1
CMI INSIGHT 2021:05
NUMBER 5
C M I I N S I G HT J U N E 2 0 21
اإلنسانية :نظرة عامة
تُناقش هذه النظرة العامة بإيجاز أربع مجاالت ذات دور حاسم لإلنسانية امل ُعارصة ،وهي الدبلوماسية اإلنسانية والتعليم يف حاالت الطوارئ ومفهوم املجتمع املدين يف العمل اإلنساين والحدود اإلنسانية.
Photo by Levi Meir Clancy on Unsplash
AUTHOR Antonio De Lauri Research Professor, CMI كتب النص :أنطونيو دي الوري
CMI INSIGHT 2021:05
ٍ مستويات متنوعةMinear( . تأييد ودعم األهداف اإلنسانية عىل )and Smith 2007 يتم فَ ِه م الدبلوماسية اإلنسانية ضمن هذا السيناريو عىل أنها وسيلة للوصول إىل األشخاص األكرث ضعف اً .يف الواقع كان االلتزام بعدم «ترك أي أحد يتخ لّف عن الركب» سمة رئيسية للمناقشات حول أهداف التنمية امل ُستدامة ،كام أن هناك إجامع سيايس ُم ت زايد عىل أن تفعيل هذا الهدف هو عنرص حاسم يف خطة عام 2030 (تحويل عاملنا :خطة التنمية امل ُستدامة لعام )2030الصادرة تأص ل يف عن األمم املتحدة .ومع ذلك يوجد هناك توتر كبري ُم ّ الدبلوماسية اإلنسانية .تتعلق الدبلوماسية أساس اً بتمثيل كيان سيايس ُم قابل كيان سيايس آخ ر ،بينام تتعلق اإلنسانية بالدفاع عن األشخاص امل ُحتاجني ومساعدتهم .فلذلك ،تتميز الدبلوماسية بالتسوية واالتفاقات ال رباغامتية ،يف حني أن الصورة العامة للعمل اإلنساين (والتي غالب اً ما تتعارض مع ما يحدث يف الجانب العميل) هي عكس ذلك :أي أنها تتعلق بالعمل من أجل امل ُثل ال ُع ليا واملبادئ العاملية بغض النظر عن مصالح فاعلني سياسيني ُم حددين. بينام يُ دافع بعض امل ُامرسني للمجال عن املوقف الالسيايس لإلنسانية ،فقد عارض العلامء هذا االدعاء إىل ٍ حد كبريُ ،م شريين إىل أنه ال ميكن اعتبار اإلنسانية خارج سياقاتها العملية ،والتي ما تكون دامئ اً سياسية و ُم تشابكة ضمن مجموعة ُم تنوعة من امل ُامرسات الدبلوماسية. من الناحية التحليلية ،فإن فَ ِه م الدبلوماسية اإلنسانية من خالل فهم ُم امرساتها يُ س ّه ل تص ُّور هذه الدبلوماسية يف إطار التعددية األوسع للدبلوماسية )Turunen2020( .امتد استخدام وتص ُّور املامرسات الدبلوماسية إىل ما هو أبعد من نظام دولة ويستفاليان .Westphalian إن فهم الدبلوماسية مبعناها التقليدي فقط ،حيث يتم احتكارها من ِق َب ْل الدول واملؤسسات الدولية مثل األمم املتحدة واالتحاد األورويب ،ال يعكس بشكلٍ ٍ كاف واقع امل ُامرسات الدبلوماسية وال ُب نى التحتية الحالية .من الواضح بأن فكرة اقتصار الدبلوماسية عىل السيادة وفن الحكم هي فكرة خاطئة و ُم ضَ لِ لة .فال ميكن ببساطة اخت زال تعقيد التحديات العاملية ،مثل الن زاعات والكوارث البيئية وتدفق الالجئني ،باهتاممات الجهات الحكومية التي ميكن أن تُلبيها الدبلوماسية التقليدية ( .)Turunen 2020: 465الدبلوماسية هي عمل ُم تعدد األط راف داخل شبكات من ُم خ تَ ل َْف الجهات الفاعلة ذات االهتاممات وال َه ِويّ ات والتفاهامت املتنوعة ملا هو العامل (أو كيف يجب أن يكون) وكيف يعمل (;Constantinou 2013 .)Turunen 2020إن تن ّوع الجهات اإلنسانية الفاعلة امل ُشاركة يف
2
