JobaLayout_29

Page 1

‫‪ -‬العدد ‪ - 29‬خريف ‪1431‬هـ ‪2010 -‬م‬

‫من إصدارات مؤسسة عبدالرحمن السديري اخليرية‬

‫ملف العدد‬

‫غازي القصيبي ‪ ..‬أيقونة إنسانية لإلبداع‬ ‫مبشاركة ‪ :‬خلف القرشي‪ ،‬عمران عز الدين‪ ،‬محمد جميل أحمد‪،‬‬ ‫عبدالدامي السالمي‪ ،‬مالك اخلالدي‪ ،‬عمار اجلنيدي‪ ،‬أحمد الدمناتي‪،‬‬ ‫خالد فهمي‪ ،‬سمير الشريف‪ ،‬سناء الشعالن‪ ،‬موسى البدري‬

‫‪29‬‬

‫دراسات و إبداعات شعرية وقصصية و حوارات‬

‫‪29‬‬


‫من إصدارات اجلوبة‬

‫صورة لممر في حي الضلع األثري القديم بمدينة سكاكا‬


‫مقطع من منزل أثري في حي الضلع القديم بمدينة سكاكا‬ ‫تعلوه قلعة زعبل حامية المدينة‬

‫اجلوبة ‪ -‬خريف ‪1431‬هـ‬

‫‪1‬‬


‫العدد ‪29‬‬ ‫خريف ‪1431‬هـ ‪2010 -‬م‬

‫ملف ثقافي ربع سنوي‬ ‫يصدر عن مؤسسة عبدالرحمن السديري اخليرية‬

‫املشرف العام‬ ‫إبراهيم احلميد‬ ‫املراسالت‬ ‫توجه باسم املشرف العام‬ ‫ّ‬

‫هاتف‪)+966( )4( 6245992 :‬‬ ‫فاكس‪)+966( )4( 6247780 :‬‬ ‫ص‪ .‬ب ‪ 458‬سكاكا‬ ‫اجلـ ــوف ‪ -‬اململكة العربية السعودية‬ ‫‪aljoubah@gmail. com‬‬ ‫‪www. aljoubah. com‬‬

‫ردمد ‪ISSN 1319 - 2566‬‬

‫سعر النسخة ‪ 8‬رياالت‬ ‫تطلب من الشركة الوطنية للتوزيع‬

‫قواعد النشر‬

‫‪ - 1‬أن تكون املادة أصيلة‪.‬‬ ‫‪ - 2‬لم يسبق نشرها‪.‬‬ ‫‪ - 3‬تراعي اجلدية واملوضوعية‪.‬‬ ‫‪ - 4‬تخضع املواد للمراجعة والتحكيم قبل نشرها‪.‬‬ ‫‪ - 5‬ترتيب املواد في العدد يخضع العتبارات فنية‪.‬‬ ‫‪ - 6‬ترحب اجلوبة بإسهامات املبدعني والباحثني والكتّاب‪،‬‬ ‫على أن تكون املادة باللغة العربية‪.‬‬ ‫«اجلوبة» من األسماء التي كانت تُطلق على منطقة اجلوف سابق ًا‪.‬‬

‫الناش ـ ـ ـ ــر‪ :‬مؤسسة عبدالرحمن السديري اخليرية‬ ‫أسسها األمير عبدالرحمن بن أحمد السديري (أمير منطقة اجلوف من ‪1362/9/5‬هـ‬ ‫ ‪1410/7/1‬هـ املوافق ‪1943/9/4‬م ‪1990/1/27 -‬م) بهدف إدارة ومتويل املكتبة العامة‬‫التي أنشأها عام ‪1383‬هـ املعروفة باسم دار اجلوف للعلوم‪ .‬وتتضمن برامج املؤسسة‬ ‫نشر الدراسات واإلبداعات األدبية‪ ،‬ودعم البحوث والرسائل العلمية‪ ،‬وإصدار مجلة‬ ‫دورية‪ ،‬وجائزة األمير عبدالرحمن السديري للتفوق العلمي‪ ،‬كما أنشأت روضة ومدارس‬ ‫الرحمانية األهلية للبنني والبنات‪ ،‬وجامع الرحمانية‪.‬‬ ‫‪2‬‬

‫اجلوبة ‪ -‬خريف ‪1431‬هـ‬


‫الـمحتويــــات‬

‫االفتتاحية‪4.............................................................‬‬

‫‪6.......................‬‬ ‫رحيل القصيبي‪..‬‬ ‫رجل الدبلوماسية واألدب‬

‫ملف العدد‪ :‬رحيل القصيبي‪ ..‬رجل الدبلوماسية واألدب‪6...........‬‬ ‫دراسات‪ :‬اللهجات العربية في القرآن الكريم ‪ -‬الحسين اإلدريسي‪52...‬‬ ‫المفاضلة بين الشعراء ‪ -‬د‪ .‬ثناء عياش ‪62..........................‬‬ ‫قصص قصيرة‪ :‬أكبر من الجرح ‪ -‬مالك الخالدي ‪71...............‬‬ ‫البئر ‪ -‬زكريا العباد‪73...............................................‬‬ ‫حفلة تنكر‪ - ..‬شمس علي‪75........................................‬‬ ‫قصص قصيرة جدا ‪ -‬محمد صوانه‪77.............................‬‬

‫‪48.....................‬‬ ‫الشاعرة السعودية‬ ‫د‪ .‬أشجان محمد هندي‬

‫ْس ‪ -‬د‪ .‬سعد عبدالقادر العاقب ‪78..................‬‬ ‫شعر‪َ :‬ك ِل َم ٌُة ِلل ْ ُقد ِ‬ ‫إذا مت ال تخبروها بموتي ‪ -‬محمد حرب الرمحي ‪80..............‬‬ ‫ألوان حُ زني ‪ -‬زكية نجم ‪81..........................................‬‬ ‫مضطرِ بة ‪ -‬محمود قطان‪82..................‬‬ ‫قَصيدةٌ‪ ...‬إِلى امرأةٍ َّ‬ ‫يحدث أحيانا ‪ -‬عبير يوسف ‪83.....................................‬‬ ‫مصير الوردة ‪ -‬طارق فراج‪84.......................................‬‬ ‫نقد‪« :‬الترام األخير» للروائيّ التركيّ نديم جورسيل ‪ -‬هيثم حسين‪85...‬‬

‫‪96.....................‬‬ ‫فخري صالح يتحدث عن عبده خال‬

‫رواية «الخوف» للروائي المغربي رشيد الجلولي ‪ -‬د‪ .‬عبدالجبار‬ ‫العلمي‪88...........................................................‬‬ ‫مخلوقات األب ‪ -‬سعد الرفاعي‪90..................................‬‬ ‫إيروس في الرواية ‪ -‬هشام بن الشاوي ‪93..........................‬‬ ‫مواجهات‪ :‬حوار مع فخري صالح ‪ -‬محمد البشتاوي‪96.............‬‬ ‫حوار مع كاتبة أدب األطفال‪ ..‬روضة الهدهد ‪ -‬د‪ .‬دعاء صابر‪104...‬‬ ‫نوافذ‪ :‬الجوف حلوة ‪ -‬فواز جعفر‪109................................‬‬

‫‪126....................‬‬ ‫اللواء ركن م‪ /‬معاشي ذوقان العطية‬

‫شاهد عيان على ذلك الزمان‬ ‫‪1948-1946‬م‬

‫الغالف‪ :‬صورة د‪ .‬القصيبي وجنله‬ ‫األكبر سهيل‪.‬‬

‫المجد لألنثى ‪ -‬عبدالناصر بن عبدالرحمن الزيد ‪110.............‬‬ ‫القص السعوديّ وخصائصه‪ -‬مصطفى الصوفي ‪114.....‬‬ ‫ّ‬ ‫تطور فنّ‬ ‫موافقات شعرية ‪ -‬نورا العلي‪116....................................‬‬ ‫مال واقتصاد‪ :‬أحكام اقتصادية في آي��ات قرآنية ‪ -‬أ‪ .‬د‪ .‬محمود‬ ‫الوادي‪119............................................................‬‬ ‫قراءات‪124...........................................................:‬‬

‫اجلوبة ‪ -‬خريف ‪1431‬هـ‬

‫‪3‬‬


‫القصيبي‪..‬‬

‫أيقونة متقدة على مر األجيال‬ ‫> إبراهيم احلميد‬

‫لم يخيب معالي الدكتور غازي القصيبي رحمه الله محبيه يوما‪ ،‬فقد‬

‫بقي غازي هو ذاته‪ ،‬غازي اإلنسان‪ ,‬األديب حينا‪ ،‬واملفكر أحيانا‪ ،‬ورجل‬

‫الدولة احلاضر في كل األمكنة‪ ،‬إال أن اإلنسان بقي فيه في جميع املراحل‬ ‫التي تقلب فيها أستاذا ووزيرا وسفيراً‪ ،‬وهذا مكمن سحر الرجل الذي ظل‬ ‫مبهراً‪ ،‬وقامة محملة بالعز‪ ،‬حتى وهو يقود معاركه على جميع اجلبهات؛ لم‬ ‫يسىء حتى ملن أساءوا فهمه‪ ،‬أو أساءوا له‪ ،‬حتى أصبح التسامح سمة من‬

‫سماته التي نتعلم منها‪ ،‬فلم تؤثر فيه التقلبات واألهواء‪ ،‬وكان بحق فارس‬

‫الكلمة وشاعر الصدق ورجل الدولة والوطن‪.‬‬

‫بغياب غ��ازي القصيبي‪ ،‬فقدت الساحة الثقافية في اململكة العربية‬

‫السعودية‪ ،‬والعالم العربي واإلسالمي‪ ،‬علما من أعالمها‪ ،‬ومثقفا موسوعيا‪،‬‬ ‫َّ‬ ‫قل أن يجود الزمان مبثله‪ ،‬حتى لتخال أنك أمام رجل ال ينتمي لزماننا‪،‬‬ ‫ولهذا كانت فجيعة املوت‪ ،‬والرحيل أكبر من أن توصف لدى كل محبيه‪،‬‬

‫وممن هم رزئوا برحيله‪.‬‬

‫لن نأتي بجديد بعد أن ذرف��ت احملابر مئات املقاالت وسالت مدادا‪،‬‬

‫تنقب في سيرة القصيبي وتثري مكتبتنا العربية‪ ،‬وهكذا فإن استذكار‬ ‫الدكتور غازي واستعادته في مقاالت أو ملفات أو كتب‪ ،‬لن توفيه حقه الذي‬ ‫يستحقه في رياديته‪ ،‬وحضوره الذي سجله في كافة املواقع التي شغلها‪ ،‬وال‬

‫في فضله على ثقافتنا العربية واحمللية‪ .‬وما إسهام اجلوبة في ملفها الذي‬

‫تخصصه عنه إال نقطة ضوء تشعلها في بحر هذه الكتابات عن الراحل‬

‫الكبير الذي مأل الدنيا ثقافة وأدبا‪.‬‬

‫‪4‬‬

‫اجلوبة ‪ -‬خريف ‪1431‬هـ‬


‫اف�����������ت�����������ت�����������اح�����������ي�����������ة‬

‫لقد كان املشهد الثقافي في اململكة العربية السعودية حتى بروز ظاهرة‬

‫الدكتور غ��ازي القصيبي بال أيقونة‪ ،‬أو مبعنى آخ��ر‪ ..‬بال مثقف يحظى‬

‫باإلجماع من مختلف األط�ي��اف‪ ،‬رغ��م العدد الكبير للروائيني والشعراء‬ ‫واملثقفني الذين مروا على ثقافة هذه البالد منذ تأسيسها! وقد آن لغازي‬

‫أن يكونها‪ ،‬ألنه لن يرحل أبدا‪ ،‬فهو حاضر اليوم مثلما كان باألمس‪ ،‬وسيبقى‬ ‫إن شاء الله حاضرا في املستقبل‪ ،‬بعد أن أورث مكتبة قل نظيرها‪ ،‬محملة‬

‫بالتجارب واخلبرة واإلبداع‪ ،‬وترك بصمة عظيمة في ثقافتنا العربية وحياتنا‬ ‫اإلدارية‪ .‬وكما يقول صديقنا الشاعر السوداني محمد جميل أحمد «فهو‬

‫لم يكن مجرد أديب عابر في حياته املديدة‪ ،‬كما لم يكن إداريا ودبلوماسيا‬

‫عاديا‪ .‬كان باستمرار شخصا ميزج ويستقطب املهام مبعيار دقيق‪ ،‬ويقف‬

‫بها في مهب التحوالت؛ ليؤكد من خاللها أن وجوده في األدب ال يوازي‬

‫وجوده في الدبلوماسية واإلدارة فحسب‪ ،‬بل أيضا يؤكد أن ما ينعكس من‬ ‫أدبه في مجال الدبلوماسية‪ ..‬وهو في ذات الوقت تعبير عن دبلوماسيته‬

‫جسد غازي القصيبي يرحمه الله في الزمن الذي عاش فيه‬ ‫املؤدبة‪ ،‬وقد ّ‬ ‫وما شهده ذلك الزمن من حتوالت‪ ،‬قناعات كان من الصعب الوصول إليها‬

‫دون التوفر على معرفة عميقة‪ ،‬ونفس كبيرة‪ ،‬واستعداد للتعلم من كل شيء‪،‬‬ ‫وتواضع واهتمام بأدق تفاصيل املهنة والوظيفة واألمانة»‪ ،‬ما يجعل منه‬

‫أيقونة متقدة تبقى على مر األجيال‪.‬‬

‫اجلوبة ‪ -‬خريف ‪1431‬هـ‬

‫‪5‬‬


‫رحيل القصيبي‪..‬‬

‫رجل الدبلوماسية واألدب‬ ‫> إعداد‪ :‬محمود الرمحي‬

‫قبل أسابيع‪ ..‬رحل عنا الشاعر والروائي السعودي المتميز الدكتور غازي القصيبي‪ ..‬وبرحيله تكون‬ ‫الثقافية السعودية قد خسرت واحد ًا من أبرز أعالمها المثقفين والمبدعين‪ ،‬خاصة وأن الفقيد كان له‬ ‫حضو ٌر قوي وكبير‪ ..‬ليس في المشهد السعودي فقط‪ ،‬ولكن في الساحة الخليجية والعربية والدولية‪،‬‬ ‫بشكل عام‪.‬‬ ‫فقد عرفناه أديب ًا وشاعر ًا مؤثراً‪ ،‬وصاحب مواقف مشرفة‪ ،‬نجح وبجدارة في الجمع بين اإلبداع‬ ‫والعمل الوظيفي‪ ،‬في الوقت الذي فشل فيه آخرون‪ ،‬وآثروا االعتزال‪ ..‬لقد كان ملم ًا بقضايا واقعه‬ ‫وأمته‪ ،‬ظهر ذلك جلي ًا من خالل دواوينه وإصداراته اإلبداعية المختلفة‪ ،‬فض ًال عن كتاباته الصحافية‬ ‫المتنوعة‪.‬‬ ‫لم يكن القصيبي رج ًال عادياً‪ ،‬بل كان مفكر ًا كبيراً‪ ،‬وأديب ًا ساخر ًا بكلّ ما لهذه الكلمة من معنى‪،‬‬ ‫شأنه في ذلك شأن كِ بَار الكُ تَّاب الذين أنجبتهم المعمورة‪ ،‬أو الساحة األدبية‪ ،‬العربية على األقل‪ .‬لذا‪،‬‬ ‫يتوجب علينا أن ننصف هذا الرجل وأدبه‪ ،‬وهذه من أبسط حقوقه علينا‪.‬‬ ‫ولهذا‪ ,‬ارتأت الجوبه تخصيص ملف للراحل الكبير‪ ،‬استقطبت فيه العديد من الكتاب السعوديين‬ ‫والعرب‪ ،‬سائلين المولى عز وجل أن يرحم الراحل الكبير‪ ،‬ويسكنه فسيح جناته‪.‬‬

‫‪6‬‬

‫اجلوبة ‪ -‬خريف ‪1431‬هـ‬


‫ولد القصيبي في اليوم الثاني من شهر مارس‬ ‫عام ‪1940‬م في منطقة اإلحساء بالمملكة العربية‬ ‫ال�س�ع��ودي��ة‪ ..‬ف��ي بيئة «مشبعة بالكآبة»‪ ،‬فقبل‬ ‫والدت��ه بقليل‪ ..‬توفي جده لوالدته‪ ،‬وبعد تسعة‬ ‫أشهر من والدته توفيت والدته‪ ,‬وإلى جانب ذلك‬ ‫كله لم يكن له أقران أو أطفال ‪ -‬من سني عمره‬ ‫ يؤنسونه‪ .‬وفي ذلك يقول «ترعرعت متأرجحا‬‫بين قطبين أولهما أب ��ي‪ ..‬وك��ان يتسم بالشدة‬ ‫والصرامة (فكان ال�خ��روج إل��ى ال�ش��ارع محرّما‬ ‫على سبيل المثال)‪ ،‬وثانيهما جدتي ألمي‪ ،‬وكانت‬ ‫تتصف بالحنان المفرط والشفقة المتناهية على‬ ‫الصغير اليتيم»‪.‬‬ ‫لم يستمر جو الكآبة‪ ،‬ول��م تستبد به العزلة‬ ‫طويالً‪ ،‬بل ساعدته المدرسة على التحرر من تلك‬ ‫الصبغة التي نشأ فيها‪ ،‬ليجد نفسه مع الدراسة‪..‬‬ ‫بين أصدقاء متعددين‪ ،‬ووسط صحبة جميلة‪.‬‬ ‫قضى في اإلحساء سنوات عمره األولى‪ .‬انتقل‬ ‫بعدها إلى المنامة بالبحرين ليدرس فيها مراحل‬ ‫ال�ت�ع�ل�ي��م‪ .‬ن ��ال ل�ي�س��ان��س ال �ح �ق��وق من‬ ‫جامعة القاهرة‪ ،‬ثم تحصل على درجة‬ ‫الماجستير في العالقات الدولية من‬ ‫جامعة جنوب كاليفورنيا‪ ،‬التي لم يكن‬ ‫يريد الدراسة فيها‪ ،‬لكن ظروفا خاصة‬ ‫أجبرته على ذلك‪ ..‬وعلى الدكتوراه في‬ ‫ال�ع�لاق��ات ال��دول�ي��ة م��ن جامعة لندن‪،‬‬ ‫وكانت رسالته فيها حول اليمن‪ ,‬كما جاء‬ ‫في كتابه الشهير «حياةٌ في اإلدارة»‪.‬‬

‫املناصب التي تقلدها‬ ‫ •أس � �ت� ��اذاً م� �س ��اع ��داً ف ��ي ك �ل �ي��ة التجارة‬ ‫ب �ج��ام �ع��ة ال �م �ل��ك س� �ع ��ود ف ��ي الرياض‬ ‫‪1385/1965‬هـ‪.‬‬

‫ •عميدا لكلية العلوم اإلدارية بجامعة الملك‬ ‫سعود ‪1391/1971‬هـ‪.‬‬ ‫ •مديرا للمؤسسة العامة للسكك الحديدية‬ ‫‪1393/1973‬هـ‪.‬‬

‫م������������ل������������ف ال������������ع������������دد‬

‫مولده ونشأته‪..‬‬

‫ •ع �م��ل م �س �ت �ش��ارا ق��ان��ون �ي��ا ف ��ي مكاتب‬ ‫استشارية‪ ،‬وفي وزارة الدفاع والطيران‪،‬‬ ‫ووزارة المالية‪ ،‬ومعهد اإلدارة العامة‪.‬‬

‫ •وزي� � � � � � ��را ل � �ل � �ص � �ن� ��اع� ��ة وال� � �ك� � �ه � ��رب � ��اء‬ ‫‪1396/1976‬هـ‪.‬‬ ‫ •وزيرا للصحة ‪1402/1982‬هـ‬ ‫ •سفيرا للسعودية لدى‬ ‫ولدى‬ ‫‪1404/1984‬هـ‪.‬‬ ‫‪1412/1992‬هـ‪.‬‬

‫البحرين‬ ‫بريطانيا‬

‫ •وزيرا للمياه والكهرباء ‪1423/2003‬هـ‪.‬‬ ‫ •وزيرا للعمل ‪1425/2005‬هـ‪.‬‬ ‫ •والقصيبي شاعر تقليدي كالسيكي‪ ،‬منحاز‬ ‫في كالسيكيته إل��ى لغة بسيطة وسهلة‪،‬‬ ‫يعوّضها تنوّع المضامين واألفكار‪،‬‬ ‫وقد أحدثت رواياته وشعره الكثير‬ ‫من الضجّ ة والسجاالت حولها‪ ،‬أما‬ ‫منجزه الشعري فيربو على الخمسة‬ ‫عشر مؤلفا باللغة العربية‪ ..‬ونحو‬ ‫خمسة مؤلفات باللغة االنجليزية‪.‬‬ ‫ • ُمنِح وسام الملك عبدالعزيز‪،‬‬ ‫وع� � ��دداً م ��ن األوس� �م ��ة الرفيعة‬ ‫م��ن دول ع��رب�ي��ة وع��ال�م�ي��ة‪ .‬لديه‬ ‫اهتمامات اجتماعية‪ ..‬فهو عضو في‬ ‫جمعية األط �ف��ال المعاقين السعودية‪،‬‬ ‫وع� �ض ��و ف� �ع ��ال ف ��ي م �ج��ال��س وهيئات‬ ‫حكومية كثيرة‪.‬‬ ‫اجلوبة ‪ -‬خريف ‪1431‬هـ‬

‫‪7‬‬


‫القصيبي بين السياسة واألدب!‬ ‫خلف سرحان القرشي ‪ -‬السعودية‬ ‫العالقة بين السياسة واألدب عالقة مضطربة نوعا ما؛ فالسياسة تعنى‬ ‫بالمصالح‪ ،‬وكثيرا ما تكون هذه المصالح على حساب قيم ومبادئ ومثل‪..‬‬ ‫بينما األدب الحقيقي يعنى باإلنسان وقضاياه‪ ،‬ويكرس القيم العليا‪ ،‬ويغرس‬ ‫المبادئ الفاضلة‪ ،‬ويسعى لتحقيق إنسانية اإلنسان وحفظ حقوقه‪ .‬يقول‬ ‫األديب األمريكي (وليام فوكنر) في خطبته أثناء استالمه جائزة نوبل لألدب‬ ‫عام ‪1950‬م‪( :‬إن امتياز أي كاتب وبراعته تكمن في مساعدته لإلنسان على‬ ‫التحمل‪ ،‬وزي��ادة مقاييس الصبر لديه‪ ،‬وذلك عبر تذكيره دوما بالشجاعة‬ ‫والشرف والمجد وغيرها من القيم الحقيقية‪ .‬إنه امتياز المبدع وشرفه‪..‬‬ ‫أن يساعد الناس بإعادتهم إليمانهم وثقتهم في الجنس البشري‪ .‬إنه واجب الكاتب أن يعلم الناس‬ ‫الشجاعة‪ ،‬الشرف‪ ،‬األمل‪ ،‬الكبرياء‪ ،‬الشفقة‪ ،‬الرحمة والتضحية)(‪.)1‬‬ ‫ف�ط��ال�م��ا األدب ي�ع�ن��ى ب��اإلن �س��ان وقضاياه‬ ‫وحقوقه‪ ،‬فكيف له أن يرتبط بالسياسة‪ ،‬وفي‬ ‫الوقت نفسه‪ ..‬كيف له أن يبقى بمعزل عنها وهي‬ ‫– أعني السياسة ‪ -‬متحكمة دوم��ا ف��ي مصير‬ ‫اإلن�س��ان ش��دة ورخ ��اء‪ ،‬ب��ل وف��ي مصير الشعوب‬ ‫سلما وحربا‪ ،‬استعمارا واستعبادا؟‬ ‫إننا عندما نسبر تاريخ اإلنسان‪ ،‬نجد أن األدب‬ ‫يضع إمكاناته الهائلة في التأثير لصالح السياسة‬ ‫أو ضدها‪ ،‬واألدب الحق الخالد هو الذي ينأى‬ ‫بنفسه عن أن يكون بوقا لشعارات السياسيين‪..‬‬ ‫ما لم تكن تلك الشعارات أصيلة صادقة ونبيلة‪،‬‬ ‫تتماشى مع قيم الخير والجمال‪ ..‬وتسعى إلسعاد‬ ‫اإلنسان أينما حل‪ ،‬وحيثما ارتحل‪ ،‬وفق ما كفلته‬ ‫األديان السماوية‪ ،‬والقوانين الدولية‪ ،‬والمواثيق‬ ‫األممية‪.‬‬

‫م��ره��ون��ة ب �ق��درة األداء الدبلوماسي ف��ي العمل‬ ‫على تطويرها ونموها وديمومتها‪ ..‬ويجمع العالم‬ ‫على أن الدبلوماسية هي فن قائم بذاته‪ ،‬فن له‬ ‫مكوناته الفكرية والثقافية والمهنية‪ .‬وقد برعت‬ ‫ال��والي��ات المتحدة األمريكية وال��دول األوروبية‬ ‫وروسيا والصين في استخدام فن الدبلوماسية‬ ‫لنشر ثقافتها واق�ت�ص��اده��ا وت�ج��ارت�ه��ا‪ ،‬وفرض‬ ‫نفوذها في أنحاء العالم‪.‬‬

‫وال��دب �ل��وم��اس��ي ال �م �ح �ت��رف ه ��و م ��ن يمتلك‬ ‫القدرات المهنية والفكرية والثقافية التي تستطيع‬ ‫أن تستوعب ثقافة اآلخر‪ ،‬وتخلق تفهماً مشتركاً‬ ‫لتحقيق المصالح المشتركة التي تهدف إليها‬ ‫الدول من خالل العالقات السياسية‪ ..‬واألدب هنا‬ ‫بينها واحد من األدوات الثقافية التي تستخدمها‬ ‫الدبلوماسية‪ .‬والشعر واحد من مفردات التعبير‬ ‫يقول الشاعر والدبلوماسي اليمني الدكتور الدبلوماسي الذي يسهم في تعزيز العالقات من‬ ‫ص�ل�اح ع�ل��ي أح �م��د ال�ع�ن�س��ي ع��ن ال �ع�لاق��ة بين خالل مخاطبة وج��دان الثقافات األخ��رى‪ ..‬بما‬ ‫السياسة واألدب‪( :‬تعتبر الدبلوماسية هي األداة يخدم ويعزز مقام الدولة لدى الدول األخرى)(‪.)2‬‬ ‫وعندما يخدم األديب بنتاجه األدبي؛ شعرا كان‬ ‫التنفيذية للسياسة الخارجية في مجال العالقات‬ ‫ال�س�ي��اس�ي��ة ب�ي��ن ال� ��دول‪ ،‬وت �ظ��ل ه��ذه العالقات أو نثرا سياسة عادلة – إن صح التعبير – فإنه‬

‫‪8‬‬

‫اجلوبة ‪ -‬خريف ‪1431‬هـ‬


‫م������������ل������������ف ال������������ع������������دد‬

‫خادم الحرمين الشريفين يسلم وثائق المباركة السامية للدكتور غازي القصيبي‬

‫يمارس رسالته المنوطة بعاتقه تجاه اإلنسان‪..‬‬ ‫بوصفه أحد أقطاب التنوير والتوجيه والتثقيف‬ ‫(اإلنتلجنسيا)‪.‬‬ ‫أدرك الدكتور غازي القصيبي ‪-‬يرحمه الله‪-‬‬ ‫ببعد نظره‪ ،‬وثاقب بصيرته‪ ،‬وم��ا توفر له من‬ ‫أدوات وظروف وإمكانات تلك الحقيقة‪ ،‬فوظف‬ ‫إبداعه األدبي‪ ،‬أو جزءاً منه على األقل لخدمة‬ ‫قضايا إنسانية عادلة‪ ..‬تقاطع فيها مع السياسة‪،‬‬ ‫وليس أدل على ذلك من قصائده الشعرية التي‬ ‫جادت بها قريحته أيام الغزو العراقي للكويت‪،‬‬ ‫ومنها قصيدته الشهيرة (أقسمت يا كويت)‪ ،‬وهي‬ ‫القصيدة التي عبر فيها عن مشاعر وأحاسيس‬ ‫وأمنيات الماليين من الناس الرافضة للغزو‪،‬‬ ‫وليس غريبا أن يتحقق قسم القصيبي‪ ،‬وتكافئه‬ ‫ح�ك��وم��ة ال�ك��وي��ت وشعبها فيما ب �ع��د‪ ..‬بمنحه‬ ‫تكريما ووساما يليق ب��ه(‪ .)3‬وفي تلك القصيدة‬ ‫يقول‪:‬‬

‫أقسمت يا كويت‬ ‫برب هذا البيت‬ ‫سترجعين من خنادق الظالم‬ ‫لؤلؤة رائعة‬ ‫كروعة السالم‬ ‫***‬ ‫أقسمت يا كويت‬ ‫برب هذا البيت‬ ‫سترجعين من بنادق الغزاة‬ ‫أغنية رائعة‬ ‫كروعة الحياة‬

‫***‬ ‫أقسمت يا كويت‬ ‫برب هذا البيت‬ ‫سترجعين من جحافل التتار‬ ‫حمامة رائعة‬ ‫كروعة النهار‬ ‫اجلوبة ‪ -‬خريف ‪1431‬هـ‬

‫‪9‬‬


‫ويسأل الناس‪« :‬أين الكويت؟!»‬ ‫كويت! يا كويت‬ ‫يا وردة صغيرة‬ ‫تنبثق إرادة الحياة‪..‬‬ ‫قد صدمت بعطرها صدام‬ ‫وترفض الحمامة الصغيرة أن تلثم األغالل‪..‬‬ ‫وهزت بعطرها‬ ‫ويدوي نداء التحرير‬ ‫الغدر والجحود واإلجرام‪.‬‬ ‫ويعود الفجر مسلحا بألف فراشة‪...‬‬ ‫وال�ق�ص�ي�ب��ي ي��ول��ي ن�ت��اج��ه األدب� ��ي ع�م��وم��ا ‪-‬بما وتنبت في الرمال نخلة حمراء‪..‬‬ ‫فيه السياسي م�ن��ه‪ -‬عناية خ��اص��ة‪ ،‬واهتماما طالعة من دم الشهداء والشهيدات‪..‬‬ ‫شديدا‪ .‬ويبرز هذا جليا في قصيدته المعنونة بـ ويرتفع األذان‪..‬‬ ‫(الحمامة والكابوس)‪ ،‬التي أبدعها القصيبي بعد‬ ‫***‬ ‫تحرير الكويت بخمس سنوات‪ ،‬يتجلى لنا تمكن وتنقر الحمامة األغالل‪ ..‬فتسقط‪..‬‬ ‫القصيبي من أدوات��ه اإلبداعية‪ ،‬فرغم موضوع‬ ‫***‬ ‫القصيدة المباشر‪ ،‬إال أن القصيبي يلبسه حلال ومرت خمس سنوات‪..‬‬ ‫إبداعية من الصور واللغة السردية‪:‬‬ ‫نسي الطاغية عهد القهقهة‪..‬‬ ‫كان الليل مظلما ‪ -‬كضمير الطاغية‪..‬‬ ‫واختفى بعيدا عن دُ مى الموت والدمار‬ ‫عندما تسربت خفافيش الغدر‪..‬‬ ‫وأصيبت الخفافيش بالذعر‪..‬‬ ‫على جناح كابوس بشع‪..‬‬ ‫وتهاوت مع أشعة الشمس‪..‬‬ ‫وهاجمت حمامة وادعة نائمة‪..‬‬ ‫***‬ ‫في عش صغير بقرب الساحل‬ ‫وفي العش الوادع الصغير‪..‬‬ ‫***‬ ‫وكان اسم الحمامة «الكويت»‪..‬‬

‫***‬ ‫نشيج صامت‪..‬‬ ‫ٌ‬ ‫لف الفج َر‬ ‫والحمامة تتململ في أغالل من حديد‪..‬‬ ‫والعش محاصر بالدبابات‪..‬‬ ‫والدوريات تعتقل كل حلم في العيون‪..‬‬ ‫وتصادر كل ابتسامة في الشفاه‪..‬‬ ‫***‬ ‫وقال من قال «‪ :‬ذهبت الكويت‪» .‬‬

‫***‬ ‫واستلقى الطاغية على عرش من الجماجم‬ ‫يستعرض دمى الموت والدمار‬ ‫تمر فوق القبور‪ ..‬ثم يقهقه‪..‬‬ ‫وتضحك الخفافيش في كل مكان طربا‪..‬‬ ‫***‬

‫‪10‬‬

‫اجلوبة ‪ -‬خريف ‪1431‬هـ‬

‫تصدح حمامة وادعة صغيرة‪..‬‬ ‫بكل أغاني الحب والحياة واألمل‪..‬‬ ‫***‬ ‫اسم الحمامة «الكويت»!‬

‫وف��ي س�ي��اق م��زاوج��ة القصيبي ال�م�ب��دع مع‬ ‫القصيبي السياسي‪ ،‬ت��أت��ي قصيدته الغنائية‬ ‫المشهورة (ن �ع��م‪ ..‬نحن الحجاز ونحن نجد)‪،‬‬ ‫ردا على م�م��ارس��ات اإلع�ل�ام ال�ع��راق��ي حينها‪،‬‬ ‫ح �ي��ث ت��وق��ف ع��ن تسمية ال �س �ع��ودي��ة باسمها‬ ‫الوحيد والمعروف (المملكة العربية السعودية)‪،‬‬ ‫واستعاض عنه ب �ـ(دي��ار الحجاز ون�ج��د)‪ ،‬وأتت‬ ‫قصيدة القصيبي لترد عليه‪ ،‬ولتحول حجته‬ ‫ومقولته إلى دليل عليه‪ ،‬على مبدأ‪( :‬من فمك‬ ‫أدي�ن��ك)‪ ،‬وه��ذه ملكة ال يقوى عليها إال المبدع‬ ‫الحقيقي وفيها يقول‪:‬‬


‫م������������ل������������ف ال������������ع������������دد‬

‫صاحب السمو الملكي األمير نايف مع وزير العمل‬

‫أج��ل نحن الحجاز ونحن نـجد‬ ‫ه��ن��ا م��ج��د ل��ن��ا وه���ن���اك مـجـد‬ ‫ون��ح��ن ج��زي��رة ال��ع��رب افتداها‬ ‫وي���ف���دي���ه���ا غ����ط����ارف����ة وأس ــد‬ ‫ون����ح����ن ش���ـ���م���ال���ن���ا ك���ب���ـ���ر أشـم‬ ‫ون����ح����ن ج���ن���وب���ن���ا ك����ب����رُ أش ــدُّ‬ ‫ون��ح��ن ع��س��ـ��ي��ر مطلبـها عسير‬ ‫ودون ج���ب���ال���ه���ا ب������رق ورع���ـ���ـ���دُ‬ ‫ون��ح��ن ال��ش��اط��ئ ال��ش��رق��ي بـحر‬ ‫وأص����������داف وأس�����ي�����اف وحشـدُ‬ ‫القصيبي مارس ذلك بوعي منه بدور الشاعر‬ ‫وأث��ره ف��ي األم��ة العربية‪ ،‬التي ي��راه��ا الكثيرون‬ ‫ظاهرة لغوية‪ ..‬بينما يراها آخرون مجرد ظاهرة‬

‫صوتية‪ ،‬وش�ت��ان بينهما‪ .‬وق��د أحسن القصيبي‬ ‫توظيف الشعر إلي �ص��ال رس��ال�ت��ه الدبلوماسية‬ ‫واإلنسانية في آن واحد‪ ،‬وهل بوسع (القصيبي)‬ ‫أو غيره أن يجد أفضل من الشعر إليصال رسالة‬ ‫مؤثرة من عرب إلى عرب؟ إن معجز العرب الخالد‬ ‫هو (القرآن الكريم)‪ ..‬ومن ضمن إعجازه لغته‪،‬‬ ‫فليس من صنعهم ونتاجهم أهرامات شاهقة‪ ،‬وال‬ ‫أسوار عظيمة‪ ،‬وال حدائق معلقة‪ ،‬وكل معجزاتهم‬ ‫تمثلت في المعلقات السبع‪ ..‬وقيل العشر‪ ،‬والتي‬ ‫كتبت بماء ال��ذه��ب على ب��اب الكعبة المشرفة‬ ‫كما تقول الرواية‪ .‬القصيبي حفيد هذا اإلرث‪..‬‬ ‫تعامل معه كما ينبغي دون أن يفرط فيما تقتضيه‬ ‫ب��روت��وك��والت السياسة‪ ،‬وم��ا تضعه للمتعاملين‬ ‫معها‪ ،‬وفيها من خطوط حمراء‪ ،‬غير أن القصيبي‬

‫اجلوبة ‪ -‬خريف ‪1431‬هـ ‪11‬‬


‫خ��رج ذات م��رة‪ ..‬ب��ل أكثر م��ن مرة‬ ‫البريطانية – ل �ن��دن‪ .‬ويخطئ من‬ ‫ع��ن ه��ذا‪ ،‬وم��ن ذل��ك م��ا ج��ادت به‬ ‫يظن أن القصيبي لم يكن يعي أبعاد‬ ‫قريحته في الشهيدة الفلسطينية‬ ‫قصيدته تلك‪ ،‬وأثرها على منصبه‬ ‫(آي��ات األخ��رس)‪ ،‬التي استشهدت‬ ‫كسفير‪ ،‬فالرجل يمتلك من الخبرة‬ ‫في عملية فدائية‪ ،‬قضى فيها عدد‬ ‫والذكاء والتجربة‪ ،‬ما يجعله قادرا‬ ‫من جنود العدو اإلسرائيلي وفيها‬ ‫ع �ل��ى اس �ت �ش��راف ن �ت��ائ��ج قصيدته‬ ‫يقول‪:‬‬ ‫ه ��ذه‪ ،‬ال سيما وأن للرجل تجربة‬ ‫س��اب �ق��ة‪ ..‬ح�ي��ث أف �ق��دت��ه قصيدته‬ ‫«يشهد الله أنكم شهداء‬ ‫الشهيرة؛ (رسالة المتنبي األخيرة‬ ‫يشهد األنبياء واألولياء‬ ‫إل��ى سيف ال��دول��ة)‪ ،‬منصبه كوزير‬ ‫متُّ م كي تعز كلمة ربي‬ ‫ل ��وزارة الصحة ع��ام ‪1984‬م‪ ،‬ومن‬ ‫في ربوع أعزها اإلسراء‬ ‫دفع ال��وزارة مهرا لقصيدة سياسية‬ ‫انتحرتم‪ ..‬نحن الذين انتحرنا‬ ‫في شأن محلي‪ ،‬فلن يغله أن يدفع‬ ‫بحياة أمواتها األحياء‪.» .‬‬ ‫منصب (ال�س�ف�ي��ر) م �ه��را لقصيدة‬ ‫وقال في مقطع آخر‪:‬‬ ‫تتعلق بقضية قومية‪ .‬يقول الكاتب‬ ‫«قل آليات يا عروس العوالي‬ ‫خالد العوض واصفا القصيبي‪...( :‬‬ ‫سن لمقلتيك الفداء‬ ‫كل ُح ٍ‬ ‫حيث ب��رع ف��ي كتابة الشعر‪ ،‬اللون‬ ‫حين يخصى الفحول صفوة قومي‬ ‫األدبي األبرز‪ ،‬على األقل في الثقافة‬ ‫تتصدى للمجرم الحسناء‬ ‫ال�ع��رب�ي��ة‪ .‬ل�ق��د ك��ان��ت ق �ص��ائ��ده من‬ ‫تلثم الموت وهى تضحك بشرا‬ ‫القوة بحيث يمكن أن تحرّك األروقة‬ ‫أمن الموت يهرب الزعماء؟‬ ‫السياسية العالمية‪ ..‬كما حدث إبان‬ ‫قل لمن دبج الفتاوى‪ :‬رويدا‬ ‫عمله كسفير في لندن)(‪.)4‬‬ ‫رب فتوى تضج منها السماء‬ ‫وي�ب�ق��ى ال �س��ؤال م �ش��روع��ا‪ ...‬لماذا‬ ‫حين يدعو الجهاد‪ ..‬يصمت حبر‬ ‫أق��دم القصيبي على نشر قصيدته‬ ‫ويراع‪ ..‬والكتب‪ ..‬والفقهاء‬ ‫تلك‪ .‬وهو يدرك أبعادها وخطورتها؟‬ ‫حين يدعو الجهاد‪ ...‬ال استفتاء‬ ‫وهنا يأتي الجواب بأن تعاطف القصيبي مع (آيات‬ ‫الفتاوى‪ ،‬يوم الجهاد‪ ،‬الدماء‪.‬‬ ‫األخرس) كان أقوى لديه من حرصه على منصب‬ ‫وقال في مقطع آخر‪:‬‬ ‫السفير‪ .‬يقول الدكتور إبراهيم التركي‪( :‬غازي ولد‬ ‫«وشكونا إلى طواغيت بيت أبيض‬ ‫كبيراً فظل كبيراً‪ ،‬لم يتسولِ المنصب‪ ،‬وفي أوج‬ ‫ملء قلبه الظلماء‬ ‫مجده كتب «رسالة المتنبي األخيرة»‪ .‬وحين عاد‬ ‫ولثمنا حذاء شارون حتى‬ ‫قبل سنوات كتب في «مواسم» أنه لم يعد للوزارة‬ ‫صاح مهال قطعتموني الحذاء»‪.‬‬ ‫إال استجابة لطلب ال يرد من رجل يقدره‪ ،‬قال له‪:‬‬ ‫وه� ��ذه ال �ق �ص �ي��دة ه ��ي ال �ت��ي ف �ق��د ع �ل��ى أثرها «أري��دك بجانبي»‪ ،‬من هنا ك��ان وظ��ل سي َد نفسه‬ ‫القصيبي منصبه كسفير للسعودية في العاصمة وقراراته‪ ,,‬فلم يرتهن لكرسي‪ ،‬ولم تم َل عليه كلمة»‪.‬‬

‫‪12‬‬

‫اجلوبة ‪ -‬خريف ‪1431‬هـ‬


‫ون�ت��اج القصيبي المعني بقضايا سياسية‬ ‫ل��م يقتصر على شعره ف�ق��ط‪ ..‬وإن ك��ان ذلك‬ ‫ه��و األب ��رز واألظ �ه��ر‪ ،‬ب��ل إن ف��ي نثره شواهد‬ ‫كثيرة‪ ،‬فما إن دق��ت ط�ب��ول ال�ح��رب إث��ر غزو‬ ‫صدام للكويت‪ ،‬حتى امتشق القصيبي حسامه‬ ‫القلم‪ ،‬وبدأ في كتابة سلسلة مقاالت (في عين‬

‫م������������ل������������ف ال������������ع������������دد‬

‫ويضيف التركي‪« :‬ل��ذل��ك أصبح االستثناء الذي‬ ‫يش ّذ عن مدرسة القواعد من مستعبدي السلطة‬ ‫وعاشقي األضواء)(‪.)5‬‬

‫العاصفة)‪ ،‬ونشرتها آن��ذاك صحيفة الشرق‬ ‫األوس ��ط‪ ،‬وبعد أن وضعت ال�ح��رب أوزاره ��ا‪،‬‬ ‫واص ��ل القصيبي كتابة تلك السلسلة تحت‬ ‫ع�ن��وان (بعد أن ه��دأت العاصفة)‪ ،‬ولعله من‬ ‫الالفت للنظر أن ح��رب تحرير الكويت التي‬ ‫قادتها أمريكا مع دول التحالف أطلق عليها‬ ‫(عاصفة الصحراء)‪ .‬ولقد كان لتلك المقاالت‬ ‫أث��ره��ا وت��أث �ي��ره��ا ب�ف�ض��ل ق ��وة موضوعاتها‪،‬‬ ‫وجودة سبكها‪ ،‬ومقدرة القصيبي على توظيف‬

‫اجلوبة ‪ -‬خريف ‪1431‬هـ ‪13‬‬


‫السخرية والتهكم إليصال رسالته‪ .‬يقول الكاتب‬ ‫خالد العوض‪( :‬تعدت مواهب القصيبي الشعر‬ ‫والرواية إلى كتابة المقال المؤثر في الساحة‬ ‫السياسية والثقافية‪ ،‬حيث كانت زاويته «في‬ ‫عين العاصفة» إب��ان اح�ت�لال ال�ع��راق للكويت‬ ‫جبهة عسكرية وسياسية وثقافية واجتماعية‪،‬‬ ‫تكلم فيها القصيبي بشجاعة ن��ادرة‪ ،‬وتحليل‬ ‫رص�ي��ن‪ ..‬ع��ن ك��ل م��ا ي��دور ف��ي ذه��ن المواطن‬ ‫العربي البسيط ال��ذي يتحرى ال�ع��دل والحق‬ ‫وال�م��وض��وع�ي��ة‪ .‬يمكن أي �ض �اً النظر إل��ى تلك‬ ‫المقاالت على أنها النبراس الذي اهتدى إليه‬ ‫الكتّاب السعوديون في زواي��اه��م‪ ،‬التي تمتلئ‬ ‫بها الصحف السعودية اليوم متخذين‪-‬دون أن‬ ‫يشعروا وبشكل غير مباشر‪ -‬القصيبي قدوة‬ ‫لهم)(‪.)6‬‬

‫بها‪ ،‬وما أظنه كان ليلتقي بها لو لم يكن سياسيا‪.‬‬ ‫ثم أن القصيبي قد أنهى خ�لال فترة مرضه‬ ‫األخيرة كتابه (الوزير المرافق)‪ ،‬يتحدث فيه‬ ‫عن مرافقته لعدد من الشخصيات السياسية‪،‬‬ ‫وهذه من الفرص التي منحتها السياسة ألدبه‪..‬‬ ‫وغير ذل��ك كثير‪ .‬ولكن رغ��م ذل��ك ظلّت بعض‬ ‫كتب القصيبي ممنوعة في السعودية – وهل‬ ‫يكرم نبي في قومه؟ ‪ -‬إلى أن أمر وزير الثقافة‬ ‫واإلع�ل�ام بالفسح لها جميعا‪ ..‬وت��م ذل��ك في‬ ‫أواخر أيام القصيبي يرحمه الله‪.‬‬

‫يرى الكاتب (يوسف مكي) أن القصيبي َق ِب َل‬ ‫بالمعادلة الصعبة – على حد وصفه – وهي‬ ‫المزاوجة بين السياسة واألدب‪ ..‬ويقول‪« :‬لعل‬ ‫الراحل العزيز الدكتور غ��ازي القصيبي‪ ،‬قد‬ ‫أدرك في وعيه الباطن‪ ،‬أو بعقله الفطن أهمية‬ ‫إن رواي� ��ات القصيبي أي �ض��ا ال تخلو من المزاوجة بين الفنان والسياسي؛ فاختط طريقه‬ ‫توظيف سياسي‪ ،‬وم��ا (شقة الحرية) ‪-‬أولى الخاص واالستثنائي لكتابة سيرته الذاتية‪،‬‬ ‫رواياته‪ -‬والتي تتحدث عن مرحلة‬ ‫على أرض ممارساته الحياتية‪،‬‬ ‫سياسية مهمة في تاريخ العرب‬ ‫فكرا وع�م�لا‪ ،‬ف��ي مسيرة حافلة‬ ‫المعاصر‪ ..‬إال نموذجا لذلك‪ .‬بقي‬ ‫ب��ال�ع�ط��اء ف��ي خ�ط�ي��ن متوازيين‪:‬‬ ‫أن ن�ق��ول إن القصيبي ‪-‬األديب‬ ‫خط األديب والفنان‪ ،‬وخط الوزير‬ ‫أف� ��اد ال �ق �ص �ي �ب��ي‪ -‬السياسي‪..‬‬ ‫والمدير المسئول ب��ال��دول��ة‪ .‬لقد‬ ‫وال �ع �ك��س ص �ح �ي��ح‪ .‬ف��ال�ع�م��ل في‬ ‫ك��ان رحمه الله واح��دا م��ن القلة‬ ‫أروقة السياسة‪ ،‬والحل والترحال‪،‬‬ ‫ال �ن��ادرة‪ ،‬ال�ت��ي قبلت بالسير في‬ ‫والتنقل ومعاشرة ومرافقة أناس‬ ‫ال�م�ع��ادل��ة الصعبة‪ ،‬ال�ت��ي جمعت‬ ‫من مذاهب وأديان ودول وثقافات‬ ‫روح ال�ش��اع��ر وال��روائ��ي والفنان‬ ‫مختلفة‪ ..‬منح القصيبي تجارب‬ ‫والمبدع‪ ،‬والقدرة االستثنائية على‬ ‫وخ� �ب ��رات‪ ،‬وم���ده ب���إرث متنوع‪..‬‬ ‫الضبط وال��رب��ط‪ ،‬ف��ي الوظائف‬ ‫شكل ل��ه أدوات أحسن توظيفها‬ ‫التي شغلها‪ ،‬س��واء كأكاديمي في‬ ‫ف��ي أدب ��ه‪ ،‬وقلما تتسنى لغيره‪..‬‬ ‫جامعة الملك سعود بالرياض‪ ،‬أو‬ ‫فالرجل أل��ف كتابه (األسطورة)‬ ‫المناصب المختلفة التي توالها‪،‬‬ ‫عن أميرة ويلز الراحلة (ديانا)‪،‬‬ ‫وزي��را للصناعة والصحة والمياه‬ ‫(‪)7‬‬ ‫وتحدث عن ثالثة لقاءات جمعته‬ ‫والعمل» ‪.‬‬

‫‪14‬‬

‫اجلوبة ‪ -‬خريف ‪1431‬هـ‬


‫مقاربة بانورامية في بعض أعماله وكتبه‬ ‫> عمران عز الدين أحمد ‪ -‬سوريا‬ ‫الحديث عن تجربة الدكتور غازي القصيبي (‪2010 -1940‬م) اإلبداعية‬ ‫يجب أن يكون حديثاً منصفاً وحقيقياً‪ ،‬ال تلغيم فيه أو تشفير‪ ،‬وبعيداً عن‬ ‫ال عادياً‪ ،‬بل كان‬ ‫قبضة الرقيب الحديدية‪ .‬فالقصيبي يقيناً لم يكن رج ً‬ ‫مفكراً كبيراً‪ ،‬وأديباً ساخراً بك ّل ما لهذه الكلمة من معنى؛ شأنه في ذلك‬ ‫شأن كِ بَار ال ُكتَّاب الذين أنجبتهم المعمورة‪ ،‬أو الساحة األدبية‪ ،‬العربية على‬ ‫األقل‪ .‬لذا‪ ،‬يتوجب علينا أن ننصف هذا الرجل وأدبه‪ ،‬وهذه من أبسط‬ ‫حقوقه علينا في هذه المرحلة‪ ،‬ناهيك عن المراحل القادمة‪ ،‬وعلينا العمل‬ ‫بها كما أرى بكل أمانة‪ ،‬دون تحريف أو بتر أو‬ ‫انتقاص من قيمته‪ .‬لقد ُز َّج بالرجل في الكثير‬ ‫من المعارك الشخصية‪ ،‬والسجاالت البيزنطية‬ ‫العقيمة‪َ ،‬فكُفِ َر وَاتُهِ َم بالردة والمروق على تعاليم‬ ‫الدين الحنيف؛ ألنه كان ظاهرة ومجتهداً ومثيراً‬ ‫لألسئلة‪ ،‬وألن االج�ت�ه��اد وك�م��ا ه��و معلوم فع ٌل‬ ‫إنساني‪ ،‬خاصة عندما تتوافر الذهنية والعقلية‬ ‫القادرتان على هذا االجتهاد‪ ،‬لم يكن يعير تلك‬ ‫نحو م��ا‪ ،‬أما‬ ‫العواصف وال��زواب��ع اهتماماً على ٍ‬ ‫تلك التي استوقفته‪ ،‬فحلّلها بإنصاف‪ ،‬وأَ َولَهَا‬ ‫ب��دراي��ة ال�ع��ارف‪ ،‬وك��ان أن انتصر فيها جميعاً‪،‬‬ ‫على المتربصين به وبإبداعه‪ .‬كان مجدّداً في‬ ‫فنون الكتابة اإلبداعية واألدبية‪ ،‬ديدنه اإلبداع‪،‬‬ ‫وهاجسه التجريب‪ ،‬ق��دوة ألجيال ج��اءت بعده‪،‬‬ ‫ُم ِنعَت كتبه م��ن ال �ت��داول وال �ق��راءة‪ ،‬ألنها كانت‬ ‫تنطوي على رؤية تشريحية صادمة‪ ،‬لم تكن ترُق‬ ‫لبعض المدّعين والمتطفلين‪ ،‬ممن نصبوا‬ ‫ٍ‬ ‫ربّما‬ ‫من أنفسهم ‪-‬على ح ّد تعبير الروائي الجزائري‬ ‫واسيني األع��رج‪ -‬حرّاساً للنوايا‪ ،‬وحراساً على‬ ‫ما يجب أن يقال‪ ،‬وما ال يجب أن يقال أو يكتب!‬ ‫مبدع كتاب «الغزو الثقافي» لم يستغل منصبه‬

‫م������������ل������������ف ال������������ع������������دد‬

‫حول التجربة اإلبداعية القصيبية‬

‫أو نفوذه يوماً في إطالق سراح كتبه‪ ،‬كان يقول‬ ‫كلمته ويمضي‪ ،‬ألن��ه ك��ان رائ��داً من رواد األدب‬ ‫العربي الحديث‪ ،‬وكان مجدّ داً كذلك في أركان‬ ‫وعناصر تلك اآلداب والفنون‪ ،‬وألنه كان مرتكباً‬ ‫جنس أدب��ي‪( :‬شاعر‪ ،‬روائ��ي‪ ،‬مترجم‪،‬‬ ‫ٍ‬ ‫ألكثر من‬ ‫قاص‪ ،‬مسرحي‪ ،‬وناقد)‪ ،‬ومزاوالً ألكثر من نشاط‬ ‫وفاعل‪ ،‬عن سبق‬ ‫ِ‬ ‫بمزج حيّ‬ ‫سياسي وإداري‪ .‬قام ٍ‬ ‫إبداع وتجريب‪ ،‬باستيراد وتصدير أدبيات مهامه‬ ‫الفنية والعملية واألدبية‪ ،‬خدمة لمادته اإلبداعية‬ ‫بتفان قلَّ نظيره‪.‬‬ ‫ٍ‬ ‫المتفردة‪ ،‬ناهيك عن العملية‪،‬‬

‫نظرة سريعة على بعض أعماله‬ ‫ونتاجاته اإلبداعية‬ ‫سنحاول في ه��ذه الفسحة الضيقة‪ ،‬القيام‬ ‫ب �م �ق��ارب��ة تلخيصية س��ري �ع��ة‪ ،‬ل�ب�ع��ض أعماله‬ ‫الروائية‪ ،‬وجوانب اإلبداع والتجديد في شعره‪.‬‬ ‫ففي روايته «شقة الحرية ‪1994‬م» عمله الروائي‬ ‫األول‪ ،‬واألهم في قائمة أعماله الروائية‪ ،‬بحسب‬ ‫الروائي والقاص الكويتي طالب الرفاعي‪ ،‬ذلك‬ ‫العمل الذي أثار ضجة في الساحة األدبية على‬ ‫امتداد الوطن العربي‪ ،‬لما توافر عليه من جرأة‬

‫اجلوبة ‪ -‬خريف ‪1431‬هـ ‪15‬‬


‫تختص بمعالجة‬ ‫ّ‬ ‫في العصفورية‪ ،‬هذه الدار التي‬ ‫م��رض��ى ن�ف�س�ي�ي��ن‪ ،‬ف�ي�س��رد ع�ل��ى م�س��ام��ع ذلك‬ ‫الطبيب‪ ،‬ما آلت إليه الحال في الوطن العربي‪،‬‬ ‫بطريقة أقرب للكوميديا السوداء‪ ،‬وتكون النتيجة‬ ‫جنون الطبيب ذاته بعد استماعه لتلك القصص‬ ‫حد سواء!‬ ‫الموجعة والطريفة على ٍ ّ‬

‫في الطرح المذكراتي‪ ،‬ناهيك عن انسيابية في‬ ‫تتالي أو تتابع ص��وره وجمله ال��واخ��زة العميقة‪،‬‬ ‫وال��دال��ة على عمق المعاناة ال�ت��ي يتعرض لها‬ ‫المثقف العربي‪ ،‬ال��ذي يهاجر من بلده إلى بلد‬ ‫آخ��ر‪ ،‬ليتعرف من ثم على آخرين‪ ،‬يعيشون في‬ ‫شقة واح ��دة‪ ،‬تصل فيها ال�ح��ري��ة إل��ى ذروتها‪،‬‬ ‫إزاء رؤى مختلفة‪ ،‬سياسية وفكرية وعقائدية!‬ ‫لقد كانت ه��ذه ال��رواي��ة فتحاً بك ّل المقاييس‪،‬‬ ‫أس �ل��وب �اً وم��وض��وع��اً‪ ،‬إذ س �لّ�ط��ت ال �ض��وء على‬ ‫التجربة ال��روائ�ي��ة الخليجية‪ ،‬والسعودية على‬ ‫وج��ه التحديد‪ ،‬وب��ات ال�ق��ارئ العربي بعد هذه‬ ‫َّاب سعوديين‬ ‫الرواية يقرأ أعماالً أو روايات ل ُكت ٍ‬ ‫على درجة عالية من اإلتقان واإلبهار الروائيين‪،‬‬ ‫ال ومضموناً‪ ،‬طرحاً وفكراً‪ ،‬وجرأة لم يسبق‬ ‫شك ً‬ ‫لها مثيل في اختراق التابوهات التي تحد من‬ ‫حد سواء‪.‬‬ ‫حرية الفكر والتعبير على ٍ ّ‬ ‫أما في روايته «العصفورية ‪1996‬م»‪ ،‬التي قال‬ ‫عنها الناقد السعودي عبدالله الغذامي إنها رواية‬ ‫ما بعد الحداثة‪ ،‬ففي هذه الرواية يتابع القصيبي‬ ‫سلسلة أعماله الروائية‪ ،‬المحرضة على اجتثاث‬ ‫ال عن محاربة التمييع‬ ‫التخلف من ج��ذوره‪ ،‬فض ً‬ ‫والتسطيح والتسخيف‪ ،‬بالسخرية المعروفة عنه‪،‬‬ ‫فيضرب بإزميله‪ /‬قلمه في عمق أوردة الواقع‬ ‫العربي المتخثر؛ إذ ي�س��رد‪ ،‬وه��و البروفسور‪،‬‬ ‫على طبيب نفساني‪ ،‬غ��بّ أن استقر به المقام‬

‫‪16‬‬

‫اجلوبة ‪ -‬خريف ‪1431‬هـ‬

‫والسخرية حاضرة كذلك في روايته «أبو شالخ‬ ‫البرمائي ‪2002‬م»‪ ،‬التي تتوزع على سبعة فصول‪،‬‬ ‫وهي‪( :‬بدايات النبوغ‪ ،‬مرحلة الصمود والتصدي‪،‬‬ ‫وديعة روزفلت‪ ،‬إمبراطورية «أم سبعة» التجارية‪،‬‬ ‫نساوين في حياتي‪ ،‬رحلتي الغربية حول العالم‪،‬‬ ‫الجوانب الكثيرة للقمر)‪ .‬حيث ال تخلو من تهكم‬ ‫م��ري��ر م��ن ب�ع��ض ال��زع �م��اء وال��ق��ادة ف��ي الوطن‬ ‫العربي‪ ،‬الذين يدعون المعرفة‪ ،‬ويوهمون الناس‬ ‫بقدراتهم الخارقة‪ ،‬وتبلغ السخرية ذروتها عندما‬ ‫يكون العربي تحت وطأة أوهام‪ ،‬هي الذروة في‬ ‫قائمة بطوالته وأمجاده!‬ ‫ولم تكن روايته «سبعة ‪2003‬م» بقليلة حظ‬ ‫عن األخريات‪ ،‬فالسخرية التي ُكتِبَ بها العمل‪،‬‬ ‫جللت أح� ��داث ال �م �ت��ن‪ ،‬بلغة س��اخ��رة وموجعة‬ ‫ال عن نقدها الالذع لمفاصل الحياة‬ ‫ومعرية‪ ،‬فض ً‬ ‫في الواقع العربي‪ .‬إذ أن أبطال روايته السبعة‪،‬‬ ‫مختلفون أيضاً في رؤاه��م وفكرهم وتمثالتهم‪،‬‬ ‫وك��ل منهم يعبر بطريقته الخاصة على محبته‬ ‫للمذيعة التلفزيونية‪ ،‬فيعملون على كسب ودها‪،‬‬ ‫ويطمعون في الظفر بها‪ ،‬هذه السيدة هي األرض‬ ‫حد س��واء‪ ،‬وتلك الشخصيات هي‬ ‫والوطن على ٍ ّ‬ ‫األفكار المختلفة والمتصارعة‪ ،‬التي تستميت‬ ‫جاهدة‪ ،‬لتكون أفكارها األكثر تكسباً‪ ،‬بحرصها‬ ‫مجتمع بأفكار كتلك‪ .‬لكن‬ ‫ٍ‬ ‫المزعوم على وج��ود‬ ‫الدهاء الروائي للقصيبي ال يذعن لخواتيم مملة‬ ‫وممجوجة ك �ه��ذه‪ ،‬ال�ت��ي أث�ب��ت ال��واق��ع المعاش‬ ‫فيقتص م��ن ذل��ك الواقع‪،‬‬ ‫ّ‬ ‫ب�لادت�ه��ا وب�لاه�ت�ه��ا‪،‬‬


‫م������������ل������������ف ال������������ع������������دد‬

‫بخاتمة روائية مبهرة‪ ،‬نابعة من عدم تيقنه بتلك‬ ‫الشعارات الواهية‪ ،‬األشبه بالمخدرات والكحول‪،‬‬ ‫في وقعها وخطورتها وسموميتها وال شرعيتها‪،‬‬ ‫فال يعجز القصيبي في البحث عن وجود البديل‪،‬‬ ‫حتى ول��و ك��ان م��ن نقطة الصفر‪ ،‬إذ ي�ق��ول في‬ ‫خاتمة الرواية‪» :‬أوضح تقرير الطبيب الشرعي‬ ‫أن ال��رج��ال السبعة ماتوا غ��رق�اً‪ ،‬وق��د تبين من‬ ‫التحليل أنهم تعاطوا كميات كبيرة من المخدرات‬ ‫والكحول‪ ،‬أما المرأة‪ ،‬التي وجدت على الشاطئ‬ ‫عارية‪ ،‬فلم يتضح للطبيب الشرعي بعد سبب‬ ‫موتها‪ ،‬ولم يعثر في دمها على أي آثار لمخدرات‬ ‫أو كحول‪ ،‬ولم تظهر بجسمها أي إصابات‪ ،‬كما‬ ‫ظهر من الفحص أنها عذراء»‪.‬‬

‫نستنتج من قراءتنا السريعة لتلك الروايات‪،‬‬ ‫ال��دال والمدلول في التجربة القصيبية‪ ،‬الفعل‬ ‫الكتابي ور ّد الفعل اإلبداعي الذي تمخض عنه‪.‬‬ ‫ف��ال��رج��ل ك��ان معنياً‪ ،‬ب��درج��ة وأخ���رى‪ ،‬بهاجس‬ ‫التغيير واإلصالح‪ ،‬وشرح وجهات النظر المختلفة‪،‬‬ ‫بوضعها على طاولة النقاش والمفاوضات‪ ،‬إذ يقوم‬ ‫بعرض شخصياته على الورق‪ ،‬تلك الشخصيات‬ ‫المستمدة من الواقع غالباً‪ ،‬المفعمة والمدججة‬ ‫بالمعلومات والتفاصيل‪ ،‬ويشرح الصراع الدائر‬ ‫بينها‪ ،‬فيتطرق بحنكة ل�لاخ�ت�لاف��ات الفكرية‬ ‫والسياسية بين أبطال أعماله‪ ،‬برؤية استشرافية‬ ‫متبصرة‪ ،‬تنصبّ في معالجة الخلل الذي يحول‬ ‫دون التطور‪ ،‬واللحاق بركب األم��م المتحضرة‪.‬‬

‫الفقيد خالل افتتاحه إلحدى اكاديميات التدريب‬

‫اجلوبة ‪ -‬خريف ‪1431‬هـ ‪17‬‬


‫على أن هذا األمر‪ ،‬ال يعني إطالقاً بأن القصيبي‬ ‫قد حصر قلمه اإلبداعي في تلك الخانة‪ ،‬لمعالجة‬ ‫مواضيع حياتية وسياسية وانتمائية مؤرقة‪ ،‬كالتي‬ ‫جاء ذكرها في ما تقدم من روايات‪ ،‬على العكس‬ ‫تماماً‪ ،‬فقد ج�وّد ون �وّع في عوالمه الروائية ما‬ ‫أمكنه إلى ذلك من سبيل‪ ،‬ففي روايته» الجنية‬ ‫‪2006‬م» مثالً‪ ،‬الزاخرة بأسئلة عن عالم الجن‪،‬‬ ‫يمارس القصيبي تجريباً مختلفاً‪ ،‬إذ يوسم روايته‬ ‫بالحكاية كما جاء في االستهالل‪ ،‬ألنها وبحسب‬ ‫زعمه‪/‬تجريبه تريحه من تقعّرات النقاد ومن نقد‬ ‫المتقعّرين‪ ،‬ويذيلها كذلك بمراجع ومعلومات‬ ‫حول ما جاء في المتن الروائي‪ ،‬فالسارد ضاري‬ ‫ضرغام الضبع‪ ،‬يتعرف على فتاة مغربية‪ ،‬اختار‬ ‫لها اسماً يحمل الكثير من الرمزية والدالالت‪،‬‬ ‫هو عائشة الزهراء‪ ،‬أو عائشة قنديش كما جاء‬ ‫في المتن أيضاً‪ ،‬فيتزوجها‪ ،‬ث ّم يكتشف بعد ذلك‬ ‫بأنها جنية‪ ،‬يطلقها بعد ذلك‪ ،‬لكنها تترك أثراً‬ ‫ما وراءها‪ ،‬ينعكس في الشعاع الذي يجلل عيون‬ ‫أبناء السارد!‬

‫أما غازي الشاعر فقد أحدث نقلة نوعية في‬ ‫صميم البيت الشعري السعودي‪ ،‬العمودي على‬ ‫األخص‪ ،‬هذا ال يعني بأنه لم يكن شاعراً تفعيلياً‪،‬‬ ‫ويمكن القول إنه كتب شعر التفعيلة باإلبداع ذاته‬ ‫الذي كتب به شعر العمود‪ ،‬حيث كانت مفرداته‪،‬‬ ‫في العمود وكذلك التفعيلة‪ ،‬منتقاة بعناية فائقة‪،‬‬ ‫ذات جرس موسيقي خالب‪:‬‬ ‫العش ِق ال َدر ٌْب من الْحَ جَ رِ‬ ‫ْ‬ ‫«ض���ر ٌْب ِم��نَ‬ ‫َ‬ ‫���ات لل ُْجزُ رِ »‪.‬‬ ‫ه���ذا ال����ذي ط����ا َر ب���الْ���وَاحَ ِ‬ ‫ي��ق��ول ع �ن��ه ال �ن��اق��د ال� �م� �ص ��ري» جابر‬ ‫عصفور» ف��ي مقالة ل��ه بعنوان‪ :‬عالمة‬ ‫اإلح �ي��اء ال�ش�ع��ري‪ ،‬ون�ش��رت ف��ي جريدة‬ ‫الحياة‪/‬يوم االثنين ‪ 16‬أغسطس ‪2010‬م‪:‬‬ ‫«غازي القصيبي هو واحد من أصحاب الشعر‬ ‫الصافي‪ ،‬والموهبة األدبية األصيلة‪ ،‬وكان متعدد‬ ‫االهتمامات األدب �ي��ة‪ ،‬إذ كتب ال��رواي��ة والشعر‬ ‫وكان فيهما نمطاً فريداً بذاته‪ ،‬وظل يجمع بين‬ ‫الحرص على التقاليد الرصينة والحداثة‪ ،‬هو‬ ‫عالمة على اإلحياء الشعري المحدث‪ ،‬والكتابة‬

‫القصيبي مع ابنه األكبر سهيل‬

‫‪18‬‬

‫اجلوبة ‪ -‬خريف ‪1431‬هـ‬


‫من اإلبداعات التي كتبها القصيبي‪ ،‬في مشغله‬ ‫األدبيّ والثقافي والفكري‪ ،‬والتي ستشكل لمراحل‬ ‫طويلة قادمة زاداً معرفياً وثقافياً للقارئ العربي‬ ‫والمكتبة العربية‪.‬‬

‫كما أنه لم يكن معنياً بالهم السعودي وحده‪،‬‬ ‫بل كان في شعره نفحة أممية‪ ،‬ارتقت بشعره إلى‬ ‫مصاف أشعار الكبار من الشعراء‪ ،‬ففي ديوانه»‬ ‫الْحُ مّى « نقرأ هذا البيت الشعري الرائع‪ ،‬الذي‬ ‫كتبه في بيروت‪:‬‬

‫حد س��واء‪ ،‬تاركاً لنا كماً كبيراً من الكتب‪،‬‬ ‫على ٍ ّ‬

‫ب���ي���روت‪ ..‬وي��ح��ك أي���ن ال��س��ح��ر والطيب‬

‫والتي تصدى فيها مجتمعة للتقليد والمحافظة‬

‫يقيناً‪ ..‬لم يرحل القصيبي‪ ،‬لقد آثر الرحيل‬

‫م������������ل������������ف ال������������ع������������دد‬

‫الروائية الرصينة‪ ،‬وستظل روايته « شقة الحرية»‬ ‫فريدة في بابها‪ ،‬من حيث هي رواية سيرة ذاتية‪،‬‬ ‫تتحدث عن شبابه‪ ،‬وترصد التيارات القومية التي‬ ‫تأثر بها في مختلف أرجاء الوطن العربي‪ ،‬وصعود‬ ‫القومية العربية وسط تيارات متصارعة»‪.‬‬

‫الكبرى» و«ح�ي��اة ف��ي اإلدارة»‪ ،‬وغيرها الكثير‬

‫فقط عن عالمنا الصاخب‪ ،‬بمعنى‪ ...‬إنه رحيل‬ ‫لا وجدالً‬ ‫ج�س��دي ف�ق��ط إل��ى ال�ع��ال��م األك �ث��ر ن�ب� ً‬

‫وأي���نُ ُح ْ��س ٌ��ن على ال��ش��ط��آن م��س��ك��وب‪ .‬؟‬

‫ال ع��ن الخرافة والسحر‬ ‫والبيروقراطية‪ ،‬فض ً‬

‫«ص ��وت م��ن الخليج» و« أش �ع��ار م��ن جزائر‬ ‫اللؤلؤ» و«سعادة السفير» و«دنسكو « و«األسئلة‬

‫وال ��زي ��ف‪ ،‬وب��رح�ي�ل��ه ف �ق��دت ال �س��اح��ة الثقافية‬ ‫واألدبية أبرز أعالمها المعاصرين‪.‬‬

‫غازي القصيبي‪ ..‬واإلبداع كحالة إنسانية‬ ‫> محمد جميل أحمد‪ -‬السودان‬ ‫لم يكن فقيد البالد الكبير الدكتور غازي القصيبي‪ ..‬مجرد أديب عابر‬ ‫في حياته المديدة‪ ،‬كما لم يكن إداريا ودبلوماسيا عاديا‪ .‬كان باستمرار‬ ‫شخصا ي�م��زج ويستقطب ال�م�ه��ام بمعيار دق �ي��ق‪ ،‬وي�ق��ف بها ف��ي مهب‬ ‫التحوالت؛ ليؤكد من خاللها أن وج��وده في األدب ال ي��وازي وج��وده في‬ ‫الدبلوماسية واإلدارة فحسب‪ ،‬بل أيضا يؤكد أن ما ينعكس من أدبه في‬ ‫مجال الدبلوماسية‪ ..‬هو في ذات الوقت تعبير عن دبلوماسيته المؤدبة‪.‬‬ ‫بين هذين الحدين‪ ..‬ع��اش غ��ازي القصيبي‬ ‫حياة عاصفة مليئة بالعطاء والتقدم واالنجازات‬ ‫والنجاحات المتعددة‪ .‬لقد ظل القصيبي طوال‬ ‫حياته يملك إدراكا واعيا؛ بمعنى أن يكون مثقفا‬ ‫ك�ب�ي��را م��ن خ�ل�ال ال �ع �ط��اء‪ ،‬ف�لا تشغله الثقافة‬ ‫واإلبداع عن التأثير في مجاالت الحياة األخرى‬ ‫من خالل العنوان نفسه‪ .‬فهو األديب الدبلوماسي‬

‫أو الدبلوماسي األديب‪.‬‬ ‫ولطالما تساءل كثيرون‪ :‬كيف وفق هذا المبدع‬ ‫الكبير بين إب��داع��ه ف��ي ع��ال��م الكتابة والشعر‬ ‫والرواية والتأليف‪ ،‬دون أن يكون ذلك مانعا له من‬ ‫أداء مهامه اإلدارية والدبلوماسية‪ ،‬وما تقتضيه‬ ‫بطبيعة الحال من جدية والتزام‪ ،‬وموازنة دقيقة‬ ‫بين حساسيات السياسة وبراءة اإلبداع؟‬

‫اجلوبة ‪ -‬خريف ‪1431‬هـ ‪19‬‬


‫كل مبدع في مجاله‪ .‬وبهذا المعنى‪ ..‬فإن المبدع‬ ‫هنا ليس هو الشخص المعني ب��اإلب��داع األدبي‬ ‫فحسب؛ بل هو كل شخص معني بإنتاج قيمة‬ ‫أصيلة في مجاله‪ ،‬مهما كان بسيطا‪ .‬فاإلبداع في‬ ‫المجاالت الحيوية التي تمس حياة الناس مباشرة‬ ‫كالسياسة واالقتصاد‪ ،‬ربما كان هو الغائب األكبر‬ ‫عن الواقع؛ ذلك أن الحاجة إلى مبدعين كبار‬ ‫في االقتصاد والفكر والقانون والعلوم‪ ..‬تماما‬ ‫كالحاجة إلى مبدعين كبار في األدب والشعر‪.‬‬

‫في تصور الكثير من األدباء أن حاالت اإلبداع‬ ‫وال�ك�ت��اب��ة‪ ،‬تقتضي ب��ال �ض��رورة سكونا وابتعادا‬ ‫ع��ن االنغماس ف��ي الحياة الجارية وتعقيداتها‬ ‫وتشابكها المضطرب بين المصالح واألهواء‪،‬‬ ‫وما يتداعى من صراع على جوانب كثيرة متصلة‬ ‫بحياة ال�ن��اس‪ ،‬وه��ذا ممكن بالطبع‪ .‬ولعل مثل‬ ‫هذا التصور الذي يفصل فصال تاما بين اإلبداع‬ ‫ككتابة‪ ،‬وب�ي��ن م�ج��ري��ات ال�ح�ي��اة ال �ح��ارة وإدارة‬ ‫شؤونها‪ ،‬عبر حيثيات إدراي��ة صلبة بعيدا عن‬ ‫ش��رود األدب‪ ،‬تستفزه كثيرا حالة االستقطاب‬ ‫الجميلة التي ينجح في تسويتها رجال كبار في‬ ‫م�ج��االت األدب واإلدارة‪ ..‬مثل الفقيد الكبير‬ ‫ال��دك �ت��ور غ ��ازي القصيبي‪ ،‬ي��رح�م��ه ال �ل��ه‪ .‬ذلك‬ ‫أن القدرة على استبصار معنى اإلب��داع كحالة‬ ‫إنسانية تخترق كل نشاط إنساني‪ ،‬إنما هي سمات‬ ‫ال يدركها إال من عرف معنى اإلبداع الحقيقي‪.‬‬ ‫فاإلبداع ضمن معناه الشامل‪ ،‬يعني تجديد كل‬ ‫جوانب الحياة الراكدة‪ ،‬بإيجابيات أصيلة‪ ،‬ينتجها‬

‫‪20‬‬

‫اجلوبة ‪ -‬خريف ‪1431‬هـ‬

‫اإلبداع هو سر الحياة اإلنسانية األصيل‪ ،‬بل‬ ‫إن كل اللحظات اإلبداعية للمخترعين والعلماء‬ ‫والشعراء‪ ،‬هي ما جعل من هذا العالم جميال‪،‬‬ ‫وقابال للعيش‪ ،‬وحافال بالتيسيرات التي سهلت‬ ‫حياتنا‪ .‬ق��د ال يعرف كثيرون مثال أن اللحظة‬ ‫اإلبداعية التي تم من خاللها اكتشاف الكهرباء‬ ‫هي لحظة عظيمة‪ ..‬ومتجددة في كل لحظة من‬ ‫حياتنا‪ ..‬وه�ك��ذا‪ ،‬ف��إن قيمة اإلب��داع ال توازيها‬ ‫إال قيمة الحياة ذاتها‪ .‬ومن ضمن شروط إنتاج‬ ‫اإلب��داع‪ :‬اإليمان باإلنسان ككائن مبدع وكريم‪،‬‬ ‫وعبر ه��ذه األف��اق اإلنسانية الرحبة لإلبداع‪..‬‬ ‫أدرك غازي القصيبي ‪-‬يرحمه الله‪ -‬حاجته إلى‬ ‫ذلك النوع من اإلبداع الذي ينظر للحياة كوحدة‬ ‫واح��دة‪ ،‬وهي حاجة ال تستوي في نفس المبدع‬ ‫الكبير‪ ..‬إال لتؤكد باستمرار أن اإلب��داع شرط‬

‫ش��ارط للكرامة اإلن�س��ان�ي��ة‪ ،‬وال�ق�ي��م األخالقية‬ ‫المتصلة بالمواقف‪ ،‬وإدراك قيمة العمل‪ ..‬من‬ ‫حيث ه��و‪ ..‬كقيمة محترمة تجعل من صاحبها‬ ‫شخصا جديرا باالحترام‪ ،‬وكذلك قيمة التواضع‬ ‫التي تصاحب تلك النظرة الكلية لإلبداع‪ .‬ولهذا‪،‬‬ ‫ف��إن م��ن ي�ن�ظ��رون إل��ى اإلب� ��داع ع�ن��د القصيبي‬ ‫كحالة أدبية خالصة‪ ..‬إنما يظلمون هذا المبدع‬


‫حين يقوم اإلبداع كمشاعر في نفس المبدع‪،‬‬ ‫ال ي �ك��ون ه��ذا ب��ال �ض��رورة ش��اع��را‪ ،‬ب��ل يتجسد‬ ‫إبداعه حيثما أبدع في مختلف مجاالت الحياة‪.‬‬ ‫ولعل هذا ما يفسر لنا توزع إبداع الفقيد الكبير‬ ‫بين الشعر وال��رواي��ة م��ن ناحية‪ ،‬وب�ي��ن اإلدارة‬ ‫والسياسة من ناحية ثانية‪.‬‬ ‫ل��م ي�ك��ن ال�ق�ص�ي�ب��ي وف ��ق ه ��ذا التوصيف‪..‬‬ ‫ممن يخضعون لتصورات منمذجة عن‬ ‫طبيعة المثقف‪ ،‬أو بعض حاالت‬ ‫التأطير التي افترضها كثير‬ ‫من المثقفين العرب على‬ ‫ن� �م���اذج م �ع �م �م��ة ج���دا‪،‬‬ ‫وربما كان اختالفها في‬ ‫سياقات أخرى ال يجعل‬ ‫منها حالة قابلة للتمثل‬ ‫المتكرر‪.‬‬ ‫ك��ان القصيبي يعرف تماما‬ ‫موقعه في ب�لاده‪ ،‬وموقعه كمثقف معني‬ ‫ب��إدارة دور خ��اص يقوِّم به ب�لاده‪ ،‬ويفهم تأويله‬ ‫بحسب إدراك��ه لطبيعة ب�لاده ومجتمعه‪ ..‬بعيدا‬ ‫عن التنظيرات الفكرية المؤدلجة‪ .‬وهذا لألسف‬ ‫ما لم يفهمه الكثيرون عنه‪ .‬ولهذا كان على الفقيد‬ ‫أن يمسك بالمعنى الخاص ل��دوره كمثقف‪ ،‬في‬ ‫بالد عرف كيف يدرك شفرة العالقة التي تبقيه‬ ‫فيها دائما‪ ،‬على تماس خالق مع كل األوساط‬ ‫التي اشتغل فيها‪ ،‬وف��ي كل الجبهات التي كان‬ ‫يعرف أنه يخوضها‪ ،‬ويعرف أن له فيها خصوما‪.‬‬ ‫ولعل من أه��م العالمات التي كانت تشيع ذلك‬ ‫ال �ح��س اإلب��داع��ي ف��ي ك��ل ال �م��واق��ع ال �ت��ي عمل‬

