262 final 1

Page 1

‫‪Al Muntada‬‬ ‫‪A Cultural Journal‬‬

‫جملّة فكر ّية ثقاف ّية ف�صل ّية‬

‫‪Published every four months by‬‬

‫العربي‬ ‫منتدى الفكر‬ ‫ّ‬

‫(‪The Arab Thought Forum )ATF‬‬

‫ع ّمان ‪ -‬االأردنّ‬

‫الع ـ ـ ــدد (‪)262‬‬

‫‪Amman - Jordan‬‬

‫املج ّلد الثالثون (‪)1‬؛ �صيف ‪2015‬‬

‫رئي�س التحرير‬

‫الهيئة ال�ست�سار ّية للمج ّلة‬

‫‪2015‬‬

‫‪ ‬‬

‫حمور‬ ‫د‪ .‬حممد اأبو ّ‬ ‫مدير التّحرير‬

‫‪OóY‬‬

‫‪262‬‬

‫›∏‪á«∏°üa áq«aÉ≤K áqjôµa áq‬‬ ‫‪q»Hô©dG ôµØdG ióàæe‬‬

‫‪(1) ¿ƒKÓãdG óq∏éŸG‬‬ ‫‪2015 ∞«°U‬‬

‫اﻟﻼﺟﺌﻮن‬ ‫اﻟﻤﻴــــﺎه‬ ‫اﻟﺒﻴﺌــــﺔ‬

‫كاي ــد هــا�ص ـ ــم‬

‫ا ﻗﻠﻴﻤﻴﺔ‬ ‫واﻟﻨﺰاﻋﺎت‬ ‫ّ‬

‫الت�سميم واالإخراج الفن ّ​ّي‬

‫اأ‪.‬د‪ .‬عدنان بدران‬ ‫االأردنّ (الرئي�س)‬ ‫د‪� .‬صالح ال ّدين الزين‬ ‫ال�سودان‬

‫اأ‪.‬د‪� .‬ص ــالح ج ـ ـ ـ ـ ـ ّرار‬ ‫االأردنّ‬

‫د‪.‬عبد احل�صن �صعبان‬

‫اأمانة ال�س ّر واملتابعة‬

‫دة‪ .‬وجيهة البحارنة‬

‫م ــي احلـلتـ ـ ـ ـ ــة‬ ‫التّن�سيق مل�ساهمات االأع�ساء‬

‫هنيدا القرالة‬

‫‪2015 ∞«°U‬‬

‫مي�صــاء خـلـف‬

‫العراق‬

‫لوحة الغالف‪:‬‬

‫‪Jordan River‬‬ ‫‪Joseph Comte d'Estourmel, Journal d'un‬‬ ‫‪voyage en orient, )Jerusalem, Palestine,‬‬ ‫‪and Jordan in the archives of Hisham‬‬ ‫(‪khatib, foreword by sarah searight‬‬

‫البحرين‬

‫د‪ .‬يو�صف احل�صن‬ ‫االإمارات‬

‫اع ُتمِ ــدَ ت جم ّل ـ ـ ــة «املنت ــدى»‪� ,‬س ــمن قاع ــدة بيانات ّ‬ ‫وملخ�س ــات‬ ‫الدور ّيات العلم ّي ــة العامل ّية‪ ,‬في املركز االإقليمي للعلوم والتكنولوجيا‬ ‫في �س ــرياز‪/‬اإيران‪ ,‬وذلك َو ْف ًقا للمو ّؤ�س ــرات العلم ّية املتّبعة لدى مركز املراجع‬ ‫االإ�س ــالم ّية الدول ّية‪ ,‬بح�سب ما اأق ّرته املنظمة االإ�سـ ـ ــالم ّية للتــربية والثــقافة‬ ‫والعلـ ــوم (االإي�سي�س ــكو) في املوؤمت ــر ال ّرابع ل ــوزراء التعليم العايل (ت�س ــرين‬ ‫البحثي في‬ ‫االأ ّول‪/‬اأكتوب ــر ‪ ,)2008‬وه ــي مو ّؤ�س ــرات تتع ّل ــق بت�س ــنيف االأداء‬ ‫ّ‬ ‫البلدان االإ�سالم ّية‪.‬‬

‫عرب ّ‬ ‫العربي‬ ‫بال�صرورة عن راأي منتدى الفكر‬ ‫الآراء الواردة في املج ّلة ل ُت ّ‬ ‫ّ‬ ‫رقم اليداع لدى دائرة املكتبة الوطن ّية (‪/2003/13‬د)‬


‫اإر�صادات مه ّمة ل ُكتّاب املج ّلة‬

‫ُ‬ ‫لكتب عرب ّي ٍة واأجنب ّي ٍة‬ ‫واملقاالت الفكر ّي َة‬ ‫ّرا�سات املتع ّمق َة‬ ‫•‬ ‫واملراجعات ال ّنقد ّي َة ال ّر�سين َة ٍ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ت�ستقبل املج ّل ُة الد ِ‬ ‫�سادر ٍة حدي ًثا‪.‬‬ ‫• ُيع ّد اأع�ساء املنتدى ُح ْك ًما مرا�سلني للمج ّلة يف اأقطارهم‪.‬‬ ‫• ي�س ّر املج ّل َة اأنْ تن�سر تقارير اأع�ساء املنتدى عن اأن�سطتهم الفكر ّي ِة وال ّثقاف ّية؛ اإ�ساف ًة اإىل تقاريرهم عن ا ّأي‬ ‫أحداث مه ّم ٍة ُيتابعونها يف اأقطارهم‪.‬‬ ‫ا ٍ‬ ‫• تخ�س ُع ك ُّل م�ساهم ٍة للتقييم‪.‬‬ ‫• ُي�سرتط اأنْ ال يزيدَ ُ‬ ‫طول املادّة املقدّمة لل ّن�سر على ع�سرين �سفحة (مقا�س ‪ ,)A4‬واأنْ تكونَ مطبوع ًة على‬ ‫احلا�سوب (الكمبيوتر)‪.‬‬ ‫• ُيرجى ا ُ‬ ‫إر�سال املادّة بالربيد االإلكرتو ّ‬ ‫ين‪.‬‬ ‫غري من�سورة اأو مقدّمة لل ّن�سر اإىل اأ ّية جه ٍة اأخرى‪.‬‬ ‫ّة‬ ‫د‬ ‫املا‬ ‫تكونَ‬ ‫• ُي�سرتط اأنْ‬ ‫َْ‬ ‫• ُيرجى من الكاتب ذك ُر عنوا ِنه‪ ,‬مبا يف ذلك رقم الهاتف والربيد االإلكرتو ّ‬ ‫ين وال ّنا�سوخ (الفاك�س)؛ كما‬ ‫ُيرجى موافاتُنا ب�سري ِت ِه املوجزة‪.‬‬ ‫خا�سة‪ .‬و�ستعتذر هيئة التحرير عن قبول املواد التي ال يتوافر‬ ‫• ُيرجى العناية باالأ�سلوب ومب�ستوى ال ّلغة عناي ًة ّ‬ ‫فيها احل ّد االأدنى من العناية باللغة‪.‬‬ ‫ُ‬ ‫حتتفظ هيئ ُة التّحرير بح ّقها يف اإجراء التّعديالت املالئمة على املو�سو ِع املقدّم‪.‬‬ ‫•‬ ‫ُ‬ ‫ّ‬ ‫• تعتذ ُر الهيئة عن عدم اإعادة امل ْو�سوعات التي ال تُقبل للن�سر اإىل اأ�سحابها‪.‬‬ ‫الكاتب مكافاأ ًة رمز ّي ًة على م�ساهم ِته‪.‬‬ ‫• ُمينح‬ ‫ُ‬

‫دعوة للم�صاركة بالدرا�صات والبحوث املح ّكمة يف املج ّلة (�س ‪)230‬‬

‫(‪Arab Thought Forum )Atf‬‬ ‫‪1541 Ü ¢U‬‬ ‫‪¿OQC‬‬ ‫‪q ’G 11941 ¿ÉªY‬‬ ‫‪q‬‬ ‫‪(+962-6) 5333715/5333617/5333261 :¿ƒØ∏J‬‬ ‫‪(+962-6) 5331197 :(¢ùcÉa) ñƒ°SÉf‬‬

‫‪E-mail: atf@atf. org. jo‬‬ ‫‪URL: www. atf. org. jo‬‬

‫‪P. O. Box: 1541‬‬ ‫‪Amman 11941 Jordan‬‬ ‫‪Tel: )+962-6( 5333261/5333617/5333715‬‬ ‫‪Fax: )+962-6( 5331197‬‬

‫‪facebook.com/atf.jordan‬‬ ‫‪twitter.com/atf_jordan‬‬


‫العــدد (‪)262‬‬ ‫�صيف ‪2015‬‬ ‫• مـ ـ ـ ــدخل (رئي�س التحرير)‪5........................................................‬‬

‫قطوف دانية‬

‫• كلمة �صاحب ال�سم ّو الملكي الأمير الح�سن بن طالل‬ ‫في حفل ت�سليم �سم ّوه درجة الدكتوراة الفخرية في «�إدارة الأرا�ضي‬ ‫والمياه والبيئة» من الجامعة الها�شم ّية ‪7..........................................‬‬

‫محور العدد‪ :‬الالجئون‪ ،‬المياه‪ ،‬البـيـئة‪ ,‬والنزاعات الإقليمية‬

‫‪ -1‬تـ ـ�أثير الأزمــات الإقـ ـلـيـم ّية على الو�ضع المائي في الأردن‬ ‫(�أ‪.‬د‪� .‬سعد �أبو د ّية ود‪ .‬حمزة ال�سالمات)‪17.........................................‬‬ ‫‪ -2‬الزيادة ال�سكان ّية نتيجة اللجوء و�أثرها على م�صادر المياه‬ ‫أنموذجا) (المهند�سة دة‪ .‬غيداء �أبورمان) ‪27........‬‬ ‫(الأردن واللجوء ال�سوري �‬ ‫ً‬ ‫‪ -2‬الآثار البيئية لمخيم الالجئين ال�سوريين (الزعتري) على م�صادر المياه‬ ‫(المهند�س معاوية محمد �سمارة) ‪55..............................................‬‬

‫درا�سات ومقاالت‬ ‫• قراءة في الخطاب الإعالمي لأزمة الالجـئين ال�سوري ّين‬ ‫د‪ .‬نبيل ال�شريف ‪73...................................................................‬‬ ‫• ال�سيادة الوطن ّية وحقوق الإن�سان (المقاربة والإ�شكاليات)‬ ‫المحامي د‪� .‬أمجد �ش ّموط ‪93.........................................................‬‬ ‫• ال�صومال بين �إهمال المجتمع الدولي و�إدمان الكارثة‬ ‫دعاك‪103...................................................................‬‬ ‫د‪� .‬صالح ّ‬


‫أنموذجا)‬ ‫• التهويد الإ�سرائيلي �ض ّد القد�س المحتلة (التعليم واالقت�صاد �‬ ‫ً‬ ‫دة‪ .‬نادية �سعد الدين ‪111.............................................................‬‬ ‫• قراءة في وقائع الحرب الإ�سرائيلية الثالثة على غزة‬ ‫(‪ 8‬تموز‪ /‬يوليو ‪� 26 – 2014‬آب‪� /‬أغ�سط�س ‪121..............................)2014‬‬ ‫�أة‪ .‬عبير محمد ا�سماعيل‬

‫عربي)‬ ‫ثقافـي‬ ‫متابعات (نحو ميثاق‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬

‫العربي‬ ‫الثقافي‬ ‫• ال ّتكامل‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫�أ‪ .‬ثابت الطاهر ‪161....................................................................‬‬

‫كتب ومراجعات ونقد‬

‫• الخطـاب الفكري والإن�ساني في رواية «بابنو�س»‬ ‫(‪� )1‬شهادة في التجربة الروائية (�أة‪� .‬سميحة خري�س)‪201........................‬‬ ‫(‪ )2‬رواية «بابنو�س» ل�سميحة خري�س في الخطاب المعرفي‬ ‫(قراءة �سو�سيوتاريخية) (�أ‪ .‬عبد اهلل ر�ضوان)‪205............................‬‬ ‫(‪� )3‬سميحة خري�س ولعبة التقابالت الثنائية في روايتها «بابنو�س»‬ ‫(دة‪ .‬رزان �إبراهيم) ‪215.........................................................‬‬ ‫• كيف تقر�أ الإمبريالية العالمية «حق تقرير الم�صير»؟‬ ‫ت�أليف‪ :‬روبرت بيل‪ ,‬قراءة وتعليق‪� :‬أ‪ .‬يو�سف عبداهلل محمود‪221.....................‬‬ ‫• مع كتاب «عتبات الم�ستقبل‪� :‬سيرة كفاح و�س ــيرورة وطن»‬ ‫للدكتور في�صل غرايبة‪ ،‬قراءة وتعليق‪ :‬كايد ها�شم ‪225...............................‬‬ ‫دعوة للم�شاركة بالدرا�سات والبحوث ال ُمح ّكمة في المج ّلة‪230.......................‬‬


‫د‪ .‬حممد اأبو ح ّمور‬ ‫االأمني العام ملنتدى الفكر العربي‬ ‫رئي�س حترير جملة «املنتدى»‬

‫ياأتي هذا العدد من جملة «املنتدى» بو�سفه جز ًءا من‬ ‫االأن�سطة النوعية‪ ,‬التي نحر�س على تعزيز وتريتها وتطويرها‬ ‫ما اأمكن؛ خدم ًة الأهداف منتدى الفكر العربي ودوره يف نطاق‬ ‫الدور املحوري للفكر‪ ,‬الذي ينبغي اأن يتبلور يف كل الق�سايا‬ ‫امل�سريية واملوؤثرة يف االأو�ساع التي يعي�سها العامل العربي‬ ‫و�سعوبه‪ ,‬وال �سيما يف هذه املرحلة االنتقالية من تاريخه‬ ‫املعا�سر‪.‬‬ ‫وال �سك باأن �سرعة توايل االأحداث وتداعياتها يف‬ ‫عموما‪ ,‬ت�سع الفكر‬ ‫ب�سكل خا�س‪ ,‬ويف العامل‬ ‫منطقتنا‬ ‫ٍ‬ ‫ً‬ ‫وعمل دوؤوب يف‬ ‫واملفكرين واأ�سحاب الراأي اأمام ٍّ‬ ‫حتد دائم ٍ‬ ‫البحث والدرا�سة والتحليل‪ ,‬وا�ستك�ساف اأبعاد الواقع الراهن‬ ‫و�سيناريوهات امل�ستقبل‪ ,‬وهو ما يتط َّلب – اأو ما ينبغي عمله ‪-‬‬ ‫اأن تظ ّل املوؤ�س�سات الفكرية العربية يف حركة م�ستمرة وي ِقظة‪,‬‬ ‫تعمل بتن�سيق وتكامل الإ�ساءة اجلوانب املنظورة وغري املنظورة‬ ‫من ذلك الواقع وموؤ�سراته والتفاعل مع البيئة الفكرية العاملية‬ ‫وو�سع طروحاتها حتت جمهر البحث‪.‬‬

‫‪-5-‬‬

‫�صيف ‪2015‬‬


‫وفق هذا املنظور‪ ,‬فاإن املنتدى اأ�سهم وما يزال ُي�سهم‪ ,‬من‬ ‫خالل املوؤمترات والندوات واللقاءات واالإ�سدارات‪ ,‬على تغطية‬ ‫م�ساحة وا�سعة من املو�سوعات املتعلقة بالق�سايا ال�ساخنة على‬ ‫ال�ساحتني االإقليمية والدولية‪ ,‬ويف الوقت نف�سه يعمل ب�سورة‬ ‫متوا�سلة على تو�سيع �سبكة عالقاته العلمية مع العديد من‬ ‫املوؤ�س�سات النظرية والهيئات الثقافية واجلامعات ومراكز‬ ‫االأبحاث والدرا�سات يف العامل العربي واالإ�سالمي‪ ,‬ويف ال�سرق‬ ‫والغرب على ال�سواء‪.‬‬ ‫تعرب جزئ ًيا عن‬ ‫ولعل معظم م�ستمالت هذا العدد ِّ‬ ‫والتوجهات الروؤيوية من خالل اختيار مو�سوع‬ ‫هذه االأفكار‬ ‫ّ‬ ‫الالجئني واملياه والبيئة والنزاعات االإقليمية حمو ًرا رئي�س ًيا‪.‬‬ ‫فعدا الدرا�سات الثالث االأوىل املُح ّكمة‪ ,‬التي اتخذت من‬ ‫مو�سوع االأردن واللجوء ال�سوري اإىل اأرا�سيه واأثر هذا اللجوء‬ ‫على املياه والبيئة‪ ,‬والتي �ساهم فيها خرباء ومتخ�س�سون‪,‬‬ ‫فاإن بع�س املقاالت والدرا�سات االأخرى تر�سد االأثر االجتماعي‬ ‫واالقت�سادي عرب حتليل اخلطاب االإعالمي حول ق�سية اللجوء‪,‬‬ ‫ً‬ ‫ف�سال عن بحث ق�سايا ذات عالقة بعنوان املحور تتناول‬ ‫ال�سومال وفل�سطني‪ ,‬وقراءات الأعمال اأدبية ال تخرج م�سامينها‬ ‫عن هذا ال�سياق‪ .‬ذلك اإىل جانب متابعة بع�س م�سروعات‬ ‫املنتدى املقبلة‪ ,‬ومنها م�سروع امليثاق الثقايف العربي‪ ,‬الذي كان‬ ‫حمور العدد ال�سابق من املجلة‪ ,‬ومراجعات الكتب‪.‬‬ ‫اأملنا اأن يكون العدد احلايل اإ�سافة ذات قيمة يف درا�سة‬ ‫الق�سايا التي يتناولها‪ ,‬وم�ساهمة خمل�سة يف زيادة الوعي‬ ‫مزيد من البحث املنهجي‬ ‫وحتفيز ال ُكتّاب واملفكرين على ٍ‬ ‫واملعاجلات العلمية لق�سايا اأمتهم‪ .‬واهلل ويل التوفيق‪.‬‬ ‫املنتـ ــدى ‪262‬‬

‫‪-6-‬‬


‫كلمة‬ ‫�صاحب ال�سم ّو الملكي‬ ‫الأمير الح�سن بن طالل المعظّ م‬ ‫في حفل ت�سليم �سم ّوه درجة الدكتوراة الفخرية في‬ ‫«�إدارة الأرا�ضي والمياه والبيئة»‬ ‫من الجامعة الها�شم ّية‬

‫االثنين؛ ‪ 8‬حزيران‪/‬يونيو ‪2015‬‬ ‫الجامعة الها�شم ّية ‪ -‬الزرقاء‪ /‬الأردنّ‬

‫العربي وراعيه‪.‬‬ ‫* رئي�س منتدى الفكر‬ ‫ّ‬



‫‪‬‬

‫�أ ُيها الأهل والأعزّاء �أُ�سرة الجامعة الها�شم ّية‪:‬‬

‫ال�سالم عليكم جمي ًعا ورحم ُة اهلل وبركا ُته‪ ،‬و�أما بعد‪،‬‬ ‫ ‬ ‫ ‬

‫ـ�ص عقلي‬ ‫«ك ّلما �أ َّدبني ال ّدهـ ـ ــر �أرانــي نق ـ َ‬ ‫زادني عل ًما بجهلي»‬ ‫و�إذا ما ازددتُ علم ـًا ‬ ‫(الإمام ال�شافعي)‬

‫�إ َّنني الفقير �إلى رحمته تعالى الح�سن بن طالل � ُ‬ ‫اليوم بينكم و�أمامكم‬ ‫أقف َ‬ ‫لأتل ّقى هذا التكريم‪ .‬وكما ّ‬ ‫معان كثيرة‪ .‬العنوان بالتحديد‬ ‫تف�ضلتم‪ ،‬فلهذا العنوان ٍ‬ ‫ي�شير �إلى وجوب التفكير مل ًيا بالبيئة الأردنية‪ ،‬وقد تحدثت ومنذ الخطط‬ ‫الإنمائية الأولى بوجوب ترتيب الأولويات الأُردن ّية؛ بل وترتيب البيت الداخلي‬ ‫الأُردني‪ ،‬ف�ضا ًء و�إن�سا ًنا واقت�صادًا‪.‬‬ ‫ال بد �أنْ نعترف ب�أ ّننا مهما ذهبنا �إلى ت�أ�صيل ال�شراكة مع الآخرين‪� ،‬أو‬ ‫جامعات تعتمدنا كما نعتمدها في هذا العالم‪� ،‬أو مهما َذ َهبت لتُلقى كلمات‬ ‫مع‬ ‫ٍ‬ ‫فال�شخ�ص لي�س ُمه ًما‪ ،‬المهم هو الوطن‪،‬‬ ‫التقدير‪ ،‬فهذا التقدير لي�س لأ�شخا�صنا‪.‬‬ ‫ُ‬ ‫و�أنْ ن�ستذك َر �أنَّ هذا التكريم والتقدير هو لي�س لي ك�شخ�ص‪ ،‬ولي�س لكم كجامع ٍة‬ ‫نجز و�أن نخدم‪.‬‬ ‫فقط‪ ،‬ولكن للوطن الأُردني الذي من خالله كانت لنا الفر�ص �أنْ ُن ِ‬ ‫�إنَّ ا�ستذكار الما�ضي وتخ ّيل الم�ستقبل ب�أ�ساليب مالئمة للجميع هو عنوان‬ ‫الحياة»‪ .‬فا�ستذكار‬ ‫الكتاب الأخير لأُ�ستاذي في جامعة �أُوك�سفورد‪« :‬كلم ٌة واحد ٌة َ‬ ‫وبترقب وتخ ُّي ٍل للم�ستقبل‪ ،‬ن�ستطيع �أن نتح ّدث عن الحياة ب�صور ٍة‬ ‫الما�ضي‪،‬‬ ‫ٍ‬ ‫مو�صولة‪ ،‬ف�أقول �إنَّ الطبيعة والبيئة �صنوان �إِنْ �أَخذنا في عين االعتبار ال ُّنظم‬ ‫‪-9-‬‬

‫�صيف ‪2015‬‬


‫ال ُمتداخلة الإن�سان ّية واالقت�صاد ّية والف�ضائ ّية المكان ّية‪ ،‬و�أَقول �إن �إدماج المعرفة‬ ‫لمو�ضوعات متداخلة ال ُّنظم (المياه؛ ّ‬ ‫الطاقة؛ البيئة الإن�سان ّية) مع تب ّني �إطا ٍر‬ ‫الحمى في البرامج والخطط‬ ‫علمي لتح�سين الأنظمة البيئ ّية و�إدماج مفهوم ِ‬ ‫ّ‬ ‫الم�ستقبل ّية‪ ،‬هو خير برهان على قدرتنا على القيام بما ي�ستحقه هذا الوطن‬ ‫ردني من �إدار ٍة �سليم ٍة ُمتكامل ٍة للموارد‪.‬‬ ‫الأُ ّ‬ ‫�أو ُّد �أن �أُ َ‬ ‫�ضيف �أ ّني �أَعلم �أنَّ جامعتكم المو ّقرة‪ ،‬ومنذ �إن�شاء كل ّية الموارد‬

‫ب�شكل كبير نحو المجاالت‬ ‫توجهت ٍ‬ ‫الطبيع ّية والبيئة في منت�صف عام ‪َّ ،2003‬‬ ‫العلم ّية والأكاديمية المتعدِّ دة‪ ،‬ف�أ�صبحت الجامعة لي�ست جامعة ذات ر�سالة‬ ‫واحدة‪ ،‬وال �أقول ك�سائر الجامعات‪ ،‬لــكن لها �أن تختار بين ما هو مو�سوعي‬ ‫ تدريب الطلبة وتهيئتهم ‪ -‬وما هو مو�ضوعي وله خ�صو�صية‪ ،‬بخا�صة تجاه‬‫الها�شمية‪ ،‬و�أذ ِّكركم ب�أنَّ ن�ش�أة الكلية في بداية العام ‪ 1999‬من القرن والألفية‬ ‫الما�ضيين؛ ا�ستكما ًال لما بد�أتُم به في المن�ش�أة القديمة «معهد الأرا�ضي والمياه‬ ‫والبيئة»‪ .‬هذا المنحى ُي ِّ‬ ‫ذكرنا ب�أنَّ �أعرق الجامعات في العالم اليوم ُيفكرون‬ ‫من خالل كلمة ال�صمود “‪ ”Resilience‬بوجوب ا�ستيعاب كلمة ُ‬ ‫تداخل ال ُّنظم‬ ‫(المو�ضوعات ‪ -‬البنود)‪� ،‬أو كما �س ّماها الم�سعودي «التِّيما»‪ .‬وفي هذا المجال‪،‬‬ ‫ُ‬ ‫� َّأ�س�ست جامعة �ستوكهولم مركزً ا لل�صمود “‪”Resilience‬‬ ‫لتداخل ال ُّنظم‪،‬‬ ‫وبالتركيز على عبارتين “‪ ”Eco-social‬بيئي واجتماعي‪.‬‬ ‫ال�س�ؤال الآن‪ :‬كيف ن�صبح �أندادًا؟ وهنا �أتحدث عن هدف م�شترك في‬ ‫�إجراء البحوث العلمية‪َ .‬ك َ‬ ‫�سلم نِدً ا ل ُمالقيه في الخارج؟‬ ‫ربي ال ُم ُ‬ ‫يف ُي ُ‬ ‫�صبح ال َع ُ‬ ‫ُ‬ ‫إن�سانُ ِ�إ َّن َك َكا ِد ٌح ِ�إ َلى َر ِّب َك َك ْد ًحا َف ُمال ِقي ِه‪‬‬ ‫يقول �سبحانه وتعالى‪َ  :‬يا �أَ ُّي َها ال َ‬ ‫(االن�شقاق‪� :‬آية ‪� ،)6‬صدق اهلل العظيم‪.‬‬ ‫نحن ُ�شركا ٌء في الإن�سان ّية العالمية‪ ،‬ن�ؤمن بالتع ُّدد والتن ّوع‪� ،‬أو ي�ؤمنُ البع�ض‬ ‫منا ‪ -‬على الأق ّل ‪ -‬في �أ ّنه هنالك �إ�سالم واحد مع تع ُّدد االجتهادات‪ .‬و�أقول �إ َّننا‬ ‫املنتـ ــدى ‪262‬‬

‫‪- 10 -‬‬


‫في هذا ال�صدد ن�ستذك ُر الإنجازات العلمية‪ ،‬كما ن�ستذك ُر الإنجازات الأدبية‪ ،‬لكن‬ ‫�سامحوني �إنْ قلت �أنَّ الآداب العربية م�سير ٌة ثقافية ت�أ َّثرت بال�سيا�سة‪ ،‬وهي لي�ست‬ ‫م�سيرة �سيا�سية ت�أ َّثرت بالثقافة‪ .‬والعربية متعددة‪ ،‬فذوو ثقاف ٍة عربية يتحاربون‬ ‫العلمي اليوم نبحث عن المو�ضوعات الحياتية‬ ‫في هذه الأيام‪ ،‬لكن في هذا المحفل‬ ‫ّ‬ ‫التي ال ب ّد من العناية بها ك�أولوية‪.‬‬ ‫هدفنا الم�شترك ا�ست�صالح المناطق الجافة‪ ،‬وفي تغ ّير الم�ستقبل �أكبر‬ ‫تحد هو ا�ست�صالح المناطقَ النائي َة‪ .‬و�أقول هنا �إنَّ البع�ض يتحدثون عن الحدِّ‬ ‫ٍ‬ ‫من انت�شار المناطق الجافة‪ ،‬وحماية الموارد الطبيعية والبيئية وتطويرها‪،‬‬ ‫ولكنني �أقول‪ :‬ن�سب ًة لماذا؟ �إنْ لم يكن ن�سب ًة للجغرافيا؛ �أو بمعنى �آخر ال�سكان‬ ‫والأر�ض (الديموغرافيا ‪ -‬الجيولوجيا – والجيوفيزيا) مثلث �أو مكعب الجيم‬ ‫�إنْ �أردتم‪ .‬ومقابل َ‬ ‫ذلك �أو ّد �أن �أقول �إنَّ �إيجاد الحلول المنا�سبة للم�شاكل البيئية‬ ‫�أم ٌر م�ستحيل‪ ،‬والم�ستحيل � ً‬ ‫أي�ضا �أنْ نتحدث عن البداية دونما قاعدة معرفية‪.‬‬ ‫وهنا ا�سمحوا لي �أنْ �أ�ستذك َر معكم �أنَّ البادية هي �أقرب ال�شرائح المجتمعية‬ ‫المناطق التي �أُ�سيء لها كما �أُ�سيء ل ُهو ّيتنا العربية والإ�سالمية‬ ‫لمعرفة م�ستقبل‬ ‫ِ‬ ‫وخ�صو�صا خالل العقود الما�ضية‪ ،‬حيث بدا �أنَّ كل ذي‬ ‫عبر الحروب الدائرة‪،‬‬ ‫ً‬ ‫عقل �أ�شبه بحرب مد ّمرة للفكر ومد ّمرة للمجتمع والعالئق المجتمعية والبيئة‪� .‬إنَّ‬ ‫وح�سن �إدارة مجتمعية‪،‬‬ ‫ُح�سن �إدارة مواردنا م�س�ألة حاكم ّية “‪ُ ”Governability‬‬ ‫المجل�س‪.‬‬ ‫آداب‬ ‫وهي م�س�ألة اجتماعية �إن�سانية “‪ ”Governance‬من � ُ‬ ‫ِ‬ ‫مع �شديد الأ�سف فقدنا القدرة على التوا�صل مع �أهلنا في الميدان‪ ،‬وفقدنا‬ ‫القدرة على معرفة حقيقة ما يجري في البيئة المحلية لكثرة الم�ؤتمرات واللقاءات‪،‬‬ ‫وك ُثر التركيز على الجلو�س خلف المكاتب‪ ،‬وك ُثر التنظير في المجال�س العامة‪.‬‬ ‫وهنا �أو ُّد �أن �أم ّيز ما بين ال�سيا�سة وال�سيا�سات “‪ .”Policies not Politics‬ق�ضية‬ ‫العناية بالزراعة ‪ -‬كما تعلمون ‪ -‬كانت في البدايات الجديدة المتمثلة في ُخطط‬ ‫التنمية ‪ -‬التي �أ�شرتم �إليها ‪ -‬وذلك �إبان حرب ‪ .67‬لقد كان عليها في اعتقادي‬ ‫‪- 11 -‬‬

‫�صيف ‪2015‬‬


‫المتوا�ضع �أن ت�ستمر‪ ،‬لكن ق ّمة الهرم �سيا�س ًيا ‪ -‬تنفيذ ًيا ‪ -‬ق�ضائ ًيا ‪ -‬وت�شريع ًيا‬ ‫يتبادلون وجهات النظر‪ ،‬ويتبادلون �أحيا ًنا ال�صيغ بما يجب �أن يكون وبما يجب‬ ‫�أن ال يكون‪ ،‬دونما م�شورة الأطراف �أو الأ�ضالع الأخرى للمثلث‪ ،‬الذي من خالله‬ ‫نتحدث عن تفعيل القدرات الوطنية‪ .‬وهنا �أُ�شير �إلى االقت�صاد واالجتماع؛ �إلى‬ ‫غرف ال�صناعة والتجارة‪ ،‬و�أُ�شير �إلى المجتمع المدني‪ ،‬وح�سبي �أنَّ المجتمع‬ ‫المدني ي�شتمل على الجامعات والهيئات المهنية ومراكز البحوث والعاملين في‬ ‫مجال الجمعيات حيث �إنَّ في الأردن �أكثر من (‪ )4000‬جمعية في الوقت الحا�ضر‪.‬‬ ‫�أقول �إنَّ �أهمية الإدارة الم�ستدامة للأرا�ضي والم�صادر المائية والعنا�صر‬ ‫البيئية والأمن الك ّل ّي للمنطقة‪ ،‬تتجاوز مفهوم الأمن الأ�سا�سي‪ .‬و�أُذكركم ب�أن‬ ‫الظرفي‪ ،‬والحرب على‬ ‫هنالك الأمن الأ�سا�سي‪ ،‬و�أ�سلحة ال ّدمار ال�شامل‪ ،‬والأمن‬ ‫ّ‬ ‫ال ّرهاب‪ ،‬فماذا يعني الأمن الإن�ساني؟ هذا القالب الذي �صنعناه لم يتغ َّير منذ‬ ‫عاما‪ ،‬لكن كميات المياه تت�ضاءل ك ّل يوم ن�سب ًة للماليين من الم�شردين‬ ‫�أربعين ً‬ ‫والمهجرين الذين ن�ست�ضيفهم في هذا المالذ الأردني‪� .‬إنَّ معدل مكوث الالجئ‬ ‫ّ‬ ‫هجر والنازح على الأر�ض ال�سياد ّية للغير عالم ًيا َ‬ ‫و�صل �إلى ربع قرن‪ .‬ف�أقول‬ ‫وال ُم ّ‬ ‫غياب ا�ستراتيجية للأمن ت�شتمل على الأمن الإن�ساني‬ ‫�أي حلول �إن�سانية في ِ‬ ‫وعلى تحقيق التنمية ال ُم�ستدامة‪ ،‬وقطب الرحى فيها كرامة الإن�سان؟! بينما‬ ‫نرى �أنَّ قطب الرحى ونقطة الثقل في التنمية الم�ستدامة �أو العالقة بين التنمية‬ ‫الم�ستدامة و�أهداف الألفية القادمة‪ ،‬التي تبد�أ �أُمم ًيا في ‪ ،2016‬ال زالت تراوح‬ ‫متخ�ص�ص �أم�س‬ ‫عند المكا�سب الماد ّية والعائد الما ّدي‪ .‬نحن طالبنا في لقاءٍ‬ ‫ّ‬ ‫بوجوب التركيز على العدل؛ بمعنى �أن يعمل القانون من �أجل الجميع‪ ،‬وذلك في‬ ‫ندائنا للأمم المتحدة‪ .‬فالعدل الذي ي�شتمل بطبيعة الحال على العنا�صر التي‬ ‫ذكرت في م�ستند حديثي‪ :‬الإن�سان وفر�صه في الإ�سهام نتيجة تفوي�ضنا وتمكيننا‬ ‫له �أو لها؛ الإن�سان لي�س بحاجة للأبوية والرعوية فقط‪ ،‬ولكنه بحاجة � ً‬ ‫أي�ضا �إلى‬ ‫االعتراف بكفاءاته‪ .‬ف�أقول �إنَّ تح�سين �إنتاجية الأرا�ضي مع تنمية م�ستدامة‬ ‫املنتـ ــدى ‪262‬‬

‫‪- 12 -‬‬


‫للموارد الب�شرية والأر�ضية والمائية‪ ،‬وتح�سين الظروف االقت�صادية لل�سكان من‬ ‫خالل و�ضع البرامج الإن�سانية التي تهدف �إلى ا�ستئ�صال �آفة الفقر‪ ،‬لن تكون‬ ‫أقدام ُه على �أر�ضية الواقع �أو‬ ‫ر�سخَ � َ‬ ‫ناجحة �إلاَّ بالتمكين والتطوير للمواطن ب�أنْ ُي ِّ‬ ‫عتبة الأمل في هذا الإقليم الم�ضطرب من العالم‪ ،‬الذي نرجو �أن يبقى عرب ًيا‬ ‫ال�سمات‪.‬‬ ‫�‬ ‫إ�سالمي ِّ‬ ‫ّ‬ ‫�إنَّ التن�سيق كلمة غائبة عن قامو�سنا‪ ،‬وعلى ما يبدو �أنَّ الفهم ال ُمق ّل‬ ‫ن�سق الأن�شطة القائمة‬ ‫وال ُمخطئ لكلمة التن�سيق �أنْ ي�سي َر ك ٌّل على ن�سق ِه‪ ،‬فكيف ُن ِّ‬ ‫الت�صحر و�إدارة الأقاليم والإدارة الإقليمية الم�شتركة‬ ‫الخا�صة باتفاقية مكافحة‬ ‫ُّ‬ ‫دونما حاكمية ر�شيدة و�إرادة وا�ضحة ما بين المركزية والالمركزية‪� ،‬أين الح ّل؟‬ ‫�أين الإرداة؟ �أين الأخالقيات؟ �أين التخطيط؟ �أين الأولويات؟‬ ‫مطلوب � ً‬ ‫أي�ضا تعزيز دور المر�أة‪ ،‬مع ت�أكيد م�شاركة المجتمعات المحل ِّية‬ ‫وم�ستعملي الأرا�ضي لت�صميم هذه اال�ستراتيجية وتنفيذها‪ ،‬و�إن�شاء ‪ -‬كما‬ ‫�أ�سلفت ‪ -‬قاعدة معرفية للمعلومات الوطنية ت�ضم جميع المعلومات الجغرافية‬ ‫والمناخية والدرا�سات العلمية المعرفية‪ .‬و�أُذكركم ب�أ َّننا نتعامل مع م�ستجدات‬ ‫وتحديات با�ستمرار‪ ،‬و�أنَّ العن�صر المعنوي في توجهنا هو عن�صر �أ�سا�س‪ ،‬و�أقول‬ ‫�إنَّ المادة تغنينا‪ ،‬لكن ما يغنينا بحق هو التقريب ما بين العقل والف�ؤاد‪ ،‬وما بين‬ ‫�أنْ نكون على طبيعتنا‪� ،‬صادقين في التعامل مع �أنف�سنا وفيما بيننا ومع الخالق‪،‬‬ ‫و�أنْ ال ُنبالغ و ُنزايد على بع�ضنا البع�ض‪� ،‬أنْ نعتمد نهج ال�صراحة في مخاطبة‬ ‫بع�ضنا البع�ض‪ ،‬اللهم �إال في ت�أ�سي�س ذلك الخالف في الحوار للو�صول �إلى �صورة‬ ‫ذهب للمو�ضوعية ق�ضية‪.‬‬ ‫ح�ضارية‪ ،‬وبحيث ال ُي ُ‬ ‫�أ ّما ذلك الخالف الذي ال ُيذهب للو ّد ق�ضية‪ ،‬فمن �إدراك �أنَّ علينا �أنْ ُن�ش ِّمر‬ ‫عن ذراعنا‪ ،‬و�أنْ ننزل �إلى الميدان للتعاطف دونما �ألقاب‪ ،‬ودونما ال�شعور ب�أننا في‬ ‫هذ ِه الأيام قلقون‪ ،‬نعم قلقون مت�أثرون ب�سوداو ّية ُتعيقينا‪ .‬ك ّل ذلك �صحيح‪ ،‬لكن‬ ‫‪- 13 -‬‬

‫�صيف ‪2015‬‬


‫ح�سن‪،‬‬ ‫�أعود مرة ثانية للإمام‪ ،‬و�أقول الإمام القدوة هو ذلك الذي ي�ستطيع �أنْ ُي ِّ‬ ‫نح�سن من �أنف�سنا لنكونَ‬ ‫وكلكم �أئمة ب�صور ٍة �أو ب�أخرى في مجاالتكم‪ ،‬لكن كيف ِّ‬ ‫اليومي؟‬ ‫قدوة في مجاالت غير مجال العمل‬ ‫ّ‬ ‫نقط ُة الما ِء النق ّية مه ّمة‪ ،‬وا�سمحوا لي هنا �أنْ ُ�أ�شير �إلى الأنفاق البنف�سجية‬ ‫كما ُت�س ّمى َغرب ًيا‪ .‬فالوعي حول اال�ستراتيجيات المحلية ال ب ّد له من �أن ُي�ساهم‬ ‫موع في الم�سجد‪� ،‬أو في المدر�سة‪� ،‬أو في الجامعة‪ ،‬عليها‬ ‫في توفير المياه‪ .‬و� ّأي ُج ٍ‬ ‫�أنْ تفهم هذه العبارة‪ ،‬لكن نوع ًيا هل ن�ستطيع تطبيق تقنيات الح�صاد المائي؟‬ ‫هل ن�ستطيع �إعادة ا�ستخدام المياه الرماد ّية؟ هل ن�ستطيع ف�صل م�صادر المياه‬ ‫ال ُمعا َلجة عن المياه الطبيعية ومياه الفي�ضانات؟ وبمعنى �آخر‪ ،‬هل ن�ستطيع �أنْ‬ ‫المائي و�ش�أن الطاقة و�ش�أن البيئة‬ ‫نكون �ساد ًة في بيتنا على الأقل في �إدارة ال�ش�أن‬ ‫ّ‬ ‫الإن�سانية؟ لنت�صور الم�ستقبل ب�صور ٍة ُمبدعة‪ .‬فالم�س�ألة لديكم لي�ست مناطق‬ ‫نائية‪ ،‬ولكن ر�أ�سمال �إن�ساني‪« ،‬ر� ٌأ�س ومال» وهذا ه َو التَح ّدي‪.‬‬ ‫دوما �أم ٌل‬ ‫�أح ّيي ُك ْم جمي ًعا‪ .‬فعندما تجتم ُع الإراد ُة والإيمانُ َيكونُ هناك ً‬ ‫و�إنجـ ــاز‪ ،‬و�أُ�س ّل ُم عل ْيكم‪.‬‬

‫املنتـ ــدى ‪262‬‬

‫‪- 14 -‬‬




‫(‪)1‬‬

‫تـــ�أثير الأزمــات الإقـــلـيـم ّية‬ ‫على الو�ضع المائي في الأردن‬ ‫*‬

‫�أ‪.‬د‪� .‬سعد �أبو د ّية‬

‫**‬

‫د‪ .‬حمزة ال�سالمات‬ ‫المقدمة‬

‫تر ِّكز هذه الدرا�سة �ضمن الم�ساحة المتاحة على جانب ومتغيرات مح َّددة‬ ‫�سل ًفا راعينا بتقديمها تحقيق الفائدة العلمية ما �أمكن �ضمن عدد محدود من‬ ‫ال�صفحات‪.‬‬ ‫هنالك الكثير من الدرا�سات عن مو�ضوع المياه في الأردن‪ ،‬وهو مو�ضوع‬ ‫يحت ّل �أولوية وله حظوة قديمة؛ �إذ �إن بريطانيا ف َّكرت في �إقامة قناة من البحر‬ ‫الأبي�ض المتو�سط �إل��ى البحر الميت‪ ،‬وج��اء هذا التفكير قبل معركة مي�سلون‬ ‫التي �أنهت الحكم الفي�صلي في ال�شام‪ .‬وقد ع َّدد الإنجليز مزايا هذ الم�شروع‪.‬‬ ‫َّ‬ ‫وظل (كلوب) با�شا‪ ،‬قائد ق ّوة البادية في الأردن‪ ،‬منذ تلك المرحلة المب ِّكرة في‬ ‫الثالثينيات الأولى من القرن الما�ضي يف ِّكر في مياه منطقة الأزرق الوفيرة‪.‬‬ ‫لم ت�ش ِّكل المياه قل ًقا للأردن لقلة �أعداد النا�س فيه حينذاك‪ ،‬لكن تد ُّفق‬ ‫الهجرات ومنها هجرات الالجئين الفل�سطينيين للأردن عام ‪� ،1948‬أ َّدت �إلى‬ ‫االهتمام بم�شاريع مياه على نحو �سوف نالحظه الح ًقا‪ .‬غير �أن �إ�سرائيل �سارعت‬ ‫�إلى �إيجاد �أزمة مياه جديدة عندما قامت بتحويل روافد نهر الأردن عام ‪،1964‬‬ ‫ف�أُن�شئت م�ؤ�س�سة �إقليمية �أردنية لروافد نهر الأردن (و�إقامة �س ّد خالد بن الوليد‪،‬‬ ‫و�س ّد نهر الزرقاء)‪ .‬وبالرغم من وحدة الموقف العربي �إزاء هذه الم�س�ألة‪ ،‬ف�إن‬ ‫* �أ�ستاذ العلوم ال�سيا�سية يف اجلامعة الأردنية‪.‬‬ ‫* باحث �أردين‪.‬‬

‫‪- 17 -‬‬

‫�صيف ‪2015‬‬


‫محور العدد‪ :‬الالجئون‪ ،‬الميـــاه‪ ،‬البـيــئــة‪ ,‬والنزاعات الإقليمية‬

‫حرب ‪� 1967‬أنهت المو�ضوع ل�صالح �إ�سرائيل وف�شل بناء ال�سد الأول(((‪ ،‬وان�شغلت‬ ‫الدبلوما�سية الأردنية ب�أمور ال�سيا�سة حتى بد�أت الهجرات الالحقة التي �ساهمت‬ ‫في �أزمات المياه‪ .‬ولم تكن هناك �أزمة مياه وبنى تحتية قبل مجىء الالجئين‬ ‫ال�سوريين بال�شكل ال��ذي �سنالحظه مع بداية الأزم��ة ال�سورية و�إن�شاء مخيم‬ ‫الزعتري‪ ،‬الأم��ر ال��ذي جعل الدبلوما�سية الأردنية تن�شط لتخفيف عبء هذا‬ ‫ال�ضغط‪.‬‬ ‫�إرها�صات ق�ضية المياه ‪1920‬‬ ‫لكن‪ ،‬يمكن القول �أن جذور �أزمة المياه في الأردن تعود �إلى اللحظة الأولى‬ ‫التي دخلت فيها القوات البريطانية �إلى هذه البالد؛ �إذ ظهرت م�س�ألة تزويد‬ ‫الأردن بالمياه مع العلم �أن الحاجة �إلى ذلك لم تكن موجودة‪ ،‬فك ّل قرية �أردنية‬ ‫كانت ت�شرب من مياه العيون‪ ،‬بيد �أن فكرة الإنجليز كانت ترمي �إلى �أبعد من‬ ‫تزويد الأردنيين بمياه �شرب‪� ،‬إذ ف ّكروا ب�إغراق وادي الأردن بالمياه عن طريق‬ ‫قدما عن‬ ‫حفر ترعة تربط بين حيفا وقرية زرعين بقناة يبلغ علوها (‪ً )220‬‬ ‫�سطح البحر‪ .‬وح َّدد مقال ظهر في الأول من حزيران‪ /‬يونيو ‪ 1920‬مزايا هذه‬ ‫القناة التي ف َّكر فيها الإنجليز‪ ،‬وذكر كاتب المقال �أن فوائدها كالآتي‪:‬‬ ‫‪ -1‬تقليل عدد الجنود الالزمين لحفظ الأمن‪.‬‬ ‫أرا�ض نافعة‪.‬‬ ‫‪ -2‬تحويل كثير من �أرا�ضي فل�سطين الم�ض ّرة بالق ّمة �إلى � ٍ‬ ‫‪ -3‬يكون طول البحيرة (‪ )180‬مي ًال ُت�ستخدم لنقل الب�ضائع �إلى حيفا‪.‬‬ ‫‪ -4‬تزيد هذه البحيرة من نزول المطر‪ ،‬ويزيد من خ�صب جدران ال�شهدرة‬ ‫بقمحها‪.‬‬ ‫‪ -5‬توليد طاقة كهربائية من ّ‬ ‫تبخر المياه وتيار دائم من البحر �إلى البحيرة‬ ‫الجديدة‪.‬‬ ‫((( وزارة الثقاف���ة والإع�ل�ام (‪ ،)1972‬الأردن يف خم�س�ي�ن عا ًم���ا ‪( ،1971-1921‬ع ّم���ان‪ :‬وزارة الثقافة‬ ‫والإعالم)‪� ،‬ص �ص ‪.444 – 442‬‬ ‫املنتـ ــدى ‪262‬‬

‫‪- 18 -‬‬


‫(‪ )1‬تـــ�أثير الأزمــات الإقـــلـيـم ّية على الو�ضع المائي في الأردن‬ ‫�أ‪.‬د‪� .‬سعد �أبو د ّية و د‪ .‬حمزة ال�سالمات‬

‫‪ -6‬تكون القد�س على ُبعد (‪� )10‬أميال من مرف�أ له عالقة مبا�شرة بالبحر‪.‬‬ ‫‪ -7‬ت�س ِّهل تق ّدم البالد ت�سهي ًال كبي ًرا‪ .‬كما ت�س ِّهل الأ�سفار على الز ّوار وال�س ّياح‬ ‫وتعمل على اجتذابهم �إلى البالد(((‪.‬‬ ‫الإطار النظري للدرا�سة‬ ‫ م�شكلة الدرا�سة‪ :‬تتع َّر�ض الدرا�سة �إلى ناحية �سيا�سية غير مطروقة �ساب ًقا‪،‬‬‫وهي دور الأزمات الإقليمية في ق�ضية المياه ابتدا ًء بق�ضية فل�سطين ونزوح‬ ‫الالجئين �إلى الأردن‪ ،‬ثم الق�ضايا الالحقة وال�صراع على مياه نهر الأردن‬ ‫الذي �أ ّدى �إلى ن�شوب حرب ‪ ،1967‬وانتها ًء بق�ضية الالجئين ال�سوريين‪.‬‬ ‫ �أهمية الدرا�سة‪ :‬تكمن �أهمية الدرا�سة في �أنها تتناول مو�ضوع ت�أثير الأزمات‬‫الإقليمية خالل الفترة (‪ )2015 - 1948‬على مو�ضوع المياه‪ ،‬وذلك من خالل‬ ‫عر�ض تطورات الأزمات تاريخ ًيا والجهود الأردنية المت�صلة لمواجهة الأزمات‪.‬‬ ‫ �أه��داف الدرا�سة‪ :‬التعرف �إلى �أبرز ت�أثيرات الأزم��ات الإقليمية على المياه‪،‬‬‫وكذلك التعرف �إلى �أهم الم�شاريع والخطط المائية الأردنية التي ُو ِ�ض َعت‬ ‫�ساب ًقا كمحاولة لح ّل الخالفات‪ .‬ومن ثم التعرف �إلى الجهود الدبلوما�سية‬ ‫الأردنية التي ُب ِذ َلت حتى عقد اتفاقية ال�سالم بين الأردن و�إ�سرائيل‪ ،‬و�أخي ًرا‬ ‫الحديث عن �آثار الأزمة ال�سورية الحالية‪.‬‬ ‫المناهج الم�ستخدمة في الدرا�سة‬ ‫ المنهج التاريخي‪� :‬إذ تقوم الدرا�سة على ا�ستخدام المنهج التاريخي من خالل‬‫درا�سة الخافية التاريخية التي تناولت �أبعاد الأزمة المائية ومراحلها منذ عام‬ ‫‪.1948‬‬ ‫ المنهج المقارن‪ :‬تعتمد الدرا�سة على المنهج المقارن من خالل �إجراء عملية‬‫مقارنة بين �أو�ضاع الأزمات المختلفة‪.‬‬ ‫((( الزركلي‪ ،‬خري الدين (‪ ،)1926‬عامان يف ع ّمان‪( ،‬القاهرة‪ :‬امل�ؤلف)‪� ،‬ص �ص ‪.160 – 158‬‬

‫‪- 19 -‬‬

‫�صيف ‪2015‬‬


‫محور العدد‪ :‬الالجئون‪ ،‬الميـــاه‪ ،‬البـيــئــة‪ ,‬والنزاعات الإقليمية‬

‫فر�ضيات الدرا�سة‬ ‫هناك متغ ّيران للدرا�سة‪ :‬الأول م�ستق ّل وهو الأزمات الإقليمية‪ ،‬والثاني تابع‬ ‫وهو �أزمة المياه في الأردن‪.‬‬ ‫وتفتر�ض الدرا�سة �أن الدبلوما�سية الأردنية �ساهمت في التو�صل �إلى حلول‬ ‫للو�ضع المائي من خالل الجهود المتاحة لأن الحلول كان لها جوانب خارجية‪،‬‬ ‫ولذلك اعتمدت على المفاو�ضات التي و�صلت في النهاية �إل��ى توقيع اتفاقية‬ ‫ال�سالم بين الأردن و�إ�سرائيل عام ‪ .1994‬لكن الأزمة ال�سورية دفعت بموجات‬ ‫الجدد �ساهم وجودهم في ن�شوء �أزمة مياه‪� ،‬ش َّكلت عب ًئا‬ ‫متتالية من الالجئين ُ‬ ‫�سيا�س ًيا على الأردن‪ ،‬مما جعل الدبلوما�سية الأردنية تعود مرة �أخرى لتن�شط في‬ ‫هذا المجال‪.‬‬ ‫حدود الدرا�سة‬ ‫ الحدود الزمنية‪ :‬تركز الدرا�سة على الفترة الممتدة من (‪.)2015 -1948‬‬‫ الحدود المكانية‪ :‬تتناول الدرا�سة عالقة المملكة الأردنية الها�شمية بالدول‬‫المجاورة (�إ�سرائيل و�سوريا)‪.‬‬ ‫الدرا�سات ال�سابقة‬ ‫هنالك العديد من الدرا�سات‪ ،‬ومن �أبرزها‪:‬‬ ‫ درا�سة عادل الع�ضايلة (‪ )2005‬بعنوان‪« :‬ال�صراع على المياه في ال�شرق‬‫الأو�سط»؛ �إذ تناولت الدرا�سة ال�صراعات المائية في منطقة ال�شرق الأو�سط‬ ‫ب�شكل ع��ام‪ ،‬ومن �ضمنها مو�ضوع اال�ستغالل الإ�سرائيلي لمياه حو�ض نهر‬ ‫الأردن‪.‬‬ ‫ درا�سة منذر حدادين (‪ )2004‬بعنوان‪« :‬الدبلوما�سية على نهر الأردن‪ :‬تطور‬‫النزاع ومحاوالت الت�سوية»‪ ،‬وقد ركزت الدرا�سة على الخطط المائية ب�ش�أن‬ ‫حو�ض نهر الأردن والمحاوالت الدبلوما�سية الدولية لحل الخالفات المائية‬ ‫بين الأردن و�إ�سرائيل‪.‬‬ ‫املنتـ ــدى ‪262‬‬

‫‪- 20 -‬‬


‫(‪ )1‬تـــ�أثير الأزمــات الإقـــلـيـم ّية على الو�ضع المائي في الأردن‬ ‫�أ‪.‬د‪� .‬سعد �أبو د ّية و د‪ .‬حمزة ال�سالمات‬

‫ درا�سة عمر كامل ح�سن (‪ )2008‬بعنوان‪« :‬نحو ا�ستراتيجية عربية للأمن‬‫المائي»‪ ،‬وق��د تناولت اال�ستراتيجية العربية للأمن المائي‪ ،‬وبحثت في‬ ‫الخالفات المائية لمعظم الدول العربية مع �إ�سرائيل‪.‬‬ ‫ما يميز الدرا�سة عن الدرا�سات ال�سابقة‬ ‫تقوم هذه الدرا�سة على �أ�سا�س تركيز البحث في العالقة بين الأزم��ات‬ ‫الإقليمية و�أزمة المياه في الأردن خالل الفترة (‪.)2015 -1948‬‬ ‫خلفية تاريخية‬ ‫دوم��ا �إلى �أزم��ة مياه تط َّلبت تدخ ًال دول ًيا‪ .‬ومنذ‬ ‫�أدت الأزم��ات الإقليمية ً‬ ‫ظهرت ق�ضية فل�سطين بد�أ الجهد من �أجل �إيجاد ح ّل لم�شكلة نق�ص المياه في‬ ‫فل�سطين قبل الإعالن عن �إقامة دولة �إ�سرائيل‪ ،‬لكن بعد �إعالن �إقامة هذه الدولة‬ ‫بتاريخ ‪� 15‬أيار‪ /‬مايو ‪ ،1948‬تر َّكزت خطط �إ�سرائيل على حو�ض نهر الأردن‪،‬‬ ‫الذي يقع على الحدود مع الأردن‪ ،‬ومن هنا �أ�صبحت هذه المنطقة ت�ش ِّكل محور‬ ‫الخالف بين الأردن و�إ�سرائيل‪.‬‬ ‫ونتيجة الم�صالح المت�ضاربة �سعت كل من �إ�سرائيل والأردن �إل��ى و�ضع‬ ‫خطط مائية فردية دون �أن يكون هناك �أي تن�سيق يذكر بين الدولتين‪ .‬وكانت‬ ‫هذه الخطط تنق�سم �إلى نوعين هما‪:‬‬ ‫الخطط المائية الأردنية‬ ‫�أو ًال‪ -‬خطة ماكدونالد (‪� :1951 )Mardoch Macdonald‬شكلت املخططات‬ ‫وامل�شاريع املائية الإ�سرائيلية يف املنطقة داف ًعا للحكومة الأردنية لتكليف (�شركة‬ ‫ماكدونالد و�شركاه) الربيطانية من �أجل العمل على و�ضع درا�سة لتطوير حو�ض‬ ‫نهر الأردن وا�ستغالل مياهه‪ ،‬وخل�صت هذه اخلطة �إىل �ضرورة العمل على �إن�شاء‬ ‫قناتني على جانب النهر‪ ،‬مع ا�ستخدام بحرية طربيا لتخزين املياه الزائدة من‬ ‫نهري الريموك والأردن و�إعادة ا�ستخدامها يف �أوقات اجلفاف وتراجع التدفق‬ ‫‪- 21 -‬‬

‫�صيف ‪2015‬‬


‫محور العدد‪ :‬الالجئون‪ ،‬الميـــاه‪ ،‬البـيــئــة‪ ,‬والنزاعات الإقليمية‬

‫املائي من نهر الأردن‪ ،‬وكذلك �إن�شاء قناة حتويلية لنهر الريموك من �أجل ري‬ ‫الأغوار ال�شرقية‪ .‬واعتمدت هذه اخلطة على مبد�أ رئي�سي يقوم على �أن مياه �أي‬ ‫تلب احتياجات مناطق احلو�ض الداخلية‪ .‬وقد‬ ‫حو�ض ال ت�ؤخذ �إىل خارجه ما مل ِّ‬ ‫رف�ضت احلكومة الإ�سرائيلية هذه اخلطة لأنها ال تتنا�سب مع خططها التي كانت‬ ‫تق�ضي بتحويل مياه نهر الأردن خارج احلو�ض �إىل �صحراء النقب(((‪.‬‬ ‫ثان ًيا‪ -‬م�شروع بوجنر (‪ :1952 )Bunger Plan‬ا�ستعانت احلكومة الأردنية‬ ‫باخلبري الأمريكي (بوجنر) من �أجل �إعداد م�شروع مائي مي ّكنها من �إيجاد ح ّل‬ ‫للطلب املتزايد على املياه نتيجة زيادة عدد ال�سكان ب�شكل غري طبيعي بفعل هجرة‬ ‫الفل�سطينيني عام ‪ ،1948‬وكذلك حت�سني م�ستوى القطاع الزراعي وتوليد الطاقة‬ ‫الكهربائية‪ ،‬و تر ّكز هذا امل�شروع على اقرتاح �إقامة �سد املقارن على نهر الريموك‬ ‫بطاقة تخزينية ت�صل �إىل (‪ )500‬مليون مرت مكعب‪ ،‬وحظي هذا امل�شروع بت�أييد‬ ‫وكالة غوث وت�شغيل الالجئني الفل�سطينيني وا�ستعدادها لتقدمي متويل مايل بقيمة‬ ‫(‪ )40‬مليون دوالر‪� ،‬إال �أن احلكومة الإ�سرائيلية رف�ضت هذا امل�شروع بحجة �أنه‬ ‫يتجاهل حقوقها املائية‪ ،‬وجل�أت لل�ضغط على احلكومة الأمريكية لدفع الوكالة‬ ‫الدولية لغوث وت�شغيل الالجئني الفل�سطينيني �إىل الرتاجع عن فكرة تقدمي الدعم‬ ‫املايل للم�شروع(((‪.‬‬ ‫ثال ًثا‪ -‬خطة بيكر وهريزا (‪ :1955 )Baker & Herza‬جاءت هذه اخلطة‬ ‫مك ّملة ملا جاء يف م�شروع بوجنر‪� ،‬إذ هدفت �إىل زيادة �سعة ال�سدود والقنوات‬ ‫التي قدمتها خطة بوجنر‪ ،‬مع ت�أكيد حتويل فائ�ض مياه نهر الريموك �إىل بحرية‬ ‫طربيا‪ ،‬و�إن�شاء حمطات توليد كهربائية‪ ،‬والعمل على تخفي�ض ميزانية بع�ض‬ ‫امل�شاريع املقرتحة‪ ،‬وذلك من �أجل التقليل من خماوف احلكومة الإ�سرائيلية من‬ ‫م�شروع بوجنر على مواردها املائية(((‪.‬‬ ‫((( حدادي���ن‪ ،‬من���ذر (‪ ،)2004‬الدبلوما�سي���ة عل���ى نه���ر الأردن‪ :‬تطور الن���زاع وحم���اوالت الت�سوية‪،‬‬ ‫(بريوت‪� :‬شركة املطبوعات للتوزيع والن�شر)‪� ،‬ص ‪.47‬‬ ‫((( املرجع نف�سه ‪� ،‬ص �ص ‪.48 – 47‬‬ ‫((( الع�ض���ايلة‪ ،‬عادل (‪ ،)2005‬ال�صراع على املياه يف ال�شرق الأو�سط «احلرب وال�سالم»‪( ،‬ع ّمان‪ :‬دار‬ ‫ال�شروق)‪� ،‬ص �ص ‪.126 -125‬‬ ‫املنتـ ــدى ‪262‬‬

‫‪- 22 -‬‬


‫(‪ )1‬تـــ�أثير الأزمــات الإقـــلـيـم ّية على الو�ضع المائي في الأردن‬ ‫�أ‪.‬د‪� .‬سعد �أبو د ّية و د‪ .‬حمزة ال�سالمات‬

‫الخطط المائية الإ�سرائيلية‬ ‫�أو ًال‪ -‬خطة الناقل ال ُقطري (طربيا ‪ -‬النقب)‪ :‬ت�شكلت هذه اخلطة من‬ ‫جمموعة م�شاريع كانت ت�سعى �إىل حتويل مياه نهر الأردن من خالل نقلها بوا�سطة‬ ‫�أنابيب �إىل داخل الأرا�ضي الإ�سرائيلية‪ ،‬وقد عملت احلكومة الإ�سرائيلية على‬ ‫البدء بتنفيذ هذه اخلطة منذ عام ‪ 1953‬من خالل العمل على حتويل مياه نهر‬ ‫الأردن من نقطة تقع على ج�سر يعقوب ونقلها �إىل بحرية طربيا عرب قناة(((‪.‬‬ ‫ثان ًيا‪ -‬خطة ال�سنوات ال�سبع (‪ :)1960 -1953‬هذه اخلطة عبارة عن‬ ‫جمموعة من امل�شاريع املائية التي تهدف �إىل زيادة ح�صة �إ�سرائيل املائية من‬ ‫(‪ )810‬مليون مرت مكعب يف عام ‪� 1952‬إىل (‪ )1710‬مليون مرت مكعب عام‬ ‫‪ ،1960‬بحيث يتم ت�أمني هذه الزيادة من مياه نهر الأردن مبعدل (‪ )540‬مليون‬ ‫مرت مكعب‪� ،‬إ�ضافة �إىل (‪ )380‬مليون مرت مكعب من الأحوا�ض اجلوفية داخل‬ ‫�إ�سرائيل(((‪.‬‬ ‫م�����ش��روع ج��ون�����س��ت��ون‪� :‬أدرك���ت ال��والي��ات املتحدة الأم��ري��ك��ي��ة �أن ق�ضية‬ ‫اخلالفات املائية بني الدول العربية و�إ�سرائيل تعد من �أهم حماور ال�صراع العربي‬ ‫الإ�سرائيلي‪ ،‬و�أنها ال بد �أن تتدخل من �أجل حماولة �إيجاد حل لهذه اخلالفات‪،‬‬ ‫فقامت ب�إر�سال مبعوث خا�ص للمنطقة‪ ،‬وهو (�إريك جون�ستون) عام ‪،((( 1953‬‬ ‫وفع ًال عمل جون�ستون على و�ضع ت�صوره حلل امل�شكلة من خالل االعتماد على‬ ‫معيارين رئي�سيني هما‪:‬‬ ‫موحد‪.‬‬ ‫ املعيار الأول‪ :‬ا�ستغالل مياه املنطقة ب�شكل َّ‬‫ املعيار الثاين‪ :‬اعتماد م�ساحة الأرا�ضي املروية وحاجة الدول للمياه‪.‬‬‫((( العرموط���ي‪ ،‬خالد �إبراهي���م (‪ ،)1999‬دبلوما�سية املياه‪ :‬ر�ؤي���ة �سيا�سية وقانوني���ة مل�س�ألة املياه يف‬ ‫حو�ض نهر الأردن‪( ،‬امل�ؤلف‪ :‬ع ّمان)‪� ،‬ص �ص ‪.35 - 34‬‬ ‫((( ربابعة‪ ،‬غازي (د‪ ،‬ت)‪ ،‬الأمن املائي يف الوطن العربي‪( ،‬ع ّمان‪ :‬امل�ؤلف)‪� ،‬ص �ص ‪.69 - 68‬‬ ‫((( حدادي���ن‪ ،‬من���ذر (‪� ،)2006‬سالم عل���ى الريموك‪ :‬املواجه���ات واملفاو�ض���ات ‪( ،2005 -1967‬ع ّمان‪:‬‬ ‫امل�ؤلف)‪� ،‬ص �ص ‪.22-21‬‬

‫‪- 23 -‬‬

‫�صيف ‪2015‬‬


‫محور العدد‪ :‬الالجئون‪ ،‬الميـــاه‪ ،‬البـيــئــة‪ ,‬والنزاعات الإقليمية‬

‫وبنا ًء على هذين املعيارين و�ضع جون�ستون خطة ودعا كل الدول العربية‬ ‫و�إ�سرائيل �إىل درا�ستها و�إبداء ر�أيهم فيها‪ .‬وجاءت اخلطة الأولية على �أ�سا�س‬ ‫ا�ستغالل مياه حو�ض نهر الأردن يف جم��االت ال��ري وتوليد الطاقة الكهربائية‬ ‫ل�صالح كل من الأردن و�إ�سرائيل ب�شكل �أ�سا�سي‪ .‬وقد ارتكز م�شروع (جون�ستون)‬ ‫على جمموعة من االقرتاحات هي(((‪:‬‬ ‫�أ‪ .‬بناء �سد على نهر احلا�صباين بعد التقائه مع نهر الأردن ب�سعة (‪ )165‬مليون‬ ‫مرت مكعب‪ ،‬على �أ�سا�س �أن تتم تغطية الفارق بني كمية الت�صريف من النهر‬ ‫و�سعة ال�سد من الفيا�ضانات ال�شتوية وتخزينها يف هذا ال�سد‪.‬‬ ‫ب‪ .‬حتويل مياه �أنهار احلا�صباين والدان وبانيا�س من خالل بناء �سد حتويلي‬ ‫على نهر بانيا�س لري منطقة اجلليل الأعلى ومرج ابن عامر‪.‬‬ ‫ج‪ .‬ا�ستخدام بحرية طربيا كخزان طبيعي ملياه نهري الأردن والريموك‪ ،‬وبناء‬ ‫�سد على نهر الريموك‪ ،‬على �أن يتم تو�سعة ال�سد عند احلاجة‪.‬‬ ‫د‪ .‬بناء قناتني لري الأرا�ضي الزراعية يف منطقة الأغوار يف ال�ضفتني ال�شرقية‬ ‫والغربية بطول (‪ )100‬كم لكل منها‪ ،‬وب�سعة ت�صريف ت�صل �إىل (‪)16‬‬ ‫مليون مرت مكعب �سنو ًيا يف القناة ال�شرقية‪ ،‬و(‪ )13‬مليون مرت مكعب‬ ‫�سنو ًيا يف القناة الغربية‪.‬‬ ‫هـ‪ .‬جتفيف م�ستنقعات احلولة بهدف ا�ست�صالح الأرا�ضي الزراعية وتقليل‬ ‫الفاقد من املياه ب�سبب ّ‬ ‫التبخر ومنع انت�شار الأمرا�ض(‪.((1‬‬ ‫ات�ضحت ردود فعل الطرفني العربي والإ�سرائيلي من خالل اجلولة الثانية‬ ‫م�شروعا يبني به وجهة نظره‪ ،‬فو�ضعت‬ ‫جلون�ستون يف املنطقة‪� ،‬إذ تب ّنى كل طرف‬ ‫ً‬ ‫م�شروعا عرب ًيا ال�ستغالل مياه نهر الأردن وروافده‪ ،‬وتركزت‬ ‫جامعة الدول العربية‬ ‫ً‬ ‫تو�صيات هذا امل�شروع على �ضرورة تعديل خطة جون�ستون مبا ي�ضمن احلقوق‬ ‫((( دم�ش���قية‪ ،‬غ�س���ان (‪� ،)1994‬أزمة املياه وال�صراع يف املنطقة العربية‪( ،‬دم�ش���ق‪ :‬الأهايل للطباعة‬ ‫والن�شر)‪� ،‬ص �ص ‪.64 - 63‬‬ ‫(‪ ((1‬كحالة‪� ،‬صبحي (‪ ،)1980‬امل�شكلة املائية يف �إ�سرائيل وانعكا�ساتها على ال�صراع العربي‪ -‬الإ�سرائيلي‪،‬‬ ‫(بريوت‪ :‬م�ؤ�س�سة الدرا�سات الفل�سطينية)‪� ،‬ص �ص ‪.20-19‬‬ ‫املنتـ ــدى ‪262‬‬

‫‪- 24 -‬‬


‫(‪ )1‬تـــ�أثير الأزمــات الإقـــلـيـم ّية على الو�ضع المائي في الأردن‬ ‫�أ‪.‬د‪� .‬سعد �أبو د ّية و د‪ .‬حمزة ال�سالمات‬

‫العربية يف مياه نهر الأردن وت�أكيد رف�ض �أي اقرتاح يهدف �إىل نقل مياه النهر‬ ‫�إىل خارج حدوده‪� ،‬أو حتويل مياه الليطاين �إىل داخل الأرا�ضي الإ�سرائيلية‪ ،‬مع‬ ‫�ضرورة ت�أكيد حق الدول باالنتفاع من املوارد املائية التي تقع �ضمن حدودها(‪.((1‬‬ ‫م�شروعا يبني وجهة نظره حتت ا�سم‬ ‫�أما اجلانب الإ�سرائيلي فقد تب ّنى‬ ‫ً‬ ‫م�شروع كوتون لتطوير وا�ستثمار املوارد املائية يف حو�ض نهر الأردن والليطاين‪،‬‬ ‫وعمل هذا امل�شروع على �إعادة �إحياء فكرة حتويل جمرى نهر الأردن �إىل �صحراء‬ ‫النقب‪ ،‬والتوقف عن تزويد �أرا�ضي الأغوار الأردنية على �ضفتي النهر من مياه‬ ‫الينابيع والأودية املحيطة؛ بحجة ارتفاع ن�سبة امللوحة يف هذه الأرا�ضي‪ ،‬واقرتحت‬ ‫�إ�سرائيل رف�ض �إر�سال �أي مراقبني دوليني �إىل املنطقة بحجة �أن ذلك ي�ش ِّكل‬ ‫انتها ًكا ل�سيادة �إ�سرائيل(‪ .((1‬وقد عمل (جون�ستون) على حماولة �إجراء بع�ض‬ ‫التعديالت التي من املمكن �أن ت�ساهم يف ح ّل م�شكلة توزيع املياه بني الطرفني‪،‬‬ ‫لكنه �أدرك يف النهاية �أنه ال جدوى من ذلك‪ ،‬وق َّرر �إنهاء م�شروعه الذي ا�ستمر‬ ‫ل�سنتني دون �أي تقدم‪ ،‬مع �أن الأردن قبل بالتعديالت‪ ،‬فيما رف�ضت ذلك الدول‬ ‫العربية‪ ،‬وجاء العدوان الثالثي على م�صر لي�ضع نهاية لهذا امل�شروع(‪.((1‬‬ ‫ظ َّلت فكرة حتويل جمرى نهر الأردن تراود �أذهان قادة �إ�سرائيل حتى‬ ‫�أعلنت احلكومة الإ�سرائيلية عن تنفيذها عام ‪ .1964‬و�إزاء ذلك ُعقد �أول م�ؤمتر‬ ‫ق ّمة عربي يف القاهرة يف ذلك العام‪ ،‬ونتج عنه تكليف جلنة فنية لو�ضع م�شروع‬ ‫عربي م�ضاد للم�شروع الإ�سرائيلي‪ ،‬وقد �أو�صت هذه اللجنة بتحويل النهر من‬ ‫منابعة و�إن�شاء هيئة قومية عربية للإ�شراف على نهر الأردن وا�ستثمار مياهه‪،‬‬ ‫(‪ ((1‬بن خ�ضراء‪ ،‬ظافر (‪� ،)1998‬إ�سرائيل وحرب املياه القادمة‪( ،‬دم�شق‪ :‬دار كنعان)‪� ،‬ص �ص ‪.93 – 92‬‬ ‫(‪ ((1‬التميم���ي‪ ،‬عبد املل���ك (‪ ،)1999‬املياه العربي���ة‪ :‬التحدي واال�ستجابة‪( ،‬بريوت‪ :‬مركز درا�س���ات‬ ‫الوحدة العربية)‪� ،‬ص �ص ‪.69 - 68‬‬ ‫(‪ ((1‬رزق‪� ،‬إدوارد (د‪ ،‬ت)‪ ،‬نه���ر الأردن ورواف���ده‪ ،‬ترجم���ة‪ :‬وزارة الإع�ل�ام الأردني���ة‪( ،‬ع ّم���ان‪ :‬وزارة‬ ‫الإعالم)‪� ،‬ص �ص ‪.30 - 27‬‬

‫‪- 25 -‬‬

‫�صيف ‪2015‬‬


‫محور العدد‪ :‬الالجئون‪ ،‬الميـــاه‪ ،‬البـيــئــة‪ ,‬والنزاعات الإقليمية‬

‫وخل�صت �إىل �أن هذا امل�شروع العربي يهدف �إىل الآتي‪:‬‬ ‫ ا�ستغالل مياه النهر لأغرا�ض الري وتوليد الطاقة الكهربائية ل�صالح الدول‬‫العربية‪.‬‬ ‫ رف�ض �أي حماولة �إ�سرائيلية ت�سعى �إىل حتويل مياه النهر �إىل خارج حو�ضه‪.‬‬‫ رف�ض �أي حماولة �إ�سرائيلية جل ّر املياه �إىل �إ�سرائيل من خارج حدودها اجلغرافية‪.‬‬‫ حماية نهر الأردن وبحرية طربيا من خماطر التلوث وزيادة امللوحة‪.‬‬‫ �أخذ احلدود ال�سيا�سية بني الدول بعني االعتبار يف حال تنفيذ �أي م�شروع يتعلق‬‫مبياه احلو�ض(‪.((1‬‬

‫اعتربت �إ�سرائيل �أن هذا امل�شروع العربي ي�ش ِّكل تهديدً ا لأمنها وم�ستقبلها‪،‬‬ ‫ويد ّمر اقت�صادها‪ ،‬ويق�ضي على م�شاريعها املائية‪ ،‬وي�ش ِّكل حر ًبا �ضدها‪ ،‬ونتيجة‬ ‫لذلك �سعت �إىل احل�صول على ت�أييد احلكومتني الأمريكية والربيطانية ملوقفها‪،‬‬ ‫الأمر الذي �أجرب العرب يف النهاية على وقف العمل بامل�شروع(‪ ،((1‬وقد متكنت‬ ‫�إ�سرائيل خالل حرب عام ‪ 1967‬من ال�سيطرة على معظم روافد نهر الأردن(‪.((1‬‬

‫(‪ ((1‬الع�ضايلة‪ ،‬عادل (‪ ،)2005‬مرجع �سابق‪� ،‬ص �ص ‪.149 -147‬‬ ‫(‪ ((1‬املرجع نف�سه‪� ،‬ص ‪.149‬‬ ‫(‪ ((1‬ح�سن‪ ،‬عمر كامل (‪ ،)2008‬نحو ا�سرتاتيجية عربية للأمن املائي‪( ،‬دم�شق‪ :‬م�ؤ�س�سة ر�سالن)‪� ،‬ص ‪.52‬‬ ‫املنتـ ــدى ‪262‬‬

‫‪- 26 -‬‬


‫(‪)2‬‬

‫الزيادة ال�سكان ّية نتيجة اللجوء و�أثرها على م�صادر المياه‬ ‫أنموذجا)‬ ‫(الأردن واللجوء ال�سوري �‬ ‫ً‬

‫املهند�سة دة‪ .‬غيداء �أبورمان‬ ‫مقدمة‪ ‬‬ ‫ُيع ّد حتقيق الأمن املائي العربي املتمثل بالتوفري امل�ستمر الحتياجات‬ ‫العامل العربي من املياه؛ من �أجل �س ّد احتياجاته وحتقيق التنمية امل�ستدامة‪،‬‬ ‫هد ًفا ا�سرتاتيج ًيا للدول العربية كافة‪ ،‬مثله يف ذلك مثل الأمن الع�سكري والأمن‬ ‫الغذائي؛ �إذ �إن نق�ص املياه من �أهم عوائق التنمية‪ .‬فاملاء هو املح ّرك الرئي�سي‬ ‫لل�سيا�سات االقت�صادية واالجتماعية‪� ،‬إن مل يكن يف ذلك �أكرث �أهمية من النفط �أو‬ ‫ي�ساويه على الأقل‪.‬‬ ‫ً‬ ‫تعر�ضا للتهديد يف املنطقة نظ ًرا للتهديد‬ ‫العربي هو الأكرث‬ ‫�إن الوطن‬ ‫ّ‬ ‫اخلطري الناجت عن النق�ص احلاد يف مياهه‪ ،‬ولوجود �أكرث من ‪ %66‬من املوارد‬ ‫املائية العربية خارج احلدود‪ ،‬وتتحكم بها ممار�سات دول املنابع‪ ،‬كما هو احلال يف‬ ‫نهر الفرات‪ ،‬ونهر النيل‪ ،‬ونهر الأردن‪ ،‬وكل ذلك يقابله غياب �سيا�سة مائية عربية‬ ‫موحدة‪ ،‬وهنالك ع�شر دول عربية �ضمن الدول الأفقر باملياه عامل ًيا‪ ،‬عالوة على �أن‬ ‫ّ‬ ‫املطري ال يتجاوز ‪%2.1‬‬ ‫املياه العرب ّية املتجددة ال تتجاوز ‪ ،%1.2‬وكذلك الهطول‬ ‫ّ‬ ‫من احل�صة العاملية‪� .‬أما �سكان الوطن العربي في�ش ّكلون ‪ %5‬من �سكان العامل‪،‬‬ ‫* �أ�ستاذة الهند�سة المدنية (مياه وبيئة) ‪ -‬نظم المعلومات الجغرافية واال�ست�شعار عن ُبعد‪ ,‬وم�ساعدة‬ ‫رئي�س الجامعة لل�ش�ؤون الدولية ‪/‬جامعة الإ�سراء ‪ -‬الأردن‪.‬‬

‫‪- 27 -‬‬

‫�صيف ‪2015‬‬


‫محور العدد‪ :‬الالجئون‪ ،‬الميـــاه‪ ،‬البـيــئــة والنزاعات الإقليمية‬

‫ويح�صلون على ح�صة �أقل من ‪ %1‬من احل�صة العاملية‪ .‬و�سيت�ضاعف هذا الرقم‬ ‫(‪)1‬‬ ‫بن�سبة (‪ )3-1‬بحلول العام ‪.2050‬‬ ‫�إن حتقيق الأمن املائي يعترب من �أهم الأولويات يف املرحلة املقبلة‪ ،‬لذلك‬ ‫ف�إن النزاع على املياه قد يكون من العوامل امل�ضافة �إىل العوامل املوجودة امل�س ّببة‬ ‫لعدم ا�ستقرار املنطقة‪ .‬ومن الدرا�سات التي �أجريت حول �أزمة املياه يف ال�شرق‬ ‫الأو�سط ما �أ�شار �إىل �أن ال�شرق الأو�سط �سي�شهد يف غ�ضون ال�سنوات القادمة‬ ‫حر ًبا لل�سيطرة على م�صادر املياه نظ ًرا لزيادة عدد ال�سكان يف تلك املنطقة‪،‬‬ ‫وزيادة برامج النمو االقت�صادي مع انح�سار وت�ضا�ؤل يف كميات املياه املتاحة‪.‬‬ ‫وقد ي�ؤدي مثل ذلك ال�صراع �إىل حتطيم الروابط اله�شة بني دول املنطقة‪� .‬إن‬ ‫الأمن املائي بات يف املقدمة فهو الرافد الرئي�سي للأمن الغذائي والقوة الع�سكرية‬ ‫والتنمية االقت�صادية والرفاهية االجتماعية‪ .‬وعلى الدول العربية �أن تويل �أهمية‬ ‫ق�صوى لذلك‪ ،‬خا�صة �أن نق�ص املياه يتوقع �أن يطال ثلثي ال�سكان يف العامل عام‬ ‫‪ ،2050‬و�أن هناك (‪ )11‬منطقة يف العامل ت�شكل اخلالفات فيها �أ�سبا ًبا للتحول‬ ‫�إىل نزاع م�سلح لل�سيطرة على املياه وم�صادرها‪ ،‬حيث �إن منطقة ال�شرق الأو�سط‬ ‫حتتل �صدارة هذه املناطق‪.‬‬ ‫تت�أثر منطقتنا ب�شكل مت�سارع بعدد كبري من امل�ؤثرات والتغريات الإقليمية‬ ‫والدولية‪ ،‬وقد �أ�ضحت هذه املتغريات من الكثافة وقوة الت�أثري ما يتطلب معاجلة‬ ‫علمية نا�ضجة وواعية‪ ،‬تنتظم فيها وفق ر�ؤية �شمولية �أبعاد هذه املتغريات و�آثارها‬ ‫امل�ستقبلية على الإن�سان والأر�ض والرثوات‪ ،‬حيث �أ�ضحت املياه �إحدى �أهم الق�ضايا‬ ‫العاملية التي ت�شغل البال يف ظل تراجع املياه العذبة يف مناطق متعددة من العامل‪،‬‬ ‫ال بل �إن ال�صراعات يف غالبها �صراعات مياه‪ ،‬حيث تقدر كمية املياه العذبة التي‬ ‫جتري يف امل�سطحات املائية العاملية بنحو (‪ )41000‬كم‪ 3‬يف ال�سنة‪ ،‬ي�صل منها‬ ‫(‪ )27000‬كم‪� 3‬إىل البحار‪ ،‬ويت�سرب (‪ )5000‬كم‪� 3‬إىل �أماكن ق�صية يف باطن‬ ‫املنتـ ــدى ‪262‬‬

‫‪- 28 -‬‬


‫(‪ )2‬الزيادة ال�سكان ّية نتيجة اللجوء و�أثرها على م�صادر المياه (الأردن واللجوء ال�سوري �أنموذج ًا)‬ ‫المهند�سة دة‪ .‬غيداء �أبورمان‬

‫الأر�ض‪ ،‬ويبقى نحو (‪ )9000‬كم‪ 3‬من املياه يف يد الإن�سان‪ .‬ويرتبط نق�ص املياه‬ ‫يف الدول النامية بانت�شار جمموعة من الأمرا�ض الوبائية؛ �إذ �أ�شار تقرير دويل‬ ‫�إىل �أن ‪ %80‬من �أمرا�ض مواطني العامل الثالث ت�سببها املياه امللوثة و�أن (‪)10‬‬ ‫ماليني �شخ�ص ميوتون �سنو ًيا لل�سبب ذاته ‪ ,‬ووف ًقا لتقارير الأمم املتحدة ميوت‬ ‫حوايل (‪ )20000‬طفل يوم ًيا ب�سبب نتائج نق�ص املياه(‪.)2‬‬ ‫�إن ما ي�شهده الأردن من �أزمة جاء ب�سبب تزايد �ضغوطات ا�ستمرار الأزمة‬ ‫�شح م�صادره‬ ‫ال�سورية‪ ،‬وتوافد مئات الآالف من الالجئني ال�سوريني �إىل ٍ‬ ‫بلد يعاين ّ‬ ‫املائية و ُي�ص َّنف �ضمن الثالث دول الأفقر عامل ًيا باملياه؛ �إذ ت�صل ح�صة الفرد فيه‬ ‫�إىل (‪ )120‬م‪� 3‬سنو ًيا(‪ ،)3‬يف حني �أن ح�صة الفرد العاملية �ضمن خط الفقر املائي‬ ‫املطلق تقدر بـ (‪ )1000‬م‪� 3‬سنو ًيا‪ .‬وهو واقع مائي �صعب فر�ض نف�سه بقوة خالل‬ ‫ال�سنوات القليلة املا�ضية لأ�سباب متعددة‪� ،‬أهمها تزايد �أعداد ال�سكان ب�شكل كبري‬ ‫نتيجة الهجرات املتتالية التي تع ّر�ض لها هذا البلد عرب العقود الطويلة ال�سابقة‬ ‫وجراء الأحداث املتالحقة واملت�سارعة يف الإقليم‪ ،‬التي تفاقمت ب�سبب الهجرة‬ ‫الق�سرية خالل احلرب العربية الإ�سرائيلية عام ‪ ،1948‬وحرب الأيام ال�ستة عام‬ ‫‪ ،1967‬وحرب اخلليج الأوىل عام ‪ ،1990‬وحرب العراق عام ‪ ،2003‬واحلرب‬ ‫الأهلية ال�سورية منذ عام ‪ 2011‬حتى الآن‪ ،‬التي ا�ضطرت مئات الآالف من‬ ‫بلد ي�صنف من بني الدول الأفقر مبوارد الطاقة واملياه‪.‬‬ ‫ال�سوريني �إىل اللجوء �إىل ٍ‬ ‫ومع دخول ال�صراع يف �سوريا عامه اخلام�س‪� ،‬أ�صبحت الأردن ت�ست�ضيف (‪)1.2‬‬ ‫مليون الجىء �سوري‪ ،‬يعي�ش ‪ %83‬منهم خارج املخيمات يف مدينة املفرق‪ ،‬و�إربد‪،‬‬ ‫وع ّمان‪ ،‬و ‪ %7.16‬يعي�شون يف ثالثة خميمات (خميم الزعرتي‪ ،‬وخميم الأزرق‪،‬‬ ‫واملخيم الإماراتي الأردين «مريجيب الفهود») (ال�شكل رقم ‪.)1‬‬ ‫يذكر �أن حوايل ‪ %5.32‬من جمموع الالجئني ال�سوريني هم من الن�ساء‪،‬‬ ‫ونحو ‪ %35‬من الأطفال‪ %81 ،‬منهم دون �سن اخلام�سة من العمر(‪.)4‬‬ ‫‪- 29 -‬‬

‫�صيف ‪2015‬‬


‫محور العدد‪ :‬الالجئون‪ ،‬الميـــاه‪ ،‬البـيــئــة والنزاعات الإقليمية‬

‫�شكل(‪ :) 1‬توزيع االجئني ال�سوريني يف املحافظات‬

‫�إن م�شكلة املياه يف الأردن‪ ،‬وما متثله من حتديات على خمتلف ال�صعد‬ ‫ونتيجة للأزمة ال�سورية‪ ،‬حتتاج �إىل تكاتف دويل وعاملي لكي يتمكن هذا البلد من‬ ‫جتاوزها‪ .‬ي�ضاف �إىل ذلك ما يرتتب على كون املناخ جا ًفا؛ �إذ ال تزيد معدالت‬ ‫الهطول يف ‪ %91‬من م�ساحة الأردن على (‪ )200- 50‬ملم �سنو ًيا‪ ،‬وذلك �ضمن‬ ‫مناطق البادية‪� ،‬أما اجلـزء املتبــقي في�شــمل ق�سم منطقــة اخــدود الأردن حيث‬ ‫ال يتجاوز الت�ساقط املطري ن�سبة ‪ ،%5.7‬ومبعدل (‪ )300-50‬ملم‪ /‬ال�سنة‪ ،‬ويبلغ‬ ‫معدل الت�ساقط املطري يف املناطق املرتفعة (‪ )600-400‬ملم‪ /‬ال�سنة‪ ،‬وبن�سبة‬ ‫‪ .%2.9‬ويبلغ املعدل ال�سنوي لكميات الأمطار يف اململكة (‪ )8300‬م‪.‬م‪ ،3‬وتبلغ‬ ‫ن�سبة ما ُي�ستفاد من هذه الكميات حوايل (‪ )%8‬من مياه �سطحية وجوفية(‪،)5‬‬ ‫كما هو مو�ضح يف اجلدول رقم (‪� .)1‬أما كميات التدفق ال�سنوية للم�صادر املائية‬ ‫املختلفة خالل عامي‪ 2013‬و ‪ 2014‬باملليون مرت مكعب (م‪.‬م‪ )3‬فهي مو�ضحة يف‬ ‫اجلدول رقم (‪.)2‬‬ ‫املنتـ ــدى ‪262‬‬

‫‪- 30 -‬‬


‫(‪ )2‬الزيادة ال�سكان ّية نتيجة اللجوء و�أثرها على م�صادر المياه (الأردن واللجوء ال�سوري �أنموذج ًا)‬ ‫المهند�سة دة‪ .‬غيداء �أبورمان‬

‫لقد �أدى وقوع الأردن �ضمن هذا املناخ اجلاف �إىل عدم تغذية الينابيع‪،‬‬ ‫وخ�صو�صا يف عجلون وجر�ش والبلقاء والطفيلة‪� ،‬إىل ما ن�سبته ‪ .%50‬وهذا يحتاج‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫�إىل درا�سات مكثفة لإيجاد حلول بديلة‪ ،‬ف�ضال عن العمل على حت�سني �إدارة‬ ‫امل�صادر الطبيعية‪.‬‬ ‫جدول (‪ :)1‬حجوم الأمطار ال�ساقطة على اململكة لل�سنوات املائية (‪ ،1991/1990‬و‪)2013/2012‬‬

‫جدول (‪ :)2‬يو�ضح كميات التدفق ال�سنوي للم�صادر املائية املختلفة لعامي ‪ 2013‬و ‪ 2014‬باملليون مرت مكعب (م‪.‬م‪)3‬‬

‫‪- 31 -‬‬

‫�صيف ‪2015‬‬


‫محور العدد‪ :‬الالجئون‪ ،‬الميـــاه‪ ،‬البـيــئــة والنزاعات الإقليمية‬

‫اجل�سام التي تواجه قطاع املياه يف الأردن‪،‬‬ ‫هنالك العديد من التحديات ِ‬ ‫�أولها عدم و�صول املياه بانتظام �إىل عدد من املناطق بالرغم من �أن �شبكة املياه‬ ‫تغطي �أكرث من ‪ %99‬من �أرا�ضي اململكة‪ ،‬وكذلك خدمات ال�صرف ال�صحي التي‬ ‫تغطي ‪ %68‬من مناطق اململكة‪ ،‬و�سط عجز مائي يفوق الـ (‪ )600‬مليون م‪.)5( 3‬‬ ‫ويف ظ ّل هذه املعطيات‪ ،‬هنالك عدة ا�سرتاتيجيات وبرامج و�إجراءات مت اتباعها‬ ‫من جانب وزارة املياه والري‪ ،‬ومنها �إجناز م�شروع ج ّر مياه الدي�سي لت�أمني وجلب‬ ‫‪ %70‬من طاقة امل�شروع البالغة (‪ )100‬مليون م‪ ،3‬حيث ُبدىء ب�ضخ املياه من �أجل‬ ‫التخفيف من ح ّدة الأزمة املائية وو�صول املياه �إىل ع ّمان العا�صمة واملناطق الأكرث‬ ‫ً‬ ‫اكتظاظا بال�سكان يف الزرقاء والر�صيفة‪ ،‬مع �إعادة ترتيب و�ضع برنامج ال ّدور‬ ‫للتزويد املائي للمناطق‪ ،‬وزيادة �ساعات ال�ضخ‪ .‬ويف بداية عام ‪ 2014‬مت التخفيف‬ ‫من ح ّدة العجز املائي‪ ،‬ما �أدى �إىل حت�سن الو�ضع كث ًريا بعد ت�شغيل عدد كبري من‬ ‫الآبار وت�أهيل املحطات و�إعادة توجيه كميات من املياه من مناطق �إىل �أخرى‪ ،‬كما‬ ‫هو مو�ضح يف ال�شكل رقم (‪.)2‬‬

‫�شكل (‪ :)2‬امتداد م�شروع الدي�سي‬ ‫املنتـ ــدى ‪262‬‬

‫‪- 32 -‬‬


‫(‪ )2‬الزيادة ال�سكان ّية نتيجة اللجوء و�أثرها على م�صادر المياه (الأردن واللجوء ال�سوري �أنموذج ًا)‬ ‫المهند�سة دة‪ .‬غيداء �أبورمان‬

‫كما �أن هنالك م�شروع ناقل البحر الأحمر – البحر امليت (ناقل البحرين)‪،‬‬ ‫الذي �سيبد�أ تنفيذه يف غ�ضون الفرتة املقبلة‪ .‬وعلى وزارة املياه والري القيام بتنفيذ‬ ‫عدد �آخر من امل�شاريع املائية وم�شاريع ال�صرف ال�صحي يف خمتلف املناطق‪،‬‬ ‫وتنفيذ �شبكة الناقل الوطني للمياه‪ ،‬التي ي�شكل ناقل الدي�سي عمادها الأول‪ ،‬لنقل‬ ‫كميات املياه الالزمة �إىل مناطق البالد كافة‪ ،‬مبرونة و�سهولة‪ ،‬وا�ستكما ًال �إىل‬ ‫حمافظات ال�شمال والو�سط واجلنوب للتخفيف من الأزمة املائية احلا�صلة‪.‬‬ ‫وقد �أدت الزياده ال�سكانية يف الأردن �إىل زيادة كميات التزويد ملياه ال�شرب‬ ‫يف اململكة‪ .‬ولدى درا�سة كميات التزويد املائي قبل حدوث الأزمة ال�سورية لل�سنوات‬ ‫(‪ 2004‬لغاية ‪ُ ،)2009‬يالحظ �أن الكميات املذكورة قد زادت بن�سب ب�سيطة كما هو‬ ‫مو�ضح يف اجلدول رقم (‪� ،)3‬أما لدى درا�سة كميات التزويد املائي للمملكة ما بني‬ ‫عامي (‪)2014-2010‬؛ �أي عقب الأزمة ال�سورية وقدوم الالجئني ال�سوريني �إىل‬ ‫الأردن‪ ،‬كما هو مو�ضح يف اجلدول رقم (‪ ،)4‬ف�إننا نالحظ �أن كمية التزويد املائي‬ ‫قد زادت؛ �إذ كانت كمية التزويد املائي يف عام ‪ - 2009‬قبل الأزمة ال�سورية ‪ -‬تبلغ‬ ‫(‪ )313.4‬م‪.‬م‪� .3‬أما يف عام ‪ 2014‬فنالحظ زيادة وا�ضحة يف هذه الكمية التي‬ ‫�أ�صبحت (‪ )427.9‬م‪.‬م‪ ،3‬مما ّ‬ ‫يدل على �أثر وا�ضح للزيادة ال�سكانية على كميات‬ ‫التزويد املائي‪.‬‬ ‫جدول (‪ :)3‬كمية التزويد ملياه ال�شرب (م‪ .‬م ‪ )3‬ما بني عام «‪ »2009-2004‬قبل الأزمة ال�سورية‬

‫م�ؤ�شر الأداء‬ ‫كمية التزويد ملياه‬ ‫ال�شرب (م‪ .‬م‪)3‬‬

‫القيمة‬ ‫املحققة‬ ‫‪2004‬‬ ‫‪275.77‬‬

‫القيمة القيمة القيمة القيمة القيمة‬ ‫املحققة املحققة املحققة املحققة املحققة‬ ‫‪2009 2008‬‬ ‫‪2007‬‬ ‫‪2006‬‬ ‫‪2005‬‬ ‫‪313.4 307 300.89 286.3 281.99‬‬

