إهداء ِ اً إل�ى َّ المالكتي�ن ذائق� َة ش�كل ومضمونً�ا، الش�بيهتين ِ ِ الرواي� َة قب�ل نش�رها، الرفيع�ة، اللتي�ن قرأت�ا ِّ الس�خرية ّ ّ
وعملت بنصائحهما :مهيبة أكربا ،وديدو جحا . ُ
إيمان بقاعي
حقوق الطبع والن�شر والت�صرف بهذا الكتاب حمفوظة للم�ؤلفة طبعة �أوىل 2017 ISBN: 978-9953-518-57-2 TEL: 00961 79 119718
Email: emanbikai60@hotmail.com Designed by: Gharid Geha
()1 ِ الرائع ا َّلذي يقدمه ابن ُِك يمكنك يا أ ّمي أن ترفضي الَ العرض َّ ٍ بقية ٍ لعيش ِ ِ هانئة... حياة ظريف
ٍ ِ بسرعة ببضعة سني َن جمل َته هذه تجاوز العشري َن قال ظريف ا َّلذي َ ِ كالعادةِ ، ِ ومن ِ ستزع ُج أ َّمه ،وهو طب ًعا لم ُي ِر ْد دون أن يفك َِّر إن كا َنت جدا... إزعاجها ،ألنه كان -كما جدا ًّ جدا ًّ يعتقد -يد ِّل ُلها ًّ ُ َ ورغم َّ المتسرع َة وكلماتِ ِه ا َّلتي تعرف طبيع َة ابنِها أن أ َّم ظريف كا َنت ُ ِّ َ
تفكير ُه ،فقد غض َب ْت عندما سم َع ْت جمل َة“ :بق َّية حياة تسبق غال ًبا ما ُ َ ِ ٍ بغضب: قميصه قائل ًة َت بق َّب ِة هانئة”؛ لذا سار َع ْت إليه وأمسك ْ ِ أتجاوز الخمسي َن... عجوز؟ تذكَّر أنني لم ماذا تعني؟ هل تعني أ َّننيٌ ِ ِ ِ ِِ ِ الش ِ الكرو َّي ِة َّ كل، انحنى ظريف بقامته ال َّطويلة إلى ُأ ِّمه البنّ َّية ال َّلونَ ، هامسا في أذنِها: ً بأحد َ عش َر عا ًما... إالَ
َ تلبسها عاد ًة عندما وضحك وهو يناو ُلها ُس َتر َتها َّ الزرقا َء الوحيد َة ا َّلتي ُ ٍ ِ تفعلَ - البيت -وق َّلما ُ بسرعة: وقال بعد أن ق َّب َل جبينَها تخرج من ُ
5
ِ َ األجمل واألذكى ،وها أعتبرك األ َّم أوه يا ُأ ّمي! أنت تعرفين أ َّنني ُِ األكثر شبا ًبا... الصفتين صف َة أ َّن ِك األ ُّم أزيد على أنذا اليو َم ُ هاتين ِّ ُ
الصف َة األخير َة، ابتسمت أ ُّم ظريف ابتسام ًة واسع ًة وهي تسمع ِّ ُ َ تثبت البنِها أنها مازا َلت شا َّب ًة بالفعل ،حتى إ َّنها- وتسار َع ْت خطوا ُتها كي َ ِ ِ غمرة فرحتِها بال َّل ِ الجديد -نس َيت أن تسأ َله إلى أين وجه ُتهما. قب في ِ لتصعد ثم يغل ُقه العتيقة “(دالل) باب س َّيارتِ ِه َ َ يفتح لها َ وأردف وهو ُ ِ الجهة المقابِلة: ويسرع إلى ُ
أن إحدى زميالتي المع ِّل ِ تصوري َّمات سأ َل ْتني بعد أن رأ ْتنا وق :ما اسم ُأختِ َك الص ِ ِ وأنت يعني ،في الس ِ غيرة ا َّلتي كا َن ْت م ًعا ،أنا َّ ُ ُّ ِ باألمس معك يا ظريف؟
ِ خصالت ِ الكثيف البني ب َ ضحك ْ َت ُأ ُّم ظريف قائل ًة وهي تر ِّت ُ شعرها َّ ِ ِ ِ حفيد ِة عرس لحضور عند الحلاَّ ِق القصير ا َّلذي ص َّف َف ْته قبل َ يومين َ َ جارتِها ُأ ّم سليم: ال ُت ْبالغ يا حبيبي! ِ وشهق: مفتاح س ّيارتِ ِه العتيق َة (دالل) وأدار المقود صعد ورا َء َ َ َ َ ُأ ُأبدا... بالغ؟ ً
6
ٍ ِ عابئة بضحكتِه. غير ثم انفجر ضاحكًاَّ ، فهزت كت َف ْيها َ َ
()2 ٍ بسرعة ،لئلاَّ يخال َفه بيروت ،ال يقو ُد ظريف عاد ًة سيار َت ُه (دالل) في َ تنهال على ِ َ الس ِير ثان ًيا ،ولئلاَّ ُّ رأس ِه رطي أولاً ،ولئلاَّ تفو َت ُه ُ إشارات َّ الش ُّ ِ العالية الن ِ ِ ِ َّبرة بالن ِ والعودة ّـزول من (دالل) تهديدات أ ِّمه مجموع ٌة من ِ ِ الساحل ّي ِة التي سيرا على األقدا ِم .ولكن..في هذه القرية ّ إلى البيت ً ِ ٍ إشارات ٍ سير ،وال شرطة ،كما بيروت :ال ساعة جنو ًبا عن ربع ُ َ تبعد َ قابلة لل َّت ِ ات غير ٍ بالذ ِ ِ ِ تهديدات الن ِ البيت ّ ّزول ّ َّ نفيذ؛ هاب إلى أن والذ َ ُ والد ِ ِ كثير من الس ِ كثير ٍ بكثير ٍ ٍ ُ كانة احة أبعد البيت قد والبيوت ّ يكون َ ألَ َّن َ ّ ِ ِ ِ ِ الز ِ ِ والجبنة والكشك عتر وفرن الوحيدة المناقيش ا ّلذي تنادي رائح ُة َّ منقوشة ،وقد ناد ِ ٍ ِ والقاورما َّ ت األُ َّم وابنَها فتو ّقفا الختيار المار ِة كل َ َّ وأكال واستم َتعا قبل ْ أن...
7
()3 ِ ِ كان ُ سلك ظريف طري ًقا ض ّيق ًة َ َ يسمونها: أهل القرية من زمان ُّ ِ َ أقدامهم َ تتحول إلى قبل أن َّاس على “قادوم ّية” ،يمشي عليها الن ُ المخاطر التي تحتاج سائ ًقا إما ِ طريق سي ٍ ِ مغام ًرا أو ارات ال تخلو ِم َن ُ ِ ّ ّ غبيا ليسلكَها ،خاص ًة إذا الت َقت سي ِ ارتان صعو ًدا ونزولاً . َّ ًّ
ريق متجه ًة نحو األعلى فاألعلى فاألعلى ،حتى ظن َّْت وكا َنت ال َّط ُ ٍ ِ ِ ِ أ ُّم ظريف َّ صورة اللتقاط الجبل ربما قم ِة أن ابنَها صاع ٌد ال محال َة إلى َّ ٍ رائعة م َعها وخلفهما سما ٌء زرقا ُء وغيم ٌة كبير ٌة ،فكانت -بين تذكار َّي ٍة قمة ِ أسفل الوادي ،فتسري من ِ ِ ِ َ رأسها إلى تنظر إلى الحين واآلخرُ - مثل ٍ ٍ ِ ستتدحرج َ لتستقر كرة تخبرها أنها ُ َّ أخمص قد َميها موج ُة خوف ُ ٍ ذئب أو ٍ ِ ِ ثعلب أو ح َّي ٍة أو ٍ ٍ لبؤة ُ صيد لزوجها عن تفتش حضن في ِ انتهاء هذه الر ِ الغامض ِة حلة وتنتظر لحظ َة فتغمض عين ْيها “سمين”، َ ُ ِّ ُ ِ انحدر ْت في السيار َة (دالل) ما لب َث ْت أن أحر من َ الجمر .لك َّن َّ على ِّ طريق م ٍ أيضا يظ ُّن الن ُ َ ف في َّازل فيه أن المكان قد ُخ ِس َ واجه ض ِّي ٍق ً ٍ ُ
ٍ جيولوجي قدي ٍم قدي ٍم. عصر ٍّ
8
المرأة لو لم ِ ِ ليزول من ِ َ وما َ تقف الس َّيار ُة (دالل) قلب الخوف كان ُ والش ِ ِ األبواب َّ بابيك، وص َد كبيرا َم بعد أن فجأ ًةَ ، َ هجورا ُم َ ً اجتاز ْت بي ًتا ً َّباتات المهم ِ كابي الن ِ ٍ لة ا َّلتي تم ُ بستان مترامي األقرب إلى أل حديق َته َ ُ َ َ ِ ِ ٍ صوت وترافق منزل. حديقة هر أصحا َب ُه منها إلى َ األطراف ابت َل َع َّ ُ الد ُ ِ ِ ِ ِ ترافق بصوت ظريف العالي ا َّلذي فاجئ الم َ السيارة (دالل) ُ وقوف َّ ِ ِ بصوت ز ُّم ٍ ِ ٍ األشجار: بمرح ،فتر َّد َد صدا ُه بي َن ور أطل َق ُه عال ًيا بدور ِه الجديد! هذا هو بي ُتناُ
ِ صغير على ب ِ ٍ ٍ ٍ َ البيت أمتار من عد منـزل وأشار إلى قال ظريف هذا ُ َ ُ ِ ِ ِ الخارج مطلي من مترا مر َّب ًعا، المهجور ،ال تتجاوز م َ ٍّ ساح ُت ُه خمسي َن ً ٍ ٍ أبيض ،وم ٍ بحديقة مساح ُتها حوالي مئة ٍ ٍ متر مر َّب ٍع حاط بطالء رخيص َ ُ
ِ أحمر ٌ ُ سور ٌة خشبي باب البيت باب هزيل ،وهي ُم َّ الداخلي فيها ٌ يقابل َ ُ ٌّ ِّ ِ ٍ بجدار إِ نصف ٍ ألي َ يقفز أيضا ارتفا ُعه كان أن َ أبيض ً سمنتي َ يتيح ٍّ مترُ ، ٍّ داخل البي ِ ِ ت. داخلها ،ور َّبما إلى إلى ِ ْ تنـزل من السي ِ فكر ْت به ُأ ُّم ظريف ،وغض َبت قائل ًة وهي ُ ارة َّ َّ هذا ما َ (دالل):
هذا؟ ُهنا؟ في ِكعب الوادي؟ ِ ويشدها نحوه: خلف كتفيها يضع ذرا َع ُه َ ُّ صح َح معلوماتها وهو ُ َّ
9
ِ ِ المسافات َع ْم ًدا ،فهناك تزوري َن -ال يا ُأمي ...اسمحي لي ..إنك ِّ
مترا انزال ًقا لبلو ِغ ِ كعب الوادي... أكثر من عشري َن ً ُ قا َلت ِ بنفاذ ٍ تبعد ذرا َع ُه: صبر وهي ُ يخ َ َ َ َ أربعون ،بِ ِّط ُ ون.... ثالثون، عشرون، -
وأحنى رأسه إلى ِ ضرب يريد أن يتود َد إليها، رأسها ،وكعا َدتِه حين ُ َ َ ُ ٍ بعنف: أبعد ْت ُه عنها جبينَ ُه بجبينها ،لكنَّها -على غير عادتِهاَ - كل ما أراه أننا سنسكن مع ِوز َم ِر ِّ الذئاب. بنات آوى ُ ُ ُ ٍ بسرعة محاولاً َ تخفيف غضبِها: قال َ وربما مع قطي ِع ظِ ِقلت ِ ..ألف ٍ ِ لك إِ َّن متفائل ًة باء...كوني ُ مرة ُ
ال َّتشاؤ َم....
ٍ تجده: رأسها باحث ًة عن شيء لم ْ أدار ْت َ لكنَّها قاط َع ْته بعد أن َ ِ فترض أنها ساحل َّي ٌة؟ البحر في هذه والبحر؟ أين القرية ا َّلتي ُي ُ ُ ُ
هه؟
َّ رأسه: حك ابنُها َ
ِ ِ امتحانات ال َّثانوية. أسئلة أصعب من والله يا أ ِّمي أسئل ُت ِكُ
قا َلت بحز ٍم: 10
أجب! ْ -
وأجاب: َ
َ نهر ...تعا َلي! مؤ َّق ًتا،هناك ٌ ِ ِ وأخذ ِ ِ ِ ِ َ أسفل أسفل أسفل البيت وأشار بس ّبابتِ ِه إلى خلف بيدها إلى ٍ الواديُ ، أشجار ،وقال: ترابي بي َن ص َّفي حيث ثمة مجرى ٌّ نهر “أبو دمعة”! -هذا ُ
-أين؟
تحت! هذاْ ... -ال أرى ما ًء!
