-العدد - 28صيف 1431هـ 2010 -م
من إصدارات مؤسسة عبدالرحمن السديري اخليرية
دراسات سعيد بوكرامي محمد جميل أحمد نقد ظافر اجلبيري صبري مسلم إبراهيم احلجري جناة الزباير قصص عبدالله السفر إبراهيم احلميد محمد الشقحاء شعر سلطان السبهان ،أحمد املال، محمد العتيق ،صالح الدين غزال مواجهات الناقد سلطان القحطاني، والشاعر أحمد حجازي وآخرون
ملف العدد:
القراءة أزمة ِ المجالت الثقافية ..قراءة في ِ
28
مشاركة :عبدالرحمن الدرعان -مالك اخلالدي – هشام بنشاوي – وضحاء آل زعير عبدالدائم السالمي -خالد فهمي – عمران عز الدين – محمد البشتاوي
28
من إصدارات اجلوبة
مجموعة من أشجار النخيل في نفود سكاكا تم التقاط صورتها عام 1422هـ
بستان نخيل في حي اللقايط بمدينة سكاكا
اجلوبة -صيف 1431هـ
1
العدد 28 صيف 1431هـ 2010 -م
ملف ثقافي ربع سنوي يصدر عن مؤسسة عبدالرحمن السديري اخليرية
املشرف العام إبراهيم احلميد املراسالت توجه باسم املشرف العام ّ
هاتف)+966( )4( 6245992 : فاكس)+966( )4( 6247780 : ص .ب 458سكاكا اجلـ ــوف -اململكة العربية السعودية aljoubah@gmail. com www. aljoubah. com
ردمد ISSN 1319 - 2566
سعر النسخة 8رياالت تطلب من الشركة الوطنية للتوزيع
قواعد النشر
- 1أن تكون املادة أصيلة. - 2لم يسبق نشرها. - 3تراعي اجلدية واملوضوعية. - 4تخضع املواد للمراجعة والتحكيم قبل نشرها. - 5ترتيب املواد في العدد يخضع العتبارات فنية. - 6ترحب اجلوبة بإسهامات املبدعني والباحثني والكتّاب، على أن تكون املادة باللغة العربية. اجلوبة من األسماء التي كانت تطلق على منطقة اجلوف سابق ًا
الناش ـ ـ ـ ــر :مؤسسة عبدالرحمن السديري اخليرية أسسها األمير عبدالرحمن بن أحمد السديري (أمير منطقة اجلوف من 1362/9/5هـ 1410/7/1هـ املوافق 1943/9/4م 1990/1/27 -م) بهدف إدارة ومتويل املكتبة العامةالتي أنشأها عام 1383هـ املعروفة باسم دار اجلوف للعلوم .وتتضمن برامج املؤسسة نشر الدراسات واإلبداعات األدبية ،ودعم البحوث والرسائل العلمية ،وإصدار مجلة دورية ،وجائزة األمير عبدالرحمن السديري للتفوق العلمي ،كما أنشأت روضة ومدارس الرحمانية األهلية للبنني والبنات ،وجامع الرحمانية. 2
اجلوبة -صيف 1431هـ
الـمحتويــــات
6....................... املجالت الثقافية ..قراءة في أزمة القراءة
37..................... أقنعة خورخي لويس بورخيس
82..................... حوار مع الدكتور سلطان القحطاني
90..................... الشاعر الكبير أحمد عبداملعطي حجازي الغالف :تصوير :رامية احلميد.
االفتتاحية4............................................................. ملف العدد :المجالت الثقافية ..قراءة في أزمة القراءة 6........... َّناص القرآنيّ في - ...د .إبراهيم الدهون31.... دراسات :أشكا ُل الت ّ أقنعة خورخي لويس بورخيس -سعيد بوكرامي37................. حكاية شعبية عربية دراسة مقارنة -سمير أحمد الشريف 44..... في الخطاب المعرفي للشعر -محمد جميل أحمد 48............. قصص قصيرة :نصوص قصصية -عبدالله السفر 54............. قصتان -إبراهيم الحميد 55........................................ قصص قصيرة جدا -محمد المنصور الشقحاء 57................ حلوى الدماء -إلهام عقال البراهيم58.............................. قصص قصيرة جداً -حسن علي البطران 60...................... ليل ٌة قُربَ حكيم -نور الجندلي61................................... دجاجة هاشم -إبراهيم شيخ مغفوري62........................... شعر :قلبٌ كقلب الطيرِ - ..سلطان السبهان 63...................... تمارين الوحش -أحمد المال 64.................................... بمقدارِ الهوى يتحرَّكُ الفضاء -عبدالله علي األقزم 66............ ْش ال ُّرفَات -صالح الدين الغزال 68.............................. نَب ُ ُه َو ضائق - !..محمّد عبدالعزيز العتيق 69......................... وداع -ثاني الحميد 70.............................................. نقد :جبل حالية -ظافر الجبيري 71................................ الروائية البحرينية فوزية رشيد -أ .د .صبري مسلم 73........... في روايته األولى «كائنات من غبار» -إبراهيم الحجري 75........ قراءة في قصيدة «ملكوت» لصالح هويدي -نجاة الزباير79....... مواجهات :الدكتور سلطان القحطاني -محمود الرمحي82......... القاص أحمد بوزفور -عبدالغني فوزي 86......................... الشاعر الكبير أحمد عبدالمعطي حجازي -عصام أبو زيد 90.... الشاعرة والكاتبة العمانية فاطمة الشيدي -أحمد الدمناتي 94... نوافذ« :في مدار التنين» -جعفر العقيلي 97........................ أدبُنا العربيُ ..بين الج ّد والهزَل -راضي صدوق100............... التعليم اإللكتروني -د .إسالم جابر أحمد عالم 103............... تراسل الحواس في رواية ليوسف المحيميد -فريال الحوار108... ندوة أدوماتو الثانية -محمد صوانه 110............................ مسرح :أزمة النص في مسرح الطفل -الزبير مهداد 115...........
مال واقتصاد :تنمية الموارد البشرية -بالل حسين122............ قراءات125............................................................ األنشة الثقافية 128.................................................
اجلوبة -صيف 1431هـ
3
على هامش املجالت الثقافية > إبراهيم احلميد تخصص الجوبة ملف هذا العدد للمجالت الثقافية ودورها الثقافي :الواقع والمأمول ،مستقطبة للكتابة فيه عدداً من المتابعين والباحثين والمهتمين. وإذا ك��ان البعض يبالغ في وص��ف المشكلة التي تواجهها بعض المجالت الثقافية ،من حيث التوزيع والقدرة على االستمرارية والتواصل ،فإن تجربة العديد منها ،كان مثاال لألمل في مستقبل أكثر إشراقا لها؛ فقد يولد الحلم من رحم المعاناة ،كما يُقال! ف��إذا كانت بعض المجالت الثقافية قد واجهت فيما مضى صعوبات في الصدور والتوزيع ،والكوادر ،مثلما توقفت مجلة «الرسالة» عام 1952م ،أو «النص الجديد» عام 1991م ،أو األزمة الخانقة التي عاشتها مجلة «اآلداب» التي تأسست عام 1953م ،فإننا اليوم أمام نهر متدفق من هذه المجالت ،جعلها تتزاحم على ثقة القارئ العربي ،من المحيط إلى الخليج ،ما يؤكد على األهمية التي باتت تحتلها لدى مصدريها و قرائها على حد سواء؛ فيما ال يستطيع أي منصف أن يجعل التوزيع هو معيار النجاح ،أو كما يقول الدكتور سليمان العسكري في مجلة «العربي» ،وهي المجلة التي يبلغ عمرها أكثر من نصف قرن ،ولها تجربة رائدة كمجلة ثقافية «التوزيع لم يكن أبدا مقياسا ألهمية المجلة الثقافية ،ولكن مقياسها الحقيقي هو مدى تأثيرها وتحقيقها للغرض الذي أقيمت من أجله». ومن هنا ،نجد أن المنظور التجاري يختلف لدى القائمين على المجالت الثقافية ،ألننا لم نتعود في العالم العربي ،أن نجد مجالت ثقافية ،تحقق أرباحا تجارية ،وه��ذا ما يؤكده الدكتور العسكري حينما يقول «المجالت الثقافية.. بخالف الصحف األخرى ..ال يمكن أن تنهض وفق منظور تجاري ،ولكن من أجل توجيه رسالة معينة.».. إن للمجالت الثقافية دور بنّاء وكبير في نشر الوعي بكل أنواعه ،دور كبير
4
اجلوبة -صيف 1431هـ
اف�����������ت�����������ت�����������اح�����������ي�����������ة
فاعل ومؤثر ،بإمكانه أن يشكل معيناً ال ينضب ،أو زاداً معرفياً وثقافياً وحضارياً وتواصلياً في أغلب األح�ي��ان .لقد لعبت تلك المجالت دوراً كبيراً في إثراء ال عن حرصها الدؤوب الذائقة اإلبداعية للقراء وال ُكتَّاب عبر أجيال خلت ،فض ً على أن تُزدهى بأبهى الحلل ،ناهيك عن ثراء المضمون ،وإذا كان البعض يشير إل��ى ضعف اإلقبال على المجالت الثقافية ،فإننا نعلم أن ذل��ك بسبب ظرف طارئ ،يتعلق بمكانة اللغة العربية ،والثقافة الجادة ،وانتشار العامية والتسطيح الثقافي ،إضافة إلى الثورة المعلوماتية التي وفرت المعلومة و يسرت الحصول عليها دون عناء ،ما يجعل الرهان على المجالت الثقافية ،يكبر ويزداد اتساعا، لتعظيم مسئوليتها ،للوصول إلى أكبر قدر من المهتمين ،بكافة وسائل االتصال، والوسائط الجديدة؛ ألن ذلك كفيل بتواصل دورها وعدم أخذ مكانتها. وفي تجربة مجلة الجوبة ،لم يُرد ناشرها إال أن تكون مجلة للمعرفة ،وللثقافة واألدب ،بمفهومه الواسع ،أرادها أن تكون منبرا حرا للفكر ،و لتشجيع الشباب على الكتابة واإلب��داع في منطقة الجوف بشكل خاص ..وفي مملكتنا وعالمنا العربي ،ومما يحسب لمؤسسة عبدالرحمن السديري الخيرية ،تبنيها إلصدار هذه المجلة التي ص��درت في وقت كان إص��دار المجالت الثقافية في بالدنا مغامرة غير محسوبة ،وها هي تؤتي أكلها كل ثالثة أشهر ،ال تخيب وال تخيِّب أمل محبيها وقرائها ،كاشفة عن المضيء والخالق في إبداعنا العربي متصدية لإلشكاالت واألسئلة.
اجلوبة -صيف 1431هـ
5
ِ أزمة القراءة املجالت الثقافية ..قراءة في > تقدمي :هشام بنشاوي -املغرب
بالتأكيد ،نبتهج بميالد أي مطبوعة أدبية ،تبدد بعض عتمة هذا الدرب المعتم ،في ظل مناخ عربي متخلف ،يحارب الثقافة ،الفكر واإلبداع ،بشتى الوسائل ..ومن المؤلم أن هذه المطبوعات ال يقبل عليها إال المهووسين بالكتابة ،وال مجال للحديث أو المقارنة بين النشر اإللكتروني ونظيره الورقي، ال سيما وأن بعض األصدقاء يعتقدون بأن المتصفحات ستزيح الكتاب الورقي ،متناسين أن المسألة محسومة -سلف ًا -لصالح األمية الثقافية ،التي ينعم بها المواطن العربي من الماء إلى الماء. من المحزن أن تكتسح السوق مجالت براقة األغلفة ،تحقق انتشار ًا واسعاً ..من خالل اهتمامات سطحية كالموضة ،الطبخ ،الجمال وزيجات النجوم وفضائحهم ..والمؤلم أن تلك المجالت تستقطب (تستكتب) أسماء ثقافية وازنة ..وهذه األسماء تضحي بكل «إنجازها» اإلبداعي والفكري والنقدي إزاء مكافأة يسيل لها اللعاب ،ولن ينتاب كاتبنا الكبير اإلحساس بالذنب ،وهو يكتب في مجلة تعتاش على فضائح المشاهير ،وتشوهات مجتمعاتنا العربية ،التي ينحصر كل تركيزها على الفضائح واإلثارة. ولألسف ،هذه المجالت تصمد ،وتعمر طويال ،وبعضها يحظى بالدعاية حتى على قنوات فضائية شهيرة ...في حين تتالشى المطبوعات الجادة في عمر الورود؛ فإن أفلتت من مقصلة األنظمة ،يكون العجز المادي لها بالمرصاد.. من املطبوعات الثقافية اجلادة ،التي بدأت تفرض «حضورها» في املشهد العربي مجلة «اجلوبة» ،التي حترص على التواصل مع جمهور املثقفني العرب ،علماً أن ما يحول دون تواصل الكتّاب مع بعض املجالت هو ضآلة عدد النسخ املوزعة ،السيما إن كانوا بعيدين
6
اجلوبة -صيف 1431هـ
عن املدن الكبرى .لقد اضطررت -مرة -إلى حتمل مشاق السفر ومبكراً ،إلى الدار البيضاء للحصول على نسخة من مجلة ثقافية ،كانت تتضمن مادة لي، وكانت تلك النسخة الوحيدة املتبقية ،مع أنها مجلة فرضت نفسها بقوة ،خالل أقل من عقدين ،وسط
م������������ل������������ف ال������������ع������������دد
منافسة شديدة بني املطبوعات الثقافية العربية. وامل�لاح��ظ أن ه��ذه املجلة حت��رص على النشر ألسماء كبيرة وازن��ة ،مع إتاحة الفرصة للكتابات الشابة «املتميزة» .وثمة مجالت تستغل إمكاناتها املادية ،فتجعل أغلب صفحاتها للكتاب املستكتبني.. من خالل زواياهم ،واملراسلني بتغطياتهم ،وحواراتهم وحتقيقاتهم الثقافية ..تاركة هامشاً ضئيال لبعض النصوص اإلبداعية .لكن القارئ ،سينتابه امللل من ال�ق��راءة لألسماء ذات�ه��ا ،حتى لو كانوا كبار كتاب الوطن العربي ..الذين يصيرون ملزمني بتحضير م�ق��االت�ه��م ك��ل ش �ه��ر ...وه �ن��ا ت�ت�ح��ول ال�ك�ت��اب��ة إلى مجرد ارت��زاق ...ال سيما إن كانوا مرتبطني بأكثر من مطبوعة ،ما يؤثر على عطائهم ،فضال عن كون قارئ هذه املطبوعة هو نفسه قارئ بقية املطبوعات األدبية. لقد استطاعت «اجل��وب��ة» أن تستقطب أسماء لكل عدد ملفاً ،وهي ُسنّة حميدة تتبعها مطبوعات شابة ،ذات حضور متوهج ،وحترص على أن تخصص شتى ،ونأمل أن تستقطب -في املستقبل القريب- كبار كتاب الوطن العربي ..الذين ال ينشرون إال في الصحف الس ّيارة واملجالت الكبرى. لقد عودتنا «اجلوبة» على االنفتاح على التجارب الواعدة ،لكننا ال نتفق مع أسلوب «التشبيب» ،مثلما ال نتقبل أسلوب اإلقصاء الذي تتبعه بعض املجالت.. لكنها مطالبة أن تتحلى ببعض «القسوة» ،ب��دل أن تفاجئ قارئها /الكاتب (وه��و كاتب ذك��ي ،ال ميكن استبالده) بالنشر لبعض األسماء ،التي لم يسبق لها أن نشرت حتى في صفحة الشباب بصحيفة ورقية، محدودة التوزيع( ...هكذا ،ببساطة حترق املراحل)، نصاً سبق أن نُ ِشر في واألنكى أن هناك من ينشر ّ عدة مواقع ومنتديات ،ألن هذا الكاتب ال يعلم أي شيء عن قواعد النشر في املجالت ،ولم يجرب أن يكتب ويكتب ،وينتظر شهوراً نشر مواده ..ألنه تعود أن ينشر ما يكتب ،بعد دقائق ..ولألسف ،فإن النشر اجلوبة -صيف 1431هـ
7
اإللكتروني أربك كل شيء ،وهكذا ،صرنا أمام كتاب تخصصوا في كتابة القصة القصيرة ج��داً (حمار السرد املغلوب على أم��ره) ،وفي أربعة أسطر ،جتد نفسك أمام نكتة أو حكمة يقوم بتحويرها صاحبنا، ويوهمنا بأنه عبقري الـ (ق.ق.ج) ،ومنهم من يستغل تسامح بعض محرري املجالت أو الصحف ،وميطرها بحوارات تافهة مع «فلتات» زمن النشر اإللكتروني، ومنهم من تسمع باسمه ألول مرة. ذات ل �ق��اء ،التقيت ص��دي�ق�اً ،وه��و ك��ات��ب ورقي فقط ،وحدثته عن كاتب ينشر في اإلنترنت« ،يتزعم» جمعية «ت � ّدع��ي» أن�ه��ا ض��د س�ي��اس��ات احت��اد كتّاب املغرب ،فأغرق في الضحك ..شفقة على صديقنا الذي ال يعرفه أحد ،ولم ينشر في أي جريدة ورقية باملغرب؛ فكيف سيحارب مليشيات الثقافة املغربية؟ وتساءل :من يكون هذا الشخص أصال؟ لكن كيف سيكون رد فعل أي كاتب حني يصادف ح � ��واراً م��ع ش�خ��ص خ��دع��وه ف��ي ب�ع��ض املنتديات فتوهم نفسه آخر فطاحلة الشعراء؟ الضحلةّ ، أتذكر ،هذه اللحظة ،حواراً ،نشره أحد الشعراء في صفحته اخلاصة في أحد املواقع ،وكان بعنوان الفت ،وبخط بارز« :حوار مع املترجم والشاعر العاملي الكبير ،األستاذ ،»..علماً أن هذا الشاعر العاملي ،ال يفرق بني الرفع والنصب .لكن حني جتد مثل هذا ال�ش�خ��ص ف��ي م�ج�ل��ة ،ف�ل��ن ت�ض�ح��ك م�ث��ل صديقي
8
اجلوبة -صيف 1431هـ
فوقت ال�ق��راءة ثمني ج��داً -بل ستمزقها ..العناًاحملاوِ ر واحملا َور وناشر احلوار؛ فاملجالت الثقافية ال يقرأها زب��ائ��ن صالونات احل�لاق��ة ..وم��ا يشدنا إل��ى ق��راءة بعض املجالت دون غيرها وج��ود بعض املواد املغرية ،كمقاالت وإبداعات األسماء الالمعة، احلوارات التي جترى معهم والقراءات النقدية ،التي تكتب عنهم ،وال أنكر أن كتابات بعض األصدقاء تشدني ،ممن يزاوجون بني النشر الورقي ونظيره «أدبي» جميل.. اإللكتروني ،وصار لهم حضو ٌر ٌّ
لست متعصباً لإلقصاء ،لكن ثمة جرائد ورقية كثيرة ،ترحب بكل الكتابات ،ال يهمها سوى ملء بياض الورق القاتل .هناك من بدأ النشر اإللكتروني ،قبل شهور فقط ،وتُفاجأ به قد تسلل إلى بعض املجالت.. ولكي ال مت��وت املجلة -أي مجلة -فهي مطالبة باحلرص على ما ينشر فيها ،وبغربلة األسماء ،فثمة أسماء شابة ،ذات حضور مشرق ،لم تتح لها الفرصة لالنطالق؛ ألن هناك أس�م��اء ش��اخ��ت ،وحتتكر كل الصحف واملجالت ،بكتاباتها الضحلة ..بد َل أن تعلن تقاعدها ،وتسلم املشعل للجيل اجلديد .أيضاً ،هذه ودب ،حتى هب َّ املطبوعات مطالبة بأال تنشر لكل من َّ ال تتحول إلى منبر ينشر فيه كل من يجيد النقر على لوح املفاتيح؛ فيرسل ما يكتبه دفعة واحدة إلى ألف منبر ومنبر ،مخفياً عناوين املرسل إليهم ..بوضعها في حيز النسخة السرية.
> عبدالدائم السالّ مي -تونس
األسئلة ِ بتد ُأ مُ َ هل يجوز القول بوجود «أزم��ةِ ق��راءةٍ » في الوطن العربي؟ وهل كان ثمة في َ تاريخه في الزمان قرائي َع َض َد ُجه َد الفكر ،وهو يبني لفعل خزين ثقافتنا عادةٌ ٍ ّ اليومي؟ وكيف السبيل إلى إثبات هكذا لكي نبحث عنه اآلن في سلوكنا ّ واملكانْ ، كم ،في كون حالِ املطبوعات الورق ّية العرب ّية تشهد تر ّد ًيا إنتاج ًّيا واستهالك ًّيا؟ ُح ٍ تخص العربي هو َم ْن يتح ّمل مسؤولية ذاك التر ّدي بفعل عوامل الكاتب أليس ُ ُّ َ ُّ املكتوب ،وع��د ُم تلبيته ألفق انتظارات عملية اإلن�ت��اج ..يُذ َك ُر منها ن��درةُ نتاجه ِ الناس احلقيق ّية في احلر ّية والعدالة االجتماعية ومكارم األخالقِ ،وافتقاره إلى ٍ أغلب أدوات فن ّية ومضمونية وشكل ّية لتجسير عالقته باملتلقّي؟ ث ّمِ ..ل َم نُح ّمل َ شعوبِنا العربيةِ سبب أزماتنا القرائ ّية وه��ي التي ال �ش �ع��وب ،أل �ي �س��ت أك��ث�� ُر ش�ع��وب�ن��ا ُمجبر ًة-بفعل َ ِبت حقّها في اختياراتِها احلضار ّيةِ عا ّم ًة ،ومنها الضاغطات االجتماع ّية الصعبة التي تعيشها-على ُسل ْ ال� �ق ��راءة ..بوصفها س�ب�ي� ً ً عوضا عن الكتاب أو املجلّة أو �ام ف��ي بناء البحث عن اخلبزِ لا إل��ى اإلس �ه� ِ احل �ض��ارة اإلن �س��ان �ي��ة؟ أال ت�ل�ا ُم ب�ع��ض السياسات الصحيفة؟ ونُضيفُ :مل��اذا نش ِّد ُد على وج��ود «أزمة يضج بأزمات العربية على ع��دم تثمني الكِ تاب وإف��راده مبشاريع ق ��راءةِ» واحل ��ا ُل أ ّن عصرنا ال��راه � َن ّ حكوم ّية تُس ّهل عليه حركتَه ب�ين ال �ق � ّراء مبختلِف مسكوت ع�ن�ه��ا ..س ��واء اجتماعية أو أخ�لاق�ي��ة أو الكتابي مسؤولي ُة ثقافية عا ّمةٍ ؟ و ِل َم ال نق َب ُل ببرامج احلاسوب ،والكتب شرائحهم؟ وإذا َقبِلنا بأ ّن اإلبداع ّ
اجلوبة -صيف 1431هـ
م������������ل������������ف ال������������ع������������دد
أزمة القراءةِ ِ قراءة ٌ في
9
االفتراض ّية ،وتقنيات ال�ص��ورة ،وك� ّل وسائل الرفاه ٍ سندات قرائ ّي ًة حديث ًة تُعفي املتلقّي من الثقافي.. ُ ِّ مشاق البحث عن املعنى ،وت َْسكبه في ذهنه صاف ًيا ً ً وجميال؟ ث ّم لمِ اذا القراءةُ أصال إذا كان املعنى يولَ ُد م ِّيتًا؟
في معنى القراءة اعتمدنا ،ع��ن َع�م� ٍ�د ،ط��ر َح ه��ذه األسئلة سبي ً ال إل��ى متكني ال�ق��ارئ م��ن مالمسةِ إش�ك��االت القراء ِة العربي .وهي أسئلة ال نرو ُم اإلحاط َة بك ّل في واقعنا ّ مي إجابات إجاباتِها على األق ّل لس َببينْ :أ ّولهما أ ّن تقد َ ٌ محفوف باملزالق ..على اعتبار عن هكذا أسئلة أم ٌر العربي غير ثابتةٍ ؛ ب��ل ه��ي في أ ّن عناص َر واقعنا ّ ّ ِظام ،وتتداخل فيها حركةٍ فوضو ّيةٍ خارجةٍ عن كل ن ٍ الناس الفكري ُة ،وتتضارب فيها مآربُهم ..ما سياقات ِ ُ ِ تسليط يقظته عليها .وثانيهما أ ّن مينع الفك َر من طرح السؤال ُجرأةٌ معرف ّي ٌة نريد لها أن تستم ّر في ِ في ذهن القارئ ،لتو ّل َد فيه أسئل ًة أخرى يستطيع أن ينف َذ منها إلى أعماق الظواهر االجتماعية والثقافية َ ليعرك تفاصيلَها الغائرةَ والسياس ّية التي يعيشها؛ واملقد ِس ،على اعتبار «أن عمي ًقا وراء أقنعةِ العاد ِة َّ يحب القنا َع ،واألشياءُ األعمق متقت ك ّل ما هو عميق ّ ()1 حتى الصورةَ واملثا َل» ،ومن ثمة يُسلِّ ُط عليها أضوا َء ياس والتمثيلِ حتى يبلغ فيها اليقنيَ. الفهم والقِ ِ ِ واحل��قّ أ ّن ال�ق��و َل بوجود أزم��ة ق��راءة في وطننا تفكير .ذلك أ ّن الفع َل ٍ العربي ،أم ٌر يحتا ُج إلى كثيرِ ّ متأص ٌل في ال ّذ ِ ات البشري فع ٌل القرائي في بُ ْعدِ ه ّ ّ َّ اإلنسانية ،ال ينقط ُع عنها إ ّال بانقطاعِ ها هي عن فعلِ احل�ي��اةِ .بل هو فع ٌل ن��راه يرتقي من ح ِّيزِ املمارسةِ املدرس ّية إلى حالِ ّ الش ِ الواجب للوجودِ ؛ بل يرتقي رط ِ إل��ى مستوى شكل م��ن أش�ك��ال ال��وج��ود ف��ي العالَم. واإلنسان يقرأ دو ًما ،بل هو ال يُن ِْج ُز غير فعلِ القراءة، بحواسه ك ّل ما يوجد في محيطه ،ويبني من ث َّم يقرأ ّ معار َفه .أليست "القراءة (بوصفها منتج ًة للفهم) هي االس ُم الذي يُطلق على العملية التي تصبح بها احلياةُ
10
اجلوبة -صيف 1431هـ
العقلي ُة معروف ًة من ثنايا تعبيراتها املعطا ِة للحواس" على ح� ّد ما يقول بعضهم؟ ونُضيفُ :إننا ال نعدِ ُم قرائي لدى أغلب فئات شعوبنا العربية فعل ُوج��و َد ٍ ٍّ يُعرِ ُب عنه إدرا ُكها ألحوالِها ،واستشرا ُفها ملستقبلها، والعم ُل على تفادي املمكنِ من املط ّب ِ ات في واقعها املعيش .وم��ن ث� َّم ترتقي ال �ق��راءةُ ،في بُعدِ ها العا ِّم الضروري، اليومي الواجب نوع من ِ ِّ ِّ اجلماهيري ،إلى ٍ ِّ ّ واجب الستمرار احلياة االجتماعية شأنُها شأن كل ٍ ُقد ُم ِ للناس .فاألشياء واألفكار والتجارِ ُب احليات ّي ُة ال ت َّ إلى اإلنسان مكتمِ ل ًة في بنياتِها وفي معانيها ،بل تبقى ذهني يؤ ِّلفُ بني الصورِ ..حتتا ُج إلى ُج ٍهد شتاتًا من ُّ ٍّ ومينحها االكتما َل في الشكل واملضمونِ ، أجزائها، ُ عب َر ِّ فك ِشيفراتِها وتأويلِها ،وف ًقا ملعارِ ِف اإلنسان ِ وأشراط ال ُوجودِ فيه. اليوم ّية ،ولتص ُّوراتِه عن العالَ ِم ()2
ِ جيل ولوال القراءةُ َما انتقلت املعارِ ُف البشر ّي ُة من ٍ ألي ٍ جهد يت حبيس َة راهِ نِها ،فاقد ًة ّ إلى آخر ،ولَ َبقِ ْ َ تاريخها في عالَ ِم األفكارِ ،وتطوي به حركي تبني به ٍّ مسافات الزّمن .فانتقا ُل املعارِ ِف َّ ِ مت ،وسيت ُّم دو ًما، البشري الوحي ُد الذي عبر قنا ِة القراءةِ .فهي الفع ُل ُّ ِ الوجهات وج ُهها يسب ُق باقي أف�ع��الِ ال�ن��اس ،ب��ل ويُ ِّ
م������������ل������������ف ال������������ع������������دد
التي يراها قار ُئ تلك املعارِ ِف صائب ًة خادم ًة لواقع املجموعةِ البشر ّيةِ التي ينتمي إليها .وبالقراءة أيْ ًضا، العرب على فلسفات اإلغريق وعلومهم ،ف َمت َُحوا انفتح ُ استوت عندهم رؤي ٌة شامل ٌة منها الشي َء الكثي َر حتى ْ للكونِ ،ثم أع��ادوا النظ َر في تلك املهارات الفكر ّيةِ �وس عصرِ هم، ب��ال��زي��ادة وال �ت��أوي��لِ ح�ت��ى ل�ب�س� ْ �ت ل �ب� َ األرض ومغارِ بِها بضاع ًة صافي ًة فحملوها إلى مشارق ِ ِ ناس تش ُّع بأنوارِ العقلِ ،وأضاءوا بها عتمات أخيلةِ أُ ٍ آخري َن .بل إ ّن القراءةَ كانت-بالنسبة إليهم -سؤاالً مستم ًّرا حول الكونِ بجميع عناصرِ ه الظاهر ِة منها ٍ مجاالت �ؤال في والغيب ّيةِ ،حتى ص��اروا أصحاب س� ٍ والطب واجلب ُر والهندس ُة فكر ّيةٍ عديدةٍ ..منها اللغ ُة ُّ ُ والفلك والكيمياءُ والفلسف ُة والتاريخُ .ولع ّل حرك َة الترجمةِ ،وهي قرين ُة فعلِ القراءةِ ،هي التي م ّكنت العرب املسلمني من ِّ فك عزلتِهم املعرف ّيةِ واالنفتاح َ ِ على ِنتَاجات احلضارات القدمية العلم ّية واإلبداع ّية.. خاصة ما اتصل منها بحضارة اإلغريقِ .فقد شق ّْت ّ علمائنا العرب املسلمني كثيرون. ()5 ()4 ()3 كتابات إقليدس وأرخميدس وطاليس وغيرهم ُ فأغنت أفكار اإلسالمي. العربي طريقَها إلى الفضا ِء قرائي ٌّ كسل ٌ ْ ِّ ِّ اخلوارزمي(( )6ت232هـ) في مجال الترقيم ،وأغناها مم��ا م� َّر معنا- ولئن ج��ا َز لنا التأكي ُد -انطال ًقا ّ َ َ ُ متأص ٌل في عادات أسالفِ نا مبعادالتِه في عال ِم األرق��ام ومنازِ لها ..وأمثاله من على أ ّن فع َل القراءة فع ٌل ِّ واج�ت�ه��ادا ِت�ه��م ف��ي ك�ش� ِ�ف ُم� ْغ�ل�ق� ِ �ات ال�� ُوج��ودِ املادي ِّ والتخييلي ،فإ ّننا نتساء ُل عن حالِ عالقتنا للقرائ ّيةِ ِّ ّ ً ٍ ِ الراهنةِ خاص ًة، ة ي ثقاف ت ال ومج ا ب كت باملطبوعات ً ّ ّ الوجودي، إ ْذ يبدو أ ّننا لم نتح ّم ْل جمي ًعا ،في فِ علنا ِّ القرائي بوصفه الوسيل َة مسؤولي َة استمرارِ الفعلِ ِّ الوحيدةَ لإلسهام في بناء َص � ْر ِح ثقافتنا العربية، وكذلك اإلسهام بنِد ّيةٍ في تأسيس معال ِِم احلضار ّية اإلنسانيةِ عا ّم ًة .بل يبدو أ ّننا أخرجناه من حديقةِ عاداتِنا اليومية؛ َ ذلك أننا نُلفي أرقا ًما ُمخيف ًة تتع ٌّلق بالشأن ال �ق��رائ� ِّ�ي ..أورده ��ا التقري ُر العربي األو ُل للتنمية الثقافية الصادر عن مؤسسة الفكر العربي اإلحصاءات إلى أ ّن ثمة لسنة 2007م ،حيث تُشي ُر فيه ُ العربي بقراء ِة املطبوعات تو ُّت ًرا في عالقةِ اإلنسان ِّ قد ُر بـ الورق ّيةِ ،فإذا كان عدد سكان الوطن العربي يُ َّ
اجلوبة -صيف 1431هـ 11
( )338.621.469نسمة ،وإذا كانت الكتب املنشورة بطيءٍ . في العالم العربي لسنة 2007م ،قد بلغت ()27809 ولع ّل من امل ُ ِ نصيب ك� ّل مليون خيف أن نعل َم أ ّن َ كتابا ،وإذا كانت الكتب ّ املختص ُة في العلوم واملعارف عربي م��ن ال ُكتب ال يتجاوز ثالثني ك�ت��اب�اً ..مقابل معد َل ما يقرأه ال متثل س��وى % 15من ه��ذا الرقم ،ف��إ ّن أم � َر هذه ( )584كتاباً لكل مليون أوروبي ،وأن َّ العالقة يدعو إلى مزيدِ تف ُّك ٍر ٍ رصني وجريءٍ للبحث الفرد العربي في السنة ..هو ربع صفحة مقابل أحد ُ عن بدائل عمل ّية ..تُعي ُد إلينا ثِقتَنا في كوننا أ ّم ًة تقرأ عشر كتاباً للفرد األميركي ،وسبعة ُك ٍتب للبريطاني؛ وتعرِ ُف ج ّي ًدا ما تقرأُ. َ متوسط زمنِ القراءة بالنسبة إلى كل فرد عربي وأ ّن وال نستطي ُع أ ْن نُخفي ق��ولَ�ن��ا-واحل��ا ُل على ما يبلغ ست دقائق في السنة ..مقابل ( )12000دقيقة إن حا َل القراء ِة –قراءة املطبوعات الورقية -للغربي. وصفْناَّ - َّ كثير من القلقِ .ذلك في الوطنِ العربي تدعو إلى ٍ ّ وب �ع �ي � ًدا ع��ن امل �ق��ارن��ة ب�ي�ن س �ل��وك��ات الشعوب ُ أ ّن ك� َّل مجموعةٍ بشر ّيةٍ ..متى اقترن فيها الكسل واملُقايسةِ بينها ،لكونِهما ممارستَينْ ال تنهضان على القرائي باإلفسادِ االقتصادي ،واالنحاللِ ّ ُّ األخالقي ،أسس علم ّية ،نظ ًرا إلى تن ّوع املقاييس املعت َمدة فيهما، مؤسسات وط�غ�ي��انِ ال�ب��راغ�م��ات� ّي��ة السياسيةِ على ّ وانفتاح موضوعِ هما على اخلصوصيات التاريخية ِ املجتمع امل��دن� ّ�ي ،وت�ف� ّ�ش��ي َم � ْذه� ِ�ب ال � ّرب��ح ّ املج ّ اني ،واحلضار ّية التي تختلف فيها املجموعات البشر ّية.. ً ِ مناخا ملي ًئا عاشت ْ بالتناقضات االجتماع ّية التي م��ن ح�ي��ثُ ع��اداتُ�ه��ا وع�ن��اص� ُره��ا الثقافية وأشكا ُل ً جتعله قابال لالنفجار السلبي في ّ ّ املادي؛ فإ ّننا نباد ُر إلى القول بفسادِ عاد ِة أي حلظةٍ .وهو حضورِ ها ّ انفجار قد يَ ْقتُ ُل ُهو ّي ِ الناس ،ويدفع بأغلبهم إلى ات ِ كس ً ال القراء ِة املدرس ّية عندنا ،وبكونِنا صرنا نعاني َ الكتاب ،ليبل َغ املجلّ َة وباقي املطبوعات الشذوذِ والالمباال ِة والقبولِ باألمر الواقع ،وال ُّركونِ قرائ ًّيا جتاوز َ السلبية احلضار ّيةِ ،وال ّدخولِ في ٍ موت إلى َّ ٍّ تاريخي الورق ّية التي أُ ِ انتظارات السوادِ جبرت على تلبية أفق ْ
األعظم من الناس ..عبر نشر موضوعات ال ترقى تالمس ف��ي أغلبِها إل��ى امل��وض��وع�ي��ة العلم ّية ،وال ُ ِ العربيَ ،عدا ما كان منها احلاجات الفعل ّي َة للمواطن ّ من باب السخر ّية السمجة ِ ،وكثر ِة األرق��ام ،وأخبار ّ احلظ ،وصفحات اإلشهار واحلوارات النجوم ،وقراءة ِ ّ التمجيد ّية الطويلة وكل ما كان من صنفِ ها.
المجالّت الثقافية والقارئ بعض املقاالت العلمية التي أُلقيت لقد تكفّلت ُ ()7 بدرس عالقةِ املج ّ الت الثقافية في ندوات كبيرة ِ ِ وخلصت إلى تأكيد تقهقرِ إقبال رائي، ْ مبحيطها القِ ِّ العربي على قراءة املج ّ الت الثقاف ّية وكسادِ املواطن ّ �اب ع��دم ق��رائ� ّي�ت�ه��ا ،وأرجع ُس��وقِ �ه��ا ،وح � � ّددت أس �ب� َ بعضهم( )8هذه األسباب إلى :االرجتال واالعتماد على املبادرات الفردية ،وضعف البنية اإلدارية في متتني العالقة مع القراء .وهو ما ينجم عنه ضعف العالقة
12
اجلوبة -صيف 1431هـ
م������������ل������������ف ال������������ع������������دد
مع أهم الكتّاب ،وإهمال عنصر الترشيد في البنية االقتصادية للمجلة ،وضعف التمويل -إذا كانت املجلة تابعة جلهة رسمية أو مؤسسة َّما ،-وتعدد اجلهات الرقابية ،أو التداخل املرتبك في اختصاصاتها. وم� ��ن ال��ت��وص��ي��ات امل �ق �ت��رح��ة ل �ل �ن �ه��وض بحال املجالت الثقافية العربية ،وفق ما ذكر األستاذ بندر عبداحلميد( ،)9ضرورة رسم املجالت الثقافية لتقاليد خاصة بها ،وم��ن تلك التقاليد "االب�ت�ك��ار واحترام ثقافات الشعوب ،واحترام الرأي اآلخر ،والتواصل مع آخر املستجدات في العالم ،وكسر احلواجز الوهمية بني األدب والفنون السبعة والعلوم ،وتقدمي أعداد خاصة ،أو ملفات محددة عن املوضوعات الساخنة أو امللتبسة أو املستجدة ،لكي تضمن نوعاً من التشويق والتواصل مع القراء من أجيال ومستويات مختلفة. وف��ي ن�ف� ِ�س ال�س�ي��اق ،ي��رى ه��ذا ال�ك��ات��ب أ ّن "من الشروط األولية للمجلة الثقافية العربية الناجحة، أن تكون مرصداً متحركاً في كل االجتاهات الثقافية، تبدأ من الثقافة احمللية مباضيها وحاضرها املتجدد، ومتتد إلى وجوه الثقافات في البالد العربية األخرى، ثم إلى وجوه الثقافات البشرية اجلديدة وجذورها البعيدة ،وحتوالتها ،وتقدم نصوصاً حية من تلك الثقافات ،ف��ي م��ا يشبه عملية تخصيب متواصلة ل�ل�ث�ق��اف��ة احمل�ل�ي��ة ال �ت��ي ت �ت��داخ��ل ف�ي�ه��ا االجتاهات كافة"(.)10 وعلى الرغم من وجاهة ما خلصت إليه أغلب املقاالت التي تناولت مسألة اتساع ال ُه ّوة بني املج ّ الت العربي ،إ ّال أ ّن ُج � َّل ما قي َل عن الثقافية وال�ق��ارئ ّ ميس ال َع ْظ َم منها ،وراح يُك ِث ُر أسباب هذه األزمة لم َّ ُ �اب دون االل�ت�ف� ِ ِ �ات إل��ى أ ّن أ َّس م��ن توصيف األس �ب� ِ ً القطيعةِ هو انعدام ع��ادة القراءة سلوكا اجتماع ًّيا العربي ،وتغييبها في مشاريع يوم ًّيا ل��دى امل��واط��ن ّ السياسات التربو ّية ،وما عدا ذلك ال يزيد عن كونه ٍ جتلّ ٍ وتفريعات عنها. يات للمشكلة ص إليه في هذا الشأن هو أ ّن استمرا َر والذي نخل ُ ُ
أي مجلّة ثقاف ّية وبلو َغها أكبر عدد من الق ّراء نشرِ ّ باتساع ليس مرهو ًنا بحجم موارِ دها املالية فقط ،وال ِ م�س��اح��ات ت��وزي�ع�ه��ا ،وال ح� ّت��ى ب��رق� ّ�ي موضوعاتِها، وببخس ثمن بيعها وبتفكيرِ ها في تكوين قاعدة من ِ ّ ُق � ّراء املستق َبلِ من أجيالِنا املقبلةِ .بل يظل األم ُر متو ِّق ًفا على طبيعة السياسات القرائ ّية في أوطاننا وعي ال�ع��رب� ّي��ة .فمتى ق��ام��ت ه��ذه السياسات على ٍ لغرس سعي ص��ادِ ٍق ِ حقيقي بقيمةِ ال �ق��راءةِ ،وعلى ٍ ّ ُّ الناس ،وج � َدت كل املطبوعات الورق ّية عادتِها بني ِ طريقَها إليهم ،وحازت على رغبتِهم في قراءتِها؛ ولن املؤسسات يتأتّى ذلك -وفق ما نرى -إال إذا غ ّيرت ّ التعليمية العرب ّية من زعمها بأ ّن زمنَنا الراه َن زمن االفتراضي فقط ،وتخلّت عن اعتقادِ ها التواصل ّ الواهي ب��أ ّن امتالك شعوبِها لتكنولوجيا املعلومات واالتصال قاد ٌر وح َده على متكينها من فهم واقعها.. س وال�س�ي�ط��رة على م�ج��ري��ا ِت��ه .وم��ن ث��م ت �ع��و ُد ِّ تؤس ُ لفعل القراءة كممارسةٍ يوم ّيةٍ ،وتعتمدها سبي ً ال إلى حتقيق النهضة االقتصادية واالجتماعية والسياس ّية والثقاف ّية والفن ّية.
اجلوبة -صيف 1431هـ 13
املجالت الثقافية في وجه التعومي والتغريب > مالك اخلالدي -السعودية
كثير ًا ما نُصاب بخيبات أمل كبيرة إزاء انحسار لغتنا العربية الفصحى مقابل اتساع سطوة اللهجات المحلية أو ما نستطيع تسميتها (موجة التعويم) ،ولن نتفاجأ حين تصدح -لألسف- محفل تربوي ،دون أن نشعر بفداحة توهين الفصحى ،في ٍ القصائد واألهازيج النبطية (العاميّة) في إحدى قالعها ..ودون االلتفات لخطر زرع التناقض بين ما يتعلمه الطالب والطالبة ،وما يمارسه داخل المؤسسة التربوية .ورغم تواتر اإلحباطات..فإننا ما نزال نشعر بخيوط األمل المبثوثة في أرجائنا تشرق من حيث تنبع اللغة الخالدة. ٍ مثقف غيور على لغته. األثير في نفس كل أما انحسار رواجها فيعود إلى عدة أمور منها: -1موجة التسطيح التي يعيشها المجتمع. -2ظهور اهتمامات جديدة وارتفاع أخرى. -3صعوبة اللغة الفصحى نتيجة انقطاع الصلة بين الكتاب والفرد. -4ازدياد وتيرة مشاغل الحياة. -5انخفاض المستوى المعيشي للفرد. -6انعدام التحفيز لممارسة المطالعة والبحث. ومع ذلك ،فإن قلة اإلقبال عليها ال يؤثر أبداً على كينونتها واستمرارها النتفاء ربحيتها ،فهي ف��ي الغالب ليست جت��اري��ة ..إمن��ا ثقافية فكرية ذات ٍ هدف ترجو بلوغه ،ورسالة تسعى لتحقيقها، ورغم محدودية قرائها ..إال أنها قادرة على إيصال ولعل املجالت الثقافية إحدى ركائز األمل املتبقي رسالتها؛ فهي موجهة للنخبة التي تُعد عقل املجتمع لرفد لغتنا الفصحى ..وضمان استمراريتها وإن ورائدته. َّ وق��د أسهم الكثير م��ن امل�ج�لات الثقافية في قل القراء ..إال أنها تبقى احلافظ األمني والس ِــفر
14
اجلوبة -صيف 1431هـ
م������������ل������������ف ال������������ع������������دد
مـُـقاومة اللغات الدخيلة واللهجات املستحدثة، وخصوصاً في الفترات االستعمارية التي م َّر بها الوطن العربي ،فكانت رفيقة نضال السواعد في الساحات ،حيثُ كانت تلك املجالت اجلدار األخير والصلب للغة العربية ونواة التعريب. ونستطيع القول إنها ساعدت على: -1إبقاء اللغة الفصحى قيد االستخدام.
لندرك األث��ر الكبير للمجالت الثقافية في رفد -2تعزيز قيمتها وجعلها لغة النخبة المثقفة اللغة الفصحى ،فقد س��اع��دت تلك املجلة على والمتأدبة. تنمية الشعور بالوعي الوطني ،واالنتماء للجذور، -3وقوفها كواجهة أصيلة في وجه التغريب ،ما واالعتزاز بالتراث والذود عنه ،ما عزز الفصحى.. زاد من مكانتها. حيثُ ازدادت وتيرة تأليف الكتب التي تناولت كل ما -4تنشيط حركة الترجمة من اللغة العربية الفصحى يتعلق باملواطن العربي في تلك املرحلة احلرجة. وإل��ي��ه��ا ،ن�ت�ي�ج��ة ظ �ه��ور ال��س��ج��االت السياسية إذاً أستطيع ال �ق��ول وب �ج �س��ارة ..إن املجالت واالتجاهات الفكرية والرؤى الدينية واالجتماعية. الثقافية تبقى س ِــفر احل �ف��ظ للغة الفصحى، ولنأخذ على سبيل امل�ث��ال مجلة (احلاضرة) وال��وق��ود ال��ذي يعمل على إنعاشها رغ��م هجران ال �ت��ي ظ �ه��رت إب ��ان االس�ت�ع�م��ار األورب� ��ي لتونس ،األقربني وابتعاد احملبني!
اجلوبة -صيف 1431هـ 15
الدور املنتظر من املجالت الثقافية
> عمران عز الدين أحمد -سوريا
التعريف بالمجلة المجلة أو ما يطلق عليها باللغة االنجليزية - magazineحسب القاموس المحيط -هي :الصحيفة ،فيها الحكمة كما قد يقال لكل كتاب ،أما في معجم المصطلحات العربية (مجدي وهبه وكامل المدرس ،صفحة )336فهي :نشرة دورية أسبوعية أو شهرية تتناول شتى الموضوعات كتابة وتصويراً ،ويغلب عليها طابع الترفيه ،وقد تكون علمية متخصصة ،أو نقدية تتخصص في نشر البحوث التفصيلية ،ونقد الكتب المؤلفة حديث ًا واألنشطة الثقافية األخرى ،كما يغلب عليها طابع الجدية والتعمق واإلطالة في البحث.
الفرق الجوهري بين المجلة والصحيفة ما مييز املجالت الثقافية (الشهرية ،الفصلية، ونصف السنوية) ع��ن الصحافة ال��ورق�ي��ة (اليومية واألسبوعية) أنها تتطرق للمواضيع املطروقة ،من زوايا مهمة جداً ،بدراسة معمقة ،ونقد ممنهج ،فض ً ال لبحث ما مث ً ٍ ال -للهوامش عن ذكرها -عند نشرها واملراجع ،ناهيك عن اإلحاطة الشاملة ،من مختلف اجل��وان��ب ،باملوضوع املُبتغى دراس�ت��ه ون�ق��ده ،حتليله وتأويله .وهذا ما تفتقد إليه الصحافة اليومية ،التي تعج أحياناً باملبتذل ،والسطحي ،والقشور ،وسفسف القول.
األهداف المبتغاة للمجالت الثقافية دور بنّاء وكبير في نشر الوعي بكل أن��واع��ه ،إذ ما ي��زال لبعضها ال��ذي يصدر على امتداد هذه املعمورة ،الدور الكبير والفاعل واملؤثر، ال��ذي بإمكانه أن يشكل معيناً ال ينضب ،أو زاداً معرفياً وثقافياً وحضارياً وتواصلياً في أغلب األحيان. لقد لعبت تلك املجالت دوراً كبيراً في إثراء الذائقة اإلبداعية للقراء وال ُكتَّاب عبر أجيال خلت ،ومن ثم
16
اجلوبة -صيف 1431هـ
لوعي نخبوي جمعي ،فض ً ال عن حرص تلك تكريسها ٍ املجالت الدؤوب على أن تُزدهى بأبهى احللل ،ناهيك عن ثراء املضمون .وقد شهد التاريخ سطوعاً لتلك املجالت ،حتى قاربت الذروة ،وخفوتاً لبعضها اآلخر في اآلن ذاته .وقد توقفت بعض املجالت عن العمل، ألسباب كثيرة منها« :مادية ،أو سياسية ،أو ابتعادها ع��ن َخ ّطها امل��رس��وم لها منذ ب��داي��ات تأسيسها ،أو استقالة جماعية للمشرفني والقائمني عليها ،استقالة عضو بارز فيها» ،فيما شاخ بعضها ،وتأسست أخرى. كما أسهم بعضها في بروز أسماء إبداعية كبيرة ،كان لها شأن كبير في رسم معالم اخلريطة اإلبداعية، ف��أث��رت ب��دوره��ا املكتبة األدب �ي��ة العربية ب�ك� ٍّم كبير من العلوم وامل�ع��ارف والنقود وال��دراس��ات واألبحاث األكادميية الشاهقة.
بعض المآخذ ونظراً ألن الواقع ال يسر أحياناً ،ملا حتفل به بعض املجالت ،من م��واد موغلة في االنطباعية والذاتية، وألنها أصبحت كسلعة جتارية أكثر منها مادة ثقافية؛ وذلك بعدم مواكبة املستجدات واملتغيرات ،في الساحة حد سواء؛ كأن تنصرف األدبية العربية والعاملية على ٍ َّ
•أن تسعى تلك املجالت جاهدة لتسليط الضوء على جت��ارب وأدب أدب��اء مبدعني ومتجاوزينَ ،طالهم اإلقصاء والتهميش ،فعاشوا في املنافي واملهاجر ل ��ردح ط��وي��ل م��ن ال��زم��ن ،ول��م تنصفهم أوطانهم وحكوماتهم ،ألنهم كانوا يعبرون مبنتهى الصدق
م������������ل������������ف ال������������ع������������دد
إلى نشر املقاالت القائمة على عالقة شخصية بني هيئة حترير املجلة و ُكتَّاب بعينهم ،أو نشرها للنتاج •ال� �ت ��زام احل �ي��اد وامل��وض��وع �ي��ة ف��ي ط ��رح األفكار احمللي اخلاص بها ومببدعيها ،مهملة النتاج العربي واحل �ل��ول ،لقضايا وم�ش��اك��ل مستعصية ومعلقة، املجاور لها ،فتبتعد بذلك عن الثراء املعرفي ،ومن خطيرة وشائكة ،تتطلب في أُ ّسها العميق ،األمانة ثم ،ينصرف القارئ عن قراءتها .وألن هذه الظاهرة العلمية والعملية ،ف�ض� ً لا ع��ن اإلح��اط��ة الكاملة خطيرة جداً ،وتستدعي وقفة تشريحية مطولة ،ميكن بحيثيات املوضوع املُنَاقش وخفاياه ،وسبر أغواره القول إننا نتوخى من املجالت دوراً مأموالً أكبر ،وهذا ودهاليزه. ينحصر كما أرى في نقاط أو حلول جوهرية ،ستجعل •االبتعاد عن الشللية واحمل��اب��اة ،ونشر امل��ادة التي من املجلة املطبوعة مادة متفردة في الشكل واملضمون تستحق النشر ،دون ال��وق��وع ف��ي َش�� َرك التشهير حد سواء. على ٍ ّ واملكائد والتجريح الشخصي. املقترحات التي من شأنها أن ترتقي مبجالتنا، •اإلطالع على ثقافة الشعوب األخ��رى ،واالستفادة لتغدو رديفاً فعاالً ألدب فعال: م��ن جت��ارب�ه��ا ،وال�ن�ه��ل منها ،مب��ا يناسب عاداتنا نحل بوجود فريق •أن تكون هيئة التحرير كخلية ٍ وتقاليدنا ،خدمة ملبدأي التطور واالرتقاء ،فاحلكمة راق ،مستقل في توجهاته ،هاجسه عمل مؤسساتي ٍ ضالة املؤمن أنى وجدها أخذها. رفعة األدب ،يؤمن باإلبداع ،ويعمل على استقطاب •اكتشاف امل��واه��ب الشابة ،والعمل على رعايتها، األقالم املبدعة ،بشتى الوسائل والسبل ،فض ً ال عن وتنبيهها إل��ى أهمية ما يكتبونه ،وحتفيزهم إلى ض ّخ املجلة بني الفينة واألخرى ،أو بني عدد وآخر، األم��ام ،ناهيك عن مطالبتهم بالكتابة ،ومراسلة بدماء جديدة ،ل َّ ُكتاب جدد. املجلة ذاتها باستمرار .ويحضرني هنا دور مجلة •اتساع هامش احلرية في املجالت الثقافية ،وتزايد شعر التي قدمت الكثير من األسماء إلى الساحة دورها اإلصالحي والثقافي والتوعوي. األدبية. •ومبا أن تلك املجالت تقوم بنشر القصص واألشعار •اإلك�ث��ار من نشر امل�ق��االت التي تلزم الكاتب -أي والترجمات والدراسات ،فيجب أن يكون املختص كاتب -باالبتعاد قدر اإلمكان عن املديح املجاني، بنشر القصص مث ً ال ،قاصاً له باع طويل في كتابة فض ً ال عن املجامالت الفارغة ،التي تضر بالعمل القصة ،واألمر ذاته ينطبق على املسؤول عن نشر وك��ات �ب��ه .أو أن تتبع امل�ج�ل��ة م �ث� ً لا س�ي��اس��ة رفض الشعر بأن يكون شاعراً ،وكذلك إسناد النصوص نشر م �ق��االت ك �ه��ذه ،وم��ا ي �ن��درج ف��ي فلكها ،وما املترجمة إل��ى مترجم مشهود ل��ه ،يجيد اللغات، أك�ث��ر ال� ُك� َّت��اب ال��ذي��ن يكتبون ع��ن بعضهم بعضاً، وميتلك ذائقة إبداعية خالقة. فيتطاوسون مبجرد أن يجدوا أسماءهم منشورة، واملسؤولية عن واقعهم الرديء.
ث ّم يجدون بعد ذلك صعوبة في التك ّيف واملواصلة، أو تقدمي اجلديد ،مبعنى أنه ينبغي على الكاتب عمل ما ،أن يتطرق لذكر إيجابيات الذي يكتب عن ٍ وسلبيات ذلك العمل مجتمعة ،بلغة رصينة هادئة، ترنو االرتقاء بالكاتب وعمله ،وتنبهه إلى ضرورة
اجلوبة -صيف 1431هـ 17
تالفي ما وقع فيه الكاتب ذاته من هنات ومطبات ال ومستوفياً ال كام ً في عمله هذا ،ليقدم تالياً عم ً
لشروطه الفنية واإلبداعية.
باالبتعاد ال�ت��ام ع��ن التعصب والتزمت والتشدد، وع��دم االنتقاص م��ن قيمة أي أح��د ،مهما كانت األسباب مغرية وشديدة لذلك االنتقاص .وذلك بإيالء فن الترجمة مث ً ال أهمية قصوى ،ملا لهذا الفن ،من دور م�ح��وري ،في القضاء على اجلهل واالطالع على ثقافات األمم األخرى.