‫‪- 33 -‬‬

‫�صيف ‪2015‬‬


‫محور العدد‪ :‬الالجئون‪ ،‬الميـــاه‪ ،‬البـيــئــة والنزاعات الإقليمية‬

‫جدول (‪ :)4‬كمية التزويد ملياه ال�شرب (م‪ .‬م ‪ )3‬ما بني عام ‪ 2014-2009‬خالل الأزمة ال�سورية‬

‫م�ؤ�شر الأداء‬

‫كمية التزويد ملياه‬ ‫ال�شرب (م‪ .‬م‪)3‬‬

‫القيمة‬ ‫املحققة‬ ‫‪2009‬‬ ‫‪313.4‬‬

‫القيمة‬ ‫املحققة‬ ‫‪2010‬‬ ‫‪327.7‬‬

‫القيمة‬ ‫املحققة‬ ‫‪2011‬‬ ‫‪330‬‬

‫القيمة‬ ‫املحققة‬ ‫‪2012‬‬ ‫‪339.1‬‬

‫القيمة‬ ‫املحققة‬ ‫‪2013‬‬ ‫‪367‬‬

‫القيمة‬ ‫املحققة‬ ‫‪2014‬‬ ‫‪427.9‬‬

‫وعند درا�سة كميات التزويد املائي لكل حمافظة يف الأردن خالل العامني‬ ‫ال�سابقني‪ ،‬واملو�ضحة يف اجلدول رقم (‪ ،)5‬نالحظ �أن كل من حمافظة العا�صمة‬ ‫والزرقاء و�إربد واملفرق‪ ،‬قد �شهدت زيادة وا�ضحة يف كمية التزويد املائي خالل‬ ‫عامي ‪ 2013‬و‪ .2014‬ويعود ذلك �إىل زيادة �أعداد الالجئني ال�سوريني يف تلك‬ ‫املحافظات‪ ،‬وخا�صة يف حمافظة العا�صمة التي زادت ن�سبة التزويد املائي فيها‬ ‫‪ ،%20‬وكذلك يف حمافظتي �إربد واملفرق‪.‬‬ ‫جدول (‪:)5‬كمية التزويد ملياه ال�شرب (م‪ .‬م‪ )3‬ملختلف املحافظات الأردنية للعامني ( ‪) 2014 -2013‬‬

‫املحافظات‬ ‫العا�صمة‬ ‫الزرقاء‬ ‫�إربد‬ ‫املفرق‬ ‫البلقاء‬ ‫الكرك‬ ‫الطفيلة‬ ‫معان‬ ‫جر�ش‬ ‫عجلون‬ ‫م�أدبا‬ ‫العقبة‬ ‫‪ ‬‬

‫كمية التزويد ملياه ال�شرب (م م‪)3‬‬ ‫عام ‪2013‬‬ ‫‪151.77‬‬ ‫‪54.13‬‬ ‫‪42.13‬‬ ‫‪20.08‬‬ ‫‪30.09‬‬ ‫‪18.92‬‬ ‫‪4.19‬‬ ‫‪11.47‬‬ ‫‪6.2‬‬ ‫‪4.7‬‬ ‫‪8.99‬‬ ‫‪16.29‬‬ ‫‪368.96‬‬

‫كمية التزويد ملياه ال�شرب (م‬ ‫م‪ )3‬عام ‪2014‬‬ ‫‪179.19‬‬ ‫‪66.55‬‬ ‫‪45.20‬‬ ‫‪24.74‬‬ ‫‪35.74‬‬ ‫‪20.48‬‬ ‫‪5.47‬‬ ‫‪14.26‬‬ ‫‪6.68‬‬ ‫‪4.85‬‬ ‫‪8.86‬‬ ‫‪16.00‬‬ ‫‪427.99‬‬

‫ويو�ضح ال�شكل (‪ )3‬مقارنة التزويد املائي للمحافظات قبل الأزمة ال�سورية‬ ‫للأعوام ( ‪� ,)6() 2007-2004‬أما �شكل (‪ )4‬فيو�ضح مقارنة بني التزويد املائي‬ ‫للمحافظات عام ‪ 2013‬والتزويد املائي للمحافظات عام ‪ 2014‬بعد اللجوء‬ ‫ال�سوري‪.)5( ,‬‬ ‫املنتـ ــدى ‪262‬‬

‫‪- 34 -‬‬


‫(‪ )2‬الزيادة ال�سكان ّية نتيجة اللجوء واأثرها على م�سادر المياه (الأردن واللجوء ال�سوري اأنموذج ًا)‬ ‫المهند�صة دة‪ .‬غيداء اأبورمان‬

‫شكل (‪ :)3‬مقارنة التزويد المائي للمحافظات قبل االزمة السورية لالعوام ( ‪.) 4002-4002‬‬

‫�سكل (‪ :)3‬مقارنة التزويد املائي للمحافظات قبل االأزمة ال�سورية لالأعوام (‪)2007-2004‬‬

‫‪151.77‬‬

‫م‪.‬م‪3‬‬

‫مقارنة التزويد المائي بي عامي‪40 2- 40 3‬‬

‫‪179.19163‬‬

‫‪180‬‬ ‫‪160‬‬ ‫‪140‬‬

‫‪2014‬‬

‫‪120‬‬

‫‪2013‬‬ ‫‪45.1977925‬‬

‫‪100‬‬

‫‪66.550196‬‬

‫‪24.741682‬‬ ‫‪35.739549‬‬ ‫‪42.13‬‬ ‫‪14.26‬‬ ‫‪4.850742‬‬ ‫‪16‬‬ ‫‪20.4843898‬‬ ‫‪30.09‬‬ ‫‪6.678263 8.862707‬‬ ‫‪20.08‬‬ ‫‪18.92 5.474486‬‬ ‫‪16.29‬‬

‫المحافظات ال قبة‬

‫‪8.99‬‬

‫‪4.7‬‬

‫م دبا ع لو‬

‫‪6.2‬‬

‫‪11.47‬‬

‫ر‬

‫ما‬

‫‪54.13‬‬

‫‪60‬‬ ‫‪40‬‬ ‫‪20‬‬

‫‪4.19‬‬

‫ال يلة الكر‬

‫‪80‬‬

‫البلقا‬

‫الم ر‬

‫اربد الزرقا ال ا مة‬

‫‪0‬‬

‫�سكل (‪ :)4‬مقارنة بني التزويد املائي للمحافظات عام ‪ 2013‬والتزويد املائي للمحافظات عام ‪ 2014‬بعد اللجوء ال�سوري‬

‫اإن تاأثري الزيادة ال�سكانية يف االأردن على قطاع املياه ي�سمل كميات التزويد‬ ‫املائي ونوعية املياه؛ ومن ثم معاجلة وتنقية‪ 9‬مياه ال�سرف ال�سحي‪ ,‬فهذه االأمور‬ ‫‪- 35 -‬‬

‫�صيف ‪2015‬‬


‫محور العدد‪ :‬الالجئون‪ ،‬الميـــاه‪ ،‬البـيــئــة والنزاعات الإقليمية‬

‫تت�أثر م ًعا ب�أية تغيرّ ات �سكانية مفاجئة‪ ،‬خا�صة �أن جميع امل�شاريع املتعلقة بقطاع‬ ‫املياة مبنية على تنب�ؤات ب�أعداد ال�سكان املتوقعة‪ ،‬ومنها م�شاريع حمطات تنقية‬ ‫املياه العادمة‪ ،‬فيتم الأخذ باحل�سبان �أعداد ال�سكان املتوقعة يف مدينة معينه خالل‬ ‫ع�شرين �سنة قادمة عند ت�صميم املحطات؛ من �أجل �أن ت�ستمر هذه املحطات يف‬ ‫معاجلة املياه بكفاءة وقدرة ا�ستيعابية منا�سبة لتح ُّمل الأعباء والأحمال الداخلة‬ ‫�إليها‪ ،‬خالل تلك ال�سنوات القادمة‪ ،‬غري �أن الزيادة ال�سكانية املفاجئة التي حدثت‬ ‫بعد الأزمة ال�سورية قد �ساهمت يف زيادة ال�ضغط على حمطات التنقية‪ ،‬وزيادة‬ ‫الأحمال الداخلة �إليها‪ ،‬مما �سيحدث �أث ًرا �سلب ًيا يف كفاءة هذه املحطات وقدرتها‬ ‫على معاجلة املياه العادمة يف امل�ستقبل‪.‬‬ ‫لقد زادت ن�سبة املخدومني ب�شبكات املياه وال�صرف ال�صحي من ‪ %62‬عام‬ ‫‪� 2008‬إىل ‪ %68‬عام ‪ ،2013‬مما ّ‬ ‫خا�صا‬ ‫يدل على �أن قطاع املياه قد �أوىل اهتما ًما ً‬ ‫بعد اللجوء ال�سوري لزيادة �شبكات ال�صرف ال�صحي‪ ،‬كذلك هناك ‪ %98‬من ن�سبة‬ ‫ال�سكان يف الأردن خمدومني ب�شبكة املياه يف خمتلف املحافظات الأردنية(‪.)5‬‬ ‫ونالحظ يف اجلدول رقم (‪ )6‬كميات املياه الداخلة واملعاجلة يف حمطات‬ ‫التنقية قبل اللجوء ال�سوري خالل العامني ‪ 2008‬و‪ ،2009‬ويف �أثناء اللجوء ال�سوري‬ ‫خالل الأعوام ‪� .2012 ،2011 ،2010‬إن هذه الزيادة ال�سكانية يف الأردن �أثرت على‬ ‫قطاع ال�صرف ال�صحي من جهة �أن كميات الأعباء والأحمال الداخلة على جميع‬ ‫حمطات التنقية قد زادت ب�شكل ملحوظ‪ ،‬مما �س َّبب ً‬ ‫�ضغطا على بع�ض املحطات‪،‬‬ ‫مع مالحظة زيادة كمية املياه امل�ستغ ّلة‪� ،‬سواء بطريقة مبا�شرة �أو غري مبا�شرة بني‬ ‫عامي ‪ 2008‬قبل اللجوء ال�سوري حتى عام ‪ 2013‬بعد اللجوء ال�سوري‪ ،‬وكذلك ف�إن‬ ‫�أعداد املحطات العاملة قد زادت من (‪ )22‬حمطة عاملة عام ‪� 2008‬إىل (‪)27‬‬ ‫حمطة تنقية مياه عادمة عام ‪.)5(2013‬‬ ‫املنتـ ــدى ‪262‬‬

‫‪- 36 -‬‬


‫(‪ )2‬الزيادة ال�سكان ّية نتيجة اللجوء و�أثرها على م�صادر المياه (الأردن واللجوء ال�سوري �أنموذج ًا)‬ ‫المهند�سة دة‪ .‬غيداء �أبورمان‬

‫جدول(‪ : )6‬كمية املياه الداخلة واملعاجلة يف حمطات التنقية (‪)2013-2008‬‬ ‫ال�سنة‬

‫‪2008‬‬ ‫‪2009‬‬ ‫‪2010‬‬ ‫‪2011‬‬ ‫‪2012‬‬ ‫‪2013‬‬

‫كمية املياه‬ ‫عدد كمية املياه الداخلة كمية املياه املعاجلة‬ ‫امل�ستغلة‬ ‫اخلارجة من حمطات‬ ‫�إىل حمطات‬ ‫املحطات‬ ‫العاملة التنقية (مليون مرت التنقية (مليون مرت (مبا�شرة �أو‬ ‫غري مبا�شرة)‬ ‫مكعب �سنويًا)‬ ‫مكعب �سنو ًيا)‬

‫‪22‬‬ ‫‪22‬‬ ‫‪24‬‬ ‫‪26‬‬ ‫‪26‬‬ ‫‪27‬‬

‫‪108‬‬ ‫‪108‬‬ ‫‪110‬‬ ‫‪111‬‬ ‫‪118‬‬ ‫‪121‬‬

‫‪111‬‬ ‫‪114‬‬ ‫‪118‬‬ ‫‪115‬‬ ‫‪122‬‬ ‫‪126‬‬

‫‪100‬‬ ‫‪100‬‬ ‫‪102‬‬ ‫‪102‬‬ ‫‪109‬‬ ‫‪111‬‬

‫ن�سبة‬ ‫ا�ستغالل‬ ‫املياه‬ ‫املعاجلة‬

‫‪%90‬‬ ‫‪%90‬‬ ‫‪%92‬‬ ‫‪%92‬‬ ‫‪%92‬‬ ‫‪%92‬‬

‫بالرغم من الإجراءات ال�سالفة الذكر �إال �أن العبء كبري جدًا‪ ،‬فاملناطق‬ ‫ال�شمالية ت�شهد موجات كبرية يوم ًيا من الالجئني (مثل مناطق الرمثا‪ ،‬و�إربد‪،‬‬ ‫واملفرق‪ ،‬والبادية ال�شمالية)‪ ،‬وكذلك العا�صمة ع ّمان‪ .‬و�أما عن امل�شاكل التي تواجه‬ ‫�إدارة املياه يف الأردن ف�أنها م�شاكل ج ّمة‪ ،‬و�إن ح�صر امل�شكلة وح ّلها بتطوير م�صادر‬ ‫ما�سة و ُم ّلحة‬ ‫جديدة مل يعد خيا ًرا قاب ًال للتنفيذ حال ًيا‪ ،‬وبالتايل ف�إن هناك حاجة ّ‬ ‫لإجراء حتول ا�سرتاتيجي من ثقافة تنمية م�صادر وموارد املياه �إىل ثقافة حت�سني‬ ‫�إدارة املياه‪ ،‬وتر�شيد اال�ستهالك‪ ،‬وت�شجيع �إعادة اال�ستعمال‪ ،‬وحماية امل�صادر املائية‬ ‫من اال�ستهالك املفرط اجلائر ومن التلوث � ً‬ ‫أي�ضا‪ .‬وهنالك �شرط مهم لتفعيل �إدارة‬ ‫املوارد املائية على نحو م�ستدام‪ ،‬وهو �ضرورة العمل على تو�سيع نطاق املعرفة حول‬ ‫املياه اجلوفية وال�سطحية و�أحوا�ض الأنهار‪.‬‬ ‫�إن درا�سة املوازنة املائية لعدة �سنوات‪ ،‬قبل تدفق الالجئني ال�سوريني يف عام‬ ‫‪ 2009‬وبعد تدفقهم حتى عام ‪� ،2013‬ستو�ضح بع�ض الآثار املرتتبة جراء اللجوء‬ ‫ال�سوري على واقع املياه يف الأردن‪ ،‬ومن �أجل تقييم �أثر الالجئني ال�سوريني على‬ ‫موارد املياه‪ ،‬يجب ا�ستعرا�ض الدرا�سات املتعلقة بتخطيط �إدارة املياه يف الأردن‬ ‫ملعاجلة الثغرات املوجودة يف الأبحاث احلالية‪ ،‬والتخطيط لإدارة �أف�ضل للموارد‬ ‫املائية يف الأردن با�ستخدام تقنيات حديثة مثل ُنظم املعلومات اجلغرافية‪ .‬فاملوازنة‬ ‫‪- 37 -‬‬

‫�صيف ‪2015‬‬


‫محور العدد‪ :‬الالجئون‪ ،‬الميـــاه‪ ،‬البـيــئــة والنزاعات الإقليمية‬

‫املائية تعتمد على كميات تدفق املياه الداخلة واخلارجة من م�صادر املياه املتوفرة‪،‬‬ ‫وح�ساب قيمة اجلريان ال�سطحي والرت�سيب‪� ،‬إ�ضافة �إىل الأخذ باحل�سبان كميات‬ ‫التبخر‪ ،‬وحتديد كميات التزويد املائي جلميع املحافظات‪.‬‬ ‫�إن البيانات التي مت احل�صول عليها حول امل�صادر املتاحة للمياه ال�سطحية‬ ‫واملياه اجلوفية اعتمدت على تقارير �صادرة عن وزارة املياه والري عن تقييم الواقع‬ ‫املائي احلايل‪ ،‬فحوايل ‪ %37‬من موارد الأردن املائية ت�أتي من املياه ال�سطحية (‪،)7‬‬ ‫وت�شمل هذه امل�صادر التدفقات القادمة من وادي الأردن‪ ،‬ومن الينابيع والفي�ضانات‪.‬‬ ‫�أما مياه ال�صرف ال�صحي املعاجلة فهي ت�شكل م�صد ًرا �آخر للمياه يف الأردن �أُخذ‬ ‫باحل�سبان يف درا�سة املوازنة املائية لأنه ميثل �أحد �أهم امل�صادر املائية التي يعتمد‬ ‫عليها حال ًيا يف الأردن‪.‬‬ ‫وتندرج ا�ستخدامات املياه‪ ‬ال�سطحية‪ ‬يف الأردن �ضمن �أربعة قطاعات‪ ،‬هي‪:‬‬ ‫قطاع الزراعة‪ ،‬والبلديات‪ ،‬وال�صناعة‪ ،‬واملوا�شي‪� .‬إال �أن الغالبية العظمى من‬ ‫املياه ال�سطحية يتم ا�ستخدامها لأغرا�ض الري‪ .‬وباملقارنة بني توزيع ا�ستخدامات‬ ‫املياه على القطاعات �سالفة الذكر قبل الأزمة ال�سورية (عام ‪ )2009‬وبعد‬ ‫الأزمة ال�سورية (عام ‪( )2012‬اجلدول رقم ‪ُ ،)7،8‬وجد �أن ا�ستخدامات املياه‬ ‫ال�سطحية عام ‪ 2009‬كانت (‪ )283.3‬مليون مرت مكعب (مبا ن�سبته حوايل ‪)٪73‬‬ ‫من �إجمايل اال�ستخدام للمياه ال�سطحية‪ ،‬الذي ي�ستخدم غال ًبا للزراعة يف وادي‬ ‫الأردن‪ .‬وكان قطاع البلديات ثاين �أعلى م�ستهلك من م�صادر املياه يف عام ‪،2009‬‬ ‫بحجم بلغ (‪ )93.8‬مليون مرت مكعب (حوايل ‪ ٪24‬من �إجمايل ا�ستخدام املياه‬ ‫ال�سطحية)(‪.)8‬‬ ‫املنتـ ــدى ‪262‬‬

‫‪- 38 -‬‬


‫(‪ )2‬الزيادة ال�سكان ّية نتيجة اللجوء و�أثرها على م�صادر المياه (الأردن واللجوء ال�سوري �أنموذج ًا)‬ ‫المهند�سة دة‪ .‬غيداء �أبورمان‬

‫وعلى الرغم من �أن القطاع الزراعي ي�ستهلك معظم املياه ال�سطحية يف عام‬ ‫ً‬ ‫انخفا�ضا بن�سبة ‪ ٪23‬من �إجمايل ا�ستخدام املياه‬ ‫‪ ،2012‬ف�إنه يالحظ �أن هنالك‬ ‫ال�سطحية يف هذا القطاع‪ ،‬ويبدو �أن تغي ًريا يف �سيا�سات �إدارة املياه قد �أثر على‬ ‫انخفا�ض الن�سبة امل�ستخدمة يف القطاع الزراعي‪� ،‬إذ �أ�صبح ا�ستخدام املياه العادمة‬ ‫املعاجلة لأغرا�ض الزراعة �سائدًا‪ ،‬مما يوفر ا�ستخدامات املياه لقطاع البلديات‪.‬‬ ‫جدول (‪ :)7‬ا�ستخدامات املياه‪ ‬ال�سطحية‪ ‬يف الأردن عام ‪2009‬‬

‫جدول (‪ :)7‬ا�ستخدامات املياه‪ ‬ال�سطحية‪ ‬يف الأردن عام ‪.2009‬‬ ‫جدول (‪ :)8‬ا�ستخدامات املياه ال�سطحية يف الأردن عام ‪2013‬‬

‫تعد املياه اجلوفية � ً‬ ‫أي�ضا من �أهم امل�صادر املائية يف الأردن‪ ،‬وعند درا�سة‬ ‫م�صادرها جند �أن الأحوا�ض املائية اجلوفية مك ّونه من نوعني‪ :‬الأول‪ ،‬مياه جوفية‬ ‫متجددة ت�شكل (‪� )10‬أحوا�ض جوفية من �أ�صل (‪ً )12‬‬ ‫حو�ضا‪ ،‬واحلو�ضان الباقيان‬ ‫هما حو�ض الدي�سي وحو�ض اجلفر‪ .‬وهي �أحوا�ض غري متجددة كما يو�ضح ذلك ال�شكل‬ ‫�شح الأمطار يف‬ ‫رقم (‪� .)5‬إن الأحوا�ض اجلوفية تعاين من قلة التزويد املائي ب�سبب ّ‬ ‫الأردن‪� ،‬إ�ضافة �إىل ّ‬ ‫ال�ضخ اجلائر الذي �أدى �إىل متلُّح بع�ض الأحوا�ض اجلوفية‪.‬‬ ‫‪- 39 -‬‬

‫�صيف ‪2015‬‬


‫محور العدد‪ :‬الالجئون‪ ،‬الميـــاه‪ ،‬البـيــئــة والنزاعات الإقليمية‬

‫�شكل (‪ :)5‬الأحوا�ض املائية اجلوفية ومعدل اال�ستخراج الآمن يف الأردن‬

‫ت�شري الدرا�سات ال�سابقة �إىل �أن حو�ض ع ّمان‪-‬الزرقاء (اجلويف وال�سطحي)‪،‬‬ ‫الذي �أن�شىء عليه خميم الالجئني ال�سوريني (الزعرتي)‪ ،‬قد تعر�ض �إىل �سوء‬ ‫�إدارة ملياه احلو�ض منذ زمن بعيد‪� ،‬إذ ت�ؤكد الدرا�سات ب�أن احلو�ض اجلويف منه‬ ‫قد تع ّر�ض لل�ضخّ اجلائر‪ ،‬مما زاد من ن�سبة الأمالح الذائبة يف مياه احلو�ض‪،‬‬ ‫�إ�ضافة �إىل �أن الطبقات اجليولوجية التي يتك ّون منها احلو�ض هي طبقات احلور‬ ‫ذات ال�سماكة القليلة‪ ،‬ويتميز هذا احلو�ض اجلويف بعدم وجود طبقات حامية‬ ‫�سميكة؛ مثل طبقات (‪ )Aquiclude‬التي حتمي احلو�ض من و�صول املل ّوثات �إىل‬ ‫مياهه اجلوفية‪ ،‬وبذلك تزداد احتمالية تلوث هذا احلو�ض جراء �إن�شاء خميم‬ ‫الزعرتي‪ ،‬خا�صة �أن املخيم يخلو من البنية التحتية و�شبكة ال�صرف ال�صحي‪،‬‬ ‫الأمر الذي يعني زيادة حجم املخاطر التي قد تتع ّر�ض لها املياه اجلوفية‪.‬‬ ‫املنتـ ــدى ‪262‬‬

‫‪- 40 -‬‬


‫(‪ )2‬الزيادة ال�سكان ّية نتيجة اللجوء و�أثرها على م�صادر المياه (الأردن واللجوء ال�سوري �أنموذج ًا)‬ ‫المهند�سة دة‪ .‬غيداء �أبورمان‬

‫�أما فيما يتعلق بحو�ض الأزرق اجلويف‪ ،‬الذي �أُقيم عليه ثاين �أكرب خميمات‬ ‫الالجئني ال�سوريني‪ ،‬فقد تع ّر�ض � ً‬ ‫أي�ضا منذ ما قبل اللجوء ال�سوري �إىل ال�ضخّ‬ ‫ب�شكل كبري‪ ،‬كما �ساهمت‬ ‫اجلائر الذي �ساهم يف زيادة ن�سبة الأمالح يف املياه ٍ‬ ‫املمار�سات اخلاطئة والتغيري املناخي يف جفاف واحة الأزرق بالكامل‪ .‬ومع تزايد‬ ‫احتمالية املخاطر التي �سيتعر�ض لها حو�ض الأزرق بعد �إقامة خميم الالجئني‬ ‫ال�سوريني (الأزرق)‪ ،‬الذي يت�سع لـ (‪ )130.000‬الجىء‪ ،‬وحيث �إن الأردن يتلقى‬ ‫حوايل ‪ ٪63‬من م�صادر مياهه من املياه اجلوفية (‪)9‬؛ ف�إن �إجمايل املعرو�ض من‬ ‫املياه اجلوفية امل�ستخدمة قد ارتفع من (‪ )484.1‬مليون مرت مكعب يف عام ‪2009‬‬ ‫�أو قبل اللجوء ال�سوري‪ ،‬لي�صل �إىل (‪ )494.1‬مليون مرت مكعب يف عام ‪)5( 2012‬؛ �أي‬ ‫بعد اللجوء ال�سوري‪.‬‬ ‫وبالن�سبة �إىل �أحوا�ض املياه اجلوفية غري املتجددة؛ مثل حو�ض الدي�سي‪،‬‬ ‫ف�إنها عادة ما ت�ستغرق فرتة �أطول من الوقت لتجديد �أو �إعادة تغذية احلو�ض‬ ‫اجلويف (‪ ،)Recharge‬وبالتايل ف�إنه ينبغي توخي احليطة واحلذر عند ا�ستخدامها‬ ‫وال�ضخّ منها‪.‬‬ ‫ومع �أن ا�ستخدامات املياه‪ ‬اجلوفية‪ ‬يف الأردن تندرج �ضمن قطاعات �أربعة‪:‬‬ ‫قطاع الزراعة‪ ،‬والبلديات‪ ،‬وال�صناعة‪ ،‬واملوا�شي‪� ،‬إال �أن الغالبية العظمى من‬ ‫املياه اجلوفية يتم تخ�صي�صها لال�ستخدام يف ال�شرب وقطاع البلديات‪ ،‬ومن ثم‬ ‫يف قطاع الزراعة‪ .‬وباملقارنة بني توزيع ا�ستخدامات املياه على القطاعات �سالفة‬ ‫الذكر قبل الأزمة ال�سورية (عام ‪ )2009‬وبعد هذه الأزمة (عام ‪ ،)2012‬كما‬ ‫يو�ضح اجلدول رقم (‪ ،)9‬ف�إن توزيع املياه اجلوفيه لعام ‪ 2009‬يبني ا�ستهالك‬ ‫القطــاع الــزراعي لـ (‪ )245.7‬مليون مرت مكعب (‪ )8‬من �إمدادات املياه (حوايل‬ ‫‪ ٪50‬من اال�ستخدام الك ّلي للمياه اجلوفية)‪ ،‬وا�ستخدام قطاع البلديات لـ‬ ‫(‪ )204.4‬مليون مرت مكعب (حوايل ‪ ٪42‬من �إجمايل ا�ستخدام املياه اجلوفية)‪.‬‬ ‫‪- 41 -‬‬

‫�صيف ‪2015‬‬


‫محور العدد‪ :‬الالجئون‪ ،‬الميـــاه‪ ،‬البـيــئــة والنزاعات الإقليمية‬

‫ويو�ضح اجلدول رقم (‪ )10‬توزيع املياه اجلوفية للعام ‪ ،2012‬حيث ُيالحظ‬ ‫�أن هنالك زيادة يف كمية املياه املخ�ص�صة لقطاع البلديات بن�سبة (‪،)%12.6‬‬ ‫وكذلك وجود زيادة يف كمية املياه املخ�ص�صة للقطاع الزراعي عما كانت عليه‬ ‫يف عام ‪ 2009‬بن�سبة (‪ .)5( )%5.2‬ولدى مقارنة ا�ستخدامات املياه اجلوفية مع‬ ‫ا�ستخدامات املياه ال�سطحية‪ ،‬التي ُعر�ضت �ساب ًقا‪ ،‬نالحظ �أن ا�ستخدامات املياه‬ ‫ال�سطحية قد انخف�ضت من عام ‪� 2009‬إىل عام ‪ ،2012‬مع تغيري يف ا�ستخدام‬ ‫املياه للزراعة من ‪� 2009‬إىل ‪ .2012‬هذا التغيري يف جمال �إدارة املياه ميكن‬ ‫�أن يكون نتيجة النخفا�ض توافر املياه من �أحد امل�صادر‪ ،‬وكذلك ب�سبب اللجوء‬ ‫ال�ستخدام املياه العادمة املعاجلة يف ري املزروعات‪ ،‬مما يق ِّلل من كميات املياه‬ ‫اجلوفية املخ�ص�صة للزراعة‪.‬‬

‫جدول (‪ :)9‬ا�ستخدامات املياه اجلوفية يف الأردن عام ‪2009‬‬

‫جدول (‪ :)10‬ا�ستخدامات املياه اجلوفية يف الأردن عام ‪2012‬‬ ‫املنتـ ــدى ‪262‬‬

‫‪- 42 -‬‬


‫(‪ )2‬الزيادة ال�سكان ّية نتيجة اللجوء و�أثرها على م�صادر المياه (الأردن واللجوء ال�سوري �أنموذج ًا)‬ ‫المهند�سة دة‪ .‬غيداء �أبورمان‬

‫تو�ضح جميع الدرا�سات ال�سابقة املتعلقة ب�أحوا�ض املياه اجلوفية‪� ،‬أن معدل‬ ‫ا�ستخراج املياه اجلوفية غال ًبا ما جتاوز العائد الآمن بالن�سبة ملعظم الأحوا�ض‪،‬‬ ‫مما يدل على �إعادة غري م�ستدامه لهذا امل�صدر من م�صادر املياه الأخرى‪،‬‬ ‫مما ي�ؤثر يف ا�ستغالل م�صادر املياه اجلوفية‪ ،‬وعند املقارنة بني واقع الأحوا�ض‬ ‫اجلوفية يف عام ‪ 2009‬وعام ‪( 2012‬قبل الأزمة ال�سورية وبعدها) مع الأخذ‬ ‫باحل�سبان �أن الأحوا�ض اجلوفية تعاين من اال�ستنزاف وال�ضخّ اجلائر‪ ،‬جند �أن‬ ‫معدالت ا�ستخراج املياه اجلوفية ومعدالت التغذية من (‪ً )12‬‬ ‫حو�ضا جوف ًيا يف‬ ‫عام ‪ ،2009‬قبل تدفق الالجئني‪ ،‬بلغ (‪ ،)٪3.98‬فيما بلغ متو�سط حجم تغذية‬ ‫املياه اجلوفية (‪ 60‬مليون مرت مكعب)(‪ ،)8‬ويف عام ‪ 2012‬بلغ متو�سط معدل تغذية‬ ‫املياه اجلوفية (‪ ،)%4.72‬مبعنى �أن هذا املعدل كان �أعلى من املتو�سط يف ٍّ‬ ‫كل من‬ ‫�أحوا�ض (الريموك‪ ،‬وع ّمان ‪ -‬الزرقاء‪ ،‬و�شمايل وادي عربة)(‪.)5‬‬ ‫وعلى الرغم من �أن بع�ض الأحوا�ض الفردية ُتظهر االختالفات يف الزيادة �أو‬ ‫النق�صان خالل تلك الفرتة الزمنية‪� ،‬إال �أن معدالت التغذية يف الأحوا�ض اجلوفية‬ ‫تت�أثر يف الغالب بعدة عوامل �أهمها‪ :‬هطول الأمطار والظروف املناخية‪ ،‬ونفاذية‬ ‫املياه �إىل احلو�ض‪ ،‬ومعدالت ّ‬ ‫الحظ � ً‬ ‫أي�ضا يف نتائج اللجوء ال�سوري‬ ‫التبخر‪ .‬ومن املُ َ‬ ‫ً‬ ‫انخفا�ضا يف من�سوب املياه اجلوفية؛ �إذ بلغ‬ ‫على الواقع املائي يف الأردن �أن هنالك‬ ‫معدل االنخفا�ض يف املتو�سط (‪ 1‬مرت واحد) �سنو ًيا‪ ،‬ومن املتوقع لها �أن تنخف�ض‬ ‫�إىل (‪ 1.5‬مرت) �سنو ًيا يف املرحلة احلالية ب�سبب زيادة معدل ال�ضخّ املتوقع‪ .‬ويقدِّ ر‬ ‫املخت�صون �أن ي�صل انخفا�ض املياه اجلوفية �إىل (‪ 2‬مرت) �سنو ًيا‪ ،‬ذلك �أن الآبار‬ ‫يف خميم الزعرتي توفر املياه مبعدل �ضخّ مقداره (‪� 50‬إىل ‪ 60‬مرت مكعب) يف‬ ‫ال�ساعة‪ .‬و ُتنقل املياه القادمة من هذه امل�صادر بوا�سطة ال�شاحنات �إىل خزانات‬ ‫حفظ املياه املنت�شرة يف جميع �أنحاء املخيم(‪.)5‬‬ ‫�إن الهدف من تقييم تدفق الالجئني ال�سوريني هو حتديد العالقة بني‬ ‫الزيادة يف عدد ال�سكان وا�ستخدامات املياه والتغريات الناجتة يف امليزانية‬ ‫عاما يف اجلدول رقم (‪ )11‬فيما يتعلق مبعدالت‬ ‫املائية‪ ،‬املو�ضحة على مدار (‪ً )13‬‬ ‫الت�ساقطات املطرية‪ ،‬ومعدالت التبخر‪ ،‬والتغذية اجلوفية‪.‬‬ ‫‪- 43 -‬‬

‫�صيف ‪2015‬‬


‫محور العدد‪ :‬الالجئون‪ ،‬الميـــاه‪ ،‬البـيــئــة والنزاعات الإقليمية‬

‫جدول(‪ :)11‬املوازنة املائية ال�سطحية واجلوفية للأعوام (‪)2013-2000‬‬

‫ميثل اجلدول رقم (‪ )12‬جمموع �أعداد الالجئني ال�سوريني يف جميع‬ ‫حمافظات اململكة حتى كانون الثاين‪ /‬يناير ‪ ،2014‬فقد ا�ستقبل الأردن حتى نهاية‬ ‫�شهر �آذار‪/‬مار�س ‪ ،2015‬حوايل (‪ )376.625‬الجىء �سوري‪ُ ،‬ي�ضاف �إىل ذلك‬ ‫حوايل (‪ )750.000‬مواطن �سوري قدموا قبل الأزمة‪ ،‬مبا �أ�صبح جمموعه الكلي‬ ‫(‪ )1.375.376‬مليون الجئ �سوري تقري ًبا‪ ،‬منهم ‪ %20‬داخل املخيمات‪ ،‬و‪%80‬‬ ‫يف ٍّ‬ ‫كل من املفرق‪ ،‬و�إربد‪ ،‬وع ّمان(‪ .)4‬وال ت�شمل هذه الأرقام �أعداد الالجئني غري‬ ‫امل�سجلني‪ ،‬وبالتايل ف�إن هذه الأرقام هي �أقل مما هو عليه واقع احلال فيما يخ�ص‬ ‫العدد الفعلي لل�سكان ال�سوريني يف الأردن‪ .‬وقد ا�ست�ضافت حمافظة املفرق‪ ،‬التي‬ ‫يقع داخلها �أكرب خميم لالجئني (خميم الزعرتي)‪ ،‬العدد الأكرب من موجات‬ ‫اللجوء بن�سبة ‪ ،%60.5‬وبالعودة �إىل تقارير �شركة «الريموك للمياه»‪ ،‬التي تدير‬ ‫موارد املياه يف املفرق‪ ،‬يتبني �أن زيادة ال�ضغط على املياه لديها كان نتيجة للعدد‬ ‫الكبري من الالجئني‪.‬‬ ‫املنتـ ــدى ‪262‬‬

‫‪- 44 -‬‬


‫(‪ )2‬الزيادة ال�سكان ّية نتيجة اللجوء واأثرها على م�سادر المياه (الأردن واللجوء ال�سوري اأنموذج ًا)‬ ‫المهند�صة دة‪ .‬غيداء اأبورمان‬

‫لقد بلغ عدد ال�سكان يف منطقة املفرق قبل تدفق الالجئني ال�سوريني يف عام‬ ‫‪ ,)289309( ,)10( 2012‬ومنا هذا العدد لي�سل اإىل (‪ )300300‬بحلول عام ‪.)11( 2013‬‬ ‫اأما يف املحافظات االأخرى التي ا�ست�سافت ا ً‬ ‫أي�سا اأعدادًا كبرية من الالجئني‪ ,‬فقد‬ ‫بلغت ن�سبتهم يف مدينة اإربد (‪ )%10.83‬من ال�سكان يف املدينة حتى نهاية عام‬ ‫‪ ,2013‬ويف حمافظة عجلون (‪ )%6.64‬من جممل عدد ال�سكان‪ ,‬ويف العا�سمة ع ّمان‬ ‫(‪ )%5.39‬من جممل عدد ال�سكان‪ ,‬ويف حمافظة جر�س (‪ )%5.44‬من جممل عدد‬ ‫ال�سكان‪ ,‬ويف حمافظة الزرقاء (‪ )%5.03‬من جمموع ال�سكان (‪.)4‬‬ ‫جدول (‪ :)14‬اأعداد الالجئني ال�سوريني يف جميع حمافظات اململكة عام ‪2013‬‬

‫ويو�سح ال�سكل االآتي (‪ )4‬اأعداد الالجئني ال�سوريني وتوزيعهم يف خمتلف‬ ‫املحافظات االأردنية حتى �سهر اآذار‪ /‬مار�س عام ‪:2015‬‬

‫�سكل ( ‪ : )6‬اأعداد الالجئني ال�سوريني وتوزيعهم يف خمتلف املحافظات االأردنية حتى �سهر اآذار‪/‬مار�س عام ‪2015‬‬

‫‪- 45 -‬‬

‫�صيف ‪2015‬‬


‫محور العدد‪ :‬الالجئون‪ ،‬الميـــاه‪ ،‬البـيــئــة والنزاعات الإقليمية‬

‫�ساهمت الزيادة ال�سكانية املفاجئة يف الأردن يف زيادة الطلب على املياه‪،‬‬ ‫وبح�سب تقديرات وزارة املياه والري للعام ‪ ،2014‬كان من املق َّدر �أن يكون الطلب‬ ‫على املياه حوايل (‪ )20.65‬مليون مرت مكعب �سنو ًيا مع وجود ما جمموعه‬ ‫(‪ )600٫000‬الجئ‪� ،‬آخذين باالعتبار �أن (متو�سط ا�ستهالك الالجئني للمياه‬ ‫هو ‪ 45‬لرت‪ /‬ج‪ /‬د) يف املخيمات‪ ،‬فيما متو�سط ا�ستهالك الالجئني يف املدن‬ ‫الأردنية للمياه يوازي ا�ستهالك املواطن الذي يق َّدر بحوايل (‪ 90‬لرت ‪/‬ج ج‪ /‬د)‪.‬‬ ‫�أما بخ�صو�ص خميم الزعرتي‪ ،‬فقد بلغت كمية الطلب على املياه (‪ )1.2‬مليون‬ ‫مرت مكعب �سنو ًيا (�إذا كان متو�سط ا�ستهالك الالجئني للمياه هو ‪ 45‬لرت‪ /‬ج‪/‬‬ ‫د)‪ .‬ومبالحظة �أن كمية الطلب على املياه يف خميم الأزرق لالجئني مع وجود‬ ‫حوايل (‪ )130.000‬الجئ �ستكون (‪ )1.6‬مليون مرت مكعب �سنو ًيا (�إذا كان‬ ‫متو�سط ا�ستهالك الالجئني للمياه هو ‪ 45‬لرت‪ /‬ج‪/‬د) ح�سب االتفاقيات املو ّقعة‬ ‫مع املنظمات الدولية(‪.)5‬‬ ‫ولتقييم ت�أثري الالجئني‪ ،‬مت ح�ساب الكمية التقديرية ال�ستخدام املياه من‬ ‫جانبهم ومقارنتها بكمية املياه امل�ستخرجة واملخ�ص�صة لال�ستخدام املنزيل‪.‬‬ ‫وبلغت الن�سبة املئوية ال�ستخدام املياه حلوايل (‪ )600.000‬الجئ (‪)٪2.3‬‬ ‫تقري ًبا من �إجمايل ا�ستهالك املياه يف الأردن‪ .‬كما بلغت الن�سبة املئوية التقديرية‬ ‫ال�ستخدام املياه ب�شكل عام حلوايل (‪ )1.2‬مليون الجئ (‪ )٪4.5‬تقري ًبا من‬ ‫�إجمايل ا�ستهالك املياه يف الأردن‪ .‬وبلغت الن�سبة املئوية ال�ستخدام املياه يف خميم‬ ‫الزعرتي حوايل (‪ )٪0.8‬من �إجمايل املياه امل�ستخرجة من املياه اجلوفية حلو�ض‬ ‫ع ّمان ‪ -‬الزرقاء يف عام ‪.2013‬‬ ‫�إن الطاقة اال�ستيعابية لأعداد الالجئني يف خميم الأزرق تقدر بحوايل‬ ‫(‪ )130.000‬الجئ‪ ،‬ويبلغ معدل ما �سيتم ا�ستهالكه من املياه حوايل (‪)٪ 2.9‬‬ ‫من �إجمايل ا�ستهالك املياه يف الأردن‪.‬‬ ‫املنتـ ــدى ‪262‬‬

‫‪- 46 -‬‬


‫(‪ )2‬الزيادة ال�سكان ّية نتيجة اللجوء و�أثرها على م�صادر المياه (الأردن واللجوء ال�سوري �أنموذج ًا)‬ ‫المهند�سة دة‪ .‬غيداء �أبورمان‬

‫وباملجمل ف�إن ما يزيد على (‪ )1‬مليون الجىء �سوري ي�ستهلكون حال ًيا ما يزيد‬ ‫على (‪ )%22‬من كميات املياه يف الأردن(‪.)12‬‬ ‫ويف نطاق درا�سة الآثار املرتتبة على قطاع املياه جراء اللجوء ال�سوري‪،‬‬ ‫مت درا�سة جميع امل�شاريع التي قامت بها املفو�ضية العليا لالجئني ال�سوريني‪،‬‬ ‫مثل م�شروع تقييم الأثر البيئي (‪Environmental Impact Assessment‬‬ ‫‪ (EIA‬ملخيم الزعرتي(‪ ،)9‬حيث بينَّ امل�شروع �أن هنالك دو ًرا للإدارة البيئية يف‬ ‫عملية التخطيط لالجئني ال�سوريني‪ ،‬وخالل امل�شروع مت التطرق �إىل ال�شروط‬ ‫الأ�سا�سية ملوارد املياه يف خميم الزعرتي‪ ،‬وحتديد الثغرات يف �إطار عملية‬ ‫يخ�ص حتديد الأولويات والتهديدات التي ت�ؤدي �إىل‬ ‫التخطيط لالجئني يف ما ّ‬ ‫نق�ص املياه وتغيرّ نوعيتها يف الأردن‪ ،‬و�أجري م�شروع (‪ )EIA‬بعد عام واحد‬ ‫تقري ًبا من �إن�شاء خميم الزعرتي‪ ،‬فتم جمع وحتليل البيانات الأ�سا�سية وحتديد‬ ‫الآثار البيئية يف املخيم‪ ،‬وخا�صة �أن خميم الزعرتي يقع يف منطقة يظهر فيها‬ ‫�آثار تدهور الأرا�ضي قبل التخطيط لإن�شاء خمي ـ ــم الالجئ ــني‪ ،‬حي ــث �إن �سطح‬ ‫الأر�ض مغطى باحلـ ــ�صى‪ ،‬كما �أن هن ــاك وج ــود جلف ــت الزيت ــون يف �ش ــمايل‬ ‫املخ ــيم‪ ،‬مم ــا يق ِّلل من جريان املياه‪ ،‬وي ـ�ؤثر على مياه ال�صرف يف دخول ح ــو�ض‬ ‫امليــاه اجلــويف ع ّمان – الزرقاء(‪ .)9‬وخل�صت درا�سة (‪� )EIA‬إىل �أن �إن�شاء خميم‬ ‫الزعرتي له ت�أثري �سلبي كبري على البيئة باملقارنة مع ال�شروط الواجب توافرها يف‬ ‫منطقه املخيم قبل تدفق الالجئني ال�سوريني‪.‬‬ ‫ومنذ �إن�شاء املخيم يف منطقة تتميز بوجود الأرا�ضي الزراعية املتدهورة‪،‬‬ ‫وموقع الزعرتي له ت�أثري �سلبي على الظروف البيئية الأ�سا�سية‪ ،‬نظ ًرا لنق�ص املياه‬ ‫املوجودة يف املنطقة‪ ،‬وزيادة اخل�سائر جراء نقل املياه عرب �شاحنات‪ ،‬وكذلك‬ ‫وجود ت�س ّرب يف البنية التحتية للمياه‪ ،‬وحيث �إن طبقة املياه اجلوفية تقع بالقرب‬ ‫‪- 47 -‬‬

‫�صيف ‪2015‬‬


‫محور العدد‪ :‬الالجئون‪ ،‬الميـــاه‪ ،‬البـيــئــة والنزاعات الإقليمية‬

‫من خميم الزعرتي‪ ،‬فقد �ش َّكل هذا املو�ضوع قل ًقا للحكومة‪ ،‬ومع ذلك خل�صت‬ ‫درا�سة تقييم الأثر البيئي (‪� )EIA‬إىل �أن هناك احتمالية كبرية خلطر تلوث‬ ‫املياه اجلوفية‪ .‬ويف املقابل‪ ،‬خل�صت الدرا�سة نف�سها �إىل �ضروره االنتباه �إىل مياه‬ ‫ال�صرف ال�صحي و�إدارة النفايات ال�صلبة‪� ،‬إذ �إن وجودها يف موقع املخيم له �أثر‬ ‫�سلبي كبري على ال�شروط الأ�سا�سية لإن�شاء خميمات اللجوء‪.‬‬ ‫ب�شكل منا�سب والتخل�ص من النفايات ال�صلبة جزء ال يتجز أ�‬ ‫�إن �إدارة النفايات ٍ‬ ‫من حماية نوعية املياه يف طبقة املياه اجلوفية‪ .‬ولذلك‪ ،‬ف�إن هناك م�س�ؤولية على‬ ‫املفو�ضية ملعاجلة مياه ال�صرف ال�صحي والنفايات ال�صلبة على نح ٍو ف ّعال‪.‬‬ ‫وت�شري الظروف الهيدرولوجية يف منطقه املخيم �إىل �أن هناك �أهمية بالغة‬ ‫ل�ضخّ الآبار العميقة يف منطقة الزعرتي‪ ،‬كما �أن الدرا�سات ت�شري �إىل �أن من�سوب‬ ‫املياه اجلوفية انخف�ض مبقدار (‪ )1‬مرت �إىل (‪ )1.5‬مرت ون�صف املرت عن العام‬ ‫املا�ضي‪ ،‬مع عدم وجود �صرف �صحي جيد يف موقع املخيم‪ ،‬مما قد ي�سبب �ضعف‬ ‫طبقة املياه اجلوفية‪ .‬وعالوة على ذلك‪ ،‬اخل�سائر الناجتة عن خزانات املياه‬ ‫التالفة‪� ،‬إن ما يقارب ‪ %40‬من خزانات املياه التالفة‪ ،‬وت�سرب حوايل ‪ %60‬من‬ ‫مياه ال�صرف ال�صحي نتيجه نقلها �إىل خارج املخيم‪ ،‬ي�سهمان يف حتديد الآثار‬ ‫الأكرث �أهمية على ا�ستخدام املياه (‪.)4‬‬ ‫فيما يتعلق بتوزيع املياه يف خميمي الزعرتي والأزرق لالجئني‪ ،‬ف�إن اليوني�سف‬ ‫تقوم بتنفيذ خطط لتوفري املياه و�إدارة مياه ال�صرف ال�صحي واخلدمات ال�صحية‬ ‫جلميع الالجئني ال�سوريني يف املخيم‪ .‬وتدعم اليوني�سف يف هذا القطاع منظمة‬ ‫(‪ )ACTED‬وم�ؤ�س�سة «مري�سي كور» من بني املنظمات الدولية الأخرى العاملة يف‬ ‫الزعرتي‪� .‬أما وزارة املياه والري فهي �صانع القرار جلميع الق�ضايا العامة املتعلقة‬ ‫باملياه وامل�س�ؤولة عن �إعطاء الإذن فيما يتعلق باحلفر والتوزيع(‪.)13‬‬ ‫املنتـ ــدى ‪262‬‬

‫‪- 48 -‬‬


‫(‪ )2‬الزيادة ال�سكان ّية نتيجة اللجوء واأثرها على م�سادر المياه (الأردن واللجوء ال�سوري اأنموذج ًا)‬ ‫المهند�صة دة‪ .‬غيداء اأبورمان‬

‫�سكل ( ‪ : ) 7‬الواقع املائي يف خميم الزعرتي لالجئني ال�سوريني‬

‫ال �سك اأن موؤ�سرات الواقع املائي وال�سرف ال�سحي يف خميم الزعرتي توؤكد‬ ‫احلاجة اإىل حت�سني االأداء وت�سافر جهود جميع اجلهات املانحة‪ ,‬اإذ اإنه يتوافر‬ ‫ً‬ ‫�سخ�سا)‪.‬‬ ‫عاما (مبعدل مرحا�س واحد لكل ‪51‬‬ ‫يف املخيم (‪)2340‬‬ ‫مرحا�سا ً‬ ‫ً‬ ‫وهناك عدد قليل جدً ا من احلاالت التي يعي�س فيها الالجئون يف الزعرتي على‬ ‫ُبعد يزيد على (‪ )150‬مرتًا من اأقرب مرحا�س‪ .‬ويقيم معظم الالجئني داخل‬ ‫م�ساحة ترتاوح بني (‪ )100 – 50‬مرت من اأقرب موقع مرحا�س‪ .‬هذا مع العلم‬ ‫اأن ‪ %80‬من م�سادر املياه ملخيم الزعرتي قادمة من اآبار للمياه اجلوفية (ويتم‬ ‫نقل هذه املياه عرب ال�ساحنات)‪ ,‬و‪ %20‬قادمة من مزرعة خا�سة تقع بالقرب من‬ ‫املخيم‪ ,‬ويتم تو�سيل املياه عرب خط لالأنابيب (‪.)13‬‬ ‫هنالك نوعان من االآبار التي يتم حفرها بوا�سطة منظمة «مري�سي كور»‪,‬‬ ‫ويبلغ عمق هذه االآبار حوايل (‪ )137‬مرتًا‪ ,‬ومن�سوب املياه اجلوفية فيها يرتاوح‬ ‫ما بني (‪ )137.16-‬مرتًا اإىل (‪ )106.68-‬مرتًا حتت �سطح االأر�س‪ ,‬وتوفر‬ ‫‪- 49 -‬‬

‫�صيف ‪2015‬‬


‫محور العدد‪ :‬الالجئون‪ ,‬الميـــاه‪ ,‬البـيــئــة والنزاعات الإقليمية‬

‫هذه االآبار املياه مبعدل (‪ )100‬مرت مكعب يف ال�ساعة (امل�سدر‪ :‬غ�سان حزبون‪,‬‬ ‫مدير برامج البنية التحتية واملياه يف موؤ�س�سة «مري�سي كور» يف االأردن)‪ .‬وبالن�سبة‬ ‫مل�سادر املياه اخلارجية التي تز ّود املخيم والتي يتم �سراوؤها من قبل (‪)ACTED‬‬ ‫فهي تتاألف من خم�سة اآبار تقع على ُبعد حوايل (‪ )500‬مرت من موقع املخيم‪.‬‬ ‫تعترب ق�سية مياه ال�سرف ال�سحي ق�سية بالغة االأهمية مع وجود مطالبات‬ ‫لنقل مياه ال�سرف ال�سحي اخلارجة من الزعرتي اإىل حمطة معاجلة مياه‬ ‫ال�سرف ال�سحي‪ ,‬التي تقع على ُبعد حوايل (‪ )32‬كيلومرتًا (اأو ‪ 19.8‬مي ًال) من‬ ‫املوقع‪ .‬وكانت املطالبات ب�سبب اخلوف من خطر تلويث احلو�س اجلويف وعدم‬ ‫وجود مرافق معاجلة مياه ال�سرف ال�سحي يف املوقع‪ ,‬ويتم نقل حمولة ال�سرف‬ ‫ال�سحي اإىل حمطة املعاجلة عرب ال�ساحنات يوم ًيا‪ .‬ويف الوقت الراهن ال يوجد‬ ‫هدف اإىل اإعادة ا�ستخدام مياه ال�سرف ال�سحي هذه‪ ,‬لكن هناك اإمكانية الإعادة‬ ‫تدوير املياه لال�ستخدامات الزراعية ال�سغرية (‪.)4‬‬ ‫ويف نهاية عام ‪ 2014‬قامت املفو�سية العليا ل�سوؤون الالجئني بعمل حتليل‬ ‫ودرا�سة �ساملة لواقع ال�سرف ال�سحي يف خميم الزعرتي‪ ,‬ملا له من اآثار �سلبية‬ ‫على املياه اجلوفية يف حو�س ع ّمان‪ -‬الزرقاء‪ ,‬كما هو مو�سح يف ال�سكل االآتي‪:‬‬

‫�سكل ( ‪ : )8‬درا�سة مف�سلة لواقع ال�سرف ال�سحي يف خميم الزعرتي‬ ‫املنتـ ــدى ‪262‬‬

‫‪- 50 -‬‬


‫(‪ )2‬الزيادة ال�سكان ّية نتيجة اللجوء واأثرها على م�سادر المياه (الأردن واللجوء ال�سوري اأنموذج ًا)‬ ‫المهند�صة دة‪ .‬غيداء اأبورمان‬

‫اإن البنية التحتية للمياه يف خميم الزعرتي غري ف ّعالة‪ ,‬اإ�سافة اإىل وجود‬ ‫خ�سائر نتيجة لنقل مياه ال�سرب ومياه ال�سرف ال�سحي من خالل ال�ساحنات؛‬ ‫اإذ اإن هنالك حوايل (‪� )100‬ساحنة تنقل املياه يف اليوم الواحد‪ ,‬مع ما جمموعه‬ ‫(‪ )250‬رحلة ذها ًبا واإيا ًبا من واإىل الزعرتي(‪.)9‬‬

‫�سكل (‪ :)9‬خارطة البنية التحتية ملخيم االأزرق‬

‫اأما بالن�سبة اإىل املخيم الثاين لالجئني‪ ,‬الذي اف ُتتح يف االأزرق يف ني�سان‪ /‬اإبريل‬ ‫عام ‪ ,2014‬فاإن هذا املخيم لديه القدرة على ا�ستيعاب ما ي�سل اإىل (‪)130.000‬‬ ‫الجئ(‪ )4‬يف الوقت الذي ال توجد فيه �سبكة للمياه اأو لل�سرف ال�سحي‪.‬‬ ‫وف ًقا لتقييم م�سرتك اأجرته املفو�سية واليوني�سيف وبرنامج االأغذية العاملي‬ ‫لالأمم املتحدة (‪ ,)2014‬فاإن م�سدر املياه وتخطيط البنية التحتية يف خميم‬ ‫االأزرق �سوف يت�سابها وما هو موجود يف خميم الزعرتي‪ ,‬ومع ذلك كانت هنالك‬ ‫بع�س االعتبارات لتنفيذ خطة ا�ستخدام االأرا�سي والتخطيط من اأجل احلفاظ‬ ‫على املياه‪ ,‬ونظ ًرا للمحاذير التي تتعلق ب�سالمة الن�ساء واالأطفال جراء ا�ستعمال‬ ‫املراحي�س اجلماعية‪.‬‬ ‫‪- 51 -‬‬

‫�صيف ‪2015‬‬


‫محور العدد‪ :‬الالجئون‪ ،‬الميـــاه‪ ،‬البـيــئــة والنزاعات الإقليمية‬

‫�إن التكاليف املبا�شرة على املدى الق�صري ال�ست�ضافة الالجئني ال�سوريني‪،‬‬ ‫والتكاليف غري املبا�شرة على املدى الطويل لأثر ه�ؤالء الالجئني على قطاع املياه‬ ‫مو�ضحة يف اجلدول رقم (‪ .)12‬وت�شري التكاليف املبا�شرة على املدى الق�صري �أن‬ ‫الأردن �سوف يحتاج �إىل ا�ستثمار نحو (‪ )USD 370.827.232‬لنحو (‪)1.2‬‬ ‫مليون الجئ �سنو ًيا‪ .‬وهذه التكلفة متثل التكاليف الر�أ�سمالية والتكاليف الت�شغيلية‬ ‫للمياه ومياه ال�صرف ال�صحي‪ .‬وفيما يتعلق بالتكاليف غري املبا�شرة على املدى‬ ‫الطويل على املياه‪ ،‬يبينّ التقرير ال�سنوي لوزارة املياه والري للعام ‪� 2013‬أن الأردن‬ ‫�سيحتاج �إىل ا�ستثمار نحو (‪ )USD 353.498.714‬ملا يقدر بنحو (‪ )1.2‬مليون‬ ‫الجىء �سنو ًيا‪ .‬وتدخل عدة عوامل �أخرى يف هذه التكاليف منها تلوث البيئة‪،‬‬ ‫وا�ستنزاف املياه اجلوفية‪ ،‬وتكاليف �إدارة الأزمات‪.‬‬ ‫جدول (‪ :)12‬التكلفة الر�أ�سمالية للمياه وال�صرف ال�صحي لالجئني لعامي ‪ 2014‬و ‪2015‬‬

‫ويو�ضح اجلدوالن الآتيان التكلفة املالية ّ‬ ‫لل�ضخ اجلائر و�إدارة الأزمات لالجئني‬ ‫لعامي ‪ 2014‬و‪ ،2015‬وكذلك التكلفة االقت�صادية لالجئني لعامي ‪ 2014‬و ‪.)4(2015‬‬ ‫جدول (‪ :)13‬التكلفه املالية لل�ضخّ اجلائر و�إدارة الأزمات لالجئني لعامي ‪ 2014‬و ‪2015‬‬

‫املنتـ ــدى ‪262‬‬

‫‪- 52 -‬‬


‫(‪ )2‬الزيادة ال�سكان ّية نتيجة اللجوء و�أثرها على م�صادر المياه (الأردن واللجوء ال�سوري �أنموذج ًا)‬ ‫المهند�سة دة‪ .‬غيداء �أبورمان‬

‫جدول (‪ :)14‬التكلفة االقت�صادية لالجئني لعامي ‪ 2014‬و ‪2015‬‬

‫يف �سياق حالة الأزمة ال�سورية‪ ،‬لي�س هناك توقع من الالجئني واحلكومة‬ ‫الأردنية‪� ،‬أو من منظمات الإغاثة الدولية‪� ،‬أن هذه املع�سكرات �ستغلق يف غ�ضون‬ ‫ال�سنة املقبلة‪ .‬لذلك يجب العمل يف اجتاه تخطيط طويل الأمد لإدارة املياه‪ ،‬و�أن‬ ‫يكون النهج �أكرث �شمولية ومتعدد القطاعات يف التخطيط لوجود الالجئني يف‬ ‫الأردن وملعاجلة الق�ضايا املتعلقة باملوارد املائية‪ .‬كما ينبغي �أن يجري التخطيط‬ ‫ب�شكل �أف�ضل ال�ستخدام الأرا�ضي من �أجل حماية م�صادر املياه‪ ،‬وو�ضع نهج لإدارة‬ ‫متكاملة للموارد املائية‪ .‬و�إىل جانب الإ�صالحات يف عملية التخطيط لالجئني‪،‬‬ ‫يجب النظر يف مبادرات �أخرى لتح�سني تقنيات �إدارة املياه امل�ستخدمة‪ ،‬وخا�صة‬ ‫يف املناطق ال�شمالية الأكرث ً‬ ‫تعر�ضا للزيادة ال�سكانية من الالجئني ال�سوريني‪ .‬كما‬ ‫ينبغي احل�صول على م�ساعدات مالية من الدول املانحة من �أجل التخطيط ل�شبكة‬ ‫�إمدادات املياه و�شبكة ال�صرف ال�صحي يف خميم الزعرتي‪ ،‬وهذه خطوة يف‬ ‫االجتاه ال�صحيح لتخطيط على املدى الطويل بالن�سبة لل�سكان يف منطقة املفرق‪،‬‬ ‫وحتى يف حالة �إغالق خميم الالجئني‪ .‬ومن الأف�ضل و�ضع خطة ملعاجلة املياه‬ ‫العادمة ومن ثم �إعادة ا�ستخدام هذه املياه املعاجلة لغايات الري يف الأرا�ضي‬ ‫الزراعية (يذكر �أن �أكرث من ‪ 34‬مليون مرت مكعب من مياه ال�صرف ال�صحي‬ ‫ت�ستخدم �سنو ًيا من قبل الالجئني ال�سوريني يف الأردن)‪.‬‬ ‫‪- 53 -‬‬

‫�صيف ‪2015‬‬


‫ البـيــئــة والنزاعات الإقليمية‬،‫ الميـــاه‬،‫ الالجئون‬:‫محور العدد‬

‫الهوام�ش‬

(1) Dai, A., Qian, T., Trenberth, K.E., Milliman, J.D. (2009) “Changes in continental freshwater discharge from 1948-2004” Journal of Climate 22: 2773-2791.

.2007 ،‫) تقرير الأمم املتحدة من �أجل التنمية امل�ستدامة‬2( .2013 ،‫) التقرير ال�سنوي لوزارة املياه والري‬3( .2015 ‫) تقرير املفو�ضية العليا لالجئني ال�سوريني‬4( .2014 ،‫) التقرير ال�سنوي لوزارة املياه والري‬5( .2008 ،‫) التقرير ال�سنوي لوزارة املياه والري‬6(

(7) Palo, T. (2014, January 5). Draft Environmental Impact Assessment, of the Zaatari camp, Jordan: Towards a green response. Prepared for UNHCR, Amman, Jordan. Retrieved from palo@unhcr.org.

.2010 ،‫) التقرير ال�سنوي لوزارة املياه والري‬8(

(9) REACH Survey. (2013, July). Key fi ndings of reach’s survey of wash facilities in Zaatari. UNICEF.

.2013 ،‫) تقرير دائرة الإح�صاءات العامة‬10( .2014 ،‫) تقرير دائرة الإح�صاءات العامة‬11( .2013 ،‫ وزارة املياه والري‬،‫) قطاع املياه الأردين؛ حقائق و�أرقام‬12(

(13) UNHCR. (2014). Environment. UNHCR News. Retrieved May 9, 2014, from http://www.unhcr.org/pages/49c3646c10a.

- 54 -

262 ‫املنتـ ــدى‬


‫(‪)3‬‬

‫الآثار البيئية لمخيم الالجئين ال�سوريين (الزعتري)‬ ‫على م�صادر المياه‬ ‫*‬

‫املهند�س معاوية حممد �سمارة‬ ‫مقدّمة‪ ‬‬

‫�شح يف موارده املائية نتيجة لوقوعه �ضمن النطاق اجلاف‬ ‫يعاين الأردن من ّ‬ ‫و�شبه اجلاف من الكرة الأر�ضية‪ ،‬وتعترب املياه اجلوفية امل�صدر الرئي�س ملياه‬ ‫ال�شرب يف �أنحاء اململكة كافة‪� ،‬إ�ضافة �إىل كونها امل�صدر الرئي�س ملياه الري يف‬ ‫املناطق املرتفعة وال�صناعة يف خمتلف املناطق‪ ،‬كما تعد املياه ال�سطحية امل�صدر‬ ‫الرئي�س للري يف منطقة الأغوار‪ .‬وتعترب املياه يف اململكة حمدودة املوارد نظ ًرا‬ ‫العتمادها ب�شكل رئي�سي على الأمطار ال�ساقطة التي تت�صف بعدم االنتظام من‬ ‫وح�سن �إدارتها‬ ‫حيث التوزيع املكاين �أو الزماين‪ ،‬مما ي�ستوجب ح�صر هذه املوارد ُ‬ ‫وا�ستخدامها ب�شكل �أمثل‪.‬‬ ‫ُتق�سم �أرا�ضي اململكة �إيل خم�سة ع�شر ً‬ ‫حو�ضا مائ ًيا �سطح ًيا (ال�شكل رقم ‪،)1‬‬ ‫وتتفاوت من حيث املوقع اجلغرايف واملوقع الطبغرايف‪ ،‬ويرتافق ذلك بتباين كميات‬ ‫ال�ساقط املطري‪ ،‬واجلريان ال�سطحي‪ ،‬ودرجات احلرارة التي ت�ؤدي �إىل تباين كبري‬ ‫يف كميات التبخر‪/‬النتح بني هذه الأحوا�ض‪ .‬‬ ‫* خبري موارد مياه وبيئة‪ ،‬ق�سم الهند�سة املدنية – جامعة الإ�سراء‪ /‬الأردن‪.‬‬

‫‪- 55 -‬‬

‫�صيف ‪2015‬‬


‫محور العدد‪ :‬الالجئون‪ ،‬الميـــاه‪ ،‬البـيــئــة والنزاعات الإقليمية‬

‫كما تق�سم �أرا�ضي اململكة �إىل �إثني ع�شر ً‬ ‫حو�ضا مائ ًيا جوف ًيا (ال�شكل رقم‪،)2‬‬ ‫بع�ضها يقت�صر حدوده داخل اململكة‪ ،‬والبع�ض الآخر ميتد لي�شمل م�ساحات من‬ ‫�أرا�ضي الدول املجاورة‪ .‬وتتفاوت هذه الأحوا�ض بامل�ساحة‪ ،‬وكذلك ب�أهميتها من‬ ‫حيث �سعتها التخزينية‪ ،‬وكمية التغذية ال�سنوية‪� ،‬إ�ضافة �إىل نوعية مياهها‪ ،‬وبح�سب‬ ‫موقع امل�صدر املائي بالن�سبة ملناطق اال�ستهالك‪ .‬و�أهم هذه الأحوا�ض و�أكرثها‬ ‫ا�ستعما ًال حو�ض ع ّمان‪ -‬الزرقاء الذي يبد�أ يف جنوبي ع ّمان وميت ّد �شما ًال لي�شمل‬ ‫جز ًءا من الأرا�ضي ال�سورية‪.‬‬ ‫ُي�ساهم قطاع املياه يف الأردن يف تلبية احتياجات املواطنني و�سكان البالد من‬ ‫املياه للأغرا�ض املختلفة‪ ،‬رغم كل التحديات والظروف الطبيعية وغري الطبيعية‬ ‫حتد‬ ‫�شح كبري يف م�صادره املائية الذي يعترب ٍ‬ ‫القا�سية‪ ,‬حيث يعاين الأردن من ّ‬ ‫كبري على امل�ستوى الداخلي واخلارجي‪ ،‬لأن ما يتوفر لدى اململكة من م�صادر‬ ‫مائية غري قادرة على تلبية االحتياجات املتزايدة با�ستمرار للمواطنني والقاطنني‬ ‫فيها‪ ،‬والتي فاقمتها الهجرات الق�سرية املتتالية‪ .‬لقد فر�ض واقع هذه الهجرات‬ ‫الق�سرية على احلكومة مم َّثل ًة باجلهات املعنية بقطاع املياه منظوم ًة جديد ًة من‬ ‫حيث بناء ا�سرتاتيجيات و�سيا�سات جديدة تتما�شى مع هذا الكم الب�شري الهائل‬ ‫الذي جل�أ للأردن طل ًبا للأمن والأمان‪ ،‬الأمر الذي �أدى �إىل انخفا�ض ح�صة‬ ‫الفرد‪ .‬فقد �أ�صبح الأردن من �أفقر ثالث دول مائية يف العامل‪ ،‬بينما كان من �أفقر‬ ‫ع�شر دول مائية قبل الهجرة الق�سرية ال�سورية �إىل �أرا�ضيه‪ .‬وقد بلغت ح�صة‬ ‫الفرد الأردين من املياه عام ‪ 2013‬حوايل (‪ )125‬مرتًا مكعبا �سنو ًيا‪ ،‬وهذا ي�شكل‬ ‫�أقل من ‪ %12‬من ّ‬ ‫خط الفقر املائي العاملي‪ ،‬الذي �أق ّرته املنظمات املائية العاملية‬ ‫بـ (‪ )1000‬مرت مكعب �سنو ًيا‪ ،‬وهذا عائد �إىل الهجرات الق�سرية املتعددة التي‬ ‫يعاين منها الأردن‪ ،‬والتي كان �آخرها دخول ما يزيد عن (‪ )1٫3‬مليون الجىء‬ ‫�سوري ي�ستهلكون حال ًيا ما يزيد على ‪ %21‬من كميات املياه يف الأردن‪.‬‬ ‫�إن الواقع املائي يتط َّلب الإ�سراع يف تنفيذ عدد من امل�شاريع املائية على‬ ‫املدى القريب واملتو�سط والبعيد‪ ،‬واعتماد �سيا�سات وا�سرتاتيجيات خا�صة وخطط‬ ‫وطنية ال�ستدامة بيئة املياه يف الأردن‪ ،‬من خالل تطبيق برامج وتنفيذ م�شاريع‬ ‫مائية تقليدية وغري تقليدية‪� ،‬إ�ضافة �إىل ا�ستخدام الطاقة البديلة يف التعامل مع‬ ‫م�صادر املياه املتاحة من حيث اال�ستخراج والتوزيع ومعاجلة ال�صرف ال�صحي‪.‬‬ ‫املنتـ ــدى ‪262‬‬

‫‪- 56 -‬‬


‫(‪ )3‬الآثار البيئية لمخيم الالجئين ال�سوريين (الزعتري) على م�صادر المياه‬ ‫المهند�س معاوية محمد �سمارة‬

‫ت�شري بيانات الر�صد املائي الك ّمي والنوعي ملحطات ر�صد املياه ال�سطحية‬ ‫واجلوفية املو ّزعة على خمتلف مناطق اململكة‪� ،‬إىل �أن هنالك ً‬ ‫هبوطا متوا�ص ًال يف‬ ‫�سطح املياه اجلوفية ملعظم الأحوا�ض املائية اجلوفية ب�سبب ال�ضخّ اجلائر وارتفاع‬ ‫يف كمية الأمالح الذائبة والنرتات وع�صيات القولون الكلية والربازية يف الآبار‬ ‫القريبة من م�صادر التلوث‪.‬‬

‫مو�ضوعا للعديد من‬ ‫وقد كانت م�صادر املياه ال�سطحية واجلوفية يف اململكة‬ ‫ً‬ ‫الدرا�سات والتقارير التي تفاوتت يف ال�شمول والعمق والدقة‪ .‬وتعتمد هذه امل�صادر‬ ‫كل ّي ًة على مياه الأمطار التي يقدر مع ّدل حجمها ال�سنوي على اململكة بحوايل‬ ‫(‪ )8300‬مليون مرت مكعب‪ ،‬يعود حوايل ‪ %92‬منها �إىل ّ‬ ‫التبخر‪ ،‬والباقي يتوزع على‬ ‫�شكل مياه الفي�ضانات وتغذية املياه اجلوفية‪ُ ،‬م�ش ّكل ًة بذلك م�صادر املياه املتج ّددة‪،‬‬ ‫وهي املياه اجلوفية التي ت�شكل ن�سبة ال تتعدى ‪ %5‬من حجم مياه الأمطار‪.‬‬ ‫وت�ش ِّكل املياه ال�سطحية ن�سبة تقارب ‪ %11‬من مياه الأمطار‪ .‬وهذه املياه‬ ‫هي تلك التي تتك ّون من مياه اجلريان الدائم للأودية وت�صريف الينابيع ومياه‬ ‫الفي�ضانات‪ .‬ويق ّدر املعدل ال�سنوي للمياه ال�سطحية بحوايل (‪ )780‬مليون مرت‬ ‫مكعب‪� .‬أما املياه اجلوفية املتج ّددة فهي تلك املياه التي ت�صل �إىل الطبقات املائية‬ ‫نتيجة تغذيتها بق�سم من مياه الأمطار عرب ال�شقوق وامل�سامات املوجودة فيها‪ .‬وكما‬ ‫هو وا�ضح يف معدلها ال�سنوي فهي تعتمد على معدل ال�ساقط املطري‪ .‬ولل�سهولة‬ ‫‪- 57 -‬‬

‫�صيف ‪2015‬‬


‫محور العدد‪ :‬الالجئون‪ ،‬الميـــاه‪ ،‬البـيــئــة والنزاعات الإقليمية‬

‫ميكن القول �إن كمية هذه املياه هي الفرق بني كمية املياه التي تغذي الطبقات‬ ‫املائية وكمية مياه الت�صريف الطبيعي من هذه الطبقات‪ ،‬وقد ق ّدر معدل املياه‬ ‫اجلوفية املتجددة بحوايل (‪ )275‬مليون مرت مكعب �سنو ًيا‪ ،‬والذي يعترب احل ّد‬ ‫الآمن لال�ستخراج من املياه اجلوفية‪.‬‬ ‫ويبني اجلدول الآتي احلد الآمن لال�ستخراج من جميع الأحوا�ض اجلوفية يف‬ ‫الأردن‪ .‬وعليه ف�إن جمموع امل�صادر املائية املعروفة �أو املثبتة يبلغ يف معدله ال�سنوي‬ ‫حوايل (‪ )1055‬مليون مرت مكعب‪ُ ،‬ي�ضاف �إىل ذلك املياه اجلوفية غري املتجددة‬ ‫التي مت التع ّرف �إليها �أو اثباتها‪ ،‬كما هو احلال يف منطقة الدي�سي وال�شيدية‪ ،‬حيث‬ ‫ُيق َّدر �أن ُي�ستخ َرج منها �سنو ًيا ما جمموعه (‪ )118‬مليون مرت مكعب‪ ،‬وذلك يف‬ ‫�ضوء الدرا�سات احلديثة التي �أجريت على هذه املنطقة خالل فرتة (‪ )100‬عام‪.‬‬ ‫ويبني اجلدول رقم (‪ )1‬الأحوا�ض املائية و�إنتاجها الآمن من املياه اجلوفية‪.‬‬ ‫جدول (‪ :)1‬الأحوا�ض املائية و�إنتاجها الآمن من املياه اجلوفية‬

‫‪ ‬احلو�ض �أو احلقل‬ ‫(�أ) م�صارد املياه اجلوفية املتجددة‬ ‫(‪ )1‬حو�ض الريموك‬ ‫(‪ )2‬الأحوا�ض اجلانبية لنهر الأردن‬ ‫(‪ )3‬حو�ض نهر الأردن‬ ‫(‪ )4‬حو�ض عمان‪ -‬الزرقاء‬ ‫(‪ )5‬حو�ض البحر امليت‬ ‫(‪ )6‬ال�ضفة الغربية لنهر الأردن‬ ‫(‪ )7‬وادي عربة ال�شمايل‬ ‫(‪ )8‬وادي عربة اجلنوبي‬ ‫(‪�9‬أ) حو�ض اجلفر‬ ‫(‪ )10‬حو�ض الأزرق‬ ‫(‪ )11‬حو�ض ال�سرحان‬ ‫(‪ )12‬حو�ض احلماد‬ ‫‪ ‬جمموع امل�صادر املتجددة‬ ‫(ب) م�صادر املياه اجلوفية غري املتجددة‬ ‫(‪9‬ب) حو�ض اجلفر‪ ‬‬ ‫(‪9‬ج) حو�ض املد ّورة وال�صحراء اجلنوبية‬ ‫‪ ‬جمموع امل�صادر غري املتجددة‬ ‫‪ ‬جمموع امل�صادر الكلي‬ ‫املنتـ ــدى ‪262‬‬

‫‪- 58 -‬‬

‫الإنتاج الآمن (مليون مرت مكعب‪� /‬سنة)‬

‫‪ ‬‬

‫‪40‬‬ ‫‪21‬‬ ‫‪15‬‬ ‫‪87.5‬‬ ‫‪57‬‬ ‫؟‬ ‫‪3.5‬‬ ‫‪5.5‬‬ ‫‪9‬‬ ‫‪24‬‬ ‫‪5‬‬ ‫‪8‬‬ ‫‪273.5‬‬ ‫‪18‬‬ ‫‪125‬‬ ‫‪143‬‬ ‫‪416.5‬‬


‫(‪ )3‬الآثار البيئية لمخيم الالجئين ال�سوريين (الزعتري) على م�صادر المياه‬ ‫المهند�س معاوية محمد �سمارة‬

‫�شح املوارد املائية واملالية‪،‬‬ ‫‪ .1-1‬ا�سرتاتيجية املياه يف الأردن ‪:‬على الرغم من ّ‬ ‫مت�سارعا ملواكبة الطلب املتزايد على املياه‬ ‫فقد منا قطاع املياه من ًوا‬ ‫ً‬ ‫الناجم عن الزيادة غري الطبيعية يف عدد ال�سكان‪ ،‬حيث و�صلت ن�سبة‬ ‫ال�سكان املخدومني باملياه املنزلية من ال�شبكات العامة �إىل حوايل ‪%98‬‬ ‫من عدد ال�سكان‪ ،‬وو�صلت ن�سبة ال�سكان املخدومني ب�شبكات ال�صرف‬ ‫ال�صحي �إىل ‪( %68‬التقرير ال�سنوي لوزارة املياه والري ‪ .)2013‬وعلى‬ ‫الرغم من هذه الإجنازات الكربى التي حت َّققت‪ ،‬فما يزال قطاع املياه‬ ‫يواجه حتديات رئي�سية على ال�صعد املائية والبيئية والفنية واملالية‪.‬‬ ‫ومن �أهم هذه التحديات الآتي‪:‬‬ ‫‪ .1‬التغيرّ ات املناخية و�آثارها ال�سلبية على موارد املياه‪.‬‬ ‫‪ .2‬ات�ساع الفجوة ما بني التزويد والطلب على املياه‪ ،‬مما يت�س َّبب يف‬ ‫زيادة العجز املائي وحمدودية امل�صادر املائية املتاحة‪.‬‬ ‫‪ .3‬ا�ستنزاف م�صادر املياه اجلوفية‪.‬‬ ‫‪ .4‬الزيادة يف �أعداد �سكان اململكة مل ت ــكن طبيعية؛ �إذ ا�س ــت�ضاف‬ ‫الأردن وال يزال العديد من موجات الالجئني والنازحني والعائدين‬ ‫نتيجة للحروب العربية‪-‬الإ�سرائيلية‪ ،‬وحربي اخلليج‪ ،‬و�آخر هذه‬ ‫املوجات جاءت جراء احلرب الدائرة حال ًيا يف �سوريا‪ ،‬التي دخلت‬ ‫عامها الرابع يف �شهر �آذار‪ /‬مار�س من عام ‪ .2015‬لقد �أ ّدت هذه‬ ‫الهجرات املتتالية �إىل ن�شوء مراكز �سكانية وات�ساعها يف مواقع‬ ‫بعيدة عن موارد املياه‪ ،‬الأمر الذي �أدى �إىل ارتفاع كلفة م�شاريع‬ ‫التزويد املائي وال�صرف ال�صحي‪ ،‬وكذلك ارتفاع كلفة ت�شغيلها‬ ‫و�صيانتها ال�سنوية‪ ،‬الأمر الذي �أدى ا�ستنزاف املياه اجلوفية ون�ضوب‬ ‫مياه معظم الينابيع �أو التدنيّ الكبري يف ت�صريفها ونوعيتها‪ .‬وقد‬ ‫تفاقم هذا اال�ستنزاف نتيجة ل�ضعف الرقابة على عمليات احلفر‬ ‫وغياب الرقابة على معدالت اال�ستخراج املرخ�صة‪ .‬وهكذا‪� ،‬أ�ضحت‬ ‫الطبقات املائية اجلوفية ت�ستغل ما معدله �أكرث من �ضعف احل ّد‬ ‫الآمن لال�ستخراج‪ .‬‬ ‫‪- 59 -‬‬

‫�صيف ‪2015‬‬


‫محور العدد‪ :‬الالجئون‪ ،‬الميـــاه‪ ،‬البـيــئــة والنزاعات الإقليمية‬

‫و�إدرا ًكا ملا تق ّدم‪ ،‬فقد تب ّنت احلكومة ا�سرتاتيجية مائية بهدف ا�ستدامة‬ ‫ونوعا‪ ،‬مع ت�أكيد‬ ‫بيئة املياه يف الأردن‪ ،‬ت�ؤكد حت�سني �إدارة املوارد املائية ك ًّما ً‬ ‫خا�ص ب�إدامة اال�ستعماالت املائية الراهنة وامل�ستقبلية‪ .‬وتويل عناية خا�صة‬ ‫للحماية من التلوث ومن تر ّدي نوعية املياه وا�ستنزافها‪ .‬وعالوة على ذلك‪,‬‬ ‫تهدف �إىل حتقيق �أعلى درجة كفاءة عملية يف نقل املياه وتوزيعها ون�شرها‬ ‫وا�ستعمالها؛ معتمد ًة على �أ�سلوب متوزان مزدوج لإدارة الطلب و�إدارة‬ ‫التزويد ‪ ,‬مع تب ّني �آليات التكنولوجيا املتق ّدمة لتعزيز قدرات �إدارة املورد‬ ‫بهدف تعظيم اال�ستفادة من تدفق املياه للغايات املختلفة‪.‬‬ ‫وت�ضمنت ا�سرتاتيجية املياه الدفاع عن حقوق اململكة يف املوارد املائية‬ ‫امل�شرتكة وحمايتها‪ ،‬من خالل االت�صاالت واملباحثات واالتفاقيات الثنائية‬ ‫ومتعددة الأطراف‪ .‬كما �أتبعت احلكومة هذه اال�سرتاتيجية املائية برزمة‬ ‫من ال�سيا�سات واخلطط الوطنية والإجراءات املبنية على م�ؤ�شرات �أداء‬ ‫فاعلة ومتوازنة لتحقيق �أهدافها‪ .‬وتتلخ�ص هذه اال�سرتاتيجية وما يلحق‬ ‫بها من �سيا�سات وخطط و�إجراءات‪ ،‬باعتبار املياه مورد قومي‪ .‬لهذا فقد‬ ‫مت ان�شاء بنك متكامل للمعلومات املائية الوطنية‪ ،‬مدع ًما بربنامج مراقبة‬ ‫ونظام جلمع املعلومات و�إدخالها وحتديثها ومعاجلتها‪ .‬كما �ستُ�ستَغ ّل الطاقة‬ ‫الق�صوى للمياه ال�سطحية واجلوفية �إىل املدى الذي ت�سمح به اعتبارات‬ ‫اجلدوى االقت�صادية والآثار االجتماعية والبيئية‪ ،‬و�إعادة ا�ستعمال املياه‬ ‫العادمة يف الزراعة غري املق ّيدة ويف �أغرا�ض �أخرى غري منزلية‪ ،‬مبا‬ ‫يف ذلك تغذية املياه اجلوفية‪� ،‬إ�ضافة �إىل �أن هذه اال�سرتاتيجية �أكدت‬ ‫ا�ستخدام مياه البحر لغايات التحلية و�إنتاج مياه لال�ستعماالت املنزلية‬ ‫وال�صناعية والتجارية‪.‬‬ ‫‪� .2-1‬إدارة موارد املياه وا�ستدامة بيئتها‪ :‬بهدف تدارك عجز موارد املياه يف‬ ‫الأردن‪ ,‬فقد مت اعتماد العديد من اال�سرتاتيجيات والتدابري للتخفيف‬ ‫من وط�أة هذا العجز والتغلُّب عليه‪ .‬وقد �شمل ذلك زيادة التزويد املائي‬ ‫املنتـ ــدى ‪262‬‬

‫‪- 60 -‬‬


‫(‪ )3‬الآثار البيئية لمخيم الالجئين ال�سوريين (الزعتري) على م�صادر المياه‬ ‫المهند�س معاوية محمد �سمارة‬

‫من خالل بناء املن�ش�آت املائية وتطوير املياه اجلوفية‪ .‬كما ا�شتملت هذه‬ ‫اال�سرتاتيجيات واخلطط على حماية مناطق تغذية الطبقات املائية‬ ‫اجلوفية �إىل �أق�صى ح ّد ممكن‪ ،‬وحتديد الإجراءات للتخفيف من‬ ‫�آثارها‪ ،‬وحماية مناطق التغذية من التلوث مهما كان م�صدره‪ ،‬وحظر‬ ‫حفر الآبار وا�ستخراج املياه اجلوفية من دون احل�صول على رخ�صة‬ ‫حفر ورخ�صة ا�ستخراج �صادرة عن �سلطة املياه‪ ،‬وحظر ا�ستخراج املياه‬ ‫اجلوفية بكميات تزيد على الكميات َّ‬ ‫املرخ�ص بها‪ ،‬وتقلي�ص اال�ستخراج‬ ‫الزائد من الطبقات املائية اجلوفية للو�صول �إىل طاقتها التوازنية من‬ ‫خالل ّ‬ ‫خطة زمنية مرحلية‪ .‬‬ ‫‪ .3-1‬نوعية املياه والبيئة‪� :‬شهد الأردن خالل العقود الثالثة املا�ضية‬ ‫ترد ًيا يف نوعية املياه ال�سطحية واجلوفية لأ�سباب كثرية‪� ،‬أه ّمها ال�ضخّ‬ ‫اجلائر من الأحوا�ض املائية اجلوفية لتلبية الطلب املتزايد على املياه‬ ‫لال�ستخدامات املختلفة نتيجة ل�ضغط ال�سكان الذي تفاقم وال يزال‬ ‫يتفاقم جراء املوجات املتعاقبة من الالجئني‪ ،‬والتلوث ال�صناعي‪,‬‬ ‫واال�ستعمال الزائد للمواد الكيماوية الزراعية‪ ,‬ومياه ال�صرف ال�صحي‪,‬‬ ‫واحلمل الزائد ملحطات معاجلة املياه العادمة‪ ,‬والت�س ّرب من مكاب‬ ‫ِ‬ ‫النفايات واحلفر االمت�صا�صية‪ ,‬والطرح اخلاطئ للمواد الكيميائية من‬ ‫قبل �صناعات معينة‪ ،‬الأمر الذي �أ ّدى �إىل تدهور نوعية املياه ال�سطحية‬ ‫واجلوفية يف اململكة‪.‬‬ ‫‪ -2‬خميم الزعرتي لالجئني ال�سوريني‪ :‬تقع منطقة الزعرتي (ال�شكالن ‪ 3‬و‪)4‬‬ ‫�إىل اجلنوب ال�شرقي من مدينة املفرق بنحو (‪ )11‬كم‪ ،‬ويبعد املخيم عن بلدة‬ ‫الزعرتي حوايل (‪ )1.5‬كم‪ ،‬ونحو (‪)800‬م �إىل اجلنوب من طريق بغداد الدويل‪.‬‬ ‫ومن اجلدير ذكره يف هذا ال�سياق �أن الأردن ا�ستقبل حتى نهاية عام ‪ 2013‬حوايل‬ ‫(‪ )594,258‬الجىء �سوري‪� ،‬إ�ضافة �إىل حوايل (‪ )200٫000‬الجىء دخلوا الأردن‬ ‫عام ‪ ،2014‬و(‪� )750٫000‬سوري قدموا قبل الأزمة‪ ،‬مبا �أ�صبح جمموعه (‪)1.5‬‬ ‫مليون �سوري تقري ًبا‪ ،‬منهم ‪ %20‬داخل املخيمات‪ ،‬و‪ %80‬يف املفرق و�إربد وع ّمان‪.‬‬ ‫‪- 61 -‬‬

‫�صيف ‪2015‬‬


‫محور العدد‪ :‬الالجئون‪ ،‬الميـــاه‪ ،‬البـيــئــة والنزاعات الإقليمية‬

‫�شكل (‪ :)3‬موقع خميم الزعرتي لالجئني ال�سوريني‬

‫املنتـ ــدى ‪262‬‬

‫‪- 62 -‬‬


‫(‪ )3‬الآثار البيئية لمخيم الالجئين ال�سوريين (الزعتري) على م�صادر المياه‬ ‫المهند�س معاوية محمد �سمارة‬

‫�شكل (‪ :)4‬موقع خميم الزعرتي لالجئني ال�سوريني‬

‫‪ .1-2‬طبوغرافية منطقة الدرا�سة‪ :‬تقع املنطقة �ضمن حو�ض ع ّمان‪ -‬الزرقاء‬ ‫اجلويف وال�سطحي‪ ،‬الذي ميت ّد من منطقة �صلخد يف جبال العرب ب�سوريا‬ ‫�شما ًال بارتفاع قدره حوايل (‪ )1460‬م ًرتا عن �سطح البحر �إىل مدينة‬ ‫ع ّمان جنو ًبا‪ ،‬ثم غر ًبا باجتاه نهر الأردن بارتفاع قدره (‪ )350-‬م ًرتا‬ ‫عن �سطح البحر‪ ،‬وي�سكن احلو�ض حوايل ‪ %50‬من �سكان الأردن‪ .‬وتبلغ‬ ‫م�ساحة احلو�ض املائي ال�سطحي حوايل (‪ )4120‬كيلو مرت مربع‪ ،‬منها‬ ‫حوايل ‪ %95‬داخل حدود الأردن والباقي داخل احلدود ال�سورية‪.‬‬ ‫ميثل احلو�ض املائي ال�سطحي منطقة انتقالية بني املرتفعات �شبه‬ ‫اجلافة يف الغرب �إىل املناطق اجلافة حيث ال�صحراء ال�شمالية‬ ‫وال�شمالية ال�شرقية‪ .‬كما ميثل هذا احلو�ض �أكرث املناطق احل�ضرية‬ ‫وال�صناعية يف اململكة و�أكرثها من حيث عدد ال�سكان‪ ،‬وترتكز يف هذه‬ ‫املنطقة مدن ع ّمان‪/‬العا�صمة‪ ،‬والزرقاء‪ ،‬والر�صيفة‪ ،‬وجر�ش‪ ،‬واملفرق‪.‬‬ ‫يعتمد حو�ض ع ّمان‪ -‬الزرقاء يف موارده املائية لغايات التزويد املائي‬ ‫ب�شكل رئي�س على املياه اجلوفية‪ ،‬التي يتم ا�ستخراج املياه منها من‬ ‫الطبقات املائية من البازلت واحلجر اجلريي‪ ،‬من خالل عدد كبري من‬ ‫‪- 63 -‬‬

‫�صيف ‪2015‬‬


‫محور العدد‪ :‬الالجئون‪ ،‬الميـــاه‪ ،‬البـيــئــة والنزاعات الإقليمية‬

‫الآبار املنت�شرة يف احلو�ض‪ ،‬مما �أدى �إىل هبوط يف �سطح املياه اجلوفية‬ ‫وتدهور وتر ّدي يف نوعية هذه املياه‪ .‬وميكن تلخي�ص �أهم الأ�سباب‬ ‫كالآتي‪:‬‬ ‫أ‪ -‬الزيادة يف �أعداد �سكان احلو�ض ومنها �أعداد الالجئني ال�سوريني‬ ‫الذين جتاوز عددهم ن�صف مليون الجىء يف خميم الزعرتي‪.‬‬ ‫يات املناخية؛ �إذ قام العديد من الباحثني والدار�سني ب�إجراء‬ ‫ب‪ -‬التغ ّ‬ ‫درا�سات وبحوث حول �أثر ظاهرة التغيّ املناخي على العديد من‬ ‫الأحوا�ض املائية‪ ،‬و�أهمها حو�ض ع ّمان‪ -‬الزرقاء‪ .‬وقد دلت نتائج‬ ‫هذه البحوث والدرا�سات على قابلية الأحوا�ض املائية يف اململكة‬ ‫للتغيّات املناخية‪ ،‬واحتمال ارتفاع درجة احلرارة خالل العقدين‬ ‫القادمني بحوايل (‪ )0.6-0.4‬درجة مئوية ي�صاحبها انخفا�ض‬ ‫يف كميات الهطول املطري بن�سب ت�صل �إىل حوايل ‪ %20‬من‬ ‫املعدل املطري ال�سنوي‪ ،‬ونق�صان يف حجوم الفي�ضانات وتغذية‬ ‫املياه اجلوفية بن�سب ترتاوح بني (‪ )%25- 15‬من املعدل ال�سنوي‬ ‫طويل الأمد (تقارير الأمم املتحدة‪ ،‬البالغات الوطنية الأردنية‪ :‬الأول‪،‬‬ ‫والثاين‪ ،‬والثالث‪ ،‬وتقارير عن �أثر ظاهرة التغيرّ املناخي على حو�ضي‬ ‫الريموك وع ّمان‪ -‬الزرقاء‪ ،‬نزار احلموري‪ ،‬ومعاوية �سمارة‪.)2009 ،‬‬

‫‪ .2-2‬جيولوجية وهيدروجيولوجية املنطقة‪ :‬تعك�س طبوغرافية احلو�ض‬ ‫الرتاكيب اجليولوجية يف احلو�ض‪ ،‬التي تتك ّون من اجلبال البازلتية‬ ‫التي تنحدر باجتاه مركز احلو�ض‪ ،‬ويحيط بها العديد من التالل‬ ‫العائدة لل�صخور الكربونية والكل�سية‪ ،‬التي ترتاوح �أعمارها بني الع�صر‬ ‫الكريتا�سي (ال�سل�سلة العجلونية) �إىل ع�صر الر�سوبيات احلديثة‬ ‫املنتـ ــدى ‪262‬‬

‫‪- 64 -‬‬


‫(‪ )3‬الآثار البيئية لمخيم الالجئين ال�سوريين (الزعتري) على م�صادر المياه‬ ‫المهند�س معاوية محمد �سمارة‬

‫(ماكدونالد‪ .)1964:‬وميكن �إيجاز الرتاكيب اجليولوجية يف احلو�ض‬ ‫بالآتي مرتب ًة من الأ�سفل للأعلى (�شكل ‪:)5‬‬ ‫ ت�شكيل وادي ال�سري ‪ :A7‬تنت�شر �صخور هذا الت�شكيل يف ك ٍّل من �شمايل‬‫وو�سط وجنوبي احلو�ض‪ ،‬وترتاوح �سماكتها بني (‪ )250-50‬م ًرتا‪،‬‬ ‫حيث تزداد �سماكتها باجتاه ال�شرق وال�شمال ال�شرقي من احلو�ض‪.‬‬ ‫ ت�شكيل ع ّمان ‪ :B2‬تنت�شر �صخور هذا النوع من الت�شكيل يف ك ٍّل من‬‫�شمايل وو�سط وجنوبي احلو�ض‪ ،‬وترتاوح �سماكتها بني (‪)250-50‬‬ ‫م ًرتا‪ ،‬حيث تزداد �سماكتها باجتاه ال�شرق وال�شمال ال�شرقي من‬ ‫احلو�ض‪.‬‬ ‫ ت�شكيل البازلت‪ :‬تنت�شر �صخوره هذا يف اجلزء ال�شمايل ال�شرقي من‬‫احلو�ض‪ ،‬وتتك ّون من �ستة اندفاعات بركانية تنت�شر بينها طبقات قليلة‬ ‫ال�سماكة من الطني واحل�صى اجلريي وال�صوان‪ ،‬وي�صل ُ�سمكها �إىل‬ ‫حوايل (‪ )400‬مرت‪.‬‬ ‫ ت�شكيل الر�سوبيات احلديثة‪ :‬تنت�شر �صخور هذا الت�شكيل يف ِّ‬‫كل من‬ ‫�شمايل وو�سط وجنوب احلو�ض‪ ،‬وهي ذات �سماكات قليلة تعلو البازلت‬ ‫يف ال�شمال وال�شمال ال�شرقي للحو�ض‪.‬‬ ‫يقع خميم الزعرتي �ضمن حو�ض ع ّمان‪ -‬الزرقاء اجلويف وال�سطحي‪،‬‬ ‫حيث تتمو�ضع طبقات البلقاء الثانية وعجلون ال�سابعة )‪ (B2/A7‬التي‬ ‫تغذي الآبار يف املنطقة �أ�سفل الرت�سبات احلديثة والتدفقات الربكانية‪،‬‬ ‫كما يبلغ العمق �إىل م�ستوى �سطح املاء ال�ساكن بني (‪)209–139‬م‪،‬‬ ‫حتت �سطح الأر�ض‪ ،‬وتتحرك املياه اجلوفية ب�شكل عام من ال�شرق‬ ‫واجلنوب ال�شرقي �إىل الغرب وال�شمال الغربي‪ ،‬كما يف ال�شكلني املرفقني‬ ‫(‪ ،)6٫5‬وال يوجد طبقات كتيمة تعيق و�صول امللوثات ال�سائلة �إىل �سطح‬ ‫املياه اجلوفية‪ .‬ويوجد يف املنطقة العديد من الآبار التي ت�ستغل مياهها‬ ‫لأغرا�ض ال�شرب والزراعة‪ ،‬كما يبني اجلدول رقم (‪.)2‬‬ ‫‪- 65 -‬‬

