Mr Zarif 's Villa

Page 1



‫إهداء‬ ‫ِ‬ ‫اً‬ ‫إل�ى َّ‬ ‫المالكتي�ن ذائق� َة‬ ‫ش�كل ومضمونً�ا‪،‬‬ ‫الش�بيهتين‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫الرواي� َة قب�ل نش�رها‪،‬‬ ‫الرفيع�ة‪،‬‬ ‫اللتي�ن قرأت�ا ِّ‬ ‫الس�خرية ّ‬ ‫ّ‬

‫وعملت بنصائحهما‪ :‬مهيبة أكربا‪ ،‬وديدو جحا ‪.‬‬ ‫ُ‬

‫إيمان بقاعي‬


‫حقوق الطبع والن�شر والت�صرف بهذا الكتاب‬ ‫حمفوظة للم�ؤلفة‬ ‫طبعة �أوىل ‪2017‬‬ ‫‪ISBN: 978-9953-518-57-2‬‬ ‫‪TEL: 00961 79 119718‬‬

‫‪Email: emanbikai60@hotmail.com‬‬ ‫‪Designed by: Gharid Geha‬‬


‫(‪)1‬‬ ‫ِ‬ ‫الرائع ا َّلذي يقدمه ابن ُِك‬ ‫يمكنك يا أ ّمي أن ترفضي‬ ‫ ال‬‫َ‬ ‫العرض َّ‬ ‫ٍ‬ ‫بقية ٍ‬ ‫لعيش ِ‬ ‫ِ‬ ‫هانئة‪...‬‬ ‫حياة‬ ‫ظريف‬

‫ٍ‬ ‫ِ‬ ‫بسرعة‬ ‫ببضعة سني َن جمل َته هذه‬ ‫تجاوز العشري َن‬ ‫قال ظريف ا َّلذي‬ ‫َ‬ ‫ِ‬ ‫كالعادة‪ِ ،‬‬ ‫ِ‬ ‫ومن ِ‬ ‫ستزع ُج أ َّمه‪ ،‬وهو طب ًعا لم ُي ِر ْد‬ ‫دون أن يفك َِّر إن كا َنت‬ ‫جدا‪...‬‬ ‫إزعاجها‪ ،‬ألنه كان ‪-‬كما‬ ‫جدا ًّ‬ ‫جدا ًّ‬ ‫يعتقد‪ -‬يد ِّل ُلها ًّ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ورغم َّ‬ ‫المتسرع َة وكلماتِ ِه ا َّلتي‬ ‫تعرف طبيع َة ابنِها‬ ‫أن أ َّم ظريف كا َنت‬ ‫ُ‬ ‫ِّ‬ ‫َ‬

‫تفكير ُه‪ ،‬فقد غض َب ْت عندما سم َع ْت جمل َة‪“ :‬بق َّية حياة‬ ‫تسبق‬ ‫غال ًبا ما ُ‬ ‫َ‬ ‫ِ‬ ‫ٍ‬ ‫بغضب‪:‬‬ ‫قميصه قائل ًة‬ ‫َت بق َّب ِة‬ ‫هانئة”؛ لذا سار َع ْت إليه وأمسك ْ‬ ‫ِ‬ ‫أتجاوز الخمسي َن‪...‬‬ ‫عجوز؟ تذكَّر أنني لم‬ ‫ ماذا تعني؟ هل تعني أ َّنني‬‫ٌ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ​ِ‬ ‫ِ‬ ‫الش ِ‬ ‫الكرو َّي ِة َّ‬ ‫كل‪،‬‬ ‫انحنى ظريف بقامته ال َّطويلة إلى ُأ ِّمه البنّ َّية ال َّلون‪َ ،‬‬ ‫هامسا في أذنِها‪:‬‬ ‫ً‬ ‫بأحد َ‬ ‫عش َر عا ًما‪...‬‬ ‫ إال‬‫َ‬

‫َ‬ ‫تلبسها عاد ًة عندما‬ ‫وضحك وهو يناو ُلها ُس َتر َتها َّ‬ ‫الزرقا َء الوحيد َة ا َّلتي ُ‬ ‫ٍ‬ ‫ِ‬ ‫تفعل‪َ -‬‬ ‫البيت‪ -‬وق َّلما ُ‬ ‫بسرعة‪:‬‬ ‫وقال بعد أن ق َّب َل جبينَها‬ ‫تخرج من‬ ‫ُ‬

‫‪5‬‬


‫ِ‬ ‫َ‬ ‫األجمل واألذكى‪ ،‬وها‬ ‫أعتبرك األ َّم‬ ‫ أوه يا ُأ ّمي! أنت تعرفين أ َّنني ُ‬‫ِ‬ ‫األكثر شبا ًبا‪...‬‬ ‫الصفتين صف َة أ َّن ِك األ ُّم‬ ‫أزيد على‬ ‫أنذا اليو َم ُ‬ ‫هاتين ِّ‬ ‫ُ‬

‫الصف َة األخير َة‪،‬‬ ‫ابتسمت أ ُّم ظريف ابتسام ًة واسع ًة وهي‬ ‫تسمع ِّ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫تثبت البنِها أنها مازا َلت شا َّب ًة بالفعل‪ ،‬حتى إ َّنها‪-‬‬ ‫وتسار َع ْت خطوا ُتها كي َ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫غمرة فرحتِها بال َّل ِ‬ ‫الجديد‪ -‬نس َيت أن تسأ َله إلى أين وجه ُتهما‪.‬‬ ‫قب‬ ‫في‬ ‫ِ‬ ‫لتصعد ثم يغل ُقه‬ ‫العتيقة “(دالل)‬ ‫باب س َّيارتِ ِه‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫يفتح لها َ‬ ‫وأردف وهو ُ‬ ‫ِ‬ ‫الجهة المقابِلة‪:‬‬ ‫ويسرع إلى‬ ‫ُ‬

‫أن إحدى زميالتي المع ِّل ِ‬ ‫ تصوري َّ‬‫مات سأ َل ْتني بعد أن رأ ْتنا‬ ‫وق‪ :‬ما اسم ُأختِ َك الص ِ‬ ‫ِ‬ ‫وأنت يعني‪ ،‬في الس ِ‬ ‫غيرة ا َّلتي كا َن ْت‬ ‫م ًعا‪ ،‬أنا‬ ‫َّ‬ ‫ُ‬ ‫ُّ‬ ‫ِ‬ ‫باألمس معك يا ظريف؟‬

‫ِ‬ ‫خصالت ِ‬ ‫الكثيف‬ ‫البني‬ ‫ب‬ ‫َ‬ ‫ضحك ْ‬ ‫َت ُأ ُّم ظريف قائل ًة وهي تر ِّت ُ‬ ‫شعرها َّ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫حفيد ِة‬ ‫عرس‬ ‫لحضور‬ ‫عند الحلاَّ ِق‬ ‫القصير ا َّلذي ص َّف َف ْته قبل‬ ‫َ‬ ‫يومين َ‬ ‫َ‬ ‫جارتِها ُأ ّم سليم‪:‬‬ ‫ ال ُت ْ‬‫بالغ يا حبيبي!‬ ‫ِ‬ ‫وشهق‪:‬‬ ‫مفتاح س ّيارتِ ِه العتيق َة (دالل)‬ ‫وأدار‬ ‫المقود‬ ‫صعد ورا َء‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ ُأ ُ‬‫أبدا‪...‬‬ ‫بالغ؟ ً‬

‫‪6‬‬

‫ٍ‬ ‫ِ‬ ‫عابئة بضحكتِه‪.‬‬ ‫غير‬ ‫ثم‬ ‫انفجر ضاحكًا‪َّ ،‬‬ ‫فهزت كت َف ْيها َ‬ ‫َ‬


‫(‪)2‬‬ ‫ٍ‬ ‫بسرعة‪ ،‬لئلاَّ يخال َفه‬ ‫بيروت‪ ،‬ال يقو ُد ظريف عاد ًة سيار َت ُه (دالل)‬ ‫في‬ ‫َ‬ ‫تنهال على ِ‬ ‫َ‬ ‫الس ِير ثان ًيا‪ ،‬ولئلاَّ‬ ‫ُّ‬ ‫رأس ِه‬ ‫رطي أولاً ‪ ،‬ولئلاَّ تفو َت ُه‬ ‫ُ‬ ‫إشارات َّ‬ ‫الش ُّ‬ ‫ِ‬ ‫العالية الن ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫َّبرة بالن ِ‬ ‫والعودة‬ ‫ّـزول من (دالل)‬ ‫تهديدات أ ِّمه‬ ‫مجموع ٌة من‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫الساحل ّي ِة التي‬ ‫سيرا على األقدا ِم‪ .‬ولكن‪..‬في هذه القرية ّ‬ ‫إلى البيت ً‬ ‫ِ‬ ‫ٍ‬ ‫إشارات ٍ‬ ‫سير‪ ،‬وال شرطة‪ ،‬كما‬ ‫بيروت‪ :‬ال‬ ‫ساعة جنو ًبا عن‬ ‫ربع‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫تبعد َ‬ ‫قابلة لل َّت ِ‬ ‫ات غير ٍ‬ ‫بالذ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫تهديدات الن ِ‬ ‫البيت ّ‬ ‫ّزول ّ‬ ‫َّ‬ ‫نفيذ؛‬ ‫هاب إلى‬ ‫أن‬ ‫والذ َ‬ ‫ُ‬ ‫والد ِ‬ ‫ِ‬ ‫كثير من الس ِ‬ ‫كثير ٍ‬ ‫بكثير ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫ُ‬ ‫كانة‬ ‫احة‬ ‫أبعد‬ ‫البيت قد‬ ‫والبيوت ّ‬ ‫يكون َ‬ ‫ألَ َّن َ‬ ‫ّ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫الز ِ‬ ‫ِ‬ ‫والجبنة‬ ‫والكشك‬ ‫عتر‬ ‫وفرن‬ ‫الوحيدة‬ ‫المناقيش ا ّلذي تنادي رائح ُة َّ‬ ‫منقوشة‪ ،‬وقد ناد ِ‬ ‫ٍ‬ ‫ِ‬ ‫والقاورما َّ‬ ‫ت األُ َّم وابنَها فتو ّقفا‬ ‫الختيار‬ ‫المار ِة‬ ‫كل‬ ‫َ‬ ‫َّ‬ ‫وأكال واستم َتعا قبل ْ‬ ‫أن‪...‬‬

‫‪7‬‬


‫(‪)3‬‬ ‫ِ ِ‬ ‫كان ُ‬ ‫سلك ظريف طري ًقا ض ّيق ًة َ‬ ‫َ‬ ‫يسمونها‪:‬‬ ‫أهل القرية من زمان ُّ‬ ‫ِ‬ ‫َ‬ ‫أقدامهم َ‬ ‫تتحول إلى‬ ‫قبل أن‬ ‫َّاس على‬ ‫“قادوم ّية”‪ ،‬يمشي عليها الن ُ‬ ‫المخاطر التي تحتاج سائ ًقا إما ِ‬ ‫طريق سي ٍ‬ ‫ِ‬ ‫مغام ًرا أو‬ ‫ارات ال تخلو ِم َن‬ ‫ُ‬ ‫ِ ّ‬ ‫ّ‬ ‫غبيا ليسلكَها‪ ،‬خاص ًة إذا الت َقت سي ِ‬ ‫ارتان صعو ًدا ونزولاً ‪.‬‬ ‫َّ‬ ‫ًّ‬

‫ريق متجه ًة نحو األعلى فاألعلى فاألعلى‪ ،‬حتى ظن َّْت‬ ‫وكا َنت ال َّط ُ‬ ‫ٍ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫أ ُّم ظريف َّ‬ ‫صورة‬ ‫اللتقاط‬ ‫الجبل ربما‬ ‫قم ِة‬ ‫أن ابنَها صاع ٌد ال محال َة إلى َّ‬ ‫ٍ‬ ‫رائعة م َعها وخلفهما سما ٌء زرقا ُء وغيم ٌة كبير ٌة‪ ،‬فكانت‪ -‬بين‬ ‫تذكار َّي ٍة‬ ‫قمة ِ‬ ‫أسفل الوادي‪ ،‬فتسري من ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫َ‬ ‫رأسها إلى‬ ‫تنظر إلى‬ ‫الحين‬ ‫واآلخر‪ُ -‬‬ ‫مثل ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫ِ‬ ‫ستتدحرج َ‬ ‫لتستقر‬ ‫كرة‬ ‫تخبرها أنها‬ ‫ُ‬ ‫َّ‬ ‫أخمص قد َميها موج ُة خوف ُ‬ ‫ٍ‬ ‫ذئب أو ٍ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ثعلب أو ح َّي ٍة أو ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫لبؤة ُ‬ ‫صيد‬ ‫لزوجها عن‬ ‫تفتش‬ ‫حضن‬ ‫في‬ ‫ِ‬ ‫انتهاء هذه الر ِ‬ ‫الغامض ِة‬ ‫حلة‬ ‫وتنتظر لحظ َة‬ ‫فتغمض عين ْيها‬ ‫“سمين”‪،‬‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫ِّ‬ ‫ُ‬ ‫ِ‬ ‫انحدر ْت في‬ ‫السيار َة (دالل) ما لب َث ْت أن‬ ‫أحر من‬ ‫َ‬ ‫الجمر‪ .‬لك َّن َّ‬ ‫على ِّ‬ ‫طريق م ٍ‬ ‫أيضا يظ ُّن الن ُ‬ ‫َ‬ ‫ف في‬ ‫َّازل فيه أن‬ ‫المكان قد ُخ ِس َ‬ ‫واجه ض ِّي ٍق ً‬ ‫ٍ ُ‬

‫ٍ‬ ‫جيولوجي قدي ٍم قدي ٍم‪.‬‬ ‫عصر‬ ‫ٍّ‬

‫‪8‬‬


‫المرأة لو لم ِ‬ ‫ِ‬ ‫ليزول من ِ‬ ‫َ‬ ‫وما َ‬ ‫تقف الس َّيار ُة (دالل)‬ ‫قلب‬ ‫الخوف‬ ‫كان‬ ‫ُ‬ ‫والش ِ‬ ‫ِ‬ ‫األبواب َّ‬ ‫بابيك‪،‬‬ ‫وص َد‬ ‫كبيرا َم‬ ‫بعد أن‬ ‫فجأ ًة‪َ ،‬‬ ‫َ‬ ‫هجورا ُم َ‬ ‫ً‬ ‫اجتاز ْت بي ًتا ً‬ ‫َّباتات المهم ِ‬ ‫كابي الن ِ‬ ‫ٍ‬ ‫لة ا َّلتي تم ُ‬ ‫بستان مترامي‬ ‫األقرب إلى‬ ‫أل حديق َته‬ ‫َ‬ ‫ُ َ‬ ‫َ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ٍ‬ ‫صوت‬ ‫وترافق‬ ‫منزل‪.‬‬ ‫حديقة‬ ‫هر أصحا َب ُه منها إلى‬ ‫َ‬ ‫األطراف ابت َل َع َّ‬ ‫ُ‬ ‫الد ُ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ترافق‬ ‫بصوت ظريف العالي ا َّلذي‬ ‫فاجئ‬ ‫الم‬ ‫َ‬ ‫السيارة (دالل) ُ‬ ‫وقوف َّ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫بصوت ز ُّم ٍ‬ ‫ِ‬ ‫ٍ‬ ‫األشجار‪:‬‬ ‫بمرح‪ ،‬فتر َّد َد صدا ُه بي َن‬ ‫ور أطل َق ُه عال ًيا‬ ‫بدور ِه‬ ‫الجديد!‬ ‫ هذا هو بي ُتنا‬‫ُ‬

‫ِ‬ ‫صغير على ب ِ‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫َ‬ ‫البيت‬ ‫أمتار من‬ ‫عد‬ ‫منـزل‬ ‫وأشار إلى‬ ‫قال ظريف هذا‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ُ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫الخارج‬ ‫مطلي من‬ ‫مترا مر َّب ًعا‪،‬‬ ‫المهجور‪ ،‬ال‬ ‫تتجاوز م َ‬ ‫ٍّ‬ ‫ساح ُت ُه خمسي َن ً‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫أبيض‪ ،‬وم ٍ‬ ‫بحديقة مساح ُتها حوالي مئة ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫متر مر َّب ٍع‬ ‫حاط‬ ‫بطالء‬ ‫رخيص َ‬ ‫ُ‬

‫ِ‬ ‫أحمر ٌ‬ ‫ُ‬ ‫سور ٌة‬ ‫خشبي‬ ‫باب‬ ‫البيت‬ ‫باب‬ ‫هزيل‪ ،‬وهي ُم َّ‬ ‫الداخلي فيها ٌ‬ ‫يقابل َ‬ ‫ُ‬ ‫ٌّ‬ ‫ِّ‬ ‫ِ‬ ‫ٍ‬ ‫بجدار إِ‬ ‫نصف ٍ‬ ‫ألي َ‬ ‫يقفز‬ ‫أيضا ارتفا ُعه‬ ‫كان أن َ‬ ‫أبيض ً‬ ‫سمنتي َ‬ ‫يتيح ٍّ‬ ‫متر‪ُ ،‬‬ ‫ٍّ‬ ‫داخل البي ِ‬ ‫ِ‬ ‫ت‪.‬‬ ‫داخلها‪ ،‬ور َّبما إلى‬ ‫إلى‬ ‫ِ ْ‬ ‫تنـزل من السي ِ‬ ‫فكر ْت به ُأ ُّم ظريف‪ ،‬وغض َبت قائل ًة وهي ُ‬ ‫ارة‬ ‫َّ َّ‬ ‫هذا ما َ‬ ‫(دالل)‪:‬‬

‫ هذا؟ ُهنا؟ في ِ‬‫كعب الوادي؟‬ ‫ِ‬ ‫ويشدها نحوه‪:‬‬ ‫خلف كتفيها‬ ‫يضع ذرا َع ُه‬ ‫َ‬ ‫ُّ‬ ‫صح َح معلوماتها وهو ُ‬ ‫َّ‬

‫‪9‬‬


‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫المسافات َع ْم ًدا‪ ،‬فهناك‬ ‫تزوري َن‬ ‫‪ -‬ال يا ُأمي‪ ...‬اسمحي لي‪ ..‬إنك ِّ‬

‫مترا انزال ًقا لبلو ِغ ِ‬ ‫كعب الوادي‪...‬‬ ‫أكثر من عشري َن ً‬ ‫ُ‬ ‫قا َلت ِ‬ ‫بنفاذ ٍ‬ ‫تبعد ذرا َع ُه‪:‬‬ ‫صبر وهي ُ‬ ‫يخ َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫أربعون‪ ،‬بِ ِّط ُ‬ ‫ون‪....‬‬ ‫ثالثون‪،‬‬ ‫عشرون‪،‬‬ ‫‪-‬‬

‫وأحنى رأسه إلى ِ‬ ‫ضرب‬ ‫يريد أن يتود َد إليها‪،‬‬ ‫رأسها‪ ،‬وكعا َدتِه حين ُ‬ ‫َ‬ ‫َ ُ‬ ‫ٍ‬ ‫بعنف‪:‬‬ ‫أبعد ْت ُه عنها‬ ‫جبينَ ُه بجبينها‪ ،‬لكنَّها‪ -‬على غير عادتِها‪َ -‬‬ ‫ كل ما أراه أننا سنسكن مع ِ‬‫وز َم ِر ِّ‬ ‫الذئاب‪.‬‬ ‫بنات آوى ُ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫ٍ‬ ‫بسرعة محاولاً‬ ‫َ‬ ‫تخفيف غضبِها‪:‬‬ ‫قال‬ ‫َ‬ ‫ وربما مع قطي ِع ظِ ِ‬‫قلت ِ‬ ‫‪..‬ألف ٍ‬ ‫ِ‬ ‫لك إِ َّن‬ ‫متفائل ًة‬ ‫باء‪...‬كوني‬ ‫ُ‬ ‫مرة ُ‬

‫ال َّتشاؤ َم‪....‬‬

‫ٍ‬ ‫تجده‪:‬‬ ‫رأسها باحث ًة عن‬ ‫شيء لم ْ‬ ‫أدار ْت َ‬ ‫لكنَّها قاط َع ْته بعد أن َ‬ ‫ِ‬ ‫فترض أنها ساحل َّي ٌة؟‬ ‫البحر في هذه‬ ‫والبحر؟ أين‬ ‫‬‫القرية ا َّلتي ُي ُ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬

‫هه؟‬

‫َّ‬ ‫رأسه‪:‬‬ ‫حك ابنُها َ‬

‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫امتحانات ال َّثانوية‪.‬‬ ‫أسئلة‬ ‫أصعب من‬ ‫ والله يا أ ِّمي أسئل ُت ِك‬‫ُ‬

‫قا َلت بحز ٍم‪:‬‬ ‫‪10‬‬

‫أجب!‬ ‫‪ْ -‬‬


‫وأجاب‪:‬‬ ‫َ‬

‫َ‬ ‫نهر‪ ...‬تعا َلي!‬ ‫ مؤ َّق ًتا‪،‬‬‫هناك ٌ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫وأخذ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫َ‬ ‫أسفل‬ ‫أسفل‬ ‫أسفل‬ ‫البيت وأشار بس ّبابتِ ِه إلى‬ ‫خلف‬ ‫بيدها إلى‬ ‫ٍ‬ ‫الوادي‪ُ ،‬‬ ‫أشجار‪ ،‬وقال‪:‬‬ ‫ترابي بي َن ص َّفي‬ ‫حيث ثمة مجرى‬ ‫ٌّ‬ ‫نهر “أبو دمعة”!‬ ‫‪ -‬هذا ُ‬

‫‪ -‬أين؟‬

‫تحت!‬ ‫ هذا‪ْ ...‬‬‫‪ -‬ال أرى ما ًء!‬

‫ِ‬ ‫ يا ُأمي يا ُأمي‪ ...‬اربطي األمور ِ‬‫ببعضها من ِ‬ ‫أعطيك‬ ‫فضل ِك‪ ..‬هل‬ ‫َ‬ ‫ِّ‬ ‫ِّ‬

‫ح ْبلاً ؟‬

‫ِ‬ ‫ولحق بها ِ‬ ‫شار ًحا‪:‬‬ ‫األول‪،‬‬ ‫هر َبت من “غالظتِه” إلى مكانِها‬ ‫َ‬

‫شتوي‪ ،‬تقري ًبا‪ُ ...‬‬ ‫أقول تقري ًبا حتى ال تض ّيعي وق َت ِك في‬ ‫نهر‬ ‫ٌّ‬ ‫ هذا ٌ‬‫أول ِّ ِ‬ ‫مراقبتِ ِه من ِ‬ ‫يعتمد‪ -‬حتى شتا ًء‪ -‬على كم َّي ِة‬ ‫فأمر جريانِ ِه‬ ‫ُ‬ ‫الشتاء‪ُ ،‬‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫َ‬ ‫الدمع َة‪،‬‬ ‫يجب أن‬ ‫الهاطلة‪ ،‬إذ‬ ‫األمطار‬ ‫تكون ِمدرار ًة لتري ما ًء يشب ُه َّ‬ ‫ُ‬ ‫سموه “أبو دمعة”؟‬ ‫وإال لماذا َأ ّ‬ ‫ِ‬ ‫قر َف ْت من َّ‬ ‫الش ِ‬ ‫رح‪ ،‬وقا َلت‪:‬‬ ‫ٍ‬ ‫بشروط‪...‬‬ ‫نهر‬ ‫‪ -‬يا سالم! ٌ‬

