العربي الجديد: الملحق الثقافي: 11 18: 08:2015

Page 1

‫الثالثاء ‪ 11‬أغسطس ‪ /‬آب ‪ 2015‬م‬ ‫‪ 27‬شوال ‪ 1436‬هـ‬ ‫العدد ‪ 43‬السنة األولى‬ ‫‪Tuesday 11th August 2015‬‬

‫‪4‬‬ ‫ملحق‬ ‫أسبوعي‬

‫شغف‬

‫مهدي مبروك‬

‫ليس مطلوبًا من المثقف‬ ‫االنسجام بل تأدية دوره‬

‫‪2‬‬

‫تحقيق‬

‫ثالثة عروض عربية‬ ‫في مهرجان أفينيون‪،‬‬ ‫بقلم د‪.‬صبري حافظ‬

‫‪6‬‬

‫أدب صرف‬

‫‪7‬‬

‫عين الديك‬

‫‪8‬‬

‫آخر الغيث‬

‫قصة على حافة‬ ‫المزيّف‪،‬‬ ‫ّ‬ ‫الغرائبية والسريالية‬ ‫للكاتب اليمني‬ ‫وجدي األهدل‬

‫صباح النور يا روبيرت‪،‬‬ ‫يوميات حلب وسيرة طبيب‬ ‫العيون يكتبها عزيز تبسي‬

‫ّ‬ ‫حافة‬ ‫بين الشعر والنثر‬ ‫مخاتلة في نص أدخن‬ ‫مع قاتلي‬ ‫لـ قصي اللبدي‬

‫عمل للفنان التونسي خالد مقديش‬

‫أول الغيث‬ ‫ّ‬

‫ديمة الشكر‬

‫الكرم في الكتابة‬ ‫في حال العميد‪،‬‬ ‫يكفل اإلعجاب‬ ‫بنتاجه‪ ،‬الغرف من‬ ‫مناهل معرفية‬ ‫شتّى‬

‫«األدب فــي أث ـنــاء ال ـثــورة حــن تضطرب‬ ‫نفوس الناس باألمل والطموح‪ ،‬ونفوس‬ ‫فـ ــريـ ــق مـ ـنـ ـه ــم بـ ــال ـ ـخـ ــوف واملـ ـح ــافـ ـظ ــة‪،‬‬ ‫ٌ‬ ‫متواضع مقتصد يمشي على استحياء‪،‬‬ ‫إن ً أمكن وصف األدب باملشي وبالحياء‬ ‫أيضا‪ ،‬ألن الناس مشغولون عنه بأحداث‬ ‫ال ـ ـثـ ــورة م ـ ّـم ــا ي ـق ــع وم ـ ــا ُي ـن ـت ـظ ــر‪ ،‬وب ـمــا‬ ‫ت ــدف ــع إل ـي ــه ه ــذه األح ـ ـ ــداث‪ ،‬وألن األدب‪،‬‬ ‫ال سيما فــي هــذا العصر الـحــديــث‪ ،‬إنما‬ ‫ّ‬ ‫يستمد حوله وطوله ّ‬ ‫وقوته ّوروعته من‬ ‫ال ـحــريــة الـكــامـلــة ال ـتــي ال مـعــقــب عليها‪.‬‬ ‫وهــذه الحرية موقوفة بطبيعة األشياء‬ ‫أثـنــاء ال ـثــورة‪ ،‬س ــواء أراد الـنــاس ذلــك أم‬ ‫ل ــم ي ــري ــدوه‪ .‬واألدب ي ـجــاهــد ف ــي سبيل‬ ‫الحرية ويحتمل فــي هــذا الجهاد ألــوان‬ ‫امل ـك ــروه عـلــى اخـتــافـهــا قـبــل أن تصبح‬ ‫ً‬ ‫الثورة السياسية ً‬ ‫واقعا»‪.‬‬ ‫أمرا‬ ‫ت ـ ـبـ ــدو كـ ـلـ ـم ــات عـ ـمـ ـي ــد األدب الـ ـع ــرب ــي‬ ‫الدكتور طه حسني هذه‪ ،‬وكأنها لم تفقد‬ ‫ً‬ ‫ش ـيــئــا م ــن بــري ـق ـهــا وإشـ ـع ــاع مـعــانـيـهــا‪،‬‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫وقوتها في بــث النقاش حــول استجابة‬ ‫األدب للحدث السياسي‪ .‬فالناقد الفريد‬ ‫بـبـصـيــرتــه‪ ،‬ج ـنــح ك ـمــا دأبـ ــه إل ــى تـبــريــد‬ ‫ّ‬ ‫املسبقة» و«األق ــوال الجاهزة»‬ ‫«األحـكــام‬ ‫ّ‬ ‫املتشعبة‪ ،‬منتصراً‬ ‫حيال شؤون الثقافة‬ ‫بــذلــك وع ـلــى الـ ـ ــدوام إل ــى الـعـقــانـيــة في‬ ‫ً‬ ‫ومستندا إلــى التحليل الكريم‬ ‫التفكير‪،‬‬ ‫باألمثلة والتمثيل‪ .‬والكرم إحدى صفات‬

‫ّ‬ ‫األديب الحق‪ ،‬فهي التي تمنع الزمن من‬ ‫نسيانه‪ ،‬وتحفظ له مكانته في التاريخ‪.‬‬ ‫إذ ال م ـن ــاس ـب ــة خ ـ ّ‬ ‫ـاص ــة السـ ـتـ ـع ــادة طــه‬ ‫ّ‬ ‫حـســن‪ ،‬حــتــى وإن كــان املجتمع العربي‬ ‫ّ‬ ‫يمر بظروفه التي نعرفها عن ظهر قلب‪،‬‬ ‫فالعميد حاضر لكل املبصرين‪ ،‬وغائب‬ ‫ّ‬ ‫لدى املستسلمني للخرافات واملسلمات‪،‬‬ ‫ً‬ ‫سبيل وحـيــداً‬ ‫املتكئني على الـسـخــريــة‪،‬‬ ‫ً‬ ‫لــوصــف حــالـتـنـ ّـا‪ ،‬ف ـضــا عــن املتربصني‬ ‫ّ‬ ‫باملستقبل‪ ،‬ال ـبــاثــن لـتـشــاؤمـهــم فــي كــل‬ ‫حني‪.‬‬ ‫وإن جــرت الـعــادة على ربــط صفة الكرم‬ ‫ب ـمــال أو بــديــل عـيـنــي م ـنــه‪ ،‬إال أن ـهــا في‬ ‫حــال الكتابة‪ ،‬ترتبط بشكل وثيق ّ‬ ‫بقوة‬ ‫اإلنتاج الثقافي لكاتب ما على ّ‬ ‫جر القارئ‬ ‫صوب مساحات أوسع وأبعد‪ .‬ففي حال‬ ‫العميد‪ ،‬يكفل اإلعجاب بنتاجه‪ ،‬الغرف‬ ‫ّ‬ ‫م ــن م ـنــاهــل مـعــرفـيــة ش ــت ــى؛ م ــن ال ـت ــراث‬ ‫ال ـعــربــي ال ـش ـعــري ال ـقــديــم‪ ،‬إل ــى الـيــونــان‬ ‫ً‬ ‫إلــى مصر إلــى التعليم بمراتبه وصــول‬ ‫إل ــى أك ـثــرهــا رق ـ ًـي ــا‪ ،‬أي الـبـحــث الـعـلـمــي‪،‬‬ ‫ً‬ ‫ف ـض ــا ع ــن ذاك ال ـ ــزاد امل ـك ــن ف ــي مـعــرفــة‬ ‫ً‬ ‫اإلس ــام ورجــالــه الطيبني‪ .‬كـتــابــا فآخر‪،‬‬ ‫ويجد الـقــارئ نفسه أمــام بحر مــن كتب‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫أخرى لكتاب آخرين‪ ،‬دلته إليها واهتدى‬ ‫كلمات طه حسني وحدها‪.‬‬ ‫إلــى سبيلها ّ‬ ‫ـف ك ـتــب أخ ـ ــرى م ــن وراء‬ ‫وب ـق ــدر م ــا ت ـش ـ ّ‬ ‫كتب العميد‪ ،‬تشف روحه من خالل لغته‬

‫اآلس ــرة الـنــاصـعــة‪ ،‬ال «األن ــا» النرجسية‬ ‫الـتــي يتقن «بـخــاء» ال ــروح ّفــي الكتابة‪،‬‬ ‫ٌ‬ ‫ّ‬ ‫والتعبير جائز ويجوز‪ ،‬في بثها عند كل‬ ‫كلمة‪ ،‬محتفني بأنفسهم وبـ«تصنيعها»‬ ‫ّ‬ ‫و«اص ـط ـن ــاع ـه ــا»‪ .‬ث ـ ّـم ــة ك ــت ــاب يـضـيـئــون‬ ‫ّ‬ ‫الثقافة‪ ،‬وآخرون يعتمون عليها‪.‬‬ ‫ّ‬ ‫ومثلما ات ـصــف طــه حـســن بـهــذا الـكــرم‪،‬‬ ‫ّ‬ ‫اتصف به كذلك الشاعر محمود درويش‪،‬‬ ‫ّ‬ ‫فـ ـف ــي «سـ ـب ــع ال ـ ـغ ـ ـيـ ــاب» ال ـ ـ ــذي طـ ـ ــل قـبــل‬ ‫يومني‪ ،‬قد يجنح قارئ ما إلى استعادة‬ ‫شـ ـع ــره‪ ،‬ق ـص ـي ــدة فـ ــأخـ ــرى‪ ،‬وإذ بــال ـبــاب‬ ‫يـنـفـتـ ُـح ال أم ــام الـشـعــر فــي أبـهــى صــوره‬ ‫العربية فحسب‪ ،‬بل أمام تراثنا الشعري‬ ‫ً‬ ‫ال ـغ ـنــي‪ ،‬ف ـضــا عــن الـشـعــر ال ـعــاملــي‪ .‬وقــد‬ ‫ي ـش ـغــف الـ ـق ــارئ ب ــاإلي ـق ــاع امل ـن ـس ــاب في‬ ‫ق ـص ــائ ــد درويـ ـ ـ ـ ــش‪ ،‬فـ ـيـ ـح ــدوه ال ـف ـض ــول‬ ‫صوب الــوزن‪ ،‬فما هو الــوزن؟ وإذ بكتب‬ ‫الـ ـت ــراث وال ـ ـعـ ــروض ت ـجــد سـبـيـلـهــا إلــى‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫إلى‬ ‫القارئ‪ .‬وإذ تعمق أكثر‪ ،‬انتبه ربما ً‬ ‫الشكل الشعري‪ ،‬فطاف في أنواعه شرقا‬ ‫وغـ ً‬ ‫ـربــا‪ ،‬وع ــاد إلــى الفلسطيني األجـمــل‪،‬‬ ‫ّ‬ ‫ل ـي ـج ــد ل ــدي ــه األش ـ ـكـ ــال ك ــلـ ـه ــا‪ ،‬وق ـ ــد زاد‬ ‫ّ‬ ‫عندياته ابتكارات وإبداعات‪،‬‬ ‫عليها من‬ ‫محكمة البناء‪ ،‬واثقة السحر والصدى‪.‬‬ ‫ّ‬ ‫ولو مل القارئ من متابعة ذلك‪ ،‬والتفت‬ ‫إلــى املعاني‪ ،‬لشهد صيد الخيال وأســر‬ ‫ّ‬ ‫املتخيل‪ ،‬ولـعــرف كيف تتبادل الحكاية‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ال ـش ـخ ـصــيــة وال ـح ـك ــاي ــة ال ـع ــام ــة مــراتــب‬

‫ّ ّ‬ ‫الكالم‪ ،‬لتتحدا ً‬ ‫ثم تحلقان في سماء‬ ‫معا‪،‬‬ ‫الـ ــوجـ ــدان‪ ،‬ف ـي ـغــدو ال ـت ـع ـب ـيــر الـ ًسـيــاسـ ًـي‬ ‫«الـقـضـيــة الفلسطينية» ع ـنــوانــا بليغا‬ ‫القارئ‬ ‫اللـتــزام أخــاقــي‪ ،‬ال يقتصر على‬ ‫ّ‬ ‫العربي وحده‪ ،‬بل على أي قارئ أو مثقف‬ ‫من أي جنسية يكون‪.‬‬ ‫هـ ـك ــذا ت ـت ـس ــع الـ ـقـ ـصـ ـي ــدة ال ــدرويـ ـشـ ـي ــة‪،‬‬ ‫شجاعة غير ّ‬ ‫هيابة وغير مغلقة‪ ،‬ليجد‬ ‫ّ‬ ‫ال ـ ـقـ ــارئ ن ـف ـســه أب ـع ــد م ــن حـ ــب درويـ ــش‬ ‫حب الشعر ّ‬ ‫وحده‪ ،‬وفي حضرة ّ‬ ‫برمته‪.‬‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ـرق ك ــل ــه‪ ،‬إذ ث ــم ــة ش ـع ــراء‪،‬‬ ‫وهـ ــا ه ـنــا الـ ـف ـ ً‬ ‫ّ‬ ‫وغير شعراء أيضا‪ ،‬يتصفون ببخل في‬ ‫الــروح‪ ،‬صورته تلك؛ النرجسية املطلقة‪.‬‬ ‫م ـت ـن ــزه ــن حـ ـ ــول «أنـ ـ ــاهـ ـ ــم» وأح ـك ــام ـه ــا‬ ‫الجاهزة‪ ،‬عن عبقريتهم املنقطعة النظير‪.‬‬ ‫يأت‬ ‫مفتونون‬ ‫بأمر وحيد‪ :‬اإلتيان بما لم ِ‬ ‫ٍ‬ ‫به ً األوائل‪ .‬لذا يحتفون بانعدام الجذور‪،‬‬ ‫املصطنع في‬ ‫ظنا منهم أن في االنقطاع‬ ‫ّ‬ ‫ً‬ ‫قـصـيــدة‪ ،‬سـبـيــا لـتـجــديـ ٍـد ال يـعــشــش إال‬ ‫ّ‬ ‫في أذهانهم‪ .‬وتراهم صارخني ضاجني‬ ‫ناقمني عدائيني‪ ،‬يمضون أوقاتًا طويلة‬ ‫في نبش ّكل ما هو ّ‬ ‫وعلى صورتهم‬ ‫شر‪،‬‬ ‫ّ‬ ‫بالطبع‪ ،‬كي ينتشوا وهم يبثون اليأس‬ ‫ويـطـلـقــون ال ـكــراه ـيــة‪ ،‬مـطـ ّـبـلــن مـ ّ‬ ‫ـزمــريــن‬ ‫ّ‬ ‫لخراب من كل نوع‪ :‬طارف وتليد‪.‬‬ ‫ٍ ّ‬ ‫ثـ ّـمــة كــتــاب يـضـيـئــون الـثـقــافــة‪ ،‬وآخ ــرون‬ ‫ّ‬ ‫يعتمون عليها‪ .‬وثمة في رام الله مقام‪،‬‬ ‫يرقد فيه محمود درويش‪ :‬أمير التالل‪.‬‬


‫الثقافة ‪2‬‬

‫الثالثاء ‪ 11‬أغسطس ‪ /‬آب ‪ 2015‬م ‪ 26‬شوال ‪ 1436‬هـ ¶ العدد ‪ 43‬السنة األولى‬ ‫‪Tuesday 11th August 2015‬‬

‫‪ 3‬الثقافة‬

‫الثالثاء ‪ 11‬أغسطس ‪ /‬آب ‪ 2015‬م ‪ 26‬شوال ‪ 1436‬هـ ¶ العدد ‪ 43‬السنة األولى‬ ‫‪Tuesday 11th August 2015‬‬

‫ثالث مسرحيات عربية في مهرجــان أفينيون‬ ‫ناد ًرا ما استطاع المسرح العربي‪ ،‬رغم عراقته‪ ،‬فهو وليد فترة االستقالل في القرن الماضي عامة‪ ،‬الوصول إلى خشبات‬ ‫المسارح العالمية‪ ،‬إال أن دورة هذا العام لمهرجان أفينيون المسرحي العالمي حفلت بثالث أمسيات عربية‪ .‬أكثر هذه‬

‫األعمال أهمية واستثارة للتفكير كانت مسرحية «مورسو‪ :‬استقصاء مضاد» المأخوذة عن رواية الكاتب الجزائري كامل‬ ‫داوود‪ ،‬ثم مسرحية «العشاء األخير» المصرية‪ ،‬قبل أن يختتم الحضور العربي بحفل موسيقي جمع بين الشرق والغرب‬

‫«مورسو» الجزائري‪ :‬أدب ما بعد االستعمار‬

‫«العشاء األخير»‪ :‬مصر بعد الثورة‬

‫صبري حافظ‬

‫إذا ما انتقلنا إلى العرض املصري سنجد‬ ‫أنـنــا ب ــإزاء عـمــل مـغــايــر كـلـيــة‪ ،‬ينتمي إلــى‬ ‫م ـس ــرح شــري ـحــة ال ـح ـي ــاة ال ـت ـه ـك ـم ـيــة‪ ،‬وإن‬ ‫كـ ــان ب ــه شـ ــيء م ــن إش ـك ــال ـي ــات م ـس ــرح مــا‬ ‫ب ـع ــد االسـ ـتـ ـعـ ـم ــار‪ .‬وق ـ ــد دار الـ ـع ــرض فــي‬ ‫مسرح ضاحية «فيردن» على بعد خمسة‬ ‫التاريخية‬ ‫كيلومترات من مدينة أفينيون ً‬ ‫ّ‬ ‫املسورة‪ ،‬ومع ذلك كان املسرح مليئا آلخره‬ ‫بــالـجـمـهــور‪ ،‬فثمة شـغــف فــرنـســي حقيقي‬ ‫بكل مــا هــو مـصــري‪ ،‬بــل عشق لــه‪ .‬ويشبع‬ ‫عــرض «الـعـشــاء األخـيــر» هــذا الشغف إلى‬ ‫حد ما ألنه يعتمد على تقديم شريحة حية‬ ‫مــن ال ــواق ــع امل ـصــري امل ـعــاصــر‪ ،‬وتقديمها‬ ‫لـلـمـشــاهــديــن ب ـصــورة تحتفي بأسلوبية‬ ‫ال ـ ـعـ ــرض املـ ـس ــرح ــي‪ ،‬وت ـه ـت ــم ب ــإي ـق ــاع ــات ــه‬ ‫وج ـم ــال ـي ــات ــه ال ـب ـص ــري ــة وال ـح ــرك ـي ــة عـلــى‬ ‫السواء‪ .‬وهي الجماليات التي تتغيا‪ ،‬وقد‬ ‫قدمت لنا شريحة واقعية حية من الواقع‬ ‫املـ ـص ــري‪ ،‬اإلجـ ـه ــاز ع ـلــى ال ـتــوه ـيــم وكـســر‬ ‫أي مـيــل للتماهي مـعـهــا‪ ،‬فـهــي شــريـحــة ال‬ ‫تستحق ب ــأي ح ــال مــن األحـ ــوال التماهي‬ ‫مـعـهــا‪ ،‬أو مــع مــا يـعـشــش فــي داخـلـهــا من‬ ‫عناكب وخواء‪.‬‬ ‫ً‬ ‫جماليا تسعى إلــى إره ــاف وعــي املشاهد‬ ‫بـ ـ ـض ـ ــرورة ال ـت ـف ـك ـي ــر فـ ــي دالالت مـ ــا يـ ــراه‬ ‫بـطــريـقــة عـقـلـيــة ون ـق ــدي ــة‪ ،‬وال ــوق ــوف على‬ ‫مسافة منه تمكنه مــن ذل ــك‪ .‬ألن تفاصيل‬ ‫ّ‬ ‫حياة تلك الشريحة التي تتجلى لنا على‬ ‫مائدة العشاء تفاصيل مترعة باملفارقات‬ ‫ً‬ ‫مزيجا‬ ‫التهكمية؛ تثير بتناقضاتها الفجة‬ ‫مــن الـسـخــريــة وال ــرث ــاء‪ .‬وتـكـشــف عــن عزلة‬ ‫هذه األسرة الغريبة والحقيقية ً‬ ‫معا‪ ،‬ليس‬ ‫فقط عــن الــواقــع ال ــذي تعيش فـيــه‪ ،‬ويمور‬ ‫بالتناقضات االجتماعية والفكرية على‬ ‫السواء‪ ،‬فثمة إشارات واهنة ًإلى ما دار في‬ ‫مصر عقب ال ـثــورة‪ ،‬ولـكــن أيــضــا عــن عزلة‬ ‫أفرادها عن بعضهم البعض‪.‬‬ ‫وك ـ ـ ــأن ال ـ ـحـ ــرص ع ـل ــى أواصـ ـ ـ ــر ال ـع ــاق ــات‬ ‫العائلية‪ ،‬الذي يصر عليه األب في ضرورة‬ ‫أن يتجمع كــل أف ــراد أســرتــه الكبيرة على‬ ‫ال ـع ـش ــاء‪ ،‬شـ ــارة ع ـلــى خـ ــواء ت ـلــك األواصـ ــر‬ ‫وفراغها من أي معنى‪.‬‬ ‫ف ـظ ــال الـ ـعـ ـن ــوان ال ــدي ـن ـي ــة‪ ،‬ب ــإح ــال ـت ــه إل ــى‬ ‫«ال ـع ـشــاء األخ ـي ــر» فــي قـصــة ح ـيــاة السيد‬ ‫امل ـس ـي ــح وخ ـي ــان ــة أحـ ــد ح ــواريـ ـي ــه ل ــه قـبــل‬ ‫تلق‬ ‫صـيــاح الــديــك‪ ،‬تلقي بثقلها على أي ٍ‬ ‫لـلـعـمــل‪ .‬وتـطـلــب مــن املـشــاهــد التفكير في‬ ‫الـ ـ ـ ــدالالت ال ـك ــام ـن ــة خ ـل ــف امل ـظ ـه ــر ال ـب ــادي‬ ‫أمــامــه‪ ،‬وفـيـمــن سـيـخــون صــاحــب الـعـشــاء‪،‬‬ ‫أو باألحرى فيمن لن يخونه‪ .‬وهي الظالل‬

‫قليلة‪ ،‬بــل ن ــادرة هــي األع ـمــال الـعــربـيــة التي‬ ‫تـ ـع ــرض ف ــي م ـه ــرج ــان أف ـي ـن ـي ــون امل ـســرحــي‬ ‫الــرس ـمــي ‪ ،Festival D’Avignon‬ألن أغـلــب‬ ‫األعمال العربية‪ ،‬وخاصة من املسرح املغاربي‬ ‫ً‬ ‫وأحيانا اللبناني تعرض عادة في مهرجان‬ ‫ّ‬ ‫أفينيون الـهــامـشــي‪ ، Avignon Off‬وقلة هذه‬ ‫األعمال تعكس بشكل من األشكال ّ‬ ‫تردي حال‬ ‫املسرح العربي الراهن‪ ،‬وعــدم صمود الكثير‬ ‫مــن إنـجــازاتــه ملعايير املـســرح الفنية الـجـ ّـادة‬ ‫ال ـتــي تــؤهــل جـمــالـيــاتـهــا أي عـمــل السـتـقــدام‬ ‫ً‬ ‫استثناء‬ ‫املهرجان لــه‪ .‬لكن هــذا الـعــام يشكل‬ ‫مـحـمـ ً‬ ‫ـودا‪ ،‬فليس فيه عمل عربي واح ــد‪ ،‬كما‬ ‫حــدث في مــرات قليلة ‪ -‬كــان آخرها في العام‬ ‫املــاضــي (‪ )2014‬حينما وف ــد إل ــى املـهــرجــان‬ ‫الرسمي عرض «طيور الفيوم» لفرقة الورشة‬ ‫امل ـص ــري ــة ب ـق ـي ــادة ح ـســن ال ـجــري ـت ـلــي‪ ،‬وعـمــل‬ ‫تونسي آخر قبله (‪ )2011‬هو «يحيى يعيش»‬ ‫لـفــرقــة فاميليا لـفــاضــل الـجـعــايـبــي وجليلة‬ ‫ّ‬ ‫بكار‪ -‬وإنما كانت هناك إسهامات عربية في‬ ‫ثالثة أعمال‪ :‬هي «العشاء األخير» للمصري‬ ‫أح ـم ــد ال ـع ـطــار وف ــرق ــة «امل ـع ـب ــد» املـســرحـيــة‪،‬‬ ‫و«مــورســو‪ :‬استقصاء مـضــاد» (‪Meursault,‬‬ ‫‪ )Contre-Enquête‬عــن نــص للجزائري كامل‬ ‫داوود‪ ،‬وإن قــدمـتـهــا ف ــرق ــة م ـس ــرح الـحــريــة‬ ‫فــي تــولــون ‪ Theatre Liberte de Toulon‬من‬ ‫إخراج فيليب برلينج‪ ،‬وعرض غنائي لبناني‬ ‫تونسي فرنسي مشترك هو «بــاربــارا فيروز‬ ‫‪ « Barbara-Fairouz‬ل ـل ـتــون ـس ـيــة درص ـ ــاف‬ ‫حمداني تمزج فيه عاملي املوسيقى الفرنسية‬ ‫وأغنيات باربرا وموسيقى األخوين رحباني‬ ‫وأغنيات فيروز‪.‬‬ ‫«مورسو» الجزائري‬ ‫على خشبة أفينيون‬