•إعادة الروح للكلمة ،واالهتمام بالفكرة ،التي انحسر دوره��ا في العقود األخيرة ،بعد مزاحمة الصورة وامليديا لها ،حيث تلعب بعض القنوات الفضائية مث ً ال ،دوراً تصعيدياً ،خطيراً وساماً ،في تقليص •حتسني األجر املادي للمادة املنشورة ،وهذه النقطة دور املادة الثقافية املطبوعة في ظل الهشاشة التي بالذات مهمة للغاية ،إذ مبوجبها سيشعر الكاتب أي كاتب -باألمان ،وبالتالي لن يدخر أي ٍاخترقت مفاصلها ،وجعلت بالتالي من املُثل السامية جهد والنبيلة «احلب؛ احلق؛ اخلير؛ ا َ جل َمال ».ضرباً من في التفرغ التام ألجل كتابة مقال /بحث /دراسة، ضروب الترف الفكري ،عدمية اجلدوى. مستوفية العناصر وشاملة. •ثمة شروط فنية وشكلية وإجرائية يجب على ك ّل املجالت الثقافية العمل بها ،مع التنويه بأن هذه الشروط حتديداً تتوافر في بعض املجالت ،التي سنعرج على ذكرها الحقاً ،ومنها:
•إح�ي��اء ال�ت��راث والفلكلور ،أو عصرنتهما ،بقالب ج��دي��د ،ول �ب��وس ح �ض��اري أم �ث��ل وأك �م��ل ،وم��ن ثم املزاوجة من حيث اإليجابيات والسلبيات بينهما وب�ين احل��داث��ة ب��امل�ق��ارن��ة املستفيضة واملمنهجة، والعمل باملناسب منها ليتسنى لنا احل��دي��ث بعد 1ـ إعالم القائمين على المجلة لمرسل المقال باستالم ذل��ك ،عن وعي وإدراك ،عن انصهار تلك الفنون مادته المرسلة. مجتمعة ف��ي بوتقة أدب�ي��ة واح ��دة ،خ��دم��ة للمادة اإلب��داع�ي��ة امل�ن�ش��ودة ،ال�ت��ي م��ن شأنها أن ترتقي حد سواء. بالذوق األدبي والقرائي على ٍ ّ •االهتمام بأدب األطفال ،وفتح امللفات التي ترتقي بهم وبأدبهم ،من خالل توجيه الدعاوى للمختصني والباحثني واألكادمييني ،للكتابة عن عالم األطفال، الشديد اخلصوصية ،وم��ا ينبغي التحلي ب��ه من أخالق عالية ،فالطفولة مرحلة مهمة جداً ،شديدة احلساسية ،كما أنها تشكل القاعدة األهم ،لتش ّرب أدب نهضوي ومسؤول ،فاتن وخالق. •إع� ��ادة االع �ت �ب��ار ل�ل�ف��رد واألس� ��رة وال ��دي ��ن ،بنشر املقاالت التي حتض على نبذ االنحالل والتسطيح والتمييع. •أن تتبنى تلك املجالت في مادتها الثقافية شعار قبول اآلخر ،والدعوى إلى حوار احلضارات ،وذلك
18
اجلوبة -صيف 1431هـ
م������������ل������������ف ال������������ع������������دد
2ـ إبالغه عند نشر مادته تلك. 3ـ تزويد مرسل المقال بالعدد الذي نشرت فيه المادة عن طريق عناوينه الثابتة. 4ـ م��واف��ات��ه ب��ال�م�ك��اف��أة ال�م�خ�ص�ص��ة ،أو التعويض المادي.
بد منها خاتمة ال ّ لقد لعبت «مجلة العربي» مثال ،التي تصدر عن وزارة اإلع�لام بدولة الكويت ،دوراً كبيراً في تكوين وعي املثقف العربي وبلورته ،في مرحلة من املراحل، فقد كان ينتظر صدور أعداد تلك املجلة بفارغ الصبر، وكان يقوم بقراءة ُج ّل موادها ،فض ً ال عن ذكر ُكتَّابها ألسماء ُكتَّاب ع��رب وعامليني ،فكان ينطلق من تلك املجلة ،ليطالع إبداعاتهم ،التي صقلته على نحو ما، وشذبت ذوقه األدبي ،فإذا ما أعجبه مقال ألحدهم، كان يبادر إلى ش��راء أعمال ذلك الكاتب ،ومن كتب عنه ،وهكذا ،أتاحت له هذه املجلة أن يتعرف على أع�م��ال كبار األدب ��اء والكتاب أم�ث��ال :دستويفسكي، وكافكا ،وتشيخوف ،وبورخيس ،وعبدالرحمن منيف، وأحمد عبدالغفور عطار ،وعبدالله الغذامي ،وحنا مينه ،وص�ل�اح ع�ب��دال�ص�ب��ور ،وب ��در ش��اك��ر السياب، وواسيني األعرج ،وإبراهيم الكوني ،ومحمد شكري». وقائمة طويلة ،ال يتسع امل�ق��ام لذكرها ه�ن��ا ،وذكر تأثيرها اإليجابي في تنمية ملكاته اإلبداعية ،ورفد طاقته األدبية تصاعدياً. لقد الحظت من خالل جتربتي الشخصية البحتة، بأن تلك الشروط الفنية السابقة ،تتوافر بامتياز في مجالت عربية قليلة ،ومنها على سبيل املثال وليس احلصر« :الرافد اإلماراتية ،العربي الكويتية ،اجلوبة السعودية» ،فهذه املجالت مث ً ال ،ع ّرفتنا على قامات إب��داع�ي��ة جميلةُ ،ج�لّ�ه��ا م��ن شريحة ال�ش�ب��اب ،ومن مختلف الدول العربية ،تكتب فوق ذلك أدباً جمي ً ال، ونقداً معمقاً.
هذا هو الدور املفترض انتهاجه من لدن املجالت الثقافية ،ذلك ال��دور الريادي واحلريص واملسؤول، ال ��ذي م��ن ش��أن��ه أن ي��دف��ع مبجالتنا ق��دم �اً ،إلنارة احمل �ط��ات الثقافية املعتمة ،ب��إش�ع��ال ك��ل مجلة من تلك املجالت مث ً ال ،ولو شمعة واح��دة ،ليجلل النور، أو احل��راك الثقافي الفعال ،كافة األنشطة الثقافية واإلبداعية .فإذا توفرت -ونأمل ذلك -تلك الشروط السابقة وامل��أم��ول��ة ف��ي امل�ج�لات الثقافية العربية، الستطعنا احلصول على جيل مثقف وواع ،وألسهمنا في االنتقاص من نسبة األمية املهولة التي ترزح حتت وطأتها الطبقة الفتية ،التي كانت -في الوطن العربي- طبقة قارئة بامتياز في يوم ما ،فض ً ال عن تفعيل عادة التحريض على القراءة في أ ّمة اق��رأ ،التي تراجعت إلى حدودها الدنيا في العقود األخيرة ،والستطعنا، من ثم ،دون عناء اللحاق بركب احلضارة اإلنسانية املعاصرة.
اجلوبة -صيف 1431هـ 19
إسهام املجالت الثقافية فى االصالح الثقافي واالجتماعى فى الوطن العربي
> د .خالد فهمى – مصر
مدخل :المخاطر ظاهرة! هذا مفتتح صالح هنا من بعض الوجوه ؛ ألن إطالقه من قبل من وهو مصطفى صادق الرافعي -رحمه الله -في بعض المجالت الثقافية ب��داي��ة ال��ق��رن ال��م��ي�لادي ال��م��ن��ص��رم ،ش��اه��د على منظومة ثابتة في اإلنسانية ،وسنن الوجود االجتماعي ؛ إذ ال يجوز أن نستهين بأي قدر من الخلل في البنية الثقافية واالجتماعية تعييناً. وق��د اس�ت�ق��ر ف��ي اإلس�ت��رات�ي�ج�ي��ات املعاصرة ح�ق�ي�ق��ة ت �ق��رر أن ح���رب األف� �ك ��ار ه ��ى املقدمة الضرورية للتغيير! وفحص مخططات الغرب نحو األمة العربية ي��دع��م ه���ذا امل ��دخ ��ل؛ ذل���ك أن ال� �ط ��رح الغربي واألم �ي��رك��ي تعييناً ..يستهدف خلخلة األنسجة االجتماعية العربية واإلسالمية ،على حد تعبير الدكتور سيف الدين عبدالفتاح أستاذ النظرية السياسية بالقاهرة. هذا الهدف اإلستراتيجي ناجت ممارسات قائمة ومرصودة ،أتاح بعض ما تسرب من معلومات أن يفضح م��ا يتعلق بتفيذها ب���أدوات ثقافية منها املجالت الثقافية في البلدان العربية .وهو األمر ال��ذي يجعل من التخريب في املجال الثقافي من خالل بوابات املجالت الثقافية مقدمة قائدة إلى حتقيق االستراجتية الغربية املعلنة ،املتمثلة في خلخلة األنسجة االجتماعية في البلدان العربية.
20
اجلوبة -صيف 1431هـ
أطلقه ف��������������ي الحياة
أنموذج دال! وفي طريق تأكيد الدور اخلطير الذي لعبته، وم��ا ت ��زال تلعبه امل �ج�لات الثقافية ف��ي صناعة التغيير االجتماعي وتوابعه ..يجب أن نتذكر ما أنشأته الواليات املتحدة األميريكية من احتادات ومجالس للحرية الثقافية ،التي قامت بإنشاء فروع لها في العالم ،وبعضها في العالم العربي ،فقد أصدرت أكثر من عشرين مجلة ثقافية من أمثال: ك��وف�ن�ت��ري ،ون�ي��ول�ي��در ،وب��ازت �ي��زان ري�ف�ي��و ،والعلم، واحلرية ،وانكاونتر ،والشعراء البيروتية وغيرها.. أوكل إليها جميعا تغيير العالم وفق رؤية خططت لها املخابرات األميركية على ما حتكيه «فرانسيس ستونر سوندرز» في كتابها احمليط (The cultural ( =)cold warاحل��رب الباردة الثقافية :املخابرات املركزية األميريكية وعالم الفنون واآلداب).
اإلصالح الثقافي رهان المستقبل وسالح المواجهة!
على ما ظهر ،فإن اإلصالح الثقافي يعد هو طريق النجاة لألمة العربية.
واإلصالح الثقافي يقصد به التقومي والتغيير
والتحسني املستند إل��ى عناصر معرفية وفكرية محددة ،نابعة من السياق العام للحضارة العربية
اإلس�ل�ام��ي��ة مب ��ا ه ��ي امل �ش �ك��ل ال��رئ �ي �س��ي للعقل والوجدان العربيني.
وه ��ذا ال�ت�ع��ري��ف ال ��ذي ن�ق�ت��رح��ه يعتمد على
مجموعة من احلقائق التي تسكن رحم املعجمية
العربية؛ ذلك أن الداللة احملورية واملركزية ألصل
مصطلح يدور حول أصل واحد جامع..هو خالف الفساد.
ورمب � ��ا ص ��ح ه� �ن ��ا ..أن اإلص� �ل��اح الثقافي
واالج�ت�م��اع��ي مب��ا ه��و م�ح��ور م��رك��زي ف��ي الوجود
إسهام المجالت الثقافية في تحقيق اإلصالح الثقافي واالجتماعي ومن احلق أن نق َّر أن ع��ددا ضخما من رواد ح��رك��ات اإلص�ل�اح ف��ي العصر احل��دي��ث ..فطنوا إلى ال��دور اخلطير ال��ذي لعبته املجالت الثقافية ال�ع��رب�ي��ة ف��ي دع��م ح��رك��ات�ه��م اإلص�لاح �ي��ة .ورمبا أمكن تأمل ذل��ك م��ن خ�لال فحص االرت �ب��اط بني عدد من األسماء الالمعة في امليدان اإلصالحي الثقافي واالجتماعي ..وعدد من املجالت الثقافية العربية الرائدة ،مثل :محمد عبده وجمال الدين األفغاني والدعوة الوثقى ،ومحب الدين اخلطيب وال��زه��راء وال�ف�ت��ح ،وأح �م��د حسن ال��زي��ات وعلي الطنطاوي والرسالة ،وعبدالله الندمي وحسن البنا في الدعوة ..و غيرهم كثيرون.
م������������ل������������ف ال������������ع������������دد
وإذا كان ما قدمنا إيضاحه بإيجاز صحيحاً العربية املعاصرة ..الورقية وغير الورقية.
وفي هذا السياق ميكن أن نسوق مقترحاً رمبا العربي ،ميكن تأمل حضوره في احملاور اآلتية: -1األم��ر بالمعروف والنهى عن المنكر بالمعنى يصح تسميته مبيثاق شرف إصالحى ..يستهدف اإلص�ل�اح الثقافي واالج �ت �م��اع��ي ،ي��رع��ى احملاور األخالقي والثقافي واالجتماعي. اآلتية من خالل املادة التحريرية ،أيا ما كان جنسها -2اإلحسان والتكافل. مقاال أو بحثا أو عمال إبداعيا إلخ.. -3الرفق والرأفة والرحمة. أوال :استلهام العناصر اإلسالمية العامة بما -4إشاعة الوئام والسالم االجتماعي ،ومحاصرة هي ،الروح المنسربة في الوجدان والعقل أسباب العداوات.
-5النزوع نحو العمل الطيّب. -6إزالة عموم ما يسمى فساداً.
العربيين عبر التاريخ الممتد لهذه األمة العربية ،وهى :العناصر الداعمة لمفاهيم التوحيد وال�ت��زك�ي��ة اإلن�س��ان�ي��ة والعمران البشري.
-7الحرص على مقومات الهوية والوجود العربيين ال ثانياً :اعتبار مبادئ المساواة اإلنسانية أص ً ودعمهما. ج��ام �ع �اً وح��اك��م��اً ب �ي��ن ط ��وائ ��ف العرب، وهذه احملاور التي تشكل عموم صورة اإلصالح واالبتعاد مطلقاً عما يمكن أن يكون جذوة الثقافي واالجتماعي في البلدان العربية ..حتتاج تشعل نيران الطبقية والعنصرية المدمرة إل��ى ج�ه��اد ف�ك��رى يستثمر ك��ل األوع �ي��ة الثقافية للوجود االجتماعي العربي.
اجلوبة -صيف 1431هـ 21
ثالثاً :اإلل �ح��اح على م�ب��دأ النسيج االجتماعي والوطني ال��واح��د ،ودع��م القيم المفضية إلى توكيده وترسيخه ،من مفاهيم التعارف والتكافل والتضامن والتفاهم والتقارب، وهو بعض ما يمكن أن تقوم به المجالت الثقافية العربية بين كتابها ،بالحرص على تعريفهم ،وبيان طرق التواصل معهم وبين ق��رائ�ه��ا ..بما ه��و قائم م��ن أب ��واب ترعى هذه القيم المرسخة للتالحم في النسيج الوطني واالجتماعي. راب� �ع� �اً :ال �ح��رص ع�ل��ى إب� ��راز األرص � ��دة الدينية وال�ت��اري�خ�ي��ة الممتدة ال��داع�م��ة لمفاهيم األخوة العربية. خامساً :اإللحاح على أفكار دعم الوحدة الثقافية ومقوماتها المتمثلة في الوعي الجمعي العربي المشترك ،والمتمثل في اللسان العربي الواحد ،والتراث الهائل المشترك إلخ. سادساً :دع��م األص ��وات المنتمية ل�ل��روح العربية، واس�ت�ي�ح��اء ال�ن�ص��وص ال�ت��راث�ي��ة الممتدة الراعية والمعمقة للثقافة األصيلة. سابعا :ال�ح��رص م��ن المجالت العربية الثقافية كافة على ال�ت��واص��ل ف��ي رم��وز المثقفين ال� �ع ��رب ،ول��دي �ن��ا ن� �م ��وذج م ��ن المجالت الثقافية التي نهضت بهذا فترة طويلة من الزمن :كالرسالة ،والعربي ،والوعي اإلسالمي ،والفيصل ،والمجلة العربية.. وكثير منها ما يزال قائما. ثامناً :إعادة االعتبار للقيم الثقافية واالجتماعية ال �ع��رب �ي��ة األص��ي��ل��ة ،ب��اس �ت��دام��ة المواد الثقافية المرسخة لقيم األخالق العربية.. من م��روءة ونجدة وك��رم وشجاعة وحلم..
22
اجلوبة -صيف 1431هـ
إل��خ ،وإع��ادة االعتبار لعدد من محددات الثقافة العربية األصيلة الشكلية أيضا مثل االحتفال واالحتفاء بجماليات الثقافة العربية؛ كالعناية بجماليات الخط العربى، واستيحاء االرتباط بجماليات الجغرافية العربية ،وال��وج��وه العربية ،والحيوانات العربية ..إلخ. تاسعاً :العناية بإبراز جهود رواد اإلصالح الثقافي واالجتماعي في الحضور العربي في العصر الحديث ،بإبراز بعض نصوص كتاباتهم، وال�ت�ع��ري��ف بجهادهم ف��ي ه��ذا الميدان. والقائمة تطول لو استشهدنا بأمثلة لهم، وربما صح هنا أن نتذكر ال��رواد :محمد بن عبدالوهاب 1206ه��ـ=1791م ،وجمال الدين األفغاني 1314ه �ـ =1897م ،وخير ال��دي��ن باشا التونسى 1307ه� � �ـ=1879م، وع �ل��ى ب��اش��ا م �ب��ارك 1311ه � � � �ـ=1893م، وعبد الله النديم 1313ه� �ـ=1896م وعبد الرحمن الكواكبى 1320هـ1902م ،ومحمد ع �ب��ده 1323ه � � � � �ـ=1905م ،وح �س��ن البنا 1368هـ=1949م ،وغيرهم كثيرون جدا. إن بوسع املجالت الثقافية العربية املعاصرة؛ أياً ما كان شكلها ،او منطها التحريري ..أن تقف ف��ي وج��ه اإلس�ت��راجت�ي��ات األجنبية الساعية نحو اقتالعنا ومحونا ،وخلخلة نسيجنا االجتماعي. وبوسعها أيضا أن تدعم روحنا العربية ،وترسخ للنسيج املتالحم من خالل بعض هذه املقترحات. إن إمي��ان املجالت الثقافية العربية الورقية والضوئية بأننا أمة متلك أن تقدم شيئا إيجابيا للعالم واحل �ي��اة ..س��وف يعينها على العمل على ترسيخ قيم اإلصالح الثقافي واالجتماعي ،فاألمة العربية أمة مانحة للحياة.
> محمد محمود البشتاوي – األردن
لم تكن عملية الف ــرز بين األجناس الكتابيــة قائـم ــة منذُ البداية، خليط متداخل ،األمر الذي ٍ وإنما ثمة «مشاعية» تمزج أل��وان األدب في يحمالن اسم «الرواية» ،والعكس كذلك؛ في حين ِ جع َل المسرحية والقصة أن المنشورات بتعدد أشكالها كانت تُعدُّ من الصحافة وما اشتقَّ منها كـ «صحيفة» ،و»مجلة» ،وكالهما ُسميَ «صحيفة! وأي دور ٍيَّ��ة ،أو نشرةٍ ،على ��ف ال��ي��وم ،وأصبحَ شاكلتهما ،سميت ب���ذات االس����م! إال أن األم���ر اخ��ت��ل َ تشريح ألدق التفاصيل ،وباتَ للمجلةِ دو ٌر وهويةٌ ٍ التصنيف يمرُّ في عمليةِ ون��ط��اقٌ يختلف ع��ن مثيالتها ،رغ���م ال��ت��ق��اس��م ف��ي ال��ح��ق��ل الصحافي، واالشتراك في الحراك الثقافي الذي تُحدثهُ كل مطبوعةٍ . وف���ي ال�ت�ص�ن�ي��ف احل ��دي ��ث ،ت �ق��ع «املجالت األدب �ي��ة» ضمن الصحافة املتخصصة ،املعنية ب ��اآلداب اإلن�س��ان�ي��ة ،وم��ا يقع ف��ي دائ��رت�ه��ا ،بي َد َ انفكاك عن التفكير بها، أن سل ًة من األسئلة ال ٍ إجابات لها ،منها إن كانت ومحاولة البحث عن ُوسم بـ «النخبوية» هذه الدوريات الثقافية التي ت َ َ شغف لتالمس بذلك تستطيع كسر دائرة النخبة َ املتل ِّقي ف��ي امل �ع��رف��ة؟ ألن الصحف ومالحقها عموماً تق ِّد ُم املعلومات ،على عكس املجلة التي تتميز بقدرتها على اإلمل��ام ،واإلح��اط��ة ،وتقدمي الوجبة الدسمة مقابل الصحف التي تقدم ما هو سريع على شكلِ «سندويشات ثقافية»! الصحف، وه ��ذا األم ��ر ال يقلل م��ن أه�م�ي��ة ُ وإمن��ا يَ�ج�ع� ُل للمجلةِ م�ك��ان� ًة متقدِّم ًة ومتم ِّيز ًة ق��ادر ًة على أن تكو َن مرجعاً أساساً في عمليات البحث ،واإلعداد ،وما ينتج عنهما من «حفريات» معرفية ،تستطيع دفع عجلة النهضة الثقافية، واحل��ال��ة الفكرية لإلنسان إل��ى األم��ام ،ألنها –
م������������ل������������ف ال������������ع������������دد
أهمية املجالت الثقافية ودورها في تعزيز التعددية الثقافية
أي املجالت – ذات صبغة ما فوق محلية ،تعم ُل في نطاق أوسع ،وألن احلقل الثقافي بإنسانيتهِ أشمل وأعم ،في حني تبقى املالحق الثقافية – وصفحات اجلرائد – تق ِّد ُم خليطاً من األخبارِ والتقارير القصيرة ،ومقاالت ال��رأي ،والقراءات العابرة ،عالو ًة على اإلبداعات ،إال أنها تبقى على السطح ،ضمن ح ِّيز احمل�ل��ي ،السائد املطروق، بعيداً عن اإلبحار في جغرافيا األدب والثقافة. وإن نظرنا إلى املجالت الثقافية املحُ َّكمة ،فإن أهميتها تكمن في قدرتها على تقدمي وجهات نظر ٍ لعدد من الكتاب واألدب��اء واملفكرين ،ممن شتى يتكئون على مرجعيات ثقافية وفكرية مختلفة، منهج ويتناولون املوضوع الواحد أو املتعدد ضمن ٍ محدد ،أو منهجيات مختلفة. ويطغى على عمل املجلة ط��اب��ع اجلماعية، ال ��ذي ي��أت��ي ض�م� َن ت��وج�ه�ين؛ األول يحم ُل فكر الدولة الراعية ،وتوجهاتها ،أو املؤسسة احلزبية،
اجلوبة -صيف 1431هـ 23
ونقاش ِ ٍ يص ُل أحياناً إلى اجلدل والتعارض. حوار محاولة لتعميم هذا الفكر ،أو ذاك التوجه، في ٍ ٍ ً ً وجعلهِ شائعا ق��ادرا على كسر دوائ��ر احمللية ،أو وه��ذا ال�ن��وع م��ن امل�ج�لات امل�ش��ار إليه سابقاً األطر احلزبية. – ال��ذي ينتمي إل��ى املجتمع امل��دن��ي -استطاع كسب النُخب ،واإلسهام في التفاعل والبناء ومد اجل �س��ور ،وت�ع��زي��ز ل�ق��اء األق �ط��اب الفاعلة على الصعيدين القومي العام ،واحمللي اخلاص ،على أس��س ،وش��روط الكفاءة ،وال�ق��درة على اإلبداع، فيجتمع بذلك املُختلف ثقاف ًّيا وفكر ًّيا في ُمؤتلف املجلة ،ما يعني أن هذه الباقة – املجلة – تُسه ُم في التالقح الثقافي بني الشعوب ،وهي بتواصلها مع ٍ لتقليد مح َّب ٍب في القراءة ،األمر روادها ،تؤسس الذي يخل ُق املشاركة القاعدية – مع اجلمهور – تذهب املجلة نحو واملعرفة احمللية والقومية ،فيما ُ التنمية التشاركية التي تصنعها النُخب.
ومن باب اإلشارة إلى هذا النوع من املجالت، صدرت ميكن أخ��ذ التجربة الفلسطينية ،التي َّ ع �ش��رات امل �ج�ل�ات ال�ث�ق��اف�ي��ة واألدب� �ي ��ة – ذات اخللفيات وامل��رج�ع�ي��ات السياسية – م��ن ذلك رأس حتريرها الشاعر الراحل «الكرمل» التي َ محمود درويش ،وكانت تحُ سب على تيار منظمة َ التحرير الفلسطينية ،مقابل مجلة «الكاتب» الفلسطيني ال �ت��ي ص� ��درت م��ن دم �ش��ق لتمثل التيار املعاكس ،فكالهما ثقافي وأدبي ،إال أنهما ٍ بتوجهات متعارضة ،ف��ي ح�ين كانت محكومانِ ٌّ ُ املؤسسات احلزبية والتنظيمية متلك ك��ل منها مجلة ثقافية أدبية شاملة ،لها كتابها ،ومثقفوها، وال يقتص ُر أمر املجالت الثقافية على عملية إال أن ُ انتظام أطرها تبقى ض ِّيق ًة ،ال تستطي ُع اخلروج عن التالقح ،واملشاركة ،والتعددية ،وإمنا بع َد ِ توجهات التنظيم أو احلزب. صدورها ،ووضوح رؤيتها ،وثبات خطوات سياسة وث �م � َة ع�ق�ب��ات ش�ت��ى ت��واج��ه ه��ذا ال�ن�م��ط من التحرير ،وامتالك األدوات املعرفية الكافية ،تكو ُن املجالت ،يأتي في مقدمتها التحوالت الفكرية املجل ُة ق��ادر ًة على توليد ال��رأي ،وصياغة ذهنية والسياسية التي قد تطرأ على املنطقة ،أو العالم؛ ثقافية لدى املتلقي ،بل وصناعة بعض النخب، ومثال ذل��ك أن مجالت اليسار لم يبق منها إال التي جت ُد في تنوع املجلة ،مدرس ًة تعليمية تُسه ُم النزر اليسير ،في حني أن مجالت على شاكلة في حشدِ الفكرِ واملعرفة. «شعر» اللبنانية – ليوسف اخلال – انتهت بعد ختاماً؛ ال نغف ُل دور املجلة ف��ي دع��م التنوع أن ط��رح��ت م�ش��روع�ه��ا احل��داث��وي ال ��ذي يتعلق الثقافي ،عبر كسر حاجز اللغات -من خالل بقصيدة النثر ،حيث حاول اخلال ألكثر من مرة ال�ت��رج�م��ات – واألي��دل��وج �ي��ات ،واألع � ��راق ،وما إعادة إصدار املجلة دو َن جدوى ،أما مجلة «حوار» متثل ُه من نهضة حقيقية في نقل جتارب الشعوب لتوفيق صائغ فقد توقفت بع َد أن اكتشف أمر واملجتمعات؛ ما يعني أن هنالك عبوراً للقارات متويلها املرتبط بالواليات املتحدة األمريكية. واحلدود ،ونق ً ال للثقافةِ واآلداب ،كانت وال تزال أم ��ا ال �ت��وج��ه اجل �م��اع��ي ال �ث��ان��ي ،ف�ه��و يتعلق مبجالت ُمح َّكمة ،تُصدرها مؤسسات تنموية، سعي منها إلى تنطلق من قلب املجتمع املدني ،في ٍ تشكيل ائتالف في تالقح األف�ك��ار ،واستقطاب التيارات مبختلف توجهاتها ،لتكو َن بذلك منب َر
24
اجلوبة -صيف 1431هـ
إلى اليوم ،تعمل على تعزيز ِه املجالت الثقافية؛ ف��ي ح�ين أن االخ �ت�لاف امل �ش��روع ض�م��ن الرؤى والتيارات ،تضبط ُه سياسات املجلة – أ ًّيا كانت – شريطة أن يكون احلوار والتكافؤ بني األطراف املختلفة مرتكزاً وأساساً ال ميكن العدول عنهُ.
م������������ل������������ف ال������������ع������������دد
دور املجالت الثقافية في التواصل الثقافي بني املبدعني العرب من احمليط للخليج > عبدالرحمن الدرعان -السعودية
ينبغي التأكيد بدء ًا على أن تأسيس مجلة تعنى بالشأن الثقافي ..يُعد ف��ي معظم أق��ط��ار ال��وط��ن العربي م��غ��ام��رة ،يصعب ال��ره��ان على صمودها، بالنظر إلى العديد من المعوقات التي تنتظرها ،س��واء منها السياسية أو الثقافية أو االق��ت��ص��ادي��ة ..وال مجال هنا لسرد تفاصيلها؛ إنها محكومة بفرص التهديد والمخاطر أكثر مما هي موعودة بأسباب النجاح؛ بيد إن هذا ال يعني بالطبع إخفاقها على وجه العموم ،فقد لعب الكثير من المجالت الثقافية دور ًا كبير ًا في التنمية الثقافية ،والسيما في العقود الماضية ..قبل بروز القنوات اإلعالمية ،وشبكة اإلنترنت ،ووسائل االتصال المرئي التي ال شك أنها أسهمت في انحسار الدور الذي لعبته هذه المجالت ،إضافة إلى اختالل الكثير من المعادالت. وبصرف النظر عن تفاوت مستوياتها ،وتوجهاتها، ومرجعياتها ،وفلسفة القائمني عليها ..سواء تلك التي أشرف على تأسيسها األف��راد ،أو تلك التي تصدرها الهيئات احلكومية ،أو احت ��ادات ال� ُك� ّت��اب على طول خارطة الوطن العربي ،فقد كان لها دور ال ميكن أن نتجاوزه ..ويتمثل في اآلتي: •توطيد العالقات بني الكتاب والشعراء واملثقفني واألدب � ��اء ف��ي أق �ط��ار ال��وط��ن ال �ع��رب��ي ف��ي املشرق واملغرب ،وإث��راء الواقع الثقافي ،وتشكيل الوجدان العربي جتاه الكثير من القضايا. •إت��اح��ة ال�ف��رص��ة للتواصل م��ع ال�ت�ي��ارات واملدارس واالجت ��اه ��ات األدب� �ي ��ة ،إض��اف��ة إل ��ى ت��وف�ي��ر فرص األجيال املتالحقة لالطالع على التجارب السابقة. •إبراز القضايا الوطنية مثل قضية فلسطني ،التي ظلت القضية العربية .األولى على مدى ستني عاماً وما تزال.
اجلوبة -صيف 1431هـ 25
والتواصل معها. ال ش��ك أن ثمة صعوبات كثيرة منها ع��دم وجود التمويل ،إضافة إل��ى كونها مجالت نخبوية ال تلقى ترحيبا ف��ي األوس ��اط ال�ت��ي ي�ع��ول عليها كاجلامعات واملؤسسات التعليمية بسبب تخلفها وارتكاسها ..ولغياب الوعي ب��ال��دور ال��ذي تلعبه ه��ذه املجالت في التنمية الثقافية واملعرفية ..ما أدى في كثير من األحيان إلى تعثر الكثير منها أو توقفها عن الصدور نهائيا ،كمجلة «الناقد» ومجلة «كلمات» و»النص اجلديد» وغيرها مما ال يتسع املجال لذكرها. ول �ع��ل ظ �ه��ور ث�ق��اف��ة ال �ص��ورة امل��رئ�ي��ة ق��د ضاعف أسباب انحسار الدور الذي تلعبه هذه املجالت إلى حد بعيد ..األمر الذي دعا إلى محاولة بعضها القفز على معوقاتها وظروفها السيئة ملواكبة إيقاع الزمن املتحول. لكنها سوف تبقى على الرغم من كل ذلك شاهداً يوثق تاريخاً ومرحلة لم يكن ممكناً توثيقه لوالها ،وملا تسنى لنا االطالع عليه.
•االط�ل�اع على اآلداب ال�ع��امل�ي��ة ..م��ن خ�لال قراءة ال�ت��رج�م��ات ال �ت��ي أس�ه�م��ت امل �ج�لات ال�ث�ق��اف�ي��ة في نشرها والتعاطي معها. •التعرف على مالمح األدب احمللي وم��راح��ل منوه وت �ط��وره ف��ي األق �ط��ار العربية .فقد أسهمت هذه املجالت في التعريف بتجارب األدباء والكتاب؛ فمن خ�لال مجلة «البحرين الثقافية» ومجلة «كلمات» على سبيل امل �ث��ال ،ومجلة «إب� ��داع» ومجلة «أدب ونقد» في مصر و»الكرمل» في فلسطني ..استطاع القارئ العربي أن يبقى على قيد التجارب اجلديدة
26
اجلوبة -صيف 1431هـ
وتعميق ثقافة املجتمع مجلة املنهل منوذجا ً
م������������ل������������ف ال������������ع������������دد
دور املجالت الثقافية في التصدي ملد العامية والسطحية،
> وضحاء بنت سعيد آل زعير -السعودية
منذ بدايات الحضارة اإلنسانية ،والمحاوالت قائمة بشكل مباشر أو غير مباشر ،في تعزيز اإلنسان وتأهيله ،من خالل رفع مستوى إدراكه ووعيه؛ وحين نقرأ األساطير القديمة وأقوال الفالسفة األوائل، نلمس منهم الحرص ذاته بالتمحور حين ًا حول أهمية كون اإلنسان واعي ًا لما يجب أن يكون عليه ،من خالل اهتمامهم بالعقل البشري وتطوير إدراكه. ويعد اإلعالم بجميع وسائله في الوقت الراهن ّ راف ًدا مهما من روافد التأثير والتغيير في أفراد املجتمع ،فتوجيهه للمتلقي من أق��وى املوجهات
وأمضاها .وبإلقاء نظرة على شريحة من هذا موجه -فإن كل جهة اإلعالم املوجه –وكل اإلعالم ّ ّ تسعى إلى التنوير في جانب معني. وأحد هذه الوسائل اإلعالمية املجالت الثقافية التي ظهرت مختصة في اجلانب الثقافي ،إدرا ًكا م��ن منشئيها ورواده� ��ا ب��ال�ه��دف احلقيقي لها، م��ن خ�لال أهمية ح�ض��وره��ا ..وج ��دوى تأثيرها ف��ي املجتمع .فعندما ب��دأت ف��ي العالم العربي باختالف أقطاره ،كانت تطمح إلى إحداث شيء من احل��راك املعرفي والثقافي ألف��راد املجتمع؛ الذي كان ج ّل اهتمامه منصباً على معرفة األمور السياسية ،وتتبع أموره االقتصادية ،دون حرص على تغذية هذا اجلانب ،وملء فراغه. ومن هنا ،بدأت شرارة التوجه للرفع من مستوى الفرد وثقافته ،بتعميقها وإضاءة الذهن ألمور عدة غير ما أغلق نفسه عليه ،فكانت املجالت املتفرقة في النشأة بد ًءا من مجلة الكويت العربي والدوحة
اجلوبة -صيف 1431هـ 27
والرافد والفيصل ،إلى آخره من املجالت التي كان لها شرف إعداد املجتمع ثقاف ًيا. ومن املجالت الثقافية الرائدة في ذلك (مجلة املنهل السعودية1937 -م) ،وقد اخترتها لتكون خير مثال على الدور الذي تقوم به هذه املجالت. فقد كانت (املنهل) املجلة املتسيدة األولى سعودياً، وفتحا ملا نبراسا ودليال رائ��دة ببداياتها ،لتكون ً ً أتى بعدها من مجالت؛ وهي التي علقت جرس التثقيف وال �ت �ن��وي��ر ،وأزه� ��رت األدب والثقافة والكتابة ،في وقت كان احلصول على شيء من ذلك ضربا من املشقة ،وإن كانت الصحف العامة واملنشورات اإلخبارية -أيا كانت -موجودة؛ إال أن للمجلة الثقافية املختصة دورها املهم واملعزِّز في الرفع من مستوى ثقافة الفرد واهتمامه األدبي، وال ��رق ��ي ب �ف �ك��ره م��ن خ�ل�ال ت �ن��اول املوضوعات الثقافية واملعرفية التي هي في احلقيقة جزء ال فما تقدمه هذه املجلة الثقافية مدرسة توازي ما يتجزأ من املسار التعليمي والتربوي ألي مجتمع .تقوم به الدروس التعليمية في املدارس؛ فهي تق ِّوم اللسان عبر سطورها املكتوبة باألساليب التعبيرية الفصيحة اليسيرة ..بعي ًدا عن تق ّعر اللغويني ،كما تعطي ذلك أيضا بشكل مباشر من خالل دروس مبسطة في اللغة والكالم. وإذا نظرنا الع�ت�ب��اري��ة األق��دم �ي��ة ،واختالف وتنوعا ،واهتمام املجتمع املستوى اإلعالمي توس ًعا ً بالتثقف واألدب والعمق املعرفي في ذلك الوقت؛ فإن هذه املقارنة تؤكد ما قام به مؤسس مجلة املنهل (عبدالقدوس األن �ص��اري) –رحمه الله- من عمل جليل عظيم أسهم في إج�لاء سطحية التفكير ،وب�س��اط��ة االه �ت �م��ام��ات ،وال��رك��ون إلى البساطة الذهنية دون سعي للتطوير. وكذا هي وسائل التواصل الكالمي؛ فالعامية طاغية على األل�س��ن ف��ي احل��دي��ث العابر ،وكذا األدب؛ فقليل ما جند آن��ذاك اهتما ًما أو متابعة
28
اجلوبة -صيف 1431هـ
م������������ل������������ف ال������������ع������������دد
�دارس ��ا ل�ل�أدب ال�ف�ص�ي��ح ،ف �ض� ً لا ع��ن تذوقه وت � ً
وق��راءت��ه؛ فاملطالع لوسائل اإلع�ل�ام والالفتات
وأوراق امل�ع��ام�لات وقتها ،سيجد اخللط وارداً كثي ًرا بني العامي واملترجم ،دومنا وقفة صارمة قاطعة لهذا الهجني املش ّوه! وبالتالي فإن وجود
املجلة الثقافية في ذلك الوقت حتدي ًدا إنقاذ ٍ للغة
تسطحت وتهلهلت ،وه��ذا ل��ن يكون إال بتوجيه اخلطاب الثقافي بلغة رزينة جتمع بني الفصاحة والبساطة ،وتنوع املوضوعات دون نخبويتها .وهذا
ما قامت به مجلة املنهل وحققت به التوازن؛ حتى
ال يشعر القارئ البسيط بالتغرب بني صفحات املجلة ،وال تبقى املجلة ف��ي عزلة ع��ن املتلقي، فكانت ت�ن��اوالت املجلة ملوضوعات تهم شريحة
واسعة بطرف ما ،مثل( :الثقافة العربية -احلضارة
العربية -العادات والتقاليد -الدعوة اإلسالمية..- اهتماماته كفرد عادي في املجتمع ،ومحاولة من إلخ) .ومثل هذه امللفات مت ِّكن القارئ العادي من املجلة كذلك في رف��ع مستوى ه��ذه االهتمامات ً بعضا من متابعتها والتفاعل معها؛ ملالمستها والوعي مبا يدور حوله من قضايا تهمه. كما اهتمت (املنهل) باملوروث الشعري القدمي، م��ع توفير مساحة ل�ل�أدب ،وت��ذوق��ه ،وتدارسه، ممتدة لالهتمام بالشعر احلديث وجتارب الشعراء اجلدد. ومع هذا اجلهد املبذول في الرقي باملستوى الفكري للفرد ،سعت مجلة املنهل في استمرارية صدورها إميا ًنا بأهمية الدور الذي تؤديه ،وبسمو الرسالة التي تؤمن بها في سبيل حتقيق الرقي للمجتمع بأكمله معرف ًيا وثقاف ًيا من خالل الفرد. فمن يطلع على بداية صدور املجلة أوال ،وما القاه مؤسسها من أجل ظهور املجلة ،ومن ثم السعي احلثيث ألن تكون منارة حقيقية للثقافة من خالل االم�ت��داد الزمني لها ،واجلهد املكثف ألن تكون إر ًث��ا ثقاف ًيا حقيق ًيا تتناقله عائلة (األنصاري)،
اجلوبة -صيف 1431هـ 29
حاملني على أعتاقهم مهمة بقاء هذه املنارة مثلما بدأت بقوتها ،رغم الظروف الصعبة التي متر بها
وتتوالى عليها.
وه��ذا يجرنا لعقد مقارنة تؤكد ه��ذا الدور الريادي ال��ذي قامت به املجلة ،متمث ً ال بالبداية
ال�ق��وي��ة ،واحل ��رص على انتقاء امل ��واد املنشورة،
ومن ثم االستمرار على هذا املنوال دون ضعف
يعتريها ،أو تهاون في ج��ودة ما يُطرح .إذ جند القليل من املجالت الثقافية الرصينة من استم َّر حتى هذا الوقت ،وإن كانت استمرت فقلي ً ال ما
تكون ال��روح نفسها هي ال��روح األول��ى؛ لذا كانت (املنهل) رك�ي��زة مهمة ف��ي املجتمع ت��ؤدي رسالة
عظيمة ،وم�ح�ف�زًا الن�ت�ش��ال ال �ف��رد م��ن ضحالة الرؤية ،وضآلة االهتمامات.
وعندما يذكر املؤسس والباني لهذه املجلة في
افتتاحيتها املعتقد ال��ذي سار عليه ،نعلم حينها () 1 ( )2 ( )3
( )4 ( )5 ( )6
( )7 () 8 ( )9 ( )10
30
ب��أن اإلمي���ان احلقيقي ب��ال��دور امل�ط�ل��وب سبيل لتحقيقه« :والواقع أن األدب في أسمى أوصافه، وأصدق ألوانه ،هو احملرك الكهربائي الذي يبعث روح اإلص�لاح في الشعوب ،ويوقظ فيها الفتوة وال�ش�ع��ور ب��ال�ك��رام��ة ،ويحفزها إل��ى امل�ض��ي في ّ ويهذب طريق ال�ت�ق��دم ،ويصقلها صقال ج�ي� ًدا، من حواشيها ...واألدب هو ال��ذي ينمي مواهب األمة الفكرية ،ويحوك كيانها حو ًكا متقنًا»؛ من افتتاحية العدد األول. (مجلة املنهل) ...مجلة تبوأت لنفسها مكانة رفيعة بعد معركة خاضتها م��ع ذات�ه��ا م��ن أجل مبادئ آمنت بكونها حقيقة ،فحققتها من خالل النشر والتفاعل مع بريد القراء الذي يعزّز رؤية (األن �ص��اري) بأهمية األدب وكونه مغي ًرا للفرد واملجتمع من خ�لال حسر اجلهل وضيق األفق. وهي أمن��وذج ساطع مؤ ِّكد ل��دور املجلة الثقافية الريادي في تغيير املجتمع والرقي به.
فريدرش نتشه :ما وراء الخير والشر ،ترجمة جيزيال فالور حجّ ار ،ط ،1دار الفارابي بيروت -لبنان 2003م ،ص.70 موريس مورلبنتي :ظواهراتية اإلدراك ،ترجمة فؤاد شاهين ،معهد اإلنماء العربي ،بيروت 1998م ،ص .96 إقليدس اإلسكندري ،ولد 300قبل الميالد ،عالم رياضيات يوناني ،غالبا ما ينسب إليه لقب «أبو الهندسة» .مشوار إقليدس العلمي كان في اإلسكندرية في أيام حكم بطليموس األول ( 283–323قبل الميالد) .اشتهر إقليدس بكتابه العناصر وهو الكتاب األكثر تأثيرا في تاريخ الرياضيات. ولد في عام 287ق.م ،في سيراقوسة وتوفيّ عام 212ق.م ،ويعتبر أحد أهم مفكّري العصر القديم ،ونظرتنا إلى الفيزياء مستندة على النموذج الذي طوّر من قبل أرخميدس. وُلد عام 635ق.م .وتوفّي سنة 543ق.م .وهو أحد فالسفة اإلغريق قبل سقراط ،وواحد من حكماء اإلغريق السبعة، يعتبره العديد الفيلسوف األول في الثقافة اليونانية وأبا العلوم .عاش طاليس في مدينة مليتوس في أيونيا ،بغربي تركيا. أبو عبدالله محمد بن موسى الخوارزمي :عالم رياضيات وفلك وجغرافيا ،ولد في خوارزم سنة 780م ،اتصل بالخليفة العباسي المأمون ،وعمل في بيت الحكمة في بغداد ،وكسب ثقة الخليفة ،إذ واله المأمون بيت الحكمة ،كما عهد إليه برسم خارطة لألرض عمل فيها أكثر من سبعين جغرافيا ،وقبل وفاته في 850م 232/هـ ،كان الخوازرمي قد ترك العديد من المؤلفات في علوم الفلك والجغرافيا ،من أهمها كتاب «الجبر والمقابلة» الذي يعد أهم كتبه ،وقد ترجم الكتاب إلى اللغة الالتينية في سنة 1135م ،وقد دخلت على إثر ذلك كلمات مثل الجبر Algebraوالصفر Zeroإلى اللغات الالتينية. ا ُنظر مداخالت ندوة« :المجالت الثقافية ودورها في اإلصالح الثقافي» ،مجلّة العربي باالشتراك مع اليونسكو من 16إلى 18ديسمبر 2006م. ا ُنظر مداخلة بندر عبدالحميد ،المرجع نفسه. المرجع نفسه. المرجع نفسه.
اجلوبة -صيف 1431هـ
دراس����ـ����ـ����ـ����ـ����ـ����ـ����ـ����ـ����ـ����ـ����ـ����ـ����ات
أشكا ُ القرآني َّناص ل الت ّ ّ في ِ ش ْعر ِ أبِي العالءِ املَعرّي > د.إبراهيم الدهون*
ّناص القرآنيّ في ��ال الت ّ تناقش ه��ذهِ ال��ورق��ةُ ن��م��اذ َج من أش��ك ِ الشاعر في االهتمامِ وترصد محاوالت َّ ِ شعرِ أبي العالء المعرّي، والتراكيب القرآنيّةِ ،وتوظيفها ِ والمفردات ِ بالعناصرِ الداخليةِ الشعري؛ لتؤدي وظيفة جمالية ،ينتج عنها تناغم َّص ِّ داخل الن ّ أجزاء الكالم وتآلفه ،وانتظامه تناظم ًا تركيبي ًا وداللي ًا – أحيان ًا َّص استقاللية وشعرية تفتحُ أمامه كثيرة -يحقق بوساطته الن ّ ورؤى أبعد. آفاق ًا أرحب ،وعوالم أوسعً ، وال ب � � ّد م ��ن اإلش� � � ��ار ِة إل� ��ى أنَّ ه ��ذ ِه
ناص -1مفهوم التَّ ّ
تقف عند ك ِّل تناصات المعرّي ُ الورق َة ال
تُ��ر ّك�� ُز ال� �دِّراس���اتُ ال � َّن �ق��د ّي � ُة واألدب ّي ُة
رفيعة المستوى ،تجلّت من خاللها براعة
ِّراسات األسلوبيّةِ واأللسنيّةِ ؛ ِ التركيز في الد
ومعارف ومحاو َر متجددةٍ ، َ معان ودالالت،
المحيط ،وإنَّما ِ ال عن العالمِ ومغلقاً ومستق ً
القرآنيّة ،وإ ّن�م��ا خضعتْ ل��دراس��ةِ نماذج
�ص ،ويتجلَّى مثل هذا الحديث ُة على ال � َّن� ِّ
الشاعر على أن يستمد من القرآن الكريم
ال ْس نظاماً لغوياً مقف ً َّص األدب ُّ��ي لَي َ فالن ُّ
ومنظورات متعددةٍ ،تكسب الن ّ ٍ واالنعكاسات ،فهو ِ االرتدادات، ِ َّص الشّ عري ،سلسل ٌة من رونقاً جمالياً ،وثرا ًء فن ّياً ،وصدقاً قوياً. ودالالت ٍ لمعان ٍ بمثابةِ العدسةِ المقعر ِة
اجلوبة -صيف 1431هـ 31
ومختلفة ومتباينةِ األش �ك��الِ والصورِ ٍ م�ع�ق��دةٍ ،
النّقديّةِ التي اعتنتْ بها الشِّ عريَّة الغرب ّي ُة وما
والسيميائيات النصيَّةِ ِ ،لمَا له من ِ في حيزِ األنظمةِ السياسيّةِ والدينيّةِ السّ ائدةِ ،بع َد البنيويةِ َّص األدبيِّ وتركيبهِ ، تفكيك الن ِّ ِ إجرائية في ٍ فعالية ٍ واألح���داث وال�ظ��واه��ر المسيطرة على حركيةِ �ص ،لفهمه وقراءته َّص األدب ُّ��ي -في والتغلغلِ ف��ي س��وي��داءِ ال � َّن� ِّ الوجود البشري .ل��ذا ،يُ َع ُّد الن ُّ لمعارف لَعِ بَ فيها الزم ُن ق��راءة واعية ،وذل��كَ من خاللِ اإلحاطة الكاملة َ تراكمات ٍ حقيقةِ األمرِ -
َّص اللُّغويّة والتّاريخيّة والثّقافيّة ما استطاعَ ،فالزما ُن والمكا ُن واإلنسا ُن فضاءات بك ِّل أج��زاءِ الن ِّ تتش ّك ُل م��ن خاللها لمعات األف �ك��ار ،وجذوات والدينيّة..إلخ. شكل من ٍ المعاني ،لتتبلور في نهاية األم��رِ في
ول �ق��د ب���ذ َل ال� ��دَّ ارس� ��و َن ال �م �ح��دث��و َن جهوداً
َّناص األش��ك��الِ ال �لّ �غ��و ّي��ةِ ،م��ادت �ه��ا ال��رئ�ي�س��ة اإلنسان مضنيةً ،وقدّموا مهاداً نظرياً زاخراً في الت ِّ
َّناص دراساتٌ تناولت الت َّ ِ والكون ،وأداتها اللّغة ،ومبتغاها اإلنسان نفسه .وآلياتِهِ وأشكالِهِ ،فق ْد مؤلفات أم رسائ َل جامعيةً، ٍ َّص األدبيُّ حلق ٌة تدو ُر في فلك محدود ج ّم ٌة( ،)3سواء أكانتْ إذاً ،فالن ُّ األبعاد واألهداف(.)1 َّناص أخ َذ يَظْ َهرُ ،وينمو شك فيه أنَّ الت َّ وممّا ال َّ َّص األدبيّ ،مكوناً مكانةً ،وأساساً داخ َل إطارِ الن ّ حموالت ٍ محورياً للعملِ األدب��يّ ِ ،لمَا يشكّله من
�اص ف��ي شعر شاعر وسماها مؤلفوها ب�ـ(ال� َّت�ن� ّ َّناص نقدياً .وع�لاو ًة على ذلك، معين )...أو الت ّ
بعضها فصوالً احتوتها تواليف ،أو أبحاثاً ُ ك��ا َن نشرتها المجالّتُ العلميةُ.
ّناص على أنّه اتّكاء ومن هُنا ..حُ ّد َد مفهوم الت ّ
�ط ووشائج تفاعلية ،ورواب � َ ٍ �ات معرفية ،وع�لاق� ٍ ٍ نص الحق أو مجموعة نصوص سابقة سواء أكانتْ ّ �ص ونصوص �ص وآخ� �رَ ،أو بين ن� ٍّ ا ّت�ص��ال بين ن� ٍّ نصاً دينياً أو،... ّصوص شعراً أو نثراً أو ّ ُ َعددت التياراتُ والمذاهبُ التي هذه الن عديدةٍ .و َق � ْد ت ِ تبنته ،إذ تباينتْ تعريفاتُه ،ومعانيه ،وأشكالُهُ، وآل �ي��اتُ � ُه م��ن ن��اق� ٍ�د ل�ن��اق��د ،وم��ن م��ذه� ٍ�ب نقدي آلخ �رَ ،ال ِسيَّما في النَّقدِ العربيِّ المعاصرِ (.)2 َّناص ( )intrtextualityمفهو ٌم نقدي جديد، فالت ُّ دخ � َل حق َل ال� ّن�ق��دِ األدب ��يّ ال�ح��دي� ِ�ث م��ؤخ��راً من ِّراسات النقديّةِ األجنبيّةِ ،وق ْد كانتْ سنواتُ ِ الد
َّص األوّل «شريطة وجود صيغة عالئقية تربطُ الن ّ َّص الثانيِّ ،حيثُ تتبدّى الثيماتُ اللفظي ُة أو مع الن ِّ
المضموني ُة متجسد ًة في ثنايا الن ّ َّص الجديدِ »(.)4
ص القرآنِ ّي ناص مع النَّ ِّ -2التَّ ُّ نفوس ِ يحت ُّل القرآ ُن الكري ُم مركزاً مهمَّ اً في
بطاقات ال تنفدُ.. ٍ الشُّ عراءِ واألدب��اءِ ،لغنى آياتهِ
(1979م1982 -م) الغني ُة ب��اإلص��دارات شاهداً وأس�ل��وب��ه ال�ف�ن��يِّ المعجز ،وب�لاغ�ت��ه المشرقة، وتشريعات سامية، ٍ على مرحلةِ النضجِ ،خاص ًة بعد ظهورِ أعمال إضافة الحتوائهِ قيماً فكر َّيةً،
ّ ّص) ،و(التعالق (ريفاتير)( :إنتاجيّة الن ّ أمة ،ويم ّث ُل في اللُّغة شريعة ،ومنها ُج ٍ ٍ النصي) ،فهو «دستو ُر و(أثر الت ّ وقاموس لغتِها ،ومظه َر بالغتِها َ َّناص) عام 1979م ،و(سيميائية الشِّ عر) العربيّة تا َج أدبِها عام 1982م ،واحتلَّ مكان ًة في السَّ احةِ النّقديَّةِ العربيَّةِ المعاصرةِ ،وأصب َح من أب��رزِ المفاهيمِ
32
اجلوبة -صيف 1431هـ
وحضارتِها ،وفوق ذلكَ هو طاقة خالّقة من الذكر لمسات ٍ والفكر ،يج ُد فيها الذاكرو َن والمتفكرو َن
روعتها الجلو ُد كلَّما تدبرتْ معانيها واستشعرت توحدَه بالعبوديةِ واإللوهيةِ ،فال إله إال الله ،وال َّص القرآنيّ ج�لال�ه��ا»( .)5ويُ� َع � ُّد ال �ق��رآ ُن الكريم راف ��داً غنياً ،معبود سواه ،فمن أبهى توظيفات الن ّ ال عذباً للشّ عراءِ ،فاستقوا منه ،واستثمروا في شعرِ ال َم َعرِّي ما نلحظُ ُه في قوله(:)6 ومنه ً طاقاتهِ ،بما يدع ُم تجاربَهم الشِّ عريَّة ويسندُها.
وعليه ،حينما نقرأ ُ شع َر أبي العالءِ ال َم َعرِّي،
نلحظُ جَ ِل ّياً أنَّ القرآ َن الكريم كا َن مُتنفساً ،ومعيناً
أساساً من المصادرِ التي استنطقها أبو العالءِ
ْ���ك أَو ٌَّل ،أَحَ ����دٌ إِ لَ��هُ ��ن��ا ال��� َل���هُ ،مَ ���ل ٌ الناس آحادُ ِ نوف ت ُِطيعُ هُ ِمنْ ُص ِ
دراس����ـ����ـ����ـ����ـ����ـ����ـ����ـ����ـ����ـ����ـ����ـ����ـ����ات
س �م��اوي � ًة ت�ه�ت��دي ل�ه��ا ال �م �ش��اع �رُ ،وت�ق�ش�ع� ُّر من إعجابه من روع��ةِ هذا الصنع وإتقانه ،ثُ َّم يُ ْع ِل ُن
َّص القرآنيِّ ،وصاغَ ها استغلَّ ال َم َعرِّي بني َة الن ِّ
ف��ي ش�ع��رِ ِه ليُ َع ِّب َر ع��ن إي�م��ان��هِ ب��ال�ل��هِ ،م��وح��داً له
َ ال َم َعرِّي ،وراف��داً مهمَّ اً تناصهِ ِّ اغترف من نبعِ معانيه ،سبحانه وتعالى ،وقد أثبتَ ذلكَ من خاللِ ولَي َ ْس هذا األم ُر غريباً عليه؛ فقد حَ فِ َظ القرآ َن التركيبيِّ مع قولهِ تعالى:
الكريمَ ،وأتق َن قراءاتِه منذ نعومةِ أظفارِ هِ.