‫�صيف ‪2015‬‬


‫محور العدد‪ :‬الالجئون‪ ،‬الميـــاه‪ ،‬البـيــئــة والنزاعات الإقليمية‬

‫�شكل (‪ )5‬و�شكل (‪ :)6‬التك�شفات اجليولوجية وحركة املياه اجلوفية يف منطقة الدرا�سة‬

‫املنتـ ــدى ‪262‬‬

‫‪- 66 -‬‬


‫(‪ )3‬الآثار البيئية لمخيم الالجئين ال�سوريين (الزعتري) على م�صادر المياه‬ ‫المهند�س معاوية محمد �سمارة‬

‫جدول (‪ :)2‬الآبار التي تُ�ستغ ّل مياهها لأغرا�ض ال�شرب والزراعة يف منطقة الدرا�سة‬

‫‪ .3-2‬نوعية املياه وقابلية املنطقة للتلوث‪ :‬د َّلت الدرا�سة اجليولوجية‬ ‫وخ�صو�صا منطقة خميم‬ ‫والهيدروجيولوجية حلو�ض ع ّمان‪ -‬الزرقاء‪،‬‬ ‫ً‬ ‫الزعرتي‪� ،‬أن طبقات احلور قليلة ال�سماكة مع عدم وجود طبقات‬ ‫كتيمة ‪ Aquiclude‬ذات �سماكات كبرية متنع �أو حت ّد من و�صول‬ ‫امللوثات للطبقات املائية اجلوفية التي ت�شكل احلو�ض‪ ،‬حيث تعترب‬ ‫املنطقة ذات ح�سا�سية عالية للتلوث اجلويف عرب ت�سرب املل ّوثات �إليها‪،‬‬ ‫والتلوث ال�سطحي من خالل جريان املياه �إىل الأودية القريبة‪ .‬لذلك‬ ‫ف�إن احتمالية تلوث الطبقة املائية (‪ )B2/A7‬املغذية للآبار وارد جدً ا‪،‬‬ ‫ب�سبب عدم وجود طبقات كتيمة تعيق ت�س ّرب تلك امللوثات‪� ،‬إ�ضافة �إىل‬ ‫وجود الفوالق التي ت�س ِّهل من حركة ونفاذ امللوثات �إىل الطبقات املائية‪.‬‬ ‫وحت�س ًبا الحتمالية تلوث الطبقات املائية باملخرجات ال�صلبة وال�سائلة‬ ‫ملخيم الزعرتي‪ ،‬فقد قامت �إدارة املختربات و�ضبط اجلودة يف �سلطة‬ ‫‪- 67 -‬‬

‫�صيف ‪2015‬‬


‫محور العدد‪ :‬الالجئون‪ ،‬الميـــاه‪ ،‬البـيــئــة والنزاعات الإقليمية‬

‫املياه من خالل كوادرها امل�ؤهلة بعمل برنامج مراقبة لنوعية مياه الأبار‬ ‫املحيطة باملخيم‪ ،‬حيث �أظهرت النتائج الأولية �أن نوعية املياه اجلوفية‬ ‫يف منطقة الدرا�سة تندرج �ضمن املعايري الأردنية واملوا�صفات القيا�سية‬ ‫الأردنية ملياه ال�شرب املعمول بها‪ ،‬مع وجود بع�ض امل�ؤ�شرات التي ت�شري‬ ‫�إىل بداية ت�أثر مياه الآبار بر�شوحات املياه العادمة بالتلوث اجلرثومي‬ ‫من مناطق خميم الزعرتي‪ .‬كما �أ�شارت الدرا�سة التي �أعدتها مديرية‬ ‫التخطيط يف �إدارة املختربات و�ضبط اجلودة ب�سلطة املياه �إىل النتائج‬ ‫الآتية �إ�ضافة ملا تق َّدم من تلوث بيولوجي طفيف يف بع�ض العينات التي‬ ‫مت حتليلها‪:‬‬ ‫• تذبذب قيم النرتات (‪ )NO3‬يف بع�ض الآبار املحيطة مبخيم الزعرتي‪،‬‬ ‫والذي ميكن اعتباره كم�ؤ�شر على وجود تلوث �سطحي من املحتمل‬ ‫�أن يكون م�صدره خميم الزعرتي والزيادة ال�سكانية املتتالية فيه‬ ‫من امل�سببات الرئي�سية لذلك‪ ،‬مع وجود الأن�شطة الزراعية املنت�شرة‬ ‫والطرح غري القانوين حلموالت �صهاريج الن�ضح‪.‬‬ ‫• وجود م�ؤ�شرات بيولوجية للتلوث اجلرثومي من الع�صيات القولونية‬ ‫الكل ّية (‪ )Total Coliform‬وم�صدرها خم ّلفات �إن�سانية �أو حيوانية يف‬ ‫بع�ض الآبار املحيطة‪ ،‬دليل �آخر على و�صول ر�شوحات مياه عادمة �إىل‬ ‫الطبقات املائية‪ .‬ويظهر هذا التذبذب ب�شكل وا�ضح يف بئري الزعرتي‬ ‫(‪ 3‬و‪ )5‬اللذان يقعان �أ�سفل املخيم (‪ )downstream‬بالن�سبة حلركة‬ ‫املياه اجلوفية‪.‬‬ ‫املنتـ ــدى ‪262‬‬

‫‪- 68 -‬‬


‫(‪ )3‬الآثار البيئية لمخيم الالجئين ال�سوريين (الزعتري) على م�صادر المياه‬ ‫المهند�س معاوية محمد �سمارة‬

‫‪ .3‬النتائج والتو�صيات‬ ‫‪ .1-3‬النتائج‬ ‫• قابلية حو�ض ع ّمان‪ -‬الزرقاء ال�سطحي واجلويف للتغيرّ ات املناخية كبرية‪ ،‬ومن‬ ‫املتوقع �أن تق ّل الأمطار خالل العقدين القادمني بحوايل ‪ %20‬مع ارتفاع يف‬ ‫درجة احلرارة بحدود (‪ )0.6‬درجة مئوية‪ ،‬ي�صاحب ذلك نق�صان يف حجوم‬ ‫الفي�ضانات والرا�شح لتغذية املياه اجلوفية بني ‪ % 25 – 15‬عن املعدل ال�سنوي‬ ‫طويل الأمد‪.‬‬ ‫• منطقة الدرا�سة ذات ح�سا�سية عالية للتلوث اجلويف وال�سطحي‪ ،‬حيث تتمو�ضع‬ ‫الطبقات املائية اجلوفية (‪ )B2/A7‬التي تغذي �آبار املنطقة �أ�سفل ر�سوبيات‬ ‫الأودية وتدفقات بازلتية ذات نفاذية عالية بالقرب من منطقة املخيم ‪ ،‬مما‬ ‫ي�شكل خط ًرا عال ًيا على امل�صادر املائية‪.‬‬ ‫• ظهور بع�ض م�ؤ�شرات التلوث اجلرثومي يف مياه بع�ض الآبار املحيطة باملخيم‪.‬‬ ‫‪ .2-3‬التو�صيات‬ ‫تو�صي الدرا�سة بالآتي‪:‬‬ ‫• �إجراء درا�سة �شاملة وم�ستفي�ضة لدرا�سة �أثر خميم الزعرتي على موارد املياه‬ ‫والبيئة يف حو�ض ع ّمان‪ -‬الزرقاء‪.‬‬ ‫ونوعا‪.‬‬ ‫• اال�ستمرار وتكثيف برامج الرقابة على موارد املياه يف احلو�ض ك ًّما ً‬ ‫• الت�أكد من ت�صميم احلفر امل�صمتة حال ًيا والت�أكد من عدم ت�سرب للمياه‬ ‫العادمة منها‪.‬‬ ‫• متابعة ن�ضح احلفر امل�صمتة ب�شكل دوري وم�ستمر‪ ،‬والت�أكد من طرح املخلفات‬ ‫ال�سائلة يف مكب الأكيدر �أو حمطة تنقية املفرق‪.‬‬ ‫‪- 69 -‬‬

‫�صيف ‪2015‬‬


‫محور العدد‪ :‬الالجئون‪ ،‬الميـــاه‪ ،‬البـيــئــة والنزاعات الإقليمية‬

‫• متابعة نقل املخلفات ال�صلبة �ضمن املكب املحدد لذلك‪.‬‬ ‫• ا�ستكمال تعبيد �ساحات املخيم وعمل ميالن وت�صريف املياه ال�سطحية و�ضمان‬ ‫عدم اختالطها باملياه العادمة‪.‬‬ ‫• درا�سة �إمكانية ربط خميم الزعرتي والقرى املحيطة مبحطة تنقية املفرق �أو‬ ‫عمل وحدات معاجلة خا�صة‪.‬‬

‫املنتـ ــدى ‪262‬‬

‫‪- 70 -‬‬


‫درا�سات ومقاالت‬ ‫قراءة في الخطاب الإعالمي لأزمة الالجـئين ال�سوري ّين‬

‫د‪ .‬نبيل ال�شريف‬

‫ال�سيادة الوطن ّية وحقوق الإن�سان‬ ‫(المقاربة والإ�شكاليات)‬

‫المحامي د‪� .‬أمجد �ش ّموط‬ ‫ال�صومال بين �إهمال المجتمع الدولي‬ ‫و�إدمان الكارثة‬ ‫د‪� .‬صالح د ّعاك‬ ‫�ضد القد�س المحتلة‬ ‫التهويد الإ�سرائيلي ّ‬ ‫أنموذجا)‬ ‫(التعليم واالقت�صاد �‬ ‫ً‬

‫دة‪ .‬نادية �سعد الدين‬

‫قراءة في وقائع الحرب الإ�سرائيلية الثالثة على غزة‬ ‫(‪ 8‬تموز‪ /‬يوليو ‪� 26 – 2014‬آب‪� /‬أغ�سط�س ‪)2014‬‬

‫�أة‪ .‬عبير محمد ا�سماعيل‬



‫قراءة في الخطاب الإعالمي‬ ‫لأزمة الالجـــئين ال�ســــوري ّين‬ ‫د‪ .‬نبيل ال�شريف‬

‫*‬

‫يواجه هذا النوع من البحث تحديات ج ّمة‪ ،‬نذكر منها‪:‬‬ ‫أر�ض ِبكر لم تلقَ ا�ستق�صا ًء وبح ًثا كاف ًيا ب�سبب حداثة‬ ‫• �أنه يخو�ض في � ٍ‬ ‫الق�ضية مدار البحث‪ ،‬ولكونها ما تزال متط ّورة ومتح ّركة ومفتوحة على جميع‬ ‫االحتماالت‪.‬‬ ‫موحدً ا‪ .‬ففي حين‬ ‫• ر ّد الفعل ال�شعبي الأردني تجاه الأزمة ال�سورية لي�س َّ‬ ‫يرى فريق من الأردنيين �أن ما يحدث في �سوريا هو ثورة �ض ّد حاكم ظالم ونظام‬ ‫م�ستب ّد‪ ،‬يرى فريق �آخر �أنها م�ؤامرة خبيثة حاكتها الإمبريالية العالمية للنيل من‬ ‫مع�سكر الممانعة لم�صلحة �إ�سرائيل‪.‬‬ ‫• �إنَّ عملية ح�صر الآراء والأخبار والأفكار المن�شورة في جميع و�سائل‬ ‫الإعالم حول هذا المو�ضوع مه ّمة تحتاج �إلى م�ؤ�س�س�سة متكاملة يقوم عليها‬ ‫فريق متكامل من الباحثين‪ .‬ففي زمن م�ضى كانت كلمة «و�سائل الإعالم» تعني‬ ‫الإذاعة وال�صحافة والتلفزة‪� ،‬أما الآن فقد �أُ�ضيف �إليها الإعالم الإلكتروني‬ ‫* ُقدِّ َمت هذه الورقة في م�ؤتمر «الالجئون ال�سوريون في الأردن‪� :‬س�ؤال المجتمع والإعالم»‪،‬‬ ‫الذي َّ‬ ‫نظمه معهد الإعالم الأردني وافتتحته �سم ّو الأميرة ريم علي‪ ،‬بتاريخ ‪ ،2014/12/8‬في‬ ‫البحر الميت بالأردن‪.‬‬ ‫** رئي�س مركز �إمداد للإعالم‪ ،‬وع�ضو منتدى الفكر العربي‪ /‬الأردن‪.‬‬

‫‪- 73 -‬‬

‫�صيف ‪2015‬‬


‫درا�سات ومقاالت‬

‫وو�سائل التوا�صل االجتماعي التي غدت الأكثر قدرة على التعبير عن المواقف‬ ‫ال�شعبية‪ ،‬فما يكتبه مواطن في المفرق �أو الرمثا مث ًال على �صفحته في «في�س‬ ‫بوك» حول معاناته من البطالة ب�سبب ا�ستحواذ الالجئين ال�سوريين على فر�ص‬ ‫ينم عن درجة ي�صعب الت�شكيك بها من ال�صدق لأنه‬ ‫العمل المحدودة المتاحة‪ّ ،‬‬ ‫يت�سم بالتلقائية والعفوية وال يراعي المحدِّ دات والمواقف ال�سيا�سية‪.‬‬ ‫ح�سبنا � ًإذا �أن نختار في هذه الورقة عددًا من المعالجات المن�شورة في‬ ‫بع�ض و�سائل الإعالم باعتبارها ت�ش ِّكل م�ؤ�ش ًرا التجاهات عا ّمة ّتم التعبير عنها‬ ‫جمع‬ ‫موحدً ا ُي ِ‬ ‫في و�سائل �إعالم �أخرى‪ ،‬دون االدعاء �أنها نتائج قاطعة تعك�س ر�أ ًيا َّ‬ ‫عليه كل المواطنين‪.‬‬ ‫لقد واكب الخطاب الإعالمي الأردني �أزمة اللجوء ال�سوري �إلى الأردن‬ ‫منذ الأيام الأولى لتد ُّفق الالجئين �إلى البالد‪ .‬وتم َّيزت المعالجات الإعالمية‬ ‫لق�ضية اللجوء ال�سوري �إلى الأردن في بداية الأزمة بالتركيز على التعاطف مع‬ ‫الالجئين باعتبارهم �ضحايا لأو�ضاع لم يختاروها‪ ،‬لكن معالجة و�سائل الإعالم‬ ‫في المراحل الالحقة َغ َل َبت عليها �سمات التب ّرم وال�ضيق لوجود هذا العدد الكبير‬ ‫خ�صو�صا �أن ا�ستجابة المجتمع الدولي لدعم الأردن كانت �أق ّل‬ ‫من الالجئين‪،‬‬ ‫ً‬ ‫بكثير مما كان متوق ًعا‪.‬‬ ‫فتح الأردنيون قلوبهم قبل منازلهم ال�ستقبال موجات اللجوء الأولى في‬ ‫عام ‪ ،2011‬ونظر كثير منهم �إلى الالجئين ال�سوريين في تلك المرحلة على‬ ‫�أنهم �ضحايا نظام دموي م�ستبد‪ .‬وقد ع َّبر ال ُكتَّاب الأردنيون في بداية الأزمة‬ ‫عن تعاطفهم الكامل مع الالجئين ال�سوريين‪ .‬فها هو ال�سيد ح�سن ال�شوبكي يكتب‬ ‫بتاريخ ‪ 2011/12/10‬مقا ًال في جريدة «الغد» بعنوان «�إدامة ال ّدعم لأ�شقائنا‬ ‫حال �إلى حال تب َّدلت �أو�ضاع الأ�شقاء‪ ‬ال�سوريين‪ ‬بعد �أن‬ ‫ال�سوريين» يقول فيه‪« :‬من ٍ‬ ‫ف ّروا من هول القتل في بالدهم وا�ستجاروا بالأردن بح ًثا عن الأمن والطم�أنينة‪.‬‬ ‫‪ ‬لكن عبور الحدود ينطوي على م�ش ّقة اقت�صادية بد�أت للمئات في �أول ف�صول‬ ‫الثورة ال�سورية‪ ،‬وهي الآن للآالف الذين يتناثرون بين الرمثا والمفرق ومناطق‬ ‫�أخرى‪ ،‬حتى و�صلت بع�ض العائالت �إلى قلب الجنوب في معان‪».‬‬ ‫املنتـ ــدى ‪262‬‬

‫‪- 74 -‬‬


‫قراءة في الخطاب الإعالمي لأزمة الالجـئين ال�سوري ّين‬ ‫د‪ .‬نبيل ال�شريف‬

‫ثم يتح َّدث عن اال�ستقبال الأردني ال�شعبي لل�سوريين الذي ات�سم بت�أكيد‬ ‫عمق الروابط والمبادرة لنجدة الجار المنكوب‪� ،‬إذ يقول‪« :‬العائالت الأردنية‬ ‫وال�سورية التي يربطها �شريط �سهل حوران ظ َّلت وفي ًة لروابط الن�سب والم�صاهرة‬ ‫يق�صر �أبناء الرمثا في ا�ست�ضافة العديد من العائالت ال�سورية‬ ‫ووحدة الدم‪ ،‬ولم ِّ‬ ‫واقت�سام لقمة الخبز معهم‪ ،‬ومثلهم � ً‬ ‫أي�ضا كانت الع�شائر في مناطق ال�سرحان‬ ‫والمفرق‪.‬‬ ‫�ضرب الأردنيون مث ًال جديدً ا في ن�صرة المظلومين و�إغاثتهم‪ ،‬وكل هذا‬ ‫كان يحدث بدعم غير ُمع َلن من الدولة التي لم تدر ظهرها لل�سوريين الفارين‬ ‫من القتل‪»...‬‬ ‫بتاريخ ‪ 2012 /2/25‬يتح َّدث د‪ .‬با�سم الطوي�سي في ال�صحيفة نف�سها عن‬ ‫تقا�سم البيوت مع الالجئين ال�سوريين‪ ،‬وذلك في مقال حمل عنوان «�ضيوف‬ ‫الدولة و�ضيوف المجتمع»‪ ،‬فيقول‪« :‬و�سط العا�صفة ال�سورية وغبار ال�سيا�سة‬ ‫وطلقات الر�صا�ص المتبادلة التي �أفقدت الحقيقة معناها‪ ،‬يقدِّ م الأردنيون حالة‬ ‫معافاة و�أكثر �صح ّية في التعامل مع الهاربين من الأو�ضاع في �سورية‪ ،‬بعيدً ا عن‬ ‫التنظير الأيديولوجي والإخاء العقائدي‪ ،‬وكل هذا الإن�شاء ال�سيا�سي‪ .‬فالنماذج‬ ‫والق�ص�ص التي ُتحكى بعفوية و�صدق حول �إيواء مئات العائالت ال�سورية في‬ ‫الرمثا والمفرق ومعان من قبل المجتمعات المحلية‪ ،‬والتي و�صلت �إلى الم�صاهرة‬ ‫وتقا�سم البيوت‪� ،‬إنما ت�ؤكد �أن ه�ؤالء �ضيوف المجتمع ولي�سوا �ضيوف الدولة‬ ‫وح�سب‪».‬‬ ‫يكتب ها�شم الق�ضاة في جريدة «الر�أي» مقا ًال بعنوان «قلوبنا على �سوريا»‪،‬‬ ‫ُيبدي فيه تعاط ًفا مع ال�شعب ال�سوري في المحنة التي تع َّر�ض لها‪ ،‬فيقول‪« :‬ما‬ ‫يحدث في �سورية اليوم جرح في ّ‬ ‫الكف‪ ،‬ونار ت�شتعل على عتبة الدار‪ ،‬لذلك‬ ‫لي�س �سه ًال على المرء �أن ُيبدي ر�أيه في هذا الأمر قبل �أن تتهي�أ له كل معايير‬ ‫الد ّقة‪ ،‬والإح�سا�س ال�صادق بم�س�ؤولية الكتابة التي توجب علينا ك�أردنيين �أن يظ ّل‬ ‫هاج�سنا بهذا الأمر هو �سورية الوطن و�سورية ال�شعب و�سورية الدولة‪� ...‬إنَّ ما فا�ض‬ ‫من ال�سيل مجرد رغوة وزبد‪� ،‬إذ ال يمكن لذي عينين مب�صرتين �أن يقتنع ب�أنه يمكن‬ ‫‪- 75 -‬‬

‫�صيف ‪2015‬‬


‫درا�سات ومقاالت‬

‫�أن يكون للزبد لون �أحمر‪ ،‬فالذي َ‬ ‫فا�ض من ال�سيل هذه المرة ما هو �إال دماء‬ ‫ال�سوريين الزك ّية‪».‬‬ ‫بتاريخ ‪ 2011/2/5‬تن�شر الكاتبة ‪-‬المرحومة‪ -‬غيداء دروي�ش مقا ًال‬ ‫في جريدة «الر�أي» يفي�ض ح ًبا ب�سوريا و�شعبها‪ ،‬وقد اختارت له عنوا ًنا قري ًبا‬ ‫من عنوان مقال ال�سيد ها�شم الق�ضاة المذكور �آن ًفا‪ ،‬فقد حمل مقالها عنوان‬ ‫«قلبي على �سوريا»‪ ،‬وفيه تقول‪�« :‬أموت وج ًعا عليك يا حبيبتي! �أموت ح ًبا‪،‬‬ ‫جرحا ينزف من ج�سدك ُيدميني‪� ،‬إن ه ًّما‬ ‫ع�ش ًقا‪ ،‬و�أحيا على �سالمتك! �إن ً‬ ‫ي�سكن فيك يقتلني ويفنيني‪ ،‬ما قيمة عمرنا �إن لم نع�ش فيك وت�سكنيني؟!‬ ‫يا زينة البلدان تحميك عيون الر ّمــان‪ ،‬التي احت ــمت ب�شجرة الأم ــان‪ ،‬فيــا �أهلنــا‬ ‫ال تقتلوا الر ّمان في عزّه‪ ،‬فطعم دمه م ّر �إن ُق ِط َف قبل الأوان‪ ،‬لم يبق في �أ ّمتنا‬ ‫مالذ يحمينا �إ َّال هذا المكان‪� ،‬أتركوا �شبابه ح ًرا يهتف بحرية هذا المهرجان‪،‬‬ ‫فقد م َّل ال�صمت و�سئم الخوف وثار على الهوان‪ّ ...‬‬ ‫ت�ضخم ه ّمنا وجاع جوعنا حتى‬ ‫�ضاق الثوب على الأبدان‪ ...‬فداك القلب والروح يا مقلة العين وزينة الأوطان‪...‬‬ ‫الرب من كل طغيان!!»‬ ‫يا �شام يا �شام!! ع ّمان تدعو لك يحميك ّ‬ ‫ت�ستح�ضر الكاتبة �إكرام الزعبي في مقال بعنوان «قطعت �أنا حدود‬ ‫�سوريا»‪ ،‬ن�شرته في جريدة «الر�أي» بتاريخ ‪ ،2011/5/5‬العالقة الخا�صة‬ ‫والمميزة التي ربطت مدينة درعا‪� ،‬أقرب المدن ال�سورية �إلى الأردن‪ ،‬مع الأردن‬ ‫عبر التاريخ‪ ،‬حيث تقول الكاتبة‪« :‬ت�ستح�ضر الأزمات مخزون النا�س التراثي‬ ‫والفني‪ ،‬فكان طبيع ًيا‪ ،‬ومنذ بدء م�سيرات درعا‪� ،‬أن تعلق في البال الأغنية‬ ‫التراثية الخالدة‪« :‬قطعت �أنا حدود �سورية‪ ،‬وجيت على اثنين ز ّوارة»‪ .‬هذه‬ ‫الأهزوجة التي ر َّددتها ن�شميات الكرك في حرب �أكتوبر‪ ،1973‬وذلك عندما‬ ‫توجه العميد الركن خالد هجهوج المجالي‪ :‬قائد اللواء المدرع ‪� 40‬إلى الجوالن‪،‬‬ ‫َّ‬ ‫ليقاتل هناك مع رجال ال تتكرر‪ ...‬عد ًوا م�شتر ًكا يح�سب للجندي الأردني �ألف‬ ‫ح�ساب‪ .‬كن ينادين ‪« :‬يا حار�س ال�شيك وافتحلي‪ ،‬ومن (الأردن) جيت ز ّواره‪...‬‬ ‫التعاطف الكبير عند الأردنيين مع التو�أم الدرعاوي‪ ،‬ا�ستح�ضر لي�س فقط‬ ‫الفلكلور الم�شترك‪ ،‬بل والتاريخ الم�شترك بيننا وبين �أ�شقائنا ال�سوريين‪ ،‬والذي‬ ‫املنتـ ــدى ‪262‬‬

‫‪- 76 -‬‬


‫قراءة في الخطاب الإعالمي لأزمة الالجـئين ال�سوري ّين‬ ‫د‪ .‬نبيل ال�شريف‬

‫بات يغلب على الحديث‪ .‬ما نحب �أن نتذ ّكره عن درعا‪ ،‬وال�شيخ م�سكين‪ ،‬ونوى‪،‬‬ ‫ونبع ال�صخر‪ ،‬وغيرها‪ ،‬هو �أنها كانت منطقة ح�شد للقوات العربية الم�شتركة �ض ّد‬ ‫دما م�سفو ًكا‪ ،‬ومخابز بال طحين‪ ،‬و�أطفا ًال‬ ‫عدو م�شترك‪ ،‬وال نريد �أن نرى فيها ً‬ ‫بال حليب‪ .‬نتوق هذا ال�صيف لأن نقطع حدود �سوريا كما تع ّودنا منذ عقود‪� ،‬سوريا‬ ‫الهادئة الم�ستقرة المرتبطة (بالحلو)‪ ،‬وباليا�سمين‪».‬‬ ‫� ًإذا‪ ،‬نحن هنا �أمام عواطف ج ّيا�شة تجاه ال�شعب ال�سوري ال�شقيق‪� ،‬ضح ّية‬ ‫الظلم واال�ضطهاد‪ ،‬وال نلم�س في الغالب الأعم في هذه المرحلة الأولى من عمر‬ ‫الأزمة م�شاعر �ضيق �أو تب ّرم وا�سعة من وجود الالجئين ال�سوريين على الأر�ض‬ ‫الأردنية‪ .‬ففي ال�شهور الأولى من عمر الأزمة‪ ،‬كان تركيز الخطاب الإعالمي‬ ‫ب�شكل �أكبر على �ضرورة العمل لنجدة الأ�شقاء ال�سوريين‪ ،‬رغم �أن الأردن نف�سه‬ ‫كان وما يزال يعاني من �أو�ضاع اقت�صادية �صعبة وموارد محدودة‪ .‬ولكن الموقف‬ ‫موحدً ا ‪-‬كما �أ�شرنا �آن ًفا‪ -‬من ق�ضية الالجئين‪ ،‬فقد ر�أى‬ ‫ال�شعبي الأردني لم يكن َّ‬ ‫بع�ض المتعاطفين مع النظام ال�سوري �أن ق�ضية الالجئين مفتعلة من الأ�سا�س من‬ ‫جانب بع�ض القوى ال ُمعادية للنظام والهدف منها هو �إحراج ال�سلطة و�إظهارها‬ ‫على �أنها قمعية وم�ستب ّدة تفتك ب�أبناء �شعبها‪.‬‬ ‫حد �سواء‪،‬‬ ‫وقام بع�ض ال ُكتَّاب الأردنيين بتحميل النظام والمعار�ضة‪ ،‬على ٍّ‬ ‫م�س�ؤولية تر ّدي الأو�ضاع في �سورية‪ ،‬فها هو الكاتب باتر وردم يقول في مقال ُن�شر‬ ‫في جريدة «الد�ستور» في ‪� 2014/1/11‬إن الطرفين م�س�ؤولين عما ح َّل بال�شعب‬ ‫ال�سوري من كوارث‪�« :‬سوريا �أ�صبحت تحت حكم �شريعة الغاب‪ ،‬حيث البقاء‬ ‫للأقوى والأ�سو�أ والأكثر وح�شية والأقل رحمة‪ ،‬والم�شكلة �أن المناف�سة ال�ضارية‬ ‫على الوح�شية ت�صل �إلى حدود غير م�سبوقة بين كافة الأطراف‪ ...‬ال�شعب‬ ‫ال�سوري يتع َّر�ض �إلى عنف وح�شي من قبل النظام تارة بالمذابح التي يرتكبها‬ ‫المتفجرة التي تلقيها الطائرات على‬ ‫ال�شبيحة‪ ،‬ثم الأ�سلحة الكيماوية‪ ،‬فالبراميل‬ ‫ّ‬ ‫المدنيين‪ ،‬وكذلك �سيا�سات الح�صار والتجويع التي يتم ممار�ستها �ض ّد �أحياء‬ ‫ومدن وقرى ب�أكملها من قبل النظام‪ .‬في الطرف الآخر يواجه المجتمع ال�سوري‬ ‫وح�شية مماثلة من قبل تنظيم الدولة الإ�سالمية في العراق وبالد ال�شام‪ ،‬وغيره‬ ‫من التنظيمات المتط ّرفة التي تعتقد �أن قتل النا�س هو �أقرب طريق للجنة‪».‬‬ ‫‪- 77 -‬‬

‫�صيف ‪2015‬‬


‫درا�سات ومقاالت‬

‫ويتحدث ُعريب الرنتاوي في «الد�ستور» � ً‬ ‫أي�ضا بتاريخ ‪ 2013/5/27‬عن فكي‬ ‫الكما�شة التي ُح�شر بينهما ال�شعب ال�سوري والمتم ِّثل ْين في « نظام متر ّب�ص وثورة‬ ‫ُم ْخت َ​َطفة»‪� ،‬إذ يقول‪« :‬في �سوريا‪ ،‬ثورة �أكلتها «الم�ؤامرة»‪ ،‬و�أحالتها �إلى نقي�ضها‪...‬‬ ‫تال�شت الثورة وذهبت �شعاراتها وقواها المح ّركة‪ ،‬لتبقى الم�ؤامرة بوجوهها‬ ‫الكالحة و�أدواتها ال�شريرة‪ ...‬و�أغلب الظنّ �أن «نب�ؤة» البطريرك الراعي‪« :‬خ�صوم‬ ‫الأ�سد �أ�سو�أ منه»‪ ،‬تجد �صدى لها‪ ،‬ويزداد عدد الم�صدقين بها‪ ...‬هي التراجيديا‬ ‫بك ّل ما تحتمله الكلمة من معاني‪ ،‬يجد ال�سوريون �أنف�سهم بين فكي كما�شتها‬ ‫القاتلين‪ ...‬ثورة مختطفة ومغدورة‪ ،‬ونظام متر ّب�ص ينتظر بفارغ ال�صبر‪ ،‬لحظة‬ ‫يخرج فيها ل�سانه لكل خ�صومه ومجادليه‪� :‬ألم �أقل لكم؟»‬ ‫المهم �أن الأزمة التي تع َّقدت م�سالكها وت�ش َّعبت دروبها �أ ّدت �إلى زيادة عدد‬ ‫الالجئين المتد ّفقين �إلى الأردن ب�شكل لم يكن في الح�سبان‪ ،‬مما �أدى �إلى ارتفاع‬ ‫نبرة التب ّرم وال�شكوى في و�سائل الإعالم من وجود هذه الأعداد ال�ضخمة من‬ ‫خ�صو�صا و�أن ا�ستجابة المجتمع الدولي لدعم‬ ‫الالجئين ال�سوريين في الأردن‪،‬‬ ‫ً‬ ‫الالجئين كانت ُمخ ّيبة للآمال ودون الم�ستوى الم�أمول‪.‬‬ ‫المتخ�ص�ص في ال�ش�ؤون االقت�صادية ع�صام ق�ضماني يعك�س‬ ‫وها هو الكاتب‬ ‫ِّ‬ ‫بداية تح ّول في موقف و�سائل الإعالم الأردنية من �شالل اللجوء الب�شري ال�سوري‬ ‫الذي لم يتوقف و�أ�صبح ي�ش ِّكل م�صدر قلق لكثير من الأردنيين‪ .‬وهنا يقدم الكاتب‬ ‫قراءة مت�أنية للواقع الذي يعي�شه الأردن ب�سبب تد ّفق �أعداد هائلة من الالجئين‬ ‫ال�سوريين دونما دعم يذكر من الجهات الدولية �أو من الدول ال�شقيقة‪ .‬وفيما‬ ‫ي�أتي بع�ض ما يذكره الكاتب حول اللجوء ال�سوري في جريدة «الر�أي» بتاريخ‬ ‫‪« :2013/8/28‬الم�س�ؤولون الأردنيون �أبلغوا الجهات الدولية �أن الأردن ال يمكنه‬ ‫ا�ستقبال �أكثر من خم�سة �آالف الجئ يوم ًيا‪ ،‬وطلبوا رفع م�ستوى الم�ساعدة �إلى‬ ‫درجة و�صفوها بالطوارئ‪ ،‬فال مجال للإبطاء فالوقت ي�ضيق وعدم اال�ستجابة تعني‬ ‫بقاء ع�شرات الآالف من ال�سوريين على الحدود دون م�أوى وبال طعام وال مياه‪».‬‬ ‫املنتـ ــدى ‪262‬‬

‫‪- 78 -‬‬


‫قراءة في الخطاب الإعالمي لأزمة الالجـئين ال�سوري ّين‬ ‫د‪ .‬نبيل ال�شريف‬

‫«عدد الالجئين ال�سوريين في الأردن الم�سجلين لدى م�ؤ�س�سات الإغاثة‬ ‫الدولية يبلغ نحو (‪� )546‬أل ًفا حتى الآن‪ %20 ،‬فقط من الالجئين ال�سوريين‬ ‫يقطنون المخيمات المعتمدة‪ ،‬و‪ %80‬منهم يتوزعون على محافظات ومدن‬ ‫المملكة‪ ،‬ما �أدى �إلى نم ّو �سكاني مفاجئ ن�سبته ‪ %3‬من عدد ال�سكان‪».‬‬ ‫« كلفة ا�ست�ضافة الالجئ الواحد ت�صل �إلى (‪ )2500‬دينار �سنو ًيا‪ ،‬وقد بلغت كلفة‬ ‫الالجئين خالل العام ‪ )449.902( 2012‬مليون دينار‪ ،‬فيما ُقدِّ رت الكلفة خالل‬ ‫العام ‪ 2011‬بحوالي (‪ )140.28‬مليون دينار‪».‬‬ ‫«الحكومة كانت �أعلنت مدن �شمالي المملكة مناطق منكوبة‪ ،‬لكن وقع‬ ‫الأحداث المت�سارعة في خطورتها وت�أثيرها غير المتوقع �ست�شمل الأردن ك ّله‪ ،‬فهل‬ ‫نترقب �إعالن حالة طوارئ اقت�صادية على الأقل؟»‬ ‫فيما ي�أتي ح�صر لبع�ض التوجهات الرئي�سة في الخطاب الإعالمي المتعلق‬ ‫بمو�ضوع الالجئين ال�سوريين‪ ،‬التي تعك�س قلق الأردنيين �إزاء ا�ستمرار الأزمة من‬ ‫دون وجود ح ّل قريب �أو َم ْخ َرج في الأفق‪:‬‬ ‫‪ -1‬الالجئون ال�سوريون ي�أخذون فر�ص العمل القليلة المتاحة �أمام الأردنيين‬ ‫مثال على ذلك‪ :‬ب َّثت وكالة الأنباء الأردنية الر�سمية تقري ًرا من مدينة‬ ‫�إربد (وهي �إحدى �أكثر المدن الأردنية ت�أث ًرا باللجوء ال�سوري)‪ ،‬وذلك بتاريخ‬ ‫‪ .2014/6/11‬وقد ر�صدت الوكالة في ذلك التقرير �آراء بع�ض المواطنين فيما‬ ‫يتعلق ب�ضياع فر�ص العمل التي كانت متاحة لهم ل�صالح الالجئين ال�سوريين‪.‬‬ ‫ن�ص التقرير الذي ن�شر في عدد كبير من و�سائل الإعالم الأردنية‪:‬‬ ‫وتال ًيا ّ‬ ‫«�إربد ‪ 11‬حزيران (بترا) ‪-‬من عال عبيدات‪� -‬أ�صبحت العمالة ال�سورية‬ ‫ت�سيطر على جزء من �سوق العمل الأردني‪ ،‬وبخا�صة في محافظة �إربد التي ت�شهد‬ ‫ً‬ ‫اكتظاظا كبي ًرا لالجئين ال�سوريين‪ .‬و�أ�صبح العمال ال�سوريون �شبا ًبا و�شابات‬ ‫يعملون في الكثير من الأ�سواق والمحال التجارية والموالت والم�صانع بد ًال من‬ ‫العاملين المواطنين‪».‬‬ ‫‪- 79 -‬‬

‫�صيف ‪2015‬‬


‫درا�سات ومقاالت‬

‫«ويقول �شباب �أردنيون التقتهم وكالة الأنباء الأردنية (بترا) �إن العمالة‬ ‫ال�سورية ح�صلت على الكثير من فر�ص العمل وحرمت الأردنيين من الح�صول‬ ‫على فر�صة عمل منا�سبة في ال�سوق المحلية‪ ،‬حيث بات العديد منهم يعمل في‬ ‫المهن الحرفية والخدماتية‪».‬‬ ‫«وي�ضيفون �أ�صبحنا نرى العديد من ال�سوريين يعملون في المطاعم ال�شعبية‬ ‫ومحال الحلويات والمعجنات ومحطات ال�سيارات و�صالونات التجميل والأ�سواق‬ ‫ال�شعبية‪ ،‬وبع�ضهم ح�صل على ت�صاريح عمل م�ؤقتة لمزاولة بع�ض المهن الحرفية‬ ‫التي تتطلب المهارة والإتقان مثل البالط والدهان والنجارة والديكورات المختلفة‬ ‫للحدائق والمنازل‪».‬‬ ‫«ويذكرون �أن الكثير من �أرباب العمل �أ�صبحوا يتخلون عن العمالة المحلية‪،‬‬ ‫لإحالل العمالة ال�سورية مكانها‪ ،‬نظ ًرا لقبولهم العمل ب�أجور متدنية‪ ،‬وعدم‬ ‫وجود ت�أمين �صحي لهم‪ ،‬وعدم خ�ضوعهم لل�ضمان االجتماعي‪ ،‬الأمر الذي‬ ‫ي�س ِّهل على �صاحب العمل ا�ستبدال �أي فرد منهم بفرد �آخر في �أي وقت �شاء‪،‬‬ ‫وبخا�صة في قطاعات الزراعة وقطاع البناء والمطاعم وغيرها من المهن‪،‬‬ ‫الأمر الذي �أدى �إلى ازدياد عدد العاطلين عن العمل من �شباب المحافظة‪.‬‬ ‫وي�ؤكد ال�شاب محمد العمري‪ ،‬خريج بكالوريو�س محا�سبة ويبحث عن عمل‪� ،‬أن‬ ‫�أ�صحاب العمل ال يمنحون العمالة المحلية �أولوية في الح�صول على عمل وبخا�صة‬ ‫في الموالت والمحال التجارية الكبرى‪ّ ،‬‬ ‫ويف�ضلون العمالة ال�سورية‪ ،‬ب�سبب تد ّني‬ ‫الأجور وقبولهم العمل ل�ساعات طويلة دون منحهم الأجور الإ�ضافية‪ ،‬داع ًيا‬ ‫الحكومة �إلى اتخاذ الإجراءات المنا�سبة للح ّد من انت�شار هذه الظاهرة وم�ساعدة‬ ‫ال�ش ّبان الأردنيين‪ ،‬وبخا�صة حديثو التخ ّرج في �إيجاد فر�ص عمل منا�سبة لهم في‬ ‫ال�سوق المحلية‪».‬‬ ‫«ويبين خالد النجار‪� ،‬صاحب عمل‪ ،‬ب�أنه بات ِّ‬ ‫يف�ضل ال�شابات ال�سوريات‬ ‫لتمتعهن بالخبرة المنا�سبة‪� ،‬إ�ضافة �إلى تد ّني �أجورهن وا�ستعدادهن للعمل‬ ‫لفترات طويلة خالل النهار‪ ،‬مبي ًنا �أن العامل الإن�ساني وظروف حياتهن ال�صعبة‬ ‫دفع بالكثير من �أ�صحاب العمل �إلى ت�شغيلهن وتوفير الم�سكن وت�أمين �سبل العي�ش‬ ‫الكريم بالن�سبة لهن‪».‬‬ ‫املنتـ ــدى ‪262‬‬

‫‪- 80 -‬‬


‫قراءة في الخطاب الإعالمي لأزمة الالجـئين ال�سوري ّين‬ ‫د‪ .‬نبيل ال�شريف‬

‫وتقول فاطمة الخالد‪ ،‬تعمل في محل مالب�س‪� ,‬أنها ا�ضطرت للقبول بالعمل‬ ‫ب�أجر �أقل من الأجر المعتاد في مثل هذه المحال لأن �صاحب المحل �أخبرها‪:‬‬ ‫«هذا الموجود و�إال فال�سوريات موجودات براتب �أقل مما �أعطيك‪ ،‬لكن �أنا �أريد‬ ‫م�ساعدتك»‪ ،‬ولذلك قبلت‪».‬‬ ‫ت�شير �إح�صائيات �إلى �أنه يوجد في محافظة �إربد نحو خم�سة �آالف‬ ‫عائلة �سورية معظم �أفرادها من ال�شباب الذين يعملون في مختلف القطاعات‬ ‫كالمطاعم والم�صانع والمزارع والمحال التجارية‪.‬‬ ‫‪ -2‬ال�سوريون يلقون معاملة �أف�ضل من الأردنيين‬ ‫في الوقت الذي ي�سعى فيه الأردني للح�صول على لقمة العي�ش ب�شق الأنف�س‪،‬‬ ‫يح�صل ال�سوريون على الدعم من المنظمات الدولية والدول المانحة‪ ،‬مما جعل‬ ‫بع�ض الأردنيين يتمنون عبر و�سائل التوا�صل االجتماعي لو �أنهم كانوا الجئين‪،‬‬ ‫فلو كانوا كذلك لما تعر�ضوا لهذه ال�صعوبات االقت�صادية الهائلة‪ ،‬ولقدمت لهم‬ ‫الم�ساعدات من كل حدب و�صوب‪.‬‬ ‫يع ِّبر الجئ �سوري في تقرير ن�شره موقع «الحياة نيوز» الأردني بتاريخ‬ ‫‪ 2014/5/4‬عن تعاطفة مع المواطن الأردني؛ بل �إ�شفاقه عليه لأن و�ضعه‬ ‫االقت�صادي �صعب بالمقارنة مع الالجئ الذي يعي�ش في «بحبوحة»! وفيما ي�أتي‬ ‫ن�ص الفقرة التي تعالج هذا المو�ضوع في التقرير الم�شار �إليه‪:‬‬ ‫ّ‬ ‫«قال خالد‪� ،‬أحد العاملين في محل خ�ضار‪ ،‬وهو وافد �سوري‪� :‬أنا ُمقيم في‬ ‫الأردن منذ عامين و�أعي�ش حياة رغيدة‪ ،‬ولكن �أ�سفي وحزني على �شعب البلد ف�إني‬ ‫�أرى كيف يعي�شون ويعانون في الح�صول على لقمة عي�شهم‪� ،‬إ�ضافة �إلى المعاملة‬ ‫ال�سيئة‪ .‬وقال‪� :‬أنا �أ�شفق على الأردني على الرغم من �أنه يعي�ش في وطنه وينتمي‬ ‫�إليه ولكن �أرى هذا حب ًرا على ورق فالغريب ُي َّ‬ ‫ف�ضل على ابن البلد‪ ،‬بكل �صراحة‪».‬‬ ‫في التقرير نف�سه‪ ،‬ع َّبرت مواطنة �أردنية عن المعنى ذاته تقري ًبا‪« :‬ن ّوهت‬ ‫�أم فرح قائلة‪ :‬ابن البلد «ي�ضيع» في وطنه‪ ،‬فالرمثا باتت م�أوى لل�سوريين ونحن‬ ‫�أو�شكنا �أن ُنط َرد منها ب�سبب الغالء الذي � َّألم بها كما �أن �إيجارات المنازل ارتفعت‬ ‫‪- 81 -‬‬

‫�صيف ‪2015‬‬


‫درا�سات ومقاالت‬

‫من �أجل ت�أمين الم�ساكن للوافدين‪ ...‬ف�أين الرحمة؟»‪ ،‬و�أ�ضافت «خلينا نعي�ش‬ ‫ب�سالم»‪ ،‬و�أق�سمت �أم فرح �أنها باتت تطلب لقمة الخبز من جيرانها‪ ،‬فالمواطنون‬ ‫يعي�شون غرباء في وطنهم والوافدون يتر ّبعون في مناطق المملكة على ح�ساب‬ ‫غيرهم‪� ،‬أما العدل فغدا م�صطلح يبحث عنه ال�شعب وال يجده بل يرى حروفه‬ ‫تر�سم على الورق فقط‪».‬‬ ‫‪ -3‬الالجئون ال�سوريون �سبب لإزدياد الم�شاكل الأمنية في البالد‬ ‫ن�شرت جريدة «ال�سبيل» الإ�سالمية (المتعاطفة �أ�ص ًال مع الالجئين‬ ‫ال�سوريين) تقري ًرا بتاريخ ‪ 2013/11/9‬حول الكلفة الأمنية لأزمة اللجوء ال�سوري‬ ‫�إلى الأردن‪ ،‬وفيما ي�أتي �أبرز ما جاء فيه‪:‬‬ ‫«في ظل و�صول �أعداد الالجئين ال�سوريين في الأردن �إلى نحو مليون وثالثمئة‬ ‫�ألف الجئ (�أي ما ي�شكل نحو ‪ %15‬من عدد ال�سكان) بح�سب وزير الداخلية ح�سين‬ ‫المجالي‪ ،‬تزداد الكلفة الأمنية التي ترتبت على ا�ستقبال ال�سوريين في مختلف‬ ‫محافظات المملكة‪ .‬وال �شك �أنه لي�س من العدل �أو المنطق القول �إن كل الالجئين‬ ‫ال�سوريين مجرمون! و�إنهم �سبب في زيادة ن�سبة ارتكاب الجريمة بالمملكة‪ ،‬في‬ ‫الوقت الذي ال ننفي فيه وجود �أعداد من الالجئين ال�سوريين من ذوي الإجرام‬ ‫و�سيئي ال�سمعة وال�سلوك؛ الأمر الذي �أثر في �سمعة باقي ال�سوريين‪».‬‬ ‫«فبح�سب م�صدر �أمني‪ ،‬قال �إن �إح�صائيات وتقارير وزارة الداخلية ت�شير‬ ‫�إلى �أن ن�سبة جرائم ال�سوريين بمختلف �أ�شكالها في الأردن ت�ضاعفت بن�سبة‬ ‫‪%100‬؛ حيث و�صلت �أعداد الجرائم في العام الما�ضي �إلى (‪ ،)4845‬وت�ضاعفت‬ ‫يخ�ص الم�س�ألة الأمنية‬ ‫هذا العام لت�صل �إلى نحو (‪� )10‬آالف‪ .‬وب َّين �أنه في ما ّ‬ ‫الداخلية‪ ،‬ف�إنه كانت هناك �صعوبة في التعامل مع الالجئين ال�سوريين‪ ،‬الفتًا �إلى‬ ‫�أنه منذ ت�سعة �أ�شهر بد�أ �ضبط �أو�ضاع الالجئين ال�سوريين بالكامل‪ ،‬فبالن�سبة‬ ‫للمخيمات كانت حاالت الهروب ت�صل �إلى (‪ )1000‬حالة في مخيم الزعتري‪،‬‬ ‫بينما الآن ت�صل �إلى ‪ 4‬حاالت فقط‪ ،‬م�شي ًرا �إلى �أن ‪ %70‬من الالجئين ال�سوريين‬ ‫دخلوا الأردن بطريقة غير �شرعية‪ .‬فيما �أ�شار �إلى �أن مخيم الزعتري الذي ي�ضم‬ ‫نحو (‪� )130‬ألف الجئ ي�شكل تحد ًيا �أمن ًيا كبي ًرا‪ ،‬مبي ًنا �أنه كان قبل وقت قريب‬ ‫املنتـ ــدى ‪262‬‬

‫‪- 82 -‬‬


‫قراءة في الخطاب الإعالمي لأزمة الالجـئين ال�سوري ّين‬ ‫د‪ .‬نبيل ال�شريف‬

‫م�سرحا لأعمال �شغب �شبه يومية‪ ،‬م�ؤكدً ا �أن االحتجاجات الداخلية فيه امتدت‬ ‫ً‬ ‫�إلى الخارج لت�صطدم مع المواطنين وال�سكان القريبين من حدود المخيم‪،‬‬ ‫لأ�سباب مختلفة تم معالجتها في حينها‪».‬‬ ‫«وفي الوقت الذي نفى فيه الم�صدر الأمني وجود جريمة ّ‬ ‫منظمة داخل‬ ‫مخيم الزعتري‪ ،‬م�ؤكدً ا �أن الجرائم الموجودة في المخيم مثل �أي جرائم �أخرى‬ ‫مو�ضحا �أن الجرائم التي تحدث داخل المخيم هي �سرقات‬ ‫تقع في �أي مجتمع‪،‬‬ ‫ً‬ ‫مختلفة يتم �ضبطها‪ ،‬و�سرقات لممتلكات عامة‪� ،‬إ�ضافة �إلى حوادث �سير‪».‬‬ ‫«ولفت �إلى �أن �أكثر المحافظات التي تعاني جراء انت�شار ال�سوريين‬ ‫فيها هي محافظة المفرق‪ ،‬فقد �شهدت المحافظة �أحدا ًثا م�ؤ�سفة‪ ،‬تمثلت‬ ‫بحدوث عدة جرائم قتل و�سلب؛ مما دعا �أهل المفرق �إلى �إبداء تخوفهم‬ ‫من انفالت �أمني يهدد ا�ستقرار المحافظة‪ ،‬ويح ّولها �إلى ب�ؤرة رخوة �أمن ًيا‪.‬‬ ‫وب َّين �أن وجود ال�سوريين في المملكة وت�أثيرهم في الو�ضعين االقت�صادي‬ ‫واالجتماعي‪� ،‬أدى �إلى ارتفاع �أجور ال�شقق ال�سكنية‪ ،‬و�أ�سعار المواد التموينية‪،‬‬ ‫فيما �أدت مزاحمة الالجئ ال�سوري العامل الأردني في �سوق العمل �إلى احتقان‬ ‫البع�ض واحتجاجه وت�أففه‪».‬‬ ‫�إ�ضافة �إلى ذلك‪�« ،‬أ�شار �إلى تخ ّوف ال�سلطات من عمليات تخريبية قد‬ ‫تلج�أ �إليها مجموعات موالية للنظام ال�سوري‪ ،‬في الوقت الذي اكت�شف فيه‬ ‫مند�سة بين الالجئين؛ من �أجل القيام ب�أعمال انتقامية �أو القيام‬ ‫�ساب ًقا عنا�صر ّ‬ ‫بت�صرفات ت�سيء له�ؤالء الالجئين على الأرا�ضي الأردنية‪ ،‬حيث تم �ضبط عنا�صر‬ ‫ا ّدعت �أنها من الجي�ش الحر‪ ،‬و�أنها ف َّرت من الجي�ش ال�سوري‪ ،‬وتب ّين �أنها عنا�صر‬ ‫مد�سو�سة من النظام ال�سوري من �أجل مالحقة المن�ش ّقين �أو الالجئين‪ .‬و�أكد‬ ‫الم�صدر �أن الأجهزة الأمنية تعيد كل من له قيد �أمني من المطار �أو من الحدود‬ ‫مو�ضحا �أن القيد الأمني ي�شمل تجاوز الإقامة �أو تهريب الب�ضائع �أو‬ ‫البرية‪،‬‬ ‫ً‬ ‫الأ�سلحة �أو المخدرات‪ ،‬وكذلك الق�ضايا الأخالقية مثل الدعارة �أو �أي قيود �أمنية‬ ‫م�سجلة لدى الدوائر الأمنية‪».‬‬ ‫‪- 83 -‬‬

‫�صيف ‪2015‬‬


‫درا�سات ومقاالت‬

‫‪ -4‬الالجئون ال�سوريون �أخ ّلوا بالمنظومة القيم ّية للمجتمع‬ ‫ع َّبرت بع�ض و�سائل الإعالم عن القلق جراء ما ر�أت �أنه تهديد لمنظومة‬ ‫القيم في المجتمع الأردني ناجم عن وجود الالجئين ال�سوريين‪ ،‬فقد انت�شرت‬ ‫ظاهرة تزويج الالجئات �صغيرات ال�سنّ �أو حتى القا�صرات لبع�ض الأثرياء‬ ‫القادمين من دول عربية‪ .‬فقد ن�شر موقع «�سرايا» الإخباري بتاريخ ‪2013/10/20‬‬ ‫ملخ�صا لتقرير قال �إن التلفزيون الإ�سرائيلي ب ّثه حول ما �أ�سماه بزواج المتعة في‬ ‫ً‬ ‫مخيم الزعتري قال فيه‪:‬‬ ‫«دخل ُمع ّد التقرير ال�صحفي الإ�سرائيلي هنريكا �إلى الأردن بجواز �سفر‬ ‫�أجنبي‪ ،‬وذهب �إلى مخيم الزعتري و�أع ّد تقري ًرا حول زواج المتعة �أو زواج‬ ‫القا�صرات ال�سوريات من رجال �أثرياء من دول عربية مقابل (‪ )3000‬دوالر‪،‬‬ ‫عاما‪ ،‬لمدة‬ ‫وقال �إن رجا ًال في ال�سبعين من العمر يتزوجون فتيات يبلغن (‪ً )13‬‬ ‫ظهر التقرير «ن�ساء دلاّ الت» في المخيم ظهرن‬ ‫�أ�سبوع �أو �شهر ومن ثم يطلقها‪ .‬و ُي ِ‬ ‫في التقرير ب�صحبة القا�صرات اللواتي تعدهنّ للبيع لأثرياء يبلغ �أعمارهم‬ ‫عاما‪ .‬وتقول �إحدى الدلاّ الت �إن الرجل الثري يتزوجها لمدة‬ ‫ال�ستين وال�سبعين ً‬ ‫ق�صيرة ومن ثم يطلقها على التلفون‪ ،‬وي�أتي ليبحث عن غيرها و�أجمل منها‪».‬‬ ‫«‪ %10‬من �سكان الأردن �أ�صبحوا الجئين �سوريين وكل يوم ي�أتي نحو‬ ‫(‪� )1000‬إلى (‪� )2000‬سوري �إلى المخيم هاربين من الحرب الدائرة هناك‪...‬‬ ‫ومن يقطع الحدود �إلى الأردن ال ي�ستطيع العودة‪ ،‬بح�سب التقرير الذي بثته‬ ‫القناة الإ�سرائيلية الثانية‪ .‬ويقول ُمعد التقرير �إن دبابات �أردنية تحيط بالمخيم‬ ‫للحرا�سة‪ ،‬و�أن المخيم ك ّله من الخيام ال ِقما�ش والكرافانات‪».‬‬ ‫«ويعر�ض التقرير �صو ًرا عن كيف ُتعد الدلاّ لة العرو�سات الطفالت لأثرياء‬ ‫من دول عربية كبار العمر الذين يتزوجنهن لمدة �أ�سبوع �أو �شهر على الأكثر ثم‬ ‫يطلقونهن‪ .‬وت�شتكي �إحدى الطفالت في الثالثة ع�شر من عمرها‪ ،‬والتي تزوجت‬ ‫مبرحا خالل‬ ‫رج ًال غير �أردني في ال�ستين من عمره‪ ،‬كيف كان ي�ضربها �ضر ًبا ً‬ ‫فترة الزواج الق�صيرة‪».‬‬ ‫املنتـ ــدى ‪262‬‬

‫‪- 84 -‬‬


‫قراءة في الخطاب الإعالمي لأزمة الالجـئين ال�سوري ّين‬ ‫د‪ .‬نبيل ال�شريف‬

‫«ويختم ُمعد التقرير بالقول «�إن كل �شيء ُيباع في المخيم‪� ...‬إن مخيم‬ ‫الزعتري هو الغرب المتوح�ش القوي ي�أكل ال�ضعيف‪ ،‬و�أكثر �شيء م�ؤ ِّثر هو معاناة‬ ‫الن�ساء هناك‪».‬‬ ‫وك�شف تقرير لإذاعة «�صوت هولندا» بتاريخ ‪ 2012/9/29‬عما �أ�سماه‬ ‫با�ستغالل ذكوري في الأردن �أدى �إلى انت�شار ظاهرة الزواج من الجئات �سوريات‬ ‫بحجة �أن‬ ‫قا�صرات نزحن من بيوتهن ب�سبب اال�ضطرابات التي تجتاح �سوريا‪ّ ،‬‬ ‫ال�ستر لهن ب�أي ثمن‪ .‬وقد نقل التقرير خب ًرا ن�شرته �إحدى ال�صحف‬ ‫�أهلهن يردن ِّ‬ ‫الأردنية تحت عنوان «ي�ستغ ّلون الأحداث ويتزوجون من الجئات �سوريات»‪ ،‬وجاء‬ ‫فيه‪« :‬تجل�س هنا وهناك‪ ،‬فال ت�سمع حدي ًثا هذه الأيام �إلاّ عن الزوجة ال�سورية‬ ‫التي يمكن الزواج منها بمئة دينار‪� ،‬أو مئتي دينار‪ ،‬وما عليك �إلاّ �أن تذهب �إلى‬ ‫المفرق �أو ع ّمان �أو الرمثا �أو �إربد �أو الكرك‪ ،‬لتختار حورية من حوريات ال�شام‪،‬‬ ‫لأن �أهالي ه�ؤالء يريدون �سترة بناتهم‪ ،‬ويقبلون بزيجات عاجلة‪ ،‬دون �شروط‪،‬‬ ‫مجرد مهر عادي‪ ،‬وزواج �سريع‪ ،‬لأن الأب المكلوم يريد �ستر ابنته ب�أي زواج‪ ،‬حتى‬ ‫لو تق َّدم لها الأغبر الأ�شعث‪»...‬‬ ‫‪ -5‬وجود الالجئين ال�سوريين �أدى �إلى ا�ستزاف الموارد المائية ال�شحيحة وتلويث البيئة‬ ‫لي�س �س ًرا �أن الأردن من �أ�ش ّد دول العالم فق ًرا في الموارد المائية‪ ،‬وقد‬ ‫ن�شرت بع�ض و�سائل الإعالم �أخبا ًرا وتقارير حول معاناة المدن الأردنية جراء‬ ‫اال�ستهالك المتزايد للموارد المائية من قبل الأعداد المتزايدة من الالجئين‬ ‫ال�سوريين‪.‬‬ ‫وقد ن�شر موقع «المدينة نيوز» بتاريخ ‪ 2014/8/24‬تقري ًرا منقو ًال عن موقع‬ ‫«العربي الجديد»‪� ،‬أو�ضح فيه طبيعة التح ّديات المائية التي يواجهها الأردن جراء‬ ‫ا�ستزاف موارده المائية ب�سبب وجود عدد كبير من الالجئين ال�سوريين‪ ،‬وفيما‬ ‫ن�صه‪:‬‬ ‫ي�أتي ّ‬ ‫«�أعلن المتحدث الر�سمي با�سم وزارة المياه الأردنية‪ ،‬عمر �سالمة‪�« :‬أن‬ ‫معاناة الأردن من نق�ص المياه تزداد يوم ًيا‪ ،‬وذلك نتيجة الحرب في �سورية‬ ‫‪- 85 -‬‬

‫�صيف ‪2015‬‬


‫درا�سات ومقاالت‬

‫ونزوح عدد كبير من الالجئين ال�سوريين �إلى الأردن‪ .‬و�أ�ضاف «�أن النق�ص في‬ ‫مياه ال�شرب بالأردن يقدر بن�سبة ال تقل عن ‪ ،%30‬وهي في ارتفاع م�ستمر كلما‬ ‫ً‬ ‫�ضغوطا كبيرة على كافة الموارد والبنى‬ ‫زاد عدد الالجئين في البالد‪ ،‬ما ي�شكل‬ ‫التحتية في البالد‪».‬‬ ‫«و�أكد �سالمة في‪ ‬ت�صريح خا�ص لـ «العربي الجديد»‪� ‬أن الجهات المخت�صة‬ ‫تقدِّ ر عدد الالجئين ال�سوريين المقيمين في الأردن حال ًيا بنحو (‪ )1٫6‬مليون‬ ‫الجئ‪ .‬و�أ�شار �إلى �أن وزارة المياه تبذل جهودًا للتغلب على م�شكلة نق�ص المياه‪،‬‬ ‫وذلك من خالل تنفيذ عدد من الم�شاريع المائية وتنظيم حمالت لوقف الهدر في‬ ‫ا�ستخدام المياه والت�صدي لالعتداءات المتكررة على المياه الجوفية في البالد‪».‬‬ ‫«نق�ص المياه‪ :‬ي�ستهلك الأردن �سنو ًيا (‪ )900‬مليون متر مكعب من المياه‪،‬‬ ‫لكنها ارتفعت الآن كثي ًرا ب�سبب الالجئين ال�سوريين‪ .‬وبح�سب تقديرات وزارة‬ ‫المياه‪ ،‬ف�إن ح�صة الفرد من المياه في الأردن تتراوح بين (‪ 120‬و‪ )150‬لت ًرا‬ ‫يوم ًيا (حوالي ‪ 500‬متر مكعب �سنو ًيا)‪ ،‬في حين �أن ح�صة الفرد العالمية تقدر‬ ‫ل�شح المياه‬ ‫بنحو (‪ )1000‬متر �سنو ًيا‪ ،‬وهذه الح�صة في تراجع م�ستمر نتيجة ّ‬ ‫وزيادة عدد �سكان البالد‪ ،‬في ظل ا�ستمرار توافد الالجئين �إلى البالد‪ .‬وقالت‬ ‫وزارة التخطيط والتعاون الدولي الأردنية‪ ،‬في درا�سة لها حول �أثر الالجئين على‬ ‫مختلف المجاالت‪« :‬لقد انخف�ضت ح�صة الفرد اليومية من المياه �إلى (‪ )30‬لت ًرا‬ ‫يوم ًيا‪ ،‬ما �أدى �إلى �شراء المواطنين الأردنيين للمياه من م�صادر غير حكومية‬ ‫وارتفاع �سعرها �إلى �أربعة �أ�ضعاف‪».‬‬ ‫«م�شاريع جديدة‪ :‬قدر وزير المياه الأردني‪ ،‬حازم النا�صر‪ ،‬في ت�صريح‬ ‫�سابق لـ «العربي الجديد»‪�« :‬أن تكلفة ا�ست�ضافة الالجئين ال�سوريين على قطاع‬ ‫المياه �سنو ًيا تقدر بحوالي (‪ )507٫6‬مليون دوالر �سنو ًيا‪ ،‬ما دفع بالحكومة مم َّثل ًة‬ ‫بوزارة المياه ال�ستنها�ض جميع جهودها لمواجهة ال�ضغوط الكبيرة على المياه‬ ‫من خالل الإ�سراع في تنفيذ عدد من الم�شاريع لتعزيز الم�صادر المائية وخا�صة‬ ‫في المناطق ال�شمالية من البالد التي ت�أوي العدد الأكبر من الالجئين ال�سوريين‪.‬‬ ‫و�أ�شار �إلى �أن الأردن يحتاج �إلى تنفيذ م�شاريع مياه في تلك المناطق بكلفة مق َّدرة‬ ‫املنتـ ــدى ‪262‬‬

‫‪- 86 -‬‬


‫قراءة في الخطاب الإعالمي لأزمة الالجـئين ال�سوري ّين‬ ‫د‪ .‬نبيل ال�شريف‬

‫بحوالي (‪ )1٫05‬مليار دوالر لمواجهة هذا الظرف اال�ستثنائي وبانتظار م�ساعدة‬ ‫المجتمع الدولي في هذا المجال‪ .‬و�أكدت وزارة المالية الأردنية �أن ما يزيد على‬ ‫‪ %20‬من كميات المياه المخ�ص�صة للأغرا�ض المنزلية‪ ،‬يتم ا�ستخدامها بطريقة‬ ‫غير م�شروعة من قبل البع�ض‪ ،‬وهذا تعدً على حقوق الآخرين المائية وي�ؤدي �إلى‬ ‫�ضعف في تلبية احتياجات المواطنين لل�شرب ومخالفة يحا�سب عليها القانون‪».‬‬ ‫«ووف ًقا لدرا�سات قامت بها الوزارة‪ ،‬ف�إن المواطن ي�ستهلك ‪ ٪ 45‬من‬ ‫ا�ستهالكه المائي المنزلي في الحمامات وري الحدائق‪ ،‬في حين ي�ستهلك ‪%30‬‬ ‫في اال�ستحمام‪ ،‬و‪ %20‬في التنظيف والغ�سيل‪ ،‬و‪ %5‬فقط في الطهي وال�شرب‪،‬‬ ‫وبالتالي يمكن للمواطن تر�شيد اال�ستهالك من خالل اتباعه و�سائل مالئمة‪».‬‬ ‫وتحدثت تقارير �إعالمية عن تلوث بيئي لحو�ض المياه الواقع تحت مخيم‬ ‫الزعتري ب�سبب �إقامة المخيم في تلك المنطقة‪ .‬ومن النماذج على ذلك ما ن�شره‬ ‫موقع «المفرق نيوز» على �صفحته في (في�س بوك) بتاريخ ‪ ، 2013/3/25‬وفيما‬ ‫ي�أتي بع�ض ماجاء فيه‪:‬‬ ‫َّ‬ ‫«حذر ا�ستاذان جامعيان متخ�ص�صان بعلم المياه والجيولوجيا‬ ‫في كل من جامعة �آل البيت والجامعة الأردنية‪ ...‬من تل ّوث حو�ض مياه‬ ‫الزعتري وا�ستنفادها بفعل وجود مخيم الزعتري لالجئين ال�سوريين فوق‬ ‫الحو�ض مبا�شرة‪� ،‬إلى جانب �أعدادهم المرتفعة يوم ًيا في المخيم وخارجه‪.‬‬ ‫وقالت �أ�ستاذة علم المياه المخت�صة بنوعية المياه بمعهد علوم الأر�ض والبيئة‬ ‫في جامعة �آل البيت الدكتورة �سرى الحراح�شة‪�« :‬إن حو�ض المياه الموجود في‬ ‫منطقة مخيم الزعتري ُمه َّدد بالتلوث ما لم ت�ستدرك الجهات المعنية الأمور‬ ‫فو ًرا ال �آج ًال‪ ».‬وب ّينت الحراح�شة �أن حو�ض الزعتري المائي يعتبر �أكبر ٍّ‬ ‫مغذ‬ ‫لإقليم ال�شمال من المياه‪ ،‬الفت ًة �إلى �أنه في حال حدوث التلوث �سيتم �إعالن حالة‬ ‫الطوارئ مبا�شرة‪ ،‬ما يعني عدم تزويد محافظات �إقليم ال�شمال بالمياه‪ ،‬الأمر‬ ‫الذي يترتب عليه حدوث كارثة بنق�ص المياه‪ .‬و�أ�شارت �إلى �أن الحو�ض ُمه َّدد‬ ‫بالتلوث خالل عام وربما �أكثر بقليل‪ ،‬واعتبرت �أن تزايد عدد الالجئين ال�سوريين‬ ‫في مخيم الزعتري وخارجه‪ُ ،‬يهدِّ د ا�ستنفاد م�صادر المياه في المفرق‪ ،‬الفتة �إلى‬ ‫‪- 87 -‬‬

‫�صيف ‪2015‬‬


‫درا�سات ومقاالت‬

‫�أن معدل تزويدهم بالمياه يوم ًيا بح�سب الأرقام الر�سمية تتراوح بين (‪)5-4‬‬ ‫�آالف متر يوم ًيا‪».‬‬ ‫«وقال الدكتور �إليا�س �سالمة‪� ،‬أ�ستاذ المياه في ق�سم الجيولوجيا في الجامعة‬ ‫الأردنية‪�« :‬إن عمق المياه في حو�ض الزعتري يتراوح بين (‪ )200 -150‬متر‪ ،‬ما‬ ‫يعني �أن تل ّوثها لي�س بالم�ستحيل‪ ،‬وهو ما ي�ستدعي دق �أجرا�س الخطر‪ .‬و�أ�ضاف‬ ‫�سالمة «�أن �سرعة تلوث المياه في حو�ض الزعتري تعتمد على نوعية الطبقات‬ ‫الجيولوجية في المنطقة‪ ،‬م�ؤكدً ا �أنها �إذا كانت رملية فهذا يعني �أن �سرعة تلوث‬ ‫المياه عالية‪� ،‬أما �إذا كانت طين ّية فتلوثها بطيء ويحتاج �إلى وقت‪».‬‬ ‫وال�صحة والتعليم في الأردن‬ ‫‪ -6‬وجود ال�سوريين ي�ؤثر �سل ًبا على قطاعات الطاقة‬ ‫ّ‬ ‫مف�ص ًال غير م�ؤ َّرخ على‬ ‫ن�شرت م�ؤ�س�سة هولندية تدعى ‪ Fanack‬تقري ًرا ّ‬ ‫موقعها الإلكتروني حول هذه الجوانب‪ ،‬نقتطف منه الآتي‪:‬‬ ‫«الت�أثير على قطاع الطاقة‪ :‬الطاقة من �أكثر المع�ضالت التي يواجهها‬ ‫الأردن منذ العام ‪ ،2009‬وقد تفاقمت الم�شكلة ب�شكل كبير م�ؤخ ًرا مع موجات‬ ‫الالجئين ال�سوريين الذين انت�شروا في المدن والقرى الأردنية كافة‪ ،‬حتى زادت‬ ‫�أعدادهم عن ال�سكان الأ�صليين في بع�ضها‪ ،‬ناهيك عن مخيمات الالجئين التي‬ ‫�أُن�شئت على �أطراف عدد من المدن‪ ،‬حتى �أ�صبحوا ي�شكلون ما ن�سبته نحو ‪%10‬‬ ‫من �سكان المملكة‪».‬‬ ‫«الت�أثير على قطاع التعليم‪ :‬التعليم كذلك من بين القطاعات التي ت�أثرت‬ ‫وب�شكل مبا�شر جراء تدفق الالجئين ال�سورين �إلى المدن والقرى الأردنية‪ .‬فقد‬ ‫بلغ عدد الطلبة ال�سوريين حتى نهاية العام ‪ 2013‬قرابة (‪� )111.589‬ألف طالب‬ ‫وطالبة‪ ،‬مقابل (‪� )44.022‬أل ًفا في العام‪ 2012 ‬و (‪� )373.7‬أل ًفا في العام‬ ‫‪ .2011‬وبح�سب �إح�صاءات ‪ ‬وزارة التربية والتعليم الأردنية‪ ،‬ف�إن (‪ )1٫7‬مليون‬ ‫طالب وطالبة في الأردن موزعين على (‪ )6355‬مدر�سة‪ .‬وتتحمل الحكومة مبلغ‬ ‫(‪ )450‬مليون دينار �سنو ًيا للإنفاق على تعليم الطلبة ال�سوريين بح ّدها الأدنى‪،‬‬ ‫وفق ما �صرح به الوزير محمد ذنيبات لو�سائل الإعالم المحلية‪ ،‬مبي ًنا في الوقت‬ ‫املنتـ ــدى ‪262‬‬

‫‪- 88 -‬‬


‫قراءة في الخطاب الإعالمي لأزمة الالجـئين ال�سوري ّين‬ ‫د‪ .‬نبيل ال�شريف‬

‫ذاته �أن ما يح�صل عليه الأردن من م�ساعدات دولية لل�سوريين‪ ،‬ال يتجاوز ‪%30‬‬ ‫مما تتك ّبده الحكومة في هذا المجال‪».‬‬ ‫«�إن زيادة �أعداد طالب المدار�س رفعت حاجة الأردن �إلى (‪ )100‬مدر�سة‬ ‫جديدة ال�ستيعاب الطلبة ال�سوريين بقدرة ا�ستعابية ت�صل �إلى (‪ )1000‬طالب‬ ‫مخ�ص�صة‬ ‫للمدر�سة الواحدة‪ ،‬فيما يوجد في الأردن حال ًيا نحو (‪ )78‬مدر�سة ّ‬ ‫للطلبة ال�سوريين‪ .‬جدير بالذكر غياب �أي ح�صر ر�سمي لأعداد الطلبة الذين ال‬ ‫ي�ستطيعون الذهاب �إلى المدار�س‪».‬‬ ‫ال�صحي في الأردن فقد ناله‬ ‫«الت�أثير على قطاع ال�صحة‪� :‬أما القطاع‬ ‫ّ‬ ‫هو الآخر ن�صيبه من ال�ضغط الكبير على خدماته‪� ،‬إذ �إن الخدمات ال�صحية‬ ‫تقدم لجميع الالجئين ال�سوريين الذين يدخلون �أرا�ضي المملكة‪ ‬مجا ًنا من‬ ‫خالل ‪ ‬الم�ست�شفيات والمراكز ال�صحية المنت�شرة في جميع مناطق المملكة‪.‬‬ ‫كما تن�شر وزارة ال�صحة كوادرها في المخيمات ومناطق تر ُّكز الالجئين‬ ‫لمراقبه الو�ضع ال�صحي والقيام بكل الإجراءات الالزمة للوقاية من الأمرا�ض‬ ‫ال�سارية كافة التي تظهر بين الالجئين ال�سوريين‪ .‬و�آخر الت�صريحات لمديرية‬ ‫الأمرا�ض ال�سارية لدى وزارة ال�صحة‪ ،‬ك�شفت عن ظهور (‪ً )24‬‬ ‫مر�ضا‪ ،‬و�شملت‬ ‫اكت�شاف �إ�صابة (‪ )1784‬بمر�ض �إ�سهال مزمن‪ ،‬و(‪)642‬حالة بمر�ض التهاب‬ ‫الكبد الوبائي «�أ»‪ ،‬و(‪ )529‬حالة جرب‪ ،‬و(‪ )491‬حالة جدري ماء‪ ،‬و(‪)86‬‬ ‫حالة ح�صبة‪ ،‬و(‪ )102‬حالة �س ّل‪ ،‬و(‪)80‬حالة مر�ض الل�شمانيا الجلدية‪،‬‬ ‫و(‪ )77‬حالة عقر‪ ،‬و(‪ )26‬حالة �سحايا غير وبائي‪ ،‬و(‪ )23‬حالة تيفوئيد وبارا‬ ‫تيفوئيد‪ ،‬و(‪ )19‬حالة التهاب الكبد الوبائي «ب»‪ .‬كما تم اكت�شاف (‪ )13‬حالة‬ ‫نكاف‪ ،‬و(‪ )13‬حالة ت�سمم غذائي‪ ،‬و(‪ )8‬حاالت تد ّرن غير رئوي‪ ،‬و(‪ )7‬حاالت‬ ‫انفلونزا‪ ،H1N1 ‬وحالتي تيفو�س‪ ،‬وحالتي �شلل رخو حاد‪ ،‬وحالتي ح ّمى مالطية‪،‬‬ ‫وحالة �سعال ديكي‪ ،‬وحالة مر�ض الح�صبة الألمانية‪ ،‬وحالة قرع‪ ،‬وحالة �سيالن‪،‬‬ ‫بح�سب م�س�ؤولي وزارة ال�صحة في الأردن‪».‬‬ ‫�إن ما �سبق ِذكره هو غي�ض من في�ض من التغطية الإعالمية التي واكبت‬ ‫�أزمة اللجوء ال�سوري في الأردن و�أثرها ال�سلبي على البالد‪.‬‬ ‫‪- 89 -‬‬

‫�صيف ‪2015‬‬


‫درا�سات ومقاالت‬

‫كانت لالجئين ال�سوريين فر�صتهم � ً‬ ‫أي�ضا للتعبير عن �آرائهم ومواقفهم من‬ ‫خالل و�سائل الإعالم‪ .‬فقد �شكى بع�ضهم من الظلم والمعاملة القا�سية وال�صورة‬ ‫ال�سلبية التي يقولون �أنهم لقوها في الأردن‪ .‬وانت�شر مقطع �أغنية لالجئ �سوري‬ ‫على موقع (يوتيوب) ُيفاخر فيه �أنه �سوري و�أن الظروف ا�ضطرته لطلب العون‬ ‫من الأردنيين م ّرة في الحياة‪� ،‬أما طلب العون من الآخرين فهي �سمة مالزمة‬ ‫للأردنيين ح�سب قوله‪.‬‬ ‫كما �أطلق مجموعة من النا�شطين ال�سوريين على مواقع التوا�صل االجتماعي‬ ‫حملة بعنوان «الجئات‪ ...‬ال �سبايا» تهدف �إلى ن�شر الوعي في ما يتعلق بعرو�ض‬ ‫الزواج التي ترد �إلى الالجئات ال�سوريات بق�صد الزواج تحت عناوين ال�سترة‬ ‫والم�ساعدة‪ .‬وقال بيان الحملة‪« :‬نحن �شباب �سوريون م�ستق ّلون ومن الجن�سين‬ ‫ال ننتمي �إلى �أي جهة �أو تيار �سيا�سي ومن مختلف مك ّونات المجتمع ال�سوري‬ ‫و�أطيافه‪ ،‬دفعنا واجبنا الوطني وانتما�ؤنا ل�سوريا الوطن وغيرتنا على ن�سائنا‬ ‫وتقديرنا لت�ضحياتهم وعذاباتهم داخل الوطن وخارجه في مخيمات اللجوء �إلى‬ ‫�إطالق هذه ال�صرخة»‪ .‬و�أ�ضاف البيان‪« :‬الزواج هو الل ِبنة الأولى لخلق ل ِبنة �أكبر‪،‬‬ ‫هي الأ�سرة لت�ش ِّكل خلية من خاليا المجتمع في ظروف �سليمة مبن ًيا على �أُ�س�س‬ ‫من االن�سجام والتعارف لتحقيق هدف �أ�سمى هو اال�ستقرار و�إيجاد �شريك في‬ ‫الحياة وبناء �أ�سرة ينتج عنها �إنجاب �أطفال‪ .‬وال يمكن �أن يكون الزواج م ّنة �أو‬ ‫ح�سنة �أو م�ساعدة‪ ،‬وال يعقل لمن يريد �أن يقدم م�ساعدة �أن يطرح بدي ًال لذلك‬ ‫من خالل نكاح بعقد �شرعي ال ي�ضمن �أنه �سي�ؤ�س�س لأ�سرة �سليمة ت�ضمن حقوق‬ ‫المر�أة �أو الفتاة �أو ًال‪ ،‬وي�ضمن حقوق �أبنائها ثان ًيا‪ ،‬كما ال ي�ضمن �أن هذا الزوج‬ ‫المفتر�ض الذي يريد الم�ساعدة لن ي�سعى لتكرار محاولة الم�ساعدة بزواجه من‬ ‫فتاة �أخرى‪ ،‬ف�ض ًال عن �أنه قد يكون متزوج م�سب ًقا‪».‬‬ ‫ونقر�أ في موقع «مد ّونات عربية» ت�سجي ًال ل�شعور الجئ �سوري في الأردن‬ ‫لتفا�صيل حياته في اللجوء بعنوان «مذكرات الجئ» كالآتي‪:‬‬ ‫«ل�ست ب�أ�سير لدى �سجون روما‪ ،‬ول�ست ب�أبي فرا�س الحمداني‪� ،‬أنا الجئ‪� ،‬أقطن‬ ‫في «ت�سوية» في �إحدى المدن الأردنية‪ ،‬بالطبع �سيقول البع�ض‪� ،‬إنني الجئ ‪،VIP‬‬ ‫املنتـ ــدى ‪262‬‬

‫‪- 90 -‬‬


‫قراءة في الخطاب الإعالمي لأزمة الالجـئين ال�سوري ّين‬ ‫د‪ .‬نبيل ال�شريف‬

‫لكن ما ال يدركه ه�ؤالء هو �أن اللجوء واحد �سواء كان في خيمة �أو �شقة �أو في‬ ‫منتجع في هاواي‪ .‬لنعد �إلى �أبي فرا�س الحمداني وعالقته بهذه الأ�سطر‪ ...‬بينما‬ ‫�أ�شغل نف�سي بقراءة الكتب‪� ،‬سمعت مواء قطة �أحزنني لأنها كانت تموء بحرقة‪،‬‬ ‫جوعا وربما لفقد �صغيرها وربما �أنها وقعت ب�شرك ما‪ ،‬وطال موا�ؤها وا�ستمر‬ ‫ربما ً‬ ‫لأكثر من �ساعتين‪ ،‬فتذكرت مبا�شرة قول �أبي فرا�س‪�« :‬أقول وقد ناحت بقربي‬ ‫حمامة»‪ ،‬لكنني حرفته قلي ًال مع اعتذاري ال�شديد لأبي فرا�س وقلت‪�« :‬أقول وقد‬ ‫ماءت بقربي قطة‪� ،‬أيا قطة �أال تر�أفين بحالي‪».‬‬ ‫ينقل برنامج «�سوريون بيننا» على «راديو البلد» وجهة نظر الالجئين‬ ‫ال�سورريين في الأردن �إزاء العديد من الق�ضايا‪ .‬ففي المو�ضوع ال�صحي هناك‬ ‫�شكوى �أردنية من ال�ضغط الهائل على الم�شافي والعيادات ال�صحية من قبل‬ ‫الالجئين ال�سوريين‪ ،‬ولكننا نقرا في موقع «�سوريين بيننا» �أن الالجئين ال�سوريين‬ ‫ي�شكون � ً‬ ‫أي�ضا من ارتفاع تكاليف العالج ال�صحي في الأردن‪ ،‬كما يت�ضح في هذا‬ ‫الجزء من التقرير المن�شور على موقع «�سوريون بيننا» بتاريخ ‪:2014/5/7‬‬ ‫«الم�شاكل ال�صحية الطارئة التي تتعر�ض لحياة الالجئين ال�سوريين ي�صعب‬ ‫ح ّلها‪ ،‬وقد ت�ضع الالجئ في ظروف تجبره على اال�ستدانة لدفع فواتير العالج‪،‬‬ ‫بغياب �ضمان �صحي �شامل يغطي هذه الم�صاريف‪ .‬فتركي خ�ضير كاد �أن يفقد‬ ‫فلذة كبده في �أثناء عبوره �إلى الأردن عبر ال�شيك‪ ،‬بعد (‪� )6‬أيام ق�ضاها م�ش ًيا‬ ‫على الأقدام تحت �شم�س ال�صيف الحارقة‪� ،‬أ�صيب ابنه البالغ من العمر (‪)15‬‬ ‫يوما خاللها ب�ضربة �شم�س‪ ،‬ت�سببت له بنزيف داخلي في الجمجمة‪ .‬لج�أ خ�ضير‬ ‫ً‬ ‫�إلى المفو�ضية ال�سامية ل�ش�ؤون الالجئين لعالج ابنه‪� ،‬إال �أن �صغر عمر الطفل‬ ‫عاما كام ًال‪ ،‬ويحاول خ�ضير اليوم �إيجاد متبرع لت�سديد‬ ‫�أدى �إلى ت�أجيل العملية ً‬ ‫�أجور العمل الجراحي الباهظة التي ال يملك منها �شي ًئا‪ ...‬زايد ح ّماد‪ ،‬مدير‬ ‫جمعية الكتاب وال�س ّنة التي تعمل على دعم الالجئين ال�سوريين لأكثر من عامين‬ ‫متتاليين‪� ،‬أكد �أن الجمعيات الداعمة �صح ًيا لل�سوريين �شبه منعدمة‪ ،‬وحتى في‬ ‫جمعيتهم فالم�ساعدات الطارئة مع ّقدة لكونها تحتاج �إلى موافقة الإدارة العامة‬ ‫في قطر لكل حالة على حدة‪ُ ...‬ي�صاب الالجئ ال�سوري بالمر�ض ك�أي �شخ�ص‬ ‫‪- 91 -‬‬

‫�صيف ‪2015‬‬


‫درا�سات ومقاالت‬

‫�آخر‪� ،‬إال �أن حاالت العالج المكلفة ت�ضعه وعائلته تحت وط�أة اال�ستدانة �أو قد‬ ‫ينت�شله من م�صيبته هذه فاعل خير‪»...‬‬ ‫يمكن القول �إن و�سائل الإعالم نقلت وجهتي نظر الأردنيين وال�سوريين‬ ‫من �أزمة اللجوء ال�سوري �إلى الأردن‪ ،‬ولكنها قامت في كثير من الأحيان‬ ‫ب�صب الزيت على نار االحتقان المتزايد ب�سبب ا�ستمرار الأزمة وحدّتها‪ ،‬ولم‬ ‫ت�ؤ�س�س في كثير من الأحيان لحوار هادئ ي�سهم في ر�ؤية الأمور من الزاوية‬ ‫المو�ضوعية‪ ،‬ف�صحيح �أن اللجوء ال�سوري فاقم الو�ضع االقت�صادي الحرج‬ ‫في الأردن‪ ،‬وزادت الأعباء على القطاعات المختلفة في البالد‪ ،‬لكنه �صحيح‬ ‫� ً‬ ‫أي�ضا �أن الالجئين ال�سوريين لم يختاروا طو ًعا مغادرة وطنهم‪ ،‬ولم يخططوا‬ ‫للعي�ش في المخيمات �أو في المدن والقرى الأردنية‪.‬‬ ‫�إن المطلوب هو الت�أ�سي�س لمقاربة متوازنة من مو�ضوع الالجئين‬ ‫ال�سوريين في و�سائل الإعالم‪ ،‬ونقل وجهات نظر الطرفين ب�شكل مو�ضوعي‬ ‫متوازن بعيدًا عن الت�شنج وتبادل الإتهامات‪ ،‬فقد ُفر�ضت هذه الأزمة على‬ ‫الجميع ً‬ ‫فر�ضا ب�سبب ا�ستمرار المعارك والمواجهات في �سوريا‪ ،‬وبالنظر � ً‬ ‫أي�ضا‬ ‫�إلى تق�صير دول العالم في دعم الأردن الذي تح َّمل وما يزال �أعباء كبيرة‬ ‫ب�سبب وجود هذا العدد ال�ضخم من الالجئين ال�سوريين في البالد‪.‬‬

‫املنتـ ــدى ‪262‬‬

‫‪- 92 -‬‬


‫ال�سيادة الوطن ّية وحقوق الإن�سان‬ ‫*‬ ‫(المقاربة والإ�شكاليات)‬ ‫المحامي د‪� .‬أمجد �ش ّموط‬

‫**‬

‫مقدّمة عامة‬ ‫جاءت حقوق الإن�سان بو�صفها �أحد المقا�صد الأربعة لميثاق الأمم المتحدة‪،‬‬ ‫وهي (حفظ ال�سلم والأمن الدوليين‪ ,‬و�إنماء العالقات الوديه بين الأمم على‬ ‫�أ�سا�س احترام المبد�أ الذي يق�ضي بالم�ساواة بين ال�شعوب‪ ,‬وب�أن يكون لكل منها‬ ‫حق تقرير م�صيرها‪ ,‬وحماية حقوق الإن�سان‪ ,‬و�أخي ًرا «جعل منظمة الأمم المتحدة‬ ‫مرج ًعا» لتن�سيق �أعمال الأمم وتوجهها نحو �إدراك هذه الغايات الم�شتركة)‪.‬‬ ‫اهتماما «دول ًيا» منذ �أن و�ضعت الحرب‬ ‫�إن الحديث عن حقوق الإن�سان قد نال‬ ‫ً‬ ‫العالمية الثانية �أوزارها‪ ,‬ويبدو فيه انعكا�سات ما نجم عن االهتمام بالق�ضايا‬ ‫والنتائج الناجمه عن هذه الحرب الكونيه‪ ,‬فقد ظهرت بع�ض االنتقادات بل �إن‬ ‫هناك تط ّورات �أثرت بو�ضوح على المبادئ التقليدية الأ�سا�سية للقانون الدولي‪،‬‬ ‫وبخا�صه تلك المتعلقة بتنظيم العالقات بين الدول في �ضوء التطورات الجديدة‪,‬‬ ‫التي �أخذت تتل ّم�س �ضرورة حماية الأفراد في �إطار النظام الدولي‪ ,‬الأمر الذي‬ ‫* ورقة عمل مقدمة �إلى م�ؤتمر العام الأول «حقوق الإن�سان بدول مجل�س التعاون الخليجي‪:‬‬ ‫الممار�سات البناءة وال�سيا�سات الإ�سقاطية» (البحرين؛ ‪ 29 - 28‬كانون الأول‪ /‬دي�سمبر ‪.)2014‬‬ ‫** رئي�س مركز الج�سر العربي لحقوق الإن�سان؛ وع�ضو منتدى الفكر العربي‪/‬الأردن‪.‬‬

‫‪- 93 -‬‬

‫�صيف ‪2015‬‬


‫درا�سات ومقاالت‬

‫�أوجد في �ضوء التغ ّيرات �إعادة النظر بالق�ضايا المتعلقة بمفاهيم ومبادئ‬ ‫�أ�سا�سيه تحترم حقوق وحريات الأفراد في المجتمعات والدول‪ ،‬وفي الوقت نف�سه‬ ‫اهتماما بمبد�أ عدم التدخل في ال�ش�ؤون الداخلية للدول‪.‬‬ ‫نجد‬ ‫ً‬ ‫�أمام هذه الإ�شكالية التي تالم�س �ش�ؤون الدولة الم�ستقلة و�سيادتها الوطنية‬ ‫في مقابل م�س�ألة حقوق االن�سان لمنع انتهاك الحقوق للأفراد وحمايتهم‪ ,‬ف�إن‬ ‫خ�صو�صا‬ ‫الأمر الذي �أثار الجدل حول مبد�أ ال�سيادة باعتباره مطل ًقا «�أم ن�سب ًيا»‪،‬‬ ‫ً‬ ‫مع المتغيرات الدولية الجديدة‪ ,‬يطرح ال�س�ؤال‪ :‬هل هناك انعكا�سات للحماية‬ ‫الدولية لحقوق الإن�سان على مبد�أ ال�سيادة الوطنية وا�ستقاللية الدول؟‬ ‫المفاهيم والمبادئ الأ�سا�سية للمقاربة بين ال�سيادة الوطنية وحقوق الإن�سان‬ ‫�أمام هذه الإ�شكالية والجدل‪ ,‬كيف ن�ستطيع �ضمان م�سارات وم�س�ؤولية‬ ‫حقوق الإن�سان في مقابل احترام �سيادة الدول وفق القانون الدولي؟ بمعنى كيف‬ ‫نحاول المقاربة بين القانون الدولي ومواثيق حقوق الإن�سان؟‬ ‫حتى ندرك ونح ِّلل بدقة عدم الت�ضارب و(الإ�شكالية)‪ ،‬ينبغي الإ�شارة‬ ‫والتدقيق والمقاربه بالمعنى العملي بين المتغيرين الأ�سا�سيين من خالل حماية‬ ‫الأفراد وتلبية احتياجاتهم‪ ،‬وفق �أطر المنظمات والقوانين الدولية‪ ،‬وبموجب‬ ‫تر�سخ �سيادة الدولة واحترام كيانها‬ ‫�شبكة من العالقات الدولية والإن�سانية التي ِّ‬ ‫ونظامها الداخلي وا�ستقاللها‪ ,‬بموجب مراعاتها للأ�س�س والمبادئ والمواثيق‬ ‫الدولية المتعلقة بحقوق الإن�سان‪.‬‬ ‫كيف ال ونحن نريد الت�أكيد من خالل ا�ستعرا�ض مفاهيم ال�سيادة‪ ,‬وال�سيادة‬ ‫الوطنية‪ ,‬في �إطار العالقات الدولية والقانون‪ ،‬وتوثيق العالقات الإن�سانية وتحقيق‬ ‫الأهداف الكبرى للتالقي الإن�ساني في �إطار المحافظة على الأمن واال�ستقرار‬ ‫وال�سالم‪.‬‬ ‫فما هي الأ�س�س والمبادئ الأ�سا�سية التي ينبغي لنا تو�ضيحها للو�صول �إلى‬ ‫�أعلى م�ستوى من التقارب واالبتعاد عن الت�ضارب والجدل والإ�شكالية؟‬ ‫املنتـ ــدى ‪262‬‬

‫‪- 94 -‬‬


‫ال�سيادة الوطن ّية وحقوق الإن�سان (المقاربة والإ�شكاليات)‬ ‫المحامي د‪� .‬أمجد �ش ّموط‬

‫مفهوم ال�سيادة‪ :‬ي�شير التاريخ ال�سيا�سي �إلى �أن المفكر جان بودان هو‬ ‫�أول َمنْ طرح فكرة ال�سيادة وع ّرفها ب�أنها «تعني القوى الكبرى وال�سلطه العليا‬ ‫في نطاق �إقليم معين»‪ ،‬وكان يعني بذلك ال�سلطة الدائمة المطلقة للملك‪ .‬ولعل‬ ‫و�ضوحا «�أنها �سلطة الدولة على �سكانها و�إقليمها دون �أية قيود‬ ‫�أب�سطها و�أكثرها‬ ‫ً‬ ‫ت�شريعية �أو نطاقية من الخارج»‪.‬‬ ‫هناك مجموعة من الدرا�سين والمفكرين ت�شير �إلى �أن ال�سيادة بمعنى‬ ‫�آخر هي «�أن الدولة تملك �سلطة مطلقة على ال�سكان والإقليم الذي يعي�شون فوقه‬ ‫وت�ستقل ا�ستقال ًال كام ًال في ب�سط �سيطرتها هذه بعيدً ا عن �أي �سيطرة �أخرى‪,‬‬ ‫�أو ت�أثير خارجي»‪ .‬فال�سيادة الوطنية كمبد�أ وقانون �سيا�سي تمار�سه الدولة على‬ ‫�شعبها وفوق �إقليمها في �إطار حدودها الوطنية‪.‬‬ ‫في �ضوء ما تق َّدم نرى �أن ال�سيادة الوطنية كمفهوم يترتب عليه �آثار �أهمها‪:‬‬ ‫على الم�ستوى الدولي والمحلي‪ :‬مثل قيام عالقات دبلوما�سية ومعاهدات‬ ‫دولية في �إطار ما تتمتع به الدول على م�ستوى النظام الدولي‪ ,‬حيث نجد المزايا‬ ‫والحقوق المتبادلة في �إطار الم�س�ؤولية الدولية‪ ،‬ومنها‪ :‬التعوي�ض عن الأ�ضرار‬ ‫التي �أ�صابتها �أو ت�صيب رعاياها �أو �إ�صالح هذه الأ�ضرار‪� .‬أما على الم�ستوى‬ ‫المحلي للدولة‪ ,‬فنجد �أن لها حق الت�صرف في مواردها الأولية وثرواتها الطبيعية‪،‬‬ ‫وينبغي � ً‬ ‫أي�ضا الت�أكيد على ما تتخذه من تدابير تراها منا�سبة حيال الأ�شخا�ص‬ ‫الموجودين �ضمن �إقليمها ب�صرف النظر �أكانوا مواطنين �أم �أجانب‪.‬‬ ‫الم�ساواة بين الدول‪ :‬وهنا نتحدث عن مبد�أ الم�ساواة في ال�سيادة الذي‬ ‫�أقره ميثاق الأمم المتحدة‪ ,‬لكن هذا المبد�أ لي�س مطل ًقا‪ ,‬فهناك العديد من‬ ‫الحقوق التي تتمتع بها الدول دائمة الع�ضوية في مجل�س الأمن وال تتمتع بها الدول‬ ‫الأع�ضاء الأخرى‪ ,‬كا�ستخدام حق النق�ض (الفيتو) وحق تعديل الميثاق‪.‬‬ ‫ومن المهم الإ�شارة �إلى الدول المت�ساوية قانو ًنا؛ �إذ لي�س هناك تدرج في‬ ‫ال�سيادات‪ ,‬بمعنى �أن الحقوق والواجبات التي تتمتع �أو تلتزم بها الدول مت�ساوية‬ ‫من الناحية القانونية‪ ,‬حتى لو كان هناك اختالف بينها من ناحية الكثافة‬ ‫ال�سكانية �أو الم�ساحة الجغرافية �أو الموارد االقت�صادية‪.‬‬ ‫‪- 95 -‬‬