‫إذا بدأنا بأكثر هذه األعمال أهمية واستثارة‬ ‫ل ـل ـت ـف ـك ـي ــر‪ ،‬أال وه ـ ــو م ـس ــرح ـي ــة «م ـ ــورس ـ ــو‪:‬‬ ‫استقصاء مضاد» املأخوذة عن رواية الكاتب‬ ‫ال ـج ــزائ ــري كــامــل داوود‪ ،‬سـنـجــد أن ـنــا ب ــإزاء‬ ‫عـمــل يمكن اعـتـبــاره مــن أع ـمــال أدب مــا بعد‬ ‫االس ـت ـع ـمــار بــاملـعـنــى الـحـقـيـقــي للمصطلح‬ ‫الذي صاغه إدوارد سعيد‪ ،‬وأصبح من بعده‬ ‫ً‬ ‫ح ـق ــا م ـعــرفـ ًـيــا ب ــال ــغ األه ـم ـيــة وال ـخ ـصــوبــة‪.‬‬ ‫ألن الــروايــة واملسرحية مـ ًـعــا مــن أعـمــال الــرد‬ ‫بالكتابة ‪ Writing Back‬باملعنى الحقيقي‬ ‫لهذا املصطلح‪ ،‬ألنها ترد وباللغة الفرنسية‬ ‫نـفـسـهــا ال ـت ــي كـتـبــت ب ـهــا الـ ــروايـ ــة األصـلـيــة‬ ‫على روايــة «الغريب» الشهيرة أللبير كامو‪،‬‬ ‫َ‬ ‫املستعمر هذه املــرة‪ ،‬وليس‬ ‫ولكن من منظور‬ ‫املستعمر ال ــذي كتبت بــه روايــة‬ ‫مــن منظور‬ ‫ِ‬ ‫كامو‪ .‬فمارسو الــذي يشير إليه العنوان هو‬ ‫بطل روايــة «الغريب» التي جسد فيها كامو‬ ‫مفهومه الفلسفي ّ عــن ال ـســأم‪ /‬الـعـبــث‪ ،‬وعن‬ ‫ع ــبء الـحـيــاة وخفتها غير املحتملة حسب‬ ‫تعبير مـيــان كــونــديــرا مــن بـعــده‪ .‬فقد كانت‬ ‫«ال ـغــريــب» رواي ــة كــامــو األول ــى الـتــي نشرها‬ ‫عـ ــام ‪ ،1942‬ون ـش ــر م ـع ـهــا ف ــي الـ ـع ــام نفسه‬ ‫دراسته الالمعة عن «أسطورة سيزيف» التي‬ ‫أرسى فيها قواعد فلسفته التي يمتزج فيها‬ ‫العبث بالوجودية‪ ،‬هي التي وضعت اسمه‬ ‫بقوة على خريطة األدب الفرنسي‪ .‬وبلورت‬ ‫فكرته عن العبث والتمرد ً‬ ‫معا‪ .‬لكنها كانت‬ ‫فــي الــوقــت نفسه رواي ــة فرنسية استعمارية‬ ‫بــاملـعـنــى ال ــذي ب ـل ــوره إدوارد سـعـيــد ف ــي ما‬ ‫بعد في كتابه «الثقافة واإلمبريالية»‪ ،‬بالرغم‬ ‫من أن كاتبها ولد في قرية جزائرية بالقرب‬ ‫من مدينة عنابة الحالية‪ ،‬ألب فرنسي‪ ،‬مات‬ ‫ً‬ ‫جنديا في أحد معارك الحرب العاملية األولى‪.‬‬ ‫وكما كانت «الغريب» رواية كامو األولى التي‬ ‫لفتت لــه األن ـظ ــار‪ ،‬ف ــإن «م ــورس ــو‪ :‬استقصاء‬ ‫مـضــاد» الـتــي نـشــرت عــام ‪ 2013‬فــي الجزائر‬ ‫ثــم أعـيــد طبعها ع ــام ‪ 2014‬فــي فــرنـســا‪ ،‬هي‬ ‫األخرى رواية ًكامل داوود األولى‪ ،‬التي لفتت‬ ‫لــه األن ـظ ــار أي ــض ــا‪ ،‬بـعــدمــا ف ــازت مجموعته‬ ‫القصصية األول ــى بـجــائــزة مـحـ ّـمــد دي ــب في‬ ‫الجزائر‪ .‬فقد ترجمت هذه الرواية حتى اآلن‪،‬‬

‫من العرض (موقع مهرجان أفينيون)‬

‫كـمــا يـقــول بــرنــامــج املـســرحـيــة فــي املـهــرجــان‬ ‫ألكـثــر مــن عـشــريــن لـغــة‪ .‬وق ــد اعـتـمــدت رواي ــة‬ ‫كامل داوود على الطبيعة املونولوجية التي‬ ‫تتسم بها رواي ــة كــامــو‪ ،‬مما يـ ّـســر تحويلها‬ ‫إلــى مسرحية‪ ،‬توشك أن تكون مسرحية من‬ ‫أعمال املمثل الواحد‪ .‬وكما ّ‬ ‫غيبت رواية كامو‬ ‫«العربي»‪ ،‬ضحية سأم مورسو غير املحتمل‪،‬‬ ‫والـ ــذي اغ ـتــالــه م ــورس ــو عـلــى شــاطــئ البحر‬ ‫من ًدون سبب ظاهر أو خفي‪ ،‬ولم تذكر عنه‬ ‫شيئا سوى أنه «عربي» في استهانة بقدره‬ ‫وقيمته‪ ،‬غيبت رواية كامل داوود هي األخرى‬

‫اعتمدت رواية كامل داوود‬ ‫على الطبيعة المونولوجية‬ ‫التي تتسم بها رواية كامو‬

‫المخرج‬ ‫درس فيليب بيرلينغ في المعهد العالي الوطني للفنون المسرحية في‬ ‫بلجيكا‪ .‬وأنشأ مجموعة «المسرح اإلجباري»‪ .‬بدأ مسيرته كمخرج وتابع‬ ‫في الوقت نفسه تأهيله العلمي مع طائفة من المخرجين المسرحيين‬ ‫ومخرجي األوبرا‪ ،‬مثل جان بيير فانسان وآالن فرانسون‪ .‬ورافق بين عامي‬ ‫‪ 1990‬و ‪ 1994‬جان ماري فيليجييه في المسرح الوطني في ستراسبورغ‪،‬‬ ‫وسرعان ما غدا مسؤولًا عن برامجه‪ .‬وفي عام ‪ 1995‬أصبح مدي ًرا‬ ‫لمسرح الشعب في بوسانغ‪ ،‬وتابع عمله كمخرج مسرحي في مسارح‬ ‫عديدة‪ .‬أنجز فيليب حوالى خمسين مسرحية تنم كلها عن شغفه‬ ‫بالنصوص الدرامية الكالسيكية والمعاصرة مثل نصوص هنريك إبسن‪،‬‬ ‫نصا لفيرناندو بيسوا‪.‬‬ ‫هايتريش فون كليست وغيرهما‪ .‬كما مسرح ً‬

‫مــورســو مــن ساحتها كلية‪ ،‬بعد أن انطلقت‬ ‫منه فــي عـنــوانـهــا‪ ،‬وإن ع ــزز غيابه شعورنا‬ ‫بعبء جريمته املبهظة‪ .‬ألن العمل ّكله ّ‬ ‫مكرس‬ ‫لتجسيد وقع فعله العبثي الغريب ذاك على‬ ‫الـضـحـيــة‪ ،‬وك ـيــف ّ‬ ‫دمـ ــر أســرت ـهــا ال ـجــزائــريــة‪.‬‬ ‫وتنطلق املسرحية من مشهد جزائري عربي‬ ‫خ ــال ــص؛ ف ـل ـس ـنــا ه ـن ــا أمـ ـ ــام ش ــاط ــئ الـبـحــر‬ ‫ّ‬ ‫األب ـي ــض امل ـتــوســط الـ ــذي ت ـطــل فــرن ـســا على‬ ‫شاطئه املقابل‪ ،‬كما هو الحال في رواية ألبير‬ ‫كــامــو‪ ،‬ولكننا فــي باحة دار تقليدية عربية‪.‬‬ ‫دار تتسم بجماليات املعمار العربي التقليدي‬ ‫ال ـ ـ ــذي ي ـن ـف ـتــح ً ع ـل ــى الـ ــداخـ ــل ويـ ــديـ ــر ظ ـهــره‬ ‫لـلـخــارج مــؤذنــا بمنطق العمل فــي التعامل‬ ‫مع موضوعه‪ .‬وفي باحة الدار الداخلية التي‬ ‫تتوسطها ش ـجــرة لـيـمــون مـث ـمــرة‪ ،‬وينفتح‬ ‫ّ‬ ‫عليها بابان؛ يدور العمل كله‪ ،‬الذي اضطلع‬ ‫ببطولته املمثل الـجــزائــري املـخـضــرم‪ :‬أحمد‬ ‫بـنـعـيـســى ف ــي نـ ــوع م ــن الـتـجـسـيــد ال ــدرام ــي‬ ‫الذي يتسم بالتركيز والشاعرية ً‬ ‫معا‪ .‬وتبدأ‬ ‫املسرحية‪ ،‬بإيقاع صامت محسوب‪ ،‬حينما‬ ‫تدخل مــن أحــد البابني األم فتفرش سجادة‬ ‫ال ـصــاة فــي الـبــاحــة املـفـتــوحــة عـلــى الـسـمــاء‪،‬‬ ‫وتصلي في نوع من تأكيد هويتها الثقافية‬ ‫املغايرة منذ اللحظة األول ــى‪ .‬بينما تعرض‬ ‫لـنــا املـســرحـيــة عـلــى ج ـ ــدران ال ـبــاحــة خلفها‬ ‫بعض املشاهد الدالة ملا كان يدور في الجزائر‬ ‫وق ـت ـهــا‪ ،‬أي زم ــن أح ـ ــداث رواي ـ ــة ألـبـيــر كــامــو‬ ‫فــي مطالع أربعينيات الـقــرن املــاضــي‪ ،‬وهي‬ ‫مـشــاهــد يـتـصــدرهــا بــورتــريــه اإلب ــن املـقـتــول‪.‬‬ ‫وحينما يفد االبن اآلخر‪ ،‬هارون‪ ،‬يمنح حكيه‬ ‫مع األم‪ ،‬هــذا العربي النكرة غير املسمى في‬ ‫رواية كامو ً‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫ملموسا رغم أنه‬ ‫وحضورا‬ ‫اسما‬ ‫قد مات في شرخ الشباب ضحية لسأم بطله‬ ‫«الغريب» الذي يحقق غربته‪ ،‬كغربة املشروع‬ ‫االستعماري نفسه‪ ،‬على حساب األبرياء من‬ ‫أبناء املستعمرات‪ .‬فنعرف ّكل شيء عنه‪ً ،‬‬ ‫بدء ا‬ ‫مــن اس ـمــه ال ـكــامــل‪ :‬مــوســى ول ــد الـعـســاســي ‪،‬‬ ‫مـ ً‬ ‫ـرورا بواقعه ّوما كان يتمتع به من مواهب‬ ‫ف ــي الـ ـع ــزف ال ــش ـج ــي ع ـلــى الـ ـن ــاي‪ ،‬ومـ ــا كــان‬ ‫يحلم به من مشاريع أجهضها قتله العبثي‪،‬‬ ‫ً‬ ‫وصول إلى أمه التي فقدت بعد صدمة موته‬ ‫الـقــدرة على الـكــام‪ ،‬أو الرغبة فـيــه‪ .‬ولــم يعد‬ ‫بإمكانها غير البكاء أو الصراخ والعويل أو‬ ‫ً‬ ‫تعبيرا عما تشعر به من قهر‬ ‫التعديد‪ /‬الغناء‬ ‫وغيظ كظيم‪.‬‬

‫أم ــا األخ ه ـ ــارون فـهــو الـ ــذي يـنـهــض بـعــبء‬ ‫الـ ـح ــدي ــث ط ـ ــوال امل ـس ــرح ـي ــة‪ .‬ونـ ــاحـ ــظ مــن‬ ‫البداية أن املسرحية تدخل في ّ‬ ‫تناص مضمر‬ ‫مــع األس ـطــورة الدينية حينما تختار اسم‬ ‫م ــوس ــى وأخـ ـي ــه ه ـ ــارون ا ُس ـم ــن لـبـطـلـيـهــا‪،‬‬ ‫وت ـج ـعــل اس ــم األخ الـ ــذي ق ـت ــل ه ــو مــوســى‪،‬‬ ‫ولـيــس ه ـ ــارون‪ .‬وك ــأن املـسـتـعـ ِـمــر‪ ،‬بــوعــي أو‬ ‫بـ ــدون وعـ ــي‪ ،‬يـقـتــل أص ـح ــاب ال ــرس ــاالت في‬ ‫ً‬ ‫نموذجا‬ ‫املستعمرات‪ .‬بل وتجعل من هارون‬ ‫ملــا بلورته كتابات فــرانــز فــانــون مــن األدواء‬ ‫النفسية والجسدية ً‬ ‫معا التي يعاني منها‬ ‫املستعمر‪ .‬فقد ّ‬ ‫َ‬ ‫دمــر قتل موسى الــذي جلب‬ ‫عبثية العنف والقهر االستعماري إلى قلب‬ ‫تلك األس ــرة الـجــزائــريــة حـيــاة أخـيــه ه ــارون‪،‬‬ ‫لـيــس فـقــط ألن ــه سـعــى إل ــى االن ـت ـقــام ألخـيــه‪،‬‬ ‫وانتهى به األمــر إلى قضاء قسم ال بأس ً به‬ ‫املستعمر‪ ،‬ولكن أيضا‬ ‫من شبابه في سجون‬ ‫ِ‬ ‫ألنه لم يعد ً‬ ‫قادرا‪ ،‬وقد تسلل عبء االستعمار‬ ‫وأدوائــه إلى قلب حياته األسرية والنفسية‪،‬‬ ‫على ممارسة حياة عادية بعد اإلفــراج عنه‪.‬‬ ‫بــل يكشف عــن أن عجزه عــن ممارسة حياة‬ ‫عــاديــة سـبــق تـجــربــة الـسـجــن‪ ،‬ولـكـنــه أعقب‬ ‫ّ‬ ‫ق ـتــل أخـ ـي ــه؛ ألنـ ــه حـيـنـمــا ت ـخــل ـقــت ب ــداي ــات‬ ‫عــاقــة حميمية بينه وبــن الصحفية التي‬ ‫جاءت للتحقيق في مقتل أخيه‪ ،‬لم يستطع‬ ‫االسـتـمــرار فيها أو تحقيقها‪ .‬حتى حينما‬ ‫وكأنها تريد‬ ‫أقلبت ّ عليه مغدقة مشاعرها‪،‬‬ ‫ّ‬ ‫أن تكفر عــن خطئية مــورســو فـ ّـي ح ــق هذه‬ ‫األسرة البريئة‪ ،‬شعر معها بالعنة الجسدية‬ ‫والروحية ً‬ ‫معا‪.‬‬ ‫ّ‬ ‫وقد مكن حضور األم على املسرح‪ ،‬وقد فقدت‬ ‫لغة الـكــام‪ ،‬فلم تدخل فــي أي حــوار منطوق‬ ‫مع ابنها هــارون الــذي وقع عليه وحــده عبء‬ ‫تـجـسـيــد ك ــل م ــا يـ ــدور ف ــي ال ــرواي ــة م ــن رؤى‬ ‫وأفـكــار‪ ،‬العمل من التخلص من العدو األول‬ ‫مل ـســرح املـمـثــل ال ــواح ــد‪ ،‬وه ــو الــرتــابــة واملـلــل‬ ‫الـ ــذي يـصـيــب امل ـشــاهــديــن الس ـت ـمــرار العمل‬ ‫على وتيرة واحدة‪ .‬فقد منح حضورها العمل‬ ‫حــواري ـتــه الــدرام ـيــة ال ـفــريــدة‪ ،‬ال ـتــي عــززتـهــا‬ ‫ب ـل ـغــات م ـس ـمــوعــة أخـ ـ ــرى غ ـيــر ل ـغــة ال ـك ــام‪،‬‬ ‫وبـنــوع مــن الـتــواصــل الحميمي ال ــذي ّ‬ ‫جسد‬ ‫التفاهم املشترك بني األم وابنها‪ ،‬وانطالقهما‬ ‫من موقف واحد‪ ،‬هو مرارة الفقد‪ .‬كما أتاح لها‬ ‫أن تكون في مستوى من مستويات املعنى في‬ ‫العمل استعارة ّ‬ ‫حية للجزائر املكلومة‪.‬‬

‫الكاتب‬ ‫ع ـمــل ك ـم ــال داوود رئ ـيـ ًـســا‬ ‫ل ـت ـحــريــر صـحـيـفــة وه ـ ــران‪.‬‬ ‫ّ‬ ‫وغـ ـ ـ ــدا مـ ــن أشـ ـهـ ــر الـ ـك ــت ــاب‬ ‫ً‬ ‫خصوصا‬ ‫الفرانكوفونيني‪،‬‬ ‫فـ ـ ـ ــي ع ـ ـ ـ ـمـ ـ ـ ــوده الـ ـصـ ـحـ ـف ــي‬ ‫الشهير «رأينا‪ ،‬رأيكم»‪ ،‬الذي‬ ‫يكتبه ً‬ ‫ً‬ ‫تقريبا‪.‬‬ ‫يوميا‬ ‫نـشــر داوود رواي ـت ــه األول ــى‬ ‫«م ـ ـ ـ ـ ــورس ـ ـ ـ ـ ــو‪ :‬اس ـ ـت ـ ـق ـ ـصـ ــاء‬ ‫م ـ ـ ـ ـضـ ـ ـ ــاد»‪ ،‬وسـ ـ ـ ــرعـ ـ ـ ــان م ــا‬ ‫تــرجـمــت إلــى أزي ــد مــن اثنني‬ ‫وعـشــريــن لـغــة‪ ،‬خـ ّ‬ ‫ـاصــة بعد‬ ‫ف ــوزه ــا بـجــائــزتــي فــرانـســوا‬ ‫مـ ــوريـ ــاك وجـ ــائـ ــزة الـ ـق ــارات‬ ‫الـ ـخـ ـم ــس ال ـف ــران ـك ــوف ــون ـي ــة‪.‬‬ ‫ً‬ ‫فـضــا عــن جــائــزة غونكور‬ ‫ل ـلــروايــة األول ـ ــى‪ .‬وق ــد أث ــارت‬ ‫ً‬ ‫الـ ـ ــروايـ ـ ــة ج ـ ـ ــدل كـ ـبـ ـي ـ ًـرا فــي‬

‫ال ـج ــزائ ــر وخ ــارج ـه ــا‪ ،‬ن ـظـ ًـرا‬ ‫إلى تناولها أحد املحظورات‬ ‫العربية الشهيرة‪ ،‬أي الدين‪.‬‬

‫صورة من العرض المسرحي (موقع مهرجان أفينيون العالمي)‬

‫ال ـتــي ي ـعــززهــا اس ـت ـخ ــدام امل ـخ ــرج لعملية‬ ‫تجميد املـشـهــد ‪ Freeze‬وتغيير اإلض ــاءة‬ ‫عند لحظات مفصلية في الحديث الدائر‬ ‫ع ـلــى ال ـع ـش ــاء‪ .‬ف ـع ـلــى ال ـع ـكــس ت ـم ـ ً‬ ‫ـام ــا من‬

‫عشاء السيد املسيح األخير املترع بالقيم‬ ‫الروحية والوصايا األخالقية‪ ،‬الذي واجه‬ ‫بعده مصيره على الصليب‪ ،‬نجد أنفسنا‬ ‫بإزاء عشاء مشغول كلية باملكاسب املادية‪،‬‬

‫المخرج أحمد العطار‬ ‫أدرك أحمد العطار منذ مراهقته إلى أي حد اللغة مخاتلة في‬ ‫والمعلمين في المدرسة يقولون‬ ‫مصر‪ ،‬إذ إن األهل ووسائل اإلعالم‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫تكذبه التجربة اليومية‪ .‬ال يكف أحمد عن االقتراب من المزالق‬ ‫واقعا‬ ‫ً‬ ‫واألفــخــاخ‪ ،‬ليستخرج منها احتماالت الكالم المقال‪ ،‬ويستعمله‬ ‫كبؤرة مركزية في أعماله‪ .‬ويستلهم العطار كثي ًرا من نصوص األدب‬ ‫الكالسيكية والثقافة الشعبية‪ ،‬وأحاديث المقاهي‪ .‬وتبدو عروضه‬ ‫المسرحية على مسافة مع تقاليد المسرح الكالسيكية‪ ،‬لكن من دون‬ ‫نصوصا من تأليفه منها‪« :‬اللجنة» (‪)1998‬‬ ‫أن تتجاوزها‪ .‬أخرج للمسرح‬ ‫ً‬ ‫«الحياة جميلة أو في انتظار عمي القادم من أميركا» (‪.)2000‬‬ ‫وابتكر أعمالًا مركبة من الكتب المدرسية‪ ،‬والخطابات السياسية‪ ،‬كمثل‬ ‫الخطاب الذي ألقاه الرئيس جمال عبد الناصر عند تأميم قناة السويس‬ ‫عام ‪ .1956‬أحمد العطار حاضر في الحياة الثقافية المصرية وهو‬ ‫مدير مهرجان الداون تاون للفنون المعاصرة‪.‬‬

‫والفجاجات الحسية‪ ،‬واللهاث وراء الفتات‬ ‫ال ــذي قــد تتركه الــرأسـمــالـيــة العاملية على‬ ‫م ــوائ ــده ــا ل ـع ـمــائ ـهــا ف ــي الـ ـه ــوام ــش‪ .‬ألن‬ ‫املسرحية وقــد ّ‬ ‫تعمدت أن تخلي الخشبة‬ ‫ّ‬ ‫املـســرحـيــة الــواس ـعــة مــن ك ــل ش ــيء‪ ،‬إال من‬ ‫مــائــدة ع ـشــاء طــويـلــة يـحـيــط بـهــا ال ـفــراغ‪/‬‬ ‫ال ـخ ــواء‪ ،‬ويتجمع حــولـهــا أف ــراد أس ــرة أب‬ ‫ال اسـ ــم لـ ــه‪ ،‬ي ـش ــار ل ــه ً‬ ‫دوم ـ ـ ــا ب ــ«ال ـب ــاش ــا»‪،‬‬ ‫ً‬ ‫ج ـع ـلــت امل ـش ـهــد امل ـس ــرح ــي ن ـف ـســه م ـع ــادل‬ ‫بـصـ ً‬ ‫ـريــا ل ـخــواء الـعــالــم ّال ــذي تعيشه هــذه‬ ‫األســرة في عزلتها املعقمة‪ .‬وهــو التعقيم‬ ‫ّ‬ ‫الــذي ينعكس على كــل شــيء‪ ،‬بما في ذلك‬ ‫ال ـع ـشــاء ال ـت ـجــريــدي نـفـســه الـ ــذي تـجـســده‬ ‫م ـفــردات رمــزيــة أو اسـتـعــاريــة‪ :‬رأس عجل‬ ‫على صينية وقــد أخــرج لسانه للجمهور‪،‬‬ ‫أو ديك معلق في مشبك وكأنه يستعرض‬ ‫ريشه املنتوف‪ ،‬أو جلده املسلوخ‪ .‬وتتكون‬ ‫األســرة إلــى جانب األب غير املسمى واألم‬ ‫ال ـغ ــائ ـب ــة عـ ـم ـ ًـدا والـ ـت ــي ي ـش ــار ل ـه ــا ً‬ ‫دوم ـ ــا‪،‬‬ ‫ولكنها ال تظهر على املسرح ً‬ ‫أبدا‪ ،‬ليصبح‬ ‫لغيابها دالالت الحضور املقلوب‪ ،‬من إبن‬ ‫وبـنــت‪ .‬أمــا اإلبــن فهو «حسن» الــذي يقال‬ ‫إنه فنان‪ ،‬برغم افتقاره ألي حساسية فنية‬ ‫أو أي كياسة اجتماعية‪ ،‬وزوجته «فيفي»‬ ‫وابنهما «سيكا» وابنتهما «زوكــي»‪ .‬وأما‬ ‫اإلب ـنــة األص ـغــر فـهــي «م ــاي ــوش» وزوج ـهــا‬ ‫«م ـ ـيـ ــدو» الـ ـح ــري ــص ع ـل ــى أن يـ ـب ــدو أمـ ــام‬ ‫أســرة زوجته‪ ،‬وكأنه في طريقه إلى الثراء‬ ‫القريب‪ .‬وعالوة على األسرة هناك صديق‬ ‫ل ــأب ي ـش ــار ل ــه ً‬ ‫دوم ـ ــا بــوظـيـفـتــه الـســابـقــة‬

