عاشوراء والخصومات العتيدة
أثري السادة
0
عاشوراء والخصومات العتيدة
أثري السادة
عاشوراء والخصومات العتيدة أثري السادة "أن ما يفعله مجلة من الناس من جرح أنفسهم بالسيوف أو اللطم املؤدي إىل إيذاء البدن إمنا هو من تسويالت الشيطان وتزيينه سوء األعمال " السيد حمسن األمني “موكب التطبري أقدر موكب على إعادة ثورة احلسني إىل احلياة ،ألن فيها كل ما يف احلرب...فهو جائز ذاتا ،ومستحب عرضاً ،وال يناقش فيه فقيه تأمل وتدبر "السيد حسن الشريازي
()1 ماذا يعني أن يكون المعارضون لبعض الشعائر أشرارا؟ سؤال يقف عند حدود اخلصومة املتزايدة بني مؤيدي التوسع يف طقوس عاشوراء وبني الداعني إىل تشذيبها ،وقد سعى كل فريق إىل وضع سياج أخالقي عازل ،بينه وبني الفريق اآلخر ،ليخرج اخلالف من كونه خالفاً يف تفسري وفهم الشعائر إىل صراع بني أشرار وأخيار ،وهنا سيجد كل فريق ما يكفيه من املؤونة للتحشيد ،طاملا أصبح رفض اآلخر هو رفض للشر . قوانني اخلالف ختتلف باختالف أوصاف املتنازعني ،نظرياً ال ميكن جتاهل أن الفريقني يستندان يف خطاهبما للنص الديين ،كالمها يعاود توظيف النص وجيهد يف استمالك تأويالته ،غري أن الواقع العملي يتطور غالباً إىل صورة من املكايدات ،لتتجم على األرض على شكل سجاالت كالمية ،وصور ،ومقاطع فيديو ،تنقض غزل هذا الفريق أو ذاك ،ففي اخلصومة ينقلب خالف األخيار-األخيار إىل خالف األشرار-األشرار ،ألن املخاوف لدى كليهما قد وفرت أرضية للتخاصم احلاد ،وبات كل واحد يرى اآلخر شراً. 1
عاشوراء والخصومات العتيدة
أثري السادة
سيحاول كل فريق رسم صورة عن نفسه ،ورسم صورة أخرى عن اآلخر ،هبا يؤكد انفصاله عن مؤثرات اآلراء املناوئة ،والتصاقه الوثيق مبا يدافع وينافح عنه ..يبدأ كل سجال بتشكيك يف النوايا ،وال ينتهي إال بوصل املخالف بقائمة من املشاريع واألفكار املرذولة ،فكل حماولة إلسقاط املشروعية عن رأي ما جتر معها الرغبة إلسقاط قائلها، وجتريده من سلطة املعرفة ،وسلطة األخالق ،وسلطة احلق أيضاً..فكل مراجعة عند املدافعني عن" كل الشعائر "هي حماربة ،وقصور ،وتقصري ،وألهنا قضية ال يدرك غورها أبداً-أي القضية احلسينية -يصبح العلماء أمامها جمرد" جهلة حىت أكابرهم وأعاظمهم" ،وهذه األوصاف تكفي لرفع الغطاء املعريف واألخالقي عن الداعني إىل عدم األخذ بـ"بعض الشعائر" ،إذ أن شكوكهم وانتقاداهتم ال تعدو أن تكون نتاجاً ملتالزمة اجلهل اليت ترافق أي باحث يف هذا الشأن. يقدم هذا اخلطاب عاشوراء باعتبارها كتلة واحدة من الطقوس ال تقبل التقسيم ،لكنها قابلة للتكاثر ،حتت عنوان التعظيم ،فعنوان اإلباحة واملندوبية هو احلاكم يف هذه الدائرة ،يف املقابل تتقدم أسئلة وعناوين أخرى عند األصوات الداعية للتغيري والتعديل ،كعنوان احلفاظ على صورة الدين/املذهب من التوهني ،واحلفاظ على النفس من الضرر واإليذاء ،أو عنوان األصالة والبدعة ،لتصبح معها عاشوراء