ِ يا ُأمي يا ُأمي ...اربطي األمور ِببعضها من ِ أعطيك فضل ِك ..هل َ ِّ ِّ
ح ْبلاً ؟
ِ ولحق بها ِ شار ًحا: األول، هر َبت من “غالظتِه” إلى مكانِها َ
شتوي ،تقري ًباُ ... أقول تقري ًبا حتى ال تض ّيعي وق َت ِك في نهر ٌّ هذا ٌأول ِّ ِ مراقبتِ ِه من ِ يعتمد -حتى شتا ًء -على كم َّي ِة فأمر جريانِ ِه ُ الشتاءُ ، ِ ِ َ الدمع َة، يجب أن الهاطلة ،إذ األمطار تكون ِمدرار ًة لتري ما ًء يشب ُه َّ ُ سموه “أبو دمعة”؟ وإال لماذا َأ ّ ِ قر َف ْت من َّ الش ِ رح ،وقا َلت: ٍ بشروط... نهر -يا سالم! ٌ
11
ٍ ٍ اسم ،مث ُله مثل ِ نهر الن ِ ِّيل نهر وله ٌ -بشروط أو بال شروط ،هو ٌ
ُّ يعترف به حتى عمو غوغل شخص ًّيا! والكل بالضبط، ُ َّ ِ َ اإلجابة... يعفيك من هذا الِ سؤال؟ -عن
ِ البحر؟ قص ُة البحر ...ما َّ ُ ٍ قال ِ َ وبثقة: مبتس ًما
فوق هذا ِ ِ موعد مع ِ البحر عندما نبني بي ًتا َ ُ البيت... منظر سيكون لنا ٌ
وعال صو ُتها هازئ ًة:
ٍ سحاب... تقصد عندما نبني ناطح َة ُ الض ِ َ تشعر أنها حك ،لكنها استغر َقت في الكآ َب ِة وهي واستغرق في َّ ُ
َ يكون بئرا ال بي ًتا؛ لذا التف َت ْت إليه تسأ ُل ُه وقل ُبها يرجو أن ال ستسك ُن ً
ٍ مشوار وينتهي: كال ُم ُه إال مجر َد تمزح بال َّت ِأكيد؟ ُ
ِ كالعادة -تع ِّب ُر عن ِّ َ كل اعتراضاتِها: يجيب ،تركَها- وقبل أن َ
ْقل لي إ َّنك تمزح...
ظهر ُه إلى سيارتِ ِه ومطأط ًئا يمزح ،بل َ وقف ُم ً ولما لم ي ُق ْل لها إنه ُ سندا َ ٍ بصمت ،انها َل ْت عليه باألسئلة: رأس ُه َ
12
ُ ثم ماذا؟ ْافترضنا َج َدلاً َ سيكون هذا منـز ُلنا أم تمزح، أنك ال إن ْ ُ
ِ ُ لص ،مهما َ يتسلق عجوزا ،أن كان صوص؟ أال منـزل ال ُّل َ ً أي ٍّ يستطيع ُّ ُ يتزحلق ثمانين من ِ ِ ِ الجبل قمة كعب الوادي ،أو مترا من َ َ عشري َن ً عز ال َّظ ِ ِ هيرة فال نرا ُه إال بيننا؟ فتحميه األشجار حتى في ِّ ُ ٍ بحرف ،قا َل ْت: ولما لم ي ُف ْه ِ ليكتشف اقترابه؟ هه؟ أنا؟ أبوك؟ أنت؟ ُّ كل اليمامة َمن فينا زرقا ُءَ ب ٍ ٍ بس ْم ِك ك ْع ِ قنينة.... واحد منَّا نظار ُته ُ ِ رأس ُه مواف ًقا ،فتشج َعت مشير ًة إلى ِ الحديقة: سور َّ هز ظريف َ
اسمه ...اسمه ُسور؟ المنخفض ور ُ ْ اكتب عليه أن َ ُ الس ُ وهذا ُّالص ِ سور... سور ِّ ين ٌ ُسورُ ... قطب حاجب ْيه: َ
ِ اعون وال َّت ُ أ ِّميُ ....اندثرت ِمن زمان ...أك َلها ال َّط ُ قاتل قبائل َ اله ْون َ
فيما بينها و...
ِ ٍ الس ِ ور َّ لتطل إلى وأس َك َت ْت ُه بإشارة من راحة ك ِّفها ،ثم اقتر َب ْت من ُّ ِ الد ِ اخل ،بينما َ السميكتين: يمسح كان َّ َ ُ زجاجتي نظارته َّ
ِ َ َ َ منـزل صوص فقط ،بل منـزل ال ُّل يكون اعذرني يا ظريف ..لن ْ الكالب ِ ِ والق َط َط ِة ّ الشار َد َة.
13
ورغم َّ الفارسي َّ الشانشيال حب ُأ ِّم ِه لق ِّطهم يعرف أن ظريف ُ مقدار ِّ ِّ َ َ
الش ْ (أبو ُّ أهد ْتها إيا ُه صيدالن َّي ُة وقت َ قيم َت ُه الما ِّد َّي َة َ وش) ا َّلذي لم تعرف َ ِ الحي ،فحاك ِ الحكايات عن ِ أن عر َف ْت أ َّن ُه ٍ غالَّ ، بخلها ،إلى ْ وأن َت ِّ وقدر ِ ِ رفيع َّ ِ ُ ت يكون يقتنيه َمن شخصا َ ً فغفر ْت لها ،بل أح َّب ْتها َّ َ الذوقَ ، ِ ِ ب” لها من ِ بين ِّ الجارات ال َّلواتي كل “الصائ َ اختيارها ّ َ َ يقصدن صيدلي َتها طم ًعا بالحس ِم.
ِ األبيض الكانيش حب ُأ ِّم ِه لكلبِهم أيضا ُ ويعرف ظريف ً مقدار ِّ َ ِ الص ِ البناية ضائ ًعا -فا َّد َع ْت أ ُّمه تحت غير (كانوش) الذي وجدو ُه َ َّ ٍ “صديق” ُّ يطل بي ُته على أما َم جاراتِها أنه جا َءها هدي ًة من فرنسا ،من برج إيفل!
والش ِ إال َّ تفر ُق بي َن المد َّل ِل َّ تسمح ارد ،وأنها ال أن ظريف ُ ُ يعرف أ َّنها ِّ الق َط ِ وش) و(كانوش) برعا ِع ِ ِ ِ الش ْ خالطة (أبو ُّ والكالب، طة بم ً أبدا ُ وتحتاج إلى َم ْن يرد ُعها رد ًعا ِ فالمخال َط ُة عندهاٌّ : حاز ًما أحمر، خط ُ ُ ِ ٌ ِ المفتوح على كل يفي أمر الر ِّ مشكوك فيه في هذا البيت ِّ جاز ًما ،وهو ٌ ِ ِ الخطر. احتماالت ٍ َ َ حماية تطمئنُها إلى َّ أن الق َط َط ِة يوصل أل ِّم ِه فكر َة حاول ظريف أن ِ ِ والكالب َّ المنطقة التي يسك ُن االقتراب من تجرؤ على الشارد َة ال ُ َ
14
ببارودة الص ِ ِ فيها جارهم “أبو بارودة” ،أل َّنه متخصص ِ يد ا َّلتي بقتلها َّ ٌ ُ ُ
ُ الر َ يمت ُلكها ،لكنَّه فك ََّر بأ َّنها لن تقتنِ َع َّ يشكل الخطير ال جل َ أن هذا َّ ِ الش ْ خطرا على (أبو ُّ زوجها وش) و(كانوش) ،بل وعليها وعلى ً الوحيد مجر ًما ُ َ يقتل جارها وابنِها ،ولو اقتنَ َع ْت ،فل ْن تقتنِ َع أن ُ يكون ُ ِ الشارد َة ،وحتى ِّ الكالب والقطط َة َّ فكرة ضد عالب ،فهي ُّ ئاب وال َّث َ الذ َ َ ِ سج َن ٌ بد... رجل حقير كهذا...وال َ العنف ،وال َّ بد أن ُي َ ٌ
الس ِ جن سكت عن الموضوع ِنهائ ًّيا، لذا، َ جاره في ّ وشكر الل َه أن َ َ
ِ ٍ ِ عقاب بعد أن َ رئيس البلد َّي ِة شخص ًّيا؛ حراسة كلب يقضي مد َة قتل َ الس َّيارة (دالل) وتش َّب َث ْت بكرس ِّيها وعا َد ْت أ ّم ظريف ُمهرول ًة إلى َّ
قائل ًة باقتناعٍ:
كل سي ِ ئات منـزلِنا القدي ِم ،لكنَّه على ِّ محمي تما ًما! األقل رغم ِّ ِّ ٌّ َ -
بالذ َه ِ األمان ُيشرى ّ ُ ب.
َ َ داخل سم َر ْت قد َم ْيها شد يد أ ِّمه سارع ظريف إلى ِّ َ لتنـزل ،لكنَّها ّ
ٍ السي ِ ارة (دالل)َ ، بسرعة: فقال ّ ّ
يقتحم منـز َلنا..وماذا غبي يمكن أصلاً أن أي ٍّ ال أدري َّ لص ٍّ سيجد فيه للس ِ رقة؟ هه؟ ُ َّ
15
ِ ِ ِ األرض، الجواب ،أنز َل ْت قد َمها ال ُيمنى إلى إيجاد عجز ْت عن ولما َ فأعاد ر ْفعها إلى السي ِ ارة (دالل) قائلاً : ّ ّ َ َ ال تنزلي قبل أن تجيبي!وأسند باب الس ِ ِ ِ أصر ْت بظهر ِه ،لكنها الخارج يارة (دالل) من َّ َ َ َّ ٍ ِ على الن ِ بسرعة غر َف ُه ال َّث َ الث البيت ا َّلذي أراها يدها نحو فشد َ ُّزولَّ ،
ِ يدها إلى والمط َّل َة شبابيكُها على شد َ الحديقة ،ثم َّ المدهون َة حدي ًثا ُ ٍ ِ الحديقة قائلاً بسعادة: -إنها حديق ُتنا ال َغنَّاء!
16
()4 تظهر من خاللِها ل َّث ُتها الفارغ ُة ضحكَت أ ّم ظريف ضحك َتها ا َّلتي ُ ِ ِ ِ المتحرك ك َّلما جسرها وضع األسنان األرب ِع األمام َّي ِة ا َّلتي تنسى من َ كا َنت على عج ٍ لة من ِ أمرها ،وقا َلت هازئ ًة: َ الغنَّاء؟ ْقل شي ًئا ذا قيمة.
ولما لم ير ّد ،تاب َعت:
تجد لها صف ًة أخرى مختلف ًة؟ أقصد صف ًة أخرى ُمعاكس ًة؟ أال ٍُ ٍ ُ تملؤه ساحة تكون غنَّا َء وهي مجر ُد ِم وكيف صغيرة من ال ُّتراب ا َّلذي ُ ُ الحشائش البر َّية ا َّلتي..
قاطع ظريف أ َّمه قائلاً :
ِ فهم ُت اآلن من أين ال تتسرعي في الحك ِم علىاألمور..آه! ْ ِ سرع... ور ْث ُت جينات ال َّت ُّ وأشار بس َّبا َبته إليها ُم َّت ِه ًما: َ منك ِ ِأنت ،وليس ِمن أبي....
َ سرعِ ،فهي هادئ ٌة تعترض وقبل أن فتقول إنها ُ َ أبعد ما تكون عن ال َّت ّ
17
يعتقد ابنُها تعتقد ال كما اسمهاَ :س ِكينة ،وكما ُ ُ ًّ جدا ،كما يوحي ُ ِ ِ يقفان الجبل إلى حيث انحدر ْت من وزوجها وجيرا ُنها جمي ُعهم، ُ َ سيار ُة ِ والد ظريف المارسيدس (هتلر) ،التي ما َ يفخر أنها زال ُ
جديد ٌة ،أل َّن ُه اشتراها قبل أربعين سن ًة من َّ “الشركة”. ِ ِ ِ الر ُ َ درجة األعصاب إلى هادئ الحركة ،بطي َء الكال ِم، جل بطي َء َ وكان َّ البرود ،مع ٍ ِ ِ المعرفة. يظهر إال لمن يعر ُف ُه تما َم فطري ذكاء ٍّ فكاهي ال ُ ٍّ الفكاهة عن ِ ِ َ ويعتقد ابنُ ُه أنه َ وورث الحرك َة التي والد ِه، حس ُ ورث َّ والدتِ ِه. ال تهدأ عن َ
ِ باب س َّيارتِ ِه (هتلر) على ٍ البيت مهل ،وا َّت َج َه إلى َ أغلق ُ والد ظريف َ ألول ٍ ِ ِ مرة بعد أن طوى الخارط َة ا َّلتي س َّل َمه إ َّياها الجديد ا َّلذي يرا ُه أيضا. سرا ،ثم وض َعها في جيبِه ابنُه ووضع معها (بوصلة) ً َ ً صباحا ًّ
ٍ ٍ وبعد أن َ بصمت تا ٍّمَ ، بصوت نفسا عمي ًقا وقال تأمل الحديق َة أخذ ً ٍ ِ حبورا: ترقصان بطيء وعينا ُه ً ٍ حديقة! -الله! يا لها ِمن
يد أمه واتجه نحو ِ لجملة ِ ِ والدهَ ، أبيه، يطير َفر ًحا فترك َ َ َ وكا َد ظريف ُ فوضع ذرا َعه وراء ِ ٍ ينظر نظر ًة نحوه كتفه َّ وشد ُه َ ُ َ بفخرُ ،مضي ًفا وهو ُ ماكر ًة إليها:
18
-غنَّاء....
ففكر األب على ِ ِ ُ الزمن عليها، يتخيل الحديق َة بعد مهل ِه وهو مرور َّ ُ َ
ثم قال:
-غنّا ُء فعلاً !