‫ً‬ ‫أيضا خادمان ّ‬ ‫يقدمان‬ ‫«الجنرال»؛ وهناك‬ ‫بإيقاع محسوب مــا يفترض أنــه العشاء‪.‬‬ ‫لكن املهم في املسرحية ليس وليمة العشاء‬ ‫ـورا رم ـ ً‬ ‫ال ـغــائ ـبــة‪ ،‬أو ال ـح ــاض ــرة حـ ـض ـ ً‬ ‫ـزي ــا‪،‬‬ ‫وإنما هي تلك الوليمة األكثر غرابة من أي‬ ‫وليمة حقيقية والتي تتكون من األحاديث‬ ‫الكاشفة عن طبيعة العالقات بني أفراد تلك‬ ‫األس ــرة مــن نــاحـيــة‪ ،‬وعــن طريقة تفكيرها‬ ‫ورؤيتها الغريبة للعالم من ناحية أخرى‪.‬‬ ‫فــاإلبــن مـهـمــوم بــاسـتـعــراض م ـهــاراتــه في‬ ‫اسـتـخــدام موتوسيكله الـغــالــي مــن ماركة‬ ‫«هارلي ديفيدسون» وما يحققه عليه من‬ ‫سرعات ومغامرات‪ ،‬وتاريخه ًمع اغتصاب‬ ‫ال ـخــادمــات حينما ك ــان مــراهــقــا‪ ،‬مــن دون‬ ‫أي مــراعــاة ملشاعر زوجـتــه الـحــاضــرة‪ .‬أما‬ ‫زوجة اإلبن ومعها اإلبنة فهما مشغولتان‬ ‫بــالـتـسـ ّـوق‪ ،‬وه ــل هــو أفـضــل فــي نـيــويــورك‬ ‫ـاري ــس؟ وإن اسـتـعــرضــت لنا‬ ‫أم لـنــدن أم ب ـ ً‬ ‫زوجة االبن أيضا مشاكلها مع الخادمات‪:‬‬ ‫األثّـيــوب ـيــات مـنـهــن ثــم امل ـصــريــات‪ ،‬بعدما‬ ‫تعذر الحصول على الفيلبينيات‪ً .‬‬ ‫وإذا كان اإلبــن «حسن أبوعلي» غارقا في‬ ‫فجاجاته‪ ،‬فإن زوج االبنة «ميدو» مشغول‬ ‫ب ـت ـح ـســن ص ــورت ــه ل ـ ــدى ع ــائ ـل ــة زوجـ ـت ــه‪،‬‬ ‫وتحقيق سالمه االجتماعي مــع أفــرادهــا‪،‬‬ ‫ً‬ ‫أمــا في أن يحقق لنفسه مؤطئ قدم على‬ ‫خــري ـطــة ع ــاق ــات الـ ـق ــوى ب ـه ــا‪ ،‬وبــال ـتــالــي‬ ‫على خريطة الثراء الــذي يتوق ّ‬ ‫بشدة إلى‬ ‫تحقيقه‪ ،‬ولكنه توق يتسم بالتشتت ألنه‬ ‫يـضــرب خـبــط ع ـشــواء فــي كــل ات ـجــاه‪ .‬وإذا‬ ‫كــان حديث األبـنــاء يثير الــرثــاء النفصاله‬ ‫الـغــريــب عــن الــواقــع عـلــى ع ــدة مستويات‪،‬‬ ‫فإن حديث الكبار‪ ،‬أي األب والجنرال‪ ،‬يثير‬ ‫السخرية هو اآلخر‪.‬‬ ‫فاألب مشغول وقد اشترى سيارة جديدة‬ ‫ببيع سـيــارتــه املــرسـيــدس الـقــديـمــة بأكثر‬ ‫ّ‬ ‫م ــن رب ــع م ـل ـيــون ج ـن ـيــه؛ وال ـج ـن ــرال يــؤكــد‬ ‫مـ ـك ــانـ ـت ــه ف ـ ــي ع ـ ــاق ـ ــات الـ ـ ـق ـ ــوى بـ ــاألسـ ــرة‬ ‫بـتـسـهـيــل عـمـلـيــة ال ـب ـيــع ت ـلــك‪ ،‬وبــالـحــديــث‬ ‫مــع األب عــن الصراصير‪ ،‬وهــم عنده بقية‬ ‫الشعب املصري‪ ،‬وخاصة من شــارك منهم‬ ‫في الثورة‪ ،‬وعن املؤامرات التي تستهدف‬ ‫مصر من جميع الجهات‪.‬‬ ‫وه ـ ــو ح ــدي ــث ع ــن الـ ــواقـ ــع ال ـس ـي ــاس ــي مــن‬ ‫منظور ن ــدرك مــدى مـعــاداتــه لـلـثــورة التي‬ ‫ان ــدل ـع ــت ف ــي مـ ـص ــر‪ ،‬ومـ ـ ــدى ك ــراه ـي ـت ــه ملــا‬ ‫ّ‬ ‫شــكـلـتــه مــن تـهــديــد لــوضــع تـلــك الشريحة‬ ‫الطفيلية مــن أثــريــاء الـفـســاد الـتــي يسعى‬ ‫هو اآلخر لالنتماء إليها‪.‬‬ ‫ص‪ .‬ح‪.‬‬

‫باربارا وفيروز بصوت التونسية درصاف‬ ‫العربي الجديد‬

‫أرادت التونسية درص ــاف حـمــدانــي املــزج‬ ‫ب ــن قــام ـتــن غـنــائـيـتــن؛ واح ـ ــدة مـشــرقـيــة‬ ‫ّ‬ ‫واألخ ـ ـ ـ ــرى غ ــربـ ـي ــة‪ .‬ول ـع ــل ـه ــا أصـ ــابـ ــت فــي‬ ‫االختيار‪ ،‬فمن غير السيدة فيروز يستطيع‬ ‫التعبير عن هوية مشرقية ِقوامها تضافر‬ ‫الطبيعة الخالبة ونقاء اإلنسان البسيط؟‬ ‫ّ‬ ‫وم ـ ـ ــن غـ ـي ــر األخـ ـ ــويـ ـ ــن ال ــرحـ ـب ــان ــي تـ ـغ ــزل‬ ‫بنحو غير مسبوق بأسماء الشهور وفق‬ ‫ّ‬ ‫مــوسـيـقــى لـعــلـهــا ل ــم تــوضــع إال لتناسب‬ ‫ص ـ ــوت ال ــديـ ـف ــا ال ـل ـب ـن ــان ـي ــة ال ـ ـ ــذي ي ـنــوس‬ ‫بــن أن ـغــام الـبـيــانــو ورج ـف ــات أوتـ ــار كمان‬ ‫مالئكي؟ ها هي درصــاف تصدح بصوت‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ومعبر بـ«طل وسألني إذا نيسان»‪.‬‬ ‫جميل‬ ‫وحيال صوت فيروز وأغانيها وحضورها‬ ‫نحفظه عن ظهر قلب‪ ،‬اختارت‬ ‫اآلسر الذي‬ ‫ّ‬ ‫درص ــاف مــن الضفة الفرنسية‪ ،‬فاألبيض‬ ‫املـتــوســط يجمع ال ـشــرق وال ـغ ــرب‪ ،‬بــاربــارا‬ ‫امل ـغ ـن ـيــة وامل ــؤل ـف ــة املــوس ـي ـق ـيــة وال ـش ــاع ــرة‬ ‫الـفــرنـسـيــة واملـم ـثـلــة (‪ ،)1997- 1930‬ذات‬

‫ً‬ ‫ً‬ ‫التي‬ ‫الصوت املتدفق عاطفة ورقة‪،‬‬ ‫باربارا ً‬ ‫ً‬ ‫ّأم ـن ــت لـنـفـسـهــا ج ـم ـهـ ً‬ ‫ـورا ط ــوي ــا عــريــضــا‬ ‫أغان أضحت من كالسيكيات األغنية‬ ‫عبر‬ ‫ٍ‬ ‫ال ـف ــرن ـس ـي ــة م ـ ـثـ ــل‪« :‬قـ ـ ــل مـ ـت ــى سـ ـت ــرج ــع؟»‬ ‫و«الصقر األسود» و«أجمل قصص حبي»‪.‬‬ ‫كــان الهدف املعلن من مشروع الجمع بني‬ ‫نوع من‬ ‫املغنيتني املشرقية والغربية إقامة‬ ‫ٍ ّ‬ ‫الحوار بني الصوتني القادمني من ضفتي‬ ‫املـ ـت ــوس ــط؛ ال ـش ـمــال ـيــة أله ـ ــل ب ـ ــاد الـ ـغ ــال‪،‬‬ ‫والجنوبية ألهل املشرق‪.‬‬ ‫ول ــم يـكــن إن ـجــاز امل ـشــروع أم ـ ًـرا ي ـس ـيـ ًـرا‪ ،‬إذ‬ ‫إن فكرة الجمع التي بــدت بـ ّـراقــة للجميع‪،‬‬ ‫ّ‬ ‫حملت عند التنفيذ مصاعب شتى‪ ،‬فكيف‬ ‫تتم املــواء مــة بينهما؟ لجأت درصــاف إلى‬ ‫الفرنسي دانييل ميل ‪ Daniel Mille‬من أجل‬ ‫اإلدارة املوسيقية للعرض‪ ،‬وقد نجح ميل‬ ‫بإقامة تقارب شاعري وحساس ومرهف‬ ‫وصادق بني فيروز وباربارا‪.‬‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫تونسيي وآخر‬ ‫موسيقيني‬ ‫اعتمد ميل على‬ ‫فــرن ـســي عـ ــارف بــاملــوس ـي ـقــى املـتــوسـطـيــة‪.‬‬ ‫واستند إلى التشويق‪ ،‬ذلك أن املستمع لن‬

‫أردنا الوصول إلى رهافة ال‬ ‫يمكن عندها أن تنتهك‬ ‫واحدة األخرى‬

‫يـكــون قـ ـ ً‬ ‫ـادرا عـنــد ب ــدء انـسـيــاب املوسيقى‬ ‫أن يعرف أهي أغنية فيروزية مشرقية‪ ،‬أم‬ ‫فرنسية غربية؟ لجأ دانييل إلى «تفكيك»‬ ‫القطع املوسيقية واختيار آالت موسيقية‬ ‫بعينها؛ فالوتريات حاضرة‪ً ،‬‬ ‫عودا وكمان‪،‬‬ ‫واألكـ ــورديـ ــون وآالت اإلي ـق ــاع تــاعــب تلك‬ ‫املـســافــة الـعــربـيــة فــي الـنـغــم امل ـس ـمــاة‪ :‬ربــع‬ ‫الصوت‪.‬‬ ‫نجح العرض في ّ‬ ‫مد جسور رقيقة ودقيقة‬

‫نحو‬ ‫ورهـيـفــة بــن ف ـيــروز وب ــارب ــارا‪ ،‬عـلــى‬ ‫ٍ‬ ‫ب ـق ـ ّيــت امل ـس ــاف ــة م ــوج ــودة بـيـنـهـمــا وعـلــى‬ ‫حافة االندماج واالمتزاج‪ .‬فلم يكن في بال‬ ‫الـقــائـمــن عـلــى ال ـعــرض ال ــوق ــوع فــي شــرك‬ ‫ّ‬ ‫وتعبر‬ ‫جاهز يقول بانتهاك صــوت آلخــر‪.‬‬ ‫درصــاف عن ذلك بقولها‪« :‬أردنــا الوصول‬ ‫إلى رهافة ال يمكن عندها أن تنتهك واحدة‬ ‫األخرى»‪.‬‬ ‫ف ـب ــارب ــارا تـكـشــف ف ــي أغـنـيـتـهــا الـشـهـيــرة‬ ‫«الـسـيــدة الــداك ـنــة» جــروحـهــا فــي انسياب‬ ‫ك ــريـ ـسـ ـت ــال ــي‪ّ ،‬أم ـ ـ ــا ف ـ ـيـ ــروز ف ـت ـن ـس ـكــب فــي‬ ‫«أعطني الناي وغني» بجرأة فنية آســرة‪.‬‬ ‫وبرغم اختالف مرجعيتي الصوتني (شرق‬ ‫وغــرب) ورجعهما‪ ،‬إال أن القرابة الروحية‬ ‫ّ‬ ‫ـان‬ ‫بينهما تـتـبــدى فــي كــل أغنية لهما‪ .‬أغـ ٍ‬ ‫اخ ـت ـي ــرت ب ـع ـنــايــة لـلـتـعـبـيــر ع ــن ثـقــافـتــن‬ ‫مختلفتني ملغنيتني غامضتني وآســرتــن‪.‬‬ ‫ف ـم ـث ـل ـم ــا ب ـ ـ ــدت ب ـ ـ ــارب ـ ـ ــارا «غـ ــري ـ ـبـ ــة» ل ــدى‬ ‫الـجـمـهــور ال ـفــرن ـســي‪ ،‬بـسـبــب اخـتـيــاراتـهــا‬ ‫الفنية غير املتوقعة أو املألوفة‪ ،‬كــذا بدت‬ ‫فـ ـي ــروز ف ــي أح ــاي ــن ك ـث ـي ــرة‪ ،‬خ ـ ّ‬ ‫ـاص ــة حني‬

‫أغان على إيقاعات الجاز واملوسيقى‬ ‫ّأدت‬ ‫ٍ‬ ‫ال ــات ـي ـن ـي ــة‪ .‬اخ ـ ـتـ ــارت امل ـغ ـن ـيــة الـتــون ـسـيــة‬ ‫درصــاف من «ريبيرتوار» السيدتني‪ ،‬أكثر‬ ‫األغ ــان ــي حـمـيـمـيــة وت ـع ـب ـيـ ًـرا ع ــن نـبـضــات‬ ‫القلب‪ ،‬وقلق الروح‪.‬‬ ‫ّ‬ ‫وتعد درصــاف واحــدة من أعظم املطربات‬ ‫الـ ـت ــونـ ـسـ ـي ــات‪ ،‬وتـ ـمـ ـي ــل بـ ــاس ـ ـت ـ ـمـ ــرار إل ــى‬ ‫تــوس ـيــع عــامل ـهــا ف ــي ال ــزم ــان واملـ ـك ــان‪ ،‬فقد‬ ‫درســت املوسيقى األندلسية‪ ،‬واملوسيقى‬ ‫املشرقية‪ ،‬خاصة في فترة القرن العشرين‪.‬‬ ‫ّ‬ ‫تعلمت الصولفيج الغربي‪ ،‬ولها محاوالت‬ ‫في صهر املوسيقى الشرقية مع الغربية‪،‬‬ ‫ّ‬ ‫ـان ألم ك ـل ـثــوم وأس ـم ـهــان‬ ‫إذ ًإن ـهــا أدت أغ ـ ـ ٍ‬ ‫وفقا ملفهومها في ذلــك‪ .‬كما حصلت على‬ ‫شهادة عالية في علم املوسيقى من جامعة‬ ‫السوربون‪.‬‬ ‫ّ‬ ‫غـ ــنـ ــت درص ـ ـ ـ ــاف أهـ ـ ــم امل ـ ـس ـ ــارح ال ـغ ــرب ـي ــة‬ ‫والـعــربـيــة كـمــا غـنــت فــي األوبـ ــرا املـصــريــة‪،‬‬ ‫وت ـع ــاون ــت م ــع أهـ ــم املــوس ـي ـق ـيــن ال ـع ــرب‪،‬‬ ‫ّ‬ ‫ـان مــن شعر عمر‬ ‫كسليم ســحــاب‪ ،‬ولها أغ ـ ٍ‬ ‫الخيام‪.‬‬

‫ما تقوله درصاف عن فيروز وباربارا‬ ‫جدا‬ ‫لم يكن عملي‬ ‫محدودا بـ«الريبيرتوار» أو الموسيقى‪ .‬بل إني متأثرة ً‬ ‫ً‬ ‫بشخصيتي هاتين السيدتين‪ .‬عمق روحيهما‪ ،‬والتزامهما‪ .‬وحتى لو‬ ‫أنهما لم تلتقيا البتة‪ ،‬فقد أردت ذاك اللقاء بينهما من خالل صوتي‪،‬‬ ‫ومن خاللي أنا‪ ،‬ألنني في ذهني وتفكيري‪ ،‬حاولت عقد اللقاء بينهما‪،‬‬ ‫من أجل إقامة حوار بين عالمين يبدوان مختلفين‪ .‬فلكال السيدتين‬ ‫مرجعية واحــدة‪ .‬أتحدث هنا عن لغة أخــرى‪ ،‬لغة إنسانية وكونية‪.‬‬ ‫هما سيدتان عرفتا األلم والكثير من الجمال ً‬ ‫أيضا‪ ،‬وكذلك االنفعاالت‬ ‫الفياضة‪ .‬النقطة المشتركة بينهما هي ً‬ ‫أيضا مظهريهما الخارجيين‪،‬‬ ‫وحضورهما‪ ،‬وكيف تقفان على خشبة المسرح‪ .‬تلك الهيئة المنضبطة‬ ‫لكن الحساسة والهشة‪.‬‬

‫درصاف‬ ‫حمداني‬ ‫خالل الحفل‬ ‫(موقع‬ ‫مهرجان‬ ‫أفينيون‬ ‫العالمي)‬


‫الثقافة ‪4‬‬

‫الثالثاء ‪ 11‬أغسطس ‪ /‬آب ‪ 2015‬م ‪ 26‬شوال ‪ 1436‬هـ ¶ العدد ‪ 43‬السنة األولى‬ ‫‪Tuesday 11th August 2015‬‬

‫يجمع مهدي مبروك بين الباحث العلمي واألستاذ الجامعي في‬ ‫علم االجتماع والعمل في أرفع المناصب الحكومية الثقافية‪ ،‬إذ‬ ‫ول وزير ثقافة في تونس بعد الثورة‪ .‬وهو‪ ،‬باإلضافة‬ ‫تبوأ منصب أ ّ‬ ‫ّ‬ ‫ومفكر سياسي‪ ،‬وله مؤلفات عديدة‪.‬‬ ‫إلى ذلك‪ ،‬ناشط حقوقي‬ ‫ومنذ بداية العام الحالي‪ ،‬أصبح مبروك مدي ًرا لفرع تونس للمركز‬ ‫العربي لألبحاث والدراسات السياسة‬

‫شغف‬ ‫حوار أجرته‬ ‫حياة السايب‬

‫مهدي مبروك‬ ‫ليس مطلوبًا من المثقف االنسجام‬ ‫بل تأدية دوره النقدي‬

‫■ م ـ ّـر ع ــام تـقــريـ ًـبــا عـلــى افـتـتــاح ال ـفــرع التونسي‬ ‫للمركز الـعــربــي لــأبـحــاث وال ــدراس ــات السياسية‬ ‫؛ (فــرع تونس)‪ .‬هل من املمكن إعطاء فكرة حول‬ ‫طبيعة هذا املركز؟ وما هي أهدافه وبرامجه؟‬ ‫ت ــأس ــس (فـ ـ ـ ــرع تـ ــونـ ــس) ل ـل ـم ــرك ــز ال ـع ــرب ــي‬ ‫ل ــأب ـح ــاث ودراسـ ـ ـ ــة ال ـس ـي ــاس ــات ف ــي شـهــر‬ ‫يــولـيــو‪ /‬تـمــوز مــن ع ــام ‪ ،2014‬لكنه انطلق‬ ‫فـعـلـ ًـيــا ف ــي ال ـع ـمــل ف ــي ب ــداي ــة ش ـهــر يـنــايــر‪/‬‬ ‫كانون الثاني ‪ّ ،2015‬‬ ‫وتم ذلك بعد استكمال‬ ‫ّ‬ ‫ج ـ ـ ــل اإلجـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــراءات اإلداريـ ـ ـ ـ ـ ـ ــة وال ـت ــرت ـي ـب ـي ــة‬ ‫ّ‬ ‫واللوجستية‪ .‬وكلفت بإدارته ملدة سنة قابلة‬ ‫ً‬ ‫للتجديد وفقا ملا يقتضيه التشريع الثنائي‬ ‫بــن البلدين‪ .‬إال أن التفكير فــي إنـشــاء فرع‬ ‫ً‬ ‫موجودا منذ الثورة التونسية‪،‬‬ ‫تونس‪ ،‬كان‬ ‫إذ إن ال ـظــروف السياسية فــي الـبـلــد‪ ،‬أعني‬ ‫االنـفـتــاح السياسي وحــريــة التنظيم كانت‬ ‫مؤاتية ومناسبة‪.‬‬ ‫وأشير في هــذا الصدد‪ ،‬إلــى أن املدير العام‬ ‫لـلـمــركــز ّ‬ ‫األم ف ــي ال ــدوح ــة‪ ،‬ال ــدك ـت ــور عــزمــي‬ ‫بشارة‪ ،‬أقام عدة نقاشات حول األمر وتبادل‬ ‫ف ــي وج ـه ــات ال ـن ـظــر ب ـي ـنــه وبـ ــن ج ـم ـلــة من‬ ‫املثقفني والباحثني التونسيني‪ ،‬حــول هذا‬ ‫ال ـفــرع ال ــذي يـنـضــم إل ــى الـفــرعــن اآلخــريــن‪،‬‬ ‫أعني فرع بيروت وفرع واشنطن‪.‬‬ ‫ً‬ ‫ووفقا لقانونه األساسي‪ ،‬فإن املركز العربي‬ ‫لألبحاث ودراس ــة السياسات هــو مؤسسة‬ ‫خـ ّ‬ ‫ـاص ــة ذات ن ـفــع ع ـ ــام‪ ،‬وي ـن ـس ـحــب قــانـ ّـون‬ ‫الجمعيات الـتــونـســي عـلــى املــركــز املصنف‬ ‫ك ـج ـم ـع ـيــة وكـ ـف ــرع مل ـن ـظ ـمــة غ ـي ــر ح ـكــوم ـيــة‪.‬‬ ‫تتمتع فروع املركز‪ ،‬ومن بينها فرع تونس‪،‬‬ ‫باستقاللية إداري ــة ومــالـيــة وعلمية ضمن‬ ‫تحقيق أه ــداف املــركــز كما ورد فــي وثائقه‬ ‫ال ـتــأس ـي ـس ـيــة‪ ،‬أي خ ــدم ــة ال ـب ـحــث وامل ـعــرفــة‬ ‫ً‬ ‫خصوصا‬ ‫وتشجيع حركة اإلنتاج العلمي ‪،‬‬

‫الثالثاء ‪ 11‬أغسطس ‪ /‬آب ‪ 2015‬م ‪ 26‬شوال ‪ 1436‬هـ ¶ العدد ‪ 43‬السنة األولى‬ ‫‪Tuesday 11th August 2015‬‬

‫في مجال اإلنسانيات والعلوم االجتماعية‬ ‫ودراس ـ ـ ـ ــات اإلع ـ ـ ــام ع ـل ــى م ـس ـت ــوى ال ــوط ــن‬ ‫ال ـعــربــي‪ ،‬وبــالـطـبــع دع ــم ج ـهــود الـبــاحـثــن‪.‬‬ ‫ّأم ــا فــي مــا يـخـ ّـص بــرنــامــج عملنا‪ ،‬فيتمثل‬ ‫في إنجاز دراســات وبحوث علمية وتنظيم‬ ‫نــدوات ونشاطات فكرية‪ ،‬وإعــداد مؤتمرات‬ ‫علمية‪ ،‬إلــى جانب تنظيم دورات تكوينية‬ ‫ل ـ ـتـ ــدريـ ــب الـ ـ ـط ـ ــاب عـ ـل ــى مـ ـن ــاه ــج ال ـب ـح ــث‬ ‫وتطوير أدواتهم ًوأبحاثهم‪ ،‬وكذلك فإن في‬ ‫بــرنــامــج عملنا أيــضــا ت ـبــادل ال ـخ ـبــرات مع‬ ‫املــراكــز األخ ــرى‪ ،‬سـ ٌ‬ ‫ـواء أكــانــت مــراكــز وطنية‬ ‫أو أجنبية‪.‬‬ ‫■ ومــا هــي اآللـيــة الـتــي تـ ّـم وفقها اخـتـيــارك مــديـ ًـرا‬ ‫لفرع تونس؟‬ ‫كــان املركز األم في الدوحة قد عقد مؤتمره‬ ‫الثالث للعلوم االجتماعية في مارس ‪ /‬آذار‬ ‫‪ 2014‬ب ـتــونــس‪ ،‬وك ـنــت حـيـنـهــا ق ــد غ ــادرت‬ ‫الحكومة منذ يناير ‪ /‬كانون الثاني السنة‬ ‫ّ‬ ‫نفسها‪ ،‬وأصبحت في حــل من املسؤوليات‬ ‫ً‬ ‫مرشحا من بني مجموعة‬ ‫الحكومية‪ .‬وكنت‬ ‫م ــرش ـح ــن آخ ــري ــن‪ ،‬وقـ ــد ات ـص ــل ب ــي املــدي ــر‬ ‫ال ـع ــام‪ ،‬الــدك ـتــور عــزمــي ب ـش ــارة‪ ،‬وتناقشنا‬ ‫فـ ــي ع ـ ـ ـ ّـدة م ـس ــائ ــل مـ ــن ق ـب ـي ــل مـ ـه ــام امل ــرك ــز‬ ‫وأهدافه وإنتاجاته وخططه االستراتيجية‬ ‫وخطه البحثي‪ ،‬الذي ّ‬ ‫نسميه في الصحافة‬ ‫التونسية الخط التحريري‪ .‬وقد أكد الدكتور‬ ‫ً‬ ‫حــرصــه قـبــل غ ـيــره عـلــى أن ي ـكــون مستقل‬ ‫ّ‬ ‫وفي ما‬ ‫وموضوعيًا‪ ،‬وهكذا تـ ّـم ترشيحي‪.‬‬ ‫ُ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫بعد‪ ،‬وعندما تم إنشاء هيكلية املركز‪ ،‬ثبت‬ ‫ّ‬ ‫الناحية اإلداري ــة‪ ،‬فقد‬ ‫هــذا املقترح‪ .‬أمــا مــن ً‬ ‫آلليته التوظيفية‬ ‫بدأت العمل في املركز وفقا‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫أيضا ترتيبات‬ ‫وبحسب‬ ‫ووفقا لتشريعاته‪،‬‬ ‫ّ‬ ‫الــوكــالــة الــوطـنـيــة لـلـتـعــاون الـفــنــي‪ .‬وأتــوقــع‬