‫م������������ل������������ف ال������������ع������������دد‬

‫الكبير‪.‬‬

‫فيها القصيبي‪ :‬ازدهار نشاطه على رأس العمل‬ ‫بطريقة يعرفها الجميع ويدركونها‪ .‬فعندما كان‬ ‫الفقيد وزي��را للكهرباء أسهم بطاقة خالقة في‬ ‫إنارة المدن والقرى والبلدات‪ ،‬عبر خطط عمل‬ ‫نشطة‪ .‬وشهد قطاع الكهرباء في السعودية في‬ ‫زمنه تقدما في خدمة المواطنين وإنارة الكثير‬ ‫من مناطق المملكة‪.‬‬ ‫كان القصيبي يرحمه الله‪ ..‬يعرف أن العمل‬ ‫العام يفرز خصوما‪ ،‬وأن العديد من التراكمات‬ ‫ال� �ش ��ائ� �ك ��ة ف� ��ي م�� �ج� ��االت العمل‬ ‫اإلداري‪ ..‬وقفت أمامه كمشاكل‬ ‫تدعهما المصالح الفئوية‪،‬‬ ‫ولكنه ظل باستمرار قادرا‬ ‫على توجيه بوصلة العمل‬ ‫ال �ج��اد‪ ،‬وت �ح��دي الخصوم‬ ‫تحديا شريفا مرتبطا بما‬ ‫ه ��و ع� ��ام‪ .‬وك� ��ان ي��ع��رف أن‬ ‫االستجابة لمثل هذه المشكالت‬ ‫ي �ك��ون ب��أدوات��ه��ا ال�م�ت�ص�ل��ة بقوانين‬ ‫ال�ع�م��ل‪ ،‬وب�ع�ي��دا ع��ن أدوات ال�ت��أث�ي��ر العاطفي‪.‬‬ ‫تعددت نشاطات الوزير غازي القصيبي وتقلبت‬ ‫مشاويره في ه��ذه الحياة بالكثير من المواقف‬ ‫والمشاهد والمنعطفات‪ ،‬التي ترك من خاللها‬ ‫أثرا في كل مكان عمل فيه‪ .‬وكان يخرج من كل‬ ‫معركة منتصرا‪ .‬وكان على القصيبي في مثل هذا‬ ‫الموقف الفريد‪ ..‬حيال موقعه من الوعي والعمل‬ ‫في بالده التي يعرفها كراحة يده‪ ..‬يقتضي منه‬ ‫باستمرار‪ ،‬مجابهة كل التأويالت التي تدرجه في‬ ‫تنميط معين؛ فقد كان الفقيد شاعرا مجيدا‪ ،‬ثم‬ ‫أصبح روائيا‪ ،‬وكاتبا وإداري��ا‪ ،‬وأستاذا جامعيا‪،‬‬ ‫ودبلوماسيا‪ ،‬في أهم المواقع المتصلة باإلعالم‬

‫اجلوبة ‪ -‬خريف ‪1431‬هـ ‪21‬‬


‫والمواقف‪ ،‬تظل باستمرار تحديا‬ ‫كيانيا لمن يتصدى لقضايا يومية‬ ‫متصلة بحياة ال�ن��اس‪ ..‬ومرتبطة‬ ‫بمصالحهم‪ .‬وكما يقول المفكر‬ ‫المغربي الكبير عبدالله العروي‪...‬‬ ‫(ال أحد مجبر على التماهي مع‬ ‫مجتمعه‪ .‬لكن إذا ما قرر أن يفعل‬ ‫في أي ظ��رف ك��ان‪ ،‬فعليه إذاً أن‬ ‫د‪ .‬القصيبي وبجانبه د‪ .‬عبدالعزيز الخويطر واألستاذ عبدالله الناصر‬ ‫يتكلم بلسانه (المجتمع)‪ ،‬أن ينطق‬ ‫ال �ع��ال �م��ي‪ ،‬كمنصبه س �ف �ي��را للمملكة العربية‬ ‫بمنطقه‪ ،‬وأن يخضع لقانونه‪ .‬ال‬ ‫السعودية في لندن لسنوات طويلة‪ ،‬حيث أستطاع فيلسوف وال متكلم وال شاعر أب��دا على رأس‬ ‫أن يخلق فيها عالقات متوازنة مع جميع الجهات الدولة‪ ،‬كلما وأينما حصل ذلك عمت الفوضى‬ ‫ال��دب �ل��وم��اس �ي��ة‪ ،‬ك��ذل��ك اس �ت �ط��اع ال�ق�ص�ي�ب��ي من ونزل الخراب)‪( ..‬من كتابه السنة واإلصالح)‪..‬‬ ‫خالل الكتابة األدبية أن يبدع في مجال الرواية يصبح التماهي الخالق في عالقة ايجابية مع‬ ‫والقصة‪ .‬ذلك أنه في كل حاالته‪ ،‬كان يجد صوتا المجتمع والدولة من موقع المسئولية والثقافة‬ ‫للتعبير ع��ن نفسه كمبدع ح��ر‪ ،‬يعرف أساليب والتحدي‪ ،‬بمثابة امتحان عسير للوعي والموقف‬ ‫اإلبداع بحسب مواقعها ومؤثراتها‪ .‬وحين تحول في وقت واحد‪.‬‬ ‫القصيبي إلى كتابة القصة والرواية‪ ،‬كان يدرك‬ ‫ول �ق��د ك��ان��ت ح �ي��اة ال�ف�ق�ي��د ال��دك �ت��ور غازي‬ ‫التعقيدات والتحوالت التي أصابت بنية الحياة‬ ‫القصيبي تنوس بين هذين الحدين‪ .‬لهذا ربما‬ ‫االجتماعية في المنطقة العربية‪ ..‬وفي السعودية‬ ‫وصف كثيرون تجربته الشعرية والروائية وصفا‬ ‫خصوصا‪ .‬ولذلك وجد في مناخ العمل السردي‪،‬‬ ‫ال يدرجهما ضمن األعمال العبقرية الكبرى‪..‬‬ ‫ما يسمح له برصد الكثير من الحيوات والمصائر‬ ‫دون أن يدركوا الوجه اآلخر لإلبداع في حياته‪،‬‬ ‫والتقلبات التي تحدث من حوله‪ ،‬في فترة شهد‬ ‫أي نجاحاته المبدعة في مجاالت اإلدارة والوزارة‬ ‫فيها العالم تحوالت كبرى‪ ،‬سواء على صعيد ثورة‬ ‫والتخطيط والسلوك والمواقف التي ال يمكنها إال‬ ‫األنفوميديا (االت�ص��االت والمعلومات)‪ ،‬أو على‬ ‫أن تكون الوجه اآلخر لعملة اإلبداع‪.‬‬ ‫صعيد التحوالت الجيوسياسية‪ ،‬وما خلفته من‬ ‫لقد انخرط المثقفون في المنطقة العربية‬ ‫ظواهر ومشكالت‪.‬‬ ‫زمنا طويال‪ ،‬في جدل عقيم‪ ،‬حيال فاعلية المثقف‬ ‫كانت واقعية غازي القصيبي التي تستقطب حال‬ ‫في مجتمعه‪ ،‬عبر تأويالت رومانسية تجريدية‪..‬‬ ‫كونه شاعرا‪ ،‬من أهم سمات القوة في شخصيته‪.‬‬ ‫لم تحقق في اآلخر إال ارتدادات عكسية وناقضة‬ ‫فشخصية الشاعر بما تنطوي عليه من حساسية‬ ‫لتلك الرومانسية‪ ،‬وبعكسها ت�م��ام��ا‪ ..‬ال سيما‬ ‫ورهافة‪ ،‬وتَ َمثُّل الحاالت القصوى في المشاعر‬ ‫بعد انهيار المعسكر االشتراكي‪ .‬لقد كانت تلك‬

‫‪22‬‬

‫اجلوبة ‪ -‬خريف ‪1431‬هـ‬


‫م������������ل������������ف ال������������ع������������دد‬

‫التصورات التي تم تسويقها في كتابات التنظير يطيقونها‪.‬‬ ‫العربي حيال موقف المثقف من السلطة‪ ،‬تأتي في‬ ‫لقد جسد غ��ازي القصيبي يرحمه الله في‬ ‫أغلبها كصدى لمجتمعات أخرى تجاوزت حاالت الزمن الذي عاش فيه وما شهده ذلك الزمن من‬ ‫الحاجة إل��ى المثقف‪ ،‬بوصفه ف��اع�لا ضروريا تحوالت قناعات كان من الصعب الوصول إليها‬ ‫في بناء أساسيات مجتمعه‪ ،‬وم��ا يقتضيه ذلك دون التوفر على معرفة عميقة‪ ،‬ونفس كبيرة‪،‬‬ ‫من ابتداع وسيلة تستقطب حالة فريدة لتجديد واستعداد للتعلم من كل شيء‪ ،‬وتواضع واهتمام‬ ‫العالقة المستمرة والبناءة‪ ،‬بين المثقف وموقعه بأدق تفاصيل المهنة والوظيفة واألمانة‪.‬‬ ‫التنويري في المناصب التي يتقلدها‪.‬‬ ‫ولهذا‪ ،‬فإن ما يفسر لنا نجاح الدكتور غازي‬ ‫ك��ان غ��ازي القصيبي يرحمه ال�ل��ه‪ ،‬وبشهادة‬ ‫القصيبي كشاعر‪ ،‬وكاتب‪ ،‬وإداري‪ ،‬ووزي��ر‪ ..‬هو‬ ‫الكثيرين من أصدقائه‪ ..‬رجال استطاع أن يحقق‬ ‫ذل��ك الحب ال��ذي ك��ان يكنه للناس‪ ،‬ويبذله لهم‬ ‫تلك المعادلة‪ ،‬وأن يستثمر كل الممكنات اإليجابية‪،‬‬ ‫من ناحية‪ ،‬وإلدراك��ه أن اإلب��داع هو مهمة نبيلة‬ ‫لإلبقاء على دوره ف��اع�لا‪ ..‬س��واء لجهة الكتابة‬ ‫لتنظيف وتجميل حياة الناس ماديا ومعنويا من‬ ‫اإلبداعية‪ ،‬أو لجهة البناء والتجديد في مواقع‬ ‫ناحية أخ��رى‪ ،‬وهي حالة ال يمكن أن يصل إلى‬ ‫العمل العام التي تقلدها طوال حياته المديدة‪.‬‬ ‫آفاقها إال شخص عرف كيف يتصالح مع نفسه‬ ‫كان في قلب األحداث وفي قلب الحداثة في عين‬ ‫عبر ضمير مرتاح‪ ،‬ظل يؤهله باستمرار إلبداع‬ ‫الوقت‪ .‬كما عرف بتجربته الكبيرة أن الحداثة ال‬ ‫متميز في الكتابة والحياة‪.‬‬ ‫تعني قطيعة‪ ،‬كما أنها في الوقت نفسه‪ ..‬ال يمكن‬ ‫استنساخها بحذافيرها في كل تجربة‪ .‬ولعل في‬ ‫تلك الشهادات الكثيفة في الصحافة العربية‪..‬‬ ‫ما يكشف لنا ال�ي��وم‪ ،‬كم ك��ان القصيبي يرحمه‬ ‫الله إنسانا كبيرا‪ ،‬عندما كان يرد بنفسه على كل‬ ‫خطاب تشكي أو مظلمة يصل إلى موقع العمل‪،‬‬ ‫وال يجد في ذلك حرجا‪ ..‬إلدراكه طبيعة العالقة‬ ‫الحقيقية بين المسئول والعامل والمواطن‪.‬‬ ‫ولعل في ذلك الموقف الشهير‪ ،‬ال��ذي عرف‬ ‫الناس من خالله أن الدكتور غازي القصيبي عمل‬ ‫نادال لمدة ثالث ساعات‪ ،‬ما يكشف معدن هذا‬ ‫الرجل‪ ،‬واستعداده الكامل لخدمة المواطن‪ .‬ففي‬ ‫ذل��ك الموقف الشهير حين عمل ن��ادال بإحدى‬ ‫مقاهي جدة‪ ،‬كشف لنا كم هو متصالح مع نفسه‪،‬‬ ‫وقادر على تطبيق أفعال يأنف منها كثيرون وال‬

‫اجلوبة ‪ -‬خريف ‪1431‬هـ ‪23‬‬


‫ُ‬ ‫السخرية في أدب غازي القصيبي‬ ‫> عبدالدائم السالمي‪ -‬تونس‬ ‫ينهض اختيارُنا الحديثَ عن السخريّة في كتابات الدكتور غازي القصيبي‪،‬‬ ‫ُ‬ ‫خالدات‪،‬‬ ‫ٍ‬ ‫بنصوص‬ ‫ٍ‬ ‫من إيماننا بأنّ هذا المبد َع مأل مشهدَنا الثقافيَّ العربيَّ‬ ‫المعيش بلغة ساخرةٍ ؛ سخري ًة ال‬ ‫َ‬ ‫سعى فيها إلى جعل الكتابةِ تحكي واقعَنا‬ ‫القارئ‪،‬‬ ‫ِ‬ ‫المدروس‪ ،‬بل تحفِ ُر في أسبابِه‪ ،‬وتُفاج ُئ بها سكين َة‬ ‫َ‬ ‫تُم ِّي ُع موضوعَ ها‬ ‫فيضحك لها حتى تسي َل دموعُه‪ ،‬وال يدري أيضحك من حقيقةِ المكتوب‪..‬‬ ‫ضاحكًا باكيًا معًا يحتا ُج من‬ ‫ِ‬ ‫نصا يجع ُل قارئَه‬ ‫أم يبكي من حقيقتِه‪ .‬وإنّ ًّ‬ ‫ليقف‬ ‫َ‬ ‫كيفيات حضورِ الواقعِ فيه؛‬ ‫ِ‬ ‫آليات تش ُّكلِه‪ ،‬وفي‬ ‫ِ‬ ‫النّقد تف ُّكرًا في‬ ‫على جمالياته ودَالالتِه االجتماعية والحضاريّةِ ‪.‬‬ ‫السيما وأنّ السخريّة تجد لها جذورًا في مدوّنة‬ ‫خاصة في كتابات الجاحظ‬ ‫ّ‬ ‫النثر العربيّ القديم‪،‬‬ ‫وابن المقفّع والهمذاني وغيرهم‪ .‬ولع ّل هذا ما‬ ‫نتاجات الدكتور غازي‬ ‫ِ‬ ‫بعض‬ ‫يجي ُز لنا عود ًة إلى ِ‬ ‫القصيبي التي أمكننا االط�ل�ا ُع عليها‪ ،‬لنبحث‬ ‫ال‬ ‫فيها ع��ن كيفيات اع �ت �م��اده اإلض �ح��اكَ سبي ً‬ ‫إلى تحفيز المتلقّي على تجاوز المعاني األولى‬ ‫أسئلة‬ ‫ٍ‬ ‫لمواضيع الكتابةِ نحو أعماقِ ها‪ ،‬وط��رحِ‬ ‫حارّة حول عالئقه بذاته‪ ،‬وبغيره‪ ،‬وبباقي األشياء‬ ‫ل�ق��د اخ �ت��ار ال��دك �ت��ور غ ��ازي ال�ق�ص�ي�ب��ي‪ ،‬في‬ ‫ال‬ ‫من حولِه‪ ،‬ومساءلةِ الظواهر الفكريّة والسياسيّة أغلب نتاجاته‪ ،‬السخر ّي َة تقني ًة كتاب ّي ًة وسبي ً‬ ‫طاقات الواقع اإليحائيّةِ حتى يقف‬ ‫ِ‬ ‫واالجتماعية عن قوانينِها‪ ،‬وما يح ُك ُم اشتغالَها إلى تفجير‬ ‫ِ‬ ‫آليات‪ .‬وهي ظواه ُر تتبطّ ن كلَّ أفعال‬ ‫ٍ‬ ‫من‬ ‫الناس على لُ��بِّ المعنى‪ .‬وتفصي ُل ذل��ك أنّ السخر ّي َة‬ ‫الدنيويّة‪ ،‬وحتى الغيبيّة منها‪ .‬ولكنّها تتخفّى عنده ليست غاية في ح� ِّد ذاتها‪ ،‬وال تستهدف‬ ‫وراء قِ شْ رتِها المألوفةِ السميكةِ ‪ ،‬فال يطالُها إ ّال اإلضحاكَ المجّ انيَ ولفتَ االنتبا ِه فقط‪ ،‬إنّما هي‬ ‫صاحبُ ٍ‬ ‫فكر جريءٍ ‪ ..‬يستطي ُع النفا َذ بفهمِ ه إلى ضحكٌ من األشياءِ حين يخاتل ُها المبد ُع ويعرّيها؛‬ ‫تفاصيلِها العميقةِ بع َد تقشيرِ ها‪.‬‬ ‫فتبوح ل��ه ب�ح��قِّ أس��راره��ا ال�ت��ي يحجُ بُها حياءُ‬ ‫ول�ع� ّل م��ا تجدر اإلش���ارةُ إليه بشأن كتابات‬ ‫المألوف الباطلِ ‪ .‬وال شكّ في أنّ واقعًا عرب ّيًا‬ ‫ِ‬ ‫الدكتور غازي القصيبي‪ ..‬هو تن ّوعُها وغزارتُها‪ .‬مع َّق َد الكيمياء االجتماعية والثقافية والسياسيّة‪،‬‬ ‫وهو تن ّو ٌع يشي ب َموْسوعيّة ثقافة هذا المبدِ عِ ‪َ ،‬مثَّل بالنسبة إلى القصيبي‪ ،‬هذا المبدع العربيّ‬ ‫ويكشف عن تمكُّنه من أدوات الكتابة الفنيّة‪ .‬الذي عايش أغلبَ أزماتنا القوميّة‪ ،‬جسدًا يحتا ُج‬ ‫حيث كتب الرواي َة والمقالة الحضار ّي َة والشِّ ع َر كثيرًا من النقدِ الجريءِ حتى تستقي َم فيه معاني‬ ‫والمقا َل السياسيّ والسيرةَ ال��ذات�ي�ةَ‪ ،‬وف��ي ك ّل‬ ‫جنس كتابيٍّ من هذه األجناس‪ ،‬كان يَظْ هر منه‬ ‫ٍ‬ ‫للقارئ بُ ْع ٌد من أبعاد شخصيّته الثَ ّرةِ‪ ،‬حتى لكأنّه‬ ‫مبد ٌع جَ ْم ٌع ال تُمكن اإلحاطة بمَيزاتِه اإلبداعيّة‬ ‫إ ّال متى قاربناها في عمومِ إنتاجاتِه المنشورةِ‪.‬‬ ‫وال غراب َة في أنّ كاتبًا له هذه القدرة على التنويع‬ ‫ف‪ ،‬بل هو‬ ‫في محامله الفنيّة كاتبٌ يقو ُل ما يعرِ ُ‬ ‫كيف يقو ُل‬ ‫أيضا َ‬ ‫ويعرف ً‬ ‫ُ‬ ‫ف ما يقولُ‪،‬‬ ‫كاتبٌ يعرِ ُ‬ ‫موضوعاتِه‪.‬‬

‫‪24‬‬

‫اجلوبة ‪ -‬خريف ‪1431‬هـ‬


‫قول له جذوره‬ ‫ولئن كانت السخري ُة أسلوبَ ٍ‬ ‫في مدوّنة الخبر العربيّة مثلما ذكرنا‪ ،‬فإنّها في‬ ‫تفكير من جهةِ كونها‬ ‫ٍ‬ ‫إبداعات القصيبي أسلوبُ‬ ‫تدخل في تضا ٍّد مع الكآبةِ التي تُخيّمِ على مالمح‬ ‫واقعنا العربيّ المأزومِ ‪ ،‬وتكشف مفارقاتِه‪ .‬ويبدو‬ ‫أنّ غازي القصيبي جعل من السخريّة تقني ًة كتابي ًة‬ ‫الناس‪ ،‬ويضعهم‬ ‫ِ‬ ‫يُقوّض بها السائ َد من معيش‬ ‫جدل حقيقيٍّ وذكيٍّ مع القضايا الكبرى التي‬ ‫في ٍ‬ ‫تُثي ُر فيهم الضحك لشدّة غرابتها‪.‬‬ ‫في كتابه «مصالحات‪ ...‬ومغالطات وقضايا‬ ‫يوصف غ��ازي القصيبي‪ ،‬بكثير من‬ ‫أخ���رى»(‪ّ ،)8‬‬ ‫السخريّة السوداء‪ ،‬ح��ا َل أغلب النُّخب الفكريّة‬ ‫والسياسيّة العربية في عالقتها ببعض مقوالت‬ ‫العولمة كالدّيمقراطيّة وال��وط�ن� ّي��ة وغيرهما‪،‬‬ ‫ويُعرّي حقيق َة تعاطي هذه النخب البراغماتي‬ ‫السياسي م��ع مثل ه��ذه المطالب‪ .‬فالسياسيُّ‬ ‫العربيُّ ال��ذي ينادي بالدّيمقراطيّة يُخفي في‬ ‫ضا لها‪ .‬أمّا معارِ ضوه‪ ،‬فإنّهم‬ ‫أعماقِ ه كائنًا رافِ ً‬ ‫يستثمرون مفهو َم الدّيمقراطيّة وانعدامَها في‬ ‫بيئاتهم االجتماعيّة ليصلوا إل��ى سَ ��د ِة الحكمِ ‪،‬‬ ‫وبعد ذل��ك ي �ط��اردُون المطالبين بتحقيقِ ها في‬ ‫كثير من تبادل األدوار السياسيّة المغل َِّف بحُ بِّ‬ ‫الشعوب التي ال تزيد عن كونها «كمبارسات»‬ ‫تؤدّي أدوارًا لم تخترْها برَغبتِها‪.‬‬ ‫أ ّم ��ا ف��ي رواي��ت��ه «س �ب �ع��ة»(‪ )9‬فيحشر غازي‬ ‫القصيبي سبع ًة من وجهاء األ ّم��ة العربستانية‬ ‫(المعادل التخييلي لألمة العربية)‪ ..‬أمثال أنور‬ ‫مختارجي والفلكي بصراوي علوان في جزيرة‬ ‫أسطورية تسمّى «ميدوسا» وي��زرع بينهم نَبْتَ‬

‫م������������ل������������ف ال������������ع������������دد‬

‫التعقُّل والتفكُّرِ ‪ ،‬ويكون قادرا على التخلّص من‬ ‫أسمالِ بُناه الفكريّة القديمة التي كبّلتْ فيه كلَّ‬ ‫اجتهاد‪ ،‬ومنعته من ك ّل تطو ٍّر حقيقيٍّ ‪.‬‬ ‫ٍ‬

‫األح��داث حتى يرسم ص��ور ًة عن واقعنا العربيّ‬ ‫المرير من خالل أفعال هؤالء وأقوالهم وشبكة‬ ‫عالقاتهم‪ .‬يفعل ذلك موظّ فا السخريّة أدا ًة لكشف‬ ‫المستغلقات من األسرار والرغائب‪ ،‬وكثيرًا من‬ ‫حقائق أول��ي األم��ر من أم��ة عربستان وم��ا فيها‬ ‫من سفاهات وتفاهات‪ .‬لكأنّه يقول للقارئ إنّ‬ ‫أ ّم��ة فيها مثل ه��ؤالء الوجهاء الذين يعود إليهم‬ ‫األمر والنهي في ك ّل شؤونِها‪ ,‬أ ّم ٌة تمشي سريعًا‬ ‫إلى حتفها‪ ،‬بل هو يزيد من سخريته من هؤالء‬ ‫األع�ي��ان‪ ،‬عندما يفضحِ حقائقَهم ويُ�ع�رّى فيهم‬ ‫فقدانَهم لك ّل ملمح من مالمح ال��ذك��ورة‪ ،‬بعدما‬ ‫اختار لهم نهاي ًة أليم ًة من ِج َهتَيْن‪ :‬الغرق وفقدان‬ ‫الرجولة‪ ،‬على ح� ّد ما ج��اء في آخ��ر ح��دث من‬ ‫أحداث هذه الرواية‪ ..‬حيث يقول السارد‪« :‬أوضح‬ ‫تقرير الطبيب الشرعي أن الرجال السبعة ماتوا‬ ‫غرقاً‪ ،‬وقد تبين من التحليل أنهم تعاطوا كميات‬ ‫كبيرة من المخدرات والكحول‪ .‬أما المرأة‪ ،‬التي‬ ‫وجدت على الشاطئ عارية‪ ،‬فلم يتضح للطبيب‬ ‫الشرعي‪ ،‬بع ُد سبب موتها‪ ،‬ولم يعثر في دمها‬ ‫على أي آث��ار ل�م�خ��درات أو ك�ح��ول‪ ،‬ول��م تظهر‬ ‫بجسمها أي إصابات‪ .‬كما ظهر من الفحص أنها‬ ‫عذراء‪.» ...‬‬ ‫وتُع ُّد «العصفوريّة»(‪ )10‬فضا ًء تخييل ّيًا ذا مرجع‬ ‫المتياز‪ ،‬وهو فضاء اختارَه غازي‬ ‫ٍ‬ ‫واقعيّ عربيّ‬ ‫بطاقات فني ٍّة سردي ٍّة ليكون‬ ‫ٍ‬ ‫القصيبي وشحنَه‬ ‫مسرحً ا يلتقي فيه المجنون بحكمتِه‪ ،‬والعقالءُ‬ ‫صراع خفيٍّ على أحقّية الوجودِ ‪.‬‬ ‫ٍ‬ ‫بجنونِهم‪ ،‬في‬ ‫وبين الحكمة والجنون‪ ،‬يظهر فك ُر غازي القصيبي‬ ‫مفردات واقعه‪ ،‬ويحرّكُ عناص َر السرد‬ ‫ِ‬ ‫وهو يقرأ‬ ‫حركات ساخر ًة من هذا الزمن العربيّ العجائبيّ ‪،‬‬ ‫ٍ‬ ‫الناس‬ ‫ِ‬ ‫الذي تحكمه التناقضاتُ ‪ ،‬ويطغى فيه على‬ ‫يكشف زيفَها‬ ‫ُ‬ ‫جه ٌل عا ٌّم مصبو ٌغ بادّعاءات جوفاء‪..‬‬ ‫هذا البروفسور المجنونُ‪/‬العاق ُل بط ُل الرواية‪.‬‬

‫اجلوبة ‪ -‬خريف ‪1431‬هـ ‪25‬‬


‫وال تقف كتاباتُ القصيبي الساخرةُ عند بيئته االنتخابات نوعً ا من الرقص الدّ يمقراطيّ الذي‬ ‫فعل من أفعال المنظّ مات الدولية‬ ‫المحليّة‪ ،‬ب��ل تطال نِبالُها مؤسّ ساتِنا القومية صار عالم َة ك ّل ٍ‬ ‫واإلقليمية وحتى ال��دول�ي��ة‪ ..‬على غ��رار مؤلَّفه الراهنة التي يرقص رؤساؤُها بإيقاعات السياسة‬ ‫تحريف اسم الغربية الجائرة‪ ..‬على اعتبار أنّ «ضمير العالم‬ ‫َ‬ ‫«دنسكو»(‪ )11‬الذي تعمّد فيه الكاتب‬ ‫«اليونسكو» بما يدعو للضحك من هذه المنظَّ مة المكروب ال يضيره أن يرقص قليالً»‪..‬‬ ‫الثقافية العالمية‪ ،‬التي انتشرت فيها الوالءاتُ ‪،‬‬ ‫ُحصلةِ نقول إنّ نق َد غازي القصيبي‬ ‫وفي الم ِّ‬ ‫ٍ‬ ‫عنيف‪ ،‬مشوبٌ‬ ‫ٌ‬ ‫وعَ مّها صرا ُع على الرئاسةِ‬ ‫بكثير ألح� ��وال واق �ع��ه ال�م�ح�ل��يّ وال �ع��رب��يّ واإلقليميّ‬ ‫ِ‬ ‫من‬ ‫رسالة‬ ‫ٍ‬ ‫إحساسه بكونه مث َّقفًا ذا‬ ‫ِ‬ ‫الشائعات حول حظوظ هذا المرشَّ حِ أو ذاك‪ .‬والدوليّ ‪ ،‬ناب ٌع من‬ ‫وإنسانية‪ ،‬وهو نق ٌد تحكمه بني ٌة كتاب ّي ٌة‬ ‫ٍ‬ ‫وقد وجد القصيبي في هذه المنظّ مة مثاالً على وطنيّة‬ ‫فسادِ أخالق َم ْن اعتمدوا الثقافة سبي ً‬ ‫ال للجلوس تَقوم على توصيفه الظاهرةَ التي تلفت انتباهَ ه‬ ‫على ال �ك��راس��ي‪ُ ..‬م�ح� ِّول�ي��ن جمي َع المؤسّ سات توصيفًا دقيقًا‪ ،‬حتى إذا اطمأنّ إليه المتلقّي‬ ‫ٍ‬ ‫الفكريّة إل��ى‬ ‫بنسف يقينياتِه عن تلك الظاهرة وقدّ م له‬ ‫ِ‬ ‫بضاعة تباع في س��وق النخّ اسين فاجأه‬ ‫بالمزادات العلنيّة‪ ،‬حيث نقرأ له قولَه «النظرة عنها فهمًا جديدًا بل ٍُغة مألوفةِ األلفاظ والتراكيب‪،‬‬ ‫ال�ش��ائ�ع��ة ه��ي أن اإلدارة م�ع��روض��ة ل�م��ن يدفع لكنّها مشحون ٌة بالسخريّة السوداء التي تتك ّف ُل‬ ‫والقلب‬ ‫ِ‬ ‫أكثر‪» ...‬؛ ورغم ما تُغلَّف به عملية انتخاب رئيس بها أفاني ُن القول العربية‪ ..‬مثل المبالغةِ‬ ‫والتجنيس واإليقاع‪ .‬حتى‬ ‫ِ‬ ‫واالستعارات‬ ‫ِ‬ ‫هذه المنظمة من إهابات ديمقراطيّة‪ ..‬تقوم في اللفظي‬ ‫ظاهرها على االنتخاب‪ ،‬فإنّ في خفاياها تسود لكأنّ السخر ّيةَ‪ ،‬تلك التي مال إليها أغلبُ عظماءِ‬ ‫الوالءاتُ للمالِ قبل الفكرِ ‪ .‬وهنا‪ ،‬يتساءل القصيبي الفكر البشريّ لنقد ظ��روف واقعهم‪ ،‬ترقى في‬ ‫بك ّل مرارةٍ «ماذا يتبقى لإلنسانية إذا بيعت هذه نتاجات الدكتور القصيبي من اإلبداعِ إلى اإلقناعِ‬ ‫اإلدارة‪ ...‬؟»‪ .‬وللتخفيف من ه��ول ه��ذا األمر‪ ،‬الذي ال نخالُه يتح ّق ُق في ذهن القارئ‪ ..‬دون أن‬ ‫النفوس‪.‬‬ ‫ُ‬ ‫يميل الكاتب إلى أسلوبه الساخر‪ ،‬فيرى في هذه يصاحبه إمتا ٌع تنشر ُح له‬

‫غازي القصيبي‪ ..‬شاعر النضال والغضب‬ ‫> مالك اخلالدي‪ -‬السعودية‬ ‫الموت المتصاعد من زيتون المسرى‪ ،‬يبص ُر‬ ‫ِ‬ ‫هناك بالقرب من أصداءِ أحزاننا يتكئ‪ ،‬يسم ُع زفي َر‬ ‫فرية الغرقد األثيم‪ ،‬رائح ُة الدمِ المسفوك ترتفع‪ ،‬فتتلوها آهات الصغار المُقددين وأمهات الشهداء‪،‬‬ ‫كل ذلك واشجهُ‪ ..‬فانداح غضب ًة شعرية ال تعرف الخوف أو الصمت!‬ ‫فهو الذي قال‪:‬‬ ‫يفجر نفسهُ‬ ‫نفسي الفداءُ لمن ّ‬ ‫ل���ي���ر ّد م��غ��ت��ص��ب�� ًا وي�����ردعُ غاصبا‬ ‫فلم يستطع غازي إال الصدوع بوالئه لدماء‬

‫‪26‬‬

‫اجلوبة ‪ -‬خريف ‪1431‬هـ‬

‫االستشهاديين‪ ،‬وتلكم الفتاوى تتصاع ُد من هنا‬ ‫وهناك‪ ،‬مُحرِ َم ًة على الفلسطينيين الثأر لدينهم‬ ‫ووطنهم وأعراضهم! فذاك انتحا ٌر يوردهم جهنم‬ ‫حسب قولهم‪.‬‬ ‫أم��ا غ ��ازي اإلن �س��ان ال �ش��اع��ر‪ ..‬بكل م��ا فيه‬


‫م������������ل������������ف ال������������ع������������دد‬

‫القصيبي خالل حضوره مناقشات مجلس الشورى حول أداء وزارته‬

‫�ض ال��ذل‪ ،‬فهو المشغو ُل حين وص� ُم صمت العرب بـ(االنتحار)‪ ..‬وحمل‬ ‫عنفوان وأن�ف� ٍ�ة‪ ،‬رف� َ‬ ‫ٍ‬ ‫من‬ ‫بقضايا وطنه وأمته‪ ،‬وهو المنفع ُل بجراح أمهاته عليهم لرضوخهم للغرب‪ ..‬بل لتملقهم المُخزي‬ ‫المرابطات‪ ،‬وأنين بيادر البرتقال؛ ل��ذا‪ ،‬ارتدى الذي جاوز الحد فقال‪:‬‬ ‫فعزف تناثـ ُر أشالء انتحرتم؟! نحنُ الذين انتحرنا‬ ‫َ‬ ‫حزن وآمال ونخوة إخوته‪..‬‬ ‫الفدائيين والشهداء أشعار خلود‪ ..‬وها هو يبكي‬ ‫العرب‪ ،‬ويمجّ د تلك االستشهادية الحسناء آيات‬ ‫األخرس‪ ،‬التي زفـّـتها المالئكة لتعانقها الزهراء‬ ‫على أعتاب الجنة فيقول‪:‬‬ ‫�����روس العوالي‬ ‫َ‬ ‫ق���ل آلي����ات ي���ا ع‬ ‫���ن ل��م��ق��ل��ت��ي ِ��ك ف�����داءُ‬ ‫ك�����لُّ ح���س ٍ‬ ‫يو َم يخصى الفحولُ صفو َة قومي‬ ‫ت��ت��ص��دى ل��ل��م��ج��رمِ الحسناءُ‬ ‫ف��ت��ح ْ��ت ب��اب��ه��ا ال��ج��ن��انُ وحيّت‬ ‫���ك ف�����اط�����مُ ال������زه������راءُ‬ ‫وت���ل���ق���ت ِ‬

‫ب�����ح�����ي�����اةٍ أم������وات������ه������ا أح�����ي�����اءُ‬ ‫قد عجزنا حتى شكى العجزُ منا‬ ‫وب��ك��ي��ن��ا ح��ت��ى ازدران�������ا البكاءُ‬ ‫بيت‬ ‫وارت��م��ي��ن��ا ع��ل��ى ط��واغ��ي ِ��ت ٍ‬ ‫���ض م����لء ق��ل��ب��هُ الظلماءُ‬ ‫أب���ي ٍ‬ ‫ول��ع��ق��ن��ا ح������ذاء ش�������ارون حتى‬ ‫ص��اح مه ًال قطعتموني الحذاءُ‬ ‫المخضوب‬ ‫ِ‬ ‫حينها ابتهج المشر ُق بهذا الفيض‬ ‫ب��ال �ج��رأة وال �غ �ي��رة ال �ص��ادق��ة‪ ،‬وان �ث��ال ك�ث�ي� ٌر من‬ ‫الشعراء مُحاكين ه��ذه الغضبة القصيبية‪ .‬أما‬

‫وبإيعاز من اللوبي الصهيوني‪ ..‬فقد ساءهُ‬ ‫ٍ‬ ‫بل ذهب إلى أبعد من ذلك في مطلع القصيدة الغرب‪،‬‬

‫اجلوبة ‪ -‬خريف ‪1431‬هـ ‪27‬‬


‫��راق وك��ان أم��س مالعب ًا‬ ‫�روف وي��حُ ال��ع ِ‬ ‫أن ت �ن �ت �ص��بَ ح�� ٌ‬ ‫باكية بوجهِ آلة اإلبادة‬

‫للمجد أصبح للخنوعِ مضاربا‬ ‫ِ‬

‫الصهيونية‪ ،‬فأُصدرت ك��ان��ت ت�لام��س��هُ ال��ن��ج��ومُ أنام ًال‬ ‫ال��ب��ي��ان��ات‪ ..‬وتعالت‬ ‫ال �خ �ط��اب��ات تستنكر‬ ‫النزيف والقصيد!‬

‫ف��غ��دا ت��م��زق��هُ ال��س��ج��ونُ مخالبا‬ ‫كما تاهَ في عيني بيروت باكياً‪:‬‬ ‫���ك يبدو‬ ‫����روت م���ا ل���وج���ه ِ‬ ‫آهِ ب����ي ُ‬

‫وه� � � �ن � � ��ا‪ ،‬ت� �ت� �ب ��رج‬

‫بالذبول‬ ‫ِ‬ ‫م��ث��لَ وج��ه��ي م��ب��رق��ع�� ًا‬

‫ش� � �ع � ��ارات ال� �ع ��دال ��ة ك��ن ِ��ت ليلى وك��ن ُ��ت مجنون ليلى‬ ‫ويسقطُ قنا ُع الحرية‬ ‫المفتراة‪.‬‬

‫بالعقول‬ ‫ِ‬ ‫ي��ا ل��م��ا ي��ف��ع��لُ ال��ه��وى‬ ‫ثم يتساءل عن الدماء المسفوحة بيد القريب‪..‬‬

‫وب��ع��د ح �ي��ن يعود والفرحة المسلوبة من األفئدة العذارى‪:‬‬

‫��ت دم����اءُ أم���ي وأختي‬ ‫غ � ��ازي ل �ب �ل��ده وزي � ��راً ك��ي��ف س��ال ْ‬ ‫رافعاً هامتهُ‪ ،‬تكتنف ُه‬

‫ب��ي��دي ص��اح��ب��ي وس��ي ِ��ف خليلي‬

‫فخر وطمو ُح‬ ‫ٍ‬ ‫مشاعر‬ ‫القناص يُ حرقُ عرسي‬ ‫ُ‬ ‫كيف راح‬ ‫َ‬ ‫ب � �ن� ��اء‪ ،‬وه� �ن ��ا يظه ُر‬ ‫ج �ل �ي �اً دع ��م المملكة‬ ‫ال �ع��رب �ي��ة السعودية‬ ‫مخلص لوطنهِ‬ ‫ٍ‬ ‫لرجل‬ ‫ٍ‬ ‫وقضايا أمته‪ ..‬وذلك‬ ‫تأكي ٌد لموقف المملكة‬ ‫ال�ث��اب��ت وال��راس��خ في‬ ‫دعم نضال الشعب الفلسطيني‪.‬‬

‫ب���رص���اص���ي وف���رح���ت���ي بفتيلي‬ ‫وبجسارته المعتادة يجعل الزعماء والحكماء‬ ‫والبيانات والغوغاء فدا ًء لناظري الشهيد محمد‬ ‫ال��درة في قصيدته الشهيرة (يا فدى ناظريك)‬ ‫حيثُ يقول في مطلعها‪:‬‬ ‫�����ت ي����ا ص��غ��ي��ر محمد‬ ‫ه�������در ًا م ّ‬ ‫ه�������در ًا ع����م����ركَ ال���ص���ب���يُ تبدد‬ ‫زعيم‬ ‫ٍ‬ ‫���ك ك����ل‬ ‫ي����ا ف�����دى ن���اظ���ري َ‬

‫ولم تكن قصيدت ُه هذه هي الغضبة الوحيدة‪،‬‬

‫ح���ظ���هُ ف���ي ال���وغ���ى أدان ون���دد‬

‫ب��ل ه��ي ض��وء م��ن ش�م� ِ‬ ‫مذيع‬ ‫ٍ‬ ‫���ك ك���ل‬ ‫�س ع��روب�ت��هِ المتوهجة‪ ..‬ي���ا ف����دى ن���اظ���ري َ‬ ‫ِ وإيمانه الخالد ال��ذي يسك ُن روح�� ُه الشفيفة‪،‬‬ ‫��ون األث��ي��ر أرغ����ى وأزب���د‬ ‫ف��ي س��ك ِ‬ ‫تمجيد وث �ن��اءٍ ورثاءٍ‬ ‫ٍ‬ ‫ف��دواوي �ن � ُه تحف ُل بقصائد‬

‫حكيم‬ ‫ٍ‬ ‫ي���ا ف����دى ن���اظ���ري���ك ك���ل‬

‫ألبطال قضوا نحبهم على طريق الحق‪ ..‬كما تغنى‬ ‫ٍ‬ ‫بمدائن الدموع والصمود واالنكسار‪ ،‬فبكى بغدا َد‬ ‫بقلب محترق‪:‬‬ ‫ٍ‬

‫‪28‬‬

‫اجلوبة ‪ -‬خريف ‪1431‬هـ‬

‫��وف ب��ث��اق��ب ال�����رأي أنجد‬ ‫ف��ي��ل��س ٍ‬ ‫بل إن غ��ازي الشاعر الملتاع الكسير يفدى‬ ‫محمداً‪:‬‬


‫حضارتهُ ت��ذروا الجيا َع وتحصدُ‬ ‫ويعرّج على شجاعتهِ وشهامته وكفاحه‪:‬‬ ‫تعودتّ في وج��ه ال��ري��اءِ صراحةً‬ ‫وك���م ق���ائ ٍ���ل ي���ا ب��ئ��س م���ا يتعودُ‬ ‫تحارب إن حاربت ضمنَ رجولةٍ‬ ‫ُ‬

‫م������������ل������������ف ال������������ع������������دد‬

‫بعالم‬ ‫ٍ‬ ‫وق��ات��لَ م��ن أج��ل ال��ج��ي��اعِ‬

‫ف�لا أن���ت غ����دارٌ وال أن���ت تحقدُ‬ ‫مكان آخر يبكي حال األم��ة في‬ ‫ٍ‬ ‫وها هو في‬

‫قصيدة وجهها لمناضل الحرف والفكرة الشاعر‬ ‫محمد مهدي الجواهري‪:‬‬

‫سهيل ‪ -‬اإلبن األكبر للقصيبي‬

‫ناظريك ناظمُ هذا القول‬ ‫َ‬ ‫يا فدى‬ ‫����ات ال���م���ق���دد‬ ‫ش����ع����رُ ال����م����ن����اس����ب ِ‬ ‫بأبيات بدت فيها النزعة الدينية والروح‬ ‫ٍ‬ ‫ويخت ُم‬ ‫القومية قوية ثائرة ساخطة‪ ،‬حتى كأننا نشعرها‬ ‫سهاماً حارقة يوجهها لصدور األعداء ويرثي فيها‬ ‫أمته‪:‬‬ ‫أل���ف م��ل��ي��ون م��س��ل ٍ��م ل���و نفخنا‬ ‫ك���ل���ن���ا ل�����م ي������دم ب�����ن�����اءٌ مشيد‬ ‫��ض منا‬ ‫ق���د ف��ه��م��ن��ا ت���ه���وّد ال��ب��ع ُ‬ ‫أ َو ل���م ي��ب��قَ م��ع��ش��رٌ م���ا تهود؟!‬ ‫ول ��م ي �ك��ن ش �ع��ر ال�ق�ص�ي�ب��ي رف �ي �ق �اً لسواعد‬ ‫المناضلين في ساح االشتباك المسلح‪ ..‬بل كان‬ ‫ناراً في وجه المستبدين‪ ..‬ووقوداً لمن أسرجوا‬ ‫أص��وات�ه��م وأق�لام�ه��م الن �ت��زاع ح�ق��وق الكادحين‬ ‫والمظلومين‪ ..‬فها هو يرثي صديقه المناضل‬ ‫الحقوقي ال��دك�ت��ور محسون ج�لال يرحمه الله‬ ‫فيقول‪:‬‬ ‫ناقم‬ ‫أمحسونُ هل أروي حكاي َة ٍ‬ ‫عنيد تحدى الفقر والفقرُ أعندُ‬ ‫ٍ‬

‫م���اذا ت��رك��تَ ؟ ع��واص��م�� ًا مقهور ًة‬ ‫وزواح������ف������ ًا م������ذع������ور ًة وأران����ب����ا‬ ‫نتن يديرُ لنا ال��ه��وان ونحتسي‬ ‫ٌ‬ ‫ك��رع�� ًا ويحتقرُ ال��م��دي��رُ الشاربا‬ ‫بل إن الجواهري ألهم غازي الغضب ورفض‬

‫الظلم‪:‬‬

‫شعرك ثائر ًا‬ ‫َ‬ ‫قرأت‬ ‫وغضبت حين ُ‬ ‫ُ‬ ‫ي��ب��غ��ي دم���� ًا ودم���� ًا وي�����زأ ُر ساغبا‬ ‫أشيب ولم يشب لك مقطعٌ‬ ‫ُ‬ ‫عجب ًا‬ ‫م����ازال ش��ع��رك ب��ي ل��ع��وب�� ًا العبا‬ ‫����اق وأع����م����ا ُر ال���ط���غ���اةِ قصيرةٌ‬ ‫ب ٍ‬ ‫شعرٌ ضمنتَ له الخلود الصاخبا‬ ‫وهكذا‪ ،‬بقي غازي خالداً في ضمير األحرار‪،‬‬

‫�ض مضاجع الظَّ لمة واألع� ��داء‪ ،‬ومن‬ ‫صاخباً ي�ق� ُّ‬ ‫يرجع لدواوينه يجدها نابضة باإليمان والعروبة‬ ‫الغضب‬ ‫ِ‬ ‫بخفقات‬ ‫ِ‬ ‫والنضال‪ ،‬حتى أن القارئ لَيشعر‬

‫مبثوث ًة في كل حروفه‪ ،‬لقد كان القصيبي إنساناً‬ ‫مسكوناً بالهم اإلسالمي العربي؛ لذا‪ ،‬كان صوت‬

‫الحق‪ ..‬فلم تقيّده المناصب ولم تشغله األلقاب‪،‬‬ ‫فكا َن شاعراً حرا‪ ..‬ورحل وهو كذلك يرحم ُه الله‪.‬‬

‫اجلوبة ‪ -‬خريف ‪1431‬هـ ‪29‬‬


‫غازي القصيبي شاعرا‬ ‫> عمار اجلنيدي‪ -‬األردن‬ ‫رغ ��م ال �ح �ي��اة األدب��ي��ة ال�ط��وي�ل��ة ال �ت��ي ك��اب��ده��ا ال �ش��اع��ر والروائي‬ ‫والدبلوماسي والسياسي العربي‪ :‬غ��ازي عبدالرحمن القصيبي‪ ،‬فإن‬ ‫منجزه اإلبداعي ي��دلّ على سيرة حافلة باإلنجاز والتأليف والعطاء‪،‬‬ ‫وقد أحدثت رواياته وشعره الكثير من الضجّ ة والسجاالت حولها‪ ،‬أما‬ ‫منجزه الشعري فيربو على خمسة عشر مؤلفا بالعربية ونحو خمسة‬ ‫باللغة االنجليزية‪ ،‬ومنها‪:‬‬ ‫ •أش� �ع ��ار م ��ن ج ��زائ ��ر ال��ل��ؤل��ؤ ج� ��زء من‬ ‫«المجموعة الشعرية الكاملة»‪.‬‬ ‫ •قطرات من ظمأ ج��زء من «المجموعة‬ ‫الشعرية الكاملة»‪.‬‬ ‫ •معركة ب�لا راي��ة ج��زء م��ن «المجموعة‬ ‫الشعرية الكاملة»‪.‬‬ ‫ •أبيات غزل جزء من «المجموعة الشعرية‬ ‫الكاملة»‪.‬‬ ‫ •أن���ت ال ��ري ��اض ج���زء م ��ن «المجموعة‬ ‫الشعرية الكاملة»‪.‬‬ ‫ •الحمى ج��زء م��ن «المجموعة الشعرية‬ ‫الكاملة»‪.‬‬ ‫ •ال �ع��ودة إل��ى األم��اك��ن القديمة ج��زء من‬ ‫«المجموعة الشعرية الكاملة»‪.‬‬ ‫ •ورود على ضفائر سناء‪.‬‬ ‫ •مرثية فارس سابق‪.‬‬ ‫ •عقد من الحجارة‪.‬‬ ‫ •واللون على األوراد‪.‬‬ ‫ •قوافي الجزيرة (نشر بثالث لغات‪ :‬العربية‬ ‫واإلنجليزية واألردية في طبعة واحدة)‪.‬‬

‫‪30‬‬

‫اجلوبة ‪ -‬خريف ‪1431‬هـ‬

‫ •ف� � � ��ي خ� �ي� �م ��ة‬ ‫ش ��اع ��ر (‪( )1‬م� �خ� �ت ��ارات م ��ن الشعر‬ ‫العربي)‪.‬‬ ‫ •في خيمة شاعر (‪.)2‬‬ ‫ •مائة ورقة ياسمين‪.‬‬ ‫ •سحيم‪.‬‬ ‫ •قراءة في وجه لندن‪.‬‬ ‫ •وال�ق�ص�ي�ب��ي ش��اع��ر ك�لاس�ي�ك��ي‪ ،‬منحاز‬ ‫في كالسيكيته إلى لغة بسيطة وسهلة‪،‬‬ ‫ي �ع � ّوض �ه��ا ت��ن��وّع ال �م �ض��ام �ي��ن واألفكار‬ ‫ب��وص�ف��ه ش��اع��را ج�م��اه�ي��ري��ا يستبصر‬ ‫ال��ت��راث‪ ،‬وي��وظ�ف��ه ف��ي م�ت��ن القصيدة‪،‬‬ ‫وهو الذي تخلّى عن الفوقية في تعامله‬ ‫مع اآلخ��ر‪ ،‬ألنه شاعر مرهف حسّ اس‪،‬‬ ‫ومُق ِن ٌع بصدقه وإعالئه شأن أحاسيسهم‬ ‫ومواجعهم‪ ،‬وألن زاده الشعري من معين‬ ‫الصدق واالنتماء‪ ،‬ففي قصيدته «رسالة‬ ‫المتنبي األخيرة إلى سيف الدولة» التي‬ ‫تعد من أج��ود القصائد التي قيلت في‬ ‫القرن العشرين؛ نرى القصيبي يسهب‬ ‫في العتاب‪ ،‬ويفيض باإلعالء من شأن‬ ‫الشاعر‪:‬‬


‫ف����ع��ل�ام أس����ه����ب ف����ي ال����غ����ن����اء وأط���ن���ب‬ ‫ص����وت����ي ي���ض���ي���ع وال ت���ح���س برجعه‬ ‫ول����ق����د ع���ه���دت���ك ح���ي���ن أن����ش����د تطرب‬ ‫وأراك م�����ا ب���ي���ن ال����ج����م����وع ف��ل��ا أرى‬ ‫ت��ل��ك ال��ب��ش��اش��ة ف���ي ال���م�ل�ام���ح تعشب‬ ‫وت�����م�����ر ع���ي���ن���ك ب������ي وت������ه������رع مثلما‬ ‫ع�����ب�����ر ال������غ������ري������ب م�������روع�������ا ي���ت���وث���ب‬ ‫ب���ي���ن���ي وب����ي����ن����ك أل�������ف واش ي���ك���ذب‬ ‫وت������ظ������ل ت����س����م����ع����ه ول������س������ت ت����ك����ذب‬ ‫خ���دع���وا ف��أع��ج��ب��ك ال���خ���داع ول����م تكن‬ ‫م����ن ق���ب���ل ب���ال���زي���ف ال���م���ع���ط���ر تعجب‬ ‫س���ب���ح���ان م����ن ج���ع���ل ال���ق���ل���وب خزائنا‬ ‫ل�����م�����ش�����اع�����ر ل������م������ا ت������������زل ت���ت���ق���ل���ب‬ ‫ق������ل ل�����ل�����وش�����اة أت�����ي�����ت أرف���������ع راي����ت����ي‬ ‫البيضاء ف��اس��ع��وا ف��ي أدي��م��ي واضربوا‬ ‫ه���ذي ال��م��ع��ارك ل��س��ت أح��س��ن خوضها‬ ‫م�����ن ذا ي�����ح�����ارب وال����غ����ري����م الثعلب‬ ‫وم������ن ال���م���ن���اض���ل وال�����س��ل��اح دسيسة‬ ‫وم�������ن ال����م����ك����اف����ح وال������ع������دو ال���ع���ق���رب‬ ‫ت����أب����ى ال����رج����ول����ة أن ت����دن����س سيفها‬ ‫ق�����د ي���غ���ل���ب ال����م����ق����دام س����اع����ة يغلب‬ ‫ف���ي ال��ف��ج��ر ت��ح��ت��ض��ن ال��ق��ف��ار رواحلي‬ ‫وال����ح����ر ح���ي���ن ي������رى ال���م�ل�ال���ة يهرب‬ ‫وال����ق����ف����ر أك��������رم ال ي���غ���ي���ض ع����ط����اؤه‬ ‫ح���ي���ن���ا وي����ص����غ����ي ل����ل����وش����اة فينضب‬ ‫وال�����ق�����ف�����ر أص����������دق م������ن خ����ل����ي����ل وده‬ ‫م������ت������غ������ي������ر م�������ت�������ل�������ون م������ت������ذب������ذب‬ ‫س���أص���ب ف���ي س��م��ع ال����ري����اح قصائدي‬ ‫ال أرت�������ج�������ي غ����ن����م����ا وال أت����ك����س����ب‬

‫إن ال������س������راب م�����ع ال�����ك�����رام�����ة يشرب‬ ‫أزف ال������ف������راق ف����ه����ل أودع صامتا‬ ‫أم أن��������ت م����ص����غ ل����ل����ع����ت����اب ف���أع���ت���ب‬ ‫ه����ي����ه����ات م�����ا أح�����ي�����ا ال����ع����ت����اب م�����ودة‬ ‫ت����غ����ت����ال أو ص������د ال�������ص�������دود ت���ق���رب‬

‫م������������ل������������ف ال������������ع������������دد‬

‫ب���ي���ن���ي وب����ي����ن����ك أل��������ف واش ينعب‬

‫وأص������وغ ف���ي ش��ف��ة ال����س����راب مالحمي‬

‫ي����ا س����ي����دي! ف����ي ال���ق���ل���ب ج�����رح مثقل‬ ‫ب���ال���ح���ب ي��ل��م��س��ه ال���ح���ن���ي���ن فيسكب‬ ‫ي�����ا س�����ي�����دي! وال����ظ����ل����م غ���ي���ر محبب‬ ‫أم���������ا وق���������د أرض�������������اك ف�����ه�����و محبب‬ ‫س����ت����ق����ال ف����ي����ك ق����ص����ائ����د م�����أج�����ورة‬ ‫ف����ال����م����ادح����ون ال����ج����ائ����ع����ون ت���أه���ب���وا‬ ‫دع�����وى ال�������وداد ت���ج���ول ف����وق شفاههم‬ ‫أم������ا ال����ق����ل����وب ف����ج����ال ف���ي���ه���ا أشعب‬ ‫ال ي����س����ت����وي ق����ل����م ي�����ب�����اع وي����ش����ت����رى‬ ‫وي�������راع�������ة ب��������دم ال����م����ح����اج����ر تكتب‬ ‫أن������ا ش����اع����ر ال����دن����ي����ا ت���ب���ط���ن ظهرها‬ ‫ش������ع������ري ي������ش������رق ع�����ب�����ره�����ا وي�����غ�����رب‬ ‫أن��������ا ش�����اع�����ر األف������ل�����اك ك������ل كليمة‬ ‫م����ن����ي ع����ل����ى ش����ف����ق ال����خ����ل����ود تلهب‬ ‫وللشاعر القصيبي منهجه الواضح في نظم‬ ‫ال�ق�ص�ي��دة‪ ،‬وأغ �ل��ب مواضيعه ال�ت��ي ت ��دور حول‬ ‫اإلره���اص���ات األخ�لاق �ي��ة للمجتمع اإلنساني‬ ‫الحديث‪ ،‬برومانسية وواقعية تكحّ لها شفافية‬ ‫الحداثة‪ ،‬حتى وإن كان في أغلب شعره تقليديا‪.‬‬ ‫وف��ي قصيدة «م��وم�ي��اء» ت��راه يفيض بأسئلة‬ ‫وجودية عن الحب والسحر والموت‪ ،‬وتراه ينبش‬ ‫أل��ف س��ؤال‪ ،‬رغ��م أن اإلج��اب��ات غير مواتية في‬ ‫اللحظة‪ ،‬مؤكدا أن تخلّيه عن إرهاصات الشعر‬

‫اجلوبة ‪ -‬خريف ‪1431‬هـ ‪31‬‬


‫ون��زوات��ه‪ ،‬ك��ان السبب في ضياع ونسيان إلحاح‬ ‫األسئلة واإلجابة‪ ،‬فيقول‪:‬‬

‫ال ت��ع��ج��ب��ي م���ن دم������اءِ ال���ق���ل ِ���ب ن���ازف���ةً‬ ‫مندمال‬ ‫ِ‬ ‫�����ت ال��ق��ل��بَ‬ ‫واس��ت��غ��رب��ي إن رأي ِ‬

‫وأرسلت روحي تعبر هذا الفضاء‬ ‫المرصع بالالنهاية تسأل ما السحر؟‬ ‫ما الحب؟ ما العيش؟ ما الموت؟‬ ‫تسأل تسأل‬ ‫يا أنت! ال تنبشي ألف جرح قديم‬ ‫وألف سؤال عتيق‬ ‫فإني نسيت الضماد‬ ‫نسيت اإلجابات‬ ‫منذ تبرأت من نزوة الشعراء‬ ‫وعدت إلى زمرة األذكياء‬ ‫الذين يخوضون هذي الحياة‬ ‫بدون سؤال‪ ..‬بدون جواب‬

‫***‬ ‫ي���ا أمُّ ! ج����رحُ ال���ه���وى ي��ح��ل��و إذا ذك����رتْ‬ ‫����رض����عُ األَسَ ��ل��ا‬ ‫���ب ي َ‬ ‫روح�����ي م�������رار َة شَ ���ع ٍ‬ ‫ي��ف��دي ال��ص��غ��ا ُر ب��ن��ه��رِ ال�����د ِّم مَ قدسنا‬ ‫ّ����ب ط���رف���ي ال أرى رج��ل�ا؟!‬ ‫م���ال���ي أق����ل ُ‬ ‫أرى ال��ج��م��اه��ي�� َر ل��ك��ن ال أرى ال�����دُ وَال‬ ‫أرى ال���ب���ط���ول���ة ل���ك���ن ال أرى البطال‬ ‫رجعت‬ ‫ْ‬ ‫ال َت��ذك��ري ل��ي ص�ل�ا َح ال��دي��ن ل��و‬ ‫أيَّ������امُ ������ه الرت�����م�����ى ف�����ي ق�����ب�����رهِ خجَ ال‬

‫وفي مالمح قصيدته تبدو أوجاعه اإلنسانية‬ ‫واضحة في تشكّيها ومعاناتها من قيم الغدر‪،‬‬ ‫وتنكّر المعروف‪ ،‬جليّة وواضحة كما في قصيدته‬ ‫التي يقول فيها‪:‬‬ ‫ي������د ُة ال����غ����درِ ف����ي ال���ظ���ل���م���اءِ مُ ختتِ ال‬ ‫����ت أه�����������وا ًال وأف���ج���عُ ���ه���ا‬ ‫ي�����ا أمُّ ع����ان����ي ُ‬ ‫أواج��������هُ ال����رم����حَ ف����ي ص������دري وأن����زع����هُ‬ ‫مس القلبَ أو دخال‬ ‫والرمحُ في الظهرِ ّ‬ ‫������ب ويُ فزِ عُ ني‬ ‫أل���ق���ى ال���كُ ���م���ا َة ب�ل�ا ُرع ٍ‬ ‫ه���ج���رُ ال��ح��ب��ي ِ��ب ال�����ذي أغ��ل��ي��تُ ��هُ فسَ ال‬ ‫األرض قاطبةً‬ ‫ِ‬ ‫���ك ح���س���انَ‬ ‫أش���ك���و إل���ي ِ‬ ‫ع��ش��ق��ت��ه��نّ ف����ك����انَ ال���ع���ش���قُ م����ا قَ���تَ�ل�ا‬ ‫����ان يتركُ هُ‬ ‫وي���ل���ا ُه م����ن ح����رق����ةِ ال����ول����ه ِ‬ ‫��������وق ودّع األم��ل��ا‬ ‫م�����ع ال����ص����ب����اب����ةِ ش ٌ‬ ‫��ك م��ن ال��س��تّ��ي ِ��ن م��ا خَ ضب َْت‬ ‫أش��ك��و إل��ي ِ‬ ‫َ���ص�ل�ا؟!‬ ‫م���ن ل���ي ب��ش��ي ٍ��ب إذا ع��ات��ب��ت��هُ ن َ‬ ‫��س ال��غ��ي��دُ «ي���ا ع���مّ ���ي!» ف���وا أسف ًا‬ ‫ت��ه��ام َ‬ ‫����ت ال����ي����افِ ���� َع ال����غَ����زِ ال‬ ‫أص����ي����رُ ع���مّ ���ا وك����ن ُ‬

‫‪32‬‬

‫اجلوبة ‪ -‬خريف ‪1431‬هـ‬

‫وحتى في إيحاءاته الغزلية فإنه ال يتوانى عن‬ ‫توظيف رؤاه وأسئلته وحيرته الوجودية‪ ،‬فنراه‬ ‫يمتح من معين األلم‪ ،‬فيُغدِ ق في البوح من تأسّ يه‬ ‫وتباريح جراحه‪ ،‬كما في قصيدة «قل لها»‪:‬‬ ‫ق�������ل ل�����ه�����ا إن���������ه ي����ف����ي����ق ع�����ل�����ى ج�����رح‬ ‫وت������غ������ف������و س�����ن�����ي�����ن�����ه ف������������وق ل�����وع�����ه‬ ‫س����ك����ب ال������ده������ر م������ن أس����������اه رح���ي���ق���ا‬ ‫ف�����ت�����ح�����س�����اه ج�������رع�������ة إث�����������ر ج����رع����ه‬ ‫ق��������ل ل������ه������ا إن�����������ه ي�����ه�����ي�����م وأخ������ش������ى‬ ‫أن ت��������واري��������ه رح������ل������ة دون رج����ع����ه‬ ‫والقصيبي ش��اع��ر ع��روب��ي منتم حتى نخاع‬ ‫االن�ت�م��اء‪ ،‬فيهيجه م��ا يحدث ف��ي وطنه العربي‬ ‫من ملمّات ومحن‪ ،‬فيقول في قصيدته «قصيدة‬ ‫برقية عاجلة إلى بلقيس»‪:‬‬ ‫أل�����وم ص��ن��ع��اء ي���ا ب��ل��ق��ي��س أم ع���دن���ا؟!‬ ‫أم أم�����ة ض��ي��ع��ت ف����ي أم���س���ه���ا ي���زن���ا؟!‬ ‫أل����وم ص��ن��ع��اء (ل���و ص��ن��ع��اء تسمعني)!‬ ‫وس����اك����ن����ي ع������دن (ل������و أره�����ف�����ت أذن������ا)‬ ‫وأم��������������ة ع�����ج�����ب�����ا م�������ي���ل���اده�������ا ي���م���ن‬ ‫ك�����م ق���ط���ع���ت ي���م���ن���ا ك�����م م����زق����ت يمنا‬


‫ب��ف��ت��ن��ة ال����وح����دة ال���ح���س���ن���اء مفتتنا‬ ‫ب���ن���ي���ت ص����رح����ا م����ن األوه���������ام أسكنه‬ ‫ف���ك���ان ق���ب���را ن���ت���اج ال�����وه�����م‪ ،‬ال سكنا‬ ‫وص���غ���ت م���ن وه����ج األح���ل��ام ل���ي مدنا‬ ‫وال�����ي�����وم ال وه����ج����ا أرج�������و وال مدنا‬ ‫أل�������وم ن���ف���س���ي ي����ا ب��ل��ق��ي��س أحسبني‬

‫وأن���ت���م م��ع��رض ف���ي أض��ل��ع��ي وض���ن���ا!))‬ ‫ق��ول��ي ل��ه��م‪(( :‬ي����ا رج����اال ض��ي��ع��وا وطنا‬ ‫أم����ا م���ن ام�����رأة ت��س��ت��ن��ق��ذ ال���وط���ن���ا؟!))‬

‫رح��م الله الشاعر العربي الكبير غازي‬ ‫ال��ق��ص��ي��ب��ي‪ ،‬ف��ق��د ك���ان ش��اع��را م��ج��ي��دا في‬

‫م������������ل������������ف ال������������ع������������دد‬

‫أل������وم ن��ف��س��ي ي����ا ب��ل��ق��ي��س ك���ن���ت فتى‬

‫ق��ول��ي ل��ه��م‪(( :‬أن���ت���م ف���ي ن���اظ���ري قذى‬

‫ك��ن��ت ال����ذي ب��اغ��ت ال��ح��س��ن��اء ك��ن��ت أنا! توظيف آالم اإلن��س��ان ال��ع��رب��ي ومكابداته‪,‬‬ ‫فضال عن إسهاماته في األجناس اإلبداعية‬ ‫ب��ل��ق��ي��س! ي��ق��ت��ت��ل األق����ي����ال فانتدبي‬ ‫إل���ي���ه���م ال���ه���ده���د ال����وف����ي ب���م���ا ائتمنا األخرى‪.‬‬

‫ض ال َْقل ِْب‬ ‫ِش ْع ِرية ُم ْب َت ِهجة ِبنَ ْب ِ‬

‫قراءة في قصيدة (يارا‪ ..‬والرحيل) للشاعر غازي القصيبي‬ ‫> أحمد الدمناتي‪ -‬املغرب‬ ‫طقوس الكتابة عند الشاعر غازي القصيبي محروسة بلغة شعرية‬ ‫طازجة‪ ،‬تعزف على وتر االنتماء واالحتفاء بالحياة‪ ،‬مسكونة بالنداء‬ ‫الداخلي الحار الذي تُعلنه القصيدة مبتهجة بأكوان تخييلية إبداعية‪،‬‬ ‫اتخذت من الشعر تجربة ورؤيا‪ ،‬حيث الذات الشاعرة تسكن اللغة‪،‬‬ ‫وتتجذر بعمق في سؤال كينونتها‪.‬‬ ‫يصعب ج��دا أن أق��وم بقراءة نقدية حول‬ ‫قصائد الشاعر القصيبي‪ ،‬هل أتناول النص‬ ‫الشعري أم اإلن��س��ان‪ .‬كالهما وجهان لجرح‬ ‫واحد‪ ،‬يحفر صمته قلقا واغترابا واندهاشا‪.‬‬ ‫ألن قصائده قريبة مني كظلي‪ ،‬ويصعب الحديث‬ ‫عن ظلك وأنت المشرع على اتجاهات عذراء‪،‬‬ ‫تعلن عن عبورك تحت سقف المرايا‪ ،‬بخطيئة‬ ‫غبطة شاعر مجنون‪ ،‬يسكن غربته اإلبداعية‬ ‫حتى النخاع‪ ،‬متأبطا كعادته قصائده الطازجة‬ ‫في القلب‪ ،‬ومسوداته المختلفة في ركن قصي‬ ‫من الذاكرة‪.‬‬

‫منذ حوالي أكثر من عقدين من الزمن‪ ..‬من‬ ‫خالل مجموعاته الشعرية (قطرات من ظمأ)‪،‬‬ ‫(معركة ب�لا راي���ة)‪( ،‬أب��ي��ات غ���زل)‪( ،‬العودة‬ ‫إلى األماكن القديمة)‪( ،‬ورود على عقد من‬ ‫الحجاره)‪( ،‬أنت الرياض)‪( ...‬الحمى)‪ ..‬الخ‪.‬‬

‫ضفائر مفتوحة على ألق الكتابة كاختيار‬ ‫وج������ودي آم����ن ب���ه وداف������ع ع���ن���ه‪ ،‬ل���ه نمطه‬ ‫الشعري والكتابي الخاص ال��ذي يشبهه في‬ ‫قلقه وطيبوبته‪ ..‬وجنونه أيضا‪ .‬له حرائقه‬ ‫اإلبداعية األليفة‪ ،‬ينهض من رم��اده كطائر‬ ‫الفنيق‪ ..‬ليجدد رحلته وأسفاره الشعرية نحو‬ ‫غازي القصيبي شاعر متميز كما عرفته أقاصي القلب وفداحة النسيان‪.‬‬

‫اجلوبة ‪ -‬خريف ‪1431‬هـ ‪33‬‬


‫ق��ص��ي��دة (ي�����ارا‪ ..‬وال��رح��ي��ل)‪ ..‬تحفر في‬

‫تضاريس الذاكرة مجراها الجمالي‪ ،‬وفرادتها‬

‫الخاصة بشفافية الحلم األنيق‪ ،‬والتلصص‬

‫الفاتن على ع��راء ال��ذات ورجفة النفس‪ .‬ال‬

‫تعتمد الومضة القصيرة‪ ،‬الخاطفة في التأثير‬ ‫على المتلقي‪ ،‬بل تتعداها إلى حالة الكتابة‬ ‫الشعرية كتجربة وجودية‪ ،‬وكينونة متوحشة‪.‬‬

‫والشعر بوصفه رؤية للعالم والذات والكون‪.‬‬

‫نتجسس على عوالم الشاعر من خالل هذه‬

‫القصيدة الرائعة‪ ،‬يقول الراحل في قصيدته‬ ‫العميقة الراقية ذات البعد اإلنساني الرحب‪:‬‬

‫أب��������ي! أال ت���ص���ح���ب���ن���ا؟ إن���ن���ي‬ ‫أود أن ت���ص���ح���ب���ن���ا‪ ..‬ي�����ا أب���ي‬ ‫وان����ط����ل����ق����ت م�����ن ف���م���ه���ا آه����ة‬ ‫حطت على الجرح‪ ..‬ولم تذهب‬ ‫وأوم�����ض�����ت ف����ي ع��ي��ن��ه��ا دمعة‬ ‫م��ال��ت على ال��خ��د‪ ..‬ول��م تسكب‬ ‫وع���ات���ب���ت���ن���ي‪-‬ك���ب���رت دم���ي���ت���ي‪-‬‬ ‫وه���ي ال��ت��ي م���ن ق��ب��ل ل���م تعتب‬ ‫«أه�������ك�������ذا ت����ه����ج����رن����ا ي������ا أب����ي‬ ‫ل���زح���م���ة ال���ش���غ���ل وللمكتب؟»‬ ‫***‬ ‫ي��ا أجمل ال��ح��ل��وات‪ ..‬ي��ا واحتي‬

‫ي��������ود‪ -‬ل������وال ال����ك����ب����ر‪ -‬ل�����و أن���ه‬ ‫أج��ه��ش ل��م��ا غ���ب���ت‪ ..‬ال تذهبي‬ ‫***‬ ‫يا أجمل ال��ح��ل��وات‪ ..‬يا فرحتي‬ ‫يا نشوتي الخضراء‪ ..‬يا كوكبي‬ ‫أب������وك ف����ي ال��م��ك��ت��ب ل���م���ا يزل‬ ‫ي��ه��ف��و إل����ى ال��ط��ي��ب واألط���ي���ب‬ ‫ي��ص��ن��ع ح���ل���م���ا‪ :‬خ���ي���ر أحالمه‬ ‫أن يسعد األط��ف��ال ف��ي الملعب‬ ‫م����ن أج�����ل «ي���������ارا» ورفيقاتها‬ ‫أول�����ع ب���ال���ش���غ���ل‪ ..‬ف�ل�ا تغضبي‬ ‫إنها سيرة شعرية يختلط فيها السرد بالشعر‪،‬‬

‫مكثفة في خصوبة متخيلها‪ ،‬والمخاطب له‬ ‫في القلب كما في الروح المكانة الغالية‪ ،‬ابنة‬

‫الشاعر ي��ارا التي أشعلت في رجفة النفس‬

‫والروح حرارة تجربة القصيدة المحملة بعبق‬ ‫الحنان‪ ،‬وعاطفة األبوة الشامخة‪ ،‬العظيمة‪،‬‬

‫الحنونة؛ عتاب شفيف لالبنة‪ ،‬واعتذار رقيق‬ ‫م��ن األب‪ .‬ال��ق��ص��ي��دة تنضح ب��م��اء مُتخيلها‬

‫وش��ع��ري��ت��ه��ا‪ ،‬ف��ي م���اء ال��ل��غ��ة تنبت الخصوبة‬ ‫القصوى‪ ،‬وهي تؤسس شروط جماليتها‪ .‬ألن‬ ‫(الشعر بإتاحته وسيلة التعبير الفني عن ما‬

‫يختلج في نفس الشاعر‪ ،‬يحقق كل مهمته‪.‬‬

‫ع��ب��ر ص��ح��اري ال��ظ��م��أ الملهب قد يجلب الشعر للشاعر صيتا طائرا‪ ،‬وقد‬ ‫يحمل ذكرا كان من الممكن أن يكون نابها‪ .‬قد‬ ‫أب�����وك م���ذ أظ���ل���م ف��ج��ر النوى‬

‫ي��ع��ي��ش ب��ي��ن ال���ص���ل والعقرب ينفعه وقد يضره‪ ،‬ولكن هذا كله ال عالقة له‬ ‫بجوهر المسألة‪ ،‬وهو أن الشعر حقق وظيفته‬ ‫يضحك‪ ..‬لو تدرين كم ضحكة‬ ‫تنبع م��ن ق��ل��ب األس���ى المتعب بالنسبة للشاعر عندما أت��اح له أن يخاطب‬ ‫ي��ل��ع��ب‪ ..‬واألح�������زان ف���ي نفسه‬ ‫ك��ح��ش��رج��ات ال���م���وت ل���م تلعب‬

‫‪34‬‬

‫اجلوبة ‪ -‬خريف ‪1431‬هـ‬

‫الناس شعرا)(‪.)15‬‬

‫قصيدة (ي��ارا‪ ...‬والرحيل) تجربة شعرية‬


‫مع ابنته يارا في الحضور والغياب‪ ،‬فيها من‬

‫الحنين الباذخ ما يجعل اللغة الشعرية تفضح‬ ‫عاطفة األبوة‪ ..‬وهي تُبرر‪ ،‬وتُوضح‪ .‬لكن تعلق‬

‫االبنة باألب يجعلها تشتاق لمصاحبته‪:‬‬ ‫أب��������ي! أال ت���ص���ح���ب���ن���ا؟ إن���ن���ي‬

‫إنها شعرية مبتهجة بنبض القلب‪ ،‬حيث‬

‫يارا في نفس الشاعر كما في الكتابة والحياة‬

‫أج��م��ل ال��ج��م��ي�لات‪ .‬وم��ن��ادات��ه��ا ب(واحتي)‪،‬‬ ‫(نشوتي الخضراء)‪ ،‬تحيل رمزيا ودالليا على‬

‫الخصوبة والنماء والعطاء والحياة المستمرة‬

‫م������������ل������������ف ال������������ع������������دد‬

‫عميقة‪ ،‬حية‪ ،‬تستند لمرجعية عالقة األب يا نشوتي الخضراء‪ ..‬يا كوكبي‪) ...‬‬

‫أود أن ت���ص���ح���ب���ن���ا‪ ..‬ي�����ا أب���ي المتجددة‪ .‬تجربة إبداعية وإنسانية عميقة‪،‬‬ ‫تكرار فعل المضارع (تصحبنا) مرتين‪..‬‬

‫ورسالة بالبريد المضمون من كل أب البنته‬

‫دليل على الحاجة الماسة لحنانه وعاطفته في العالم بمختلف اللغات‪ .‬وم��ن ثم تحقق‬ ‫النبيلة‪ ،‬وبخاصة أن األفعال المضارعة غالبا ه��ذه القصيدة كونيتها ال��رم��زي��ة‪ ،‬وسلطتها‬

‫ما ترمز للديمومة والتجدد‪ .‬قصيدة (يارا‪ ...‬الفعلية على ك��ل ال��ح��واس المستيقظة في‬ ‫وال���رح���ي���ل) م��س��ك��ون��ة ب��ال��ت��ق��اط التفاصيل‪ ،‬أعماق اإلن��س��ان‪ ،‬وعلى كل ال��ذوات المتلقية‬ ‫واح��ت��ض��ان ال��ج��زئ��ي��ات ال��ص��غ��ي��رة ب��ي��ن األب الظمآنة لمثل ه��ذا الشعر النبيل الجميل‪.‬‬ ‫وابنته‪ ،‬بيُتمها‪ ،‬وقلقها‪ ،‬وانخطافها‪ ،‬انخراطها و(ي��رب��ط الشعر ق��ارئ��ه بالتجربة اإلنسانية‬ ‫الواعي في مساءلة هوية قيمة األبوة بوصفه للبشر أجمعين‪ .‬إن ال��ش��اع��ر الحقيقي هو‬

‫مسكنا آمنا يَ��عِ � ُد بخصوبة الحنان والراحة‬ ‫والطيبوبة‪.‬‬

‫الذي يستطيع أن يحوّل تجربته الفردية إلى‬

‫موقف إنساني‪ :‬حبيبة الشاعر تصبح حبيبة‬

‫وطنا صغيرا يبنيه الشاعر غازي القصيبي كل إنسان‪ ،‬وألم الشاعر يصبح ألم كل إنسان‪.‬‬ ‫بالكلمات‪ ،‬لتجد الذات الشاعرة أمل سعادتها وه��ك��ذا ي��ص��ب��ح ال���ق���ارئ ج����زءا م��ن التجربة‬ ‫الهاربة‪ ،‬واالحتفاء بفرحها ولو وقتيا‪ .‬لغة حنان اإلنسانية التي تحدث عنها الشاعر)(‪.)16‬‬

‫فيها مسحة م��ن عاطفة مجنحة‪ ،‬مشتعلة‪،‬‬

‫ه��ك��ذا‪ ،‬سافرنا ف��ي ليل س���ؤال القصيدة‬

‫مضمرة في الدهاليز القصية للروح والذاكرة‪،‬‬

‫م��ع ش��ع��ري��ة م��ف��ت��وح��ة ع��ل��ى ال�����روح‪ ،‬أنصتت‬

‫القصيدة بالذات أشبه بطفل حكيم يعترف‬

‫إنها شعرية تُراهن على ح��واس مدربة على‬

‫لكن لغة الشعر بما هي موقف ورؤية للذات لتنهدات القلب ودقاته حين يخاطب اإلبنة‬ ‫والعالم تفضحها‪ .‬غ��ازي القصيبي في هذه يارا بلغة طرية‪ ،‬وصادقة‪ ،‬ومفعمة بالحنان‪.‬‬ ‫بهدوء‪ ،‬دون خجل‪ .‬تفضحه لغته قبل عاطفته‪،‬‬

‫وذاك هو سر القصيدة العظيمة العارية من‬ ‫الزيف واالدعاء‪.‬‬

‫(يا أجمل الحلوات‪ ..‬يا واحتي‪،‬‬

‫التجسس والتلصص على أيقونات الجمال‪،‬‬ ‫داخل كينونة تجربة الشعر واللغة والقصيدة‬

‫بما هي‪ ،‬هجرة حقيقية في الفلوات الرحيبة‬ ‫وال��رح��ي��م��ة ل��ل��ذات اإلن��س��ان��ي��ة ف��ي عالقتها‬

‫يا أجمل الحلوات‪ ..‬يا فرحتي‪ ،‬بالمعنى واإلنسان والكون أيضا‪.‬‬

‫اجلوبة ‪ -‬خريف ‪1431‬هـ ‪35‬‬


‫حروف من النار والنور‬ ‫قراءة في قصيدة عروس الجليل لغازي القصيبي‬ ‫> د‪ /‬خالد فهمي‪-‬مصر‬

‫(‪)1‬‬ ‫يوشك المتأمل لمسيرة الشعراء العرب المعاصرين على اختالف‬ ‫أطيافهم‪ ،‬وتنوع انتماءاتهم‪ ،‬أن يخرج بحقيقة مؤداها أن خدمة قضية‬ ‫فلسطين كانت شغلهم الشاغل‪..‬‬ ‫ولستَ تشك لحظة في ذلك ال��ذي طفر في بعضا من الروح العربية اإلسالمية التي سكنت‬ ‫مفتتح ه��ذه ال��ورق��ة‪ ،‬وال سيما إذا ما زاحمتك شعر الراحل الكريم‪.‬‬ ‫أصوات محمود درويش‪ ،‬ومحمود مفلح‪ ،‬ونازك‬ ‫جاءت القصيدة بموضوعها ومعجمها وبنائها‬ ‫ال �م�لائ �ك��ة‪ ،‬وأح� �م ��د م� �ح ��رم‪ ،‬وم �ح �م��ود حسن المعاصر لتؤكد عمق البناء الفكري المنتمي‬ ‫إس�م��اع�ي��ل‪ ،‬وع�ب��دال��رح�م��ن ال�ع�ش�م��اوى وغازي لشاعرنا‪.‬‬ ‫القصيبي وغيرهم‪.‬‬ ‫ت �ص��ور ال �ق �ص �ي��دة ب��وح��ي م��ن ش��ه��ادة آيات‬ ‫ويمثل رحيل غازي القصيبي (‪2010-1940‬م) األخ��رس موضوعا ظاهر ال��دالل��ة على تكوينه‬ ‫عن دنيانا فرصة إلعادة فحص منجز جيل كامل الثقافي‪ ،‬وموقعه العملي الراصد ألمراض الواقع‬ ‫من الشعراء العرب المعاصرين في تعاطيهم مع ال�ع��رب��ي ف��ي م�س�ت��وى بعينه‪ ،‬ال ��ذي أح �س��ن في‬ ‫قضية ال��وج��ود العربي المعاصر ال�ك�ب��رى‪ ،‬في تعريته‪ ،‬وكشف مخازيه‪.‬‬ ‫أصعب لحظة ترفع الفتة االنكسار والضياع‪،‬‬ ‫وتتنازع القصيدة قائمتان‪ ،‬إحداهما لألفعال‬ ‫مرت على تاريخ العرب المعاصرين‪.‬‬ ‫المضارعة التي تستحضر صورة النور الذي جلل‬ ‫ف �غ��ازي عبدالرحمن القصيبي اب��ن مرحلة مشهد الشهيدة‪ ،‬ليفرض نفسه‪ ،‬وليظلل بسلطانه‪،‬‬ ‫تفتّح وعيه فيها على قصيدة الضياع‪ ،‬فكانت وحضوره الطاغي بدءًا من مطلع القصيدة‪:‬‬ ‫أول إدراك��ات هذه الحقبة التي ملكت على من‬ ‫ي���ش���ه���د ال����ل����ه أن����ك����م ش����ه����داء‬ ‫نعتهم التاريخ فيما بعد وسمّاهم جيل الستينيات‪،‬‬ ‫ي���ش���ه���د األن����ب����ي����اء واألول�����ي�����اء‬ ‫وهم يدلفون نحو شبابهم بعد أن طعنت طفولتهم‬ ‫وهو األمر الذي يستمر مع نهايات القصيدة‪:‬‬ ‫بسكين القدس سنة ‪1948‬م!‬ ‫تلثم الموت وهى تضحك بشرا‬

‫(‪)2‬‬

‫وم����ن ال���م���وت ي��ه��رب الزعماء‪.‬‬

‫وت��أت��ى ق �ص �ي��دة غ� ��ازي ال�ق�ص�ي�ب��ي (ع ��روس‬ ‫ولعل في هذا االستحضار عبر معجم الفعل‬ ‫الجليل) التي نظمها ف��ي الشابة الفلسطينية‬ ‫ال�م�ض��ارع‪ ..‬م��ا يعيد النظر ف��ي مسألة عنوان‬ ‫الشهيدة (آي��ات األخ��رس) عام ‪2002‬م‪ ،‬لتعكس‬