الصمد* لم يلد ولم «قل هو الله أحد* الله ّ
ِ بالتراكيب ِ ويفيض شع ُر ال َم َعرِّي ُ َّص والمفردات يولد* ولم يكن له كفواً أحد»(.)7حيثُ يُشي ُر الن ُّ
�ات ال �ق��رآن � َّي��ةِ ،ال ِس� َّي�م��ا ف��ي ديوانهِ وال�ش�خ�ص�ي� ِ
القرآنيُّ إلى وحدانيةِ اللهِ وربوبيتهِ ،ويَنفي تَ َع ُد َد
َّناص القرآنيِّ : أنماط من الت ِّ ٍ يوظف ثالث َة ُ أ ّن ُه
نص أبي العالءِ كفءٌ للهِ ع َّز وجلَّ .وهكذا يأتي ُّ
«اللُّزومي ِ ويرفض رفضاً مطلقاً أ ْن يكو َن هنالك ُ َّات» ،وإذا دققنا النّظ َر في شعرِ ه تبيّن لنا اآللهةِ ،
ناص التركيبي آليات القرآن الكريم أ -التَّ ّ
َّاس َّص القرآنيِّ ،حا ّثاً الن َ ال َم َعرِّي متوافقاً مع الن ِّ
ّصينِ كانا قد على طاعتهِ وت �ق��واه .بي َد أنَّ الن ّ
يتمثّل الت ّ بوتقة واحدةٍ ، ٍ َّناص التركيبي باستحضارِ الشَّ اعر تالحما وتداخال ،ثُ َّم امتزجا في والتراكيب القرآنيّةِ ،وإيرادها الن ّ ِ للمفردات ِ َّص فمنحا الخطابَ الشِّ عريَّ بُعداً داللياً واحداً عَ ّب َر
الشّ عري ،فيكون لها دو ٌر في إنتاجِ الداللةِ ،وإثار ِة عن وحدانيةِ الخالقِ ،وت �ف �رّدِ ه في ه��ذا الكونِ ، وإكساب المعنى عمقاً وتحفيزاً. ِ المتلقي، وإزالة ك ّل الصفات البشرية عنه جلَّ وعال. ولقد استله َم ال َم َعرِّي في تجربتهِ الشِّ عريَّة،
ونصوصهِ اإلبداعيَّةِ ،لغ َة القرآنِ الكريمِ وآياتِهِ
َّص الشِّ عريَّ جا َء متواشجاً ومن الواضحِ أنَّ الن َّ
َّناص ومتماهياً مع النسيجِ القرآنيِّ ،موظّ فاً الت ّ
وف�ح��واه��ا ،ومزجَ ها ف��ي بنيةِ ال� َّن� ِّ موقف ِ �ص الداخليةِ ،التركيبي (إلهنا ..واح��د) من أج��لِ بلور ِة فأغنت الن َّ َّص القرآنيُّ َّص داللياً ،بانفتاحهِ على العالمِ العلوي ..الشَّ اعرِ ورؤيتهِ ،وبذلكَ استطا َع الن ُّ
ٍ وأسس لرؤيا شعري ٍَّة َ فأثم َر هذا التداخلُ، مكثفة أ ْن يكو َن حُ جّ ًة ودعام ًة للشّ اعرِ أمام الملحدي َن ٍ إيحائية ٍ دالالت ٍ ذات عظيمة ،فكا َن توحي ُد الله والمنكري َن لوحدانيةِ اللهِ . وتعظي ُم ُه ال��شّ ��رارةَ األول��ى ألبي العالءِ ال َم َعرِّي،
اإلشاري آليات القرآن الكريم ُّ ناص فالل ُه خال ُق الكونِ ومبد ُعهُ ،ومص ّر ُفهُ ،ولذا يق ُّر ب -التَّ ُّ أبو العالءِ ال َم َعرِّي ببديعِ خلقِ اللهِ ،وصنعه ،مبدياً
�اص ال ��ذي ال يَ � ْع��مِ � ُد فيه الشَّ اع ُر وه��و ال � َّت �ن� ُّ
اجلوبة -صيف 1431هـ 33
ال صريحاً الوقارِ في حياتِه ِ ،ال تستخف ُه األهوالُ ،وال تخرج ُه َّص القرآنيِّ تعام ً إلى التعاملِ مع الن ِّ
يخف ُّ َّص ،وتَشي عن وقار ِه وحكمتِهِ واتزانِهِ ومروءتِهِ .فهل أو مباشراً ،بل تغني اإلش��ارةُ عن الن ِّ مخلوق ٍ إليه .و ُم ��ؤدّى ذل��كَ «أ ْن يَسْ تله َم الشَّ اع ُر لفظ ًة وقاره هذا يوم القيامة ..حي َن يَفق ُد ك ُّل الحديث ِ جديد تماس َك ُه حتّى الجبال؟ ولعلَّه تط ّر َق إلى ٍ أو لفظتينِ لتوظيفِ هما في ان��زي� ٍ�اح لُغويٍّ مشهد م��ن مشاهد ي��وم القيامة بالمفهوم ٍ تتبدّى منهما براع ُة ومقدرةُ الشَّ اعرِ من إيجازِ ع��ن تقليص الدينيِّ ،من خاللِ محاولتِهِ إب��رازِ صفات والده ِ التَّعبيرِ وتكثيفه ،ومن قدرتِهِ الف ِّنيَّةِ على
َّص المقتبس منه إلى المتلقي المحمودة والحسنة ،تعبيراً منه بأنَّ المَعا َد أم ٌر مسافة وصول الن ّ ()11 واق ٌع ال بدَّ منه ،وهذا األم ُر حقٌّ ال ريبَ فيه . واإلحاطةِ بمشاعرِ هِ»(.)8 ْس ثَمَّ َة ٌّ لَي َ ناص والشخصيات القرآنيَّ ة شك في أنَّ أبا العالءِ ال َم َعرِّي كا َن جـ -التَّ ُّ والمعارف، ِ له مخزو ٌن هائ ٌل من الثقافةِ والعلومِ �وص المرجعيَّةِ وم �ج �م��وع � ٌة ك �ب �ي��رةٌ م��ن ال � ُّن �ص� ِ
ّناص ال��ذي يحيل ُنا فيه الشَّ اع ُر إلى وه��و الت ّ
قرآنية قدّمتْ بُ�ع��داً ،أو َر ْم��زاً داللياً، ٍ شخصية ٍ
ارتكاز ،أو محط َة ٍ المستودعةِ في ال��ذاك��رةِ ،وم��وروثٌ ثقافي ديني ش ّك َل بالنسبةِ للشّ اعرِ نقط َة ِ �والت �ف ت�ل��ك ال �ح �م� ِ ع�ظ�ي�مٌ ،ف��وظّ � َ والمدلوالت ت��زوي� ٍ�د انطل َق منها نحو عوالم قدسية وعلوية
�ورات ف��ي ن �ص� ِ وال �م �ن �ظ� ِ �ص الشِّ عري، �وص��هِ ،م��راوح��اً م��ا بي َن مشرقة س��اع��دتْ على اغتناءِ ال� ِّن� ِّ ِ االقتباس والتضمينِ والتلميحِ واإلش ��ارةِ ،وإلى ومنحه متان ًة وتماسكاً كبيرينِ .
واستعراض ثراء لغته ِ جانب ذلكَ اتّج َه إلى إبرازِ ِ ألفاظ وتراكيبَ ٍ التي يبر ُز فيها محفوظ ذاكرته من
وال يفوتني أ ْن أ ُشي َر إلى أنَّ إحاالت أبي العالءِ
للشخصيات القرآنيَّةِ ، ِ ال� َم� َع�رِّي واس�ت��دع��اءات��ه
ٍ وجمل ٍ َّص على عوالم وسياقات قرآني ٍَّة ،فقد استطا َع أ ْن يفجّ َر هي إش��ارةٌ أكيدةٌ على انفتاحِ الن ِّ ِ الكلمات والت ِ طاقات في ٍ َّص الشِّ عريّ ،وتدفعه ّراكيب ،ويُكسبُها لغ ًة للنصوص المرجعيَّةِ تغني الن ّ شعر َّي ًة ق��ادر ًة على التَّعبيرِ عن آرا ِئ��هِ ،ومواقفِ هِ ، نصوص عديدةٍ . ٍ والتشابك مع ِ لحالة من التواصلِ ٍ ٌ وانفعاالتِهِ الغزيرةِ ،وثَمَّ َة مقاط ُع والتوظيفات ِ االستيحاءات ِ ونصوص شعر َّي ٌة كما نستطي ُع عن طريقِ
والتراكيب ِ اآليات ِ َّناص اإلشاريِّ مع له تمتل ُئ بالت ِّ �ص ال��شِّ �ع��ريِّ أ ْن للشخصيات ال�ق��رآن� َّي��ةِ ف��ي ال� َّن� ِّ ِ َّص القرآنيَّةِ ،وتحقّق وهجاً وتأثيراً ف ِّن َّياً في الن ِّ للحموالت المعرفيةِ ، ِ شمولية ٍ نكشف عن قراءةٍ َ
المنقولةِ إليهِ .فحين نقرأ ُ الن َّ �والت ال��دي �ن � َّي��ةِ ،واألخ� �ب ��ارِ التَّاريخيَّةِ ، َّص التالي لشاعرِ نا وال��م��دل� ِ في رثاءِ والده(:)9 والقصص القرآنيَّةِ المستودعة في ذاكر ِة الشَّ اعرِ ِ فيَا َليْتَ ِشعْ رِ ي هَ لْ ي َِخ ُّف َوقَا ُر ُه
بعد أ ْن استوعبها استيعاباً عميقاً ،وفهمهاً فهماً
القيامَ ةِ ك ِ إذا َصا َر أ ُْحدٌ في ِ َالعهْ ِن دقيقاً ،فصهرَها لتُصب َح جُ زءاً حقيقياً من تجربتِهِ
نجده ينق ُل المتلقيَ إلى قولهِ تعالى« :وتكو ُن الشِّ عريَّة. المنفوش»( .)10والشَّ اع ُر يحدّثُ ِ الجبا ُل كالعهنِ
الشخصيات ِ بتناصهِ مع ِّ أور َد أبو العالءِ ال َم َعرِّي
نفسَ هُ( :فيا ليت شعري) لقد كا َن والدي شدي َد القرآنيَّةِ « أمثل ًة تب ّي ُن جانب القدوة اإليجابيَّة،
34
اجلوبة -صيف 1431هـ
موسى ،صالح ...عليهم السالم» ،وأمثل ًة أ ُخرى بالقضاءِ والقدرِ لتدف َع السّ يا َق الشِّ عريَّ للتالحمِ تم ّث ُل الجانبَ السَّ ل ْبيَّ كقابيل ،وفرعون في تعاليهِ
والسيرِ ،عبر تأطيرها معجزة النبي صالح عليه
وغ ��رورِ ِه وإص ��رارِ ِه على ال�ك�ف��رِ »( .)12ونَل ْحَ ظُ أن السالم في استدعاء قصة قوم ثمود ،فقد رُويَ
ِ واالستيحاءات ِ بالتناصات ِ أل شعرَه امت َ والتوظيف أنَّ س ّي َد ثمود (جندح بن عمرو) قالَ« :يا صالحُ: للشخصيَّةِ القرآنيَّةِ ومضامينِها ،وما يدو ُر حولها أخ��ر ْج من ه��ذ ِه الصخر ِة ناق ًة مخترجة جوفاء، لخدمةِ المعنى ال��ذي يريده في ِّ نصهِ الشِّ عريِّ ،وبراء ،عشراء .فصلّى صالح ركعتينِ ودعا ر َّبهُ،
دراس����ـ����ـ����ـ����ـ����ـ����ـ����ـ����ـ����ـ����ـ����ـ����ـ����ات
وتفصيالت اإليمان ِ دالالت ِ كشخصيات األن �ب �ي��اءِ « :م�ح� ّم��د [ ،إبراهيم ،بك ِّل ما تحم ُل من ِ
ِ �داث باأللفاظ واألح� ِ ِ التالعب ِ مع والتراكيب بما فتمخضت تمخض النتوج بولدِ ها ،ثُ� َّم تحركت ينسج ُم وتجربته اإلبداعية(.)13 ف��ان�ص��دع��ت ع��ن ن��اق� ٍ�ة ب��ال�ص�ف��ات نفسها ،وقد لذلك كانتْ شخصياتُ األنبياءِ والرسلِ واحد ًة نتجت سقباً مثلها عظماً ،فآم َن ج�ن��دحُ ،فقا َل خصيات التي استلهمَها شاعرُنا ،صالح :هذه ناقة الله لها شرب يوم ،ولكم شرب ِ من أه � ِّم الشّ
قصتِها أصواتاً ومضامي َن وأهدافاً يوم معلوم ،فعقرها قُدا ُر بن سالف»(.)15 واستمدَّ من َّ م�ت��وخ��اةً ،وعَ � َّب � َر م��ن خاللِها ع��ن تجربتهِ ورؤاه
توظيف ال َم َعرِّي لشخصية صالح َ وإذا تأمّلنا
وأب�ع��اده الفكريَّة وفقاً لتصوره ال�خ� ّ �اص ،وعلى عليه السالم ومعجزته النَّاقة ،والموقف السَّ ل ْبيّ ٍ َص ُل إلى أنَّه أرا َد نحو يَتض ّم ُن التَّواصل واالستمراريَّة بين زمني لشخصيةِ قُدار بن سالف ،نتَو ّ
األنبياءِ ( :الماضي) ،والشَّ اعرِ ( :الحاضر) .كما في الناقةِ بذوراً كنائي ًة ورمزي ًة تمثلت بالحياةِ. يَتي ُح هذا األم ُر لشاعرِ نا االنفالتية من الذاتيةِ ك��ذل��كَ النبي صالح عليه ال�س�لام لَ � ْم يج ْد بُدَّ اً ْس غريباً أ ْن إل��ى الموضوعيةِ ،وتحويل ُها وتعميمُها إل��ى أ ْن لإلصالحِ «واال ّت�ف��اقِ مع قومِ هِ ،ولَي َ تُصب َح تجرب ًة عامةً. يُ َع ِّب َر شاعرُنا عن قدار بالسَّ ل ْبيَّةِ لمالحظتِهِ أنَّ منظور يَسْ تَ ِن ُد ُق��دا َر كهمام في اللُّغةِ بمعنى الثعبان العظيم، ٍ غير أنَّ التّأ ّم َل في شعرِ ه من إل��ى طبيعةِ حضورِ األن�ب�ي��اءِ ،يجعلنُا نص ُل إلى وأنَّها من ماد ِة القدرِ ،فالفائدةُ المُهمَّ ُة في نظرِ نتيجة م��ؤدّاه��ا أنَّ ال �ح �ض��و َر م �ت �ح��و ٌل م��ا بي َن أبي العالءِ أنَّ هذ ِه الحياةَ أضحتْ شائخ ًة على ٍ
التلميحِ ،واإلي �م��اءِ ،واالس �ت��دع��اءِ المباشرِ دو َن الشرورِ ،ومحاولة اإلصالحِ تنتهي باإلخفاقِ ،كما خصيات التي أوم َأ إليها أنَّ الحياةَ ت��ؤو ُل للفناءِ والتالشي بفعلِ القدرِ ِ مواربة أو خفاءٍ .فمن الشّ ٍ
وأحداث ،وسطوتِهِ على البشريَّةِ »(.)16 ٍ أشخاص، ٍ وأوردَها بمعطياتِها كافة من �ارات دي �ن � َّي� ٍ�ة شخصية ال�ن�ب��ي ص��ال��ح عليه وإش � � ٍ
السالم وارتباطها الوثيق بالناقة ،إذ يقول(:)14 لَ��م تَ���دْ رِ ن��اقَ��ةُ ص��الِ ٍ��ح َل��مَّ ��ا غَ دَتْ
وم � ّم��ا ال ري ��بَ ف�ي��ه أنَّ ش��اع � َرن��ا استحض َر لقصةِ النبي ص��ال��ح عليه َّ المضامي َن ال��دي�ن� َّي� َة وخطوطها العريضةِ م��ن ق��ول��هِ تعالى: ِ ال�س�لام
أَنَّ ال���������رَّ وا َح يُ ����حَ ����مُّ ف���ي���هِ قُ �����دا ُر «إنّا مرسلو الناقةِ فتن ًة لهم فارتقبهم
رب لقد وظّ َف الشَّ اع ُر اإلشارةَ القرآن ّيةَ( :الناقة) ونبئهم أنّ الما َء قسم ٌة بينهم ك ُّل ِش ٍ
واصطبر* محتضر*
اجلوبة -صيف 1431هـ 35
ف �ن��ادوا صاحبهم فتعاطى فعقر* فكيف كان
لمضامين الخطاب الربانيّ وف�ح��واه ،وهاضماً
العالءِ ال َم َعرِّي الشِّ عريِّ عن استفادتِهِ ،وتشرّبهِ
الذي ال ينضب ،موظفاً شخصياته في نصوصهِ
َكشف معطياتُ متنِ أبي ُ ع��ذاب��ي ون� ��ذر»( .)17وت
قصة النبي صالح عليه السالم تشرّباً ينطوي
َّص عمل إبداعي واستيعابي لمضامينِ الن ِّ على ٍ
الغرف من معينهِ ِ لدالالتهِ ومعانيهِ ،ق��ادراً على ورؤية بعيدةٍ . ٍ دقيقة، ٍ بانتقائية ٍ الشّ عريّةِ ،
�اص ال�ق��رآن��يَّ في �دارس أنَّ ال� ّت�ن� َّ وي �ت��راءى ل �ل� ِ
وقصصهِ ومفرداتِهِ وتراكيبِهِ اإلعجازيَّةِ ِ القرآنيِّ
ّص شعرِ المعرّي أسهم إسهاماً فعّاالً في منحِ الن ّ
وخ�لاص� ُة م��ا سبق ،يتبيّن أن شع َر المعرّي
جوهرياً من روافدِ النسقِ الشّ عري وبناء تراكيبه
وصورِ ِه اإليحائيَّةِ .
الشّ عري أب�ع��اداً جمالية ومعرفية ،وغ��دا رافداً
ِ كا َن طافحاً الجفاف والجمودِ ،إلى ِ بالتناصات القرآنيّةِ ،مصاباً بحمّى ونظم جمله ،ونقله من االس �ت��دع��اءات واإلح� ��االت ال �ق��رآن � ّي��ة ،متشرّباً عالمِ االستمراريةِ والقبولِ .
* أ .مساعد بجامعة الجوف. َّناص ،مسرحية سعد الله ونوس أنموذجاً ،دار الكندي للنشر والتوزيع ،إربد -األردن2007 ،م، -1العمري ،حسين :إشكالية الت ّ ص.13 َّناص الشّ عري؛ شعر البياتي أنموذجاً ،مجلّة الموقف األد ّب��ي ،دمشق ،ع��دد ،430شباط، -2حلبي ،أحمد طعمة :أشكال الت ّ 2007م ،ص .75 َّناص في الشّ عر العربي الحديث ،دراسة تطبيقيّة ونظرية ،أطروحة دكتوراه ،الجامعة -3انظر :مراشدة ،عبدالباسط :الت ُّ َّناص في شعر العصر األُمويّ ،أطروحة دكتوراه ،جامعة الموصل، األردنيّة ،عمّان2000 ،م .للمزيد انظر :البياتي ،بدران :الت ُّ َّناص المعرفيّ َّناص في شعر الرواد ،رسالة ماجستير ،جامعة بغداد2004 ،م .ووعد الله ،ليديا :الت ُّ 1997م .ناهم ،أحمد :الت ُّ في شعر عز الدين المناصرة ،رسالة ماجستير ،جامعة قسنطيّة2004 ،م. -4عباس ،محمود جابر :إستراتيجية التناص في الخطاب الشعري العربي الحديث ،مجلة عالمات ،ج ،46م12،2002م، ص.263 -5إبراهيم ،محمّد إسماعيل :معجم األلفاظ واألعالم القرآنيَّة ،دار الفكر العربي ،القاهرة ،ط1969 ،2م ،ص.6 -6شرح اللزوميات.418/1 ، -7سورة اإلخالص :اآليات .4-1 َّناص في شعر سليمان العيسى ،رسالة ماجستير ،جامعة البعث2005 ،م ،ص .212 -8عبشي ،نزار محمّد :الت ّ -9شروح سقط الزند.911/2 ، -10سورة القارعة :اآلية .5 -11انظر :زيدان ،عبدالقادر :قضايا العصر في أدب أبي العالء ال َم َعرِّي ،دار الوفاء ،اإلسكندرية ،ط2004 ،1م ،ص.184 -12الياسين ،إبراهيم منصور محمّد :استيحاء التراث في الشِّ عرِ األندلسيِّ ،عصر الطوائف والمرابطين ( 400هـ539-هـ)، عالم الكتب الحديث ،إربد2006 ،م ،ص .81 َّناص القرآنيّ في شعر ابن نباتة المصريّ ،بحث مقدّم إلى المؤتمر الدولي الرابع لكلية األلسن ،جامعة -13عطاء ،أحمد :الت ّ المنيا ،ابريل2007 ،م ،ص .11 -14شرح اللزوميات.98/2 ، -15الدميري ،كمال الدين محمّد بن موسى بن عيسى :حياة الحيوان الكبرى ،دار الكتب العلمية ،بيروت1994 ،م ،ص250ـ .266 -16العاليلي ،عبدالله :ال َم َعرِّي ذلك المجهول ،رحلة في فكره وعالمه النفسي ،دار الجديد ،بيروت ،ط1995 ،3م ،ص.108 -17سورة القمر :اآليات .30 –27
36
اجلوبة -صيف 1431هـ
دراس����ـ����ـ����ـ����ـ����ـ����ـ����ـ����ـ����ـ����ـ����ـ����ـ����ات
أقنعة خورخي لويس بورخيس > سعيد بوكرامي*
ربما كان هوى بورخيس يتمثل في أن يخلط هويته وأش��ك��ال��ه :ي��ت��ق��دم دائ��م��ا مقنعا ك��م��ا ل��و أن���ه شخصية خيالية قدرت لها حياة واقعية في كثير من قصصه .هذا التناسخ مستمد من ثقافات هندية وغنوصية وعربية، كما أنه يحيل على تجربة العمى التدريجي الذي أصيب به بورخيس منذ والدته إلى مماته .ومهما يكن ..فقد كان بورخيس على بينة من هذا المصير التراجيدي في حياته( :اتخذت قرارا قلت لنفسي :بما أنني فقدت عالم المرئيات المحبوب ..فعليّ أن أبتدع شيئا آخر :عليّ أن ()1 أبتدع المستقبل ،وهو ما سوف يعقب العالم الذي فقدته في الواقع) . بُعد النظر ليس محصورا على ذوي إلى المتلقي عن طريق قرينه: ال �ب �ص��ر ،ب��ل ك ��ان ب��ورخ �ي��س وغ �ي��ره ممن (أجل فحينما ستبلغ سني ،ستكون قد سجل التاريخ أسماءهم من رج��ال األدب ف�ق��دت البصر كليا على وج��ه التقريب. المكفوفين ،الذين أبحروا بال نهاية في ول��ن ت��رى غ�ي��ر ال �ل��ون األص �ف��ر والظالل أدق التفاصيل وال���رؤى .يسبرون أغوار واألضواء .ال تقلق فالعمى التدريجي ليس ال�ن�ف��س ب �ح��دس خ� ��ارق .ك��ال�م�ع��ري ،وطه أمرا مأساويا .بل هو أشبه بأمسية صيف حسين ،والبردوني ..على سبيل المثال ال بطيئة)( ،)2وهذا لم يمنعه من أن يصبح أبرز الحصر. كاتب قصة قصيرة في العالم .اختار هذا يتحدث بورخيس في قصة اآلخر عن مأساته بهدوء عجيب ،موجها الخطاب
الجنس األدب��ي بعدما جرب كتابة الشعر الذي لم يعد يهتم به كثيرا بعد تقدمه في
اجلوبة -صيف 1431هـ 37
العمى .أم��ا ال��رواي��ة ،فقد اعترف م��رارا بعدم قدرته على مواصلة تسلسلها المتعب.
-1والدة جديدة ان� �ف ��راده ب�ج�ن��س ال �ق �ص��ة ال �ق �ص �ي��رة ،جعله يجرب عدة طرائق لكتابتها وسردها ،تكاد تكون من اختراعه وخاصة به دون س��واه .باعتراف النقد العالمي ..فقد ابتدع جنسا غير خاضع للتجنيس ،ليست قصته ق�ص��ة ت�ش�ي�ك��وف ،أو م��وب�س��ان ،أو إدغ ��ار أالن ب��و ،أو ك��اف�ك��ا ..إنها قصص شبكية الخيوط بالتداعيات والتعليقات وال �ح��واش��ي واألح �ل��ام وال �م �ص��ادر التاريخية والفلسفية واألدب �ي��ة .شخصياتها مستعادة أو مختلقة من عوالم حقيقية أو تخيلية .بتغريب في اللغة واألحداث ،واقتصاد تقشفي في البناء المحسوب سنتمترياً ،وكأننا أمام رقعة شطرنج أو متاهة. بالتأكيد يعود ذل��ك إل��ى مرجعيته الواسعة. ف�ظ�لال مقروئه مبثوثة ف��ي قصصه كما آثار ح�ف��ري��ات آث��اري��ة .فنصوصه القصصية تؤكد م�ع��رف�ت��ه ال�ل�ام��ح��دودة ب��األدب �ي��ات اإلنسانية، ويكاد قارئها يجزم بمعرفته للعربية والعبرية.. لكنه سيندهش حين يعترف بورخيس أن��ه ال يعرف منهما إال بعض الكلمات المتجانسة مع اللغة اإلسبانية .إضافة إل��ى إتقانه للفرنسية واإلنجليزية .أليس ه��ذا غريبا؟ فبورخيس ال يدعي ما ال يعرفه على الرغم من االدعاءات األدب �ي��ة ال�ت��ي ك��ان ينسجها خياله داخ��ل متنه القصصي .فيحيرك أين هو المصدر الحقيقي من المصدر الوهمي؟ يحيلك في بعض األحيان إلى نصوص ومراجع تظن أنها موجودة فعال.. وهي في الحقيقة من نسج خياله الخصب.
38
اجلوبة -صيف 1431هـ
فما بين الوهم والحقيقة لديه شعرة رفيعة تشكل خط السرد الغرائبي .ولعل أحسن نموذج عن ه��ذا قصته الجميلة« :كتاب الرمل» إذ أن موضوعها هو كتاب الرمل الالمتناهي ،والذي ال وج ��ود ل��ه أص�ل�ا إال ف��ي مخيلة بورخيس. يتحدث عن هذا اللعب الساخر الوهمي البالغي الالمتناهي (إن هذه الصفحات هي لعب غير مسؤول يقوم به امرؤ خجول لم يجد الشجاعة الكافية لكتابة حكايات .فتلهّى بتزييف أو تحوير قصص اآلخرين ،ودون عذر جمالي في بعض األحيان)(.)3 إن مثل هذه التصريحات تعد بؤرة السرد عند بورخيس؛ ألنها تمويه عن عمق اإلستراتيجية ال�س��ردي��ة ال�ت��ي يشتغل داخ�ل�ه��ا .فالمطلع على مؤلفاته لن يجد طبعا حكايات ،ولكنه سيجد نفايات حروب معرفية ،وحفريات آثارية؛ أطالل زمن بائد ،مقروء هامشي ،حدث مهمل وعابر.
-2النزول إلى السراديب تحقق ق ��راءة ب��ورخ�ي��س متعة ن���ادرة ،ودوار دهشة ،وافتتانا بشحنات من األحاسيس تجرف وتشدّ إلى القرار الحاسم :النزول إلى سراديب السرد البورخيسي متيقنا من اإلس��ار األبدي ال��ذي ينتظرك وراء س�ت��ارة بورخيس المعتمة ال�م�ح�ب��وك��ة ب��واق��ع م��ن األح �ل��ام ..وأح �ل�ام من األحالم( :الكتاب ليس مرآة النعكاس الواقع بل شيئا جديدا نضيفه إلى هذا العالم)(.)4 المتعة المختلقة لهذا العالم تشبه المتعة االفتراضية بواسطة الوسائط الحديثة ،تتجدد باستمرار وتحفر قنواتها ومساربه ومواقعها ومتلقيها بكيفية تلقائية تتماهى مع ق��راء في شتى أنحاء العالم.
دراس����ـ����ـ����ـ����ـ����ـ����ـ����ـ����ـ����ـ����ـ����ـ����ـ����ات
يقول أي�ض��ا( :كتابة ك�ت��اب ،فصل ،صفحة،
فقرة ،ليست لها عالقة بالمطلق مع نفوري أو
ميوالتي ،أو عاداتي ،ال تتغذى بكراهية عصري، وال بتعاطفي الذي يظهر في بوينس أيرس ..أو
الذي قد يظهر في أوكسفورد.)5()..
يسعى ب��ورخ �ي��س إل ��ى ك�ت��اب��ة ق�ص��ة عالمية
اف �ت��راض �ي��ة للمستقبل ،أي إل ��ى ذل ��ك القارئ المتكرر ( )reptitiveالنموذجي المؤول الجيد.
الذي يبحث عن المعنى المحجب المقنع المنغلق،
لكشف التحوالت العميقة لمسارب السرد .لكن ذلك ال يتحقق إال إذا حلَّ القارئ في نصوص
بورخيس ،واندمج وحيدا بعيدا في أنهار سرده
الجارفة والعميقة .فكما يقول نيتشه( :كل ما هو
عميق يحب القناع) ..هذا القناع جزء من األدب الغرائبي البورخيسي الذي يمتح من الميتافيزيقا
القديمة :غنوصية وصوفية وهندية ويونانية وم�س�ي�ح�ي��ة ..ه ��ذه ال�ش�ب�ك��ة ال�م�ع��رف�ي��ة صبغت قصصه بطالء التجريد واألسطورة واألحالم.
ويتمثل هذا التناص التوليدي في نصوصه،
وك��أن��ه تعليقات وح��واش��ي ع�ل��ى ك�ت��ب ومراجع درسها بورخيس مثل ألف ليلة وليلة في (حكاية
مستعصيا على الفهم .بل يجعل شبكته السردية ع��رض��ة الن ��زي ��اح ��ات خ �ي��ال �ي��ة ول��غ��وي��ة ،تجعل الشخوص الواقعية مخلوقات عجائبية ،وطرائق السرد أشد تعقيدا وانغالقا.
-3سرد الشعور الباطني في قصة (الخرائب الدائرية) ،نجد عالما
الحالمين) ،وال ��دون كيخوتي ف��ي (بيير مينار متخما ب��األح�لام وال �ك��واب �ي��س ،إذ تنبني منذ مؤلف «الكيخوطي») ،ومؤلفات اب��ن رش��د في وصول الرجل الصموت من الجنوب إلى المعبد
قصته (بحث ابن رش��د) ،ومن أح��داث تاريخية المقدس الذي التهمته النيران ذات يوم .القصة في (مكتبة بابل) ،أو (الظاهر) أو (كتاب الرمل) تتالعب بمفهومي الحلم والوحي ،فاألول رافد
أو (حديقة السبل المتشعبة) وغ�ي��ره��ا .وهي تأمل وحكمة ..والثاني راف��د طقوس وعقائد. تعليقات ون��زه��ات واف �ت��راض��ات ح��ول أحداث تحكي القصة حكاية رجل صموت انقطعت عنه تاريخية بصور جديدة ،مثل قصة (الظاهر) أو فجأة أحالمه وإلهامه .فعاش أوقاتا عسيرة من (مكتبة بابل) أو (موضوعة الخائن البطل) .وهو عمر القحط ،حاول التخفيف من حدتها بالصالة أحيانا يوضح الدالالت المقصودة لهذه الواقعة والتقرب من اآللهة الكوكبية .ثم أخيرا عادت
أو تلك ،وأحيانا أخرى يعمق الرؤية ويخلق فضاء إليه أحالمه بتجلياتها وأوهامها ،وعاد أيضا إلى
اجلوبة -صيف 1431هـ 39
مالمسة واقعه الشخصي ،فما حلم حين شكل
قصصيا مبنيا بمكونات فنطستيكية ،فهو يستغل األحالم ليجعلها قاعدة سردية لقصصه .فمثال في قصة «اآلخر» يوظف بورخيس فكرة فلسفية أثيرة عند أدب��اء أمريكا الالتينية ..وهي فكرة العود األبدي.
وأن النار وحدها تعلم أنه ليس إنسانا ،وإنما هو
ي �ض��ع ب��ورخ �ي��س ن�ف�س��ه (ي�ش�ت�غ��ل بورخيس كثيرا ،بل ِبنَه ٍَم على سيرته الذاتية) ،وهو في سن الكهولة ،أمام تجربة فريدة ،وهي عودته إلى شبابه .فبورخيس الكهل يلتقي ويحاور بورخيس الشاب.
كائنا ادعى بنوته وتسييره نحو خلق المعجزات
تتحقق فعال ،وأص�ب��ح منافسا وم�ص��در إزعاج دائم ،فقد نقل إليه الرواة أن ابنه الوهمي يحقق المعجزات ،فهو يمشي فوق النار دون أن تحرقه، شبح من اختالق األح�لام فقط( :وكانت نهاية
تأمالته مفاجئة ..وان كانت بضع عالمات قد بشرت بها .ففي البدء ظهرت على البعد سحابة
-بعد جفاف ط��وي��ل -ف��وق هضبة خفيفة مثل
طائر .ثم اكتسبت السماء جنوبا اللون الوردي لون لثة الفهود -ثم كتل الدخان الهائلة التيأص ��دأت م�ع��دن ال�ل�ي��ال��ي .وب�ع��د ذل��ك كله فرار الحيوانات المذعورة .يعني ذلك أن ما حصل
منذ قرون كثيرة قد تكرر :فقد دمرت نار خرائب معبد إلى النار .هكذا رأى الساحر ،ذات فجر ال
طيور فيه ،ن��ارا متدفقة تنصهر على األسوار، ففكر لحظة أن يلوذ بالمياه .غير أنه سرعان ما
أدرك أن الموت إنما جاء ليتوج شيخوخته ويقيله من أعماله ،وسار فوق مزق النار ،بيد أن هذه لم تنهش لحمه ،بل ربتت عليه وغمرته دون سخونة، ودون إحراق ،بارتياح وذل ،رعب ،أدرك أنه هو
أيضا مجرد مظهر كان شخص آخر بصدد رؤيته في المنام)(.)6
بهذه الصيغة التي يتالعب فيها بورخيس
بطقوس بدائية ،للتعليق على أن الحياة والموت مجرد عبور إلى واقع آخر ،أو أن عبور اإلنسان
يحاول المبدع بصفة عامة (االهتمام بالشعور الباطني – ال�لاوع��ي ف��ي اإلن �س��ان .ع��ن طريق استبطان أح�لام��ه بالتأمل ورس��م التعقيدات النفسية ،وما تولده من كوابيس ،وعُقد نفسية وه�ل��وس��ات ،وغيرها م��ن األع ��راض الملتصقة بالكائن ،عن طريق مخيلة طافحة بالصور ،التي ليست سوى فضاء ينفتح باستمرار»(.)7 ولنبدأ اآلن من بداية قصته «اآلخر»( :وقعت ال��واق �ع��ة ف��ي ف �ب��راي��ر 1969م ش �م��ال بوسطن بكامبردج ،إنني لم أروها حينا ،ألن نيتي كانت نسيانها حتى ال أفقد صوابي ،واليوم في 1972م أعتقد أن�ن��ي إذا روي �ت �ه��ا ..فسيأخذها الناس مأخذ الحكاية ،وربما صارت كذلك بالنسبة لي مع مرور الزمن .أعلم أنها كانت فظيعة لحظة وقوعها .كما كانت أفظع طيلة الليالي المؤرقة التي تلتها .بيد أن ذلك ال يعني أن سردها يمكن أن يثير عواطف أحد دوني .ص.)33
من الموت إلى الحياة شيء واقعي وحقيقي في هذه بداية توضح بجالء تركيبة القصة التي التصورات اإلنسانية ..إما بالتناسخ أو في شكل ستأخذ شكل متوالية غرائبية ،تخرق المألوف أحالم يحلمها آخرون. وتفتته ،ليس فقط على مستوى الحدث .فعندما بهذه الصيغة يكون بورخيس قد أوجد عالما ي �ص��رح ال� ��راوي ال�م�ص��اح��ب أن ال�ق�ص��ة وقعت
40
اجلوبة -صيف 1431هـ
(دنوت منه وسألته« :سيدي هل أنت أوركوايي
-4سيرة االحتماالت الضائعة
يعين الزمان والمكان مع التصريح بأنه حاول نسيانها والتكتم عليها .ويصدر في الوقت نفسه
حكمه عليها بأنها ال تصدق؛ بدليل أنها كادت
تفقده صوابه ،لهذا فهو يعتمد على القارئ لخلق تعاقد موثوقي يحين صدق الحكاية باستمرار
ال متناهٍ .
ه��ذا ال�ج�س��ر الضمني م�ق�ص��ود م��ن طرف
الراوي ،وهو جوهر الحكاية بصفة عامة.
تستند القصة على ضمير المتكلم وفضاء
غرائبي ..وبهذا يعد بورخيس تركيبة خادعة وم ��اك ��رة ل �ق��ارئ��ه ال �م �ط��ال��ب ب��االن��دم��اج الكلي
والتصديق على األقل ..تصديق صوته المتماهي مع الصوت ال�س��ردي ،وه��ذه الطريقة السردية
حققت نجاحات باهرة مع إدغار ألن بو في قصته
«القط األسود» ،و«القلب الواشي» ،ورفيقيه في اإلغراب «كافكا» و«موبسان» وقبلهم جميعا مع
«لوسيوس بأبيليوس -ولد حوالي 114ب.ع» في
دراس����ـ����ـ����ـ����ـ����ـ����ـ����ـ����ـ����ـ����ـ����ـ����ـ����ات
فعال ف��ي فبراير 1969م بكامبردج ،فهو هنا
ينظر ب��ورخ �ي��س ب��اس�ت�م��رار إل ��ى نفسه من خالل الذاكرة ،وكأن صورة بورخيس في شبابه الضائع ال تنفك تالزمه .هذه العالقة المثيرة بذاته يعبر عنها بورخيس قائال( :سيكون من المبالغ فيه االدعاء بأن عالقاتنا عدائية ،فأنا أحيا ،وأترك نفسي تحيا كي يستطيع بورخيس حَ بك أدبه ،وهذا األدب يبررني .إنه ال يضيرني شيئا ،أعترف بأنه تمكن من كتابة صفحات قليلة قيّمة ،بيد أن هذه الصفحات ال تستطيع إنقاذي، ربما ألن الجميل لم يعد ملكا ألحد ،بما في ذلك اآلخر ،وإنما هو ملك للغة والتراث .عدا ذلك، فإن ق��دري الضياع ،بصورة نهائية ،وس��وف لن يبقى في اآلخر غير لحظة ما مني .رويدا رويدا أتنازل له عن كل شيء ،وإن كانت عادته الفتّانة في التزوير والتضخيم تكلفني المشقة .لقد فهم سبينوزا بأن األشياء تريد البقاء في كينونتها، فالحجرة تريد أن تظل حجرة إلى األبد ،والنمر يريد أن يبقى نمرا ،أما أنا فعليَّ أن أبقى في بورخيس)(.)9
قصته الشهيرة «الحمار الوحشي». إن جوهر العالقة بين بورخيس وأناه ،يؤشر لكن الفرق بين هؤالء وبورخيس ،أنه في هذه على أن ب��ورخ�ي��س ي �ح��اول التعبير ع��ن العزلة القصة ال يمكن الفصل بين المؤلف والراوي والرعب والالجدوى المشكل منها العالم الغريب والشخصية .وهذه إستراتيجية سردية ال يتقنها والزمن الداخلي لإلنسان. إال القليلون من القاصين .الحظ هذا المقطع: أم أرجنتيني» «أرجنتيني ،بيد أني أعيش بجنيف منذ 1914م» كذلك كانت إجابته ..وحل صمت
طويل ثم واصلت« :في رقم 17شارع ماالكنو إزاء الكنيسة الروسية؟» أجابني منعما ..قلت بحسم: «ف��ي ه��ذه ال �ح��ال أن��ت ت��دع��ى خ��ورخ��ي لويس
بورخيس .أن��ا أيضا خورخي لويس بورخيس،
نحن في 1969م وفي مدينة كامبردج»(.)8
وال ي�ج��د ب��ورخ �ي��س س�لاح��ا ي �ق��اوم ب��ه هذه الغرابة ،وه��ذه الحجب السميكة عن اإلدراك، غير السخرية ال�ت��ي يتالعب بها إل��ى أقصى إمكاناتها ،فهو يسيّج فضاء حكاياته بالتأكيد ألج���ل ال �ت �ه �ك��م م ��ن ص ��رام ��ة ال ��واق ��ع والزمن، وصيرورته الكرونولوجية القاسية التي تتقدم نحو التغير والكهولة وال�م��وت .كل كائن كيفما
اجلوبة -صيف 1431هـ 41
كان يكون في يوم من األيام ..شابا حيويا مفعما وربما لم نفعل ..وبين هذا وذاك ،نحن مرغمان بالطاقة والحياة واآلم ��ال ،ثم يتحول تدريجيا على قبول الحلم .مثلما قبلنا الكون .وقبلنا أن (ب��ورخ �ي��س ت �ح��ول ت��دري�ج�ي��ا م��ن اإلب �ص��ار إلى نكون مولودين .وقبلنا أن نرى باألعين ونتنفس. العمى) إل��ى كهل يقيده االسترخاء ،واإلغفاء ،قال بقلق« :وإذا تواصل الحلم؟» ولتهدئته ،وتهدئة والسكون ،وفقدان الذاكرة ،وشبح الموت .وهو نفسي .ادعيت سكونا كنت خاوي الوفاض منه، بذلك يعبر عن نفسه ،ويستحلب إحساس القارئ في الواقع قلت له« :ها إن حلمي قد دام سبعين بقوة ضاغطة من التوتر واالنفعال. سنة .وعندما نتذكر في نهاية المطاف ،فإنه إذا فقدت الذاكرة عنفوانها وبريقها تفضل ال يكون بمستطاعنا إال أن نلتقي ذواتنا .وذلك األحالم (تجربة الروائي العظيم نجيب محفوظ ما يحدث اآلن .عدا أننا اثنان .ألست تريد أن خير دليل على ذلك) .قلت :الحلم وسيلة الختراق تعرف شيئا عن ماض ..الذي هو المستقبل الذي الزمن ونمطيته ،فهو بطبيعته كنص رم��زي ال ينتظرك؟ هز رأسه باإليجاب دون أن ينبس ببنت يعترف بالضوابط الزمنية ،بل يتحداها على شفة»(.)10 مستوى البناء السردي ،والموتيفات ،والدالالت فهل إذاً هذه القصة تؤرخ ألحالم اليقظة التي التي تبقى مستعصية عن التأويل ..خصوصا إذا انتابت بورخيس ..وهو يستعيد فكرة أثيرة في حولت إلى نص إبداعي. األدبيات ،حين تلتقي العرافة أو الكاهنة برهط
الحظ معي هذا المقطع من القصة نفسها :م��ا ،وتخبره بما ينتظره م��ن أه��وال يشيب لها (النهر الذي جلس بجانبه جزء من هذا الزمن األطفال .مجاز إنساني عن عجز اإلنسان عن المحجب) والنهر كما نعرف رمز منفلت ومقنع االستبصار بما يأتي من مستقبله .لكن يبقى ومكثف في نصوص عديدة ،وغالبا ما يرمز إلى الحلم وسيلة ت�ع��وي��ض ..إذ يستبطن الماضي الزمن ..وصيرورته المتقدمة إلى األمام ،وتجدد في كل تجلياته ،لكن التصورات األدبية والدينية تفتح له نافذة رحبة على الحاضر والمستقبل، الوقائع الالمتناهية. بورخيس من القاصين القالئل الذين يستغلون ليتحول ب��ال �ت��درج إل��ى يتوبيا حقيقية تتوخى أحالمهم بوعي ودراي��ة .ففي قصصه غالبا ما التعويض واإلشباع والطموح إلى تجاوز أوضاع يذكرني بالسينمائي السريالي اإلسباني «لويس عجز وإعاقة وحرمان. وأعتقد أن األدب يسعى بأحالمه إلى تشييد بونويل» ،الذي كان يحوّل أحالمه إلى السينما. وال يفوتني أن أشير إلى أن بورخيس كانت بدايته يتوبياه الخاصة عن العالم وألجل العالم. قصائد سريالية أيضا ..لكنه تحول عنها إلى يقول باشالر حول وظيفة األحالم في األدب: الغنائية. (ال �ت �ح��دث ،ال�ك�ت��اب��ة ،ال �ق��ول ،ال�ح�ك��ي! اختالق الح��ظ معي ه��ذا المقطع( :إذا ك��ان��ت هذه الماضي! تذكر الريشة في اليد وبقلق معلن عنه، الصبيحة وه��ذا اللقاء حلمين .فكل منا ال بد في هذه اللحظة من البديهي أن نكتب ونؤلف أن يعتقد أن الحالم هو .ربما توقفنا عن الحلم .ونزخرف أحسن ،لكي نكون متأكدين جيدا من
42
اجلوبة -صيف 1431هـ
دراس����ـ����ـ����ـ����ـ����ـ����ـ����ـ����ـ����ـ����ـ����ـ����ـ����ات
تجاوز سيرة واق��ع ج� ٍ�ار إل��ى سيرة االحتماالت الضائعة ،ونقصد بذلك األح�لام نفسها ،تلك القارئ بمشاهد تغترف من الحزن الموغل مداه األح�لام الحقيقية ،األح�لام الواقعية المعيشة القاسي من الفكاهة السوداء ،ما يعطي االنطباع بليونة وبطء .الخصيصة الجمالية لألدب تكمن بالحيرة وال�ت��ردد ،أم��ام رع��ب المعنى ال��ذي هو هنا .لألدب وظيفة النيابة ..ألنه يمنح الفرص تجل من تجليات رعب الواقع)(.)11 الضائعة حياة جديدة)(.)11 استطاع بورخيس أن يؤسس أسلوبه الخاص، وهذا ما يحاول فعال أن يقوم به بورخيس؛ وطريقته ال�س��ردي��ة التي ال ينبغي فصلها عن فهو يشيد من فرصه الضائعة عوالم حكائية الفضاء الثقافي ألمريكا الالتينية ،والمشهد مذهلة ،يجرب فيها كل ترسانته المعرفية بدقة اإلب��داع��ي ال ��ذي يمثله بامتياز ت�ي��ار الواقعية وص�ن�ع��ة ،لكنه ف��ي ال�م�ق��اب��ل ..ال يمنح القارئ ال �س �ح��ري��ة ل ��دى «ك��ارب �ن �ت �ي �ي��ه» و«أستورياس» طمأنينة مصطنعة ،بل يحرك دواخله بارتجاج كلما استطاع ذلك ..مسيجاً ُق�رّاءه بمتاهات ال و«بيلويانيت» و«خوسيه ليثاما» و«خوليو كورتزار» متناهية ،يشرد فيها مرغما على توقيع صفقة و«ماركييز» وغيرهم .رواد هذا التيار تَشرَّبوا رصيد التراث الهندو إسباني والعالمي أيضا، تنازل للمدهش والعجيب والالتوقع. فصاغوا أدب��ا معاصرا ألهم أجيال الكتاب في بورخيس في قصصه (يتوخى تنضيد الخيال داخ��ل ال��وع��ي وتكسير دف��ة ال��وه��م بين الوعي العالم بأسره .وه��ذا «فوكو» المفكر الفرنسي والالوعي ،حيث ترفل حقائق ال يستطيع الكائن يصرح أن كتابه (الكلمات واألشباء) استلهمه من مجابهتها .كما هو ذاكرة لعكس جراحات الباطن أعمال بورخيس ،وكذلك «روجي كايوه» يعترف ورش القارئ بدمائها ،آالم ترقد في نواة العقل أن أدب أمريكا الالتينية هو أدب الغد العظيم، ال��ذي يتردد أم��ام أح��داث تكون موسومة بفوق وأن ساعته قد حانت اآلن. طبيعي ..وأيضا حس تراجيدي ،ما انفك يحقن
كاتب من المغرب. * ( ) 1عبد الكبير الخطيبي :بورخيس والشرق العربي مجلة آفاق :اتحاد كتاب المغرب ع 1992/ 2م .ص .91 ( )2خ لويس بورخيس :المرايا والمتاهات ترجمة إبراهيم الخطيب دار توبقال 1987م ص .40 ( )3المصدر نفسه ص .8 (.Borges: jeux de styles.par hector bianciotti. Le monde des livres.vendredi.26juillet 1996 )4 (.ibid )5 ( )6المرايا والمتاهات ص 32 ( )7شعيب حليفي :شعرية الرواية الفنطستيكية مجلة الكرمل ع 1991 / 41/40م ص 110 ( )8المرايا والمتاهات ص .33 ( )9المصدر السابق ص .87 ( )10المصدر السابق ص .35 ( )11نقال عن مقالة لدومنيك فرننديز بعنوان :سطندال أو فلوبير .le magazine litteraire n441 avril 2005 ( )12المصدر السابق من دراسة الناقد والروائي المغربي شعيب حليفي.
اجلوبة -صيف 1431هـ 43
حكاية شعبية عربية دراسة مقارنة
> سمير أحمد الشريف*
صدر كتاب الباحث عن الدائرة الثقافية بأمانة عمان في مائة وثالث وستين صفحة، احتوت على تقديم لألديب المتخصص بالتراث األستاذ «نايف النوايسة» ،وتعرض فيه ألهمية التراث في دعم الوطن وحفظ هوية األمة ،حيث تشكل الحكاية مصدرا من مصادر التراث ،ولها موقعها المميز في األدب الشعبي لغة وتاريخا ومكانا وبيئة وسيرورة بين الناس، وتعزيزا لقيم االنتماء لمقومات األمة .ويرى أن األصل في الحكاية أن تنقل بلهجتها كما رويت عن األجداد. في دراسته ،تناول «طه الهباهبه» حكاية شعبية م�ت��داول��ة م��ع سبع دول عربية هي: السعودية ،األردن ،فلسطين ،سوريا ،مصر، الكويت ،اليمن ،مع اختالف عناوين الحكاية بين دولة وأخرى ،إذ جاءت في األردن بعنوان «عجيبت العجب» وفلسطين «فريط الرمان» وفي سوريا «حبة الرمان» وفي الكويت «فت رمان بصواني ذهب» وفي اليمن «وسيلة» وفي السعودية «الفتاة اليتيمة والمدرس الساحر» وفي مصر «كشكول ذهب».
عاكسة مفاهيم البيئات ال�ت��ي نهلت منها، واألجيال التي مرت عليها ،فبينما استفتحت الحكاية المصرية بعبارة «كانت هناك أم لها ولد وابنة» جاءت افتتاحية الحكاية السورية ب«ك��ان ياما ك ��ان ،»..والحكاية الفلسطينية «الله يمسيكوا بالخير ،»..واألردنية ب«ويجيكو يا طويلين العمر ،»..واليمنية «عاش في قديم الزمان ،»...والسعودية «هنا ...هناك الواحد وال��واح��د الله في سماه العالية» ،والكويتية «ك��ان ألح��د الملوك وال ملك إال ال�ل��ه» .كما تباينت اللغة حيث الفصيحة المبسطة في الحكاية المصرية والفلسطينية واليمنية والسعودية والكويتية ،بينما سردت الحكاية بلهجتها الشعبية في كل من األردن والشام.
تباينت مفاتيح الحكايات ف��ي ك��ل قصة
ويرى «الهباهبه» أهمية خاصة للمقدمات
قرأ «الهباهبه» الحكايات السبع مستخرجا الفوارق اللغوية وآليات السرد والنتيجة التي انتهت إليها ،مبينا الخصائص الصوتية لبيئة الحكاية والدروس المستفادة.
44
اجلوبة -صيف 1431هـ
التعليلة أو السهرة ال تكون إال مساء ،ركونا الى الراحة بعد عناء العمل ،وهي مقصورة على الرجال ف��ي ال��دي��وان أو المضافة ،وتتمحور ح��ول حكايا يومية في العمل ..ون�م��اذج بطولية من التاريخ ال تخلو من طرافة وم��رح ورجولة وق��درة على تحمل المصاعب ،بينما يكون موضوع الحديث مختلفا بالنسبة للجدات أو األمهات أو الجارات ،حيث تميل حكاياهن للخرافة واألساطير والنوادر وسير أبطال القبيلة وحكمة الشيوخ ،وربما تتطرق حكاياهن لكيد النساء .وللحكاية طقوسها وقواعدها غير الثابتة، إذ لم يستطع الدارسون تحديد زمن الحكاية ..متى حدثت؟ وألي عصر تعود؟ وال مكانها الجغرافي وال مبدعها األول ،ولهذا يمكن تشبيه الحكاية بالنحلة التي تحط على كل األزه ��ار ..وتشتر من رحيقها العسل ال��ذي ال يستطيع عالم أن يربطه بزهرة، وهذا يمنح الحكاية تجددا أو مرونة ،وإن اكتسبت هوية المجتمع ال��ذي تستقر فيه،مختزلة عاداته ولهجته.
يعترف الباحث هنا أن هذه اإلشكالية واجهته في بحثه ،وإن خرج في النهاية بحقيقة أن وجود التماثل في عناصر أكثر من حكاية ،تجعلنا نؤكد على أهمية جمع المأثورات الشعبية في مختلف أقطار الوطن العربي ،وتصنيف عناصرها ودراستها دراسة تحليلية مقارنة ،بوصفها نتاج مجتمع عربي تمتح من وجدان مشترك .إضافة إلى أن جمهور الحكاية لم يعد يهمه أصل فكرة الحكاية ،وال أين ولدت ..بل المهم هو تماثل األفكار وفنيتها وموضوعها.
دراس����ـ����ـ����ـ����ـ����ـ����ـ����ـ����ـ����ـ����ـ����ـ����ـ����ات
الحكائية ،ألنه يعتبر أن االستهالل الموفق نصف الهدف ،إضافة إلى أن المقدمات تنبع أصال من صميم ال�م�ح��اك��اة ،ام��ا كلمة ح�ك��اي��ة ..ف�ي��رى أنها ترتبط ب(التعليلة) في األردن مستشهدا ببيت شعر شعبي: عللتهــا وأش��ـ��ب��ع��ت��ه��ا تعليلة لما غ�����������دو م������ث������ل ال������خ������ش������ب س�������دح�������ان.
الى نسفها وتحويلها لنمط روائي ال يرتبط باألصل. وه��ذا في زعمهم يشوهها ويفقدها خصوصيتها، بينما يرى آخرون أن بقاء الحكاية على أصلها قد يعيق الناشئة عن فهمها؛ ولهذا علينا أن نحولها لشكل أدبي جديد يساير روح العصر ،مع المحافظة على موضوعها الرئيس.
وم��ن ه�ن��ا ،ي��رى ال�ب��اح��ث أن ال�ح�ك��اي��ة ورواتها وجمهورها وموضوعاتها ،ال بد أن تقرأ على ضوء منهج علمي شامل ث��اب��ت ،وأف�ض��ل وسيلة تناسب ه��ذا الجانب ه��و منهج (ب ��روب) باعتماد المنهج المورفولوجي ..بناء على ع��دة أس�ب��اب أول�ه��ا :أن المنهج المورفولوجي يؤكد غياب وحدة من الوحدات الوظيفية للحكاية ال يهدم بناءها الداخلي ،وليس من الضرورة وجود الوظائف التي حددها (بروب) في كل حكاية .وثانيها :أن هذا المنهج يكشف عن نظام اجتماعي ،ويساعد في إدراك التطور والتغيير الذي ولعل الدراسات التي تناولت هذا الجانب توقفت يحدث لألنماط القصصية الشعبية نتيجة للتطور أمام ظواهر مشتركة ،تجتمع عليها هذه الحكايات ،الحضاري لدى كل أمة. وتضع أيدينا على أسباب بعض العناصر ..أو طغيان ويمكن ل��دارس الحكاية بصورها المختلفة ،أن بعضها ،وهنا تظهر إشكالية أم��ام الدارسين لهذا تستوقفه عناصر مشتركة أثبتها الباحث أهمها: النوع من التراث ،حيث يصطدم الدارسون بمزاجية •ف �ت��اة ال �ح �ك��اي��ات ع��ادي��ة ي�ت�ي�م��ة ،اب �ن��ة م �ل��ك أو كتّاب الحكاية ومدونيها الذين اختلفوا ح ّد التباين سلطان. في المنهجية والتطبيق ،فظهر منهم من يجيز العبث بالحكاية وتدوينها بلهجتها األم ..كما جاءت على •تذهب للكتاتيب /المدرسة ،باكرا. لسان الرواة األوائل ،معتبرين أن أيّ تحويل سيؤدي •تشاهد المعلم/األستاذ/المطوع يفعل شيئا خارجا
اجلوبة -صيف 1431هـ 45
عن العادة ،يأكل جيفة ،يأكل شقيق ال�ف�ت��اة ،يعلق شخصا م��ن ش �ع��ره ،ي �ح��اول افتراس الفتاة. •تصدم الفتاة وتهرب وتنسى ف � ��ردة ح ��ذائ� �ه ��ا /خلخالها الذهبي. •ت�ب��دأ م �ط��اردة ال�ف�ت��اة ف��ي كل مكان لمعرفة ماذا رأت؟ وهل تكتم السر؟! •ب �ع��د رح �ل��ات م �ض �ن �ي��ة تلتقي بزوجها /أمير /ابن سلطان.
ت�ن��اول�ه��ا ال�ب�ح��ث م�س�ت��وي��ات من االختالفات البينة لعل أهمها: )1تجمع الحكايات أن الفتاة من أس��رة عادية في مصر وسورية وفلسطين واألردن ،بينما تكون يتيمة ف��ي الحكاية السعودية، واب� �ن���ة س �ل �ط��ان ف���ي الحكاية اليمنية ،وابنة ملك في الكويتية. )2اختلف اسم الفتاة كذلك ،فهو في مصر (كشكول الذهب) وفي سورية (حبة الرمان) وفلسطين (ف��ري��ط ال��رم��ان) واألردن (عجيبت العجب) والسعودية (فاطمة) واليمن (وسيلة) والكويت (فت رمان بصواني ذهب).
•تنجب أطفاال ثالثة /ولدان وبنت ..فيأخذهما المعلم ،ثم يلطخ فمها بالدم ليوهم من حولها )3ت��ذه��ب ال�ف�ت��اة وه��ي صغيرة م��ع أخيها محمد بأنها تأكل أوالدها. الى الكتاب حسب الحكاية المصرية ،ووحيدة •تصبر الفتاة على ما تتعرض له وتعذب وتضطهد كما في باقي الحكايات ،بينما تنفرد الحكاية وتصمت وتتألم. األردن�ي��ة أن الشيخ أخ��ذ الفتاة وه��ي تلعب مع •ي �ق��وم ال� ��زوج األم �ي��ر ب ��ال ��زواج م��ن أخ ��رى لغاية أقرانها تنفيذا لشرط سابق مع والديها ،وأن اإلنجاب ووراثة العرش. (وسيلة) في الحكاية اليمنية تخرج من بيتها باحثة عن قدرها بعد موافقة األهل ،فيزودها •يسافر الزوج خارج البالد للحج والتجارة وشراء والدها السلطان بالمال. لوازم العرس. ه��ذا ،وتذهب الفتاة للمدرسة مبكرة على غير •يجامل ال ��زوج زوج�ت��ه المهجورة ويسألها ماذا العادة ألسباب: تريد. •تطلب الزوجة لعبة لها عدة أسماء (مجربة الحنا• /ت��أخ��ر شقيقها ع��ن ال �ع��ودة للبيت ف��ي الحكاية المصرية. مفتاح الصبر /عليبة الصبر /لعيبة الصبر). •ي�ح�ض��ر ال� ��زوج ال�ل�ع�ب��ة وت �ب��دأ م �ش��اك��ل الزوجة •طلب المعلم منها إحضار مؤونة (جاجة وكماجة) في الحكاية الفلسطينية. باالنفراج. •يعود ال��زوج لزوجته وأوالده بعد انكشاف السر• ،اعتقدت أن نور القمر هو ضوء الفجر ،فخرجت في الحكاية السعودية. ويعيد االعتبار لهم. •ال�م�ط��وع وع��د ال�ت�لام�ي��ذ ب��أن م��ن يحضر باكرا •تحيا األسرة سعيدة هانئة ناسية ماضيها. سيصرفه باكرا حسب الحكاية الكويتية ،وبناء ه��ذا وق��د ظ�ه��رت ف��ي س��ردي��ات الحكاية التي
46
اجلوبة -صيف 1431هـ
أما أسباب إصابة الفتاة بالذعر والذهول فترجع •وفي األردنية يقول (عجيبت العجايب)،ايش طيح إلى: صريمية الذهب.