‫�صيف ‪2015‬‬


‫درا�سات ومقاالت‬

‫وفق ما �أو�ضحناه في �آن ًفا‪ ,‬ف�إننا ن�ؤكد ن�سبية مفهوم مبد�أ ال�سيادة الوطنية‬ ‫ك�إطار مفاهيمي يقارب مواثيق حقوق الإن�سان في مقابل المفهوم المطلق‬ ‫والتقليدي لل�سيادة‪.‬‬ ‫وعندما نتحدث عن ال�سيادة الوطنية على ال�صعيد الدولي‪ ,‬بحيث يتم‬ ‫رف�ض وا�ستبعاد المفهوم المطلق لل�سيادة‪ ،‬ف�إننا نتحدث هنا عن الم�صالح‬ ‫الوطنية و�إ�شكالية رف�ض التدخل في �ش�ؤون الدولة من جانب �أية هيئة �أجنبية‬ ‫خارجية‪� .‬أي �أن هذا يتوافق والقيم المعنوية والأخالقية التي تتعار�ض مع تدخل‬ ‫�أية ُ�سلطة خارجية‪ ،‬تدخ ًال في جانبه ال�سلبي‪ ,‬ولكن هناك جانب �إيجابي يراعي‬ ‫الم�صلحة الوطنية في �ضوء مواجهة مر�ض �أو وباء مع ّين في �إطار احترام وتقدير‬ ‫تحد �إقليمي في منطقة ما‪ .‬لذا ف�إن �إدارة الدولة ل�ش�ؤونها‬ ‫�سيادة الدولة ومواجهة ٍّ‬ ‫الداخلية والخارجية يتطلب التعاون والتحالف والم�ساهمة من خالل مث ًال‪:‬‬ ‫برامج التطعيم الوطني والإقليمي‪� ,‬أو مواجهة تحدي انت�شار المخدرات كمر�ض‬ ‫اجتماعي و�إن�ساني‪.‬‬ ‫ال�سيادة‪ :‬هي الهيمنة ال�شرعية داخل �إقليم معين‪ ,‬وهناك �أمثلة كثيرة ت�ؤكد‬ ‫وظيفة الدولة ال�سيا�سية في المحافظة على النظام وال�سالم‪ ,‬ودعم التنظيم‬ ‫االجتماعي واالقت�صادي‪ ,‬وعليه ف�إن لل�سيادة جانبين‪ :‬الأول (داخلي)‪ ،‬والثاني‬ ‫(خارجي)‪ ,‬حيث نجد ال�سيادة في الجانب الداخلي تعني امتالك الدولة لل�سلطة‬ ‫ال�شرعية المطلقة على جميع الأفراد والمجموعات التي يتعين عليها �إطاعة‬ ‫الدولة داخل �إقليمها‪ ,‬و�أي اتنهاك لهذا الأوامر يعر�ضهم للعقاب‪ ,‬بينما ال�سيادة‬ ‫في الجانب الخارجي تعني اال�ستقالل عن كل رقابة وتدخل من �أية دولة �أخرى‪,‬‬ ‫�أو منظمة دولية‪ .‬وهنا ين�ش�أ التمييز بين دولة كاملة ال�سيادة و�أخرى ناق�صة‬ ‫ال�سيادة‪ .‬والجدير ذكره تاريخ ًيا �أنه في م�ؤتمر و�ستفاليا عام ‪ 1648‬اتفقت الدول‬ ‫الأوروبية على مبد�أ ال�سيادة الإقليمية من �أجل تحقيق ال�سالم الدولي‪.‬‬ ‫عامل بها الدول الأفراد‬ ‫وكنتيجة ثانوية لهذا المبد�أ‪ ,‬اعتبرت الطريقة التي ُت ِ‬ ‫الذين يقيمون داخل الدولة م�س�ألة داخلية‪� ,‬إذ لم تكن حقوق الإن�سان ‪� -‬آنذاك ‪-‬‬ ‫جز ًءا من ال�سيا�سة الدولية‪ ،‬ذلك �أن النظام (الوي�ستفالي) ل�سيادة الدولة ‪� -‬إن‬ ‫جاز التعبير‪ -‬لم ُيعرف �إال في نهاية القرن الع�شرين‪.‬‬ ‫املنتـ ــدى ‪262‬‬

‫‪- 96 -‬‬


‫ال�سيادة الوطن ّية وحقوق الإن�سان (المقاربة والإ�شكاليات)‬ ‫المحامي د‪� .‬أمجد �ش ّموط‬

‫من المفيد هنا الإ�شارة �إلى تناق�ص قدرات الدول تدريج ًيا‪ ،‬وب�شكل‬ ‫متفاوت‪ ،‬فيما يتعلق بممار�سة �سيادتها في �ضبط عمليات تدفق المعلومات‬ ‫والأموال وال�سلع والب�شر عبر حدودها‪ ,‬وذلك ب�سبب الثورات العارمة والهائلة في‬ ‫حقل االت�صال والإعالم‪ ,‬التي �أدت بدورها‪ ،‬وب�شكل وا�ضح‪� ،‬إلى الح ّد من �أهمية‬ ‫حواجز الجغرافيا والحدود‪ .‬ون�ضيف لما �سبق ِذكره التوظيف المتقدم لمعطيات‬ ‫التكنولوجيا المتطورة‪ ،‬التي �أ�سهمت بطريقة غير مبا�شرة في الح ّد من قدرة‬ ‫الدولة على �ضبط عمليات التبادل التجاري ومواجهة الجرائم االقت�صادية‪ .‬و�إزاء‬ ‫تمدد مفهوم العولمة وال�شركات العالمية الكبرى‪ ,‬ف�إن مفهوم «ال�سيادة» ما يزال‬ ‫يتمتع ببع�ض مظاهره الأ�سا�سية‪ ,‬على الرغم �أنه وبفعل العديد من التحوالت‬ ‫العالمية بد�أ يتراجع �أمام تطورات العالقات الدولية والقانون الدولي‪ .‬ويمكن‬ ‫�إبراز مفهوم ومظاهر ال�سيادة الوطنية (التقليدية) من خالل مجموعة من‬ ‫الإجراءات �أهمها‪:‬‬ ‫�أو ًال‪ -‬التو�سع المتزايد في �إبرام االتفاقيات الدولية‪ :‬تت�ضمن النظم‬ ‫أحكاما ملزمه لعموم الدول‪ ،‬وذلك في �إطار بع�ض القواعد‬ ‫الدولية قواعد و� ً‬ ‫والقوانين الدولية في مجاالت متعددة‪ ,‬هذا �إلى جانب وجود ُنظم الرقابة‬ ‫والتفتي�ش والإ�شراف الدولي‪ ،‬وبخا�صه في مجاالت اتفاقيات حقوق الإن�سان‪،‬‬ ‫والت�سلح النووي‪ ،‬واتفاقيات العمل الدولية على �سبيل المثال‪� ،‬إ�ضافة �إلى‬ ‫ما ا�ستق ّر عليه الفقه والق�ضاء الدولي الذي يت�ض ّمن (عدم �إمكانية احتجاج‬ ‫الدول بد�ساتيرها �أو ت�شريعاتها الداخليه‪ ،‬وهي من مظاهر ال�سيادة الوطنية‪،‬‬ ‫للتن�صل من االلتزامات الدولية‪� ,‬سواء �أكانت تعاقدية �أم نا�شئة عن �أحكام‬ ‫القانون الدولي العام)‪.‬‬ ‫ثان ًيا‪ -‬هناك اتجاه متنا ٍم نحو (احترام حقوق الإن�سان وحرياته)‪ :‬وذلك‬ ‫في �إطار كفالة ال�ضمانات الدولية التي تم ِّكن الحترام هذه الحقوق والحريات‬ ‫وعدم انتهاكها من جانب الحكومات الوطنية‪.‬‬ ‫ثال ًثا‪ -‬الم�س�ؤولية الدولية‪� :‬إذ نجد اتجاهات حديثة في مجال تقنينها‬ ‫وفق قواعد قانونية متعلقة بال�شخ�ص الدولي‪.‬‬ ‫‪- 97 -‬‬

‫�صيف ‪2015‬‬


‫درا�سات ومقاالت‬

‫راب ًعا‪ -‬هناك اتجاه متزايد نحو �إقامة الكيانات الدولية عابرة القومية‬ ‫�أو فوق القومية‪.‬‬ ‫خام�سا‪ -‬ظهور م�شكالت دولية ت�ستلزم تكاتف الجهود الدولية‪ :‬ومن‬ ‫ً‬ ‫الأمثلة عليها م�شكالت البيئة والتلوث‪ ,‬وم�شكالت الطاقة‪ ,‬وندرة المياه والجفاف‬ ‫والت�صحر‪ ,‬والت�ضخم‪ ,‬والبطالة‪ ,‬والفقر‪ ,‬ونق�ص الغذاء‪ ,‬والإرهاب‪ ,‬والعنف‬ ‫ال�سيا�سي‪ ,‬وانت�شار الأمرا�ض الوبائية مثل الإيدز و�إدمان المخدرات‪ ,‬والجريمة‬ ‫المنظمة‪ ،‬وغيرها‪.‬‬ ‫مفهوم ال�سيادة الوطنية في �ضوء المتغيرات و�أبعادها في التنظيم الدولي‬ ‫يمكن القول ب�أن مفهوم ال�سيادة الوطنية قد تراجع‪ ,‬لكنه ي�ستق ّر في �إطار‬ ‫ن�سبي بعيدًا عن المفهوم المطلق والدور التقليدي للدولة‪ .‬وبناء عليه يمكن تو�ضيح‬ ‫مجموعة الأبعاد والأدوار الحيوية في �إطار المقاربة القانونية‪:‬‬ ‫• نق�ص (نطاق) االخت�صا�ص الداخلي للدولة ل�صالح دور �أكبر للمجتمع‬ ‫الدولي‪.‬‬ ‫• ظهور كيانات قانونية متعددة (كالمنظمات الدولية) ُمنا ِف�سة‬ ‫للدورالتقليدي للدولة‪ ،‬ذلك �أن دور الدولة تراجع‪ ،‬خا�صة مع تزايد‬ ‫المنظمات غير الحكومية‪ ،‬وجماعات ال�ضغط «اللوبيات»‪.‬‬ ‫• تراجع احتكار الدولة لو�سائل الإعالم‪ ،‬وبالتالي تراجع مبد�أ ال�سيادة‬ ‫الإعالمية للدولة‪.‬‬ ‫• ظهور فكرة (حق وواجب التدخل) على ح�ساب مبد�أ ال�سيادة التقليدي‪.‬‬ ‫• ظهور فكرة (النظام العالمي الدولي)‪.‬‬ ‫• ظهور منظمات دولية ومنظمات غير حكومية ت�ضطلع بمهام و�صالحيات‬ ‫واخت�صا�صات ال تقل عن تلك المناطة بالدولة‪.‬‬ ‫• االعتراف للفرد �أحيا ًنا في بع�ض الت�شريعات والأنظمة القانونية باللجوء‬ ‫�إلى المحاكم الوطنية ذات الوالية العالمية‪ ,‬للنظر في بع�ض الق�ضايا‬ ‫املنتـ ــدى ‪262‬‬

‫‪- 98 -‬‬


‫ال�سيادة الوطن ّية وحقوق الإن�سان (المقاربة والإ�شكاليات)‬ ‫المحامي د‪� .‬أمجد �ش ّموط‬

‫الخا�صة باالنتهاكات الج�سيمة لحقوق الإن�سان‪ ,‬ومن هذه المحاكم‬ ‫الدولية المتخ�ص�صة (المحكمه الأوروبية لحقوق الإن�سان)‪.‬‬ ‫• تقل�ص �سيادة الدول بموجب �صالحيات ميثاق الجمعية العامة ومجل�س‬ ‫الأمن الدولي الذي يمتلك �صالحيات �أو�سع «كحق الفيتو»‪ ،‬والذي يعك�س‬ ‫عدم الم�ساواة في ال�سيادة بين الدول‪.‬‬ ‫مفهوم التدخل الإن�ساني‬ ‫لعل من �أبرزمالمح التراجع في مبد�أ ال�سيادة الوطنية للدول �أنه قد تزايدت‬ ‫(�إمكانية) التدخل في ال�ش�ؤون الداخليه للدول الأخرى‪� ,‬إذ تعددت (وتن ّوعت)‬ ‫مبررات التدخل (الأجنبي)‪ ,‬ومنها‪ :‬التدخل العتبارات �إن�سانية‪ ,‬والتدخل لحماية‬ ‫حقوق الإن�سان‪ ,‬والتدخل بدعوى مقاومة الإرهاب الدولي‪� ...‬إلخ‪.‬‬ ‫اتجاهات التدخل الإن�ساني‬ ‫االتجاه الأول‪ :‬يرى �أن التدخل الدولي ال يمكن �أن يحدث �إال من خالل‬ ‫العمل الع�سكري وا�ستخدام القوة الم�سلحة‪ ،‬ويعتبر هذا المفهوم �ضيق المعنى‬ ‫للتدخل الإن�ساني‪.‬‬ ‫االتجاه الثاني‪ :‬ي�شير �إلى �أن التدخل يتم بو�سائل �أخرى �إلى جانب‬ ‫�إمكانية ا�ستخدام القوة الع�سكرية‪ ,‬مثل ال�ضغط ال�سيا�سي والدبلوما�سي‪,‬‬ ‫واالقت�صادي‪� ...‬إلخ‪ ،‬وهذا االتجاه يتبنى المفهوم الوا�سع للتدخل الإن�ساني‪.‬‬ ‫على ما يبدو‪ ،‬ف�إن االتجاه الأول له من ي�ؤيده‪ ,‬على اعتبار �أن القوة الم�سلحة‬ ‫تنفيذية و�أكثر ت�أثي ًرا في ال�ضغط على الدول‪ .‬ويبدو � ً‬ ‫أي�ضا �أن فقه القانون الدولي‬ ‫والعالقات الدولية ي�شير �إلى �أن ذلك �أ�صبح غير مقبول في العالقات الدولية‬ ‫الحديثة‪ ,‬وبخا�صة في �إطار القوانين الدولية المعا�صرة التي تنبذ القوة والتهديد‪,‬‬ ‫‪- 99 -‬‬

‫�صيف ‪2015‬‬


‫درا�سات ومقاالت‬

‫في مقابل ما تتركه هذه العالقات من �آثار �سلبية تتمثل في ما تح�صده من �أرواح‬ ‫الأبرياء وما تجلبه من دمار‪ ...‬من هنا‪ ،‬ف�إن التدابير الع�سكرية ينبغي �أن تكون بعد‬ ‫كافة التدابير االقت�صادية الخا�صة (كوقف الم�ساعدات)‪� ,‬أو فر�ض القيود على حرية‬ ‫التبادل التجاري مع الدول التي ين�سب لها االنتهاك الج�سيم والمتكرر لحقوق الإن�سان‪.‬‬ ‫�أما االتجاه الثاني للتدخل الإن�ساني بالمفهوم الوا�سع‪ ،‬فهو ال ينح�صر في‬ ‫الحاالت التي يتعر�ض فيها قطاع كبير من المواطنين – ولي�س بال�ضرورة رعايا‬ ‫دولة �أو دول �أخرى – في دولة للموت �أو للتعذيب على نطاق كبير نتيجه ل�سيا�سة‬ ‫حكومة هذه الدولة‪� ،‬أو ب�سبب انزالق الحكومة �إلى الفو�ضى والت�سيب‪ ،‬كما حدث في‬ ‫ليبريا وال�صومال‪ .‬فيما يرى كثير من الباحثين والفقهاء والدار�سين ب�أن التدخل‬ ‫يمكن �أن يحدث بو�سائل �أخرى غير ا�ستخدام القوة الم�سلحة‪ ,‬وح�سب وجهة نظر‬ ‫ماريو بتاتي فقد يكون التدخل من خالل دولة �أو منظمة دولية حكومية في ال�ش�ؤون‬ ‫التي تعد من �صميم االخت�صا�ص لدولة معنية‪ ,‬بل ويزيد على ذلك ب�أن التدخالت‬ ‫قد تحدث من قبل �أ�شخا�ص عاديين‪� ،‬أو من قبل م�ؤ�س�سات �أو �شركات خا�صة‪� ،‬أو‬ ‫من قبل منظمات دولية غير حكومية ال ترقى لكونها تدخ ًال دول ًيا‪ .‬وعليه‪ ،‬ف�إن‬ ‫ماريو بتاتي لم يحدد ما �إذا كان التدخل يقت�صر على العمل الع�سكري وا�ستخدام‬ ‫مفهوما وا�س ًعا لهذا التدخل‪ ،‬بحيث ي�شمل‬ ‫القوة الم�سلحة فقط‪ ,‬و�إنما �أعطى‬ ‫ً‬ ‫كل عمل من �ش�أنه التع ّدي على االخت�صا�ص الداخلي المح�ض للدولة المعنية‪،‬‬ ‫�شريطة �أن ُيما َر�س هذا التعدي من قبل �أ�شخا�ص القانون الدولي المعترف بهم‪،‬‬ ‫وهم الدول والمنظمات الدوليه الحكومية‪ ,‬فالتدخل هو حق للدول ت�ستعمله متى‬ ‫ر�أت ذلك منا�س ًبا لأغرا�ض �إن�سانية‪.‬‬ ‫في �ضوء ماتقدم يمكن القول ب�أن المفهوم الوا�سع للتدخل الإن�ساني‪،‬‬ ‫وبا�ستعمال الو�سائل الناجعة كافة من �أجل تحقيق الأهداف الإن�سانية‪ ،‬هو‬ ‫املنتـ ــدى ‪262‬‬

‫‪- 100 -‬‬


‫ال�سيادة الوطن ّية وحقوق الإن�سان (المقاربة والإ�شكاليات)‬ ‫المحامي د‪� .‬أمجد �ش ّموط‬

‫المقارب ما بين ال�سيادة الوطنية وحقوق الإن�سان‪ ،‬مع اعتبار �أن معيار الم�صلحة‬ ‫الإن�سانية هو الأ�سا�س في �إطار المبادئ الآتية التي يرتكز عليها‪ ،‬وهي‪:‬‬ ‫�أو ًال‪� -‬أن المفهوم الوا�سع للتدخل يتفق مع واقع العالقات الدولية المعا�صرة‪,‬‬ ‫ويتفق مع مبادئ ال�سلم والأمن الدوليين‪.‬‬ ‫ثان ًيا‪� -‬أن المفهوم الوا�سع للتدخل ال يتعار�ض مع مبد�أ عدم التدخل الم�شار‬ ‫�إليه �ضمن ن�ص المادة (‪ ،)7/2‬الذي �أكد التدخل بالمعنى الوا�سع والمقبول في‬ ‫القانون الدولي‪ .‬وفي هذا ال�سياق تجدر الإ�شارة �إلى �أن هناك تحو ًال في تف�سير‬ ‫مبد�أ عدم التدخل من حالة «الجمود» �إلى تف�سير مرن‪� ،‬إذ �إن مبد�أ عدم التدخل‬ ‫من المبادئ الرا�سخة في القانون الدولي‪ ،‬لذا تم ت�أكيده في ميثاق الأمم المتحدة‬ ‫(المادة‪ /2‬الفقرة ‪� ,)9‬إال �أنه وفي �ضوء التطورات العالميه ونجاح تطبيقه خالل‬ ‫العقد الأخير من القرن الع�شرين‪ ,‬فقد �أ�صبح من ال�ضرورة بمكان وفي �ضوء بروز‬ ‫نقاط �ساخنة وم� ٍآ�س وتوترات �إن�سانية‪� ،‬أن دعا الأمين العام للأمم المتحدة في‬ ‫دورة الجمعية العامة عام ‪� 1999‬إلى �إجازة التدخل‪.‬‬ ‫لقد جعل بع�ض الفقهاء مبد�أ عدم التدخل مبد�أً مطل ًقا‪� ,‬إال �إذا كانت الدولة‬ ‫في حالة دفاع �شرعي‪ ،‬كذلك‪� ،‬إعالن الجمعية العامة (‪ )2625‬ال�صادر بتاريخ‬ ‫‪1970/10/24‬م والخا�ص بمبادىء القانون الدولي المتعلقه بالعالقات الودية‬ ‫القومية للدولة‪.‬‬ ‫على الرغم من �أن مبد�أ عدم التدخل‪ ،‬بموجب الميثاق الأممي و�إعالنات‬ ‫الجمعية العامة واجتهادات الق�ضاء الدولي‪ ،‬يعتبر حجر الزاوية في العالقات‬ ‫الدولية‪� ,‬إال �أننا ن�ؤكد و�أمام النظرة «الجامدة» للمبد�أ من جهة‪ ,‬والنظرة «المرنة»‬ ‫المو�سعة من جهة �أخرى‪ ,‬وفي �إطار تطورات العالقات الدولية الخا�صه في ظل‬ ‫التغيير في بنية النظام الدولي‪ ،‬ف�إننا نجد �أن مقاربة وت�أثر المبد�أ ل�صالح‬ ‫‪- 101 -‬‬

‫�صيف ‪2015‬‬


‫درا�سات ومقاالت‬

‫التف�سير المرن المو�سع على ح�ساب التف�سير الجامد ول�صالح حقوق الإن�سان‪،‬‬ ‫يعتبر (متغي ًرا عالم ًيا) ينادي بوحدة الإن�سانية‪ ,‬ومن �ش�أن كفالة احترام هذه‬ ‫الحقوق �أن يتحقق ال�سلم والأمن الدوليين‪ ,‬وهو ما يتطابق مع ما جاء في تقرير‬ ‫الأمين العام الأ�سبق بطر�س غالي (عام ‪ )1991‬عندما قال‪� :‬إن مبد�أ عدم التدخل‬ ‫في ال�ش�ؤون الداخلية للدول يجب �أال ي�ستخدم كعازل واق لبع�ض الحكومات التي‬ ‫تمار�س انتهاكات ب�شعة لحقوق �شعبها‪ ,‬كما �أ�شار �إلى �أن المنظمة الدولية ملتزمة‬ ‫بميثاقها الذي يحمي (�سيادة) الدول الأع�ضاء‪ ,‬وملتزمة � ً‬ ‫أي�ضا بالإعالن العالمي‬ ‫لحقوق الإن�سان‪.‬‬ ‫الم�صادر والمراجع‬

‫• جمعية �صالح عمر‪« ،‬الق�ضاء الدولي وت�أثير ال�سيادة الوطنية في تنفيذ الأحكام الدولية»‪.1998 ،‬‬ ‫• خالد جواد الج�شعمي‪« ،‬المعاهدات الدولية وال�سيادة الوطنية»‪ ،‬مكتبة زين الحقوقية والأدبية‪،‬‬ ‫بيروت‪.2014 ،‬‬ ‫• �صالح ح�سن نا�صر محمد‪« ،‬الإ�شكاالت القانونية لمبد�أ ال�سيادة الوطنية وتطبيقاته في ظل‬ ‫النظام العالمي الجديد»‪.2007 ،‬‬ ‫• هيئة الأمم المتحدة‪« ،‬حقوق الإن�سان‪ :‬مجموعة �صكوك دولية»‪ ,‬الأمم المتحدة‪.2002 ،‬‬

‫املنتـ ــدى ‪262‬‬

‫‪- 102 -‬‬


‫ال�صومال بين �إهمال المجتمع الدولي و�إدمان الكارثة‬ ‫*‬

‫د‪� .‬صالح د ّعاك‬

‫تعتبر الكارثة الإن�سانية في ال�صومال م�شكلة متعددة الوجوه‪ ،‬يختلط فيها‬ ‫الجانب الإن�ساني بال�سيا�سي واالقت�صادي وكذلك االجتماعي‪ ،‬الذي انعك�س بدوره‬ ‫وظه ــر في �ش ــكل �أزمة �إن�س ــانية �ش ــاملة جعــلت الجميع يقف مــذهو ًال من هــول‬ ‫ما ر�أى‪ .‬وهنالك جوانب �أخرى كثيرة ا�شتركت في مفاقمة الم�شكلة في ال�صومال‪،‬‬ ‫فالجفاف والظروف الطبيعية كانت جز ًءا محور ًيا في هذه الأزمة‪ ،‬لكنها لي�ست‬ ‫ال�سبب الوحيد‪.‬‬ ‫فهنالك التركيبة القبلية‪ ،‬والتدخالت اال�ستعمارية التي �شهدها ال�صومال‬ ‫منذ بداية القرن الما�ضي‪ ،‬حيث كان الوجود الأجنبي في هذا البلد يختلف عن‬ ‫�ستعمرة‬ ‫�أنواع اال�ستعمار الم�ألوف في المنطقة؛ �إذ دخلت ثالث دول كبرى ُم ِ‬ ‫ال�صومال‪ ،‬ف�ض ًال عن تدخل لدول الجوار في ذلك الوقت‪ ،‬ما جعل هذه الدول‬ ‫م�شتركة جمي ًعا في العملية اال�ستعمارية المع ّقدة‪ ،‬وما �أدى بالتالي �إلى تق�سيم‬ ‫هذه الدولة اال�ستراتيجية �إلى ثالث مناطق كبرى متناحرة ومختلفة اقت�صادي ّا‬ ‫واجتماعي ّا و�سيا�سي ّا‪ ،‬فكان �أن تفاقمت الم�شكلة ال�صومالية وزادت تعقيدً ا‪ ،‬رغم‬ ‫�أن ال�شعب ال�صومالي يع ّد �شع ًبا ذك ًيا وم�ؤه ًال ليقود بلده وين ّميه‪ ،‬والدليل على‬ ‫ذلك �أننا نجد الكثير من ال�صوماليين في المهاجر‪ ،‬وخا�صة في �أوروبا والبالد‬ ‫العربية‪ ،‬ي�شغلون وظائف قيادية ومتقدمة فى كبرى الم�ؤ�س�سات االقت�صادية‪،‬‬ ‫و�أحيا ًنا ال�سيا�سية‪ ،‬وتلك التي تعمل في الحقل الإن�ساني‪ .‬و�إ�ضافة �إلى ذلك‪ ،‬ف�إن‬ ‫كرم و�شجاعة ونخوة‬ ‫ال�شعب ال�صومالي يحمل قيم ّا رفيعة و�أخالق ّا كريمة من ٍ‬ ‫و�صون للمر�أة‪ ،‬وكل هذه ال�صفات النبيلة تجعل هذا ال�شعب م�ؤه ّال لحل م�شاكله‬ ‫* مدير الربامج الدولية يف م�ؤ�س�سة الإغاثة الإن�سانية بع ّمان‪ ،‬وع�ضو منتدى الفكر العربي‪ /‬ال�سودان‪.‬‬

‫‪- 103 -‬‬

‫�صيف ‪2015‬‬


‫درا�سات ومقاالت‬

‫وتنمية بلده وتكوين قيادة واعية ر�شيدة �إذا �أُب ِعدت عنه المطامع والتدخالت‬ ‫الخارجية‪.‬‬ ‫لقد �أدت التدخالت الخارجية �إلى ت�ش ُّكل ودعم بع�ض الجماعات لزعزعة‬ ‫الأمن والتنمية في هذا البلد‪ ،‬مما عمل على �إحداث الت�شرذم وال ُفرقة �ضمن‬ ‫هذا المجتمع المتجان�س �أ�ص ًال‪ .‬وقد ُقدِّ ر لي �أن �أزور ال�صومال مرتين خالل‬ ‫ثالثة �أ�شهر‪ ،‬الأولى في كانون الأول‪� /‬سبتمبر ‪ ،2014‬بدعوة من منظمة التعاون‬ ‫الإ�سالمي‪ ،‬والمنتدى الإ�سالمي للإغاثة‪ ،‬لح�ضور لقاء جامع مع منظمات المجتمع‬ ‫المدني المحلية ال�صومالية‪ ،‬في محاولة لجمعها في ج�سم واحد وللو�صول �إلى‬ ‫هدف واحد من �أجل �إعمار ال�صومال وم�ساعدة النازحين من �أبنائه‪ .‬والذي لفت‬ ‫انتباهي – حينذاك – الحفاوة واالن�سجام المنقطع النظير بين تلك المنظمات‪،‬‬ ‫فلم نلحظ حتى الخالفات العار�ضة التي قد تحدث في مثل هذه االجتماعات‬ ‫الكبيرة‪ .‬وبدا �أنهم مت�شوقون وتواقون لإيجاد حل جذري لم�شكلة ال�صومال‪ .‬بل �إن‬ ‫الأغرب من هذا ك ّله �أن كثي ًرا من المجموعات تقودها ن�ساء �صوماليات‪ ،‬وبطريقة‬ ‫�سل�سة‪ ،‬رغم �أن االنطباع ال�سائد هو �أن المر�أة ال�صومالية منزوية ومه ّم�شة وبعيدة‬ ‫عن العمل العام‪ ،‬لكن ما الحظناه كان م�شاركة حقيقية وفاعلة للمر�أة في تلك‬ ‫االجتماعات‪.‬‬ ‫خالل وجودنا في مقدي�شو �أقام جميع الم�شاركين في الم�ؤتمر �صالة‬ ‫اال�ست�سقاء‪ ،‬التي ح�ضرها و�شارك فيها كثير من الم�ست�ضعفين والنازحين‪.‬‬ ‫ولده�شتنا �أن ال�سماء �أمطرت في �أثناء ال�صالة عند ال�ساعة الثامنة �صباح ّا‪،‬‬ ‫بف�ضل اهلل ودعوات النازحين والفقراء وقبل �أن يتف َّرق الح�ضور‪ ،‬و�سمعنا من‬ ‫بع�ض الحا�ضرين �أنهم لم يروا المطر منذ �شهور َخ َلت‪ ،‬و�أن بع�ض المناطق في‬ ‫ال�صومال لم ت َر الماء منذ ثالث �إلى �ست �سنوات م�ضت‪.‬‬ ‫�أما الذي �أزعجني فهو �أن النا�س كانت متل ّهفة لهطول الأمطار وح ّل م�شكلة‬ ‫الجفاف في ذلك البلد‪ ،‬لكنهم في الوقت نف�سه وجدوا �أنف�سهم �أمام كارثة �أخرى؛‬ ‫�إذ كانت جميع الم�ساكن مبن ّية من المواد المحلية وبقايا المخ ّلفات‪ ،‬ولي�س لديهم‬ ‫�أغطية تقيهم البرد‪ ،‬كما ال تتوافر الأغطية البال�ستيكية التي تمنع الماء من‬ ‫املنتـ ــدى ‪262‬‬

‫‪- 104 -‬‬


‫ال�صومال بين �إهمال المجتمع الدولي و�إدمان الكارثة‬ ‫دعاك‬ ‫د‪� .‬صالح ّ‬

‫الت�سرب �إلى الم�ساكن‪ ،‬وذلك نتيجة للطريقة الع�شوائية في بنائها‪ ،‬وهي م�ساكن‬ ‫�صغيرة تكاد ال تكفي ل�شخ�ص واحد بمفرده ناهيك عن �أ�سرة بكاملها‪ ،‬وقد ُبنيت‬ ‫على عجل جراء نزوح ال�صوماليين من مناطقهم �إلى مقدي�شو‪.‬‬ ‫بعد نهاية الم�ؤتمر في مدينة مقدي�شو ذهبنا �إلى نيروبي‪ ،‬حيث كان ُيعقد‬ ‫�ضم كل المنظمات ال�صومالية المحلية‪ ،‬والمنظمات الدولية‬ ‫هناك م�ؤتمر جامع َّ‬ ‫والأمم المتحدة‪ ،‬وممثلي بع�ض الحكومات‪ ،‬وكذلك المانحين‪ ...‬وبعد نقا�ش‬ ‫تو�صل الم�ؤتمرون بقيادة منظمة التعاون‬ ‫م�ستفي�ض بين الأطراف الم�شاركة كافة‪َّ ،‬‬ ‫الإ�سالمي‪ ،‬وهي المنظمة الوحيدة التي ا�ستطاعت �أن تجمع كل المنظمات العاملة‬ ‫في ال�صومال تحت مظلة تن�سيقية واحدة‪ ،‬على العمل من �أجل هدف واحد‪ ،‬مما‬ ‫ُي ْح َمد لهم‪.‬‬ ‫انق�ضى الم�ؤتمر باتفاق المانحين � ً‬ ‫أي�ضا على تقديم الدعم الالزم للمنظمات‬ ‫العاملة في ال�صومال‪ ،‬وم�ساعدة ال�شعب ال�صومالي على الخروج من محنته التي‬ ‫�أقعدته عن التنمية �سني ًنا ع ّدة‪ .‬لكن بعد �أن انف�ض ال�سامر رجعت تلك المنظمات‬ ‫ُ‬ ‫يف المانحون بالوعود التي قطعوها! وت�أكد ذلك خالل زيارتي‬ ‫في حنين ولم ِ‬ ‫بخ ّ‬ ‫الثانية �إلى مقدي�شو في ‪ 25‬نوفمبر �أو بعد �شهرين من �إطالق تلك الوعود‪ ،‬فحين‬ ‫تماما من �أي نوع من الم�ساعدات‪ ،‬رغم الوجود‬ ‫زرت المخيمات وجدتها خالية ً‬ ‫الكثيف للمنظمات العاملة فيها‪ ،‬لكن عند �س�ؤالنا لقاطني هذه المخيمات عن نوع‬ ‫المعونات التي يتلقونها‪� ،‬أفادوا جمي ًعا ب�أنهم ال يت�سلمون �أي نوع من المعونات!‬ ‫وما يزال النازحون ي�سكنون تلك المخيمات و�سط ظروف تنعدم فيها �أدنى‬ ‫مق ّومات الحياة و�أ�سا�سياتها‪ ...‬حيث ُو ِج َدت �أ�سرة بكاملها ولديها خم�سة �أطفال‬ ‫�أو يزيد‪ ،‬ت�سكن في ّ‬ ‫ع�شة �صغيرة (ال يمكن �أن ن�س ّميها خيمة) مبن ّية من بقايا‬ ‫ّ‬ ‫المقطعة‪ ،‬وال تزيد م�ساحتها عن مترين في متر‬ ‫الجواالت والكرتون والمالب�س‬ ‫�إلى درجة �أن المرء ال ي�ستطيع الم�شي فيها‪ ،‬مما قد ي�ؤدي �إلى التلوث وانت�شار‬ ‫الأمرا�ض‪ ،‬وحاالت التحر�ش الجن�سي بالأطفال والن�ساء‪ ،‬وفوق ذلك الخطر‬ ‫المحتمل من ن�شوب حريق قد ي�ؤدي �إلى هالك كل ما في المخيم‪.‬‬ ‫‪- 105 -‬‬

‫�صيف ‪2015‬‬


‫درا�سات ومقاالت‬

‫هنالك �أكثر من ثالثة مخيمات متفرقة زرتها‪ ،‬وكل مخيم يقطنه من ثالثة‬ ‫مبان حكومية متهالكة كانت في الأ�صل مقار وزارات‬ ‫�إلى �أربعة �آالف نازح ي�سكنون ٍ‬ ‫ومرافق للدولة‪ ،‬و�أ�صبحت الآن ُم ّ‬ ‫حطمة تفتقر �إلى �أدنى الخدمات من مياه و�صحة‬ ‫وطعام و�شروط �سكنية مالئمة‪ ،‬رغم �أن هنالك خدمات مق ّررة من عدد من‬ ‫الحكومات‪ ،‬لكن ِعظم الكارثة يجعل ك�أن �شي ًئا لم ُيق َّدم‪.‬‬ ‫عاما من عمرها برفقة طفلين البنتها التي توفيت‬ ‫ر�أيت امر�أة تبلغ الثمانين ً‬ ‫في رحلة النزوح من منطقة تبعد (‪ )250‬كلم عن العا�صمة‪ ،‬وتوفي معها ثالثة من‬ ‫�أبنائها‪ ،‬وبقي طفالن مع الج ّدة التي لم تكن تملك �شي ًئا‪ ،‬وقد وجدتها تطبخ �أوراق‬ ‫ال�شجر الم ّر بغليها لتفقد مرارتها ثم تطعمها لطفلي ابنتها المتوفاة‪.‬‬ ‫وكانت هنالك امر�أة �أخرى ومعها �أربعة �أطفال‪ ،‬جاءت من منطقة �أخرى‬ ‫تب ُعد عن العا�صمة �أكثر من (‪ )100‬كلم‪ ،‬ومعها �إناء مليء ب�شحوم �سوداء لها‬ ‫رائحة كريهة‪ ،‬علمت منها �أن هذه ال�شحوم هي ما تبقى من الأ�ضحية التي وزعتها‬ ‫عليهم بع�ض المنظمات الإ�سالمية‪ ،‬وهي محتفظة بهذه ال�شحوم لأكثر من �شهر‬ ‫لتطعم منها �أبناءها‪.‬‬ ‫وتوقفت عند امر�أة �أخرى في كوخها ال�صغير‪ ،‬و�أمامها �إناء فيه ماء يغلي‬ ‫على النار‪� ،‬أخبرتني �أنها و�ضعته لتلهي �أطفالها ال�صغار وتوهمهم ب�أنها تطبخ لهم‬ ‫طعاما لحين تتدبر لهم ما ي�سدون به جوعهم!‪ ...‬وتذكرت ق�صة �أمير الم�ؤمنين‬ ‫ً‬ ‫الخليفة عمر بن الخطاب (ر�ضي اهلل عنه) مع المر�أة التي كانت ت�ضع حجارة‬ ‫طعاما‪ ،‬وليتني كنت �أمي ًرا لأقوم‬ ‫في �إناء على النار ليظن �أطفالها �أنها تطبخ لهم ً‬ ‫بتقديم بع�ض من خير الأمراء في مثل هذه الحاالت المحزنة‪ ،‬وخرجت و�أنا �أردد‬ ‫قول المتنبي‪:‬‬ ‫ال َ‬ ‫خيل عندك ُتهديها وال م ـ ـ ــال فل ُي�س ِعف القول �إنْ لم ي�سعف الحال‬ ‫�إنَّ الم�شكلة �أكبر من �أن تح ّلها منظمة واحدة �أو دولة واحدة‪ ،‬فالكارثة‬ ‫تحتاج �إلى ت�ضافر جهود كثيرة لح ّل هذه الأزمة‪ .‬نحتاج �إلى حلول تتعمق في‬ ‫جذور الم�شكلة ولي�س مع ظواهرها‪ ...‬نعم‪ ،‬تقديم الم�ساعدات مطلوب في هذه‬ ‫املنتـ ــدى ‪262‬‬

‫‪- 106 -‬‬


‫ال�صومال بين �إهمال المجتمع الدولي و�إدمان الكارثة‬ ‫دعاك‬ ‫د‪� .‬صالح ّ‬

‫المرحلة لإنقاذ �أرواح قد تموت‪ .‬والجميع الآن �أمام م�س�ؤولية م�شتركة �أمام اهلل‬ ‫و�أمام المجتمع الإن�ساني �إذا تركنا ال�شعب ال�صومالي يرزح في م�شاكل ال تنتهي‪،‬‬ ‫رغم ما لديه من موارد طبيعية‪.‬‬ ‫لقد تح َّمل ال�شعب ال�صومالي الكثير من المعاناة‪ ،‬وعندما تنظر �إلى مدينة‬ ‫مقدي�شو العا�صمة ال تجد �إال خرا ًبا يتبعه خراب‪ ،‬مع �أن هنالك عالمات رفاه‬ ‫وا�ستقراطية يمكن �أن نالحظها و�سط هذا الخراب والدمار‪ .‬فمقدي�شو تقع على‬ ‫�صفحة الماء في منظر قلما نجد مثله في كثير من عوا�صم العالم‪ ،‬غير �أن الدمار‬ ‫ال يطال المباني فقط‪ ،‬و�إنما � ً‬ ‫أي�ضا الإن�سان! وال�شباب ال�صومالي لم يعد يجد ولو‬ ‫بقدر معقول الحياة الطبيعية واال�ستقرار الذي ي�ؤهل للتح�صيل الدرا�سي‪ .‬كذلك‪،‬‬ ‫ف�إن الهجرة الم�ضطردة لأبناء ال�صومال �إلى الدول الإفريقية والأوروبية وبالتالي‬ ‫ا�ستقرارهم في بالد �أخرى‪ ،‬يجعلهم ال يفكرون بالرجوع �إلى بلد تم تدميره‬ ‫بالكامل‪ ،‬با�ستثناء القليل منهم ممن ي�ؤمنون بق�ضيتهم‪� ،‬أو الذين ا�ستطاعوا‬ ‫ت�أمين طريقة ما لعي�شهم في ال�صومال‪.‬‬ ‫�إن الطريقة التي تتبعها المنظمات العاملة في ال�صومال الآن قد ت�ؤدي �إلى‬ ‫هروب �أعداد �أخرى وكثيرة من ال�صومال �إلى دول الجوار‪ .‬ولهذا‪� ،‬ستتك َّرر م�أ�ساة‬ ‫ال�شعب الفل�سطيني في دولة �أخرى‪ ،‬ومع �شعب اختلفت ظروف هجرته الق�سرية‬ ‫من وطنه‪ ،‬فالفل�سطينيون هاجروا من وطنهم نتيجة القتل والقمع ومحاوالت‬ ‫التهجير الم�ستمرة من جانب المحت ّل الإ�سرائيلي‪ ،‬لكن ال�شعب ال�صومالي‬ ‫يهرب بح ًثا عن الم�ساعدات والأمن‪ ،‬والمجتمع الدولي لن ي�أتيهم في مكانهم‬ ‫لم�ساعدتهم‪ ،‬ولذلك �سيذهب ال�شعب نف�سه �إلى المجتمع الدولي حيث يتف َّرق في‬ ‫�أر�ض اهلل الوا�سعة‪ ،‬مع �أن هذا ال�شعب ال يطلب الكثير‪ ،‬وكل ما يطلبه �سد الرمق‬ ‫من الجوع والمر�ض والفقر‪ ،‬فهل �ساعدناهم؟‬ ‫�أظن �أن المجتمع الدولي بد�أ ين�سى �أو يتنا�سى هذا ال�شعب‪ ،‬والم�شكلة‬ ‫ال�صومالية طال عليها الأمد من دون �إيجاد ح ّل جذري لها‪ ،‬و�أ�صبحت هذه‬ ‫الم�شكلة تو ِّلد م�شاكل �أخرى‪ ،‬الأمر الذي �أدى �إلى �أن ُت�صاب الجهات المانحة‬ ‫بالإرهاق ‪ ،Donor Fatigue‬فيما ال ي�صيب هذا الإرهاق المانحين �أو الدول‬ ‫‪- 107 -‬‬

‫�صيف ‪2015‬‬


‫درا�سات ومقاالت‬

‫المانحة في دعم دول نعرفها ولي�ست معاناتها بحجم معاناة ال�شعب ال�صومالي‪.‬‬ ‫وما �أدى �إلى تفاقم الم�شكلة ال�صومالية‪ ،‬تتابع الكوارث خالل الأ�شهر الما�ضية‪،‬‬ ‫وهي تت�ضمن الفترة التي التزم بها المانحون‪ ،‬وكذلك المنظمات والحكومات في‬ ‫الم�ؤتمر الأخير لدعم ال�صومال‪ُ ،‬ي�ضاف �إلى ذلك التداعيات الإن�سانية للثورات‬ ‫العربية في تون�س وليبيا وم�صر و�سوريا واليمن‪ ،‬عدا الزلزال في تركيا‪ ،‬وكل‬ ‫هذه الأزمات والكوارث المتعاقبة �أدت �إلى ان�شغال تلك الحكومات والمنظمات‬ ‫عن الم�شكلة ال�صومالية وتفرق الدعم الموجود لعدد من الكوارث في �آن واحد‪.‬‬ ‫والدر�س ال ُم�ستفاد من تتابع الكوارث وما �أ�سفر عنه من ان�شغال وتنا�سي بع�ضها‪،‬‬ ‫هو في �إن�شاء �صندوق م�شترك للدعم في مثل هذه الحاالت ال يت�أثر بالظهور‬ ‫المفاجئ لكوارث �أخرى؛ �إذ ينبغي �أال ين�سى النا�س كارثة بعد ظهور كارثة جديدة‬ ‫جديدة‪ ،‬ويجب �أن تكون هنالك وحدات متخ�ص�صة تح ّل كل م�شكلة على حدة‪،‬‬ ‫ب�شكل عادل‪.‬‬ ‫وتعمل على توزيع الم�ساعدات ٍ‬ ‫ال �شك �أن دخول الدور ال�سيا�سي على العمل الإن�ساني قد ي�ض ّر كثي ًرا‬ ‫بالهدف ال�سامي لهذه الم�ساعدات‪ .‬ومن هنا يجب الحذر من خلط ال�سيا�سة‬ ‫بالعمل الإن�ساني‪ ،‬و�أذكر في هذا ال�صدد تجربة خا�صة عندما كنت مدي ًرا قطر ًيا‬ ‫لإحدى المنظمات الدولية المعروفة في الأردن‪ ،‬وكنت م�س�ؤو ًال عن مخيم الوليد‬ ‫على الحدود ال�سورية العراقية الذي ي�أوي عددًا من الفل�سطينيين (�أكثر من �ألفين‬ ‫وخم�سمئة فرد) و�ضعوا في مخيم مقفول في المنطقة الحدودية بين البلدين‬ ‫(‪ ،)Normans area‬و�س ِّو َر هذا المخيم بطريقة ال ت�سمح لهم بالخروج من‬ ‫المخيم‪� ،‬أي تحت رقابة �صارمة‪ ،‬وبقي ه�ؤالء النا�س لأكثر من خم�س �سنوات في‬ ‫�صحراء ت�س ّمى �صحراء الأنبار في انتظار منحه للإقامة في دولة �أخرى‪ .‬وعندما‬ ‫ُع ِر َ�ض الأمر على حكومة ال�سودان‪ ،‬قام الرئي�س ال�سوداني بمنح ه�ؤالء النا�س‬ ‫جمي ًعا فر�صة للعي�ش في ال�سودان كمواطنين �سودانيين مع االحتفاظ بهويتهم‪،‬‬ ‫وح ِّررت قطعة �أر�ض في منطقة مميزة في الخرطوم‪ ،‬لكن حينما �سمعت بع�ض‬ ‫ُ‬ ‫الدول بهذا الحل ال ُمر�ضي والجذري الذي يو ِّفر له�ؤالء النا�س ً‬ ‫عي�شا كري ًما يعطيهم‬ ‫الفر�صة للعي�ش كمجموعة في منطقة واحدة‪ ،‬هرعت بع�ض الدول الأوروبية �إلى‬ ‫�إعطائهم ِم َن ًحا للعي�ش في �سوي�سرا‪ ،‬وهولندا‪ ،‬وا�سكتلندا‪ ،‬والواليات المتحدة‪،‬‬ ‫املنتـ ــدى ‪262‬‬

‫‪- 108 -‬‬


‫ال�صومال بين �إهمال المجتمع الدولي و�إدمان الكارثة‬ ‫دعاك‬ ‫د‪� .‬صالح ّ‬

‫والأرجنتين‪ ،‬وف َّرقت هذه الأُ�سر �إلى قطع متناثرة في بالد �شتّى‪ ،‬فالمنحة �أحيا ًنا‬ ‫ت�أتي لدولتين مختلفتين لأفراد الأ�سرة الواحدة‪ ،‬مما ي�ؤدي �إلى تفرقهم و�ضياع‬ ‫ثقافتهم وق�ضيتهم الكبرى‪ ،‬وربما دينهم مما قد يو ِّلد جي ًال جديدً ا ال يعرف بلده‬ ‫الأ�صلي فل�سطين وال الأمة العربية‪� ،‬إلاَّ من رحم ربي‪.‬‬ ‫الحي يو�ضح �أن ُّ‬ ‫تدخل ال�سيا�سة في العمل الإن�ساني قد يكون‬ ‫هذا المثال ّ‬ ‫له عواقب وخيمة‪ ،‬فمجرد �أن �أبدت ال�سودان ا�ستعدادها لإيجاد حل لم�شكلة‬ ‫�أولئك الالجئين الفل�سطينيين في �أر�ض تجمعهم م ًعا‪� ،‬سارعت الدول الغربية �إلى‬ ‫منحهم فر�ص الإقامة و�إبعادهم عن ال�سودان‪ .‬هو ح ّل جيد على �أي حال لكن‬ ‫على المدى الق�صير‪� ،‬أما على المدى البعيد فله عواقب وخيمة؛ �إذ �إن عددًا من‬ ‫الالجئين �أنف�سهم ما يزال يعي�ش في تلك ال�صحراء القاحلة حتى الآن!‬ ‫�أعود �إلى الحديث عن الم�شكلة ال�صومالية‪ ...‬فهناك م�س�ألة تقديم‬ ‫الم�ساعدات بطريقة مت�ساوية وكما ُتق َّدم �إلى المجتمعات المنكوبة في مختلف‬ ‫�أنحاء العالم‪ .‬وبح�سب خبرتي والعمل في �أماكن متعددة من العالم‪ ،‬يالحظ‬ ‫وجود ازدواجية وا�ضحة في تقديم الم�ساعدات‪ ،‬فبع�ض ال�شعوب ُيقدم الدعم‬ ‫�إليها ب�شكل متكامل من ح�صة غذائية تحتوي على �أ�شهى الأطعمة و�أح�سن �أنواع‬ ‫المعلبات‪ ...‬وحتى حليب الأطفال و�أطعمتهم ولوازمهم ال�صحية‪ ،‬التي ال تقل‬ ‫جودة عن تلك الموجودة في كبريات الأ�سواق في العالم‪ .‬وعندما ت�أتي ل�شعب مثل‬ ‫�شعب ال�صومال و�شعوب �أخرى في �إفريقيا‪ ،‬ال نجد �سوى الذرة الجافة‪ ،‬و�أحيا ًنا‬ ‫ُيت َركوا لي�أكلوا �أوراق ال�شجر كما �شاهدناهم في بع�ض المجتمعات!‬ ‫موحدة‪،‬‬ ‫�إن المعايير التي ُتق َّدم على �أ�سا�سها الم�ساعدات يجب �أن تكون َّ‬ ‫وهذه م�س�ؤوليتنا نحن كمجتمع دولي �أن نقدمها �إليهم ب�صورة الئقة وكريمة‪ .‬نعم‪،‬‬ ‫�أحيا ًنا يجب �أن نراعي تباين الثقافات الغذائية وان نقدم لكل �شعب الأكل الذي‬ ‫يتالءم وطبيعته‪ ،‬لكن هذا ال يعني �أن نقدم �شي ًئا �أقل من المطلوب‪.‬‬ ‫وعلينا �أن نثق بالمنظمات الوطنية ال�صومالية العاملة في داخل الأر�ض‬ ‫ال�صومالية‪ ،‬فهنالك �شعور عام وعدم ثقة بالكوادر والمنظمات العاملة داخل‬ ‫‪- 109 -‬‬

‫�صيف ‪2015‬‬


‫درا�سات ومقاالت‬

‫ال�صومال‪ ،‬وهذا �أدى �إلى ت�أزيم الموقف لوجود �شريك يعمل في تلك المناطق‬ ‫ال�صعبة‪ .‬فيجب �أن نعيد الثقة �إلى هذه المنظمات‪ ،‬ويجب �أن نعلم �أنها لي�ست كلها‬ ‫فا�سدة‪ ،‬فالتعميم ي�ض ّر بالعملية الإن�سانية كلها‪.‬‬ ‫لقد عانى ال�شعب ال�صومالي كثي ًرا‪ ،‬وينبغي الوقوف في وجه كل المطامع‬ ‫لكي ننقذ هذا ال�شعب‪ ،‬و�إال �سي�أتي يوم ال نجد فيه �صومال ًيا واحدً ا يمكن االعتماد‬ ‫عليه داخل ال�صومال‪� ،‬إذ �إنهم �سيهاجرون �شي ًئا ف�شي ًئا �إلى دول �أخرى بح ًثا عن‬ ‫أنا�سا �أذكياء‬ ‫الم�ساعدات‪ ،‬خا�صة �إلى الدول التي �شاخت وتحتاج دماء جديدة و� ً‬ ‫كال�صوماليين‪ .‬وحينها �سيدرك الجميع �أن الم�شكلة ال�صومالية هي و�صمة على‬ ‫جبين الدول العربية والإ�سالمية والمجتمع الدولي لتركهم هذا ال�شعب ينزح‬ ‫ويدمر نف�سه بح ًثا عن الم�ساعدات!‬

‫املنتـ ــدى ‪262‬‬

‫‪- 110 -‬‬


‫�ضد القد�س المحتلة‬ ‫التهويد الإ�سرائيلي ّ‬ ‫أنموذجا)‬ ‫(التعليم واالقت�صاد �‬ ‫ً‬ ‫دة‪ .‬نادية �سعد الدين‬

‫*‬

‫املقدمة‬ ‫ُتقارب مفاعيل التنمية االقت�صادية حدود ت�شبيك عالئقي متبادل بني‬ ‫املجتمع والتعليم‪� ،‬إزاء ا�ستالل الأخري مع ّو ًال حيو ًيا ل ّأ�س التقدم والنه�ضة والنمو‬ ‫التنموي‪ ،‬مقابل‬ ‫والرتقي‪ ،‬و�أداة رفد الكوادر الب�شرية امل�ؤهلة يف عجلة احلراك‬ ‫ّ‬ ‫متاهي التنمية‪ ،‬ب�شتى �أبعادها‪ ،‬مع مفاهيم العدالة والدميقراطية واال�ستقرار‬ ‫واال�ستقالل الفردي واملجتمعي م ًعا‪.‬‬ ‫ويالم�س «تكييف» متالزمة «التعليم‪/‬التنمية االقت�صادية» لتحقيق التغيري‬ ‫املجتمعي‪ ،‬م�ؤثرات داخلية تدخل يف ح�ساب التحوالت االجتماعية وطبيعة الن�سق‬ ‫املعريف ال�سائد وال�سيا�سات الر�سمية للدولة‪ ،‬و�أخرى خارجية تنبع من البيئة‬ ‫املحيطة‪� ،‬إقليم ًيا ودول ًيا‪ ،‬مبا ي�صيب � ً‬ ‫أي�ضا طبيعة النظام الدويل ال�سائد‪ ،‬بو�صفها‬ ‫عوامل تت�ضافر لتحديد التطورات اجلارية داخل النظام نف�سه‪ ،‬ومن ثم ت�شكيل‬ ‫�صريورتها واجتاهاتها‪.‬‬ ‫وتتناوب �أبعاد التنمية يف �سلم الأقدمية عند منظريها‪� ،‬إذ يجد بع�ضهم‬ ‫�أن التنمية االقت�صادية عامل م�ساعد �أو جوهري لتحقيق التنمية يف املجاالت‬ ‫االجتماعية وال�سيا�سية‪� ،‬إن مل يكن العامل الوحيد(((‪ ،‬بينما يق ّدر �آخرون‬ ‫* مديرة حترير ال�ش����ؤون الفل�س���طينية يف جريدة «الغد» حما�ض���رة غري متفرغة يف العلوم ال�سيا�سية يف‬ ‫جامعة الزيتونة الأردنية اخلا�صة‪.‬‬

‫‪(1) Gabriel A. Almond & G. Bingham Powell, Comparative Politics, (Boston,‬‬ ‫‪Toronto: Braun and Company, 1978), p.358.‬‬

‫‪- 111 -‬‬

‫�صيف ‪2015‬‬


‫درا�سات ومقاالت‬

‫ب�أن «التنمية ال�سيا�سية مقدمة ل�شقها االقت�صادي والتغيري والتحديث وبناء‬ ‫الدميقراطية و�إقامة امل�ؤ�س�سات»(((‪ ،‬وذلك يف منحى ي�أخذ بنا�صية التكامل املتعدد‬ ‫أوجه للتنمية املجتمعية‪.‬‬ ‫ال ّ‬ ‫ويعد التعليم بالن�سبة للمجتمعات الرازحة حتت االحتالل �أداة فاعلة لت�شكيل‬ ‫اجلمعي‪ ،‬الذي يدخل يف �صلب حراك املطالبة بحقوق التحرير‬ ‫الوعي ال�سيا�سي‬ ‫ّ‬ ‫و�إنهاء االحتالل وتقرير امل�صري‪ ،‬مثلما ي�شكل ع�صب الرحى لت�أطري حالة ذهنية‬ ‫مقاومة للمحتل وم�ضا ّدة لال�ستكانة والظلم ومردفة بوحدة وطنية مناه�ضة‬ ‫ملمار�سات التغييب والإلغاء واالرت�ضاء بواقع االحتالل‪ ،‬ف�ض ًال عن كونه‪� ،‬إىل جانب‬ ‫عنا�صر حيوية �أخرى‪� ،‬أداة حت�سني الظروف االجتماعية واالقت�صادية التي ت�سهم‬ ‫يف تعزيز ال�صمود والتثبيت الوجودي يف الأر�ض والوطن‪ ،‬ا�ستعدادًا ملرحلة ما بعد‬ ‫اال�ستقالل و�إقامة الدولة امل�ستقلة‪.‬‬ ‫و�إذا كانت عملية اال�ستفادة من نواجت التعليم �ضمن �سياق �أهداف التنمية‬ ‫االقت�صادية يف املجتمع املحتل جتد منعة معتربة من قبل �سلطات االحتالل للحيلولة‬ ‫دون النهو�ض التعليمي وحتقيق النمو االقت�صادي واال�ستقاللية‪ ،‬مع الإبقاء على‬ ‫حالة التبعية لها يف خمتلف املجاالت‪ ،‬ف�إن الأزمات التي يخلقها االحتالل ت�صيب‬ ‫الهوية والوعي ال�سيا�سي الوطني وتكامل الن�سيج الداخلي وقدرة ال�سلطة «ال�شرعية»‬ ‫على التغلغل بخدماتها و�سلطتها يف مفا�صل املجتمع(((‪ ،‬حتى و�إن �أُجري االحتالل‪،‬‬ ‫حتت وط�أة تكلفة املقاومة‪ ،‬منح املجتمع املحتل حك ًما ذات ًيا معني بال�ش�ؤون املدنية‬ ‫لل�سكان خال ال�سيادة‪ ،‬وذلك لتقوي�ض ال�سعي �أو املطالبة بكيان �سيا�سي م�ستقل‪.‬‬ ‫‪(2) Lucian W. Pye, Aspects of Political Development, (Boston: Little, Brown‬‬ ‫‪and Company, 1966), pp.33-44.‬‬ ‫‪(3) Myron Weiner, Political Participation: Crisis of the Political Process, in‬‬ ‫‪Leonard Binder, Crises of Political Development, (New Jersey: Princeton‬‬ ‫‪University Press, 1971), pp.159-204.‬‬

‫املنتـ ــدى ‪262‬‬

‫‪- 112 -‬‬


‫أنموذجا)‬ ‫�ضد القد�س المحتلة (التعليم واالقت�صاد �‬ ‫التهويد الإ�سرائيلي ّ‬ ‫ً‬ ‫دة‪ .‬نادية �سعد الدين‬

‫ويح�ضر ذلك جل ًيا يف �سيا�سة االحتالل الإ�سرائيلي �ض ّد الأرا�ضي‬ ‫الفل�سطينية املحتلة‪ ،‬ال �سيما القد�س‪ ،‬بهدف ا�ستالب التاريخ والأر�ض م ًعا‪،‬‬ ‫عرب خلخلة النظام التعليمي ومنع م�ساعي حت�سني نوعية التعليم وانت�شاره‪،‬‬ ‫وحماولة تغيري املناهج الفل�سطينية ل�صالح فر�ض الرواية ال�صهيونية‪ ،‬واعتقال‬ ‫«كي» الوعي اجلمعي‬ ‫الطلبة واملعلمني و�إغالق اجلامعات واملدار�س‪ ،‬وم�ساعي ّ‬ ‫عرب التجهيل واالنغما�س يف �إ�شكاليات الو�ضع االقت�صادي على ح�ساب املطالبة‬ ‫احلقوقية‪ ،‬مقابل �ضرب احلركة االقت�صادية و�ش ّل حرية التنقل والتجارة‪،‬‬ ‫الطوعي» وتفريغ مدينة‬ ‫والإبقاء على التبعية االقت�صادية له‪� ،‬سع ًيا وراء «التهجري‬ ‫ّ‬ ‫القد�س من مواطنيها‪ ،‬بهدف تهويدها وطم�س معاملها العربية والإ�سالمية‪ ،‬حتت‬ ‫مزاعم «العا�صمة الأبدية واملوحدة لدولة �إ�سرائيل»‪.‬‬ ‫يف �ضوء ما �سبق؛ حتاول هذه الورقة البحث يف م�ساعي االحتالل الإ�سرائيلي‬ ‫لتقوي�ض «حل الدولتني»‪ ،‬ومنع �إقامة الدولة الفل�سطينية امل�ستقلة وعا�صمتها‬ ‫عن�صري التعليم واالقت�صاد يف مدينة القد�س‪،‬‬ ‫القد�س املحتلة‪ ،‬عرب الرتكيز على‬ ‫ّ‬ ‫بو�صفهما‪� ،‬إىل جانب عنا�صر �أخرى‪ ،‬معول النهو�ض لتحقيق اال�ستقالل وتقرير‬ ‫امل�صري‪ .‬وحتاول الورقة البحث يف ذلك من خالل ا�ستعرا�ض واقع وحتديات كل‬ ‫من قطاعي التعليم واالقت�صاد يف القد�س‪ ،‬وحمركات الدور الإ�سرائيلي لهدم‬ ‫وامل�س ببنيتهما التحتية ومنع تطورهما �أو اال�ستثمار فيهما‪ ،‬بالإ�ضافة‬ ‫ركائزهما ّ‬ ‫�إىل تبيان الأهداف الإ�سرائيلية الأ�سا�سية التي تقف وراء تلك الإجراءات‪.‬‬ ‫�أو ًال‪ :‬ال ُبعد التعليمي‬ ‫انعك�ست �سيا�سة االحتالل‪ ،‬يف جانبها التعليمي‪ ،‬بالقد�س املحتلة‪� ،‬سل ًبا‪ ،‬عرب‬ ‫انخفا�ض من�سوب االلتحاق وم�ستوى التح�صيل التعليمي وارتفاع ن�سبة الت�سرب‬ ‫الدرا�سي و�ضعف الإمكانيات الالزمة لتوفري الأبنية املدر�سية واجلامعية‪.‬‬ ‫فقد �أقعدت �سيا�سة االحتالل نحو (‪� )10‬آالف طالب مقد�سي عن الدرا�سة‪،‬‬ ‫من �إجمايل (‪� )93‬ألف طالب يتلقون تعليمهم يف مدار�س �شرقي القد�س‪ ،‬و�أنهت‬ ‫‪- 113 -‬‬

‫�صيف ‪2015‬‬


‫درا�سات ومقاالت‬

‫م�سار التعليم الثانوي لنحو ‪ %40‬منهم لاللتحاق مبك ًرا ب�سوق العمل �إزاء الو�ضع‬ ‫مقد�سي حتت خط الفقر(((‪.‬‬ ‫االقت�صادي اخلانق‪ ،‬الذي �أردى نحو (‪� )95‬ألف طفل‬ ‫ّ‬ ‫مقد�سي الجتياز احلواجز الع�سكرية‬ ‫فيما ي�ضطر زهاء (‪� )20‬ألف طالب‬ ‫ّ‬ ‫يوم ًيا من �أجل االلتحاق مبدار�سهم يف اجلانب الآخر من مدينتهم املحتلة‪،‬‬ ‫بعدما طردهم االحتالل‪ ،‬مع نحو (‪� )90‬ألف فل�سطيني‪ ،‬خارج جدار الف�صل‬ ‫العن�صري**‪ ،‬مهددين ب�سحب هوياتهم وحمرومني من الو�صول �إىل مدينتهم‬ ‫ومدار�سهم و�أماكن عملهم‪ .‬وقبل فرتة ما�ضية كان عدد ه�ؤالء الطلبة خمي ًفا‪،‬‬ ‫�إال �أن �سيا�سة االحتالل يف تعميق املتغريات القائمة �أدت �إىل ا�ستيعاب نحو (‪)12‬‬ ‫�أل ًفا منهم يف مدار�س «املقاوالت» التي بناها االحتالل يف املناطق الواقعة خارج‬ ‫اجلدار‪.‬‬ ‫العن�صري بتبعاته ال�سلبية‪ً � ،‬‬ ‫أي�ضا‪ ،‬على احل ّد من حركة تنقل‬ ‫يلقي اجلدار‬ ‫ّ‬ ‫املعلمني والطلبة‪ ،‬يف ظل وجود (‪ )42‬مدر�سة تابعة لدائرة الأوقاف الإ�سالمية‪،‬‬ ‫وت�ضم نحو (‪ )700-600‬من الكادر التعليمي‪ ،‬وت�ستوعب ‪ %12‬من الطلبة تقري ًبا‪،‬‬ ‫مقابل املدار�س اخلا�صة‪ ،‬ومنها الكن�سية والأوقاف ال�شرعية واجلمعيات وغريها‪،‬‬ ‫التي تعود �إىل امللكية الفل�سطينية وت�ستوعب قرابة ‪ %20‬من الطلبة املقد�س ّيني‪،‬‬ ‫والتي تخو�ض جميعها معركة �ض ّد حماوالت �سلطات االحتالل تهويد املناهج‬ ‫التعليمية يف القد�س‪ ،‬عرب فر�ض املناهج التعليمية الإ�سرائيلية على املدار�س منذ‬ ‫العام ‪ 1968‬بهدف ت�شويه الواقع واحلقائق التاريخية والثقافية يف مواد التاريخ‬ ‫واجلغرافيا وغريها(((‪ ،‬وذلك بعدما متكنت من تطبيقه يف (‪ )6‬مدار�س تابعة‬ ‫لها‪ ،‬فيما ت�سعى من خالل تقدمي امل�ساعدات املالية للمدار�س اخلا�صة �إىل التغلغل‬ ‫يف جوهر الفل�سفة التعليمية و�إدخال مفاهيمها العن�صرية بني ثنايا املناهج‬

‫((( جريدة «الغد»‪ ،‬ع ّمان‪.2014/2/17 ،‬‬ ‫** �ش���رعت �س���لطات االحتالل الإ�س���رائيلي يف العام ‪ 2002‬ببناء جدار الف�ص���ل العن�ص���ري يف �أرا�ض���ي‬ ‫ال�ض���فة الغربية املحتلة‪ ،‬قرب الأرا�ض���ي املحتلة عام ‪ ،1948‬بذريعة �أمنية‪� ،‬إال �أنه ي�س���تهدف ق�ض���م‬ ‫�أرا�ض���ي ال�ضفة ل�ص���الح الكيان الإ�سرائيلي ومنع �أي توا�صل جغرايف فل�س���طيني‪ ،‬حيث ميتد اجلدار‬ ‫عند االنتهاء منه بطول (‪ )703‬كم قابل للزيادة‪.‬‬ ‫((( ريا�ض يا�س�ي�ن‪ ،‬تاريخ القد�س ال�سيا�سي واحل�ضاري‪ ،‬دار وائل للن�ش���ر والتوزيع‪ ،‬ع ّمان‪،2012 ،‬‬ ‫�ص �ص ‪.39-35‬‬ ‫املنتـ ــدى ‪262‬‬

‫‪- 114 -‬‬


‫أنموذجا)‬ ‫�ضد القد�س المحتلة (التعليم واالقت�صاد �‬ ‫التهويد الإ�سرائيلي ّ‬ ‫ً‬ ‫دة‪ .‬نادية �سعد الدين‬

‫نف�سها(((‪ ،‬وفق قول رئي�س ق�سم الإر�شاد والرتبية اخلا�صة يف مكتب تربية القد�س‬ ‫التابع لدائرة الأوقاف الإ�سالمية �سمري الطرمان‪ .‬بينما بلغ القطاع التعليمي‬ ‫�أ�سو�أ حاالته‪� ،‬إزاء النق�ص امل�ستمر يف عدد الغرف التدري�سية الذي يفوق الألف‬ ‫غرفة درا�سية يف نظام التعليم الر�سمي‪ ،‬ون�سبة الت�سرب املرتفعة يف التعليم‬ ‫الثانوي واجلامعي‪ ،‬التي بلغت بني �صفوف طلبة املرحلة الثانوية نحو ‪ ،%40‬حيث‬ ‫يجد الطلبة �صعوبة القبول يف اجلامعات الإ�سرائيلية بالإ�ضافة �إىل عدم اعرتاف‬ ‫االحتالل بال�شهادات اجلامعية خلريجي جامعة القد�س لأنها حتمل ا�سم القد�س‪.‬‬ ‫ويعاين قطاع التعليم من التهمي�ش والإهمال املتعمد من �سلطات االحتالل املل َزمة‬ ‫مبوجب القانون الدويل بتوفري خدمة التعليم للمواطنني اخلا�ضعني حتت احتاللها‪،‬‬ ‫املقد�سي وتغييب ذاكرته الوطنية‪.‬‬ ‫بينما تهدف �سيا�ساتها �إىل جتهيل املجتمع‬ ‫ّ‬ ‫وت�ستهدف �إجراءات االحتالل العدوانية �أطفال مدينة القد�س‪ ،‬حيث يوجد‬ ‫زهاء (‪ )200‬طفل منهم يف �سجون االحتالل(((‪ ،‬من �أجل ك�سر �إرادة املواطن‬ ‫املقد�سي وثنيه عن التعبري عن رف�ضه لالحتالل‪ ،‬بالإ�ضافة �إىل فر�ض الغرامات‬ ‫املالية الباهظة عليهم وحتميل عائالتهم امل�س�ؤولية‪ ،‬وما يرافق ذلك من ت�أثري‬ ‫نف�سي على الأطفال‪.‬‬ ‫لقد ت�سبب اجلدار العن�صري يف ت�شتيت الن�سيج املجتمعي الفل�سطيني‬ ‫وتقطيع �أو�صاله‪ ،‬ولي�س فقط �ضرب احلركة التعليمية‪ ،‬بهدف �إيجاد هجرة معاك�سة‬ ‫من داخل املدينة املقد�سة �إىل خارجها‪� ،‬إذ تفيد معطيات ا�ستكمال بنائه خ�سارة‬ ‫حمافظة القد�س لنحو ‪ %90‬من �أرا�ضيها‪ ،‬و�إحكام الطوق اال�ستيطاين حولها‪،‬‬ ‫مقد�سا و�أث ًرا ح�ضار ًيا عن حميطها العربي الإ�سالمي‪ ،‬مقابل‬ ‫وعزل (‪ )617‬موق ًعا ً‬ ‫عزل (‪ )18‬قرية وبلدة فل�سطينية عن املدينة املحتلة‪ ،‬رغم امتدادها الطبيعي‬ ‫ملحافظة القد�س وارتباطها االقت�صادي واالجتماعي بها‪ ،‬ف�ض ًال عن حما�صرة‬ ‫زهاء (‪� )26‬ألف فل�سطيني يف ثمانية جتمعات من كل اجلوانب(((‪ ،‬مبا �سي�ؤدي‬ ‫�إىل ف�صل عائالت ب�أكملها عن �أقاربهم وت�أخري طالب املدار�س واجلامعات عن‬ ‫درا�ستهم يف القد�س‪ ،‬وعرقلة الو�صول �إىل الأماكن الدينية املقد�سة‪.‬‬ ‫((( جريدة «الغد»‪ ،‬ع ّمان‪.2014/2/17 ،‬‬ ‫((( تقرير دائرة �ش�ؤون املفاو�ضات ملنظمة التحرير الفل�سطينية‪ ،‬رام اهلل‪.2014/4/17 ،‬‬ ‫((( تقرير مركز الزيتونة للدرا�سات واال�ست�شارات‪ ،‬بريوت‪.2014/9/25 ،‬‬

‫‪- 115 -‬‬

‫�صيف ‪2015‬‬


‫درا�سات ومقاالت‬

‫ثان ًيا‪ :‬ال ُبعد االقت�صادي‬ ‫ال تنف�صل �سيا�سة االحتالل االقت�صادية يف القد�س املحتلة عن م�شروعه‬ ‫مق�سمة الأو�صال بني «دولة» يقطنها‬ ‫يف ال�ضفة الغربية املحتلة التي يريدها ّ‬ ‫زهاء (‪� )631‬ألف م�ستوطن اليوم‪ ،‬ي�سعى �إىل زيادتهم للمليون م�ستعمر خالل‬ ‫امل�سماة‬ ‫الأعوام القليلة القادمة‪� ،‬ضمن نحو ‪ %62‬من م�ساحة ال�ضفة يف املناطق ّ‬ ‫«ج» والغن ّية بالإمكانيات اال�ستثمارية واالقت�صادية والزراعية‪� ،‬إىل جانب حكم‬ ‫ذاتي فل�سطيني‪ ،‬با�سم «�سلطة» �أو حتى «دولة»‪� ،‬ضمن الأجزاء املقطعة اخلارجة‬ ‫معني بال�ش�ؤون احلياتية لل�سكان خال ال�سيادة والأمن املوكولتني‬ ‫عن يد االحتالل‪ّ ،‬‬ ‫لالحتالل‪ ،‬مقابل غزة معزولة بدولة ونظام م�ستقلني‪ ،‬وذلك غداة ق�ضم امل�ساحة‬ ‫املخ�ص�صة لإقامة الدولة الفل�سطينية امل�ستقلة على حدود العام ‪ ،1967‬و�إخراج‬ ‫القد�س من مطلب التق�سيم‪.‬‬ ‫وينفذ االحتالل �سيا�سته يف القد�س املحتلة عرب التو�سع اال�ستيطاين‬ ‫وم�صادرة الأرا�ضي وهدم املنازل و�ضرب احلركة االقت�صادية‪ ،‬بهدف تفريغها‬ ‫من مواطنيها الفل�سطينيني ل�صالح �إحالل امل�ستوطنني مكانهم‪ ،‬وف�صلها كل ًيا عن‬ ‫�أرا�ضي ال�ضفة الغربية املحتلة‪,‬‬ ‫فادحا(((‪،‬‬ ‫فقد �أ�صابت �سيا�سة االحتالل معامل القد�س املحتلة تغي ًريا ً‬ ‫ت�ضم زهاء (‪� )200‬ألف م�ستوطن‪ ،‬للمدن‬ ‫�إزاء تطويق (‪ )15‬م�ستوطنة �ضخمة‪ّ ،‬‬ ‫والقرى والبلدات العربية فيها‪ ،‬عرب امتدادها على ثلث م�ساحة الأرا�ضي التي متت‬ ‫م�صادرتها منذ العام ‪ ،1967‬وتقطيع �أو�صال �أحيائها بثمانية ب�ؤر ا�ستيطانية يقيم‬ ‫فيها (‪ )2000‬م�ستوطن بني منازل املواطنني املقد�سيني‪ ،‬و»مزاحمة» حوايل (‪)4‬‬ ‫�آالف م�ستوطن يهودي �ضمن �أربع كتل ا�ستيطانية و(‪ )56‬وحدة ا�ستيطانية نحو‬ ‫(‪� )33‬ألف مواطن فل�سطيني داخل البلدة القدمية التي ال تتجاوز م�ساحتها كيلو‬ ‫مرت مربع واحد‪ ،‬والتفاف جدار الف�صل العن�صري حول القد�س بطول (‪)142‬‬ ‫كم‪ ،‬م�سنودًا بنحو (‪ )12‬حاجزً ا ع�سكر ًيا لتعقيد حياة املقد�سيني وف�صلهم عن‬ ‫ن�سيجهم املجتمعي الفل�سطيني‪.‬‬ ‫((( انظ���ر‪ :‬تقري���ر دائ���رة �ش����ؤون القد����س يف منظم���ة التحرير الفل�س���طينية‪ ،‬جري���دة «الغ���د»‪ ،‬ع ّمان‪،‬‬ ‫‪.2014/1/23‬‬ ‫املنتـ ــدى ‪262‬‬

‫‪- 116 -‬‬


‫أنموذجا)‬ ‫�ضد القد�س المحتلة (التعليم واالقت�صاد �‬ ‫التهويد الإ�سرائيلي ّ‬ ‫ً‬ ‫دة‪ .‬نادية �سعد الدين‬

‫بينما �أحكم االحتالل �سيطرته على املناطق امل�سماة «ج» (ح�سب ت�صنيف‬ ‫اتفاق �أو�سلو) من م�ساحة ال�ضفة الغربية‪ ،‬رغم توفر الإمكانيات الطبيعية‬ ‫واال�ستثمارية واالقت�صادية �ضمنها‪ ،‬يف حني �أبقى ال�سلطة حما�صرة يف منطقة‬ ‫«�أ»‪ ،‬وهي م�ساحة املدن والقرى واملخيمات‪ ،‬تزام ًنا مع �سيطرته على املوارد‬ ‫الطبيعية الفل�سطينية‪ ،‬وحتكمه مبفاتيح االقت�صاد وهيمنته على قطاعه‪ ،‬وحتكمه‬ ‫يف املعابر واحلدود والتجارة اخلارجية‪ ،‬وحرية احلركة والتنقل و�شل احلياة يف‬ ‫ال�ضفة الغربية باجلدار العن�صري والطرق االلتفافية وامل�ستوطنات املرتامية‬ ‫وحما�صرة قطاع غزة وعزل مدينة القد�س وحرمان ال�سلطة من عائداتها‬ ‫ال�سياحية و�ضرب حركتها االقت�صادية ملنع حتقيق �أي منو قد ي�ساهم يف نوع من‬ ‫اال�ستقالل االقت�صادي وقطع التبعية له‪.‬‬ ‫وي�سعى االحتالل �إىل فك ارتباط االقت�صاد الفل�سطيني املقد�سي مع‬ ‫مناطق ال�سلطة الفل�سطينية وربطها ب�شكل كامل مع االقت�صاد الإ�سرائيلي من‬ ‫خالل فر�ض القيود على احلركة والتنقل‪ ،‬مما ت�سبب يف تكبيد االقت�صاد املقد�سي‬ ‫خ�سائر فادحة‪ ،‬حيث �أ�صبحت املدينة تعاين من ركود اقت�صادي كبري �أدى �إىل‬ ‫�إفال�س الكثري من امل�ؤ�س�سات االقت�صادية و�إغالق بع�ضها �أو الهجرة �إىل رام اهلل‬ ‫ومناطق ال�سلطة الوطنية الأخرى‪ ،‬بالإ�ضافة �إىل زيادة ن�سبة البطالة والفقر‬ ‫وانخفا�ض م�ستوى الدخل وعزل املدينة عن حميطها(‪.((1‬‬ ‫وتزامن ذلك مع �إجراءات فر�ض ال�ضرائب والر�سوم الباهظة املفرو�ضة‬ ‫ق�س ًرا على التجار ورجال الأعمال املقد�سيني وفق الأنظمة والقوانني الإ�سرائيلية‪،‬‬ ‫مثل قانون ال�ضرائب العامة وال�ضرائب البلدية‪ ،‬واملتمثلة يف ت�سعة �أنواع منها؛‬ ‫مثل �ضريبة الدخل و�ضريبة امل�شغل والت�أمني الوطني والت�أمني ال�صحي و�صندوق‬ ‫التقاعد والتوفري والتعوي�ض الإجباري و�ضريبة الرفاه و�ضريبة القيمة امل�ضافة‬ ‫و�ضريبة الآرمات التجارية بالإ�ضافة �إىل �ضرائب الأمالك‪ ،‬بحيث يقتطع �إجمالها‬ ‫بني ‪ %55-40‬من دخل التاجر‪ ،‬مبا يرهق املواطن والتاجر م ًعا‪ ،‬وت�سبب يف �إغالق‬ ‫�أكرث من (‪ )250‬حم ًال ومن�ش�أة جتارية‪.‬‬ ‫(‪� ((1‬سعيد اخلالدي‪« ،‬الو�ضع االقت�صادي يف مدينة القد�س»‪ ،‬حترير ع�صام ن�صار‪ ،‬يف القد�س‪ ،‬تاريخ‬ ‫امل�ستقبل‪ :‬درا�سة يف حا�ضر وما�ضي مدينة القد�س‪ ،‬م�ؤ�س�س���ة الدرا�س���ات الفل�س���طينية‪ ،‬رام اهلل‪،‬‬ ‫‪� ،2010‬ص �ص‪.487-481‬‬

‫‪- 117 -‬‬

‫�صيف ‪2015‬‬


‫درا�سات ومقاالت‬

‫ورغم �أن ال�سياحة ت�شكل املورد الرئي�سي يف مدينة القد�س املحتلة وملا ن�سبته‬ ‫‪ %40‬من اقت�صادها‪� ،‬إال �أن �إ�سهامها يف الناجت الإجمايل الفل�سطيني ال يتجاوز‬ ‫حال ًيا ‪ %4‬فقط‪ ،‬ويرجع ذلك �إىل ما تفر�ضه �سلطات االحتالل من قيود قانونية‬ ‫ومالية ثقيلة على قطاع ال�سياحة‪ ،‬ورف�ضها منح الرتاخي�ص الالزمة لإن�شاء �أو‬ ‫تو�سعة الفنادق‪ ،‬وال�سيطرة على جزء مهم من املوارد ال�سياحية والتحكم فيها‪.‬‬ ‫ويعد القطاع ال�سياحي من �أبرز القطاعات التي يجري تهويدها‪ ،‬بينما �أدى‬ ‫عزل املدينة �إىل �إحلاق اخل�سارة به لأكرث من ‪ %50‬من قوته ال�شرائية‪ ،‬كما تعر�ضت‬ ‫ال�سياحة اخلارجية �إىل الرتاجع الذي طال التاجر املقد�سي‪ ،‬والأدالء ال�سياحيني‬ ‫والفنادق ومكاتب ال�سفر العربية‪ .‬وتعتمد حكومة االحتالل على الأدالء ال�سياحيني‬ ‫اليهود الذين يقومون بت�سويق الر�ؤيا والأفكار ال�صهيونية وحتريف التاريخ العربي‬ ‫والإ�سالمي للمدينة املقد�سة‪ ،‬فيما تواجه الفنادق العربية يف مدينة القد�س‬ ‫حتديات ناجمة عن ممار�سات االحتالل �ضد القطاع ال�سياحي العربي‪� ،‬إذ تناق�ص‬ ‫عدد الفنادق العربية منذ العام ‪ 1967‬من (‪ )40‬فند ًقا �إىل (‪ ،)29‬حيث تقوم‬ ‫�سيا�سة االحتالل على توجيه ال�سياح الأجانب للفنادق الإ�سرائيلية داخل الكيان‬ ‫املحتل‪ ،‬ويف الفنادق الإ�سرائيلية التي �أقيمت يف ال�شيخ جراح وباب اخلليل(‪.((1‬‬ ‫ويرافق ذلك �إغالق االحتالل ملدن ال�ضفة الغربية املحتلة‪ ،‬و�إيقاف حركة‬ ‫ال�سياحة املحلية للقد�س‪ ،‬ورف�ض بلدية االحتالل منح تراخي�ص لبناء فنادق‬ ‫جديدة فيها‪ ،‬وارتفاع تكلفة ت�شغيل الفنادق وارتفاع حجم ال�ضرائب والر�سوم‬ ‫التي تفر�ضها بلدية االحتالل على ال�سياحة والفنادق العربية‪.‬‬ ‫ويف �سياق حماوالت طم�س الهوية الوطنية الفل�سطينية يف القد�س املحتلة؛‬ ‫هدم االحتالل زهاء (‪ )1120‬من�ش�أة و�أغلق �أكرث من (‪ )88‬م�ؤ�س�سة فل�سطينية‪،‬‬ ‫منها (‪ )32‬م�ؤ�س�سة ب�شكل متوا�صل منذ العام ‪ 2011‬وحتى الآن‪ ،‬و(‪ )56‬م�ؤ�س�سة‬ ‫ب�شكل جزئي‪ ،‬فيما �أجربت (‪ )33‬م�ؤ�س�سة على نقل مكاتبها ون�شاطاتها �إىل مناطق‬ ‫�أخرى من ال�ضفة الغربية املحتلة‪ ،‬بينما �صادر �أكرث من (‪ )14621‬بطاقة هوية‬ ‫منذ عدوان ‪ .1967‬وتهدف �سيا�سة �إغالق امل�ؤ�س�سات املقد�سية يف القد�س �إىل‬ ‫(‪ ((1‬تقرير دائرة �ش�ؤون القد�س يف منظمة التحرير الفل�سطينية‪ ،‬جريدة «الغد»‪ ،‬ع ّمان‪.2014/1/23 ،‬‬ ‫املنتـ ــدى ‪262‬‬

‫‪- 118 -‬‬


‫أنموذجا)‬ ‫�ضد القد�س المحتلة (التعليم واالقت�صاد �‬ ‫التهويد الإ�سرائيلي ّ‬ ‫ً‬ ‫دة‪ .‬نادية �سعد الدين‬

‫حرمان املواطنني الفل�سطينيني من حقهم يف اخلدمات االجتماعية واالقت�صادية‬ ‫والثقافية والرتبوية والطبية واخلدماتية و�إجبارهم على مغادرة املدينة‪.‬‬ ‫وتفر�ض �سلطات االحتالل قيودًا �صارمة على البناء‪ ،‬تتمثل يف ال�سماح‬ ‫للفل�سطينيني بالبناء على م�ساحة ‪ %13‬فقط �ضمن حدود ما ي�سمى بلدية االحتالل‬ ‫يف القد�س‪� ،‬شريطة نيل موافقة م�سبقة‪� ،‬أما اجلزء املتبقي‪ ،‬واملقدر بنحو ‪،%87‬‬ ‫فقد مت تخ�صي�صه لأغرا�ض اال�ستيطان �أو كمناطق �أمنية �أو ما ي�سمى «مناطق‬ ‫خ�ضراء»‪ .‬وتخ�ص�ص بلدية االحتالل حوايل ‪ %5‬فقط من ميزانيتها ل�شرقي‬ ‫القد�س‪ ،‬يف ظل عدم ربط ‪ %60-50‬من م�ساكنها الفل�سطينية ب�شبكة ال�صرف‬ ‫ال�صحي‪ ،‬مقابل حاجة زهاء ‪ %50‬من �شبكة املياه تقري ًبا للت�أهيل‪ ،‬ف�ض ًال عن‬ ‫�ضعف قطاع اخلدمات العامة(‪.((1‬‬ ‫و�أمام ارتفاع تكاليف ال�سكن وتعقيد نيل رخ�ص البناء و�إجراءات هدم‬ ‫املنازل‪ ،‬ف�إن املدينة املقد�سة بحاجة �إىل حوايل ‪� 20‬ألف وحدة �سكنية ل�سد العجز‬ ‫املرتاكم خالل ال�سنوات ال�سابقة‪ ،‬بي ّد �أنه مع ندرة الأر�ض الناجمة عن امل�صادرة‬ ‫املتوالية وتفتيت امللكية و�شبح «حار�س �أمالك الغائبني» و�سرقة الأرا�ضي من قبل‬ ‫االحتالل‪ ،‬فقد دفع املقد�سيني �إىل بناء منازلهم بدون ترخي�ص‪ ،‬فتكون النتيجة‬ ‫الهدم ودفع الغرامات الباهظة‪ ،‬وي�أتي ذلك رغم �سيا�سة االحتالل التي ال ت�سمح‬ ‫ب�إ�صدار �أكرث من ‪ 200‬رخ�صة �سنو ًيا‪ ،‬مقابل زيادة �سكانية طبيعية حتتاج �إىل منح‬ ‫تراخي�ص لنحو ‪ 1500‬منزل �سنو ًيا‪.‬‬ ‫وال يختلف و�ضع قطاع ال�صحة يف القد�س املحتلة عن �سابقه؛ �إذ يواجه‬ ‫حتديات و�صول الفل�سطينيني للخدمات ال�صحية �سواء للفل�سطينيني القاطنني‬ ‫خلف اجلدار‪� ،‬أو لل�سكان املقد�سيني خارج حدود ما ي�سمى بلدية االحتالل‪.‬‬ ‫وتنتقل �سيا�سة االحتالل بني �إعاقة حركة املر�ضى ومركبات الإ�سعاف‪،‬‬ ‫ورفادة الأطباء واملمر�ضني والعاملني يف املرافق ال�صحية‪ ،‬الذين ال ي�ستطيعون‬ ‫بلوغ املرافق ال�صحية �إال بعد نيل ت�صاريح خا�صة من ال�سلطات الإ�سرائيلية‪،‬‬ ‫يكون فيها الرف�ض غال ًبا يف معظم احلاالت‪ .‬وقد �أدت �سيا�سة االحتالل �إىل‬ ‫(‪� ((1‬إ�سحاق رباح‪ ،‬تاريخ القد�س عرب الع�صور‪ ،‬دار كنوز املعرفة العلمية للن�شر والتوزيع‪ ،‬عمان‪،2010 ،‬‬ ‫�ص �ص‪.317-316‬‬

‫‪- 119 -‬‬

‫�صيف ‪2015‬‬


‫درا�سات ومقاالت‬

‫تقدمي احلد الأدنى من اخلدمات ال�صحية للمقد�سيني على �صعيد البنية التحتية‬ ‫و�صحة البيئة وخدمات الطب الوقائي وال�صحة النف�سية‪ ،‬وتراجع ن�سبة اخلدمات‬ ‫يف امل�ست�شفيات املقد�سية من ‪� %69‬إىل �أقل من ‪ ،%20‬ما �أدى �إىل عجز مايل كبري‬ ‫ي�شكل خط ًرا حقيق ًيا على �صمود امل�ؤ�س�سات الطبية(‪.((1‬‬ ‫ويهدف االحتالل من �سيا�سته العن�صرية �ض ّد القد�س املحتلة‪ ،‬يف خمتلف‬ ‫املجاالت‪ ،‬ومنها التعليمي واالقت�صادي‪� ،‬إىل تغيري البنية الدميغرافية واالجتماعية‬ ‫الفل�سطينية يف املدينة املقد�سة‪ ،‬و�سلخها عن حميطها وبيئتها ذات اخل�صو�صية‬ ‫العربية الإ�سالمية‪ ،‬عرب خمطط تقلي�ص عدد مواطنيها �إىل �أقل من ‪ ،%12‬مقابل‬ ‫زيادة عدد امل�ستوطنني �ضمنها(‪ ،((1‬من �أجل فر�ض معطى �سكاين جديد ي�صب يف‬ ‫خانة الوقائع املغايرة �ضمن الأرا�ضي املحتلة مل�صلحته‪.‬‬ ‫اخلامتة‬ ‫مي�ضي االحتالل الإ�سرائيلي يف تنفيذ �سيا�سته املحمومة لتهويد القد�س‬ ‫املحتلة وتغيري معاملها وطم�س هويتها العربية الإ�سالمية‪� ،‬إزاء ما يعتقده عدوا ًنا‬ ‫بعيدًا عن �ضغط امل�ساءلة‪ ،‬نظري الإ�سناد الأمريكي املفتوح‪ ،‬و�ضعف الدعم العربي‬ ‫الإ�سالمي للق�ضية الفل�سطينية‪.‬‬ ‫وي�شكل ال ُبعدان التعليمي واالقت�صادي معوالن حيويان بالن�سبة لالحتالل‬ ‫ي�ستطيع من خاللهما تثبيت � ّأ�س التهويد وا�ستالب الأر�ض والتاريخ م ًعا‪ ،‬وذلك‬ ‫غداة تقوي�ض ركائز «حل الدولتني»‪ ،‬وق�ضم امل�ساحة املخ�ص�صة لإقامة الدولة‬ ‫الفل�سطينية املن�شودة �ضمنها‪ ،‬و�إخراج القد�س من مطلب التق�سيم‪ ،‬بعدما ط ّوع‬ ‫م�سار املفاو�ضات جتاه تعميق اخللل القائم يف الأرا�ضي املحتلة مل�صلحته‪� ،‬أ�سوة‬ ‫بحال القد�س املحتلة‪.‬‬ ‫بيد �أن �سيا�سة االحتالل العدوانية كانت‪ ،‬وما تزال‪ ،‬جتابه ب�صمود ال�شعب‬ ‫الفل�سطيني ومقاومته الثابتة‪ ،‬ما يتطلب دع ًما عرب ًيا �إ�سالم ًيا‪� ،‬سيا�س ًيا واقت�صاد ًيا‬ ‫ومال ًيا‪ ،‬لن�صرة �أهايل القد�س وتثبيت وجودهم يف وطنهم‪.‬‬ ‫(‪ ((1‬حممد الهزامية‪ ،‬القد�س يف ال�ص���راع العربي – الإ�س���رائيلي‪ ،‬دار احلامد للن�شر والتوزيع‪ ،‬عمان‪،‬‬ ‫‪� ،2011‬ص �ص‪.250-247‬‬ ‫(‪� ((1‬أنور زناتي‪ ،‬تهويد القد�س‪ ،‬مركز درا�سات الوحدة العربية‪ ،‬بريوت‪� ،2010 ،‬ص �ص‪.108-104‬‬ ‫املنتـ ــدى ‪262‬‬

‫‪- 120 -‬‬


‫*‬

‫قراءة في وقائع الحرب الإ�سرائيلية الثالثة على غزة‬ ‫(‪ 8‬تموز‪ /‬يوليو ‪� 26 – 2014‬آب‪� /‬أغ�سط�س ‪)2014‬‬

‫�أة‪ .‬عبير محمد ا�سماعيل‬

‫**‬

‫في الثامن من يوليو ‪� 2014‬شنَّ جي�ش االحتالل الإ�سرائيلي عدوا ًنا وح�ش ًيا‬ ‫على قطاع غزة بعملية �أطلق عليها ا�سم «الجرف ال�صامد»‪ ،‬بد�أها بـ (‪ )70‬غارة‬ ‫على (‪ )50‬هد ًفا في مناطق عدة و�سط القطاع و�شماله‪� ،‬أ�سفرت عن قتل (‪)16‬‬ ‫فل�سطين ًيا و�إ�صابة (‪� )10‬آخرين‪ ،‬بينهم �أطفال ون�ساء(((‪� .‬أما �أ�سباب العدوان‪،‬‬ ‫فتعود �إلى الآتي‪:‬‬ ‫ا�ستقالل القطاع‬ ‫في يناير ‪ 2005‬قررت حكومة حزب الليكود برئا�سة �آرئيل �شارون فك‬ ‫االرتباط من جانب واحد مع قطاع غزة‪ ،‬لتحرير نف�سها من ال�سيطرة المبا�شرة‬ ‫على عدد كبير من الفل�سطينيين وتعزيز قب�ضتها على ال�ضفة الغربية‪ ،‬و�أعقب‬ ‫القرار ان�سحاب �إ�سرائيلي من القطاع في �أغ�سط�س ‪ ،2005‬بعد احتالل دام ‪38‬‬ ‫عاما‪ .‬لكن على الرغم من االن�سحاب‪ ،‬وا�صل االحتالل فر�ض �سيطرته المبا�شرة‬ ‫ً‬ ‫على القطاع‪ ،‬وظ َّلت �إ�سرائيل بموجب القانون الدولي‪ ،‬القوة المحت َّلة‪.‬‬ ‫* باحثة متخ�ص�صة في التاريخ الحديث والمعا�صر‪/‬الأردنّ ‪.‬‬ ‫((( جريدة «الحياة»‪ ،‬بيروت‪.2014/7/9 ،‬‬