‫‪36‬‬

‫اجلوبة ‪ -‬خريف ‪1431‬هـ‬


‫ومن جهة أخ��رى تعلو نسبة استعمال الفعل‬ ‫الماضي عند تصوير حالة السقوط والخزي‬ ‫ال��ذي صبغ الوجوه العربية الخائنة‪ ،‬والعاجزة‪،‬‬ ‫ويعلو صوت القصيدة عندما يعم هذا االستعمال‪،‬‬ ‫وتغطى كل الشرائح المقابلة لقائمة الشهداء‬ ‫المجللين بالفخار والعزة‪.‬‬ ‫أيها القوم نحن متنا فهيا‬ ‫ن��س��م��ع م���ا ي��ق��ول ف��ي��ن��ا الرثاء‬ ‫قد عجزنا حتى شكا العجز منا‬

‫م������������ل������������ف ال������������ع������������دد‬

‫الرثاء الذي رفع منذ زمن‪ ،‬وأطلق على مثل هذا‬ ‫النوع من القصيدة؛ فالقصيدة هنا روح أعلى من‬ ‫روح الرثاء والفقد‪.‬‬

‫الحكيم الذي سكن غير بيت من القصيدة‪ ..‬مالمح‬ ‫من النار والنور معا‪ ،‬مالمح من نار الغضب على‬ ‫ما حل بالقدس‪ ،‬ومالمح من نار الغضب الالزم‬ ‫الفتكاكها‪ ،‬متعانقة مع قناديل النور الذي يشع من‬ ‫الحق الظاهر في صف اإلس�لام والعروبة على‬ ‫هذه األرض‪ ،‬وأنت واجد هذه النار وهذا النور‬ ‫معا في مثل‪:‬‬ ‫حين يدعو الجهاد يصمت حبر‬ ‫وي����������راع وال����ك����ت����ب وال���ف���ق���ه���اء‬ ‫ويقول كذلك‪:‬‬ ‫حين يدعو الجهاد ال استفتاء‬ ‫ال��ف��ت��اوى ي���وم ال��ج��ه��اد الدماء‬

‫ففى هذين البيتين يسطع نور من الحكمة‪ ،‬هي‬ ‫وب��ك��ي��ن��ا ح��ت��ى ازدران��������ا البكاء‬ ‫بنت بارة لثقافة أصيلة للشاعر الراحل‪ ،‬انسربت‬ ‫ورك����ع����ن����ا ح���ت���ى اش�����م�����أز رك�����وع‬ ‫ورج��ون��ا حتى اس��ت��غ��اث الرجاء إليه من أرض طالما روت شعراءها أنهار الحكمة‬ ‫خالل مسيرة طويلة جدا‪ ،‬كان لإلسالم فيها أثر‬ ‫واستمرت هذه القائمة استمرارًا باعثا على‬ ‫ظاهر في تشكيلها‪.‬‬ ‫تفجير اآلالم‪ ،‬مستفزا لنخوة الرجال في عبارات‬ ‫(‪)4‬‬ ‫م��ن م�ث��ل‪( :‬و ش�ك��ون��ا‪ /‬ولثمنا ح��ذاء‪/‬أن �ف��ت أن‬ ‫تضمنا الغبراء)‪.‬‬ ‫وفي ملمح مهم من مالمح عصرية القصيدة‬ ‫وفي المرات القليلة التي جاءت فيها األفعال‬ ‫الماضية مسندة إلى آيات‪ ،‬كانت لتحقيق اليقين‬ ‫في ج�لال مآلها‪ ،‬متعانقة في الوقت نفسه مع‬ ‫بعض األفعال المضارعة‪ ،‬لتدل على استمرار‬ ‫النعيم الذي حازته في مثل قوله‪:‬‬ ‫ف��ت��ح��ت ب�����اب ال���ج���ن���ان وحيت‬

‫في شعر غازي القصيبي‪ ،‬في هذا النموذج الذي‬ ‫ندلل به على انتماء الشاعر لعروبته وإسالمه‪،‬‬ ‫يتجلى استثماره لتقنية توظيف الشخصيات التي‬ ‫توزعت على عمودين يتنافران ويتضادان ظاهرا‪،‬‬ ‫وي�ت��آزران ويتعاضدان في بنية القصيدة عمقا‬ ‫وباطنا‪.‬‬

‫تظهر الشخصيات الدينية (األنبياء‪/‬األولياء‪/‬‬ ‫وت����ل����ق����ت����ك ف�����اط�����م ال������زه������راء‬ ‫فاطمة ال��زه��راء) لترقى بجالل الشهيدة؛ بما‬ ‫(‪)3‬‬ ‫تحصله من ه��ذه ال��رم��وز‪ ،‬بما تراكم حولها من‬ ‫وقد كان طبيعيا أن ترتفع في القصيدة‪ ،‬وهذا نور وج�لال‪ ،‬وبريق‪ ،‬وإيمان يحقق لصورة آيات‬ ‫موضوعها نسبة ما يسمى بصوت الحكمة‪.‬‬ ‫األخرس في الوجدان المعاصر المتلقي للقصيدة‬ ‫وصحيح كذلك أن نرى من وراء هذا الصوت أعلى مستوى من مستويات القبول والفخار‪.‬‬

‫اجلوبة ‪ -‬خريف ‪1431‬هـ ‪37‬‬


‫وف� ��ي ال��ج��ان��ب اآلخ � ��ر ت �ظ �ه��ر رم � ��وز الشر (ي� �ه ��رب‪ /‬ال �م �ج��رم‪/‬ي �خ �ص��ي ال �ف �ح��ول‪/‬ت �ض��ج‪/‬‬ ‫(طواغيت بيت أبيض‪/‬شارون) ليحقق من ورائها طواغيت‪/‬الظلماء‪/‬الغبراء‪/‬انتحرنا‪/‬أموات‪/‬‬ ‫فضح ممارسات ضارة بالقضية‪.‬‬ ‫اشمأز) لتصنع نفورا مقصودا من أرباب التنكر‬

‫وحول هذين النوِ عين من الشخصيات تدور للقضية الذين ركنوا لصف التفريط فيها‪.‬‬ ‫قوائم من معجمين يتعاوران على البنية الفكرية‬ ‫في قصيدة غازي القصيبي عن آيات األخرس‬ ‫ف��ي ال �ق �ص �ي��دة؛ ح�ي��ث ي���دور م�ع�ج��م ذو مالمح‬ ‫عالمات عروبة ظاهرة‪ ،‬سكنت معجم الشاعر‪،‬‬ ‫رومانسية (وج��دان�ي��ة) م��ن مثل (ش�ه��داء‪/‬رب��ى‪/‬‬ ‫وتعاطت مع قضاياها الكبرى‪ .‬وف��ى القصيدة‬ ‫ربوع‪/‬اإلسراء‪/‬عروس‪/‬البكاء‪/‬الرثاء‪/‬العوالي‪/‬‬ ‫كذلك عالمات إسالم تصبغ حقا بصاحب قضية‬ ‫الفداء‪/‬الحسن‪/‬الحسناء‪/‬الجنان)‪ ..‬وهى جميعا‬ ‫تطمح للشعور بجالل القضية‪ ،‬والشعور بجالل لن تنتصر بغير صوت الجهاد‪.‬‬ ‫المنصفين والمضحين من أجلها‪ ،‬والطموح نحو‬ ‫ك��ان غ��ازي القصيبي فيما أب��دع��ه م��ن شعر‬ ‫االرتباط بها وبهم معا‪.‬‬ ‫حول القدس وفلسطين يغرف حروفه من النار‬ ‫وف��ي ال�ج��ان��ب اآلخ ��ر‪ ،‬تظهر م �ف��ردات مثل‪ :‬والنور‪.‬‬

‫غازي القصيبي روائيا‬ ‫> سميرأحمد الشريف‪-‬األردن‬

‫رحم الله ف��ارس الكلمة والموقف‪ ،‬االستثنائي ال��ذي جمع المواهب‪،‬‬ ‫صاحب الحضور الذي ترك بصمة واضحة على عمله وكتاباته ومواقفه‬ ‫الحياتية‪ ،‬العلم الفرد في حياتنا الثقافية‪ ،‬صاحب الحضور الجميل والمقنع‬ ‫والموجع في تاريخنا األدبي‪.‬‬ ‫فتح في الرواية أبوابا ظلت مغلقة‪ ..‬وتجاوزت المألوف والعادي في‬ ‫طرحه وتناوله‪ ،‬وحفر في الواقع االجتماعي والفكري والسياسي‪ ،‬وترك‬ ‫في كتاباته روحا مرحة وأسلوبا ساخرا جميال‪.‬‬

‫عميقا لمداواة ج��راح أمته‪ ..‬كاشفا معاناتها‪..‬‬ ‫مضيئا مشاعل نهضتها‪.‬‬

‫غازي القصيبي‪ ،‬الرجل الذي جمع رجاال في‬ ‫شخصه وفكره وخلقه‪ ،‬ومجموعة مبدعين فيما‬ ‫ك��ان رائ��دا وجريئا في ال��رواي��ة على مستوى‬ ‫ألفه وأص��دره‪ ،‬فكان له مذاقه الخاص سياسيا المضمون واألسلوب‪ ،‬متجاوزا للمسكوت عنه‪،‬‬ ‫لنفس روائي جديد‬ ‫ٍ‬ ‫وشاعرا وروائيا‪ ،‬جريئا في طرحه‪ ،‬عميقا في ويحسب له إضافته النوعية‬ ‫تناوله‪ ،‬حامال آمال أمته وهمومها‪.‬‬ ‫في الساحة الروائية السعودية لم تكن من قبل‪.‬‬ ‫يحار ال�م��رء وه��و يتملى سيرة ال��رج��ل الذي‬ ‫محطة القصيبي اإلبداعية ستتوقف عندها‬ ‫شهد له المقربون بالمودة واإلنسانية؛ لم تشغله األج��ي��ال وال���دراس���ات‪ ،‬ف��رغ��م ت �ن��وع مضامينه‬ ‫المناصب‪ ،‬ولم تأخذه بهرجة األضواء‪ ،‬ظل يحفر وعمقها‪ ،‬لم يكن جاف األسلوب‪ ..‬متقعر اللغة‪..‬‬

‫‪38‬‬

‫اجلوبة ‪ -‬خريف ‪1431‬هـ‬


‫مؤلفات القصيبي التي تركها‬ ‫ودي�ع��ة لمن ب�ع��ده‪ ،‬سيقف التاريخ‬ ‫األدب � ��ي وال��ف��ك��ري م �ع �ه��ا طويال‪،‬‬ ‫لما تعكسه من موسوعية الرجل‪،‬‬ ‫وتعدد إبداعاته التي لم تكن واحدة‬ ‫فيها على حساب اآلخ��ر‪ ..‬بل ظل‬ ‫متوهجا فيها جميعا‪.‬‬ ‫ك �ك��ل األق� �ل��ام والشخصيات‬ ‫ال �ج��ادة ال�م�م�ي��زة‪ ،‬ك��ان القصيبي‬ ‫مختلفا‪ ..‬فاختلفت حوله اآلراء‪،‬‬ ‫وتنوعت القراءات‪ ،‬وثار حول بعض‬ ‫كتاباته الجدل‪ ،‬خصوصا الروائي‬ ‫منها‪ ،‬لدرجة أن تم التحفظ على‬ ‫توزيعها وحظر تداولها‪ ،‬لكن خطوة‬ ‫وزارة ال�ث�ق��اف��ة األخ��ي��رة بإفساح‬ ‫تداول كتابات الرجل أثلج الصدور‪،‬‬ ‫وس ��جّ ��ل ن �ق �ط��ة ل �ص��ال��ح الحرية‬ ‫واإلبداع‪.‬‬

‫م� ��زج ال �ك��ات��ب ف ��ي رواي� �ت ��ه بين‬ ‫لهجات كثيرة‪ ،‬منتقدا عقدة الخواجا‬ ‫ل��دى أه��ل ال�ف�ك��ر وال�ق�ل��م والثقافة‬ ‫والنخب‪ ،‬متناوال قضايا السلطة‪.‬‬

‫م������������ل������������ف ال������������ع������������دد‬

‫م �غ��رق ال��رم��زي��ة؛ ب��ل تجللت لغته‬ ‫بالسهل الممتنع‪ ،‬والسخرية الناقدة‬ ‫الجارحة ح ّد األلم‪.‬‬

‫بطل ال��رواي��ة‪ ،‬بروفيسور يسرد‬ ‫تاريخ األمة في جلسة عالج نفسي‪..‬‬ ‫ل�ت�ن�ت�ه��ي ال ��رواي ��ة ب �ج �ن��ون الطبيب‬ ‫ال �م �ع��ال��ج (س �م �ي��ر ث ��اب ��ت) وه���روب‬ ‫البطل‪.‬‬

‫إنها رواي��ة الكابوس والصدمة‪..‬‬ ‫وال�م��وس��وع��ة الثقافية ال�ت��ي تشهد‬ ‫ل �ل��رج��ل ال � ��ذي أت � ��اح ل �م��ري �ض��ه أن‬ ‫ي�ع�ي��د ت��رت�ي��ب األوض � ��اع السياسية‬ ‫واالقتصادية لمجموع األمة‪.‬‬ ‫يظهر زمان الرواية متسلسال مع‬ ‫توظيف واض��ح لتقنية االسترجاع‪،‬‬ ‫أما المكان فجاء مغلقا‪ /‬مستشفى‪/‬‬ ‫وراو خارجي‪.‬‬ ‫ٍ‬ ‫رواي �ت��ه (ش�ق��ة ال �ح��ري��ة)‪ ..‬مثلت‬ ‫هي األخرى خطوة أخرى في جرأة‬ ‫الكاتب‪ ،‬ومساحة التعبير الحر‪ ،‬في‬ ‫تناوله لموضوعه‪.‬‬

‫أص� � ��در ال �ق �ص �ي �ب��ي ف� ��ي مجال‬ ‫اإلب ��داع ال��روائ��ي الكثير مثل‪ :‬س�ع��ادة السفير‪/‬‬ ‫تحكي ال��رواي��ة قصة ف��ؤاد ويعقوب وقاسم‬ ‫سلمى‪ /‬دنسكو‪ /‬سبعة‪ /‬أب��وش�لاخ البرمائي‪/‬‬ ‫حكاية حب‪ /‬الجنية‪ /‬لكن روايتيه (شقة الحرية ونشأت وعبد ال��رؤوف وعبد الكريم وماجد ‪-‬‬ ‫والعصفورية) هما ما يلفت في مسيرة الرجل أصحاب وزم�لاء في الجامعة‪ -‬بعد مضي سنة‬ ‫ال��روائ�ي��ة‪ ،‬فنيا ومضمونا وج ��رأة‪ ،‬فكان فيهما من وجودهم في مصر للدراسة‪.‬‬ ‫واضح الرؤية والرؤيا‪.‬‬ ‫ق ��رروا االج �ت �م��اع ف��ي ش�ق��ة ق��رب ال�ج��ام�ع��ة ً‬ ‫رواي��ت��ه ذائ �ع��ة ال�ص�ي��ت (ال �ع �ص �ف��وري��ة) نص ليمارسوا حرياتهم‪ ،‬في زمن ث��ورات وانقالبات‬ ‫نقدي ماتع‪ ،‬يستعرض أحوال العالم العربستانيّ وأح� � ��زاب‪ ،‬وأف� �ك ��ار وم �ع �ت �ق��دات‪ ،‬اج�ت�م�ع��ت في‬ ‫بأسلوب كوميدي س��وداوي‪ ،‬متوحدا مع المتنبي زم��ن واح��د ف��ي مكان واح��د‪ ،‬وك � ٌل منهم تحزب‬ ‫بطريقته‪.‬‬ ‫الذي أطلق عليه مسمى (أبو حسيد)‪.‬‬

‫اجلوبة ‪ -‬خريف ‪1431‬هـ ‪39‬‬


‫ال ي �خ �ل��و ال� �ن ��ص م ��ن ح � ��وارات‬ ‫ساخنة س��اخ��رةً‪ ،‬وم��واق��ف تاريخية‬ ‫مؤثّرة طريفة‪.‬‬ ‫تجيب ال��رواي��ة على تساؤالت‪،‬‬ ‫وتثير الكثير منها‪ ،‬وق��د استخدم‬ ‫المؤلف في بداية كل فصل بيتا من‬ ‫شعر المتنبي‪.‬‬ ‫رواي��ة (س�ع��ادة السفير) تكشف عن أالعيب‬ ‫الدبلوماسية وده��ال�ي��زه��ا‪ ،‬فتُظهر ه��ذا العالم‬ ‫كريها بشعا بما يختزله من ح��وارات وكوالسات‬ ‫وعالقات تبتعد في مجملها عن الوجه اإلنساني‪،‬‬ ‫متخذا المؤلف من الرمزية أسلوبا يكشف فظاعة‬ ‫الواقع الدبلوماسي وخفاياه المرعبة‪.‬‬

‫مشاهير العالم‪ ،‬وحفّره في أسرار‬ ‫مضت‪ ،‬وأحداث وقعت‪ ،‬وأناس كان‬ ‫لهم ف��ي حياته ح �ض��ور‪ ،‬متجاوزا‬ ‫الخطوط الحمراء بتوظيف أسلوبه‬ ‫الساخر‪.‬‬ ‫(الجنية) حكاية تعود بالقارئ‬ ‫لخطابات أل��ف ليلة وخياالتها‪..‬‬ ‫وإن أل �ب��س ال �م��ؤل��ف ح�ك��اي�ت��ه ثوب‬ ‫المعاصرة‪ ،‬فقد ظلت تحتفظ بالغرائبي‪ ،‬كزواج‬ ‫اإلنسيّ من الجنية‪ ،‬عبر سرد مشوّق آسر‪ ..‬ظهر‬ ‫فيه حس الكاتب البحثي عن عوالم الجن‪ ،‬بدأ‬ ‫المؤلف فصول روايته بشعر إبراهيم ناجي‪.‬‬ ‫(س�ل�م��ى) شخصية رئ�ي�س��ة منحها المؤلف‬ ‫بطولة النص المطلق‪ ،‬فحملت هموم الحاضر‬ ‫العربي‪ ،‬مسجّ لة أخطاء ماضيه‪ ..‬آملة العودة‬ ‫لذلك الماضي الذي صار شبيها بالحلم‪.‬‬

‫رواي��ة (سبعة)‪ ..‬ترسم ص��ورة الواقع المرير‬ ‫من خالل رحلة لجزيرة أسطورية‪ ..‬مع مجموعة‬ ‫مختارة من أبناء األم��ة العربستانية‪ ،‬محرضا‬ ‫تتنقل سلمى بين الماضي والحاضر‪ ،‬متوقفة‬ ‫المؤلف فيها على أهمية النهوض م��ن الغفوة‬ ‫وضرورته‪ ،‬وتوجيه السؤال الجارح ألنفسنا عن مع عبدالناصر وأيام العرب في األندلس وعصر‬ ‫ال��واق��ع ال �م��زري ال��ذي أوج��د تلك الشخصيات المتنبي وس�ق��وط ب �غ��داد‪ ،‬ف��ي تشابك بديع مع‬ ‫التي كشفت ال��رواي��ة ع��ري�ه��ا‪ ..‬بعد أن سقطت السياسة والفن والوجدان‪ ،‬عبر مذياع سلمى‪.‬‬ ‫في االمتحان‪ ،‬تساوى في السقوط‪ :‬الصحفي‬ ‫رواي ��ة سلمى تتألف م��ن ح�ك��اي��ات تاريخية‬ ‫وال �س �ي��اس��ي وال �ش��اع��ر وال�ف�ي�ل�س��وف والطبيب تمتد عبر مساحة جغرافية وزمنية واسعة‪..‬‬ ‫والفلكي الذين جاءت نهاياتهم مضحكة مبكية‪ .‬فيها إيغال بأعماق التاريخ‪ ،‬ب��دءاً من حطين‪..‬‬ ‫رواي��ة (أب��و شالخ البرمائي) نحلّق فيها عبر وانتها ًء بمجازر فلسطين‪ .‬تختلف الحكايات عن‬ ‫أج��واء التاريخ والجغرافيا والفكر‪ ،‬بتعريج على بعضها‪ ..‬وإن جمعها الحاضر متمثلة بسلمى‪،‬‬ ‫قضايا السياسة واالج�ت�م��اع والثقافة والفكر‪ ،‬المرأة التي تأخذ من مرارة أمتها زادا‪ ،‬فتضحي‬ ‫متعمقا ف��ي قضايا ال��وج��ود التي تشتبك فيها بعمرها لترقى أمتها‪ ،‬لتمثل ال��روح التي حملت‬ ‫حيوات شخوصه‪ ،‬بتلقائية وحرية ال تعقيد فيها‪ ،‬إشعاع اإليمان ونشر الفضيلة‪.‬‬ ‫محمّال آراءه وأفكاره لبطل الرواية‪ ،‬مناقشا ما‬ ‫تسيطر على لغة ال��رواي��ة خطابات تاريخية‬ ‫يعتلج في نفسه من هموم وغربة ومقابالت مع وسياسية مع وجود بعض التكرار‪.‬‬

‫‪40‬‬

‫اجلوبة ‪ -‬خريف ‪1431‬هـ‬


‫> د‪ .‬سناء الشعالن‪ -‬األردن‬

‫رواية «شقّة الحريّة» لفقيد األدب الدكتور غازي القصيبي‪ ،‬هي رواية‬ ‫عالمة في الرّواية السّ عوديّة والعربية أيضاً‪ ،‬فهي تقدّم تجربة جمعيّة‬ ‫للواقع العربي إ ّب��ان فترة الخمسينيات والسّ تينيات من القرن الماضي‪،‬‬ ‫من منظار رمزي يجسّ د العواصف الفكريّة والسياسية واالجتماعيّة‪ ،‬التي‬ ‫ال على أنّها تقدّم بناء مثاالً‬ ‫عصفت باألمّة العربية إبّان تلك الفترة‪ ،‬فض ً‬ ‫ال ومضموناً‪ ،‬والمتجاوزة لكثير من‬ ‫على الرّوايّة السّ عوديّة النّاضجة شك ً‬ ‫التابوات‪ ،‬فقد فتحت الباب أمام الكتابات الروائيّة السّ عوديّة الجديدة‪.‬‬ ‫رواي��ة «ش� ّق��ة ال�ح��ر ّي��ة» ال �ص��ادرة ف��ي طبعتها‬ ‫األولى عام ‪1994‬م‪ ،‬والتي تحوّلت فيما بعد إلى‬ ‫عمل تلفزيوني‪ ..‬أثارت الكثير من الجدل حولها‪،‬‬ ‫كما فتحت الباب على كثير من التأويالت‪ ،‬وأ ّياً‬ ‫كانت ال�ت��أوي�لات‪ ،‬فجميعها ت��ؤول بنا إل��ى أنّنا‬ ‫أمام تجربة روائيّة أولى تجهر بأنّنا أمام روائي‬ ‫علاّ مة‪ ،‬فتح الباب بجرأة على كثير من القضايا‬ ‫التي كانت موضوع تحرّج وحساسية وسكوت‪.‬‬ ‫ولنا أن نقول إنّنا نرى في هذه الرّواية بنية‬ ‫الرّمز التي تحمل الرّواية كلّها على بنية تأويل أنّ‬ ‫شقّة الحريّة ليست إ ّال لوحة فنيّة‪ ،‬فيها ما فيها‬ ‫من التّجريب واالنعتاق من ضوابط المدارس‬ ‫التقليديّة في سبيل رسم صورة للواقع العربيّ ‪،‬‬ ‫ولألمّة العربيّة إبّان الفترة الزمنيّة الممتدة بين‬ ‫‪1961-1956‬م‪ ،‬وم��ن ه��ذا المنطلق ف��إن هذه‬ ‫ال �رّوا ّي��ة ه��ي إس�ق��اط لتجربة ال�ف��رد على واقع‬ ‫الجماعة؛ إذ ما يحدث معه انبثاق‬ ‫عن هذه التجربة الجمعيّة‪.‬‬ ‫الرّواية تتحدّث في محورها العام‬ ‫السّ طحي والمباشر عن قصة أربعة‬ ‫أصدقاء بحرينيين‪ ..‬جاءوا للدّراسة‬ ‫الجامعيّة األولى في القاهرة‪ ،‬التي‬ ‫ك��ان��ت ف��ي ت�ل��ك ال�ف�ت��رة قبلة العلم‬ ‫ومنارته في الوطن العربي(‪ ،)14‬ويتفق‬

‫م������������ل������������ف ال������������ع������������دد‬

‫«شقّ ة الحرّ ية» الرّ واية الرّ مز‬

‫أول�ئ��ك األص��دق��اء على أن يتساكنوا ف��ي شقّة‬ ‫لا يستأجرون شقة تكون حاضنة‬ ‫واح ��دة‪ ،‬وف�ع� ً‬ ‫لهم على امتداد سنوات دراستهم‪ ،‬حيث يعاينون‬ ‫عدداً عمالقاً من التجارب واألحداث والمصائر‪،‬‬ ‫إلى أن ينتهي بهم الحال إلى أن يكملوا دراستهم‬ ‫الجامعيّة األول ��ى‪ ،‬وي�ش��رع��ون يسيرون ك��لٌّ في‬ ‫طريقه في هذه الحياة‪.‬‬

‫البداية الرّ مز‬ ‫ت �ب��دأ أح� ��داث ال� �رّواي ��ة ع�ن��دم��ا ي��ذه��ب بطل‬ ‫الرّواية الطالب البحريني الشيعي «فؤاد الطّ ارف»‬ ‫لدراسة التوجيهية في القاهرة‪ ،‬تمهيداً للدراسة‬ ‫ف��ي إح��دى جامعاتها‪ ،‬وه�ن��اك يقابل بعد بحث‬ ‫قصير أصدقاءه أيام الدّراسة‪ ،‬وهم بحرينيون‪،‬‬ ‫وق��د سبقوه في الوصول إل��ى القاهرة بأسابيع‬ ‫قليلة‪ ،‬ويغدو هدفهم جميعاً أن يحصلوا على‬ ‫شهادات جامعيّة‪ ،‬وعلى عالقات مع‬ ‫فتيات‪.‬‬ ‫والقصيبي يختار أن تبدأ روايته‬ ‫إ ّب ��ان ذل��ك ال �م��دّ ال�ق��وم��ي العمالق‬ ‫الذي تزعّ مه آنذاك الزّعيم المصري‬ ‫ال��رّاح��ل ج �م��ال ع �ب��دال � ّن��اص��ر‪ .‬في‬ ‫ذلك الوقت كانت األزم��ان مرهونة‬ ‫ب��األح�لام واآلم ��ال وأف �ك��ار الحريّة‬

‫اجلوبة ‪ -‬خريف ‪1431‬هـ ‪41‬‬


‫واإلخ��اء والرّخاء المزعومة‪ ،‬التي زرعها القادة‬ ‫في دنيا األوهام‪ ،‬وأقنعوا بها الشّ عوب الطّ امحة‬ ‫�ص��دم��ة‪ ،‬وكان‬ ‫ل�غ� ٍ�د يحمل ال�ج��دي��د‪ ،‬ث��م ك��ان��ت ال� ّ‬ ‫الخذالن‪.‬‬ ‫قدم فؤاد الطارف إلى القاهرة‪ ،‬وهو يحمل‬ ‫ف��ي ص ��دره ص ��ورة ج�م��ال ع�ب��دال�ن��اص��ر‪ ..‬شأنه‬ ‫ش��أن ك��ل ّط�ل�اب البحرين‪ ،‬وش�ب��اب ال�ع��رب في‬ ‫تلك الفترة‪ ،‬حيث كانوا يرون فيه المخلّص الذي‬ ‫سيقود األم��ة نحو عصرها ال� ّذه�ب��ي الجديد‪.‬‬ ‫وهي ذات الفترة التي شهدت الوحدة الوطنيّة‬ ‫بين سوريا ومصر‪ ..‬في دولة عربية كبرى‪ ،‬تحمل‬ ‫بذور الوحدة العربية العمالقة‪ ،‬وفي تلك الفترة‬ ‫تضخّ م الحلم العربي‪ ،‬وبات حلم االنتصار على‬ ‫الصهيوني‪ ،‬وتحرير فلسطين قريباً‪ ،‬يراود‬ ‫العدو ّ‬ ‫األفكار‪ ،‬ويداعب األمنيات‪.‬‬ ‫وهذه الفترة هي المفتاح الذي يقدّمه القصيبي‬ ‫لفهم ما كان قبلها وفيها وبعدها‪ ،‬من تداعيات‬ ‫وظ��روف وتحديّات عمالقة‪ ،‬انتهت بدمار أمل‬ ‫الوحدة‪ ،‬واالنفصال النهائي بين سوريا ومصر‪.‬‬ ‫ولذلك اختار القصيبي هذه الفترة لتكون بداية‬ ‫روايته‪ ،‬بما تحمل من إرهاصات وتفسيرات لك ّل‬ ‫ما حدث ويحدث‪ ،‬هناك في القاهرة‪ ،‬أو هنا في‬ ‫أيّ بلد عربيّ ‪.‬‬

‫‪42‬‬

‫التي جاءوا من أجلها(‪ .)15‬وال شكّ أنّ هذا االسم‬ ‫مخصبة ب��ال�دّالالت‪ ،‬فهو من ناحية‪..‬‬ ‫ّ‬ ‫له رمزيّة‬ ‫يعبّر عن رغبة األفراد في البحث عن ذواتهم‪..‬‬ ‫بعيداً عن القوالب الجاهزة التي أعدّ ها المجتمع‬ ‫لهم‪ ،‬كما أ ّن��ه يفضح تلك األوه��ام التي تتجسّ د‬ ‫فيها الحريّة عند بعض الشباب‪ ،‬فاألصدقاء‬ ‫يعتقدون بداية أنّ الحريّة قد تتمثل في ممارسة‬ ‫ك � ّل م��ا يشتهون م��ن م�م��ارس��ة ال�ج�ن��س‪ ،‬وشرب‬ ‫الخمر‪ ،‬والمخدرات‪ ،‬واعتناق األفكار اإلباحيّة‪،‬‬ ‫واالنضمام إلى لواء األحزاب السياسية‪.‬‬ ‫لكنّهم يكتشفون في نهاية المطاف أنّ الحرّية‬ ‫الحقيقيّة تكمن في اح�ت��رام القواعد‪ ،‬ودراسة‬ ‫المعطيات‪ ،‬وتحصين النّفس بالقيم والرؤى‪ ،‬ال في‬ ‫ممارسة ك ّل السلوكيات بحيوانيّة وشهوانيّة ودون‬ ‫ضوابط‪ ،‬بل إنّ «شقّة الحريّة» تشرع تلفظ ك ّل‬ ‫من يجنح إلى الفساد بحجة الحرية‪ ،‬فاألصدقاء‬ ‫يرفضون فساد يعقوب‪ ،‬وي�ه��ددون ب�ط��رده‪ ،‬كما‬ ‫يرفضون أوهام عبدالكريم‪ ،‬واستسالمه ألفكار‬ ‫األرواح والتواصل معهم‪ .‬وبذلك يكتسب اسم‬ ‫ال��شّ �ق��ة المعنى وض � �دّه‪ ،‬ف�ت�ت�ح�وّل دالل ��ة «شقّة‬ ‫الحرّية» من اإلباحيّة والبوهيميّة إلى المطالبة‬ ‫بتحقيق القيم اإلنسانيّة العليا من حرية وإخاء‬ ‫والتزام‪.‬‬

‫والضديّ ة‬ ‫ّ‬ ‫االسم الرّ مز‪/‬الحقيقة‬

‫التجارب الرّ مزية في حياة األصدقاء‬

‫يقرّر بطل الرّواية فؤاد الطّ ارف وأصدقاؤه أن‬ ‫ينتقلوا من شقة خيرية التي اختارها لهم األستاذ‬ ‫شريف‪ ..‬الذي كان يقوم برعايتهم بتوصية من‬ ‫آبائهم‪ ،‬إلى شقة أخرى بحجة واهية‪ ،‬كي يحصلوا‬ ‫على الحرية الكاملة‪ ،‬في شقة بعيدة عن مراقبة‬ ‫األستاذ شريف‪ ،‬وعن محرّمات خيرية‪ ،‬ويفلحون‬ ‫في إقناع األستاذ شريف بقرارهم‪ ،‬وينتقلون إلى‬ ‫الشّ قة المنشودة رقم (‪ )6‬في الدّور الثالث‪ ،‬في‬ ‫منتصف ش��ارع ال ��درّي‪ ،‬ويسمّون شقتهم باسم‬ ‫«شقّة الحرّية»‪ ،‬ألنّهم سيمارسون فيها حريتهم‬

‫ي �م � ّر ك� � ّل األص ��دق ��اء ال�ق��اط�ن�ي��ن ف��ي « شق ّة‬ ‫الحريّة» وأصدقاؤهم الذين يتعرّفون عليهم في‬ ‫تجربتهم الدّراسيّة والمعيشيّة في القاهرة‪ ،‬بجملة‬ ‫من التّجارب التي تقود زمام أقدارهم وأفكارهم‬ ‫وآرائهم‪ ،‬وهذه التجارب تعُاين على أنّها تجارب‬ ‫فرديّة ذاتيّة‪ ،‬هذا هو المستوى السّ طحيّ الذي‬ ‫يقدّمه غازي القصيبي‪ ،‬ولكنّه يومئ بذكاء إلى أنّ‬ ‫هذه التجربة ليست تجربة بطل فرد من أبطال‬ ‫روايته‪ ،‬بل هي تجربة قطاع عمالق من الشباب‬ ‫العربي ف��ي تلك ال�ف�ت��رة‪ ،‬ول��ذل��ك يطعّم روايته‬

‫اجلوبة ‪ -‬خريف ‪1431‬هـ‬


‫ب��األح��داث السّ ياسيّة واالج�ت�م��اع� ّي��ة والفكريّة‬ ‫والصغيرة التي‬ ‫ّ‬ ‫والدّينيّة‪ ،‬والتّفاصيل الدقيقة‬ ‫تسمح ل��ه ب��أن ينقل إلينا م�لام��ح حقبة كاملة‬ ‫ف��ي ت��اري��خ األم ��ة‪ ،‬ولعلّها ه��ي الحقبة األخطر‬ ‫في نظره‪-‬في التاريخ المعاصر لألمة‪ ،‬ولذلك‬‫اختار أن يجعلها مسرحاً ألحداث روايته‪ ،‬السيما‬ ‫أنّه كان في تلك الفترة يعاين المشهد عن كثب‬ ‫وهو يعيش في القاهرة‪ ،‬وإن كان يذكر صراحة‬ ‫وب��وض��وح‪ ..‬إنّ ك� ّل ما ورد في ال��رواي��ة هو نسج‬ ‫خيال (مقدمة الرواية)‪ ،‬ويرفض ضمناً أن يغمز‬ ‫ولكنّه يبقى مشتّتاً ال يجيد أن يقيم تصالحاً‬ ‫بأنّ هذه الرّواية هي سيرته الشخصيّة‪ ،‬إ ّال أنّه‬ ‫بين اإلسالم واألفكار القومية التي يتفكّر فيها‪،‬‬ ‫يفتح ال��رواي��ة بهذا الشّ كل على فكرة ال� ّرم��ز ال‬ ‫بعد أن كفر بالبعثية‪ ،‬وع��اي��ن حركة القوميين‬ ‫التأريخ الجامد‪ ،‬فهذه الرواية إن لم تكن حكاية‬ ‫العرب التي حاولت أن تستميله‪ ،‬وف��ي النّهاية‬ ‫تاريخيّة ألبطال حقيقيين عاينوا تجربة واقعية‪،‬‬ ‫يؤمن بكفره باألحزاب ديناً جديداً‪ ،‬ويمزّق آخر‬ ‫فهي إذاً رواي��ة رمز لك ّل الجيل العربي في تلك‬ ‫الفترة في ك ّل عاصمة‪ ،‬وفي ك ّل بلد عربيّ ‪ ،‬وفي ورق��ة تربطه بحركة القوميين العرب‪ ،‬ويسافر‬ ‫مختلف ال��ظّ ��روف‪ ،‬تحت ق��اس��م مشترك‪ ،‬وهو إل��ى أمريكا ليكمل دراسته العليا في الحقوق‪،‬‬ ‫وليتابع مسيرته في اكتشاف نفسه وفي اكتشاف‬ ‫المحنة والتحدّي واألزمة‪ ،‬والطّ ريق المجهول‪.‬‬ ‫اآلخرين‪.‬‬

‫األديب الحالم‬

‫بطل الرّواية فؤاد الطّ ارف هو من أسرة شيعيّة‬ ‫بحرينيّة‪ ،‬والده تاجر مجوهرات متوسّ ط الحال‪،‬‬ ‫وفكره يراوح بين االعتدال والثورة من حين إلى‬ ‫آخر على قوى االستالب والظّ لم‪ ،‬ويملك موهبة‬ ‫قصصية‪ ،‬عاينها في كتابة القصص القصيرة‬ ‫والمقاالت في صحف بالده منذ كان في المرحلة‬ ‫المدرسيّة‪.‬‬

‫م������������ل������������ف ال������������ع������������دد‬

‫والنّجوميّة‪ ،‬ثم يخوض تجربة إشباع الجسد مع‬ ‫مديحة مظهر رشوان الثريّة المطلّقة‪ ،‬ثم يعيش‬ ‫تجربة العشق مع ليلى الخزيني الشاعرة الكويتية‬ ‫المتحرّرة‪ ،‬وفي النّهاية يسلمه الفشل في الحبّ‬ ‫المرّة تلو األخرى‪ ،‬إلى أن يجسّ د معاناته وأفكاره‬ ‫في األدب‪ ،‬فيكتب مجموعة قصصيّة بالشّ راكة‬ ‫م��ع صديقة ع �ب��دال��رؤوف‪ ،‬فتالقي المجموعة‬ ‫النجاح‪ ،‬متيحة له أن يتعرّف على أشهر أدباء‬ ‫ومفكري ونقّاد مصر في تلك الفترة‪.‬‬

‫ويقدّم القصيبي تجربة فؤاد الطّ ارف مطعّمة‬ ‫بالقصة وفن الرّسالة‪ ،‬فكثيراً ما تبدأ األحداث‬ ‫تخصه بقصة من قصصه‪ ،‬كذلك كثيراً ما‬ ‫ّ‬ ‫التي‬ ‫تتمخّ ض تجربته أو معاناته النفسيّة عن قصة‬ ‫ال عن تلك‬ ‫ينشرها في مجموعته القصصية‪ ،‬فض ً‬ ‫الرسائل الفنّية الرفيعة التي كان يتبادلها مع‪:‬‬ ‫سعاد وزّان‪ ،‬وشاهيناز شاكر‪ ،‬وليلى الخريتي‪.‬‬

‫المحافظ المقهور‬

‫يأتي إلى القاهرة‪ ،‬وهاجسه أن يتعرّف على‬ ‫عبد الكريم‪ ..‬ينحدر من أسرة شيعية دينية‬ ‫فتاة‪ ،‬ويستطيع أن يفعل ذلك بصعوبة بعد عام‬ ‫كامل وب��ال�ص� ّدف��ة‪ ،‬فيحبّ سعاد وزّان الطالبة عريقة‪ ،‬تربيته الدينية جعلته يميل إلى المسالمة‬ ‫ال��سّ ��ور ّي��ة‪ ،‬وم��ع أوّل قبلة معها ي��دخ��ل الحزب والهدوء‪ ،‬إ ّال أنّها أعطته رغبة كامنة في التمرّد‬ ‫البعثي إرض��اء لها‪ ،‬ثم ينسحب من حزبها ومن والعصيان‪ ،‬ولذلك صمّم على دراسة القانون على‬ ‫حبّها‪ ،‬ثم يعيش قصة حبّ جارفة من طرف واحد الرّغم من معارضة وال��ده ألن ي��درس القوانين‬ ‫مع شاهيناز شاكر المصرية‪ ..‬الشّ قراء الحسناء‪ ،‬الوضعية التي يرفضها‪ ،‬ويتمسّ ك في مقابلها‬ ‫ولكنّها تتخلّى عنه ركضاً وراء حلمها في الغناء بالقوانين السّ ماويّة‪.‬‬

‫اجلوبة ‪ -‬خريف ‪1431‬هـ ‪43‬‬


‫ثم عودته للدراسة في القاهرة بوساطة أصدقاء‬ ‫شخصيين لجمال عبدالناصر‪ ،‬ثم يجد نفسه‬ ‫أم��ام حقيقة الثورة ألجل الثورة‪ ،‬والتمرّد ألجل‬ ‫التمرّد‪ ،‬وال شيء يتغيّر حقيقة في الحياة‪.‬‬

‫وه��و أسير أف�ك��ار أس��رت��ه الشيعيّة‪ ،‬كما هو‬ ‫أسير قراراتها ورغباتها‪ .‬يقع في عشق زميلته‬ ‫المصريّة السنّية فريدة‪ ،‬وعندما يقّرر الزّواج‬ ‫منها‪ ،‬ترفض أسرته ذلك؛ ألنّها سنيّة مصريّة‪،‬‬ ‫وتصمّم على أن يتزوّج من ابنة خاله البحرينية‬ ‫البرجوازي االستغاللي‬ ‫الشيعيّة‪ .‬يحاول أن يتمرّد على تقاليد أسرته‪،‬‬ ‫في حين أنّ قاسم هو نقيض يعقوب‪ ،‬يعيش‬ ‫ول �ك��ن ت �خ��ذل��ه ف ��ري ��دة ع �ن��دم��ا ت� �ت ��زوج بضغط‬ ‫م��ن أس��رت�ه��ا م��ن رج��ل عسكري م �ص��ري‪ ،‬فيقع حياة الثراء والرّفاهية‪ ،‬فهو من أسرة تنتمي إلى‬ ‫فريسة المرض الجسدي والنفسي‪ ،‬ثم ينزلق البورجوازيين الجدد‪ ،‬إذ انتهى المطاف بأبيه‪،‬‬ ‫في التجارب الجسدية الجنسية‪ ،‬وأخيراً يعشق الرّجل العامل الفقير‪ ،‬ليصبح مليونيراً كبيراً‪،‬‬ ‫ريري بائعة الهوى‪ ،‬ويكاد يتزوّجها‪ ،‬لكن الموت وهو يرى العالم ينقسم حتم ّياً إلى فقراء وأغنياء‪،‬‬ ‫يخطفها منه بعد انفجار زائدتها الدّوديّة‪ ،‬ويعود وليس م��ن ح��ق أح��د أن ي�ح��اول أن يحتال على‬ ‫من جديد أسيراً ألزماته النفسيّة‪ ،‬ولضغوطاته هذا التقسيم‪ ،‬أو أن يحاول تغييره بغية اإلصالح‬ ‫العاطفيّة إلى أن يتمرّد على أسرته من جديد‪ ،‬وإحقاق العدل والمساواة اإلنسانيّة األصل في‬ ‫وي �ت��زوّج حبيبته ف��ري��دة التي تعود إليه بعد أن الوجود(‪.)17‬‬ ‫طلّقها زوجها الذي كان يستعبدها‪.‬‬ ‫وأهدافه في الحياة تتلخّ ص في تحقيق المال‬ ‫والحصول على ال� ّن�س��اء‪ ،‬وال تعنيه أيّ تجارب‬ ‫الثائر دائم ًا‬ ‫بشريّة‪ ،‬أو قضايا وطنيّة أو قوميّة أو حزبيّة‪ ،‬وك ّل‬ ‫أ ّم��ا ي�ع�ق��وب‪ ..‬فهو ينحدر م��ن عائلة فقيرة‬ ‫ما يكدّره مشكلة عجزه الجنسي الذي يتخلّص‬ ‫عانت الكثير في البداية‪ ،‬ولذلك فقد شحنه هذا‬ ‫منه أخيرا‪ ً ،‬بعد أن يم ّر بتجارب متباينة‪ ،‬ابتداء‬ ‫الفقر‪ ،‬وهذه المعاناة بطاقة عمالقة من الغضب‬ ‫من العالقة مع بائعات الهوى‪ ،‬وانتهاء بالعالقات‬ ‫والثورة والرّغبة العارمة في نسف المجتمع كلّه‪،‬‬ ‫الغريبة مثل العالقة مع األم وابنتها‪.‬‬ ‫وكان إلى جانب ذلك مثقفاً‪ ،‬ال يم ّل القراءة‪ ،‬وال‬ ‫النّ هاية الرّ مز‬ ‫يم ّل اعتناق المذاهب واآلراء واالتجاهات بحماس‬ ‫وانحياز إليها‪ ،‬حتى يتركها إلى غيرها(‪.)16‬‬ ‫وتنتهي الرّواية بتحطّ م آمال العرب بالوحدة‪،‬‬

‫وهو يخلص لفعل الثورة والتمرّد والعصيان‬ ‫في ك� ّل ال��رواي��ة‪ ،‬فيدرس علم االجتماع‪ ،‬ليفهم‬ ‫منظومة الشّ عوب‪ ،‬ويتبرّع ليكون في المقاومة‬ ‫الشعبية المصريّة‪ ،‬في مواجهة العدوان الثالثي‬ ‫على مصر‪ ،‬ثم يتحوّل إلى ثائر بنظرية‪ ،‬فيعتنق‬ ‫الماركسية الفرودية‪ ،‬ثم يصبح وجودياً‪ ،‬فيغرق‬ ‫في الملذات والجنس والمخدرات حتى يصاب‬ ‫بمرض السيالن‪ ،‬فيغيّر من منهجه‪ ،‬ونهاية يصبح‬ ‫شيوعياً ثائراً على الماركسية‪ ،‬وينتهي األمر به‬ ‫في السّ جن‪ ،‬ثم الطّ رد من القاهرة والبحرين‪،‬‬

‫‪44‬‬

‫اجلوبة ‪ -‬خريف ‪1431‬هـ‬

‫إذ ينهار االتحاد بين سوريا ومصر‪ ،‬ويذعن جمال‬ ‫عبدالنّاصر لهذا االنفصال‪ ،‬ويُصدم فؤاد بهذه‬ ‫التغيرات التي حطمت آماله في الحريّة والقوة‪،‬‬ ‫كما حطّ مت صورة جمال عبدالنّاصر في عينيه‪،‬‬ ‫ويسافر إلى أمريكا لمتابعة دراسته‪ ،‬ويمزّق آخر‬ ‫ورق��ة يملكها ع��ن ح��رك��ة القوميين ال �ع��رب في‬ ‫إش��ارة رم��ز ّي��ة واضحة إل��ى أ ّن��ه قد تنكّر تماماً‬ ‫لفكرة األحزاب بعد أن اكتشف زيفها وتهافتها‪،‬‬ ‫وح�لّ��ق ف��ي البعيد نحو أف��ق ج��دي��د‪ ..‬لعلّه يجد‬ ‫نفسه وحقيقته فيه(‪.)18‬‬


‫قراءة في ديو ان «حديقة الغروب»‬ ‫للشاعر المبدع‪ :‬د‪ .‬غازي بن عبدالرحمن القصيبي‬ ‫> موسى البدري ‪ -‬السعودية‬ ‫سبحان الله القائل‪( :‬ث ّم جعل من بعد قوةٍ ضعفاً وشيبة)(‪.)19‬‬

‫م������������ل������������ف ال������������ع������������دد‬

‫أزمة الصداقة في مرحلة الشيوخة‬

‫ولست الوحيد الذي يخشى الهرم من قبل أن أرى الشعرات البيضاء ومن‬ ‫ُ‬ ‫بعد‪ ..‬ولكن اخلــدشة األولى في جسد السيارة اجلـديدة أش ّد وأنـكى‪ .‬وأ ّما‬ ‫اخلدشة التي أتت بعد خدشات‪ ..‬فهي أقل وقعاً‪ ،‬وإن كانت أعـظم أثـراً‪ .‬وفي‬ ‫اجلب‪ ،‬وأعوذ بك من‬ ‫احلديث‪( :‬اللهم إني أعوذ بك من البخل‪ ،‬وأعوذ بك من‬ ‫نْ‬ ‫أن أر ّد إلى أرذل العمر‪ ،‬وأعوذ بك من فتنة الدنيا وعذاب القبر)(‪.)20‬‬

‫وك��ان شاعرنا ‪-‬رحمه الله‪ -‬شديد املراقبة ما هــي الشيخوخة؟ وملاذا نخشى من عتباتها؟‬

‫لسني عمره التي تدنو به من الشيخوخة‪ ..‬فله‬ ‫وقفات عند األربعني‪ ،‬حني يقول‪..‬‬

‫قد تكون الشيخوخة في املفهوم العام‪ :‬مرحلة‬

‫سن اخلمسني أو‬ ‫عمرية محددة‪ ،‬رمبا تبدأ من ِ ّ‬ ‫سن الستني فما فوق‪ .‬ولهذه املرحلة صفات‬ ‫من ِ ّ‬

‫األربعين‬ ‫ِ‬ ‫وها أنا ذا‪ ..‬أمام‬ ‫ي�����ك�����اد ي�������ؤودن�������ي ح����م����ل ال����س����ن����ي����ن ِ‬

‫دال��ة قسرية ال مناص منها‪ ،‬كتغضن البشرة‪،‬‬ ‫وكثرة األمراض واحتالل املزمن منها كالسكري‬

‫�����ط‬ ‫ت������م������ ّر ال�������ذك�������ري�������ات رؤى ش�����ري ٍ‬ ‫������ون‬ ‫ت�������ل�������وّن ب�����ال�����م�����ب�����اه�����ج وال������ش������ج ِ‬

‫وال�ض�غ��ط وغ�ي��ره�م��ا‪ ،‬ضعف ال �ق��وى (الهرم)‪..‬‬

‫���ف ح�����زي�����ن ‪.‬‬ ‫ه���ف���ت ع��ي��ن��ي إل�����ى ط���ي ٍ‬

‫إلى انحناء الظهر وآالم الركبتني‪ ،‬وربمّ ا العجز‬ ‫شبه التام أو التام‪ ...‬إلى غير ذلك‪.‬‬

‫�����ف س���ع���ي ٍ���د‬ ‫�����ت ف������ي ط�����ي ٍ‬ ‫إذا م������ا غ�����ب ُ‬ ‫(‪)21‬‬

‫وف� � � � � � � � � � � � � ��ي ال � � � � �خ � � � � �م � � � � �س � � � � �ي� � � � ��ن‪،‬‬ ‫����������أوك ق�����ب�����ل ل����ق����ان����ا‬ ‫ِ‬ ‫أ َو م��������ا أن����������ب‬

‫الشعر األشمـط أو األبيض‪ ،‬وقـد يتمادى األمر‬

‫وهناك صفات نفسية أو خلقية(‪ :)24‬كضيق‬

‫غضب سريعٍ وقلة‬ ‫أن�����ن�����ي ف������ي أص������اب������ع ال���خ���م���س���ي���ن���ا؟! الصدر ورمبا سوء اخللق‪ ،‬من‬ ‫ٍ‬ ‫ت����أخ����ذ ال��������روح م����ن ع�����روق�����ي‪ ..‬حين ًا‬ ‫صبر ٍ ورمبا فتور شديد في املشاعر وتفاعلها‪،‬‬ ‫وت ـ ـ ــر ّد العـ ــروق وال���روحَ‪ ..‬حين ـ ـ ـ ـ ــا‬

‫(‪)22‬‬

‫الستني‪ ..‬وه��و في ه��ذا ال��دي��وان جن��ده يقف‬ ‫عند الـ ‪:65‬‬

‫الشديد‪...‬‬

‫وي�ب��دأ الشيخ ف��ي االن �ط��واء لقلة األصدقاء‬

‫���س وس���ت���ون ف���ي أج���ف���ان إع���ص���ار ِ‬ ‫خ���م ٌ‬ ‫أم��ا سئمت ارت��ح��اال ً أيّ��ه��ا الساري؟‬

‫خاصة أم��ام مثيرات الفرح الشديد أو احلزْن‬

‫(‪)23‬‬

‫وقبل أن أمخر في عباب هــذا الديوان أتساءل‪:‬‬

‫والز ّوار‪..‬‬

‫والقصة ال تبدأ ما بني ليلة وضحاها‪ ،‬وإمنا‬

‫تبتدئ منذ دخ��ول امل��رء معترك احلياة والسعي‬

‫اجلوبة ‪ -‬خريف ‪1431‬هـ ‪45‬‬


‫أو كما قال اآلخر‪:‬‬ ‫لتحقيق األه��داف املعهودة‪ :‬عمل‪ ،‬زواج‪ ،‬أبناء‪،‬‬ ‫�������م�������ه�������ن ف����إن����ه‬ ‫تربية‪ ،‬م�ن��زل‪ ،‬س�ي��ارة‪ ،‬استقالل األب �ن��اء‪ ،‬مكانة وإذا دع��������ون��������ك ع ّ َ‬ ‫������ب ي�������زي�������دك ع�����ن�����ده�����ن خ����ب����اال‬ ‫ن������س ٌ‬ ‫اجتماعية‪ ...‬تقاعد‪ ..‬ال يوجد هدف إضافي=‬

‫اس�ت��رخ��اء وتهيئة للخروج م��ن ال��دن�ي��ا‪ ،‬كتقاعد‬ ‫ويعيش ذلك الكهل أمنية ً تزيده حسرة ً على‬ ‫أخير!!‬ ‫حسرة(‪:)27‬‬ ‫بقيت‬ ‫ْ‬ ‫والصحب؟ أين رف��اق العمْ ر؟ هل‬ ‫ُ‬ ‫لم يبق في العمْ ر شيءٌ غير ماضيه‬ ‫(‪)25‬‬ ‫س�������وى ث����م����ال����ة أيّ����������ام ٍ وت���������ذك���������ارِ‬ ‫����ي ال��ص��ب��ا ال���ريّ���ان ردي���هِ‬ ‫ردّي إل ّ َ‬ ‫ح��س��ن��اً‪ ،‬ح �ق��ق امل � ��رء أه���داف���ه أو معظم‬ ‫وأم ��ا ش��اع��رن��ا فيخوض أش �ع��اراً ف��ري��دة في‬

‫أهدافه‪ ..‬وحان أن يستريح أو يستج ّم‪ ...‬فإذا‬ ‫قامت‬ ‫الزوجة ال تعبأ ألنها ‪ -‬كما تعتقد‪ -‬قد‬ ‫ْ‬

‫بكامل وظيفتها‪ ،‬مبجرد اعتماد األب�ن��اء على‬

‫استغنت عن الكهل‬ ‫أنفسهم‪ .‬واحلقيقة أنها‬ ‫ْ‬ ‫بوجود أبناء يطيعونها ويجيبون مطالبها‪ .‬ما‬ ‫لها ولهذا الكهل الذي كان عبئاَ يُحتمل وأمسى‬ ‫عبئاً ال يُحتمل‪ ...‬يلتفت ذلك الكهل‪ ..‬يريد أن‬ ‫يجدد نشاطه أو على األقل يستمتع مبا بقي‬

‫من وقته؛ فيجد أن الفتيات لم يعدن يجدن‬

‫فيه إال ما يجدن في آبائهن وأعمامهن وربمّ ا‬ ‫أجدادهن‪..‬‬ ‫نظرت إلى المرآة إذ جليت‬ ‫ُ‬ ‫إني‬ ‫ف������أن������ك������رتْ م����ق����ل����ت����اي ك������ل م������ا رأت������ا‬ ‫����ت أع���رف���ه‬ ‫���������ت ف���ي���ه���ا ش���ي���خ��� ًا ل����س ُ‬ ‫رأي ُ‬ ‫����ت أع������رف ف��ي��ه��ا ق���ب���ل ذاك فتى‬ ‫وك����ن ُ‬ ‫���ت أي�����ن ال������ذي م����ث����واه ك�����ان هنا؟‬ ‫ف���ق���ل ُ‬ ‫���رح���ل ع��ن ه���ذا ال��م��ك��ان؟ متى؟‬ ‫م��ت��ى ت ّ َ‬

‫منظومة داناته املعهودة(‪:)28‬‬ ‫أك���ت���ـّ���م ف����ي األض���ل���اع م����ا ل����و ن���ش���رت���ه ُ‬ ‫��ج��ب ِ��ت األوج�������اع م��ن��ي وم����ن صبري‬ ‫ت��ع ّ‬ ‫ويشمت بي حتى على الموت طغمة ويرتجز‬ ‫ُ‬ ‫غ���دتْ ف��ي زم���ان ال��م��ك��ر أس��ط��ورة المكر‬ ‫وي����رت����ج����ز األع�������������داء‪ ..‬ه������ذا برمحه‬ ‫���ف ح������ده ن����اق����ع ال���ح���ب���ر ِ‬ ‫وه�������ذا ب���س���ي ٍ‬ ‫ل��ح��ا ال��ل��ه ق��وم�� ًا ص�����وّروا ش��رع��ة الهدى‬ ‫����ر‬ ‫أذن��������� ًا ب���ب���غ���ض���اء وح�����ج����� ًا إل������ى ال����ش ِ ّ‬ ‫رب ال���ع���ال���م���ي���ن بفعلهم‬ ‫ي������ع������ادون ّ‬ ‫وأق���وال���ه���م ت���رم���ي ال��م��ص��ل��ي��ن ب��ال��ك��ف��ر ِ‬ ‫دج����ـ����ال����ه����م م������ن ج����ح����وره‬ ‫ي����ه����ددن����ي ّ‬ ‫ول�����م ي��������دروا أن ال����ف����أر ي�������زأر كالفأر‬ ‫ج����ب����انٌ ي���س���وق األغ���ب���ي���اء إل�����ى ال�����ردى‬ ‫ويجري إل��ى أقصى الكهوف من الذعر‬ ‫خفت واآلسـ ـ ـ ــادُ تزأر في الش ـ ـ ـ ـ ــرى‬ ‫ُ‬ ‫وما‬ ‫الجح ـ ـ ـ ـ ـ ـ ِـر‬ ‫ْ‬ ‫فكيـ ـ ـ ــف بخوفي من رويض ـ ــة‬

‫نطقت‬ ‫ْ‬ ‫���ت ل��ي وم���ا‬ ‫فاستجهلتني وق���ال ْ‬ ‫ولعل الشـيخـوخة مرحـلة نفـسـيـة أكثر منها‬ ‫ق����د ك�����ان ذاك وه������ذا ب���عْ ���د ذاك أت���ى عـمـر ّية أو جسدية‪ .‬ولعل هذا األمر ليس اكتشافاً‬ ‫�����������وّن ع���ل���ي���ك ف�����ه�����ذا ال ب������ق������ا َء له‬ ‫ه ِ‬ ‫باهراً‪ .‬إذ رمبا علمه فئا ٌم من الناس منذ خلق الله‬ ‫أم����ا ت����رى ال��ع��ش��ب ي��ف��ن��ى ب��ع��دم��ا نبتا سبحانه الشيب‪ ،‬والحظوا ما يطرأ على املرء بعد‬ ‫ك������ان ال����غ����وان����ي ي���ق���ل���ن ي����ا أخ������ي فقد‬ ‫الشيخوخة من تغيرات تفضي إلى موته‪ -‬كنتيجة‬ ‫ص���ار ال��غ��وان��ي يقلن ال��ي��وم‪ :‬ي��ا أبتا(‪ )26‬حتمية بإذن الله‪ .‬ولقد سبق املتنبي في التعبير‬

‫‪46‬‬

‫اجلوبة ‪ -‬خريف ‪1431‬هـ‬


‫وال�����ه�����مّ ي���خ���ت���رم ال���ج���س���ي���م ن���ح���اف���ة ً‬ ‫�����ي وي����ه����رمُ‬ ‫وي����ش����ي����ب ن����اص����ي����ة ال�����ص�����ب ِ ّ‬ ‫وأتساءل‪ :‬هل يشيخ الشعر؟‬ ‫شيخوخة الشعر‪ :‬تعبير مجازي؛ ألن الشعر‬ ‫ليس كائناً ح� ّي�اً مستق ً‬ ‫ال‪ .‬لكن بسبب ارتباطه‬ ‫الوثيق باحلالة النفسية التي تتأقلم وتتغير حسب‬

‫م��راح��ل العمر املختلفة يرتفع ليتطبع بطبيعة‬ ‫الكائن احلي‪.‬‬

‫نع ْم قد يشـيخ الشـعـر‪ :‬إذا فـقـد رونقـه فأصبـح‬ ‫باهتاً ممال ً ومكرراً‪ ،‬وظهرت عليه آثار التصنع‬

‫����ب واه���������ن ٍ ي���ت���ف���ص���ـّ���دُ‬ ‫وت����ب����ك����ي ب����ق����ل ٍ‬ ‫���ك! أك��ت��م ف���ي دمي‬ ‫أ أب��ك��ي��ك؟ ال أب���ك���ي َ‬ ‫ب����ك����ائ����ي‪ ..‬وي����ب����دو أن����ن����ي المتجلـ ّدُ‬ ‫وكقوله في رثاء أخيه عادل‬

‫(‪)31‬‬

‫رحمه الله‪:‬‬

‫تفض؟!‬ ‫ْ‬ ‫ي��ق��ول س��ه��ي��لٌ ‪ :‬م��ا لعينك ل��م‬

‫م������������ل������������ف ال������������ع������������دد‬

‫عن ذلك بقوله‪:‬‬

‫�����د ب����ك����اء ال���ع���ي���ن ع�����ج�����ز ًا وذل��������ة ً‬ ‫ت�����ع ُّ‬

‫ف��ق��ل��ت ل�����ه‪ :‬أك�������دتْ وق���ل���ب���يَ م����ا أك����دى‬ ‫بكيت أخي حتى ثوى الدمع في الحشا‬ ‫ُ‬ ‫وج���دا‬ ‫وأج���ه���ش ص����د ٌر أص��ط��ل��ي ن��وح��ه ْ‬ ‫فمن أج��ل��ه ال��دمْ ��ع ال���ذي س��دّ محجري‬ ‫ومن أجله الدمع الذي استوطن الكبْدا‬ ‫وأعلم من نفسي متام اليقني أن الدموع التي‬

‫وع�ص��ر ال��ذه��ن والتكلف‪ .‬ويشيخ ‪ -‬م��ن وجهة‬ ‫تهطل على خ ّدي بغزارة من‬ ‫َّ‬ ‫عيني تورث راحة ً‬ ‫ن�ظ��ري‪ -‬إذا اكتسى ث��وب احلكمة اخلالية من‬ ‫كنت أعم ُد للبكاء‬ ‫وتطفئ غلة ً في الصدر‪ ..‬وإن ُ‬ ‫الرمز واإليحاء وعواصف التجربة‪ ،‬فتأتي أشبه‬ ‫ٍ‬ ‫قسط من تلك االستراحة‪..‬‬ ‫خالياً‪ ..‬آلخذ أكبر‬ ‫شيءٍ‬ ‫ّ‬ ‫جتف الدموع ويبكي القلب‪ ..‬فسرعان‬ ‫مبسألة حسابية بدائية كاجلمع والطرح‪ ..‬أما عندما‬

‫كنت أمتنى م��ن الله أن يكون ف��ي املستقبل ما أشعر بحرارة نار ٍ تشتعل في جوفي تورثني‬ ‫ُ‬ ‫القريب والبعيد أجمل ما يكتب شاعرنا القصيبي َو َهناً وتضعضعاً‪..‬‬ ‫‪-‬يرحمه الله‪ -‬فأنا أعتقد أن جمال كتاباته لم‬

‫لك الله يا شاعرنا‪ ..‬كم أمتعني ديوانك! وقد‬

‫تنته بعد ولكن‪ ...‬و«حديقة الغروب» حتتوي على‬ ‫كنت أظن أن شمسك ال تزال في شروق لم تصل‬ ‫ُ‬ ‫جمال كثير خاصة في ظاهرة بكاء الروح أو بكاء ب� ْع� ُد إل��ى منتصف ال�ن�ه��ار‪ .‬دع��ائ��ي ل��ك باملغفرة‬

‫القلب‪ .‬وهو بكاء متميز قلما يتطرق إليه أح ٌد إال والرحمة وأن يسكنك فسيح جناته‪.‬‬ ‫من كان مرهف اإلحساس عميق التجربة‪.‬‬ ‫وقد أبدع القصيبي إبداعاً فائقاً‪ .‬اسمع لقوله‬

‫في رثاء األمير أحمد بن سلمان(‪ )29‬يرحمه الله‪:‬‬ ‫أري��������تَ دمْ ������ع ال���خ���ي���ل؟ ك����م م����ن عبرة‬

‫��������داب‬ ‫ُ‬ ‫ف����ي ال��������روح ل����م ت��ع��ل��م ب���ه���ا األه‬ ‫وكقوله في رثاء صديقه محسون(‪:)30‬‬ ‫��ك ت��أب��ى ال��دم��ع ك���بْ���ر ًا وترتضي‬ ‫ع��ه��دت��ـ ُ َ‬ ‫ب��دم��ع ٍ ح��ب��ي��س ٍ ف���ي ال��ض��ل��وع يصفـ ّدُ‬

‫اجلوبة ‪ -‬خريف ‪1431‬هـ ‪47‬‬


‫القصيبي في عيون الشعراء‬ ‫وأنت استثناء‬ ‫يتشابهون َ‬ ‫> أشجان محمد هندي‪ -‬السعودية‬ ‫أرض‪ ،‬وال�������س�������م�������اءُ س�����م�����اءُ‬ ‫ٌ‬ ‫األرض‬ ‫ُ‬ ‫��������ودّعً ��������ا‬ ‫ال�����ل�����ي�����لُ ي�����ع�����قُ �����بُ�����هُ ال������ن������ه������ا ُر م ِ‬ ‫����وت ال����م����د ّ َث����رِ بالصدى‬ ‫���ت ك����ال����ص ِ‬ ‫ال���ص���م ُ‬ ‫ال���������������وردُ وردٌ إنْ ت������خ������بّ������أَ‪ ،‬أو بَ���������دَا‬ ‫�����ون‪ -‬ن����ق����اؤ ُه‬ ‫ال���ي���اس���م���ي���نُ ‪-‬ع����ل����ى ال�����غ�����ص ِ‬ ‫����ض����هُ‬ ‫���������ري يُ ������ش������ب������هُ ب����ع َ‬ ‫ال������زن������ب������قُ ال���������ب ُّ‬ ‫مُ �����ت�����ش�����اب�����هٌ ف����������رحُ ال������ح������م������امِ ونَ��������و ُْح��������هُ‬ ‫����ج وال�����ن�����دى‬ ‫مُ ����ت����ش����اب����هٌ دم���������عُ ال����ب����ن����ف����س ِ‬ ‫���ض���ه���ا‪:‬‬ ‫واألف�������ل������اك تُ����ش����ب����هُ ب���ع َ‬ ‫ُ‬ ‫������اس‬ ‫ال������ن ُ‬ ‫ّات‪ ،‬أج��������س��������ادٌ بها‬ ‫كُ �������ت�������لٌ م�������ن ال���������������������ذر ِ‬ ‫����ض����هُ‬ ‫األرواح ي����ل����ح����قُ ب����ع َ‬ ‫ِ‬ ‫مُ �����ت�����ش�����اب�����هُ‬ ‫������ال م�����������روءةٌ ‪:‬‬ ‫إنْ ق�����ي�����ل‪ :‬ت���ع���ل���و ب������ال������رج ِ‬ ‫����ن ف����ي ال����ن����س����اءِ مُ ����ح ِ����يّ����رٌ ‪:‬‬ ‫أو ق����ي����ل‪ُ :‬ح����س ٌ‬ ‫ت����ت����ش����اب����هُ األش��������ي��������اءُ ‪ :‬أي�������ن ج����دي����دُ ه����ا؟‬ ‫ّ��������ن‬ ‫َ��������ي ٌ‬ ‫����������ت�����ل����اف ب ِ‬ ‫ٌ‬ ‫�����������ت�����ل�����اف ه��������و ائ‬ ‫ُ‬ ‫اإلخ‬ ‫ي���م���ض���ي ال�������زم�������انُ وخ�������ي�������رُ ُه ف������ي ش�������رّهِ‬ ‫ّ����ب ف�����ي ال����ح����ي����اةِ تَ����ش����ابُ����هٌ‬ ‫س����ن����نُ ال����ت����ق����ل ِ‬ ‫������د راح��������ةٌ‬ ‫�����ع ال������مُ ������س������ ّ َه ِ‬ ‫�����ب ل�����ل�����دم ِ‬ ‫ال�����ق�����ل ُ‬ ‫����ن يُ ����ش����ب����هُ ال�����وج����� َع ال����ذي‬ ‫وج�������عُ ال����م����دائ ِ‬ ‫أرض‪ ،‬وض����������اقَ ف���ض���اؤه���ا‬ ‫ٌ‬ ‫��������يّ��������دَتْ‬ ‫إنْ قُ ِ‬ ‫أي�����������امُ عُ ������م������رِ ال�������ده�������رِ تُ�����ش�����ب�����هُ بعضها‬ ‫�����ف‪ :‬ج������ن������ونٌ واح��������دٌ‬ ‫ال ش��������يء مُ �����خ�����ت�����ل ٌ‬ ‫ي����ت����ش����اب����هُ ال����ب����ح����رُ ال�����ط�����وي�����لُ وجَ �������������� ْز ُر ُه‬ ‫وش���������ع���������ريَ ع�����اج�����زٌ‬ ‫�������د‪ِ ،‬‬ ‫��������د مُ �������ش�������ت ٌ ّ‬ ‫ال��������م ُّ‬ ‫ي����ت����ش����اب����هُ ال����ش����ع����رُ ال�����ح�����زي�����نُ وأدم�����ع�����ي‬ ‫وش�������ع�������ري واألس��������ى‬ ‫مُ �����ت�����ش�����اب�����هٌ إس�����م�����ي ِ‬ ‫ال إس������م يُ ���س���ت���ث���ن���ى س������وى غ��������ازي ال�����ذي‬ ‫�����روف وه��� ّزه���ا‬ ‫َ���������ص ال����غ����ن����اءُ ع���ل���ى ال�����ح ِ‬ ‫َرق َ‬ ‫َ�������������ت ب���ال���ش���ع���رِ أغ�����ص�����انُ ال���ه���وى‬ ‫إنْ أو َرق ْ‬ ‫غ������ازي ال���ق���واف���ي م����ن ل�����هُ ال���ش���ع���رُ انحنى‬ ‫���ض بالسَ نا‬ ‫�����رف ال���مُ ���ف���ض ِ‬ ‫ي����ا م�������از َج ال�����ح ِ‬ ‫�����ك ق���ادن���ي‬ ‫م����ن ه����ا هُ ���ن���ا م����ن ض������وءِ ح�����رفِ َ‬ ‫�������رّدً ا‬ ‫������ت ل����ل����ض����ي����اءِ مُ �������غ ِ‬ ‫����ت ُأن������ص ُ‬ ‫ف����ص����م ُّ‬

‫‪48‬‬

‫اجلوبة ‪ -‬خريف ‪1431‬هـ‬

‫وال������ب������ح������رُ ب�������ح�������رٌ ‪ ،‬وال�����������ج�����������داولُ م�������اءُ‬ ‫م��������ا م����������� ّر ي�������������ومٌ ل������ي������س ف������ي������ه م������س������اءُ‬ ‫������������������داث ل������ه������ا أص�������������داءُ‬ ‫ٌ‬ ‫�����������ت أح‬ ‫وال�����������وق ُ‬ ‫������ات س����������واءُ‬ ‫�������ات ال������ف������ات������ن ُ‬ ‫وال�������ن�������رج�������س ُ‬ ‫مُ �������ت�������ش�������اب�������هٌ ‪ ،‬وال������ي������اس������م������ي������نُ ن������ق������اءُ‬ ‫��������اي وال�����ل�����ح�����نُ ال�����ح�����زي�����نُ ِغ�����ن�����اءُ‬ ‫وال��������ن ُ‬ ‫����ون ب���ك���اءُ‬ ‫��������رب ال����ح����م����امِ ع���ل���ى ال����غ����ص ِ‬ ‫ط ُ‬ ‫مُ ������ت������ش������اب������هٌ وج������������هُ ال���������������ردى وال���������������داءُ‬ ‫ال���������خَ ���������لْ���������قُ أش����������ب����������اهٌ ل������ه������ا أس�������م�������اءُ‬ ‫ت�����س�����ري ع����ل����ى هَ �����������دْ ي ال��������دم��������اءِ دِ م���������اءُ‬ ‫�����س�����رِ م�������ا ب�����ي�����ن ال������ن������س������ورِ ف�����ض�����اءُ‬ ‫ل�����ل�����ن ْ‬ ‫������ال أن������وفُ ������ه������ا ش�������مّ �������اءُ !‬ ‫ق������م������مُ ال������ج������ب ِ‬ ‫م�����ن�����ذُ ال����خ����ل����ي����ق����ةِ وال������ن������س������اءُ ن�����س�����اءُ !‬ ‫أي����������ن ال�������ج�������دي�������دُ وكُ �������لُ�������ه�������ا أش��������ي��������اءُ ؟‬ ‫�����ب ض����������وءٍ تُ�������ول�������دُ ال����ظ����ل����م����اءُ‬ ‫م������ن ق�����ل ِ‬ ‫ي����م����ض����ي ون�����م�����ض�����ي وال�������رح�������ي�������لُ ب�����ق�����اءُ‬ ‫ي������ط������وي ب����������هِ وج������������ َه ال�������������������وداعِ ل�����ق�����اءُ‬ ‫������ن ش����ف����اءُ‬ ‫����ب ال������ح������زي ِ‬ ‫وال��������دم��������عُ ل����ل����ق����ل ِ‬ ‫�������ت ب����������هِ ل�����رم�����ال�����ه�����ا ال������ص������ح������راءُ‬ ‫ب�������اح ْ‬ ‫������ط������ل������ق������اءُ‬ ‫ي�����ت�����ش�����اب�����ه ال������س������ج������ن������اءُ وال ُ‬ ‫ت����ب����ك����ي ع�����ل�����ى س�������ودائ�������ه�������ا ال����ب����ي����ض����اءُ‬ ‫������ون ي���������ق���������ودُ ُه عُ �������ق���ل���اءُ !‬ ‫م�����������وجُ ال������ج������ن ِ‬ ‫�������د ف�����ي ال����ب����ح����رِ ال���ق���ص���ي���رِ ع���ط���اءُ‬ ‫وال�������مَ ُّ‬ ‫������������ود وب������������ي إع�������ي�������اءُ‬ ‫ٌّ‬ ‫وال��������ل��������ي��������لُ مُ ������������س‬ ‫ي������ت������ش������اب������هُ ال���������� ُنّ����������قّ ����������ادُ وال�������ش�������ع�������راءُ‬ ‫������اط������ه������ا ال��������س��������وداءُ‬ ‫وح�������روفُ �������ه�������م ون������ق ُ‬ ‫�������روف ف����ك����ان (االس����ت����ث����ن����اءُ )‬ ‫َ‬ ‫ف����ت����حَ ال�������ح‬ ‫������ت ب����ك����ف����وف����ه����ا ال������ح������نّ������اءُ‬ ‫ف������ت������راق������ص ْ‬ ‫َ��������������������ت رم������ض������اءُ‬ ‫ْ‬ ‫�����ش�����ع�����رِ غ�����������ازي أو َرق‬ ‫ف�����ب ِ‬ ‫����ف م�����ن�����هُ ك����ي����ف ي����ش����اءُ‬ ‫ج�������������ذالنَ ؛ ي����ق����ط ُ‬ ‫�������وض������� ُأ األض���������������واءُ‬ ‫م��������ن ه��������ا هُ ������ن������ا ت�������ت ّ‬ ‫�����ل ال������ن������ج������ومِ نِ ����������داءُ‬ ‫ل����ل����ش����ع����رِ ف������ي ل�����ي ِ‬ ‫�����ت ف�����ي حَ ������������رَمِ ال�����ب�����ه�����اءِ ب����ه����اءُ‬ ‫وال�����ص�����م ُ‬


‫م������������ل������������ف ال������������ع������������دد‬

‫����������روح أم�����������������واجٌ ع���ل���ى‬ ‫ِ‬ ‫������ت ب����������ال‬ ‫وت������ع������لّ������ق ْ‬ ‫�����آن وم�����وع�����دٌ‬ ‫��������وارس ش�����اط�����ئ ِ‬ ‫ِ‬ ‫قَ������������� َد ُر ال��������ن‬ ‫�������وارس أنْ تُ�������ف�������ارقَ لحنَها‬ ‫ِ‬ ‫قَ����������� َد ُر ال�������ن‬ ‫ت�����ط�����وي ع����ل����ي����هِ ال����ق����ل����بَ ت����ت����ب����عُ وج�����هَ�����هُ‬ ‫���������وارس رح������ل������ةٌ ال تنتهي‬ ‫ِ‬ ‫قَ�������������� َد ُر ال���������ن‬ ‫�����������وارس غ�����ي�����مُ �����هُ‬ ‫ِ‬ ‫ل�����ك�����نّ�����م�����ا أم�������������لُ ال�����������ن‬ ‫ي�����ا غ������������ازيَ ‪ :‬ال����م����ي����ن����اءُ ي�����س�����ألُ ح�����ائ�����رً ا‬ ‫��ل�ا‬ ‫�����ي مُ ����ك����ل ً‬ ‫�����ح ال�����ب�����ه ِ ّ‬ ‫َ�������س�������مُ ال�����ص�����ب ِ‬ ‫وتَ�������ب ُّ‬ ‫األرض‪َ ،‬ر ّ َف������������ةُ رم ِ���ش���ه���ا‬ ‫ِ‬ ‫����ك روحُ‬ ‫ت����ف����دي َ‬ ‫����ك ِم�������نْ وج�������هِ ال�����ك�����رام�����ةِ وجهُ ها‬ ‫ي����ف����دي َ‬ ‫������ل؛ َص������ ّ َع������ َر خ������� ّ َد ُه‬ ‫����ك نُ�����بْ�����لُ ال������رم ِ‬ ‫ي����ف����دي َ‬ ‫���ك ي���س���ألُ���هُ الجَ نى‪،‬‬ ‫عُ �����د ل��ل��ن��خ��ي ِ��ل‪ ،‬ف���ع���ن َ‬ ‫����اض ِأع���������دْ ح���ن���ي���نَ شتائِ ها‬ ‫عُ ��������دْ ل����ل����ري ِ‬ ‫��������ل ال����������ذي ف�����ارق�����تَ�����هُ‬ ‫�����ك ال��������رم ُ‬ ‫ي�����ش�����ت�����اقُ َ‬ ‫عُ �����������دْ ل�����ل�����ش�����واط�����ئ م����ث����ل����م����ا غ�����ادرت�����ه�����ا‬ ‫عُ ���������دْ م���ث���ل���م���ا غ�������������ادرتَ وج������هً ������ا ب���اس���مً ���ا‬ ‫شموسنا‬ ‫ُ‬ ‫���ب‬ ‫إنْ ِغ�����ب�����تَ ي�����ا غ��������ازي ت���غ���ي ُ‬ ‫أو عُ ������������دتْ غ����������ازي ل����ل����م����غ����ازي س����ال����مً ����ا‬ ‫���ت‬ ‫غ��������ازي ال��������ذي م��ل��أ ال�������دُ ن�������ى‪ ،‬وت���ن���اق���ل ْ‬ ‫غ���������ازي ال���������ذي أث�����ن�����ى ع����ل����ي����هِ خ����ص����ومُ ����هُ‬ ‫�����س ال�����ن�����ه�����ارِ وظ���� ُلّ����ه����ا‬ ‫ال ت����س����ت����وي ش�����م ُ‬ ‫�������دول‬ ‫ٌ‬ ‫ال ي���س���ت���وي ال����ب����ح����رُ ال���ع���م���ي���قُ وج‬ ‫�����رات ب���ل‪،‬‬ ‫ال ي���س���ت���وي ال�����ش�����ع�����راءُ وال�����ن�����ك ُ‬ ‫�������ت���ل���اف ال������ش������ع������رِ ؛ يُ ��������������دْ ر َُك‬ ‫ُ‬ ‫غ����������ازي اخ‬ ‫أو ي����س����ت����وي غ��������ازٍ ومَ ����������نْ ل�����م يَ�������غْ �������زُ ‪ ،‬أم‬ ‫أنصتت‬ ‫ْ‬ ‫غ�������ازي ال�������ذي إنْ ق����ي����ل‪ :‬غ�������ازي‬ ‫غ���������ازي ال���������ذي ش�����ه����� َد ال�������زم�������انُ وأه�����لُ�����هُ‬ ‫�����اك مَ �������نْ أح�����ي�����اكَ ِم�������نْ عَ ��������دمٍ ومَ �����نْ‬ ‫ع�����اف َ‬ ‫َ������م وأك������م������لَ ف���ض��� َل���هُ‬ ‫وش������ف������اكَ ِم��������نْ سَ ������ق ٍ‬ ‫روض����ه����ا‬ ‫دُ ْم ب���ه���ج���ةً غ����نّ����ى ال�����ه�����وى ف�����ي ِ‬ ‫�����ظ ال�����خ�����ص�����ومُ ‪ ،‬ت���ش���اب���ه���ت أق����والُ����ه����م‬ ‫ِغ�����ي َ‬ ‫����ت‪ُ :‬أع���ل��� ُن���ه���ا هنا‬ ‫����ك ق����ل ُ‬ ‫ق�����ال�����وا‪ :‬م����دح����تُ َ‬ ‫ون�����ع�����م‪ :‬س�����أط�����ري م�����ا يُ �����ش�����ابِ �����هُ إس�����مَ �����هُ‬ ‫������بّ������ئُ وج�����هَ�����هُ‬ ‫وش�������ع�������ري ال يُ ������خ ِ‬ ‫ون������ع������م‪ِ :‬‬ ‫إنْ ي���ب���ص���م���وا أم����ض����ي وح�����ي�����نَ تلعثموا‬ ‫����ط����رِ ال����ش����ع����رِ أنْ ي����رض����ى ب���هِ‬ ‫����ع ْ‬ ‫�������رف ل ِ‬ ‫ش ٌ‬ ‫ون������ع������م‪ :‬ومَ �����������نْ س�������������وّاكَ ي������ا غ����������ازي ال‬ ‫��������واك فضيلةٌ‬ ‫َ‬ ‫����ك ع����ن س‬ ‫مَ ��������دحُ اخ����ت��ل�افِ َ‬ ‫�����رات ت���ص���ن���عُ م���ج��� َده���ا‬ ‫ُ‬ ‫إنْ ك����ان����ت ال�����ن�����كِ‬