‫محطات‬ ‫ولد مهدي مبروك في ديسمبر‪/‬‬ ‫كانون ّ‬ ‫األول عام ‪.1963‬‬

‫▼‬

‫درس في كلية اآلداب بمنوبة وحاز‬ ‫على إجازة في العلوم اإلنسانية‬ ‫واالجتماعية‪.‬‬ ‫حصل على درجة املاجستير في‬ ‫العلوم االجتماعية عام ‪.1986‬‬ ‫حصل على درجة الدكتوراه في‬ ‫العلوم االجتماعية عام ‪.1991‬‬

‫▼‬

‫عضو في وحدة األبحاث حول‬ ‫الهجرة املنبثقة عن مركز‬ ‫الدراسات واألبحاث االقتصادية‬ ‫واالجتماعية‪ .‬أنجز دراسات علمية‬ ‫للجنة العليا في األمم املتحدة‬ ‫لشؤون الالجئني وكذلك للمنظمة‬ ‫الدولية للصليب األحمر‪.‬‬

‫▼‬

‫ً ▼‬ ‫ً‬ ‫مساعدا في كلية‬ ‫عمل أستاذا‬ ‫العلوم اإلنسانية في جامعة‬ ‫تونس بني عامي ‪ 1999‬و‪.2000‬‬ ‫▼‬

‫ً‬ ‫وزيرا للثقافة في حكومة‬ ‫عمل‬ ‫حمادي الجبالي بعد الثورة‬ ‫التونسية بني عامي ‪ 2011‬و‪.2014‬‬ ‫من أهم كتبه‪ :‬أشرعة وملح‪ :‬ثقافة‬ ‫ومأوى وتنظيم الهجرة غير‬ ‫الشرعية في تونس‪.2010 ،‬‬

‫أن ّ‬ ‫يتم تجديد فترة اإللـحــاق فــي أكتوبر‪/‬‬ ‫ّ‬ ‫تشرين األول من العام الجاري‪.‬‬ ‫ّ‬ ‫■ أرغ ــب ف ــي مـعــرفــة كـيــف تـعــامــل امل ـثــق ـفــون في‬ ‫تونس مع املركز‪ّ ،‬‬ ‫خاصة وأنه ذو تمويل أجنبي؟‬ ‫أفـهــم حـســاسـيــة بـعــض «ال ـص ــور» املضللة‬ ‫فــي كـثـيــر مــن األح ـي ــان‪ .‬لـكــن لـيــس مـطـلـ ً‬ ‫ـوبــا‬ ‫ـرد عليها‪ ،‬وال ال ـ ّ‬ ‫فــي مجال عملي ال ـ ّ‬ ‫ـرد على‬ ‫ّ‬ ‫املسبقة‪ ،‬بل إن املطلوب مني تبديد‬ ‫األحكام‬ ‫هــذه الصور النمطية التي تتضمن الكثير‬ ‫مـ ــن األحـ ـ ـك ـ ــام ال ـ ـجـ ــاهـ ــزة‪ ،‬وذل ـ ـ ــك مـ ــن خ ــال‬ ‫العمل ومنهجه‪ .‬فالسؤال كيف يتم ذلك؟ له‬ ‫إجــابــة وح ـيــدة ‪ :‬مــن خ ــال الـعـمــل وال شــيء‬ ‫سواه‪ ،‬لكن ضمن قناعة راسخة بأننا ّ‬ ‫نقدم‬ ‫ـورا ومساهمات ّ‬ ‫أم ـ ً‬ ‫مهمة فــي مجال البحث‬ ‫ال ـع ـل ـمــي‪ ،‬وذلـ ــك ض ـمــن ً اس ـت ـقــال ـيــة املـعــرفــة‬ ‫ومــوضــوعـيـتـهــا‪ ،‬ووف ــق ــا ل ــأه ــداف النبيلة‬ ‫الـتــي يسعى املــركــز إل ــى إن ـجــازهــا بطبيعة‬ ‫ّ‬ ‫ً‬ ‫ال ـح ــال‪ ،‬إذ إن امل ــرك ــز مـنـفـتــح أول ع ـلــى كــل‬ ‫ال ـك ـفــاءات وال ـخ ـبــرات العلمية‪ ،‬وثــانـ ًـيــا فــإن‬ ‫نوعية العمل وقيمة األبحاث هي ما تحدد‬ ‫ّ‬ ‫نــوع ـيــة ال ـعــاقــة م ــع ال ـبــاح ـثــن وامل ـفــكــريــن‪.‬‬ ‫ّ‬ ‫وأسـتـطـيــع ال ـق ــول إن ـنــا تـمــكـنــا خ ــال ظــرف‬ ‫وج ـيــز مــن ال ـح ـصــول عـلــى ثـقــة طـيــف كبير‬ ‫من الزمالء واالباحثني‪ ،‬وأكثر من ذلك‪ ،‬فقد‬ ‫أصـبــح لدينا شــراكــات علمية‪ ،‬إن كــان على‬ ‫املستوى الوطني أو على املستوى الدولي‪.‬‬ ‫ف ـق ــد أن ـج ــزن ــا ن ـ ـ ــدوات ب ــال ـت ـع ــاون م ــع كـلـيــة‬ ‫الـعـلــوم اإلنـســانـيــة فــي الـتــاســع مــن أبــر ّيــل ‪/‬‬ ‫نيسان املنصرم‪ ،‬ومع كلية اآلداب بمنوبة‪،‬‬ ‫ّ‬ ‫الكليات في تونس‪ ،‬إلى‬ ‫وهما من بني أكبر‬ ‫جــانــب مــؤس ـســات بـحـثـيــة أجـنـبـيــة‪ .‬ونـحــن‬ ‫ً‬ ‫اليوم‪ ،‬مثل‪ ،‬بصدد وضع اللمسات األخيرة‬ ‫مــع «مـخـبــر الـنـخــب وامل ـع ــارف واملــؤسـســات‬ ‫الثقافية بــاملـتــوســط» فــي كلية مـنــوبــة‪ ،‬من‬ ‫أجــل تنظيم ن ــدوة علمية حــول «السياسي‬ ‫ف ــي اإلس ـ ــام ف ــي ال ـق ــرون الــوس ـطــى» خــال‬ ‫شـهــر أك ـتــوبــر‪ /‬تـشــريــن ّ‬ ‫األول ال ـق ــادم‪ .‬وقــد‬ ‫تلقينا حوالى مائة طلب للمشاركة من عدة‬ ‫بلدان عربية‪ ،‬انتخبنا منها أربعة وخمسني‬ ‫بلدًا‪ .‬وتلقينا كذلك ما يقارب مائة وثمانني‬ ‫طـلـ ًـبــا لـتـقــديــم م ــداخ ــات وأوراق بـحــث في‬ ‫الـنــدوة العلمية التي يعتزم املــركــز بمفرده‬ ‫تنظيمها حــول «الفقر والـفـقــراء فــي املغرب‬ ‫الـ ـع ــرب ــي» خ ـ ــال ش ـه ــر ن ــوف ـم ـب ــر‪ /‬ت ـشــريــن‬ ‫الثاني الــذي يليه‪ ،‬إلــى جانب تنظيم نــدوة‬ ‫مــع كـلـيــة ال ـع ـلــوم اإلنـســانـيــة واالجـتـمــاعـيــة‬ ‫حــول «الــذاكــرة والـهــويــة» فــي الشهر نفسه‪.‬‬ ‫ولــدي ـنــا ع ــدة م ـشــاريــع أخ ــرى لـلـتـعــاون مع‬ ‫الـكـلـيــات نـفـسـهــا وم ــع الـجــامـعــة الـعــربـيــة ‪-‬‬ ‫مركز تونس‪ ،‬ومراكز بحوث أخرى‪.‬‬

‫■ ك ـيــف يـمـكــن أن يـسـتـفـيــد امل ــواط ــن عـمـلـ ًـيــا من‬ ‫امل ـج ـهــود الـعـلـمــي واألبـ ـح ــاث ال ـتــي ت ـقــومــون بـهــا؟‬ ‫وهل تضعون في االعتبار الجدوى والنجاعة في‬ ‫سياستكم كمدير للمركز؟‬ ‫ليست العالقة بني مراكز األبحاث واملواطن‬ ‫ب ـصــورة عـ ّ‬ ‫ـامــة عــاقــة م ـبــاشــرة‪ .‬فـفــي مجال‬ ‫اإلنـ ـس ــانـ ـي ــات عـ ـل ــى س ـب ـي ــل امل ـ ـث ـ ــال‪ ،‬ت ـك ــون‬ ‫الـجــدوى واملــردوديــة غير مباشرة‪ ،‬وهــي ال‬

‫مهدي مبروك (رسم‪ :‬أنس عوض)‬

‫أول إصالح للتعليم‬ ‫كان ّ‬ ‫شهدته تونس سنة ‪1958‬‬ ‫على يد وزير التربية آنذاك‬ ‫األديب التونسي محمود‬ ‫حدا‬ ‫المسعدي ليضع ً‬ ‫لتعدد النظم التعليمية‬ ‫ويوحدها في‬ ‫في البالد‪،‬‬ ‫ّ‬ ‫تعليم عمومي إلزامي‬

‫اإلصرار على أن يكون المثقف‬ ‫في موقع القيادة‪ ،‬فيه نوع‬ ‫من النرجسية‪ ،‬التي تريد احتكار‬ ‫الثقافة‬

‫وهل من املمكن الحديث عن مصادر التمويل؟‬ ‫■ ّ‬ ‫ن ـت ـلــقــى ت ـمــوي ـل ـنــا م ــن مـ ـص ــدر وحـ ـي ــد هــو‬ ‫املــر ًكــز األم فــي الــدوحــة‪ .‬ونخضع للمراقبة‬ ‫وف ــق ــا لـلـتــرتـيـبــات ال ـقــانــون ـيــة امل ـع ـمــول بها‬ ‫في تونس‪ .‬وكـ ّـل التحويالت إلى املركز ّ‬ ‫تمر‬ ‫عـبــر امل ـصــرف امل ــرك ــزي‪ .‬وأرغ ــب فــي التأكيد‬ ‫ّ‬ ‫على أن التمويل وامليزانية هما أقــل بكثير‬ ‫مما قــد يـتـصـ ّـوره بعض الـنــاس‪ .‬وبــاملــوازاة‬ ‫م ــع ه ــذا ال ـت ـمــويــل‪ ،‬فــإنـنــا نـخـضــع لتدقيق‬ ‫محاسبي ومراقبة دقيقتني من املركز األم‪،‬‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫املسبقة‪ ،‬وذلك‬ ‫التصورات‬ ‫على عكس بعض‬ ‫وف ــق ق ــواع ــد مـحــاسـبـيــة ش ــدي ــدة ال ـصــرامــة‪،‬‬ ‫ً‬ ‫األخالقي أو الـ ‪ Ethics‬أي‬ ‫فضل عن الجانب ّ‬ ‫التصرف النزيه والشفاف والقيم التي نحن‬ ‫ملتزمون بها ً‬ ‫أدبيا‪.‬‬

‫عمل في وزارة الثقافة التونسية‬ ‫في دار الثقافة ودار الكتب‬ ‫الوطنية‪.‬‬

‫مقتطف‬

‫إصالحات التعليم وثقافة اإلرهاب‬ ‫مهدي مبروك‬

‫تـ ـ ّـم الـ ـح ــرص ع ـلــى أن ي ـك ــون هـ ــذا الـتـعـلـيــم‬ ‫ً‬ ‫منفتحا على املـعــارف الكونية مــن تقنيات‬ ‫ّ‬ ‫ـص تدريجي‬ ‫وع ـلــوم وآداب وذل ــك فــي تـخــلـ ٍ‬ ‫مــن هيمنة املـعــارف الشرعية القديمة التي‬ ‫كــانــت الـسـمــة ال ـبــارزة ألنـظـمــة التعليم قبل‬ ‫االسـ ـتـ ـق ــال‪ .‬وب ـق ـط ــع ال ـن ـظ ــر ع ــن امل ـح ـتــوى‬ ‫الضمني لإلصالح واستراتيجياته الثقافية‬ ‫واملعرفية التي كانت لها تبعات خطيرة في‬ ‫ما بعد على قيم أجيال كاملة وتصوراتها‪،‬‬ ‫ف ــإن أه ــم مــا يـمـكــن اإلش ـ ــارة إل ـيــه ح ــول هــذا‬ ‫ّ‬ ‫اإلص ـ ــاح ه ــو م ــا ُسـ ــن م ــن م ـب ــادئ ال زال ــت‬ ‫تـحـكــم الـتـعـلـيــم والـتــربـيــة فــي تــونــس‪ ،‬على‬ ‫ّ‬ ‫الرغم من نصف قرن مضى‪ ،‬ولعل أهم تلك‬ ‫املبادئ واألسس هي اآلتية‪:‬‬

‫ التعليم إلزامي وخاصة بالنسبة للبنات‬‫وللبنني الــذيــن بلغوا مــن العمر ‪ 6‬سنوات‪،‬‬ ‫بحيث ّ‬ ‫تعهدت الــدولــة بتوفير االعـتـمــادات‬ ‫املــالـيــة والـفـنـيــة وال ـب ـشــريــة‪ ،‬لــذلــك احـتـكــرت‬ ‫الدولة الشأن التربوي مما حال دون ّ‬ ‫تطور‬ ‫مواز ً إال في السنوات األخيرة‪،‬‬ ‫خاص‬ ‫تعليم‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫ً‬ ‫ولم تترك لها هامشا ضئيل والزالت تبعات‬ ‫هذا إلى حد اآلن قائمة‪.‬‬ ‫ً‬ ‫ التعليم العالي بشكل عــام مجاني أيضا‬‫لحاملي شهادة البكالوريا أي ختم املرحلة‬ ‫الـ ـث ــان ــوي ــة‪ .‬ولـ ـق ــد دع ـم ــت الـ ــدولـ ــة تـ ُـوسـيــع‬ ‫ال ـ ـخـ ــارطـ ــة الـ ـج ــامـ ـعـ ـي ــة وت ـ ـنـ ــويـ ــع ال ــش ـع ــب‬ ‫ً‬ ‫خصوصا فــي الثمانينيات والتسعينيات‬ ‫مـ ـ ــن ال ـ ـ ـقـ ـ ــرن املـ ـ ــاضـ ـ ــي فـ ـ ــي مـ ــواك ـ ـبـ ــة م ـن ـهــا‬ ‫ّ‬ ‫ً‬ ‫نسبا‬ ‫للتحوالت الديموغرافية‪ ،‬كما مكنت‬ ‫م ـه ـم ــة م ـن ـه ــم مـ ــن مـ ـن ـ ٍـح وخـ ــدمـ ــات ال ـس ـكــن‬

‫التعليم العالي بشكل عام‬ ‫مجاني ً‬ ‫أيضا لحاملي‬ ‫شهادة البكالوريا‬

‫ً‬ ‫وخصوصا للمنحدرين من أوساط‬ ‫واألكل‪ّ ،‬‬ ‫جامعية هشة أو متوسطة‪.‬‬ ‫ّ‬ ‫مكن هــذا اإلص ــاح التأسيسي التعليم من‬ ‫نشر املدرسة في املناطق الداخلية بالبالد‬ ‫الـتــونـسـيــة‪ ،‬مـمــا أتـ ــاح ف ــي م ــا بـعــد تحقيق‬

‫ّ‬ ‫حـ ــراك اج ـت ـمــاعــي ص ــاع ــد‪ ،‬تـمــكـنــت بفضله‬ ‫ال ـط ـب ـقــات ال ــدن ـي ــا م ــن ال ـص ـع ــود ف ــي الـسـلــم‬ ‫ّ‬ ‫االجـ ـتـ ـم ــاع ــي وت ـ ــول ـ ــي وظـ ــائـ ــف وم ـك ــان ــات‬ ‫ّ‬ ‫ظلت لقرون ً‬ ‫حكرا على أبناء فئات‬ ‫اجتماعية‬ ‫نـبــاء امل ــدن وعــائــات املــديـنــة الـعــريـقــة‪ .‬كما‬ ‫ســاهــم خريجو الجامعة القالئل آن ــذاك من‬ ‫بـنــاء أجـهــزة الــدولــة الوطنية ومؤسساتها‬ ‫األهم‪،‬‬ ‫وتسييرها‪ .‬أما اإلصالح الثاني وهو ُ‬ ‫فقد حدث سنة ‪ 1991‬بموجب قانون نعت‬ ‫بـقــانــون مـحـمـ ّـد الـشــرفــي نـسـبــة إل ــى السيد‬ ‫وزير التربية آنذاك‪ .‬وقد اعتمد هذا اإلصالح‬ ‫ُبعيد التغيير السياسي الذي عرفته البالد‬ ‫آنــذاك ‪ .‬وحمل ّ‬ ‫توجهات فكرية ورؤى تدور‬ ‫حــول قيم املواطنة‪ ،‬ولكنه انغرس في رؤى‬ ‫ً‬ ‫إيــديــولـ ّـوجـيــة حـ ــادة‪ ،‬ان ـخــراطــا فــي الحملة‬ ‫التي شنها النظام ّ‬ ‫ضد اإلسالميني‪ .‬فكانت‬

‫‪ 5‬الثقافة‬

‫امل ــدرس ــة ً‬ ‫ذراع ـ ـ ــا س ـيــاسـ ًـيــا وإي ــدي ــول ــوج ـ ًـي ــا‬ ‫ً‬ ‫للنظام في معركته تلك‪ .‬وبعيدا من تقييم‬ ‫ت ـلــك االصـ ــاحـ ــات‪ ،‬والـ ـب ــاد تـعـيــش حــالـ ًـيــا‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫مماثل هو ّ‬ ‫األول بعد الثورة‪ ،‬فإنه‬ ‫مشروعا‬ ‫ح ــري بـنــا أن ن ـطــرح جـمـلــة م ــن ال ـت ـســاؤالت‬ ‫س ـت ـك ــون اإلجـ ــابـ ــة ع ـن ـهــا ب ــواب ــة الـ ـب ــدء فــي‬ ‫املشروع القادم ‪:‬‬ ‫ ما الذي قاد هذا التدحرج الرهيب للمدرسة‬‫الـتــونـسـيــة ّ‬ ‫وأدى إل ــى تــراجـعـهــا امل ــريــع في‬ ‫الترتيب ضمن االختبارات الدولية املعروفة‬ ‫رغــم تلك اإلصــاحــات الـتــي تـبــدو منخرطة‬ ‫في زمانها؟‬ ‫النص الكامل‬ ‫على الموقع األلكتروني‬

‫تعني الجمهور العريض‪ ،‬إذ إن العديد من‬ ‫القضايا الفكرية قد ال ّ‬ ‫تهم هذه الجماهير‬ ‫ف ــي الـلـحـظــة اآلنـ ـي ــة‪ .‬ل ـكــن لــدي ـنــا نـشــاطــات‬ ‫أخ ـ ــرى ت ـه ـ ّـم امل ــواط ــن ب ـش ـكــل م ـب ــاش ــر‪ ،‬ومــن‬ ‫بينها الــدراســات التي أنجزها املركز حول‬ ‫التعبئة االنـتـخــابـيــة‪ ،‬وسـتـصــدر قــريـ ًـبــا في‬ ‫منشوراتنا‪ .‬ومــن األمــور االخــرى التي ّ‬ ‫تهم‬ ‫امل ــواط ــن م ـبــاشــرة‪ ،‬ورشـ ــات الـعـمــل‪ ،‬وق ــد تـ ّـم‬ ‫ال ـتــرك ـيــز ف ـي ـهــا ع ـلــى م ــواض ـي ــع ت ـه ـ ّـم الـ ــرأي‬ ‫العام الواسع‪ ،‬على غــرار اإلصــاح التربوي‬ ‫وال ـع ــدال ــة ال ـج ـبــائ ـيــة واالن ـت ـح ــار وغ ـيــرهــا‪.‬‬ ‫ّ‬ ‫نظمنا كذلك مجموعة من املوائد املستديرة‬ ‫ح ــول قـضــايــا تـهـ ّـم املــواطــن مـبــاشــرة‪ ،‬ونـعــدّ‬ ‫لـتـنـظـيــم مـ ّجـمــوعــة أخـ ــرى مـنـهــا سـتـتـنــاول‬ ‫مهمة ً‬ ‫قضايا نظنها ّ‬ ‫جدا‪ ،‬مثل قضية املياه‬ ‫وقضية الجباية‪ ،‬وكذلك مسائل اجتماعية‬ ‫كـ ـم ــوض ــوع ال ـط ـف ــول ــة امل ـ ـه ـ ـ ّـددة والـ ـتـ ـس ـ ّـرب‬ ‫امل ــدرس ــي وغ ـي ــره ــا‪ .‬ال ن ـج ــزم بــأن ـنــا نعمل‬ ‫بطريقة مــراكــز «الثينك تــانــك» ‪Think tank‬‬ ‫املــوجــودة فــي الــواليــات املتحدة األميركية‪،‬‬ ‫أو غـيــرهــا مــن ال ـب ـلــدان‪ ،‬لـكــن فــي مــا لــو أراد‬ ‫أص ـ ـحـ ــاب الـ ـ ـق ـ ــرار حـ ـض ــور ن ـش ــاط ــات ـن ــا أو‬ ‫االستفادة من بحوثنا فنحن نرحب به‪.‬‬ ‫وال ّ‬ ‫بد من اإلشارة إلى أننا ما زلنا في بداية‬ ‫ان ـطــاق ـت ـنــا‪ ،‬إذ إن س ـنــة ‪ 2015‬ك ــان ــت سنة‬ ‫تجريبية ونعمل كــي تكون السنة القادمة‬ ‫‪ 2016‬سنة تأسيسية للمركز‪.‬‬ ‫■ مــا الــذي ّ‬ ‫يميز هــذا املــركــز عــن غيره مــن مراكز‬ ‫ّ‬ ‫األبحاث األخــرى‪ ،‬وبشكل خــاص مراكز األبحاث‬ ‫الجامعية؟ ما نقاط االختالف عنها؟‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫أول نحن ال ننجز دارساتنا وأبحاثنا وفقا‬ ‫لطلب م ــا‪ ،‬أي إنـهــا ليست «تـحــت الـطـلــب»‪.‬‬ ‫ّ‬ ‫ً‬ ‫وثانيا‪ ،‬نحن في حل من القوانني التي تلتزم‬ ‫بها الجامعات‪ ،‬التي تجعلها ال تخرج عن‬ ‫اإلطــار التقليدي واملفهوم املـتــوارث للبحث‬ ‫ال ـع ـل ـم ــي‪ .‬ك ـم ــا أنـ ـن ــا ن ـت ـج ـنــب األطـ ــروحـ ــات‬ ‫ال ـن ـم ـط ـيــة وال ـس ـط ـح ـي ــة‪ ،‬ون ـس ـع ــى لـتـقــديــم‬ ‫مساهمات علمية تعتمد على أرقــام دقيقة‬ ‫وعلى ورشات عمل‪ ،‬ونتواصل مع الفاعلني‬ ‫األساسيني ومع املجتمع املدني‪.‬‬ ‫■ تـبــوأت منصب وزيــر الثقافة‪ ،‬وكنت ّأول وزيــر‬ ‫ثقافة في تونس بعد الثورة‪ .‬وأنت من الشخصيات‬ ‫القليلة الـتــي صـ ّـرحــت بــارتـكــاب أخـطــاء حــن كنت‬ ‫تعمل في الحكومة‪ ،‬فكيف تبدو لك أمــور الثقافة‬ ‫في تونس اليوم‪ ،‬بعد فترة من مغادرتك منصب‬ ‫وزير الثقافة في حكومة الترويكا؟‬ ‫أعـتـقــد أن الـتــاريــخ وح ــده يمكنه أن ّ‬ ‫يقيم‬ ‫ب ـمــوضــوع ـيــة ت ـجــرب ـتــي ع ـل ــى رأس وزارة‬ ‫ال ـث ـقــافــة ف ــي ع ـهــد ح ـكــومــة ال ـتــروي ـكــا‪ ،‬الـتــي‬ ‫انبثقت عن انتخابات ‪ 23‬أكتوبر ‪ /‬تشرين‬ ‫ّ‬ ‫األول ‪ ،2011‬وال ـ ـت ـ ــي ه ـ ــي االنـ ـتـ ـخ ــاب ــات‬ ‫ال ــدي ـم ـق ــراط ـي ــة األول ـ ـ ــى ف ــي ت ــاري ــخ ال ــدول ــة‬ ‫ّ‬ ‫الـتــونـسـيــة املـسـتـقــلــة وال ـحــدي ـثــة‪ ،‬كـمــا أنـهــا‬ ‫ّ‬ ‫كــانــت االس ـت ـح ـقــاق االن ـت ـخــابــي األول بعد‬ ‫ال ـث ــورة‪ .‬فــي مــا يـخــص «ارت ـك ــاب األخ ـطــاء»‪،‬‬ ‫ّ‬ ‫فأظنني قمت بأخطاء تظل مرتبطة بوجه‬ ‫خاص بـ «اإلخراج اللفظي لبعض املواقف»‪.‬‬ ‫إذ إن بعض املصطلحات التي استعملتها‪،‬‬ ‫لربما كانت «قوية» بعض الشيء‪ ،‬أو أنها لم‬ ‫تعبر ً‬ ‫ّ‬ ‫جيدا عن موقفي‪ .‬إال أن هــذا ال يعني‬ ‫أنني لم أشتغل بشكل جيد‪ ،‬بل إنني قمتُ‬ ‫بعمل ّ‬ ‫مهم خاصة على مستوى التشريعات‬ ‫وتطوير املوارد البشرية وترشيد املال العام‬ ‫ومكافحة الفساد‪.‬‬ ‫■ ّلكننا نالحظ أن القطاع الثقافي يعاني اليوم من‬ ‫مخلفات «تصفية « اللجان الثقافية بعد الـثــورة‪،‬‬ ‫الـتــي ساهمت فــي تعطيل العمل الثقافي ّ‬ ‫خاصة‬ ‫فــي املـنــاطــق التونسية‪ ،‬ويـتـ ّـم تحميلك باستمرار‬ ‫ّ‬ ‫مسؤولية حل هذه اللجان‪ .‬فماذا تقول؟‬ ‫ّ‬ ‫ل ــم أحـ ــل ال ـل ـجــان الـثـقــافـيــة‪ .‬وأق ـ ــول ذل ــك من‬ ‫دون ال ـت ـه ــرب م ــن املـ ـس ــؤولـ ـي ــة‪ ،‬وأؤك ـ ـ ــد أن‬ ‫القرار اتخذ في فترة زميلي الــذي سبقني‪،‬‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫عــز الــديــن بــاش ش ــاوش‪ .‬وأذك ــر أن قــرار حل‬ ‫اللجان الثقافية‪ ،‬اتـخــذ بعد معاينة دائــرة‬ ‫املـحــاسـبــات واكتشافها لــوجــود إخ ــال في‬ ‫التصرف املالي يصل إلى املاليني‪ .‬مع العلم‬ ‫ّ‬ ‫بأن دائرة املحاسبات كانت قد أوصت بحل‬ ‫اللجان الثقافية قبل الثورة‪ .‬وحني استلمت‬ ‫ال ــوزارة‪ ،‬وجــدت الجثة فلم أحييها‪ ،‬إن جاز‬ ‫ّ‬ ‫التعبير‪ ،‬ه ــذا ك ــل مــا فــي األم ــر‪ .‬ولعلنا في‬ ‫حاجة إلــى تنشيط الــذاكــرة في هــذا املجال‪،‬‬ ‫ً‬ ‫منبعا للفساد‬ ‫إذ إن اللجان الثقافية كانت‬ ‫ّ‬ ‫ً‬ ‫مطلبا للنخب الثورية حينذاك‪.‬‬ ‫وكان حلها‬ ‫النص الكامل‬ ‫على الموقع األلكتروني‬

