ت��ى م��ت��ى ظ��ل��ك ال��م��أم��ول
غصص ُ ���ك ح��ن��ي��ن وال���ه���وى ف��ب��ي إل���ي ِ
ال ق���ص���ةً ب��ي��ن��ن��ا ت�����ـُ�����روى وال خ���ب���ر ًا
القصص ُ وال ل���ق���اءً ك��م��ا ت��ح��ك��ي ل��ن��ا
ل���ي ح��ص��ة م���ن ه�����واك ال���ف���ذ ملهبةٌ
حصص ُ ����ت ل��ق��ل ٍ��ب ع���اش���ق ه�ل�ا ت����وال ْ
����ت ب��ال��م��ن��ى ومضى و ط��ال��م��ا ج���اء وق ٌ
َص نقض حاجتنا لكن مضت فر ُ ِ ل��م
ي����دي ال��ت��ي ل���م ت����زلْ م���م���دودة أتعي:
أنّ األح��اب��ي��ل ل��م ي���أذن ل��ه��ا القـَنـ َُص
وأنّ ع���مْ ���ري ق��ص��ي��رٌ وال���ح���ي���اة غ���د ًا
تـُطوى فلن يجديَ اإلسعاد إن حرصوا
ن��اه��ي��ك ع��ن ش���ام ٍ���ت ،م��ا ك���ان أكثرهم
إن يسمعوا بانهزامي في المنى رقصوا
��ك أو ضعتي ك���م ي��أم��ل��ون غ��ي��اب��ي ع��ن ِ
��ب واآلم����ال ل��و خلصوا أو مقتل ال��ح ِّ
حسبك أن ِ شاهت وجوههم ال��س��وداءُ ، ْ
َص ي��غ��ت��ال��ه��م ح���سَ ���دٌ ،ي��ج��ت��اح��ه��م ب����ر ُ
و إن���ه���م إن ي����رون����ي ق����ادم���� ًا خرسوا
الغصص ُ والحقد يحرقهم ،لم تخفه
ه���ي���ا أت����مّ ����ي ع��ل��ي��ه��م ن����اره����م ومعي
ِص أل��ق��ي عليهم جحيم ًا ج��ائ��ع�� ًا َيبـ ُ
معي فقط أن ِ��ت دون الناس ،أن ِ��ت معي
ينتقص ُ ت�������زداد أف���راح���ن���ا وال����ح����زن
شاعر من السعودية.
اجلوبة -ربيع 1431هـ 63
َق ِ ِّع ٌ ة َمن َ صي َ دة ٌ ُ مت َ > جناة الزباير*
1
َفأَرَا ُه يَمْ ِشي حَ وْلِ ي
ُلظال َِل وف طَ ِّي َع َة ا ّ حَ ب َْت فِ ي َزب َِد ُال ُْحرُ ِ
ُلس ِّريَّةِ َو فِ ي ِسوَارِ ِع ْش ِقهِ الْحَ ابِ ِل بِ ُالْجَ دَاِ ئِ ل ا ِّ
َر َنو ُْت إ َل ْيهَا ت َْسرِ قُ نَفْ ِسي
ْضو عَ نْهُ أَعْ شَ ابَ ُا ْل َه َذي َِان َات َتن ُ مُ كَاشَ ف ٌ
تُبعْ ثِ رُ ت َْس ِميَتِ ي
ُلص ِغيرِ . َاجرُ فِ ي َفر َِحي ا َّ ت َْخت َِمرُ فِ ي َلي ٍْل يُ ه ِ
ِ « -هيتَ ل َْك»
َاث ُالْمَ تَاهَ ِات. أ َْسلَمَ تْنِ ي رَعْ شَ ةُ اُل َّلوْعَ ةِ لِ ُله ِ
قَالَ ق َِصيدُ أ َْسرَارِ هَ ا. أَسال َْت أَمْ سَ هَا فِ ي ِضفَافِ ي َوقَال َْت: َاج ِس »لِ َم ت َْصع َِدينَ ُح ُجبَ ا ْل َهو ِين احبَةُ ُا ْلي َِق ِ ات شَ ِ ُخ ُطوَات ُِك آهَ ٌ َت َت َف َّي ُأ جمْ َر ُال ِْع ْش ِق؟» اصرَةِ اُل َّليَالِ ي طَ َر ْد ُتهَا ِمنْ خَ ِ َو قُ ل ُْت: يك و َْجهُ ِك ُا ْلفَاتِ رُ « يَكْ ِف ِ
3 فِ ي ُالْجَ سَ ِد ُالْمُ َترَقْ رِ ِق كَمَ ا اُلأْ َْشيَاءُ اُلأْ ُولَى ُوب ُالْمُ ْث َقلَةُ بِ الثُّ مَ الَةِ أَغْ َوتْنِ ي اُلدُّ ر ُ غَ ا َزلَنِ ي ُصدْ فَةً ظَ مَ ُأ عَ ِشيرَتِ هِ ا ُْستَمْ طَ ر ُْت ُانْثِ َيالاَ ِت ِظلِّهِ اطي َر بَابِ لَ ْض َت َتن ََّشقُ أَسَ ِ كَمَ ا رِ ئَةُ اُلأْ َر ِ » َتنَفَّ سينِ ي مُ دُ نا عَ ذْ رَاءَ»َاجلُ ُالْمَ وْجَ ةِ اُل َّنَائِ مَ ةِ . قَال َْت مَ ر ِ
َت َتقَهْ قَرُ فِ يهِ ُخيُ ولُ اُلتَمَ نُّ ِع». رَمَ قْ تُ هَا َترْحَ لُ فِ ي ُالْخَ فَاءِ آهَ ا ُتهَا غَ فْ وَةٌ َاصرِ ي؟ ْف ِم ْنهَا َتنْسَ لُّ عَ ن ِ َكي َ َو فِ ي دُ خَ ْيالَئِ ي زَهْ وٌ يُ ر ِْضعُ نِ ي بِ ذْ َرتَهُ .
2 كُ ن ُْت أ َُشقُّ َصدْ رِ ي عَ نْ َو ْردَةِ ُا ْلهَوى
64
كاتبة وشاعرة من المغرب.
اجلوبة -ربيع 1431هـ
( )...رَائِ عً ا كَانَ وِ شَ احُ ُالْجَ سَ ِد َيتَسَ لَّلُ لِ كَتِ ِف اُل َّلي ِْل مُ ْخمَ لِ يَّ ُا ْله َْج ِع
َو رِ دَاؤُ هَ ا َص ْبوَةٌ
*
4
ُلصبَابَةِ باب ا َّ ي َِق ُف قُ رْبَ ِ ُلشفَاهِ تَعْ ت َِصرُ َقوَافِ ي ُا ْل َهوَى» « ل َِك َكرْمُ ا ِّ ْعش ِق. قَال َْت خَ فْ قَةُ ُال ْ اس ٍم ال ْ تَسَ َّلل ُْت ِمنِّي تَكْ تُ بُنِ ي ُالْفُ ُصولُ بِ َ َو فِ ي ِضيَاءِ ُا ْلو َْص ِل ُا ْرتَمي ُْت.
ش������������������������������������ع������������������������������������ر
حسام ال ّدين والقنديل السحري عباسي* > علي التومي ّ كان يتيمً ا
يعاوده الحنين إلى الترحال
وفقيرً ا
مثل العصافير المجروحة
ويدعى حسام الدين
والكالب السائبة
عاش طوي ًال
ومثل أشقى األطفال
يترنّح بين ظالم الليل
وذات عام
وظلم قباطرة
قالت أمّ ه أنها َكلّت
تقضم حرف الجيم ِ
ثم نامت أيامً ا معدودات
السين وحرف ّ
ثم قالت إنّها
كان حبيس الهمس الموغل في اإلذاللْ
ُشل ّْت.
كان يخاف عتمة الشوارع
قال حسام الدين
ويحنق على الصدور الحانقة
يا ويحي!
األطالَلْ يح ّب تالحين ْ وكان ِ
اآلن سيلعقني الدّ و ّد
كانت أمّ ه تأويه
وتقبّل عينَيّ الفئران
وتشبع بطنه مرّة في اليوم
ولن تستحي أن تبول عليّ الثعالب
وتظلّ طوال الليل
وتزق على أنفي الغربان السود
تناجيه
سأبيع ما تركت أمّ ي
وعند الصبح
في حفرة النسيان
اجلوبة -ربيع 1431هـ 65
سألوك علكة خبزِ كل يوم
وعلى نهر الخلد سأفتح لي
همي وسأحضن ِ ّ
وشبابيك ْ أبوابًا
وراء بابي
ولما فرك المصباح
عَ لّ الفئران والكالب والدّ ود والغربان تمُ ّر وتنساني وتنس جثّة أمّ ي. وذات نهار، كان حسام الدين يغط في األحالم وعاوده الشوق إلى قصة عالء الدين وكرم ج ّنيّه الهُ مَ ام وتذكّر قندي ًال كانت أمّ ه تشعله مرّة في العام لندْ رة الزيت وشدّ ة األيام. وصار بحث عن القنديل َ كالمهووس يطارده الهذيان فكا َد يخرّب خربة أمّ ْه
وخاطبه صوت سعيدْ : يا حسام الدين ،أنا ساكن المصباح أنا عبدك فماذا تقول وماذا تريد؟ لم يذهل حسام الدين ولم يفزعْ وأجابَ : أريد كُ لّ شيء أريد سحر الفصول األربعْ قال الصوت: ال يا حسام الدين ْرك! فصب ْ أنا ال أعطي شيئًا لإلنسان َ يأخذُ فهات أنا جنّي ُ
يضمّ ْه وجد القنديل فرَاح ُ
خ ْوف َْك
ويمسح عنه غبار ًا أسود أسود
حلقك. ْ هات الحقد المعشوشب في
قال:
وستعثر عندئذ
سأفرك رأس ْه
على كنزٍ مدفون
وإذا جاءني جنّي سأرقُ ص قُ ر َب ْه
في قلبك
نبراسا ذهبِ يّا ً وأطلب
وستعرف...
ينير حياتي
ثار حسام الدين وقال:
وينير ظالم الخر َب ْه
ماذا سأعرف؟ ماذا سأعرف؟
ثم فكّ ر حسام الدّ ين
-ستعرف أنك كنت صبي ًا حالِ مْ ا
وقال:
وأنك لمّ ا ُجدْ ت عَ لَيّ
ال! بل أطلب أجنحة وأطير
أصبحت غنِ يّا جدّ ا
ومماليك ْ قصرً ا أو أطلب ْ
وانك اسعد من كلّ األمراء
وثروة قارون
ومن كل سالطين العالم.
*
66
فاض النور
باحث وكاتب من تونس.
اجلوبة -ربيع 1431هـ
ش������������������������������������ع������������������������������������ر
عيناك ..يا سمراء > د .لطفي زغلول*
يناك يَا سَ مراءْ َحملُني عَ ِ ت ِ
َجتاحني مَ دٌّ ِمنَ اإلغماءْ ُ ي
ناحين ..من الضياءْ ِ على جَ
تَنثُ رُ ني رَذا َذ أبجديَّةٍ ..
سافران بِ ي آلخرِ المَ دى ِ يُ
دى بِ ال مَ ً
في رِ حلةٍ ..
في ل َُّجةٍ األهواءْ
ليس لها انتهاءْ
تَمرُّ بِ ي الفُ صولُ في مَ دارِ ها
أجوب أقماراً.. ُ
ريف والشتاءْ الصيف والخَ ُ ُ
أنجم ًا أزو ُر ُ
ولم أزلْ في مَ قعدي
األرض والسماءْ ِ أهيمُ بَينَ
ألقاك.. ِ كأنَّني
راكب وأنزِ لُ البُحو َر في مَ ٍ
َلك المَ ساءْ عن َد ذ َ
تَنأى بِ ها األمواجُ واألنواءْ
الرصيف.. ِ كأنَّني على
َحطني.. ت ُّ
ال أزالُ في انتظارِ زَورَقي..
واطئ الرؤى ِ عَ لى شَ
يَعودُ لِ لميناءْ
*
شاعر وكاتب من فلسطين.
اجلوبة -ربيع 1431هـ 67
هذا قليل دمي > أحمد اخلطيب*
�����رف ،ول���ي م���نْ ش���رف���ةٍ ألقُ ل���ي جَ ���مْ ���عُ ح ٍ ن��ح��وي إذا ُس ِ���ع���رتْ ف���ي ال��ق��ل��ـ��ـ��ـ��ب أغنيةٌ ���ارج���مْ ،ك��م ت��ش��ي�� َد لها ���اك ،ف ُ ه���ذي وص���اي َ إنّ����ي اح��ت��س��ـ��ـ��ـ��ـ��ب ُ��ت ق��ي��ام��ي غ��ي�� َر منصهرٍ ����م ،ك���م ذا أل������وذُ لهُ ي���ا أن���ـ���ـ���تَ م���ن َص����مَ ٍ ���رف أن تطفو منازلهُ وال��ش��ع��رُ ف��ي ال���ح ِ ك��فّ ��ي ع��ل��ى ال��ري��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ ِ��ح أه������رامٌ مُ عتّقةٌ ط������ارتْ ب��ن��ا ع���ن ي��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ ٍ��د ُزل���ف���ى مرابعهُ ��ص أح��ف��ى ،أو أل����وذُ بهِ م��ا ج��ئ ُ��ت ف��ي ال��ن ّ ���ت ف���أذنْ إذنْ ،ل��ي م��ن الجمع ال���ذي ورِ ث ْ ف��ال��م��رجُ إذ ف���ي ال���رض���ا يُ ��غ��ض��ي زبائنهُ غتس ًال ي��ا ليلُ ك��م؟ وان��ب��رى ف��ي ال��وج��هِ مُ ِ ��ت لهُ ن��ح��و األس���اط���ي���رِ م���ن ن���ج ٍ���م س��ك��ن ُ ����اك م���ا ع��لّ��م��ت��ن��ي َن َفسـ ـ ـ ًا ه����ذي وص����اي َ �����س اإلب���ح���ار ع���ن سعةٍ ف����اه����رمْ ،ف��ق��د آن َ ��س��ج��ن قاصدة ل���م أن��ت��ب�� ْه ل���ي���دي ف���ي ال ّ ����رح درب����ي ال ان��ف��ص��ام لهُ ��ت م��ن ج ِ ُح��مِّ ��ل ُ ���ت ن���فْ ���س���يَ م��ل��م��وم�� ًا ع��ل��ى شجرٍ ُح���مّ ���ل ُ ����س����اب����ق����ونَ ،ول�����ي أن أن���ت���م���ي ليدي ال ّ �����وت نائلةٌ ���ت ف����ي ال�����م ِ ح���ت���ى إذا ن���ب���س ْ ����ل خَ ������رِ ٍب ��������وف أن�����ا ف����ي س����اح ٍ ري������حُ األن ِ أو مُ ��ق��ت��ض��ى ال���س��� ِّر ف���ي ج��رث��وم��ةٍ ِعل ًال فأثبت لي ُ ��وت ل��و أغ���زو، أو مقتضى ال��م ِ أو أث��ب��تَ النـ ـ ـ ــدَّ للمعنى فأوج ـ ـ ــز ُه َبت ـربان م��ا اجتمعا إال وق���د سَ ـ ـر ْ سـ ـ ـ ِ س ـ ـ ـ ــربان م���ا اج��ت��م��ع��ا إال لذاكـ ـ ــرةٍ *
68
شاعر من األردن.
اجلوبة -ربيع 1431هـ
ي��ا ب��ائ�� َع الجم ـ ـ ــرِ ،ك��م؟ وال��ت��فّ ِ��ت الورق ��ح��ى ب��ه��ا الغرقُ أو ش��اب��ه��ا ال���م���وجُ ،أو ض ّ م��ن غ��ام��ض الدهـ ـ ــر م��ا إي��وان��هُ العرقُ الخ ـ ــرقُ ��ت ب��ع��د ُه ِ ف��اح��ت��اس وج���دٌ ،وع��ان ْ الشـ ـ ـ ــعرُ أ ّول�����هُ أنْ يُ ��ح��ب��س الشـ ــفق م���ا ب��ي��ن ط���رح ال���ه���وى ،أو ح��ي��ن ينزلقُ ����اف ه ـ ــو الحبقُ وف���ي م��راي��ا ال��ن��دى خ ٍ ف��اخ��ت��لَّ م��ن ط��ي ِ��ن ه���ذا ال ّ��س��ـ��ـ��ـ��ـ��ادرِ األرقُ ل��ك��نّ��هُ ال��ع��م��رُ ي��ض��ح��ى تحت ــهُ الفلـ ــقُ ���س���اب���ق���ون بقوا ع��ي��ن��ا ُه رس��ـ��ـ��ـ��ـ�� َم ي��ـ��ـ��ـ ٍ��د ،ال ّ ���ت ه��ن��ا الطرقُ ال ي��س��ت��وي أو إذا غ���اض ْ ������راب ِغ�����وى ،ف���ادف���ع ف��م��ا عزقوا ُ ه����ذا شَ الطـ ــبقُ أو ك����ان ي��س��ك��ن��ن��ي م���ن ق��ب��ل��هِ ّ إال وك���ان نسيجي الم ـ ـ ـ ــاءُ وال َب ـ ـ ـرَقُ م��ث��ل��ي ،وراح يم ـ ــاري جفن ـ ـ ــهُ النّزقُ َ��ص�� َد ال��س��ب��ي ِ��ل ،وك���لُّ األرض ل ـ ــي نفـقُ ق ْ وال ف��ض��اء س��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��وى م���ا َن��ه��ن��ـ��ـ��ـ��ـ�� َه ال������ َودَقُ فاحتـ ـ ــار ي��رب��و ه��ن��ا ق��ي��ث��ا ُر م��ن سبقوا ���ض ب��م��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��اءٍ أص��ـ��ـ��ـ��ـ��لُ��هُ المُ ؤقُ وأنْ أف���ي َ ك��فّ ��ى ح��ري��ـ��ـ��ـ��ـ�� َر دم��ـ��ـ��ـ��ي ال��ل��ي��لُ وال ّرم ــقُ هل مُ قتضى ال��ري ِ��ح أنْ ينأى ب��يَ الحنقُ ت��س��ع��ى إل����ى األم�����ل ال��م��خ��ف��يِّ إذ أثِ ����قُ ش��ي��ئ�� ًا م���ن ال���ج���ري ،أو ك���ي ي��ه��دأ البلقُ وأق���ت���ف���ي أَ َث��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ�� َر اإلي��ع��ـ��ـ��ـ��ـ��ازِ ي���ا أفـ ـ ـ ُقُ ـال ه��دّ ه��ا الحنقُ تحــت ال��ن��خ��ي ِ��ل جب ـ ـ ٌ ه����ذا ق��ل��ي��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ل دم����ي ي���ا أي���ه���ا القل ـ ــقُ
ش������������������������������������ع������������������������������������ر
وللحب ...نغني
> سعد بن سعيد الرفاعي*
إنه الحب ..فضاءات العناء
يا ضياءً ..
مركب للصعب...
عبقت بالحب في ليل الدجى
مخملي ..لو نشاء ٌ وجه
يا غناءً ..
قالت الحكمة .والوقت مساء
والنشيد العذب يجتاز المدى
إنه الحب وهل للحب وجهٌ
يا عزوماً..
غير وجهٍ من ضياء
أوصلتنا فوق هاتيك الربا
صوت ٌ إنه الحب ..وهل للحب
أنشديهم عن بطوالت الفتى
ليس يشدو بالغناء
عن فضاءات تنامت
إنه الحب سيبقى
عن مسارات تسامت
ما بقينا ..ما سعينا..
عن رؤى بيضاء...
ما هفونا نحو فجر من رجاء
عن حب تجلى شدوه:
يا أماني الفجر...
إنه الحب ..مروج
يا حلم الفتى
ومروج الحب قلبي ..والفضاءات سماء!!
*
شاعر من السعودية.
اجلوبة -ربيع 1431هـ 69
مالمح الواقعية الشعرية في«غرف لإليجار» حملمد البساطي
> هشام بنشاوي*
ارت��ب��ط��ت ك��ت��اب��ات محمد ال��ب��س��اط��ي القصصية والروائية ب��ال��ف��ئ��ات المسحوقة وال��م��ه��م��ش��ة؛ ف��ف��ي رواي��ت��ه «ج����وع» رصد تفاصيل معاناة أسرة ريفية ،في سبيل البحث عن لقمة العيش؛ وفي روايته الجديدة «غرف لإليجار»(دار اآلداب -فبراير 2010م)، يعود إلى قاع المدينة (القاهرة) ،مشرح ًا أزمة السكن ،من خالل حكايات ثالث عائالت تسكن في شقة قديمة مكوّنة من ثالث غرف ،بحمام مشترك. ال��م��ك��ان ه��و ال��ب��ط��ل ال��رئ��ي��س ف��ي ه���ذا المتن الحكائي ،كما يشي ب��ذل��ك ع��ن��وان ال��رواي��ة؛ وهو ضيق ،خانق ومنغلق مثل حيوات شخصيات الرواية، يفرض سطوته عليها ،ويحدد مصيرها ،فيفتقدون من ثَمَّ -أبسط الشروط اإلنسانية لحياة كريمة: حريتهم الخاصة في البيت المشترك ،و حميمية الحياة ،لكنها -رغم كل ذل��ك -تعيش على حافة الحياة ،متصالحة مع ذواتها ومع العالم ..في رضى تام.
بعض االرت��دادات السردية االسترجاعية ،إلضاءة جوانب من حياة الشخصيات وماضيها ،قبل سكنها في الشقة ،من وجهة السارد العليم بكل شيء ،فتبدأ الرواية كالتالي« :الشقة في بيت قديم .من ثالث غرف .بكل غرفة عائلة .الباب الخارجي مفتوح ليل نهار .ال يوجد في الصالة ما يخشى عليه ،وكل عائلة تغلق ب��اب غرفتها على نفسها وأشيائها»، بينما القسم الثاني ،ي��روى بضمير المتكلم ،على لسان عباس ،إح��دى الشخصيات« : غرفتي فوق السطح ،تشغل ركناً من الجانب األيمن ،تطل على رأس السلم ،أوارب الباب وأرى من رقدتي األقدام التي تهبط وتصعد ،وقد يمر يومان أو ثالثة ال أرى قدماً ،وعندما أراه��ا أظل في رقدتي ال أتحرك، صاحبها ال يقصدني ،فال أع��رف أح��داً يمكن أن يزورني ،وأسمع الخطوات في طريقها إلى الغرفة األخرى».
وبنفس اللغة التصويرية المقتضبة ،المشحونة والغنية بالدالالت ،يكتب الروائي المصري محمد ال��ب��س��اط��ي رواي���ت���ه ،م��ت��ف��ادي��اً ال��ت��ره��ل السردي والحشو اللغوي ،مكتفياً بالسرد المحايد ،دون الغوص في أعماق شخصياته ،كما لو ك��ان يكتب السيناريو ،وحتى الحوار يكتبه بالتقتير نفسه ،وكأن شخصياته -رغ��م هشاشتها الجوانية -تتجنب من خ�لال قراءتنا األول��ي��ة للرواية ،سنالحظ البوح والتذمر؛ ألنها قد ترى في ذلك إعالناً عن أن ظروف الوافدين تباعاً على الشقة تتشابه .في ضعفها اإلنساني. البدء ،نتعرف على أول��ى ساكنات الشقة :فاطمة *** الشابة و زوجها عوض الفوّال ،ال��ذي يغار عليها، تنبني «غ��رف ل�لإي��ج��ار» على قسمين ،القسم ويضربها إذا نظرت من الشباك إلى الشارع ،لكنها األول يُ��روى بضمير الغائب ،بصيغة الحاضر مع
70
اجلوبة -ربيع 1431هـ
أنت السبب. سبب في إيه؟ في اللي حصل. إزاي؟! بعدها نتعرف على عطيات المرحة المقبلة على الحياة ب��ف��رح كبير ،وزوج��ه��ا ب���دوي الفرّان، بعد أن أصيب بتشوه في وجهه ،إثر حريق نشب بالفرن ،مما ولد في أعماق زوجته ما يشبه النفور أم��ا الشخصية الثالثة فهي هانم زوج��ة عثمان، الموظف في مصلحة السكة الحديد ،التي ترفض ارتداء مالبس قصيرة تبرز مفاتنها ،وتنشغل بابنها يوسف ،وتبتعد عن جارتيها ،لكن محمد البساطي ال ي��غ��وص ف��ي تفاصيل ه��ذه ال��ع�لاق��ة ،ب��ل يكتفي بالتلميح كالعادة... تمضي ح��ي��اة س��ك��ان الشقق ال��ث�لاث ف��ي وئام إلى أن تحدث الفضيحة ،فهانم كانت تترك باب غرفتها موارباً من أجل ابنها ،الذي يستيقظ ليال، ليذهب إل��ى الحمام ،وزوجها ك��ان يعود من عمله متأخرًا ،وفي تلك الليلة ،وبعد أن تحشش بدوي، أخطأ الطريق إلى غرفته ،ودخل خطأ إلى غرفة هانم ،فما كان عليها إال أن تستأجر غرفة أخرى - هي وابنها -على السطوح (بجوار عباس) ،بعد أن اختفى عثمان .هذا االختفاء سيجعل ابنها مكتئباً، يرفض حتى األكل ،وال يجد سلواه سوى في الرسم. بهذا االنتقال المكاني ،يتغير المنظور السردي، ويتسلم عباس دف��ة ال��س��رد .ويختلف عباس عن ب��اق��ي شخصيات ال���رواي���ة ،ب��ك��ون��ه ال��وح��ي��د الذي يمتلك وعياً ،ويحلم ب��أن يكتب مقاالت ونصوصاً
ن�������������������������������������ق�������������������������������������د
تتحمّل س���وء م��ع��ام��ل��ت��ه ،ح��ت��ى ال تعود إلى منزل والدتها بالصعيد، وإل���ى تحرشات زوج أم��ه��ا .هذا االعتداء لم يكن سوى تنفيس عن فشله في إقامة عالقة حسية مع زوجته ،مثلما حدث حين ضربها أول مرة ،يزمجر:
ت��ج��ع��ل م���ن���ه ش���خ���ص���اً شهيرًا، وي��ت��ع��اط��ف م���ع ج���ي���ران���ه ،فنراه يساعد جارته عزيزة في تنظيف زوجها المشلول ،ثم يتعاطف مع الموسيقي العجوز وحفيدته التي ترافقه ف��ي ج��والت��ه الغنائية كل مساء. *** عبر إكراهات الحياة اليومية، تغرق الرواية في تفاصيل الوجع اإلنساني والتشتت االجتماعي، ولعل ال��ق��ارئ ق��د يستغرب أن توسم ه��ذه الورقة بــ( : مالمح الواقعية الشعرية في «غرف لإليجار» لمحمد البساطي) .لكن المتتبع لكتابات محمد البساطي ،سيالحظ أنه في أغلب كتاباته يميل إلى التعاطف مع شخصياته الروائية النسائية ،ومن ثم جعل هذا القارئ -رغماً عنه -يتعاطف مع فردوس، الزوجة الجميلة في روايته البديعة «فردوس» ،ومع زاهية في رواية «دق الطبول» ،على سبيل المثال ال الحصر ..لكنه في هذه الرواية ،حرم نساء «غرف لإليجار» م��ن ذل��ك الشجن ،م��رك��زاً على حياتهن الجنسية نوعاً ،كأنما يسلط الضوء على معاناتهن المسكوت عنهن ،لكن ذلك ال يعني أن نصنف ما يكتب أدباً نسوياً ،ألنه «أدب إنساني» وكفى. إن ال��ش��ج��ن ال���ذي رس���م ب��ه محمد البساطي شخصيتي زاهية وف��ردوس ،استحوذ عليه عباس، فهو -مثال -ال يفكر في جارته جنس ّياً ،رغم أنها تتصرف على سجيتها ،فتمد يدها لتعدل وضع «السوتيان» وه��ي تكلمه ،أو ترفع ثوبها وتعصره، غير مبالية بتعريها .رب��م��ا ،ق��د يظن البعض أن البساطي ي��ح��اول رس��م شخصية ع��ب��اس بصورة مثالية ،لكن ذلك ال يجعلنا نستغرب إن علمنا أن أغ��ل��ب شخصيات البساطي تتمتع بنقاء داخلي مفقود ،فهي رغم فقرها واحتياجها ال تسرق وال تتسول مثال ،بل تبحث عن لقمة العيش ،بمكسب
اجلوبة -ربيع 1431هـ 71
شريف ،كما في رواية «جوع». سنتعاطف مع عباس حين نعلم أن له جـرحه ال��خ��اص ،فزوجته بعد طالقها ،حرمته م��ن رؤية ابنته ،وه��ذا ما جعله يتعاطف مع حفيدة الرجل العجوز ،ويتكفل بها ،بعد اختفاء الجد ،بعد أن أبلغه أنه سيتغيب ليومين ،ألمر طارئ ،فذهب ولم ويعد. الطفلة فريدة هي القطرة التي أفاضت الكأس... ف��ري��دة ه��ي ال��ت��ي حضرتني للكتابة ع��ن الرواية، وال أنكر أنني لم أكن متحمساً بما يكفي للكتابة عن «غ��رف لإليجار» أثناء ق��راءة القسم األول من الرواية .وحدها فريدة ستضفي بوجودها على المتن الروائي لمسة إنسانية وشجناً شفيفاً .ولألسف ،لم يتنبه كل من كتبوا عن الرواية أن محمد البساطي، منح ه��ذه الشخصية اس��م حفيدته ،التي أهداها ال��رواي��ة ،وال��ق��ارئ -في أغلب األح���وال -يتجاهل خاصاً وسر ّياً ،ال يدركه إال اإلهداء ،ألنه يبقى شيئاً ّ الكاتب والمهدى إليه ...ربما ،من حسن حظي ،أني سمعت صوت فريدة (حفيدة الكاتب) ،وأنا أتصل به هاتف ّياً ،فوجدتني مأخوذاً بصوت طفولي رخيم، طاعن في مالئكيته وبراءته ،رغم كلماتها القليلة.. فأدركت بأنه محق في أن يهديها هذه الرواية.