‫‪- 121 -‬‬

‫�صيف ‪2015‬‬


‫درا�سات ومقاالت‬

‫انتخابات عام ‪2006‬‬ ‫بعد ان�سحاب االحتالل الإ�سرائيلي من القطاع في �أغ�سط�س ‪ ،2005‬فازت‬ ‫حركة حما�س في االنتخابات الت�شريعية الفل�سطينية التي جرت في ‪ 25‬يناير‬ ‫‪ ،2006‬وهي المرة الأولى منذ ت�أ�سي�سها عام ‪ 1987‬التي ُتقرر فيها الدخول في‬ ‫هيئة تمثيلية تجمعها مع باقي مك ّونات الحركة الوطنية الفل�سطينية‪ .‬والمفارقة‬ ‫�أن المرة الأولى هذه كانت تحت مظلة �أو�سلو التي عار�ضتها حما�س بقوة‪.‬‬ ‫نجاحا كبي ًرا في االنتخابات‪ ،‬وا�ستحواذها على �أكثر‬ ‫كان لت�سجيل حما�س ً‬ ‫من ن�صف مقاعد المجل�س الت�شريعي �أن رف�ضت فتح ومعظم القوى الأخرى‬ ‫الم�شاركة معها في حكومة وحدة وطنية‪ ،‬وو�صلت مفاو�ضات حما�س مع الجبهة‬ ‫ال�شعبية لتحرير فل�سطين لت�شكيل حكومة تحالف بينهما �إلى طريق م�سدود‪،‬‬ ‫فانفردت بت�شكيل الحكومة الفل�سطينية العا�شرة برئا�سة �إ�سماعيل هنية‪.‬‬ ‫لكن الأمور لم ت�ستقر لحكومة هنية‪ ،‬فقد رف�ض المجتمع الدولي ممث ًال‬ ‫باللجنة الرباعية الدولية (الواليات المتحدة‪ ،‬رو�سيا‪ ،‬االتحاد الأوروبي‪ ،‬والأمم‬ ‫المتحدة)‪ ،‬التعامل مع هذه الحكومة‪ ،‬وفر�ض عليها‪ ،‬ومعها ال�شعب الفل�سطيني‬ ‫في الأر�ض المحتلة‪ ،‬ح�صا ًرا �سيا�س ًيا واقت�صاد ًيا‪ ،‬طالما �أنها لم ت�ستجب لثالثة‬ ‫ا�شتراطات و�ضعتها اللجنة‪ ،‬وهي نبذ العنف‪ ،‬واالعتراف ب�إ�سرائيل‪ ،‬وااللتزام‬ ‫باالتفاقيات والتعهدات القائمة‪ .‬وبالتناغم مع الح�صار الدولي‪ ،‬اتخذت �إ�سرائيل‬ ‫قرا ًرا بوقف تحويل �أموال ال�ضرائب والجمارك التي تجبيها عن الب�ضائع‬ ‫الم�ستوردة �إلى مناطق ال�سلطة عبر الموانئ الإ�سرائيلية‪ ،‬وهذا الأمر ت�س ّبب في‬ ‫تراجع موجودات البنوك الفل�سطينية و�سلطة النقد الفل�سطينية من العمالت‬ ‫المتداولة كافة في �أرا�ضي ال�سلطة الفل�سطينية‪.‬‬ ‫تعر�ضت حكومة هنية ل�ضغوط �سيا�سية‪ ،‬عربية وفل�سطينية‪ ،‬للقبول ب�شروط‬ ‫حرجا من االنخراط في‬ ‫اللجنة الرباعية‪ ،‬ال بل لم تجد بع�ض الدول العربية ً‬ ‫الآلية الدولية لح�صار ال�شعب الفل�سطيني وحكومته المنتخبة‪ ،‬وفوق ذلك لم‬ ‫ي�س ّلم الطرف الفل�سطيني الذي خ�سر االنتخابات بنتائجها‪ ،‬و�إن ا ّدعى غير ذلك‪،‬‬ ‫و�سعى �إلى الإبقاء على �أجهزة الأمن وموارد المال في قب�ضة يده‪ .‬وبالتالي تجريد‬ ‫حكومة حما�س من ركيزتي الحكم الأ�سا�سيتين‪.‬‬ ‫املنتـ ــدى ‪262‬‬

‫‪- 122 -‬‬


‫قراءة في وقائع الحرب الإ�سرائيلية الثالثة على غزة (‪ 8‬تموز‪ /‬يوليو ‪� 26 – 2014‬آب‪� /‬أغ�سط�س ‪)2014‬‬ ‫�أة‪ .‬عبير محمد ا�سماعيل‬

‫وفي القطاع‪ ،‬كان لجنوح حما�س نحو التف ّرد والهيمنة‪� ،‬أن توتّرت الأجواء‬ ‫الداخلية‪ ،‬ودخلت القوة التنفيذية (قوة �شرطية �أ�س�سها وزير الداخلي ال�سابق‬ ‫�سعيد �صيام) ومعها كتائب الق�سام في �صدامات متتالية مع �أجهزة الأمن‬ ‫الر�سمية التي تدين بالوالء للرئي�س عبا�س‪ ،‬ولم تنته �إال بعد قبول طرفي االقتتال‬ ‫مبادرة الملك ال�سعودي (الراحل) عبد اهلل بن عبد العزيز‪ ،‬وعقد اتفاق مكة‬ ‫ن�ص على ت�شكيل حكومة وحدة وطنية تدير الأو�ضاع في �أرا�ضي ال�سلطة‪،‬‬ ‫الذي ّ‬ ‫وترك ملفات المفاو�ضات والعالقات الدولية لمنظمة التحرير ورئي�س لجنتها‬ ‫التنفيذية‪ ،‬وتعهدت ال�سعودية من جهتها بال�سعي �إلى رفع الح�صار الدولي‪،‬‬ ‫وت�ش ّكلت على �أ�سا�س االتفاق حكومة وحدة وطنية �ض ّمت الف�صائل كافة‪ ،‬با�ستثناء‬ ‫الجبهة ال�شعبية‪.‬‬ ‫ما لبثت الأو�ضاع الداخلية �أن ت�أزمت بعد ف�شل ال�سعودية في �إقناع �أطراف‬ ‫الرباعية‪ ،‬وبالأخ�ص الواليات المتحدة برفع الح�صار‪ ،‬وانهارت التهدئة ّ‬ ‫اله�شة‬ ‫بين الطرفين المتنازعين وتج ّددت جوالت القتال الداخلي الدموية التي انتهت‬ ‫الأخيرة منها في ‪ 14‬يونيو ‪ ،2007‬ب�سيطرة حما�س على قطاع غزة وتفكيك‬ ‫الأجهزة الأمنية الر�سمية فيه‪ .‬وبالتزامن قامت �أجهزة �أمن ال�سلطة في ال�ضفة‬ ‫الغربية بحملة قمع واعتقاالت وا�سعة لكوادر حما�س وقادتها‪ ،‬و�أغلقت كافة‬ ‫م�ؤ�س�سات الحركة المدنية‪.‬‬ ‫بعدها �أقال محمود عبا�س رئي�س الحكومة �إ�سماعيل هنية‪ ،‬وع ّين �سالم‬ ‫فيا�ض على ر�أ�س حكومة ت�صريف �أعمال‪ .‬واعترفت حما�س بقرار الإقالة‪،‬‬ ‫واعتبرت حكومة هنية (حكومة ُمقالة) تقوم بت�صريف الأعمال‪ ،‬ولم تعترف‬ ‫ب�شرعية قرار تعيين فيا�ض‪ ،‬وبالتالي‪ ،‬ومنذ ذلك التاريخ‪� ،‬أ�صبح للفل�سطينيين في‬ ‫الأرا�ضي الفل�سطينية (المحتلة) حكومتان‪ ،‬واحدة في ال�ضفة الغربية‪ ،‬والأخرى‬ ‫في قطاع غزة(((‪.‬‬ ‫((( �شاهين‪ ،‬ح�سن‪« :‬جدلية الأيويولوجي‪/‬الوطني و�أثرها في خيارات حركة حما�س ال�سيا�سية‪،‬‬ ‫�إ�شكالية حكم حما�س لقطاع غزة»‪ ،‬المجلة العربية للعلوم ال�سيا�سية‪ ،‬مجلة دورية محكمة‪ ،‬ت�صدر‬ ‫عن الجمعية العربية للعلوم ال�سيا�سية بالتعاون مع مركز درا�سات الوحدة العربية‪ ،‬العددان ‪،42-41‬‬ ‫�شتاء‪-‬ربيع ‪ ،2014‬بيروت‪� ،‬ص‪.105-104 .‬‬

‫‪- 123 -‬‬

‫�صيف ‪2015‬‬


‫درا�سات ومقاالت‬

‫اعتداءات االحتالل على القطاع‬ ‫هجوما وا�س ًعا على القطاع‪،‬‬ ‫في ‪ 28‬يونيو ‪� 2006‬شنَّ الجي�ش الإ�سرائيلي‬ ‫ً‬ ‫وج ّرف الأرا�ضي الزراعية وقتل واعتقل الع�شرات‪.‬‬ ‫في ‪� 19‬سبتمبر ‪� ،2007‬أعلنت «�إ�سرائيل» �أن قطاع غزة «كيا ًنا معاد ًيا»‪،‬‬ ‫وفر�ضت عليه عقوبات اقت�صادية‪.‬‬ ‫في ‪ 17‬يناير ‪ 2008‬فر�ضت «�إ�سرائيل» ح�صا ًرا على القطاع‪ ،‬ووا�صلت‬ ‫عدوانها الجوي واجتياحاتها البرية‪.‬‬ ‫في ‪ 27‬دي�سمبر ‪� ،2008‬ش َّنت «�إ�سرائيل» غارات جوية مكثفة على مقار حركة‬ ‫حما�س في القطاع‪ ،‬وقتلت �أكثر من (‪ )40‬رجل �شرطة‪ .‬وتوالت االغتياالت لقادة‬ ‫من حما�س‪ ،‬ثم الهجوم البري في ‪ 3‬يناير ‪ ،2009‬الذي انتهى في ‪ 8‬يناير ‪،2009‬‬ ‫بعد �إ�صدار مجل�س الأمن للقرار رقم (‪ ،)1860‬الذي يدعو وال يلزم �إ�سرائيل‬ ‫بوقف فوري لإطالق النار في القطاع‪ ...‬ورف�ضت «�إ�سرائيل» االلتزام به‪ ،‬وحما�س‬ ‫كذلك(((‪.‬‬ ‫وهنالك �أ�سباب �أخرى �أدت �إلى تفاقم الأو�ضاع في ال�ضفة‪ ،‬والقد�س‪،‬‬ ‫والأرا�ضي المحتلة عام ‪ ،1948‬مما �ش ّكل عام ًال من العوامل التي �أدت �إلى �شنّ‬ ‫العدوان‪ ،‬ومنها و�صول المفاو�ضات الفل�سطينية ‪ -‬الإ�سرائيلية �إلى طريق م�سدود‬ ‫عاما على اتفاق �أو�سلو‪.‬‬ ‫بعد مرور �أكثر من ع�شرين ً‬ ‫المفاو�ضات الفل�سطينية‪ -‬الإ�سرائيلية بعد ع�شرين عا ًما على «اتفاق �أو�سلو»‬ ‫�أ ّكد �أحمد قريع –ع�ضو اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفل�سطينية‪،‬‬ ‫رئي�س طاقم المفاو�ضات النهائية ال�سابق مع �إ�سرائيل‪� ،‬أحد مهند�سي اتفاق‬ ‫«�أو�سلو» واالتفاقات الالحقة به‪ -‬في حوار مع جريدة «العرب اليوم»‪� ،‬أن الحرب‬ ‫على غزة ت�أتي في �إطار تنفيذ �إ�سرائيل مخططات ا�ستراتيجية لإنهاء الق�ضية‬ ‫((( موقع «الأيام» الإلكتروني‪2009/1/10 ،‬؛ موقع «الجزيرة نت»‪.2008/12/28 ،‬‬ ‫املنتـ ــدى ‪262‬‬

‫‪- 124 -‬‬


‫قراءة في وقائع الحرب الإ�سرائيلية الثالثة على غزة (‪ 8‬تموز‪ /‬يوليو ‪� 26 – 2014‬آب‪� /‬أغ�سط�س ‪)2014‬‬ ‫�أة‪ .‬عبير محمد ا�سماعيل‬

‫الفل�سطينية‪ ،‬من خالل ف�صل القطاع وتفتيت ال�ضفة �إلى كانتونات ومعازل‪ ،‬و�ضم‬ ‫القد�س الكبرى التي تتعر�ض لحرب �صامتة الآن‪ ،‬و�أ�شار �إلى �أن خيار المفاو�ضات‬ ‫الذي انتهجه الجانب الفل�سطيني كخيار ا�ستراتيجي مع «�إ�سرائيل» ف�شل‪ ،‬وو�صل‬ ‫�إلى طريق م�سدود‪ ،‬و�أن خيار ال�صمود والمقاومة �صمد وتج ّلى ذلك ال�صمود في‬ ‫مواجهة العدوان الإ�سرائيلي على قطاع غزة‪.‬‬ ‫وي�ضيف‪�« :‬أنا �أقول �إن المفاو�ضات بعد ع�شرين �سنة من اتفاق �أو�سلو ثبت‬ ‫�أنها لي�ست هي الآلية ال�صالحة‪ ،‬بل هي م�ضيعة للوقت لغاية الآن»‪ .‬وعليه‪ ،‬ف�إن‬ ‫المفاو�ضات بين الفل�سطينيين والإ�سرائيليين و�صلت �إلى طريق م�سدود‪� ،‬إ�ضافة‬ ‫�إلى رف�ض الحكومة الإ�سرائيلية �إطالق الدفعة الأخيرة من الأ�سرى الفل�سطينيين‬ ‫وااللتزام بجدول المفاو�ضات المتفق عليه في وقت �سابق بين الجانبين‪ ،‬ومحاوالت‬ ‫االحتالل تطبيق تق�سيم زماني ومكاني للم�سجد الأق�صى بين الم�سلمين واليهود‪،‬‬ ‫وهو ما ت�ؤكده الزيارات التي باتت يومية‪ ،‬والتي ينفذها �أع�ضاء في الكني�ست‬ ‫والحكومة الإ�سرائيلية‪ ،‬تحت حرا�سة �شرطة وقوات االحتالل‪ .‬ومحاوالت االحتالل‬ ‫تهويد مدينة القد�س‪ ،‬وتفريغها من �أهلها العرب(((‪.‬‬ ‫طلب ال�سلطة الوطنية الفل�سطينية االن�ضمام �إلى الم�ؤ�س�سات الدولية‬ ‫و َّقع الرئي�س الفل�سطيني محمود عبا�س (‪ )15‬طل ًبا لالن�ضمام �إلى‬ ‫الم�ؤ�س�سات الدولية‪ ،‬وذلك ردًا على رف�ض الحكومة الإ�سرائيلية �إطالق الدفعة‬ ‫الأخيرة من الأ�سرى الفل�سطينيين وااللتزام بجدول المفاو�ضات المتفق عليه بين‬ ‫الجانبين(((‪.‬‬ ‫رف�ض �إ�سرائيل ا�ستئناف المفاو�ضات مع الفل�سطينيين‬ ‫رف�ضت �إ�سرائيل مطالب الرئي�س الفل�سطيني محمود عبا�س ال�ستئناف‬ ‫مفاو�ضات ال�سالم‪ ،‬قبل �أ�سبوع من انتهاء فترة الت�سعة �أ�شهر المح َّددة للتو�صل �إلى‬ ‫((( جريدة «الغد» الأردنية‪ ،2014/8/25 ،‬مروان ب�شارة‪ ،‬موقع «الجزيرة» الإنجليزي‪.2014/7/20 ،‬‬ ‫((( يوميات عربية‪ :‬الم�ستقبل العربي‪ ،‬ال�سنة ‪ ،37‬العدد ‪ ،424‬حزيران‪/‬يونيو ‪ ،2014‬مركز درا�سات‬ ‫الوحدة العربية‪ ،‬بيروت‪� ،‬ص‪ ،189 .‬منقول عن جريدة «الحياة»‪ ،‬بيروت‪.2014/4/2 ،‬‬

‫‪- 125 -‬‬

‫�صيف ‪2015‬‬


‫درا�سات ومقاالت‬

‫اتفاق‪ .‬في الوقت الذي �أكد فيه الرئي�س الفل�سطيني ا�ستعداده لتمديد المفاو�ضات‬ ‫ً‬ ‫تجمد حكومة بنيامين نتنياهو‪ ،‬ب�شكل كامل‪،‬‬ ‫حتى ثالثة �أ�شهر �أخرى‪،‬‬ ‫م�شترطا �أن ِّ‬ ‫اال�ستيطان‪ ،‬و�أن تقبل بمناق�شة حدود الدولة الفل�سطينية الم�ستقبلية‪ ،‬وطالب‬ ‫ب�إطالق �سراح الدفعة الرابعة والأخيرة من الأ�سرى الفل�سطينيين المتفق عليها‬ ‫في �إطار اتفاق ا�ستئناف مفاو�ضات ال�سالم‪.‬‬ ‫في الوقت الذي ر ّدت عليه «�إ�سرائيل» ب�أنه لن يكون هناك تجميد (للبناء)‬ ‫في القد�س‪� ،‬أما الحدود فال تقبل �أبدً ا تداول هذه الم�س�ألة ب�شكل منف�صل عن‬ ‫الق�ضايا الأخرى‪ ،‬وفي ما يتع َّلق بق�ضية الأ�سرى ف�إن �إ�سرائيل تنوي ترحيل بع�ضهم‬ ‫�إلى قطاع غزة �أو الخارج(((‪.‬‬ ‫في هذا الوقت دعا المبعوث الأمريكي لعملية ال�سالم مارتن �إنديك‬ ‫المفاو�ضين الفل�سطينيين والإ�سرائيليين �إلى الو�صول �إلى اتفاق لتمديد محادثات‬ ‫ال�سالم بينهما �إلى ما بعد ‪� 29‬أبريل ‪ 2014‬موعد انتهاء مهلة ال�شهور الت�سعة‬ ‫المخ�ص�صة للمفاو�ضات(((‪.‬‬ ‫الم�صالحة الفل�سطينية‬ ‫ب�سبب توقف المفاو�ضات بين ال�سلطة الفل�سطينية و�إ�سرائيل وعدم‬ ‫�إحرازهما �أي تقدم في �أي بند من هذه البنود‪ ،‬تم �إحياء مو�ضوع الم�صالحة‬ ‫الفل�سطينية بين فتح وحما�س‪ .‬و�أنهت الحركتان �سبعة �أعوام من الخالفات‬ ‫باالتفاق في قطاع غزة على ت�شكيل حكومة كفاءات وطنية‪ ،‬خالل خم�سة �أ�سابيع‬ ‫تكون مهمتها التح�ضير لإجراء انتخابات عامة رئا�سية وت�شريعية خالل �ستة‬ ‫�أ�شهر على الأقل‪ ،‬وتعالج كل الق�ضايا الخالفية الأخرى المتعلقة بملفات الحريات‬ ‫العامة والأمن والتوظيف واالعتقال ال�سيا�سي والإعالم(((‪.‬‬ ‫((( جريدة «الر�أي» الأردنية‪.2014/4/23 ،‬‬ ‫((( يوميات عربية‪ :‬الم�ستقبل العربي‪ ،‬ال�سنة ‪ ،37‬العدد ‪ ،424‬حزيران‪/‬يونيو ‪ ،2014‬مركز درا�سات‬ ‫الوحدة العربية‪ ،‬بيروت‪� ،‬ص‪ ،189 .‬منقول عن جريدة «ال�شرق الأو�سط»‪ ،‬لندن‪.2014/4/19 ،‬‬ ‫((( يوميات عربية‪ :‬الم�ستقبل العربي‪ ،‬ال�سنة ‪ ،37‬العدد ‪ ،424‬حزيران‪/‬يونيو ‪ ،2014‬مركز درا�سات‬ ‫الوحدة العربية‪ ،‬بيروت‪� ،‬ص‪ ،189 .‬منقول عن جريدة «ال�شرق الأو�سط»‪ ،‬لندن‪.2014/4/24 ،‬‬ ‫املنتـ ــدى ‪262‬‬

‫‪- 126 -‬‬


‫قراءة في وقائع الحرب الإ�سرائيلية الثالثة على غزة (‪ 8‬تموز‪ /‬يوليو ‪� 26 – 2014‬آب‪� /‬أغ�سط�س ‪)2014‬‬ ‫�أة‪ .‬عبير محمد ا�سماعيل‬

‫�أدت حكومة التوافق‪/‬الوفاق الوطني الفل�سطينية برئا�سة رامي الحمد اهلل‬ ‫اليمين الد�ستورية �أمام الرئي�س الفل�سطيني محمود عبا�س‪ ،‬وذلك بعد �سبع �سنوات‬ ‫من االنق�سام الفل�سطيني بين ال�سلطة الفل�سطينية وحركة حما�س على ت�شكيل‬ ‫حكومة وحدة وطنية(((‪ ،‬ولم ت�ضم الحكومة �أي وزير من حما�س‪ .‬وقال الرئي�س‬ ‫محمود عبا�س �إن الحكومة التوافقية المزمع ت�شكيلها‪ ،‬وفق اتفاق الم�صالحة مع‬ ‫حركة حما�س‪� ،‬ستعترف ب�إ�سرائيل وباالتفاقات الدولية و�ستنبذ العنف(‪.((1‬‬ ‫وجه �صائب عريقات‪ ،‬كبير المفاو�ضين الفل�سطينيين‪� ،‬إلى‬ ‫في هذا الوقت‪ّ ،‬‬ ‫الجانب الإ�سرائيلي دعوة لالختيار بين ت�سوية على �أ�سا�س قيام دولتين �أو القبول‬ ‫بدولة واحدة بحقوق متكافئة للجميع(‪.((1‬‬ ‫الموقف الإ�سرائيلي والأمريكي من الم�صالحة‬ ‫بعد �إعالن حركتي فتح وحما�س الم�صالحة‪� ،‬ص ّبت �إ�سرائيل جام غ�ضبها‬ ‫على اتفاق الم�صالحة الداخلي بين الحركتين‪ ،‬وق َّررت وقف المفاو�ضات مع‬ ‫الفل�سطينيين‪ ،‬وفر�ض عقوبات اقت�صادية على ال�سلطة الفل�سطينية‪ ،‬لكن دون �أن‬ ‫ي�ؤدي ذلك �إلى انهيارها‪ .‬وذكرت �صحيفة «يديعوت �أحرونوت» العبرية �أنه تقرر‬ ‫� ً‬ ‫أي�ضا �إطالق حملة دولية �ضد الرئي�س الفل�سطيني محمود عبا�س ب�صفته لي�س‬ ‫�شري ًكا لل�سالم(‪.((1‬‬ ‫((( يوميات عربية‪ :‬الم�ستقبل العربي‪ ،‬ال�سنة ‪ ،37‬العدد ‪� ،426‬آب‪�/‬أغ�سط�س ‪ ،2014‬مركز درا�سات‬ ‫الوحدة العربية‪ ،‬بيروت‪� ،‬ص‪192-191 .‬‬ ‫(‪ ((1‬جريدة «ال�شرق الأو�سط»‪ ،‬لندن‪.2014/4/27 ،‬‬ ‫(‪ ((1‬يوميات عربية‪ :‬الم�ستقبل العربي‪ ،‬ال�سنة ‪ ،37‬العدد ‪ ،425‬تموز‪/‬يوليو ‪ ،2014‬مركز درا�سات‬ ‫الوحدة العربية‪ ،‬بيروت‪� ،‬ص‪ ،188 .‬منقول عن جريدة «الحياة»‪ ،‬بيروت‪.2014/5/9 ،‬‬ ‫(‪ ((1‬يوميات عربية‪ :‬الم�ستقبل العربي‪ ،‬ال�سنة ‪ ،37‬العدد ‪ ،424‬حزيران‪/‬يونيو ‪ ،2014‬مركز درا�سات‬ ‫الوحدة العربية‪ ،‬بيروت‪� ،‬ص‪ ،190-189 .‬منقول عن جريدة «ال�شرق الأو�سط»‪ ،‬لندن‪.2014/4/25 ،‬‬

‫‪- 127 -‬‬

‫�صيف ‪2015‬‬


‫درا�سات ومقاالت‬

‫ور�أى الرئي�س الأمريكي باراك �أوباما �أن محادثات ال�سالم بين �إ�سرائيل‬ ‫والفل�سطينيين قد تحتاج �إلى وقفة في الوقت الحالي‪ ،‬واعتبر �أن الم�صالحة‬ ‫الفل�سطينية غير مفيدة‪ ،‬و�أنها �أ�ضرت بفر�ص التو�صل �إلى اتفاق �سالم(‪.((1‬‬ ‫على جانب �آخر ال يقل �أهمية عن وقف المفاو�ضات‪� ،‬أبلغ وزير الخارجية‬ ‫الأمريكي جون كيري مجموعة من كبار الم�س�ؤولين الدوليين �أن �إ�سرائيل قد‬ ‫ت�صبح «دولة ف�صل عن�صري» في حال لم تتو�صل �إلى ال�سالم مع الفل�سطينيين‬ ‫قري ًبا‪ ،‬و�أن «حل الدولتين» يجب الت�أكيد ب�أنه البديل الوحيد الواقعي‪ ،‬لأن دولة‬ ‫�أحادية �سينتهي بها الأمر �أن ت�صبح �إما دولة ف�صل عن�صري مع مواطنين من‬ ‫الدرجة الثانية �أو دولة تدمر قدرة �إ�سرائيل على �أن تكون دولة يهودية»(‪.((1‬‬ ‫وفي «�إ�سرائيل»‪� ،‬شرع رئي�س الوزراء الإ�سرائيلي بنيامين نتنياهو في حملة‬ ‫عالقات عامة لك�سب و ّد قادة الم�ستوطنين‪ ،‬معل ًنا �أنه «يحارب من �أجلهم»‪ ،‬في‬ ‫�إ�شارة �إلى رف�ضه ال�ضغوط الدولية الهادفة �إلى تجميد اال�ستيطان في الأرا�ضي‬ ‫الفل�سطينية المحتلة(‪.((1‬‬ ‫الأ�سباب التي بررت بها �إ�سرائيل عدوانها على القطاع‬ ‫في ‪� 2014/6/12‬أعلن الجي�ش الإ�سرائيلي عن اختفاء ثالثة فتية‬ ‫�إ�سرائيليين كانوا قرب م�ستوطنات «غو�ش عت�صيون» في ال�ضفة الغربية‪ .‬ورجحت‬ ‫و�سائل الإعالم الإ�سرائيلية �أن يكون فل�سطينيون خطفوا ه�ؤالء الفتية‪ .‬وح ّمل‬ ‫رئي�س الوزراء الإ�سرائيلي بنيامين نتنياهو‪ ،‬ال�سلطة الفل�سطينية م�س�ؤولية �أمن‬ ‫المفقودين الثالثة(‪.((1‬‬ ‫(‪ ((1‬يوميات عربية‪ :‬الم�ستقبل العربي‪ ،‬ال�سنة ‪ ،37‬العدد ‪ ،424‬حزيران‪/‬يونيو ‪ ،2014‬مركز درا�سات‬ ‫الوحدة العربية‪ ،‬بيروت‪� ،‬ص‪ ،190 .‬منقول عن جريدة «الحياة»‪ ،‬بيروت‪.2014/4/26 ،‬‬ ‫(‪ ((1‬يوميات عربية‪ :‬الم�ستقبل العربي‪ ،‬ال�سنة ‪ ،37‬العدد ‪ ،424‬حزيران‪/‬يونيو ‪ ،2014‬مركز درا�سات‬ ‫الوحدة العربية‪ ،‬بيروت‪� ،‬ص‪ 191-190 .‬منقول عن جريدة «ال�شرق الأو�سط»‪ ،‬لندن‪.2014/4/29 ،‬‬ ‫(‪ ((1‬يوميات عربية‪ :‬الم�ستقبل العربي‪ ،‬ال�سنة ‪ ،37‬العدد ‪� ،426‬آب‪�/‬أغ�سط�س ‪ ،2014‬مركز درا�سات‬ ‫الوحدة العربية‪ ،‬بيروت‪� ،‬ص‪ ،188 .‬منقول عن جريدة «ال�سفير» اللبنانية‪ ،‬بيروت‪.2014/5/30 ،‬‬ ‫(‪ ((1‬جريدة «النهار» اللبنانية‪2014./6/14 ،‬‬ ‫املنتـ ــدى ‪262‬‬

‫‪- 128 -‬‬


‫قراءة في وقائع الحرب الإ�سرائيلية الثالثة على غزة (‪ 8‬تموز‪ /‬يوليو ‪� 26 – 2014‬آب‪� /‬أغ�سط�س ‪)2014‬‬ ‫�أة‪ .‬عبير محمد ا�سماعيل‬

‫وتفاعلت م�س�ألة فقدان الم�ستوطنين الثالثة‪ ،‬بحيث‪:‬‬ ‫لمحت الأجهزة الأمنية الإ�سرائيلية �إلى م�س�ؤولية حركة المقاومة الإ�سالمية‬ ‫«حما�س» عن الأمر‪ ،‬وذلك ا�ستنادًا �إلى رواية �إ�سرائيلية عن اختفاء فل�سطينيين‬ ‫من مدينة الخليل ينتميان �إلى حما�س‪.‬‬ ‫اعتقلت ال�سلطات الإ�سرائيلية رئي�س المجل�س الت�شريعي الفل�سطيني عزيز‬ ‫الدويك‪ ،‬ووزراء �سابقين و�أ�ساتذة جامعيين‪ ،‬وقياديين محليين من حركة حما�س‬ ‫في رام اهلل والخليل ونابل�س‪.‬‬ ‫دفعت بمزيد من القوات �إلى ال�ضفة الغربية في ت�صعيد لحملة اعتقاالت‬ ‫كانت م�ستمرة منذ ع�شرة �أيام في ال�ضفة الغربية‪ ،‬حيث اعتقلت �أكثر من (‪)330‬‬ ‫فل�سطين ًيا‪ ،‬و�سط دعوات �إ�سرائيلية بتفكيك االتفاق بين ال�سلطة الفل�سطينية‬ ‫وحركة حما�س(‪.((1‬‬ ‫في ‪ 2‬يوليو ‪ 2014‬اختطف مت�شددون �صهاينة الطفل محمد �أبو خ�ضير‬ ‫عاما من مخيم �شعفاط قرب القد�س‪ ،‬وعذبوه و�أحرقوه ح ًيا‪ ،‬وات�ضح بعد‬ ‫(‪ً )16‬‬ ‫ذلك �أن الفاعلين هم حاخام و�أبنا�ؤه‪ .‬وبد�أت بعدها االحتجاجات في المناطق‬ ‫العربية‪.‬‬ ‫بداية العدوان‬ ‫لكل الأ�سباب التي وردت �أعاله‪ ،‬قام االحتالل با�ستهداف �سيارة بها نا�شطون‬ ‫من حما�س ب�صاروخ في غزة‪ ،‬مخترقة بذلك الهدنة التي وافقوا عليها عام ‪.2012‬‬ ‫ثم بد�أت �إ�سرائيل عدوانها على قطاع غزة في ‪ 2014/7/8‬بعملية �أطلقت عليها‬ ‫ا�سم «الجرف ال�صامد»‪ ،‬م�ستدعية (‪� )40‬ألف جندي من االحتياط‪� ،‬إ�ضافة �إلى‬ ‫الجنود الموجودين �أ�ص ًال على حدود القطاع‪ .‬ومن �أهم الأهداف المعلنة للحرب‬ ‫(‪ ((1‬يوميات عربية‪ :‬الم�ستقبل العربي‪ ،‬ال�سنة ‪ ،37‬العدد ‪� ،426‬آب‪�/‬أغ�سط�س ‪ ،2014‬مركز درا�سات‬ ‫الوحدة العربية‪ ،‬بيروت‪� ،‬ص‪ ،192 .‬منقول عن جريدة «النهار» ‪ 2014/6/16‬و ‪،2014/6/17‬‬ ‫وجريدة «ال�شرق الأو�سط»‪ ،‬لندن‪.2014/6/22 ،‬‬

‫‪- 129 -‬‬

‫�صيف ‪2015‬‬


‫درا�سات ومقاالت‬

‫هي تحقيق قوة الردع‪ ،‬وحفظ الأمن لمناطق الجنوب‪ ،‬والق�ضاء على حما�س‪ .‬لكن‬ ‫الأهداف ال�سيا�سية كانت ممثلة في �ضرب حركة حما�س في ال�ضفة‪ ،‬وتهمي�ش‬ ‫حكومة الوفاق الفل�سطيني‪ ،‬والتخل�ص من التزاماتها ال�سيا�سية الدولية تجاه‬ ‫ال�سلطة الفل�سطينية‪ ،‬و�إخفاء التعنت في المفاو�ضات‪ ،‬وتكثيف اال�ستيطان خلف‬ ‫�ضباب الحرب على الإرهاب»‪ .‬وهنالك �أ�سباب �أخرى يمكن �إجمالها في تع ّرف‬ ‫خ�صو�صا خالل‬ ‫مدى التطور الذي طر�أ على قدرات حما�س و�إمكاناتها الع�سكرية‪،‬‬ ‫ً‬ ‫الفترة التي �أعقبت عدوان ‪ ،2012‬وا�ستك�شاف �أنواع الأ�سلحة التي تمكنت حما�س‬ ‫خ�صو�صا في ظل الحديث الإ�سرائيلي المتكرر‬ ‫والمقاومة من الح�صول عليها‪،‬‬ ‫ً‬ ‫عن م�صادرة �أ�سلحة للمقاومة في عر�ض البحر‪ ،‬وتع ّرف مدى ت�أثير هدم الأنفاق‬ ‫على الحدود الجنوبية لقطاع غزة‪ ،‬ودرا�سة ت�أثير الحرب على ال�شارع العربي‬ ‫وخ�صو�صا �أن حرب ‪ 2012‬تزامنت مع الفترة الذهبية للربيع العربي(‪.((1‬‬ ‫ً‬ ‫وعلى الجانب الآخر‪ ،‬ردت المقاومة الفل�سطينية ممثلة بحما�س والف�صائل‬ ‫الأخرى‪ ،‬ب�إطالق �صواريخ على الم�ستوطنات المحيطة بقطاع غزة‪ ،‬حتى و�صلت‬ ‫�إلى مدن �أبعد‪ ،‬ك�سديروت وع�سقالن وحتى تل �أبيب وحيفا‪ ،‬وم�ستوطنات النقب‬ ‫الغربي‪ ،‬وحتى القد�س‪ ،‬وغيرها من المدن‪ ،‬مما �ش ّكل نقطة تحول في الحرب‬ ‫الدائرة(‪ ((1‬بين الطرفين‪.‬‬ ‫كان لو�صول ال�صواريخ �إلى المدن والبلدات في �إ�سرائيل �أن بد�أ االحتالل‬ ‫يوما من‬ ‫يطلب عقد هدنة‪ ،‬وفع ًال تم عقد �أكثر من هدنة خالل الواحد والخم�سين ً‬ ‫عمر العدوان‪ ،‬كان �أولها يوم ‪ .201/7/15‬وفي كل مرة كان االحتالل يخترقها‪،‬‬ ‫(‪ ((1‬العدوان الإ�سرائيلي الجديد على غزة‪ ،‬وحدة تحليل ال�سيا�سات في المركز العربي للأبحاث‬ ‫ودرا�سة ال�سيا�سات‪2014/7/10 ،‬؛ مركز بيت المقد�س للدرا�سات التوثيقية‪.2014/7/18 ،‬‬ ‫�صحيحا‪ ،‬حيث �إن الحرب يجب‬ ‫م�صطلحا‬ ‫(‪� ((1‬إن �إطالق م�صطلح حرب على هذا العدوان‪ ،‬ال يعتبر‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫�أن تكون بين طرفين متكافئين في العدد والعتاد‪ ،‬بينما الحال في هذا العدوان‪ ،‬هو عدوان من جي�ش‬ ‫ُيعد من �أقوى الجيو�ش في العالم – الرابع عالم ًيا‪ -‬على قطاع �صغير‪ ،‬محا�صر منذ �أكثر من �سبع‬ ‫�سنوات‪ ،‬وال يمتلك من الأ�سلحة �إال ال�شيء الي�سير ال ُم�ص َّنع محل ًيا‪ ،‬مقارنة بالطائرات والدبابات‬ ‫وال�صواريخ والفرقاطات البحرية التي تمتلكها �إ�سرائيل‪ ،‬و�أعداد كبيرة من الجي�ش‪� ،‬إ�ضافة �إلى‬ ‫مرتزقة من بلدان �أخرى ان�ضموا �إليهم لمحاربة الفل�سطينيين‪.‬‬ ‫املنتـ ــدى ‪262‬‬

‫‪- 130 -‬‬


‫قراءة في وقائع الحرب الإ�سرائيلية الثالثة على غزة (‪ 8‬تموز‪ /‬يوليو ‪� 26 – 2014‬آب‪� /‬أغ�سط�س ‪)2014‬‬ ‫�أة‪ .‬عبير محمد ا�سماعيل‬

‫�إلى �أن تم التوقيع على هدنة مدتها �شهر اعتبا ًرا من م�ساء ‪ ،2014/8/26‬ليتم‬ ‫خاللها التفاهم على بقية �شروط وقف العدوان‪ ،‬وتحقيق مطالب المقاومة التي‬ ‫طالبت بها والمتمثلة في ‪:‬‬ ‫ وقف العدوان الإ�سرائيلي على القطاع ب ًرا وبح ًرا وج ًوا فو ًرا‪ ،‬وعلى ال�ضفة‬‫الغربية والقد�س كذلك‪.‬‬ ‫ فتح المعابر لحرية تنقل الم�سافرين‪ ،‬ونقل الب�ضائع‪.‬‬‫ �إعادة فتح المطار الذي د ّمره االحتالل �أكثر من مرة‪.‬‬‫ فتح الميناء لحرية الحركة‪.‬‬‫ ال�سماح للمزارعين بزراعة �أرا�ضيهم حتى ال�سياج الحدودي‪.‬‬‫ ال�سماح لل�صيادين بحرية ال�صيد في البحر لم�سافة (‪� )6‬أميال بحرية‪،‬‬‫وزيادتها الح ًقا حتى ت�صل �إلى (‪ )12‬مي ًال بحر ًيا‪.‬‬ ‫ ال�سماح لأهل القطاع بزيارة القد�س وال�صالة في الم�سجد الأق�صى‪.‬‬‫ �ضرورة و�ضع جداول زمنية لتنفيذ بنود هذه المطالب‪.‬‬‫ الإفراج عن كل �سجناء �صفقة �شاليط (وفاء الأحرار) الذين �أعيد اعتقالهم‪.‬‬‫ التزام �إ�سرائيل بهدنة مدتها ع�شر �سنوات‪ ،‬و�إغالق المجال الجوي لغزة‬‫�أمام حركة طائرات �إ�سرائيل‪.‬‬ ‫لكن من يراقب العدوان عن كثب‪ ،‬يرى �أن «�إ�سرائيل» كانت ترمي �إلى تحقيق‬ ‫�أهداف �أخرى من هذا العدوان‪� ،‬إ�ضافة �إلى ما �أعلنت عنه‪ ،‬ومن هذه الأهداف‪:‬‬ ‫ا�ستهداف الطائرات والبوارج الحربية والمدفعية لالجئين الفل�سطينيين‬ ‫في القطاع‪.‬‬ ‫ً‬ ‫ملحوظا‪،‬‬ ‫كان ا�ستهداف طيران االحتالل ومدفعيته لالجئين في القطاع‬ ‫حيث �إن الن�سبة الأكبر من �سكان القطاع هم من الالجئين الفل�سطينيين عام‬ ‫‪ ،1948‬وبعد العملية البرية التي بد�أت في ‪ 2014/7/17‬قامت خاللها ب�أعمال‬ ‫�إبادة جماعية في الأحياء ال�شرقية من قطاع غزة‪ ،‬كمجزرة ال�شجاعية التي‬ ‫‪- 131 -‬‬

‫�صيف ‪2015‬‬


‫درا�سات ومقاالت‬

‫قتل فيها (‪ )60‬فل�سطين ًيا و�أ�صيب (‪� )200‬آخرين‪ ،‬ومجزرة خزاعة‪ .‬وخالل‬ ‫هذا العدوان تم �شطب عدد غير قليل من العائالت من ال�سجالت المدنية‪ ،‬وهو‬ ‫دليل وا�ضح على ا�ستهدافها لفئة تطالب بحق العودة‪ ،‬والذي كان واحدً ا من �أهم‬ ‫الأ�سباب التي �أدت �إلى توقف المفاو�ضات بين ال�سلطة الفل�سطينية والإ�سرائيليين‪.‬‬ ‫الغاز في بحر غزة‬ ‫من المعلوم �أن الحروب القادمة في المنطقة �سيكون هدفها �إما الطاقة‬ ‫عال من الغاز الطبيعي‪ ،‬مما‬ ‫�أوم�صادر المياه‪ .‬وبحر غزة يحتوي على من�سوب ٍ‬ ‫يتيح لالحتالل الح�صول على الغاز منه‪ ،‬بد ًال من �شرائه من م�صر‪ ،‬و�إن كانت‬ ‫ت�شتريه بثمن بخ�س‪� ،‬أو غيرها من الدول المجاورة‪ ،‬خا�صة بعد الثورة الم�صرية‬ ‫التي تنبهت �إلى �أن �سعر بيعه ال يكاد ي�صل �إلى �سعر تكلفه ا�ستخراجه‪.‬‬ ‫و�ضعت �شركة «برت�ش غاز» العاملة في حقل الغاز الفل�سطيني في قطاع غزة‬ ‫(حقل مارين) �أمام وزارة الطاقة والثروة المعدنية الأردنية معلومات عن كميات‬ ‫الغاز المتوقعة في حقل الغاز الذي يقع في المياه الإقليمية الفل�سطينية «�شمالي‬ ‫غرب غزة»‪ ،‬وت�ضمنت هذه المعلومات �إمكانية تزويد ال�شركة للأردن بـ ‪ %50‬من‬ ‫عاما‪ ،‬ما مقداره (‪ )150‬مليون‬ ‫الكمية المتوقعة من اال�ستهالك على مدار (‪ً )15‬‬ ‫قدم مكعب من الغاز‪ .‬وذكرت �صحيفة «الغارديان» البريطانية �أن من �أهداف‬ ‫العدوان ال�سيطرة غير المبا�شرة على حقول الغاز والتحكم بها‪ ،‬حيث تحوي ما‬ ‫يزيد على تريليون و ‪ 400‬مليار قدم من الغاز(‪.((2‬‬ ‫موقف ال�سلطة الوطنية الفل�سطينية خالل العدوان‬ ‫م�سجلة‬ ‫في بداية العدوان‪ ،‬وفي كلمة �شارك فيها الرئي�س محمود عبا�س َّ‬ ‫في م�ؤتمر ل�صحيفة «ه�آرت�س» العبرية �أعلن عن ا�ستعداده ال�سئناف المفاو�ضات‬ ‫لت�سعة �أ�شهر جديدة بمجرد موافقة �إ�سرائيل على �إطالق �سراح دفعة رابعة من‬ ‫الأ�سرى‪ .‬القت هذه الكلمة ا�ستهجا ًنا كبي ًرا‪ ،‬فبد ًال من الحديث عن ا�ستمرار‬ ‫(‪ ((2‬جريدة «العرب اليوم» ‪2014/8/20‬؛ مركز بيت المقد�س للدرا�سات التوثيقية‪.2014/7/18 ،‬‬ ‫املنتـ ــدى ‪262‬‬

‫‪- 132 -‬‬


‫قراءة في وقائع الحرب الإ�سرائيلية الثالثة على غزة (‪ 8‬تموز‪ /‬يوليو ‪� 26 – 2014‬آب‪� /‬أغ�سط�س ‪)2014‬‬ ‫�أة‪ .‬عبير محمد ا�سماعيل‬

‫المفاو�ضات‪ ،‬كان الأجدر الذهاب �إلى المحكمة الجنائية الدولية لحماية ال�شعب‬ ‫الفل�سطيني‪ .‬وهذا ما جعل �إ�سرائيل تنتهز الفر�ص – بر�أي البع�ض ‪ -‬لال�ستمرار‬ ‫في عدوانها‪.‬‬ ‫�أما في اجتماع للرئي�س عبا�س في مقر الرئا�سة برام اهلل‪ ،‬فقد و�صف ما‬ ‫يح�صل بالحرب «بكل معنى الكلمة على ال�شعب الفل�سطيني»‪ ،‬و�أنها بد�أت بالخليل‬ ‫باالعتداءات على الم�ؤ�س�سات وعلى المواطنين وعلى ال�شجر والب�شر والحجر‪ ،‬ثم‬ ‫انتقلت �إلى القد�س‪ ،‬والآن انتقلت �إلى غزة وباقي الأر�ض الفل�سطينية»(‪.((2‬‬ ‫الموقف في ال�ضفة الغربية‬ ‫في بداية العدوان‪ ،‬لم يكن هناك تحرك ملمو�س‪ ،‬لكن مع ا�ستمرار العدوان‪،‬‬ ‫وارتفاع عدد ال�ضحايا‪ ،‬خرجت في العديد من المدن‪ ،‬على الرغم من الت�شديدات‬ ‫الأمنية على مواطني ال�ضفة الغربية‪� ،‬إال �أن عددًا من المدن والبلدات قد خرجت‬ ‫في مظاهرات – ليلية ‪ -‬تنديدً ا بالمجازر بحق �إخوانهم في غزة‪ ،‬ولكن لم يكن‬ ‫التفاعل على م�ستوى الحدث‪ ،‬وتعر�ض الكثير من المتظاهرين لالعتقال �أو حتى‬ ‫للقتل والإ�صابة‪.‬‬ ‫موقف فل�سطينيي الـ ‪48‬‬ ‫وا�ضحا �أكثر من موقف �أهل ال�ضفة‪ ،‬فقد‬ ‫كان موقف فل�سطينيي الـ ‪48‬‬ ‫ً‬ ‫ع ّبروا عن ا�ستيائهم واحتجاجهم لقتل الطفل محمد �أبو خ�ضير بالمظاهرات‪،‬‬ ‫والتي ا�ستمرت بعد �إعالن الحرب على غزة‪ ،‬ل�شعورهم بالت�ضامن مع �أهلهم‬ ‫و�أخوتهم في القطاع في عدة مدن وبلدات‪ ،‬مما ت�سبب في اعتقال (‪ )29‬متظاه ًرا‬ ‫في حيفا(‪ .((2‬و ُيق ّدر عدد المعتقلين بـ (‪ )636‬معتق ًال منذ تاريخ ‪ 2014/7/2‬من‬ ‫مخيم �شعفاط قرب القد�س‪ ،‬من قبل الم�ستوطنين(‪.((2‬‬ ‫(‪ ((2‬جريدة «القد�س العربي»‪.2014/7/9 ،‬‬ ‫(‪ ((2‬جريدة «الغد» ‪.2014/7/20‬‬ ‫(‪ ((2‬موقع «عرب ‪ »48‬الإلكتروني‪.2014/7/23 ،‬‬

‫‪- 133 -‬‬

‫�صيف ‪2015‬‬


‫درا�سات ومقاالت‬

‫في المقابل‪ ،‬نالحظ ازدياد موجة العن�صرية التي تفاقمت في المجتمع‬ ‫الإ�سرائيلي �ضد كل ما هو عربي‪ ،‬وقد �شارك فيها �سيا�سيون و�أكاديميون وحاخامات‬ ‫و�سط توجهات لدى الم�ست�شار الق�ضائي للحكومة بمالحقة المحر�ضين قانون ًيا‪،‬‬ ‫محذ ًرا من احتمال تحول الهجوم اللفظي لجرائم قتل(‪.((2‬‬

‫مواقف بع�ض الدول العربية خالل العدوان‬ ‫الأردن‬ ‫على الم�ستوى ال�شعبي‪ ،‬ومنذ بدايات العدوان‪ ،‬ظهر التفاعل في ال�شارع‬ ‫الأردني ب�شكل وا�ضح في المظاهرات والم�سيرات االحتجاجية‪� .‬أما على الم�ستوى‬ ‫اقتراحا بتوجه وفد برلماني من مجل�س النواب �إلى‬ ‫الر�سمي‪ ،‬فقد ق ّدم �أحد النواب‬ ‫ً‬ ‫قطاع غزة‪ ،‬لإظهار الت�ضامن مع �أهل القطاع‪ ،‬وهو الوفد الذي في حال ال�سماح‬ ‫له بالعبور من معبر رفح �سيكون الأول من نوعه على �صعيد البرلمان الأردني(‪.((2‬‬ ‫في بيان الإدانة الذي ن�شرته الحكومة الأردنية يوم ‪ ،2014/7/10‬و�صفت‬ ‫العدوان بـ «الجريمة النكراء»‪.‬‬ ‫في حوار جاللة الملك «عبد اهلل الثاني» مع جريدة «الغد» الأردنية‪� ،‬أكد‬ ‫جاللته «�أن �إ�سرائيل تتح َّمل بالدرجة الأولى م�س�ؤولية العدوان على قطاع غزة‪،‬‬ ‫ويتح َّمل العالم ب�أ�سره م�س�ؤولية �إنهاء االحتالل‪ ،‬وهو الأخير من نوعه في التاريخ‬ ‫المعا�صر‪ .‬و�ش ّدد على �أن ما حدث ويحدث في غزة هو �صرخة فل�سطينية للعالم‬ ‫�أجمع ب�أن �أوقفوا االحتالل والدمار والقتل بحق �شعب ين�شد الحرية والأمن والعي�ش‬ ‫بكرامة‪ .‬ودعا �إلى م�ساءلة �إ�سرائيل عما ترتكبه من جرائم بحق الفل�سطينيين في‬ ‫خ�صو�صا �أهلنا في غزة‪ ،‬هو �صاحب الحق‬ ‫غزة‪ ،‬م�ؤكدً ا �أن ال�شعب الفل�سطيني‪،‬‬ ‫ً‬ ‫الأول والأخير في مراجعة ما يجري والحكم عليه(‪.((2‬‬ ‫(‪ ((2‬جريدة «القد�س العربي»‪.2014/7/22 ،‬‬ ‫(‪ ((2‬جريدة «القد�س العربي»‪.2014/7/9 ،‬‬ ‫(‪ ((2‬جريدة «الغد» الأردنية‪.2014/8/12 ،‬‬ ‫املنتـ ــدى ‪262‬‬

‫‪- 134 -‬‬


‫قراءة في وقائع الحرب الإ�سرائيلية الثالثة على غزة (‪ 8‬تموز‪ /‬يوليو ‪� 26 – 2014‬آب‪� /‬أغ�سط�س ‪)2014‬‬ ‫�أة‪ .‬عبير محمد ا�سماعيل‬

‫وت�ساءل الأمير الح�سن بن طالل في بيان �أ�صدره �إلى متى �سي�ستمر العالم‬ ‫في تقبل �أن�صاف الحقائق و�سيا�سة الكيل بمكيالين والتزام الحياد تجاه �سفك‬ ‫دماء المدنيين الأبرياء؟ وقال‪« :‬لقد حملت �أر�ض فل�سطين ر�سالة ال�سالم �إلى‬ ‫مو�ضحا‪« :‬علينا �أن ندرك �أنه ال �سالم في غياب العدالة و�سيادة‬ ‫العالم �أجمع»‪،‬‬ ‫ً‬ ‫القانون»(‪.((2‬‬ ‫م�صر‬

‫�صارما على معبر رفح‪،‬‬ ‫منذ �سبع �سنوات وم�صر تفر�ض �إغال ًقا وح�صا ًرا‬ ‫ً‬ ‫المعبر الوحيد للقطاع الم�ؤدي �إلى دولة عربية‪ ،‬فال ت�سمح ل�سكان القطاع‬ ‫بال�سفر ونقل الب�ضائع‪ ،‬مما ا�ضطر �أهل القطاع �إلى حفر الأنفاق للح�صول على‬ ‫احتياجاتهم اليومية عبر هذه الأنفاق‪ ،‬ولم تكتف بالإغالق‪ ،‬بل قامت بتدمير عدد‬ ‫كبير منها خالل العام الما�ضي‪ ،‬وال زالت ت ّدمر ما تبقى‪.‬‬ ‫وخالل الحرب على غزة‪ ،‬ا�ستمر �إغالق معبر رفح‪ ،‬ولم ُي�سمح لأحد من‬ ‫�أهل القطاع بمغادرته �إال لمن يحمل جواز �سفر م�صري �أو �أجنبي‪ ،‬كما لم تفتحه‬ ‫ال�ستقبال الم�صابين من العدوان لمعالجتهم في م�ست�شفيات م�صر �أو في غيرها‬ ‫من الدول التي تبرعت بالعالج‪ .‬مع ذلك �أعلنت في بداية العدوان ا�ستنكارها‬ ‫للعدوان الإ�سرائيلي على القطاع(‪.((2‬‬ ‫بعد �ستة �أيام على العدوان‪� ،‬أطلقت القاهرة «المبادرة الم�صرية» لوقف‬ ‫�إطالق النار في غزة دون �شروط م�سبقة من الطرفين الإ�سرائيلي والفل�سطيني‪.‬‬ ‫وتراوحت مواقف حما�س من المبادرة بين راف�ض لها ومطالب ب�إدخال تعديالت‬ ‫عليها‪ ،‬وذلك لكونها ال تلبي المطالب الفل�سطينية بوقف العدوان على القطاع‬ ‫ورفع الح�صار عنه‪ ،‬في الوقت الذي وافقت �إ�سرائيل عليها‪ ،‬بعد �أخذ موافقة‬ ‫المجل�س الوزاري الم�صغر لل�ش�ؤون الأمنية‪ ،‬م�ؤكدين �أن المبادرة ال ت�ستجيب‬ ‫(‪ ((2‬جريدة «القد�س العربي»‪.2014/7/16 ،‬‬ ‫(‪ ((2‬جريدة «الر�أي» الأردنية‪2014/7/9 ،‬‬

‫‪- 135 -‬‬

‫�صيف ‪2015‬‬


‫درا�سات ومقاالت‬

‫خ�صو�صا في الإفراج عن �أ�سرى �صفقة �شاليط «وفاء الأحرار»‪،‬‬ ‫لمطالب حما�س‪،‬‬ ‫ً‬ ‫و�أن المبادرة تق�ضي بوقف �إطالق غير م�شروط للنار‪ ،‬و�أنه في حال قبول حما�س‬ ‫بهذه المبادرة بعد ال�ضربات التي تلقتها يتركها في موقف �ضعيف في مواجهة‬ ‫�إ�سرائيل في الم�ستقبل(‪.((2‬‬ ‫وعلى الرغم من موقف م�صر هذا‪� ،‬إال �أن االحتالل الإ�سرائيلي لم يتوانَ‬ ‫عن محاولة �إلقاء اللوم عليها في عدم تفعيل دورها في وقف الحرب‪ ،‬ويظهر‬ ‫ذلك في كتابات المحللين ال�سيا�سيين والأمنيين‪ ،‬فيقول المحلل ال�سيا�سي في‬ ‫موقع «واال» الإخباري �آفي �سخاروف‪�« :‬إن �إ�سرائيل وحما�س ال يجدان طريقة‬ ‫للخروج من الأزمة و�أن م�صر تملك مفتاح الحل لكنها لن تفعل ذلك ب�سرور لأنها‬ ‫م�شغولة بق�ضايا داخلية‪ ،‬ولأنها ترى بحما�س حلي ًفا للأخوان الم�سلمين»(‪.((3‬‬ ‫وحاول الكاتب بوعز ب�سموت في «�إ�سرائيل هيوم» تحت عنوان «التوجه �إلى مجل�س‬ ‫الأمن»‪ ،‬بتاريخ ‪� ،2014/8/18‬أن يذ ّكر ب�أنه بنهاية الهدنة الثانية التي تنتهي‬ ‫بداية يوم ‪ ،2014/8/19‬هل �سيبادر مجل�س الأمن �إلى فر�ض �إنهاء «للمعركة»‬ ‫بين �إ�سرائيل وحما�س‪ ،‬كما حدث عام ‪ 2006‬بعد عدوانها على لبنان‪ .‬ويحاول �أن‬ ‫يقنع القارئ ب�أن ما يجري في القاهرة هو لعبة تكا�سر بالأيدي ال بين �إ�سرائيل‬ ‫وحما�س‪ ،‬بل بين حما�س وم�صر‪ ،‬والتي يقف وراءها ال�سعودية والإمارات‪� ،‬أما‬ ‫حما�س فتحظى بدعم قطر و�إيران وتركيا‪ .‬ويقول �إنهم في القد�س يتمنون �أن تك�سر‬ ‫م�صر يد حما�س‪ ،‬ويقول �أن هناك م�سودة �أردنية طلب الأمريكيون تجميدها‪ ،‬وبد�أ‬ ‫قدما بم�سودة منهم(‪.((3‬‬ ‫البريطانيون يدفعون ً‬ ‫�أكدت �صحيفة «يديعوت �أحرونوت» العبرية �أن الجانب الإ�سرائيلي موافق‬ ‫على معظم �شروط المقاومة في غزة‪� ،‬إال �أن القاهرة هي التي ترف�ض هذه‬ ‫المطالب بهدف تطويع حما�س‪ .‬و�أ�ضافت «�إن من ينكل بوفدي حما�س والجهاد‬ ‫(‪ ((2‬جريدة «ال�شرق الأو�سط»‪2014/7/17 ،‬؛ وكالة «زمن بر�س»‪.2014/7/15 ،‬‬ ‫(‪ ((3‬جريدة «القد�س العربي»‪.2014/7/9 ،‬‬ ‫(‪� ((3‬صحيفة «الغد» الأردنية‪ ،‬بتاريخ ‪.2014/8/19‬‬ ‫املنتـ ــدى ‪262‬‬

‫‪- 136 -‬‬


‫قراءة في وقائع الحرب الإ�سرائيلية الثالثة على غزة (‪ 8‬تموز‪ /‬يوليو ‪� 26 – 2014‬آب‪� /‬أغ�سط�س ‪)2014‬‬ ‫�أة‪ .‬عبير محمد ا�سماعيل‬

‫الإ�سالمي في القاهرة ويرف�ض كل مطالبهم ب�شكل غير معقول وغير متوقع هم‬ ‫الم�صريون‪ ،‬ف�إ�سرائيل لديها مقترحات ت�ستجيب لغالبية مطالب المقاومة حتى‬ ‫الميناء‪ ،‬لكن م�صر من�شغلة في تروي�ض النمر الحما�سي‪ .‬وترف�ض هي وحدها‬ ‫جملة من هذه المطالب»‪.‬‬ ‫�أما الموقف الم�صري من �إن�شاء ميناء بحري للقطاع ومطار دولي‪ ،‬ف�إن‬ ‫م�صر قد اتخذت موق ًفا مت�صل ًبا في هذا ال�ش�أن‪ ،‬متذرعة ب�أن هذان المعبران‬ ‫�سي�ؤثران على �أمنها القومي‪ ،‬بحيث يبعد عيون �أجهزتها اال�ستخبارية عما يخرج‬ ‫ويدخل من و�إلى القطاع‪ ،‬وبنظرها �سيكون هناك عمليات تهريب ل�سالح �أو�سع‬ ‫و�أ�سهل‪ .‬كما تتذرع ب�أن هذا الطرح يزيد من ال�شرخ بين القطاع وال�ضفة بحيث‬ ‫ي�صبح كل منهما كيا ًنا م�ستق ًال بذاته‪.‬‬ ‫ويقول المفكر العربي عزمي ب�شارة «�إن الموافقة على �إن�شاء ميناء ومطار‬ ‫دوليين في غزة يعني خ�سارة النظام الم�صري الجديد ورقة �ضغط قوية في‬ ‫المحافل الدولية وعلى الم�صريين �أنف�سهم‪� ...‬إلى جانب �أن م�صر و�إ�سرائيل م ًعا‬ ‫ال يريدان لحما�س �أن ت�سجل انت�صا ًرا �آخر على الأر�ض بعد المعارك البطولية‬ ‫التي خا�ضتها مع االحتالل في غزة»(‪.((3‬‬ ‫ال�سعودية‬ ‫يقول د‪� .‬سعيد ال�شهابي‪�« :‬ش ّكل العدوان الإ�سرائيلي على غزة تطو ًرا‬ ‫خطي ًرا فر�ض نف�سه على المنطقة‪ ،‬و�أ�صبح عامل �ضغط على الغربيين لإعادة‬ ‫ر�سم �سيا�ساتهم في ال�شرق الأو�سط ب�شكل جوهري‪ .‬وهو ف�شل المعتدين في ك�سر‬ ‫�إرادة المقاومة‪ ،‬الأمر الذي �سيف�شل الدعوات كافة لنزع �سالح المقاومة اللبنانية‬ ‫والفل�سطينية على حد �سواء‪.‬‬ ‫(‪ ((3‬موقع �شبكة «القد�س» الإخبارية ‪ .2014/8/16‬للمزيد حول الدور الم�صري في المفاو�ضات‪ :‬انظر‬ ‫خليل العناني‪ :‬مقال بعنوان «الدور الم�صري في مفاو�ضات غزة»‪« ،‬الجزيرة نت»‪،2014/8/17 ،‬‬ ‫و�صالح النعامي‪« :‬حرب م�صر على المقاومة الفل�سطينية في عيون ال�صهاينة»‪« ،‬الجزيرة نت»‪،‬‬ ‫‪.2014/8/16‬‬

‫‪- 137 -‬‬

‫�صيف ‪2015‬‬


‫درا�سات ومقاالت‬

‫وي�ضيف‪« :‬من الممكن القول �إن الحرب الإ�سرائيلية الأخيرة من �أكثر‬ ‫الحروب ف�ش ًال‪ ،‬فبد ًال من الق�ضاء على منظمتي حما�س والجهاد الإ�سالمي‬ ‫ودفعهما لال�ست�سالم‪� ،‬أ�صبح رئي�س الوزراء الإ�سرائيلي ي�ستجدي من وزير‬ ‫الخارجية الأمريكي التدخل لوقف �إطالق النار‪ ،‬بينما رف�ضت المقاومة ذلك حتى‬ ‫يتم تحقيق مطالبها وفي مقدمتها �إنهاء الح�صار المفرو�ض على القطاع»(‪.((3‬‬

‫بع�ض المواقف الدولية من العدوان‬ ‫الواليات المتحدة‬ ‫�أدانت الواليات المتحدة �إطالق ال�صواريخ من غزة على �إ�سرائيل ُمعرب ًة‬ ‫عن قلقها على المدنيين من الجانبين عقب الغارات الجوية الإ�سرائيلية على‬ ‫القطاع‪ .‬الرئي�س باراك �أوباما وفي رد فعله على العدوان‪ ،‬دعا «الأطراف �إلى‬ ‫�ضبط النف�س»‪ ،‬م�ساو ًيا بذلك بين الطرفين‪ .‬وجاء تف�صيل الموقف الأمريكي‬ ‫و�ضوحا في ت�صريح المتحدث با�سم البيت الأبي�ض جو�ش �إرن�ست‪�« :‬إننا‬ ‫�أكثر‬ ‫ً‬ ‫ندين ب�ش ّدة ا�ستمرار �إطالق ال�صواريخ على �إ�سرائيل‪ ،‬وقيام المنظمات الإرهابية‬ ‫في غزة باال�ستهداف المتع َّمد للمدنيين‪ ،‬لي�س هناك بلد يقبل ب�إطالق ال�صواريخ‬ ‫على المدنيين‪ ،‬ونحن ندعم �إ�سرائيل في الدفاع عن نف�سها �ضد هذه الهجمات‬ ‫ال�شر�سة»‪ .‬في الوقت الذي �أعفت فيه �إ�سرائيل من الم�س�ؤولية عن قتل المدنيين‬ ‫الفل�سطينيين(‪.((3‬‬ ‫توجه وزير الخارجية الأمريكي جون كيري �إلى الدوحة للقاء القيادة‬ ‫ّ‬ ‫(‪((3‬‬ ‫القطرية على �سبيل التوا�صل مع الطرف الأ�سا�سي في المعادلة وهو حما�س ‪.‬‬ ‫(‪� ((3‬سعيد ال�شهابي‪ ،‬كاتب و�صحفي بحريني‪ ،‬مقال في �صحيفة «القد�س العربي»‪ ،‬تحت عنوان‬ ‫«ال�سعودية تواجه ا�ستحقاقات ما بعد حرب غزة»‪.2014/8/12 ،‬‬ ‫ً‬ ‫(‪ ((3‬جريدة «الر�أي» الأردنية‪2014/7/9 ،‬؛ جريدة «الغد» ‪2014/7/7/17‬؛ نقال عن «ميدل �إي�ست‬ ‫�أونالين» ‪.2014/8/25 ،Giving Israel a Pass on Civilian Deaths‬‬ ‫(‪ ((3‬يا�سر �أبو هاللة‪ ،‬جريدة «الغد» الأردنية‪.2014/7/16 ،‬‬ ‫املنتـ ــدى ‪262‬‬

‫‪- 138 -‬‬


‫قراءة في وقائع الحرب الإ�سرائيلية الثالثة على غزة (‪ 8‬تموز‪ /‬يوليو ‪� 26 – 2014‬آب‪� /‬أغ�سط�س ‪)2014‬‬ ‫�أة‪ .‬عبير محمد ا�سماعيل‬

‫كما عر�ض خطة لوقف �إطالق النار على «�إ�سرائيل»‪ ،‬لكن الخطة ح�سب جريدة‬ ‫«ه�آرت�س» العبرية لم تت�ض َّمن �إ�شارة �إلى احتياجات �إ�سرائيل الأمنية �أو نزع‬ ‫�صواريخ القطاع‪ ،‬وتحظر على الجي�ش العمل �ضد الأنفاق الممتدة �إلى �إ�سرائيل‪.‬‬ ‫على الم�ستوى الإعالمي‪ ،‬ركزت ال�صحفية الأمريكية الالمعة �آبي مارتن على‬ ‫نوعية التغطية الإعالمية الأمريكية المنحازة والمفتقرة �إلى المهنية بخ�صو�ص‬ ‫الأحداث في فل�سطين المحتلة‪ .‬وعر�ضت عناوين ثالث �صحف �أمريكية رئي�سية‪،‬‬ ‫فكتبت �صحيفة «وول �ستريت جورنال»‪« :‬الدفاع الجوي الإ�سرائيلي يعتر�ض المزيد‬ ‫من ال�صواريخ‪ ،‬بينما ي�ستمر القتال»‪ .‬وكتبت «لو�س �أنجلو�س تايمز»‪« :‬ال�صواريخ‬ ‫الفل�سطينية ت�صل م�سافات �أبعد في داخل �إ�سرائيل»‪ .‬وكتبت «النيويورك تايمز»‪:‬‬ ‫«�إ�سرائيل وحما�س تتبادالن �إطالق النار»‪� .‬أما محطة «فوك�س نيوز»‪ ،‬فكانت‬ ‫عناوينها على النحو الآتي‪« :‬فل�سطين‪�/‬إ�سرائيل‪ :‬هجمات �صاروخية فل�سطينية بال‬ ‫تمييز»؛ «الم�أ�ساة ال تنتهي‪ :‬ال�صواريخ الفل�سطينية تجبر م�ؤتمر �سالم �إ�سرائيلي‬ ‫على االنف�ضا�ض»؛ «�صواريخ غزة ت�ستهدف �إ�سرائيل ‪ -‬ماذا يمكنك �أن تفعل في‬ ‫‪ 15‬ثانية»‪ .‬لكن الف�ضيحة الكبيرة التي لفتت �إليها ال�صحفية مارتن‪ ،‬هي تقرير‬ ‫لمحطة «�إيه بي �سي» يقول‪�« :‬إن �صواريخ حما�س تمطر �إ�سرائيل‪ ،‬بينما يعر�ض‬ ‫لم�شاهديه عائلة فل�سطينية هاربة من الق�صف وفل�سطينية �أمام بيتها المهدوم‬ ‫في غزة على �أنها م�شاهد من �إ�سرائيل»‪.‬‬ ‫بعد ف�شل الهدنة مرتين‪� ،‬ضغطت الواليات المتحدة على المحكمة الدولية‬ ‫لمنع التحقيق في االنتهاكات في مجال حقوق االن�سان التي قام بها الجي�ش‬ ‫الإ�سرائيلي خالل حرب غزة(‪.((3‬‬ ‫نق ًال عن «ه�آرت�س»‪ ،‬ف�إن الواليات المتحدة �ستز ّود االحتالل بـ (‪ )19‬طائرة‬ ‫نوع �إف‪( 35-‬ت�صل الأولى في عام ‪ ،)2016‬و ‪ 600‬طائرة مقاتلة جوية‪-‬جوية‪،‬‬ ‫و(‪ )864‬غالون من وقود الديزل ووقود الطائرات(‪.((3‬‬ ‫(‪ ((3‬موقع «المدينة نيوز» الإلكتروني ‪.2014/8/20‬‬ ‫(‪� ((3‬شبكة «قد�س الإخبارية»‪ ،‬نق ًال عن �صحيفة «ه�آرت�س»‪.2014/8/26 ،‬‬

‫‪- 139 -‬‬

‫�صيف ‪2015‬‬


‫درا�سات ومقاالت‬

‫مواقف بع�ض الدول الأوروبية‬ ‫ُيالحظ �أنه للمرة الأولى ت�شارك العديد من المدن والم�ؤ�س�سات بفعاليات‬ ‫ومظاهرات وحمالت كبيرة ا�ستنكا ًرا للمجازر التي تحدث في غزة‪ ،‬وهذا خال ًفا‬ ‫لما كان يحدث في الحروب ال�سابقة‪ ،‬حيث لم يكن التفاعل كبي ًرا مع الأحداث‬ ‫والمجازر التي كانت تجري في القطاع‪.‬‬ ‫وعلى الرغم من ذلك‪ ،‬نرى �أن الكثير من الدول الأوروبية تقوم بتزويد‬ ‫االحتالل بالأ�سلحة مثل �أوكرانيا‪ ،‬وبلغاريا‪ ،‬و�ألمانيا‪ ،‬وبريطانيا‪ ،‬و�إ�سبانيا‪،‬‬ ‫و�إيطاليا‪ ،‬وجمهورية الت�شيك(‪.((3‬‬ ‫كتب �شيرلي وليامز مقال في «الغارديان» تحت عنوان «على �أوروبا واجب‬ ‫تجاه غزة يجب �أن ت�ؤديه» قائ ًال‪« :‬يجب على القادة الأوروبيين �أن ي�صروا على‬ ‫�ضرورة التو�صل �إلى وقف لإطالق النار هناك‪ ،‬على �أن تتبعه مفاو�ضات دولية‪.‬‬ ‫ويجب جلب الجناح ال�سيا�سي في حما�س‪� ،‬سورية مع كل من �إيران وقطر �إلى مثل‬ ‫هذه المفاو�ضات»‪ .‬وي�ضيف‪« :‬يتمتع االتحاد الأوروبي‪ ،‬بو�صفه الممول الرئي�سي‬ ‫لل�سلطة الفل�سطينية‪ ،‬بو�ضع يمكنه من الت�أثير على منظمة التحرير الفل�سطينية‪،‬‬ ‫والعمل بالتالي مع الجامعة العربية من �أجل التو�صل �إلى ت�سوية»(‪.((3‬‬ ‫دول �أمريكا الالتينية‬ ‫ا�ستدعت كالً من البرازيل والإكوادور وت�شيلي وبيرو وال�سلفادور �سفراءها‬ ‫لدى تل �أبيب للت�شاور ب�سبب الحرب على غزة(‪.((4‬‬ ‫(‪� ((3‬شبكة «قد�س الإخبارية»‪.2014/8/26 ،‬‬ ‫(‪ ((3‬جريدة «الغد»‪ ،2014/8/2 ،‬نق ًال عن جريدة «الغارديان» ‪.Europe has a duty to Gaza‬‬ ‫للمزيد انظر‪ :‬تقرير ماجد الزير تحت عنوان «الإعالم البريطاني وعدوان غزة‪ ..‬تح ّوالت نوع ّية»‪،‬‬ ‫«الجزيرة نت»‪.2014/8/16 ،‬‬ ‫(‪ ((4‬جريدة «القد�س العربي»‪.2014/7/31 ،‬‬ ‫املنتـ ــدى ‪262‬‬

‫‪- 140 -‬‬


‫قراءة في وقائع الحرب الإ�سرائيلية الثالثة على غزة (‪ 8‬تموز‪ /‬يوليو ‪� 26 – 2014‬آب‪� /‬أغ�سط�س ‪)2014‬‬ ‫�أة‪ .‬عبير محمد ا�سماعيل‬

‫دول �إقليمية و�إ�سالمية‬ ‫منذ بداية العدوان دعت تركيا‪� ،‬إ�سرائيل‪� ،‬إلى الوقف الفوري لهجومها على‬ ‫غزة في �أعقاب الغارات الجوية الدموية التي �شنتها على القطاع(‪.((4‬‬ ‫تماما‬ ‫تقدمت قطر بمبادرة م�شتركة مع تركيا تقترب �إلى �صيغة معتدلة ً‬ ‫قيا�سا ب�شروط المقاومة‪ ،‬من بنود المبادرة فتح معبر رفح لـ (‪� )24‬ساعة وفتح‬ ‫ً‬ ‫(‪((4‬‬ ‫تماما‪ ،‬وتمكين غزة من ميناء بحري ومطار ‪.‬‬ ‫جميع المعابر‪ ،‬ووقف �إطالق النار ً‬ ‫مواقف بع�ض المنظمات الدولية‬ ‫عقدت لجنة الأمم المتحدة لحقوق االن�سان‪ ،‬جل�سة خا�صة في ‪2014/7/23‬‬ ‫تحت عنوان «الأو�ضاع الإن�سانية في الأرا�ضي الفل�سطينية المحتلة بما فيها القد�س‬ ‫ال�شرقية»‪ ،‬بناء على طلب عدة دول �أع�ضاء في اللجنة‪ .‬وذكرت المف َّو�ضة ال�سامية‬ ‫للجنة نافي بيالي �أن الو�ضع في غزة حرج‪ ،‬وطالبت بحماية �أكبر للمدنيين(‪.((4‬‬ ‫�أدان الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون ا�ست�شهاد (‪ )10‬مدنيين‬ ‫فل�سطينيين على الأقل في الق�صف الذي �ش ّنته �إ�سرائيل على مدر�سة تابعة‬ ‫لوكالة غوث وت�شغيل الالجئين الفل�سطينيين «�أونروا» في رفح‪ .‬وو�صف الهجوم‬ ‫بـ «العمل الإجرامي» و «عار �أخالقي» ويجب محا�سبة الم�س�ؤولين عليه‪ ،‬م�ؤكدً ا �أنه‬ ‫يمثل انتها ًكا ج�سي ًما �آخر للقانون الدولي الإن�ساني(‪ .((4‬وبعد مراجعة ت�صريحات‬ ‫الأمين العام للأمم المتحدة‪ ،‬نالحظ مدى التخ ّبط في الموقف ال�سيا�سي الغربي‬ ‫الر�سمي‪ ،‬الذي �أ َّثر بالتالي على ت�صريحاته‪.‬‬ ‫اتهمت المنظمة العربية لحقوق االن�سان �ص ّناع القرار في العالم بالإ�صابة‬ ‫بال�شلل �أمام الجرائم التي ارتكبتها �إ�سرائيل في قطاع غزة‪ ،‬ودعت �إلى محا�سبتها‬ ‫(‪ ((4‬جريدة «الر�أي» الأردنية‪.2014/7/9 ،‬‬ ‫(‪ ((4‬جريدة «العرب اليوم»‪.2014/7/20 ،‬‬ ‫(‪ ((4‬جريدة «جيروزالم بو�ست»‪.2014/7/28 ،‬‬ ‫(‪ ((4‬جريدة «الم�صري اليوم»‪.2014/8/3 ،‬‬

‫‪- 141 -‬‬

‫�صيف ‪2015‬‬


‫درا�سات ومقاالت‬

‫على تلك الجرائم‪ .‬و�أ�ضافت‪�« :‬إن الم�شاهد المروعة الآتية من قطاع غزة للأطفال‬ ‫والن�ساء الذين يت�ساقطون في كل لحظة بين �شهيد وجريح والمباني المد ّمرة‬ ‫ّ‬ ‫والمقطعة‪ ،‬لم تفلح بتحريك المجتمع‬ ‫المتفحمة‬ ‫و�صور جثث الأطفال والن�ساء‬ ‫ّ‬ ‫تباعا»(‪.((4‬‬ ‫الدولي الذي �أ�صيب بال�شلل التام �أمام محرقة تتوا�صل ف�صولها ً‬ ‫خ�سائر قطاع غزة‬ ‫�سالحا جديدً ا على‬ ‫في كل حرب على القطاع �أو في ال�ضفة‪ ،‬يج ّرب االحتالل ً‬ ‫�ضحايا الحرب‪ ،‬في البداية ا�ستعمل �سالح الـ دايم ‪ DIME‬الكربوني الفتاك‪،‬‬ ‫وهو اخت�صار للكلمات التالية ‪ ،Dense Inert Metal Explosive‬وهذا ال�سالح‬ ‫عبارة عن قذيفة كربونية تتحول �إلى �شظايا �صغيرة عند انفجارها‪ ،‬وتطلق غبا ًرا‬ ‫يحتوي على طاقة تحرق وتدمر كل �شيء في دائرة ن�صف قطرها �أربعة �أمتار(‪.((4‬‬ ‫ال�ضحايا الب�شرية‬ ‫ذكر موقع «رو�سيا اليوم» �أن �أكثر من ‪ %80‬من �ضحايا العدوان هم من‬ ‫المدنيين(‪ .((4‬و ُيقدر عدد ال�شهداء لليوم (‪ )51‬للعدوان على غزة بـ (‪)2135‬‬ ‫�سجلت كل يوم‬ ‫�شهيدً ا �أكثرهم من الأطفال(‪ .((4‬وال يزال الرقم في ارتفاع‪ ،‬حيث ِّ‬ ‫حاالت وفيات من الم�صابين نتيجة العدوان‪� .‬أما الجرحى فقدِّ ر عددهم حتى‬ ‫جريحا(‪.((4‬‬ ‫ال�ساعة التا�سعة من م�ساء ‪ 2014/8/24‬بـ (‪ً )10854‬‬ ‫(‪ ((4‬جريدة «الر�أي اليوم»‪.2014/7/29 ،‬‬ ‫(‪ ((4‬موقع «دنيا الوطن»‪2014/7/13 ،‬؛ موقع ‪International Middle East media Center‬‬ ‫‪ .2014/7/19 ،Editorial Group‬وقد طالبت م�ؤ�س�سة ال�ضمير الحقوقية الفل�سطينية‪ ،‬المنظمة‬ ‫الدولية لحظر الأ�سلحة الكيمائية ب�ضرورة الم�ساهمة والتدخل من خالل فتح تحقيق بهذا ال�ش�أن‬ ‫[جريدة «الغد»‪.]2014/8/20 ،‬‬ ‫(‪ ((4‬موقع «رو�سيا»‪.2014/7/16 ،‬‬ ‫(‪� ((4‬شبكة «قد�س الإخبارية»‪.2014/8/26 ،‬‬ ‫(‪ ((4‬جريدة «العرب اليوم»‪.2014/8/25 ،‬‬ ‫املنتـ ــدى ‪262‬‬

‫‪- 142 -‬‬


‫قراءة في وقائع الحرب الإ�سرائيلية الثالثة على غزة (‪ 8‬تموز‪ /‬يوليو ‪� 26 – 2014‬آب‪� /‬أغ�سط�س ‪)2014‬‬ ‫�أة‪ .‬عبير محمد ا�سماعيل‬

‫وذكر مر�صد حقوقي �أوروبي «�إن ثلث �أطفال غزة الجرحى‪� ،‬أ�صبحوا يعانون‬ ‫من �إعاقات دائمة بفعل الحرب الإ�سرائيلية المتوا�صلة على القطاع لليوم (‪)51‬‬ ‫على التوالي‪ ،‬وقد ر�صد المر�صد الأورومتو�سطي في جنيف (‪� )3‬آالف طفل‬ ‫�أ�صيبوا بفعل الحرب الإ�سرائيلية على غزة(‪.((5‬‬ ‫ح�سب ما �أورد وكيل وزارة االقت�صاد الفل�سطينية �أيمن عابد �أنه قد تم‬ ‫تدمير (‪ )9800‬وحدة �سكنية ب�شكل كامل‪ ،‬وقرابة (‪ )8000‬وحدة �سكنية ب�شكل‬ ‫جزئي (غير قابلة لل�سكن)‪ ،‬و (‪ )46000‬وحدة �سكنية ب�شكل جزئي طفيف‬ ‫ومتو�سط في ال�شجاعية و�شمالي �شرق بيت حانون وبلدة خزاعة والزنة في �شرقي‬ ‫بيت حانون(‪ .((5‬وبذلك �أ�صبح هناك (‪ )475000‬م�ش َّرد‪ ،‬و (‪ )89‬مجزرة لعائالت‬ ‫ب�أكملها(‪.((5‬‬ ‫القطاع ال�صحي‬ ‫ا�ستهدف الإحتالل (‪� )36‬سيارة �إ�سعاف‪ ،‬منها ما تم تدميرها تدمي ًرا‬ ‫كام ًال �أو جزئ ًيا‪ ،‬وا�ستهدف (‪ )16‬م�ست�شفى �أهلي وحكومي و(‪ )26‬مركزًا‬ ‫للرعاية‪ ،‬و (‪ )125‬من الطواقم الطبية‪.‬‬ ‫القطاع التعليمي‬ ‫خ�سائر القطاع التعليمي و�صلت �إلى ما يقارب الـ ( ‪ 22‬مليون ‪ ،)$‬منها‬ ‫(‪ )12‬مليون مدار�س حكومية‪ ،‬و(‪ )15‬جامعات‪ ،‬و (‪ )142‬مدر�سة حكومية‪ ،‬منها‬ ‫(‪ )23‬ب�شكل بالغ‪ ،‬وبتكلفة �إعادة �إعمار (‪ )8‬ماليين دوالر‪ ،‬و(‪ )119‬مدر�سة‬ ‫ب�شكل جزئي بتكلفة �إعادة �إعمار (‪ 4‬ماليين دوالر)‪.‬‬ ‫(‪ ((5‬موقع «قد�س الإخبارية»‪.2014/8/26 ،‬‬ ‫(‪ ((5‬جريدة «الغد»‪.2014/9/3 ،‬‬ ‫(‪� ((5‬شبكة «قد�س الإخبارية»‪2014/8/23 ،‬؛ انظر جي�سي روزنفيلد‪« :‬اختفاء المئات في غزة»‪ ،‬ذا‬ ‫ديلي بي�ست‪.2014/8/11 ،‬‬

‫‪- 143 -‬‬

‫�صيف ‪2015‬‬


‫درا�سات ومقاالت‬

‫القطاع ال�صناعي والتجاري‬ ‫توقع د‪ .‬معت�صم الأقرع الم�س�ؤول الأ ّول لل�ش�ؤون االقت�صادية في وحدة‬ ‫م�ساعدة ال�شعب الفل�سطيني بمنظمة م�ؤتمر الأمم المتحدة للتجارة والكمية‬ ‫(�أونكتاد) �أن تتراوح الخ�سائر االقت�صادية للقطاع من الحرب �إلى (‪)9-6‬‬ ‫مليارات دوالر(‪.((5‬‬ ‫القطاع الزراعي‬ ‫بلغت خ�سائر هذا القطاع (‪ )251‬مليون دوالر‪ ،‬و (‪ )150‬مليون دوالر جراء‬ ‫ا�ستهداف �أرا�ض ومن�ش�آت زراعية‪ ،‬وب�ساتين الحم�ضيات ومزارع الدجاج والأبقار‬ ‫والأغنام وخاليا النحل‪ .‬بواقع (‪ )131‬مليون دوالر �إنتاج نباتي‪ ،‬و(‪ )56‬مليون‬ ‫دوالر تربة وري‪ ،‬و(‪ )55‬مليون دوالر �إنتاج حيواني‪.‬‬ ‫ال�صيد البحري والثروة ال�سمكية‬ ‫تع َّر�ض لخ�سائر تقدر بـ (‪ )9‬ماليين دوالر‪ ،‬منها (‪ )6‬مليون �أ�ضرار‬ ‫مبا�شرة‪ ،‬و (‪ )3‬ماليين غير مبا�شرة‪ ،‬وتدمير (‪ )50‬غرفة لل�صيادين‪ ،‬و (‪)55‬‬ ‫قار ًبا ذات �أحجام مختلفة‪� .‬أما الأ�ضرار غير المبا�شرة فتتمثل في توقف عمل‬ ‫ال�صيادين‪.‬‬ ‫البنية التحتية‬ ‫ذكر رئي�س االتحاد العام للنقابات الفل�سطينية علي الحايك على موقع‬ ‫«موطني» �أن االحتالل قام بتدمير �شبكة االت�صاالت والمياه والكهرباء‪ ،‬وق�صف‬ ‫محطة الكهرباء الوحيدة‪ .‬ود ّمر ما يقارب (‪� )450‬ألف من�ش�أة �صناعية ب�شكل‬ ‫كامل‪ ،‬و (‪ )1000‬ور�شة ومحل تجاري كامل‪ ،‬وتدمير م�صانع حيوية(‪.((5‬‬ ‫(‪ ((5‬جريدة «القد�س العربي»‪.2014/9/3 ،‬‬ ‫(‪ ((5‬موقع «موطني» الإلكتروني‪.2014/9/6 ،‬‬ ‫املنتـ ــدى ‪262‬‬

‫‪- 144 -‬‬


‫قراءة في وقائع الحرب الإ�سرائيلية الثالثة على غزة (‪ 8‬تموز‪ /‬يوليو ‪� 26 – 2014‬آب‪� /‬أغ�سط�س ‪)2014‬‬ ‫�أة‪ .‬عبير محمد ا�سماعيل‬

‫القطاع ال�سياحي والأثري‬ ‫تقدر الخ�سائر على المباني والمن�ش�آت ال�سياحية الأثرية في غزة بـ (‪850‬‬ ‫�ألف ‪.((5()$‬‬ ‫القطاع ال�صحفي‬ ‫ر�صد المركز الفل�سطيني للتنمية والحريات الإعالمية «مدى»‪ ،‬خالل‬ ‫�شهر يوليو ‪ 2015‬انتهاكات بالغة الخطورة بحق ال�صحفيين وال�صحفيات‬ ‫الفل�سطينيين‪� ،‬شملت قتل (‪� )15‬صحف ًيا‪� ،‬إ�ضافة �إلى نا�شطة �إعالمية في قطاع‬ ‫غزة‪ .‬حيث تم ا�ستهدافهم بينما كانوا في �أماكن يفتر�ض �أن تكون �آمنة للمدنيين‬ ‫كمنازلهم �أو في �أثناء تغطيتهم لنتائج عمليات الجي�ش في �أماكن و�أحياء �سكنية‪.‬‬ ‫ود َّمر الإحتالل ما مجموعه (‪ )8‬مقار لم�ؤ�س�سات �إعالمية في القطاع‪ )5( ،‬منها‬ ‫على الأقل تم ا�ستهدافها ب�صورة مبا�شرة ومق�صودة وهي ف�ضائية وتلفزيون‬ ‫«الأق�صى ‪ ،»3‬ومقار الوكالة الوطنية للإعالم‪ ،‬ومقر ف�ضائية «الجزيرة»‪.‬‬ ‫كما ُجرح ما مجموعه (‪� )7‬صحافيين و�صحافيات من العاملين في قطاع‬ ‫غزة في �أثناء قيامهم بعملهم(‪.((5‬‬ ‫الم�ساجد والكنائ�س‬ ‫تم تدمير عدة م�ساجد وكنائ�س �أثرية �إ ّما تدمي ًرا كل ًيا �أو جزئ ًيا‪ ،‬ومن‬ ‫�أهم الم�ساجد «الم�سجد العمري» الذي بني في عهد الخليفة عمر بن الخطاب‪،‬‬ ‫وجدد في عهد المماليك‪ .‬وكذلك كنائ�س يعود بنا�ؤها �إلى �آالف ال�سنين‪ ،‬والميناء‬ ‫ُ‬ ‫(‪((5‬‬ ‫القديم الذي تم ت�شييده في الع�صر الإغريقي ويعود �إلى �أكثر من ‪� 2500‬سنة ‪.‬‬ ‫(‪ ((5‬جريدة «الغد»‪.2014./9/3 ،‬‬ ‫(‪ ((5‬تقرير‪« :‬االحتالل قتل ‪� 15‬صحف ًيا خالل تموز الما�ضي»‪� ،‬شبكة «قد�س الإخبارية»‪.2014/8/18 ،‬‬ ‫(‪ ((5‬موقع «الجزيرة نت»‪.2014/8/17 ،‬‬

‫‪- 145 -‬‬

‫�صيف ‪2015‬‬


‫درا�سات ومقاالت‬

‫وذكرت الأوقاف الفل�سطينية �أن االحتالل قد �ضرب (‪ )171‬م�سجدً ا‪ ،‬تم تدمير‬ ‫(‪ )71‬منها ب�شكل كامل‪ ،‬و(‪ )200‬ب�شكل جزئي‪ ،‬كما ا�ستهدف (‪ )24‬عقا ًرا‬ ‫وقف ًيا‪ ،‬و(‪ )12‬مقبرة‪ ،‬و (‪ )6‬مقار لجان زكاة‪ ،‬وكني�سة‪ ،‬ومدر�سة �شرعية‪ ،‬وفرع‬ ‫كلية الدعوة الإ�سالمية في �شمالي غزة‪ ،‬ومديرية �أوقاف غزة(‪.((5‬‬ ‫مكا�سب المقاومة‬ ‫نجحت المقاومة الفل�سطينية في فر�ض قواعد جديدة للعبة مع االحتالل‪،‬‬ ‫وات�ضح ذلك لي�س من حجم الخ�سائر الع�سكرية في �صفوف العدو‪ ،‬لكن في الأداء‬ ‫ال�سيا�سي والدبلوما�سي الالفت خالل هذا العدوان‪ ،‬الذي قادته بذكاء واحتراف‬ ‫وا�ضحين‪ ،‬ويمكن ر�صد مالحظات �أولية على هذا الأداء ال�سيا�سي والدبلوما�سي‬ ‫مم َّثل ًة في‪:‬‬ ‫�أو ًال‪ :‬عملت القيادة ال�سيا�سية للمقاومة على توفير غطاء �سيا�سي‬ ‫ودبلوما�سي لها‪ ،‬وقد نجحت في تحقيق هدفين‪ ،‬هما‪ :‬عدم االنعزال واالنفتاح على‬ ‫�أكبر عدد من الأطراف العربية‪ ،‬وت�أكيد المطالب الم�شروعة لل�شعب الفل�سطيني‪،‬‬ ‫وتر�سيخها في �أية عملية تفاو�ضية قد تجري لوقف الحرب‪.‬‬ ‫ثان ًيا‪ :‬منذ بداية العدوان‪ ،‬حدث تطور تدريجي وذكي في الأداء الدبلوما�سي‬ ‫وال�سيا�سي للمقاومة ‪ ،‬م�ستفيدً ا في ذلك من التطور والأداء النوعي الع�سكري‬ ‫والمكا�سب التي يجري تحقيقها على الأر�ض ( ُتقا�س المكا�سب بمدى �صمود‬ ‫المقاومة وحجم الخ�سائر في �صفوف العدو)‪.‬‬ ‫وا�ضحا �أن قادة المقاومة يدركون جيدً ا نقاط القوة وال�ضعف‬ ‫ثال ًثا‪ :‬بدا‬ ‫ً‬ ‫في مع�سكرهم‪ ،‬وفي مع�سكر العدو‪ ،‬من دون تهويل �أو تهوين‪ .‬لذا‪ ،‬كانت �أر�ضية‬ ‫التحرك للمقاومة في �أنها لم تخترق اتفاق الهدنة المو َّقع عام ‪ ،2012‬ولم ُتبا ِدر‬ ‫بالحرب‪ ،‬و�إنما «�إ�سرائيل» هي التي قامت بذلك‪.‬‬ ‫(‪ ((5‬جريدة «الغد» الأردنية‪.2014/8/26 ،‬‬ ‫املنتـ ــدى ‪262‬‬

‫‪- 146 -‬‬


‫قراءة في وقائع الحرب الإ�سرائيلية الثالثة على غزة (‪ 8‬تموز‪ /‬يوليو ‪� 26 – 2014‬آب‪� /‬أغ�سط�س ‪)2014‬‬ ‫�أة‪ .‬عبير محمد ا�سماعيل‬

‫راب ًعا‪ :‬على الرغم من رف�ض المقاومة للمبادرة الم�صرية‪� ،‬إال �أنها ظلت‬ ‫منفتحة على القاهرة‪ ،‬ولم تغلق �أبواب الحوار مع الو�سيط الم�صري‪ .‬كما لم‬ ‫تنجر �إلى المعركة الكالمية مع الإعالم الم�صري‪.‬‬ ‫خام�سا‪ :‬نجحت المقاومة في تج ُّنب الوقوع في فخ العزلة الإقليمية الذي‬ ‫ً‬ ‫كان يجري ن�صبه لها‪ .‬لذا‪ ،‬كان من الذكاء الالفت �أن يتم التوا�صل وزيارة دول‬ ‫عربية و�إقليمية‪ ،‬مثل تون�س والكويت وال�سعودية‪.‬‬ ‫�ساد�سا‪ :‬عدم الوقوع في فخ الغرور ال�سيا�سي‪ ،‬بعد الأداء الع�سكري المفاجئ‪،‬‬ ‫ً‬ ‫وال�صمود القوي للمقاومة‪ ،‬والتخ ّل�ص �سري ًعا من حالة الن�شوة‪ ،‬والتعاطي بواقعية‬ ‫مح�سوبة مع التطورات ال�سيا�سية والدبلوما�سية‪ .‬وهو ما يعك�س درجة وا�ضحة من‬ ‫الن�ضج ال�سيا�سي لقيادات المقاومة(‪.((5‬‬ ‫ومن الأهداف التي حققتها حما�س خالل هذا العدوان عليها‪:‬‬ ‫• و�ضعت َرفع ح�صار غزة على الأجندة الدولية والإقليمية والإ�سرائيلية‬ ‫والفل�سطينية‪ ،‬وباتت جميع الجهات المتورطة في الملف الفل�سطيني تدرك �أنه دون‬ ‫رفع الح�صار عن غزة‪ ،‬ف�إن جولة حرب �أخرى �ستعود بعد فا�صل ق�صير‪ ،‬و�أنه ال يمكن‬ ‫ح�شر �أهل غزة ومعهم حما�س في زاوية �صغيرة �إلى الأبد دون تذمر �أو تمرد‪.‬‬ ‫• حققت الحركة نجاحات ع�سكرية عزَّزت مكانتها ال�سيا�سية‪ ،‬وبات‬ ‫مفتوحا �أمامها للبناء على هذه النجاحات عبر عمل �سيا�سي يبد�أ ببناء‬ ‫الطريق‬ ‫ً‬ ‫�شراكة في �إطار منظمة التحرير‪.‬‬ ‫• حققت قوة ردع و�صلت حد �ش ّل حركة المطار الدولي الوحيد في �إ�سرائيل‪.‬‬ ‫• �أظهرت الحرب �أن هناك �أدوات �أخرى للتعامل مع �إ�سرائيل‪� ،‬إذ يمكن‬ ‫لحما�س ا�ستغالل الوحدة الوطنية وال�شراكة مع القيادة الفل�سطينية والزخم‬ ‫الدولي في �إعادة �إعمار قطاع غزة‪ ،‬والبحث عن بديل للمعابر مع �إ�سرائيل وم�صر‬ ‫ب�إقامة ميناء بحري حتى لو كان تحت رقابة دولية(‪.((6‬‬ ‫(‪ ((5‬موقع «عرب بر�س» الإلكتروني‪.2014/7/27 ،‬‬ ‫(‪ ((6‬جريدة «القد�س»‪.2014/7/28 ،‬‬