‫‪11‬‬


‫ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫اسم‪ ،‬مث ُله مثل ِ‬ ‫نهر الن ِ‬ ‫ِّيل‬ ‫نهر وله ٌ‬ ‫‪ -‬بشروط أو بال شروط‪ ،‬هو ٌ‬

‫ُّ‬ ‫يعترف به حتى عمو غوغل شخص ًّيا!‬ ‫والكل‬ ‫بالضبط‪،‬‬ ‫ُ‬ ‫َّ‬ ‫ِ‬ ‫َ‬ ‫اإلجابة‪...‬‬ ‫يعفيك من‬ ‫ هذا ال‬‫ِ‬ ‫سؤال؟‬ ‫‪ -‬عن‬

‫ِ‬ ‫البحر؟‬ ‫قص ُة‬ ‫‬‫البحر‪ ...‬ما َّ‬ ‫ُ‬ ‫ٍ‬ ‫قال ِ‬ ‫َ‬ ‫وبثقة‪:‬‬ ‫مبتس ًما‬

‫فوق هذا ِ‬ ‫ِ‬ ‫موعد مع ِ‬ ‫البحر عندما نبني بي ًتا َ‬ ‫ُ‬ ‫البيت‪...‬‬ ‫منظر‬ ‫سيكون لنا‬ ‫‬‫ٌ‬

‫وعال صو ُتها هازئ ًة‪:‬‬

‫ٍ‬ ‫سحاب‪...‬‬ ‫تقصد عندما نبني ناطح َة‬ ‫‬‫ُ‬ ‫الض ِ‬ ‫َ‬ ‫تشعر أنها‬ ‫حك‪ ،‬لكنها استغر َقت في الكآ َب ِة وهي‬ ‫واستغرق في َّ‬ ‫ُ‬

‫َ‬ ‫يكون‬ ‫بئرا ال بي ًتا؛ لذا التف َت ْت إليه تسأ ُل ُه وقل ُبها يرجو أن ال‬ ‫ستسك ُن ً‬

‫ٍ‬ ‫مشوار وينتهي‪:‬‬ ‫كال ُم ُه إال مجر َد‬ ‫ تمزح بال َّت ِ‬‫أكيد؟‬ ‫ُ‬

‫ِ‬ ‫كالعادة‪ -‬تع ِّب ُر عن ِّ‬ ‫َ‬ ‫كل اعتراضاتِها‪:‬‬ ‫يجيب‪ ،‬تركَها‪-‬‬ ‫وقبل أن‬ ‫َ‬

‫ ْ‬‫قل لي إ َّنك تمزح‪...‬‬

‫ظهر ُه إلى سيارتِ ِه ومطأط ًئا‬ ‫يمزح‪ ،‬بل َ‬ ‫وقف ُم ً‬ ‫ولما لم ي ُق ْل لها إنه ُ‬ ‫سندا َ‬ ‫ٍ‬ ‫بصمت‪ ،‬انها َل ْت عليه باألسئلة‪:‬‬ ‫رأس ُه‬ ‫َ‬

‫‪12‬‬


‫ُ‬ ‫ ثم ماذا؟ ْ‬‫افترضنا َج َدلاً َ‬ ‫سيكون هذا منـز ُلنا أم‬ ‫تمزح‪،‬‬ ‫أنك ال‬ ‫إن‬ ‫ْ‬ ‫ُ‬

‫ِ‬ ‫ُ‬ ‫لص‪ ،‬مهما َ‬ ‫يتسلق‬ ‫عجوزا‪ ،‬أن‬ ‫كان‬ ‫صوص؟ أال‬ ‫منـزل ال ُّل‬ ‫َ‬ ‫ً‬ ‫أي ٍّ‬ ‫يستطيع ُّ‬ ‫ُ‬ ‫يتزحلق ثمانين من ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫الجبل‬ ‫قمة‬ ‫كعب الوادي‪ ،‬أو‬ ‫مترا من‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫عشري َن ً‬ ‫عز ال َّظ ِ‬ ‫ِ‬ ‫هيرة فال نرا ُه إال بيننا؟‬ ‫فتحميه‬ ‫األشجار حتى في ِّ‬ ‫ُ‬ ‫ٍ‬ ‫بحرف‪ ،‬قا َل ْت‪:‬‬ ‫ولما لم ي ُف ْه‬ ‫ِ‬ ‫ليكتشف اقترابه؟ هه؟ أنا؟ أبوك؟ أنت؟ ُّ‬ ‫كل‬ ‫اليمامة‬ ‫ َمن فينا زرقا ُء‬‫َ‬ ‫ب ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫بس ْم ِك ك ْع ِ‬ ‫قنينة‪....‬‬ ‫واحد منَّا نظار ُته ُ‬ ‫ِ‬ ‫رأس ُه مواف ًقا‪ ،‬فتشج َعت مشير ًة إلى ِ‬ ‫الحديقة‪:‬‬ ‫سور‬ ‫َّ‬ ‫هز ظريف َ‬

‫اسمه‬ ‫‪...‬اسمه ُسور؟‬ ‫المنخفض‬ ‫ور‬ ‫ُ‬ ‫ْ‬ ‫اكتب عليه أن َ‬ ‫ُ‬ ‫الس ُ‬ ‫ وهذا ُّ‬‫الص ِ‬ ‫سور‪...‬‬ ‫سور ِّ‬ ‫ين ٌ‬ ‫ُسور‪ُ ...‬‬ ‫قطب حاجب ْيه‪:‬‬ ‫َ‬

‫ِ‬ ‫اعون وال َّت ُ‬ ‫ أ ِّمي‪ُ ....‬‬‫اندثرت ِمن زمان‪ ...‬أك َلها ال َّط ُ‬ ‫قاتل‬ ‫قبائل َ‬ ‫اله ْون َ‬

‫فيما بينها و‪...‬‬

‫ِ‬ ‫ٍ‬ ‫الس ِ‬ ‫ور َّ‬ ‫لتطل إلى‬ ‫وأس َك َت ْت ُه بإشارة من راحة ك ِّفها‪ ،‬ثم اقتر َب ْت من ُّ‬ ‫ِ‬ ‫الد ِ‬ ‫اخل‪ ،‬بينما َ‬ ‫السميكتين‪:‬‬ ‫يمسح‬ ‫كان‬ ‫َّ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫زجاجتي نظارته َّ‬

‫ِ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫منـزل‬ ‫صوص فقط‪ ،‬بل‬ ‫منـزل ال ُّل‬ ‫يكون‬ ‫اعذرني يا ظريف‪ ..‬لن‬ ‫‬‫ْ‬ ‫الكالب ِ‬ ‫ِ‬ ‫والق َط َط ِة ّ‬ ‫الشار َد َة‪.‬‬

‫‪13‬‬


‫ورغم َّ‬ ‫الفارسي َّ‬ ‫الشانشيال‬ ‫حب ُأ ِّم ِه لق ِّطهم‬ ‫يعرف‬ ‫أن ظريف‬ ‫ُ‬ ‫مقدار ِّ‬ ‫ِّ‬ ‫َ‬ ‫َ‬

‫الش ْ‬ ‫(أبو ُّ‬ ‫أهد ْتها إيا ُه صيدالن َّي ُة‬ ‫وقت َ‬ ‫قيم َت ُه الما ِّد َّي َة َ‬ ‫وش) ا َّلذي لم تعرف َ‬ ‫ِ‬ ‫الحي‪ ،‬فحاك ِ‬ ‫الحكايات عن ِ‬ ‫أن عر َف ْت أ َّن ُه ٍ‬ ‫غال‪َّ ،‬‬ ‫بخلها‪ ،‬إلى ْ‬ ‫وأن‬ ‫َت‬ ‫ِّ‬ ‫وقدر ِ‬ ‫ِ‬ ‫رفيع َّ ِ‬ ‫ُ‬ ‫ت‬ ‫يكون‬ ‫يقتنيه‬ ‫َمن‬ ‫شخصا َ‬ ‫ً‬ ‫فغفر ْت لها‪ ،‬بل أح َّب ْتها َّ َ‬ ‫الذوق‪َ ،‬‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ب” لها من ِ‬ ‫بين ِّ‬ ‫الجارات ال َّلواتي‬ ‫كل‬ ‫“الصائ َ‬ ‫اختيارها ّ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫يقصدن صيدلي َتها طم ًعا بالحس ِم‪.‬‬

‫ِ‬ ‫األبيض الكانيش‬ ‫حب ُأ ِّم ِه لكلبِهم‬ ‫أيضا‬ ‫ُ‬ ‫ويعرف ظريف ً‬ ‫مقدار ِّ‬ ‫َ‬ ‫ِ‬ ‫الص ِ‬ ‫البناية ضائ ًعا‪ -‬فا َّد َع ْت أ ُّمه‬ ‫تحت‬ ‫غير (كانوش) الذي وجدو ُه‬ ‫َ‬ ‫َّ‬ ‫ٍ‬ ‫“صديق” ُّ‬ ‫يطل بي ُته على‬ ‫أما َم جاراتِها أنه جا َءها هدي ًة من فرنسا‪ ،‬من‬ ‫برج إيفل!‬

‫والش ِ‬ ‫إال َّ‬ ‫تفر ُق بي َن المد َّل ِل َّ‬ ‫تسمح‬ ‫ارد‪ ،‬وأنها ال‬ ‫أن ظريف‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫يعرف أ َّنها ِّ‬ ‫الق َط ِ‬ ‫وش) و(كانوش) برعا ِع ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫الش ْ‬ ‫خالطة (أبو ُّ‬ ‫والكالب‪،‬‬ ‫طة‬ ‫بم‬ ‫ً‬ ‫أبدا ُ‬ ‫وتحتاج إلى َم ْن يرد ُعها رد ًعا ِ‬ ‫فالمخال َط ُة عندها‪ٌّ :‬‬ ‫حاز ًما‬ ‫أحمر‪،‬‬ ‫خط‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫ِ‬ ‫ٌ‬ ‫ِ‬ ‫المفتوح على كل‬ ‫يفي‬ ‫أمر‬ ‫الر ِّ‬ ‫مشكوك فيه في هذا البيت ِّ‬ ‫جاز ًما‪ ،‬وهو ٌ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫الخطر‪.‬‬ ‫احتماالت‬ ‫ٍ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫حماية تطمئنُها إلى َّ‬ ‫أن الق َط َط ِة‬ ‫يوصل أل ِّم ِه فكر َة‬ ‫حاول ظريف أن‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫والكالب َّ‬ ‫المنطقة التي يسك ُن‬ ‫االقتراب من‬ ‫تجرؤ على‬ ‫الشارد َة ال‬ ‫ُ‬ ‫َ‬

‫‪14‬‬


‫ببارودة الص ِ‬ ‫ِ‬ ‫فيها جارهم “أبو بارودة”‪ ،‬أل َّنه متخصص ِ‬ ‫يد ا َّلتي‬ ‫بقتلها‬ ‫َّ‬ ‫ٌ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬

‫ُ‬ ‫الر َ‬ ‫يمت ُلكها‪ ،‬لكنَّه فك َ​َّر بأ َّنها لن تقتنِ َع َّ‬ ‫يشكل‬ ‫الخطير ال‬ ‫جل‬ ‫َ‬ ‫أن هذا َّ‬ ‫ِ‬ ‫الش ْ‬ ‫خطرا على (أبو ُّ‬ ‫زوجها‬ ‫وش) و(كانوش)‪ ،‬بل وعليها وعلى‬ ‫ً‬ ‫الوحيد مجر ًما ُ‬ ‫َ‬ ‫يقتل‬ ‫جارها‬ ‫وابنِها‪ ،‬ولو اقتنَ َع ْت‪ ،‬فل ْن تقتنِ َع أن‬ ‫ُ‬ ‫يكون ُ‬ ‫ِ‬ ‫الشارد َة‪ ،‬وحتى ِّ‬ ‫الكالب والقطط َة َّ‬ ‫فكرة‬ ‫ضد‬ ‫عالب‪ ،‬فهي ُّ‬ ‫ئاب وال َّث َ‬ ‫الذ َ‬ ‫َ‬ ‫ِ‬ ‫سج َن ٌ‬ ‫بد‪...‬‬ ‫رجل‬ ‫حقير كهذا‪...‬وال َ‬ ‫العنف‪ ،‬وال َّ‬ ‫بد أن ُي َ‬ ‫ٌ‬

‫الس ِ‬ ‫جن‬ ‫سكت عن الموضوع ِنهائ ًّيا‪،‬‬ ‫لذا‪،‬‬ ‫َ‬ ‫جاره في ّ‬ ‫وشكر الل َه أن َ‬ ‫َ‬

‫ِ‬ ‫ٍ‬ ‫ِ‬ ‫عقاب بعد أن َ‬ ‫رئيس البلد َّي ِة شخص ًّيا؛‬ ‫حراسة‬ ‫كلب‬ ‫يقضي مد َة‬ ‫قتل َ‬ ‫الس َّيارة (دالل) وتش َّب َث ْت بكرس ِّيها‬ ‫وعا َد ْت أ ّم ظريف ُمهرول ًة إلى َّ‬

‫قائل ًة باقتناعٍ‪:‬‬

‫كل سي ِ‬ ‫ئات منـزلِنا القدي ِم‪ ،‬لكنَّه على ِّ‬ ‫محمي تما ًما!‬ ‫األقل‬ ‫رغم ِّ ِّ‬ ‫ٌّ‬ ‫‪َ -‬‬

‫بالذ َه ِ‬ ‫األمان ُيشرى ّ‬ ‫ُ‬ ‫ب‪.‬‬

‫َ‬ ‫َ‬ ‫داخل‬ ‫سم َر ْت قد َم ْيها‬ ‫شد يد أ ِّمه‬ ‫سارع ظريف إلى ِّ‬ ‫َ‬ ‫لتنـزل‪ ،‬لكنَّها ّ‬

‫ٍ‬ ‫السي ِ‬ ‫ارة (دالل)‪َ ،‬‬ ‫بسرعة‪:‬‬ ‫فقال‬ ‫ّ ّ‬

‫يقتحم منـز َلنا‪..‬وماذا‬ ‫غبي يمكن أصلاً أن‬ ‫أي ٍّ‬ ‫ال أدري ّ‬‫َ‬ ‫لص ٍّ‬ ‫سيجد فيه للس ِ‬ ‫رقة؟ هه؟‬ ‫ُ‬ ‫َّ‬

‫‪15‬‬


‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫األرض‪،‬‬ ‫الجواب‪ ،‬أنز َل ْت قد َمها ال ُيمنى إلى‬ ‫إيجاد‬ ‫عجز ْت عن‬ ‫ولما َ‬ ‫فأعاد ر ْفعها إلى السي ِ‬ ‫ارة (دالل) قائلاً ‪:‬‬ ‫ّ ّ‬ ‫َ َ‬ ‫ ال تنزلي قبل أن تجيبي!‬‫وأسند باب الس ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫أصر ْت‬ ‫بظهر ِه‪ ،‬لكنها‬ ‫الخارج‬ ‫يارة (دالل) من‬ ‫َّ‬ ‫َ َ َّ‬ ‫ٍ‬ ‫ِ‬ ‫على الن ِ‬ ‫بسرعة غر َف ُه ال َّث َ‬ ‫الث‬ ‫البيت ا َّلذي أراها‬ ‫يدها نحو‬ ‫فشد َ‬ ‫ُّزول‪َّ ،‬‬

‫ِ‬ ‫يدها إلى‬ ‫والمط َّل َة شبابيكُها على‬ ‫شد َ‬ ‫الحديقة‪ ،‬ثم َّ‬ ‫المدهون َة حدي ًثا ُ‬ ‫ٍ‬ ‫ِ‬ ‫الحديقة قائلاً‬ ‫بسعادة‪:‬‬ ‫‪ -‬إنها حديق ُتنا ال َغنَّاء!‬

‫‪16‬‬


‫(‪)4‬‬ ‫تظهر من خاللِها ل َّث ُتها الفارغ ُة‬ ‫ضحكَت أ ّم ظريف ضحك َتها ا َّلتي‬ ‫ُ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫المتحرك ك َّلما‬ ‫جسرها‬ ‫وضع‬ ‫األسنان األرب ِع األمام َّي ِة ا َّلتي تنسى‬ ‫من‬ ‫َ‬ ‫كا َنت على عج ٍ‬ ‫لة من ِ‬ ‫أمرها‪ ،‬وقا َلت هازئ ًة‪:‬‬ ‫َ‬ ‫ الغنَّاء؟ ْ‬‫قل شي ًئا ذا قيمة‪.‬‬

‫ولما لم ير ّد‪ ،‬تاب َعت‪:‬‬

‫تجد لها صف ًة أخرى مختلف ًة؟ أقصد صف ًة أخرى ُمعاكس ًة؟‬ ‫ أال ُ‬‫ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫ُ‬ ‫تملؤه‬ ‫ساحة‬ ‫تكون غنَّا َء وهي مجر ُد ِم‬ ‫وكيف‬ ‫صغيرة من ال ُّتراب ا َّلذي ُ‬ ‫ُ‬ ‫الحشائش البر َّية ا َّلتي‪..‬‬

‫قاطع ظريف أ َّمه قائلاً ‪:‬‬

‫ِ‬ ‫فهم ُت اآلن من أين‬ ‫ ال تتسرعي في الحك ِم على‬‫األمور‪..‬آه! ْ‬ ‫ِ‬ ‫سرع‪...‬‬ ‫ور ْث ُت جينات ال َّت ُّ‬ ‫وأشار بس َّبا َبته إليها ُم َّت ِه ًما‪:‬‬ ‫َ‬ ‫منك ِ‬ ‫ ِ‬‫أنت‪ ،‬وليس ِمن أبي‪....‬‬

‫َ‬ ‫سرعِ‪ ،‬فهي هادئ ٌة‬ ‫تعترض‬ ‫وقبل أن‬ ‫فتقول إنها ُ‬ ‫َ‬ ‫أبعد ما تكون عن ال َّت ّ‬

‫‪17‬‬


‫يعتقد ابنُها‬ ‫تعتقد ال كما‬ ‫اسمها‪َ :‬س ِكينة‪ ،‬وكما‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫ًّ‬ ‫جدا‪ ،‬كما يوحي ُ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫يقفان‬ ‫الجبل إلى حيث‬ ‫انحدر ْت من‬ ‫وزوجها وجيرا ُنها جمي ُعهم‪،‬‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫سيار ُة ِ‬ ‫والد ظريف المارسيدس (هتلر)‪ ،‬التي ما َ‬ ‫يفخر أنها‬ ‫زال‬ ‫ُ‬

‫جديد ٌة‪ ،‬أل َّن ُه اشتراها قبل أربعين سن ًة من َّ‬ ‫“الشركة”‪.‬‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫الر ُ‬ ‫َ‬ ‫درجة‬ ‫األعصاب إلى‬ ‫هادئ‬ ‫الحركة‪ ،‬بطي َء الكال ِم‪،‬‬ ‫جل بطي َء‬ ‫َ‬ ‫وكان َّ‬ ‫البرود‪ ،‬مع ٍ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫المعرفة‪.‬‬ ‫يظهر إال لمن يعر ُف ُه تما َم‬ ‫فطري‬ ‫ذكاء‬ ‫ٍّ‬ ‫فكاهي ال ُ‬ ‫ٍّ‬ ‫الفكاهة عن ِ‬ ‫ِ‬ ‫َ‬ ‫ويعتقد ابنُ ُه أنه َ‬ ‫وورث الحرك َة التي‬ ‫والد ِه‪،‬‬ ‫حس‬ ‫ُ‬ ‫ورث َّ‬ ‫والدتِ ِه‪.‬‬ ‫ال تهدأ عن َ‬

‫ِ‬ ‫باب س َّيارتِ ِه (هتلر) على ٍ‬ ‫البيت‬ ‫مهل‪ ،‬وا َّت َج َه إلى‬ ‫َ‬ ‫أغلق ُ‬ ‫والد ظريف َ‬ ‫ألول ٍ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫مرة بعد أن طوى الخارط َة ا َّلتي س َّل َمه إ َّياها‬ ‫الجديد ا َّلذي يرا ُه‬ ‫أيضا‪.‬‬ ‫سرا‪ ،‬ثم وض َعها في جيبِه‬ ‫ابنُه‬ ‫ووضع معها (بوصلة) ً‬ ‫َ‬ ‫ً‬ ‫صباحا ًّ‬

‫ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫وبعد أن َ‬ ‫بصمت تا ٍّم‪َ ،‬‬ ‫بصوت‬ ‫نفسا عمي ًقا وقال‬ ‫تأمل الحديق َة‬ ‫أخذ ً‬ ‫ٍ‬ ‫ِ‬ ‫حبورا‪:‬‬ ‫ترقصان‬ ‫بطيء وعينا ُه‬ ‫ً‬ ‫ٍ‬ ‫حديقة!‬ ‫‪ -‬الله! يا لها ِمن‬

‫يد أمه واتجه نحو ِ‬ ‫لجملة ِ‬ ‫ِ‬ ‫والده‪َ ،‬‬ ‫أبيه‪،‬‬ ‫يطير َفر ًحا‬ ‫فترك َ‬ ‫َ َ‬ ‫وكا َد ظريف ُ‬ ‫فوضع ذرا َعه وراء ِ‬ ‫ٍ‬ ‫ينظر نظر ًة‬ ‫نحوه‬ ‫كتفه‬ ‫َّ‬ ‫وشد ُه َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫بفخر‪ُ ،‬مضي ًفا وهو ُ‬ ‫ماكر ًة إليها‪:‬‬

‫‪18‬‬


‫‪ -‬غنَّاء‪....‬‬

‫ففكر األب على ِ‬ ‫ِ‬ ‫ُ‬ ‫الزمن عليها‪،‬‬ ‫يتخيل الحديق َة بعد‬ ‫مهل ِه وهو‬ ‫مرور َّ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬

‫ثم قال‪:‬‬

‫‪ -‬غنّا ُء فعلاً !‬

‫ٍ‬ ‫وقب َل ظريف جبين ِ‬ ‫َ‬ ‫البيت نحو‬ ‫غادر ْت أ ُّمه‬ ‫أبيه‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫مرات‪ ،‬بينما َ‬ ‫ثالث ّ‬ ‫السي ِ‬ ‫ارة (دالل) وهي ترد ُد‪:‬‬ ‫ّ ّ‬ ‫أصعب أن ِ‬ ‫وحد َك عصاب ًة!‬ ‫ ما‬‫تواج َه َ‬ ‫َ‬