الدمية إل��ى ج��ارت��ه الصغيرة ف��ري��دة ،التي تخلت عنها أمها بعد سوء معاملة زوجها لها ،ألنها كانت تضرب ابن زوج أمها ،كما سنعرف من خالل حديث الجد مع عباس « :أنا جدها من أمها .أبوها مات من زم��ن .بلهارسيا وكبد .القصد .أمها صغيرة. تجوزت .ماشي ،جوزها معاه اب��ن في سن فريدة م��ن زوج���ة م��ات��ت .وف���ري���دة م���وش س��اه��ل��ة .الولد يضربها تضربه ،يشتمها تشتمه .شهر والثاني وقال م��وش عايز فريدة في البيت .يقول ما أصرفش على واح��دة موش بنتي .آه .فيه ناس ك��ده .وبنتي تمانع ،نك ّد عليها عيشتها .وي��ض��رب البنت .آه. على الفاضي والمليان .ضرب ضرب ،عينها تورم. مناخيرها تنزل دم .أنا شوفت كده أخ��ذت البنت عندي .شوية ميه. مددت له الكوب وشرب .قال:
كترت عليك في الكالم .وماكنتش عايز حدي��ع��رف ح��اج��ة .آه���و .أم��ه��ا ك��ان��ت ت��زورن��ا م��ن وقت للتاني .معاها حتتين قماش للبنت .غيارين .جزمة. اللي بتقدر عليه .شهر .شهرين وانقطعت زيارتها. خطفت رجلي أشوفها .كانت ح��ام��ل .قالت خلي بالك من البنت .وولدت كما علمت وانشغلت بالولد ف��ي أغ��ل��ب م��س��رودات��ه ،أف��ل��ح محمد البساطي ونسيتنا .يعني .حانعوز منها إيه .فريدة عارفة كل في أال يندفع وراء حماسه للكتابة عن المهمشين ،حاجة .وبطلت تسأل عنها». وي��ح��ول كتاباته إل��ى ب��وق أي��دي��ول��وج��ي ،وه��و الذي وب��ك��ث��ي��ر م���ن ال��ش��ج��ن اآلس�����ر ،ي��رص��د محمد يجاهر برأيه السياسي الصريح في حواراته ..لكنه البساطي عالقة فريدة بدميتها ،حتى أن الدمع هذه المرة -فشل في أن يمنع نفسه من االندفاع يطفر من عيني ،كلما قرأت هذا المقطع « :قفزتوراء حبه لحفيدته ف��ري��دة ،كما تجلى ف��ي رسمه فرحاً واحتضنت العروسة ودارت بها: لشخصية فريدة (حفيدة العجوز الموسيقي) ،ثم دي ليّ . في عالقة عباس بابنته ،التي لم يرها مند عامين، آه لك. وال يستطيع حتى إهداءها الدمية« :العروسة كانت متشكرة يا عمو .انت بهدلتها .حاسرح شعرها ال ت��زال في ي��دي حين ع��دت إل��ى الغرفة ،لففتها في جلباب قديم ووضعتها بالكشك ،قلت أنساها ،وأنظفه وأغسل فستانها .اسمها إيه؟ ونسيتها حتى ظهرت من نفسها ،وكنت أبحث عن اختاري أنت لها اسماً. ش��يء ف��ي الكشك .نفضت الغبار عنها ومشطت ديدي .شوفت واحدة زيها في محل وسألت عن شعرها ونقلتها إلى الغرفة» .وهكذا سيهدي عباس اسمها.
72
اجلوبة -ربيع 1431هـ
ورأيتها ق��ادم��ة تحملها تحت ذراع��ي��ه��ا ،وجهها حزين ،توشك على البكاء .مدت العروسة لي: خد .موش حاخدها. ليه يا فريدة؟ جدي بيقول إنك جبتها لواحدة غيري موش ليّ . انحنيت مقترباً بوجهي منها: أبداً يا فريدة .أنا أول ما شوفتك لقيتك حلوة. وقلت ال بد أشتري لك عروسة. رفعت وجهها ونظرت في عيني: طيب احلف. والله العظيم والله العظيم. اس��ت��دارت ج��ري��اً إل��ى غرفتها ،بعدها سمعت غناءها تصاحبه دندنة على العود». وفي مقطع سردي آخر ،نقرأ« : تفرش حصيراً جنب الجدار ،وتسند ظهر ديدي إليه وتمد ساقيها أمامها ،تحمل كومة صغيرة من األشياء وتضعها بجوارها ،وتقبل قفزاً .تقول: الدنيا ب���دأت ت��ب��رد .ودي���دي معندهاش هدوم شتوي .قلت أعمل لها جالبيتين. أنزل أشتري لها. أل .عايزاني أعمل لها. وعندك قماش؟ كتير .جالبيتين للبيت .وف��س��ت��ان ب��ح��زام لما نخرج. وتتركني إلى قعدتها ،وأسمعها تغني في صوت خافت ،وترفع كوباً إلى فم ديدي». *** *
ن�������������������������������������ق�������������������������������������د
جرت نحو غرفتها ،واختفت داخلها ،بعد قليل سمعت صوت غنائها للعروس.
أيضا ،ثمة شيء آخر يتميز به السرد عند محمد البساطي وهو مرحه ،إذ يضفي الكاتب بعضا من خفة ظله على كتاباته ،فضال عما يمتاز به هذا السرد اآلسر من فرادة سردية ورؤيوية وجمالية، كما يتجلى في ح��ادث الجار ال��ذي مد ي��ده ،وأخد فنجان القرفة م��ن «ال��س��ب��ت» ،ال��ذي كانت تدليه عطيات لزوجها بدوي ،فصارت تحضر فنجانين، واحد لزوجها واآلخر للجار ،الذي ال ترى سوى يده، وهناك حادث رمي عباس «القلة» وراء الرجل ،الذي كان يتسلل إلى إحدى غرف السطح مع عشيقته: «الضحك أفقدني اتزاني .أتمرغ في الفراش وأرفس وأعض طرف اللحاف ،آه ،ربما ابتل بنطلونه اآلن، ويزداد ضحكي ،وهي أيضاً ،جيبتها ،ويمشيان في الشارع». *** قد تدفع الكتابة عن الهوامش البشرية بعض الكتاب إلى السقوط في فخ الخطاب األيديولوجي، عالي النبرة ...إال أن محمد البساطي ،وفي أغلب مسروداته ،يكتب عن شخصيات قنوعة طيبة ،ال تفكر في معاناتها ،وال تطمح إلى تغيير الواقع ،بل تكتفي بأفراحها الصغرى ،التي قد ال تتجاوز متعاً حسية عابرة أحياناً ،كي تتحمل وعثاء الحياة ،وكأن محمد البساطي يدين األنظمة السياسية -رغم غياب هذا الخطاب في الرواية -التي تفرخ هذه الفئات المسحوقة المهمشة ،البعيدة عن المشاركة في العمل السياسي ..يدين تلك األنظمة المتفسخة، التي أفلحت في صناعة أغلبية (قطيع؟) تعزف عن المشاركة في صنع ال��ق��رار .إن أغلب شخصيات محمد البساطي غير معنية بأي وعي سياسي أو اجتماعي أو ديني ،فهي تنشغل بإكراهات حياتها اليومية ،وبعض مباهجها الصغرى.
كاتب من المغرب.
اجلوبة -ربيع 1431هـ 73
سحمي الهاجري يكشف في كتابه «جدلية املنت والتشكيل»
الفجوة بني طموح الروائيني وضعف إمكاناتهم الفنية
> خالد ربيع السيد*
يتعمق الدكتور سحمي الهاجري في دراسته النقدية الموسعة (جدلية المتن والتشكيل :الطفرة الروائية في السعودية) ،ال��ص��ادرة حديث ًا ع��ن ال��ن��ادي األدب���ي بحائل بمشاركة مؤسسة االنتشار العربي ببيروت ،في تحليل وتشريح ونقد المنجز ال��روائ��ي السعودي خ�لال الفترة 2006-1990م ،بوصفها الفترة األغ��زر إنتاج ًا في الرواية السعودية ،فقد كان معدل صدور الروايات واحد ًة في كل شهر ،بل تزايد في عام 2006م ليصبح رواية في كل أسبوع، بينما كان المعدل خالل الستين سنة السابقة (1990-1930م) رواية في كل سنة. ويمكن ع��دّ الكتاب في بعض جوانبه دراس���ة ع��ام��ة ..وليست خاصة بالرواية السعودية ف��ق��ط؛ إذ يحمل رؤي���ة نظرية نقدية رصينة ،من شأنها التقاطع والتماهي مع نظرية الرواية المطروحة عالمياً ،فما ح���واه بمنهجية المسح ( )Surveyلرؤى والكتاب م��ن زاوي���ة أخ��رى -أطروحة وأس��ان��ي��د وإح����االت واس��ت��ش��ه��ادات بأراء ال���دك���ت���واره ل��ل��م��ؤل��ف -األش��م��ل م��ن بين ن��ق��اد آخ��ري��ن أم��ث��ال :د .سعد البازعي ،ال���دراس���ات المتناولة ل��ل��رواي��ة السعودية د .سعيد ال��س��ري��ح��ي ،د .لمياء باعشن ،في فترة الطفرة ،ال سيما وأنه ينطلق من م��ح��م��د ال��ع��ب��اس د .ع��ب��دال��ل��ه الغذامي ،منهج تكاملي شمولي( ،)Wholenessلتحليل د .معجب الزهراني ،والعديد من النقاد نزوع كتّابها في ظل متغيرات أيديولوجية
الجادين ،إضافة إلى أطروحات ومقاربات متضمنة كل ما يمت بصلة لتلك الروايات، يتيح له مكانة مرجعية مرموقة ،ويضمن لقارئه متعة ومؤانسة مستبصرة بقدر عالِ من الموضوعية والحياد.
74
اجلوبة -ربيع 1431هـ
ن�������������������������������������ق�������������������������������������د
وثقافية وسياسية إقليمية الروائية ووظائفها الداللية وعالمية عاصفة ،ما نحا ال�����ع�����ام�����ة ،م����ث����ل الشكل بهم إلى الهم االجتماعي ال��س��ي��ري وم��ا ينطوي عليه أوالً ،والثقافي والفكري من تفريغ الذاكرة والجنوح ث��ان��ي��اً ،وغ��ل��ب وعيهم بما ال���ن���س���ت���ول���وج���ي ،ورواي�������ات ي��ري��دون على ح��س��اب ما األس�����ل�����وب ال���ش���ع���ري وما يجيدون فنياً ،األمر الذي ت��ف��ت��ح��ه م���ن آف�����اق التأمل يحيلها إل���ى ال���ق���رب من وال��ح��ل��م ،ورواي�����ات الباعث تأثير سياقها بما يجعل ال���ص���وف���ي واألس�����ط�����وري، السياق يؤلفها من خالل ورواي����ات الشكل التركيبي ك���ات���ب م���ح���ك���وم بثنائية الملتقية مع البنية المفتوحة «ال��ط��م��وح واإلمكانية».. المتأسسة على كسر حاجز وم��ن هنا يقرر الهاجري اإلي����ه����ام وت���ن���ق�ل�ات الزمن ب���ن���ش���وء ال���ج���دل���ي���ة بين وت����ع����دد األص����������وات .وفي (المتن والتشكيل) ،ويرى العموم -كما يحدد الناقد- أن الكتّاب انجذبوا إلى المضمون بينما تنحاز ف��إن الفكري والتجريدي والوقائعي ك��ان أقرب الرواية إلى جنسها األدبي. إلى ذهنية أغلب الكتّاب ،وتكاد تشكل الحكايا ويقسّ م الهاجري كتابه المحشود في ( )480الخام قوام معظم األعمال. صفحة بعد كبسلة المعلومات الهائلة المتوافرة ومن السمات الواضحة في فترة الطفرة - إلع���داده بواسطة علم إدارة المعلومات الذي بحسب المؤلف -تَ��ق��دُم ال��رواي��ة على األجناس يجيده -كما يقول -إلى قسمين :يتعلق األول األدبية األخرى ،ومحاورة سياقها وبروز الصوت بالمتن الروائي ،والثاني بالبنى الروائية .فالمتن األنثوي ،ونشرها لثقافة األسئلة ،وإعادة عرض ال��روائ��ي ف��ي النتاج المتمثل ف��ي ( )271رواية م��وض��وع ال���ذات وال��ه��وي��ة ،وترسيخها لالنتماء لـ( )162كاتباً يدور داخل محورين كبيرين هما :للمستقبل وجرأتها في اقتحام المحظور الجنسي وعي الذات والقيم المتحولة .ورغم تقاطع هذين والديني والسياسي ،إذ يقول المؤلف :إن الروايات المحورين وتداخلهما ،إال أن ت��م��اي��زاً واضحاً تورد أن الذي حدث قيام الدولة باستعارة أسوأ يظهر في التعامل مع القيم المتحولة بما يستلزم ما في القبيلة مثل :شيوع االستتباع الجماعي، ذاتاً لها هوية بسماتها العامة ..وطبيعة أسئلتها وسحق فردية اإلنسان التي ورثتها الدولة عن وهمومها وتطلعاتها .وهكذا يرجّ ح د .سحمي القبيلة مما ح��ول االستبشار بمظاهر الدولة أن المتن العام يكاد يكون واحداً من جهة تشابه الحديثة إل��ى ش��يء آخ��ر مختلف تماماً .فمنذ االهتمامات واألسئلة ،حتى وإن تنوعت البنى حرب تحرير الكويت ب��دأت قيمة الوطنية تبرز الروائية في اشتغالها على هذا المتن. ب��ص��ورة أك��ب��ر ف��ي رواي����ات مثل «ش��ق��ة الحرية» وف��ي ه��ذه البنى يتوغل البحث في األشكال و«العصفورية» و«الغيمة الرصاصية» و«اإلرهابي
اجلوبة -ربيع 1431هـ 75
على «األيروتيكية» -ربما على سبيل االحتجاج والمشاغبة.. أو لضرب المجتمع المدعي للطهرانية. وف����ي ذات ال��م��ق��ام ينبه الهاجري إلى أن رواية المرأة كشفت نوعاً من الوعي الزائف ال��ذي يضعف قضية المرأة، ويقول :رغم أن وعيها بهويتها األنثوية الذاتية وبالعالم من حولها ك��ان ن��اض��ج��اً؛ إال أنه م��ص��ح��وب ب���ان���دف���اع وتأثر بالتطرف الفكري.
،»20فالوطن هو المالذ األخير بعد أن وقفت التيارات القومية واإلسالمية في الخارج ضد تظهر بعض األعمال بصورة التركيب الذهني الوطن ،وكانت العودة لتمجيد الملك المؤسس واألمن الذي حققه لجزيرة العرب أحد مظاهر -وإن توسلت في الظاهر بالقصدية الفنية - تمهيداً للدخول في تفاصيل البنية اإلبداعية االنحياز للوطن. التي غالباً ما يتكلفها الكتاب ،بتوشيحها باإليحاء ثم ظهرت ال��ذات األنثوية من خ�لال كم من ب��ت��ع��دد األص����وات وت��داخ��ل األح�����داث ،وتكسير ال���رواي���ات ي��س��اوي م��ا أص���دره ال��رج��ل ف��ي سنة الزمن ،والسرد داخ��ل السرد ،لتفتقد بعد ذلك الذروة 2006م ،وبواقع ( )23رواية نسائية مقابل تناغم البنية مع المتن .ويؤدي هذا في كثير من ( ،)26تتراوح في طرح مشكالتها -بوعي ذاتي- األحيان إلى أنماط من اإليهام والغموض ،ليس بين العميق الغائر ف��ي كينونتها األنثوية وبين على مستوى المتلقي العادي فحسب ،بل على حقوقها اإلنسانية ومتطلباتها المادية والنفسية مستوى المتلقي الخبير. والجنسية ..برواية «القران المقدس» يستشهد ويبقى الكتاب ش��اه��داً على العمل الدؤوب الهاجري« :كنت أنثى ،مجرد أنثى مهضومة الجناح كما يراني الناس في بالدي» .ويلفت إلى مساندة ال���ذي ك��رس��ه ال��ب��اح��ث ال��ج��اد ال��دك��ت��ور سحمي المرأة الناقدة للمرأة الروائية ،ويعتبر أن كل أمر الهاجري ط��وال خمس س��ن��وات ،ليكون شاهداً يتعلق بالمرأة كان في غاية الحساسية الرتباطها على ظاهرة تفاقمت حتى أطلق عليها «تسونامي في الذهن الجمعي بالجسد المدنس .ولذلك ال���رواي���ة ال��س��ع��ودي��ة» ب��ح��س��ب تعبير د .غازي يفسّ ر د .سحمي تضخيم األمور المتعلقة باألنثى القصيبي ،وأحدثت تغييرات مهمة في وجدان خصوصاً إذا إرتبطت بالدين -ال سيما وأن بعض الشعب السعودي ،لينعكس على مفاصل دقيقة الروايات تزايدت فيها المقاطع «البرونوجرافية» مؤثرة وحاضرة في حراكه وحياته. *
76
كاتب من السعودية.
اجلوبة -ربيع 1431هـ
َ األرض آلخرين» للشاعر جنيب مبارك «تركت ُ
ن�������������������������������������ق�������������������������������������د
الرؤيـ ُ ة االغترابية في مجموعة
> محمد أحمد بنيس*
ي��ق��دم ال��ش��اع��ر ال��م��غ��رب��ي نجيب م��ب��ارك في مجموعته األول���ى «ت��رك��ت األرض آلخرين»(،)1 وال��ت��ي سبق لها أن ف���ازت ب��ج��ائ��زة ات��ح��اد كتاب ال��م��غ��رب س��ن��ة 2004م ،ع��ال��م��ا ش��ع��ري��ا مختلفا يستفز القارئ بصوره وتراكيبه وإيقاعه؛ إنه عالم ضاج بالتفاصيل والمشاهد واإليحاءات اليومية، لكن في لغة شفيفة ورشيقة وموحية ،مسنودة برؤية اغترابية باذخة تثري الداللة الشعرية، وتدفع بها بعيدا نحو تخوم المتخيل الالنهائية .ولتعزيز هذه الرؤية وإخصابها ،عمد الشاعر إلى استدعاء روافد أخرى مغرية كالتشكيل والسينما واألسطورة ،في أفق رفد نصه الشعري بسمات فنية وجمالية ورمزية إضافية. في هذا العمل الالفت ينتقل بنا الشاعر تأثيثه بهواجسه وأحالمه الصغيرة؛ فكأن إل��ى مساحات شعرية نائية ،تتحول فيها الذات إلى نقطة جذب كبرى تُحلق حولها
ه����ؤالء ه���� ُم ال��ج��ح��ي��م ال����ذي ت��ح��دث عنه الفيلسوف ال��ف��رن��س��ي ال��راح��ل ج���ون بول
الخيبات والخسارات واالستيهامات ،التي س��ارت��ر ف��ي مسرحيته الشهيرة «األبواب تتقاطر من كل ح��دب وص��وب .ومنذ أول المغلقة». وهلة ،يحس القارئ بتلك النكهة السوداوية
ض��م��ن ه����ذا ال���س���ي���اق ،ي��ت��أس��س جزء
التي تفوح م��ن نصوص المجموعة ،بدءاً م��ن استراتيجية ال��ش��اع��ر ع��ل��ى االنتقال بالعنوان ال��ذي يبدو كصرخة أنطولوجية بمجموعة م��ن التفاصيل اليومية (هدية
يطلقها الشاعر في وج��ه ه��ؤالء اآلخرين الشمعدان ،زجاج النوافذ ،الشمعة ،السرير، الذين يفسدون عليه عالمه ،الذي يحاول الشراشف ،ال��م��رآة ،األك��واري��ـ��وم ،الشاطئ
اجلوبة -ربيع 1431هـ 77
العام ،حبة دواء مغلفة بالشوكوالطة ،الحدائق ،للعالم تحت سماء معتمة يتوسطها هالل .وكما مكان عام ومفروش ،الزنقة ،الشاطئ العام )....هو الشأن بالنسبة لجل أعمال ماغريت ،تعبر من مستواها ال��دالل��ي المباشر إل��ى داخ��ل رؤية ه��ذه ال��ل��وح��ة ،بشكل أو ب��آخ��ر ،ع��ن المفارقات
شعرية ،تنتصر وتنحاز لكل ما هو هامشي وهش والتناقضات العميقة التي تحكم الوجود اإلنساني ُ وغ��ائ��ب ع��ن ه��ذه األرض؛ األرض التي صارت ،بمختلف تبدياتـه .ألم يقل «ماغريت» نفسه ،معلقا على ما يبدو ،غير جديرة باإلقامة عليها بعد أن على إحدى لوحاته« ،إن كل شيء نراه يحجب شيئا
تسيدت فيها البراغماتية وغياب المعنى والخواء آخر ،واإلنسان يتوق دائما إلى رؤية واستجالء ما الوجودي؛ أرض تتوالى فيها االنتكاسات ،محيل ًة ال يستطيع رؤيته» .يتعلق األمر هنا بتناص بديع عمر اإلنسان إلى ما يشبه الركام الروحي اآلسن ،مع إحدى روائع هذا الرسام الكبير ،ينبني على الذي يبعث على الغياب واألسى والحزن .نقرأ في استحضار بعض طروحات هذا األخير في الفن نص «عبر هذا األكواريـوم»:
والحياة بشكل عام ،وإعادة تشكيلها ثم الدفع بها
ال أنتظر أحدا /في السبت واألحـد الكريهين /داخل الحركية العامة للنص .يقول الشاعر:
رغم أنهما يحتالن /نصف هكتارات العمر( .ص .)25
ويقول في نص «الوضع اآلمن»: جيراني أغلقوا الباب/على مضادات الحياة/،
دحرجوا ليمونة صلبة في الممر /وناموا( .ص
.)35
ه��ذا اإلح��س��اس ال��ف��ادح ب��االغ��ت��راب ،ال يأخذ
«وألن م��ا يؤرقني ليس طقسا /شرخا على
الباب /أو سكينا على وسادتي /أقف مثل السيد/
في لوحة «ماغْ ريت» /ظهري ألمواج ماكرة /تحت ه�ل�ال ذي ح��دي��ن /أق���ف ع���اري���ا /غ��ي��ر منشغل بالشجاعة /أحن إلى الذئاب /وأنسى الهواء».
(ص .)15
ال يقتصر استدعاء ال��راف��د السريالي ،بكل
أبعاده ،على هذا النص فقط ،بل يطال نصوصا
داللته الفنية والجمالية عند الشاعر ،إال في ضوء لغة شعرية مغايرة ترتفع ب��ه نحو أف��ق وجودي أخرى ،بشكل يعبر عن اطالع الشاعر على بعض غرائبي ،تصبح معه السريالية اختيارا مغريا جوانب اإلرث السريالي الفني واألدب��ي .فحالة في الشعر والحياة ،في محاولة للتحايل الرمزي الغموض والعتمة وال��ي��أس والغرابة التي تخيم على الزمن بكل سطوته المرعبة .ذلك ما ينبئنا على الصور والتراكيب واألخْ ِيلـة ،تذهب بالقارئ
به أحد أجمل نصوص المجموعة ،والذي يحمل بعيداً في إشراكه في إنتاج المعاني والدالالت عنوان «أقف مثل السيد في لوحة ماغُريت» .في المتباينة لسخرية تقود إلى أغوار بعيدة .فمثال هذا النص يحاور الشاعر لوحة الفنان البلجيكي في نص «هَ دهدة اليقين الشفيف» نعثر على صور السريالي الشهير «رون��ي ماغْ ريت» والتي تحمل سريالية موغلة في غرائبيتها: عنوان «معلم المدرسة»؛ لوحة يبدو فيها رجل
«ك���ان ال��م��وج /مثل شجر داف���ئ /يقطع تواً
يعتمر قبعة ،واق��ف��ا ف��ي مكان م��ا ،م��دي��راً ظهره بمنشار آلي( .ص .)60
78
اجلوبة -ربيع 1431هـ
في لساني /قبرا لنجوم البحر الميتة( .ص .)66
إن��ه��ا الغرائبية ال��ت��ي تنبني
ع���ل���ى اس���ت���ك���ش���اف المناطق
واألغ�����وار األك��ث��ر عتمة داخل
والثياب إلى مصيدة» (ص.)34
ويتأجج هذا اإلحساس برتابة
البحر في حياة الشاعر ،حين يتوجه إليه بشكل مباشر قائال
له في نص «بحر موارب»:
أق���ب���ي���ة ال��ل��اوع�����ي البشري،
«أما أنت أيها البحر /فإنك
وال��م��ف��ارق��ات ال��غ��ام��ض��ة التي
وال يمكن إال أن تشيخ معي».
ب��ح��ث��ا ع���ن ال���ص���ور واألح��ل��ام
م����وارب /م��ث��ل ق��ل��ب الصخرة/
تشتعل هناك بعيدا .وانسجاما
(ص.)17
مع هذه الرؤية ،يحس القارئ
بتحول كبير ودال ف��ي إدراك الشاعر للطبيعة
بكل مكوناتها المادية والحسية؛ فالبحر ،على
سبيل المثال ،والذي طالما ألهم الكتاب والفنانين
بباحته ال��زرق��اء اآلس���رة ،يتحول هنا إل��ى مجرد تفصيل صغير رتيب في حياة الشاعر اليومية،
يضاعف م��ن سأمه وامتعاضه ،وي��دف��ع ب��ه نحو مستويات مدهشة في االغ��ت��راب .فكأن البحر
حين ي��ح��اذي وي��ج��اور ال��م��دن الحديثة الكبرى، يفقد سطوته السحرية كرمز للمغامرة واإلبحار
نحو الالنهائي .ولذلك يمكن فهم دالالت وأبعاد حضور كلمة المحيط أكثر من مرة ،وفي مواقع مختلفة من المجموعة .فقد صار هذا المحيط
الذي يجاور الشاعر مثل أي بناية ،شيئا مألوفا
ورتيبا في حياته اليومية مثل ساعة الحائط ،أو
السرير ،أو ستارة النافذة التي تحجبه لبعض الوقت .يقول في نص «الوضع اآلمن»:
ن�������������������������������������ق�������������������������������������د
كنت أصرخ /:احفروا هنا/
األس�����م�����اك إل�����ى ال���ش���رف���ات/
وي��أخ��ذ األم���ر أب��ع��اداً أخرى
ح��ي��ن ي��ن��ت��ق��ل ب��ن��ا ال��ش��اع��ر إل���ى ش�����وارع ودروب
المدينة .فنص «من بنى عمارة السعادة» ،يمثل أح��د النصوص التي يمكن عدّها مدخال داال،
لسبر كثير من جوانب هذه المجموعة؛ إنه نص يستدعي ع�لاق��ة ال��ش��اع��ر ب��ال��م��ك��ان ،وتحديدا
ب��م��دي��ن��ة ال���رب���اط ب��ك��ل م�لام��ح��ه��ا وخصائصها كمدينة كبرى ،تبتلع األف���راد محيلة إياهم إلى أجساد باهتة تسعى على غير هدى بين البنايات
المنتشرة هنا وهناك .لقد مثل ظهور وانتشار
«العمارات» في المدن المغربية ،والعربية بشكل عام ،معطى سوسيولوجيا بالغ األهمية ،إذ ارتبط بصعود الطبقة الوسطى وتزايد أعداد المنتمين
إل��ي��ه��ا .وك��م��ا ه��و م��ع��روف ،ف��ه��ذه الطبقة تتميز بالكثير من الخصائص االقتصادية واالجتماعية، تجعل منها طبقة مترددة في خياراتها السياسية
واالجتماعية ،ما يؤدي ،بشكل أو بآخر ،إلى تزايد
«س��ي��ك��ون ال��وض��ع آم��ن��ـ��ا /بالتأكيد /،ستهرع الشعور لدى المنتمين إليها باالغتراب .يقول في ال��ك�لاب م��ع ال��ش��اح��ن��ات /على ط��ول الساحل /نص «أمور تحدث كما في نهاية ماغْ نوليا»: ويعود كل شيء كما كان /:العظام إلى األمواس/
المدينة أي��ض��ا ال تخصني /مدينة شعرها
اجلوبة -ربيع 1431هـ 79
مجعد /ومطلوق من جهة البحر( .ص .)42
لقد أبرز باشالر في حديثه عن المكان أن «على
إن��ه��ا غ��رب��ة ال��ف��رد ف��ي ب��داي��ة ألفية جديدة ،كل واحد منا ،أن يتحدث عن طرقه الخاصة» ، غ����دت م��ع��ه��ا ال��ح��ي��اة م���ع���ادالت ب��اه��ت��ة تفتقد تلك الطرق التي تكتسي صورة معينة في نظر من ()2
للحميمية وال��دفء والمعنى .وألن الشعراء ربما يراها ويدركها بكل حواسه وجوارحه .وفي هذا ي��ك��ون��ون أق���در م��ن غ��ي��ره��م ع��ل��ى رص���د تجليات السياق يحضر المكان في نصوص نجيب مبارك
ه��ذا االن��دح��ار ال��وج��ودي ال��ذي تعرفه الم َد ِنيـ ُة بشكل مختلف ،يسهم في إث��راء البنية الداللية المعاصرة ،فإن التساؤل عمن بنى عمارة السعادة والجمالية للنص؛ إنه – أي المكان -يبدو باهتا،
(أعلى عمارة في مدينة الرباط) ،يبدو تعبيرا داالً يبعث على ال��س��أم واالم��ت��ع��اض وال��ف��داح��ة .ربما على اإلحساس باالغتراب وس��ط أوراش البناء هي لعنة المدن المعاصرة ببناياتها وشوارعها
المنتشرة في كل مكان .ويزداد المشهد فداحـة ،ومداخنها .وما دام األمر كذلك ،فاالغتراب يبدو حينما يدعونا الشاعر للتسكع معه ف��ي بعض هنا نوعا من إعادة اكتشاف الذات بكل عذاباتها دروب الرباط ،والتي تحمل أسماء مدن عالمية وانكساراتها وأوهامها ،أو بصيغة أخرى تعبيرا
بعيدة تتوزع على الجهات األربع للعالم (بيروت ،ع��ن خيبة ج��ي��ل ك��ام��ل ع��اي��ش س��ق��وط واندحار نابولي ،لندن ،لينينغراد ،روما) .فكأن كل درب أو اليوتوبيات الكبرى ،وهو ما أحدث له رجة عميقة « َزنْقة» بالتعبير المغربي ،يأخذ حصته من هذا ضاعفت عنده مشاعر اليتم الفكري والمرجعي الخراب الروحي المتفشي في كل مكان من هذا والوجودي.