‫‪- 147 -‬‬

‫�صيف ‪2015‬‬


‫درا�سات ومقاالت‬

‫يرى الكاتب عدوان نمر عدوان �أن «حرب غزة و�صمود المقاومة �أعطى‬ ‫الق�ضية الفل�سطينية زخ ًما جديدً ا‪ ،‬بحيث �أ�صبحت الدول والجماعات و�شعوب‬ ‫الأر�ض تفرق بين دولة الإرهاب و�أهل الحق الذين ظلموا طوي ًال»(‪.((6‬‬ ‫ويقول فادي �أبو �سعدي في �صحيفة «القد�س العربي»‪« :‬كثيرة هي الم�ؤ�شرات‬ ‫التي تقود لالعتقاد ب�أن حما�س قد تغيرت‪� ،‬سيا�س ًيا وع�سكر ًيا‪ ،‬قبل وخالل العدوان‬ ‫الع�سكري الإ�سرائيلي على قطاع غزة‪ ،‬منها حكومة الوفاق الوطني �سيا�س ًيا‪،‬‬ ‫ومنها ال�صمود الأ�سطوري للمقاومة الفل�سطينية على الأر�ض ونوعية المقاومة‬ ‫ع�سكر ًيا»(‪.((6‬‬ ‫خ�سائر االحتالل الإ�سرائيلي‬ ‫منذ اليوم الأول للعدوان‪ ،‬وعلى الرغم من مئات الغارات التي �ش ّنها‬ ‫االحتالل على القطاع‪� ،‬إلاّ �أن عالمات الهزيمة بد�أت بالظهور �سري ًعا‪ ،‬حيث‬ ‫�أدركت �إ�سرائيل حجم ما لحق بها من هزيمة تاريخية‪ .‬فقد �أجبرت ال�صواريخ‬ ‫الفل�سطينية ن�صف �سكان �إ�سرائيل على العي�ش في المالجئ(‪.((6‬‬ ‫وبعد �ستة �أيام على العدوان‪ ،‬ي�ؤكد المح ِّلل الع�سكري �أمير �أورن في �صحيفة‬ ‫«ه�آرت�س» العبرية بقوله‪�« :‬إن العمليات التي ت�ش ّنها قوات االحتالل على قطاع غزة‬ ‫ا�ستُنفذت‪ ،‬و�أن ظروف انتهائها لن تكون مختلفة عن عدوان عام ‪ ،2012‬و�أن‬ ‫جي�ش الإحتالل لي�س بمقدوره تحقيق �إنجاز حا�سم»(‪.((6‬‬ ‫ويقول �آرييل روث في مجلة «فورين �أفيرز»‪« :‬في واقع الأمر‪ ،‬تمتلك‬ ‫�إ�سرائيل ً‬ ‫تاريخا من ادعاء الن�صر عندما تكون في الحقيقة قد عانت الهزيمة؛‬ ‫وت�شكل حرب �أكتوبر ‪ 1973‬خير مثال‪ ...،‬قد يعتقد الإ�سرائيليون‪ ،‬رغم �أنه من‬ ‫(‪ ((6‬موقع «زاد نيوز» الإلكتروني‪.2014/8/2 ،‬‬ ‫(‪ ((6‬جريدة «القد�س العربي»‪.2014/8/9 ،‬‬ ‫(‪� ((6‬أحمد من�صور‪ ،‬موقع «الوطن»‪.2014/7/16 ،‬‬ ‫(‪� ((6‬شبكة «قد�س الإخبارية»‪.2014/7/13 ،‬‬ ‫املنتـ ــدى ‪262‬‬

‫‪- 148 -‬‬


‫قراءة في وقائع الحرب الإ�سرائيلية الثالثة على غزة (‪ 8‬تموز‪ /‬يوليو ‪� 26 – 2014‬آب‪� /‬أغ�سط�س ‪)2014‬‬ ‫�أة‪ .‬عبير محمد ا�سماعيل‬

‫غير المحتمل �أن نرى �إعادة تنظيم �سيا�سي في نهاية هذه الحرب‪ ،‬ب�أن حما�س لن‬ ‫تكون قد حققت �أهدافها اال�ستراتيجية الخا�صة على الأقل‪� ...،‬إن هدف حما�س‬ ‫هو تحطيم �شعور �إ�سرائيل بطبيعة الحياة‪ .‬و�سيكون من الممكن لإ�سرائيل �أن تكون‬ ‫في الوجود كدولة ديمقراطية مزدهرة وتعي�ش في رخاء في ظل ظروف الثكنة‬ ‫المت�سمة بال�صراع الم�ستمر‪ ،‬فقط عندما يكون مواطنوها قادرين على االحتفاظ‬ ‫بوهم �أن حياتهم �شبيهة ‪-‬ب�أكثر �أو �أقل‪ -‬بما كانوا يطمحون �إليه في لندن وباري�س‪،‬‬ ‫�أو نيويورك‪ .‬ومع تدمير هذا الوهم‪ ،‬ت�صبح نتائج عدة قيد الإمكان‪ ،‬والتي لي�س �أي‬ ‫منها جيدً ا لإ�سرائيل»(‪.((6‬‬ ‫رغم العمليات الجوية الكثيفة والعدوان البري‪ ،‬لم يتوقف �إطالق �صواريخ‬ ‫حما�س‪ ،‬لأن ما ُد ّمر في �أثناء العدوان على غزة من �أنفاق تابعة للحركة لم ي�ؤثر‬ ‫على قدرتها في �صناعة المزيد من ال�صواريخ‪ ،‬ولذلك ي�شكو الجي�ش الإ�سرائيلي‬ ‫من نق�ص في المعلومات اال�ستخبارية حول الح�صول على �أهداف بعينها في غزة‪،‬‬ ‫بعد تقدم قواته �أمتا ًرا قليلية داخل حدود القطاع‪ .‬وقد �أ�صيب كبار ال�ضباط و�صناع‬ ‫القرار ال�سيا�سي بحالة من الإحباط بعد مرور (‪� )48‬ساعة على العملية البرية‪،‬‬ ‫لقوة الكثافة النارية التي فاج�أهم بها المقاتلون الفل�سطينيون فور تقدمهم البري‬ ‫البطئ(‪.((6‬‬ ‫يقول �آري �شبيط في �صحيفة «ه�آرت�س» العبرية‪« :‬كانت �إ�سرائيل في بداية‬ ‫حزيران‪ /‬يونيو تختلف جدً ا عن �إ�سرائيل في نهاية تموز‪ /‬يوليو»‪ ...‬وي�ضيف‬ ‫قائ ًال‪�« :‬إن المعنى اال�ستراتيجي لما يحدث هو �أن ال�سيادة الإ�سرائيلية قد‬ ‫انتُهكت‪ .‬فالدولة التي �سما�ؤها مثقوبة‪ ،‬ومجالها الجوي مخترق‪ ،‬ومواطنوها‬ ‫ينزلون �إلى المالجئ على الدوام هي دولة عندها م�شكلة‪ .‬والدولة التي ال تعرف‬ ‫�أن ُت�سكت النار التي تطلق على مجمعاتها ال�سكنية مدة ثالثة �أ�سابيع هي دولة في‬ ‫(‪« ((6‬العرب والعالم»‪.2014/7/28 ،‬‬ ‫(‪ ((6‬عدنان �أبو عامر‪« :‬العملية البرية الإ�سرائيلية في غزة‪ ...‬المغامرة المكلفة»‪ ،‬موقع «الجزيرة‬ ‫نت»‪.2014/7/20 ،‬‬

‫‪- 149 -‬‬

‫�صيف ‪2015‬‬


‫درا�سات ومقاالت‬

‫�ضائقة‪ .((6(»....‬وكانت هناك �أ�صوات كثيرة في ال�صحافة العبرية تطالب بوقف‬ ‫الحرب والخروج من غزة ب�أ�سرع وقت ممكن‪ ،‬لتقليل الخ�سائر التي يتعر�ض لها‬ ‫الإ�سرائيليون‪.‬‬ ‫ذكرت القناة الثانية العبرية في التلفزيون الإ�سرائيلي‪� ،‬أن غ�ضب َا ي�سود‬ ‫جنود الإحتالل في الكتيبة (‪ )51‬من لواء غوالني في �أعقاب حب�س (‪ )4‬من جنود‬ ‫الكتيبة التهامهم بـ «ع�صيان الأوامر الع�سكرية»(‪.((6‬‬ ‫طالب يحزقيل درور(‪ ((6‬بفح�ص العدوان على غزة من خالل لجنة م�شابهة‪،‬‬ ‫م�شددًا على ف�شل ا�ستخبارات االحتالل في فهم مجريات الأمور‪ .‬ويتفق معه رئي�س‬ ‫المخابرات العامة (ال�شاباك) ال�سابق يوفال دي�سكين الذي �أكد �أن الحكومة‬ ‫بحاجة �إلى ت�شكيل لجنة تحقيق م�ستقلة على ن�سق لجنة فينوغراد للتحقيق في‬ ‫حرب تدحرجت �إ�سرائيل نحوها دون جاهزية كافية(‪.((7‬‬ ‫خ�سائر �إ�سرائيل �إعالم ًيا‬ ‫يرى الكاتب موفق ملكاوي �أن الإعالم الر�سمي لالحتالل الذي مثله‪،‬‬ ‫بال منازع‪ ،‬الناطق الر�سمي با�سم جي�ش الإحتالل �أفيخاي �أدرعي وا�ستقت‬ ‫منه معظم و�سائل الإعالم العالمية الأخبار حول مجريات العدوان‪ ،‬لم يخرج‬ ‫عن الت�ص ّور الأنموذجي الدكتاتوري لإعالم العالم الثالث‪� ،‬أو الإيمان القائم‬ ‫على مبد�أ «ال�صواب ال�سيا�سي» الذي ال ي�أتيه الباطل � ًأبدا‪ .‬وفي �سعيه �إلى خلق‬ ‫وقائع على الأر�ض‪ ،‬وهي غير موجودة �أ�ص ًال‪ ،‬حاول هذا الإعالم تعظيم نتائج‬ ‫�أي غارة ي�ش ّنها االحتالل‪ ،‬ولو كان الهدف عائلة �آمنة �أو جني ًنا في بطن �أمه‪،‬‬ ‫مدع ًيا دائ ًما‪� ،‬أن الهدف مقاومون �أو �صواريخ يتم تجهيزها للإطالق(‪.((7‬‬ ‫(‪ ((6‬جريدة «الغد»‪.2014/8/2 ،‬‬ ‫(‪ ((6‬جريدة «القد�س»‪.2014/8/4 ،‬‬ ‫(‪ ((6‬ع�ضو «لجنة فينوغراد للتحقيق» في حرب لبنان الثانية عام ‪.2006‬‬ ‫(‪� ((7‬شبكة «القد�س»‪.2014/8/12 ،‬‬ ‫(‪ ((7‬موفق ملكاوي‪« ،‬الإعالم في العدوان على غزة»‪ ،‬جريدة «الغد» الأردنية‪.2014/7/16 ،‬‬ ‫املنتـ ــدى ‪262‬‬

‫‪- 150 -‬‬


‫قراءة في وقائع الحرب الإ�سرائيلية الثالثة على غزة (‪ 8‬تموز‪ /‬يوليو ‪� 26 – 2014‬آب‪� /‬أغ�سط�س ‪)2014‬‬ ‫�أة‪ .‬عبير محمد ا�سماعيل‬

‫لقد نجحت المقاومة الفل�سطينية‪ ،‬ومعها حركة المقاومة الإ�سالمية‬ ‫حما�س في بث الرعب والخوف في نفو�س الإ�سرائيليين خالل الحرب‪ ،‬بف�ضل‬ ‫�سيا�سة �إعالمية �أدت �إلى نزول نحو خم�سة ماليين �إ�سرائيلي �إلى المالجئ‪ ،‬ونجح‬ ‫كذلك في ا�ستثمار الكثير من ال�صور وت�سجيالت الفيديو في المعركة‪� ،‬إ�ضافة �إلى‬ ‫البيانات التي كانت ت�صدر عن الجهاز الع�سكري لحركة حما�س والتي تك�شف عن‬ ‫حجم الكذب الذي تمار�سه الآلة الإعالمية والدعائية الإ�سرائيلية‪ ،‬وهو ما زعزع‬ ‫الثقة في البيانات الإ�سرائيلية لي�س فقط في �أو�ساط العرب والفل�سطينيين‪ ،‬و�إنما‬ ‫في �أو�ساط الإ�سرائيليين � ً‬ ‫أي�ضا(‪.((7‬‬ ‫�أما ما يتعلق بحادثة اقتحام المقاومة لموقع «ناحال عوز» وقتل الجنود‬ ‫الإ�سرائيليين فيه‪ ،‬فقال ك ٌل من «عامو�س هرئيل» و«حاييم لفن�سون» في �صحيفة‬ ‫«ه�آرت�س» العبرية‪�« :‬إن التفا�صيل الأولى التي �أعطاها الجي�ش �إلى الجمهور‬ ‫عن الحادثة بوا�سطة و�سائل الإعالم‪ ،‬جزئية وخاطئة‪ ...،‬دون تف�صيل عدد‬ ‫الم�صابين‪ُ .‬يظهر الفيلم �صورة تختلف تمام االختالف»(‪.((7‬‬ ‫وذكرت �صحيفة «االندبندنت» �أن حرب غزة ع ّرت نقطة ال�ضعف‬ ‫الإ�سرائيلية‪ ،‬و�أن هناك نقطة �ضعف كبيرة في �إ�سرائيل‪ ،‬وهي �أن الإ�سرائيليين‬ ‫يثقون كثي ًرا في �آلتهم الدعائية‪ ،‬و�أن �شعورهم الدائم باال�ضطهاد‪ ،‬يجعلهم‬ ‫عر�ضة للتالعب بهم من قبل مثيري العواطف في و�سائل الإعالم الإ�سرائيلية‪،‬‬ ‫الذين ي�ضربون على وتر تهديد الوجود والأمن الإ�سرائيلي(‪.((7‬‬ ‫يقول الكاتب باتريك كوبيرن في «االندبندنت»‪ ،‬تحت عنوان «ما الذي‬ ‫حققته �إ�سرائيل في ‪ 26‬يو ًما دموية؟»‪« :‬يبدو الناتج حتى الآن مماث ًال لحا�صل‬ ‫تلك الحروب ال�سابقة التي خا�ضتها �إ�سرائيل في كل من لبنان وغزة‪ :‬ا�ستخدام‬ ‫(‪ ((7‬جريدة «القد�س العربي»‪.2014/7/19 ،‬‬ ‫(‪ ((7‬جريدة «القد�س العربي»‪.2014/7/31 ،‬‬ ‫(‪ ((7‬موقع «الم�صريون»‪.2014/8/4 ،‬‬

‫‪- 151 -‬‬

‫�صيف ‪2015‬‬


‫درا�سات ومقاالت‬

‫قوة نيران هائلة بهدف �إيقاع خ�سائر فادحة في الجانب الآخر‪ ،‬وتكون الغالبية‬ ‫العظمى من ال�ضحايا من المدنيين‪ .‬لكن القادة الإ�سرائيليين يجدون‪ ،‬بينما‬ ‫تتوا�صل الحرب‪� ،‬أن تف ّوق �إ�سرائيل الع�سكري يخفق في تحقيق مكا�سب �سيا�سية‬ ‫مماثلة»(‪.((7‬‬ ‫الخ�سائر المادية‬ ‫ خ�سائر الإنتاج‪ :‬بلغت مليا ًرا و(‪ )300‬مليون دوالر �أمريكي‪.‬‬‫ خ�سائر القطاع ال�صحي‪ )58( :‬مليون دوالر �أمريكي‪.‬‬‫ خ�سائر الفنادق الإ�سرائيلية‪ )379( :‬مليون دوالر �أمريكي‪.‬‬‫ خ�سائر مداخل الخزينة الإ�سرائيلية‪ )291( :‬مليون دوالر �أمريكي‪.‬‬‫ الأ�ضرار المبا�شرة من �صواريخ المقاومة‪ )14.500( :‬مليون دوالر‬‫�أمريكي‪.‬‬ ‫ تكاليف جهاز الأمن‪ :‬مليار و(‪ )200‬مليون دوالر �أمريكي‪.‬‬‫ خ�سائر الزراعة‪ )14.500( :‬مليون دوالر �أمريكي‪.‬‬‫ ال�ضرر االقت�صادي للم�شاريع‪ )350( :‬مليون دوالر �أمريكي‪.‬‬‫بمجموع يقدر بـ (‪ )3.500‬مليار دوالر �أمريكي‪.‬‬ ‫خ�سائر �إ�سرائيل على الم�ستوى الدولي‬ ‫ارتفعت المطالبات في العالم ب�إحالة مجرمي الحرب الإ�سرائيليين‬ ‫�إلى المحكمة الدولية لمحاكمتهم على جرائمهم �ضد المدنيين العزل‪ .‬وفي‬ ‫تقرير ن�شرته �صحيفة «يديعوت �أحرونوت» العبرية ذكرت فيه �أن �سالح الجو‬ ‫يوما‪ ،‬وتم تجنيد نحو‬ ‫الإ�سرائيلي قد هاجم (‪ )5085‬هد ًفا على مدار خم�سين ً‬ ‫(‪� )80‬ألف جندي احتياط ع�شية محاولة الدخول البري‪ ،‬م�شيرة �إلى �أن «الجي�ش‬ ‫(‪ ((7‬جريدة «الغد»‪ ،2014/8/17 ،‬نق ًال عن «االندبندنت» ‪ 2014/8/3‬تحت عنوان‪:‬‬

‫?‪Israel-Gaza conflict: What has Israel achieved in 26 bloody days‬‬

‫املنتـ ــدى ‪262‬‬

‫‪- 152 -‬‬


‫قراءة في وقائع الحرب الإ�سرائيلية الثالثة على غزة (‪ 8‬تموز‪ /‬يوليو ‪� 26 – 2014‬آب‪� /‬أغ�سط�س ‪)2014‬‬ ‫�أة‪ .‬عبير محمد ا�سماعيل‬

‫الإ�سرائيلي لم يحقق �أي �إنجاز خالل تلك العملية �سوى تدمير عدة �أنفاق»‪ .‬و ُقتل‬ ‫ً‬ ‫�ضابطا وجند ًيا‪ ،‬و(‪ )5‬مدنيين في‬ ‫خالل الحرب (‪� )70‬إ�سرائيليا منهم (‪)65‬‬ ‫�سقوط المئات من �صواريخ المقاومة على الم�ستوطنات والمدن الإ�سرائيلية‪ ،‬في‬ ‫حين �أ�صيب ما ال يقل عن (‪� )2300‬إ�سرائيلي بجراح مختلفة �أكثر من ن�صفهم‬ ‫من الجنود‪.‬‬ ‫ً‬ ‫�صاروخا من القطاع‪� ،‬سقطت‬ ‫خالل الحرب تم �إطالق �أكثر من (‪)4500‬‬ ‫ً‬ ‫�صاروخا على مباني �إ�سرائيلية‪ ،‬في حين اعتر�ضت الق ّبة الحديدية (‪)708‬‬ ‫(‪)220‬‬ ‫(‪((7‬‬ ‫�صواريخ فقط من �إجمالي عدد ال�صواريخ ‪� .‬أثبتت الحرب �أن الق ّبة الحديدية‬ ‫التي كانت تباهي بها �أمام العالم ب�أن لها فاعلية عالية‪ ،‬لي�ست �سوى دعاية‪ ،‬مما‬ ‫حدا بالكثير من الدول التي كانت تنوي اقتنائها �إلى �إلغاء �صفقات ال�شراء‪.‬‬ ‫كتب «ريت�شارد فولك»(‪� :((7‬أنه «منذ بد�أت العملية الع�سكرية الإ�سرائيلية‬ ‫الكبيرة الأخيرة �ضد غزة في الثامن من يوليو‪ ،‬طرحت �أكثر من مرة فكرة �أن‬ ‫�إ�سرائيل مذنبة بارتكاب جرائم حرب‪ ،‬و�أنه يجب على فل�سطين �أن تبذل ق�صارى‬ ‫جهدها لدى المحكمة الجنائية الدولية لحملها على النظر في الأمر نيابة عنها‪.‬‬ ‫وهناك من الأدلة الدامغة ما يدعم المزاعم الفل�سطينية الأ�سا�سية‪ :‬ف�إ�سرائيل‬ ‫مذنبة �إما بالعدوان‪ ،‬وذلك بانتهاك ميثاق الأمم المتحدة‪� ،‬أو االنتهاك ال�صارخ‬ ‫اللتزاماتها كقوة محتلة بموجب معاهدة جنيف بحماية ال�سكان المدنيين لل�شعب‬ ‫الواقع تحت االحتالل‪ .‬ومذنبة با�ستخدامها القوة المفرطة �أو غير المتكافئة �ضد‬ ‫مجتمع ال يتمتع بالحماية في قطاع غزة‪ ،‬كما �أنها مذنبة و�ضمن �سل�سلة من الجنح‬ ‫الأخرى‪ ،‬بارتكاب جرائم �ضد الإن�سانية على �شكل فر�ض نظام تفرقة عن�صرية‬ ‫في ال�ضفة الغربية‪ ،‬ومن خالل نقل جمع من النا�س �إلى منطقة محتلة كما يتجلى‬ ‫من م�ضيها في م�شروع اال�ستيطان الهائل»(‪.((7‬‬ ‫(‪� ((7‬شبكة «قد�س الإخبارية»‪.2014/8/27 ،‬‬ ‫خا�صا لحقوق االن�سان الفل�سطيني في الأمم‬ ‫(‪� ((7‬أ�ستاذ القانون الدولي والعالقات الدولية‪ ،‬عمل مقر ًرا ً‬ ‫المتحدة منذ عام ‪.2008‬‬ ‫(‪ ((7‬موقع «عربي» ‪.2014/8/27 ،21‬‬

‫‪- 153 -‬‬

‫�صيف ‪2015‬‬


‫درا�سات ومقاالت‬

‫�أعلنت خم�س و�سبعون منظمة وم�ؤ�س�سة وكني�سة �أمريكية م�ؤيدة لحق‬ ‫الفل�سطينيين عن نيتها بعقد م�ؤتمر في �سياق فعاليات عام ‪ 2014‬للت�ضامن مع‬ ‫ال�شعب الفل�سطيني في �سان دييغو تحت مظلة «الحملة الأمريكية لإنهاء االحتالل»‪،‬‬ ‫المطالبة ب�إنهاء االحتالل الإ�سرائيلي لالرا�ضي الفل�سطيني(‪.((7‬‬ ‫�آراء بع�ض ُك ّتاب االحتالل والمح ّللين ال�سيا�سيين‬ ‫ذكرت �صحيفة «كري�ستيان �ساين�س مونيتور» الأمريكية في تقرير لها‬ ‫بعنوان «حما�س تك�شف عن تر�سانة �صواريخ �أكبر و�أف�ضل �ضد �إ�سرائيل»‪�« :‬أن‬ ‫حما�س خرجت بعد هدنة ا�ستمرت (‪� )19‬شه ًرا �أكثر قوة وذكاء و�أكثر فعالية‬ ‫� ً‬ ‫أي�ضا في �ضرب �إ�سرائيل و�إ�صابتها في المكان الذي ي�ؤلمها ويوجعها»(‪.((8‬‬ ‫وبر�أي «باروخ لي�شم» �أن من ر�أى في حملة «الجرف ال�صامد» معركة على‬ ‫«الوعي الفل�سطيني قد �أخط�أ على ما يبدو‪ .‬فال يمكن الف�صل بين جي�ش المقاتلين‬ ‫من حما�س وبين ال�سكان‪ ،‬حيث تنبع هذه المعادلة من �أمنية لدى االحتالل �أكثر‬ ‫مما تنبع من الو�ضع على الأر�ض‪ .‬ففي كل حروب غزة التي تكررت‪ ،‬نجد �أن‬ ‫التعاون كامل بين الميلي�شيات الع�سكرية وال�سكان المدنيين»‪ .‬ويقول «�إن حربنا‬ ‫�ضد الإرهاب الغزي هو في �أ�سا�سه معركة على وعي الإ�سرائيليين»‪.‬‬ ‫�أما «نقطة �ضعفنا هي في �صعوبة احتمال خ�سائر في الجنود وفي موقفنا‬ ‫االن�ساني من حياة مدنيي العدو»(‪.((8‬‬ ‫�إن �إقرار رئي�س جي�ش الإحتالل الأ�سبق �شا�ؤول موفاز بف�شل جي�شه وبانت�صار‬ ‫المقاومة في غزة‪ ،‬ونجاحها في ج ّر االحتالل �إلى حرب ا�ستنزاف‪ ،‬لهو دليل على‬ ‫انت�صار المقاومة في هذه المواجهة‪ ،‬حيث فقدت �إ�سرائيل ال�شعور بالأمن على‬ ‫نحو خطير‪ ،‬وفقدان ثقة ال�سكان وخا�صة لدى �سكان الجنوب بقدرة الجي�ش على‬ ‫حمايتهم(‪.((8‬‬ ‫(‪� ((7‬شبكة «قد�س االخبارية»‪.2014/9/17 ،‬‬ ‫(‪« ((8‬الغد»‪.2014/7/16 ،‬‬ ‫(‪« ((8‬القد�س العربي» ‪.2014/8/19‬‬ ‫(‪« ((8‬القد�س»‪.2014/8/10 ،‬‬ ‫املنتـ ــدى ‪262‬‬

‫‪- 154 -‬‬


‫قراءة في وقائع الحرب الإ�سرائيلية الثالثة على غزة (‪ 8‬تموز‪ /‬يوليو ‪� 26 – 2014‬آب‪� /‬أغ�سط�س ‪)2014‬‬ ‫�أة‪ .‬عبير محمد ا�سماعيل‬

‫�أما قائد المنطقة الجنوبية �سامي ترجمان في�ؤكد‪�« :‬أنه ال توجد تقنية معينة‬ ‫في العالم يمكن �أن تق�ضي على الأنفاق المنت�شرة في قطاع غزة»‪ .‬و�أ�ضاف‪�« :‬أن‬ ‫الجي�ش اكت�شف قبل العملية على القطاع �أربعة �أنفاق»(‪.((8‬‬ ‫بع�ض المالمح التي �أعقبت الهدنة قبل الأخيرة وما بعد الهدنة الأخيرة في ‪2014/8/26‬‬ ‫�أعلنت كتاب ال�شهيد عز الدين الق�سام ببيان م�س�ؤوليتها عن ق�صف مدن‬ ‫عدة في العمق الإ�سرائيلي ردًا على المجزرة التي ارتكبها االحتالل في منزل‬ ‫عائلة الدلو نتيجة خرقه لوقف �إطالق النار(‪.((8‬‬ ‫ا�ستدعى االحتالل (‪ )2000‬جندي احتياط �إلى محيط غزة‪ ،‬وذلك بعد‬ ‫مرور �أقل من يوم على ا�ستئناف الهجمات الجوية‪ ،‬بعد تعثر مباحثات وقف‬ ‫�إطالق النار في القاهرة‪ .‬وكان قد �شارك (‪� )82‬ألف جندي احتياط في الحرب‬ ‫التي �ش ّنها االحتالل على غزة قبل بدء المفاو�ضات‪ ،‬وتم ت�سريح (‪� )27‬ألف منهم‪،‬‬ ‫وبقي منهم (‪� )55‬ألف جندي �آخر(‪.((8‬‬ ‫الخال�صة‬ ‫وبعد مرور �أكثر من �شهر على انتهاء الحرب‪ ،‬لم ُت�ست�أنف المفاو�ضات مرة‬ ‫�أخرى في القاهرة كما كان مرت ًبا لها (�أي في ‪)2014/9/26‬؛ وا�ستم ّر االحتالل‬ ‫ُيمعن في توغالته في �أرا�ضي القطاع وينتهك الهدنة الموقعة بين الطرفين‪� ،‬إما‬ ‫بمالحقة ال�صيادين واعتقال عدد منهم‪ ،‬و�إما بمنعهم من ال�صيد في المياة‬ ‫الإقليمية على بعد (‪ )6‬ميل بحري‪ .‬وال يزال معبر رفح مغل ًقا �إال في �أوقات معينة‪،‬‬ ‫وك�أن الحرب لم تقم وتنتهي �إال لكي تقتل وتدمر فقط‪.‬‬

‫(‪« ((8‬المدينة»‪.2014/8/10 ،‬‬ ‫(‪ ((8‬الن�ص الكامل جريدة «الغد» الأردنية ‪.2014/8/19‬‬ ‫(‪� ((8‬شبكة «راية» الإعالمية ‪.2014/8/20‬‬

‫‪- 155 -‬‬

‫�صيف ‪2015‬‬


‫درا�سات ومقاالت‬

‫و�أعلنت حكومة االحتالل الإ�سرائيلي قطاع غزة على �أنه «منطقة عدو»‬ ‫من �أجل تفادي تعوي�ض �سكانه الذين لحقت بهم �أ�ضرار هائلة جراء العدوان‪.‬‬ ‫كما فعلت في �أيلول عام ‪ ،2007‬حيث �أعلنت القطاع «منطقة معادية» وفر�ضت‬ ‫قيودًا على حركة �سكانه وجرى تقلي�ص حجم الب�ضائع الداخلة للقطاع وخا�صة‬ ‫الوقود(‪.((8‬‬ ‫وعلى الرغم من �أن الم�صالحة الفل�سطينية قد ا�ست�ؤنفت مرة �أخرى في‬ ‫القاهرة‪ ،‬وتم االتفاق على بع�ض العناوين الرئي�سية‪� ،‬إال �أن الأمور داخل القطاع‬ ‫لم تتحلحل بعد‪ ،‬فال�سكان الذين د ّمرت منازلهم ال زالوا ي�سكنون المدار�س‪ ،‬التي‬ ‫ُحرم الأطفال من الدرا�سة فيها ‪ -‬و�إن كان هناك نية لعقد م�ؤتمر للمانحين للبدء‬ ‫ب�أعمال البناء‪ -‬لكن هذه العملية �ستحتاج وقتًا طوي ًال‪ .‬و�صرف رواتب الموظفين‬ ‫ال يزال يراوح مكانه‪ ،‬و�إن كانت هناك وعود بال�صرف قري ًبا‪.‬‬ ‫ولو �أن هناك موق ًفا عرب ًيا داعم�أً في ظل هذا الموقف الدولي المتغير من‬

‫حقوق المقاومة و�أهالي فل�سطين لأحرزت ق�ضية فل�سطين من نتائج ما لم تحرزه‬ ‫في تاريخها‪ ،‬لكن الم�شكلة هي في التق�صير العربي الوا�ضح‪ ،‬فهذه المواقف‬ ‫�ضغطا غير م�سبوق على �إ�سرائيل لو �صادفت ً‬ ‫الغربية كان يمكن �أن ت�شكل ً‬ ‫�ضغطا‬ ‫عرب ًيا مواز ًيا‪ ،‬لقد نجحت المقاومة وقيادتها ال�سيا�سية في �شغل العالم بق�ضية‬ ‫فل�سطين مرة �أخرى وك�سب تعاطفه(‪.((8‬‬

‫يقول فهمي هويدي‪�« :‬إن تقاع�س ال�سلطة الفل�سطينية عن االن�ضمام �إلى‬ ‫معاهدة روما‪ ،‬بما ي�سمح لها باللجوء �إلى المحكمة الجنائية الدولية لمحا�سبة‬ ‫الم�س�ؤولين الإ�سرائيليين على �سجل جرائمهم الحافل؛ �إذ لي�س معقو ًال ولي�س مبر ًرا‬ ‫(‪� ((8‬شبكة «قد�س»‪.2014/9/21 ،‬‬ ‫(‪� ((8‬أحمد من�صور‪« :‬خ�سائر �إ�سرائيل الخارجية»‪ ،‬موقع «ال�شبيبة» الإلكتروني‪.2014/8/18 ،‬‬ ‫املنتـ ــدى ‪262‬‬

‫‪- 156 -‬‬


‫قراءة في وقائع الحرب الإ�سرائيلية الثالثة على غزة (‪ 8‬تموز‪ /‬يوليو ‪� 26 – 2014‬آب‪� /‬أغ�سط�س ‪)2014‬‬ ‫�أة‪ .‬عبير محمد ا�سماعيل‬

‫�أن تمار�س �إ�سرائيل كل تلك الجرائم والفظائع‪ ،‬وال يكون بمقدور الفل�سطينيين‬ ‫محاكمتها وف�ضحها �أمام العالم‪.((8(»...‬‬ ‫�أظهر ا�ستطالع للر�أي �أن (‪ )%80‬من الفل�سطينيين ي�ؤيدون معاودة �إطالق‬ ‫ال�صواريخ من قطاع غزة على م�ستوطنات االحتالل ومدن الداخل في حال عدم‬ ‫رفع الح�صار عن القطاع(‪.((8‬‬ ‫�إذا كان هدف العدوان هو عزل حما�س وك�سر ثقافة المقاومة وتركيع �أبناء‬ ‫القطاع‪ ،‬فقد ف�شل العدوان في ذلك‪ .‬وفي المقابل �أدى �إلى عزل �أ�صدقاء �إ�سرائيل‬ ‫المفتر�ضين‪ ،‬وعزَّز مكانة المقاومة(‪.((9‬‬ ‫�إن هذه الحرب هي �أطول حرب خا�ضتها دولة االحتالل الإ�سرائيلي منذ‬ ‫ت�أ�سي�سها‪ ،‬ولم تكن لتنجح لوال �صمود ال�شعب الفل�سطيني في قطاع غزة في‬ ‫مواجهة العدوان‪ ،‬الذي ُيع ّد �أحد �أهم مكونات االنت�صار‪ ،‬بل المكون الرئي�سي‬ ‫لالنت�صار‪ ،‬فال�صمود ال يمكن تحقيقه دون توفر �إرادة النا�س‪ ،‬ودون ت�ضحيات‬ ‫و�شهداء و�أبطال‪.‬‬ ‫و�سيذكر التاريخ �أن �شع ًبا �صغي ًرا محا�ص ًرا منذ ع�شر �سنوات يفتقد �إلى‬ ‫واع كل الوعي بخياره‪،‬‬ ‫�أب�سط مقومات الحياة الكريمة ملتح ًما بكتائبه القتالية هو ٍ‬ ‫ووف ًقا لل�شهداء وللأر�ض والتاريخ والمبادرة والمقد�سات‪ ،‬وا�ستطاع �أن يعيد الأمل‬ ‫لجميع الأحرار ب�أن تحرير فل�سطين لم يعد م�ستحي ًال(‪.((9‬‬ ‫(‪ ((8‬فهمي هويدي‪« :‬ف�صل فل�سطيني في كتاب الده�شة العربية»‪ ،‬موقع «الجزيرة نت» الإلكتروني‪،‬‬ ‫‪.2014/8/19‬‬ ‫(‪ ((8‬جريدة «القد�س»‪.2014/9/30 ،‬‬ ‫(‪ ((9‬عبد الباري عطوان‪« ،‬العرب اليوم»‪.2014/7/13 ،‬‬ ‫(‪� ((9‬سالم البي�ض‪« :‬ملحمة غزة التي قلبت المعادلة اال�ستراتيجية»‪ ،‬موقع «الجزيرة نت»‪،‬‬ ‫‪.2014/8/15‬‬

‫‪- 157 -‬‬

‫�صيف ‪2015‬‬


‫درا�سات ومقاالت‬

‫وكما يرى با�سم الطوي�سي في مقالة له تحت عنوان «الحرب الفل�سطينية‪-‬‬ ‫الإ�سرائيلية الأولى»‪�« :‬إن ما يجري في غزة هو الحرب الفل�سطينية ‪ -‬الإ�سرائيلية‬ ‫الأولى في تاريخ ال�صراع حول فل�سطين التاريخية(‪.((9‬‬ ‫في الختام �أطرح ت�سا�ؤ ًال‪ ،‬بعد الهدنة‪ ،‬والتي لم ي�شعر �أهل القطاع ب�أن‬ ‫الأو�ضاع قد تغيرت عما كانت عليه ع�شية الحرب �إال بزيادة الدمار والح�صار‬ ‫والقتل والت�شريد‪� .‬أما بعد ان�شغال العالم بحربه الجديدة على الدولة الإ�سالمية في‬ ‫�سوريا والعراق‪ ،‬وان�شغالهم عن قطاع غزة وما يحدث فيها‪ .‬ما هي ال�سيناريوهات‬ ‫المتوقعة في الأيام والأ�شهر القادمة؟ وحدها الأيام المقبلة �ستجيب على هذا‬ ‫ال�س�ؤال!‬ ‫(المعلومات الموجودة �ضمن التقرير حتى تاريخ ‪)2014/10/8‬‬

‫(‪ ((9‬جريدة «الغد»‪.2014/8/26 ،‬‬ ‫املنتـ ــدى ‪262‬‬

‫‪- 158 -‬‬


‫متـــابعــــــــات‬

‫عربي)‬ ‫(نحو ميثاق ثقاف ّـي ّ‬



‫العربي‬ ‫الثقافي‬ ‫التّكامل‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫�أ‪ .‬ثابت الطاهر‬

‫*‬

‫متهيد‬ ‫لئن كان الوطن العربي يف معظم �أقطاره يعاين من حالة تتّ�سم بعدم‬ ‫احلراك ال�شعبي – �أو ما �س ّمي الربيع العربي ‪ -‬منذ عام‬ ‫اال�ستقرار ال�سيا�سي منذ بدء ِ‬ ‫‪2011‬؛ و�إذا كانت كل املحاوالت التي بذلتها الدول العربية منذ �أواخر اخلم�سينيات‬ ‫لإقامة وحدة اقت�صادية عربية‪� ،‬أو �سوق عربية م�شرتكة مل ّ‬ ‫تتمخ�ض عن النجاح‬ ‫الذي كان يتط َّلع �إليه املواطن العربي من �أجل �إقامة تكتل اقت�صادي عربي؛ ومبا‬ ‫�أن اخلالفات ال�سيا�سية ‪ -‬و�سيا�سة �إزدواج املعايري التي اتبعت وتتبع يف بع�ض‬ ‫احلاالت ‪ -‬مل مت ّكن من توحيد مواقفنا ال�سيا�سية‪ ،‬بل جعلت ال�سيا�سي يت ّلون ح�سب‬ ‫املتغريات والتالوين ال�سيا�سية من حني �إىل �آخر؛ و�إذا كان املواطن العربي ي�شكو‬ ‫من املمار�سات التي �أُل ِب َ�ست لبا�س الدميوقراطية يف بع�ض الأقطار‪ ،‬وكانت نتيجتها‬ ‫ما �شهدناه يف بع�ض الأقطار العربية من ف�ساد وحرمان من العدالة االجتماعية‬ ‫و�أب�سط حقوق الإن�سان – هذه الأمور التي كانت �سب ًبا يف احلراك ال�شعبي الذي‬ ‫�شهدناه يف بع�ض الأقطار العربية‪� ...‬إذا كان حالنا كذلك‪ ،‬ف�إن املواطن العربي‬ ‫ي�شعر ب�ضرورة االهتمام بالثقافة العربية‪ ،‬باعتبارها �آخر احل�صون يف مواجهة‬ ‫الهيمنة الغربية من جهة‪ ،‬والفو�ضى الداخلية من جهة اخرى‪ ،‬مع ت�أكيد دور‬ ‫املثقف العربي باعتباره �آخر الفر�سان يف امليدان‪.‬‬ ‫* وزير �سابق‪ ،‬وع�ضو منتدى الفكر العربي‪ /‬الأردنّ ‪.‬‬

‫‪- 161 -‬‬

‫�صيف ‪2015‬‬


‫عربي)‬ ‫ثقافـي‬ ‫متابعات (نحو ميثاق‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬

‫و�إذا كان االقت�صادي العربي قد �أخفق يف حماوالته العتبارات قطرية‬ ‫�أو �سيا�سية‪ ،‬و�إذا ك ّنا قد �أخفقنا يف حتقيق تكامل اقت�صادي عربي‪ ،‬و�إذا كانت‬ ‫اخلالفات ال�سيا�سية مل مت ّكنا من توحيد مواقفنا ال�سيا�سية‪ ،‬ف�إن املثقف امللتزم‬ ‫امل�ؤمن بر�سالته واحلري�ص على حرية ر�أيه وكرامته‪ ،‬هو الذي بقي ً‬ ‫قاب�ضا على‬ ‫جمر ال ُهو ّية واخل�صو�صية العربية‪ ،‬يف زمن عزَّت فيه اخل�صو�صيات‪ ،‬وانت ُِه َكت‬ ‫احلرمات‪ ،‬واغتيلت احلر ّيات‪ ،‬مع مالحظة �أنه «حتى ميكن للثقافة �أن ت�ؤدي‬ ‫دورها‪ ،‬وحت ّرر الوعي املعريف‪ ،‬وتنقذه من اخلواء الروحي وال�ضالل‪ ،‬وتدفع‬ ‫مناخ‬ ‫الإن�سان العربي يف طريق العلم واحل�ضارة‪ ،‬فال بد لها من �أن تنمو يف ٍ‬ ‫�سهم يف توفري الوعي‬ ‫من احلرية واملمار�سة الدميوقراطية»؛ ومن خالل حوار ُي ِ‬ ‫ال�صحيح بق�ضايانا املختلفة‪ ،‬ومي ِّكن املثقف من القيام بدوره يف توعية املواطنني‬ ‫بالتحديات التي نواجهها على امل�ستويات كافة؛ و�سبل مواجهتها‪.‬‬ ‫من هنا تربز �أهمية الثقافة والعمل الثقايف‪ ،‬وال�سعي نحو حتقيق تكامل‬ ‫ثقايف عربي ميكن �أن ُي�سهم يف توفري الأر�ضية املنا�سبة للتعاون يف جماالت �أخرى‬ ‫يف امل�ستقبل‪ ،‬وال �سيما �أن الثقافة العربية من �أغنى الثقافات العاملية و�أه ّمها‪،‬‬ ‫وحك ًما وخط ًبا و�أمثا ًال‪،‬‬ ‫تر�سخت جذورها قبل الإ�سالم لغ ًة م�شرق ًة‪ِ ،‬‬ ‫فبعد �أن َّ‬ ‫و�شع ًرا جت َّلت فيه العبقرية العربية‪ ،‬وكانت �صورة حلياة العرب ومر�آة تفكريهم‬ ‫معان �سامية‪،‬‬ ‫وم�شاعرهم وم�سرح خيالهم‪ ،‬تنزَّل القر�آن الكرمي بالعربية ف�أغناها ٍ‬ ‫وبيا ًنا رائ ًعا‪ ،‬وفتح لها ُ�سبل االنت�شار يف م�شارق الأر�ض ومغاربها‪ .‬فقد كان �أول‬ ‫تكليف نزل على ر�سول اهلل ‪ ‬هو �أهم �أُ�س�س التثقيف والعلم متمثل ًة بكلمة «�إقر�أ»‬ ‫ا�س ِم َر ِّب َك ا َّل ِذي َخ َلقَ ‪َ ‬خ َلقَ ْ ِإ‬ ‫ال ْن َ�سانَ ِمنْ‬ ‫يف �سورة ال َع َلق‪ ،‬التي جاء فيها‪ :‬ا ْق َر�أْ ِب ْ‬ ‫ال ْن َ�سانَ َما لمَ ْ َي ْع َل ْم) (العلق‪:‬‬ ‫ال ْك َر ُم ‪‬ا َّل ِذي َع َّل َم ِبا ْل َق َل ِم ‪َ ‬ع َّل َم ِْ إ‬ ‫َع َل ٍق ‪ ‬ا ْق َر�أْ َو َر ُّب َك َْ أ‬ ‫�آية ‪.5-1‬‬ ‫فهذه الآيات الكرمية تع َّددت فيها كلمة اقر�أ �إىل جانب العلم والقلم‪.‬‬ ‫�ص عليها يف‬ ‫و�إ�ضاف ًة �إىل �أن هذه املفاهيم من املك ّونات الرئي�سة للثقافة‪ ،‬ف�إن ال ّن ّ‬ ‫القر�آن الكرمي ي� ِّؤ�شر على مدى ت�أثر الثقافة العربية بالإ�سالم‪.‬‬ ‫املنتـ ــدى ‪262‬‬

‫‪- 162 -‬‬


‫العربي‬ ‫الثقافي‬ ‫التّكامل‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫�أ‪ .‬ثابت الطاهر‬

‫�إنَّ اللغة مت ِّثل هُ و ّية الأ ّمة‪ ،‬وتعترب الوعاء للفكر والرتاث مبختلف �أ�شكالهما‪.‬‬ ‫لذا‪ ،‬ف�إننا عندما نتك َّلم عن الثقافة العربية‪ ،‬فال بد �أن نبد�أ باحلديث عن اللغة‬ ‫العربية‪ ،‬باعتبارها الركيزة الأ�سا�سية لثقافتنا‪ .‬ويف هذا ال�سياق ال بد من ت�أكيد‬ ‫بل�سان‬ ‫حرمة وقدا�سة اللغة العربية باعتبارها حا�ضنة القر�آن الكرمي الذي نزل ٍ‬ ‫عربي مبني ‪�ِ ‬إ َّنا �أَ ْنزَ ْل َنا ُه ُق ْر�آ ًنا َع َر ِب ًّيا‪�( ‬سورة يو�سف‪ :‬الآية ‪ .)113‬وبالتايل يجب‬ ‫احرتام اللغة العربية بو�صفها �أولوية يف كل مناحي احلياة‪ .‬ومن امل�ؤ�سف �أنه �شاع‬ ‫ومنذ فرتة لي�ست وجيزة ا�ستعمال اللغات غري العربية يف التخاطب وقطاع الأعمال‬ ‫والقطاع الطبي والتوا�صل االجتماعي على ال�شبكة العنكبوتية (الإنرتنت)‪ .‬وحتى‬ ‫يف البيوت مع اخلدم الذين يلقنون الأطفال لغة غريبة هجينة‪ ،‬فال هي بالعربية‬ ‫ال�سليمة وال بالإجنليزية ال�سليمة‪ .‬وال نن�سى املحالت التجارية التي تتباهى‬ ‫بالأ�سماء الأجنبية وكتابتها بلغات غري عربية‪ .‬والأمر ذاته ين�سحب على املدار�س‬ ‫واجلامعات العربية �إذ لي�س هناك عناية كافية باللغة العربية‪.‬‬ ‫وفيما يت�صل بالدين‪ ،‬فكل الثقافات مدينة للأديان يف تكوينها وتوجيهها‪،‬‬ ‫كما هو وا�ضح يف ثقافات ال�شرق والغرب‪ ،‬وال �سيما الإ�سالم الذي ترك ت�أثريه‬ ‫العميق وال�شامل يف ثقافة �أ ّمتنا العربية عن طريق عقائده الإميانية‪ ،‬وقيمه‬ ‫اخللقية‪ ،‬و�أحكامه الت�شريعية‪ ،‬و�آدابه العملية‪ ،‬ومفاهيمه النظرية‪.‬‬ ‫ماهو التكامل الثقايف العربي؟‬ ‫قبل التحدث عن التكامل الثقايف‪ ،‬ال بد من التحدث عن الثقافة ومفاهيمها‬ ‫وتعريفاتها‪ .‬وقد وردت تعريفات كثرية ملفهوم الثقافة ال جمال ال�ستعرا�ضها ك ّلها‪،‬‬ ‫ولكني �أرى من املنا�سب الإ�شارة يف هذا املجال �إىل بع�ض هذه التعريفات لبيان مدى‬ ‫ت�أثريها �أو ارتباطها مبفهوم التكامل الثقايف‪ .‬فقد ذكر الدكتور عادل الطوي�سي‬ ‫�أنه ر�صد من خالل الإنرتنت ما ال يقل عن ثالثمئة تعريف للثقافة‪� ،‬أق�صرها‬ ‫و�أكرثها داللة التعريف الذي يقول «�إن الثقافة هي طريقة العي�ش والتفكري» (‪)1‬؛‬ ‫‪- 163 -‬‬

‫�صيف ‪2015‬‬


‫عربي)‬ ‫ثقافـي‬ ‫متابعات (نحو ميثاق‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬

‫على اعتبار �أن هذا التعريف يجمع على ب�ساطته جانبي الثقافة الروحية كاللغة‬ ‫والدين والعادات والتقاليد‪ ،‬واملادي امللمو�س كامل�سكن وامللب�س وامل�شرب‪ ،‬وغريها‪.‬‬ ‫وكان �إدوارد تيلر قد و�ضع يف كتابه «الثقافة البدائية»‪ ،‬الذي ُن�شر عام‬ ‫‪� ،1871‬أول تعريف �شامل للثقافة؛ �إذ ع ّرفها ب�أنها «ذلك الك ّل املر ّكب الذي ي�شتمل‬ ‫على املعرفة والق�صائد والفن والأخالق والقانون وال ُعرف‪ ،‬وكل القدرات والعادات‬ ‫الأخرى التي يكت�سبها الإن�سان من حيث هو ع�ضو يف جت ّمع»‪.‬‬ ‫وع ّرفها مالك بن نبي يف كتابه «م�شكالت احل�ضارة‪ :‬م�شكلة الثقافة»‪،‬‬ ‫ال�صادر عام ‪� -1959‬ص(‪ ،)74‬ب�أنها «جمموعة ال�صفات اخللقية والقيم‬ ‫االجتماعية التي ت�ؤثر يف الفرد منذ والدته وت�صبح ال �شعور ًيا العالقة التي تربط‬ ‫�سلوكه ب�أ�سلوب احلياة يف الو�سط الذي ولد فيه»‪.‬‬ ‫ويف �شرحه ملفهوم هذا التعريف يقول الأ�ستاذ فهمي هويدي ب�أن «الثقافة‬ ‫هي املحيط الذي ي�شكل فيه الفرد طباعه و�شخ�صيته‪ ،‬واملحيط الذي يعك�س‬ ‫ح�ضارة معينة‪ ،‬وهذا ي�ضم بني دفتيه فل�سفة الإن�سان وفل�سفة املجتمع – �أي‬ ‫معطيات الإن�سان ومعطيات املجتمع»‪.‬‬ ‫ويع ّرف الدكتور حممد عابد اجلابري الثقافة ب�أنها «جمموعة املعارف‬ ‫واالعتقادات والقيم والأخالق والعادات التي يكت�سبها املرء جراء انتمائه �إىل‬ ‫جماعة من اجلماعات»‪.‬‬ ‫ويعرف الدكتور �إبراهيم بدران الثقافة ب�أنها «خال�صة احلالة الذهنية‬ ‫والنف�سية وال�سلوكية للفرد �أو املجموعة‪ ،‬والتي انبثقت عن التعليم واملعرفة‬ ‫(‪)2‬‬ ‫والعادات والتقاليد واملعتقدات والتاريخ واملهن والإعالم والو�ضع االجتماعي‪».‬‬ ‫�أما الدكتور �صالح جرار فيقول يف تعريف الثقافة ب�أنها «جامع ٌة للرتب ّية‬ ‫والدين والأخالق والقيم وال�سلوك واملبادئ والرتاث والعلم واملعرفة بو�سائلها‬ ‫املنتـ ــدى ‪262‬‬

‫‪- 164 -‬‬


‫العربي‬ ‫الثقافي‬ ‫التّكامل‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫�أ‪ .‬ثابت الطاهر‬

‫املختلفة‪ ،‬وما دامت الثقافة جامعة لكل هذه العنا�صر‪ ،‬ف�إنها يف املح�صلة قادرة‬ ‫على �ضبط �إيقاع هذه العنا�صر كافة والربط بينها وتفعيل عنا�صر القوة الكامنة‬ ‫فيها للنهو�ض بالأ ّمة و�إعادة ثقتها بنف�سها‪ ،‬وتفعيل حمركات التق ّدم والبناء‬ ‫(‪)3‬‬ ‫والنهو�ض ومقومات املنعة وال�صمود والقدرة على مواجهة التحديات»‪.‬‬ ‫وعرفها �آخرون ب�أنها «�أ�سلوب حياة �أي �شعب من ال�شعوب بكل ما مييزه من‬ ‫تقاليد و�أعراف وقيم وفولكلوريات م�شرتكة»‪.‬‬ ‫مفهوما �آخر للثقافة يرى ب�أنها «�أ�سلوب تربوي‬ ‫ويواجه هذا «التعريف»‬ ‫ً‬ ‫وفكري مييز بع�ض النخب يف املجتمع‪ ،‬بكل ما تت�صف به تلك النخب املثقفة التي‬ ‫ميثلها املثقفون احلقيقيون يف املجتمع»‪.‬‬ ‫وبنا ًء على ما تق َّدم‪ ،‬ف�إنه �إذا كانت الثقافة متثل �أ�سلوب حياة للمجتمع‪،‬‬ ‫ف�إنها تعبري عن واقع هذا املجتمع‪.‬‬ ‫وكنت قد عرفت الثقافة يف حديث �سابق ب�أنها «علم وفكر ومعرفة وتفاعل‬ ‫مع ق�ضايا املجتمع الفكرية واالجتماعية واالقت�صادية وال�سيا�سية»‪ ،‬على اعتبار �أن‬ ‫الثقافة متثل العالقة املتبادلة بني �سلوك الفرد و�أ�سلوب احلياة يف جمتمع معني‪،‬‬ ‫وبالتايل فهي انعكا�س للمجتمع‪ ،‬كما ذكر مالك بن نبي يف كتابه امل�شار �إليه �آن ًفا‪.‬‬ ‫بعد كل ما تقدم‪ ،‬ال منلك �إال �أن نت�ساءل‪ :‬هل للأمة العربية ثقافة واحدة؟ �أم‬ ‫ثقافات متعددة مت�صاحلة �أو متنافرة؟ �أم ثقافات جامعة �أم مفرقة؟‬ ‫نعم هناك ثقافات عربية متعددة مت�صاحلة وجامعة �أحيا ًنا‪ ،‬ومتنافرة‬ ‫و ُمف ّرقة �أحيا ًنا �أخرى‪ ،‬لكن هناك عامل م�شرتك بينها وجامع لها وهو اللغة‬ ‫العربية‪ ،‬باعتبارها و�سيلة التفكري والتعبري‪ ،‬ولكونها ترتبط بتاريخنا وثقافتنا‬ ‫ن�صت د�ساتري الدول العربية على �أن اللغة العربية هي اللغة الر�سمية‬ ‫وهويتنا‪� ،‬إذ َّ‬ ‫للدولة‪.‬‬ ‫‪- 165 -‬‬

‫�صيف ‪2015‬‬


‫عربي)‬ ‫ثقافـي‬ ‫متابعات (نحو ميثاق‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬

‫بنا ًء على ذلك �أرى �أن بو�سع اللغة العربية �أن ت�ش ِّكل منطل ًقا فاع ًال للتوحيد‬ ‫الثقايف العربي‪ ،‬الذي ميكن �أن يقود بدوره �إىل �شكل من �أ�شكال التكامل‪� ،‬أو حتى‬ ‫التن�سيق ال�سيا�سي واالقت�صادي �إذا مت التعامل مع هذا الأمر بحكمة من جانب‬ ‫املثقفني العرب‪.‬‬ ‫لكن‪� ،‬إذا اعتربنا الثقافة �أ�سلوب حياة للمجتمع‪ ،‬ف�إن االختالف يف طبيعة‬ ‫مك ّونات املجتمعات والعوامل التي ت�ؤثر على ذلك‪ ،‬قد ت�ؤدي �إىل تنافر واختالف �أو‬ ‫ثورات ثقافية‪ ،‬كالثورة الثقافية يف ال�صني‪� ،‬أو املظاهرات التي قام بها املثقفون يف‬ ‫فرن�سا‪� ،‬أو حركات املثقفني يف �أمريكا الالتينية‪� ،‬أو معار�ضة املثقفني يف االحتاد‬ ‫ال�سوفييتي �ساب ًقا‪ ،‬وغريها‪.‬‬ ‫ولكن‪� ...‬إذا عدنا بعد ذلك للثقافة العربية‪ ،‬واحلديث عن التكامل الثقايف‬ ‫العربي‪ ،‬فيهمني �أن �أ�ؤكد بداية �أن التكامل الثقايف العربي ‪ -‬ب�شقيه الأدبي بفروعه‬ ‫كافة‪ ،‬والإعالمي مبجاالته املتعددة ‪ -‬ال يقل �أهمية عن التكامل االقت�صادي‬ ‫العربي‪ ،‬وال يقل خطورة عن الأمن الغذائي واملائي والدوائي‪ ،‬باعتباره الركيزة‬ ‫احل�ضارية الأ�سا�سية لبناء ال�شخ�صية العربية واملواطن العربي‪ ،‬ولتحقيق‬ ‫اال�ستقرار للأ�سرة واملجتمع والدولة بجميع مك ّوناتها‪ ،‬وبالتايل للوطن العربي‬ ‫ب�أكمله‪ .‬فالثقافة العربية ب�سائر مك ّوناتها و�أدواتها يجب �أن ت�ش ِّكل عامل جمع‬ ‫ووحدة للأمة العربية من حميطها �إىل خليجها – على الرغم مما �أ�شرت �إليه من‬ ‫اختالف يف مكونات املجتمع العربي ‪ -‬وذلك لتوافر كل عوامل التكامل الثقايف‬ ‫لديها‪ .‬فمنذ بداية خم�سينيات القرن املا�ضي ك ّنا يف �شبابنا نتابع �أفالم ال�سينما‬ ‫امل�صرية ونقر�أ �شعر �شوقي وحافظ امل�صريني‪ ،‬و�أبو القا�سم ال�شابي التون�سي‪ ،‬و�إيليا‬ ‫�أبو ما�ضي و�سعيد عقل وميخائيل نعيمة اللبنانيني‪ ،‬واليا�س قن�صل ونزار قباين‬ ‫وعمر �أبو ري�شة ال�سوريني‪ ،‬ومعروف الر�صايف والزهاوي العراقيني‪ ،‬و�إبراهيم‬ ‫طوقان وعبد الرحيم حممود و�أبو �سلمى الفل�سطينيني‪ ،‬واملقالح اليمني‪ ،‬وروايات‬ ‫جنيب حمفوظ‪ ،‬وكتب طه ح�سني والعقاد امل�صريني‪ ،‬والطيب �صالح ال�سوداين‪.‬‬ ‫املنتـ ــدى ‪262‬‬

‫‪- 166 -‬‬


‫العربي‬ ‫الثقافي‬ ‫التّكامل‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫�أ‪ .‬ثابت الطاهر‬

‫ون�ستمع للأغاين العربية من كل قطر عربي‪ ،‬ونطالع الق�ص�ص والرتاجم لل�شعراء‬ ‫والأدباء العرب املعا�صرين والقدماء‪ .‬وكانت مناهج املدار�س تتميز بوجود �إرث‬ ‫ثقايف عربي من ال�شعر العربي اجلاهلي‪ ،‬ومن �شعر و�أدب ع�صر الإ�سالم‪ ،‬وكذلك‬ ‫�شعر و�أدب الع�صر احلديث‪ ،‬مع املوروث الثقايف الديني مبكونيه القر�آن الكرمي‬ ‫وال�سنة املطهرة‪� ،‬إ�ضافة �إىل تاريخ العرب وامل�سلمني والعلوم والآداب التي �أبدعوا‬ ‫فيها‪ .‬ويف الع�صر احلديث قر�أنا عن جماهدين �ضد اال�ستعمار‪ ،‬مثل عبد الكرمي‬ ‫اخلطابي املغربي‪ ،‬وعبد القادر اجلزائري وثوار اجلزائر‪ ،‬وعمر املختار الليبي‪،‬‬ ‫مرو ًرا بعرابي امل�صري ويو�سف العظمة ال�سوري‪ ،‬والثورة العربية الكربى التي‬ ‫انطلقت من احلجاز‪ ،‬وعن جماهدي فل�سطني‪ .‬ودر�سنا ثقافة اجلغرافيا للوطن‬ ‫العربي مبوقعه املتو�سط بني ثالث قارات‪ ،‬ومبدنه و�سواحله وت�ضاري�سه‪ ،‬وثرواته‬ ‫و�أهميته اال�سرتاتيجية والأطماع الأجنبية التي تتهدده‪.‬‬ ‫ويف املقابل‪ ،‬فقد مرت فرتة طويلة مل يكن �أدباء و�شعوب امل�شرق العربي‬ ‫يطلعون على �أدب وثقافة املغرب العربي وبالعك�س‪ ،‬ب�سبب فرتة اال�ستعمار الطويلة‪،‬‬ ‫وعدم ال�سماح بتدري�س اللغة العربية يف املدار�س‪ ،‬وفر�ض تدري�س اللغة الفرن�سية‬ ‫فيها‪ ،‬وان�شغال ال�شعب العربي يف �شمايل �إفريقيا بالتخل�ص من اال�ستعمار‪ ،‬الأمر‬ ‫�شح الإنتاج الأدبي والثقايف ب�سبب ذلك‪� ،‬إ�ضافة �إىل البعد اجلغرايف‬ ‫الذي �أدى �إىل ّ‬ ‫ن�سب ًيا وتخ ّلف و�سائل النقل‪ ،‬مما خلق حالة انف�صام واغرتاب ثقايف ولغوي وفجوة‬ ‫توا�صل بني ال�شعوب العربية‪ ،‬وبالتايل‪ ،‬تر�سخت اللهجات املحلية التي ما زالت‬ ‫ت�سود يف تلك املنطقة‪ .‬وهذه احلالة ا�ستغرقت فرتة طويلة حتى تقل�صت و�إن‬ ‫متاما حتى الآن‪ .‬وقد �ساعدت و�سائل الإعالم احلديثة والف�ضائيات‬ ‫مل تختف ً‬ ‫وامل�ؤمترات والندوات واللقاءات الفكرية بني الأدباء والكتاب والإعالميني العرب‬ ‫من املنطقتني على ردم الهوة الثقافية التي كانت قائمة حتى عدة عقود خلت‪.‬‬ ‫�إن تكوين املخزون الثقايف للمرء العربي يبد�أ معه منذ نعومة �أظفاره‪ ،‬من‬ ‫خالل الق�ص�ص والروايات واحلواديت والأغاين التي ترددها الأمهات واجلدات‬ ‫لأطفالهم و�أحفادهم ومن الآباء والأجداد والأقارب‪ ،‬ومن مراحل التعليم يف‬ ‫‪- 167 -‬‬

‫�صيف ‪2015‬‬


‫عربي)‬ ‫ثقافـي‬ ‫متابعات (نحو ميثاق‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬

‫املدر�سة من الكتب والق�ص�ص وحكايات املدر�سني‪ .‬وقد �أكد ابن خلدون �أهمية‬ ‫�إك�ساب امللكة اللغوية الأوىل للطفل يف �سن مبكرة‪ ،‬لأن التعليم يف ال�صغر �أ�شد‬ ‫ً‬ ‫ر�سوخا‪ .‬وال �شك �أن الق�ص�ص والروايات التاريخية العربية املنت�شرة يف �أرجاء‬ ‫الوطن العربي ت�شكل عامل وحدة وتكامل ثقايف مهم‪ .‬وتعزّز هذا املخزون مبرور‬ ‫الزمن من خالل و�سائل الإعالم كالتلفزيون واملذياع وال�صحف ور�سوم الكاريكاتور‬ ‫�أو الكرتون والأغاين والدرو�س وا ُ‬ ‫خلطب يف امل�ساجد‪ ،‬والندوات واللقاءات الفكرية‬ ‫والثقافية والعلمية‪ ،‬وهي ما ير�سخ يف ذهن املواطن العربي وعقليه الظاهر‬ ‫والباطن‪ ،‬وهذا ما ي�ؤثر على ِطباعه و�سلوكياته ومنهج حياته ومعتقداته الدينية‬ ‫والفكرية‪ ،‬وعالقاته احلالية وامل�ستقبلية مع حميطه ال�صغري وخارج حميطه‬ ‫وجمتمعه‪ ،‬ويطبع طريقة نطقه وتعامله مع احلرف والكلمة وتوا�صله مع العائلة‬ ‫واملجتمع العربي �أينما كان‪ .‬لذا‪ ،‬ف�إن املخزون الثقايف �أو الثقافة ‪ -‬كما عرفتها‬ ‫�آن ًفا ‪ -‬هي علم وفكر ومعرفة وتفاعل مع ق�ضايا املجتمع الفكرية واالجتماعية‬ ‫واالقت�صادية وال�سيا�سية‪.‬‬ ‫لقد كانت مناهج التعليم وم�ستواها تزخر بثقافة عربية جامعة‪ .‬فطالب‬ ‫املدار�س يف ال�صفوف الأ�سا�سية‪ ،‬يف خم�سينيات القرن املا�ضي كانوا ين�شدون‬ ‫الن�شيد العربي «بالد العرب �أوطاين» لري�سخ يف �أذهانهم وحدة الوطن العربي‪،‬‬ ‫ون�شيد موطني‪ ،‬وكذلك ن�شيد الثورة اجلزائرية‪ ،‬وغريها من �أنا�شيد‪ .‬وكان �أ�ستاذ‬ ‫التاريخ يح ّدثهم عن الق�ضية الفل�سطينية‪ ،‬وعن ثورة اجلزائر على امل�ستعمر‬ ‫الفرن�سي‪ ،‬وعن العدوان الثالثي على م�صر عام ‪ ،1956‬وعن جماهدي اال�ستقالل‬ ‫يف الدول العربية‪ ،‬وعن م�ؤامرات الغرب �ضد الوطن العربي وتق�سيمه واحتالله‪،‬‬ ‫وغري ذلك من �أحداث كان ميوج بها الوطن العربي يف ذلك الوقت‪ ،‬وهذا املزيج‬ ‫من التثقيف الديني وال�سيا�سي والتاريخي واجلغرايف والأدبي �ش َّكل لهم البذرة‬ ‫ور�سخ �إميانهم بق�ضيتهم املركزية العادلة‪ ،‬ولفت‬ ‫الأوىل ل ُهو ّيتهم عر ًبا وم�سلمني‪َّ ،‬‬ ‫انتباههم � ً‬ ‫أي�ضا �إىل ق�ضايا عربية يف املغرب العربي‪.‬‬ ‫املنتـ ــدى ‪262‬‬

‫‪- 168 -‬‬


‫العربي‬ ‫الثقافي‬ ‫التّكامل‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫�أ‪ .‬ثابت الطاهر‬

‫مق ّومات التكامل الثقايف العربي‬ ‫لقد تف َّوق التكامل العربي ال�شعبي على م�سرية العمل العربى امل�شرتك‬ ‫الر�سمية‪ ،‬م�ستدع ًيا �إمكانات التكامل احل�ضاري العربى التلقائية بقوة‪ ،‬وفا ً‬ ‫حتا‬ ‫�أمام ال�شعوب العربية م�سارات للتكامل العربي ممزوجة بالثقافة الإن�سانية‪،‬‬ ‫ومبدعا و�سائل وقنوات خارج الأُطر الر�سمية‪ ،‬و�أحيا ًنا على الرغم منها؛ �إذ �سا َد‬ ‫ً‬ ‫منذ خم�سينيات القرن املا�ضي وحتى فرتة مت�أخرة تغ ّول ال�سلطات الر�سمية على‬ ‫الثقافة وغياب حرية الر�أي‪ ،‬فكان هناك تناق�ض بني ال�سلطة ال�سيا�سية والثقافة‪،‬‬ ‫�إىل درجة منع تداول كتب ثقافية معينة و�صحف وجمالت كانت ال�سلطة ترى يف‬ ‫ما يكتب فيها خط ًرا عليها‪.‬‬ ‫وطورد ال ُكتَّاب واملثقفون يف عدد من الدول العربية و�سجنوا‪ ،‬وال يزال هذا‬ ‫الو�ضع قائ ًما يف بلدان عربية معينة‪ ،‬مما ا�ضطر عدد من الكتاب والإعالميني‬ ‫يف بع�ض الدول العربية ملجاراة ال�سلطة‪� ،‬إما خو ًفا من جزاء �أو عقاب �أو طم ًعا يف‬ ‫تكرمي �أو عطاء‪ ،‬الأمر الذي �أ�ساء حلرمة الثقافة وكرامة املثقف‪ .‬وبالرغم من‬ ‫هذا فاملواطن العربي يقر�أ كتب املبدعني و�صحفهم و�شعرهم يف م�صر وي�شاهد‬ ‫�أفالمها وروايات ُكتّابها وم�سرحياتها‪ ،‬وي�سمع �إذاعاتها وتلفزيوناتها وقنواتها‬ ‫الف�ضائية‪ .‬وباملثل يف �سوريا والعراق واملغرب العربي ودول اخلليج العربي؛ دون‬ ‫حدود يف تكامل ثقايف وا�ضح‪ ،‬اللهم �إال ما كانت ال�سلطات الر�سمية متنعه من كتب‬ ‫و�أفالم من التداول والعر�ض‪ .‬و�سنعر�ض ملقومات هذا التكامل على النحو الآتي‪:‬‬ ‫‪ -1‬مق ّومات التعاون الثقايف العربى ال�شعبي‬ ‫• تكامل الثقافة يف �إطار العائلة العربية الواحدة‪ :‬عندما �سادت الأ�سرة‬ ‫العربية املمتدة حتى فرتة قريبة‪ ،‬والتي كان اجل ّد واجل ّدة والأعمام‬ ‫والع ّمات والأب والأم والإخوة جمي ًعا يعي�شون فيها م ًعا يف بيت واحد �أو‬ ‫‪- 169 -‬‬

‫�صيف ‪2015‬‬


‫عربي)‬ ‫ثقافـي‬ ‫متابعات (نحو ميثاق‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬

‫متجاورين‪ ،‬كان الأطفال ين�ش�أون على الثقافة التي يتلقونها من الكبار‬ ‫من حواديت الأجداد وتربيتهم على تقاليد معينة‪ ،‬وغر�س القيم لديهم‬ ‫وتبيان ما هو ال�صحيح وما هو اخلط�أ من القول والعمل‪ ،‬وحتفيظهم‬ ‫بع�ض �سور القر�آن الكرمي‪ ،‬وينقلون ويقلدون ممار�سات الأعمام والأب‬ ‫والأم‪ ،‬وي�ستمعون بح�ضورهم �إىل جل�سات الكبار و�أحاديثهم و�سمرهم‬ ‫والنقل عنهم‪ ،‬حتى اللغة بلهجاتها يتعلمونها منهم‪ ،‬ولذلك فال‬ ‫ت�ضارب يف الثقافة هنا وال �صراع يف القيم والهوية‪ ،‬فالكبار وال�صغار‬ ‫ميتلكون الثقافة واللغة والعادات والتقاليد ونهج احلياة نف�سها‪ ،‬اللهم‬ ‫�إال يف تعلم ال�صغار يف املدار�س العلم املعزَّز بالثقافة التي ال تختلف عن‬ ‫ثقافة الأ�سرة املمتدة ب�شكل عام‪.‬‬ ‫لكن مع تقدم الزمن واندثار الأ�سرة املمتدة‪ ،‬وبزوغ الأ�سرة‬ ‫ال�صغرية‪ ،‬وانت�شار العلوم يف املدار�س واجلامعات‪ ،‬وتطور و�سائل‬ ‫الإعالم واالت�صاالت وبروز الإنرتنت وو�سائل التوا�صل االجتماعي‪،‬‬ ‫واالنفتاح على ثقافات �أجنبية نتيجة ال�سفر والإنرتنت‪ ،‬واالبتعاد عن‬ ‫ثقافة الكتاب واملجلة وال�صحيفة‪� ،‬أ�صبح هناك لدى الأجيال النا�شئة‬ ‫ثقافة تختلف عن ثقافة الآباء والأمهات والأجداد‪ ،‬وتعر�ضت هذه‬ ‫الأجيال لغزو ثقايف غري م�ألوف‪ .‬ولذلك �أ�صبح هناك انف�صام ثقايف‬ ‫داخل الأ�سرة العربية الواحدة‪ ،‬وبرز التمرد على الثقافة ال�سائدة‬ ‫والقيم والتقاليد ومنط احلياة يف امل�أكل وامللب�س واللغة والت�صرفات‪.‬‬ ‫و�أ�صبحت يف العائلة الواحدة غربة ثقافية‪ ،‬وانقطاع جليل عن ثقافة‬ ‫جيل �آخر ي�سبقه‪ .‬ومع الت�سليم ب�أن لكل زمان دولة ورجال‪ ،‬ولكل حقبة‬ ‫ح�ضارتها وو�سائل احلياة فيها وعلومها وفنونها وو�سائل �إعالمها‬ ‫وتخاطبها‪ ،‬ف�إن ما يجري من هجرة عن ثقافة الآباء والأجداد بكل‬ ‫مكوناتها يقرع اجلر�س ويتط َّلب االنتباه �إىل ر�أب ال�صدع الثقايف‬ ‫املنتـ ــدى ‪262‬‬

‫‪- 170 -‬‬


‫العربي‬ ‫الثقافي‬ ‫التّكامل‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫�أ‪ .‬ثابت الطاهر‬

‫داخل الأ�سرة العربية‪ ،‬وتعزيز دورها بو�صفها مرجعية �أخالقية‬ ‫وتربوية ودينية لأفراد املجتمع �أو ًال‪ ،‬قبل االنتقال �إىل الف�ضاء الثقايف‬ ‫العربي الأرحب وحماولة �إيجاد عالج وتكامل للثقافة العربية‪.‬‬ ‫• مراجعة القيم الثقافية ال�سائدة و�إعادة كتابة التاريخ الثقايف العربي‪،‬‬ ‫ومراجعة النظام التعليمي و�إ�صالحه‪ ،‬والرتكيز على الثقافة العربية‬ ‫القومية‪ ،‬مع الأخذ باالعتبار التطور العلمي واملعريف املت�سارع يف العامل‪.‬‬ ‫وبالتايل �إنتاج قيم جديدة حترتم ذات الإن�سان‪ ،‬وتع ّزز حرية الفعل‬ ‫لديه‪ ،‬كالدميوقراطية وحقوق الإن�سان والعدل االجتماعي واحرتام‬ ‫الر�أي والر�أي الآخر‪ ،‬وت�ضمينها املناهج التعليمية والرتبوية والإعالمية‬ ‫لن�ستطيع من خاللها ممار�سة النقد الذاتي وال�شروع يف عملية التجديد‬ ‫الثقايف من الداخل ور�سم ا�سرتاتيجية ثقافة واعية‪ .‬وال �شك يف �أن‬ ‫�أ�سلوب احلفاظ والدفاع عما هو قائم ثقاف ًيا دون حماولة التع ّمق يف‬ ‫بحثه وفهمه‪� ،‬سيبقي الثقافة العربية يف حالة من العزلة‪ ،‬تعاين عل ًال‬ ‫ذاتية‪ ،‬وحتا�صر نف�سها ب�سياج �أيديولوجي ي�صعب معه التفاعل مع ما هو‬ ‫قائم‪ ،‬وهذا يعني م�صادرة امل�ستقبل‪.‬‬ ‫• وحدة اللغة‪ -‬اللغة العربية‪ :‬فالهوية الثقافية لأية �أ ّمة هي لغتها‪،‬‬ ‫واللغة العربية هي الركن الأ�سا�س يف منظومة الثقافة العربية ب�شتى‬ ‫عنا�صرها‪ .‬فاللغة العربية و�إن �إختلفت لهجاتها فهي جتمع ال�شعوب‬ ‫العربية‪ ،‬ويتك ّلمها جميع العرب‪ ،‬وبالتايل‪ ،‬ف�إن اللغة العربية لدى‬ ‫املواطن العربي من موريتانيا حتى البحرين مفهومة‪ ،‬وي�ستطيع قراءة‬ ‫�أي كتاب �أو ق�صة �أو �صحيفة مكتوبة باللغة العربية‪ .‬وال �شك �أن القر�آن‬ ‫الكرمي املكتوب باللغة العربية‪ ،‬والذي يقر�أه غالبية العرب وهم من‬ ‫امل�سلمني‪ ،‬يحفظ اللغة‪� ،‬إ�ضافة �إىل �أن الكني�سة العربية حافظت على‬ ‫لغتها العربية‪ ،‬وال �سيما خالل �أواخر احلكم العثماين الذي فر�ض‬ ‫اللغة الرتكية على العرب‪.‬‬ ‫‪- 171 -‬‬

‫�صيف ‪2015‬‬


‫عربي)‬ ‫ثقافـي‬ ‫متابعات (نحو ميثاق‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬

‫وال ميكن لأحد �أن ينكر الدور الذي ميكن �أن ت�ؤديه لغة قومية ما‬ ‫ خا�صة لغة غنية كاللغة العربية ‪ -‬يف ت�شكيل ال ُهو ّية القومية‪،‬‬‫واحلفاظ على الإرث الثقايف‪ ،‬واعادة امل�ساهمة املميزة يف الثقافة‬ ‫الإن�سانية‪ ،‬لكن يظل من ال�ضروري التذكري والت�أكيد ب�أن الرباعة يف‬ ‫لغة املعرفة والثقافة ال�سائدة يف العامل هي �أمر ُم ّلح بالن�سبة للجيل‬ ‫العربي القادم من �أجل �أن يكون �أكرث تفاع ًال مع احل�ضارة العاملية‬ ‫والثقافات اجلديدة‪.‬‬ ‫�أرى من املفيد �أن �أ�شري �إىل ما ذكره الأ�ستاذ الدكتور عبد القادر‬ ‫الفا�سي الفهري يف حما�ضرة له يف مركز امللك عبداهلل بن عبد‬ ‫العزيز الدويل يف الريا�ض عام ‪ 2014‬بعنوان «ال�سيا�سة اللغوية‬ ‫والتخطيط»‪ .‬فقد قال‪« :‬لي�ست اللغة فقط مر�آة للثقافة مبنظورها‬ ‫وعد�ساتها التي يرتاءى عربها العامل �أو العوامل‪ ،‬وال للبيئة التي حتيا‬ ‫فيها‪ ،‬وال الهوية الفردية �أو اجلماعية واالنتماء التاريخي والتموقع‬ ‫احل�ضاري والطموحات والتطلعات‪ ،‬وال �أداة توا�صل تنتقل بها الأفكار‬ ‫واملعتقدات‪ ،‬ويتم بوا�سطتها التبادل والتجارة والتداول واحلوار يف‬ ‫املجتمع الواحد �أوعرب املجتمعات املتعددة الأ�صول‪ ،‬بل �إنها متثل �إىل‬ ‫متجان�سا‬ ‫ونظاما‬ ‫جانب كل هذا �أداة �سيا�سية رمزية ومادية حا�سمة‪،‬‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫ومتكام ًال ميكن التحكم فيه وتوظيفه وا�ستغالله من جانب �أ�صحاب‬ ‫خ�صو�صا بعد بروز �أيديولوجية الدولة الأ ّمة‪� ،‬أو‬ ‫ال�سلطة والنفوذ ‪-‬‬ ‫ً‬ ‫الدولة الوطن ‪ ،Nation-State‬التي عزَّزت القناعة ب�أن حدود الدولة‬ ‫(‪)4‬‬ ‫يجب �أن تكون مطابقة حلدود اللغة»‪.‬‬ ‫وال بد من الإ�شارة هنا �إىل �أن جعل التعليم يف الدول العربية يف‬ ‫مراحله املختلفة باللغة العربية ك�أولوية يق ّوي اللغة‪ ،‬ويرثي املتعلمني‬ ‫بها‪ ،‬ويعزّز دورها يف جماالت احلياة‪ ،‬و�أهميتها يف �إبراز الهوية‬ ‫املنتـ ــدى ‪262‬‬

‫‪- 172 -‬‬


‫العربي‬ ‫الثقافي‬ ‫التّكامل‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫�أ‪ .‬ثابت الطاهر‬

‫الوطنية والقومية‪ ،‬وتكامل الثقافة العربية بني جناحي الوطن العربي‬ ‫يف امل�شرق واملغرب وخمتلف الأقطار العربية‪ .‬وهذا ي�ستوجب �أن نويل‬ ‫اهتماما‬ ‫قطاع التعليم ومناهج الدرا�سة يف مراحل التعليم املختلفة‬ ‫ً‬ ‫موحدة ت�ؤكد القيم‬ ‫كب ًريا‪ ،‬ودرا�سة �إمكانية و�ضع مناهج تعليمية َّ‬ ‫الوطنية والثقافية التي تربي جي ًال يعتز بهويته الوطنية‪.‬‬ ‫• التنوع الثقايف فى عموم الوطن العربي‪ :‬وهو مطلب �أ�سا�س لقيام‬ ‫النه�ضة الإن�سانية فى هذه البقعة من العامل‪ .‬فالهوية الغنية تقبل‬ ‫التنوع داخلها‪ ،‬بل حتتفي به‪ ،‬كما كان احلال فى �أوج ازدهار احل�ضارة‬ ‫العربية الإ�سالمية‪ .‬وال بد من الإ�شارة �إىل ما قام به العلماء العرب‬ ‫وامل�سلمون من ترجمة كتب اليونان والرومان والفر�س والهنود و�أثر‬ ‫ذلك يف تالقح الثقافات واحل�ضارات القدمية مع احل�ضارة العربية‪،‬‬ ‫�إ�ضافة �إىل م�ؤلفات العلماء العرب يف الطب والفلك واحل�ساب‬ ‫والعمارة والب�صريات والعلوم التي �أ�صبحت مراجع لهذه العلوم حتى‬ ‫يف اجلامعات الأجنبية‪ .‬وقد قام الإبداع الأدبي والفني بدور عظيم‬ ‫ال�ش�أن فى متتني عالقات التقارب الثقايف والوجداين بني العرب‪.‬‬ ‫ورغم �ضيق الأُطر الر�سمية والبيئة الإقليمية املق ّيدة من ت�أ�شريات‬ ‫لل�سفر وقيود الإقامة ومنع زيارات ال ُكتَّاب واملثقفني والإعالميني‬ ‫دوما من �إيجاد و�سائل‬ ‫لبع�ض الدول‪ ،‬فقد متكنت ال�شعوب العربية ً‬ ‫وقنوات للتعاون والتفاعل يف ما بينها فى املجاالت ال�سيا�سية‬ ‫واالجتماعية‪ ،‬م�ؤكدة �إمكانات الرتابط والتكامل احل�ضاري على‬ ‫امل�ستوى ال�شعبي فى معزل عن الأطر الر�سمية املق ّيدة‪.‬‬ ‫• املوروث ال�شعبي العربي التاريخي‪ :‬من ال�شعر كاملعلقات‪ ،‬والق�ص�ص‬ ‫والروايات واملالحم وال�سري‪ ،‬كق�ص�ص �ألف ليلة وليلة‪ ،‬و�سرية عنرتة‪،‬‬ ‫وال�سرية الهاللية‪ ،‬و�سيف بن ذي يزن‪ ،‬وكليلة ودمنة‪ ،‬والرتاث الأدبي‬ ‫‪- 173 -‬‬

‫�صيف ‪2015‬‬


‫عربي)‬ ‫ثقافـي‬ ‫متابعات (نحو ميثاق‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬

‫مثل كتب اجلاحظ‪ ،‬و�أدباء الأندل�س‪ ،‬وق�ص�ص القادة والفاحتني‪،‬‬ ‫ومعارك العرب‪ ،‬وق�صة ابن طفيل واملدينة الفا�ضلة للفارابي وغريها‪.‬‬ ‫ويف الع�صر احلديث عبقرية حممد وعبقريات ال�صحابة للعقاد‪،‬‬ ‫وكتب حممد ح�سني هيكل عن الإ�سالم وال�صحابة‪ ،‬وكتب �أحمد‬ ‫�أمني عن ع�صور الإ�سالم‪ ،‬وغريهم من الكتاب وال�شعراء الذين يقر�أ‬ ‫العرب يف خمتلف �أقطارهم كتبهم و�أ�شعارهم‪.‬‬ ‫• متازج نتاج البحث العلمي ملراكز البحث العلمي واجلامعات‪ :‬تبادل‬ ‫املد ّر�سني يف املدار�س واجلامعات‪ ،‬وتبادل الإجنازات يف جمال البحث‬ ‫العلمي واملعرفة والإبداع‪ ،‬و�ضمان حرية انتقال ال ُكتَّاب والباحثني بني‬ ‫�أقطار الوطن العربي‪ ،‬واملعرفة املُ�ض َمرة يف الإبداع الأدبي والفني‪،‬‬ ‫و�صو ًال �إىل �إقامة منطقة املواطنة احل ّرة العربية يف ظ ّل احلكم‬ ‫الدميقراطي ال�سليم قطر ًيا وقوم ًيا‪ ،‬مما ي�ضمن التح ّرر الوطني‬ ‫والكرامة الإن�سانية للعرب جمي ًعا‪ .‬وي�ضمن هذا التعريف‪ ،‬بلغة ابن‬ ‫خلدون‪ ،‬التكامل عرب الوطن العربي للعمران الب�شري ب�ش ّقيه‪ :‬العمران‬ ‫ال�صوري فى احلكم والرتبية؛ والعمران املادي‪.‬‬ ‫• وحدة اخلطاب ال�سيا�سي العربي ك ّله �أو يف معظمه جتاه ق�ضايا‬ ‫توحد اخلطاب الثقايف والأدبي‬ ‫عربية �أو �إقليمية �أو عاملية ت�ستوجب ّ‬ ‫املوحد بني املثقفني وال�سيا�سيني‬ ‫العربي‪ ،‬لأن اخلطاب املختلف وغري َّ‬ ‫العرب جتاه ق�ضايا عربية وعاملية‪ ،‬ي�شتِّت التوجه واخلطاب الأدبي‬ ‫والثقايف بني العرب �أنف�سهم‪ ،‬وتختلط الأفكار والآراء والكتابة ب�شكل‬ ‫ي�ؤدي �إىل الت�شوي�ش على العقل العربي املتل ّقي للثقافة والكتابة حيال‬ ‫هذه الق�ضايا‪ .‬ولذا‪ ،‬ف�إن وحدة اخلطاب ال�سيا�سي العربي والنظرة‬ ‫توحد اخلطاب‬ ‫ن�سق حيال ق�ضايا �إقليمية وعاملية ِّ‬ ‫الواحدة والتعامل املُ َّ‬ ‫الثقايف العربي‪ ،‬و ُتنتج تكام ًال وفه ًما عرب ًيا واحدً ا للأحداث التي ت�ؤثر‬ ‫على الوطن العربي‪.‬‬ ‫املنتـ ــدى ‪262‬‬

‫‪- 174 -‬‬


‫العربي‬ ‫الثقافي‬ ‫التّكامل‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫�أ‪ .‬ثابت الطاهر‬

‫• �ضرورة النظر �إىل الإ�سالم بو�صفه ح�ضارة و�إرث تاريخي بقيمه‬ ‫و�أخالقه وت�ساحمه وو�سطيته من كل العرب مبختلف طوائفهم‬ ‫ومذاهبهم‪ ،‬ويف مغربهم وم�شرقهم على ال�سواء‪ ،‬فقد عا�ش اجلميع‬ ‫حتت كنف الإ�سالم وت�آلفوا يف ظل تعاليمه ال�سمحة التي تنبذ التطرف‬ ‫والغلو‪ ،‬و�أن ما �أنتجه العرب امل�سلمون من فكر وثقافة وعلوم يف جميع‬ ‫امليادين ت�ش ِّكل قاعدة فكرية وبوتقة ثقافية لكل العرب ينطلقون‬ ‫املوحد‪ .‬و�أن يكون‬ ‫منها نحو اخلطاب الأدبي والثقايف العربي اجلامع َّ‬ ‫بوا‬ ‫الإ�سالم بعامليته معي ًنا وخمز ًنا ينهل منهما ال ُكتَّاب واملثقفون ليع ّ‬ ‫تعب ًريا �صاد ًقا و�أمي ًنا عن �سالمة �إمياننا وعقائدنا املبنية على دعوة‬ ‫احلق �سبحانه وتعاىل للت�آلف والتعارف والتقوى‪ ،‬و�إىل العمل على‬ ‫جتديد خطابنا احل�ضاري القائم على هدي الدين والعدل واحلرية‬ ‫والكرامة‪.‬‬ ‫‪� -2‬ضرورة التن�سيق بني منظمات الثقافة العربية �أينما كانت‪:‬‬ ‫كاملنظمة العربية للرتبية والثقافة والعلوم‪ ،‬ومعهد العامل العربي يف‬ ‫باري�س‪ ،‬ومنتدى الفكر العربي‪ ،‬وم�ؤ�س�سة الفكر العربي‪ ،‬وجمامع اللغة‬ ‫العربية‪ ،‬وم�ؤ�س�سات الثقافة العربية اخلا�صة كم�ؤ�س�سة عبد احلميد‬ ‫�شومان يف الأردن‪ ،‬وم�ؤ�س�سة عبد العزيز البابطني يف الكويت‪ ،‬وغريها‬ ‫من اجلهات ذات االهتمام بالثقافة العربية على امتداد الوطن‬ ‫العربي بهدف‪:‬‬ ‫ تر�سيخ الوحدة الثقافية بني �أجزاء الوطن العربي؛‬‫ رفع امل�ستوى الرتبوي والتعليمي والثقايف والعلمي يف البالد‬‫العربية من خالل تخ�صي�ص اجلوائز املادية لل ُكتَّاب والأدباء‬ ‫وال�شعراء والفنانني؛‬ ‫ امل�ساهمة يف احل�ضارة العاملية �إيجاب ًّيا والتفاعل معها ب�أدوات‬‫الثقافة العربية وترجمة الثقافة العربية �إىل لغات عاملية؛‬ ‫توجه التنوع الثقايف‬ ‫ تكامل اخلطاب الثقايف العربي‪ ،‬وت�شجيع ّ‬‫العربي الإ�سالمي نحو �أهداف ثقافية متفق عليها‪ ،‬بحيث تعمل‬ ‫‪- 175 -‬‬

‫�صيف ‪2015‬‬


‫عربي)‬ ‫ثقافـي‬ ‫متابعات (نحو ميثاق‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬

‫هذه اجلهات على ت�أكيد وحدة الثقافة العربية‪ ،‬وال�سعي �إىل‬ ‫دعم العمل العربي امل�شرتك‪ ،‬وتوثيق ال�صالت بني الوزارات‬ ‫واملنظمات وامل�ؤ�س�سات واملراكز املعنية بال�ش�ؤون الثقافية يف‬ ‫الوطن العربي‪ ،‬والتن�سيق بني الربامج الثقافية التي تتوىل هذه‬ ‫اجلهات تنفيذها؛‬ ‫ و�ضع ّ‬‫خطة قومية لتحقيق التكامل بني ال�سيا�سات الثقافية‬ ‫والإعالمية يف الوطن العربي‪ .‬فالإعالم رديف الثقافة‬ ‫ونا�شرها واملُع ِّرف بها‪ ،‬وال�سعي �إىل التن�سيق بني الف�ضائيات‬ ‫والقنوات الإعالمية العربية اخلا�صة‪.‬‬ ‫‪ -3‬ت�شجيع الثقافة العربية ون�شرها لدى الأمم الأخرى‪ :‬يقول د‪.‬‬ ‫�صالح جرار يف حما�ضرة له بتاريخ ‪ 29‬ني�سان‪� /‬إبريل ‪ ،2008‬يف‬ ‫منتدى �شومان بعنوان «�أزمة التوا�صل مع الآخر وبالذات يف الثقافة‬ ‫العربية»‪�« :‬إن التوا�صل بني الثقافة العربية والثقافات الأخرى‬ ‫مل ينقطع منذ فجر التاريخ‪ ،‬ومل تتمكن احلروب وال ال�صراعات‬ ‫ال�سيا�سية والفكرية من وقف تدفق الثقافات عرب احلدود‪ .‬وقد جاءت‬ ‫متقدما يف تعزيز التوا�صل‬ ‫ثورة االت�صال احلديثة لت�ش ِّكل عام ًال‬ ‫ً‬ ‫الثقايف»‪.‬‬ ‫وما دام �أن الثقافة هي حركة دينامية ولي�ست جامدة‪ ،‬ونظ ًرا لأننا‬ ‫ن�شهد تطو ًرا م�ستم ًرا يف جماالت العلم واملعرفة‪ ،‬فال بد للثقافة من‬ ‫�أن تواكب هذه التطورات وتتعاي�ش معها‪ ،‬وهذا ين�سحب على عالقة‬ ‫الثقافة باملجتمع‪ ،‬فال ميكن �أن تكون ثمة ثقافة ح�ضارية متطورة يف‬ ‫جمتمع ال يراعي التطورات العاملية املختلفة‪.‬‬ ‫كما يقول د‪ .‬علي عقلة عر�سان يف كتابه «ثقافتنا والتحدي»‪�« :‬إن‬ ‫الثقافة العربية مل تكن يف يوم من الأيام معزولة وال منعزلة عن‬ ‫الثقافات الإن�سانية‪ ،‬فقد عاي�شت ثقافات الأمم منذ �أقدم الع�صور‪،‬‬ ‫و�صمدت وتفاعلت معها تفاع ًال �إيجاب ًيا»‪ .‬وقد �أ�شار الدكتور طه‬ ‫املنتـ ــدى ‪262‬‬

‫‪- 176 -‬‬


‫العربي‬ ‫الثقافي‬ ‫التّكامل‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫�أ‪ .‬ثابت الطاهر‬

‫ح�سني يف كتابه «م�ستقبل الثقافة يف م�صر» ‪ -‬ال�صادر عام ‪- 1937‬‬ ‫�إىل �ضرورة االنفتاح على الثقافات والعامل‪.‬‬ ‫ويف ظل ما ا�ستجد خالل العقدين املا�ضيني من هجمة ملا ي�س ّمى‬ ‫العوملة التي اتخذت �شكل الهيمنة والإمالء وتداعياتها وانعكا�ساتها‬ ‫على الثقافة والفكر العربيني ‪ -‬والعوملة �سالح ذو حدين ‪ -‬ف�إنه يجب‬ ‫�أن ال يكون االنفتاح على ثقافات العامل على ح�ساب ثقافتنا وتراثنا‪،‬‬ ‫ويجب �أن يكون توا�صلنا مع �أي ثقافة �أخرى قائ ًما على الأخذ والعطاء‪،‬‬ ‫�أي ن�أخذ ما يفيدنا ونرتك ما ميكن �أن ي�سيء �إىل هويتنا و�أخالقنا‬ ‫وتراثنا‪ .‬فاملهم �أن يكون التعامل مع العوملة على �أ�سا�س اال�ستفادة‬ ‫من �إيجابياتها‪ ،‬واحل ّد ما �أمكن من �سلبياتها على الثقافة العربية‬ ‫يف البيت واملدر�سة واجلامعة وال�شارع والنوادي وو�سائل الإعالم‬ ‫املختلفة‪ ،‬ومن خالل‪:‬‬ ‫• �إعطاء �صورة وا�ضحة ونا�صعة للح�ضارة العربية الإ�سالمية‬ ‫من خالل العالقات العربية الإفريقية‪ ،‬والعالقات العربية‬ ‫الأوروبية‪ ،‬والعمل على دعم احلوار العربي الإفريقي‪ ،‬والعربي‬ ‫الأوروبي‪ ،‬والعربي الآ�سيوي‪ ،‬وذلك من �أجل ت�صحيح �صورة‬ ‫احل�ضارة العربية والت�صدي للأفكار اخلاطئة نحو الإ�سالم‬ ‫والعرب يف املجتمعات الأجنبية‪ ،‬ودح�ض ال�صورة النمطية‬ ‫للعربي يف الثقافة الغربية والإعالم الغربي وال�سينما‪.‬‬ ‫• دعم اللغة العربية للناطقني بغريها مع اال�ستعانة يف ذلك‬ ‫بالو�سائل احلديثة والتقنيات اجلديدة وت�شجيع ا�ستخدامها من‬ ‫جانبهم‪.‬‬ ‫• االنفتاح على الثقافات الأجنبية واال�ستفادة منها‪ ،‬وتفعيل‬ ‫امل�شاركة العربية يف الن�شاط الثقايف العاملي عرب املنظمات‬ ‫الدولية‪ ،‬و�إيالء الرتجمة من اللغة العربية �إىل اللغات الأجنبية‬ ‫وبالعك�س‪� ،‬أهمية ق�صوى لإثراء الثقافة العربية بثقافات‬ ‫عاملية‪ ،‬بحيث يكون للرتجمة من العربية �إىل اللغات الأجنبية‬ ‫وبالعك�س دور بارز يف متتني العالقات الثقافية والعلمية العربية‬ ‫‪- 177 -‬‬