‫‪19‬‬


‫(‪)5‬‬ ‫العائلة أن تسكن فعلاً في ِ‬ ‫ِ‬ ‫ٍ‬ ‫ِ‬ ‫بيت‬ ‫عائلة غير هذه‬ ‫باستطاعة‬ ‫لم يكن‬ ‫َ‬ ‫مهجورة إال من ِ‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫ِ‬ ‫َ‬ ‫بيت‬ ‫منطقة‬ ‫البيت في‬ ‫وذلك ألن‬ ‫(كعب الوادي)‪،‬‬ ‫َ‬

‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫يطلق عليه ُ‬ ‫اسم‬ ‫العجوز‬ ‫الجار‬ ‫ذلك‬ ‫بعيني ا َّلذي ُ‬ ‫أهل القرية َ‬ ‫الس ّ‬ ‫األرمل َّ‬

‫الزمن‪ -‬أسما َء كثير ًة منها‪:‬‬ ‫“أبو بارودة” َ‬ ‫مر َّ‬ ‫بعد أن أطلقوا عليه‪ -‬على ِّ‬ ‫حرق أشجار الوادي ك َّلها في إحدى الصيفي ِ‬ ‫وقت َأ َ‬ ‫ات‪،‬‬ ‫“أبو َّ‬ ‫قداحة” َ‬ ‫َّ َّ‬ ‫َ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫الش ِ‬ ‫ِ‬ ‫لبخل ِه َّ‬ ‫أخالق ِه‪ .‬كما دعوه‪“ :‬أبو‬ ‫وسوء‬ ‫ديد‬ ‫نظرا‬ ‫َ‬ ‫و”الح َق َّلد” ً‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ألن ابن ُه ُ‬ ‫الحار ِة” َّ‬ ‫البالد‬ ‫طبيب‬ ‫يصر‬ ‫يعمل‬ ‫ً‬ ‫َّ‬ ‫ممرضا في أفريقيا‪ ،‬بينما ُّ‬

‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫َ‬ ‫األمراض‬ ‫للقضاء على‬ ‫هناك‬ ‫استدعي إلى‬ ‫ماهر‬ ‫هو أنه‬ ‫جر ٌ‬ ‫ٌ‬ ‫َ‬ ‫اح ٌ‬ ‫طبيب ّ‬ ‫فإن “أبو بارودة” يقضي معظم ِ‬ ‫ِ‬ ‫الحظ‪َّ ،‬‬ ‫ِّ‬ ‫أيام ِه في‬ ‫ولح ْس ِن‬ ‫المستعصية‪ُ .‬‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫الس ِ‬ ‫جن‪.‬‬ ‫ِّ‬ ‫يقبل بهما إال م ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫والجيرة ال َّلذين ال ُ‬ ‫غام ٌر‬ ‫المكان‬ ‫وباإلضافة إلى‬ ‫ُ‬ ‫ٍ‬ ‫مصيبة أكبر من ر ْأ ِس ِه‪َ ،‬‬ ‫أو “ َم‬ ‫كان أبو ظريف قد‬ ‫فار من‬ ‫ٌ‬ ‫قطوع”‪ ،‬أو ٌّ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫الس َ‬ ‫َ‬ ‫ِ‬ ‫ووجودها‬ ‫وق‬ ‫“بضاعة”‬ ‫اجتياح‬ ‫بعد‬ ‫باع‬ ‫دكان نجارتِ ِه َ‬ ‫َ‬ ‫المعامل ُّ‬ ‫ِ‬ ‫ٍ‬ ‫فوق ِ‬ ‫َ‬ ‫ووضع ثمنَ ُه َ‬ ‫اشترك‬ ‫“بيت بيروت” الذي‬ ‫ثمن‬ ‫بأسعار ُمتهاو َد ٍة‪،‬‬ ‫َ‬

‫‪20‬‬


‫ِ‬ ‫نصب َشر ِك ِ‬ ‫بيع ِه من ِ‬ ‫َ‬ ‫لشراء هذا‬ ‫وذلك‬ ‫تعرف زوج ُت ُه‪،‬‬ ‫غير أن‬ ‫وابنَ ُه في‬ ‫َ‬ ‫ِ ْ‬ ‫ِ‬ ‫َ‬ ‫يسلك در َب ُه الخطير َة‬ ‫البيت‪ ،‬الذي بإمكانِ ِه أن يسك َن به طالما أ َّن ُه لن‬ ‫أن ظريف ا َّلذي أقف َل ِ‬ ‫ِ‬ ‫المناسبات‪ .‬كما َّ‬ ‫ت مدرس َت ُه أبوا َبها قبل‬ ‫إال في‬ ‫ِ‬ ‫واحد استعداد لعطلة الص ِ‬ ‫ٍ‬ ‫يف‪ ،‬قد َ‬ ‫مدرسة‬ ‫تدريس ُه إلى‬ ‫نقل‬ ‫أسبو ٍع‬ ‫َّ‬ ‫ً‬ ‫َ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫َ‬ ‫الوصول إليها “تس ُّل ًقا على قدميه” ومن‬ ‫يستطيع‬ ‫االبتدائية ا َّلتي‬ ‫القرية‬ ‫ُ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫يثق‬ ‫الحاجة إلى استخدا ِم سيارتِ ِه‬ ‫دون‬ ‫العتيقة (دالل) التي لم يك ْن ُ‬ ‫كعب الوادي إلى ِ‬ ‫بقدرة محر ِكها على الص ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫الجبل حتى‬ ‫قمة‬ ‫عود من‬ ‫ُّ‬ ‫ُ ِّ‬ ‫َ‬ ‫األيمان بأنها‬ ‫الس ِنة عنده‬ ‫الميكانيكي ا َّلذي تقضي‬ ‫أقسم‬ ‫لو‬ ‫معظم أيا ِم َّ‬ ‫َ‬ ‫ُّ‬ ‫َ‬ ‫ِ‬ ‫قادر ٌة على َ‬ ‫غزال ال َفال‪.‬‬ ‫ذلك قدر َة‬ ‫غيرة‪ِ ،‬‬ ‫بسبب مساحتِه الص ِ‬ ‫رخيص ال َّث ِ‬ ‫ِ‬ ‫وبنائ ِه‬ ‫من‬ ‫البيت‬ ‫وال ننسى أن‬ ‫َ‬ ‫َّ‬ ‫ُ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫وطريق القادوم ّية‪ ،‬وطب ًعا‪ ،‬بسبب‬ ‫المنحد ِر‪،‬‬ ‫وموقع ِه‬ ‫الم ْت َق ِن‪،‬‬ ‫غير ُ‬ ‫ِ‬ ‫جيرة “أبي بارودة”‪.‬‬

‫ِ‬ ‫الض ِ‬ ‫ِ‬ ‫جة ا َّلتي َ‬ ‫البيت‬ ‫رجال‬ ‫لكنَّ ُه‪ -‬رغم كل‬ ‫مساوئ ِه‪ٌ -‬‬ ‫بعيد عن َّ‬ ‫كان ُ‬ ‫ِ‬ ‫يعانيان منها في ذلك المبنى ّ‬ ‫بيروت‬ ‫عبي في إحدى ضواحي‬ ‫َ‬ ‫الش ِّ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫وساكنيه‪ ،‬وا َّلذي‬ ‫لوصف ِه‬ ‫المكت ّظ ِة‪ ،‬وا َّلذي ال تكفي كلم ُة “بشع”‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫الخارجات‪،‬‬ ‫اخالت‬ ‫الد‬ ‫طالما هر َبا من بين جمو ِع‬ ‫الجارات َّ‬ ‫ٍ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫رح ِ‬ ‫اآلكالت َّ‬ ‫بحفاوة من ِقبل ُأ ِّم ظريف ا َّلتي‬ ‫ب به َّن‬ ‫الم َّ‬ ‫الشاربات‪ُ ،‬‬

‫‪21‬‬


‫فخر ْت أن ركو َة قهوتِها ال ُ‬ ‫تنزل عن النَّار‪ ،‬وا َّلتي َ‬ ‫كان هد ُفها‬ ‫طالما َ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ٍ‬ ‫“جمهور”‬ ‫إيجاد‬ ‫خالل‬ ‫الحياة أولاً وثان ًيا وثال ًثا‪ :‬ال َّتسلية من‬ ‫في‬

‫ُ‬ ‫سرا في‬ ‫ظاهرا‪ ،‬بينما‬ ‫يصغي إلى “ ُمبالغاتِها” ويص ِّف ُق لها‬ ‫يضحك ًّ‬ ‫ً‬ ‫ِ‬ ‫خارج بيتِها‪ ،‬فيدعوها‪“ :‬أ ّم ن ْفشة”‪،‬‬ ‫االجتماعات الجانب َّي ِة التي ُتع َق ُد‬ ‫َ‬ ‫ِ‬ ‫تستفيد عاد ًة ِمن ُع َق ِد النَّ ْف ِ‬ ‫شأن ُه َشأن ِّ‬ ‫ش‪.‬‬ ‫الجماهير التي‬ ‫كل‬ ‫ُ‬

‫ٍ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫سنوات‬ ‫ستترافق بعد‬ ‫العصافير ا َّلتي‬ ‫زقزقة‬ ‫صوت‬ ‫تسمع إال‬ ‫هنا‪ ،‬ال‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫يخطط ِ‬ ‫فوق ِ‬ ‫لبناء ٍ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫بيت َ‬ ‫ُ‬ ‫بيت أبيه‬ ‫أطفال ظريف ا َّلذي‬ ‫زقزقة‬ ‫صوت‬ ‫مع‬ ‫ِ‬ ‫تمت‬ ‫يسموها‪”:‬فيلال”‪ ،‬رغم أنها ال ُّ‬ ‫وأ ِّمه فيكون لديهم‪ ،‬كما أح ُّبوا أن ُّ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫سمية بِ ِص ٍ‬ ‫إلى ال ّت ِ‬ ‫القرية‬ ‫مكتبة‬ ‫صاحب‬ ‫لة‪ ،‬وا َّلتي أوصى ظريف صدي َق ُه‬ ‫َ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫لص ُق َ‬ ‫عبارة‪( :‬فيلال األستاذ ظريف) على ٍ‬ ‫فوق‬ ‫لوح‬ ‫بحفر‬ ‫نحاسي ُي َ‬ ‫ٍّ‬ ‫ِ‬ ‫قطعة خشبي ٍة تثب ُت على ِ‬ ‫ٍ‬ ‫الحديقة ليقرأها “الماليين” كما ُ‬ ‫تقول‬ ‫بوابة‬ ‫ّ َّ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫األمور‪ِّ ،‬‬ ‫األمور‪.‬‬ ‫كل‬ ‫والد ُته المغرم ُة بتضخي ِم‬

‫‪22‬‬


‫(‪)6‬‬ ‫ال َّ‬ ‫لتقتنع‬ ‫شعور المرأ َة ا َّلتي لم تك ْن‬ ‫أرض ْت‬ ‫شك أن كلم َة (فيلال) َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫صغ ِ‬ ‫يات الم ِ‬ ‫بعيدا عن جاراتِها المس ِّل ِ‬ ‫يات في هذا “المنفى”‪،‬‬ ‫بالسكنى ً‬ ‫ُ‬ ‫ُ َ‬ ‫ُّ‬ ‫ِ‬ ‫فباعتقادها َّ‬ ‫داس”‪ ،‬ولكنَّها‬ ‫حتى لو كان “جنَّة”‪،‬‬ ‫ناس ال ُت ْ‬ ‫أن “الجنّة بال ْ‬ ‫ُ‬ ‫تتخيل همساته َّن‬ ‫رأسها عال ًيا عال ًيا وهي‬ ‫نفخت‬ ‫ْ‬ ‫صدر َها ورف َع ْت َ‬ ‫َ‬ ‫وسيحسد َنها ألن ابنَها َّ‬ ‫“الشمعة‬ ‫وغيرته َّن من تلك “النَّقلة النَّوع َّية”‪،‬‬ ‫ْ‬

‫ألكثر‬ ‫زر َنها‬ ‫َ‬ ‫علما” كما كانت تص ُف ُه ك َّلما ْ‬ ‫ائر ً‬ ‫التي تضي ُء مدينة”‪“ ،‬ال َّط َ‬ ‫ِ‬ ‫ٍ‬ ‫تثق‬ ‫صاحب‬ ‫خمس وعشري َن سن ًة‪ ،‬هو‬ ‫من‬ ‫الفكرة‪ ،‬وه َّن يعرف َن أنها ُ‬ ‫ُ‬ ‫ِ‬ ‫تذهب م َع ُه إلى ِ‬ ‫ِّ‬ ‫الدنيا ْ‬ ‫طلب منها‬ ‫إن‬ ‫ومستعد ٌة أن‬ ‫أفكار ِه‬ ‫بكل‬ ‫آخر ّ‬ ‫َّ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫الدنيا‪ ،‬وأسف ُلها!‬ ‫ذلك‪ ،‬وهذا‬ ‫آخر ُّ‬ ‫المكان تقري ًبا هو ُ‬

‫‪23‬‬


‫(‪)7‬‬ ‫تفخ ْر‪ ،‬ولِ ْ‬ ‫ولِ َ‬ ‫شجعا تخ ُّي َلها‬ ‫المهم أن ابنَها‬ ‫ولتتصور‪،‬‬ ‫تتخيل‪،‬‬ ‫وزوجها َّ‬ ‫َ‬ ‫ُّ‬ ‫ْ‬ ‫نار ِه اشتعالاً ‪ ،‬وإال لكا َن ْت عر َق َل ِ‬ ‫حطب ِ‬ ‫المشروع‪ ،‬فبقيا‬ ‫ت‬ ‫هذا وزادا‬ ‫َ‬ ‫َ‬

‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫حج ًرا َ‬ ‫فوق‬ ‫في بيت “مستشفى المجانين” ا َّلذي شا َد ْت ُه وجاراتها َ‬ ‫ٍ‬ ‫صار َص ْر ًحا!‬ ‫حجر حتى َ‬

‫ٍ‬ ‫وقد نجحا وبدوا في ِ‬ ‫ُ‬ ‫كنحلة‬ ‫تعمل‬ ‫قمة سعادتِهما وهما يرقبانِها‬ ‫َ‬ ‫ٍ‬ ‫ُ‬ ‫بعد أن‬ ‫نشيطة‪ ،‬حتى إ ّنها بد َأ ْت‬ ‫تتحول من “ ُأ ّم نفشة” إلى “أ ّم نفسة” َ‬ ‫تضاؤل ِ‬ ‫ِ‬ ‫ُ‬ ‫المبه َر َة‪.‬‬ ‫الجماهير عباراتِها‬ ‫عدد‬ ‫ن ّف َس‬ ‫ّ‬

‫‪24‬‬


‫(‪)8‬‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫َ‬ ‫تتحول‬ ‫الجديد‪ ،‬أن‬ ‫البيت‬ ‫االنتقال إلى‬ ‫تتوقع ُأ ُّم ظريف‪ ،‬بعد‬ ‫لم‬ ‫ْ‬ ‫ِ‬ ‫األول من‬ ‫اسمها “ساخر ًة” منذ اليو ِم‬ ‫كر َس ْت َ‬ ‫الحديق ُة “الغنَّا ُء” كما ّ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫جر ِد ٍ‬ ‫ُ‬ ‫واحد‬ ‫متر‬ ‫تراب‬ ‫ٌ‬ ‫سور من ُ‬ ‫الجدران اإلسمنت َّية ارتفا ُعها ٌ‬ ‫يحيط به ٌ‬ ‫ُم َّ‬ ‫فقط إلى‪...‬‬ ‫إلى ماذا؟‬

‫أحذية وك ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫منذ اليو ِم األو ِل‪َ ،‬أ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ه َّي َأ ظريف‪ُ ،‬‬ ‫ُفوف‬ ‫العمل‪ِ -‬من‬ ‫دوات‬ ‫َّ‬ ‫الد ِ‬ ‫ٍ‬ ‫وخرطو ِم ٍ‬ ‫م َّطاط َّي ٍة ُ‬ ‫ُ‬ ‫بسرعة‬ ‫راب‬ ‫وراح‬ ‫الء‪-‬‬ ‫مياه وبعض ِّ‬ ‫ينكش ال ُّت َ‬ ‫َ‬ ‫ٍ‬ ‫ِ‬ ‫ُ‬ ‫ويجلس على‬ ‫ينكش حينًا‬ ‫استراحة‪ ،‬بينما كان أبو ُه‬ ‫دون‬ ‫ومن‬ ‫ُ‬ ‫ِ‬ ‫ِ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ُ‬ ‫يتناول‬ ‫آخر‬ ‫الد َر ِج‬ ‫َّ‬ ‫المط َّلة على الحديقة حينًا َ‬ ‫الفاصل بين ال ُف ْسحة ُ‬ ‫ِ‬ ‫الشهي َة المليئ َة بال َّل ِ‬ ‫ِ‬ ‫الز ِ‬ ‫سندويشات ُأ ّم ظريف َّ‬ ‫يتون‬ ‫بنة والنَّعن ِع‬ ‫وزيت َّ‬ ‫بعضها ِ‬ ‫لتناول ِ‬ ‫ِ‬ ‫قائلاً ‪:‬‬ ‫ويدعو ابنَه‬

‫ِ‬ ‫َ‬ ‫تناول ال َّلبن َة َّ‬ ‫تنتج‬ ‫وتعال‬ ‫استرح قليلاً يا ظريف‪،‬‬‫الشه َّي َة ريثما ُ‬ ‫ْ‬

‫أرضنا زي ًتا ونعنع‪...‬‬ ‫ُ‬

‫العمل‪ ،‬وسارع نحو ِ‬ ‫ِ‬ ‫َ‬ ‫تناول سندويش ًة‬ ‫والده‪.‬‬ ‫توقف ظريف عن‬ ‫َ‬ ‫‪25‬‬


‫ِ‬ ‫ٍ‬ ‫عينيه وهو ُ‬ ‫بسرعة وراح يمض ُغها ُّ‬ ‫يقول‪:‬‬ ‫غمضا‬ ‫بتلذ ٍذ ُم ً‬ ‫ُ‬ ‫أرضنا ال َّلبن َة‪....‬‬ ‫اعتقد ُت أ َّنك‬‫ْ‬ ‫تنتج ُ‬ ‫ستقول‪ :‬ريثما ُ‬ ‫ضحك والد ظريف ِ‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫َ‬ ‫عميق‪:‬‬ ‫تفكير‬ ‫قائلاً بعد‬

‫شتالت ٍ‬ ‫ِ‬ ‫لبنة‪..‬هههههههههه‬ ‫نزرع‬ ‫تصور يا ظريف أن َ‬‫ْ‬

‫ِ‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫تضيئان‬ ‫هادئ‪ ،‬فع َّل َقت قائل ًة وعيناها‬ ‫مزاج‬ ‫وكا َن ْت ُأ ّم ظريف في‬ ‫ٍ‬ ‫ببهجة طفول َّي ٍة‪:‬‬ ‫ُرات ال َّل ِ‬ ‫كنت أعتقد أن ك ِ‬ ‫ِ‬ ‫أغصان‬ ‫ف من‬ ‫بنة ُتق َط ُ‬ ‫‪ -‬عندما كن ُْت صغير ًة‪ُ ،‬‬

‫ِ‬ ‫الش ِ‬ ‫ِ‬ ‫َّ‬ ‫والكرز‪....‬‬ ‫المشمش‬ ‫ُرات‬ ‫جر كما ُتقطف ك ُ‬ ‫َ‬ ‫وضحك ظريف‪:‬‬ ‫‪ -‬ماذا؟‬

‫مد ِع ًيا االهتما َم َّ‬ ‫ديد‪:‬‬ ‫الش َ‬ ‫وسأ َلها والده َّ‬ ‫ِ‬ ‫ والجبنة؟ ماذا ِ‬‫الجبنة يا َسكينة؟‬ ‫عن‬

‫ٍ‬ ‫تمثيل ِ‬ ‫ِ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫بصوت‬ ‫فضحك‬ ‫هتم‪،‬‬ ‫إكمال‬ ‫يستطع‬ ‫ولكنَّه لم‬ ‫ْ‬ ‫الم ِّ‬ ‫دور ُ‬ ‫ِ​ِ‬ ‫الضحك ُة من ِ‬ ‫ٍ‬ ‫ُ‬ ‫المط َب َق ِة على‬ ‫بحيث‬ ‫منخفض كعا َدتِ ِه‬ ‫تخرج ِّ‬ ‫ُ‬ ‫بين أسنانه ُ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫حرف ْس ْس ْس ْس متق ِّطع‪ ،‬فقط َبت حاج َب ْيها قائل ًة وهي ُ‬ ‫تأخذ‬ ‫شكل‬

‫ٍ‬ ‫الد ِ‬ ‫بغضب َ‬ ‫تسمع صدى ضحك َة‬ ‫قبل أن‬ ‫اخل‬ ‫الصيني َة الفارغ َة إلى َّ‬ ‫َ‬ ‫َّ‬ ‫ِ‬ ‫وهر َب ِ‬ ‫َ‬ ‫عيني ِه من عين ْيها‪:‬‬ ‫ابنِها ا َّلذي‬ ‫رأس ُه وز َّم شفتيه َّ‬ ‫طأطأ َ‬

‫‪26‬‬


‫الض ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫العمل َ‬ ‫َ‬ ‫حك!‬ ‫إضاعة‬ ‫بدل‬ ‫األفضل أن ُتتابعا‬ ‫ من‬‫الوقت في َّ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ولما َ‬ ‫غضب ُأ ّم ظريف‬ ‫درجة‬ ‫تقدير‬ ‫يستطيعان‬ ‫ووالده‬ ‫كان ظريف‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫عسكري‬ ‫حذاء‬ ‫صوت‬ ‫حذائها ا َّلذي يشب ُه‪ -‬حي َن تحر ُد‪-‬‬ ‫صوت‬ ‫من‬ ‫َ‬ ‫ٍّ‬ ‫ِ‬ ‫ٍ‬ ‫العدو لل َّت ِّو‪ ،‬كتما ضحك َت ْيهما وسارعا‬ ‫الجبهة ا َّلتي اختر َقها‬ ‫راكض إلى‬ ‫ُّ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫أطايب ال َّطعا ِم بين ال َف ْين َِة وال َف ْين َِة‪.‬‬ ‫العمل‪ ،‬وإال حر َم ْت ُهما من‬ ‫لمتابعة‬

