Alarabi nov 2016

Page 1

‫العدد ‪ > 696‬صفر ‪ 1438‬هـ > نوفمبر ‪ 2016‬م ‪November‬‬

‫العدد ‪ 696‬نوفمبر‬ ‫‪2016‬‬

‫‪ISSN : 0258 - 3941‬‬

‫جداينسك‪...‬‬

‫مدينة تغيَّر فيها تاريخ العالم مرتين‬

‫‪@alarabiinfo‬‬ ‫‪10/17/16 8:14:31 AM‬‬

‫‪full cover.indd 2‬‬


‫مجلة شهرية ثقافية مصورة يكتبها عرب ليقرأها كل العرب‬ ‫تأسست عام ‪ ،1958‬تصدرها وزارة اإلعالم بدولة الكويت‬

‫رئيس التحرير‬

‫د‪ .‬عادل سالم العبداجلادر‬

‫‪Editor in Chief‬‬

‫‪Dr. Adel S. Al-Abdul Jader‬‬

‫العنوان في الكويت‬ ‫بنيد القار ‪ -‬قطعة ‪ - 2‬شارع ‪ - 76‬قسيمة ‪ - 105‬هاتف البدالة ‪)00965( 22512081/82/86‬‬

‫> هاتف التحرير‪22512017 :‬‬ ‫> اإلعالن والتوزيع‪ > )00965( 22512043 :‬الفاكس‪)00965( 22512044 :‬‬ ‫العنوان البريدي‪ :‬ص ب ‪ - 748‬الصفاة ‪ -‬الرمز البريدي ‪ -13008‬الكويت‪.‬‬ ‫‪Editorial Tel:‬‬

‫‪AL-ARABI - A Cultural Illustrated Monthly Arabic Magazine, Published by‬‬ ‫‪Ministry of Information - State of Kuwait - P.O.Box: 748 - Safat, Kuwait‬‬

‫‪Tel: )00965( 22512081/82/86 Fax: (00965) 22512044‬‬

‫عناوين البريد اإللكتروني‬

‫املشاركات واملقــاالت ‪:‬‬ ‫الـمتابـعة الـمالية ‪:‬‬ ‫االشـتراك بالـمجــلة ‪:‬‬ ‫مسابقة التصوير ‪:‬‬

‫‪alarabi@alarabi.info‬‬ ‫‪fin@alarabi.info‬‬ ‫‪subscribe@alarabi.info‬‬ ‫‪photo@alarabi.info‬‬

‫‪@alarabiinfo‬‬ ‫شروط النشر في مجلة العربي‬ ‫> توجه املقاالت إلى رئيس حترير املجلة‪.‬‬ ‫تكتب املقاالت باللغة العربية وبخط واضح وترسل على البريد اإللكتروني‪ ،‬ومرفقة مبا يلي‪:‬‬ ‫‪ - 1‬تعهد خطي من املؤلف أو املترجم بعدم نشر املقالة ساب ًقا في أي مجلة أخرى‪.‬‬ ‫‪ - 2‬سيرة ذاتية مختصرة للمؤلف أو املترجم‪.‬‬ ‫‪ - 3‬األصل األجنبي للترجمة‪ ،‬إذا كانت املقالة مترجمة‪.‬‬ ‫‪ - 4‬يفضل أن تكون املقاالت الثقافية مدعمة بصور أصلية عالية النقاء‪ ،‬مع ذكر مصادر هذه‬ ‫الصور‪ ،‬ومراعاة ترجمة تعليقات وشروح الصور واجلداول إلى اللغة العربية‪.‬‬ ‫> املوضوعات التي ال تنشر ال تعاد إلى أصحابها‪.‬‬ ‫> يفضل أال تقل املقالة عن ‪ 150‬كلمة وال تزيد على ‪ 1000‬كلمة‪.‬‬ ‫> يحق للمجلة حذف أو تعديل أو إضافة أي فقرة من املقالة متاش ًيا مع سياسة املجلة في النشر‪.‬‬ ‫> اخلرائ������ط التي تنش������ر باملجل������ة مجرد خرائ������ط توضيحية وال تعتب������ر مرجعا للح������دود الدولية‪.‬‬ ‫> ال يجوز إعادة النش������ر بأي وس������يلة ألي مادة نشرتها العربي منذ ‪ 1958‬وحتى تاريخه دون موافقة‬ ‫خطية من اجلهات املختصة باملجلة وإال اعتبر خرقا لقانون امللكية الفكرية‪.‬‬ ‫> االس������م الكامل حس������ب الوثائق الرس������مية‪ ،‬واس������م الدولة‪ ،‬واس������م البنك‪ ،‬ورقم احلساب اخلاص‬ ‫باملستفيد‪ ،‬وكذلك رقم اآليبان (‪)IBAN‬‬

‫> امل ��واد املنش ��ورة تعبر ع ��ن آراء كتابه ��ا وال تعبر بالضرورة ع ��ن رأي املجلة‪,‬‬ ‫ويتحمل كاتب املقال جميع احلقوق الفكرية املترتبة للغير‪.‬‬ ‫طبعت مبطبعة حكومة الكويت‬ ‫‪3‬‬

‫‪10/17/16 11:08:06 AM‬‬

‫‪nov 3-4-5.indd 3‬‬


‫العدد ‪ - 696‬صفر ‪ 1438‬هـ‬ ‫نوفمبر (تشرين الثاني) ‪2016‬م‬

‫حديث الشهر‬ ‫‪ 8‬د‪ .‬عادل سالم العبداجلادر‪...‬‬ ‫وهم العبور إلى اخللود‪ ...‬ومقاومة األلم بالتخدير‪.‬‬

‫‪ 126‬عرض واختيار د‪ .‬طلعت ش�� ��اهني‪ ...‬قص�� ��ص على الهواء‬ ‫بالتعاون مع إذاعة مونت كارلو الدولية‪.‬‬ ‫وجه ًا لوجه‬ ‫‪ 67‬الطاهر لبيب‪ :‬ه�� ��ل انتهى دور املثقف في احلياة العربية؟‬ ‫حاوره‪ :‬ماجد السامرائي‪.‬‬

‫فكر وقضايا عامة‬ ‫‪ 22‬عب�� ��د املجيد اجلرادات‪ ...‬أين يقف اخلطاب اإلعالمي من‬ ‫حوار احلضارات؟‬ ‫ديوان العربي‬ ‫‪ 30‬د‪ .‬محم�� ��ود باكي�� ��ر‪ ...‬الرحل�� ��ة م�� ��ن «كذب�� ��ة أبري�� ��ل» إلى‬ ‫‪ 130‬منر سعدي‪ ...‬أربع قصائد من فلسطني‪.‬‬ ‫احلاسوب‪.‬‬ ‫‪ 132‬عبدالله الشوربجي‪« ...‬عبلة»‪.‬‬ ‫استطالعات وحتقيقات‬ ‫صب عِ نان السفر‪.‬‬ ‫‪ 134‬رجاء جنيد عبدالقادر‪ ...‬وثنى اخلِ ْ‬ ‫‪ 36‬شريف سنبل‪ ...‬جداينسك‪ ...‬مدينة تغ َّير فيها تاريخ العالَم‬ ‫تاريخ وتراث وشخصيات‬ ‫مرتني‪.‬‬ ‫‪ 56‬بيـان الصفدي‪ُ ...‬قرب سرير ماري أنطوانيت‪.‬‬ ‫ملف العدد‬ ‫‪ 62‬د‪ .‬محمد فتحي فرج‪ ...‬وداعاً رائد الدراس�� ��ات النفس�� ��ية‬ ‫واالجتماعية د‪ .‬مصطفى سويف‪...‬‬ ‫‪ 99‬مسرح ألفريــد فــرج‬ ‫‪ 100‬محم�� ��ود س�� ��ليمان‪ ...‬ف�� ��ن ول�� ��وج ال�� ��ذات‪ ...‬أو مس�� ��رح‬ ‫فن‬ ‫املونودراما‪.‬‬ ‫‪ 106‬محم�� ��ود كحيل�� ��ة‪ ...‬ألفريــد فــ�� ��رج‪ ...‬مبدعــاً مس�� ��رحيـاً ‪ 136‬بندر عبداحلميد‪ ...‬أرمتيس� � �يــــا‪ ...‬أول فنانة مشهورة في‬ ‫تاريخ الرسم‪.‬‬ ‫باملصادفــة‪.‬‬ ‫‪ 110‬عقي�� ��ل مه�� ��دي‪ ...‬املس�� ��رح‪ ...‬والس�� ��يرة االفتراضي�� ��ة ‪ 140‬عبدالق�� ��ادر حميدة‪ ...‬الس�� ��ينما الروائية العربية وأس�� ��ئلة‬ ‫مجتمع الهامش‪.‬‬ ‫للشخصية‪.‬‬ ‫سحاب‪ ...‬محمد القصبجي‪ ...‬املجدد العبقري‬ ‫‪ 148‬إلياس ّ‬ ‫أدب ونقد ولغة‬ ‫في املوسيقى العربية‪.‬‬ ‫ُ‬ ‫‪ 14‬فاروق شوش�� ��ة‪ُ « ...‬مسلسالت» مهيار التي فنت بها شوقي‬ ‫علوم‬ ‫(جمال العربية)‪.‬‬ ‫‪ 152‬د‪ .‬ليلى صالح العلي‪ ...‬األجهزة الرقمية والتناظرية‪.‬‬ ‫‪ 26‬د‪ .‬عيسى املصري‪ ...‬صراع اللغات‪.‬‬ ‫‪ 156‬أحمد الشبلي‪ ...‬فيزياء الكم‪ ...‬الكون من منظور آخر‪.‬‬ ‫‪ 73‬سعيـد عبيـد‪ ...‬األمازيغيـة في ُحلَّة احلرف العـربي‪.‬‬ ‫‪ 160‬د‪ .‬أبوبكر خالد سعدالله‪ ...‬تعريب الكتب العلمية‬ ‫‪ 82‬د‪ .‬فوزي الزمرلي‪ ...‬في غنب رواية «بندر شاه»‬ ‫والعسكرية خالل القرن الـ ‪ 19‬في مصر‪.‬‬ ‫للط ّيب صالح‪.‬‬ ‫‪ 86‬أمير الغندور‪ ...‬األصول العربية ملا بعد احلداثة‪.‬‬ ‫البيت العربي‬ ‫‪ 92‬يوس�� ��ف توفيق‪ ...‬سفيتالنا ألكس�� ��ييفيتش‪...‬عندما يُكتب‬ ‫‪ 163‬غ�� ��ادة احللوان�� ��ي‪ ...‬وس�� ��ائل التواص�� ��ل االجتماعي تضر‬ ‫التاريخ بلغة املشاعر‪.‬‬ ‫بالصحة العقلية للمراهقني‪.‬‬ ‫‪ 96‬نومي�� ��ي في ّرو باندي�� ��را‪« ...‬عائل�� ��ة باس�� ��كوال دوارتي»‪...‬‬ ‫‪ 166‬حس�� ��نات احلكيم‪ ...‬كيف نش�� ��جع أطفالنا عل�� ��ى املطالعة‬ ‫اعترافات معاصرة في «أدب التهويل»‪.‬‬ ‫والقراءة؟‬ ‫‪ 116‬كرمي الطيبي‪ ...‬بالغة الصورة الساخرة‪ ...‬قراءة في رحلة‬ ‫‪ 171‬رب�� ��ى ش�� ��عراني‪ ...‬دم�� ��ج ذوي االحتياج�� ��ات اخلاصة في‬ ‫ابن فضالن‪.‬‬ ‫املدارس مطلب أساسي‪.‬‬ ‫‪ 120‬ترجمة‪ :‬د‪ .‬محمد مصطفى‪ ...‬السعــادة (قصة مترجمة)‪.‬‬ ‫‪ 122‬ترجمة‪ :‬عاطف محمد عبداملجيد‪ ...‬إ ْن أبْكي (قصة مترجمة)‪ 175 .‬دهبية مش�� ��دال‪« ...‬رش�� ��يدة» اجلزائرية مازالت تبحث عن‬ ‫حريتها‪.‬‬ ‫‪4‬‬

‫‪10/17/16 11:08:08 AM‬‬

‫العدد ‪ - 696‬نوفمبر ‪2016‬‬

‫‪nov 3-4-5.indd 4‬‬


‫مكتبة العربي‬ ‫‪ 184‬عرض‪ :‬د‪ .‬عدنان بدر‪ ...‬قراءة في كتاب «علميـة العِ ـلْم»‬ ‫(من املكتبة العربية)‪.‬‬ ‫‪ 188‬ترجمة‪ :‬د‪ .‬إيهاب عبدالرحيم علي‪ ...‬تأليف‪ :‬ريتش������ارد‬ ‫نيد ليبو‪ ...‬دوافع احلرب (من املكتبة األجنبية)‪.‬‬ ‫‪ 192‬كتب مختارة‪.‬‬ ‫املفكرة الثقافية‬ ‫‪ 194‬كم������ال ربيع‪ ...‬الس������فارة املصرية تكرم الش������اعر الكويتي‬ ‫فاضل خلف‪.‬‬ ‫‪ 196‬ماهر منصور‪« ...‬احلاملون ال ميكن ترويضهم أبداً»‪.‬‬

‫ص ‪36‬‬

‫طرائف‬ ‫‪ 78‬صالح عبدالستار الشهاوي (طرائف عربية)‪.‬‬ ‫‪ 80‬محمد حسن أحمد (طرائف غربية)‪.‬‬ ‫أبواب ثابتة‬ ‫‪6‬‬ ‫‪7‬‬ ‫‪34‬‬ ‫‪179‬‬ ‫‪182‬‬ ‫‪200‬‬ ‫‪202‬‬ ‫‪204‬‬ ‫‪210‬‬

‫كاريكاتير‪.‬‬ ‫عزيزي القارئ‪.‬‬ ‫قالوا‪.‬‬ ‫املسابقة الثقافية‪.‬‬ ‫مسابقة التصوير الفوتوغرافي‪.‬‬ ‫منتدى احلوار‪.‬‬ ‫وتريات‪.‬‬ ‫عزيزي العربي‪.‬‬ ‫إلى أن نلتقي‪.‬‬

‫ص ‪140‬‬

‫ص ‪160‬‬

‫االشتراكات‬ ‫قيمة االشتراك السنوي > داخل الكويت ‪ 8‬د‪.‬ك > الوطن العربي ‪ 8‬د‪.‬ك أو ‪ 30‬دوالرا‪.‬‬ ‫> باقـي دول العالم ‪10‬د‪.‬ك أو ما يعادلها بالدوالر األمريكي أو اليورو األوربي‪:‬‬ ‫> ترسل قيمة االشتراك مبوجب حوالة مصرفية أو شيك بالعمالت املذكورة باسم وزارة اإلعالم على عنوان املجلة‪.‬‬ ‫‪Subscription: All Countries $ 40 or The Equivalent‬‬

‫ثـمن النسـخـة‬

‫الـكـويـت ‪ 500‬فلـس‪ ،‬األردن ‪ 500‬فل ــس‪ ،‬البح ــري ــن ‪ 500‬فل ــس‪ ،‬م ـصــر ‪ 1.25‬جنيــه‪ ،‬الـس ـ ــودان ‪ 500‬جنيه‪ ،‬مـوريتـان ــيا ‪ 120‬أوقي ــة‪ ،‬تـ ــونـ ــس دينار واحـد‪،‬‬ ‫اجل ـ ــزائــر ‪ 80‬ديـنـارا‪ ،‬الـسعـودي ــة ‪ 7‬ري ــاالت‪ ،‬الـيـم ـ ـ ــن ‪ 70‬ري ــاال‪ ،‬ق ـط ــر ‪ 7‬ري ــاالت‪ ،‬سلطنـة عمـان ‪ 500‬بيسـة‪ ،‬ل ـب ـنـان ‪ 2000‬لـيرة‪ ،‬سورية ‪ 30‬لـيرة‪،‬‬ ‫اإلمارات ‪ 7‬دراهم‪ ،‬الـمـغـرب ‪ 10‬دراهم‪ ،‬لـيـب ـيـا ‪ 500‬درهـم‪ ،‬العراق ‪ 50‬سنتاً‬ ‫‪Iran 4000 Riyal, Pakistan 75 Rupees, UK 2.5 Pound, Italy 2 € , France 2 € , Austria 2 € , Germany 2 € ,‬‬ ‫‪USA 2$, Canada .4.25 CD‬‬

‫الفهرس‬ ‫‪10/17/16 11:08:15 AM‬‬

‫‪5‬‬

‫‪nov 3-4-5.indd 5‬‬


‫الكويت عاصمة الثقافة اإلسالمية ‪2016‬‬

‫عزيزي‬

‫القارئ‬ ‫من التخدير إلى التقرير‬ ‫ال نحابي أنفس� � ��نا‪ ،‬ولكنن� � ��ا مبلء الثقة نقول وبلغة أق� � ��رب إلى املوضوعية‪،‬‬ ‫وتبتع� � ��د عن التهويل‪ :‬هذا عدد دس� � ��م‪ ،‬وخطوته رصينة عل� � ��ى دروب الثقافة‬ ‫والعلم واملعرفة والفنون‪.‬‬ ‫حديث الش� � ��هر يطرح أسئلة وال يقدم إجابات‪ ،‬ويريد من القارئ احلصيف‬ ‫استنتاج املغزى النهائي حملنة اإلنسان في وجوده العاثر‪ ،‬وذلك البون الشاسع‬ ‫بني أحالمه ف� � ��ي اخللود‪ ،‬وواقعه حُ‬ ‫املاط ب� � ��اآلالم واألمراض واألوجاع‪ ،‬وهي‬ ‫آف� � ��ات وجد باملخدرات مالذه منها‪ ،‬وكأن حديث الش� � ��هر هذا‪ ،‬يس� � ��تعيد بهاء‬ ‫كتاب� � ��ات د‪ .‬مصطفى س� � ��ويف‪ ،‬وهو جن� � ��م هذا العدد بال من� � ��ازع‪ ،‬الذي صال‬ ‫وجال في بحثه عن العالقة بني املخدرات واملجتمع‪ ،‬وكأنهما‪ ،‬رئيس التحرير‬ ‫والراحل الكبير «س� � ��ويف»‪ ،‬يبحثان عن خالص اإلنس� � ��ان الكامن في صحوة‬ ‫العقل من السبات والسكون وا َ‬ ‫خل َدر‪ ،‬ليواجه قضايا وجوده احلياتية واالنحياز‬ ‫إلى التقرير‪.‬‬ ‫اس� � ��تطالعان‪ ،‬األول جغرافي عن جداينس� � ��ك‪ ،‬والثان� � ��ي تاريخي عن ماري‬ ‫أنطوانيت‪ ،‬وأجواء باذخة من عوالم الش� � ��عر‪ ،‬في مقدمها أوراق فاروق شوشة‬ ‫عن مهيار الديلمي‪ ،‬وفكر نقدي‪ ،‬وقصص وس� � ��ينما وفن تش� � ��كيلي وموسيقى‬ ‫ومقاالت علمية ال تكش� � ��ف لك عن مضامينها بسهولة‪ ،‬ولكنها تستدرج عقلك‬ ‫كي يس� � ��رح في مراميها املعرفية الفلس� � ��فية املضمرة‪ ،‬وبيضة الق ّبان في هذا‬ ‫العدد حفاوتنا بقضية املسرح العربي‪ ،‬ولنا وقفة سريعة حولها‪.‬‬ ‫ال نغال� � ��ي إذا قلنا إن تراجع حضور املس� � ��رح في حياتن� � ��ا الثقافية العربية‬ ‫يعك� � ��س في العمق أزمة روحية وعقلية مس� � ��تحكمة‪ ،‬إذ إننا ممن يعتقدون أن‬ ‫املسرح في تاريخه الطويل‪ ،‬كما قال شيلدون تشيني مبا معناه‪ :‬يفصح بجالء‬ ‫عن عظمة األمم وجتليات عبقريتها‪ ،‬وانحسار املسرح في كل األقطار العربية‬ ‫وتراجع هذه الظاهرة املركبة وأفولها أمور تستدعي البحث عن األسباب‪ .‬هل‬ ‫الس� � ��بب كما قال املفكر الس� � ��وري طيب تيزيني يكمن في حتكم مبدأ السوق‬ ‫بخناق احلضارة اإلنس� � ��انية‪ ،‬وحتول كل شيء إلى سلعة‪ ،‬مبا في ذلك اإلنسان‬ ‫نفسه‪ ،‬ليغدو خاضعاً ملبدأ العرض والطلب؟!‬ ‫بحذر نرى في هذه األطروحة شيئاً من الصواب‪ ،‬ولذا كان هذا امللف عن‬ ‫املسرح‪ ،‬وغايتنا تقف عند التذكير >‬

‫عزيزي القارئ‬ ‫‪10/16/16 8:09:10 AM‬‬

‫‪7‬‬

‫‪nov 7.indd 7‬‬


‫حديـث الشهـر‬

‫وهم العبور إلى الخلود‪...‬‬ ‫ومقاومة األلم بالتخدير‬ ‫د‪ .‬عادل سالم العبدالجادر‬ ‫رحل���ة اإلنس���ان ف���ي طلب الخل���ود رحل���ة طويل���ة وقاس���ية على مر‬ ‫الزم���ن‪ ،‬فمن���ذ ما قب���ل تاريخ الكتابة ب���دأت هذه الرحل���ة بالبحث عن‬ ‫«عشبة الحياة»‪ ،‬وانتهت في هذا الزمان بالمعاناة واإلدمان‪ ،‬معاناة‬ ‫بأن اإلنسان ما‬ ‫األلم والمرض وإدمان الضرر والش���رّ‪ .‬والتاريخ يش���هد ّ‬ ‫بأن نبتة من ش���جرة الخلود قد أُنزلَت من ج ّنة الس���ماء‬ ‫فتئ يعتقد ّ‬ ‫صر من أعمار ال َب َ‬ ‫إل���ى األرض‪ ،‬فأخفاه���ا إبليس عن بني آدم‪َ ،‬‬ ‫ش���ر‬ ‫ليق ِّ‬ ‫ويزيدهم ر َ َهقا‪.‬‬

‫توارث اإلنسان منذ القِ َدم فوائد استخدام‬ ‫النباتات‪ ،‬إذ اس������تخلص منها األدوية املفردة‬ ‫والتواب������ل والبه������ارات‪ ،‬و َر َّك َب منه������ا املراهم‬ ‫واستخلص منها الزيوت‪ ،‬فكانت تلك األدوية‬ ‫ِ‬ ‫«س ْحراً»‪ ...‬يُ َس������ ِّكن اآلالم ويُشفي من العلل‪.‬‬ ‫آنذاك تبوأ ال َع ّشاب الساحر أو الشامان مكانة‬ ‫عل ّية في املجتمع������ات البدائية‪ ،‬وتوارثت تلك‬ ‫املجتمعات فكرة أصبحت في ما بعد معتقداً‬ ‫العشاب الساحر هو الوسيط بني الفرق بني البهارات والتوابل‬ ‫ّ‬ ‫بأن‬ ‫وديناً‪ّ ،‬‬ ‫اإلله والناس‪ ،‬فإذا متكن من ش������فاء املريض‬ ‫تاري������خ احلضارة الهندية مل������يء بالتجارب‬ ‫فمن اإلل������ه‪ ،‬وإن مات املريض من دائه‪ ،‬فألن العش������بية‪ ،‬فتلك األرض قبل تسميتها «الهند»‬ ‫هذا املريض قد سمح لروح الشر باالستحواذ كان يُ ْطلَ������ق عليها «بُه������ارت»‪ ،‬أي أرض البهار‪،‬‬

‫لعمل قام به هذا املريض لم يكن يرضي‬ ‫عليه‪،‬‬ ‫ٍ‬ ‫ّ‬ ‫العشاب‬ ‫اإلله‪ .‬وتطور األمر حتى أصبح لهذا‬ ‫الس������احر س������لطة «الكهنوت»‪ ،‬وهي س������لطة‬ ‫أضافت إلى س������لطته في معاجلة األجس������اد‪،‬‬ ‫س������لطة معاجل������ة النف������وس واألرواح‪ ،‬فتحول‬ ‫ّ‬ ‫العش������اب الس������احر إلى الطبيب الكاهن‪ ،‬ثم‬ ‫قدس‪.‬‬ ‫صارت له مكانة املُتنبئ امل ُ ّ‬

‫‪8‬‬

‫‪10/16/16 8:10:14 AM‬‬

‫العدد ‪ - 696‬نوفمبر ‪2016‬‬

‫‪nov 8-13.indd 8‬‬


‫جمال العربية‬

‫وداع ًا ‪ ...‬فاروق شوشه‬

‫وتتوجع أمام رحيل الش ��اعر‬ ‫يتثاق ��ل القل ��م‪ ،‬ويحزن ال ��ورق‪ ،‬وتئن الكلم ��ة‬ ‫ّ‬ ‫الكبي ��ر فاروق شوش ��ة‪ ،‬أحد ُحداة قافلة الش ��عر‪ ،‬الذي ع ��اش عمره كلّه في‬ ‫أفيائ ��ه الوارف ��ة‪ ،‬وظل يكتب ملجل ��ة العربي على امتداد الس ��نني عن لغتنا‬ ‫اجلميلة وجمال العربية‪ ،‬وهذا املقال هو آخر ما ّ‬ ‫خطه قلمه قبل الغياب‪.‬‬ ‫م ��ن رئي ��س التحرير‪ ،‬وم ��ن العاملني في املجلة‪ ،‬وباس ��م الق� � ّراء ومتذوقي‬ ‫الضاد هذا العزاء الصادق لش ��عب مصر‪،‬‬ ‫س ��حر الكلمات‪ ،‬ومن كل عش ��اق ّ‬ ‫وأس ��رة الفقيد وذويه‪ ،‬تغمده الله بواس ��ع رحمته وط ّ َي ��ب ثراه‪ ،‬وأبقى ذكره‬ ‫مشرق ًا في سجل اخلالدين‪« ...‬إنا لله وإنا إليه راجعون»‪.‬‬

‫‪14‬‬

‫‪10/17/16 10:58:15 AM‬‬

‫العدد ‪ - 696‬نوفمبر ‪2016‬‬

‫‪nov 14-21.indd 14‬‬


‫الكويت عاصمة الثقافة اإلسالمية ‪2016‬‬

‫« ُمسلسالت» مهيار‬ ‫التي ُفتن بها شوقي‬ ‫فاروق شوشة‬ ‫كنت في العاشرة من عمري‪ ،‬عندما اكتشفت ديوان «الشوقيات» ألحمد‬ ‫ش���وقي ضم���ن مقتني���ات أب���ي‪ ،‬وكان في طبعت���ه األولى الت���ي صدرت‬ ‫عام ‪ ،1898‬وجاءت فيه إش���ارة ش���وقي إلى ش���عراء العربي���ة الكبار الذين‬ ‫قرأ لهم واس���توقفه ش���عرهم‪ ،‬وكان في ختامهم مهي���ار الديلمي‪ .‬كان‬ ‫وقع االس���م غري ًبا على سمعي‪ ،‬في حين أن بقية األسماء كانت مألوفة‬ ‫ومتداولة مثل البحتري والمتنبي وأبي العالء المعري‪ .‬ثم التقيت باسم‬ ‫مهيار وشعره بعد ذلك بسنوات‪ ،‬وأنا أستمع إلى الموسيقار محمد عبد‬ ‫الوهاب يشدو بكلماته في قصيدة سلسة عذبة‪ ،‬من أبياتها‪:‬‬

‫ُأع� �ج� �ب � ْ�ت ب ��ي ب�ي�ن ن � ��ادي قومها‬ ‫«أم س� �ع�� ٍ�د» ف �م �ض��ت ت� �س�� ُ‬ ‫�أل بي‬ ‫ُّ‬ ‫س � � ّره� ��ا م� ��ا ع��ل��م��ت م� ��ن ُخلقي‬ ‫ف � � � � � ��أرادت ع� �ل� �م� �ه ��ا م�� ��ا حسبي‬ ‫ال ت� �خ���ال���ي ن� �س� � ًب���ا يخفضني‬ ‫َ‬ ‫ّسب‬ ‫ن‬ ‫ال‬ ‫�د‬ ‫�‬ ‫ن‬ ‫�‬ ‫ع‬ ‫�ك‬ ‫أن� ��ا م ��ن ي��رض �ي�‬ ‫ِ‬ ‫ق��وم� َ�ي اس�ت��ول��وا على ال��ده��ر فتً ى‬ ‫وم� � �ش � ��وا ف� � ��وق رؤوس احل� �ق � ِ�ب‬ ‫ع � ّ�م� �م ��وا ب��ال �ش �م��س هاماتهمو‬ ‫ُ‬ ‫وب�� � �ن�� � � ْوا أب � �ي� ��ات � �ه� ��م ب� ��ال� � ّ�ش � �ه� � ِ�ب‬ ‫ق ��د ق �ب �س� ُ�ت امل��ج��د م ��ن خ �ي��ر ٍأب‬ ‫وق� �ب � ْ�س ��ت ال���دي���ن م���ن خ �ي��ر نبي‬ ‫«مسلسالت» مهيار التي ُفنت بها شوقي‬ ‫ُ‬ ‫‪10/17/16 10:58:19 AM‬‬

‫والحظ������ت أن محمد عب������د الوهاب قد غير‬ ‫�����ن»‬ ‫حس� ٍ‬ ‫«أم س������عد» في البيت األول إلى «ذات ْ‬ ‫�����ن الن������اس أنها أم س������عد زغلول‬ ‫خش������ية أن يظ� َّ‬ ‫الزعيم املصري اخلالد‪ .‬لك������ن القصيدة املغناة‬ ‫فعل������ت فعلها في نفس������ي وفي نف������وس كثير من‬ ‫محبي الش������عر والغناء‪ ,‬وبخاص������ة أن القصيدة‬ ‫ُغنّيت في مناسبة زواج شاه إيران بشقيقة امللك‬ ‫فاروق وهي األميرة فوزية‪ .‬وش������اعرنا يقول عنه‬ ‫ابن خلكان في كتابه « َو َفيـ������ات األعيان»‪« :‬هـــــو‬ ‫الفارسي‬ ‫أبو احلس������ن مهيار بن مرزويه الكاتب‬ ‫ّ‬ ‫الديلمي الشاعر املشهور‪ ،‬كان مجوس ًّيا فأسلم‪،‬‬ ‫ّ‬ ‫الرضي‬ ‫ويقال إن إسالمه كان على يد الشريف‬ ‫ّ‬ ‫‪15‬‬

‫‪nov 14-21.indd 15‬‬


‫املوسوي‪ ،‬وهو شيخه وعليه‬ ‫أبي احلسن محمد‬ ‫ّ‬ ‫تخ������ ّرج في نظم الش������عر‪ ،‬وكان ش������ـــــاع ًرا جزل‬ ‫الق������ول مق َّد ًما على أهل وقته‪ ،‬وله ديوان ش������عر‬ ‫كبير‪ ،‬وهو رقيق احلاش������ية‪ ،‬طوي������ل ال ّنَفَس في‬ ‫قصائده»‪.‬‬ ‫و«مهيار» تعني في الفارسية «صديق القمر»‪،‬‬ ‫يق������ول عنه الدكت������ور عبد اللطي������ف عبداحلليم‬ ‫«أبوهم������ام» في تقدميه لديوان������ه الذي صدرت‬ ‫طبعت������ه عن سلس������لة الذخائر الت������ي أصـــدرتها‬ ‫الهيئة العام������ة لقصور الثقافة ف������ي مصر عام‬ ‫‪« :2008‬يُخ ّي������ل ل������ي أنه ارتش������ف بحكم موقعه‬ ‫الزمن������ي وهو النصف الثاني م������ن القرن الرابع‬ ‫الهج������ري والرب������ع األول من الق������رن اخلامس‪،‬‬ ‫عصارة الشعر العربي قبله‪ ،‬إذ جند عنده شي ًئا‬ ‫من فخر بش������ار بفارس������يته‪ ،‬وروح أبي متام في‬ ‫صناعته‪ ،‬وطول نفس ابن الرومي وبُعد تقصيه‪،‬‬ ‫ورقة اعتذار البحتري وعتابه ملغاضبيهِ ‪ ،‬وبعض‬ ‫هم������وم املتنبي ومناحيه ف������ي تصوير ممدوحيه‪،‬‬ ‫الرضي‪ .‬كما‬ ‫وآثار التلمذة ألس������تاذه الش������ريف‬ ‫ّ‬ ‫يظهر في ش������عره أثر املعرف������ة اللغوية العميقة‬ ‫والثقافة الفنية الواس������عة‪ ،‬األمر الذي م ّكنه من‬ ‫إحكام فنه ومت ّثل عناص������ر صناعته التي غدت‬ ‫مادة فنية سائغة‪ ،‬تفيض بها قريحته دون معاناة‬ ‫أو تكلّف»‪.‬‬ ‫ويجمع دارس������و شعر مهيار واحملققون‪ ،‬على‬ ‫أن تعمقه في دراس������ة العربية وتراثها الشعري‪،‬‬ ‫وحرص������ه عل������ى تفرد لغت������ه باجلم������ال والصوغ‬ ‫احملكم������ه والتعبير األنيق ناجتان عن إحساس������ه‬ ‫الفارسي ومحاولته أن يبدو في‬ ‫الداخلي بأصله‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ً‬ ‫ّ‬ ‫ميزان الشعر العربي أوفر حظا من مجايليه من‬ ‫الش������عراء العرب األقحاح‪ ،‬ومتفو ًق������ا عليهم لغ ًة‬ ‫اً‬ ‫َسا شعر ًّيا‪.‬‬ ‫وخيال وبنا ًء ونَف ً‬ ‫من روائ������ع جلواته الش������عرية أبيات ننتزعها‬ ‫من إح������دى قصائده التي يهنّئ به������ا صدي ًقا له‬ ‫مبناسبة عيد النيروز‪:‬‬ ‫فت‬ ‫أه� �ن � ُ�د ق ��ال ��ت‪ :‬م� � ّ َل� �ن ��ي‪ ،‬وح َل ْ‬ ‫ً‬ ‫حت� � � ّ َل� � �ل � ��ي ح � ��ال� � �ف � ��ة ي � � ��ا ه� �ن�� ُ�د‬ ‫أَ ْم�� � � ُن� � � ِ�ك ب�ي��ن أض� �ل� �ع ��ي ج��ن��اي� ٌ�ة‬ ‫أع� �ج�� ْ�ب ب��ه��ا ن � � ��ا ًرا خ��ب��اه��ا َز ْن� � � ُ�د‬ ‫‪16‬‬

‫‪10/17/16 10:58:22 AM‬‬

‫وع � � � ُ�د ِك ِل � � ْ�م ُأ ْخ � � ِ�ل � � َ‬ ‫بابل‬ ‫�ف ي� ��وم ٍ‬ ‫وعد‬ ‫ب��ل ك ��ان س �ح� ً�را‪ ،‬واس �م��هُ ل��ي ُ‬ ‫�ص � ُ�ر ِك ض� ْ�ع��فً ��ا وال �ل �س��انُ َملقً ا‬ ‫خ� ْ‬ ‫دقّ � � � ��ا ع� �ل� �ي ��ك أن ي� � �ص � � ّ َ�ح ع ��قْ � ُ�د‬ ‫ض��اع ال �ه��وى ض �ي��ا َع م��ن يحفظهُ‬ ‫�ود‬ ‫وم� � ��ات م � � ْ�ع أه � ��ل ال � ��وف � ��اءِ ال� � � ُّ‬ ‫جْ ُ‬ ‫ان ربيح ال� ِ�ع� ْ�ر ِض‪ ،‬واق� ُ�ع� ْ�د َح ْجر ًة‬ ‫�ردا‪ ،‬إنّ احل � � �س� � ��ا َم ف� � � ْ�ر ُد‬ ‫�‬ ‫�‬ ‫ف‬ ‫�‬ ‫�‬ ‫�‬ ‫ن‬ ‫�‬ ‫�‬ ‫�‬ ‫م‬ ‫ً‬ ‫نعمة‬ ‫�ال‬ ‫ٍ‬ ‫ك ��م م �س �ت��ري� ٍ�ح ف ��ي ظ �ل� ٍ‬ ‫وأن � � � � ��ت ف � � ��ي ت � ��أم� � �ي� � �ل � � ِ�ه ت� � � ُ�ك� � � ُّ�د‬ ‫ط � ��ا َل � ��ك ب� � ��امل� � ��ال‪ ،‬ول � � ��و أر ْي � � � َت� � ��هُ‬ ‫ص� � � � � ْو ًن � � � ��ا رآك م� � �ع�� ��ه ُت� � �ع�� � ٌ�د‬ ‫م�ل��كْ � ُ�ت نفسي م��ذ ه�ج� ُ‬ ‫�رت طمعي‬ ‫�اء ع� � ْب � ُ�د‬ ‫�أس ح � � � ٌ ّ�ر وال� � ��رج� � � ُ‬ ‫ال� � �ي � � ُ‬ ‫ول � ��و ع� �ل � ْ�م � ُ�ت رغ � �ب� � ً�ة ت � �س� ��وقُ لي‬ ‫�ض� � ّ َر ال��زه� ُ�د‬ ‫ن��فْ � ً�ع��ا خل��ف� ُ�ت أن ي�� ُ‬ ‫ج� � � ّ َر ْب � � ُ�ت أخ �ل��اق ال� ��رج� ��ال‪ ،‬ف ��إذا‬ ‫ِب��س� ْ�م��ح��ه��ا م� ��ع ال� � �س � ��ؤال َن���كْ �� ُ�د‬ ‫و ُرم � � � � � ُ�ت أي� ��دي � �ه� ��م ب � �ك� ��لّ ُرق � �ي� � ٍ�ة‬ ‫تشتد‬ ‫ت � �ل �ي�نّ ‪ ،‬واألي�� � � ��دي م� �ع ��ي‬ ‫ُّ‬ ‫ل���م ُي� ْ�ع��ي��ن��ي ف� �ض � ٌ�ل أداري�� �ه� ��م به‬ ‫وإمن � � � � ��ا أع� � �ي�� ��ا ع� � � �ل � � � ّ َ�ي ا َ‬ ‫جل � � � � � ُّ�د‬ ‫م��ا ك ��ان َم� � ْ�ن ش �ع �ش � َع ل��ي س��را َب��هُ‬ ‫�اء ِع� � � ُّ�د‬ ‫غ� � � � ّ َر ف � �م� ��ي‪ ،‬وق� � �ل � � ُ�ت‪ :‬م � � � ٌ‬ ‫ُ‬ ‫في الناس من‬ ‫معروفه في ُعنقي‬ ‫عقد!‬ ‫ُغ� � � ٌ ّ�ل‪ ،‬وف �ي �ه��م َم� � ْ�ن َج� � ��دا ُه ُ‬ ‫إطالله(‪)1‬‬ ‫يحتشم ال�ن�ي��روز م��ن‬ ‫ِ‬ ‫ُ‬ ‫وامل� � �ه � ��رج � ��انُ ي��ق��ت��ض��ي��ك ب � ْ�ع � ُ�د‬ ‫وم������ن بدائع مهيار قصيدة تتعمق أس������رار‬ ‫النف������س اإلنس������انية‪ ،‬وتغ������وص ف������ي جوانب‬ ‫الش������خصية البش������رية‪ ،‬متس������ائلة عن حبال‬ ‫املودة‪ ،‬وأواصر احملبة بني الناس‪ ،‬كيف تقوى‬ ‫وت������دوم‪ ،‬ومل������اذا تضعف وتتقط������ع‪ ،‬وكيف يئن‬ ‫الش������اعر حتت وطأة أحداث الزمان ونوائبه‪،‬‬ ‫غائب عنهم في َس������فْرة له‬ ‫ووفاة أحبائه وهو‬ ‫ٌ‬ ‫«س������ َّر من رأى» وم������ا يجاورها من البالد‪،‬‬ ‫إلى ُ‬ ‫يقول مهيار‪:‬‬ ‫العدد ‪ - 696‬نوفمبر ‪2016‬‬

‫‪nov 14-21.indd 16‬‬


‫الكويت عاصمة الثقافة اإلسالمية ‪2016‬‬ ‫البعاد‬ ‫خلي ُل َك َم� ْ�ن صفا ل��ك ف��ي‬ ‫ِ‬ ‫�وداد‬ ‫وج�� � ��ا ُرك م ��ن أذ ّ َم ع �ل��ى ال� � � ِ‬ ‫وح � ُّ�ظ ��ك م ��ن ص��دي �ق��ك أن ت���را ُه‬ ‫�دوا ف� ��ي ه � � ��واك مل� ��ن ُت� �ع���ادي‬ ‫ع � � � � ًّ‬ ‫و ُر ّ َب ٍأخ ق� �ص � ّ�ي ال� � � ِ�ع� � � ْ�ر ِق‪ ،‬فيه‬ ‫�والد‬ ‫س � �ل� � ٌ ّ�و ع� ��ن أخ� �ي���ك م� ��ن ال � � � ِ‬ ‫�اب‬ ‫ف �ل��ا ت� � � �غ � � ��ر ْر َك أل � �س � �ن� � ٌ�ة رط � � � ٌ‬ ‫�اد ص� � � ��وادي‬ ‫ب � �ط� ��ائ � �ن � �ه� � ّ�ن أك� � � �ب � � � ٌ‬ ‫�ش إم�� � ��ا ق � ��ري � ��ن ٍأخ وف� � � ّ�ي‬ ‫وع � � � � ْ‬ ‫�ن ال �غ � ْي� ِ�ب أو ع�� ْي� َ‬ ‫�ش ال � ِ�وح � ِ�اد‬ ‫أم �ي ِ‬ ‫ف� ��إن� ��ي ب� �ع���د جت���ري� �ب���ي ألم � ��ري‬ ‫أن� ْ�س� ُ�ت ‪ -‬وال أغ� ُّ�ش� َ‬ ‫�ك ‪ -‬بانفرادي‬ ‫ت � ��ري � � ُ�د خ �ل��ائ � ��قُ األي � � � ��ام م� ��كْ � � ً�را‬ ‫ل�ت�غ�ض�ب�ن��ي ع �ل��ى ُخ � ُل �ق��ي وع���ادي‬ ‫�وب‪ ،‬ت��ظ� ُّ�ن أني‬ ‫وت �غ �م��رن��ي اخل� �ط � ُ‬ ‫�داد‬ ‫أل �ي � ُ‬ ‫�ن ع� �ل ��ى ع ��رائ� �ك� �ه ��ا ال� � ّ�ش� � ِ‬ ‫ُ‬ ‫وم��ا «ث� ْ�ه�ل�ان» ُت �ش��رف ُق � ّ َن �ت��ا ُه (‪)2‬‬ ‫ب ��أج� �م ��ل ل� �ل� �ن ��وائ ��ب م� ��ن ف � ��ؤادي‬ ‫ُت� � �غ� � � ّر ُب ف� ��ي ت��ق� ِ ّ�ل��ب��ه��ا الليالي‬ ‫ع� � �ل � � ّ َ�ي ب � �ك� ��لّ ط� � ��ارق� � � ٍ�ة ن�� � � � ِ�آد(‪)3‬‬ ‫إذا ق��ل� ُ�ت‪ :‬اك �ت � َف� ْ�ت م �ن��ي‪ ،‬و َك� � ّ َف � ْ�ت‬ ‫ُ‬ ‫�داد‬ ‫�‬ ‫�‬ ‫�ع‬ ‫�‬ ‫�‬ ‫ل‬ ‫ا‬ ‫ة‬ ‫�ر‬ ‫�‬ ‫�‬ ‫ئ‬ ‫�ا‬ ‫�‬ ‫�زت ب � ��ال � ��داء ث �‬ ‫َن� � � � ْ‬ ‫ِ ِ‬ ‫رع��ى َس� ِ�م��نُ احل� ��وادث ف��ي ُهزالي‬ ‫�أن ص�ل�اح� �ه � ّ َ�ن ع��ل��ى ف��س��ادي‬ ‫ك � � � َّ‬ ‫�رة م��ن صديقي‬ ‫فيوما ف��ي ال��ذخ�ي� ِ‬ ‫ً‬ ‫�وم ��ا ف��ي ال��ذخ �ي��رة م��ن ِت�ل�ادي‬ ‫وي � ً‬ ‫�وم‬ ‫�ذم ال� �ن ��وم دون احل � ��رص ق � ٌ‬ ‫ي� � � ُ ّ‬ ‫ماد(‪)4‬‬ ‫وق� �ل � ُ�ت ل��رق��دت��ي ع �ن��ه َح ِ‬ ‫وم� � ��ا ك� � ��ان ال� �غ� �ن ��ى إال ي� �س� �ي � ً�را‬ ‫ل ��و انّ ال� � ��رزق ي �ب �ع �ث��ه اجتهادي‬ ‫وض� ��اح � �ك� � ٍ�ة إل� � ��ى ش � �ع� � ٍ�ر غ ��ري � ٍ�ب‬ ‫ُش �ك� ْ�م� ُ�ت ب ��ه‪ ،‬ف��أس�ل��س م��ن قيادي‬ ‫ت � ُ�ع � ُّ�د ِس� �ن � ّ َ�ي ت �ع �ج� ُ�ب م��ن بياضي‬ ‫وأعجب منه ‪ -‬لو علمت ‪ -‬سوادي‬ ‫ُ‬ ‫�اص‬ ‫�‬ ‫ق‬ ‫�‬ ‫�‬ ‫ت‬ ‫�‬ ‫�‬ ‫ن‬ ‫ا‬ ‫�ي‬ ‫�ان ك � � � ّ َ�ل ي�� ��وم ف� �‬ ‫أم� � � � ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫ي � �س� ��اوق � �ه� � ّ َ�ن ه� � � � ٌ ّ�م ف � ��ي ازدي�� � � � ِ�اد‬ ‫ُ‬ ‫وف� ��رق� ��ة ص� ��اح� � ٍ�ب ق� �ل � ِ�ق املطايا‬ ‫ب � ��ه ق � �ل� ��قُ امل � � ��دام � � � ِ�ع وال� � ��وس� � � ِ�اد‬