أرضاً للقياسات املركبة ،واملقارنات املستمرة ،ففيما حياول املعتضون على التطبري على سبيل املثال إعادة هذه العادة إىل جذورها التارخيية ،وجتريدها من اتصاهلا بعنوان الشعرية ، يدافع املؤيدون لـ"كل الشعائر" عنها وفق املقدمة املنطقية اليت جتعل من التطبري من شعائر احلسني (ع) ،واحلسني هو إمام معصوم من اهلل ،وبالتايل شعائره هي من شعائر اهلل. وهكذا تصبح كل إثارة ضد هذه املمارسة أو تلك قابلة للدفع ،ألهنا قابلة للحل على مستوى املقايسات ،رغم ما حتمله فكرة القياس من مرذولية يف املزاج الفقهي الشيعي ،على اعتبار عدم حجيته يف تثبيت احلكم الشرعي ،إال أنه يصبح الطريق األيسر يف تسويغ األفكار ،على غرار املماثلة بني احلجامة والتطبري ،فالتطبري حجامة ،واحلجامة هلا فوائد عالجية وصحية ،وبالتايل يصبح التطبري ممارسة هلا أبعاد صحية. يبقى السؤال :ما الذي استجد يف التشكيالت اخلطابية لكال الفريقني؟ كيف يصوغ كل فريق اليوم وسائله الدفاعية؟
2
عاشوراء والخصومات العتيدة
أثري السادة
()2
"أما ترك الشعائر احلسينية لضحك األعداء منها فهذا يكشف عن اهنزامية بالغة يف نفوس هؤالء احلزبيني ،فهل ضحك األعداء يربر التخلف عن ديننا وشعائرنا "السيد حسن الشريازي "فلو افتضنا وقوع حادثة سرقة ووجدنا كل الشروط متوفرة لقطع يده لكن وجدنا أيضا أن قطع اليد سيتسبب يف إهانة الدين ،فحينئذ نستطيع أن نلجأ إىل أية عقوبة تأديبية لتأديبة كالسجن أو الغرامة أو ما أشبه "السيد حممد الشريازي
الفتاوى..جسر الخصومات واحدة من الوسائل الدفاعية اليت ميضي إليها الفريقان هي االحتماء بالفتاوى ،واآلراء الفقهية ،شاهدنا رسائل مشحونة بأمساء العلماء الذين يرون جواز أو استحباب التطبري ،كما شاهدنا يف املقابل قائمة أخرى تشري إىل مواقف وآراء ال تنسجم مع هذا الرأي ،كالمها يذهب للتاريخ ال لغرض البحث عن مواقف وآراء داعمة فقط ،وإمنا لبناء جسر طويل يشعر معه القارئ واملتابع بأن هذا الرأي هو ممتد وذو جذور يف تاريخ املذهب ،حىت صمت الفقهاء يصبح ذا داللة يف هذه املواجهة ،فهو عنوان للقبول والتأييد عند املنافحني عن" كل الشعائر" ،أو عدم االعتاض يف أسوأ االحتماالت ،بينما هو حمرض للتشكيك لدى الفريق اآلخر. ال خيلو هذا اللون من الفرز من انتقائية شديدة ،فاألمساء حاضرة برغبة التأييد ال أكثر ،انتقائية تصبح الرديف للكذب أحيانا ،ألهنا ال تصف كل احلقيقة ،لذلك سيختار املدافعون عن "كل الشعائر" رأياً فقهياً للسيد اخلوئي ال حيتمل أي إثارة أو اعتاض على" التطبري" ،فيما حيتفظ له تلميذه املريزا التربيزي يف كتاب "صراط النجاة" برأيه الذي جيعل األمن من الضرر واخللو من التوهني مسألة شرطية للقبول والرفض ،كذلك السيد السيستاين ،الذي يدرجه الفريقان ،وهو الذي يلوذ بصمته بعيداً عن القول باإلجياب والسلب يف هذا األمر ،وختلو فتاواه املنشورة على موقعه من أي إشارة هلذا املوضوع.