العالم من أقصاه إلى أقصاه .ففي زنْقة بيروت
فعلى ام��ت��داد ن��ص��وص المجموعة يطالعنا
يصبح (الباركينغ /م��رأبُ سيارات) مكانا تركن ذل��ك ال��ت��م��رد ال���دال ال���ذي يبديه ال��ش��اع��ر على إليه األرواح المغتربة ،والمحلقة على غير هدى سطوة المدينة بكل تفصيالتها وإكراهاتها التي
وسط المباني التي تتضوع منها رائحة اإلسمنت تبتلع ال���ف���رد ،وت��ح��ول��ه إل���ى م��ج��رد رق���م صغير األس��ود .أما زنقة لندن فتتبدى للشاعر ،كما لو داخ��ل معادلة معقدة من المصالح والصراعات
أن طائرات الحرب غادرت رسوم طفولته البريئة والتوترات التي غدا يفرضها عالم بداية األلفية لتحلق فوقها ،على بعد سنتمتر واح��د من بعيد الجديدة .لذلك فالشاعر حينما يعلن أنه يترك من إح��دى الكنائس التي توجد بالمدينة .يقول األرض ل�لآخ��ري��ـ��ن ،فكأنما يحتج على مظاهر الشاعر في نص «من بنى عمارة السعادة»: العمران المتزايدة والمقرفة التي أصبحت تجتاح «ب��ارك��ي��ن��غ ت��ح��ت األرض /ل���ل��أرواح فقط /األرض محيلة إياها إلى مراكز عمرانية وحضرية
يتسع ألزيد من مليون /في الساعات القصوى /بال روح .أو لنقل بصيغة أخرى ..إنه يحتج على (بالمناسبة م��ن بنى ع��م��ارة ال��س��ع��ادة؟) /ساحة موجة التحديث غير الممنهج الذي تعرفها مدننا
وعمال موقوفون /يلطمون باإلسمنت األسود /البائسة والغارقة في تناقضاتها .ولذلك يمكن قوس بوابة الريح»( .ص .)49
80
اجلوبة -ربيع 1431هـ
فهم وإدراك تلك الرغبة الجامحة في الهروب
الغياب كخيار أخير ،والتي نحس بها صاعدة من مفاجآته تخليه عن طموحاته وهواجسه الشعرية،
األغوار السحيقة لنصوص المجموعة. يقول في نص «تحت القبة دائما»: لكن هذه القبة /تتبعني دائما /عندما تنصرف الخيول /تباعا /من القاعة /وأقف بال ذراعين/ وح���ي���دا ت��م��ام��ا /تُ��ف��ت��ش م��ع��ط��ف��ي /ع��ل��ى مرأى التماثيل /وال تجد النهار /إنها ال تعرف أنني/ أريد أن أختفي /أن أبرأ وأتبرأ /من سماء بال نجوم /ال أكثر (ص .)13 ويقول في نص «فضة قد يمسها الذهب»:
في تضحية «خرافية «ربما تكون األكثر إيالما في تاريخ الشعر .فقد هجر الكتابة إلى األبد ،وهو ال يزال شاعرا يافعا ،مضحيا بأغلى ما يمكن لشاعر
أن يقدمه ،وهو التخلي عن الكتابة ،والتضحية بها
كخيار ال يقود إال لغياب آخر مرعب وآسر .نقرأ
ن�������������������������������������ق�������������������������������������د
واالختفاء واالنسحاب .أو لنقل الرغبة في تسييد في حياة صاحب «فصل في الجحيم» ،كانت أبرز
في «زنقة لينينغراد»:
ان��ص��رف��وا /وج��ل��س «فِ ��رل��ي��ن» ل��وح��ده /تحت
طاولة في الركن /يلعق صمت الكمان / .صباح ذلك األح��د /كان المشي خفيفا /بإيعاز منه/، وك��ان م��ن السابق ألوان���ه /توبيخ ال��ع��ازف( .ص
أن��ا لست مغرما بالدنيا /إل��ى ه��ذا الحد.)52 / وليست لي الرغبة /في التعويض عن ذلك( .ص إضافة إلى ذلك ،ورغم أن المجموعة تندرج، .)21 بشكل أو بآخر ،في ما يعرف بشعرية التفاصيل، ويقول أيضا في نص «ال��وض��ع اآلم���ن» :لدي إال أن أب��رز م��ا يمكن أن نالحظه هنا ه��و ذلك
متسع من الوقت /ألختفي( .ص .)34
الوعي الفني الالفت ،الذي يؤطر رؤية الشاعر
هذه الرغبة تصل ذروتها حين يقترن الغياب ككل ،فرغم اتكائه على التقاط هذه التفاصيل بالشعر بشكل غامض ومدهش معا .فمع مطلع وإعادة تشكيلها وتخييلها ،والدفع بها بعيدا في نص «زنقة لينينغراد» يتعثر القارئ فجأة بالشاعر معترك متخيله الشعري ،إال أن هناك حضورا الفرنسي بول فِ رلين يجلس وحيدا ،وكأن وجوده واضحا لمكونات معرفية وفنية أخرى كما سبقت
بهذا المكان (ب��داي��ة ال��ن��ص) يوحي باستدعائه اإلش���ارة إل��ى ذل��ك .فالطائر ،مثال ،في ثقافات كرمز يثري أبعاد ودالالت ما يريد نجيب مبارك وأساطير معظم الشعوب يمثل رم��زا للتسامي
ق��ول��ه .بيد أن التسلل عميقا إل��ى ش��ق��وق هذا واالرت��ق��اء وال��ت��ح��ول نحو ال��م�لائ��ك��ي��ة( .)3غير أن ال��ن��ص ،يقودنا إل��ى اكتشاف أكبر غائب يمكن الشاعر ال يكتفي بذلك ،بل يتجاوزه نحو آفاق تعقب أث��ره في ه��ذا النص .ويتعلق األم��ر بآرثر أخرى تتغيا إثراء وتشعيب هذا الرمز في اتجاه رام��ب��و ،الشاعر االستثنائي ال��ذي كانت تجمعه مستويات داللية ورمزية أخ��رى .يقول في نص عالقة ش��اذة وملتبسة بفرلين ،انتهت بفراقهما «سآكل عشب مائدتي دون انتظار أحد»: بعد قيام فرلين بإطالق النار على رامبو .بعد هذه
قبل أعوام شتوية /كان أنيسي طائرا ال تجيء
الحادثة ،وكما هو معروف ،ستبدأ مرحلة جديدة رؤاه /يمرق من بياضه إلى يدي /فأجهش له كل
اجلوبة -ربيع 1431هـ 81
ليلة/:آنِسْ ني قليال /تبسم معي /ريشك السريرُ /القارئ أفقا رحبا لخوض فتنة القراءة والتأويل.
وجلدك غطائي (ص .)69
ف��ي ه���ذا ال��ن��ص يعيد ال��ش��اع��ر تشكيل رمز
«لقد جئتُ – أذكر -وخطيئتي معا /كطويتي مع العاصفة /ألقيم على هذا الرمل الصموت/ أعشاشا للضوء /المعة كنجمات عطشى /،جئت ك��ي أج��ف��ف /تحت ه��ذه الشمس /معاطف من ماتوا في القصائد غرقى /وهم يحلمون بما يشبه األرض الطرية»( .ص .)71
لم تعد موجودة .وكما يقول باشالر فإن «كل أماكن
إن توظيف األسطورة الخطيئة األصلية التي حملها اإلنسان معه منذ بدء الخليقة ،يكشف هنا عن بعض المناطق المعتمة في النفس البشرية مثل ذلك اإلحساس األبدي بالذنب ،والذي يرافق ال��ك��ائ��ن ال��ب��ش��ري ف��ي ك��ل زم���ان وم��ك��ان .وبذلك يصبح الوجود ،في حد ذاته ،تجربة أنطولوجية متواصلة ومُ��رة ..للتكفير عن هذا الذنب ،وذلك ببناء أعشاش مجازية للضوء تلمع مثل نجمات عطشى على حد تعبير الشاعر .ويأخذ توظيف األس��ط��ورة ب��ع��داً آخ���ر ،م��ن خ�لال االن��ف��ت��اح على الروافد البصرية خاصة السينما .فاإلحالة على فيلمي «ماغْ نوليا» و«فورست غامب» ،إضافة إلى أنها تبرز الهاجس الجمالي والفني لدى الشاعر إلث��راء لغته الشعرية ،والدفع بها نحو سياقات أخرى ،فهي تسهم أيضا في إضاءة أبعاد أخرى من الرؤية االغترابية التي تخترق المجموعة من أولها إلى آخرها.
الطائر ،ليصير ص��ورة غائمة تأتي متحدر ًة من
ماضيه الشخصي ،أو بتعبير أدق من طفولته التي كانت تحفها الطيور والريح والحشائش؛ هكذا
تصبح ال��ذك��رى م��أوى بعيدا يلجأ إليه ،إلنعاش عالقته بأمكنة تالشت في زحمة الزمن ،أو ربما لحظات عزلتنا الماضية ،واألماكن التي عانينا
فيها م��ن ال��وح��دة ،وال��ت��ي استمتعنا بها ورغبنا فيها وتآلفنـا مع الوحدة فيها ..تظل راسخة في داخلنا ،ألننا نرغب في أن تبقى كذلك»( .)4نقرأ
في النص ذاته:
ك��ان��ت رؤاه /ال ت��ج��يء م��ع ال��ري��ح /أو غبار
الذكرى/:ماذا أصنع بالريح /وقد أفرغتُ جيوب
ال��ل��ي��ل /م��ن الحشائش /ودخ���ان الوشوشات؟/ وم����اذا أص��ن��ع ب��ال��ذك��رى /وق���د أض��ع��تُ اإلجابة
الوحيدة الممكنة/عن حرائق شبت /في الربع الخالي من الذاكرة؟ (ص .)70
إن الطائر يتحول هنا إلى ذلك المؤنس البائد
ال��ذي يقترن بالبحث عن تلك اإلجابة الوحيدة
والممكنة في أدغ��ال الربع الخالي من الذاكرة
التي أتت عليها الحرائق .كأن أبعاد الزمن تنصهر ه��ن��ا ليتحول ال��ش��ع��ر ف��ي ض���وء ذل���ك إل���ى سَ فر متواصل في األقبية المعتمة والعميقة للذات، حيث تترجرج األمكنة والذكريات وال��وج��وه في صور يتسيد فيها الالوعي ،وي ْأتَلـ ُق بكل عنفوانه.
وف��ي النص ذات��ه تطالعنا ص��ورة شعرية بديعة تضج بالدالالت الرمزية واإليحائية ،وتفتح أمام
82
يقول الشاعر:
اجلوبة -ربيع 1431هـ
ففي نص «أمور تحدث كما في نهاية ماغنوليـا» يستوحي الشاعر األبعاد الحدادية والسوداوية ال��ت��ي ط��ب��ع��ت ال��ف��ي��ل��م ال���م���ذك���ور ،خ��ص��وص��ا في مشهده األخير ال��ذي شكل صدمة جمالية غير متوقعة ،حيث يبدأ المطر في السقوط بضفادع كبيرة تمأل المدينة عن آخرها في مشهد غريب
بكل التباساتها وتناقضاتها .نقرأ في هذا النص :والبعيدة ،الخلفية التصويرية المستندة إلى لغة المطر ال يخصني وحدي /،ال يخصنا جميعا الكاميرا ،والتي تطبع العديد من صور ومشاهد كالثياب التي نلبسها / .عندما ينفد كل مخزونه /المجموعة ،)..جعل الصورة الشعرية -بشكل
سيهطل بضفادع كبيرة( .ص.)41
أما في نص «الحشرات» فيستوحي الشاعر
بعض مشاهد فيلم «فورست غامب» ،والتي يبدو
فيها البطل «الممثل طوم هانكس» ،وهو يركض
أو بآخر -تكتسب خصائص وس��م��ات الصورة ال��س��ي��ن��م��ائ��ي��ة ب��ك��ل أل��ق��ه��ـ��ا وت��أث��ي��ره��ا السحري على المشاهد .ك��ل ذل��ك ف��ي أف��ق تعميق البعد
ن�������������������������������������ق�������������������������������������د
وغامض ،يجعلنا ربما نغير زوايا نظرنا إلى الحياة السينمائية (اللقطة بأبعادها القريبة والمتوسطة
األس���ط���وري ال��ح��اض��ر داخ����ل ال��ع��ال��م الشعري
ركضا يشير بشكل دال وعميق للجوانب األكثر للمجموعة .وك��م��ث��ال على ذل���ك ،ن��ق��رأ ف��ي نص إشكالية في الحياة؛ ذلك أن هذا الفيلم يسلط «هَ دْهدةُ اليقين الشفيف»: ال��ض��وء ،بكثير م��ن العمق ،على قضايا عميقة
ك��ان العشب بين األص��اب��ع /أول م��ا استثار
ك���اإلرادة وال��ق��در وال��ح��ظ ،وعالقتهما بالسلوك الصباح القديم /:سحاب عالق بأعشاش الضوء. صدَفة لمعت/ اإلنساني في مختلف تجلياته .كما يبرز الفيلم منارةٌ /تنحني لتدقق النظر في َ
القدرات المجهولة والهائلة التي يمتلكها الكائن بالخيال .سفن تدور حول نفسها /في ما يشبه
البشري /البطل ،للتغلب على مختلف الصعاب دوامة الليزر الصامت( ...ص .)61 واإلكراهات؛ فقط عليه أن يعود إلى ذاته ويغوص ختاما ،ال نبالغ إذا قلنا إن ه��ذه المجموعة في أعماقها ومنعرجاتها ،مستكشفا ببصيرته تمثل إحدى اإلضافات المميزة لرصيد التجربة ه���ذه ال���ق���درات ،وم��وج��ه��ا ط��اق��ت��ه ال��خ�لاق��ة نحو الشعرية ال��ج��دي��دة ف��ي ال��م��غ��رب ،بالنظر لعدة محاصرة الخراب والعنف ،وزرع األضواء في كل اعتبارات أبرزها -في تقديرينا المتواضع -أنها مكان وزاوية من العالم .يقول الشاعر: تندرج ضمن ذلك الحراك النسبي الذي يعرفه قد نفكر مثال أن نفتح ب��اب البرد /ونركض الشعر المغربي المعاصر خالل السنوات األخيرة.
طويال ب�لا ت��وق��ف /كما فعل المعتوه «فورست كما أنها تقدم أفقـا شعريا مهجوسا بالمغايرة إلى غامب» (ص .)54 حد كبير ،ال يفتأ يغمر باألسئلة الجمالية والفنية، إضافة إلى ذلك ،فإن توظيف بعض التقنيات بحثـا عن نص شعري مغاير ومتشعب الروافد. * () 1 ( )2 ( )3 ( )4
شاعر وكاتب من المغرب نجيب مبارك :تركت األرض آلخرين .منشورات اتحاد كتاب المغرب .الرباط2006 .م .ص.25: غاستون باشالر :جماليات المكان ،ترجمة غالب هلسا .المؤسسة الجامعية للدراسات والنشر والتوزيع .بيروت. الطبعة الرابعة1996 .م .ص.42 : جلبير دوران :األنثروبولوجيا :رموزها ،أساطيرها ،أنساقها .ترجمة مصباح سعد .المؤسسة الجامعية للدراسات والنشر والتوزيع .بيروت الطبعة الثانية 1993م .ص 105 :وما بعدها. غاستون باشالر :مصدر سابدق ،ص.40 :
اجلوبة -ربيع 1431هـ 83
أ .د .زغلول النجار
بيئة اجلوف اجليولوجية ال وجود لها في أغلب الدول العربية ومتتد إلى ما قبل ( 400مليون سنة)
متَك ّون اجلوف محمية للعصر الديفوني أطالب بإعالن ُ
مطلوب استغالل رمال اجلوف لتصنيع مادة السليكون > حاوره محمود عبدالله الرمحي -سكاكا
ولد في مصر عام 1933م .تخرج من قسم الجيولوجيا من جامعة القاهرة عام 1955م مع مرتبة الشرف ،وكُ رِّم بالحصول على جائزة الدكتور مصطفى بركة في علوم األرض. حصل على الدكتوراه من جامعة ويلز في بريطانيا عام 1963م ،وأوص��ت الجامعة بتبادل رسالته مع جامعات العالم ،ونشرها المتحف البريطاني في طبعة خاصة عام 1966م ...ومنحته جامعة ويلز زمالتها.. عمل أستاذاً للجيولوجيا في جامعات تحرير عدد من أبرز المجالت والدوريات ع��رب��ي��ة وع��ال��م��ي��ة ع���دي���دة ..م���ن أهمها :العلمية التي تصدر في الواليات المتحدة جامعة عين شمس ،وجامعة الملك سعود، وجامعة قطر ،وجامعة الملك فهد للبترول وال��م��ع��ادن ،وج��ام��ع��ة وي��ل��ز ف��ي بريطانيا، وجامعة كاليفورنيا في لوس أنجلوس..
وف��رن��س��ا وال��ه��ن��د وال��ع��ال��م ال��ع��رب��ي ،زميل األك��ادي��م��ي��ة اإلس�لام��ي��ة ال��دول��ي��ة للعلوم وع��ض��و مجلس إدارت���ه���ا ،وأح���د مؤسسي هيئة اإلعجاز العلمي للقرآن الكريم.
نشر ل��ه حتى اآلن أك��ث��ر ( )150بحثاً
ل���ه ب���رام���ج ت��ل��ف��ازي��ة وإذاع���ي���ة عديدة
وه����و ع��ض��و ف���ي ك��ث��ي��ر م���ن المحافل
المسلمين ،خاصة قضية اإلعجاز العلمي
وعشرة كتب ..وقد أش��رف على أكثر من (إسالمية وثقافية متنوعة) .جاب أقطار خمسة وثالثين رسالة ماجستير ودكتوراه .األرض م��ح��اض��را ع��ن اإلس��ل�ام وقضايا والجمعيات العلمية الدولية ،وعضو مجلس في القرآن والسنة النبوية ،امتدت من كندا
84
اجلوبة -ربيع 1431هـ
م������������������واج������������������ه������������������ات
شماالً إلى أستراليا وجنوب أفريقيا جنوباً ،ومن األمريكتين غربا إلى أواسط آسيا شرقا. وب��ن��اء على دع���وة م��ن ن���ادي ال��ج��وف األدبي ق��ام ب��زي��ارة لمنطقة الجوف ألقى خاللها عدة محاضرات ..التقينا بفضيلته فكان لنا معه هذا الحوار.. < تمتاز منطقة الجوف بتنوع مظاهر السطح ف��ي��ه��ا ب��ي��ن ه��ض��اب وت��ل�ال وج�����روف شديدة
االنحدار ،إضافة إلى العديد من المنخفضات ك��م��ن��خ��ف��ض ال����ج����وف ووادي ال���س���رح���ان، وال��س��ب��خ��ات كسبخة ح��ظ��وظ��ا ال��ت��ي تقرب مساحتها م��ن ( )75ك��م 2والكثبان الرملية المختلفة األش��ك��ال وال��ح��ج��وم .إض��اف��ة إلى
األودي��ة المتعددة فيها .في رأيكم ما أهمية هذا التنوع الجيولوجي في المنطقة؟ > منطقة الجوف منطقة متميزة من الناحية
الجيولوجية تميزا واضحا للغاية ،وأكثر ما يميزها وجود الصخور التابعة ألحد العصور الجيولوجية النادرة في الوطن العربي ،وهو العصر الديفوني ال��ذي يمتد ل���ـ 400مليون س��ن��ة – 300م��ل��ي��ون س��ن��ة م���ض���ت .وهذه الصخور ممثلة في منطقة الجوف وحدها
إضافة إلى منطقتين أخريتين ليستا بعيدتين عن ال��ج��وف ،وهما الهوج وهضبة الطويل.
والعصر الديفوني يسمى عصر األسماك.. لتميزه بانتشار األسماك فيه انتشارا واضحا ل��ل��غ��اي��ة .وص��خ��وره ف��ي المنطقة ب��ه��ا بقايا أسماك ،إضافة إلى بقايا الكثير من الكائنات التي عاشت في ذلك العصر .وهذا الحوض يصل إلى شمالي قطر تقريبا. أما باقي أجزاء المملكة فال توجد فيها هذه ال��ص��خ��ور ..وإذا وج���دت ف�لا وج���ود للحياة فيها. أقول إن قطاع هذا المتكوَّن في الجوف وعلى قرب من دومة الجندل ،ال بد أن يكون محمية طبيعية ،حتى ال تهدده الزراعة أو المباني أو الطرق ،بهدف المحافظة على بقايا العصر الديفوني في المنطقة ..وقد طالبت بذلك وما أزال أطالب -وزارة البترول والثروةالمعدنية ..في الوقت ال��ذي لم تكن هناك مساحة جيولوجية.
ه���ذا ال��ح��وض ال��م��ه��م ج���دا – ح���وض وادي
وأؤك��د بأن هذا القطاع النادر في المنطقة
السرحان -بيئة جيولوجية متميزة ،تضم هذه
العربية كلها ،والذي يمتد إلى بدايات العصر
الصخور القديمة في العمق ،والتي ال وجود
الكربوني -وهي فترة زمنية طويلة تصل إلى
لها في أغلب الدول العربية ..وتعد مدرسة
قرابة ( )100مليون سنة -وهو التمثيل الوحيد
لمن أراد أن يدرس هذا العصر.
الصخري لها الظاهر فوق سطح األرض في
اجلوبة -ربيع 1431هـ 85
منطقة الجوف ...يجب المحافظة عليه. < ما أهمية الطبقات الجيولوجية في المنطقة
يحصل معها االنهيار ،وذلك ما حصل تماما في منطقة بسيطا الزراعية.
بالنسبة للمياه فيها ..وهل استنزاف المياه < رم�����ال ال���ن���ف���ود ..إح�����دى م��ع��ال��م المنطقة بشكل موسع يؤثر على مستوى ال��م��اء في
ال��رئ��ي��س��ة ..ف��ي رأي��ك��م ،م��ا م���دى االستفادة
أح��واض��ه��ا .وم��ا ه��ي ال��ع��وام��ل التي أدت إلى
الممكنة من هذا الكم الهائل من الرمال..
ب��ع��ض االن���ه���ي���ارات األرض����ي����ة ف���ي منطقة
خاصة وأن السليكون يعتبر م��ن مكوناتها
بسيطا؟
الرئيسة؟
> ف��ي المنطقة أك��ث��ر م��ن خ���زان للمياه تحت > تتكون الرمال من معدن المرو .وه��و معدن مفتت على هيئة طبقات دقيقة ،عبارة عن السطحية ،وهذه الخزانات عبارة عن تتابعات من الصخور الرملية عالية المسامية ،عالية النفاذية ..وهي مثالية لخزن المياه ،خاصة أن��ه��ا ت��وج��د بين طبقات مصمتة – بمعنى غير منفذة للماء -كطبقات الطفل .وتكمن المشكلة في عدم التعامل بمنهجية علمية مع المياه الجوفية ..فالمبالغة في الضخ تدمر اآلب���ار ،وال أق��ول إنها تدمر ال��خ��زان ..فإذا سحبنا من البئر بمعدل أعلى من تدفق المياه إليه ،تتكون حوله منطقة خالية من الماء، وعندها يحتاج إلى مئات السنين حتى يتصل الماء .وقد يؤدي ذلك إلى الهبوط.
فالمياه الجوفية أو تحت السطحية ،وبتعبير علمي أدق ،م��وج��ودة ع��ل��ى خ��ط��وط شعرية
ثاني أكسيد السليكون ،واختزاله إلى عنصر
ال��س��ل��ي��ك��ون ل��ي��س ع��م��ل��ي��ة م��ع��ق��دة .ويشكل ال��س��ل��ي��ك��ون –اآلن -ع��ص��ب ك��ل الصناعات الخاصة باالتصاالت ..كالحواسيب وشفرات ال��ه��ات��ف ال��ج��وال – المحمول كما يسمونه أحيانا -وهذه كلها تعتمد على مادة السليكون. فلو أننا شجعنا بعض مراكز البحث العلمي ف���ي ال��م��م��ل��ك��ة ع��ل��ى أخ���ذ ع��ي��ن��ات م���ن هذه الرمال ..ودراسة أيسر الطرق الختزالها من ثاني أكسيد الكربون إلى السليكون نفسه.. فعندها يمكن أن تقوم على ذلك صناعة من أهم الصناعات الرائجة والمطلوبة في زماننا هذا.
دقيقة ..فإذا تعاملت معها بحكمة ،تظل هذه < يركز أع��داء اإلس�لام وخصومه على قضايا معينة ي��ح��ارب��ون��ن��ا ب��ه��ا ،وم��ن��ه��ا ع��ل��ى سبيل الخطوط متصلة ..أما إذا سُ حبت بمعدالت عالية تستنزف هذه الخطوط ..وإذا انقطع التواصل بينها ،يحصل مخروط االنخفاض حول البئر – فالماء حول البئر ولكنه ال يصل
ال��م��ث��ال ال ال��ح��ص��ر ان��ت��ش��ار اإلس��ل��ام بحد
السيف وت��ع��دد ال���زوج���ات ..إل���خ .ب��م��اذا يرد عليهم أستاذنا الفاضل.
إليه -فإذا ما سحبنا الماء بمعدالت أعلى > قولهم بأن اإلسالم انتشر بحد السيف قول من معدالت التدفق إليه ،ستوجد حالة فراغ
86
اجلوبة -ربيع 1431هـ
ك��اذب وادع���اء ب��اط��ل ..بالعكس ..هم الذين
األم��م بالقوة العسكرية وحد
لمعادلة تلك النسبة ،والمحافظة
ال���س���ي���ف ..ك���م���ا ح���ص���ل في
على طهارة المجتمع ،هو التعدد..
إفريقيا وجنوب شرقي آسيا..
ك��م��ا ج���اء ذل���ك ألس��ب��اب خاصة
ه��ذه ف��ري��ة أرادوا أن يتهموا
ك��ال��زوج��ة المريضة ،أو الزوجة
اإلس��ل�ام ب��ه��ا ل��ي��داف��ع��وا عما
التي ال تنجب ولزوجها الرغبة
فعلوه هم أنفسهم..
في األطفال ..فالتعدد يحفظها
خ���ذ ال��ف��ل��ب��ي��ن م���ث�ل�ا ..كانت
ويحفظ لها ك��رام��ت��ه��ا ،ب��دال من
مسلمة بأكملها ،واعتنق أهلها اإلس��ل�ام ع��ن ط��ري��ق التجار، وذل�����ك م���ا ح��ص��ل أي���ض���ا في ان��دون��ي��س��ي��ا وم��ال��ي��زي��ا ..ولما
رميها في الشارع ..وإذا استخدم التعدد بضوابطه الشرعية فليس في ذلك شيء.
أما الذين يهاجمون التعدد..
دخلت أسبانيا الفلبين فرضت
فهم ال��ذي��ن يبيحون ال��زن��ا خارج
الكاثوليكية عليها بحد السيف،
دائرة الزواج ،حتى المتزوج -في
وه���و م��ا فعلته أم��ري��ك��ا فيها
قوانينهم -له أن يعاشر أكثر من
عندما فرضت البروتستنتية
امرأة ..في الوقت الذي يحرمون
عليهم بقوة السالح..
م������������������واج������������������ه������������������ات
ف����رض����وا ال��م��س��ي��ح��ي��ة على
اإلناث إلى الذكور .والحل الوحيد
فيه تعدد الزوجات..
أما اإلس�لام ..فباعتراف المنصفين منهم ،
إن ال����ذي أض���ر ب���أوروب���ا ،وأدى إل���ى تحلل
ل��م يجبر مسيحيا أو ي��ه��ودي��ا واح����دا على
أخ�لاق��ه��ا وق��ي��م��ه��ا أن ال��م�لاي��ي��ن ه��ل��ك��وا في
دخول اإلس�لام ،بل وُظِّ فت ك��وادر من اليهود
الحربين العالميتين األولى والثانية ..فأكثر
والنصارى في ظل الحضارة اإلسالمية ،وفي
م��ن ( )22م��ل��ي��ون ش���اب ه��ل��ك��وا ف��ي الحرب
أعلى المناصب وإلى حد ال��وزارات ..ولو أن
العالمية األولى ،وأكثر من ( )55مليون شاب
اإلس�لام فُ��رض بحد السيف -كما يدعون
في الحرب العالمية الثانية ..ما أخل بميزان
وي��ف��ت��رون -لما بقي م��ن مجتمعات اليهود
ال��ذك��ور واإلن���اث في أوروب���ا ،وأدى إل��ى هذه
والنصارى أحد إلى يومنا هذا..
الفوضى الجنسية التي يعلنوها وال يستحون
أما عن تعدد الزوجات في اإلسالم فهو شرع
منها هذه األيام..
الله ،ورخصة منه عز وجل ،وفرها ألسباب
ت��ع��دد ال���زوج���ات ه��و ش���رع ال���ل���ه ..والعاقل
عامة ..كالحروب التي يقتل فيها العديد من
المبصر ي��رى ال��ف��ارق الكبير ما بين تشريع
الشباب والمتزوجين ..فتختل معها نسبة
الله وتشريع البشر.
اجلوبة -ربيع 1431هـ 87
< يقول صلى الله عليه وسلم :تركت فيكم ما
أوتيت القرآن ومثله معه..