‫«مسلسالت» مهيار التي ُفنت بها شوقي‬ ‫ُ‬ ‫‪10/17/16 10:58:25 AM‬‬

‫ُت� �خ ��فّ � ُ‬ ‫�ض ب� �ع ��ده األي � � ��ام صوتي‬ ‫ُ‬ ‫وتخفض من ِعمادي‬ ‫على َل َسني‪،‬‬ ‫و ُت�خ�م� ُ�د ع��ن ض�ي��وف األن��س ناري‬ ‫وك � �ن� ��ت ب� �ق���رب���ه واري ال � ��زن � � ِ�اد‬ ‫ُأق� � �ي � � ُ�م ول� � ��م ُأق � � � � ْ�م ع� �ن ��ه لمِ ُ � � ْ�س� � ٍ�ل‬ ‫�زاد‬ ‫وي � ��رح � � ُ�ل ل� ��م ي� �س�� ْ�ر م� � ّن���ي ب�� � ِ‬ ‫كـــــأنا إذ خلـــــــقـــنـــــا للـــــتصـــــافي‬ ‫ُخ� �ل ��قْ � �ن ��ا ل �ل �ق �ط �ي �ع��ة وال � �ب � �ع� � ِ�اد‬ ‫أرى ق �ل �ب��ي ي �ط �ي� ُ‬ ‫�ش‪ ،‬إذا املطايا‬ ‫إل� ��ى ال� ��راب �ي�ن ي� ��أس � � َره� � ّ َ�ن ح ��ادي‬ ‫ولــــــــم أحســــــب « ُدج ْي ًال» مــــــــــــــــن مياهي‬ ‫أن «امل �ط �ي��رة» م��ن بالدي(‪)5‬‬ ‫وال ّ َ‬ ‫�اي يحدو‬ ‫وال أن�� ��ي أب � �ي� � ُ�ت ُدع�� � � � َ‬ ‫إل� ��ى «ت� �ك ��ري ��ت» س ��اري ��ة ال� �غ ��وادي‬ ‫وم � ��ن ُص�� �ع� ��داء أن� �ف ��اس ��ي ِش� � ��را ٌر‬ ‫مت � � ُّ�ر م ��ع اجل� �ن ��وب ب �ه��ا ُت� �ن ��ادي‪:‬‬ ‫أأح � �ب� ��اب� ��ي أث� � � ��ار ال� � �ب��ْي��نْ َ بيني‬ ‫وب �ي �ن �ك �م��و ُم��س��اخ��ط��ة األع� � ��ادي‬ ‫س �ق� ْ�ت أخ�ل ُ‬ ‫�اف��ك��م ع �ه��دي لديكم‬ ‫ف� � � ُ�ه� � � ّ َ�ن ب � ��ه أب� � � � � ُّ�ر م � ��ن ال� � ِ�ع � �ه� � ِ�اد‬ ‫و ُر ّ َد ع� � �ل � � ّ َ�ي ع� �ن ��دك� �م ��و زم � � ��انٌ‬ ‫�راد‬ ‫َم� � ُ�ج� � ُ‬ ‫�ود ال� � ��روض م �ش �ك��و ُر املَ� � � ِ‬ ‫أص��اب��ت ط�ي��ب ع�ي�ش��ي ف�ي��ه عيني‬ ‫ف��ق��د ج ��از ْي� �ت� �ه ��ا ه�� ْ�ج� � َر ال � � ُّ�رق � � ِ�اد‬ ‫حتسب ‪ -‬وظ� ُّن��ك ف� ّ َ�ي خ�ي� ً�را ‪-‬‬ ‫ف�لا‬ ‫ْ‬ ‫�اي ‪ -‬وأن ��ت ن ��اءٍ ‪ -‬م��ن م ��رادي‬ ‫َب �ق� َ‬ ‫وال أن� � ��ي ي� � �س � � ُّ�ر س� � � � ��وا َد عيني‬ ‫�واد‬ ‫مب ��ا ُع � � ّوض� � ُ�ت م ��ن ه� ��ذا ال� � ّ�س� � ِ‬ ‫�ف امل� �ج���د دا ٌر‬ ‫وك � �ي� ��ف‪ ،‬وم�� ��ا ت � �ل� � ُّ‬ ‫ن ��أ ْت � َ‬ ‫�ك‪ ،‬وال ي��ض� ُّ�م ال �ف �ض��ل نادي‬ ‫وعا‬ ‫رج ً‬ ‫ف ��إن أص �ب� ْ�ر ‪ -‬ول ��م أص �ب��ر ُ‬ ‫بآد‪)6(-‬‬ ‫�‬ ‫م‬ ‫�‬ ‫�‬ ‫ح‬ ‫أ‬ ‫�م‬ ‫�‬ ‫�‬ ‫ل‬ ‫إل���ى َج� �ل � ٍ�د و‬ ‫�لْ‬ ‫ِ‬ ‫قام‬ ‫ف�ق��د تحُ �ن��ى ال �ض �ل� ُ‬ ‫�وع ع�ل��ى َس ٍ‬ ‫سهاد‬ ‫وق��د ُت�غ�ض��ى اجل �ف��ون ع�ل��ى‬ ‫ِ‬ ‫وك � �ن� � ُ�ت‪ ،‬وب �ي �ن �ن��ا إن ط � ��ال ٌ‬ ‫ميل‬ ‫وإم� ��ا ع ��رض «دج� �ل ��ة» وه ��ي وادي‬ ‫‪17‬‬

‫‪nov 14-21.indd 17‬‬


‫إذا راوح� � � � ُ�ت دا َرك ل� � � ّ َ�ج شوقي‬ ‫ُ‬ ‫ف � �ل� � ْ�م ُي� �ق� �ن � ْ�ع ��ه إال أن أغ� � � ��ادي‬ ‫ف� �ك� �ي ��ف وب� �ي� �ن� �ن ��ا ل� �ل ��أرض ف� � � ْ�ر ٌج‬ ‫اجل � �ي� � ِ�اد‬ ‫مي� ��اط� � ُ�ل ط� ��ول� ��هُ ع � � َن� ��قَ ِ‬ ‫وتكش� � ��ف هذه القصيدة عن نزعة للفخر والزهو‬ ‫بالنفس في ش� � ��عر مهيار‪ ،‬وعن انتباه عميق للتفاصيل‬ ‫الدقيق� � ��ة في عالق� � ��ة الناس بالن� � ��اس‪ ،‬وعن كثير من‬ ‫أس� � ��اليب التراضي والتواصل والس� � ��عي احلميم من‬ ‫أجل دوام العالقة‪ ،‬وامتداد أواصر الصداقة واألخوة‪،‬‬ ‫وسالسة في التعبير‬ ‫كما تنجلي عن انس� � ��ياب وتدفق‬ ‫َ‬ ‫والتصوي� � ��ر‪ ،‬وهي قصيدة طويلة نكتفي منها باألبيات‬ ‫الدا ّلة السابقة‪ .‬وتتردد املعاني التي دارت من حولها‬ ‫قصيدته هذه‪ ،‬في عدد من قصائده‪ ،‬أبرزها قصيدة‬ ‫مادحا ومه ِنّئاً‪:‬‬ ‫ثانية يقول في مستهلها‬ ‫ً‬ ‫أن � ��ت ع� �ل ��ى ح ��ال� �ت� � ْي � َ‬ ‫محمود‬ ‫�ك‬ ‫ُ‬ ‫ٌ‬ ‫�ود‬ ‫إن ك � ��ان ب� �خ ��ل ل ��دي ��ك أو ج� � ُ‬ ‫يشقى ويرضى بك الفؤاد كما ّ‬ ‫الطـ‬ ‫ُ‬ ‫مسعود‬ ‫رف ‪ -‬إذا م� ��ا رآك ‪-‬‬ ‫ُ‬ ‫�ص� � ًن ��ا ده� � ��ر ُه ال ��رب� �ي ��ع‪ ،‬فما‬ ‫ي ��ا ُغ � ُ‬ ‫�ود‬ ‫�اء ف � �ي� ��ه وال� � �ع�� � ُ‬ ‫ي � �ف � �ت� ��رقُ امل� � � � � ُ‬ ‫ف ��ات ب��ك احل �س��نُ أن حُت � � ّ َد وللبـ‬ ‫ـ�� ��در مب� ��ا ان � �ح� � ّ‬ ‫�ط َع�� ��ك حت ��دي � ُ�د‬ ‫ُق� � � ْ�م ح � � � ّ�دثْ ال��ل��ي��ل ع���ن أواخ� � ��ره‬ ‫�ود!‬ ‫�ص � �ب� ��وح م��ش��ه � ُ‬ ‫إنّ م � � َق� ��ا َم ال� � ّ َ‬ ‫ومن قصائد مهيار املتوهجة باحلكمة املنتزعة‬ ‫من احلي� � ��اة وأحداثها‪ ،‬والده� � ��ر وتقلباته‪ ،‬والناس‬ ‫وتغير أحوالهم‪ ،‬قصيدة يقول في مستهلها‪:‬‬ ‫َم� � ْ�ن ح ��اك � ٌ�م‪ ،‬وخ �ص��وم� َ�ي األق � ��دا ُر‬ ‫�دو‪ ،‬وق � � ّل� ��ت األن � �ص� ��ا ُر‬ ‫ك � ُ�ث ��ر ال� � �ع�� � ُّ‬ ‫أش� ْ�ج��ى م��ن ال��دن�ي��ا ب� ِ�ح� ِ ّ�ب ُمقل ٍّب‬ ‫وج� � �ه �ْي� نْ��‪ُ ،‬ع � � � � ْ�ر ُف وف� ��ائ� ��ه إن� �ك���ا ُر‬ ‫س� � � ْو َم ال� ��دع� � ّ�ي‪ ،‬إذا ت� �ض� � ّرع‪ ،‬ر ّ َد ُه‬ ‫ل� �ل ��ؤم ِع � � � � ْ�رقُ ال � ُ�ه � ْ�ج� �ن ��ة ال� �ن � ّ�ع ��ا ُر‬ ‫حاضر‬ ‫�وم‬ ‫وإذا و َف� � ��ى لمِ ُ� � �ن � � َ‬ ‫�اي ي� � � ٌ‬ ‫ٌ‬ ‫ف � ��أج � ��ار‪ ،‬أس� �ل� �م� �ن ��ي غ� � � ٌ�د غ�� � � ّ�دا ُر‬ ‫أف�ص�خ��رةٌ ي��ا ده� ُ�ر ه��ذا ال�ق�ل� ُ�ب‪ ،‬أم‬ ‫ه ��و ل �ل �ه �م��وم ال� � ّ�س� ��اري� ��ات ق�� ��را ُر؟‬ ‫‪18‬‬

‫‪10/17/16 10:58:28 AM‬‬

‫والبيت األخير يذ ّكرنا بيت املتنبي الشهير‪:‬‬ ‫أص �خ��رةٌ أن ��ا؟ م��ا ل��ي ال حُت ِ ّركني‬ ‫�دام وال ه ��ذي األغ��اري� ُ�د‬ ‫ه ��ذي امل � � ُ‬ ‫ثم يقول مهيار‪:‬‬ ‫�وم ل� �ل� �ن ��وائ ��ب شَ � � ّ َل� � ٌ�ة‬ ‫ف� ��ي ك�� ��لّ ي � � � ٍ‬ ‫�وم ِغوا ُر(‪)7‬‬ ‫م��ن ج��ان �ب� ّ َ�ي ول �ل �ه �م� ِ‬ ‫وم �ص��ائ� ٌ�ب َم �ت �ح �ك �م� ٌ‬ ‫�ات‪ ،‬ل�ي��س لي‬ ‫�وس ِخيا ُر‬ ‫م �ع �ه� ّ�ن ف ��ي ب �ي��ع ال��ن��ف� ِ‬ ‫رها‬ ‫ُت �ن �ح��ي ف��أح�م�ل�ه��ا ِث� �ق ��ا ًال ُمكْ ً‬ ‫وك � ��أن� � �ن � ��ي ب� �ت� �ج� �ل���دي م� �خ� �ت���ا ُر‬ ‫ٌ‬ ‫جائف(‪)8‬‬ ‫�رح ولكن‬ ‫ج� ٌ‬ ‫�رح على ج� ٍ‬ ‫ض ��لّ ال �ف �ت��ائ��ل ف �ي��ه واملسبا ُر(‪)9‬‬ ‫ف��اغ��م�� ْز ق �ن��ات��ي ي ��ا زم � � ��انُ ‪ ،‬فإنه‬ ‫�س ط� ��ائ� � ٌ�ع خ� � � � ّوار!‬ ‫ذاك امل � �م� ��اك� � ُ‬ ‫وال يخفى على قارئ شعر مهيار ذلك الطابع‬ ‫البدوي الذي يتجلى في كثير من ش� � ��عره‪ ،‬وهو ‪-‬‬ ‫في األصل ‪ -‬ال ينتمي لعالم البادية‪ ،‬لكنها الرغبة‬ ‫فصيحا عربي اللس� � ��ان‬ ‫التي مت ّكنت منه أن يكون‬ ‫ً‬ ‫منتم ًيا إلى زمرة الش� � ��عراء غير ال ُهجناء‪ ،‬محاولاً‬ ‫أن يجع� � ��ل متذ ّوق� � ��ي ش� � ��عره ال يش� � ��عرون بأصله‬ ‫الفارسي‪ ،‬وال بأنه دخيل على املبدعني بالعربية‪.‬‬ ‫البدوي املفردات املنتزعة من‬ ‫ويؤ ّك� � ��د هذا الطابع‬ ‫ّ‬ ‫بيئة جند‪ ،‬وحديث االرحتال وقوافل السفر‪ ،‬وذكر‬ ‫نباتات الصح� � ��راء وحيواناتها‪ ،‬والطقوس املعبرة‬ ‫عن فصولها املختلفة‪ ،‬وأسماء املواضع واألماكن‬ ‫واألحداث والشخوص‪ ،‬واإلغراق في وصف املطر‬ ‫واجلفاف‪ ،‬والوقائع واألحداث‪ ،‬كما في قوله‪:‬‬ ‫أدم� � � ُ�ع� � � َ‬ ‫�ك أم ع� � � � ٌ‬ ‫�ارض مُم � �ط� � ُ�ر؟‬ ‫أم ال � �ن � �ف� ��س ذائ � � �ب� � ��ة ت� �ق� �ط�� ُ�ر؟‬ ‫ٌ‬ ‫فمستذهل‬ ‫دع � � � � ْوا ب ��ال ��رح� �ي ��ل‪،‬‬ ‫أض � � � � � ّ َ�ل ال � � �ب � � �ك� � ��ا َء‪ ،‬وم� �س� �ت� �ع� �ب � ُ�ر‬ ‫�وداع ع��ل��ى «رام � � � ٍ�ة»‬ ‫وق � ��ال � ��وا‪ :‬ال�� � � � ُ‬ ‫ف� �ق� �ل � ُ�ت ل � �ه� ��م‪« :‬رام� � � � ��ة» احمل� �ش � ُ�ر‬ ‫وأرس�ل��ت‬ ‫عيني «باألنعمينْ »(‪)10‬‬ ‫َّ‬ ‫ل� ��تُ � �ب � �ص� ��ر ل� � ��و أ ّ َن� � � �ه � � ��ا ُت � �ب � �ص� � ُ�ر‬ ‫يستطاب‬ ‫ف� �م ��ا َح� �م� �ل � ْ�ت خ � �ب� � ً�را‬ ‫ُ‬ ‫�ذب امل�� �خ�� �ب� � ُ�ر‬ ‫إال ال � � � � � ��ذي ك � � � � � � َ‬ ‫�ذر خ� ��ال� � ً�ي� ��ا‬ ‫وع� � � ّن� � �ف� � �ن � ��ي م � � � �ن� � � � ٌ‬ ‫ُ‬ ‫ِأل � � ��فْ � � ��تَ ‪ ،‬وف�� � ��ورقْ �� � ��تَ ي� ��ا ُم � �ن� ��ذ ُر‬ ‫العدد ‪ - 696‬نوفمبر ‪2016‬‬

‫‪nov 14-21.indd 18‬‬


‫الكويت عاصمة الثقافة اإلسالمية ‪2016‬‬ ‫وق� � ��ال� � ��وا‪ :‬حت � � ّ�م � ��لْ ول� � ��و س���اع�� ً�ة‬ ‫ف� �ق� �ل�� ُ�ت ل � �ه� ��م‪ُ :‬م� � � ّ�دت� � ��ي أق� �ص�� ُ�ر‬ ‫ول� �ك ��ن ت� �ط ��ال ��لْ ب� �ع�ي�ن النصيح‬ ‫ً‬ ‫تنظر(‪)11‬‬ ‫ل��ع�� ّ َل��ك م �س �ت �ش��رف��ا‬ ‫ُ‬ ‫أج �ن��ب «ال��غ��ض��ا» ي �ق �ب �ل��ون ال ّركا‬ ‫عرعر(‪)12‬‬ ‫عرعرا‪ ،‬قال‪ :‬بل‬ ‫َب‪ ،‬أم‬ ‫ُ‬ ‫ً‬ ‫ف �ل�ا ت � ��ذك � ��رون ل �ق �ل �ب��ي ال� � ُّ�س � �ل � � ّ َو‬ ‫إن ك � � � ��ان ذاك ك� � �م � ��ا ُي� � ��ذك� � � ُ�ر‬ ‫كرمت ُمزن ٌَة(‪)13‬‬ ‫سقى الله ‪ -‬ما ُ‬ ‫وم� ��ا وض� �ع�� ْ�ت ح���ام�� ٌ�ل ُم� �ع� �ص � ُ�ر ‪-‬‬ ‫ وح � � ّن� ��ت ف� � � ��د ّر ْت ع��ل��ى أرض��ه��ا‬‫�وح مب � ��ا ت � �ض � �م� � ُ�ر ‪-‬‬ ‫�اء ت� � �ب � � ُ‬ ‫س� � �م � � ٌ‬ ‫�اع� �ب� �ن���ا ب� ��احل � �م� ��ى‪ ،‬وال� ��زم� ��ا‬ ‫م�ل ُ‬ ‫قمر‬ ‫نُ أع� �م ��ى‪ ،‬ول��ي��ل ال� ّ‬ ‫�ص��ب��ا ُم ُ‬ ‫الربيع‬ ‫وع� �ص � ُ�ر ال� ِ�ب��ط��ال� ِ�ة م��ث� ُ�ل‬ ‫ِ‬ ‫ح� � ً�ي� ��ا أب�� �ي� ��ض وث� � � � � ً�رى أخ � �ض� � ُ�ر‬ ‫«وظ� � �ب� � �ي � � ُ�ة» ج� � � � ٌ�ار إذا ش � � ��اء زا‬ ‫ر‪ ،‬ال ت � �س � �ت� ��ري� � ُ�ب وال حت� � ��ذ ُر‬ ‫إذا ل� � ��ذة ال� � �ي � ��وم ع � � ّن� ��ا ان� �ط ��وت‬ ‫ِوث� ��قْ � �ن� ��ا ب � ��أخ � ��رى غ� � � � ً�دا ُت� �ن� �ش � ُ�ر‬ ‫وف � � ��ي احل � � � � ّ�ي ك � � � � ُّ�ل «ه �ل�ال � �ي� ��ة»‪،‬‬ ‫كفر(‪)14‬‬ ‫ي‬ ‫�ا‬ ‫�‬ ‫ه‬ ‫�‬ ‫ب‬ ‫ه �ل�ال ال �س �م��اء‬ ‫ُ ُ‬ ‫ت� � � � � � ُ ّ‬ ‫�ذل ع � �ل� ��ى ع � � � ّزه� � ��ا ل� �ل� �ه ��وى‬ ‫ُ‬ ‫�ض � � ُ�ر‬ ‫وت� � ْ�س � �ب� ��ي وأن� � �ص � ��ا ُره � ��ا ُح � � ّ َ‬ ‫ت � �س � �ي� � ُ�ل األس� � � � ّن�� � � ُ�ة م�� ��ن دون � �ه� ��ا‬ ‫ون� � �ح � ��ن ع � �ل� ��ى س � � � ّره� � ��ا ن� �ظ� �ه � ُ�ر‬ ‫ف� � � � َ‬ ‫�ذاك وه� � � ��ذا‪ ،‬ل� ��و انّ ال���زم���ان‬ ‫ـــــــد ُر‬ ‫إن‬ ‫ــــــــــــــاء إذا راق ال يــــــــــــــــك ُ‬ ‫ٌ‬ ‫ت�� � � �ل�� � � � ّ َون ف � � ��ي ِص� � � � ْب � � ��غ أي � ��ام � ��ه‬ ‫«عبقر»(‪)15‬‬ ‫ت� �ل � ُّ�ون م ��ا ن�س�ج��ت‬ ‫ُ‬ ‫�وم ت� � � � �ع � � � � ُّ�ر ُف � � � ��هُ غ � ��فْ � � �ل � � ٌ�ة‬ ‫ف � � � �ي� � � � ٌ‬ ‫�وم جت � � � � ُّن � � � �ب� � � ��هُ ُم� � �ن� � �ك � � ُ�ر‬ ‫وي� � � � � � � � � ٌ‬ ‫وصوالً إلى قوله‪:‬‬ ‫أب � ��احل � ��ق ت� �ه ��دم� �ن ��ي ب���اجل� �ف���اءِ‬ ‫وأق�� �ط� ��ا ُر ِع � � ْ�ر ِض � � َ‬ ‫�ك ب���ي َت � ْ�ع� �م � ُ�ر؟‬ ‫�رب َظ � �ل � �م� � َ�ي مستعذبا‬ ‫وت � � �ش� � � ُ‬ ‫ُ‬ ‫قر(‪)16‬‬ ‫وظ�ل�م��ي مُم � ُّ�ر اجل�ن��ى مُم ُ‬ ‫�رب ع� �ن ��ك ص� � ��دور امل� �ط � ّ�ي‬ ‫س� ��أض� � ْ‬ ‫ستمطر‬ ‫وم‬ ‫وف ��ي األرض م �غ � ًن��ى ُ‬ ‫ُ‬ ‫«مسلسالت» مهيار التي ُفنت بها شوقي‬ ‫ُ‬ ‫‪10/17/16 10:58:31 AM‬‬

‫الهوان(‪)17‬‬ ‫�وازع ت �ق� ُ�م� ُ�ح ِو ْر َد‬ ‫ن�� ُ‬ ‫ِ‬ ‫ُ‬ ‫ف � �ت � �ط � �م� � ُ�ح ت � �س � �ه� ��ل أو ت� ��وع� � ُ�ر‬ ‫فاظ(‪)18‬‬ ‫َّ‬ ‫احل ِ‬ ‫�ال ِ‬ ‫وأن لها ف��ي رج� ِ‬ ‫�رادا إل� � � ��ى م� �ث� �ل���ه ُت � ��زج � � ُ�ر‬ ‫َم� � � � � � � � ً‬ ‫وف � � � � ��وق ث�� �ن� ��اي� ��ا ال � � �ع� �ل��ا أع� �ي � ٌ�ن‬ ‫ُي� � � �ه � � � ُّ‬ ‫وي� �س� �ت� �ب� �ش � ُ�ر‬ ‫�ش إل� � �ي� � �ه � ��ا‪ُ ،‬‬ ‫ومن بدائع مهيار‪ ،‬وش������عره الكاشف عن‬ ‫جم������ال صنعته الش������عرية وإحكامه������ا التي‬ ‫يقال إنه تأثر فيها بش������عر أب������ي متام‪ ،‬وعن‬ ‫حساسيته الفائقة للبحور واألوزان الشعرية‬ ‫الت������ي تواكب أغراضه الش������عرية‪ ،‬وتعبر عن‬ ‫حاالته الشعورية وخطراته النفسية‪ ،‬قصيدة‬ ‫يقول فيها‪:‬‬ ‫م� �ط � َ�ل ال� � � ّ َد ْي � ��نَ ول� ��و ش � ��ا َء قضى‬ ‫ف ��اس ��قُ ال ��ذم ��ة ي �ن �س��ى م ��ا مضى‬ ‫محتكم‬ ‫النصح م��ن‬ ‫كيف ُي��رج��ى‬ ‫ُ‬ ‫ٍ‬ ‫كثر ال� ُّ�س� ْ�خ� َ‬ ‫�ط وال يرضى الرضا‬ ‫ُي ُ‬ ‫ً‬ ‫معترضا‬ ‫س � � ّرن� ��ي ي � ��وم «م�� � ًن� ��ى»‬ ‫م� ��ل َء ع �ي �ن��ي‪ ،‬وش �ج��ان��ي ُمعرضا‬ ‫وج � � ��د ال � � � � َو ْج � � � � َد ك � �م� ��ا خ � � ّ َل � �ف� ��هُ‬ ‫�ول م� ��ا ب � ��را م� ��ا أم��رض��ا‬ ‫ب��ع��د ح� � � ٍ‬ ‫دم ��ا ‪-‬‬ ‫أي�ه��ا ال��رام��ي ‪ -‬وم��ا أج ��رى ً‬ ‫َ‬ ‫الغرضا‬ ‫�ص ��ب ق ��د ب��ل��غْ ��تَ‬ ‫ال تحُ � ّ‬ ‫ُق � �س� ��م احل� � � � � ُّ�ب‪ ،‬ف� �م ��ا أنصفني‬ ‫ج � � � � ْو ُر م� ��ا ن� ��فّ � � َ�ل ل� ��ي واف� �ت ��رض ��ا‬ ‫م ��ا ع �ل��ى س���اق�� ّ َ�ي دم� �ع ��ي ُم ً‬ ‫غدقا‬ ‫�اب‪ ،‬لو سقا ُه ُم ْب ِرضا(‪)19‬‬ ‫في ُرض� ِ‬ ‫�وه � ��ر ُه‬ ‫ق � ��د س��ل��ب��ت��م ح� � �س � � ً�دا ج � � َ‬ ‫ف ��اس� �ت � ِ�ح� � ّل ��و ُه وب � � ُّ�ق � ��وا ال� � َع � َ‬ ‫�رض ��ا‬ ‫ش � � ِ�ق � � َ�ي ال�� �س� ��ائ� ��قُ ف � ��ي تبليغه‬ ‫ــــــــــق نــــــفــــــضـــــا؟‬ ‫أدرى ّ َ‬ ‫أي طـــــري ٍ‬ ‫�ره‬ ‫«ال� �غ� �ض ��ا» إنّ احل� �ش ��ا م ��ن ذك� � ِ‬ ‫رُبمّ � � ��ا اس� �ت� �ب ��ردت م �ن �ه��ا بالغضا‬ ‫اط � �ل � �ب� ��وا ل � �ل � �ع �ْي�نْ ف�� ��ي أب� �ي ��ات ��ه‬ ‫ُ‬ ‫ن� � �ظ � ��ر ًة ت� �ك � ُ�ح� �ل� �ه ��ا‪ ،‬أو غ � ُ�م� �ض ��ا‬ ‫وب� �ن� �ف� �س ��ي ه � ��اج � � ٌ�ر ل � ��م يعتمد‬ ‫ق� �ب� �ض ��وا م� ��ن ُأن� � �س � � ِ�ه فانقبضا‬ ‫‪19‬‬

‫‪nov 14-21.indd 19‬‬


‫مل � �ت � �م� ��و ف� � �ي � ��ه وق� � �ل� � �ت � ��م رق � �ب� ��ة‬ ‫ُ‬ ‫رم �ت �م��و ص � ْ�ع� � ًب ��ا‪ ،‬وق�� � � ْ�دمت ر ّيضا‬ ‫إن ت��فُ � ْت� َ‬ ‫جبت‬ ‫�س ُح ْ‬ ‫�ك ال �ي��وم ش �م� ٌ‬ ‫ُ‬ ‫�وم أبيضا‬ ‫ف � � �غ� � � ً�دا‪ ،‬م � ��ا ك� � � � ّ�ل ي� � � � ٍ‬ ‫م� ��ن أم� � � � ّر ال� �ل� �ي ��ل وال� �ص� �ب���ح به‬ ‫أظ� � �ل � ��م احل�� � � � � ُّ‬ ‫�ظ ع� �ل� �ي ��ه وأض� � ��ا‬ ‫وق � � ��ف احل� � � � � ُّ�ب ع� �ل���ى دوح� �ت� �ك ��م‬ ‫�ص� � � ٌ�ن م� �ن� �ه ��ا ل��ق��ل��ب��ي قبضا‬ ‫ُغ� � � ُ‬ ‫جن� �ت� �ن���ي م � �ن� ��ه خ� � � �ي � � ��ا ًرا لكمو‬ ‫ح� �ل ��و م� ��ا الك ف�� � ٌ�م أو َق � � َرض� ��ا!‬ ‫يقول املهتمون بإحصائيات دواوين الش������عر‬ ‫العرب������ي إن دي������وان «ابن الرومي» ه������و أكبرها‬ ‫على اإلطالق‪ ،‬فهو يضم ألفني وتس������ ًعا وثالثني‬ ‫قصيدة ع������دد أبياتها ثالثون أل ًفا وخمس������مائة‬ ‫وثالث���ي��ن بي ًت������ا‪ ،‬ويليه مباش������رة دي������وان مهيار‬ ‫الديلم������ي الذي يضم ثالثمائة وس������ب ًعا وثمانني‬ ‫قصي������دة ع������دد أبياتها اثن������ان وعش������رون أل ًفا‬ ‫وخمس������مائة وخمسة عش������ر بيتًا‪ ،‬في حني أن‬ ‫شاع ًرا بحجم املتنبي وش������هرته ال يضم ديوانه‬ ‫غير مائتني وست وثمانني قصيدة عدد أبياتها‬ ‫خمس������ة آالف وثالثمائة وسبعة وخمسون بيتاً‪.‬‬ ‫وصحي������ح أن العبرة هنا ال تكون بعدد القصائد‬ ‫أو حج������م الديوان‪ ،‬لكن األمر ف������ي حالة مهيار‬ ‫يشير إلى طول نَفَسه في قصائده‪ ،‬فهي ليست‬ ‫كثيرة م������ن حيث العدد‪ ،‬لكن أبياتها ضخمة من‬ ‫حيث حجم الديوان‪.‬‬ ‫ومن بني قصائد مهيار التي تدور في دائرة‬ ‫ّ‬ ‫حتتل مس������احة كبيرة من‬ ‫«اإلخواني������ات» الت������ي‬ ‫ُ‬ ‫ديوانه‪ ،‬قصيدته إلى أحد أصدقائه من الكتاب‬ ‫يهنئه ويستعينه ويستبطئه‪ ،‬ويقول‪:‬‬ ‫أع� �ي� �ن ��ون ��ي ع� �ل ��ى ط� �ل ��ب املعالي‬ ‫ف �ق��د ض��اق��ت ب �ه��ا س �ع��ة احتيالي‬ ‫ودلّـــــــونـــــي عــــــلى رزق بـــعـــــــيـــــــــد‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫�ل‬ ‫�‬ ‫�‬ ‫ق‬ ‫�و‬ ‫�‬ ‫ه‬ ‫وإن‬ ‫�ؤال‬ ‫�‬ ‫س‬ ‫�‬ ‫�‬ ‫ل‬ ‫ا‬ ‫ل‬ ‫�‬ ‫�‬ ‫ب‬ ‫�ن‬ ‫�‬ ‫ع‬ ‫�ذْ‬ ‫ِ‬ ‫ف �ل��و ُق �ن ُ‬ ‫�ن اجل��ب��ال زح� ْ�م��ن جنبي‬ ‫وق � ْ�ع ��نَ أخ � � ّ َ‬ ‫�ال‬ ‫�ف م ��ن ِم�ن�ن ال ��رج � ِ‬ ‫وإال ف��اس��ل��ب��ون��ي ح� � � ّ َ‬ ‫�ظ فضلي‬ ‫إل���ى م ��ا ف��ات �ن��ي م ��ن ح� � ّ‬ ‫�ظ حالي‬ ‫‪20‬‬

‫‪10/17/16 10:58:34 AM‬‬

‫وجن� ��ون� ��ي وح� � �ي � � ً�دا ال ع � �ل� � ّ�ي ال� �ـ‬ ‫�اء ب �ه��ا وال لي‬ ‫ـ �م �ح��اس��ن وال� �ش� �ق � ُ‬ ‫أال رج � � ٌ�ل ي� �خ ��اف ال �ع �ي��ب منكم‬ ‫�ال‬ ‫وي� ��أن� ��ف ل��ل��ح��ق��وق م� ��ن حِ‬ ‫امل� � � ِ‬ ‫ف �ي �ع� َ‬ ‫�دل ف��ي ال�ق�ض�ي��ة ال ُيحابي‬ ‫وي� �ح� �ك� � َم ب ��ال� �س� � ّوي ��ة ال ُيبالي‬ ‫�اس إك � ��را َم األسامي‬ ‫ت��واص��ى ال� �ن � ُ‬ ‫�رم الفعال‬ ‫وه � � ��ان ل ��دي� �ه� �م ��و ك � � � ُ‬ ‫ُي� �ع � ُّ�د أخ� ��وك أش� ��رف م �ن��ك بيتً ا‬ ‫ألن� � ��ك ع� ��اط� � ٌ�ل وأخ � � � ��وك حالي‬ ‫وال وامل � �ج� � ِ�د م ��ا شَ � � َرق� ��ي ِبريقي‬ ‫ُ‬ ‫�زالل‬ ‫�ذب ال � ِ‬ ‫وش��رب��ي امل � ْل� َ�ح ف��ي ال �ع� ِ‬ ‫أدال ال� �ل ��ه م ��ن ِس� �م � ِ�ن اب� ��ن ع � ٍ ّ�م‬ ‫رع� ��ى ح �س �ب��ي وأه �م �ل �ن��ي ُه ��زال ��ي‬ ‫قصير‬ ‫وم� ��ا ه� ��و؟ غ �ي��ر أن ي� ��دي‬ ‫ٌ‬ ‫الطوال‬ ‫م��داه��ا‪ ،‬ع��ن م��دى هممي‬ ‫ِ‬ ‫�ب أص � ُ‬ ‫�ول مجدي‬ ‫وإن ِ‬ ‫وس��ع ال�ق��ري� َ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫�ب ف �ض��ول مالي‬ ‫ول��م ي�س��ع ال �غ��ري� َ‬ ‫ع��س��ى األي � � ��ام ُي��وج��ع��ه��ا عتابي‬ ‫وي�خ�ج�ل�ه��ا ان �ت �ظ��اري واحتمالي‬ ‫ُ‬ ‫وخ� � ��لّ ك � ��ان إن أخ� �ف���قْ �� ُ�ت مالي‬ ‫وإن أن� � ��ا خ � �ف� � ُ�ت ن � ��ازل � � ً�ة مآلي‬ ‫ي �ح� ُ‬ ‫�ذب ع�ن��ي الـ‬ ‫�وط ج��وان �ب��ي وي � � ُّ‬ ‫ذب‬ ‫أذى‬ ‫ّصال‬ ‫ن‬ ‫ال‬ ‫�ن‬ ‫�‬ ‫ع‬ ‫�ون‬ ‫�‬ ‫ف‬ ‫�‬ ‫�‬ ‫جل‬ ‫ا‬ ‫َّ‬ ‫ِ‬ ‫وإن أه � ��دي � � ُ�ت ِب � �ك� ��را م� ��ن ث� �ن ��اءٍ‬ ‫�ال‬ ‫إل��ي��ه مت �ي��س ف ��ي ُح��ل��ل اجل��م� ِ‬ ‫ت� �ن ��اه ��ى ف � ��ي ك ��رام� �ت� �ه ��ا َق � �ب� ��و ًال‬ ‫ّقال‬ ‫ث‬ ‫ال‬ ‫�ا‬ ‫�‬ ‫ه‬ ‫�‬ ‫ب‬ ‫�ور‬ ‫�‬ ‫وغ ��ال ��ى ف ��ي امل� �ه‬ ‫ِ‬ ‫وب ��ات ��ت ‪ -‬ح �ي��ث ت �غ �ب �ط �ه��ا عليه‬ ‫ُ‬ ‫�ال ‪-‬‬ ‫�‬ ‫�ات‬ ‫إذا م ��ا ِغ� � � ْ�رن ر ّب� � �‬ ‫�‬ ‫ج‬ ‫�‬ ‫�‬ ‫احل‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ُم� �ع � ّ�ش� �ق � ً�ة م� �ك ��ان ت � ��رى الغواني‬ ‫إذا ع� � � ّ َر ْس � ��نَ ُي � ��و َد ْع � ��نَ الغوالي‬ ‫�ال‬ ‫ف � �غ � � ّي� ��ر ُه ال� � ��زم� � ��ان‪ُّ ،‬‬ ‫وأي ح� � ٍ‬ ‫ٌ‬ ‫�ال؟‬ ‫�‬ ‫�‬ ‫ح‬ ‫�‬ ‫�‬ ‫ب‬ ‫�ة‬ ‫�‬ ‫�‬ ‫مل‬ ‫�ا‬ ‫�‬ ‫�‬ ‫س‬ ‫�داث‬ ‫�‬ ‫�‬ ‫�‬ ‫�‬ ‫م� ��ن األح�‬ ‫ِ‬ ‫ون � ��كّ � ��س راي� � �ت � ��ي م� �ن ��ه نصيري‬ ‫�دال‬ ‫وم � � ّي� ��ل َص�� ْ�ع���دت���ي ُّ‬ ‫رب اع � �ت� � ِ‬ ‫ك �ن��ور ال �ش �م� ِ�س م�ن��ه ال �ب��د ُر ينْمي‬ ‫الهالل‬ ‫وم�ن��ه النقص ي�س��ري ف��ي‬ ‫ِ‬ ‫عهدا‬ ‫ول� �ك ��ن ج� �ف���وةٌ ل���م ُت� � ِ�ن� � ِ�س ً‬ ‫�آل‬ ‫ول�� ��م جتُ � � � ِ�ز ال� � � ��دالل إل�� ��ى امل�� � ِ‬ ‫العدد ‪ - 696‬نوفمبر ‪2016‬‬

‫‪nov 14-21.indd 20‬‬


‫الكويت عاصمة الثقافة اإلسالمية ‪2016‬‬ ‫ليل‬ ‫فدى‬ ‫ّ‬ ‫الوضاح في اخلطب ابنُ ٍ‬ ‫إذا اس �ت �ض��وي� ُ�ت ف��ي أم � ٍ�ر دج ��ا لي‬ ‫وم� �ن� �ح � ّ�ط ��ون ع� �ن ��ه أ ًب� � ��ا ون ��فْ � ً�س ��ا‬ ‫ُ‬ ‫وب �ي� ُ�ت ال�ن�ج��م م �ث��ل ال�ن�ج��م عالي‬ ‫أل� ْ�س� ُ�ت اب��ن األل��ى انتظموا ملوكً ا‬ ‫ن � �ظ� ��ا َم ال � ِ�ع ��قْ ��د م� ��ن ب� � � ٍ�اد وتالي‬ ‫�رمي‬ ‫�اب ن� ��اب اب � � ٌ�ن ك � ٌ‬ ‫إذا األب غ � � َ‬ ‫�ال‬ ‫ُي ��ري ��ك ش� �ه ��ادة ال �ن �س��ب احل �ل ِ‬ ‫�اض‬ ‫ك� � ��أن امل � �ج� ��د ل � ��م ي � �ح� ��زن مل � � ٍ‬ ‫بحال‬ ‫م ��ع ال��ب��اق��ي‪ ،‬ول���م ُي �ف �ج��ع‬ ‫ِ‬ ‫ل�ه��م ُس�ن ٌ�ن م��ن امل �ع��روف تكسو الـ‬ ‫حل� ��وم ب �ه��ا ع �ظ��ام �ه �م��و البوالي‬ ‫وآث � � � � � � ��ار م�� � ��ن األي � � � � � � ��ام ب � �ي� � ٌ‬ ‫�ض‬ ‫ك� ��آث� ��ار ال� � �ب � ��دور ع� �ل ��ى الليالي‬ ‫ومهيار الديلمي هو القائل‪:‬‬ ‫يضام؟‬ ‫ع�ج�ب� ُ�ت ُمل� � ّر ال�ن�ف� ِ�س ك�ي��ف‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫ينام‬ ‫�ب وه ��و ُ‬ ‫ُ‬ ‫وح� � � ٍ ّ�ر ي��خ��اف ال �ع � ْت� َ‬

‫فقاعد‬ ‫وراض ب��أوس��اط األم� ��ور‪،‬‬ ‫ٌ‬ ‫ٍ‬ ‫�ام‬ ‫وف� � �ي � ��ه إل � � ��ى غ� ��اي� ��ات � �ه� � ّ�ن ق � �ي� � ُ‬ ‫وهو شعر يذكرنا بقول املتنبي‪:‬‬ ‫ول ��م أ َر ف��ي ع �ي��وب ال��ن��اس شيئًا‬ ‫ك �ن �ق��ص ال� �ق ��ادري ��ن ع �ل��ى التمام‬ ‫ثم يقول مهيار‪:‬‬ ‫واحدا‬ ‫ض‬ ‫وام‬ ‫أجمعوا‬ ‫دع الناس فيما‬ ‫ً‬ ‫ْ ِ‬ ‫�ص� َ‬ ‫�ام‬ ‫�ك‪ ،‬مم ��ا ال ُي � �ع� � ُّ�د‪ ،‬مَت� � ُ‬ ‫ف��ن��ق� ُ‬ ‫ت� �ق � ّ�دم إذا م ��ا أخ� � ��روك عليهمو‬ ‫�ام‬ ‫�وم� ��ا وأن � � ��ت إم � � ُ‬ ‫وال ت� ��ك م� ��أم� � ً‬ ‫ونختتم الكالم عن «مهي� � ��ار» ببيته ال َعلَم الذائع‬ ‫الصيت‪:‬‬ ‫ملكْ ُت نفسي م��ذ ه �ج� ْ�ر ًت طمعي‬ ‫�اء ع� � ْب � ُ�د! >‬ ‫�أس ُح�� � ٌ ّ�ر‪ ،‬وال� ��رج� � ُ‬ ‫ال� �ي � ُ‬

‫(‪ )1‬اإلطالل‪ :‬إهدار الدم عندما ال يؤخذ بالثأر من القاتل‪.‬‬ ‫(‪ )2‬ثهالن‪ :‬جبل شهير في اجلزيرة العربية‪.‬‬ ‫(‪ )3‬النآد‪ :‬الداهية الثقيلة الوقع‪.‬‬ ‫(‪َ )4‬حمادِ ‪ :‬حمدًا لله وشك ًرا‪.‬‬ ‫(‪ )5‬دجيل‪ :‬اسم نُهيْر‪ ،‬املطيرة‪ :‬قرية من نواحي سامراء كانت تعد من متنزهات بغداد‪.‬‬ ‫(‪ )6‬اآلد واأليْد‪ :‬القوة والشدة‪.‬‬ ‫(‪ )7‬الشلّة‪ :‬الط ْرد واإلبعاد‪ ،‬والغِ وار‪ :‬الغارة‪.‬‬ ‫(‪ )8‬جائف‪ :‬الطعن أو الداء يبلغ اجل ْوف‪.‬‬ ‫جس بها اجلرح‪.‬‬ ‫(‪ )9‬الفتائل‪ :‬جمع فتيل وهي اخلرقة‪ .‬املسبار‪ :‬اآللة يُ ّ‬ ‫(‪ )10‬األنعمان‪ :‬موضع بنجد‪.‬‬ ‫(‪ )11‬املستشرف‪ :‬من يرفع نظره إلى أعلى ليرى أفضل‪.‬‬ ‫(‪ )12‬عرعر‪ :‬اسم لعدد من املواضع في جند‪.‬‬ ‫(‪ )13‬املزنة‪ :‬السحابة املمطرة‪.‬‬ ‫(‪ )14‬يُ ْكفر‪ :‬يُ َ‬ ‫غطى ويُ ْستَر‪.‬‬ ‫(‪ )15‬عبقر‪ :‬بلد في اليمن تنس� � ��ب إليه صناعة الوشي والبرود‪ ،‬ويزعمون أنه مسكون باجلن‪ .‬وإلى عبقر ينتسب نوابغ‬ ‫اإللهام والفنون‪.‬‬ ‫(‪َ )16‬‬ ‫الظلم‪ :‬الفم‪ .‬ممقر‪ :‬حامض وم ّر‪.‬‬ ‫(‪ )17‬تقمح‪ :‬تأبى وترفض‪ ،‬تسهل وتوعر‪ :‬تأتي السهل والوعر‪.‬‬ ‫(‪ )18‬احلِ فاظ‪ :‬الو َّد وص ْون العالقة‪.‬‬ ‫(‪ )19‬املبرض‪ :‬من يرشف الشراب قليال قليال‪.‬‬

‫«مسلسالت» مهيار التي ُفنت بها شوقي‬ ‫ُ‬ ‫‪10/17/16 10:58:37 AM‬‬

‫‪21‬‬

‫‪nov 14-21.indd 21‬‬


‫قضايا عامة‬

‫أين يقف الخطاب اإلعالمي‬ ‫من حوار الحضارات؟‬ ‫عبد المجيد الجرادات‬

‫كاتب من األردن‬

‫برزت أهمية وس���ائل اإلع�ل�ام بمخاطبة الرأي العام‪ ،‬عل���ى أثر نتائج حرب‬ ‫العام ‪ 1967‬بين العرب وإس���رائيل‪ ،‬حيث تم التفكير برس���م استراتيجية‬ ‫عربية مش���تركة في مختل���ف الميادين اإلعالمية‪ ،‬بقص���د الوقوف بوجه‬ ‫اإلع�ل�ام الصهيون���ي‪ ،‬ال���ذي كان يصف حال���ة اليهود بأنهم يعيش���ون‬ ‫بي���ن أغلبي���ة عربي���ة‪ ،‬تُه���دد مصيرهم‪ ،‬وقد تنه���ي وجودهم بين عش���ية‬ ‫وضحاها‪ ،‬والنتيجة أنهم حصلوا على دعم غير مشروط مادي ًا وعسكري ًا‬ ‫م���ن الوالي���ات المتحدة وال���دول األوربية‪ ،‬لتتوافر له���م عناصر القوة في‬ ‫المجالين التقني واالقتصادي‪.‬‬