انترشت اإلغاثة اإلنسانية يف جميع أنحاء العامل منذ ُم نتصف القرن التاسع عرش عىل أقل تقدير وذلك لتتحول إىل رسدي ِة ٍ خالص عاملية .أما اليوم فيتم العثور عىل هذا يف مفهوم «اإلنسانية», « »humanitarianismحيث ت ُجسد الالحقة « »ismمجموعة كاملة من امل ُعتقدات واملامرسات والفئات والخطابات واإلج راءات، للتغي ،إال أنه والتي عىل الرغم من مرونتها وقابليتها الرسيعة ُّ ميكن التعرف عليها عىل أنها «إنسانية» .تتجىل اإلنسانية يف تعدد األفعال والحركات واألخالق التي تختلف يف تنفيذها والتعبري عنها والتي مع ذلك تكون ُم تامسكة من حيث نواياها املثالية. عىل الرغم من استناد هذه الن يّ ات عىل املبادئ اإلنسانية األساسية مثل «الحياد» و «االستقالل “و»اإلنسانية» و»عدم االنحياز» ،إال أنها تتجاوز هذه املبادئ لتعريف املوقف اإلصالحي الحديث الذي يتم التعبري عنه ِ والس لطة .النزعة اإلنسانية بص َي غ التعاطف ُ ليست يف الواقع ُم ج ّرد رد فعل عىل أزم ٍة ما ،لكنها شبكة واسعة ومتطورة ومتعددة النطاقات من ُم خ تَ لف الفاعلني والسياسيني روح والهياكل .كام وأنها طريقة ت َ َد ُّخ ل تهدف إىل تحسني العاملٌ ، ٍ ظروف غري عامل ّي ة مدفوعة بدعوة تلبية االحتياجات البرشية يف عادية أو غري متوازنة أو غري ُم تكافئة .فعىل هذا النحو ت ُشكل اإلنسانية سمة ُم تَ سقة وهامة للحداثة ،ويتشابك تاري ُخ ها مع أفكار و ُم امرسات الخالص والتحري ر. الدبلوماسية اإلنسانية لطاملا كان تأمني الوصول للمساعدات اإلنسانية أثناء النزاعات وحاالت الطوارئ امل ُع ّق دة مصد ُر قلقٍ كبري لواضعي السياسات والجهات اإلنسانية الفاعلة .وبالتايل جرت املفاوضات اإلنسانية تاريخي اً يف حاالت انعدام األمن الشديد والظروف السياسية غري املستقرة وذلك من أجل تأمني الوصول للمساعدة وحامية املدنيني. ( )Mancini-Griffoli and Picot 2004; Pease 2016أدت ُم امرسات امل ُفاوضات اإلنسانية الضمنية ،وحتى الخفية يف بعض األحيان، إىل مفهوم الدبلوماسية اإلنسانية (Magone, Neuman, and )Weissman 2011والذي بدأ باالنتشار بشكلٍ أكرث اتِ ساق اً يف أوائل القرن الواحد والعرشين (عىل الرغم من وجود استخدامات لهذا امل ُصطلح قبل فرتة طويلة) .يتم تعريف الدبلوماسية اإلنسانية عموم اً بأنها إقناع صانعي الق رار وقادة الرأي من أجل العمل يف جميع األوقات ويف جميع الظروف لصالح األشخاص امل ُس تَ ضعفني وذلك مع االح رتام الكامل للمبادئ اإلنسانية األساسية .وتشمل الدبلوماسية اإلنسانية األنشطة التي يقوم بها الفاعلون يف املجال اإلنساين للحصول عىل مساح ٍة من السلطات السياسية والعسكرية ُي ِك ُن هم من خاللها العمل بنزاهة .تشمل هذه األنشطة الرتتيب لوجود امل ُنظامت اإلنسانية يف ٍ بلد ما ،والتفاوض بشأن الوصول إىل السكان املدنيني الذين يحتاجون املساعدة والحامية ،و ُم راقبة ب رامج املساعدة ،وتعزيز اح رتام القانون واألع راف الدولية ،واالنخ راط يف
3
حامية ورعاية األطفال امل ُتأثرين بنزا ٍع ُم س لّ ٍح ما ،وجعل التعليم االبتدايئ ُم تاح اً وإلزامي اً دون قيود. بسبب ارتفاع عدد األطفال امل ُترضرين من الكوارث والحروب ،تم فرعي للخربة واملساعدات. توسيع التعليم يف حاالت الطوارئ كمجا ٍل ّ وغالب اً ما يكون التعليم يف مشاريع الطوارئ جزءا ً من برنام ٍج أكرب يقوم بالتشجيع عىل التغيري االجتامعي والقدرة عىل الصمود عىل املستوى االجتامعي. وفق اً للقانون الدو ّيل ،فإنه ميكن لألطفال الالجئني امل ُ َه ّج رين االلتحاق باملدارس العادية يف البلدان امل ُضيفة ،لكن القليل من هؤالء األطفال يكون قادرا ً عىل ذلك عملي اً .