‫‪27‬‬


‫(‪)9‬‬ ‫ٍ‬ ‫ينته َقلب ال ُّت ِ‬ ‫كان ظريف يتوقع‪ ،‬لم ِ‬ ‫ِ‬ ‫بسرعة‪ ،‬بل َ‬ ‫خالف ما َ‬ ‫أخذ‬ ‫ربة‬ ‫وعلى‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫يعتقد أنه ٌ‬ ‫بالنسبة إليه هو ا َّلذي‬ ‫رهق‬ ‫العمل ا َّلذي كان‬ ‫أسبو ًعا من‬ ‫عمل ُم ٌ‬ ‫ُ‬ ‫ِ‬ ‫أكثر ٍ‬ ‫مما ُ‬ ‫يعمل بسرعة‪ ،‬و ُم ٍّ‬ ‫ُ‬ ‫يعمل‪.‬‬ ‫بالنسبة إلى أبيه ا َّلذي‬ ‫سل‬ ‫ُ‬ ‫بكثير َّ‬ ‫يستريح َ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫وحي َن انتهيا من ق ْل ِ‬ ‫نظرها‬ ‫نظر ظريف إلى أ ِّمه الواقفة تن ِّق ُل َ‬ ‫ب ال ُّتربة‪َ ،‬‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫الكالب‬ ‫بشأن‬ ‫تعيد جمل َتها‬ ‫السور‪ .‬وقبل أن َ‬ ‫بين ال ُّتربة البنّ َّية وبين ُّ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫والق َط َطة َّ‬ ‫اسم ُهم مذ سم َع ْته من‬ ‫الشاردة وال ُّل‬ ‫صوص الذين استبد َل ْت َ‬ ‫ٍ‬ ‫ِ‬ ‫اله ْ‬ ‫بسرعة‪:‬‬ ‫ون)‪ ،‬قال ظريف‬ ‫ابنِها مر ًة بـ‬ ‫(قبائل َ‬ ‫والشجي ِ‬ ‫ِ‬ ‫الم ْث ِ‬ ‫ُ‬ ‫رات‬ ‫سيكون‬ ‫‬‫مر ُّ َ ْ‬ ‫ُ‬ ‫سياج حديقتنا مكو ًنا من ال ُع َّل ْي ِق ُ‬ ‫الش ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫َّ ِ‬ ‫األسالك َّ‬ ‫ائكة أو‬ ‫منظر‬ ‫عرشة‪ ،‬فأنا ال‬ ‫ُّ‬ ‫أحب َ‬ ‫الم َت ِّ‬ ‫الشائكة والورود ُ‬

‫الز ِ‬ ‫جاج‪.‬‬ ‫قط ِع ُّ‬

‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫السفلى مكتفة‬ ‫وافق‬ ‫ُ‬ ‫َاألب على الفكرة‪ ،‬وإن بر َمت األم شف َتها ُّ‬

‫ذراعيها‪:‬‬

‫أكثر َ‬ ‫ أرى أن األسالك َّ‬‫اله ْو ِن‬ ‫الزجاج‬ ‫ُ‬ ‫الشائكة وقطع ُّ‬ ‫قبائل َ‬ ‫تخيف َ‬ ‫ِ‬ ‫والق َط َطة ّ‬ ‫الشاردة و ‪...‬‬ ‫‪28‬‬


‫قاطعها زوجها حان ًقا‪:‬‬ ‫ٍ‬ ‫ يا ِ‬‫عنيفة‪.‬‬ ‫لك ِمن‬ ‫فر َّدت عليه ساخر ًة‪:‬‬ ‫ ويا َ‬‫لك ِمن حنون!‬

‫ِ‬ ‫واختصر ظريف جدالاً‬ ‫كالعادة حين َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫قال‪:‬‬ ‫سيطول‬ ‫كان‬ ‫َ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ُ‬ ‫ستجعل‬ ‫الحماية ا َّلتي ستوفرها هذه النباتات يا ُأ ِّمي‪،‬‬ ‫جانب‬ ‫ إلى‬‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫الد ِ‬ ‫ِ‬ ‫والخارج‪ ،‬باإلضافة إلى‬ ‫اخل‬ ‫حديقة منـزلِنا خلاَّ ب َة‬ ‫من‬ ‫المنظر من َّ‬ ‫ِ‬ ‫ملجأ لل ُّط ِ‬ ‫ً‬ ‫والكائنات ال َب ِّر َّي ِة وظلاًّ لها‪.‬‬ ‫يور‬ ‫أنها ستصير‬ ‫ِ‬ ‫العصافير‪:‬‬ ‫أصوات‬ ‫مقلدا‬ ‫وانحنى على أذن أمه ً‬ ‫َ‬

‫ ِو ْت ِو ْت ِو ْت ِو ْت ِو ْت‪............‬‬‫أبعد ْت فمه عن ُأذنِها كمن ِ‬ ‫تبع ُد ذبابة‪ ،‬ثم رف َع ْت كتفيها مستسلم ًة قائل ًة‪:‬‬ ‫َ‬ ‫َُ‬ ‫َ‬

‫ب‪...‬‬ ‫‪ -‬ط ِّي ْ‬

‫‪29‬‬


‫(‪)10‬‬ ‫نريد آني ًة كريسيتالية وال سجادا عجميا وال ثري ٍ‬ ‫ات‪ ،‬وال يفك َِّر َّن‬ ‫ـ ال ُ‬ ‫َّ‬ ‫ًّ‬ ‫ّ ً‬ ‫َّ‬ ‫ِ‬ ‫ٍ‬ ‫ِ‬ ‫الجديد‪ ،‬بل‪....‬‬ ‫مفروشات فاخر ًة لبيتِنا‬ ‫بإهدائنا‬ ‫أحد‬ ‫ٌ‬ ‫َ‬ ‫قال ظريف أل ِّمه وأبيه وهم يشربون َّ‬ ‫اي جالسين على ِ‬ ‫درج‬ ‫الش َ‬ ‫ٍ‬ ‫ِ‬ ‫وتابع بحز ٍم‪:‬‬ ‫بشغف‪،‬‬ ‫الحديقة يتأ َّملون جمي ًعا ال ُّتربة‬ ‫َ‬ ‫ٍ‬ ‫مستور َد ًة‪ ،‬وذلك ألنها قادر ٌة على‬ ‫أشجار محل َّي ًة ال‬ ‫أغراس‬ ‫بل‬‫َ‬ ‫َ‬ ‫ِ‬ ‫المستور َدة‪...‬‬ ‫أكثر من‬ ‫َ‬ ‫العيش في تربتنا َ‬ ‫شارحا ألبويه بعد أن قرأ في أعينِهما‬ ‫وابتسم‬ ‫وشرب بقي َة شاي كوبِ ِه‬ ‫ً‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫الدهش َة‪:‬‬ ‫َّ‬

‫ِ‬ ‫القديمة‪...‬‬ ‫ هذا ما ق ْل ُته لزمالئي وزميالتي في مدرستي‬‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫زمالئه ق َّل َة ٍ‬ ‫أدب‪ ،‬وع َّب َر‬ ‫طلب ابنِه هذا من‬ ‫والد ظريف‬ ‫وإذ‬ ‫اعتبر ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ِ‬ ‫ٍ‬ ‫عن هذا صراح ًة ومن ِ‬ ‫دافعت األ ُّم عن واقع َّي ِة ابنِها ا َّلتي‬ ‫مواربة‪،‬‬ ‫دون‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫تنس أن َّ‬ ‫لقب‬ ‫العائلة على‬ ‫تركيز‬ ‫تصب في‬ ‫تمط َ‬ ‫جمال الحديقة‪ ،‬ولم َ‬ ‫ُّ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫“ال َغنّاء”‪ ،‬هذا عدا عن ِ‬ ‫العتيقة موروث ًة‬ ‫البسيطة‬ ‫كون مفروشات بيتِهم‬ ‫زوجها‪ ،‬وهي – بال ّت ِ‬ ‫ِ‬ ‫جد ِة ِ‬ ‫كثيرا مع‬ ‫أكيد‪ -‬قد ال‬ ‫ِمن أيا ِم‬ ‫والدة َّ‬ ‫ُ‬ ‫تتناسب ً‬ ‫جاد العجمي أو ال ُّث ِ‬ ‫الكريستال والس ِ‬ ‫ِ‬ ‫ريات‪.‬‬ ‫ِّ‬ ‫ِّ‬

‫‪30‬‬


‫وعلق ظريف ضاحكًا‪:‬‬ ‫َ‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫ِ‬ ‫ على ِّ‬‫غالية‪ ،‬فقد كنت‬ ‫بإحضار هدايا‬ ‫حال‪ ،‬لن يفكروا‬ ‫كل‬

‫أمازحهم‪...‬‬ ‫ُ‬

‫ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫أسارير ِ‬ ‫الش ِ‬ ‫رب َّ‬ ‫وسعادة‬ ‫بمتعة‬ ‫اي‬ ‫وانفرجت‬ ‫األب واأل ِّم‪ ،‬وتابعا َش َ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫ٍ‬ ‫أيضا‪.‬‬ ‫وحيوية ً‬

‫‪31‬‬


‫(‪)11‬‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫شجرة ٍ‬ ‫شجرة ٍ‬ ‫شجرة تين‪،‬‬ ‫وغرس‬ ‫كرز‪،‬‬ ‫وغرس‬ ‫تفاح‪،‬‬ ‫غرس‬ ‫‬‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫ِ‬ ‫ُ‬ ‫ونصنع‬ ‫سنأكل فاكه ًة طازج ًة‬ ‫دراق‪...‬وتين‪...‬واو!‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫وغرس شجرة َّ‬

‫الباقي مربى‪...‬‬

‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫بإحضار‬ ‫زمالئ ِه ا َّلذين لم يكتفوا‬ ‫قال ظريف هذا بعد أن تل َّقى هدايا‬ ‫كل ِ‬ ‫ِ‬ ‫الر ِ‬ ‫الجذور بالخ ْي ِ‬ ‫ِ‬ ‫حفر ُّ‬ ‫واح ٍد حفر ًة‬ ‫األغراس ملفوف َة‬ ‫طب‪ ،‬بل َ‬ ‫ش َّ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫نصف ٍ‬ ‫ثم وض َعها‬ ‫متر‪،‬‬ ‫بعمق‬ ‫لغرستِ ِه‬ ‫َ‬ ‫السما َد‪ ،‬ورواها‪َّ ،‬‬ ‫ووضع فيها َّ‬ ‫ِ‬ ‫حاجزا من ال ُّت ِ‬ ‫َ‬ ‫يمنع‬ ‫سد‬ ‫ليكون‬ ‫راب حو َلها‬ ‫وطم َرها‪ ،‬وأقا َم‬ ‫بمثابة ٍّ‬ ‫ً‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ِ‬ ‫الماء عند سقايتِها‪ ،‬وشربوا َّ‬ ‫الد ِ‬ ‫رج‬ ‫تسر َب‬ ‫اي جالسي َن على َّ‬ ‫الش َ‬ ‫ُّ‬ ‫يتأم ُلونها‪.‬‬

‫‪32‬‬


‫(‪)12‬‬ ‫أبيه ِ‬ ‫التفت إلى ِ‬ ‫قائلاً ‪:‬‬ ‫بعد أن غادروا‪،‬‬ ‫َ‬ ‫َ‬

‫سوف تصن ُعه أمي‬ ‫نبيع فيه مربى الفاكهة ا َّلذي‬ ‫َ‬ ‫نفتح دكا ًنا ُ‬ ‫‪ -‬قد ُ‬

‫ونجني ثرو ًة طائل ًة‪...‬‬

‫ٍ‬ ‫ُ‬ ‫ِ‬ ‫المطبخ بين‬ ‫نفسها في‬ ‫تتخيل‬ ‫نظرت أ ُّمه إليه مستنكر ًة وهي‬ ‫بحنق َ‬ ‫َ‬

‫الس َ‬ ‫أرضا‪ ،‬وقالت‪:‬‬ ‫زج منها ً‬ ‫ائل ال َّل َ‬ ‫طناجر المربى ا َّلتي تبقبِ ُق وترمي َّ‬ ‫ٍ‬ ‫عيش ٍ‬ ‫ِ‬ ‫هانئة يا ظريف يا‬ ‫حياة‬ ‫وعدتني به من‬ ‫‪ -‬يا سالم! أهذا هو ما ْ‬

‫ابني الحنون؟‬

‫ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫يربت كت َفها‪:‬‬ ‫بصوت‬ ‫أجاب‬ ‫مهيب وهو ُ‬ ‫َ‬

‫ أنا وأبي سنحر ُك المربى حتى يذوب السكَّر‪ِ ...‬‬‫أنت فقط تضعينَ ُه‬ ‫ّ‬ ‫َ ّ ُ‬ ‫ِّ‬ ‫ِ‬ ‫اآلنية‪...‬‬ ‫في‬ ‫رافض ًة‪َ ،‬‬ ‫زوجها‪:‬‬ ‫ْ‬ ‫برمت شفتيها ورف َع ْت كتفيها َ‬ ‫فقال ُ‬ ‫ِ‬ ‫اآلنية يا َس ِكينة‪...‬‬ ‫نضع المر ّبى في‬ ‫ أنا وظريف ُ‬‫َ‬ ‫وقال ظريف‪:‬‬

‫ُ‬ ‫ناجر‪...‬‬ ‫‬‫ونغسل ال ّط َ‬

‫‪33‬‬


‫والد ُه‪:‬‬ ‫اعترض ُ‬ ‫َ‬

‫‪ -‬نحن؟‬

‫قا َل ْت‪:‬‬

‫‪ -‬أنتم‪..‬نعم أنتم‪...‬‬

‫زوجها ثاني ًة‪:‬‬ ‫َ‬ ‫واعترض ُ‬ ‫قبض ثمنِ ِه؟‬ ‫دور ِك في المر ّبى إذن؟ ُ‬ ‫‪ -‬وما هو ُ‬

‫قالت‪:‬‬

‫تفكران إال بالن ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِّقود‪...‬‬ ‫ ال‬‫َ‬ ‫قال ظريف‪:‬‬

‫ِ‬ ‫ نعم‪ ...‬دماغي ودما ُغ أبي مبني ِ‬‫االقتصاد‪ ،‬على األرقا ِم‪،‬‬ ‫ان على‬ ‫ّ‬ ‫ولوال هذه النّعمة‪ ،‬لما ِ‬ ‫كنت تسرحي َن وتمرحي َن في (الفيلال) وتأكلي َن‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫المحاصيل‪.‬‬ ‫األرباح من بي ِع‬ ‫خيرات بساتينِها وتجني َن‬ ‫من‬ ‫َ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ضحكتين‬ ‫تعترض المرأ ُة‪ ،‬فقد أقنَ َعها ابنُها بطريقتِ ِه‪ ،‬وأخفى وأبا ُه‬ ‫ولم‬ ‫ِ‬ ‫ستهز ِ‬ ‫َ‬ ‫يتفقدان جيوبهما الفارغ َة حتى‬ ‫والجبل وهما‬ ‫ان الوادي‬ ‫كانتا‬ ‫ّ‬ ‫ِ‬ ‫ربطة ٍ‬ ‫من ِ‬ ‫خبز‪.‬‬ ‫ثمن‬

‫‪34‬‬


‫(‪)13‬‬ ‫ِ‬ ‫االبتدائي‬ ‫األول‬ ‫الصف‬ ‫بعد أ ّيا ٍم‪ ،‬وص َل ْت صديق ُت ُه سندريلال‪ -‬معلم ُة‬ ‫ِّ‬ ‫َ‬ ‫ِّ‬ ‫درجة الس ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ُ‬ ‫َّ‬ ‫تحمل‬ ‫ذاجة‪ -‬وكا َنت‬ ‫القامة الخجول ُة إلى‬ ‫الشقرا ُء ال َّطويل ُة‬ ‫َّ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫تلهث‪ ،‬العن ًة‪ ،‬بينَها وبي َن‬ ‫الحديقة‬ ‫وتدخل إلى‬ ‫شجرة موز‬ ‫غرس‬ ‫َ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ريق الن َ‬ ‫سارع ظريف‬ ‫“الزحليطة”‪.‬‬ ‫َّازل إلى‬ ‫نفسها‪ ،‬ال َّط َ‬ ‫البيت مثل ّ‬ ‫َ‬ ‫نحوها حاملاً الغرس َة مناد ًيا بأعلى صوتِه‪:‬‬ ‫ِ‬ ‫شجرة موز‪....‬يا سالم‪...‬‬ ‫غرس‬ ‫ ُ‬‫ٍ‬ ‫بسرعة‪:‬‬ ‫وفكر‬ ‫َ‬ ‫ٍ‬ ‫ِ‬ ‫قرود يا سندريلال‪..‬على ِّ‬ ‫كنت أدر ُبها‬ ‫أحضرت معها عد َة‬ ‫ لو‬‫األقل ُ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫الر ِ‬ ‫َ‬ ‫الم ِد ِن‪...‬‬ ‫قص‪ ،‬وأجني‬ ‫مبالغ طائل ًة لقا َء َس ْوقها للفرجة في ُ‬ ‫على َّ‬ ‫مستنكرا‪:‬‬ ‫والد ظريف‬ ‫صرخ ُ‬ ‫ً‬ ‫ في الم ِ‬‫دن؟‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫واستدرك االب ُن‪:‬‬

‫ِ‬ ‫القرية هنا‪...‬‬ ‫ ط ِّيب في‬‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫القرية‬ ‫ف أنا بنفسي هنا في هذه‬ ‫القرية؟ يا عيني!‬ ‫ في‬‫أعر ُ‬ ‫َ‬ ‫وكيف ِّ‬

‫‪35‬‬


‫ِ‬ ‫والد ُمر ِّق ِ‬ ‫ص النّسانيس؟‬ ‫الغريبة؟ هه؟ ُ‬ ‫ِ‬ ‫مستنك ًرا‪:‬‬ ‫خد ِه‬ ‫وضع ظريف سبابته على ِّ‬ ‫َ‬ ‫‪ -‬نسانيس؟ أنا ق ْل ُت نسانيس؟‬

‫قلت‪...‬‬ ‫ نعم َ‬‫وتدخ َل ِ‬ ‫ت األ ُّم‪:‬‬

‫ لم ْ‬‫يقل نسانيس‪ ،‬بل قرود‪...‬‬

‫شار ظريف بس َّبابته إلى سندريلال م َّت ِه ًما‪:‬‬ ‫ثم َأ َ‬

‫ ُّ‬‫الحق على سندريلال‪ ..‬هي ا َّلتي جل َب ْت غرس َة الموز‪ ،‬فأوص َل ْتنا‬ ‫كل ِّ‬ ‫ٍ‬ ‫إلى ِ‬ ‫هوية‪.‬‬ ‫أزمة‬ ‫ُ‬ ‫ْ‬ ‫يضحك‬ ‫وتغادر حريد ًة لو لم‬ ‫تحمل غرس َتها‬ ‫وكا َدت سندريلال‬ ‫ُ‬ ‫ظريف ِ‬ ‫قائلاً ‪:‬‬ ‫أمازح ِك‪..‬‬ ‫ إ َّنني‬‫ُ‬

‫غمز ْت ُه أ ُّمه أن يراض َيها‪،‬‬ ‫السفلى إلى أن َ‬ ‫لكنَّها ظ َّل ْت بارم ًة شف َتها ُّ‬ ‫ِ‬ ‫فأخذ ِ‬ ‫ٍ‬ ‫َ‬ ‫عند‬ ‫برشاقة‬ ‫فنهضت‬ ‫البيت‪،‬‬ ‫بيدها لير َيها‬ ‫عصفور‪ ،‬وشه َق ْت َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ِ‬ ‫ٍ‬ ‫ِّ‬ ‫ِ‬ ‫والحديقة‪ ،‬والوادي‪،‬‬ ‫والحما ِم‪،‬‬ ‫المطبخ‪،‬‬ ‫غرفة إعجا ًبا‪ ،‬وعند‬ ‫كل‬ ‫ّ‬ ‫ٍ‬ ‫شيء بالن ِ‬ ‫ِ‬ ‫فكان ُّ‬ ‫َ‬ ‫ِّسبة إليها جميلاً ‪ ،‬بل رائ ًعا‪،‬‬ ‫كل‬ ‫والجبل‪ ،‬و”أبو دمعة”‪،‬‬ ‫صطلح “الن ِ‬ ‫يختبر َ‬ ‫أدهش ُه‪ ،‬فأرا َد ْ‬ ‫َ‬ ‫ِ‬ ‫َّصيب” الذي‬ ‫تعريف ُم‬ ‫اآلن‬ ‫أن‬ ‫مما‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬

‫‪36‬‬


‫الكوخ إلى ٍ‬ ‫ِ‬ ‫َ‬ ‫والفقير إلى‬ ‫قصر‪،‬‬ ‫تحو ُل‬ ‫يعتقد أ َّن ُه حال ٌة من عمى‬ ‫ُ‬ ‫القلب ِّ‬ ‫َ‬

‫ثري‪ ،‬وأستا َذ االبتدائي إلى بروفيسور‪ ،‬و”أبو دمعة” إلى “نهر النّيل”‪،‬‬ ‫ٍّ‬ ‫درب الس ِ‬ ‫الش ْ‬ ‫عادة‪ ،‬و”أبو ُّ‬ ‫وش” الذي غال ًبا‬ ‫َ‬ ‫وطريق ّ‬ ‫“الزحليطة” إلى ِ َّ‬ ‫الش ِ‬ ‫الض ِ‬ ‫قط ٍ‬ ‫يرفض الغربا َء‪ ،‬إلى ٍّ‬ ‫يفة َّ‬ ‫مجلسا‪،‬‬ ‫قراء‬ ‫أليف‬ ‫اختار حض َن َّ‬ ‫ما ُ‬ ‫ً‬ ‫َ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ما يعني َّ‬ ‫القفص ذهب ًّيا‬ ‫األبواب مفتوح ٌة على مصراع ْيها أما َم‬ ‫أن كل‬ ‫َ‬ ‫كان أو من ال َّتن َِك‪.‬‬

‫يؤج ِل َّ‬ ‫والد ْي ِه ال َّلذين‬ ‫البث في الموضوعِ‪ ،‬فسأ َلها مداع ًبا أما َم َ‬ ‫ولم ِّ‬ ‫ٍ‬ ‫ِ‬ ‫كل زميالتِ ِه َ‬ ‫اسمها أكثر من ِّ‬ ‫سنوات‪:‬‬ ‫ثالث‬ ‫طوال‬ ‫الحظا أ َّن ُه يرد ُد َ‬ ‫ِ‬ ‫تسقط من ِ‬ ‫ُ‬ ‫صحيح ما سمع ُته من َّ‬ ‫قدمها‬ ‫كانت‬ ‫‬‫أن فرد َة حذاء أ ِّم ِك ْ‬ ‫ٌ‬ ‫كانت حاملاً ِ‬ ‫تسم َيك‬ ‫بك‬ ‫وقت‬ ‫در ًجا‬ ‫كلما‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫فنذر ْت أن ِّ‬ ‫َ‬ ‫صعد ْت َ‬

‫سندريلال؟‬ ‫ودهش ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫َ‬ ‫مر ٍة‪ ،‬وخج َل ْت‪،‬‬ ‫ت الفتا ُة لهذا‬ ‫الخبر الذي تسم ُعه ألول ّ‬ ‫فسارع إلى سؤالِها سؤالاً‬ ‫َ‬ ‫ورمش ْت عينيها‪،‬‬ ‫وتلعثم ْت‪ ،‬وبل َع ْت ري َقها‪،‬‬ ‫َ‬ ‫َ‬

‫آخر‪:‬‬ ‫َ‬

‫فهمت‪...‬ال‪ ..‬لم تكن‪.‬‬ ‫ آه!‬‫ُ‬

‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫المشكلة ّ‬ ‫الشائكة‪ ،‬فقال‬ ‫الحقيقي لهذه‬ ‫بالجواب‬ ‫وا َّدعى أ َّن ُه يفك ُِّر‬ ‫ِّ‬ ‫ٍ‬ ‫ِ‬ ‫عينين‪:‬‬ ‫إغماضة‬ ‫بعد‬ ‫َ‬ ‫‪37‬‬