‫��������ص األن�����������������واءُ‬ ‫أص���������دافِ ���������ه���������ا ت��������ت��������راق ُ‬ ‫������ان تُ�������ض�������اءُ‬ ‫�������ان وش������م������ع������ت ِ‬ ‫وق�������ص�������ي�������دت ِ‬ ‫���������ن ح�����ي�����ن يُ ����������ف����������ارقُ ال�����م�����ي�����ن�����اءُ‬ ‫وت���������ئ ُّ‬ ‫ت����ب����ك����ي ع����ل����ي����هِ وف��������ي ال��������دم��������وعِ رج��������اءُ‬ ‫سَ ������ف������رٌ يُ �������ض�������يءُ ل�������هُ ال�����ط�����ري�����قَ ش����ق����اءُ‬ ‫���������وض���������اءُ‬ ‫ّ‬ ‫������ط������ َر وج���������هُ ���������هُ ال‬ ‫ق�������م�������رٌ ت������ق ّ‬ ‫������وس‪ ،‬وت������س������ألُ األرج�����������اءُ‬ ‫�����ك ال������ش������م َ‬ ‫ع�����ن َ‬ ‫�������ك‪ ،‬واألح��������ي��������اءُ‬ ‫ب���������ال���������وردِ ي�������س�������ألُ ع�������ن َ‬ ‫������ي فِ ������������داءُ‬ ‫�������م ال������ش������ج ِ ّ‬ ‫إنْ ك���������ان ل���ل���أل ِ‬ ‫َ��������م اإلب���������������اءِ إب���������اءُ‬ ‫�����ك م�������ن ِش��������ي ِ‬ ‫ي�����ف�����دي َ‬ ‫�����ج�����ب�����ن�����اءُ‬ ‫ل�������ي�������دوسَ �������هُ ال�������ش�������رف�������اءُ وال ُ‬ ‫وج����������هُ ال�����م�����ن�����ى‪ ،‬وال���������روض���������ةُ ال�����غ�����نّ�����اءُ‬ ‫�����ك ال�������ص�������مّ �������انُ وال������ده������ن������اءُ‬ ‫ي�����ش�����ت�����اقُ َ‬ ‫وخ�������ب�������اءُ‬ ‫�����ك خ�����ي�����م�����ةٌ ِ‬ ‫ت�����ش�����ت�����اقُ ه�����م�����سَ َ‬ ‫ف�������ال�������عَ�������وْدُ أح�������م�������دُ وال���������ب����ل����اءُ ق�����ض�����اءُ‬ ‫روح�����������ا يُ����ق����اس����م����ه����ا ال�����ص�����ف�����ا َء ص����ف����اءُ‬ ‫ً‬ ‫ويُ �������ع�������ان�������قُ ال�����ل�����ي�����لَ ال������ط������وي������لَ ف�����ن�����اءُ‬ ‫�������ص ع����ق���� َده����ا ال���ح���س���ن���اءُ‬ ‫ع����������ادتْ تُ�������راق ُ‬ ‫����������اب واألع������������������داءُ‬ ‫أخ������������ب������������ا َر ُه األص����������ح ُ‬ ‫وال��������قَ��������دْ حُ ل�����و ت��������دري ال�����خ�����ص�����ومُ ث����ن����اءُ‬ ‫�����س�����ف�����ه�����اءُ‬ ‫�������ق���ل���اء وال ُ‬ ‫ُ‬ ‫ال ي�����س�����ت�����وي ال�������ع‬ ‫������ج������ه���ل��اءُ‬ ‫ال ي�����س�����ت�����وي ال�����ع�����ل�����م�����اءُ وال ُ‬ ‫الي������س������ت������وي األُص����������ل���������اءُ وال���������دخ����ل����اءُ‬ ‫ع���ن���دم���ا ي���ت���م���اث���لُ األش������ب������ا ُه وال����ن����ظ����راءُ‬ ‫ه������ل ت����س����ت����وي ال���������س���������رّاءُ وال���������ض���������رّاءُ ؟‬ ‫��������وح�������� َد ال������فُ ������ َرق������اءُ‬ ‫���������دن���������ى‪ ،‬وت ّ‬ ‫����������ل ال ُّ‬ ‫ك ُّ‬ ‫أنْ ل�����ي�����س ك����اس����ت����ث����ن����ائ����هِ اس����ت����ث����ن����اءُ‬ ‫������������������وات واألح��������ي��������اءُ‬ ‫ُ‬ ‫س�������ج�������دتْ ل���������هُ األم‬ ‫ف����������ال����������داءُ إنْ ش�������������ا َء اإلل���������������هُ دواءُ‬ ‫�����وض�����ه�����ا ي���س���ق���ي ال����ن����ع����ي���� َم ه����ن����اءُ‬ ‫م�����ن حَ ِ‬ ‫����ض ال����خ����ص����ومِ غ���ب���اءُ‬ ‫وال����ح����ق����دُ ف�����ي ب����ع ِ‬ ‫����������دح����������هُ وح��������ي��������نَ أش����������اءُ‬ ‫ُ‬ ‫ول��������س��������وف أم‬ ‫������ل غ�����������ازي ي����ن����ح����ن����ي اإلط��������������راءُ‬ ‫ول������م������ث ِ‬ ‫إنْ غ���������ابَ إس�����م�����ي ي����ح����ض����رُ اإلم������ض������اءُ‬ ‫������روف ِه�����ج�����اءُ‬ ‫������ه������ج������ا َء ول������ل������ح ِ‬ ‫�����ت ال ِ‬ ‫ك�����ن ُ‬ ‫غ�����������ازي‪ ،‬وإنْ ي������رض������ى؛ ف�������ذي نَ����عْ ����م����اءُ‬ ‫ذي ف������ي وص������ف������هِ ي�����ت�����ح����� َيّ�����رُ ال����ب����ل����غ����اءُ‬ ‫�������ت ع������ن������هُ ج������ري������م������ةٌ ن������ك������راءُ‬ ‫وال�������ص�������م ُ‬ ‫ف����ال����م����ج����دُ ي����ص����ن����عُ م������ج������ َد ُه ال���ع���ظ���م���اءُ‬

‫اجلوبة ‪ -‬خريف ‪1431‬هـ ‪49‬‬


‫أنت أبا يارا؟!‬ ‫فأين َ‬ ‫َ‬ ‫> مالك اخلالدي ‪ -‬السعودية‬ ‫�����ك األدب�������ا‬ ‫رح�����ل�����تَ ت����ح����م����لُ ف�����ي أع�����ط�����اف َ‬ ‫رح�����ل�����تَ ف�����ال�����دم�����عُ واألش��������ع��������ا ُر تسألني‬ ‫�����ت أوج�������������اعُ ق���اف���ي���ت���ي‬ ‫�����س�����اق�����ط ْ‬ ‫رح������ل������تَ ف ّ‬ ‫���اف ال�������رؤى شغف ًا‬ ‫ك����م ج������الَ ع��ق��ل��ي ب���أط���ي ِ‬ ‫ف���م���ا ارت��������وى خ���اف���ق���ي م����ن س����ح����رِ منهلهِ‬ ‫�����زن يرسمُ ني‬ ‫���ت ط����رف����ي ول��������ونُ ال�����ح ِ‬ ‫ق���لّ���ب ُ‬ ‫ق���������رأت���������هُ ف�����م�����ض�����ى ح�������رف�������ي ل������ي������ذرف������هُ‬ ‫���رات»(‪« )32‬أم��ي��رُ ال���فُ ِ���ل»(‪ )33‬عسجَ دَها‬ ‫«أب���ا ال���ف ِ‬ ‫�����������ات»(‪ )34‬وال����ح����قُ وال���ش���ه���داءُ والمسرى‬ ‫ُ‬ ‫«آي‬ ‫�����ح�����هُ‬ ‫�������ت أذك������������رُ م������ا ج������������ادتْ ق�����رائ ُ‬ ‫م�������ازل ُ‬ ‫��������ت ب�����ش�����ارتُ�����هُ‬ ‫م��������������ازالَ م������ا زالَ م��������ازال ْ‬ ‫���ل���أ ال�����ف�����ج����� َر أب������ي������ات������ ًا ت�������ن�������وءُ بها‬ ‫وت�������م ُ‬ ‫ف��������أي��������نَ أن������������تَ أب����������ا ي������������ارا ت�����ش�����اط�����رُ ن�����ا‬ ‫�������������ب ب�������اس�������مٌ زه���������دتْ‬ ‫ف������أي������ن غ�����������ازي أدي ٌ‬ ‫�����ت‬ ‫ف��������أي��������نَ أن����������ت أب����������ا ي������������ارا إذا س�����أل ْ‬ ‫ف�������أي�������نَ أن�����������تَ أب���������ا ي�����������ارا إذا ان����ك����ف����أت‬ ‫م������اذا س���أس���ق���ي زه������ور ال���ص���ب ِ���ح ح���ي���ن أرى‬ ‫ب�����ل س������وف أح�����ت�����ا ُر م�����ا أزج�������ي لطلعتِ ها‬ ‫تمنحنا‬ ‫ُ‬ ‫م�����ن ب����ح����ر أن������دائ������ك ال������� ّزخ�������ا ُر‬ ‫ف��������أن��������تَ أن������������تَ ه�����ن�����ا ف��������ي ك��������ل ق����اف����ي����ةٍ‬

‫���ات ن���ج���لُ ال���ض���وء ق���د غربا‬ ‫ب��ع��د ال���ف���ي���وض ِ‬ ‫����ف����ارِ م���ن ذهبا‬ ‫����رف ف���ي أس ِ‬ ‫ع���ن ده���ش���ة ال����ح ِ‬ ‫���ت ال����ل����ي����لَ وال���كُ ���ت���ب���ا‬ ‫ع���ل���ى ش���غ���اف���ي ف���ع���ف ُ‬ ‫وص����������ار ي�����ن�����ه�����الُ ف������ي أف�����ي�����ائ�����ـ�����هِ سَ ���غ���ـ���ب���ا‬ ‫وم������ا ان���ك���ف���ى ال����������روحُ ع�����ن أوت������������ارهِ طلبا‬ ‫وف�������ي اغ�����ت�����راب�����ي أرى م�������نْ دم�����ع�����هِ سببا‬ ‫ل����ك����ن����م����ا ال��������ب��������وحُ م�������ن أح���������زان���������هِ ت ِ���ع���ب���ا‬ ‫ت��ن��ع��ى‪ ،‬ف��م��ن س����وف ي��ن��ع��ى ف���ارس���ـ��� ًا وث���ب���ا؟!‬ ‫ب��ك��ي��ت��ه��م‪ ،‬م����ن س��ي��ب��ك��ي ال����ح����قَ وال���ع���رب���ا؟!‬ ‫الحقبا‬ ‫ش�����ع�����ر ًا ون�����ث�����ر ًا وم������ا أث�����ـ�����رى ب�����ه ُ‬ ‫ت����ض����يءُ ح������زنَ ال���ف���ي���اف���ي ت���م���س���حُ النصبا‬ ‫������ون ح����ت����ى ت���ن���ت���ش���ي ط���رب���ا‬ ‫م����ف����ات����نُ ال������ك ِ‬ ‫������رف واألرزا َء وال���غ���ض���ب���ا‬ ‫ره������اف������ َة ال������ح ِ‬ ‫���س���ب���ا!‬ ‫������وف دن�������ي�������ا ُه ع����م����ا ك�������ان أو ك ِ‬ ‫ط������ي ُ‬ ‫����ت ت��ش��ت��ك��ي الوصبا‬ ‫���ك ال�����زواي�����ا ون����اح ْ‬ ‫ع���ن َ‬ ‫��������������زان إذ وق���ب���ا‬ ‫ِ‬ ‫ت���رن���ي���م���ت���ي ودج���������ى األح‬ ‫��������ى ن���ب���ع���ا؟!‬ ‫دم����وع����ه����ا ه�����ل س���أس���ق���ي���ه���ا أس ً‬ ‫ف���م���ا اج����ت����رح����تَ ب����دي����ع���� ًا ح����يّ����ر النُجبا‬ ‫����ك ال���ذه���ب���ا‬ ‫إش������ع������ا َع ف�����ك�����رٍ وم�������ن ق����ي����ع����ان َ‬ ‫������ض ي��������������راعٌ ع��������� ّز م�������ا نضبا‬ ‫��������������ل ن������ب ٍ‬ ‫َّ‬ ‫وك‬

‫ليت شعري لم يبق بعدك شعر‬ ‫> طارق اخلالدي ‪ -‬السعودية‬ ‫رثاء صادق في رجل طاهر القلب‪ ،‬نظيف اليد‪ ،‬عفيف اللسان‪ .‬كلمات تعكس الفجيعة في رحيله‪.‬‬ ‫وك��أن من قالها ‪-‬وه��و بالمناسبة (إم��ام مسجد وطالب في كلية الشريعة)‪ -‬يريد أن يقول لغازي‬ ‫القصيبي‪ :‬لقد أخلصت لوطنك‪ ..‬فأحببتنا وأحببناك‪.‬‬

‫‪50‬‬

‫ك�������ي�������ف أغ��������ف��������و وب�������������ي م�������������آس ت�����ط�����ول‬

‫ودم�����������������������وع م������������ن م�������ق�������ل�������ت�������يّ ت����س����ي����ل‬

‫ل�����ي�����ت ش������ع������ري ل�������م ي�����ب�����ق ب������ع������دك شعر‬

‫ع������ن������دم������ا غ�����������اب س�����ي�����ف�����ه ال����م����ص����ق����ول‬

‫اجلوبة ‪ -‬خريف ‪1431‬هـ‬


‫م��������������ات! ال ل��������م ي������م������ت ف�������دت�������ه ع����ي����ون‬

‫ق����������د س�������ب�������اه�������ا ل�������س�������ان�������ه ال�����م�����ع�����س�����ول‬

‫م�����������ات! ب�������ل زار م�������ن أح���������ب ف�����ه�����ل من‬

‫ع��������������ودة رام��������ه��������ا ال����������ف����������ؤاد ال����ع����ل����ي����ل؟‬

‫ف�����ب�����ك�����اه «ال������م������ج������ن������ون» و«ال�����م�����ت�����ن�����ب�����ي»‬

‫و«ن��������������������زار» و«ح����������اف����������ظ» و«ال�����خ�����ل�����ي�����ل»‬

‫و«ف��������ت��������ى ن�������ج�������د» راح ي�����ك�����ت�����ب ش����ع����را‬

‫وق��������ل��������ي��������ل م������������ا ق���������������ال ف��������ي��������ه ق����ل����ي����ل‬

‫ال ي�����ط�����ي�����ق ال������������������وداع م��������ن ذاب ح���ب���ا‬

‫ف�������ي�������ك وال��������ق��������ل��������ب م������ث������خ������ن وق�����ت�����ي�����ل‬

‫ن��������م ف�������ث�������مّ ال������ج������ن������ان إن ش�����������اء رب������ي‬

‫ي������������ا ح������ب������ي������ب������ي وم������������رت������������ع وم�����ق�����ي�����ل‬

‫(‪) 1‬‬ ‫(‪ )2‬‬ ‫(‪ )3‬‬ ‫(‪ )4‬‬ ‫(‪) 5‬‬ ‫(‪ )6‬‬ ‫(‪) 7‬‬ ‫(‪ )8‬‬ ‫(‪ )9‬‬ ‫(‪)10‬‬ ‫(‪ )11‬‬ ‫(‪ )12‬‬

‫(‪ )13‬‬ ‫(‪ )14‬‬ ‫(‪) 15‬‬ ‫(‪ )16‬‬

‫دورية (سيسرا) – نادي الجوف األدبي – العدد الثالث‪.‬‬ ‫صحيفة ‪ 26‬سبتمبر اليمنية العدد ‪ .1481‬تاريخ‬ ‫‪2010-8-20‬م‪.‬‬ ‫صحيفة (إي �ل��اف) اإلل �ك �ت��رون �ي��ة‪ .‬ت��اري��خ ‪-8-16‬‬ ‫‪2010‬م‪.‬‬ ‫صحيفة ال �ج��زي��رة ال �ع��دد ‪ 13838‬ت��اري��خ ‪-8-18‬‬ ‫‪2010‬م‪.‬‬ ‫صحيفة (الحياة) تاريخ ‪2010-8-20‬م‪.‬‬ ‫صحيفة (ال�ج��زي��رة) العدد ‪ 13838‬تاريخ ‪-8-18‬‬ ‫‪2010‬م‪.‬‬ ‫صحيفة (الوطن) السعودية‪ .‬تاريخ ‪2010-8-18‬م‪.‬‬ ‫غازي القصيبي‪ :‬مصالحات‪ ...‬ومغالطات وقضايا‬ ‫أخرى‪ ،‬دار سعاد الصباح‪1997 ،‬م‪.‬‬ ‫غ ��ازي ال�ق�ص�ي�ب��ي‪ :‬س�ب�ع��ة‪ ،‬دار ال�س��اق��ي للطباعة‬ ‫والنشر‪2003 ،‬م‪.‬‬ ‫غازي القصيبي‪ :‬العصفورية‪ ،‬دار الساقي للطباعة‬ ‫والنشر‪1996 ،‬م‪.‬‬ ‫غ��ازي القصيبي‪ :‬دن�س�ك��و‪ ،‬دار ال�س��اق��ي للطباعة‬ ‫والنشر‪2002 ،‬م‪.‬‬ ‫غازي عيدالرحمن القصيبي‪ ،‬هل للشعر مكان في‬ ‫ال�ق��رن العشرين‪ ،‬مجلة المعرفة (س��وري��ا)‪ ،‬أبريل‬ ‫‪1978‬م‪ ،‬دمشق‪ ،‬ص‪ .‬ص‪.5-4‬‬ ‫غازي عيدالرحمن القصيبي‪ ،‬هل للشعر مكان في‬ ‫القرن العشرين‪ ،‬ن‪ ،‬م‪ ،‬س‪ ،‬ص‪.5‬‬ ‫غازي القصيبي‪ :‬شقة الحرية‪ ،‬ط‪ ،2‬رياض الريس‬ ‫للكتب والنشر‪ ،‬بيروت‪ ،‬لبنان‪1994 ،‬م‪ ،‬ص‪.18‬‬ ‫نفسه‪ :‬ص‪.104‬‬ ‫نفسه‪ :‬ص‪.35‬‬

‫(‪) 17‬‬ ‫(‪ )18‬‬ ‫(‪ )19‬‬ ‫(‪ )20‬‬

‫(‪) 21‬‬ ‫(‪ )22‬‬ ‫(‪ )23‬‬ ‫(‪) 24‬‬ ‫(‪ )25‬‬ ‫(‪ )26‬‬

‫(‪ )27‬‬ ‫(‪ )28‬‬ ‫(‪) 29‬‬ ‫(‪ )30‬‬ ‫(‪ )31‬‬ ‫(‪ )32‬‬ ‫(‪) 33‬‬ ‫(‪ )34‬‬

‫م������������ل������������ف ال������������ع������������دد‬

‫ال��������������دواوي��������������ن م����������ن ف����������راق����������ك ج�����دب�����ا‬

‫وال����������ق����������واف����������ي أص��������اب��������ه��������ن ال��������ذه��������ول‬

‫نفسه‪ :‬ص‪.36-35‬‬ ‫نفسه‪ :‬ص‪.463‬‬ ‫القرآن الكريم‪ -‬سورة الروم‪ -‬آية‪.54 :‬‬ ‫سلسلة األحاديث الصحيحة للشيخ األلباني رحمه‬ ‫الله ‪-‬رق��م ‪ -2798‬صفحة ‪ 511‬بعناية أبي عبيدة‬ ‫مشهور بن حسن آل سلمان‪.‬‬ ‫أمام األربعين‪ -‬ديوان الح مى صفحة ‪.655‬‬ ‫في أصابع الخمسين ‪ -‬دي��وان واللون عن األوراد‬ ‫صفحة ‪.33‬‬ ‫قصيدة‪ :‬حديقة الغروب من ديوان حديقة الغروب‬ ‫صفحة ‪.13‬‬ ‫بضمتين‪..‬‬ ‫المرجع السابق صفحة ‪.14‬‬ ‫ابن زهر (الحفيد) وش��اح األندلس للدكتور فوزي‬ ‫سعد عيسى‪ -‬كلية اآلداب‪ -‬جامعة اإلسكندرية‪-‬‬ ‫صفحة ‪.139‬‬ ‫دي��وان��ه‪ :‬حديقة ال �غ��روب قصيدة شاعر البحرين‬ ‫صفحة ‪.53‬‬ ‫ديوانه حديقة الغروب قصيدة لك الحمد صفحة‬ ‫‪.66-64‬‬ ‫ديوان حديقة الغروب صفحة ‪.24‬‬ ‫ديوان حديقة الغروب صفحة ‪.29‬‬ ‫ديوان حديقة الغروب قصيدة عادل صفحة‪.51‬‬ ‫«أب��ا ال �ف��رات» قصيدة للراحل رث��ى فيها الشاعر‬ ‫الكبير محمد مهدي الجواهري‪.‬‬ ‫«أمير الفل» قصيدة رثى فيها نزار قبّاني‪.‬‬ ‫«آيات» إشارة لقصيدته التي رثى فيها االستشهادية‬ ‫الفلسطينية آيات األخرس‪.‬‬

‫اجلوبة ‪ -‬خريف ‪1431‬هـ ‪51‬‬


‫اللهجات العربية في القرآن الكرمي‬ ‫> احلسني اإلدريسي*‬

‫ال يعد هذا الموضوع وليد الساعة‪ ،‬فلقد بحثه القدماء بحثا عميقا في جل فصوله‬ ‫وأبوابه وقلبوا قضاياه ظهرا عن بطن‪ ،‬ألنه موضوع يتجذر في القدم‪ ،‬وال بد من القول إن‬ ‫العلماء القدماء الذين تناولوا موضوع اللغة بالدرس والتحليل والبحث‪ ،‬كانوا يملكون‬ ‫كثيرا من الشجاعة واإلقدام العلميين‪ ،‬وقد فاق بعضهم ‪-‬حتى من تأخر بهم الزمن إلى‬ ‫وقتنا هذا‪ -‬واستفادوا من الثروات العلمية والمنهجية‪ ،‬ومرد ذلك إلى أن الخلفيات التي‬ ‫تحكم بعض المعاصرين‪ ،‬كانت في الغالب تقف حائال بينهم وبين الحقيقة العلمية‪،‬‬ ‫فكيف ينظر القدماء إلى اللغة في ذاتها من جانب؟ وإلى لغة القرآن الكريم من جانب‬ ‫آخر؟‬ ‫وكانت إجابة القرآن الكريم واضحة في قوله تعالى‪« :‬وما أرسلنا من رسول إال بلسان‬ ‫قومه»‪ ،‬واآلية القرآنية واضحة‪ ،‬تخبر بأن لسان الرسل المبعوثين إلى أقوامهم هو لسان‬ ‫أقوامهم ذاته‪ ،‬فقد بعث الرسول صلى الله عليه وسلم إلى قومه في الجزيرة العربية‪،‬‬ ‫وقومه هم العرب بصفة عامة‪ ،‬وكان ال بد من مراعاة االختالفات اللهجية التي كانت‬ ‫منتشرة بين تلك القبائل العربية‪.‬‬

‫‪52‬‬

‫اجلوبة ‪ -‬خريف ‪1431‬هـ‬


‫دراس����ـ����ـ����ـ����ـ����ـ����ـ����ـ����ـ����ـ����ـ����ـ����ـ����ات‬

‫‪-1‬اللغة واللهجة في عرف القدماء والمحدثين‪:‬‬ ‫أ‪ -‬مفهوم اللغة عند القدماء‪:‬‬ ‫ق��ال أب��و ال�ف�ت��ح ع�ث�م��ان ب��ن ج �ن��ي‪ ...« :‬حد‬

‫اللغة أص��وات يعبر بها كل ق��وم عن أغراضهم‪،‬‬

‫وأما تصريفها ومعرفة حروفها فإنها فعلة‪ .‬من‬

‫لغوت‪ ،‬أي تكلمت وأصلها لغوة‪ ،‬ككرة وقلة وثبة‪،‬‬ ‫كلها الماتها واوات لقولهم كووت بالكرة وقلوت‬ ‫ال�ق�ل��ة‪ ،‬وك��ذل��ك ال�ل�غ��و‪ ،‬ق��ال تعالى {وإذا مروا‬

‫باللغو مروا كراما} أي بالباطل‪ ،‬وفي الحديث‬

‫«من قال في الجمعة صه فقد لغا» أي تكلم‬

‫(‪)1‬‬

‫وقال إمام الحرمين في «البرهان»‪ :‬اللغة من لغي لغة ال �ح �ج��از»(‪ )6‬وك��ذل��ك م��ا ذه��ب إليه أب��و زيد‬ ‫يلغي من باب رضي إذا لهج بالكالم وقيل من لغى األن �ص��اري ف��ي (ال �ن��وادر ف��ي اللغة) حين يذكر‬ ‫(‪)2‬‬ ‫يلغى وقال ابن الحاجب حد اللغة كل حد وضع مجموعة من الظواهر اللغوية ويردها إلى لغتها؛‬ ‫لمعنى(‪.)3‬‬ ‫أي إلى لهجتها‪ ،‬وينبه إبراهيم أنيس إلى مصطلح‬

‫وق ��ال األس �ن��وي ف��ي ش ��رح م�ن�ه��اج األص ��ول‪ :‬آخر استعمله القدماء للتعبير عن اللهجة‪ ،‬وهو‬ ‫اللغات عبارة عن األلفاظ الموضوعة للمعاني(‪ ،)4‬مصطلح ال�ل�ح��ن‪ ،‬ف��ي ق��ول أع��راب��ي‪ :‬ليس هذا‬

‫وما نستنبطه من هذه التعريفات التي تكاد تجمع لحني وال لحن قومي(‪.)7‬‬ ‫على التعريف الذي قدمه ابن جني‪ ،‬هو أن اللغة‬

‫أصوات‪ ،‬ويتمم ابن جني بالوظيفة‪ ،‬وهي التعبير‬

‫عن األغ��راض‪ ،‬وهذا ما وجدناه في تعريف ابن‬ ‫الحاجب واألسنوي والجويني‪.‬‬

‫ب‪-‬مفهوم اللهجة لدى القدماء‪:‬‬

‫ت‪-‬مفهوم اللغة واللهجة عند المحدثين‪:‬‬ ‫ي�ع��رف إب��راه�ي��م أن�ي��س اللغة ب�ق��ول��ه‪« :‬اللغة‬

‫تشتمل ع ��ادة ع�ل��ى ع��دة ل�ه�ج��ات ل�ك��ل منها ما‬ ‫ي�م�ي��زه��ا‪ ،‬وج�م�ي��ع ه ��ذه ال�ل�ه�ج��ات ت�ش�ت��رك في‬ ‫مجموعة من الصفات اللغوية والعادات الكالمية‬

‫لم يفرق العلماء القدماء بين اللغة واللهجة‪ ،‬التي تؤلف لغة مستقلة عن غيرها من اللغات(‪.)8‬‬ ‫واستعملوا اللغة‪ ..‬وأرادوا بها اللهجة‪ ،‬فها هو أما في تعريفه للهجة فيذهب إلى القول «اللهجة‬

‫سيبويه ف��ي ب��اب سماه «ه��ذا م��ا أج��رى مجرى في االصطالح الحديث مجموعة من الصفات‬ ‫ليس في بعض المواضع بلغة أه��ل الحجاز ثم اللغوية‪ ،‬تنتمي إلى بيئة خاصة‪ ،‬ويشترك في هذه‬ ‫يصير على أصله»(‪.)5‬‬

‫الصفات جميع أفراد هذه البيئة؛ أما مندريس‪..‬‬

‫وه���ذا م��ا ذه ��ب إل �ي��ه ال�س�ي��وط��ي أي �ض��ا في فيذهب في تعريفه للهجة إل��ى أن اللهجة أوال‬

‫اإلتقان في باب سماه «ما وقع في القرآن بغير وقبل كل شيء‪ ،‬كيان لغوي‪ ،‬ويفسر العالقة بين‬

‫اجلوبة ‪ -‬خريف ‪1431‬هـ ‪53‬‬


‫اللهجة واللغة قائال‪« :‬تقوم اللغات المشتركة‬

‫كلها أسماء مشوهة الحدود‪ ،‬ووحدات ضخمة‬

‫اللغة ال�م��وج��ودة لغة مشتركة م��ن جانب أفراد‬

‫ال يرضي البحث الحديث‪.‬‬

‫دائما على أساس لغة موجودة‪ ،‬حيث تتخذ هذه‬ ‫مختلفي التكلم‪ ،‬وتفسير الظروف التاريخية تغلب‬

‫ه��ذه اللغة وتعليل انتشارها ف��ي جميع مناطق‬

‫التكلم المحلي المختلفة‪ ،‬وهذا ما حدث في بالد‬ ‫اإلغريق القديمة(‪.)9‬‬

‫أم��ا تمام حسان فيعرف اللغة بأنها ظاهرة‬

‫اجتماعية تقع في مجال علم االجتماع(‪.)10‬‬

‫‪ -2‬جغرافية اللهجات العربية‪:‬‬

‫وشاسعة‪ .‬فدراسة اللهجات على هذا النظام‬ ‫‪ -2‬إن الحجاز وتميم كالهما من القبائل الضخمة‬ ‫ذات الفروع والبطون المتعددة‪ ،‬وكثيرا ما نجد‬

‫لهجات هذه الفروع تخالف لهجة القبيلة األم‪،‬‬ ‫ثم إن بعض بطون هذه القبائل نفرت عنها‬

‫وعاشت في أماكن عديدة‪ ،‬فدراسة اللهجات‬ ‫ع��ن ط��ري��ق ت�ل��ك ال ��وح ��دات ال�ض�خ�م��ة‪ ،‬فيه‬

‫خطورة وخروج عن المنهج السليم‪.‬‬

‫اختلف ال��دارس��ون فيما بينهم بشأن تقسيم ‪ -3‬إذا وجهنا النظر إلى الخالف بين الكتلتين‬ ‫الحجازية والتميمية؛ فيعني هذا أننا سنبتر‬ ‫الجزيرة‪ ،‬فالمدايني يرى أنها تشتمل على خمسة‬ ‫أقسام‪ :‬تهامة ونجد والحجاز والعروض واليمن‪،‬‬ ‫وزاد ابن حوقل في أقسامها بادية العراق وبادية‬ ‫الجزيرة فيما بين دجلة والفرات‪ ،‬وبادية الشام‪،‬‬

‫وجعل البشاري جزيرة العرب أرب��ع كور جليلة‪،‬‬

‫م��ا ع��داه��ا م��ن ال �س �م��ات اللهجية للقبائل‬

‫المغمورة الذكر‪ ،‬وستكون الدراسة اللهجية‬ ‫ق��اص��رة وم �ح��دودة‪ ،‬وال تمثل اللهجات في‬

‫الجزيرة تمثيال صحيحا‪.‬‬

‫وأربع نواح نفيسة‪ ،‬والكور أولها‪ :‬الحجاز ثم اليمن ‪ -4‬إن أخ��ذ تميم والحجاز في االعتبار يضيع‬ ‫ثم عمان‪ ،‬ثم هجر والنواحي‪ ،‬األحقاق واألشجار‬ ‫على الباحث لهجات المدن كمكة والطائف‪،‬‬

‫واليمامة وقرح(‪.)11‬‬

‫ويضيع كذلك لهجات األفخاذ والفصائل‪.‬‬

‫وق� ��د أدى ه� ��ذا االخ� �ت�ل�اف ف ��ي التقسيم ولم يقتصر القصور المنهجي في دراسة اللهجات‬ ‫الجغرافي‪ ،‬إلى اختالف في المنهج الذي يمكن أن‬ ‫ال�ع��رب�ي��ة ح�س��ب ت��وزي�ع�ه��ا وجغرافيتها على‬

‫‪54‬‬

‫تدرس به هذه اللهجات وتصنف‪ ،‬ومن الدارسين‬

‫المستشرقين والمعاصرين فقط‪ ،‬بل وجد‬

‫اللهجية إلى الخالف بين الحجازية والتميمية‪،‬‬

‫فسيبويه في الكتاب ال يولي اهتماما كبيرا‬

‫إال قليال جدا عن سواهما‪ ،‬ولذلك ال يتمكن من‬

‫الحجاز وتميم‪ ،‬وتبعه في ذلك البغدادي‪ ،‬وابن‬

‫علم الدين الجندي إلى معارضة هذا التقسيم‪،‬‬

‫ومثال ذلك ما حكاه الصنعاني في التصريح‬

‫‪ -1‬إن كلمة الشرق أو الغرب أو الحجاز وتميم‪،‬‬

‫منها إال صيغتين‪ ،‬واح��دة لتميم‪ ،‬واألخرى‬

‫الغربيين ذهب (‪ )Sara w‬إلى إرجاع كل الفروق‬

‫هذا التعامل مع الموضوع حتى عند القدماء‪،‬‬

‫كما رأى رابين أنسيانت (‪ )An Cient‬أنه ال يعمل‬

‫للهجات األخرى‪ ،‬ويحتفل احتفاال كبيرا بلهجتي‬

‫أخذ غيرهما في االعتبار‪ .‬ويذهب الدكتور أحمد‬

‫يعيش في إهمال لهجات البطون المغمورة‪،‬‬

‫ألسباب يعدها على الشكل اآلتي‪:‬‬

‫من أن (هيهات) ست وثالثين لغة‪ ،‬ثم ال يذكر‬

‫اجلوبة ‪ -‬خريف ‪1431‬هـ‬


‫وأسباب هذا اإلهمال كثيرة‪ ،‬منها التعصب‬

‫القبلي ومعيار الغلبة‪ ،‬ومنها اعتبار بعض اللهجات‬ ‫شذوذا أو عيبا في الكالم «وفي كتب اللغة إشارات‬

‫إلى بعض المذموم من لهجات العرب‪ ،‬من ذلك‬ ‫الكشكشة وهي في ربيعة ومضر‪ ،‬يجعلونه كاف‬ ‫الخطاب شيناً‪ ،‬فيقولون رأيتكش وعليكش وفي‬

‫ذلك أنشد قائلهم‪:‬‬

‫فعيناش عينها وجيدش جيدها‬ ‫ول���ون���ش إال أن���ه���ا غ��ي��ر عاطل‬ ‫وم��ن ذل��ك الفحفحة ف��ي لغة هذيل يجعلون‬

‫الحاء عينا(‪ .)13‬ومن ذلك الطمطمانية في لغة‬

‫حمير كقولهم طاب أمهواء أي طاب الهواء(‪،)14‬‬

‫ومن ذلك الجعجعة في لغة قضاعة‪ ،‬يجعلون الياء‬

‫المشدودة جيما فيقولون في تميمي‪ :‬تميمج(‪.)15‬‬ ‫ومن ذلك شنشنة اليمن تجعل الكاف شينا مطلقا‬ ‫ك �ـ لبيش اللهم لبيش؛ أي ل �ب �ي��ك‬

‫(‪)16‬‬

‫لخلخانية‬

‫أع��راب الشخر‪ ،‬وعمان كقولهم‪ :‬مشا الله كان‪:‬‬ ‫أي ما شاء الله ك��ان(‪ .)17‬وعنعنة تميم‪ ،‬وإن كان‬

‫ال��دارس��ون م��ن ال�ق��دم��اء والمحدثين يقسمون‬ ‫المنطقة إلى كتلة شرقية وأخرى غربية‪ ،‬فإن هذا‬ ‫التقسيم وه��ذا المنهج ال يخل من تعسف‪ ،‬وال‬ ‫يحيط بالمادة كلها‪ ،‬ألننا نجد اختالفا لهجيا بين‬

‫قبائل الكتلة الشرقية نفسها‪ ،‬وبين الكتلة الغربية‬ ‫نفسها‪ ،‬بل إننا نجد اختالفا لهجيا بين القبيلة‬ ‫الواحدة «فقد قال أبو زيد‪ :‬لمق الشيء‪ ،‬كتبه في‬ ‫لغة عقيل‪ ،‬وسائر قيس يقولون‪ :‬لمقه‪ :‬محاه‬

‫(‪)18‬‬

‫وقد ذكرت كتب األنساب بأن عقيال من قيس‪،‬‬

‫ومع ذلك اختلفت قيس القبيلة األم مع بطن من‬ ‫بطونها(‪ .)19‬ويسوق السيرافي نصا مضمونه «أن‬ ‫قوما من ربيعة يقولون «منهم في منهم» ويعلل‬

‫دراس����ـ����ـ����ـ����ـ����ـ����ـ����ـ����ـ����ـ����ـ����ـ����ـ����ات‬

‫للحجاز دون غيرهما»(‪.)12‬‬

‫سيبويه لذلك فيقول‪« :‬أتبعوها الكسرة ولم يكن‬ ‫المسكن حاجزا محسنا عندهم»‪ .‬ويستفاد من‬ ‫هذا النص أن بعض ربيعة اختلفت عن بعضها‬ ‫اآلخر‪ ،‬فمنهم من كسر‪ ،‬ومنهم من ضم‪ ،‬وحكى‬ ‫أبو محمد البطليوسي في كتاب الفرق أن بني‬ ‫ضبة يقولون‪ :‬فاظت نفسه بالظاء‪ ،‬وفي الغريب‬ ‫المضف‪ :‬أن ناسا من بني تميم يقولون‪ :‬فاضت‬ ‫نفسه(‪ )20‬وتذكر كتب الجغرافيا واألنساب بأن‬ ‫منازل ضبة كانت في جوار بني تميم‪ ،‬وإخوتهم‬ ‫فمنهم إخوتهم في النسب‪ ،‬وجيرانهم في علم‬ ‫الجغرافيا ومع هذا فكل قبيلة اتخذت لها مجرى‬ ‫لهجيا يخالف القبيلة األخرى(‪.)21‬‬

‫‪ -3‬لغة القرآن الكريم‪:‬‬ ‫ن��زل ال�ق��رآن بلسان ق��وم ال��رس��ول صلى الله‬ ‫عليه وسلم‪ ،‬وقومه هم ال�ع��رب‪ ،‬وال�ع��رب قبائل‬ ‫وب �ط��ون تختلف لهجاتهم ح�ت��ى داخ ��ل القبيلة‬ ‫الواحدة‪ ،‬وهذا يعني أن القرآن الكريم قد ضم‬ ‫هذه الفسيفساء الجغرافية داخل الجزيرة وحتى‬ ‫خارجها بدقة متناهية‪ ،‬لكن اآلراء تختلف حول‬ ‫هذه المسألة‪ ..‬وتتوزع بين أربعة اتجاهات‪ ،‬نورد‬ ‫أهمها في االتجاهين التاليين‪:‬‬ ‫األول‪ :‬اعتبر هذا االتجاه أن القرآن الكريم‬ ‫نزل بلهجة قريش‪ ،‬معتبرا أن قومه ال��واردة في‬ ‫اآلي��ة تعود لقريش‪ ،‬وبما أن الرسول صلى الله‬ ‫عليه وسلم منها‪ ،‬فقد ن��زل بلسانها‪ ،‬وسندهم‬ ‫في ذلك بعض األحاديث النبوية‪ ،‬ومنها ما رواه‬ ‫البخاري‪« :‬حدثنا أبو اليمان‪ ،‬أخبرنا أبو شعب‬ ‫األزه ��ري‪ ،‬أخبرني أن��س ب��ن م��ال��ك‪ ،‬ق��ال‪ :‬فأمر‬ ‫عثمان زيد بن ثابت وسعد بن العاص‪ ،‬وعبد الله‬ ‫ابن الزبير‪ ،‬وعبد الرحمن بن الحارث بن هشام‬ ‫أن ينسخوها ف��ي ال�م�ص��اح��ف‪ ،‬وق��ال ل�ه��م‪ ،‬إذا‬

‫اجلوبة ‪ -‬خريف ‪1431‬هـ ‪55‬‬


‫اختلفتم أنتم وزيد بن ثابت في عربية من عربية من طريق واحد وعشرين صحابيا(‪ )26‬حول رسول‬

‫القرآن‪ ،‬فاكتبوها بلسان قريش‪ ،‬فإن القرآن نزل الله عليه الصالة السالم‪« :‬إن هذا القرآن أنزل‬

‫بلسانهم‪ ،‬ففعلوا(‪.)22‬‬

‫ويستفيد بعضهم في ترجيح هذا الرأي إلى‬

‫على سبعة أحرف فاقرأوا ما تيسر منه»‪.‬‬

‫وقد ع ّد الطبري هذا االختالف في الحروف‬

‫أن قريش أفصح العرب لغة‪ ،‬قال ابن فارس في السبعة‪ ،‬اختالفا في األلفاظ كقولك‪ :‬هلم وتعال‬

‫هذا الشأن «أجمع علماؤنا بكالم العرب والرواة ب��ات�ف��اق ال�م�ع��ان��ي‪ ،‬ال ب��اخ�ت�لاف م�ع��ان��ي موجبة‬ ‫ألشعارهم والعلماء بلغاتهم وأيامهم أن قريشا اختالف أحكام(‪.)27‬‬

‫أف �ص��ح ال �ع��رب أل�س�ن��ة‪ ،‬وأص �ف��اه��م ل �غ��ة‪ ،‬وذلك‬

‫وذهب آخرون إلى الربط بين السبعة أحرف‬

‫أن الله ج��ل ث�ن��اؤه اخ�ت��اره��م م��ن جميع العرب‪ ،‬ولغات العرب‪ ،‬ومنهم ابن عطية في قوله‪ :‬معنى‬ ‫واصطفاهم واختار منهم نبي الرحمة محمدا قول النبي صلى الله عليه وسلم «أن��زل القرآن‬

‫صلى الله عليه وسلم‪ ،‬وكانت على فصاحتها‪،‬‬ ‫وحسن لغاتها‪ ،‬ورق��ة ألسنتها‪ ،‬إذا أتتهم الوفود‬

‫من العرب‪ ،‬تخيروا من كالمهم وأشعارهم أحسن‬

‫لغاتهم وأصفى كالمهم‪ ،‬فاجتمع ما تخيروا من‬ ‫تلك اللغات إلى نحائزهم وسالئقهم التي طبعوا‬

‫عليها‪ ،‬ف�ص��اروا بذلك أفصح ال �ع��رب(‪ .)23‬وقال‬

‫ثعلب‪ :‬ارتفعت قريش في الفصاحة عن عنعنة‬ ‫تميم‪ ،‬وتلتلة بهراء‪ ،‬وكسكسية ربيعة‪ ،‬وكشكشة‬

‫هوازن‪ ،‬وتضجع قريش‪ ،‬وعجرفية ضبة(‪.)24‬‬

‫الثاني‪ :‬وتعد لغة القرآن هي لغة العرب كافة‪،‬‬

‫وسندهم ف��ي ذل��ك بعض اآلي��ات القرآنية مثل‬

‫قوله تعالى‪« :‬قرآنا عربيا غير ذي عوج» وقوله‬

‫تعالى‪« :‬كذلك أنزلناه قرآنا عربيا»‪ .‬وقوله جلت‬

‫قدرته‪« :‬إنا أنزلناه قرآنا عربيا»‪ ،‬وفسروا عربيا‬ ‫بمعنى جميع لغات العرب‪ ،‬وع��دَّ السيوطي في‬ ‫كتابه «اإلتقان في علوم القرآن» اللهجات العربية‬

‫الواردة في القرآن الكريم وأورد نماذجها(‪.)25‬‬

‫على سبعة أح��رف»‪ ،‬أي فيه عبارة سبع قبائل‪،‬‬ ‫بلغة جملتها نزل القرآن‪ ،‬فيعبر عن المعنى فيه‬ ‫مرة بلغة قريش‪ ..‬ومرة بعبارة هذيل‪ ..‬ومرة بغير‬

‫ذلك بحسب األفصح واألوجز في اللفظ(‪.)28‬‬

‫وفسر بعضهم السبعة أحرف باألحكام‪ ،‬فقال‬

‫أبو شامة إن قوما ذهبوا في قول النبي صلى الله‬

‫عليه وسلم «أنزل القرآن على سبعة أحرف»‪ ،‬على‬ ‫أنها سبعة أنحاء وأصناف‪ ،‬فمنها زاج��ر ومنها‬ ‫آمر‪ ،‬ومنها عن ابن مسعود عن النبي صلى الله‬

‫عليه وسلم قال‪« :‬كان الكتاب األول نزل من باب‬ ‫واحد على حرف واحد‪ ،‬ونزل القرآن من سبعة‬ ‫أب ��واب على سبعة أح ��رف‪ ،‬زاج��ر وآم��ر وحالل‬

‫وحرام ومحكم ومتشابه وأمثال‪ ،‬فأحلوا حالله‪،‬‬

‫وحرموا حرامه‪ ،‬وافعلوا ما أمرتم به‪ ،‬وانتهوا عما‬

‫نهيتم عنه‪ ،‬واعتبروا بأمثاله‪ ،‬واعملوا بمتشابهه‪،‬‬

‫وقولوا آمنا به كل من عند ربنا»(‪.)29‬‬

‫وذك ��ر ال�ق��رط�ب��ي ف��ي تفسيره ع��ن أب��ي بكر‬

‫القراءات القرآنية وعالقتها باللهجات ال�ب��اق�لان��ي ق ��ال‪ :‬ت��دب��رت وج ��وه االخ �ت�لاف في‬

‫العربية‪:‬‬

‫ال�ق��راءة فوجدتها سبعا‪ ،‬منها ما تتغير حركته‬

‫يورد السيوطي في إتقانه حديثا نبويا مرفوعا وال يزول معناه وال صورته‪ ،‬مثل «هن أطهر لكم‪،‬‬

‫‪56‬‬

‫اجلوبة ‪ -‬خريف ‪1431‬هـ‬


‫دراس����ـ����ـ����ـ����ـ����ـ����ـ����ـ����ـ����ـ����ـ����ـ����ـ����ات‬

‫وأط�ه��ر‪ ،‬ويضيق ص��دري ويضيق‪ ..‬ومنها ما ال هي حية للهجاتهم‪ ،‬وأرى أن القراءة وإن شذت‪،‬‬ ‫تتغير صورته ويتغير معناه باإلعراب مثل «ربنا هي أقوى من تراث النثر والشعر على السواء‪،‬‬ ‫باعد بين أسفارنا «وباعد ومنها ما تبقى صورته يقول الفراء‪ :‬والكتاب أعرب وأقوى في الحجة‬ ‫ويتغير معناه باختالف ال�ح��روف مثل ننشرها من الشعر(‪ )32‬ولهذا قامت حركة علمية للدفاع‬ ‫ون �ن �ش��زه��ا‪ ،‬وم�ن�ه��ا م��ا يتغير ص��ورت��ه «كالعهن عن القراءات الشاذة(‪.)33‬‬ ‫المنفوش» وكالصوف المنقوش» ومنها بالزيادة‬ ‫‪ -4‬اللهجات العربية في القرآن الكريم‪:‬‬ ‫والنقصان مثل «تسع وتسعون نعجة أنثى» وقوله‬ ‫كثيرا ما ك��ان الصحابة يتوقفون عند بعض‬ ‫«وأما الغالم فكان كافرا وكان أبواه مومنين»(‪.)30‬‬ ‫األلفاظ الواردة في القرآن عاجزين عن شرحها‪،‬‬ ‫وي��ورد السيوطي في اإلت�ق��ان رأي��ا آخ��ر البن‬ ‫ألنها لم تجر على لسانهم‪ ،‬وال تنتمي إلى قاموس‬ ‫سعدان النحوي‪ :‬أنه ليس المراد بالسبعة حقيقة‬ ‫لهجة قبيلتهم‪ ،‬وسماه العلماء بالغريب في القرآن‬ ‫ال�ع��دد‪ ،‬بل ال�م��راد التسيير والتسهيل والسعة‪،‬‬ ‫الكريم‪ ،‬واف ��رده بالتصنيف خالئق ال يحصون‬ ‫ولفظ السبعة يطلق على إرادة الكثرة في اآلحاد‬ ‫منهم‪:‬أبو عبيدة‪ ،‬وأبو عمر الزاهد‪ ،‬وابن دريد‪،‬‬ ‫كما يطلق السبعون في العشرات والسبعمائة في‬ ‫وم��ن أش�ه��ره��ا ك �ت��اب ال �ع��زي��زي‪ ،‬ف�ق��د أق ��ام في‬ ‫المئين وال يراد العدد المعين‪.‬‬ ‫تأليفه خمسة عشر س�ن��ة‪ ،‬ي�ح��رره ه��و وشيخه‬ ‫ويجمل السيوطي ال�ق��ول ف��ي ه��ذه المسألة أبو بكر األن �ص��اري(‪ .)34‬وها هم الصحابة‪ ،‬وهم‬ ‫في كتاب اإلتقان بأن العلماء اختلفوا في هذه العرب العرباء وأصحاب اللغة الفصحى‪ ،‬ومن‬ ‫المسألة على نحو أربعين قوال‪ ،‬وذكر منها خمسة نزل القرآن عليهم وبلغتهم‪ ،‬توقفوا في ألفاظ لم‬ ‫وثالثين(‪.)31‬‬ ‫يعرفوا معناها‪ ،‬فلم يقولوا فيها شيئا‪ ،‬فأخرج أبو‬

‫وليست القراءات السبعة وحدها مصدرا من عبيدة في الفضائل عن إبراهيم التميمي أن أبا‬ ‫مصادر اللهجات العربية بل تشاركها القراءات بكر الصديق سئل عن قوله تعالى {وفاكهة وأبا}‪،‬‬ ‫ال� �ش ��اذة‪ ،‬ألن ل �ه��ا س �ن��دا م��ن ص �ح��ة الرواية‪ ،‬فقال أي سماء تظلني‪ ،‬وأي أرض تقلني‪ ،‬إن أنا‬ ‫وموافقتها وجها من وجوه العربية‪ ،‬ولهذا كان ابن قلت في كتاب الله ماال أعلم‪ ،‬وأخ��رج عن أنس‬ ‫جني على حق عندما وثق الشاذ واحتج له‪ ،‬ثم أن عمر ابن الخطاب قرأ على المنبر {وفاكهة‪،‬‬ ‫حاول ابن جني أن يعلن توثيقه للشاذ «ولعله أو وأبا} فقال هذه الفاكهة قد عرفناها‪ ،‬فما األب‪،‬‬ ‫كثيرا منه مساو في الفصاحة للمجتمع عليه‪ ...‬ثم رج��ع إل��ى نفسه فقال إن ه��ذا لهو الكلف يا‬ ‫والرواية تنميه إلى الرسول عليه السالم‪ ،‬والله عمر‪ ،‬وأخرج عن طريق مجاهد ابن عباس‪ ،‬قال‪:‬‬ ‫تعالى يقول‪{ :‬ما أتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم كنت ال أدري م��ا فاطر ال�س�م��اوات حتى أتاني‬ ‫عنه فانتهوا}‪ .‬وما القراءات الشاذة في نظرنا إال أعرابيان يختصمان في بئر‪ ،‬فقال أحدهما‪ :‬أنا‬ ‫صورة نابضة بالحياة لكثير من لهجات القبائل فطرتها‪ ،‬يقول أنا ابتدأتها(‪ .)35‬وأخرج ابن جريج‬ ‫العربية‪ ،‬ولكن هذه القبائل ‪-‬لم تنل نصيبا من عن سعيد بن جبير أنه سئل عن قوله {وحنانا‬ ‫المجد والجاه‪ -‬فحكموا بشذوذ قراءاتهم التي من لدنا} فقال‪ :‬سألت عنها ابن عباس فلم يجب‬

‫اجلوبة ‪ -‬خريف ‪1431‬هـ ‪57‬‬


‫فيها بشيء‪ ،‬وأخ��رج الفرياني حدثنا إسرائيل‪،‬‬ ‫حدثنا سماك بن حرب عن عكرمة عن ابن عباس‬ ‫قال‪ :‬كل القرآن أعلمه إال أربعا‪ :‬غسلين‪ ،‬وحنانا‪،‬‬ ‫وأواه‪ ،‬والرقيم‪ ،‬وأخرج من طريق ابن عباس قال‬ ‫ما أدري ما الغسلين ولكني أظنه الزقوم‪.‬‬

‫وق��ال أب��و بكر الواسطي في كتابه «اإلرشاد‬

‫في القراءات العشر»‪« :‬وفي القرآن من اللغات‬ ‫خمسون لغة‪ ،‬لغة قريش وهذيل وكنانة وخثعم‬

‫وال �خ��زرج وأش�ع��ر ونمير وقيس غيالن وجرهم‬

‫واليمن وأزد شنوءة وكندة وتميم وحمير ومدين‬

‫وكان الشعر مادة أساسية يستعملها المفسرون ول�خ��م وس�ع��د العشيرة وح�ض��ر م��وت وسدوس‬ ‫لحل غريب القرآن ومشكله‪ ،‬وأنكر جماعة ال علم وال�ع�م��ال�ق��ة وأن �م��ار وغ �س��ان وم��ذح��ج وخزاعة‪،‬‬ ‫لهم على النحويين ذلك وقالوا‪ :‬إذا فعلتم ذلك‪ ،‬وغطفان وسبأ وعمان وبنو خيفة وثعلب وطي‬ ‫جعلتم الشعر أصال للقرآن‪ ،‬قالوا‪ :‬وكيف يجوز وعامر بن صعصعة وأوس ومزينة وثقيف وجذام‬ ‫أن يحتج بالشعر على ال�ق��رآن وه��و مذموم في وعذرة وهوازن والنمر واليمامة(‪.)38‬‬ ‫ال�ق��رآن وال�ح��دي��ث‪ ،‬ق��ال‪ :‬وليس كما زع�م��وه من‬ ‫وع��ن ه��ذه اللهجات العربية كتب كثير من‬ ‫أنا جعلنا الشعر أصال للقرآن‪ ،‬بل أردن��ا تبيين العلماء وأحصوها إحصاء يضيق المقام بذكرها‬ ‫الحرف الغريب من القرآن بالشعر ألن الله تعالى ك �ل �ه��ا‪ ،‬ون��أت��ي ببعضها ع �ل��ى س�ب�ي��ل ال �م �ث��ال ال‬ ‫قال‪« :‬إنا جعلناه قرآنا عربيا» و»قال «بلسان عربي الحصر‪ ،‬أخرج أبو عبيدة من طريق عكرمة عن‬ ‫مبين» وقال ابن عباس الشعر ديوان العرب‪ ،‬فإذا ابن عباس في قوله‪« ،‬وأنتم سامدون»‪ ،‬قال الفناء‬ ‫خفي علينا الحرف من القرآن الذي أنزله الله وه��ي يمانية‪ ،‬وأخ��رج بن أب��ي حاتم عن عكرمة‬ ‫بلغة العرب رجعنا إلى ديوانها فالتمسنا معرفة هي بالحميرية‪ ،‬واخرج عن الحسين قال‪ :‬كنا ال‬ ‫ذلك منه‪.‬‬ ‫ندري األرائ��ك حتى لقينا رجال من أهل اليمن‪،‬‬ ‫وأخرج أبو يعلى في مسنده أن عثمان قال على فاخبرنا أن األريكة عندهم الحجلة فيها السرير‪،‬‬ ‫المنبر‪ :‬سمعت النبي عليه الصالة السالم قال‪ :‬وأخرج عن الضحاك في قوله تعالى {ولو ألقى‬ ‫«إن القرآن أن��زل على سبعة أح��رف كلها شاف معاذيره} قال‪ :‬ستوره بلغة أهل اليمن‪ ،‬وأخرج‬ ‫كاف»‪ ،‬ولما قام قاموا وأشهدوا بذلك‪ ،‬فقال أنا عن ابن أبي حاتم عن الضحاك في قوله تعالى‪:‬‬ ‫أشهد معهم واختلف في معنى هذا الحديث على «ال وزر» قال ال حيل وهي بلغة أهل اليمن‪ ،‬وأخرج‬ ‫عن محمد بن علي في قوله تعالى {ونادى نوح‬ ‫نحو أربعين قوال(‪.)36‬‬ ‫ابنه} قال‪ :‬هي بلغة طيب ابن امرأته قلت وقد‬ ‫وق��ال اإلم��ام أب��و محمد عيدالله ب��ن قتيبة‪:‬‬ ‫قوى‪« ،‬ونادى نوح ابنها»‪،‬أخرج عن الضحاك في‬ ‫«وكان من تيسير الله أن أمر نبيه صلى الله عليه‬ ‫قوله تعالى‪( :‬أعصر خمرا) قال عنبا بلغة أهل‬ ‫وسلم أن يقريء كل قوم بلغتهم‪ ،‬وما جرت عليه‬ ‫عمان يسمون العنب خمرا‪.‬‬ ‫عاداتهم‪ ،‬فالهذالي يقرأ «عنى حين» يريد «حتى‬ ‫وق��ال أبو القاسم في الكتاب ال��ذي ألفه في‬ ‫حين» ألنه هكذا يلفظ بها ويسمعها‪ .‬واألسدي‬ ‫يقرأ يعلمون ويعلم وي�س��ود وأل��م اعهد إليكم‪ .‬ه��ذا ال �ن��وع‪ :‬ف��ي ال �ق��رآن بلغة ك�ن��ان��ة‪ ،‬السفهاء‪:‬‬ ‫ال�ج�ه��ال‪ ،‬خاسئين‪ :‬ص��اغ��ري��ن‪ ،‬ش�ط��ره‪ :‬تلقاءه‪،‬‬ ‫والتميمي يهمز والقرشي ال يهمز(‪.)37‬‬

‫‪58‬‬

‫اجلوبة ‪ -‬خريف ‪1431‬هـ‬


‫معجزين‪ :‬سابقين‪ ،‬يغرب‪ :‬يغيب‪ ،‬تركنوا‪ :‬تميلوا‪ ،‬العتزال الزمخشري‪ ،‬والمعتزلة تجنح للقياس‬ ‫فجوة‪ :‬ناحية‪ ،‬موئال‪ :‬ملجأ‪.‬‬ ‫والعقل ال للرواية والنقل‪ ،‬ولهذا لم تظهر اللهجات‬ ‫وبلغة حمير‪ :‬تفشال‪ :‬تجبنا‪ ،‬سفاهة‪ :‬جنون‪ ،‬في مؤلفه‪.‬‬

‫من الكبر عتيا‪ :‬نحوال‪ ،‬م��آرب‪ :‬حاجات‪ ،‬فرجا‪:‬‬

‫جعال‪ ،‬غراما‪ :‬بالء‪.‬‬

‫وقال الواسطي ليس في القرآن حرف غريب‬

‫عن لغة قريش غير ثالثة أحرف‪ ،‬ألن كالم قريش‬

‫دراس����ـ����ـ����ـ����ـ����ـ����ـ����ـ����ـ����ـ����ـ����ـ����ـ����ات‬

‫ال خ�ل�اق‪ :‬ال ن�ص�ي��ب‪ ،‬وجعلكم م�ل��وك��ا أح���رارا‪ ،‬على لغة بني تميم‪ ،‬ول�ع��ل ه��ذا ال��رف��ض يرجع‬

‫وب �ل �غ��ة ج ��ره ��م‪ :‬ب �ج �ب��ار‪ :‬ب �م �س �ل��ط‪ ،‬القطر‪ :‬سهل لين واض��ح‪ ،‬وك�لام العرب وحشي غريب‪،‬‬ ‫فليس في القرآن إال ثالثة أحرف غريبة(‪ .)40‬وقد‬ ‫النحاس‪ ،‬معكوفا‪ :‬محبوسا‪.‬‬ ‫مثل هذا االتجاه بوضوح ابن فارس بقوله «أجمع‬ ‫وبلغة مذحج‪ :‬رف��ث‪ :‬جماع‪ ،‬مقيتا‪ :‬مقتدرا‪،‬‬ ‫علماؤنا بكالم العرب والرواة ألشعارهم والعلماء‬ ‫الوصيد‪ :‬الفناء‪ ،‬حقبا‪ :‬دهرا‪ ،‬الخرطوم‪ :‬األنف‪.‬‬ ‫بلغاتهم وأيامهم أن قريشا أفصح العرب ألسنة‬ ‫وبلغة خثعم‪ :‬مريج‪ :‬مبتصر‪ ،‬هلوعا‪ :‬ضجورا‪،‬‬ ‫وأصفاهم لغة وذلك أن الله جل ثناؤه اختارهم‬ ‫شططا‪ :‬كذبا‪.‬‬ ‫من جميع العرب‪ ،‬واصطفاهم واختار منهم نبي‬ ‫وبلغة قيس غ �ي�لان‪ :‬نحلة‪ :‬ف��ري�ض��ة‪ ،‬حرج‪ :‬الرحمة محمد صلى الله عليه وسلم‪ ،‬وكانت على‬

‫ضيق‪ ،‬لخاسرون‪ :‬مضيعون‪ ،‬تفندون‪ :‬تستهزئون‪ ،‬فصاحتها وحسن لغاتها ورقة ألسنها‪ ..‬فصاروا‬ ‫صياصيهم‪ :‬حصونهم‪ ،‬رجيم‪ :‬ملعون‪.‬‬ ‫بذلك أفصح العرب(‪.)41‬‬ ‫وبلغة سعد‪ :‬أختان‪ :‬عيال‪ ،‬وبلغة كندة‪ :‬فجاجا‪:‬‬

‫وقد أورد هذا القول ابن عيدالبر (ت ‪463‬هـ)‬

‫طرقا‪ ،‬تبتئس‪ :‬تحزن‪ ،‬وبلغة حضرموت ربيون‪ :‬في التمهيد بقوله إن غير لغة قريش موجودة في‬ ‫رجال‪ ،‬دمرنا‪ :‬أهلكنا‪ ،‬وبلغة مزينة‪ :‬ال تغلوا‪ :‬ال جميع القراءات(‪ .)42‬فالقرآن كما أورد من لهجة‬

‫ت��زي��دوا وبلغة لخم‪ :‬إم�لاق‪ :‬ج��وع‪ ،‬وبلغة جذام‪ :‬قريش أورد غيرها من لهجات القبائل العربية‪،‬‬ ‫فجاسوا خالل الديار‪ :‬تخللوا األزقة‪ ،‬وبلغة بني يوضح هذا ما روي عن عمر بن الخطاب‪ ،‬وكان‬

‫حنيفة‪ :‬العقود‪ :‬العهود‪ ،‬الجناح‪ :‬اليد‪ ،‬الرهب‪ :‬ال يفهم معنى قوله تعالى (ويأخذهم على تخوف)‬ ‫الفزع‪ ،‬وبلغة اليمامة‪ :‬حصرت‪ :‬ضاقت‪ ،‬وبلغة أي على تنقص لهم‪ ،‬وعمر بن الخطاب قريشي‪،‬‬ ‫سبأ‪ :‬تميلوا ميال عظيما‪ :‬تخطئون خطأ بينا‪ ،‬وهذا دليل على أن هذه الكلمة لم تكن من لهجة‬ ‫وبلغة سليم‪ :‬نكص‪ :‬رجع(‪.)39‬‬ ‫قريش‪ ،‬ويورد البيضاوي في تفسيره أن عمر كان‬ ‫وك��ان م��ن العلماء ال�ق��دم��اء م��ن رف��ض ورود قد قرأ هذه اآلية على المنبر‪ ،‬وقال‪ :‬ما تقولون‬ ‫اللهجات في القرآن‪ ،‬وذهب إلى أن القرآن نزل فيها؟ فسكتوا‪ ،‬فقام شيخ من هذيل‪ ،‬فقال‪ :‬هذه‬ ‫بلغة قريش‪ ،‬وم��ن ه��ؤالء الزمخشري حين قال لغتنا التخوف‪ :‬التنقص‪ ،‬فقال هل تعرف العرب‬

‫في قوله تعالى‪« :‬قل ال يعلم من في السماوات ذل��ك في أشعارها؟ ق��ال نعم‪ ،‬ق��ال شاعرنا أبو‬ ‫واألرض الغيب إال الله» إنه استثناء منقطع جاء كبير يصف ناقته‪:‬‬

‫اجلوبة ‪ -‬خريف ‪1431‬هـ ‪59‬‬


‫وم��ن اح�ت�ج��اج��ات اب��ن ح �ي��ان ن ��ورد م��ا روى‬

‫تخوف الرحل منها تامكا قردا‬ ‫كما تخوف عود النبعة السفن‬

‫(‪)43‬‬

‫فالقرآن كما شمل «لغة ق��ري��ش» ق��د يشمل‬ ‫غيرها‪ ،‬لكن ال��واض��ح ه��و أن النظر التقويمي‬ ‫للهجات اعتبرها نوعا من االنحطاط اللغوي وها‬

‫عن أبي عمر‪ ،‬ومن جواز صدق حركة اإلعراب‬ ‫بالتسكين‪ ،‬مستدال بقراءة (بارئكم) و(بعولتهن)‪،‬‬ ‫وقد طعن على هذه القراءة النحاة أمثال سيبويه‬ ‫وابن جني والمبرد‪ ،‬وقالوا بأن قراءة أبي عمرو‬

‫هو ابن حزم ينكر تفضيل لهجة على لهجة أخرى لحن‪ ،‬وي��رى ابن حيان أن ما ذهب إليه المبرد‬ ‫«وقد توهم قوم في لغتهم أنها أفضل اللغات‪ ...‬وأعوانه من النحاة ليس بشيء‪ ،‬ألن أبا عمرو لم‬

‫وه��ذا ال معنى ل��ه‪ ...‬ألن وج��وه الفضل معروفة‬

‫يقرأ إال بأثر عن الرسول عليه الصالة السالم‪،‬‬

‫وإنما هي بعمل واختصاص‪ ،‬وال عمل للغة‪ ،‬وال وق��د ثبت نقل أب��ي ع�م��رو أن اإلس �ك��ان منقول‬ ‫جاء نص في تفضيل لغة على لغة‪ ،‬وقد غلط في محكي ع��ن تميم‪ ،‬وإذا ثبت لهجة عربية‪ ،‬فال‬ ‫ذلك جالينوس‪ ،‬فقال‪ :‬إن لغة اليونانيين أفضل ينبغي أن يخطيء بها القارئ أو يغلط‪ ،‬ولهذا يرى‬ ‫اللغات‪ ،‬ألن سائر اللغات إنما تشبه نباح الكالب‪ ،‬اب��ن حيان أن ال�ق��راءات ج��اءت على لغة العرب‬

‫وإما نقيع الضفادع(‪ .)44‬وإذا كان ابن حزم ينتمي‬ ‫إل��ى ال�غ��رب اإلس�لام��ي‪ ..‬فما ه��و موقف علماء‬ ‫اللغة وسائر العلوم من هذه القضية؟‬ ‫لم يطعن علماء العربية في الغرب اإلسالمي‬

‫قياسها وشاذها(‪.)46‬‬

‫خاتمة‬ ‫لم تقتصر لغة القرآن الكريم على اللهجات‬ ‫العربية فقط‪ ،‬بل وجدت إلى جانب هذه اللهجات‬

‫على اللهجات ال�ع��رب�ي��ة‪ ،‬فنجدهم ق��د اهتموا‬

‫لغات أخرى استخلصها المصنفون في مؤلفاتهم‪،‬‬

‫ونذكر من هؤالء المصنفين أبا عيدالله الطائي‬

‫من المعرب»‪ ،‬وال شك أن في ذلك حكمة إلهية‬

‫على حواشيها‪ ،‬ومن مؤلفاته التي ذكرها له العلماء‬

‫وهذا االختالف هو سر من األسرار اإللهية في‬

‫وتقع في ثالثة وسبعين وسبعمائة وألفين بيتا‬

‫بين اللغات‪ ،‬ألن اللغة تستمد قوتها من مضمونها‬

‫إشارات لهجية مهمة‪ ،‬كما آثر غالبا أن يذكر اسم‬

‫العرب في مفاضلة لغتهم على غيرها‪ ،‬فخصوها‬

‫القبيلة مع ذكر السمة اللهجية لها(‪.)45‬‬

‫بالمناسبة الطبيعية بين ألفاظها ومدلوالتها‪،‬‬

‫بدراستها وإظهار الفروق الواردة بينها‪ ،‬وشهدت وم ��ن ه� ��ؤالء ن��ذك��ر ال �س �ي��وط��ي ف��ي «اإلت� �ق ��ان»‪،‬‬ ‫المنطقة حركة تأليف واسعة في هذا الحقل‪ ،‬والجواليقي في «المهذب فيما وقع في القرآن‬ ‫الجياني وعنه يقول السيوطي‪« :‬وأما اللغة فكان تقتضي التنوع واالختالف‪ ،‬مادامت اللغة عرفا‬ ‫إليه المنتهى في اإلكثار من نقل غريبها واالطالع اجتماعيا وليست قانونا أو رسما مقدسا في ذاته‪،‬‬ ‫مؤلف واحد في مدى ظهور لهجات القبائل وقد الكتاب الكريم‪ ،‬بوصفه خطابا يراعي واقع التعدد‬ ‫ألف في ذلك نظما أيضا سماه الكافية الشافية‪ ،‬والمغايرة‪ ،‬وال مجال للمفاضلة بين اللهجات أو‬ ‫من بحر الرجز‪ ،‬كما حشد ابن مالك في ألفيته ال من رسمها أو صورتها‪ ،‬وحينما أوغ��ل بعض‬

‫‪60‬‬

‫اجلوبة ‪ -‬خريف ‪1431‬هـ‬


‫بالعبرية ألنها لغة الوحي كذلك‪ ،‬فهب كيشارد وينتهي سريعا إل��ى التسليم ب��ه‪ ،‬ثم إل��ى فرضه‬ ‫‪Guichard‬‬

‫في مطلع القرن السابع عشر إلبراز على الناس‪ .‬وال شك أنه كانت لبعض القدماء‬

‫فكرة التناسق الصرفي في اللغات المتفرعة من‬ ‫العبرية في كتابه(‪.)47‬‬

‫‪Humonie et ymologique‬‬

‫مميزات إيجابية في البحث العلمي يفتقدها كثير‬

‫من الدارسين الذين يظنون أنهم يدافعون على‬

‫‪ des langues descendues de les hébraïque‬وكان‬

‫قضية‪ ،‬لكنهم يقبرونها الستخدامهم وسائل ال‬

‫الخصائص‪ :‬ابن جني‪ ،‬ج ‪ ،1‬ص‪.33 :‬‬ ‫المزهر‪ :‬السيوطي‪ ،‬ص‪.8 :‬‬ ‫المرجع نفسه‪ ،‬ص‪.8 :‬‬ ‫المرجع نفسه‪.‬‬ ‫الكتاب لسيبويه‪ ،‬ج ‪ ،1‬ص‪.59 :‬‬ ‫اإلتقان في علوم القرآن‪ ،‬السيوطي ج ‪ ،2‬ص‪.89 :‬‬ ‫في اللهجات العربية‪ ،‬إبراهيم أنيس‪ ،‬ص‪.17-16 :‬‬ ‫نفسه‪ ،‬ص‪.16 :‬‬ ‫اللغة‪ ،‬فندرس تعريب عيدالحميد الدواخلي ومحمد‬ ‫القصاص‪ ،‬ص‪.306 :‬‬ ‫مناهج البحث في اللغة‪ ،‬تمام حسان‪ ،‬ص‪.39 :‬‬ ‫اللهجات العربية في التراث‪ ،‬ق ‪ ،1‬أحمد علم الدين‬ ‫الجندي‪ ،‬ص‪.29 :‬‬ ‫اللهجات العربية ف��ي ال �ت��راث‪ :‬أح�م��د علم الدين‬ ‫الجندي‪ ،‬ق ‪ ،1‬ص‪.59 :‬‬ ‫المزهر‪.222/1 ،‬‬ ‫نفسه‪.‬‬ ‫نفسه‪.‬‬ ‫نفسه‪.‬‬ ‫نفسه‪.‬‬ ‫لسان العرب‪ ،‬ابن منظور ‪.208/12‬‬ ‫اللهجات العربية في ال�ت��راث‪ ،‬أن��ور الجندي‪ ،‬ص‪:‬‬ ‫‪.76‬‬ ‫المزهر‪.562-561/1 ،‬‬ ‫اللهجات العربية في ال�ت��راث‪ ،‬أن��ور الجندي‪ ،‬ص‪:‬‬ ‫‪.97-76‬‬ ‫البخاري‪ ،‬ع ‪ /225-224/6‬وقد ذهب هذا المذهب‬ ‫اب��ن قتيبة محتجا بقوله تعالى‪{ :‬وم��ا أرسلنا من‬ ‫رسول إلى بلسان قومه} ‪.46/1‬‬ ‫الصاحبي‪ ،‬ص‪.34-33 :‬‬ ‫المزهر‪.221/1 ،‬‬

‫اإلتقان في علوم القرآن ج ‪ ،2‬ص‪.91-90-89 :‬‬ ‫نفسه‪.47-46/1 ،‬‬ ‫جامع ال�ب�ي��ان‪ ،‬ج‪ /1‬ص‪ 22 :‬أب��و جعفر ب��ن جرير‬ ‫الطبري‪.‬‬ ‫المحرر ال��وج�ي��ز‪ :‬أب��و محمد عيدالحق ب��ن غالب‬ ‫عطية األندلسي ج ‪ /1‬ص‪.29 :‬‬ ‫جامع البيان‪ ،‬ج‪ 29 /1‬أبو صحفي بن جرير الطبري‪،‬‬ ‫والجامع ليس مصدرا للتحريم‪.‬‬ ‫الجامع ألحكام القرآن‪ :‬القرطبي‪ ،‬ج ‪.46-45 /1‬‬ ‫اإلتقان في علوم القرآن‪ ،‬ص‪.47 :‬‬ ‫اللهجات العربية ف��ي ال �ت��راث‪ ،‬أح�م��د علم الدين‬ ‫الجندي‪ ،‬ص‪.108 :‬‬ ‫اإلتقان في علوم القرآن‪ ،‬ص‪.113 :‬‬ ‫نفسه‪.‬‬ ‫نفسه‪.‬‬ ‫اإلتقان في علوم القرآن‪ ،‬ص‪.45 :‬‬ ‫اللهجات العربية في التراث‪ :‬الجندي‪ ،‬ص‪.105-104 :‬‬ ‫اإلتقان في علوم القرآن‪ ،‬ص‪.135 :‬‬ ‫اإلت�ق��ان في علوم ال�ق��رآن‪ :‬السيوطي‪( ،‬ص ‪-135‬‬ ‫‪ )134‬بتلخيص مني‪.‬‬ ‫نفسه‪.‬‬ ‫الصاحبي (م س) ص ‪.44-43‬‬ ‫اإلتقان (م س)‪ ،‬ص‪.136 :‬‬ ‫اللهجات العربية في التراث‪ :‬الجندي‪ ،‬ص‪.107 :‬‬ ‫مشكالت حياتنا اللغوية‪ :‬أمين الخولي‪ ،‬ص‪-63 :‬‬ ‫‪.64‬‬ ‫اللهجات العربية في ال�ت��راث‪ :‬أن��ور الجندي‪ ،‬ص‪:‬‬ ‫‪( ،203‬م س)‪.‬‬ ‫المرجع نفسه‪ ،‬ص‪.217 :‬‬ ‫اللهجات العربية في ال�ت��راث‪ :‬أن��ور الجندي‪ ،‬ص‪:‬‬ ‫‪.35-34‬‬

‫لـ لبينز» (‪ )Lieïbinis‬الفضل في مقاومة هذا تمت إلى العلم بصلة‪.‬‬

‫(‪) 1‬‬ ‫(‪ )2‬‬ ‫(‪ )3‬‬ ‫(‪ )4‬‬ ‫(‪ )5‬‬ ‫(‪ )6‬‬ ‫(‪ )7‬‬ ‫(‪ )8‬‬ ‫(‪ )9‬‬ ‫(‪) 10‬‬ ‫(‪ )11‬‬ ‫(‪ )12‬‬ ‫(‪) 13‬‬ ‫(‪ )14‬‬ ‫(‪ )15‬‬ ‫(‪ )16‬‬ ‫(‪ )17‬‬ ‫(‪ )18‬‬ ‫(‪ )19‬‬ ‫(‪) 20‬‬ ‫(‪ )21‬‬ ‫(‪ )22‬‬

‫(‪) 23‬‬ ‫(‪ )24‬‬

‫(‪) 25‬‬ ‫(‪ )26‬‬ ‫(‪ )27‬‬ ‫(‪ )28‬‬ ‫(‪ )29‬‬ ‫(‪) 30‬‬ ‫(‪ )31‬‬ ‫(‪ )32‬‬ ‫(‪) 33‬‬ ‫(‪ )34‬‬ ‫(‪ )35‬‬ ‫(‪ )36‬‬ ‫(‪ )37‬‬ ‫(‪ )38‬‬ ‫(‪ )39‬‬ ‫(‪) 40‬‬ ‫(‪ )41‬‬ ‫(‪ )42‬‬ ‫(‪ )43‬‬ ‫(‪ )44‬‬ ‫(‪ )45‬‬ ‫(‪) 46‬‬ ‫(‪ )47‬‬

‫دراس����ـ����ـ����ـ����ـ����ـ����ـ����ـ����ـ����ـ����ـ����ـ����ـ����ات‬

‫نافسهم ال�غ��رب�ي��ون بتخصيص ه��ذه المناسبة‬

‫التفكير األسطوري الذي يبدأ بافتراض الرأي‪،‬‬

‫اجلوبة ‪ -‬خريف ‪1431‬هـ ‪61‬‬


‫املفاضلة بني الشعراء‬ ‫> د‪ .‬ثناء عياش*‬

‫تسعى ه��ذه المقالة إل��ى تسليط الضوء على ظاهرة نقدية شغلت شعراء العصر‬ ‫األموي‪ ..‬تمثلت في المفاضلة بين الشعراء؛ وذلك بدراسة اآلراء النقدية التي صدرت‬ ‫عن أبرز شعراء العصر األموي وتحليلها‪ ،‬وربما كان لهذه اآلراء ميزة قد ال تتوافر في‬ ‫غيرها من األحكام النقدية؛ ألنها صادرة عن الشعراء أنفسهم‪ ،‬وهم الذين نظموا الشعر‬ ‫وعرفوا أسراره أكثر من غيرهم‪ ،‬فهذه اآلراء نتاج تجربة حقيقية في نظم الشعر‪.‬‬ ‫وم��ن المالحظ أن ه��ذه اآلراء كانت ت��رد في معرض تعليق الشعراء على ما كانوا‬ ‫يسمعونه من أشعار‪ ،‬كانت تُـنشد في المجالس األدبية التي كانت تُـعقد في ذلك العصر‬ ‫أو في ساحات المربد‪ ،‬وترد كذلك أثناء إجابتهم عن سؤال و ُّجه إليهم حول قضية نقدية‬ ‫ما‪.‬‬ ‫م��ن ال�م��سّ �ل��م ب��ه أن ال��ف��رزدق وجريراً في نقد أشعارِ هم‪ ..‬ثم في أشعار غيرهم‪.‬‬ ‫واألخ �ط��ل‪ ،‬ق��د شغلوا ال�ن��اس بقصائدهم وت��ب��دو ق�ي�م��ة ه ��ذه اآلراء أك �ث��ر أهمية؛‬ ‫وبنقائضهم والتنافس فيما بينهم‪ ،‬وليس لصدورها عن ثالثتهم بالذات‪ ،‬ونحن نعرف‬ ‫هذا باألمر الغريب؛ فثالثتهم لهم مكانتهم‬ ‫ما كان بينهم من خصومات ونقائض‪ ،‬فهل‬ ‫في عالم الشعر‪ ،‬ومن ثم فقد اختلف في‬ ‫كان نقدهم صدى لتلك الخصومة؟‬ ‫أمر المفاضلة بينهم؛ سواء في تلك اآلراء‬ ‫يُ��روى أن بِشْ ر بن م��روان ‪-‬وك��ان يغري‬ ‫الصادرة عنهم‪ ،‬أو التي صدرت عن غيرهم‬ ‫بحقهم؛ ولهذا سأعرض أوالً بعض آرائهم بين الشعراء‪ -‬طلب من األخطل أن يحكم‬