حيث ت َرفُض بعض الحكومات امل ُضيفة إتاحة األنشطة التعليمية لألطفال الالجئني أو حتى السامح للمنظامت اإلنسانية بتوفري هذه األنشطة (Aguilar .)and Retamal 2009قد ي رتاوح التوفري الدائم للتعليم يف حاالت الطوارئ من التعليم املنزيل االنتقايل إىل املساعدة يف امل ُعسك رات املدريس واملدارس يف املجتمعات امل ُضيفة وذلك مل ُضاعفة التعليم ّ ( .)Aguilar and Retamal 2009تتطلب حامية حق األطفال يف التعليم يف حاالت الطوارئ االهتامم بدورة التعليم التامة وذلك من خالل دعم األُ َس وإعادة بناء املدارس .من بني االهتاممات األُخرى، يجب عىل ُم قدمي التعليم أن يأخذوا بعني االعتبار كيفية(إعادة) دمج املدارس مع املؤسسات امل ُجتمعية األكرب وكيفية استعادة «س لَّم» التعليم .ومن املهم أيض اً نقل الثقة من خالل الوصول إىل ُ املهارات والق َي م الحياتية للصحة واملساواة بني الجنسني وامل ُواطَنة املسؤولة والوعي البيئي ،وتوفري الحامية للفئات امل ُ َه ّم شة مثل األقليات واألطفال ذوي االحتياجات الخاصة وامل ُراهقني امل ُتَ َسبني من املدارس ( .)Sinclair 2007عىل الرغم من وجود االتفاقيات واإلج راءات التي تضمن الوصول إىل التعليم يف بعض السياقات، إال أن هذه االتفاقيات واإلج راءات غالب اً ما تفشل يف ضامن جودة التدريس والتع لُّم ،وكذلك ضامن االستجابة التعليمية (Gallano .)2018تهدف التقييامت التشاركية التصاعدية ملشاريع التعليم إىل تحديد التحديات التي ميكن أن تواجه الجدول الزمني لحاالت الطوارئ امل ُع ّق دة ،كام وته ُدف إىل إنتاج املعرفة والقدرة عىل تبني منظور يُ ركّز عىل الطفل ( .)Maclure 2006وتتضمن هذه التقييامت أيض اً النظر واالهتامم ليس فقط يف التعليم الرسمي، ولكن بالعمليات التعليمية غري الرسمية أيض اً ،والتي ميكنها أن همً يف املجتمع ،خاص ًة يف أوقات ال رصاع (Anderson تلعب دورا ً ُم ّ .)and Mendenhall 2006
CMI INSIGHT 2021:05
حاالت الطوارئ امل ُ َع قَدة وتن ّوع أولويّ اتها وأهدافها امل ُتنا ِف سة تقوم بإنتاج مفاهيم و ُم امرسات ُم ختلفة للدبلوماسية اإلنسانية .تختلف التعريفات واملحتوى امل ُتَ ص َّور لهذه املفاهيم واملامرسات عىل نح ٍو كبري كاختالف عدد امل ُنظامت (أو الدول) التي تستخدمها .هناك فرق كبري بني تص ّور فكرة الدبلوماسية اإلنسانية ،من حيث استخدام املصطلح نفسه ،والوصول إىل االع رتاف الدويل بتعريفها واالتفاق عىل كيفية إداراتها ( .)Régnier 2011كام أظهرت األزمات اإلنسانية الهائلة ،مثل تلك التي حدثت يف البوسنة وأفغانستان والع راق واليمن وسوريا ،بأن املناطق اآلمنة التي يهدف العمل اإلنساين إىل توفريها أصبحت بشكلٍ ُم ت زايد أهداف اً لألط راف امل ُنخ رِطة يف الن زاع. األمر الذي يرتك العديد من األشخاص إما ُم حارصين داخل الن زاع أو جبين عىل الف رار باستخدام الطرق التي قد تجعلهم ُع رضة لخطر ُم َ االستغالل واالتجار بالب رش ،وحيث يكون هناك وصول العاملني يف املجال اإلنساين ضئي الً أو معدوم اً .إن املخاطر التي تواجه العمل اإلنساين هي نتيجة ملناطق الحروب واألزمات الطويلة حيث يكون السكان املدنيون هناك هم الضحايا امل ُس تَ ه َدفون ،وحيث يصعب الوصول إىل هناك ،وحيث يكون عامل اإلغاثة يف خطر أن يُ ن ظَر إليهم كتهديد أو كهدف اختطاف ،وحيث يكون هناك قلق عىل سالمتهم الجسدية ( .)Barnett and Weiss 2008يواجه الوصول إىل امل ُساعدات اإلنسانية تحديات ُم تزايدة بطريقة ت ُعيد تحديد دور الجهات اإلنسانية العاملة وقدراتها الدبلوماسية .أن طابع الن زاعات يتغي بحيث أصبح تسييس الوصول إىل املساعدات جزءا ً العنيفة ّ ال يتجزأ من النزاع نفسه)De Lauri 2018( .