3
عاشوراء والخصومات العتيدة
أثري السادة
ما تفعله هذه القوائم هو التأكيد على حقيقة اخلالف ،أن جتعل من القبول والرفض هلذه املمارسة مسألة غري متومهة يف احلد األدىن ،فثمة ما يكفي للشعور بأن ارتباكاً فقهياً حقيقياً مازال حيكم النظرة والتقييم ،وحىت الذين حسموا أمرهم يف شأن القبول تركوا عدم اإلضرار شرطاً يف ذلك ،وهو ما سيجهد املدافعون على تبيانه ودحضه ساعة ينربون للتأكيد على مأمونية هذا الفعل ،بل وأثره اإلجيايب ماديا ومعنوياً. هبذا النحو باتت تارخيية اخلالف واحدة من معطيات املواجهة ،أي أن االعتاض على بعض املمارسات ليست شبهة مستحدثة ،أو إثارة حمسوبة على املخالفني ،بل هي مستبطنة يف ذاكرة الشعائر ،لذلك حيتمي املدافعون بوسيلة أخرى لتجاوز هذه املشكلة ،عرب التشديد على "الشهرة الفتوائية" ،وتوصيفها "بالشهرة العظيمة" ،ما جيعل من أقوال املشككني من الفقهاء اآلخرين جمرد آراء "ال يعتد هبا" ،لتبدو كالرافعة الفقهية ملسألة التطبري اليت سيجد فيها املكلف عالمة كافية على سالمة الطريق املوصلة إىل رجاحة هذا الفعل وهذا القول!.
4
عاشوراء والخصومات العتيدة
أثري السادة
()3 "دراسات كثرية وميدانية أثبتت أن التطبري حيبب مذهب أهل البيت ويعززه ،ويعرفه إىل العامل من خالل هذه الظاهرة اليت تتفاعل مع ضمائر املشاهدين وتوحي إليهم مظلومية أهل البيت وظلم أعدائهم" السيد صادق الشريازي
استمالك الشعائر خيتار مريدو السيد صادق الشريازي وصف "حميي الشعائر" ضمن االمتيازات اليت يهبوهنا ملرجعهم ،إىل جانب باقي أوصاف التبجيل والتقدير اليت حيظى هبا املرجع الديين يف الواقع الشيعي ،وهم يستدعون هنا معىن اإلحياء كجزء من وظائف هذه الفقيه واختصاصاته ،مبعىن بث احلياة فيها وعمارهتا ،متاماً كما هي إحياء األرض ،وعمارة الشعائر بالتايل يراد منها احليلولة دون مواهتا ،عرب هتيئة الظروف التساعها وانتشارها. ال أحد يستطيع القطع بأن املرجع الشريازي الراحل أقل اندفاعاً من أخيه يف تأييد الشعائر ،فالشريازية كتيار سياسي واجتماعي ومنذ عهد الشهيد السيد حسن وهم يتحركون عرب هذه الشعائر وهبا ،تغدو كرهان ضمن استاتيجيات اخلطاب الديين الذي تشكلت من خالله خنب التيار الفكرية ،غري أن األتباع ضخموا عنوان "التجديد" يف سرية الراحل ،وذلك بالتوافق مع متواليات الصراع يف تلك املرحلة ،وشاءوا أن يقتنوا بعنوان الشعائر حني وجدوا البيئة السياسية واالجتماعية تدفع هبذا االجتاه ،علما بأن التاريخ حيكي عن مواجهات مبكرة بني فريق الشريازي وفريق حزب الدعوة يف مطلع الستينيات على خلفية الشعائر واحلماسة هلا. تغدو األوصاف يف ساحة التنازع الديين مزجياً من الرغبات واحلقائق ،اليت يتداخل فيها الديين بالسياسي ،فاإلميان بأن مراجع الدين مجيعاً هم من الدعاة إىل إحياء الشعائر ال يقف حائال دون الرغبة يف استمالك هذا املعىن واالستثمار فيه ،فهو ما يفسر يف باطنه طبيعة التجاذبات وطبيعة األسئلة اليت حيياها كل فريق واضح أن مثة اجنذاب من هذا الفريق للتدين الطقسي ،يظهر جلياً يف انتاجاته الثقافية ،وأدبياته ،وفضائياته ،فضالً عن خطب وبيانات الشريازي احلايل اليت تشدد على محاية الشعائر على اختالف أشكاهلا وأساليبها ،وإعطائها القدسية الكافية ،فاإلمام