‫ كا َنت إذن تتمنى أن تحظي ٍ‬‫عريسا؟‬ ‫بأمير‬ ‫ً‬

‫َ‬ ‫تجيب‪ ،‬قال ً‬ ‫صدره‪:‬‬ ‫نافخا‬ ‫يعرف أ ّنها لن‬ ‫وكان‬ ‫تجيب‪،‬‬ ‫وقبل أن‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬

‫جد أبي َ‬ ‫أميرا‪...‬‬ ‫ على‬‫جد ِّ‬ ‫فكرة‪...‬جد ِّ‬ ‫ُّ‬ ‫كان ً‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫قت‬ ‫خداها‬ ‫تضحك سندريلال لفكاهتِه تلك‪،‬‬ ‫وبدل أن‬ ‫احمر َّ‬ ‫وأطر ْ‬ ‫َ‬ ‫َّ‬ ‫ٍ‬ ‫نظرات خبيث ًة‬ ‫تطقطِ ُق أصابِ َعها النَّحيل َة‪ ،‬فانت َب َه والدا ظريف وتبادال‬ ‫ِ‬ ‫ضاحك ًة َ‬ ‫عروسا‬ ‫زوجها أنها تتمنى البنِها‬ ‫ب األ ُّم‬ ‫فيفهم ُ‬ ‫قبل أن تق ِّط َ‬ ‫ً‬ ‫َ‬ ‫ٍ‬ ‫ِ‬ ‫َ‬ ‫“أعظم‬ ‫علما”‪،‬‬ ‫أستاذ في العال ِم”‪ ،‬وأل َّنه‬ ‫باعتقادها‬ ‫أفضل‪ ،‬ألَ َّن ُه‬ ‫ُ‬ ‫“طائر ً‬ ‫ٌ‬

‫ِ‬ ‫كان واث ًقا َّ‬ ‫زوجها َ‬ ‫بيد َّ‬ ‫أن‬ ‫فعند ُه (فيلال) بحج ِم‬ ‫الكون‪َ .‬‬ ‫وألَ َّن ُه َملاَّ ك‪َ ،‬‬ ‫أن َ‬ ‫ِ‬ ‫يتجاوز َّ‬ ‫خاص ًة وهو يرى‬ ‫كل‬ ‫سوف‬ ‫ابنَ ُه‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫العراقيل التي ستفتع ُلها ُأ ُّم ُه‪َّ ،‬‬ ‫َ‬ ‫شمس‪.‬‬ ‫كمن أضاء ْت ُه‬ ‫وج َه ابنِ ِه وقد‬ ‫ٌ‬ ‫أشرق َ‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫رأس ظريف‪ ،‬رأى‬ ‫واحدة‪ ،‬وقد اح َّت َّل ْت فكر ُة‬ ‫لحظة‬ ‫وفي‬ ‫الحب َ‬ ‫ِّ‬ ‫ٍ‬ ‫ِ‬ ‫بقالوة‪ ،‬وبد َأ قل ُبه ّ‬ ‫يدق‪:‬‬ ‫قطعة‬ ‫سندريلال أحلى ِمن‬ ‫‪َ -‬ط ْق َط ْق َط ْق‪..‬‬

‫أيضا ُّ‬ ‫يدق‪:‬‬ ‫وقد سم َعه‬ ‫راح قل ُبها ً‬ ‫نفسها ا َّلتي َ‬ ‫ُ‬ ‫الجميع بما فيهم سندريلال ُ‬ ‫‪َ -‬ط ْق َط ْق َط ْق‪..‬‬

‫الض ِ‬ ‫ٍ‬ ‫الش ْ‬ ‫فما َء “أبو ُّ‬ ‫شعر ُه في‬ ‫يفة التي‬ ‫وش”‬ ‫بدالل ألصاب ِع َّ‬ ‫ُ‬ ‫تداعب َ‬ ‫ورقص (كانوش) حو َلها احتفا ًء‪.‬‬ ‫حضنِها‪،‬‬ ‫َ‬ ‫‪38‬‬


‫(‪)14‬‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫ِ‬ ‫تحضير‬ ‫يقتصر على‬ ‫بسيط‬ ‫بدور‬ ‫تستطع والد ُة ظريف االكتفا َء‬ ‫لم‬ ‫ْ‬ ‫ُ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫الش ِ‬ ‫وزوجها‪ ،‬إذ َّ‬ ‫منظر ُّ‬ ‫َّ‬ ‫جيرات قد شج َعها على‬ ‫الش‬ ‫إن‬ ‫طائر البنِها‬ ‫َ‬

‫المح َت َّلة”‬ ‫“المشاركة الف َّعالة”‬ ‫َ‬ ‫حسب ما تسميها هي‪ ،‬و”المشاركة ُ‬ ‫وزوجها‪.‬‬ ‫يسميها ابنُها‬ ‫ُ‬ ‫حسب ما ّ‬

‫ِ‬ ‫فقد وق َفت على ِ‬ ‫األحمر‬ ‫المطاطي‬ ‫الحديقة منتعل ًة حذا َءها‬ ‫درج‬ ‫َ‬ ‫َّ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫الحديقة إلى أقصى‬ ‫يمين‬ ‫اع‪ ،‬ومحرك ًة س َّبابتها من أقصى‬ ‫اللم َ‬ ‫ّ‬

‫يسارها‪ِ ،‬‬ ‫ِ‬ ‫ُ‬ ‫تحمل في‬ ‫ومن أقصى شمالِها إلى أقصى جنوبِها معلن ًة أنها‬ ‫ِ‬ ‫ُ‬ ‫ذار ُ‬ ‫عتر‬ ‫والخ َّبازى‬ ‫والبابونج‬ ‫الخزامى والور َد‬ ‫كيسها‬ ‫َّ‬ ‫َ‬ ‫والص َ‬ ‫الورقي بِ َ‬ ‫ِّ‬ ‫ِ‬ ‫َ‬ ‫الكثير‬ ‫بزرعها‪ ،‬بل ستزرع‬ ‫والمردقوش والقصعي َن‪ ،‬وأنها لن تكتفي‬ ‫َ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫والجزر‬ ‫والبندورة‬ ‫والملفوف‬ ‫والقرنبيط‬ ‫الفاصولياء‬ ‫ببذور‬ ‫من األثال ِم‬ ‫والبِ ِّط ِ‬ ‫أيضا‪ ،‬تما ًما كما كان يفعل جدو ُدها‪ ،‬فهي ال َّطريقة الوحيد ُة‬ ‫يخ ً‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫خضارا َّ‬ ‫مصنوعة من بقايا‬ ‫عضوية‬ ‫بأسمدة‬ ‫تغذت‬ ‫ا َّلتي تضم ُن لعائلتِها‬ ‫ً‬ ‫ِ‬ ‫مك ومخ َّل ِ‬ ‫الس ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫الخشب وفضالت‬ ‫ورماد‬ ‫البحر‬ ‫فات ال َّطعا ِم وعشب‬ ‫َّ‬

‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫القاتلة‪.‬‬ ‫الصناع َّي ِة الكيميائ َّي ِة‬ ‫النَّبات بدل األسمدة ِّ‬

‫‪39‬‬


‫ولم تكن والد ُة ظريف قد سمع ْت بالس ِ‬ ‫ِ‬ ‫األخضر ا َّلذي يبدو أن‬ ‫ماد‬ ‫َ‬ ‫َّ‬ ‫يحمل كيسا ورقيا يحمل بذوره ِ‬ ‫ٍ‬ ‫قائلاً ‪:‬‬ ‫صباح‬ ‫ذات‬ ‫زوجها أتى َ‬ ‫ًّ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ُ ً‬ ‫ِ‬ ‫ٍ‬ ‫خصيصا‬ ‫زرع‬ ‫السما ُد‬ ‫ً‬ ‫ّمو ُت ُ‬ ‫األخضر هو عبار ٌة عن نباتات سريعة الن ِّ‬ ‫ُ‬ ‫ َّ‬‫ربة‪ ،‬وتنتج كمي ٍ‬ ‫لتغذية ال ُّت ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫حالب‬ ‫األوراق ا َّلتي تخن ُ​ُق ال َّط‬ ‫ات كبير ًة من‬ ‫َ‬ ‫َّ‬ ‫الض َّارة‪.‬‬ ‫واألعشاب َّ‬ ‫َ‬

‫ٍ‬ ‫مرات وع َّل َق ْت قائل ًة‪:‬‬ ‫رأسها ثالث‬ ‫َّ‬ ‫هز ْت والد ُة ظريف َ‬ ‫نسيت كيس بذار الس ِ‬ ‫ِ‬ ‫األخضر عند البائ ِع قبل‬ ‫ماد‬ ‫ أوه‪ ...‬لقد‬‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬

‫يومين‪...‬شكرا أل َّنك أحضر َت ُه‪...‬‬ ‫ً‬

‫ٍ‬ ‫بدهشة‬ ‫فتحهما‬ ‫كتم ظريف ضح َك ًة وهو‬ ‫يرقب عيني والده ال َّلتين َ‬ ‫ُ‬

‫تسمع من قبل باسم‬ ‫متأكد أنها لم‬ ‫مستغر ًبا قو َلها هذا‪ ،‬وخاصة وأنه‬ ‫ٌ‬ ‫ْ‬ ‫عين ِ‬ ‫الس ِ‬ ‫ِ‬ ‫األخضر‪ ،‬ولكن غمز ًة من ِ‬ ‫َّت دهش َت ُه فقال‬ ‫ماد‬ ‫ابنه اليمنى فك ْ‬ ‫َّ‬

‫لها‪:‬‬

‫ نعم‪...‬وقد أخبرني أنك دفع ِ‬‫أيضا‪.‬‬ ‫ت ثمنَ ُه ً‬ ‫ْ‬ ‫َ‬

‫ورفع إبهامه إعجا ًبا بأبيه‪ ،‬وخاصة حين انتق َلت‬ ‫فهز ظريف رأسه‬ ‫َّ‬ ‫َ‬ ‫الدهش ُة من عيني ِ‬ ‫تعرف َّ‬ ‫كل المعرفة أنها لم‬ ‫زوجها إلى عين ْيها وهي‬ ‫ُ‬

‫تشتر بذور الس ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫تدفع ثمنَه ولم تكن قد سم َع ْت به‬ ‫األخضر ولم‬ ‫ماد‬ ‫ْ‬ ‫َّ‬ ‫أصلاً ‪.‬‬

‫‪40‬‬


‫(‪)15‬‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ستطعم العائل َة‬ ‫أكدت أنها‬ ‫اإلبقاء على أثال ِم‬ ‫بين‬ ‫والدة ظريف وا َّلتي َّ‬ ‫ُ‬ ‫فكرة ِ‬ ‫ٍ‬ ‫ِ‬ ‫َ‬ ‫تغطس‬ ‫بركة‬ ‫بناء‬ ‫أيضا‪ ،‬وبين‬ ‫والجيران القدامى‬ ‫واألقارب ً‬ ‫ٌ‬ ‫َ‬ ‫ِ‬ ‫بتأمين‬ ‫َّباتات المائي ُة الكفيل ُة‬ ‫فيها‬ ‫الحيوانات المائ َّي ُة وتمألها الن ُ‬ ‫ُ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫سطح‬ ‫حالب من ال َّتجم ِع على‬ ‫الحيوانات ومن ِع ال َّط‬ ‫األكسجين لهذه‬

‫الماء في الوقت ِ‬ ‫استطاع ظريف أن يح َّل ُه‬ ‫صراع‬ ‫ينشب‬ ‫نفسه‪ ،‬كاد‬ ‫َ‬ ‫ٌ‬ ‫ُ‬ ‫ِ‬ ‫ٍ‬ ‫والد ُه بأن األثال َم ا َّلتي زر َع ْت أ ُّمه البذور َفيها‬ ‫بسرعة‬ ‫كالعادة‪ُ ،‬مقن ًعا َ‬ ‫بركة ٍ‬ ‫إلقامة ِ‬ ‫ِ‬ ‫لم ِ‬ ‫ماء‪ .‬ولما َ‬ ‫ربت ابنُه كت َفه‬ ‫تبق مكا ًنا‬ ‫حزن والد ظريف‪َ ،‬‬ ‫المحصول‪ ،‬فتكون ِ‬ ‫ِ‬ ‫واعدا إيا ُه أن يبنيا برك ًة بعد ِ‬ ‫المساح ُة موزع ًة‬ ‫جني‬ ‫ً‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫شرب‬ ‫تحتاج إلى‬ ‫الحديقة‬ ‫عصافير‬ ‫والبركة‪ ،‬خاص ًة وأن‬ ‫بين األثال ِم‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫الماء ا َّلذي سارع ظريف إلى توزيع ٍ‬ ‫مليئة منه هنا وهناك‬ ‫صغيرة‬ ‫آنية‬ ‫َ‬

‫وهنالك‪.‬‬

‫‪41‬‬


‫(‪)16‬‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫الذ ِ‬ ‫وأحست ببعض َّ‬ ‫نب لكونها‬ ‫والدة ظريف‪،‬‬ ‫نظر‬ ‫َّ‬ ‫لف َت ْت آني ُة الماء َ‬ ‫لزوجها وابنِها مكا ًنا ِ‬ ‫ت ِ‬ ‫احت َّل ِ‬ ‫المساح َة ك َّلها من ِ‬ ‫ِ‬ ‫َ‬ ‫لبناء‬ ‫تترك‬ ‫دون أن‬

‫ِ‬ ‫البركة ا َّلتي يحلمان بها؛ لذا فقد استغ َّلت فرص َة غيابهما ووز َعت آني ًة‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫الماء‪.‬‬ ‫للعصافير قري ًبا من آنية‬ ‫الهند‬ ‫جوز‬ ‫وبرش‬ ‫والرز‬ ‫البرغل‬ ‫من‬ ‫ِّ‬ ‫زوجها المستنكر َة أخاف ْتها وهو يلم آني َتها ويخفيها ِ‬ ‫ولكن شهق َة ِ‬ ‫قائلاً ‪:‬‬ ‫ُّ‬ ‫الحبوب قد ُ‬ ‫َ‬ ‫انتفخت في معدتها‬ ‫العصافير إذا‬ ‫تقتل‬ ‫ َأال تعرفي َن أن‬‫َ‬ ‫َ‬ ‫ِ‬ ‫للرطوبة؟‬ ‫بعد تعرضها ُّ‬

‫ ال‪ ...‬ال أعرف!‬‫ٍ‬ ‫وألول ٍ‬ ‫مرة ُ‬ ‫امرأة في‬ ‫أعرف‬ ‫تعتقد نفسها‬ ‫تقول والد ُة ظريف ا َّلتي‬ ‫َ‬ ‫ُ‬

‫ِ‬ ‫أعرف؛ لذا سارع ظريف إليها ُ‬ ‫يقول‪:‬‬ ‫الكون كلم َة‪ :‬ال‬ ‫ُ‬

‫أيضا؟‬ ‫ وال تعرفي َن أن الحبوب القديم َة تقتل‬‫العصافير ً‬ ‫َ‬ ‫ِ‬ ‫هاج َم ٌة من “أفراد‬ ‫فقالت‪:‬‬ ‫العصابة”‪،‬‬ ‫ْ‬ ‫السيد ُة أنها ُم َ‬ ‫اعتبرت َّ‬ ‫‪ -‬بلى أعرف‪ ،‬ولك ّن حبوبي طازج ٌة‪...‬‬

‫قال زوجها‪:‬‬ ‫‪42‬‬


‫ طازج ٌة أو عتيق ٌة يا سكينة‪ ...‬طازج ٌة أو عتيق ٌة‪...‬‬‫واعترضت بشدة‪:‬‬

‫خبزا مبلَّلاً بالماء‪...‬‬ ‫ كانت جدتي‬‫تطعم العصافير ً‬ ‫ُ‬

‫سألها ظريف‪:‬‬ ‫‪ -‬متى؟‬

‫قالت بسرعة‪:‬‬ ‫‪ -‬شتا ًء!‬

‫ِ‬ ‫الصعداء‪ ،‬وجلس‬ ‫رجات‬ ‫الد‬ ‫جلس ظريف على إحدى َّ‬ ‫وتنفس ّ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫والده بجانبِه‪ ،‬وقاال م ًعا‪:‬‬ ‫ُ‬ ‫‪“ -‬هلكتينا”!‬

‫وعلق ظريف قائلاً ‪:‬‬ ‫َ‬

‫ٍ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫امرأة‬ ‫شهادة‬ ‫مقابل‬ ‫رجلين‬ ‫يطلبون شهاد َة‬ ‫فهم ُت لماذا‬ ‫ اآلن ْ‬‫ٍ‬ ‫واحدة‪ ،‬ألنها قادر ٌة على ِ‬ ‫دحرهما م ًعا و‪....‬‬ ‫ووضع أبو ُه راح َة ك ِّفه على فمه‪:‬‬

‫اسكت‪....‬فضح َتنا‪...‬معلوما ُتك ك ُّلها خاطئ ٌة‪...‬‬ ‫‬‫ْ‬

‫دهش ظريف‪:‬‬

‫ خاطئة؟ لماذا؟‬‫‪43‬‬


‫والده ابتسام ًة خافت ًة وقال‪:‬‬ ‫ابتسم ُ‬ ‫َ‬

‫ ِ‬‫العبقري‪...‬‬ ‫تسمع تعلي َقك‬ ‫الموضوع طالما أنها لم‬ ‫أغلق‬ ‫َّ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬

‫ونظر إلى أ ِّمه ا َّلتي كت َفت يد ْيها‪:‬‬ ‫الموضوع‪،‬‬ ‫وأغلق ظريف‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫‪ -‬إذن؟‬

‫ووقف ظريف‪:‬‬ ‫َ‬

‫ِ‬ ‫َ‬ ‫المشاكل؟‬ ‫افتعال‬ ‫‪ -‬إذن ماذا؟ تريدي َن‬

‫ِ‬ ‫بالحديث‪:‬‬ ‫وتوجه إليها‬ ‫هد َأه‬ ‫زوجها ّ‬ ‫َّ‬ ‫لكن َ‬

‫الد َ‬ ‫َ‬ ‫وثمار ال ُع َّل ْي ِق ربي ًعا‪،‬‬ ‫يدان‬ ‫العصافير‬ ‫ إذن‪ ،‬دعي‬‫وفراخها تأكل ِّ‬ ‫َ‬ ‫َ‬

‫َ‬ ‫والش َ‬ ‫المبلول ِّ‬ ‫فاح ُّ‬ ‫للشتاء‪.‬‬ ‫والخبز‬ ‫وفان‬ ‫واتركي‬ ‫َ‬ ‫الحبوب وال ُّت َ‬ ‫َ‬ ‫زوجها‪:‬‬ ‫ابتسمت ابتسام ًة واسع ًة‪ ،‬وسأ َلت َ‬

‫ِ‬ ‫إلحضار ّفزاعة؟‬ ‫‪ -‬يعني ال داعي‬

‫‪َّ -‬فزاعة؟‬

‫صرخا م ًعا صرختين مدويتين عر َفت من خاللِهما أن فكر َتها غير‬ ‫ِ‬ ‫الفناء الخلفي ا َّلذي أوق َف ِ‬ ‫مر َّح ٍ‬ ‫ت‬ ‫كلص إلى‬ ‫ب بها‪ ،‬وسار َع ْت حافي ًة ٍّ‬ ‫ِّ‬ ‫َّ‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫وألبس ْتها‬ ‫مرمية‬ ‫حديدية‬ ‫أنابيب‬ ‫جسمها من بقايا‬ ‫الفزاع َة ا َّلتي جم َعت‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫من ِ‬ ‫الجدار‪ ،‬فأضج َع ْتها واضع ًة‬ ‫وأسند ْتها إلى‬ ‫وزوجها‬ ‫ثياب ابنِها‬ ‫َ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫إخافة ال ُّط ِ‬ ‫ذراعيها ورا َء ِ‬ ‫يور‪،‬‬ ‫بهدف‬ ‫ظهرها لئال يعتقدا أنها صن َع ْتها‬

‫‪44‬‬


‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫وجودها ولو‬ ‫االعتراض على‬ ‫أصرا على‬ ‫آثارها‪ -‬إذا ّ‬ ‫على أن تخفي َ‬ ‫نائم ًة‪َ -‬‬ ‫“السقيفة”‪.‬‬ ‫فوق ّ‬

‫ِ‬ ‫بذكائها الحا ِّد‪.‬‬ ‫وضحكَت ضحكة خافت ًة معجب ًة‬

‫‪45‬‬


‫(‪)17‬‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫المنزل‪،‬‬ ‫سيدة‬ ‫رأس‬ ‫فكرة الفزاعة من‬ ‫البيت بمحو‬ ‫يكتف رجال‬ ‫ولم‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫أطراف‬ ‫صناديق خشبية يوزعانها على أعالي‬ ‫يبنيان م ًعا‬ ‫بل راحا‬ ‫َ‬ ‫ِ‬ ‫الحديقة للخفافيش‪.‬‬

‫ِ‬ ‫تساعدهما في‬ ‫االعتراض‪ ،‬بل كا َنت‬ ‫تجرؤ أ ُّم ظريف على‬ ‫ولم‬ ‫ُ‬ ‫ْ‬ ‫ِ‬ ‫وتتمتم‪:‬‬ ‫عملهما هذا‬ ‫ُ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ُ‬ ‫تتأرجح‬ ‫بمناظرها الخلاَّ ِبة ا َّلتي‬ ‫الخفافيش‬ ‫بوجود‬ ‫سنكون سعدا َء‬ ‫ كم‬‫ُ‬

‫تحت‪ ،‬وا َّلتي ُّ‬ ‫والحبور‪...‬‬ ‫والفرح‬ ‫السعاد َة‬ ‫ورأسها إلى ٌ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫تبث َّ‬ ‫فيها ُ‬

‫َ‬ ‫كوت‪،‬‬ ‫الس َ‬ ‫وتجاهل ُ‬ ‫زوجها سخري َتها‪ ،‬ولم ير ّد‪ ،‬لكن ابنَها لم يستط ِع ُّ‬

‫فقال‪:‬‬

‫ أمي‪ِ ...‬‬‫معك عشر ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ٍ‬ ‫جميل‬ ‫بمخلوق‬ ‫الخفافيش‬ ‫الستبدال‬ ‫ثوان فقط‬ ‫ُ‬ ‫ٍ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫يقوم ِ‬ ‫واحدة‪ ...‬هيا‪...‬‬ ‫المؤذية في ليلة‬ ‫الحشرات‬ ‫آالف‬ ‫بعملها‬ ‫ويلتهم َ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫وحاو َل ِ‬ ‫َ‬ ‫وتجد مخلو ًقا يقو ُم‬ ‫فائقة‬ ‫بسرعة‬ ‫رأسها‬ ‫ت األ ُّم أن‬ ‫َ‬ ‫تشغل َ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫همس ْت‬ ‫وشعر ْت‬ ‫تجد إال القنافذ‪...‬‬ ‫بالعمل ذاتِ ِه فلم ْ‬ ‫بالمغص َ‬ ‫وقت َ‬ ‫َ‬ ‫رافض ًة وجو َدها‪:‬‬ ‫‪46‬‬