‫أجمع الرؤساء العرب في العام ‪ ،1985‬على إطالق‬ ‫قمر اصطناعي (عربس� � ��ات)‪ ،‬من أج� � ��ل بلورة خطاب‬ ‫إعالم� � ��ي يواك� � ��ب اس� � ��تحقاقات املرحل� � ��ة وحتدياتها‪،‬‬ ‫وبالرغم من امتالك أدوات التأثير في الرأي العام من‬ ‫قبل الفضائيات العربية‪ ،‬ف� � ��إن أداء بعض الفضائيات‬ ‫التي تتمتــــ� � ��ع مبــــركـــز مالي قوي‪ ،‬لم يرق إلى إحداث‬ ‫نقلة نوعية في ترس� � ��يخ ثقافة املشــــاركة التــي تؤسس‬ ‫حلوار يحث على التع� � ��اون والتكافؤ بني أبناء العروبة‪،‬‬ ‫سعياً للوصول إلى «معادلة املواكبة احلضــارية»‪.‬‬ ‫تأكي� � ��داً لذلك‪ ،‬جن� � ��د اخلبير اإلعالم� � ��ي عدنان‬ ‫الزعبي يقول بدراس � � �ــته املنش� � ��ورة في العدد ‪ 318‬من‬ ‫مجل� � ��ة أفكار الت� � ��ي تصدرها وزارة الثقاف� � ��ة األردنية‪:‬‬ ‫«هل انتبه القائمون على الفضائيات إلى حالة التفكك‬ ‫التي س� � ��اعدت الفضائيات على إحداثها؟ وهل عرفوا‬ ‫‪22‬‬

‫‪10/16/16 8:12:06 AM‬‬

‫كيفي� � ��ة التحول ألغراض البن� � ��اء وليس إبقاء الفوضى‪،‬‬ ‫وأدرك� � ��وا ما هي املهارات املطلوب� � ��ة في مرحلة التح ّول‬ ‫الدميقراطي؟»‪.‬‬ ‫ثمة صعوبات تواجه وس� � ��ائل اإلعالم املختلفة في‬ ‫يوميات تواصلها مع الرأي العام‪ ،‬فهنالك تضارب بني‬ ‫املقوم� � ��ات واملكونات من ناحية‪ ،‬واملؤثرات التي تنش� � ��أ‬ ‫بني احلني واآلخر م� � ��ن ناحية أخرى‪ ،‬وإذا انطلقنا من‬ ‫متطلبات املهن� � ��ة‪ ،‬التي ترتكز عل� � ��ى أهمية الصدقية‪،‬‬ ‫وضرورة االلتزام مببدأ الواقعية‪ ،‬فقد نتفق على أن ما‬ ‫يندرج حتت شعار «التحفظ»‪ ،‬بإطاره الواسع‪ ،‬يُقلل من‬ ‫اهتمام الرأي العام مبتابعة ما تبثه الشاشات احمللية أو‬ ‫الوطنية‪ ،‬وتبعاً لذلك تتجه األنظار للمحطات األجنبية‬ ‫أو العاملية‪ ،‬واملؤمل هو أن يتن ّبه القائمون على الرسالة‬ ‫اإلعالمي� � ��ة حملاذير هذه النزعة‪ ،‬آخذين بعني االعتبار‬ ‫العدد ‪ - 696‬نوفمبر ‪2016‬‬

‫‪nov 22-25.indd 22‬‬


‫الكويت عاصمة الثقافة اإلسالمية ‪2016‬‬

‫أن حصيلة تفاع� � ��ل الفضائيات العربي� � ��ة مع تطورات‬ ‫األح� � ��داث منذ مطلع العام ‪2011‬م‪ ،‬وه� � ��ي الفترة التي‬ ‫اصطلح على تس� � ��ميتها بـ «الربيع العربي»‪ ،‬قد أفرزت‬ ‫حالة م� � ��ن التأثير اإليجابي في حرك� � ��ة التغيير‪ ،‬حيث‬ ‫متكنت وس� � ��ائل اإلعالم من بلورة واق� � ��ع جديد‪ ،‬مُيكن‬ ‫البناء عليه في أثناء احلوارات التي ستركز على أدوات‬ ‫اإلصالح‪ ،‬ومحاولة اخلروج مبقاربات ترس� � ��م مستقبل‬ ‫الشعوب العربية نحو غدها املنشود‪.‬‬ ‫نتفق على أن التطور التكنولوجي املتس� � ��ارع‪ ،‬أدى‬ ‫أين يقف اخلطاب اإلعالمي من حوار احلضارات؟‬ ‫‪10/16/16 8:12:10 AM‬‬

‫لتقريب املس� � ��افات بني الدول والش� � ��عوب‪ ،‬األمر الذي‬ ‫أوجد حالة م� � ��ن التنافس في األداء اإلعالمي‪ ،‬وبحكم‬ ‫ه� � ��ذا الواقع فقد بات الض� � ��خ اإلعالمي (اإللكتروني)‬ ‫في متناول اجلميع‪ ،‬ومبنهجي� � ��ة كثيراً ما تضع املتلقي‬ ‫في شيء من احليرة‪ ،‬فهل يتقبل مضمون الفكرة‪ ،‬حتى‬ ‫وإن ش� � ��عر أنها مدسوس� � ��ة أو غير بريئة‪ ،‬أم أن منطق‬ ‫التبصر ومعرفة الدوافع واألسباب‬ ‫األمور يس� � ��توجب‬ ‫ّ‬ ‫سعياً للتحقق والتّيقن؟‬ ‫حتت شعار توفير مقومات احلرية والدميقراطية‪،‬‬ ‫‪23‬‬

‫‪nov 22-25.indd 23‬‬


‫تخّ ل� � ��ت بعـــض احلكوم� � ��ات عن دورها بدعم وس� � ��ائل‬ ‫اإلع� �ل��ام‪ ،‬مم� � ��ا أضعف اإلي� � ��رادات املالي� � ��ة للصحف‬ ‫واملجالت الورقيــة للحد الذي بات يشوش على الوفاء‬ ‫مبتطــــلبات املهنة‪ ،‬وفي محاول� � ��ة البحث عن البدائل‪،‬‬ ‫ع � � � ّول البعض على دور القطاع اخلاص‪ ،‬والنتيجة على‬ ‫أرض الواق� � ��ع هي أن معظم وس� � ��ائل اإلعالم خضعت‬ ‫لنفوذ وسلطة رأس املال باملفهوم السياسي أو األهداف‬ ‫التجارية‪ ،‬وهي معادلة مربكة‪ ،‬إذ نخش� � ��ى بس� � ��ببها أن‬ ‫مُتنح الفرصة للفضائيات األجنبية التــــي تبـــث باللـــغة‬ ‫العربية أن حتظى مع الزم� � ��ن بثقة اجلمــــهور العربي‪،‬‬ ‫وهذا ما يتعارض مع فلسفة اجلوهر احلـــضاري‪.‬‬ ‫األصل هو أن الفعل اإلعالمي الذي ينس� � ��جم مع‬ ‫ذائقة الرأي العام «يُنش� � ��ط» احلراك الوطني مبختلف‬ ‫احلق� � ��ول املعنوية واإلنتاجية‪ ،‬فهل لنا أن نش� � ��هد جرأة‬ ‫سياسية غير مس� � ��بوقة تق ّوي دور اخلطاب اإلعالمي‬ ‫في مهم� � ��ة املواكبة التي تُعزز الثق� � ��ة وتقلل من عوامل‬ ‫الشك؟‬ ‫من املفيد القول هنا بأن خبراء العلوم االجتماعية‪،‬‬ ‫ي� � ��رون أن «الرأي العام» من األم� � ��ور احمل ّيرة واملفاهيم‬ ‫املتضاربة‪ ،‬وهنالك تعريفات عدة للرأي العام‪ ،‬تتلخص‬ ‫ف� � ��ي أنه� � ��ا مجموع� � ��ة اآلراء والنظري� � ��ات والتوجهات‬ ‫والسلوكيات الشخصية املجردة‪ ،‬التي تتوافق وتنسجم‬ ‫تلقائي � � �اً مع املصال� � ��ح املصيرية‪ ،‬وتتطلب اإلحس� � ��اس‬ ‫بأهمية القضايا التي تتص� � ��ل بالتطلعات والطموحات‬ ‫العام� � ��ة‪ ،‬وبن� � ��اء على ذل� � ��ك‪ ،‬يُعتبر الرأي الع� � ��ام املادة‬ ‫األساس� � ��ية للباحثني واحملللني الذين يسعون لإلحاطة‬ ‫بواقع املجتمع املنوي دراس� � ��ته‪ ،‬سعياً لتطوير حوارات‬ ‫وعالقات قائمة‪ ،‬أو تأسيس مرحلة جديدة في مجاالت‬ ‫التفاعل اإليجابي وحتقيق األهداف املنشودة‪.‬‬ ‫فيما يتعلق مبس� � ��تقبل منهجي� � ��ة احلوار بني الدول‬ ‫العظمى والصناعية من جهة‪ ،‬والعالم العربي من جهة‬ ‫أخرى‪ ،‬فقد خلصت معظم االستطالعات التي أجنزت‬ ‫من قبل مراكز البحوث والدراس� � ��ات االستراتيجية في‬ ‫الغرب وتبلورت بش� � ��كلها النهائي من� � ��ذ منتصف العام‬ ‫‪ ،1985‬إلى أهمية «إش� � ��اعة املفاهيم الثقافية» السائدة‬ ‫في الغرب‪ ،‬بحيث تكون في موضع االحترام أو التقليد‬ ‫واحمل� � ��اكاة من قبل العرب‪ ،‬وهذا هو الس� � ��يناريو الذي‬ ‫مترر من خالله السياس� � ��ات املرس� � ��ومة‪ ،‬وأخطرها ما‬ ‫يتعلق مبنهجية االحتواء االقتصادي‪.‬‬ ‫‪24‬‬

‫‪10/16/16 8:12:11 AM‬‬

‫يؤثر الرأي العام مبا فيه من وجهات نظر وتيارات‬ ‫مختلفة وأفكار متعددة في احلياة السياس� � ��ية باالجتاه‬ ‫الذي يُس� � ��هم بتطوي� � ��ر النظم االجتماعي� � ��ة‪ ،‬وفي ظل‬ ‫التقلب� � ��ات االقتصادية‪ ،‬ووفرة اإلمكاني� � ��ات املادية في‬ ‫بعض الدول وش� � ��حها ف� � ��ي دول أخرى‪ ،‬ف� � ��إن العالقة‬ ‫بني الدول� � ��ة واملجتمع تختلف من بل� � ��د آلخر‪ ،‬إذ تؤكد‬ ‫معظم الدراس� � ��ات التنموية التي حاولت حتليل عالقة‬ ‫السلطة بالرأي العام‪ ،‬أن درجة ومنسوب النمو والتقدم‬ ‫االقتص� � ��ادي واالجتماع� � ��ي‪ ،‬هم� � ��ا احملور األساس� � ��ي‬ ‫ال� � ��ذي يُقرب وجه� � ��ات النظر‪ ،‬ويُكرس قيم التس� � ��امح‬ ‫والتماسك‪.‬‬ ‫تتأثر دراس� � ��ة الرأي العام عادة بجملة صعوبات‪،‬‬ ‫أهمها‪ :‬مجموعة املتغيرات املتالحقة واملتسارعة على‬ ‫الس� � ��احتني اإلقليمية والدولية‪ ،‬وله� � ��ذا فإن «فرضية»‬ ‫تفاع� � ��ل اخلط� � ��اب اإلعالمي ومدى تأثي� � ��ره في الرأي‬ ‫العام‪ ،‬تبدو ش� � ��ائكة‪ ،‬ألنها تصطدم بحجم التباين بني‬ ‫مختلف الشرائح‪ ،‬إلى جانب ارتفاع حتديات التقلبات‬ ‫السياس� � ��ية واالهت� � ��زازات االقتصادي� � ��ة‪ ،‬األم� � ��ر الذي‬ ‫يتطل� � ��ب تفعيل دور املؤسس� � ��ات الوطني� � ��ة التي متتلك‬ ‫اإلرادة والق� � ��درة عل� � ��ى بلورة «خط� � ��اب إعالمي» يهتم‬ ‫برسم سياس� � ��ات « ُمحكمة»‪ ،‬تُعزز البناء الدميقراطي‪،‬‬ ‫والنهج الذي يُق ّوي أسس العدالة ومفاهيم احلرية‪.‬‬ ‫في محاول� � ��ة توضيح مصطلح ح� � ��وار احلضارات‬ ‫نقول‪ :‬إن احلوار مبفهومه الشامل‪ ،‬هو من الضرورات‬ ‫احلياتية للمجتمعات البشرية‪ ،‬وعلى أرض الواقع يُعتبر‬ ‫احلوار منهجاً يعتمد على التفكير املس� � ��تنير‪ ،‬والقدرة‬ ‫على إيضاح احلقائق بأساليب علمية‪ ،‬تنتهي إلى حالة‬ ‫من املعرفة املتبادلة‪ ،‬وعندما تتحقق هذه املعادلة‪ ،‬فإن‬ ‫نتائج احلوار تو ّلد س� � ��لوكاً إنسانياً‪ ،‬وقناعات تقف في‬ ‫مواجهة كل االحتماالت الس� � ��لبية التي كثيراً ما تُكرس‬ ‫النظ� � ��رة الضيقة‪ ،‬أو أنها تقود إل� � ��ى حالة من الصراع‬ ‫الذي يُهدد حياة األبرياء‪ ،‬ويدمر ممتلكاتهم‪.‬‬ ‫نقرأ ف� � ��ي قاموس السياس� � ��ة‪ ،‬أن لفظ «احلضارة‬ ‫‪ »Civilization‬يعن� � ��ي‪ :‬حالة متقدمة ملجتمع إنس� � ��اني‪،‬‬ ‫تتجلى فيه الثقافة واملعرفة العلمية‪ ،‬وتزدهر الصناعة‪،‬‬ ‫ويتطور أس� � ��لوب اإلدارة واحلاكمية الرش� � ��يدة‪ ،‬وعلى‬ ‫املستوى الفردي‪ ،‬فإن األصل في منهجية التواصل مع‬ ‫بقي� � ��ة الثقافات‪ ،‬يجب أن يكون مبنياً على االنس� � ��جام‬ ‫واالحترام املتبادل‪.‬‬ ‫العدد ‪ - 696‬نوفمبر ‪2016‬‬

‫‪nov 22-25.indd 24‬‬


‫الكويت عاصمة الثقافة اإلسالمية ‪2016‬‬ ‫ف� � ��ي ميادي� � ��ن العالق� � ��ات الدولية‪ ،‬يأخذ أس� � ��لوب‬ ‫احلوار أكثر من اجتاه‪ ،‬إذ مُيكن للثقافات واحلضارات‬ ‫أن تكون في أوج ازدهارها‪ ،‬وفي الوقت نفس� � ��ه تختار‬ ‫عالق� � ��ة متآلفة ومنس� � ��جمة مع غيره� � ��ا‪ ،‬وعلى أرض‬ ‫الواق� � ��ع‪ ،‬تع� � ��د اليابان من أبرز أمثل� � ��ة التعايش الودي‪،‬‬ ‫القائ� � ��م على جس� � ��ور اقتصادية‪ ،‬تتحق� � ��ق فيها املنفعة‬ ‫املتبادلة بينها وب� �ي��ن الدول التي ترتبط معها بعالقات‬ ‫جتارية مس� � ��تمرة‪ ،‬وم� � ��ن الواضح أن صناع السياس� � ��ة‬ ‫ف� � ��ي اليابان عرفوا منذ البداية مفت� � ��اح الوصول لهذه‬ ‫النتيجة‪ ،‬فقد اعتبروا أنفس� � ��هم جزءاً من نظام عاملي‬ ‫متعاون‪ ،‬يُحافظ على احلرية اإلنس� � ��انية في املجاالت‬ ‫التقنية التي تبقي على الدميومة احلضارية‪.‬‬ ‫عندما تس� � ��ود أجواء احلوار الثقافي بني شرائح‬ ‫املجتمع الواحد‪ ،‬تتهيأ الفرصة تلقائياً‬ ‫للتحصن الفكري‬ ‫ّ‬ ‫واملناعة املجتمعية ضد أي اختراقات محتـــــملة‪ ،‬وتبعاً‬ ‫لذلك‪ ،‬يكون التفاعل‪ ،‬والتنّوع ال� � ��ذي يتبلور كنـــتيـــــجة‬ ‫للح� � ��وار بجمي� � ��ع مقتضياته التي تؤم� � ��ن بقبول اآلخر‬ ‫والرغبة مبحاورته‪ ،‬بهدف التوصل ملس� � ��احة مش� � ��تركة‬ ‫تؤدي لتوحيد جس� � ��ور التواصل‪ ،‬وف� � ��ي غياب احلوار‪،‬‬ ‫تك� � ��ون النتــــائج س� � ��لبية‪ ،‬حيــــث تتراجع قي� � ��م التوازن‬ ‫والترابط بني الـــــناس‪ ،‬ما يؤدي ألحد أسوأ احتمالني‪،‬‬ ‫فإم� � ��ا التصادم بني األفكار واالجتاه� � ��ات املتعارضــــة‪،‬‬ ‫وإما بروز طرف يتـــــح ّيز ملوقفه بسلوك قسري يفرض‬ ‫فيه سياساته وقراراته حتى وإن ألغى فيها دور الطرف‬ ‫املقابل‪.‬‬ ‫من إيجابيات احلوار‪ ،‬أنه يُسهم في متتني أواصر‬ ‫التعايش مع ثقاف� � ��ة اآلخر وفكره ورؤاه‪ ،‬وهذا ما يُعزز‬ ‫دور الثقافة نفس� � ��ها‪ ،‬ويُق ّوي عناصره� � ��ا الذاتية‪ ،‬كما‬ ‫أن ثم� � ��ار احل� � ��وار الثقافي تغ ّذي املس� � ��يرة احلضارية‬ ‫بني األمم والش� � ��عوب‪ ،‬ومن أبرز منطلقات هذا احلوار‬ ‫إنضاج مس� � ��ار الدميقراطي� � ��ة السياس� � ��ية وتفرعاتها‬ ‫وآلياته� � ��ا املختلف� � ��ة‪ ،‬وتبعاً لذلك تتجل� � ��ى معايير النقد‬ ‫األدبي‪ ،‬الذي تستقيم فيه اجلهود‪ ،‬وتتضح األمور‪ ،‬ومن‬ ‫حتصيل احلاصل أن التوس� � ��ع في ترسيخ فكرة النقد‬ ‫يُسهم في إلغاء االحتقانات داخل املجتمعات نفسها‪.‬‬ ‫نخلص إلى القول بأن احلوار فكر وفن‪ ،‬وهو يُولد‬ ‫مع اإلنسان ويتطور نحو األفضل أو يتأثر سلباً بالنشأة‬ ‫االجتماعي� � ��ة التي تختل� � ��ف بني بيئة وأخ� � ��رى‪ ،‬ويأخذ‬ ‫احلوار موقعاً مهماً في العقيدة اإلسالمية التي تستند‬ ‫أين يقف اخلطاب اإلعالمي من حوار احلضارات؟‬ ‫‪10/16/16 8:12:22 AM‬‬

‫إلى احلكمة واملوعظة احلسنة‪.‬‬ ‫من حي� � ��ث املضمون والغاية املنش� � ��ودة‪ ،‬فإن حوار‬ ‫احلضارات يندرج ضمن املشاريع الريادية التي تطمح‬ ‫إلى صوغ رؤى جديدة واقتراح استراتيجيات مستقبلية‪،‬‬ ‫تختار آلي� � ��ات عمل لطرح الس� � ��ؤال املعاصر‪ ،‬وهو‪ :‬ما‬ ‫األهداف التي نتوق لتحقيقها من حوار احلضارات؟‬ ‫ف� � ��ي محاول� � ��ة الربط ب� �ي��ن اخلط� � ��اب اإلعالمي‬ ‫وح� � ��وار احلضارات‪ ،‬نتـــــأك� � ��د أن التح ّدي الذي يواجه‬ ‫الفضـــائـــــيات والصحف واملجالت الورقية في العالم‬ ‫العربي‪ ،‬يتمثل في سلس� � ��لة من املعوق� � ��ات التي مُيــــكن‬ ‫توثيقها على النحو التالي‪:‬‬ ‫ال يوجد مشروع اس� � ��تراتيجي يُنظم عمل اإلعالم‬ ‫الفضائي‪ ،‬فقد تش� � ��عبت الفضائيات بني شاش� � ��ة تهتم‬ ‫بالسياس� � ��ة والفك� � ��ر‪ ،‬وتتاب� � ��ع ما يس� � ��تجد م� � ��ن وقائع‬ ‫وأحداث‪ ،‬ثم التوسع باس� � ��تضافة أهل الفكر واملعرفة‬ ‫مبختلف املجاالت‪ ،‬حتى يُصار لتأطير احلوار باالجتاه‬ ‫ال� � ��ذي يُس� � ��هم بخدمة املس� � ��يرة احلضاري� � ��ة‪ ،‬وهنالك‬ ‫فضائيات مُتارس السحر والشعوذة ومعاجلة املرضى‬ ‫على الهواء‪ ،‬وأخرى تُقدم مادة دعائية ورس� � ��ائل كثيراً‬ ‫ما نلمح أنها ال توفر في مرآتها صورة للقيم النبيلة في‬ ‫املجتمعات العربية‪.‬‬ ‫تندرج الصحف الورقية واملجالت املرموقة ضمن‬ ‫أبرز مظاهر التط� � ��ور والرخــــ� � ��اء االقتـــــصادي‪ ،‬وهي‬ ‫تش� � ��كل قيمة مضافة إلجنازات الش� � ��عوب‪ ،‬ذلك ألنها‬ ‫توثق األحداث والوقائع مبنهجية توطن فلسفة احلوار‪،‬‬ ‫وتعمق اإلحساس بضرورة التنافس الذي يؤدي للرقي‬ ‫االجتماعي‪.‬‬ ‫من ب� �ي��ن التحدي� � ��ات املس� � ��تقبلية أم� � ��ام صناع‬ ‫السياس� � ��ة وحملة األق� �ل��ام الع� � ��رب‪ ،‬أن مخرجات‬ ‫الص� � ��راع الدائر في أكثر من دولة عربية منذ مطلع‬ ‫الع� � ��ام ‪ ،2011‬أدت لتفريخ ح� � ��ركات إرهابية‪ ،‬بدأت‬ ‫أفعاله� � ��ا تضـّيق على دفء العالقات على مس� � ��توى‬ ‫الدول واجلماعات‪ ،‬األمر الذي يحتاج إلى حالة من‬ ‫الدفاع املرن من قب� � ��ل العلماء وأهل الفكر من أبناء‬ ‫هذه األمة في دحض الش� � ��بهات التي يعتقد «الرأي‬ ‫العام العاملي» أنها تنبت في تربة العالم اإلس� �ل��امي‪،‬‬ ‫م� � ��ع أن حقيقة األمر‪ ،‬أنها جاءت ضمن سياس� � ��ات‬ ‫ومخطط� � ��ات ال� � ��دول العظمى التي حت� � ��رص على‬ ‫مستقبل مصاحلها التجارية خارج حدودها >‬ ‫‪25‬‬

‫‪nov 22-25.indd 25‬‬


‫لغة‬

‫صراع اللغات‬ ‫د‪ .‬عيسى المصري‬

‫أكادميي من مصر مقيم في السعودية‬

‫ش���غلت طرق التفكير اللغوي وما يتشعب عنها من بحوث ثقافية بال‬ ‫دارس���ي اإلنس���انيات بش���كل عام‪ ،‬وأثارت نتائجها العلمي���ة ‪ -‬التي تخرج‬ ‫بين الحين والحين ‪ -‬إدهاش ًا وغرابة مما جعلها محل نظر وجدل كبيرين؛‬ ‫فقبلته���ا عق���ول ورفضتها أخ���ر؛ وبين القب���ول والرفض تباين���ت األحكام‬ ‫واط���ردت حت���ى غ���دت اللغة علم��� ًا مهما يف���رض على اإلنس���ان أن يتغيا‬ ‫بل���وغ منته���اه‪ ،‬وإن عجز عن ذلك ‪ -‬والمرء يعجز ال محالة ‪ -‬وجب عليه أن‬ ‫يحصل على كفايته منه بمقدار يفرقه عن العجماوات إن كان من عامة‬ ‫الناس‪ ،‬وبمقدار يهيئه لسالمة التفكير واإلبداع إن كان من خاصتهم‪.‬‬

‫لك� � ��ن‪ ،‬ما اللغة التي يجب أن ينهل منها اإلنس� � ��ان؟‬ ‫اإلجابة عن هذا الس� � ��ؤال س� � ��تكون مفتوح� � ��ة ضرورة؛‬ ‫فاللغات جميعها مباحة مشروعة للناطقني في الظرف‬ ‫الطبيعي للتواصل اإلنس� � ��اني؛ ألن اإلنس� � ��ان ابن بيئته‬ ‫واللغة نتاجها‪ ،‬وكالهما يتصل ببعضهما بعضاً اتصاالً‬ ‫عضوياً‪ ،‬فال مندوحة لإلنسان ألن يغفل بيئته وصداها‬ ‫اللغوي إال إذا غش� � ��يته حالة من التمرد تضطره إلى أن‬ ‫يهجرها إلى أخرى‪ ،‬أو مسته حالة من اجلنون تفصمه‬ ‫عن نفسه وبيئته ولغته‪ ،‬وفي املقابل فإن البيئة من غير‬ ‫اإلنسان فضاء من العدم والفراغ‪.‬‬ ‫وهذه اإلباحة املطلقة في االختيار يسوغها تساوي‬ ‫اللغات اإلنس� � ��انية في ما بينها من حيث القيمة الدينية‬ ‫والدنيوية‪ ،‬فال توجد لغة أفضل من لغة‪ ،‬قال ابن حزم‪:‬‬ ‫«وق� � ��د توهم قوم في لغتهم أنها أفضل اللغات‪ ،‬وهذا ال‬ ‫معنى له‪ ،‬ألن وجوه الفضل معروفة‪ ،‬وإمنا هي بعمل أو‬ ‫اختص� � ��اص‪ ،‬وال عمل للغة وال جاء نص في تفضيل لغة‬ ‫�ول ِإ اَّل‬ ‫على لغة‪ ،‬وقد قال تعالى‪َ { :‬و َما أَ ْر َس� � ْلنَا ِم ْن َر ُس � ٍ‬ ‫ي َل ُه ْم } (س� � ��ورة إبراهيم‪ .)4 :‬وقال‬ ‫�ان َق ْو ِم ِه ِل ُي َب نِّ َ‬ ‫ِب ِل َس � ِ‬ ‫‪26‬‬

‫‪10/16/16 8:13:18 AM‬‬

‫تعالى‪َ { :‬ف ِإ مَّنَا َي َّس ْ��رنَا ُه ِب ِل َس � ِ�ان َك َل َع َّل ُه � ْ�م َي َتذَكَّ ُرونَ }‬ ‫(س� � ��ورة الدخان‪ .)85:‬فأخبر تعالى أنه لم ينزل القرآن‬ ‫بلغة العرب إال ليفهم ذلك قومه عليه الس� �ل��ام ال لغير‬ ‫ذلك»‪.‬‬ ‫غي� � ��ر أن مبدأ تعادل األلس� � ��نة وتس� � ��اويها وظيفيا‬ ‫ل� � ��م تقنع به جمهرة م� � ��ن الناس أخذت على نفس� � ��ها‪-‬‬ ‫ألس� � ��باب خارجة ع� � ��ن اللغة‪ -‬تضييق الس� � ��عة الدنيوية‬ ‫بني البش� � ��ر‪ ،‬فصنع� � ��وا حواجز عدائية قس� � ��مت الناس‬ ‫أمماً وأعراقاً متنافرة أشد التنافر‪ ،‬حتى ضعفت بينهم‬ ‫ف� � ��رص التقارب والتالقي‪ ،‬وم� � ��ا حتمله عادة من جميل‬ ‫العفو ونبل التس� � ��امح‪ ،‬فانتشر بني عامة الناس وبعض‬ ‫خاصتهم ضرب من الصراع اللغوي الساذج أذكت ناره‬ ‫أفكار ثقافية متعدية أسوأ ما يكون التعدي؛ فإذا مبتكلم‬ ‫ال يحسن النطق بلغته من غير الوقوع في اللحن يحقر‬ ‫لس� � ��ان اآلخر ممن اعتاد عل� � ��ى الفصاحة والبيان‪ .‬وإذا‬ ‫بلسان فقير لم يهب أبناءه أخيلة خالقة تصيرهم أدباء‬ ‫ممتازين‪ ،‬يحقر لس� � ��اناً ط� � ��وت آدابه األرض‪ ،‬وكان هذا‬ ‫كل� � ��ه وليد نظر مغلق (دوغمائ� � ��ي) تضوعت منه رائحة‬ ‫العدد ‪ - 696‬نوفمبر ‪2016‬‬

‫‪nov 26-29.indd 26‬‬


‫الكويت عاصمة الثقافة اإلسالمية ‪2016‬‬

‫ش� � ��عوبية متقادمة لم تس� � ��تطع احلضارات أو املدنيات‬ ‫على تطورها وازدهارها إس� � ��كات دعاتها؛ فعمل سعاة‬ ‫الشر فيها بشغف شديد على بعث روحها بعثاً جديداً‪،‬‬ ‫واستعمالها حملو كل فضل وإحسان عند اآلخر‪.‬‬

‫سذاجة املفاضلة‬

‫وجتاوز األمر حدود الشعوبية الثقافية واالجتماعية‪،‬‬ ‫فعدا عل� � ��ى جوهر املعتقدات‪ ،‬ذلك أن أي معتقد يفتقر‬ ‫ ضرورة ‪ -‬إلى لغة ما جتمع ش� � ��رائعه وتعاليمه‪ ،‬وبها‬‫وحده� � ��ا ميكن فهمه فهماً صحيحاً‪ ،‬وبها وحدها ميكن‬ ‫ممارسة طقوسه وش� � ��عائره ممارسة يشعر معها العبد‬ ‫مبتع� � ��ة التعبد واخلضوع‪ ،‬ويرضى عنه� � ��ا ‪ -‬في الوقت‬ ‫نفس� � ��ه ‪ -‬إلهه املعبود‪ ،‬ومعنى هذا أن كل معتقد له لغة‬ ‫أولى تتنزل في رحابه منزلة التقديس‪ ،‬وصفة القداسة‬ ‫هنا ليست ملجرد اللغة وإمنا لكون اللغة حاملة للمقدس‬ ‫نفس� � ��ه؛ ومن أجل ذلك بدأ الش� � ��عوبيون باللسان فقللوا‬ ‫صراع اللغات‬ ‫‪10/16/16 8:13:24 AM‬‬

‫م� � ��ن قيمته وش� � ��ككوا في قدرته متش� � ��وفني إلى دحض‬ ‫املعتقد نفس� � ��ه‪ .‬وا ْرتَ َدت الشعوبية في العصر احلديث‬ ‫ُحلة زاهية جاذبة؛ فانتش� � ��رت النزعات القومية النابتة‬ ‫انتشاراً واسعاً‪ ،‬وأصبحت معها كل قومية تتعصب إلى‬ ‫لغتها‪ ،‬وتصد أي محاولة إنس� � ��انية القتحام أس� � ��وارها‪،‬‬ ‫حتى تناءت بعض الش� � ��عوب عن الواقع الدنيوي بعد أن‬ ‫استمرأت ‪ -‬طوعاً أو كرهاً ‪ -‬عيشها اجلديب املتوحش‬ ‫خلف ستار من حديد تغشاه ظلمات بعضها فوق بعض‪،‬‬ ‫فال يعلو خلف تلك األس� � ��وار من الفكر س� � ��وى ما تتبناه‬ ‫ذهنية القومية الضيق� � ��ة؛ وال عجب بعد ذلك أن يترك‬ ‫ه� � ��ؤالء اللغة وعلومه� � ��ا وما جتمعه حروفه� � ��ا وكلماتها‬ ‫وتراكيبها م� � ��ن قيم ثقافية ومعالم حضارية‪ ،‬ليش� � ��غلوا‬ ‫أنفسهم بسذاجة مفرطة باملفاضلة بني اللغات‪ ،‬مما ال‬ ‫ينفع جاه ً‬ ‫ال وال يفيد عاملاً‪.‬‬ ‫والق� � ��ت هذه النزعة التفاضلي� � ��ة رفض املعتقدات‬ ‫الس� � ��امية لها؛ ذل� � ��ك أن بغية املعتق� � ��دات هي التقارب‬ ‫‪27‬‬

‫‪nov 26-29.indd 27‬‬


‫بني األمم والشعوب‪ ،‬وحتقيق أس� � ��باب التعارف بينهم‬ ‫مبا يخلق تس� � ��امحاً ووئاماً يهدم� � ��ان احلواجز وينفيان‬ ‫العداوات‪ ،‬والطريق إلى ذلك ال يكون إال بالتواصل وال‬ ‫تواصل إال باللغ� � ��ة‪ ،‬ومن ثم كانت اللغات حلقة الوصل‬ ‫األثي� � ��رة بني األمم‪ ،‬فلم ميسس� � ��ها على تقادم أعمارها‬ ‫أو حداثته� � ��ا م� � ��ا يعيبها من حيث هي منطوق لس� � ��اني‬ ‫مجرد‪ ،‬بل عد الله ‪-‬عز وجل‪ -‬وجود اللغات واختالفها‬ ‫الس� � َما َو ِات‬ ‫آية م� � ��ن آياته‪ ،‬قال تعالى { َو ِم ْن آ َي ِات ِه خَ لْقُ َّ‬ ‫َو أْ َ‬ ‫اخ ِت اَل ُف أَل ِْسن َِت ُك ْم َوأَ ْل َو ِان ُك ْم ِإنَّ ِفي ِذل َك آَل َي ٍات‬ ‫ال ْر ِض َو ْ‬ ‫�ن} (س ��ورة ال ��روم‪ ،)22 :‬وإذا كان كذل� � ��ك ف� � ��إن‬ ‫ِل ْل َع مِ ِال�ي َ‬ ‫اللغة ومحموالتها الس� � ��امية تبرأ م� � ��ن تلك اآلراء التي‬ ‫متجه طبيعتها‬ ‫ينظمها أصحابها في ترات� � ��ب تفاضلي ّ‬ ‫احلرة التي متنح املتكلمني حرية اختيار لسان يواتيهم‬ ‫ويجيدون التفكير ب� � ��ه‪ ،‬كما متنحهم حرية التعبير بأي‬ ‫مس� � ��توى من مس� � ��توياتها الفصيحة والتداولية‪ .‬وعلى‬ ‫الرغم من س� �ل��امة هذا التصور اإلنس� � ��اني الكوني لم‬ ‫يكت� � ��ب له الفوز‪ ،‬فغلبت� � ��ه النزعات الفكري� � ��ة والقومية‬ ‫املغلقة؛ ولم يستطع ‪ -‬بعد مقاومة ودفع ‪ -‬احلؤول دون‬ ‫دخول اللغة ‪ -‬من غير ذنب ‪ -‬في حلبة صراع حضاري‬ ‫أعقبت املتصارعني فيها نتائج وخيمة؛ فقد دالت دول‪،‬‬ ‫وشردت أمم‪ ،‬وقوضت حضارات تبعتها ألسنة كان لها‬ ‫ش� � ��أو عظيم في عصور ماضية؛ إذ كانت «اللغات تتبع‬ ‫احلضارة صعوداً وهبوطاً» على حد تعبير ولفنسون‪.‬‬

‫حيوية اللغة العربية‬

‫وبالنظ� � ��ر إلى العربية جندها من بني اللغات احلية‬ ‫التي اس� � ��تطاعت ‪ -‬على الرغم م� � ��ن تعدد صراعها مع‬ ‫اآلخر تارة ومع نفس� � ��ها تارة أخ� � ��رى ‪ -‬احملافظة على‬ ‫صورتها التي انتهت إلينا قبل مبعث اإلس� �ل��ام بقرنني؛‬ ‫فلم تصبها ش� � ��يخوخة قاه� � ��رة تأتي عل� � ��ى ذاكرتها أو‬ ‫تش� � ��وه روحها‪ ،‬فازدادت على طول لياليها جدة وشباباً‬ ‫مس� � ��تمرين‪ ،‬لك� � ��ن ذلك الش� � ��باب أصابه ف� � ��ي مراحل‬ ‫تاريخية مس من الكس� � ��ل واجلمود أبقاه ساكناً سكون‬ ‫اجلمادات‪ ،‬فمنذ عصر النهضة والعقلية العربية تعيش‬ ‫أزمة نفس� � ��ية كبيرة ‪ -‬لم تعش� � ��ها طوال تاريخها‪ ،‬فقد‬ ‫انعدمت الثقة باللسان والعلم العربيني‪.‬‬ ‫ول� � ��م يتوقف األمر عند هذا احلد‪ ،‬بل أخذت العرب‬ ‫في نهاي� � ��ة القرن غفوة عجيبة جعلتهم يحلمون س� � ��ريعاً‬ ‫أحالماً غريبة‪ ،‬فرأوا ف� � ��ي ما يرى النائم لغتهم مهجورة‬ ‫‪28‬‬

‫‪10/16/16 8:13:27 AM‬‬

‫من أهله� � ��ا‪ ،‬ضعيفة أمام اللغات األُ َخ � � � ْر‪ ،‬ومهددة أخيراً‬ ‫بال� � ��زوال واالنقراض‪ ،‬وهذه التخي� �ل��ات هي نتاج عصر‬ ‫الص� � ��راع اللغوي الثقافي الذي خاضته العربية واعية أو‬ ‫غير واعية بعد قرون من الهدوء والسكينة؛ إذ كانت في‬ ‫ماضي الزمان تتفرد بالسلطة السياسية‪ ،‬والقوة اللغوية‪،‬‬ ‫والعظم� � ��ة العلمية‪ ،‬ثم ألفت طارفه� � ��ا وتليدها يتداعيان‬ ‫أمام لغ� � ��ات حديثة امليالد كاإلجنليزية أو الفرنس� � ��ية أو‬ ‫األملانية متك� � ��ن أبناؤها من منحها قوى عظيمة صيرتها‬ ‫ف� � ��ي فترة زمني� � ��ة وجيزة لغات عاملية أخذت باالنتش� � ��ار‬ ‫س� � ��ريعاً من خالل وس� � ��ائل مش� � ��روعة كالعل� � ��م واملعرفة‬ ‫والصناعة واالقتصاد والعمران‪ ،‬وأخرى غير مش� � ��روعة‬ ‫كبعض حركات االستعمار التي تبنت فكرة تغيير ثقافات‬ ‫املجتمعات املس � � �تَ ْعمرة من خالل تغيير ألسنتهم‪ .‬ومهما‬ ‫يكن األمر‪ ،‬فإن العصر احلديث أرغم اللغات جميعاً على‬ ‫الدخول في صراع كريه أو تنافس ش� � ��ريف ‪ -‬س � � � ِّمه ما‬ ‫شئت ‪ ،-‬فلم تعد فكرة اللغة الواحدة هي املسيطرة على‬ ‫املدنيات احلديثة‪ ،‬فما ساد قدمياً ال وجود له اآلن‪.‬‬

‫األنا واآلخر‬

‫وما من شك في أن القول بصراع اللغات‪ ،‬أو بعبارة‬ ‫أقل حدة تنافس اللغ� � ��ات‪ ،‬يعني اعترافاً ضمنياً بوجود‬ ‫(اآلخر) اللغوي مقاب ً‬ ‫ال لـ (األنا)؛ إذ ال صراع إال بوجود‬ ‫متصارع� �ي��ن‪ ،‬وكذلك ال تنافس إال بظهور متنافس� �ي��ن‪،‬‬ ‫وأقط� � ��اب الص� � ��راع متنوع� � ��ة األفكار فه� � ��ي حضارية‪،‬‬ ‫مديني� � ��ة‪ ،‬ثقافي� � ��ة‪ ،‬وأيديولوجية‪ ،‬وبازدي� � ��اد هذا التنوع‬ ‫يزداد الثراء اللغوي؛ وثراء اللغة يعني تطورها وانعتاقها‬ ‫م� � ��ن دوائر الضي� � ��ق إلى الفضاء الفس� � ��يح حيث ملتقى‬ ‫األفكار وتالقحها‪ ،‬فإذا تس� � ��املت ف� � ��ي ما بينها وأفادت‬ ‫الواحدة من األخرى نتج عن ذلك اجتماع بشري سليم‪،‬‬ ‫وإذا تعادت ورأت كل واحدة في األخرى خصماً يضمر‬ ‫طمس� � ��ها واحللول بدال منها أصبحنا أمام متزق بشري‬ ‫علي� � ��ل‪ ،‬وأياً كانت النتيجة فاللغ� � ��ة العظيمة البد لها أن‬ ‫متتحن قدراتها سواء قدرة العطاء لآلخر أم االكتساب‬ ‫منه‪ ،‬أو قدرتها على التفوق ومقارعة اخلصوم‪.‬‬ ‫واللغ� � ��ة ‪ -‬أي لغة ‪ -‬ميكن تقس� � ��يمها معرفياً إلى‬ ‫ثالث� � ��ة أقس� � ��ام ‪ -‬ال رابع له� � ��ا ‪ -‬تتحدد به� � ��ا طبيعتها‬ ‫وضرورتها‪ ،‬وقوتها وضعفه� � ��ا‪ ،‬وبقاؤها وفناؤها‪ :‬األول‬ ‫اللغة تواصل وإب� �ل��اغ‪ ،‬والثاني اللغة أداة العلم‪ ،‬والثالث‬ ‫اللغة علم من العلوم‪ ،‬واللغة التي حتوي هذه األقس� � ��ام‬ ‫العدد ‪ - 696‬نوفمبر ‪2016‬‬

‫‪nov 26-29.indd 28‬‬


‫الكويت عاصمة الثقافة اإلسالمية ‪2016‬‬ ‫الثالثة يص� � ��ح أن نطلق عليها مس� � ��مى (اللغة احلية)؛‬ ‫فتواصل األمة في ما بينها دليل على وجودهم من حيث‬ ‫هم أمة مستقلة‪ ،‬واتخاذها لغتها وسيلة للعلم دليل على‬ ‫اتساعها وش� � ��مولها لكل ما يس� � ��تحدثه العقل‪ ،‬وأخيراً‬ ‫درس� � ��ها من حيث هي علم دليل عل� � ��ى متيز قواعديتها‬ ‫وثرائها بالنصوص الرفيعة من الشعر والنثر‪.‬‬ ‫وحققت العربية هذه الشروط الثالثة‪ ،‬فهي لغة أمة‬ ‫تتواصل في ما بينها بلسان عربي تختلف مستوياته تبعاً‬ ‫الختالف ثقافة املتكلمني‪ ،‬لكنه في النهاية لسان واحد‬ ‫يستخدم احلروف نفس� � ��ها والتراكيب نفسها‪ .‬كما أنها‬ ‫لغة للعلم أثبتت قدرتها على صياغة العلوم في مراحل‬ ‫حضاري� � ��ة س� � ��ابقة‪ ،‬وإن تعرضت ف� � ��ي العصر احلديث‬ ‫جلمود مرده جمود العقل العربي نفس� � ��ه وعدم قدرته‬ ‫على اإلبداع في املج� � ��االت العلمية التطبيقية‪ .‬وأخيراً‬ ‫ف� � ��إن العربي� � ��ة لغة علم أصيل‪ ،‬إذ تق� � ��ف قواعد نحوها‬ ‫وصرفها وداللته� � ��ا وأصواتها وش� � ��عرها ونثرها‪ ،‬تقف‬ ‫جميعاً دالة على عظم هذا العلم العربي وأصالته‪.‬‬ ‫ومما س� � ��بق من إش� � ��ارات يتبني لنا أن العربية من‬ ‫حي� � ��ث هي لغة متتلك صفة العاملية أو الكونية‪ ،‬غير أن‬ ‫هذا التصور قد يكتسب في هذا الزمان صفة تاريخية‬ ‫غير واقعية‪ ،‬ولبيان ذلك البد من طرح هذين السؤالني‪:‬‬ ‫من يحتاج في هذا الزمان إلى تعلم العربية؟ وما سبب‬ ‫احلاجة إليها؟‬ ‫لو طرح هذان الس�� ��ؤاالن في عصر النهضة األوربية‬ ‫لكانت اإلجابة عنهما يسيرة أشد اليسر‪ ،‬ذلك أن العربية‬ ‫في ذلك الزمان كانت لغة العلم واملعرفة‪ ،‬اإلنسانية‪ ،‬فكان‬ ‫الناس على اختالف أعراقهم ومعتقداتهم بحاجة شديدة‬ ‫إل�� ��ى تعلمها وإتقانها‪ ،‬أما في زماننا فالعربية لم تعد لغة‬ ‫العل�� ��م واملعرفة وإمنا اكتفت بأن تكون لغة قوم يتواصلون‬ ‫بها ويدون�� ��ون بحروفها علومهم اخلاصة‪ ،‬ومعنى هذا أن‬ ‫العربي�� ��ة فقدت صفة مهمة من صف�� ��ات اللغات العاملية‪،‬‬ ‫ونقصد بها صفة العلمية العامة التي تلبي حاجات الناس‬ ‫الدنيوية مهما كانت منازعهم العرقية واالعتقادية‪.‬‬ ‫وإذا كان كذل� � ��ك‪ ،‬فإنن� � ��ا ال نس� � ��تطيع أن ننك� � ��ر أن‬ ‫العربية اليوم هي لغة قومية ودينية فحس� � ��ب‪ ،‬واحلاجة‬ ‫إليه� � ��ا تدور رحاها في هات� �ي��ن الدائرتني‪ ،‬فهي لغة أمة‬ ‫تنطق بها وتُعرف بها‪ ،‬وهي لغة ثانية ألمم شتى جمعهم‬ ‫اإلس� �ل��ام وأ َّلف بينهم‪ ،‬ولن جتد أمة تتخذ العربية لغة‬ ‫لها ال تنتمي للعرق العربي أو تدين باإلسالم‪.‬‬ ‫صراع اللغات‬ ‫‪10/16/16 8:13:31 AM‬‬