إن أخذتم به لن تضلوا كتاب الله وسنتي . م��ا قولكم فيمن ي��أخ��ذون ب��ال��ق��رآن الكريم ويتركون السنة؟! > ه��ؤالء يسمون أنفسهم بالقرآنيين ..وهذه الحركة بدأت في الهند بتخطيط حديث من المحتل البريطاني ،كان الهدف منه تنصير الهند ،ف��وج��دوا أن العقبة الكئود فيها هم المسلمون ..أما بقية الديانات األخرى فكان م��ن السهل تنصيرها .ف���أرادوا أن يفسدوا اإلسالم من داخله ،فبدءوا بحركة األحمدية: حيث أتوا برجل اسمه غالم أحمد خان يؤمن بالقرآن الكريم وبالنبي صلى الله عليه وسلم،
واآلي�����ات ال��ق��رآن��ي��ة ص��ري��ح��ة وواض���ح���ة في األخذ بالسنة ،يقول الله عز وجل في محكم كتابه(:وما أتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا) .اآلية ( )7من سورة الحشر. < ه��ن��ال��ك ح��م��ل��ة م��س��ع��ورة م���ن ق��ب��ل الغرب للسخرية م��ن سيد البشرية ص��ل��وات الله وسالمه عليه ،كما ح��دث في الدنمرك من رسوم وأف�لام إباحية .ما سر تلك الحمالت. وه���ل ه��ي ح��م�لات ف��ردي��ة وح��ري��ة رأي كما ي��دع��ون ،أم أن��ه��ا ب��رم��ج��ة غ��رب��ي��ة للنيل من اإلسالم والمسلمين؟
ولكنه يدعي أنه نبي جديد يتلقى الوحي > ..أن���ا ال أت��ه��م ال���غ���رب ك���ك���ل ..ف��ل��ي��س��وا كلهم شياطين .لكن ما الحظته -وقد عشت في ويقول :علينا بالقرآن ،ما أحله أحللناه ،وما حرمه حرمناه .وإن ال��ق��رآن متواتر والسنة غير متواترة .والقرآن دوِّن بأكمله ،والسنة لم تدوَّن ..كما أن السنة فيها الحسن والضعيف والموضوع..
دخلوا من هذا المدخل ..مدخل المستشرقين ال���ذي���ن ت��ع��ل��م��وا ال��ع��رب��ي��ة ،ودخ���ل���وا اإلس�ل�ام للتفتيش عن ثغرات يستخدمونها في الهجوم
عليه ..وه��م ينشطون اآلن في بعض الدول العربية .وم��ن معجزات ال��رس��ول صلى الله عليه وسلم أنه تنبأ بذلك منذ ألف وأربعمائة عام ،فقال صلوات الله وسالمه عليه :سيأتي
88
الغرب سنوات طويلة -أن اليهود لهم تنظيم فائق الدقة في العالم الغربي ..استطاعوا من
خالله أن يصلوا إل��ى وسائل اإلع�لام ،وإلى رؤوس األموال ،ويوظفون ذلك من أجل تشويه صورة اإلسالم والمسلمين ،وتخويف الغرب من أي صحوة إسالمية أو وح��دة إسالمية كخطر على الحضارة الغربية.. وأقولها صراحة إننا قصرنا تقصيرا كبيرا في حسن التبليغ عن الله عز وجل ،وعن رسوله الكريم صلى الله عليه وسلم ..والله ،إن في الغرب عقالء يبحثون عن الحق وضح النهار..
زمان يجلس فيه أحدكم شبعانا على أريكته
فلو استطعنا أن نحسن التعريف بهذا الدين
ي��ق��ول :م��ا أح��ل��ه ال��ق��رآن أحللناه وم��ا حرمه
-سواء أسلم الناس أم لم يسلموا -الستطعنا
حرمناه .أما السنة فال شأن لنا بها ..أال إني
أن نحيد هذه الحملة القذرة تحييدا كامال..
اجلوبة -ربيع 1431هـ
م������������������واج������������������ه������������������ات
هم ليسوا أب��ري��اء من تلك الحملة ال���م���س���ع���ورة ك��م��ا ي���دع���ون بحرية ال��ت��ع��ب��ي��ر ..أل���م ي��م��ن��ع��وا فيلما عن المسيح عليه السالم ..ألم يمنعوا ت��ص��وي��ر ص���ور ع��ن��ه ..ف��أي��ن حرية التعبير التي يدعونها ..إنها حملة مدسوسة تماما. < قلتم وما زلتم تقولون بأن اإلعجاز العلمي للقرآن الكريم هو سالحنا الوحيد لغزو العقل الغربي ..فكيف يكون ذلك .؟ > ال أقول السالح الوحيد ،وإنما أحد األسلحة المهمة ف��ي ال��دع��وة إل��ى اإلس�ل�ام ف��ي هذا الزمن ..زمن العلم والتقنية ..زم ٌن فتح الله فيه على اإلن��س��ان م��ن مغاليق ال��ك��ون م��ا لم يفتح عليه من قبل ..أصبح الغربيون يطالبون
مع رئيس النادي األدبي بالجوف
وال��وح��دان��ي��ة ..إل���خ ،وب���اإلب���داع فيما خلق، وتشهد بقدرته ع��ز وج��ل على إف��ن��اء م��ا قد خلق ،وإع��ادة بعثه من جديد ..تبقى إضافة إل��ى ذل��ك كله خطابا أله��ل عصرنا باللغة الوحيدة التي يفهمونها.. وإذا استطعنا أن نحمد الغربيين الحق العلمي في القرآن الكريم والسنة النبوية الشريفة
فيه بالدليل العلمي في كل قضية..
ألمكننا تحييد ه��ذه الحملة الشرسة ضد
فلو قلت لهم أمنوا بالله لقالوا هات الدليل العلمي..
اإلس�لام والمسلمين في زمن قياسي ..وقد
ولو تحدثت عن البعث بعد الموت لقالوا هات الدليل العلمي..
ولو حدثتهم عن الحساب يوم العرض األكبر لقالوا هات الدليل العلمي..
والله سبحانه وتعالى أنزل هذا الكم الهائل من اآلي��ات القرآنية -أكثر من ( )1000آية اآلية ( )42من سورة الزمر. صريحة ،باإلضافة إل��ى آي��ات كثيرة تقترب دالالت��ه��ا م��ن ال��ص��راح��ة – ل��غ��اي��ة ،وإن كان < م��ا أهمية البحث ف��ي اإلع��ج��از العلمي في السنة النبوية الشريفة هذه األيام وقد بدأتم واضحا لنا من استقرائنا لها في زمن النزول أنها جاءت شهادة لله في األلوهية والربوبية بذلك؟
رأيت الكثير من علماء الغربيين قد أسلموا بآية قرآنية واح��دة ..ألم يسلم آرثر أليسون أستاذ الهندسة الكهربائية في جامعة لندن باآلية القرآنية (الله يتوفى األنفس حينموتها والتي لم تمت في منامها فيمسك التي قضى عليها الموت ويرسل األخرى إلى أجل
مسمى إن في ذل��ك آلي��ات لقوم يتفكرون).
اجلوبة -ربيع 1431هـ 89
> ه��ن��اك هجمة ش��رس��ة على السنة حتى من بعض المسلمين ..وال بد أن نؤكد للمسلمين جميعا أن لهذا ال��دي��ن مصدرين أساسيين هما القرآن الكريم والسنة النبوية الشريفة.. وأن السنة تفصل في الدين أمورا لم يأت بها
القرآن الكريم ..فكيف أع��رف عدد ركعات
الصالة إذا لم آخ��ذ بالسنة وأطلع عليها.. وكيف أعرف بعض قضايا الميرات التي لم
مع مفلح الكايد في مركز آل كايد الثقافي
ترد في القرآن الكريم..
األح��ادي��ث الشريفة تفصل اآلي����ات ..وتعد م��ذك��رة تفسيرية للقرآن ال��ك��ري��م ..فالسنة مهمة ج��دا كما ه��و ال��ق��رآن ال��ك��ري��م ..فإذا
ألغينا الحديث فكأننا ألغينا اإلسالم حقيقة..
واهتمامي بإعجاز السنة جاء من رغبتي أن أثبت للناس جميعا -مسلمين وغير مسلمين-
بأن السنة مهمة كما أن القرآن الكريم مهم..
في إحدى لقاءاته التلفزيونية
صحيح أنها تأتي في المقام الثاني بعد القرآن
الشر في العالم ..وعلى كل مسلم أن يدرك
الكريم ..لكنها وحي كما هو القرآن وحي..
حجم هذه الهجمة ..فيبذل شيئا من جهده
القرآن وحي بلغة رب العالمين ،والسنة وحي
لمقاومتها بالكلمة الطيبة والحجة الواضحة
مصاغة بلغة سيد المرسلين محمد صلوات
والمنطق السوي ،انطالقا من إيماننا باألخوة
الله وسالمه عليه.
اإلنسانية ،وإيماننا بأن األصل في اإلنسان
< ه��ل م��ن كلمة توجهونها لمنطقة الجوف ومتلقي الجوبه الثقافية في كل مكان؟ > أق���ول أله��ل ال��ج��وف ب��أن منطقتكم منطقة
كالسيكية مهمة جيولوجيا ،يجب المحافظة
90
وم��ن تجربتي ال��م��ح��دودة أق����ول ..وال��ل��ه ما عُرض اإلسالم على عاقل -في زماننا هذا-
باللغة التي يفهمها ورفضه أبدا ..لذا أوصي
عليها ،واالهتمام بدراستها ،وجعلها مدرسة
نفسي وإخ��وان��ي وأخ��وات��ي من ق��راء الجوبة
الديفوني والعصر الكربوني.
الطيبة التي أ ُُمرنا بها حتى نكسب أنصارا
أما قارئي الجوبه -في كل مكان -أقول لهم
ل���ه ،ألن ال��م��ؤام��رة ع��ل��ى اإلس��ل�ام أك��ب��ر من
للذين يريدون أن يتعلموا شيئا عن العصر
هو الخير ..وأن الشر حالة عارضة.
بأن اإلسالم يتعرض لهجمة شرسة من كل قوى
اجلوبة -ربيع 1431هـ
باالهتمام بالدعوة إلى هذا الدين ..باللغة
حجمنا جميعا..
الفلسطيني محمد حلمي الريشة
م������������������واج������������������ه������������������ات
حوار مع الشاعر واملترجم والكاتب
> أجرى احلوار /أحمد الدمناتي*
هو حوار عميق ومثير مع صاحب القصيدة في سفرها األبدي ألكثر من أربعة عقود ،تنفس اللغة ،وش��رب ماء المتخيل حين أحس بالعطش في فلوات الكتابة ،حوار يتكلم عن أسراره بنفسه فقط من دون مقدمات. يابس ٍ ضباب ٍ عالية من ٌ نوافذ ُ < ما هو الباب الذي تفتحه القصيدة لك سريعً ا عند لقائك بها في مُ نحدر اللغة؛ باب الطفولة ،باب الحنين ،باب الحب، باب النسيان ،باب المرأة ،باب المكان، باب األم ،باب الدهشة ،باب الذكرى ،باب الوجع ،باب األمل ..وللشاعر في أبوابه أسرار وألغاز؟
والدَّ هشةِ والمتعةِ و ، ..التي يجبُ أَن ِحساسكَ ِ تح ِّققَها القصيدةُ ،وصوالً إِلى إ ��وف على حافَّةِ بالشِّ عرِ أَ َّن��� ُه «مث ُل ال��وق ِ بحيرةٍ يغمرُكَ عندَها نو ُر القمرِ طوا َل الوقت» ،كما أَحسَّ ُه (كولينز). ِ
يف الض ُ القصيدةُ َّ
< م��ن المحو نكتشف مجهول الكتابة، وعمق المخاطرة مع ضيافة القصيدة، > أَ َّوالً :ليتَ ُه منح َدرٌ ،بل ه َو صعو ٌد (« َك َأ َّنمَا م���ن ال�����ذي ي���ك���ون ض��ي��فً ��ا ع��ل��ى اآلخ���ر ي ََّص َّع ُد فِ ي السَّ مَاءِ » -القرآ ُن الكريمُ). ال��ق��ص��ي��دة أم ال��ش��اع��ر؟ أم ك�لاه��م��ا في ضيافة متعة تفتك بتكهنات عرّافة؟ باب محدَّ ٍد ،ألَنَّ القصيدةَ ثانيًا :ما من ٍ ال أَبوابَ لها ،بل توجَ ُد نواف ُذ عالي ٌة ذاتُ > هيَ مَن تأْتِي لِتحلَّ ضيف ًة على الشَّ اعرِ ، يابس ،والشَّ اع ُر في ضباب ٍ ٍ ِطارات من ٍ إ وعليهِ أَن يكو َن ح��اض��رًا وج��اه��زًا لها، ُرفة محاطً ا بجُ درانِ الوَحدةِ ،والعزلةِ ، غ ٍ ألَنَّها ال تحبُّ أَن تحض َر دو َن أَن يكو َن واليأ ِْس. ش��اع�� ُره��ا ف��ي اسْ ��ت��ق��ب��الِ��ه��ا ،وع��ل��ي��هِ أَن
ِإ َّن���� ُه يُ��ري�� ُد أَن يطي َر خ��ارجَ ��ه��ا ،تحمل ُه جوان ُح قصيدتِه نح َو آفاقِ الحبِّ والفرحِ
يُحس َن اسْ تقبالَها ،ويُتقِ َن ضيافتَها كي تقب َل المكوثَ .بع َد هذَا ،يتماهيانِ معًا
اجلوبة -ربيع 1431هـ 91
اش��ع��ورِ /وال�ل�اَّ وع���ي ،حتَّى ف��ي ح��ال ٍ��ة م�� َن ال�ل َّ ي َِصال ِإل��ى س��ؤالِ الشَّ اعرِ (وليم بتلر ييتس) َّقص م َن ف الر َ «كيف نعرِ ُ َ ُدهش /المُذهلِ : الم ِ َّاقص؟!» الر ِ
البياض ِ مساحة ِ تشاسعُ < ل��ل��ق��ص��ي��دة م��آزق��ه��ا وم��ك��ائ��ده��ا ومضائقها أيضا ،هل يستطيع الشاعر النجاة وكمائنها ً من هذه المكائد والكمائن دائمً ا؟ هذا وهو في حالتِه تلكَ ؟
> ال يُمكِ ن أَن ينج َح الشَّ اع ُر بعبورِ ها في ك ِّل قصيدةٍ ،بل وفي أَيَّةِ قصيدةٍ ،ألَنَّ الشِّ ع َر َ بالقارئ وجعل َ ُه في المسافةِ بين القلمِ ِ صعبٌ ِإذَا ف َّك َر ��رس» كما قا َل الفرزدقُ)، («أَعس ُر من قلعِ ِض ٍ مرشدَها وكاتبَها والورقةِ ،فإِنَّ القارئَ سيكو ُن ِ وصهوتُه تعل ُو أَكث َر فأَكث َر كلَّما انتَهى الشَّ اع ُر فكيف إِذا ف َّك َر الشَّ اع ُر َ أَكث َر من الشَّ اعرِ ذاتِه، الصعوب ُة كلَّما وج َد جديد ،وت��زدا ُد ُّ ٍ نص من ٍّ فكيف تكو ُن َ قارئ ،وأَكث َر من مُتلقٍّ ، بأَكث َر من ٍ البياض تتشاس ُع في دواخلِه كما ه َو ِ مساح َة والمفترض اإلِبداعيُّ ه َو ُ قصيدةَ شاعرِ ها؟! الصفحةِ ،فينتابُه األَسى ��اض َّ ال��ح��ا ُل ف��ي ب��ي ِ في أَن يكونَها؛ هي من ُه وهو مِ نها. ُنج ْز شيئًا بعدُ. ال��ع��ار ُم ألَ َّن��� ُه يشع ُر أَ َّن��� ُه ل�� ْم ي ِ عم ُل الشَّ اعرِ هُنا أَن يحاو َل تذلي َل ما استطا َع هذه هي إِشكال َّي ٌة قديمةٌ -جديدةٌ؛ أَن يكو َن الشَّ اع ُر ص��وتَ اآلخ��رِ كما يُ��را ُد ل��هُ ،ال صوتَه مِ نها /إِليها سبيالً ،ألَنَّها من طبيعةِ القصيد ِة ه��وَ .هنا يَنتفِ ي التَّف ُّر ُد الشَّ خصيُّ ،واإلِبدا ُع نهر ليس اسْ تقام َة ٍ َ ومكوَّناتِها ،وألَنَّ الشِّ ع َر ُفاجئًا، الذَّ اتيُّ الذي يجبُ أَن يَخر َج مُدهِ شً ا ،وم ِ طير يطي ُر ضحلِ ال��م��اءِ ،فيهِ السِّ باح ُة مث َل ٍ ناقد، قارئ ،أَو ٍ ال أَن يكو َن مُتو َّقعًا من متلقٍّ ،أَو ٍ في فضائِه ،بلِ الشِّ عرُ /القصيدةُ مجهوالتٌ أَو أَيِّ مهت ٍّم بالشِّ عرِ . تتوَالى فجائ َّيةً ،تتَّس ُع وتضيقُ ،تعل ُو وتهبطُ ، لحظة وأ ُخرى ،تكت ُم ٍ تكو ُن أ ُفق َّي ًة وعمود َّي ًة بين عر الش ِ اللُّغةُ في ِّ القلب، ِ ��ات ��اس ،وت��زي�� ُد م��ن ِإي��ق��اعِ ض��رب ِ األَن��ف َ ��وت الستخراجِ < ق��ص��ي��دة ال��ت��ف��اص��ي��ل أو االح��ت��ف��ال باليومي ك�� َأ َّن��ه��ا ال�� ُّدخ��و ُل ف��ي رح���مِ ال��م ِ وال��م��ع��ي��ش ف��ي ج��غ��راف��ي��ات ال��م��ت��ن الشعري شهاد ِة وِ الدةٍ . المغربي المعاصر ،هل أعطته بُعْ دً ا جمال ّيًا له هذا؟ َأنَّى ُ آخر ِخصبًا وخالقً ا في ٍآن؟ < القصيدة رسالة مفتوحة للعالم ،وأنت تكتب هل تُفكر في القارئ؟ > ألَنَّ القصيدةَ كما وصفتَها أَنتَ ،وألَنَّ الشَّ اع َر مجهولة وبال ٍ آن���ا َء كتابتِها ي��ك��و ُن ف��ي ع��وال�� َم بالقارئ ،وأَنَّى ل ُه ِ وعيهِ ،ف ِإنَّه بال َّتأْكيدِ ال يف ِّك ُر
92
اجلوبة -ربيع 1431هـ
> ه�����ذ ِه ال���ق���ص���ي���دةُ ت����راوح����تْ ب���ي��� َن الشِّ عريِّ وال�ل�اَّ ش���ع���ريِّ ؛ ث��مَّ��ة مَ���ن ك��ت�� َب��ه��ا ب��لُ��غ��ةِ الشِّ عرِ نعرف ،وآخ��رو َن ك َأنَّها نسخٌ ،أَو تصوي ٌر ُ التي بكلمات ،معتمدًا على حاسَّ ةِ ٍ (ف��وت��غ��راف��يٌّ ) الرُّؤيةِ فقط ،لذَا جاءتْ كالمًا عاد ّيًا ،مباشَ رًا،
تدوين للمشاعرِ ،وهذا ال ٍ أَحيانًا تجدُها مج َّر َد «ليس مسأَل َة َ َيضا ،صف َة الشِّ عرِ ،ألَ َّن ُه يُعطيها ،أ ً لغة .الشِّ ع ُر لغ ٌة تخل ُق مشاعر ،بل ه َو مسأَل ُة ٍ ٍ المشاعرَ» (أَمبرتو إِيكو).
ِإذًا ،ال��لُّ��غ�� ُة ال��شِّ ��ع��ر َّي�� ُة ي��ج��بُ أَ ْن ال تُ��ن�� َف��ى م َن القصيد ِة مهمَا كانت موضوع ُة القصيدةِ ،وإ َّال ما الفار ُق الجوهريُّ بينَها وغيرِ ها من فنونِ ال��ك��ت��اب��ةِ ؟! ك��ذل��كَ ال��ح��الُ /ال��ف��ار ُق بي َن كتابةِ الشِّ عرِ ونظمِ ه.
تجدُني ،هنَا ،أ ُر ِّك ُز على اللُّغةِ في الشِّ عرِ ،ألَنَّ «الشِّ ع َر لغ ٌة في أَزهَ ى صورِ ها .الشِّ ع ُر حليبُ نهدِ اللُّغةِ » (روبرت كراوفورد).
نسان ِ نسان إِ لى اإلِ ِ رسالة من اإلِ ٌ
لهذَا؛ أَرى أَنَّ حرك َة الشِّ عرِ في الخليجِ (نقو ُل مفصول ًة عن حركةِ ُ الخلي َج م��ج��ازًا) ،لَيستْ الشِّ عرِ العربيِّ في مَغربِه ومَشرقِ ه ،وبالتَّالي عن حركةِ الشِّ عرِ العالميِّ أَ َّوالً ،وثانيًا رأَيتُ ، وأَرى ،أَنَّ هذ ِه الحركةَ ،قَوالً وفِ عالً ،قد تطوَّرتْ حداث ًة بما يتساو ُق والحرك ُة الشِّ عر َّي ُة العالم َّيةُ، ض���رورة التَّجديدِ النَّابعِ من كتابةِ من حيثُ َ ات م�� َن ال��دَّ اخ��لِ ،وكتابةِ الخارجِ ، ات ب��ال��ذَّ ِ ال���ذَّ ِ نفسها ،تحقيقًا لمقولةِ ات ِ ��ض��ا ،م��ن ال����ذَّ ِ أَي ً (تشيسالف مييوش)« :الشِّ ع ُر قِ سم ٌة بي َن ما أَنتَ تعرِ ف ُه وما أَنتَ ِإيَّاهُ» ،ألَنَّ هذ ِه الكتاب َة هيَ وصوالً إِلى أَح ِّقيَّةِ األَصد ُق واألَجم ُل واألَنقىُ ، الحقيقةِ العادلةِ الجميلةِ .
م������������������واج������������������ه������������������ات
سرد ،ال يفت ُح مخ ِبرًا ،وهذا ما يجعل ُها مج َّر َد ٍ ُفق لل َّتأْويلِ ،ألَنَّها ال تفع ُل أَكث َر من أَن تُعِ ي ُد أَيَّ أ ٍ لكَ ما رأْت ُه عينٌ ،وسجَّ لت ُه ي ٌد على الورقِ .
َضا ُمنِيٍّ عَ الِي الْقِ يمَةِ ،بِطَ رِ يق ٍَة تَمْزِ ُج َاخلِيٍّ ت َ د ِ ْضوعِ يِّ ،وَالشُّ مُولِيِّ ،أَ ْكثَ َر مِ ْن بَيْ َن الذَّ اتِيِّ ،وَال َمو ُ ِصادِ يَّةِ ،عَ ل َى أَهَ مِ يَّةِ َات اال ْقت َ َات ال ُمنْتَ َدي ِ ُك ِّل َقرَار ِ وص َّي ِتهَا». ص ِ َّاهنَةِ وَخُ ُ ِصادِ يَّةِ الر ِ اللَّحْ ظَ ةِ اال ْقت َ
موصولة ومستقل ٌَّة بذاتِ ها في ٍآن ٌ شجرةٌ
< ح��رك��ة ال��ش��ع��ر ال��ع��رب��ي ف��ي ال��خ��ل��ي��ج ،ه��ل هي ام���ت���داد ل��ل��ح��رك��ات ال��ش��ع��ري��ة ال��ع��ال��م��ي��ة بما < قصيدة النثر قصيدة مشاكسة ومشاغبة، فيها المشرقية والمغربية وغيرها ،أم نحتت سببت ف��ي ح���روب إب��داع��ي��ة جميلة متعددة، ل��ن��ف��س��ه��ا خ��ري��ط��ة ش��ع��ري��ة م��غ��اي��رة احتفت بين م��ا ه��و مناصر وم��ع��ارض ومتفرج ،كيف بالعالم الجواني للذات الشاعرة ومعطيات تنظرون لهذه الحروب اإلبداعية الفاتنة بين الخارج؟ إثبات الشرعية وجدل األسئلة غالبًا ما يُتخذ كتاب س��وزان برنار (قصيدة النثر من بودلير > ال يَنتمِ ي الشِّ ع ُر (وال يَقبلُ) ،وك��اف َُّ��ة الفُنونِ إلى اآلن) كمرجع ثابت مقدس ،أال ترى بأن اإلِبداعيَّةِ ،إِلى جَ غرافيَا ،أَو ِجنسي ٍَّة ،أَو َقبَلي ٍَّة.. المهم ه��و البحث ع��ن خصوصيات قصيدة ال��خ ،ألَنَّ�� ُه رِ س��ال�� ٌة م�� َن الشَّ اعرِ ا ِإلن��س��انِ (دو َن النثر العربية وآفاق اشتغالها ،ورؤيتها للذات ومكان) إِلى اإلِنسانِ في ك ِّل العالَمِ . ٍ زمان ٍ واإلن��س��ان والعالم ،أي في عالقتها بالعوالم ُحاضرةٍ عنوانُها دراسة /م َ ٍ لقد كنتُ كتبتُ في ال��ج��وان��ي��ة ل��ل��م��ب��دع ،وس���ر ان��ت��ش��اره��ا السريع َصفِ هِ الحضارات»« :الشِّ ْع ُر ِبو ْ ِ لحوار بي َن ٍ «الشِّ ع ُر والفادح؟ رِ سَ الَ ًة َك ْو ِن َّي ًة تُ َؤ ِّك ُد عَ ل َى اللَّ ْهفَةِ الشَّ امِ ل َةِ َ ،وتُسَ هِ ُم َات > أَبدأ ُ من االسمِ الذي أ ُط ِل َق عل َيها وه َو «قصيدةُ ِصالِحِ تَشَ ابُك ِ َاصلِ الْعَالَمِ يِّ ل َ فِ ي ِصيَاغَ ةِ ال َّتو ُ النَّثرِ » ،والحقيق ُة التي رَآها صديقي الشَّ اع ُر اللَّحْ ظَ ةِ َ ،فق َِصي َدةٌ لِشَ اعِ ٍر مِ �� ْن أَيِّ جُ ��زْءٍ فِ ي وال��� َّن���اق��� ُد ش��رب��ل داغ����ر (ال�����ذي ق�����دَّ َم كتابَنا الْ��كَ��وْنِ ،تُ��حَ ��رِّكُ مَشَ اعِ َر الْبَشَ رِ ك َِجسْ رِ ِحو ٍَار
اجلوبة -ربيع 1431هـ 93
«ا ِإلش���راق��� ُة ال��مُ��ج�� َّن��حَ ��ة») ،إنَّ ترجم َة االس��مِ عن الفرنسيَّةِ ، باعتبارِ مَصدرِ ها هناكَ ،هو «القصيدةُ بالنَّثرِ » .لقد قرأْتُ ��االت التي ال��ك��ث��ي�� َر ع��ن ال��سِّ ��ج ِ دارتْ ب��ي�� َن ال��شُّ ��ع��راءِ وال ُّنقَّادِ وغيرِ هم ،و ِإ ْن أ ُلخِّ صها ،ف ِإنَّني �ل�اف على أُل��خِّ ��ص��ه��ا ب���االخ���ت ِ التَّسميةِ /المصطلحِ .
َّات وقصيد ِة التَّفعيلةِ في األَربعيني ِ (ربَّما قَبل) م َن القرنِ العِ شرين. ِإذًا هيَ ليستْ نسي ُج نَف ِْسها ،ب ْل ه���يَ تَ���ح��� ُّررٌ /ت��ط�� ُّو ٌر طبيعيٌّ كما كائن حيٍّ . يحدثُ ألَيِّ ٍ ِإنَّني ال أَعتق ُد أَنَّ القصيدةَ بالنَّثرِ هي نبت ُة ظلٍّ ،بل هيَ شجرةٌ موصول ٌة ومستقلَّ ٌة بذاتِها في ٍآن، نبتتْ م��ن ب���ذر ِة ت��ج��دي ٍ��د إِيقاعيٍّ ��داع؛ أَيْ أَنَّها ال تعتم ُد وحداثةِ ِإب ٍ على بحورِ الشِّ عرِ ؛ عرب َّي ًة كانت أَ ْم غرب َّيةً ،بل تعتم ُد أَ َّوالً على إِيقاعِ اللُّغةِ ،وم��ا ن��راهُ من الك ِّم الكبيرِ م�� َن استسهالِها ل���دَى الكثيرينَ، خصوصا في المواقعِ اإلِلكترونيَّةِ ، ً ��ط ب��ي��نَ��ه��ا وب��ي�� َن الخاطر ِة وال��خ��ل ِ بسبب عدمِ وجودِ ِ النَّثريَّةِ مثالً ،هو َصيلة ل��دَى كاتبِها يُدرِ كُ موهبة أ ٍ ٍ بها اإلِيقا َع اللُّغويَّ الَّذي هو بنيتُها الحواس، ِّ األُولى ،إِضاف ًة إِلى أَنَّ لُغتَها هي لغ ُة ال الوصفُ المباشَ ُر الحكائيُّ ،ك َ��أنَّ الشَّ اع َر تصوير بدالً ٍ الَّذي ال يُدرِ كُ ماهيَّتها يمسكُ آل َة وليس قلمًا .هذا َ ريشة ،وأَعني ريش ًة فعالً، ٍ من بحاجة ٍ مختص ٌر سريعٌ ،ألَنَّ السُّ ؤالَ /الموضو َع بكثير. ٍ إِلى أَكثر م ْن هذا
أَل����� ْم تَ���نْ���ت���هِ ت��ل��كَ السِّ جاالتُ (ال���خ���ص���وم���اتُ /ال��� َّت���اف���راتُ / ال�� َّت��ق��ارب��اتُ /التَّباعداتُ )../ ب���ع���دُ ،ح��تَّ��ى وإِن ه���يَ أَنيق ٌة َّات تُظهِ ُر ك��مَ��ا ت��ص��ف�� ُه��ا؟ م�����ر ٍ هالة من األَناق ُة شراستَها مع ٍ الكبرياءِ ،فَتسُ وقُنا إِلى بشاعةِ ُجدية ،إِن اللَّهوِ بمسائ َل غيرِ م ٍ ل ْم تك ْن مُجدِ ب ًة أَصالً!
ثمَّة مَن ادَّعى أَنَّ القصيدةَ بالنَّثرِ ع��رب�� َّي�� ُة المنشأِ ،وأَور َد أَنَّ ك��ت��ابَ أَب��ي حيَّان التَّوحيدي «ا ِإلش����اراتُ ا ِإلل��ه�� َّي��ةُ» ه��و قصائ ُد بالنَّثرِ .ال يَعنيني مكا َن والدتِها وال أَعتق ُد أَ َّن ُه يَعنيها ،فهي كرَّستْ هُويَّتها في العالمِ .