‫ُ‬ ‫أبشع من الخفافيش‪...‬‬ ‫القنافذ‬ ‫‬‫ُ‬

‫وبر َقت عينا ظريف وقام َ‬ ‫ليقبل جبي َن ُا ِّم ِه‪:‬‬ ‫ كيف غاب ِ‬‫ُ‬ ‫القنافذ عن ذهني؟‬ ‫ت‬ ‫َ‬ ‫رأسها‪:‬‬ ‫لك َّن ُأ َّم ُه ضر َب ْت َ‬ ‫ٍ‬ ‫بصمت‪...‬‬ ‫التفكير‬ ‫ آه! يجب أن أتعلم‬‫َ‬ ‫َ‬ ‫وضحك ظريف‪:‬‬

‫ِ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫بمهمة الخفافيش‬ ‫يستطيع القيا َم‬ ‫‪...‬والغزال ال‬ ‫نسبي‬ ‫أمر‬ ‫‬‫ُ‬ ‫ٌّ‬ ‫الجمال ٌ‬ ‫ِ‬ ‫والقنافذ‪..‬‬

‫ِ‬ ‫ٍ‬ ‫ُ‬ ‫الحديقة تشرب كل‬ ‫تتخيل غزالاً في‬ ‫وللحظة‪ ،‬أشرقت عيناها وهي‬ ‫ِ‬ ‫الفكرة‪:‬‬ ‫صباح قهو َتها وهي تتأم ُله‪ ،‬لكنها تراج َعت عن‬ ‫ِ‬ ‫ُ‬ ‫الصغيرة؟‬ ‫الغزال في هذه الحديقة‬ ‫يسرح‬ ‫ غزال؟ يا حسرتي‪ ...‬أين‬‫ُ‬ ‫ِ‬ ‫تسعدهما‬ ‫الصف َة ا َّلتي‬ ‫ُ‬ ‫ولما اكتش َف ْت ال َّلوم في عيون ِهما‪ ،‬أتب َعت ِّ‬ ‫بالحديقة‪:‬‬

‫‪ -‬ال َغنَّاء!‬

‫‪47‬‬


‫(‪)18‬‬ ‫ُ‬ ‫قرف‬ ‫أثار وجو ُدها‬ ‫لم تكن‬ ‫الدائم وسكناها َ‬ ‫الخفافيش َ‬ ‫ُ‬ ‫وحدها ا َّلتي َ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ذوات اإل َب ِر َّ‬ ‫الش ِائك َِة‬ ‫بالقنافذ‬ ‫ب ظريف وأبوه‬ ‫السيدة سكينة‪ ،‬بل َر َّح َ‬ ‫َّ‬ ‫ِ‬ ‫وتروح بثقة المد َّللين بحجة أنها‬ ‫تروح وتجي ُء وتجي ُء‬ ‫الحديقة‪،‬‬ ‫في‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫تكمل َ‬ ‫ُ‬ ‫القضاء على الحشرات‪.‬‬ ‫الخفافيش في‬ ‫عمل‬

‫ِ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫بعض‬ ‫دخول‬ ‫تتأمل‬ ‫نسيت معاناتها مع أشكالها وهي‬ ‫لك َّن المرأ َة‬ ‫ْ‬ ‫األرضية حينًا وفي كَو ِم الس ِ‬ ‫ِ‬ ‫َّحل في ال ُّث ِ‬ ‫الن ِ‬ ‫العضوي حينًا‬ ‫ماد‬ ‫قوب‬ ‫ِّ‬ ‫ْ‬ ‫َّ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫العسل‪ ،‬خاصة وأن الن َ‬ ‫َّحل ال‬ ‫بالحصول على‬ ‫نفسها‬ ‫آخر‪ ،‬ومن َّْت َ‬ ‫تقديمها وجب َة‬ ‫ليضمنا‬ ‫لي”‬ ‫حلمها‬ ‫يهد ُأ‪ .‬وقد ك ّب َر ابنُها‬ ‫ُ‬ ‫“العس َّ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫وزوجها َ‬ ‫الخبز بال َّل ِ‬ ‫ُ‬ ‫الخفافيش على معظ ِم‬ ‫قضت صديقا ُتها‬ ‫بن للقنافذ ا َّلتي َ‬ ‫فبد ْت جائع ًة‪ ،‬باحث ًة حثي ًثا عن طعام‪.‬‬ ‫وجباتِها من الحشرات‪َ ،‬‬

‫‪48‬‬


‫(‪)19‬‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫َ‬ ‫أدرك ٌّ‬ ‫العائلة إلى‬ ‫انتقال‬ ‫صواب‬ ‫مقدار‬ ‫ووالد ِه‬ ‫كل من ظريف‬ ‫َ‬

‫أن َّ‬ ‫(الفيلال)‪ ،‬وأدركَا َّ‬ ‫مض ْت في بيت “مستشفى‬ ‫السنين التي َ‬ ‫كل ّ‬

‫مر ْت شهور‬ ‫المجانين” بين‪“ :‬استقبِ ْل وو ِّد ْع”‪ ،‬ضا َع ْت عب ًثا‪ ،‬بينما َّ‬ ‫َ‬ ‫يكون لحياتِ َك معنًى‪.‬‬ ‫شعرا خال َلها بمعنى أن‬ ‫قليل ٌة َ‬ ‫لم يكونا على ٍ‬ ‫ُ‬ ‫ستكون لأل ِّم بديلاً عن ثرثرات‬ ‫ثقة بأن “البس َتنَ َة”‬ ‫ِ‬ ‫الجارات وتفاهاته َّن‪ ،‬فكا َنت‪.‬‬ ‫ِ‬ ‫أوقات الفرا ِغ التي كا َن ِ‬ ‫ِ‬ ‫يصدقا َّ‬ ‫القهوة‬ ‫ت تقضيها في صن ِع‬ ‫أن‬ ‫ولم ِّ‬

‫ِ‬ ‫والش ِ‬ ‫ّ‬ ‫تدور‬ ‫واألركيلة وتلقي فيها محاضراتِها النَّ ّظ ِر َّي َة التي‬ ‫اي‬ ‫ُ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫َ‬ ‫أفراد عائلتِها تحو َل ْت عمل ًّيا‪-‬‬ ‫وعظمة‬ ‫حول ع َظمتِها‬ ‫موضوعا ُتها‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫تجفيفها أو‬ ‫والفاكهة أو‬ ‫الخضار‬ ‫بمساعدتِهما طب ًعا‪ -‬إلى جم ِع‬ ‫َ‬

‫ِ‬ ‫طهوها‪.‬‬

‫ِ‬ ‫وقت ِ‬ ‫ِ‬ ‫وكي يم َ‬ ‫إهدائها‬ ‫زوجها إلى‬ ‫فراغها المتبقي‪،‬‬ ‫الر‬ ‫جالن َ‬ ‫سارع ُ‬ ‫َ‬ ‫أل َّ‬ ‫ٍ‬ ‫خياطة حديث ًة تقو ُم بال َّت ِ‬ ‫مقصا “أصل ًّيا”‬ ‫آل َة‬ ‫طريز ً‬ ‫أيضا‪ ،‬و َأهداها معها ًّ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ٍ‬ ‫خيطان فيها ُّ‬ ‫الخياطة‬ ‫خيطان‬ ‫ألوان‬ ‫كل‬ ‫من النَّوع ا َّلذي تح ُّبه‪ ،‬وعلب َة‬

‫‪49‬‬


‫ِ‬ ‫ٍ‬ ‫وال َّت ِ‬ ‫َ‬ ‫ٍ‬ ‫زجاج‬ ‫وألوان‬ ‫تطريز حديث ًة‬ ‫مجالت‬ ‫قدم لها ظريف‬ ‫طريز‪ ،‬بينما َّ‬

‫ِ‬ ‫َ‬ ‫أيضا‪.‬‬ ‫الرس ِم على الحصى‬ ‫وبورسالن‪ ،‬وكذلك‬ ‫والخشب ً‬ ‫ألوان َّ‬ ‫أيقظ في ِ‬ ‫ِ‬ ‫ُّ‬ ‫َ‬ ‫زواجها‪ ،‬والتي‬ ‫نفسها الفنَّا َن َة التي كا َنتها قبل‬ ‫كل هذا‬

‫جارات ِ‬ ‫ِ‬ ‫بيت “مستشفى‬ ‫الفرار‪-‬‬ ‫كادت تقضي عليها‪ -‬لوال َش ْر ِك‬ ‫ُ‬ ‫ْ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫عرق ًة‬ ‫المجانين”‪،‬‬ ‫َ‬ ‫فراح ْت تخيط لألثاث الممزق أغطي ًة جديد ًة ُم َّ‬ ‫وللش ِ‬ ‫ِ‬ ‫َ‬ ‫بالورود‪َّ ،‬‬ ‫المور َد ذا َته‪ ،‬لكنَّها‬ ‫القماش‬ ‫ستائر تستخد ُم فيها‬ ‫بابيك‬ ‫َّ‬ ‫ُ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫الشمس‬ ‫يلمع كلما عان َق ْته أشع ُة‬ ‫تضيف إلى‬ ‫كانت‬ ‫ُ‬ ‫الورود ً‬ ‫ملو ًنا ُ‬ ‫خرزا َّ‬ ‫ِ‬ ‫الش ِ‬ ‫ِ‬ ‫زجاج َّ‬ ‫واألبواب‬ ‫بابيك‬ ‫تلو ُن‬ ‫َ‬ ‫راح ْت ِّ‬ ‫نور الكهرباء‪ .‬كما َ‬ ‫أو ق َّب َل ُه ُ‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫ِ‬ ‫بارعة َ‬ ‫اآلخر‪ -‬بداي ًة‪-‬‬ ‫ينكز‬ ‫منممات هندس َّي ٍة‬ ‫شكل‬ ‫على‬ ‫كان ُ‬ ‫أحدهما ُ‬ ‫َ‬ ‫إعجاب م ِ‬ ‫إطالق ِ‬ ‫ِ‬ ‫ٍ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ٍ‬ ‫بديل‪،‬‬ ‫جمهور‬ ‫لتأمين‬ ‫جام َل ٍة‬ ‫آهة‬ ‫بوجوب‬ ‫ليذك َِّر ُه‬ ‫ٍ ُ‬ ‫وقت تلو َن ِ‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫ثم ما لب َث ْت أن تحو َل ِ‬ ‫ت‬ ‫آهات‬ ‫ت المجامل ُة إلى‬ ‫حقيقية َ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫خشب ِ‬ ‫الص ُ‬ ‫وباب‬ ‫البيت‬ ‫باب‬ ‫ُؤوس والحصى وحتى‬ ‫ُ‬ ‫حون والك ُ‬ ‫ُّ‬ ‫كل ٍ‬ ‫البيت أشبه بم ٍ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫وصارت ُّ‬ ‫آهة‬ ‫تحف فن ٍّ​ّي‪،‬‬ ‫فصار‬ ‫األحمر‪،‬‬ ‫الحديقة‬ ‫ْ‬ ‫ُ َ​َ ُ‬ ‫َ‬ ‫من ِ‬ ‫أحدهما قادر ًة على ِ‬ ‫تسهر ال َّليالي وهي ُ‬ ‫تعمل و ُتغني‪.‬‬ ‫جعلها‬ ‫ُ‬

‫‪50‬‬


‫(‪)20‬‬ ‫تحف!‬ ‫‪ُ -‬م ٌ‬

‫ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫ِ‬ ‫تطير‬ ‫مرات وص َفهما‬ ‫لثالث‬ ‫عندما سم َع ْت‬ ‫َ‬ ‫بمتحف‪ ،‬كا َد ْت ُ‬ ‫البيت ُ‬ ‫ٍ‬ ‫فرحا‪ِ ،‬‬ ‫لسنوات ُمش َّت َت ًة‪َّ ،‬‬ ‫وأن إراد ًة إله َّي ًة‬ ‫وعر َف ْت أن مواه َبها كا َن ْت‬ ‫ً‬ ‫ِ‬ ‫خارق ًة ال عالق َة لها َ‬ ‫الحفرة النَّائ َي ِة‬ ‫بالبش ِر‪ ،‬هي ا َّلتي ر َم ْت بها إلى هذه‬ ‫ِ‬ ‫شتات فنِّها العظي ِم‪.‬‬ ‫لم‬ ‫َ‬ ‫لتعيد َّ‬ ‫ِ‬ ‫ٍ‬ ‫لوحة‬ ‫لوحة نحاس َّي ٍة بحجم‬ ‫يحفر على‬ ‫تطالب ابنَها أن‬ ‫وكا َد ْت‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ٍ‬ ‫ِ‬ ‫بجانب لوحة‬ ‫خشبة‬ ‫السيدة َس ِكينة) لتض َعها على‬ ‫(الفيلال)‪( :‬متحف َّ‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫بخبث َّ‬ ‫بلوحة‬ ‫وسيطالب‬ ‫سيغار‪،‬‬ ‫زوجها‬ ‫فكرت‬ ‫(الفيلال)‪ ،‬ولكنها‬ ‫ْ‬ ‫ُ‬ ‫أن َ‬ ‫ُ‬ ‫لمجر ِد أن َ‬ ‫كان‬ ‫اسم ُه مسبو ًقا بلقب الفنَّان الكبير‪،....‬‬ ‫َّ‬ ‫يحفر عليها َ‬ ‫حسب ِ‬ ‫أبعدهم عن‬ ‫أكثر النَّجارين‪-‬‬ ‫رأيها‪ -‬وما َ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫“نج َار موبيليا”‪ ،‬وما َ‬ ‫ٍ‬ ‫ت الموضوع إلى ٍ‬ ‫الفن؛ لذا أج َل ِ‬ ‫ٍ‬ ‫أسماء‬ ‫الحق‪ ،‬فوجو ُد ثالثة‬ ‫وقت‬ ‫َ‬ ‫َّ‬ ‫ِّ‬ ‫أهمية ِ‬ ‫ِ‬ ‫ُ‬ ‫اسمها‪.‬‬ ‫يقلل ِمن‬

‫‪51‬‬


‫(‪)21‬‬ ‫ِ‬ ‫أشهر الص ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫يف‬ ‫انقضاء‬ ‫اقتراب‬ ‫العائلة‪ ،‬بعد‬ ‫يتصور أن أفرا َد‬ ‫َمن كان‬ ‫ِ َّ‬ ‫ُ‬ ‫الثة المفعم ِة بالن ِ‬ ‫ال َّث ِ‬ ‫َ‬ ‫شخصا‬ ‫الص ِبر ولو‬ ‫َّشاط‪ ،‬كانوا‬ ‫ً‬ ‫ينتظرون بفارغ َّ‬ ‫َ‬ ‫يقصد (فيلال األستاذ ظريف) لي ِ‬ ‫جلسو ُه على‬ ‫واحدا من “الماليين”‬ ‫ُ‬ ‫ً‬ ‫ُ‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫ِ‬ ‫مستديرة في‬ ‫حجرية‬ ‫طاولة‬ ‫أحد الكراسي الحجر َّي ِة ا َّلتي ث َّبتوها مع‬ ‫الض ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ٍ‬ ‫يافة‪ ،‬حتى لو َ‬ ‫كان‪-‬‬ ‫ليقدموا له‬ ‫أركان‬ ‫ركن من‬ ‫الحديقة‪ِّ ،‬‬ ‫واجب ِّ‬ ‫َ‬

‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ضجيجهم وجنونِهم‬ ‫األب واالب ُن من‬ ‫َ‬ ‫أحد الجيران القدامى ا َّلذين َّفر ُ‬ ‫ٍ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫نقاهة‪ ،‬في‬ ‫سنوات‬ ‫مرور‬ ‫سرا أال يستقبالهم في (الفيلال) قبل‬ ‫وأقسما ًّ‬ ‫ِ‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫ماكرة يقي ِ‬ ‫االجتماعات‪ ،‬بينما كا َن ْت أ ّم ظريف‬ ‫مان فيها تش ُّت َت‬ ‫محاولة‬ ‫ِّ‬ ‫ٍ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ٍ‬ ‫القادرات على ِ‬ ‫َ‬ ‫صورة‬ ‫نقل‬ ‫الجارات‬ ‫واحدة من‬ ‫استقبال ولو‬ ‫تتمنى‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ُ‬ ‫المناسبات‬ ‫تمشط في‬ ‫تعد‬ ‫عن‬ ‫سيدة “الفيلال” الفنّانة ا َّلتي‪ -‬وإن لم ْ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫بسبب‬ ‫اللما ِع‬ ‫األظافر‬ ‫تضع طال َء‬ ‫شعرها عند الحلاّ ق‪ ،‬أو‬ ‫ْ‬ ‫األحمر ّ‬ ‫َ‬ ‫والقماش واأللوان‪ -‬لكنَّها تبدو في ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫الد ِ‬ ‫ِ‬ ‫قمة‬ ‫التراب‬ ‫ائب في‬ ‫عملها َّ‬ ‫ِ‬ ‫وجهها ا َّلذي لطالما َ‬ ‫مادي‪،‬‬ ‫الر ّ‬ ‫حيويتها وقد تور َد ُ‬ ‫كان بن ًّيا مائلاً إلى َّ‬ ‫ببرميل ٍ‬ ‫ِ‬ ‫طاقة‪.‬‬ ‫فصار ْت أشب َه‬ ‫َ‬

‫‪52‬‬


‫إلى أن جا َء ذلك اليو ُم من ِ‬ ‫شهر “آب ال ّل ّهاب”‪ ،‬وا َّلذي سمعوا فيه‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ومواء “أبو‬ ‫بعواء (كانوش)‬ ‫ترافق‬ ‫البيت‪،‬‬ ‫تقترب م َن‬ ‫صوت أقدا ٍم‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫الش ْ‬ ‫ُّ‬ ‫رؤوسهم‬ ‫الحديقة الحجر ّي ِة‪ ،‬فأط َّل ْت‬ ‫طاولة‬ ‫المتمددان على‬ ‫وش”‬ ‫ّ‬ ‫ُ‬ ‫بفضول من شب ِ‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫ِ‬ ‫يعتمر‬ ‫أشيب ضخ ٍم‪،‬‬ ‫عجوز‬ ‫برجل‬ ‫المطبخ‪ ،‬فإذا‬ ‫اك‬ ‫َ‬ ‫َّ‬ ‫ُ‬

‫ِ‬ ‫ويلبس ثيا ًبا واسع ًة‬ ‫الكبير‪،‬‬ ‫رأس ُه‬ ‫قبع ًة قذر ًة من‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫الجينز القدي ِم تغ ِّطي َ‬ ‫يمتزج فيها ال َّل ُ‬ ‫البنفسجي بال ُبن ِِّّي‪ّ ،‬‬ ‫ومشاي ًة بالستيكي ًة زرقا َء عتيق ًة‬ ‫ون‬ ‫ُ‬ ‫ُّ‬ ‫ِ‬ ‫بأظافرها ال َّط ِ‬ ‫ِ‬ ‫المعقوفة‪،‬‬ ‫ويلة البنّ ّي ِة‬ ‫تخرج من مقدمتِها أصاب ُع ُه ال َّثخين ُة‬ ‫ُ‬ ‫ِ‬ ‫ستندا إلى عكَّازين خشب ّي ِ‬ ‫واضح أ َّنه اقتط َع ُهما من‬ ‫تين‬ ‫يتج ُه إلى بيتِهم ُم ً‬ ‫ٌ‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫ِ‬ ‫خوتين‪.‬‬ ‫الر‬ ‫قديمة ما‪،‬‬ ‫شجرة‬ ‫ويجر ورا َءهما قد َم ْيه َّ‬ ‫ُّ‬ ‫َ‬ ‫قال ظريف ضاحكًا‪:‬‬ ‫ِ‬ ‫ص حي َن ُ‬ ‫أرأيت يا أ ِّمي َ‬ ‫يصل إلى (الفيلال)؟‬ ‫‬‫حال ال ِّل ِّ‬ ‫أسك َت ْته بحز ٍم‪:‬‬

‫ِ‬ ‫تمزح في ِّ‬ ‫ْ‬ ‫األوقات!‬ ‫كل‬ ‫حاول أال‬ ‫اصمت!‬ ‫‬‫ْ‬ ‫َ‬

‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫الر ِ‬ ‫َ‬ ‫بوابة‬ ‫الغريب إلى‬ ‫جل‬ ‫وراقب ال َّثالث ُة‬ ‫وصمت ظريف‪،‬‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫وصول َّ‬ ‫ِ‬ ‫يفتش عن ن َّظ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫وراح ُ‬ ‫القراءة في‬ ‫ارة‬ ‫تسم َر ْت قدما ُه َ‬ ‫الحديقة المقفلة‪ ،‬إذ َّ‬ ‫ٍ‬ ‫ِ‬ ‫بصوت ٍ‬ ‫ِ‬ ‫عال‪:‬‬ ‫يجدها‪ ،‬فنادى‬ ‫جيب‬ ‫قميص ِه‪ ،‬فلم ْ‬ ‫ِ‬ ‫البيت!‬ ‫‪ -‬ت ًّبا للنَّظارات‪...‬نسي ُتها في‬

‫‪53‬‬


‫ٍ‬ ‫وأل َّنه ُ‬ ‫قفز ظريف ٍ‬ ‫بفرح‬ ‫أول‬ ‫شخص يرى ال َّلوح َة مذ ث ِّب َت ْت مكا َنها‪َ ،‬‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫بالر ِ‬ ‫مجا ًنا‪ً ،‬‬ ‫َّظارات‪،‬‬ ‫دور الن‬ ‫جل‪ُ ،‬م ِّ‬ ‫قد ًما له خدم َة القراءة ّ‬ ‫ِّ‬ ‫آخذا َ‬ ‫مرح ًبا َّ‬ ‫ٍ‬ ‫قائلاً‬ ‫بفخر‪:‬‬ ‫‪ -‬فيلال األُستاذ ظريف‪...‬‬

‫ٍ‬ ‫الر ُ‬ ‫بقرف‪:‬‬ ‫متفح ًصا‬ ‫جل إليه‬ ‫ِّ‬ ‫نظر َّ‬ ‫َ‬ ‫‪ -‬أنت أستا ُذ مدرسة؟‬

‫مثل ُأ ِّم ِه حي َن ُت َ‬ ‫فأكثر‪َ ،‬‬ ‫ً‬ ‫سأ ُل عن‬ ‫أكثر‬ ‫نافخا‬ ‫أجاب ظريف‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫صدره َ‬ ‫َ‬ ‫ِ‬ ‫وظيفة ابنِها‪:‬‬ ‫‪ -‬أستا ُذ ابتدائي‪.‬‬