‫�صيف ‪2015‬‬


‫عربي)‬ ‫ثقافـي‬ ‫متابعات (نحو ميثاق‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬

‫مع املجتمعات وال�شعوب امل�ستهدفة‪ .‬و�أود �أن �أ�ؤكد هنا �أهمية‬ ‫الرتجمة باعتبارها من القنوات امله ّمة لن�شر املعرفة والتوا�صل‬ ‫مع العامل‪ ،‬وال تزال حركة الرتجمة يف البلدان العربية �ضعيفة‪.‬‬ ‫واملهم يف جمال الرتجمة �أن يتاح لنا من خاللها الإطالل على‬ ‫�إجنازات الآخرين و�إبداعاتهم وثقافاتهم‪� ،‬أن نق ّدم للعامل �أبرز‬ ‫�إنتاجاتنا و�إبداعاتنا يف احلقول املختلفة‪.‬‬ ‫جتدر الإ�شارة يف احلديث عن �ضعف حركة الرتجمة لدينا‪� ،‬أنه‬ ‫يف الوقت الذي تبلغ فيه ن�سبة الكتب املرتجمة كتاب واحد لكل‬ ‫(‪ )1000‬مواطن يف �أمريكا‪ ،‬ولكل (‪ )412‬مواطن يف بريطانيا‪،‬‬ ‫ومئة كتاب لكل مليون �إ�سرائيلي‪ ،‬ولكل (‪ )900‬مواطن يف �أملانيا‪،‬‬ ‫ف�إنها تبلغ (‪ )3‬كتب فقط لكل مليون عربي‪ ،‬وكتاب واحد لكل‬ ‫ع�شرة �آالف مواطن يف الأردن‪ ،‬ولكل ثمانية �آالف يف م�صر‪ ،‬ولكل‬ ‫خم�سة ع�شر �ألف مواطن يف �سوريا‪ .‬وهذه الأرقام تبيّ الهوة‬ ‫بيننا وبني غرينا‪( .‬اجلدول املرفق يت�ضمن �أرقا ًما عن ذلك)‪.‬‬ ‫الكتب املرتجمة وامل�ؤلفة‬ ‫البلد‬ ‫الواليات املتحدة‬ ‫بريطانيا‬ ‫رو�سيا‬ ‫اليونان‬ ‫كوريا‬ ‫اليابان‬ ‫فرن�سا‬ ‫�أملانيا‬ ‫م�صر‬ ‫�سوريا‬ ‫الأردن‬ ‫املنتـ ــدى ‪262‬‬

‫كتاب واحد لعدد ال�سكان‬ ‫‪1000‬‬ ‫‪412‬‬ ‫‪12000‬‬ ‫‪1000‬‬ ‫‪1000‬‬ ‫‪609‬‬ ‫‪1000‬‬ ‫‪895‬‬ ‫‪8313‬‬ ‫‪15817‬‬ ‫‪10000‬‬

‫‪- 178 -‬‬


‫العربي‬ ‫الثقافي‬ ‫التّكامل‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫�أ‪ .‬ثابت الطاهر‬

‫• العمل على �إقامة �سوق ثقافية عربية م�شرتكة‪ ،‬وو�ضع خطة‬ ‫قومية لل�سياحة الثقافية يف الوطن العربي بالتعاون مع اجلهات‬ ‫املخت�صة‪.‬‬ ‫• معاجلة ق�ضايا امللكية الفكرية يف ظل اتفاقية التجارة العاملية‬ ‫وتعزيز حقوق امل�ؤ ِّلف يف الوطن العربي‪.‬‬ ‫• تكثيف برامج التبادل الثقايف بني العرب والأجانب والزيارات‬ ‫الثقافية �إىل اجلامعات واملنظمات واجلمعيات العلمية‬ ‫والثقافية‪.‬‬ ‫‪ -4‬تقوية اجلهد العربى فى ميدان اكت�ساب املعرفة يف جميع املجاالت‪،‬‬ ‫وتوظيف املعرفة فى مناحي املجتمعات العربية كافة‪ ،‬على اعتبار‬ ‫�أن املعرفة هي حجر الزاوية يف التنمية الإن�سانية‪ ،‬وال �سيما �إقامة‬ ‫منط �إنتاج املعرفة منذ ال�سنوات الأوىل املدر�سية‪ ،‬مرو ًرا باجلامعات‬ ‫واملراكز واجلمعيات الثقافية والنقابات ومنظمات املجتمع املدين‪.‬‬ ‫كذلك �إن�شاء بنية �إنتاجية عربية متنوعة وقوية يف الت�أليف والرتجمة‬ ‫والن�شر‪ ،‬عالوة على ا�ستعادة �ألق الثقافة العربية من خالل النهو�ض‬ ‫باللغة العربية و�إحياء �أف�ضل ميزات احل�ضارة العربية الإ�سالمية‪،‬‬ ‫من منطلق التنوع الغني واملواطنة املت�ساوية بني جميع املواطنني‪،‬‬ ‫مبا مي ّكن من الإ�سهام يف الدفع مب�شروع تاريخي للنه�ضة احل�ضارية‬ ‫الإن�سانية يف املنطقة العربية‪ .‬و�إقامة البنية امل�ؤ�س�سية للتكامل‬ ‫احل�ضاري والثقايف‪ ،‬بحيث ال ي�شعر �أي مواطن عربي بالغربة الثقافية‬ ‫يف �أي جزء من الوطن العربي‪.‬‬ ‫‪ -5‬تعزيز التوا�صل الثقايف العربي ‪ -‬العربي‪� :‬إذا كان توا�صل الثقافة‬ ‫العربية مع الثقافات العاملية �ضرورة مهمة ‪ ،‬ف�إن ت�أكيد التوا�صل‬ ‫العربي ‪ -‬العربي ال يقل �أهمية‪ ،‬لأنه ال�سبيل �إىل تفعيل امل�شرتك الثقايف‬ ‫وت�أمني التكامل الثقايف العربي‪ .‬فالأمة العربية مل ت�ستغل منجزات‬ ‫‪- 179 -‬‬

‫�صيف ‪2015‬‬


‫عربي)‬ ‫ثقافـي‬ ‫متابعات (نحو ميثاق‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬

‫التقنية بطريقة كافية لتعزيز التوا�صل العربي ‪ -‬العربي‪ ،‬حيث ا�ستمر‬ ‫هذا التوا�صل �ضعي ًفا يهدد االن�سجام الثقايف بني املجتمعات العربية‬ ‫بات�ساع التباعد بينها‪ ،‬لهذا فمن ال�ضروري االلتفات �إىل تفعيل هذا‬ ‫التوا�صل لأنه يدعم احلوار اجلاد للثقافة العربية مع الآخر ويزيد من‬ ‫فر�ص جناح املواجهة‪ .‬ومن جهة �أخرى‪ ،‬فال بد من ت�أكيد �ضرورة‬ ‫توا�صل الأجيال العربية اجلديدة مع ثقافتها‪ ،‬فاملجتمع العربي يتعر�ض‬ ‫للغزو الثقايف الغربي بوترية �سريعة من خالل العوملة الثقافية‪ ،‬وال بد‬ ‫من �أن نحر�ص على توا�صل الأجيال مع موروثها الثقايف‪ ،‬الأمر الذي‬ ‫يجعل من ال�ضروري توجه العمل العربي امل�شرتك لتجديد عالقة‬ ‫الأجيال بثقافتها‪ ،‬وحماية الثقافات الوطنية كالت�شديد على ا�ستعمال‬ ‫اللغة الوطنية و�إحياء الرتاث الثقايف‪ ،‬و�إال تع َّمق االغرتاب �أكرث‪ ،‬و�أن‬ ‫(‪)5‬‬ ‫نعول على جناعة احلوار املتكافئ الذي يحفظ خ�صو�صيتنا‪.‬‬

‫حتديات التكامل الثقايف العربي‬ ‫عموما حتديات ج ّمة �أهمها‪:‬‬ ‫تواجه الثقافة العربية ً‬ ‫�أ‪ -‬الغزو الثقايف الأجنبي‪ .‬فال �شك �أن للعوملة �أبعادًا ثقافية وفكرية ترتك‬ ‫ب�صماتها على خمتلف مناحي احلياة العربية ب�شكل �إمالءات خارجية‬ ‫وفر�ض للمفاهيم وال�شعارات الرباقة �أحيانا ً‪ ،‬كما حتاول �أمريكا فر�ض‬ ‫مفاهيم الدميوقراطية واحلرية والعدالة وحقوق الإن�سان با�ستخدام‬ ‫�إمكاناتها املادية واملعنوية‪ ،‬دون اعتبار للخ�صو�صيات الثقافية واالجتماعية‬ ‫ودون احرتام للهويات‪ .‬ويقوم الإعالم بو�سائله املختلفة بتمرير الإفرازات �أو‬ ‫نقل خم ّلفات وتداعيات العوملة من �أجل ا�ستغالل ثورة املعرفة‪ ،‬واال�ستفادة‬ ‫من فكرة �أن العامل بات قرية �صغرية لفر�ض منوذج ثقايف معني فيه اعتداء‬ ‫على اخل�صو�صية الثقافية‪ .‬يقول الدكتور حممد ح�سن الربغثي يف حما�ضرة‬ ‫له بتاريخ ‪ 21‬ني�سان‪�/‬إبريل ‪ ،2008‬يف منتدى �شومان الثقايف بعنوان‬ ‫«الثقافة العربية والعوملة»‪« :‬من خالل �شا�شة التلفزيون‪ ،‬وما تعر�ضه بع�ض‬ ‫الف�ضائيات‪ ،‬من برامج و�أفالم وم�سل�سالت فيها الكثري من امل�شاهد غري‬ ‫املنتـ ــدى ‪262‬‬

‫‪- 180 -‬‬


‫العربي‬ ‫الثقافي‬ ‫التّكامل‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫�أ‪ .‬ثابت الطاهر‬

‫الالئقة التي تتعار�ض مع �أخالقنا وتقاليدنا وثقافتنا‪ ،‬والكثري من م�شاهد‬ ‫العنف التي ت�سيطر على عقول ال�شباب الذين ال ميلكون ح�صيلة ثقافية �أو‬ ‫معرفية ت�ساعدهم على مواجهة هذا الغزو الثقايف»‪ .‬كذلك‪ ،‬ف�إن الر�سوم‬ ‫املتحركة التي يتلقاها الأطفال‪ُ ،‬تع َر�ض يف الغالب دون ترجمة‪ ،‬وهذه ت�ؤثر يف‬ ‫�سلوك الأطفال‪ ،‬و ُت�سهم ‪ -‬كما يرى د‪ .‬الربغثي ‪ -‬يف التكوين الثقايف املب ِّكر‬ ‫للطفل الذي يجد نف�سه – يف ما بعد – معزو ًال عن جذوره الثقافية‪ .‬و�أُ�شري‬ ‫يف هذا املجال � ً‬ ‫أي�ضا �إىل الأثر ال�سلبي لألعاب الفيديو الغريبة التي غزت‬ ‫�أ�سواقنا‪ ،‬وتعر�ض على بع�ض الف�ضائيات ويف مقاهي الإنرتنت‪ ،‬ويعرف عنها‬ ‫�أطفالنا �أكرث مما يعرفون عن �أب�سط �أبجديات هُ و ّيتهم العربية الإ�سالمية‪.‬‬ ‫وال نن�سى � ً‬ ‫أي�ضا الكم الهائل من برامج الريا�ضة التي متلأ ال�صحف‬ ‫والف�ضائيات والإذاعات �إىل درجة �أ�صبحت املعلومات عن الريا�ضة‬ ‫نوعا من الهو�س والتع�صب والعنف‪� ،‬إىل ح ّد جعل الأطفال‬ ‫والريا�ضني ً‬ ‫وال�شباب يحفظون عن ظهر قلب �أ�سماء الأندية والالعبني‪ ،‬ولكنهم‬ ‫ال يعرفون ا�سم عامل �أو �شاعر �أو كاتب �أو حتى جماهد عربي �أو معركة‬ ‫فا�صلة يف التاريخ العربي الإ�سالمي‪.‬‬ ‫�إن الغزو الثقايف الأجنبي ي�سري ب�شكل ممنهج وخطط و�سيا�سات مدرو�سة من‬ ‫اجلهات املعادية للعرب وامل�سلمني للت�شوي�ش على الثقافة العربية‪ ،‬والت�شكيك‬ ‫بالأبجديات واملعتقدات وحتى املبادئ الرا�سخة لدى ال�شخ�صية العربية‪.‬‬ ‫و�إذا كانت دول ا�ستعمارية منعت يف مطلع القرن الع�شرين تدري�س اللغة‬ ‫العربية يف املدار�س يف بع�ض الدول العربية‪ ،‬و�أقفلت الكتاتيب التي كانت‬ ‫تد ّر�س القر�آن الكرمي‪ ،‬فال تزال الهجمة على العرب وامل�سلمني م�ستم ّرة‪،‬‬ ‫وال يزال امل�سلمون يو�صمون بالتطرف والإرهاب‪ .‬ولقد كانت «ر�سالة ع ّمان»‪،‬‬ ‫التي �صدرت لتو�ضيح املفهوم ال�صحيح للإ�سالم خطوة مباركة‪ ،‬ي�ؤمل �أن‬ ‫خ�صو�صا �أنها �ضرورية‬ ‫يتم ن�شرها على نطاق وا�سع يف خمتلف دول العامل‪،‬‬ ‫ً‬ ‫يف هذه احلقبة التي يتف�شى فيها �سرطان الطائفية‪� ،‬إ�ضافة �إىل الهجمة‬ ‫الظاملة على الإ�سالم وامل�سلمني‪ ،‬والكيل بعدة مكاييل لدى تعريف الإرهاب‪،‬‬ ‫‪- 181 -‬‬

‫�صيف ‪2015‬‬


‫عربي)‬ ‫ثقافـي‬ ‫متابعات (نحو ميثاق‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬

‫ودون تفريق بني اجلهاد لتحرير الأوطان ونيل احلرية‪ ،‬وبني ما ي�س ّمى �إرهاب‬ ‫املحتل وع�صابات القتل والإجرام‪.‬‬ ‫�إن هذا الغزو الثقايف على اختالف �أ�شكاله ي�شكل حتد ًيا �أ�سا�س ًيا لوطننا‬ ‫العربي‪� ،‬إذ �إنه ي�شو�ش الثقافة العربية وي�ضعفها ل�صالح ثقافات غريبة تنخر‬ ‫يف جمتمعاتنا وت�ضعف منظومة القيم والدين والهوية والتقاليد واملبادئ‬ ‫احلميدة لدى جمتمعنا العربي‪ ،‬وتنتج جي ًال فاقدً ا لل ُهو ّية والأ�صالة‪.‬‬ ‫بحجة احلفاظ على الرتاث �أو‬ ‫ ب‪ -‬ال�صراع بني ما ي�س ّمى الأ�صالة واملعا�صرة ّ‬ ‫حجة‬ ‫القيم �أو الدين �أو الهوية‪ .‬و�إذا كان هذا ال�صراع املفتعل قد بد�أ حتت ّ‬ ‫املحافظة على الرتاث‪ ،‬فلقد انتهى اليوم حتت الفتة احلفاظ على الهوية!‬ ‫ف�ضاع زمن ثمني جدً ا من حياتنا العربية املعا�صرة‪ .‬وامل�شكلة �أن مثل هذه‬ ‫الأزمات املزمنة مل تبق منح�صرة ب�أيدي �أبناء املجتمع العربي‪ ،‬بل كان للدولة‬ ‫العربية دورها اخلطري يف املو�ضوع �سيا�س ًيا و�إعالم ًيا وتربو ًيا‪ .‬وكان دور‬ ‫الدول العربية ال�سلبي حيال الثقافة عام ًال م�ساعدً ا ب�شكل كبري يف االنح�سار‬ ‫احل�ضاري‪ ،‬وكبح جماح التق ّدم‪ ،‬على عك�س ما حدث لدى جمتمعات ودول‬ ‫�أخرى يف الن�صف الثاين من القرن الع�شرين‪� ،‬إذ مل ي�شغلها مثل الذي �شغل‬ ‫العرب‪ ،‬و�ساهم يف بعرثة �أولوياتهم الثقافية‪.‬‬ ‫وخ�صو�صا يف‬ ‫وهناك عوامل �أخرى كانت مفجعة يف تاريخنا املعا�صر‪،‬‬ ‫ً‬ ‫اخلم�سني �سنة الثانية من القرن الع�شرين‪ ،‬عندما تب ّدلت ال�سيا�سات‬ ‫و�سيطرت احلكومات على م�ؤ�س�سات املجتمع املدين والتعليم والثقافة‪،‬‬ ‫واتخذت قرارات ُ‬ ‫وطبقت م�شروعات مل ينجح الكثري منها برغم م�سمياتها‪،‬‬ ‫وبرغم كل ما �أُطلق عليها من �شعارات احل�ضارة واملعا�صرة‪.‬‬ ‫ ج‪ -‬حاالت الت�صادم امل�ستفحلة بني ثالث بنى �أ�سا�سية يف املجتمع العربي‪،‬‬ ‫وهي املدينة والريف والبادية(‪ .)6‬فالثقافة املناطقية العربية تتباين تباي ًنا‬ ‫جغراف ًيا كب ًريا‪ ،‬وبرغم انح�سار بع�ضها‪ ،‬ف�إنها ال تزال تعبرِّ عن ذواتها‪،‬‬ ‫ت�شجعها ال�سلطات يف الدولة حتت ذرائع خمتلفة ولأهداف‬ ‫ً‬ ‫خ�صو�صا عندما ّ‬ ‫تدعم هذه ال�سلطات‪ .‬فال نن�سى حاالت الهجرة الكثيفة من الريف التي‬ ‫املنتـ ــدى ‪262‬‬

‫‪- 182 -‬‬


‫العربي‬ ‫الثقافي‬ ‫التّكامل‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫�أ‪ .‬ثابت الطاهر‬

‫غزت مد ًنا عربية كاملة بعينها‪ ،‬وبد�أ التغيرّ الدميوغرايف اجلديد يق�ضم‬ ‫ثقافة بع�ض �أهم املدن العريقة التي كانت متتاز باخل�صب والتن ّوع والتمدن‪،‬‬ ‫وكان من املمكن بدل ذلك تطوير الأرياف و�سكانها وت�شجيع مثقفيها‪،‬‬ ‫خ�صو�صا �أنه برز فيها العديد من املبدعني احلقيقيني‪.‬‬ ‫ً‬ ‫ومن جانب �آخر‪ ،‬ف�إن الرت�سبات الثقافية ال�سالبة القدمية املتوارثة بني‬ ‫الريف واحل�ضر قد وقفت �سدً ا مني ًعا �ض ّد كل حماوالت التط ّور والتكامل‪،‬‬ ‫فال تكامل ثقاف ًيا من دون تطور يف الآليات والربامج‪ ،‬وال تطور من دون‬ ‫وعي و�إدراك ثقايف متبادل عند العرب من �أجل ردم التناق�ضات وتقلي�ص‬ ‫الفجوات ودعم الإيجابيات وو�أد ال�سلبيات‪.‬‬ ‫ د‪ -‬الثقافات الدفينة وامل�ستهجنة املخف ّية يف الالوعي اجلمعي العربي‪ .‬فث ّمة‬ ‫ثقافات دفينة وثقافات م�ستهجنة متباينة منظورة وغري منظورة‪ ،‬تعمل يف‬ ‫اخلفاء على تعبئة التناق�ضات وزيادة ح ّدة االختالفات يف املجتمع العربي‬ ‫الكبري‪ ،‬فهناك الدينية‪ ،‬والقبلية‪ ،‬والع�شائرية‪ ،‬والأقلياتية‪ ،‬والطائفية‪،‬‬ ‫والعائلية‪ ،‬والنخبوية‪ ،‬والفئوية‪ ،‬والبدوية‪ ،‬والعرقية‪ ،‬والطفيلية‪ ،‬وامله ّم�شة‪،‬‬ ‫والأ�صولية‪ ،‬واملتز ّمتة‪ ،‬واالنعزالية‪ ،‬واملرتيفة‪ .‬وهناك ال�ساحلية‪ ،‬والنهرية‪،‬‬ ‫واجلبلية‪ ،‬وال�سهلية‪ ،‬وال�صحراوية‪ ،‬واحلدودية‪� ...‬إلخ‪ .‬هذه النزعات املميتة‬ ‫التي بذرها امل�ستعمرون و�شجعوها‪ ،‬والتي تفاقمت خماطرها �سيا�س ًيا وثقاف ًيا‬ ‫م�ؤخ ًرا بفعل التدخل الأجنبي يف الدول العربية‪ ،‬وبفعل ما �أُطلق عليه زو ًرا‬ ‫وبهتا ًنا «الربيع العربي» وما تبعه من �إ�صطفافات قطرية عربية بع�ضها �ضد‬ ‫وتف�سخها‪ .‬كل هذا �أدى �إىل تفتّت الثقافات‬ ‫بع�ض‪ ،‬وانق�سام املجتمعات العربية ّ‬ ‫والفكر العربي‪ ،‬ودخولها مرحلة تيه وفو�ضى وت�شتّت‪ .‬وكان ال بد من معاجلتها‬ ‫قبل ا�ستفحالها من قبل برامج احلكومات العربية عرب منظومات و�سيا�سات‬ ‫وتربويات وبرامج وقوانني داخلية‪ ،‬وحتييد الثقافة العربية عما يجري من‬ ‫(‪)7‬‬ ‫�أحداث �سيا�سية مد ّمرة يف بع�ض الدول العربية‪.‬‬ ‫ هـ‪� -‬ضعف ت�أثري املنظمات العربية املهت ّمة بال�ش�أن الثقايف‪ ،‬التي كان عليها واجب‬ ‫االعتناء بالتكامل الثقايف العربي‪ .‬فلم تهتم بال�ش�أن الثقايف التكاملي مبثل‬ ‫‪- 183 -‬‬

‫�صيف ‪2015‬‬


‫عربي)‬ ‫ثقافـي‬ ‫متابعات (نحو ميثاق‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬

‫اهتمامها بال�ش�أن ال�سيا�سي وم�شكالته ومع�ضالته املعقدة‪ .‬وكل ما جرى من‬ ‫خطط مل�شروعات الثقافة العربية مل ت�ؤت ثمارها ونتائجه ــا املرج ــوة منها‬ ‫ با�ستثناء ما تقوم به املنظمة العربية للرتبية والثقافة والعلوم من جهود يف‬‫هذا ال�ش�أن ‪ -‬نظ ًرا لأن معظم تلك املنظمات مل تنزل مع الأ�سف من �أبراجها‬ ‫العاجية �إىل �أر�ض الواقع العربي وتعاجله لتقدم ر�ؤية متكاملة ووا�ضحة من‬ ‫�أجل تطوير الثقافة العربية احلديثة‪ .‬ثمة م�شكلة مزمنة يعاين منها العرب‬ ‫يف ج ّل م�شروعاتهم التي ال تف�ضي �إىل نتائج مثمرة كون ثقافتهم املعا�صرة‬ ‫مل تعبرِّ تعب ًريا حقيق ًيا عن التقدم والتغيري املت�سارع من �أجل معاجلة كل‬ ‫الأبعاد يف احلياة العربية‪ ،‬و�إن ج ّلها الأعظم يبدو معبرّ ً ا عن حاالت التخ ّلف‬ ‫والإحباط وجلد الذات وعبادة الن�صو�ص واملكررات وامل�ألوفات بلغة فوقية‬ ‫غري مفهومة للغالبية العظمى من العرب‪ ،‬حيث غابت جملة من املفاهيم‬ ‫واملناهج والتحليالت واملكا�شفات والنقد اجل ّدي والرتجمات واالبتكارات‬ ‫والإبداعات والإجنازات‪.‬‬ ‫ و‪ -‬ا�ستفحال النزعات الثقافية االنق�سامية م�ؤخ ًرا بفعل ت�أثري �أحداث وظروف‬ ‫وتبدّالت مع ّقدة �سيا�سية و�إعالمية وتربوية‪� .‬إننا نقف اليوم �أمام‬ ‫�سيا�سات خمتلفة وخطاب �إعالمي متباين و ُمف ّرق ال جامع‪ ،‬وقد �أنتجت‬ ‫هذه ال�سيا�سات ثقافات متع ّددة‪ ،‬ولكنها م�ضطربة و�سالبة يف �أغلبها الأعم‬ ‫كما يت�ضح لنا من خالل الأدب ّيات وال�صحف وو�سائل الإعالم يف اخلطاب‬ ‫العربي الراهن والف�ضائيات التي ُتف ّرق وال جتمع‪ ،‬وكذلك انق�سام ال ُكتَّاب‬ ‫عموما‪ ،‬وكله انعك�س �سل ًبا على اخلطاب الأدبي‬ ‫والأدباء وال ُّنخب واملثقفني ً‬ ‫والثقايف والإعالمي حيال القبيلة واملجتمع والطائفة والع�شائرية والعرقية‬ ‫والقومية والدين والتاريخ والإنعزالية والتقوقع‪ ،‬وحتى على الوحدة العربية‬ ‫والتـكامل االقت�صادي العربي‪.‬‬ ‫ز‪ -‬تغ ّول اللهجات املحلية واللغات الأخرى يف الوطن العربي على اللغة‬ ‫العربية‪ ،‬حتى يف الدولة الواحدة واملجتمع الواحد‪ ،‬كالفرن�سية والأمازيغية‬ ‫يف املغرب العربي‪ ،‬وال�سواحلية والإيبو يف ال�صومال‪ ،‬والتجرينية يف �إريترييا‪،‬‬ ‫املنتـ ــدى ‪262‬‬

‫‪- 184 -‬‬


‫العربي‬ ‫الثقافي‬ ‫التّكامل‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫�أ‪ .‬ثابت الطاهر‬

‫والدومينيكا يف ال�سودان‪ ،‬والديفهية يف املالديف‪ .‬هذا �إ�ضافة �إىل العربية‬ ‫وي�شجع هذا التغ ّول‬ ‫ويعمق ِّ‬ ‫العامية كلغة تخاطب يومي يف املجتمعات العربية‪ِّ .‬‬ ‫الف�ضائيات التي تبث باللهجات املحلية واللهجة العامية ودون �أدنى مراعاة‬ ‫ومعنى وقواعد‪� ،‬إىل درجة ا�ستعمال مفردات‬ ‫مبنى‬ ‫ً‬ ‫ل�سالمة اللغة العربية ً‬ ‫ممجوجة وبنطق غري �سليم‪ .‬وهذا مما ال ي�ساعد على وحدة الثقافة العربية‬ ‫وتكاملها‪ .‬ولعل من امل�ؤ�سف �أن جند بع�ض و�سائل الإعالم الأجنبية التي‬ ‫تق ّدم برامج �أو ن�شرات �إخبارية باللغة العربية حتر�ص على �سالمة اللغة‬ ‫العربية ومفرداتها �أكرث من نظرياتها العربية‪.‬‬ ‫وخ�صو�صا‬ ‫ ح‪ -‬يف ظ ّل الأحداث ال�سيا�سية التي ي�شهدها الوطن العربي حال ًيا‪،‬‬ ‫ً‬ ‫ما يعي�شه عرب اليوم من انق�سامات حا ّدة تعبرّ عنها و�سائلهم و�آلياتهم‬ ‫الإعالمية والتعبوية والرتبوية‪ ،‬وقد و�صل الأمر لأن ن�سمع �أن لكل بلد عربي‬ ‫م�صطلحاته و�أدبياته ال�سيا�سية وال�صحفية والثقافية اخلا�صة به‪ .‬والأخطر‬ ‫من كل هذا وذاك ما �أطبق على العرب يف الع�شرين �سنة الأخرية من حاالت‬ ‫الرتهل وال�شعبوية واالنغالق التي بد�أت تطغى على كل القيم امل�شرتكة‬ ‫ّ‬ ‫الثقافية واملبدعة بت�أثري �آفات املنغلقني واملرتهلني واملتخلفني والتواكليني‬ ‫والطفيليني وال�سلفيني واملنافقني‪� ...‬إلخ‪ ،‬الذين �أخذوا ينت�شرون يف كل‬ ‫مكان من البيئة العربية ويدعون لآرائهم بكل حرية من خالل الف�ضائيات‬ ‫والإنرتنت ومواقع التوا�صل االجتماعي‪ ،‬ويتنكرون لكل الإرث احل�ضاري‬ ‫امل�شرق‪ ،‬ويكتمون �أ�صوات من يجهر باحلداثة والتطور والتق ّدم‪ ،‬يف زمن‬ ‫�أخذت فيه حتوالت العامل ت�سرع اخلطى ب�شكل ال ميكن ت�صديقه �أبدً ا يف‬ ‫الإبداع وا�ستحداث �آفاق ثقافية جديدة للحياة الكونية‪.‬‬ ‫ ط‪ -‬تعدّد الأيديولوجيات العربية وتناق�ضاتها يف اخلطاب العربي املعا�صر‪،‬‬ ‫وخ�صو�صا تلك التي عا�شت يف اخلم�سينيات وال�ستينيات وال�سبعينيات من‬ ‫ً‬ ‫القرن الع�شرين‪ ،‬وعملت على �إنزال الثقافة العربية من مكانتها العليا �إىل‬ ‫حاالت الرت ّدي‪ ،‬حتت م�س ّميات و�شعارات خمتلفة‪ ،‬ثم دخلت يف الثمانينيات‬ ‫والت�سعينيات مع االنق�سامات العربية بعد �أحداث اخلليج امل�ؤ�سفة يف بئر‬ ‫‪- 185 -‬‬

‫�صيف ‪2015‬‬


‫عربي)‬ ‫ثقافـي‬ ‫متابعات (نحو ميثاق‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬

‫مظلمة‪ ،‬لكي تعي�ش �أ�سو�أ حاالتها مبختلف عنا�صرها بغلبة من يناه�ضها‬ ‫و�سيطرته على املرافق الإعالمية والرتبوية‪ .‬وفاقم من هذا الت�أخر احتالل‬ ‫العراق واحلروب الإ�سرائيلية �ضد لبنان وغزة‪ .‬ف�أ�صبحت الثقافة العربية‬ ‫اليوم يف موقع ال ّدفاع عن نف�سها‪ ،‬وهي تعاين من الفو�ضى وحالة الالتوازن‪،‬‬ ‫وم�أزق الت�أخر �إزاء جيل متعط�ش لها‪ ،‬ولكن من دون �أي تطوير يف �ضوء ثورة‬ ‫ح�ضارية ومعرفية ومعلوماتية عميقة اجلذور يف ع�صرنا احلايل‪.‬‬ ‫ ي‪ -‬هجرة الأدمغة والعقول العربية �إىل دول العامل املتقدّم على امتداد اخلم�سني‬ ‫�سنة املا�ضية‪ ،‬وما يزال �سيل الهجرة متوا�ص ًال هذه الأيام‪ ،‬نتيجة �أزمة‬ ‫الدميقراطية واحلريات وم�أزق الأنظمة ال�سيا�سية التي عا�شها العرب يف القرن‬ ‫الع�شرين مبختلف �أجيالهم‪ ،‬وامل�شكالت التي تكمن �أ�ص ًال يف طبيعة النظام‬ ‫االجتماعي والثقايف العربي وخمتلف تناق�ضاته ال�صعبة واملريرة‪ ،‬ناهيكم عن‬ ‫تراجع اال�سـتقرار االجتماعي والعي�ش الكرمي‪� ،‬إ�ضافة �إىل رهبة �سلطوياته‬ ‫التقليدية التي قمعت على امتداد ن�صف قرن جملة من نخب املثقفني العرب‬ ‫امل�ستقلني با�ستثناء مثقفي ال�سلطة التابعني لها وامل�س ّبحني بحمدها‪.‬‬ ‫ ك‪ -‬خ�ضوع ن�سبة كبرية من م�ؤ�س�سات الإعالم املختلفة ‪� -‬سواء �أكانت ر�سمية‬ ‫�أم خا�صة ‪ -‬للجهات الر�سمية ووزارات الثقافة والإعالم وهيئات تنظيم‬ ‫املرئي وامل�سموع‪ ،‬وما متار�سه عليها من �إمالءات وتوجيهات‪ .‬ف�إن التحديات‬ ‫التي تواجهها ثقافتنا يف الوطن العربي‪ ،‬والتي تكاد تكون مت�شابهة‪ ،‬ت�شمل‬ ‫كل الق�ضايا التي �أ�شرنا �إليها �آن ًفا‪ ،‬ولذا ف�إن الأمر ي�ستدعي و�ضع خطط‬ ‫وا�سرتاتيجيات مدرو�سة للنقلة احل�ضارية التي نحتاجها دون التفريط‬ ‫بالقيم الروحية والإن�سانية والقومية التي ت�صوغ ثقافتنا‪ ،‬وبالتايل‪ ،‬ف�إنني‬ ‫�أرى �أنه ميكن �أن يكون للإعالم بو�سائله املختلفة دور بارز يف معاجلة هذه‬ ‫الق�ضايا والتعامل مع العوملة‪ ،‬ون�شر الثقافة النظيفة الهادفة‪ ،‬مع احلر�ص‬ ‫(‪) 8‬‬ ‫على املو�ضوعية وحت ّري املعلومة ال�صحيحة‪.‬‬ ‫ ل‪� -‬ضعف القراءة يف الوطن العربي من �أهم حتديات الثقافة لدى جميع‬ ‫�شرائح املجتمع العربية‪ ،‬وخا�صة الطالب يف املدار�س واجلامعات الذين‬ ‫املنتـ ــدى ‪262‬‬

‫‪- 186 -‬‬


‫العربي‬ ‫الثقافي‬ ‫التّكامل‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫�أ‪ .‬ثابت الطاهر‬

‫ناد ًرا ما يقر�أون كتا ًبا �أو يطالعون جم ّلة �أو �صحيفة خارج متطلبات درا�ستهم‪.‬‬ ‫وقد جنمت عن هذه املع�ضلة � ً‬ ‫أي�ضا مع�ضلة �أخرى تتعلق ب�أزمة الكتاب‪ ،‬و�أزمة‬ ‫ن�شره‪ .‬ففي �أحد تقارير اليون�سكو ورد �أن مع ّدل ن�شر الكتاب يف العامل العربي‬ ‫ال يتجاوز ‪ ،%7‬بينما ال يتجاوز ن�صيب كل مليون عربي من الكتب (‪ )30‬كتا ًبا‬ ‫لكل مليون مواطن‪ ،‬مقابل (‪ )584‬كتا ًبا لكل مليون مواطن �أوروبي‪.‬‬ ‫كذلك‪ ،‬هناك �شحة يف البحث العلمي الهادف املفيد للتنمية ب�أنواعها يف‬ ‫الوطن العربي‪ ،‬فقد ذكر العامل العربي احلا�صل على جائزة نوبل �أحمد‬ ‫زويل يف كتابه »ع�صر العلم» (ال�صادر عام ‪� ،2005‬ص‪� )199‬أن ن�سبة‬ ‫الأوراق العلمية املق ّدمة من اجلامعات العربية ترتاوح بني ‪( %0‬اليمن)‪،‬‬ ‫و‪( %0.3‬م�صر)‪ ،‬وال تتعدى ‪ %0.03‬يف معظم البلدان العربية من جمموع‬ ‫الأبحاث املح ّكمة التي تق ّدمها جامعات العامل‪.‬‬ ‫وعند املقارنة بني دول ال�شرق الأو�سط‪ ،‬جاءت �إ�سرائيل يف املرتبة الأوىل‪،‬‬ ‫تليها م�صر ثم �إيران ثم اململكة العربية ال�سعودية‪ .‬ومن املالحظ �أن هناك فر ًقا‬ ‫�شا�س ًعا وكب ًريا جدًا بني كم الأوراق العلمية التي �أنتجتها �إ�سرائيل وما �أنتجته‬ ‫الدول العربية والإ�سالمية التي احتلت املراتب الأوىل يف الت�صنيف‪ .‬فلو مت‬ ‫جمع نتاج الدول الأربع ع�شرة يف الت�صنيف‪ ،‬مبا فيها م�صر وال�سعودية‪،‬‬ ‫لوجدنا �أنها بالكاد تعادل الإنتاج العلمي لإ�سرائيل خالل ال�سنوات الع�شر‬ ‫املا�ضية‪ .‬وت�شري اليون�سكو �إىل �أن الن�شر العلمي يبلغ (‪ )11٫7‬بح ًثا من�شو ًرا‬ ‫لكل ع�شرة �آالف ن�سمة يف �إ�سرائيل‪ ،‬بينما يبلغ هذا املعدل ثلث بحث لكل‬ ‫ع�شرة �آالف ن�سمة يف العامل العربي‪.‬‬ ‫قيا�سا �إىل دخل الفرد‬ ‫م‪ -‬يع ّزز من �أزمة الكتاب يف الوطن العربي �إرتفاع �سعره ً‬ ‫املتدين يف معظم الأقطار العربية‪ .‬ولقد كان م�شروع «مكتبة الأ�سرة» الذي ُط ّبق‬ ‫يف كل من الأردن وم�صر خطوة جيدة لن�شر جمموعة من الكتب املختارة وبيعها‬ ‫ب�سعر زهيد لإتاحة الفر�صة لأكرب عدد ممكن من املواطنني ل�شرائها وقراءتها؛‬ ‫وال بد �أن تعمل الأ�سرة واملدر�سة على ت�شجيع وحفز �أبنائنا على القراءة‪.‬‬ ‫‪- 187 -‬‬

‫�صيف ‪2015‬‬


‫عربي)‬ ‫ثقافـي‬ ‫متابعات (نحو ميثاق‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬

‫التـو�صي ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــات‪ ‬‬ ‫‪� -1‬إن القوى الفاعلة والنخب املثقفة يف البيئات العربية املتنوعة بحاجة ما�سة‬ ‫اليوم وعند فاحتة القرن احلادي والع�شرين �إىل املزيد من احليوية‪ ،‬وتكاف�ؤ‬ ‫الفر�ص‪ ،‬واحلريات العامة‪ ،‬و�إمكانات احلركة والتنقل بني الدول العربية‪،‬‬ ‫واالنفتاح على الآخر‪ ،‬وت�أ�سي�س العالقات اجلديدة وتبادل اخلربات‪ ،‬وامل�شاركة‬ ‫اجلماعية‪ ،‬والتفكري العملي الرباغماتي‪.‬‬ ‫‪� -2‬إن من �أهم عوامل تكامل الثقافة العربية و�ضع املناهج الدرا�سية اجلديدة‬ ‫واملالئمة لروح الع�صر الذي نعي�شه‪ ،‬باعتبار التعليم الأداة الأ�سا�سية لتكوين‬ ‫القاعدة الثقافية‪ .‬ويف الوقت الذي ن�ؤكد فيه �أهمية تدري�س اللغة العربية‬ ‫ب�أ�سلوب يجذب الطالب �إليها‪ ،‬ال بد من تعلُّم اللغات الأجنبية واالنفتاح على‬ ‫الثقافات العاملية‪ .‬وهي م�ستلزمات �أ�سا�سية ال ميكن �إهمالها �أبدً ا �أو ت�أجيل‬ ‫العمل بها‪ ،‬بل ال بد من ال�سعي لتجديد �أ�ساليبها وموا�صفاتها يف الزمان‬ ‫واملكان املعينني‪ ،‬مع قيا�س حجم التباينات يف االنتماء الفكري والبيئة‬ ‫الإقليمية والت�أثريات العاملية‪ ،‬ودرجة الوعي والثقافة والتنمية االجتماعية‬ ‫والهوية الوطنية والقومية والدينية‪.‬‬ ‫‪� -3‬ضرورة توظيف القنوات الإعالمية النظيفة والتقنيات الرتبوية واخلطط‬ ‫الدرا�سية الثقافية عالية امل�ستوى‪� ،‬سواء يف املدار�س �أم املعاهد واجلامعات‪.‬‬ ‫و�أن يجري العمل �ضمن �آليات دينامية وجتريبية م�ستفيدة من جتارب العامل‬ ‫الثقافية املعا�صرة لرت�سيخ الثقافة العربية ون�شرها‪ .‬وهنا‪ ،‬ال ميكن �إهمال‬ ‫املعاي�شة وامل�شاركة اجلماعية بني الدولة واملثقفني ومالحقة املتغريات‬ ‫املفاجئة‪ ،‬وتنمية الوعي من خالل رفع �ش�أن الأداء الثقايف على �أيدي النخب‬ ‫كافة‪ ،‬واالعتناء بالنخب املثقفة واملبدعة واملتخ�ص�صة‪ ،‬واحرتام مكانتها‬ ‫وت�شجيع منتجاتها املتنوعة‪ ،‬من خالل منح جوائز للمبدعني واملتميزين يف‬ ‫الأداء الثقايف وحقوله املختلفة و�صو ًال �إىل رفع مكانة املثقف العربي واملجتمع‬ ‫عموما‪.‬‬ ‫العربي ً‬ ‫املنتـ ــدى ‪262‬‬

‫‪- 188 -‬‬


‫العربي‬ ‫الثقافي‬ ‫التّكامل‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫�أ‪ .‬ثابت الطاهر‬

‫‪ -4‬ت�أمني انت�شار احلا�سبات و�شبكات االت�صال واملعلومات الإلكرتونية والقنوات‬ ‫الف�ضائية‪ ،‬وغريها من امل�ستحدثات اجلديدة ودور الن�شر‪ ،‬لت�أمني االنت�شار‬ ‫ال�سريع ملنتجات الثقافة العربية يف املجتمعات العربية‪ .‬فال تزال هناك‬ ‫جمتمعات عربية مل ت�ألف امل�ستجدات احلديثة يف تكنولوجيا املعلومات‬ ‫وال�شبكة العنكبوتية وو�سائل االت�صال والتوا�صل االجتماعي‪ ،‬التي �أخذت‬ ‫ت�ؤدي دو ًرا �أ�سا�س ًيا يف ن�شر الثقافة‪ ،‬وبالتايل فهي بعيدة عن منتجات الثقافة‬ ‫يف بالد عربية �أخرى‪ .‬ولذلك‪ ،‬ف�إن توافر هذه الو�سائل يف كل املجتمعات‬ ‫العربية ي�ساعد على تكامل الثقافة العربية‪.‬‬ ‫‪ -5‬ت�أكيد �أهمية العقالنية العربية يف املعنى العام للكلمة‪ ،‬وهي الدافع الرئي�سي‬ ‫للثقافة احلديثة و�أداة حقيقية للتنمية من خالل �إغناء الإح�سا�س ال�صادق‬ ‫بالهوية العربية املنفتحة على اكت�شاف ودمج امل�ساهمات امل�ستمرة والإيجابية‬ ‫للرتاث العربي الثقايف‪ ،‬وذلك ب�إعالء �ش�أن �إيجابياته ونقد كل �سلبياته من‬ ‫�أجل �إغناء التفكري العربي الراهن‪.‬‬ ‫‪ -6‬ن�شر القيم الثقافية والفكرية احلديثة بني جماهري النا�س‪ .‬تلك القيم احلديثة‬ ‫التي ال ميكن من دونها معرفة متغريات العامل واالنفتاح عليه‪ ،‬والتعامل معه‬ ‫على �أ�سا�س �إقامة �أي نوع من التوازن املتكافئ بني العرب والعوملة‪ ،‬وبالتايل‬ ‫االنفتاح على الثقافة العاملية الإن�سانية من �أو�سع الأبواب وتالقح الثقافة‬ ‫العربية معها‪.‬‬ ‫‪ -7‬ت�شجيع رغبة املثقفني الر ّواد للم�ساهمة ب�إبداعية عربية لإغناء احلياة‬ ‫الإن�سانية ككل‪ ،‬وهذا ال ميكن تطويره عند اجليل العربي اجلديد �إال برتبية‬ ‫امللكات واملواهب‪ ،‬واالعتناء بالكفاءات وتقدير منتجاتها الإبداعية با�ستخدام‬ ‫الو�سائل والأدوات املتطورة تربو ًيا وتقن ًيا �إعالم ًيا‪.‬‬ ‫وهنا ال يكفي �أن يكون املثقف العربي �أدي ًبا �أو �شاع ًرا �أو غري ذلك‪ ،‬بل عليه‬ ‫�أن يكون مل ًّما بالعلوم التطبيقية كالأحياء والكيمياء واالقت�صاد وال�سيا�سة‬ ‫‪- 189 -‬‬

‫�صيف ‪2015‬‬


‫عربي)‬ ‫ثقافـي‬ ‫متابعات (نحو ميثاق‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬

‫والبيئة وعلوم الأر�ض واجلغرافيا والتاريخ‪ ،‬لإثراء كتاباته وجعلها تقرتب‬ ‫من واقع احلياة ومعي�شة املجتمعات العربية ب�إيجابياتها و�سلبياتها‪ ،‬وحتى‬ ‫ي�ستطيع �إلقاء ال�ضوء على م�شاكلها من كل لون (انظر تعريفي للثقافة الذي‬ ‫�أ�شرت �إليه �آن ًفا)‪.‬‬ ‫‪� -8‬ضرورة �أن ت�ستمر التنمية الثقافية كجزء من هدف عام‪ ،‬وينبغي �أن ُيخطط‬ ‫لها كما ُيخطط لباقي قطاعات التنمية االقت�صادية واالجتماعية من جانب‬ ‫الدول العربية‪ ،‬وبالتن�سيق مع اجلامعة العربية واملنظمات الثقافية العربية‬ ‫يف القطاعني العام واخلا�ص‪ .‬فال ميكن حتقيق تنمية �سيا�سية �أو اقت�صادية‬ ‫�أو اجتماعية من دون تنمية ثقافية‪ .‬كما يتطلب ذلك �أن تتابع هذه التنمية‬ ‫واع كجزء حيوي من امل�شروع احل�ضاري العربي‪.‬‬ ‫�إجرائيا وتنفيذ ًيا ب�شكل ٍ‬ ‫تلح على‬ ‫وجدير بالذكر �أن املنظمات الدولية مثل اليون�سكو وبع�ض م�ؤ�س�ساتها ّ‬ ‫احلكومات العربية �أو غريها من دول العامل النامي ل�صياغة «�سيا�سات ثقافية»‬ ‫ناجحة وعملية وواقعية تهدف �إىل حتقيق «التنمية الثقافية» احلقيقية‪.‬‬ ‫‪� -9‬إن ا�ستقاللية الثقافة العربية وتوفري الأمن لها �شروط مهمة و�ضرورية‬ ‫الزدهارها وتطورها‪� ،‬إذ �إن الثقافة ال ميكنها �أن تزدهر �أو �أن تبقى ح ّي ًة‬ ‫م�ستدامة �إذا اعتربت جمرد �أداة لل�سلطة �أو احلاكم‪ ،‬وبقي املثقفون يخافون‬ ‫مق�ص الرقيب‪ .‬وهذا ي�ؤكد مفهوم الأمن الثقايف الذي يجب �أن ي�شمل كذلك‬ ‫ّ‬ ‫كيفية التعامل مع ت�أثري العوملة وتداعياتها على ثقافتنا‪ .‬ومن امل�ؤكد ب�أن ال‬ ‫حياة ودميومة لأي م�شروع ح�ضاري عربي م�ستقبلي من دون فاعلية حقيقية‬ ‫وم�ستق ّلة و�آمنة للنخب املثقفة التي يجب �أن يكون الوازع الوطني والرقابة‬ ‫الذاتية د�ستورها‪ .‬وعليه‪ ،‬ف�إن الثقافة هي غاية بح ّد ذاتها تعك�س ح�ضارة �أ ّمة‬ ‫بكاملها وحياة جمتمعات تعي�ش �ضمن هذه الأمة‪ ،‬وبالتايل ال بد من تكامل‬ ‫هذه الثقافة بكل مك ّوناتها و�آلياتها‪.‬‬ ‫‪� -10‬إن�شاء �صندوق دعم التكامل العربي احل�ضاري الثقايف‪ ،‬وبحزمة �إجراءات‬ ‫لتقوية �شعور العرب اليومي بالعي�ش يف �أ ّمة واحدة‪ ،‬وت�شمل ت�شجيع الت�أليف‬ ‫املنتـ ــدى ‪262‬‬

‫‪- 190 -‬‬


‫العربي‬ ‫الثقافي‬ ‫التّكامل‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫�أ‪ .‬ثابت الطاهر‬

‫وتقوية الن�شر لكتب الثقافة العربية والروايات والق�ص�ص والأفالم والأغاين‬ ‫والأنا�شيد‪ .‬وت�شجيع ا�ستخدام اللغة العربية يف وجه هجمة اللهجات العربية‬ ‫املحلية ال�سائدة يف املجتمعات العربية‪ ،‬التي ت�شجعها الف�ضائيات والإذاعات‬ ‫العربية‪ ،‬تلك التي تخيم على الو�ضع الإعالمي والثقايف العربي من دون‬ ‫ان�ضباطية ورقابة حقيقية‪� ،‬سواء �أكانت خا�صة �أم ر�سمية‪.‬‬ ‫‪ -11‬تكثيف �إقامة معار�ض الكتب العربية على م�ساحة الوطن العربي‪ ،‬والإكثار‬ ‫من الفعاليات الثقافية والفنية العربية امل�شرتكة بني �أدباء وفنانني عرب من‬ ‫جميع الدول العربية يف امل�شرق واملغرب العربيني‪ ،‬وتفعيل فعاليات عوا�صم‬ ‫الثقافة العربية ب�شكل دوري ومنتظم‪ ،‬بحيث ُتقام فيها الندوات الثقافية‬ ‫يف املجاالت الأدبية املختلفة‪ ،‬و�إقامة الأ�سابيع الثقافية والندوات الفكرية‬ ‫امل�شرتكة بني الدول العربية وبينها وبني الدول التي ترتبط معها باتفاقيات‬ ‫ثقافية‪ ،‬وت�شجيع ودعم زيارة وفود ثقافية يف جماالت امل�سرح وال�شعر والفن‬ ‫وجميع �ألوان الثقافة �إىل الدول العربية املختلفة؛ لعر�ض �أعمالهم وم�شاهدة‬ ‫�أعمال تلك الدول‪ ،‬وهم �سوف ُيعتربون يف هذه احلالة « ُر�سل الثقافة»‪ .‬لذا‬ ‫�سيكون عليهم الدور الأكرب يف �إ�صالح ما �أف�سدته العالقات ال�سيا�سية‪،‬‬ ‫ويقع على عاتقهم خلق تعاون فكري على جميع امل�ستويات‪ .‬هذا �إ�ضافة �إىل‬ ‫�إحياء الأ�سواق العربية الأدبية ‪� -‬سوق عكاظ؛ وذي املجاز ‪ -‬وا�ست�ضافة‬ ‫ال�شعراء من خمتلف دول العامل‪ .‬و�أُ�شري هنا بكل التقدير للدور الذي تقوم‬ ‫به م�ؤ�س�سة عبد العزيز البابطني الكويتية‪ .‬كما �أن ملعار�ض الكتب التي ُتقام‬ ‫يف الدول العربية �أثرها الكبري يف �إغناء روح التعاون الثقايف العربي‪ .‬وال بد‬ ‫�أن يكون للملحقيات الثقافية يف ال�سفارات العربية دورها يف ال�ش�أن الثقايف‬ ‫من خالل تنظيم الأم�سيات الأدبية والفنية مبختلف �ألوانها‪ ،‬وتوجيه الدعوة‬ ‫حل�ضورها ملختلف فئات املواطنني‪ .‬وهذا من �ش�أنه �أن ي�ساعد على الفهم‬ ‫والتفاهم والتبادل الثقايف مع الدول املختلفة‪ ،‬وميكن � ً‬ ‫أي�ضا تنظيم يوم‬ ‫مفتوح للثقافة لتقدمي �أم�سيات ثقافية لعدة دول ُتق َّدم فيها عرو�ض تعك�س‬ ‫(‪)9‬‬ ‫�إجنازاتها الأدبية والفنية‪.‬‬ ‫‪- 191 -‬‬

‫�صيف ‪2015‬‬


‫عربي)‬ ‫ثقافـي‬ ‫متابعات (نحو ميثاق‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬

‫تعمق وتن�شر‬ ‫‪ -12‬ت�شجيع �إ�صدار ون�شر الكتب واملطبوعات واملجالت العربية التي ِّ‬ ‫الثقافة العربية وت�ساعد على امتزاج وتالقح الفكر العربي املتنوع‪ ،‬ون�شر‬ ‫الثقافة العربية يف كامل �أرجاء الوطن العربي وللعرب يف املهجر وبالد‬ ‫االغرتاب وبلغة عربية �سليمة‪ ،‬كمجلة «العربي»‪ ،‬وجملة «الثقافة العربية‬ ‫املعا�صرة»‪ ،‬وجملة «طنجة الأدبية»‪ ،‬وجملة «الآداب»‪ ،‬وجملة «املجلة»‪،‬‬ ‫و«املجلة العربية»‪ ،‬وجملة «�أقالم» الثقافية‪ ،‬وجملة «املنتدى» للفكر العربي‪،‬‬ ‫وغريها من املجالت الثقافية العربية الر�صينة‪ ،‬و�ضروة توزيعها يف جميع‬ ‫�أنحاء الوطن العربي وبدعم من احلكومات‪ ،‬حتى يت�سنى للقراء �شرا�ؤها‬ ‫بثمن منا�سب ومقبول‪ .‬ويجب ت�شجيع الن�شء يف خمتلف الأعمار على قراءة‬ ‫الكتب والق�ص�ص واملجالت وتذوق ال�شعر والأدب‪ .‬وكذلك ت�شجيع «مكتبة‬ ‫الأ�سرة» بكتب وق�ص�ص وجمالت ومطبوعات عربية متنوعة تنا�سب خمتلف‬ ‫الفئات العمرية يف الأ�سرة العربية‪ .‬ويذكر �أن جتربة مكتبة الأ�سرة يف كل‬ ‫من الأردن وم�صر من التجارب الناجحة يف هذا املجال‪.‬‬ ‫وال بد من الإ�شارة يف هذا املجال �إىل �أن �صناعة الن�شر وعالقة امل�ؤلف‬ ‫بالنا�شر واملوزع‪ ،‬ينبغي �أن تقوم على �أُ�س�س عادلة حتفظ حقوق الأطراف‬ ‫جميعها وال جتحف بحق �أي منهم‪� .‬إ�ضافة �إىل �أهمية طباعة و�إخراج الكتب‬ ‫خ�صو�صا كتب الأطفال وجمالتهم وما يجب �أن‬ ‫ب�صورة منا�سبة والئقة‪،‬‬ ‫ً‬ ‫حتتويه من مفردات ور�سومات‪� ...‬إلخ‪.‬‬ ‫كما يجب �أن يتبادل ال ُكتَّاب واملثقفون والأدباء العرب الكتابة يف املجالت‬ ‫التي ت�صدر يف امل�شرق واملغرب العربيني لتعميم الثقافة العربية الأ�صيلة‪،‬‬ ‫ولتمكني القارئ العربي من متابعة الإ�صدارات الثقافية العربية‪ ،‬وتذوق‬ ‫اللغة العربية ال�سليمة‪ .‬فقد م َّرت فرتة طويلة مل يكن �أدباء و�شعوب امل�شرق‬ ‫العربي يطلعون على �أدب وثقافة املغرب العربي وبالعك�س‪ ،‬مما خلق حالة‬ ‫انف�صام واغرتاب ثقايف ولغوي بني ال�شعوب العربية‪ ،‬ا�ستغرقت فرتة طويلة‬ ‫� ً‬ ‫أي�ضا حتى �ضاقت فجوتها و�إن مل تختف ب�شكل تام‪.‬‬ ‫املنتـ ــدى ‪262‬‬

‫‪- 192 -‬‬


‫العربي‬ ‫الثقافي‬ ‫التّكامل‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫�أ‪ .‬ثابت الطاهر‬

‫‪ -13‬يف ظل هذه الفو�ضى الإعالمية والتخبط الثقايف‪ ،‬وانت�شار الف�ضائيات من كل‬ ‫لون وطيف‪ ،‬واملواقع الإلكرتونية وم ّدعي الكتابة والأدب وال�شعر �إىل درجة‬ ‫التيه‪ ،‬وعدم القدرة على متييز احلقيقة وال�صواب من الكذب والزيف‪،‬‬ ‫والغث من ال�سمني يف املقالة والق�صة والرواية واخلرب‪ ،‬ودخول الطارئني‬ ‫وغري امل�ؤهلني �إىل املجال الثقايف‪� ،‬أ�صبحت هناك �ضرورة للإ�صالح‬ ‫الإعالمي والثقايف ل�ضبط هذه الفو�ضى والت�س ّيب لو�سائل الإعالم على‬ ‫اختالفه‪ ،‬وتثبيت ما ن�سميه الأمن الإعالمي والثقايف الذي ال يقل �أهمية‬ ‫عن �أنواع الأمن الأخرى‪ ،‬بل يفوقها �أحيا ًنا يف اخلطورة واحليوية والآثار‪.‬‬ ‫�إن الأمن الثقايف مرتبط بالأمن الوطني الذي يرتبط بدوره ب�أمن الوطن‬ ‫ب�شكل عام‪ ،‬وبالأمن االن�ساين الذي يتعلق ب�أمن الإن�سان وحريته وكرامته‪،‬‬ ‫ويتط َّلب ذلك احلر�ص على �سالمة الإن�سان‪ ،‬وحتريره من التهديدات التي‬ ‫قد تتعر�ض لها حياته وحريته‪ ،‬واحلر�ص على كرامته‪ ،‬ومنحه احلرية‬ ‫للتعبري عن ر�أيه‪.)10(.‬‬ ‫وعلى احلكومات �أن تتنبه لهذه املخاطر التي حتيط بالثقافة والإعالم على‬ ‫وجه اخل�صو�ص‪ ،‬باعتبار الإعالم العامل الأ�سا�س يف ن�شر الثقافة وتعميمها‪،‬‬ ‫لأن الأمن الإعالمي والثقايف يعك�س ب�صورة جل ّية �أنواع الأمن الأخرى كافة‪،‬‬ ‫�إ�ضافة �إىل الأمن املجتمعي وال�سلم الأهلي وا�ستقرار املجتمع‪ .‬وبذلك ن�ؤ ّمن‬ ‫اخلرب ال�صادق واحلقيقة ال�ساطعة والثقافة النظيفة املهذبة التي ال تلوث‬ ‫ت�شجع‬ ‫ت�سمم املعتقدات‪ ،‬وال تعبث بالقيم والتقاليد الأ�صيلة‪ ،‬وال ِّ‬ ‫الأفكار‪ ،‬وال ِّ‬ ‫على الرذيلة �أو تذهب بالأخالق‪ ،‬وحتارب ال�شعوذة والت�ضليل وفربكة‬ ‫الأخبار والإ�شاعات‪ .‬وبذلك ن� ِّؤمن � ً‬ ‫إعالما حمايدً ا‬ ‫أي�ضا ثقافة ملتزمة و� ً‬ ‫إعالما يخدم املجتمع وال ي�ض ّره بال�شائعات والأكاذيب واغتيال‬ ‫�صاد ًقا‪ً � ،‬‬ ‫للأ�شخا�ص‪ ،‬وال يكون �ألعوبة بيد ال�سلطات الر�سمية ت�سريه وتوجهه كيفما‬ ‫ت�شاء‪ .‬وهذا ما يح ِّقق االن�سجام يف اخلطاب الثقايف والأدبي والإعالمي‬ ‫(‪)11‬‬ ‫العربي وي�ساعد على تكامله ووحدته‪.‬‬ ‫‪- 193 -‬‬

‫�صيف ‪2015‬‬


‫عربي)‬ ‫ثقافـي‬ ‫متابعات (نحو ميثاق‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬

‫‪� -14‬أما الوجه الآخر للأمن الثقايف والإعالمي فهو �أمن لغة الإعالم والتخاطب‬ ‫و�صحتها من حيث املبنى واملعنى وال�شكل وامل�ضمون‪ ،‬وبالتايل‬ ‫والكتابة ّ‬ ‫امل�ساهمة يف التكامل العربي الثقايف والإعالمي بو�صفه رديف الثقافة‬ ‫وناقلها ونا�شرها بجميع و�سائله‪ ،‬فال نبالغ �إذا قلنا �إنه ت�سود حال ًيا �إ�ساءة‬ ‫بالغة للغة العربية‪� ،‬إذ غدت الأخبار واملقاالت والن�شرات واملقابالت والكتب‬ ‫مملوءة بالأغالط الإمالئية والنحوية واللفظية املمجوجة والعبارات‬ ‫الركيكة‪ ،‬التي تن ِّفر القارئ �أو امل�شاهد �أو امل�ستمع من مثل هذا اخلطاب‬ ‫الإعالمي والثقايف غري املقبول ب�سائر املقايي�س‪ .‬ويندرج حتت هذا عن�صر‬ ‫�آخر من هبوط اخلطاب الإعالمي والثقايف‪ ،‬وهو التحدث �أو الكتابة‬ ‫باللهجات املحلية �أو العربية العامية الكثرية واملنت�شرة يف �أرجاء العامل‬ ‫العربي‪ ،‬التي لها الأثر البالغ ال�سوء على الن�شء يف ما يتعلق ب�ضعف قدرتهم‬ ‫على تعلُّم اللغة ونطقها وكتابتها بال�شكل ال�صحيح‪ .‬وهذه من الأخطار التي‬ ‫حتيق باللغة العربية‪ ،‬فبع�ض و�سائل الإعالم تكتب الكلمة خط�أً كما تلفظ‬ ‫باللهجة اخلط�أ‪ ،‬ويجب �أن تكون اللغة عامل وحدة وتكامل‪ ،‬وال �شك �أن قوة‬ ‫اللغة تنبع من قوة �أهلها وتفاخرهم ب�إ�ستعمالها(‪ .)12‬وقد اعترب الدكتور‬ ‫�صالح جرار �أن «اللغة هي املك ِّون الأ�سا�سي للهوية الثقافية واحل�ضارية‬ ‫للأمة‪ ،‬فال ثقافة قومية دون لغة قومية‪ ،‬واللغة العربية هي عن�صر �أ�سا�س‬ ‫من عنا�صر الهوية والثقافة للأمة»‪.‬‬ ‫اهتماما ورعاية خا�صة باعتبارها‬ ‫وهذا يعني �ضرورة �إيالء اللغة العربية‬ ‫ً‬ ‫وعا ًء للفكر والثقافة العربية‪ ،‬والرتباطها بتاريخنا وثقافتنا وهويتنا لتكون‬ ‫مواكبة للتطور العلمي واملعريف يف ع�صر العوملة واملعلومات‪ ،‬ولت�صبح �أداة‬ ‫حتديث يف وجه حماوالت التغريب والت�شويه التي تتعر�ض لها ثقافتنا‬ ‫العربية‪ .‬لقد �أكد الدكتور نا�صر الدين الأ�سد ‪-‬رحمه اهلل‪ -‬يف حما�ضرة‬ ‫له مبنتدى عبد احلميد �شومان حول «م�ستقبل اللغة العربية» �أن التم�سك‬ ‫باللغة العربية ال يعني تهمي�ش اللغات الأجنبية‪ ،‬غري �أن هناك حتديات‬ ‫املنتـ ــدى ‪262‬‬

‫‪- 194 -‬‬


‫العربي‬ ‫الثقافي‬ ‫التّكامل‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫�أ‪ .‬ثابت الطاهر‬

‫وخماطر حا�ضرة وم�ستقبلية‪� ،‬أهمها العوملة – وخا�صة ما تعنيه الثقافة‬ ‫املوحدة ‪ -‬وتدمري اخل�صو�صيات الثقافية الأخرى»‪.‬‬ ‫َّ‬ ‫كذلك‪ ،‬ال بد من �أيالء الرتجمة ال�صحيحة من اللغة العربية �إىل اللغات‬ ‫الأجنبية وبالعك�س اهتماما بال ًغا‪ ،‬وذلك للتعريف بالثقافة العربية لغري‬ ‫�أهلها‪ ،‬وتلقي الثقافات الأجنبية بلغة عربية �سليمة املبنى واملعنى‪ .‬وا�ؤكد‬ ‫خ�صو�صا بعد �أن �صدرت ترجمات لكتب‬ ‫هنا �أهمية دقة و�سالمة الرتجمة‪،‬‬ ‫ً‬ ‫جانبتها الدقة والأمانة يف الرتجمة‪.‬‬ ‫‪ -15‬لي�س هناك ما هو �أهم من اللغة يف تطوير الثقافة الإن�سانية‪ ،‬وتعترب اللغة‬ ‫عن�ص ًرا �أ�سا�س ًيا لتطوير الثقافة العربية؛ الأمر الذي ي�ستدعي مزيدً ا‬ ‫من النهو�ض بها وحتديث طرق تدري�سها يف املدار�س واجلامعات‪ ،‬لتكون‬ ‫قادرة على التط ّور وال�صمود �أمام اللغات الأجنبية‪ ،‬ف�ض ًال عن العمل على‬ ‫االرتقاء مب�ستوى اجلامعات العربية لتجاوز املعارف القدمية يف مناهجها‬ ‫والتخ�ص�صات املحدودة‪ ،‬وجعلها متتلك ما يلزم من مقومات �إنتاج‬ ‫املعرفة و�صناعة العلماء‪ ،‬واحلال �أنه ال ميكن �أن يكون لنا فعل يف الواقع‬ ‫احل�ضاري‪ ،‬ولن تكون لنا م�ساهمة حقيقية يف بناء احل�ضارة الإن�سانية؛‬ ‫�إال من خالل مزيد من العناية واالهتمام بلغتنا العربية‪ ،‬وتفعيل االهتمام‬ ‫باللغات الأخرى‪ ،‬ونقل ما فيها من ذخائر معرفية �إىل الأجيال العربية؛‬ ‫�إذ تربز �أهمية التكامل بني اللغة والثقافة بو�ضوح من خالل دعم الركائز‬ ‫الأ�سا�سية التي �أفرزت التقارب الثقايف والفكري والتكامل الإن�ساين‪ ،‬الذي‬ ‫يتيح للجميع النظر �إىل امل�ستقبل يف �إطار من التعددية الفكرية والثقافية‬ ‫املبنية على ثوابت م�شرتكة‪ ،‬ومد ج�سور من احلوار بني الثقافات وال�شعوب‪.‬‬ ‫ويجب الرتكيز على املنزلة الرفيعة التي يجب �أن تكون عليها اللغة العربية‬ ‫باعتبارها مكو ًنا �أ�سا�س ًيا للهوية وبناء ال�شخ�صية وجتذير القيم‪ ،‬وو�سيلة‬ ‫تربية وجعل النهو�ض بها وتهيئتها ملتطلبات ع�صر املعلومات على ر�أ�س قائمة‬ ‫(‪)13‬‬ ‫�أولويات ال�سيا�سة الثقافية والرتبوية يف الوطن العربي‪.‬‬ ‫‪- 195 -‬‬

‫�صيف ‪2015‬‬


‫عربي)‬ ‫ثقافـي‬ ‫متابعات (نحو ميثاق‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬

‫‪ -16‬على كل مثقف متنور و�إعالمي �صادق �إن يحمل راية التنوير والإ�ضاءة‬ ‫والتوعية مب�شكالت املجتمع‪ ،‬و�أن ال يعي�ش يف بروج عاجية‪ ،‬بل على املثقفني‬ ‫�أن ينزلوا �إىل خمتلف م�ستويات وطبقات املجتمع ال�صغار والكبار واملي�سورين‬ ‫والفقراء‪ ،‬و�أن ّ‬ ‫ي�شخ�صوا معاناتهم ويتح�س�سوا �أمرا�ضهم وينقلوها لذوي‬ ‫ال�ش�أن وال�سلطان‪ ،‬و�أن ال يحابوا يف ذلك حاك ًما �أو م�س�ؤو ًال‪.‬‬ ‫‪ -17‬على املثقفني وال ُكتَّاب والإعالميني حماربة التطرف والإرهاب يف مقاالتهم‬ ‫وندواتهم‪ ،‬و�ضرورة تفاعلهم مع الأحداث اجلارية وامل�ستجدة‪ ،‬و�إبراز‬ ‫مبادئ الإ�سالم ال�سمحة يف الو�سطية ونبذ العنف والتطرف والغلو والدعوة‬ ‫�إىل الكلمة ال�سواء واحرتام الأديان الأخرى‪.‬‬ ‫كما �أن على املثقفني وال ُكتَّاب والإعالميني الرتكيز على مع�ضالت املجتمع من‬ ‫فقر وبطالة‪ ،‬وما يعانيه ال�شباب من خواء فكري وعلمي وثقايف قد يدفعهم‬ ‫�إىل الوقوع لقمة �سائغة يف براثن من يدعون �إىل تبني االفكار املت�شدِّ دة‬ ‫وامل�ستم ّدة من الكتب ال�صفراء ومن الأوكار واملنابر الظالمية‪ .‬و�أن على‬ ‫املثقفني وال ُكتَّاب والإعالميني تبني حمالت التوعية الثقافية ب�إعالء �ش�أن‬ ‫الوحدة الوطنية وتر�سيخ مفهومها بو�صفها ال�سالح القوي لتح�صني املجتمع‬ ‫من الفرقة والتطرف والإرهاب‪.‬‬ ‫‪� -18‬ضرورة �إن�شاء �صندوق ال�شيخوخة واملر�ض للأدباء والفنانني يف كل بلد‬ ‫عربي‪ ،‬بحيث ت�سهم يف �إيراداته ك ّل من وزارة املالية‪ ،‬ونقابة الفنانني‪،‬‬ ‫ربعات املح�سنني و�أهل اخلري‪ .‬ويقرتح‬ ‫والروابط والهيئات الثقافية‪ ،‬وت ّ‬ ‫يف هذا املجال �أن ت�شرتط وزارات الثقافة والهيئات امل�شرفة على الثقافة‬ ‫قبل منح �أي ترخي�ص لأي هيئة ثقافية �أن تخ�ص�ص تلك الهيئة ن�سبة من‬ ‫ا�شرتاكات الأع�ضاء ال�سنوية لدعم ذلك ال�صندوق‪ ،‬مما يحفظ كرامة‬ ‫املثقف والفنان ويحافظ على �سالمته و�أمنه يف �شيخوخته ومر�ضه‪ .‬فلي�س‬ ‫من الالئق ب�أي �أ ّمة �أن ي�صبح �أي من �أدبائها الكبار �أو ف ّنانيها املعروفني �أو‬ ‫�صحي �أو معي�شي عندما‬ ‫�أعالمها امل�شهورين غري قادر على مواجهة عار�ض ّ‬ ‫املنتـ ــدى ‪262‬‬

‫‪- 196 -‬‬


‫العربي‬ ‫الثقافي‬ ‫التّكامل‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫�أ‪ .‬ثابت الطاهر‬

‫يبلغ �سنّ ال�شيخوخة‪� ،‬أو �إذا داهمه ٌ‬ ‫مر�ض خطري يحتاج عالجه �إىل مبلغ‬ ‫(‪)14‬‬ ‫مايل يفوق �إمكانياته املالية‪.‬‬ ‫‪ -19‬تعزيز جهود امل�ؤ�س�سات الثقافية العربية يف حتقيق التكامل الثقايف العربي‪،‬‬ ‫وتوحيد جهودها يف هذا االجتاه و�صو ًال �إىل بلورة منط من �أمناط امليثاق‬ ‫الثقايف العربي‪ ،‬الذي �أ�شار �إليه الدكتور �صالح جرار يف بحث له يحمل‬ ‫هذا العنوان ن�شر يف العدد ال�سنوي املمتاز رقم (‪ )261‬من جملة منتدى‬ ‫الفكر العربي‪ .‬ويويل الدكتور جرار يف بحثه �أهمية خا�صة ملبد�أ احلوار لدى‬ ‫مواجهة �أي م�شكلة داخل الأقطار العربية �أو بينها‪ ،‬ومراعاة قيم العدالة‬ ‫واحلرية وامل�ساواة‪ ،‬كما لفت الدكتور جرار يف بحثه �إىل �أهمية و�ضع خطة‬ ‫ملكافحة الأمية بجميع �أ�شكالها‪ :‬القرائية‪ ،‬والكتابية‪ ،‬واملعرفية‪ ،‬و�أمية‬ ‫احلا�سوب‪.‬‬ ‫‪ -20‬البحث عن حل مل�شكلة العالقة بني املثقف العربي وال�سلطة‪ ،‬ولعل بحث‬ ‫الأ�ستاذ عبد املجيد جرادات ‪ -‬يف العدد ال�سابق امل�شار �إليه من جملة منتدى‬ ‫إ�سهاما مفيدً ا يف حل هذه الإ�شكالية‪ ،‬حني‬ ‫الفكر العربي ‪ -‬ميكن �أن ي�شكل � ً‬ ‫�أكد �أهمية تفعيل دور املثقف باالجتاه الذي يعزز الوعي الإن�ساين واالجتماعي‬ ‫ومبنهجية تقر�أ احلا�ضر‪ ،‬وت�ست�شرف امل�ستقبل‪.‬‬ ‫نختتم هذه التو�صيات مبا قاله الدكتور عبد ال�سالم امل�س ّدي يف حما�ضرة‬ ‫له مبنتدى �شومان الثقايف يف ع ّمان «�إن ال�سيادة االقت�صادية رمز لل�سيادة‬ ‫ال�سيا�سية‪ ،‬وال�سيادة ال�سيا�سية م�ستحيلة دون ثقافة لغوية»‪ ،‬و�أ�ضاف «�أنـه‬ ‫ال جمال للعرب اليوم لالنخراط بكفاءة واقتدار يف املنظومة الإن�سانية بكل‬ ‫�أبعادها �إال بجبهة ثقافية عنيدة‪ .‬وال ثقافة دون هوية ح�ضارية‪ ،‬وال هوية‬ ‫دون �إنتاج فكري‪ ،‬وال فكر دون م�ؤ�س�سات علمية متينة‪ ،‬وال علم دون حرية‬ ‫(‪)15‬‬ ‫معرفية‪ ،‬وال معرفة وال توا�صل وال ت�أثري دون لغة قومية»‪.‬‬ ‫ف��ه��ل يتعظ ال��ع��رب فيحافظون ع��ل��ى لغتهم وي��ع��ل��ون ���ش���أن ثقافتهم‬ ‫وح�ضارتهم؟‬ ‫‪- 197 -‬‬

‫�صيف ‪2015‬‬


‫عربي)‬ ‫ثقافـي‬ ‫متابعات (نحو ميثاق‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬

‫�أختم بحثي هذا مبنا�شدة الدول العربية املحافظة على حرمة الثقافة‬ ‫واملثقفني‪ ،‬كما �أنا�شد املثقفني �أنف�سهم باملحافظة على حرمة الثقافة من خالل‬ ‫الكلمة ال�صادقة‪ ،‬والر�أي املجرد اخلايل من التزلف والنفاق‪� .‬إنها امل�س�ؤولية‬ ‫امل�شرتكة لكل ال�شعوب العربية وح ّكامها‪.‬‬ ‫الهوام�ش واملـراجـع‬

‫(‪ )1‬د‪ .‬عادل الطوي�سي‪ ،‬حما�ضرة بعنوان «الثقافة من منظور لغوي وحتديات العوملة»‪ ،‬اجلامعة‬ ‫الأردنية‪.2007/1/11 ،‬‬ ‫ (‪ )2‬د‪� .‬إبراهيم بدران‪ ،‬ورقة بعنوان «الثقافة بني التنوير والتكفري»‪ ،‬ع ّمان‪� ،2014/11/9 ،‬ص‪.3‬‬ ‫(‪ )3‬د‪� .‬صالح جرار‪ ،‬مقال بعنوان «الثقافة هي احلل»‪ ،‬جريدة «الر�أي»‪ ،‬ع ّمان‪ ،‬اخلمي�س‪،2015/2/26 ،‬‬ ‫العدد ‪� ،16173‬ص‪.16‬‬ ‫(‪ )4‬د‪ .‬عبد القادر الفا�سي الفهري‪ ،‬حما�ضرة بعنوان «ال�سيا�سة اللغوية والتخطيط»‪ ،‬مركز امللك‬ ‫عبداهلل بن عبد العزيز الدويل‪ ،‬الريا�ض‪.2014 ،‬‬ ‫(‪ )5‬د‪� .‬آمال فرفار‪« ،‬واقع ثقافة التوا�صل يف ظل حتوالت املجتمع الدويل املعا�صر»‪ ،‬جامعة تب�سة‪،‬‬ ‫اجلزائر‪� ،‬ص‪.8‬‬ ‫(‪ )6‬د‪� .‬سيار اجلميل‪« ،‬امل�شروع احل�ضاري العربي و�أدوات التكامل الثقايف‪ :‬ر�ؤية نقدية»‪.‬‬ ‫(‪ )7‬املرجع ال�سابق‪.‬‬ ‫(‪ )8‬ثابت الطاهر‪ ،‬حما�ضرة بعنوان «العوملة يف مر�آة الإعالم»‪� ،‬ألقيت بتاريخ ‪ 2008/6/30‬يف منتدى‬ ‫�شومان الثقايف‪ ،‬ع ّمان‪ ،‬من�شورة يف كتاب «�أ�س�س التحديث والتنمية العربية يف زمن العوملة»‪،‬‬ ‫�ص‪.18-7‬‬ ‫(‪ )9‬وكالة القاهرة ‪« ،ONA‬التكامل الثقايف العربي»‪ ،‬مهرجان عكاظ ‪ -‬ندوة لبحث التعاون بني الدول‬ ‫العربية‪.2012 /11/6 ،‬‬ ‫ُ‬ ‫(‪ )10‬ثابت الطاهر‪ ،‬حما�ضرة بعنوان «الثقافة وحتقيق الأمن الوطني»‪� ،‬ألقيت يف امل�ؤمتر الوطني‬ ‫للثقافة عام ‪ ،2008‬ع ّمان‪.‬‬ ‫(‪ )11‬نزيه برقاوي‪ ،‬مقال بعنوان «الأمن الإعالمي والثقايف»‪ ،‬جملة «الأمن واحلياة»‪ ،‬العدد ‪،378‬‬ ‫�أكتوبر (ت�شرين الأول) ‪� ،2013‬ص‪ ،80‬جامعة الأمري نايف الأمنية‪ ،‬الريا�ض‪.‬‬ ‫(‪ )12‬املرجع ال�سابق‪� ،‬ص‪.81‬‬ ‫(‪ )13‬د‪ .‬فرحان ال�سليم‪ ،‬ورقة بعنوان «الثقافة العربية بني الأ�صالة واملعا�صرة»‪ ،‬اجتماع اللجنة الدائمة‬ ‫للثقافة العربية‪� ،‬أعمال الدورة التا�سعة ع�شرة مل�ؤمتر الوزراء امل�س�ؤولني عن ال�ش�ؤون الثقافية يف‬ ‫الوطن العربي‪ ،‬الريا�ض‪.2015 /1/11 ،‬‬ ‫(‪ )14‬د‪� .‬صالح جرار‪ ،‬مقال بعنوان «�صندوق ال�شيخوخة واملر�ض للأدباء والفنانني»‪ ،‬جريدة «الر�أي»‪،‬‬ ‫ع ّمان‪ ،‬العدد رقم ‪.2015/3/5 ،16180‬‬ ‫(‪ )15‬ثابت الطاهر‪ ،‬ورقة بعنوان «لغتنا العربية» ‪� ،‬أيلول‪� /‬سبتمرب ‪ ،2014‬ع ّمان‪� ،‬ص‪.20‬‬ ‫املنتـ ــدى ‪262‬‬

‫‪- 198 -‬‬


‫كتب ومراجعات ونقد‬

‫اإلمبريالية‬ ‫الجديدة‬ ‫روبرت بيل‬



‫الخطـاب الفكري والإن�ساني‬

‫في رواية «بابنو�س»‬

‫*‬

‫�صهادة ونقد‬ ‫(‪)1‬‬ ‫�سهادة يف التجربة الروائية‬ ‫اأة‪� .‬صميحة خري�س‬ ‫ملمو�سا يف فهمي مو�سوع الكتابة‬ ‫مثلت هذه الرواية «بابنو�س» اختبا ًرا‬ ‫ً‬ ‫مو�سوعا ح�س ًيا‪ ,‬قادر على التحول اإىل روحانية خال�سة‪.‬‬ ‫الذي طاملا اعتربته‬ ‫ً‬ ‫هل جربتم امل�سي حفاة على الرمل اأو الطني؟ اأراأيتم اأثر اأقدامكم ال�سغرية ينطبع‬ ‫هناك ثم تذروه الريح اأو مي�سحه املوج؟ اأظننتم لوهلة اأن الريح اأو املوج اأخذ اآثاركم‬ ‫ووزعها يف ذرات املاء والهواء؟ اأ�سعرمت بدفء الرتاب اأو برودة املاء تدغدغ حلمكم‬ ‫وح�سه؟ هكذا هي الكتابة بدورها‬ ‫املا�سي فوقها‪ ,‬اأتبادلتم مع الكون ملم�سه و�سوته ّ‬ ‫ومتعتها‪ ,‬هكذا يحتلني الوهم العظيم يف يقني ال رجعة فيه؛ باأين اأ�سيف اإىل‬ ‫لوحة العامل ً‬ ‫خطا اأو نقطة اأو ظ ًال اأو �سو ًءا‪ ,‬باأين اأجد لنف�سي ال�سغرية املتوا�سعة‬ ‫خا�سا ميكنني من مراقبة احلياة وهي‬ ‫مكا ًنا يف �سيمفونية الكون الكبرية‪ ,‬مكا ًنا ً‬ ‫مت�سي على املوت‪ ,‬واملوت وهو ينبعث يف احلياة‪ ,‬متكنني ب�سورة اأو باأخرى من‬ ‫تكوين وجهة نظر خا�سة بي ولكنها يف ذات الوقت ملك لالخرين‪ ,‬اأنقلها عرب‬ ‫* االأوراق املق ّدم ــة يف لق ــاء ن ــادي الكتاب مبنت ــدى الفكر العرب ــي بتاري ــخ ‪ ,2015/9/29‬حتت عنوان‬ ‫أمنوذجا)‪ ,‬وقد قدّمتها‬ ‫«االأبعاد الفكرية واالإن�س ــان ّية يف اخلطاب الروائي العرب ــي (رواية «بابنو�س» ا ً‬ ‫دة‪ .‬جودي البطاينة‪ ,‬ع�سو املنتدى‪.‬‬

‫‪- 201 -‬‬

‫�صيف ‪2015‬‬


‫كتب ومراجعات ونقد‬

‫احلرب لنت�شارك ون�صنع معرفة مت�شابكة متعالقة عن الدنيا التي التقينا فيها‪.‬‬ ‫هل �س�أغري �شي ًئا؟‬ ‫رمبا‪ ..‬ذلك �أمر منوط مبن يقر�أ وباملكان الذي حتدث فيه القراءة وبالزمان‬ ‫الذي يتلقف كلمتي‪ ،‬التغيري �أمل خفي يف �أعماقي‪ ،‬ولكن م�شاركتي يف احلياة هي‬ ‫ما �أرجتيه حني �أذهب �إىل الكتابة‪.‬‬ ‫يراودين هذا الأمل البعيـد كما لــو ك ــان ذبــالة �ضــوء خــافت يف �آخـر نفــق‬ ‫ط ــويل ال تنتهي م�سريتي فيه �أبدً ا‪ ،‬مع كل كلمة �أكتبها �أعلم �أنـي �أ�شارك الكون‬ ‫معزوفته العظيمة‪ .‬مبثل هذا االح�سا�س العميق بالقدا�سة �أقبل على الكتابة‪ ،‬ومع‬ ‫حتد جديد‪ ،‬ولعلي يف جممل جتربتي‬ ‫كل ن�ص جديد �أجنز حتد ًيا ويتخلق �أمامي ٍ‬ ‫الروائية مل �أعكف على رواية دون ال�شعور بهذا االمتالء الإن�ساين الكبري ودون �أن‬ ‫تدفعني يد جمهولة �شجاعة للخو�ض يف قلب النار‪.‬‬ ‫�إال �أن «بابنو�س» مثلت حتد ًيا من نوع خا�ص‪ ،‬لقد �شعرت معها �أين �أق�شر‬ ‫َ‬ ‫جماهل تطالبني مبعرفتها قبل الت�صدي‬ ‫جلدي الذي �أعرفه ويعرفني‪ ،‬و�أقفز �إىل‬ ‫لها‪ ،‬ال من حيث توفر املعلومة بقدر ما هو الفهم العميق لذلك الأفق املختلف‪ ،‬فهل‬ ‫�أنا جديرة بهذا؟ حاولت الإخال�ص ملو�ضوعي‪ ،‬وذهبت �إىل مناطق بعيدة يف النف�س‬ ‫بح ًثا عن وجع �إن�ساين هزين بعمق واختارين للت�صدي لتلك احلكاية املوجعة التي‬ ‫م�سرحها يف قلب �إفريقيا‪ ،‬وك�أنه ربطني باملكان مطال ًبا بفاتورة باهظة التكاليف‬ ‫علي و�أنا �أ�صري يف جزء مني �إفريقية‪ ،‬هكذا مل يعد حلربي �أن يظل رهني‬ ‫ترتبت ّ‬ ‫مكانه �أو زمانه‪ ،‬ولكنه انثال ثم انفل�ش م�ساحات �أو�سع م�صطح ًبا معه معاريف‬ ‫علي التخل�ص من‬ ‫علي �أن �أ�صريه بعد التجربة‪� ،‬صار ّ‬ ‫وم�شاعري وكل ما كنته وما ّ‬ ‫جلد ي�ضيق‪ ،‬ما دام الوجع الب�شري ينت�شر واملظامل ال موطن لها‪ .‬رمبا لهذا كان‬ ‫�إهداء روايتي لروح «الطيب �صالح» الذي مثل عندي الروح ال�سودانية التي عرفتها‬ ‫عرب روايته قبل لقائي بال�سودان بلدً ا وب�ش ًرا‪ ،‬ك�أين �أقول له‪ :‬ا�سمح يل ب�إ�ضافة‬ ‫فقرة �إىل احلكاية الدامية التي ما زالت جتري هناك‪.‬‬ ‫املنتـ ــدى ‪262‬‬

‫‪- 202 -‬‬


‫الخطـاب الفكري والإن�ساني في رواية «بابنو�س» �شهادة ونقد‬

‫مل يكن التحدى هو �إح�سا�سي الأ�صيل مب�شكلة حتدث يف مكان ما من العامل‪،‬‬ ‫فذاك الطبيعي واملنطقي لكل من ادعى �أن �ضمريه ما زال يحيا يف زمن موت‬ ‫ن�صا فن ًيا روائ ًيا يتطلب‬ ‫ال�ضمائر‪ ،‬ولكن التحدي احلقيقي �أمامي كان يف �إجنازي ً‬ ‫الغو�ص برباعة يف ن�سيج جمتمع �أعرف عنه الكثري كما �أجهل الكثري‪ ،‬لقد و�ضعني‬ ‫هذا التحدي مبا�شرة �أمام مقولة ظللت �أباهي بها مع كل ن�ص �أكتبه‪� ،‬أال وهي مقولة‬ ‫البحث والدرا�سة ثم �صياغة �أحداث احلياة والأفكار واملتخيالت يف عمل معريف‬ ‫وقالب فني‪ ،‬مل �أطرح بحثي كمعرفة جغرافية و�سيا�سية واجتماعية بقدر ما �أردته‬ ‫غو�صا واع ًيا �إىل �أعماق املجتمع و�إن�سانة‪ ،‬ومل �أذهب �إىل ال�صياح والتباكي بقدر‬ ‫ً‬ ‫ما �أردت توريط القارئ مبحبة ه�ؤالء النا�س ومن ثم الإ�صابة بجراحهم وال�شعور‬ ‫العميق ب�أملهم �إىل جانب معرفة ال�صورة احلقيقة ملا يجري يف تلك املناطق التي‬ ‫تبدو بعيدة ف�إذا بها عند حبل الوريد‪.‬‬ ‫رغم تعالق حياتي ال�شخ�صية‪ ،‬درا�سة‪ ،‬وعائلة مع املجتمع ال�سوداين �إال‬ ‫�أن التحدي ظل ماث ًال �أمامي خا�صة و�أنا �أختار بوعي كامل منطقة وعرة بكر‬ ‫ملتب�سة كدارفور‪ ،‬حيث �أغنى �أرا�ضي الكرة الأر�ضية و�أفقر �شعوبها‪ ،‬وحيث‬ ‫ً‬ ‫وحو�شا تنه�ش الأر�ض و�سكانها‪ ،‬وحيث الإن�سان منوذج‬ ‫تتكالب مطامع العامل‬ ‫فذ مل ي�سبق �أن منطته الروايات‪ ،‬وال �أن�صفته ن�شرات الأخبار و�صور الأقمار‬ ‫ال�صناعية‪ ،‬ت�شكلت �شخ�صيات الرواية من نثار ق�صا�صات اجلرائد و�صور‬ ‫الالجئني و�صدى حكايات النا�س ومن منطقة غام�ضة عميقة يف نف�سي‪،‬‬ ‫وبعثت يف خاطري معنى جديدً ا لن�ضال الإن�سانية التي حتاول الفرار من قدر‬ ‫التجربة ال�سيا�سية املرة دون جدوى‪� ،‬إنهم مناذج م�شذبة ملا ميكن �أن يفعله‬ ‫الإن�سان ب�أخيه الإن�سان‪ ،‬وهم �صرخة عالية حتتج على وح�شية الب�شرية‪.‬‬ ‫�صنعتهم؛ لكنهم جعلوين �أقف على حجمي احلقيقي‪ ،‬علموين كم نحن عابرين يف‬ ‫احلياة‪ ،‬هباء ال معنى له �إال بقدر قدرتنا على املحبة‪ .‬مل يحملوا �صدى �أفكاري‬ ‫و�صوتي �إليكم كما هو حال ال�شخو�ص الروائية‪ ،‬بقدر ما حملوين در�سهم العظيم‪،‬‬ ‫ك�أنهم �أعادوا �صياغتي وكتبوين من جديد‪.‬‬ ‫‪- 203 -‬‬

‫�صيف ‪2015‬‬


‫كتب ومراجعات ونقد‬

‫�صار الن�ص بني �أيديكم نتاج عمل مرهق دقيق وجاد‪ ،‬رحلة مثلت انت�صارات‬ ‫وانك�سارات نف�سية ع�شتها مع �أبطال عملي ك�أنهم ني ٌل يف دمي‪ ،‬وك�أين ذرة غبار‬ ‫يف الهواء الذي يع�صف يف حياتهم‪ ،‬كما هي رحلة جدل عقالين لفرط ما طرحت‬ ‫م�سائالت �أخالقية وفكرية و�سيا�سية‪ ،‬ال تتعلق بحيز �صغري كتلك البلدة‬ ‫�أمامي من‬ ‫ٍ‬ ‫ال�صغرية التي ابتدعتها‪ ،‬ولكن بكون كامل ي�أكل القوي فيه ال�ضعيف‪ ،‬وي�ستغل فيه‬ ‫القادر من ال ميلك عنا�صر املقاومة‪ .‬يف هذه العجالة ال يتاح يل قول ما قالته‬ ‫معان ظاهرة و�أخرى تتوارى بني ال�سطور‪ ،‬فهي بني �أيديكم ولكم‬ ‫الرواية من ٍ‬ ‫وحدكم احلكم عليها وحماورتها‪ ،‬ولكني �أف�صح عن �أن جممل الق�ضايا التي‬ ‫علي بنف�س الثقل وتدعوين �إىل ا�ستكمال امل�شروع يف ن�ص �آخر‬ ‫طرحها العمل ّ‬ ‫تلح ّ‬ ‫�أعكف عليه حال ًيا‪.‬‬ ‫و�ستظل «بابنو�س» بالن�سبة �إ ّ‬ ‫يل �صرخة املظلوم يف الربية‪� ،‬صرخة حاولت �أن‬ ‫�أ�صل بها �إىل �أ�سماعكم و�أنا �أعلم �أن ال�ضجيج الذي ي�صم الآذان والقلوب اليوم‬ ‫قد ال يتيح لها الو�صول كما يجب‪ ،‬ولكن قدرنا �أن نلتقط تلك ال�صرخات ون�ضعها‬ ‫�أمام منجزنا احل�ضاري؛ لنحا�سب بها �أنف�سنا من ناحية ولنتنبه ملا يحيق بنا من‬ ‫ناحية �أخرى‪.‬‬

‫املنتـ ــدى ‪262‬‬

‫‪- 204 -‬‬


‫الخطـاب الفكري والإن�ساني في رواية «بابنو�س» �شهادة ونقد‬

‫(‪)2‬‬

‫رواية «بابنو�س» ل�سميحة خري�س في الخطاب المعرفي‬ ‫(قراءة �سو�سيوتاريخية)‬ ‫�أ‪ .‬عبد اهلل ر�ضوان‬

‫*‬

‫قبل الدخول �إىل هذه القراءة �أحب الإ�شارة �إىل الق�ضايا الآتية التي ت�شكل‬ ‫�إطار مرجع لهذه املعاجلة النقدية‪:‬‬ ‫• باتت الرواية يف العامل العربي بخا�صة والعامل بعامة ت�شكل املرجعية‬ ‫التاريخية االجتماعية خل�صو�صية وتطور املجتمع �سيا�س ًيا واجتماع ًيا‪ ،‬ذلك �أن‬ ‫التاريخ الر�سمي والواقع الإعالمي باتا حمكومني ب�صاحب القرار الر�سمي‪،‬‬ ‫ي�ؤرخان له‪ ،‬ويقدمان خطابه‪ ،‬و ُيربر �أنه باعتباره اليقني الوحيد القائم‪ ،‬وهنا‬ ‫تتدخل الرواية لت�شكل البديل املو�ضوعي ن�سب ًيا‪ ،‬الذي ي�ؤرخ للمتغريات االجتماعية‬ ‫ال�سيا�سية ملا يحدث يف الواقع‪ ،‬وبالتايل �إمكانية قراءة الواقع ومتغرياته من خالل‬ ‫قراءة ُم ْنتَجه الأدبي وبخا�صة ال�سردي منه‪ ،‬وعلى ر�أ�س ذلك كله تتقدم الرواية‬ ‫مرج ًعا �شمول ًيا �صاد ًقا ن�سب ًيا‪ .‬وهنا �أُحيل �إىل جتربة الواليات املتحدة الأمريكية‬ ‫حينما تع ّرفت على املجتمع الياباين الذي كان جمهو ًال بالن�سبة �إليها «قاد ًة و�شع ًبا»‬ ‫خالل احلرب العاملية الأوىل‪ ،‬فتم التعرف عليه من خالل ترجمة �آدابه وبخا�صة‬ ‫ُم ْنتَجه ال�سردي‪ ،‬مما م ّكن «الأمريكان» من التعامل مع املجتمع الياباين ب�شكل دقيق‬ ‫وناجح يف حالتي احلرب وال�سلم م ًعا‪� .‬أي �أن الرواية باتت ت�ؤرخ للم�سار االجتماعي‬ ‫لت�صبح �إطار مرجع له‪.‬‬ ‫* ناقد و�شاعر �أردين (انتقل �إىل رحمته تعاىل عام ‪.)2015‬‬