بالضرور ِة أَن نظلَّ نبحثُ عن شهاد ِة والدةٍ هل َّ للشَّ يءِ كيْ نُثبِتَ وجو َدهُ رغ َم أَنَّنا نراهُ حقيقةً؟ اعر الش ِ الوفاء ونرجسيَّ ِة َّ ِ بين َ سيصل ُنا (في مسأَلةِ القصيد ِة بالنَّثرِ ِ ث َّم َة عق ٌم قد َ وصل َنا) قب َل أَن نص َل ِإل��ي��هِ .ه�� َو أَرا َد أَن < كتاب (مرايا الصهيل األزرق -رؤي��ة .قراءات. عبث الجدالِ ،لكنَّ فينَا ما يزا ُل يُريحنَا من ِ حوارات) الذي صدر لك مؤخرً ا ،هل هو توثيق يص ُّر على مقارعةِ هواءِ الطَّ واحينِ ! لذاكرة الشعر واللغة ضد كل أشكال المحو والنسيان ،أم غبطة جمع أنفاس الروح والحلم القصيدةُ بالنَّثرِ َولِدتْ مع شرع َّيتِها كمَا يولَ ُد والكتابة بين دفتي كتاب؟ كائن ،ألَ َّن ُه «الَ شي َء يأْتي من الَ شيء» كائ ٌن من ٍ
(شكسبير) ،وتمامًا كمَا تمَّتْ والدةُ القصيد ِة > ألَنِّي أ ُحبُّ الوفا َء كثيرًا ،وألَنِّي رأَيتُ أَن أَجم َع العموديَّةِ قب َل أَكثر من أَل ٍ��ف وسبعمائةِ سَ نة، ���وارات المُنتشر ِة في ِ ��راءات وال���ح ِ ش��ت��اتَ ال��ق
94
اجلوبة -ربيع 1431هـ
هل أَك��و ُن وقِ حً ا حي َن أَق��ولُ :ل ْم أَحص ْل طوا َل مَسيرتي الشِّ عريَّةِ ،الَّتي تجاو َز عمرُها خمسً ا تقدير ٍ وثالثي َن سنةً ،على أَيَّةِ جائزةٍ مثالً ،أَو وتكريم ما ِّد َّييْنِ ؟ بل ما زلتُ أَطب ُع كُتبِي على ٍ حساب عا ِئل َتي ،من شدَّ ِة ِ الخاصةِ وعلى َّ نَفَقتي إِخالصي وجُ نوني ،وأ ُوزِّعها بيديَّ مجَّ انًا! ���اب التَّوثيقِ ، ب�� ِإم��ك��ان��كَ أَن ت��ق��ولَِ :إ َّن���� ُه م��ن ب ِ الضياعِ ،أَوِ اإلِهمالِ ،أَوِ للشِّ عرِ والشَّ اعرِ ،ضدَّ َّ النِّسيانِ ..وبإِمكانكَ أَن تقولَِ :إ َّن ُ��ه شيءٌ من نرجسيَّةِ الشَّ اعرِ .
بعد» يجئ ُ ْ لموت لمْ ٍ «شكرً ا
م������������������واج������������������ه������������������ات
ٍ أَك��ث�� َر من صحيفة ومجل ٍَّة وم��وق ٍ��ع إِلكترونيِّ ، حيثُ أَت��وقَّ�� ُع أَن الَ أَج�� َد أَح��دًا سيجمعُها في كتاب ال��مُ��س��ت��ق��ب��لِ ،ل����ذَا ق�����رَّرتُ ج��م�� َع��ه��ا ف��ي ٍ تقدير) لي ،كمَا ٍ خاصِ .إنَّني أَعتبرهُ (شهادةَ ٍّ َّص -قراءةٌ اعتبرتُ كُتبًا سابقةً« :مراتبُ الن ِّ ف��ي س��ي��ر ِة محمَّد حلمي ال�� ِّري��ش��ة الشِّ عريَّةِ » للشَّ اعرِ والنَّاقدِ ا َّل��راح��لِ مب ِّكرًا ع�لاَء الدِّين «ضفاف األُنثى :سطوةُ اللَّحظةِ ُ كا ِتبَة ،وكتاب ��ص -م��ق��ارب��اتٌ ف��ي شعرِ محمَّد ��وس ال�� َّن ِّ وط��ق ُ حلمي الرِّيشة» للنَّاقدِ د .إِبراهيم حسَّ ونة.
داخ���ل���ي ،لِما ك���ا َن ه���ذَا ه��اج��سً ��ا ُم��ق��ي��مً��ا ف��ي ِ ��وات ،ل��درج��ةِ أَنَّني قب َل األَرب��ع��ي�� َن ببضعةِ س��ن ٍ صديقي ن��س��ي��ت�� ُه ن��ه��ائ�� ًّي��اِ ،إل����ى أَن ف��اج�� َأن��ي َ (باسم النَّبريص -أَطلقتُ عليهِ لقبَ ِ الشَّ اع ُر بسبب أَشعارِ ه الفكريَّةِ ِ «المُعرِّي الفلسطينيِّ !» التَّشاؤميَّةِ ) بقصيدةٍ من ُه مُ��ه��داةٍ لي بِعنوان تخف» ،فذكَّرني بذاكَ ْ «األَربعون ..خُ ذْها والَ الهاجس (مَوتي في األَرب��ع��ي��ن) ،فاتَّصلتُ بهِ ِ شاكرًا بع َد اسْ تالمِ ي لقصيدتهِ ،وقا َل لي :إِنَّ (نص األَربعينَ)، من عاد ِة الشُّ عراءِ أَن يكتُبوا َّ الهاتف ،وضحكنَا معًا ِ ث َّم قرأَها بصوتهِ على الموت! ِ ض ِحكنا على بعدَها ،ك َأنَّنا َ بع َد فترةٍ قصيرةٍ من بُلوغي األَربعينَ ،وَجدتُني نصا شعر ّيًا حم َل عنوا َن «شكرًا فج َأ ًة أَكتبُ ًّ لموت ل ْم يَجئْ بعدُ!» ٍ موت هل ما زلتَ تري ُد منِّي تفسيرًا لظاهر ِة ِ الشُّ عراءِ المُب ِّكرْ؟! ل ْن أَبخ َل عليكَ لَو عَ رفتهُ!
الموت أَن ينتظرَ ِ علَى < أخيرً ا ..هل تخاف من الموت؟
الخوف ُ يوم ما منهُ .ل َم َخف في ٍ > ال ..ال ..ل ْم أ ْ < في الذاكرة الشعرية العالمية والكونية يموت حقيقة نعرِ فُها وتُدرِ كُنا؟ ٍ من الشعراء باكرً ا أمثال :رامبو ،فروخ فرخزاد ،أبو بالقلب ِ بت المرض بع َد أَن أ ُِص ِ ُ القاسم الشابي ..الخ ،مقارنة مع كتاب القصة ما يُقلِقني ه َو مرض الشُّ عراءِ ) ،ألَنَّني أَخشى من ُه ُ (يُقا ُل ِإ َّن ُه والرواية ..ما تفسيرك في ذلك؟ على تعطيلِ حيَاتي ،أَو جَ ْعلِها بطيئةً ،وأَنا ما قصير من ِبدَاياتي ٍ مشوار ٍ > كنتُ شعرتُ ،بع َد كثير كيْ أ ُنج َز الكثي َر م َن وقت ٍ بحاجة إِلى ٍ ٍ زلتُ بالموت المُبكِّرِ ،بع َد أَن ق��رأْتُ عن ِ الشِّ عريَّةِ ، األَشياءِ ما زالتْ بانتظارِ تفرُّغي لَها. بعض من هؤالءِ الشُّ عراءِ وغيرِ هم ،وانْتابَتْني ٍ ْكيد أَ َّن��ن��ي س�� َأم��وتُ حي َن أَنا أَتوقَّع ُه دائمًا ،لكنَّني الَ أَنتظرهُ ،والَ أ ُف ِّك ُر وش��ب�� ُه تأ ٍ ح��ال�� ُة َق��ل ٍ��ق ِ فيهِ ،كيْ ال يُربِكَ انتظارِ ي ل ُه وتَفكيري فيهِ ،ما بل ُوغي األَرب��ع��ي�� َن من العمرِ إِذا ظَ لَل ْتُ أَكتبُ تبقَّى لي من عُمري. الشِّ عرَ! * شاعر وناقد من المغرب
اجلوبة -ربيع 1431هـ 95
القاصة شيمة الشمري.. الكتابة «جنون دائم»..
القصة القصيرة جدا يكتبها الكثير وال يتقنها إال القليل
> حاورها :عبدالله املتقي
شيمة الشمري ..قاصة سعودية متميزة ،ذات حضور مائز في الدوريات والمحافل القصصية ،استطاعت أن تلفت إليها أقالم النقاد وانتباه القراء بمشروعها القصصي منذ وقت ليس بالقصير ،مبدعة موغلة في إنسانيتها ،وتعمل بدأب متواصل على أن تتفرد في كتاباتها وتوجد لها مكانا ذا مالمح ال تشبه سوى قصصها الرشيقة. في هذا الحوار ،وبمناسبة ،صدور باكورتها القصصية التي ارتأت أن تعنونها ب (ربما غدا) ،حاولنا أن نغوص بأسئلتنا في أعماق تجربتها اإلبداعية ،والتي لن تكون إال عتبة دخول إلى بيت شهرزاد السعودية. < ما الذي يحفزك ويدفعك إلى الكتابة؟
انتقادات من معلماتي ب��أن ه��ذه ليست
> غالبا األمل ،ودائما األلم..
قصة!! ومع ذلك كتبت وكتبت..
< من أين جاءتك القصة القصيرة جدا < ،هل في توجهك نحو القصة القصيرة ج�����دا إح����س����اس ب���ق���رب أج�����ل القصة وكيف كان لقاؤكما األول؟ القصيرة؟ > ال��ق��ص��ة ..كتبتها م��ن��ذ ع��ش��ر سنوات، (ك��ي��ف؟) ،خربشات طالبة على كراسة > ال .القصة القصيرة جميلة ولها عشاقها مدرسية ،كنت فقط أكتب دون تحديد جنس معين لنوع كتاباتي ..كنت أصنفها
ومضة خاطرة قصصية ..كانت توجه لي
96
اجلوبة -ربيع 1431هـ
وأن���ا منهم ،وق���رب األج���ل ليس للقصة
القصيرة .بل للكتاب « المزيفين « فهم م��ن ت��دن��و آج��ال��ه��م!! أم���ا األدب ،ومنه
< هل يسعف بوحك حجم هذه القصة القصيرة > ألست امرأة؟ هذا طبيعي.. جدا؟ > إن شاء الله وأكثر.. < يحضرني تعريف طريف للقصة القصيرة جدا والذي يقول «القصة ق .جدا مظلة في قبر» ،وشيمة ماذا تعني لها ال (ق .ق .ج)؟ > ال أظ��ن المظلة ف��ي القبر ذات شفاعة أو منفعة ،فالعتمة ال تحتاج إلى مظالت!!
القصة القصيرة ج��داً عالم كبير ،ودالالت أكبر ،وق��راء أكثر ،نحتاجها ..فهي جرعات
صغيرة ألم��راض مستعصية ..هي متنفس، أكسجين ،انطالق ،عشق يدوم.
< ه��ل ي��ح��دث لشيمة أن ت��ري��د قصة فتتمنع ع��ن��ه��ا؟ وب��ال��م��ن��اس��ب��ة ،حدثينا ع��ن مخاض الكتابة ووجعها؟ > نعم .أحيانا تأتي الفكرة ,وتستعصي الكتابة بالشكل الذي أريده ..أكون كما قلت أنت في حالة مخاض ..توتر ..ال أهدأ إال بالكتابة، وق����د ت��ت��ع��س��ر والدة ال��ق��ص��ة ،وق����د يستمر
المخاض طويال ..بعض القصص بدأتها منذ
أشهر ولم أكملها حتى اآلن!
< «ربما غدا» ،كيف كان اختيارك لهذا العنوان؟ وماذا يعني لك؟ > ربما غدا هو عنوان إلحدى قصصي ،واخترته عنوانا للمجموعة لما له من دالالت في بطن
الكاتب.
< الحظنا احتفاء قويا بالمرأة في قصصك،
أنا امرأة من مجتمع محافظ جدا ،قلمي ال يعبر عني فقط ..بل عن بنات مجتمعي,وأرى
أن األدب إن لم يخدم ويعبر عن قضية ما، أو يعكس فكرا ما ؛ فال ج��دوى منه! ينسى
م������������������واج������������������ه������������������ات
القص فهو باق ما بقي الكاتب الجاد المبدع..
كيف تقرئين هذا االحتفاء؟
بمجرد رفع العين عنه.
< وصورة الرجل في قصصك توحي باأللم ،كما توحي بإعادة تشكيل هذه الصورة لتستقيم الحياة؟ > أكتفي بجملة واح��دة «ال حياة بدون الرجل» أما استقامة الحياة فهي ره ٌن بكليهما.
< ي���رش���ح س������ردك ب���ش���ع���ري���ة ،ه����ل ه����و شغف بالقصيدة ،أم وعي بانهيار الحدود الجمركية بين الشعر والقصة؟ > س���ؤال ج��م��ي��ل ..كتبت ال��خ��واط��ر الشعرية، والرسالة ،والمقالة ،وقصيدة النثر وال تنس
أن دراس��ت��ي األكاديمية ف��ي الشعر ،وقراءة الشعر عشقي منذ الصغر ،ل��ذا ربما باتت
ال��ح��دود واهنة ل��دي .وم��ع ه��ذا تبقى هناك ف��روق بين فن وف��ن ول��ون ول��ون ،أم��ا شعرية
ال��ق��ص��ة وال��ق��ص��ة ال��ش��ع��ري��ة ف��ه��ي ل��ذي��ذة إن
وجدت دون تكلف.
< ما سر ازدياد عدد أفواج كتاب القصة القصيرة جدا الذين يفتقرون إلى الموهبة والكفاءة؟ > الحظت هذه الظاهرة كثيرا في «النت» ،هم يستسهلون هذا النوع من الكتابة ،لكنهم حتما سيسقطون ..وسريعا ،فغالبا البقاء لألفضل!
ولعلي أجد أنها مهمة كبار الكتاب واألدباء
اجلوبة -ربيع 1431هـ 97
والنقاد بحيث يعرون هؤالء ،فإما أن يصقلوا مواهبهم -إن وجدت -أو ليغادروا هذا الفن
الجميل من دون أن يشوهوه..
فالقصة القصيرة جدا يكتبها الكثير وال يتقنها
إال القليل ،حتى أن هناك كتّابا وروائيين كباراً اقتحموا هذا القص القصير جدا ,فمنهم من
نجح ومنهم من فشل فشال ذريعا.
< ما ال��ذي تنتظرينه من هذه المجموعة في المشهد الثقافي السعودي والعربي؟ > أن تقدمني لهم أكثر وأكثر.. < الطفولة ،القصيدة ،المرآة ،الحلم ،الغد ،ما الذي تثيره فيك هذه الكلمات؟ وما المعاني التي ولدتها فيك؟ > الطفولة :مستقبل أتمنى أن يكون مشرقا!
القصيدة :كذبة جميلة..
المرآة :صدق.
الحلم :حياة أخرى..
ط��ق��وس��ي م��ل��ون��ة وغ��ي��ر م��س��ت��ق��رة .فأجمل
القصص تلك التي كتبتها قبيل الفجر ،تطرأ الفكرة ث��م أصوغها ألج��د نفسي أقفز من السرير لتدوينها. < هل تعانين من الرقيب المرموز والواضح؟
الغد :مجهول ننتظره بشغف ،نتأمل به كثيرا > ،نعم ،لكني عنيدة..
مع أنه يحمل في جعبته النهاية ..ذات يوم..
< ه��ل أن��ت اآلن ف��ي ح��ال��ة صمت أم ف��ي حالة
< ما هي األسماء العربية والعالمية التي تربت
كتابة؟
عليها قصصك؟
> الكتابة «جنون دائم»..
> ق���رأت األدب ب��أن��واع��ه ،ك��ذل��ك ك��ت��ب الدين والتاريخ والفنون.
إبداعا حرا (قصة) ،أو مقيدا (بحثا) .
واألسماء التي قرأت لها كثيرة ,لكن قصصي < خ�لاص��ة ه���ذا ال���ح���وار ..م��ن أن����ت؟! إنسانة نتاج رؤية وبيئة وفكر خاص.
< ماهو طقسك الخاص في الكتابة؟
98
ال صمت اآلن ..ألن��ي أك��ت��ب باستمرار إما
اجلوبة -ربيع 1431هـ
ومبدعة ..أم ماذا؟ > أنت قلتها :إنسانة ومبدعة ..يكفيني هذا.
عصي عن التوصيف والتعريف وال ميكن للعبارة مهما الفن ّ ّ
م������������������واج������������������ه������������������ات
الفنانة التشكيلية مروة كريديه
عمقت أن حتيط به .وأجد نفسي عاجزة عن إعطاء أي توصيف له > حاورها محمد جنيم
ت���رى م����روة ك��ري��دي��ة أن ال��ف��ن عَ ���ص���يّ على التعريف ،وإنْ تجلى كمقاربة إبداعية لموسيقى الوجود ،فالفنون البصرية التشكيلية ،وغنائية ال��س��رد وال��ش��ع��ر ،ه��ي كشف ع��ن ينبوع المحبة والفطنة الكامن في اإلنسان وآنة تعكس كمال التناغم الالمتناهي بين اإلن��س��ان والحقيقة الواحدة المتجلية في كل تلك الكائنات ،وهي تلك اللحظة ال��ت��ي يحقق فيها ال��م��رء تمام «الوحدة» مع الوجود. في ه��ذا ال��ح��وار ..نلتقي مع الكاتبة والفنانة التشكيلية المعروفة م��روة كريدية التي تعد واح��دة من المهتمات بالقضايا اإلنسانية والالعنف ،حيث تطرح العالقات االجتماعية والسياسية من خالل رؤية وجودية ..تتجاوز االنقسامات اإلثنية والدينية والجغرافية .عملت في ميادين فكرية متنوعة ،ولها العديد من األعمال األدبية والفنية التشكيلية ،والخواطر الشعرية ،واألبحاث الميدانية في علم االجتماع السياسي .كما شاركت في أعمال حوار األديان والالهوت المقارن ،ونشطت في ميدان اإلعالم الثقافي. ولها العديد من األعمال المنشورة منها: أفكار متمردة -في الفكر والثقافة والسياسة. معابر الروح – ديوان شعري. مدائن الغربة – في الفنون التشكيلية. فكرٌ على ورق – في الفكر والسياسة. لوامع من بقايا الذاكرة – ديوان شعري. معها كان لنا هذا الحوار..
اجلوبة -ربيع 1431هـ 99
< ما هو الفنّ بالنسبة لك؟
مكونات الكون وكائناته.
> ال شك في أن تعريفات الفالسفة للفن كثيرة ، ففيما اعتبر هيغل أن «الفن هو مملكة الرائع».. نجد أن كروتشه قال «الفن حدس» ..ربما أجد نفسي عاجزة عن إعطاء أي توصيف له ،ألن الفنّ عصيّ عن التوصيف والتعريف ،وال يمكن للعبارة مهما عمقت أن تحيط به.
الفن بوصفه فعال هو غور ألعماقنا اإلنسانية.. وع��ود للذات إل��ى أصلها ،هي تلك اآلن��ة التي نتماهى فيها م��ع ذاك الالمتناهي «الغيب»، فالكون يمور في الكائنات ،وفينا نحن البشر، وهنا تكمن وحدة الكثرة ،وكثرة الواحد وتجلياته الالمتناهية!
<
>
< >
نجد لك أعماال شعرية وأخرى فنية تشكيلية < ،إذاً ..ه��ي عملية بحث ع��ن المجهول عبر بينما تمتهنين العمل في الميدان اإلعالمي، الريشة أو الكلمة؟ ففي أي مجال تجدين نفسك؟ أت���وق ت��وقً��ا أب��دي��ا ل��ل�� َّت��م��اهِ ��ي مَ���ع ذاك الغائب أنا مجرد «هاوية» وال أقدم نفسي من خالل أي المَجهول -بالنسبة لنا – وه��و معلوم على مسمى فني أو توصيفي أو تخصصي ..فالحالة الحقيقة ،فأبحث بالكلمة واللون عن الجمال الوجدانية الرائعة التي تنتاب المرء عند االبداع بالجمال ..وعن المحبة بالمحبة ،وعند الوقوع تتجاوز المسميات ،ومع تقدم خبرات اإلنسان ف��ي اآلن��ة الفنيّة تَتلون اللوحة م��ن تلقائها.. ف��ي ال��ح��ي��اة يشعر بضآلة إن��ت��اج��ه مهما بَلغ، وتنبعث الحروف ..وهي آنة غير منفصلة عن فينكفئ تلقائ ّيًا عن عالم اإلعالم المادي الذي الواقع أو معزولة عنه. يزعج فطرة وجدانه ،كما يربأ بنفسه عن زيف < ب��ال��ع��ودة إل���ى الكلمة ن��ج��د أن���ك تعتمدين «األلقاب» مهما كان مصدرها. الرمز ،وكأن القصيدة لغز مُ شَ فَّ ر ،فيما نجد إلى أي «المدارس الفنية» أعمالك التشكيلية أن لوحاتك واضحة الموضوع ،وعند مقارنة أقرب؟ مكنونات القصائد وموضوع اللوحات ..نجد تباينًا في المضامين ،كيف تفسرين ذلك؟ أع���ذرن���ي ...إن ق��ل��ت ل��ك أ ّن���ي ال أج��ي��د «فهم ال��م��دارس» ،وإن كنت احترمها وأق��دّر روائعها التي غالبًا ما تضيق بالمدرسة نفسها ..ألن العمل الفني الرائع يتجاوز التصنيف ..أسألك: هل يمكن أن نسأل عصفورًا يغرد عن نوع اللحن الذي يقدمه ،وعن مدرسته الموسيقية؟!
< إن كان مجرد تعبير ،فهل تعبّرين عن الجمَ ال بالرسم الفني أم عن الفن بالجمال؟ > الجمال ليس صورة مُتخيَّلة في األذهان نرغب في رؤيتها ،أو نعمل على صناعتها ،الجمال دائم الوجود ..نراه وإن أغمضنا عيوننا ،ونسمعه وإن أغلقنا آذاننا ..إنه الحياة بكل مكنوناتها ،والفن ال ينفصل عنه بحال من األح���والَ ،كمَا سائر 100اجلوبة -ربيع 1431هـ
رب��م��ا ف��ي دي���وان���ي األخ��ي��ر «ل���وام���ع م��ن بقايا ال��ذاك��رة» ..حاولت أن أكسر األل��ف��اظ لصالح كثافة المعنى ،فالرمز اللغوي وق���وام أداتها الفنية يكمن هنا ..لذلك فإن اللغة جاءت عابقة بالخمرة مجازية ومنتشية في آن َمعًا ،ألنها ممارسة ل «العود»...وهو تتالي الفناء والبقاء بإيقاع عبر عالقة مجازية بين الكائن والمكون، بين الوجود والصور ،بين ال��ذات والغيب ،بين الحاضر والغائب.. أم��ا معظم لوحاتي فَشكلت إف��ص��احً ��ا واضح المعالم غير مُشفرّ ..علمًا انَّ بعض أعمالي التشكيلية جاء مجر ّدًا ،حيث طُ وِ يَ الرسم لصالح
البعد الرمزي بالكامل ،و ُقدِّم «الالمرئي» ببعد غنوصيّ ،وبعضها تركز على محورية «البؤرة» بوصفها العين التي تشكل مركزية في األعمال البصرية.
م������������������واج������������������ه������������������ات
تمام االستغراق التأملي هو َوع��يّ كامل ،فإن كان الوَجْ د غير مرئي ..والعقل شاهد في عالم الحس ،ف��إن تمام الفن التأملي شهود الواقع ورؤية الموجود وتجاوزه إلى ما هو أبعد ،وهي لحظة يَقظة الوعي التي يتسامى بها االنسان قيد يكبله! لذلك ف��إن الفن والحرية عن ك�� ّل ٍ والجمال ثالوث ال يتجزأ!
أش��ي��ر هنا إل��ى أن التقنية المستخدمة في الرسم تختلف عن تلك المستخدمة في الكتابة، فألوان الرسام مهما تنوعت تبقى أقل اتساعً ا م��ن ح���دود الكلمة ال��ت��ي تتسع ل��رم��زي��ة عالية < كيف ه��ي عالقتك ب��أع��م��ال عمالقة الفن، جدًا. خصوصا وأنك أشرت في إحدى لوحاتك إلى ً أنك استوحيتها من أعمال مونيه ،أال يُ عد < هل يمكن أن نصف أعمالك الشعرية بأنها ذلك تكرارًا؟ ذات بعد صوفي أم سرياليّ بينما الرسم جاء واقعي ًا أو انطباعياً؟ > ال أكترث بالمسميات سواء كانت «سريالية» أم «صوفية» ..سَ مّها ما شئت .فإن كانت اللحظة الصوفية فناء للذات عن ذاتها ،وإن كانت اآلنة السريالية تو ٌق لوعي يبحث؛ فإن كليهما يشكل تجليا لإلبداع وال مشاحَّ ة في االصطالح!
البعد «الصوفي» موجود في خواطري المكتوبة، ويتجلى من خ�لال نشوة الحرف التي تعكس نشوة التجربة الروحية ،والبعد «السريالي» أيضا عبر تمام حضور الوعي ..أليست موجود ً البصيرة وعيًا ق��ادرًا على االفصاع عن واقع موجود؟! < هل ترين أن الفن يترفع عن الواقع المادي نحو «الواقع المعنوي»؟
> ال أري���د أن أن��ف��ي ع��ن ع��ال��م ال��ف��ن الواقعية، وأرفعه عن فضاءات اإلدراك الحسي ،بل إن
> ل��وح��ات عمالقة ال��ف��ن ت��أس��رن��ي ،وأغ��ي��ب في عالمها ،وعندما أضمحل بها أجد رغبة عارمة في إعادة صياغتها على طريقتي ،أعشق لوحات «فان غوغ» والفنان العبقري «كلود مونيه» الرائع، وربما أول لوحة رسمتها استلهمتها من أعماله تلك المسماة «واتر ليلي بوند :بركة زنبق الماء» والتي رسمها عام 1899م ،فقد شكلّتها بتلقائية وشغف طفولي بالغ ..وكانت محاكاة مذهلة، ��ص��ا ،غير أني وإن ك��ان��ت ليست اب��داعً ��ا خ��ال ً قدمتها بروحيّة تنزاح بالناظر إلى ب ٍُعد جديد ال تقف عند تخوم األلوان وأبعادها ..بل تالمس حدود الموضوع أيضا.
أقول لك أمرًا قد ال أبالغ فيه :إن الفن حالة بَنََتْ آنتها وبيئتها وظروفها وعواملها المادية والوجدانية ،وتلك اآلنة ليست قابلة للتكرار أب����دًا ،إن ال��ف��ن��ان ال يستطيع تقليد نفسه تقليدا ت��ا ّمً��ا وك��ام�لا ،ألنها حالة تتقلب مع
اجلوبة -ربيع 1431هـ 101
تعدد األنفاس ،فحتى لو أعاد رسم اللوحة ذاتها التي رسمها بنفسه ..فإنها ستكون مختلف ًة ألن لحظتها الفنية مغايرة.
فيروز قد تكرر الجملة أكثر من م��رة أثناء أدائها الغنائي ال����رائ����ع ،وك���ذل���ك أم كلثوم، بإيقاع قولي ٍ بيد أنّها تقدمه مختلف..نعم ،يُمكن للفنان أن يعيد إنتاج َفنِّه إل��ى ما ال نهاية ..ألن الفنان سيعيد اإلنتاج بتنوع كبير؛ إن متذوقي الفنون الراقية ال يَمَّلون من تكرار االستماع إلى موسيقى «ياني» أو «بيتهوفن»!
< ه��ل م��ن تحضيرات معينة تتخذينها عند الكتابة أو الرسم؟ > االب���داع بالريشة أو بالقلم أو بغيرهما من الوسائل الالمتناهية في عالمنا البديع ،هو كنسمة الهواء التي تدخل بتلقائية عند فتح النافذة ،فاإلنسان ال يفعل أكثر من أن يترك األمور تتحرك ببراءة وعفوية ال ح ّد لها!
لذلك فإني اآلن ال أتعمد اتخاذ وضعية معينة للرسم أو الكتابة أو التحضير لها ،وإن كنت أحرص على أن أكون بكامل «أناقتي الروحية» وجهوزيتي الوجدانية ..هي لحظة نور أشعر أن أن��ام��ل��ي تنساب فيها ب��ش��غ��ف ..وأحيانا أخرى أنقطع عن الرسم ،فأجد الرغبة في تَدوين خواطر ..فتتناثر الكلمات بتدفق..
كما أشرت لك في بداية اللقاء ربّما يبدو إيقاع حياتي شديد التنظيم ..بيد أنه نظام «غير مُفتعل» ..إنه كالنهر ينساب بين الشجر ..فال الماء يستأذن الحصى وال الريح تستجدي المطر ..أمور يومي تم ّر بانسيابية وتلقائية وعفوية بكل فصوله ..شتائه وصيفه ،حلوه
102اجلوبة -ربيع 1431هـ
ومره! إنه تناغم غير منفصل مع الكون والمكون ،إن��ه التوحد مع الكثير الالمتناهي. < م���ت���ى ت���وص���ل���ت إل������ى ه���ذه «القناعة» او إلى هذه الحالة؟ > إن الحياة «المدنية» العنيفة والعوامل «التربوية» اإلشراطية ح��و ّل��ت ح��ي��اة البشر إل��ى كابوس حقيقي تقودهم فيها إلى النزاع، وب��م��ا أ ّن����ي اب��ن��ة ه���ذا «المجتمع الكابوسي» فقد وجدت نفسي مثل «برغي» عنيفة غبية ،استيقظ منزعجة ٍ آلة يدور في ٍ على جرس يخترق أذني ..ألجد في مفكرتي قائمة طويلة جدا من «المهمات» التي ينبغي علي إنجازها بدقة متناهية ..وبسرعة فائقة، وَأني أمام «واجبات غبية» ينبغي عليَّ إتمامها ك��ي أح��ظ��ى «ب��ت��ق��دي��ر اآلخ����ري����ن» ،..لينتهي «م��ارات��ون��ي» اليومي بعد ط��ول رك��ض وعناء منهارة أمام شاشة إلكترونية ...إنها مسرحية حمقَاء! ومع تنامي الخبرات الروحية والنفسية ،ومنذ عدّة سنوات قررت أن أغادر عالم «المهمات» و«اإلن�����ج�����ازات» و«ال���وظ���ائ���ف» و«األل���ق���اب» و«مهرجانات الرياء» ..إلى غير رجعة! فخلعت تفاهة أفكاري ،وحررت نفسي من أسر كل ما من شأنه أن يعيق إشراقتي الروحيّة ،فانجلى أمامي مفهوم الزمن ..فتبرأت منه .فالماضي ليس سوى ذك��رى الحاضر ..وما المستقبل س��وى حاضر منقوص ...فقررت ان أعانق ح��اض��ري ..واستغرق في آنتي بتأمل كبير، فخيم الهدوء والسكينة والجمال واالحساس الرائع بالمحبة... نعم ،عندما تُنَحِّ ي الزَّمن عن ذهنك تالمس ك ّل ما هو الزمني!