اإلنسانية والتعليم يف سياقات ما بعد الحروب والكوارث ،يجب عىل السلطات الوطنية واملنظامت الدولية غري الحكومية توفري الوصول إىل التعليم لألطفال الذين نزحوا أو تأثروا بطريق ٍة ما بسبب تقييد الحركة وانعدام األمن املت زايد وت راجع البنية التحتية أو النقص يف املوظفني املؤهلني، أو بسبب فقدان ُس ْبل العيش وفقدان األُرسة .املدارس ليست يف مأمن من الهجامت امل ُبارشة يف أوقات النزاع امل ُس لّح .فعىل سبيل ٍ وحيد املثال ،رمبا تكون املدرسة يف املناطق الريفية عىل شكل بنا ٍء ودائم ،مام يجعلها ُع رضة للقصف أو اإلغالق أو النهب .كام وقد يُ صبح املدرسون املحل يّ ون أيض اً أهداف اً أساسية عىل اعتبارهم أعضاء مهمني يف امل ُجتمع ،وقد يكون لديهم آراء سياسية قوية ،مام يجعلهم يجسدون الشكل الوحيد للتمثيل الحكومي يف القرية امل ُنعزلة. يُ ع تَ َ ْب تدمري شبكات التعليم أحد أشد النكسات الدميق راطية يف البلدان امل ُتَ رضرة من النزاعات .عادةً ،يستغرق تعويض التدهور وفقدان التعليم األسايس واملهارات املهنية سنوات عديدة ،مام يجعل املهمة اإلجاملية للتعايف بعد الحرب صعبة للغاية (Aguilar and اإلنسانية واملجتمع املدين تعود نشأة مفهوم املجتمع املدين من فكرة الكاتب شيرشون .)Retamal 2009كمبدأ أسايس ،تُل زِم اتفاقية حقوق الطفل لعام ,Ciceroوالذي هي بحد ذاتها تطور لفكرة أرسطو عن (املجتمع 1989الدول األط راف فيها باتخاذ جميع التدابري امل ُمكنة لضامن
CMI INSIGHT 2021:05
سياسات الحكومات املانحة الرسمية التي تقوم بضبط السكان (.)Pupavac 2005 املنطقي أحد األسئلة الرئيسية األُخرى ،يدور حول ما إذا كان من ّ التمييز بني املجتمع املدين واملجتمع السيايس .يتم حشد مجموعات ُم ختلفة من املجتمع املدين -من أصحاب النفوذ حتى املنظامت الدينية -باستم رار لتحقيق أهداف سياسية .ميكن أن يكون التمييز الصارم بني الجامعات السياسية واملدنية ُم ضَ لِّ الً .لذا ،فإن مفهوم املجتمع املدين ُم تنا ِق ض يف جوهره ألنه ال يقوم باإليضاح عندما يُ صبح املدين سياسي اً (.)Foley and Edwards 1996 بعيدا ً عن الدالالت ،يرى البعض املجتمع املدين -أو املجتمع املدين العاملي -كفاعل إنساين بحد ذاته ،وهو أمر رضوري للمطالبة بالحق يف املساعدة اإلنسانية ( ،)Miglinaité 2015بينام يبقى اآلخرون ُم تشككني بشأن الطبيعة العاملية لل ُم صطلح والس يّ ام أن امل ُصطلح مييل إىل جعل أدوار ونوايا املجموعات االجتامعية واملنظامت والجامعات األُخرى يف البيئات اإلنسانية أقل وضوح اً. اإلنسانية والحدود ُي ثّل عامل بال حدود شعارا ً ملؤيدي العوملة ،سواء كانوا رشكات كبرية أو منظامت إنسانية .ومع ذلك ،يتم اعتبار انتشار الجدران واألسوار غري ُم تعارض مع خطابات وتدفُقات العوملة .فأولئك املؤيدين للعوملة يقومون برسم «خطوط الصدع للعوملة» (،)Ritaine 2009 حيث يتم بناؤها ضد هذه الخطابات والتدفقات .