‫والس� � ��ؤال اآلن‪ :‬هل أثر هذا االنحسار في العربية‬ ‫سلباً؟ ذكرنا سابقاً أن العربية عاشت دهوراً طواالً من‬ ‫غير أن يتغير تش� � ��كيلها األول‪ ،‬ومعن� � ��ى هذا أن اللغات‬ ‫احلي� � ��ة تبقى فيها صفة العاملي� � ��ة مالزمة لها حتى بعد‬ ‫فق� � ��دان بعض صفاتها؛ ذلك أن األم� � ��ة العربية مازالت‬ ‫األمة األولى في العالم الت� � ��ي تتوجه إليها أنظار األمم‬ ‫بوصفها جزءاً م� � ��ن دائرة صراع عاملي قدمي‪/‬جديد لم‬ ‫جتد البشرية وسيلة إلى إنهائه؛ حتى بات من الصعب‬ ‫عل� � ��ى األمم األخرى نفي وجود العربية‪ ،‬إذ هي عندهم‬ ‫حليف ت� � ��ارة وعدو ت� � ��ارة أخرى‪ ،‬وه� � ��ذا يجعلنا نصف‬ ‫العربية وصفاً جديداً فهي قومية ودينية وهي أيضاً لغة‬ ‫سياسية بوصفها طرفا من أطراف الصراع اإلنساني‪،‬‬ ‫وإذا كان كذلك فالتزال العربية حتتفظ بصفة العاملية؛‬ ‫ألن ج� � ��رس أص� � ��وات محموالته� � ��ا القدمية‪/‬املتجددة‬ ‫التزال ‪ -‬بس� � ��بب دميومة الصراع ‪ -‬تثير حفيظة أقوام‬ ‫يأخذهم الغضب كل مأخذ عند سماع جرس أصواتها‬ ‫حتى يجعلوا أصابعهم في آذانهم‪.‬‬ ‫وعلى هذا فإن العربية املعاصرة هي لغة قومية يبلغ‬ ‫تعدادها ثالثمائة مليون‪ ،‬وهي لغة دين يبلغ تعداد أتباعه‬ ‫ملياراً ويزيدون‪ ،‬وهي لغة أمة تواجه مناطقها صراعات‬ ‫سياسية ارتدت أثواباً مختلفة طوال مائة عام من العصر‬ ‫احلديث‪ ،‬وعلى هذا ال يحق لآلخر أن يزدري العربية أو‬ ‫ينتقص من قيمتها املعرفية والثقافية واحلضارية‪ ،‬قال‬ ‫تي� � ��ري إيجلتون‪« :‬واحلق أن الثقاف� � ��ة الغربية ‪ -‬بصرف‬ ‫النظر ع� � ��ن أغالط املش� � ��اركة الوجدانية ه� � ��ذه‪ ،‬تبدي‬ ‫إخفاقاً يس� � ��تحق التوبيخ في تخيل الثقافات األخرى»‪.‬‬ ‫واآلخر قد يصمت عن الكالم في العربية أو ال يصمت‪،‬‬ ‫وف� � ��ي كلتا احلالني على الع� � ��رب أن يحتملوا عبء اللغة‬ ‫الثقيل عليهم‪ ،‬وال س� � ��بيل إلى ذل� � ��ك إال بالعمل الدؤوب‬ ‫من أجل إعادة النظر في طريقة البيان التداولي‪ ،‬ونشر‬ ‫مس� � ��توى لغوي يتفق وحجم التعلي� � ��م الكبير الذي تفخر‬ ‫به ‪ -‬خطأ ‪ -‬الدول العربية دائماً؛ فمن غير املعقول أن‬ ‫تنتشر دور العلم واملعاهد واجلامعات في القطر الواحد‬ ‫ثم نرى حملة الش� � ��هادات أكثر الناس جه ً‬ ‫ال بلغتهم‪ ،‬فال‬ ‫يستطيع الواحد منهم أن يقيم جملة واحدة على رجليها‪.‬‬ ‫كم� � ��ا أن عليهم النظر في طريقة واقعية لدخول العربية‬ ‫في لغات العل� � ��م الطبيعي والتطبيقي‪ ،‬وأخيراً عليهم أن‬ ‫يحافظ� � ��وا على بقية العربية علم � � �اً‪ ،‬وأن يعملوا جادين‬ ‫على إعادة الروح العلمي إليها من جديد >‬ ‫‪29‬‬

‫‪nov 26-29.indd 29‬‬


‫فكر‬

‫الرحلة من «كذبة أبريل» إلى الحاسوب‬ ‫د‪ .‬محمود باكير‬

‫أكادميي من سورية‬

‫م����ن األحداث الطريفة التي تحفل بها أدبيات ما تس����مى «كذبة أبريل»‬ ‫‪ April Fools (Lies) Day‬الت����ي تق����ع ف����ي األول م����ن أبري����ل م����ن كل ع����ام‪ ،‬ما‬ ‫نش����رته الصحيف����ة البريطاني����ة ‪ Evening Star‬في آخر يوم من ش����هر مارس‬ ‫عام ‪1746‬م من أنه س����يقام عرض للحمير في لندن في األول من أبريل؛‬ ‫فتجمع بعض الناس في ذلك اليوم‪ ،‬ولم يشاهدوا إالّ أنفسهم! ويبدو‬ ‫أن هؤالء لم ينتبهوا إلى تصا ُدف الموعد المذكور مع األول من أبريل‪.‬‬

‫الس�� ��ؤال اآلن (وه�� ��ذا ه�� ��و امله�� ��م)‪ :‬ما ه�� ��و املغزى‬ ‫الرياض�� ��ي الذي تنطوي عليه هذه الطرفة؟ أي هل ميكن‬ ‫أن تس�� ��تبطن هذه الطرفة فكرة مهم�� ��ة؟ أو مبعنى آخر‪:‬‬ ‫هل ميكن للرياضيات أن تتصدى لدراسة مثل هذا النوع‬ ‫من الطرف؟ وكيف ميك�� ��ن مقاربتها؟ وما ثمرة كل ذلك؟‬ ‫فالصورة النمطية للرياضيات‪ ,‬عند الناس‪ ,‬هي أنها علم‬ ‫يهتم باألعداد‪ ,‬واألش�� ��كال الهندس�� ��ية‪ ,‬واحلسابات‪ ,‬وما‬ ‫ش�� ��ابه ذلك‪ .‬أما مالمح الرياضي�� ��ات الفكرية‪ ,‬بتركيزها‬ ‫على منحى التفكير املفاهيمي‪ ,‬فال تظهر إ ّال في مراحلها‬ ‫املتقدمة نس�� ��بياً‪ ,‬فض ً‬ ‫ال عن أنها ال تكون دوماً على نحو‬ ‫ظاهر‪ ,‬أو مباشر‪.‬‬ ‫وحال أي من األشخاص املشاركني في هذه احلادثة‬ ‫ال يختل�� ��ف كثيراً ع�� ��ن ذلك الذي ي�� ��ر ّدد القول املعروف‪:‬‬ ‫«التعمي�� ��م لغ�� ��ة احلمقى»‪ .‬ألن م�� ��ا يقوم به م�� ��ر ّدد هذا‬ ‫الق�� ��ول‪ ,‬في واقع األمر‪ ,‬هو «التعمي�� ��م»‪ .‬ألنه عندما يَ ُع ّد‬ ‫أن «التعمي�� ��م لغة احلمقى»‪ ,‬فهو بذلك يضع قاعدة عامة‬ ‫مفادها‪ ,‬أن لغة احلمقى ه�� ��ي التعميم‪ .‬وهو بذلك يع ّمم‬ ‫من غير أن يشعر بذلك‪ ,‬وكأن لسان حاله يقول عن نفسه‬ ‫إنه أحمق‪.‬‬ ‫يق�� ��ول الرياض�� ��ي البريطان�� ��ي غودف�� ��ري ه�� ��اردي‬ ‫‪30‬‬

‫‪10/16/16 8:14:13 AM‬‬

‫‪« :G.Hardy‬إ ّن الرياضي�� ��ات البحت�� ��ة هي دراس�� ��ة كيف‬ ‫يجب أن يفكر اإلنس�� ��ان كي يحصل على نتائج صحيحة‪،‬‬ ‫وه�� ��ي ال تأخذ في احلس�� ��بان الضعف اإلنس�� ��اني»‪ .‬كما‬ ‫يق� � ��ول الرياضي البريطاني املعاصر إيان س� � ��تيوارت ‪Ian‬‬ ‫‪« :Stewart‬إ ّن الرياضيات أكث�� ��ر طريقة فعالة وموثوقة‪,‬‬ ‫نعرفها حت�� ��ى اآلن من أجل فهم ما ن�� ��راه حولنا»‪ .‬ولهذا‬ ‫من املمكن أن تضطلع الرياضيات مبهمة ترييض (نسبة‬ ‫إلى الرياضيات) عديد من القضايا اإلنسانية البسيطة‪,‬‬ ‫أو املعقدة على حد س�� ��واء‪ .‬وما نعنيه ‪ -‬ببس�� ��اطة ‪ -‬هو‬ ‫اس�� ��تخدام الرياضي�� ��ات‪ ،‬في التعبير عن بعض املس�� ��ائل‬ ‫الفكري�� ��ة‪ ،‬أو اللغوية الش�� ��ائكة‪ ,‬أو غيرها‪ ,‬بغية حتليلها‪,‬‬ ‫لفهم طبيعتها‪ ,‬واس�� ��تنباط حلولها املثلى‪ ,‬إن أمكن ذلك‪.‬‬ ‫وفض ً‬ ‫ال عن كل ما تقدم‪ ,‬فإ ّن املنهج الرياضي في التفكير‬ ‫هو اقتصادي ف�� ��ي طبيعته‪ ،‬ألن تعريف الرياضيات‪ ,‬وفق‬ ‫رأي الرياضي والفيلس�� ��وف الفرنس�� ��ي هنري بوانكاريه‬ ‫‪ H.Poincare‬ه�� ��ي‪« :‬ف�� ��ن إعطاء االس�� ��م ذاته ألش�� ��ياء‬ ‫مختلفة»‪ .‬وهذا هو ه�� ��دف العلم بعينه‪ ،‬إذ إن العلم‪ ،‬كما‬ ‫يصفه بعضهم‪ ،‬اقتصاد في التفكير‪.‬‬ ‫وم�� ��ن الناحي�� ��ة الصوري�� ��ة (الش�� ��كلية) باملعن�� ��ى‬ ‫االصطالحي للكلمة‪ ,‬فإن ثمة تطابقاً بني الطرفة والقول‪,‬‬ ‫العدد ‪ - 696‬نوفمبر ‪2016‬‬

‫‪nov 30-33.indd 30‬‬


‫الكويت عاصمة الثقافة اإلسالمية ‪2016‬‬ ‫بغ�� � ِّ‬ ‫�ض النظر عن اختالف الس�� ��ياقني‪ .‬أو‬ ‫بصيغة أخرى‪ ,‬ف�� ��إن «العالقة» التي تربط‬ ‫أط�� ��راف كل منهما‪ ,‬على ح�� ��دة‪ ,‬هي ذاتها‬ ‫ف�� ��ي احلالتني‪ .‬إضافة إل�� ��ى ذلك‪ ,‬فإن ك ً‬ ‫ال‬ ‫منهما تعوزه «األناق�� ��ة املنطقية»‪ ,‬ملا فيهما‬ ‫م�� ��ن تناقض في بنيتيهم�� ��ا‪ .‬وأي من هاتني‬ ‫احلادثتني تعبير‪ ,‬غير مباشر‪ ,‬عما يسمى‬ ‫في األدبيات الرياضي�� ��ة «مح ّيرة الكذاب»‬ ‫‪ ,Liar Paradox‬الت�� ��ي تع�� ��ود إل�� ��ى القرن‬ ‫الراب�� ��ع قبل امليالد‪ ,‬حيث كان الفيلس�� ��وف‬ ‫‪Eubulides‬‬ ‫اإلغريق�� ��ي إبيولي�� ��دس‬ ‫يقول‪« :‬إن العبارة التي أقولها اآلن كاذبة»‪.‬‬ ‫وبإمع�� ��ان النظر في هذا الق�� ��ول جند أنه‬ ‫ال ميك�� ��ن اإلنب�� ��اء بصدق�� ��ه‪ ,‬أو بكذبه‪ ,‬ملا‬ ‫ينطوي عليه من تناقض‪ .‬ورمبا كانت أقدم‬ ‫مح ّي�� ��رة مت تناقلها هي ما طرحه إبيمندس‬ ‫‪( Epimenides‬فيلس�� ��وف من جزيرة كريت‬ ‫عاش في القرن الس�� ��ادس قب�� ��ل امليالد)‪,‬‬ ‫حيث يق�� ��ول‪« :‬إن جمي�� ��ع الكريتيني دائماً‬ ‫يكذبون»‪ .‬كذلك جند أن هذا القول ينطوي‬ ‫على تناقض (محي�� ��رة)‪ ,‬ألن قائله كريتي‪,‬‬ ‫فال نس�� ��تطيع البت بصح�� ��ة القول‪ ,‬أو بخطئ�� ��ه‪ .‬وملزيد‬ ‫من التوضيح نس�� ��تعرض القول ال� � ��ذي ير ّدده بعضهم من‬ ‫أن‪« :‬ح��ل��اق القرية يحلق جلميع رج�� ��ال القرية الذين ال‬ ‫يحلقون ألنفس�� ��هم»‪ .‬إذ ال نستطيع تبيان صحة القول‪ ,‬أو‬ ‫خطئه‪ ،‬ألنه في جوهره متناقض‪.‬‬

‫مبدأ عدم التناقض‬

‫وخالصة القول‪ ,‬جند أنفسنا في كل األمثلة الواردة‬ ‫آنفاً في حالة صدام مع قانون «عدم التناقض»‪Law of ،‬‬ ‫‪ ،Non-contradiction‬وهو أحد قوانني الفكر األساسية‪،‬‬ ‫أو ما يطلق عليه أحياناً «مبدأ عدم التناقض»‪ ،‬وهو أحد‬ ‫املب�� ��ادئ العامة للمنطق االس�� ��تداللي‪ .‬وهذه املبادئ هي‬ ‫القواع�� ��د التي يجب أن يلتزمها التفكير في اس�� ��تدالله‪،‬‬ ‫كي يتجنب الوق�� ��وع في اخلطأ‪ .‬وينص هذا القانون على‬ ‫أ ّن‪« :‬القضية ق ليس�� ��ت ال ق»‪ ،‬أو بعبارة أخرى‪« ,‬القضية‬ ‫ق ليست نفي ق»‪ .‬أي ال ميكن أن تكون القضية ق ونفيها‬ ‫ف�� ��ي آن واحد‪ .‬ويعني هذا أ ّن النقيضني ال يصدقان معاً‪.‬‬ ‫ف�� ��إذا أثبتنا صح�� ��ة قضية ما‪ ،‬فال ميك�� ��ن أن ننفيها في‬ ‫الرحلة من «كذبة أبريل» إلى احلاسوب‬ ‫‪10/16/16 8:14:17 AM‬‬

‫الوقت نفس�� ��ه‪ .‬ومن اجلدير بالذكر أن املناطقة مييزون‬ ‫بني املتناقض��ي��ن‪ ,‬والضدين‪ .‬فالنقيض نفي للقضية‪ ،‬في‬ ‫ح��ي��ن أ ّن الضد مقابلها‪ .‬فإذا قلن�� ��ا‪« :‬كل كريتي يكذب»‪،‬‬ ‫كان نفيها «ليس صحيحاً أ ّن كل كريتي يكذب»؛ مبعنى أ ّن‬ ‫ث ّمة كريتيني ال يكذبون‪ .‬في حني أ ّن ضدها هو «ال يوجد‬ ‫كريتي يكذب»‪.‬‬ ‫ّ‬ ‫وصفوة ال�� ��كالم أنه ال ميكن حتق�� ��ق اجلملة‪ ,‬وعدم‬ ‫حتققها‪ ,‬على نحو متزامن‪ ,‬وفق ما يقتضيه قانون عــــدم‬ ‫التناق�� ��ض‪ .‬واخلي�� ��ار الوحيد الذي ال من�� ��اص منه – من‬ ‫وجهة نظر املنطــــق – هو أ ّن تلك العبارات‪ ,‬أو «اجلمل»‪,‬‬ ‫ليست جم ً‬ ‫ال‪ .‬وإذا أمعنا النظر فيها جند أ ّن اخللل يكمن‬ ‫ باختصار ‪ -‬في أ ّنها تتسم مبا يسمى «النسبة الذاتية»‬‫‪ .Self-reference‬فالقائ�� ��ل يص ِّرح بأ ّنه يكذب‪ ،‬أي وضع‬ ‫نفس�� ��ه ضمن عداد الكذابني‪ ،‬ونحن نتساءل عن صدقه‬ ‫وكذب�� ��ه؛ والكريت�� ��ي يتحدث ع�� ��ن الكريتي��ي��ن وهو منهم؛‬ ‫واحلالق يحلق جلميع أفراد القرية وهو فرد منهم؛ وندين‬ ‫التعمي�� ��م من خالل وضع تعميم‪ .‬وإذا توخينا الدقة‪ ,‬فإنه‬ ‫ال يصح ألي مجموعة من األش�� ��ياء‪ ،‬أن تتضمن عناصر‪،‬‬ ‫‪31‬‬

‫‪nov 30-33.indd 31‬‬


‫ال ميك�� ��ن تعريفها إال اعتماداً على املجموعة نفس�� ��ها‪ ،‬أو‬ ‫أن تتضمن عناصر تستخدم هذه املجموعة‪ ,‬أو تفرضها‬ ‫مسبقاً‪ .‬ويُعتقد بأن أول من أشار إلى طبيعة هذا اخللل‬ ‫في أدبي�� ��ات املنطق هو الرياضي بوانكاريه‪ .‬ويش�� ��خّ ص‬ ‫بعض الرياضيني احمليرات املنطقي�� ��ة‪ ,‬والرياضية‪ ,‬على‬ ‫أ ّنها حقيقة تقف على رأسها كي جتذب االنتباه إليها‪.‬‬

‫احمل ّيرات‬

‫وبع�� ��د معرفة س�� ��بب اخللل نس�� ��تطيع توليد العديد‬ ‫م�� ��ن األمثلة (احمليرات) على ذل�� ��ك النحو‪ .‬لنأخذ‪ ،‬مث ً‬ ‫ال‪،‬‬ ‫العب�� ��ارة املعروفة «ل�� ��كل قاعدة اس�� ��تثناء»‪ ،‬جند أ ّن هذه‬ ‫اجلملة نفس�� ��ها تس�� ��ن قاعدة‪ .‬فإذا ط ّبقناها ‪-‬كقاعدة ‪-‬‬ ‫على نفس�� ��ها‪ ,‬فيج�� ��ب أن يكون لها اس�� ��تثناء‪ .‬ومن ث ّم ال‬ ‫يصح أن نع ّمم ونس�� ��تخدم كلمة «ل�� ��كل» في هذه القاعدة‬ ‫(اجلمل�� ��ة)؛ لذلك فنحن أمام مح ّي�� ��رة أخرى من النمط‬ ‫الس�� ��ابق نفس�� ��ه‪ .‬وس�� ��بب ذلك هو أ ّن القول يتحدث عن‬ ‫القواعد‪ ,‬وهو «قاعدة» بحد ذاته‪.‬‬ ‫وهذا النوع من اجلمل يسمى في املنطق جم ً‬ ‫ال ذاتية‬ ‫املرجعية (النسبة) ‪ ,self-referentional sentences‬أي‬ ‫إنها عبارات تُنسب لنفسها‪ .‬وهي تثير عديداً من القضايا‬ ‫اإلش�� ��كالية‪ ,‬وخاصة في املجال السياسي‪ .‬فمث ً‬ ‫ال ‪ -‬على‬ ‫س�� ��بيل الذكر ال احلصر ‪ -‬عندما تك ّرر إس�� ��رائيل قولها‬ ‫للعرب‪« :‬إ ّن كل شيء قابل للتفاوض‪ ،‬وال يحق ألي طرف‬ ‫أن يضع ش�� ��روطاً مسبقة للتفاوض»؛ فهي بذلك أول من‬ ‫خرق هذه القاعدة‪ .‬فقد وضعت شرطاً مسبقاً للتفاوض‪,‬‬ ‫وهو أ ّنه‪ :‬اليحق ألي طرف أن يضع ش�� ��رطاً مسبقاً‪ ،‬على‬ ‫الرغم م�� ��ن أ ّنها أحد األطراف‪ .‬وه�� ��ي بذلك قد أوقعت‬ ‫نفسها في مطب التناقض الذاتي‪ .‬كذلك عندما ص ّرحت‬ ‫رئيسة وزراء بريطانيا السابقة مارجريت ثاتشر مبناسبة‬ ‫إحدى القضايا السياسية اخلالفية في ثمانينيات القرن‬ ‫املاضي بأنه� � ��ا‪« :‬مطلقاً ال تقول مطلق � � �اً» (‪I never say‬‬ ‫‪ ,)never‬فهي لم تشعر بأن اجلملة ذاتها تناقض نفسها؛‬ ‫فقد اس�� ��تخدمت كلمة «مطلقاً» في نفي أنها لن تستخدم‬ ‫أبداً كلمة مطلقاً‪ .‬ومن الروح نفسها نستطيع أن نقول إنه‬ ‫يجب أال نفاوض على «كيفية التفاوض»‪ ,‬وإ ّال س�� ��نتحول‬ ‫إل�� ��ى حال�� ��ة اجلمل ذاتي�� ��ة املرجعي�� ��ة‪ .‬أو بصيغة أخرى‪,‬‬ ‫ستكون هذه عندها ذات س�� ��يرورة غير منتهية؛ ألن هذا‬ ‫يقتض�� ��ي بأن نفاوض على؛ كيف يج�� ��ب أن نفاوض على‬ ‫كي�� ��ف نفاوض‪ ,‬وه�� ��ذا ال نهاية له‪ .‬كم�� ��ا أن الفكرة ذاتها‬ ‫‪32‬‬

‫‪10/16/16 8:14:19 AM‬‬

‫تثير عديداً من القضايا اإلش�� ��كالية في بعض املجاالت‪,‬‬ ‫منها‪ ,‬مث ً‬ ‫ال‪ ,‬من يضمن «جودة» وكاالت ضمان اجلودة في‬ ‫التعليم العالي؟ وقد استشعر الشيخ األكبر محيي الدين‬ ‫بن عربي (‪1240 - 1164‬م) إش�� ��كالية هذه الفكرة (ذاتية‬ ‫املرجع) منذ وقت مبكر‪ ,‬ولو على نحو جنيني‪ ,‬حيث كان‬ ‫يؤم�� ��ن بأنه ما من أحد يقدر عل�� ��ى تعريف «حق احلق»‪,‬‬ ‫وفق ما يقوله أيان أملوند في كتابه «التصوف والتفكيك‪-‬‬ ‫درس مق�� ��ارن بني ابن عرب�� ��ي ودريدا»‪ .‬كم�� ��ا كانت هذه‬ ‫الفك�� ��رة املطب الذي وقع فيه املفكر املغربي محمد عابد‬ ‫اجلابري في كتابه «في نقد احلاجة إلى اإلصالح»؛ وعلى‬ ‫نحو خاص في املوضوع امل ُ َعن�� ��ون «فكرة عن اإلصالح‪...‬‬ ‫في حاجة إلى إصالح!»‪ .‬فقد كانت خالصة الكتاب هي‬ ‫أن موض�� ��وع اإلصالح في العالم العرب�� ��ي في حاجة إلى‬ ‫اإلصالح‪ ,‬وهذا ما ح�� ��اول القيام به في كتابه‪ .‬ولكن من‬ ‫يضمن أن محاولة إصالح «موضوع اإلصالح» في العالم‬ ‫العرب�� ��ي‪ ,‬ال حتتاج أيضاً إلى إصالح؟ أي إنها تنتهي عند‬ ‫هذا احلد‪.‬‬

‫معضلة الدميقراطية الكبرى‬

‫واحمل ّيرة (املعضلة) الكب�� ��رى في هذا املجال ما ورد‬ ‫ف�� ��ي املادة ‪ 108‬من ميثاق األمم املتح�� ��دة‪ ,‬التي تُ َعد كلمة‬ ‫السر في سبب غياب الدميقراطية الدولية (العاملية) على‬ ‫املس�� ��رح العاملي‪ .‬فقد ورد أنه كي يت�� ��م إلغاء حق النقض‬ ‫(‪ ,)veto‬ف�� ��ي التصويت‪ ,‬لألعض�� ��اء الدائمني في مجلس‬ ‫األمن‪ ،‬يجب احلصول عل موافق�� ��ة ثلثي األعضاء‪ ,‬ومن‬ ‫ضمنهم أصحاب هذا احل�� ��ق‪ ،‬حيث تنص املادة املذكورة‬ ‫على أن‪« :‬التعديالت التي تدخل على هذا امليثاق تس�� ��ري‬ ‫عل�� ��ى جميع أعضاء األمم املتح�� ��دة إذا صدرت مبوافقة‬ ‫ثلثي أعضاء اجلمعية العام�� ��ة وص َّدق عليها ثلثا أعضاء‬ ‫األمم املتح�� ��دة ومن بينهم جمي�� ��ع أعضاء مجلس األمن‪,‬‬ ‫وفقاً لألوضاع الدس�� ��تورية ف�� ��ي كل دولة»‪( .‬انظر‪ :‬موقع‬ ‫األمم املتح�� ��ددة ‪ .)www.un.org‬أي إن موافق�� ��ة الثلثني‬ ‫شرط الزم للتعديل‪ ,‬وموافقة أعضاء مجلس األمن (ومن‬ ‫ضمنهم األعضاء الدائمون) هي الش�� ��رط الكافي‪ .‬وكأن‬ ‫لس�� ��ان حالهم يقول‪ :‬إنهم ميلكون حق النقض على تعديل‬ ‫أي ش�� ��يء‪ ,‬ومن ضمنه متتعهم بحق النقض‪ .‬أي إن هذا‬ ‫احلق أبدي غير قابل للتغيير إال مبوافقتهم‪ .‬وهذا يذ ّكرنا‬ ‫بأحد الس��ل��اطني القدماء عندما أصدر «فرماناً» (قراراً‬ ‫سلطانياً) يقول فيه‪ :‬إنه أذكى شخص في العالم‪ .‬وعندما‬ ‫العدد ‪ - 696‬نوفمبر ‪2016‬‬

‫‪nov 30-33.indd 32‬‬


‫الكويت عاصمة الثقافة اإلسالمية ‪2016‬‬ ‫ُسئِل عن سبب ذكائه‪ ,‬أجاب ألن هناك فرماناً ينص على‬ ‫ذل�� ��ك! يذكر أن هذه اجلمل (ذاتي�� ��ة املرجعية) ميكن أن‬ ‫تكون مادة للتهكم‪ .‬فمن املعروف أن الفيلسوف اإلغريقي‬ ‫س�� ��قراط (ولد نحو‪ 470‬ق‪ .‬م) اشتهر بني الناس بتهكمه‪,‬‬ ‫وقد نقل عنه الفيلس�� ��وف واملنطق�� ��ي اإلجنليزي برتراند‬ ‫رس�� ��ل ‪ B.Russell‬في كتابه «حكمة الغ�� ��رب» قوله‪« :‬إنه‬ ‫ال يعرف س�� ��وى أنه ال يعرف ش�� ��يئاً»‪ ,‬فإنه يكون في ذلك‬ ‫متهكماً (أو مهوناً من شأن نفسه)‪ .‬وهذه هي حال القول‬ ‫التهكمي املعروف بأن «العرب اتفقوا على أال يتفقوا»‪.‬‬ ‫فض��ل � ً‬ ‫ا ع�� ��ن ذلك‪ ,‬فم�� ��ن ه�� ��ذه األف�� ��كار كان ميتح‬ ‫املنطقي األمريكي املعاصر راميوند س� � ��مليان ‪Raymond‬‬ ‫‪ Smullyan‬م�� ��ادة كتابه املع�� ��روف في األلغ�� ��از املنطقية‬ ‫امل ُ َعنون‪« :‬ما هو اسم هذا الكتاب؟» ‪What is The Name‬‬ ‫‪?of This Book‬‬ ‫وختم كتابه بقوله‪« :‬أوه‪ ,‬شيء أخير قبل أن أنسى‪ :‬ما‬ ‫هو اس�� ��م هذا الكتاب؟ حسناً‪ ,‬اسم هذا الكتاب هو‪« :‬ما‬ ‫هو اسم هذا الكتاب؟»‪.‬‬ ‫وق�� ��د كان�� ��ت أدبيات «محي�� ��رة الك�� ��ذاب» اإلرهاص‬ ‫ال�� ��ذي أدى إل�� ��ى والدة نظري�� ��ة «مبرهنت�� ��ي الالمت�� ��ام‬ ‫‪ »Incompleteness Theorems‬للمنطق�� ��ي النمس�� ��اوي‬ ‫ك�� ��ورت غ�� ��ودل ‪ Kurt Godel‬في الفت�� ��رة (‪)1931-1930‬‬ ‫الت�� ��ي كانت جزءاً من بحثه للدكت�� ��وراه في جامعة فيينا؛‬ ‫والتي كانت خالصتها‪ ,‬وف�� ��ق ما يورده جون ماكليش في‬ ‫كتاب�� ��ه «العدد‪ ...‬م�� ��ن احلضارات القدمي�� ��ة حتى عصر‬ ‫الكومبيوت�� ��ر» أن‪« :‬الرياضيات‪ ,‬كعل�� ��م‪ ,‬ال ميكن أن يكون‬ ‫خالياً متام� � �اً من التناقضات‪ ,‬وأن يك�� ��ون كام ً‬ ‫ال متاماً»‪.‬‬ ‫وقد أتت هذه النظرية بعد ما طرح برتراند رسل تناقضه‬ ‫املعروف عام ‪ 1902‬بُع َي�� ��د والدة نظرية املجموعات على‬ ‫ي�� ��د الرياضي جورج كانتور ‪( G.Cantor‬يتحدر أصله من‬ ‫الدمنارك‪ ,‬وولد في روس�� ��يا‪ ,‬وقض�� ��ى معظم حياته في‬ ‫أملانيا)‪ ,‬الت�� ��ي أثارت كثيراً من اجلدل‪ ,‬واالنقس�� ��ام‪ ,‬بني‬ ‫معاصريه م�� ��ن الرياضيني‪ ،‬حيث كان تناقضه تعبيراً عن‬ ‫الصيغة الرياضية حمليرة الكذاب‪.‬‬

‫آلة تورينغ‬

‫ويصعب اس�� ��تعراض النتائج العلمية‪ ,‬والفكرية‪ ,‬لهذا‬ ‫الفتح العلمي الكبير ف�� ��ي هذا املقال‪ .‬بيد أنه من أهمها‬ ‫املقالة الت�� ��ي كتبها الرياضي واملنطق�� ��ي البريطاني آالن‬ ‫تورين�� ��غ ‪ Alan Turing‬عام ‪ 1936‬الت�� ��ي كانت نتيجة‪ ,‬أو‬ ‫الرحلة من «كذبة أبريل» إلى احلاسوب‬ ‫‪10/16/16 8:14:21 AM‬‬

‫محاولة صوغ جديدة‪ ,‬لنظري�� ��ة غودل‪ .‬يضيف ماكليش‪:‬‬ ‫«ولم يك�� ��ن ما وجده تورين�� ��غ مثيراً لالهتم�� ��ام على نحو‬ ‫خ�� ��ارق للعادة إال رمبا لعلم�� ��اء الرياضيات»‪ .‬وقد تُ ّوج كل‬ ‫ذلك مبا أضحى يس� � ��مى «آلة تورينغ» ‪Turing Machine‬‬ ‫في أدبيات علوم احلاس�� ��وب ‪ ,Computer Science‬وفي‬ ‫فلسفة العقل‪ .‬وهي ليست آلة باملعنى احلرفي للكلمة‪ ,‬بل‬ ‫هي تصور رياضي مجرد‪ ,‬وفق ما يقول جون ر‪.‬سيرل في‬ ‫كتابه «فلس�� ��فة العقل‪ ...‬مدخل موجز»‪ .‬و يقول ماكليش‬ ‫عن ه�� ��ذه اآللة‪« :‬إن الصفة األساس�� ��ية التي تتصف بها‬ ‫آلة تورينغ هي أنه�� ��ا ال تعالج فقط األعداد‪ ,‬ولكن ميكن‬ ‫توسيع عملها ليشمل كل ما ميكن للبشر أن يفعلوه»‪ .‬وقد‬ ‫تابع تورينغ عمله فصمم أول حاس�� ��وب إلكتروني عندما‬ ‫كان يعمل في مانشس�� ��تر‪ ،‬وسميت هذه اآللة ‪ ,Ace‬وذلك‬ ‫في نهاية األربعينيات من القرن املاضي‪ .‬ويكفي اإلشارة‬ ‫إلى أهمية هذه اآللة‪ ,‬حيث إن احلاس�� ��وب عبارة عن آلة‬ ‫تورينغ‪ .‬ومن املفيد اإلش�� ��ارة إلى أن علماء الرياضيات‪,‬‬ ‫عادة‪ ,‬ال يُفصحون عن األس�� ��باب التي ألهمتهم بأعمالهم‬ ‫الفذة‪ ,‬ومع ذلك‪ ,‬فقد قال غودل مرة للفيلسوف األمريكي‬ ‫(الصين�� ��ي األصل) هاو وان�� ��غ ‪« :Hao Wang‬إن ما ألهمه‬ ‫لنظريته هو إدراكه أن�� ��ه ال ميكن وصف «احلقيقة» على‬ ‫نحو منته»‪ .‬يذكر أن «محيرة الكذاب» البسيطة (أحادية‬ ‫البعد) الواردة آنفاً‪ ,‬واحمليرة ثنائية البعد (كما في احمليرة‬ ‫الت� � ��ي طرحها الرياضي البريطان� � ��ي جورج بول ‪Goerge‬‬ ‫‪ Boole‬التالية‪« :‬س�� ��قراط‪ :‬ما سوف يقوله أفالطون اآلن‬ ‫خاطئ‪ .‬أفالطون‪ :‬ما قاله س�� ��قراط قبل قليل صحيح»)‪,‬‬ ‫وغيره�� ��ا‪ ,‬أضح�� ��ت موضوعاً دراس�� ��ياً ف�� ��ي العديد من‬ ‫األقس�� ��ام العلمية في بعض اجلامع�� ��ات املتقدمة املعنية‬ ‫بعل�� ��م الداللة ‪( Semantics‬فرع من اللس�� ��انيات واملنطق‬ ‫يهتم بدراس�� ��ة املعنى في اللغات)‪ .‬ولها تطبيقات عملية‪,‬‬ ‫منها دراس�� ��ة بعض تقارير العمالء ف�� ��ي وكالة املخابرات‬ ‫املركزي�� ��ة (‪ .)CIA‬وم�� ��ن أبرز ه�� ��ؤالء الباحثني األمريكي‬ ‫املعاصر باتريك غرمي ‪(Patrick Grim‬األستاذ في جامعة‬ ‫‪)State University of New York at Stony Brook‬الذي‬ ‫نشر أبحاثاً عدة حول هذا املوضوع‪.‬‬ ‫وفي اخلتام نطرح احمل ّيرة التالية‪ :‬إذا أشار أحدهم‬ ‫إلى أمر ما بأنه بديهي‪ ,‬وال يحتاج إلى الش�� ��رح‪ ,‬وسألناه‪:‬‬ ‫ما معنى «بديهي»؟ وكأننا نقول‪ :‬هل معنى كلمة «بديهي»‬ ‫بديه�� ��ي؟ فتصعب اإلجابة عن هذا الس�� ��ؤال كونه تنطبق‬ ‫عليه احلالة السابقة من «ذاتية املرجع» >‬ ‫‪33‬‬

‫‪nov 30-33.indd 33‬‬


‫قــالـوا‬

‫< الروائي ال يكتب التاريخ في ش� � ��كل مباشر‪ ،‬لكن‬ ‫التاريخ يكون دائماً هو خلفية الصورة‪ ،‬أو املس� � ��رح‬ ‫ال� � ��ذي تدور علي� � ��ه األحداث‬ ‫أو املوس� � ��يقى التي تعبر عن‬ ‫عمق املوق� � ��ف‪ .‬الروائي ليس‬ ‫مؤرخاً‪ ،‬لكنه املعبر احلقيقي‬ ‫عن اإلنس� � ��ان في اللحظات‬ ‫التاريخي� � ��ة‪ ،‬وع� � ��ن م� � ��دى‬ ‫انتصاره أو انسحاقه‪.‬‬ ‫جار النبي احللو‪،‬‬ ‫كاتب وروائي من مصر‬ ‫< أريد ش������خصاً يق������ول للجماع������ات اإلرهابية‬ ‫إن اإلره������اب لن يجدي‪ ،‬ول������ن يُكا َفأ‪ ،‬ولن يُغض‬ ‫ُ‬ ‫الطرف عنه‪ ،‬وال عن حاضنيه‪ ،‬ال في أمريكا وال‬ ‫في أي مكـــان‪.‬‬ ‫هذه ه������ي الطريقــــ������ة الوحــــي������دة للوصول إلى‬ ‫الدميقراطية‪ ...‬أن يسمع العوام خطاباً مباشراً‬ ‫ع������ن حقيقة م������ا ي������راه العالم فين������ا‪ ...‬أن يفهم‬ ‫اإلسالميون أن ال دميقراطية إال بالدميقراطية‪،‬‬ ‫بكل ما تعني الكلمة‪.‬‬ ‫خالد البري‪،‬‬ ‫كاتب من مصر‪.‬‬ ‫< إن مب� � ��دع العم� � ��ل الفن� � ��ي فريد ال يح � � � ّل محلّه‬ ‫أحد‪ .‬أما من يقوم باالكتش� � ��اف فيمكن اس� � ��تبداله‪،‬‬ ‫فعالم الفيزياء يليه عال� � ��م فيزياء آخر‪ ،‬بينما يـظل‬ ‫غـوستـاف فلوبـيـر متفـرداً‪ ،‬فـلو لم يـوجد ملا وجدت‬ ‫مدام بوف� � ��اري‪ ،‬ولو لم يوجد‬ ‫موتس� � ��ارت ملا وج� � ��دت أوبرا‬ ‫املزم� � ��ار الس� � ��حري‪ ،...‬ولوال‬ ‫هيرم� � ��ن ميلف� � ��ل مل� � ��ا حت ّول‬ ‫«احلوت» إلى أسطورة‪.‬‬ ‫فرنسوا جاكوب‪،‬‬ ‫عالم من فرنسا‬ ‫‪34‬‬

‫‪10/10/16 8:47:31 AM‬‬

‫< ملاذا تف ّوق املغرب فــــــي الـــــدراسات النقدية؟‬ ‫ألن املغاربة لم يتورطوا في اإلشكاالت املشرقية‬ ‫التي ظلت تربط تاريخ األدب بالتاريخ السياسي‬ ‫منذ جرجي زيدان حتى حنا الفاخوري وش������وقي‬ ‫ضيف‪ ،‬ول������م يحتالوا على املناهج النقدية بذلك‬ ‫اإلع���ل��اء النرجس������ي من ش������أن موهب������ة الناقد‬ ‫وثقـافت������ه لتبرير انطباعيته وحت������رره من القيود‬ ‫املنهجية‪.‬‬ ‫النق������اد املغاربة كانوا أكثر جدي������ة وصرامة في‬ ‫تعاملهم مع املناهج‪.‬‬ ‫ياسني عدنان‪،‬‬ ‫شاعر وكاتب من املغرب‬ ‫< من اخلطأ االعتقاد بأن الفلسفة اختراع أوربي‬ ‫أوجدته املعجزة اليونانية‪ ،‬فاملمارس������ة الفلسفية‬ ‫غرس������ت في جسد اإلنسان انطالقاً من اللحظة‬ ‫التي دفن فيها موتاه‪ ،‬وتساءل حول معنى احلياة‬ ‫وز َّين األضرحة باألعمال الفنية‪ .‬جميع الثقافات‬ ‫مبا فيها الثقافات الشفهية‪،‬‬ ‫لها حظه������ا من هذه القدرة‬ ‫الفلس������فية اخلالصة‪ ،‬التي‬ ‫تخولها اتخاذ املس������افة من‬ ‫تراثها وإخضاعه للنقد‪.‬‬ ‫سليمان بشير ديان‪،‬‬ ‫فيلسوف من السنغال‬ ‫< لو لــــم يُصـــدر اخلميــــني فتــــواه الش������هــــيرة‬ ‫ضد س������لمــــان رش������ـــدي هــــل كـــ������ان صاحــــب‬ ‫«أطفال منتصــــف اللــــيل» ليتمــــتع مبــــا يحـــــظى‬ ‫إن كـــــتّاباً كباراً‬ ‫به اآلن من شهرة ورواج؟ حـــــتـــماً ّ‬ ‫يحس������دون رش������دي على «هدية» اخلميني التي‬ ‫بدت أكبر كثيراً من جائزة نوبـــل وشهرتها‪.‬‬ ‫عبده وازن‪،‬‬ ‫كاتب وشاعر من لبنان‬ ‫العدد ‪ - 696‬نوفمبر ‪2016‬‬

‫‪nov 34-35.indd 34‬‬


‫الكويت عاصمة الثقافة اإلسالمية ‪2016‬‬

‫< أي كتابة تترك أثراً في املتلقي ال بد أن تكون‬ ‫نتاج جتربة حياة‪ .‬واملقصود بتجربة حياة ليست‬ ‫التجرب������ة الذاتية‪ ،‬ولكن معايش������ة الناس‪ ،‬ومتثل‬ ‫أحالمه������م وهمومهم وآالمهم‪ ،‬فه������ذا يعني على‬ ‫الكتابة‪ ،‬فكيف أمتثل ما يشغلهم ويسكن فكرهم‬ ‫دون أن أعايشهم؟! الكتابة‬ ‫بالفع������ل تعبي������ ٌر عن جتربة‬ ‫إنسانية كلما استطاعت أن‬ ‫تعبر ع������ن التجربة بصدق‪،‬‬ ‫ومعيار الصدق هو التأثير‬ ‫في املتلقي‪.‬‬ ‫سلوى بكر‪،‬‬ ‫روائية من مصر‬ ‫أحب الطريقة التي تعمل بها العقول الفلسف ّية‪،‬‬ ‫<‬ ‫ّ‬ ‫حيث الد ّق� � ��ة واالنضباط والصرام� � ��ة التحليل ّية‪،‬‬ ‫وأ ّنه ألم ٌر في غاية اإلمتاع لي أن أكون محس� � ��وب ًة‬ ‫أي جماعة بشر ّية‬ ‫على املجتمع‬ ‫الفلسفي أكثر من ّ‬ ‫ّ‬ ‫رأيت في املس� � ��اءالت الفلس� � ��ف ّية‬ ‫ولطاملا‬ ‫أخ� � ��رى‪،‬‬ ‫ُ‬ ‫منطاً ش� � ��بيهاً‬ ‫مبدى من الت� � ��ر ّددات الصوت ّية التي‬ ‫ً‬ ‫ّ‬ ‫ٍ‬ ‫ال يستطيع التقاطها سوى قلة من الناس‪ ،‬وبالنسبة‬ ‫ٍ‬ ‫مرموق يتكلّم هو مبنزلة‬ ‫فيلسوف‬ ‫فإن س� � ��ماع‬ ‫ٍ‬ ‫إلي ّ‬ ‫االستماع إلى موسيقى رائعة‪.‬‬ ‫ربيكا جولدشتاين‪،‬‬ ‫روائية من أمريكا‬ ‫< ال أس������تطيع أن أقول إن التاريخ يعيد نفس������ه‪،‬‬ ‫بل البشر يعيدون األخطاء‬ ‫نفس������ها‪ ،‬ألنن������ي على يقني‬ ‫من أن اإلنس������ان هو الكائن‬ ‫الوحيد ال������ذي ال يتعلم من‬ ‫أخطائه‪.‬‬ ‫إبراهيم نصر الله‪،‬‬ ‫شاعر وكاتب‬ ‫من األردن‬ ‫قالوا‬ ‫‪10/10/16 8:47:20 AM‬‬

‫< املالحظ بأسف كبير هو أن الطالئع الفكرية‬ ‫والثقافي������ة للمجتمع‪ ،‬املتمثلة ف������ي املبدعني من‬ ‫مختل������ف املج������االت‪ ،‬يتأثرون بآخ������ر الصرعات‬ ‫في الغ������رب وينقلونها لثقافة ما زالت حتبو على‬ ‫عتب������ات احلداثة‪ ,‬ومن حقه������م ذلك‪ ,‬ولكن يجب‬ ‫عدم الوقوع في اخللط بني التواريخ‪ ,‬فمجتمعنا‬ ‫ال يزال مجتمعاً تقليدياً يصارع من أجل الدخول‬ ‫إل������ى احلداثة أو يتصارع في������ه التقليد واحلداثة‬ ‫بدرجات متفاوتة‪.‬‬ ‫محمد سبيال‪،‬‬ ‫مفكر من املغرب‬ ‫< إن مب� � ��ادرة الط� �ل��اب لتمزيق كتبه� � ��م بعد انتهاء‬ ‫االمتحان� � ��ات ه� � ��ي وحده� � ��ا‬ ‫دليل قاطع عل� � ��ى أن التعليم‬ ‫كرس نتائج عكس� � ��ية‪ ،‬فخلق‬ ‫كره العلم ونبذ التعلم ومقت‬ ‫الكتب‪.‬‬ ‫إبراهيم البليهي‪،‬‬ ‫كاتب من السعودية‬ ‫< أعتـــق������ ُد أ َّن اللـــغ َة العربية لم تتــــقـــهقر قـــــط‬ ‫ِ‬ ‫ف������ي ما مضى أم������ام أي ٍ‬ ‫اللغات التي‬ ‫لـــغة م������ن‬ ‫ُ‬ ‫�����تحافظ عل������ى كيـــــانِها‬ ‫�����ت بها‪ ،‬وأنــــها س�‬ ‫احت َّك� ْ‬ ‫فـــــي املس������تـــقـــبل كمــــا فعلت فــــــي املاضي؛ أل َّن‬ ‫لــــها مـــــ������ن املرونةِ ما مي ِّكــــنها م������ن التــــكـــــ ُّي ِف‬ ‫َو ْف ًقا ملقتضيات العصــــــر‪ ،‬وأش������هد أ َّن اللــــغات‬ ‫األوربية فش������لت خ���ل��ال قـــرن كام������ل أو يزيــــد‬ ‫فــــي أن تس������يط َر على «العربــــي������ةِ » أو تضــــعف‬ ‫مكانتها‪.‬‬ ‫أرنولد شوبرت‪،‬‬ ‫مفكر ومستشرق‬ ‫من البرتغال‬ ‫‪35‬‬