‫‪62‬‬

‫اجلوبة ‪ -‬خريف ‪1431‬هـ‬


‫دراس����ـ����ـ����ـ����ـ����ـ����ـ����ـ����ـ����ـ����ـ����ـ����ـ����ات‬

‫بين جرير والفرزدق‪ ،‬فاستعفاه في بادئ األمر‪ .‬ي�ج�ي��د ص �ف��ة ال �م �ل��وك‪ ،‬وي �ص �ي��ب ن �ع��ت الخمر‪،‬‬ ‫وأم��ام إص��راره ق��ال‪ :‬إن جريراً يغرف من بحر‪ ،‬وأيدهما األخطل في رأيهما هذا(‪ ،)5‬ولعل إدراك‬ ‫والفرزدق ينحت من صخر والذي يغرف من بحر عبدالملك بن م��روان لهذا األمر هو الذي دفعه‬ ‫أشعرهما (‪ .)1‬والغريب في األمر أن هذا الحكم بعد أن سمع قول األخطل‪:‬‬ ‫لم يعجب جريراً‪ ،‬ويقال إنه كان سبب الخصومة‬ ‫���س ال����عَ����داوةِ حَ ��ـ��تَّ��ى يُ ْ��س��ت��ق��ا َد لَهُ ـمْ‬ ‫ُش���مْ ُ‬ ‫بين جرير واألخطل‪ ،‬إذ عبّر جرير عن استيائه‬ ‫���اس أحَ ��ل�ام���� ًا إذا َقـ ـدَروا‬ ‫وأعْ ����ظَ ����مُ ال���ن ِ‬ ‫من األخطل‪ ،‬مما دف��ع األخطل إل��ى ال��رد عليه‪،‬‬ ‫إلى القول‪ :‬هذه المزمّرة‪ ..‬والله لو وُضعت‬ ‫وق��د وص��ف األخ �ط��ل حكمه ال�س��اب��ق‪ :‬إن��ه حكم‬ ‫على ُزبَـر الحديد ألذابتها‪ ،‬وهو القائل أيضاً‪ :‬إن‬ ‫مشؤوم(‪)2‬؛ ألنه أسهم في إثارة العداو ِة بينهما‪.‬‬ ‫لكل قوم شاعراً‪ ،‬وإن األخطل شاعر بني أمية؛‬ ‫فضل ج��ري��راً على‬ ‫وأح�س��ب أنّ األخ�ط��ل ق��د ّ‬ ‫فتفضيل عبدالملك لألخطل ك��ان مبنيا على‬ ‫ال � �ف� ��رزدق؛ ألن م��ن ي �غ��رف م��ن ال �ب �ح��ر يتدفق‬ ‫إعجابه بجودة مدحه له ولبني أمية(‪.)6‬‬ ‫الشعر على لسانه أس��رع م��ن ال��ذي ينحت في‬ ‫ويتضح لنا من األقوال السابقة إدراك قائليها‬ ‫الصخر؛ ألنه يتعب نفسه ويكد ذهنه أثناء نظمه‬ ‫لقصائده‪ ،‬فشعر جرير يمتاز بالسهولة والرشاقة بتميز األخطل في فن المدح وإعجابهم بأبيات‬ ‫إذا ما ق��ورن بشعر الفرزدق‪ ،‬وه��ذا األم��ر لمسه مفردة قالها‪ ،‬ولكنهم لم يبينوا س ّر تفوقه في هذا‬ ‫الفرزدق نفسه عندما قال عن جرير‪ :‬ما أحوجه الفن‪ ،‬أو مواطن التميز في قصيدة المدح عنده‪،‬‬ ‫مع عفته إلى صالبة شعري‪ ،‬وما أحوجني إلى وهذا هو شأن النقد في تلك الفترة؛ إذ خال في‬ ‫وفضل الفرزدق شعره على شعر معظمه من األحكام النقدية المُعللة‪ .‬وال يسع من‬ ‫ّ‬ ‫رقة ش�ع��ره(‪.)3‬‬ ‫جرير‪ ..‬فهما كما يقول‪ :‬يستمدان شعرهما من يتأمل مدائح األخطل إال أن يشهد له باإلجادة في‬ ‫بحر واحد‪ ،‬ولكن دالء جرير تضطرب عند طول هذا الفن؛ فهو يعنى أشد العناية ببناء قصيدته‪،‬‬ ‫النهر(‪ ،)4‬ولعله يقصد أن جريراً ال يحسن الغوص فيبدؤها بمقدمات فنية يجود فيها عامداً‪ ،‬وإذا‬ ‫على المعاني كما يفعل هو‪ ،‬أو ليس لديه جَ ـلَـد ما انتقل إلى غرضه الرئيس‪ ،‬حرص على تقسيم‬ ‫الفرزدق وصبره في البحث عن المعاني العميقة ع�ن��اص��ره وتنسيقها‪ ،‬محسناً التنقل ب�ي��ن تلك‬ ‫واستخراجها‪ ،‬ولكن الذي يغرف من البحر أشعر العناصر‪ ،‬مضمناً مدائحه لوحات فنية نُعجب بما‬ ‫من ال��ذي ينحت في الصخر؛ ألن الشعر يتدفق فيها من مالمح قصصية‪ ،‬ولم يكن يكتفي بالبيت‬ ‫بغزارة على لسانه بسهولة ويسر‪ ،‬والدليل على أو البيتين ليصور موقفا من المواقف‪ ،‬بل كان‬ ‫ّ‬ ‫ذلك أنه استطاع نظم قصيدته‬ ‫«فغض الطرف» يطيل ليتسنى له الدقة في التشبيه‪ ،‬والتفصيل‬ ‫في ليلة واحدة‪.‬‬ ‫في المشبه به‪ ،‬والبراعة في التجسيم‪ ،‬والحركة‬ ‫ف��ي التصوير‪ ،‬متخذا م��ن أس��ال�ي��ب الجاهليين‬

‫وأق ّر جرير والفرزدق بتفوق األخطل عليهما‬ ‫في فن المدح‪ ،‬فقد أج��اب ال�ف��رزدق عبدالملك نموذجا أعلى له في هذا الميدان(‪ ،)7‬وربما كان‬ ‫عندما سأله عن أشعر الناس في اإلسالم‪ :‬كفاك لطول عهد األخطل باألمويين‪ ،‬واستقرار عالقته‬ ‫بابن النصرانية إذا م��دح‪ .‬وق��ال جرير‪:‬األخطل بهم لشدة والئ��ه لهم‪ ،‬ورضاهم عن ال��دور الذي‬

‫اجلوبة ‪ -‬خريف ‪1431‬هـ ‪63‬‬


‫قام به في الترويج لهم ولدولتهم‪ ،‬وإغداق الثناء مادة لهجائه كما يتضح من قصائده (‪.)10‬‬ ‫عليهم‪ ،‬دور في إجادته فن المدح‪ ،‬وه��ذا األمر‬ ‫وق��د اتفق ال �ف��رزدق واألخ�ط��ل على أنّ شعر‬ ‫لم يكن متيسراً للفرزدق وجرير‪ .‬فقد عُرف عن جرير أسير من شعرهما بين الناس‪ ،‬مستدلين‬ ‫الفرزدق اعتداده الشديد بنفسه وبقومه‪ ،‬وكان بشهرة بعض األب �ي��ات ل�ج��ري��ر‪ ،‬على ال��رغ��م من‬ ‫يجعل من نفسه‪ -‬أحيانا ‪ -‬ن��داً للممدوح‪ ،‬وكان أنهما نظما أبياتاً في الموضوع نفسه(‪ ،)11‬ال تقل‬ ‫ذا نفسية متمردة‪ ،‬وعهد األمويين بتطاوله على جودة عما قاله األخطل‪ .‬وقد أصابا كبد الحقيقة‬ ‫معاوية بن أبي سفيان ليس ببعيد‪.‬‬ ‫عندما أقرّا لجرير بهذا األمر‪ .‬والدليل على ذلك‬

‫أمّـا جرير فقد تأخرت صلته كثيراً باألمويين‪ ،‬أن أم��دح بيت قالته ال�ع��رب‪ ،‬وأه �ج��اه‪ ،‬وأغزله‪،‬‬ ‫ولم يسمح له عبدالملك بن مروان بالدخول عليه وأف�خ��ره‪ ،‬وأحسنه تشبيهاً هي أبيات لجرير‬ ‫إال بعد عناء شديد؛ ألن قومه «بني يربوع» كانوا وهي على التوالي قوله‪:‬‬ ‫���س���تُ ���مْ خَ ���يْ��� َر مَ ���ن رَكِ ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��بَ المَ طاي ـ ـَا‬ ‫من دعاة ابن الزبير؛ وألنه كان يدافع عن القيسية أَل ْ‬ ‫في شعره‪ ،‬ويتغنى بانتصاراتهم‪ .‬كما أنه بالغ في‬ ‫ُ��ط��ـ��ـ��ـ��ـ��و َن ر َِاح‬ ‫َوأَ ْن���ـ���ـ���ـ���ـ���ـ���دَى ال��ـ��عَ��ال َِ��م��ي��نَ ب ُ‬ ‫��ك َب�� ُن��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��و ت َِمي ـ ـ ٍـم‬ ‫���ت عَ �� َل�� ْي��ـ��ـ��ـ َ‬ ‫���ض��� َب ْ‬ ‫مدائحه للحجاج‪ .‬ومما ال شك فيه أنها كانت إذا غَ ِ‬ ‫تصل مسامع عبدالملك؛ ولهذا طالبه في أول‬ ‫��اس كُ ���لَّ���هُ ���مُ ِغ َضاب ــا‬ ‫حَ ِ���س���بْ���تَ ال��ـ�� َّن��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ َ‬ ‫لقاء بينهما بإنشاد مدائحه في الحجاج (‪.)8‬‬ ‫��ك ِم����نْ نُمَ ْيـ ــرِ‬ ‫ْف إِ ّن��ـ��ـ��ـ��ـ َ‬ ‫����ط����ر َ‬ ‫���ض ال َّ‬ ‫فَ���غُ َّ‬ ‫وأق � ّر جرير بشاعرية األخطل وتفوقه عليه‪،‬‬ ‫فَ��ل�ا كَ��عْ ��ب��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ�� ًا َب�� َل��غْ ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ت وَال كِ ال َبـ ــا‬ ‫جاء ذلك في معرض إجابته البنه عندما سأله‪ :‬إٍ نَّ ال���عُ ���يُ ���و َن ال��ت��ي ف���ي طَ ���رْفِ ���هَ���ا حَ ـ ـ َو ٌر‬ ‫أيهما أشعر؟ فقال‪ :‬ما رأيته في موضع قط إ ّال‬ ‫َقتـ ْل َن َنـ ــا ثُ ـ ـ ــمّ ل��م يُ ��ح��يْ��ي��نَ َقتْالن ـ ــا‬ ‫���ح���وَكُ ���م لَ���يْ���لٌ َك���ـ���أنّ نُجومَ ــهُ‬ ‫خشيت أن يبتلعني لوال أني أًعنت عليه بكبر سنه سَ ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��رَى َن ْ‬ ‫وكفر دي �ن��ه(‪ .)9‬وك��ان��ت نصرانية األخ�ط��ل إحدى‬ ‫قَ���نَ���ادي���لُ ‪ ،‬فِ ��ي��ه��نّ ال���ـ���ذُ بَ���الُ المُ َف َّتـ ــلُ‬ ‫نقاط ضعفه التي اتخذها جرير وسيلة للنيل‬ ‫ولكنهما ال يعلالن س��ر س �ي��رورة ش�ع��ره بين‬ ‫منه‪ ،‬والسخرية من معتقداته الدينية‪ ،‬وهو يدرك الناس‪ ،‬وربما يعود ذلك إلى لغته الشعرية التي‬ ‫أن��ه ال يستطيع ال��رد عليه‪ .‬كما أن ج��ري��راً أق ّر تمتاز بسهولتها الناتجة عن اندماجه في الحياة‬ ‫لألخطل بإجادة وصف الخمر؛ ولعل نصرانيته الجديدة‪ ،‬أكثر من األخطل ال��ذي ك��ان محافظاً‬ ‫أتاحت له الفرصة في وصف الخمر ومجالسها‪ ،‬يتمسك بالقديم وأساليبه‪ ،‬وأكثر من الفرزدق‬ ‫وأث��ره��ا حين ي�س��ري مفعولها ف��ي الجسم‪ .‬أما الذي كان في أساليبه صالبة غير مألوفة(‪ ،)13‬ما‬ ‫الفرزدق وجرير فما كانا يستطيعان فعل ذلك؛ جعل شعر جرير أقرب إلى نفوس المتلقين‪ .‬فليس‬ ‫ألنهما عاشا في مجتمع إسالمي محافظ‪ .‬كما من قبيل المصادفة أن تكون األبيات السابقة كلها‬ ‫أن الفرزدق لن يستطع المجاهرة بوصفها على لجرير‪ ،‬وكل بيت في غرض شعري مختلف عن‬ ‫الرغم من معاقرته لها كما يقولون‪ ،‬بل إنه حـذّر اآلخر؛ ولهذا فقد شبّه جرير نفسه بمدينة الشعر‬ ‫من شربها‪ ..‬ألنها تفسد الدين‪ .‬أما جرير فقد التي منها يخرج وإليها يعود؛ ألنه كما قال‪ :‬نسبتُ‬ ‫عُرف عنه تدينه‪ ،‬واتخذ من شرب األخطل للخمر فأطربتُ ‪ ،‬وه�ج��وتُ ف��أردي��تُ ‪ ،‬وم��دح��تُ فسنيتُ ‪،‬‬ ‫(‪)12‬‬

‫‪64‬‬

‫اجلوبة ‪ -‬خريف ‪1431‬هـ‬


‫أهَ �����ـ�����وً ى أرَاكَ بِ ���رَامَ ��� َت���ـ���ـ���ي ِ���ن وَقُ ����ـ����ـ����ودَا‬ ‫���ج��� َن���يْ��� َن���ـ���ةِ م��ـ��ن مَ ���دَاف���ـ���ـ���ـ ِ���ع أُوُ دَا‬ ‫أ ْم ب���ال ُ‬ ‫أما سّ ر إعجابه بها؛ فألنها تمثّل خصائص‬ ‫ش �ع��ره أح �س��ن تمثيل‪ ،‬ففيها النسيب والفخر‬ ‫وال �ه �ج��اء‪ ،‬وه ��ذه ال�ف�ن��ون مما شُ �ه��د ل��ه بالتفوق‬ ‫فيها‪ .‬وفيها كذلك سمو الخيال‪ ،‬وجمال الصور‪،‬‬ ‫وعلو الموسيقى‪ ،‬كما أنها من حيث الطول طويلة‬ ‫نسبياً‪ ،‬إذ بلغت أبياتها سبعة وخمسين بيتاً(‪)17‬؛‬ ‫فضـلها على سائر شعره‪.‬‬ ‫فلو لم يُعجب بها‪ ،‬لما ّ‬ ‫وهذا يمـثّـل رأيه النقدي‪.‬‬ ‫ومن الطريف في األمر أن ثالثتهم كانوا يبدون‬ ‫إعجابهم ببعض قصائدهم‪ ،‬كما في خبر جرير‬ ‫وابنه اآلنف الذكر‪ ،‬ويعجبون بأبيات محددة منها‬ ‫كما في قول األخطل‪ :‬فضلت الشعراء في المدح‬ ‫والهجاء والنسيب بما ال يلحق بي فيه(‪ .)18‬فأما‬ ‫النسيب فقولي‪:‬‬ ‫اس�� َل ِ��م��ي ي��ا ِه��نْ��دُ ه��ن�� َد ب��نِ ��ي َبــدْ رِ‬ ‫أال ي��ا ْ‬ ‫آخ����� َر الدّ هـرِ‬ ‫وإنْ ك���ـ���ان حَ ���يّ���ان���ا ِع�����دً ى ِ‬ ‫���رات ال��ب��ي��ض أمّ ����� ْا وِ شَ احــها‬ ‫م���ن ال���خ���ف ِ‬ ‫القلب ِمنْها فَ�لا ي َْجري‬ ‫ُ‬ ‫َـجري وأمّ ���ا‬ ‫َفي ْ‬

‫ن��ف��س��ي ف����ـ����داءُ أم���ـ���ي���رِ ال��م��ؤم��ن��ـ��ـ��ي��نَ إذا‬ ‫َ����واج���� َذ ي������ومٌ ع����ـ����ارمٌ َذكَ������رُ‬ ‫أَبْ����������دَى ال����ـ����ن ِ‬ ‫��ض ال��غَ��مْ ��رَ‪ ،‬وال��مَ ��يْ��م��وُ ِن طائ ــرُ ه‬ ‫ال��خ��ائ ِ‬ ‫خَ ��ـ��ل��يِ ��فَ��ةِ ال���ل���هِ يُ ��ـ��س��ت ْ��س��ق��ى ب���هِ المَ طـرُ‬ ‫وقولي في الهجاء‪:‬‬

‫دراس����ـ����ـ����ـ����ـ����ـ����ـ����ـ����ـ����ـ����ـ����ـ����ـ����ات‬

‫فأنا قلتُ ض��روب الشعر كلها؛ ولهذا فليس من‬ ‫المستغرب أن يقول عن نفسه في حادثة أخرى‪:‬‬ ‫إن��ه بحر الشعر ب �ح��راً(‪)14‬؛ إش��ارة إل��ى تفننه في‬ ‫ض��روب الشعر‪ ..‬وه��ذا مبعث فخره؛ ألن��ه قلما‬ ‫تسنى لشاعر اإلجادة في فنون الشعر كلها‪ ،‬ومما‬ ‫يلفت االنتباه قدرة جرير على الجمع بين البراعة‬ ‫في النسيب؛ وهو الذي يحتاج إلى الرقة واللين‪،‬‬ ‫وال�ه�ج��اء ال��ذي فيه شتم وإس ��اءة لآلخرين(‪.)15‬‬ ‫ويُشهَد له بالتفوق فيهما معاً‪ .‬وعلى الرغم من‬ ‫ُفضل قصيدة له على شعره‬ ‫ه��ذا‪ ..‬إال أنه كان ي ّ‬ ‫كله‪ ،‬وقد روى ذلك ابنه(‪ ،)16‬وهي قصيدته التي‬ ‫مطلعها‪:‬‬

‫وقولي في المديح‪:‬‬

‫ْ���م‬ ‫َ���ق���ي���ـ���ت عَ ����بِ ����ـ����ي���� َد َت���ـ���ي ٍ‬ ‫وكُ �����ن�����ت إذا ل ِ‬ ‫����ت أيّ�����هُ �����مُ �����ا الـعَـبِ ــيد‬ ‫َوتَ�����يْ�����م����� ًا قُ ����ـ����ل ُ‬ ‫َ�����س�����ودُ تَـيْـم ـ ًا‬ ‫َ���م���ي���نَ ي ُ‬ ‫َل���ـ���ئ���ي���مُ ال���ع���ال ِ‬ ‫َوس����� ّي�����ـ�����دُ هُ �����مْ وإنْ َك�����ـ�����رِ هُ �����وا مـسـ ُودُ‬ ‫وق ��د ُوفِ � �ـ ��قّ األخ��ط��ل ف��ي اخ �ت �ي��ار األبيات‬ ‫السابقة؛ فهي تمثّل شعره خير تمثيل؛ ألنها من‬ ‫الشعر الذي شُ هد له بالتفوق فيه‪ ،‬فالبيتان األول‬ ‫والثاني من النسيب الذي بدأ به إحدى قصائده‬ ‫في مدح عبدالملك‪ ،‬والبيتان الثالث والرابع من‬ ‫قصيدته المشهورة «خف القطين» التي أعجب‬ ‫بها عبدالملك أيما إعجاب‪ .‬والبيتان الخامس‬ ‫وال� �س ��ادس م��ن ال �ه �ج��اء‪ ..‬وق ��د ُع���رف األخطل‬ ‫بسالطة لسانه‪ ،‬إال أن صلته باألمويين جعلته‬ ‫يهذب هجاءه بما يليق بشاعر البالط‪.‬‬ ‫واختلف النحاة واللغويون المعاصرون لهم في‬ ‫المفاضلة بينهم‪ ،‬على الرغم من أن نقد هؤالء كان‬ ‫بعيداً عن الهوى‪ ،‬والتأثر الوقتي؛ ألنهم يعتمدون‬ ‫التحليل والتعليل(‪ ،)19‬فقد قال يونس بن حبيب‪:‬‬ ‫إن العلماء الذين ماشوا الكالم وطرقوه‪ ،‬قدموا‬ ‫األخطل على صاحبيه(‪ ،)20‬ولكنه لم يعلل لنا سر‬ ‫إعجابهم باألخطل‪ .‬وربما يعود ذلك لتنقيحه شعره‬ ‫مما جعله خاليا من األخطاء‪ ،‬وخصوصا النحوية‬ ‫واللغوية‪ ،‬وهذا مما كان يبحث عنه ه��ؤالء‪ .‬فهو‬ ‫لم يكن من الشعراء المطبوعين الذين ينظمون‬ ‫أشعارهم عفو الخاطر‪ ،‬بل كان ممن يعنون أشد‬

‫اجلوبة ‪ -‬خريف ‪1431‬هـ ‪65‬‬


‫العناية بقصيدتهم‪ ،‬فال ترى النور إال وهي قطعة أخذنا رائية األخطل في يزيد‪:‬‬ ‫فنية تُعجب بما فيها من إحكام الصنعة(‪.)21‬‬

‫أما جرير فقد عُرف عنه عدم تنقيحه لشعره‪،‬‬

‫ول ��م ي�ك��ن ال� �ف ��رزدق ب��أح�س��ن ح� ��اال‪ ..‬فقصصه‬

‫بأحف ــارِ‬ ‫����رس����مُ م���ن سَ ���لْ���م���ى ْ‬ ‫َت���غ���يّ��� َر ال ْ‬ ‫وأَقْ �����ف�����رَتْ م���ن ُس�� َل��ي��م��ى دِ مْ ���ن���ـ���ةُ الــدارِ‬ ‫ورائية النابغة في النعمان‪:‬‬

‫����وج����وا فَ���ح���يّ���وا لِ ���نُ���عْ ���م دِ م����نَ���� َة ال ــدارِ‬ ‫مشهورة مع النحاة‪ ،‬مما دفعه إلى هجاء بعضهم‪ .‬عُ ُ‬ ‫ولكن هذا لم يمنع يونس بن حبيب من تفضيل‬ ‫وأحجَ ــارِ‬ ‫ُ����ح����يّ����و َن م���ن ُن����ـ����ؤ ٍْي ْ‬ ‫م���ا ذا ت ُ‬ ‫الفرزدق وقوله‪ :‬لوال شعر الفرزدق لذهب نصف‬ ‫لرأينا هذا التأثر ممثال أص��دق تمثيل‪ .‬ومن‬ ‫أخبار الناس(‪.)22‬‬

‫صور النابغة التي أغرم بها األخطل وكررها في‬

‫وقد أدرك معاصروهم بفطرتهم أن ثالثتهم شعره‪ ،‬المقارنة بين كرم الممدوح ونهر الفرات‪.‬‬ ‫في مرتبة واحدة‪ ،‬ولكنهم اختلفوا في ترتيبهم‪ ..‬وتذكرنا قصيدة األخطل «الميمية» التي أرسلها‬

‫فحجة م��ن ق �دّم ج��ري��را أن��ه أكثرهم فنون شعر إل��ى الوليد يؤكد فيها والءه وإخ�لاص��ه‪ ،‬وشكر‬ ‫وأسهلهم ألفاظاً‪ ،‬وأقلهم تكلفا‪ ،‬وأدقهم نسيباً‪ ،‬فضله وفضل بني أمية عليه‪ ..‬تذكرنا باستعطاف‬

‫وكان ديّناً عفيفاً‪ .‬وهذا هو رأي أبي الفرج أيضاً‪ ..‬النابغة للنعمان(‪ .)26‬ولئن كان الحكم الذي أصدره‬ ‫وبيّن أن من كان يميل إلى جزالة الشعر وفخامته أبو عمرو بن العالء موجزاً جداً‪ ..‬إال أنه يدل على‬ ‫وش �دّة أس��ره يقدم ال�ف��رزدق‪ ،‬وأم��ا من كان يميل بصر جيد بالشعر ودقة مالحظة‪ .‬وهذا إرهاص‬ ‫إلى أشعار المطبوعين وإلى الكالم السمح السهل بمنهج الموازنة بين الشعراء‪ ،‬وهو مقياس نقدي‬

‫الغزل فيقدم جريراً(‪ .)23‬وهذا يعني أن كل واحد تطبيقي جميل ومفيد‪.‬‬ ‫منهما يتبع نهجاً مختلفاً عن اآلخر؛ ولهذا فليس‬ ‫ول��م تقتصر المفاضلة بين الشعراء الثالثة‬ ‫م��ن المستغرب أن ت�ت�ع��دد اآلراء وتختلف في على معاصريهم‪ ،‬ولم تتوقف برحيلهم عن الدنيا‪،‬‬ ‫المفاضلة بينهما؛ وكم كان يونس بن حبيب صادقاً فما زال��ت أص��داؤه��ا تتردد على مسامع شعراء‬ ‫عندما قال‪ :‬ما ذُكِ � َر جرير والفرزدق في مجلس العصر العباسي‪ ،‬وعلى رأسهم بشار بن برد الذي‬ ‫شه ْدتُه قط‪ ..‬فاتفق المجلس على أحدهما (‪.)24‬‬

‫فضل جريراً على الفرزدق؛ ألنه يحسن ضروباً‬ ‫ّ‬

‫وكان أبو عمرو بن العالء يقول عن األعشى‪ :‬من الشعر ال يحسنها الفرزدق‪ ،‬ودليله على ذلك‪..‬‬ ‫مثله مثل ال�ب��ازي يضرب كبير الطير وصغيره‪ ،‬لما ماتت زوجة الفرزدق لم يجدوا شعرا لرثائها‬

‫ون �ظ �ي��ره ف��ي اإلس�ل��ام ج��ري��ر‪ ،‬ون �ظ �ي��ر النابغة إال شعر ج��ري��ر‬ ‫األخطل‪ ،‬ونظير زهير الفرزدق (‪ ،)25‬فهو قد بيّن ولمسة وف��اء للفقيدة‪ ،‬قلما نجد مثيال لها في‬ ‫وج��ه الشبه بين األعشى وج��ري��ر؛ ولعله يقصد عصر لم يكن فيه المجتمع مُهيئا للحديث عن‬ ‫إجادتهما لفنون شعرية متنوعة‪ ،‬أما وجه الشبه مثل هذه المشاعر‪ .‬ويكفي أن نقرأ بعض ما قاله‬ ‫(‪)27‬‬

‫�دق العاطفة‪،‬‬ ‫لما فيه من ص� ٍ‬

‫بين النابغة واألخطل فيلمسه كل من يقرأ ديوان الفرزدق في رثاء إحدى زوجاته‪ ..‬لنتبيّن أنه يع ّد‬ ‫األخطل؛ فهو يسير على خطى النابغة‪ ،‬وتأثر به فقد المرأة – مهما عزّت – فقداً هيّناً‪ ،‬ال يليق‬

‫في بعض صوره وألفاظه ومعانيه وأساليبه‪ ،‬ولو باإلنسان إظهار الحزن واألسى لرحيله؛ ألن ذلك‬

‫‪66‬‬

‫اجلوبة ‪ -‬خريف ‪1431‬هـ‬


‫الرغم من مطالبة أصدقائه له بذلك‪ ،‬ليس هذا‬ ‫يبك على‬ ‫فحسب‪ ..‬بل نراه يعلنها صراحة أنه لم ِ‬

‫امرأة قط(‪.)28‬‬

‫كما أن بشاراً استحسن رثاء جرير البنه سَ وَادة‪،‬‬

‫واس�ت�ش�ه��د بمجموعة م��ن األب �ي��ات ال ي�س��ع من‬

‫يقرؤها إال أن يشعر بعظم المصاب على جرير؛‬ ‫أمس الحاجة إليه بعدما‬ ‫ألن ابنه رحل وهو في ّ‬

‫أس��نّ وب��ان ضعفه‪ .‬ول�ه��ذا‪ ،‬فهي مليئة باأللفاظ‬ ‫والصور الحزينة(‪ .)29‬فهذه شهادة ( ُمعَـللّـة) من‬

‫بشار بتفوق جرير على الفرزدق وخصوصا في‬ ‫ف��ن ال��رث��اء ال��ذي تبدو فيه النفس البشرية في‬

‫أص��دق صورها وأصفاها؛ كيف ال والميت من‬ ‫أقرب الناس إلى النفس‪ ..‬سواء في ذلك الزوجة‬

‫أو االبن‪.‬‬

‫ونجد لثالثتهم آراء ف��ي نقد شعر غيرهم‪،‬‬

‫ومن أب��رز آرائهم نقدهم لشعر ذي الرمة‪ ،‬فقد‬ ‫وصف جرير شعره بأنه بع ُر ِظباء‪ ،‬ونقط عروس‪،‬‬

‫تضمحل عن قليل‪ .‬وهذا هو رأي أبي عمرو بن‬ ‫العالء والمبرد واألصمعي(‪ .)30‬ومعنى قول جرير‪:‬‬

‫«إن شعر ذي الرمة إذا سُ مع ألول مرة‪ ،‬فإنه يترك‬ ‫أث��راً جيداً في نفس سامعه أو قارئه‪ ،‬ولكن إذا‬

‫ما أ ُعيدت القراءة مرة بعد مرة بَان ضعفه وفقد‬ ‫حسنه»(‪)31‬؛ ولهذا فشعره إذا ما خضع للدرس‬

‫والتحليل ظهرت عيوبه‪ ،‬فتأثيره مؤقت‪ .‬ولكن هذا‬ ‫الضعف في شعره لم يمنع جريراً من اإلعجاب‬

‫بقوله‪:‬‬

‫ْ��ك ِم��نْ��هَ��ا ال��ـ��مَ ��اءُ َينْسَ كِ ُب‬ ‫مَ ���ا َب��ـ��الُ عَ ��يِ ��ن َ‬ ‫كَ����أ ّن����ـ����هُ ِم������نْ كُ ���� َل����ـ����ىً مَ ����فْ ����رِ ّي����ـ����ةٍ سَ ����ـ����رِ ُب‬ ‫وعبّر عن إعجابه بطريقة فظة إلى حد ما؛‬

‫إذ ق��ال‪ :‬لو خ��رس ذو الرمة بعدها؛ لكان أشعر‬

‫دراس����ـ����ـ����ـ����ـ����ـ����ـ����ـ����ـ����ـ����ـ����ـ����ـ����ات‬

‫من عالمات الضعف‪ ،‬كما أنه يرفض زيارتها على‬

‫الناس‪ .‬وفي رواية ثانية قال‪ :‬ما أحببتُ أن يُنسب‬ ‫إليّ من شعر ذي الرمة إال قوله‪« :‬ما بال عينك‪..‬‬ ‫« ف��إن شيطانه ك��ان فيها ن��اص �ح �اً(‪ .)32‬وهاتان‬ ‫الروايتان تبينان أن ج��ري��راً يع ّد ه��ذه القصيدة‬ ‫درّة شعر ذي الرمة‪ ،‬وإ ّال لما تمنى أن يكون هو‬ ‫قائلها‪ .‬ول��م يكن جرير المعجب الوحيد بهذه‬ ‫القصيدة‪ ،‬فقد عارضها الكميت‪ ،‬كما أن ذا الرمة‬ ‫نفسه كان يعدها أجود شعره؛ ألنه أنشدها بين‬ ‫ي��دي عبدالملك عندما طالبه أن ينشده أجود‬ ‫ال في نظمها كما قال‬ ‫شعره(‪ ،)33‬وقضى عاما كام ً‬ ‫هو نفسه(‪.)34‬‬ ‫وفي خبر آخر‪ ،‬قال جرير عن ذي الرمة‪ :‬قدر‬ ‫م��ن ظريف الشعر وغريبه وحسنه م��ا ل��م يقدر‬ ‫عليه أحد‪ ..‬وهذا هو رأي الفرزدق أيضا‪ .‬ولعلهما‬ ‫يقصدان مقدرة ذي الرمة على الجمع بين رقة‬ ‫الشعر الحضري وجزالة الشعر البدوي(‪ ،)35‬فذو‬ ‫ال��رم��ة شاعر ب ��دوي‪ ..‬قضى الشطر األك�ب��ر من‬ ‫حياته في البادية‪ ،‬فاكتسب منها سليقته اللغوية‬ ‫وفصاحته البدوية‪ ،‬وتزود منها بثروة ضخمة من‬ ‫األلفاظ والتراكيب‪ ،‬وتنتشر العناصر الحضارية‬ ‫في شعره‪ ،‬وخصوصاً في مجال التشبيه‪ ،‬حيث‬ ‫نراه يستغل مظاهر الحياة المتحضرة في المدن‬ ‫التي كان يتردد عليها‪ ،‬ليحقق بذلك الربط الطريف‬ ‫بين حياة البداوة وحياة الحضارة‪ ،‬وبهذه المزاوجة‬ ‫بينهما يكمن سر من أس��رار الجمال الفني في‬ ‫شعر ذي الرمة(‪ .)36‬كما أنّ جريراً التفت إلى إجادة‬ ‫ذي الرمة للتشبيه عندما قال عنه‪ :‬فقد َقدَر من‬ ‫التشبيه على ما لم يقدر عليه غيره‪ ،‬وهذا ما أكده‬ ‫ابن سالم وحمّاد الراوية(‪ ،)37‬ومصداق هذا الرأي‬ ‫أنك لو قرأت شعر ذي الرمة لرأيت أن صناعته‬ ‫الفنية ت�ق��وم على دع��ام�ت�ي��ن‪ ..‬األولى‪:‬التشبيه‪،‬‬ ‫وخ�ص��وص�اً التشبيه التمثيلي‪ ،‬ال��ذي وج��د فيه‬

‫اجلوبة ‪ -‬خريف ‪1431‬هـ ‪67‬‬


‫أفضل وسيلة لنقل اإلحساس بالطبيعة الذي كان‬

‫بقوله‪« :‬هذا والله ملهم‪ ،‬وما علم بدوي بدقائق‬

‫يمأل عليه أرجاء نفسه إلى العمل الفني‪ ،‬وتلفتنا الفطنة وذخائر كنز العقل المُعد لذوي األلباب‬

‫كذلك ظاهرة االستقصاء في المشبه به؛ ليحقق أحسن ثم أحسن»(‪ .)41‬وقد عُرف عن ذي الرمة‬

‫من خالله عناصر الصورة الفنية باللون والصوت ت��ردده على م��دن الشام وف��ارس وال�ع��راق‪ ،‬وفيها‬

‫والحركة‪ ،‬والحرص على ذكر أدق التفاصيل‪ ،‬وكأنما وجد حياة عقلية خصبة ونشاطا ثقافيا متنوعا‪،‬‬ ‫استحال هذا اللون من التشبيه بين يديه أداة من ومناظرات بين العلماء والفقهاء حول المذاهب‬

‫أدوات الرسم والتصوير‪ .‬أما الدعامة الثانية فهي العقلية والدينية‪ ،‬ومناظرات علماء اللغة والنحو‪،‬‬ ‫االستعارة‪ ،‬وكلتا الدعامتان تصدران‪ -‬من الناحية وم��ا م��ن ش��ك أن��ه تأثر بكل ه��ذه ال �ت �ي��ارات‪ ..‬ما‬ ‫الفنية‪-‬عن بداية واح��دة(‪ ،)38‬ألنّ االستعارة تقوم أكسبه العمق في التفكير‬

‫(‪)42‬‬

‫ال��ذي بدا واضحاً‬

‫على التشبيه عند معظم البالغيين‪ ،‬وهي تشبيه في شعره‪ ،‬وهذا ما الحظه الكميت‪ .‬وقال عندما‬ ‫حُ ذِ َف أحد طرفيه(‪ .)39‬وعلى الرغم من أنّ األخبار سمع قوله‪:‬‬

‫السابقة ص��درت عن جرير‪ ،‬إال أنّ كل خبر كان دَعَ ���انِ ���ي ومَ ���ا د َِاع����ي الْ���هَ���وى ِم���نْ بِ الدِ هـاَ‬

‫يعبر عن رأي نقدي مغاير‪ ،‬ما يؤكد أن النقد في‬

‫ُعلل‬ ‫تلك الفترة كان نقداً تأثرياً انطباعياً غير م ٍ‬

‫ألحكامه‪.‬‬

‫إِ ذَا مَ ����ا َن����ـ����أَتْ خَ ����� ْرقَ�����اءُ عَ ���نِ ���يّ بِ غَافِ ـ ِـل‬ ‫لله ب�لاء ه��ذا ال �غ�لام‪ ،‬م��ا أح�س��ن ق��ول��ه! وما‬

‫أجود وصفه!(‪ .)43‬ويتضح لنا من الخبر السابق أن‬

‫ومما يدل على براعة ذي الرمة أنّ الفرزدق لم عالمات تفوق ذي الرمة ظهرت منذ صغره‪.‬‬

‫يستطع أن يضيف شيئاً إلى بيتيه‪:‬‬

‫َو َد ّوي�����ـ�����ـ�����ةٍ ل����و ذُ و ال����رُ مَ ����يْ����م����ة رَامَ ���ه���ـ���ا‬

‫وعلى الرغم من إعجاب اآلراء السابقة بشعر‬

‫ذي الرمة‪ ،‬إال أننا نجد رأي �اً مغايراً لألصمعي‬

‫وصيـدحُ‬ ‫��ص��ـ��ر ع��ن��ه��ا ذو ال���رُ مَ ��� ْي���ـ���م َ‬ ‫ل��ـ��ق ّ‬

‫ال��ذي ق��ال فيه‪« :‬ل��و أدرك ��ت ذا ال��رم��ة‪ ،‬ألشرتُ‬

‫إذا اش����ت����دّ آلُ األم���ع���ـ���زِ المتوضــحُ‬

‫له‪ ،‬وقال عنه أيضاً ولم يكن بالمفلق»(‪ .)44‬وقد‬

‫���ت إل����ى مُ ���عْ ���رُ وفِ ���ه���ـ���ا مُ ْنكَراتِ هــا‬ ‫قَ���طَ ���عْ ُ‬

‫عليه أن يدع كثيراً من شعره‪ ..‬فكان ذلك خيراً‬

‫على الرغم من مطالبة ذي الرمة بذلك‪ ،‬لمّا نلمس تفاوتاً في تلك اآلراء أو تضارباً‪ ،‬وهذا أمر‬

‫رأى ال �ف��رزدق يستمع إليه وه��و ينشد قصيدته طبعي‪ ..‬فالنقد كان انطباعياً ووقتياً‪ ،‬ونجد فيه‬ ‫في المربد(‪ .)40‬والبيتان السابقان يمثالن الفن تعميماً؛ ألنه لم يكن يقوم على الدراسة الشاملة‬ ‫الشعري ال��ذي ب��رع فيه ذو ال��رم��ة‪ ،‬وه��و وصف لشعر ذي الرمة‪ ،‬وعلى الرغم من ه��ذا إال أنه‬ ‫ال �ص �ح��راء وم �ق��درت��ه ع�ل��ى ق�ط��ع ت�ل��ك الفيافي كان دقيقا‪ .‬فذو الرمة يتفوق في وصف الصحراء‬

‫بواسطة ناقته األثيرة عنده «صيدح»‪.‬‬

‫ويقصر ف��ي غير ذل��ك م��ن األغراض‬ ‫ّ‬ ‫وال �ح��ب‪..‬‬

‫وق ��د ع � ّب��ر ال� ُك�م�ي��ت ع��ن إع �ج��اب��ه ب �ق��ول ذي الشعرية‪.‬‬

‫الرمة‪:‬‬

‫وإذا م��ا التفتنا إل��ى آراء ج��ري��ر ف��ي شعراء‬

‫أَ​َعَ ��������اذِ لَ قَ����دْ أَكْ����ثَ����ر ِْت ِم����نْ قَ�����و ِْل قَائِ ـ ٍـل‬

‫يفضل شعر امرئ القيس‬ ‫الجاهلية لتبين لنا أنه ّ‬

‫ُ���ب لَ�����وْمُ ا ْلعَـو ِ‬ ‫ْ���ب عَ �� َل��ى ذِ ي ال���ل ِّ‬ ‫وَعَ ���ي ٌ‬ ‫وفضل‬ ‫ّ‬ ‫َاذل ال��ذي أقسم لو أنه أدرك��ه لكان تابعاً له‪،‬‬

‫‪68‬‬

‫اجلوبة ‪ -‬خريف ‪1431‬هـ‬


‫ومما سبق ذكره يتضح اآلتي‪:‬‬

‫عبدالعزيز إلى إعطاء الفرزدق أربعة آالف درهم‬

‫دراس����ـ����ـ����ـ����ـ����ـ����ـ����ـ����ـ����ـ����ـ����ـ����ـ����ات‬

‫كذلك زه�ي��راً وابنيه وط��رف��ة(‪ .)45‬ولكنه لم يبين يصدر معظم هذا النقد عن ثالثتهم‪.‬‬ ‫لنا س� ّر إعجابه بهؤالء مكتفياً بقوله عن امرئ‬ ‫وأسهمت بعض األحكام النقدية التي صدرت‬ ‫القيس‪»:‬إنه اتخذ الشعر نعلين»(‪ .)46‬ولعله يقصد‬ ‫بذلك إنه كان متمكناً من الشعر‪ ،‬وال نكاد نجد عن شعراء ذلك العصر‪ ،‬في إشعال فتيل الهجاء‬ ‫ق��اس�م�اً مشتركاً بين ال�ش�ع��راء ال�س��اب��ق ذكرهم بين بعضهم كما حدث مع جرير واألخطل‪ ،‬وجرير‬ ‫لنحاول معرفة سر تفضيله لهم‪.‬‬ ‫والراعي‪ ،‬ودفعت الخشية من الهجاء عمر بن‬ ‫لعل المفاضلة بين الشعراء من أبرز صور النقد مقابل سكوته عن أهل المدينة الذين لم يعطوه‬ ‫الذي شاع في العصر األموي‪ ،‬وال يمكننا إغفال شيئا؛ لضيق ذات اليد‪ ..‬بسبب الجفاف الذي‬ ‫دور الفرزدق واألخطل وجرير في إذك��اء شعلة‬ ‫ح ّل بها في ذلك العام‪ ،‬وأدّت كذلك إلى تهرّب‬ ‫هذه المفاضالت؛ ولهذا فليس من المستغرب‬ ‫أن يدور معظم النقد الذي صدر في ذلك العصر المهلب بن أبي صـفرة من المفاضلة بين جرير‬ ‫حول ثالثتهم بالذات‪ ،‬ومن المفارقات أيضاً أن والفرزدق خشية أن يعرّضه ذلك إلى الهجاء‪.‬‬ ‫المصادر والمراجع‪:‬‬ ‫المصادر‪:‬‬

‫‪1 .1‬أس��اس ال�ب�لاغ��ة‪ ،‬الزمخشري‪ ،‬دار الفكر بيروت‪،‬‬ ‫‪1994‬م‪.‬‬ ‫‪2 .2‬األغ��ان��ي‪ ،‬أب��و الفرج األصفهاني‪ ،‬الناشران صالح‬ ‫يوسف الخليل ودار الفكر للجميع‪ ،‬بيروت‪1970 ،‬م‪،‬‬ ‫عن طبعة بوالق‪.‬‬ ‫‪3 .3‬البيان والتبيين‪ ،‬الجاحظ‪ ،‬تحقيق وشرح عبدالسالم‬ ‫هارون‪ ،‬دار الجيل‪ ،‬بيروت‪.‬‬ ‫‪4 .4‬ديوان األخطل‪ ،‬شرح مجيد طراد‪ ،‬دار الجيل بيروت‪،‬‬ ‫ط‪1995 ،1‬م‪.‬‬ ‫‪5 .5‬ديوان شعر ذي الرمة‪ ،‬تصحيح وتنقيح كارليل هنري‬ ‫مكارتنى‪ ،‬مطبعة كلية كمبرج‪.1919 ،‬‬ ‫‪6 .6‬ديوان النابغة‪ ،‬تحقيق محمد أبو الفضل إبراهيم‪ ،‬دار‬ ‫المعارف مصر‪1977 ،‬م‪.‬‬ ‫‪7 .7‬ش��رح دي ��وان ج��ري��ر‪ ،‬ش��رح إيليا ال �ح��اوي‪ ،‬الشركة‬ ‫العالمية للكتاب‪ ،‬ط‪1983 ،2‬م‪.‬‬ ‫‪8 .8‬شرح دي��وان ال�ف��رزدق‪ ،‬شرح إيليا الحاوي‪ ،‬الشركة‬ ‫العالمية للكتاب‪ ،‬بيروت‪ ،‬ط‪1983 ،2‬م‪.‬‬ ‫‪9 .9‬الشعر والشعراء‪ ،‬اب��ن قتيبة‪ ،‬تحقيق وتقديم عمر‬ ‫الطبّاع‪ ،‬دار األرقم بن أبي األرقم‪ ،‬بيروت‬ ‫‪1010‬طبقات فحول الشعراء‪ ،‬ابن سالم الجمحي‪ ،‬شرح‬ ‫م �ح �م��ود م�ح�م��د ش��اك��ر‪ ،‬م�ط�ب�ع��ة ال �م��دن��ي‪ ،‬مصر‪،‬‬ ‫‪1974‬م‪.‬‬

‫‪1111‬ال �ع �م��دة ف��ي م �ح��اس��ن ال �ش �ع��ر وأدب � ��ه‪ ،‬اب ��ن رشيق‬ ‫القيرواني‪ ،‬تحقيق‪ :‬محمد محيي ال��دي��ن‪ ،‬مطبعة‬ ‫السعادة‪ ،‬مصر‪ ،‬ط‪1963 ،3‬م‪.‬‬ ‫‪1212‬ال�ك��ام��ل‪ ،‬أب��و ال�ع�ب��اس ال�م�ب��رد‪ ،‬تحقيق محمد أبو‬ ‫الفضل إبراهيم والسيد شحاتة‪ ،‬دار النهضة مصر‬ ‫للطبع والنشر‪.‬‬ ‫‪1313‬الموشح في مآخذ العلماء على الشعراء‪ ،‬أبو عبدالله‬ ‫المرزباني‪ ،‬تحقيق محمد حسين شمس الدين‪ ،‬دار‬ ‫الكتب العلمية‪ ،‬بيروت‪ ،‬ط‪1995 ،1‬م‪.‬‬

‫المراجع‪:‬‬

‫‪.1‬‬

‫‪.2‬‬ ‫‪.3‬‬ ‫‪.4‬‬ ‫‪.5‬‬ ‫‪.6‬‬ ‫‪.7‬‬

‫‪1‬األخطل شاعر بني أمية‪ ،‬السيد مصطفى غازي‪ ،‬دار‬ ‫المعارف مصر‪ 1950 ،‬م‪.‬‬ ‫‪2‬تاريخ النقد األدبي عند العرب‪ ،‬طه أحمد إبراهيم‪،‬‬ ‫دار الكتب العلمية بيروت‪ ،‬ط‪1985 ،1‬م‪.‬‬ ‫‪3‬تاريخ النقد األدب��ي عند العرب‪ ،‬عبدالعزيز عتيق‪،‬‬ ‫دار النهضة العربية‪ ،‬بيروت‪ 1980 ،‬م‪.‬‬ ‫‪4‬التطور والتجديد في الشعر األموي‪ ،‬شوقي ضيف‪،‬‬ ‫دار المعارف‪ ،‬مصر‪.‬‬ ‫‪5‬جرير مدينة الشعر‪ ،‬حسن الشيخ الفاتح الشيخ‬ ‫قريب الله‪ ،‬دار الجيل‪ ،‬بيروت‪ ،‬ط‪1990 ،1‬م‪.‬‬ ‫‪6‬ذو الرمة شاعر الحب والصحراء‪ ،‬يوسف خليف‪،‬‬ ‫مكتبة غريب‪ ،‬مصر‪.‬‬ ‫‪7‬معجم المصطلحات ال�ب�لاغ�ي��ة وت �ط��وره��ا‪ ،‬أحمد‬ ‫مطلوب‪ ،‬مطبعة المجمع العلمي العراقي‪1986 ،‬م‪.‬‬

‫اجلوبة ‪ -‬خريف ‪1431‬هـ ‪69‬‬


‫* جامعة حائل‪ ،‬جامعة البنات‪ ،‬كلية اآلداب والفنون‪،‬‬ ‫فسم اللغة العربية‪.‬‬ ‫(‪ )1‬األغ � ��ان � ��ي‪ 2/ 10 ،185/7 ،‬وط� �ب� �ق ��ات فحول‬ ‫الشعراء‪.474 ،440/2‬‬ ‫(‪ )2‬الشعر والشعراء‪ 341 ،‬وطبقات الشعراء ‪.110‬‬ ‫(‪ )3‬نفسه‪.431 ،45 ،‬‬ ‫(‪ )4‬طبقات فحول الشعراء‪ 377 /2 ،‬والكامل ‪.261/2‬‬ ‫(‪ )5‬األغاني‪ 181 ،251/ 7 ،‬والشعر والشعراء ‪.341‬‬ ‫(‪ )6‬نفسه‪ 187 ،181/7 ،‬وديوان األخطل‪.91 ،‬‬ ‫(‪ )7‬األخطل شاعر بني أمية‪.163 ،159 ،151 ،150 ،‬‬ ‫(‪ )8‬نفسه‪ 111 ،110 ،‬وال�ت�ط��ور وال�ت�ج��دي��د ف��ي الشعر‬ ‫األموي‪.207 ،155 ،‬‬ ‫(‪ )9‬الموشح‪.163 ،‬‬ ‫(‪ )10‬األخطل شاعر بني أمية‪ 203 ،‬والتطور والتجديد‬ ‫في الشعر األموي‪ 207 ،137 ،‬وشرح ديوان الفرزدق‬ ‫‪ 66/2‬وشرح ديوان جرير‪542 ،501 ،131 ،76 ،38 ،‬‬ ‫(‪ )11‬األغاني‪.187 ،55 – 53/7 ،‬‬ ‫(‪ )12‬جمهرة أشعار العرب‪106–104 ،‬وشرح ديوان جرير‪،‬‬ ‫‪.548 ،702 ،117 ،99 ،97‬‬ ‫(‪ )13‬التطور والتجديد في الشعر األموي‪.216 ،‬‬ ‫(‪ )14‬األغاني‪.74 ،60/7 ،‬‬ ‫(‪ )15‬تاريخ النقد األدبي عند العرب (عبد العزيز عتيق)‪،‬‬ ‫‪.163‬‬ ‫(‪ )16‬األغاني‪74/7 ،‬وشرح ديوان جرير‪.198 ،‬‬ ‫(‪ )17‬تاريخ النقد األدبي عند العرب (عبد العزيز عتيق)‪،‬‬ ‫‪.171 – 170‬‬ ‫(‪ )18‬األغ��ان��ي‪177/7 ،‬ودي � ��وان األخ �ط��ل‪،99 ،88 ،77 ،‬‬ ‫‪253‬ورواية الديوان للبيت الثاني‪:‬‬ ‫أس��ي��ل��ة م��ج��رى ال��دم��ع أم���ا وش��اح��ه��ا فيج ــري‬ ‫وأم�����ـ�����ا ال���ح���ج���ـ���ـ���ـ���ل ف���ي���ه���ـ���ـ���ا ف��ل��ا يج ـ ـ ــري‬ ‫ ورواية البيت الثالث‪:‬‬ ‫ف���ه���ـ���ـ���و ف�����ـ�����ـ�����داء أم����ـ����ـ����ي����ر ال���م���ؤم���ن���ي���ـ���ـ���ن إذا‬ ‫أب�����ـ�����دى ال���ن���واج���ـ���ـ���ـ���ذ ي���ـ���ـ���وم ب���اس���ـ���ـ���ل ذك ـ ــر‬ ‫(‪ )19‬تاريخ النقد األدبي عند العرب (طه إبراهيم)‪.52 ،‬‬ ‫(‪ )20‬األغاني‪.171/7 ،‬‬ ‫(‪ )21‬األخطل شاعر بني أمية‪.217 ،‬‬

‫‪70‬‬

‫اجلوبة ‪ -‬خريف ‪1431‬هـ‬

‫(‪ )22‬البيان والتبيين‪ 231/2 ،‬وتاريخ النقد األدب��ي عند‬ ‫العرب (طه إبراهيم)‪. 54 ،‬‬

‫(‪ )23‬األغاني‪.48/19 ،38/7 ،‬‬

‫(‪ )24‬طبقات فحول الشعراء‪.299/ 2 ،‬‬

‫(‪ )25‬طبقات الشعراء‪.19 ،‬‬

‫(‪ )26‬دي��وان النابغة‪ 202 ،27-26 ،‬ودي��وان األخطل‪،26 ،‬‬ ‫‪ 89-88‬ولمزيد من التفاصيل انظر األخطل شاعر‬ ‫بني أمية‪223-217 ،‬‬

‫(‪ )27‬طبقات الشعراء‪ 86 ،‬والموشح ‪.147‬‬

‫(‪ )28‬ج��ري��ر م��دي�ن��ة ال�ش�ع��ر‪ 232-231 ،‬وش ��رح ديوان‬ ‫الفرزدق ‪.77/2‬‬

‫(‪ )29‬طبقات فحول الشعراء‪.459 -456/2 ،‬‬ ‫(‪ )30‬الموشح‪ 205 ،‬واألغاني‪. 115/16 ،‬‬

‫(‪ )31‬نفسه‪ 206 - 205 ،‬ونفسه ‪.115/16‬‬

‫(‪ )32‬نفسه‪ 206 ،‬ونفسه ‪ 118/16‬وديوان شعر ذي الرمة‪،‬‬ ‫‪.1‬‬

‫(‪ )33‬نفسه‪279 ،231 ،‬‬

‫(‪ )34‬أساس البالغة مادة (ستل)‪.‬‬

‫(‪ )35‬األغاني‪114/16 ،61/7 ،‬وتاريخ النقد األدبي عند‬ ‫العرب (عبد العزيز عتيق)‪.168‬‬

‫(‪ )36‬ذو الرمة شاعر الحب والصحراء‪،364 ،363 ،331 ،‬‬ ‫‪.442‬‬

‫(‪ )37‬الموشح‪ 205 ،‬واألغاني‪.115 ،113 /16 ،‬‬

‫(‪ )38‬ذو الرمة شاعر الحب والصحراء‪345 ،313 ،313 ،‬‬ ‫ولمزيد من التفاصيل انظر التطور والتجديد في‬

‫الشعر األموي ‪.261-258‬‬

‫(‪ )39‬معجم المصطلحات البالغية‪.143/1 ،‬‬ ‫(‪ )40‬األغاني‪ 115 /16 ،‬والموشح‪ .207 ،‬ولم أعثر على‬ ‫البيتين في ديوان ذي الرمة‪.‬‬

‫(‪ )41‬األغاني‪113/16 ،‬وديوان شعر ذي الرمة‪.500 ،‬‬ ‫(‪ )42‬ذو الرمة شاعر الحب والصحراء‪.392 ،‬‬

‫(‪ )43‬األغاني‪ 113/16 ،‬وديوان شعر ذي الرمة‪.492 ،‬‬ ‫(‪ )44‬نفسه‪114/16 ،‬والموشح‪.220 ،‬‬

‫(‪ )45‬نفسه‪.60 ،57/7 ،‬‬ ‫(‪ )46‬نفسه‪.‬‬


‫ق���������ص���������ص ق������ص������ي������رة‬

‫أكبر من اجلرح‬ ‫> مالك اخلالدي*‬

‫سيبتزون روحهُ ‪ ،‬سيعبثون بمشاعرهِ ‪ ،‬سيبعثرو َن بقايا أمله‪ ،‬سيريقون دموعهُ المتوارية‬ ‫طلبت منه مرافقتي‪ ،‬إال أن قلبه‬ ‫ِ‬ ‫خلف تقاسيمه النقية‪ ،‬أعرفهُ جيداً‪ ..‬لن يمانع لو‬ ‫أرجوك يا‬ ‫ِ‬ ‫عطف أو كلمةٍ داكنة!‬ ‫ٍ‬ ‫الزجاجي المضيء سيتهاوى حين يرمقهُ أحدهم بنظرة‬ ‫أمي ال تخبريه بموعد حفل تخرجي‪ ،‬ألجله‪ ..‬ألجله هو فقط! نظر إليها بعينين تكابران‬ ‫الدموع‪ ..‬ثم دلف حجرته‪.‬‬ ‫بخضوع‪ ،‬ت�ل��كَ الشرفة تهديهِ ك��ل صباح‬ ‫ابتسامات الضوء وابتهاالت الهواء وأغاريد‬ ‫المطر‪ ،‬ولطالما ابتلعتْ دموعه وأحزان ُه‬ ‫بصمت!‬

‫كانت تلكم الكلمات المغتسلة باأللم تمت ُّد‬ ‫كعصفور يحتضر‬ ‫ٍ‬ ‫إلى أذنيه‪ ،‬تنطر ُح داخله‬ ‫كطوفان كالح‪ ،‬تشتع ُل الساعاتُ المظلمة‬ ‫ٍ‬ ‫أو‬ ‫بعسف‬ ‫ِ‬ ‫في ذهنه وأمام عينيه‪ ،‬تكاد تحرقه‬ ‫بأريج هادر‬ ‫ٍ‬ ‫توهجها‪ ،‬يحاول إخما َد شررها‬ ‫ي �ض � ُع ي ��ده ال�ن�ح�ي�ل��ة ال �م��رت �ج �ف��ة على‬ ‫من جنبات قلبه الذي م ّل األنين‪ ،‬يقاو ُم في ق��اع��دت�ه��ا‪ ،‬يستجم ُع م��ا تبقى داخ �ل � ُه من‬ ‫بتحفز ع��ن خيوط اإلصرارِ‬ ‫ٍ‬ ‫أحشائه دن��ف الحزن ال��ذي يلته ُم خالياهُ أم��ل‪ ،‬يبحثُ‬ ‫وخفقاتهِ بشراهة‪.‬‬ ‫ف��ي ش��راي�ي�ن��ه‪ ،‬ت�ط�ف� ُر م��ن حنجرته نغمة‬ ‫يقف على ساقهِ‬ ‫بنحيب مـُـنهك‪ُ ،‬‬ ‫ٍ‬ ‫يدف ُع بكرسيهِ المتحرك إلى حيثُ تلك حزن أشب ُه‬ ‫الفرجة المربعة‪ ،‬إنها أثيرته الوفية التي الوحيدة متكئاً على تلكم الشرفة وطيوف‬ ‫طالما منحت عينيه مصافحة وجه السماء الحيا ِة تشر ُق داخله‪.‬‬ ‫ليتأمل تفاصيلها الزكية‪ ،‬ويبثُ ربه شكواهُ‬

‫يسر َج بصرهُ حيثُ السماء‪ ،‬ترتس ُم في‬

‫اجلوبة ‪ -‬خريف ‪1431‬هـ ‪71‬‬


‫عينيه صفحة القمر‪ ،‬ينبجس على محياه رضاً على ما تكتبه‪ ،‬فتخفيه عن أعيننا وأرواحنا‪.‬‬ ‫تعيش‬ ‫ُ‬ ‫رزين‪ ،‬تتدحر ُج من شفتيه كلمات خافتة‪:‬‬ ‫ٍ‬ ‫مريم ه��ي أختي ال�ك�ب��رى‪ ..‬فتاة ح��اذق��ة في‬ ‫وحيداً؟!‬ ‫اللغة‪ ،‬غامضة البوح‪ ،‬سريتها المرتفعة جعلتني‬ ‫�ص��رِ ُ‬ ‫ي� ْ‬ ‫سطر واح � ٍ�د‪ ،‬أو حتى ع�ب��ارة غير‬ ‫ٍ‬ ‫ف ب�ص��ره مسترسالً‪ :‬أن��تَ ت ��رابٌ وأنا أت��وق ل �ق��راءةٍ‬ ‫كائ ٌن بشري تتنازعني اآلمال والتطلعات‪ ،‬يجري مكتملة المالمح مما تكتبه‪.‬‬ ‫داخلي هدي ٌر يافع يلهمني أناشيد الحياة ويبعثُ‬ ‫في كل مرةٍ تخر ُج فيها‪ ،‬أستر ُق خطواتي إلى‬ ‫في دمائي ماء البقاء‪ ،‬االنعزا ُل هو الذبول الذي‬ ‫أرفضه‪ ،‬ثم َة قلب كبي ٌر داخلي سيسقي تضاريس حجرتها‪ ،‬غير أنني أج ُد أبواب أدراجها جميعها‬ ‫مؤصدة‪ ،‬وفي المرة الوحيدة التي وج��دتُ فيها‬ ‫األرواح واألرجاءِ حولي أجمل األمنيات!‬ ‫ال��درج السفلي متبرجاً‪ ..‬همـّـتْ عيناي ويداي‬ ‫يمد إح ��دى ي��دي��ه ح�ي��ثُ كرسيه المتحرك‪،‬‬ ‫بتفحصهِ ‪ ،‬ففاجأتني بخطواتها البطيئة‪ ،‬وجسمها‬ ‫يركن إليه بهدوء رغم قسوة األلم الصاخب في‬ ‫النحيل‪ ..‬لحظتها انتصبتُ بارتباك‪ ،‬وتدحرجت‬ ‫أحشائه‪.‬‬ ‫من شفتي جملة مفضوحة‪ :‬فقط أردتُ إقفاله!‬ ‫مكتظة باألغصان‪،‬‬ ‫ٍ‬ ‫زجاجة‬ ‫ٍ‬ ‫ينتزع زه��ر ًة من‬ ‫ارت�س�م��ت ع�ل��ى مالمحها اب�ت�س��ام��ة صفراء‬ ‫�لأت المكان‬ ‫تنفتل جملة كأنها ال��رب�ي��ع‪ :‬لقد م ِ‬ ‫بساق واح��دة! يبتسم ويعيدها إلى جعلتني أخر ُج من الغرفةِ ببضع قفزات‪.‬‬ ‫ٍ‬ ‫عطراً وأن� ِ�ت‬ ‫حيثُ كانت كي تبث المكان أريجاً طاهراً‪.‬‬ ‫�رض ع�ل�ي�ه��ا خ��رب �ش��ات��ي الشعرية‬ ‫ك �ن��تُ أع � � ُ‬ ‫مختلف بقلبهِ وتفكير ِه وروعته‪ ،‬لذا‬ ‫ٌ‬ ‫هكذا هو‬ ‫ابتهاج وأمل‪ ،‬كبي ٌر‬ ‫ٍ‬ ‫لم تكن صباحاتهِ إال بساتين‬ ‫ه��و ب��رب��اط��ةِ ج��أش��ه وعطائه وروح ��هِ السامقة‪،‬‬ ‫يمزق نظرات الشفقة وكلمات اللمز والتوهين‬ ‫ويذروها حيثُ الفناء‪ ،‬يجم ُع األنفاس المنعتقة‬ ‫من القلوب الطهورة في أعماقه كي تورق أفنان‬ ‫التحدي داخله‪.‬‬ ‫يمنح اآلخ��ري��ن اب�ت�س��ام��ات ال �ف��أل ويعلمهم‬ ‫دروساً في الشموخ‪ ،‬لقد أخبر الجميع أنه أكبر‬ ‫من الجرح حين فاجأ أخ��اه ذات مساء‪ :‬خذني‬ ‫معك ألشاطرك فرحتك‪ ،‬فأنا أرفض االنكسار!‬

‫ابتسامة صفراء‬ ‫ٌ‬ ‫دوم �اً أح��اول نبش ال��درج السفلي في غرفة‬ ‫مريم‪ ،‬بحثاً عن أوراقها‪ ،‬ال أع��رف لماذا تتكتم‬ ‫* ‬

‫‪72‬‬

‫شاعرة وقاصة من الجوف ‪ -‬السعودية‪.‬‬

‫اجلوبة ‪ -‬خريف ‪1431‬هـ‬

‫والنثرية‪ ،‬وكانت تثني عليها باقتضاب وجفاء‪،‬‬ ‫لم يكن هذا األمر ليخل َق في نفسي شيئاً‪ ،‬فأنا‬ ‫أعلم أنها ال تحب االستفاضة‪ ،‬وأن حزمها يخل ُق‬ ‫في حروفها شيئاً من الجفاف‪ ،‬كما أن هدفي‬ ‫األكبر أن تقو َم بإطالعي على شيءٍ مما تكتب‪،‬‬ ‫إال أن ذلك لم يتحقق‪ .‬وكنتُ في كل مرة أعود‬ ‫بخربشاتي والقليل من عباراتها الشحيحة‪.‬‬ ‫أخبرتُ صديقتي المشاكسة مُنى‪ ..‬فنصحتني‬ ‫بمواجهتها وطلبها ذلك بصراحة دون خوف أو‬ ‫حرج‪ ،‬كان األمر صعباً‪ ،‬إال أن حروف منى ظلت‬ ‫تتردد بقوةٍ داخلي‪ ،‬فقررتُ اإلع�لا َن عن رغبتي‬ ‫بجرأة‪ ،‬أسرعتُ إلى غرفة مريم‪ ،‬وقفتُ قبالتها‪،‬‬ ‫بتحفز ووجل‪ :‬مريم أري ُد أن‬ ‫ٍ‬ ‫نظرتُ إليها وقلتُ‬ ‫أقرأَ ما تكتبين!‬


‫ق���������ص���������ص ق������ص������ي������رة‬

‫البئر‬ ‫> زكريا العباد*‬

‫هناك ما ينغّ ص إشراقة هذا الصباح‪ ،‬فالغيوم الرمادية تلقي بظاللها على القرية‪،‬‬ ‫لقد شاهدتها أثناء عودتي من المسجد‪.‬‬ ‫طالء الجدران وأوراق األشجار والتراب في الممرات التي لم تسفلت بعد‪ ,‬ال تشعّ‬ ‫ألوانُها بأقصى طاقتها الحيوية‪ .‬لم أكن فيما سبق أكترث بصباحات باردة ورماديّة‪ ،‬ألنّ‬ ‫(أم محمد) كانت تشع الدفء في كلّ شيء‪ ،‬وتعيد خلق الصباحات التي تنذر بالشرّ‪..‬‬ ‫مبطلة تنبؤاتها المشئومة‪ ،‬ومحيلة إياها إلى صباحات دافئة‪ ،‬أما اآلن‪ ..‬فصباح كهذا‪،‬‬ ‫يحفز تحذيرات اآلباء ووصاياهم حيال عالمات األقدار المشئومة‪.‬‬ ‫ال شيء سوى النارجيلة والقهوة والتمر‪،‬‬

‫وحشة تهاجمني حين يتقرب إليَّ أحدهم‪،‬‬

‫هذا ما أقضي صباحاتي معه منذ أن أ ُحلتُ‬

‫خ �ص��وص �اً ب �ع��د أن ج� ��اءوا ي �ع �ت��ذرون عن‬

‫سنوات خمس ومنذ أن‬ ‫ٍ‬ ‫إلى التقاعد منذ‬

‫تقصيرهم معي‪ ..‬مقترحين أن أت��زوج من‬

‫فارقتنا رفيقتنا الخامسة‪( ،‬أم محمّد)‪.‬‬

‫امرأة أخرى عالجاً لوحدتي!‬

‫أنجبت هؤالء األوالد؟؟‬ ‫ِ‬ ‫كيف‬ ‫يشبهونك أبداً!!‬ ‫ِ‬ ‫إنهم ال‬ ‫كم كنت تلتصقين بي؟ وكم ينفرون مني؟‬ ‫وحتى إذا اقتربوا مني‪ ،‬الشيء يشبه الحياة‬ ‫التي تتدفق إلى داخلي حين تقتربين‪ ،‬ثمة‬

‫ك � ُُّل ي��وم يرحل من عمري هو لبنة في‬ ‫هذه البئر الموحشة بداخلي‪ ،‬يزداد ارتفاع‬ ‫فوهتها يوماً بعد ي��وم‪ ،‬وي��زداد عمقها في‬ ‫داخلي‪.‬‬ ‫بئر مهجورة‪ ,‬ال شيء يسقط بداخلها‪.‬‬

‫اجلوبة ‪ -‬خريف ‪1431‬هـ ‪73‬‬


‫وأنت يا أ ّم محمد‪ ،‬صرت لبنة في بناء هذه البئر‪ ،‬وتوقفت محاوالتهم حين كان مصير الثالث مثل‬ ‫أجمل لبنات بئري‪ ،‬يريدونني أن أقتلعك ألرمي صاحبيه‪.‬‬ ‫بك في قاع البئر المظلمة‪ .‬أقتلع من؟؟ أ َّم محمّد؟!‬ ‫اللبن َة المضيئة الوحيدة في بئري المظلمة؟‬ ‫لن أنسى ما حييتُ ذلك اليوم‪ ،‬حين احترقت‬

‫« خذوني إليهم‪ ،‬يمكنني إخراجهم‪ ،‬لقد حفرت‬ ‫البئر بيديّ »‪.‬‬ ‫ربطت الحبل السميك المجدول من الليف‬

‫ِ‬ ‫يديّ وتشوّه وجهي إثر حريق العريش‪،‬‬ ‫سألتك‪ :‬في وسطي‪ ،‬ونزلت بعد أن أعطيتهم نهاية الحبل‬ ‫ه��ل ستنفرين م� ّن��ي؟ فجاء ردّك مندفعاً حاراً‪ :‬الثاني‪ ،‬وأمرتهم أن يسحبوه حين آمرهم‪.‬‬ ‫صوتك ممزوجاً‬ ‫ِ‬ ‫كيف أنفر منك يا بركتي؟! كان‬

‫كنت من تسبب في تشوهاتي‪،‬‬ ‫باالعتذار‪ ،‬وكأنك ِ‬ ‫أو كأنك كنت تعتذرين‪ ..‬ألنك لم تستطيعي فيما‬ ‫مضى أن تقنعيني بأنّك ال تتركينني في حال من‬ ‫غادرت‪.‬‬ ‫ِ‬ ‫األحوال‪ .‬وها قد‬

‫في قاع البئر كان الهواء شبه منعدم‪ ،‬ولم يكن‬ ‫بإمكاني أن أرى شيئاً‪ ،‬أخذت أبحث برجلي في‬ ‫الماء إلى أن تعثرتْ قدماي برأس آدمي‪ ،‬رفعته‬ ‫برجلي‪ ..‬وتحسست ع��روق عنقه‪ ،‬فعرفت بأنه‬ ‫ف��ارق الحياة‪ .‬حين عثرت على الثاني ك��ان هو‬

‫ف��ي ه��ذا ال�ص�ب��اح ال��رم��ادي ال �ب��ارد‪ ،‬يكثرون اآلخر قد مات‪ ،‬تركته ألبحث عن الثالث‪ ..‬فلربما‬ ‫الدخول والخروج إلى الشطر القديم من البيت‬

‫أدركته قبل أن يلفظ أنفاسه األخيرة‪ .‬كانت عروق‬

‫حيث تقبع غرفتنا أن��ا وأن� ِ�ت‪ ،‬وحيث تقع غرفة عنقه ال تزال تنبض‪ ،‬ربطته بالحبل وأمرتهم أن‬ ‫األدوات‪ ،‬ال أح��د ينط ُق بأكثر م��ن التحية‪ ..‬ثم يسحبوه‪ ،‬ويعيدوا الحبل ألرفع الرجلين‪.‬‬ ‫ينطلقون عائدين بما أخذوه من أدوات‪ ،‬ال أحد‬ ‫يستأذن منّي‪ .‬على األق��ل‪ ،‬كنت سأرشدهم إلى‬ ‫مكان األدوات التي يحتاجونها عوضاً عن بذل‬ ‫الجهد‪ ..‬وإضاعة الوقت في البحث‪ ،‬فأنا أحفظ‬

‫�دك محمّد‬ ‫حين أخرجوني من البئر‪ ،‬كان ول� ِ‬ ‫وأخ��وه أحمد ممددين إل��ى جانب فوهة البئر‪،‬‬ ‫وك��ان ال��رج��ال يُ� ْرك�ب��ون اخ��اك (ع�ل��ي) ف��ي إحدى‬ ‫السيارات‪ ..‬ويهرعون به إلى المستشفى‪ ،‬وفي‬

‫م �ك��ان األدوات واح� ��دة واح� ��دة‪ .‬ال أح��د يتبرّع س �ي��ارة أخ ��رى أرك �ب��وا ول�� َديْ��ك‪ ،‬ف��ي المستشفى‬ ‫ليخبرني بما ينوون فعله في ال�م��زرع��ة‪ ..‬وكأن تأكدوا بأنهما فارقا الحياة كما أخبرتهم‪.‬‬ ‫ملكيتها ال تعود لي‪.‬‬

‫ر ّب�م��ا ك��ان��ا ي �ح��اوالن إخ ��راج لبنتك المضيئة‬

‫حين أعيتهم الحيلة الستخراج الذين سقطوا ورميها في الظالم‪ ..‬فسقطا‪ ،‬وربما كانا يحاوالن‬

‫إخوتك بأنّهم كانوا ينوون‬ ‫ِ‬ ‫في البئر‪ ،‬اخبرني أحد‬

‫إعادة مياه البئر‪ ،‬لكن بعد أن فات األوان‪ .‬ذهب‬

‫أتذكرك‬ ‫ِ‬ ‫تنظيف البئر القديمة‪ ،‬وإع��ادة تشغيلها‪ ،‬فسقط ولداك‪ ،‬وبقي علي‪ ،‬عيناه تشبهان عينيك‪،‬‬ ‫فيها أحدهم‪ ،‬وعَ لِق الثاني وهو يحاول إخراجَ ه‪ ،‬كلما نظرت إليهما‪.‬‬ ‫* ‬

‫‪74‬‬

‫قاص من السعودية‪.‬‬

‫اجلوبة ‪ -‬خريف ‪1431‬هـ‬


‫ق���������ص���������ص ق������ص������ي������رة‬

‫حفلة تنكر‪..‬‬ ‫> شمس علي*‬

‫فتح عينيه‪ ..‬بادره صوت ناعم بالقول «الحمد لله على سالمتك»‪.‬‬ ‫أجال نظره في أرجاء الغرفة‪ ،‬البياض يحيطه من كل مكان‪ ..‬الجدران‪ ..‬الستائر‪..‬‬ ‫األبواب‪ ..‬السرير‪ ..‬األغطية‪ ..‬هل أنا في حلم؟‬ ‫بدت مستغرقة في قراءة تقريره الطبي عندما تأملها ملياً‪ ،‬ومن ثم رفع صوته»عفوا‪..‬‬ ‫سمحت‪ ...‬هل لي بطلب؟ «أدارت رأسها نحوه‪ ،‬وبحركة ال تخلو من رشاقة‪ ،‬أسرعت‬ ‫ِ‬ ‫لو‬ ‫بدس ميزان الحرارة تحت لسانه متمتمة‪« :‬دعني أقيس حرارتك أوالً‪ ،‬ومن ثم أحضر‬ ‫لك ما تريد»‪.‬‬ ‫لحظات الترقب تمضي بطيئة‪ ..‬كانت أكثر للراحة‪ ،‬الجوال قد يزعجك»‪.‬‬ ‫ت�ح�م�ل��ق ب��ال �م��ؤش��ر ال��زئ �ب �ق��ي‪ ..‬انفرجت‬ ‫راح في نوبة ألم ح��اد‪ ،‬جفناه مطبقان‬ ‫أساريرها قائلة «هذا جيد‪ ،‬حرارتك آخذة ب �ش��دة‪ ,‬ت��أوه��ه وئ �ي��د‪ ،‬ي��ده اليمنى تطوق‬ ‫في االنخفاض»‪ ،‬وبابتسامة ودودة أردفت‪ :‬ض �م��ادة ذراع ��ه األي �س��ر‪« ،‬ت��ذك��ر مداهمة‬ ‫«ها‪ ..‬أي نوع من الطعام تريد؟»‪.‬‬ ‫رجال الشرطة لهم‪ ،‬هربه من النافذة‪ ،‬دفنه‬ ‫«ليس هذا ما أردت‪ ..‬أنا بحاجة ماسة األكياس الصغيرة أسفل حاوية القمامة‪،‬‬ ‫لإلطمئنان على أهلي‪ ..‬ممكن ج��وال‪ ،‬لو قبضهم عليه في منعطف الشارع الثاني‪،‬‬ ‫تسمحين!»‪.‬‬ ‫«أرجوك‪ ،‬أنا بحاجة ماسة إليه»‪.‬‬ ‫ِ‬ ‫وصاح‪:‬‬ ‫امتقع لونها‪ ..‬تعثرت كلماتها‪ ،‬وبخوف‬ ‫وجهها يحاكي وج�ه��ه «يؤسفني أن ال‬ ‫يشوبه الحرص‪ ،‬أجابت‪« :‬ولكن أنت بحاجة ألبّي طلبك‪ ..‬الهاتف محظور عليك»‪.‬‬

‫اجلوبة ‪ -‬خريف ‪1431‬هـ ‪75‬‬


‫تهدج ص��وت��ه‪ ..‬لفظ جملته األخ �ي��رة بحنق‪:‬‬ ‫«سحقاً لهم‪ ..‬ابني مريض‪ ..‬وأب��ي رجل طاعن‬ ‫في السن»‪.‬‬

‫حزمك‬ ‫ِ‬ ‫بخجل تنبري س�ل��وى‪« :‬ك��م يعجبني‬ ‫ضعفك أمام أحد»‪.‬‬ ‫ِ‬ ‫وعدم‬

‫يشحب وج��ه (حنان) ويكف قلمها عن نقره‬ ‫بيأس بالغ رفعت كتفيها ثم أنزلتهما‪« :‬ليت الرتيب فوق ورقة وضعت أمامها‪ ،‬وترسل نظرة‬ ‫ش ��اردة متمتمة لنفسها‪« :‬ليس ه��ذه ال �م��رة‪ ،‬ال‬ ‫األمر بيدي»‪.‬‬ ‫أع��رف ما بي‪ ،‬ال أري��د التصديق أن هذا الوجه‬ ‫تجاهلت عن عمد حنقه وت��أوه��ه المستمر‪،‬‬ ‫المالئكي البرئ يمكن أن يكون لمجرم!»‬ ‫وراحت تتأكد من وضعية الضماد على كتفه قبل‬ ‫ترقبها سلوى وتسأل‪« :‬هل ضايقتك؟»‬ ‫أن تغادر الغرفة على عجل‪..‬‬ ‫تنظر لها بعتاب‪« :‬ل َم تتوهمين ذلك‪ ،‬أنا فقط‬ ‫ «ال بد أنها ستساعدني‪ ..‬لهفتها علي تدل‬‫قلقة بعض الشيء»‪.‬‬ ‫على ذلك»‪.‬‬ ‫تسترسل سلوى‪« :‬قريباً سترتاحين مني عندما‬ ‫ داهمته نوبة ألم مفاجئة سرعان ما تالشت‬ ‫أنقل للعيادة الخارجية‪ ،‬لكن هل ستفتقدينني؟»‬ ‫تمض دقائق م�ع��دودة حتى‬ ‫ِ‬ ‫كما ج��اءت‪ ..‬لم‬ ‫ثرثرتك‬ ‫ِ‬ ‫حنان تتضاحك‪« ..‬على األقل سأفتقد‬ ‫أقفلت راج �ع��ة ب��وج��ه ش��اح��ب لتقول ل��ه «ال‬ ‫وشكواك التي حفظتها عن ظهر قلب»‪.‬‬ ‫ِ‬ ‫تقلق‪ ،‬س��أح��اول تأمينه ل��ك‪ ،‬فقط أمهلني‬ ‫وكمن تدهمها فكرة ط��ارئ��ة‪ ..‬تصيح سلوى‬ ‫بعض الوقت»‪.‬‬ ‫متسائلة‪« :‬حنان‪ ..‬كيف هو مريضك الموضوع‬ ‫ «كوني حذرة ال أريدك أن تتأذي بسببي»‪.‬‬‫تحت الحراسة‪ ،‬ألم تعرفي حكايته بعد؟»‪.‬‬ ‫ «س ��أح ��اول أن أح��ض��ره ل��ك ب �ع��د منتصف‬‫تفز ح�ن��ان م��ذع��ورة كمن لسعتها ح�ي��ة‪ ،‬كم‬ ‫الليل»‪.‬‬ ‫الساعة اآلن؟ وقبل أن تكمل سلوى‪ ،‬أنها الوا‪...‬‬ ‫في نهاية الدهليز حيث الضوء الخافت في مكتب كانت حنان تطوي الممر‪.‬‬ ‫الممرضات‪ ،‬الساعة تناهز الحادية عشرة ليالً‪..‬‬ ‫عند باب الغرفة (‪ )17‬ترتبك خطاها عندما‬ ‫تغزوها عينا الحارس الناريتان‪ ،‬وبسرعة خاطفة‬ ‫(‪)2‬‬ ‫تنزلق إلى الغرفة‪ ..‬يفتح عينيه بصعوبة بالغة‪..‬‬ ‫(س �ل��وى) مندفعة تشتكي مضايقات بعض تقيس ح��رارت��ه‪ ..‬تسوي عليه لحافه‪ ..‬وقبل أن‬ ‫ال��زم�لاء وال�م��رض��ى‪ ،‬آخ��ره��ا ك��ان ال�ي��وم عندما تنصرف‪ ،‬ت��دس بيد مرتجفة هاتفها المحمول‬ ‫طلبها للزواج مريض سبعيني متداع دأبت على تحت وس��ادت��ه وتغمغم‪« :‬طمئن أه�ل��ك عليك‪،‬‬ ‫رعايته!!‬ ‫وسأعود ألخذه قبل أن أغادر»‪.‬‬ ‫بنزق تعقب ح�ن��ان‪« :‬ك��م م��رة قلت ل� ِ�ك كوني‬ ‫تخرج مسرعة دون أن تلتفت للوراء‪ ..‬في حين‬ ‫ِ‬ ‫حازمة مع الجميع‪،‬‬ ‫ودعك من هذه األصباغ التي يخلع هو وجهه ويرتدي آخر‪ ،‬آخذا في الضغط‬ ‫على أزرار الجوال!؟‬ ‫وجهك كل يوم»‪.‬‬ ‫ِ‬ ‫تلطخين بها‬ ‫* ‬

‫‪76‬‬

‫قاصة وكاتبة من السعودية‪.‬‬

‫اجلوبة ‪ -‬خريف ‪1431‬هـ‬


‫> محمد صوانه*‬

‫(‪ )1‬حجر‪..‬‬

‫يقذف حجره في بحر‪،‬‬ ‫يتقافز الحجر على سطح الماء؛‬ ‫كثعبان يتلوى!‬ ‫ٍ‬ ‫تتشكل األمواج‪ ..‬دوائر؛‬ ‫يتأملها‪ ..‬يُنصت لموسيقاها ‪..‬‬ ‫فجأة؛‬ ‫ألف فكرة ‪..‬‬ ‫سقطت من رأسه ُ‬ ‫فيغوص وراء حجره‪..‬‬ ‫يطلبه بجنون ‪..‬‬ ‫يلتقطه ‪ ..‬يه ّ ُم بمعانقته‪..‬‬ ‫فيصعقه‪!!..‬‬

‫(‪ )2‬منظار‬ ‫ينظر من خالل دائرة ضيقة‬ ‫تراءت فصول الحياة كلها أمامه‬ ‫دوائر ال متناهية‪..‬‬ ‫في لحظة ذهوله‪،‬‬ ‫خ َّر من فقاعة تفكيره‪،‬‬ ‫بلسعة مفاجئة!‬ ‫ٍ‬

‫(‪ )3‬تلميع‪!..‬‬ ‫قبل أن يذهب إلى الحفل‪،‬‬ ‫لمّع كل أدواته‪ :‬مالبسه‪ ،‬وتسريحته‪ ،‬ونظارته‪،‬‬ ‫وحذاءه‪ ،‬وسيارته‪..‬‬ ‫وتعهد االبتسام؛‬ ‫لكن وجهه ‪ -‬في عيونهم ‪ -‬ظل باهتاً!‬

‫(‪ )4‬جذوة‬ ‫ترحلت الشمس‪ ،‬لكنه ظل يقبض على جذوة‬ ‫من نورها؛‬ ‫يحتسي دفئها؛‬ ‫* ‬