ن����������������������������������واف����������������������������������ذ
أدب تفاعلي أم أدب تشعبي؟! > هويدا صالح*
في ظل العولمة ،وانتشار أفكار ما بعد الحداثة ،ولهاث األمم والشعوب للحاق بركب التقنية الحديثة وتجلياتها في السياسة واالقتصاد والعلوم واألدب ،وج��ب علينا أن نعيد البحث من جديد عن وج��ودن��ا الفاعل المتواصل، حتى ال تفوتنا هذه الطفرة التكنولوجية ونبقى شبيهين بالديناصورات في عصر ال ينتظر فيه أحد. علينا كي نكون فاعلين في عصر عولمي مثل هذا ،وآفاق مفتوحة طول الوقت على كل االحتماالت ،أن نتفاعل مع التقنيات الحديثة وتجلياتها، وثوراتها الرقمية واإللكترونية. ل��و أننا عرفنا كيف نستفيد م��ن هذه الثورة بشكل صحيح ،الستطعنا أن نقيم جسرا من التفاعل مع القارئ ،ونحول ذلك ال��وج��ود االف��ت��راض��ي ال���ذي يغلف تفاعل اإلنترنت ،إلى وجود يبدو تفاعليا وداال.. من خالل هذه الجسور السرية التي تمدها الشبكة العنكبوتية. وبما أننا في لحظات حرجة من تاريخ البشرية ،فعلينا أن ن��درك كنه االستفادة من الثورة التقنية ،من أجل إعادة صياغة
دورنا كمجتمع شرقي ،كان لنا دور فاعل في صياغة ثقافة البشرية في فترات ماضية، ولن نتمكن من أخذ موقعنا الحقيقي في عالم اليوم ،إال إذا عرفنا كيف نفيد من العلوم والتكنولوجيا الحديثة إفادة جادة، تنبني على فهم عميق لما تحدثه هذه الثورة التي ال شك أنها تتجاوز بمراحل ه��ذا التبسيط المتصور على اعتبار أنه واقع افتراضي فقط. خاصا بالنخبة، ًّ إن األدب لم يعد ف ّنًا
اجلوبة -ربيع 1431هـ 103
أو ه��ؤالء الذين يمكن أن نطلق عليهم مثقفي األنتلجنسيا ،بل أصبح لسانًا معبرًا عن حال المجتمع ،وه��م��وم أف���راده ،ال��ذي��ن وج���دوا فيما متنفسا لهم ،يمكنهم ًّ تقدمه الثورة المعلوماتية، من خاللها أن يمارسوا رغبتهم في الكتابة ،دون أن يصطدموا بمعوقات النشر الورقي .ومن جهة أخرى ،تمكّن أولئك المتعاطين مع األدب كنشاط إنساني ،من التعبير عن أي موضوع يعنّ لهم، دون خشية مرور مقص رقيب عليه.
وقد عرف األدب الغربي نماذج مختلفة من (األدب التفاعلي) ،تنتمي ألجناس مختلفة ،منها (القصيدة التفاعلية ،)Interactive Poem -التي تنتمي إلى جنس (الشعر التفاعليInteractive - ،)Poetryوم��ن��ه��ا (ال��م��س��رح��ي��ة التفاعلية- ،)Interactive Dramaال��ت��ي تنتمي إل��ى جنس (ال��م��س��رح التفاعلي،)Interactive Theatre - إض��اف��ة إل��ى (ال��رواي��ة التفاعليةInteractive - .)Novelولكل جنس من هذه األجناس األدبية التفاعلية أع�ل�ام ن��ظّ ��روا ل��ه ،وأرس����وا أصوله، وأبدعوا نصوصه.
وق���د ش���اع ف��ي اآلون����ة األخ���ي���رة ب��ع��د الثورة التكنولوجية الهائلة مصطلح األدب التفاعلي ( ،)Interactive Literatureوخلط الناس بينه وبين النص المتشعب ( ..)Hypertextوفي الحقيقة إن نصا بال نصا مفتوحً اً ، األدب التفاعلي يقدّ م ً ح��دود ،إذ يمكن أن ينشئ المبدع ،أيًا كان نوع نصا ،ويلقي به في أحد المواقع على إبداعهً ، الشبكة ،وي��ت��رك ل��ل��ق��رّاء والمستخدمين حرية إكمال النص كما يشاءون .وبذلك يصبح القارئ مشاركا أساسيا في إنتاج النص وإكماله.
وي���ع���رّف ال��ن��اق��د ال��م��غ��رب��ي س��ع��ي��د يقطين ه����ذا ال��م��ص��ط��ل��ح ف���ي ك��ت��اب��ه (م����ن ال��ن��ص إلى النص المترابط :مدخل إلى جماليات اإلبداع ال��ت��ف��اع��ل��ي-ص ،)10-9حين تحدث عن مفهوم (اإلب���داع التفاعلي،)Interactive Creativity - بأنه مجموع اإلبداعات التي تولّدت مع توظيف الحاسوب ،ولم تكن موجودة قبل ذلك ،أو تطورت من أشكال قديمة ،ولكنها اتخذت مع الحاسوب صورًا جديدة في اإلنتاج والتلقي.
كل هذا أصبح متاحً ا بعد انتشار استخدام شبكة اإلنترنت بين أفراد المجتمعات.
يُ��ع��رّف (األدب التفاعلي) بأنه األدب الذي يوظّ ف معطيات التكنولوجيا الحديثة ،بتقنياتها العالية والمتشعبة ( ،)Hypertextوهذه المعطيات تقدم لنا جنسا أدبيا جديدا يجمع بين األدبية واإللكترونية. وت��ل��ق��ي ه���ذا األدب ال ي��ت��م إال ع��ب��ر وسيط إلكتروني ،وحين يختلف الوسيط ،تتغير آليات التلقي ،ويصير المتلقي ج��زءا هاما من إنتاج ال��ن��ص؛ ب��ل رب��م��ا ي��ف��وق دوره دور م��ب��دع النص األصلي ،ويكتسب هذا النوع من الكتابة األدبية صفة التفاعلية. 104اجلوبة -ربيع 1431هـ
ويعطينا األدب التفاعلي صورة جديدة لألدب تختلف عن تلك الصورة النمطية التي ارتبطت باإلبداع الورقي ،وفيها يتحرر المبدع من هيمنة المؤسسات ودور النشر ،ويتجاوز اآللية القديمة بكل مشاكلها ومعوقاتها ،ويشارك المتلقي أو القارئ في بناء النص. وم��ن أه��م ميزاته أن��ه يقدم لنا نصا حيويا تتحقق فيه روح التفاعل بين المبدع والقارئ. كما أنه يعطي القارئ أنه مالك ومنتج للنص.. متلق له ،ويتفق ذلك إلى حد ما مع وليس مجرد ٍ نظرية القارئ واالستجابة التي نادت بأن القارئ هو المنتج الحقيقي للنص ،وأن النص الذي لم
ولكن ه��ل يتحكم المبدع ف��ي ب��داي��ة النص؛ بمعنى آخ���ر ..ه��ل يبني النص ويوجهه بشكل محكم نحو نهاية محتومة ،أم أنه يكتب البداية ومعها احتمالية بداية أخرى ،قد يضعها القارئ المتفاعل مع النص ،وه��ل المبدع أيضا يوجه ال��ن��ص نحو نهاية محتومة ،أم ي��ت��رك النهاية مفتوحة على االح��ت��م��االت المتعددة م��ن أجل القارئ المشارك بشكل أساسي في إنتاج النص وإكماله .إن البدايات غير محددة في نصوص (األدب التفاعلي) ،إذ يمكن للمتلقي أن يختار نقطة البدء التي يرغب ب��أن يبدأ دخ��ول عالم النص من خاللها ،ويكون هذا باختيار المبدع الذي ينشئ النص أوال ،إذ يبني نصه على أساس أال تكون له بداية واحدة ،واالختالف في اختيار متلق آلخ��ر ،يجب أن ي��ؤدي إلى ال��ب��داي��ات م��ن ٍ اختالف سيرورة األحداث. كذلك النهايات غير موحّ دة؛ فتعدد المسارات يعني تعدد الخيارات المتاحة أمام المتلقي الذي لم يعد بدوره فقط ..بل تعدى دوره وتعمق إلى أن يصبح مرسال أيضا ،ومشاركا فاعال حقيقيا في إنتاج النص وتكملته ،وهذا يؤدي إلى أن يسير كل منهم في اتجاه يختلف عن االتجاه الذي يسير فيه اآلخر ،ويترتب على ذلك اختالف المراحل ال��ت��ي سيمر ب��ه��ا ك��ل م��ن��ه��م ،م��ا يعني اختالف النهايات ،أو على األق��ل ،الظروف المؤدية إلى تلك النهايات ،وإن تشابهت أو توحدت. ورغ��م توفّر شبكة اإلنترنت منذ تسعينيات ال��ق��رن الماضي ف��ي كثير م��ن ال���دول العربية، والخليجية ت��ح��دي��دًا ،إال أننا ل��م ن��ر األدب قد نال نصيبا من هذه التقنيات ،حتى جاء الروائي
ن����������������������������������واف����������������������������������ذ
يقرأ لم يكتب ،وأن القارئ هو الذي يعيد إنتاج النص.
األردن��ي محمد سناجلة وقدم لنا عام 2001م، أول نصوصه اإللكترونية ،أو ما يمكن أن نسميه رواية رقمية « ،»Novel Digitalوهي رواية «ظالل الواحد» ،ثم بتجربتين تاليتين تقتربان من فكرة ال��ن��ص التفاعلي ،وأق���ول ت��ق��ت��رب��ان ..وال أطلق عليهما نصا تفاعليا ،وسأوضح بعد قليل سبب تحفظي على إطالق هذه الصفة وأنا مطمئنة ال��ب��ال .أق��ول أن��ه أتبعهما بنصين آخ��ري��ن هما رواية «شات» ثم رواية «صقيع». وق���د تحفظتُ ع��ل��ى أن أط��ل��ق ص��ف��ة األدب التفاعلي على عالتها ،ألن هذه النصوص وما شابهها تقترب من النص التشعبي (،)Hypertext فهي ال تتيح الفرصة للقارئ أن يكون مشاركا ف��اع�لا ف��ي ص��ن��اع��ة ال��ن��ص ،وت��غ��ي��ي��ر مساراته ونهاياته وبداياته ،بل تراهن فقط على إمكانات التكنولوجيا من موسيقى وتقنيات الصورة ،وكل وسائل الميديا الحديثة. كذلك هناك تجربة الروائي المصري أحمد خالد توفيق في روايته «ربع مخيفة» و«احتماالت» لمحمد اشويكة ،و«الكنبة الحمرا» لبالل حسني، و«أرز بلبن» لرحاب بسام ،وغيرها من النصوص الرقمية. وأع���ود ثانية إل��ى توصيف تجربة سناجلة بالنص التشعبي ،ألنه اعتمد إلى حد كبير على استغالل تقنيات التكنولوجيا ،دون أن يكون النص مفتوحا على ال��دالالت المختلفة ،حسب مشاركة القارئ في إنتاج النص. وق��د ع�� َّرف��ت ال��دك��ت��ورة عبير س�لام��ة النص المتشعب ف��ي ال���ورق���ة ال��ت��ي ش��ارك��ت ب��ه��ا في المائدة المستديرة ،الخاصة بالرواية الرقمية في ملتقى القاهرة الرابع لإلبداع الروائي العربي 2008م .،ب��أن مصطلح النص المتشعب يشير
اجلوبة -ربيع 1431هـ 105
إل��ى ال��وص�لات نفسها ،بوصفها بيانات خفية تُميز عادة بلون أزرق ،أو إلى أي امتداد للنص يظهر على الشاشة ،سواء في النافذة عينها أو في نافذة /نوافذ جديدة ،هذا هو االستخدام المشهور للمصطلح ،ويمكن أن يشير أخيرا إلى أي نص مستقل يتشكل نتيجة استخدام الوصالت بغرض التصفح العشوائي ،كالنص الذي يتشكل على سبيل المثال من رسالة وفقرة ..في مقالة وقصيدة وجملة إعالنية ولوحة فنية. كما استطردت في تعريفها للنص المتشعب في إط��ار حديثها عن ال��رواي��ة التفاعلية ،بأنه «ال��ن��ص ال����ذي يُ��س��ت��خ��دم ف��ي اإلن��ت��رن��ت لجمع المعلومات النصية المترابطة ،كجمع النص ال��ك��ت��اب��ي ب���ال���رس���وم ال��ت��وض��ي��ح��ي��ة ،ال���ج���داول، ال��خ��رائ��ط ،ال��ص��ور ال��ف��وت��وغ��راف��ي��ة ،الصوت، ن��ص��وص ك��ت��اب��ي��ة أخ����رى ،وأش���ك���ال جرافيكية متحركة .وذل���ك باستخدام وص�ل�ات /روابط تكون دائما باللون األزرق ،وتقود إلى ما يمكن اعتباره هوامش على متن». إن اإلقبال القرائي على النصوص المقدمة عبر الوسيط اإللكتروني ،والتي تعتمد على تفعيل دور المتلقي م��ن خ�لال األدوات التكنولوجية الموظفة فيها ،تستطيع استقطاب عدد أكبر من المتلقين ،مقارنة بالنصوص الورقية ،أو السمعية والبصرية .وألننا إلى اآلن لم نتمكن من إبداع نص أدبي تفاعلي حقيقي بالوطن العربي ،ألنها لم تستطع أن تحقق أه��م عنصر ،وه��و عنصر (التفاعلية) ،فإننا لن نستطيع أن نتكلم عن فائدة هذا النمط من أنماط الكتابة األدبية اإلبداعية على تلقي األدب العربي ،ولكننا نستطيع أن نتوقف عند المستوى المتحقق فقط. *
كاتبة من مصر.
106اجلوبة -ربيع 1431هـ
يحتاج األدب المقدم عبر الوسيط اإللكتروني مواز له ،ومتواكب معه؛ فالنقد التقليدي إلى نقد ٍ لم يعد كافيًا للغوص داخل النصوص الجديدة التي نصفها بالتفاعلية ،ألنه يتوقف عند مستوى من مستويات النص ،وال يمتلك مقومات اختراق مستوياته األكثر عمقًا ،لذلك ال بد من التفكير في طريقة أخرى جديدة ومختلفة ،قادرة على الكشف عن مختلف الجوانب الجمالية للنصوص األدبية التفاعلية الجديدة التي تتولّد في رحم التكنولوجيا الرقمية ،مستفيدة من إمكاناتها التي أصبحت متاحة. وف���ي ال��ن��ه��اي��ة ن��ع��ت��ق��د أن اإلب������داع الورقي يحمل ت��راك��م ال��ف��ك��ر اإلن��س��ان��ي ع��ب��ر التاريخ، بداية من الحضارة الفرعونية التي قدمت لنا نصوصا حفظتها البرديات ،وج��دران المعابد، واأله�����رام�����ات ..م�����رورا ب����األل����واح السومرية والتراث األدبي اإلغريقي ،واستمرارا لهذا النبع المتواصل والمتراكم حتى أحدث كتاب أنتجته المطابع الورقية ،كل ذلك اإلرث الحضاري شكَّل وعي البشرية ،وبنى منظومتها الفكرية في شتى مجاالت المعرفة اإلنسانية ،من نظريات فلسفية ونقدية وعلوم طبيعية وفيزيقية وميتافيزيقية، بداية من متون هرميس ،وفالسفة اليونان ،وابن رشد ،والبيروني ..وصوال إلى هيجل وديكارت وهايدجر وجويس وكولن ويلسون ،وكل من ابتكر مفهوم ال��ن��ص ،وت��ح��دث ع��ن الخطاب والرؤية والمقوالت التي تحمل الفكر .وال��س��ؤال الذي يتبادر للذهن ..هل الرقمية أو النص التفاعلي اإللكتروني قادر على تغييب دور النص الورقي بتراكماته عبر التاريخ؟
و
رحلة اكتشاف اآلخر
ن����������������������������������واف����������������������������������ذ
الشاعر السويسري برينو ميرسي
> عالء كعيد حسب*
يعد ميرسي مثاال حيا للشاعر الذي يتنفس ويكتب الحياة ،رافضا كل أشكال التعصب التي سيطرت على الفكر المعاصر ،بالشكل الذي أمسى فيه محيطنا البشري -رغم شساعته وشموليته -نقطة ساخنة للصراع. يتحدى الشاعر السويسري برينو ميرسي بقصائده ،نظرة الغرب الكالسيكية لإلنسان العربي .تلك النظرة النمطية األحادية األفق، التي ح��اول ج��ون جونيه وخ��وان غويتصولو وبعض شعراء وكتاب الغرب فصلها ،ووقفوا بكتاباتهم أمام اللبس والتعتيم الذي مارسته وتمارسه وسائل اإلع�لام الغربية واألدب الرسمي في حق اإلنسان العربي وحضارته .وكشفوا النقاب للقارئ الغربي عن حقيقة الشعوب العربية وقطعوا شكه بيقين أن اإلنسان العربي ،إنسان حضارة وإبداع. عوالم تشابكت فيها الحياة والمأساة ،ورسم البؤس والحب إطارها التراجيدي الذي يستلهم تفاصيله ومميزاته من الحياة اليومية ،لم تكن إال لتسكن خاطرة السويسري برينو ميرسي ،وتمسي عناوين عريضة تثير رغبته في الكتابة.
ول���د ال��ش��اع��ر ال��س��وي��س��ري ب��ري��ن��و م��ي��رس��ي في أورليون بفرنسا عام 1957م ،كتب أوال عن عناصر الطبيعة األربع (ضوء الهواء 2001م ,ضوء الماء 2001م ،ضوء النار 2002م ،ضوء التراب 2003م). وبعد زيارته للمغرب كأول بلد عربي ..زكتها زيارة أخرى لمصر ،وجد أمة مسالمة وطيبة ،عكس تلك تنفس شاعرنا عبير الحياة ،مدركا تماما وألول التي عرفها في وسائل اإلع�لام واألدب الغربيين ،مرة ،أن السعادة والحب تُمنحان في هذه األوطان والتي تصور العرب كهمج إرهابيين يجب الحذر م��ن دون م��ال أو مقابل ،وأن العصبية والتطرف منهم ،ومحاربتهم بشتى الطرق والوسائل. واإلره���اب م��ف��ردات تفرض على اإلن��س��ان الغربي ت��ع��رف ال��ش��اع��ر ع��ل��ى اع��ت��دال المسلمين في ال��خ��زي وال��خ��ج��ل لكونها ذات أص���ول أوروب��ي��ة ال سلوكهم ،واك��ت��ش��ف م��ن خ�لال معامالتهم العمق عربية .وق��د حمل لنا التاريخ شواهد ال تحصى اإلن��س��ان��ي ل�لإس�لام .دهشته بساطة راع��ي الغنم عن وحشية الذهنية الغربية ،يكفي أن نذكر منها وق��ن��اع��ة الفقير وك���رم ساكني دور الصفيح رغم محاكم التفتيش ،وإب��ادة الهنود الحمر ،واستعمار حاجتهم وعوزهم ،صدم بالحقيقة التي يواجهها .الشعوب واستغالل مواردها .هذا الغرب الذي دمر
اجلوبة -ربيع 1431هـ 107
العراق وأفغانستان ،وساعد ويساعد في تجويع السالم للشاعر السويسري برينو ميرسي) ،ليتعرف الشعب الفلسطيني وحصاره واستمرار مأساته ،هو القارئ العربي أكثر على هذا الشاعر الملتزم الذي من يجب الحذر منه ،هكذا ص��رح لي في حديث ينتمي إلى بلد حظر بناء مآذن جديدة على ترابه: معه دار في مقهى شعبي بمدينة مراكش ،ما جعلني (المنجز الشعري ل��دى برينو ميرسي ترحا ٌل أالمس عن قرب روح هذا الشاعر األجنبي الذي وتماهي مع اآلخر العربي المسلم ،ومعانق ٌة وتقاس ٌم استهوته الحياة العربية ،ووجدت تجاوبا عميقا في آلالمه وجراحاته المستمرة ،نجده باستمرار يدعو نفسه بكل جزئياتها البسيطة والمعقدة. إلى األخوة الطاهرة والصداقة العفوية ،يعمق من
وه��و إذ يكتب الشعر ويسخر ل��ه ك��ل إمكاناته المادية والمعنوية ،فألنه يؤمن بقدرة الكلمة على صنع الفارق وتغيير األح��داث وال��رؤى .وهو -كما ق��ال عنه المترجم والكاتب المغربي عبدالغفار سويريجي -ينتمي إلى تلك الفئة القليلة من الكتاب الذين ما يزالون يؤمنون بدور الكلمة في الدفاع عن حقوق الشعوب والمستضعفين. سألته ذات يوم عن عالقته بالمغرب ،فأجاب في هدوء وثقة: ال أع���رف ,لكني م��ه��ووس ب��ه ،ول��م أع��ل��م أنأول زيارة للمغرب رفقة زوجتي ستتكرر ،وستجعل ه��ذا ال��ج��زء م��ن األرض ال���ذي طالما ك��ان مكانه الهامش ،يصبح مألوفا ويصعد للواجهة ..مفندا ك��ل اإلدع�����اءات ال��ت��ي سبقت ال��رح��ل��ة .ول��و علمت مسبقا أن زيارتي ستنجلي على هذا العالم المثالي الساحر ،لعجلت بها منذ زمن بعيد .ولكن ال بأس.. ما دمت اكتشفت حقيقة اإلنسان العربي المسالم المضياف ،وال��ذي ال تهمه من الدنيا بأسرها إال السعادة وراحة البال. كانت إجابته كافية شافية ألدرك أن من أ ُحدثه شخص نبيل ،يتحدث بدافع الحب واإلخاء؛ شخص أصبحت قضيته األولى الدفاع عن الشرق ،وما كان بعدها لي ،إال أن أهنئ نفسي على فرصة التعرف على ش��اع��ر مخلص وأم��ي��ن ،يمكن ل��ه م��ن خالل الكلمة رد االعتبار لإلنسان ال��ع��رب��ي ..وتصحيح المفاهيم المغلوطة عنه .س��أورد ما كتبه الناقد والكاتب المغربي حسن لغدش في مقالته (مئذنة 108اجلوبة -ربيع 1431هـ
خاللهما مشروعا شعريا مبنيا على التسامح والحوار بين الثقافات واألديان ،بحثا في ذلك عن الماهية الموحدة لبني البشر .لحسن الحظ هناك أناس يستطيعون بكلمتهم أن يوثقوا للضياع وللمتاهات.. ليكشفوا للقارئ فداحة الوعي المغلوط ،وليرسموا في خلوتهم الشعرية ليس فقط المآذن التي تدعو للسالم ولوحدانية الخالق ولسقوط الحواجز بين الناس ،بل ليكرموا نبل اإلحساس ،وليفتحوا جبهة للنضال من أجل أن يستعيد اإلنسان إنسانيته.). وال��م��ت��ت��ب��ع ألع��م��ال م��ي��رس��ي ال��ش��ع��ري��ة يالحظ ارت��ب��اط الشاعر الوثيق بما حوله ،وت��أث��ره الكبير بقضايا العالم االجتماعية واالق��ت��ص��ادي��ة ،وحتى البيئية منها .ودواوي���ن���ه تعبر ع��ن ص��وت الحياة واإلن��س��ان في غمرة الغوغاء وال�لاوع��ي .وعبرها نالمس نضال شاعر لم يجد مناصا من ترجمة أحاسيسه إلى صور شعرية ،ألجل الرقي بالبشرية نحو غ��د مشرق لجميع أطيافه وأع��راق��ه .وحين ق��ال الكاتب والناقد والمترجم ,الدكتور محمد آي���ت ال��ع��م��ي��م :أن م��ش��روع م��ي��رس��ي م��ؤس��س على النزعة اإلنسانية ،وعلى المحبة وال��ح��وار الفعال بين البشر ،باختالف دياناتهم وهواياتهم وثقافاتهم ولغاتهم ،بحثا عن الجوهر الموحد لإلنسان قبل أن تلوثه الخالفات والصراعات ..وتباعد بينه األعراق واألجناس .أكد أنه مشروع يدعو إلى العودة إلى النبع ..وإلى السباحة عكس التيار الذي تغير لونه بطول المسافة ،سعيا للوصول إلى العين األولى الصافية .ولعل هذه المقتطفات تميز بوضوح نبرة برينو ميرسي الصادقة التي تحتفي باإلنسان كيفما
ن����������������������������������واف����������������������������������ذ
كان ,وأينما وجد: يحلم أهل الصحراء بثلج. المسلمون كلهم أبرياء. كم من دماء يدفعون و صناع الحرب النفط يسرقون! أثلجت سماء العراق، ندفا رقيقة بعثت حياة. أطفأ الثلج نار القتال؛ هناك حيث يلعب بوش شطرنج. يلعبون جولف في الخليج يلعبون في حفر خلفتها قنابل. من أباح لكم أهل الشمال ()1 أن تجعلوا األرض ساحة قتال . ومن قصيدة محل بيع الجواهر كل النخيل مثقل بالتمور. الشيخ ،في مقهى الشهبندر، يهش برأس مغضنة ،في هدوء. إنه حارس الذاكرة. سيدي! أين يوجد شارع كرادا! حيث محل بائع الجواهر. رجل يتأنق دائما! ويتحدث عن ابنه الذي يكتب لقد شوهد في شارع المتنبي، في زقاق سوق الكتب، يشتري ولعا كي يعيش، ببعض الدنانير قصصا جميلة.
()2
ومن قصيدة إخوتي في غزة إخوتي في غزة الذين سقطوا فوق األرض جفت الشفاه من الخوف، وسد الحنجرة غيظ. ()3
الخوف والحقد ،ليسا كلمات كل لفظة هي فأر في كيس حيات. أسمع تراتيل آالمكم والصرخات ،تلك التي بها ال تجهرون. صفحٌ؟ أ َو كُرهٌ أم َ أدعو السماء أبتلع صلوات الرمال... السالم والعدالة االجتماعية والتسامح معان ي��رس��خ لها برينو ميرسي ف��ي رح��ل��ة إل��ى الشرق، م��ن��اه��ض��ة للفكر ال��غ��رب��ي المتعصب والمركزية الغربية ،رحلة تربط اإلنسان بنفسه وباألخر ،ليؤكد م��رة أخ���رى وم��ن ج��دي��د على حتمية ال��ح��وار بين الحضارات كضرورة وجودية ..وليس كلعبة خاضعة لسيطرة السياسيين وأهوائهم .عبر لغة بسيطة ُحي إدراكنا بالحس اإلنساني الذي يشكل مباشرة ،ت ِ همزة الوصل بيننا .وما نقل الشاعر للحياة اليومية التي المسها عن قرب خالل زياراته لبعض الدول العربية ،إال محاولة أخرى لكسر الهوة بين الشمال والجنوب .وهذا ما يجعل منه خطابا شعريا خاصا يمزج الشرق بالغرب ..ويتعدى المصالح وإكراهات العصر إلى الحياة السعيدة المثلى التي يفتقدها ويرغبها الجميع.
* كاتب وشاعر من المغرب. ( )1قصيدة ثلج وسلم ص 98من ديوان أالم دجلة (سنة 2005م). ( )2ص 108من ديوان مستنقعات الجنوب (سنة 2008م). ( )3ص 19من ديوان فلسطين المغرب (سنة 2009م).