‫لكنَّ ُه لم يقل مث َلها‪“ :‬بحج ِم الك َْو ِن”‪.‬‬ ‫الر ُ‬ ‫جل‪:‬‬ ‫قال َّ‬

‫أعرف القراء َة وال الكتاب َة‪..‬‬ ‫ أنا ال‬‫ُ‬

‫يخرج سيكار ًة ويشع ُلها‪:‬‬ ‫وتابع وهو‬ ‫ُ‬

‫أكون متع ِّل ًما‪ُّ ،‬‬ ‫َ‬ ‫فكل المتعلمي َن‪ -‬بما فيهم ابني‬ ‫أحب أن‬ ‫ ال‬‫ُّ‬ ‫ِ‬ ‫الحارة‪ ،‬مجانين‪....‬‬ ‫البالد‬ ‫طبيب‬ ‫المشهور‪،‬‬ ‫ُ‬ ‫َّ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫الحقيقة‪ ،‬لم‬ ‫َّظارات‪ ،‬وفي‬ ‫ولم يسأ ْله ظريف عن حاجتِ ِه إذن إلى الن‬ ‫ٍ‬ ‫ِ‬ ‫الر ُ‬ ‫أتبع جمل َت ُه األخير َة‬ ‫أي شيء‪ ،‬فقد َ‬ ‫جل له مجالاً ليسأ َله عن ِّ‬ ‫يترك َّ‬

‫‪54‬‬


‫ِ‬ ‫ٍ‬ ‫الحياة‪:‬‬ ‫بجملة ُأخرى فيها خالص ُة فلسفتِ ِه في‬ ‫ العلم ِ‬‫ِ‬ ‫َ‬ ‫كالكالب‪ُ ،‬‬ ‫ويستحق أن‬ ‫الدماغِ‪،‬‬ ‫يأكل‬ ‫كالق َط َط ِة أو‬ ‫ُّ‬ ‫أسماك ِّ‬ ‫ُ‬ ‫كان ثمن ِ‬ ‫قتل ِه َسج ُن شهور‪...‬‬ ‫ُيق َت َل حتى لو َ ُ‬ ‫ِ‬ ‫ٍ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫وجه ظريف ا َّلذي ّ‬ ‫راض عن‬ ‫غير‬ ‫دخان سيكارتِ ِه في‬ ‫ونفخ‬ ‫كش َر َ‬ ‫ِ‬ ‫الر ُ‬ ‫جل‪:‬‬ ‫الحديث جمل ًة وتفصيلاً ‪َ ،‬‬ ‫وأكد َّ‬ ‫مذ تقاسم ْت إحدى ِ‬ ‫ المسأل ُة مسأل ُة مبدإٍ‪َ ...‬‬‫وكبر ْ‬ ‫الق َط َط ِة‬ ‫نشأ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ِ‬ ‫َ‬ ‫كنت طفلاً ‪.‬‬ ‫أسماك‬ ‫وقت ُ‬ ‫الحوض ا َّلذي أهدتني إ ّياها أمي َ‬

‫يصد ْق ظريف وهو ُ‬ ‫العجائبي أ َّن ُه َ‬ ‫َ‬ ‫كان يو ًما‬ ‫المخلوق‬ ‫يتأمل هذا‬ ‫لم ِّ‬ ‫َّ‬

‫صغيرا‪ ،‬وأ ّنه َ‬ ‫طفلاً‬ ‫أيضا‪.‬‬ ‫كان َ‬ ‫عند ُه ُأ ٌّم ً‬ ‫ً‬ ‫ليستمع إليه‪:‬‬ ‫وعا َد‬ ‫َ‬

‫تظل عظام الس ِ‬ ‫حي‪ -‬أن َّ‬ ‫مك مرم َّي ًة على‬ ‫‬‫ُ‬ ‫ُ َّ‬ ‫أقسمت‪ -‬طالما أنا ٌّ‬ ‫ال َّط ِ‬ ‫تجد قط ًة أو كل ًبا يأك َلها‪.‬‬ ‫ريق‪ ،‬فال َ‬

‫ِ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫وتابع‬ ‫ب‪،‬‬ ‫فم ُه‪،‬‬ ‫مشدوها‪،‬‬ ‫كان ظريف‬ ‫ً‬ ‫َ‬ ‫يحاول أن يستوع َ‬ ‫ً‬ ‫فاتحا َ‬ ‫ٍ‬ ‫بحماس‪:‬‬ ‫العجوز‬ ‫ُ‬ ‫الذئب أو ال َّثعلب أحقر من ِ‬ ‫الق َط َطة‬ ‫‬‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ِّمر أو ِّ َ‬ ‫ُ‬ ‫تعتقد أن الح َّي َة أو الن َ‬

‫ِ‬ ‫قرر ُت أن أصطا َد ُهم‪...‬‬ ‫والكالب؟ ً‬ ‫أبدا‪ ،‬لذا ْ‬ ‫هنا سأ َله ظريف‪:‬‬

‫‪55‬‬


‫لحما يؤكل!‬ ‫ب‬ ‫ْ‬ ‫ ط ِّي ْ‬‫اصطد ً‬ ‫الر ُ‬ ‫جل‪:‬‬ ‫واستنكر َّ‬ ‫َ‬

‫ِ‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫باألسماك‪...‬‬ ‫متعلقة‬ ‫لغاية إنسان َّية‬ ‫لغاية ما ِّدية‪ ،‬بل‬ ‫ أنا ال أصطا ُد‬‫مدرسة وتريد أن يكون ال َّتعبير واضحا‪ٍ :‬‬ ‫ٍ‬ ‫َ‬ ‫لغاية َس َمك َّي ٍة‪...‬‬ ‫وألنك أستا ُذ‬ ‫ً‬ ‫ُ‬ ‫الر ِ‬ ‫متحد ًيا‪:‬‬ ‫جل‬ ‫رفع ظريف حاجبيه‪ ،‬فعال‬ ‫ِّ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫صوت َّ‬ ‫ِ‬ ‫األخالق؟‬ ‫ألست أستا ًذا؟ واألساتذ ُة حما ُة‬ ‫حاكمني على أقوالي!‬ ‫‬‫َ‬ ‫ْ‬ ‫جل إلى الس ِ‬ ‫الر ُ‬ ‫َ‬ ‫ماء نظر ًة طويل ًة‪ ،‬ثم سأ َل ُه فجأ ًة‪:‬‬ ‫وقبل أن‬ ‫َ‬ ‫َّ‬ ‫نظر َّ‬ ‫يجيب‪َ ،‬‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫األطفال؟‬ ‫محظوراتك التي تلقيها على‬ ‫علي‬ ‫لن َ‬ ‫تتلو َّ‬ ‫تنهد ظريف وهو يتمتم‪:‬‬ ‫َ‬

‫‪ -‬مجنون رسمي‪...‬‬

‫‪56‬‬


‫(‪)22‬‬ ‫ٍ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ألصق ُّ‬ ‫واحد منهما‬ ‫كل‬ ‫الحوار‪ ،‬إلى أن‬ ‫سماع‬ ‫وجان‬ ‫الز‬ ‫َ‬ ‫لم يستط ِع َّ‬ ‫َ‬ ‫اك وحبسا أنفاسهما‪ ،‬فتناهى إلى ِ‬ ‫زجاج الشب ِ‬ ‫ِ‬ ‫سمعهما سؤا ُل ُه‬ ‫ُأ ُذ ًنا على‬ ‫َ‬ ‫َّ‬ ‫َ‬ ‫ِ‬ ‫كضابط شرطة‪:‬‬ ‫ص الحديق َة‬ ‫يتفح ُ‬ ‫وهو َّ‬ ‫كلب؟‬ ‫‪ -‬عندكم ٌ‬

‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ ُّ‬‫القرية كال ُبنا!‬ ‫كالب‬ ‫كل‬

‫ِ‬ ‫الر ُ‬ ‫َ‬ ‫وتابع‪:‬‬ ‫ظريف‬ ‫فابتسم‬ ‫غص‪،‬‬ ‫أجاب ظريف‪،‬‬ ‫َ‬ ‫كم ْن َّ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫جل َ‬ ‫فسعل َّ‬ ‫ِ‬ ‫ ُّ‬‫القرية قطاطنا‪.‬‬ ‫وكل ِق َط َط ِة‬

‫َ‬ ‫وعلق‪:‬‬ ‫ودعس عليها‪،‬‬ ‫أكثر‪ ،‬ورمى بقي َة سيكارتِه‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫سعل َ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫بعض الن ِ‬ ‫َ‬ ‫يدخل المر ُء من‬ ‫ليس غبا ًء أن‬ ‫ّاس‬ ‫ ُ‬‫كالكالب والق َط َطة‪َ ،‬‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫خلص منهم سجنًا‪.‬‬ ‫أجل ال َّت‬ ‫“الس ِ‬ ‫وهمست‬ ‫جن”‪،‬‬ ‫ْ‬ ‫شه َق ْت أ ُّم ظريف وقد التق َط ْت أذناها كلم َة ّ‬ ‫في ُأ ِ‬ ‫ذن ِ‬ ‫زوجها‪:‬‬ ‫المدعو “أبو بارودة”!‬ ‫ هذا‪ ،‬والله أعلم‪،‬‬‫ّ‬

‫مبتسما‪ ،‬ور َبت كت َفها‪:‬‬ ‫زوجها إليها‬ ‫نظر ُ‬ ‫ً‬ ‫َ‬

‫‪57‬‬


‫ِ‬ ‫بذكائ ِك أنا‪...‬‬ ‫ب‬ ‫معج ٌ‬ ‫‪َ -‬‬

‫ٍ‬ ‫بفخر‪ ،‬ثم قط َب ْت حي َن َ‬ ‫قال‪:‬‬ ‫رأسها‬ ‫رف َع ْت َ‬ ‫للش ِ‬ ‫ٍ‬ ‫الس ِ‬ ‫ على ِّ‬‫تحتاج إال إلى تلفون ُّ‬ ‫رطة‬ ‫جن ال‬ ‫ُ‬ ‫كل حال‪ ،‬إن إعاد َت ُه إلى ّ‬ ‫ٍ‬ ‫رصاصة يطل ُقها على ِ‬ ‫عند ِ‬ ‫أول ق َّط ٍة أو ٍ‬ ‫يحتاج إلى‬ ‫واألمر ال‬ ‫كلب‪،‬‬ ‫أول‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬

‫ِ‬ ‫ٍ‬ ‫ِ‬ ‫الر ِ‬ ‫تخطيط‪ُ ،‬‬ ‫المعارك‪ ،‬وس ّبا َب ُته إ َّما مرفوع ٌة‬ ‫جل مبر َم ٌج على‬ ‫كثير‬ ‫فعقل َّ‬ ‫الز ِ‬ ‫ِ‬ ‫ناد‪ ،‬وبارود ُته‪...‬‬ ‫ُت َه ِّد ُد َأم َن الق َط َط ِة‬ ‫هي على ِّ‬ ‫والكالب‪ ،‬أو َ‬ ‫ِ‬ ‫َ‬ ‫سمع ِهما كلم ُة “بارودة”‪ ،‬فعادا‬ ‫يكمل جم َل َته‪ ،‬تناهى إلى‬ ‫وقبل أن‬ ‫جاج‪ِ ،‬‬ ‫وألصقا ِ‬ ‫الز ِ‬ ‫فسمعا‪:‬‬ ‫أذنيهما على ُّ‬ ‫‪ -‬أخذوا بارو َدتي! صادروها!‬

‫ٍ‬ ‫ِ‬ ‫ٍ‬ ‫بسرعة إلى حيث‬ ‫وخرج ْت‬ ‫بغضب‪،‬‬ ‫صدرها‬ ‫ضر َب ْت أ ُّم ظريف على‬ ‫َ‬

‫وقف “أبو بارودة” وابنُها‪ ،‬وسم َع ْته ُ‬ ‫ساخرا‪:‬‬ ‫يقول‬ ‫َ‬ ‫ً‬ ‫خدمة ِ‬ ‫ِ‬ ‫ ّ‬‫الق َط َطة!‬ ‫الشرطة في‬

‫ِ‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫سريعة لم ُ‬ ‫َ‬ ‫القرف‬ ‫تخل من‬ ‫بنظرة‬ ‫بحرف‪ ،‬تأ َّم َلها‬ ‫وقبل أن تتفو َه‬ ‫ِ‬ ‫ٍ‬ ‫لمنظرها المشع ِ‬ ‫ِ‬ ‫تسميه هي‬ ‫امتزج بما‬ ‫أكبر‬ ‫ث‪ ،‬فباد َل ْته‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َّ‬ ‫القرف بقرف َ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫عج ٍل‬ ‫زوجها اللاَّ ُ‬ ‫حق بها على َ‬ ‫فس َّر ُ‬ ‫عاد ًة‪ :‬الكُر ُه من النَّظرة األُولى‪ُ ،‬‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫ِ‬ ‫َ‬ ‫سعيدة مع ابنِه اطمأ َّنا من خاللها بأنها‬ ‫نظرات‬ ‫وتبادل‬ ‫لكرهها له‪،‬‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫الش ِ‬ ‫شرب َّ‬ ‫القهوة‪ ،‬وأن مسرحي َة “مستشفى‬ ‫اي وال‬ ‫تدعو ُه إلى‬ ‫لن‬ ‫َ‬

‫‪58‬‬


‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫الكراهية‬ ‫تأجيج‬ ‫يمنع ِمن‬ ‫تتكرر ُهنا‪ ،‬ولك ْن هذا ال‬ ‫المجانين” لن‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫لتصل إلى ِ‬ ‫ِ‬ ‫إن َ‬ ‫َ‬ ‫أوجها؛ لذا‪ ،‬فما ْ‬ ‫وجين سؤا َل ُه‬ ‫الز‬ ‫سأل “أبو بارودة” َّ‬

‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫العائلة‪:‬‬ ‫أفراد‬ ‫أح ٌد من‬ ‫الخطير ا َّلذي لم يتوق ْعه َ‬ ‫َ‬ ‫ عندكم ُ‬‫ورق لعب؟‬

‫ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫الر ِ‬ ‫حتى َ‬ ‫خطوات‬ ‫وشد ُه‬ ‫جل َّ‬ ‫أخذ ظريف‪َ ،‬‬ ‫بعد غمزة من أبيه‪َ ،‬‬ ‫ذراع َّ‬

‫بعيدا عن أبويه‪:‬‬ ‫ً‬

‫ٍ‬ ‫دجاج؟‬ ‫خم‬ ‫ َ‬‫عند َك ُّ‬

‫أجاب‪:‬‬ ‫َ‬

‫ِ‬ ‫كان‪َ ،‬‬ ‫ َ‬‫غدا‪.‬‬ ‫واحدا‬ ‫وسأنشئ‬ ‫السج َن‪،‬‬ ‫دخولي‬ ‫قبل‬ ‫جديدا ً‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫ُ‬ ‫األخير ِّ‬ ‫َ‬ ‫ٍ‬ ‫ِ‬ ‫الر ِ‬ ‫بسؤال ال‬ ‫جل‬ ‫كيف‬ ‫استغر َب ْت أ ّم ظريف َ‬ ‫ُ‬ ‫يجيب ابنُها على سؤال َّ‬ ‫عالق َة له به‪ ،‬لكنَّها وزوجها كانا واثقي ِن من ِ‬ ‫ذكاء ابنِ ِهما واحتيالِه‪.‬‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫قال ظريف‪:‬‬

‫جاج‪.‬‬ ‫ يا عيني عليك!‬‫ُ‬ ‫تعرف‪ ،‬إذن‪ ،‬متى ينا ُم َّ‬ ‫الد ُ‬

‫‪ -‬نعم!‬

‫ٍ‬ ‫ِ‬ ‫ساعة‪.‬‬ ‫بنصف‬ ‫‪ -‬نح ُن ننا ُم قب َل ُه‬

‫يطلق ضحك ًة ر َّنانة‪ ،‬بينما اتسع ِ‬ ‫لم َع ْت عينا ِ‬ ‫ت ابتسام ُة األ ِّم‬ ‫األب‪ ،‬وكا َد ُ‬ ‫َ‬ ‫عيون ال َّث ِ‬ ‫ُ‬ ‫بشفتي “أبو بارودة” ا َّلذي تأو َه بأسف‪:‬‬ ‫الثة‬ ‫إعجا ًبا‪ ،‬ثم تعل َقت‬ ‫ّ‬

‫‪59‬‬


‫‪ -‬أوه!‬

‫وتابع ظريف‪:‬‬

‫ِ‬ ‫الورق‪.‬‬ ‫لعب‬ ‫ وال‬‫يجيد ُ‬ ‫ُ‬ ‫أحدنا َ‬

‫‪ -‬أوه!‬

‫الز ِ‬ ‫هر!‬ ‫‪ -‬وال طاول َة َّ‬

‫‪ -‬أوه!‬

‫نحب القهو َة وال ّ‬ ‫اي‪.‬‬ ‫ وال‬‫الش َ‬ ‫ُّ‬

‫‪ -‬أوه!‬

‫‪ -‬وال األركيلة!‬

‫‪ -‬أوه!‬

‫رسام ٌة و‪...‬‬ ‫‪ -‬وأمي فنّان ٌة‪ ،‬يعني َّ‬

‫وأضاف أبوه‪:‬‬ ‫َ‬

‫ومصمم ُة أزياء‪...‬‬ ‫‬‫ِّ‬

‫ِ‬ ‫ستي‪ ،‬بينما َ‬ ‫نفخ ْت أ ُّم ظريف‬ ‫فغمز ظريف أبا ُه‬ ‫شاكرا َّ‬ ‫َ‬ ‫عم ال ُّلوج ّ‬ ‫الد َ‬ ‫ً‬ ‫ألول ٍ‬ ‫ِ‬ ‫مرة‪،‬‬ ‫تسمعهما‬ ‫لصفتي‪ :‬فنَّانة و ُمصممة أزياء ال َّلتين‬ ‫صدرها‬ ‫ُ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫حتى كادت تطير في الس ِ‬ ‫ورغم ّ‬ ‫أن “أبا بارودة” عا َد فألقى‬ ‫ماء بهج ًة‪.‬‬ ‫َ ْ‬ ‫َ‬ ‫َّ‬ ‫ُ‬ ‫ٍ‬ ‫نظر ُه عنها‪ ،‬ليتأ َّم َل‬ ‫بقرف نظر َة تأ ُّم ٍل سريع ًة جديد ًة‪ ،‬ثم‬ ‫عليها‬ ‫َ‬ ‫أشاح َ‬

‫‪60‬‬


‫مشف ًقا ِ‬ ‫أيضا زوجها‪ِ ،‬‬ ‫ٍ‬ ‫ألن امر َأ ًة كهذه يمك ُن ْ‬ ‫عليه َّ‬ ‫تسم َم‬ ‫بسرعة ً‬ ‫َ‬ ‫أن ِّ‬ ‫ٍ‬ ‫َ‬ ‫فأكمل ابنُها‪:‬‬ ‫رجل‪،‬‬ ‫أي‬ ‫حيا َة ِّ‬ ‫ يعني أ َّنها رب ُة ٍ‬‫منزل فاشل ٌة‪...‬‬ ‫المرة‪ ،‬هي التي هت َف ْت‪:‬‬ ‫وهذه َّ‬

‫‪ -‬أوه!‬

‫ٍ‬ ‫ِ‬ ‫تحضير ٍ‬ ‫وكعك ومربى‬ ‫أكل‬ ‫تتشاج ُر مع ابنِها وتهد ُده بعد ِم‬ ‫وكا َد ْت‬ ‫َ‬

‫بعد اليو ِم ْ‬ ‫فيشرح جمل َته لها وله‪:‬‬ ‫يسارع‬ ‫إن لم‬ ‫َ‬ ‫ْ‬

‫أطايب طعا ٍم عندنا وال َمن يحزنون‪.‬‬ ‫ يعني ال‬‫َ‬ ‫ِ‬ ‫وفهم ِ‬ ‫اإلساءة إليها‪ ،‬فقب َل ْت على َم َض ٍ‬ ‫ض‬ ‫القصد المقصو َد من‬ ‫ت األُ ُّم‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ِ‬ ‫السفلى َ‬ ‫وقال‬ ‫ّ‬ ‫بالتضحية بسمعتها‪ ،‬خاص ًة حي َن بر َم “أبو بارودة” شف َت ُه ُّ‬ ‫ِ‬ ‫ٍ‬ ‫بأسف ِّ‬ ‫بخيل‪:‬‬ ‫كل‬ ‫‪ -‬أووووووه!‬

‫‪61‬‬


‫(‪)23‬‬ ‫الس ِ‬ ‫َ‬ ‫نعم! َ‬ ‫جن‪،‬‬ ‫كان اليو َم‬ ‫األول الذي يخرج فيه “أبو بارودة” من ّ‬ ‫ِ‬ ‫األجواء‬ ‫متفحص ًة على‬ ‫فأحب أن يلقي نظر ًة‬ ‫بيت جيرانِ ِه‬ ‫ولفت ن َظ َر ُه ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َّ‬ ‫حتى قبل دخولِ ِه إلى بيتِه‪ ،‬فما َ‬ ‫نال إال مجموع ًة من (األوه)!‬

‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ٍ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫البيت‬ ‫خرج من‬ ‫بإيجاد‬ ‫األمل‬ ‫يفقد‬ ‫وقبل أن َ‬ ‫سبيل إلى هذه األسرة‪َ ،‬‬ ‫قط رمادي وسيم سمين أرنب ُة ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫نحوهم ٌّ‬ ‫خضراوان‬ ‫عينان‬ ‫أنف ِه بن َّي ٌة‪ ،‬وله‬ ‫ٌ‬ ‫ٌّ‬ ‫ٌ‬ ‫كره ِه ِ‬ ‫ِ‬ ‫أجمل منهما رغم ِ‬ ‫َ‬ ‫فشهق‬ ‫الق َطط َة‪،‬‬ ‫ساحرتان لم َير “أبو بارودة”‬ ‫َ‬

‫مستغر ًبا‪:‬‬

‫‪-‬شانشيال؟‬

‫ٍ‬ ‫الش ْ‬ ‫فتأ َّم َل ُه “أبو ُّ‬ ‫يهد ُد ُه‪:‬‬ ‫وش”‬ ‫بازدراء‪ ،‬وما َء كمن ُ‬

‫ مياوووووو‪....‬‬‫ِ‬ ‫ٍ‬ ‫وقف ُّ‬ ‫القط ُّ‬ ‫بقدمي “أبو‬ ‫رأس ُه‬ ‫بخوف‪ ،‬في‬ ‫فقفز‬ ‫الوقت الذي َ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫يحك َ‬

‫ِ‬ ‫للجار‪:‬‬ ‫قد َمه‬ ‫ظريف” الذي َّ‬ ‫الش ْ‬ ‫ إنه “أبو ُّ‬‫وش”‪...‬‬

‫‪62‬‬

‫وكا َد “أبو بارودة” ُيص َع ُق‪:‬‬


‫ون ِ‬ ‫تسم َ‬ ‫الق َط َطة؟‬ ‫‪ّ -‬‬

‫ِ‬ ‫َ‬ ‫بعوائ ِه المتتالي‪ ،‬فحمل ْت ُه‬ ‫ركض (كانوش)‬ ‫وقبل أن‬ ‫يجيب ٌ‬ ‫أحد‪َ ،‬‬ ‫َ‬