5
عاشوراء والخصومات العتيدة
أثري السادة
احلسني(ع) حبسب هذا اخلطاب هو صاحب امتيازات إهلية ،مل ينل حظاً منها حىت من هم أعلى منه شأناً ،كالنيب حممد (ص) وعلي وفاطمة واحلسن (ع) ،والشعائر احلسينية مقدمة حىت على شعائر اإلسالم. تغلب لغة الوعظ واإلرشاد والتوجيه على بيانات املرجع الشريازي املتصلة بعاشوراء ،ال تشعر معها بأي متايز عن سواها من اخلطابات الشيعية التقليدية ،تكاد تكون يف معظم األحيان تكراراً لبيانات سابقة ،لوال ما يزدحم هبا من إشارات لبعض اإلشكاالت والتحديات اليت متر هبا هذه الشعائر ،فتكريس هوية املذهب عرب عاشوراء ،والتوسع يف إيصال قضية احلسني (ع) للعامل ،والتشديد على القيمة الدينية هلذه الشعائر ،هو ما يشغل مساحة واسعة من هذا اخلطاب ،خطاب على سكونيته إال أنه يتحرك يف أحيان وفق إشارات الواقع ،وهذا ما يفسر اجتاهات اخلطاب يف سنواته األخرية ،فالتذكري بقيمة الشعائر يأخذ شكل نربة متصاعدة وهو ينحين ناحية التصدي لألصوات املشككة يف وجاهة بعض الشعائر ،ويف مقدمتها التطبري ،وذلك على شكل استفتاءات وبيانات مشغولة بإثارات الفريق اآلخر، وقد كان خطاب املرحلة خمتصراً يف عنوان التقرير املنشور حديثاً مبوقعه وهو ملخص حملاضرته للمبلغني قبيل عاشوراء : "أقيموا الشعائر احلسينية بكافة أشكاهلا وإن استوجب إزهاق األرواح"!.
6
عاشوراء والخصومات العتيدة
أثري السادة
()4 "«التطبري» مضافاً إىل أنه ال يع ّد عرفاً من مظاهر األسى واحلزن ،وليس له سابقة يف عصر األئمة وما وااله ،ومل يرد فيه تأييد من املعصوم بشكل خاص ،وال بشكل عام ،يع ّد يف وشيناً على املذهب ،فال جيوز حبال ".السيد علي اخلامنئي الوقت الراهن وهناً َ
سؤال اآلخرية
تذيل صحيفة هافنتون بوست األمريكية تقريرها املصور عن عاشوراء 2013هبذا التحذير :بعض الصور حتتوي على مشاهد مؤملة أو قاسية ،يف إشارة إىل مشاهد الضرب بالسالسل ذات املشارط احلديدية على الظهور امللطخة بالدم واملأخوذة عن مراسيم عاشوراء يف اهلند وباكستان. خيتصر هذا التصنيف الذي جيعل بعضاً من صور عاشوراء حمسوبة على الصور ذات احملتوى العنيف ،خيتصر الطريق إىل األسئلة واملخاوف اليت جلبتها الصورة إىل عاشوراء عموماً ،فما كان جيري بنحو عفوي ويف زوايا بعيدة أصبح اليوم حمط أنظار العامل ،وموضوع تقييمهم ،مل تعد تأويالت الشعائر وتفسرياهتا ملك املشتغلني عليها فحسب ،بل باتت نصاً يعاد تشييده بتحديقات الناظرين إليها من خارجها أيضاً ،وعرب مرشحات الصورة