‫منمنمات‬ ‫عن «الحقيقة الحقيقيّة»‬ ‫أنطوان شلحت‬

‫بعد عدة أشهر ّ‬ ‫يمر عقد من السنوات على خطاب الكاتب‬ ‫ّ‬ ‫اإلنكليزي هارولد بنتر الذي كتبه في مناسبة تسلمه‬ ‫جائزة نوبل لآلداب لسنة ‪( 2005‬قبل ثالث سنوات من‬ ‫وفاته سنة ‪ .)2008‬وقد ّتم إلقاء الخطاب نيابة عنه أمام‬ ‫األكاديمية السويدية يوم ‪ 7‬ديسمبر‪ /‬كانون ّ‬ ‫األول ‪،2005‬‬ ‫ّ‬ ‫لتعذر سفره بسبب املرض‪ .‬في ذلك الخطاب الطويل الذي‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫فكري‪،‬‬ ‫يمكن إدراجه في إطار ما خلفه هذا الكاتب من إرث‬ ‫ّ‬ ‫حدد بنتر مهمة املبدع أكثر من أي غاية أخرى في السعي‬ ‫لتعريف ما ّ‬ ‫سماه «الحقيقة الحقيقية» للواقع الذي يعيش‬ ‫ُ‬ ‫يحكم‬ ‫في كنفه‪ ،‬بل اعتبر أن هذا السعي هو تمامًا ما‬ ‫الجهد الذي يبذله الكاتب لالستكشاف واإلملاح إلى عوامل‬ ‫التجاوز‪ .‬وبرغم أنه أكد بشكل جازم عدم إمكان بلوغ‬ ‫الحقيقة في املسرح على اإلطالق‪ ،‬إلى جانب استحالة العثور‬ ‫عليها كاملة فيه‪ ،‬فإنه أشار إلى أن «إصرارنا فقط على‬ ‫تعريف الحقيقة سيعيد لنا ما فقدناه من حياتنا‪ :‬الكرامة‬ ‫اإلنسانية»‪ .‬كان بنتر في حياته (ولد سنة ‪ 1930‬وتوفي‬ ‫عن ‪ 78‬عامًا)‪ ،‬كاتبًا مسرحيًا وشاعرًا‪ .‬واشتهر باستخدام‬ ‫الكلمات ألغراض غير تلك املألوفة إلى ناحية جعل إيقاعها‬ ‫ّ‬ ‫يولد إحساسًا بالخوف والتهديد‪ .‬من هنا وصف بعض‬ ‫النقد أعماله بأنها عنيفة وأطلقت على مسرحياته تسمية‬ ‫«كوميديا التهديد»‪ .‬كما اعتمد كثيرًا على تكرار الكلمات‬ ‫واأللفاظ وعلى تجريدها من معناها املصطلح عليه بحيث‬ ‫ً‬ ‫مستقال عن املعنى الذي ّ‬ ‫يحددها لها ‪.‬‬ ‫تكتسب كيانًا‬ ‫أطلق على بنتر أيضًا لقب «شاعر الصمت» ألنه أكثر من‬ ‫استخدام فترات الصمت في الحوار وكان يهدف من وراء‬ ‫ّ‬ ‫يتصور االضطرابات النفسية أو‬ ‫ذلك إلى جعل املتفرج‬ ‫ّ‬ ‫املخاوف واألحاسيس املتعددة التي تعتمل في نفسية‬ ‫الشخصيات‪ .‬عندما ُسئل بنتر في أحد الحوارات معه‪:‬‬ ‫ما هو املسرح بالنسبة إليك؟ أجاب‪« :‬إنه ملعبي‪ .‬فيه أطلق‬ ‫ّ‬ ‫العنان لكل ما أوتيت من جنون وهلوسة‪ ،‬ولذا غالبًا ما تكون‬ ‫شخصياتي غريبة على نفسها وعلى العالم‪ ،‬مثلي‪ .‬وهذا ما‬ ‫يدفعني أيضًا إلى التمثيل في‬ ‫مسرحياتي‪ .‬إنها عاملي البديل‬ ‫سئل بنتر في‬ ‫عندما ُ‬ ‫الذي أصنعه على مزاجي‪ ،‬وبه‬ ‫أحد الحوارات‪ :‬ما هو‬ ‫حدود العالم الفعلي‬ ‫من‬ ‫أنتقم‬ ‫المسرح بالنسبة إليك‬ ‫ُ‬ ‫ّ‬ ‫الضيق الذي أعطي لي‪ .‬إن الكاتب‬ ‫أجاب‪« :‬إنه ملعبي»‬ ‫املسرحي إله‪ ،‬يعيد اختراع الكون‬ ‫مع كل مسرحية جديدة‪ .‬إنه إله‬ ‫ّ‬ ‫يجلس وحيدًا مع نفسه ويفكر‪ :‬من سأخلق اليوم وماذا‬ ‫سأفعل بتلك املخلوقات؟»‪ .‬ثمة مسألتان أخريان ملفتتان‬ ‫ّ‬ ‫السياسي‬ ‫في هذا الخطاب‪ :‬األولى‪ ،‬تنويه بنتر أن الكالم‬ ‫على النحو الذي يتم استخدامه من جانب معظم الساسة‬ ‫ُ‬ ‫خوض مسار تعريف الحقيقة‪ ،‬ألن‬ ‫يغامر مطلقًا في‬ ‫ال‬ ‫ِ‬ ‫غالبية الساسة ال يهتمون بالحقيقة بل بالسلطة وبالحفاظ‬ ‫عليها‪ .‬ولكي ُيحافظ هؤالء على هذه السلطة ينبغي للناس‬ ‫ـ الجمهور العريض ـ أن يبقوا أسرى الجهل‪ ،‬وأن يحيوا في‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫الخاصة‪،‬‬ ‫ظل جهل الحقيقة‪ ،‬بما في ذلك حقيقة حياتهم‬ ‫وبالتالي فإن ما يحيط بنا إنما هو نسيج رحب من‬ ‫ّ‬ ‫األكاذيب التي نتغذى منها‪.‬‬ ‫الثانية‪ ،‬كشفه مخادعة املرآة‪ .‬برأي بنتر عندما ننظر إلى‬ ‫املرآة نعتقد أن الصورة التي تواجهنا دقيقة‪ ،‬لكن ابتعد‬ ‫مليمترًا واحدًا والصورة ّ‬ ‫تتغير‪ .‬فنحن في الحقيقة ننظر إلى‬ ‫انعكاسات النهائية‪ .‬بيد أنه في بعض األحيان ّ‬ ‫يتعي على‬ ‫الكاتب أن يحطم املرآة ألن الحقيقة التي في الجانب اآلخر‬ ‫ّ‬ ‫تحدق بنا‪ .‬في املقطع األخير من الخطاب ذكر بنتر أنه أتى‬ ‫مرارًا على ذكر املوت في الخطاب‪ ،‬ولذا أبدى رغبته في أن‬ ‫يقرأ إحدى قصائده وعنوانها «املوت»‪ ،‬والتي يقول فيها‪:‬‬ ‫أين وجدت الجثة؟‬ ‫من وجد الجثة؟‬ ‫هل كانت الجثة جثة عندما وجدت؟‬ ‫كيف وجدوها‪ ،‬الجثة؟‬ ‫من كانت الجثة؟‬ ‫من كان والد الجثة املهجورة‬ ‫أو ابنها أو شقيقها‬ ‫أو ّ‬ ‫عمها أو أختها أو والدها أو ابنها؟‬ ‫هل كانت الجثة جثة عندما هجروها؟‬ ‫هل ُهجرت الجثة؟‬ ‫من هجرها؟‬ ‫ثياب الرحلة؟‬ ‫هل كانت الجثة عارية أم ترتدي ً‬ ‫ما الذي دفعكم إلى إعالن الجثة جثة؟‬ ‫هل أعلنتموها جثة؟‬ ‫إلى أي مدى كنتم تعرفون الجثة؟‬ ‫كيف عرفتم أنها جثة؟‬ ‫هل غسلتم الجثة؟‬ ‫هل أغمضتم عينيها االثنتني‬ ‫هل دفنتم الجثة‬ ‫هل هجرتموها؟‬ ‫هل ّقبلتم الجثة؟‬ ‫ً‬ ‫(الترجمة العربية نقال عن موقع «جهة الشعر» اإللكتروني)‬


‫الثقافة ‪6‬‬

‫الثالثاء ‪ 11‬أغسطس ‪ /‬آب ‪ 2015‬م ‪ 26‬شوال ‪ 1436‬هـ ¶ العدد ‪ 43‬السنة األولى‬ ‫‪Tuesday 11th August 2015‬‬

‫‪ 7‬الثقافة‬

‫الثالثاء ‪ 11‬أغسطس ‪ /‬آب ‪ 2015‬م ‪ 26‬شوال ‪ 1436‬هـ ¶ العدد ‪ 43‬السنة األولى‬ ‫‪Tuesday 11th August 2015‬‬

‫أصوات‬ ‫¶ شعر‬

‫طه عدنان‬

‫عين الديك‬

‫ب‬ ‫الح ّ‬ ‫ُ‬ ‫قصائد في ُ‬

‫صباح النور يا روبيرت‬

‫ب‬ ‫الح ّ‬ ‫في ُ‬ ‫في ُ‬ ‫الح ِّب‬ ‫ َ‬‫ُ‬ ‫ِّ‬ ‫آناء الحب ‪-‬‬ ‫َ‬ ‫أكر ُه املوسيقى‬ ‫التسجيل‬ ‫آلة‬ ‫على‬ ‫ُ‬ ‫ٌ‬ ‫ُ‬ ‫ينبض‬ ‫َقلب ِك ُقيثارة ُحني ِ‬ ‫وأنفاس ِك أنني ناي‬ ‫في ُ‬ ‫الح ِّب‬ ‫نرقص السامبا ُقعوداً‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫نوبنا‬ ‫وعلى ج ِ‬

‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫كرنفال ّ‬ ‫الروح‬ ‫الح ُّب‬ ‫في ُ‬ ‫الح ِّب‬ ‫َ َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫أكر ُه شعر ِك الطويل‬ ‫ُ ُ ُ​ُ ََْ‬ ‫خصالته تعلق بأنفاسي‬

‫في ُ‬ ‫الح ِّب‬ ‫ َ‬‫ُ‬ ‫ِّ‬ ‫آناء الحب ‪-‬‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ِّ‬ ‫أكر ُه‬ ‫ُِ‬ ‫عبارات الحب ً‬ ‫َّ‬ ‫ُّ‬ ‫الضم أصدق أشواقا‬ ‫ْ‬ ‫ِمن َوجيب الكالم‬

‫في ُ‬ ‫الح ِّب‬ ‫َ‬ ‫أكر ُه املالءات‬ ‫غطاؤك‬ ‫أنا‬ ‫ِ‬

‫ل َم ال نكتفي ُ‬ ‫بالح ِّب‬ ‫ِ‬ ‫يا حبيبتي‬ ‫قبل أن ننام؟‬

‫رائع‬ ‫ّ‬ ‫ُ‬ ‫بال ِك‬ ‫ملاذا ُكلما أزهرت في ِ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫كرز‬ ‫مثل‬ ‫ش ْجير ِة ٍ‬ ‫َ ْ َ‬ ‫و‬ ‫ل‬ ‫ت‬ ‫و ِدد ُ ِ‬ ‫ّ‬ ‫العشق َجف ْت‬ ‫عيون‬ ‫ِ‬ ‫قلبك غاض ِت األنساغ؟‬ ‫وفي‬ ‫ِ‬ ‫َّ‬ ‫اكفهر ْت‬ ‫َو ِد ْد ِت لو‬ ‫ُ‬ ‫سماء الغرام التي بيننا‬ ‫ً‬ ‫ُ‬ ‫ِلتمطر خطايا صغيرة‬ ‫خيانات‬ ‫َو‬ ‫ٍ‬ ‫َْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫غيوم كأداء‬ ‫ت ْرعينها مثل‬ ‫ٍ‬ ‫في فضاء الهجر‬ ‫أو مثل ماشيةٍ‬ ‫في براري القسوة‬

‫َ‬ ‫َو ِد ْد ِت ل ْو‬ ‫ّ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫فتحت ذراع َّي‬ ‫كلماُ َ‬ ‫ألحضن ِك‬ ‫ُ‬ ‫لك‬ ‫تراءيت ّ ِ‬ ‫لقلبك النافر‬ ‫ِ‬ ‫منبوذ‬ ‫صليب‬ ‫مثل‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫وسط حقل خشخاش‬ ‫كي ُتشيحي ِّ‬ ‫بحب ِك‬ ‫وتطيري‬ ‫َمثل ّقبر ٍة‬ ‫ّ‬ ‫الجو‬ ‫خال لها‬ ‫َود ْدت َل ْو ّ‬ ‫كلما‬ ‫ِْ َ ِ‬ ‫عيناك بدمع الشوق‬ ‫تألأل ْت‬ ‫ِ‬ ‫ّ‬ ‫تجمد‬

‫ْ‬ ‫العزيز‬ ‫وذرف ِت َب َدل الدمع‬ ‫ِ‬ ‫َ‬ ‫الغزير من الحصى‬ ‫َ‬ ‫َو ِد ْد ِت ل ْو‬ ‫ّ‬ ‫َ َ‬ ‫ْ‬ ‫كلما ـ في الحلم ـ زار ِك طيفي‬ ‫حارس‬ ‫مالك‬ ‫على هيئة‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫ُ‬ ‫نار‬ ‫من‬ ‫قرنان‬ ‫ينبت لي‬ ‫ٍ‬ ‫مارد أو شيطان‬ ‫مثل ٍ‬ ‫ُ ْ ً‬ ‫َ‬ ‫كنت ِجلفا‬ ‫َو ِد ْد ِت ً ل ْو‬ ‫سخيفا‪ ،‬تافهاً‬ ‫كي تهجريني‬ ‫دونما عقد ِة ٍّ‬ ‫حب‬ ‫ٍّ ّ‬ ‫فتكوني في ِحل مني‬ ‫ألم َوال ندم‪.‬‬ ‫ِبال ٍ‬

‫ك في الرّاديو‬ ‫َ‬ ‫س ِم ْ‬ ‫عتُ ِ‬ ‫َس ِم ْع ُت ِك في ّ‬ ‫الراديو‬ ‫ً‬ ‫ُ‬ ‫َع َرضا َ َس ِم ْعت ِك‬ ‫ِّ‬ ‫َ‬ ‫املؤش ِر‬ ‫بسب ِب خ ُ ٍ‬ ‫َ‬ ‫لل ُ َ‬ ‫في َّ ً‬ ‫َ َب َرق ً صوتك مشوشا‬ ‫َ ِّ‬ ‫ّ‬ ‫هاد ًرا‬ ‫فبينا‪ ،‬ثم ِ‬ ‫َف ُم َد َّج ًجا ب َ‬ ‫الهزيمْ‬ ‫ِ‬

‫أنت‬ ‫ُ‬ ‫ك ِ‬ ‫أريد ِ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫ً‬ ‫ريدينني ِّ‬ ‫طي ًبا وبسيطا‬ ‫ت‬ ‫مثل ماريو في فيلم ساعي البريد‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫ريدينني ّ‬ ‫طي ًعا‬ ‫ت‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫ِّ‬ ‫األرمني‬ ‫تك‬ ‫كزوج ابن عم ِ‬ ‫ً‬ ‫حازما كأبيك‬ ‫ًّ‬ ‫ًّ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫بك بشا‬ ‫تريدينني هشا ِ‬ ‫ّ‬ ‫ً‬ ‫عابسا أمام بنات حواء‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫نبيل‬ ‫لورد‬ ‫تريدينني مثل ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫ّ‬ ‫تمرس باإلتيكيت‬ ‫ٌ‬ ‫ُ‬ ‫فمي مقفل حني آكل‬ ‫ِّ‬ ‫الحب أفتح قلبي‬ ‫وفي‬ ‫لكي يحتويك‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫ً‬ ‫واضحا‬ ‫تريدينني‬

‫بدر‬ ‫مثل‬ ‫طلعةِ ٍ‬ ‫ً َ‬ ‫غامضا ك ُعيون الجوكاندا‬ ‫ً َ‬ ‫بارعا ك ِرجال السياسة‬ ‫ُ‬ ‫حا ِلـ ًما مثلما يحلم الشعراء‬ ‫ً‬ ‫َ‬ ‫ً‬ ‫ُ‬ ‫تريدينني َم ِرنا ورفيقا‬ ‫مثل راقص باليه‬ ‫ْ‬ ‫صل ًبا َك ُم ِصارعي ُّ‬ ‫الرومان‬ ‫ِ‬ ‫ً‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫ريدينني عاشقا في الحياة‬ ‫ت ً‬ ‫فاسقا في السرير‬ ‫ّ‬ ‫متقل ًبا حسب ما يقتضيه الهوى‬ ‫َوال َـمقام‬ ‫ُ‬ ‫أنت‬ ‫َو‬ ‫أنا أريد ِك ِ‬ ‫ْ‬ ‫فقط‬ ‫أنت‪.‬‬ ‫مثلما‬ ‫ِ‬

‫ّ ْ ُ ّ َ‬ ‫ً‬ ‫توقع َت ْالنداوة َْ‬ ‫ّ‬ ‫قاحلة‬ ‫جات كانت ِ‬ ‫لكن ال َـمو ِ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َ ْ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ذلك س ِهرت مع ِك‬ ‫مع ِ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ َبعد األغنيةِ‬ ‫ق ْبل َ‬ ‫موجز األخبارْ‬ ‫ِ‬ ‫َ ْ‬ ‫ْأس َه ْب ِت في الحكي‬ ‫ِ‬ ‫ْ‬ ‫َعن تأثير أدونيس‬ ‫في‬ ‫ِ‬ ‫قصيدت َ ِك ْ‬ ‫َ ْ‬ ‫داده‬ ‫َع ْن بيسوا وأن ِْ‬ ‫َ‬ ‫رابه‬ ‫ريتسوس ّ وأت ِ‬ ‫َع ْن ّ‬ ‫بنيس َوالل ِّ‬ ‫عبي‬ ‫عن‬ ‫ْ َْ‬ ‫ْ‬ ‫َوأغفل ِت ِذكري‬ ‫ُم َع ّل ُمك ّ‬ ‫األول أنا‬ ‫َ ِ َ ُ‬ ‫حودة‬ ‫يا ج‬ ‫شاع ُر ِك األثير‬ ‫ِ‬ ‫َ ْ‬ ‫َ‬ ‫السجائ َر‬ ‫كنت تخ ِطفني‬ ‫ِ‬ ‫َ ِ َ ْ‬ ‫واألشعار ِمن فمي‬

‫َْ‬ ‫َتك َرعني كأسي‬ ‫فتدور ُ‬ ‫رأس ِك‬ ‫َ ُ‬ ‫ْ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫ف ْيض ِك َيغمرني‬ ‫ْ‬ ‫املك ُسوِّ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫حار ِك‬ ‫ألغوص ّفي م ِ‬ ‫بريش الرغبة‬ ‫ُ ِ‬ ‫اللؤلؤ‬ ‫حيث‬ ‫ُّ َ‬ ‫ٌ‬ ‫كامن وسط اللدونة‬ ‫ِ‬ ‫َ‬ ‫س ِه ْر ُت َم َع ِك‬ ‫ْ‬ ‫ُ َ ِّ‬ ‫هام‬ ‫َتنظْرين لإلل ِ‬ ‫هام في ِش ْع ِر الحداثة‬ ‫َواإلب ِ‬ ‫تفيضني ً‬ ‫كالما‬ ‫و‬ ‫ُ ّ‬ ‫ثم ْل ُت ّأي َ‬ ‫ام الهوى‬ ‫ُكنت كلما ِ‬ ‫َ ُ ُ‬ ‫عليك‬ ‫َأع ْر ِبدْه ُ ِ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ِّ‬ ‫َ‬ ‫عارات‬ ‫ق ْبل أن نجرب االس ِت‬ ‫ِ‬ ‫على ّ‬ ‫الس ْ‬ ‫رير‬ ‫ّ‬ ‫ُ َ‬ ‫َ‬ ‫ثير الشوق‬ ‫كنت ل‬ ‫ُم ْست ْسل ًما‬ ‫ْ ُ ُ َِ َ َ‬ ‫َِ ُ ِ ْ‬ ‫ألق ُّف الكرز ُيتناثر َ ِمن ْ ِ‬ ‫فيك َ َ‬ ‫كنت أصن ُع ِب َحل َمت ْي ن ْه َد ْي ِك‬ ‫ُأمز ُه كما‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫القلوب الحمراء‬ ‫َونحن نرسم‬ ‫ْ‬ ‫على ِ َ‬ ‫األزرق‬ ‫فراشي َ ً‬ ‫ُ ْ‬ ‫حالة‬ ‫حينما كن ِت ِ‬ ‫مثل قصيدة رومانسيةٍّ‬ ‫ُْ ٍ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫ق ْبَل أن ت ّف ِس َد ِك «الليكات»‬ ‫َ َُ‬ ‫وغزل النقاد على الفيسبوك‬

‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َو ِد ْد ُت ل ْو َس َح ْبت ِك من ِش ْع ِر ِك‬ ‫إلى سرير َي ّ‬ ‫الد ِاعر‬ ‫ُ َِ‬ ‫ٌ‬ ‫نشيد َونشيجْ‬ ‫للو ْصل‬ ‫حيث‬ ‫َ ْ ُ َ ْ َ َ ِْ ُ‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫دائ ِل بو ِح ِك‬ ‫و ِددت لُو جررت ِك ِمن ج ِ‬ ‫الشائك‬ ‫قلب َي‬ ‫َو َح َب ْست ِك‬ ‫ِ‬ ‫في ِ‬ ‫َكزهرة ّ‬ ‫صبارْ‬ ‫َ‬ ‫َود ْد ُت ل ْو‪...‬‬ ‫ْ ُ‬ ‫َ ِْ َ ْ َ‬ ‫َّ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫العش ٌق‬ ‫لوال أ َ ِن استبد ِبي ِ‬ ‫ْ‬ ‫ْ َ‬ ‫القلب ُبروق‬ ‫َفأو َّم ْضت ِفي ُ ِ‬ ‫وهبت أعاصير‬ ‫َّ‬ ‫َأوفك ْر ِت بي‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫أنت ْ تم ِّرغني قلبي‬ ‫و َِ‬ ‫َ ْ‬ ‫في َنق ِع َّ ُ‬ ‫الحنني َ؟ ُ‬ ‫قلبي الن ِزق‪ ْ،‬الخ ُفيف‬ ‫ُ ُ‬ ‫حرف‬ ‫الفاج َر‪ ،‬الـمن ِ‬ ‫ُ ِ‬ ‫أق ُّر اآلن‬ ‫ُ ِ ْ ُ َ ْ ُ ًّ ْ َ َ ْ ُ‬ ‫كن ْت مزه َوا إذ هجرت ِك‬ ‫ً‬ ‫ُ‬ ‫تال َوغ ْي َ َر ِآبهٍ‬ ‫ّمخ َ َ‬ ‫ُ‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َأما وق ُد اختليت ِبصو ِت ِك‬ ‫ْ َ‬ ‫أعت ِرف‬ ‫ف‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫َّ‬ ‫لت حب ِك أشكو‬ ‫ز‬ ‫ما‬ ‫ْ َِ ُ‬ ‫َوأقت ِرف‪.‬‬ ‫(شاعر مغربي مقيم في بروكسل)‬