‫‪- 205 -‬‬

‫�صيف ‪2015‬‬


‫كتب ومراجعات ونقد‬

‫• �إن اجلانب املعريف يف الأدب بعامة ويف الرواية بخا�صة‪ ،‬هو جانب رئي�س‬ ‫يقوم عليه جممل اجلانب املعماري اجلمايل‪� ،‬إذ ميكن القول بثقة �أن ال قيمة للأدب‬ ‫خ�صو�صا خارج �إطار ال ُبعد املعريف املُ�ض َّمن فيه‪ .‬على �أن هذا البعد‬ ‫عمو ًما وللرواية‬ ‫ً‬ ‫املعريف املُ�ض َّمن يف الأدب يحمل �أكرث من خا�صية مت ّيزه �أبرزها‪:‬‬ ‫ �أنه معريف عام �شامل ولي�س علم ًيا دقي ًقا‪ ،‬فهو يتبع العلوم الإن�سانية‪� ،‬إذ‬‫ميتاز بال�شمول والعمومية م ًعا‪ ،‬فهو لي�س خا�ض ًعا للمنهج العلمي القابل للقيا�س‬ ‫الريا�ضي عرب معادلة ‪ ،2=1+1‬ولكنه مقابل ذلك ال يتناق�ض مع العلم وحقائقه‪،‬‬ ‫�أما �إذا تناق�ض ف�إنه –�أي اجلانب املعريف يف العمل الفني‪ -‬ي�صبح زائ ًفا ال قيمة له‪.‬‬ ‫الن�ص الأدبي باعتباره قيمة ن�ص ّية ولي�س باعتباره‬ ‫ �أنه يجري تقدميه داخل ّ‬‫مو�ضوعا‪� ،‬أي �أن ال ُبعد املعريف ُيق َّدم عرب �صورته اجلمالية من خالل حتققه‪ ،‬ولي�س‬ ‫ً‬ ‫جمرد مو�ضوع ُي�س َرد‪� ،‬أما �إذا مت تقدميه كمو�ضوع –وهذا ما بات ي�ش ِّكل ظاهرة هذه‬ ‫الن�ص ي�صبح ال قيمة له‪ ،‬لأنه فاقد ل�شرطه اجلمايل‪ ،‬بل‬ ‫الأيام‪ -‬ف�إن ما قد يت�ض ّمنه ّ‬ ‫و ُي َّ‬ ‫ف�ضل عندها �إحالته �إىل املو�ضوع العلمي وحماكمته على هذا الأ�سا�س‪ ،‬باعتباره‬ ‫خارج �إطار ال ُبعد الأدبي اجلمايل‪ ،‬هذا ال�شرط – �أي توفر العن�صر اجلمايل – هو‬ ‫�شرط رئي�س‪ ،‬لأنه هو جوهر الأدب دون منازع‪.‬‬ ‫ �أنه ن�سبي‪� ،‬إذ ال توجد معرفة يقينية مطلقة يف الأدب‪ ،‬لأن املعرفة يجري‬‫تقدميها داخل الن�ص بعد تذويتها من قبل الأديب‪� ،‬أي بعد �أن ت�صبح جز ًءا من‬ ‫ذاته‪ ،‬من وعيه العميق‪ ،‬مما يحافظ على �شخ�صنتها من جهة‪ ،‬وعلى عموميتها‬ ‫وعدم يقينها من جهة �أخرى‪ .‬فالأدب ال يقدِّ م يقي ًنا‪ ،‬و�إمنا حزمة من االحتماالت‬ ‫�شخ�صنة من قبل الأديب‪� ،‬شريطة �أن ال يتعار�ض ذلك مع احلقائق العلمية‬ ‫املُ َ‬ ‫ال�سائدة يف حينه‪ .‬ومن هنا �أهمية ثقافة الأديب ووعيه العميق‪ ،‬فاملوهبة وحدها‬ ‫تعطي بداية الطريق فقط‪.‬‬ ‫ دخول عن�صر التوثيق ب�أبعاده ليكون عن�ص ًرا معرف ًيا رئي�س ًيا يف البناء‬‫الروائي‪ ،‬وقد بد�أ هذا العن�صر ‪� -‬أي التوثيق ‪ -‬ي�أخذ ح�ضوره يف الرواية العاملية منذ‬ ‫املنتـ ــدى ‪262‬‬

‫‪- 206 -‬‬


‫الخطـاب الفكري والإن�ساني في رواية «بابنو�س» �شهادة ونقد‬

‫انت�شار رواية «�شفرة ديفن�شي» لـ «دان براون»‪�.‬أما عرب ًيا فقد جرى تعميم التوثيق‬ ‫باعتباره عن�ص ًرا رئي�س ًيا يف الرواية منذ انت�شار رواية «عزازيل» لـ «يو�سف زيدان»‪،‬‬ ‫�إذ �أ�صبح هذا العن�صر مركز ًيا يف عديد من الروايات العربية بعد ذلك‪ ،‬بحيث‬ ‫ميكن اعتبار رواية «عزازيل» مف�ص ًال مه ًما يف هذا الإطار‪.‬‬ ‫وقد �سبق للروائية «خري�س» �أن ا�شتغلت على هذا املو�ضوع مط ّو ًال وب�شكل موفق‬ ‫يف روايتها «يحيى الكركي»‪ ،‬وها هي تعود لتوظيف هذا العن�صر باعتباره عن�ص ًرا‬ ‫معرف ًيا جمال ًيا مركز ًيا يف روايتها هذه «بابنو�س»‪ .‬ف�إذا عمدنا �إىل التعرف على‬ ‫رواية «بابنو�س» ل�سميحة خري�س عرب قراءة «�سو�سيو تاريخية»‪ ،‬ف�إننا ن�شري �إىل الآتي‪:‬‬ ‫�آ‪ -‬يف البنية‪ :‬تتك ّون رواية «بابنو�س» من ت�سعة �أق�سام متجاورة‪ ،‬اعتمدت‬ ‫الروائية فيها تقنية وجهات النظر يف �سبعة �أق�سام‪ ،‬هي‪ :‬الر�سالة‪ ،‬بابنو�س‪� ،‬آدمو‪،‬‬ ‫�ست النفر‪ ،‬ح ّوا‪ ،‬ال�سر‪ ،‬با �سامل‪ ،‬وقامت فيها ال�شخ�صيات الروائية الرئي�سية‬ ‫ال�سبع بتقدمي عاملها عرب ا�ستخدام �ضمري املتك ِّلم‪ ،‬فال�شخ�صية تروي ذاتها وعاملها‬ ‫مبتغرياته و�أحداثه‪ .‬بينما اعتمدت الروائية يف الف�صلني الأخريين‪ :‬قو�س احلياة‪،‬‬ ‫وعاج و�آبنو�س‪� ،‬أكرث من �ضمري راو‪ ،‬على �أن �ضمري الغائب ظ َّل هو امل�سيطر يف‬ ‫معظم الف�صلني الأخريين عرب تقنية «الراوي العليم»‪ ،‬وهذا طبيعي ومن�سجم‬ ‫مع تطور الرواية‪ ،‬فبعد �أن مت تقدمي مجُ َمل املعمار الروائي من قبل ال�شخ�صيات‬ ‫الروائية‪ ،‬وبد�أت الرواية يف مللمة نف�سها للو�صول �إىل اخلامتة‪ ،‬كان ال بد من تق ّدم‬ ‫الروائي العليم‪ ،‬لقفل امل�سار الروائي املفتوح‪ ،‬عرب ا�ستخدام ال�ضمري الأكرث مالءمة‬ ‫لل�سرد‪ ،‬وهو �ضمري الغائب‪� .‬أي �أن معمار الرواية متكامل ومتناغم مع م�ضمونها‪،‬‬ ‫لقد جنحت الروائية فع ًال يف حتقيق معمار روائي متما�سك ومن�سجم مع خطابه‪.‬‬ ‫كما �أحب الإ�شارة هنا �إىل تو ّفق الروائية يف بناء �شخ�صياتها من حلم ودم‪،‬‬ ‫ك�أنها �شخ�صيات ت�سعى بيننا‪ ،‬ومبوا�صفات مفارقة وخمتلفة بني كل �شخ�صية‬ ‫و�أخرى‪ ،‬بحيث تبدو الفروق ال�شخ�صية وا�ضحة بني �شخ�صيات العمل‪� ،‬سواء �أكان‬ ‫ذلك على امل�ستوى الفيزيقي �أو ال�سلوكي النف�سي �أو التعامل االجتماعي‪ ،‬عرب حرفية‬ ‫عالية ندر توفرها‪ ،‬م�ستفيدة من خربتها الروائية العميقة يف بناء ال�شخ�صية الفنية‪.‬‬ ‫‪- 207 -‬‬

‫�صيف ‪2015‬‬


‫كتب ومراجعات ونقد‬

‫َّ‬ ‫ب‪-‬امللخ�ص احلكائي‪ :‬جمموعة ب�شرية فقرية �أقرب �إىل الع�شرية ال�صغرية‬ ‫من عرب قبيلة «امل�ساليت» القاطنة يف منطقة «دارفور» ال�سودانية‪ ،‬تغادر موطنها‬ ‫هر ًبا من اجلوع واجلفاف‪ ،‬بح ًثا عن الغذاء والع�شب واملاء‪ ،‬لت�أخذ م�سا ًرا طوي ًال‬ ‫بعيدًا عن مناطق الزراعة‪ ،‬خوف اال�شتباك مع �أ�صحابها‪ ،‬وكذلك بعيدًا عن مناطق‬ ‫الرعاة‪ ،‬هر ًبا من جالفتهم وق�سوة تعاملهم‪ ،‬ومتجنب ًة املدن هر ًبا من قوانينها‬ ‫وظلم احلكام ومتطلباتهم اجلائرة‪ ،‬لتختار منعزلها الب�شري يف منطقة خفي�ضة‬ ‫�شبه خمتبئة عن العيون حيث وفرة املاء ن�سب ًيا‪ ،‬و�صالحية املنطقة للزراعة ورعي‬ ‫احليوانات الب�سيطة لديها‪ ،‬ولقرب املاء من ال�سطح‪ ،‬وقرب الغابة كذلك‪ ،‬ولوجود‬ ‫�شجرة «تبلدي» �ضخمة تو ِّفر ما ًء لل�سكان �إذا انحب�س املطر‪ ،‬باعتبار ال�شجرة خزّان‬ ‫ماء طبيعي يكفي املجموعة عن ال�ضرورة‪.‬‬ ‫ً‬ ‫حافظا للقر�آن‪ ،‬كان ُيع ّد ابنته‬ ‫قاد املجموعة يف بداية امل�سرية فقي ًها‬ ‫«الر�سالة» التي باتت تعرف بـ «احل ّكامة» لنبوغها وحكمتها لتكون قائدة‬ ‫للمجموعة‪ ،‬وهذا ما حدث بعد وفاة والدها‪.‬‬ ‫�أخذت حياة املجموعة م�سارها وبد�أت تنمو يف م�سكنها اجلديد حيث و َّزعت‬ ‫الأر�ض بالت�ساوي وكذلك �أمكنة ال�سكن‪ ،‬وح َّددت �آليات العمل ب�إ�شراف «احل ّكامة»‬ ‫اليومي‪ ،‬ومب�شاركة جمل�سها اال�ست�شاري من كبار ال�سن يف املجموعة‪ ،‬عرب تطبيق‬ ‫قوانني املجموعة اخلا�صة املتعارف عليها يف قبيلة «امل�ساليت» التي تنتمي «احل ّكامة»‬ ‫�إليها‪.‬‬ ‫ان�ضم �إىل املجموعة �ساكنون جدد من مناطق ومن جن�سيات ومن ع�شائر‬ ‫خمتلفة‪ ،‬من «زنوج وعرب وخال�سيني»‪ ،‬وحينما ا�ستق َّرت احلياة �أو كادت‪ ،‬تعر�ضت‬ ‫املجموعة لغزو فر�سان «اجلنجويد» بالتن�سيق مع رجال احلكومة‪ ،‬ب�سبب ظهور‬ ‫«كال�شنكوف» مع �أحد �أفراد املجموعة‪ ،‬وهو امل�صارع «�شديد»‪ ...‬قام كل من‬ ‫«اجلندويد واجلنود» بقتل الرجال يف هذا املجتمع ال�صغري املعروف بـ «اخلربقة»‪،‬‬ ‫و�سبي الن�ساء والأطفال وم�صادرة املمتلكات‪ ،‬مع �إبقاء الن�ساء العجائز يف املكان‬ ‫بعد حرقه‪ ،‬ومن بينهن «احل ّكامة» ليتم الح ًقا �سحب الفتاة «بابنو�س» والفتى «�آدمو»‬ ‫من املجموعة عرب منظمة «�أطباء بال حدود» بناء على طلب والدتيهما وذلك خو ًفا‬ ‫املنتـ ــدى ‪262‬‬

‫‪- 208 -‬‬


‫الخطـاب الفكري والإن�ساني في رواية «بابنو�س» �شهادة ونقد‬

‫عليهما من الع�سكر‪ ،‬ثم لي�صار بعد ذلك �إىل تهريبهما �إىل فرن�سا مع جمموعة كبرية‬ ‫من �أطفال دارفور‪ ...‬من قبل �أحد العاملني يف منظمة «قو�س احلياة» الأوروبية‬ ‫التي تعمل حتت �شعار «انقذوا �أطفال دارفور» لي�صار �إىل بيع ه�ؤالء الأطفال لأ�سر‬ ‫�أوروبية‪ ،‬فرن�سية هذه املرة‪.‬‬ ‫�أما «بابنو�س و�آدم» اللذين هربهما فريق املنظمة بعيدًا عن ال�سجالت‬ ‫الر�سمية‪ ،‬فقد جرى بيعهما يف �سوق الدعارة‪ ،‬لتعمل «بابنو�س» مع فتاة بو�سنية‬ ‫بي�ضاء «�سابرينا» يف بيت دعارة يعود المر�أة فرن�سية «�أو�سني» التي قامت ب�شراء‬ ‫الفتاة البو�سنية وتدريبها‪ ،‬ثم �ضمت �إليها «بابنو�س» بعد �شرائها من رجل منظمة‬ ‫«قو�س احلياة» املدعو «الك�سندر»‪ ،‬لتعمال م ًعا يف البيت املذكور حتت م�سمى «عاج‬ ‫وبابنو�س» بهدف �إبراز مفارقة �أو ت�ضاد الأبي�ض والأ�سود لتحقيق مزيد من الإغراء‬ ‫جلذب الزبائن‪.‬‬ ‫�أما «�آدمو» فقد هرب من مالكه اليهودي اجلديد‪ ،‬والتج�أ �إىل الغجر م�شردًا‬ ‫يف �أحياء «باري�س»‪.‬‬ ‫قراءة يف اخلطاب الروائي‬ ‫ميثل ال ُبعد املعريف يف هذا العمل ُبعدًا مركز ًيا �شديد احل�ضور‪ ،‬ولعل من �أهم‬ ‫�أ�سباب ذلك �أن الروائية تن�شيء من خالل روايتها جمتم ًعا ب�شر ًيا افرتا�ض ًيا جديدًا‬ ‫�أ�سمته جمتمع «اخلربقة»‪ ،‬واخلربقة لعبة �شعبية �سودانية ت�سود بني الرجال يف‬ ‫منطقة دارفور ت�شبه لعبة «ال�سيجة» يف قرى بالد ال�شام‪.‬‬ ‫هذا املجتمع اجلديد يتط َّلب عددًا من الإحاالت �أو املراجعات لكل هموم‬ ‫املجتمع الب�شري‪ ،‬من حياة اقت�صادية واجتماعية وثقافية‪ ،‬فلكل �شخ�ص ما�ضيه‪،‬‬ ‫ودوره ومهماته اجلديدة‪ ،‬وهو خالل من ّوه ال�شخ�صي يعي�ش من ًوا جمتمع ًيا جماو ًرا‪،‬‬ ‫الن�ص‪ .‬وهنا ن�شري �إىل الوجهني �أو‬ ‫من هنا �شمولية وتع ُّدد �أوجه اخلطاب املعريف يف ّ‬ ‫ال ُبعدين الرئي�سيني اللذان ُي�ش ّكالن جوهر هذا اخلطاب‪ ،‬وهما‪:‬‬ ‫‪- 209 -‬‬

‫�صيف ‪2015‬‬


‫كتب ومراجعات ونقد‬

‫• ال ُبعد املعريف الأنرثوبولوجي؛‬ ‫• ال ُبعد ال�سيا�سي‪.‬‬ ‫• ال ُبعد املعريف الأنرثوبولوجي‪.‬‬ ‫لأن ال�شخ�صيات الرئي�سية يف الرواية لها وعيها وقناعاتها وتاريخها الإن�ساين‬ ‫الن�ص مع جمتمع بدائي يف و�سائل �إنتاجه‪� ،‬شبه بدائي‬ ‫والثقايف‪ ،‬ولأننا نتعامل يف ّ‬ ‫رئي�سا‬ ‫يف تفكريه‪ ،‬وت�سيطر عليه الغيبيات‪ ،‬ف�إن ال ُبعد «الأنرثوبولوجي» يحت ّل مرك ًزا ً‬ ‫يف الوقائع اليومية للمجتمعات البدائية‪ ،‬وبالتايل يف الواقع الفني اجلديد‪ ،‬لذا ف�إن‬ ‫الن�ص‪ ،‬ويف هذا املجال نقف عند الآتي‪:‬‬ ‫هذا املحور مي ِّثل خطا ًبا مركز ًيا يف ّ‬ ‫�أ‪� -‬أُ�شري �أو ًال �إىل ال�سلوك االجتماعي للأفراد خالل �أوقات فراغهم‪ ،‬وبخا�صة‬ ‫بالن�سبة للرجال يف ذلك املجتمع �شبه البدائي‪ ،‬فالرجال ال يعملون‪ ،‬بل �إن املر�أة هي‬ ‫التي تقوم بعمليات الإنتاج‪� ،‬أما الرجال فيق�ضون وقتهم (ي�شربون يف قرعة م�شرتكة‬ ‫�سائل املري�سة‪ ،‬ويتلذذون بالب�صل امللتوت بال�شطة‪ ...‬ويلعبون لعبة اخلربقة»‬ ‫(الرواية‪� ،‬ص‪� .)14‬أي �أن الإنتاج يف جممله يف املجتمعات البدائية و�شبه البدائية‬ ‫هو عملية منوطة بالن�ساء حتتل املر�أة فيها مركز ال�صدارة‪.‬‬ ‫ب‪ -‬هنا تتقدَّم املر�أة احل ّكامة قائدة لهذا املجتمع �شبه البدائي عرب اجلمع بني‬ ‫�سلطة الدين والدنيا م ًعا‪ ،‬فهي حافظة القر�آن‪ ،‬وهي كذلك (الولية‪ -‬باملفهوم الديني‬ ‫للويل‪ ،-‬واملغنية – حافظة وم�ؤدية الأغاين‪ ،-‬والهدّاية‪ -‬التي تخ ِّفف من غ�ضب النا�س‬ ‫و ُت�صلح بينهم‪� ،‬إ�ضافة �إىل الداللة الدينية طب ًعا ‪ -‬و�ضاربة الدلوكة ‪� -‬أي الطبلة‬ ‫ال�صغرية التي تقود من خاللها عمليتي الغناء والرق�ص)‪( ،‬الرواية‪� ،‬ص ‪،)22‬‬ ‫وذلك تطبي ًقا لقاعدة «�أمي احلكمة‪ ،‬و�أبي القدر‪ ،‬وانا �أم اجلميع» كما تقول احل ّكامة‬ ‫التو�سع يف التعرف �إىل الرق�ص ال�شعبي وجمالياته‪� ،‬أن‬ ‫(�ص ‪ .)25‬وميكن ملن �أراد ّ‬ ‫يعود �إىل (�ص‪ )34‬من الرواية للتعرف �إىل تفا�صيل ذلك‪.‬‬ ‫املنتـ ــدى ‪262‬‬

‫‪- 210 -‬‬


‫الخطـاب الفكري والإن�ساني في رواية «بابنو�س» �شهادة ونقد‬

‫ج‪ -‬تقدمي كل من اللون والرائحة باعتبارهما حالتني مركزيتني يف املجتمع‬ ‫البدائي و�شبه البدائي‪ ،‬وهذا ال ُبعد ي�أخذ مداه يف الرواية �سواء عرب تداخل الألوان‬ ‫وبخا�صة احلا ّرة منها يف لبا�س الن�ساء‪ ،‬حيث الألوان الفاقعة من �أحمر و�أ�صفر‬ ‫وم�شتقاتها‪( ،‬الرواية �ص‪ ،48‬و�ص‪ .)49‬كما ت�أخذ الروائح ح ّدها الأق�صى‪ ،‬روائح‬ ‫�سلبية و�أخرى �إيجابية مع قدرة فائقة يف التمييز وجلب االنتباه‪ ،‬رائحة الطعام‪ ،‬وما‬ ‫تقوم به الن�سوة من تبخري‪( ...‬الرواية �ص‪ ،50‬و�ص‪.)51‬‬ ‫د‪ -‬املبالغة املُفرطة يف احرتام الطقو�س واحلر�ص ال�شديد عليها وعلى التقيد‬ ‫مبمار�ستها‪� ،‬سواء ال�شكلية االجتماعية منها مثل طقو�س وعادات الزواج‪�( ،‬أنظر‬ ‫طقو�س خطبة الزعيم الأزرق ماديو �صاحب قطيع البقر ل�ست النفر‪� -‬ص‪� ،116‬أو‬ ‫طقو�س ال�سحر لطرد ال�ش ّر ولإبعاد الع�صافري عن املح�صول‪ ،‬حيث يتم �إح�ضار‬ ‫ال�ساحرة من جبل «تريا» البعيد �إىل اخلربقة‪ ،‬وهي ال�ساحرة «الكجورية»‪ ،‬وفع ًال‬ ‫تنجح ال�ساحرة «الكجورية»‪ ،‬وفعال تنجح ال�ساحرة يف طرد الطيور كما ت�شري‬ ‫الرواية‪� -‬ص ‪.)15‬‬ ‫هـ‪ -‬االهتمام املبالغ فيه بال�شعر ال�شعبي‪ ،‬بخا�صة وبالأغاين ال�شعبية بعامة‪،‬‬ ‫وكذلك بالأغاين املتعلقة بتتويج قبول ال�شخ�ص يف املدر�سة ال�صوفية‪� ،‬أو �أغاين‬ ‫اخلتان �أو �أغاين الرعاة «الأ ّبالة والب ّقارة» خالل حركة قطعانهم‪ ،‬والرواية تعطي‬ ‫�أمثلة متعددة على ذلك كله (ال�صفحات ‪.)190،171،159،170،146‬‬ ‫و‪ -‬االهتمام العايل باحلكايات ال�شعبية‪ ،‬وبخا�صة حكايات احلب والفرو�سية‪،‬‬ ‫(حكاية «املح ّلق وتاجوج»‪� ،‬ص‪ ،)164‬مع تركيز االهتمام كذلك على اللهجات‬ ‫أمنوذجا)‪.‬‬ ‫ال�شعبية �أو اللغة املحكية (�ص‪ً � 124‬‬ ‫ز‪ -‬املبالغة يف احلر�ص على احليوانات‪ ،‬واحرتامها‪ ،‬وتقديرها‪ ،‬فهي ِعماد‬ ‫احلياة يف املجتمعات البدائية‪� ،‬سواء عند الرعاة‪� ،‬أو عند من يجمعون حرفتي‬ ‫الزراعة وتربية احليوانات م ًعا‪ ،‬وهذه � ً‬ ‫أي�ضا �إحدى موا�صفات املجتمع البدائي‪ ،‬بل‬ ‫�إن مهر العرو�س يتم حتديده بعدد الأبقار التي ُتق َّدم لها ح�سب �أهميتها‪ ،‬فمهر‬ ‫«�ست النفر» �أربع بقرات‪ ،‬كما �أن احليوان هو �سند الطفولة املبا�شر‪ ،‬فحني رف�ضت‬ ‫‪- 211 -‬‬

‫�صيف ‪2015‬‬


‫كتب ومراجعات ونقد‬

‫«ح ّوا» قبول ابنها «�آدمو» بل �إر�ضاعه‪ ،‬جرى ا�ستعارة الأتان من «با�سامل» وعلى‬ ‫حليبها ن�ش�أ «�آدمو» الذي تع َّلق بها بدي ًال عن �أ ّمه‪ ،‬باعتبارها �أ ّمه احلقيقية‪ ،‬وحني‬ ‫حاولت �أ ّمه ا�ستعادته بعد ذلك قاوم ب�ش ّدة‪ ،‬وظل متعل ًقا بالأتان «ترترة» التي عا�شت‬ ‫داخل البيت ك�أحد �ساكنيه‪.‬‬ ‫ح‪ -‬ولعل هذا االهتمام باحليوان هو جزء من بقايا املرحلة الطموطية عند‬ ‫ال�شعوب البدائية‪ ،‬ومما يعزز ذلك يقني املجموعة ب�أن �شجرة املوتى «املجاورة‬ ‫ملجتمعهم على حدود الغابة‪ ،‬و�أن ذلك ال يتحقق �إال مب�شاهدة �أحد �أقرباء املتوفى‬ ‫لروح امليت وهي ذاهبة �إىل ال�شجرة»‪.‬‬ ‫ط‪ -‬ا�ستمرار جتارة العبيد‪ ،‬عرب التعامل مع املر�أة والطفل باعتبارهما �سلعة‬ ‫ُتباع وت�شرتى‪ ،‬وقد اتخذ هذا املو�ضوع �أ�شكا ًال متعددة‪ ،‬فهناك الإرث القدمي للرق‪،‬‬ ‫فاجليل احلايل يف نهايات القرن الع�شرين ومطلع القرن الراهن ما يزال يحتفظ‬ ‫بالكثري من الروايات حول ما كان يقوم به الأوروبيون وبخا�صة من �أ�سمتهم «�ست‬ ‫النفر» ووالدتها بـ «الربغال»‪ ،‬يف �إ�شارة �إىل ما قام به امل�ستعمرون الربتغاليون من‬ ‫جتارة وا�سعة يف العبيد يف قلب القارة الإفريقية وغربها‪ ،‬ومنه غربي ال�سودان‪.‬‬ ‫�أما ال�شكل الثاين فهو ما قامت به منظمة «قو�س احلياة» الفرن�سية وحتت‬ ‫�شعار «انقذوا �أطفال دارفور» من تهريب لعدد كبري من الأطفال وبيعهم لأ�سر‬ ‫بحجة التب ّني‪.‬‬ ‫�أوروبية ليكونوا عبيدًا لهذه الأ�سر ّ‬ ‫�أما ال�شكل الثالث وهو الأكرث �سو ًءا فهو ما قام به «الك�سندر» ببيع كل من‬ ‫«بابنو�س و�آدمو» لبيت الدعارة الفرن�سي‪� .‬أي �أن الرواية هنا‪ ،‬و�إذ تقدِّ م م�شهدية‬ ‫ب�صرية مبا�شرة حلالة االجتار بالب�شر ب�أبعادها‪ ،‬فانها ت�ؤكد ق�سوة وال �إن�سانية‬ ‫الإن�سان املعا�صر‪ ،‬م ّدعي احل�ضارة‪ ،‬عرب �إدانة ما يقوم به من جتارة رقيق حديثة‪.‬‬ ‫وهنا‪ ،‬ال بد من الإ�شارة �إىل الروائي «�ألبرتو باثكث فيكروا»‪ ،‬يف روايته‬ ‫املو�سومة بـ «�أبانو�س» ‪ -‬من�شورات دار ورد يف �سوريا‪ ،‬عام ‪ -2007‬وقد ترجمها �إىل‬ ‫العربية الدكتور عبده زغبوره‪ ،‬والتي تدور �أحداثها يف جماهل ال�صحراء الإفريقية‬ ‫حول جتارة العبيد باعتباره خطا ًبا مركز ًيا للرواية‪� ،‬إذ يتزوج امل�ص ّور الربيطاين‬ ‫املنتـ ــدى ‪262‬‬

‫‪- 212 -‬‬


‫الخطـاب الفكري والإن�ساني في رواية «بابنو�س» �شهادة ونقد‬

‫الفتاة الإفريقية «ناديا» وهي خريجة ال�سوربون وجتيد خم�س لغات‪ ،‬ولكن ذلك كله‬ ‫مل مينع من ا�صطيادها وبيعها عبدة مب�شاركة رجال يحملون �أ�سماء عربية هما‬ ‫«�سليمان وعبدول» لرثي عربي بثالثني �ألف دوالر‪ ،‬ل ُيعاد بذلك �إعادة طرح مو�ضوع‬ ‫مو�ضوعا قائ ًما وح ًّيا يف حياتنا الراهنة‪.‬‬ ‫الرق‬ ‫ً‬ ‫وهذا ما �أكدته كذلك الروائية �سميحة خري�س يف روايتها هذه «بابنو�س»‪ ،‬ذلك‬ ‫�أن كذبة احل�ضارة التي ي ّدعيها الغرب راه ًنا قد غيرَّ ت رمبا من �أ�شكال وطرائق‬ ‫العبودية‪ ،‬ولكن «الرق الب�شري» ما يزال قائ ًما ب�أ�شكاله اجلديدة واملتعددة‪ ،‬ذلك �أن‬ ‫جوهره ظ َّل ثاب ًتا يقوم على فكرة االجتار بالب�شر‪.‬‬ ‫ال ُبعد ال�سيا�سي‬ ‫تقدِّ م الرواية موق ًفا �سيا�س ًيا منحا ًزا �إىل رواية الإعالم العاملي حول �أ�سباب‬ ‫ومظاهر �أزمة دارفور ال�سودانية‪ ،‬وذلك عرب تب ّنيها للمقولة الغربية املتمثلة يف‬ ‫�إدانة احلكومة عرب حتالف جنودها مع فر�سان اجلنجويد العرب الذين يغريون‬ ‫على كل جت ّمع ي�ش ّكون بتمرده �أو خروجه على ال�سلطة‪ .‬و�صحيح �أن الرواية ترجع‬ ‫جز ًءا من �أ�سباب �أزمة «دارفور» �إىل اجلفاف واجلوع وال�صراع القبلي الدموي بني‬ ‫قبائل الرعي «البقارة» العربية‪ ،‬وبني القبائل التي تعتمد الزراعة‪ ،‬وهي يف معظمها‬ ‫قبائل �إفريقية لي�ست عربية‪ ،‬كما ترجع بع�ض الأ�سباب �إىل دعم احلكومة لفر�سان‬ ‫«اجلنجويد» العرب؛ ف�إن حركة هجرة وا�سعة قد َّمتت مع ظهور عدد من احلركات‬ ‫املتمردة �ض ّد �سلطة الدولة املركزية‪ ،‬وبخا�صة «جي�ش حترير ال�سودان» الذي ان�ضم‬ ‫�إليه «�شديد» من «اخلربقة»‪ ،‬وكان ذلك �سب ًبا مبا�ش ًرا حلرق وتدمري «اخلربقة»‬ ‫و�سبي ن�سائها و�أطفالها بعد قتل رجالها‪.‬‬ ‫كما تقدم الرواية �إدانة للمنظمات الدولية الغربية‪� ،‬أمريكية كانت �أم‬ ‫�أوروربية‪ ،‬لأنها �إما تب�شريية ت�ساعد خالل عملها على تغلغل اليهود يف حياة �أهايل‬ ‫دارفور‪� ،‬أو يتم ا�ستغاللها لتهريب الأطفال وبيعهم �إىل �أوروبا كما هو احلال مع‬ ‫منظمة «قو�س احلياة» الأوروبية‪� .‬أما منظمة «�أطباء بال حدود» فهي منظمة حرف ّية‬ ‫بحته ي�سهل جتاوزها لتحقيق الأهداف غري املعلنة‪.‬‬ ‫‪- 213 -‬‬

‫�صيف ‪2015‬‬


‫كتب ومراجعات ونقد‬

‫�أي �أن الرواية ترجع �أ�سباب م�أ�ساة دارفور �إىل‪:‬‬ ‫ موقف احلكومة ال�سلبي واملنحاز �إىل القبائل ذات الأ�صول العربية‪ ،‬وهي‬‫قبائل رعوية يف الغالب‪ ،‬مع ان�سحاب الدور احلكومي من حقل اخلدمات‬ ‫اليومية وق�صورها يف توفري الأمن ل�سكان االقليم‪ ،‬وترك ال�صراع ي�أخذ مداه‬ ‫عرب ت�أكيد االنحياز لفر�سان «اجلنجويد» العرب‪.‬‬ ‫ فر�سان «اجلنجويد» العرب املدعومون من احلكومة الذين عاثوا ف�سادًا وقت ًال‬‫يف �إقليم دارفور‪.‬‬ ‫ املنظمات الدولية ودورها ال�سلبي وامل�شبوه خلدمة �أغرا�ض اجلهات الغربية‬‫الداعمة‪.‬‬ ‫ طمع الدول الغربية و�إ�سرائيل وقبل ذلك �أمريكا برثوات دارفور الهائلة‪.‬‬‫وهكذا‪ ،‬ف�إن بنية اخلطاب ال�سيا�سي للرواية يتوافق متا ًما مع الرواية الغربية‪/‬‬ ‫الأمريكية لها‪ ،‬با�ستثناء املو�ضوع املتعلق باملنظمات الدولية وطمع الغرب‪ ،‬علما ب�أن‬ ‫هذين ال�سببني هما امل�س�ؤوالن منطق ًيا عن كل هذا الذي حدث ويحدث يف دارفور‪،‬‬ ‫لأن القبائل العربية والإفريقية قد وزعت �أدوراها تاريخ ًيا وعا�شت ل�سنوات دون‬ ‫حدوث هذا ال�صدام‪ ،‬بل لقد وقفت القبائل ال�سودانية جم ّمعة �أيام الثورة «املهدية»‬ ‫لطرد بقايا العثمانيني؛ ومن ثم الإجنليز وامل�صريني م ًعا‪ ،‬للو�صول �إىل �سودان‬ ‫م�ستقل‪.‬‬ ‫طب ًعا‪ ،‬ال �أحد يغفر للحكومات املتعاقبة موقفها ال�سلبي جتاه قبائل «دارفور»‪،‬‬ ‫لكن �شمولية النظرة ومو�ضوعية احلكم تتطلب موق ًفا �أكرث تواز ًنا‪ ،‬وهذا ما مل‬ ‫تق ّدمه الرواية‪ ،‬بل جاء خطابها ال�سيا�سي من�سج ًما ومتناغما مع الإعالم الغربي‬ ‫امل�شكوك فيه باعتباره يخدم تط ّلعات ورغبات �أ�صحابه الغربيني‪.‬‬ ‫وختا ًما‪ ،‬ال بد من القول �إن اخلطاب املعريف يف الرواية على تع ّدده وتداخله‬ ‫فجا مبا�ش ًرا‪ ،‬و�إمنا مت تقدميه يف �إطاره اجلمايل داخل بنية‬ ‫واكتظاظه مل ي�أت ًّ‬ ‫روائية متما�سكة‪ ،‬وهو ما ي�ؤكد قدرة مبدعتنا الروائية �سميحة خري�س على ا�ستمرار‬ ‫العطاء والتجاوز باجتاه م�ساحات وعوامل جديدة ومبتكرة‪.‬‬ ‫املنتـ ــدى ‪262‬‬

‫‪- 214 -‬‬


‫الخطـاب الفكري والإن�ساني في رواية «بابنو�س» �شهادة ونقد‬

‫(‪)3‬‬ ‫�سميحة خري�س ولعبة التقابالت الثنائية‬ ‫يف روايتها «بابنو�س»‬ ‫*‬

‫دة‪ .‬رزان �إبراهيم‬

‫قادما من البحر‬ ‫«ك�أنها �أدركت لوهلة‪�...‬صوت جدتها رحمة املخطوفة التي مل تعرفها بتاتًا‪ً ,‬‬ ‫عاب ًرا الزمن ليوا�سيها»‪.‬‬

‫ق�سم كبري من �أحداث هذه الرواية يدور يف مكان مه ّم�ش فقري‪ .‬اختري له‬ ‫ا�سم (اخلربقة) ن�سبة �إىل لعبة تعلمها �سكانه من جتار مروا بهم على �أر�ضهم‬ ‫اجلديدة بعد �أن طردوا من جبل مرة الرافل باخلري؛ والفقري ‪ -‬كما حتكي‬ ‫الرواية‪ -‬ال ُيطرد جه ًرا و�إمنا بت�ضييق اخلناق حوله‪ .‬وهو ما كان حني هاجرت‬ ‫هذه الفئة واختارت لنف�سها موق ًعا يف البوادي الوا�سعة ا�ستقرت فيه لي�صبح وط ًنا‬ ‫بدي ًال لها‪ .‬ميزة هذا املكان الرئي�سية �أن �أ�صحابه مل يكن لديهم ما يغري الآخرين‬ ‫فيه‪ ,‬وهو ما جعله حمم ًيا من الأطماع‪ ,‬وهي�أ لأبنائه فر�صة لالنعزال عن حياة‬ ‫�صنعها الب�شر على �شاكلتهم خارج اخلربقة‪ ,‬لذلك عا�شوا بوفاق وحمبة معتكفني‬ ‫روحا‬ ‫كما احلمائم يف �أوكارها بعيدً ا عن ال�صقور الكا�سرة‪ .‬يظهر الواحد منهم ً‬ ‫حرة تتحرك على هواها رغم الفقر بعيدً ا عن تنظيمات ت�صادر �أرواحهم وتقتلها‪.‬‬ ‫رائجا يدلل على امر�أة �سا�ست املكان‬ ‫تربز احلكامة على هذه البقعة ا�س ًما ً‬ ‫بحكمة بالغة‪ ,‬اجرت�أت فيها من ال�سبل ما يثبت �صمودًا يف وجه حياة معقدة ملجتمع‬ ‫ي�صنع �أ�ساطريه ومعتقداته‪( :‬معجزة طريان نع�ش �أبي احلكامة)‪�( ,‬شجرة املوتى)‬ ‫وميار�س من املبادئ ما يراه يف ال�صالح العام‪ .‬وعليه تربز اجلودية مبد�أ يجمع‬ ‫* �أ�ستاذة الأدب والنقد يف جامعة البرتا‪/‬الأردنّ ‪.‬‬

‫‪- 215 -‬‬

‫�صيف ‪2015‬‬


‫كتب ومراجعات ونقد‬

‫النا�س كي يحلوا م�شاكل وطن �صنعوه ب�أيديهم حتكمهم فيه قوانني رحيمة عمادها‬ ‫ت�ساحما وقدرة‬ ‫اعرتاف بتفاوت النا�س كما ك�أ�س �شراب (احللو م ّر) مبا يقت�ضي‬ ‫ً‬ ‫على التغا�ضي عن هفوات ب�شر بكل ما فيهم من �ضوء و�ضو�ضاء‪ .‬هي احلكامة � ًإذا‬ ‫تظهر � ًأما حمملة بعبء التفكري مبكانة �أبنائها حتت ال�شم�س‪ .‬تعي�ش وجع �أبنائها‬ ‫كامر�أة يف خما�ض وراءه طفل جديد‪ .‬وهي من ق�ضى عم ًرا يف حماولة �إخراج‬ ‫املتوجعني من �أحزانهم‪ ,‬مبا يف ذلك �أكرث من ربيبة رعتها‪ ,‬لت�صبح هي العجوز‬ ‫املثقلة بثمر وبلحاء ال يتوقف عن التوالد‪.‬‬ ‫وي�صح‬ ‫حت�ضر يف الرواية ثنائية (الأ�سود والأبي�ض) �أو ( العاج والأبنو�س)‪,‬‬ ‫ّ‬ ‫القول �إنها كانت الزمة تواتر ح�ضورها يف �أكرثم�سارات الرواية‪� .‬أوىل هذه‬ ‫امل�سارات كانت مع حلظات مقاربة ربطت (بابنو�س) �إحدى ال�شخو�ص املهمة يف‬ ‫الرواية ب�شجرة حتمل ا�سمها‪ .‬نعرف عن هذه ال�شجرة �سا ًقا يكمن فيها �سرها‪.‬‬ ‫وهي خليط بني حلاء رمادي مع م�شحة بنية‪ .‬وهو ما ميكن مقاي�سته بالفتاة‬ ‫بابنو�س التي ولدت لأم �سمراء ولأب �أزرق �إفريقي‪ .‬جرت يف عروقها �شم�س‬ ‫�إفريقيا احلارة‪ ,‬لو ان�سلخت عنها متوت وتباع منحوتة عبقرية للخواجات �أو‬ ‫للتجار القادمني من �أم درمان ب�أ�سعار باهظة‪ .‬و�أظن و�ص ًفا يف الرواية يحكي عن‬ ‫حتفة عاج يعاد ت�شكيلها من جديد بغر�ض البيع ي�سري على بابنو�س (ال�شجرة)‬ ‫بنف�س املقدار الذي ي�سري فيه على بابنو�س ( الفتاة)‪ .‬وهو ما �ستكون له تداعياته‬ ‫يف نهايات الرواية‪.‬‬ ‫ممتزجا بالأ�سود مرات متعددة يف الرواية؛ منها ما نراه يف‬ ‫يح�ضر الأبي�ض‬ ‫ً‬ ‫منحوتة المر�أتني ت�سندان ظهريهما متال�صقتني فوق قاعدة خ�شبية؛ واحدة من‬ ‫الأبنو�س الأ�سود الالمع والثانية من العاج الأبي�ض امل�شوب ب�ضباب ترابي خفيف‪.‬‬ ‫كذلك نراه عرب �ست النفر �أو فتاة خال�سية خملطة بني بيا�ض �أمها وزرقة �أبيها‪.‬‬ ‫وباملثل يح�ضر هذا التمازج مع ولد حوا الذي تختلط فيه عيون الرجال البي�ض‬ ‫و�سواد جلدة �إفريقيا‪ .‬وال غرابة �أن يح�ضر هذا من�سج ًما وبقعة من الأر�ض متازج‬ ‫وزنوجا وم�ساكني وطامعني يف �آن واحد‪.‬‬ ‫فيها �سكانها عر ًبا ً‬ ‫املنتـ ــدى ‪262‬‬

‫‪- 216 -‬‬


‫الخطـاب الفكري والإن�ساني في رواية «بابنو�س» �شهادة ونقد‬

‫هذا التغاير يف مالمح ال�شخو�ص اخلارجية يح�ضر يف هذه الرواية جن ًبا‬ ‫�إىل جنب مع حموالت نف�سية متعددة‪ .‬كما يح�ضر بالتما�شي مع ف�ضاءات �سردية‬ ‫مت�سعة اختارتها الروائية بقيت على مدار ال�سطور قادرة على ا�ستيعاب وجهات‬ ‫نظر خمتلفة توحي ب�سعة �أفق روائي يحتفي بتعددية تعك�س احرتام الإن�سان يف �أن‬ ‫يختار ما ي�شاء‪ ,‬مبا يتما�شى ونب�ض احلياة القائم على تنوع ال يتعار�ض وراو حر‬ ‫يظهر يف م�سارات نهائية للرواية‪ ،‬متنق ًال حيثما ي�شاء مبا يوحي على نحو �أو �آخر‬ ‫بجملة من قيم �إيجابية و�سلبية تظهر �شي ًئا من ت�صورات الروائية حول عامل يهمها‬ ‫�أن متار�س ت�أثريها عليه‪.‬‬ ‫و�إذ تظهر هذه الثنائية التي �سبق احلديث عنها‪ ,‬ف�إن ما ميكن مالحظته‬ ‫فيها على نحو الفت �أنها حت�ضر من خالل طرفني ال ي�شكل الواحد منهما ً‬ ‫نقي�ضا‬ ‫للآخر يزيحه �أو يحل مكانه‪ ,‬و�إمنا يح�ضران قطبني يكمل الطرف منهما ما‬ ‫يقابله‪ .‬ولهذه املالحظة متثالتها من خالل ثنائية (بابنو�س‪�/‬آدم)‪.‬تظهر فيها‬ ‫بابنو�س �صاحبة العقل امل�سكون ب�أكوان بعيدة خيالية‪ ,‬قبالة �آدم املكتفي بحدود‬ ‫اخلربقة والغابة القريبة‪ .‬وباملثل حت�ضر كل من (�ست النفر‪/‬حوا)؛ الأوىل‬ ‫امل�سكونة بخوف من ف�ضاءات حتيط بها‪ ,‬واملدفوعة باجتاه االنغالق حول �صمت‬ ‫تغرق معه حكاياتها وحكايات �أمها يف حلل ع�صيدة تذيبها يف م�شروب احللو م ّر‬ ‫الذي �صنعته‪ .‬والثانية الن�شطة اجلريئة والبارعة يف �شطب من تريد من حياتها‪,‬‬ ‫مبا يف ذلك م�أ�ساة �أ�سرتها التي فقدتها ب�سبب اجلوع‪� ,‬أو حتى ق�صتها مع الراهب‬ ‫الذي �أتاح لها عيـ�شـًا مثلما �سيدات البيوت الفارهة لتفاج�أ به نذ ًال تلعنه حني‬ ‫زوجا لها‪.‬‬ ‫تخلى عنها حني حملت يف وقت كانت قد و�ضعته يف �ضمريها ً‬ ‫يح�ضر هذا يف �إطار وعي �إن�ساين يقدر فرو ًقا بني الب�شر تنرثه الرواية‬ ‫من خالل ما تربزه من فروقات بني (ذكي وغبي وكبري و�صغري و�أنثى وذكر)‬ ‫تعيها احلكامة دون �أن تلغي �أن لكل قدره وحقه؛ فكما هي الفروقات على امل�ستوى‬ ‫البيولوجي تكون الفروقات على م�ستويات نف�سية خمتلفة‪ .‬و�أي منها ال يربر لأي‬ ‫‪- 217 -‬‬

‫�صيف ‪2015‬‬


‫كتب ومراجعات ونقد‬

‫كان �أن يبيع الآخر �أو ي�شرتيه‪ .‬لذلك مل ت�صدق بابنو�س ما تنوقل عن جدة لها‬ ‫�أنها حب�ست يف الزريبة مثل عنزة ل�شهر قبل �أن تباع لأ�صحاب العيون الزرق‪,‬‬ ‫وكانت تعتقد �أن ال وجود لزرائب تبيع النا�س �إال يف خميلة �أمها‪ .‬يح�ضر هذا‬ ‫الوعي بالتوازي مع �سلوكيات احلكامة غري الآبهة بت�صنيفات الألوان؛ فرف�ضها‬ ‫حمكوما ب�أ�سباب بعيدة عن هذا‬ ‫لتزويج �ست النفر من رجل �شديد الزرقة ظهر‬ ‫ً‬ ‫الت�صنيف‪ .‬وكان د�أبها �أن ت�ضع كل ت�صنيف من هذا النوع يف خانة اجلهل وقلة‬ ‫الإميان واحتقار خلق اهلل الذي ال يليق بالإن�سان الذي ي�ستخدم عقله وقلبه ميزا ًنا‬ ‫�سو ًيا يف حياته‪.‬‬ ‫ويف الرواية بدت الأر�ض كما النا�س كما ال�سماء ال �شيء ثابت �أو متجان�س؛‬ ‫وان�سجاما مع ما تقدم يغدو ب�إمكاننا ت�أكيد حتمية الن�سبية يف مقاربة الأ�شياء �أو‬ ‫ً‬ ‫قبيحا ومنف ًرا ل�شخ�ص ما‪ ,‬قد ال يبدو كذلك لآخر‪ ,‬لذلك‬ ‫االبتعاد عنها؛ فما يبدو ً‬ ‫ويف تالفيف غمام رائحة عفنة جللد الدابة (ترترة) التخني‪ ,‬كان ب�إمكان �آدمو‬ ‫التعرف على �شذى ناعم خفي �أليف مع حنني يتذكره ك�أول رائحة �أ�شبعت جوعه‪,‬‬ ‫ت�صح �إال بعد �إدراكها �أن ابنها‬ ‫قبالة �أم نفر منها لتكون هذه الأتان بدي ًال عن �أم مل ُ‬ ‫�صار ربي ًبا للحكامة واب ًنا للأتان‪.‬‬ ‫يتناوب الإن�سان والطبيعة على تفجري الرائحة يف اخلربقة كما تتناوب العتمة‬ ‫وال�ضوء‪ .‬وللمكان يف هذه الرواية خ�صو�صية حتكمها روائح زكية من مثل روائح‬ ‫ً‬ ‫حمر�ضا الرتاب على نفث �أريجه‪ .‬وما كان لهذه اخل�صو�صية‬ ‫املطر الذي يهطل‬ ‫�أن حت�ضر مبن�أى عن حكايات �شعبية تنب�ض برائحة املكان؛ (حكاية �شجرة املوتى‬ ‫مبا يتناقل عنها ب�أنها قناة �أو م�سرب متر منها روح امليت �إىل برزخها �أ�شبه ما‬ ‫تكون ب�سكة املوتى)‪.‬‬ ‫�أبرز ما تنحو الرواية �إىل عر�ضه �س�ؤال هام يتعلق بحيثيات ارتفاع وترية‬ ‫التوتر العرقي �أو الت�صنيفات املتعلقة باللون �أو التمايزات ال�ساللية‪� .‬س�ؤال جتيب‬ ‫املنتـ ــدى ‪262‬‬

‫‪- 218 -‬‬


‫الخطـاب الفكري والإن�ساني في رواية «بابنو�س» �شهادة ونقد‬

‫واندماجا يف بقعة ما‬ ‫عنه الرواية عرب �سل�سلة من الأحداث تظهر �أن ان�صها ًرا‬ ‫ً‬ ‫ي�صبحان عر�ضة للخطر والتفكك يف اللحظة التي يح�ضر فيها اجلوع �أو تتقاطع‬ ‫امل�صالح‪ .‬وهو ما عربت عنه حمى جنونية تدفع كل جهة للحديث عن �صفاء العرق‬ ‫وال�ساللة‪ ,‬لذلك مل يكن يف اخلربقة ‪ -‬كما ذكرنا يف البداية‪ -‬ما ي�شد انتباه‬ ‫مزيجا ي�صعب فيه حتديد هوية العربي الأحمر �أو الإفريقي‬ ‫املت�صارعني‪ .‬بل بدت ً‬ ‫ن�سيجا متداخ ًال بن�سب خمتلفة من‬ ‫الأزرق فحمي اللون‪ ,‬وكنا جند اخلال�سيني ً‬ ‫االختالط‪.‬‬ ‫هذا ما كان يف بدايات قطعتها حتوالت خطرية تزامنت مع ما مت اكت�شافه يف‬ ‫اخلربقة من �سائل �أ�سود موعود وغابات �صمغ حميطة بها وب�أ�سرار يورانيوم خمب�أ‬ ‫يف عمق ال�صخر حتت الرتاب‪ ,‬لت�صبح وهي الواقعة على خط �إفريقي حيوي كنزًا‬ ‫ي�سيل له لعاب غرب ي ّدعي يف تداخالته ح�سـًا �إن�سانيـًا عال ًيا‪ ,‬ولتنق�سم املنطقة يف‬ ‫نهاية الأمربني جنجويد عرب متعالني ي�ست�صغرون املزارعني‪ ,‬ومزارعني حتولوا‬ ‫�إىل جي�ش م�سلح‪ ,‬تتو�سطهما قوات دولية بطبيعة �ضبابية غري مك�شوفة‪ .‬من بعدها‬ ‫تتعر�ض اخلربقة لنهاية م�أ�ساوية رغم خطة ا�ست�سالم �صامت مقهورة ت�ضعها‬ ‫احلكامة �أمام خيار احلياة واملوت‪ .‬تنغلق بعدها هذه البقعة على موت لئيم جاف‬ ‫عدواين قا�س يح�صد �أرواح موتى ال مينحهم حتى فر�صة عبور �شجرة املوتى‪.‬‬ ‫ال تنتهي امل�أ�ساة هنا وح�سب‪ ,‬بل جندها قد امتدت على نحو �شمويل‬ ‫�أو�سع يلقي �ضو ًءا على �صغار مت جتهيزهم و�إبعادهم عن عائالتهم عرب طائرة‬ ‫ت�ست�أجرها منظمة تدعى (قو�س احلياة) مهمتها نقل الب�شر كما املعدات‪ .‬ن�شاهد‬ ‫بعدها عائالت فرن�سية �سعيدة حتمل �صور �أطفال �أفارقة يت�شابهون كما الأرانب‬ ‫�إىل جانب الفتات كتب عليها «�أنقذوا �أطفال دارفور‪ ,‬تبنوا �أطفال دارفور»‪« .‬كلهم‬ ‫�سود يرتع�شون ويبت�سمون االبت�سامة املذهولة اخلائفة نف�سها‪ ,‬ويحملون الأنف‬ ‫املفرطح نف�سه‪ ,‬والعيون الوا�سعة امل�سكونة بالده�شة ورعب ال يف�صح»‪ .‬ون�صبح‬ ‫فرحا يف حلظات �شديدة االنفعال والإن�سانية وتخفي يف‬ ‫قبالة كامريات تنقل ً‬ ‫الوقت نف�سه �صفقة جماعية ثمنها خم�سمائة �ألف يورو‪.‬‬ ‫‪- 219 -‬‬

‫�صيف ‪2015‬‬


‫كتب ومراجعات ونقد‬

‫�أما بابنو�س و�آدم في�صعدان على نف�س الطائرة خروفني ي�ساقان �إىل �ساحة‬ ‫ربحا معقو ًال‪ .‬م�صري ي�شبه �شعو ًرا بالهبوط‬ ‫ذبح تدر على ع�صابات جتار الب�شر ً‬ ‫�إىل هوة �سحيقة َمت ّلك بابنو�س يف �أثناء �إقالع الطائرة التي تقلها هي و�آدمو‪.‬‬ ‫لينتهي هذا ال�شعور حقيقة مرة ن�شهد فيها بابنو�س وقد بيعت ب�ضاعة باهظة‬ ‫الثمن لإحدى مالكات بيت الدعارة‪ .‬ن�شهد بعدها بابنو�س مع �سابرينا البو�سنية‬ ‫البي�ضاء حتفتني ال مثيل لهما‪ ,‬الأوىل تظهر �سوداء مغرية من خلفها �ساتان‬ ‫فج من البيا�ض‪ .‬بينما ظهرت رفيقتها‬ ‫حريري عاجي اللون جتلت �ضو ًءا �أ�سود ّ‬ ‫ال�صبية البو�سنية �سابرينا وراء زجاج مدثر مبخمل �أ�سود نو ًرا ينبعث يف العتمة‪.‬‬ ‫وبني النافذتني �أ�سفل قدمي الفتاتني ثبتت الفتة ُخطت فوقها بخط الثلث العربي‬ ‫كلمتان باللون الذهبي‪« :‬عاج و�أبنو�س»‪.‬‬ ‫يعود � ًإذا ن�سق التعار�ضات الثنائية (�أبي�ض‪� /‬أ�سود) الذي تخلل الن�ص‬ ‫ً‬ ‫فار�ضا �سطوته يف م�ساراته النهائية لنكون قبالة مقاربة فنية بني بيا�ض ب�شرة‬ ‫الفتاة وحتفة العاج الثمينة‪ .‬يف م�شهد تنمحي فيه كرامة ب�شر يباعون كما تباع‬ ‫ً‬ ‫معر�ضا‬ ‫الب�ضاعة التجارية يف دار �أنيقة ال ت�شي ب�أية ملحة مبتذلة‪ ,‬كما لو كانت‬ ‫للفنون ال دا ًرا للدعارة‪ .‬حت�ضر هذه الثنائية �ضمن �صورة ا�ستعارية ال توحي‬ ‫بعالقة تراتبية �أو تفا�ضلية يحكمها اللون‪ ,‬ف�سابرينا البو�سنية البي�ضاء انزرعت‬ ‫يف نف�س الإطار الذي و�ضعت فيه بابنو�س‪ ,‬لنكون يف م�شهد مريع ُتهان فيه �إن�سانية‬ ‫الإن�سان بواقع �صراعات وم�صالح ال قيمة لكرامة الإن�سان فيها‪.‬‬

‫املنتـ ــدى ‪262‬‬

‫‪- 220 -‬‬


‫كيف تقر�أ الإمبريالية العالمية «حق تقرير الم�صير»؟‬ ‫عنوان الكتاب‪« :‬الإمربيالية اجلديدة»‬ ‫ت�أليف‪ :‬روبرت بيل‬ ‫ترجمة‪ :‬مازن احل�سيني‬ ‫النا�شر‪ :‬دار البريق العربي‪ -‬رام اهلل‪ /‬فل�سطني‬

‫قراءة وتعليق‪� :‬أ‪ .‬يو�سف عبداهلل محمود‬

‫**‬

‫ال ت�ص ّدقوا �أن مبد�أ «حق تقرير الم�صير» الذي نادى به الرئي�س الأمريكي‬ ‫الأ�سبق وودرو ويل�سون‪ ،‬ومن ثم اعتبر مبد�أً عال ًيا ت�ضمنته المواثيق الدولية قد تم‬ ‫احترامه على م�ستوى ال�شعوب‪ ،‬و�أعني هنا �شعوب العالم الثالث‪ ،‬ومنها �شعوبنا‬ ‫العربية والإ�سالمية‪ ،‬لقد انتُهك هذا المبد�أ الجليل منذ اللحظة الأولى لإعالنه‪،‬‬ ‫فلم يلتفت �إليه‪ ،‬بل تم االلتفاف عليه وقراءته وفق ما تريده الدول الر�أ�سمالية‬ ‫الكبرى‪.‬‬ ‫لقد ُنظر �إلى ال�شعوب الم�ست�ضعفة على �أنها ما زالت «قا�صرة» عن تدبير‬ ‫�ش�ؤونها‪ ،‬وعليه ال ُبد من وجود �أو�صياء عليها حتى تبلغ �سنّ ال ّر�شد! �ألم يقل‬ ‫ويل�سون نف�سه وفق ما يذكره الكاتب العالمي روبرت بيل عام ‪�« »1901‬إن �إعطاء‬ ‫الم�ؤ�س�سات الأنجلو‪�-‬ساك�سونية �إلى ال�شعوب المتخلفة عمل غير منا�سب‪ ،‬لأنهم ما‬ ‫زالوا في «طور الطفولة» من نم ّوهم ال�سيا�سي‪ .‬ثم �ألم يقل وزير خارجية �أمريكا‬ ‫الأ�سبق هنري كي�سنجر زمن الحكم التحرري في ت�شيلي‪« :‬ال �أرى لماذا علينا �أن‬ ‫نترك بلدً ا يتجه �إلى المارك�سية فقط لأن �شعبه غير م�س�ؤول»‪.‬‬ ‫* كاتب وناقد‪/‬الأردنّ ‪.‬‬

‫‪- 221 -‬‬

‫�صيف ‪2015‬‬


‫كتب ومراجعات ونقد‬

‫ما داللة هذه الأقوال؟ داللتها �أنّ على ال�شعوب �أن تبقى م�ستعمرة �إلى‬ ‫ما �شاء اهلل لأنها في «طور الطفولة» �أو «غير م�س�ؤولة»‪ .‬وما زال هذا الكالم‬ ‫المتهافت يتم ترديده اليوم من قبل الإمبريالية العالمية‪.‬‬ ‫وعليه ال ت�صدقوا كل ما يقال عن �إيجابيات «ال�سوق الح ّرة» وال «الحرية‬ ‫االقت�صادية» التي يروج لها الإمبرياليون �أو الليبراليون الجدد في العالم اليوم‪.‬‬ ‫هي مجرد «هُ راء» كما و�صفها بيل في كتابه‪.‬‬ ‫قد يحدث �أحيا ًنا �أن تتظاهر هذه الإمبريالية العالمية �أنها تبارك م�شروعات‬ ‫«التنمية» في بلدان العالم الثالث‪ .‬ولكنها مباركة غير حقيقية‪ ،‬بل هي محدودة‬ ‫ال�سقف‪� ،‬إنْ ّتم تخط ّيه‪ ،‬بادر الإمبرياليون �إلى التدخل ّ‬ ‫الفظ لإيقافه!‬ ‫ّ‬ ‫�إنها «العن�صرية» بكل مظاهرها‪ .‬فالعالم الثالث ينبغي �أال يرفع ر�أ�سه‬ ‫مطال ًبا بحرية حقيقية‪ ،‬وب�سيادة ا�ستقاللية!‬ ‫�إنها �أ�ساليب اال�ستعمار القديمة‪ ،‬و�إن بدت بثوب جديد متط ّور!‬ ‫اليوم ن�سمع ومنذ عهد الرئي�س الأمريكي ال�سابق جورج بو�ش وبطانته من‬ ‫ت�شيني ورام�سفيلد وغيرهما عن «القرن الأمريكي الجديد» وهو القرن الحادي‬ ‫والع�شرون‪� .‬ألي�س هذا ت�سييد ل ِع ْر ٍق على ِع ْرق!‬ ‫�أت�سا َءل؛ �ألم ُي�سجل مبد�أ الرئي�س الأمريكي الأ�سبق مونرو «حق تقرير‬ ‫الم�صير» في ميثاق ع�صبة الأمم عام ‪!1919‬‬ ‫لماذا تم انتهاكه وحتى بعد قيام «الأمم المتحدة ومجل�س الأمن! الإجابة‬ ‫معروفة‪ .‬فالر�أ�سمالية العالمية ال تريد �أن ت�سمح بقيام ُنظم حكم ديمقراطية‬ ‫في العالم تتبنى �سيا�سة م�ستقلة تدعم م�شروعاتها التنموية‪ .‬وحتى تتمكن هذه‬ ‫الر�أ�سمالية الم�ستغلة من تحقيق �أهدافها غير الإن�سانية‪ ،‬ف�إنها تقيم تحالفات‬ ‫م�صلح ّية مع بع�ض «ال ُنخب» الحاكمة في بلدان الجنوب �إنْ في �آ�سيا �أو �إفريقيا‬ ‫على وجه الخ�صو�ص ناهيك عن �أمريكا الالتينية!‬ ‫املنتـ ــدى ‪262‬‬

‫‪- 222 -‬‬


‫كيف تقر�أ الإمبريالية العالمية «حق تقرير الم�صير»؟‬ ‫�أ‪ .‬يو�سف عبداهلل محمود‬

‫هذا التحالف الذي ُيغري «ال ُّنخب» الحاكمة في بلدان المجتمعات النامية‬ ‫والباحثة عن الثروة العري�ضة واال�ستمرار في ال�سلطة هو الم�س�ؤول عن فقر‬ ‫الجماهير في بلدانها وهو �سبب االنتفا�ضات ال�شعبية التي تحدث من حين لآخر‪.‬‬ ‫�إن النظام العالمي الجديد الذي يتم التب�شير به من قبل الإمبريالية ال يختلف عن‬ ‫النظام العالمي ال�سابق �إال في «التكتيك»‪.‬‬ ‫«كان النظام الجديد �أ�سلو ًبا لإعادة ت�شكيل التق�سيم العن�صري بين ال�شمال‬ ‫والجنوب‪ ،‬على �أ�سا�س الأماكن التي يقوم فيها تراكم ر�أ�س المال نف�سه بكفاءة‬ ‫(((‬ ‫�أكثر من نمط اال�ستعمار القديم»‬ ‫وهنا يجب االعتراف ب�أن دول الجنوب لم تح�سن في فترة ا�ستقاللها‬ ‫وتحررها ولو م�ؤقتًا من اال�ستعمار التعامل مع الظرف الجديد فتقيم تعاو ًنا‬ ‫�إقليم ًيا حقيق ًيا مع بع�ضها البع�ض‪ .‬لم تحاول ‪-‬و�أخ�ص بالذكر هنا المجتمعات‬ ‫العربية والإ�سالمية بعد اال�ستقالل‪� -‬أن تو�سع الم�شروعات التنموية الم�شتركة‪.‬‬ ‫ظ ّلت النظم الحاكمة متغافلة عن هذه الحقيقة ل�سبب �أو لآخر‪� .‬أما النتيجة فهي‬ ‫ف�شل كل م�شروعاتها التنموية ومن ثم محا�صرتها واحتوا�ؤها من قبل النظام‬ ‫العالمي «المعولم»‪ .‬من هنا �أقول �إنّ «العولمة» التي يتباهى بع�ض المثقفين العرب‬ ‫بالحديث عن مزاياها االقت�صادية واالجتماعية لم ت�ستحدث �إ ّال لاللتفاف على‬ ‫«حق تقرير الم�صير» وانتهاك «ال�سيادة الوطنية» لل�شعوب! هي معن ّية بت�صدير‬ ‫«الفو�ضى» ال با�ستقرار الدول وخدمة العدالة والديمقراطية‪.‬‬ ‫�إن ت�صدير «الفو�ضى» �أ�سلوب �إمبريالي متط ّور هدفه زعزعة اال�ستقرار في‬ ‫المجتمعات الإن�سانية التي تحاول التم ّرد على الإمبريالية‪.‬‬ ‫ت�صدير الفو�ضى ن�شهده اليوم في بلدان كثيرة‪ ،‬وال �أ�ستثني بلدان الربيع‬ ‫العربي‪ .‬خذ ما يجري فيها من �صراعات دينية وقبلية وجهوية‪ .‬من الذي يقف‬ ‫وراءها؟ في ت�صوري �إنهم الإمبرياليون الذين يقفون متف ّرجين على ما يحدث‪.‬‬ ‫((( روبرت بيل‪� ،‬ص‪.58‬‬

‫‪- 223 -‬‬

‫�صيف ‪2015‬‬


‫كتب ومراجعات ونقد‬

‫يح ّر�ضون على الفتنة واالقتتال للق�ضاء على الهوية الوطنية والقومية ومن ثم‬ ‫تفكيك القطر الواحد وال�ضغط على ن�سيجه الوطني المتما�سك‪ .‬وحتى ينجحوا‬ ‫في ذلك �أوجدوا فزّاعة «الإرهاب»‪.‬‬ ‫راحوا يو�سعون مفهومه لي�شمل حركات المقاومة الوطنية التي اعتبروها‬ ‫«�إرها ًبا»!‪.‬‬ ‫«�إن قيمة �شعار مناه�ضة «الإرهاب» تكمن في �أن مفرداته يمكن �أن تتبدل‬ ‫(((‬ ‫وتتل ّون بحيث يتبدل ويتغير معناه لي�شمل �أي �شيء توجد حاجة �إلى قمعه»‪.‬‬ ‫لقد �أ ّدى تفعيل م�صطلح «الإرهاب» �إلى ا�شتداد «القمع» الذي كان معظمه‬ ‫غير مب ّرر �إن�سان ًيا!‬ ‫لقد تم ا�ستثمار مفهوم «الإرهاب» على نحو غير �إن�ساني كالزعم �أن الهدف‬ ‫من �شنّ هذه الحرب �أو تلك هو احترام « حقوق الإن�سان»‪ ،‬عل ًما �أن حقوق ال�شعوب‬ ‫نف�سها قد انتهكت ب�سبب هذه الحروب! لقد �ش ّبه �أحدهم على نح ٍو مجازي الحرب‬ ‫على الإرهاب بو�صفه �أنه «ي�ضع ال َورطة في حقيبة»‪ .‬بمعنى �أنك ت�ستطيع �أن تح�شو‬ ‫(((‬ ‫الحقيبة بكل العب �أو و�ضع غير مالئم»‪.‬‬ ‫هذا ما تتجه الإمبريالية «تح�شو الحقيبة بكل و�ضع ال يالئمها»! وما يثير‬ ‫ال�سخرية �أنها م�سرح من �أجل تمرير حروبها على «الإرهاب» فهي تلج�أ �إلى �إثارة‬ ‫حما�سة �شعوبها للوقوف �إلى جانبها حماية لهم من «لعنة» هذا الإرهاب!‪.‬‬ ‫لعبة باتت مك�شوفة اليوم!‬

‫((( روبرت بيل‪ :‬املرجع ال�سابق ‪.420‬‬ ‫((( املرجع ال�سابق �ص ‪.424‬‬ ‫املنتـ ــدى ‪262‬‬

‫‪- 224 -‬‬


‫مع كتاب‬

‫«عتبات ا‪�Ÿ‬ستقبل‪� :‬س‪Ò‬ة كفاح و�ســـ‪Ò‬ورة وطن»‬ ‫للدكتور في�صل غرايبة‬ ‫*‬

‫قراءة وتعليق‪ :‬كايد ها�صم‬ ‫فلي�ست ال�سرية يف معايري االأدب والفن‬ ‫جمرد ت�سجيل وثائقي لوقائع واأحداث‪ ,‬مت�سل�سلة‬ ‫اأو متفرقة‪ ,‬يف حياة كاتبها وح�سب‪ ,‬واإمنا هي‬ ‫اأ�سبه ما تكون مبد ّونة لتطور فكر �ساحبها ونظرته‬ ‫اإىل احلياة والنا�س واالأ�سياء‪ّ ,‬‬ ‫وتدل على نوع من‬ ‫ال�سلوك قا َد اإليه ذلك الفكر واأ َّثر فيه‪ ,‬ثم هي من‬ ‫تعرب عن اأ�سلوب حياة‪,‬‬ ‫ح�سيلة الفكر وال�سلوك ِّ‬ ‫واالأ�سلوب – كما قيل – هو الرجل!‬

‫تتغري وتتب َّدل‪,‬‬ ‫فاالأحداث يف �س ّنة الكون َّ‬ ‫أحوال‪ ,‬وما تودي‬ ‫تغري الفكر وال�سلوك‪ ,‬مبا توجده من‬ ‫ٍ‬ ‫ظروف وا ٍ‬ ‫ورمبا تدفع اإىل ُّ‬ ‫اإليه من م�سائر وماآالت‪ .‬ويظ ُّل الثبات للمبداأ وحده‪ .‬ويف قول ال�ساعر اإبراهيم‬ ‫الباروين‪:‬‬ ‫لي�ست حياة املر ِء يف الدنيا �سوى ُحلـ ـ ـ ـ ٌم يج ـ ـ ـ ـ ُّر وراءه اأحالم ـ ـ ــا‬ ‫ُ‬ ‫ظبي ُي�سار ُع يف الوغى �سرغاما‬ ‫والعي�س يف الدنيا جها ٌد دائـ ـ ـ ـ ــم‬ ‫ٌ‬ ‫* م�ساعد االأمني العام ومدير حترير جملة «املنتدى» ‪ -‬منتدى الفكر العربي‪/‬االأردنّ ‪.‬‬

‫‪- 225 -‬‬

‫�صيف ‪2015‬‬


‫كتب ومراجعات ونقد‬

‫وهذا الكتاب‪« :‬عتبات امل�ستقبل» للدكتور في�صل غرايبة‪ُ ،‬ينبئك منذ‬ ‫�صفحاته الأوىل عن �أي جمر قب�ضه وهو يجتا ُز عتبات احلياة‪ ،‬اجتيا ًزا هي ًنا‬ ‫عربي قلق متق ِّلب‪،‬‬ ‫�أحيا ًنا قليلة خاطفة‪ ،‬و�شا ًقا طوي ًال يف �أكرث الأحيان‪ ،‬ويف ع�صر ّ‬ ‫كثري الأنواء‪ ،‬امل ّد فيه ق�صري الأمد‪َ ،‬‬ ‫واجلزر فيه طويل املدى‪ ،‬و�صاحب املذ ِّكرات‬ ‫طامح �أن ال يتخ ّلى عما ا�ستم�سك به من عهد للنف�س ب�أن يكون �إن�سا ًنا مواط ًنا‬ ‫باملعنى احلقيقي للإن�سان املواطن‪.‬‬ ‫ال�سري على جادة ال�صواب وال�صراط امل�ستقيم‪،‬‬ ‫لقد ن�ش�أَ على مبد�أ َّ‬ ‫م�ستهد ًيا بقناعاته واجتهاداته و�إميانه‪ ،‬يبحث عن م�ستقبله وم�ستقبل جمتمعه‬ ‫ال�صغري يف بلده الأردن‪ ،‬كما جمتمعه الكبري يف العامل العربي‪ ،‬وكذلك املجتمع‬ ‫الإن�ساين ب�أ�سره‪ ،‬مغتذ ًيا بفكر ث َّقف به عقله ووجدانه وذائقته‪ ،‬فقد �أعجبه فكر‬ ‫يتب�صر التح ّوالت‬ ‫ابن خلدون املُعبرِّ عن ثقافة االبتكار والتجديد‪ ،‬مبنهج علمي َّ‬ ‫االجتماعية وت�شخي�ص �أ�سبابها ودواعيها وتداعياتها‪ ،‬ور�أى يف الفكر اخللدو ّ‬ ‫ين‬ ‫توفي ًقا بني عمق الأ�صالة وحمدثات الزمان‪ ،‬وما �أ�صعب التوفيق بينهما يف زماننا‬ ‫هذا بالذات! لكن الدكتور في�صل غرايبة يرى � ً‬ ‫أي�ضا �أن ما نادى به ابن خلدون‬ ‫ما يزال ماث ًال �أو ُقل قاب ًال لأن يكون منطل ًقا هاد ًيا جلهود الإ�صالح والتجديد‬ ‫يف املجتمعات العربية املعا�صرة �إذا كان الرتكيز على «ال ُهو ّية» يف مواجهة خطر‬ ‫التهديد بالفناء!‬ ‫ويت�صل غذا�ؤه الفكري ب�أفكار مالك بن نبي‪ ،‬الذي نادى با�ستخدام �سالح‬ ‫أركان ثالثة هي‪ :‬الإن�سان‪ ،‬والأر�ض‪ ،‬والوقت‪ ،‬النت�شال بلده‬ ‫النه�ضة القائم على � ٍ‬ ‫و�شرك اال�ستعمار‪ ،‬وتخلي�صه من خطر الإحلاق‬ ‫اجلزائر من وهدة التخ ّلف ِ‬ ‫بامل�ستعمر وحمو هُ و ّيته‪.‬‬ ‫ِ‬ ‫ذلك من احلاجة ال�ضرورية لتع ّرف الإن�سان على نف�سه �أ ّو ًال‪ ،‬وعلى ظروف‬ ‫تعال عليه �أو جتاهل له‪ ،‬و�أن يقدِّ م نف�سه‬ ‫متايزه عن غريه‪ ،‬ومعرفة الآخر من دون ٍ‬ ‫ب�صور ٍة جل ّية وفطنة يتق ّبلها الآخر‪ ،‬ثم العمل بالرتاكم‪ ،‬واالبتعاد عن االرجتال‬ ‫املنتـ ــدى ‪262‬‬

‫‪- 226 -‬‬


‫مع كتاب «عتبات الم�ستقبل‪� :‬سيرة كفاح و�سيرورة وطن» للدكتور في�صل غرايبة‬ ‫قراءة وتعليق‪ :‬كايد ها�شم‬

‫مبعنى اعتماد �سريورة النم ّو والإمناء‪ ،‬ولي�س الثورة التي تغيرِّ �شكل املجتمع‬ ‫وال�سلطة‪ ،‬و�إمنا ب�إعادة العقل �إىل مكانته والفهم املنطقي للمراحل التاريخية‪.‬‬ ‫ُّ‬ ‫هذه ملحة خاطفة عن بع�ض املنابع الفكر ّية التي ا�ستقى منها �صاحب‬ ‫«عتبات امل�ستقبل» ليك ِّون مبا ا�ستقى خمريته العقلية‪ ،‬ثم ُين�ضجها بتجرب ٍة عمل ّية‬ ‫ُقدِّ ر لها �أن تت�سع مكا ًنا وزما ًنا‪ .‬فمن �إربد م�سقط الر�أ�س – يف �شمايل الأردن ‪-‬‬ ‫�إىل دم�شق وقا�سيون الذي �أطل منه غرايبة على واقع احلياة والوطن‪ ،‬فعودة �إىل‬ ‫ع ّمان التي ظ َّلت مو�ضع الطموح‪ ...‬فارحتال �إىل الغرب الربيطاين (ويلز‪ -‬كارديف)‬ ‫حيث ا�ستكمل درا�سته الأكادميية العليا‪ ،‬ومن ثم تون�س وحياة عملية انخرط خاللها‬ ‫عدد من الوظائف مبنظمات اجلامعة العربية و�ألوان تل َّونت بها جتربته يف ميادين‬ ‫يف ٍ‬ ‫العمل العربي امل�شرتك‪ ،‬ومل تكن كلها خ�ضراء‪ .‬وبعدها عودة �إىل ع ّمان مرة �أخرى‪،‬‬ ‫فانتقال �إىل البحرين كان نهاية املطاف الوظيفي‪ .‬وجاء التقاعد بال قعود بعد هجر‬ ‫الوظيفة وما ترتكه يف النف�س من دُربة على كظم الغيظ والعفو مبقدرة فهم النفو�س‬ ‫التي يتعبها الفهم‪ .‬والكاتب احلقيقي �إذا تقاعد من وظيفة ال يتقاعد من حرفة‬ ‫البحث والكتابة‪ ،‬وال يتخ ّلى عن �أداة التفكري والتعبري‪ ،‬وال �سيما يف واقع متلأه هواج�س‬ ‫العربي‪ .‬فلي�س من �أخالق هذا الكاتب‬ ‫ال�سيا�سة واالجتماع والأخالق‪ ،‬مثل واقعنا‬ ‫ّ‬ ‫الرتاجع والهروب واالنعزال‪ ،‬ولي�س من �شيمته اال�ست�سالم للإحباط والركون يف‬ ‫الزوايا ويف عزميته جذوة من احلياة للإ�سهام يف رفع الكفاية واال�ستزادة من‬ ‫ب�شموع على امل�سالك والدروب‪.‬‬ ‫اال�ستنارة‬ ‫ٍ‬ ‫ال نغفل هنا بذرة الرتبية الأوىل وبيئة املن�ش�أ الأ�سا�س و�أثرهما يف بناء‬ ‫ال�شخ�صية ومناعتها‪ .‬فقد �أنبتت هذا الإن�سان �أ�سرة حمبة للعلم والتعلُّم‪ ،‬منتمية‬ ‫�إىل جمتمعها ووطنها انتما ًء ال تعوزه ال�شعارات‪ ،‬فوالده املرحوم حممود اخلالد‬ ‫الغرايبة (البا�شا) �أحد رجاالت الأردن الذين �صاغ �شخ�صياتهم وجدانهم‬ ‫العروبي‪ ،‬وقد �أم�ضى حياته يف تل ُّم�س حاجات �أبناء جمتمعه‪� ،‬ساع ًيا �إىل‬ ‫الوطني‬ ‫ّ‬ ‫اخلري بني النا�س و�إ�صالح ذات البني‪ ،‬واالنت�صار لل�ضعفاء واملنكوبني والدفاع عن‬ ‫حقوق املظلومني‪ ،‬وامل�ساهمة يف عمران مدينته �إربد‪ ،‬والت�شجيع على ن�شر العلم‪،‬‬ ‫‪- 227 -‬‬

‫�صيف ‪2015‬‬


‫كتب ومراجعات ونقد‬

‫وا�ست�صالح الأرا�ضي للزراعة‪ ،‬وغري ذلك من �صو ٍر وم�آثر تعبرِّ عن الإن�سان‬ ‫و�شح املوارد‪ ،‬وغنى‬ ‫الأردين والعربي يف كفاحه احلياتي �أمام ق ّلة الإمكانات املادية ّ‬ ‫النف�س والأمل‪ .‬ورغم ما تكبده حممود اخلالد من خ�سائر وديون ينوء بها الكاهل‪،‬‬ ‫ومنوذجا ُيقتدى يف‬ ‫�إلاَّ �أنه ترك لأبناء بلده ومنهم �أبنا�ؤه �إر ًثا من قيم الواجب‬ ‫ً‬ ‫االنتماء بالأعمال ال بالأقوال‪� ...‬أو كما يقول ابنه الدكتور في�صل يف ر�سالة �إىل‬ ‫ر�سخت يف نف�سي بعد رحيلك‪ ،‬ما‬ ‫روح والده يف ذكرى رحيله‪« :‬نعم يا مع ِّلمي‪ ،‬لقد َّ‬ ‫مال‬ ‫تلح عليه طوال حياتك‪ ،‬ب�أن الإن�سان ّ‬ ‫القوي لي�س فيما يح�صل عليه من ٍ‬ ‫كنت ّ‬ ‫�أو �شهر ٍة �أو جاه �أو نفوذ‪ ،‬ولكنه ذلك الذي ي�ستطيع �أن يق ّوي من قدرة الآخرين يف‬ ‫احل�صول على مطالبهم �أو بلوغ �أهدافهم‪ ،‬و ُي�سهم يف ن�شر الوئام واملحبة والتفاهم‬ ‫فيما بينهم‪ ،‬ويزيد من تف ُّهم امل�س�ؤول لق�ضايا املواطن‪� ،‬أي �أنه الإن�سان الذي يعبد‬ ‫ر ّبه ويحب وطنه ويريح �ضمريه» (�ص‪.)61‬‬ ‫ويف ر�سالة �إىل والدته املرحومة ال�سيدة �أمينة‪ ،‬التي �أورثت �أبناءها حب‬ ‫العلم‪ ،‬رغم �أنها مل تكن جتيد القراءة والكتابة‪ ،‬وهي�أتهم مل�ستقبلهم بوعيها‬ ‫و�إح�سا�سها الفطري ب�أنه لي�س باملال وحده ي�أمن الإن�سان غوائل الزمان‪ ،‬و�إمنا‬ ‫بالعلم ومعه ُح�سن التعامل وال�صالت الطيبة بالنا�س‪ ،‬والأهم باال�ستقامة‬ ‫والإخال�ص يف العمل‪ ...‬يكتب الدكتور في�صل �إىل هذه املر�أة العظيمة ذات عيد‬ ‫للأم‪�« :‬إنَّ ّ‬ ‫خط �سريي الذي تعرفني مل يو�صلني �إىل املواقع الأعلى‪ ،‬وقد اكت�شفت‬ ‫لدي‪ ،‬وطريق التفايف غري‬ ‫�أن الو�صول �إليها يتطلب م�ؤهالت من نوع �آخر غري ما ّ‬ ‫حمدد املعامل ال تقبلني م ّني �أن �أ�سري عليه»!‬ ‫َّ‬ ‫وبعد‪ ،‬ف�إن كتاب «عتبات امل�ستقبل‪� :‬سرية كفاح و�سريورة وطن»‪ ،‬بكل ما فيه‬ ‫من ت�صوير للت�ضاد بني املثال والواقع‪ ،‬بني الطموح وعوامل الإحباط واالنك�سار‪،‬‬ ‫بني االنتكا�س واملقاومة الواعية املمنهجة بالتفا�ؤل والعمل واملثابرة‪ ،‬هو ت�صوير‬ ‫�صادق لإن�سان ووطن كبري ممتد من املاء �إىل املاء‪ ،‬من املحيط �إىل اخلليج‪.‬‬ ‫فامل�ؤ ِّلف كما �أعرفه ويعرفه كثريون ب ُبعد نظره واتزان فكره وحكمته و�سمو ُخلقه‪،‬‬ ‫ال ي�ستغرقه التنظري وفل�سفة الأمور بقدر ما ت�شغله املواءمة بني العلم والعمل‬ ‫و�إحكام �أ�س�س التفكري النقدي‪.‬‬ ‫املنتـ ــدى ‪262‬‬

‫‪- 228 -‬‬


‫مع كتاب «عتبات الم�ستقبل‪� :‬سيرة كفاح و�سيرورة وطن» للدكتور في�صل غرايبة‬ ‫قراءة وتعليق‪ :‬كايد ها�شم‬

‫ي�ضع امل�ؤلف يده على �أزمة احلياة العربية التي يراها يف حتديني اثنني‪:‬‬ ‫الأمن القومي؛ مبعناه ال�شامل‪ :‬الأمن االجتماعي والثقايف واالقت�صادي‪ ،‬قبل‬ ‫الع�سكري‪ ،‬الذي ال قوام له وال جدوى دون اجلوانب الثالثة الأوىل‪ .‬والتحدي‬ ‫الثاين هو التنمية‪ ،‬التي توحي راه ًنا بعد التفا�ؤل للو�صول �إىل امل�ستقبل يف ظ ّل ما‬ ‫ي�سميه اختالالت �أيديولوجية وظيفية‪� ،‬أحدثتها خ�صائ�ص النظام العربي بر ّمته‬ ‫من خالل تكري�س القطرية‪ ،‬التي �أف�ضت �إىل تكتالت �ضيقة يف كل قطر اتخذت‬ ‫�أ�شكا ًال من اجلهوية واملناطقية والطائفية والع�شائرية‪�..‬إلخ هذه التق�سيمات‬ ‫ال�ضاربة للن�سيج املجتمعي وال�سلم الأهلي‪ ،‬وزاد الطني ب ّلة التفاوت بني الدول‬ ‫اقت�صاد ًيا و�سيا�س ًيا وح�ضار ًيا‪ ،‬والتبعية املقيتة املتمثلة يف املبالغة باال�سترياد‬ ‫واال�ستهالك دون الإنتاج ووجود ثقافة الإنتاج‪ ،‬ف�ض ًال عن �ضعف اال�ستثمار‬ ‫وا�ستقواء االحتكار للرثوات‪ ،‬و�أحيا ًنا الأفكار‪.‬‬ ‫وي�ستوقف القارىء يف نهاية الكتاب ما يدعو �إليه الدكتور في�صل غرايبة‪،‬‬ ‫عاما �أو تزيد‪ ،‬دعوته‬ ‫وهو ي�سدل ال�ستار على طموحاته ال�شخ�صية بعد رحلة �سبعني ً‬ ‫توجد حلو ًال واقعية لإزالة التوتر‬ ‫ال�صادقة واملتحم�سة للعمل على ن�شوء ثقافة ح َّية ِ‬ ‫الذي �أرهقَ ال َع َ�صب العربي بني ح ّدي ثنائيات‪ :‬الوعي مقابل الواقع؛ الذات مقابل‬ ‫املو�ضوع؛ احلا�ضر مقابل امل�ستقبل؛ احللم مقابل الإمكان‪ .‬فعلى هذا الطريق‬ ‫ين�ش�أ املجتمع املدين املن�شود الذي نريد‪ .‬و�إذ ن�شاركه التذ ُّكر امل�صحوب بالأمل‪،‬‬ ‫والتفا�ؤل امل�شوب بالقلق‪ ،‬دون فقدان الثقة‪ ،‬ف�إننا نردد ما جاء يف حمكم التنزيل‪:‬‬ ‫‪�‬إِ َّن َهّ َ‬ ‫الل ال ُي َغ ِرّ ُي َما ِب َق ْو ٍم َح َتّى ُي َغ ِرّ ُيوا َما ِب�أَ ْن ُف ِ�س ِه ْم‪� ‬صدق اهلل العظيم (�سورة‬ ‫الرعد‪� :‬آية ‪)11‬‬

‫‪- 229 -‬‬

‫�صيف ‪2015‬‬


‫المحكمة‬ ‫دعوة للم�شاركة بالدرا�سات والبحوث ُ‬ ‫في مج ّلة «المنتدى»‬ ‫محاور العددين القادمين من مجلة «المنتدى» للعام ‪2016/2015‬‬ ‫• التطرف والعنف والإرهاب‪ :‬منطلقات المواجهة الفكر ّية‬ ‫(العدد ‪ ،263‬ي�صدر في �شهر ت�شرين الأول‪� /‬أكتوبر ‪)2015‬‬ ‫العالمي وم�ستقبل االقت�صاد ّيات العرب ّية‬ ‫• تح ّوالت االقت�صاد‬ ‫ّ‬ ‫(العدد ‪ ،264‬ي�صدر في �شهر كانون الثاني‪ /‬يناير ‪)2016‬‬ ‫تدعو المج ّلة الباحثين وال ُكتَّاب في الجامعات والمعاهد العلم ّية ومراكز الدرا�سات‬ ‫والبح���وث والمعنيين للم�ش���اركة في الكتابة في � ٍّأي من المحاور الم�ش���ار �إليها وما يتف ّرع‬ ‫عنها من ق�ضايا‪ ،‬وف ًقا لل�شروط الآتية‪:‬‬ ‫ �أن ال تك���ون الدرا�س���ة �أو البحث من�ش���ورة‪ /‬من�ش���و ًرا من قبل في �أي من المن�ش���ورات‬‫الورق ّية �أو عبر الو�سائل الإلكترون ّية‪ ،‬و�أن يتع َّهد الكاتب بعدم ن�شره قبل ت�سلُّم رد هيئة‬ ‫تحرير مجلة «المنتدى» بقبول الن�شر �أو االعتذار‪.‬‬ ‫ �أن تت�س���م الدرا�س���ة‪ /‬البحث بالمنهج ّية العلم ّية والمو�ض���وع ّية‪ ،‬والج��� ّدة في الأفكار‬‫والطرح‪ ،‬و ُيراعى التوثيق وفق قواعد البحث العلمي‪،‬‬ ‫ الحر�ص على �س�ل�امة اللغة العرب ّية نح ًوا و�صر ًفا والأ�سلوب الوا�ضح‪ .‬وعند �إيراد ن�صو�ص‬‫ن�صا‪.‬‬ ‫بلغات �أجنبية �ضمن الدرا�سة‪ /‬البحث ترجمتها ًّ‬ ‫ �أن ال تزي����د عدد �ص����فحات الدرا�س����ة‪ /‬البحث عن (‪� )30‬ص����فحة مطبوعة على‬‫الكمبيوتر بحرف ‪ ،Simplified Arabic 16‬وتُدرج الهوام�ش وقائمة الم�صادر‬ ‫والمراجع في نهاية الدرا�سة‪ /‬البحث بحرف ‪.Simplified Arabic 14‬‬ ‫أرقاما مت�سل�س���لة حتى نهاية الدرا�س���ة‪ /‬البحث‪،‬‬ ‫ ُي���د َرج التوثي���ق في الهام�ش و ُيعطى � ً‬‫ويكون توثيق الم�صادر والمراجع بال�شكل الآتي‪( :‬الم�ؤ ِّلف‪ /‬الكاتب‪ ،‬عنوان الكتاب‪/‬‬ ‫عنوان الدرا�س���ة �أو المقالة‪ ،‬النا�ش���ر‪ /‬ا�س���م الدوري���ة ورقم الع���دد وتاريخه‪ ،‬مكان‬ ‫الن�ش���ر‪ /‬الطبع‪ ،‬ال�سنة (للكتب)‪ ،‬رقم ال�ص���فحة‪ .‬وعند تكرار ا�ستعمال الم�صدر �أو‬ ‫املنتـ ــدى ‪262‬‬

‫‪- 230 -‬‬


‫المرج���ع يكتب‪ :‬ا�س���م الم�ؤلف‪ ،‬الكتاب‪ /‬عنوان الدرا�س���ة �أو المقالة‪ ،‬ا�س���م الدورية‬ ‫(و ُي�شار �إليه بعبارة الم�صدر ال�سابق نف�سه‪� ،‬أو م�صدر �سبقت الإ�شارة �إليه)‪.‬‬ ‫ُر�س���ل الدرا�س���ة‪ /‬البح���ث �إل���ى البري���د الإلكترون���ي لمدير تحري���ر المج ّلة‬ ‫ت َ‬‫(‪� ،)kayed@atf.org.jo‬أو ُت�س��� ّلم على ‪ CD‬لمدير التحرير في مق ّر المنتدى‪ ،‬في‬ ‫موعد �أق�ص���اه �شهر واحد قبل �ص���دور العدد الذي يت�ض َّمن المحور المتعلق بمو�ضوع‬ ‫ٍ‬ ‫الدرا�سة‪ /‬البحث‪ ،‬مع ال�سيرة الذاتية للكاتب و�صورة �شخ�ص ّية حديثة‪.‬‬ ‫ تح َّول الدرا�س���ات والبحوث الواردة وفق الإجراءات التحكيمية المتبعة �إلى �أ�س���تاذين‬‫متخ�ص�ص���ين في مو�ضوعها‪ ،‬وت�ؤخذ النتيجة من حا�صل مجموع العالمتين مق�سومة‬ ‫على اثنين‪ ،‬و ُيب َّلغ الكاتب بالقبول �أو االعتذار‪.‬‬ ‫ ال تن�ش���ر المج ّل���ة �إ َّال الدرا�س���ات والبحوث التي تنج���ح بالتحكيم‪ ،‬وهيئ���ة التحرير غير‬‫ملزمة ب�إعادة ما لم يقبل ن�شره �أو �إبداء �أ�سباب عدم القبول‪.‬‬ ‫���تكتب �أو تك ِّلف باحثين و ُك َّتا ًبا للكتابة في مو�ض���وعات مع ّينة‪ ،‬و ُتعامل‬ ‫ لهيئ���ة التحرير �أن ت�س َ‬‫درا�ساتهم وبحوثهم وفق هذه ال�شروط ودون ا�ستثناء �أيٍّ منها‪.‬‬ ‫‪ -‬تدفع المج ّلة مكاف�آت رمزية لأ�صحاب الدرا�سات والبحوث المقبولة للن�شر‪.‬‬

‫‪- 231 -‬‬

‫�صيف ‪2015‬‬


‫املنتـ ــدى ‪262‬‬

‫‪- 232 -‬‬


‫ق�سيمة ا�شرتاك‬ ‫في املجلة وفي كتب املنتدى‬ ‫�أرجو قبول ا�شرتاكي في‪:‬جملة املنتدى‬ ‫ال�سنوية (الكتب)‬ ‫جملة املنتدى‪:‬الإ�صدارات ّ‬ ‫اال�سـ ـ ــم‪:‬‬ ‫العنوان‪:‬‬ ‫قيمة اال�شرتاك*‪:‬‬

‫طريقة الدفع‪:‬نقدً ا‬

‫حوالة بنكية (�صافي القيمة)‪ :‬بنك االحتاد‪/‬اجلبيهة‬ ‫رقم احل�ساب‪ /‬بالدينار‪IBAN JO 46UBSI1090000160101556615101 :‬‬ ‫رقم احل�ساب‪ /‬بالدوالر‪IBAN JO 05UBSI1090000160201556620102 :‬‬ ‫�سويفت كود‪SWIFT: UBSIJOAXXXX :‬‬ ‫التوقيع‪:‬‬ ‫التاريخ‪:‬‬ ‫* متلأ هذه الق�سيمة وتُر�سل مع قيمة اال�شرتاك �إىل العنوان الآتي‪:‬‬ ‫منتدى الفكر العربي‪� :‬ص‪ .‬ب ‪ 1541‬ع ّمان ‪ 11941‬الأردنّ‬

‫املجلة‬

‫داخل الأردن للأف ـ ـ ـ ـ ــراد‪ )20( :‬ع�شرون دينارًا �أردنيًا‬ ‫للم�ؤ�س�سات‪� )40( :‬أربعون دينارًا �أردن ًيا‬

‫خارج الأردن‬

‫املجلة ‪ +‬الكتب‬

‫للأف ـ ـ ـ ـ ــراد‪ )50( :‬خم�سون دينارًا �أردنيًا‬ ‫للم�ؤ�س�سات‪ )100( :‬مئة دينار �أردين‬

‫للأف ـ ـ ـ ـ ــراد‪ )50( :‬خم�سون دوالرًا �أمريكيًا للأف ـ ـ ـ ـ ــراد‪ )150(:‬مئة وخم�سني دوالرًا �أمريكيًا‬ ‫للم�ؤ�س�سات‪ )100( :‬مئة دوالر �أمريكي للم�ؤ�س�سات‪ )300( :‬ثالثمائة دوالر �أمريكي‬

‫‪- 233 -‬‬

‫�صيف ‪2015‬‬


‫املنتـ ــدى ‪262‬‬

‫‪- 234 -‬‬


Turn static files into dynamic content formats.

Create a flipbook
Issuu converts static files into: digital portfolios, online yearbooks, online catalogs, digital photo albums and more. Sign up and create your flipbook.