اليت ستبحث عن حلظات فائضة بالدرامية والغرائبية. االنفتاح على فضاء الصورة ترك أثراً واضحاً على أمناط تلقي الشعائر ،وأشكال التعبري عنها ،باتت الفرجة جزءاً من عناوين املناسبة ،مبعىن إحالة كل الشعائر إىل حالة مشهدية يراها اآلخرون ،هبا تكثفت الصور السيالة واجلامدة مبثل ما تكثفت الرغبات بإنتاج عاشوراء مكربة ال مينعها مانع من الوصول إىل آخر نقطة يف العامل ،حيث يؤمن الشيعة بأن قضية احلسني (ع) هي قضية إنسانية ،وجيب أن حتظى مبا تستحق على امتداد البث الفضائي ،وهذا ما يفسر التمدد األفقي يف قنوات الشيعة فضائيا ،وانشغاهلا يف اجململ مبا تنتجه الشعائر احلسينية من حماضرات ولطميات وشعارات باتت متجذرة يف وعي الفرد الشيعي. 7
عاشوراء والخصومات العتيدة
أثري السادة
جاء هذا االنفتاح بعد عزلة إعالمية طويلة ،فكان أن عربت هذه الشعائر إىل الفضاء بكل ما فيها ،مل تكن مثة معايري إعالمية ،وال رؤى وسياسات واضحة ،كل شيء يف هذا الفوران قابل ألن يتحول مادة للعرض ،حىت صار الوصف الدارج هلا هو "حسينيات فضائية" ألهنا مل تقدم قيمة مضافة هلذا احلضور اجلديد ،إذ كان رهاهنا مقصوراً على التمدد يف هذه املساحة املفتوحة بعيداً عن سؤال الكيفيات ،ويف املقابل كان اآلخر من خارج الدائرة يراقب ويتابع بكثري من الفضول هذا املارد اخلارج من قمقمه ،يعيد ترتيب تصوراته عنه ،وفق سرديات بصرية هي البديل عن املرويات والكتب واألخبار ،سرديات ال يبدو أهنا تعي جيداً حتديات الصورة وإشكاالهتا. تزامن هذا االندفاع صوب الفضاء مع صعود الشيعة يف العراق ،األمر الذي نتج عنه عودة العراقيني للتعبري عن رغباهتم املتفجرة يف ممارسة الطقوس العاشورائية ،بكل أشكاهلا وألواهنا ،واالنطالق حبرية يف التعبري عن هويتهم املذهبية املهمشة ،بدت املناسبات الدينية وكأهنا املؤشر األبرز على التبدل الذي جرى على مزاج الناس ،وعلى صعود اخلطابات التقليدية واليت جتد يف الطقوس امتدادها الطبيعي ..وكانت وسائل اإلعالم جتد يف ذلك سبباً لالهتمام وتسليط املزيد من الضوء على تفاصيل الطقوس ويومياته. هذا االستثمار يف صورة عاشوراء مل يفض إىل الوعي مبقاصد املناسبة والتأثر هبا كما كان يراهن أصحاهبا ،فقد تباينت طبيعة االستجابة وبدت الصورة الفاقعة اليت حتملها الصحف عرب صفحاهتا والفضائيات عرب نقلها املباشر سبباً إلثارة املزيد من األسئلة عن حقيقة هذه الشعائر وباخلصوص ما تعلق منها بالسالسل والسيوف والتعفري والزحف وباقي املمارسات اليت تنطوي على صورة من صور العنف أو صور التوهني واإلساءة للذات يف نظر البعض ..باتت املفارقة بني األهداف و األساليب ختلق مسافة بني املتحمسني هلا وبني املشككني فيها ،حىت تدافع جمموعة من املثقفني العراقيني يف السنوات األخرية للتوقيع على بيان يطالبون فيه السيد السيستاين التدخل والتوجيه فيما يرونه إساءة لعاشوراء.