‫ـاز‪ ،‬ليسرق أهلها ويــدوس على رقابهم‪ ،‬ويذل قدر مستطاعها‪ ،‬وقد آوت في بيتها سرًا‪ ،‬العديد من األسر املنكوبة‪.‬‬ ‫لم يدخل املدينة كـغـ‬ ‫كرامتهم‪ ...‬دخلها مع ٍ عائلته ّ‬ ‫املمزقة على عربة تتعثر بالحجارة كانت اللغة التركية هي اللغة السائدة في البيت‪ ،‬حتى بلوغ الفتى‬ ‫والوهدات املمتلئة بمياه األمطار‪ .‬مطرودون من بالدهم ومطاردين روبيرت سن العاشرة‪ ،‬وبها حكت جدته «منوش خانم» له قصصها‬ ‫َ​َ‬ ‫الجميلة‪ ،‬التي أحب منها «الرجل األعمى»‪ ،‬وبقي السؤال الذي راوده‬ ‫من كتائب القتلة‪.‬‬ ‫ولــد «روب ـيــرت جبه جـيــان» فــي ‪ 2‬أغـسـطــس‪ /‬آب ‪ 1909‬فــي مدينة طيلة فترة صباه «كيف يستطيع األعمى الحركة‪ ،‬وكيف يستدل‬ ‫«عينتاب»‪ ،‬والده الطبيب «أفيديس جبه جيان»‪ ،‬الذي درس الطب في على طريقه»‪.‬‬ ‫ّ‬ ‫وتخرج التحق بــروضــة األطـفــال األملــانـيــة التي كانت تديرها الــراهـبــات في‬ ‫الكلية اإلنجيلية السورية في بيروت ـ الجامعة األميركية ـ‬ ‫ّ‬ ‫منها ‪،1902‬عمل بعدها في املشفى األميركي في عينتاب من عام حي «الجميلية»‪ ،‬وبقي فيها طيلة عامي ‪ .1917 -1916‬سرح والده‬ ‫‪ 1902‬ـ ‪ ،1906‬ثم سافر إلى سويسرا وأملانيا للتخصص بالجراحة من خدمة الجيش العثماني في ‪ ،1918‬وعــاد إلى حلب‪ ،‬وفي العام‬ ‫العامة ‪ ،1908-1907‬وعــاد بعدها ليستقر نهائيًا فــي حلب‪ ،‬بعد نفسه ول ــدت أخـتــه الـصـغــرى أنــاه ـيــد‪ .‬انـتـقــل فــي ال ـعــام ‪ 1919‬إلــى‬ ‫زواجــه من ابنة القس اإلنجيلي اآلنسة «يفنيكيه قنداقجيان» من مدرسة «هيكازيان» التي افتتحت أبوابها في «قصر غزالة»‪ ،‬وبقي‬ ‫فيها حتى ‪ ،1924‬وانتقل بعدها إلى مقر املدرسة الجديد في حي‬ ‫قرية «حسن بيلي» في كيليكيا‪.‬‬ ‫وعندما حبلت أمه به‪ ،‬أرسلها والده إلى «عينتاب» لتلد بني أسرتها‪ .‬العزيزية في منطقة جبل النهر الذي كان مقرًا للقنصلية البريطانية‪.‬‬ ‫هناك رأى روبـيــرت الـنــور‪ ،‬فــي الــوقــت عينه‪ ،‬أنطفأ الـنــور مــن حياة غادر حلب في ‪ 1926‬متوجهًا إلى برمانا في لبنان‪ ،‬ليتابع دراسته‬ ‫جده مع ثالثة وعشرين من الرؤساء الروحيني للطائفة اإلنجيلية فــي الثانوية األميركية بـبـيــروت‪ ،‬حيث أمـضــى سنة كاملة التحق‬ ‫األرمنية في منطقة قريبة من بلدة «عثمانية»‪ ،‬وهم متوجهون إلى بعدها بالجامعة األميركية ببيروت ليدخل الصف التحضيري في‬ ‫مدينة «أضنة» لحضور مؤتمر الكنائس اإلنجيلية‪ ،‬كما اغتيل خاله ‪ 1927‬وبقي حتى ‪ 1929‬وهو تاريخ قبوله في كلية الطب‪ ،‬التي تخرج‬ ‫«أغسطني» ووجــدت جثته طافية فوق مياه نهر جيحان‪ ،‬أما خاله منها عام ‪ّ .1934‬بدلت العائلة املقيمة في حلب العديد من البيوت‬ ‫األصـغــر «روب ـيــرت» الـ ًـذي يبلغ الرابعة عشرة مــن عـمــره‪ ،‬فقد قتل وانتقلت من «العبارة» إلى «العزيزية» الى «العبارة» مرة أخرى حتى‬ ‫عندما عثر عليه مختبأ داخل طاحونة مائية‪ّ ،‬‬ ‫سماه والده روبيرت استقرت في «جادة الخندق» في املنعطف املؤدي إلى منزل الطبيب‬ ‫والرجل الوطني عبد الرحمن كيالي‪ ،‬أمام املشفى الخاص بوالده في‬ ‫على اسم خاله القتيل‪.‬‬ ‫قررت والدته بعد هذه املآسي العودة مع طفلها إلى حلب‪ .‬سكنت في بيت واسع جمعها مع أسرة خاله‪.‬‬ ‫عـ ــاد م ــن ب ـي ــروت ف ــي ال ـع ــام ‪ 1934‬وب ــدأ‬ ‫محلة «بوابة القصب»‪ .‬قبل أن ينتقل مع‬ ‫ال ـع ـمــل ف ــي امل ـش ـفــى ال ـ ــذي أس ـس ــه والـ ــده‬ ‫أسرته إلى محطة «قطمة» للقطار القريبة‬ ‫وخ ــال ــه‪ ،‬ثــم ســافــر إل ــى فــرنـســا فــي الـعــام‬ ‫مــن بلدة أعــزاز بعدما عـ ّـن والــده فــي عام‬ ‫‪ 1938‬ل ــاخ ـت ـص ــاص ف ــي ط ــب ال ـع ـيــون‬ ‫‪ 1910‬طبيبًا للشركة األملــانـيــة للخطوط‬ ‫واألذن واألن ــف والـحـنـجــرة‪ ،‬ولــاس ـتــزادة‬ ‫الحديدية‪.‬‬ ‫من العلم واملعرفة‪ .‬تعرف هناك في منزل‬ ‫فــي بــدايــة الـعــام ‪ 1913‬ع ــادت العائلة إلى‬ ‫الـقــس «زكــريــا بــرصــومـيــان» على اآلنسة‬ ‫حلب من جديد‪ ،‬لتقيم في «جادة الخندق»‪،‬‬ ‫«فيوليت مانيساجيان» ابـنــة الكيميائي‬ ‫وات ـخ ــذ والـ ـ ــده ع ـي ــادة م ــن ال ـب ـيــت املـقــابــل‬ ‫«هايكازون مانيساجيان» الذي هاجر من‬ ‫لدارهم‪ .‬وفي هذا البيت ولد أخوه «فاهيه»‪.‬‬ ‫عينتاب وسكن مدينة بــال السويسرية‪.‬‬ ‫اس ـتــدعــي وال ــده ـم ــا ل ـتــأديــة خ ــدم ــة الـعـلــم‬ ‫أعجب باآلنسة فيوليت التي تمكنت رغم‬ ‫اإلل ــزامـ ـي ــة ف ــي ال ـج ـيــش ال ـع ـث ـمــانــي ف ــي ‪3‬‬ ‫ظروفها الصعبة بعد وفاة والدها املبكرة‪،‬‬ ‫أكتوبر‪ /‬تشرين األول ‪ ،1914‬بينما كان‬ ‫من نيل الشهادة الثانوية وسبع شهادات‬ ‫روب ـي ــرت وأخـ ــوه م ــع والــدت ـه ـمــا ف ــي قــريــة‬ ‫أخ ــرى مــن بينها ش ـهــادة فــي التمريض‬ ‫«حـســن بـيـلــي» مسقط رأسـهـمــا لقضاء‬ ‫عزيز تبسي‬ ‫والقبالة‪ .‬وتمت خطبتهما في باريس في‬ ‫عطلة الصيف‪ ،‬فغادرت األم والطفلني إلى‬ ‫مــايــو‪ /‬أي ــار ‪ .1938‬عــاد بعدها إلــى حلب‬ ‫حلب‪ ،‬ليمكثوا فيها القليل من الوقت‪ ،‬قبل‬ ‫جازف عام ‪ 1947‬بإجراء أول‬ ‫ليرتب أمــوره ويعودا ليتزوجا في أبريل‪/‬‬ ‫أن يـعــودوا إلــى «عينتاب»‪ .‬لكن لــم يلبثوا‬ ‫عملية زرع قرنية في العالم‬ ‫نيسان ‪ ،1939‬وعادا بعدها معًا إلى حلب‪.‬‬ ‫أن غادروها مجددًا إلى حلب‪ ،‬بعد املذابح‬ ‫العربي‪ ،‬وعمل بعدها على‬ ‫رزق ــا بثالثة أوالد‪ ،‬طـفــان وطـفـلــة‪ .‬وكــان‬ ‫والـتــرحـيــل الـقـســري لــأرمــن فــي ‪.1915‬‬ ‫فتح العيون المغمضة‬ ‫لزوجته نشاطات كثيرة‪ ،‬فقد ّ‬ ‫درست اللغة‬ ‫وس ـمــح ل ـجــده وج ــدت ــه ألب ـيــه بـمــرافـقـتـهــم‪،‬‬ ‫للكثيرين‪ .‬ربما ألنه كان‬ ‫الفرنسية فــي معهد «الــايـيــك» فــي حلب‬ ‫كون والــده ضابطًا في الجيش العثماني‪،‬‬ ‫على قناعة أن البصر كاف‬ ‫مل ــدة ث ــاث س ـنــوات وأس ـســت مــع الـسـيــدة‬ ‫أم ــا ب ــاق ــي ال ـعــائ ـلــة ف ـقــد شـ ـ ــردت‪ ،‬فـعــائـلــة‬ ‫لرؤية العالم وإدراكه‪ ،‬غير‬ ‫«أوديت جاكيمو» روضة أطفال نموذجية‬ ‫عمته وعمه اقتيدتا إلى الجنوب السوري‪،‬‬ ‫ّ‬ ‫من‬ ‫متربصة‬ ‫بسالالت‬ ‫مبال‬ ‫فـ ــي ال ـ ـعـ ــام ‪ ،1942‬س ــم ـت ــاه ــا «ال ـط ـف ــول ــة‬ ‫واسـتـطــاعـتــا م ــن ه ـنــاك ال ـف ــرار إل ــى بـلــدة‬ ‫الذين بنوا «أمجادهم»على‬ ‫السعيدة»‪ ،‬واستمرتا بالعمل حتى ‪1946‬‬ ‫«سلمية»‪ ،‬شرق مدينة حماه‪ ،‬حيث القت‬ ‫حيث سافر الدكتور روبيرت إلى فرنسا‬ ‫الترحيب من أهلها كما العديد من األسر‬ ‫سمل العيون‪ ،‬واعتماد‬ ‫وســويـســرا مــع زوج ـتــه وول ــدي ــه‪ ،‬ليمضي‬ ‫األرمنية النازحة التي وصلتها‪ .‬أما خالته‬ ‫«الطماشات» الجلدية‬ ‫ً‬ ‫عامًا كامال في التخصص‪.‬‬ ‫«ن ــوي ـم ــي» وأب ـن ــاؤه ــا الـخـمـســة فــاقـتـيــدوا‬ ‫السوداء‪ ،‬أسوة بحيوانات‬ ‫وك ــان قــد صمم فــي عــام ‪1937‬م ــع رفاقه‬ ‫إلى بادية الخفسة قرب مدينة دير الزور‬ ‫كمتمم للزي الرسمي‬ ‫الجر‪،‬‬ ‫ٍ‬ ‫األطـبــاء‪ ،‬ليون أسـمــر‪ ،‬نهاد أمـيــري‪ ،‬كامل‬ ‫وهلكوا جميعهم هناك‪.‬‬ ‫للمغلوبين‪ ،‬الذين يحرمون‬ ‫كـ ــرمـ ــان‪ ،‬أحـ ـم ــد ذهـ ـب ــي‪ ،‬ح ـس ــن ب ـصــري‬ ‫سكنت العائلة بعد عودتها إلى حلب في‬ ‫ً‬ ‫مرضى السكري من‬ ‫املصري‪ ،‬الذين قاموا‪ ،‬بعد دراسة ‪42000‬‬ ‫‪ 1915‬م ـن ــزال ف ــي مـنـطـقــة «الـ ـعـ ـب ــارة»‪ ،‬ثم‬ ‫االستطباب ليروا انطفاء‬ ‫ألف حالة مرضية‪ ،‬على دحر «التراخوما»‪،‬‬ ‫انتقلت إلى مبنى من ثالث طبقات خلف‬ ‫البصر في عيونهم‪،‬‬ ‫وإعـ ــادة الـبـصــر إل ــى الـعـيــون امل ـط ـفــأة‪ ،‬في‬ ‫ف ـنــدق «ب ـ ـ ــارون» وب ـق ـيــت ف ـيــه طـيـلــة فـتــرة‬ ‫ويسخروا بعد ذلك من‬ ‫الــزمــن ال ــذي ي ـجــري الـتـعــامــل مــع الـعـيــون‬ ‫الحرب العاملية األولــى‪ .‬أيامها كــان يرافق‬ ‫تعثرهم وسقوطهم وهم‬ ‫كحاسة فائضة عن الحاجة‪ ،‬ليحرر منها‬ ‫وال ــدت ــه إل ــى «الـهـيـكـيــدون ـ خ ــان ال ـقــدس»‪،‬‬ ‫عـيــون الـشـعــب إل ــى األب ــد‪ .‬وتـبـنــت أبحاثه‬ ‫حيث تحط قوافل املهجرين والفارين من‬ ‫يجتازون الطرقات التي‬ ‫منظمة الصحة العاملية‪.‬‬ ‫القتل‪ .‬وعملت والدته على مساعدتهم على‬ ‫حفرتها جنازير دباباتهم‪.‬‬

‫كلمات‬ ‫أمنياتي‬ ‫لين يوه تانغ‬

‫أتطلع إلــى حجرة مكتب خاصة بي تساعدني على العمل بتركيز‪ .‬ال تكون‬ ‫غاية في النظافة والنظام‪ ،‬ففي رأيي أن حجرة املكتب يجب أن يشوبها بعض‬ ‫ّ‬ ‫الـفــوضــى‪ ،‬أشـعــر بــالــراحــة فــي الـتــآلــف معها‪ .‬أعــلــق فــي السقف مصباحًا دائــم‬ ‫ّ‬ ‫االشتعال‪ ،‬كالذي ُيعلق في املعابد البوذية‪ ،‬وعندما أدخل إلى الحجرة‪ ،‬تتسلل‬ ‫إلى أنفي رائحة سخام الدخان املنبعث منه‪ّ .‬‬ ‫أشم رحيق الكتب‪ ،‬وروائــح أخرى‬ ‫للحجرة أعجز عن تمييزها بوضوح‪.‬‬ ‫ّ‬ ‫ً‬ ‫وأرص عليه كتباً‬ ‫صغيرا للكتب‪ّ ،‬‬ ‫ً‬ ‫سيكون من األفضل أن أعلق فوق األريكة‪ ،‬رفا‬ ‫مختلفة‪ّ .‬‬ ‫أمد يدي ألخذ ما أريد منها وأتصفحه كما يحلو لي‪ .‬لن أضع على‬ ‫ّ‬ ‫ـرف ً‬ ‫كتبا من مجاالت كثيرة مختلفة ومعقدة‪ ،‬بل سأضع عليه كتبًا ممتعة‪،‬‬ ‫الـ‬ ‫وبضعة كتب سبق لي قراءتها من قبل‪.‬‬ ‫لن أكترث إذا انتقد الناس هذه الكتب أو قالوا عنها إنها مملة‪ .‬لن تكون صعبة‬ ‫الـفـهــم‪ ،‬مـثــل كـتــب الـنـظــريــات‪ ،‬سـتـكــون كـتـ ًـبــا أحـ ّـبـهــا وتـمـتـعـنــي‪ .‬ســأضــع الكتب‬ ‫األوروبـيــة الحديثة مع الــروايــات الصينية القديمة كرواية «صــدق شيخ ريفي»‪،‬‬ ‫وكتب مونتسكيو وسلسلة روايات هوملز‪.‬‬ ‫أريــد زوجــن مــن األحــذيــة و مــابــس‪ .‬ولكن أريــد مالبس تختلف عــن تلك التى‬ ‫يرتديها املثقفون‪ ،‬ال أريد عباءة صينية حديثة الطراز‪ .‬أريد مالبس تجعلني‪،‬‬ ‫عندما أرتديها وأنا في منزلي‪ ،‬أشعر بالراحة والحرية‪ .‬على الرغم من أنني لن‬ ‫أقرأ الكتب ً‬ ‫عاريا مثلما كان يفعل جو تشيان لي‪ ،‬ولكن على األقل في مثل هذه‬ ‫األيام الحارة‪ ،‬يمكنني ارتداء مالبس خفيفة قصيرة‪.‬‬ ‫ً‬ ‫أريــد أن يـكــون خــدمــي على سجيتهم مثلي‪ .‬أريــد مــوقـ ًـدا وحـمـ ًـامــا ساخنا في‬ ‫الصيف‪.‬‬ ‫أتطلع إلى تحقيق ذاتي‪ ،‬وال أريد عائلة متحفظة‪ .‬عندما أكون خارج املنزل من‬ ‫أجل العمل‪ ،‬أصغي إلى صوت زوجتي وهي تتحدث ضاحكة مبتهجة‪ .‬وعندما‬ ‫أعمل في املـنــزل‪ ،‬أستمع إلــى صوتها الــذي يغمره الـســرور‪ً ،‬‬ ‫آتيا من الخارج‪.‬‬ ‫ويكون كل منا على طبيعته وحريته‪.‬‬ ‫أتمنى أن يكون لدي أبناء صافية قلوبهم‪ ،‬يصطحبونني للجري وسط املطر‪،‬‬ ‫ّ‬ ‫ويحبون مثلي ّ‬ ‫حمام املاء الساخن‪.‬‬ ‫ّ‬ ‫أت ـطــلــع إل ــى حــديـقــة صـغـيــرة طـيـنـيــة ال ـتــربــة‪ ،‬خــالـيــة مــن األع ـش ــاب والـحـشــائــش‬ ‫الخضراء‪ ،‬مترامية األطراف‪ .‬يستطيع أطفالي أن يفعلوا ما يحلوا لهم‪ ،‬ينقلون‬ ‫ال ـطــوب‪ ،‬يلعبون بــالـقــرمـيــد‪ ،‬ي ــروون الــزهــور‪ ،‬يــزرعــون ال ـخ ـضــروات‪ ،‬ويطعمون‬ ‫الطيور املنزلية‪.‬‬ ‫ّ‬ ‫أتطلع إلى االستماع بصياح الديك عند بزوغ الفجر‪.‬‬ ‫ّ‬ ‫أتطلع إلى رؤية أشجار خضراء شاهقة االرتفاع بالقرب من بيتي‪.‬‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫أتطلع إلى أن يكون عندى بضعة أصدقاء ّ‬ ‫يصرحون‬ ‫مقربني وعلى سجيتهم‪،‬‬ ‫لي ّ‬ ‫عما يجول في قلوبهم من آالم وأح ــزان‪ ،‬أتناقش معهم بعمق‪ ،‬ويحترمون‬ ‫هوايتي املفضلة ووجهات نظري‪.‬‬ ‫ّ‬ ‫أتطلع إلى طهو حساء بالخضروات‪ ،‬لذيذ وخفيف‪.‬‬ ‫ّ‬ ‫مسن ّ‬ ‫ّ‬ ‫يقدرني ً‬ ‫كثيرا‪ ،‬ولكنه ال يعرف الكثير عن‬ ‫أتطلع إلى أن يكون عندي خادم‬ ‫املقاالت التى أكتبها‪.‬‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫أتطلع إلى امتالك مختارات مميزة من الكتب‪ ،‬وأعمال لكبار الكتاب‪ ،‬أعلق على‬ ‫الحائط لوحة لوجه للي شيانغ توين‪ ،‬تساعدني على التركيز‪.‬‬ ‫ّ‬ ‫أتطلع ألن يكون على طاولتي علبة سيجار‪ ،‬وأن يكون لدي زوجة تفهمني ً‬ ‫جيدا‪،‬‬ ‫وتتركني أعمل بحرية‪.‬‬ ‫أتطلع إلــى أن ُيزين فناء منزلي بأشجار البامبو وزهــور البرقوق‪ .‬وأتمنى أن‬ ‫ً‬ ‫ممطرا‪ ،‬والشتاء ً‬ ‫ً‬ ‫نقيا منعشا أستمتع فيه بالسماء زرقاء اللون‪،‬‬ ‫يكون الصيف‬ ‫والجو الصحو‪.‬‬ ‫أتمنى أن يكون عندي القدرة على صنع حريتي‪ ،‬والجرأة على خلق شجاعتي‪.‬‬ ‫■ «صدق شيخ ريفي»‪ :‬رواية قديمة مشهورة ترجع إلى عصر أسرة تشينغ‪.‬‬ ‫■ ■ للي شيانغ توين‪ :‬امرأة عرفت ّ‬ ‫بشدة جمالها ً‬ ‫قديما في الصني‪.‬‬ ‫(الترجمة عن الصينية مي عاشور)‬ ‫ّ‬ ‫لــن يــوه تــانــغ‪ :‬أكـبــر الـكــتــاب الصينيني فــي العصر الـحــديــث‪ .‬ولــد عــام ‪،1895‬‬ ‫ُرشــح ملرتني لجائزة نوبل‪ ،‬في عــام ‪ 1940‬و‪ .1950‬تولى منصب نائب رئيس‬ ‫ً‬ ‫نادي القلم الدولي‪ ،‬كما تولى أيضا منصب نائب رئيس شعبة الفنون واألدب‬ ‫في منظمة اليونسكو‪ .‬من أشهر مؤلفاته ‪« :‬فن الحياة» و«حكمة الوزية»‪ .‬توفي‬ ‫عام ‪.1976‬‬

‫¶ أدب صرف وجدي األهدل‬

‫الم َزيّف‬ ‫ُ‬

‫منذ سبع سنوات وأنا‬ ‫أتلقى التعازي‪ ..‬لقد‬ ‫مات أنفي‪ .‬لست حزينًا‬ ‫ُ‬ ‫فقدت متعة‬ ‫اآلن‪ ،‬ربما‬ ‫تشمم نهود النساء‪،‬‬ ‫لكن ال بأس‪ ،‬فالماليين‬ ‫أيضًا ال تزال أنوفهم على‬ ‫قيد الحياة‪ ،‬إال أنهم ال‬ ‫يتذكرون شيئًا عن ألوهية‬ ‫تلك الرائحة‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫نظرت‬ ‫اكتشفت وجودها‪..‬‬ ‫منذ سبع سنوات‬ ‫ُ‬ ‫ف ــي مـ ــرآة امل ـغ ـس ـلــة‪ ،‬فــاح ـظــت نـقـطــة س ــوداء‬ ‫فــي تجويف أذنــي اليمنى بحجم رأس القلم‪.‬‬ ‫ظننتها شامة عادية ظهرت بمناسبة الحرب‪،‬‬ ‫ُ‬ ‫الحظت أن النقطة السوداء‬ ‫فلما انتهت الحرب‬ ‫تفاقمت وغدت بحجم محيط رأس القلم‪ .‬لست‬ ‫قـلـقــا‪ ،‬وال أرغ ــب فــي رؤي ــة األط ـب ــاء‪ ،‬لـيـكــن ما‬ ‫يكون‪ ،‬سأعيش ما يكفيني من الوقت‪.‬‬ ‫كـنــت أفـكــر فــي ش ــراء م ــرآة ج ــدي ــدة‪ ،‬تهيأ لي‬ ‫أن م ــرآة املـغـسـلــة م ـشــروخــة‪ .‬أت ـقــدم بالشكر‬ ‫إلى محبوبتي قمر‪ ،‬ألنها جعلتني أوفــر ثمن‬