‫فيرتوي!‬

‫(‪ )5‬مشاركة‬ ‫يتباهي ح��ارس البنك أن له دوراً مهماً في‬ ‫االقتصاد الوطني؛ فهو يحرس أكبر بنك في‬ ‫العاصمة‪ ،‬ويحتل اسمه مكاناً في قائمة الموظفين‬ ‫المعتمدة من الجهات الرسمية‪ ،‬كما أنه ومديره‬ ‫شريكان في جوانب مهمة؛ فمجموع مرتبيهما‬ ‫معاً اثنا عشر ألفاً ومائة وأربعون ديناراً‪.‬‬

‫ق���������ص���������ص ق������ص������ي������رة‬

‫قصص قصيرة جدا‬

‫في نهاية الدوام يستقل المدير سيارته الفارهة‬ ‫إلى قصر مشيد تحيط به حديقة غنّاء‪ ،‬ويأوي‬ ‫الحارس إلى عائلته في مكان يشبه األعشاش!‬

‫(‪ )6‬صمود‬ ‫زرعوه في الخاصرة األغلى‬ ‫فرت أشتاتهم‪..‬‬ ‫تشاغلوا ‪..‬‬ ‫ظلوا يرقبون المشهد من وراء ستار‪..‬‬ ‫نزفت الخاصرة‪،‬‬ ‫نبت من نزفها شوك معاند‬ ‫فنشب في حلق المسخ‪..‬‬ ‫فتعالى عويله؛‬ ‫مستنجداً أسياده!‬

‫(‪ )7‬عولمة‬ ‫تختلج الطفولة بين جوانحه؛‬ ‫فيطير نحو ذكرياته اللذيذة‪..‬‬ ‫عندما فتح قبضة يدة‪،‬‬ ‫تعفّر وجهه بغبار العولمة!‬

‫قاص من األردن مقيم في السعودية‪.‬‬

‫اجلوبة ‪ -‬خريف ‪1431‬هـ ‪77‬‬


‫م ٌُ‬ ‫ة ل ِ ْل ُ‬ ‫َ‬ ‫ق ْد ِ‬ ‫س‬ ‫كلِ َ‬ ‫> د‪ .‬سعد عبدالقادر العاقب*‬

‫‪78‬‬

‫����ادث الجَ ل َِل‬ ‫����ك ع���ن��� َد ال����ح ِ‬ ‫���ف دم����وعَ َ‬ ‫كَ���فْ ���كِ ْ‬

‫����������زّقْ ُس�����تُ �����و َر ال�����ي�����أ ِْس ب���األم ِ���ل‬ ‫ص����ب����ر ًا وم ِ‬

‫ألرض ال ح������ي������ا َة بها‬ ‫ٍ‬ ‫إن ال�������ظ���ل���ا َم‬ ‫َّ‬

‫���ون والجب َِل‬ ‫����س ل���ل��� ّ َزيْ���ت ِ‬ ‫����ش����مْ ِ‬ ‫�����ش�����رِ قُ ال ّ َ‬ ‫ومَ ْ‬

‫�������دس ه������ذا ال�����ق�����ولُ ي���ك���تُ ���بُ���هُ‬ ‫ُ‬ ‫�����ك ي�����ا ق‬ ‫إل�����ي ِ‬

‫���ن م���ن���ه ِ���م ِ���ل‬ ‫��������ع م�����ن ال���ن���ي���ل���ي ِ‬ ‫ش�����ل�����الُ دم ٍ‬ ‫َّ‬

‫��������د ون�����ح�����نُ لنا‬ ‫بِ ����ل����ف����و ُر ي�����ص�����دُ ق ف�����ي وع ٍ‬

‫ّ�����ام�����ن�����ا ا ُألو َِل‬ ‫إخ����ل���اف عُ ������ ْرق������وبَ ف����ي أ َي ِ‬ ‫ُ‬

‫بِ �����ل�����ف�����و ُر أوفَ����������ى ل����ه����م م�����ا ق����ال����ه وم���ض���ى‬

‫���ض���رِ بَ المث َِل‬ ‫ْ��ف ص��رن��ا مَ ْ‬ ‫��خ��ل ِ‬ ‫ون��ح��نُ ف��ي ال ُ‬

‫ه������ذي ال����م����واع����ي����دُ ف�����ي أوط�����انِ �����ن�����ا ه������ز ٌَل‬

‫�����د وال����ه����ز َِل‬ ‫�����ج ِ ّ‬ ‫���ص���لُ ب���ي���ن ال ِ‬ ‫���ف ي���ف ِ‬ ‫وال���س���ي ُ‬

‫����ت أم�����ج�����ا َده�����ا وغ��������دَتْ‬ ‫ي�����ا أ ّ َُم������������ةً ض���� َيّ����ع ْ‬

‫ت���ب���ك���ي ع���ل���ى بُ����������ر ِْج أم����ري����ك����ا ب��ل��ا خ���جَ ِ���ل‬

‫���ت(‬ ‫)ه����������ا َم ال�������ف�������ؤادُ ب����أم����ري����ك����ي����ةٍ ج���ل���س ْ‬

‫بالعل َِل‬ ‫ُ��ش��ف��ي ال�����دا َء ِ‬ ‫����ن ت ْ‬ ‫��س األم ِ‬ ‫ف��ي م��ج��لِ ِ‬

‫َصب‬ ‫��ش مغت ٍ‬ ‫��دس يمشي ج��ي ُ‬ ‫ف���اآلن ف��ي ال��ق ِ‬

‫ي��س��ع��ى إل���ى ال��م��س��ج ِ��د األق���ص���ى ب�ل�ا غُ ُس ِل‬

‫ي������ا أ ّ َُم����������������ةً ك�������ثُ �������رتْ ع�������������� ّ َد ًا ع����س����اك����رُ ه����ا‬

‫يط ِل‬ ‫����ف ل����م ُ‬ ‫����س����ي ُ‬ ‫ط�����ال ال���ل���س���انُ ب���ه���ا وال ّ َ‬

‫���������ت ف����ي����ه����م م��ل�ائ����ك����ةٌ‬ ‫وك������� َلّ�������م�������ا رف���������رف ْ‬

‫َ������ل‬ ‫�������ر رائ���������دُ ه���������م ش�������وق������� ًا إل���������ى هُ ������ب ِ‬ ‫ي�������ف ُّ‬

‫وك���� َلّ����م����ا ص��������ا َح مَ ������ن ي����دع����و ل���وح���دتِ ِ���ه���م‬

‫����ف����ي����نَ وال���ج���مَ ِ���ل‬ ‫بَ�����كَ�����وا ح���ن���ي���ن��� ًا إل������ى ِص ِ ّ‬

‫����ف����تِ ����ه����م‬ ‫وك������ َلّ������م������ا رف�������ع�������وا ص�������وت������� ًا ب����ع ّ‬

‫ُ����ل‬ ‫���ص قُ ��������� ّ َد م�����ن قُ ����ب ِ‬ ‫��������ل ق���م���ي ٍ‬ ‫وَجَ �������������دْ تَ ك ّ َ‬

‫����م ج ّنتَهم‬ ‫����ح����ك ِ‬ ‫ق����د ش����� َيّ�����دوا ب���ح���ط���امِ ال ُ‬

‫�����ل؟(‬ ‫���ح���كْ ِ���م م���ن َرج ِ‬ ‫���ط���ي���قُ وداع ال ُ‬ ‫)وه�����ل يُ ِ‬

‫����دس خ���ي���لَ ال���ل���هِ منطلق ًا‬ ‫ارك�����ب ف��ت��ى ال����قُ ِ‬

‫���ج���مَ ِ���ل‬ ‫����اظ وال ُ‬ ‫وات��������رُ ْك ل��ه��م ص���ه���و َة األل����ف ِ‬

‫��������م إن ال����������ن����������دا َء ب����ه����مْ‬ ‫وال تُ��������ن��������ادِ ه ِ‬

‫����ل‬ ‫أرض ب��ل��ا طَ ���� َل ِ‬ ‫������وف ع���ل���ى ٍ‬ ‫م����ث����لُ ال������وق ِ‬

‫��������راب نجدتَها‬ ‫ف����ال����قُ ����دْ ُس ت���رج���و م���ن األع ِ‬

‫خ��م��س��ي��نَ ع���ام��� ًا وخ���ي���لُ ال����عُ ����ر ِْب ل���م ت َِص ِل‬

‫����زن ح���ت���ى ض������ا َع ناظرُ ها‬ ‫���ت م����ن ال����ح ِ‬ ‫ب���ك ْ‬

‫َ�����ل‬ ‫�����م�����ه�����ا دم������ع������ ًا ب���ل��ا مُ �����ق ِ‬ ‫�����ت غ ّ َ‬ ‫ف�����أرس�����ل ْ‬

‫����ض به‬ ‫م�����ح�����روم�����ةٌ ه�����ي م�����ن خ����ي����رٍ ت����ف����ي ُ‬

‫����اس بالعسَ ِل‬ ‫ك���ال��� َنّ���ح ِ���ل ض�����نّ ع��ل��ي��ه ال����ن ُ‬

‫������������راج ح����ائ����رةٌ‬ ‫ِ‬ ‫ه������ذي ال����ح����م����ائ����مُ ف�����ي األب‬

‫������ل‬ ‫������زّجَ ِ‬ ‫ُ�����������ردّدُ ال����ص����وتَ ب���ي���ن ال������ َنّ������و ِْح وال ِ‬ ‫ت ِ‬

‫�����دس أف����ئ����دةٌ‬ ‫�����ت ت����ض����ئُ س�����م�����ا َء ال�����ق ِ‬ ‫أم�����سَ ْ‬

‫���������ارس ب���طَ ِ���ل‬ ‫ٍ‬ ‫���������ل م�����ن ش���� َيّ����ع����وا ِم��������نْ ف‬ ‫وك ُّ‬

‫ك�����م أل�����زم�����وا ج���ي���ش إس�����رائ�����ي�����لَ م���ع��� َرك���ةً‬

‫����ل‬ ‫������م ال���ص���خ���رِ وال����و َِع ِ‬ ‫م���ث���لَ ال���ت���ي ب���ي���نَ ُص ِ ّ‬

‫اجلوبة ‪ -‬خريف ‪1431‬هـ‬


‫ش������������������������������������ع������������������������������������ر‬

‫������وت عزمتَهم‬ ‫���ب ال������م ِ‬ ‫������ل ل���ه���ي ُ‬ ‫������ف ّ َ‬ ‫ف����ل����مْ ي ِ‬

‫َ����ل‬ ‫����م وال���� َثّ����ك ِ‬ ‫ول������م ي�����رُ عْ �����هُ �����مْ س���ع���ي���ر ال����يُ ����ت ِ‬

‫�����ب ق������ادوا خ��ي�� َل��ه��م فبِ ِهمْ‬ ‫�����رع ِ‬ ‫ج���ن���دٌ م���ن ال ُّ‬

‫�����ل‬ ‫تُ���م���س���ي وتُ�����ص�����بِ �����حُ إس�����رائ�����ي�����لُ ف�����ي وج ِ‬

‫���س ت���زه���و ب���ع��� َد غيبتِ ها‬ ‫������ادت ال���ش���م ُ‬ ‫ق���د ع ِ‬

‫واكتمل‬ ‫ِ‬ ‫���ي‬ ‫ي����ا ب������د ُر ف�����اط�����رُ ْد ظ���ل��امِ ال���ب���غْ ِ‬

‫وص�����خ�����ر ُة ال���م���س���ج ِ���د األق�����ص�����ى وق���� َبّ����تُ ����هُ‬

‫كالشع َِل‬ ‫ُّ‬ ‫���ظ���ل ِ���م ت��ب��دو ال���ي���و ّم‬ ‫ف���ي ُظ���لْ���مَ ���ةِ ال ُّ‬

‫أرج����������و ال�������ص���ل���ا َة ب������ه ل��������وال َت�����ب�����اعُ �����دُ ن�����ا‬

‫������ل(‬ ‫)وم������ا اس���ت���ب���اح���ت ب����ه ص���ه���ي���ونُ م����ن إبِ ِ‬

‫ف���ال���ص���خ���رُ وال����ش����ج����رُ ال���م���ي���م���ونُ رائ����دُ ن����ا‬

‫ُ���ل‬ ‫األرض م����ن ُس���ب ِ‬ ‫ِ‬ ‫وه�����ل س����واه����ا ل���ن���ا ف����ي‬

‫����ك ال�����ف�����اروقُ فانتفضي‬ ‫����م����مَ ِ‬ ‫������دس ي ّ َ‬ ‫ي����ا ق ُ‬

‫����دل‬ ‫����ك م����ن����سَ ِ‬ ‫�����ل ف����ي ِ‬ ‫��������أس ول�����ي ٍ‬ ‫م�����ن ك�������لِّ ي ٍ‬

‫���ح���ه���ا‬ ‫�������اروق ف���اتِ ِ‬ ‫ِ‬ ‫إن������ي أرى مَ �������قْ ������� َد َم ال�������ف‬

‫ع���ن��� َد ال���م���خ���اض���ةِ ي���ا اس���رائ���ي���لُ فارتحلي‬

‫���ت ال وطن ًا‬ ‫ع������ودي إل�����ى م����ا م���ض���ى إذ ك���ن ِ‬

‫����وت ال���خ���ن���ا‪ ،‬وا ْرع����������يْ م����ع ال���ه���مَ ِ���ل‬ ‫إ ّال ب����ي ُ‬

‫����دس أش�����ع�����اري ول����ي����س يفي‬ ‫أس���������وقُ ل����ل����ق ِ‬

‫������ل‬ ‫���������رف ف���ي���ه���ا ول������م أقُ ِ‬ ‫����ت م�����ن أح ٍ‬ ‫م�����ا ق����ل ُ‬

‫َ���������ث‬ ‫������ل م������ا ق�����ل�����تُ �����هُ ف������ي غ�����ي�����رِ ه�����ا َرف ٌ‬ ‫ف������ك ُّ‬

‫َ����ل‬ ‫وال���خ���ط���وُ ف���ي غ��ي��رِ ه��ا َض������ر ٌْب م���ن ال���� ّ َزل ِ‬

‫����ن إ ْذ جمع َْت‬ ‫ف����اذكُ ���� ْر ف��ت��اه��ا ص��ل��ا َح ال����دي ِ‬

‫��������دول‬ ‫ِ‬ ‫�����وك وم�������ا ج��������اءت م�����ن ال‬ ‫ل�����ه ال�����م�����ل ُ‬

‫�����ل م���ن���دف���ع��� ًا‬ ‫��������ي ال�����س�����ي ِ‬ ‫ف�����ج�����اءه�����م ك��������أَتِ ِ ّ‬

‫����ش����هُ ����مُ ال���������ج��������� َرّا ُر ف�����ي ع���ج ِ���ل‬ ‫ف�����ف����� ّ َر ج����ي ُ‬

‫�����دس م���اث���ل���ةٌ‬ ‫ق����دْ س����ي����ةٌ ف�����ي ص�����خ�����ورِ ال�����ق ِ‬

‫����ل‬ ‫����م���� َل ِ‬ ‫������اس وال ِ‬ ‫��������ت ل���ه���ا س����ائ����رُ األج������ن ِ‬ ‫دان ْ‬

‫����ك ت���م���ض���ي ف����ه����ي ف���ان���ي���ةٌ‬ ‫���������ل ال����م����م����ال ِ‬ ‫ك ُّ‬

‫����ل‬ ‫���ت م���ن س���ط���وة األج ِ‬ ‫����دس ق���د سَ ���لِ ���م ْ‬ ‫وال����ق ُ‬

‫������اول ال���ع���ل���جُ أن ي���ج���ت���ا َح مسجدَها‬ ‫ك���م ح ِ‬

‫��������ل‬ ‫��������ر ُّس ِ‬ ‫������ن وال ُ‬ ‫�����ب ال������ ّ َرح������م ِ‬ ‫ف��������������ر ّ َد ُه غ�����ض ُ‬

‫م������ات ال������ع������دا ُة ب���ه���ا غ���ي���ظ��� ًا وم����احَ ����نِ ����قَ����ت‬

‫����ل‬ ‫����������ذ ِ ّل وال����ف����ش ِ‬ ‫وع����������اد ك������ائ������دُ ه������ا ب����������ال ُّ‬

‫���دح���ر ًا‬ ‫�����دس م���ن ِ‬ ‫������دو ب����س����ورِ ال�����ق ِ‬ ‫ب������ات ال������ع ُّ‬

‫������س ي�����������دا ُه ط�����ه����� َره�����ا األ َزل����������ي‬ ‫ول��������م ت������م ّ َ‬

‫طرائقها‬ ‫ِ‬ ‫����اس) ف���ي‬ ‫م���ا دام ي��م��ش��ي (ح����م ٌ‬

‫�������ب وال جَ �������د َِل(‬ ‫���������ق ب��ل��ا ري ٍ‬ ‫ف����ال����ف����ت����حُ (ح ٌ ّ‬

‫* ‬

‫شاعر من السودان‪ ،‬أستاذ مساعد في اللغة العربية ‪ -‬جامعة تبوك‪.‬‬

‫اجلوبة ‪ -‬خريف ‪1431‬هـ ‪79‬‬


‫إذا مت ال تخبروها مبوتي‬ ‫> محمد حرب الرمحي*‬ ‫مت ال تخبروها بموتي‬ ‫إذا ُّ‬

‫فال تجعلوها تعانقُ لحدي‬

‫البيلسان‬ ‫ِ‬ ‫وال توقظوا زهر َة‬

‫المالك‬ ‫ِ‬ ‫لئال يرقُ فؤا َد‬

‫كما هي نائمة فوق صدري‬

‫قصد‬ ‫ِ‬ ‫دون‬ ‫األرض من ِ‬ ‫ُ‬ ‫وترتج ُف‬ ‫ِ‬

‫الحنان‬ ‫ِ‬ ‫دعوها تصلي صالة‬

‫وينشقُ بد ُر السماءِ ُصرَاخ ًا‬

‫مت ال تخبروها رفاقي‬ ‫إذا ُّ‬

‫ورعد‬ ‫وبرق ِ‬ ‫ٍ‬ ‫بحزن وقهرٍ‬ ‫ٍ‬

‫فلست أطيقُ بكاء الغواني‬ ‫ُ‬

‫الصوت للذُ ِل قهر ًا‬ ‫ُ‬ ‫فيرجعُ ني‬ ‫ُ‬

‫سأخجلُ من عينها لو رأتني‬

‫صدق وعدي‬ ‫ِ‬ ‫تخليت عن‬ ‫ُ‬ ‫كأني‬

‫وأخجل من دمعها لو بكاني‬

‫ولست أريدُ الرجو َع ألني‬ ‫ُ‬

‫خذوني وال تخبروها بموتي‬

‫الرحيل كرام َة وجدي‬ ‫ِ‬ ‫أرى في‬

‫وال تقطعوا حلّمها واألماني‬

‫حب‬ ‫عيش دونَ كرامةِ ٍ ّ‬ ‫َ‬ ‫فال‬

‫مسها الحزنُ مني‬ ‫أموت إذا ّ‬ ‫ُ‬

‫وال ع ّ َز يأتي بعصرِ التردي‬

‫دان‬ ‫شق ِ‬ ‫بالع ِ‬ ‫فكيف لميتَ ِ‬

‫أجل حبي‬ ‫مت من ِ‬ ‫فقولوا لها ُّ‬

‫خذوني وال توقظوها رجاءً‬

‫الليل بُعدي‬ ‫ِ‬ ‫ومن أجلها اخترت في‬

‫نان‬ ‫دعوها على ربوةٍ من ِج ِ‬

‫سخين‬ ‫ٍ‬ ‫بدمع‬ ‫ٍ‬ ‫تأت قبري‬ ‫فال ِ‬

‫بدمع القصائ َد فلتغسلوني‬

‫ولكن لتأتي بباقةِ وردِ‬

‫فمن ذِ كرِ ها قد تفوح المعاني‬

‫وتقر ُأ ما قد تيس َر حولي‬

‫وبالوردِ يا سادتي كفنوني‬

‫خد‬ ‫ولو دمعةً فوق صفحة ِ‬

‫فمن ِعطرها الوردُ باتَ يُ عاني‬

‫لتبك‬ ‫تبك موتي ولكن ِ‬ ‫فال ِ‬

‫رحلت غد ًا يا رفاقي‬ ‫ُ‬ ‫إذا ما‬

‫المستبد‬ ‫ِّ‬ ‫القلوب من‬ ‫ِ‬ ‫هوانَ‬

‫وودعت عمري وعُ م َر زماني‬ ‫ُ‬

‫وصنت فؤادي‬ ‫ُ‬ ‫قت هواها‬ ‫عش ُ‬ ‫ِ‬

‫دعوها بحضني تنامُ طوي ًال‬

‫أحصدُ وردي‬ ‫الموت ُ‬ ‫ِ‬ ‫وجئت إلى‬ ‫ُ‬

‫كعصفورةٍ في كتاب األغاني‬

‫حب‬ ‫أجل ٍ ّ‬ ‫أجمل الموتَ من ِ‬ ‫ِ‬ ‫فما‬

‫وإن عَ لِ مَ ت بعد موتي بموتي‬

‫لحد‬ ‫ظل ِ‬ ‫الحب في ِ‬ ‫َّ‬ ‫أجمل‬ ‫ِ‬ ‫وما‬

‫* ‬

‫‪80‬‬

‫شاعر وكاتب من األردن‪.‬‬

‫اجلوبة ‪ -‬خريف ‪1431‬هـ‬


‫> زكية جنم*‬ ‫لِ لَون ُحزني‪..‬‬

‫استيقظت من غفوتها‬

‫رمادية أفق ٍ لم تكتسيه‪..‬‬

‫لتجد أمامها‪..‬‬

‫شمس‪..‬‬ ‫ٍ‬ ‫خيوط‬

‫وجه ريح عابس‪..‬‬

‫األخاذ‪.‬‬ ‫لم تحتويه بدفئها ّ‬

‫جرّد الهواء من هدوئه‪..‬‬

‫***‬ ‫للون ُحزني‪..‬‬

‫وذرفت السنبلة على خدّ األرض‪..‬‬

‫زرقة بحر‬

‫دمعتها األخيرة‪.‬‬

‫سئم ملوحته‪ ..‬غموضه‬

‫***‬ ‫للون ُحزني‪..‬‬

‫***‬ ‫للون ُحزني‪..‬‬

‫بنفسجية زهرة‬ ‫أحبت نسيم الهواء‬

‫سوادُ ليل ٍ‬

‫سكنت يومه‪ ،‬أمسه‪..‬‬

‫طال في عتمته‪ ..‬انتظاره‪..‬‬

‫احتوت أمله‬

‫تآكل في صمت صبره‪،‬‬

‫لكنها‪..‬‬

‫ولم يبزغ‪ ..‬بعدُ فجره‪.‬‬

‫لم تمنحه سوى عمرا قصيرا‪..‬‬

‫وشيئا من عنفوانه‪.‬‬

‫***‬ ‫للون ُحزني‪..‬‬ ‫حمرة أصيل‬

‫فأسكن قلب الهدوء‪َ ..‬ص ِفيره‬

‫وحسرة‪..‬‬ ‫***‬ ‫للون ُحزني‪..‬‬

‫عانق الشمس لحظة‬

‫فضيّة قمرٍ‬

‫ثم اختفى‪..‬‬

‫تسرمد بالبقاء ‬

‫لتتبع خطاه أقدام العتمة‪..‬‬

‫ليقض مضاجع أحزاني‬

‫***‬ ‫للون ُحزني‪..‬‬ ‫اصفرار سنبلةٍ‬

‫* ‬

‫ش������������������������������������ع������������������������������������ر‬

‫حزني‬ ‫ألوان ُ‬

‫ويستلّ من عنق الشمس‬ ‫سيف الضياء‪..‬‬

‫قاصة من السعودية‪.‬‬

‫اجلوبة ‪ -‬خريف ‪1431‬هـ ‪81‬‬


‫َقصيدةٌ‪ ...‬إِلى امرأةٍ‬ ‫َّ‬ ‫مضطرِبة‬ ‫‪ ‬ابقي مَعي‪..‬‬ ‫أحتاجُ أ َن ِّك جَ انبي‬ ‫الظالمِ المُ فزِ عِ‬ ‫لتقطعي‪ ..‬لُججَ ّ َ‬ ‫ِّ‬ ‫مع والود ِْق الغزي ْر‬ ‫بال ّ َد ِ‬ ‫ابْقي مَعي‪..‬‬ ‫الغياب‪ ..‬أل َنّني‬ ‫ُ‬ ‫عما حياةٍ سوف يطويني‬ ‫َّ‬ ‫يَغتَالُنِ ي َبرْدُ الجياعْ‬ ‫ويُضيفُ ني رقمً ا شق ًيّا عاصيًا‬ ‫وت الكَبي ْر‬ ‫في سَ احةِ المَ ِ‬ ‫إنسي المالم َة‬ ‫اضطرَاب َِك‬ ‫عنك ْ‬ ‫خبّئي ِ‬ ‫ِ‬ ‫رايات ُحزنِ ِك عَ ّ َلنَا‬ ‫لَملِ مي ِ‬ ‫شمس ن َِسي ْر‬ ‫ٌ‬ ‫َقت‬ ‫إنْ أشر ْ‬ ‫ال ت ْـسـأَلـيني‪ ..‬عن متاهَ ِات الغوايةِ‬ ‫يرتد طَ رْفِ ي في سمائِ ِك‬ ‫ك َلّما ُّ‬ ‫عا َد مُ نكسرً ا حسي ْر‬ ‫***‬

‫ها إ َنّنا‪ ..‬نحيا معً ا‬ ‫والشجَ نْ‬ ‫َّ‬ ‫للسعادةِ‬ ‫يا ّ َ‬ ‫السافر ْة‬ ‫يا لل ُنّجومِ ّ َ‬ ‫يا للمدَى منْ غير ِ حدْ‬ ‫أنا لنْ أقولَ بأ َنّني‪..‬‬ ‫أعرف وُ جهَتي‬ ‫ُ‬ ‫دت‬ ‫ما عُ ُ‬ ‫ليس ليْ عنْ ُح ِب ِّك الق َتّالُ ب ُّْد‬ ‫أ ْو َ‬ ‫َكت أ َن ِّك غايتي‪..‬‬ ‫لك َنّني أدر ُ‬ ‫فيك فَراشةً ‪ ،‬وحمَ امةً ‪..‬‬ ‫فسَ مَ و ُْت ِ‬ ‫بح ِبّنا‬ ‫أحاط ُ‬ ‫َ‬ ‫لتُ ضيء عُ مرً ا قد‬ ‫ويريدُ ها قلبي سَ نَدْ‬ ‫***‬

‫‪82‬‬

‫* ‬

‫شاعر من مصر‪.‬‬

‫اجلوبة ‪ -‬خريف ‪1431‬هـ‬

‫> محمود قطان*‬

‫هل تُمهليني فُ رصةً‬ ‫داخلي‬ ‫كل الحقيقةِ ِ‬ ‫كي تكشفي ّ َ‬ ‫منّي مَخَ اوفِ يَ ا َلّتي‪ ..‬؟!‬ ‫و ُتب ِ َّددِ ي ِ‬ ‫عنّي قُ مَ ام َة غُ ربَتي‬ ‫ولتُ بعدي ِ‬ ‫ولت َْخلَعي كَتِ َف األلمْ‬ ‫الحريق بجبهَتي‬ ‫ِ‬ ‫طفئي‪ ..‬كُ تلَ‬ ‫ولتُ ِ‬ ‫َفتَن ّ َه ِدي عَ ِنّي أسَ ايَ ‪َ ..‬ت َن ّ َف ِسي‪..‬‬ ‫هذي الكآبةُ كالهَواءِ بكُ ِ ّل دمْ!‬ ‫***‬ ‫عيناك إال هالت َِان‬ ‫ِ‬ ‫عيناك‪ ..‬ما‬ ‫ِ‬ ‫ُجاوران سحائبَ المُ ز ِْن التي جاءَتْ لتُ مط َر لؤلؤً ا‬ ‫ِ‬ ‫ت‬ ‫بمدينَتي‪..‬‬ ‫َعت‬ ‫والبساتين التي قدْ أين ْ‬ ‫ِ‬ ‫َائق‬ ‫والقلب يهفو للحد ِ‬ ‫ُ‬ ‫بجبينِ ِك‪..‬‬ ‫ضن ال يُبالي عتمَ تي‬ ‫وا َلّليلُ مُ ٍ‬ ‫فلتُ قبِ لي‪..‬‬ ‫بالرّؤى‬ ‫كيْ تملَئي هَ ذي القصائ َد ُ‬ ‫ُوشميها بالوَسَ نْ ‪...‬‬ ‫كي ت ِ‬ ‫ولتَكْ ِسري‬ ‫نازف‬ ‫قلب ٍ‬ ‫أغاللَ ٍ‬ ‫جارف‬ ‫ٍ‬ ‫زن‬ ‫وقُ يو َد ُح ٍ‬ ‫في‬ ‫زن ّْ‬ ‫الح ِ‬ ‫غطى نطاقَ ُ‬ ‫َّ‬ ‫كيْ تزرَعي‬ ‫بشمسنَا‬ ‫ِ‬ ‫باح‬ ‫الص ِ‬ ‫بُؤ َر ّ َ‬ ‫ولتُ صبحي شمسي أنَا‬ ‫لي‬ ‫والعينَ ّْ‬ ‫كيْ تَدْ لِ قي‬ ‫عط َر المح َبّةِ في يَدي‬ ‫الظنْ !‬ ‫عني غُ با َر ّ َ‬ ‫كيْ تمسَ حي ِ ّ‬


‫ان أكون بالزمان والمكان الخطأ‬ ‫وتغادرني اللحظة بال جدوى‬ ‫يحدث أحيانا أال أكون أنا‬ ‫ربما تكون غيري‬ ‫ضميرا منفصال تقديره سدى‬ ‫سأعانق أوراقي‬ ‫ربما الحروف‬ ‫تخترقني‬ ‫ذات جدب‬ ‫سأخبر اآلخرين‬ ‫كم هي الحياة جميلة‬ ‫وأخفى أقراصي المهدئة‬ ‫بعيدا عن أعين المتطفلين‬ ‫يحدث أحيانا‬ ‫أن أرى كونا أجمل‪..‬‬ ‫فاذا حاولت استبقاء أحالمه‬ ‫غادرني بال عودة‬ ‫يحدث أحيانا‬ ‫أن تعرقلني دمعة طفل‬ ‫فال أجد بجعبتي‬ ‫سوى حروف عرجاء‬ ‫أسكبها بين يديه كحلوى‬ ‫وأنصرف قبل أن يشيعني بفقد‬ ‫يحدث أحيانا‬ ‫أن يعاتبني حرف‬ ‫فأستبدله بآخر‬ ‫وصرخات احتضاره‬ ‫تئن مضجعي‬ ‫يحدث أحيانا‬ ‫أن تمطر بداخلي‬ ‫* ‬

‫> عبير يوسف*‬

‫أن ألملم أحالمي‬ ‫من نوازع الطريق‬ ‫يحدث أحيانا‬ ‫أن أتقلص‬ ‫أتقوقع‬ ‫أمشط أحزان القمر‬ ‫وأظل أبكي بال هوادة‬ ‫كأنه قيد مستعر‬ ‫يحدث أحيانا‬ ‫أن أحلم وال أستيقظ‬ ‫إال عندما يلقيني الطائر كأحجية‬ ‫ألزمنة قادمة‬ ‫يحدث أحيانا‬ ‫أن أرسم وطنا‬ ‫فيرتاده الجميع‬ ‫وأفر منه على غير هدى‬ ‫يحدث أحيانا‬ ‫أن أقترض ابتسامة هذا وتلك‬ ‫وتظل الدمعة تعربد بداخلي‬ ‫يحدث أحيانا‬ ‫أن تغربلني األشياء‬ ‫تشردني األوهام‬ ‫وأستجدى عمرا‬ ‫من اللحظات المارقة بدمي‬ ‫يحدث أحيانا‬ ‫أن أكون كما أنا‬ ‫وتدهشني هواجسي‬ ‫حين تسألني‬ ‫من أنت؟‬

‫ش������������������������������������ع������������������������������������ر‬

‫يحدث أحيانا‬

‫شاعرة من مصر‪.‬‬

‫اجلوبة ‪ -‬خريف ‪1431‬هـ ‪83‬‬


‫مصير الوردة‬ ‫> طارق فراج*‬ ‫يقف على ناصية الليل‬ ‫يسامر النجوم‬ ‫علّه يكتشف ضوءا‬ ‫يقوده خارج ظلمة الوجوه‬ ‫التي يئن كاهل األرض منها‪..‬‬ ‫لم تترك له المدينة‬ ‫بكامل فتنتها‬ ‫حيزا صغيرا للحلم‪..‬‬ ‫أغلق صمته المليء بالكالم‪،‬‬ ‫وأسدل ستائر سميكة‬ ‫على نوافذ مخاوفه‬ ‫ويمم وجهه بال تردد‬ ‫شطر الصحراء‪.‬‬

‫***‬ ‫ذلك الجرح‬ ‫الحاد كالشفرة‬ ‫اقتلع شجرة الحنين‬ ‫من ضلوعه‬ ‫وأهداها كاملة‬ ‫للمرأة التي قابلته‬ ‫بنصف ابتسامة‬ ‫في ذلك اليوم الشتائي‬ ‫البعي ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــد‪.‬‬ ‫***‬ ‫* ‬

‫‪84‬‬

‫شاعر من مصر‪.‬‬

‫اجلوبة ‪ -‬خريف ‪1431‬هـ‬

‫بخطوة معتادة‪،‬‬ ‫وسالح متحفز على الكتف‬ ‫يخرج قلبه‬ ‫في نوبته الليلية‬ ‫يمشي وحيدا على منبت األرق‬ ‫لعله يرى وجهها الحلو‬ ‫وهي تخدش عتمة النافذة‬ ‫داخلة إلى شهوة الحلم‪.‬‬ ‫***‬ ‫في المساء‪..‬‬ ‫ألقت إليه بوردة‬ ‫من شرفتها العالية‪..‬‬ ‫تلك الوردة التي لها رائحة الصبر‬ ‫يعرف مصيرها جيدا!!‬ ‫أما حبيبته‬ ‫ال تعرف أن الورود‬ ‫ال تروي عطش المواسم الحزينة‪.‬‬


‫ن�������������������������������������ق�������������������������������������د‬

‫التركي ندمي جورسيل‪..‬‬ ‫للروائي‬ ‫«الترام األخير»‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬

‫جسر ٌ من الذكريات‪..‬‬

‫> هيثم حسني*‬

‫يقدّ م ال��روائ��يّ التركيّ نديم جورسيل في رواي��ت��ه «ال��ت��رام األخ��ي��ر»‪ ،‬ص��ور ًا من حياة‬ ‫المهاجرين األت��راك في فرنسا؛ يسلّط األض��واء فيها على جوانب من المعاناة التي‬ ‫يتعرّضون لها في طريقهم المُ فترَضة إلى ب ّر األمان‪ .‬يسرد جورسيل روايته التي يتبدّ ى‬ ‫ّري جل ّياً‪ ،‬والسيّما في تركيزه على توصيف ساحة جامعة السوربون‪،‬‬ ‫فيها الجانب السي ّ‬ ‫التي درس فيها األدب المقارن‪ ،‬ويدرّس فيها حالي ًا األدب التركيّ الحديث‪ ،‬تلك الساحة‬ ‫التي يصف تفاصيلها بدقّ ة‪ ،‬يسترجع أثناء ذلك ذكرياته‪ ،‬حين كان يعبر به قطار العمر‬ ‫من مدينة إلى أخرى‪.‬‬ ‫ي�ت�ش��ظّ ��ى م�ف�ه��وم ال �ت��رام ف��ي الرواية‪،‬‬ ‫يوهم‬ ‫يمارس الروائيّ عبره تورية موظّ فة‪ِ ،‬‬ ‫بمعان ع��دي��دة‪ ،‬يحيل إل��ى أم��ور متباينة‪،‬‬ ‫ٍ‬ ‫لربّما يو ّد اإلش��ارة إلى قطار الزمن الذي‬ ‫يمضي بالمرء‪ ،‬فينتقل به من محطّ ة إلى‬ ‫أخ ��رى‪ ،‬لتكون ل��ه ف��ي ك � ّل محطّ ة عمريّة‬ ‫�آس‪ ،‬وأف� ��راح‪ ،‬يعيشها بملء‬ ‫ذك��ري��ات‪ ،‬م�� ٍ‬ ‫روح��ه‪ .‬حين تفلت منه‪ ،‬يحاول استعادتها‬ ‫بأكثر من طريقة‪ ،‬ال يملك أحد إزاء سير‬ ‫القطار المحتوم أيّ اقتراح أو رأي‪ ،‬ألنّه‬ ‫يكمل دورت��ه الطبيعيّة‪ ..‬ولربّما يشير به‬

‫إلى القطار ال��ذي كان يستقلّه في رحلته‬ ‫إلى باريس‪ ،‬حيث يطوف به في عدّ ة أماكن‬ ‫وم��دن؛ يتعرّف إليها‪ ،‬يسوح بين جنباتها‪،‬‬ ‫يخوض فيها مغامراته العاطفيّة‪ ،‬يرتاح‬ ‫ف�ي�ه��ا‪ ،‬ليكمل ب�ع��ده��ا م �ش��واره الحياتيّ ‪،‬‬ ‫يستكمل طرقه إل��ى ب��اري��س التي يتوقّف‬ ‫فيها ق �ط��ار ال�ع�م��ر بالنسبة إل �ي��ه‪ .‬تكون‬ ‫باريس محطّ ته األخيرة‪ ،‬التي يستق ّر فيها‪،‬‬ ‫ي �ع��اود بعدها ال��رج��وع إل��ى المحطّ ة بين‬ ‫اآلونة واألخرى‪ ،‬ليتذكّر مراحله السابقة‪،‬‬ ‫ويتأمّل السفر من جديد مرّة أخرى‪ ..‬كما‬

‫اجلوبة ‪ -‬خريف ‪1431‬هـ ‪85‬‬


‫ق��د ي �ك��ون ال�م�ق�ص��ود بالقطار‬ ‫األخ �ي��ر‪ ،‬ه��و ذاك ال��ذي يدخل‬ ‫النفق الذي تحاول عائلة تركيّة‬ ‫عبوره إلى فرنسا‪ ،‬في محاولتها‬ ‫ال �ت �س �لّ��ل ع �ب��ر ال� �ح ��دود‪ ،‬حيث‬ ‫يغافلها القطار‪ ،‬وال يترك لها‬ ‫مجاالً للهرب‪ ،‬ألنّ النفق يكون‬ ‫مشقوقاً على مقاس القطار‪،‬‬ ‫ول �ي��س ه �ن��اك م� ّت�س��ع ألح ��د أو‬ ‫شيء مهما كان صغيراً‪ ،‬فتقضي‬ ‫العائلة نحبها‪ .‬تكون نهايتها في‬ ‫النفق‪ ،‬يدوسها القطار الذي‬ ‫يكون األخير الذي تراه العائلة الحالمة بالوصول‬ ‫إلى نعيم باريس‪.‬‬

‫إنّ الكتابة هي أيضاً من صميم‬ ‫المونتاج‪ ،‬وإنّ لغة المشاهد ال‬ ‫تختلف أب��داً عن لغة الكلمات‪.‬‬ ‫إذ ي��ؤ ّك��د أنّ األدوات مختلفة‪،‬‬ ‫لكنّ المنهج متشابه‪ ..‬يسترجع‬ ‫ذكرياته عن المدن الكثيرة التي‬ ‫زارها‪ ،‬ترتبط ك ّل مدينة بقصص‬ ‫عاشها هناك‪ ،‬يرافق في روما‬ ‫فتاة صادقها‪ ،‬يروي ذكرياتهما‬ ‫ال �م �ش �ت��رك��ة‪ ،‬ي �ص��ف تفاصيل‬ ‫جولته في برشلونة‪ ،‬التي تبدو‬ ‫ك��أ ّن�ه��ا تعيش ك��رن �ف��االً دائماً‪،‬‬ ‫يتحدّث عن لندن وغيرها من المدن اإلنكليزيّة‬ ‫العريقة‪ ،‬عن مراكش وقسنطينة ونيويورك‪ ،‬عن‬ ‫عدد من مدن المتوسّ ط‪ ،‬وعن مدن أخرى كثيرة‬ ‫زاره��ا‪ ،‬شكّلت بالنسبة له محطّ ات توقّف فيها‬ ‫قطار العمر لالستراحة بعض الوقت‪ ،‬ث ّم استكمل‬ ‫مسيرته غادياً ورائحاً بين إسطنبول وباريس‪.‬‬

‫يتّخذ ال��روائ��يّ م��ن ح�ي��اة تلك العائلة مادّة‬ ‫ل��رواي�ت��ه‪ ،‬حيث يسعى إل��ى تقديم حكايتها في‬ ‫فيلم سينمائيّ مع مخرج فرنسيّ ‪ ،‬يكون «جاك»‬ ‫ج��ار ال��راوي وصديقه‪ ،‬يقدّم مقترحاته إلنجاز‬ ‫سيناريو الفيلم‪ ،‬ينبّهه إلى وجوب الحرص على‬ ‫يتّخذ السرد في معظم الفصول شكل البوح‬ ‫المشاهد‪ ،‬ال على الكلمات‪ ،‬يؤكّد له أنّ المونتاج الوجدانيّ ‪ ،‬كأنّما يدوّن الروائيّ مذكّراته‪ ،‬يقول إنّ‬ ‫يح ّل مح ّل الكلمات في مهمّة الربط والتوصيل‪ ،‬الهاوية تغدو وطناً‪ ،‬ال تبقى إسطنبول بالنسبة إليه‬ ‫وما عليه سوى تدوين المشاهد‪ .‬يقول له إنّ ك ّل مدينة يعود إليها‪ ،‬إنّما يذهب إليها‪ ،‬مثل باريس‪،‬‬ ‫شيء يقرّر عند المونتاج‪ ،‬وال يمكنه كتابة الجملة دائ �م �اً م��ا ي��ذه��ب على م�ك��ان م��ا‪ ،‬لكنّه ال يعود‬ ‫مكان‪ .‬تستعير إسطنبول عنده من الجسر‬ ‫ٍ‬ ‫األولى قبل أن يختار المشهد األوّل‪ ،‬وإنّ السينما إلى‬ ‫شيء آخر‪ ،‬أي يجب عليه بناء الحكاية بالمشاهد الواصل بين طرفيها اآلسيويّ واألوروبيّ سمات‬ ‫وليس بالكلمات‪ ،‬ال ب ّد من التعوّد على التفكير العبور‪ ،‬تغدو جسراً للعبور‪ ،‬تمنحه أجمل ما فيها‪،‬‬ ‫بالمشاهد‪ ،‬حيث ال�ص��ور ه��ي أس��اس السينما فيظنّ بأنّه نفسه يغدو «م�م� ّراً‪ ،‬جسراً دعائمه‬ ‫األوّل‪ ،‬وتكمن مهمّة الفريق في ربطها بعضها غير مستقرّة في األرض‪ ،‬ال هنا وال هناك‪ .‬هنا‬ ‫بعضاً عن طريق المونتاج‪ ،‬وليس الكلمات‪..‬‬ ‫وهناك في الوقت نفسه»‪ .‬يغدو جسراً متن ّقالً‪،‬‬ ‫ال في‬ ‫يغرق الراوي العجوز في أنفاق الذاكرة‪ ،‬يحاول يربط بين األمكنة واألزمنة‪ ،‬جسراً مرتح ً‬ ‫القبض على الزمن بالكلمات‪ ،‬يرسم اآلثار التي الزمان المكان‪ ..‬كأنّما تغدو الجغرافيّات المزارة‬ ‫يخلّفها بعد مروره‪ ،‬يسترجع السنين التي مرّت ب��دائ��ل غ�ي��ر ك��اف�ي��ة ع��ن ج�غ��راف� ّي��ة اض �ط � ّر إلى‬ ‫من حياته‪ ،‬يجد بأنّه سيكون من العبث القول االبتعاد عنها‪ ..‬سكنته مدينته التي يرتحل بها‬

‫‪86‬‬

‫اجلوبة ‪ -‬خريف ‪1431‬هـ‬


‫الفصول‪ ،‬يقدّمها على سبيل العبرة والموعظة‪،‬‬

‫ي��روي الكاتب على لسان راوي��ه بعض أطوار منها أسطورة «إيكار» التي تقول إنّ إيكار أراد‬ ‫ال�ك�ت��اب��ة وأح��وال �ه��ا م �ع��ه‪ ،‬ي�ص��ف ال�ك�ت��اب��ة بأنّها الصعود إل��ى الشمس‪ ،‬فصنع لنفسه جناحين‬ ‫أسلوب حياة‪ ،‬يؤكّد بأنّه ال يستطيع التخلّي عن من الشمع طار بهما‪ ،‬فلمّا اقترب من الشمس‬ ‫األوراق التي تعوّد عليها‪ ،‬يكتب ويشطب‪ ،‬يعيد انصهر الشمع فهوى «إيكار» في البحر ومات‪.‬‬ ‫الكتابة وال�ش�ط��ب‪ ،‬تتملّكه ال�ح�ي��رة بعد كتابة كذلك استشهاده ببعض أساطير العشق وقصص‬ ‫الجملة األولى‪ ،‬وال يعرف إلى أيّ قرار ستحمله مشاهير العشّ اق في العالم‪ .‬ربّما يتأتّى ذلك‬ ‫كلماته التالية‪ ،‬يقول باختالفه عن دستويفسكي عن رغبة من التماهي معها أحياناً‪ ،‬أو رغبة في‬ ‫ال��ذي ك��ان يبدأ بتشكيل رواي��ات��ه كلّها في رأسه التنويع وإظهار االطّ الع‪..‬‬ ‫حتّى أدقّ التفاصيل‪ ،‬وعندما كانت تحين لحظة‬ ‫يعرّج جورسيل‪ ،‬المولود في تركيا ‪1951‬م‪،‬‬ ‫الكتابة‪ ،‬كان يسكب المونتاج على الورق من دون‬ ‫أيّ تعديل‪ ،‬ذاكراً بأنّه أملى رواية «المقامر» على ال�ح��اص��ل على ع��دّة ج��وائ��ز أدب � ّي��ة منها جائزة‬ ‫أمينة س � ّر «أ ّن ��ا جريجوربيفنا سنيتكين» التي األك��ادي �م � ّي��ة ال �ت��رك � ّي��ة‪ ،‬ع�ل��ى ب�ع��ض االنقالبات‬ ‫تزوّجها فيما بعد‪ ..‬ث� ّم يصوّر أح��وال غيره من ال�ع�س�ك��ر ّي��ة ال �ت��ي اج �ت��اح��ت ال �ح �ي��اة السياسيّة‬ ‫ال في الحديث عن مؤتمر للكتّاب التركيّة‪ ،‬والتي خلّفت شروخاً عميقة في جسد‬ ‫مفص ً‬ ‫ّ‬ ‫الكتّاب‪،‬‬ ‫األت��راك في المنفى‪ ،‬يفضح فيه زعم الكثيرين الجمهوريّة التركيّة‪ ،‬لم تستطع التخلّص منها‪،‬‬ ‫منهم‪ ،‬وتستّرهم بمنع كتبهم‪ ،‬كي يتّخذوها مبعث كما يعرّج على الصراع التركيّ اليونانيّ المزمن‪،‬‬ ‫تفاخر وقوّة وجرأة‪..‬‬ ‫وكذلك على أوضاع المواطنين في المحافظات‬ ‫ي �ح��اول ت �ج��او َز رغ �ب��ات��ه‪ ،‬ال �ه��ربَ م��ن نفسه‪،‬‬ ‫الخاصة‬ ‫ّ‬ ‫ّص من مالحظاته وذكرياته وأحالمه‬ ‫التخل َ‬ ‫ليصبح صدى ألحالم اآلخرين وتطلّعاتهم‪ ..‬يذكر‬ ‫صديقه «سيهموز» الذي انتهى به المطاف في‬ ‫السجن‪ ،‬كغيره من المناضلين اليساريّين أمثال‬ ‫ناظم حكمت‪ ،‬وكان «سيهموز» االبن البكر ألسرة‬ ‫فقيرة‪ ،‬لم يصبح مهرّباً مثل بقيّة إخ��وت��ه‪ ،‬أت ّم‬ ‫دراس�ت��ه بنجاح وس��ط آالف الصعوبات‪ ،‬اعتقل‬ ‫بعد استقراره في إسطنبول كمناضل يساريّ ‪،‬‬ ‫يحكي عن تجربة سجنه المريرة‪ ،‬يتذكّر نصيحة‬ ‫صديقه له عندما قال‪« :‬إنّ السجن ثمن بخس‬ ‫لما كتبناه من كتب في هذا البلد‪.» ..‬‬ ‫* ‬

‫ن�������������������������������������ق�������������������������������������د‬

‫في كثير من المدن‪ ،‬من دون أن يفلح في الشفاء‬ ‫منها‪ ،‬وال هو يريد ذلك‪..‬‬

‫يستعين الكاتب ببعض األساطير في عدد من‬

‫المهمّشة م��ن تركيا‪ ،‬تلك ال�ت��ي يسيطر عليها‬ ‫ال الحياة‬ ‫الجيش‪ ،‬معلناً حالة ال �ط��وارئ‪ ،‬معطّ ً‬

‫بمختلف جوانبها هناك‪..‬‬

‫قصة كاتب‬ ‫«ال �ت��رام األخ�ي��ر» رواي��ة تختصر ّ‬

‫مغترب‪ ،‬يلوك ذكرياته‪ ،‬يسعى إلى التغلّب على‬ ‫الغربة بالتذكّر واألحالم‪ ،‬يرتحل من محطّ ة إلى‬ ‫أخ��رى‪ ،‬يقف ف��ي ك � ّل منها منتظراً‪ ،‬متمنّياً أن‬

‫يكون الترام الذي ينتظره‪ ،‬أو يستقلّه‪ ،‬األخير في‬

‫حياته – رحلته‪ ،‬التي تتكوّن من محطّ ات كثيرة‪،‬‬

‫وقطار وحيد يشيخ وهو يرتحل به فيما بين تلك‬ ‫المحطّ ات‪..‬‬

‫ناقد وروائيّ سوريّ ‪« ,‬منشورات دار عالء الدين‪ ،‬دمشق ‪2010‬م‪ ،‬ترجمة شفيق السيّد صالح»‪.‬‬

‫اجلوبة ‪ -‬خريف ‪1431‬هـ ‪87‬‬


‫رواية «اخلوف» للروائي املغربي رشيد اجللولي‬

‫*‬

‫إدانة مرة للواقع املعاصر املليء باحلروب‬ ‫وسيادة مبدأ القوة الغابوي‬

‫> بقلم‪ :‬د‪ .‬عبداجلبار العلمي**‬

‫صدر مؤخر ًا عن مطبعة النجاح الجديدة بالدار البيضاء منشورات بالغات المغرب‪،‬‬ ‫رواية جديدة بعنوان «الخوف» (الجزء األول)‪ ،‬وذلك في طبعة أنيقة‪ ،‬وغالف من تصميم‬ ‫الكاتب المغربي عبداإلله المويسي‪.‬‬ ‫يجمع السارد العليم في رواية «الخوف» لرشيد الجلولي في سرده خالل (‪ )50‬فصال‪،‬‬ ‫بين الواقعي والخيالي‪ ،‬الغرائبي والعادي اليومي‪ .‬يتم هذا من خالل جميع مكونات‬ ‫السرد الروائي‪ .‬فالشخصيات بعضها واقعي‪ :‬عيسى الشخصية الرئيسة في الرواية ‪/‬‬ ‫ليلى زوجته ‪ /‬ابتسام ابنته ‪ /‬الخالة مسعودة‪ .‬وبعضها اآلخر ينتمي إلى عالم الرمز‬ ‫وأهمها سفيان الداودي الحاكم الدكتاتور‪.‬‬ ‫الفضاء ال��روائ��ي يعنى ال�س��ارد أحياناً‬

‫أي ح��رب حديثة تستعمل فيها األسلحة‬ ‫الحديثة المتطورة‪ .‬إن المؤلف يود أن يقول‬ ‫لنا هنا إن اإلنسانية منذ قابيل وهابيل لم‬ ‫ت�ت��وق��ف ي��وم �اً ع��ن إش �ع��ال فتيل الحروب‬ ‫المدمرة‪ .‬لكأنها خلقت من أجل التطاحن‬ ‫وال �ص��راع وال �ح��روب الفتاكة‪ .‬إن الرواية‬ ‫بوصفها الحرب بكثير من التفاصيل‪ ..‬إنما‬ ‫تقدم إدان��ة م��رة للواقع المعاصر المليء‬ ‫بالحروب‪ ،‬وسيادة مبدأ القوة الغابوي‪.‬‬

‫رح��اه��ا ف��ي ال �ع��راق أث �ن��اء اج �ت �ي��اح��ه‪ ..‬أم‬

‫وحتى على مستوى الحدث‪ ،‬نالحظ هذا‬

‫بتحديده‪ ،‬حيث تتم اإلش ��ارة إل��ى أماكن‬

‫بأسمائها ال�م�ع��روف��ة ف��ي م��دي�ن��ة القصر‬ ‫الكبير‪ .‬وأح �ي��ان �اً أخ ��رى يعمد إل��ى عدم‬

‫تحديدها‪ ،‬فتبقى هالمية تتناغم مع المناخ‬

‫العام للرواية التي تمتلئ باألجواء الغرائبية‪.‬‬ ‫أما الزمن الروائي فغير محدد‪ .‬فالقارئ‬

‫ال ي��دري هل الحرب القائمة هي الحرب‬ ‫العالمية األولى أم الحرب التي كانت تدور‬

‫‪88‬‬

‫اجلوبة ‪ -‬خريف ‪1431‬هـ‬


‫ن�������������������������������������ق�������������������������������������د‬

‫الخلط بين الواقعي والغرائبي؛‬ ‫فالحدث الواقعي بسيط‪ ،‬يتمثل‬ ‫في كون عيسى البائع المتجول‬ ‫وت� �ظ� �ه ��ر ل� �ن ��ا «المحاكاة‬ ‫الفقير له ابنة مريضة «ابتسام»‪،‬‬ ‫الساخرة» أيضاً في‪:‬‬ ‫ول �ك��ي يتمكن م��ن ت��وف �ي��ر ثمن‬ ‫أ) ال� �ش���وارع ف ��ي المدينة‬ ‫ال� �ع�ل�اج ل��ه��ا‪ ،‬ع �ل �ي��ه أن يعمل‬ ‫ال� �ع ��رب� �ي ��ة ال� �ت���ي ت� � ��دور فيها‬ ‫عدة أسابيع‪ .‬وأثناء ذهابه إلى‬ ‫األح� ��داث‪ ،‬تحمل أس �م��اء غير‬ ‫اإلتيان بالعربة التي هي وسيلته‬ ‫عربية «جان جاك روسو»‪.‬‬ ‫ل�لاس �ت��رزاق‪ ،‬ي��واجَ ��ه بمتاريس‬ ‫توضع ف��ي ال�ط��رق��ات‪ ..‬فتحول‬ ‫ب) اسم ابنة عيسى البائسة‬ ‫بينه وبين الوصول إل��ى غايته‪.‬‬ ‫ال �م��ري �ض��ة ب �ض �ي��ق التنفس‪:‬‬ ‫وال �ح��دث ال�غ��رائ�ب��ي المشحون‬ ‫«ابتسام»‪.‬‬ ‫أيضاً بوقائع مأساوية عجائبية هو قيام الحرب‪،‬‬ ‫(‪ )2‬لغة الرواية‪:‬‬ ‫وت �ع �رّض أه��ال��ي المدينة إل��ى القتل العشوائي‬ ‫تتسربل لغة ال��رواي��ة في كثير من مقاطعها‬ ‫المجاني‪ .‬والحقيقة أننا نحس أن الحرب تحيط‬ ‫بنا من كل جانب بكل بشاعتها ودمارها ودمويتها‪ .‬ال�س��ردي��ة بالشاعرية‪ ،‬وك�ث��رة االن��زي��اح��ات التي‬ ‫لقد تمكن المؤلف أن يحشرنا في أجواء الحرب‪ ،‬أض�ف��ت على ال��رواي��ة طابعاً ش�ع��ري�اً‪ ..‬رغ��م أن‬ ‫ويمأل نفوسنا بالخوف‪ .‬الخوف من قتل اإلنسان ال�م��وض��وع الرئيس ه��و ال�ح��رب وال �خ��وف الذي‬ ‫تثيره‪ :‬نذكر منها على سبيل المثال ال الحصر‪:‬‬ ‫ألخيه اإلنسان‪.‬‬ ‫«زنازين الفقر السفلية» «مشى عيسى على حواف‬ ‫ومن األم��ور التي أث��ارت انتباهي في الرواية‬ ‫الطرقات المبقورة البطون»‪ ..‬الخ‪.‬‬ ‫إضافة لما سبق‪ ،‬اآلتي‪:‬‬ ‫إن رواي��ة «ال�خ��وف لرشيد الجلولي (ج ‪،)1‬‬ ‫‪ 1‬اعتماد السارد في س��رده على «المحاكاة‬ ‫رغم أنها تنحو نحو الرواية العربية «الحديثة»‬ ‫ال�س��اخ��رة» ‪ :IRONY‬ن��ذك��ر بعضها على سبيل‬ ‫م��ن حيث المنظور ال �س��ردي (ال� ��راوي العارف‬ ‫ال�م�ث��ال ال ال�ح�ص��ر‪ :‬ش��اه��د عيسى ف��ي إحدى‬ ‫ب�ك��ل ش ��يء) ضمير ال�غ��ائ��ب تسلسل األح ��داث‬ ‫ال فرنسياً يطل ُق عليه الجنو ُد‬ ‫قنوات التلفزة طف ً‬ ‫عبر ال�ف�ص��ول ال��روائ �ي��ة‪ ،‬إال أن�ه��ا تحمل كثيراً‬ ‫�اص وه��و ف��ي حضن أب�ي��ه‪ .‬وهذه‬ ‫ال�ع��رب ال��رص� َ‬ ‫من مالمح «الرواية الجديدة» التي تعتمد على‬ ‫إشارة إلى إطالق رصاص العدو اإلسرائيلي على‬ ‫اللغة الشعرية‪ ،‬واستخدام األسطورة والفانتازية‬ ‫الطفل الفلسطيني أحمد الدرة وقتله في حضن‬ ‫والمحاكاة الساخرة‪ ،‬وغيرها من األساليب التي‬ ‫أبيه‪ .‬إنها سخرية من اإلعالم الغربي غير النزيه‬ ‫تعتمدها بعض الروايات التي تدخل في إطار ما‬ ‫الذي يقلب الحقائق‪ ،‬ويشوّش على الرأي العام‬ ‫يسمى بـ«الرواية الجديدة»‪.‬‬ ‫العالمي ليخدم مصالح إسرائيل‬ ‫وحاميتها أمريكا وغيرها‪.‬‬

‫* رواية «الخوف»‪ ،‬رشيد الجلولي‪( ،‬ج ‪ ،)1‬الطبعة األولى ‪ ،2009‬مطبعة النجاح الجديدة‪ ،‬الدار البيضاء‪ ،‬المغرب‪.‬‬ ‫** كاتب من المغرب‪.‬‬

‫اجلوبة ‪ -‬خريف ‪1431‬هـ ‪89‬‬


‫مخلوقات األب‬ ‫> سعد الرفاعي*‬

‫استوقفني إصدار صغير في حجمه‪ ،‬ال تتجاوز صفحاته‬ ‫اثنتين وخمسين صفحة‪ ،‬لمؤلف لم يسبق لي مصافحة‬ ‫كتابته‪ ..‬اسمه ضيف فهد‪ .‬واإلصدار يندرج تحت اإلصدارات‬ ‫الموسومة بـ (بواكير)‪ ،‬ولئن كان هو األول للقاص ضيف فهد‪،‬‬ ‫فهو إص��دار متجاوز بحق‪ .‬وألن العنوان هو أول ما يصافح‬ ‫القارئ فسيتوقفه أو ًال لجدته وغرابته‪ ،‬فهو عنوان يستثير‬ ‫المخيلة بمجرد قراءته‪ .‬كما أنه سيتوقفه مرة أخ��رى بعد‬ ‫ق��راءة المجموعة؛ وذل��ك لعدم تقليديته‪ ،‬فهو ليس عنوان ًا‬ ‫إلحدى قصص المجموعة‪ ،‬األمر الذي يعني اختياره بعد تفكير عقلي تأملي‪ ،‬ليؤدي‬ ‫وظيفة وداللة للمجموعة ككل‪.‬‬ ‫ولئن كانت دالل��ة المخلوقات معروفة‪ ،‬كداللته في الثقافة المسيحية‪ ،‬كما أن األب‬ ‫ف��إن ل�م�ف��ردة األب أك �ث��ر م��ن معنى لغوي‪.‬‬

‫يعني (اآلرك�ت��اي��ب)؛ أي النموذج األصلي أو‬

‫فاألب يعني‪ :‬المرعى‪ ،‬فيكون العنوان بذلك‪:‬‬

‫األعلى ال��ذي يتكون في النفس في مرحلة‬

‫مخلوقات المرعى‪ .‬وكذلك يعني النزاع إلى‬

‫الطفولة العقلية‪ ،‬وفي ذلك إشارة إلى النماذج‬

‫الوطن فيكون‪ :‬مخلوقات النزاع أو النازعة العليا التي تستقر أنماطها في الالوعي‪ ،‬وهي‬ ‫إلى الوطن‪ .‬كما يعني األب‪ :‬القصد؛ فيكون نماذج ليست فردية بقدر ما هي جماعية‬ ‫المعنى ب��ذل��ك‪ :‬مخلوقات لفظية مقصودة متوارثة راسبة في الالوعي؛ إذ تؤدي دوراً‬ ‫ألداء معنى لغوي ووظيفة فنية وأدبية عبر في الجماعة‪ ،‬كالذي تؤديه الغرائز بالنسبة‬ ‫ال �ن �ص��وص‪ .‬ول �م �ف��ردة األب دالالت أخرى‬

‫‪90‬‬

‫اجلوبة ‪ -‬خريف ‪1431‬هـ‬

‫للفرد‪ .‬فالنماذج الفردية التي يتم صنعها في‬


‫ل�ل�ن�م��اذج الجمعية ال �ق��دي �م��ة‪ ..‬كما‬

‫وال�ج�س�م��ي‪ ،‬ووع ��ي أك�ث��ر حساسية‬

‫يشير لذلك الناقد علي البطل‪ ،‬ولعل‬

‫واس �ت �س�لام �اً م��ع ال � ��ذات والبيئة؛‬

‫الداللة األخيرة لها ما يؤيدها إذا ما‬

‫ولهذا‪ ،‬فإن الحاالت المتبدلة للوعي‪،‬‬

‫مضينا نقلب صفحات المجموعة‬

‫بمثابة آلية للتوحد من النظام الدقيق‬

‫فالقاص (ضيف فهد) يصدر اإلهداء‬

‫للعالم‪ ،‬والتماهي معه في عقل جمعي‬

‫في مجموعته كما يلي‪:‬‬

‫واح��د‪ ..‬وعند هذه النقطة بالذات‪،‬‬ ‫ي�ك��ون اإلدراك ف��وق ال�ح�س��ي‪ ..‬كما‬

‫(إل� ��ى ال �ص��دي��ق ال �ع��زي��ز ضيف‬

‫يذهب لذلك صالح الجابري‪.‬‬

‫فهد‪:‬‬ ‫كشكر صغير على هذا العصيان‪...‬‬ ‫وألن ه��ذه ال�م�خ�ل��وق��ات ه��ي ك��ل م��ا استطعت‬ ‫ال كي‬ ‫معرفته عن ذلك (األب) الذي أخذ وقته كام ً‬ ‫ال يطلعك على عمله المتقن) ص ‪.7‬‬ ‫إن��ه يسطر اإله���داء م��ن ذات��ه إل��ى ذات���ه‪ ..‬من‬

‫ن�������������������������������������ق�������������������������������������د‬

‫طفولتنا ليست إال تحققات جزئية‬

‫تحقيق حالة من االستجمام النفسي‬

‫وعوداّ إلى القصص‪ ...‬فإن القاص يتنقل بنا عبر‬ ‫حاالت النفس البشرية (الذات‪:‬األنا‪ ،‬األنا العليا‪،‬‬ ‫الهو)‪ .‬ولهذا فإن اإلهداء من ضيف فهد (أنا) إلى‬ ‫ضيف فهد (ه��و)؛ أي من الوعي إلى الالوعي أو‬ ‫العكس‪ .‬مع التأكيد التام على أن شخصية (األنا)‬ ‫مختلفة كلية عن شخصية (الذات)‪ ،‬ولهذا أورد لنا‬

‫(ضيف) إلى (ضيف)‪ .‬ويشير إلى عصيان‪ ،‬وإلى قصة (خ �وّي األم�ي��ر)‪ .‬فالخوي يعني المرافق أو‬ ‫مخلوقات‪ ،‬وإل��ى وق��ت كامل استقطعه األب في المالزم أو المصاحب‪ ،‬ولكنه ‪-‬أي خوي األمير ‪-‬‬

‫سبيل إنجاز عمله المتقن‪ ،‬الذي بلغ حداً ال يمكن يختلف كلية عن مرافقه أو مالزمه (األمير)‪ .‬فلكل‬ ‫االطالع عليه بيسر وسهولة‪.‬‬ ‫سماته‪ ..‬ومقوماته‪ ..‬ومكانته)‪.‬‬ ‫وم��ن ث��م‪ ،‬ت �ب��دأ تتكشف ل�ن��ا لعبة ال�ل�غ��ة التي‬

‫ويأتي في قصة (صفة رجل واحد)‪ ،‬ليعدد لنا‬

‫األب)؛ ول�ه��ذا‪ ،‬يحسب للقاص براعة اللغة التي‬

‫النقي كجد‪ ،‬الرجل األصم قليالً‪ ..‬الرجل األعمى‬

‫يمارسها القاص معنا‪ ،‬عبر مجموعة من القصص (الرجل البارد كبطن‪ ،‬الرجل الطويل أكثر من أي‬ ‫التي تشكل في مجملها ومجموعتها (مخلوقات رجل‪ ،‬الرجل الذي ولد مجنوناً منذ زمن‪ ،‬الرجل‬ ‫تجعل ال�ن��ص ف�ض��اء مفتوحاً محتم ً‬ ‫ال ألك�ث��ر من قليالً‪ ..‬مجموعة م��ن السمات والصفات فقط‪.‬‬ ‫قراءة‪ .‬والقاص ينتقل بنا عبر القصص‪ ..‬ليجسد هذا مجمل القصة‪ ،‬وهو بذلك يشير إلى النموذج‬ ‫لنا حاالت تبدّل الوعي التي تعني وجود حالة من األصلي الذي يتكون في النفس في مرحلة الطفولة‬ ‫الشعور أو الوعي الذاتي‪ ..‬تكون مختلفة عن حالتنا العقلية إزاء موجود قريب منا (شخص‪ ..‬أو شئ‬

‫الواعية االعتيادية‪ ،‬وكذلك من خالل التأمل الذي‬ ‫يتشكل من مجموعة من الطرق التي تهدف إلى‬

‫ما‪.) ..‬‬ ‫وألن الذات اإلنسانية موضوعه‪ ..‬موضوع القاص‬

‫اجلوبة ‪ -‬خريف ‪1431‬هـ ‪91‬‬


‫األساس‪ ،‬فقد أورد لنا قصة بعنوان (هو)‪ ،‬يشير فيه‬

‫القاص‪ ،‬كما تبرز كثرة الجمل االعتراضية‪ ..‬وكذلك‬

‫إلى الـ هو‪ ،‬أو المستودع اإلنساني الالواعي‪ .‬إن الجمل المؤطرة ب��األق��واس‪ ،‬وف��ي ذل��ك تعبير عن‬ ‫جاز التعبير (هو‪ ،‬الذي في [الداخل]هو بوقاحته‪ ،‬االنتقال والتداخل بين وعيين أو ذاتين أو حالتي‬ ‫وكذبه‪ ،‬وطيبته‪ ،‬وأحالمه [المشوهة]‪) ..‬‬

‫وف��ي قصة (ج�س��د ي �م��وت)‪ ..‬ي�ت�ن��اول اإلنسان‬ ‫داع إلى التعرف على ال��ذات‪ ،‬إذ يقول في‬ ‫كمكوّن ٍ‬ ‫نهاية القصة (تشعر باألسى في أن��ك لم تتعرف‬ ‫جيداً «على القريب منك‪ /‬أنت» على رغم كل هذه‬ ‫المدة التي قضيتها ملتصقاً به‪ .‬وتفيق على آخر ال‬ ‫تعرفه‪.) ...‬‬ ‫إن هذا التبدل في الوعي أمر ليس باليسير؛‬ ‫ألنه ال يتم إال عبر تنويم العقل أو تخديره‪ ،‬في ذات‬ ‫الوقت الذي تكون بحاجة إلى هذا العقل‪ ..‬لضبط‬

‫مزاج‪ ،‬ليتحقق له الوصول إلنسانيته التامة‪ ..‬كما‬ ‫يذهب لذلك لورنس ليشان‪.‬‬ ‫وقد وظّ ف القاص اللغة بشكل تأملي‪ ،‬حتى إن‬ ‫تغييب الحوار أدى دوراً فنياً لصالح العمل‪ .‬واتكأ‬ ‫القاص على اللغة االقتصادية‪ ،‬واعتمد الرمزية‬ ‫واإلي �غ��ال والبعد ع��ن ال��وض��وح ال �ت��ام‪ ..‬أو المعنى‬ ‫المباشر‪ ،‬ولهذا يقول في قصة (وضوح هائل) ص‬ ‫‪:21‬‬ ‫(‪ ...‬غير مكشوفة بالكامل! كان هذا أمراً مهماً‪.‬‬

‫ما يصدر عن الالوعي ورصده‪ ،‬ولهذا أورد قصة ولكي ال يتم الكشف بالكامل‪ ،‬كانت أحالمه تتحقق‬ ‫بعنوان «طريقة صعبة للتذكر» وفيها يقول (‪ ..‬لديه بشكل يختلف في بعض التفاصيل كل مرة‪) ..‬‬ ‫القدرة على التذكر بالطريقة التالية‪ :‬التحسس في‬ ‫كل االتجاهات‪ ،‬في كل المخابئ‪ ،‬على الصدر وعلى‬ ‫الجوانب‪ ،‬ألكثر من مرة وبأمل متكرر‪.) ..‬‬ ‫إنها إشارة إلى االمتزاج في عقل جمعي واحد‪،‬‬ ‫وبلوغ اإلدراك فوق الحسي ال��ذي أشرنا إليه من‬ ‫قبل‪.‬‬ ‫وبالعودة إلى أسلوب القاص‪ ..‬فقد برز اعتماده‬ ‫الكبير على التشكيل البصري في النصوص من‬ ‫فواصل وفراغات وحذف وعالمات سكون خفيف‪،‬‬

‫يبقي أن ن �ت �س��اءل‪ :‬ه��ل اع�ت�م��د ال �ق��اص على‬ ‫ال �ت��داخ��ل ب�ي��ن ال �ف �ق��رات وال �ج �م��ل ع�ب��ر نصوص‬ ‫معان جديدة أو‬ ‫المجموعة المتناثرة للحصول على ٍ‬ ‫معان مقصودة؟!‬ ‫الوصول إلى ٍ‬ ‫لندع اإلجابة للقارئ ولكن‪ ...‬فليحاذر أن يتسع‬ ‫شق (أظالفه) قبل أن يصل إلى (مرعى يفصله عنه‬ ‫وواد فسيح)!!‬ ‫ثالثة جبال ٍ‬ ‫وأخ� �ي ��راًَ ه��ل ت��داخ �ل��ت ال� �ق ��راءة ف��ي جوانبها‬

‫وم��ا بين األق� ��واس‪ .‬وغ�ي��ر ذل��ك مما ي��ؤدي داللة المختلفة بدءا وانتهاء؟! أرجو أن أكون قد حققت‬ ‫تشكيلية على المستوى البصري‪ ،‬وفي ذلك دعوة شيئاً م��ن ذل��ك ألتماهى م��ع (مخلوقات األب)‪..‬‬ ‫ملحة للتأمل وإعمال الفكر‪ ،‬وهو أمر مقصود من‬ ‫* ‬

‫‪92‬‬

‫شاعر وناقد‪ ،‬ينبع ‪ -‬السعودية‪.‬‬

‫اجلوبة ‪ -‬خريف ‪1431‬هـ‬

‫احتفاالً بهذا العمل اإلبداعي‪ .‬؟!‬


‫> هشام بن الشاوي*‬

‫ن�������������������������������������ق�������������������������������������د‬

‫إيروس في الرواية‬

‫يستهل وليد سليمان كتابه «إي��روس في ال��رواي��ة» برسالة من الروائي البيروفي ماريو بارغاس يوسا في‬ ‫نسختيها األصلية (اإلسبانية) والمعرّبة‪ ،‬معنونة بـ«إلى أصدقائي التونسيين الذين لم ألتقهم»‪ ،‬تحدث فيها‬ ‫يوسا عن كتب يشترك فيها مع قرائه التونسيين (العرب)‪ ،‬فيُثبتون رغم البعد الجغرافي واالنتماء إلى ثقافتين‬ ‫مختلفتين‪ ،‬بأن بينهم وبينه ‪-‬هذا الكاتب الذي هو أنا‪-‬وشائج عميقة ال تنقطع‪ .‬مثال‪ ،‬عشقي للروايات العظيمة‬ ‫التي أثرت حيواتنا ومكنتنا من الحلم‪ ،‬تعويضا عن التقلبات والخيبات التي تُعر ُِّضنا لها‪-‬أحيانا‪ -‬حياتنا‬ ‫اليومية»‪ .‬مؤكدا على أن وظيفة الروايات الجيدة إيقاظ الروح النقدية في ما يتعلق بالواقع المعيش‪ ،‬والحث‬ ‫على العمل من أجل إصالحه وتحسينه‪ ،‬متمنيا أن تحرض مقاالته بعض قرائه التونسيين على قراءة أو إعادة‬ ‫قراءة تلك الروايات التي تعد من أفضل ما أُنتج في القرن العشرين‪« ،‬قرن الكوارث السياسية الكبيرة والحروب‬ ‫المدمرة‪ ،‬ولكنه أيضا‪ ،‬قرن إبداعات العقل الرائعة»‪.‬‬ ‫وأش��ار وليد سليمان في مقدمته للكتاب إلى أنه‬ ‫اختار هذا العنوان للكتاب عوضاً عن العنوان األصلي‪:‬‬ ‫«حقيقة األك��اذي��ب»‪ ،‬ل��وج��ود رابطين‪ :‬أولهما‪ ،‬تناول‬ ‫ن�ص��وص ال�ك�ت��اب ل��رواي��ات م�ه�م��ة‪ ،‬وط�غ�ي��ان الجانب‬ ‫اإلي��روس��ي عليها (وال ��ذي طغى كذلك على روايات‬ ‫يوسا األخيرة)‪ .‬والثاني‪ ،‬أن تلك الروايات بقيت أعماال‬ ‫خالدة في ذاك��رة اإلنسانية‪ .‬وكذلك غوصه ‪-‬يوسا‪-‬‬ ‫العميق في ثنايا تلك الروايات‪ ،‬مستفيدا من خبرته‬ ‫الروائية واشتغاله على أسرار الكتابة الروائية‪..‬‬

‫«الموت في البندقية» لتوماس مان‪:‬‬

‫اإلن �س��ان �ي��ة‪ .‬إن غ��ري��زة ال �م��وت‪/‬ال �ش��ر‪/‬ال �ب �ح��ث عن‬ ‫سيادة الفرد الكاملة‪ ،‬التي تسبق المواضعات التي‬ ‫يحددها أي مجتمع للحيلولة دون تفكك الجماعات‬ ‫وال �ع��ودة إل��ى البربرية‪ ،‬وكبح أه��واء األف ��راد حتى ال‬ ‫تشكل خطرا على الجسد المجتمعي‪ ..‬إنه التعريف‬ ‫الحقيقي لفكرة الحضارة‪ .‬لكن المالك الذي يعيش‬ ‫داخل اإلنسان ال يستطيع هزم الشيطان الذي يتقاسم‬ ‫معه الشرط اإلنساني‪ ،‬وإن كانت الفضيلة تضمن رقي‬ ‫المجتمع‪ ،‬فهي ال تكفي لتحقيق سعادة األفراد الذين‬ ‫تكبت أه��واءه��م حتى ال تشكل خ�ط��را على الجسد‬ ‫المجتمعي‪ .‬إنها تتحين الفرصة للظهور‪ ،‬ما يؤدي إلى‬ ‫الدمار والموت‪ ،‬والجنس هو المنطقة المفضلة التي‬ ‫تتحرك فيها الشياطين القادمة من المناطق المظلمة‬ ‫بالنفس اإلنسانية‪ ،‬ونفيه التام يفقر الحياة‪ ،‬ويحرمها‬ ‫من الحماسة والنشوة الضروريتين للكائن‪.‬‬

‫حسب م��اري��و (ل�لإش��ارة فهي ال��رواي��ة ال�ت��ي اتهم‬ ‫بسببها كاتبها بالمثلية الجنسية)‪ ،‬فهي تمتاز بفتنة‬ ‫ال�ح�ب�ك��ة وال�ت�م�ي��ز ال�ش�ك�ل��ي‪ ،‬واإلش� �ع ��اع الالمتناهي‬ ‫للتداعيات وال��رم��وز التي تولدها الحكاية في ذهن‬ ‫ال �ق��ارئ‪ .‬وإع���ادة ق��راءت�ه��ا تجعل ال �ق��ارئ يحس بأن‬ ‫ه��ذه ه��ي المضامين الشائكة التي سلط عليها‬ ‫أمرا ملغزا بقي في النص‪ ،‬له صلة بالقدر وبالتجربة توماس مان األض��واء‪ .‬فجمال الطفل ال��ذي أغ��رم به‬

‫اجلوبة ‪ -‬خريف ‪1431‬هـ ‪93‬‬


‫بطل ال��رواي��ة الخمسيني‪ ،‬ك��ان الحافز ال��ذي أطلق‬ ‫حالة تدمير انتهت إلي تدمير واقعي بالكوليرا‪ ،‬فيما‬ ‫يمكن أن يكون إشارة‪ ‬الن�ح�لال أوروب ��ا االجتماعي‬ ‫والسياسي‪ ،‬الخارجة من زمن االنفالت المرح إلى‬ ‫االس�ت�ع��داد للتدمير ال��ذات��ي‪ .‬ال��وب��اء ثمن االنحطاط‬ ‫والجنون واإلفالس‪ ،‬وهي نزعة أخالقية لدى الكاتب‪،‬‬ ‫وق��د ك��ان ت��وم��اس م��ان ضحية أخ�ل�اق البورجوازية‬ ‫الصارمة‪ .‬ويتساءل بارغاس‪ :‬لماذا يعاقب الفنان بكل‬ ‫تلك القسوة‪ ..‬وكل خطيئته أنه اكتشف اللذة متأخرا‬ ‫على المستوى الذهني فقط؟‬

‫«المحراب» لوليام فوكنر‪:‬‬

‫ترصد ال��رواي��ة ق��اع باريس بشخصياته المنبوذة‬ ‫ال �ت��ي اس �ت��وط �ن��ت ال �ه��ام��ش ال �ث �ق��اف��ي‪ ،‬أم ��ا الموقف‬ ‫األخالقي لميلر‪ ،‬فيلخص في أنه ال يجوز للفرد أن‬ ‫يضحي بأهوائه ونزواته‪ ،‬ويجب المطالبة بها بإلحاح‬ ‫أمام الزحف الجائر للحداثة التي تهدد بمحوها‪ ..‬هي‬ ‫نزعة فردية متطرفة ليحافظ على حريته‪ .‬وفي روايته‬ ‫حقق التوازن بين فوضى التلقائية والحدس المحض‬ ‫والتحكم العقالني في العمل الروائي‪ ،‬رغم انتصاره‬ ‫ل�لأه��واء واألح��اس�ي��س‪ .‬ويخلص يوسا إل��ى أن كتاب‬ ‫ميلر جميل‪ ،‬وفلسفته مؤثرة رغم سذاجتها‪ ،‬وال توجد‬ ‫حضارة يمكنها الصمود أمام فردية متطرفة‪ ،‬باستثناء‬ ‫تلك التي تكون مستعدة إلرج��اع اإلنسان إلى العصر‬ ‫البدائي‪.‬‬