تقوم الجدران واألسوار ُمب فاقمة عدم امل ُساواة كام وترمز إىل التأكيد عىل وجود ال ِق لّة امل ُتم يّ زة والتي تعيش بالفعل عىل وعود العوملة وتُدافع عن امتيازاتها من خالل السياسات التجارية وسياسات بناء الحواجز ( .)Rosiere and Jones 2012يف الوقت نفسه -كنوع من التنازع عىل السيادة والسلطة -تتشكل الجدران الحدودية من خالل سياسية «املنزل القومي» ،مام يعني بأن الدولة محكومة كام لو كانت منزالً ( :)Walters 2004فالجدران عبارة عن حدود مادية تتجسد من خاللها مفاهيم املنزل والحامية .يف نطاق األزمات ال تشكل التصاميم املادية وحدها حدودا ً ،بل تصبح الحدود الطبيعية (مثل الصحاري والبحار) أدوات للردع ودوريات فصلٍ ومتييز (بني أولئك الذين يستطيعون والذين ال يستطيعون العبور) .انفجرت أزمة الحدود فيام يُ سمى بالدميق راطيات الغربية يف املجال العام بسبب عدم قدرتها عىل التحكم يف تدفق املهاجرين والالجئني أو إيقاف اإلرهابيني .باإلضافة إىل تفاقم السياسات األمنية التي بررت األزمة، وتربير تأكيد الحدود اإلنسانية -أيديولوجي اً وسياسي اً -كمناطقٍ الشط ّي ة تداخلت فيها مامرسات املساعدة واإلنقاذ مع املامرسات ُ َ والرفض.
4
السيايس) .ميكن ربط االستخدام امل ُعارص للمصطلح بشكلٍ مبارش بالفكر األورويب الحديث والذي يُ شري إىل شبكة كثيفة من املجموعات واملجتمعات والعالقات والروابط التي تقف بني الفرد والدولة الحديثة ( .)Kenny 2007وميكن فهمه عموم اً عىل أنه «القطاع الثالث» من املجتمع ،والذي يتميز عن الدولة والسوق. وفق اً ملنظمة الصحة العاملية ،يُ شري املجتمع املدين إىل ساحة العمل الجامعي حول االهتاممات واألهداف والقيم امل ُشرتكة .عىل الرغم من أن األشكال املؤسسية للمجتمع املدين يتم وصفها عاد ًة بأنها ُم تم ّي زة عن تلك الخاصة بالدولة واألرسة واألسواق ،إال أن الحدود بني هذه األشكال املؤسسية واملجتمع املدين غري واضحة ويتم التفاوض عليها .يشمل املجتمع املدين مساحات ُم خت لِ فة ،وفاعلني ،وأشكال مؤسسية ،تتفاوت يف درجة شكل ّي ِت ها واستقالليتها وسلطتها .كام ٍ منظامت كاملؤسسات الخريية امل َُس ّج لة، ويشمل املجتمع املدين واملنظامت غري الحكومية ،واملجموعات امل ُجتمع يّ ة ،واملنظامت النسائية ،واملنظامت الدينية ،والجمعيات املهنية ،والنقابات ال ُع ّملية ،واتحادات التجارة ،ومجموعات املساعدة الذاتية، والحركات االجتامعية ،واالئتالفات ،ومجموعات الدعم (WHO .)2007تعترب األمم املتحدة ال رشاكات مع املجتمع املدين رضورية للنهوض بامل ُثُل ال ُع ليا للمنظمة ودعم عملها (.)www.un.org ومع ذلك ،فإن هذا الرأي يعكس موقف اً عا ّم اً من استخدام مفهوم املجتمع املدين مبعنى غامض يف القطاع اإلنساين .وعىل الرغم من اعتبار فكرة املجتمع املدين فكرة اس رتاتيجية عند القيام بتنفيذ ال تَ َد ُخ الت القامئة عىل أسس ال رشاكات املحل يّ ة ،إال أنه غالب اً ما يتم حشدها من قبل الجهات اإلنسانية الفاعلة كوسيلة الكتساب الرشعية بدالً من تعزيز امللكية املحل ّي ة. منا «القطاع الثالث» بشكلٍ رسيع منذ التسعين يّ ات .