ٍ وقب َل ظريف جبين ِ َ البيت نحو غادر ْت أ ُّمه أبيه َ َ ّ مرات ،بينما َ ثالث ّ السي ِ ارة (دالل) وهي ترد ُد: ّ ّ أصعب أن ِ وحد َك عصاب ًة! ماتواج َه َ َ
19
()5 العائلة أن تسكن فعلاً في ِ ِ ٍ ِ بيت عائلة غير هذه باستطاعة لم يكن َ مهجورة إال من ِ ٍ ٍ ِ َ بيت منطقة البيت في وذلك ألن (كعب الوادي)، َ
ِ ِ ِ ِ يطلق عليه ُ اسم العجوز الجار ذلك بعيني ا َّلذي ُ أهل القرية َ الس ّ األرمل َّ
الزمن -أسما َء كثير ًة منها: “أبو بارودة” َ مر َّ بعد أن أطلقوا عليه -على ِّ حرق أشجار الوادي ك َّلها في إحدى الصيفي ِ وقت َأ َ ات، “أبو َّ قداحة” َ َّ َّ َ ِ ِ الش ِ ِ لبخل ِه َّ أخالق ِه .كما دعوه“ :أبو وسوء ديد نظرا َ و”الح َق َّلد” ً ِ ِ ألن ابن ُه ُ الحار ِة” َّ البالد طبيب يصر يعمل ً َّ ممرضا في أفريقيا ،بينما ُّ
ِ ِ َ األمراض للقضاء على هناك استدعي إلى ماهر هو أنه جر ٌ ٌ َ اح ٌ طبيب ّ فإن “أبو بارودة” يقضي معظم ِ ِ الحظَّ ، ِّ أيام ِه في ولح ْس ِن المستعصيةُ . َ ُ الس ِ جن. ِّ يقبل بهما إال م ِ ِ ِ ِ والجيرة ال َّلذين ال ُ غام ٌر المكان وباإلضافة إلى ُ ٍ مصيبة أكبر من ر ْأ ِس ِهَ ، أو “ َم كان أبو ظريف قد فار من ٌ قطوع” ،أو ٌّ ِ ِ ِ الس َ َ ِ ووجودها وق “بضاعة” اجتياح بعد باع دكان نجارتِ ِه َ َ المعامل ُّ ِ ٍ فوق ِ َ ووضع ثمنَ ُه َ اشترك “بيت بيروت” الذي ثمن بأسعار ُمتهاو َد ٍة، َ
20
ِ نصب َشر ِك ِ بيع ِه من ِ َ لشراء هذا وذلك تعرف زوج ُت ُه، غير أن وابنَ ُه في َ ِ ْ ِ َ يسلك در َب ُه الخطير َة البيت ،الذي بإمكانِ ِه أن يسك َن به طالما أ َّن ُه لن أن ظريف ا َّلذي أقف َل ِ ِ المناسبات .كما َّ ت مدرس َت ُه أبوا َبها قبل إال في ِ واحد استعداد لعطلة الص ِ ٍ يف ،قد َ مدرسة تدريس ُه إلى نقل أسبو ٍع َّ ً َ ِ ِ َ الوصول إليها “تس ُّل ًقا على قدميه” ومن يستطيع االبتدائية ا َّلتي القرية ُ ِ ِ ِ يثق الحاجة إلى استخدا ِم سيارتِ ِه دون العتيقة (دالل) التي لم يك ْن ُ كعب الوادي إلى ِ بقدرة محر ِكها على الص ِ ِ ِ ِ الجبل حتى قمة عود من ُّ ُ ِّ َ األيمان بأنها الس ِنة عنده الميكانيكي ا َّلذي تقضي أقسم لو معظم أيا ِم َّ َ ُّ َ ِ قادر ٌة على َ غزال ال َفال. ذلك قدر َة غيرةِ ، بسبب مساحتِه الص ِ رخيص ال َّث ِ ِ وبنائ ِه من البيت وال ننسى أن َ َّ ُ ِ ِ ِ ِ وطريق القادوم ّية ،وطب ًعا ،بسبب المنحد ِر، وموقع ِه الم ْت َق ِن، غير ُ ِ جيرة “أبي بارودة”.
ِ الض ِ ِ جة ا َّلتي َ البيت رجال لكنَّ ُه -رغم كل مساوئ ِهٌ - بعيد عن َّ كان ُ ِ يعانيان منها في ذلك المبنى ّ بيروت عبي في إحدى ضواحي َ الش ِّ ِ ِ وساكنيه ،وا َّلذي لوصف ِه المكت ّظ ِة ،وا َّلذي ال تكفي كلم ُة “بشع” ِ ِ ِ الخارجات، اخالت الد طالما هر َبا من بين جمو ِع الجارات َّ ٍ ِ ِ رح ِ اآلكالت َّ بحفاوة من ِقبل ُأ ِّم ظريف ا َّلتي ب به َّن الم َّ الشارباتُ ،
21
فخر ْت أن ركو َة قهوتِها ال ُ تنزل عن النَّار ،وا َّلتي َ كان هد ُفها طالما َ ِ ِ ِ ٍ “جمهور” إيجاد خالل الحياة أولاً وثان ًيا وثال ًثا :ال َّتسلية من في
ُ سرا في ظاهرا ،بينما يصغي إلى “ ُمبالغاتِها” ويص ِّف ُق لها يضحك ًّ ً ِ خارج بيتِها ،فيدعوها“ :أ ّم ن ْفشة”، االجتماعات الجانب َّي ِة التي ُتع َق ُد َ ِ تستفيد عاد ًة ِمن ُع َق ِد النَّ ْف ِ شأن ُه َشأن ِّ ش. الجماهير التي كل ُ
ٍ ِ ِ سنوات ستترافق بعد العصافير ا َّلتي زقزقة صوت تسمع إال هنا ،ال ُ َ ُ يخطط ِ فوق ِ لبناء ٍ ِ ِ ِ بيت َ ُ بيت أبيه أطفال ظريف ا َّلذي زقزقة صوت مع ِ تمت يسموها”:فيلال” ،رغم أنها ال ُّ وأ ِّمه فيكون لديهم ،كما أح ُّبوا أن ُّ ِ ِ سمية بِ ِص ٍ إلى ال ّت ِ القرية مكتبة صاحب لة ،وا َّلتي أوصى ظريف صدي َق ُه َ ِ ِ لص ُق َ عبارة( :فيلال األستاذ ظريف) على ٍ فوق لوح بحفر نحاسي ُي َ ٍّ ِ قطعة خشبي ٍة تثب ُت على ِ ٍ الحديقة ليقرأها “الماليين” كما ُ تقول بوابة ّ َّ ِ ِ األمورِّ ، األمور. كل والد ُته المغرم ُة بتضخي ِم
22
()6 ال َّ لتقتنع شعور المرأ َة ا َّلتي لم تك ْن أرض ْت شك أن كلم َة (فيلال) َ َ َ صغ ِ يات الم ِ بعيدا عن جاراتِها المس ِّل ِ يات في هذا “المنفى”، بالسكنى ً ُ ُ َ ُّ ِ فباعتقادها َّ داس” ،ولكنَّها حتى لو كان “جنَّة”، ناس ال ُت ْ أن “الجنّة بال ْ ُ تتخيل همساته َّن رأسها عال ًيا عال ًيا وهي نفخت ْ صدر َها ورف َع ْت َ َ وسيحسد َنها ألن ابنَها َّ “الشمعة وغيرته َّن من تلك “النَّقلة النَّوع َّية”، ْ
ألكثر زر َنها َ علما” كما كانت تص ُف ُه ك َّلما ْ ائر ً التي تضي ُء مدينة”“ ،ال َّط َ ِ ٍ تثق صاحب خمس وعشري َن سن ًة ،هو من الفكرة ،وه َّن يعرف َن أنها ُ ُ ِ تذهب م َع ُه إلى ِ ِّ الدنيا ْ طلب منها إن ومستعد ٌة أن أفكار ِه بكل آخر ّ َّ َ َ ُ الدنيا ،وأسف ُلها! ذلك ،وهذا آخر ُّ المكان تقري ًبا هو ُ
23
()7 تفخ ْر ،ولِ ْ ولِ َ شجعا تخ ُّي َلها المهم أن ابنَها ولتتصور، تتخيل، وزوجها َّ َ ُّ ْ نار ِه اشتعالاً ،وإال لكا َن ْت عر َق َل ِ حطب ِ المشروع ،فبقيا ت هذا وزادا َ َ
ِ ِ حج ًرا َ فوق في بيت “مستشفى المجانين” ا َّلذي شا َد ْت ُه وجاراتها َ ٍ صار َص ْر ًحا! حجر حتى َ
ٍ وقد نجحا وبدوا في ِ ُ كنحلة تعمل قمة سعادتِهما وهما يرقبانِها َ ٍ ُ بعد أن نشيطة ،حتى إ ّنها بد َأ ْت تتحول من “ ُأ ّم نفشة” إلى “أ ّم نفسة” َ تضاؤل ِ ِ ُ المبه َر َة. الجماهير عباراتِها عدد ن ّف َس ّ
24
()8 ِ ِ ِ َ تتحول الجديد ،أن البيت االنتقال إلى تتوقع ُأ ُّم ظريف ،بعد لم ْ ِ األول من اسمها “ساخر ًة” منذ اليو ِم كر َس ْت َ الحديق ُة “الغنَّا ُء” كما ّ ِ ِ جر ِد ٍ ُ واحد متر تراب ٌ سور من ُ الجدران اإلسمنت َّية ارتفا ُعها ٌ يحيط به ٌ ُم َّ فقط إلى... إلى ماذا؟
أحذية وك ٍ ٍ منذ اليو ِم األو ِلَ ،أ ِ ِ ه َّي َأ ظريفُ ، ُفوف العملِ -من دوات َّ الد ِ ٍ وخرطو ِم ٍ م َّطاط َّي ٍة ُ ُ بسرعة راب وراح الء- مياه وبعض ِّ ينكش ال ُّت َ َ ٍ ِ ُ ويجلس على ينكش حينًا استراحة ،بينما كان أبو ُه دون ومن ُ ِ ِ ِ ِ ِ ُ يتناول آخر الد َر ِج َّ المط َّلة على الحديقة حينًا َ الفاصل بين ال ُف ْسحة ُ ِ الشهي َة المليئ َة بال َّل ِ ِ الز ِ سندويشات ُأ ّم ظريف َّ يتون بنة والنَّعن ِع وزيت َّ بعضها ِ لتناول ِ ِ قائلاً : ويدعو ابنَه
ِ َ تناول ال َّلبن َة َّ تنتج وتعال استرح قليلاً يا ظريف،الشه َّي َة ريثما ُ ْ
أرضنا زي ًتا ونعنع... ُ
العمل ،وسارع نحو ِ ِ َ تناول سندويش ًة والده. توقف ظريف عن َ 25
ِ ٍ عينيه وهو ُ بسرعة وراح يمض ُغها ُّ يقول: غمضا بتلذ ٍذ ُم ً ُ أرضنا ال َّلبن َة.... اعتقد ُت أ َّنكْ تنتج ُ ستقول :ريثما ُ ضحك والد ظريف ِ ٍ ٍ َ عميق: تفكير قائلاً بعد
شتالت ٍ ِ لبنة..هههههههههه نزرع تصور يا ظريف أن َْ
ِ ٍ ٍ تضيئان هادئ ،فع َّل َقت قائل ًة وعيناها مزاج وكا َن ْت ُأ ّم ظريف في ٍ ببهجة طفول َّي ٍة: ُرات ال َّل ِ كنت أعتقد أن ك ِ ِ أغصان ف من بنة ُتق َط ُ -عندما كن ُْت صغير ًةُ ،
ِ الش ِ ِ َّ والكرز.... المشمش ُرات جر كما ُتقطف ك ُ َ وضحك ظريف: -ماذا؟
مد ِع ًيا االهتما َم َّ ديد: الش َ وسأ َلها والده َّ ِ والجبنة؟ ماذا ِالجبنة يا َسكينة؟ عن
ٍ تمثيل ِ ِ َ َ بصوت فضحك هتم، إكمال يستطع ولكنَّه لم ْ الم ِّ دور ُ ِِ الضحك ُة من ِ ٍ ُ المط َب َق ِة على بحيث منخفض كعا َدتِ ِه تخرج ِّ ُ بين أسنانه ُ ِ ِ حرف ْس ْس ْس ْس متق ِّطع ،فقط َبت حاج َب ْيها قائل ًة وهي ُ تأخذ شكل
ٍ الد ِ بغضب َ تسمع صدى ضحك َة قبل أن اخل الصيني َة الفارغ َة إلى َّ َ َّ ِ وهر َب ِ َ عيني ِه من عين ْيها: ابنِها ا َّلذي رأس ُه وز َّم شفتيه َّ طأطأ َ
26
الض ِ ِ ِ ِ العمل َ َ حك! إضاعة بدل األفضل أن ُتتابعا منالوقت في َّ ِ ِ ِ ولما َ غضب ُأ ّم ظريف درجة تقدير يستطيعان ووالده كان ظريف ُ َ ِ ِ ِ عسكري حذاء صوت حذائها ا َّلذي يشب ُه -حي َن تحر ُد- صوت من َ ٍّ ِ ٍ العدو لل َّت ِّو ،كتما ضحك َت ْيهما وسارعا الجبهة ا َّلتي اختر َقها راكض إلى ُّ ِ ِ ِ أطايب ال َّطعا ِم بين ال َف ْين َِة وال َف ْين َِة. العمل ،وإال حر َم ْت ُهما من لمتابعة
27
()9 ٍ ينته َقلب ال ُّت ِ كان ظريف يتوقع ،لم ِ ِ بسرعة ،بل َ خالف ما َ أخذ ربة وعلى ُ ُ ِ ِ يعتقد أنه ٌ بالنسبة إليه هو ا َّلذي رهق العمل ا َّلذي كان أسبو ًعا من عمل ُم ٌ ُ ِ أكثر ٍ مما ُ يعمل بسرعة ،و ُم ٍّ ُ يعمل. بالنسبة إلى أبيه ا َّلذي سل ُ بكثير َّ يستريح َ ِ ِ وحي َن انتهيا من ق ْل ِ نظرها نظر ظريف إلى أ ِّمه الواقفة تن ِّق ُل َ ب ال ُّتربةَ ، ِ ِ ِ الكالب بشأن تعيد جمل َتها السور .وقبل أن َ بين ال ُّتربة البنّ َّية وبين ُّ ِ ِ والق َط َطة َّ اسم ُهم مذ سم َع ْته من الشاردة وال ُّل صوص الذين استبد َل ْت َ ٍ ِ اله ْ بسرعة: ون) ،قال ظريف ابنِها مر ًة بـ (قبائل َ والشجي ِ ِ الم ْث ِ ُ رات سيكون مر ُّ َ ْ ُ سياج حديقتنا مكو ًنا من ال ُع َّل ْي ِق ُ الش ِ ِ ِ َّ ِ األسالك َّ ائكة أو منظر عرشة ،فأنا ال ُّ أحب َ الم َت ِّ الشائكة والورود ُ
الز ِ جاج. قط ِع ُّ
ِ ِ السفلى مكتفة وافق ُ َاألب على الفكرة ،وإن بر َمت األم شف َتها ُّ
ذراعيها:
أكثر َ أرى أن األسالك َّاله ْو ِن الزجاج ُ الشائكة وقطع ُّ قبائل َ تخيف َ ِ والق َط َطة ّ الشاردة و ... 28
قاطعها زوجها حان ًقا: ٍ يا ِعنيفة. لك ِمن فر َّدت عليه ساخر ًة: ويا َلك ِمن حنون!