‫‪nov 34-35.indd 35‬‬


‫استطالع‬

‫جداينسك‪...‬‬

‫مدينة تغيَّر فيها تاريخ العالَم مرتين‬ ‫شريف سنبل‬

‫مصور وكاتب من مصر‬

‫ق���ررت قض���اء إج���ازة الصي���ف ف���ي‬ ‫واح���دة م���ن م���دن المدين���ة المثلثة‬ ‫«جداينس���ك» عل���ى ش���اطئ بح���ر‬ ‫البلطي���ق‪ ،‬ولك���ي ال يذه���ب ذه���ن‬ ‫الق���ارئ إل���ى الغط���س ف���ي البح���ر‬ ‫أو االس���تـلــقــاء تــح���ت الش���مــس‪،‬‬ ‫والمثلج���ات والمرطب���ات‪ ،‬وغيره���ا‬ ‫م���ن ل���وازم الصي���ف‪ ،‬أج���د أن���ه لزام ًا‬ ‫علي إطالعه مبكراً‪ ،‬أن الصيف في‬ ‫ّ‬ ‫هذه المدينة له مس���تلزمات خاصة‬ ‫أهمه���ا المالبس الصوفية‪ ،‬فجميع‬ ‫المطاع���م تض���ع مف���ارش صوفية‬ ‫على المقاعد ليلتح���ف بها الزبائن‬ ‫في أثناء العشاء‪ ،‬وإن كان «اآليس‬ ‫كري���م» يظل س���يد الموق���ف حتى‬ ‫في عز الش���تاء‪ ،‬تمام ًا كم���ا نتناول‬ ‫نحن الشاي والقهوة في عز الحر‪...‬‬ ‫نعم هذه مدين���ة مثلجة في فصل‬ ‫الصيف‪.‬‬

‫‪36‬‬

‫‪10/10/16 8:29:12 AM‬‬

‫العدد ‪ - 696‬نوفمبر ‪2016‬‬

‫‪nov 36-55.indd 36‬‬


‫نبتون وخلفه امتداد الشارع الطويل‬

‫تتك� � ��ون مدينتنا املثلث� � ��ة‪ ،‬أو باألحرى إقليم هذه‬ ‫املنطق� � ��ة‪ ،‬من ثالث مدن هي جداينس� � ��ك وجداينا‬ ‫وس� � ��وبوت‪ .‬األولى باختصار هي املدينة األساسية‬ ‫ف� � ��ي اإلقلي� � ��م وتتكون م� � ��ن مدينة تاريخي� � ��ة وميناء‬ ‫تنازعته ق� � ��وى أوربية كثيرة وقامت بس� � ��ببه حروب‬ ‫متع� � ��ددة‪ .‬أما جداينا فهي ميناء أُنش� � ��ئت له مدينة‬ ‫ملساندة جدانسك في وقت كان األملان فيه ينازعون‬ ‫البولنديني في ملكيتها‪ ،‬أما س� � ��وبوت فهي الشاطئ‬ ‫اجلمي� � ��ل ال� � ��ذي يصطاف في� � ��ه البولندي� � ��ون‪ .‬وألن‬ ‫رحلتي هذه ل� � ��م تكن طويلة‪ ،‬فقد ق� � ��ررت الذهاب‬ ‫إلى «جداينس� � ��ك»‪ ،‬التي تسميها الصحافة العربية‬ ‫والعاملية عادة باس� � ��م جدانس� � ��ك‪ ،‬وذلك بسبب أن‬ ‫األبجدي� � ��ة البولندية تنطق بطريق� � ��ة مختلفة متاماً‬ ‫عن احلروف‪ ،‬مكتوبة باإلجنليزية والفرنسية مث ً‬ ‫ال‪.‬‬ ‫أما عن س� � ��بب اختياري جلداينس� � ��ك حتديداً‬ ‫فألنه� � ��ا مدينة لها تاريخ‪ ،‬وعتيق� � ��ة وحديثة وبديعة‬ ‫(أعيد بناؤها بالكامل بعد احلرب العاملية الثانية)‪،‬‬ ‫‪38‬‬

‫‪10/10/16 8:29:22 AM‬‬

‫وأخي� � ��راً ألنها تس� � ��ببت في تغيير وج� � ��ه العالم كله‬ ‫مرتني‪ ،‬فبس� � ��بب النزاعات ح� � ��ول مينائها انطلقت‬ ‫فيها أول� � ��ى طلقات احلرب العاملي� � ��ة الثانية‪ ،‬وفيها‬ ‫أيضا تش� � ��قق الس� � ��تار احلدي� � ��دي وتوقفت احلرب‬ ‫الباردة (وهي مصطلحات كانت منتش� � ��رة جداً منذ‬ ‫عشرين عاماً)‪ ،‬وكل ما تبع ذلك من تدمير االحتاد‬ ‫السوفييتي وانهيار س� � ��ور برلني وتطورات سياسية‬ ‫وعسكرية لم تنته حتى اآلن‪.‬‬

‫البلدة العتيقة احلديثة‬

‫وصلت حوالي الرابعة مسا ًء في القطار القادم‬ ‫من وارس� � ��و‪ ،‬وكمصور فإن أول وأكثر ما يهمني هو‬ ‫الشمس التي كانت مشرقة وساطعة‪ .‬نظرت حولي‬ ‫فوجدت فرعاً ألحد مطاعم الدجاج الش� � ��هيرة في‬ ‫كش� � ��ك عتيق بديع يقع تقريباً داخل احملطة‪ .‬ولوال‬ ‫زل� � ��زال ثورة جداينس� � ��ك ملا س� � ��مح له� � ��ذه احملالت‬ ‫الرأسمالية أن تفتح أبوابها في تلك الكتلة الشرقية‬ ‫العدد ‪ - 696‬نوفمبر ‪2016‬‬

‫‪nov 36-55.indd 38‬‬


‫الكويت عاصمة الثقافة اإلسالمية ‪2016‬‬

‫سوق جداينسك املغطى‬

‫(أي االحتاد الس� � ��وفييتي وكازاخس� � ��تان وأذربيجان‬ ‫وبولن� � ��دا وأوكرانيا وروس� � ��يا البيضاء والشيش� � ��ان‬ ‫والتش� � ��يك وغيرها)‪ .‬وللعلم‪ ،‬فالتصوير النهاري من‬ ‫دون ش� � ��مس هو مس� � ��ألة غير ممكن� � ��ة بالرغم مما‬ ‫يقوله جميع خبراء التصوير‪.‬‬ ‫ظلل� � ��ت منتظ� � ��راً ش� � ��روق الش� � ��مس‪ ،‬وأخطأت‬ ‫النش� � ��رة اجلوية يوم� � ��ا وأصابت مرت� �ي��ن‪ ,‬في اليوم‬ ‫الثالث اس� � ��تيقظت على الشمس الساطعة وهرولت‬ ‫خارج � � �اً‪ .‬كانت توقعات األرص� � ��اد اجلوية أن يكون‬ ‫اليوم ممطراً‪ ،‬ولكن السحب انقشعت وسطع ضوء‬ ‫النهار‪ .‬أس� � ��رعت إلى بواب� � ��ة املدينة ألحلق باملوكب‬ ‫امللك� � ��ي عند قدومه‪ ،‬وكالعادة‪ ،‬فعندما أعمل يصبح‬ ‫اجلو مش� � ��بعاً بروائح بخور عطرة‪ ،‬وتصير األلوان‬ ‫أكث� � ��ر وضوحاً من املعتاد‪ ،‬وأنس� � ��ى التهاب املفاصل‬ ‫الذي يعيق حركتي‪.‬‬ ‫كانت العادة أن يصل موكب امللك آتياً من وارسو‬ ‫العاصمة لبوابة جداينس� � ��ك الغربية املعروفة باسم‬ ‫جداينسك‪ ...‬مدينة تغير فيها تاريخ العالم مرتني‬ ‫‪10/10/16 8:29:28 AM‬‬

‫«البواب� � ��ة العليا»‪ ،‬وللعلم فإن بولندا قد مرت بتاريخ‬ ‫قاس عنيف بني ممالك روس� � ��يا وبروس� � ��يا (مملكة‬ ‫ٍ‬ ‫شرق أملانيا) والنمس� � ��ا‪ ،‬وكثيراً ما تغيرت حدودها‬ ‫وأحيان � � �اً اختف� � ��ت متاماً ع� � ��ن اخلريط� � ��ة‪ .‬وكانت‬ ‫جداينسك محوراً لكثير من هذه الصراعات‪ ،‬حيث‬ ‫إنها كانت منذ نشأتها ميناء ومركزاً صناعياً مهماً‪،‬‬ ‫وموقعا لترس� � ��انة بحرية لبناء الس� � ��فن‪ ،‬لدرجة أن‬ ‫اتفاقية «فرساي» التي وقعت لتنهي احلرب العاملية‬ ‫نصت على أن تكون جداينس� � ��ك مس� � ��تقلة‬ ‫األولى‪ّ ،‬‬ ‫حتت مس� � ��مى «مدينة دانزج احل� � ��رة»‪ ،‬وأن يربطها‬ ‫ببولندا احتاد جمركي‪.‬‬ ‫املهم‪ ،‬مش� � ��يت حتى وصلت إل� � ��ى البوابة العليا‪،‬‬ ‫التي تزدان بأس� � ��دين منحوت� �ي��ن كرمز للقوة‪ .‬جدير‬ ‫بالذك� � ��ر هنا أن كثيراً م� � ��ن ممالك أوربا كانت تضع‬ ‫أُس� � ��وداً على بواباتها وعروش� � ��ها‪ ،‬لكنن� � ��ا يجب أال‬ ‫نعتقد أن الس� � ��باع كانت رموزا لتلك املمالك‪ ،‬إذ إن‬ ‫كل م� � ��ا في األمر أن األس� � ��د كان ش� � ��يئاً مرعباً في‬ ‫‪39‬‬

‫‪nov 36-55.indd 39‬‬


‫البوابة الذهبية‬

‫القرن الس� � ��ابع عش� � ��ر‪ ،‬وكان بالتالي رمزاً يستخدم‬ ‫كنق� � ��ش على البوابات خصيص � � �اً لتحذير القادمني‬ ‫من أن احلراسة قوية ومشددة‪ ،‬متاماً مثلما نقشت‬ ‫الثعابني على بواب� � ��ات املقاب� � ��ر الفرعونية لتحذير‬ ‫اللص� � ��وص من أن احل ّيات املس� � ��حورة تس� � ��كن هذه‬ ‫املقاب� � ��ر‪ ،‬ونعرف جميع� � ��ا أن األس� � ��ود واحليات لم‬ ‫حترس شيئا في احلقيقة‪.‬‬ ‫يصل امللك إلى تلك البوابة التي كانت جزءا من‬ ‫حتصينات املدينة‪ ،‬قادماً من وارسو‪ ،‬حيث يستقبله‬ ‫العمدة ويس� � ��لمه مفاتيح املدينة‪ .‬وتس� � ��مى البوابة‬ ‫بالعلي� � ��ا‪ ،‬ألنهم� � ��ا كانا ميران على جس� � ��ر خش� � ��بي‬ ‫معلق فوق خندق مائي عميق تتدلى السالسل التي‬ ‫حتمله من البوابة‪ ،‬ومع األسف لم أستطع مصاحبة‬ ‫امللك في تلك الرحلة‪ ،‬ألن وزارة السياحة البولندية‬ ‫‪40‬‬

‫‪10/10/16 8:29:33 AM‬‬

‫وضعت حاجزاً عل� � ��ى البوابة ممثال في مكتب من‬ ‫األملنيوم لالستعالمات‪ ،‬ولم تدع فسحة مير منها ال‬ ‫امللك وال ضيوفه‪.‬‬ ‫درت ح� � ��ول البوابة ممتعاً نظ� � ��ري بفنون معمار‬ ‫مبنى البنك املجاور‪ ،‬ألجد أمامي برجاً ومبنى يبدو‬ ‫وكأنه بوابة‪ .‬دخلت ألجد ممرات ضيقة ومتس� � ��عة‬ ‫وساللم وصوراً ألطباق شهية‪ ،‬اكتشفت الحقاً أنها‬ ‫ليس� � ��ت أطباقاً وإمنا حلي من العنبر الذي تش� � ��تهر‬ ‫ب� � ��ه املدينة‪ .‬هذا املبنى ليس بوابة وإمنا هو س� � ��جن‬ ‫املدينة وبرج التعذيب الذي حتول إلى متحفي العنبر‬ ‫والتعذي� � ��ب‪ .‬رفعت عيني إلى قم� � ��ة البرج فوجدت‬ ‫عمالق � � �اً هائ� �ل � ً‬ ‫ا مقطوع الرأس ميد ل� � ��ي يديه من‬ ‫أعلى‪ .‬نظرت حولي مس� � ��تنجدا بامللك الذي أسير‬ ‫ف� � ��ي ركابه فوجدت� � ��ه قد جتاهل ذل� � ��ك البرج متاماً‬ ‫العدد ‪ - 696‬نوفمبر ‪2016‬‬

‫‪nov 36-55.indd 40‬‬


‫الكويت عاصمة الثقافة اإلسالمية ‪2016‬‬

‫ترسانة األسلحة‬

‫متجهاً في موكبه للبوابة الذهبية‪ .‬س� � ��ألت بسرعة‬ ‫عن أسعار العنبر‪ ،‬وشكرتهم‪ ،‬وذهبت ألكمل جولتي‬ ‫في ركاب جاللته‪.‬‬

‫البوابة الذهبية‬ ‫البوابة الذهبي������ة هي ثانية البوابات‪ ،‬واملبنى‬ ‫أبي������ض وتعلوه مالئكة الس���ل��ام واحلرية والثروة‬ ‫والش������هرة والرحمة والعدالة والوئام‪ ،‬ممثلة في‬ ‫هيئة متاثيل بنيت في عام ‪ ،1612‬وحتطمت في‬ ‫احل������رب العاملية الثانية وبقي������ت بال ترميم حتى‬ ‫ع������ام ‪ .1997‬وميكن قراءة نق������ش على احلائط‬ ‫قرأن������اه جميعاً م������رات كثيرة على م������دى األيام‪،‬‬ ‫ويب������دو أن أح������داً ال يريد فهمه‪ .‬يق������ول النقش‪:‬‬ ‫«األمم الصغي������رة تنمو باملواءم������ة واالتفاق بينما‬ ‫جداينسك‪ ...‬مدينة تغير فيها تاريخ العالم مرتني‬ ‫‪10/10/16 8:29:39 AM‬‬

‫تنهار الكبيرة بسبب اخلالفات»‪.‬‬ ‫وداخل البوابة الذهبي� � ��ة يحتل باعة التذكارات‬ ‫أماكنه� � ��م‪ ،‬ولكن جتد وراءهم (ف� � ��ي املدخل وبداية‬ ‫الطري� � ��ق امللكي) صورت� �ي��ن فوتوغرافيت� �ي��ن تبينان‬ ‫مدى الدمار الذي حلق باملدينة في احلرب العاملية‬ ‫الثانية‪ .‬وقد تظن مثلي أن األملان دمروا املدينة كما‬ ‫فعلوا بوارس� � ��و العاصمة‪ ،‬ولك� � ��ن احلقيقة هي أنها‬ ‫دمرت على يد الروس‪.‬‬ ‫َع َبر املوكب البوابة ودخلنا شارعاً طوي ً‬ ‫ال‪ .‬هذا‬ ‫الش� � ��ارع هو طريق جتد مثيله ف� � ��ي كثير من املدن‬ ‫القدمية‪ ،‬وكان اس� � ��مه مث ً‬ ‫ال ف� � ��ي القاهرة القدمية‬ ‫«ش� � ��ارع بني القصرين» وج� � ��اء أحدهم في العصور‬ ‫احلديث� � ��ة وأعاد تس� � ��ميته ليصبح «ش� � ��ارع املعز»‪،‬‬ ‫وكان يصل ب� �ي��ن بوابتي الفتوح وباب زويلة‪ ،‬أما في‬ ‫‪41‬‬

‫‪nov 36-55.indd 41‬‬


‫الكويت عاصمة الثقافة اإلسالمية ‪2016‬‬

‫اللؤلؤة السوداء‬

‫حالتنا هذه فالش� � ��ارع يصل بني البوابتني الذهبية‬ ‫واخلضراء‪ ،‬وقد احتفظ بوصفه الذي صار اس� � ��مه‬ ‫«الش� � ��ارع الطويل ‪ ،»Ulica Dług‬وهو الطريق الذي‬ ‫يسلكه املوكب امللكي عند دخوله املدينة حتى يصل‬ ‫إلى قصر امللك الذي ش� � ��يد أعلى البوابة اخلضراء‬ ‫الواقعة على نهر املولتافا‪.‬‬ ‫والش� � ��ارع‪ ،‬كغيره من ش� � ��وارع املدينة القدمية‪،‬‬ ‫مزدحم ج� � ��دا‪ ،‬واملباني املمتدة عل� � ��ى جانبيه ملونة‬ ‫بألوان مختلفة‪ ،‬وبعضها مزدان بنحت فني جميل‪.‬‬ ‫أم� � ��ا بالنس� � ��بة للمحالت‪ ،‬فمعظمه� � ��ا متثل في‬ ‫املقاهي واملطاعم التي ميكنك أن جتلس فيها لتمتع‬ ‫نظرك باملارة واملباني‪ ،‬وبطالب الفنون الذين يؤدون‬ ‫عروضهم في الطريق جلمع مصاريف دراستهم‪.‬‬

‫املركب الوهمي!‬

‫لم ينتبه أحد ملوكبنا امللكي الذي كان يسير بال‬ ‫حراس وال مظاهر أبهة س� � ��وى ش� � ��خص وطائرين‪.‬‬ ‫األول هو قرصان عجوز بعني واحدة رمبا يعود عهده‬ ‫للقرن السابع عشر‪ ،‬كان واقفاً مع ببغائه املزركشة‬ ‫اللتق� � ��اط الصور مع الزبائن‪ .‬وفجأة ‪ ،‬وفي محاولة‬ ‫للف� � ��ت انتباه صاحبها‪ ،‬انحنت الببغاء على يد امللك‬ ‫جداينسك‪ ...‬مدينة تغير فيها تاريخ العالم مرتني‬ ‫‪10/10/16 8:29:48 AM‬‬

‫وعضتها بقوة‪ .‬ابتس� � ��م القرصان ببالدة وهو ينظر‬ ‫لهذا الغريب‪ ،‬ولك� � ��ن الببغاء ملا وجدت أنه لم يفهم‬ ‫عضته في أنفه هو ش� � ��خصيا وكادت تصيب عينه‬ ‫األخرى التي لم متيز من القادم‪ .‬انتفض القرصان‬ ‫وص� � ��اح في ببغائه بكلمات لم أفهمها‪ ،‬ونظر للرجل‬ ‫ف� � ��ي عينيه (أخيرا) وكأنه ُش� � ��ل من هول الصدمة‪.‬‬ ‫واحلقيقة أنه معذور فلم يدخل ملك بولندي املدينة‬ ‫منذ أكثر من خمسمائة عام‪.‬‬ ‫أما أنا فقد ترك� � ��ت امللك يتبادل حديثا بولنديا‬ ‫مع قرصانه الذي لم يترك الفرصة متر دون أن يبيع‬ ‫له تذاكر في الرحلة البحرية على سفينته‪ ،‬وقال إن‬ ‫الس� � ��عر متروك للملك لكي يدفع ما يريد‪ .‬وللعلم‪،‬‬ ‫فلم تكن زيارة امللك للمدينة على مدى التاريخ متر‬ ‫دون أن يفاوضه سكانها (مثلما فعل القرصان) في‬ ‫الضرائب والرسوم التي يدفعونها للدولة‪.‬‬ ‫كنت أنا قد وصل� � ��ت إلى بلدية املدينة‪ ،‬وبرجها‬ ‫العالي‪ .‬ولفت نظري كيف أن األس� � ��دين املنقوشني‬ ‫عل� � ��ى بوابتها ال ينظران لألم� � ��ام وال لبعضهما كما‬ ‫هي العادة‪ ،‬وإمنا ينظران معاً جلهة اليس� � ��ار ناحية‬ ‫بوابة املدين� � ��ة الذهبية‪ .‬نظ� � ��رت لكتابي أبحث عن‬ ‫تفس� � ��ير لهذا األمر‪ ،‬ولكن ش� � ��يئاً مدهش � � �اً حدث‪،‬‬ ‫‪43‬‬

‫‪nov 36-55.indd 43‬‬


‫الكويت عاصمة الثقافة اإلسالمية ‪2016‬‬

‫الببغاء مستعرض ًا ألوانه‬

‫وهو أن زئير األسدين قد انطلق بال سابق انتظار‪،‬‬ ‫فنظر لهما امللك بابتس� � ��امة من قلبه‪ ،‬وأش� � ��ار لهما‬ ‫بالس� � ��كون‪ ،‬فعادا فورا لطبيعتهما‪ .‬نظرت له فقال‬ ‫إن هذه الس� � ��باع ه� � ��ي أوفى مواطنيه‪ .‬فمنذ س� � ��تة‬ ‫قرون وهما ينظران بشوق للبوابة الذهبية انتظارا‬ ‫لدخول موكب ملك بولن� � ��دي‪ ،‬وقد طال انتظارهما‬ ‫ول� � ��م يصدقا نفس� � ��يهما حني وصلت ونس� � ��يا أنهما‬ ‫متنكران في منظر حجري‪ .‬اس� � ��تمررنا في الطريق‬ ‫والن� � ��اس تنظ� � ��ر حولها في رعب بحث � � �اً عن مصدر‬ ‫الزئير الذي سمعوه منذ ثوان‪.‬‬ ‫جلس� � ��نا في مطعم أمام البواب� � ��ة وطلبنا طعاماً‬ ‫هندياً ال أفهم كيف وصل إلى هذا الطريق‪ ،‬وجلس‬ ‫أمامي مؤرخ العائلة املالكة ستانسالف جولينسكي‪،‬‬ ‫الذي كان يس� � ��ير خلفن� � ��ا وهو ي� � ��كاد يرقص فرحاً‬ ‫بعودته للمدينة‪.‬‬ ‫قال ستانس� �ل��اف بينم� � ��ا نحن نتناول ش� � ��وربة‬ ‫الع� � ��دس الهندية إنه يذكر أن أول مس� � ��توطنة على‬ ‫جداينسك‪ ...‬مدينة تغير فيها تاريخ العالم مرتني‬ ‫‪10/10/16 8:29:56 AM‬‬

‫ش� � ��اطئ ه� � ��ذه املدينة قد بنيت في ع� � ��ام ‪ ،980‬وإن‬ ‫أول حكام بولندا «ميشكو األول» أنشأ قلعة حصينة‬ ‫في املوقع‪ ،‬موص ً‬ ‫ال بذل� � ��ك الدولة البولندية بطرق‬ ‫التجارة في بحر البلطيق‪ .‬وللعلم فإن ميش� � ��كو هذا‬ ‫يعتبر مؤس� � ��س دول� � ��ة بولندا‪ ،‬وابن� � ��ه كان أول ملك‬ ‫بولندي متوج‪.‬‬ ‫وتذكرت م� � ��ا كنت قد قرأته‪ ،‬أنه بالرغم من أن‬ ‫الروس دمروا املدينة وآذوا أهلها بوحش� � ��ية ال مبرر‬ ‫له� � ��ا‪ ،‬فق� � ��د كان للحرب الفضل ف� � ��ي إمكان احلفر‬ ‫والتنقي� � ��ب حتت املنازل املتهدم� � ��ة بحثاً عن أي آثار‬ ‫حتكي تاريخ املدينة‪.‬‬ ‫وفج� � ��أة انطلق ستانس� �ل��اف يتحدث بس� � ��رعة‬ ‫وحماس عن سامبوريدس وبراندنبورج وتيوتونيك‪،‬‬ ‫فقال إن ملوك بولندا أنابوا الدوق س� � ��امبوريديس‬ ‫ليحكم هذا امل� � ��كان‪ ،‬الذي كان يتكون من الش� � ��ارع‬ ‫الطويل احلالي‪ ،‬ويس� � ��كنه رج� � ��ال احلرف اليدوية‪،‬‬ ‫وإن جتارا جرماناً اس� � ��توطنوا حول كنيس� � ��ة سانت‬ ‫‪45‬‬

‫‪nov 36-55.indd 45‬‬


‫نيكوالس‪ ،‬والقلعة احلصينة التي ش� � ��يدها ميشكو‬ ‫األول‪( .‬وللعلم‪ ،‬فلم تكن هناك دولة اس� � ��مها أملانيا‬ ‫في هذا الوق� � ��ت‪ ،‬وإمنا إمارات كثيرة تتحدث اللغة‬ ‫األملانية‪ ،‬وتس� � ��مى باإلم� � ��ارات اجلرمانية‪ ،‬وأقربها‬ ‫لبولندا كانت إمارة براندنبورج التي تضم بروس� � ��يا‬ ‫وكانت عاصمتها برلني)‪.‬‬ ‫وفج� � ��أة حضر جت� � ��ار جرمان ج� � ��دد من مدينة‬ ‫تدعى لوبيك‪ ،‬وقالوا إنهم ضيوف مس� � ��املون‪ ،‬ولكن‬ ‫آل س� � ��امبوريديس اكتشفوا أنهم يس� � ��اندون كتيبة‬ ‫حربية اسمها «الفرسان التيوتونيك» ذوي األصول‬ ‫اجلرماني� � ��ة‪ ،‬فطردوه� � ��م‪ .‬وهؤالء الفرس� � ��ان كانوا‬ ‫فرس� � ��انا مس� � ��املني يقدمون الرعاية الطبية للجنود‬ ‫الصليبي� �ي��ن‪ ،‬ولكن بع� � ��د انتهاء احل� � ��روب وبقائهم‬ ‫ف� � ��ي أملانيا م� � ��ن دون عم� � ��ل‪ ،‬فكروا في اس� � ��تعمال‬ ‫قواهم احلربية في تكوين جيش واالس� � ��تيالء على‬ ‫بالد لم تش� � ��ك في نواياهم‪ .‬وه� � ��و ما يحدث دائما‬

‫عقب احل� � ��روب التي يصل فيها الس� �ل��اح إلى قوى‬ ‫غير نظامية تزداد قوة تدريجياً حتى تصبح ش� � ��را‬ ‫مستطيرا‪.‬‬ ‫وقاطعت ستانسالف ليختصر‪ ،‬فنحن ال نعرف‬ ‫هذه األسماء وتقريبا ال تعني لنا شيئا‪ ،‬ورد مغتاظا‬ ‫بأنه� � ��م في أوربا يدرس� � ��ون فصوالً ع� � ��ن حضارات‬ ‫العالم كله‪ .‬لم أرد أن أك� � ��ون فظاً‪ ،‬ولكني أجبته أن‬ ‫مائدة الغداء الهندي في ش� � ��وارع جداينسك ليست‬ ‫مح ً‬ ‫ال مناسباً ملناقشة مشاكل التعليم‪ .‬وملا أحسست‬ ‫ً‬ ‫بأنه مغتاظ جدا ويحبس رد فعله خجال من امللك‪،‬‬ ‫دعوت� � ��ه إلى تن� � ��اول «آيس كرمي س� � ��اخن» تتميز به‬ ‫املطاعم الهندية الفاخرة‪.‬‬

‫فالديسالف طول الكوع!‬

‫وملجاملته طلبت منه االستمرار باختصار‪ ،‬وبعد‬ ‫مناجزة سريعة وافق وقال إن الدول أحيانا ما كانت‬

‫القرصان وعميلة تلتقط صورتها معه للتذكار‬ ‫‪46‬‬

‫‪10/10/16 8:29:59 AM‬‬

‫العدد ‪ - 696‬نوفمبر ‪2016‬‬

‫‪nov 36-55.indd 46‬‬


‫الكويت عاصمة الثقافة اإلسالمية ‪2016‬‬

‫صورة مقربة جلزء من النصب التذكاري لشهداء حركة تضامن‪ ،‬والنصب مكتوب بأربع لغات‬

‫تتعام� � ��ل مع املدن وكأنها إقطاعيات خاصة‪ ،‬فتحت‬ ‫إدارة الس� � ��امبوريدس مت تأجير املدين� � ��ة البولندية‬ ‫لبروسيا (شرق أملانيا)‪ ،‬ثم احتلها أمراء الدمنارك‬ ‫فحرره� � ��ا التيوتوني� � ��ك األمل� � ��ان‪ ،‬واحتله� � ��ا بعدهم‬ ‫البراندنبورج البروس� � ��يون‪ ،‬فق� � ��ام األمير البولندي‬ ‫«فالديسالف طول الكوع»‪ ،‬أي «فالديسالف الذي‬ ‫طوله يس� � ��اوي ارتفاع املرفق» بتأجي� � ��ر التيوتونيك‬ ‫األملان لتحريرها‪( .‬وللعلم ففي أثناء انشغال هؤالء‬ ‫بتلك املعارك الصغيرة نسبياً‪ ،‬كانت الدولة العثمانية‬ ‫قد ولدت في الوقت نفسه وسرعان ما صارت أكبر‬ ‫خطر يتهدد كل أوربا)‪.‬‬ ‫والحظ ستانسالفس� � ��كي ابتس� � ��امتي عند ذكر‬ ‫األمي� � ��ر الذي يص� � ��ل طوله إلى ط� � ��ول املرفق‪ ،‬فجز‬ ‫على أس� � ��نانه وذكرني بأن لدينا س� �ل��اطني مماليك‬ ‫معاصرين له‪ ،‬منهم السلطان برقوق العظيم‪ ،‬الذي‬ ‫كانت عيناه جاحظتني للخارج كثمر البرقوق‪.‬‬ ‫وازدهرت املدينة نتيجة للصادرات املتزايدة من‬ ‫احلب� � ��وب كالقمح واألخش� � ��اب والبوتاس والقطران‬ ‫وغيرها من البضائع التي تنتج من غابات بروس� � ��يا‬ ‫وبولن� � ��دا وتصل للميناء عن طريق نهر الفيس� � ��توال‪،‬‬ ‫وقد حاول الفرس� � ��ان التيويونيك التقليل من أهمية‬ ‫املدينة التجارية‪ ،‬وزيادة الهجرة اجلرمانية‪ ،‬وانتهت‬ ‫جداينسك‪ ...‬مدينة تغير فيها تاريخ العالم مرتني‬ ‫‪10/10/16 8:30:03 AM‬‬

‫محاوالتهم في عام ‪( 1440‬وكان صوت ستانسالف‬ ‫يعل� � ��و تدريجياً) بح� � ��رب الثالثة عش� � ��ر عاما‪ ،‬التي‬ ‫انتص� � ��رت فيه� � ��ا مملكة بولن� � ��دا‪ ،‬وع� � ��ادت املدينة‬ ‫لس� � ��يطرة التاج البولن� � ��دي وامللك كازميي� � ��ر الرابع‬ ‫(قيل� � ��ت هذه اجلملة تقريبا ف� � ��ي صوت كالصراخ)‪،‬‬ ‫وقام ستانسالف على قدميه وانحنى بشدة وصدم‬ ‫رأس� � ��ه املائدة‪ ،‬فاملكان مزدحم ال يسمح مبثل هذه‬ ‫احل� � ��ركات البهلوانية‪ ،‬وفهم� � ��ت أن «امللك» اجلالس‬ ‫معنا هو كازميير الرابع شخصياً متجسداً‪ ،‬وإن كان‬ ‫أحداً لم يصرح بذلك أبداً‪.‬‬ ‫ً‬ ‫ح� � ��ل امللك حينئ� � ��ذ ضيفا عل� � ��ى مدينته بدعوة‬ ‫من مجلس املدينة‪ ،‬وس� � ��كن في قصره فوق البوابة‬ ‫اخلضراء التي تطل مباشرة على امليناء‪ ،‬وبالرغم من‬ ‫أنه أبدى استياءه ودهشته من بناء قصر الستقباله‬ ‫في ه� � ��ذا املكان املليء بالضجيج والروائح الكريهة‪،‬‬ ‫حيث كان يقع مباش� � ��رة فوق سوق السمك املجاور‬ ‫للبواب� � ��ة اخلضراء‪ ،‬فإنه كان س� � ��عيداً بالنصر ومنح‬ ‫املدينة مزية احلكم الذاتي داخل مملكة بولندا‪.‬‬ ‫تضمن� � ��ت مزية احلكم الذاتي إعفاء املدينة من‬ ‫التعاري� � ��ف والضرائب على التج� � ��ارة داخل بولندا‬ ‫ولتوانيا وأوكرانيا وروسيا البيضاء‪ .‬وكذلك منحها‬ ‫اس� � ��تقالالً قضائيا واحلق في س� � ��ك عملة خاصة‬ ‫‪47‬‬

‫‪nov 36-55.indd 47‬‬


‫شاطئ املوتالفا‬

‫بها‪ ،‬وباملناس� � ��بة مت هدم كل اجلزء املوالي للفرسان‬ ‫متاماً‪ .‬وكانت زي� � ��ارة كازميير الرابع هي آخر مرة‬ ‫في التاريخ يدخل فيها ملك بولندا املدينة‪ ،‬وفهمت‬ ‫السبب في زئير األس� � ��دين وصراخ الببغاء وذهول‬ ‫القرصان األعور‪ ،‬فاجلميع‪ ،‬وخصوصا األس� � ��دين‬ ‫ظلوا ستة قرون ينتظرون ظهور مرافقي‪.‬‬ ‫وهكذا صارت املدينة مكاناً يعيش فيه خليط من‬ ‫األملان والبولنديني واليهود البولنديني والهولنديني‪،‬‬ ‫وكذل� � ��ك أعداد من األس� � ��كتلنديني الالجئني الذين‬ ‫حصلوا عل� � ��ى اجلنس� � ��ية‪ ،‬ومبرور الوق� � ��ت وظهور‬ ‫احلركة اإلصالحية البروتستانتية في أملانيا‪ ،‬صار‬ ‫العديد من أهل املدينة األملان تابعني لها‪.‬‬

‫جداينسك املستقلة‬

‫وأخي� � ��راً ف� � ��از البولندي� � ��ون باس� � ��تقاللهم بعد‬ ‫احلرب العاملية األولى‪ ،‬وطبقا للش� � ��روط املوضوعة‬ ‫م� � ��ن احللفاء بحصول بولندا عل� � ��ى منفذ آمن على‬ ‫البح� � ��ر‪ ،‬كان م� � ��ن الطبيعي أن يس� � ��تردوا ميناءهم‬ ‫ومدينته� � ��م‪ ،‬ولك� � ��ن نظ� � ��راً للغالبي� � ��ة األملاني� � ��ة من‬ ‫الس� � ��كان‪ ،‬فقد أصبحت املدينة مرة أخرى «مدينة‬ ‫‪48‬‬

‫‪10/10/16 8:30:08 AM‬‬

‫جداينسك املستقلة»‪ ،‬وهي مدينة مستقلة ظاهرياً‪،‬‬ ‫وإن كان� � ��ت موضوع� � ��ة حتت وصاي� � ��ة عصبة األمم‬ ‫(ش� � ��بيهة باألمم املتحدة احلالية) مع بقاء ش� � ��ؤونها‬ ‫اخلارجية حتت الس� � ��يطرة البولندية إلى حد كبير‪.‬‬ ‫وكذلك كان لبولندا حقوق اس� � ��تخدام امليناء مجانا‪،‬‬ ‫ويكون باملدينة مكتب بريد بولندي‪ ،‬وثكنة عسكرية‬ ‫بولندي� � ��ة ووحدة في اجلمارك مع بولندا‪ .‬وقد أدى‬ ‫ذلك كله إلى توتر مس� � ��تمر بني املدينة والس� � ��لطات‬ ‫البولندية‪ .‬فقد احتفظت املدينة احلرة بدس� � ��تورها‬ ‫املس� � ��تقل‪ ،‬ونش� � ��يدها الوطن� � ��ي املس� � ��تقل وبرملانها‬ ‫وحكومتها املستقلة‪ ،‬بل وأصدرت طوابعها اخلاصة‬ ‫بها وسكت عملتها اخلاصة‪.‬‬ ‫لكن في عام ‪ 1930‬بدأ هتلر الذي صار متحكما‬ ‫ف� � ��ي أملانيا ف� � ��ي التح� � ��رك بطريقة مريب� � ��ة‪ ،‬وعقد‬ ‫مع روس� � ��يا حلف � � �اً واتفاقية دفاع مش� � ��ترك‪ .‬أدرك‬ ‫البولنديون أن احلركة التالية ستكون ضدهم‪.‬‬

‫متثال نبتون‬

‫وفجأة وفي وس� � ��ط كل ه� � ��ذا اجلمال والهدوء‪،‬‬ ‫انطل� � ��ق أحد الطلب� � ��ة (احلاصل عل� � ��ى تصريح من‬ ‫العدد ‪ - 696‬نوفمبر ‪2016‬‬

‫‪nov 36-55.indd 48‬‬


‫الكويت عاصمة الثقافة اإلسالمية ‪2016‬‬ ‫البلدي� � ��ة) وعزف موس� � ��يقى مزعج� � ��ة للغاية‪ ،‬وبعد‬ ‫ش� � ��رح موجز ألصدقائي عن التطور في املوسيقى‬ ‫وفي مكبرات الصوت‪ ،‬وحتمل تعليقاتهم املمتعضة‪،‬‬ ‫فقد اقترحت عليهم أن نستمر في الشارع الطويل‬ ‫اجلمي� � ��ل‪ .‬مررنا بتمثال نبتون‪ ،‬الذي غيروا اس� � ��مه‬ ‫من إل� � ��ه البحر ليصب� � ��ح مالك البح� � ��ر‪ ،‬وهو مزار‬ ‫س� � ��ياحي أساس� � ��ي في املدينة يلت� � ��ف حوله جميع‬ ‫الباعة واملطاعم ومكاتب اإلرش� � ��اد الس� � ��ياحي‪ ،‬وال‬ ‫تكاد تش� � ��عر في كل ذلك بأي زح� � ��ام يطبق عليك‪،‬‬ ‫فال� � ��كل يحرص على ت� � ��رك مس� � ��احة فارغة حوله‬ ‫وحولك‪ .‬ش� � ��اهدت عجوزا يعزف «البيانوال» ويضع‬ ‫الفتة تقول‪« :‬ثالثة زلوتي للتصوير»‪ ،‬والكل يتزاحم‬ ‫حوله اللتقاط صورة له هو وببغاؤه امللونة املزركشة‬ ‫الت� � ��ي هاجت هي األخرى ول� � ��وح لها امللك عن بعد‪.‬‬ ‫ووجدت هندي � � �اً مع طائرين يلتقطان كروت احلظ‪،‬‬ ‫ولم أر ش� � ��خصاً واحداً ميد يده ليشحذ أو ليطلب‬ ‫معونة‪.‬‬ ‫أجم� � ��ل ما في تلك املدينة ه� � ��و مبانيها املتتالية‬ ‫التي ال تكاد تالحق الرس� � ��وم الت� � ��ي تزينها الواحد‬ ‫تلو اآلخر‪ .‬ال يوجد تناس� � ��ق في األلوان وال تناغم‪.‬‬ ‫ميك� � ��ن أن جتد مبنى رماديا وبجانبه آخر أزرق‪ ،‬وال‬ ‫تشعر بأي نش� � ��از وال عدم تناسق‪ .‬فكرت في ذلك‬ ‫األم� � ��ر وقلت إنه رمبا يرجع ذلك إلى طاقة إيجابية‬ ‫مجهولة املص� � ��در‪ .‬مررنا بالبواب� � ��ة اخلضراء التي‬ ‫أعلنت نهاية الشارع الطويل‪ ،‬وتذكر كازميير الرابع‬ ‫إقامت� � ��ه في القصر ال� � ��ذي يعلوه� � ��ا‪ ،‬وتذكر رائحة‬ ‫الس� � ��مك التي أزعجته‪ .‬مررنا حت� � ��ت البوابة لنجد‬ ‫أوركس� � ��ترا من الطلبة يعزفون موسيقى كالسيكية‬ ‫أعجبت املل� � ��ك جدا بدالً من ذل� � ��ك الصخب الذي‬ ‫فررنا منه‪ .‬أعطاهم امللك كيسا من النقود الذهبية‬ ‫ولم يصدقوا أعينهم وال آذانهم‪.‬‬

‫اللؤلؤة السوداء‬

‫وصلنا لس� � ��فينة القرصان «اللؤلؤة الس� � ��وداء»‪.‬‬ ‫اتخذن� � ��ا مقاعدنا وأقلعنا في متام الواحدة‪ .‬تعجب‬ ‫امللك م� � ��ن أن الس� � ��فينة تس� � ��ير بس� � ��رعة منتظمة‬ ‫وأش� � ��رعتها مطوية‪ ،‬وفضلت أال أشرح له نظريات‬ ‫ميكانيكي� � ��ة معق� � ��دة‪ ،‬وقص� � ��ة احمل� � ��رك البخ� � ��اري‬ ‫ومح� � ��ركات الفحم والديزل والبنزين أو الس� � ��والر‪،‬‬ ‫جداينسك‪ ...‬مدينة تغير فيها تاريخ العالم مرتني‬ ‫‪10/10/16 8:30:12 AM‬‬

‫هنا بدأت احلرب العاملية الثانية‪ ،‬ويظهر العامل واجلندي‬ ‫البولنديان مكان عيني التمثال العمالق‬ ‫‪49‬‬

‫‪nov 36-55.indd 49‬‬


‫فش� � ��اركته الدهش� � ��ة‪ .‬بعدها أبدى امللك تعجبه من‬ ‫ه� � ��ؤالء الناس الذي� � ��ن ميس� � ��كون بصناديق صغيرة‬ ‫وينظرون فيها طوال الوقت بدالً من التمتع باملناظر‬ ‫اجلميلة أو حتى احلديث مع بعضهم‪ ،‬فارتبكت ولم‬ ‫أعرف ماذا أش� � ��رح له؟ أنظري� � ��ة التليفون احملمول‬ ‫أم الكامي� � ��را أم اإلنترنت؟! ولكن هذه املرة كنت أنا‬ ‫أيضا متعجباً منهم‪.‬‬ ‫الس� � ��فينة تبحر في جو س� � ��اطع جميل‪ ،‬واملياه‬ ‫هادئة‪ ،‬مررنا بترس� � ��انة «جداينس� � ��ك» لبناء السفن‬ ‫التي غيرت وجه العالم‪ ،‬ودعوتهم لتناول مش� � ��روب‬ ‫بولندي ممتع اسمه شسالهوفا‪ ،‬يشبه عصير الدوم‬ ‫واخل� � ��روب‪ ،‬وحتاش� � ��يت مش� � ��روباتنا احلديثة لئال‬ ‫يندهش منها هي األخ� � ��رى‪ .‬وأخيرا وصلنا حملطة‬ ‫‪ .Westerplatt‬ارتفع أمامن� � ��ا نصب تذكاري هائل‪،‬‬ ‫يبدو من بعيد وكأن له عينني هائلتني‪ ،‬وحني تقترب‬ ‫تكتش� � ��ف أن واحدة م� � ��ن العينني مقات� � ��ل واألخرى‬ ‫عامل‪ ،‬وتظهران معنى حتالف قوى الش� � ��عب العامل‬ ‫مع � � �اً‪ ،‬وهي معان كنا نتغنى بها في املاضي‪ .‬ذكرتهم‬

‫مبا كنا نقوله من أن هتلر بدأ في التحرك بطريقة‬ ‫مريبة‪ .‬كانت اتفاقية فرساي التي قسمت أوربا بعد‬ ‫احل� � ��رب األولى قد أعادت جداينس� � ��ك إلى بولندا‬ ‫بشرط أال يكون بها سالح عدا ‪ 82‬جنديا يعسكرون‬ ‫ف� � ��ي ش� � ��به جزيرة «فس� � ��تربالتيه» ب� �ل��ا حتصينات‬ ‫حقيقي� � ��ة وبال مخابئ أو خنادق أو غيرها‪ .‬لم يكن‬ ‫هناك سوى خمسة مواقع خرسانية صغيرة يسكنها‬ ‫احل� � ��رس‪ ،‬ومخبأة داخل غابة وثكن� � ��ة كبيرة أعدت‬ ‫للدفاع‪.‬‬ ‫فلما أح� � ��س البولنديون بتحركات هتلر املريبة‪،‬‬ ‫زادوا م� � ��ن عدد قواته� � ��م لتصب� � ��ح ‪ 210‬جنود بدالً‬ ‫من ‪ ،82‬وزودوه� � ��م مبدفع ميدان واحد ‪ 3‬بوصات‪،‬‬ ‫ومدفع� �ي��ن مضادين للدبابات‪ ،‬وأربعة مدافع هاون‪،‬‬ ‫وع� � ��دد من الرشاش� � ��ات املتوس� � ��طة‪ ،‬كم� � ��ا حصنوا‬ ‫الطوابق السفلية من املالجئ اخلرسانية‪.‬‬ ‫اقتربن� � ��ا م� � ��ن النص� � ��ب الت� � ��ذكاري البدي� � ��ع‪،‬‬ ‫والحظ� � ��ت صم� � ��ت املل� � ��ك ومؤرخه‪ .‬نظ� � ��رت لهما‪،‬‬ ‫فصاح ستانس� �ل��اف أنه احترم أس� � ��ئلتي وشرح لي‬

‫ليش فاليسا العظيم وسط رفاقه على الشاشة وخوذات األلوف من عمال ترسانة السفن تزين احلائط‬ ‫‪50‬‬

‫‪10/10/16 8:30:16 AM‬‬

‫العدد ‪ - 696‬نوفمبر ‪2016‬‬

‫‪nov 36-55.indd 50‬‬


‫الس� � ��امبوريدس وبراندنب� � ��ورج‪ ،‬فيج� � ��ب على األقل‬ ‫أن أش� � ��رح ل� � ��ه اله� � ��اون والدباب� � ��ات والرشاش� � ��ات‬ ‫واخلرس� � ��انة‪ .‬أخرجت تليفوني احملمول الذي كنت‬ ‫أحتاشى إظهاره‪ ،‬وعرضت عليه صورة دبابة‪ ،‬على‬ ‫الـ «ويكيبيديا»‪ .‬نسي سؤاله وسألني عن التليفون‪،‬‬ ‫فقل� � ��ت ل� � ��ه إننا ل� � ��و بدأنا ف� � ��ي ش� � ��رح الويكيبيديا‬ ‫والبريتانيكا اإللكترونية‪ ،‬والتليفون من أساسه فقد‬ ‫منكث هنا ثالثة شهور على األقل‪ ،‬ولذلك فعليه أال‬ ‫يس� � ��أل عن تلك األمور‪ .‬وخلصت ل� � ��ه املوضوع في‬ ‫أن البولنديني تقريبا لم يكن لديهم س� � ��وى عشرين‬ ‫رمحاً وثالثة سيوف وحصان واحد في مقابل كتيبة‬ ‫مقاتلة ومنجنيق‪.‬‬ ‫أرسل النازي مدرعة حربية رست على بعد ‪150‬‬ ‫متراً من فستربالتيه‪ ،‬مع تعليمات باالستيالء عليها‪.‬‬ ‫كان لألملان قوة مكونة من ‪ 1500‬رجل باإلضافة إلى‬ ‫‪ 225‬مقات ً‬ ‫ال من قوات املارينز‪ .‬وعقد هتلر اجتماعا‬ ‫مع كبار مستش� � ��اريه قال فيه إن جداينسك ليست‬ ‫مهمة‪ ،‬وإمنا هي مس� � ��ألة «أمن قومي» أملاني‪ ،‬وإنه‬ ‫سيهجم فور عزل بولندا عن حلفائها‪.‬‬ ‫وأكد زعيم االستخبارات األملانية لزمالئه على‬