‫ه��ي اب�ت�ك��ار أف�ظ��ع حكاية يمكن تخيلها‪ ،‬حكاية‬ ‫قاسية حد العبث‪ ،‬لكن يلعب الشكل فيها دور البطل‪،‬‬ ‫فهو شديد الحضور في السرد‪ ،‬والرواية تبقي جزءًا «حسناء من روما» البرتو مورافيا‪:‬‬ ‫من الحكاية خارج السرد‪ ،‬متروكا لنزوة‬ ‫يعترف بأنه قرأها أول مرة حين كان‬ ‫القارئ‪ ،‬والتالعب بمعطيات الحكاية‬ ‫م ��ازال صبيا ي��رت��دي ال�ت�ب��ان‪ ،‬متحديا‬ ‫ال�م�خ�ت�ل�س��ة ل �ف��ائ��دة ال� �ق ��ارئ األكثر‬ ‫الحظر العائلي لجديه وأمه‪ ..‬ويصنفها‬ ‫ب��راع��ة‪ .‬ال ��راوي ال يكشف عما تفكر‬ ‫ضمن قمم الواقعية الجديدة بإيطاليا‪.‬‬ ‫فيه الشخصية‪ ،‬ويقفز إل��ى حركات‬ ‫ال��رواي��ة ال يصدقها إال ال�ق��ارئ الذي‬ ‫وأفعال يكشف عنها فيما بعد بشكل‬ ‫يتخلى ع��ن ال��وه��م ال��واق�ع��ي‪ ،‬ويستعد‬ ‫مباغت‪ .‬ويرى ماريو أن األدب الخيالي‬ ‫ليعيش في ن��زوة أدبية‪ ،‬وقد برع فيها‬ ‫عملية تطهير‪ ،‬فكل ما يكبت في الحياة‬ ‫مورافيا في رسم البورتريهات النفسية‪،‬‬ ‫الواقعية لضمان استمراريتها‪ ،‬يجد‬ ‫وال يرى ماريو ما يبرر تلك الضجة التي‬ ‫فيها ملجأ وأح�ق�ي��ة ل�ل��وج��ود‪ ،‬وحرية‬ ‫رافقت ال��رواي��ة‪ ،‬فالمشاهد الجنسية‬ ‫للعمل على نحو أكثر إيذاء ورعبا‪.‬‬ ‫معظمها تافهة تقريبا‪ ،‬والساردة ‪-‬رغم‬ ‫ش� ��ذوذه� ��ا‪ -‬ت �ظ �ه��ر أخ�ل�اق ��ا صارمة‪،‬‬ ‫«مدار السرطان» لهنري ميلر‪:‬‬ ‫وجسارة الكتاب الوحيدة هي ال أخالقية األم‪ ،‬التي‬ ‫يعتبرها الناقد كتابا عظيما ورجيما‪ ،‬راجت حوله‬ ‫تكاد تكون شاهدة عيان على لقاءات ابنتها مع زبائنها‪،‬‬ ‫األساطير قبل ثالثين عاما‪ ،‬فقرأه وانبهر به‪ ،‬واكتشف‬ ‫مع صعوبة تخيل ه��ذا التفصيل الهامشي‪ ..‬ويختم‬ ‫أن فضائحيته ليست بسبب المقاطع اإلباحية‪ ،‬وإنما‬ ‫مقاله باإلشارة إلى أن تغيرات عقلية القراء‪ ،‬بعد هذه‬ ‫بسبب ابتذاله وعدميته‪ ،‬ورغم انتهاك أدب ميلر ‪-‬وهو‬ ‫األربعين سنة‪ ،‬سيجعلهم يقرؤون الرواية دون السقوط‬ ‫الذي عاش بوهيميا‪ -‬للمقدسات‪ ،‬مهمته تذكير البشر‬ ‫في األحكام الجاهزة‪.‬‬ ‫بأن المدينة التي يسكنونها مهما بدت عامرة‪ ،‬فهناك‬ ‫شياطين مختبئة ف��ي ك��ل م �ك��ان‪ ..‬يمكن أن تسبب «لوليتا» لفالديمير نابوكوف‪:‬‬ ‫الطوفان في أي لحظة‪.‬‬ ‫مع انتشار الرواية ذاع مصطلح «لوليتا»‪ ،‬كناية عن‬

‫‪94‬‬

‫اجلوبة ‪ -‬خريف ‪1431‬هـ‬


‫ن�������������������������������������ق�������������������������������������د‬

‫فاز األديب البيروفي ‪ ‬ماريو بارغاس يوسا (‪ 74‬عام ًا) بجائزة«نوبل‬ ‫احتفاء‬ ‫السويدية‬ ‫اآلداب» لعام ‪2010‬م‪ .‬وقد اختارته األكادميية‬ ‫ّ‬ ‫ً‬ ‫جتسد «هيكليات السلطة»‪ ،‬وتتويج ًا لـ«صوره احلادة‬ ‫بأعماله التي‬ ‫ّ‬

‫عن مقاومة الفرد ومت��رده وفشله»‪ .‬صاحب «حفلة التيس»‪ ،‬أحد‬ ‫باإلسبانية شهرةً ‪ ،‬وقد نقلت معظم أعماله‬ ‫أكثر األدباء الناطقني‬ ‫ّ‬

‫العربية‪ .‬وتلقّ ى صاحب «من قتل بالومينو موليرو»‪ ،‬نبأ‬ ‫إلى املكتبة‬ ‫ّ‬

‫األميركية‪،‬‬ ‫فوزه في اتصال هاتفي‪ ،‬أثناء وجوده في والية نيوجيرسي‬ ‫ّ‬

‫يدرس في جامعة «برينستون»‪ .‬وسيتسلّم اجلائزة في السويد في‬ ‫حيث ّ‬

‫كانون األول (ديسمبر)‪ ،‬خالل االحتفال الرسمي بجميع الفائزين‪.‬‬

‫المرأة‪/‬الطفلة‪ ،‬المتحررة دون علمها‪ ،‬والتي ترمز في العالقة بين المتخيل والمعيش‪ ،‬الحرب بين الجنسين‪،‬‬ ‫الالوعي إلى ث��ورة األخ�لاق المعاصرة‪ ،‬وال��رواي��ة من تحرير ال�م��رأة والوضعية االستعمارية والعنصرية‪،‬‬ ‫األح��داث التي مهدت لـ»عصر التسامح الجنسي»‪ ..‬وال ��رواي ��ة ل�ي�س��ت وص �ف��ة ض��د اس �ت�لاب ال��م��رأة في‬ ‫ت�لاش��ي ال �ت��اب��وه��ات ب�ي��ن ال�م��راه�ق�ي��ن ف��ي الواليات المجتمع المعاصر‪ ..‬إنها رواية حول األوهام الضائعة‬ ‫المتحدة األمريكية وأوربا الغربية‪ .‬إنها استعارة تعكس للمثقفين وفشل اليوتوبيا‪ ،‬بعيون امرأة‪ ،‬وبالمعنى الذي‬ ‫شعو َر كاتبها كأوربيٍّ شرقيٍّ ‪ ،‬أحس بخيبة أمل شديدة‬ ‫يريده عشاق القيامة‪.‬‬ ‫تجاه الواليات المتحدة‪ ،‬بسبب ما فيها من قلة نضج‪،‬‬ ‫«إيروس في الرواية»‬ ‫بعد حبه الجارف لها‪...‬‬ ‫ك�ت��اب ي �ق��دم‪ ،‬وبحميمية م�ب��دع ف��ي ح�ج��م ماريو‬

‫«ب���ي���ت ال��ج��م��ي�لات ال���ن���ائ���م���ة» لياسوناري‬ ‫ب��ارغ��اس ي��وس��ا‪ ،‬وبلغته اإلب��داع�ي��ة‪ ،‬ق ��راءات ف��ي أهم‬ ‫كاواباتا‪:‬‬

‫يتحدث في مستهل ورقته عن قراءة نص مترجم رواي � ��ات ال��ق��رن ال �ع �ش��ري��ن‪ ،‬ق � ��راءات ت�لام��س عمق‬ ‫وما قد يفقده أثناء رحلته اللغوية من عطور النص النص‪ ،‬ومن داخل المطبخ اإلبداعي‪ ،‬وهذا ما يفشل‬ ‫األصلي‪ ،‬ويشير إلى أن الرواية مستلهمة من التوراة‪ ،‬فيه النقاد األكاديميون غالبا‪ .‬الكتاب «رس��ال��ة حب‬ ‫(وهي الرواية التي فتنت صديقه اللدود ماركيز‪ ،‬فكتب واعتراف بالجميل ألولئك الذين عشت بفضل كتبهم‪،‬‬ ‫«ذاك��رة غانياتي الحزينات»)‪ ،‬وأنها ليست ذات نزعة خالل فتنة القراءة‪ ،‬في عالم جميل‪ ،‬متماسك ومفاجئ‬ ‫طهرانية‪ ،‬بل تزخر بسفاحات وحشية تفضح فظاعة وكامل تمكنت‪ ،‬بفضله‪ ،‬من فهم العالم ال��ذي أعيش‬ ‫الخطيئة‪.‬‬ ‫فيه بشكل أفضل‪ ،‬ومن إدراك كل ما ينقصه أو يكفيه‪،‬‬

‫«المفكرة الذهبية» لدوريس ليسنغ‪:‬‬

‫ليكون قابال للمقارنة مع العوالم الرائعة التي يخلقها‬ ‫األدب العظيم»‪ ،‬كما جاء في رسالة يوسا إلى وليد‬

‫الرواية إنجيل النسويين‪ ،‬وأنصار الرواية ومهاجموها‬ ‫يعترفون بدورها كرواية تنتمي إلى عصرها‪ ،‬تطرقت سليمان‪ ،‬المترجم والمبدع التونسي الشاب الذي عرّب‬ ‫إلى عدة مواضيع منها‪ :‬التحليل النفسي‪ ،‬الستالينية‪ ،‬الكتاب باقتدار وإحساس مرهف‪.‬‬ ‫* ‬

‫كاتب وناقد من المغرب‪.‬‬

‫اجلوبة ‪ -‬خريف ‪1431‬هـ ‪95‬‬


‫فخري صالح‪ :‬الرواية السعودية تسجل‬

‫إجنازا ً عظيما وفوز عبده خال بالبوكر أكسب‬ ‫الكتابة السردية السعودية زخما جديدا‬

‫> محمد محمود البشتاوي‬

‫ت��ركَ دراس��ة الطب بعد أرب��ع سنوات‬ ‫ونصف‪ ،‬ليلتحق بكلية اآلداب‪ ..‬ويخوض‬ ‫رحلة جديدة في دراس��ة النقد األدبي‪،‬‬ ‫رغ��ب��ةً منه أن ي��ك��ون مثل عميد األدب‬ ‫العربي طه حسين‪ ،‬الذي أشرقت صورته‬ ‫ذهن صالح منذ أن كان طفالً‪.‬‬ ‫في ِ‬ ‫شَّ ��قَ طريقهُ عبر ال��ق��راءة التي يرى‬ ‫فيها أولى حلقات النقد‪ ،‬في حين يعتبر‬ ‫فخري صالح يوقع إدوارد سعيد في الرواية العربية الجديدة‬ ‫أن ال ح��رك��ة ث��ق��اف��ي��ة دون ن��ق��دٍ يطرحُ‬ ‫��اؤالت مبدعةٍ وخ�لاق��ةٍ ‪ ..‬ق��ادرة على‬ ‫ت��س ٍ‬ ‫حفر النصوص السردية والشاعرية‪ ،‬للخروج منها بما هو غائب عن القراءة األولى‪.‬‬ ‫«الجوبة» التقت فخري صالح‪ ،‬في عمان‪ ،‬على هامش ملتقى السرد العربي الثاني (دورة‬ ‫مؤنس الرزاز)‪ ،‬وتحدثت معه في حوارٍ صحافيٍّ عن ملتقى السرد‪ ،‬وقضايا النقد‪ ،‬واإلبداع في‬ ‫الوطن العربي‪.‬‬ ‫< نود لو تعرض لنا صورة ملتقى السرد‬ ‫العربي الثاني‪ ،‬وما الجديد الذي جاء‬ ‫به الملتقى؟‪.‬‬ ‫> حملت الدورة السـابقة في ملتقى السرد‬ ‫العربي اس��م ال��روائ��ي األردن��ي «غالب‬

‫هلسا» الذي عاش في ال��دول العربية‬

‫وع��اد في ت��اب��وت‪ ،‬أم��ا ال��دورة الحالية ‬

‫‪96‬‬

‫اجلوبة ‪ -‬خريف ‪1431‬هـ‬

‫فتعقد تحت ع�ن��وان «م��ؤن��س الرزاز»‪،‬‬

‫وهو روائ��ي أردن��ي توفي عام ‪2002‬م‪،‬‬ ‫وأردنا في رابطة الكتاب األردنيين أن‬ ‫نقدم تحية لهذا الروائي الكبير الذي‬

‫لم يتجاوز عمره إحدى وخمسين سنة‪،‬‬

‫وهو أيضا صديق شخصي حميم‪.‬‬

‫كان إسهام ال��رزاز أساس ّيًا في تطوير‬


‫م�م��ن يمكن أن نطلق عليهم ص�ف��ة تطوير‬

‫بحثت ع��ن األس �ب��اب ال�ت��ي ق��د ت�ك��ون خلف‬

‫القليلة التي تعد على أصابع اليد الواحدة‬ ‫الكتابة الروائية األردنية‪ ،‬فأصبحت توازي‬

‫ما يكتب في مراكز إنتاج الرواية في العالم‬ ‫العربي مثل القاهرة‪،‬‬

‫وأزمتها عربيا‪ ..‬بوصفها نوعاً أدب�ي�اً‪ ،‬وقد‬

‫خفوت هذا النوع األدبي‪ ..‬مقارنة مع األنواع‬ ‫األخ ��رى وخ�ص��وص��ا ال��رواي��ة‪ .‬وح��اول��ت من‬ ‫خ�لال استقراء ظروف‬

‫وب��ي��روت‪ ،‬ودمشق‪،‬‬

‫نشأة القصة القصيرة‬

‫وب�غ��داد‪ ،‬والعواصم‬

‫ف ��ي ال��ع��ال��م والوطن‬

‫العربية األخرى‪.‬‬

‫ ‬

‫ال � �ع� ��رب� ��ي‪ ..‬التعرف‬

‫على األسباب الممكنة‬

‫ال أظ���ن أن هناك‬

‫ال�� �ت� ��ي ج� �ع� �ل ��ت ه� ��ذا‬

‫ج� ��دي� ��دا ف� ��ي هذا‬

‫ال�م�ل�ت�ق��ى‪ ..‬إال أنه‬

‫يحاول إلقاء الضوء‬

‫المتعددة التي تكتب بدءاً بالقصة القصيرة‬ ‫وانتهاء بالسيرة الذاتية‪ .‬وقد ركزت األبحاث‬ ‫التي قدمها باحثون ونقاد من األردن والدولة‬

‫العربية‪ ،‬وتركية وروسية‪ ،‬على دراسة نظرية‬

‫السرد‪ ،‬وأشكاله‪ ،‬وتعالق السرد الذاتي في‬ ‫األشكال الروائية والسردية المختلفة‪ .‬وهناك‬ ‫بعض الدراسات واألوراق الالفتة التي قدمت‬

‫في الملتقى‪ .‬يضاف إلى ذلك أن هناك جلسة‬

‫متخصصة في أدب مؤنس ال��رزاز الروائي ‬ ‫بعض كتاباته التي تجنح‬

‫إلى االعتراف بنوازعه‬ ‫الداخلية‪ ،‬لتقديم جردة‬ ‫حساب مع العالم‪.‬‬

‫< م����اذا ق��دم��ت ف���ي هذا‬ ‫الملتقى؟‬

‫ال� �ن ��وع األدب � ��ي ‪ -‬في‬

‫عبده خال‬

‫على السرد بمفهومه المعاصر؛ أي األشكال‬

‫وال� �ق� �ص� �ص ��ي‪ ،‬وحتى‬

‫م������������������واج������������������ه������������������ات‬

‫الكتابة الروائية في األردن‪ ،‬ويعد من األسماء ‬

‫تمحورت مشاركتي ح��ول القصة القصيرة‬

‫ال �س��اب��ق ‪ -‬مزدهراً‪،‬‬

‫على الرغم أنه اليوم يواجه أزمة ليست في‬ ‫الكتابة نفسها‪ ،‬وإنما في عملية تسويق هذا‬ ‫العمل؛ فدور النشر والصحافة تحجمان عن‬ ‫نشر المجموعات القصصية‪ ،‬ويضاف إلى‬

‫ذلك؛ أن الرواية تحظى باهتمام كبير سواء‬ ‫في الوطن العربي‪ ،‬أو العالم‪ ،‬وتخصص لها‬

‫ال �ج��وائ��ز‪ ،‬م��ا ي��دف��ع بكتاب ال �س��رد للتحول‬ ‫باتجاه الرواية‪ ،‬وهناك عدد كبير ممن تحول‬ ‫عن كتابة القصة القصيرة‪.‬‬

‫وح ��اول ��ت م��ن خ�ل�ال ورق �ت��ي أن أت �ن �ب��أ بما‬

‫< أن���ا ض��د ال��ن��ظ��ري��ة ال��ق��ائ��ل��ة بأن‬ ‫العرب نقلوا الرواية عن الغرب‪.‬‬ ‫< ال��رواي��ة الس ــعودية تقف اليوم‬ ‫ع��ل��ى خ���ارط���ة األن�������واع األدبية‬ ‫العربية وأهمية أدب عبده خال‬ ‫ال تتأتى م��ن ال��ب��وك��ر‪ ،‬وإن��م��ا من‬ ‫انتشار رواياته‪.‬‬

‫ي �م �ك��ن أن ي �ح �ص��ل لهذا‬

‫النوع األدبي‪ ،‬خصوصا أن‬

‫الثورة التكنولوجية الهائلة‪،‬‬

‫ووسائط انتقال المعلومات‬ ‫ف��ي ال��وق��ت ال �ح��اض��ر‪ ،‬قد‬

‫تسمح للكتابة القصصية‬ ‫أن تنتشر ال ف��ي صيغتها‬

‫اجلوبة ‪ -‬خريف ‪1431‬هـ ‪97‬‬


‫الورقية‪ ،‬وإنما إلكترونيا على المواقع‪ ،‬وهناك‬

‫منها المهرجانات‪ ،‬واألمسيات‪ ،‬والفضائيات‬

‫الكثير ممن يكتب «أشياء» ويسمونها قصصا‬

‫التي أصبحت تخصص برامج للشعر‪ ،‬فكيف‬

‫قصيرة‪ ،‬وينشرونها عبر اإلن�ت��رن��ت؛ األمر‬

‫يمكن القول إن ال��رواي��ة دي��وان العرب وهي‬ ‫ت��وزع فقط من (‪ ) 5-4‬آالف نسخة‪ ،‬وربما‬

‫ال��ذي جعل القصة القصيرة م��دار اهتمام‬

‫أقل من ذلك‪ ..‬بينما الشعر يسمعه عشرات‬

‫القراء‪ ،‬بصرف النظر عن قيمة هذه األعمال‬

‫اآلالف وربما المئات؟‪.‬‬

‫المنشورة في اإلنترنت‪ ،‬وط��رائ��ق ووسائط‬

‫مختلفة‪ ،‬ونحن ال نناقش القيمة والنوعية‪ < ،‬م���اذا يعني أن يحصد ال��روائ��ي ع��ب��ده خال‬ ‫وإنما طريقة انتشار النوع األدب��ي ومراتبية‬ ‫ج��ائ��زة ال��ب��وك��ر العربية على صعيد النقد‬ ‫هذه األنواع األدبية‪.‬‬

‫ ‬

‫واإلبداع؟‬

‫وف��ي ه��ذا السياق‪ ،‬ك��ان الشعر في ي��وم من > ه��ذه مناسبة شديدة األهمية بالنسبة إلى‬ ‫األي ��ام يحتل المرتبة األول� ��ى‪ ،‬ف��ي التوزيع‬ ‫السعودية‪ ،‬ألن جائزة البوكر العربية أقامت‬ ‫داخل الوطن العربي؛ واآلن قد تكون الرواية‬

‫نوعا من الحراك في نشر الرواية واستقبالها‬

‫تحصد الرقم واحد عربيا‪ ،‬ثم يليها الشعر‪،‬‬

‫وقراءتها في العالم العربي‪ ،‬وهناك جوائز‬

‫ث��م القصة القصيرة‪ ،‬ث��م ال��دراس��ات؛ ولكن‬

‫أخرى تمنح للرواية‪ ..‬ولكن تنظيم البوكر هو‬

‫ليست لدي دراسات دقيقة في هذا الصدد‪،‬‬

‫الذي يدفع بالرواية إلى دائرة االهتمام في‬

‫وإنما اعتمد في قراءتي على متابعتي لسوق‬

‫مجال النشر والقراءة‪ ،‬وخصوصا أنها ‪ -‬أي‬

‫الكتاب في الوطن العربي‪ ،‬وأظن أن الرواية‬

‫الجائزة ‪ -‬تتبع الطريقة نفسها التي تتبعها‬

‫تحتل المرتبة األول��ى دون أن يعني ذلك أن‬

‫م��ؤس�س��ة م��ان ب��وك��ر ال�ب��ري�ط��ان�ي��ة‪ ،‬الشريك‬

‫ال��رواي��ة أصبحت «دي��وان العرب» كما يقول‬ ‫الصديق الناقد المصري الكبير الدكتور‬ ‫ج��اب��ر ع �ص�ف��ور؛ ألن ال�ش�ع��ر ينتشر عربيا‬

‫المنظم لجائزة البوكر العربية‪.‬‬ ‫ ‬

‫وس �ي��اس��ة ال �ب��وك��ر ت �ق��وم ع�ل��ى اإلع �ل�ان عن‬ ‫القائمة الطويلة المكونة م��ن (‪ )16‬رواية‪،‬‬

‫عبر طرائق أخ��رى للوصول إل��ى الجمهور‪،‬‬

‫ثم يعلن عن القائمة القصيرة المكونة من‬ ‫(‪ )6‬رواي��ات‪ ،‬وص��والً إل��ى المرحلة النهائية‬ ‫التي يُعلن فيها عن الفائز‪ ،‬األمر الذي يضع‬ ‫الروايات التي اختيرت في القائمة القصيرة‬ ‫في واجهة االهتمام في الصحافة‪.‬‬ ‫ ‬

‫فخري صالح والشاعر الفلسطيني موسى حوامده‬

‫‪98‬‬

‫اجلوبة ‪ -‬خريف ‪1431‬هـ‬

‫وأشير أيضاً إلى تجربتي قبل عامين‪ ،‬عندما‬ ‫كنت ع�ض��واً ف��ي لجنة التحكيم ف��ي جائزة‬ ‫البوكر العربية‪ ،‬إذ الحظت اهتمام جمهور‬


‫تُحصى اطلعت عليها في الصحافة العربية‪،‬‬

‫ي�ل�ف�ت��ون االن �ت �ب��اه ‪ -‬ف��ي ال �س �ع��ودي��ة ‪ -‬مثل‬

‫في القائمة القصيرة‪ ،‬عالوة على كتابات ال‬

‫ال�ب�ل��دان العربية األخ ��رى‪ ،‬وه�ن��اك روائيون‬

‫وتوقعات وج��دل كبير حول رواي��ات القائمة‬

‫رجاء عالم‪ ،‬يوسف محيميد‪ ،‬الدكتور غازي‬

‫القصيرة ثم الرواية التي فازت‪ ،‬واألمر نفسه‬

‫القصيبي‪ ،‬تركي الحمد‪ ،‬سمر المقرن‪ ..‬الخ‪،‬‬

‫يتكرر م��ع ع�ب��ده خ��ال ورواي �ت��ه ال�ف��ائ��زة في‬

‫وأن��ا ال أقيِّم هنا بل أذك��ر أسماء‪ ،‬وأظ��ن أن‬

‫البوكر العربية ف��ي السنة‬

‫الكتّاب السعوديون دخلوا هذه‬

‫الحالية‪.‬‬

‫ ‬

‫الموجة بشكل متأخر جدا عن‬ ‫العالم العربي في كتابة الرواية‬

‫أع� �ت� �ق ��د أن ع � �ب� ��ده خ ��ال‬

‫خالل القرن األخير‪.‬‬

‫س�ل��ط عليه ال��ض��وء‪ ..‬ألنه‬

‫م��ن ال��روائ�ي�ي��ن السعوديين‬

‫الرواية السعودية تسجل إنجازاً‬

‫يحظ‬ ‫َ‬ ‫ال��ب��ارزي��ن‪ ،‬ل�ك�ن��ه ل��م‬

‫ع �ظ �ي �م �اً؛ ب�م�ع�ن��ى أن الحركة‬

‫بعد أن رشحت رواي�ت��ه في‬

‫زخماً جديدا في نطاق الكتابة‬

‫بهذا االهتمام الذي مُني به‬

‫الثقافية ال�س�ع��ودي��ة اكتسبت‬

‫ال�ق��ائ�م��ة ال�ق�ص�ي��رة وصوال‬

‫السردية‪.‬‬

‫إلى فوزها بجائزة البوكر‪،‬‬

‫< بمعنى آخر‪ ...‬كسرت الصورة‬

‫وأنا ضد الضجيج الذي أثير‬

‫النمطية في السعودية ‪ -‬والخليج عموما ‪-‬‬

‫بعد ف��وز ال�خ��ال‪ ،‬وال�ق��ول أن لجنة التحكيم‬ ‫كانت تريدُه خليج ّيًا! فإن هذا الكالم ال يحترم‬

‫الكاتب‪ ،‬أو لجان التحكيم‪ ،‬حتى وإن اختلفت‬ ‫مع اللجنة الحالية‪ ،‬فأظن أن احترام االختيار‬

‫واجب‪ ،‬خصوصاً أن عبده خال من الروائيين‬

‫المعروفيين في الوطن العربي‪ ،‬ويستحق هذا‬ ‫التكريم‪ .‬ومما ي��دل على أهميته كروائي‪..‬‬ ‫ليس أن��ه ف��از بالبوكر‪ ،‬وإنما ه��ذا االنتشار‬

‫الواضح لرواياته وطباعتها غير مرة‪ ..‬هذا‬

‫هو المعيار الحقيقي لالهتمام ب��أدب عبده‬ ‫خال‪.‬‬

‫ ‬

‫وفي ما يتعلق بالرواية السعودية‪ ،‬فأظن أنها‬ ‫اآلن على خ��ارط��ة األن ��واع األدب�ي��ة العربية‪،‬‬

‫م������������������واج������������������ه������������������ات‬

‫القراء ودور النشر بالروايات التي اخترناها‬

‫وهي موجودة بصورة واضحة بين ما تنتجه‬

‫باعتبار أن المنتج السائد هو الشعر فقط؟!‬ ‫ ‬

‫نعم هذا صحيح بشكل كامل‪ ،‬وثمة مقياس‬ ‫آخر لو درسنا الموضوع من زاوية الترجمة ‪-‬‬

‫وأنا أستطيع أن أتحدث عن اللغة اإلنجليزية‬ ‫‪ -‬إذ أن دور النشر البريطانية واألمريكية على‬

‫سبيل المثال ‪ -‬وضعت رواية «بنات الرياض»‬ ‫ضمن قوائم الروايات الناجحة‪ ،‬عالوة على‬

‫أن أدب يوسف المحيميد ترجم أيضاً إلى‬

‫اللغة اإلنجليزية‪ ،‬ومن المؤكد أن عبده خال‬ ‫بعد حصوله على ج��ائ��زة البوكر‪ ،‬سيترجم‬ ‫إلى اإلنجليزية واأللمانية والفرنسية ولغات‬

‫أخ ��رى‪ ،‬وه��ذا كله يكسر ال �ص��ورة النمطية‬ ‫ليس فقط ع��ن الحركة الثقافية‪ ،‬ب��ل وعن‬

‫اجلوبة ‪ -‬خريف ‪1431‬هـ ‪99‬‬


‫القصصية أو الشعرية‪ ،‬وفي القراءة الثانية‬

‫السعودية نفسها في وصفها دولة محافظة‪..‬‬

‫أكتشف النص الذي أكتب عنه‪ ،‬وما أستغربه‬

‫وأن الدين مسيطر فيها بصورة شاملة‪ ،‬وأظن‬

‫هو اكتشافي ألشياء جديدة أثناء كتابتي عن‬

‫أن المجتمع السعودي به حراك‪ ،‬وهو متجدد‬

‫النص‪ ،‬أي أن العمل النقدي يكشف لي ما‬

‫ومتغير‪ ،‬وبه تيارات من التفكير االجتماعي‬

‫كان غائبا عني أثناء القراءة‪.‬‬

‫والسياسي المختلف‪.‬‬ ‫< ك��ي��ف ي��دي��ر ال��دك��ت��ور ف��خ��ري ص��ال��ح عملية ‬

‫والكتابة النقدية متعة وليست مهنة‪ ،‬وإذا لم‬ ‫أحبُ األعمال التي أتناولها في النقد فإني –‬

‫النقد؟‪.‬‬

‫عادة‪ -‬أعاني من صعوبات في الكتابة عنها‪،‬‬

‫> أن ��ا ن�ف�س��ي ال أع �ل��م ح �ت��ى أج �ي �ب��ك بصورة‬

‫ولكن هناك أحياناً رغب ًة تعليمية ورغب ًة في‬

‫واضحة‪ ،‬ولكن أود أن أوض َح أني تركتُ كلية‬

‫الكشف عن بعض األخطاء والمشكالت التي‬

‫الطب بعد دراستي فيها أربع سنوات ونصف‪،‬‬

‫تقيم داخل النص‪.‬‬

‫ألنتقل إلى دراسة األدب واللغة‪ ،‬ألني أحب‬

‫< هل المنتج السردي العربي دخ��ل األسواق‬

‫األدب‪ ،‬ومنذ صغري تستهويني ص��ورة طه‬

‫العالمية؟‬

‫حسين الناقد واألديب‪ ،‬األمر الذي رسّ خ لديّ‬ ‫رغب َة أن أكون ناقداً‪ ،‬ولهذا السبب أنا أكتب‬

‫> ال أستطيع أن أجيب إال بنعم‪ ،‬ألن الرواية‬

‫النقد‪ ،‬ألني أحبه‪ ،‬ولم أكن شاعراً أو روائياً‬

‫والقصة العربيتين أصبحتا حاضرتين بقوة‬

‫فاشالً‪ .‬ثم انتقلتُ إلى النقد كما هي الصورة‬ ‫النمطية الشائعة عن النقاد‪ ،‬وال يمنع ذلك أن‬ ‫امرئ‬ ‫ٍ‬ ‫أكتب الرواية في يوم من األيام‪ ،‬فلكل‬

‫على قوائم دور النشر في العالم‪.‬‬ ‫ ‬

‫ف��ي ال��وط��ن العربي‪ ،‬وك��ان��ت أس�م��اء ال ُكتّاب‬

‫منا رواية في داخله يرغب في سردها‪.‬‬ ‫ ‬

‫العرب قليلة التداول عربيا‪ ،‬وتعد على رؤوس‬

‫ف��ي ال�ب��داي��ات كنتُ مؤمناً ببعض التيارات‬

‫األصابع‪ ،‬فنجد‪ :‬توفيق الحكيم وطه حسين‬

‫النظرية في النقد األدبي‪ ،‬وبعد أن نضجتُ –‬

‫وعلى نطاق ضيق في الفرنسية والسويدية؛‬

‫أصبحت أض ُع هذه النظريات‬ ‫ًُ‬ ‫كما أعتقد ‪-‬‬

‫في حين نشهد اليوم كتاباً شباباً من الوطن‬

‫ال‬ ‫خلفي‪ ،‬وأت �ن��اول العمل بوصفه نصاً قاب ً‬

‫العربي يترجمون إلى لغات أساسية لها أكبر‬

‫للقراءة واالك�ت�ش��اف‪ ..‬ف��ي حين أن ثقافتي‬ ‫ومعرفتي النظرية تتسرب في ما أكتبه‪.‬‬ ‫ ‬

‫ع ��ادة أح� ��اول أن أق ��رأ ال �ن��ص ق� ��راءة أولى‬ ‫ألكتشف ع��وال�م��ه‪ ،‬ث��م أع�ي��د ق��راءت��ه ألكتب‬

‫سابقاً لم تكن الروايات تحظى باهتمام شديد‬

‫عدد من الناطقين بها في العالم‪.‬‬ ‫ ‬

‫وربما يكون فوز نجيب محفوظ عام ‪1988‬م‬ ‫بجائزة نوبل لآلداب‪ ،‬قد لفت انتباه دور النشر‬ ‫في العالم إلى أن هناك أدباً يستحق الترجمة‬

‫ع �ن��ه‪ ..‬إن ك�ن��ت أرغ���ب ت�ق��دي��م ن��ص نقدي‬

‫إلى تلك اللغات‪ ،‬كما أسهمت أحداث الحادي‬

‫تحليلي يعالج ه��ذه ال��رواي��ة أو المجموعة‬

‫عشر م��ن سبتمبر ع��ام ‪2001‬م ف��ي تركيز‬

‫‪ 100‬اجلوبة ‪ -‬خريف ‪1431‬هـ‬


‫العربي‪ ،‬وهناك أسباب‬ ‫غير ثقافية وغير أدبية‬

‫وراء ه � ��ذا االنتباه؛‬ ‫فثمة دوائ��ر في الغرب‬

‫ومنها دور النشر تريد‬

‫< ث��م��ة ج��ه��ات غ��رب��ي��ة ت��س��ع��ى إلى‬ ‫ال��ق��ي��م��ة األن���ث���روب���ول���وج���ي���ة في‬ ‫األعمال السردية العربية‪.‬‬ ‫< العمل النقدي يكشف لي ما كان‬ ‫غائبا عني أثناء القراءة‪.‬‬

‫أن تتعرف على كيفية‬

‫ ‬

‫أن��ك ن��اج � ٌح ف��ي م��ا تكتبه‪،‬‬

‫وال يشير إلى النوع األدبي‬

‫الذي تكتبه‪.‬‬ ‫ ‬

‫ب � �ع� ��د أن قمنا‬

‫بتصحيح الصياغة بين من‬

‫يسمون مبدعين والنقاد‪،‬‬

‫تفكير هذا الجزء من العالم الذي يحتضن‬

‫أود اإلش��ارة إلى أن الناقد له مشروعه كما‬

‫نوع من الهجوم‪ ..‬السيما في منطقة الخليج‬

‫ال��ذي يكتب نصاً مفتوحاً‪ ،‬ودون أن يكون‬

‫وكما هو متعارف عليه‪ ،‬فإن الكتابة السردية‬

‫تتطور‪ ،‬وال يمكن أن تنشأ حركة ثقافية دون‬

‫ألن التاريخ الرسمي مراقب‪ ..‬فال يقدم صورة‬

‫وأنا أقصد النقاد المبدعين ممن يطرحون‬

‫«إرهابيين محتملين»‪ ،‬األمر الذي يشير إلى‬

‫لكاتب ال��رواي��ة أو ال�ش��اع��ر أو ال �ق��اص‪ ،‬أو‬

‫العربي‪ ،‬والعراق‪ ،‬وأحياناً مصر‪.‬‬

‫هناك ن�ق��اد‪ ..‬أظ��ن أن الحركة الثقافية ال‬

‫قادرة على تقديم تاريخ مختلف للمجتمعات؛‬ ‫فعلية حقيقية للمجتمعات‪ ،‬ومن يكتب رواية‬ ‫أو نصاً سردياً‪ ،‬يكتب بطريقة تخييلية تجعل‬

‫القارئ يعيد تشكيل صورة المجتمعات‪ ،‬األمر‬

‫الذي جعل من األدب العربي محط اهتمام‬

‫ل��دى دور النشر‪ ،‬ويترجم بكثرة‪ .‬ورغ��م أنه‬

‫يكتسب قيمة فنية‪ ،‬فإن القيمة األنثروبولوجية ‬ ‫‪ -‬في األعمال السردية ‪ -‬هي ما تسعى إليه‬

‫دور النشر وبعض الجهات في الغرب‪.‬‬

‫< الناقد والمبدع‪ ..‬صوَّ رهما البعض كأنهما‬

‫م������������������واج������������������ه������������������ات‬

‫ال�ك��ام�ي��را ع�ل��ى الوطن‬

‫الوصف‪ ،‬ألن اإلبداع يعني‬

‫أسئلة‪ ،‬والنقاد يطرحون األسئلة في العادة‪،‬‬ ‫أسئلة على الواقع الثقافي‪ .‬وأعتقد أن بعض‬

‫الروائيين والشعراء وكتاب القصة يكتشفون‬ ‫نصوصهم من خ�لال دراس��ة نقدية مبدعة‬ ‫وخ�لاق��ة‪ ،‬م��ا يجعلهم يلتفتون إل��ى الطاقة‬

‫الكامنة في نصهم اإلبداعي‪.‬‬ ‫< ‬

‫بناء على ما تفضلت ب��ه‪ ،‬ي��رى بعض‬

‫األدباء أن النقد تفوق على المنتج‪ ،‬ويحال‬ ‫األم��ر إل��ى أن النقاد ي��س��ت��وردون النظريات‬ ‫الغربية؛ فما قولك في ذلك؟‪.‬‬

‫ف��ي معركة وج����ود‪ ..‬فكيف تنظر إل��ى هذه‬ ‫المعادلة؟‪.‬‬ ‫> ال أظن أن العالقة الشائهة تقوم بين الناقد‬ ‫وم��ا يسمى ب �ـ «ال �م �ب��دع» ع�لاق��ة صحيحة‪،‬‬ ‫وأري� ��د أن أص �ح��ح أن ��ي أرف ��ض وص ��ف من‬ ‫يكتبون أن��واع �اً أدب�ي��ة ف��ي ال��رواي��ة والقصة‬

‫والشعر باإلبداع مقابل تجريد النقاد من هذا‬

‫افتتاح ملتقى السرد العربي الثاني دورة مؤنس الرزاز‬

‫اجلوبة ‪ -‬خريف ‪1431‬هـ ‪101‬‬


‫> ال أظ��ن أن النقد في العالم العربي متفو ٌق‬

‫األرب �ع �ي��ن س�ن��ة األخ��ي��رة أح��دث��ت ن�ق�ل��ة في‬

‫لهذه الدرجة‪ ،‬بل هو مأزوم‪ ،‬ولديه مشكالت‬

‫الكتابة الروائية العربية‪ ،‬هي نفسها التي‬

‫ل �ه��ا ع�لاق��ة ب��ال �ن �ق��ل‪ ،‬وع� ��دم إن� �ت ��اج ال���رؤى‬

‫استلهمت ال�ت��راث‪ ..‬وأن��ا ضد النظرية التي‬

‫النظرية‪ .‬وال أريد أن أقول النظريات النقدية‬

‫تقول إن ال�ع��رب نقلوا ال��رواي��ة ع��ن الغرب؛‬

‫العالمية‪ ،‬ألنها بال وطن‪ ،‬ورغم ذلك‪ ..‬وحتى‬

‫س تطور النوع‬ ‫ألنه كالم غير دقيق‪ ،‬وإنما دُرِ َ‬

‫تكون ق��ادراً على تطوير الحقل ال��ذي تعمل‬

‫الروائي في الوطن العربي بصورة مغلوطة‬

‫فيه‪ ..‬يجب أن تنتج فيه‪ .‬ولألسف جمهرة‬

‫تقوم على استالب العرب تجاه الغرب في‬

‫النقاد العرب اليوم يقومون بعمليات القص‬

‫رؤية استشراقية رسخت فكرة أن البدايات‬

‫واللصق‪ ،‬وأح�ي��ان�اً الفن المشوّه للنظريات‬ ‫ ‬

‫العربية تتمثل ف��ي ن�ه��اي��ات ال �ق��رن التاسع‬

‫النقدية التي يشتغلون عليها‪ ،‬أو ينقلونها‪.‬‬

‫عشر‪.‬‬

‫أعتقد أن الناجح اآلن هو النقد التطبيقي‪ ،‬‬ ‫وهو أفضل بكثير من الدراسات النقدية‪ ،‬ألن‬

‫الرواية العربية تطورت بصورة متوازية من‬

‫األخيرة منقولة عن اآلخرين‪ ،‬وعندما تكتب‬

‫االلتفات إلى األن��واع السردية العربية التي‬

‫ن�ص��ك األدب���ي ال �خ��اص ب��ك‪ ،‬أو ح�ت��ى حول‬

‫كانت موجودة‪ ،‬والروايات األولى التي أنتجت‬

‫اآلداب األخ��رى‪ ،‬فإن النظريات تمتثل لك‪..‬‬

‫عربياً مثل رواي��ات أحمد ف��ارس الشدياق‪،‬‬

‫وتكون مبدعا في هذه الحالة‪ .‬أما أن تترجم‬

‫و«حديث عيسى بن هشام» لمحمد المويلحي‪،‬‬

‫وتلخص؛ فهذا عمل تعليمي ردي��ف للعملية‬

‫و«ليالي سطيح» لحافظ إبراهيم‪ ..‬الخ‪ .‬كلها‬

‫النقدية‪ ..‬ولكنه ليس أساسا‪.‬‬ ‫ ‬

‫استلهمت أشكال المقامة‪ ،‬وألف ليلة وليلة‪،‬‬

‫أظن أن اإلبداع في الوطن العربي – الرواية‬

‫وكليلة ودم �ن��ة‪ ،‬ورس��ال��ة ال�غ�ف��ران‪ ،‬واألخبار‬

‫والشعر – أفضل ح��االً من النقد‪ ،‬وتعكس‬

‫العربية‪ ،‬فنشوء النوع الروائي العربي لم يكن‬

‫هذه األزمة النقدية عربياً أزمة المجتمعات‬

‫مجرد نقل وتقليد للنص الغربي ف��ي ذلك‬

‫نفسها‪ ..‬ألنها تمر في مرحلة قمع ومنع للنقد‬ ‫بمفهومه العام؛ فكيف يمكن للنقد أن يعيش‬ ‫والنقد الشامل ممنوع؟‪.‬‬ ‫< هل تعتقد أن الروائيين العرب وظفوا في‬ ‫ن��ص��وص��ه��م ال���ت���راث؟ أم أن ه��ن��اك قطيعة‬ ‫معه؟‪.‬‬

‫خالل االحتكاك بالنص الروائي الغربي مع‬

‫الزمان‪.‬‬ ‫ ‬

‫وعليه‪ ،‬هناك أع�م��ال كبيرة أن�ج��زت خالل‬ ‫نصف ال�ق��رن األخ�ي��ر ف��ي ال��رواي��ة العربية‪،‬‬ ‫وهي أعمال استلهمت التراث‪ ،‬مثل روايات‬ ‫ن�ج�ي��ب م �ح �ف��وظ ال �ت��ي ت� �ج ��اوزت المرحلة‬ ‫الواقعية‪ ،‬والمتشائل إلميل حبيبي‪ ،‬والزيني‬

‫> طبعاً وظف الروائيون العرب التراث‪ .‬وأظن‬

‫بركات لجمال الغيطاني‪ ،‬وجبرا إبراهيم جبرا‬

‫أن األع �م��ال األس��اس�ي��ة ال�ت��ي أنتجت خالل‬

‫بصورة أو ب��أخ��رى‪ ،‬وال�ي��وم يعود الروائيون‬

‫‪ 102‬اجلوبة ‪ -‬خريف ‪1431‬هـ‬


‫الشكل السردي الواقعي الذي كان ينتج في‬

‫العربية التي لم تستقطب كادراً يمتلكُ ثقافة‬

‫السابق‪.‬‬

‫مؤهلة للعمل في المجاالت الثقافية النقدية‪.‬‬ ‫ال‬ ‫ول��و أردتُ أن أض��رب ل��ك مث ً‬

‫وأن�� ��ا أع��ت��ب��ر أن التراث‬

‫ف��ي م��ا أك �ت �ب��ه ف��ي الصحافة‬

‫ف� ��ي ه � ��ذه ال �م �ن �ط �ق��ة من‬

‫اليومية ال �س �ي��ارة‪ ..‬لوجدتني‬

‫العالم متواصل م��ن آشور‬

‫أك �ت��ب ب �ط��ري �ق��ة م�خ�ت�ل�ف��ة عن‬

‫وب��اب��ل والفراعنة والتراث‬

‫األس� �ل���وب ال �م �ت �ب��ع ف ��ي بحث‬

‫ال� �س ��ري ��ان ��ي‪ ..‬ف �ه��و ت ��راث‬

‫مطول لمجلة علمية محكمة‪،‬‬

‫م �ت �ص��ل ال م �ن �ف �ص��ل‪ ،‬كما‬

‫أو مجلة تستهدف نوعا مختلفاً‬

‫يحاول البعض تصويره‪.‬‬

‫م��ن ال �ق��راء المتخصصين من‬

‫< ك���ن���اق���د م���ح���ت���رف ودارس‬

‫أس� ��ات� ��ذة ال��ج��ام��ع��ات وطلبة‬

‫للنقد‪ ،‬كيف يمكن معالجة‬

‫ال � ��دراس � ��ات ال �ع �ل �ي��ا‪ ،‬واألم� ��ر‬

‫اللغة الصحافية والشاعرية‬

‫مختلف أي �ض �اً ع �ن��دم��ا أكتب‬

‫في النقد؟‪.‬‬ ‫> هناك أشكال ومستويات متعددة من النقد‪،‬‬ ‫م��ن ضمنها م��ا يسمى «ال�ن�ق��د الصحافي»‬ ‫ال��ذي نقصد به ص��ورة تبسيطية من النقد‬ ‫الذي يكتب في الصحافة‪.‬‬ ‫ ‬

‫رب �م��ا ي �ق��ول بعضهم إن ال�ن�ق��د الصحافي‬ ‫هو نقد ضحل‪ ،‬وال يستند إلى رؤي��ة نقدية‬ ‫واسعة‪ ،‬إال أن الصحافة تقدم نقداً مميزاً‬ ‫من حين آلخر‪ ،‬وهذه وسيلة نشر من الصعب‬ ‫أن تقول إن ما يكتبه جابر عصفور‪ ،‬أو صالح‬ ‫فضل‪ ،‬أو عبدالله الغذامي‪ ،‬يشبه ما يكتبه‬ ‫صحافي متدرب في صحيفة ما‪ ،‬يطلب منه‬ ‫رئيس القسم أن يكتب عرضاً لكتاب‪ ..‬أو أن‬ ‫يغطي ندوة؛ لذا علينا أن نقوم بتعديل النقد‬ ‫الصحافي‪ ،‬ونفرقه عن النقد الذي يكتب في‬ ‫الصحافة‪.‬‬

‫م������������������واج������������������ه������������������ات‬

‫ ‬

‫الجدد باستلهام التراث بصورة مختلفة عن ‬

‫مشكلة النقد العربي تكمن ف��ي الصحافة‬

‫كتاباً نقد ّيًا‪.‬‬ ‫ ‬

‫ولألسف لم يتنبه النقاد العرب إلى الدور‬ ‫التنويري للصحافة العربية‪ ،‬األم��ر الذي‬ ‫تسبب ف��ي خ �س��ار ِة ع��دد كبير م��ن القراء‬ ‫الذين كانوا يتابعون النقد خالل المرحلة‬ ‫السابقة‪ ،‬فلو تنبه النقاد إلى دورهم التنويري‬ ‫ووظيفتهم التعليمية الرفيعة المستوى‪ ،‬لكان‬ ‫وضع النقد أفضل بكثير مما هو عليه اآلن‪،‬‬ ‫لكن هؤالء النقاد ظهروا بالنظرية الغربية‪،‬‬ ‫وق��ام��وا ب��إره��اب ال �ق��ارئ بما سميته يوما‬ ‫«س�ل�اح ال�م�ص�ط�ل��ح»‪ ،‬ودج��ج��وا مقاالتهم‬ ‫وأبحاثهم بعدد هائل من المراجع واألسماء‬ ‫الغربية‪ ..‬وكأنهم يريدون أن يتعالموا على‬ ‫القارئ دون أن يكون لهذا أثر فعلي حقيقي‬ ‫في النص النقدي‪.‬‬

‫اجلوبة ‪ -‬خريف ‪1431‬هـ ‪103‬‬


‫كاتبة أدب األطفال املتألقة‪..‬‬ ‫روضة الهدهد‬

‫> حاورتها د‪ .‬دعاء صابر‬

‫في محرابها‪ ..‬تتجمع الدمى‪ ،‬وتتحاور اللعب‪ ،‬وتشدو العصافير للبراعم‪ ،‬إنها مدرسة‬ ‫متفردة‪ ..‬كرست حياتها للكتابة للطفل‪ ،‬فقدمت سلسلة حكايات بطولية لألطفال‪،‬‬ ‫وسلسلة حكايات علمية‪ ،‬إضافة إلى سلسلة المسرح‪ ،‬وسلسلة حكايات الغول‪ ،‬وسلسلة‬ ‫من قصص الصحابة‪،‬لقد قدمت للمكتبة العربية أكثر من خمسة وأربعين كتابا للطفل‪.‬‬ ‫إنها المبدعة الكبيرة وكاتبة أدب األطفال المتألقة كزهر الروض‪ ..‬روضة الهدهد‪ ،‬مديرة‬ ‫دار كندة للنشر والتوزيع‪ ،‬وعضو الهيئة الدولية لكتب األطفال والشباب ‪.IBBY‬‬ ‫حصلت على عدة جوائز منها جائزة الدولة التقديرية في أدب األطفال باألردن عام‬ ‫‪1999‬م‪ ،‬وجائزة خليل السكاكيني ألدب األطفال من رابطة الكتاب األردنيين عام ‪1995‬م‪،‬‬ ‫وعلى درع سالح الجو الملكي األردني عام ‪1983‬م‪ ،‬وعلى جائزة المنظمة العربية للثقافة‬ ‫والعلوم عام ‪1982‬م‪.‬‬ ‫< المبدعة روض���ة ال��ه��ده��د‪ ..‬كيف ترى‬ ‫الكتابة للطفل ف��ي الفترة الراهنة‪ ..‬‬ ‫خ��اص��ة م��ع دخ���ول الكثيرين م��ن غير‬ ‫ال��م��ت��خ��ص��ص��ي��ن إل�����ى ه�����ذا المجال‬ ‫الصعب؟!‬

‫التي يحتل الغرب الجزء األكبر منها‪..‬‬ ‫ف�� ��إذا م ��ا ن �ظ��رن��ا ل�ل�أع� �م ��ال األدبية‬ ‫والتلفزيونية والمسرحية وحتى اللعب‪،‬‬ ‫فمعظمها غ��رب��ي ال�ل�غ��ة والمضمون‪،‬‬ ‫ب��ل ف��ي كثير منها م��ا ه��و عكس القيم‬ ‫والمفاهيم اإلس�لام�ي��ة العربية‪ ،‬التي‬ ‫نحرص على تزويد أطفالنا بها‪.‬‬

‫> الكتابة لألطفال رسالة وهدف‪ ،‬وجزء‬ ‫من خطة تربوية شاملة‪ ..‬ضرورية ألبناء‬ ‫هذا الوطن‪ ،‬وهي بحاجة إلى إبداعات < ب��ع��د ع��ش��رات األع���م���ال ال��ت��ي قدمتها‬ ‫وعقول الكثيرين لملء الفراغ الموجود‬ ‫روض��ة الهدهد لألطفال ف��ي مجاالت‬ ‫ال الوطن‬ ‫في ساحة أدب األطفال‪ ..‬فع ً‬ ‫ال��ق��ص��ة وال��م��س��رح‪ ..‬ه��ل م��ا ت���زال في‬ ‫العربي بحاجة إلى المزيد من إسهامات‬ ‫جعبتها هدايا أخرى للطفل؟‬ ‫أبنائه ومبدعيه‪ ،‬لرفد األطفال بالثقافة‬ ‫‪ 104‬اجلوبة ‪ -‬خريف ‪1431‬هـ‬


‫ > يختلف ما أقوم به حالياً عما‬ ‫قدّمته من زخم‪ ،‬تجلّى في ما‬ ‫ال ي�ق��ل ع��ن خمسة وأربعين‬ ‫ك �ت��اب �اً ل�لأط �ف��ال؛ صحيح أن‬ ‫ما أقوم به هو روافد مختلفة‬ ‫تصب في نهر ثقافة الطفل‪،‬‬ ‫< ب��م تفسرين تشابه قصص‬ ‫إال أنها مختلفة عما قمتُ به‬ ‫األطفال في عالمنا العربي‪ ..‬وكأن‬ ‫م��ن قبل؛ وم��ع ذل��ك ف�لا أزال‬ ‫كل قصة مستنسخة عن األخرى‬ ‫أعتقد أن األص��ل هو الكتاب‪،‬‬ ‫في أحداثها وفكرتها‪ ..‬فهل هو عقم اإلبداع‬ ‫فمنه ينجز العمل السينمائي أو التلفزيوني‬ ‫العربي ع��ن كتابة أف��ك��ار ج��دي��دة وتقديمها‬ ‫أو المسرحي‪ ..‬وق��د ب��دأتُ م��ؤخ��راً بسلسلة‬ ‫بأسلوب شيق للطفل؟‬ ‫للطفولة المبكرة عن القدس وعروبتها‪ ،‬آمل‬ ‫أن أن�ج��زه��ا‪ ،‬ألهمية ال �ق��دس ومكانتها في > ل�ل�أس��ف‪ ..‬ف�ق��د ت��وق��ف ال �ع��ال��م ال �ع��رب��ي عن‬ ‫العطاء الفكري للعالم‪ ،‬مع أنه لم يكن كذلك‬ ‫نفوسنا‪.‬‬ ‫فيما مضى؛ وما حكايات ألف ليلة وليلة إال‬ ‫< نسمع كثيرا عن طقوس خاصة عند كتابة‬ ‫م�ث��ال ص��ارخ على م��ا أع�ط��اه العالم العربي‬ ‫األجناس األدبية المختلفة‪ ،‬كالرواية والقصة‬ ‫للغرب من خيال وإب��داع‪ ،‬كان له األثر األكبر‬ ‫والشعر‪ ..‬فهل الكتابة للطفل ‪-‬وهي من أهم‬ ‫على معظم كتابهم‪ ،‬ولكننا اآلن في حالة األخذ‬ ‫أنواع الكتابة‪ -‬تحتاج إلى طقوس خاصة؟‬ ‫وليس العطاء‪ ..‬في حالة االنسحاب السياسي‬ ‫والفكري والحضاري‪ ،‬ينطبق هذا على وزننا‬ ‫> ق��د أفهم م��ن ال�س��ؤال أنها طقوس يبتدعها‬ ‫ف��ي العلوم واآلداب والتأثير االقتصادي‪..‬‬ ‫الكاتب عند كتابته لألعمال؛ س��وا ًء الروائية‬ ‫أوان‬ ‫وح��ت��ى ال �ع �س �ك��ري إن��ه��ا ٍ‬ ‫أو القصصية أو األشعار‪..‬‬ ‫ف��ذل��ك ال �ك��ات��ب ي��ق��ول إنه > ع��ل��ي��ن��ا أن ال نترك مستطرقة؛ الثقافة واح��دة من‬ ‫أطفالنا نهب الفكر أعمدتها‪ ،‬ف��إذا ما تقدم وطننا‬ ‫ال يكتب إال بعد أن يغسل‬ ‫ال��غ��رب��ي أو الخيال ال�ع��رب��ي ف��ي م �ج��ال‪ ،‬ك��ان ال بد‬ ‫ي��دي��ه‪ ،‬وي�ع��د فنجان قهوته‬ ‫له أن يتقدّم في مجاالت أخرى‬ ‫بيده‪ ..‬وآخر ال يبدأ الكتابة‬ ‫المحض‪.‬‬ ‫ومنها الثقافة واإلبداع‪.‬‬ ‫إال ب �ع��د م �ن �ت �ص��ف الليل‪،‬‬ ‫وث ��ال ��ث ب �ع��د ال �ف �ج��ر‪ ،‬وقد > أح�������ل�������م ب�����س�����ع�����ادة‬ ‫< ه��ل أن��ت م��ع المباشرة عند‬ ‫األط�����������ف�����������ال ع���ل���ى‬ ‫قرأت نصا إبداعياً للكاتب‬ ‫ال��ك��ت��اب��ة ل��ل��ط��ف��ل أم ضدها‪..‬‬ ‫م�����س�����ت�����وى ال�����وط�����ن‬ ‫ج�م��ال ح �م��دان ي�ص��ف تلك‬ ‫البعض يرى أن المباشرة تقتل‬ ‫العربي بأكمله‪.‬‬ ‫الطقوس المختلفة‪ ،‬وينتهي‬ ‫متعة التخيل والتشويق‪ ..‬فما‬ ‫بأنها ال عالقة لها البتّة في > ن��ع��ان��ي م���ن ن�����درة أو رأيك؟‬ ‫اإلبداع‪..‬‬ ‫ق��ل��ة ال��ك��ت��اب الذين‬ ‫> المباشرة بشكل عام مرفوضة‬ ‫يكتبون لألطفال‪.‬‬ ‫وم��ع تأييدي لهذا االستنتاج‪..‬‬ ‫ف��ي األدب؛ ألن�ه��ا تقتل ‪-‬وكما‬

‫م������������������واج������������������ه������������������ات‬

‫أقول إن الطقس الخاص لي عند‬ ‫الكتابة ه��و ت��وف��ر ال��وق��ت العزيز‬ ‫والثمين لدي للكتابة‪ ..‬ذلك أنني‬ ‫أنقطع‪ ،‬ولو فكرياً عما حولي‪ ،‬كي‬ ‫أركز على الكتابة‪.‬‬

‫اجلوبة ‪ -‬خريف ‪1431‬هـ ‪105‬‬


‫تقولين أنت أيضاً‪-‬ـ متعة التخيل والتشويق‪..‬‬ ‫ال منها في كثير من األحيان‪ ،‬يسهّل‬ ‫ولكن قلي ً‬ ‫تقديم الفكرة للطفل‪ ،‬بمعنى تبسّ ط المفاهيم‬ ‫والمشاعر والتسلسل ال�ت��اري�خ��ي‪ ،‬والفكري‬ ‫والزمني للطفل‪..‬‬

‫أصبحت‪ ،‬وبحكم هذا االحتالل الشرس‪ ،‬مليئة‬ ‫بمفردات‪ :‬الشهداء‪ ،‬السجناء‪ ،‬المخطوفين‪،‬‬ ‫الهدم‪ ،‬األنقاض‪ ،‬الخيام‪ ،‬طائرات األباتشي‪،‬‬ ‫القنابل الفسفورية وال�ع�ن�ق��ودي��ة‪ ،‬الحصار‪،‬‬ ‫ال �ج��وع‪ ،‬ال��خ��وف‪ ..‬م �ف��ردات ن �س��أل ال �ل��ه أن‬ ‫ي�غ� ّي��ره��ا ب�ط��رد المحتلين لتصبح‪ :‬النصر‪،‬‬ ‫الحريّة الكرامة‪ ،‬التّفوق‪ ،‬العلماء‪ ،‬علم الفضاء‪،‬‬ ‫علم الذرّة‪ ،‬الفنون‪ ..‬الخ‪.‬‬

‫ه��ذه القصص ف�ق��ط‪ ،‬ول�ك��ن أي�ض��ا لألطفال‬ ‫في الوطن العربي‪ ،‬وللفلسطينيين المشردين‬ ‫والمشتتين في أنحاء الكرة األرضية‪.‬‬

‫> ما يزال وسيبقى‪ ..‬سيبقى للكتاب الورقي دور‬ ‫قوي بين وسائل اإلعالم المختلفة‪ ..‬فخصائص‬ ‫الكتاب الورقي تختلف عن خصائص أي وسيلة‬ ‫اتصال أخرى‪ ..‬والمسألة ليست تنافسا سلبيا‬ ‫ب�ي��ن وس��ائ��ط االت �ص��ال المختلفة‪ ،‬إن�م��ا هي‬ ‫مسألة تكامل وتبادل أدوار‪.‬‬

‫< تحتل القضية الفلسطينية معظم قصصك‬ ‫الموجهة ل�لأط��ف��ال‪ ..‬فهل يمكن توصيفها‬ ‫بأنها النبض الحي الموجه لبراعم األرض‬ ‫< في ظل وسائل اإلع�لام واألق��م��ار الصناعية‬ ‫المحتلة؟‬ ‫والقنوات الموجهة لألطفال‪ ،‬والتي أصبحت‬ ‫> نعم يمكن توصيف قصصي بأنها النبض‬ ‫تمثل جانبا كبيرا من اهتمامات الطفل‪ ،‬هل‬ ‫ال�ح��ي للقضية الفلسطينية‪ ،‬وه��ي موجهة‬ ‫قوي أم ال؟‬ ‫ما يزال للكتاب الورقي دو ٌر ٌّ‬ ‫ليس لبراعم األرض المحتلة الذين يعيشون‬

‫ إن ق �ض �ي��ة ف �ل �س �ط �ي��ن ه ��ي ق �ض �ي��ة العرب‬ ‫األولى‪ ،‬والغرب أوجد هذا الكيان االحتاللي‬ ‫االس� �ت� �ع� �م ��اري ال �ب �غ �ي��ض ف ��ي ه� ��ذه البقعة‬ ‫الجغرافية‪ ،‬كي يسيطر على مقدسات هذه < لماذا ال نرى نقادا ألدب الطفل‪ ..‬على عكس‬ ‫األم��ة العريقة التي حباها الله بالكثير من‬ ‫مجاالت الكتابة األخرى التي تعج بالنقاد في‬ ‫الخيرات‪ ،‬بدءاً بكونها أرض األنبياء والرسل‬ ‫كل مجال؟‬ ‫ومهبط الوحي‪ ،‬وصوالً إلى مكانتها الجغرافية > بالفعل‪ ،‬نقاد أدب الطفل أق��ل مما ه��و في‬ ‫وس ��ط ال� �ع ��ال ��م‪،‬ووص ��وال إل ��ى ك �ن��وز الذهب‬ ‫م�ج��ال النقد األدب ��ي لألجناس األخ ��رى من‬ ‫األسود‪.‬‬ ‫األدب‪ ،‬وقد يكون ذلك لعدم توافر عدد كاف‬ ‫ < ه��ل تختلف ال��ق��ص��ة المكتوبة للطفل في‬ ‫م��ن األع �م��ال األدب �ي��ة ال�م�ق��دم��ة لألطفال‪..‬‬ ‫األرض المحتلة عنها لطفل‬ ‫ف�ت��واف��ر األع �م��ال وتنوعها يغري‬ ‫آخر؟‬ ‫النقاد بدراستها وتحليلها‪.‬‬ ‫> ال تختلف ال�ق�ص��ة المكتوبة‬ ‫للطفل ف��ي األرض المحتلة‬ ‫عن غيرها لألطفال اآلخرين‪،‬‬ ‫ول�ك�ن��ك ك�م��ا ت��ري��ن اآلن‪ ،‬فإن‬ ‫مفردات الطفل تحت االحتالل‬ ‫‪ 106‬اجلوبة ‪ -‬خريف ‪1431‬هـ‬

‫وال�ح��ق أن المراكز العلمية‬ ‫ ‬ ‫وال�ج��ام�ع��ات عليها دور ب��ارز في‬ ‫إي�ج��اد ه��ذا التخصص والتركيز‬ ‫ع�ل�ي��ه‪ ،‬ح�ت��ى ي�ت�ط��ور أدب الطفل‬ ‫وترتفع مستوياته‪.‬‬


‫ < حققت رواي���ة «ه���اري ب��وت��ر» أرب��اح��ا خيالية‪،‬‬ ‫وطبعت منها ماليين النسخ‪ ،‬وتم ترجمتها‬ ‫ل��ع��ش��رات ال��ل��غ��ات‪ ،‬ك��م��ا ص����ارت س��ل��س��ل��ة من‬ ‫األج��زاء المتتابعة‪ ،‬إضافة إلى تحويلها إلى < هل هناك قصور في مجالت الطفل في الوطن‬ ‫فيلم سينمائي ش��ه��ي��ر‪ ..‬فهل يتفوق علينا‬ ‫العربي؟ وهل هي تكفى َن َه َم الطفل العربي؟‬ ‫الغرب في مجال أدب الطفل؟‬ ‫> مجالت األط�ف��ال ف��ي ال��وط��ن العربي قليلة‪:‬‬ ‫�ج��د الزمان‬ ‫> رواي ��ة «ه ��اري ب��وت��ر» ط�ف��رة ل��م ي� َُ‬ ‫عدداً وتنوعاً وتوزيعاً وقراءة‪ ..‬وإقبال األطفال‬ ‫بمثلها ال م��ن قبل وال م��ن ب�ع��د‪ ..‬وليس في‬ ‫على مجالتهم قاصر وم �ح �دّد‪ ..‬ول��ن أدخل‬ ‫تاريخ الكتب عموماً‪ ،‬وليس في كتب األطفال‬ ‫في التحليل وال التفسير لتلك الظاهرة‪ ،‬فقد‬ ‫فقط مثل هذه الظاهرة‪ ..‬فما حظيت أشهر‬ ‫ش��ارك��ت ف��ي ع��دد م��ن ال �ن��دوات والمؤتمرات‬ ‫األعمال الكالسيكية العالمية بمثل ما حظيت‬ ‫لبحث ال�ظ��اه��رة‪ ..‬وأس�ب��اب وط��رق عالجها‪،‬‬ ‫به رواي��ات «ه��اري ب��وت��ر»‪ ،‬وبالنسبة لي فإن‬ ‫ولم أجد أي تطور في األمر‪..‬‬ ‫الكتابات التي تعتمد على السحر والسّ حرة‬ ‫ال تجذبني كثيراً‪ ،‬ولكن روايات «هاري بوتر» < ف��ي رأي���ك ه��ل ي��ع��ان��ي أدب ال��ط��ف��ل م��ن ندرة‬ ‫ال��ك��ت��اب ال��ذي��ن ي��ق��دم��ون��ه م��ق��ارن��ة بالفنون‬ ‫لها سحر كبير على عقول األط�ف��ال‪ ..‬حيث‬ ‫اإلبداعية األخرى شعرا ورواية وقصة؟‬ ‫تمتلئ بالخيال‪ ،‬إضافة إلى حبكتها المحكمة‪،‬‬ ‫وأفكارها‪ ،‬وخيالها الواسع‪.‬‬ ‫> الكاتب ال يصنف كاتب رواية أو قصة أو شعر‬ ‫أو أدب أطفال إال بما يضيف من إنتاج إلى‬ ‫< هل لكل حقبة زمنية منهجا مختلفا للكتابة‪..‬‬ ‫ه��ذا الجنس أو ذاك‪ ..‬ف��إذا نجح ف��ي عدد‬ ‫قديما كان األطفال يستمتعون باألساطير‪،‬‬ ‫من القصائد أو قصص األطفال‬ ‫وأُمُّ نا الغولة‪ ،‬والشاطر حسن‪،‬‬ ‫صنّف شاعراً أو كاتبا لألطفال‪..‬‬ ‫واألميرة المسحورة‪ ،‬فهل لكل‬ ‫زمن ما يناسبه من القصص؟!‬ ‫وه���ل ه��ن��اك قصصا صالحة‬ ‫لكل زمن؟‬ ‫> ال أعتقد أن لكل حقبة زمنية‬ ‫منهاجاً مختلفاً للكتابة‪ ،‬بل‬ ‫أعتقد أنه قد ينجح منهاجان‬ ‫أو أك�ث��ر ف��ي حقبة واح���دة‪..‬‬ ‫فلكل ك��ات��ب ط��ري�ق��ة مختلفة‬ ‫ف ��ي ال �ت �ع �ب �ي��ر‪ ..‬واع �ت �ق��د أن‬ ‫العمل الناجح يفرض نفسه‬ ‫في كل زمان ومكان ومتلقي‪...‬‬ ‫واألعمال الناجحة في العالم‬

‫م������������������واج������������������ه������������������ات‬

‫مثل كليلة ودمنة‪ ،‬وحكايات إيسوب‪ ،‬وقصص‬ ‫ألف ليلة وليلة‪ ،‬تعيش في كل مكان وزمان‪.‬‬ ‫فالعبرة بنجاح العمل‪ ..‬وإقبال القراء عليه‪.‬‬

‫وأعتقد ‪-‬كما أرى من عدد‬ ‫ ‬ ‫اإلص� � ��دارات ال�س�ن��وي��ة لألطفال‬ ‫على مستوى الوطن العربي‪ -‬أننا‬ ‫ن�ع��ان��ي م��ن ن ��درة أو ق�ل��ة الكتاب‬ ‫الذين يكتبون لألطفال‪.‬‬

‫< أدب األط���ف���ال ب��ي��ن الواقع‬ ‫وال����خ����ي����ال‪ ..‬ك���ي���ف ت�����رى روض����ة‬ ‫ال��ه��ده��د ال��ط��ف��ل ال���ع���رب���ي‪ ..‬هل‬ ‫يميل إلى الواقع أم يهتم بالقص‬ ‫ال��غ��رب��ي ال��م��ل��يء بالمغالطات‬ ‫والخيال كسوبرمان وسبيدرمان؟‬ ‫> ‬

‫م��ن دراس� � ٍ�ة ل�م��ا يميل إليه‬

‫اجلوبة ‪ -‬خريف ‪1431‬هـ ‪107‬‬


‫الطفل‪ ،‬س��وا ًء كتب الواقع أم‬ ‫ال �خ �ي��ال‪ ..‬أرى أن األطفال‬ ‫يحبون كافة أشكال القصص‪،‬‬ ‫ال �خ �ي��ال �ي��ة م�ن�ه��ا والواقعية‪،‬‬ ‫وال� �خ� �ي ��ال ال �ع �ل �م��ي وقصص‬ ‫ال� �ت ��اري ��خ‪ ..‬ق �ص��ص األنبياء‬ ‫وال ��رس ��ل واألب � �ط� ��ال‪ ..‬وحتى‬ ‫ال� �ق� �ص ��ص ال� �ت���ي تسمينها‬ ‫ب��ال�ق�ص��ص ال �غ��رب �ي��ة المليئة‬ ‫ب���ال� �م� �غ���ال� �ط���ات وال � �خ � �ي� ��ال‬ ‫ك �س��وب��رم��ان وسبيدرمان‪..‬‬ ‫ي �ح �ب��ون �ه��ا وي �ق �ب �ل��ون عليها‪،‬‬ ‫ويتفاعلون مع أحداثها‪.‬‬ ‫ ‬

‫> ‬

‫< بعد رحلة طويلة أسست من‬ ‫خاللها منهجا للكتابة للطفل‪..‬‬ ‫بماذا تحلمين؟‬ ‫> ‬

‫> الجوائز هي حوافز رائعة بالنسبة لإلنسان‬ ‫ف��ي ح �ي��ات��ه‪ ،‬وب��ال �ن �س �ب��ة ل��ي م �ص��در سعادة‬ ‫واعتزاز بما قدّمته في مجال أدب الطفل‪..‬‬ ‫وال أكون طماعة لو قلت إنني أتمنى الحصول‬ ‫على المزيد من هذه الجوائز من أرجاء الوطن‬ ‫العربي وإن شاء الله تتحقق أمنيتي‪.‬‬ ‫< لماذا لم تفكر روضة الهدهد في تقديم رواية‬ ‫للطفل حتى اآلن؟‬ ‫‪ 108‬اجلوبة ‪ -‬خريف ‪1431‬هـ‬

‫لدي العديد من األحالم‪..‬‬

‫أول��ه��ا ع �ل��ى ص�ع�ي��د حياتي‬ ‫ ‬ ‫الشخصية‪ ..‬هو تحرير فلسطين‪،‬‬ ‫وال � �ع� ��ودة ل �م �س �ق��ط رأس � ��ي وهو‬ ‫ي��اف��ا ال�س�ل�ي�ب��ة وم ��ن ث��م الصالة‬ ‫ف ��ي ال �م �س �ج��د األق � �ص� ��ى‪ ..‬وقد‬ ‫اختفى من أبوابه وساحاته منظر‬ ‫الجنود المدججين حتى عظمهم‬ ‫بالسالح‪..‬‬

‫أم ��ا ن �ح��ن ال��م��ر ُّب��ون وأولياء‬ ‫األم � � � ��ور‪ ،‬ف �ع �ل �ي �ن��ا واج� �ب���ات‬ ‫جسيمة‪ ،‬أن ال ن�ت��رك أط�ف��ال�ن��ا ن�ه��ب الفكر‬ ‫ال�غ��رب��ي أو ال�خ�ي��ال ال�م�ح��ض‪ ،‬علينا موازنة‬ ‫م��ا يعطى ألبنائنا وربطهم بالواقع وبالقيم‬ ‫والعادات التي نتميز بها‪ ..‬فالتوازن في الفكر‬ ‫هو أحد دعائم التوازن في الشخصية‪.‬‬ ‫حصلت على العديد م��ن ال��ج��وائ��ز المهمة‬ ‫ِ‬ ‫< ‬ ‫خ�لال رحلتك اإلب��داع��ي��ة‪ ،‬م���اذا تمثل تلك‬ ‫ال��ج��وائ��ز الرفيعة المستوى لكاتبة كرّست‬ ‫حياتها للطفل العربي؟‬

‫ال أدري؟!!‬

‫وثانيها وهو ما يؤرق حياتي‪..‬‬ ‫ ‬ ‫ه��و تحرير السجناء م��ن س�ج��ون إسرائيل‪،‬‬ ‫فاحد عشر ألف أسير فلسطيني وسبعمائة‬ ‫طفل‪ ،‬وأضع مائة خط تحت كلمة طفل‪ ،‬وكذا‬ ‫مئة امرأة‪ ،‬هو ألم يؤرق حياتي فعالً‪ ..‬وأتمنى‬ ‫أن يزول‪.‬‬ ‫ ‬

‫وثالثها الحلم بسعادة األطفال على مستوى‬ ‫الوطن العربي بأكمله‪ ،‬فأرى كل األطفال في‬ ‫مدارسهم الرائعة من حيث الشكل واألثاث‬ ‫والكتب والمعلمين األكفاء‪ ..‬وأراه��م يزورون‬ ‫متاحف األطفال والنوادي والمراكز الثقافية‬ ‫والترفيهية ف��ي ك��ل مناطقهم وتجمعاتهم‬ ‫وق ��راه ��م‪ ..‬وأراه� ��م يتمتعون ب�ك��اف��ة حقوق‬ ‫األط �ف��ال ف��ي المأكل والمسكن والمشرب؛‬ ‫فأطفال الوطن العربي يستحقون الحقوق‬ ‫أمة أخرجت‬ ‫التي كفلها العالم‪ ،‬فهم أبناء خير ٍ‬ ‫للناس‪.‬‬


‫> فواز جعفر*‬

‫** يسألني عنها!‬ ‫قلت‪ :‬سل خضراء ال تعرف اخلوف‪..‬‬ ‫ترحيبها‪« :‬من اجلوف إلى اجلوف»‪..‬‬ ‫تنبئك عن متر وزيتون‪ ..‬ون‪ ..‬وما يعلمون‪..‬‬

‫** رمال (النفود) الذهبية‪..‬‬ ‫بذراتها النقية‪..‬‬ ‫حتكي قصة األق��دام التي رسمت طريق األمل‬ ‫على صفيح األلم‪..‬‬ ‫واأليدي التي نسجت بيوت الكرم‪..‬‬ ‫والتحايا ندية‪..‬‬ ‫ونفوس‪ ..‬تنساب قريحتها باملاء القراح‪ ..‬وتبقى أبية‪..‬‬

‫** (حلوة الجوف) وصاحبها‪ ..‬قصة‬ ‫العشق األصيل ورمز البراءة‪..‬‬ ‫و»السمح» في امتزاجهما‪..‬‬ ‫كما التمرة‬ ‫ّ‬

‫والقهوة‪ ..‬والعود في عبقهما‪..‬‬ ‫كلما علت في السماء‪َ ..‬سما‪..‬‬ ‫وكلما جادت‪ُ ..‬جو ُده منا‪..‬‬

‫يزداد عطاؤها‪ ..‬وال تبلغ عطاءه‪..‬‬

‫** ثالث عشرة مليون‪..‬‬ ‫تحمل بركة الزيتون‪..‬‬ ‫وتخبر زارع الغرقد‪ ..‬أن ارقد‪..‬‬ ‫فثم مساحات خضراء‪ ..‬وقلوب تعرف النقاء‪..‬‬ ‫حتو ُل‪ ..‬دونكم وما ترجون‪.‬‬ ‫* ‬

‫** لم تكن أطالل تلك القالع األثرية‬ ‫تعني شيئا‪..‬‬

‫ن����������������������������������واف����������������������������������ذ‬

‫اجلوف حلوة‬

‫لوال صنيعها فيمن يلعب في ساحتها‪ ..‬ويعتلي قمتها‪..‬‬ ‫تُ َعلِّم الشموخ واإلباء‪ ..‬وهي حجارة صماء!‬ ‫تمَ َ ّر َد (مارد)‪ ..‬وعلت قامة (الرجاجيل)‪..‬‬

‫(زع َبل) جرى‪ ..‬فامتألت به (سيْسرا)‪..‬‬ ‫وخبر ْ‬

‫** ليس ثمة بحر هنا‪ ..‬تنساب‬ ‫أمواجه‪ ..‬وتهدر‪..‬‬ ‫لكن املنقب يجد‪..‬‬ ‫«حتت السطح»‪ ..‬أمواجاً (حلوة)‪..‬‬ ‫في القيم‪ ..‬يظهر الفرق‪ ..‬بني املظهر واجلوهر!‬

‫** المسافرون‪ ..‬والقاطنون‪ ..‬جميعهم يتغنون‬

‫بإشراقة شمس تبدي «شعقها» للواله املفتون‪..‬‬ ‫كر ٌم‪..‬‬

‫مابني «زرقاء» و«جوف»‪..‬‬ ‫وتباهي بغرس ظليل‪ ..‬وثمر يانع‪ ..‬وسمر عليل‪..‬‬ ‫رى للضيوف‪ ..‬ليس خلفهم «مردوف»‪..‬‬ ‫وقِ ً‬

‫** حين تضع قدمك في (الجوف)‪..‬‬

‫كل بيت سيقدم لك «حلوته»‪..‬‬

‫ميكنك مشاهدتها ف��ي ال �ط��رق��ات والشرفات‬ ‫وبجانبك‪..‬‬ ‫تفتح ذراعيها مرحبة بك!‬ ‫(حلوة اجلوف)‪ :‬نق ّية‪ ..‬أب ّية‪ ..‬هد ّية‪..‬‬

‫كاتب من الجوف ‪ -‬السعودية‪.‬‬

‫اجلوبة ‪ -‬خريف ‪1431‬هـ ‪109‬‬


‫املجد لألنثى‬ ‫> عبدالناصر بن عبدالرحمن الزيد*‬

‫هي أجمل الكائنات‪ ..‬أول البدايات‪ ..‬أعسل الحكايات‪..‬‬ ‫ف��ي يومها ام����رأةً‪ ،‬وف��ي عيدها أمّ ���اً‪ ،‬وف��ي بركتها بنتاً‪ ،‬وفي‬ ‫عمرها كله عَ روبةً عاشقةً وملهمةً معشوقة‪ ،‬وعلى كل حال من‬ ‫أحوالها‪..‬‬ ‫لها مع الله شأن‪ ..‬ولها مع محمد [ حكاية‪ ..‬ولها مع عموم‬ ‫األنبياء واألولياء والسعداء والتعساء؛ بجنِّهم وإنسهم‪ ،‬وجدِّ هم‬ ‫وهزلهم‪ ،‬وسرِّهم وجهرهم‪ ..‬ألف شأن‪ ،‬وألف حكاية‪ ،‬وألف ليلة‬ ‫وليلة‪ ..‬كانت شهرزاد تنداح فيها حتى الصباح؛ إفصاح ًا مباح ًا وغير مباح‪.‬‬ ‫هي أصل أول‪ ،‬ال ظل تابع وال ضلع {هو‬ ‫الذي خلقكم من نفس واحدة وجعل منها‬ ‫زوجها}‪ .‬ال كما تدعي اإلسرائيليات من‬ ‫خلقها من ضلع آدم! مما يفرح وينافح عنه‬ ‫الذكور بشراسة ملا يُوحي بتدني الدرجة‪،‬‬ ‫ف��ي (ال وع��ي) ال�ن��اس وجيناتهم الثقافية‬ ‫فض ً‬ ‫ال عن فلتات اللسان وطفح اجلوارح‪.‬‬ ‫وما زلت أذكر إحدى البن ّيات القريبات وملّا‬ ‫تتجاوز الثالثة من عمرها‪ ..‬حني أجابت‬ ‫رف��ض وال��ده��ا طلبها مم��ازح�اً لها بقوله‪:‬‬ ‫(ماما بعدين تخانقني)‪ .‬قائل ًة‪( :‬ال يا بابا‬ ‫أنت رجل‪ ،‬عيب تخاف من ماما)‪ ..‬تأملوا‬ ‫‪ 110‬اجلوبة ‪ -‬خريف ‪1431‬هـ‬

‫كيف انطبع في وعيها بالضرورة والبديهة‬ ‫أن الرجل أهم وأول‪ ،‬مع أنها أنثى وغير‬ ‫مم ِّيزة‪ ..‬وتعاملها الدائم والراحم مع أمها‬ ‫ال مع أبيها‪.‬‬

‫المرأة‪..‬‬ ‫هي األم ال��وال��دة (املنجبة) من بعد ذلك‪،‬‬ ‫فهي التي تلد اإلنسان؛ وهي التي تلد هذه‬ ‫احلقيقة في اإلنسانية كما يترافع بهذا‬ ‫الرافعي يرحمه الله‪.‬‬ ‫وم ��ا ح��اج�ت�ه��ا ل �ل �ن �ب � ّوة وه ��ي ال �ت��ي تلد‬ ‫األنبياء وتؤدبهم وترضعهم وترعاهم ‪-‬على‬


‫وبهذا استحقت مجداً باذخاً ال يدانيه مجد‪.‬‬ ‫وحتى التي لم تلد‪ ..‬فهي داخلة بهذا االعتبار‬ ‫ ع�ل��ى ن �ح� ٍ�و م��ا ‪ -‬ألن �ه��ا أم ب��ال�ق��وة ك�م��ا يقول‬‫املناطقة‪ ،‬وألج��ل ما فيها من استعداد األمومة‬ ‫وأح��اس �ي��س ال��رح �م��ة‪ ،‬ق��د ي ��د ّر لبنها م��ن شدة‬ ‫حنانها على وليد ما‪ ،‬لينغدق فيضها من بع ُد على‬ ‫من حولها أجمعني؛ كما فعلت أمهات املؤمنني‬ ‫وغيرهن قدمياً‪ ،‬واألم تريزا على سبيل التمثيل‬ ‫حديثاً؛ تلك التي كانت تؤمن باحلب وجهاً لوجه‬ ‫فلسف ًة لها‪ ،‬وتعتقد عدم إمكان شفاء نقصه إال‬ ‫به‪.‬‬