ِ واختصر ظريف جدالاً كالعادة حين َ ُ َ قال: سيطول كان َ ِ ِ ُ ستجعل الحماية ا َّلتي ستوفرها هذه النباتات يا ُأ ِّمي، جانب إلىِ ِ الد ِ ِ والخارج ،باإلضافة إلى اخل حديقة منـزلِنا خلاَّ ب َة من المنظر من َّ ِ ملجأ لل ُّط ِ ً والكائنات ال َب ِّر َّي ِة وظلاًّ لها. يور أنها ستصير ِ العصافير: أصوات مقلدا وانحنى على أذن أمه ً َ
ِو ْت ِو ْت ِو ْت ِو ْت ِو ْت............أبعد ْت فمه عن ُأذنِها كمن ِ تبع ُد ذبابة ،ثم رف َع ْت كتفيها مستسلم ًة قائل ًة: َ َُ َ
ب... -ط ِّي ْ
29
()10 نريد آني ًة كريسيتالية وال سجادا عجميا وال ثري ٍ ات ،وال يفك َِّر َّن ـ ال ُ َّ ًّ ّ ً َّ ِ ٍ ِ الجديد ،بل.... مفروشات فاخر ًة لبيتِنا بإهدائنا أحد ٌ َ قال ظريف أل ِّمه وأبيه وهم يشربون َّ اي جالسين على ِ درج الش َ ٍ ِ وتابع بحز ٍم: بشغف، الحديقة يتأ َّملون جمي ًعا ال ُّتربة َ ٍ مستور َد ًة ،وذلك ألنها قادر ٌة على أشجار محل َّي ًة ال أغراس بلَ َ ِ المستور َدة... أكثر من َ العيش في تربتنا َ شارحا ألبويه بعد أن قرأ في أعينِهما وابتسم وشرب بقي َة شاي كوبِ ِه ً َ َ الدهش َة: َّ
ِ القديمة... هذا ما ق ْل ُته لزمالئي وزميالتي في مدرستيِ ِ زمالئه ق َّل َة ٍ أدب ،وع َّب َر طلب ابنِه هذا من والد ظريف وإذ اعتبر ُ َ َ ِ ٍ عن هذا صراح ًة ومن ِ دافعت األ ُّم عن واقع َّي ِة ابنِها ا َّلتي مواربة، دون ِ ِ ِ ِ تنس أن َّ لقب العائلة على تركيز تصب في تمط َ جمال الحديقة ،ولم َ ُّ ِ ِ “ال َغنّاء” ،هذا عدا عن ِ العتيقة موروث ًة البسيطة كون مفروشات بيتِهم زوجها ،وهي – بال ّت ِ ِ جد ِة ِ كثيرا مع أكيد -قد ال ِمن أيا ِم والدة َّ ُ تتناسب ً جاد العجمي أو ال ُّث ِ الكريستال والس ِ ِ ريات. ِّ ِّ
30
وعلق ظريف ضاحكًا: َ ٍ ٍ ِ على ِّغالية ،فقد كنت بإحضار هدايا حال ،لن يفكروا كل
أمازحهم... ُ
ٍ ٍ أسارير ِ الش ِ رب َّ وسعادة بمتعة اي وانفرجت األب واأل ِّم ،وتابعا َش َ َ ُ ٍ أيضا. وحيوية ً
31
()11 ِ ِ ِ شجرة ٍ شجرة ٍ شجرة تين، وغرس كرز، وغرس تفاح، غرس ُ ُ ُ ِ ُ ونصنع سنأكل فاكه ًة طازج ًة دراق...وتين...واو! ُ ُ وغرس شجرة َّ
الباقي مربى...
ِ ِ بإحضار زمالئ ِه ا َّلذين لم يكتفوا قال ظريف هذا بعد أن تل َّقى هدايا كل ِ ِ الر ِ الجذور بالخ ْي ِ ِ حفر ُّ واح ٍد حفر ًة األغراس ملفوف َة طب ،بل َ ش َّ ِ ِ نصف ٍ ثم وض َعها متر، بعمق لغرستِ ِه َ السما َد ،ورواهاَّ ، ووضع فيها َّ ِ حاجزا من ال ُّت ِ َ يمنع سد ليكون راب حو َلها وطم َرها ،وأقا َم بمثابة ٍّ ً ُ َ ِ الماء عند سقايتِها ،وشربوا َّ الد ِ رج تسر َب اي جالسي َن على َّ الش َ ُّ يتأم ُلونها.
32
()12 أبيه ِ التفت إلى ِ قائلاً : بعد أن غادروا، َ َ
سوف تصن ُعه أمي نبيع فيه مربى الفاكهة ا َّلذي َ نفتح دكا ًنا ُ -قد ُ
ونجني ثرو ًة طائل ًة...
ٍ ُ ِ المطبخ بين نفسها في تتخيل نظرت أ ُّمه إليه مستنكر ًة وهي بحنق َ َ
الس َ أرضا ،وقالت: زج منها ً ائل ال َّل َ طناجر المربى ا َّلتي تبقبِ ُق وترمي َّ ٍ عيش ٍ ِ هانئة يا ظريف يا حياة وعدتني به من -يا سالم! أهذا هو ما ْ
ابني الحنون؟
ٍ ٍ يربت كت َفها: بصوت أجاب مهيب وهو ُ َ
أنا وأبي سنحر ُك المربى حتى يذوب السكَّرِ ...أنت فقط تضعينَ ُه ّ َ ّ ُ ِّ ِ اآلنية... في رافض ًةَ ، زوجها: ْ برمت شفتيها ورف َع ْت كتفيها َ فقال ُ ِ اآلنية يا َس ِكينة... نضع المر ّبى في أنا وظريف َُ وقال ظريف:
ُ ناجر... ونغسل ال ّط َ
33
والد ُه: اعترض ُ َ
-نحن؟
قا َل ْت:
-أنتم..نعم أنتم...
زوجها ثاني ًة: َ واعترض ُ قبض ثمنِ ِه؟ دور ِك في المر ّبى إذن؟ ُ -وما هو ُ
قالت:
تفكران إال بالن ِ ِ ِّقود... الَ قال ظريف:
ِ نعم ...دماغي ودما ُغ أبي مبني ِاالقتصاد ،على األرقا ِم، ان على ّ ولوال هذه النّعمة ،لما ِ كنت تسرحي َن وتمرحي َن في (الفيلال) وتأكلي َن ِ ِ المحاصيل. األرباح من بي ِع خيرات بساتينِها وتجني َن من َ ِ ِ ضحكتين تعترض المرأ ُة ،فقد أقنَ َعها ابنُها بطريقتِ ِه ،وأخفى وأبا ُه ولم ِ ستهز ِ َ يتفقدان جيوبهما الفارغ َة حتى والجبل وهما ان الوادي كانتا ّ ِ ربطة ٍ من ِ خبز. ثمن
34
()13 ِ االبتدائي األول الصف بعد أ ّيا ٍم ،وص َل ْت صديق ُت ُه سندريلال -معلم ُة ِّ َ ِّ درجة الس ِ ِ ِ ُ َّ تحمل ذاجة -وكا َنت القامة الخجول ُة إلى الشقرا ُء ال َّطويل ُة َّ ِ ِ ُ ُ تلهث ،العن ًة ،بينَها وبي َن الحديقة وتدخل إلى شجرة موز غرس َ ِ ِ ريق الن َ سارع ظريف “الزحليطة”. َّازل إلى نفسها ،ال َّط َ البيت مثل ّ َ نحوها حاملاً الغرس َة مناد ًيا بأعلى صوتِه: ِ شجرة موز....يا سالم... غرس ٍُ بسرعة: وفكر َ ٍ ِ قرود يا سندريلال..على ِّ كنت أدر ُبها أحضرت معها عد َة لواألقل ُ ِ ِ الر ِ َ الم ِد ِن... قص ،وأجني مبالغ طائل ًة لقا َء َس ْوقها للفرجة في ُ على َّ مستنكرا: والد ظريف صرخ ُ ً في الم ِدن؟ ُ َ واستدرك االب ُن:
ِ القرية هنا... ط ِّيب فيِ ِ القرية ف أنا بنفسي هنا في هذه القرية؟ يا عيني! فيأعر ُ َ وكيف ِّ
35
ِ والد ُمر ِّق ِ ص النّسانيس؟ الغريبة؟ هه؟ ُ ِ مستنك ًرا: خد ِه وضع ظريف سبابته على ِّ َ -نسانيس؟ أنا ق ْل ُت نسانيس؟
قلت... نعم َوتدخ َل ِ ت األ ُّم:
لم ْيقل نسانيس ،بل قرود...
شار ظريف بس َّبابته إلى سندريلال م َّت ِه ًما: ثم َأ َ
ُّالحق على سندريلال ..هي ا َّلتي جل َب ْت غرس َة الموز ،فأوص َل ْتنا كل ِّ ٍ إلى ِ هوية. أزمة ُ ْ يضحك وتغادر حريد ًة لو لم تحمل غرس َتها وكا َدت سندريلال ُ ظريف ِ قائلاً : أمازح ِك.. إ َّننيُ
غمز ْت ُه أ ُّمه أن يراض َيها، السفلى إلى أن َ لكنَّها ظ َّل ْت بارم ًة شف َتها ُّ ِ فأخذ ِ ٍ َ عند برشاقة فنهضت البيت، بيدها لير َيها عصفور ،وشه َق ْت َ ْ َ ِ ٍ ِّ ِ والحديقة ،والوادي، والحما ِم، المطبخ، غرفة إعجا ًبا ،وعند كل ّ ٍ شيء بالن ِ ِ فكان ُّ َ ِّسبة إليها جميلاً ،بل رائ ًعا، كل والجبل ،و”أبو دمعة”، صطلح “الن ِ يختبر َ أدهش ُه ،فأرا َد ْ َ ِ َّصيب” الذي تعريف ُم اآلن أن مما َ َ ّ
36
الكوخ إلى ٍ ِ َ والفقير إلى قصر، تحو ُل يعتقد أ َّن ُه حال ٌة من عمى ُ القلب ِّ َ
ثري ،وأستا َذ االبتدائي إلى بروفيسور ،و”أبو دمعة” إلى “نهر النّيل”، ٍّ درب الس ِ الش ْ عادة ،و”أبو ُّ وش” الذي غال ًبا َ وطريق ّ “الزحليطة” إلى ِ َّ الش ِ الض ِ قط ٍ يرفض الغربا َء ،إلى ٍّ يفة َّ مجلسا، قراء أليف اختار حض َن َّ ما ُ ً َ ِ ِ ما يعني َّ القفص ذهب ًّيا األبواب مفتوح ٌة على مصراع ْيها أما َم أن كل َ كان أو من ال َّتن َِك.