‫املرآة عندما صارحتني همسًا بأن في وجهي‬ ‫شرخًا يمتد مــن صــوان أذنــي اليمنى وحتى‬ ‫امل ـكــان ال ــذي ك ــان يشغله امل ــرح ــوم أن ـفــي‪ .‬إنــه‬ ‫أخدود بال قعر‪ ،‬ال نهائي‪ ،‬ابتلع أنفي الطيب في‬ ‫غفلة مني وأنا نائم‪ .‬شيء مرعب أن تستيقظ‬ ‫في الصباح وال تجد أنفك األليف في مكانه‪،‬‬ ‫ً‬ ‫األسوأ أن تنتابك الهواجس بأن قتيال مجدوع‬ ‫األنف قد سرقه منك‪.‬‬ ‫بــن زل ــزال وآخــر كانت شظايا دقيقة الحجم‬ ‫ُّ‬ ‫جدًا تهل من وجهي ذي االصفرار الخريفي‪.‬‬ ‫ال أحد يتفهم مقدار الذهول املروع الذي ينهش‬ ‫إنسانًا ما بدأ يفقد مالمح وجهه تدريجيًا‪.‬‬ ‫ُ‬ ‫تسكعت بـشــارع «ح ــدة» كانت قبل‬ ‫آخــر مــرة‬ ‫سبع سنوات‪ ،‬أذكر أنه ترك في نفسي انطباعًا‬ ‫مشوشًا عن نوعية الجلد الذي يرتديه سكانه‪.‬‬ ‫مــا زاد فــي اضـطــرابــي أن الـهــواء كــان ُمشبعًا‬ ‫بالرغوة‪ ،‬واملاليني من الفقاقيع امللونة تنهمر‬ ‫من النوافذ املفتوحة‪ .‬كانت املحالت التجارية‬ ‫تلعب في الهزيع األخير من الليل «القفز فوق‬ ‫ً‬ ‫ال ـح ـبــل» وتـسـتـخــدم ال ـخــط اإلسـفـلـتــي حـبــا‪.‬‬ ‫ك ــان ــت امل ـســاكــن س ــاح ــة شـطــرنـجـيــة عظيمة‬ ‫األبعاد‪ ،‬والبيادق تتقدم لتأمني امللك‪ ،‬والخيول‬ ‫تناور بحسب احتياجات الوزير‪ .‬كنت أتفرج‬ ‫على املباراة وأنــا جالس في استديو تصوير‬ ‫منخفض عن سطح األرض كجحر فأر‪.‬‬ ‫أتـ ــى واحـ ـ ــد م ــن املـ ـش ــارك ــن ف ــي ت ـل ــك الـلـعـبــة‬ ‫ليستضيفني في داره‪ّ .‬أم ُ‬ ‫لت أن أشاهد وجه‬

‫ً‬ ‫ام ــرأة حسناء لكي تهبني ف ــأال حسنًا قبيل‬ ‫ولــوجــي إل ــى بـيــت سـيــدي ال ــذي أن ــا بصحبته‬ ‫اآلن‪ .‬لـكــن حــاسـتــي ال ـســادســة ت ـهــاوت فــاقــدة‬ ‫الــوعــي عـنــدمــا رأيـ ـ ُـت سـبــع ن ـســاء لـهــن جمال‬ ‫صارخ‪ ،‬يجعل القلب ُ‬ ‫يشب بني الضلوع لوعة‪،‬‬ ‫ً‬ ‫إال أن نصفهن السفلي كــان هيكال عظميًا‪،‬‬ ‫ً‬ ‫جعل قلبي يشب فعال من بني ضلوعي‪ ،‬ويفر‬ ‫إلى أحد األزقة الخلفية‪ ،‬ولم أعرف بعد ذلك إلى‬ ‫أين ألقت به املقادير‪.‬‬ ‫س ــرت قـشـعــريــرة فــي بــدنــي حــن فـكــرت بــأن‬ ‫ُ‬ ‫عــرائــس الـبـحــر امل ـغــويــات قــد نقلن نشاطهن‬ ‫ّ‬ ‫وتسيست‬ ‫إلى البر‪ ،‬وأن اللذة املبذولة تأدلجت‬ ‫منذ َّ‬ ‫أتقن اللعب بذالقة األفيال‪ ،‬وصار اسمهن‬ ‫الحركي «عرائس القبر»‪.‬‬ ‫حــاولـ ُـت التملص مــن دع ــوة صــاحـبــي‪ ،‬يــا الله‬ ‫كان في تلك الليلة املعتمة أشبه بقفل اختفى‬ ‫مفتاحه فــي جــوف كلب بوليسي اصطادته‬ ‫إحدى األرامل لتفتش عنه في سريرها‪.‬‬ ‫كــان يسكن فــي فيال فخمة بحديقة واسعة‬ ‫ّ‬ ‫ُمعشبة‪ .‬أدخلني إلى الديوان العربي‪ ،‬ثم غادر‬ ‫ُ‬ ‫بعد تلقيه مكاملة هاتفية مقتضبة وتركني‬ ‫وح ـي ـدًا‪ .‬كــانــت الـ ـج ــدران ُم ـلـ ّـبـســة بـطـبـقــة من‬ ‫الذهب‪ ،‬ومحفور عليها عالمات وأرقام أوراق‬ ‫الشدة االثنتني والخمسني‪ .‬وخلب لبي منظر‬ ‫السقف املرصع بعدد ال يحصى من فصوص‬ ‫العقيق‪.‬‬ ‫ً‬ ‫ملقى بإهمال عند أرجل‬ ‫كــان دفتر مذكراته‬

‫«امل ــداع ــة» (الـنــارجـيـلــة) املتأنقة ذات الفتحات‬ ‫ال ـس ـبــع ال ـت ــي ت ـب ــدو كـلـعـبــة ّدوارة ف ــي مــديـنــة‬ ‫املالهي‪ .‬فكرت بمقدار املتعة التي سأجنيها‬ ‫ُ‬ ‫مــن ق ــراءة صفحات صاحبي املـحــدث النعمة‬ ‫حـ ــول م ـغ ــام ــرات ــه ال ـن ـس ــائ ـي ــة‪ .‬ب ـت ـل ـهــف قـ ّـل ـبــتُ‬ ‫صفحات الــدفـتــر‪ ،‬ولفتت انتباهي صفحات‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫فصممت‬ ‫فحزرت أنها األثيرة لديه‪،‬‬ ‫مدعوكة‪،‬‬ ‫على قراءتها‪:‬‬ ‫ّ‬ ‫«حــلــت نـهــايـتــي‪ ..‬ه ــذه الـسـطــور وصـيـتــي ملن‬ ‫سيأتي من بعدي‪ ..‬لقد استنفدت كل وسائل‬ ‫امل ـقــاومــة ول ــم يـبــق ل ــدي س ــوى الـكـتــابــة‪ ،‬ربما‬ ‫ألتسلى‪ ،‬ربما ألقلل رعبي من انطفاء حياتي‪..‬‬

‫تلك الحياة التي ليتها لم تكن! أليس لديك شيء‬ ‫ما تندم عليه مثلي؟ أليس يؤرقك سر صغير‬ ‫تتمنى لو تدفنه في ركن قصي من ذاكرتك؟‬ ‫ذلك السر الذي في يوم من األيام قلب حياتك‬ ‫رأسًا على عقب وجعلك ُت ّ‬ ‫غير نظرتك للحياة‬ ‫بــرمـتـهــا؟ أن ــا أي ـضــا ع ـنــدي ســر صـغـيــر جـدًا‬ ‫يخصني وحــدي‪ ،‬سر يبدد طمأنينة حياتي‪،‬‬ ‫وأش ـعــر بــالـتــوجــس مــن الـبــوح ب ــه‪ ..‬إنـنــي أكتم‬ ‫سري بداخلي وكأنه مارد بداخل قمقم رأسي‪،‬‬ ‫ولـكـنـنــي إذا سـمـحــت ل ــه ب ــال ـخ ــروج فـلـســوف‬ ‫يحتويني هــو بــداخ ـلــه‪ ،‬وأص ـبــح أن ــا الحبيس‬ ‫في قمقمه الذي كان له‪ ..‬إن أثقل شيء حمله‬

‫اإلنسان هو السر‪ ،‬وأنــا صـ ُ‬ ‫ـرت طريح الفراش‬ ‫محمومًا أعــانــي مــن انهيار صحتي‪ .‬األطباء‬ ‫ّ‬ ‫الح ـظــوا األع ـ ــراض الـغــريـبــة ال ـتــي تـفــشــت في‬ ‫جسدي‪ ،‬وباألخص البقعة السوداء في الجزء‬ ‫األيمن من وجهي‪ ،‬ونصحوني بالتخلص من‬ ‫س ــري ب ــأس ُــرع م ــا يـمـكــن قـلــب أن ُيـسـبــب لي‬ ‫الــوفــاة‪ .‬ملــن أفـشــي هــذا الـســر وأضـمــن أنــه لن‬ ‫يـنـتـشــر؟! إن هــذا الـســر إذا مــا ذاع و عـلــم به‬ ‫(‪ )...‬فإنهم لن يغمض لهم جفن حتى يقبضوا‬ ‫ّ‬ ‫علي ويمزقوني إلى أشــاء‪ ..‬قررت آخر األمر‬ ‫أن أج ــرب عــاجــا مـشـكــوكــا ف ــي ق ــدرت ــه على‬ ‫إيـقــاف زحــف البقعة ال ـســوداء على جسدي‪،‬‬ ‫وع ــزم ـ ُـت عـلــى كـتــابــة س ــري ف ــي ه ــذا الــدفـتــر‪،‬‬ ‫رغــم املخاطر من عثور أحدهم عليه‪ .‬ومــا إن‬ ‫ُ‬ ‫وضعت رأس القلم ألفضح سري على الورق‪،‬‬ ‫ُّ‬ ‫وبالكاد أثبت نقطة سوداء تكاد ال ترى‪ ،‬حتى‬ ‫ُ‬ ‫تنهدت‬ ‫فرت النقطة السوداء إلى ركن غرفتي!‬ ‫ُ‬ ‫أخرجت جنيًا من جسدي‪ ،‬ثم‬ ‫بارتياح وكأنما‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫فكرت فيما لو أنني واصلت فضح سري على‬ ‫الورق فإنها – أي النقطة السوداء‪ -‬ستتضاءل‬ ‫حتى تختفي تمامًا بالتزامن مع انتهائي من‬ ‫ُ‬ ‫كتبت كلمة «أعـتــرف»‬ ‫الـكـتــابــة‪ .‬لكنني مــا إن‬ ‫حتى شــاخ القلم فــي يــدي وانحنى ظـهــره‪ ،‬ثم‬ ‫توكأ على سبابتي بعد فقدانه البصر‪ُ .‬‬ ‫ظللت‬ ‫مشدوهًا دقائق عديدة ُأ ُ‬ ‫راقب ما يحدث لقلمي‬ ‫مــن ظــواهــر مرعبة بــذهــول عميق‪ .‬ثــم مــا لبث‬ ‫بعدها أن أطــق حشرجاته األخ ـيــرة مختنقًا‬

‫ب ـســري‪ ،‬وص ــار فــي ي ــدي جـثــة هــامــدة‪ .‬كانت‬ ‫يدي ترتعش‪ ،‬وعروقها ترسل نبضات غريبة‪،‬‬ ‫ووجهي محتقن ينز عرقًا‪ ،‬وأنا حينئذ أشعر‬ ‫بدوار رهيب جعلني أهذي‪ ،‬وأفقد القدرة ُ على‬ ‫تمييز الـجـهــات واالت ـج ــاه ــات‪ ،‬فـلــم أع ــد أمـ ّـيــز‬ ‫يدي اليمني عن اليسرى‪ ،‬وكــأن قوة غامضة‬ ‫حطمت بوصلتي الــداخـلـيــة‪ .‬كنت على وشك‬ ‫فـقــدان عقلي‪ ،‬ويــا ليت ذاك حــدث‪ ،‬ألنني قبل‬ ‫فضي ُ‬ ‫ّ‬ ‫عت‬ ‫الجنون بلحظة حانت مني التفاتة‪،‬‬ ‫آخ ــر أم ــل ل ــي ف ــي ال ـن ـج ــاة‪ ..‬رحـ ـ ُـت أبـحـلــق في‬ ‫شــيء انتصب أمــامــي‪ ،‬ليس له اســم‪ ،‬ولــو كان‬ ‫لــه اس ــم البـتـلـعــه‪ ،‬ول ــم يخطر بـبــال بـشــر‪ ،‬ولــو‬ ‫خطر ببالهم النتهى الـحــال بهم إلــى الـعــدم‪..‬‬ ‫إنها النقطة السوداء وقد تضخمت وتوحشت‬ ‫حتى ص ــارت فــي حجمي تـمــامــا‪ ،‬وقــد بــرزت‬ ‫منها سبعة أذرع مخيفة ال تكف عن الــدوران‬ ‫الـبـطــيء‪ .‬تبخر ال ــدوار‪ ،‬وغــاض الجنون تحت‬ ‫ـدت مــذعــورًا حينما أبـصـ ُ‬ ‫الـجـفــون‪ ،‬واب ـت ـعـ ُ‬ ‫ـرت‬ ‫البقعة ال ـســوداء تــزحــف نـحــوي لالنقضاض‬ ‫ع ـل ـ ّـي‪ .‬قــذفـتـهــا بــال ـكــرســي ‪ ،‬ف ـغ ــاب الـكــرســي‬ ‫ُ‬ ‫شعرت بالرعب الشديد‬ ‫في املجهول‪ .‬عندئذ‬ ‫مــن تـلــك الـبـقـعــة ال ـس ــوداء املـسـطـحــة ك ــامل ــرآة‪..‬‬ ‫فأين اختفى الكرسي وليس ثمة جوف لهذه‬ ‫املصيبة املــريـعــة؟! رحـ ُـت أقذفها بكل مــا تقع‬ ‫عليه يــدي مــن أث ــاث الـغــرفــة‪ ،‬رميتها بأشياء‬ ‫ح ــادة‪ ،‬وأش ـيــاء ثقيلة‪ ،‬غــابــت كلها فــي ســواد‬ ‫سحيق‪ ،‬ولم أكن أسمع أي صوت ارتدادي لها‪.‬‬

‫ُ‬ ‫فتمكنت مــن مراوغتها‬ ‫كانت تتحرك بـبــطء‪،‬‬ ‫واإلف ـ ــات مـنـهــا‪ .‬وب ـعــد فـشــل ك ــل مـحــاوالتــي‬ ‫لــردعـهــا ان ـهــارت شـجــاعـتــي‪ ،‬ف ـقــررت أن ألــوذ‬ ‫ُ‬ ‫أحسست وكأن خازوقًا بطول وادي‬ ‫بالفرار‪.‬‬ ‫حضرموت يخترق أحشائي عندما لــم أجد‬ ‫ُ‬ ‫هرولت إلى النافذة‪ ،‬هي األخرى لم‬ ‫باب الغرفة‪،‬‬ ‫تكن موجودة‪ .‬سالت الدموع من عيني وأيقنتُ‬ ‫أنني مسجون وال مخرج لي مطلقًا‪ّ .‬‬ ‫كرت سبع‬ ‫ساعات وأنا ُ‬ ‫أهرب من ركن آلخر في مطاردة‬ ‫مضنية‪ ،‬أصــابـتـنــي بــاإلنـهــاك الـبــالــغ‪ ،‬وأتلفت‬ ‫أع ـصــابــي‪ ،‬وأوش ـك ـ ُـت أن أص ــاب بــالـعـمــى من‬ ‫طول التحديق في تلك البقعة السوداء الشرهة‪.‬‬ ‫هاأنذا أستسلم وأتكوم في إحدى الزوايا‪ ،‬وأنا‬ ‫أبذل جهدًا ألستنشق الهواء الذي يكاد ينفد‪،‬‬ ‫ً‬ ‫وقــد صـ ُ‬ ‫ـرت مبلال بالعرق كغريق في البحر‪.‬‬ ‫حـمـلـ ُـت مـعــي الــدف ـتــر وال ـق ـلــم‪ ،‬ألن آخ ــر شــيء‬ ‫ُ‬ ‫قررت أن فعله هو تدوين تفاصيل اختفائي‪ ،‬أو‬ ‫موتي‪ ،‬هذه النهاية التي لم يسبقني إليها أحد‪..‬‬ ‫رويدًا رويدًا أخذت البقعة السوداء تبتلعني من‬ ‫أصــابــع قــدمــي بـهــدوء صــامــت‪ ،‬اقـشـعــرت منه‬ ‫ُ‬ ‫راقبت‬ ‫روحي ووقفت له كل شعرة في جلدي‪..‬‬ ‫بخضوع االختفاء البطيء لجسدي الغالي في‬ ‫شيء مظلم يصعد من تحتي إلى أعلى‪ ..‬أعلى‪.‬‬ ‫ُ‬ ‫رفعت يـ ّ‬ ‫ـدي إلــى فــوق رأســي لتواصال الكتابة‬ ‫وال ـح ـيــاة‪ ..‬هــا هــي ذي البقعة ال ـســوداء تــوالــي‬ ‫غــزوهــا وتلتهم عنقي‪ّ ..‬‬ ‫عما قريب سأمسي‬ ‫محبوسًا في القمقم املظلم الــذي كان لسري‪،‬‬

‫وسوف يحتويني بداخله‪ ،‬ويحرص جدًا على‬ ‫أن ُيبقيني س ـرًا خــاصــا بــه‪ ،‬ال يمكن أب ـدًا أن‬ ‫يبوح به ُألي كائن من كان‪.‬‬ ‫لــذلــك أن ــا أحـ ــذرك مـنــه عـنــدمــا تـقــابـلــه‪ ،‬لـكــي ال‬ ‫تـبـتـلــى ب ــذات امل ـص ـيــر‪ ،‬ويـنـجــح ف ــي تحريض‬ ‫ّ‬ ‫ويتسيدك! ُمتيقن أنا من‬ ‫سرك فينقلب عليك‬ ‫أنه سينتحل شخصيتي‪ ،‬وسيعاشر زوجتي‬ ‫ً‬ ‫ُ‬ ‫وسيعبث بأموالي وذكرياتي ُمتخذًا‬ ‫بدال عني‪،‬‬ ‫بالطبع ليس أنا‪ ..‬صدقني‬ ‫اسمي ولقبي‪ ،‬ولكنه ُ‬ ‫أنا لست أكذب عندما أخبرك بأنني سأتحول‬ ‫إلى سر صغير مدفون تحت حراسة مشددة‬ ‫ف ــي ذاكـ ــرة الـشـخــص ال ــذي ق ــد ت ــراه يــومــا ما‬ ‫يـمـشــي أم ــام ــك‪ ،‬فـمــا ذل ــك املـخـلــوق املــزيــف إن‬ ‫هــو إال س ــري الـصـغـيــر ال ــذي حــرصـ ُـت دومــا‬ ‫على مواراته عن األنظار‪ ،‬وحتى عن ذاكرتي‪.‬‬ ‫لم أعــد أرى اآلن‪ ..‬أكتب هــذه الكلمات معتمدًا‬ ‫على إحساسي‪ ،‬لقد اكتسحت البقعة السوداء‬ ‫ُم ـق ـل ـتـ ّـي‪ ..‬رب ـمــا أن ــت ال ت ـصــدق ه ــذه الــواق ـعــة‬ ‫الـحـقـيـقـيــة‪ ،‬مــع أن الـكـثـيــريــن ُم ـصــابــون بهذا‬ ‫االلتباس‪ ..‬ولعلك أحدهم وأنــت ال تــدري‪ ..‬لقد‬ ‫اخـتــرعـنــا آالت تـمـيــز بــن الـعـمـلــة الصحيحة‬ ‫وال ـع ـم ـلــة امل ــزي ـف ــة‪ ،‬أف ـل ـيــس ب ــاإلم ـك ــان اخ ـت ــراع‬ ‫آل ــة تـمـيــز ب ــن اإلن ـس ــان الـحـقـيـقــي واإلن ـس ــان‬ ‫املـ ــزيـ ــف؟! أش ـع ــر ب ـخ ــدر خ ـف ـي ــف‪ ..‬تـجــذبـنــي‬ ‫دوامة للدوران معها‪ ..‬أشعر بأنني أتحول إلى‬ ‫ذبذبات‪ ..‬تسطع فجأة أكوان ال نهائية‪ ..‬وداعًا‬ ‫أيها ا‪..‬ل‪..‬ع‪..‬ا‪.»..‬‬

‫عندما تــركــت دفـتــر مــذكــرات صاحبي ُي ُ‬ ‫فلت‬ ‫من بني يدي داهمتني أغرب األحاسيس التي‬ ‫يمكن ورودهـ ــا عـلــى ال ـب ــال‪ ..‬أيـمـكــن أن يكون‬ ‫صــاح ـبــي الـ ــذي ج ـئــت أن ــا وه ــو يـ ـدًا ب ـيــد إلــى‬ ‫هـنــا مــا هــو إال ُ شخصية مــزي ـفــة؟؟ يــا خفي‬ ‫األلطاف‪ ،‬كيف أنقذ صاحبي الحقيقي‪ ،‬وهل‬ ‫من سبيل للوصول إليه؟؟ يا رب القيامة‪ ،‬كيف‬ ‫سأتصرف مــع ذلــك الشخص املــزيــف عندما‬ ‫ي ـعــود وق ــد اكـتـشـفـ ُـت حـقـيـقـتــه؟! ه ــل ُيـجــدي‬ ‫إبــاغ السلطات عن حالة التباس هي برمتها‬ ‫غير مــاديــة‪ ،‬وهــو األمــر الــذي تمقته الشرطة‪..‬‬ ‫ُ‬ ‫سمعت باب‬ ‫اصطكت ركـبـتــاي رعـبــا عندما‬ ‫ُ‬ ‫قررت نسيان كل شيء‬ ‫الفيال الضخم ُيفتح‪.‬‬ ‫عرفت شيئا‪ .‬أعدتُ‬ ‫ُ‬ ‫والتصرف معه كأنني ما‬ ‫ُ‬ ‫وتحريت أن أبدو‬ ‫دفتر املذكرات إلى موضعه‪،‬‬ ‫ً‬ ‫منشغال‪ ،‬فلم أجــد مــا يبعدني عــن الشبهات‬ ‫ســوى تأمل سبع ساعات جدارية تشير إلى‬ ‫الـتــوقـيــت املـحـلــي فــي سـبــع عــواصــم أجنبية‪.‬‬ ‫كــان أم ـرًا عجيبًا للغاية أن أجـهــل الــوقــت في‬ ‫بالدي وأنا أنظر إلى تلك الساعات التي لم تكن‬ ‫ُ‬ ‫تنهدت ُمفلتًا استغاثة كئيبة‪:‬‬ ‫مهتمة بوقتنا‪.‬‬ ‫«يا أول‪ ،‬ملاذا ّقدرت علينا أن نعيش في أزمنة‬ ‫اآلخرين؟!»‪.‬‬ ‫النص الكامل‬ ‫على الموقع األلكتروني‬


‫ملحق‬

‫الثالثاء ‪ 11‬أغسطس ‪ /‬آب ‪ 2015‬م ‪ 26‬شوال ‪ 1436‬هـ‬ ‫العدد ‪ 43‬السنة األولى‬ ‫‪Tuesday 11th August 2015‬‬

‫آخـر‬ ‫الغيث‬

‫الثقافة‬

‫قصي اللبدي‬

‫أدخن مع قاتلي‬ ‫األب واألم‬ ‫األب يتمشى في املستقبل‪.‬‬ ‫األم نائمة في املاضي‪.‬‬ ‫عيناه أنبوبان زجاجيان‪ ،‬تنبثق منهما نظرة مستقيمة‪.‬‬ ‫عيناها ساكنتان‪ ،‬لكن نظرتهما تتلوى‪.‬‬ ‫اليقظة أب‪ ،‬والنوم أم‪.‬‬ ‫■■■‬ ‫آلة الزمن‬ ‫ما الذي أحبه في القصص القصيرة؟‬ ‫ال يـقـتـصــر األم ــر عـلــى م ـه ــارة ال ـق ــاص ف ــي صـنــاعــة شخصياته‪،‬‬ ‫ً‬ ‫وطباعا ومالمح‪ ،‬وال يتوقف عند حدود قدرته على‬ ‫ومنحها عادات‬ ‫استيالد مفارقة ما‪ ،‬أو خلق معنى شعري؛ يمكن الوثوق فيه بعد‬ ‫القراءة األولى‪ ،‬واالرتياب فيه‪ ،‬قبل القراءة الثانية‪.‬‬ ‫ليس هذا‪ ،‬فقط‪ ،‬ما يعطي القصة وزنها عندي‪.‬‬ ‫تروق لي‪ ،‬إلى أقصى حد‪ ،‬عناية القاص بالزمن‪.‬‬ ‫ً‬ ‫بينما تتحرك شخصياته‪ ،‬ثمة عقرب يدور بال كلل‪ ،‬مطلقا صدى‬ ‫وثباته القصيرة حولي‪.‬‬ ‫ً‬ ‫القصة التي يعجز كاتبها عن إدارة زمنها‪ ،‬تفقد ً‬ ‫جماليا ال‬ ‫مقوما‬ ‫يمكن تعويضه‪ .‬كيف تهب قصتك زمنها الخاص‪ ،‬أو ‪ -‬ألقل ‪ -‬ما‬ ‫نوع آالت الزمن التي تستخدمها في قصتك؟‬