إن ما يع رِف ُه الكثريون بالثورة النقابية العاملية كانت ُم رتبطة بثالثة عنارص رئيسية عىل األقل :أزمة الدولة واسعة النطاق من أجل توفري الرفاهية والحامية ،منو عدد ومهارات الفاعلني امل ُتَ طوعني امل ُ َن ظَمني (مدفوعة بإمكانيات جديدة للمعلومات واالتصاالت) ،تأثري اللي ربالية الجديدة ( .)Salamon et al. 1999وعىل الرغم من هذا النمو الرسيع وترسيخ فكرة املجتمع املدين العاملي ،الي زال مفهوم املجتمع املدين بحد ذاته يتح ّم ل درجة ُم ع يّ نة من الغموض ويظل مفتوح اً لألسئلة امل ُتع لّقة بتعريفه الصحيح والطرق امل ُختلفة التي تم ٍ أوقات ُم ختلفة وأماكنٍ عديدة (Foley and تطبيق املفهوم بها يف .)Edwards 1996تم استخدام املجتمع املدين ،عىل سبيل املثال، لتعزيز التح ّول السيايس واالقتصادي يف البلدان الشيوعية السابقة وكذلك لتعزيز الدميق راطية وحقوق اإلنسان يف الدول الهشّ ة (Roy .)2005تؤكد االنتقادات أيض اً عىل الطرق التي يقوم املجتمع املدين العاملي بها بشكلٍ مت زايد متثيل ال رتاجع عن الحقوق العاملية ويعزز
5
CMI INSIGHT 2021:05
مل تقم أزمة استقبال الالجئني عام ،2015عىل سبيل املثال ،بتوضيح الخلل الوظيفي يف نظام اللجوء األوريب وبنيته األوسع فقط ،لكنها قامت أيض اً وببساطة بتوضيح كيفية تربئة اإلغالق وامل َنع من خالل رسدية «اإلنقاذ» ليصبح التحكم يف الحدود اس رتاتيجية ُم ستدامة أخالقي اً ( .)Moreno‐Lax 2018وعىل أرض الواقع يستمر تقويض سالمة املهاجرين بسبب هذه السياسات التي تزيد من أمن و َع س كَرة الحدود (.)Williams 2016 نح ُن َم دينون بالتعريف امل ُق ِن ع للحدود اإلنسانية لويليام والرتز ،)William Walters (2010الذي أوضح أن هذه الفكرة قد تبدو ُم تنا ِق صة يف البداية .غالب اً ما يتم وصف اإلنسانية امل ُعارصة كونها قوة -باسم اإلنسانية امل ُهددة باالنق راض -تتجاوز املساحة املس ّورة لألنظمة الوطنية والدولية .ومع ذلك يقرتح والرتز Waltersبأنه سيكون من امل ُضَ لّل القيام بوضع أي معادلة بسيطة بني املشاريع اإلنسانية ومنطق إضفاء الطابع اإلقليمي .يف حني أن ال تَ دخُّالت اإلنسانية قد تؤكد عىل بعض معايري الدولة ،إال أن مامرسة القوة اإلنسانية ترتبط ارتباط اً جوهري اً بإنتاج مساحات جديدة .من خالل إعادة تعريف مناطق ُم ع يّ نة عىل أنها «مناطق إنسانية» ،فإن العمل اإلنساين يقوم بتأمني جغ رافية جديدة للمساحات التي تتجسد يف أوضا ٍع ُم خ تَ لفة ،كمناطق ال رصاع ،املناطق امل ُتأث ّرة باملجاعة ،يف سياق الدول الفاشلة أو ال َه شة ،أو يف الحاالت التي تصبح فيها الحدود الفعلية للدول وبوابات دخول األرايض الوطنية مناطق تابعة للحكومة اإلنسانية ( .)Walters 2010: 139هذا هو الحال Photo by Markus Spiske on Unsplash بالنسبة للعديد من الحدود اليوم يف أوروبا والواليات املتحدة، والرشق األوسط ،وأس رتاليا ،وأفريقيا .ففي أوروبا عىل سبيل املثال، عىل حاالت الطوارئ الخاصة باملهاجرين والالجئني ،وبالتايل ردود يُ شري تزايد الحواجز الحدودية وم راكز االحتجاز واملالجئ من جهة، وتكثيف الدوريات الحدودية والرقابة البحرية والرتحيل من جه ٍة فعل عىل األزمات الحدودية. أُخرى ،إىل خطوة جديدة يف تاريخ الحدود األوروبية :إضفاء الطابع ت ُعيد العالقة امل ُتبادلة بني عمليات البحث واإلنقاذ اإلنسانية اإلنساين عىل الحدود األوروبية كمناطق ُم تأث ّرة بأزمة حادة. وأداء الدولة عىل الحدود األوروبية -عىل األرايض األوروبية -اليوم ديناميكية تُ َثلها العسكرة اإلنسانية يف جميع أنحاء العامل عىل تم تنفيذ م راقبة الحدود تقل يّ دي اً ،مع تفويض الحفاظ عىل سيادة الشط ّي ة العاملية الدولة عىل املساحات اإلقليمية الحرصية من خالل تنظيم َم ْن وماذا أفضل وجه ومنذ عقود :تداخل عمليات اإلنقاذ ُ َ ( .)De Lauri 2019bعىل الرغم من تن ّوع السياقات الجغ رافية ميكن أن يتحرك عرب حدود الدولة ،أي ما يدخل وما يخرج من أرايض والتاريخية والثقافية التي مت يّ ز الحدود اإلنسانية اليوم عىل الصعيد الدولة الحرصية .