)1شاهدت الفقي /المعلم /يأكل أخاها في الحكاية •وفي الحكاية السعودية :لقد رأيتك عندما جئت المصرية. الى المدرسة وشاهدت ما كنت فيه ،فإياك إياك )2شاهدته يأكل أحد األوالد في الحكاية السورية. أن تخبري أحدا بما رأيت. )3شاهدته يأكل بغال في الحكاية الفلسطينية.
)4شاهدته يعلق شخصا في السقف من شعره في الحكاية اليمنية.
دراس����ـ����ـ����ـ����ـ����ـ����ـ����ـ����ـ����ـ����ـ����ـ����ـ����ات
على شرط األهل في الحكاية األردنية.
عجب ،نسيتي الجاجة والكماجة وبابوج الذهب.
•وفي الحكاية الكويتية (فت رمان بصواني ذهب) وين رحتي ..وين ضيعتي خلخالك الذهب؟
وب�ع��د رح�ل��ة مضنية ،تصل الفتاة ال��ى قصر..
)5شاهدته يأكل جثة أحد الموتى في المقابر في فيتزوجها أمير القصر ف��ي الحكاية المصرية.. الحكاية األردنية. ويتزوجها لجمالها وعلمها في الحكاية السورية.. )6شاهدته يعلق شخصا من قدميه ويسلخ جلده في وي �ت��زوج �ه��ا ال�س�ل�ط��ان ف��ي ال�ح�ك��اي��ة الفلسطينية الحكاية السعودية. واألردن�ي��ة واليمنية ..وتصل بئر م��اء فيراها تاجر )7تتعرض الفتاة لالفتراس في الحكاية الكويتية .ش��اب ويتزوجها ف��ي الحكاية ال�س�ع��ودي��ة ..وتصل
أم ��ا م���اذا ح ��دث ل�ل�ف�ت��اة ب�ع��د ال �ص��دم��ة ..فقد قصرا ويتزوجها أمير في الحكاية الكويتية.. هامت على وجهها في الحكاية المصرية واألردنية وبعد تكرار مأساة خطف أوالده��ا يقرر زوجها والفلسطينية واليمنية والكويتية .وتركت المدرسة السفر إلى :الحج في الحكاية المصرية والفلسطينية وجلست في بيتها في الحكاية السورية والسعودية. واليمنية ..بينما تذهب ل�ش��راء ل��وازم ال�ع��رس في ماذا فعل المعلم/الفقي /عندما كشف أمره؟ الحكاية األردن�ي��ة ..وللتجارة إل��ى البصرة كما في •بدأ يالحق الفتاة أينما ذهبت ،ويخرج لها من حيث الحكاية السعودية ..وتسافر بال سبب في الحكاية ال تدري ،فيواجهها بأسئلة ثقيلة متكررة ،لمعرفة الكويتية ..أما الحكاية السورية فتنفرد بعدم سفر أسباب هربها على تنوع واختالف األسئلة؛ ففي ال ��زوج ،ب��ل يذهب ليخرجها ويعفو عنها بمناسبة الحكاية المصرية يقول لها (كشكول ذهب) ايش زواجه من امرأة أخرى ،وهناك يكتشف الحقيقة. رأيت من عجب؟ فتقول :رأيت سيدي يعلم الناس ه��ذا وق��د التقت الحكايات جميعا على ثالث األدب. •وفي الحكاية السورية يخاطبها :أي يا بنيتي يا شخصيات م�ح��وري��ة تمثلت ف��ي (المعلم/الفقي) (حبة الرمان) ،شو شفتي من شيخك العجب حتى و(الفتاة) و(الزوج). تركتي قبقابك بالعتب؟ يعيد هذا البحث ق��راءة تراثنا العربي الشعبي
•وفي الحكاية الفلسطينية :شو اريتي من سيدك بهدف إبراز ما هو مشترك. * كاتب من األردن.
اجلوبة -صيف 1431هـ 47
في اخلطاب املعرفي
للشعر ،والشعرية العربية > محمد جميل أحمد*
إذا جاز لنا أن نتعقـّـل الحياة ،عبر التناقضات التي تحكم عالقات البشر في وج��وده��م ،ج��از لنا أن نتأمل الشعر في تعبيراته الجمالية عن تلك التناقضات على وجه الخصوص. وعلى الرغم مما يمكن التسليم به ـ جدال ـ حول المعرفة، وقدرتها في اختبار المصير األسمى لإلنسان .إال أن اآلراء الفلسفية الرصينة فيما خص الوعي و المعرفة تبدو اليوم أكثر قلقا بما كانت تجزم به في السابق ،حول الثقة العلمية إزاء تفسير مستقبل العالم عبر صيرورة مطمئنة من المقدمات المعرفية التي شاعت بدايات القرن العشرين .والحال إن التعبيرات الدينية التي تنشط في العالم اليوم عبر المذاهب واألديان ،هي التي حدت بـ (يورغن هابرماس) إلى إعادة الظن في ما يمكن أن ينطوي عليه سير العالم بحسبانه خط ًا عموديا للحداثة .ذلك أن المعرفة إزاء العالقات اإلنسانية المركبة تنحو إلى تماس مع نفسها ،بحيث تكون ذات ًا وموضوع ًا في الوقت نفسه .وهذا هو ما يرهن نسبيتها ،وتناقضاتها. ح��دوده��ا المفترضة .صحيح أن المعرفة تنطوي على قلق في الفلسفة والفكر .إال أن الشعر يضمر في الخيال طاقته المكثفة لتلك الحساسية العالية .وه��ذا ما يمنحه التأويل الشخصي لقراءة العالم ،على عكس الفلسفة ،التي تفترض التأويل العقالني / الموضوعي للعالم.
وف��ي ه��ذه ال�ك�ت��اب��ة ،نقصد بالمعرفة: ماهية عالقتها بالشعر .واإلش �ك��ال الذي ي �ن �ش��أ م ��ن ت ��أوي ��ل ال �ش �ع��ر ض �م��ن ش ��روط المعرفة .فإذا كانت المعرفة تأويال للعقل، وإدراكا ينحو إلى وصف األشياء على ما هي عليه؛ فإن الشعر ،في معنى ما ،هو التعبير الجمالي عن مأزق الوعي؛ أي أنه حساسية تعبيرية نشطة ،تنبع من ذلك اإلدراك العميق بيد أن ه��ذا ال يعني ف��رزا ً مطلقا بين بفناء الكينونة ف��ي ال�ع��ال��م ،بفعل الخيال ال�ش�ع��ر وال �م �ع��رف��ة ،ب �ق��در م��ا ه��و ف��رز بين البشري ال��ذي يطلق آف��اق ال ��رؤى ويحطم اإلدراك واإللهام؛ فالمعرفة هي التي تمنح
48
اجلوبة -صيف 1431هـ
والحال أن بصيرة الشعر هنا ال تنفذ إلى أسرار العالم بقدر م��ا تنطوي ع��ن تعبيراتها .فالعبارة ليست هي الحقيقة .العبارة أقل بكثير مما يكتمه المعبـِّـر .وال يعدو الشعر هنا أن يكون ناقال لمجاز أشد كثافة من مأزق الفلسفة .ذلك أن الشعر بما هو تصوير ،ومجازفة في خلق مفردات خيال يحقق تأويله في الزمن بحسب منطقه المتعرج والمشتت في الخطاب ،يتجاوز عالقات العالم الطبيعي للغة واألشياء حين يتصل بالباطن الذي يلح عليه من الغياب .وهو فعل ِبعَكس حركة الفكر التي ترصد الوعي.
دراس����ـ����ـ����ـ����ـ����ـ����ـ����ـ����ـ����ـ����ـ����ـ����ـ����ات
ال�ش��اع��ر خ��زي��ن ال�ع�لام��ات ال�ت��ي ت��دخ��ل ف��ي متنه الشعري .إال أن العالقة المعقدة ألث��ر المعرفة في الشعر ،توهم بين حيثياتها في ال�خ��ارج ،أي في كونها فهما مستقال ،وبين إحاالتها في النص الشعري الذي يضمرها .ومن هنا ينشأ االلتباس بين وظيفة الشعر ،ووظيفة المعرفة .فحين يصارع الشعر األسئلة التي تهب عليه من تناقضات الحياة. ينشأ األسى الجميل معبرا عن ذلك المأزق الذي ذكرناه آنفا.
في بعض تجلياته .فكما ال يجوز إدراج التجارب الشعرية ف��ي تجريد ي�ح��ذف محيطها المعرفي والثقافي والحضاري ،كذلك ال يجوز إغفال النتائج التي تنجم عن تلك المؤثرات في سياقات معرفية وثقافية وحضارية أخ��رى .ذلك أن الشاعر حين يبدع نصه ،يشتغل على م��ؤث��رات ال متناهية من مطارح متعددة ،تفرز ضميرها بصورة واعية، وغير واعية .وبحسب هذه المؤثرات تأتي تعبيراته ال �ش �ع��ري��ة ض �م��ن ال ��رؤي ��ة ال�ش�خ�ص�ي��ة والموهبة الخاصة.
ل�ك��ن خ �ط��ورة ال �ش �ع��ر ،بحسبانه رؤي ��ة رافعة ل �ت �ن��اق �ض��ات ال �ح �ي��اة ،ت�ن�ب��ع م��ن ط�ب�ي�ع��ة عالقته بالمعرفة ،وبنيتها اإلستراتيجية في وعي الشاعر. ذل��ك أن المعرفة بقدر اتساعها كـ(موضوع) في الحالة الشعرية ،بقدر ما تنطوي على ضغطها ك� �ـ(ذات) ف��ي رؤي��ة الشاعر .بحيث يمكننا إدراج عبارة التعري الشهيرة( :إذا اتسعت الرؤيا ضاقت العبارة) عنوانا للذات الشعرية الحديثة العارفة والمغتربة بمعرفتها .لكن ثمة إحساس آخر ينهض بغربة الشاعر في تأويله الشعري للمعرفة ..ونعني إن إل�ه��ام الشاعر ف��ي عملية الخلق ج��زء من بذلك :فرديته في اجتراح التجربة .فالفردية هنا ح�ض��وره ف��ي المطلق .ول�ك��ن التجديد ال��ذي يلح تنزح بعملية الخلق الشعري إلى آفاق موحشة. على الشاعر في رؤيته الشعرية للعالم ،ومحاولة وربما ك��ان صعود مفهوم الفردية في األزمنة اإلق��ام��ة ف��ي ذل��ك المطلق ،ه��و م��ا يذهب ب��ه إلى الحديثة ه��و أح��د النزعات التي تلجأ بالشاعر تأويل الفعل الشعري من كونه تعبيرا ،إلى معرفة .إلى تكثيف حياته ،وضغط وجوده حين يلج بعجزه وهنا تلتقي حدود الشعر ،أحيانا ،بحدود الحياة أو اإلنساني ،مجاز األسئلة الوجودية الكبرى .ولكن العقل عند الشعراء الذين كثفوا الشعر في حياتهم ال��رؤي��ا المعرفية ال�ت��ي طبعت المصير الشعري جملة واح��دة .من أمثال رامبو «الموت المبكر» ،لشعرائها بنهايات تراجيدية ،لم تكن كذلك ،أو بتلك وهولدرلن «الجنون» .لقد كان التعبير في كتابتهم االنزياحات القاتلة في األزمنة القديمة .فتطور الشعرية أقل بكثير من ذلك اإلضمار الذي جمجم دور المعرفة ،وعالقتها بخلق مصير اإلنسان في في داخلهم .لكن هذا المعنى المكثف والقصير العالم الحديث ،أزاح سلطتها الدينية القديمة.. في الحياة والشعر لبعض الشعراء دون غيرهم وق�ل��ب دوره ��ا ف��ي ع�لاق��ة ال�ش��اع��ر ب�ه��ا .فالحالة ال يلغي اطـ ّراد الموقف اإلشكالي للشعر بوصفه الشعرية -أي الموهبة -تحتفظ بقدراتها الشعرية مشروعا للخالص الفردي أو الجماعي في الحياة ،والطبيعية م��ن ح�ي��ث:اخ�ت��راق ال�ل�غ��ة ،واستبطان
اجلوبة -صيف 1431هـ 49
األشياء ،وطاقة المخيلة ،وحساسية الذات ..الخ .والمعاني. أي أن بعض منظومات المعرفة التاريخية ،كانت وهكذا ،يمكننا أن نجد في حياة عرب الجاهلية، تحيل على تعبيرات الموهبة بحسب اندراجها في ما يمكن أن يكون حاكما على شعرائهم بتلك الطبيعة السياق الحاكم لها .وه��و ما يمكن أن نفهم منه الوثنية .أي اختراق الطقوس لحياتهم على نحو حركة الشعر في التاريخ ،عبر تعبيراتها الكاشفة ما ،يسمح لهم دائما بتكثيف وجودهم اإلنساني لألنساق المعرفية .دون أن يعني ذلك إطالق أحكام الخام في حياة الصحراء والبداوة ،وإبداع تعبيرات قيمة متصاعدة بحسب ت�ق��دم ال��زم��ن ،ف��ي فرز شعرية تكشف عن رغباتهم الطليقة .وكان الشعر الموهبة الشعرية ،أو عقد مفاضالت بين التجارب هو كالمهم المرموق بحسب حياة الصحراء التي الشعرية الكبرى في التاريخ .األم��ر ال��ذي يحدث تفك اإلنسان عن تعقيدات الحضارة. في حقل الفلسفة بسبب العقالنية الموضوعية في غير أن القرآن الكريم أفحم التعبير الشعري مقاربتها للمعرفة. للجاهلية عبر إعجازه البياني ،وأضعف حيثيات إن المصير الفردي للشاعر في خلق وإبداعها الشعر القصوى عند العرب حين تحداهم بذلك التجربة الشعرية هو ما يجعل تأويله للمعرفة ،البيان .وعلى الرغم من أن رأي اإلسالم في الشعر تأويال فنيا وشخصيا .وم��ن ثم غير تاريخي.أي يحيلنا على تفاصيل أخرى ،إال أن إعجاز القرآن غير خاضع لقواعد التأويل العام لنظام األشياء الكريم لفن القول عند العرب ،هو الذي أطلق ظاهرة كما هي -في اللغة والعالم .وهي فردية تخص من األهمية بمكان التعرف على دالالتها العميقةالشعر ع ��ادة ،دون غ�ي��ره م��ن الفنون ال�ت��ي يمكن في تاريخ الشعر العربي .فالظاهرة القرآنية تلك أن ت�ج��د ت�ع�ب�ي��ره��ا ف��ي ع�لاق��ة ج�م��اع�ي��ة تخفف انطوت على إبداع بياني ومعرفي في الوقت نفسه. وطأة التجربة كالمسرح والغناء .أو في تعبيرات أي أنها كانت مطابقة تامة بين اإلب��داع البياني، رم��زي��ة صامتة كالرسم والنحت .وه�ك��ذا يمكننا والمعرفة الدينية التي غيّرت حياة العرب وجزءاً أن نفهم قوة الشعر في ملحمة (هوميروس) من كبيراً من العالم القديم ،مرة وإلى األبد .فالقرآن حيث الحالة الشعرية .أي قدرة التعبير الشعري الكريم جمع بين ظاهرتين منفصلتين في معنى نحو لم يكن مسبوقا من قبل. في تصوير الحوادث والوقائع ،والمفارقات التي واحد ،على ٍ تنشأ بين اآللهة والبشر .لكن من خالل الطقس لقد ك��ان الفن -بما في ذل��ك الشعر -تابعا الوثني للمعرفة الدينية .أي أن المعرفة هنا سابقة لألديان الوثنية ..أي المعارف الوثنية ،في معنى ما، على الشعر ،وحاكمة له عبر عالقة دينية عليا. وكان بوصفه ذاك تعبيرا عن حياة موازية تصور كل بحيث تخترق المخيلة حياة متناقضة من الرغبات، ما يمكن أن تعجز عنه تلك الحياة بحسب تناقضاتها والهواجس ،واآلمال والمشاعر بين اآللهة والبشر، في الواقع .وكان ذلك في وجه من الوجوه تعويضا على نحو طقوسي مقدس .فقيمة النص المعرفية فنيا يغذي حاجة اإلن�س��ان للمثل المطلقة ينجم لملحمة (هوميروس) ال تنطوي اليوم على معرفة عنه -ع��ادة -حين تتركه اآللهة لمصيره الفردي صالحة للتعقل ،بل تأتي عبقرية الملحمة من تلك الموحش في الكون .فيمأله اإلنسان بأمانيه التي القدرة الشعرية في خلق عالقات لغوية سحرية، جسدها في المالحم الشعرية والقصائد .وكان تمنح النص طاقة التفجير الخيالي المتجددة، هذا العجز الطبيعي لآللهة الوثنية يجعل اإلنسان عبر مجاز يتركب بكثافة ال متناهية من الصور
50
اجلوبة -صيف 1431هـ
دراس����ـ����ـ����ـ����ـ����ـ����ـ����ـ����ـ����ـ����ـ����ـ����ـ����ات
العربي كذلك على تماس مع حياة طليقة في الشعر تسمح له بتدوين تناقضاتها ورغباتها المختلفة. بيد أن القرآن الكريم الذي جاء بيانا معجزاً في إبداعه ..كما جاء في هذا البيان إجابات عن الحياة والموت والوجود وأسئلة اإلنسان المصيرية ،عبر مفهوم التوحيد ال��ذي ينفي اآللهة .ك��ان كل ذلك جمعا بين المعرفة والبيان .أي بين ما كان منفصال في الحياة الوثنية القديمة ،حيث المعرفة حاكمة للبيان (التعبير/الشعر /الفن) .وبحيث تنتفي تلك الهوة التي تجعل التعبير الشعري ،والفن عموما، يرسم حياة مفعمة باألماني والخيال ،توازي حياة اإلن�س��ان الواقعية على األرض م��ع إدراك حزين باستحالة تحقيقها .ولهذا انحسر الشعر وبهت مقامه على األق��ل في عصر النبوة والراشدين. ال ألن الحياة اإلسالمية كانت خالية من الشعر، في معنى ما ،ولكن ألن تأثير القرآن الكريم ببيانه البديع أشبع حاجات العرب التعبيرية والدينية. وربما ك��ان في ما ح��دث للشاعر الجاهلي الذي أسلم وأصبح صحابيا( :لبيد بن ربيعة) صاحب إحدى معلقات العرب السبع ما يلقي ضوءا على هذا المعنى ،فمنذ أن أسلم هذا الشاعر الكبير لم يقل شعراً ،وكان حين يسأله الناس عن ذلك يجيب قائال( :أبدلني الله بالشعر البقرة وآل عمران) فمعنى التبديل في رده دليل على إح�لال العرب للقرآن الكريم مكانة تعبيرية عالية.
عليه القلق الوجودي للتجربة الشعرية .لكننا نجد، على األقل ،شاعرين في التراث اإلسالمي جسدا ذلك القلق هما :أبو نواس الحسن بن هاني ،وأبو العالء المعري .ففي حين بدا الحسن بن هاني، للكثيرين ،شاعرا ماجنا ،كان يضمر في شعره بعدا رؤيويا فلسف به اللـّـذات الحسية ،وجاءت مقوالت فلسفية ف��ي ش�ع��ره ك�ه��وام��ش م�ق�ص��ودة ،تنم عن موقف من الحياة لجهة المجون ،واقتناص اللذة في مجرى العمر السريع .وكان أبو العالء المعري يمتلك نظرا في الحياة وتأويال لتناقضاتها يمتح من ثقافة فلسفية راسخة. ل�ك��ن ال�م�ف��ارق��ة أن ه��ذي��ن ال�ش��اع��ري��ن انحازا في نهاية العمر إلى ع��ودة للدين ،وتوبة من تلك الحياة السابقة .أي توبة عن (الشهوات) في حال أبي نواس ،ومن (الشبهات) في حال أبي العالء، بحسب اصطالح القدماء .وعلى الرغم من أن اختيار التوبة هنا لم يكن قسريا أو خوفا من سيف الحاكم ،إال أن توبتهما ،في معنى ما ،كانت إدراكا لحقيقة القرآن الكريم ،ووعيا بقيمته اإلبداعية في فن القول .والحال أن هذه التوبة ربما كانت أث��راً لتلك الظاهرة الفريدة للقرآن الكريم بين كتب األديان التوحيدية.أي في كونه بيانا مبدعا، بحسب إع�ج��ازه ال��ذي ج��اء على سبيل التحدي، ومعرفة دينية ف��ي ال��وق��ت نفسه .فالعالقة بين التعبير والمعرفة في القرآن الكريم تنطوي على دالل��ة مطابقة .ذل��ك أن ال�ن��ص ك��ان ف��ي مستوى معناه .بحيث أن داللة اإلعجاز في التعبير المعجز تحايث التصديق المطلق لمعناه المعرفي ،ولم يك كل من الشاعرين ليغيب عنه إدراك أسرار البيان القرآني .بقدر ما كانت التأويالت البشرية للفرق، والجماعات ،وتطبيقات السلطة السياسية تدفع بهما إلى الضد من ذلك.
لكن تداعيات الفتنة الكبرى حركت تعبيرات مقموعة من فن العرب األول (الشعر) صاحبت العصبية والنخوة ،في األحالف القبلية التي نشأت على هامش (الجمل) و(صفين) ،والتي تطورت فيما بعد عند األمويين لتبلغ قمتها الشعرية عند ال�ف��رزدق وجرير واألخ�ط��ل .ثم الحياة الحضرية التي صاحبت ذلك ،وبانت في أشعار عمر بن أبي ربيعة .غير أن النماذج السالفة كانت تعبيرا عن ما نريد قوله هنا أن جوهر المعرفة كثقافة حياة مألت معناها ،وخلت من ما يمكن أن نطلق إستراتيجية حاكمة ،ع��ادة م��ا ينطوي على رؤية
اجلوبة -صيف 1431هـ 51
خفية في نص الشاعر ،وأن ما يمكن أن يفترض كخلفيات ع��ام��ة للثقافة وال �ح �ض��ارة ،يحيل على العديد من الفروق في حال المقارنة بين الشعرية العربية والشعرية الغربية مثال .دون أن يقلل ذلك من طبيعة الموهبة الشعرية وطاقتها الخطيرة. وب��إم�ك��ان ال�م��رء أن يتساءل ع��ن ج��دوى المصير الذي أفضى إلى الموت المبكر لـ(رامبو) ،والجنون لـ(هولدرلن) ،في خلفية المعرفة الفلسفية التي أسست للحداثة بوصفها وكالة إنسانية للمصير البشري .أي أن الثقافة الغربية ل��م تكن تستند حيال األسئلة األنطلوجية للشعر على إجابات فيها من التماسك ما يمنح اليقين لذلك القلق .فما زال العجز اإلنساني من أخطر حساسيات الشاعر في الحياة. والحقيقة أن عظمة إبداع (رامبو) و(هولدرلن) وغيرهما ،لم تكن في إدراكهما المعرفي لتناقضات الحياة ،بقدر ما كانت في الطريقة المعبرة عن تلك التجارب ،أي في استبطان الحواس الكونية للمعرفة الشعرية ،إن جاز التعبير .ذلك أن تصادم الوعي الحاد باألسرار الكونية يخلق في الحالة الشعرية أهاويل ورؤى جمالية ناقصة تنطوي تفاصيلها على سر اإلبداع الشعري .فطريقة التعبير عن تفاصيل تلك الرؤى في الكلمات واألشياء والمواقف ..هي الحالة التي تخضع عالقات اللغة ونظام األشياء في الشعر لصيرورة تتأبد،عبر الخيال ،وتجدد انفكاكها الدائم عن الزمن واللغة والعالم .وربما لجهة تأثير جوهر المعرفة ،وخلفياتها ،أفضت حاالت المعري وأب��ي ن��واس للتوبة إض��اف��ة إل��ى خاصية القرآن الكريم في كونه كتاب بيان ومعرفة في تلك اللغة التي أبدع بها الشاعران الكبيران .وهذا يسوقنا بالضرورة إلى إشكاالت الشعرية العربية الحديثة وعجزها في إنجاب شعراء (وفالسفة) كبار كما في الغرب .أو في التراث العربي القديم بحسب الناقد المغربي ( بن عيسى بو حمالة) ؟
52
اجلوبة -صيف 1431هـ
وربما كان بعض ما يمكن أن يكون جوابا ً على هذا السؤال هو :أن الثقافة العربية المعاصرة لم تنجز تأويلها المعرفي الخاص حتى اليوم .ال مع الغرب ،وال مع تراثها ،ذل��ك أن صيرورة الثقافة العربية المعاصرة لم تكُف في يوم من األيام ،عن لعبة الصدى حيال الثقافة الغربية ،منذ صدامها األول في العصر الحديث مع الحملة الفرنسية، وط��وال عقود االستعمار إلى يومنا هذا .ولم يكن ذلك في متنها (المعرفي) فحسب ،بل في األدوات صـنعت لها على صورة تالحق مثالها المعرفية التي ُ الغربي المنجز دون أن تختبر ش��روط��ه ؛ وهذا أفضى بدوره إلى حقيقة مهمة مفادها :إن الثقافة العربية اليوم ال تنطوي على سوية طبيعية البته. أكثر من ذلك :إن عجز المثقفين العرب عن إدراك هذا المأزق المحايث لهذه الثقافة ،وافتراض أن هذا المأزق التاريخي للثقافة العربية إنما هو مأزق راهن وعرضي ،هو أكثر التعبيرات خطورة عن تلك الحالة. ويمكننا من خ�لال ه��ذه الحقيقة إدراك فشل ال�ح��ال الثقافية والحضارية للعرب ف��ي األزمنة الحديثة .دون أن يمكننا في الوقت نفسه معرفة حيثيات مستقبل بعيد وغامض لهذه الثقافة .فيما معرفة الماضي الزاهر للعرب هي من الحقائق المعرفية والتاريخية التي ال تقبل الجدل .والحال أن مثل ه��ذا المأزق المعرفي للثقافة العربية ال بد أن يتجلى فيما وصفناه سابقا باألثر الخفي للمعرفة .أو خلفيات المعرفة داخل النص الشعري. وه��و ما ال يمكن أن نجد له نماذج شعرية كونية في الثقافة العربية المعاصرة .فهذه الثقافة -بما هي -ثقافة مركزية في تاريخ العالم الوسيط ،لم تجد تعبيراتها الخاصة ،والواضحة في الشعرية العربية الحديثة. وما يمكن أن نراه من نماذج الشعرية العربية المعاصرة ه��و معنى لما فسره (أدون �ي��س) ،ذات
لقد رافق ذلك العجز عن اجتراح شعرية عربية متميزة العديد من غياب الشروط المحايثة للشعر بوصفه حالة إنسانية بامتياز .كالحرية .وترهين ال �ل �غ��ة ،ب��ال�ك��ف ع��ن نمذجتها ف��ي ب�لاغ��ة قديمة ومفترضة .وسكون المجتمع العربي في الحالة االستعمارية الغربية ،وما قبلها من حالة القابلية لالستعمار .فيما يمكن أن نطلق عليه التخلف العربي بكلمة واحدة.
دراس����ـ����ـ����ـ����ـ����ـ����ـ����ـ����ـ����ـ����ـ����ـ����ـ����ات
مرة :من أن العرب يمكنهم كأفراد (هنا كشعراء) تحقيق اختراقات عالمية ،فيما يعجزون عن ذلك كمجتمع ينتج أجياله عبر بنى عميقة ومؤسسية لتحقيق ذلك االختراق في شكل جماعي ومستمر. وم��ن هنا يمكننا أن نتحدث عن مفهوم القطيعة الشعرية في حركة الشعر العربي الحديث .فهي ضرب من اجتثاث دائم ،من الالحق للسابق .وهذا فرع من صيرورة الثقافة العربية .أي أن تحوالتها الصاعدة باستمرار ضمن لعبة الصوت والصدى مع الثقافة الغربية ،كانت تحذف إنجازها السابق أو تهمله .فال نرى مثال تكريسا لنماذج كالسيكية في العصر الحديث ..إال بوصفها مرحلة في حركة تصاعدية ال تصلح بذاتها لما يمكن أن تصح عليه داللة المفهوم الجدلي للكالسيكية والحداثة ،إال في الشعراء القدامى من أمثال المتنبي ،أي أولئك الذين أنتجتهم ثقافة كانت تمتلك حيثياتها القوية.
ح��االت شعرية كالسيكية ال يمكن رهنها بالقيمة التصاعدية لحركة الزمن ،كما هو الحال لدينا، بل يُـنظر إليها بوصفها تجارب شعرية كونية كبرى ال يمكن إدراجها في حالة تاريخانية .وربما كان محمود دروي ��ش (ال�ج��دي��د) ف��ي ه��ذا ال�ص��دد من الحاالت النادرة في الشعرية العربية الحديثة.
ح��اول��ت ه��ذه الكتابة عبر ال�س�ط��ور السابقة توصيف مقاربة الشعر للمعرفة من موقف إشكالي. والحال أن المتنبي اليوم أهم من أحمد شوقي ،وما إذا كان في إمكان الشعر اإلجابة على أسئلة على الرغم من موهبة شوقي .بل حتى أمثال شعراء العجز اإلنساني معرفيا .وعالقة المعرفة بالشعر من طبقة السياب ويوسف الخال تحاول الشعرية من حيث الحالة المعرفية للشاعر. العربية اليوم حذفهم .وال نعني بالحذف هنا إهمال لكننا كنا نتكلم دائما عن ح��االت قصوى من القيمة الشعرية لهؤالء الشعراء ،بل عجزهم في الحساسية الشعرية في سياقات معرفية متعددة أن يتحولوا إلى نماذج كالسيكية حقيقية من طينة ومركبة .دون أن نتكلم عن الشعر بوصفه حاجة (رامبو) ،و(هولدرلن) .وربما كان السبب في ذلك :إن �س��ان �ي��ة ع ��ادي ��ة ،وت �ص��وي��را ل �ع��واط��ف اآلخرين ان��دراج ه��ؤالء الشعراء في حالة معرفية أصغت وحياتهم ضمن تجربة الشاعر .ولكن حتى هذه للتثاقف مع الغرب أكثر من إصغائها لحساسيتها الحالة الطبيعية للشعر تحتاج إلى حالة طبيعية من الشعرية ال�خ��اص��ة ،وال �ت��ي ل��م تكن م�ت�ص��ورة في المجتمعات .وهو ما تفتقر إليه الحالة االجتماعية ثقافة لم تمتلك قدرة التحديق في ذاتها .ذلك أن العربية ال��راه�ن��ة .ذل��ك حين يعجز المجتمع عن الشعور بالتجاوز المستمر للشعرية المعاصرة على ال�ت�ص��ال��ح م��ع ذات���ه وال �س �ك��ون ف��ي س�لام�ه��ا عبر أسالفها ،هو ضرب من حلقة ستستمر طويال في استقطاب التناقضات بتحويلها إلى حاالت إنسانية إنتاج قطيعة متجددة تمارس ذلك الحذف إلى ما بامتياز .بدال من أن تكون تعبيرات كارثية ،كما هي النهاية .فنحن مثال ال نجد من أمثال (رامبو) ،أو ح��ال المجتمعات العربية اليوم .عند ذل��ك يمكن (ه��ول��درل��ن) ،في الشعرية العربية؛ أي في وجود للشعرية العربية أن تحدق في ذاتها. * شاعر وكاتب سوداني مقيم بالسعودية.
اجلوبة -صيف 1431هـ 53
نصوص قصصية > عبدالله السفر*
مشوار
ت��رخ��ي أع �ض��اءك ،تطبق رم��وش عينيك.
ك��ان الطفل منهمكاً ف��ي ال�ح��دي��ث مع تتجمّع الرائحة ،تنفذ فيها. أمّه .عندما رأى اختفاء الشمس ،واحتشاد تؤالف. ال عنه؛ السماء بالغيم ،وانشغال األم قلي ً عبثاً ،تحاول إلصاق الوجه الغائب. أخ �ب��ره��ا ب ��أن ال �ش �م��س ذه �ب��ت إلحضار المطر. متخفيّ ة
إال هي
عندما طال َع أورا َق � ُه القديمة ،شع َر كم دعس َ ك��ا َن همج ّياً ومنفوخاً ب��اال ّدع��اء ،إ ْذ
يفتح الكتاب ،يشرع في القراءة .تعترضه قليل بعض وط ّو َح بعضها ،ودارىَ غي َر ٍ بياضها جمل ُة « ال على ٍ َ ورقة خالية إال ..يشغل إكراه في الدين» .يقلب الصفحة .بيضاء .منها في األدراج وشقوق األرفف. يعيد التأكّد؛ يكتشف أنّ ظ ّل ال إكراه في أوراق يتباهى ٍ يدرك اآلن أنّ ما بيده من الدين يتغيّر إلى « يا إله األمل إال هي». بها ،لم تكن إال أوراقه القديمة .ال يحتاج
عناد
ت�ن�ش��ر س �ح��اب � َة ع �ط��رِ ه��ا ف��ي هوائك؛ *
54
قاص من السعودية.
اجلوبة -صيف 1431هـ
إلى بصمة مضاهاة .فقد عاشت متخفيّة لتنجو من المجزرة.
> إبراهيم احلميد*
رحلوا! ذه �ب��وا ب�ع�ي��دا ف��ي ال �م��دى! .رح �ل��وا قبل أوان �ه��م ..كنا نظن أن�ه��م ع��اش��وا أك�ث��ر مما يجب ..إال أن األيام أثبتت أنهم رحلوا باكرا.. ولم يحققوا شيئا.. الجار السمين ذو اللحية الكثة ،والرجل الطيب ،كان ي��وزع كل صباح حبات الحلوى علينا ص �غ��ارا ،و كنا نتحلق ح��ول��ه قبل أن يلتحق بشبة أبو حمد.. ال �م��ؤذن ال �ع��اش��ق ..ك��ان يحب النساء.. وك��ان مشهورا بالتغزل بكل ام��رأة تأتي في ط��ري�ق��ه ..ك��ان يعيش على ذاك��رت��ه الكبيرة التي ظل يختزن فيها كثيرا من صور النساء الجميالت في سنوات ماضية قبل أن تتحول النساء إلى كتل سوداء متحركة.. ال يمكنني ن�س�ي��ان ح�ب��ات ال�ب�ي��ض التي ك��ان يرشينا ب �ه��ا ..لنتركه يتجول بحريته ف��ي ال��ح��ارات ال �ب �ع �ي��دة ..ب�ع�ي��دا ع��ن أعين الفضوليين!
ق���������ص���������ص ق������ص������ي������رة
قصتان
لنفسه بزاوية في مسجد الحارة القديم.. وعندما أص��روا على ه��دم المسجد لبنائه م��ن ج��دي��د ،أص��ر على ال�ص�لاة ف��ي موضع زاويته حتى انتهاء البناء ..كنا نسترق السمع إليه ،وهو يتلو القرآن في الليالي الطويلة من شهر رمضان المبارك ..وعندما قبض علينا ،أصر على حضورنا إلى الدرس الذي يحضره رجال غرباء عن الحارة.. ال�ش�ي��خ ال �ط��اع��ن ..بلحيته الحمراء.. وعصاه الغليظة ...و عباءته الوبر التي لم تتغير منذ أكثر من قرنين ..ك��ان ي��ردد إن عباءته الجوفية أصلية ولم تخلط بخيوط أخ��رى ..كان يعتز بها و يؤكد إنه لن يفرط فيها رغم أن ولده الوحيد أهداه عباءة جديدة أحضرها له من سوق الحميدية بالشام.. الشيخ الثرثار ..كان يؤنس كثيرا من نساء الحارة ..يمارس هوايته اليومية في حضور جلسات الضحى لعجائز الحارة والحارات المجاورة..
الشيخ الضرير ..كنا نعتقد أنه كان يعيش عندما قابلته ذات ضحى ..كان خارجا منذ عصر الصحابة ..و كان قديما جدا ..للتو من زيارة تعود عليها المرأة في نفاسها.. وكان يرفض حالقة ذقنه الطويلة جدا.. وقال إنه سعد بمشاركتها «الفتَّة» التي تعدها صاحب الصوت المؤثر ..وك��ان يحتفظ النساء من الخبز وزيت الزيتون..
اجلوبة -صيف 1431هـ 55
ربيع الشيخوخة! في ربيع الشيخوخة وخريف العمر، ي �ع��ود إل ��ى ك��ل األي � ��ام ال �ت��ي ع��اش �ه��ا طوال وع��رض��ا! إل��ى ال�ح�ك��اي��ات ال�ت��ي يغزلها كل مساء ،بحضور أصدقاء الطفولة الذين لم يتبق منهم إال أطيافهم. هنا ..كان األول يفضل أن يتناول قهوة الصباح ،وهناك..كان اآلخ��ر يستخدم يده الغليظة لشرب القهوة العربية بالفنجان الكبير المزين بالرسوم المخططة الحمراء و الزرقاء. كان وهو يسحب الروح متحدثا إلى أبنائه الذين تجاوز بعضهم منتصف العمر ،يمارس طقوسه األزلية ،في تناول تمرات من ثمار «الحلوة « التي تعقبها فناجين ال حصر لها م��ن قهوة تتلون بانعكاس ج��دائ��ل الفتيات ال�لات��ي ك��ن يتبعنه ف��ي ح �ق��ول ال�ق�م��ح في البلقاء ،يافعا ،ينتظر حصته من الحنطة.. ليعود بها غانما إلى إخوته ووالدته. بعد أن طغت على مالمحه الشيخوخة، أصبح يطيل قصصه وأحاديثه ،وكأنه يطلق وصاياه إلى كل زواره ،خاصة مع بعض أبناء األصدقاء الذين كانوا يزورونه ،ورغم سنواته
56
اجلوبة -صيف 1431هـ
الستة والثمانين ،إال أنه بقي متقد الذهن، مشحوذ ال��ذاك��رة ،نبيهاً ،يلتقط التفاصيل ال �ب �ع �ي��دة وال �ق��ري �ب��ة ،وك� ��ان ي �ت �ح��دث ع��ن « الخرانة « وكأنه غ��ادره للتو ،عابرا بقافلته إلى سوق اإلبل في سيل عمان ،بعد أن جاز كل هذه القفار! ويستعيد حكايته مع قافلة من عرب الجزيرة ،ضلوا طريقهم ،فما كان منه إال أن هداهم إلى سبيلهم ،عبر النجوم، ممسكا بيدي حمادهم ،في غدير الماء على «غرايس». عندما بدأت رائحة تراب السنين ،تزداد مع م��رور األي��ام ،وب��دا أن ال أح��د يأبه إلى ال�ح�ك��اي��ات ال�ت��ي ك��ان يطلقها ،في فضاء القهوة أو البيت ،في حضور األبناء و بقايا األص��دق��اء ،ال ف��رق ،أصبح الصمت الكبير ه��و ال��وس�ي�ل��ة األك �ث��ر ت�ع�ب�ي��راً ع��ن الغضب الكامن فيه! خاصة مع تلك اإلشارات التي بات يطلقها البعض متسربلة بعدم التقدير والالمباالة من المحيطين ملال حينما يبدأ حكاياته القديمة ،فبدا على غير عادته، محمال بالتجاعيد التي لم تكن ظاهرة في ي��وم كأيامنا ه��ذه ،حتى أن بقايا التنهدات التي ك��ان يطلقها ،كأسد ج��ري��ح ،أصبحت تصل إلى شغاف القلوب ،لكل المحيطين !
ق���������ص���������ص ق������ص������ي������رة
قصص قصيرة جدا
> محمد املنصور الشقحاء*
النجاح أخذت تركض في أرجاء الدار .أخيرا نجحت؛ لم تفكر في نسبة التقدير ،ك��ان همها اجتياز عقبة فشلت ف��ي تخطيها خمس م ��رات ،ولما شعرت بالتعب دخلت غرفتها ونامت.
في العاشرة ،الحظ أحد رجال األمن الطفل ووالده .كان الطفل نائما والرجل جثة هامدة.
بوح
قالت وه��ي تصلح الغطاء على وجهها :منذ زمن أشعر بالحزن .لقد توقف مرجل الحب في أقلق الجميع تأخرها .أسرعت أمها وإحدى أعماقه ،فأخذ ينفر من مواعيدي؛ يتهرب من أخ��وات �ه��ا ،استقبلتهما رائ �ح��ة عبقة وابتسامة استقرارنا الموعود. صغيرة. قالت وقد أصبح وجهها قطعة من السواد: هزتها أختها ..كانت متصلبة وب ��اردة .لقد إنه يرتكب األخطاء كل يوم ،ومع تجاوزي ذلك.. أسلمت الروح منذ كان انتصارها. أخذ ذات يوم يبكي حتى تالشى ،أصبح ذرات..
المدرج بسبب الفراغ ،شعر باالختناق ..فأخذ طفله وتوجه بسيارته إلى المدينة الرياضية ،األضواء تمأل المكان، وصوت الرعد ومذيع يعلن نتائج المتسابقين.
حاولت جمعها ..لكن هبت الريح ..ولم أتمكن من جمع سوى بقايا.
اإلسفلت
ت��وق��ف ع�ن��د خ �ط��وط ع �ب��ور ال �م �ش��اة المرأة جلس في أخر المدرج الجنوبي يراقب الناس وثالثة أطفال .اجتاز الثالثة اإلسفلت وارتقوا واأللعاب .الطفل أخذ يتنقل بين المقاعد الفارغة ،الرصيف. والحاجز الحديدي الذي يحمي الملعب ..وفي أما هي فقد دهمتها سيارة ال تعرف االنتظار. الثامنة شعر الطفل بالتعب ،فصعد المدرج ولم يتوقف قائدها حتى صدم عمود اإلضاءة، وجلس بجوار والده. الفجيعة كانت فوق احتماله فتوقف قلبه. *
قاص من السعودية.
اجلوبة -صيف 1431هـ 57
حلوى الدماء ال ن������ب������ت������س������م إال ل�����ن�����ب�����ت�����س�����م. وال ن��������ح��������ل��������م إال ل������ن������ب������ق������ى. ت���ع���ل���ق���ت أح��ل�ام����ن����ا ب����ج����رس ال����وق����ت. ف����������������م����������������ت����������������ى ن����������������ق����������������رع����������������ه؟ > إلهام عقال البراهيم*
ك ��ان ي �ح �ل��م ..وم ��ا أج �م��ل احل �ل��م على ضفاف األمل.
قطع بنات أفكاره صوت حالم يحبه: -يا عم صالح ..يا عم صالح.
غ��رق في أح�لام بريئة ،فرسم أحالماً سرمدي ًة دون أن يعلم.
وض��ع ما بيده على املنضدة الصفراء
كان مجرد حلم!!
إنه رجل عرك احلياة ..مرها وحلوها..
الالمعة.
إن ك��ان بها طيف ح�لاوة ..لو نظرت إلى
ينظر إليهم بشغف ،إنهم أبناؤه ،بل أكثر م��ن ذل��ك! ع��رف دواخ�ل�ه��م ،بكى وضحك يديه وتقاسيم وجهه ،إلى ثنايا فمه املجعدة معهم ،أس � ّر إليهم وأس�� ّروا إليه .التقاهم وعينيه الذابلتني ..لرأيت فيها بقايا حلم بصمت ،فلم يفهم حديثه س��واه��م .بات انتحر .كان يرمي بجسده األسمر الصغير يستيقظ ع �ل��ى ص ��وره ��م ،وي �ص �ح��و على على التراب وهو يحتضن كتابا -أي كتاب- س �ط��وره��م( .ت��زوج �ه��م ب�خ�ل��وة وعاشرهم ال يهم .يحتضن أبناءه – كتبه -بحرارة .ال بشغف). ينتعل حذاء ..فليس ذاك مهما .فجل همه خاطبهم بصوت واهن ضعيف: ال حتزنوا..
58
اجلوبة -صيف 1431هـ
أن يلتقي معشوقه.
أراد أن يكبر ليصبح معلما ،يقدم ذلك
ق���������ص���������ص ق������ص������ي������رة
احلب الكبير ألبناء الغد املجهول. مجد في دراسته ،وفي وقت فراغه ..يغرق هو ٌّ بني السطور والكلمات .ولكن.. أع����ل����ل ال���ن���ف���س ب�����اآلم�����ال أرقبها ما أصعب العيش لوال فسحة األمل ل��م يعلم ص��ال��ح م��ا خبأته ل��ه األق� ��دار ..ولم يدر ما ينتظره ..يرحل والده ويتركه ألحالمه.. فماذا يفعل ..وقد أطبقت عليه الدنيا بقسوتها. فكر كثيرا ..ماذا بوسعه أن يعمل كي يبقى قرب أحبابه الذين تعلق بهم ..فليس مبقدوره مواصلة دراسته وقد فقد املعيل ،وأصبح معيل نفسه.. سنحت له الفرصة أن يتعني آذنا في مدرسة ما ..فحقق بذلك مراده ..لينهل من معني مكتبتها، فيزداد ثقافة على ثقافة وعلما على علم بعد أن حالت مشيئة الباري استمراره كطالب فيها.. هذا ما آل إليه حال العم صالح .أصبح آذناً! لكنه سعيد بعمله..
رص �ي��ف ب � ��ارد !..وش� ��ارع ط��وي��ل! وحشرات لقد أشاح بوجهه بعيداً عن أحالم كثيرة وضعها صغيرة حتوم حول الضوء األصفر الباهت! نصب عينيه ،لينهي بذلك حلما طاملا راوده في اركض ..اركض. صغره ،وابتسامة متناها في مستقبله.. اركض يا صالح اركض. يعمل راض�ي��ا مب��ا قسمه ال�ل��ه ل ��ه ،..ويتمنى نظرات متالحقة .،أنفاس متسارعة.. انقضاء ال��وق��ت سريعا ك��ي يخلو بأحبائه .إنه وشبح عجوز يسابق السراب!!. يستعجل ساعات العمل ،ليتوجه إلى املكتبة كي يختار منها علبة حلواه اللذيذة. وإذا بشاحنة كبيرة مسرعة ..تقذف جسده وينتقل ملدرسة أخرى ،ويفرح صالح بذلك ،الصغير إلى الرصيف ..ليحفه ليل مظلم غاضب. سيلتقي بأحباء جدد ،انتهت ساعات العمل ببطء وصوت عصفور ٍ باك.. مم��ل ،أغ�ل��ق ب��اب امل��درس��ة ،وب�ظ�ه��ره املنحني.. لقد رحل العم صالح وفي عينيه بقايا حلم.. شرع يركض إلى منزله ،حامال بني يديه أبناءه .،ترك دم��ا ًء تبعثرت على حليته البيضاء .وأحبة ولكن: يبكون دماً على رحيل عاشقهم. *
قاصة من الجوف.
اجلوبة -صيف 1431هـ 59
قصص قصيرة جدا ً عال حرية كعب ٍ
> حسن علي البطران*
يبتسم ويعبس في وجوه تحوم حوله.
ينتشر ب�ي��ن المدن يسيران معاً جنباً إلى جنب في السوق الكبيرة وال �ق��رى ف�ت��ات الخبز في تلك المدينة.. اليابسة.. كعبها العالي تشتكي منه قطع الرخام، تنقع في الماء صوته يشعره أنها قريبة منه.. وت ��ؤك ��ل ب �ع��د أذان يختفي الصوت فجأة.. الفجر.. يبحث عنها، ت� �ع� �ل ��ن الصحف يتصل بها ..تشغل خطها.. انجازات تلك اإلدارة!. وتشتعل أعصابه ناراً.. زمزم ي �ع��ود إل��ى م�ن��زل��ه يكفكف دم��وع��ه ،تفاجئه (بنهوصة) هو يحبها... ٍ يهديها ورقة حريتها دون تردد!.
براءة حمراء
بكى طفلها ذو الثالث سنوات ،تهادل ثدياها، أمسك أحدهما،
يجري خلفه ،كلما أحس بلهاثه تتسع خطاه.. فجأة يقف ويعطيه قارورة ماء.. يطرد عطشه ويعاود الجري خلفه، يزيد من عدد خطواته خوفاً منه.. يتمنى لو يمتلك بئر زمزم!.
كوته بنظراتها.. أح��دق النظر فيهما وت�ق��اط��رت ال��دم��وع من عينيها،
أكباد طرية
يرمي حمولته على رمال شاطئه، أشعه الشمس الصفراء في رحلة هروبها..
يركض خلفها مسرعاً.. ج�س� ٌد نحي ٌل يتوسد حفنة رم ��ال ،وتالمس ت�ت��ذك��ر لياليها ال �ح �م��راء وطفلها بجوارها رجاله مياه البحر.. يتأملها بابتسامة ،وهي في ذات اللون األحمر!.. طف ٌل يعيد إليه لفافة التبغ التي سرقها منه،
إنجاز
يمأل كرسيه ..يصدر أوامره.. أكاليل الورد تمأل فضاءات مكتبه.. *
60
قاص من السعودية.
اجلوبة -صيف 1431هـ
يبتسم الشيخ الكبير ويرحل الطفل عنه،
ي�ص�ح��و وم �ي��اه ال �ب �ح��ر ت �ق��ذف ال �ط �ف � َل على الشاطئ جث ًة هامدة جوارها لفائف!!..
األرض قد طُ ويت لي يا أمّي ..فصرتُ َ وكأنَّ أقط ُع منها أمياالً بلمح البصر..
> نور اجلندلي*
كلماته جاءت أخيراً مثل الغيث ..نديّة ،محمّلة بخصب الحياة وروحها ..وكم انتعشت!
كنسر حرّ! ٍ حركاته كانت قليلة ،لكأنها ن ��داءات ألسبر وكأنّ كنوز سليمان قد أظهرت نفسها أخيراً ،باطنه بدهاء ،وبين الحركة والحركة خيّم سكو ٌن وكشفت عنها النّقاب فبات بين ي��ديّ الياقوتُ عميق. واللؤلؤ والمرجان! آه ...ما أبهى السكون برفقة حكيم!
ق���������ص���������ص ق������ص������ي������رة
ليل ٌ رب حكيم ة ُق َ
كون غير مرئيّ ،أحلّق فيه وكأنّي مسافرةٌ إلى ٍ ن�ظ��ر إل� ��يّ ..ف �ع��رف اس �م��ي دون أن أنطق! كمخلوق خفيّ ! ٍ حاورني بأغلى ما يملك ،وكم حاولت أن أتسلّق أفت ُح أقفال المغاور البعيدة ،فتنطرح كنوزها آفاقه.. فضياً ،وورد ًة من بين ي��ديّ ..وأختا ُر منها قلماً ّ ضعيف ٌة أنا يا أمّي وهو قويّ .. إليك! نرجس بريّ ..ث َّم أعو ُد ِ ٍ طامع ٌة أنا به ،بك ّل ما لديه ،وهو عظيم جداً.. ِ آه يا أمّي لو تعلمين أين كنتُ الليلة.. لعذرت سخيٌّ سخيّ . اندهاشي ،وفرحتي ،ودموعي.. جلس ج��واري فلم يملّ ،ساهرني ليلة ..ما ِ لو تعلمين م��اذا رأي��تُ !!. لفهمت س ّر البريقِ أروع �ه��ا! وك��م ح��اول��تُ إب�ق��ائ��ي متيقّظة ،ك��ي ال في عينيّ .. يفوتني من معانيه شيء! انظريّ اآلن إليّ وحدّقي ..ستسعدين!.. قُبي َل الفجر ..أرخيتُ رأسي على كتفيه..
أال ترين تحوّلي ،وتغيّر حالي؟ ألم تري شيئاً.. سأخبرك عنه ك ّل شيء! ِ تعالي واقتربي.. غامض ..فهو حكيم. ٍ بصمت ٍ ناداني
الغامض ِ الصامت ،والنداء يجيد لغة الكالم ّ من بعيد..
ومع الصفحة األخيرة منه غفوت.. أحل ُم بمملكتي األسطوريّة ،أحلم بقصر شيّده لي على سطح القمر ..وعرشي اللؤلؤي! ولمّا صحوت ..كان قد غادرني ورحل! لكنه لم يغادر عينيّ ..
ون �ظ��رتُ ف��ي عينيه ف��رأي��تُ ل �غ��زاً ،حلماً لم دثّرني بغطاء حكمته ،وأف��اض عليّ من نور أفهمه ،وم��ا استفهمت! ب��ل سعيتُ ألبحث عن علمه ،ودفق رعايته.. معناه بكدّي ،فأجبته صمتاً في صمت. كان نوراً يتألأل قربي ،نظراته تحوي ك ّل لغات العالم ،ولغاتاً أخرى لم أعهدها من قبل! *
آه يا أمّي لو تعلمين أين كنتُ الليلة؟!
لقد كنت قرب كتابي ..كنتُ قُربَ حكيم!
قاصة من سوريا.
اجلوبة -صيف 1431هـ 61
قصة لألطفال
دجاجة هاشم
> إبراهيم شيخ مغفوري*
في قريتنا المنافسة في كل شيء ،عادة مكتسبة عند أهل القرية؛ إذا اشترى أحدهم شيئا تنافس الباقون في اقتناء ذلك الشيء مهما كان ثمنه! ذات مرة ،انتشرت ظاهرة تربية الدجاج ،سارع اآلباء في اقتنائه نزوال عند رغبة األبناء .طلبت من أبي دجاجة مثل باقي األوالد ،لكني رجوته أن تكون دجاجة مميزة ،تختلف عن باقي الدجاج .لبى والدي طلبي ،فقصد سوقا شعبية في مدينة تبعد عن قريتنا نحو ثالثين كيلوا مترا ،وصل إليها بعد عناء ومشقة ،بحث عن دجاجة مميزة ،وجد طائرا كبير الحجم له ساقان طويالن ورقبة طويلة يشبه الدجاجة تماما. ق��ال في نفسه :ه��ذه الدجاجة المختلفة عن األوالد ف��ي ال �ش��وارع ،ركبت على ظهرها ،كانت تمشي بي ،وكأنني على ظهر جمل. دجاجات أوالد القرية التي طلبها ابني هاشم. أخذت األطفال الغيرة من دجاجتي ،فأرادوا أن يقتنوا مثلها ولو بأغلى األسعار ،طافوا أكثر األسواق الشعبية المنتشرة في منطقتنا ،ولم يحصلوا على مثلها .وف��ي ي��وم من األي��ام مر رج��ل بقريتنا معه دجاجة كبيرة مثل دجاجتي ،وكاد الناس أن يقتتلوا عليها ،حتى أوصلوا سعرها أضعاف ما شريت به دجاجتي ،لكن صاحبها رفض بيعها.
استحى أبي أن يسأل عن نوع ذلك الطائر ،كي ال يقال عنه بدوي ال فهم لديه،فاعتمد على ما ق��رره فكره أنها دجاجة كبيرة مميزة عن باقي الدجاج وحسب .اشتراها أبي بالسعر الذي طلبه صاحبها ،وكانت مربوطة بحبل في رقبتها ،قادها أبي منه..فانقادت له ،أش��ار بيده إلى ظهرها، بركت كأنها تطلب منه أن يعتلي ظهرها ،ركب وضعت دجاجتي ث�لاث بيضات كبيرة الحجم، عليها ،انطلقت ب��ه ف��ي الطريق ال��ذي يوجهها فقست البيضات ثالثة طيور كبيرة الحجم تشبه ل��ه ،تمسك ك��ي ال يقع ع��ن ظهرها ،تعجب من أمها ،رأى أطفال القرية فِ ��راخ دجاجتي ،تجددت دجاجتي ،فهو ل��م ي��ر ف��ي حياته دج��اج��ة يركب رغبتهم في اقتناء مثلها ،لكن أبي رفض بيعهم منها. اإلنسان على ظهرها. سمع أهل القرى والمدن من حولنا بدجاجنا وص��ل إل��ى ال�ق��ري��ة ..وتعجب أه��ل القرية من الكبير الحجم ،ف�ت��واف��دوا لرؤيتها ،ضحك أحد دجاجتي التي اشتراها لي أبي ،ولما رأيتها خفت الزوار منا ونحن نتحدث عن دجاجنا ،فسألناه عن منها..اقتربت منها بعد أن طمأنني أب��ي ،ركبتها سبب ضحكه فقال: ألول م��رة ،وك��ان أبي بجانبي حتى تعودت عليها، هذا الطائر الكبير الذي يشبه الدجاجة يقال أخ ��ذت خطامها ،طفت بها ف��ي ال�ق��ري��ة ،تبعني له نعامة. *
62
قاص من السعودية.
اجلوبة -صيف 1431هـ
> سلطان السبهان*
قلب كقلب الطيرِ .. ٌ غاد َر مرفأَ ْه بادٍ عليهِ حنينُهُ لو خ َّبأَهْ!!