يؤج ِل َّ والد ْي ِه ال َّلذين البث في الموضوعِ ،فسأ َلها مداع ًبا أما َم َ ولم ِّ ٍ ِ كل زميالتِ ِه َ اسمها أكثر من ِّ سنوات: ثالث طوال الحظا أ َّن ُه يرد ُد َ ِ تسقط من ِ ُ صحيح ما سمع ُته من َّ قدمها كانت أن فرد َة حذاء أ ِّم ِك ْ ٌ كانت حاملاً ِ تسم َيك بك وقت در ًجا كلما َ ْ َ فنذر ْت أن ِّ َ صعد ْت َ
سندريلال؟ ودهش ِ ِ ِ َ مر ٍة ،وخج َل ْت، ت الفتا ُة لهذا الخبر الذي تسم ُعه ألول ّ فسارع إلى سؤالِها سؤالاً َ ورمش ْت عينيها، وتلعثم ْت ،وبل َع ْت ري َقها، َ َ
آخر: َ
فهمت...ال ..لم تكن. آه!ُ
ِ ِ المشكلة ّ الشائكة ،فقال الحقيقي لهذه بالجواب وا َّدعى أ َّن ُه يفك ُِّر ِّ ٍ ِ عينين: إغماضة بعد َ 37
كا َنت إذن تتمنى أن تحظي ٍعريسا؟ بأمير ً
َ تجيب ،قال ً صدره: نافخا يعرف أ ّنها لن وكان تجيب، وقبل أن ُ َ َ َ
جد أبي َ أميرا... علىجد ِّ فكرة...جد ِّ ُّ كان ً َ َ قت خداها تضحك سندريلال لفكاهتِه تلك، وبدل أن احمر َّ وأطر ْ َ َّ ٍ نظرات خبيث ًة تطقطِ ُق أصابِ َعها النَّحيل َة ،فانت َب َه والدا ظريف وتبادال ِ ضاحك ًة َ عروسا زوجها أنها تتمنى البنِها ب األ ُّم فيفهم ُ قبل أن تق ِّط َ ً َ ٍ ِ َ “أعظم علما”، أستاذ في العال ِم” ،وأل َّنه باعتقادها أفضل ،ألَ َّن ُه ُ “طائر ً ٌ
ِ كان واث ًقا َّ زوجها َ بيد َّ أن فعند ُه (فيلال) بحج ِم الكونَ . وألَ َّن ُه َملاَّ كَ ، أن َ ِ يتجاوز َّ خاص ًة وهو يرى كل سوف ابنَ ُه َ ُ العراقيل التي ستفتع ُلها ُأ ُّم ُهَّ ، َ شمس. كمن أضاء ْت ُه وج َه ابنِ ِه وقد ٌ أشرق َ ٍ ٍ رأس ظريف ،رأى واحدة ،وقد اح َّت َّل ْت فكر ُة لحظة وفي الحب َ ِّ ٍ ِ بقالوة ،وبد َأ قل ُبه ّ يدق: قطعة سندريلال أحلى ِمن َ -ط ْق َط ْق َط ْق..
أيضا ُّ يدق: وقد سم َعه راح قل ُبها ً نفسها ا َّلتي َ ُ الجميع بما فيهم سندريلال ُ َ -ط ْق َط ْق َط ْق..
الض ِ ٍ الش ْ فما َء “أبو ُّ شعر ُه في يفة التي وش” بدالل ألصاب ِع َّ ُ تداعب َ ورقص (كانوش) حو َلها احتفا ًء. حضنِها، َ 38
()14 ٍ ٍ ِ تحضير يقتصر على بسيط بدور تستطع والد ُة ظريف االكتفا َء لم ْ ُ ِ ِ الش ِ وزوجها ،إذ َّ منظر ُّ َّ جيرات قد شج َعها على الش إن طائر البنِها َ
المح َت َّلة” “المشاركة الف َّعالة” َ حسب ما تسميها هي ،و”المشاركة ُ وزوجها. يسميها ابنُها ُ حسب ما ّ
ِ فقد وق َفت على ِ األحمر المطاطي الحديقة منتعل ًة حذا َءها درج َ َّ ِ ِ الحديقة إلى أقصى يمين اع ،ومحرك ًة س َّبابتها من أقصى اللم َ ّ
يسارهاِ ، ِ ُ تحمل في ومن أقصى شمالِها إلى أقصى جنوبِها معلن ًة أنها ِ ُ ذار ُ عتر والخ َّبازى والبابونج الخزامى والور َد كيسها َّ َ والص َ الورقي بِ َ ِّ ِ َ الكثير بزرعها ،بل ستزرع والمردقوش والقصعي َن ،وأنها لن تكتفي َ ِ ِ ِ ِ ِ ِ والجزر والبندورة والملفوف والقرنبيط الفاصولياء ببذور من األثال ِم والبِ ِّط ِ أيضا ،تما ًما كما كان يفعل جدو ُدها ،فهي ال َّطريقة الوحيد ُة يخ ً ٍ ٍ ٍ خضارا َّ مصنوعة من بقايا عضوية بأسمدة تغذت ا َّلتي تضم ُن لعائلتِها ً ِ مك ومخ َّل ِ الس ِ ِ ِ الخشب وفضالت ورماد البحر فات ال َّطعا ِم وعشب َّ
ِ ِ ِ القاتلة. الصناع َّي ِة الكيميائ َّي ِة النَّبات بدل األسمدة ِّ
39
ولم تكن والد ُة ظريف قد سمع ْت بالس ِ ِ األخضر ا َّلذي يبدو أن ماد َ َّ يحمل كيسا ورقيا يحمل بذوره ِ ٍ قائلاً : صباح ذات زوجها أتى َ ًّ َ َ ُ ً ِ ٍ خصيصا زرع السما ُد ً ّمو ُت ُ األخضر هو عبار ٌة عن نباتات سريعة الن ِّ ُ َّربة ،وتنتج كمي ٍ لتغذية ال ُّت ِ ِ ِ حالب األوراق ا َّلتي تخن ُُق ال َّط ات كبير ًة من َ َّ الض َّارة. واألعشاب َّ َ
ٍ مرات وع َّل َق ْت قائل ًة: رأسها ثالث َّ هز ْت والد ُة ظريف َ نسيت كيس بذار الس ِ ِ األخضر عند البائ ِع قبل ماد أوه ...لقدُ َ ّ
يومين...شكرا أل َّنك أحضر َت ُه... ً
ٍ بدهشة فتحهما كتم ظريف ضح َك ًة وهو يرقب عيني والده ال َّلتين َ ُ
تسمع من قبل باسم متأكد أنها لم مستغر ًبا قو َلها هذا ،وخاصة وأنه ٌ ْ عين ِ الس ِ ِ األخضر ،ولكن غمز ًة من ِ َّت دهش َت ُه فقال ماد ابنه اليمنى فك ْ َّ
لها:
نعم...وقد أخبرني أنك دفع ِأيضا. ت ثمنَ ُه ً ْ َ
ورفع إبهامه إعجا ًبا بأبيه ،وخاصة حين انتق َلت فهز ظريف رأسه َّ َ الدهش ُة من عيني ِ تعرف َّ كل المعرفة أنها لم زوجها إلى عين ْيها وهي ُ
تشتر بذور الس ِ ِ ِ تدفع ثمنَه ولم تكن قد سم َع ْت به األخضر ولم ماد ْ َّ أصلاً .
40
()15 ِ ِ ستطعم العائل َة أكدت أنها اإلبقاء على أثال ِم بين والدة ظريف وا َّلتي َّ ُ فكرة ِ ٍ ِ َ تغطس بركة بناء أيضا ،وبين والجيران القدامى واألقارب ً ٌ َ ِ بتأمين َّباتات المائي ُة الكفيل ُة فيها الحيوانات المائ َّي ُة وتمألها الن ُ ُ ِ ِ ِ سطح حالب من ال َّتجم ِع على الحيوانات ومن ِع ال َّط األكسجين لهذه
الماء في الوقت ِ استطاع ظريف أن يح َّل ُه صراع ينشب نفسه ،كاد َ ٌ ُ ِ ٍ والد ُه بأن األثال َم ا َّلتي زر َع ْت أ ُّمه البذور َفيها بسرعة كالعادةُ ،مقن ًعا َ بركة ٍ إلقامة ِ ِ لم ِ ماء .ولما َ ربت ابنُه كت َفه تبق مكا ًنا حزن والد ظريفَ ، المحصول ،فتكون ِ ِ واعدا إيا ُه أن يبنيا برك ًة بعد ِ المساح ُة موزع ًة جني ً ِ ِ ِ شرب تحتاج إلى الحديقة عصافير والبركة ،خاص ًة وأن بين األثال ِم ُ َ ٍ ٍ الماء ا َّلذي سارع ظريف إلى توزيع ٍ مليئة منه هنا وهناك صغيرة آنية َ
وهنالك.
41
()16 ِ ِ الذ ِ وأحست ببعض َّ نب لكونها والدة ظريف، نظر َّ لف َت ْت آني ُة الماء َ لزوجها وابنِها مكا ًنا ِ ت ِ احت َّل ِ المساح َة ك َّلها من ِ ِ َ لبناء تترك دون أن
ِ البركة ا َّلتي يحلمان بها؛ لذا فقد استغ َّلت فرص َة غيابهما ووز َعت آني ًة ِ ِ ِ ِ ِ ِ الماء. للعصافير قري ًبا من آنية الهند جوز وبرش والرز البرغل من ِّ زوجها المستنكر َة أخاف ْتها وهو يلم آني َتها ويخفيها ِ ولكن شهق َة ِ قائلاً : ُّ الحبوب قد ُ َ انتفخت في معدتها العصافير إذا تقتل َأال تعرفي َن أنَ َ ِ للرطوبة؟ بعد تعرضها ُّ
ال ...ال أعرف!ٍ وألول ٍ مرة ُ امرأة في أعرف تعتقد نفسها تقول والد ُة ظريف ا َّلتي َ ُ
ِ أعرف؛ لذا سارع ظريف إليها ُ يقول: الكون كلم َة :ال ُ
أيضا؟ وال تعرفي َن أن الحبوب القديم َة تقتلالعصافير ً َ ِ هاج َم ٌة من “أفراد فقالت: العصابة”، ْ السيد ُة أنها ُم َ اعتبرت َّ -بلى أعرف ،ولك ّن حبوبي طازج ٌة...
قال زوجها: 42
طازج ٌة أو عتيق ٌة يا سكينة ...طازج ٌة أو عتيق ٌة...واعترضت بشدة:
خبزا مبلَّلاً بالماء... كانت جدتيتطعم العصافير ً ُ
سألها ظريف: -متى؟
قالت بسرعة: -شتا ًء!
ِ الصعداء ،وجلس رجات الد جلس ظريف على إحدى َّ وتنفس ّ َ َ والده بجانبِه ،وقاال م ًعا: ُ “ -هلكتينا”!
وعلق ظريف قائلاً : َ
ٍ ِ ِ َ َ امرأة شهادة مقابل رجلين يطلبون شهاد َة فهم ُت لماذا اآلن ٍْ واحدة ،ألنها قادر ٌة على ِ دحرهما م ًعا و.... ووضع أبو ُه راح َة ك ِّفه على فمه:
اسكت....فضح َتنا...معلوما ُتك ك ُّلها خاطئ ٌة... ْ
دهش ظريف:
خاطئة؟ لماذا؟43
والده ابتسام ًة خافت ًة وقال: ابتسم ُ َ
ِالعبقري... تسمع تعلي َقك الموضوع طالما أنها لم أغلق َّ ْ َ
ونظر إلى أ ِّمه ا َّلتي كت َفت يد ْيها: الموضوع، وأغلق ظريف َ َ َ -إذن؟
ووقف ظريف: َ
ِ َ المشاكل؟ افتعال -إذن ماذا؟ تريدي َن
ِ بالحديث: وتوجه إليها هد َأه زوجها ّ َّ لكن َ
الد َ َ وثمار ال ُع َّل ْي ِق ربي ًعا، يدان العصافير إذن ،دعيوفراخها تأكل ِّ َ َ
َ والش َ المبلول ِّ فاح ُّ للشتاء. والخبز وفان واتركي َ الحبوب وال ُّت َ َ زوجها: ابتسمت ابتسام ًة واسع ًة ،وسأ َلت َ
ِ إلحضار ّفزاعة؟ -يعني ال داعي
َّ -فزاعة؟
صرخا م ًعا صرختين مدويتين عر َفت من خاللِهما أن فكر َتها غير ِ الفناء الخلفي ا َّلذي أوق َف ِ مر َّح ٍ ت كلص إلى ب بها ،وسار َع ْت حافي ًة ٍّ ِّ َّ ٍ ٍ وألبس ْتها مرمية حديدية أنابيب جسمها من بقايا الفزاع َة ا َّلتي جم َعت َ َ َ ِ ِ من ِ الجدار ،فأضج َع ْتها واضع ًة وأسند ْتها إلى وزوجها ثياب ابنِها َ ِ ِ إخافة ال ُّط ِ ذراعيها ورا َء ِ يور، بهدف ظهرها لئال يعتقدا أنها صن َع ْتها
44
ِ ِ وجودها ولو االعتراض على أصرا على آثارها -إذا ّ على أن تخفي َ نائم ًةَ - “السقيفة”. فوق ّ
ِ بذكائها الحا ِّد. وضحكَت ضحكة خافت ًة معجب ًة
45
()17 ِ ِ ِ ِ ِ ِ المنزل، سيدة رأس فكرة الفزاعة من البيت بمحو يكتف رجال ولم ِ ِ أطراف صناديق خشبية يوزعانها على أعالي يبنيان م ًعا بل راحا َ ِ الحديقة للخفافيش.