حىت فتوى السيد اخلامنئي اليت مثلت مفصالً مهماً يف سجاالت الشعائر بدت مأخوذة هبذه اهلواجس ،أي طبيعة استجابة اآلخر هلذه املمارسات اليت مثلت أرضاً خصبة لالنتقادات يف السنوات األخرية ،وكان واضحاً أن أي موقف 8
عاشوراء والخصومات العتيدة
أثري السادة
مضاد لشعرية من الشعائر سيقتن بتماوجات ال أول هلا وال آخر يف داخل الساحة الدينية ،ملا متثله هذه الشعائر بعنواهنا العام من مركزية يف بناء اهلوية الثقافية للمجتمع الشيعي.
9
عاشوراء والخصومات العتيدة
أثري السادة
()5 "ضرب القامة يف الوقت احلاضر حرام ،ألن العدو العاملي بدأ يستفيد من هذه الظاهرة يف اهتام اإلسالم والتشيع باخلرافة والوحشية ،وألن ويل األمر أمر بتك القامة وأمره واجب االتباع" السيد كاظم احلائري
الخصومات :من النص إلى الواقع يف ظهرية العاشر من حمرم لعام 1431هـ شهدت قرية الدراز بالبحرين مصدامات بني جمموعتني ،األوىل تؤيد التطبري، والثانية تعارضه ،انتهت يومها بتدخل قوات مكافحة الشغب ،وإصابة عدد من األشخاص وتضرر عدد آخر من السيارات..وكانت هذه احلادثة تشري بوضوح وعالنية إىل ما ميكن أن تنتهي إليه هذه السجاالت القولية والفقهية حول الشعائر احلسينية على األرض ،سيجد املتدينون أنفسهم معنيون دائماً بالدفاع عن مواقع ومواقف مرجعياهتم الدينية ،خاصة يف جمتمعات تقليدية تتسم بشدة االستقطاب هلذه املرجعيات وترسخيها كمظالت للعمل السياسي واالجتماعي والثقايف ،ما خيلق عصبويات صغرية ضمن تكتالت تكرب ضمن نسيج اجملتمع فتحوله إىل كيانات متنافسة ،ومتنازعة أحياناً. مل تكن هذه احلادثة فريدة من نوعها يف البحرين ،فمنذ إصدار السيد علي اخلامنئي فتواه بتحرمي التطبري تكررت األحداث اليت محلت طعم املواجهة والتحدي بني الفريقني ،ويف أشهرها ما كان جيري بني موكب الرادود حسني األكرف ،و مأمت القصاب يف املنامة ،حيث جيري التطبري ،وحيث يشارك الرادود العراقي باسم الكربالئي ،وهو الذي أثار حفيظة املعتضني ومحيتهم بعيد صدور فتوى اخلامنئي حني ألقى قصيدة يدعو فيها للتطبري كانت قصيدة العزاء البحرينية ومازالت مساحة مفتوحة لنقاش القضايا االجتماعية والسياسية والدينية ،وإن كان هذا اللون من املزج مألوفا حىت يف العزاء العراقي مثالً ،إال أنه يظهر يف صورة فاقعة كثرياً بالبحرين ،ومن هنا يصبح يف وارد املألوف أن خيتار الرادود األكرف مواجهة فريق التطبري بلطمية أشبه بالبيان السياسي قبل ما يربو على العشر سنوات يقول فيها" :الدم البارد يف الشارع يهدر دون وعي وإمنا كيد مدبر" ،مضمناً إياها إعالنه الوالء للسيد اخلامنئي ،واستمرت هذه
10
عاشوراء والخصومات العتيدة
أثري السادة