ولهذه الغاية ،سم َح ت م راقبة الحدود مبامرسات جس د يف تقييد الحركة ومنعها إىل الق ّوة العاملي ،فمن املمكن متييز ظهور خطاب -عابر للحدود -ألمن ت رتاوح بني العنف امل ُتَ ّ الحدود الرحيم والذي يدمج بني الزخم اإلنساين والعسكرة ،ويُ عيد املادية امل ُتَ َم ثّلة يف عمل رشطة الحدود ( .)De Lauri 2019aتداخلت تشكيل التفاهامت اإلقليمية التقليدية للحدود ( Little andسياسات الحدود بشكل مت زايد مع مامرسات الحبس بظهور الحدود اإلنسانية (مساعدة الالجئني واملهاجرين يف «بلدانهم األصلية»). .)Vaughan-Williams 2017 ونتيجة لذلك ،تم تأطري م راقبة الحدود األوروبية وسياسيات الرفض عىل أنها إج راءات للسيطرة الرحيمة واستجابة لألزمة وانعدام األمن. حيث أصبح تسيري دوريات عىل السواحل ،وتوسيع نطاق م راكز استقبال املهاجرين ،أو املناطق امل ُس يّ جة مبثابة ردود فعل إنسانية
6
CMI INSIGHT 2021:05
امل راجع
Aguilar, P. and Retamal, G. (2009) Protective Environments and Quality Education in .Humanitarian Contexts. International Journal of Educational Development, 29: 3–16
Miglinaité, R. (2015) Global Civil Society as a Humanitarian Actor: Constituting a Right of Humanitarian Assistance. In: P. Gibbons and .H.J. Heintze (eds.), The Humanitarian Challenge. Springer
Anderson, A. and Mendenhall, M. (2006) Education and Conflict: Research, .Policy and Practice. Forced Migration Review, Refugee Studies Centre Barnett, M. and Weiss, T. eds. (2008) Humanitarianism in Question. .Politics, Power, Ethics. Cornell University Press Constantinou, C. (2013) Between Statecraft and Humanism: Diplomacy and .162-Its Forms of Knowledge. International Studies Review, 15(2): 141
Minear, L. and Smith, H. (2007) Humanitarian Diplomacy: .Practitioners and their Craft. UN Press Moreno-Lax, V. (2018) The EU Humanitarian Border and the Securitization of Human Rights: The “Rescue through Interdiction/Rescue without .Protection” Paradigm. Journal of Common Market, 56(1): 119–140 .Pease, K. (2016) Human Rights and Humanitarian Diplomacy. Manchester University Press
.De Lauri, A. (2018) Humanitarian Diplomacy: A New Research Agenda. CMI Brief De Lauri, A. (2019a) A Critique of the Humanitarian (B)order of Things. .Journal of Identity and Migration Studies, 13(2): 148–166
Pupavac, V. (2005) The Demoralised Subject of Global Civil Society. In: G. Baker .and D. Chandler (eds.), Global Civil Society: Contested Futures. Routledge Régnier, P. (2011) The Emerging Concept of Humanitarian Diplomacy. .International Review of the Red Cross, 93(884): 1211–1237
De Lauri, A. (2019b) Humanitarian Militarism and the Production .of Humanity. Social Anthropology, 27(1): 84–99 .De Lauri, A. ed. (2020) Humanitarianism: Keywords. Brill