ِ تساعدهما في االعتراض ،بل كا َنت تجرؤ أ ُّم ظريف على ولم ُ ْ ِ وتتمتم: عملهما هذا ُ ِ ِ ِ ُ تتأرجح بمناظرها الخلاَّ ِبة ا َّلتي الخفافيش بوجود سنكون سعدا َء كمُ
تحت ،وا َّلتي ُّ والحبور... والفرح السعاد َة ورأسها إلى ٌ َ َ تبث َّ فيها ُ
َ كوت، الس َ وتجاهل ُ زوجها سخري َتها ،ولم ير ّد ،لكن ابنَها لم يستط ِع ُّ
فقال:
أميِ ...معك عشر ٍ ٍ ِ ِ ٍ جميل بمخلوق الخفافيش الستبدال ثوان فقط ُ ٍ ِ ِ يقوم ِ واحدة ...هيا... المؤذية في ليلة الحشرات آالف بعملها ويلتهم َ ُ ُ ٍ ٍ وحاو َل ِ َ وتجد مخلو ًقا يقو ُم فائقة بسرعة رأسها ت األ ُّم أن َ تشغل َ ِ ِ همس ْت وشعر ْت تجد إال القنافذ... بالعمل ذاتِ ِه فلم ْ بالمغص َ وقت َ َ رافض ًة وجو َدها: 46
ُ أبشع من الخفافيش... القنافذ ُ
وبر َقت عينا ظريف وقام َ ليقبل جبي َن ُا ِّم ِه: كيف غاب ُِ القنافذ عن ذهني؟ ت َ رأسها: لك َّن ُأ َّم ُه ضر َب ْت َ ٍ بصمت... التفكير آه! يجب أن أتعلمَ َ وضحك ظريف:
ِ ُ ُ بمهمة الخفافيش يستطيع القيا َم ...والغزال ال نسبي أمر ُ ٌّ الجمال ٌ ِ والقنافذ..
ِ ٍ ُ الحديقة تشرب كل تتخيل غزالاً في وللحظة ،أشرقت عيناها وهي ِ الفكرة: صباح قهو َتها وهي تتأم ُله ،لكنها تراج َعت عن ِ ُ الصغيرة؟ الغزال في هذه الحديقة يسرح غزال؟ يا حسرتي ...أينُ ِ تسعدهما الصف َة ا َّلتي ُ ولما اكتش َف ْت ال َّلوم في عيون ِهما ،أتب َعت ِّ بالحديقة:
-ال َغنَّاء!
47
()18 ُ قرف أثار وجو ُدها لم تكن الدائم وسكناها َ الخفافيش َ ُ وحدها ا َّلتي َ ِ ِ ذوات اإل َب ِر َّ الش ِائك َِة بالقنافذ ب ظريف وأبوه السيدة سكينة ،بل َر َّح َ َّ ِ وتروح بثقة المد َّللين بحجة أنها تروح وتجي ُء وتجي ُء الحديقة، في ُ ُ ِ ِ تكمل َ ُ القضاء على الحشرات. الخفافيش في عمل
ِ َ ُ بعض دخول تتأمل نسيت معاناتها مع أشكالها وهي لك َّن المرأ َة ْ األرضية حينًا وفي كَو ِم الس ِ ِ َّحل في ال ُّث ِ الن ِ العضوي حينًا ماد قوب ِّ ْ َّ ِ ِ العسل ،خاصة وأن الن َ َّحل ال بالحصول على نفسها آخر ،ومن َّْت َ تقديمها وجب َة ليضمنا لي” حلمها يهد ُأ .وقد ك ّب َر ابنُها ُ “العس َّ َ َ َ وزوجها َ الخبز بال َّل ِ ُ الخفافيش على معظ ِم قضت صديقا ُتها بن للقنافذ ا َّلتي َ فبد ْت جائع ًة ،باحث ًة حثي ًثا عن طعام. وجباتِها من الحشراتَ ،
48
()19 ِ ِ ِ ِ َ أدرك ٌّ العائلة إلى انتقال صواب مقدار ووالد ِه كل من ظريف َ
أن َّ (الفيلال) ،وأدركَا َّ مض ْت في بيت “مستشفى السنين التي َ كل ّ
مر ْت شهور المجانين” بين“ :استقبِ ْل وو ِّد ْع” ،ضا َع ْت عب ًثا ،بينما َّ َ يكون لحياتِ َك معنًى. شعرا خال َلها بمعنى أن قليل ٌة َ لم يكونا على ٍ ُ ستكون لأل ِّم بديلاً عن ثرثرات ثقة بأن “البس َتنَ َة” ِ الجارات وتفاهاته َّن ،فكا َنت. ِ أوقات الفرا ِغ التي كا َن ِ ِ يصدقا َّ القهوة ت تقضيها في صن ِع أن ولم ِّ
ِ والش ِ ّ تدور واألركيلة وتلقي فيها محاضراتِها النَّ ّظ ِر َّي َة التي اي ُ ِ ِ َ أفراد عائلتِها تحو َل ْت عمل ًّيا- وعظمة حول ع َظمتِها موضوعا ُتها ِ ِ ِ تجفيفها أو والفاكهة أو الخضار بمساعدتِهما طب ًعا -إلى جم ِع َ
ِ طهوها.
ِ وقت ِ ِ وكي يم َ إهدائها زوجها إلى فراغها المتبقي، الر جالن َ سارع ُ َ أل َّ ٍ خياطة حديث ًة تقو ُم بال َّت ِ مقصا “أصل ًّيا” آل َة طريز ً أيضا ،و َأهداها معها ًّ ِ ِ ِ ٍ خيطان فيها ُّ الخياطة خيطان ألوان كل من النَّوع ا َّلذي تح ُّبه ،وعلب َة
49
ِ ٍ وال َّت ِ َ ٍ زجاج وألوان تطريز حديث ًة مجالت قدم لها ظريف طريز ،بينما َّ
ِ َ أيضا. الرس ِم على الحصى وبورسالن ،وكذلك والخشب ً ألوان َّ أيقظ في ِ ِ ُّ َ زواجها ،والتي نفسها الفنَّا َن َة التي كا َنتها قبل كل هذا
جارات ِ ِ بيت “مستشفى الفرار- كادت تقضي عليها -لوال َش ْر ِك ُ ْ ِ ِ عرق ًة المجانين”، َ فراح ْت تخيط لألثاث الممزق أغطي ًة جديد ًة ُم َّ وللش ِ ِ َ بالورودَّ ، المور َد ذا َته ،لكنَّها القماش ستائر تستخد ُم فيها بابيك َّ ُ ِ ِ الشمس يلمع كلما عان َق ْته أشع ُة تضيف إلى كانت ُ الورود ً ملو ًنا ُ خرزا َّ ِ الش ِ ِ زجاج َّ واألبواب بابيك تلو ُن َ راح ْت ِّ نور الكهرباء .كما َ أو ق َّب َل ُه ُ ٍ ٍ ِ بارعة َ اآلخر -بداي ًة- ينكز منممات هندس َّي ٍة شكل على كان ُ أحدهما ُ َ إعجاب م ِ إطالق ِ ِ ٍ ِ ِ ٍ بديل، جمهور لتأمين جام َل ٍة آهة بوجوب ليذك َِّر ُه ٍ ُ وقت تلو َن ِ ٍ ٍ ثم ما لب َث ْت أن تحو َل ِ ت آهات ت المجامل ُة إلى حقيقية َ ِ ِ خشب ِ الص ُ وباب البيت باب ُؤوس والحصى وحتى ُ حون والك ُ ُّ كل ٍ البيت أشبه بم ٍ ِ ِ وصارت ُّ آهة تحف فن ٍّّي، فصار األحمر، الحديقة ْ ُ ََ ُ َ من ِ أحدهما قادر ًة على ِ تسهر ال َّليالي وهي ُ تعمل و ُتغني. جعلها ُ
50
()20 تحف! ُ -م ٌ
ٍ ٍ ِ تطير مرات وص َفهما لثالث عندما سم َع ْت َ بمتحف ،كا َد ْت ُ البيت ُ ٍ فرحاِ ، لسنوات ُمش َّت َت ًةَّ ، وأن إراد ًة إله َّي ًة وعر َف ْت أن مواه َبها كا َن ْت ً ِ خارق ًة ال عالق َة لها َ الحفرة النَّائ َي ِة بالبش ِر ،هي ا َّلتي ر َم ْت بها إلى هذه ِ شتات فنِّها العظي ِم. لم َ لتعيد َّ ِ ٍ لوحة لوحة نحاس َّي ٍة بحجم يحفر على تطالب ابنَها أن وكا َد ْت ُ َ ٍ ِ بجانب لوحة خشبة السيدة َس ِكينة) لتض َعها على (الفيلال)( :متحف َّ ٍ ٍ بخبث َّ بلوحة وسيطالب سيغار، زوجها فكرت (الفيلال) ،ولكنها ْ ُ أن َ ُ لمجر ِد أن َ كان اسم ُه مسبو ًقا بلقب الفنَّان الكبير،.... َّ يحفر عليها َ حسب ِ أبعدهم عن أكثر النَّجارين- رأيها -وما َ َ ّ “نج َار موبيليا” ،وما َ ٍ ت الموضوع إلى ٍ الفن؛ لذا أج َل ِ ٍ أسماء الحق ،فوجو ُد ثالثة وقت َ َّ ِّ أهمية ِ ِ ُ اسمها. يقلل ِمن
51
()21 ِ أشهر الص ِ ِ ِ يف انقضاء اقتراب العائلة ،بعد يتصور أن أفرا َد َمن كان ِ َّ ُ الثة المفعم ِة بالن ِ ال َّث ِ َ شخصا الص ِبر ولو َّشاط ،كانوا ً ينتظرون بفارغ َّ َ يقصد (فيلال األستاذ ظريف) لي ِ جلسو ُه على واحدا من “الماليين” ُ ً ُ ٍ ٍ ٍ ِ مستديرة في حجرية طاولة أحد الكراسي الحجر َّي ِة ا َّلتي ث َّبتوها مع الض ِ ِ ِ ٍ يافة ،حتى لو َ كان- ليقدموا له أركان ركن من الحديقةِّ ، واجب ِّ َ
ِ ِ ضجيجهم وجنونِهم األب واالب ُن من َ أحد الجيران القدامى ا َّلذين َّفر ُ ٍ ِ ِ نقاهة ،في سنوات مرور سرا أال يستقبالهم في (الفيلال) قبل وأقسما ًّ ِ ٍ ٍ ماكرة يقي ِ االجتماعات ،بينما كا َن ْت أ ّم ظريف مان فيها تش ُّت َت محاولة ِّ ٍ ِ ِ ٍ القادرات على ِ َ صورة نقل الجارات واحدة من استقبال ولو تتمنى ِ ِ ُ المناسبات تمشط في تعد عن سيدة “الفيلال” الفنّانة ا َّلتي -وإن لم ْ ِ ِ ِ بسبب اللما ِع األظافر تضع طال َء شعرها عند الحلاّ ق ،أو ْ األحمر ّ َ والقماش واأللوان -لكنَّها تبدو في ِ ِ ِ الد ِ ِ قمة التراب ائب في عملها َّ ِ وجهها ا َّلذي لطالما َ مادي، الر ّ حيويتها وقد تور َد ُ كان بن ًّيا مائلاً إلى َّ ببرميل ٍ ِ طاقة. فصار ْت أشب َه َ
52
إلى أن جا َء ذلك اليو ُم من ِ شهر “آب ال ّل ّهاب” ،وا َّلذي سمعوا فيه ِ ِ ِ ومواء “أبو بعواء (كانوش) ترافق البيت، تقترب م َن صوت أقدا ٍم َ َ ُ ِ ِ الش ْ ُّ رؤوسهم الحديقة الحجر ّي ِة ،فأط َّل ْت طاولة المتمددان على وش” ّ ُ بفضول من شب ِ ٍ ٍ ٍ ِ يعتمر أشيب ضخ ٍم، عجوز برجل المطبخ ،فإذا اك َ َّ ُ
ِ ويلبس ثيا ًبا واسع ًة الكبير، رأس ُه قبع ًة قذر ًة من ُ َ الجينز القدي ِم تغ ِّطي َ يمتزج فيها ال َّل ُ البنفسجي بال ُبن ِِّّيّ ، ومشاي ًة بالستيكي ًة زرقا َء عتيق ًة ون ُ ُّ ِ بأظافرها ال َّط ِ ِ المعقوفة، ويلة البنّ ّي ِة تخرج من مقدمتِها أصاب ُع ُه ال َّثخين ُة ُ ِ ستندا إلى عكَّازين خشب ّي ِ واضح أ َّنه اقتط َع ُهما من تين يتج ُه إلى بيتِهم ُم ً ٌ ٍ ٍ ِ خوتين. الر قديمة ما، شجرة ويجر ورا َءهما قد َم ْيه َّ ُّ َ قال ظريف ضاحكًا: ِ ص حي َن ُ أرأيت يا أ ِّمي َ يصل إلى (الفيلال)؟ حال ال ِّل ِّ أسك َت ْته بحز ٍم:
ِ تمزح في ِّ ْ األوقات! كل حاول أال اصمت! ْ َ
ِ ِ الر ِ َ بوابة الغريب إلى جل وراقب ال َّثالث ُة وصمت ظريف، َ َ وصول َّ ِ يفتش عن ن َّظ ِ ِ ِ وراح ُ القراءة في ارة تسم َر ْت قدما ُه َ الحديقة المقفلة ،إذ َّ ٍ ِ بصوت ٍ ِ عال: يجدها ،فنادى جيب قميص ِه ،فلم ْ ِ البيت! -ت ًّبا للنَّظارات...نسي ُتها في
53
ٍ وأل َّنه ُ قفز ظريف ٍ بفرح أول شخص يرى ال َّلوح َة مذ ث ِّب َت ْت مكا َنهاَ ، ِ ِ بالر ِ مجا ًناً ، َّظارات، دور الن جلُ ،م ِّ قد ًما له خدم َة القراءة ّ ِّ آخذا َ مرح ًبا َّ ٍ قائلاً بفخر: -فيلال األُستاذ ظريف...
ٍ الر ُ بقرف: متفح ًصا جل إليه ِّ نظر َّ َ -أنت أستا ُذ مدرسة؟
مثل ُأ ِّم ِه حي َن ُت َ فأكثرَ ، ً سأ ُل عن أكثر نافخا أجاب ظريف َ َ صدره َ َ ِ وظيفة ابنِها: -أستا ُذ ابتدائي.