بأس … ال َ لكنْ من يعيدُ قصائد ًا فت على أجفانِ نا.. ذُ رِ ْ متأللئة..؟
شهران يقرأ ما تيس َر ِ من عَ نا.. المواج ِع أخطأ ْه ِ ال سَ هْ َم في جَ ي ِْب
بأول ِض ْحكةٍ مَ نْ ليْ ِ قد أيقظَ ْت حمائم ٍ خمس َ في الصدرِ متوضئهْ..؟
الرسائل يو َم أن حلَّ الشتا ِ كل ألقيتِ ها بقساوٍ ةٍ للمدفأةْ!! كنت غي َر روايةٍ أرجَ عْ تِ ها ما ُ للرف.. ِّ أل الر َئ ْة بعد تنهُّ ٍد م َ باسم ًا ودخلت في البروازِ وجه ًا ِ ِ نحوي نَظر ًة مستهزئ ْة ْ ترميْنَ الليل.. ِ تمحو بقايا قرطاسها ِ من خَ جَ الً.. وتنفُ ُث ُحلْمَ ها متبرّئ ْة ال تعجبي.. سقط ُت قصيدةً.. ْ إما فاليأس ينخرُ تحتَ شَ وْقيْ المنسأ ْة ُ عجب ًا … الشك يمطرُ ِّ سحاب ُ في دَميْ أوقدت ُحلْم ًا أطفأهْ!! ُ أ َو كلما *
ش������������������������������������ع������������������������������������ر
قلب كقلب الطيرِ.. ٌ
مَ نْ ليْ بطاوُ وسَ ي ِْن قد نهضا معاً.. ْري من نَظرةٍ ربَطَ ْت مَ صي ْ بامرأةْ..؟ طَ يْرٌ أنا.. جناحهِ ِ والجرحُ تحتَ من يُ قنِ عُ األشعا َر أ َّال َتنْكأَهْ؟! وغرقت في األشجارِ ُ أقر ُأ عمرَنا غصن مُ لتَوٍ ٌ والحب ُّ لن نقرأَ ْه حاولت فه َم البردِ فيْ ُ الضحى دفءِ ُّ فوجدت أنَّ القلبَ ُ غا َد َر مرفأَ ْه انتهت ْ إن كانَ ظنُّ ِك أن دُ نيانا فألنت يا دُ نيايَ … ِ خطئةْ].. [..أصدَقُ مُ ِ
شاعر من السعودية.
اجلوبة -صيف 1431هـ 63
متارين الوحش > أحمد املال*
لم أعد متيقن ًا مما رأيت،
يمكث فيَّ النها ُر ُ
شككت طوي ًال في براعةِ النوم، ُ
ويترقّ ُب نزول العتمة.
شككت في الليل، ُ
أستيقظ كلَّ ليلةٍ ُ
بيدين عاريتين ِ أنهرُ الحل َم
رابض يتأهب ٍ على زئيرٍ
ملطخ ٌ فزعي
أستيقظ ُ
لزج وحار. بدمٍ ٍ
تقدحان شهو ًة حمراء. ِ عينين ِ على
الناس َ اعتزلت ُ
لم أكن متيقن ًا مما أريد
ولزمت الجبلَ العالي. ُ
حاولت مرار ًا ُ
شققت الصد َر ُ هناك
يألف ويأنس. ريثما ُ
هناك في البرّيةِ
سلكت طرق ًا ليليةً ،طويلةً ومعزولةً ُ
اندفعت مخالبُهُ بصرخةٍ ضاريةٍ ْ
رفعت صوتَ غناءٍ صاخب ُ
ومن حجرٍ إلى حجرٍ وثبَ
ِّض عوا َء ُه ليرو َ
بخفةِ الوعل
رمل أجري في ٍ
وتربّص النمر.
وأشق الجيبَ علّه يبترد. ُّ
دت ظه َر ُه مس ُ َّ فانقدحت شرار ُة المكرِ في فرائهِ ْ
باألثقال ِ أعس ُف شكيمتَهُ ِ
تقوّسَ ْت براثنهُ ،
والجوع.
ّقت أنيابُهُ المصقولةِ ، وتفت ْ
أطوي ثيابي ،ليتم ّر َغ الهجينُ في عُ ريِ ه.
ومن القمرِ ارتف َع بصرُ ُه
�����واك ���وص أق����دامُ ����ه ب��ي��ن األش ِ ح��اف��ي��ةً ت���غ ُ
ثاقب ًا الليل.
واألحجار تتفطرُ األظافرُ
البيت ِ عدت إلى ُ
64
اجلوبة -صيف 1431هـ
يوقظ غريز َة النَّدم. ُ ربما الحافرُ
ش������������������������������������ع������������������������������������ر
كلَّ ليلةٍ أحملُه قبلَ أن ينفلتَ وأُطلقُ عواءَه في الخالء. الوحش في صدري ُ يتفتَّحُ كطفل مدل ٍَّل أصابَه الربو ٍ واختنقَ غافلت الجيران ُ داريت األهلَ ، ُ وكلما اشتدَّ تْ أزمتُ هُ أطلقتُ هُ في البريَّة ينهش في الليل ُ حتى يكتن َز القمر متورِّم ًا وأزرق. القنص ِ في الفجرِ يعودُ من مبتهج ًا والدَّ مُ ي َُشرُّ من ثناياه ويلوذُ بقفصي، نفخات الفولتارين ِ أَمضغُ ليدخلَ في خَ دَرٍ الكواس َر الضحى يسقط في نومِ ُّ ُ وفي الحذرِ أتنفس. كلَّ نهارٍ أصحو األعين ،أ ُِعدُّ اإلفطا َر من ِ أكشط الدّ َم قبلَ بزوغِ ُ راشهِ ،أغتسلُ .. المنهك من فِ ِ َ أسحب جسديَ ُ وبخفَّ ةٍ لحم ،أترفقُ بالقهوةِ ..أسمرِ الخبزِ ..أضعُ العسلَ في زجاجةٍ ،وأزيِّنُ ِمزهريةً بيضا َء بابتسامةٍ ٍ غيرِ بال أنياب. الليل الحرِّيفةِ من هوائهِ ،أتسللُ بطمأنينةِ الغدر ،أُحصي ِ البيت ،وتنطفئُ رائحةُ ُ بعد أن يطمئنّ وأشمُّ فرائس البارحةِ ،وأَدف��نُ ُجثث ًا ممزّقةً ،أُواسي المصابينَ وأعالجُ الجرحى ،وأُحصي الطرائدَُ ، َ صيدها المعتادِ قبلَ جهامةِ الليل. ِ مكانَ *
شاعر من السعودية.
اجلوبة -صيف 1431هـ 65
مبقدار ِ الهوى يتحر َّ ُ ك الفضاء > عبدالله علي األقزم*
الحب ِّ هذا فضاءُ
حيط ِك وعلى مُ ِ
يسكنُ أضلعي
كلُّ أجزائي بهِ
مُ دُ ن ًا
هلْ تـُبـتـ َلى
تـُزاولُ ُحرف َة األشواق ِ
وشقاق ِ بـتـشـتـ ُِّت ِ
وعلى تفاصيل ِ الجَ مَ ال ِ
بطيف ِك ِ وأنا
نسجت ِمنْ ُ
قلبت المستحيلَ ُ قدْ
عينيك ِ
كواكب ًا
سيلَ العاشق ِ الخالق ِ
بدم ِ األذان ِ وبهجةِ المُ شتاق ِ
فيك وحملت ِ ُ
66
األرض َ
هذا جميعُ ِك
طينة َ آدم ٍ
ذائب في جميعي ٌ
فتلوتـُهـا عطر ًا
فسكبت فيهِ ُ
وترجمة ً لخير ِ وفاق ِ
حرائقَ العُ شـَّاق ِ
اجلوبة -صيف 1431هـ
ـصت كل َِّك لخـَّ ُ
وتـصوُّ في
في ضلوعي كلِّـهـا
حاالت الهوى ِ بجميع ِ
أسطورة ٌ
صمت ٌ
بفواصلي وسياقي
يضجُّ برحلةِ استنطاق ِ
والواقفونَ
وأنت وأنا ِ
ِّـك أما َم ظل ِ
جزيرتان ِ بنقطةٍ
تنس ٌـك عالِ مٌ مُ ِّ
سطعت ْ
صدا ُه فـي ِـك
برائعةٍ ِمنَ األخالق ِ
ش������������������������������������ع������������������������������������ر
وأنا هنا
حدائقي ورفاقي ما أجملَ األحضان ِ ُّص كيف التخل ُ َ
في لغةِ الشذا
ِمنْ تفاصيل ِ الهوى
وتشاب ُِك األعماق ِ باألعماق ِ
وخريطة ُ النبضات ِ قدْ خ ُـتـِمَ ْت بدون ِ تالق ِ
ما أرو َع النهريْن ِ توحـدا حينَ َّ
أينَ اللِّـقـاءُ
في ثغرِ وردٍ ساحر ٍ
إذا طريقـ ُِك في دمي
رقراق ِ
لمْ يختم ْر بـتـودُّ دي وعناقي ِ
الحب ُّ هذا فضاءُ أصبحَ ها هنا
كيف الفراقُ َ
رئة ً
وظل ُِّك العطشانُ
ألسطر ِ هذهِ األوراق ِ
مربوط بنار ِ فـراقي ٌ *
شاعر من السعودية.
اجلوبة -صيف 1431هـ 67
ن َ ْب ُ ش الر ُّ َفات
> صالح الدين الغزال*
���ب بِ ��ل��اَ قَ��� َل ِ���م إس ِ���م���ـ���ي عَ ���لَ���ى ال���قَ��� ْب���ـ���رِ فَ���لْ���تَ���كْ ���تُ ْ ْ َ���م���ي ���ت إِ لَ������ى أَل ِ ْ���ص ْ ال تُ���ن ِ ُ�����ش ُرفَ����اتِ ����ـ����ي َو َ وَانْ�����ب ْ ����ب ���س ِ���م���ـ���ي بِ ���ل���اَ سَ ���� َب ٍ قَ�������دْ مَ �����زَّ قُ �����ـ�����وا إِ َرب������ـ������ ًا ِج ْ َاس�����تَ����� ْولَ�����وْا عَ ��� َل���ى ُحل ُِمي َوأَ ْوقَ������������دُ وا ال��� َّن���ـ���ا َر و ْ �����ح�����ـ�����زْنُ فِ �����ي قَ���لْ���بِ ���ـ���ي ُأكَ������ابِ ������دُ ُه ������ت وَال ُ َص������ر َْخ ُ َ���ص ِ���م هَ ������لْ فِ �����ي مَ �������دَى أُفُ ِ����ق����ـ����ي ِص��� ْن���ـ���وٌ لِ ���مُ ���عْ ���ت ِ ���ل��ا هَ ������د ٍَف ����ت هَ ���������دْ ر ًا بِ َ ����ض ْ ������ش������رُ ونَ عَ ����ام���� ًا مَ َ عُ ْ َ�������م ������ح������ي دُ ونَ�����مَ �����ـ�����ا دِ ي ِ أَرْثِ ������ـ������ي لِ ����ح����ـَ����الِ ����ي وَرِ ي ِ َ���ف ال سَ ���ق ٌ َ���اج���ي��� َه���ـ���ا َو َ ���ح���تِ ���ـ���ي ُأن ِ ْض َت ْ ال أَر َ َ ����س����مَ ����اءِ ِس�������وَى مَ ������نْ َص�����������ا َدرُوا كَلِ ِمي ِم������نَ ال َّ ����ج����ـ����وعِ وَاأل َْس�����مَ �����ـ�����الُ بَ���الِ ���يَ���ةٌ ������ن ال ُ َ���ح���كِ ���ي عَ ِ ي ْ َ���م ���س���ق ِ أَ ْزرَى بِ ������هِ ال����قَ����هْ ����رُ مَ ���نْ���هُ ���وك���ـ��� ًا ِم������نَ ال َّ لَ������مْ يَ���عْ ���لَ���مُ ���ـ���وا أَنَّ����نِ ����ـ����ي قَ������دْ سَ ���اقَ���نِ ���ـ���ي َق����ـ���� َد ٌر َ���ت ِع����نْ���� َد ال���لِ ��� َق���ـ���اءِ د َِم����ي َ���ح���ـ��� َو الَّ����تِ ����ي سَ ���فَ���ك ْ ن ْ اش����تَ����مَّ ���� َه����ـ����ا أَحَ ����ـ����دٌ ظَ ���نَ���نْ���تُ ��� َه���ـ���ا زَهْ �������ـ������� َر ًة مَ ������ا ْ �����ض ال َغن َِم �����س إِ ْذ دُ ْس���تُ ��� َه���ـ���ا فِ ����ي مَ ����� ْر َب ِ بِ �����األَمْ ِ ���ط���ى مَ فَاتِ َنهَـا ���ش���ـ���و ِْك قَ�����دْ غَ َّ ْ����ت بِ ���ال َّ ����وج����ئ ُ فُ ِ ������ت قَ���د َِم���ـ���ي كَ����أَنَّ���� َه����ـ����ا قُ ����نْ����فُ ����ـ����ذٌ َق����ـ����دْ أَفْ ������زَعَ ������ـ ْ �����ج�����ـ����� ْر َح َت����نْ���� َك����ـ����ؤُ ُه َ���س���ي���تُ ��� َه���ـ���ا غَ ���� ْي����ـ���� َر أَنَّ ال ُ ن ِ ���وب إِ ذَا مَ �����ا اقْ ����تَ����ادَهَ ����ـ����ا َن����د َِم����ي رِ ي�������حُ ال���جَ ��� ُن���ـ ِ َاب بِ هَا ����ك قَ������دْ عَ ����ـ����اثَ ال����غُ ����ـ����ر ُ ُج�����������دْ رَانُ قَ����لْ����بِ ِ ْ����ف وَال���تُّ ���ه َِ���م َ���ح��� َو ال����زَّ ي ِ ْ���ظ ن ْ َاس���تَ���اقَ��� َه���ـ���ا ال���قَ���ي ُ و ْ َ����ح����ـ���� َذ ْر بَ����وَائِ ���� َق����ـ����هُ ������اس فَ����لْ����ت ْ �����ع�����ـ�����رْقُ د ََّس������ـ ُ ال ِ ����م ال يَ���� ْر ُن����ـ����و إِ لَ�������ى ال����رِّمَ ِ ْ����ث إِ نْ جَ �������ا َع َ وَال����لَ����ي ُ *
68
شاعر من ليبيا.
اجلوبة -صيف 1431هـ
محمد عبدالعزيز العتيق* > ّ
هُ ��������� َو ض���ائ���ـ���ـ���ـ���ـ���ـ���ـ���ـ���ق ،ف�����ي�����هِ ع������ي������ونٌ غ����ارق����ـ���� ْة ف���ي���ه���ا زم����ـ����ـ����ـ����ـ����انٌ ..ص����ـ����ـ����ا َح ِم�����مّ �����ا ف���ار َق���ـ���ـ���ـ��� ْه أض�����ف�����ى ع����ل����ي����ه ال������ح������زن ك�����س�����وة م������وتِ ������هِ ، ف����ت����ق����دّ م ال���ض���ي���ق ال�����ش�����دي�����دَ / ..وع����ان���� َق����ـ���� ْه ������رج������ع م���ث���خ���نً���ا.. �������م ،ي ِ ي�����غ�����دو خ�����ل�����يّ ال�������ه ِ ّ ����وت ف����ي أع���ط���افِ ���ـ���ـ���ـ���ـ���ـ���ـ���ه ق����د ض���اي��� َق���ـ���هْ! ب����ال����م ِ ل�������و ك�����������انَ ي������ق������در أن ي��������ف��������ارِ ق ن����ف����س����ـ����هُ ، ���س���م���ت ..ف���ي���هِ ال��ح��ي��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ا ُة اآلب���� َق����ـ����ةْ، ل���ت���ب ّ خ���������ارَت ق���������وا ُه َو را َح ي��س��ت��س��ق��ي األسَ �����ـ�����ى، ��راب ع���ال��� َق���ـ���ه.. ي����ا وي������ل رُوح ،ف����ي س��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ ٍ م������ن وج����������ده م������ا عَ ������ـ������اد ي�����ع�����رف ص���ح��� َب���ـ���هُ ف������إذا ال����ه����مُ ����ومُ أت�����ت إل��ي��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��هِ مُ صاد َق ــة! ي������ج������رِ ي إل�����ي�����ه ال���������ح���������زنُ ..ي����ب����غ����ي ن���ي���ل���ه، ������روب؟ َو ذي ال���م���آس���ي س���اب��� َق���ـ���هْ! ُ أي������ن ال������ه ش�����لّ�����ت ب������ه األح�������ل�������امُ ،م�����ا َت�����ـ�����ت غ�����ف����� َل�����ةً .. ����ل ص���ادِ َق���ـ���ـ���ـ���ـ���ـ���ـ���ـ���هْ! ���ش���م���ـ���ت آم��������ال ط����ف ٍ ف���ت���ه ّ ـاه ـ ـ ـ ـ ٌـج، ي�����ا وي�������لَ�������هُ ..ت�����أتِ �����ي إل����ي����ه مب ِ ���������دي ال����م����آتِ ����ـ����م ..ح���ان��� َق���ـ���ـ���ـ���ةْ! �����ردّهَ �����ـ�����ا أي ِ فَ�����ت ُ �����م ق�����د ُش�����وهَ �����ـ�����ت.. ف�����ي ف����ي����هِ ض����ح����ك����ةُ ه�����ائ ٍ ف���ت���س���ـ���ـ��� ّر َب���ت م���ن���ه ال���ح���ك���اي���ـ���ـ���ا مـارِ َقـ ـ ـ ـةْ! ي������ت������ط������اولُ األف������������������رَا َح ي����ب����ك����ي دُ ون������ َه������ـ������ا.. م����ن ق��ب��ل�� َه��ـ��ا أع����م����اقُ تِ ���ي���ـ���ـ���ـ���هٍ ..عائِ قـ ـ ـ ـةْ! �������وت ال ت�����ط�����ي�����قُ س�����م�����اعَ �����ـ�����هُ ! غ������نّ������ى ب�������ص ٍ ����������زن ..،واألغ����ان����ـ����ي ال����وام����قَ����ةْ، م����ن ف�����رط ح ٍ ����م����ه.. ����ت روايَ�������������ةُ ُح����ل ِ ف�����ي ح����ل ِ����ق����ه اح����ت����ب����سَ ْ ����د / ،األم����انِ ����ي الخانِ قَـةْ! ي���ا ق����س���� َو َة ال����وج ِ ي������ا ل�����ه�����ف�����هُ ،وال�����ض�����ي�����قُ أذ َب��������ـ��������لَ ع�����ي�����نَ�����هُ .. ق�����لْ ل����ي ب����ربّ����ك م����ن ت��������رى ..ق�����دْ ض���اي��� َق���ـ���هْ؟ *
ش������������������������������������ع������������������������������������ر
ه َو ضائق!.. ُ
شاعر من السعودية.
اجلوبة -صيف 1431هـ 69
وداع > ثاني احلميد*
حين يبكي القلب ال تجف الدموع .مشاعر نبثها بعد ف��راق الصديق أبو عبدالله فهد الزايد وزوجته رحمهما الله إثر حادث مروري. ن�����س�����ت�����ودع ال������ل������ه ِخ�������ًّل�������ًّاً ل�������م ن���ودع���ـ���ـ���ـ���ـ���ـ���ـ���ـ���ـ���ـ���ـ���ـ���ـ���ـ���ه ق��������د ف�����ج�����ر ال��������ح��������زن ف��������ي األع���������م���������اق م����ص����رع����ه م��������ا ص�������������دَّ ق ال������خ������اط������ر ال�������م�������وت�������ور م��������ن خ����ب����رٍ ب����ـ����ـ����ل ص����ـ����ـ����ـ����ار ي���ك���ت���م���ه ط�����ـ�����ـ�����ورا ويمنع ـ ـ ـ ــه ق��������د ك�����������ان ح������ق������ا أخ�����������ا ص����������������دْ ٍق وم����ك����رم����ـ����ـ����ـ����ةٍ ون����ائ����ـ����ـ����ـ����ـ����ل ف������ي س���ـ���ـ���ـ���ـ���ب���ي���ل ال�����ل�����ه يصنعـ ـ ـ ــه وك���������������ان ف������������ي م�����ح�����ف�����ل األح������������ب������������اب أغ�����ن�����ي�����ةً ف���ي���ه���ا ال�����ع�����ف�����اف وف����ي����ه����ا ال����ط����ه����ر أجمعـ ـ ـ ــه ال�������ص�������ـ�������ـ�������دق دي����������دن����������ه وال��������ط��������ي��������ب م����ع����دن����ـ����ه وال����ح����ـ����ـ����ـ����ق م�����وئ�����ل�����ه وال�����دي�����ـ�����ـ�����ن مرجعـ ـ ـ ــه دار ال�����������غ�����������رور ف�������م�������ا ت�����ب�����ق�����ي�����ن م������ـ������ـ������ن ف�������رح ويتبع ـ ـ ـ ـ ـ ــه ح����ـ����ـ����ـ����ـ����زن وي���ع���ق���ب���ـ���ـ���ـ���ـ���ه إال رف�������ي�������ق�������ة ال�������ع�������م�������ر م����������ا ض�������اق�������ـ�������ت ب����������ه ف�����رق�����ا ب�������ل ك���������ان إي���م���ان���ه���ـ���ـ���ـ���ـ���ـ���ـ���ـ���ـ���ـ���ا ب�����ال�����ل�����ه ي���دف���ع���ـ���ـ���ـ���ه ل������ط������ال������م������ا ك��������������ان ي������ح������ك������ي ح������ب������ه������ا ع�����ب�����ق����� ًا ف�����ن�����ح�����س�����ب ال���������ك���������ون ي�����ص�����غ�����ي ح������ي������ن ن���س���م���ع���ه اس������ت������غ������ف������ر ال��������ل��������ه ع�������م�������ا ك�������������ان م����������ن زل����������زل م��������ا ك�����ن�����ت إال ب���ح���س���ـ���ـ���ـ���ـ���ـ���ـ���ن ال�������ظ�������ن أش����ف����ع����ه *
70
شاعر من السعودية.
اجلوبة -صيف 1431هـ
السورَجة املكان الشاهد على حت ّوالت ُّ
> ظافر اجلبيري*
تعد الرواية األولى لألستاذ إبراهيم مضواح الموسومة بـ(جَ بَل حالية)، منجز ًا سردي ًا وضع فيه الكاتب أولى لبناته اإلبداعية السردية في الرواية، بعد ع��دد م��ن المجموعات القصصية وال��ك��ت��ب األدب��ي��ة والمساهمات األخرى .وهي الرواية التي فازت بالمركز الثاني لجائزة الشارقة في العام المنصرم. هذه التجربة بحاجة إلى قراءات عدة تتناول البناء، والشخصية الساردة والذات الكاتبة والعالقة بينهما، والحوار داخل العمل ،ومدى تمثيله للمستوى التعليمي للشخوص ..وغير ذلك من جوانب العمل ومكوناته. مضواح في هذا العمل جعل من المكان إطاراً بارزاً لعمله ،ونجح في ربط الشخصيات ومصائرها به ،وقد استطاع المؤلف الربط بين الشخوص في مولدها، وسيرة حياتها ،وعذاباتها ..وبين المكان (جبل حالية)، الذي بدا مكاناً للموت لجميع من رحلوا.وآخرهم البطل عمر السورجي الذي كان (يسرد) أو (يقص) حكايته من الجبل – المقبرة ،-المكانِ الذي تحاشى الكاتب نعته بـ(مقبرة) ..ربما للتأكيد على الحياة في هذا المكان، وعلى تواصل األجيال عبر حركة األحداث.
ن�������������������������������������ق�������������������������������������د
«جبل حالية»:
للمكان ق��وة تأثيرية وس�ط��وة على الشخصيات، فثقافة المكان تعيب بكاء ال��رج��ل ،وترفض الحب.. وإن ك��ان صافياً نقياً( .جمال) المثقف الضد يغادر السورجة والمدينة القريبة إلى مدينة أكبر وأبعد ،ولم يعد حتى في حاالت العزاء ..وهي من أكثر ما يربط أهالي السورجة ببلدتهم كما رأينا في عدة عزاءات.. لم تشف الرواية غليلنا ،ولم تشبع نهمنا في البحث عن التحوالت التي رافقت انتقال المجتمع من رعوي زراع��ي ..إلى مجتمع يبيع أف��رادُه األرض لتُُبنى عليها البيوت المسلحة .وف��ي المقابل ..نجح الكاتب في وضعنا داخل الكثير من التحوالت القادمة من المدينة إلى عالم القرية ،فنرى المدينة القريبة من السورجة - ربما تكون أبها -تدك بمعهدها وجامعتها المتش ِّد َديْن سكو َن جبل حالية ،وتحيالن التسامح غلواً ،والبساطة انغماساً في المظاهر ،بانت في آخر المطاف مكاسب يجنيها (نافع) مع المتنفّذ في القرية ،ولخص ذلك ب��ال�ق��ول« :دخ��ل الطريق المعبّد إل��ى ال�ق��ري��ة ،وكانت األف��راح البريئة أول ما خرج مغادراً القرية عبر ذات الطريق!».
بعد خمسين ع��ام�اً «ت ��ذوق عمر ال�س��ورج��ي طعم ال ع��ن ح��ال أولئك ال �ه��دوء»« ..غ��ادر ال�ح�ي��اة» متسائ ً الذين خلّفهم وراءه ،وخصوصاً أسرته التي زا َدهُ قلقه عليها تشاؤماً وبؤساً ..فقط يحكي من قبره ..متمنياً أن يأتيه أحد بوسادته الرماديّة ..يستعيد كثيراً من تفاصيل حياته عبر ما يعرف بالفالش باك ،وهنا ينوع ولو تأملنا شخصيات العمل لوجدناها بال مالمح الكاتب بذكاء ،سرد التفاصيل بزمن استعادي حيناً، ودائ��ريّ حيناً آخ��ر ..وتصاعدي في مواضع عدة من خارجية ،وكأني بالكاتب انشغل بالمكان وتحوالته،فال نجد وصفاً برانياً يساعد في رسم مالمح البطل أو فصول الرواية.
اجلوبة -صيف 1431هـ 71
ال�ح�ب�ي�ب��ة أو نافع •تكرار «ق��ال» دون إيجاد البديل من المرادفات أو الصياغات األنسب ص .70 أو غ� �ي ��ره ��م ،أما ال��وص��ف الجواني •فجائية وصول خبر انتحار آسية إلى «أبي جمال» ل� � �ش� � �خ� � �ص� � �ي � ��ات و«عمر» البطل ص .39 ال � � �ع � � �م� � ��ل ..فهو •وقوع الكاتب في مباشرة توحي بمحاولة وضع كلمة قليل إال م��ا يظهر عن المخدرات بهدف اإلصالح ،لكن ذلك قاده إلى م ��ن ت� �ش ��اؤم عمر وتطويل أضعف العمل ص.56 ٍ توسيع وت��س��ل��ي��م زوج� �ت ��ه •حشر الكثير من األحداث التاريخية وأسماء الحروب ورض��اه��ا بالواقع، في بالد العرب والعالم ..دون أن يكون لها دور في واس � �ت � �س�ل��ام � �ه� ��ا سير األحداث .فهل يع ُّد ك ُّل مَن يقرأ معلومات عن ل � �ل ��أق� � � ��دار .أم� ��ا حرب ما ..دامت ( )130عاماً معاصراً لها؟! م� ��راح� ��ل ت� �ح ��والت شخصية جمال ورصد انفعاالته ،فقد غاب عنها رسم •البطل ذو حس مرهف ،وتوق لصالح العالم ،لكن ال�ت��أل��م لمثل ه��ذه النكبات وال��ح��روب ..ال يكفي شخصيته في أبعادها النفسية أو الفكرية؛ وبخاصة ال لتكوين موقف فكري أو وطني أو ديني منها فض ً أنه يمثل في شخصيته الثقافة الضد إن صح التعبير، ع��ن إدم ��اج ذل��ك ،أو بعض منه ف��ي نسيج العمل أو الوعي المضاد للتفكير السائد القائم على رفض الروائي انظر .76 ثقافة التشدد القادمة من المعهد والجامعة ،اللذين اكتسحا السُّ ورجة بالوصاية على العالقات بين الناس •إن التعريج على احتمال رحيل أو انقضاء الجنس البشري وانهيار الحضارة اإلنسانية ص .91وما وتجريم الفرح و.. سيتبع ذل��ك يبدو معقوالً في الصفحات األخيرة الرواية متماسكة ،وقد استطاع الكاتب إنجاز عمله بالنظر إلى تشاؤم عمر ،حتى وإن تقاطع هذا مع من سرد تحوالت المكان ،وبث الكثير من الرؤى واآلراء أح��داث فيلم سينمائي يطرح «ح��ال األرض بعد في الحب ،التضحية ،والتحوالت الثقافية (دينية كانت رحيل أخر كائن بشري عنها» ص.95 أو اقتصادية أو اجتماعية ،)..ومع هذا حافظ الكاتب
على توتر األح��داث وأخْ ��ذِ بعضها بزمام بعض ..عمر •أخ� �ي ��راً ،ي�ح�س��ب ل �ل��رواي��ة تعليق ال �ق��ارئ وتعلّقه ب��اح �ت �م��االت أول ال �ن��ص :ع��ن م ��وت ال�ب�ط��ل عمر وأزم��ات��ه منذ ال��والدة ،فقْده األم ،بُعده عن السورجة السورجي ،والحديث عن نزع أجهزة العناية الفائقة وع��ن الحبيبة «آس�ي��ة» ،ثم فقدها باالنتحار ،وزواجه ال �ت��ي ك��ان��ت تبقيه ح �ي �اً إل��ى أن ن�ت��أك��د م��ن موته شبه القشري ،والقلق على األوالد م��ن المستقبل.. ودفنه ،ليواصل من قبره استعادة تفاصيل حياته حالته الصحية وقلقه من الموت ..بل انتظاره وتوقعه الماضية! واستبطاؤه أحياناً. إن الغبطة األخ��وي��ة للكاتب ،واستبشارنا ببزوغ •ال�ن�ه��اي��ة ..ح��اول ال�ك��ات��ب فيها لملمة التفاصيل، وتجميع خ�ي��وط األح� ��داث ال�ت��ي آل��ت إل�ي�ه��ا أبرز باكورة أعماله السردية الطويلة ،لن تحول دون إبداء الشخصيات ،وتنطوي على توزيع األقدار ومحاولة بعض المالحظات ،وهي أمور سيبدو العمل أجمل لو ت�ب��ري��ر مصير شخصيات ال�ع�م��ل ،والتعليق على أُخذت في الحسبان ومنها: مصائرها. *
72
كاتب من السعودية.
اجلوبة -صيف 1431هـ
ن�������������������������������������ق�������������������������������������د
الروائية البحرينية فوزية رشيد والبنية األسطورية
> أ .د .صبري مسلم*
إذا كانت الحكايات عامة موصولة باألسطورة .أو لنقل إن الحكاية هي الوريثة لكثير من عناصر األسطورة و(موتيفاتها) ..فإن انتقاء شهرزاد اسم ًا لبطلة رواية القلق السري للروائية البحرينية فوزية رشيد ،يحمل في غضونه طموح النص ،كي يرقى إلى مصاف النص التراثي الخصب أللف ليلة وليلة ..وسواها من النصوص التراثية التي نفذت إلينا عبر جدار السنين الصفيق ،وما زلنا نحتفي بها ،ونستعيد أجواءها ،ونؤول نصوصها، وبما يصل حد الحدس بما يدور بيننا ويحصل لنا في هذا العصر. تصف الرواية الشيخ مبروك – وهو جد شهرزاد من أمها – بأنه (يجلس كساحر أسطوري يقبض على الزمن والبشر ،ليحكي حكايات شيقة عن األم�ي��رات والسالطين وال �ف��رس��ان ال��داخ�ل�ي��ن ف��ي غ �ب��ار التاريخ، وم��ن ه��ذه ال�ح�ك��اي��ات ال�غ��ام�ض��ة العجيبة جاء اقتراح اسمها قبل أن تولد) ،ما يوثق ه��اج��س ه��ذه ال��رواي��ة وط�م��وح�ه��ا وطبيعة نسيجها ال �م��وص��ول ب��أص��داء األسطورة ورجعها البعيد .ويؤكد ذلك وال��د شهرزاد ال��ذي يخاطب زوج��ه (األساطير وحكايات الجن وكتب التاريخ ،لقد جنى أبوك عليها يا عائشة ،دوخها وه��ي بعد صغيرة ..لن تصلح حال هذه البنت أبدا).
ولم تشأ فوزية رشيد أن تعيد إلينا مالمح شهرزاد األصل من خالل روايتها هذه ،بل إن طموحها يتجلى في إع��ادة تشكيل هذه الشخصية (شهرزاد) ،كي تحمل نكهة زمان الرواية ..بل ومكانها أيضا ،وعبر التفاصيل الواقعية النابعة م��ن ه��ذا ال�ع�ص��ر ..ومن البيئة االجتماعية التي تعيشها الروائية ذات�ه��ا .وألن مرجعية ه��ذا النص الروائي متنوعة الرؤى ،وال سيما المرجعية الثقافية الفكرية ،والمرجعية الحكائية ذات الطابع األس��ط��وري؛ ف��إن ش �ه��رزاد ال�ق�ل��ق السري تناقش موقف ش�ه��رزاد الليالي ..وتسلط عليه أض��واء جديدة ،وم��ن منطلق معاصر ورؤي���ة م�س�ت�ج��دة .ت �ح��اور ش �ه��رزاد (بطلة
اجلوبة -صيف 1431هـ 73
ال��رواي��ة) جدها الشيخ مبروك بقولها «شهرزاد التي أسميتني على اسمها تغلبت على روح الجالد في شهريار بالتحايل وفن الحكايات ،ألن حياتها كانت مرهونة بقرار منه ،بالنسبة لي ..ال أريد أن أرتهن ألي أحد ك��ان ،ال أري��د أن أخ��اف وأتحايل ألع�ي��ش» م��ا يعني وع��ي النص بهذه الشخصية إن النسيج األسطوري الذي انتظم رواية القلق وقصدية انتقائه لها اسماً لبطلة الرواية. السري للروائية فوزية رشيد ،يبدو المدخل األمثل وي�م�ض��ي ال �ن��ص ف��ي ال ��دائ ��رة ال �م �س �ح��ورة – للنفاذ إلى عالم هذه الرواية التي هي رواية أفكار عنوان أحد أج��زاء الرواية – نحو هدف واع من وم��واق��ف ..بيد أن أج��واء األساطير والحكايات أهدافه ،وهو توطيد الصلة بين النصين الروائي والمعتقدات الراسخة واإلرث الثقافي والفكري واألس � �ط� ��وري ،ب�ح�ي��ث ي �ك��ون أح��ده �م��ا اللحمة عن المرأة خفف كثيرا من سطوة األفكار الحادة، واآلخ��ر ال �س��داة .فهذه فينوس ،تحل ف��ي جسد ووطأة المناقشات ذات الطابع الثقافي التي وردت إحدى حفيداتها (كاترينا) ذات األصول األوربية عبر ح��وار شخصيات ال��رواي��ة ،وه��ي على وجه المختلطة – كما عبر النص -تظهر على أنها العموم مما يحتملها السياق الروائي. الوجه اآلخر لشهرزاد ،مع اختالف مرجعيتهما، وي��أت��ي ع��ال��م األس��ط��ورة ك��ي ي �ج��ذر األفكار، حين تستجيب شهرزاد لما يتقد في داخلها ،وال ويؤصل المواقف التي ترتبط بأفكار الرواية عامة تجرؤ على البوح به (لم أكن متأكدة أني أرى جسد ومواقفها ،ويمنحها حساً شامالً ،وعالمية يطمح امرأة أخرى ،يتحفز بعريه ليغرق في الماء ،وينبثق إليها النص ،إذ ينطلق من بيئة مثقلة بالتفاصيل مجددا مثل فينوس ،وقد تشكلت من زبد البحر األسطورية والمرجعية التراثية صوب آفاق أرحب، وخلقت من صدفتها عالما إيروسيا فسيحا ،بقي ورؤي ��ة أك�ث��ر ات�س��اع��ا ،م��ع اح �ت��راز م �ه��م ..ه��و إن مثارا لجدل اآللهة مدة طويلة) .ويحشد النص المرجعية األسطورية وتشظياتها في المعتقدات ف��ي ه ��ذا ال�م�ش�ه��د ال ��روائ ��ي زخ �م��ا م��ن الرموز وال�ح�ك��اي��ات ف��ي رواي ��ة القلق ال �س��ري ..ل��م تكن األسطورية ،وعبر دائرته المسحورة ،تكون فيه مقتصرة على شعب أو أمة أو عرق ،وإنما أفادت كاترينا وقد تماهت مع فينوس دليلتها في ذلك من جنس األسطورة حيث كان .ويتسق األسلوبان العالم األسطوري. السردي والوصفي ذوا الطابع الشعري في غضون على وعي شهرزاد ،وبحساسية فائقة تصل حد اإلدانة والحسد ،ويمزج النص الروائي بين الحلم واألس� �ط ��ورة ف��ي ب�ع��ض م�ف��اص��ل ال ��رواي ��ة ،وثمة خطف منسق لشخصيتي نرسيس وبجماليون في سياقين مختلفين.
وتنبث العناصر والثيمات واللقطات المستمدة م��ن ع��ال��م األس��اط �ي��ر وت�ش�ظ�ي��ات�ه��ا ع �ب��ر حشد المعتقدات الشعبية ..لتتشكل في هيئات مختلفة تحتضنها مشاهد الرواية وأدواتها الفنية .ومن ذل��ك شخصية ال �ع��راف��ة ،وه��ي سليلة الساحر في المجتمعات األول��ى .ومن ذلك أيضا طقوس والدة ال��ول��د ال��ذك��ر وخ�ت��ان��ه وزواج� ��ه ..منعكسة *
74
أكاديمي عراقي مقيم في الواليات المتحدة األمريكية.
اجلوبة -صيف 1431هـ
هذه الرواية ..حتى لَيُخيل للقارئ أحيانا أنه يقرأ قصائد نثر منتقاة ف��ي بعض مشاهد الرواية ومواقفها ،بيد أن بناء الحدث الداخلي يظل مثقال بتفاصيل غائمة ،وربما قصد النص أن يغلف حياة شهرزاد بطلة الرواية بهالة من الغموض الشفاف الذي يهدف إلى التشويق ،وإضفاء العمق ،والنأي عن تسطيح الحياة أو تنميط الشخصية.
ن�������������������������������������ق�������������������������������������د
في روايته األولى «كائنات من غبار»
ابن الشاوي يعرّي رغبات املنسيني في عاملنا > إبراهيم احلجري*
من القصصي إلى الروائي ك��ان النفس القصصي ل��دى هشام ب��ن ال��ش��اوي م��ن خ�لال م��ا ق��رأت ل��ه م��ن قصص المجموعتين األوليتين ،ومن خالل ما قرأت له من قصص منشورة في مواقع ومنتديات على الشبكة العنكبوتية ،يشي بوجود بوادر تجربة روائية جنينية ،يتضح ذلك من خالل الجمل الطويلة المفتوحة على آفاق الحكي ،والتي يمكن للكاتب فيما بعد تطويعها عبر آلية التضمين ،وتمطيطها لتستوعب شك ًال حكائي ًا أكبر؛ ما يدل على أن هذه القصص مع سبق اإلصرار والترصد ،هي مشاريع لروايات مؤجلة، ويزيد من ترشحها لهذا الوضع التجنيسي كثرة األح���داث القصصية ،وتناميها بوتيرة غير معهودة في النص القصصي ،فضال عن الحيوية الزائدة للشخصية والفضاء القصصيين .كل هذه العمليات التي تبدو صعبة المنال مكّ نت الكاتب نفسه أن يصوغها في قالب روائي ضاج بالعوالم والرؤى من خالل ما يمتلكه من قدرة على الحكي السلس، والوصف الدقيق لألفضية والشخوص ،والمالحظة الدقيقة التي تؤهل الكاتب الستثمار أي معطى واقعي في بناء عالمه الروائي ،دون أن أنسى أن الظروف الخاصة للكاتب وطريقته الخاصة في التعامل مع الحياة تضمنان له مادة دسمة للحكي ..نظرً ا لقربه من شرائح كبرى في القاع والهامش المنسيين في واقعنا ،ومعاشرته الدقيقة لمخلوقات هذا الفضاء بحميمية الشعراء. كل هذه المعطيات التي تبدو جلية في المنجز القصصي لهشام بن الشاوي تجعلنا نعد التجربة القصصية لديه مجرد تمرينات سردية تهيئ القتحام عالم أرحب وأشد فساحة هو جنس الرواية ،وقد سهل هذا التمهيد التجريبي اليقظ على الكاتب العبور الصعب من الميكروسرد إلى الماكروسرد.
اجلوبة -صيف 1431هـ 75
من الذاتي إلى المتخيل من عجيب المفارقات أن رواة بن الشاوي، ي �ص��رون س ��واء ف��ي ال�ق�ص��ص أو ال ��رواي ��ة على التشبث بالذات ،كمنطلق وخميرة لصنع الحدث وال�ع��ال��م الحكائي ،على ال��رغ��م م��ن أن الكاتب يعي عناصر القص التجريبي ،وي�م��ارس بعض أساليبه على مستوى الموضوعات المطروقة؛ فهو يعيش ي��وم��ه بشكل غ��ري��ب األط� ��وار ،وتـنم
الجديدة التي يعيش فيها ال��روائ��ي بصفة قارة (سيدي ب��وزي��د ،س��وق الحمراء ،أزم��ور ،عائشة البحرية .)..وهي مواقع تؤسس للتجربة المعاشة فضحاً وتشريحاً وانتقاداً وتقويماً .فالروائي ال يعرض األمكنة واألزمنة واألح��داث فحسب ،بل إن��ه يعيد ترتيب فوضاها بالشكل ال��ذي يخدم تصوره الصوغي للعالم الروائي. -الشخوص :ويبدو من خالل الكنى المنسوبة
يومياته المروية عن كونه يرتاد عوالم حياتية إليها أنها ذات شخصيات مرجعية تنبثق من خاصة ،يصعب على أي كان من الكتّاب طرقها ..الواقع الدكالي خاصة ..والمغربي عامة ،حيث نظرا لمساراتها المتشعبة ومساربها المحفوفة يستعاض عن األسماء الحقيقية بأسماء مستعارة بالمخاطر .إن الكاتب بهكذا مفهوم يجسد نمط تلتصق بالشخصية من خالل ملمح جسدي أو الكتاب المغامرين ،أول�ئ��ك ال��ذي��ن يبحثون عن نفسي ،لتصبح هي الطاغية والمستعملة ..كبديل القصة ويطاردونها في مسارب الذات والواقع ،دالل ��ي معبر غ��ال�ب��ا ع��ن ال�س�خ��ري��ة واالستهزاء دون أن يتركوا لها فرصة الهروب ،فتبدو الحياة م��ن ه��ذه الشخوص ،وه��ي غالبا الرسالة التي الحقيقية التي يعيشها بحق مثل هذا الكاتب ..يستضمرها النص (المعاشي ،بعية ،كباال ،قبقب، عالم من الجنون ،وضربا من الغريب بمفهوم التباري.).. تزفيطان ت��ودوروف ،فيتداخل الذاتي والروائي
-ال �ل �غ��ة :تُ�ل�م��ح ال�ل�غ��ة ال�م��وظ�ف��ة ف��ي المتن
بشكل مفضوح .ولعل الوعي بهذا التهويل من الروائي إلى قيمة الواقعي المرجعي في النص.. فداحة المعيش بالصورة المخاتلة التي نراها خاصة من خالل استالف عبارات وحوارات من
في «كائنات من غبار» يشي باألسلوب الساخر اللغة العامية تماما كما تستعمل في الحوارات الذي ينتهجه الكاتب في تجريح المعاني وانتقاد اليومية ،وهو خطاب لغوي هجين يستهدف نسف القيم.
مقولة نقاء اللغة والسخرية من نسقها ،من خالل
ويبدو واضحا انتهال ال��روائ��ي من السير -إقحام تعابير لغوية غير فصيحة؛ أي غريبة عن ذاتي
autobiographie
في «كائنات من غبار» من الكيان اللغوي العربي الفصيح .لكن الروائي
خالل حضور عدد من مكونات األليف في الحياة يضع الخطاب ال��دارج بين مزدوجتين ،مشيراً المعتادة للكاتب: -الفضاء :وأغلبه يتعلق بمواقع من مدينة
76
اجلوبة -صيف 1431هـ
إلى غرابته عن نسق اللغة األصلي المُحكَى به. وتنضح الرواية بمصطلحات البناء وقواميسه التي
ال�م�ي��دان ،م��ا جعل الكاتب
ال� � �م � ��دون � ��ات..
استلهام
ي ��ذ ّي ��ل ال �ص �ف �ح��ات بدليل
ت�ج��رب�ت��ه ه� ��اذه ،وع �ي �اً منه
ي �ش��رح ف�ي��ه ال�ك�ل�م��ات غير
ب��ال�ت�ح��والت ال�م�ه��ول��ة التي
المعروفة.
أح��دث �ت �ه��ا ه ��ذه الوسائط
ه�� � � � ��ذه ال� � �م� � �ك � ��ون � ��ات ال �م �س �ت �ل �ه �م��ة م���ن الواقع ال��م��رج��ع��ي ال� �م� �ع ��اش من ط��رف ال� ��رواة -الشخوص الذين غالبا ما يتطابقون- تتحول من معطيات واقعية
على مستوى البنية الذهنية
ن�������������������������������������ق�������������������������������������د
ال يعرفها إال المشتغلون في
وغرف الدردشة ،وتصميم
ل�ل�م�غ��رب��ي ،خ��اص��ة أولئك الذين يستهلكهم اإلنترنت دون أن ي �ع��رف��وا نتائجه الوخيمة .فبدل أن يوظف كوسيط للمعلومة والبحث واإلن �ت��اج العميق ،يستغله
إل��ى م��ادة تخييلية ،حينما ت�ن�ص�ه��ر ف��ي ع��ال��م ج��دي��د ي �ت �ج��رد م��ن زمنيته الناس وفق رغباتهم إلشباع حرمانهم الغريزي األصيلة ،ليلبس حلة زمن سردي متخيل ،تنهض الجنسي ،نظرا لما يفتحه هذا الوسيط من آفاق به اللغة الرواية في سيروراتها المنحبكة بصيغ التواصل بين الشباب على مختلف أعمارهم: الحكي ،ومن ثم بات من الالزم النظر إلى المادة «البنتان الصغيرتان تتصفحان موقعاً .شيء ما
السردية التي يحتفي بها العالم الروائي من خالل يجعلك تحس بالمسؤولية تجاه بنات أخوالك، المنظارين معا :التخييل الذاتي ال��ذي يتأسس تقترب م��ن ال�ش��اش��ة ..أزي ��اء ع��رائ��س ،وبستان
ع�ل��ى ال�م��رج�ع�ي��ات ال�م��أل��وف��ة للكاتب البراني ،ألوان ،وحواء متأرجحة بين طفولة غاربة وأنوثة والمتخيل الروائي الذي يراعي العنصر اللغوي ..مشرقة .تنبه إلى أنه منتدى .بعد تفحص ردود، ويعي تحوالت المادة المنقولة حكائياً عبر اللغة .تسألها إن كانت عضوة مشاركة ،تحرك رأسها ن��اف �ي��ة ..أح��ده��م أق �ح��م ن�ف�س��ه وس ��ط عرائس
من الملموس إلى االفتراضي
المنتدى ،واضعا إيميله ال غير كرد ،وآخر اختار
إن مستوى ال�ت�ح�وّل م��ن ال��واق�ع��ي المرجعي ع�ن��وان المسنجر إس�م�اً .وق��د تعامل هشام بن إلى الذاتي التخييلي إلى االفتراضي ،يتم على ال�ش��اوي مع الموضوع بحساسية مفرطة ،فهو
مستوى الرؤية والزمان والمكان ،وهي العناصر ينتقد بشكل مبطن الطريقة التي توظف بها هذه األساسية التي تشد إزار المتن الحكائي وتنظمه .الوسائط ،مشمئزاً أحياناً من التشويش الذي
وقد أتاح التمرس الكبير للكاتب على ولوج نوافذ تمارسه على ال��ذات والعقل« :وبكل قوته سدد اإلنترنت ،والسباحة في المنتديات ،والمواقع ،الهاتف المحمول نحو الجدار المقابل له ،تطاير
اجلوبة -صيف 1431هـ 77
أشالء وشظايا.»..
النافذة متأمال وداع��ة األشياء من حوله ،رغم
وتأتي المفارقة ،على هذا المستوى ،حينما إحساسه المزمن بالحزن الغامض ،والملل القاتل يكون الروائي المشارك في األحداث ،والمتحدث في مساءات اآلحاد .إحساس الزمه منذ طفولة
بضمير المتكلم ،بناء يشتغل في أوراش مفتوحة بعيدة« :أحيانا يخيل إلي أني لم أعش ما يسمى بمدينة الجديدة ،ويفقه في اإلنترنت ،بل ويكتب بالطفولة ،و(ل��ن) أع��رف شيئا اسمه الفرح... القصة .وهنا يتطابق العامل ال��ذات مع الكاتب تماما مثلما أحس أن الكتابة كانت بلسما لجراح كشخصية مرجعية ما دام يتمتع بهذه الصفات ،الذات االنطوائية ،فتجلت الرغبة الالشعورية في وتنبع إشكالية التطابق هذه من خالل التعاطف التعبير عن هشاشتي الجوانية ،وحاجتي الملحة الكبير للكاتب مع شخوصه ،وعدم ترك مسافة لحنان امرأة »...ص .103 بينه وبينهم من جهة ،وكذا من خالل نقمة الكاتب
فضال ع��ن ه��ذه التوسالت التعبيرية يجنح
ذاته على وضعه االجتماعي ككائن مثقف يجد الكاتب أيضا إلى إقحام مؤشرات نقدية تفكر نفسه وس��ط مجموعة بشرية غير ق��ادر على ف��ي ال�ن��ص وأس��ال�ي��ب ص��وغ��ه ،وه ��ذا م��ا يسمى التعايش معها« :ال أظن أن شخصاً كئيباً وبائساً بالميتاروائي ،يقول ال ��راوي« :ف��ي رح��م خياله مثلي ق��ادر على ش��راء هاتف من ن��وع فاخر ،يا تشكلت فكرة كتابة قصة قصيرة عن هذه األم. سيدي .أنا ال أبتسم حتى في وجه المرأة التي تلح األفكار على أن يحررها من ظلمات سجنها» أنجبتني» ص ،49ومن هنا تصبح الكتابة وسيلة ص .80 للخروج الروحي من قمقم االنتماء المر لطبقة
تنغل هذه التجربة بالمفارقات الساخرة التي
تعيش بوهميتها مثل أي كائنات أخرى غير بشرية ،تدعو إلى ضرورة االلتفات إلى مثل هذه القضايا على الرغم من جسامة العمل الذي تقوم به هذه المؤرقة التي تشغل بال شرائح كبيرة في المجتمع؛
الطبقة على مستوى النماء ،وكأنها بهذه الطريقة خاصة وأنها ترتبط بالذات المغربية في تشكلها تتمرد على وضعها المزري بطريقتها الخاصة ،العصي الذي قد يكون حجرا عثوراً في سبيل أي حيث يشكل الجنس معادال موضوعيا لتزجية تغيير أو نماء .أضف إلى ذلك أن هذه الرواية الوقت ،ومرواغة التعب ،وقهر التهميش.. تبشر بتحول كبير على مستوى اهتمامات الشباب إن الشخصية ال��راوي��ة تكره العالم المقيت الكتابية على مستوى الرواية بالخصوص ،والتي الذي وضعت على هامشه ،بل تكره ذاتها ،فتمزق تحتفظ بمالمح الجنس الروائي دون أن تفرط كل الستائر والحجب الصائنة للّياقة ،فتكشف في ما يستجد من موضوعات وأدوات من شأنها طفولتها البائسة« :أطلق بصره من خلف زجاج إغناء التجربة. * كاتب وناقد من المغرب.
78
اجلوبة -صيف 1431هـ
ن�������������������������������������ق�������������������������������������د
فنجان الغربة النفسية املقلوب قراءة في قصيدة «ملكوت» لصالح هويدي
> جناة الزباير*
ي�����ا إل�������� َه ال�������وج�������ودِ ! ه������ذي ج������راحٌ
ف���ي ف�����ؤادي ،ت ْ��ش��ك��و إل���يْ���ك ال���دّ واه���ي
ه�����ذه زف���ـ���ـ���ـ���رة ٌ يُ ���ص���عِّ ���ده���ا الهـ ــمُّ
الس ـ ـ ــاهي َّ َض ــاء إل��ى مَ ْسـ ــمَ ِع الف َ أبو القاسم الشابي
قطرة من سحاب البداية
دور ف��ي اف�ت��راش��ه رداء االن�ج��ذاب��ات نحو الطمأنينة التي ال يلمسها سوى في أجنحة
شاعر يتناثر حزناً وترقباً قرب نافذة الكون العمالقة ،يتقنع بالجراح التي تسكن تتوضأ بماء الغيب؟ أعضاء توتره ،وينزل درج األماني ،قدماه بقايا تحن للمضي نحو األفق.. هل تراها رعشة حطاب يكسو ذاكرته م��ن ينابيع غابة تقرأ ذب��ذب��ات خ�ط��اه؟ أم هي لوعة شاعر يطارد لهاثه الخفي بين طبقات الهواء التي تحضن غربته؟ وهل لنحول صوته الذي يتنقل درويشا
مطر منتصف الطريق ما هذه العصافير التي تقف فوق غصن الروح ،تنقر سفينة الشاعر التي تبحر في حبر االختالف؟ وم��ا ل�ه��ذه ال�ب��داي��ة ت��رف��ع قبعتها تحية لصيحة األح�ل�ام ال�ك�س�ي��رة ،وك��أن�ه��ا نهر تتدفق ضفتاه بعشبة سرية تنوء لغتها تحت
أع�م��ى بين أدغ ��ال ال �ك�لام ،يعب م��ن بئر ثقل السخرية ،ويتفجر نداؤها لغوا حيث التأمل قِ ْربَتَهُ ،ويلتطم بالغسق الراقص ،يقف الشاعر حائرا في رمداء العبث؟
اجلوبة -صيف 1431هـ 79
التي استمد منها الشاعر قوة رؤيته
يقول: يمضي الغيمُ قريب ًا من نافذتي
لألشياء! لكنه حزين تتصاعد من
من نافذتي..بعيدً ا عنها
أعماقه حسرة سوداء.فهو منفي
تلهو الريحْ
في جزيرة جسده وحيدا ،تهرول
أناغيها
األيام من بين يديه..
تسخر من لغتي ويدي ْ أمدّ لها رأسي تقلب لي شفتيها ُ
يقول: صالح هويدي
يدخلُ سعيي لالمساك بها صندوقَ العبث األبدي.
وآب ملكوت اللهِ ْ ِ كلّ د ّو َم في أنت إال ْ
كلّ يفزعُ من دنياه ..يضيقُ بها بيت عش أو ْ ليؤوبَ إلى ّ
عن م��اذا يبحث محدقاً من نافذة في الدور إال رج ًال يقبع في الدور الحادي والعشرين الحادي والعشرين؟ هل هو تيه يسقط في شَ رَكِ هِ م�ح��اوال معانقة األزق��ة وال��زواي��ا؛ وك��ل األرض؟
يحادث مَ ن م ّر ومن لم يسعفهُ الحظ ّبلقيا ْه ُ يحمل الشاعر صالح هويدي مقصلة أنفاسه
راس�م��ا ج�س��داً متصلباً أم��ام ه��ذا المدى.حيث المصلوبة فوق خشبة الغيم ،كفاه ريح تقتات من التقطت عدسته المرئية صورة امرأة في الدور هواجسه ،معتليا موجة النفس الشجية.
الثالث تنفض بعض الغبار من شرفة شقتها.
هي وقفة مع الذات الضائعة والمهاجرة في
وه��ل استغرقت وقفته دق��ائ��ق فقط تسلقت قصيده ،فهل سيعبر الهدوء الروحي تقاطيعه أنينه محاوال السفر في بحة الخريف؟ التي تحاول القبض على المستحيل؟ يقول: األفق طيو َر اللهِ محلقة ً ِ فأرى في بعض غبا ْر َ وأرى تنفضهُ امرأة ٌ الثالث من شرفةِ شقتها ِ في الدورِ وأنا في الدور الحادي والعشرين أقبعُ للعقد الثاني منفيّا أتأملُ في مرآةِ الروح سخاما
بحسرة تثلج ألفاظ ه��ذه القصيدة ،وتعبس سماؤها ليتساقط مطر إنساني بين خالياها، فهل يخاطب الشاعر شبيهه الذي يطارد الحظ كطير ج��ري��ح ،تهذي أش�ل�اؤه بكل ه��ذا الفساد الذي يسكن العالم؟ يقول:
يصاعدُ من أعطافي ّ
يتأملُ كفا ًفي الس ّر محملة ً
ال يلوي في األفق على شيءْ .