اخلصومة بني األكرف والكربالئي لسنوات عدة ،استطاع بعدها الشارع أن يدخل يف هدنة ال ختلو من عالمات الشك وحلظات التقب. هذا ال يعين أن املواجهات الكالمية عرب وسائل التواصل ،وعرب املواقع ،والكتب واخلطب ستنتهي ،فطاملا ظل املتخاصمون يف هذه املسألة يعاودون التجنيد والتحشيد آلراء مرجعياهتم ،يصبح التصادم احتماالً قائما على الدوام، وطاملا ظلت حمفزات هذا االنقسام حاضرة يف املشهد الديين ستظل انعاكساهتا ماثلة على األرض ،فكل فريق يرى يف التمسك مبوقفه والدفاع عنه واجباً ،ويف حال اهلدنة تصبح الشبكات االجتماعية واملواقع اإللكتونية الشارع اخللفي هلكذا نزاع ،والذي يتصاعد بدوره كلما اقتبنا من موسم عاشوراء ،حيث تبادر املرجعيات إىل تبيان مواقفها جمدداً من الشعائر احلسينية. يبقى التداخل بني األيديولوجي والديين هو ما يهب هذا اللون من االختالف ذروته غالباً ،فمواقف الرادودين البارزين ال ختفي احنيازها ملرجعيتها الدينية ،هي تشدد بنحو أو بآخر على ما تعيشه من التزام بقيم اجملموعة االجتماعية اليت ينظمها الوالء ملراجع التقليد ،ويف هكذا حتليل ال ميكن غض الطرف عن سرية العالقة بني هذه التكوينات املرجعية، فثمة عالقة غري مستقرة بني تيار الشريازية مثالً وتيار اجلمهورية اإلسالمية ،مثة ما يشبه التقية يف طبيعة العالقة بني اإلثنني ،ويرجح أن تكون اخلالفات السياسية قد أسبغت على هذا الصراعات بعضاً من تداعياهتا ،فالسيد الشريازي الراحل يوصف عند أتباعه باإلمام املظلوم إشارة إىل حصار احلكومة اإليرانية له وتقييد حركته ،فضال عن ما يتناقل من تعديات رمسية على جنازته أثناء التشيع يف قم ،يف املقابل يرى مجاعة خط اإلمام أو تيار اجلمهورية يف كل إثارة لعنوان التطبري طعناً يف الويل الفقيه ،وتعدياً على نفوذه. والالفت أن الشعائر املثرية للخالف واجلدل قد خضعت لعملية إنعاش خالل السنوات العشر األخرية ،بالتزامن مع اتساع دائرة النقد هلا ،وبعض ذلك مرده تضخم اإلحساس باهلوية املذهبية مع صعود الشيعة يف العراق ،واالتكاء على الشعائر يف التعبري عن ذلك ،والبعض اآلخر يتصل بالدفاع عن الشعائر أمام موجة النقد الداخلية واخلارجية ،ولعل الداخلية -وأعين هبا ما يصدر عن النخب والقامات العلمية -هي ما ميثل احملرض على مضاعفة تيار" كل الشعائر " الهتمامه هبا ،فثمة شعور بأن النقد الذي يصدر من الداخل ميلك قدرة على التأثري أكرب من ذلك القادم من اخلارج، فاألخري حيمل اجلماعة على التماسك وااللتفاف على بعضها ،بينما النقد الداخلي يدفعها للتصدع. 11
عاشوراء والخصومات العتيدة
أثري السادة
هبذا نفهم كيف يعتلي صوت الرادود الكربالئي بالقول" واهلل أفلح من طرب "يف صيغة حتدي ،يف اللحظة اليت حتاول األصوات املعارضة بسط نفوذها عرب مترير املزيد من الرسائل واملواقف املمتعضة من صورة عاشوراء كما يقدمها الفريق اآلخر ،فهنالك خصومة قائمة ميكن أن تتفجر يف أي حلظة ،والسبب أن فريقاً يرى يف فعله مقدساً جيب الدفاع عنه وفريقاً آخر يراه مدنساً يلزم التخلص منه.
12