‫س� � ��طح املدمرة أن املعركة ستس� � ��تغرق على األكثر‬ ‫عشر دقائق‪.‬‬ ‫كنت أنظ� � ��ر لوجه امللك الذي ظل صامتاً طوال‬ ‫الوق� � ��ت‪ .‬كان الرجل في غاي� � ��ة االنفعال الصامت‪،‬‬ ‫كيف يح� � ��اول هؤالء األمل� � ��ان إذالل ب� �ل��اده كل هذه‬ ‫الس� � ��نني‪ ،‬وكان واضح � � �اً أنه يود لو قفز ليش� � ��ارك‬ ‫م� � ��ع رجاله املائتني في مواجه� � ��ة األلوف املهاجمة‪.‬‬ ‫أش� � ��فقت عليه؛ فهمس� � ��ت في أذنه بأنه على الرغم‬ ‫من طول احلرب‪ ،‬فإن بلده سينتصر في النهاية‪.‬‬ ‫وهك� � ��ذا وبع� � ��د من� � ��اورات دبلوماس� � ��ية وتوقيع‬ ‫معاهدات دفاع مش� � ��ترك من جميع األطراف ضد‬ ‫جمي� � ��ع األطراف‪ ،‬ب� � ��دأت أول معرك� � ��ة في احلرب‬ ‫العاملية الثانية في جداينسك في املكان الذي نقف‬ ‫فيه‪.‬‬ ‫كان القائ� � ��د البولن� � ��دي سوهارس� � ��كي‪ ،‬قد قضى‬ ‫ش� � ��هوراً عدة يجهز ميدان القتال‪ .‬واستطاع أن يُجبر‬ ‫األملان على االنس� � ��حاب أكثر من مرة إلى س� � ��فينتهم‪،‬‬ ‫وبالرغم من القصف املتواصل‪ ،‬فإنهم لم يس� � ��تطيعوا‬ ‫التقدم شبرا أليام عدة‪ ،‬وفي النهاية وبعد أسبوع كامل‬ ‫رفع البولنديون علماً أبيض‪ ،‬وقرر القائد األملاني تكرمي‬

‫نظارات الشمس من أهم املبيعات فى جداينسك‬ ‫‪52‬‬

‫‪10/10/16 8:30:24 AM‬‬

‫العدد ‪ - 696‬نوفمبر ‪2016‬‬

‫‪nov 36-55.indd 52‬‬


‫الكويت عاصمة الثقافة اإلسالمية ‪2016‬‬

‫جداينسك فى نهاية احلرب العاملية الثانية‬

‫قائدهم سوهارسكي‪ ،‬ألنه أعجب بعبقريته العسكرية‪،‬‬ ‫فقد س� � ��مح له أن يظل متقلداً سيفه ولم يجرده منه‪.‬‬ ‫ش� � ��عر كازميير بالفخر وداعب ش� � ��اربه‪ .‬نظرت له في‬ ‫شفقة‪ ،‬فاليزال هناك جزء مرير‪.‬‬ ‫هكذا ش� � ��هدت جداينس� � ��ك أهم حدث في القرن‬ ‫العش� � ��رين‪ .‬ولكني بصراحة لم أصدق أن واحداً آخر‬ ‫من أهم أحداث القرن قد حدث على بعد خطوات من‬ ‫احلادث األول‪.‬‬ ‫فف� � ��ي طري� � ��ق العودة قصص� � ��ت عليه� � ��م كيف أن‬ ‫االحتاد السوفييتي استولى بناء على اتفاق مع أمريكا‬ ‫وفرنسا وإجنلترا على النصف الشرقي من أوربا (مبا‬ ‫فيه بولندا)‪ ،‬وكيف كان احلكم الش� � ��يوعي حكماً أكثر‬ ‫دكتاتوري� � ��ة مما عاناه هؤالء ف� � ��ي كل تاريخهم‪ .‬ونحن‬ ‫في مش� � ��رقنا ال نسمع عن فظائع هذا احلكم‪ ،‬ولكنني‬ ‫باختصار سمعت قصصا عن هجوم جنود على أطفال‬ ‫رضع في عمر شهرين أو ثالثة أشهر وقذفهم بقسوة‬ ‫وعنف ليرتطموا باحلوائط ويسقطوا موتى‪.‬‬

‫ترسانة السفن‬

‫وفي عام ‪ 1967‬كان هناك كهربائي في ترسانة‬

‫جداينسك‪ ...‬مدينة تغير فيها تاريخ العالم مرتني‬ ‫‪10/10/16 8:30:26 AM‬‬

‫سفن جداينسك التي منر بجانبها اآلن‪ ،‬يدعى ليش‬ ‫فاليسا‪ .‬كان فاليس� � ��ا هذا مهتماً بحقوق العمال‪،‬‬ ‫وكانت أول� � ��ى مواجهاته ضد احلكومة الش� � ��يوعية‬ ‫حني أفش� � ��ل محاوالتهم إلدان� � ��ة إضرابات الطلبة‪،‬‬ ‫وأعقبه� � ��ا بتنظي� � ��م احتجاجات حاش� � ��دة على رفع‬ ‫أس� � ��عار الغذاء‪ ،‬ومقتل ثالث� �ي��ن من زمالئه‪ ،‬وانتهى‬ ‫األمر بفصل� � ��ه من عمله‪ ،‬ومن أي عمل آخر التحق‬ ‫به‪ .‬كان هو وأسرته محل رقابة كاملة من الشرطة‬ ‫الس� � ��رية‪ ،‬ومت زرع أجهزة تنصت في كل مكان مير‬ ‫فيه‪( .‬واضح طبعاً أن امللك وحاش� � ��يته قد جتاوزوا‬ ‫عن كثير من املصطلحات املعقدة نظرا الهتمامهم‬ ‫ب� � ��أن يعرفوا ما الذي ح� � ��دث)‪ .‬وقبض عليه مرات‬ ‫عديدة‪.‬‬ ‫وعمل فاليس� � ��ا عن قرب مع «جلنة الدفاع عن‬ ‫العمال» التي كانت تعتن� � ��ي بالعمال الذين قتلوا أو‬ ‫اعتقلوا‪ ،‬وعائالتهم‪ .‬وفي عام ‪ 1980‬رفعت أسعار‬ ‫الغذاء مرة أخرى‪ ،‬واندلعت اإلضرابات مرة أخرى‬ ‫في ترس� � ��انة الس� � ��فن‪ ،‬وفي حادثة مش� � ��هورة‪ ،‬قفز‬ ‫فاليس� � ��ا من فوق السور لينضم لزمالئه‪ ،‬وسرعان‬ ‫م� � ��ا صار من قادة التمرد ال� � ��ذي أوحى للعمال في‬ ‫‪53‬‬

‫‪nov 36-55.indd 53‬‬


‫الطريق إلى متحف تضامن األوربي‪ ...‬الطريق إلى احلرية‬ ‫‪54‬‬

‫‪10/10/16 8:30:31 AM‬‬

‫جمي� � ��ع أرجاء بولن� � ��دا القيام بإضراب� � ��ات مماثلة‪.‬‬ ‫تولى فاليسا رئاس� � ��ة جلنة التنسيق بني اإلضراب‬ ‫في جداينس� � ��ك وعشرين إضرابا آخر في اإلقليم‪.‬‬ ‫وانتهى األمر مبوافقة احلكومة على منح العاملني‬ ‫في ترس� � ��انة جداينس� � ��ك (التي كان اسمها وقتئذ‬ ‫«ترس� � ��انة لينني») احلق في اإلضراب وفي تكوين‬ ‫نقابات مس� � ��تقلة‪ .‬وصارت اللجنة قانونية وسميت‬ ‫«نقابة تضامن»‪ ،‬واس� � ��تمرت ف� � ��ي النمو وبلغ عدد‬ ‫أعضائها عشرة ماليني (ربع سكان بولندا)‪ ،‬وصار‬ ‫فاليسا مشهوراً على مستوى العالم‪.‬‬ ‫ولكن كما يقولون ف� � ��إن «للصبر حدوداً»‪ .‬ففي‬ ‫ديسمبر ‪ 1981‬أعلنت األحكام العرفية في بولندا‪،‬‬ ‫ومت ترحيل فاليس� � ��ا ورفاقه ش� � ��رقاً ق� � ��رب حدود‬ ‫االحتاد السوفييتي‪ ،‬ومت إبطال تصاريح «تضامن»‬ ‫القانوني� � ��ة‪ ،‬وفي ع� � ��ام ‪ 1983‬تقدم فاليس� � ��ا للعمل‬ ‫كهربائياً في ترس� � ��انة س� � ��فن جداينس� � ��ك‪ ،‬وكذلك‬ ‫فقد نال جائزة نوبل للسالم‪ .‬واستمر الكفاح حتت‬ ‫األرض وأعلن اإلضراب العام في ‪.1988‬‬ ‫وف� � ��ي النهاية اضطرت احلكوم� � ��ة للدخول في‬ ‫مفاوضات اس� � ��تمرت ‪ 3‬ش� � ��هور مع احت� � ��اد العمال‬ ‫البولن� � ��دي‪ ،‬وكان فاليس� � ��ا هو رئي� � ��س املفاوضات‪،‬‬ ‫وس� � ��افر عبر بولندا وخاط� � ��ب اجلماهير للحصول‬ ‫عل� � ��ى تأييده� � ��م‪ ،‬وف� � ��ي النهاية وافق� � ��ت احلكومة‬ ‫على إع� � ��ادة تأس� � ��يس «تضامن» رس� � ��ميا‪ ،‬وإجراء‬ ‫انتخابات للبرملان البولندي‪ ،‬وإن كان اتفق مس� � ��بقاً‬ ‫على حصول احلزب الش� � ��يوعي على ‪ 65‬في املائة‬ ‫من املقاعد‪ .‬اس� � ��تمرت هذه املفاوضات بيني وبني‬ ‫«امللك» ومؤرخه ما يتجاوز األربع ساعات‪ ،‬حيث إن‬ ‫كلمات مثل «نوبل» و«شيوعي» و«برملان» و«االحتاد‬ ‫الس� � ��وفييتي» وغيرها لم تكن مألوفة لديهما‪ ،‬وكان‬ ‫عل� � ��ي أن أش� � ��رح قدر طاقت� � ��ي اقتص� � ��ادات العالم‬ ‫وسياس� � ��اته وصراعات� � ��ه لك� � ��ي يس� � ��تطيعا متابعة‬ ‫م� � ��ا كان يح� � ��دث عل� � ��ى رصيف منرة ‪ 5‬ف� � ��ي ميناء‬ ‫«جداينسك»‪.‬‬ ‫وفاز فاليس� � ��ا ورفاقه بكل املقاعد املتاحة في‬ ‫البرملان‪ ،‬وبعدها جنح في إقناع األحزاب املتحالفة‬ ‫مع احلزب الش� � ��يوعي بتكوين حكومة مستقلة عام‬ ‫‪ 1989‬كانت هي أول حكومة مستقلة غير شيوعية‬ ‫في الكتلة الش� � ��رقية كلها‪ ،‬وكان� � ��ت هذه هي حجر‬ ‫العدد ‪ - 696‬نوفمبر ‪2016‬‬

‫‪nov 36-55.indd 54‬‬


‫الكويت عاصمة الثقافة اإلسالمية ‪2016‬‬

‫في أحد شوارع جداينسك‬

‫الزاوية في س� � ��قوط االحتاد السوفييتي الذي كان‬ ‫مسيطراً على ثلث العالم‪.‬‬

‫الطريق إلى احلرية‬

‫بصراحة ش� � ��عرت بالفخر وأنا أسير في شوارع‬ ‫جداينسك‪ ،‬التي حطمت هذا الرعب الذي كان يخيم‬ ‫على كثيرين وأولهم املواطنون الروس أنفس� � ��هم‪ ،‬وإن‬ ‫كانت املس� � ��ائل وموازين القوى لم تت� � ��زن حتى أيامنا‬ ‫هذه‪.‬‬ ‫وجدنا حتت أقدامنا في الش� � ��ارع الفتات مكتوبة‬ ‫على الرصيف بأربع لغات‪ ،‬البولندية طبعاً واألملانية‬ ‫واإلجنليزية والروس� � ��ية‪ ،‬مكتوب عليها «الطريق إلى‬ ‫احلري� � ��ة»‪ ،‬وتؤدي ف� � ��ي النهاية إل� � ��ى «متحف تضامن‬ ‫جداينسك‪ ...‬مدينة تغير فيها تاريخ العالم مرتني‬

‫‪10/10/16 8:30:34 AM‬‬

‫األوربي»‪ ،‬الذي أنش� � ��ئ بتمويل أساس� � ��ي من االحتاد‬ ‫األوربي‪ ،‬متجيدا لعظماء جداينس� � ��ك الذين تسببوا‬ ‫بنضاله� � ��م في ه� � ��دم حائط برل� �ي��ن ومي� �ل��اد أملانيا‬ ‫احلديثة واالحتاد األورب� � ��ي كله‪ .‬خارج املتحف ثالثة‬ ‫صلبان هائلة مغطاة مبراس� � ��ي س� � ��فن‪ ،‬رمزاً لشهداء‬ ‫ميناء جداينس� � ��ك‪ ،‬وأس� � ��فلها نصب ت� � ��ذكاري صغير‬ ‫عليه كلمات العزاء ومتجيد الش� � ��هداء باللغات األربع‬ ‫نفسها‪.‬‬ ‫املتحف مبني من أجس� � ��ام س� � ��فن (وبصراحة لم‬ ‫أعجب بشكل املبنى من اخلارج)‪ ،‬ومن الداخل رأيت‬ ‫أب� � ��دع خلط بني أقدم طرق العرض املتحفية وأحدث‬ ‫طرق الوس� � ��ائط املتعددة احلديثة التي تكللها وتكللنا‬ ‫خوذات عمال امليناء امللصقة على سقف املتحف >‬ ‫‪55‬‬

‫‪nov 36-55.indd 55‬‬


‫متحف‬

‫ُقرب سرير ماري أنطوانيت‬

‫غرفة ماري أنطوانيت وفراشها‬

‫بيـان الصفدي‬

‫كاتب من سورية‬

‫كانت زيارتي اليتيمة لفرنسا في خريف عام ‪ ،2009‬ومن الصعب لزائرها‬ ‫أال يمر بقصر فرس���اي الذي ش���هد أحداث ًا تاريخية كبرى‪ ،‬خاصة مع اندالع‬ ‫ثورة ‪ .1789‬توجهت إلى فرساي قرب باريس‪ ،‬وهناك انفسحت أمامي‬ ‫س���احة واس���عة مبلطة بالحجارة‪ِّ ،‬‬ ‫تذكر بالماضي‪ ،‬حتى أن الحجارة غير‬ ‫مستوية أحيان ًا‪ ،‬وكأنهم أرادوها مصداق ًا ليد الزمن التي م َّرت بها‪.‬‬ ‫‪56‬‬

‫‪10/10/16 8:31:13 AM‬‬

‫العدد ‪ - 696‬نوفمبر ‪2016‬‬

‫‪nov 56-61.indd 56‬‬


‫الكويت عاصمة الثقافة اإلسالمية ‪2016‬‬

‫صورة للقصر عند بنائه‬

‫قصر فرس� � ��اي ضخ� � ��م‪ ،‬تدخل بوابت� � ��ه امللكية‬ ‫املذهبة فتالقيك جم� � ��وع متطاولة اصطفت لتأخذ‬ ‫دوره� � ��ا في قطع تذكرة الدخ� � ��ول‪ ،‬وقد ظهرت على‬ ‫مالم� � ��ح الواقفني كل أش� � ��كال وألوان البش� � ��ر على‬ ‫أرضنا‪.‬‬ ‫وما إن تس� � ��لقنا األدراج‪ ،‬وعبرنا الغرف‪ ،‬حتى‬ ‫شعرت بكثير من امللل‪ ،‬كان لدي إحساس بأن الغرف‬ ‫والصاالت متش� � ��ابهة رغم تنوعها‪ ،‬نوافذ واس� � ��عة‪،‬‬ ‫جدران مكس� � ��وة بقم� � ��اش فاخر مزرك� � ��ش‪ ،‬وحافلة‬ ‫باللوحات املتنوع� � ��ة‪ ،‬والتماثيل الصغي� � ��رة والكبيرة‬ ‫ذات الوج� � ��وه اجلامدة‪ ،‬واألجس� � ��اد املثقلة مبالبس‬ ‫َّ‬ ‫موشحة بالزينة واألوسمة واجلواهر والرياش‪.‬‬ ‫من األش� � ��ياء القليلة التي لفتت نظري‪ :‬س� � ��رير‬ ‫امللك لويس الس� � ��ادس عشر‪ ،‬وس� � ��رير زوجته امللكة‬ ‫م� � ��اري أنطوانيت‪ ،‬س� � ��ريران أو كهفان على ش� � ��كل‬ ‫صندوقني مزخرفني بكل ما هو ثمني‪ ،‬وصالة املرايا‬ ‫املع � � � َّدة لالحتفاالت‪ ،‬والطاول� � ��ة التي كان على امللك‬ ‫وامللكة أن يتناوال عليها العش� � ��اء أمام جمهور يسمح‬ ‫له باملرور ليرى امللك وامللكة بصمت!‬ ‫وم� � ��ا إن أس� � ��رعت باخل� � ��روج‪ ،‬حتى تنفس� � ��ت‬ ‫قرب سرير ماري أنطوانيت‬ ‫‪10/10/16 8:31:18 AM‬‬

‫الصع� � ��داء‪ ،‬فتوجهت نحو حدائ� � ��ق القصر فاختلف‬ ‫املش� � ��هد جذرياً‪ ،‬فقد صرت وجهاً لوجه أمام فضاء‬ ‫ال محدود‪ ،‬وغابة‪ ،‬وصفوف من األشجار املتناسقة‪،‬‬ ‫ونهر صغير‪ ،‬ومتاثيل‪ ،‬وأش� � ��كال م� � ��ن النوافير في‬ ‫بحرات جميلة انتثرت في كل مكان‪.‬‬

‫قرية ماري أنطوانيت‬

‫كل ذل� � ��ك يعرف� � ��ه زائر قصر فرس� � ��اي‪ ،‬لكن قد‬ ‫يفوت كثيرين معرفة م� � ��ا في أعماق هذه احلدائق‪،‬‬ ‫وف� � ��ي منطقة معزولة‪ ،‬ثمة أثر خال� � ��د من أبرز آثار‬ ‫امللكية في فرنس� � ��ا‪ ،‬إنه قرية ماري أنطوانيت ملكة‬ ‫فرنس� � ��ا‪ ،‬التي تزوجت ولي العهد لويس عام ‪،1770‬‬ ‫لتصبح بعد أربع سنوات ملكة فرنسا‪ ،‬وزوجها امللك‬ ‫لويس الس� � ��ادس عش� � ��ر‪ ،‬ولتش� � ��هد وهي ح َّي ًة إلغاء‬ ‫امللكية رس� � ��مياً عام ‪ .1792‬لم أكن ألنتبه لوال أختي‬ ‫التي كانت دليلي وقتها‪ ،‬وهي املقيمة في فرنسا منذ‬ ‫أكثر من ثالثة عقود‪ ،‬حيث قالت لي‪:‬‬ ‫ هل نذهب إلى قرية ماري أنطوانيت بالقطار‬‫الصغي� � ��ر ال� � ��ذي تراه هن� � ��اك أم مش� � ��يا‪ ،‬فهي تبعد‬ ‫كيلومترات عدة عنا؟‬ ‫‪57‬‬

‫‪nov 56-61.indd 57‬‬


‫بالطبع َّ‬ ‫فضلت الس� � ��ير على األقدام‪ ،‬حتى أرى‬ ‫أكثر ما ميكن من مش� � ��اهد تل� � ��ك احلدائق املتناثرة‪،‬‬ ‫عجيب� � ��ة التنس� � ��يق‪ ،‬حي� � ��ث ب� � ��ذل فيها املهندس� � ��ون‬ ‫والفنان� � ��ون أقصى ما يس� � ��تطيعون‪ ،‬ليتركوا لنا هذه‬ ‫الشواهد الساحرة على الذوق الفرنسي املرهف‪.‬‬ ‫وم� � ��ا إن وصلنا «قرية م� � ��اري أنطوانيت» حتى‬ ‫كنا أمام مشهد مختلف‪ ،‬هنا اختفت األبهة العارمة‪،‬‬ ‫واقترب املشهد من البساطة األنيقة‪ ،‬والتن ّ ُوع الغني‪،‬‬ ‫والتكوي� � ��ن ال� � ��ذي يخل� � ��ط الواقع باخلي� � ��ال‪ ،‬فماري‬ ‫أنطوانيت هنا ح َّولت عاملها إلى تركيبة سحرية‪ ،‬كأن‬ ‫ما نراه خارج من إحدى حكايات األطفال‪ ،‬أو أن ثمة‬ ‫حلماً جمي ً‬ ‫حي‬ ‫ال قد ح َّوله مارد خرافي إلى جتسيد ّ‬ ‫فوق هذه اخلضرة التي حتنو على كل شيء!‬ ‫مس� � ��ني على الفور م� � ��ا يكمن خل� � ��ف ما أرى‪،‬‬ ‫َّ‬ ‫فإذا كنت أنا نفس� � ��ي قد شعرت بالضجر في قصر‬ ‫فرس� � ��اي الباذخ املهيب البارد‪ ،‬وخالل ساعة‪ ،‬فكيف‬ ‫مب� � ��ن كان مفروضاً عليه أن يعيش عمره بني جنباته‬ ‫املتش� � ��ابهة‪ ،‬وممراته وأدراجه ورتابة ش� � ��ؤونه؟! كل‬ ‫ذلك كان حال امللكة فيه‪ ،‬ويزيدها قتامة وكآبة ملك‬ ‫ضعي� � ��ف الهمة‪ ،‬متر ّدد في كل ش� � ��يء‪ ،‬الصيد فقط‬

‫أكبر مشاغله‪ ،‬أما ماري أنطوانيت فقد كانت شابة‬ ‫صغي� � ��رة‪ ،‬مندفعة ومتألقة‪ ،‬متأل قلبها احلياة باملرح‬ ‫واألحالم‪ ،‬إنها أشبه بطائر مل َّون داخل أقفاص من‬ ‫ذهب‪ ،‬على شكل قصر‪.‬‬

‫ملكة احلياة‬

‫كانت ماري أنطوانيت (‪ )1793-1755‬ش� � ��ابة ال‬ ‫حدود لس� � ��حرها‪ ،‬اجلمال اآلسر‪ ،‬النعومة‪ ،‬اإلشراق‬ ‫ال� � ��ذي ينبع م� � ��ن طلعتها‪ ،‬أناقتها الفريدة‪ ،‬اجلس� � ��م‬ ‫املنطلق الفنان امل َّيال إل� � ��ى اإليقاع‪ ،‬الذي جعل أحد‬ ‫املوس� � ��يقيني يعلق على أن امللكة أظهرت نشازاً عن‬ ‫اإليقاع في رقصها قائ ً‬ ‫ال‪:‬‬ ‫«إذن اإليقاع هو املخطئ»‪.‬‬ ‫إن ما حولها يبعث على الضجر وامللل والرتابة‪،‬‬ ‫اخلدم واحلش� � ��م‪ ،‬النوم واالس� � ��تيقاظ‪ ،‬املناس� � ��بات‬ ‫واملراس� � ��م‪ ،‬إنها وس� � ��ط مس� � ��تنقع من الرس� � ��ميات‬ ‫والصم� � ��ت‪ ،‬ل� � ��ذا فقد كتبت ف� � ��ي يومياته� � ��ا وقتها‪:‬‬ ‫«الضجر يرعبني»‪.‬‬ ‫إنها حاملة‪ ،‬تخفق في قلبها أجنحة املرح والبهجة‬ ‫واالنطالق‪ ،‬تتوق إلى املتعة والرقص والسهر والفن‬

‫ممر املرايا في قصر فرساي‬ ‫‪58‬‬

‫‪10/10/16 8:31:21 AM‬‬

‫العدد ‪ - 696‬نوفمبر ‪2016‬‬

‫‪nov 56-61.indd 58‬‬


‫الكويت عاصمة الثقافة اإلسالمية ‪2016‬‬

‫الذهب مستخدم ًا في بناء املتحف‬

‫واملوسيقى‪ ،‬واألوبرا والصداقات املسلية‪ ،‬لذا طلبت‬ ‫من املل� � ��ك أن يبني له� � ��ا قرية بعيدة ع� � ��ن الفخامة‬ ‫الصارمة لقصر فرساي‪ ،‬فكان لها ما أرادت‪.‬‬ ‫وبن� � ��اء عل� � ��ى رغبته� � ��ا بن� � ��ت قص� � ��ر «تريانون»‬ ‫الصغير‪ ،‬بجدرانه الزهرية‪ ،‬وبساطته اآلسرة‪ ،‬وفيه‬ ‫كل شيء قريب إلى القلب‪ ،‬ويحوي كل ما حتتاج إليه‬ ‫ام� � ��رأة ت َّواقة إلى البهجة‪ ،‬الس� � ��رير اجلميل‪ ،‬وغرفة‬ ‫املوسيقى‪ ،‬وغرفة الزينة‪ ،‬وغير ذلك‪ ،‬وسط حديقة‬ ‫منمنمة هادئة‪.‬‬ ‫وقرب القصر املتواضع أرادت ماري أنطوانيت‬ ‫امللول� � ��ة بطبعه� � ��ا أن تروي عطش� � ��ها إلى البس� � ��اطة‬ ‫الريفي� � ��ة‪ ،‬فبن� � ��ت م� � ��زارع لألبقار واألغنام وش� � ��تى‬ ‫الطيور واحليوانات‪ ،‬وخصصت مس� � ��احات للزراعة‬ ‫والزهور‪ ،‬ومعبداً للحب‪ ،‬وجس� � ��وراً وقناطر خشيبة‬ ‫صغيرة‪ ،‬ثم دار أوبرا صغيرة تسع خمسني مشاهداً‬ ‫فق� � ��ط‪ ،‬والطريف أن امللكة نفس� � ��ها كانت متثل في‬ ‫بعض املسرحيات‪.‬‬ ‫لق� � ��د أحسس� � ��ت وأن� � ��ا أتن َقّل في قري� � ��ة ماري‬ ‫أنطواني� � ��ت أنني في قرية فرنس� � ��ية عادية‪ ،‬فمازال‬ ‫باس� � ��تطاعة الزائر أن يرى القري� � ��ة حافلة بالطيور‬ ‫واحليوانات واملزارع كما كانت في املاضي‪ ،‬فقط‪...‬‬ ‫صاحبة تلك القرية هي الغائبة الوحيدة عن املكان‪،‬‬ ‫لكنها حاضرة بقوة في أذهان الفرنسيني‪ ،‬إن لم أقل‬ ‫في أذهان املاليني في العالم‪.‬‬ ‫لقد أرادت ماري أنطوانيت أن تنتقم من حياتها‬ ‫الرس� � ��مية‪ ،‬فأرخت العنان لعواطفه� � ��ا وتصرفاتها‪،‬‬ ‫وراحت حتيا حياة ثانية‪ ،‬فتقضي يومها بني أصدقاء‬ ‫قرب سرير ماري أنطوانيت‬ ‫‪10/10/16 8:31:27 AM‬‬

‫انتقتهم ليخففوا عنها وحش� � ��ة اجلو العام‪ ،‬فترقص‬ ‫معهم وتغن� � ��ي‪ ،‬وتتعلم الع� � ��زف‪ ،‬وتنتقي اجلميل من‬ ‫املالبس واحللي‪ ،‬وتتجول في باريس‪ ،‬وس� � ��ط هتاف‬ ‫الن� � ��اس له� � ��ا ومحبتهم له� � ��ذه امللكة الش� � ��ابة املليئة‬ ‫باحليوية والطيبة‪.‬‬ ‫وال نعل� � ��م على نحو يقين� � ��ي حقيقة كل ما يقال‬ ‫عن هذه امللكة الشابة النمساوية األصل‪ ،‬هل ذهبت‬ ‫بعيداً ف� � ��ي العبث والفوضى إلى ح� � ��د التمادي في‬ ‫الن� � ��زوات الغريبة‪ ،‬أم أن كثيراً مما قيل ليس س� � ��وى‬ ‫ظلم مؤرخني‪ ،‬أعماهم احلقد عن اإلنصاف؟‬ ‫بعضهم يصف هذه امللكة بأش� � ��نع األوصاف‪...‬‬ ‫املستهترة التي كانت تقضي الليالي حتى الفجر في‬ ‫مالهي باريس‪ ،‬وتلعب القمار مع حفنة من حثاالت‬ ‫باريس‪ ،‬بينما امللك يغط في نومه‪ ،‬ويغض النظر عما‬ ‫يُش� � ��اع‪ ،‬بل يقف حيادياً أمام عالقة حبها بـالعشيق‬ ‫«فرسن» والشعب يعاني الظلم واجلوع‪.‬‬ ‫هي تبني ما تشاء‪ ،‬وتبعثر األموال الطائلة على‬ ‫املالبس واملجوهرات ورفاق الس� � ��وء‪ ،‬والفرنس� � ��يون‬ ‫يئنون من األلم والفقر‪ ،‬وفرنس� � ��ا تش� � ��كو اإلفالس‬ ‫والديون‪.‬‬ ‫واألخط� � ��ر م� � ��ن كل ذلك ما يقال ع� � ��ن خيانتها‬ ‫للملك ولألمانة ولفرنس� � ��ا أم� � ��ام أعدائها في ذلك‬ ‫احلني‪.‬‬ ‫بعضه� � ��م اآلخ� � ��ر حتدث ع� � ��ن ملكة ش� � ��جاعة‬ ‫وحكيمة‪ ،‬حتملت الكثي� � ��ر‪ ،‬وواجهت مصيرها بإباء‪،‬‬ ‫ولم تس� � ��مح لنفسها حلظة أن تبتذل نفسها في قول‬ ‫أو فعل‪ ،‬وهذا ما تش� � ��هد به محاكمتها التي صارت‬ ‫‪59‬‬

‫‪nov 56-61.indd 59‬‬


‫سرير ماري أنطوانيت كما قدم في أحد األفالم‬

‫ملكاً للتاريخ اآلن‪.‬‬ ‫ولع� � ��ل م� � ��ن اإلنص� � ��اف أن ننظ� � ��ر إل� � ��ى ماري‬ ‫أنطوانيت كواحدة من بني البش� � ��ر‪ ،‬فقد اضطربت‬ ‫حياته� � ��ا‪ ،‬وعصفت به� � ��ا زوابع احلياة والسياس� � ��ة‪،‬‬ ‫لكنه� � ��ا مع ذل� � ��ك تركت ما يدل على نوازع إنس� � ��انية‬ ‫رفيعة‪ ،‬فقصة حبها العجيبة واخلالدة لـ «فرس� � ��ن»‬ ‫النبيل الذي عمل املستحيل من أجلها بروح فروسية‬ ‫نادرة‪ ،‬تروي أس� � ��طورة س� � ��احرة من أساطير احلب‬ ‫والتضحية‪ ،‬ذلك احلبيب الذي لم تستطع أن تلتقي‬ ‫به إال قلي ً‬ ‫ال طوال حياتها‪ ،‬والذي ظل حياً في قلبها‪،‬‬ ‫وفياً‪ ،‬يعمل املستحيل إلنقاذ حياتها وهي في قبضة‬ ‫أعدائها‪ ،‬والتي قالت في رسالة له‪:‬‬ ‫«ال أمكنة وال بلدان واس� � ��عة تستطيع أن تفصل‬ ‫بني قلبينا»‪.‬‬ ‫والتي له وحده كتبت على خامتها‪:‬‬ ‫«كل شيء يقودني إليك»‪.‬‬

‫ملكة اآلالم‬

‫زلزال الثورة الفرنس� � ��ية (‪ 14‬يوليو ‪ )1789‬قلب‬ ‫‪60‬‬

‫‪10/10/16 8:31:30 AM‬‬

‫حياة ماري أنطوانيت رأس � � �اً على عقب‪ ،‬امللكة التي‬ ‫يقال إنها قالت عندما سألت ما الذي يريده الناس‬ ‫الذين يحاصرون قصر فرساي؟ فقيل لها‪ :‬يطالبون‬ ‫باخلبز‪ ،‬فقالت‪:‬‬ ‫ لم ال يأكلون البسكويت؟!‬‫وبغض النظر عن ذلك‪ ،‬فاحلقيقة اآلن أن ُه َّوة‬ ‫هائلة فصلت بني الش� � ��عب والقص� � ��ر‪ ،‬وأن من في‬ ‫القصر عجزوا عن إدراك مسيرة التاريخ‪ ،‬وح َّكموا‬ ‫مصاحله� � ��م الضيقة‪ ،‬وس� � ��ط غباء كبي� � ��ر ع َّبر عنه‬ ‫ش� � ��اعر فرنس� � ��ا الكبير جاك بريفير في قصيدته‬ ‫الس� � ��اخرة «العائالت الراقية» التي يعدِّ د فيها من‬ ‫لويس األول حت� � ��ى لويس الثامن عش� � ��ر فقط‪ ،‬ثم‬ ‫يأتي بقفلة ماهرة عندما يقول‪:‬‬ ‫«أي عائلة هذه‬ ‫العد للعشرين؟!»‬ ‫ال حتسن ّ‬ ‫وكان قبلها قد س� � ��خر من لويس الرابع عشر‬ ‫الذي لقب نفس� � ��ه «امللك الش� � ��مس» ف� � ��ي قصيدة‬ ‫طريفة هي «الكس� � ��وف»‪ ،‬فهذا امللك الذي حكم ‪72‬‬ ‫سنة ملكاً لفرنس� � ��ا قضى سنواته األخيرة مريضاً‪،‬‬ ‫العدد ‪ - 696‬نوفمبر ‪2016‬‬

‫‪nov 56-61.indd 60‬‬


‫الكويت عاصمة الثقافة اإلسالمية ‪2016‬‬ ‫يجلس على كرس� � ��ي مثقوب ليقضي حاجته‪ ،‬لهذا‬ ‫يقول بريفير‪:‬‬ ‫«في العتمة‬ ‫نهض امللك الشمس‬ ‫وجلس على َم ْبولته‬ ‫ليختفي إلى األبد»‪.‬‬ ‫امللكية الفرنس� � ��ية لم تستطع االستمرار‪ ،‬ألنها‬ ‫افتق� � ��دت التالؤم مع اجلدي� � ��د‪ ،‬ومع مصالح القوى‬ ‫االجتماعي� � ��ة اجلديدة‪ ،‬وحاول� � ��ت أن حتافظ على‬ ‫العرش باالحتي� � ��ال واملماطلة والقم� � ��ع أمام حركة‬ ‫تاريخ ال يرحم صغيراً وال كبيراً‪.‬‬ ‫لكن مأساة ماري أنطوانيت كان لها بعد إنساني‬ ‫فاجع‪ ،‬فتقلّ ُ ُب مصيرها‪ ،‬وزواجها من ملك ضعيف‬ ‫مس� � ��لوب اإلرادة مش� � ��كوك في رجولت� � ��ه‪ ،‬وزواجها‬ ‫الذي لم يكن سوى صفقة سياسية بني خصوم‪ ،‬كل‬ ‫ذلك أوصلها إلى حياة شديدة االضطراب‪ ،‬خاصة‬ ‫حتصن‬ ‫أنها عاشت بعيدة عن التعليم الكافي‪ ،‬ولم‬ ‫ِّ‬ ‫تتوهج‬ ‫نفس� � ��ها باملعرفة‪ ،‬مع أن فرنسا وقتها كانت َّ‬ ‫بشتى األفكار واملعارف‪.‬‬ ‫أجل فاتها الكثير وسط الصخب الذي عاشته‬ ‫جسداً وروحاً‪ ،‬فلم تبصر ما حولها جيداً‪ ،‬وعندما‬ ‫كانت الثورة كارثة عليها‪ ،‬اس� � ��تيقظت لتجد نفسها‬ ‫انفض عنها أصفياء األمس بعد‬ ‫شبه وحيدة‪ ،‬وقد‬ ‫َّ‬ ‫أن تن َّعم� � ��وا بهباته� � ��ا‪ ،‬ثم اختفوا‪ ،‬ب� � ��ل بعضهم تن ّكرَ‬ ‫وانقلب‪ ،‬ول� � ��م جتد معها س� � ��وى عائلتها الصغيرة‪،‬‬ ‫واحلبيب البعيد «فرس� � ��ن»‪ ،‬حتى م� � ��ع هذه العائلة‬ ‫الصغي� � ��رة كان عليه� � ��ا أن تتحمل حت� � ��ى اللحظات‬ ‫األخيرة زوجاً مسلوب اإلرادة والكرامة‪ ،‬قادراً على‬ ‫أن يفكر في الطعام بنهم‪ ،‬ويتناوله بش� � ��راهة حتى‬ ‫وهو في السجن أو احملكمة!‬ ‫ف� � ��ي ه� � ��ذه املرحل� � ��ة الت� � ��ي اس� � ��تمرت عامني‬ ‫اس� � ��تيقظت امللكة دفعة واح� � ��دة‪ ،‬وانقلبت طباعها‪،‬‬ ‫فصارت جدية متماس� � ��كة‪ ،‬وأخذت تفكر بعقالنية‬ ‫وعمق‪ ،‬وأثبتت نب ً‬ ‫ال مؤثراً في أثناء املآزق التي مرت‬ ‫بها‪ ،‬من احلجز‪ ،‬إلى محاوالت الهرب‪ ،‬واحملاكمة‪،‬‬ ‫وأخيراً وهي تتوجه إلى املقصلة‪.‬‬ ‫فقدت م� � ��اري أنطوانيت ولديه� � ��ا بعد الثورة‪،‬‬ ‫ثم تنقلت بني س� � ��جون عدة‪ ،‬والقت ألواناً من الذل‬ ‫واله� � ��وان واملس� � ��اومات‪ ،‬كان أقس� � ��اها إبعادها عن‬ ‫قرب سرير ماري أنطوانيت‬ ‫‪10/10/16 8:31:36 AM‬‬

‫ابنها وابنتها‪ ،‬بعدها س� � ��جنها ف� � ��ي زنزانة انفرادية‬ ‫في س� � ��جن «الكونسيرجي» وبحراس� � ��ة استثنائية‪،‬‬ ‫حيث قضت فيه ‪ 77‬يوماً‪ ،‬ثم محاكمتها املذلة التي‬ ‫لفقت لها فيها أمور متس أقدس مشاعر األمومة‪،‬‬ ‫وتعال‬ ‫فواجه� � ��ت كل ذل� � ��ك به� � ��دوء ونبل وتس� � ��امح‬ ‫ٍ‬ ‫مدهش‪ ،‬فكتبت في رسالتها األخيرة إلى وحيدها‪،‬‬ ‫وهي مبنزلة وصية‪:‬‬ ‫«ال حتاول الثأر ملوتنا أبد ًا‬ ‫إنني أغفر ألعدائي كل إساءاتهم إلي»‪.‬‬ ‫ومن مكر التاريخ اجلميل أن يس� � ��تطيع الرسام‬ ‫الفرنس� � ��ي الكبير ألفونس فرانس� � ��وا رسم الصورة‬ ‫األخي� � ��رة مل� � ��اري أنطوانيت‪ ،‬فترك لن� � ��ا لوحة فنية‬ ‫باه� � ��رة‪ ،‬حتمل ف� � ��ي تفاصيله� � ��ا كثيراً م� � ��ن الدقة‬ ‫والعمق والش� � ��فافية والش� � ��جن التع‪w‬بيري َّ‬ ‫األخاذ‪،‬‬ ‫حيث اس� � ��تطاع ألفونس أن يسبر كثيراً مما يوحي‬ ‫ب� � ��ه وجه قبل مغادرته دني� � ��ا حملت كثيراً من اآلالم‬ ‫واألسرار‪.‬‬ ‫لقد وصلتنا من قبل لوحات قليلة لها‪ ،‬رس� � ��م‬ ‫معظمها مولر‪ ،‬ولوحة غير مكتملة رس� � ��مها الفنان‬ ‫كوشارس� � ��كي‪ ،‬ألنها حاولت في حينه� � ��ا الفرار من‬ ‫فرنس� � ��ا عبر «فارين» ع� � ��ام ‪ 1790‬وكان عمرها في‬ ‫ذلك الوقت ‪ 37‬عاماً‪.‬‬

‫حتت شفرة املقصلة‬

‫لق� � ��د اقتيدت م� � ��اري أنطوانيت عل� � ��ى عربة‪،‬‬ ‫بعد أن حرص� � ��ت أن تلبس بأناقة‪ ،‬ولم تُظهر أدنى‬ ‫خوف أو ضعف‪ ،‬بل و َّدعت حراس� � ��ها بحب َ‬ ‫وش َمم‪،‬‬ ‫وعندم� � ��ا انطلقت بعربتها احملروس� � ��ة جيداً‪ ،‬كانت‬ ‫تتلقى شتائم الناس بصمت وكبرياء‪ ،‬وهي مكتوفة‬ ‫اليدين إلى اخللف‪ ،‬ومربوطة بسلس� � ��لة ميسك بها‬ ‫حارس قوي‪ ،‬حتى وصلت إلى س� � ��احة الكونكورد‪،‬‬ ‫حيث نُ ِصبت املقصلة‪ ،‬وكانت ش� � ��امخة الرأس‪ ،‬ثم‬ ‫أمروها بخش� � ��ونة‪ ،‬فركعت عندها‪ ،‬فقصوا شعرها‬ ‫م� � ��ن اخللف‪ ،‬ثم هوت املقصل� � ��ة لتفصل رأس ملكة‬ ‫فرنسا عن جسدها‪.‬‬ ‫لعل ف� � ��ي ذلك نهاية ألملها ال� � ��ذي ظلت تراكمه‬ ‫خالل سنتني من الذل واخلوف والقلق واملصائب‪،‬‬ ‫ثم لتنطلق بعد ذلك مئات الروايات عنها‪ ،‬مخلوطة‬ ‫باحلقيقة واخليال والكذب كعادة التاريخ دوماً! >‬ ‫‪61‬‬

‫‪nov 56-61.indd 61‬‬


‫شخصيات‬

‫رائد الدراسات النفسية واالجتماعية‬ ‫د‪ .‬مصطفى سويف‪ ...‬وداع ًا‬ ‫د‪ .‬محمد فتحي فرج‬

‫كاتب من مصر‬

‫رحل ع���ن دنيانا أخي���راً العالَّمة الدكتور‬ ‫مصطفى سويف (‪ 17‬يوليو ‪27 /1924‬‬ ‫يوني���و ‪ ،)2016‬أحد ال���رواد البارزين على‬ ‫مستوى الوطن العربي في الدراسات‬ ‫النفسية واالجتماعية‪ ،‬وأحد المفكرين‬ ‫الع���رب والمتخصصي���ن العالميي���ن‬ ‫المهتمين بقضاي���ا المجتمع العربي‬ ‫واإلنسان بشكل عام‪.‬‬

‫كان للدكت� � ��ور س� � ��ويف بع� � ��ض احمل� � ��اوالت ف� � ��ي‬ ‫املج� � ��االت اإلبداعي� � ��ة كالش� � ��عر والقص� � ��ة القصيرة‬ ‫والرواي� � ��ة واملقالة‪ ،‬نش� � ��ر بعضها وأحجم عن نش� � ��ر‬ ‫بعضه� � ��ا اآلخ� � ��ر‪ ،‬وانتابته نوبات م� � ��ن التردد بني أن‬ ‫يكرس نش� � ��اطه في هذه املج� � ��االت اإلبداعية‪ ،‬أو أن‬ ‫يتوجه كلية إلى اجلانب العلمي األكادميي‪ ،‬حيث إن‬ ‫هذا التشتت والتردد بني املجالني لن يؤديا إلى نتائج‬ ‫فص َّح عز ُمه على‬ ‫ُم ْرضية متميزة من وجه� � ��ة نظره‪َ ،‬‬ ‫ً‬ ‫أن يدير ظهره للجان� � ��ب األول ليتفرغ متاما للجانب‬ ‫العلم� � ��ي‪ ،‬وهذا عل� � ��ى النقيض مما صنع� � ��ه ُمجايله‬ ‫وزميله في اجلامعة وفي القسم ذاته أنيس منصور‪،‬‬ ‫فض� � ��ل الصحافة واملجاالت اإلبداعية‪ ،‬وإن لم‬ ‫الذي َّ‬ ‫َ‬ ‫يطلِّق الفلس� � ��فة والدراسات النفس� � ��ية طالقاً بائناً‪،‬‬ ‫فظهرت في بعض كتاباته بعد ذلك‪.‬‬ ‫وفي هذا يقول د‪ .‬سويف في مدونته حول فترة‬ ‫«واجهت في مرحلة معينة من منوي‬ ‫تكوينه العلمي‪:‬‬ ‫ُ‬ ‫‪62‬‬