بسخامِ العالم ِ
يا لحضور زرق��اء اليمامة بين هذه السطور
80
مدن تنهض من غربتها
اجلوبة -صيف 1431هـ
لقد حول الشاعر دفة الخطاب نحو اتجاهات
ن�������������������������������������ق�������������������������������������د
م� �خ� �ت� �ل� �ف ��ة ،م � ��ن أن ��ا ال�م�ت�ك�ل��م للمخاطب لضمير
الغائب،فلم
انسلخ عن ذاته وكأن شخصا آخ��ر يرتدي إهابه؟ أه��و ع��دم الرضا ال��ذي يجتاحه ..لذا ت��ن��ك��ر ف� ��ي ضمائر ا أل بجد ية . .ر ا فضا ه� ��ذا ال �ع �ص��ر ال ��ذي ت � �س � �ك � �ن� ��ه ال� �ل� �ع� �ن ��ة
رجل يقف أمام شرفة شقته ،يتأمل محيطه ويرى
الكبرى؟ راص��دا أغنية ذات��ه الحاضرة/الغائبة من خالل نافذته امرأة هناك..وطيورا في السماء بين هسهسات الفراغ الروحي ،الذي سرعان ما تقطع تذكرة رحلتها في ملكوت الله؟ يتداركه في قوله:
أم أننا أم��ام فلسفة الشاعر للحياة ،والذي
يرنو في األفق،
يحاول من خالل هذا النص أن يجرنا في عربة
عسى أن تبص َر عيناه
الريح ..لنتنفس بعمق جمال الكون الذي أبدعه
م��ا ض� ّي�ع� ُه – ف��ي زح �م��ةِ ه��ذا ال�ع��ال��مِ – من الله عز وج��ل .ون�ح��اول أن نحيا في وشوشات محارها قبل أن تموت منا كل الفصول. ملكوتْ . والملكوت في معناه عند ابن منظور في لسان العرب« :ملك الله وملكوته :سلطانه وعظمته، والملكوت من الملك».
برق النهاية تعد ه��ذه القصيدة رص��دا ل��ذب��ذب��ات الواقع المتخبط في الخواء الروحي ،يجر قدما توتره بين
هي محاولة منه إذاً للغوص في أسرار الكون ..عناقيد اإلغراء الحضاري المزيف الذي استعبد ومعانقة كل العوالم،بعد هذا السفر البئيس فوق النفوس ،وأطبق بجناحين من نار على األحالم. راحلة االنشغاالت بمدن ال تعرف غير البكاء.
لتبقى حقيقة ال�ك��ون الخاضعة إلرادة الله
فهل كانت ه��ذه القصيدة فتحا مذهوال في صيحة رج ��وع ألرض ال �ح��ق ..ح�ي��ث األم ��ل هو أرخبيل األماني الضائعة ،أم هو تأمل رجل كأي أوكسجين الوجود. * شاعرة وناقدة وصحفية من المغرب.
اجلوبة -صيف 1431هـ 81
الدكتور سلطان القحطاني علينا أن نصلح التعليم من داخل البيئة المحيطة بالطالب ،وليس بالنظريات المعرفية المجردة بنات الرياض ..ال أعدها رواية ،إنما هي نص يمثل خواطر صاحبتها قصيدة النثر لم ولن تثبت كقصيدة في الثقافة العربية ،فهي هجين بين النثر والشعر ،ولكل منهما مرجعياته وأصوله > حاوره محمود عبدالله الرمحي
واحد من أهم األسماء األدبية التي جمعت بين العمل األكاديمي (التدريس المنهجي والتحليل النقدي) والفعل اإلبداعي (الكتابة السردية والقراءات النقدية).ناقد وروائي وأك��ادي��م��ي س��ع��ودي ،صاحب حضور إب��داع��ي ون��ق��دي ف��ي المشهد الثقافي السعودي، وصاحب حضور متميز ،ع��ززه من خ�لال الكثير من اإلص���دارات األدب��ي��ة والعديد من المواقف الثقافية الجريئة والمغايرة .استضافه نادي الجوف األدبي ..وأثناء تواجده في المنطقة كان لنا معه هذا الحوار.. < د .سلطان القحطاني -أك��ادي��م��ي في > التعليم في البالد العربية ينقصه الكثير، نواح عدة ،منها :التطبيق ،والتدريب من ٍ جامعة الملك سعود -إحدى جامعاتنا على م��ا يتلقاه ال�ط��ال��ب م��ن معلومات الحبيبة– كيف يرى مستقبل التعليم نظرية ،خاصة في اللغة والرياضيات في بالدنا؟
82
اجلوبة -صيف 1431هـ
م������������������واج������������������ه������������������ات
وال�ج�غ��راف�ي��ا ،ومنها سلبية التلقي ،مثل ما يأخذه الطالب في األدب؛ ومنها عزل المواد ال��دراس�ي��ة ع��ن بعضها بعضاً ،كعزل العلمي عن األدب��ي ،وهما يتفقان أكثر مما يختلفان ف��ي أم��ور كثيرة .ف��إذا أردن��ا أن نبني تعليماً ي��واك��ب متطلبات ال �ح �ي��اة؛ فعلينا أن نصلح التعليم من داخ��ل البيئة المحيطة بالطالب، ول�ي��س بالنظريات المعرفية ال�م�ج��ردة ،وأن نجعل الطالب شريكاً في العملية التعليمية، وأن يشعر بكل جملة تمر معه بوجوده فيها، حتى يتمكن م��ن اإلب ��داع والتجديد ومواكبة العصر ،وليس بوضع اإلجابات على الورق ثم نسيانها.
البالد وخارجها ،وقد أصدرت أربعة كتب وأربع روايات ،فمن الكتب ما يدرس بعضها ،واآلخر مراجع (الرواية في المملكة العربية السعودية، نشأتها وتطورها) وه��و البحث ال��ذي قدمته لنيل ال��دك �ت��وراه ،م��ن بريطانيا ،وه��و البحث العلمي األول في المملكة عن الرواية منذ أن نشأت في عام1930م إلى آخر رواية صدرت ف��ي ع��ام 1989م ،وق��د أع�ي��دت طباعته عن نادي القصيم األدبي هذا العام .كما صدر لي كتابان ،عن نادي الطائف األدبي ،األول(النقد األدبي في المملكة العربية السعودية ،نشأته واتجاهاته،عام2003م ،ونفدت طبعته األولى، وننتظر طبعته الثانية ،وه��و تأسيس للنقد األدب��ي في المملكة ،مثلما كان كتاب الرواية في المملكة تأسيسا للرواية ،والثاني ،بعنوان (ال��ت��ي��ارات ال �ف �ك��ري��ة وإش �ك��ال �ي��ة المصطلح النقدي) 2005م ،وهناك كتب تنتظر الطبع.
< الناقد الدكتور سلطان القحطاني واحد من أهم األسماء األدبية التي جمعت بين العمل األك��ادي��م��ي (ال��ت��دري��س المنهجي والتحليل النقدي) والفعل اإلبداعي (الكتابة السردية وال����ق����راءات ال���ن���ق���دي���ة) ..ل��ك��ن��ه م��ت��ه��م بقلة < بماذا تعلل الزحف الروائي الحالي ..لدرجة أن بعض النقاد يقولون إن هذا الزمن هو زمن إصداراته ،رغم أن اإلصدارات تعتبر الترجمة ال��رواي��ة..وه��ل ك��ان ه��ذا ال��زح��ف على حساب الحقيقية والواقعية للشخصية أألكاديمية أو األجناس األدبية األخ��رى كالشعر أو القص األدبية ..ما قولك في ذلك؟ مثال؟ > هناك الكثير من البحوث العلمية تنتظر النشر، لكن كثرة مشاغلي حالت بيني وبين نشرها في > لكل زمن فن يظهر فيه بظهور المتلقي ،فظهور الرواية له أسبابه ،ومنها ضعف الشعر ،وتقليد كتب ،فلديَّ ما يزيد على أربعين بحثاً أكاديمياً، ال�ش�ع��راء لشعراء م��ن خ��ارج البيئة العربية، شاركت بها في مؤتمرات وملتقيات في داخل
اجلوبة -صيف 1431هـ 83
ونمطية القصة القصيرة التي كانت مسيطرة
في الثمانينيات من القرن العشرين ،والنقد ال��ذي وج��ه االهتمام إل��ى ال��رواي��ة ،وق��د وجد المتلقي بُغيتَه في الرواية لطول نفسها ،وفي
هذه الظروف يظهر إلى جانب الفن الروائي ال�ح�ق�ي�ق��ي رواي � ��ات ض�ع�ي�ف��ة وأخ� ��رى ليست بروايات ،والمسئول عن هذا وذاك بالدرجة
األول� ��ى ه��و ال�ن�ق��د غ�ي��ر ال�م�ت�خ�ص��ص ،فكما
لتسويق إنتاجه؟
أن هناك من تطفل على ال��رواي��ة ،هناك من > الجنس هو أس��اس الحياة في كل الكائنات، وتوظيفه التوظيف الحقيقي ،كما أمر الله- تطفل على النقد ،ومن الطبيعي في مثل هذه الظروف أن يختلط الحابل بالنابل ،وتظهر
أع�م��ال ردي�ئ��ة ومشوهة للمجتمع على أيدي راصدين وليسوا روائيين.
< نشاهد ط��ف��رة كبيرة ف��ي ال��رواي��ة السعودية النسائية ..فهل تعدها ظاهرة طبيعية وازدهارا لها ..وما هي العوامل التي أدت إلى ذلك؟ > ظهور الرواية النسائية أمر طبيعي في ظل ظهور التعليم ،وه��و رك��ن أساسي من عوامل ظهور الرواية ،والعوامل التي أدت إلى ذلك كثيرة،
منها ظروف المرأة المقهورة في حياتها ،حيث عبرت عن همها الذاتي في قصص أقرب إلى الحكايات منها إلى الفن ،ومنها كثرة الطلب على الرواية من قبل الناشرين ،حيث تشكل
لهم مكاسب مادية كبيرة ..لكن هذا المخاض الروائي لن يدوم على هذه الحال ،والطفرات
أو سمِّها القفزات -تحتمل ظهور كل شيءبجانبها ،وسيبقى الحقيقي وي��ذه��ب غثاء
السيل.
< هل توظيف الجنس في زمن الرواية العربية ح��اج��ة أم ت��ك��ل��ف زائ����د ي��ب��ح��ث ع��ن��ه ال����راوي
84
اجلوبة -صيف 1431هـ
تعالى -أمر محمود عندما تستدعيه الحاجة، أم���ا م ��ا ن �ج��ده ال� �ي ��وم ف ��ي م ��درس ��ة بوعالل
الشكري ،المعروف (محمد شكري) ومن تبعه، فأمر مبتذل ال يمثل المجتمع الذي هو أساس البناء الروائي ،وما يسمى رواية بهذا المفهوم عبء على الرواية .وتسويق لبضائع مزجاة،
سرعان ما تزول.
< ظهرت رواي��ة (بنات الرياض لرجاء الصانع) ف��ي المشهد األدب���ي ال��س��ع��ودي لتثير زوبعة حادة من النقاشات .واختلف النقاد في أرائهم وتحليالتهم..فمنهم من أثنى وامتدح وبالغ في ذلك ،ومنهم من هاجم بشراسة ..مع أي الفريقين دكتورنا الفاضل .وم��اذا يقول في هذه الرواية..؟. > أن��ا لست مع أح��د منهم ،بنات ال��ري��اض ..لم تكتب رج��اء الصانع على غالفها رواي��ة ،هي
خواطر شابة تكتب للكتابة فقط،وترسل لمن تعرف وم��ن ل��م ت�ع��رف ،لكن ال��ذي��ن مدحوها
والذين قدحوها على خطأ ،ألنهم ال يعرفون م ��اذا تعني ال ��رواي ��ة ،أن��ا ق��رأت�ه��ا –كغيري-
واستمتعت بنصها إلى حد ما..ولم أعتبرها
ف��ال�ب��دي��ل ال�ن�ث��ري أول ��ى ب�ح��ل ه��ذه المشاكل وال�ت��ذوق الفني ،ول��و وج��د من يكتب قصيدة
عصرية تالئم متطلبات المتلقي ،لوجد الشعر مجاالً يقدمه وينقذه من هذا التراجع.
< ف���ي رأي����ك����م ..ه���ل أع���ط���ى ال���ن���ق���اد الشعراء
م������������������واج������������������ه������������������ات
مترجماً لمشاعر المتلقي وح�ل��ول مشاكله،
والروائيين والقاصين حقهم من النقد الباني الهادف أم أن المجاملة والمبالغة طغت على ذلك؟ > لألسف الشديد ،لم يعط النقد األدبي الشعراء وال الروائيين حقهم ،إال ما ن��در ،ألن النقد
ابتُلِي ،كما ابتلِيَ اإلبداع بكثير من المتطفلين رواي��ة ،ول��م أمدحها أو أذمها ،إنما هي نص
يمثل خواطر صاحبتها ،وال أحجر على أحد, ولو أردت ذلك فليس من حقي.
< ي����رى ب��ع��ض ال��ن��ق��اد ت��راج��ع��ا ف���ي قصيدتي العمودية والتفعيلة ..وفي المقابل ثمة إقبال منقطع النظير على قصيدة النثر والترويج لها .ما رأيكم في هذه المقولة وما األسباب
عليه ،الذين أخذتهم العواطف ،يمدحون اليوم
ويذمون غ��داً ،ويجاملون على حساب النص
نفسه ،لكن الساحة لم تخل من بعض النقاد
أص�ح��اب ال ��ذوق ،ال��ذي��ن يتكئون على قاعدة علمية نقدية ،وقراءة متزنة.
< م��ا جديد الدكتور سلطان القحطاني على الواجهة األدبية الثقافية؟
التي أدت إلى ذلك ..وكيف للقصيدة العمودية > لدي بعض البحوث التي تحتاج إلى تنظيم قبل النشر ،وتصميم برنامج تلفزيوني ثقافي للقناة أو التفعيلة العودة إلى سابق مجدها؟ > قصيدة النثر لم تثبت على أنها قصيدة فيما يخص الثقافة العربية ،أما الذين تحمسوا لها
الثقافية ،إضافة إل��ى إع��داد برنامج إذاعي
لشهر رمضان القادم.
فيقلدون كتاب ه��ذه القصيدة من الغربيين < ،ك��ل��م��ة أخ����ي����رة ت�����ود ن���ش���ره���ا ع���ب���ر الجوبه الثقافية.. ويحاولون إثباتها ،لكنها لم ولن تثبت كقصيدة ف��ي الثقافة العربية ،فهي هجين بين النثر > أرج��و م��ن المبدعين والنقاد ال�ج��دد التريث وال �ش �ع��ر ،ول�ك��ل منهما مرجعياته وأصوله،
في اإلنتاج ،وأن يقرؤوا النصوص بهدوء ،وأن
النثر عليه ،من قصة ورواي��ة ،فلم يعد الشعر
والنقد ليس ذاتياً.
أما تراجع الشعر بنوعيه ،فيعود إلى طغيان
يتركوا عنهم االنتقائية ،فاإلبداع ليس انتقاء،
اجلوبة -صيف 1431هـ 85
القاص أحمد بوزفور
النصوص التي لم متتعنا ال قيمة لها.. والتجريب ثورة على الذات
> حاوره :عبدالغني فوزي
أحمد بوزفور ..قاص مغربي منشغل بفقرات عمود القصة إلى حد كبير وعميق ،ينحت كتاباته اإلبداعية بلغة رشيقة، صقيلة المبنى وغنية اإلح��ال��ة .وب��ق��در م��ا تتعدد مؤلفاته القصصية (النظر في الوجه العزيز ،الغابر الظاهر ،صياد النعام ،ققنس) ،تتنوع رهاناته الجمالية أيضا ،والتي تتغذى على مقروء غني ومتنوع .تراه متجليا في إصداراته وأنشطته الموازية للقصة (الزرافة المشتعلة ،تقديمات لكتب وكتاب.).. نحن ،إذاً ،أم��ام كاتب ال يكتب القصة وكفى ؛ ب��ل يجادل حولها بالمتن والتجربة ،ساعي ًا إلى تطوير هذا النوع ،إلى جانب المساعي األخرى، طبعا المنفلت باستمرار ،دون تثبيت ليقين ما ،بل من خالل إث��ارة األسئلة الخالقة، بعيدا عن أي تقويض غافل. < مسيرتكم القصصية منذ سبعينيات
نقرأ نصوصاً جيدة من مختلف اآلداب
ال����ق����رن ال���س���ال���ف إل�����ى اآلن ،عرفت
اإلنسانية ،وكنا نعرف أن الكتابة شيء
انعطافات ،إلى حد أن كل مؤلف عندكم ي��ن��ف��رد ب��ره��ان م��ا (ال��ع��ج��ائ��ب��ي ،اللغة ال��دارج��ة ،الحلم .)..دعني أسألك في البداية ،كيف انفلت نصك األول من التنميط السبعيني بحكم مالبسات المرحلة؟ > نحن ل��م ندخل أن��ا وكتابا آخ��ري��ن إلى عالم الكتابة بيضا فارغين .لقد كنا
86
اجلوبة -صيف 1431هـ
آخ��ر غ�ي��ر ال�خ�ط��اب��ات اإليديولوجية؛ ول ��ذل ��ك ك �ن��ا ن �ح��س ب �ث �ق��ل إك ��راه ��ات المرحلة ،ون�ح��اول اإلف�ل�ات .م��ن جهة أخرى؛ نحن لم نفلت تماما ،ألننا لم نكن كتّابا فقط .بل كنا مواطنين أساسا ،ولم نكن نستطيع أن نخرج تماما من أرض المرحلة وس�م��ائ�ه��ا ،ب��ل ل��م نكن نريد الخروج .لقد كان الصراع االجتماعي
م������������������واج������������������ه������������������ات
ساخناً .أحسسنا به على جلودنا ،وانخرطنا
فيه ،وانطبعت به كتاباتنا إلى حد كبير .كنا
فقط نحاول أن ال نعبِّر عنه مباشرة ،وأن يكون تعبيرنا رغم القبح الذي يقدمه جميال .وقد سلك كل واحد منا إلى ذلك طريقه الخاص.
< يذهب بعض النقاد بالعجائبي ال��ى ح��د قد ي��ت��ح��رر م��ن م��دخ�لات معينة (واق����ع ،مكان، متون شفوية ،)..فيغدو تجريب ًا ال يستند على
نفرض على اآلخرين تصوراتنا؟ دع مئة زهرة
أي وعي .كيف تفهم التجريب في القصة؟
تتفتح ،والباقي لألجمل.
> التجريب ع��ال��م واس��ع وم�ت�ن��وع .ومجاله في < هناك فروق دقيقة بين العجائبي والغرائبي والفنطاستيك..لكن يبدو أن القصة المغربية الفنون األخرى -غير الكتابة -أبرز وأخصب، �ص��رن��ا ال �ح��دي��ث ع�ل��ى ال�ت�ج��ري��ب في ف ��إذا ق� َ
ت��وظ��ف العجائبي كتقنية ب�لاغ��ي��ة فقط..
الكتابة ،وف��ي الكتابة القصصية خصوصا،
وليس كتصور حول الكتابة كما هو الشأن في
وف��ي النصوص التي أكتبها ب��ال��ذات ،فإنني
مرجعيات أخرى؟
أفهم التجريب كما يلي:
حين يمل الكاتب الشكل الذي يكتب به ،وحين
> الكتّاب ال ينطلقون في كتاباتهم من الحدود
يحس أن هذا الشكل أصبح نمطيا ،وأن��ه ال
والمفاهيم النظرية والنقدية .النقاد والمنظرون
هم الذين ينطلقون من النصوص.
يعبر عن الجديد فيه ،يفكر في أشكال جديدة أخ���رى ،وي�ج��رب�ه��ا ف��ي ال�ك�ت��اب��ة .ه�ك��ذا أفهم
بالغية فقط؟ ال أستطيع التعميم .وفي نظري
وليس قبلها .ومن جهة أخرى ،هو خروج على
المغربية كما تحددها المراجع النظرية؛ بل
األش �ك��ال التي يكتب بها آخ ��رون .التجريب
لنا ال�ن�ص��وص ،بإصغاء ك��ام��ل ،وظ��ن حسن،
األساليب وتطويعها للتعبير عن الذات :الذات
الجماليات واستمتعنا بها ،أمكننا تصنيفها
لكن ه��ذا الفهم للتجريب يخصني وحدي،
أو ضمن أصناف جديدة .وإذا لم تمتعنا هذه
هل العجائبي في القصة المغربية اآلن تقنية
التجريب :من جهة ،التجريب يأتي بعد الكتابة
ينبغي أن ال نبحث عن الجماليات في القصة
األش �ك��ال ال�ت��ي نكتب بها ن�ح��ن ،ول�ي��س على
ينبغي أن نتلقى هذه الجماليات كما تقدمها
ث��ورة على ال ��ذات :ال��ذات القديمة ،وتطوير
واس �ت �ع��داد ل�ل�ت�ج��اوب؛ ف ��إذا أحسسنا بهذه
الجديدة.
بعد ذلك ضمن األصناف النظرية المعروفة،
وال أستطيع أن أفرضه على اآلخرين .لذلك أتابع التجريبات األخرى في القصة المغربية
ال�ن�ص��وص ..ف�لا قيمة لها حتى ل��و التزمت بالحدود النظرية.
باهتمام ،وأنصت لها ،وأستمتع بجميلها .لماذا < تحضر الدارجة في القصة المغربية بشكل
اجلوبة -صيف 1431هـ 87
متعدد ومختلف التوظيف .ف��ي سرديتكم تبدو منسابة ولينة ؛ وق��د ذهبت بعيدا في هذا الرهان ،إلى حد كتابة قصة كاملة بنفس االستعمال اللغوي .فماذا عن هذا الرهان؟ > ف��ي إط��ار المفهوم السابق للتجريب ،كتبت قصة كاملة بالدارجة ،ونشرتها تحت عنوان «مممؤثى» .كنت أح��اول أن أستثمر إمكانات
الدارجة وأستفيد منها .لكنها -أقصد طبعا
يتعامل معها الكتاب كمودة ،وأن يتهافتوا عليها ويستسهلوها ،فيقضوا على إمكاناتها في التطور ،وعلى فرصهم في اإلبداع الجميل.
< ف��ي م��ؤل��ف��ك األخ��ي��ر «ق��ق��ن��س» راه��ن��ت��م على الحلم ،وهو ما خلق في تقديري انعطافة.. فيها من التأمل واالستغراق الرؤيوي الشيء الكثير .ن��ري��د تفصيل ه��ذا ال��ره��ان ،وكيف تحقق ذلك سرديا؟
دارجتي أنا -لم تفصح بوضوح عن ما أردت > كنت مهموما ،خالل كتابتي قصص «ققنس»، التعبير عنه ،لقد كانت كالطفل الذي يتأتى بمشاكل التلقي والتأويل ،وإشكاالت المعنى في قصة «مممؤثى» .أحسست أن الدارجة،
وال��رس��ال��ة والمعرفة ف��ي النصوص األدبية.
قصتي ،فعدت إلى قواعدي بخدوشي .أنا اآلن
وك��ي أحسس ال�ق��ارىء بهمومي ..فكرت في
تستبطن الدارجة ،ودارجة تلبس الفصحى).
ب �ت��أوي�لات مختلفة تسخر م��ن ج�ه��ة بفكرة
ما ت��زال تحتاج إل��ى الفصحى لكي تنتج في
وح��اول��ت التفكير في ه��ذه الهموم بالكتابة.
أكتب باللغة التي كتبت بها دائما( :فصحى
وضع نص داخلي في القصة ،تقاربه القصة
< قلتم في أحد التصريحات :القصة القصيرة
المعنى األحادي ،وربما بفكرة المعنى نفسها،
ج���دا تقتضي خ��ب��رة وت���راك���م���ا ..وأن����ت اآلن تالمس كتابة هذا النوع بحذر الحكماء .كيف تنظر للقصة القصيرة جدا مغربيا وعربيا؟ وما هي خطورة هذا النوع اللغوية والسردية؟
وت�ط��رح م��ن جهة أخ��رى إمكانية االستمتاع
بجماليات الكتابة الملونة المفتوحة على المعاني المتعددة ،والكتابة البيضاء التي ال
تقبل أي معنى.كيف تحقق ذل��ك س��ردي��ا؟ ال أدري .أترك اإلجابة للقراء.
> نعم .أنا أستمتع جيدا بالقصة القصيرة جدا التي يكتبها الشيوخ :يقطرون فيها خبرتهم < ناديتم بفكرة عقد مؤتمر قصصي ،أو خلق إط��ار موحد ،لخدمة ه��ذا النوع األدب��ي قبل وتجاربهم بأسلوب يمتزج فيه األدبي بالفكري بالفلسفي بالصوفي .وبلغة «مشغولة» تختزن
خبرة الممارسة الطويلة باختيار الكلمات
وتركيبها .إنني أفكر وأنا أكتب هذا بما كتبه نجيب محفوظ ف��ي آخ�ـ��ر حياته .لكن هذه
ظهور الكثير من اإلط���ارات القصصية التي انقسمت على نفسها .فاستحال التجميع، ك��أن اإلط���ار غاية ف��ي ح��د ذات���ه .ه��ل م��ا تزال فكرة المؤتمر األدبي قائمة؟
وج�ه��ة نظـر ذوقيـة ال ول��ن ت��ؤث��ر على كتابة > ناديت بهذه الفكرة في بداية التسعينيات من
الشباب للقصة القصيرة جدا .وأنا أستمتع فعال ببعض م��ا يكتبون .لكنني أخ�ش��ى أن
88
اجلوبة -صيف 1431هـ
القرن السالف .وقد فُهمت الفكرة بأشكال
مختلفة :فُهمت كدعوة إل��ى مضايقة اتحاد
والترؤس والنجومية ..لكن هدفي الحقيقي
م��ن ه ��ذه ال ��دع ��وة ك ��ان إن��ش��اء إط� ��ار يخدم القصة المغربية في غمرة انشغال أطر أخرى بأجناس أخرى .إطار يعمل بجهد ،وفي صمت
وتواضع ،وبنفس طويل .حالت الحساسيات السياسية واألخالقية حينها دون نشوء هذا
اإلطار الكبير .لكن الهدف نفسه أخذ يتحقق
اآلن مع انشاء «مجموعة البحث في القصة القصيرة بالمغرب» ،ومع إنشاء أطر أخرى مثلها؛ صغيرة ودؤوب ��ة ،وتعمل دون أهداف
أخرى غير خدمة القصة المغربية .وأعتقد
ال�ق��راءة .أنت تعرف أن القصة والشعر وكل ش ��يء م�ك�ت��وب ي �ق��وم ع�ل��ى س��اق �ي��ن :الكاتب والقارىء .والقصة بدون قارىء عرجاء .لكن البحث عن قارىء أو اكتشافه أو صنعه ،ليس مهمة كتاب القصة وحدهم ،بل هو مسؤولية
م������������������واج������������������ه������������������ات
ك �ت��اب ال �م �غ��رب ،و ُف �ه �م��ت ك �ف��رص��ة للبروز > مد الكتابة ال يقلقني .الذي يقلقني هو جزر
المغاربة جميعا .فمن دون ق��ارىء لن تقوم قائمة ..ال لألدب وال للثقافة وال للتنمية وال للمستقبل .ألن ال �ق��ارىء يعني العقل ،يعني حركة العقل .وبدون هذه الحركة لن يتحرك أي شيء في هذا البلد.
أن اإلطار الصغير ،بعدد محدود من األفراد < بعد مسيرة قصصية ،أغنت العمق والنظر ،ما ومن األهداف ،ومن الوسائل ،يمكن أن يعمل هو النص القصصي الذي تتوق إليه اآلن؟ بشكل أج��دى وأنجع .ول��ذل��ك ..ال أعتقد أن > ليتني أع��رف��ه! ل��و عرفته لكتبته وارتحت. فكرة اإلطار الكبير ما تزال قائمة.
ال �ق��ائ��م اآلن ه��و التنسيق ب�ي��ن ه ��ذه األطر ال�ص�غ�ي��رة .وه ��ذا التنسيق م��وج��ود ،ويطرد ويقوى باستمرار.
< ت��ش��ت��غ��ل��ون ف���ي م��ج��م��وع��ة ال��ب��ح��ث للقصة القصيرة في المغرب في صمت وهدوء .وبقدر ما تحاول ه��ذه المجموعة إنصاف القصة، فإنها غير منصفة .أليس كذلك؟ > مجموعة البحث ال تعتقد أنها مظلومة ،وال
تبحث ع��ن اإلن �ص��اف .إنها تحظى باحترام الكتاب ال�م�غ��ارب��ة ،وتحظى بتجاوب القراء المغاربة المهتمين .وذلك يكفيها.
< القصة في المغرب تخطو اآلن سريعا ،وقد
أن��ا أح��س ب��ه وال أتبينه .وق��د راف�ق�ن��ي هذا
اإلحساس منذ البداية .وكل نص كتبته كان محاولة فاشلة لكتابة ه��ذا النص العنقاء. «أرى العنقاء تكبر أن تصادا» يقول المعري. ربما كان هذا النص شبيها ب «السيمرغ» في كتاب «منطق الطير» :ذل��ك الطائر الملك، الذي سافر ثالثون طائرا للبحث عنه وتتويجه ملكا عليهم .لكنهم اكتشفوا في آخر سفرتهم الطويلة أن «السيمرغ» ه��و ه��م .ألن (سي) بالفارسية تعني ثالثين و(مرغ) تعني الطائر. فالسيمرغ تعني (ثالثين ط��ائ��را) .والطائر الملك هو الطيور الشعب.
يقود ذلك لحتفها أو مجدها (األدبي طبعا) .
والنص الذي أبحث عنه ربما كان يتكون من
كيف تتفاعل مع هذا المد؟
كل النصوص التي كتبتها.
اجلوبة -صيف 1431هـ 89
الشاعر الكبير أحمد عبداملعطي حجازي
الشعر لن يموت ..وقصيدة النثر عند الكثيرين ثمرة إنحطاط لغوي. خالفي مع العقاد يعود إلى الرؤية الشخصية لكل منا في الشعر والقالب الشعري. المرأة موجودة في شعري ..ألن الحياة موجودة فيه ..ففي شعري تحس رائحة األرض والتراب والمرأة. > حاوره عصام أبو زيد
شاعر وكاتب مصري ،ولد في محافظة (المنوفية) بمصر ع���ام1935م ،عمل مدير ًا لتحرير القسم الثقافي في مجلة (روز اليوسف) األسبوعية ،ثم أستاذ ًا لمادة الشعر العربي الحديث في جامعة باريس ،ترأس تحرير مجلة (إبداع) األدبية التي تصدرها وزارة الثقافة المصرية ،أصدر عددا من الدواوين الشعرية مثل (مدينة بال قلب) ،و(أوراس)، و(لم يبق إال االعتراف) ،و(مرثية للعمر الجميل) ،و(كائنات مملكة الليل). ويعد من رواد حركة التجديد في الشعر العربي المعاصر .ترجمت مختارات من قصائده إلى الفرنسية واإلنجليزية والروسية واإلسبانية واإليطالية واأللمانية .وحصل على جائزة كفافيس اليونانية المصرية عام 1989م ،وجائزة الشعر األفريقى عام 1996م، وجائزة الدولة التقديرية في اآلداب من المجلس األعلى للثقافة ،عام 1997م. معه كان لنا هذا الحوار:
90
اجلوبة -صيف 1431هـ
م������������������واج������������������ه������������������ات
< م��ا تقييمك للحال الشعرية العربية في الوقت الراهن؟ > ال�ح��ال الشعرية تتمثل ف��ي نقطة أول��ى هي أن العرب ما ي��زال��ون يحتضنون ه��ذا الفن، والدليل على هذا هو ما نراه من مهرجانات تتكاثر يوماً بعد ي��وم ،ويقبل الجمهور على مشاهدتها ،وكذلك ما نراه من احتفال بديوان الشعر الجديد ل��دى الناشرين س��واء كانوا رسميين أو غير رسميين ،وما نراه أيضاً من ظهور أجيال جديدة ال تنقطع من الشعراء، وإن كان هناك انقطاع ..فهو ليس في تدفق األج �ي��ال ،ول�ك��ن يتمثل ف��ي ع�لاق��ة األجيال بعضها ببعض؛ فدائماً هناك مواهب ،ودائماً هناك جيل جديد من الشعراء .إذاً ،ال يوجد انقطاع من الناحية العضوية ،إذا أمكن القول، ول�ك��ن االن�ق�ط��اع ق��د ي�ك��ون قائماً م��ن ناحية أخ���رى ،ه��ي االن �ق �ط��اع المتمثل ف��ي ضعف ال�ع�لاق��ات القائمة بين األج �ي��ال؛ ف��اآلن كل جيل جديد يظهر ..يعتقد أن تقدُّمه مرهون بإنكاره الجيل الذي سبقه ،وكأن الميزة هي في مجرد االختالف ،مع أن االختالف يمكن أن يتحقق بين الشعر الردئ والشعر الجيد، ولكن هذا ليس اختالفاً إيجابياً؛ فاالختالف اإليجابي هو أن يكون شعر الجيل الجديد م �غ��اي��راً ل�ش�ع��ر ال �ج �ي��ل ال �س��اب��ق ،ول �ك��ن مع الحفاظ في الوقت نفسه على القيمة الفنية. هذه المغايرة اإليجابية التي نريدها ،وهي ال تقتضي القطيعة بين األج �ي��ال الجديدة واألج �ي��ال الماضية ،ب��ل على العكس ،هذه المغايرة الفنية تقتضي ع�لاق��ة أوث ��ق؛ ألن العالقة األوث��ق تمكن األجيال الجديدة من استيعاب إضافات األجيال السابقة وتمثلها واإلضافة إليها.
ال تجعلني مقلداً له ،بل على العكس ،ال مث ً أقلده إال إذا اكتفيت بقصيدة أو قصيدتين أو اكتفيت بالمتنبي وح��ده ولم أق��رأ شاعراً آخر ،أما قراءة الشعراء اآلخرين المجيدين من كافة العصور في اللغة القومية ،وأيضاً قراءة المجيدين أو ما تيسر من شعرهم في اللغات األخ��رى ،فإنها تساعد الشاعر على أن يجد نفسه وأس �ل��وب��ه ..ويبلور عبقريته ال �خ��اص��ة وم��وه �ب �ت��ه ،وم ��ن ث��م ي�ك�ت��ب شعراً مختلفاً عن الشعر الذي تتلمذ عليه دون أن ينزل عن المستوى الرفيع المطلوب للشعر. < قصيدة النثر أصبحت هم ًا أساسي ًا من هموم ���روف برفضك ال��ج��ي��ل ال��ج��دي��د ،لكنك م���ع ٌ ل��ه��ا وأص������درت ك��ت��اب�� ًا ف���ي ذل���ك (القصيدة الخرساء)؟ > أنا أقبل قصيدة النثر عندما تكون تجربة، وأرفضها تماماً إذا تصور البعض أنها أفضل األشكال أو أكثرها حداثة ،وألنها في هذه الحالة تصبح وبا ًء كاسحاً ،إنها شكل يعتم ُد على لغة فقيرة من ناحية المعجم ،بسيطة ساذجة من ناحية التركيب ،نثرية من ناحية اإليقاع ..إنها عند الكثيرين ثمرة انحطاط لغوي. < كيف ترى وجود المرأة في شعرك؟
> المرأة موجودة في شعري بقوة ..ألن الحياة م��وج��ودة ف��ي ش�ع��ري ،هناك ص��ور م��ن صور ليس صحيحاً أن قراءتي الجديدة للمتنبي
اجلوبة -صيف 1431هـ 91
تنطق بالحقيقة ..أنت تشير من بعيد لتنجو..
الوجود مختلفة ..هناك مثال ال� �ص ��ورة ال �ت��ي ت��وج��د عليها المرأة في شعر نزار قباني.. < ام��ت��دت إقامتك ف��ي فرنسا إذا تغزل في المرأة فالقصيدة إل��ى ستة عشر ع��ام��ا ،فهل أثرت هي لها ،وبعد ذلك ينتقل إلى ه�����ذه ال���ف���ت���رة ع���ل���ى توجهاتك الوطن ..هذا الفصل بين ما األدبية؟ هو وط��ن وبين ما هو امرأة، > بداية ..أود أن أسجل أن تلك وم��ا ه��و ح��ب ،وم��ا ه��و حياة عصام أبو زيد الفترة كانت من أخصب فترات ل �ي��س ع � �ن� ��دي ..ف ��ي شعري ح�ي��ات��ي ف��ي اإلط�ل�اع والمعرفة، تحس رائحة األرض والتراب فكنت استكمل دراس�ت��ي في الشعر العربي وال �م��رأة ..وه�ك��ذا م��ن دون ف�ح��ش ..المرأة في جامعة فرنسا ،وقرأت خالل تلك الفترة موجودة بنعومتها األصلية ،وبدفئها وأمومتها في علوم كثيرة منها الفلسفة العربية والتاريخ وخصوصيتها وكبريائها ،المرأة بالنسبة إليَّ والنثر العربي واألدب الفرنسي لكبار األدباء، مختلفة ج��داً عن المرأة في الشعر العربي من أمثال فيكتور هوجو .الحقيقة أنها كانت ال�م��رأة التي هي للمتعة أو دمية ،-المرأةف �ت��رة ع �ه��دت فيها إل ��ى تثقيف نفسي في عندي الحب ،الرفيقة ،مصدر من مصادر مختلف فروع اآلداب والعلم ،ما زاد من أفقي الحياة والمعرفة ،ولهذا وج��وده المتميز في الثقافي والمعرفي. شعري الذي يؤك ُد خصوصيتها ودورها. < ه��ل تعتقد أن ال��ش��ع��ر اس��ت��وع��ب ك��ل هموم < م��ا رأي��ك ف��ى ق��ول بعض النقاد إن الثقافة الفرنسية هي أحد روافد الثقافة العربية؟ المواطن العربي؟
> هذا القول فيه كثير من التجني على الثقافة الفرنسية ،فالتاريخ والثقافة الفرنسية ال يمكن أن ينكره أح��د ،فهي الثقافة الحرة وال ��رائ ��دة ف��ي أوروب � ��ا .ول �ك��ن ي�م�ك��ن القول أن الثقافة العربية ت��أث��رت بشدة بالثقافة الفرنسية نظرا ألن معظم األدباء والمثقفين العرب درسوا في فرنسا.
> ال ..ألن مشكلة الشعر ،ومشكلة أي ف��ن - وب�خ��اص��ة ف��ي ال�ل�غ��ة ال�ع��رب�ي��ة -أن�ن��ا نعرف العالم عن طريق األدوات ،هذه األدوات إذا كنا نتحدث عن الشعر ،فالشعر لغة ،واللغة ليست م�ج��رد ك�ل�ام ،ول�ك��ن م �ف��ردات تسمى األشياء ..إذا كانت عندنا مفردات ال تسمي األش�ي��اء ،أو مفردات ال تسمي كل األشياء، أو مفردات تسمي األشياء ولكن من بعيد < ..ك��ي��ف ت���رى ال��ق��ص��ائ��د ال��ت��ي ي��ت��م ن��ش��ره��ا في أي معرفة ناقصة بالعالم .لألسف الشديد الصحف والمجالت؟ أن لغتنا العربية -حتى ه��ذه اللحظة -ال > القصائد المنشورة في العديد من الجرائد نستطيع أن نمضي ف��ي إحيائها إل��ى نهاية والمجالت ..وأتابعها ،تدل على أن المسؤولين الطريق ..بمعنى أن هناك عوامل كثيرة جدا عن صفحات الثقافة في حاجة إلى مراجعة، أسهمت في إبعاد اللغة .تسمية األشياء بدقة فالمشرف على تلك الصفحات يجب أن يكون هي بالضبط األسباب ذاتها التي تمنعك أن متخصصا في اآلداب والثقافة ،أم��ا أغلب
92
اجلوبة -صيف 1431هـ
< تطور الشعر مرهون بتطور اللغة ،فما رأيك ف��ي ال��ح��ال ال��ت��ي آل��ت إليها اللغة العربية اآلن؟ > اللغة مرآة الواقع ،تتأثر به جل التأثر .فنحن في البالد العربية ،نعيش حالة من التخبط، ما أثر بالسلب على اللغة العربية ،فظهرت كلمات خاصة على لسان الشباب تعكس مدى اليأس واإلحباط الذي يتعرض له .والتطور *** ال يبدأ م��ن اللغة ،ب��ل إن��ه يبدأ م��ن الواقع، الموت في الميدان طنّ واالرتقاء به ..ومن ثم تتطور اللغة. العجالت صفّرت ،توقّفت < خضت في حياتك األدبية كثير ًا من المعارك، قالوا :ابن من؟ فكيف ترى معركتك مع عباس العقاد؟ ولم يجب أحد > ب��داي��ة أؤك���د أن ع �ب��اس م�ح�م��ود ال �ع �ق��اد من فليس يعرف اسمه هنا سواه! القامات األدبية والفكرية العربية التي ال يمكن يا ولداه! ال�خ�لاف عليها ،أو تجاهل دوره��ا ف��ي تطور قيلت ،وغاب القائل الحزين، الثقافة العربية .أما عن خالفي معه ،فيرجع والتفت العيون بالعيون، ذلك إلى الرؤية الشخصية لكل منا في الشعر ولم يجب أحد والقالب الشعري .فالعقاد يرى أن شعر التفعيلة فالناس في المدائن الكبرى عدد هو الشكل األوحد للشعر العربي ،والذي يجب جاء ولد أن نلتزم به .أما أنا فأعتقد أن الشعر حالة مات ولد! من االنفعال والمثل األعلى ،يعبر عنها الشاعر الصدر كان قد همد عض في التراب كف ّ بأي أسلوب وأي شكل ،لذلك كتبت القصيدة وارت ّد ّ العمودية بجانب النثر وشعر التفعيلة. وحملقت عينان في ارتعاب وظلّتا بغير جفن! من قصائده الموت في الميدان طنّ حط كالكفن الصمت ّ وأقبلت ذبابة خضراء جاءت من المقابر الريفيّة الحزينة ولولبت جناحها على صبيّ مات في المدينة فما بكت عليه عين!
م������������������واج������������������ه������������������ات
المشرفين الحاليين على تلك الصفحات فهم ليسوا متخصصين ..وهذا يضعف من قيمة صفحة الثقافة.
***
قد آن للساق التي تشرّدت أن تستكن! وعندما ألقوه في سيّارة بيضاء حامت على مكانه المخضوب بالدماء ذبابة خضراء!! (يناير )1958
اجلوبة -صيف 1431هـ 93
حوار مع الشاعرة والكاتبة العمانية فاطمة الشيدي
> أجرى احلوار أحمد الدمناتي*
شاعرة وكاتبة وَهَ ب َْت نفسها للقصيدة بإخالص عميق ،ودخلت فلوات اللغة الشعرية بطفولة بهية أكثر اخضرارا ،وكلما نادتها نوارس الحنين والجنون لطقوس الكتابة.. استعجلت االن��خ��راط في م��ح��اورة الصمت والنسيان وال��ك�لام األكثر أل��ف��ة ..مبتهجة بخالخيل الزرقة ،وكأن اإلبداع انتساب لزمن وجودي وشعري وإبداعي آسر. جاء هذا الحوار ليبوح بأسرار كانت هناك معلقة على شرفات القصيدة. ص � ّف��ق ل �ه��ا ال �ق��ري �ب��ون ب �ن � ّي��ة التشجيع < هل يمكن تذكر مالمح طفولتك الشعرية وال��دع��م ..حتى ول��و كانت هشة وبدئية األولى ،وعناقك األول مع بهاء الكلمة!؟ وعفوية ،التشجيع ال��ذي جعل اإليمان > ال يمكنني نسيان الطفولة ..ألنها بدايات بالكلمة يضع بصمته األولى في الذاكرة الصمت ..ال�ك�لام ..العثرات ،كما أنها والمخيلة وال���روح ،وي��وط��ن ال�ع��زم على بداية الوقوف الصامد أمام زلزلة القادم ترسيخ تلك البدايات الساذجة لحالة والمتبقي من العمر .إنها أرواح تخترقك م � � �ش� � ��روع حقيقي ك�ل�م��ا ت �ق��دم العمر، وم��م��ت��د ،وم� ��ا ي ��زال وأم� �ك� �ن ��ة ت ��زي ��ح ما القصيدة النسائية جزء ال يتجزأ يجد كل محاولة هي يأتي لتتربع وحدها م���ن خ���ارط���ة ال��م��ش��ه��د الثقافي م� �ح ��اول ��ة أول� � ��ى؛ أو ع �ل��ى ع� ��رش ال� ��روح وال���ش���ع���ري ال���ع���رب���ي والعالمي. محاولة طفلية إن صح والذاكرة والكالم. التعبير .وه��ذه أيضا أم ��ا ط�ف��ول��ة الكلمة ال يمكن نسيانها .وهناك طفولة الروح فهي حالتان؛ األول��ى :الخربشات التي التي أح��اول جاهدا أن أجعلها تستمر
94
اجلوبة -صيف 1431هـ
< كيف تنظرين إلى القصيدة النسائية في العالم العربي داخل خريطة الشعر العالمي!؟ > القصيدة النسائية ج��زء م��ن خ��ارط��ة المشهد الثقافي والشعري العربي والعالمي ،ج��زء ال يتجزأ ،وال ينفصل ،وال يمكن النظر إليه بمعزل عن ذلك ،أو في حالة فصل أو عزل أو إقصاء أو تحجيم خارج ذلك المشهد اإلبداعي التاريخي والممتد ،هكذا أنظر إليها ..وهكذا ينبغي النظر إليها فقط. < والدة قصيدة ,انتصار على خراب وخواء العالم, أم مصالحة مؤقتة مع انكسارات الذات؟!
< كيف ينظر النقد العربي إلى القصيدة التي تكتبها امرأة؟!
> في مثل هذا السؤال ال نستطيع التعميم ،هناك نقد موضوعي ينظر لقصيدة المرأة على أنها نص ،وهذا النص جزء من النص اإلبداعي في المشهد الثقافي الشعري والعربي بشكل عام، نص يحتمل القوة والضعف ،والجمال والقبح، والقوة والهشاشة ،ومن ثم يمكننا أن نطلق على هذا التقييم أنه نقد ،ألنه يحمل نظرة موضوعية وراقية ومحايدة تماما .ولكن هناك من ينظر لها (مسبّقا) على أنها نتاج أنثوي؛ يعني نتاج ضعف، ومن ثم فهو نص ضعيف ،وه��ذه نظرة ذكورية محكومة بهاجس الذكر العربي ،وفكرة اإلعالء واالس�ت�ع�لاء حتى ف��ي تقييم المنتج الثقافي، وه �ن��اك م��ن ي�ق� ّي��م ه ��ذا ال �ن��ص ح�س��ب كاتبته العتبارات الزمان والمكان ،والشكل الخارجي أحيانا أيضا!
> وهل المصالحة مع ال��ذات إال حالة انتصار - ولو مؤقتة وجزئية -على خراب وخواء العالم؟! إن والدة قصيدة يعني تجسير الحلم والتفاؤل بين ال��ذات والعالم ،وتأخير الموت قليال عن ال� ��روح ال�م�ح�ك��وم��ة ب��ال��وج��ع وال �ت �ل��ف والعطب > سلفا ،أو وض��ع ملصق ابتسامة أو آه��ة -ال ف��رق -على قلوب تحكمها المادية ،وتسير في دروب العدم .والدة قصيدة هو االنتصار للحلم والكلمة وال��روح .هو حالة تشبه تصنيع المطر لتتورد األرواح قليال ،أو االغتسال في بركة من الموسيقى ،أو في زخات من نفاف اللغة العذب. أو التمرغ في سديم من الحنان البض والحقيقي وغير المصنوع حتى البكاء .إنه الشعور بوحشية اللذة المتسربة من عمق ال��روح حتى شهقات
م������������������واج������������������ه������������������ات
وت � � ��ورق وت� �ت ��رب ��ع على ال �م �م �ك��ن والمستحيل م� � ��ن ال�� � � � � ��ذات؛ حتى أحتفظ بطراوة الحياة وال� �ك� �ل� �م ��ة ،ودهشتها وبكارتها ،وأجد للكتابة طُ �ع��م م�ش��اغ� ٍ�ب يتصيد سمكاتها الصغيرة، وعصافيرها البضة ،وأحالمها الغائبة.
القصيدة ال تحفل بجدول م��واع��ي��د ك��ات��ب��ه��ا وال زحمة وق��ت��ه وأج��ن��دة أي��ام��ه ،تأتي وقت ما تريد وكيفما شاءت
األلم .والدة قصيدة هي الحالة ال�م�ع��ادل��ة للضحكة الجارحة، والحب السعيد.
< في الشعر متسع للجنون والدهشة ,أيكفي هذا الجنس اإلب��داع��ي لشغب التمرد وف��رح البوح وشطحات الذاكرة في انفتاحها على العالم!؟ الكتابة في األع��م هي التي تكفي! أم��ا الشعر فهو جزء من الكتابة اإلبداعية ،ووفق محددات الشعرية ال�ت��ي تقتضي التكثيف واالختزال، وإعمال المخيلة البتكار صورة جديدة وحيّة ،مع ضرورة لسعة شعورية حادة ليأتي النص الشعري متصاعدا وعذبا ومغداقا وحارقا ،بمعنى آخر يستطيع أن يكون نصا شعريا حقيقيا ،وليس متشبها وال مشتبها.. ك��ل ه��ذا يجعل الشعر كائنا برزخيا نوعا ما،
اجلوبة -صيف 1431هـ 95
يجعله نصا متعاليا وفوقيا قليال، ل ��ذا أظ �ن��ه ب ��دأ ي�ض�ي��ق بالجنون والدهشة -حتى وإن انتثر -أو بدأت تضيق عليه ،النص النثري – عموما ومطلقا -بروحه الشعرية ولغته األكثر سيالنا وجريانا ،هو األك�ث��ر ج��رأة ف��ي إس�ع��اف الناص على شغب التمرد على األشكال، وعلى التداعي م��ع ال�ب��وح ،وعلى شحذ الذاكرة ،وفتح بوابات الروح على المطلق والحتمي من التشكل والتشيؤ في ال انبتات عام وكلي ب��ات�ج��اه ال�ع��ال��م وال � ��ذات ..النص المطلق الروح ،المنفتح الجناحين، الصعلوك اللذيذ في خروجه على م��ؤس �س��ات ال�ش�ك��ل والمضمون، النص الذي يأتي متشكال قصيدة مفتوحة األط� ��ر ،ون �ص��ا مفتوحا م �ت �ح��دا/م �خ �ت �ل �ف��ا م ��ع األشكال والمضامين بكامل تحديداتها، وتكويناتها الجاهزة والثابتة. < القصيدة خائنة المواعيد بامتياز، وم��ت��م��ردة على أدب��ي��ات اللقاءات الروتينية ,ما هو الوقت الجميل للقبض على دهشة القصيدة وحرائقها الباذخة!؟ > ألن�ه��ا خائنة وم�ت�م��ردة ب �ح �دّة وش� �دّة ،وبمهارة وقسوة ،وبعبث ودالل ،وبوعي والوع��ي ،وبحزم وعزيمة المتحكم ع��ن شغف وم �ق��درة ،وألنها تدرك أن لها كل األوقات ،وللكائن الذي تسكنه بعض وقتها ،وألنها ال تبالي به ،ويراقب وقتها «مراقبة المشوق المستهام» ،فال وقت للقبض على القصيدة غانية ال �م��اء ،وش�ه��وة الظالل، * شاعر وناقد من المغرب.
96
اجلوبة -صيف 1431هـ
ألن�ه��ا ال تتصل لتحجز م��وع��دا قبل المجيء ،وال ترسل «إيميال» ،وال حتى «مسجا سريعا» ،فهي ال تحفل بجدول مواعيدك ،وال زحمة وقتك ،وأجندة أي��ام��ك ،إنها تأتي فقط وقتما تريد هي ،وكيفما شاءت ،وشاء لها المزاج ال�ش�ع��ري ال�م�ت�ب�دّل ،كطقس خريفي أهوج ،تركب أول طائرة وآخر قطار، وأسرع سيّارة ،وقد يطيب لها أن تركب عربة بطيئة في طريق ترابي ،أو تدلي أرجلها من ظهر فرس أو ناقة أو حتى حمار في طريق صحراوي طويل ،وقد تلمح ظلها فجأة في طائرة شراعية، أو في صارية وسط عاصفة هوجاء. فتظن أنها قادمة إليك بعد قليل فال تأتي! وف� �ج ��أة ت �ح��ل ف ��ي دم���ك بمنطادها السري بعبث ومودة جارحة ،وتجلس بين جنباتك قليال ،فتمني الروح بأن تقبض على جسدها البض بين يديك أط��ول وق��ت لتدلل آه��ات��ك ،وتسعف شوقك وحنينك الطويل والممتد لها، بحرقة زمناً ٍ أو لتشعل رمادك الغافي في قرارة روحك بحرائق بالغية وشعرية ،ولكن ما هي إال سويعات أو لحظات لتجدك كالقابض على الماء ،وتجدها بزئبقيتها خارجك ،تلوّح لك، وقد تمد لك لسانها شغبا طفوليا عذبا ،وتعدك بزيارة قريبة قادمة .فتسرف في لهفة االنتظار، حتى إذا خاب ظنك وظننت أنها هجرتك لألبد؛ تسمع هسيس نداءاتها في روحك وقلبك وحسك قصيدة دموية شاحبة حارقة؛ وهكذا ال وقت للقصيدة ،وال ميقات ..إال الحرقة وما شاء لها الحزن والشعر!!
جولة عربية في رحاب الصني
> جعفر العقيلي*
ن����������������������������������واف����������������������������������ذ
«في مدار التنني»
يتناول كتاب «في مدار التنين» للشاعر السوري -المقيم في (أبو ظبي) -علي كنعان ،ش��ذرات من رحلته التي امتدت ألسبوعين في رحاب الصين ،متجو ًال في العاصمة الصينية وض��واح��ي��ه��ا ،وط��ائ��ف�� ًا ب��ي��ن ص��روح��ه��ا ال��ح��دي��ث��ة ومعالمها التاريخية؛ وأبرزها السور العظيم ،ومدافن المينغ ،والكهوف. يلفت كنعان في مستهل كتابه إل��ى النهج الذي اتبعه في تدوين انطباعاته ،بقوله« :يبدو لي أن البالد التي نزورها ونطوف بين معالمها ال نراها على حقيقتها ،وال نستطيع اإلحاطة بتفاصيلها الواقعية ،إنما نستكشفها ونتجول بين مرآة الذات فكراً وعاطفة وذائقة». اس��م ال�ك�ت��اب« ،م ��دار التنين» ،يحيل إلى األجرام الفلكية المعروفة في الصين ،ويوضح كنعان سبب اختيار هذا االسم لكتابه بقوله: «ك��ان هاجسي أن أغ��وص ف��ي م��دار التنين، وأمتع نفسي بمعرفة ما أمكن من تراث هذا العالم الجديد وثقافته العريقة» ،ويذهب إلى يفصل في رموز األجرام أبعد من ذلك ،حين ّ الفلكية؛ حيث تمثل الشمس ف��ي األساطير الشرقية رم��زاً للرجل ،ويمثلها على األرض اإلمبراطور ،بينما يرمز القمر بلطفه األنثوي للمرأة ،والنساء مراتب ودرجات ،واإلمبراطورة هي المرأة الوحيدة التي تمثل البدر في ليل تمامه .أما التنين في الحضارة الصينية ..فهو
رمز للخير والسعادة والخلود والقوة ،كما أنه رمز اإلمبراطور وسلطانه ،لذلك يكثر رسمه على الثياب والجدران واألدوات وحتى الدمى والملصقات اإلع�لان�ي��ة ،وم�ن��ذ 226 – 206 معان رمزية قبل الميالد ،صار التنين يحمل ٍ وفقاً للونه؛ أحمر ،ذهبي ،أبيض أو فيروزي. ويُ � َع � ّد ال �م��اء العنصر ال�خ��ام��س م��ن عناصر الفلك الصيني ،ويقابله عطارد من الكواكب. والعناصر األربعة األخ��رى هي على التوالي: الخشب ،النار ،التراب ،المعدن ،ويقابلها من الكواكب :المشتري ،المريخ ،زحل والزهرة. ي�ت��وق��ف ك�ن�ع��ان ع�ن��د ال�ع�لاق��ة ال�ت��ي تربط الصين بالطبيعة ،انطالقاً من أن الطبيعة هي األم الكبرى .ويتحدث عن الفرق بين الشرق والغرب ،الذي جعل من الطبيعة عدواً محكوماً بالقهر واالستنزاف والتدمير ،وتلك -بحسب ما يرى -تمثل الهوة السحيقة الفاصلة بين عالمين وفلسفتين ومنهجين متناقضين؛ أحدهما يسعى إل��ى بناء حضارة البشر ،وهاجسه أن
اجلوبة -صيف 1431هـ 97
يسود التفاهم والمحبة والتعايش والسالم في شتى غريباً أن تجد كلمة «هارموني» في كل مقالة تتحدث أرجاء األرض ،والطرف اآلخر يخوض معارك النهب عن الفن ،الشعر ،العمارة ،الطعام ،تصميم الحدائق واإلب��ادة والتدمير .إنها فلسفة «فاوست» الجهنمية وال�م�ع��اب��د وال �ق �ص��ور ،وح�ت��ى ف��ي ال�ع�لاق��ة الزوجية في الحصول على المعرفة المطلقة. والتآلف بين الجسد والروح وبين األرض والسماء». هذه العالقة الرقيقة مع الطبيعة ،يبوح بها كنعان من خ�لال تجواله واصفاً ش��وارع المدينة المطرّزة بالشجر ،والمباني غير المرتفعة ،مع خلو المدينة تقريباً من األب��راج التي تناطح السحاب ،وانتشار المطاعم الصغيرة ذات الواجهات المزينة بقناديل النور ..هنا ،يتأمل الكاتب في ف��رادة شعب الصين الذي يستغرق في بنيان حضارته بعيداً عن السعار الغربي الموسوم بالنهب والعدوان والحروب ،ليؤكد: ال «لعل التاريخ هنا يفرض ح�ض��وره وت��أث�ي��ره ،فض ً عن الموقع الجغرافي مترامي األط��راف ،فالصين هي القوة الوحيدة في العالم التي لم تلوث تاريخها الحضاري المشرق بمخازي االستعمار وكوارثه ،رغم المعاناة الطويلة التي كابدها الشعب من قوات الغزو واالحتالل» .هذه الحقيقة التاريخية ،بحسب الكاتب، يصوّر الكاتب اإلرهاصات التي شهدتها الصين هي ما جعل الشعوب المظلومة تنظر إل��ى الصين قبل بلوغها هذه المرحلة من التقدم ،مشيراً إلى رواية بأمل وإعجاب ،وتحاول مدَّ جسور عالقة إنسانية «األرض الطيبة» لألميركية «بيرل باك» الحائزة على معها محكومة بالمودة والتفاهم والمساواة. جائزة نوبل ،التي رصدت حياة الفالحين في الصين تعتز الصين بأحيائها القديمة ،وتُوليها عناية مطلع الثالثينيات من القرن الماضي ،عبر مَشاهد فائقة .ه��ذا م��ا يتلمسه ال�ق��ارئ عبر وص��ف كنعان فاجعة من البؤس والشقاء ،وتمثلت أولى اإلرهاصات ّ لألزقة الضيقة في تلك األحياء التي تتميز بصف نحو التحرر بثورة «ماو تسي تونغ» ورفقائه ضد قوات من األشجار المعمّرة التي تحظى بعناية كبيرة ،وال «شان كاي تشيك» ،وكان للثورة دور كبير في انتصار يُسمح بقطعها أو المساس بها ،إذ ثُبتت على جذع كل فيتنام. واحدة منها بطاقة معدنية تحمل رقماً خاصاً ،وتتمتع وما تزال الصين تسير في طريق إنجاز نهضتها كل شجرة «هرمة» بحوض معدني أو رخامي يوفّر لها الحماية من أيدي العابثين .وليس مستغرَباً والحالة ال �م��أم��ول��ة ،بتصميم وث �ق��ة ..ب�ع�ي��داً ع��ن االرتجال تلك ،أن جميع عمليات الترميم للمباني القديمة -كما والمغامرة ،حيث توافرت لها عوامل النهضة بأركانها يصف الكاتب -تجري يدوياً ،ولعل ذلك بسبب وفرة الثالثة :ال�ق��وة البشرية ،العمل الجماعي الدؤوب اليد العاملة وض��رورة تشغيلها للحد من البطالة ،والعقل المنفتح ،ثم اإلرادة الحرة الواعية التي تشكل رغ��م أن الصين من ال��دول المتقدمة في الصناعة اإلطار الناظم الذي يجمع هذه العناصر معاً. تتربع الصين ال�ي��وم ف��وق ك�ن��وز تراثية فريدة، والتكنولوجيا ،فالعمل هو القيمة األولى واألهم إلى جانب العلم وتحقيق االنسجام والتناغم في كل خطوة ك��األض��رح��ة اإلم �ب��راط��وري��ة ال��واق �ع��ة ف��ي الجنوب ومع كل إنجاز .يقول الكاتب في هذا السياق« :ليس الشرقي من العاصمة .وفي رحلته ،يعرج كنعان على الحكمة ما تزال منارة يهتدي بها شعب الصين، ويترجمها واقعاً ملموساً عبر بسمة آس��رة ومعاملة لطيفة ،من الحكم التي ينقلها الكاتب ،أن المعلم «تشانغ تسونغ» كان في أواخر أيامه حين جاء تلميذه «الوتسي» إلى عيادته للتزود من خالصة حكمته .قال التلميذ اللبيب« :أال تزودني بآخر كلمات الحكمة ،يا معلمي؟» .أجاب المعلم« :عليك أن تنزل من عربتك حين تمر ببلدتك األم» .ق��ال «الوت �س��ي»« :ن�ع��م يا معلمي ..هذا يعني أن على اإلنسان أ ّال ينسى أصله». واستمر الحديث بين المعلم والتلميذ حتى استقى التلميذ حكمة المعلم األخيرة« :ال شيء في العالم أطرى وال أندى من الماء ..ومع ذلك ليس في الوجود ما يفوقه في التغلب على األجسام الصلبة».