لكنَّ ُه لم يقل مث َلها“ :بحج ِم الك َْو ِن”. الر ُ جل: قال َّ
أعرف القراء َة وال الكتاب َة.. أنا الُ
يخرج سيكار ًة ويشع ُلها: وتابع وهو ُ
أكون متع ِّل ًماُّ ، َ فكل المتعلمي َن -بما فيهم ابني أحب أن الُّ ِ الحارة ،مجانين.... البالد طبيب المشهور، ُ َّ ِ ِ الحقيقة ،لم َّظارات ،وفي ولم يسأ ْله ظريف عن حاجتِ ِه إذن إلى الن ٍ ِ الر ُ أتبع جمل َت ُه األخير َة أي شيء ،فقد َ جل له مجالاً ليسأ َله عن ِّ يترك َّ
54
ِ ٍ الحياة: بجملة ُأخرى فيها خالص ُة فلسفتِ ِه في العلم ِِ َ كالكالبُ ، ويستحق أن الدماغِ، يأكل كالق َط َط ِة أو ُّ أسماك ِّ ُ كان ثمن ِ قتل ِه َسج ُن شهور... ُيق َت َل حتى لو َ ُ ِ ٍ َ َ وجه ظريف ا َّلذي ّ راض عن غير دخان سيكارتِ ِه في ونفخ كش َر َ ِ الر ُ جل: الحديث جمل ًة وتفصيلاً َ ، وأكد َّ مذ تقاسم ْت إحدى ِ المسأل ُة مسأل ُة مبدإٍَ ...وكبر ْ الق َط َط ِة نشأ َ َ ِ َ كنت طفلاً . أسماك وقت ُ الحوض ا َّلذي أهدتني إ ّياها أمي َ
يصد ْق ظريف وهو ُ العجائبي أ َّن ُه َ َ كان يو ًما المخلوق يتأمل هذا لم ِّ َّ
صغيرا ،وأ ّنه َ طفلاً أيضا. كان َ عند ُه ُأ ٌّم ً ً ليستمع إليه: وعا َد َ
تظل عظام الس ِ حي -أن َّ مك مرم َّي ًة على ُ ُ َّ أقسمت -طالما أنا ٌّ ال َّط ِ تجد قط ًة أو كل ًبا يأك َلها. ريق ،فال َ
ِ ُ َ وتابع ب، فم ُه، مشدوها، كان ظريف ً َ يحاول أن يستوع َ ً فاتحا َ ٍ بحماس: العجوز ُ الذئب أو ال َّثعلب أحقر من ِ الق َط َطة ُ َ ِّمر أو ِّ َ ُ تعتقد أن الح َّي َة أو الن َ
ِ قرر ُت أن أصطا َد ُهم... والكالب؟ ً أبدا ،لذا ْ هنا سأ َله ظريف:
55
لحما يؤكل! ب ْ ط ِّي ْاصطد ً الر ُ جل: واستنكر َّ َ
ِ ٍ ٍ ٍ باألسماك... متعلقة لغاية إنسان َّية لغاية ما ِّدية ،بل أنا ال أصطا ُدمدرسة وتريد أن يكون ال َّتعبير واضحاٍ : ٍ َ لغاية َس َمك َّي ٍة... وألنك أستا ُذ ً ُ الر ِ متحد ًيا: جل رفع ظريف حاجبيه ،فعال ِّ ُ َ صوت َّ ِ األخالق؟ ألست أستا ًذا؟ واألساتذ ُة حما ُة حاكمني على أقوالي! َ ْ جل إلى الس ِ الر ُ َ ماء نظر ًة طويل ًة ،ثم سأ َل ُه فجأ ًة: وقبل أن َ َّ نظر َّ يجيبَ ، ِ ِ األطفال؟ محظوراتك التي تلقيها على علي لن َ تتلو َّ تنهد ظريف وهو يتمتم: َ
-مجنون رسمي...
56
()22 ٍ ِ ِ ألصق ُّ واحد منهما كل الحوار ،إلى أن سماع وجان الز َ لم يستط ِع َّ َ اك وحبسا أنفاسهما ،فتناهى إلى ِ زجاج الشب ِ ِ سمعهما سؤا ُل ُه ُأ ُذ ًنا على َ َّ َ ِ كضابط شرطة: ص الحديق َة يتفح ُ وهو َّ كلب؟ -عندكم ٌ
ِ ِ ُّالقرية كال ُبنا! كالب كل
ِ الر ُ َ وتابع: ظريف فابتسم غص، أجاب ظريف، َ كم ْن َّ َ َ جل َ فسعل َّ ِ ُّالقرية قطاطنا. وكل ِق َط َط ِة
َ وعلق: ودعس عليها، أكثر ،ورمى بقي َة سيكارتِه َ َ سعل َ ِ ِ بعض الن ِ َ يدخل المر ُء من ليس غبا ًء أن ّاس ُكالكالب والق َط َطةَ ، ِ ِ خلص منهم سجنًا. أجل ال َّت “الس ِ وهمست جن”، ْ شه َق ْت أ ُّم ظريف وقد التق َط ْت أذناها كلم َة ّ في ُأ ِ ذن ِ زوجها: المدعو “أبو بارودة”! هذا ،والله أعلم،ّ
مبتسما ،ور َبت كت َفها: زوجها إليها نظر ُ ً َ
57
ِ بذكائ ِك أنا... ب معج ٌ َ -
ٍ بفخر ،ثم قط َب ْت حي َن َ قال: رأسها رف َع ْت َ للش ِ ٍ الس ِ على ِّتحتاج إال إلى تلفون ُّ رطة جن ال ُ كل حال ،إن إعاد َت ُه إلى ّ ٍ رصاصة يطل ُقها على ِ عند ِ أول ق َّط ٍة أو ٍ يحتاج إلى واألمر ال كلب، أول َ ُ ُ
ِ ٍ ِ الر ِ تخطيطُ ، المعارك ،وس ّبا َب ُته إ َّما مرفوع ٌة جل مبر َم ٌج على كثير فعقل َّ الز ِ ِ ناد ،وبارود ُته... ُت َه ِّد ُد َأم َن الق َط َط ِة هي على ِّ والكالب ،أو َ ِ َ سمع ِهما كلم ُة “بارودة” ،فعادا يكمل جم َل َته ،تناهى إلى وقبل أن جاجِ ، وألصقا ِ الز ِ فسمعا: أذنيهما على ُّ -أخذوا بارو َدتي! صادروها!
ٍ ِ ٍ بسرعة إلى حيث وخرج ْت بغضب، صدرها ضر َب ْت أ ُّم ظريف على َ
وقف “أبو بارودة” وابنُها ،وسم َع ْته ُ ساخرا: يقول َ ً خدمة ِ ِ ّالق َط َطة! الشرطة في
ِ ٍ ٍ ٍ سريعة لم ُ َ القرف تخل من بنظرة بحرف ،تأ َّم َلها وقبل أن تتفو َه ِ ٍ لمنظرها المشع ِ ِ تسميه هي امتزج بما أكبر ث ،فباد َل ْته َ َ َّ القرف بقرف َ ِ ِ عج ٍل زوجها اللاَّ ُ حق بها على َ فس َّر ُ عاد ًة :الكُر ُه من النَّظرة األُولىُ ، ٍ ٍ ِ َ سعيدة مع ابنِه اطمأ َّنا من خاللها بأنها نظرات وتبادل لكرهها له، ِ ِ الش ِ شرب َّ القهوة ،وأن مسرحي َة “مستشفى اي وال تدعو ُه إلى لن َ
58
ِ ِ الكراهية تأجيج يمنع ِمن تتكرر ُهنا ،ولك ْن هذا ال المجانين” لن ُ َ لتصل إلى ِ ِ إن َ َ أوجها؛ لذا ،فما ْ وجين سؤا َل ُه الز سأل “أبو بارودة” َّ
ِ ِ العائلة: أفراد أح ٌد من الخطير ا َّلذي لم يتوق ْعه َ َ عندكم ُورق لعب؟
ٍ ٍ الر ِ حتى َ خطوات وشد ُه جل َّ أخذ ظريفَ ، بعد غمزة من أبيهَ ، ذراع َّ
بعيدا عن أبويه: ً
ٍ دجاج؟ خم َعند َك ُّ
أجاب: َ
ِ كانَ ، َغدا. واحدا وسأنشئ السج َن، دخولي قبل جديدا ً ً ً ُ األخير ِّ َ ٍ ِ الر ِ بسؤال ال جل كيف استغر َب ْت أ ّم ظريف َ ُ يجيب ابنُها على سؤال َّ عالق َة له به ،لكنَّها وزوجها كانا واثقي ِن من ِ ذكاء ابنِ ِهما واحتيالِه. ْ َ قال ظريف:
جاج. يا عيني عليك!ُ تعرف ،إذن ،متى ينا ُم َّ الد ُ
-نعم!
ٍ ِ ساعة. بنصف -نح ُن ننا ُم قب َل ُه
يطلق ضحك ًة ر َّنانة ،بينما اتسع ِ لم َع ْت عينا ِ ت ابتسام ُة األ ِّم األب ،وكا َد ُ َ عيون ال َّث ِ ُ بشفتي “أبو بارودة” ا َّلذي تأو َه بأسف: الثة إعجا ًبا ،ثم تعل َقت ّ
59
-أوه!
وتابع ظريف:
ِ الورق. لعب واليجيد ُ ُ أحدنا َ
-أوه!
الز ِ هر! -وال طاول َة َّ
-أوه!
نحب القهو َة وال ّ اي. والالش َ ُّ
-أوه!
-وال األركيلة!
-أوه!
رسام ٌة و... -وأمي فنّان ٌة ،يعني َّ
وأضاف أبوه: َ
ومصمم ُة أزياء... ِّ
ِ ستي ،بينما َ نفخ ْت أ ُّم ظريف فغمز ظريف أبا ُه شاكرا َّ َ عم ال ُّلوج ّ الد َ ً ألول ٍ ِ مرة، تسمعهما لصفتي :فنَّانة و ُمصممة أزياء ال َّلتين صدرها ُ ّ َ حتى كادت تطير في الس ِ ورغم ّ أن “أبا بارودة” عا َد فألقى ماء بهج ًة. َ ْ َ َّ ُ ٍ نظر ُه عنها ،ليتأ َّم َل بقرف نظر َة تأ ُّم ٍل سريع ًة جديد ًة ،ثم عليها َ أشاح َ
60
مشف ًقا ِ أيضا زوجهاِ ، ٍ ألن امر َأ ًة كهذه يمك ُن ْ عليه َّ تسم َم بسرعة ً َ أن ِّ ٍ َ فأكمل ابنُها: رجل، أي حيا َة ِّ يعني أ َّنها رب ُة ٍمنزل فاشل ٌة... المرة ،هي التي هت َف ْت: وهذه َّ
-أوه!
ٍ ِ تحضير ٍ وكعك ومربى أكل تتشاج ُر مع ابنِها وتهد ُده بعد ِم وكا َد ْت َ
بعد اليو ِم ْ فيشرح جمل َته لها وله: يسارع إن لم َ ْ
أطايب طعا ٍم عندنا وال َمن يحزنون. يعني الَ ِ وفهم ِ اإلساءة إليها ،فقب َل ْت على َم َض ٍ ض القصد المقصو َد من ت األُ ُّم َ َ ِ السفلى َ وقال ّ بالتضحية بسمعتها ،خاص ًة حي َن بر َم “أبو بارودة” شف َت ُه ُّ ِ ٍ بأسف ِّ بخيل: كل -أووووووه!
61
()23 الس ِ َ نعم! َ جن، كان اليو َم األول الذي يخرج فيه “أبو بارودة” من ّ ِ األجواء متفحص ًة على فأحب أن يلقي نظر ًة بيت جيرانِ ِه ولفت ن َظ َر ُه ُ َ َ َّ حتى قبل دخولِ ِه إلى بيتِه ،فما َ نال إال مجموع ًة من (األوه)!
ِ ِ ِ ٍ َ َ البيت خرج من بإيجاد األمل يفقد وقبل أن َ سبيل إلى هذه األسرةَ ، قط رمادي وسيم سمين أرنب ُة ِ ِ ِ نحوهم ٌّ خضراوان عينان أنف ِه بن َّي ٌة ،وله ٌ ٌّ ٌ كره ِه ِ ِ أجمل منهما رغم ِ َ فشهق الق َطط َة، ساحرتان لم َير “أبو بارودة” َ
مستغر ًبا:
-شانشيال؟
ٍ الش ْ فتأ َّم َل ُه “أبو ُّ يهد ُد ُه: وش” بازدراء ،وما َء كمن ُ
مياوووووو....ِ ٍ وقف ُّ القط ُّ بقدمي “أبو رأس ُه بخوف ،في فقفز الوقت الذي َ َ ّ يحك َ
ِ للجار: قد َمه ظريف” الذي َّ الش ْ إنه “أبو ُّوش”...
62
وكا َد “أبو بارودة” ُيص َع ُق:
ون ِ تسم َ الق َط َطة؟ ّ -
ِ َ بعوائ ِه المتتالي ،فحمل ْت ُه ركض (كانوش) وقبل أن يجيب ٌ أحدَ ، َ
بتحد: وقالت األ ُّم، ٍّ ْ
باريسي أيضا...إنه (كانوش) ،أهداني إيا ُه “صديق” والكالب ً َ ٌّ
َ مقابل برج إيفل... بي ُته
ِِ ٍ وخاص ًة عندما تأ َّم َل قدميها بكثير، السابِ ِق َ ّ أكثر من كرهه َّ وكرهها َ
ِ أخفض ُه َ ساخرا: فقال رأس ُه ثم الحافيتين المش َّققتي َ الكعبينَ ، ً فرفع َ -برج إيفل...أوه!