‫أنــا ‪ -‬القارئ ‪ -‬أراقــب بطلك وهــو يشعل سيجارة‪ .‬أراقــب يــده وهي‬ ‫ترتحل ببطء مــن فمه إلــى منفضة السجائر‪ ،‬مثل قطار بخاري‬ ‫صامت‪.‬‬ ‫ً‬ ‫ورغما عني‪ ،‬أنظر داخل الحجرة‪ ،‬حيث يجلس‪:‬‬ ‫قطع أثــاث متراصة تحت إضــاءة النهار‪ ،‬أصــوات غامضة تخترق‬ ‫النافذة‪ ،‬فردتا حذاء‪ ،‬أعقاب سجائر حمراء على البالط‪ .‬لوحة مقلدة‬ ‫على الجدار تقطعها سفينة شراعية باتجاه الثالجة‪ .‬ظالل ال حصر‬ ‫ّ‬ ‫يتشمس قرب السرير‪.‬‬ ‫لها‪ ،‬وخليط من الروائح‬ ‫ً‬ ‫عندما ألتفت الى بطلك‪ ،‬مجددا‪ ،‬أراه يقلب سيجارته في املنفضة‪،‬‬ ‫ً‬ ‫فأهمس لنفسي‪ :‬أليست السيجارة آلة زمن أيضا؟‬ ‫■■■‬ ‫فكرة‬ ‫ً‬ ‫مستلقيا على ظهري‪،‬عيناي املشرعتان تمنحان السماء حدودها‪،‬‬ ‫ً‬ ‫عاليا ّ‬ ‫مانعتيها من التمدد‪ً .‬‬ ‫أحدق‪ ،‬تاركا نظراتي تنزلق على األقواس‬ ‫الزرقاء‪ ،‬مطلقة صرخاتها السعيدة‪.‬‬ ‫عود كبريت بني أسناني‪ ،‬يضيء ما في جمجمتي‪.‬‬ ‫■■■‬ ‫أدخن مع قاتلي‬ ‫الرجل الــذي يغمز بعينه‪ ،‬كأنه يحاول إخفاءها‪ ،‬ألن قطرة العرق‬ ‫ال ـســائ ـحــة ت ــوش ــك أن تـعـلــق ب ــن رم ــوش ــه‪ ،‬ي ـق ــول ل ــك وه ــو يشعل‬

‫فن العرب‬

‫لوحة تحمل أسرار مرحلة بكاملها‬ ‫فريد الزاهي‬

‫إنها حكاية ُل ْ‬ ‫ويحة تقودنا إلى شبكة مركبة‬ ‫مــن الـعــاقــات واألل ـغــاز‪ ،‬وتكشف لنا جــزءًا‬ ‫من تاريخ الفن والثقافة في الخمسينيات‪.‬‬ ‫تـبــدأ الحكاية‪ ،‬فــي ‪ ،2010‬حــن عثر املمثل‬ ‫الفرنسي‪ ،‬جيرار دو ســارث‪ ،‬مصادفة‪ ،‬في‬ ‫أحد أسواق سقط املتاع‪ ،‬على ْ‬ ‫لويحة أثارت‬ ‫انتباهه‪ .‬كانت اللوحة بورتريه بالباستيل‬ ‫ً‬ ‫سنتمترا على‬ ‫ال يتجاوز مقاسها الثالثني‬ ‫ُ‬ ‫مثلها‪ .‬وفي أسفلها على اليمني كتب بخط‬ ‫واضــح ‪William S. Burroughs. Tanger« :‬‬ ‫ً‬ ‫‪ .»54‬وب ـمــا أن االس ــم يـحـيــل م ـبــاشــرة إلــى‬ ‫كاتب أميركي كبير‪ ،‬فلم يـتـ ّ‬ ‫ـردد املمثل في‬ ‫ال ـســؤال عــن ثمنها؛ «‪ 20‬ي ــورو»‪ .‬وم ــاذا لو‬ ‫كــان قد عثر على كنز؟ هكذا قــال في نفسه‬ ‫وهو ينقد البائع العشرين يورو وينسحب‬ ‫ً‬ ‫ساهما‪ .‬تداخلت األفكار في ذهن‬ ‫من هناك‬ ‫ج ـيــرار وتـشــابـكــت األس ـئ ـلــة‪ .‬أه ــو بــورتــريــه‬ ‫ال ـك ــات ــب‪ ،‬أم لــوحــة م ـه ــداة ل ــه؟ ف ــي م ــا بعد‬ ‫التقى صديقته الصحافية والناقدة الفنية‪،‬‬ ‫ّ‬ ‫مــونــا تــومــاس‪ ،‬فــأخـبــرهــا عــن األم ــر‪ ،‬وظـ ّـا‬ ‫مـ ًـعــا يـحـ ّـدقــان فــي هــذه الـلــوحــة الـتــي تمثل‬ ‫ً‬ ‫وجها لشاب عربي من طنجة‪.‬‬ ‫هكذا انطلق البحث في جميع االتجاهات‬ ‫وراء «ح ـق ـي ـقــة» ال ـل ــوح ــة‪ ،‬وه ــوي ــة ال ـشـ ًـاب‬ ‫َّ‬ ‫فيها‪ .‬كانت توماس تملك تاريخا‪،‬‬ ‫املصور‬ ‫ً‬ ‫‪ ،1954‬ومكانا ‪ ،‬طنجة‪ .‬غير أن وجــود اسم‬ ‫الكاتب «وليام بــوروز» في اللوحة لم يكن‬ ‫واضح املعنى ويثير من األسئلة أكثر مما‬ ‫يجيب عنها‪.‬‬ ‫ّ‬ ‫األك ـي ــد ف ــي األمـ ــر أن ال ـلــوحــة ك ــان ــت تـمــثــل‬ ‫ً‬ ‫التعبيري‬ ‫شابا عربي املالمح‪ ،‬رغم الطابع ً‬ ‫الــذي انتهجه صاحبها‪ً .‬واألكـيــد أيــضــا أن‬ ‫صاحب اللوحة كــان فنانا غير واقعي ّ‬ ‫مر‬ ‫ً‬ ‫وتبعا لهذه املعطيات‪،‬‬ ‫في طنجة في ‪.1954‬‬ ‫ل ــم تـلـبــث الـصـحــافـيــة أن تــوص ـلــت إل ــى أن‬ ‫صاحب الوجه األسمر لم يكن غير الفنان‬ ‫املغربي‪ ،‬أحمد اليعقوبي‪.‬‬

‫ك ــان ال ـ ًي ـع ـقــوبــي ف ــي الـخـمـسـيـنـيــات شـ ًـابــا‬ ‫مـ ـع ــروف ــا ف ــي ط ـن ـجــة الـ ـت ــي ك ــان ــت تـتـمـتــع‬ ‫ً‬ ‫مستقرا‬ ‫بوضعية قانونية دولـيــة‪ .‬وكانت‬ ‫ومـعـّبـ ًـرا للعديد مــن الشخصيات األدبـيــة‬ ‫والفنية العاملية‪ ،‬كبول بولز وويليام بوروز‬ ‫وت ـن ـي ـســي وي ـل ـي ــام ــز وف ــران ـس ـي ــس بـيـكــون‬ ‫ّ‬ ‫املتحدر مــن مدينة‬ ‫وغيرهم‪ .‬وكــان الـشـ ًـاب‬ ‫فــاس‪ ،‬حينها‪ ،‬صديقا للكاتب واملوسيقي‬ ‫األم ـ ـيـ ــركـ ــي‪ ،‬ب ـ ــول بـ ــولـ ــز‪ ،‬وأح ـ ـ ــد مـ ـص ــادره‬ ‫الحكائية التي منها ينهل رواياته‪.‬‬ ‫وألن الفنان البريطاني‪ ،‬فرانسيس بيكون‪،‬‬ ‫كان يرتاد طنجة في تلك الفترة‪ ،‬فقد اتجه‬ ‫ً‬ ‫نظر الصحافية توماس أول صوب فرضية‬ ‫أن يكون بيكون صاحب البورتريه‪ .‬فتابعت‬ ‫حدسها‪ ،‬لتكتشف أن الشاب املغربي صادق‬ ‫الفنان املعروف في الخمسينيات‪ ،‬وأن هذا‬ ‫ً‬ ‫دروسـ ــا في‬ ‫األخ ـيــر لــم ي ـتــورع عــن إعـطــائــه‬ ‫الــرســم‪ .‬كما أن بيكون كــان يـمــارس الرسم‬ ‫بالباستيل‪ ،‬والدليل موجود‪ ،‬إذ إنه اقتنى‬ ‫هذه األقالم بطنجة في تلك السنة‪.‬‬ ‫ال تـ ـهـ ـمـ ـن ــا امل ـ ـتـ ــاب ـ ـعـ ــة ال ـ ـت ـ ــي ق ـ ــام ـ ــت ب ـهــا‬ ‫ال ـص ـحــاف ـيــة‪ ،‬ألن ـه ــا ل ــم ت ـصــل إلـ ــى نتيجة‬ ‫محددة بخصوص صاحب اللوحة‪ ،‬بقدر ما‬ ‫ّ‬ ‫يهمنا أن يكون ذلك الوجه األسمر الناضح‬ ‫ب ــال ـغ ــراب ــة ألحـ ــد ال ـف ـنــانــن ال ـك ـب ــار‪ ،‬الــذيــن‬ ‫ّ‬ ‫وسـمــوا تــاريــخ الـفــن املـغــربــي‪ ،‬بــل والعربي‬ ‫فــي املهجر األمـيــركــي‪ ،‬منذ الخمسينيات‪.‬‬ ‫فــأحـمــد بــن إدري ــس اليعقوبي اشـتـغــل مع‬ ‫بول بولز منذ وصوله إلى طنجة في أواخر‬

‫األكيد في األمر أن‬ ‫اللوحة كانت تمثّل شابًا‬ ‫عربي المالمح‬

‫ً‬ ‫األربعينيات كحكواتي؛ الذي كان معروفا‬ ‫عـنــه ولـعــه بالحكاية الشعبية واشتغاله‬ ‫عليها‪ ،‬وتسجيله لها من أفواه أصحابها‪.‬‬ ‫كانت طنجة حينها مدينة حية‪ ،‬معروفة‬ ‫ب ـل ـي ــال ـي ـه ــا وم ــوسـ ـيـ ـقـ ـيـ ـيـ ـه ّــا وح ــان ــاتـ ـه ــا‬ ‫ومطاعمها‪ .‬وكــان كـبــار الفنانني واألدب ــاء‬ ‫ّ‬ ‫يجدون فيها ضالتهم‪ .‬والحقيقة أن بولز‬ ‫ك ــان م ـحــور ه ــذه ال ـل ـقــاءات وال ـنــافــذة التي‬ ‫يرى من خاللها األميركيون والبريطانيون‬ ‫ً‬ ‫خصوصا البلد وأصحابه‪ ،‬بل إن بولز كان‬ ‫ّ‬ ‫وراء والدة عــدة فنانني كانوا ي ــدورون في‬ ‫فلكه‪.‬‬ ‫ول ـ ـ ــد أح ـ ـمـ ــد الـ ـيـ ـعـ ـق ــوب ــي ف ـ ــي ف ـ ـ ــاس س ـنــة‬ ‫‪ ،1928‬وغ ــادره ــا إل ــى طـنـجــة ول ــم يـكــن ًقد‬ ‫ب ـلــغ ال ـع ـشــر ًيــن‪ .‬ه ـن ــاك ب ــدأ يـكـتـشــف عــاملــا‬ ‫آخ ـ ــر م ـخ ــال ــف ــا ل ـل ـع ــال ــم ال ـت ـق ـل ـي ــدي ملـسـقــط‬ ‫رأســه‪ .‬وليس من الغريب أن تكون صداقة‬ ‫اليعقوبي وبــولــز وراء كـتــابــة ه ــذا األخـيــر‬ ‫إحــدى أهـ ّـم رواياته عن مدينة فــاس؛ «بيت‬ ‫العنكبوت»‪.‬‬ ‫كــانــت رسـ ــوم الـيـعـقــوبــي ولــوحــاتــه (ربـمــا‬ ‫ك ـ ـح ـ ـكـ ــايـ ــاتـ ــه) مـ ــزيـ ـ ًـجـ ــا مـ ـ ــن ال ـت ـش ـخ ـي ــص‬ ‫والتجريد‪ ،‬وأشبه باألحالم أو الكوابيس‪.‬‬ ‫ي ـم ــارس ـه ــا ك ـم ــا ل ــو أنـ ــه اك ـت ـش ــف ال ـب ــرك ــان‬ ‫الــرابــض فيه‪ ،‬يغمس فيها حياته الغريبة‬ ‫في هذه املدينة ّ‬ ‫املدوخة العجيبة‪.‬‬ ‫لــم يـلـبــث الـيـعـقــوبــي أن ص ــار ف ـنــان طنجة‬ ‫«ال ـع ــرب ــي» بــام ـت ـيــاز‪ .‬ف ـقــد ع ــرض ل ــه بــولــز‬ ‫رسومه برواق «غاليمار» في طنجة‪ ،‬حيث‬ ‫ً‬ ‫باع ًالشاب الفنان ما يقارب الثالثني عمل‪،‬‬ ‫ّ‬ ‫مبينا بــذلــك عــن مــوهـبــة قــل نـظـيــرهــا‪ .‬كما‬ ‫انتبهت الفنانة األميركية‪ ،‬بيتي بارسونز‬ ‫‪ ،etty‬إل ــى أعـمــالــه بـعــد أن فتحت‬ ‫‪Parsons‬‬ ‫ّ‬ ‫ـط األرب ـع ـي ـن ـيــات‬ ‫ـ‬ ‫ـ‬ ‫س‬ ‫أوا‬ ‫ـي‬ ‫ـ‬ ‫ف‬ ‫ـي‬ ‫ـ‬ ‫ـن‬ ‫ـ‬ ‫ف‬ ‫ـ‬ ‫ل‬ ‫ا‬ ‫ـا‬ ‫رواقـ ـه ـ‬ ‫ً‬ ‫بنيويورك‪ ،‬وأقامت له معرضا سنة ‪.1952‬‬ ‫وم ـع ـلــوم أن ه ــذا ال ـ ــرواق قــد ع ــرض أعـمــال‬ ‫أكبر الفنانني األميركيني في تلك املرحلة‪،‬‬ ‫كجاكسون بولوك وروثكو‪ ،‬ما يؤكد املكانة‬ ‫التي تبوأها هذا الفنان اآلتي من عالم آخر‪،‬‬ ‫ال ـ ــذي اك ـت ـشــف س ـحــر الـتـشـكـيــل م ــن خــال‬ ‫م ـع ــاش ــرة ال ـف ـنــانــن ال ـك ـب ــار ال ـع ــاب ــري ــن في‬ ‫طـنـجــة‪ .‬فــي السنة نفسها سـيــدعــوه بولز‬ ‫إل ــى جــزيــرتــه ب ـس ـيــان‪ .‬وه ـن ــاك سيتعرف‬ ‫اليعقوبي على ضيفته الشهيرة «بيجي‬ ‫غــوغ ـن ـهــام» (‪)Marguerite Guggenheim‬‬ ‫ّ‬ ‫الجماعة الفنية األميركية الشهيرة‪ ،‬التي‬ ‫ستقتني بعض لــوحــاتــه‪ .‬وفــي سنة ‪1966‬‬ ‫ً‬ ‫ّ‬ ‫نهائيا بنيويورك مع‬ ‫سيستقر اليعقوبي‬ ‫زوجته األميركية‪.‬‬ ‫ّ‬ ‫ً‬ ‫مغمورا في بالده حتى بعد‬ ‫ظل هذا الفنان‬ ‫وفاته سنة ‪ ،1985‬حيث ووري جثمانه تراب‬ ‫ّ‬ ‫قبل‬ ‫أميركا‪ .‬ولم تفكر عائلته باسترداده إال ً‬ ‫خمس أو ست سنوات بعدما صار معترفا‬ ‫به في وطنه‪ ،‬واستعاد مكانته في تاريخ‬ ‫ّ‬ ‫ال ـف ــن امل ـغــربــي بــاع ـت ـبــاره لـيــس فـقــط رائ ـ ًـدا‬ ‫للفن الحديث‪ ،‬قبل الغرباوي والشرقاوي‪،‬‬ ‫ول ـك ــن ب ــاع ـت ـب ــاره ح ـل ـقــة وصـ ــل م ـهـ ّـمــة بني‬ ‫ّ‬ ‫بدايات الفن باملغرب بني عشرينيات القرن‬ ‫ّ‬ ‫العشرين وأواخر نصفه األول‪.‬‬ ‫رغ ــم أن أع ـمــال الـيـعـقــوبــي ال ت ــزال مشتتة‬ ‫بني أميريكا وأوروبــا‪ ،‬إال أن ّما نعرفه عنه‬ ‫يـجـعـلـنــا ن ـع ـتــرف ب ــأن ــه امل ّـبــشــر بــال ـحــداثــة‬ ‫ال ـت ـش ـك ـي ـل ـي ــة‪ ،‬ال ـ ـتـ ــي ض ــخـ ـه ــا ال ـج ـي ــال ــي‬ ‫الغرباوي سنوات قليلة بعد ذلك‪ ،‬وبالكثير‬ ‫مــن العمق والغنائية‪ .‬إنها قـطــرات الغيث‬ ‫ّ‬ ‫األول ـ ـ ــى الـ ـت ــي روت أرض الـ ـف ــن امل ـغ ــرب ــي‪،‬‬ ‫ّ‬ ‫وتــركــت بصمة واضـحــة على الـفــن العربي‬ ‫في املهجر األميركي‪.‬‬

‫سيجارتك‪ ،‬إنه يكره القاتل والقتيل‪.‬‬ ‫لكنه يكره ‪ -‬أكثر مــن أي شــيء ‪ -‬مــا يقتتالن مــن أجـلــه؛ هــذه اليد‬ ‫املمدودة ً‬ ‫أبدا‪ ،‬بينهما‪ ،‬التي تسمى الحياة‪.‬‬ ‫يحدث املوت‪ ،‬ألن الحياة ال تتوقف الحدوث‪.‬‬ ‫أنا مع املوت‪.‬‬ ‫ ‬‫يقول لك‪ ،‬وبينما هو يلعن الطقس‪ ،‬تواصل أنت النظر إليه بالطريقة‬ ‫نفسها‪.‬‬ ‫هو ذا‪ ،‬ال يفصلك عنه سوى حائط من الدخان‪.‬‬ ‫تنظر ً‬ ‫مليا إلــى رموشه املبللة‪ ،‬ال تريد أن ترفع بصرك عنه‪ ،‬فقد‬ ‫حظيت بفرصة لم يحظ بها شاعر من قبل‪:‬‬ ‫أن تدخن مع قاتلك‪ ،‬وتتحدث معه عن الطقس والسجائر‪..‬‬ ‫■■■‬

‫كائن‬ ‫ذبابة وحيدة تتقلب في هواء الحجرة‪ ،‬تحط على أذني فأطردها‪ ،‬ثم‬ ‫على يدي‪ ،‬فأبعدها‪ .‬أرجح أنها تشعر بالوحدة‪ .‬أقول ذلك لنفسي‬ ‫حتى ال أطيل التفكير فيها‪ .‬ولكنها تواصل اللعب‪ ،‬ناشرة طنينها‬ ‫املتقطع حــول جمجمتي‪ .‬طيب‪ّ ،‬‬ ‫علي أن أنساها‪ ،‬لكن ذلــك ال يبدو‬ ‫ً‬ ‫ممكنا‪ ،‬ألن الذبابة ال تحب أن يتجاهلها أحد‪.‬‬ ‫ً‬ ‫عليه أن يقتلها أول‪.‬‬

‫توثيق‬

‫إليسا وعينة‪ :‬والدة قرطاج‬ ‫العربي الجديد‬

‫لوالدة قرطاج‪ ،‬تلك املدينة التونسية ذات التضاريس ّ‬ ‫املروسة صوب األبيض‬ ‫ٌ‬ ‫ً‬ ‫املـتــوســط‪ ،‬حـكــايــة يختلط الـتــاريــخ فيها بــاألسـطــورة م ـجــازا‪ .‬إذ كثيرة هي‬ ‫الدراسات التي برهنت أن «أسطورة» والدة املدينة‪ ،‬حقيقة تاريخية‪ .‬إال أن‬ ‫الجمال في «األسـطــورة»‪ ،‬وذاك اإلبهار الناجم عن رحلة أميرة فينيقية من‬ ‫صــور الــواقـعــة فــي الــزاويــة اليمنى للبحر املتوسطي‪ ،‬صــوب «أنــف املنقار»‬ ‫لتأسيس مدينة جديدة‪ ،‬يكفالن على ما يبدو ارتفاع الحقيقة التاريخية إلى‬ ‫مصاف ُخ ّ‬ ‫لبية األساطير‪.‬‬ ‫ّ‬ ‫للمرء هنا‪ ،‬تخيل األميرة إليسا‪ ،‬سليلة الحضارة األرجوانية‪ .‬على سفينتها‬ ‫تمخر عباب البحر وتبتعد عن مسكنها ّ‬ ‫األول في رحلة «أوديسية» العناصر‪.‬‬ ‫تصل األميرة إلى هضبة‪ ،‬فاملدن الخالدة‪ ،‬تكون عالية في الواقع وفي الخيال‪.‬‬ ‫تختار مسكنها الجديد وتعطيه ً‬ ‫اسما‪ ،‬فتسمية أمر ما تعني امتالكه‪ .‬قالت‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫األميرة بفينيقيتها‪« :‬ق ْر ْت َح َدش ْت» أي املدينة الجديدة‪.‬‬ ‫لتكتمل عناصر الحكاية‪ ،‬ال ّبد من ّ‬ ‫حب‪ .‬وكذا كان‪ ،‬لحق األمير عينة بأليسا‪،‬‬ ‫ّ‬ ‫ليمر من دون ّ‬ ‫وما كان ذلك ّ‬ ‫فالحب يحتاج مأساة ما‪ ،‬قبل أن ينمو‬ ‫مبرر قوي‪،‬‬ ‫في قلب اثنني‪ .‬األمير عينة هارب من مدينته طروادة بعدما التهمها الحريق‪.‬‬ ‫ّ‬ ‫نظر األمير إلى األميرة وأطال النظر‪ ،‬ريثما تكفل كيوبيد برمي سهمني في‬ ‫القلبني العاشقني‪.‬‬ ‫ثمة أميرة على سفينة من أجل عالم جديد‪ ،‬وثمة أمير هارب من عالم حريق‪.‬‬ ‫ثمة مملكة فينيقيا وثمة طروادة‪ ،‬ثمة ّ‬ ‫حب‪ .‬وليكتمل املشهد‪ ،‬ال ّبد من الشعر‪.‬‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫فقد خلد الشاعر الالتيني فيرجيل في ملحمته األنيادة» في القرن األول قبل‬ ‫املسيح‪ّ ،‬‬ ‫قصة ّ‬ ‫الحب‪ .‬لكنه لم يتمم امللحمة فقد سبق املوت اإللهام الشعري‪ .‬إال‬ ‫أن ما وصل من امللحمة املتهادية على خطى إلياذة هوميروس وأوديسيته‪،‬‬ ‫يكفي لرواية ّ‬ ‫القصة‪.‬‬ ‫استقبلت األميرة الفينيقية األمير الهارب من مأساته‪ ،‬بوليمة على شرفه‪.‬‬ ‫ق ـ ّـص األم ـيــر عـلــى األم ـيــرة مــا ج ــرى فــي طـ ــروادة‪ .‬لــم يغفل األم ـيــر «شـبــح»‬ ‫ّ‬ ‫هيكتور‪ ،‬ابــن املــاحــم اإلغــريـقـيــة الـخــالــدة‪ .‬ظهر الشبح وبــشــر األمـيــر بأنه‬ ‫ّ‬ ‫كل شيء جديد وطازج‪ ،‬هو ّ‬ ‫الحب في ّأوله‪.‬‬ ‫سيبني «طروادة جديدة»‪.‬‬ ‫تتدخل الطبيعة لتعطي ّ‬ ‫القصة نكهة قدر ال راد له‪ .‬إنها العاصفة‪ ،‬وقرطاج‬ ‫ّ‬ ‫املتضادة‪ ،‬إنها العاصفة وال ّبد للعاشقني من االحتماء‬ ‫مسرح لتيارات الهواء‬ ‫في كهف‪.‬‬ ‫معا‪ ،‬واألميرة ّ‬ ‫هما في الكهف ً‬ ‫ً‬ ‫زواجــا‪ ،‬فكان لها ما أرادت‪ .‬إال أن‬ ‫عدت األمر‬ ‫السعادة ال تــدوم في األساطير‪ ،‬فكان امتحان «إلـهــي»‪ .‬غضب كبير اآللهة‬ ‫جوبيتر على األمير الذي نسي في غمرة العشق ما قاله له «شبح» هيكتور‪.‬‬ ‫ال ّ‬ ‫راد إلرادة كبير اآللهة‪ ،‬فال ّبد من السفر في البحر ثانية‪.‬‬ ‫إن كان املاء سيأخذ األمير‪ ،‬فإن النار ستأخذ األميرة‪ .‬يقال إنها أضرمت‬ ‫ّ‬ ‫النار في «املدينة الجديدة» وانتحرت بألسنتها ولهبها‪ .‬وللمجاز أن يطل‬ ‫فيقول أحرقها الوجد‪.‬‬

‫مسؤولة ملحق الثقافة‪ :‬ديمة الشكر‬ ‫لوحات العدد‪ :‬الفنان التونسي خالد مقديش‬ ‫‪Dima.Choukr@alaraby.co.uk‬‬


Turn static files into dynamic content formats.

Create a flipbook
Issuu converts static files into: digital portfolios, online yearbooks, online catalogs, digital photo albums and more. Sign up and create your flipbook.