98
اجلوبة -صيف 1431هـ
شُ يدت بها ،ويزور مسجداً في أحد األحياء القديمة، وعدداً من مكتبات بكين وسوق الحرير فيها.
ينضوي ال�ك�ت��اب تحت م��ا يمكن دع��وت��ه «أدب ال��رح�ل�ات» .وي��ر ّك��ز ال�ك��ات��ب على ت��اري��خ المناطق التي زاره��ا في الصين واصفاً معالمها العمرانية واالجتماعية ،ناظماً ذلك وفق نظرة تحليلية ذاتية
ن����������������������������������واف����������������������������������ذ
ضريح اإلمبراطور جو دي ،الذي ازده� ��رت رح�ل�ات ال �ب��حّ ��ارة في عهده ،حيث قام القبطان المسلم «جينغ خيه» بسبع رحالت قطع ال خاللها المحيط الهندي ..متنق ً بين موانئ الهند ،ومتقدماً حتى ال س��واح��ل بحر ال �ع��رب ،مواص ً طريقه غرباً حتى تجاوز كينيا وبلغ تنزانيا ،وهنا يلفت الكاتب النظر إلى أن تلك الرحالت تؤكد أن ب��حّ ��ارة ال�ص�ي��ن األوائ� ��ل هم ال��ذي��ن اكتشفوا العالم الجديد في أميركا وأستراليا ،قبل رحالت ماجيالن وفاسكو «في مدار التنين» هو اإلص��دار األول من كتاب دي جاما وكولومبس بمئات السنين. مجلة «ال ��راف ��د» ال �ت��ي ت �ص��در ع��ن دائ� ��رة الثقافة أما سور الصين العظيم المتعرج ،فيصفه بأنه واإلع �ل��ام ف��ي ال �ش��ارق��ة ،وق ��د ج ��اء ه ��ذا الكتاب «تنين أسطوري هائل» ،ألن اتجاه القمم والحواف تجسيداً ل��رؤى المجلة ،وه��و ما يمكن تلمّسه من المسنّنة للجبال التي أقيم عليها ،هي التي تحكّمت الكلمات التي ثُبتت على ال�غ�لاف األخ�ي��ر للكتاب بانعطافاته المتعددة ..والتواءاته الحادة ،ليشكل وجاء فيها« :بعد أن فاضت «الرافد» باتساقاتها مع خطاً دفاعياً حصيناً ال مثيل له في التاريخ ،وكان سؤال الوعي والثقافة ،وأصبحت مفرداتها مشمولة قادراً على صد الغزوات الهمجية القادمة من قبائل ب��ال��ذاك��رة المعرفية العربية واإلنسانية ،وتداعت الشمال ،حيث يذكر المؤرخون-بحسب الكاتب -ملفاتها الشهرية م��ع أب ��رز القضايا والمواضيع أن الحاالت القليلة التي جرى فيها اختراق السور اإلشكالية في سؤال الوعي والوجود ،ومعنى القامات واج �ت �ي��ازه م��ن المعابر الحصينة ،ل��م تكن بسبب واإلن�ج��ازات ..ها هي تواصل درب العطاء النوعي نقص أو خلل في بنيته ،إنما بسبب ضعف الحكومة من خالل تكريس كتابها الشهري ..ليكون رافداً من روافد الرسالة ،وفضاء متجدداً لإلقامة في أزمنة وعجزها أمام القوة المهاجمة. يواصل القارئ جولته الورقية في رحاب الصين ،الفكر والفن والثقافة ،وساحة إبداع تتسع له الرؤى حيث يصحبه كنعان إل��ى المعابد معرّفاً بطقوس والمقاربات ،والحضور الناجز للثقافة العربية من ال�ع�ب��ادة ف��ي ك��ل منها ،وت��اري�خ�ه��ا ،والطريقة التي الماء إلى الماء». تعتمد ثقافته وخ�ب��رت��ه وسعة اطّ �لاع��ه وتجربته الشخصية، ب� �م ��ا ي� �س ��م م� �ف ��اص ��ل الكتاب بـ»المثقفة» .وقد اعتمد كنعان لغة تقارب الشعرية ،وال تخلو م��ن ج�م��ال�ي��ات ال �ص��ورة الفنية وس�ل�اس���ة ال� �س���رد والتحليل المشوق ،والبساطة والوضوح في تناول تفاصيل األمكنة ،حتى لَيشعر القارئ كأنما يسير في رحاب الصين ،متجوالً في تلك األماكن ..ورائياً لها رؤي العين.
وال يسع المرء -وهو يقلب صفحات كتاب تتسع له الجيب -إال أن يقدّر الدور الذي تسهم فيه مجلة «الرافد» ،وال��ذي يُضاف إلى ال��دور الطليعي الذي تضطلع ب��ه مطبوعات عربية ل��م ت ��أ ُل ج �ه��داً في تكريس خطاب الثقافة ال��واع��ي والمتحضر على صفحاتها.
* كاتب أردني.
اجلوبة -صيف 1431هـ 99
العربي ..بني اجل ّد والهز َل أدبُنا ُ > راضي صدوق*
إذا كان األدب في الماضي قد عانى من هزال الصورة واإلطار معا ،فإن نماذج كثيرة من األدب اليوم هازلة عابثة ،ولكن من نوع جديد. عانى أدبنا العربي-شأنه في ذلك شأن آداب األمم األخرى -من تمزق وركود في بعض مراحله التاريخية عندما كانت شمس الحضارة تغيب عن أرض العرب .وفي تلك المراحل الراكدة ،نبت نوع عجيب غريب من اآلثار األدبية الشاذة في هزلها وعبثها ،وبخاصة في المراحل الواقعة تاريخيا بين سقوط بغداد في أيدي التتار ،ومطالع عصر النهضة الحاضرة. وقد قمت بجولة سريعة في بعض الكتب التراثية التي ت��ؤرخ لهذه المرحلة من رك��ود األدب العربي، فوقعت على الكثير من نماذج الهزل والعبث العربي، وبخاصة في «الكشكول» و«المخالة» لبهاء الدين العاملي ،ومقامات الحريري ،ومقامات الهمذاني، ودي��وان إبراهيم اليازجي ،ودي��وان حسن العطار، وغ�ي��ره��ا م��ن الكتب وال ��دواوي ��ن .وق��د ات�خ��ذ هذا الشذوذ األدبي الهازل له أسماء فنية توارى خلفها، من ذلك (رد العجز على الصدر) في الشعر ،كما نرى في مثل هذا القول: ب�����أب�����ي ظ����ب����ي ت����ث����ن����ي ف������ي ال����رب����ى ف������ي ال������رب������ى ظ����ب����ي ت����ث����ن����ي ب���أب���ي واه����ب����ي ف����ي ال���ق���ل���ب ن�������ارا أس���ع���رت أس����ع����رت ف����ي ال���ق���ل���ب ن�������ارا واه���ب���ي وف��ي «المقامة الحلبية» أبيات كثيرة من هذا ح�������ل ب�������ي م�������ن ح�����ب�����ه م�������ا ه���ال���ن���ي ه�����ال�����ن�����ي م�������ن ح�����ب�����ه م�������ا ح�������ل بي القبيل ،تبعث على الضحك والسخرية ،ناهيك عن سخيف الصياغة النثرية التي تبادِ هُنا في مقامات ف���اس���ك���ب���ي ي�����ا ع����ي����ن دم����ع����ا دائ����م����ا دائ�����م�����ا ي�����ا ع����ي����ن دم����ع����ا فاسكبي الحريري كلها ،ولعل في سوق المثال التالي بعض
وهناك عينات كثيرة من هذا القبيل ،تكاد تكون معروفة ل��دى المثقفين ،وه��ي مليئة بالمحسنات اللفظية وال�ب��دي��ع وال�ج�ن��اس ،وال�ط�ب��اق ،والتورية اللفظية ،واإلغراق والتفنن في العبث كحشر حرف معين ،وت �ك��راره ،ف��ي ك��ل كلمة م��ن كلمات البيت الواحد ،من أمثلة ذلك: -1أواري أواري وال����دم����وع تبينُه وك���م ُرم���ت ُإط���ف���ا َء اللهيب وق���د وَقد ُ -2ف�لا ت��ع��ذل��وا م��ن غ��اب عنه حبيبه فمن فقد المحبوبَ مثلي فقد فقد -3ط ــرقت البـ ــابَ حتى ك ـ ـ ـ ــلً مَتني فلم ـ ــا ك ـ ـ ــلً متن ـ ــي كلمتن ـ ــي ���س���ل���وِ ِ ���اس ال ُ ���س ل���ب ُ -4س�ل�ان���ي ول���ي َ ���ب ُح����س����نَ ِس����م����ات ِ النفيس ي���ن���اس ُ
100اجلوبة -صيف 1431هـ
«فقال له أحسنت يا بُدير ،يا رأس الدًير .ثم قال بصنوه ،إذن يا نويرة ،يا قمر الدُويرة، لتلوه ،المُشتبه ِ ِ فدَنا ولم يتباطأ ،حتى حل ً منه مقعد المُعاطي، فقال له أج ُل األبيات ِ العرائس وإن لم يكنً نفائس، فبرى القلم وقط ،ثم احتجز اللوح َوخط: ف����ت����ن����ت����ن����ي ف����ج����ن����ن����ت����ن����ي ت���ج���ن���ي ب�����ت�����ج�����ن ٍ ي�����ف�����ت�����ن غ��������ب ًت����ج����ن����ي ش��غ��ف��ت��ن��ي ب��ج��ف��ن ظ���ب���ي ٍ غ���ض���ي���ض ٍ غ����ن����ج ٍ ي����ق����ت����ض����ي ت����غ���� ُي����ض َج���ف���ن���ي
وليس خافيا على أي قارئ أن مثل هذه األبيات، ال يمكن أن ت �ص��د َر ع��ن روح ٍ ش��اع��ري��ة صافية، ج��ادة ٍغير هازلة ،ونفس ٍرائقة ٍغير شوهاء ،ذلك أن الصناعة بأجلى ص��وره��ا ،ت�ب��دو ب��وض��وح ٍفي كل كلمة ٍ من هذه األبيات ،وكذلك العبث والهزل والتبجُ ح بالقدرة على النظم ،بل تعداه إلى صميمية الموضوع ذات��ه ،ب��دال ًم��ن أن يعمد أصحابها إلى االغتراف من أنفسهم ،وتصوير خلجاتها على أروع ثم يمضي في ذلك إلى أن يقول« :أكتب األبيات وأدق ما يكون التصوير .وغالبا ما كانوا يهدرون المَتائيم ،وال تكن م��ن المَشائيم ،ف�ت�ن��او َل القلم قدراتهم ومواهبهم في وصف (ممسحة) أو سجادة أو قلم حبر ،وغير ذلك من األمور المهملة التي ال َالمُثقف ،وكتب ولم يتوقف» : تصلح أن تكون موضعا ً لشعر شاعر ٍ جاد .وليس ���������ب ب������ق������د ٍ ي�����ق�����د ُزيً����������ن����������ت زي���������ن ٌ وت�������ل������اه ُوي��������ل��������اه ُ ن�������ه�������دٌ ي�����ه�����دُ أعجب َوال أدعى إلى الضحك من أ ًن ثالثة شعراء تنافسوا ف��ي (ال �ت �غ��زل) بممسحة قلم ح�ب��ر ،قال ُج���ن���دُ ه���ا ج���ي���دُ ه���ا وظ�����رف ٌ وط�����رف ٌ ن�����اع�����س ٌ ت�����اع�����س ٌ ب����ح����د ٍ يَ����ح����دُ القاضي الفاضل (كان الوزير األول للفاتح صالح الدين األيوبي): ق�����دره�����ا ق������دره������ا ،وت�����اه�����ت وب���اه���ت واع�����ت�����دَت واغ������ت������دَت ،ب���خ���د ٍ يَ���خ���دُ م��������م��������س��������ح��������ة ٌ ن�����������ه�����������ا ُره�����������ا ُي�������������ج�������������نُ ل�����������ي�����������لَ ال���������ظ���������ل���������م ِ ف�����ا َرق�����ت�����ن�����ي ف�����أ ًرق�����ت�����ن�����ي وشَ ����ط����ت ُوسَ ������ط������ت ث������مً ن�����م ً َوج��������د ٌ وج���د ك�����������أن�����������ه�����������ا م����������������ذ خ���������ل���������ق���������ت ِ م�������ن�������دي�������ل ُ ك�����������م ٍال��������ق��������ل��������م ِ ������دي������ت وحَ ������ن������ت وح����يً����ت ف������ َدن������ت ف ٍ وقال نور الدين بن المغربي (من شعراء الدولة ���ض���ب���ا ً مُ ���غ���ض���ي���ا ً يَ��������وَد ُ يُ����ود ُمُ ���غ َ ولست أري��د لنفسي أن تسترسل غائصة ًفي األيوبية): ن�م��اذج ه��ذا ال�م��روق والسخف والتصنع ،فهي لو وم���م���س���ح���ة ٍالح�������ت ك����أف����ق ٍ ت�����ب�����دً دت ُب��ه قطع ُ ال��ظ��ل��م��اءِ وال��ص��ب��ح ُ طالع إلي شوها َء وقد فارقها صفاؤها تسترسل لعادت َّ وحساسيتها ،وأي��ة نفس مُرهفة ٍ ليًنة ِالمالمس ،ول���م���ا أط�����ال ال��ل��ي��ل ُ ف��ي��ه��ا وُرودَه ُ حَ ��ك��ت��ه ُومُ �������دً ت ل��ل��ص��ب��اح ال��مَ ��ط��ال��ع ُ يمكنها أن تعبر مجاهيل َاألب�ي��ات التالية دون أن
ن����������������������������������واف����������������������������������ذ
الكفاية ،ليأخذ القارئ فكرة ناجزة ،عن هذا الهراء الشعري والسخف المنثور .قال:
ُوال������ظ������ل ُوال�����ل�����ظ�����ى وال�������ش�������واظ.. ُوالتظني واللفظ ُوالنظم ُوالتقريظ ُوال����ق����ي����ظ ُ وال���ظ���م���ا وال����ل����م����اظ..
وق � � ��ال ال� �م���ول���ى ن� ��اص� ��ر ال� ��دي� ��ن ش� ��اف� ��ع بن تخدَش حساسيتها؟: عبدالظاهر: ه���ي ظ��م��ي��اءُ وال��م��ظ��ال��م ُواإلظ���ل���ام ُ ���ح���س���ن ُفيها وال����ظ����ل����م ُ وال����ظ����ب����ي وال�����ل�����ح�����اظ ُ وم��م��س��ح��ة ٍ ت��ن��اه��ي ال ُ ف���أض���حَ ���ت ف����ي ال���م�ل�اح���ة ِال تبارى والعَظا والظليم ُوالظبي ُ والشيظم ُ
اجلوبة -صيف 1431هـ 101
ال ع����دم����ن����اه ُي����ت����ح����ف ُ اإلخ�����وان�����ا وال ن����ك����رٌ ع���ل���ى ال���ق���ل���م ال����مُ ����واف����ي إذا ف�����ي َوص����ل����ه����ا خ���ل���ع َال������عِ ������ذارا ل���و ت���ران���ي وق����د ت���وك���أت ُ ف����ي ال��س��ي��ر ِ ����خ����ل����ت����ن����ي ُس����ل����ط����ان����ا! ع����ل����ي����ه����ا ل ِ وإذا كنا نجد لهؤالء األدباء في هذه الحقبة من بعض العذر ،بسبب ٍمن إنتاج هذه الفترة َ الزمن، ولو شئت ُ أن يمضي بي االستطراد ُإلى سَ وق بأكمله ،كان يتسم بهذا الطابع ،فإننا ال يمكن بحال أم�ث�ل��ة ون �م��اذج َم��ن ه��ذا ال�ش�ع��ر ال�م�س�ف��وح هدراً ٍمن األحوال أن نعذر األدباء َالمُعاصرين الذين جنح وعبثاً ،في مرحلة ٍ أكثر ما تكون بحاجة إلى الجد ٍ بهم عبثهم ،واستِهانتهم بالمسؤولية ،إلى المروق والنزق والتهوُر والعبث بمواهبهم ،ومقدًرات لغتهم .والمسؤولية والقول الرًكين ..أقول :لو استطردت في ذلك ،لبَلغ بي المَطاف ُ ،في هذا المجال والسجال، وإذا ك��ان ش�ع��راء عهد المماليك ق��د تغزلوا بـ (ممسحة) أو «ق�ل��م ح�ب��ر» ،فمن العجب أن نجد إلى شعراء يحترمهم القارئ ،أمثال :شوقي وحافظ في عصرنا هذا ،عصر ِ الذرة واألقمار الصناعية ومطران والرصافي والزهاوي وغيرهم ،وما قيل والفضائيات واالن�ت��رن��ت ،بين الشعراء من تجزل ويقال -في هذا الباب -في الشعر ،يمكن أن يقال قريحته وتجود ،في رثاء حمار أو فرَس ،وفي وقت عن نماذج كثيرة في سائر الفنون واألنواع األدبية. كانت األمة -وما تزال -أحوج َما تكون فيه إلى كل وبعد، حرف ِمن كل كلمة ،ليضيء أمامها طريق المعرفة، فإن األدب أصالة ومسؤولية ،وهو ال يمكن أن وهي في غمرة كفاحها من أجل النهوض والتكامل. يكون غير ذلك ،فاالرتجال والصناعة والالمباالة ق���ف ب���س���وق ال��ح��م��ي��ر ِ وان���ظ���ر مَليَا ه�����ل ت�������رى أده�����م�����ا أغ��������رً ال���مُ ���ح���يً���ا من ألد أعداء األدب ،ذلك أن روحا ًجادة ًال يمكن خ��ل��س��ت��ه ُ ي���د ُ ال���ل���ص���وص ِ صباحا أن ينزل بها اإلسفاف إلى هزل الصناعة والتزويق م����وكَ����ف����ا ً مُ ���ل���ج���م���ا ً مُ �����ع�����دّ ا مُ هيًا واالنفعال السطحي الذاهل. ًف����خ��ل�ا اس���ط���ب���ل���ه ُوأص������ب������ح قاعا وإذا كان األدب ،في الماضي ،عانى من هزال َص��ف��ص��ف��ا ًخ�������اويَ ال����ع����روض ِ خليًا المادة والصورة واإلطار معا ،فإن نماذج كثيرة من ك����ان إن ق��ل��ت (ه����ش) أج���اب���ك طوعا وإذا ق��ل��ت ُ«ح������ا» إن��ت��ض��ى سَ مهريًا أدب اليوم هازلة ٌعابثة ،لكن من نوع ٍ جديد. وهذا شاعر آخر كبير ،يقول في (عصاً) أهداها ف��األدب��اء ،ومنهم الشعراء ،يسفحون مواهبهم إلى أحد أصدقائه: وكلماتهم في مذبح المُحاكاة اللفظية والنظريات ي����ا ص���دي���ق���ي وأن������ت ن���ع���م َ ال���مُ ��� َرب���ي المستورَدة الهجينة ،الغريبة ع��ن صفاء نفوسنا ق����د ب��ع��ث��ن��ا ال���ع���ص���ا ف������رَب ِ الزمانا العربية الشرقية العامرة ب��دفء ال �وَداع��ة وشعاع فيرد عليه صديقه الشاعر في أبيات نجتزئ الشمس. منها: وأي امتهان لألدب ،أعمق وأبلغ من أن يُبتذل، ق����د أت���ت���ن���ي ال���ع���ص���ا ف���ك���ان���ت أم���ان���ا ل���������يَ م�����م�����ا أخ�����������اف ُواط����م����ئ����ن����ان����ا وأن تتعاوره األقالم ُ غير المسئولة وغي ُر الحافظة ���س���ج���اي���ا ت���ح���ف���ة ٌم������ن أخ ٍن���ب���ي���ل ِال ً ألمانتها؟! * كاتب من األردن.
102اجلوبة -صيف 1431هـ
وحتديات القرن احلادي والعشرين
ن����������������������������������واف����������������������������������ذ
التعليم اإللكتروني
> د.إسالم جابر أحمد عالم*
ن��ع��ي��ش اآلن ف���ي ع��ص��ر ال��م��ع��ل��وم��ات وث�����ورة تكنولوجيا ال��م��ع��ل��وم��ات ،ف��ق��د تحقق ت��ط��ور كبير ف��ي ال��ت��ق��دم العلمي والتكنولوجي ،ما يشجعنا على القول إن العالم يشهد قفزات لم تحققها البشرية من قبل ،حيث تميز هذا العصر بالعديد من السمات من أهمها تدفق هائل للمعلومات ،وإتاحة مصادر المعلومات المختلفة لكل البشرية ،وتوافر وسائل االتصال على مدار الساعة. وق ��د ش�ه��د ال�ع�ق��د األخ �ي��ر م��ن القرن العشرين وبدايات القرن الحادي والعشرين ا ف ��ي م� �ج ��ال تكنولوجيا ت� �ق ��دم� �اً ه ��ائ�ل� ً المعلومات واالت�ص��االت ،وما ي��زال التقدم مستمراً ،ويتسارع بخطى سريعة أكثر من األمس.
فمعظم ال �م �ح��اوالت واالج��ت��ه��ادات التي قضت بتعريفه ،نظر كل منها للتعليم عبر اإلنترنت من زاوي��ة مختلفة حسب طبيعة االه�ت�م��ام وال�ت�خ�ص��ص ،وس��أح��اول تقديم رؤى مختلفة لهذا المفهوم وتعريفاً له. «ه��و طريقة للتعليم باستخدام آليات االتصال الحديثة من حاسب آلي وشبكاته، ووس� ��ائ� ��ط م� �ت� �ع ��ددة م ��ن ص� ��وت وص� ��ورة ورسومات ،وهذه التقنية تسهم في إيصال المعلومة للمتعلم ف��ي أق�ص��ر وق��ت وأقل جهد».
نعم لقد ط��رأت مؤخراً تغيرات واسعة في مجال التعليم ،وب��دأ سوق العمل -من خالل حاجاته لمهارات ومؤهالت جديدة- يفرض توجهات واختصاصات مستحدثة تلبي احتياجات المجتمع ،لذا ،فإن المناهج «مجموعة من العمليات المرتبطة بنقل التعليمية خضعت ه��ي األخ���رى لتواكب المتطلبات الحديثة والتقنيات المتاحة ,وت��وج�ي��ه مختلف أن ��واع المعرفة والعلوم إل��ى ال��دارس�ي��ن ف��ي مختلف أن�ح��اء العالم مثل التعليم االلكتروني. باستخدام شبكة اإلن�ت��رن��ت ،وه��و تطبيق مفهوم التعليم اإللكتروني فعلي للتعليم عن بُعد». ال يوجد اتفاق كامل حول تحديد مفهوم ويُ�ع��رف التعليم اإللكتروني والتدريب ش��ام��ل لمصطلح التعليم عبر اإلنترنت ،عبر اإلنترنت بأنه «تقديم البرامج التعليمية
اجلوبة -صيف 1431هـ 103
والتدريبية عبر اإلنترنت بأسلوب متزامن وغير •التعليم اإللكتروني ،ال يهتم بتقديم المحتوى متزامن ،وباعتماد مبدأ التعلم الذاتي أو التعلم العلمي فقط ،بل يهتم بكل عناصر البرنامج بمساعدة مدرس». التعليمي وم�ك��ون��ات��ه م��ن أهداف،ومحتوى، وطرائق تقديم المعلومات ،وأنشطة مصادر وأنه «بيئة تعلم إلكترونية تعتمد على أساليب التعلم المختلفة ،وأساليب التقويم. التفاعل التزامني والالتزامني بين المتعلمين وال�م�ت�ع�ل�م�ي��ن اآلخ ��ري ��ن ،وك��ذل��ك ب �ي��ن المتعلم •التعليم والتدريب عبر اإلنترنت ال يَعنى بالعملية والمحتوى التعليمي ،وبين المعلم والمتعلم ،من التعليمية وتقديم المقررات فحسب ،بل يسهم خالل تبادل اآلراء والمقترحات ،وتقديم التغذية في تقديم البرامج التدريبية للمعلمين أثناء الراجعة والتقويم». الخدمة. وهو «استخدام الوسائط المتعددة من بريد •يعتمد التعليم اإللكتروني على التفاعل بين إلكتروني ومؤتمرات فيديو تفاعلية ،ومحادثة بين المعلم والمتعلم ،وبين المتعلم ومحتوى التعلم، طرفين عبر اإلنترنت في العملية التعليمية». وي �ح��اول االس �ت �ف��ادة م�م��ا ت�ق��دم��ه تكنولوجيا المعلومات واالتصاالت ،وتوظيفه في العملية وأنه «ذلك النوع من التعليم الذي يعتمد على التعليمية. اس�ت�خ��دام ال��وس��ائ��ط اإلل�ك�ت��رون�ي��ة ف��ي االتصال واستقبال المعلومات،واكتساب المهارات،والتفاعل •ال�ت�ع�ل�ي��م اإلل �ك �ت��رون��ي ي�غ�ي��ر ص� ��ورة الفصل مبان مدرسية بين المعلم والمتعلم ،وال يستخدم ٍ التقليدي الذي يتمثل في الشرح واإللقاء من أو صفوفاً دراس�ي��ة ،ويرتبط ه��ذا النوع بشبكة قبل المعلم ،والحفظ واالستظهار م��ن قبل المعلومات الدولية -اإلنترنت». المتعلم ،إل��ى بيئة تعلم تفاعلية ت�ق��وم على
ومما سبق يتضح أن التعليم عبر اإلنترنت هو «منظومة تعليمية لتقديم البرامج التعليمية أو التدريبية ف��ي أي وق��ت ،وف��ي أي م�ك��ان ،من ويتم التعليم اإللكتروني بطريقتين هما: خالل استخدام تقنيات المعلومات واالتصاالت (اإلنترنت) لتوفير بيئة تعليمية /تعلميه تفاعلية• ،ال �ط��ري �ق��ة ال �م �ت��زام �ن��ة :وت �ت �م �ث��ل ف ��ي وجود المتعلمين والمعلم في وقت التعلم ذاته؛ حتى بطريقة متزامنة أو غير متزامنة،دون االلتزام تتوافر عملية التفاعل المباشر بينهم ،كأن ب�م�ك��ان م �ح��دد ،اع �ت �م��اداً ع�ل��ى ال�ت�ع�ل��م الذاتي، يتبادل الطرفان الحوار .Chatting والتفاعل بين المعلم والمتعلم من خالل أدوات التفاعل المتزامن وغير المتزامن». •الطريقة غير المتزامنة :وتتمثل ف��ي عدم ض� ��رورة وج� ��ود ال�م�ت�ع�ل��م وال �م �ع �ل��م ف��ي وقت م�م��ا س�ب��ق يمكن اس �ت �خ�لاص م�ج�م��وع��ة من التعلم ذات��ه ،فالمتعلم يستطيع التفاعل مع الحقائق األساسية في ضوء التعريفات السابقة المحتوى التعليمي ،والتفاعل من خالل البريد منها: اإلل�ك�ت��رون��ي ،ك��أن ي��رس��ل رس��ال��ة إل��ى المعلم •التعليم اإللكتروني ،ليس تعليماً يقدم بطريقة يستفسر فيها عن معلومة معينة ،ثم يجيب عشوائية مع التعليم النظامي المدرسي ،بل هو عليها المعلم في وقت الحق. منظومة مخطط لها ،ومصممة تصميماً جيداً بنا ًء التفاعل بين المتعلم ومصادر التعلم المختلفة، وبينه وبين زمالئه.
يدعم التعليم اإللكتروني مبدأ التعلم الذاتي على المنحنى المنظومي ..لها مدخالتها،وعملياتها، والتعليم المستمر مدى الحياة. ومخرجاتها ،والتغذية الراجعة.
104اجلوبة -صيف 1431هـ
•خلق بيئة تعليمية تفاعلية من خالل تقنيات •ت��وس�ي��ع دائ� ��رة ات �ص��االت المتعلم م��ن خالل شبكة اإلنترنت ،وعدم االقتصار على المعلم إل �ك �ت��رون �ي��ة ج ��دي ��دة ،وال��ت��ن��وع ف ��ي مصادر كمصدر للمعرفة ،مع رب��ط الموقع التعليمي المعلومات والخبرة. بمواقع تعليمية أخ��رى ،Linksحتى يستزيد •دعم عملية التفاعل بين المعلم ،والمتعلمين، من المعرفة. والخبراء من خالل تبادل الخبرات التربوية، مميزات التعليم اإللكتروني واآلراء ،وال�م�ن��اق�ش��ات ،وال� �ح ��وارات الهادفة لتبادل اآلراء ،باالستعانة بقنوات االتصال يتميز التعليم اإللكتروني بالعديد من المميزات المختلفة مثل البريد اإللكتروني ،E-mailمنها: والمحادثة .Chat الجودة النوعية للتعليم عبر اإلنترنت.فالتعلم الجيد يهدف إل��ى تحقيق المشاركة الفعالة بين المعلم والمتعلم ،مع تقديم تغذية راجعة للمتعلم ،وجعل المتعلم محور العملية التعليمية؛ بحيث ي�ك��ون ل��ه دور إي�ج��اب��ي في عملية التعلم ،والقيام بالعديد من األنشطة التعليمية من خالل تفاعله مع اآلخرين.
ن����������������������������������واف����������������������������������ذ
•تطور دور المعلم في العملية التعليمية ،حتى أهداف التعليم اإللكتروني يتواكب مع التطورات العلمية والتكنولوجية يسعى التعليم اإللكتروني إلى تحقيق مجموعة المستمرة والمتالحقة. من األهداف ومنها:
يوفر التعليم عبر اإلنترنت ثقافة جديدة يمكن تسميتها بالثقافة الرقمية،وهي تختلف عن الثقافة التقليدية أو الثقافة المطبوعة ،حيث تركز الثقافة الجديدة على معالجة المعرفة ..في حين تركز الثقافة التقليدية على إنتاج المعرفة .ويستطيع المتعلم -من خالل هذه الثقافة الجديدة -التحكم في تعلمه عن طريق بناء عالمه الخاص به ،عندما يتفاعل مع البيئة المتوافرة إلكترونياً.
•إكساب المعلمين المهارات التقنية الستخدام ش�ب�ك��ة اإلن �ت��رن��ت ،وت��ؤك��د ب �ع��ض الدراسات ذلك ،حيث توصي بضرورة إكساب المعلمين وه ��ذا ه��و األس ��اس ال ��ذي ت�ق��وم عليه نظرية المهارات الالزمة للتعامل مع شبكة اإلنترنت .التعليم بالتشييد(البنائي)،حيث يصبح المتعلم هو •إكساب المتعلمين الكفايات الالزمة الستخدام مركز الثقل ،في حين يكون المعلم هو مركز الثقل شبكات المعلومات (اإلنترنت) ،ويؤكد العديد في طرق التعليم التقليدية. من الدراسات على أن اكتساب تلك الكفايات ولقد أبرز العديد من الدراسات جودة التعليم للمتعلمين يساعد في تحسين عملية التعلم ،عبر اإلنترنت ،من خالل مقارنة مخرجات التعليم وتزيد من دافعيتهم لها ،فض ً ال عن تحسين عبر اإلنترنت ،مع مخرجات التعليم التقليدي. ق ��درة المتعلمين ع�ل��ى المناقشة م��ن خالل ولقد ظهر واضحاً تفوق المتعلمين الذين درسوا أنماط التفاعل المتزامن. عبر اإلنترنت؛ فقد أحرزت مجموعة التعليم عبر •نمذجة التعليم وتقديمه في ص��ورة معيارية؛ اإلنترنت سبقاً بمعدل % 20عن مجموعة التعليم ف � ��ال � ��دروس ت� �ق ��دم ف� ��ي ص� � ��ورة نموذجية ،التقليدي ،وأنهم حققوا فهما جيداً للمادة التعليمية والممارسات التعليمية المتميزة يمكن إعادة المقدمة ،وتكونت لديهم اتجاهات إيجابية زادت تكرارها .ومن أمثلة ذلك بنوك األسئلة ،خطط من ثقتهم بأنفسهم بصورة أكبر. للدروس النموذجية.
-يتيح فرصة لتبادل وجهات النظر بين المعلم
اجلوبة -صيف 1431هـ 105
والمتعلمين ،م��ن خ�لال غ��رف ال�ح��وار المباشر، والمنتديات ،والبريد اإللكتروني؛ األمر الذي يتيح للمتعلمين إكسابهم للمعارف والمهارات. وت �ج��در اإلش� ��ارة إل ��ى أن ه �ن��اك ال �ع��دي��د من ال��دراس��ات التي أب��رزت أهمية التعليم عن بُعد ، باستخدام شبكات الحاسب في مساعدة الطالب على التحصيل في الجانب المعرفي ،والجانب المهاري. •سهولة الوصول إلى المعلم بشكل كبير جداً، بعيداً عن أوقات العمل الرسمية؛ ألن المتدرب أصبح بمقدوره إرسال استفساراته للمعلم من خالل البريد اإللكتروني. •توفير المادة التعليمية خالل اليوم؛ حيث يتيح للمتعلم أن يحصل على المعلومة في أي وقت، فهذه الميزة تتيح للجميع التعلم في الزمن الذي يناسبهم.
في اإلبحار داخل البرنامج التعليمي بعد انتهاء وقت التدريب الخاص بهم. •التقييم الفوري والسريع والتعرف على النتائج وتصحيح األخطاء. •سهولة وسرعة تحديث المحتوى المعلوماتي. •تعدد مصادر المعرفة نتيجة االتصال بالمواقع المختلفة على اإلنترنت. •م�ش��ارك��ة أول �ي��اء األم� ��ور :م��ن ح�ي��ث مشاهدة مالحظات المعلم واس�ت�خ��دام غ��رف الحوار معه ،إضافة إلى مراجعة المحتوى واستخدام البريد اإللكتروني. •توسيع نطاق التعليم :فالتعليم عبر اإلنترنت يتيح فرص التعليم على نطاق واسع لمختلف الفئات االجتماعية ،بصرف النظر عن الجنس وال�ع��رق وال �ل��ون ،وب�ص��رف النظر ع��ن الزمان والمكان.
•تقليل األعباء اإلداري��ة للمعلم؛ فالتعليم عبر •استقاللية ال�ط��ال��ب واالع �ت �م��اد على الذات: اإلنترنت خفف من األعباء اإلداري��ة التي تقع فالتعليم عبر اإلن�ت��رن��ت ل��ه دور ف��ي تشجيع على المعلم م��ن إرس��ال واس�ت�لام الواجبات، الطالب وتحفيزه ،لالعتماد على نفسه في حيث يمكن الحصول عليها إلكترونياً. العملية التعليمية ،كما يؤدي إلى االستقاللية في التعلم ،فالتعليم عبر اإلنترنت يحول دور •االستفادة القصوى من الزمن؛ فالمتعلم لديه المدرس من مقدم للمعلومات إلى دليل ومحفز القدرة على الوصول إلى المعلومة في المكان للحصول عليها ،األم��ر ال��ذي يشجع الطالب وال��زم��ان ال�م�ح��ددي��ن؛ ح�ي��ث ال ت��وج��د حاجة على االعتماد على ال��ذات ويصنع مزيداً من للذهاب إلى قاعات الدروس أو المكتبة. االحتكاك بين المدرس والطالب. •تحسين وإثراء مستوى التعليم ،وتنمية القدرات من عيوب التعليم اإللكتروني الفكرية عن طريق عرض كثير من المعلومات المتناقضة عبر اإلنترنت؛ األمر الذي يضطر •قد يكون التركيز األكبر للتعليم عبر اإلنترنت الطالب إلى التفكير فيها ،والمقارنة فيما بينها، ع�ل��ى ال �ج��ان��ب ال�م�ع��رف��ي أك �ث��ر م��ن االهتمام والحكم عليها ،وترجيح بعضها أو التوفيق فيما بالجانبين المهاري الوجداني. بينها. •قد ينمي التعليم عبر اإلنترنت االنطوائية لدى •وفي هذا الصدد ..نجد أن برامج التعليم عبر المتعلمين ،لعدم تواجدهم في موقف تعليمي اإلنترنت تعمل على تنمية قدرات التفكير لدى حقيقي،تحدث فيه المواجهة الفعلية ،بل تكون المتعلمين ،إلى جانب زيادة قدراتهم على حل من خالل أماكن متعددة ،حيث يوجد الطالب المشكالت ،وأن المتعلمين ك��ان لديهم رغبة بمفرده في منزلة أو محل عمله.
106اجلوبة -صيف 1431هـ
•ق �ي��ام المتعلم بأنشطة اج�ت�م��اع�ي��ة وثقافية ورياضية في التعليم النظامي ،ولكن يصعب م �م��ارس��ة ت �ل��ك األن �ش �ط��ة ف ��ي ال�ت�ع�ل�ي��م عبر اإلنترنت. •يحتاج التعليم عبر اإلنترنت إل��ى إنشاء بنية تحتية من أجهزة ومعامل وخطوط اتصال. •يتطلب كفاءة في األجهزة وخطوط االتصال. •صعوبة تطبيق أساليب التقويم. •يتطلب تدريبا مكثفا للمعلمين والمتعلمين على استخدام التقنيات الحديثة قبل بداية تنفيذ التعليم اإللكتروني.
وقد أشار العديد من الدراسات أن %48من الجامعات والمعاهد التعليمية طرحت مناهجها عبر اإلن �ت��رن��ت ع��ام 1998م ،ف��ي حين ارتفعت النسبة إل��ى %70عام 2000م ،وفي المقابل نجد جامعات ال تقدم خدماتها ومناهجها التعليمة إال عبر اإلنترنت كجامعات بريطانية أمثال أنجل وود وغيرها.
ن����������������������������������واف����������������������������������ذ
•ال يركز التعليم عبر اإلنترنت على كل الحواس ،اإلنترنت ،أو تدريب المعلمين في مجال تكنولوجيا بل على حاستي السمع والبصر دون غيرها. المعلومات.
إن العالم قد تحول إلى التعليم عبر اإلنترنت ورب �ط��ه ب��االق�ت�ص��اد وال��وق��ت لتحقيق تعلم أكثر فاعلية ،وإن كان يختلف عن التعليم التقليدي الذي يغرس قيماً تربوية بصورة مباشرة ،ويعزز أهمية العمل المشترك كفريق واحد (التعلم التعاوني)، وهذا من الصعب الحصول عليه عبر اإلنترنت.
•يحتاج إلى نوعية معينة من المعلمين مؤهلة ل �ل �ت �ع��ام��ل م ��ع ال �م �س �ت �ح��دث��ات التكنولوجية المستخدمة ف��ي ه��ذا ال�ن��وع م��ن التعليم،كما أستطيع القول إن التعليم عبر اإلنترنت أصبح ي �ح �ت��اج إل� ��ى ه �ي �ئ��ة إداري � � ��ة م��ؤه �ل��ة للقيام بالعملية،وإلى متخصصين في إعداد وتصميم أمراً حتمياً ،وجزءاً أساسياً من منظومة التعليم، البرمجيات. ألن التعليم االلكتروني (عبر اإلنترنت) وما به من •يفتقر التعليم ع�ب��ر اإلن �ت��رن��ت إل��ى التواجد تقنيات حديثة يثري عمليتي التعليم والتعلم. اإلن�س��ان��ي وال�ع�لاق��ات اإلنسانية بين المعلم كما أن التعليم عبر اإلنترنت ال يجعل عملية والمتعلم .وبين المتعلمين أنفسهم ..بتواجدهم التدريس أسهل من ذي قبل (الطريقة التقليدية في مكان واحد. في التدريس) ،بل يتطلب األمر مزيداً من الجهد •م��ا ت��زال بعض وزارات التربية والتعليم في في أطراف العملية التعليمية قبل أن نخوض في بعض الدول لم تعترف بالشهادات التي يحصل استخدام التعليم االلكتروني ،ألن العالم يزداد عليها خريجو نظام التعليم عبر اإلنترنت. تعقيداً يوماً بعد يوم. •نظرة المجتمع في بعض الدول إلى أن خريجي وفي النهاية أستطيع القول إن التعليم االلكتروني نظام التعليم عبر اإلنترنت هم اقل كفاءة من أو ما يسميه البعض «التعليم عبر ال��وي��ب» ،هو خريجي نظام التعليم التقليدي. وأرى أن هناك ع��دي��دا م��ن المؤسسات عبر تعليم يعكس صورة هذا العالم الجديد ،فهو تحدٍّ اإلن �ت��رن��ت ت �ق��دم خ��دم��ات�ه��ا م�ث��ل ال �ح �ص��ول على للتربويين والمجتمع بأسره يجب تقبله ،وتعلم شهادتي الماجستير والدكتوراه بشكل مباشر عبر كيفية التعامل مع مثل هذا النوع من التعليم. * أستاذ مساعد تقنيات التعليم بكلــية الـــــتربية -جامعة الجوف.
اجلوبة -صيف 1431هـ 107
تراسل احلواس
في رواية «فخاخ الرائحة» ليوسف احمليميد > فريال احلوار*
«فخاخ الرائحة» رواي��ة للكاتب السعودي يوسف المحيميد ،وتعد الحلقة الوسط بين نزهة الدولفين و القارورة .يكتب الروائي يوسف المحيميد من خالل تجربته القصصية والروائية، بوعي تام ودقيق ..هذا الوعي يفترض ما يوازيه وعي القراءة والتأويل ..صدرت الرواية عام 2003م، وهي رواية إسترجاعية باألساس؛ يتداخل فيها التذكر بالحلم ،األمل ومن ثم الفقدان ..فصول هذه الرواية تحمل عناوين هي عبارة عن جمل أسمية بعضها شعري خالص كما يقول صدوق نور الدين ،كمثال :سر الغناء الحزين ،طفولة مستباحة وشهوة القمر..يتجلى حضور الحواس في رواية «فخاخ الرائحة» بشكل الفت منذ عنوانها ،و تأمل هذا المشهد الذي يرد عبر بوح توفيق أحد أبطال الرواية الثالثة« :فجأة نقل لنا الهواء رائحة طيبة ،رائحة حلوة ،رائحة طبيخ لذيذ ،قمنا ومشينا في صف متتابع باتجاه الرائحة ،وكلما نمشي زيادة ،تكون رائحة الطبيخ قوية ،كانت تدخل في مناخرنا وتدوخنا ،كنا نتسلل بين جذوع األشجار ،لدرجة أنه إذا ما اعترض طريقنا دغل أو جذوع وشجر ،ال نستدير حوله ،حتى ال نضل الرائحة ،بل نصعد الدغل وندعك الشوك بأقدامنا الحافية ،بعد أن قطعنا مسافة ،رأينا على بعد نار ًا تحيط بها األحجار الصغيرة من جهاتها ،كان السفود ال يبين من شدة الدخان ،هذا الدخان العظيم يدفعه الهواء نحونا فتطير رائحته رؤوسنا.. تخيل م��اذا كانوا قد شكوا في السفود ،ه��ؤالء المالعين ،شكوا قطع شحم في أسياخ الحديد، ووضعوها فوق النار ،شفت كيف يا طراد خدعونا ،بماذا؟ بشحمة تشويها النار ،حتى استكثروا أن يخدعونا بلحمة». حاسة الشم حاصرت توفيق وقادته مثل ق��در غاشم إل��ى مصيره ،متكئة على إحلاح اجلوع وظلم الفاقة ،وأتت حاسة الشم ممتزجة بحاسة الذوق في ما يدعى (تراسل احلواس)؛ إذ ميكن أن تكون الرائحة حلوة حتت سياط اجل ��وع ال �ش��دي��د ،ومي �ك��ن ك��ذل��ك أن تعصف 108اجلوبة -صيف 1431هـ
بالرؤوس فيغيب العقل ،ويندفع الصبية ومعهم توفيق نحو الفخ املنصوب ،وال يجد توفيق ب��دي� ً لا ع��ن السخرية امل ��رة ،يختم فيها ذلك «الفالش باك» احلزين الذي كان بداية رحلة العبودية الشاقة .وقد ورد هذا عبر «ديالوج» ط��وي��ل ،ينعكس على أع�م��اق توفيق احلزينة
ن����������������������������������واف����������������������������������ذ
ك� ��ي ي� �ك ��رس الطابع الكئيب ال ��ذي طبعت ب��ه ه ��ذه الشخصية، ون�ك��اد نلمس اشتغال احل� � � ��واس ك��ل��ه��ا في النص السابق ،وعلى ه��ام��ش ح��اس��ة الشم التي كانت بؤرة املشهد ومحوره األساس ،ثمة حاسة اللمس التي حتضر ح�ين يدعك الصبية ال�ش��وك بأقدامهم ،وأما حاسة البصر فإنها تنزوي أمام كثافة الدخان املتصاعد ،وهو ما حجب الرؤية أم��ام الصبية الصغار ،ولكنه لم يحد من اندفاعهم استجابة خلداع ذلك «الفخ/الطبيخ» وحني تنعكس مأساة «توفيق» على وعي «طراد» يتوثق النسيج النابض الذي يجمع بني الشخصيات الرئيسة الثالث، خصوصا بني توفيق وطراد اللذين كثيراً ما كانا يتجاذبان أطراف احلديث وأي حديث !...حديث في غاية البؤس ..يستعيد فيه كل منهما ذكرياته ال��دام�ي��ة التي انعكست بقوة على حاضرهما الذي بدا مرمدآ أمام ناظريهما ،وإذا صبغ بلون ما ،فإنه لون غارب يشي بنهاية كيان إنساني لم تترك له احلياة فرصة التقاط أنفاسه كي يلحق بركبها .من املؤكد أن الروائي يوسف احمليميد ينتقي مثل هذه الشخصيات عن وعي وقصد، وليس أدل على ذلك من قوله في مقابلة له..: فحني أكتب عن املهمشني ،فإنه ثمة رؤية حتمل بعداً سياسياً ،حتى وإن لم يكن مباشراً» مما قصدية الروائي ووعيه مبا يكتبه، يفصح عن ّ وهو يعلن بوضوح ضرورة أن يكشف الروائي عن واقعه بشكل حر وجريء.
تأخر إلى الصفحات األخيرة من الرواية، فألن النص يعي أهمية هذا احلدث الذي ترك بطل الرواية األس��اس ب��إذن واح��دة ،وك��ان لهذا الفقد أثره في شخصية طراد الذي وإن ظهر على أن��ه شخصية واق�ع�ي��ة ..إال أن��ه ميكن أن يؤخذ على صعيد الرمز ،فهو منوذج للقادم من عمق الصحراء املجدبة القاسية التي ال متنح م��ن وجهة نظر النص -إال العاهات والقبح،وأقصى القسوة ،وكما ظهرت شخصية طراد ال��ذي حضنته الصحراء ،وهللت له ثم نَ َكبتْه بقسوة ال مثيل لها.
وبعد :إذا كانت احل��واس هي نوافذنا التي نطل منها على العالم ،فإن اللجوء إليها داخل النص ال�س��ردي مينح النص اخلصوبة ويثري أج���واءه ،وي�ك��رس عنصر التشويق ف�ي��ه ،وهذا ما شهدناه على وج��ه الدقة في رواي��ة «فخاخ الرائحة» التي احتفت باحلواس احتفا ًء خاصاً، وطبعت عاملها بطابعها ،بداية بعنوان الرواية وكأن احلواس لون متميز ونسق واع يهب «فخاخ الرائحة» ليوسف احمليميد نكهة ال تخطئ ونبرة و إذا ك��ان املشهد ال��روائ��ي األكثر عنفآ قد صوت خاص!..
* كاتبة من السعودية.
اجلوبة -صيف 1431هـ 109
ندوة أدوماتو الثانية
اإلنسان والبيئة في الوطن العربي في ضوء االكتشافات اآلثارية
> كتب :محمد صوانه
عقدت مجلة أدوماتو ندوتها الثانية في دار الجوف للعلوم خالل الفترة من 22-20 جمادى األولى 6-4مايو 2010م ،بعنوان «اإلنسان والبيئة في الوطن العربي في ضوء االكتشافات اآلثارية» التي نظمتها بمناسبة مرور عشرة أعوام على مجلة أدوماتو. وق ��د ش �ه��دت ال� �ن ��دوة ت�ج�م�ع�اً علمياً ف��ري��داً ض��م نخبة م��ن العلماء والباحثين المتخصصين ف��ي ال���دراس���ات والعلوم اآلث � ��اري � ��ة ،ي �م �ث �ل��ون ج ��ام� �ع ��ات عالمية ومؤسسات أكاديمية متخصصة في مجال ه��دف��ت ال� �ن ��دوة إل� ��ى إب�� ��راز العالقة البحث العلمي وال��دراس��ات اآلث��اري��ة ،من الوثيقة بين اإلنسان والبيئة ،والتعرف على دول أوروبية وعربية ،إضافة إلى باحثين المؤثرات البيئية التي أسهمت في التأثير ومتخصصين م��ن الجامعات السعودية، قدموا من خاللها خالصة أبحاثهم التي تضمنت معلومات علمية جديدة من نتاج االكتشافات اآلثارية الحديثة في موضوع الندوة.
110اجلوبة -صيف 1431هـ
كما ألقى أ.د .عبدالرحمن الطيب األنصاري رئيس هيئة تحرير مجلة أدوماتو ،رئيس اللجنة المنظمة للندوة ،كلمة أعرب فيها عن شكره لراعي ه��ذه الندوة والجهات الداعمة المشاركة ،مبيناً أن التقنيات األثرية في الجزيرة العربية والعالم العربي تبين أن اإلنسان ابن بيئته التي يعيش فيها، وال بد له أن يتأقلم معها ويستفيد منها.
وفي حفل االفتتاح ،ألقى مساعد المدير العام األستاذ عبدالرحمن الدرعان كلمة المدير العام لمؤسسة عبدالرحمن السديري الخيرية الدكتور زياد بن عبدالرحمن السديري ،التي أعرب فيها ع��ن س�ع��ادة المؤسسة باستضافة ه��ذه النخبة من العلماء والباحثين المتخصصين في مجال الدراسات اآلثارية في رحاب دار الجوف للعلوم.. الصرح الثقافي الذي تحرص المؤسسة على أن وقد نوّه بما حققته المجلة في مجال النشر ي�ك��ون دائ �م��ا م��وئ� ً لا للمعرفة وال�ب�ح��ث العلمي ،العلمي للبحوث المتخصصة ف��ي الدراسات والفعاليات الثقافية في مختلف فنون المعرفة .اآلثارية؛ فأصبحت تحتل مكانة متقدمة مرموقة كما أعرب عن شكره لكل المشاركين في الندوة بين األوس��اط العلمية ..وعلى أرفف الجامعات التي تقام بدعم من الهيئة العامة للسياحة واآلثار العالمية ،ومراكز البحث العلمي. وال�ب�ن��ك األه �ل��ي ال �ت �ج��اري ،وأض ��اف أن�ه��ا تأتي إن رس��ال��ة مجلة أدوم��ات��و تتضمن االهتمام بمناسبة م��رور عشرة أع��وام على ص��دور مجلة بتاريخ المنطقة العربية وآثارها قبل اإلسالم، أدوم��ات��و ال�ت��ي ت�ص��دره��ا مؤسسة عبدالرحمن ب �ه��دف ال�ك�ش��ف ع��ن ج��وان��ب م�ه�م��ة م��ن تطور السديري الخيرية ،وحققت حضوراً مميزاً في الحضارات العربية القديمة ،فقد جاء اإلسالم األوس��اط العلمية والبحثية وقطف الحضارات القديمة الوطنية والعربية والعالمية .أت��اح��ت ال���ن���دوة ف��رص��ة اللتقاء وخ�لّ�ص�ه��ا م��ن ال��وث�ن�ي��ة وكل وأك � � ��د ال� �م ��دي ��ر العام المختصين بالدراسات اآلثارية ما يرتبط بالشرك ،وجعلها أن ه ��ذا ال�م�ل�ت�ق��ى العلمي والبيئية للتفاعل م��ع تصورات ح� �ض ��ارة ت��وح �ي��د إل� � ��ه ..ال يأتي انسجاماً مع أهداف جددية وطروحات علمية مبينة توحيد معبودات ،ومن هنا، على مكتشفات آثارية. ال� �م ��ؤس� �س ��ة المنصوص ك��ان��ت ال �ض��رورة إل��ى كشف عليها في النظام األساسي الغطاء عن تلك الحضارات ال��ت��ي ت��دع��و إل� ��ى تشجيع ت���ب���ذل م���ؤس���س���ة عبدالرحمن التي يزيد عمرها عن عشرة الحركة العلمية والثقافية ..ب��ن أح��م��د ال��س��دي��ري الخيرية آالف عام. واستنهاض همم المبدعين ج��ه��ود ًا ك��ب��ي��رة ف��ي دع���م البحث وقدّر الدكتور األنصاري والباحثين .وأكد أن إصدار العلمي و نشر الدارسات العلمية اس� � �ت� � �ض�� ��اف�� ��ة م� ��ؤس � �س� ��ة واإلبداعية. مجلة أدوماتو جاء تحقيقاً
ن����������������������������������واف����������������������������������ذ
على المجتمعات البشرية عبر العصور ،وإبراز دور التنقيبات العلمية ف��ي تدعيم الدراسات اآلث ��اري ��ة ،إض��اف��ة إل ��ى إت��اح��ة ال �ف��رص��ة للقاء المختصين بالدراسات اآلثارية والبيئية وطرح تصورات بحثية مستقبلية.
ألهداف المؤسسة التي ينص نظامها األساسي على اإله�ت�م��ام ب��آث��ار المنطقة ،وق��د ج��اء اسم المجلة «أدوم ��ات ��و» ،م��ن االس ��م ال�ق��دي��م لدومة ال �ج �ن��دل ،إح ��دى ال �م��واق��ع األث��ري��ة المهمة في منطقة الجوف.