‫ن����������������������������������واف����������������������������������ذ‬

‫م ��ن دون أن ي �ش � ّم �ه��ا وي �ض � ّم �ه��ا ويداعبها‬ ‫أن مِ ن األئمة‪ -‬كالقرطبي وابن حزم وابن حجر‬ ‫ّ‬ ‫واألش�ع��ري وغيرهم ‪َ -‬م��ن ذه��ب إل��ى نبوة ست ويالعبها‪ ..‬حضناً دافئاً ونبضاً حنونا‪ً.‬‬ ‫نسوة منهن مرمي عليها السالم‪ ..‬اختارها الله‬ ‫ك��ان��ت معه وم��ا غ � ّرت��ه وال أغ��وت��ه كما تزعم‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫َ‬ ‫محضنا داف �ئ �ا طيلة تسعة ش�ه��ور‪ ،‬لتُتم خلقه اإلسرائيليات والت ّرهات!‬ ‫بسبب منه سبحانه‪ ،‬وتعاني في سبيل ذلك نقصاً‬ ‫ٍ‬ ‫ّ‬ ‫بل وس��وس لهما الشيطان فدالهما بغرور‪.‬‬ ‫وأملاً واضمحالالً للقوى‪ ،‬حتى يخرج خليفة الله‬ ‫لكونه املسخّ ر له‪ .‬فأي اصطفاء وأي اختيار وأي واستمع ‪ -‬مع هذا ‪ -‬ماذا سيقول الله؟ إنه يُحذر‬ ‫آدم وح��ده ويُنذره بالشقاء‪ » ..‬ال يُخرجنّك من‬ ‫فضل هذا؟‬ ‫ٍ‬ ‫لذكر‬ ‫اجلنة فتشقى» أن��ت ال ه��ي! وال يتع ّرض‬ ‫ٍ‬ ‫أن ال��والدة للمرأة‬ ‫إنني أزعم ‪ -‬والله أعلم ‪ّ -‬‬ ‫بنكير لها مخصوص‪ ،‬بل ينسب الغواية والعصيان‬ ‫ٍ‬ ‫ّ‬ ‫امل��ؤم�ن��ة ك �ف��ارةٌ خلطاياها كلها‪ ،‬ال يضرها ما ألبينا دون أ ُ ِّمنا عليهما السالم‪.‬‬ ‫عملت بعد ذلك‪ .‬وإال‪ ..‬فكيف يقول الرسول عليه‬ ‫واألنثى‪..‬‬ ‫الصالة والسالم‪ :‬الزم رجليها فث ّم اجلنّة‪.‬‬ ‫قص علينا ربنا‬ ‫راعيل (زليخا) امرأة العزيز التي ّ‬ ‫يوسف ‪ -‬عليه‬ ‫أطرب َق ّ‬ ‫صة في كتابه العزيز لها مع ُ‬ ‫السالم ‪ -‬حاكياً عشقها اجلنوني الذي أفقدها‬ ‫جتن وإم��ا أن‬ ‫عقلها‪ .‬وامل��رأة إذا عشقت إما أن‬ ‫ّ‬ ‫تقتل زوجها‪ ،‬بحسب الع ّ‬ ‫المة الكبيسي‪ ..‬الذي‬ ‫لم أ َر أح��داً غيره أنصف ه��ذه امل��رأة العظيمة‪،‬‬ ‫معتبراً سلوكها هي بعينها ومكانها ومكانتها مع‬ ‫يوسف هو بعينه وجماله وجواره؛ سلوكاً منطقياً‬ ‫واقعياً قوياً ال تستطيع امرأة في الدنيا أن تصمد‬ ‫أمامه‪..‬‬

‫وبقيت إلى النهاية ‪ -‬مع طول السواد وقرب‬ ‫وألن األم ك��ذل��ك ف��ص��ل ال �ل��ه أم��ر معاناتها الوساد ‪ -‬تُغالب شوقها‬ ‫ّ‬ ‫(والشوق غ ّ‬ ‫وقدم البِشارة‬ ‫األب‪،‬‬ ‫مع‬ ‫وإطاعتها كما لم يفعل‬ ‫الب) حتى فاض بها الكيل وصبرها‬ ‫ّ‬ ‫بها على الذكر؛ ليق ّدمها محمد – عليه الصالة ِعيل؛ فلم جتد بُ ّداً مما ليس منه بُ ّد‪.‬‬ ‫وال�س�لام ‪ -‬من بع ُد‪ ،‬على األب ث�لاث�اً‪ ،‬وألز َمنا‬ ‫وإذا كان الرجال يفقدون عقولهم إذا عشقوا‬ ‫رجليها حيث اجلنّة‪.‬‬ ‫فما بالكم بالنساء!‬

‫وحواء‪..‬‬ ‫ف��ي تفصيل ط��وي��ل ج �م �ي��ل‪ ..‬وحت�ل�ي��ل بديع‬ ‫كانت مع أبونا في جنّته‪ ..‬وكيف يطيب له البقاء مقنع‪.‬‬ ‫فيها من دونها؟‬ ‫ذ ّك ��ر ف��ي ث�ن��اي��اه م��ا حصل م��ن ت �غ �زّل عواتق‬

‫اجلوبة ‪ -‬خريف ‪1431‬هـ ‪111‬‬


‫حجاج‪،‬‬ ‫األم��ر‪ ..‬وما هو إال أن ب��ادرت بسرد أسماء َمن‬ ‫املدينة بنصر بن ّ‬ ‫أع��رف م��ن النساء‪ ،‬حتى انطلق ال�ط�لاب كلهم‬ ‫كما قالت إحداهن‪:‬‬ ‫ي�س��ردون‪ ،‬وانطلقت بذلك أس��اري��ر وجهه وعاد‬ ‫ه����ل م����ن س��ب��ي��ل إل�����ى خ���م���ر فأشربها‬ ‫إلى أمه ُم ّ‬ ‫بشراً مسروراً‪ .‬ومن الطريف أن أحد‬ ‫أم م����ن س��ب��ي��ل إل�����ى ن���ص���ر ب����ن ّ‬ ‫حجاج املدرسني كان من بني املع ِّيرين‪ ،‬وملا بادله الطالب‬ ‫فنفاه عمر ‪ -‬غفر الله له‪ ،‬فليس اجلمال ذنباً بعد التقصي عن أمه تعييراً بتعيير؛ نهره نهراً‬ ‫يُؤاخذ به املرء ‪ -‬بعد أن أمره بحلق رأسه فازداد شديداً وتواعدا أن ال يعودا ملثلها أبدا‪.‬‬ ‫ُحسناً و ُقلن فيه‪:‬‬ ‫ه��ذه ال�س��ورة هي من أحلى السور وأطالها‬ ‫ح����ل����ق����وا رأس����������ه ل���ي���ك���س���ب ق����ب����ح����اً‪..‬‬ ‫وأن ��داه ��ا ف��ي ط ��ول ال��ق��رآن وع��رض��ه‪ ،‬بنغمها‬ ‫وش ّ‬ ‫غ��������ي��������ر ًة م������ن������ه������مُ ع�����ل�����ي�����ه ُ‬ ‫�������ح�������ا املوسيقي األخّ اذ و َقصصها املُنسابة كاإلخاذ‪.‬‬ ‫ك�������ان ُص����ب����ح���� ًا ع���ل���ي���ه ل����ي����لٌ ب����ه����ي����مٌ ‪..‬‬ ‫وهاهو تعالى يسمع جتادل ‪ -‬خويلد بنت الدليج‬ ‫ف����م����ح����وا ل����ي����لَ����ه وأب��������ق��������و ُه ُص���ب���ح���ا‬

‫ مع رسوله وشكواها في زوجها القائل املنكر من‬‫ال �ق��ول‪ ،‬بعدما كبُر سنّها ورقّ عظمها‪ ،‬ويُسمي‬ ‫السورة بفعلها ه��ذا‪ ،‬ويُق ُّر لها جدالها ال��ذي شقّ‬ ‫صدر السماء مع البعل والرسول على السواء‪.‬‬

‫عنهن ‪ -‬و ُه� ّ�ن الكرميات‬ ‫ِهمن ‪ -‬رض��ي الله‬ ‫ّ‬ ‫العفيفات في اخلِ در‪ ،‬باجلميل الصورة نصر‪ ،‬ولم‬ ‫يكن ميلك من ُحسن يوسف وال ال ُعشر‪ ،‬والعهد‬ ‫و(يوسف)‬ ‫عهد الغيور عمر‪ ،‬فكيف بــ (راعيل)‬ ‫ُ‬ ‫وحتيض امل��رأة من ثَ� ْم‪ .‬فتُسقط عنها الصالة‬ ‫بالقصر؟‬ ‫وال �ص��وم‪ ،‬لبضع ق�ط��رات م��ن دم! وم��ا ض� ّره��ا لو‬ ‫حتفّظت أو حت ّينت حلالها واح �ت��ال��ت‪ ..‬فصلّت‬ ‫والنبيّ ه‪..‬‬ ‫وص��ام��ت حسب طاقتها ووس�ع�ه��ا‪ ..‬ل��وال أ ّن الله‬ ‫ً‬ ‫ال القاضية فقط أو الوالية أو احلاكمة فضال عن سبحانه وتعالى راعى مشاعرها‪ ،‬وبالغ في التح ّوط‬ ‫املذيعة واحملامية‪ ..‬الخ‪.‬‬ ‫ورحمة ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫بالغة بالغة‪.‬‬ ‫برهافة‬ ‫لها‪ ،‬وتقدير ظرفها‪،‬‬

‫الصديقة (م��رمي) ج��اءت س��ورة كاملة‬ ‫النب ّية‬ ‫ّ‬ ‫ولم يعمل مثل ذلك مع الرجال حال احلرب‪..‬‬ ‫ً‬ ‫باسمها ُ‬ ‫صراحا ‪ -‬ومازلنا نخجل من التصريح ف��أوج��ب ع�ل�ي�ه��م ص�ل�اة اخل� ��وف‪ ،‬ومشاعرهم‬ ‫بأسماء نسائنا حتى في بطاقات الزفاف فنكتب وظرفهم وكربهم‪ ،‬وهم يرون املوت يهدر والهام‬ ‫ً‬ ‫ّ‬ ‫ك��رمي��ة ف�ل�ان وع �ل��ان‪ ،‬ول ��و ك��ان��ت ك��رمي��ة ح ّقا تنهمر حتتهم كاملطر؛ أش ّد وال شك‪.‬‬ ‫الفتخرنا باسمها في يوم فرحها البهيج احلالل!‬ ‫وي��أوي ال��رج��ل إل��ى بيته بعد جهده وجهاده‬ ‫ُ‬ ‫وال زلنا نوقع أبناءنا في ُعقد نفس ّية تضطرب وك ّده وكدحه فيُؤ َمر ديان ًة‪ :‬بالقيام عليها بحاله‬ ‫بها شخوصهم‬ ‫ّ‬ ‫الغضة املتسامحة؛ كما وقع لي واإلنفاق عليها من ماله‪ ..‬وهي قاعدة‪.‬‬ ‫مع أحد التالميذ الذي شكرتني أمه ألني حللت‬ ‫ويؤمر ُرج��ول� ًة‪ :‬بتح ّمل األذى وب��ذل املعروف‬ ‫عقدته بزعمها‪ ،‬حيث يع ّيره زم�لاؤه باسم أمه‬ ‫وجنَاناً حانياً‪.‬‬ ‫فيقضي يومه مغتاظاً كئيباً كما تقول‪ ،‬وكل الذي لساناً حالياً َ‬ ‫ويؤمر ُم��روء ًة‪« :‬أن يُر ّقص لها سويعات العتمة‬ ‫فعلته أن��ي الح�ظ��ت ت��وت��راً ف��ي ال�ص��ف‪ ،‬فعلمت‬ ‫‪ 112‬اجلوبة ‪ -‬خريف ‪1431‬هـ‬


‫وكان قد أمهرها صداقاً‪ ،‬ورمبا طلّقها؛ فيس ّرحها هذه األطياف ملا استطعت البقاء! ثم يُ��ردد حائراً‪:‬‬ ‫والله إنني ال أدري كيف يعيش من يفقد أنثاه؟!‬ ‫بإحسان وميتّعها نفق ًة ورعاي ًة واجب ًة باملعروف‪.‬‬

‫وبعد‪ ،‬أ َو تظنّون أننا أعطيناها حقّها؟ أو فهمنا‬ ‫وأخيراً‪..‬‬ ‫س ّرها؟ أو جتاهلنا نقْصها وقصورها؟ اللهم ك ّ‬ ‫ال ثم‬ ‫ال ينسا ُه ّن ُمح ّبهن األكبر محمد صلّى الله عليه ك ّ‬ ‫ال‪ .‬وإنه ملسكني ذلك الذي يحاول شيئاً من ذلك!‬ ‫وس�لّ��م‪ ،‬حتى وه��و على ف��راش امل��وت فيوصي ّ‬ ‫َفهمهن‪.‬‬ ‫بهن فإن النساء ُوجد َن لنُحبهن ال لن‬ ‫ّ‬ ‫خيراً‪ ،‬بعد أن برهن حياته كلها على ح ّبهن تصريحاً‬ ‫وستظل املرأة ِس� ّراً دفيناً وسحراً فاتناً فتّاناً‪..‬‬ ‫ال تلميحاً‪ ..‬بعبارته وإشارته ولفظه وحلظه وقاله‬ ‫قد يُدرك بعض بعضه‪.‬‬ ‫وحاله صلوات الله عليه وآله‪ ،‬حتى قال‪« :‬ما أكرمهن‬ ‫من ِ‬ ‫عشقها‪ ..‬وهام في عشقها‪ ..‬أو كرهها وغالى‬ ‫إال كرمي وما أهانهن إال لئيم» ليعلمنا أن ُح ّب النساء‬ ‫في كرهها‪ ..‬أو رحمها‪.‬‬ ‫من أخالق األنبياء‪.‬‬ ‫حب!‬ ‫أال وإ ّن كل َمن لم ينفضح حبه حلبيبه فما أَ ّ‬ ‫حب!‬ ‫وكل من لم ينهزم في حبه حلبيبه فما أَ ّ‬ ‫وك��ل م��ن ل��م ي��ذب��ح حلبيبه ُق��رب��ان �اً م��ن لواعج‬ ‫احلنني واجلنون ول��واذع العشق املتدفق ثم ينذبح‬ ‫حب!‬ ‫على مذبحه‪ ،‬راضياً ملت ّذاً‪ ،‬فما أَ ّ‬ ‫أيهذا املحُ ب! أالَ أيهذا املحُ ب‪..‬‬ ‫ال ت َ​َخف!‬ ‫و«ال تُخْ ِف ما فعلت بك األشواقُ‪ ...‬واشرح هواك‬ ‫فكلنا ُع ّشاقُ»‪.‬‬ ‫أال ما أروع هذا الكائن اجلميل‪ ..‬وما أحاله!‬ ‫فبه تطيب احلياة وتقوى دواعيها‪ ..‬وبه تطيب‬ ‫اجلنّة ويكتمل نعيمها‪.‬‬ ‫«ح���و ٌر م �ق �ص��ورات ف��ي اخل �ي��ام ك��أم�ث��ال اللؤلؤ‬ ‫املكنون» وك��م ه��و ك��اب��وس رهيب ذل��ك الليل الذي‬

‫ن����������������������������������واف����������������������������������ذ‬

‫مهما كان م�ك��دوداً» كما يقول الظاهري ‪ -‬سلمت يخلو من امرأة! ولو طيفاً وذكرى‪.‬‬ ‫ب��راج�م��ه م��ن األوخ���از ‪ -‬وال ي�ن��زع حتى ت�ف��رغ من‬ ‫إنني أعرف شيخاً كبيراً يحادث زوجته املرحومة‬ ‫شهوتها‪.‬‬ ‫منذ عقود كل ليله؛ يقظ ًة ومناماً‪ .‬ويقول متمتماً‪ :‬لوال‬

‫وسنظ ّل مذ ُفطمنا ُمكرهني؛ ِ‬ ‫نح ُّن إلى متم ّردَينِ‬ ‫حن أديبنا‬ ‫لَعوبَ ِ‬ ‫ني يتوثبانِ حتت اجليد التليع‪ ،‬كما ّ‬ ‫الساملة براجمه من األوخاز يوماً ما‪.‬‬ ‫وألنها أوف��ى من ال��رج��ل‪ ...‬حتبه أكثر من حبه‬ ‫لها!‬ ‫وتُخلص له وحده‪ ..‬أكثر من إخالصه لها!‬ ‫وإذا صار لها عبداً‪ ..‬تصير له أَ َم ًة وزيادة!‬ ‫مع أنها أجمل منه‪ ،‬وأحلم منه‪ ،‬وأكاد أقول أدهى‬ ‫منه وأطول عمراً‪.‬‬ ‫وال حتتاج إذا ما أمعنّا في التشاؤم‬ ‫سوى‬ ‫كلمتني حلوتني‪..‬‬ ‫وإال فكلمة واحدة تكفي‪:‬‬ ‫احلب‪.‬‬

‫* الجوف ‪ -‬سكاكا‪.‬‬

‫اجلوبة ‪ -‬خريف ‪1431‬هـ ‪113‬‬


‫السعودي وخصائصه‬ ‫القص‬ ‫فن‬ ‫تطور ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫> مصطفى الصوفي*‬

‫األدب السعودي جزء مهمّ من أدب األمة العربية في تاريخه وتطوره‪ ،‬لكنه ال يخلو‬ ‫من السمات ذات الطابع المحلي وخصائص البيئة في الجزيرة العربية ودول الخليج‬ ‫عموماً‪ ،‬إ ّال أن هذه الميزات المحلية أخذت تتضاءل أمام التطورات االجتماعية والمادية‬ ‫والثقافية التي حدثت في المجتمع السعودي والخليجي‪ ،‬وإزاء االنفتاح على المؤثرات‬ ‫العربية واألوربية التي أدّت إلى حدوث تطور مهم في تقنيات الفن القصصي والروائي‬ ‫المحليين‪ ،‬يقارب مثيالتها في الدول العربية األخرى‪.‬‬ ‫ف � ��األدب ف��ي ال �س �ع��ودي��ة ب�ش�ك��ل عام‪،‬‬ ‫�اص‪ ،‬فن وليد‬ ‫والقصة وال��رواي��ة بشكل خ� ّ‬ ‫بالمعنى ال �ح��دي��ث‪ ،‬يفتقر إل ��ى الجذور‬ ‫والتجربة العريقة‪ ،‬على عكس الشعر الذي‬ ‫يبدو أن له امتداداته التاريخية القديمة‬ ‫والمستمرة حتى اآلن‪ ،‬وذل��ك مع ما طرأ‬ ‫عليه من حركة تحديث ومتغيرات متميزة‬ ‫ال ومضموناً‪.‬‬ ‫شك ً‬

‫‪1930‬م‪ ،‬وبعدها بقليل ص��درت روايتان‬ ‫للمغربي وال�س�ب��اع��ي‪ ،‬ث�� ّم ان�ق�ط��ع صدور‬ ‫الروايات حتى عام ‪1959‬م‪ ،‬حينما ظهرت‬ ‫أول رواي��ة متميزة‪ ،‬وهي (ثمن التضحية)‬ ‫للدمنهوري‪ ،‬ث ّم تعاقبت األعمال القصصية‬ ‫والروائية خ�لال فترة الستينيات‪ .‬ويذكر‬ ‫�ص��ة بقيت م�ت��أخ��رة عن‬ ‫ال�ح��ازم��ي أن ال�ق� ّ‬ ‫الشعر أشواطاً كثير ًة خالل تلك الفترة‪.‬‬

‫ظهرت المحاولة األول��ى لرصد الفن‬ ‫الروائي وبداياته على يد الدكتور منصور‬ ‫الحازمي في كتابه (فن القصة في األدب‬ ‫ال�س�ع��ودي ال�ح��دي��ث)‪ ،‬وف�ي��ه أش��ار إل��ى أن‬ ‫أول رواي��ة سعودية متواضعة صدرت عام‬

‫‪ ‬وكانت المرحلة الثانية للدكتور محمد‬ ‫ال �ش��ام��خ ف ��ي ك �ت��اب��ه (ال �ن �ث��ر األدب � ��ي في‬ ‫المملكة)‪ ،‬والذي‪ ‬يرصد اإلنتاج القصصي‬ ‫في السعودية بين ‪ 1900‬و‪1945‬م‪ ،‬فيرجع‬ ‫ب��داي��ات��ه إل ��ى أب ��و ب �ك��ر خ��وق �ي��ر ف��ي عام‬

‫‪ 114‬اجلوبة ‪ -‬خريف ‪1431‬هـ‬


‫ثم ظهرت دراس��ة حديثة للحازمي في كتابه‬ ‫(الرواية التاريخية في األدب العربي الحديث)‪،‬‬ ‫ال ��ذي اس �ت �ع��رض ن �م��اذج ل�ل��روائ�ي�ي��ن البستاني‬ ‫وجرجي زي��دان ومحمد فريد‪ .‬ثم أص��در كتابه‬ ‫(م��واق��ف نقدية) ال��ذي ضمنه دراس ��ات نقدية‬ ‫لبعض ال�ق��اص�ي��ن‪ ،‬وع ��رض ف�ي��ه ت �ط��ور القصة‬ ‫القصيرة في السعودية‪ ،‬ودرس بعض التجارب‬ ‫الروائية‪ ،‬ومنها‪ :‬تجربة سمير سرحان ومحمود‬ ‫عارف ‪ ‬ومهدي شاكر العبيدي‪..‬‬ ‫ب �ع��ده��ا ظ��ه��رت ع� � �دّة دراس� � ��ات أكاديمية‬ ‫منهجية‪ ،‬منها‪ :‬دراس��ة الدكتور مسعد العطوي‬ ‫في كتابه (االتجاهات الفنية للقصة القصيرة‬ ‫في السعودية) الذي رصد اإلبداعات القصصية‬ ‫في الدوريات‪ ،‬وبيّن التوجهات الفنية والداللية‬ ‫وال�ت�ح��والت ف��ي األس�ل��وب والتقنية القصصية‪.‬‬ ‫ومنها أيضاً‪ :‬دراسة سحمي ماجد ألهاجري في‬ ‫كتابه (القصة القصيرة في السعودية)‪.‬‬ ‫وم��ن أه��م ال��دراس��ات ال�م�ع��اص��رة ف��ي تطور‬ ‫القصة القصيرة في السعودية كتاب د‪ .‬طلعت‬ ‫صبح سيد (فن القصة القصيرة)‪ ،‬الذي يشيرفيه‪ ‬‬ ‫إلى غياب فن القصة القصيرة بفنياته الحديثة‬ ‫في المملكة قبل الحرب العالمية الثانية‪ ,‬وينطبق‬

‫ن����������������������������������واف����������������������������������ذ‬

‫‪1910‬م‪ ،‬ثم إلى روايتين لألسكوبي فاألنصاري‪ .‬‬ ‫وه��ي دراس��ات فنية لبعض األعمال القصصية‬ ‫كقصة (رامز) لسعيد العامودي‪ ،‬وقصة (مالبسه‬ ‫المسروقة) لمحمد بن علي المغربي‪ ،‬وتع ّد هذه‬ ‫ال��دراس��ات ب��داي��ات األع �م��ال النقدية الواعية‬ ‫والجدية لألعمال القصصية فنياً وتقنياً‪ ،‬من‬ ‫حيث الزمان والمكان والحدث والشخصيات‪،‬‬ ‫فشكلت أول ��ى م �ح��اوالت التأصيل والتأسيس‬ ‫للنقد األدبي‪.‬‬

‫هذا الواقع على األقطار العربية عموماً‪ ،‬ولكنّه‬ ‫يرى أن لمصر وسورية ولبنان قصب السبق في‬ ‫تطور الفن القصصي العربي الحديث‪ .‬ويخلص‬ ‫إل��ى أن الفن القصصي في المملكة م� ّر بثالث‬ ‫مراحل‪ ،‬خلص إليها أيضاً عيدالمجيد زراقط‬ ‫ف��ي كتابه (ت �ط��ور القصة القصيرة السعودية‬ ‫وخصائصها)‪ ،‬وهي‪:‬‬ ‫‪ .1‬مرحلة الترجمة والتقليد واالقتباس‪.‬‬ ‫‪ .2‬مرحلة الخطابية والوعظ المباشر‪.‬‬ ‫‪ .3‬مرحلة التجارب القصصية ذات التقنيات‬ ‫الحديثة‪.‬‬ ‫ويبين أن المرحلة األخيرة شهدت ظهور نماذج‬ ‫قصصية س�ع��ودي��ة‪ ،‬تستجيب للقص المتطور‬ ‫وفنياته الحديثة‪ ،‬وتبتعد عن اإلغراق في المحلية‬ ‫نتيجة انتشار التعليم والثقافة‪ ،‬واتساع العالقات‬ ‫مع الدول الغربية‪ ،‬واالطالع على ثقافاتها وآدابها‬ ‫وفنونها‪ ,‬ومشاركة المرأة في مجاالت التعليم‬ ‫والثقافة والعمل‪ ،‬واالنتعاش المادي الكبير الذي‬ ‫ال بين الواقع والطموح‪ ،‬وهو ما أثّر في‬ ‫أحدث خل ً‬ ‫مضامين القص ولغته وأشكاله وأجوائه النفسية‬ ‫التي ص��ورت مشاعر االض �ط��راب واالنفعاالت‬ ‫والقلق والتوتر‪..‬‬ ‫وأخ�ي��را نشير إل��ى أنّ ع��دّ ة مقاالت متفرقة‬ ‫ع��ن األدب القصصي ف��ي ال�ح�ج��از ق��د نشرت‬ ‫خ�لال فترة الخمسينيات والستينيات لمحمد‬ ‫سعيد العامودي وعباس فائق غزاوي‪ ‬ومحمد‬ ‫الخريجي وعبد الله آل مبارك ال �ف��وزان‪ ..‬كما‬ ‫ننوّه ببعض الدراسات التعريفيّة واالستعراضيّة‬ ‫ككتاب (وقفات مع القاصين) لمحمد بن سعد بن‬ ‫حسين وكتاب (مسرح التراث) لمحمد علوان‪.‬‬

‫* كاتب من سوريا‪.‬‬ ‫ ‬

‫اجلوبة ‪ -‬خريف ‪1431‬هـ ‪115‬‬


‫موافقات شعرية‪..‬‬ ‫> نورا العلي*‬

‫تمر األح��داث علينا ‪ -‬نحن بنو البشر ‪ -‬وقد يختلف وقعها من شخص آلخر‪ ،‬وقد‬ ‫يتوافق معها مجموعة من األشخاص‪.‬‬ ‫وفي مقالي هذا جمعت شيئا من أحوال الشعراء العاشقين‪ ،‬حيث هم ذوو اإلحساس‬ ‫المرهف‪ ،‬الشفاف‪ ،‬يصورون الحياة بالحب‪ ..‬وكأنها جنة الدنيا‪ ،‬تُشرِ ق عليهم باألنس‬ ‫والطيب (تشرق الدنيا على أه��ل الهوى أنسا وطيبا) و َت��ش��رَق وتغص بالبعد والصد‬ ‫والهجران‪ ،‬فهاهم أولئك يرضون بالقليل‪ ،‬بل بأقل من القليل‪ ،‬على شغفهم بالوصل‬ ‫ورغبتهم‪ ,‬إال أنهم يقفون عند رغبة المحبوب وتمنعه‪ ،‬ويبقى الوصل حلما رقيقا‪ ،‬وهمّ ا‬ ‫عنيدا‪ ،‬ولسان حالهم يقول‪:‬‬ ‫وال��������ن��������ف��������س راغ����������ب����������ة إذا رغّ �����ب�����ت�����ه�����ا‬ ‫وإن ت�����������������رد إل�����������������ى ق�������ل�������ي�������ل ت�����ق�����ن�����ع‬ ‫ه��ذه بعض م��ن أخ�ب��اره��م وأشعارهم‪،‬‬

‫ذلك‪،‬فلو ت��ذك��ره‪ ..‬يسعد بذكرها‬

‫وكأنهم يشعلون احلروف كلما اسود الليل‪،‬‬

‫إي��اه على ال�ن��أي وال�ب�ع��د‪ ،‬فيقول‪:‬‬

‫كلما استبد بهم واستطال‪.‬‬ ‫يقول جميل بثينة‪:‬‬ ‫وإن����ي ألرض����ى م���ن ب��ث��ي��ن��ة بالذي‬ ‫لو أبصره ال��واش��ي‪ ،‬لقرت بالبله‪.‬‬

‫أول���ي وف����اءً ‪ ،‬وإن ل��م ت��ب��ذل��ي ِصلة‬ ‫فالذكر ينفعنا‪ ،‬والطيف يكفينا‬ ‫ويستعطف اب��ن خلكان محبوبه الذي‬ ‫ض ّيق حيلته‪ ،‬وسبى عقله حني يضن عليه‬

‫ل �ه �ف��ي ع �ل �ي �ه��م‪ ،‬ي �ق �ت �ن �ع��ون بأقل بالوصل واللقاء فيقول‪:‬‬

‫القليل‪ ..‬وم��ع ذل��ك ال يتهيأ لهم‪ ,‬إن ف����ات����ه م���ن���ك ال����ل����ق����اء فإنه‬ ‫فهذا ابن زي��دون يرضى بأقل من‬ ‫‪ 116‬اجلوبة ‪ -‬خريف ‪1431‬هـ‬

‫ي��رض��ى ب��ل��ق��ي��ا ط��ي��ف��ك المتأوب‬


‫����ك ف ِ���ع���د به‬ ‫إن ل���ـ���م ي���ك���ن وص������لٌ ل����دي َ‬ ‫أم���ل���ي وم����اط����ل‪ ،‬إن وع����������دتَ ‪،‬وال تفي‬ ‫ويقول دوقلة المنبجي‪:‬‬ ‫إن ل�������م ي�����ك�����ن وص���������ل ل������دي������ك لنا‬ ‫ي����ش����ف����ي ال�����ص�����ب�����اب�����ة‪ ،‬ف���ل���ي���ك���ن وع����د‬ ‫ويصيح العباس ب��ن األح�ن��ف طالبا الرحمة‬ ‫والشفقة من محبوبه فيقول‪:‬‬ ‫ي��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ا ذا ال�����ذي ص����دع ال����ف����ؤاد بصده‬ ‫أن�����ت ال����ب��ل�اء ط���ري���ف���ه والتّالـ ـ ـ ــد‬ ‫ي��ق��ـ��ـ��ـ��ـ��ع ال��ب��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ�لاء وي��ن��ق��ض��ي ع���ن أهله‬ ‫وب����ل���اء ح����بّ����ك ك���ـ���ـ���ـ���ـ���ـ���ـ���ل ي����ـ����وم زائ�����د‬ ‫هؤالء العشاق‪ِ ،‬‬ ‫يصلون في عشقهم قمة الوجد‪،‬‬ ‫فكل ما له عالقة باحلبيب يهيج أشجانهم‪ ,‬ويجدد‬ ‫أحزانهم‪ , .‬طلوع جنم‪ ،‬هبوب ريح‪ ،‬بزوغ فجر‪،‬‬ ‫وحتى نسمة الهواء تنز عل ّيهم عطرا‪ ،‬وتنثر أريجا‬ ‫يثير اشتياقهم‪ ،‬يغمر كل لهفة‪ ،‬ويطفئ كل لوعة‪.‬‬ ‫وكأمنا احلبيب يحمل السعادة على كفه‪.‬‬ ‫يقول (مجنون ليلى) قيس بن امللوح‪:‬‬ ‫ف���م���ا ط���ل���ع ال���ن���ج���م ال������ذى ي���ه���ت���دى به‬ ‫وال ال���ص���ب���ح إال ه���ي���ج���ا ذك����ره����ا ليا‬ ‫وال ه���ب���ت ال����ري����ح ال���ج���ن���وب ألرض���ه���ا‬

‫أي��������ا ري��������ح ال�����ش�����م�����ال‪ ،‬أم��������ا ت����ريّ����ن����ي‬ ‫أه�������ي�������م‪ ،‬وأن�������ن�������ي ب�����������ادي ال����ن����ح����ول‬ ‫���ن‬ ‫ه����ب����ي ل������ي ن����س����م����ةً م������ن ري��������ح ب���ث ِ‬ ‫وم������نّ������ي ب����ال����ه����ب����وب ع����ل����ى جميل‬ ‫وق������ول������ي‪ :‬ي�����ا ب���ث���ي���ن���ة ح����س����ب نفسي‬

‫ن����������������������������������واف����������������������������������ذ‬

‫أما ابن الفارض فيقول‪:‬‬

‫وفي ذلك يقول جميل بثينة مخاطبا الريح‪:‬‬

‫ق����ل����ي����ل����ك‪ ،‬أو أق���������ل م�������ن ال���ق���ل���ي���ل‬ ‫وه ��ذا اب��ن س�ي��د ال �ن��اس يستعطف الهبوب‬ ‫والنسمات فيقول‪:‬‬ ‫غ���ي���ران ت��ص��رع��ه ال����ذك����رى إذا خطرت‬ ‫وال���ري���ح إن ن��س��م��ت وال���دم���ع إن نضبا‬ ‫ب��ال��ل��ه‪ ،‬ي���ا ن��س��م��ات ال���ري���ح‪ ،‬ه���ل خـ ــبرٌ‬ ‫ع��ن��ه��م‪ ،‬يعيد ل��ي العيـ ــش ال���ذي ذهبا‬ ‫وي� �ق���ول ج ��ري ��ر ف���ي اجل� �ب ��ل ال�� ��ذي يقطنه‬ ‫األحباب‪:‬‬ ‫ي�����ا ح����ب����ذا ج���ب���ل ال������ري������ان م�����ن جبل‬ ‫وح�����ب�����ذا س�����اك�����ن ال������ري������ان م�����ن ك���ان���ا‬ ‫وح�����ب�����ذا ن��ف��ح��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ات م�����ن يمانية‬ ‫ت���أت���ي���ك م�����ن ق���ب���ل ال�����ري�����ان أحيانا‬ ‫أما دوقلة املنبجي فيبني حقيقة فحواها أن‬ ‫احلبيب هو السكن‪ ،‬وحيثما اجته فثمة الوطن‬ ‫إذ يقول‪:‬‬ ‫إن ت�����ت�����ه�����م�����ي ف�����ت�����ه�����ام�����ة وط�����ن�����ي‬

‫م�����ن ال���ل���ي���ل إال ب�����ت ل���ل���ري���ح حانيا‬

‫أو ت�����ن�����ج�����دي‪ ،‬إن ال�������ه�������وى ن����ج����دُ‬

‫ألهذه الدرجة!! يعرف االجتاه الذي تكون فيه‬

‫غ��ري��ب أم��ر ه��ذا احل ��ب‪ ،‬م��ن ش��رف��ة الفجر‬

‫محبوبته دون أن يخبره أحد فيقول‪:‬‬

‫يأتي‪ ،‬فال يبرح القلب‪ ،‬وال يغادر البصر‪ ،‬يحيا‬

‫ي��م��ي��ن��ا إذا ك���ان���ت ي���م���ي���ن���ا‪ ،‬وإن تكن‬

‫مع النبض‪ ..‬ويسكن كل احلواس‪ , ...‬ومع ذلك‪،‬‬

‫ش���م���اال‪ ،‬ي��ن��ازع��ن��ي ال���ه���وى ع���ن شماليا يتحتم الفراق املقيت‪ ،‬والبعد املميت‪ ،‬وحلظات‬

‫اجلوبة ‪ -‬خريف ‪1431‬هـ ‪117‬‬


‫الوداع األليم‪.‬‬

‫ومن أجل كتم سر احملبوب‪ ،‬يستميت احملب‪،‬‬

‫ثمة حلظات‪ ،‬تتمنى أن تسرقها من عمر الزمن‪ ،‬وال يفصح عن حب قد يجر على محبوبه علال‬ ‫فتحنطها‪ ،‬ليقينك أنها لن تتكرر‪ .‬وثمة أشخاص وهموما‪ .‬أو يعرضه للعذاب والهون‪.‬‬ ‫تشعر بأنهم انشطروا من قلبك‪ ،‬ينحدرون من‬

‫يقول العباس بن األحنف في ذلك‪..‬‬

‫ساللة روحك‪ ،‬لكأنهم نصفك اآلخر‪.‬‬

‫س ـ ـ ــماك لي قومٌ ‪ ،‬وقالوا إنها‬

‫في وصف حلظات الوداع القاسية يقول ابن‬ ‫زريق البغدادي‪:‬‬ ‫ودع��������ت��������ه وب����������������ودي ل��������و ي�����ودع�����ن�����ي‬ ‫ص�����ف�����و ال�����ح�����ي�����اة وإن�����������ي ال أودع���������ه‬ ‫و يقول ابن النقيب‪:‬‬ ‫ي���ا ن��ف��س ق���د ف��ارق��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ت ي����وم فراقهم‬ ‫ط��ي��ب ال��ح��ي��اة ف��ف��ي ال��ب��ق��ا ال تطمعي‬ ‫ودع���ت���ه���م ث���م ان��ث��ن��ي��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ت بحسـ ـ ــرة‬ ‫ت���رك���ت م��ع��ال��ـ��ـ��م م��ع��ه��دي كالبلق ـ ـ ـ ِـع‬ ‫ورج���ع���ت ال أدري ال���ط���ري���ق وال تسل‬ ‫رج���ع���ت ع�����داك ال��م��ب��غ��ض��ون كمرجعي‬ ‫أما املتنبي فيقول‪:‬‬ ‫ح���ش���اش���ة ن���ف���س ودع�������ت ي������وم ودع������وا‬ ‫����ظ����اع����ن����ي����ن أش����يّ����ع‬ ‫أي ال ّ‬ ‫ف����ل����م أدر ّ‬ ‫وفي أجفانه التي أنهكها الوداع‪:‬‬ ‫وق��د ص��ارت األج��ف��ان قرحى م��ن البكى‬ ‫وص�����ارت ب���ه���ارا ف���ي ال���خ���دود الشقائق‬ ‫ويبني في البيت التالي أن يوم الفراق يفتضح‬ ‫فيه أمر احملبني‪ ،‬وتنكشف سرائرهم فيقول‪:‬‬ ‫وك����ات����م ال����ح����ب ي������وم ال���ب���ي���ن منهتك‬ ‫وص����اح����ب ال����دم����ع ال ت��خ��ف��ى س���رائ���ره‬ ‫* ‬

‫كاتبة من القريات ‪ -‬الجوف‪.‬‬

‫‪ 118‬اجلوبة ‪ -‬خريف ‪1431‬هـ‬

‫ل���ه���ي ال���ت���ي ت��ش��ق��ى ب���ه���ا وتكاب ـ ـ ــد‬ ‫ف���ج���ح���دت���ه���م ل���ي���ك���ون غ����ي����رك ظنهم‬ ‫إن�������ي ل���ي���ع���ج���ن���ي ال����م����ح����ب ال���ج���اح���د‬ ‫ويقول في قصيدة أخرى‪:‬‬ ‫ألخ������رج������ن م������ن ال�����دن�����ي�����ا وحبك ــم‬ ‫بـيـن ال��ـ��ج��ـ��وان��ـ��ح ل��ـ��م يـشـعر ب��ـ��ه أحــد‬ ‫وي� �ق ��ول ع �م��ر ب ��ن أب� ��ي رب �ي �ع��ة ع �ل��ى لسان‬ ‫محبوبته‪:‬‬ ‫إذا ج��ئ��ت ف��ام��ن��ح ط���رف عينيك غيرنا‬ ‫ل��ك��ي ي��ح��س��ب��وا أن ال���ه���وى ح��ي��ث تنظر‬ ‫إن ��ه ح ��ال احمل� �ب�ي�ن‪ ...‬ع �ل��ىأه��داب عيونهم‬ ‫يتبرعم احلنني‪ ،‬فمع حنني الطير يحنون‪ ،‬أما‬ ‫هديل احلمام فيثير أشجانهم فيبكون‪...‬‬ ‫يقول املتنبي‪:‬‬ ‫م����ا الح ب������رق أو ت����رن����م طائ ـ ـ ـ ـ ــر‬ ‫إال ان��ث��ن��ي��ت ول����ي ف�����ؤاد شي ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــق‬ ‫وفي ذلك يقول عنترة بن شداد‪:‬‬ ‫وم��ا ش��اق قلبي ف��ي ال��دج��ى غير طائر‬ ‫ينوح على غصن رطيب م��ن الرنـ ـ ـ ـ ــد‬ ‫ب��ه مثل م��ا ب��ي فهو يخفي م��ن الجوى‬ ‫كمثل ال��ذي أخفي وي��ب��دي ال��ذي أبدي‬


‫م����������������ال واق��������ت��������ص��������اد‬

‫أحكام اقتصادية في آيات قرآنية‬ ‫> أ‪ .‬د‪ .‬محمود الوادي*‬

‫إن من أهم خصائص النظام االقتصادي في اإلسالم‪ ،‬هو تداول المال وعدم انحصاره‬ ‫بأيد قليلة؛ أي عدالة توزيع الدخل والثروة بين أبناء المجتمع‪ ،‬حيث التفاوت الكبير في‬ ‫ٍ‬ ‫التوزيع ظلم‪ ،‬والتساوي في التوزيع كذلك ظلم‪.‬‬ ‫ول وَلِ ِذي الْقُ ْربَى‬ ‫قال تعالى‪{ :‬مَّ ا أَفَاء اللَّهُ عَ لَى ر َُسولِ هِ ِمنْ أَهْ ِل الْقُ رَى فَلِ لَّهِ وَلِ لرَّ ُس ِ‬ ‫ال يَكُ و َن دُولَةً َبيْنَ األَغْ نِ يَاء ِمنكُ مْ َومَا آتَاكُ مُ الرَّ ُسولُ‬ ‫يل كَيْ َ‬ ‫السبِ ِ‬ ‫ين وَاب ِْن َّ‬ ‫وَا ْل َيتَامَى وَا ْلمَسَ اكِ ِ‬ ‫ف َُخذُ و ُه َومَا َنهَاكُ مْ عَ نْهُ فَانتَهُ وا وَاتَّقُ وا ال َّل َه إِنَّ ال َّل َه شَ ِديدُ الْعِ قَاب} [الحشر‪]7 :‬‬ ‫أم��ا االش �ت��راك �ي��ة‪ ،‬ف�ق��د أل�غ��ت الملكية‬ ‫الفردية‪ ..‬واستبدلتها بالملكية الجماعية‪،‬‬ ‫وأك��دت على العالقة بين أش�ك��ال اإلنتاج‬ ‫وال�ت��وزي��ع‪ ،‬وعلى ال��دول��ة أن تستولي على‬ ‫جميع الموارد االقتصادية‪ ،‬وتوزعها على‬ ‫أب �ن��اء المجتمع ت�ح��ت ش �ع��ار‪« :‬ك� � ٌل يعمل‬ ‫بقدر طاقته‪ ،‬ويأخذ فقط بقدر حاجته»‪،‬‬ ‫والنتيجة سوء اإلنتاج كماً وكيفاً‪.‬‬

‫ومهما اختلفت األنظمة االقتصادية في‬ ‫المفاهيم والفلسفات‪ ،‬فإنها تتفق جميعاً‬ ‫على أن علم االقتصاد يهدف إلى االستفادة‬ ‫القصوى من ال�م��وارد االقتصادية وزيادة‬ ‫اإلنتاج‪ .‬والرأسمالية نشأت على الحرية‬ ‫االقتصادية المطلقة والمنافسة التامة‬ ‫ف��ي األس� ��واق‪ ،‬وت �ه��دف إل��ى تنمية الثروة‬ ‫االقتصادية دون النظر إلى توزيعها‪ ،‬مما‬ ‫أدى إلى انحصارها بأيدي فئة محدودة من‬ ‫س‬ ‫النظام االق�ت�ص��ادي اإلس�لام��ي أ ُسِّ َ‬ ‫أبناء المجتمع‪.‬‬ ‫ل�ت��وزي��ع ال��دخ��ل‪ ،‬وال �ث��روة ثابتة ال تتغير‪،‬‬

‫اجلوبة ‪ -‬خريف ‪1431‬هـ ‪119‬‬


‫وضوابط اإلنتاج فيه تضمن عدالة توزيع الدخل‬

‫قال عليه الصالة والسالم‪ « :‬من كان له فضل‬

‫شكلها مخلوق الله وملكيته‪ ،‬وما يأخذه اإلنسان‬

‫له فضل زاد فليعد به على من ال زاد له» (رواه‬

‫وال�ث��روة بين أبناء المجتمع‪ .‬فالثروة مهما كان ظهر‪ ،‬فليعد ب��ه على م��ن ال ظهر ل��ه‪ ،‬وم��ن كان‬ ‫منحة الله له {وآتو ُه ْم مِّن مَالِ الله الَّذِ ي آتا ُكمْ}‬

‫(النور ‪ .)33‬واإلنسان ال يتمكن أكثر من أن يبذل‬

‫َصة‪ ،‬أصبح‬ ‫مسلم)‪ .‬وقال أيضاً‪« :‬أيما أهل عَ ر َ‬

‫فيهم امرؤ جائع فقد برئت منهم ذمة الله تعالى»‬

‫جهوده في زيادة اإلنتاج‪ ،‬وثمار ونتائج جهوده ال (رواه مسلم)‪.‬‬ ‫تكون إال بأمر الله‪{ :‬أَفرَأيُتم مَّا تَحْ ُرثُونَ* أأنتُ ْم‬

‫إن تحقيق العدالة في توزيع الدخل والثروة‪،‬‬

‫والثروة في اإلسالم ملك الله الواحد القهار‪،‬‬

‫االج �ت �م��اع��ي م ��ن ج��ه��ة‪ ،‬وت �ح �ق �ي��ق االستقرار‬

‫تَزْرعَ ُونَ ُه أَ ْم نَحْ ُن الزَّارِ عُونَ}‪( .‬الواقعة ‪.)64-63‬‬

‫واإلنسان مستخلف‪ ،‬وينفق الثروة على ما أمره‬

‫الله به‪ ،‬ويمسك عما نهى عنه {وَابتَغِ فِ يمَا آتاكَ‬

‫تنس نَصيِبكَ مِ � َن الدُنيَا‬ ‫اآلخ��رةَ والَ َ‬ ‫الله ال��دَّ ا َر ِ‬

‫يمثل رك�ي��زة أساسية‪ ،‬ف��ي القضاء على الظلم‬

‫االقتصادي من جهة أخرى‪ .‬ويستحوذ االقتصاد‬

‫اإلسالمي على آليات عديدة‪ ،‬تمثل وسائل ضمنية‬ ‫(تعمل من قلب النظام) تدفع بشكل تلقائي نحو‬

‫وَأحْ ِسن َكمَا أحْ سَ َن الله ِإلَيْكَ َوالَ تبغِ الفَسَ ا َد فِ ي تحقيق التوزيع العادل للدخل والثروة‪ ،‬ومن هذه‬ ‫اآلليات‪:‬‬ ‫ْض}‪( .‬القصص ‪.)77‬‬ ‫األَر ِ‬ ‫ويستحوذ التوزيع على بعدين هما‪:‬‬ ‫البُعد االجتماعي‪ :‬وهو بُعد يرتبط بمفهوم‬

‫العدالة االجتماعية‪.‬‬

‫البُعد االقتصادي‪ :‬ويتعلق بقدرة النظام على‬

‫توفير القدرة الشرائية الكافية ألبناء المجتمع‪.‬‬

‫واإلس�لام ال ينكر وق��وع التفاوت بين الناس‬

‫في الرزق والثروة‪ ،‬ألن التساوي يؤدي إلى جمود‬ ‫ال�ن�ش��اط االق �ت �ص��ادي‪ ،‬لكنه ي��رف��ض أن تزداد‬

‫الفجوة بين األغنياء والفقراء‪ ،‬وأن يتمركز المال‬ ‫لدى فئة قليلة من أفراد المجتمع‪.‬‬

‫�ض اإلس� �ل��ام‪ ،‬ع �ل��ى ع� ��دم استئثار‬ ‫ك �م��ا ح� � ّ‬

‫األغ�ن�ي��اء بفضول األم���وال‪ ،‬مستهدفاً م��ن وراء‬

‫‪ -1‬الزكاة ودورها في إعادة التوزيع‬ ‫وتعني الزكاة لغة‪ ،‬النماء وال��زي��ادة‪ ،‬والطهر‬

‫للنفوس واألم� ��وال م��ن ال�ش��ح وال�ب�خ��ل واألث ��رة‪،‬‬

‫فالمال ينمو ويزيد‪ ،‬والنفس تطهر وتزكو‪.‬‬

‫ص َد َق ًة تُطَ هِ ُّرهُم‬ ‫قال تعالى‪{ :‬خُ ْذ مِ ْن أ ْموَالهِ م َ‬

‫وَتزَكيهم ِبهَا} (التوبة‪.)103/‬‬

‫تمثّل الزكاة أداة اقتصادية‪ ،‬بالغة األثر‪ ،‬في‬

‫مواجهة اآلثار الناجمة عن االنكماش االقتصادي‪،‬‬

‫ألنها تُحدث تيارات قوة شرائية متجددة‪ ،‬تعيد‬ ‫لألسواق نشاطها‪ ،‬وإذا كان االكتناز يسهم في‬

‫الركود االقتصادي‪ ،‬فإن الزكاة تعزز االنتعاش‬ ‫االقتصادي‪.‬‬

‫ذل��ك جعل هيكل ت��وزي��ع ال��دخ��ل وال �ث��روة‪ ،‬أكثر ‪ -2‬اإلنفاق ودوره في إعادة التوزيع‬ ‫عدالة على الصعيد االجتماعي‪ ،‬وأكفأ في األداء‬

‫االقتصادي‪.‬‬

‫‪ 120‬اجلوبة ‪ -‬خريف ‪1431‬هـ‬

‫إن دعوة اإلسالم‪ ،‬التي حض عليها المسلمين‬

‫لإلنفاق في سبيل الله‪ ،‬على وجوه الب ّر والخير‬


‫م����������������ال واق��������ت��������ص��������اد‬

‫واإلح�س��ان‪ ،‬تمثل آلية ذاتية فعالة وم��ؤث��رة‪ ،‬في‬

‫إعادة توزيع الدخل والثروة‪ ،‬لصالح ذوي الحاجة‬ ‫م��ن أف ��راد المجتمع‪ .‬وي�ع��د اإلن �ف��اق م��ن أعظم‬

‫القُربات إلى الله‪ ،‬وهو ميدان فسيح‪ ،‬يتنافس فيه‬ ‫أهل البر والصالح‪ ،‬وهو بمثابة فريضة خالف‬

‫ْس الْ ِب َّر أَن‬ ‫فريضة الزكاة‪ ،‬بدليل قوله تعالى‪َّ { :‬لي َ‬ ‫تُ َولُّوا ْ وُجُ وهَ ُك ْم قِ َب َل الْمَشْ رِ قِ وَالْ َمغْرِ ِب َولَـكِ نَّ الْ ِب َّر‬

‫َاب‬ ‫اآلخرِ وَالْمَآل ِئكَةِ وَالْكِ ت ِ‬ ‫ِ‬ ‫َم ْن آ َم َن بِاللّهِ وَالْ َيوْمِ‬

‫وَال َّن ِبيِّي َن وَآتَ��ى الْ� َم��ا َل عَ ل َى حُ � ِّب��هِ ذَوِ ي الْ ُق ْربَى‬

‫وَالْ َيتَامَى وَالْمَسَ اكِ ي َن وَابْ � َن السَّ بِيلِ وَالسَّ آ ِئلِي َن‬

‫الصالةَ وَآتَى ال َّزكَاةَ وَالْمُوفُو َن‬ ‫َاب َوأَقَا َم َّ‬ ‫وَفِ ي ال ِّرق ِ‬ ‫َالصابِرِ ي َن فِ ��ي الْ َبأْسَ اء‬ ‫ِب َعهْدِ ِه ْم ِإذَا عَ ��اهَ �دُوا ْ و َّ‬

‫ص َدقُوا‬ ‫�ض �رَّاء و َِح�ي� َن الْ� َب �أ ِْس أ ُولَ�ـ� ِئ��كَ ا َّل��ذِ ي� َن َ‬ ‫وال� َّ‬

‫َوأ ُولَـئِكَ ُه ُم الْ ُم َّتقُون} [البقرة‪ ،]177 :‬ويستدل‬

‫م��ن ه��ذه اآلي ��ة‪ ،‬أن الله ج��ل ج�لال��ه‪ ،‬فصل بين‬ ‫اإلنفاق والزكاة‪ ،‬وهذا دليل قاطع على أن الزكاة‪،‬‬

‫ال تغني عن اإلنفاق‪ ،‬وكال منها فريضة تتكامل‬ ‫مع األخ��رى‪ .‬وقد ور َد عن رسول الله [ قوله‪:‬‬

‫َوأَن َفقُوا لَ ُه ْم أَجْ ٌر َكبِير} [الحديد‪.]7 :‬‬ ‫ويستدل من هذه اآلية‪ ،‬أن الله تبارك وتعالى‪،‬‬

‫ربط بين اإليمان واإلنفاق مرتين‪ ،‬كأن ذلك الربط‬

‫إشارة إلى أن اإلنفاق هو بمثابة تعبير عملي عن‬ ‫اإليمان‪.‬‬

‫إن مبدأ االستخالف على المال‪ ،‬الذي أشارت‬

‫«على كل مسلم صدقة‪ ،‬فإن لم يجد فيعمل بيده إليه اآلي��ة الشريفة السابقة‪ ،‬يعني أن يخضع‬ ‫فينفع نفسه ويتصدق‪ ،‬فإن لم يستطع فيُعين ذا المستخلف ألوام ��ر ال�م��ال��ك األص �ل��ي‪ .‬بوصفه‬ ‫الحاجة الملهوف‪ ،‬فإن لم يفعل فيأمر بالخير‪ ،‬وكيال على المال‪ ،‬وهنا ال فرق بين غني وفقير‪،‬‬ ‫فإن لم يفعل فيمسك عن الشر فإن له صدقة» فكالهما مستخلف س��واء ب �س��واء؛ أي أن هذا‬ ‫اإلنفاق في وجوه البر واإلحسان‪ ،‬هو فرض على‬ ‫(رواه البخاري)‪.‬‬ ‫وقد بلغ عدد اآليات القرآنية التي تحض على‬

‫اإلنفاق خمساً وسبعين آي��ة‪ ،‬بينما عدد اآليات‬

‫األغنياء والفقراء كل حسب إمكاناته‪.‬‬

‫وقد قرن الله عز وجل اإليمان بالله واليوم‬

‫التي تحث على الزكاة اثنتان وثالثون آية فقط‪ .‬اآلخر‪ ،‬باإلنفاق في وجوه الخير والبر واإلحسان‪،‬‬ ‫وهناك تسع آيات من مجمع آيات اإلنفاق‪ ،‬ورد وهذا تكريم للمنفقين أيما تكريم‪ ،‬وتشريف ما‬ ‫فيها بصيغة األمر‪ ،‬ومن المؤكد أن أوامر الله عز بعده تشريف‪.‬‬

‫وجل فريضة كالصالة والزكاة‪.‬‬

‫ق��ال تعالى‪َ { :‬و َم� ��اذَا عَ لَيْهِ ْم لَ � ْو آ َم �نُ��وا ْ بِاللّهِ‬

‫اآلخرِ َوأَن َفقُوا ْ مِ مَّا َر َز َق ُه ُم اللّ ُه َوكَا َن اللّ ُه‬ ‫ِ‬ ‫ق��ال تعالى‪{ :‬آمِ �نُ��وا بِاللَّهِ َورَسُ ��و ِل��هِ َوأَنفِ قُوا وَالْ َيوْمِ‬

‫مِ مَّا جَ َعلَكُم مُّسْ تَخْ ل َفِ ي َن فِ يهِ فَالَّذِ ي َن آ َمنُوا مِ ن ُك ْم‬

‫بِهِ م عَ لِيمًا} [النساء‪.]39 :‬‬

‫اجلوبة ‪ -‬خريف ‪1431‬هـ ‪121‬‬


‫وذوي��ه من بعده‪ ،‬وبذلك ينتفع الورثة منها بعد‬ ‫وفاة مورثهم‪ .‬قال تعالى‪{ :‬لِّلرِّجَ الِ نَصيِبٌ مِّمَّ ا‬ ‫تَرَكَ الْوَا ِلدَانِ وَاألَ ْق َربُو َن َولِلنِّسَ اء ن َِصيبٌ مِّمَّ ا تَرَكَ‬

‫الْ�وَا ِل�دَانِ وَاألَ ْق� َربُ��و َن مِ مَّا قَلَّ مِ نْ ُه أَ ْو َكثُ َر ن َِصيبًا‬

‫إن حض الشريعة اإلسالمية على اإلنفاق في‬

‫ُوضا} [النساء‪.]7 :‬‬ ‫َّم ْفر ً‬

‫ويتميز نظام الميراث في اإلسالم‪ ،‬بأنه تفتيت‬

‫وج��وه البر والخير واإلح�س��ان‪ ،‬له دور كبير في ل�ل�ث��روة دون تعضيه (تقسيم ض���ار)‪ ،‬فاألرض‬ ‫إعادة توزيع الدخل والثروة بين أفراد المجتمع الصغيرة المساحة‪ ،‬مثال ال تقسم شطرين‪ ،‬إذا‬ ‫المسلم‪ ،‬وله تداعيات ايجابية جمة على الجسم كان تقسيمها يتنافى مع مردودها االقتصادي‪،‬‬ ‫االقتصادي‪ .‬ولقد أشار القرآن الكريم إلى مفهوم بل يتم االتفاق إما على بيع ال��وارث ألخيه أحد‬

‫التضاعف في األجر الذي يناله المنفقون‪ .‬قال النصفين‪ ،‬أو يتم عقد استثمار مشترك بينهما‪.‬‬ ‫تعالى‪َّ { :‬مثَ ُل الَّذِ ي َن يُنفِ قُو َن أَ ْموَالَ ُه ْم فِ ي سَ بِيلِ‬

‫اللّهِ َك َمثَلِ حَ ب ٍَّة أَن َبتَتْ سَ بْ َع سَ نَا ِب َل فِ ي ُك ِّل سُ نبُل ٍَة ‪ -4‬ال����ت����ح����ري����م ال����ش����رع����ي ل���ل���ظ���واه���ر‬ ‫َاس ٌع االقتصادية والنقدية السلبية‬ ‫ف ِلمَن يَشَ اء وَاللّ ُه و ِ‬ ‫اع ُ‬ ‫ِّمئَ ُة حَ ب ٍَّة وَاللّ ُه ي َُض ِ‬

‫عَ لِيم} [البقرة‪.]261 :‬‬

‫ويمكننا القول‪ ،‬إن بشائر االحتساب التضاعفي‬

‫التعامل بالربا‬

‫هو الفائدة‪ /‬الزيادة التي تضاف على رؤوس‬

‫في األجر‪ ،‬من جراء اإلنفاق‪ ،‬ال يقتصر على الحياة األم��وال ال ُم ْقرَضة‪ ،‬ولقد حرمها الشارع حرمة‬ ‫اآلخرة‪ ،‬فحسب‪ ،‬وإنما يتحقق مردوده االقتصادي قطعية‪ ،‬سواء كانت الفائدة‪ ،‬على القروض بسعر‬ ‫في الحياة الدنيا‪ ،‬إذ أن اإلنفاق يمثل طلباً كلياً مرتفع أو منخفض‪ ،‬أو كانت على قرض استثماري‬ ‫فعاالً‪ ،‬وتحت تأثير آلية المضاعف‪( ،‬تبعاً لقوة أو استهالكي‪ ،‬أو ألجل قصير أو طويل‪ ،‬بدليل‬

‫المضاعف العددية في االقتصاد الوطني)‪ ،‬فإن قوله تعالى‪{:‬يَا أَ ُّيهَا الَّذِ ي َن آ َمنُوا ْ الَ تَ ْأ ُكل ُوا ْ ال ِّربَا‬ ‫َضعَافًا م َ‬ ‫الزيادة األولية المترتبة على اإلنفاق‪ ،‬إنما تعمل أ ْ‬ ‫ُّضاعَ َف ًة وَا َّتقُوا ْ اللّ َه لَ َعلَّ ُك ْم تُ ْفلِحُ ون} [آل‬

‫على رفع مستوى الدخل القومي عدة أضعاف‪.‬‬

‫عمران‪.]130 :‬‬

‫‪ -3‬ال���م���ي���راث ودوره ف���ي إع�����ادة توزيع‬ ‫الدخل والثروة‬ ‫والنماء‪ ،‬فقد ربط الشارع الحكيم بينهما‪ ،‬في‬ ‫وحيث أن الربا والزكاة يحمالن مفهوم الزيادة‬

‫لقد أولى التشريع اإلسالمي لنظام الميراث آي��ة واح ��دة‪ ،‬وحكم على ال�م��ال ال��ذي يزيد عن‬ ‫أهمية ك�ب�ي��رة‪ ،‬بوصفه يمثل وسيلة مهمة من طريق الربا بالهالك‪ ،‬بينما كرّم المال الذي يُزكّى‬

‫وسائل توزيع الثروة‪ .‬وقد شرعه الله عز وجل‪ ،‬بالنماء‪ .‬قال تعالى‪{ :‬يَمْحَ ُق اللّ ُه الْ� ِّربَ��ا َويُ ْربِي‬ ‫َات وَاللّ ُه الَ ي ُِحبُّ كُلَّ َكف ٍَّار أَثِيم} سورة‬ ‫الص َدق ِ‬ ‫َّ‬ ‫ل�ي�ك��ون ح��اف��زاً ل�ل�م��ورث بالسعي وال� ��دأب على‬

‫العمل‪ ،‬حيث ت��ؤول ثمار عمله وك��ده إل��ى أوالده البقرة‪ ،‬اآلية (‪..)276‬‬ ‫‪ 122‬اجلوبة ‪ -‬خريف ‪1431‬هـ‬


‫م����������������ال واق��������ت��������ص��������اد‬

‫ويجدر التنويه إلى أن قليل الربا في الحرمة‬

‫مثل كثيره‪ ،‬وال صحة لما يدعيه االقتصاديون‬ ‫العلمانيون من أبناء األمة اإلسالمية بأن الفائدة‬ ‫القليلة ليست ربا‪.‬‬

‫ولم يحرم الشارع التعامل الربوي‪ ،‬إال ويسر‬

‫أساليب استثمارية مشروعة وبدائل حالالً طيباً‪،‬‬ ‫أعز شأناً‪ ،‬وأكرم تعامالً‪ ،‬وأب ُّر مغنماً‪ .‬وتهدف‬

‫أساليب االستثمار في صيغها اإلسالمية‪ ،‬إلى‬

‫تنشيط المال‪ ،‬واستمرار نمائه‪ ،‬من خالل توزيع‬ ‫األرب��اح بين العمل ورأس المال معاً‪ ،‬شريطة‬

‫أن تبرأ من الربا واالستغالل واالحتكار‪ ،‬وذلك‬ ‫إرساء لقواعد العدالة االجتماعية‪ .‬وأهم هذه‬

‫يفضي إلى تخفيض مستوى النشاط االقتصادي‪،‬‬

‫ال �ص �ي��غ‪ :‬ال �م �ش��ارك��ة‪ ،‬ال �م �ض��ارب��ة‪ ،‬المزارعة‪ ،‬وتترتب عليه آثار انكماشية قد تؤول إلى ركود‬

‫المساقاة‪ ،‬اإلج ��ارة المنتهية بالتمليك‪ ،‬عقود اقتصادي‪.‬‬ ‫االستصناع‪.‬‬ ‫ولهذا ح �رّم اإلس�لام ظاهرة االكتناز وتوعد‬ ‫إن هناك وسائل ضمنية آلية تحقق عدالة‬ ‫ال��ذي��ن ي�ك�ن��زون أم��وال �ه��م‪ ،‬ب��ال �ع��ذاب األل �ي��م يوم‬ ‫التوزيع للدخل والثروة في النظام اإلسالمي‪ ،‬وإن‬ ‫هناك أيضاً وسائل تخضع لقرار أهل الشورى‪ ،‬القيامة‪ .‬قال تعالى‪{ :‬وَا َّل��ذِ ي� َن يَ ْك ِنزُو َن الذَّ هَ بَ‬ ‫وكلها في مجموعها تحقق عدالة التوزيع للدخل وَالْفِ َّض َة َوالَ يُنفِ قُونَهَا فِ ي سَ بِيلِ اللّهِ َفبَشِّ ْرهُم‬ ‫والثروة‪ ،‬ولفوائد عناصر اإلنتاج للمجتمع ككل‪.‬‬ ‫َاب أَلِيم * يَ� ْو َم يُحْ مَى عَ لَيْهَا فِ ي نَ��ارِ جَ َه َّن َم‬ ‫ِب َعذ ٍ‬

‫اكتناز األموال‬

‫َفتُ ْكوَى ِبهَا ِجبَا ُه ُه ْم وَجُ نوبُ ُه ْم وَظُ هُو ُر ُه ْم هَ ـذَا مَا‬

‫ي�ع�ن��ي االك �ت �ن��از‪ ،‬ح�ب��س ال �م��ال ع��ن التداول َكنَ ْزتُ ْم ألَنف ُِس ُك ْم َفذُوقُوا ْ مَا كُنتُ ْم تَ ْك ِنزُون} سورة‬ ‫وت �ج �م �ي��ده‪ ،‬م��ا يعطله ع��ن وظ�ي�ف�ت��ه األساسية‬ ‫التوبة‪ ،‬اآلية (‪.)35-34‬‬ ‫ف��ي دخ��ول��ه دورة اإلن��ت��اج‪ ،‬وه��و ب��ذل��ك يختلف‬

‫عن االدخ��ار‪ ،‬ف��إذا كان االدخ��ار يمثل ما يفيض‬

‫وفي الشرع اإلسالمي‪ ،‬كل مال ال تؤدى زكاته‬

‫ع��ن ال��دخ��ل بعد تلبية الحاجات االستهالكية‪ ،‬فهو كنز‪ ،‬قال عليه الصالة والسالم‪« :‬كل مال وإن‬ ‫ويتحول إلى إنفاق استثماري‪ ..‬فإن االكتناز هو‬ ‫كان تحت سبع أرضين تؤدى زكاته فليس بكنز‪،‬‬ ‫ال في القنوات‬ ‫بمثابة مدخرات ال تجد لها سبي ً‬ ‫االستثمارية‪ ،‬ول��ذل��ك ف��إن االك�ت�ن��از يقف عقبة وكل ما ال تؤدى زكاته وإن كان ظاهراً فهو كنز»‬

‫في وجه التنمية االقتصادية واالجتماعية‪ ،‬ألنه (رواه الطبراني)‪.‬‬

‫اجلوبة ‪ -‬خريف ‪1431‬هـ ‪123‬‬


‫الوزير املرافق‬

‫املؤلف ‪ :‬معالي الدكتور غازي بن عبدالرحمن القصيبي‬ ‫الناشر ‪ :‬املؤسسة العربية للدراسات والنشر بيروت – عمان‬ ‫السنة ‪2010 :‬م – ‪1431‬هـ‬ ‫قبيل رحيله رحمه الله‪ ،‬صدر حديثًا عن المؤسسة تأخذ الوزير من دوامة العمل الروتيني اليومي‪ .‬أبرز هذه‬ ‫العربية للدراسات والنشر كتاب جديد للدكتور الروائي المهام مرافقة الملك وولي العهد‪ ،‬في الزيارات الرسمية‪،‬‬ ‫الشاعر الوزير غازي القصيبي بعنوان «الوزير المرافق»‪ .‬ومرافقة رؤساء الدول الذين يزورون المملكة والمساهمة‬ ‫«الوزير المرافق» كتاب للشاعر والروائي السعودي في المؤتمرات المختلفة»‪.‬‬ ‫غازي عبدالرحمن القصيبي‪ ،‬صدر حديثاً عن المؤسسة‬ ‫وخالل عملي في وزارة الصناعة والكهرباء والصحة‪،‬‬ ‫العربية للدراسات والنشر (بيروت ‪ -‬عمّان) ويض ّم نصوصاً كلفت بعدد كبير من هذه المهام‪ .‬وفي هـذا الكتاب فصول‬ ‫ومقاالت كان كتبها القصيبي في ظروف مختلفة‪.‬‬ ‫تحمل انطباعاتي الشخصية عن عدد من رؤساء الدول‬

‫ي�ق��ول ال��دك�ت��ور القصيبي رح�م��ه ال�ل��ه‪ :‬م��ا ك��ان لهذا‬ ‫الكتاب أن يكتب لوال الملوك الكبار جاللة الملك خالد‬ ‫ابن عبدالعزيز‪ ،‬رحمه الله‪ ،‬وخادم الحرمين الـشـريـفـين‬ ‫الملك فهد بن عبدالـعزيز‪ ،‬رحمه الله‪ ،‬وخادم الحرمين‬ ‫الـشـريـفين ال�م�ل��ك ع�ب��دال�ل��ه ب��ن ع�ب��دال�ع��زي��ز أم� � َّد الله‬ ‫في عمره ‪ -‬ولهم جميعاً في قلبي من الحب والتقديم‬ ‫واالمتنان ما ال يعرفه إال الله عز وجل‪.‬‬ ‫أرج��و أن أك��ون ص��ادق �اً إذا قلت مستشهداً باآلية‬ ‫الكريمة عما كتبته هنا «وما شهدنا إال بما علمنا وما كنا‬ ‫للغيب حافظين»‪.‬‬ ‫ويضيف في مقدمته للكتاب‪« :‬قلت في كتابي السابق‬ ‫«حياة في اإلدارة»‪« :‬كانت هناك‪ ،‬بين الحين والحين‪ ،‬مهام‬ ‫‪ 124‬اجلوبة ‪ -‬خريف ‪1431‬هـ‬

‫والحكومات أتيح لي أن أشاهدهم عن كثب‪ ،‬من خالل‬ ‫مرافقتي الملك أو ولي العهد في زيارة لبالدهـم أو مـن‬ ‫خـالل زيـاراتـهـم هـم الـى الـمـمـلـكـة‪ .‬وقد حرصت على أن‬ ‫تبقى االنطباعات كما دونتها أول مرة‪ ،‬منذ سنين طويلة‪،‬‬ ‫من دون أن أحاول تصحيح أو تعديل ما كتبته في ضوء‬ ‫التطورات الالحقة‪.‬‬ ‫ومن عناوين الكتاب‪ :‬البيت األبيض‪ ...‬بين سيدين‪ ،‬مع‬ ‫سيدة الهند الحديدية‪ ،‬مع المجاهد األكبر‪ ،‬مع المستشار‬ ‫«اللسان»! مع المستشار الذي «جاء من األرياف»‪ ،‬مع األخ‬ ‫العقيد‪ ...‬في الحافلة‪ ،‬على مائدة الملكة‪ ...‬أخيراً! بين‬ ‫المهندس والنحلة! مع قاهر االمبراطورية البريطانية‪،‬‬ ‫فاس‪ ...‬بين قمّتين‪.‬‬


‫ق�������������������������������������������������������������راءات‬

‫دموع فراشة‬

‫> أحمد الدمناتي*‬

‫املؤلف ‪ :‬حميد ركاطة‬ ‫الناشر ‪ :‬دار التنوخي للطباعة والنشر والتوزيع‪ ،‬املغرب‪ ،‬الطبعة األولى‬ ‫السنة ‪2010 :‬م‬ ‫صدر للناقد والقاص المغربي حميد ركاطة مجموعته القصصية القصيرة جدا البكر‬ ‫تحت عنوان جميل ودال «دموع فراشة»‪ ،‬في حلة زاهية‪ .‬المجموعة من القطع المتوسط‪.‬‬ ‫وتلم بين دفتيها زبدة ما كتبه حميد ركاطة من قصص قصيرة جدا تضاف إلى مدونة‬ ‫القصة المغربية‪.‬‬ ‫بصم القاص عبدالله المتقي على غالف المجموعة بالكلمة التالية‪:‬‬

‫المــاء والفـراشة‬ ‫فالفراشة ألوانها جذابة وفاتنة‪ ،‬لذا استحوذت على مساحات واسعة من اإلبداع‪،‬‬ ‫والمعتقدات الدينية‪ ،‬ولعب األطفال‪ .‬وأكثر أنواع الفراشات تعيش في األماكن المطيرة‪،‬‬ ‫كما يعيش بعضها في قمم الجبال‪ ،‬وبعضها يسابق المسافات الطويلة لقضاء الشتاء في‬ ‫المناطق الدافئة‪ ،‬وقليل منها يعيش في الصحاري المشمسة والجافة‪ ..‬كذلك قصص‬ ‫المبدع والناقد حميد ركاطة‪ ،‬فراشات مائية بألوان زاهية وبأنماط خيالية مدهشة‪،‬‬ ‫فاتنة بجمال لغتها الرقيقة‪ ،‬تعيش في أنحاء التيمات واألشكال‪ ،‬وقريبا من ماء الكتابة‪:‬‬ ‫مطر‪ ،‬جرح‪ ،‬دموع‪ ،‬نزيف‪ ،‬لعاب‪ ،‬ندف الثلج‪ ،‬وحبر القصة القصيرة جدا‪..‬‬ ‫حفنات حميد ركاطة بيضات صغيرة جدا‪ ،‬فحاول فقسها‪ ،‬وسيخرج لك منها العجب‬ ‫العجاب‪.‬‬

‫* ‬

‫كاتب وناقد من المغرب‪.‬‬

‫اجلوبة ‪ -‬خريف ‪1431‬هـ ‪125‬‬


‫شاهد عيان على ذلك الزمان‬ ‫‪1948- 1946‬م شهادة حول‬ ‫ضياع فلسطني‬

‫املؤلف ‪ :‬اللواء ركن م ‪ /‬معاشي ذوقان العطية‬ ‫الناشر ‪ :‬مطابع احلميضي ‪ -‬الرياض‬ ‫السنة ‪1431 – 2010 :‬هـ‬ ‫صدر في الرياض كتاب جديد بعنوان «شاهد عيان على ذلك الزمان ‪1948- 1946‬م»‬ ‫للواء معاشي ذوقان العطية أحد ضباط الجيش العربي سابقا‪ ،‬حيث يغطي فيه العطية‬ ‫فترة تعايش معها المؤلف ضابطا بين طوائف الشعب الفلسطيني الكريم‪ ،‬من غزة‬ ‫إلى يافا ونابلس وصفد والناصرة مرورا بالقدس الشريف ومشاركته في معركتها عام‬ ‫‪1948‬م‪ ،‬ولهذا يعد هذا الكتاب شاهداً على حال فلسطين وأوضاعها في تلك الفترة‬ ‫(‪1948-1946‬م)‪.‬‬ ‫ويؤكد المؤلف أنه بعد ستين عاماً من هزيمة العرب في ‪1948‬م‪ ،‬فإن العرب لم‬ ‫يبصروا حتى اآلن أسباب تلك الهزيمة المرة التي قادت الى ماقادت إليه من هزائم أكبر‪،‬‬ ‫مشيراً إلى أن العرب لم يتعلموا من أخطائهم السياسية والعسكرية مع العدو‪ ،‬متهما‬ ‫االنقالبات العسكرية بجر الويالت على األمة العربية‪.‬‬ ‫ويشير إلى أن العرب لم يفيدوا أيضا من دروس نجاحات العدو في معاركه العسكرية‬ ‫وتحركاته السياسية‪ ،‬مفندا عددا من األراء التي أخذها الناس دون التحقق من صدقيتها‪،‬‬ ‫مشيرا إلى أنه قرر بعد أن زاره أحد المؤرخين الشباب عام ‪2006‬م كتابة شهادته حول‬ ‫تلك الفترة التي عايشها‪ ،‬موضحاً أنه أحس أن من واجبه الكتابة لألجيال القادمة عن‬ ‫الظروف السائدة في فلسطين والوطن العربي بصدق‪ ،‬ودون خوف على شكل روائي‪،‬‬ ‫‪ 126‬اجلوبة ‪ -‬خريف ‪1431‬هـ‬


‫ق�������������������������������������������������������������راءات‬

‫السائل والمجيب هو المؤلف نفسه‪ ،‬على ضوء‬ ‫أيام عاشها بين أهل فلسطين‪.‬‬ ‫ويجيب ال�ك�ت��اب على ع��دد م��ن األس�ئ�ل��ة في‬ ‫(‪ )342‬صفحة من القطع المتوسط جاء فيها‪:‬‬ ‫ •من الذي أعطى وعد بلفور؟‬ ‫ •من الذي كان يحكم فلسطين؟‬ ‫ •من الذي فرض على بريطانيا االنسحاب‬ ‫من فلسطين؟‬ ‫ •من الذي سلح اليهود؟‬ ‫ •كم كانت قوة اليهود في ذلك الزمان؟‬ ‫ •ما يملك العرب من قوة؟‬ ‫ •لماذا أعلن األردن الحرب على ألمانيا؟‬ ‫ •بأي سالح حاربت الجيوش العربية؟‬ ‫ •من الذين رفضوا التقسيم؟‬ ‫ •م��ن ال��ذي��ن ط��ال�ب��وا ب��ال�ح��رب ع�ل��ى غير‬ ‫بصيرة؟‬ ‫ •من أين أتت فكرة جيش اإلنقاذ؟‬ ‫ •ماذا فعل جيش االنقاذ؟‬ ‫ •ماهي قدرات العرب جميعا؟‬ ‫ك�م��ا ي �ق��دم ال �ك �ت��اب وص �ف��ا محمال بالحزن‬ ‫واألسى والدموع لسقوط المدن الفلسطينية في‬ ‫أيدي اليهود وحجم المؤامرة الكبرى التي تعرض‬ ‫لها أهل فلسطين من القوى الكبرى‪.‬‬ ‫اللواء العطية من مواليد مدينة سكاكا بمنطقة‬ ‫الجوف شمال المملكة العربية السعودية على‬ ‫الحدود األردنية عام ‪1350‬هـ ‪ 1920 -‬م‪ ،‬وهو لواء‬ ‫ركن متقاعد حاصل على درجة الماجستير في‬

‫العلوم العسكرية‪ ..‬وأحد أبرز الكتاب والمؤلفين‬ ‫ف��ي المنطقة‪ ،‬أل��ف ع���دداً م��ن ال�ك�ت��ب تناولت‬ ‫التراث الشعبي والتاريخي في منطقة الجوف‪،‬‬ ‫إضافة إلى كتب أخرى في الشأن العربي العام‪.‬‬ ‫من مؤلفاته أوراق جوفية‪ ،‬عصاميون‪ ،‬حدائق‬ ‫الجوف‪ ،‬الغزو األمريكي للوطن العربي‪ ،‬خطوات‬ ‫على الطريق‪..‬‬ ‫ي�ع��د م��ن ج�ي��ل المخضرمين ال��ذي��ن عاشوا‬ ‫تجارب إنسانية وعملية عديدة‪ ،‬فقد هاجر مع‬ ‫ال�ع��دي��د م��ن ش�ب��اب ال�ج��وف للعمل ف��ي الجيش‬ ‫العربي األردني‪ .‬شارك في حرب فلسطين ضد‬ ‫العصابات الصهيونية‪ ،‬وعمل مندوبا لألردن في‬ ‫عدد من ال��دول‪ ،‬ثم عاد إلى المملكة وعمل في‬ ‫الحرس الوطني ليصل فيه إلى رتبة لواء‪.‬‬ ‫يزدان مكتبه بلوحات تراثية لمنطقة الجوف‪..‬‬ ‫تتوسطها خ��ارط��ة لفلسطين بمدنها وقراها‪،‬‬ ‫سهولها وج�ب��ال�ه��ا‪ ..‬رب�م��ا يعيش معها ذكريات‬ ‫األرب�ع�ي�ن�ي��ات م��ن ال �ق��رن ال�ع�ش��ري��ن حينما كان‬ ‫متواجدا فيها‪..‬‬

‫اجلوبة ‪ -‬خريف ‪1431‬هـ ‪127‬‬


‫هدير الشعر‬

‫املؤلف ‪ :‬صابر احلباشة‬ ‫الناشر ‪ :‬النادي األدبي في اجلوف‬ ‫السنة ‪1431 :‬هـ‪2010/‬م‬ ‫صدر للناقد والباحث التونسي صابر الحباشة كتاب جديد عن النادي األدبي بالجوف‪،‬‬ ‫ضمن سلسلة إصداراته األدبية والثقافية‪ ،‬موسوما بــ»هدير الشعر»‪.‬‬ ‫أصدر النادي هذا الكتاب إيمانا منه بما يقدمه من إضافة إلى المشهد الثقافي‬ ‫والنقدي‪ ..‬لتمكين القراء من االط�لاع على إمكانات غزيرة في تأويل النص الشعري‬ ‫العربيّ الحديث‪ ،‬حيث يقدم المؤلف مشاريع نقد الشعر الحديث التي يرى أنها بحاجة‬ ‫إلى مزيد من الدعم‪ ،‬في ظ ّل ارتكاسات في ال��ذوق‪ ،‬وخفوت في القرائح‪ ،‬وجراحات‬ ‫في الواقع‪ ،‬يستعرضها صابر الحباشة في أبواب الكتاب الثالثة والعشرين‪ :‬الشعر بين‬ ‫وتناص األساليب‪ ،‬الشعر النثري والبالغة‪،‬‬ ‫ّ‬ ‫تراص التراكيب‬ ‫ّ‬ ‫الصنعة وحالوة الحديث‪،‬‬ ‫الشعر بين اإلقناع واإلبداع‪ ،‬بنوّة الشّ عر ونبوءة الشّ اعر‪ ،‬تحاليل قبّانيّة‪ ،‬صراع التشابيه‬ ‫نصا وإنشائية الرثاء‪،‬‬ ‫في شعر محمود درويش‪ ،‬القصيدة تمنحك حق التأويل‪ ،‬االستشهاد ًّ‬ ‫من إشكاليات نقد الشعر في العمدة البن رشيق‪ ،‬تجليات القول الشعري‪ ،‬مراسم االحتفال‬ ‫الشعري‪ ،‬الشعر بين الصياغة والصباغة‪ ،‬الشعر الحديث بين الواقعيّة والصوفيّة‪ ،‬حدوس‬ ‫القراءة وآليات اإلبداع‪ ،‬مستويات االنزياح في «هذا حفيف سرك البنّيّ » لهشام المحمّدي‪،‬‬ ‫التماس‪ ،‬شعرية الموت عند كوكتو‪ ،‬تعالق النصوص في «آخر‬ ‫ّ‬ ‫«وصية» أوالد أحـمد‪ :‬شعرية‬ ‫الهالليين»‪ ،‬شعرية البدائية أو في أسرار السذاجة الشعرية‪ :‬قراءة في نص «أغنية لباب‬ ‫توما» لمحمد الماغوط‪ ،‬نظام التخييل في شعر أحمد العجمي‪ ،‬أيقونية اللغة الشعرية‪:‬‬ ‫قراءة في كتاب الشين لعلي الشرقاوي‪ ،‬شعرية التضاد في مجموعة»أسقط منك واقفة»‬ ‫لفاطمة محسن‪.‬‬ ‫‪ 128‬اجلوبة ‪ -‬خريف ‪1431‬هـ‬


Turn static files into dynamic content formats.

Create a flipbook
Issuu converts static files into: digital portfolios, online yearbooks, online catalogs, digital photo albums and more. Sign up and create your flipbook.