‫‪10/10/16 8:32:10 AM‬‬

‫العقلي صراعاً بني ميولي األدبية واملس� � ��يرة البحثية‬ ‫الت� � ��ي نويت أن أختطها‪ ،‬وكنت إذ ذاك في التاس� � ��عة‬ ‫عش� � ��رة أو العشرين من عمري‪ ،‬وش� � ��عرت حينذاك‬ ‫أي من املجالني‬ ‫أنني قد ال أس� � ��تطيع أن أمتيز ف� � ��ي ٍّ‬ ‫ً‬ ‫في الوقت ال� � ��ذي كنت فيه أيضاً خائفا من إس� � ��اءة‬ ‫االختيار بينهما‪ .‬وقد أنهيت هذا التردد وهذا اخلوف‬ ‫وقضيت على هذه األزمة قضاء ُمبرماً‪ ،‬حيث جمعت‬ ‫أمري على أن أكرس نش� � ��اطي اإلبداعي كله للبحث‬ ‫أحصن نفس� � ��ي ض� � ��د االنتكاس في‬ ‫العلم� � ��ي‪ ،‬ولكي‬ ‫ِّ‬ ‫هذا األمر‪ ،‬فقد جمعت كل ما أنتجت باس� � ��م اإلبداع‬ ‫األدبي وأحرقته‪ ،‬وكانت النتيجة أنني لم أنتكس بعد‬ ‫ذلك أبداً»‪.‬‬ ‫ولكن‪ ،‬هل اس� � ��تطاع الرجل حقاً أن يخرج متاماً‬ ‫من عباءة األدب ويطلقه ‪ -‬كما يقولون ‪ -‬إلى األبد؟‬ ‫أعتقد أن اختياره أول� � ��ى خطواته في مجال البحث‬ ‫العلمي النفسي قد وضعه مرة أخرى ‪ -‬سواء بقصد‬ ‫العدد ‪ - 696‬نوفمبر ‪2016‬‬

‫‪nov 62-66.indd 62‬‬


‫أو دون قص� � ��د ‪ -‬في مج� � ��ال األدب واإلبداع األدبي‬ ‫م� � ��رة أخرى! بل إنه غاص ف� � ��ي بحور اإلبداع الفني‪،‬‬ ‫خاصة في مجال الش� � ��عر‪ ،‬حينما اختاره في دراسته‬ ‫لني� � ��ل درج� � ��ة املاجس� � ��تير ‪ -‬وهي أول� � ��ى اخلطوات‬ ‫اجلادة ف� � ��ي دروب البحث العلم� � ��ي الطويلة ‪ -‬حتت‬ ‫عنوان «األسس النفس� � ��ية لإلبداع الفنِّي في الشعر‬ ‫خاصة» (التي أعدها للنشر على هيئة كتاب ظهرت‬ ‫طبعته األولى عن دار املعارف سنة ‪ ،)1951‬ليكشف‬ ‫لنا ع� � ��ن دور العامل االجتماعي ف� � ��ي تكوين اإلطار‬ ‫الذي يضم نش� � ��اط املبدع ويوجهه‪ ،‬كما كش� � ��ف في‬ ‫هذه الدراس� � ��ة عن الصراع النفس� � ��ي الذي يتمخض‬ ‫ع� � ��ن اإللهام واإلبداع الفن� � ��ي‪ .‬ولهذا ال نفاجأ حينما‬ ‫يتحمس أس� � ��تاذه د‪ .‬يوس� � ��ف مراد إلطرائه وتقديره‬ ‫في تقدميه للكتاب على ه� � ��ذا النحو‪« :‬هذه محاولة‬ ‫ُمخلصة ق� � ��ام بها بتوفيق عظي� � ��م تلميذي وصديقي‬ ‫األستاذ مصطفى سويف‪ ...‬وأود أن أقرر أن املؤلف‬ ‫أعد نفس� � ��ه أحس� � ��ن إعداد للقيام بهذا البحث؛‬ ‫قد َّ‬ ‫إذ إنه جمع بني ثقافة فلس� � ��فية عميقة وثقافة أدبية‬ ‫اجتماعية واس� � ��عة‪ ،‬هذا فض ً‬ ‫ال عما ميتاز به أسلوبه‬ ‫الفكري من نظام ووضوح وتدقيق‪ ،‬كل هذا في ضوء‬ ‫منهج جتريبي موجه»‪.‬‬

‫تأسيس أكادميية الفنون‬

‫ولهذا أيضاً فحينما أرادت الدولة املصرية إنشاء‬ ‫أكادميي� � ��ة للفنون جلأت إلي� � ��ه‪ ،‬فانتدبته من اجلامعة‬ ‫لتأسيس هذه األكادميية‪ ،‬وكان أول مدير لها بناء على‬ ‫ما قام به من دراس� � ��ات وبحوث وإشراف على رسائل‬ ‫للماجس� � ��تير والدكتوراه حول أسس اإلبداع الفني في‬ ‫مختلف الفن� � ��ون واآلداب‪ ،‬كالرواية والقصة القصيرة‬ ‫واملسرح والفنون البصرية والتشكيلية املختلفة‪ ،‬وكيفية‬ ‫تأثير الس� � ��ياق النفس� � ��ي االجتماعي عل� � ��ى العمليات‬ ‫اإلبداعية‪ ،‬وإذا ما كان ثمة ارتباط بني كل من اإلبداع‬ ‫وامل� � ��رض العقلي‪ ،‬وهل توجد حقاً ثمة عالقة أو فروق‬ ‫بني اجلنسني في القدرات الفنية واإلبداعية؟ السيما‬ ‫أنه كانت هناك آراء ذائعة حول هذا املوضوع األخير‪،‬‬ ‫كان يثيره� � ��ا بني وق� � ��ت وآخر األس� � ��تاذ العقاد‪ ،‬رحمه‬ ‫الله‪.‬‬ ‫اهتم د‪ .‬سويف في هذه املرحلة املبكرة من حياته‬ ‫بجانبني‪ ،‬أولهما فن املوسيقى والغناء‪ ،‬حيث دأب على‬ ‫‪64‬‬

‫‪10/10/16 8:32:16 AM‬‬

‫االس� � ��تماع إلى من� � ��اذج متميزة منها‪ ،‬كم� � ��ا حاول تعلُّم‬ ‫الع� � ��زف على آلة «املاندولني»‪ .‬أم� � ��ا اهتمامه بالثقافة‬ ‫العامة فكان دافعه إليه ما وجده في مكتبة والدته من‬ ‫نفائ� � ��س الكتب األدبية في املج� � ��االت املختلفة‪ ،‬فأقبل‬ ‫عل� � ��ى قراءتها بنهم‪ ،‬حتى أنه كان يخلو بنفس� � ��ه أوقاتاً‬ ‫طويلة ملزاولة هذه الهواية املفيدة‪.‬‬ ‫وق� � ��د حدث أمر آخر ع� � ��ام ‪ 1940‬كان له أثره في‬ ‫بقية حياته‪ ،‬الس� � ��يما في املجاالت البحثية واملعرفية‪،‬‬ ‫فق� � ��د أعلنت وزارة املعارف عن مس� � ��ابقة أدبية‪ ،‬حدد‬ ‫القائمون عليها مجموعة من الكتب األدبية والثقافية‬ ‫العامة‪ ،‬يطلع عليها املتسابق ثم ميتحن فيها‪ .‬وقد لقي‬ ‫تش� � ��جيعاً هائ ً‬ ‫ال خاصة من والدت� � ��ه‪ ،‬على اجتياز هذه‬ ‫املس� � ��ابقة التي حصل بها عل� � ��ى نصف مجانية تعليمه‬ ‫اجلامعي مع مجموعة من الكتب القيمة ممهورة بإهداء‬ ‫من وزير املعارف نفسه ‪ -‬وهو د‪ .‬محمد حسني هيكل‬ ‫القانوني واألديب واملؤرخ اإلسالمي املعروف آنذاك ‪-‬‬ ‫مع متنياته له بالتأليف النافع في املستقبل‪.‬‬ ‫ومن� � ��ذ ذلك الوق� � ��ت تفتحت مدارك� � ��ه على أهمية‬ ‫القراءة‪ ،‬وخط� � ��ورة الكتاب بوصفه ناف� � ��ذة على عالم‬ ‫مثير غيْر العالم الواقعي الذي يعيش� � ��ه ويتعامل معه‪،‬‬ ‫مما أضفى عليه إحساس � � �اً قوياً بأهمية الكتاب ودوره‬ ‫كوسيلة ينفذ من خاللها إلى عالم آخر أكثر بهاء وثراء‬ ‫ومثالية‪.‬‬

‫الطريق األكادميي‬

‫تخرج د‪ .‬سويف عام ‪ 1945‬في قسم الفلسفة‬ ‫بكلية اآلداب جامع� � ��ة القاهرة (جامعة فؤاد األول‬ ‫آن� � ��ذاك) وكان أول دفعت� � ��ه‪ ،‬ليب� � ��دأ مرحل� � ��ة مهمة‬ ‫وهي اختيار تخصص علم النفس الذي س� � ��يكرس‬ ‫له نش� � ��اطه العلمي والفك� � ��ري بقية عمره‪ ،‬فحصل‬ ‫فيه على درجتي املاجستير والدكتوراه من جامعة‬ ‫القاهرة‪ ،‬ثم على دبلوم علم النفس اإلكلينيكي‪ ‬من‬ ‫جامعة لندن‪ ،‬ثم ش� � ��غل منصب أس� � ��تاذ بقسم علم‬ ‫النف� � ��س بكلي� � ��ة اآلداب جامعة القاه� � ��رة‪ ،‬ثم عمل‬ ‫رئيس � � �اً لقس� � ��م الدراس� � ��ات الفلس� � ��فية والنفسية‬ ‫بالكلي� � ��ة عامي ‪ 1973‬و‪ ،1974‬وهو أيضاً مؤس� � ��س‬ ‫قس� � ��م علم النفس بالكلية‪ ،‬وأول رئيس له (في ما‬ ‫بني عامي ‪ 1974‬و‪ .)1984‬وق� � ��د دعي باحثاً زائراً‬ ‫مبعهد الطب النفسي بجامعة لندن‪ ‬فيما بني سنتي‬ ‫العدد ‪ - 696‬نوفمبر ‪2016‬‬

‫‪nov 62-66.indd 64‬‬


‫الكويت عاصمة الثقافة اإلسالمية ‪2016‬‬ ‫‪ 1963‬و‪ ،1964‬كما دعي أس� � ��تاذاً زائراً بجامعة لند‬ ‫بالسويد سنة ‪.1972‬‬ ‫وق� � ��د ترك لنا الرجل ذخي� � ��رة علمية هائلة متثلت‬ ‫في املؤلف� � ��ات الرائدة في مجال علم النفس اإلبداعي‬ ‫واالجتماع� � ��ي التكاملي‪ ،‬إضافة إل� � ��ى بحوثه ومؤلفاته‬ ‫الرائ� � ��دة في مجال اإلدمان عل� � ��ى املخدرات وغيرها‪،‬‬ ‫وطائفة أخرى من املؤلفات تعدت خمس� � ��ة عشر كتاباً‬ ‫سجل فيها خبراته ومذكراته وجتاربه في علم النفس‬ ‫والدراس� � ��ات االجتماعية مع سرد لس� � ��يرته ومسيرته‬ ‫ومعاجلاته ملش� � ��كالت مجتمعه خ� �ل��ال حياته الطويلة‬ ‫التي أشرفت على اثنني وتسعني عاماً‪.‬‬

‫منوذج مثالي ألستاذ اجلامعة‬

‫َم َّثل د‪ .‬س� � ��ويف بش� � ��خصيته وعلم� � ��ه والتزامه‬ ‫وأناقته ومهابته منوذجاً مثالياً ألستاذ اجلامعة الذي‬ ‫يحرص على أداء رس� � ��الته عل� � ��ى النحو الذي ينبغي‬ ‫أن يك� � ��ون عليه‪ ،‬وبالضوابط العلمية العاملية‪ ،‬قبل أن‬ ‫نعرف ما يسمى مبعايير وجلان اجلودة التي ظهرت‬ ‫وش� � ��اعت أخيراً بصورة ش� � ��كلية أكث� � ��ر منها حقيقة‬ ‫مؤكدة على أرض الواقع في جامعاتنا العربية‪.‬‬ ‫يقول عن� � ��ه واحد م� � ��ن تالميذه النجب� � ��اء‪ ،‬وهو‬ ‫العال� � ��م الترب� � ��وي الدكتور س� � ��عيد إس� � ��ماعيل علي‪:‬‬ ‫كان اللق� � ��اء األول به ع� � ��ام ‪ 1957‬على وجه التقريب‪،‬‬ ‫حيث كان يدرس لنا مقرر «علم النفس االجتماعي»‪،‬‬ ‫فش� � ��دتني إليه دقته وانضباط� � ��ه‪ ،‬وتعامله مع الوقت‬ ‫تعامل من يعتبره مورداً ال نستطيع تعويضه إن تفلت‬ ‫منا دون اس� � ��تثماره! كان الوقت املخصص للقائه بنا‬ ‫س� � ��اعة واحدة‪ ...‬وعند لقائه األول بنا فك س� � ��اعته‬ ‫من يده ووضعها أمام� � ��ه على املنضدة (وهو التقليد‬ ‫ال� � ��ذي ورثته عن� � ��ه م� � ��ن دون أن أدري) منبهاً لنا أنه‬ ‫س� � ��وف يشرح موضوع احملاضرة في عشرين دقيقة‪،‬‬ ‫ثم ميلي ما ش� � ��رحه في عش� � ��رين دقيق� � ��ة أخرى‪ ،‬ثم‬ ‫يخص� � ��ص عش� � ��ر دقائق ملن يريد أن يس� � ��أله في أي‬ ‫نقطة من نق� � ��اط احملاضرة‪ ،‬وبعد ذل� � ��ك‪ :‬إذا حاول‬ ‫أح� � ��د أن يتحدث إليه بعد احملاضرة‪ ،‬فلن يرد عليه!‬ ‫بهرني كتابه‪ ،‬الذي هو رس� � ��الته للدكتوراه «األس� � ��س‬ ‫النفس� � ��ية للتكام� � ��ل االجتماعي»‪ ،‬وهي فكرة س� � ��بق‬ ‫ألستاذه وأستاذي‪ ،‬د‪ .‬يوسف مراد أن كتبها في دراسة‬ ‫مبجلة علم النفس‪« ،‬وقد أش� � ��ار د‪ .‬سويف نفسه إلى‬ ‫د‪ .‬مصطفى سويف‪ ...‬وداع ًا‬ ‫‪10/10/16 8:32:19 AM‬‬

‫هذا في مقدمة كتاب� � ��ه ذاك»‪ ،‬التي كانت تصدر عن‬ ‫جماع� � ��ة علم النفس التكاملي‪ .‬وكان د‪ .‬س� � ��ويف قد‬ ‫اتف� � ��ق مع زوجته ‪ -‬األس� � ��تاذة أيض� � ��ا بالكلية ‪ -‬على‬ ‫أن يس� � ��جال كل صغيرة وكبيرة تتصل بنمو طفلتهما‪،‬‬ ‫وتطورها من قطب الـ«أنا» إلى قطب الـ«نحن» دقيقة‬ ‫بدقيقة‪ ،‬حيث كان تس� � ��جيل املالحظات يعتمد فقط‬ ‫على ما كان متاحاً‪ :‬الورقة والقلم! ومن ث َّم كان اسم‬ ‫االبنة «أهداف»‪ ،‬حيث شكلت بالفعل هدف البحث!‬ ‫وصارت في ما بعد أديبة عاملية في اململكة املتحدة‪،‬‬ ‫وهي صاحب� � ��ة رواية «خارطة احل� � ��ب»‪ ،‬وغيرها من‬ ‫أعمال إبداعية رائعة‪.‬‬ ‫ث� � ��م يقول د‪ .‬س� � ��عيد علي‪ :‬حينم� � ��ا تخرجت في‬ ‫اجلامع� � ��ة كانت أمنيت� � ��ي أن أتتلمذ عل� � ��ى يديه في‬ ‫علم النفس االجتماعي‪ ،‬فأرس� � ��لت إليه خطابا على‬ ‫عنوان س� � ��كنه‪ ،‬حيث كان يس� � ��كن بالقرب من ميدان‬ ‫العتبة بالقاهرة‪ ،‬في ذل� � ��ك الوقت‪ ...‬وفوجئت برده‬ ‫على رس� � ��التي بدعوتي إلى زيارته‪ ،‬ومت ذلك بالفعل‪،‬‬ ‫وحدثته ع� � ��ن أمنيتي بالتعيني معيداً‪ ،‬حيث كنت أول‬ ‫دفعتي‪ ...‬ومع األس� � ��ف لم أتابع التواصل معه‪ ،‬حيث‬ ‫كنت قد بدأت أغرق في بحر التربية وأصولها!‬ ‫كما كان الرجل أيضاً منوذجاً ملا ينبغي أن يكون‬ ‫عليه أس� � ��تاذ اجلامعة البحاثة في سعة اطالعه في‬ ‫دائرة تخصصه على كل جدي� � ��د يطرأ في املجاالت‬ ‫البحثي� � ��ة الت� � ��ي يرتادها‪ ،‬وال أدل عل� � ��ى هذا من أنه‬ ‫ال ينفض يده من البح� � ��وث التي أجنزها مبجرد أن‬ ‫تخ� � ��رج إلى النور على هيئة بحث أو مؤ َّلف أو كتاب‪،‬‬ ‫ولكن إذا ما ُطلِب إليه إعادة طبع هذا املؤلف أو ذاك‬ ‫ ألهميته وإقبال الباحثني عليه ‪ -‬فإنه يعيد النظر‬‫فيه من جديد بعني الباحث املدقق؛ ليتعهده بالتنقيح‬ ‫واإلضافة حتى يتماش� � ��ى ويتالءم مع ما استجد من‬ ‫بحوث ونظريات وآراء حديثة في الفترة الزمنية بني‬ ‫طبعته الس� � ��ابقة وطبعته الالحقة‪ ،‬فال يكتفي كغيره‬ ‫بتغيي� � ��ر تاريخ الطبْع‪ ،‬ولكن� � ��ه يعيد النظر مرة أخرى‬ ‫في املنت‪ ،‬وقد يضيف ملحقاً يتضمن ما استجد من‬ ‫بحوث ونظريات ومؤلفات في هذا الصدد‪ .‬كما كان‬ ‫الرجل قارئاً ُطلعة بشكل عام‪ ،‬وفي مجال تخصصه‬ ‫على وجه اخلصوص‪ ،‬فحينما يصدر كتاب أو مؤلف‬ ‫ذو ب� � ��ال فال ميض� � ��ي وقت طويل حتى يق� � ��رأه قراءة‬ ‫مس� � ��توعبة ليعرضه ف� � ��ي أول فرصة س� � ��انحة‪ ،‬مثل‬ ‫‪65‬‬

‫‪nov 62-66.indd 65‬‬


‫كتاب «نظري� � ��ة املجال في الدراس� � ��ات االجتماعية»‬ ‫ملؤلفه ك� � ��ورت ليفني‪ ،‬الذي عرضه بعد ظهوره بوقت‬ ‫قصير في «الكتاب الس� � ��نوي لعلم النفس» الذي كان‬ ‫يشرف على إصداره د‪ .‬يوسف مراد‪.‬‬

‫سويف والشأن العام‬

‫أما اهتمامه بالثقافة العامة ومش� � ��كالت املجتمع‬ ‫والش� � ��أن الوطني العام‪ ،‬فأم� � ��ر دأب عليه الرجل منذ‬ ‫بداي� � ��ة حيات� � ��ه العملية؛ وله� � ��ذا فقد كان� � ��ت مجاالته‬ ‫البحثية وثيقة الصلة بالظواهر واملشكالت امللحة في‬ ‫مصر واملنطقة العربية‪ ،‬والعمل على د ْر ِس� � ��ها وبحثها‬ ‫في دراس� � ��ات نفس� � ��ية منظمة كاإلبــــداع والشخصية‬ ‫واألم� � ��راض النفس� � ��ية ومش� � ��كالت تعاط� � ��ي الكحول‬ ‫واملخدرات في ش� � ��رائح مجتمعية مختلفة‪ ،‬إلى غيرها‬ ‫من دراسات‪.‬‬ ‫وأما ما لم يتناوله من بعض املشكالت األخرى ‪-‬‬ ‫التي لم يجد من اجلهد والوقت ما يس� � ��عفه إلجنازها‬ ‫أو اإلش� � ��راف على دراس� � ��تها ‪ -‬فقد يثيرها ويناقشها‬ ‫في مقاالته التي دأب على نش� � ��رها بانتظام في مجلة‬ ‫اله� �ل��ال املصرية ف� � ��ي ثمانينيات وتس� � ��عينيات القرن‬ ‫املاضي‪.‬‬ ‫ويذ ِّك ُرنا ه� � ��ذا مبا ذكره عنه تلميذه األس� � ��تاذ د‪.‬‬ ‫فيص� � ��ل يونس ‪ -‬أس� � ��تاذ علم النف� � ��س املتفرغ بآداب‬ ‫القاه� � ��رة ‪ -‬حينما قال‪ :‬امل� � ��رة األولى التي رأيت فيها‬ ‫د‪ .‬سويف كانت أواخر عام ‪ ،1969‬وكنت يومها طالباً‬ ‫بقسم «الفلسفة وعلم النفس» بجامعة القاهرة‪ ،‬وكنت‬ ‫مشغوفاً بفلسفة العلم وبالوضعية املنطقية على وجه‬ ‫التحديد‪ ،‬وكنت قد التحقت بقس� � ��م الفلس� � ��فة طمعاً‬ ‫في دراس� � ��ة عميقة لفلسفة العلم‪ .‬ولكن خابت آمالي‬ ‫حينما عرفت ما يدرس من فلس� � ��فة العلم آنذاك؛ إذ‬ ‫لم أجد أس� � ��تاذاً واحداً في القسم يتبنى االجتاهات‬ ‫الفلس� � ��فية الوضعية‪ ،‬بل على العك� � ��س فإن الكثيرين‬ ‫كان� � ��وا يس� � ��تبعدونها‪ ،‬ويقللون من قيمته� � ��ا‪ ،‬وكنت في‬ ‫حال� � ��ة من القلق والتبرم وع� � ��دم اليقني مما لم أخْ ِب ْره‬ ‫م� � ��ن قبل! وكان د‪ .‬س� � ��ويف آن� � ��ذاك مديرا ُم َؤ ِّسس � � �اً‬ ‫ألكادميي� � ��ة الفن� � ��ون بالندب من اجلامع� � ��ة‪ ،‬وذات يوم‬ ‫أخبرتنا األس� � ��تاذة الشابة التي تد ِّرس لنا «مدخل إلى‬ ‫علم النفس» أن أستاذها د‪ .‬مصطفى سويف سيزورنا‬ ‫اليوم‪ ،‬وس� � ��يحدثنا ع� � ��ن آفاق التخصص‪ ،‬واملش� � ��روع‬ ‫‪66‬‬

‫‪10/10/16 8:32:23 AM‬‬

‫امل ُ ْز َمع لفتح الدراس� � ��ة في ش� � ��عبة أكثر تخصصاً في‬ ‫عل� � ��م النفس‪ .‬وقد كانت فكرتي ع� � ��ن علم النفس في‬ ‫ذل� � ��ك الوقت ال تتجاوز ش� � ��ذرات قرأته� � ��ا عن فرويد‬ ‫والتحليل النفسي‪ ،‬وكان اعتقادي ‪ -‬بناء على توجهي‬ ‫الوضع� � ��ي املنطقي ‪ -‬أن هذا ليس عِ لماً؛ إذ ال يخضع‬ ‫للتجريب‪ ،‬وال ميكن تكذيبه‪ .‬دخل علينا األس� � ��تاذ في‬ ‫ذلك الصباح مهيباً أنيقاً‪ ،‬وبدأ حديثه عن ماهية علم‬ ‫النفس املعاصر‪ ،‬وكيف يفكر علماء النفس في سلوك‬ ‫الكائن احل� � � ّ�ي‪ ،‬وكيف يصلون إل� � ��ى نظرياتهم‪ ،‬وكيف‬ ‫يستطيع دارس الس� � ��لوك البشري أن يستخدم املنهج‬ ‫العلم� � ��ي بعناصره وش� � ��روطه ليصل إل� � ��ى فهم أعمق‬ ‫لهذا الس� � ��لوك‪ ،‬وأن ثمة شروطاً ينبغي أن تتوافر في‬ ‫الدارس اجلاد للتخصص‪ ،‬ومن أهمها وأولها التمكن‬ ‫من املنهج العلم� � ��ي بعنصريه الرئيس� � ��يني‪ :‬املالحظة‬ ‫املنظمة واالستنتاج املنظم‪ ،‬ثم الدافعية املرتفعة التي‬ ‫عت‬ ‫جتعل ُمحب العلم يستغنِي عما عداه‪ .‬وعندها و َق ُ‬ ‫في محبة علم النفس واألستاذ معاً‪ ،‬ومازلت‪ .‬فحينما‬ ‫تخرجت في اجلامعة في صيف ‪ 1972‬عملت فوراً مع‬ ‫د‪ .‬س� � ��ويف معيداً في مجال عل� � ��م النفس اإلكلينيكي‪،‬‬ ‫ألبدأ معه صحبة استمرت حتى وفاته‪.‬‬ ‫رجل في قامة د‪ .‬س� � ��ويف كان م� � ��ن الطبيعي أن‬ ‫يلق� � ��ى من وجوه التكرمي ما هو أه� � ��ل له‪ ،‬على الرغم‬ ‫من مواقف� � ��ه املُعارِ َ‬ ‫ضة‪ ،‬ووجهات نظ� � ��ره الناقدة التي‬ ‫لق� � ��ي من أجله� � ��ا االحت� � ��رام وإن لم تلق ه� � ��ذه اآلراء‬ ‫القبول التام؛ وله� � ��ذا فقد منحته مصر جائزة الدولة‬ ‫التقديرية في العلوم االجتماعية س� � ��نة ‪ .1989‬وسبق‬ ‫أن اختارت� � ��ه القيادة السياس� � ��ية لتأس� � ��يس ورئاس� � ��ة‬ ‫أكادميية الفنون مبصر‪ ،‬كما اختير مقرراً للجنة علم‬ ‫النفس باملجلس األعلى للثقافة‪ .‬واختير أيضا رئيساً‬ ‫ترأس‬ ‫للجمعي� � ��ة املصرية للدراس� � ��ات النفس� � ��ية‪ ،‬كما‬ ‫َ‬ ‫ك ً‬ ‫ال م� � ��ن‪ :‬البرنامج الدائم لبح� � ��وث تعاطي املخدرات‬ ‫باملرك� � ��ز القوم� � ��ي للبح� � ��وث االجتماعي� � ��ة واجلنائية‬ ‫مبصر‪ ،‬وجلنة املستشارين العلميني باملجلس القومي‬ ‫ملكافحة وعالج اإلدمان بها‪ .‬كما حصل على عضوية‬ ‫املجلس االستش� � ��اري الدولي لإلش� � ��راف على دبلوم‬ ‫الس� � ��لوك اإلدماني مبعه� � ��د الطب النفس� � ��ي بجامعة‬ ‫لندن‪ ،‬وعضوية جلنة اخلبراء الدائمة لبحوث تعاطي‬ ‫املخ� � ��درات مبنظمة الصحة العاملي� � ��ة‪ .‬وهذا قليل من‬ ‫كثير كان يستحقه مثل هذا الرجل ‪ -‬يرحمه الله >‬ ‫العدد ‪ - 696‬نوفمبر ‪2016‬‬

‫‪nov 62-66.indd 66‬‬


‫الكويت عاصمة الثقافة اإلسالمية ‪2016‬‬

‫وجه ًا لوجه‬

‫الطاهر لبيب‪ :‬هل انتهى‬ ‫دور المثقف في الحياة العربية؟‬ ‫ماجد السامرائي‬

‫كاتب وناقد من العراق‬

‫حي���ن أتحدث م���ع المفكر وعالم االجتماع التونس���ي الطاه���ر لبيب‪ ،‬أجد‬ ‫نفس���ي أتح���دث م���ع مثق���ف عرب���ي ذي رؤي���ة فكري���ة واضح���ة التوجهات‬ ‫خ���ص ه���ذا ال���دور‬ ‫بالنس���بة إل���ى الواق���ع‪ ،‬واإلنس���ان‪ ،‬وللمثق���ف دور‪ ،‬إن‬ ‫ّ‬ ‫بـ«عضوية الموقف» فإنه أراد للثقافة التي يُنتج أن تكون «ثقافة أس���ئلة»‬ ‫تواجه «ثقافة األجوبة» التي يجدها شائعة في واقعنا العربي‪.‬‬ ‫ثالث���ة مفكري���ن كب���ار كان له���م دور في مس���ارات الفك���ر والمعرفة التي‬ ‫سلكها الطاهر لبيب‪ ،‬هم‪ :‬لوسيان غولدمان وفرنان بروديل وروالن بارت‪.‬‬ ‫ّ‬ ‫األول أن���ار ل���ه مفاهيم علم االجتماع‪ ،‬والثاني‬ ‫أطل ب���ه على الكل ّيات في‬ ‫سياق الزمن الممتد‪ ،‬والثالث جعله يميل إلى معرفة مكتنزة بالمتعة‪.‬‬ ‫وفي ضوء هذا أسأل‪:‬‬

‫‪67‬‬

‫‪9/29/16 9:09:08 AM‬‬

‫‪nov 67-72.indd 67‬‬


‫إن قواميس الثقافة والفكر‬ ‫لم يعد صالح ًا منها ما‬ ‫صدر قبل ثالثين عام ًا‪ .‬الب ّد‬ ‫من إعادة تعريف األشياء‬ ‫وإكسابها بُعد ًا جديد ًا‪.‬‬

‫< أي ��ن جتد نفس ��ك اليوم مثقف� � ًا وصاحب‬ ‫دور ثقافي ‪ -‬مجتمعي؟‬ ‫ ليتن������ي أع������رف‪ .‬فالوضع العرب������ي تغ ّير‬‫بص������ورة مربكة للمثق������ف‪ ،‬وللفك������ر إجماالً إلى‬ ‫احلد الذي أصبح������ت معه االنتماءات القدمية‪،‬‬ ‫التي كنا نُوجدها ونصنف املثقف على أساسها‪،‬‬ ‫انتم������اءات مفككة‪ .‬إن االنتم������اءات القائمة على‬ ‫األص������ول االجتماعية‪ ،‬واألس������اس الطبقي‪ ،‬أو‬ ‫الفئ������وي‪ ،‬وعلى أصناف أخرى م������ن االلتزام لم‬ ‫تتفكك فحس������ب‪ ،‬وإمنا تش ّوهت إلى احلد الذي‬ ‫يصع������ب معه حتديد التماي������ز االجتماعي الذي‬ ‫ميكن أن يتموضع على ما كان له من أس������س‪...‬‬ ‫‪68‬‬

‫‪9/29/16 9:09:11 AM‬‬

‫باختص������ار‪ :‬هن������اك ضرب من الضي������اع لم يعد‬ ‫املثقف معه قادراً على أن يجد نفسه‪.‬‬ ‫لقد اعتدنا احلديث عن املثقف ودوره‪ .‬كان‬ ‫هذا في مرحلة أسند فيها هذا املثقف لنفسه‪ ،‬أو‬ ‫أسندت إليه أدوار‪ .‬إال أن هذه األدوار‪ ،‬حقيقية‬ ‫متوهمة‪ ،‬انتهت من بعد أن حسب هذا‬ ‫كانت أم‬ ‫َ‬ ‫املثقف‪ ،‬وعلى مديات من الزمن‪ ،‬أن له مثل هذه‬ ‫األدوار التي استغنت عنها‪ ،‬وعنه السلطة‪ .‬وأمام‬ ‫ه������ذا لم يجد‪ ،‬أو لم يعد أمام������ه إال أن مي ّر من‬ ‫تبي‬ ‫«موقع املفكر» إلى «العمل السياسي»‪ .‬لقد نّ‬ ‫ل������ه أن ما يقوم به فكري������اً ال يتحقق‪ ،‬بدرجة ما‪،‬‬ ‫حد كبير من خالل التخلص‬ ‫إال سياس������ياً‪ ،‬وإلى ّ‬ ‫من الفكر بذاته‪.‬‬ ‫وميكن القول‪ :‬إنه عاش‪ ،‬وواصل‪ ،‬متوهماً أن‬ ‫هذا الدور مازال له‪.‬‬ ‫تهم ��ش املثق ��ف‬ ‫�ذا‪،‬‬ ‫�‬ ‫ه‬ ‫ب‬ ‫�ك‪،‬‬ ‫< أال جت ��د نفس �‬ ‫ّ‬ ‫واقع ًا ودوراً؟‬ ‫ شيء من هذا القبيل‪.‬‬‫< إذن‪ ،‬ماذا أبقيتَ ‪ ،‬أو بقي‪ ،‬له؟‬ ‫ بق������ي له‪ ،‬وفق ما أرى‪ ،‬عمالن أساس������يان‬‫ومس������تعجالن‪ ،‬األول‪ :‬أن يُحاول‪ ،‬فكرياً‪ ،‬إيجاد‬ ‫خيوط التزال رابطة على الرغم من كل ما يبدو‬ ‫م������ن تفكك في املجتمع العربي‪ ،‬وذلك بافتراض‬ ‫�����د أدنى من‬ ‫أن وراء ه������ذا التف������كك الي������زال ح� ّ‬ ‫التماسك‪ .‬والثاني هو محاولة إعادة املعاني إلى‬ ‫األشياء‪ ،‬وبالتالي مواجهة الالمعنى الذي يسود‬ ‫اآلن في الثقافة العربية‪ ،‬ذلك أن األغلبية تقول‬ ‫بهذا من دون تردد‪ .‬تنت������ج الالمعنى‪ ،‬وتتداوله‪،‬‬ ‫أي إنها تتواطأ على الالمعنى‪.‬‬ ‫< ه ��ل أفهم مما تقول أنك ت ��رى أنه مازالت‬ ‫هناك إمكانية الس ��تئناف هذا املثقف دوره‪ .‬فإن‬ ‫كان‪ ،‬فمن أين ينبغي أن تكون البداية برأيك؟‬ ‫�����ت متأكداً من د ّقة كلمة «اس������تئناف»‪،‬‬ ‫ لس� ُ‬‫ألن������ي أرى أن املطلوب ليس االس������تئناف‪ ،‬وإمنا‬ ‫التش������ديد في القطيعة مع فك������ر املاضي‪ .‬وأنت‬ ‫تعرف أن مفه������وم «القطيعة» غير موجود عملياً‬ ‫في تاري������خ الثقافة العربية‪ ،‬لذلك جتد في هذه‬ ‫الثقافة‪ ،‬مبا في ذلك م������ا يُكتب اليوم‪ ،‬اختالط‬ ‫األزمن������ة وتداخلها‪ ،‬وكذلك األنس������اق الفكرية‪،‬‬ ‫العدد ‪ - 696‬نوفمبر ‪2016‬‬

‫‪nov 67-72.indd 68‬‬


‫الكويت عاصمة الثقافة اإلسالمية ‪2016‬‬ ‫فس������ر‪ ،‬على س������بيل املثال‪ ،‬اللجوء إلى‬ ‫وهذا ما يُ ّ‬ ‫املاضي‪ ،‬والتراث‪ ،‬واألصالة‪ ،‬والذاتية‪ ،‬والهوية‪،‬‬ ‫ّ‬ ‫يحف بذلك‪ ،‬حتى لو كان موضوع البحث‬ ‫وكل ما‬ ‫ً‬ ‫في احلداثة واملس������تقبل‪ ،‬لتش������عر أحيانا وكأن‬ ‫العربي ميش������ي القهقرى لي������رى ماضيه أمامه‪،‬‬ ‫«ماض‪/‬مستقبل»‪ ،‬أو «مستقبل‪/‬‬ ‫فهو دائماً أمام‬ ‫ٍ‬ ‫ماض»‪.‬‬ ‫ٍ‬ ‫< كأن ��ي ب ��ك تتمثل الواق ��ع العربي احلاضر‬ ‫ف ��ي حالتني‪ :‬حالة إف ��راغ ثقافة احلاضر من أي‬ ‫مضم ��ون بنّاء‪ ،‬أو إيجابي‪ ،‬وحال ��ة اليأس من أن‬ ‫ومغ ّير‪ ،‬ميكن أن يلعبه‬ ‫يكون للمثقف دور فاعل‪ُ ،‬‬ ‫في احلاضر‪.‬‬ ‫ً‬ ‫ ال‪ ...‬ليس يأس������ا‪ .‬أنا أرى أن بإمكان هذا‬‫املثق������ف أن يقوم ب������دور‪ ...،‬إذ اليزال هناك أمل‬ ‫ف������ي املثقف في أن يُعيد التماس������ك‪ ،‬ويس������تعيد‬ ‫املعاني فيعيدها إلى األشياء‪ ...‬ولكننا في واقع‬ ‫مح َبط‪ ،‬مع أن إحباط الواقع ال يعني اس������تحالة‬ ‫تغييره‪ ...‬إمن������ا األمر‪ ،‬كما أراه‪ ،‬بخالف ذلك‪...‬‬ ‫فه������ذا اإلحباط قد يحمل معنى عدم الرضا‪ ،‬أو‬ ‫عدم القبول‪ ،‬وبذلك يكون حافزاً على التغيير‪.‬‬ ‫أنا أحتدث عن اإلحباط الفكري الذي يدفع‬ ‫إليه ما نراه من «س������ريالية» غير منتظرة‪ ،‬منها‪،‬‬ ‫على س������بيل املثال‪ ،‬هذا «السبيل الدموي» الذي‬ ‫يسلكه متطرفون في حياتنا اليوم‪.‬‬ ‫< كي ��ف متك ��ن ه ��ذا كل ��ه م ��ن ثقاف ��ة القرن‬ ‫احل ��ادي والعش ��رين التي كان منتظ ��ر ًا أن تؤلف‬ ‫قوة إيجابية جديدة أكبر فع ً‬ ‫ال وأقوى تأثيراً؟‬ ‫ّ‬ ‫ هذا هو الش������يء احملبِ ������ط‪ .‬إننا اليوم أمام‬‫ظواهر يصعب تفس������يرها فكرياً‪ .‬أليس ُمحبِ طاً‬ ‫أن جت������د «الظاهرة الداعش������ية» فئات عريضة‬ ‫حتتضنه������ا‪ ،‬وأن جتد الدعاة له������ا وهم يصولون‬ ‫ويجول������ون عل������ى الشاش������ات وأرض الواقع‪ ،‬وأن‬ ‫جتد الع ّرافني يوزعون على الناس مصائرهم مع‬ ‫اجلن والش������ياطني؟ أليس محبِ طاً أن ينتشر بني‬ ‫الناس أن األرض ال تدور؟ اإلحباط ليس في أن‬ ‫يُقال بذلك‪ ،‬بل في أن ينتشر بني الناس‪ ،‬ويكون‬ ‫موضع نقاش وجدال في «ثقافة الفيسبوك»‪.‬‬ ‫< ن ّبهن ��ا كثير ًا في تس ��عينيات القرن املاضي‬ ‫إل ��ى خط ��ر العومل ��ة الثقافي ��ة‪ .‬ولك ��ن يب ��دو أنها‬ ‫الطاهر لبيب‪ :‬هل انتهى دور املثقف في احلياة العربية؟‬ ‫‪9/29/16 9:09:13 AM‬‬

‫اليوم حتتاز دروب ًا أشد فتك ًا بالعقول مما كان‪.‬‬ ‫ أعتق������د أن إش������كالية العومل������ة مصطنعة‪،‬‬‫واملوقف الثقافي العرب������ي منها ليس قائماً على‬ ‫فه������م ميكانيزماتي‪ ،‬وإمنا ه������و نتيجة ردود فعل‬ ‫ثقافي ِص ْرف تتص������ل‪ ،‬على نحو خاص‪ ،‬بالهوية‬ ‫ضد‬ ‫والقيم‪ .‬ثم إن العوملة ليس������ت حرباً موجهة ّ‬ ‫مست املجتمعات‬ ‫العرب‪ ،‬وإمنا هي ظاهرة كونية ّ‬ ‫والثقافات بوجه عام‪ .‬أما االختالف في املوقف‬ ‫منها فهو وفق ثقة املجتمعات بنفسها‪ ،‬أو بدرجة‬ ‫اهتزازه������ا‪ .‬فالثقافة التي ال تثق بنفس������ها تأتي‬ ‫ردود فعله������ا على العوملة حادة‪ ،‬بينما تس������توعب‬ ‫الثقافة املس������تق ّرةُ العومل َة من دون ذلك التش������نج‬ ‫الثقافي العربي جتاهها‪.‬‬ ‫< ولكنن ��ا جند في بعض املجتمعات الغربية‬ ‫ردود فعل على العوملة قريبة‪ ،‬إن لم تكن متماثلة‬ ‫موقف ًا منها مع املوقف العربي‪.‬‬ ‫ م������ا يُثار م������ن ردود فعل جت������اه العوملة في‬‫املجتمعات الغربي������ة هو بحث عن دور فاعل في‬ ‫ه������ذه العوملة‪ .‬أما نحن ف���ل��ا نبحث عن موقع أو‬ ‫مهدد‪ .‬إن‬ ‫دور‪ ،‬لكنها ردود فعل من يش������عر بأنه ّ‬ ‫املوق������ف هنا ه������و دفاع عن ال������ذات وليس إثباتاً‬ ‫لل������ذات‪ .‬أما اجتماعياً‪ ،‬فم������ن الطبيعي أن تكون‬ ‫انعكاس������ات العوملة على تركيبة املجتمع العربي‬ ‫ذات أث������ر أكث������ر س������لبية منها عل������ى املجتمعات‬ ‫الغربية‪ ،‬نظراً لضعف املجتمع العربي من وجهة‬ ‫جيو ‪ -‬سياس������ية‪ .‬إن املجتم������ع العربي ضعيف‪،‬‬ ‫وعلى ذلك فهو يتلقى النتائج من دون أن يُشارك‬ ‫في صناعتها‪.‬‬ ‫< أن ��ا هن ��ا أح ��اور مفك ��راً‪ ،‬وعال ��م اجتم ��اع‪،‬‬ ‫ومثقف� � ًا تعني ��ه الثقاف ��ة ف ��ي ُبعده ��ا الفاع ��ل‪،‬‬ ‫ودورها التغييري‪ .‬ولذلك سأس ��ألك عن البديل‬ ‫كما تراه‪ ،‬أو يتعينّ عندك‪.‬‬ ‫احلد األدنى‬ ‫يعيش‬ ‫اليوم‬ ‫قلت إن املثق������ف‬ ‫ّ‬ ‫ ُ‬‫لدور املثقف مهما كانت ظروف املجتمع‪ ،‬وطبيعته‬ ‫معنى جديداً لألش������ياء‪.‬‬ ‫هو أن ينتج ثقافة حتمل‬ ‫ً‬ ‫إن قواميس الثقافة والفكر لم يعد صاحلاً منها‬ ‫البد من إعادة تعريف‬ ‫ما صدر قبل ثالثني عاماً‪ّ .‬‬ ‫األشياء وإكسابها بُعداً جديداً‪.‬‬ ‫< ه ��ل أنت بهذا الذي تذهب فيه تلغي حقباً‬ ‫‪69‬‬

‫‪nov 67-72.indd 69‬‬


‫العولمة ليست حرب ًا موجهة‬ ‫ضد العرب إنما هي ظاهرة‬ ‫كونية مست المجتمعات‬ ‫والثقافات بشكل عام‬

‫وتواريخ‪ ...‬أم‪...‬؟‬ ‫ ال‪ ...‬هن������اك ف������رق ب���ي��ن أن تك������ون هذه‬‫احلقب والتواريخ موضوع تفكير وتأويل وتفسير‬ ‫موجهة ل������ك ولفكرك‬ ‫جديدي������ن وب���ي��ن أن تكون ِّ‬ ‫(وه������ذا مطلوب)‪ ،‬ففي هذه احل������ال تكون عبئاً‬ ‫على الفكر‪.‬‬ ‫< ه ��ل تض ��ع له ��ذا أسس� � ًا فكري ��ة‪ ،‬أو‬ ‫منطلقات؟‬ ‫ م������ن الصعب أن أرس������م خطوط������اً وأضع‬‫منطلق������ات لصي������رورة مجتـــــم������ع‪ .‬هــــ������ذا عمل‬ ‫جماع������ي طويل امل������دى‪ .‬ولكن هناك ما يُش������به‬ ‫املس������لمات‪ ،‬عل������ى األقل بالنس������بة إل������ي‪ ،‬وأولى‬ ‫تبي من أن������ه ال مجال لبناء‬ ‫هذه املس������لمات ما نّ‬ ‫مجتمع متقدم وحديث من دون تصفية احلساب‬ ‫م������ع املاضي ‪ -‬أي إع������ادة النــــــظر فيه‪ ،‬وحتليله‬ ‫وفهــــم������ه لطرد كل ما ليس معق������والً وال ُمحفّزاً‬ ‫عل������ى الذهــــــاب نحو املس������تقبل‪ .‬بعبارة أخرى‪:‬‬ ‫التقدم‪ ،‬مبا‬ ‫تخليص الثقاف������ة من كل ما يعي������ق‬ ‫ّ‬ ‫في ذلك إعادة النظر في املقوالت الرائجة التي‬ ‫‪70‬‬