اجلوبة -صيف 1431هـ 111
عبدالرحمن ال�س��دي��ري الخيرية ل�ه��ذه الندوة العلمية ،وقال إننا نُسَ ُّر عندما نرى هذا الصدى القوي من قبل هذه الكوكبة من العلماء البارزين والمتخصصين في علوم اآلثار من مختلف دول العالم ،المهتمين بدراسة المدينة العربية نشأة وت�ط��وراً الذين حضروا للمشاركة في فعاليات الندوة. وألقى الدكتور علي بن ابراهيم الغبان نائب رئيس الهيئة العامة للسياحة كلمة الهيئة الراعي لهذه ال�ن��دوة ..أع��رب من خاللها -باسم سمو رئيس الهيئة -عن شكره لمؤسسة عبدالرحمن السديري الخيرية ،ودورها الريادي على مستوى الوطن العربي ،مشيراً إلى دور الهيئة ودعمها ألنشطة مجلة أدوماتو ،الفتاً أن موضوع الندوة «اإلن �س��ان والبيئة ف��ي ال��وط��ن العربي ف��ي ضوء االكتشافات اآلثارية» يعد موضوع الساعة ،بما نحن فيه من تحوالت مناخية كبيرة ،ومن أبرزها الواحات ،وتمنى أن تحقق هذه الندوة أهدافها بإذن الله. 112اجلوبة -صيف 1431هـ
كما ألقى األس�ت��اذ عبدالله اليوسفي مدير البنك األهلي التجاري بالجوف -مندوباً عن رئيس مجلس إدارة البنك األهلي المشارك في رعاية الندوة -كلمة أكد فيها أن السياحة واآلثار من أهم الثقافات التي تربط المجتمعات ،مبيناً أن البنك األهلي التجاري يدعم هذه النشاطات العلمية والثقافية التي تسهم في خدمة المعرفة وتنمية الثقافة البحثية في المملكة. وأل� �ق ��ى أ .د .ال �ع �ب��اس س �ي��د أح��م��د كلمة ال �م �ش��ارك �ي��ن ف ��ي ال� �ن���دوة ،وال� �ت ��ي أش� ��اد فيها بالمستوى العلمي المتقدم ال��ذي حققته مجلة أدوم��ات��و بين ال�م�ج�لات المتخصصة ف��ي علم اآلثار ،مبيناً أن مؤسسة عبدالرحمن السديري ومن خالل مجلة أدوماتو استطاعت أن تؤسس وعاء علمياً متخصصاً في الدراسات اآلثارية.. ال لكبار الباحثين والمتخصصين في أضحى موئ ً دراسات اآلثار في الوطن العربي. وق��د اس�ت�م��رت فعاليات ال �ن��دوة على مدى
وش�م�ل��ت األب��ح��اث دراس� ��ة ع�لاق��ة اإلنسان والعصور الحجرية القديمة والوسيطة والحديثة وال�ب�ي�ئ��ة ف��ي المنطقة ال�ع��رب�ي��ة وت��أث��ره �م��ا مع والفترة النيوليتية والعصر الحجري النحاسي، بعضهما بعضاً ،ما تشكلت عنه عالقات متداخلة والعصور الالحقة. مكّنت اإلنسان من إدراك أفضل الوسائل للتعامل كما كانت هناك أوراق عمل درس��ت تصنيع م��ع البيئة واإلن �س �ج��ام م��ع متطلباتها ،وجعلته النحاس ف��ي وادي األردن ،وهندسة ال��ري في يبتكر األدوات التي تساعده في تكوين مسكنه جنوب غربي الجزيرة العربية ،وش��رك الصيد اآلمن وتوفير طعامه وشرابه وغذاء الحيوانات في صحراء عُمان ،والبيئات الساحلية والنهرية التي استأنسها وكذلك زراعة النباتات واألشجار في مصر والسودان ،واستقرار اإلنسان في جبل التي توفر له ال�غ��ذاء .وق��د تشكلت نتيجة ذلك ط��وي��ق ،والخصوصية الثقافية لبعض البيئات ال�ت�ف��اع��ل اإلي �ج��اب��ي م��ن ق�ب��ل اإلن �س��ان م��ع بيئة الساحلية ،وأثر التقلبات البيئية على حياة الناس مظاهر الحضارات اإلنسانية على مدى عصور في وادي الرافدين ،واإلنسان والبيئة في الجزيرة التاريخ .وقد ظهر تأثير اإلنسان واضحا جليا العربية من خالل الرسوم والكتابات واالستيطان في كثير من فترات التاريخ ،كما أن البيئة كان لها ف��ي البيئات ال�ب��دوي��ة ،وأث��ر البيئة الصحراوية تأثير قوي على حركة اإلنسان واستقراره ،ومن على اللهجات ،وغيرها من الموضوعات اآلثارية
ن����������������������������������واف����������������������������������ذ
أربعة أيام ،تضمنت ست جلسات علمية قدمت ثم نتاج حضارته التي مثلت حياته وحياة أجياله خاللها نحو 34ورقة عمل ،للباحثين المشاركين ،الالحقة. الذين خلصوا فيها إلى خالصة أبحاثهم العلمية ودرست أوراق العمل فترات التاريخ المتعاقبة الميدانية في مجال محاور الندوة. م��ن البليوسين والباليستوسين والهولوسين
اجلوبة -صيف 1431هـ 113
المهمة التي تكشف مختلف جوانب العالقة بين التوصيات اإلنسان ومختلف أنواع البيئة في الوطن العربي وف��ي ختام ال�ن��دوة ،عُقدت جلسة طُ ��رح فيها عبر العصور ..وذلك من خالل مكتشفات آثارية ع��دد م��ن ال�م�ق�ت��رح��ات ،خ�ل ُ�ص��ت إل��ى توصيات أبرزها: جديدة.
ورشة العمل
•ع�ق��د ورش ع�م��ل م�ص�غ��رة تتخلل الندوات الرئيسة التي تنظمها مجلة أدوماتو.
كما عقدت على هامش ال�ن��دوة ورش��ة عمل •عقد الندوة كل عامين أو ثالثة أعوام .ويمكن عقدها في م��دن أخ��رى بالمملكة ..تعميماً بعنوان« :النشاط األثري في الوطن العربي ودور للفائدة ،وإلتاحة المجال أمام حضور طالب الجمعيات األثرية» شارك فيها الدكتور محمد اآلث��ار والمهتمين من المختصين والباحثين الكحالوي ،و أ.د .يوسف مختار األمين ،والدكتور في المملكة. محمد عبدالستار عثمان ،وأدارها الدكتور خليل •نشر أوراق العمل في مجلد يكون مرجعاً في المعيقل .اس�ت�ع��رض فيها ال�م�ش��ارك��ون أهمية موضوعه. التركيز على البحث األثري ..وتطوير آلياته من •إنشاء موقع انترنت للندوة .،توضع فيه أخبار أجل نتائج علمية أكثر دقة وشمولية ،خدمة للبحث الندوة القادمة أوالً بأول. العلمي والتاريخ للفترات الحضارية المختلفة. •إتاحة الفرصة ألقسام اآلث��ار المهتمة بآثار وق��د رك��زوا على ض��رورة تفعيل دور الجمعيات الوطن العربي لحضور بعض طالب الدراسات األثرية من أجل تطوير البحث الميداني وأهمية العليا للندوات القادمة التي تعقدها مجلة تشكيل فرق العمل. أدوماتو. 114اجلوبة -صيف 1431هـ
م�������س�������ـ�������ـ�������ـ�������ـ�������ـ�������ـ�������ـ�������رح
أزمة النص في مسرح الطفل > الزبير مهداد*
تطالعنا اإلعالنات الصحفية خالل الربعين الثاني والثالث من كل سنة ،بإعالنات عن تنظيم مهرجانات لمسرح الطفل ،تقيمها جمعيات وهيئات شتى في دول عربية كثيرة. ومن المالحظ على تلك المهرجانات ،أن المشاركة فيها تظل مفتوحة على فرق مختلفة ،بعضها يمارس المسرح من باب الهواية ،في إطار جمعية فنية أو ثقافية ال توحي االح��ت��راف .واألخ��رى تنتمي لمؤسسات تعليمية ..ت��م��ارس المسرح المدرسي. وقليلة هي الفرق التي تحترف مسرح الطفل وتشارك فيها .وحتى عالم االحتراف يظل موبوءا عليال بانتساب أشخاص لم يستفيدوا من أي تكوين أكاديمي فني يؤهلهم لممارسة العمل في هذا الحقل المهم ،باستثناء ما راكموه خالل الممارسة في دور الشباب والمخيمات ..أو التجوال عبر المدن ،وهو ال يكفي ليسوغ التفرغ واالحتراف. وغياب االحتراف يؤدي بالضرورة إلى مدرسية بسيطة.
تأخر القطاع ،وسيادة الهواية التي تفتح الباب على مصراعيه للتجريب ال��ذي قد
ال يكون ناجحا دوم��ا ،وال يسهم بفعالية
تعددت المشاكل بتعدد الممارسين فالساحة الفنية لمسرح الطفل اليوم
في تطوير هذا الحقل ،إلى جانب غياب التمييز الدقيق بين المسرح المدرسي ت�ح��وي ث�لاث ف�ئ��ات م��ن الممارسين :فئة وم �س��رح ال�ط�ف��ل ،وغ �ي��اب تحديد مراحل ال �م �س��رح ال� �م ��درس ��ي؛ وف �ئ��ة الجمعيات النمو المستهدفة بالعروض المسرحية ،الهاوية؛ وفئة محترفي التنشيط والتهريج. فالمسرح المدرسي يستفيد من تأطير وجهل بخصائص الطفولة وحاجاتها الفنية وال�ث�ق��اف�ي��ة ،فبعض ال�م�س��رح�ي��ات ينبغي
وم��راق �ب��ة وزارة ال�ت��رب�ي��ة ال��وط�ن�ي��ة ،بينما
تصنيفها ضمن م�س��رح ال �ه��واة ،وبعضها تمارس الجمعيات أنشطتها في الفضاءات
يليق بالمراهقين والشباب ،وأخرى أعمال المخصصة للجمعيات وال �ش �ب��اب التي
اجلوبة -صيف 1431هـ 115
وتأتي في رتبة ثانية قضايا اإلخ��راج والديكور والمؤثرات الصوتية والضوئية وغيرها ،والتي يشترط فيها إشراك التالميذ بصفتهم منتجين وفاعلين ومتلقين ،وهذا يستدعي منا أن نتقبل األعمال مهما كانت متواضعة؛ بخالف مسرح الطفل ال��ذي يهدف إلى تقديم أعمال متكاملة من كل الجوانب دون تساهل فيها ،وال يشترط إش��راك األطفال في مراحل إع��داد المسرحية، بل ذلك موكول للمحترفين الراشدين(.)2
تخضع لتأطير وزارات الثقافة والشباب .وتظل فئة محترفي التنشيط والتهريج مستقلة عن كل وصاية ،محكومة بضوابط السوق وقواعده التجارية ،وتتشكل من فرق فنية تحمل مسميات جمعيات ،وأح�ي��ان��ا ش��رك��ات أش �خ��اص ،تطوف على المسارح والمدارس والمخيمات والمنازل الخصوصية ..تقدم عروضها ،وتحيي المناسبات أجر مالي .وإذا كان واالحتفاالت العائلية نظير ٍ العاملون فيها راكموا تجربة ومهارة خالل حياتهم الجمعوية ب��دور الشباب والمخيمات؛ فإن هذه والجمعيات الهاوية تضم نخبة من الشباب الفرق التي شكلوها ال تستفيد من أي تأطير أو المثقف الغيور على الفن والثقافة ،ولكن الغيرة تدريب ،وال تخضع لوصاية أو توجيه أو ضبط ال تكفي ألج��ل إنجاز عمل فني جيد ،فهم في م��ن أي جهة ،فالهاجس المالي يحكمها ..وال الغالب يسقطون تجارب مسرح الهواة ذات البعد يترك لها وقتا للتفرغ لزيادة التكوين أو تعميقه .التجريبي الهاوي على مسرح الطفل. وعلى الرغم من نقط االلتقاء القائمة بين كل الفاعلين في هذا الحقل؛ فإن خصوصيات كل فن تظل ثابتة ال يمكن إغفالها ،وهذا السبب ..هو منشأ االختالالت الملحوظة في المهرجانات. فالمسرح المدرسي يعمل على توصيل األفكار التربوية للطفل ،ويمسرح المناهج والدروس، ويسهم في تطوير ق��درات الطفل وإنماء خياله الخصب ،ويقدم عروضه في المدرسة ،يشاهده التالميذ والمدرسون واآلباء والفاعلون في الحياة المدرسية .التالميذ هم الذين يعدون ديكوراته، ويختارون موسيقاه ،وينشدون أغانيه ،ويركبون إك �س �س��وارات��ه ،وي��رس �م��ون أق�ن�ع�ت��ه ،ويصممون مالبسه؛ وإذا كان متعذرا عليهم إنجاز كل ذلك، فإنهم على األق��ل يسهمون فيه بحظهم؛ ونقط االرت �ك��از فيه ت��دور ح��ول عنصرين اثنين ،هما النص الذي ينبغي أن يلتقي مع العمل المدرسي وأهداف التربية ويكملهما ويحققهما ،ثم إعداد الممثل الذي يجب أن تتحقق فيه تلك األهداف المعرفية أو اللغوية أو السلوكية وغيرها(،)1 116اجلوبة -صيف 1431هـ
أما فرق التهريج والتنشيط ،فإنها تقدم في الغالب عروضا بهلوانية ،تحرص على استدعاء ردود فعل األطفال الصاخبة كالصراخ والتصفيق، وال تتورع في سبيل ذلك عن تقديم مشاهد تثير تلك ال ��ردود على ال��رغ��م م��ن منافاتها لقواعد التربية السليمة ،كمشاهد ال �ض��رب والتهكم من األشخاص العتبارات خاصة ..كاإلعاقة أو الجنس أو ال�ل��ون؛ فضال ع��ن افتقاد عروضها ل�ل�ش��روط الجمالية واالب �ت �ك��ار ف��ي ال��دي�ك��ور أو حركات الممثلين أو اللباس. وال �م�لاح��ظ أن ك�ث�ي��را م��ن ال�م�س��رح�ي��ات لم ي�ك�ت�ب�ه��ا م�ت�خ�ص�ص��ون ف��ي م �س��رح ال �ط �ف��ل ،بل كانت اجتهادا خاصا لمعدي المسرحية الذين ال يتوافرون في الغالب على اإللمام الضروري بفن الكتابة للطفل ،وشروطها اللغوية واألسلوبية والمضمونية ،بل راكموا تجربة إخراجية بسيطة م��ن خ�ل�ال ان �خ��راط �ه��م ف��ي ال �ع �م��ل الجمعوي ب��دور الشباب ،وه��م يكتبون النص ويخرجونه ويدربون الممثلين ،ويخططون لإلضاءة والصوت
م�������س�������ـ�������ـ�������ـ�������ـ�������ـ�������ـ�������ـ�������رح
والديكور وغير ذلك من العمليات المسرحية. واالعتماد على اإلمكانات الذاتية ينم أحيانا عن أنانية متضخمة ،وغياب الروح التعاونية ،ورفض االنفتاح على الكفاءات األخ��رى التي يمكن أن تشارك في إدارة العمل المسرحي .وهذا العامل •عدم إسقاط تجربة مسرح الهواة ذات البعد يؤثر على جودة األعمال ،ويفرز مسرحيات ضعيفة التجريبي والهاوي على مسرح الطفل ،والعناية ونصوصا مهزوزة ،وديكورات بسيطة ،وغير ذلك ب��ال�م��وض��وع��ات ال �ت��ي ت�ه��م األط��ف��ال ،وتفادي من العيوب .ويتذرع بعض المسرحيين بضعف المسائل الذهنية التي يناقشها الكبار ،والرموز الموارد المالية للجمعيات ،ولكن هذا الوضع ال واإلسقاطات السياسية واإليديولوجية. يغلق الباب أم��ام التعاون مع الكفاءات التي قد •االن �ف �ت��اح ع�ل��ى ال�ف�ع��ال�ي��ات الثقافية والفنية يتطوع كثير منها بالعمل حبا في المسرح. وال�ت��رب��وي��ة واالس �ت �ف��ادة م��ن خبراتها ،وتبادل لذلك تتكرر المالحظات التي تبديها لجان التجارب بين الفرق المسرحية المشاركة في التحكيم في كل دورات مهرجانات مسرح الطفل، المهرجان(.)3 والتي يمكن إجمالها فيما يأتي: وما تحفل به التقارير من انتقادات صريحة •ض��رورة م��راع��اة خصوصيات مسرح الطفل، للعروض المسرحية ،يشي بأزمة شاملة يعانيها نصا وإخ��راج��ا ،والتمييز بينه وب�ي��ن الفنون مسرح الطفل ،وهذه األزمة تنبع من عجز الواقع األخرى ،وإدراك حدوده بدقة واحترامها. الثقافي العربي عموما ،والمسرحي بوجه خاص •م��راع��اة المستوى ال�ت��رب��وي والعقلي للطفل عن االستجابة لمتطلبات مسرح الطفل. والعصر ،وتوخّ ي البساطة في الطرح ،واللعب إن المهرجانات تعد مرصدا يمكّن من تتبع ك�ص�ي��اغ��ة ف�ن�ي��ة م�س��رح�ي��ة ،وأس��ل��وب السرد مؤشرات واقع هذا الفن ،ومشاكله وآفاق تطوره، وال �ح �ك��ي ال��رش �ي��ق ال �ب��دي��ع ،وت��ف��ادي النزوع واتجاهات التجريب في عناصره ومكوناته ،كما الماضوي واألنماط السردية القديمة. أنها تفتح األبواب واسعة في وجه المبادرات التي •التركيز على التشخيص ال��درام��ي والتعبير يمكن أن تخدم هذا الفن؛ والعناصر التي تستأثر ال �ح��رك��ي ل�ل�ج�س��د ،ب ��دل اإلل� �ق ��اء والخطاب اه�ت�م��ام ومتابعة ال��راص��دي��ن لضبط مؤشرات ال �م �ب��اش��ر ،دون إغ� �ف ��ال ال �ج��ان��ب الجمالي واق ��ع م �س��رح ال�ط�ف��ل ك �ث �ي��رة ..وأه �م �ه��ا قضايا والتقني. النص ،واإلخراج والديكور والموسيقى ،والحركة •حسن توظيف تقنيات مسرح الطفل المتداولة النقدية والدعم ،ثم قضايا الجمهور .ولعل أهم ك��األق�ن�ع��ة وال �ك��راك �ي��ز وخ �ي��ال ال �ظ��ل توظيفا ه��ذه القضايا على اإلط�ل�اق ه��ي قضية النص محكما يحافظ على تماسك وانسجام بناء المسرحي التي تشغل بال األدب��اء والمسرحيين العرض المسرحي. كتابا ومخرجين على ال �س��واء ..لتحكّمها وقوة •ع��دم استسهال التعامل م��ع م�س��رح الطفل ،تأثيرها في العناصر كافة التي تؤلف العرض وإس�ن��اد إع��داد المسرحيات ل��ذوي الكفاءات المسرحي. ال�ع�ل�م�ي��ة وال �ح��رف �ي��ة ،وال �ع �م��ل ع �ل��ى تكثيف ال��ورش��ات التدريبية الخاصة لمسرح الطفل (الكتابة الدرامية ،اإلخ��راج ،إع��داد الممثل، الديكور).
اجلوبة -صيف 1431هـ 117
أزمة النص أه��م أزم ��ات مسرح الطفل مرتبطة بالنص المسرحي ،فقليلة هي الكتابات التي تأخذ بعين االعتبار شروط ومكونات العمل المسرحي من ديكور ولباس وإخراج وإضاءة وغيرها ،فكل هذه العناصر تنجب مجتمعة عمال مسرحيا ناضجا. فالمسرحية منظومة كلية ت�ض��م التمثيل واإلخ ��راج والديكور وغيره من المكونات التي تتآلف في إط��ار بنية مركزية ،هي النص الذي ي �ح��دد م��ن خ�لال��ه ال �ك��ات��ب ال �غ��اي��ة م��ن العرض المسرحي ،لذلك فالعناصر كلها ال تبدأ عملها قبل عنصر الكتابة.
ضعف العناصر الناظمة للنص إن ال��وص��ول إل��ى العناصر الناظمة لكتابة النص المسرحي للطفل ،يشترط مراكمة معرفة أكاديمية وخبرة ميدانية وقراءات متوالية .وهذا ما ينقص الكثير من الكتّاب الهواة ،لذلك فإن أغلب النصوص المتواجدة في الساحة تطغى عليها الخطابية ،أو المباشرة ،أو ركاكة اللغة، أو الحبكة المصطنعة ال�ت��ي ت�ق��وم على حوار فضفاض فيه ثرثرة كثيرة ،وتالعب باأللفاظ، وصراخ وعويل ال مبرر لهما ،أبطالها شخصيات مصطنعة نمطية أحادية الجانب ،تفتقد الحيوية والحرية والصدق( .)4ويسرد الكاتب على لسانها ك��ل م��ا يخطر ع�ل��ى ب��ال��ه دون اع�ت�ب��ار لحقيقة الشخصية التي تمثلها ،وه��ذه المباشرة تحول دون وضوح الرؤية السينوغرافية ونضجها ،وتدل على غياب وعي بطبيعة الطفل المتلقي وحاجاته النفسية والعقلية والعاطفية.
لذاتها ،والحبكة المسرحية هي التي تحول لذة الحكاية وجمالها إل��ى درام��ا جميلة فيها حياة وصراع وحوار ،وفي ظل غياب القصص الجميلة الممتعة المالئمة للطفولة ،يلجأ كثير من الكتاب إلى استلهام التراث أو االقتباس والترجمة. ف�ه�ن��اك ك �ت��اب يستلهمون ال��ت��راث العربي ويقدمونه للطفل ،بدعوى حاجة الطفل لتعرف تراثه ،وإبراز معالم هويته وتأصيلها ،دون عناء يذكر في انتقاء النصوص والمضامين ومالءمتها مع شروط الحياة المعاصرة ،بل ودون مراجعة كثير من مضامينها التي ترسخ أنماط تفكير لم تعد مستساغة وال مقبولة في زمننا الحالي ،ويبدو عليها أنها ال تتأسس على معرفة الواقع وتتوافر فيها رؤية مستقبلية ،على الرغم من أهمية هذه المعرفة وقيمتها التربوية واالجتماعية .فتراثنا.. على الرغم من غناه وتنوع فنون أدائ ��ه ،وعلى الرغم من تعبيره عن وجداننا الجماعي ،وأنه مرجع المتخيل الشعبي وأص��ل الفرجة ،يجب تناوله ت�ن��اوال إشكاليا داع�ي��ا للتساؤل ،وإعادة النظر إليه ،والشك فيه ،وبحثه وفحصه ،بدل االكتفاء بالنظر إليه نظرة ثبات الماضي كضمان وحيد للمستقبل والحاضر(.)5
أما االقتباس بشكليه الصريح والضمني ،فإنه كان دوما مدخال لتعلم الكتابة واالحتكاك بها، ولملء الفراغ في ساحتنا اإلبداعية األدبية الناتج عن ضحالة وضعف اإلنتاج األدب��ي المسرحي، وف��ي أح�ي��ان كثيرة يكون ه��ذا االقتباس مجرد ترجمة للنص ،دون أن تتم إع��ادة ق��راءة للنص األصلي ،وتحويل بنيته الدرامية لتالئم مجتمعنا ال��ذي يتميز بثقافته المختلفة ..وذوق��ه وفهمه فأهم النصوص وأق��واه��ا وأجملها هي التي وقيمه(.)6 ت�ق��وم على قصة ق��وي��ة ال�ب�ن��اء محكمة السرد، ف��األس�ط��ورة ال�ت��ي تتضمنها بعض القصص وه��ذا يعني أن القصة في المسرحية مقصودة في اآلداب األجنبية ،ينبغي التعامل معها بحذر
118اجلوبة -صيف 1431هـ
واللغة س��واء كانت أدبية فصيحة في حال األع �م��ال المترجمة ،أم لهجة دارج��ة ف��ي حال األع�م��ال التراثية – ول�ك��لٍّ وجهة نظر تدعمها حجج وجيهة ج��دي��رة بالتقدير -فإنها ينبغي أن تكون درامية ،دال��ة وحيوية ومفعمة بالصور والمعاني التي تفجر األح��داث ،أن تكون الجمل بسيطة مفهومة موجزة؛ وال تعتمد على الحوار الشفوي وح ��ده ،ب��ل كثيرا م��ا يكون لإليماءات واإلش � ��ارات ،وللصمت أي �ض��ا ..بعد دالل��ي في البنية الدرامية ،وإنَّ اقتصار الكتابة المسرحية على الحوار البسيط ،يفسره غياب الوعي بأهمية الصراع الدرامي وقيمته والمأساة في المسرح؛ فالنصوص المسرحية الرائجة عبارة عن ثرثرة، تفتقر للرؤيا الواضحة ،وللبناء المحكم القوي للشخصيات ،وللصراع البارز المتميز ،فالصراع الذي يعبر عن األحكام المتعارضة هو المحرك الدرامي الفاعل في المسرحية .وتكون الرؤيا واضحة إذا توافرت الوحدة الفكرية والعاطفية للصراع ،وهذا أمر نادر في مسرحياتنا.
م�������س�������ـ�������ـ�������ـ�������ـ�������ـ�������ـ�������ـ�������رح
شديد ،فال يجب النظر إليها باعتبارها غريبة ع��ن مجتمعنا ،أو زائ ��دة ال ل��زوم ل�ه��ا ،م��ا يبرر حذفها من المقتبس ،بل الثابت أنها تستهوي األطفال ويتقبلونها ،فهي مفيدة لهم ،تساعد على نمو قدراتهم التخيلية ،وهذا يوجب على الكتاب توظيفها في نصوصهم ،وجعلها في نسيج العمل ال��درام��ي ال �ت��رب��وي ،وش�ح��ذ ع�ن��اص��ره��ا بحركة ال�ن��ص وأح��داث��ه ال��درام �ي��ة ،وف �ض��اءات��ه ،وإبداع لغة خطاب تستنبط الجوهري من األسطورة، وتدمجه بالرؤية العامة والمفهوم الناظم لتطور النص ونموه دراميا وفكريا(.)7
المتلقي ،ويرفع مستوى التصاعد الدرامي .إن الصراع الدرامي هو النسيج العام الضام لعناصر التأليف المسرحي ،فينبغي أن يعبر عن األحكام المتعارضة ال�ت��ي ي��داف��ع عنها الخصوم الذين يمثلون رغبات متناقضة مختلفة ،وهم ال يقلون قوة ووزن��ا عن بعضهم بعضا ،وأن يكون بوتيرة تصاعدية يرافق مجريات أح��داث المسرحية؛ ف��أف�ض��ل أن ��واع ال �ص��راع ال��درام��ي ه��و الصراع الصاعد الذي يشتد ويقوى من أول المسرحية إلى آخرها ،عندما يتساوى الخصوم من حيث القوة والتأثير ،كل طرف من الخصوم يتمسك بالدفاع عن مواقفه ومصالحه المهددة ويحميها باستماتة ،حتى يصل إلى األزمة التي تشتد حتى تبلغ الذروة في الحل ،كل ذلك في جو من اإلثارة والتشويق والجاذبية الممتعة(.)8 ل��ذل��ك ،ينبغي أن ت�ت�ح��رر م�س��رح�ي��ات�ن��ا من ثنائية الذكي والبليد ،أو المجتهد والكسول ،أو المهذب والمشاغب ..وما شابه هذه الثنائيات البسيطة ال�س��اذج��ة ال�ت��ي طغت على كثير من مسرحياتنا التربوية خالل عقود من الزمن ،فهي ال تمثل ص��راع��ا درام �ي��ا ،وال تمت ل��ه بصلة(.)9 فالمسرحيات التي تنبني على ه��ذه الثنائيات ال تتضمن شخصيات متنامية متطورة متجددة، تتحلى بقوة اإلرادة التي تخوض بها الصراع في مواجهة اإلرادات األخ��رى ،فالخلل في بناء الشخصية يؤثر على بقية أركان المسرحية.
ي � �ج� ��ب ب�� �ن� ��اء ش�� �خ� ��وص ن� ��ام � �ي� ��ة محركة ل�لأح��داث،ت �ت �م �ي��ز ب �ت �ف��رده��ا ،وت�م�ت�ل��ك عمقها ووجودها في النص ،تطرح من خالله قضاياها.. وتحرك أح��داث��ه؛ أي أال تكون شخوصا نمطية ال�ص��راع هو المجسد للمأساة ،إن��ه أساس أح��ادي��ة الجانب ،فطبيعة النفس البشرية أنها الوعي المأساوي ال��ذي يبرز تعارض المواقف تحتوي على كم هائل من السلوكيات المختلفة، وتناقضها؛ فهو ال��ذي يخلق القلق والشك لدى فينبغي عدم اإلحجام عن استثمار الجسد الذي
اجلوبة -صيف 1431هـ 119
يعد أداة تعبيرية أساسية م��ن أدوات العرض واإلخ� ��راج ،وال �ت��ي غالبا م��ا ت�ح��رج المخرجين ال �ك��وم �ي��دي ،بشكل ي�س��اع��د ع�ل��ى رف��ع مستوى فيضطرون لملئها باجتهاداتهم الخاصة. اإلده��اش والتوتر ال��درام��ي ،وال يقتصر التعبير لذلك ،على الكاتب أن يفكر بالخشبة عند الجسدي على ح��رك��ة اليدين وال��وج��ه بطريقة الكتابة ،فهو ال يكتب لنفسه ،إن�م��ا لآلخرين، ()10 تستدر الشفقة وتستجدي تعاطف المشاهد ؛ للمخرج والممثلين ..ولألطفال المتلقين .فعليه فسيطرة الجانب االستهزائي على العمل الدرامي أن يبحث عن أص��وات شخصياته مما ي��راه في يفقده معناه ويميّع قيمه ومضامينه. الواقع ،لكن دون التعامل مع الواقع بوصفه مادة والشخصية في المسرحية تتحول من عنصر جاهزة يمكن نقلها إلى الخشبة ،بل أن يستحضر متخيل إل��ى عنصر حقيقي ع�ن��دم��ا يجسدها ويصور أجزاء من الواقع ،تحيل على ما يحصل الممثل بشكل حي على الركح ،حيث تعبر عن ع�ل��ى أرض ال��واق��ع م��ن خ�ل�ال ال �ع�لام��ات التي نفسها مباشرة م��ن خ�لال ال �ح��وار والمونولوج يمكن للطفل المتفرج أن يالحظها .إن النص والحركة التي يؤديها الممثل دون تدخل وسيط .المسرحي هو مشروع عرض قبل كل شيء(،)11 وحين تكون الشخصيات مبنية بإحكام تساعد ينبغي أن يتيح للمخرج فرصة واض�ح��ة تيسر المشاهد على تعرف وظيفتها وسماتها وعملها ،االشتغال عليه وإع��ادة كتابته ،ليخرج في حلة وذلك يتأتى له عن طريق اللغة ..وعبر المتخيل ..بهيجة تسر المشاهدين؛ فينبغي أن يكون هذا وم ��ن خ�ل�ال ن �م��و ال �ف �ع��ل ال �م �س��رح��ي وسيرورة ال�ن��ص ع�ب��ارة ع��ن مجموعة م��ن ال�ل��وح��ات التي األح� ��داث ..وان�ف�ت��اح ال�ع��وال��م وت �ع��دده��ا ،والتي تجتمع لتشكل عرضا..يجب أن يحددها الكاتب ينبغي أن تكون باعثة للطفل على االندماج فيها ،بتفاصيلها الدقيقة ،حتى يستنير بها المخرج والتفاعل معها واالستغراق فيها ،ولذلك ،فالبد بكل سهولة ووضوح؛ وأن تنتظم هذه اللوحات في من إنتاج نص له خلفياته الكبيرة المستمدة من إط��ار وح��دة فكرية ،حتى ال يرتبك المخرج أو علم النفس وعلم التربية وعلم الجمال ،للوصول الممثل أو المتفرج؛ فالفكرة المبهمة أو المشتتة، إلى مستويات الطفل العقلية واللغوية والتخيلية .تجعل المسرحية غير ذات موضوع ..ومن ثم غير
مالءمة الرؤية السينوغرافية
ذات قيمة .كما أنه كلما حصل التطابق بين رؤى الكاتب ورؤى المخرج ،واتفق تصورهما للعمل المسرحي ..أنتجا عمال جيدا ،إال أن المؤلف في الغالب ،مهما أتقن الكتابة ،ال يمكن أن يستوفي كل جوانبها السينوغرافية؛ لذلك ،فإن المخرج يجد دوم��ا فسحات يبث فيها من روح��ه ..ويكمل ما أعده الكاتب ،وهناك مخرجون متميزون أعادوا كتابة المسرحيات فوق الركح ب��رؤى وإضافات فنية ذكية أبهرت الكتّاب أنفسهم(.)12
إن النصوص المسرحية المالئمة للرؤية السينوغرافية قليلة جدا ،وإن ما يجب االقتناع به لدى المسرحي هو أنه ال يمكن القبول بنص �ال م��ن الفعل وم��ن الدراما، مسرحي طفلي خ� ٍ فالمسرح فعل وح��رك��ة ومتعة وإث ��ارة وإدهاش ولعب وموسيقى ورق��ص .وه��ذه المكونات هي التي تمنح الجمالية للعمل المسرحي ،وتضمن جاذبيته وتأثيره ،وتمنح المخرج فضاء دراميا وأزمة النص المسرحي الطفلي العربي ناتجة وبعدا زمنيا ومكانيا ..ويتجه نحو العمق ،وتقلص ق ��در اإلم��ك��ان ال�ح�ل�ق��ات ال�ض��ائ�ع��ة ب�ي��ن النص ع��ن ت��واض��ع إنتاجنا ف��ي ه��ذا ال�م�ض�م��ار ،وعن 120اجلوبة -صيف 1431هـ
كون المؤلفين أدباء ..لم يلموا بقواعد اإلخراج المسرحي ،ول��م يشتغلوا ب��ه ،أدب ��اء تستهويهم مذاهب مثل الواقعية أو العبثية أو الرمزية أو غيرها ،فيكتبون نصوصهم على ضوء ذلك دون التفكير في مشاكل العرض ،وش��روط الفرجة، فصورتنا عن الطفولة هي في الغالب انعكاس وإك��راه��ات اإلخ� ��راج( .)13فهذه النصوص تصلح لطفولتنا وصورتنا عن ذاتنا( ،)13التي تكونت لدينا ل�ل�ق��راءة األدب �ي��ة أك�ث��ر م��ن صالحيتها لإلخراج بتأثير عوامل تربوية وثقافية مغايرة للعوامل المسرحي. القائمة في زمننا ،فالفارق يحدده حيز زمني أقله ثالثون عاما ،وأطر الماضي هذه التي تؤطر الخاتمة إن الكتابة للطفل الموجود في الواقع ،تشترط تصورنا عن الطفولة ،تحول دون تقديم النافع التسلح باألدوات التي تمكن من تعرف هذا الطفل ،ألط�ف��ال ال �ي��وم ،وال تحقق طموحات المشروع وخصائص نموه البدني والعقلي واالجتماعي ،المجتمعي ال ��ذي ي�ت��وخ��ى ال�ن�ه��وض بالمجتمع ومطالب هذا النمو في وسط ثقافي متميز بلغاته ،وتقدمه ورخائه .والكاتب الذكي دائم المبادرة، وعاداته ،وأذواق��ه ،وقيمه ،وظروفه االقتصادية متحرر من القيود وآث��ار ال��ذات ،يخطط بذكاء واالجتماعية .ففهم هذا الطفل وتعرفه ،يجب الس �ت �غ�لال ال �م��اض��ي م��ن أج ��ل ب �ن��اء الحاضر، أن يترجمه النص المسرحي ،وبناؤه الدرامي ،والتوغل برفق وذك��اء في عالم الطفولة المرح، وأس�ل��وب��ه ،ولغته؛ فيجب أن تكون ه��ذه الكتابة طفولة اليوم الذكية المفتوحة العينين على العالم مؤطرة بهذه المعرفة ،رامية لفتح آف��اق فكرية المعاصر ،وما يشهده من تطورات كبرى. *
() 1 ( )2 ( )3 () 4 ( )5 ( )6 ( )7 ( )8
م�������س�������ـ�������ـ�������ـ�������ـ�������ـ�������ـ�������ـ�������رح
وخيالية ومعرفية واسعة أمام الطفولة ،ال تبقى حبيسة الماضي وتمثالته الثابتة في أذهاننا ،بل تنفتح على المستقبل ،ومتطلبات التقدم الثقافية والتكنولوجية والسياسية.
كاتب من المغرب. مهداد ،الزبير :المسرح المدرسي؛ نشر جمعية التعاون المدرسي بالناظور 1997م،ص ص .13-9 مهداد ،الزبير :شروط تحقيق الفرجة في مسرح الطفل؛ جريدة الفنون ،الكويت ،عدد 69سبتمبر 2006م ص ص.47-46 اعتمدنا في تركيب المالحظات على وثائق الدورة الثانية لمهرجان اإلمارات لمسرح الطفل ،وربيع مسرح الطفل بسوريا ،ومهرجانات حركة الطفولة الشعبية لمسرح الطفل ،ومهرجانات جمعية التعاون المدرسي وغبرها. أمينة عباس ،في ندوة رؤى مستقبلية حول واقع مسرح الطفل ،مقال بجريدة البعث السورية 8فبراير شباط 2007م. محمد سكري :موال نوبة؛ جريدة االتحاد االشتراكي 9يوليو 2000م. سكري ،محمد :المرجع نفسه. سكري ،محمد :المرجع نفسه.
DICTIONNAIRE DRAMATIQUE [Par La Porte et Chamfort.] Paris, chez Lacombe, M. DCC. LXXVI. .P 85-86
( )9مؤدن ،عبدالرحيم :الكوميديا المغربية والصناعة اللفظية؛ جريدة العلم (الملحق الثقافي) 6دجنبر 2007م ،ص .3 مؤدن :المرجع نفسه. ( )10الخواجة ،هيثم يحيى :حوار مع عبدالرحمن بن زيدان ،منشور بمجلة نزوى العدد 7يوليو 1996م ،ص .160-152 ( )11حسو ،عبدالناصر :النص المسرحي بين الكتابة واإلخ��راج؛ جريدة الثورة (سوريا) الملحق الثقافي الصادر يوم 5يوليو 2005م. ( )12الخواجة :المرجع نفسه. ( )13أمينة عباس ،مرجع مذكور.
اجلوبة -صيف 1431هـ 121
تنمية املوارد البشرية
ودورها في تعزيز امليزة التنافسية للوحدات االقتصادية واملصرفية
بالل محمود حسني*
يشهد العالم تحوالت سريعة نتيجة العولمة ،ما شكل بيئة جديدة مالئمة أكثر النتشار الشركات المتعددة الجنسية في مختلف دول العالم ،واالستفادة من المزايا المتاحة حيثما وجدت ،سواء على مستوى التمويل ،أو اإلنتاج أو التوزيع من أج��ل زي��ادة قدرتها التنافسية ومواجهة منافسات اآلخرين، وفي ظل الواقع الحالي والمتخلف لوحداتنا االقتصادية فإن التحول لمواجهة ذلك التطور ال بد من أن يكون بموارد بشريه تمتلك المعرفة والكفاءة العلمية والخبرة الالزمة. وي��رج��ع االهتمام العالمي بتنمية الموارد البشرية إلى أن البشر هم الثروة الحقيقية أليَّ دولة ،وألي أمة ،وكلما تمكنت األمة من الحفاظ ع�ل��ى ث��روت �ه��ا ال �ب �ش��ري��ة ،وع�م�ل��ت ع�ل��ى تنمية قدراتها عن طريق التأهيل والتدريب المستمر، إلكسابها القدرة على التعامل مع الجديد الذي يظهر على الساحة الدولية بين الحين واآلخر؛ كلما تقدمت هذه األم��ة اقتصادياً واجتماعياً وثقافياً بين األمم األخرى.
أوال :تنمية الموارد البشرية وه ��ي إع � ��داد ال �ع �ن �ص��ر ال �ب �ش��ري إع � ��داداً صحيحاَ بما يتفق واحتياجات المجتمع ،على أساس أنه بزيادة معرفة وقدرة اإلنسان يزداد ويتطور استغالله للموارد الطبيعية ،فضال عن 122اجلوبة -صيف 1431هـ
زيادة طاقاته وجهوده .وقد أشار تقرير التنمية البشرية الصادر عن األمم المتحدة سنة 1990م أن التنمية البشرية تعنى بتوسيع نطاق االختيار أمام األفراد ,وذلك بزيادة فرصهم في التعليم والرعاية الصحية والدخل والعمالة .وقد تطور مفهوم تنمية الموارد البشرية ،ولم يعد يقتصر فقط على التعليم والتدريب ،بل أصبح يركز على تطوير أنماط التفكير والسلوك ،ونوعية التعليم وال�ت��دري��ب ،ونوعية مشاركة الجمهور ف��ي ات�خ��اذ ال �ق��رارات وال�ع�لاق��ات االجتماعية وال�ع��ادات والتقاليد ،وثقافة الشعوب ،وطرق وأس��ال �ي��ب ال�ع�م��ل واإلن� �ت ��اج؛ أي تعبئة الناس بهدف زيادة قدراتهم على التحكم في مهاراتهم وقدراتهم.
م����������������ال واق��������ت��������ص��������اد
إن تنمية ال �م��وارد البشرية = اإلع� ��داد (إعداد ول��غ��رض ت �ط��وي��ر ال� �م ��وارد ال �ب �ش��ري��ة ف��ي عصر الموارد البشرية) +المتابعة (تقييم األداء) +المقابل تكنولوجيا المعلومات فإن ذلك يتطلب مجموعه من (األجور والرواتب والمكافآت والحوافز) +المحافظة اآلليات: (ال��رع��اي��ة االج�ت�م��اع�ي��ة والنفسية واالق �ت �ص��ادي��ة) + .1تخطيط القوى العاملة: الضبط (اإلش ��راف والتوجيه) +التنمية (التدريب تحتاج أي وحدة اقتصادية إلى موارد بشرية تؤدي ورفع الكفاءة). إن معنى ذلك أن كل ما يدفع من مبالغ ستؤدي إلى من خاللها النشاط الذي تقوم به ،وعليه يجب أن تقوم تنمية الموارد البشرية؛ أي زيادة قيمتها ..ومن ثم فإن بتحديد احتياجاتها من أعداد ونوعيات مختلفة من الباحث يؤيد هذا التوجه ،ألنه يحدد القيمة المالية الموارد البشرية .وحسن تحديد النوعيات واألعداد التي يتم إنفاقها من أجل الوصول إلى قيمة الموارد المناسبة من العمالة تكفل القيام باألنشطة على خير وجه ،وبأقل تكلفة .أما سوء هذا التحديد فيعني وجود البشرية التي يجب إثباتها في السجالت والقوائم. عمالة غير مناسبة في األعمال والوظائف ،ووجود وتشير تقارير األمم المتحدة إلى أن تنمية الموارد أيضا ،ما يؤدي في النهاية أع��داد غير مناسبة منها ً البشرية تركز على: إلى اضطراب العمل ،وزيادة تكلفة العمالة عما يجب •أن يعيش اإلنسان حياة مديدة وصحية. أن تكون .ويعتمد تخطيط االحتياجات من الموارد •أن يكتسبوا المعارف العلمية. البشرية على م�ق��ارن��ة بسيطة بين م��ا ه��و مطلوب •أن يحصلوا على ال�م��وارد الالزمة لمستوى من العمالة وبين ما هو معروض منها داخل الوحدة االقتصادية .فإذا كانت نتيجة المقارنة وجود فائض معيشة الئق. في عمالة المنظمة ،وجب التخلص منه ,أما إذا كانت ثانياَ :الموارد البشرية في عصر العولمة النتيجة وجود عجز ،فإنه يجب توفيره. إن العالم يتعامل اليوم في اقتصاد مفتوح ضمن تخطيط ال �م��وارد البشرية ه��و محاولة لتحديد قرية صغيره تدعى العالم نتيجة تطور التكنولوجيا ،احتياجات ال��وح��دة االقتصادية م��ن العاملين خالل فأصبح ينظر إلى الموارد البشرية كرأس مال متحرك ،فترة زمنية معينة ،وهي الفترة التي يغطيها التخطيط، والعولمة من منظور إداري هي عولمة النشاط المالي وهي في العادة سنة .وباختصار ،فإن تخطيط الموارد والتسويقي واإلنتاجي والتكنولوجي والمعلوماتي ،أي البشرية يعني أساسً ا تحديد أعداد ونوعيات العمالة عولمة أسواق المال والسلع والخدمات والتكنولوجيا المطلوبة خالل فترة الخطة. والعمالة.
.2تدريب الموارد البشرية
إن التحوّل من المؤسسة التقليدية بكل أشكالها (تنظيم هرمي ،مركزيه ،االعتماد على التجربة..، ويهدف إلى: الخ) إلى المؤسسه المعاصرة (تنظيم مفلطح وشبكي - ،زيادة اإلنتاج عن طريق تحسين المهارات والمعارف ت�ك��ام��ل ف��ري��ق ال�ع�م��ل ،ال�لام��رك��زي��ة ،اإلستراتيجيه، الفنية ألداء األعمال. المعلومات..الخ) يقوم أساسا على نوعية وخصائص الموارد البشرية ،فإذا توافرت القدرة مع الرغبة في -سرعة تنفيذ األعمال بصورة صحيحة. إطار منسجم ومتفاعل ،تصبح الموارد البشرية هي -ضمان سالمة العامل ،ألنه كلما زاد التدريب على استخدام اآللة أصبح في استطاعته تجنب الضرر المدخل اإلستراتيجي إلدارة أه��م أص��ول المؤسسة وتفادي األخطار. بهدف تحقيق ميزه تنافسيه.
اجلوبة -صيف 1431هـ 123
خالصة القول وصفوته :إن من أهم مقومات الميزة .3إعادة هندسة العمليات ويقصد بها إج ��راء تغييرات ج��ذري��ة ل�ه��ا ،تؤدي التنافسية إن لم تكن أهمها على اإلطالق هي الموارد إلى حصول تغييرات جوهرية في المنتج ،وإن إعادة البشرية ،ألن كيفية تحكم الشركة بمواردها المختلفة هندسة العمليات لن تنجح بدون مشاركة إدارة الموارد (مادية ،تنظيمية ،معلومات ،بشرية) هي أن تكون تحت سيطرة القدرة العقلية التي تمتلكها هذه الموارد. البشرية وتنميتها من خالل:
ويرجع االهتمام العالمي بتنمية الموارد البشرية الحصول على الدعم والتأييد لجهود اعادة هندسةإلى أن البشر هم الثروة الحقيقية أليَّ دولة ،وألي أمة، العمليات. وكلما تمكنت األمة من الحفاظ على ثروتها البشرية، تشكيل فرق العمل.وع�م�ل��ت ع�ل��ى ت�ن�م�ي��ة ق��درات �ه��ا ع��ن ط��ري��ق التأهيل تغيير طبيعة العمل.والتدريب المستمر ،إلكسابها القدرة على التعامل مع ال�ت�ح��ول م��ن ال��وظ��ائ��ف ال�م��راق�ب��ة إل��ى الوظائف الجديد الذي يظهر على الساحة الدولية بين الحينواآلخر؛ كلما تقدمت هذه األمة اقتصادياً واجتماعياً الممكنة. وثقافياً بين األمم األخرى. التحول من التدريب إلى التعليم.فالتنمية البشرية تهدف إلى توسيع مدارك الفرد، .4تقييم األداء وإي �ج��اد المزيد م��ن ال�خ�ي��ارات المتاحة أم��ام��ه ،كما ويخدم تقييم األداء العديد من األغراض منها: تهدف إلى تحسين المستويات الصحية ،والثقافية، ال يوضح العامل الذي يجب تدريبه ،ومن الذي ينبغي واالجتماعية ،وتطوير معارف ومهارات الفرد ،فض ًعن توفير ف��رص اإلب ��داع ،واح�ت��رام ال��ذات ،وضمان نقله أو االستغناء عنه. الحقوق اإلنسانية ،وضمان مشاركاته اإليجابية في يبين الفرد الذي يستحق العالوة أو الترقية.جميع مناحي الحياة. ي�س��اع��د ف��ي م �ق��ارن��ة ال�ع�م��ل ال�م�ن�ج��ز م��ع العملفالعنصر البشري بما لديه من قدرة على التجديد، المتوقع ،وتحديد اإلجراءات التصحيحية الواجب واإلب��داع ،واالخ�ت��راع ،واالبتكار ،والتطوير ،يمكنه أن اتخاذها. يتغلب على ندرة الموارد الطبيعية ،وأال يجعلها عائقاً نحو النمو والتقدم ،عن طريق االستغالل األفضل -إن ثالثاَ :دور الموارد البشرية في تحسين لم يكن األمثل -لطاقات المجتمع العلمية واإلنتاجية، القدرة التنافسية لا ع��ن االس �ت �غ�لال ال��رش�ي��د ل �ل �م��وارد الطبيعية إن من آث��ار ظاهرة العولمة هو ظهور الشركات ف �ض� ً المتعددة الجنسيات نتيجة ازدي��اد التعامل التجاري واالستثمارات المتاحة.
م��ا ب�ي��ن ال �ش��رق وال �غ��رب وال�ش�م��ال وال�ج�ن��وب ضمن هذا العالم ،ما أدى إلى االنتشار الواسع لالستثمار األج�ن�ب��ي ،واالن �ت �ق��ال م��ن ال�ح�ض��ارة الصناعية ذات المحتوى ال �م��ادي إل��ى ال�ح�ض��ارة المعلوماتية ذات المحتوى الفكري ,وه��ذا أدى إل��ى ات�س��اع المنافسة وشراستها بين مختلف الشركات والمنتجات. * جامعة عمان العربية للدراسات العليا -األردن.
124اجلوبة -صيف 1431هـ
ومما ال شك فيه ،أن ال��دول��ة التي ال تستطيع - أو تعجز عن -تنمية مواردها البشرية ،ال يمكنها أن تحقق غاياتها وأهدافها المخططة والمأمولة ،مهما ابتكرت من وسائل ،وإنما يمكنها أن تحقق غاياتها وأهدافها عن طريق تضافر جميع عناصر اإلنتاج: (األرض ،والعمل ،ورأس المال ،واإلدارة).
ق�������������������������������������������������������������راءات
جغرافية منطقتي اجلوف وحائل في كتابات الرحالة الغربيني
املؤلف :ياسمني كامل سليم صالح. الناشر :مؤسسة عبدالرحمن السديري اخليرية السنة 2010-1431( :م).
صدر الكتاب في ( )360صفحة من القطع الكبير ,جاءت في خمسة فصول ..اعتمدت فيها الباحثة على كتابات الرحالة الغربيين التي شكلت محور دراستها ..فقد وفدت إلى الجزيرة العربية منذ القرن السادس عشر وحتى القرن العشرين الميالدي أعداد كبيرة من الرحالة الغربيين ..حظيت منطقتا الجوف وحائل باهتمام عدد كبير منهم،وفدوا ألسباب جغرافية وسياسية وتاريخية ..وقد تركوا سجال ثمينا يصف مناحي الحياة االجتماعية واالقتصادية والسياسية والتاريخية السائدة آنذاك .وتضمنت كتاباتهم معلومات جغرافية مهمة..وظفتها الباحثة في محاولة لتوثيق ص��ورة شبه واقعية لجغرافية منطقتي الجوف وحائل خالل تلك الفترة. تناولت في الفصل األول معرفة الغربيين لجزيرة العرب ،وفي الفصل الثاني تاريخ منطقة الدراسة وجغرافيتها وتطورها خالل العهد السعودي ..أما الفصالن الثالث والرابع فتناوال الجغرافيا الطبيعية والبشرية كما وردت في كتابات الرحالة ،إضافة إلى تصنيف المعلومات وتحليلها .أما الفصل الخامس فقد تضمن تقييما لتلك الكتابات كمصدر للدراسات الجغرافية التاريخية.
اجلوبة -صيف 1431هـ 125
خطوات على الطريق
املؤلف :معاشي بن ذوقان العطية. الناشر :املؤلف نفسه السنة 1429 :هـ2008/م.
صدر الكتاب في 430صفحة من القطع الكبير ،ضمت تسعا وعشرين خطوة ذات هدف ومقصد ..انطلقت من خالل تعامل المؤلف مع الناس ،والذي كان نتاجه بروز ما يجب عمله أو تجنبه ،ومعالج ًة لبعض الخطوات من مسيرة حياة اإلنسان التي تقود إلى مجتمع أفضل... لقد توجها – على حد قوله -بتباصير وهمسات وطنية ..مما يتعامل معه الناس - وكل الناس اليوم -من سراب بقيعة ،ووهم ،وعدم اهتمام بالمستقبل ،وأمراض اجتماعية كالكذب والنفاق ..وعدم اإليفاء بالوعد ..إلخ مستشهدا باآليات القرآنية واألحاديث النبوية الشريفة وبعض األبيات الشعرية.. يقول إنه هدف من كتابه المتواضع إحياء ويقظة قيم األخالق الكامنة في النفوس البشرية التي ضعفت وقادت إلى ما نشكو منه هذه األيام..
126اجلوبة -صيف 1431هـ
ق�������������������������������������������������������������راءات
ديوان شعر
(جتليات الوجد واملطر)
املؤلف :سليمان عبدالعزيز العتيق. الناشر :دار األندلس للنشر والتوزيع بحائل السنة 1430 :هـ 2009/م. ج��اء ال��دي��وان في ( )170صفحة من القطع المتوسط ،ضمت ( )24نصا شعريا. واختياره (تجليات الوجد والمطر) عنوانا للديوان إنما هو وسم إلحدى قصائده التي تضمنها ديوانه ..تلك القصيدة التي صدرها بعبارة تنطق بالحب الصادق دون تكلف أو رياء (من أحب كائنا اتسع قلبه لما هو دونه). جاء شعره ترجمة لما في قلبه من مشاعر وأفكار وإحساس ..استوحاها من هذه الحياة ،وقبلها من هدي القرآن العظيم ،وقصص األنبياء عليهم السالم ..ولست مبالغا إن قلت إن األبيات التي تصدرت الديوان للشاعر الباكستاني محمد إقبال أغنت عن كل تقديم ،ونطقت بما احتوته آللئه.. رأس م�����ال األح��������رار ص�����دق وإخ��ل�ا ليس ف��ي الحلي وال��م��ظ��اه��ر والثوا
ص ووج��������د وح���رق���ـ���ـ���ـ���ـ���ة وتفانـ ــي ب ال�����م�����وش�����ى واألص�������ف�������ر ال�����رن�����ان
من قصيدة تجليات الوجد والمطر أيها الوجد مط ٌر أنت نشوةٌ أنت في حنايا القلب تغفو ..ثم تحبو تتشظى في قفار الروح ثم تمضي تتدفق
يتمالك القمر وهو في الغيمة بدر وبعتمات الدجى تتدلى في القناديل وحبا تتبدى خاشعا في جوف ليل
اجلوبة -صيف 1431هـ 127
األنشطة الثقافي ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــة
محاضرة عن واقع التعليم ومستقبله
بني املدرسة التقليدية واملجتمع املعرفي
د .نايف صالح المعيقل د .محمد عبدالعزيز السديري
جانب من الحضور
> إعداد :عماد املغربي ضمن خطة النشاط الثقافي لمؤسسة كما وج��ه د .محمد السديري الشكر ع�ب��دال��رح�م��ن ال �س��دي��ري ال�خ�ي��ري��ة للعام والتقدير لمؤسسة عبدالرحمن السديري 1431/30ه �ـ أقيمت محاضرة عن« :واقع الخيرية ول�س�ع��ادة المدير ال�ع��ام -رئيس التعليم ومستقبله بين المدرسة التقليدية المجلس الثقافي -د .زياد بن عبدالرحمن والمجتمع المعرفي» ألقاها الدكتور محمد ال� �س ��دي ��ري ،ع �ل��ى اس �ت �ض��اف��ة الخبراء اب��ن عبدالعزيز ب��ن عبدالله ال�س��دي��ري -والمختصين في مختلف الموضوعات التي مساعد مدير عام التربية والتعليم للشؤون تهم المجتمع المحلي ،س��واء في الجوف التعليمية (بنين) بالرياض ،وذلك يوم األحد أو في الغاط ،وإن تفاعل أبناء المجتمع 1431/06/23هـ الموافق 2010/06/06م المحلي مع األنشطة المنبرية يعكس مدى ف��ي ق��اع��ة ال �ع��رض وال �م �ح��اض��رات بدار ال��وع��ي وال�ح��رص على التواصل م��ع ذوي الجوف للعلوم. الخبرة واالختصاص من المشاركين في بدأت المحاضرة بكلمة ترحيبية ألقاها األنشطة الثقافية والمنبرية. عضو المجلس الثقافي د .نايف المعيقل، بعد ذلك قدم المحاضر عرضاً تضمن فأشار إلى الدعم المتواصل للمؤسسة من ثالثة م�ح��اور ه��ي( :المعرفة ..التعليم.. قبل صاحب السمو الملكي األمير فهد بن االقتصاد) .وقد نقلت المحاضرة -عبر ب��در ب��ن عبدالعزيز أمير منطقة الجوف الدائرة التلفزيونية المغلقة -إلى القسم –حفظه الله.- النسائي في الدار. 128اجلوبة -صيف 1431هـ