‫بتحد‪:‬‬ ‫وقالت‬ ‫األ ُّم‪،‬‬ ‫ٍّ‬ ‫ْ‬

‫باريسي‬ ‫أيضا‪...‬إنه (كانوش)‪ ،‬أهداني إيا ُه “صديق”‬ ‫‬‫والكالب ً‬ ‫َ‬ ‫ٌّ‬

‫َ‬ ‫مقابل برج إيفل‪...‬‬ ‫بي ُته‬

‫ِ​ِ‬ ‫ٍ‬ ‫وخاص ًة عندما تأ َّم َل قدميها‬ ‫بكثير‪،‬‬ ‫السابِ ِق‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫أكثر من كرهه َّ‬ ‫وكرهها َ‬

‫ِ‬ ‫أخفض ُه َ‬ ‫ساخرا‪:‬‬ ‫فقال‬ ‫رأس ُه ثم‬ ‫الحافيتين المش َّققتي‬ ‫َ‬ ‫الكعبين‪َ ،‬‬ ‫ً‬ ‫فرفع َ‬ ‫‪ -‬برج إيفل‪...‬أوه!‬

‫ِ‬ ‫ٍ‬ ‫غير‬ ‫ثالثة‬ ‫بعد‬ ‫أشهر لم َيروا فيها ً‬ ‫وخطر للجمي ِع أن يتس ّلوا َ‬ ‫أحدا َ‬ ‫َ‬ ‫ِ‬ ‫يضع ذرا َع ُه ورا َء ِ‬ ‫زمالء ظريف‪َ ،‬‬ ‫ظهره‪:‬‬ ‫فقال له ظريف وهو ُ‬ ‫َ‬ ‫تسمح أ ِّمي ْ‬ ‫الش ْ‬ ‫يختلط “أبو ُّ‬ ‫وش” و”كانوش” برعا ِع القط َط ِة‬ ‫أن‬ ‫ ال‬‫ُ‬

‫ِ‬ ‫والكالب‪...‬‬

‫ِ‬ ‫الر ُ‬ ‫المرأة وال إلى عينيها وال‬ ‫كعبي‬ ‫ينظر إلى‬ ‫ّ‬ ‫جل أن َ‬ ‫ولم يستط ِع َّ‬

‫تابع‪:‬‬ ‫حتى‬ ‫يسمع صو َتها‪َ ،‬‬ ‫فركز على ما يقو ُله ظريف ا َّلذي َ‬ ‫َ‬

‫نقصد‬ ‫نطعمها‪ ،‬بل‬ ‫ف م َعها أو ال‬ ‫ وهذا طب ًعا ال يعني أننا ال نتعا َط ُ‬‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫من ِ‬ ‫تركيب كاميرا الر ِ‬ ‫ِ‬ ‫َ‬ ‫هناك إبعا َدها فقط‪...‬‬ ‫صد التي وضعناها‬ ‫وراء‬ ‫َّ‬ ‫ٍ‬ ‫خطوات‪ ،‬ثم أشار إلى ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫َ‬ ‫صغيرة من الباطون‬ ‫كرة‬ ‫وسار ِبه‬ ‫وأخذ ذرا َع ُه‬ ‫َ‬ ‫َ‬

‫‪63‬‬


‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫والتفت إليه فجأ ًة‪:‬‬ ‫السقف‪،‬‬ ‫َ‬ ‫على أحد الجدران َ‬ ‫قرب ّ‬ ‫‪ -‬رأي َتها؟‬

‫جل رؤي َتها ِ‬ ‫ِ‬ ‫الر ُ‬ ‫َ‬ ‫األبوان إال كر َة‬ ‫وفش َل‪ ،‬تما ًما كما لم َير‬ ‫حاول َّ‬ ‫اإلسمنت‪ ،‬فقال ظريف َبأ ٍ‬ ‫ِ‬ ‫سف‪:‬‬ ‫َ‬ ‫نظارتاك َ‬ ‫معك لرأي َتها‪.‬‬ ‫‪ -‬لو كا َنت‬

‫ٍ‬ ‫ينزل ذرا َعه عن ِ‬ ‫سأل “أبو بارودة” ظري ًفا وهو ُ‬ ‫َ‬ ‫بحقد‪:‬‬ ‫كتف ِه‬ ‫ُ‬ ‫ٍ‬ ‫رصد؟‬ ‫‪ -‬كاميرا‬

‫ِ‬ ‫وذات د َّق ٍة ٍ‬ ‫ِ‬ ‫تلتقط َّ‬ ‫ُ‬ ‫الجبل إلى‬ ‫حركات من أعلى‬ ‫كل ال َّت‬ ‫عالية‪،‬‬ ‫ حديث ٌة‪،‬‬‫ُ‬ ‫وت والص ِ‬ ‫وقاع ِه‪ ،‬وتسج ُلها بالص ِ‬ ‫البحر ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ورة‬ ‫أسفل الوادي امتدا ًدا إلى‬ ‫ُّ‬ ‫َّ‬ ‫ّ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫َ‬ ‫بعدها نغ ِّير لها الب َّطاري َة‪...‬‬ ‫لمدة‬ ‫طوال أرب ٍع وعشري َن ساع ًة‬ ‫سنتين َ‬ ‫والتفت إليه‪:‬‬ ‫َ‬

‫بخمسمائة ٍ‬ ‫ِ‬ ‫ليرة‪...‬عرف َتها؟‬ ‫‪ -‬بطاري ٌة صغير ٌة‬

‫ِّ‬ ‫الر ُ‬ ‫َ‬ ‫والغل‪:‬‬ ‫مزيج من الكراهية‬ ‫جل وفي عينيه ٌ‬ ‫قال َّ‬

‫‪ -‬نعم‪..‬‬

‫ٍ‬ ‫فتابع ظريف حدي َث ُه ِ‬ ‫جد َية‪:‬‬ ‫الجد ِّي‬ ‫غير‬ ‫بطريقة ّ‬ ‫ِّ‬ ‫َ‬ ‫ فتعود إلى ِ‬‫ِ‬ ‫عملها َ‬ ‫سنتين جديدتين‪...‬وهكذا‪....‬‬ ‫مثل الف ّل ِة‬ ‫َ‬

‫‪64‬‬

‫الر ِ‬ ‫يستطع ْ‬ ‫يكتم غض َب ُه‪ .‬وبينما‬ ‫أن‬ ‫يتوقف‪ ،‬ولم‬ ‫جل‬ ‫ُ‬ ‫ْ‬ ‫وكا َد ُ‬ ‫َ‬ ‫قلب َّ‬


‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ذهاب‬ ‫فور‬ ‫استطاع ُ‬ ‫َ‬ ‫تفكر أنها‪َ -‬‬ ‫كتم ضحكته‪ ،‬كا َن ْت أ ُّم ُه ُ‬ ‫والد ظريف َ‬ ‫ِ‬ ‫لدهن ِ‬ ‫اإلسمنت بال َّل ِ‬ ‫ِ‬ ‫يجب ْ‬ ‫ون‬ ‫كرة‬ ‫الس ّل َم‬ ‫أن‬ ‫“أبو بارودة”‪-‬‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫تتسلق ُّ‬ ‫ٍ‬ ‫ِ‬ ‫الد ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِّب ابنُها‬ ‫هان‬ ‫األسود ووض ِع‬ ‫نقطة من ِّ‬ ‫األبيض وس َطها ريثما يرك ُ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫يتحدث عنها‪.‬‬ ‫مثل الكاميرا العجائب ّي ِة التي‬ ‫َ‬ ‫سحب ذرا َع ُه من ذرا ِع ظريف‪:‬‬ ‫منتفضا وقد‬ ‫قال‬ ‫ً‬ ‫َ‬ ‫ِ‬ ‫حر ِك‪.‬‬ ‫ هذا ٍّ‬‫تعد على حرية ال َّت ُّ‬

‫والد ظريف‪:‬‬ ‫سأله ُ‬ ‫تحر ٍك؟‬ ‫ ُّ‬‫أي ُّ‬ ‫ٍ‬ ‫َ‬ ‫بسرعة‪:‬‬ ‫قال‬

‫الش ِ‬ ‫ِ‬ ‫الكالب ّ‬ ‫القططة ّ‬ ‫أقصد‪..‬برج‬ ‫الشارد َة‪..‬‬ ‫أقصد‬ ‫اردة‪،‬‬ ‫تحر ِك‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫‪ُّ -‬‬

‫إيفل‪..‬‬

‫َ‬ ‫سأل الثالث ُة م ًعا‪:‬‬ ‫‪ -‬برج إيفل؟‬

‫زفر حان ًقا‪:‬‬ ‫َ‬ ‫ تحر ِك الص ِ‬‫يد‪..‬‬ ‫َّ‬ ‫ُّ‬

‫سأله ظريف‪:‬‬ ‫ أي ٍ‬‫صيد؟‬ ‫ُّ‬

‫‪65‬‬


‫ٍ‬ ‫َ‬ ‫بسرعة‪:‬‬ ‫قال‬

‫الذ ِ‬ ‫صيد ِّ‬ ‫ئاب‪...‬‬ ‫ ُ‬‫ٍ‬ ‫بارتباك‪:‬‬ ‫وشرح‬ ‫َ‬

‫ممنوع أن نصطا َد ُه؟‬ ‫ذئب؟‬ ‫ٌ‬ ‫هاج َمنا ٌ‬ ‫‪ -‬ماذا لو َ‬

‫األب‪:‬‬ ‫سأله ُ‬

‫َ‬ ‫عندك بارود ٌة لتصطا َد ُه؟‬ ‫‪ -‬وهل‬

‫َ‬ ‫قال بسرعة‪:‬‬

‫ُ‬ ‫وسائل أخرى‪...‬‬ ‫ عندي‬‫بالكره من الن ِ‬ ‫ِ‬ ‫سار َع ِ‬ ‫َّظرة األولى‪ ،‬وسأل ْته‪:‬‬ ‫ت األ ُّم محكو َم ًة‬ ‫‪ -‬مثل ماذا؟‬

‫ابتعد عنها‪:‬‬ ‫َ‬

‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫رجال ّ‬ ‫الشرطة‪...‬‬ ‫أسئلة‬ ‫أجيب إال عن‬ ‫ أنا ال‬‫ُ‬

‫ولح َقت به‪:‬‬

‫ستجيب‪...‬‬ ‫‬‫ُ‬

‫تراجع‪:‬‬ ‫َ‬

‫أجيب!‬ ‫ لن‬‫َ‬

‫‪66‬‬

‫َ‬ ‫وهرول هار ًبا‪ ،‬ولح َق ْت به حافي ًة‪:‬‬


‫ستجيب‪...‬‬ ‫‬‫ُ‬

‫ِ‬ ‫َ‬ ‫البيت‪،‬‬ ‫باب‬ ‫باب الحدي َق ِة بإحكا ٍم‪،‬‬ ‫ووصل إلى بيتِ ِه‪،‬‬ ‫َ‬ ‫وفتح َ‬ ‫َ‬ ‫فأغلق َ‬ ‫عث ٍ‬ ‫الد ِ‬ ‫اخل رائح ُة ٍّ‬ ‫قوية جع َل ْت حتى الخفافيش والقنافذ‬ ‫فانبع َثت من َّ‬

‫ُ‬ ‫الباب‬ ‫صفق‬ ‫وعطاسها إال حين‬ ‫يخف سعا ُلها‬ ‫وتعطس‪ ،‬ولم‬ ‫تسعل‬ ‫َ‬ ‫َّ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫بصوت ٍ‬ ‫بعنف وهو ُ‬ ‫عال‪:‬‬ ‫يقول‬ ‫‪ -‬مجانين!‬

‫األرض‪ ،‬ثم توجه إلى الن ِ‬ ‫ٍ‬ ‫ِ‬ ‫ففتحها‬ ‫َّافذة‬ ‫ببصاق على‬ ‫وأتبع الكلم َة‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬

‫وخاط َبهم‪:‬‬

‫‪ -‬ت ًّبا لكم!‬

‫ِ​ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫صودرت‬ ‫غير ا َّلتي‬ ‫فراش‬ ‫تحت‬ ‫أخرج من‬ ‫ثم‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫سريره بارود ًة قديم ًة َ‬

‫منه‪:‬‬

‫قبل ِ‬ ‫ِ‬ ‫ الكاميرا َ‬‫واجب!‬ ‫والكالب‪ ،‬استهدا ُفها‬ ‫الق َط َط ِة‬ ‫ٌ‬ ‫انتهت‬

‫الدَّ امور‪:‬‏السبت‏‪06 ،‬‏ حزيران‏‪2015 ،‬‬

‫‪67‬‬


68


‫السـيرة َّ‬ ‫الذاتية‬ ‫د‪ .‬إيمان بقاعي‬

‫أستاذة جامعية‪ .‬االختصاص‪ :‬األدب العريب وأدب األطفال والناشئة‪.‬‬

‫تاريخ الوالدة‪ :‬دمشق‪.1960 ،‬‬ ‫اجلنسية‪ :‬اللبنانية‪.‬‬

‫نالت شهادة الليسانس يف األدب العريب من جامعة بريوت العربية سنة‪.1982-1983 :‬‬

‫نالت شهادة دبلوم الدراسات العليا‪ /‬ماجستري من اجلامعة اللبنانية‪ ،‬كلية اآلداب والعلوم‬ ‫اإلنسانية (الفرع األول)‪ ،‬سنة‪.1996 :‬‬

‫نالت شهادة الدكتوراه يف اللغة العربية وآداهبا‪ ،‬اجلامعة اإلسالمية يف لبنان‪ /‬كلية اآلداب‬

‫والعلوم اإلنسانية‪ ،‬سنة‪.2007 :‬‬

‫مؤلفاهتا‪:‬‬

‫أ ‪ -‬كتب لغوية‪:‬‬

‫‪ _ 1‬معجم احلروف (دار املدار اإلسالمي‪.)2003 ،‬‬

‫‪ _ 2‬معجم األسامء (دار املدار اإلسالمي‪.)2003 ،‬‬

‫‪ _ 3‬معجم األفعال (دار املدار اإلسالمي‪.)2003 ،‬‬

‫‪ _ 4‬معجم مصطلحات أدب األطفال والشباب‪ ،‬حتت الطبع (إلكرتوين)‪.‬‬ ‫‪69‬‬


‫ب‪ -‬كتب أدبية‪:‬‬

‫‪( _ 1‬نقد) نازك املالئكة والتغريات الزمنية (بريوت‪ :‬دار الكتب العلمية‪/)1995 ،‬‬ ‫سعيد عقل‪ :‬اإلبحار إىل فينيقيا (بريوت‪ :‬دار الكتب العلمية‪ /)1995 ،‬حممد‬

‫الضائع الذي وجد نفسه(بريوت‪ :‬دار الكتب العلمية‪ /)1994 ،‬معروف‬ ‫الفيتوري‪َّ :‬‬ ‫الرصايف ‪ :‬نار أم ِ‬ ‫كلم (بريوت‪ :‬دار الكتب العلمية‪ /)1994 ،‬سليامن العيسى‪ :‬منشد‬ ‫ٌ‬ ‫العروبة واألطفال‪ ،‬إلياس أبو شبكة والفردوس املشتهى (بريوت‪ :‬دار الكتب العلمية‪،‬‬

‫‪ /)1995‬نزار قباين _ شاعر فوق املاء (بريوت‪ :‬دار الفكر اللبناين)‪.‬‬

‫‪( _ 2‬حتقيق)‪ :‬كتاب احليوان للجاحظ (بريوت‪ :‬أكاديميا)‪ /‬ديوان أيب متام (بريوت‪ :‬مؤسسة‬ ‫النور للمطبوعات‪ ،‬ورقي‪ /)2000 :‬ديوان اإلمام الشافعي (بريوت‪ :‬مؤسسة النور‬

‫للمطبوعات‪ ،‬ورقي‪ /)2000 :‬ديوان البحرتي (بريوت‪ :‬مؤسسة النور للمطبوعات‪ ،‬ورقي‪:‬‬

‫‪/)2001‬ديوان األخطل (بريوت‪ :‬مؤسسة النور للمطبوعات‪ ،‬ورقي‪.)2001 :‬‬

‫‪ _3‬قصص األطفال (ماهيتها‪ ،‬اختيارها‪ ،‬كيف نروهيا)‪( :‬بريوت‪ :‬دار الفكر اللبناين‪ ،‬ورقي‪:‬‬

‫‪.)2003‬‬

‫‪ _4‬فن قصة األطفال‪( :‬بريوت‪ :‬دار اهلادي للطباعة والنرش والتوزيع‪ ،‬ورقي‪.)2004 :‬‬

‫‪ _5‬املتقن يف اإلنشاء وحتليل النصوص وتصميم املوضوعات (بريوت‪ :‬دار الراتب اجلامعية‪،‬‬

‫ورقي‪.)2006 :‬‬

‫‪ _6‬املتقن يف األدب العريب املعارص (بريوت‪ :‬دار الراتب اجلامعية‪ ،‬ورقي‪.)2007 :‬‬

‫‪ _7‬املتقن يف أدب األطفال والشباب لطالب الرتبية ودور املعلمني (بريوت‪ :‬دار الراتب‬ ‫اجلامعية‪ ،‬ورقي‪.)2011 ،‬‬

‫‪ _8‬الوطن يف ادب الرشاكسة \ األديغه (العريب واملعرب)‪ :‬ورقي‪( :‬دمشق‪ :‬املنتدى الثقايف‬

‫الرشكيس‪ ،)1997 ،‬ط‪ :2‬إلكرتوين (نيل وفرات‪.)2014 ،‬‬

‫‪ _9‬قصة األطفال والنَّاشئة يف لبنان (جدلية َّ‬ ‫الشكل واملضمون)‪ ،‬إلكرتوين (نيل وفرات‪)2012 ،‬‬

‫‪70‬‬


‫الصفار‪ :‬نبض ّ‬ ‫الشعر النّبطي (بريوت‪ :‬النخبة للتأليف والرتمجة والنرش‪،‬‬ ‫‪ _10‬الشرَّ يف جبارة ّ‬

‫ورقي‪ ،)2011 ،‬وإلكرتوين (نيل وفرات‪.)2011 ،‬‬ ‫ج _ روايات وقصص‪:‬‬

‫‪ _1‬عزة‪( :‬بريوت‪ :‬دار الكتاب اللبناين‪ ،‬ورقي‪ ،‬ط‪ ،1980 :1‬ط‪.)1996 :2‬‬

‫‪ _2‬ومني الوفاء‪( :‬بريوت‪ :‬حقوق الطبع حمفوظة للكاتب‪ ،‬ورقي‪ ،‬ط‪.)1983 :1‬‬

‫‪ _3‬األرملة‪( :‬بريوت‪ :‬املركز العريب للثقافة والعلوم‪ ،‬ورقي‪ ،‬ط‪.)1996 :2‬‬ ‫ِ‬ ‫أجيئك حيث تكونني (قصص قصرية) (بريوت‪ :‬النخبة للتأليف والرتمجة والنرش‪ ،‬ورقي‪،‬‬ ‫‪_4‬‬ ‫ط‪ ،2008 :1‬الكرتوين‪.)2008 :‬‬ ‫د_ قصص لألطفال والناشئة‪:‬‬

‫‪ _1‬حواسنا (‪ 5‬قصص)‪( :‬بريوت‪ :‬الدار النموذجية‪ ،‬ورقي‪.)1999 ،‬‬

‫‪ _2‬قانا (قصة للناشئة)‪( :‬دمشق‪ :‬دار عالء الدين‪ ،‬ورقي‪.)1999 :‬‬

‫‪ _3‬سلسلة مذكرات اآلنسة أديبة‪( :‬دمشق‪ :‬القمر الصغري‪ ،‬ورقي‪.)2004 :‬‬ ‫‪ _4‬سلسلة البيئة لألطفال‪( :‬بريوت‪ :‬دار الراتب اجلامعية‪ ،‬ورقي‪.)2007 :‬‬ ‫‪ 5-‬خشبونا (قصة للناشئة)‪( ،‬الكرتوين‪.)2014 :‬‬

‫‪6-‬مغامرات عطلة الربيع (قصة للناشئة)‪( ،‬إلكرتوين‪,)2014 :‬‬

‫‪ - 7‬آديوخ (قصة للناشة)‪( ،‬الكرتوين‪.)2014 :‬‬

‫‪ _8‬حكايات جديت مهيبة (الكرتوين‪ :‬حتت الطبع)‪.‬‬

‫هـ _ كتب أطفال ثقافية وتربوية‪:‬‬

‫اصنع بنفسك‪( :‬دمشق‪ :‬دار عالء الدين‪ ،‬ورقي‪.)1999 :‬‬ ‫‪-1‬‬ ‫ْ‬

‫‪ - 2‬تعالوا نلعب‪ :‬جمموعة ألعاب لتنمية وتطوير أخالق الطفل وذكائه‪( :‬دمشق‪ :‬دار عالء‬ ‫الدين‪ ،‬ورقي‪.)2010 :‬‬

‫‪ - 3‬سلسلة أدب وسلوك األطفال والشباب‪( :‬بريوت‪ ،‬دار الراتب اجلامعية‪ ،‬ورقي‪.)2007 :‬‬ ‫‪71‬‬


:‫ جمالت ودوريات‬- ‫و‬

.)2014 _ 2000( )‫_ جملة أمحد اللبنانية لألطفال (شخصية شكوى شهر ًّيا‬

.143\142\141\140\139\136\135\133 :‫ األعداد‬: ‫_ جملة العريب الصغري‬ .2005 ،159 :‫ عدد‬:‫_ كتاب العريب الصغري‬ .2006 ،171 :‫ عدد‬:‫_ كتاب العريب الصغري‬ .2006 ،576 :‫ ع‬:‫_ العريب‬

:‫_ صحيفة أضواء الوطن االلكرتونية‬ http://www.adwaalwatan.com/articles.php?action=show&id=20 http://haybinyakzhan.blogspot.com/2012/06/blog-post_30.html http://haybinyakzhan.blogspot.com/2012/06/blog-post_21.html http://haybinyakzhan.blogspot.com/2013/04/blog-post_3640.html http://www.alukah.net/culture/0/68379/ https://www.goodreads.com/author/show/6508935._ http://ahmedtoson.blogspot.com/2012/07/blog-post_13.html http://ahmedtoson.blogspot.com/2012/07/blog-post_13.html http://www.kuwaitmag.com/index.jsp?inc=5&id=522&pid=2403 http://wehda.alwehda.gov.sy/_archive.asp?FileNa me=51763689920141020212345 http://www.forsanhaq.com/showthread.php?t=387053 http://www.middle-east-online.com/?id=87585 http://www.middle-east-online.com/?id=87585 www.circassiannews.com

72


‫ إيامن بقاعي‬.‫موقع د‬ https://emanbekai.wordpress.com/?ref=spelling

73


Turn static files into dynamic content formats.

Create a flipbook
Issuu converts static files into: digital portfolios, online yearbooks, online catalogs, digital photo albums and more. Sign up and create your flipbook.