ِ ٍ غير ثالثة بعد أشهر لم َيروا فيها ً وخطر للجمي ِع أن يتس ّلوا َ أحدا َ َ ِ يضع ذرا َع ُه ورا َء ِ زمالء ظريفَ ، ظهره: فقال له ظريف وهو ُ َ تسمح أ ِّمي ْ الش ْ يختلط “أبو ُّ وش” و”كانوش” برعا ِع القط َط ِة أن الُ
ِ والكالب...
ِ الر ُ المرأة وال إلى عينيها وال كعبي ينظر إلى ّ جل أن َ ولم يستط ِع َّ
تابع: حتى يسمع صو َتهاَ ، فركز على ما يقو ُله ظريف ا َّلذي َ َ
نقصد نطعمها ،بل ف م َعها أو ال وهذا طب ًعا ال يعني أننا ال نتعا َط ُُ ُ من ِ تركيب كاميرا الر ِ ِ َ هناك إبعا َدها فقط... صد التي وضعناها وراء َّ ٍ خطوات ،ثم أشار إلى ٍ ٍ َ صغيرة من الباطون كرة وسار ِبه وأخذ ذرا َع ُه َ َ
63
ِ ِ والتفت إليه فجأ ًة: السقف، َ على أحد الجدران َ قرب ّ -رأي َتها؟
جل رؤي َتها ِ ِ الر ُ َ األبوان إال كر َة وفش َل ،تما ًما كما لم َير حاول َّ اإلسمنت ،فقال ظريف َبأ ٍ ِ سف: َ نظارتاك َ معك لرأي َتها. -لو كا َنت
ٍ ينزل ذرا َعه عن ِ سأل “أبو بارودة” ظري ًفا وهو ُ َ بحقد: كتف ِه ُ ٍ رصد؟ -كاميرا
ِ وذات د َّق ٍة ٍ ِ تلتقط َّ ُ الجبل إلى حركات من أعلى كل ال َّت عالية، حديث ٌة،ُ وت والص ِ وقاع ِه ،وتسج ُلها بالص ِ البحر ِ ِ ِ ورة أسفل الوادي امتدا ًدا إلى ُّ َّ ّ ِ ِ َ بعدها نغ ِّير لها الب َّطاري َة... لمدة طوال أرب ٍع وعشري َن ساع ًة سنتين َ والتفت إليه: َ
بخمسمائة ٍ ِ ليرة...عرف َتها؟ -بطاري ٌة صغير ٌة
ِّ الر ُ َ والغل: مزيج من الكراهية جل وفي عينيه ٌ قال َّ
-نعم..
ٍ فتابع ظريف حدي َث ُه ِ جد َية: الجد ِّي غير بطريقة ّ ِّ َ فتعود إلى ِِ عملها َ سنتين جديدتين...وهكذا.... مثل الف ّل ِة َ
64
الر ِ يستطع ْ يكتم غض َب ُه .وبينما أن يتوقف ،ولم جل ُ ْ وكا َد ُ َ قلب َّ
ِ ِ ذهاب فور استطاع ُ َ تفكر أنهاَ - كتم ضحكته ،كا َن ْت أ ُّم ُه ُ والد ظريف َ ِ لدهن ِ اإلسمنت بال َّل ِ ِ يجب ْ ون كرة الس ّل َم أن “أبو بارودة”- َ ُ تتسلق ُّ ٍ ِ الد ِ ِ ِّب ابنُها هان األسود ووض ِع نقطة من ِّ األبيض وس َطها ريثما يرك ُ َ ُ يتحدث عنها. مثل الكاميرا العجائب ّي ِة التي َ سحب ذرا َع ُه من ذرا ِع ظريف: منتفضا وقد قال ً َ ِ حر ِك. هذا ٍّتعد على حرية ال َّت ُّ
والد ظريف: سأله ُ تحر ٍك؟ ُّأي ُّ ٍ َ بسرعة: قال
الش ِ ِ الكالب ّ القططة ّ أقصد..برج الشارد َة.. أقصد اردة، تحر ِك ُ ُ َ ُّ -
إيفل..
َ سأل الثالث ُة م ًعا: -برج إيفل؟
زفر حان ًقا: َ تحر ِك الص ِيد.. َّ ُّ
سأله ظريف: أي ٍصيد؟ ُّ
65
ٍ َ بسرعة: قال
الذ ِ صيد ِّ ئاب... ٍُ بارتباك: وشرح َ
ممنوع أن نصطا َد ُه؟ ذئب؟ ٌ هاج َمنا ٌ -ماذا لو َ
األب: سأله ُ
َ عندك بارود ٌة لتصطا َد ُه؟ -وهل
َ قال بسرعة:
ُ وسائل أخرى... عنديبالكره من الن ِ ِ سار َع ِ َّظرة األولى ،وسأل ْته: ت األ ُّم محكو َم ًة -مثل ماذا؟
ابتعد عنها: َ
ِ ِ رجال ّ الشرطة... أسئلة أجيب إال عن أنا الُ
ولح َقت به:
ستجيب... ُ
تراجع: َ
أجيب! لنَ
66
َ وهرول هار ًبا ،ولح َق ْت به حافي ًة:
ستجيب... ُ
ِ َ البيت، باب باب الحدي َق ِة بإحكا ٍم، ووصل إلى بيتِ ِه، َ وفتح َ َ فأغلق َ عث ٍ الد ِ اخل رائح ُة ٍّ قوية جع َل ْت حتى الخفافيش والقنافذ فانبع َثت من َّ
ُ الباب صفق وعطاسها إال حين يخف سعا ُلها وتعطس ،ولم تسعل َ َّ َ ُ ُ ٍ ٍ بصوت ٍ بعنف وهو ُ عال: يقول -مجانين!
األرض ،ثم توجه إلى الن ِ ٍ ِ ففتحها َّافذة ببصاق على وأتبع الكلم َة َ َ َ
وخاط َبهم:
-ت ًّبا لكم!
ِِ ِ ِ صودرت غير ا َّلتي فراش تحت أخرج من ثم َ َ سريره بارود ًة قديم ًة َ
منه:
قبل ِ ِ الكاميرا َواجب! والكالب ،استهدا ُفها الق َط َط ِة ٌ انتهت
الدَّ امور:السبت06 ، حزيران2015 ،
67
68
السـيرة َّ الذاتية د .إيمان بقاعي
أستاذة جامعية .االختصاص :األدب العريب وأدب األطفال والناشئة.
تاريخ الوالدة :دمشق.1960 ، اجلنسية :اللبنانية.
نالت شهادة الليسانس يف األدب العريب من جامعة بريوت العربية سنة.1982-1983 :
نالت شهادة دبلوم الدراسات العليا /ماجستري من اجلامعة اللبنانية ،كلية اآلداب والعلوم اإلنسانية (الفرع األول) ،سنة.1996 :
نالت شهادة الدكتوراه يف اللغة العربية وآداهبا ،اجلامعة اإلسالمية يف لبنان /كلية اآلداب
والعلوم اإلنسانية ،سنة.2007 :
مؤلفاهتا:
أ -كتب لغوية:
_ 1معجم احلروف (دار املدار اإلسالمي.)2003 ،
_ 2معجم األسامء (دار املدار اإلسالمي.)2003 ،
_ 3معجم األفعال (دار املدار اإلسالمي.)2003 ،
_ 4معجم مصطلحات أدب األطفال والشباب ،حتت الطبع (إلكرتوين). 69
ب -كتب أدبية:
( _ 1نقد) نازك املالئكة والتغريات الزمنية (بريوت :دار الكتب العلمية/)1995 ، سعيد عقل :اإلبحار إىل فينيقيا (بريوت :دار الكتب العلمية /)1995 ،حممد
الضائع الذي وجد نفسه(بريوت :دار الكتب العلمية /)1994 ،معروف الفيتوريَّ : الرصايف :نار أم ِ كلم (بريوت :دار الكتب العلمية /)1994 ،سليامن العيسى :منشد ٌ العروبة واألطفال ،إلياس أبو شبكة والفردوس املشتهى (بريوت :دار الكتب العلمية،
/)1995نزار قباين _ شاعر فوق املاء (بريوت :دار الفكر اللبناين).
( _ 2حتقيق) :كتاب احليوان للجاحظ (بريوت :أكاديميا) /ديوان أيب متام (بريوت :مؤسسة النور للمطبوعات ،ورقي /)2000 :ديوان اإلمام الشافعي (بريوت :مؤسسة النور
للمطبوعات ،ورقي /)2000 :ديوان البحرتي (بريوت :مؤسسة النور للمطبوعات ،ورقي:
/)2001ديوان األخطل (بريوت :مؤسسة النور للمطبوعات ،ورقي.)2001 :
_3قصص األطفال (ماهيتها ،اختيارها ،كيف نروهيا)( :بريوت :دار الفكر اللبناين ،ورقي:
.)2003
_4فن قصة األطفال( :بريوت :دار اهلادي للطباعة والنرش والتوزيع ،ورقي.)2004 :
_5املتقن يف اإلنشاء وحتليل النصوص وتصميم املوضوعات (بريوت :دار الراتب اجلامعية،
ورقي.)2006 :
_6املتقن يف األدب العريب املعارص (بريوت :دار الراتب اجلامعية ،ورقي.)2007 :
_7املتقن يف أدب األطفال والشباب لطالب الرتبية ودور املعلمني (بريوت :دار الراتب اجلامعية ،ورقي.)2011 ،
_8الوطن يف ادب الرشاكسة \ األديغه (العريب واملعرب) :ورقي( :دمشق :املنتدى الثقايف
الرشكيس ،)1997 ،ط :2إلكرتوين (نيل وفرات.)2014 ،
_9قصة األطفال والنَّاشئة يف لبنان (جدلية َّ الشكل واملضمون) ،إلكرتوين (نيل وفرات)2012 ،
70
الصفار :نبض ّ الشعر النّبطي (بريوت :النخبة للتأليف والرتمجة والنرش، _10الشرَّ يف جبارة ّ
ورقي ،)2011 ،وإلكرتوين (نيل وفرات.)2011 ، ج _ روايات وقصص:
_1عزة( :بريوت :دار الكتاب اللبناين ،ورقي ،ط ،1980 :1ط.)1996 :2
_2ومني الوفاء( :بريوت :حقوق الطبع حمفوظة للكاتب ،ورقي ،ط.)1983 :1
_3األرملة( :بريوت :املركز العريب للثقافة والعلوم ،ورقي ،ط.)1996 :2 ِ أجيئك حيث تكونني (قصص قصرية) (بريوت :النخبة للتأليف والرتمجة والنرش ،ورقي، _4 ط ،2008 :1الكرتوين.)2008 : د_ قصص لألطفال والناشئة:
_1حواسنا ( 5قصص)( :بريوت :الدار النموذجية ،ورقي.)1999 ،
_2قانا (قصة للناشئة)( :دمشق :دار عالء الدين ،ورقي.)1999 :
_3سلسلة مذكرات اآلنسة أديبة( :دمشق :القمر الصغري ،ورقي.)2004 : _4سلسلة البيئة لألطفال( :بريوت :دار الراتب اجلامعية ،ورقي.)2007 : 5-خشبونا (قصة للناشئة)( ،الكرتوين.)2014 :
6-مغامرات عطلة الربيع (قصة للناشئة)( ،إلكرتوين,)2014 :
- 7آديوخ (قصة للناشة)( ،الكرتوين.)2014 :
_8حكايات جديت مهيبة (الكرتوين :حتت الطبع).
هـ _ كتب أطفال ثقافية وتربوية:
اصنع بنفسك( :دمشق :دار عالء الدين ،ورقي.)1999 : -1 ْ
- 2تعالوا نلعب :جمموعة ألعاب لتنمية وتطوير أخالق الطفل وذكائه( :دمشق :دار عالء الدين ،ورقي.)2010 :
- 3سلسلة أدب وسلوك األطفال والشباب( :بريوت ،دار الراتب اجلامعية ،ورقي.)2007 : 71
: جمالت ودوريات- و
.)2014 _ 2000( )_ جملة أمحد اللبنانية لألطفال (شخصية شكوى شهر ًّيا
.143\142\141\140\139\136\135\133 : األعداد: _ جملة العريب الصغري .2005 ،159 : عدد:_ كتاب العريب الصغري .2006 ،171 : عدد:_ كتاب العريب الصغري .2006 ،576 : ع:_ العريب
:_ صحيفة أضواء الوطن االلكرتونية http://www.adwaalwatan.com/articles.php?action=show&id=20 http://haybinyakzhan.blogspot.com/2012/06/blog-post_30.html http://haybinyakzhan.blogspot.com/2012/06/blog-post_21.html http://haybinyakzhan.blogspot.com/2013/04/blog-post_3640.html http://www.alukah.net/culture/0/68379/ https://www.goodreads.com/author/show/6508935._ http://ahmedtoson.blogspot.com/2012/07/blog-post_13.html http://ahmedtoson.blogspot.com/2012/07/blog-post_13.html http://www.kuwaitmag.com/index.jsp?inc=5&id=522&pid=2403 http://wehda.alwehda.gov.sy/_archive.asp?FileNa me=51763689920141020212345 http://www.forsanhaq.com/showthread.php?t=387053 http://www.middle-east-online.com/?id=87585 http://www.middle-east-online.com/?id=87585 www.circassiannews.com
72
إيامن بقاعي.موقع د https://emanbekai.wordpress.com/?ref=spelling
73