اجلوبة -ربيع 1431هـ 109
جتويد الشعر العربي احلديث: تشكيل السكت
()1
> د .محمد الصفراني*
إن مفهوم تشكيل السكت يختص بظهور تشكيله في الكتابة /التشكيل البصري (التلقي البصري) .وقد عرَّ ف التجويديون ظهور السكت في المشافهة التشكيل الصوتي (التلقي السمعي) بقولهم :السكت في اللغة: االمتناع ،يقال سكت زيد عن الكالم إذا امتنع عنه .وفي االص��ط�لاح :قطع ال��ص��وت ع��ن ال��ق��راءة زمنا دون زمن الوقف ع��ادة ،من غير تنفس مقدار حركتين مع قصد القراءة .وهو مقيد بالسماع ،فال يجوز إال فيما ثبت فيه النقل وصحت به الرواية( ،)2فمواضع السكت في القرآن الكريم معلومة لدى القراء ،إذ يقرأ لحفص بالسكت مع عدم التنفس في ستة مواضع من القرآن الكريم(.)3 ومن مواضع السكت في القرآن الكريم وعالمة السكت في القرآن الكريم (س) < السكت على ألف {مرقدنا} في قوله ف���وق آخ���ر ح���رف م��ن ال��ك��ل��م��ة المسكوت تعالى {قالوا يا ويلنا من بعثنا من مرقدنا عليها. هذا ما وعد الرحمن وصدق المرسلون} وم���ن ال��ن��ص��وص ال��ت��ي وظ��ف��ت تشكيل (ي����س )52 :وح��ك��م��ة ال��س��ك��ت ع��ل��ى ألف ال��س��ك��ت ن��ص إلب��راه��ي��م ص��ع��اب��ي بعنوان: {مرقدنا} هي دفع توهم أن اسم اإلشارة «مقاطع تقتلها التحوالت»(:)5 ص��ف��ة {م��رق��دن��ا} ،وإن��م��ا ه��و مبتدأ(.)4 110اجلوبة -ربيع 1431هـ
كان ما بيني وبين الفجر دربا من جراح
ال أعرف ما معنى الصباحْ؟
يتجلى تشكيل السكت ف��ي السطر الثاني. فقد أوق��ف الشاعر الخط عند حرف التاء من كلمة ك��ن��ت .وق���د أب���رز ال��ش��اع��ر ال��س��ك��ت بقطع ال��س��ط��ر ووض���ع نقطتين ،واالب���ت���داء م��ن سطر جديد ليوجه المتلقي إلى السكت على التاء عند نطقه (اإللقاء) مقدار حركتين .وقد عبر الشاعر عن مقدار الحركتين بوضع النقطتين .ويهدف تشكيل السكت هنا إل��ى إنتاج دالل��ة من خالل تجسيد سمة من سمات األداء الشفهي الصمتية، تتمثل في السكت على التاء زمنا يسيرا بمقدار حركتين ،مع قصد استئناف القراءة بغية إشراك وم��ن النصوص التي وظفت تشكيل السكت المتلقي في تصور ما يمكن أن يكونه الشاعر إلى جانب كونه ال يعرف ما معنى الصباح .وقد نص لعبد الرحمن موكلي بعنوان« :الموت»(:)7 مكن تشكيل السكت الشاعر من إيصال /حضور ارتقي سلم الريب ..يرقى! سكوته /صمته إلى المتلقي عبر الكتابة /الغياب أهبط.. بالرغم من غياب الذات الساكتة بسبب الكتابة. يهبط مع الريق في الحلق! ومن النصوص التي وظفت تشكيل السكت نص يتجلى تشكيل السكت في السطرين األول لعبد الله الخشرمي بعنوان« :وصايا النخيل»(:)6 والثاني ،فقد أوق��ف الشاعر الخط عند حرف أين الكالم ال��ب��اء م��ن كلمة ال���ري���ب ،م��ب��رزا ال��س��ك��ت بقطع تفصد في ثغره البرق ّ السطر ،ووضع نقطتين أفقيتين ،ثم كلمة يرقى ليوجه المتلقي إلى السكت على حرف الباء من نخل تطاول في صمته كلمة الريب عند نطقه (اإللقاء) مقدار حركتين. .................... وق��د عبقر الشاعر عن مقدار حركات السكت ..................آه بوضع النقطتين .ويهدف تشكيل السكت هنا إلى يتجلى تشكيل السكت في السطر الثالث .فقد إنتاج دالل��ة من خ�لال تجسيد سمة من سمات أوقف الشاعر الخط عند حرف الهاء من كلمة األداء الشفهي الصمتية ،تتمثل في السكت بقطع صمته .وقد أبرز الشاعر السكت بقطع السطر الصوت عن القراءة زمنا يمكن المتلقي من تصور واالب��ت��داء م��ن سطر جديد ق��وام��ه تمدد نقطي حركة رقي الشاعر سلم الريب ،والحركة الموازية يساوي مسافة السطر السابق ،ويليه سطر جديد لحركة ال��ش��اع��ر ،متمثلة ف��ي رق��ي سلم الريب قوامه تمدد نقطي ،وختامه اسم الفعل آه ،ويساوي نفسه ،ليجسد للمتلقي مباراة الرقي /الصعود
ن����������������������������������واف����������������������������������ذ
كنتُ ..
السطر السابق ،ليوجه المتلقي إلى السكت على حرف الهاء من كلمة صمته عند نطقه (اإللقاء) مقدار ثمان وثالثين حركة .وقد عبقر الشاعر عن مقدار حركات السكت بوضع ثمان وثالثين نقطة .ويهدف تشكيل السكت هنا إلى إنتاج داللة من خالل تجسيد سمة من سمات األداء الشفهي الصمتية ،تتمثل في السكت بقطع الصوت عن ال��ق��راءة زمنا طويال يعكس ط��ول ال��زم��ن الذي تطاول فيه النخل ساكتا /صامتا (نخل تطاول في صمته) .وقد مكن تشكيل السكت الشاعر من إيصال /حضور سكوته /صمته إلى المتلقي عبر الكتابة /الغياب بالرغم من غياب الذات الساكتة بسبب الكتابة.
اجلوبة -ربيع 1431هـ 111
نتعاطى التشرد عيناه يمكنها أن ترى في هدوء رفاق الطفولة والصعلكة
بين الشاعر وسلم الريب ،ويتجلى السكت في السطر الثاني بمقدار حركتين ،ليمكن المتلقي م��ن ت��ص��ور الحركة المعاكسة لحركة الصعود والمتمثلة في الهبوط (ارتقي ..يرقى Xأهبط.. يهبط) ومثلما كانت حركة السلم موازية لحركة الشاعر في الصعود فهي موازية له في الهبوط، لكن التضاد يقع بين الحركتين في صورتيهما يتجلى تشكيل السكت في السطر الثالث .فقد الكلية .وق��د مكن تشكيل السكت الشاعر في أوقف الشاعر الخط عند حرف الهاء من كلمة السطرين من إيصال /حضور سكوته /صمته مسلكه ،وأب��رز السكت بقطع السطر واالبتداء إل��ى المتلقي عبر الكتابة /الغياب بالرغم من من سطر جديد قوامه تمدد نقطي ،ويليه سطر غياب الذات الساكتة بسبب الكتابة. جديد قوامه تمدد نقطي ،ثم استأنف الكالم/ وم��ن النصوص التي وظفت تشكيل السكت الكتابة في السطر السادس ليوجه المتلقي إلى نص إلبراهيم زول��ي بعنوان« :أصحبه نتعاطى السكت على حرف الهاء من كلمة مسلكه عند التشرد»(:)8 نطقه (اإللقاء) بحركات تساوي مقدار النقط. هذا دم يتقاطر خلف حدود العيون... تهيأ من بعد موت العصافير والشجر المتعانق سمى الوقوف على أهبة الموت من زمن مسلكه ......................... ......................... كنت أصحبه *
() 1 ( )2 ( )3 ( )4 ( )5 ( )6 ( )7 ( )8
وق��د عبّر الشاعر ع��ن م��ق��دار ح��رك��ات السكت بوضع النقط .ويهدف تشكيل السكت هنا إلى إنتاج دالل��ة من خ�لال تجسيد سمة من سمات األداء الشفهي الصمتية ،تتمثل في السكت بقطع الصوت عن القراءة زمنا طويال يمكن المتلقي من االنتقال من تصور حالة وصف الرفيق /الدم المتقاطر خلف حدود العيون ،إلى تصور حالة العالقة التي تربطه به .وقد مكن تشكيل السكت الشاعر من إيصال /حضور سكوته /صمته إلى المتلقي عبر الكتابة /الغياب بالرغم من غياب الذات الساكتة بسبب الكتابة.
أستاذ النقد الحديث -جامعة طيبة. وأعني بتشكيل السكت :توقف الخط عند كلمة محددة زمنا يسيرا ال يكتب فيه توقفا بنية استئناف الكتابة. دريان ،عبداللطيف – التبيين في أحكام تالوة الكتاب المبين – ص511 الطويل ،أحمد – فن الترتيل وعلومه – ج -2ص 901 دريان ،عبداللطيف – التبيين في أحكام تالوة الكتاب المبين – ص 512 صعابي ،إبراهيم – وقفات على الماء – ط – 1نادي المدينة المنورة األدبي – 1991م – ص 35 الخشرمي عبدالله – ذاكرة ألسئلة النوارس –ط -1نادي جدة األدبي – جدة – 1410هـ -ص 96 موكلي ،عبدالرحمن – يخفف ثقل الروح – ط -1دار االنتشار العربي – مصر – 2007م -ص91 زولي ،إبراهيم – تأخذه من يده النهارات – ط -1نادي المنطقة الشرقية األدبي – الدمام – 2008م -ص18
112اجلوبة -ربيع 1431هـ
ن����������������������������������واف����������������������������������ذ
أزمة اللغة أم أزمة اإلبداع > د .محمود عبداحلافظ خلف الله*
ارتباطا وثيقً ا ،حتى جعلها ً ارتبطت اللغة باإلنسان بعض العلماء أنها اإلنسان نفسه ،والتعريف هنا بالطبع ال يعني التطابق أو الوصف الحرفي ،إال أنه يراد به إبراز دور اللغة في تحقيق ماهية اإلنسان؛ لذا نرى أن أفضل تعريف لإلنسان من هذا المنظور :أنه مخلوق ناطق؛ وه��ذا يعني أن اللغة شطر ماهيته ،وال��دالل��ة المادية والمعنوية على قدرته العقلية ،أقصد اإلن��س��ان الذي اختصه الله بها دون سائر المخلوقات .فاللغة ثمرة العقل وأدات��ه في الوقت نفسه ،والعقل جوهر اإلنسان، وكالهما معً ا سرُّ تكليفه بخالفة األرض. ولما أنعم الله على اإلنسان بنعمة اللغة؛ عنها. فإنه بذلك قد ملَّكه القدرة على السيطرة فباللغة يخلق اإلن��س��ان أف��ك��اره ،وينسج أيضا على البيئة بأكملها ،إذ أن اللغة برموزها عالمه الفكري الذي قدره الله له ،وبها ً وكلماتها تحل محل األشياء والموضوعات يروّض هذه األفكار نفسها متى لزم األمر؛ ال��ت��ي ت��رم��ز إليها ،وب���ذا يستطيع اإلنسان وهذا يدلل على العالقة الواضحة بين اللغة ال��ت��ع��ام��ل م��ع ك��ل م��ا ي��ح��ي��ط ب��ه بترميزه ،والتفكير؛ حيث تعد اللغة وسيلة التفكير حيث إنه من الصعوبة بمكان ،أن يستخدم ونتاجه في الوقت عينه ،وكلما ارتقت اللغة اإلنسان األشياء واألغ��راض على طبيعتها ازداد التفكير عمقًا ون��ض��جً ��ا ،واستطاع ليستفيد منها؛ هذا فضلاً عن أن األغراض ال��م��رء سبر أغ���وار الحياة ح��ول��ه؛ فيتمكن المعنوية لبني البشر يصعب بل يستحيل بذلك ليس من صناعة حياته فحسب ،بل ً أحيانًا الحصول على دليل حسي تعويضا من إبداع مستقبل أمة بأسرها.
اجلوبة -ربيع 1431هـ 113
ويذكر تشومسكي صاحب النظرية التوليدية الشهيرة أن هناك تفاعال فريدا بين اللغة واإلبداع، إذ يرعى األول الثاني منذ مرحلة االحتضان، مرورًا باالختمار ،ثم البزوغ اإلبداعي في النهاية، فمن دون اللغة ال يتم ذل��ك على اإلط�لاق ،هذا ا ع��ن وج���ود ت��م��اث��ل ف��ي البصمة اللغوية ف��ض�ل ً اإلبداعية للشخص نفسه؛ فكل المبدعين لهم وهذا الطرح ال يصطفي لغة بعينها من حيث بصمة لغوية يتفردون بها في التفكير والتعبير ،عالقتها بالتفكير ،فهذا شيء بدهي ،إال أن هناك يستحيل أن تتماثل مع اآلخ��ري��ن ،وه��ذا يقودنا أمرًا ال يمكن إغفاله ،وهو أي لغة يستطيع المرء إلى المقولة النقدية للجاحظ -رحمه الله -إن أن ينمّي بها تفكيره دون غيرها من اللغات؟ المعاني واألفكار مشاع للجميع ،ولكن ما يميز إن اللغة األم دون غيرها هي أساس التفكير فكرة عن غيرها هي إبداعية األديب ولغته. واإلب��داع ،وقد أثبتت نتائج البحوث والدراسات وعلى الجانب اآلخر في هذا السياق قد يتبادر العلمية في هذا المجال ،صعوبة استخدام مهارات إلى أذهان البعض سؤال مفاده :ما عالقة اللغة التفكير التباعدي التي ينتج عنها اإلب���داع ،من باإلبداع العلمي مثلاً ؟ خالل استخدام اللغة الثانية؛ وأن هناك صراعات إن التفكير العلمي ال يتم مجردًا دون وجود ذهنية -إن جاز التعبير -يعاني منها المرء من أوعية لغوية يحمّلها المبدع أفكاره؛ ليعيد قراءتها جراء تأثير لغته الثانية على األولى في التفكير ذهنيًا بمعانيها ودالالتها األصلية ،أو بمفاهيم أو العكس .ففي معظم األحيان ،تكون الغلبة للغة أخ��رى جديدة أكثر عمقًا .ومنطقيًا ،ب��دون هذه األول��ى رغم التزاحم ال��ذي تسببه اللغة الثانية، األوعية الفكرية واللغوية ال يستطيع المبدع أن بحكم طبيعة التخصص أح��ي��ا ًن��ا .وال يستطيع يفكر أو ينسج العالقات المنطقية التي يقوم المرء اإلب��داع إال إذا تخلص من ه��ذا الصراع، عليها جوهر العلم .هذا فضلاً عن أن المعايير واستطاع تحييد إحدى اللغتين على اإلطالق. والمحكات العلمية التي يحكم بها العالم نفسه وال ي��راد بذلك تصدير حكم ع��ام أو مسلمة ع��ل��ى م���دى ص��ح��ة إن��ت��اج��ه ال��ع��ل��م��ي ،ه��ي لغوية علمية ،فنتائج العلم كما يعرف الجميع نسبية.. في المقام األول ،وإن كانت في شكل رم��وز أو وال يمكن تعميمها مطلقًا ،وما يخالف هذا الحكم مصطلحات علمية مختزلة في العقل ،إال أنها واض ٌح في بعض النماذج التي نقرأ عنها أو نراها. تعني م��ع ٍ ��ان ودالالت فكرية ذات صبغة لغوية فقد أثبت بعض العلماء العرب مثلاً تميزًا وإبداعً ا حتمًا. علميًا ف��ي م��ج��االت مختلفة م��ن العلوم ،تعتمد فيزيائية أو كيميائية أو رياضية ..إلخ ،من خالل تطويره أو دمجه أو تركيبه مع غيره دون االعتماد على منطقية فكرية لغوية يقرها العقل ،وتأتي اإلب��داع��ي��ة العلمية على ق��در م��دى وض��وح هذه ال��دالالت الذهنية ،وال��ق��درة على توليفها برؤية جديدة يتمخض عنها البزوغ اإلبداعي.
فكل مصطلح أو تركيب علمي يختزله العقل في هيئة رموز ،لها دالالت لغوية وفكرية يقرها العقل والمنطق ،وال يستطيع العالم استخدام ه��ذا المصطلح في أي من المباحث العلمية..
114اجلوبة -ربيع 1431هـ
دراستها في المقام األول على اللغة اإلنجليزية، أو غيرها من اللغات األجنبية ،ولكن ال ننسى أن ه��ؤالء هم نماذج نخبوية ،اختصهم الله ببعض الصفات دون غيرهم ،تتيح لهم التميز واإلبداع
ن����������������������������������واف����������������������������������ذ
في أي بيئة مهما كانت ظروفها. تتمحور حولها جميع األسباب بشكل مباشر أو ومن دون تحيز عاطفي يتهم به العرب دائمًا ،غير مباشر. تأتي اللغة العربية في طليعة اللغات التي تنمي و األدلة على ذلك كثيرة :أين تعليمنا للغة من التفكير واإلب���داع .وإذا كانت شهادة العرب في إع��داد المقررات اللغوية ،وبنائها على مهارات ذل��ك مجروحة ،فلنستشهد بشهادة الغير ،فقد فكرية عليا تنمي التفكير واإلب����داع؟ أي��ن نحن ذكر «روفائيل بيتي» في كتابه «اللغة والتفكير» من التعليم للغة ليس عن اللغة؟ لألسف نحن عن اللغة العربية :إنني أشهد من خبرتي الذاتية نستخدم تعلم اللغة في مستوياته الدنيا ،كوسيلة أنه ليس ثمة بين اللغات التي أعرفها ،لغة تكاد لتعلم واستيعاب المفاهيم والمعلومات األدبية تقترب من العربية ،س��واء في طاقتها البيانية ،والعلمية ،ولم نتطرق في مناهجنا أو مقرراتنا أو قدرتها اإلبداعية من حيث الثراء والمرونة ،بشكل ملحوظ وفاعل ،إلى إتقان مهارات اللغة فهي تخترق جميع مستويات الفهم واإلدراك ،نفسها استماعً ا وتحدثًا وقراءة وكتابةً ،وربطها وتنفذ بشكل مباشر إلى المشاعر واألحاسيس ،في كل ذلك بجميع مهارات التفكير. تاركة عميق األثر في النفس ،فهي أشبه ما تكون أليس من المثير للدهشة واألسف أن يطلب بالموسيقى. المعلم م��ن ط�لاب��ه أن يفكروا ف��ي ح��ل معضلة فليس أدل على إبداعية العربية من رقيها علمية ،أو مشكلة ما ،دون أن يدربهم أو يعلمهم الستيعاب أعظم فكر شهدته البشرية متمثل كيف يفكرون؟! أو يطلب منهم قراءة نص بعينه، ف��ي ال��ق��رآن ال��ك��ري��م ،ه��ذا ف��ض�ًل�اً ع��ن تجاوزها ولم يدربهم كيف يقرأون؟! ال��خ��ص��ائ��ص اإلب��داع��ي��ة ال��م��ت��ع��ارف عليها مثل هل يذكر أي منا وهو يقرأ هذه الصفحات أنه المرونة الفكرية واللغوية وغيرها ،إلى مزية فريدة تعلم في يوم ما من قبل مناهج اللغة أو معلميها تتجلى في القوة والرصانة على ألسنة الحاذقين ،كيف تتم عملية القراءة ،وما اآلليات التي يقوم والسهولة واالنسيابية واليسر لمن يرغب في بها ليقرأ قراءة جيدة؟ هل تعلم أي منا أن يفكر تعلمها؛ فقد استطاع جيل الشعراء المولدين في طريقة تفكيره ..هل هي طريقة صحيحة أم من تجانس العرب مع العجم في عصر الخالفة ال؟ وما المعايير العلمية التي يستند إليها في العباسية ،أن يتقنوا هذه اللغة ،ويبارون بها كبار الحكم عليها؟ فحول الشعراء من أصول العربية وأربابها. ف��ي الحقيقة ،رغ��م صعوبة ال��واق��ع وفداحة و السؤال اآلن :أين نحن في تعليمنا وتعلمنا الخسران في مستوى اإلب��داع الفكري والعلمي للغة العربية من هذا الطرح؟ ل�لأم��ة ال��ع��رب��ي��ة ،إال أن���ه ي��ج��ب أال نلعن دائمًا إن التراجع في إبداعية العلم واألدب روافده الظالم ،ويحاول كل منا أن يبحث عن الحلول كثيرة بالطبع؛ إال أن الضعف الفكري اللغوي أو التي بين يديه ،وأن يوقد شمعة لغوية يضيء بها اللغوي الفكري كما يراه الطرح السابق يأتي في ظالم الفكر ،وأن نتخلى جميعًا عن فكرة الحلول مقدمة هذه األسباب ،بل البؤرة الحقيقية التي الصعبة التي تجعل كل متاح مستحيلاً . *
أستاذ المناهج وطرائق تعليم اللغة العربية والتربية اإلسالمية المساعد -جامعة الجوف.
اجلوبة -ربيع 1431هـ 115
منمنمات على جدران دمشق القدمية
قصص محمد صباح احلواصلي – سوريا > أشرف اخلريبي*
بين العناوين التي تزيد على أربعين عنوانا ،وما بين النصوص في تالقيها وأطروحاتها المختلفة من العام 1988 – 1981م، حيث كتبت هذه النصوص ..فهل كانت تأريخ ًا لدمشق القديمة أم الحديثة ،هنا لجدرانها وبيوتها وأشجارها وشوارعها وتاريخها، حنين ورؤى غامضة .أم لغربة قاسية قصية تزيح وهم الحلم، لتعود إلى الطفولة في بعض من الفرح والشجن ،الذي يسكن األيام التالية ،من شجرة الحور العتيقة إلى شجرة الزيتون مع الخبيزة والحي القديم عند الباب الشرقي .هي ذاك��رة ال تنتهي مع بدرية وأبو فراس والرضيع ،ذلك الهارب من الدورية ،فهل يحكي القمر غير البداية عن المقهورين /عن درب الكينا ،وبالغة الحجارة أو أزهار الحجارة ،ألنه األقصى شهيد الفجر ،وجها لوجه.. يقف ليتساءل ببراءة أين الله؟ بعد فوات األوان ..فهل يراه في موت نظيرة خانم ،يشاهد نورسان من لون الطهر وقوس قزح وعش الغراب .ويبقى السؤال أليما فيقول أن الدنيا بخير ،من الباب الشرقي يطل على بدرية واليمامة وفزع 116اجلوبة -ربيع 1431هـ
الياسمين وماوية والعصفور ،كي يكلمها.. الطريق هي البنت التي وعدها أنه ستكون األي����ام جميلة أك���ي���د ..ه��ك��ذا م��ض��ى في الحلم كي يبقى مع البنت والطريق ،ويسلم نفسه التي تتسع إلى الرحيل كي تبدأ هذه
ن����������������������������������واف����������������������������������ذ
ال��ن��ص��وص أول اكتشافها ث��وب ال��زف��اف ي��ا عروسي، عنقود من العنب ال ينفرط وفى غرفتي البسيطة التي في شكلها البديع ،وروعتها تطل على حقول الخس.. التي تنجز السرد بشفافية. سأقطف حمرة الخجل من بيد خبيرة ع��ارف��ة دروب وجنتيك ،فيما أنت تدارين الحكي ،لعلها ه��ذه اللغة حياءك بالنظر إلى القمر، ال��ع��ذب��ة ال��ث��ري��ة الفاعلة، وس��ن��ع��ي��د ح���ك���اي���ات زمن وتجسدتِها المختلفة وهى الشوق ،وسنحاكي النجوم ت��م��ض��ى ب��ن��ا ل��س��ب��ر أغوار المتأللئة في حلكة السماء، ال��ح��دث ،مع منطق البناء كما كنا نفعل دوما ،بيد أننا وال���ح���ك���اي���ة ال��م��ل��ه��م��ة من في هذه المرة سنزف إليها ت��ف��اص��ي��ل ال���س���رد اآلل����ي، فرحنا ،وسنزرع السماء في ت��ت��س��رب ب��خ��ف��ة ورشاقة رحابتها نجمة جديدة» ..أو إلى نفوسنا وتملؤنا فرحا ن��ع��ب��ث ن��ح��ن باالحتماالت شجيا حين ال��ف��رح ،وتبث ك����ي نُ����م����زق األس���ئ���ل���ة في االرت����ع����اش ال��ل��ذي��ذ حزنا ان���ت���ظ���ار اإلج����اب����ات التي وت��ع��اط��ف��ا ون��ح��ن نخوض يقدمها النص ،لكنه غالبا غمار التجربة والتفاصيل ي���ق���دم اك��ت��ش��اف��ات مُ����روى المُفرحة الشجية على نحو عنها ،في الذاكرة لقطات م��ا ،ن��زاوج االتجاهات كي خبيئة مجسدة لمشاهدها تعبث بنا األق��دار ،ونذهب ال��ش��ع��ري��ة الرومانتيكية، إلى الشجن متواطئين مع مُعلنة عن موقفها من العالم ال��ح��زن للحظات طوال/ برؤية ناضجة متعبة ،عبر نتعاطف مع بطل النصوص طفولة يتم التعبير عنها بيد برهافة مشاعره وشجنه راصدة لألهم من مواقفها المتعب. ف��ي ال��ع��ال��م ،واكتشافاتها ال��م��خ��ت��ل��ف��ة ،م���زواج���ة بين من قصة البئر «العروس» المحالين ،وائتالفا يرصد «ل�����ق�����د م����ض����ى ذل����ك ال��وق��ائ��ع بعين واع��ي��ة ،كي االن��ت��ظ��ار ال��م��ض��ن��ي ،وها ت�����ت�����راص أم�������ام دهشتنا أن���ت أم��ام��ي حلما تحقق ب���إص���راري ع��ل��ى أن ع��ن ال��م��روى عنه ،واخ��ت��زال ال��زم��ن ف��ي مروره تكوني لي ..لي وحدي ..وأن أحداً لن يستطيع الرهيب ،وإحساس الفقد المقيت يحمل هموما أن يسرق ثمرة اصطباري ،وليلة الغد سترتدين ذاتية غير غربته المريرة ،هموم وطن أكبر من
اجلوبة -ربيع 1431هـ 117
كي تؤسس وتركز على كل ما هو إنساني ورائع فينا في مواجهة ،وأمام تجارب وحكايات الواقع الشاقة والسيئة إلى أبعد حد ،بالمزاوجة بين الفائت والحاضر ،وكيف استطاعت هذه الكتابة أن ترصد هذا اللحن القديم ،وتحقق الطفولة حلمها البكر ،بأن تجعل هذا العالم بريء الرؤية، رغ���م م��ا ب��ه م��ن ش��ج��ون ،ل��ه أح�لام��ه وأمانيه ���واز ب��ال��ض��رورة ،عالم وت��ص��ورات��ه .إن��ه ع��ال��م م ٍ قابع خلف ه��ذه ال��ج��دران العتيقة في نفوسنا باألساس ،ويعتمد على مساحات من الحدس والحلم ،وال يكتفي بما هو أمامه من مكونات طبيعية ل��ل��ص��ورة ،أو تراكيب ج��اه��زة معروفة الداللة .إنه حصار المكان والزمن حصارا أزليا، ممعنا في تكبيل اإلنسان ،والضغط على البراءة في مواجهة ظلم الوقائع وتحديها لكل ما هو إنساني.
مجرد العبور على فجيعة ال���ذات وخالصها، وتساؤلها المستمر اللهث لهذه الطفولة البريئة، كثيرة هي الحصارات والهزائم وانكسار الروح وفقد التواصل ،وهذا الواقع الغني بالحكايات ينهمر بحماسة ،كحماسة ال��م��ب��دع ..وراصدا ل�لأح��داث ،أو م���رورا رهيبا عليها ،داك��ن��ا حد الشحوب الهزيل والعميق في آن واحد ،شحوب الهمس لجذب تعاطفك المستمر ،واستسالمك أمام عدل الشخصيات طول الوقت ،وتعاطفنا المستمر م��ع وج��وده��ا وك��ي��ان��ه��ا ..ح��ي��ث لهذه النصوص ال��ق��درة على استالب مشاعرك مع شخصياتها ونماذجها ،دون رج��وع للخلف مع هذا القهر الذي يُمارس على الشخصيات في أي من جوانبها ،س��واء أك��ان قهرا ملموسا أو خفيا؛ غير أنه في كون من العالقات المتداخلة للطفولة وعذوبتها أم��ام طغيان العالم ،أيضا يتفاعل مع أحداث القصص ،ويصب في قالبها (ل���و ي����درى ك��م أص��ب��ح��ت م��ول��ع��ا بالصمت. األساسي وبنيتها المتصاعدة على ال��دوام ،مع حتى بركاني خمد ،وحقول الرؤى واألحالم في الشخصيات المختلفة ال��ج��وان��ب م��ن سلطة داخلي قضمها القهر .وت��دق ساحة خربة في الحكي ،ودفء الحلم ،ومرارة الواقع. ساحة المدينة اثنتي عشرة دقة ،يُدوي صداها تتفجر الحوادث في هذه النصوص عند كل في جوفي ،ويضع اليوم لمساته األخيرة على لحظة تالية تشف منها الحكاية ،تنتزع اللحظة ص��دري ،وينتهي النهار أب��دا بال انتهاء ،رتيبا المروى عنها بجمال صدقها الفني ،الذي يؤسس ب�لا ظ�ل�ال .اخ��ت��ن��اق) م��ن قصة لمسات اليوم لسرد بالغ الشفافية ،قابضا على هذا السرد األخيرة.