Ritaine, E. (2009) La Barriere et le checkpoint: Mise en politique .de l’asymétrie. Culture et Conflits, 73: 15–33
Foley, M.W. and Edwards, B. (1996) The Paradox of Civil .Society. Journal of Democracy, 7(3): 38–52
Rosiere, S. and Jones, R. (2012) Teichopolitics: Re-considering Globalisation .through the Role of Walls and Fences. Geopolitics, 17(1): 217–234
Gallano, H.R. (2018) Education Capacity Self-Assessment. Transforming the Education .Humanitarian Response of the Rohingya Refugee Crisis. Working Document, Bangladesh
Roy, O. (2005) The Predicament of “Civil Society” in Central Asian and .the “Greater Middle East.” International Affairs, 81(5): 1001–1012
.Kenny, M. (2007) Civil Society. www.britannica.com
Salamon, L.M. et al. (1999) Global Civil Society. Dimensions of the Nonprofit .Sector. The Johns Hopkins Comparative Nonprofit Sector Project
Kirk, J. and Winthrop, R. (2007) Home Based Schools: A Transitional Educational Model in Afghanistan. In: F. Leach and M. Dunne (eds.), Education, .Conflict and Reconciliation. International Perspectives. Peter Lang Little, A. and Vaughan-Williams, N. (2017) Stopping Boats, Saving Lives, Securing Subjects: Humanitarian Borders in Europe and Australia. .European Journal of International Relations, 23(3): 533–556
.Sinclair, M. (2007) Education in Emergencies. Commonwealth Education Partnerships Turunen, S. (2020) Humanitarian Diplomatic Practices. The .Hague Journal of Diplomacy, 15(4): 459–487 .Walters, W. (2004) Secure Borders, Safe Haven, Domopolitics. Citizenship Studies, 8(3): 237–60
Maclure, R. (2006) Pragmatism or Transformation? Participatory Evaluation of a Humanitarian .Education Project in Sierra Leone. The Canadian Journal of Program Evaluation, 21(1): 107–129
Walters, W. (2010) Foucault and Frontiers: Notes on the Birth of the Humanitarian Border. In: U. Bröckling, S, Krasmann, and T. Lemke (eds.), .Governmentality: Current Issues and Future Challenges. Routledge
Magone, C., Neuman, M., and Weissman, F. (2011) Humanitarian .Negotiations Revealed. The MSF Experience. Hurst & Co Mancini-Griffoli, T. and Picot, A. (2004) Humanitarian Negotiation: A Handbook for Securing Access, Assistance and Protection for Civilians .in Armed Conflicts. Centre for Humanitarian Dialogue
CMI (Chr. Michelsen Institute) Phone: +47 47 93 80 00 Phone from abroad: +47 55 70 55 65 E-mail: cmi@cmi.no Web: www.cmi.no
Williams, J. (2016) The Safety/Security Nexus and the Humanitarianisation .of Border Enforcement. The Geographical Journal, 182(1): 27–37 .WHO (World Health Organization) (2007) Civil Society Report. www.who.int
P.O. Box 6033, N-5892 Bergen, Norway Visiting address: Jekteviksbakken 31, Bergen
ISSN: 2535-3446 (print)