بلغة شعرية هامسة ،هذه اللغة الشفافة تذوب أكثر في الشجن المتعب الساخر مع ذكريات الطفولة ،تدور مع الرمز والفكرة حضورا وغيابا، تقدم النموذج المروى عنه ببعض تصوراته عن نفسه واألخر؛ تقيم العالقات النصية ببراعة مع ضمير المتكلم أو ضمير المخاطب ،عبر ذاكرة الطفولة /ذاك��رة الواقع ال��ذي نحكي عنه على الدوام بألفة ممتعة ،ألنه ذكرياتنا األجمل على الدوام ،وبراءتنا التي تبقى في نفوسنا ،وذاكرتنا 118اجلوبة -ربيع 1431هـ
هذا ما أراده الفنان ،هذا الذي يضغط على كينونته ،ويمتص منها شهدها وجمالها وعذوبتها. إنه زمن أليم ،كنت أترقب صرير الباب ..وهمس اللغة الحلوة الممتع وهي :ماضية بالسرد ألقا وحضورا ،حييا كالشخصيات الهامسة القريبة من القلب ،الواقفة عند الوقائع بخبرة العارفين، المطمئنة لتوصيفها ال��دق��ي��ق .ه��ك��ذا تسكننا الحكاية والتفاصيل الثرية المدهشة البريئة، تقنعنا على ال��دوام بحقيقة الحكاية ،وحقيقة
ن����������������������������������واف����������������������������������ذ
ال��ب��ن��اء ال����ذي يعتمد على س����رد ي���زه���و ب��ال��ل��غ��ة دون تعقيد ،وينقل خبرة المروى ع��ن��ه إل���ى م��خ��زون الخبرة اإلنسانية ،تفاصيل ورؤى وح��ن��ي��ن ب��م��ن��ط��ق السينما أحيانا ..والحكاية أحيانا أخ�����������رى ..والتفاصيل ال��ب��دي��ع��ة ف��ي ك��ل المرات، مع الفكرة الناضجة كثيرا ك��م��ا ف��ي ق��ص��ة (النداء). وكثيرة هي األدوات ،غير أنها ف��ي ي��د خبيرة تعرف متى وأي��ن وك��ي��ف؟ الكاتب مهتم بالحدوتة ،ويستلهم مفردات السرد من وجود وح��ق��ي��ق��ة الشخصيات، وم��وق��ف��ه��ا م��ن ال��ع��ال��م .إنه عالم مفتوح على الدوام، بالجرح يتساقط من أوراق اللغة والحروف ،كي يفرش األرض ،أرض النص .ويبنى ب��ن��م��اء طبيعي م��وق��ف��ه من األخر والذات معا ،كما في (عبرة من الحي القديم)، ث���ري ب��م��ا ي��ك��ف��ي ،ح��د ال��وج��ع أح��ي��ان��ا ،والفرح واالحتفاء بوجوده كعالم مكتمل البناء والمعالم. يسكن ها هنا -كما في (الرحيل) -لحظات الذاكرة ،وإمعان الحزن الذي يضرب في جذور الشخصيات وعالمها ،ويرتسم بغاللة سميكة ال مفر منها ،بروعة الحكي دون طائل ،على توقف ذاك النزف المستعر ال��ذي سكن الشخصيات والحكاية .أليم هو الموقف من العالم الخارجي،
غير معروف مُسبقا وحالة الشخصية .تتداخل ضمن عناصر الحكاية التي تبدو ه���ادئ���ة ،غ��ي��ر أن��ه��ا تتخذ الشكل التصاعدي كبداية ووسط ونهاية .مع إحداث ذلك التماثل على الدوام. هكذا أريد لها ،هو الترتيب المنطقي ،وأحيانا فوضى الترتيب ،غير انه اكتشاف الحياة أو إعادة االكتشاف، وخروج الشبيه إلى موقف العالم كي يتحدث الشارع ك��م��ا ف���ي ق��ص��ص «البنت وال�����ط�����ري�����ق وال����ف����راش����ة وال���دال���ي���ة أو الياسمينة والجدار» ،كنماذج للقطات قصصية رام��زة ومتفاعلة مع قضايا كبرى وأساسية برموز بسيطة ،وكي يرصد ال���م���ت���غ���ي���رات وال����ص����راع وم����وق����ف الشخصيات، خالل رحلة من األحداث، م��ه��ت��م��ا ب��ال��ن��ه��اي��ة ودالل����ة م��وق��ف��ه��ا وأح���داث���ه���ا التي تمور رص��دا حسيسا ومقنعا ،ألح��داث الواقع بكل أالم��ه وأم��ال��ه أي��ض��ا .وه��و يرصد ويصف ما يدور بهذه الشخصيات ،وبعوالمها المختلفة الداخلية والخارجية على ال��س��واء ،ويستخرج عبر الفكرة الدال من المروى عنه ،كموضوع.. كحيلة فنية مميزة لشارع يحادث البنت ،أو قمرا يشهد للرجل ،وتصوير تلك المشاهد القصصية عبر منمنمات بسيطة التراكيب ،ولكنها بسرد
اجلوبة -ربيع 1431هـ 119
رائ��ق األداء ،كي تبقى في ت��ج��س��ده��ا وم��وق��ف��ه��ا من ال��ع��ال��م ،وم���ن ذات��ه��ا ،ومن ال��ذاك��رة ،وم��ن ه��ذا الواقع ال��م��ع��اش ل��ص��ي��ق��ة الصلة طوال الوقت بالواقع ،غير مفصولة ع��ن��ه إن��م��ا الذي ينفصل ب��أف��ك��اره ه��و هذه ال���ش���خ���ص���ي���ات بهمومها وعالمها ،ولكنها متواجدة طول الوقت ،فاعلة ومثمرة خالل هذه الوقائع ..حين يصف باهتمام شخصيات قصصه وكأنها تعيش بيننا. ن��ش��ع��ر ب��ذل��ك م���ن النص، وال�����ك�����ات�����ب إذ يصف ونتأمل بشوق م��ا يلي من ال���ش���خ���ص���ي���ات ويربطها أح�����داث ال��ل��غ��ة والحدث، ب��ال��ط��ف��ول��ة ،وي��ص��ن��ع منها متجاوران في كل القصص، وج���ع���ا م�����ا ،وي����ق����دم منها ح��ي��ث ت��ت�لاح��ق المشاهد، ن���م���وذج���اً س����ردي����اً شفيفاً وت�����س�����ت�����غ�����رق ال���ل���ح���ظ���ة وشجياً بموضوعها ،بدقة.. ال��ق��ص��ص��ي��ة وج���وده���ا في وتجسد األحداث ..وتوصف عالم المفردات البسيطة المشهد بكافة التفاصيل. التي تتخلل ال��س��رد ،وهى وال تنس أننا نقرأ ونشاهد ت���ق���دم ه����ذه ال���ن���م���اذج من معا الشخصية ،ه��ي عالم الشخصيات ال��ت��ي تحتاج ال���ن���ص ح���ض���ورا بذاتها، ل��ل��س��رد ال����ه����ادىء العميق ت��م��ر األح������داث والحكاية ال��م��ق��ن��ع ،وال�����ذي يستبيح وال��ت��ف��اص��ي��ل ال���ث���ري���ة عن لنفسه البقاء في نفوسنا، ال�����ل�����ح�����ظ�����ات وال�������زم�������ن وتستقر معه أحالمه غير بخصوصيته المتعمدة من مطمئنة لواقعها ،غير أنها الكاتب ،يحكي عن الذات التي ال بد من مشروعيتها وعذريتها أحيانا .إن جمال هو األخ��ر ،والقصص أحيانا ترمز وتطرح على الحكايات وروعتها يأتي من تفهمنا ألحداثها ،ال��واق��ع ،مثيرة األح���داث ،تهتم بالدرجة األولى وق��درة الكاتب على االلتصاق بوعي المتلقي ،بما يدور في أعماقنا من أسئلة تحاول أن تضع وإم��ك��ان��ي��ة االق���ت���راب منه بشكل م��ره��ف ،ك��ي تبقى ه������ذه ال���ش���خ���ص���ي���ات في نفوسنا ط��وال الوقت عبر أزمتها الحقيقة – الدراما- بكل تفاصيلها ،قادرة على ط�����رح أف���ك���اره���ا ووعيها بمصيرها ووج���وده���ا في ال��ع��ال��م .وإل��ى موقف أكثر متعة للقارىء ،رغم الشجن المتعب المورق شجرا من األح����زان ،بلغة الشاعرية ال��م��م��ت��ع��ة ،أو الشعرية المتألقة.
120اجلوبة -ربيع 1431هـ
*
ن����������������������������������واف����������������������������������ذ
لها إجابات ،وكأننا نرى كل ش��يء ألول م��رة ،وبأحداث ال��م��ت��ن��اق��ض��ات المتقابلة ل���ل���م���واق���ف ب����ه����ذا السرد ال���ش���ف���اف .ال���ق���اص يصنع شخصياته وح��ك��اي��ات��ه من قلب ال��واق��ع ،ويضعها على األح��داث أو العكس ،ضمن ال��ت��ف��اص��ي��ل ال��ث��ري��ة ،تتخذ م��ن ال��واق��ع موقفا أساسيا للبناء ..وترصد المتغيرات وال���ت���ح���والت االجتماعية والسياسية أحيانا .يرصد ال���م���ت���غ���ي���رات ف����ي ال���واق���ع االجتماعي من خ�لال بنية ال��ح��دث ،ورص���د ال��م��ت��غ��ي��رات ع��ل��ى ال����ذات بكل التفاصيل ..المكان -الزمن -الشخصيات.. الخ ،وضمن تفاصيل الحكاية الطويلة ،في لحظة واحدة ثرية ،وقادر على كشف الواقع والمعالجة الفنية ..بحيث نراها أمامنا موقفا حقيقيا من العالم ،خ�لال تاريخ الشخصية زمنيا ومكانيا، حيث تبقى الشخصيات في التحامها بالمكان وتجليها فيه ،هي المحرك لألحداث ،والمضمن أس��اس��ا للتفاعل معها ،وع��رض ال��وق��ائ��ع بشكل مباشر في لحظة الحكي ،من حيث موضوعها تلخص أحيانا حياة هذه الشخصيات ،وترصد متغيرات األح���داث عليها .هكذا نتفاعل معها ذهابا وإيابا ورص��دا للتغيرات وأح��داث الواقع المعاصر ،بكافة الوقائع التي تنهل منها رحيق الحكاية ،وتبقى التفاصيل ط��ازج��ة ..غير أنها شجية على ال��دوام من هذه الخبرة الراقية في ال��رص��د ،إل��ى مستوى أفقي ف��ي اللغة ،تتفاعل
التقنيات الفنية المقصود بها إح���داث ت��راك��م نفسي لحياة الشخصيات ،بحيث ت���دور األح����داث ،وتتفاعل ال���ش���خ���ص���ي���ات ،وت������ذوب ت��ف��اع�لات��ه��ا م����ع الحدث والواقع المباشر ،وتتهاوى ال��ق��ي��م األخ����رى ،وتتراجع إلى الخلف محدثة انقالبا سيمفونيا في رصد الواقع والسرد ،وهذا هو ما يحدث في هذا العالم القصصي ال��م��ه��ت��م وال��م��ت��ف��اع��ل مع الحكاية ،والذي هو أساس البناء .ولكونها شخصيات محكومة ب��ع�لاق��ات معينة ت��م��ارس��ه��ا ،وتحاول في الوقت نفسه أن تنفلت من آثارها وقهرها الممارس في كافة األشكال ،في كون الممارسة ومحاولة الفهم والتغيير ،يتوالد الفعل القصصي ال��ذي يبدو هنا عنصرا ق��ادرا على التماس مع ال��واق��ع وكشفه وتحليله ،والتفاعل معه برؤية ناضجة ،يقبض عليها الكاتب ،ويحركها بعناية فائقة كي تتصاعد الدراما ،ويبقى لها وجه أخر، لوجودها فى بنية النصوص. وتظل منمنمات على جدران دمشق القديمة مجموعة من اللوحات الفنية المرسومة بريشة فنان باهر موجوع ومهموم بقضايا اإلنسان/ الوطن /واإلن��س��ان /األخ��ر /يحمل كنزا غاليا اسمه الطفولة ،بذاكرة واعية وراصدة لوجودها وبنيتها المكانية والزمنية ،يحمل معه رائحة ال��م��ك��ان وال��ذك��ري��ات ،وك��اف��ة األش��ي��اء األخرى الجميلة ،بروعة ما في هذا الوجود من ألق.
روائي وناقد مصري.
اجلوبة -ربيع 1431هـ 121
تعبير
املؤلف :الشاعر عيد اخلميسي الناشر :النادي األدبي في حائل صدر عن النادي األدبي في حائل ديوان شعر جديد للشاعر ال��س��ع��ودي عيد الخميسي .،وهو الديوان الرابع للشاعر الذي أصدر سابقاً (كنا)، (البوادي)( ،جملة ال تناسب القياس) .جاء الديوان ال في تسعة في ( )87صفحة تضم نصاً شعرياً طوي ً وثالثين مقطعاً .وقد أهداه إلى (الشيخ عبدالغني إسماعيل النابلسي ،المتوفى -يرحمه الله )-وفي الديوان نقرأ: َاط ٌل في النَقْص. < ِهيَ ِصناعَ ٌة لِلزَوالِ ،كَال ٌم ب ِ
َوضعِ ِإ ْن تَ َو َقفْتَ ِعنْ َد الْمُشَ اهَ َد ِة وَا ْرتَ َويْتَ مِ ْن م ِ َالضمِ ي ُر فِ ي الرُؤيا أَقْ��وَى مِ َن النَظَ رِ . الْعَينِ ،ف َ المُشَ اهَ َدةُ ال يَنْ ُقلُهَا َمثِيلُهَا :يَنْزِ ُع ِبهَا الكَال ُم َو ُهمَا كَشَ جَ رَةٍ تَطْ ل َ ُع فِ ي الجَ ِحيمِ َوأ ُخْ ��رَى ُقرْبَ يُنْب ٍُوع .و َِه��يَ ال تَأتِي عَ ل َى مَحْ ٍض أَبَ��داً .ت َُصبُّ َس فِ يه َو َق ْد يَ ْعتَوِ رُهَ ا الكِ تْمَا ُن الضمِ يرِ َوتُحْ تَب ُ فِ ي َ أَ ْو يَغْشَ اهَ ا مَا يَغْشَ اهَ ا مِ َن الخَ شْ يَةِ وَالْ َيقَظَ ةِ . وَفِ ي ذَلكَ اتْسَ ا ٌع حَ يثُمَا ذَهَ بْتَ َولَ ْم يَسْ تَرِ قْكَ ِظ ُّل يف. شَ جَ رَةٍ أَ ْو سَ ٍ
َاس َوتَشْ بِي ٌه وَظَ ��نٌّ .وَالعَا ِب ُر ال يَنْبَغِ ي َضبِطُ هَ ْذرَهَ ا َويَجْ َعل ُها < العِ بَا َرةُ قِ ي ٌ هَ ذِ ه الق َِصي َدةُ ال َو ْز َن ي ْ باب صريْ ُر ٍ َّف فيما تَقُولُ .هيَ في كِ تَابِها َ تَتَ َوق ُ لَ ُه أَ ْن يَسْ تَعِ ي َن عَ ل َى ِعبَا َرتِهِ ِبزَجْ ٍر فِ ي ال َيقَظَ ةِ في سَ احَ ٍة يَ ْعبُرُهَ ا السَّ ا ِبلَةُ. َ��ال ِع��نْ�� َد َذلِ���كَ يَسْ َمعُه .ال َمنَا ُم يَ��زْجُ �� ُرهُ وَال بِ��ق ٍ َاخ��لُ�� ُه مَ��جْ �� ُه��ولٌ .يَ��حْ ��وِ ي ال ِّثمَا َر وَالتَوَارِ يْ َخ ال يُ��د ِ َيس مَطْ وياً في كِ تَابُها خَ َب ٌر مَشْ هو ٌر و ِإ ْن َك��ا َن ل َ َات وَالْمَخَ اوِ ِف: وَاألَشْ ���وَا َق مُشْ تَ ِب َك ًة بِالْمَخْ ل ُوق ِ َض. َيس مَخْ توماً وَال أَبْي َ يَ��دِ غُ�لام .ال��كِ ��تَ��ابُ ل َ صا َر ليل ،ال ُذبَابُ َوقَ�� ْد َ الْحَ َّي ُة ِإ ْذ تَطْ ل َ ُع مِ ْن إِحْ ٍ ْسي خَ ل َْف ِس ُمنْحَ نياً عَ لى ُكر ٍ اص أَث ٍَر يَجْ ل ُ َص ُ ق َّ َاعهَا ،آ َد ُم َم ْذبُوحاً ،الشَّ جَ ُر الذِّئاب و َِطب ِ ِ بِحَ جْ مِ الل بَ ْل يَتَتَ َب ُع بِخَ ٍط باب .وَهو ال يُ َد ِّو ُن الكِ تَابَ بِجَ ٍ ٍ َّاس فِ ي خُ طَ ٍام، الجبَا ُل يَ ْقتَادُهَ ا الن ُ كَسَ اهُ الشَّ ْعرُِ ، َصحيفَهَ .و َق ْد يَحُ كُّ ِجل ْ َدهُ حَ تَّى رَدِ يءٍ سُ عَالَه َوت ْ السلُ. السَّ مَاءُ َمكْسُ و َرةَ الزُّجَ اجِ تَتَ َدلَّى مِ نْهَا السَّ ِ يُ ْدمَى. < التَ ْعبِي ُر انْ ِتقَا ٌل مِ ْن حَ ٍال ِإلَى حَ ٍال ،فِ ي ِإنْشَ ائِهِ ِضي ٌق
122اجلوبة -ربيع 1431هـ
ال يَدْخُ ُل السَّ ْه ُو َمنَاماً .ال ُمبْ َه ُم ال بَابَ لَه.
ق�������������������������������������������������������������راءات
رواية «الطائر احلر»
املؤلف :هشام مشبال
> محمد العناز* تجسيد للمأساة وتوق إلى الحرية يسعى ه��ش��ام م��ش��ب��ال ف��ي رواي����ة «ال��ط��ائ��ر الحر» الحائزة على الجائزة األولى للقناة الثانية (في صنف ال��رواي��ة) ،إلى أن يصور مأساة جيل محبط ،انطالقا من رصده لشخصية «يوسف» الشاب الحالم بمستقبل جميل ،ولكنه ينغلق أمامه على الدوام نتيجة إكراهات متعددة .وقد عبر الميلودي شغموم عن هذه المأساة بقوله :إن رواي��ة «الطائر الحر» ت��روم «تصوير مأساة جيلين؛ جيل الشباب وجيل اآلباء»؛ ويضيف قائال «إن هشام مشبال يمتلك نَفَسا روائيا طويال ومتميزا ،فقد استخدم جميع تقنيات الكتابة الروائية التي أسهمت في التقاط الفاجعة أو المأساة». وال��ح��ق أن ه���ذه ال���رواي���ة ال��ت��ي ت��ص��ور ش��اب��ا يحلم بمستقبل ثقافي خ��اص ومتميز ،ت��واج��ه��ه جملة من المنغصات الناتجة عن األسرة ،أو الوسطين االجتماعي والثقافي ،أو ما يتعلق بتكوينه النفسي .إن البطل الذي يعاني علة عدم االنسجام مع الواقع ،يتوق إلى الحرية.. بصفتها قيمة إنسانية كونية تجسد الخير ،أو تعكس عالما أفضل. إذاً ،ما بين عالمي الواقع المحبط والحلم الهارب، تتجسد أحداث هذه الرواية ،انطالقا من عالقة البطل بعائلته ،أو صديقه المناضل السياسي ،وكذلك أصدقاء
طفولته ومرحلة شبابه ،وكذلك حبيبته نهى التي تجسد نقطة النور المضيئة في عالمه الحزين.
إن البطل ال��ذي يسعى إل��ى أن ينسجم م��ع واقعه المليء بالتناقضات والمآسي ،ينهزم بفعل إكراهات اجتماعية وثقافية ،تحول دون تحقيق حلمه الخاص. ولكن على الرغم من كل ذلك ..ثمة أمل يلوح في األفق، تعبر عنه جملة من الصور الروائية ،ما يعكس بالغة ت��ت��راوح بين ال��ي��أس واألم���ل ،أو بين االن��ك��س��ار والقوة النابعة من األعماق. لقد كتبت ال��رواي��ة بلغة س��ردي��ة تصويرية ،بدأت بوصف مدينة تطوان وفضائها الزمني العليل ،وانتهت بموت األم ،وك��أن الحياة التي حلم بها البطل انغلقت أمامه ،فاستسلم لها عاجزا ،وإن كان هذا االستسالم مجرد حيلة بالغية ،تعكس قوة نابعة من أصالته الفكرية، وإحساسه المرهف ،وإنسانيته المفرطة العليلة. لقد استطاع هشام مشبال في رواية «الطائر الحر» أن يبني عالما متماسكا مليئا باألحاسيس ،وأن يصور جماليا مجتمعا تملؤه التناقضات واإلحباطات المتكررة، كما استطاع أن ينسج بالغة للقيم اإلنسانية التي تتوزع في الرواية بين الحلم واالنكسار ،أو بين الظلم والعدل، أو بين القيد والحرية ،أو بين الثقافة والالثقافة.
اجلوبة -ربيع 1431هـ 123
أحالم ال تعرف التحليق
املؤلف :إلهام البراهيم الناشر :دار املفردات 1431 -هـ 2010 -م أص�����درت ال��ق��اص��ة إل���ه���ام ع��ق�لا البراهيم – ،ج��روح التفاح – خلف أس���وار المصح – عفوا
مجموعتها القصصية األول���ى (أح�ل�ام ال تعرف عبدالعزيز – تكفى ي��ا ن��اص��ر – زاوي���ة الدموع التحليق)1431 ه�����ـ ،م��ح��ت��وي��ة ع��ل��ى ( )30نصا – ح��ل��م ب�لا أرج���ل – س��ن��وات ال��خ��دي��ع��ة – صور
قصصيا ،تحمل لوحات رسمتها ريشة الزمن ،فيها ورسائل – تحياتي لمن دمر حياتي – شخصيات األمل واأللم ،الفرح ،والحزن ،التساؤل واالستسالم ،متكسرة – بقايا جنة – مذكرات اليأس – عندما لوحات معبرة ومؤثرة من مجتمع وادع. استطاعت الكاتبة ببصيرتها الثاقبة أن تتغلغل في المجتمع ،وأن تنتزع موضوعات لوحاتها من خلف أسوار المنازل ،ومن معارج الحياة العامة، وأن تعالج قضاياها بكل موضوعية وإيمان.
تنتحر الجوف – ريشة في مهب الريح -صائد
الفراشات – صندوق الذكريات – جنة الدنيا – مريم – شموع باكية – أش��رع��ة الصبر – بائعة الخبز – بين أحضان الندم.
ومن قصة ريشة في مهب الريح « :قد يضطر
اإلنسان للكفاح ..ولكن تيارات الزمان قوية ..كيف
ت���ن���ب���ئ ق���ص���ص ال���م���ج���م���وع���ة ع�����ن قاصة يبقى اإلنسان إنسانا في زمن ال يرحم اإلنسانية». واع���دة ،قادمة بكل جسارة وثقة ،وم��ن قصص ومن قصة بائعة الخبز « :في مكان ناء ،وبحي المجموعة: فقير وضئيل ،وآخر الطريق 3غير المعبد ،منزل م��ي��ادة – أح�ل�ام ال ت��ع��رف التحليق – شريط صغير ،تلهو القطط الضالة أمام بابه الوضيع،
الماضي – لعبة االنتقام – الصرخة األخيرة – تنبعث رائحة القمامة الكبيرة ،اندفعت هنا قصة سعود وفوزية – شموخ مضاوي – صانع الدمى صغيرة خلدها الزمان». 124اجلوبة -ربيع 1431هـ
ق�������������������������������������������������������������راءات
قصائد حب منساوية (لألرض واإلنسان)
املترجم :بدل رفو املزوري الناشر :دار الزمان السورية للطباعة والنشر ,الطبعة :األولى ،دمشق 2010م > توفيق التوجني*
العشق على الطريقة النمساوية سوناتات جميلة ،هوية روح شعب وعصارة إبداع يا رب امنحني القوة لحب البشر كحب األرض والماء واألعشاب والشجر Johanna Jonas-Lichtenwallner
الترجمة بحد ذاتها فن ال يجيده الكثيرون ،وإن��ي ألعترف بأني أالق��ي الكثير من الصعوبات عند ترجمتي للنصوص الشعرية في جل اللغات التسع التي أجيدها .لكن الشعر المترجم الذي نحن بصدده ،فرغم كونه مترجم من اللغة األلمانية ،فإنه يأخذنا إلى عالم المحبة والعشق بالطريقة الشرقية التي برع في استخدام مفرداتها الشاعر بدل رفو في ترجمته للنصوص الشعرية لشاعرات وشعراء معاصرون ،وجُ لهم من جيل ما بعد الحرب العالمية الثانية .يتغنون بالوطن: كون كالوطن آه لو كانت روحي لك
اجلوبة -ربيع 1431هـ 125
كوطن دار بحيطان بيضاء متينة تشرب الورد عليها من نور الشمس نار في الموقد حية ،دافئة ونيرة طريق إلى مروج واسعة طريق إلى عظمة الله غير محدودة
Wiltraud Kainz
ال ش��ك أن ال���وط���ن ..م��ع��ش��وق��ة ب��ن��ي البشر األبدية األزلية خالدة كخلود الرحمن وهي تجعل الروح اإلنسانية تدنوا إلى الالنهائية في سديم ه��ذا العالم .محبة الثرى تخلد دوم��ا فهي األم الحنونة المعطاة رغم جحود اإلنسان وجبروته. ولهذا قال المترجم في كلمة اإلهداء: ومن الحب لنا وطن في العمر الثاني فكل كلمة حب نمساوية تتفتح في القلب جرحا اسمه:الوطن...
أحلى طعما من نصها األصلي األلماني .فقد نرى أحيانا أنه يعيد صياغة النص الشعري بالكامل، كي يعكس روح الشعر وشاعرية الشاعر .بينما ن��رى مترجمين آخرين يعتمدون على معارفهم اللغوية ف��ي الترجمة الحرفية للنص ،فتاتي أعمالهم غير متكاملة ،وفي بعض األحيان دون أي معنى .ويعد كتاب الشاعر «بدل رفو» إضافة إب��داع��ي��ة نوعية إل��ى المكتبة العربية .وجهدا عظيما يستحق الشكر والتقدير. ويقول األستاذ الناقد إبراهيم اليوسف في مقدمة ال��ك��ت��اب:إن ه��ذه النافذة المضيئة على الشعر ال��ن��م��س��اوي ،لهي دل��ي��ل كبير على سمو روح ه���ذا األدي����ب وال��م��ت��رج��م ،ال���ذي ي��ج��د في الشعر نسغاً لروزنامته اليومية ،وهو ما يحدو به لكسر أي سدود تحول دون التواصل بين أبناء القرية الكونية ،القرية التي يشدو سكانها بأغنية واحدة ،كل بصوته ،بيد أنها في النهاية قصيدة الحب الكبير ،وهل هناك حب أعظم وأسمى من حب لبناته الرئيسة:األرض واإلنسان؟
وإذ يترجم شاعرنا لخمسين شاعرة وشاعر إن ال��ت��رج��م��ة ك��ف��ن ت��ت��ع��دى ح���دود الترجمة الحرفية للكلمات إلى فهم كنه اللغة التي يترجم نمساوي فإنه ال ينسى «شاعرة الوطن» العراقية إليها المترجم؛ فعليه أن يكون ملماً بلغته األم في المنفى سوزان أيوب التي تقول: وبجميع حيثياتها .كما عليه أن يتحلى بثقافة ألف حلم وحلم عامة واسعة من ناحية ..ومن ناحية أخرى َفهْم استنشقت كنه استخدام الكلمة وليس فقط معناها الصوري. الهواء الذي هب من بالدك بمعان مختلفة حسب ٍ فبعض الكلمات تستخدم الهواء الذي المسك وروده���ا ف��ي ال��ن��ص ال��ش��ع��ري ،وه��ن��ا ت��ب��دأ مهمة صباحا المترجم في البحث لتقديم أقرب المعاني للكلمة سألته عنك.. المراد ترجمتها إلى اللغة المترجمة إليها. كلما جاء من وطنك وف���ي ه���ذا ال��ك��ت��اب ت��ج��اوز ش��اع��رن��ا «بدل» الترجمة الحرفية إلى ترجمة روح النص ،ما جعل الكثير من النصوص المترجمة إلى العربية ،ربما
126اجلوبة -ربيع 1431هـ
لم يأت برسالة منك أبدا.. إال في الحلم
مرض أنفلونزا اخلنازير ..أعراضه وطرق الوقاية منه ضمن خطة النشاط الثقافي لمؤسسة عبدالرحمن السديري الخيريـ ــة للعام 1431/1430ه���������ـ أق��ي��م��ت ي���وم الثالثاء 1431/02/18ه���������ـ ف��ي ق��اع��ـ��ـ��ـ��ة العرض والمحاضرات بدار الجوف للعلوم محاضرة عن« :مرض أنفلونزا الخنازير ...أعراضه وطرق الوقاية منه» ألقاها الدكتور أحمد ح��م��ود ال��ح��ازم��ي عميــد كليــة الطـب- جامع ــة الجوف ،وق��دم لها مساعد المدير العام عبدالرحمن إسماعيل ال��درع��ان ،وحضرها مجموعة من األطباء :من الشؤون الصحية ،جامعــة الجوف ،الكلية الصحية ،ومديرو الدوائر الحكومية ،وعدد من أهالي المنطقة ،وقد نقل ــت للقســم النسائــي عبر الدائرة التليفزيونية المغلقة.
األنشطة الثقافي ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــة
> إعداد :عماد املغربي*
أمسية شعرية
أقيمت يوم الثالثاء 1431/4/21ه���ـ في قاعة العرض والمحاضرات بــدار الجوف للعلوم «أمسية شعرية» للشاعر علي الحازمي ،وأدارهـا رامي مصطفى هالل -معلم اللغة العربية في مدارس الرحمانيـ ــة ،ألقيت فيها تسع قصائ ــد منوعــة هي :دُنياكَ خار َج سورِ ها العـالي -ش��ارع في ج��دار -زواج الحرير من نفسه -وح ــدك دون غيرك -عائشة يسهل أن تعود إلى الص ــدى -أحبُّواالحيـ ــاة بال سبب – سلم للغيب -دلني صوتي عليك.
اجلوبة -ربيع 1431هـ 127
صاحب السمو الملكي أمير منطقة الجوف يشهد الندوة بدار الجوف للعلوم
د .ثامر الخيرالله ،د .فهد الوهابي
أمير منطقة اجلوف يشهد ندوة :مرض الزهامير برعاية صاحب السمو الملكي األمير فهد بن بدر بن عبدالعزيز -أمير
منطقة الجوف أقيمت في قاعة دار الجوف للعلوم ندوة عن« :مرض الزهايمر»
نظمتها الجمعية السعودية الخيرية لمرض الزهايمر بالتعاون مع مؤسسة
عبدالرحمن السديري الخيرية ،تحدث خاللها كل من :الدكتور فهد الوهابي -نائب رئيس اللجنة العلمية الطبية ،والدكتور ثامر الخيرالله- ,عضو اللجنة
العلمية الطبية ,-عن أبرز التطورات المتعلقة بالمرض ،والتعريف بأنشطة الجمعية وخدماتها وخططها المستقبلية .وقد نقلت وقائع الندوة (عبر الدائرة
التليفزيونية المغلقة) للقسم النسائي الذي تشرف بحضور صاحبة السمو الملكي األميرة سارة بنت عبد الله بن عبدالعزيز ,حرم سمو أمير المنطقة، وصاحبة السمو األميرة مضاوي بنت محمد بن عبد الله بن عبد الرحمن ,نائبة
رئيس الجمعية السعودية الخيرية لمرض الزهايمر رئيسة اللجنة التنفيذية، التي ألقت كلمة شكرت فيها صاحب السمو الملكي أمير المنطقة على رعايته الكريمة للندوة ،وصاحبة السمو الملكي األميرة سارة.
وتأتي هذه الندوة ضمن خطة النشاط الثقافي للعام 1431/1430هـ.
128اجلوبة -ربيع 1431هـ