‫‪9/29/16 9:09:16 AM‬‬

‫ظاهرها العلم وباطنها اجلهل‪.‬‬ ‫القول بأنه ال مس������تقبل من دون ماض عب ٌء‬ ‫ُم ِ‬ ‫البت في ثنائيات عربية‬ ‫عطل يندرج ضمن هذا ّ‬ ‫شهيرة لم يستطع الفكر العربي االستغناء عنها‬ ‫وال إيج������اد حل������ول لها‪ ،‬وهي من ن������وع‪ :‬األصالة‬ ‫واملعاص������رة‪ ،‬الت������راث واحلداث������ة‪ ...‬إل������خ‪ .‬إنها‬ ‫ثنائيات معلّقة ترس������ل القول وتسيل احلبر من‬ ‫دون جدوى‪.‬‬ ‫املس������لمة الثانية ه������ي أال يكتفي املثقف مبا‬ ‫يراه‪ ،‬وإمنا يسعى إلى رصد املعنى الذي يُسنده‬ ‫الناس إل������ى أفعالهم‪ ،‬ويُع ّبر ع������ن ذلك بطريقة‬ ‫علمي������ة‪ .‬فاملفكر يس������ند املعاني إل������ى الظواهر‬ ‫الثقافي������ة جاع���ل�� ً‬ ‫معاني له������ذه الظواهر‪،‬‬ ‫ا منها‬ ‫َ‬ ‫لذل������ك تبقى أف������كاره خ������ارج‪ /‬أو موازية لرؤى‬ ‫الناس املعنيني مباش������رة بهذه الظواهرـ وهو ما‬ ‫فس������ر عدم تن ّبه املثقفني إلى بعض املنعطفات‬ ‫يُ ّ‬ ‫التاريخي������ة‪ ،‬وال يهتمون برص������د إرهاصاتها بني‬ ‫الناس‪.‬‬ ‫املس������لمة الثالثة‪ :‬إن م������ا وراء الظواهر من‬ ‫س������كون احلراك االجتماعي‪ ،‬أو تراجعه‪ ،‬هناك‬ ‫دائم������اً نبض خفي ف������ي املجتمع ق������د يكون من‬ ‫الصع������ب رصده ميداني������اً‪ ،‬ولكن������ه ال يُدرك إال‬ ‫باحل������دس التاريخ������ي‪ ،‬وهذا يعني ع������دم إمكان‬ ‫احلكم على مجتمع م������ا باجلمود وعدم التغ ّيُر‪.‬‬ ‫فهناك‪ ،‬كما نعل������م‪ ،‬حتوالت كبرى‪ ،‬مبا في ذلك‬ ‫ما كان منها في املجتمع‪ ،‬لم يتم التنبؤ بها‪.‬‬ ‫< منذ ما ُيقارب نصف القرن وأنت تش ��تغل‪،‬‬ ‫فكري� � ًا وثقافي� � ًا‪ ،‬ف ��ي ه ��ذا املج ��ال‪ ،‬وق ��د خبرته‬ ‫وتوصلتَ إلى كثير من أس ��راره‪ .‬فأين أنتَ اليوم‪،‬‬ ‫معطى ثقافي ًا وموقف ًا فكري ًا‪ ،‬من هذا كلّه؟‬ ‫ً‬ ‫أعد‬ ‫ ب������كل تواضع مطلوب وغي������ر مفتعل‪ّ :‬‬‫مهمتي األس������اس مهمة أستاذ جامعي‪ .‬وإذا كان‬ ‫لي أن آمل في ش������يء حتقق‪ ،‬بدرجة أو بأخرى‪،‬‬ ‫فه������و توجي������ه بعض طلبت������ي‪ ،‬على األق������ل‪ ،‬إلى‬ ‫مش������ارف لم تكن مطروقة من قبل‪ ،‬وال مألوفة‬ ‫في ذلك الوقت‪ ...‬س������واء جاء هذا في مستوى‬ ‫الرؤي������ة‪ ،‬أو في مس������توى املنه������ج‪ ،‬أو في اختيار‬ ‫املوضوعات األكث������ر إنتاجاً للمعنى اجلديد‪ .‬من‬ ‫العدد ‪ - 696‬نوفمبر ‪2016‬‬

‫‪nov 67-72.indd 70‬‬


‫الكويت عاصمة الثقافة اإلسالمية ‪2016‬‬

‫ذل������ك‪ ،‬على س������بيل املثال ال احلص������ر‪ ،‬وبدرجة‬ ‫أس������اس‪ :‬الربط التحليلي بني الفك������ر والواقع‪.‬‬ ‫بت ه������ذا الربط في ما‬ ‫وكنت ش������خصياً قد ج َّر ُ‬ ‫ُ‬ ‫كتبت في «سوسيولوجيا الغزل العربي»‪ ،‬ومن ثم‬ ‫ُ‬ ‫حاولت تقدميه بشكل مكثف في «سوسيولوجيا‬ ‫ُ‬ ‫الثقافة»‪ ،‬فض ً‬ ‫ال عن بعض األبحاث األخرى‪.‬‬ ‫خارج مج������ال التعليم اجلامعي من الصعب‬ ‫كتبت أث������ر ما‪ ،‬أو‬ ‫�����ي الق������ول ما إذا كان مل������ا‬ ‫ُ‬ ‫عل� َّ‬ ‫تأثير‪.‬‬ ‫أما إذا كان مطلوباً مني أن أق ّيم وضع الرؤى‬ ‫واملناهج التي اتبعت في الوقت الراهن‪ ،‬فإن ما‬ ‫حصل من تغيرات واس������عة وعميقة في املجتمع‬ ‫ضت هذه الرؤى‬ ‫العربي‪ ،‬وعلى صعيد كوني ع ّر ُ‬ ‫واملناهج إلى إعادة نظر قو ّية ومعروفة‪ ،‬خصوصاً‬ ‫ما اتصل منها بالفكر املعاصر‪ ،‬وبالفكر املاركسي‬ ‫حاولت‬ ‫والفك������ر القومي ‪ -‬وهما الفكران اللذان‬ ‫ُ‬ ‫الربط بينهما‪.‬‬ ‫< وأي ��ن جت ��د ك ً‬ ‫ال م ��ن الفكري ��ن مم ��ا نح ��ن‬ ‫علي ��ه الي ��وم؟ وه ��ل جت ��د أن ف ��ي مقدورهم ��ا‬ ‫استئناف الدور الذي كان لكل منهما في حياتنا‬ ‫املجتمعي ��ة والثقافي ��ة‪ ،‬أم أن هن ��اك أطروح ��ات‬ ‫مؤسس ��ة لفكر آخر ميكن‬ ‫جديدة ميكن أن تكون ِّ‬ ‫أن يحل محلهما‪ ،‬ويكون له دور مستقبلي؟‬ ‫�����ت تعلم أن مش������كالت الفك������ر العربي‬ ‫ أن� َ‬‫الكبرى تتركز في افتقاده إيقاع التطور املناسب‬ ‫للتغ ّي������ر االجتماعي واملعرفي مع������اً‪ .‬فنحن إزاء‬ ‫التغ ّي������ر االجتماعي الذي يحصل في املجتمعات‬ ‫األخرى ال نط ّور مناهجنا وآليات التحليل عندنا‬ ‫بالس������رعة املناسبة لهذا التغير‪ .‬لذا تبقى هناك‬ ‫مس������افة بني الواقع والقدرة على حتليله‪ ،‬وهذا‬ ‫بذاته يُعطي االنطباع بأن أغلب ما نقوله ونكتبه‬ ‫متخلف كثي������راً‪ ،‬أو متقدم عليه‪ ،‬وقد يجوز‪ ،‬من‬ ‫باب تق������دمي مثال عل������ى هذا‪ ،‬أن نذك������ر الفكر‬ ‫التقليدي م������ن ناحية‪ ،‬وبعض الفكر املاركس������ي‬ ‫م������ن ناحية أخرى‪ ...‬ففي كلت������ا احلالتني هناك‬ ‫تباعد وخلل في الربط ب���ي��ن الفكر والواقع‪ ،‬ما‬ ‫يعني ضرورة بناء نظرية‪ ،‬وتقدمي مناذج حتليلية‬ ‫جديدة تعتم������د الواقع االجتماعي التاريخي من‬ ‫الطاهر لبيب‪ :‬هل انتهى دور املثقف في احلياة العربية؟‬ ‫‪9/29/16 9:09:19 AM‬‬

‫غياب الحرية كثير ًا‬ ‫ما يُتخذ تبرير ًا لعجزنا‬ ‫الفكري‪ ...‬وكثير من‬ ‫النصوص المؤسسة في‬ ‫واقع غياب الحرية لم يمنعها‬ ‫القمع من الظهور‬

‫ناحية‪ ،‬وتقدم املعرفة من ناحية أخرى‪.‬‬ ‫< اآلن‪ ،‬أين جتد مشروعك الثقافي والفكري‬ ‫في ما آل إليه الواقع؟‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫ ال أريد أن أبدو مح َبطا أو متش������ائما أكثر‬‫أن النتاج الواس������ع‬ ‫مما ينبغي‪ ...‬ولكني أالحظ ّ‬ ‫ً‬ ‫ف������ي مجال العلوم اإلنس������انية عموم������ا‪ ،‬والعلوم‬ ‫االجتماعية بوجه خاص‪ ،‬لم ينتج تراكماً معرفياً‬ ‫ق������ادراً عل������ى إح������داث منعطف������ات واضحة في‬ ‫الفك������ر العربي‪ ،‬هذا على الرغ������م من أن هناك‬ ‫املؤسس������ة فع���ل�� ً‬ ‫ا في مجاالت‬ ‫بع������ض النصوص‬ ‫ِّ‬ ‫املعرف������ة (تتمثل ف������ي كتابات عبدالل������ه العروي‪،‬‬ ‫وهشام شرابي‪ ،‬وهش������ام جعيط‪ ،‬وكذلك كتابي‬ ‫«سوس������يولوجيا الغ������زل العرب������ي»‪ ،)...‬تؤ ّثر في‬ ‫الن������اس بطريقة جدي������دة‪ ،‬وتهديهم إلى س������بل‬ ‫جديدة‪ .‬ولكن ه������ذه النصوص لم تُتْبع بالطريق‬ ‫الكاف������ي‪ ،‬وال بالنَ َف������س الكافي لتُح������دث حركة‬ ‫فت مذاهب أو أنش������أت مدارس‪،‬‬ ‫جديدة‪ ،‬وال خلّ ْ‬ ‫بخالف ما عليها احلال في أوربا‪ ،‬حيث املدارس‬ ‫واالجتاهات املستمدة وجوداً من أعمال مفكريها‬ ‫‪71‬‬

‫‪nov 67-72.indd 71‬‬


‫وم������ن أطروحاتهم فيها‪ .‬فاملجتهدون عندنا‪ ،‬في‬ ‫العلوم االجتماعية واإلنس������انية الذين أسس������وا‬ ‫لفكر واجتاه������ات واضحة‪ ،‬لم تنتظم من حولهم‬ ‫مدارس واجتاهات واضحة‪ .‬لذلك نحتاج اليوم‬ ‫املؤسسة‪.‬‬ ‫إلى عمل يكشف عن هذه النصوص‬ ‫ِّ‬ ‫أطلقت عليه في‬ ‫< أال جتد أن ملا سبق لي أن‬ ‫ُ‬ ‫بداية تس ��عينيات القرن املاضي تس ��مية «نقص‬ ‫احلرية في احلياة العربية» من تأثير مباشر في‬ ‫يتعي عندك‪ ،‬فكري ًا‪ ،‬على هذا النحو؟‬ ‫ما‬ ‫نّ‬ ‫ نقص احلري������ة‪ ،‬أو غيابها ال مينع من كل‬‫شيء‪ ...‬من تطوير تاريخ العصر الوسيط‪ ،‬مث ً‬ ‫ال‪،‬‬ ‫فهي ال تتحرك بوصفها نصوصاً جماعية‪ .‬غياب‬ ‫احلرية كثيراً م������ا يُتخذ تبريراً لعجزنا الفكري‪.‬‬ ‫كثير من النصوص املؤسس������ة ف������ي واقع غياب‬ ‫احلري������ة لم مينعها القمع م������ن الظهور‪ .‬صحيح‬ ‫أن هناك أش������ياء لم تُكتب بسبب غياب احلرية‪.‬‬ ‫ولك������ن ظهرت نصوص في واق������ع غياب احلرية‬ ‫هذا‪.‬‬ ‫نفس ��ر االنعطافة الثقافية‬ ‫< كي ��ف ميكن أن ّ‬ ‫لديك بتوجهك‪ ،‬أنت املفكّ ر‪ ،‬لكتابة الرواية التي‬ ‫هي فن أدبي خالص؟‬ ‫ أوالً‪ ،‬الرواي������ة عن������دي الت������زال حتى اآلن‬‫مش������روعاً حتت الكتابة‪ ...‬إنها مج ّرد مش������روع‬ ‫ولست متأكداً من إنهائه! أما ملاذا الرواية؟‬ ‫بدأته‪،‬‬ ‫ُ‬ ‫فذلك ألني من الذين يعتقدون أن اإلبداع األدبي‪،‬‬ ‫ش������عراً كان أم رواية‪ ،‬له ما ليس للبحث العلمي‬ ‫املتخص������ص من حدس وخيال وم������ن قدرة على‬ ‫التعبير عن الوعي املمكن‪ .‬البحث العلمي يُع ّبر‪،‬‬

‫بالدرجة األولى‪ ،‬ع������ن الوعي التجريبي‪ ،‬ولذلك‬ ‫قلّما تكون له القدرة على استش������راف مستقبل‬ ‫التغي������رات االجتماعية‪ .‬وفع ً‬ ‫ال قد جتد في بيت‬ ‫من الشعر ما يتنبأ باملمكن ويُع ّبر عنه أكثر مما‬ ‫جتده في أطنان من األبحاث‪.‬‬ ‫قد يكون وراء ميل������ي احلالي إلى كتابة نص‬ ‫إبداع������ي ما تفتق������ده األبحاث العلمي������ة من ّ‬ ‫لذة‬ ‫الكتاب������ة‪ .‬في األبح������اث قد جتد فك������راً‪ ،‬ولكن‬ ‫ال جتد فيها ّ‬ ‫لذة النص‪ .‬قد جتد في البحث كل‬ ‫شيء إال «فن الكتابة»‪.‬‬ ‫< قبلك كت ��ب عبدالله العروي الرواية‪ .‬فهل‬ ‫وج ��دت في م ��ا كتب ينطبق عليه ما ترى بش ��أن‬ ‫الفن؟‬ ‫ ال أعرف ما طبيعة التفسير الذي أعطاه‬‫العروي لكتابته الرواي������ة‪ .‬ولكن الالفت لالنتباه‬ ‫أن املغ������رب األقصى أكثر بل������د عربي جمع فيه‬ ‫املتخصصون في العلوم اإلنسانية واالجتماعية‬ ‫والتحليل العلمي‪ ،‬ال������ذي يقع فيه اختصاصهم‪،‬‬ ‫وبني اإلب������داع األدبي‪ .‬هذا يحتاج إلى تفس������ير‬ ‫بوصف������ه ظاه������رة عامة ال فردي������ة‪ .‬فإلى جانب‬ ‫العروي كتب الرواية كل من عبدالعزيز احلبابي‪،‬‬ ‫وعبدالكبي������ر اخلطيبي ‪ -‬ال������ذي كتب رواية عن‬ ‫الفن التشكيلي ‪ -‬ويبدو أن الظاهرة انتقلت إلى‬ ‫اجليل اجلديد من املغاربة‪.‬‬ ‫والالفت لالنتباه ه������و أن كبار املفكرين في‬ ‫املغرب كتبوا الرواي������ة وكأنهم يختمون مراحلهم‬ ‫األكادميي������ة بكتاب������ة أعمال إبداعي������ة كما لو أن‬ ‫اإلبداع م ّثل عندهم «قفلة مريحة» >‬

‫كم عسى أن يسبح؟‬ ‫ق ��ال أيوب بن س ��لمة‪ُ :‬طلب أبوقالبة للقضاء‪ ،‬فلحق بالش ��ام‪ ،‬فأقام زمان ًا‪ ،‬ثم قدم‪.‬‬ ‫فقل ��ت‪ :‬ل ��و وليت قضاء املس ��لمني‪ ،‬فعدل ��ت بينهم‪ ،‬كان ل ��ك بذلك أجر‪ .‬ق ��ال‪ :‬يا أيوب‪،‬‬ ‫السابح إذا وقع في البحر‪ ،‬كم عسى أن يسبح؟‬

‫‪72‬‬

‫‪9/29/16 9:09:24 AM‬‬

‫العدد ‪ - 696‬نوفمبر ‪2016‬‬

‫‪nov 67-72.indd 72‬‬


‫الكويت عاصمة الثقافة اإلسالمية ‪2016‬‬

‫لغة‬

‫حلَّة الحرف العـربي‬ ‫األمازيغيـة في ُ‬ ‫سعيـد عبيـد‬

‫كاتب من املغرب‬

‫خ���رج الحرف العرب���ي من ضيق القومي���ة والجغرافيا إلى رحابة اإلنس���انية‬ ‫والعالمية‪ ،‬حينما ارتبط مباش���رة بالرسالة اإلسالمية الخاتمة‪ ،‬وصار حرف ًا‬ ‫رس���مي ًا لحوالي ستين لغة من لغات الش���عوب التي اعتنقت اإلسالم‪،‬‬ ‫ورضي���ت بالق���رآن الكري���م كتاب��� ًا ت���ردد آياته وس���وره آن���اء اللي���ل وأطراف‬ ‫النهار‪ .‬ولعل أش���هر تلك‬ ‫اللغات اإليرانية (كالفارس���ية والكردية‬ ‫اللغ���ات‬ ‫ُ‬ ‫ِ‬ ‫والبلوتش���ية)‪ ،‬واللغ���ات التركي���ة (كالطاجيكي���ة واألزبكي���ة والتتري���ة)‪،‬‬ ‫واللغ���ات اإلفريقية جنوب الصحراء (كالهوس���ا والفالني والس���واحلي)‪،‬‬ ‫ع�ل�اوة على لغات أخ���رى كاألوردو والماليْوية‪ ،‬وأخرى كتب���ت بهذا الحرف‬ ‫والهرَرية‬ ‫في مرحلة تاريخية معينة‪ ،‬كالعثمانية والبولندية والبيالروسية‬ ‫َ‬ ‫والملغاشية‪ ،‬و ُقوطية الموريس���كيين المنقرضة المسماة األعجمية أو‬ ‫ألخيميادو ‪ ،Aljamiado‬وغيرها‪.‬‬

‫ل� � ��م تكن األمازيغيات (‪ )1‬املمتدة في ش� � ��مال‬ ‫إفريقيا بني واحة سيوة مبصر واجلزر اخلالدات‬ ‫في األطلسي بدعا من أخواتها هؤالء‪ ،‬حيث تز ّيت‬ ‫منذ عصر املوحدي� � ��ن بزي احلرف العربي الذي‬ ‫س� � ��يمنحها أول فرصة في تاريخها لالنتقال من‬ ‫لغة للتواصل الش� � ��فهي البسيط‪ ،‬إلى لغة للثقافة‬ ‫والعل� � ��م؛ إذ تذكر بع� � ��ض املراج� � ��ع التاريخية أن‬ ‫الزعيم املوحدي املهدي بن تومرت نفسه (القرن‬ ‫الس� � ��ادس الهجري) قد ألف كتاب� � ��ي «التوحيد»‬ ‫و«اإلمامة» باللسانني العربي واألمازيغي؛ فنشأت‬ ‫منذئ� � ��ذ كتاب� � ��ات «أمازيغية اللس� � ��ان‪ ،‬إس� �ل��امية‬ ‫املضم� � ��ون‪ ،‬عربي� � ��ة اخل� � ��ط»‪ ،‬عل� � ��ى ح� � � ّ�د تعبير‬ ‫األمازيغيـة في ُحلَّة احلرف العـربي‬ ‫‪9/29/16 9:09:44 AM‬‬

‫د‪ .‬محم� � ��د األوراغي‪ ،‬مما حتفظ� � ��ه رفوف كثير‬ ‫من خزانات الزوايا ومدارس العتيقة واخلواص‪،‬‬ ‫والسيما بجهة سوس باملغرب‪ ،‬وجبل نفوسة في‬ ‫ليبيا‪ ،‬وجزيرة جربة بتونس‪ ،‬وما تضمه مؤسسة‬ ‫الباحث الفرنسي أرسن رو ‪ ،Arsène Roux‬التابعة‬ ‫جلامعة إيك� � ��س أونبروفانس ‪Aix En-Provence‬‬ ‫بفرنس� � ��ا؛ اش� � ��تهرت من املطبوع منه� � ��ا مؤلفات‬ ‫«احلوض في الفقه املالكي باللس� � ��ان األمازيغي»‬ ‫و«بحر الدموع»‪ ،‬وكالهما للش� � ��يخ محمد أُوعلي‬ ‫أُوزال (الهوزالي) (ت ‪1162‬هـ)‪ ،‬وترجمة «األمير»‬ ‫(مترجم الربع األول من عبادات الش� � ��يخ األمير‬ ‫املصري) لعلي بن أحمد الدرقاوي (ت ‪1328‬هـ)‪،‬‬ ‫‪73‬‬

‫‪nov 73-77.indd 73‬‬


‫وم� � ��ا ترجمته أس� � ��رة العالم� � ��ة محم� � ��د املختار‬ ‫السوس� � ��ي (ت‪1963‬م) إلى الش� � ��لحية السوسية‬ ‫من مؤلفات كثيرة‪ ،‬منـــــها ما ترجمه هو نفس� � ��ه‪،‬‬ ‫الس� � ��نية»‪،‬‬ ‫كـ«األربعون حديثا النووية»‪ ،‬و«األنوار َّ‬ ‫وحكمهم نظماً‬ ‫وم� � ��ا ألفه‪ ،‬كـ«أمث� � ��ال الش� � ��لحيني ِ‬ ‫ونث� � ��راً»‪ ،‬و«األلفاظ العربية في الش� � ��لحية»‪ ،‬وما‬ ‫نشره املستش� � ��رقان دان بوجرت ‪ Boogert‬وكلود‬ ‫برنييه ‪ -‬إيس� � ��ترن ‪ Brenier-Estrine‬من مصادر‬ ‫وقوامي� � ��س مجموعا في كتاب «كش� � ��ف الرموز»‪،‬‬ ‫وغيرها كثير‪ ،‬وما الي� � ��زال منها مخطوطا أكثر‪،‬‬ ‫وعلى رأس� � ��ه ترجمة منظومة ابن عاشر «املرشد‬ ‫املعني» للحس� � ��ن بن إبراهيم أعروس السماللي‪،‬‬ ‫وترجمة «البردة» لعبدالل� � ��ه بن يحيى احلامدي‪،‬‬ ‫وترجمة «نور اليقني في س� � ��يرة سيد املرسليــــن»‬ ‫لعبدالله بن علي اإللِغي‪.‬‬ ‫ووص� � ��ل التصاهر ب� �ي��ن هوية اللغة الالبس� � ��ة‬ ‫ولغ� � ��ة احلرف امللبوس إلى مت� � � ٍ�اه لغوي جميل بني‬ ‫اللس� � ��انني العربي احمللّ� � ��ي واألمازيغي‪ ،‬جنم عنه‬ ‫إق� � ��راض واقتراض واس� � ��عان على كل مس� � ��تويات‬ ‫املكونات اللغوية‪ ،‬صوتاً ومعجماً وتركيباً وأسلوباً‪،‬‬ ‫ب� � ��ل وإلى إبداع ضرب جديد من الش� � ��عر املزدوج‬ ‫ال� � ��ذي يجمع بني اللغتني معا ف� � ��ي البيت الواحد‪،‬‬ ‫من مثل ما صنع الرسموكي (القرن احلادي عشر‬ ‫الهجري) في لهجة سوس الشلحية جنوب املغرب‬ ‫في «األرجوزة العربية األمازيغية» التي مطلعها‪:‬‬ ‫ً‬ ‫بداية) َو ْهو‬ ‫الكالم إيـزْ َوا ْر (أي‬ ‫اإلله في‬ ‫���م‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِبس ِ‬ ‫العبيد إيزْ َ‬ ‫قادر)‬ ‫ون‬ ‫على َع ِ‬ ‫ِ‬ ‫ضـا ْر (أي ٌ‬ ‫ومثل قول عبداحلميد الصوفي (ت ‪2004‬م)‪،‬‬ ‫صاح� � ��ب «اإلكس� � ��ير في تعريب ُمش� � ��لح الش� � ��يخ‬ ‫الكبير»‪:‬‬ ‫ـان‬ ‫ُوذ َوخَّ َي ْ‬ ‫ِإ ْن ُكنْتَ ُم ْس ِل ًما ال ت ِ‬ ‫َ‬ ‫ـان‬ ‫م‬ ‫ل‬ ‫ت‬ ‫ر‬ ‫د‬ ‫غْ‬ ‫ومنً ا أَ ُد ْر تْغْ َ ْ ْ‬ ‫َ ْ‬ ‫أَ ْو ُكنْتَ ُم ِ‬ ‫(ومعناه إن كنت مس� � ��لماً فال تؤذ أحداً‪ ،‬وإن‬ ‫كنت مؤمناً فال تغدر حال األمان)‪ .‬ومن جنس� � ��ه‬ ‫صني ُع ا ْمحمد ولد أحم� � ��د يوره (ت ‪1925‬م) في‬ ‫مزاوجت� � ��ه بني العربي� � ��ة و«ا ْكالم زناقة» الذي هو‬ ‫صورة للهجة قبيلة صنهاجة في صحراء املغرب‬ ‫وموريتانيا اليوم‪.‬‬ ‫‪74‬‬

‫‪9/29/16 9:09:46 AM‬‬

‫وكانت ال ت� � ��زال بعض الصح� � ��ف والكتابات‬ ‫تص� � ��در باحلرف العرب� � ��ي إلى عهد‬ ‫األمازيغي� � ��ة ْ‬ ‫قري� � ��ب‪ ،‬كـ«ترجمة معاني الق� � ��رآن الكرمي باللغة‬ ‫جلهادي احلس� �ي��ن الباعمراني‪ ،‬سنة‬ ‫األمازيغية» ُ‬ ‫‪ ،2003‬وكمجموعة «إِمارايْ ْن» القصصية حلسن‬ ‫إد بلقاس� � ��م‪ ،‬وديوانا «مومنا» للجزائري عبدالله‬ ‫خلفة‪ ،‬و« ِإف� � ��را ْو ْن» للمغربي مصطف� � ��ى بيرازن‪،‬‬ ‫واملعجم األمازيغي حملمد ش� � ��فيق‪ ،‬قبل أن ينقلب‬ ‫علي� � ��ه! غير أن املالحظ أن عددها تراجع أخيراً‬ ‫بشكل كبير‪ ،‬بسبب ما استجد على الساحة مما‬ ‫سنذكره بعد قليل‪.‬‬

‫احلرف والتجسير الثقافي‬

‫ويفسر د‪ .‬األوراغي هذا االختيار الواعي لدى‬ ‫أس� �ل��افنا العلماء واألدباء ومن سار على نهجهم‬ ‫إلى اليوم‪ ،‬بأنه يُبن� � ��ى على حتقيق مطلب األمن‬ ‫اللساني (وهو ال يقل أهمية عن األمن السياسي‬ ‫أو الغذائي أو غيرهما) الذي يضمن االس� � ��تقرار‬ ‫لهوي� � ��ة القبائ� � ��ل احمللية ضم� � ��ن األم� � ��ة العربية‬ ‫اإلسالمية‪ ،‬باإلبقاء على انتمائها إلى عالم دينه‬ ‫هو اإلسالم‪ ،‬ولغة ثقافته وحضارته هي العربية؛‬ ‫فيك� � ��ون احلرف العربي بذلك ه� � ��و املفتاح الذي‬ ‫يشق احلجب عن الثقافة اإلسالمية‪ ،‬سواء كانت‬ ‫مكتوبة بأمازيغية قبلية‪ ،‬أو بلهجة محلية‪ ،‬أو بلغة‬ ‫فصحى‪ ،‬إذ يكون هو جسر املرور في االجتاهني‬ ‫معا‪ ،‬اجتاه ذي اللس� � ��ان األمازيغ� � ��ي إلى الثقافة‬ ‫اإلسالمية‪ ،‬واجتاه ذي اللسان العربي إلى الثقافة‬ ‫األمازيغية‪ .‬وعلى النقيض من ذلك‪ ،‬ولغاية هدم‬ ‫هذا اجلسر‪ ،‬وقطع طريقه‪ ،‬سلخ مصطفى كمال‬ ‫أتاتورك اللغة التركية عن احلرف العربي‪.‬‬ ‫وعل� � ��ى خط� � ��ى أتات� � ��ورك‪ ،‬وتكريس � � �اً لعقوق‬ ‫األس� �ل��اف األولني‪ ،‬جنح تيار من غالة الرافعني‬ ‫شعار األمازيغية اليوم إلى املعاداة العلنية للحرف‬ ‫العربي‪ ،‬ضمن رؤي� � ��ة انفصالية حضارية ال تفتأ‬ ‫تفصح عن نفس� � ��ها‪ ،‬رافعني شعار‪ :‬اَ‬ ‫«ل لاِ ستعمال‬ ‫احلرف العربي لكتابة األمازيغية‪ ،‬فإما أن نأخذ‬ ‫مس� � ��افة عن اللغ� � ��ة والثقافة العربي� � ��ة‪ ،‬وإال فال‬ ‫وج� � ��ود لنا»‪ ،‬كما صرح بعضه� � ��م‪ ،‬معبراً عن رؤية‬ ‫العدد ‪ - 696‬نوفمبر ‪2016‬‬

‫‪nov 73-77.indd 74‬‬


‫متطرفة تعادي كل ما هو عربي‪ ،‬حضارة وتاريخا‬ ‫هدم ذلك املش� � ��ترك الوطني قبل‬ ‫وقومي� � ��ة‪ ،‬وإن ّ‬ ‫العربي! (ولإلنصاف فه� � ��ذا الفكر يحمله كذلك‬ ‫عرب فرنكوفونيون كارهون للعروبة!)‪ ،‬وإن حاول‬ ‫بعضهم اآلخر التعلل لس� � ��لخ األمازيغية من حلة‬ ‫احلرف العرب� � ��ي بتعالت واهية ش� � ��تى‪ ،‬من مثل‬ ‫غياب مقابل في اخلط العربي لبعض األصوات‬ ‫األمازيغي� � ��ة‪ ،‬واعتماده على احل� � ��ركات‪ ،‬وبالتالي‬ ‫تقدم اللساني‬ ‫الشكل‪ ،‬لتمثيل الصوائت! (وهو ما ّ‬ ‫املغرب� � ��ي د‪ .‬محمد امل� � ��دالوي ملعاجلت� � ��ه بتصور‬ ‫املوسع‬ ‫عملي متماسك‪ ،‬س� � ��ماه «احلرف العربي‬ ‫َّ‬ ‫لتدوين اآلداب الش� � ��فهية»)‪ ،‬مدججني بكثير من‬ ‫ترهيب املخالفني لهم من عموم ومثقفي األمازيغ‬ ‫أنفسهم بعبارات عدائية‪ ،‬وتهم جاهزة‪ ،‬تدور كلها‬ ‫حول محور االستالب وخيانة «الهوية»! بوساطة‬ ‫خطاب صحفي‪ ،‬مش� � ��حون بالكراهية‪ ،‬واالنغالق‬ ‫حد األسطرة‪،‬‬ ‫على الذات‪ ،‬ونزعة التفوق العرقي َّ‬ ‫وادعاء األصالة اجلغرافي� � ��ة‪ ،‬وغير ذلك مما لم‬ ‫يش� � ��هد شمال إفريقيا له نظيرا من قبل أن يوقد‬ ‫االحتالل الفرنس� � ��ي ناره‪ ،‬عبر أولى املؤسس� � ��ات‬ ‫العلمية التي أنش� � ��أها لهذا الغرض‪ ،‬كاملدرس� � ��ة‬ ‫العلي� � ��ا ل� �ل��آداب باجلزائ� � ��ر (‪ ،)1880‬والثانوي� � ��ة‬ ‫البربرية ب� � ��أزرو باملغ� � ��رب (‪ ،)1929‬واألكادميية‬ ‫البربري� � ��ة فـــــي باري� � ��س ‪L’académie berbère‬‬ ‫(‪ )1967‬وكذلك من خالل مؤسس� � ��ات سياس� � ��ية‬ ‫وثقافي� � ��ة وجمعيات أمازيغية تتناس� � ��ل عاما بعد‬ ‫عام‪ ،‬مس� � ��تغلة جو االنفتاح الذي تشهده املنطقة‬ ‫في األعوام األخيرة‪ ،‬لشحذ حدة ذلك اخلطاب!‬ ‫في اس� � ��تطالع رأي ش� � ��عبي أجنزه مس� � ��تهل‬ ‫‪2012‬م أحد أوس� � ��ع املواقع اإللكترونية انتش� � ��ارا‬ ‫ومقروئي� � ��ة باملغ� � ��رب‪ ،‬تضم� � ��ن ثالث� � ��ة اختيارات‬ ‫لكتابة األمازيغية‪ ،‬ش� � ��ارك في� � ��ه قرابة مائة ألف‬ ‫مص ّوت‪ ،‬ج� � ��اءت النتيجة كاآلت� � ��ي‪ 48 :‬في املائة‬ ‫للخط العربي‪ ،‬و‪ 41‬في املائ� � ��ة للتيفيناغ‪ ،‬و‪ 5‬في‬ ‫املائ� � ��ة للخط الالتيني‪ ،‬مع ‪ 6‬ف� � ��ي املائة من دون‬ ‫رأي‪ .‬ولئن اتضح من نتيجة هذا االستقراء عدم‬ ‫اإلجماع على خط واحد‪ ،‬فإنه باملقابل َّ‬ ‫أشر على‬ ‫اختياري� � ��ن اثن� �ي��ن‪ :‬أولهما تب ُّوء احل� � ��رف العربي‬ ‫‪76‬‬

‫‪9/29/16 9:10:06 AM‬‬

‫مكانة الصدارة لدواع حضارية ووحدوية وعلمية‬ ‫ونفعية وواقعية ووطنية كثيرة‪ ،‬وثانيهما استبعاد‬ ‫احلرف الفرنسي اس� � ��تبعاداً بشبه إجماع‪ ،‬ليس‬ ‫بسبب تاريخ فرنسا االستعماري األسود للتفريق‬ ‫بني أهال� � ��ي البالد فقط‪ ،‬ولكن ل� � ��دواع حضارية‬ ‫وعلمي� � ��ة وواقعية أخرى؛ وكال املؤش� � ��رين يعكس‬ ‫بص� � ��دق ما يروج في املجتم� � ��ع املغربي من أفكار‬ ‫واجتاهات‪.‬‬ ‫هذا «االس� � ��تفتاء» الشعبي الواضح‪ ،‬جاء بعد‬ ‫تس� � ��ع س� � ��نني من تصويت أعض� � ��اء املعهد امللكي‬ ‫للثقاف� � ��ة األمازيغية ‪ -‬وهو في األصل مؤسس� � ��ة‬ ‫استش� � ��ارية ال غير – بطريقة سرية‪ ،‬بأغلبية ‪24‬‬ ‫عض� � ��وا من أصل ‪ 32‬ملصلح� � ��ة «تيفيناغ»‪ ،‬مقابل‬ ‫‪ 8‬للحرف الالتين� � ��ي‪ ،‬وال صوت للحرف العربي!‬ ‫مما يدل على بعد الشقة بني اخليارين الرسمي‬ ‫املعهدي والشعبي‪.‬‬

‫معركة احلرف‬

‫صمم في‬ ‫إن «تيفين������اغ» هو احلرف ال������ذي ُ‬ ‫مختبر األكادميية البربرية من قبل بعض املثقفني‬ ‫اجلزائريني من منطقة القبائل‪ ،‬مستلهما اخلط‬ ‫اللوبي أو الليبي البربري ‪ Libyco-berbère‬الذي‬ ‫اكتشفت أولى لُقاه األثرية منذ قرن ونصف القرن‬ ‫بش������كل محدود في املنطقة‪ ،‬ول������م تفك رموزها‬ ‫(ش������فرتها) إلى اليوم‪ ،‬وتداول������ت قبائل الطوارق‬ ‫شكال معدال لها في فترة تاريخية ما‪ ،‬واستمرت‬ ‫بعض حروفها فلكلوريا في بعض مظاهر الزينة‬ ‫إلى الي������وم‪ ،‬كوش������وم الوجوه‪ ،‬وأش������كال احللي‪،‬‬ ‫وزخارف الزرابي‪.‬‬ ‫واآلن‪ ،‬وبع������د ‪ 13‬س������نة على ه������ذا االختيار‬ ‫الفوق������ي حلرف تيفيناغ‪ ،‬تش������ير كل القرائن إلى‬ ‫أن������ه أصبح عبئ������ا ثقيال على املغ������رب واملغاربة‪،‬‬ ‫وعلى األمازيغية نفسها‪ ،‬ومعرقال ملا كان يُطمح‬ ‫لها من ش������يوع ونهضة تعليمي������ة معرفية‪ ،‬وكأنها‬ ‫ول������دت به ميتة‪ ،‬ومهيئ������ا – وهذا هو األخطر –‬ ‫ألرضية الش������قاق واالنش������قاق والفتنة الهوياتية‬ ‫التي أضحت بعض عالئمها تبرز للوجود بشكل‬ ‫ملح������وظ في اآلونة األخيرة؛ مم������ا ينذر بتحويل‬ ‫العدد ‪ - 696‬نوفمبر ‪2016‬‬

‫‪nov 73-77.indd 76‬‬


‫الكويت عاصمة الثقافة اإلسالمية ‪2016‬‬

‫دول املنطق������ة – ال قدر الل������ه ‪ -‬من هوية الدولة‬ ‫الوطنية إلى هوية الفيدرالية الطائفية‪ ،‬حتى إن‬ ‫بعض احملللني لم ير ْوا في اختيار املعهد املذكور‬ ‫ح������رف تيفيناغ إال قطعا للطري������ق أمام احلرف‬ ‫العرب������ي‪ ،‬ضم������ن ما س������ماه بع������ض متعصبيهم‬ ‫حتريض������ا «معركة احلرف»‪ ،‬متاما كما اختار لها‬ ‫بعض متفرنس������ي اجلزائر احلرف الالتيني منذ‬ ‫مدة‪ ،‬وهو احلرف الذي ل������ه أنصاره في املغرب‬ ‫أيضا!‬ ‫ختاما‪ ،‬تبدو شقة االنتماء والهوية واسعة بني‬ ‫ه� � ��ذه الفئة املتصدرة للمش� � ��هد األمازيغي اليوم‪،‬‬ ‫وأجيال أجدادنا األمازيغ األصالء قبل االستقالل‬ ‫من زعماء سياس� � ��يني ومفكرين وأدباء لم ينظروا‬ ‫يوم� � ��ا إل� � ��ى العربي� � ��ة ‪ -‬باعتبارها انتم� � ��اء لغويا‬ ‫وحضاريا واس� � ��عا وليس تقوقعا ُسالليا أو ِعرقيا –‬ ‫إال بأنها متثل هويتهم اللس� � ��انية التي تضمن من‬ ‫جهة انتماءهم إلى احلضارة العربية اإلسالمية‪،‬‬ ‫وال حَتول البتة بينهم وبني لغتهم األمازيغية األم‪،‬‬ ‫مبا هي لغة تواصلهــــم الــــــيومي‪ ،‬وتراثهم الشفوي‬ ‫العريق‪ ،‬من أمثال الزعيم املقاوم األمير محمد بن‬ ‫عبدالك� � ��رمي اخلطابي (موالي ا ْم َحنْد)‪ ،‬والعالمة‬ ‫احلس� � ��ن اليوس� � ��ي‪ ،‬والش� � ��يخ محم� � ��د البش� � ��ير‬ ‫اإلبراهيم� � ��ي‪ ،‬أمي� � ��ر البيان العرب� � ��ي‪ ،‬وكذا رفيق‬ ‫عمره اإلمام املجدد عبداحلميد بن باديس الذي‬ ‫كثيرا ما ذ ّيل كتاباته بلقب «الصنهاجي»‪ ،‬صاحب‬ ‫النشيد اخلالد‪:‬‬ ‫ش�����ع�����ب اجل��������زائ��������ر م���س���ل���ـ���ـ���ـ ٌ���م‬ ‫وإل����������ى ال�����ع�����روب�����ة ينتسـ ْـب‬ ‫����ه‬ ‫م������ن ق��������ال ح��������اد ع��������نَ أص����ل ِ‬ ‫أو ق�������ال م�������ات ف����ق����د ك����ـ����ـ����ذ َْب‬ ‫وعم� �ل��اق الش� � ��عر العربي املعاص� � ��ر‪ ،‬مفدي‬ ‫زكري� � ��اء‪ ،‬الذي صدح ذات ي� � ��وم باعتزاز ثائر في‬

‫ملحمته األلفية «إلياذة اجلزائر»‪:‬‬ ‫ـرون‬ ‫��ود األم���ازي���غ ع�� ْب��ر الق ْ‬ ‫ص��م ُ‬ ‫النجومـا‬ ‫���رات ورا َع‬ ‫َ‬ ‫َغ����زا ال���ن��� ِّي ِ‬ ‫ون��ح ُ��ن األم���ازي��� َغ ن��رع��ى الذِّ مـا ْم‬ ‫جَ���ح ُ���د ال��ف��ض َ‬ ‫واآلص����ـ���� َر ْه‬ ‫��ل‬ ‫وال ن‬ ‫ِ‬ ‫وهو االعتزاز نفس� � ��ه الذي صدح به ماليني‬ ‫اجلزائريني وهم يرددون أناشيده اخلالدة‪ ،‬ومنها‬ ‫النش� � ��يد الوطني‪ ،‬والنشيد الذي وضعه ذات يوم‬ ‫حلزب «جنم شمال إفريقيا»‪:‬‬ ‫������داء اجل���زائ���ر روح�����ي ومالـي‬ ‫ف ُ‬ ‫����ل ُ‬ ‫�����ه‬ ‫احل�����ر ّي�����ـ ْ‬ ‫ألاَ ف������ي س����ب����ي ِ‬ ‫ـالل‬ ‫َفلْتحيا اجل���زائ ُ���ر م��ث َ��ل اله ِ‬ ‫����ه!‬ ‫ولْ����ت����ح����ي����ا ف���ي���ه���ا ال����ع����رب���� ّي����ـ ْ‬ ‫كاشفا – في إشارة ذكية للوطنيني النبهاء ‪-‬‬ ‫أن وحدة الشعب هي س� � ��ر اخلذالن الذي ُمنيت‬ ‫به فرنسا‪:‬‬ ‫��ام ال��ص��ف��وف َوقانـا‬ ‫ح‬ ‫��‬ ‫ت‬ ‫َول����وال ال��‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫لك ـ ـنَّا س ـ ـ ـمـ ــاس ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــر ًة ُمجـ ــرمينـا‬ ‫واآلن‪ ،‬وبعد ثالث عش������رة سنة من اعتماد‬ ‫املعهد امللكي للثقافة األمازيغية حرف «تيفيناغ»‬ ‫لكتاب������ة اللغة األمازيغية في املغ������رب‪ ،‬يبدو أن‬ ‫الدول������ة مدع������وة إل������ى مراجعة عاجل������ة لذاك‬ ‫االختي������ار الش������بيه باالنتحار اللغ������وي‪ ،‬في ظل‬ ‫اخليبات التي جنته������ا األمازيغية من ورائه‪ ،‬إذ‬ ‫حصره������ا وحاصرها على كل الصعد التعليمية‬ ‫واإلعالمي������ة واإلدارية والتواصلية‪ ،‬حتى أصبح‬ ‫يخش������ى عليه������ا منه‪ ،‬بع������د أن اتض������ح أن ذلك‬ ‫االختيار لم يكن علميا وال تربويا وال حضاريا‪،‬‬ ‫ألنه لم يُطرح طرحا معرفيا‪ ،‬وإمنا كان اختيارا‬ ‫أيديولوجي������ا منح������ازا إلى خارج دائ������رة األمة‪،‬‬ ‫كما يرجى أن تس������تفيد دول املنطقة عميقا من‬ ‫الدرس املغربي >‬

‫(‪ - )1‬اللغ���ات األمازيغي���ة الكب���رى ثم���ان‪ ،‬هي الريفية (تاريفي���ت) والزيانية (تامازيغت) والسوس���ية (تاش���لحيت) باملغرب‪،‬‬ ‫والقبائلية والشاوية في اجلزائر‪ ،‬وأمازيغية الواحات في ليبيا وتونس وسيوة مبصر‪ ،‬والنفوسية في ليبيا‪ ،‬والطارقية في كل من‬ ‫اجلزائر وليبيا ومالي والنيجر‪ ،‬وحتت كل لغة أكثر من لهجة‪ ،‬وصل بعض الدارسني مبجموعها إلى ‪ 24‬لهجة محلية‪.‬‬ ‫األمازيغيـة في ُحلَّة احلرف العـربي‬ ‫‪9/29/16 9:10:09 AM‬‬

‫‪77‬‬

‫‪nov 73-77.indd 77‬‬


‫طرائف عربية‬

‫إلى أين؟‬ ‫روى اب� � ��ن اجلوزي أن بعضهم ق� � ��ال‪ :‬رأيت مؤذناً‬ ‫ي� � ��ؤذن‪ .‬ثم عدا (ركض) فقل� � ��ت‪ :‬إلى أين؟ فقال‪:‬‬ ‫أحب أن أعرف إلى أين يبلغ صوتي!‬

‫مجاعة‬ ‫ُدعي شاعر إلى ُعرس رجل يدعى سليمان فقتّر‬ ‫ال ش� � ��ديداً‬ ‫أصحاب� � ��ه عل� � ��ى ضيوفهم وبخلوا بخ ً‬ ‫فوصف عرسهم بقوله‪:‬‬ ‫م � � ��ات ف�� ��ي ع � � ��رس سليمان‬ ‫م � � � � ��ن اجل� � � � � � � � ��وع ج� � �م � ��اع � ��ة‬ ‫م� � � � � � � ��ات أق� � � � � � � � � � � ��وام وق� � � � � ��وم‬ ‫ُع � � � ّل � � �م� � ��وا ف� � �ي � ��ه ال� �ق� �ن���اع���ة‬ ‫ل� � � ��م ي� � �ك�� ��ن ذل � � � � ��ك ع�� ��رس� � � ًا‬ ‫إمن� � � � � � � ��ا ك� � � � � � � ��ان م � � �ج� � ��اع� � ��ة‬ ‫(قتر‪َ :‬ض َّي َق وبَ ِخ َل)‬ ‫نسيان‬ ‫قيل ألش������عب‪ :‬ل������و أنك حفظ������ت احلديث‬ ‫كحفظ������ك هذه الن������وادر‪ ،‬ل������كان أولى بك‪.‬‬ ‫فق������ال‪ :‬قد فعلت‪ .‬قالوا ل������ه‪ :‬فماذا حفظت‬ ‫من احلدي������ث؟ قال‪ :‬حدثن������ي نافع عن ابن‬ ‫عمر ع������ن النبي [ أنه قال‪ :‬م������ن كان فيه‬ ‫خصلت������ان ُكتب عند الل������ه خالصاً مخلصاً‪.‬‬ ‫قال������وا‪ :‬إن هذا حديث حس������ن‪ ،‬فما هاتان‬ ‫اخلصلتان؟ قال‪ :‬نسي نافع واحدة‪ ،‬ونسيت‬ ‫أنا األخرى‪.‬‬

‫‪78‬‬

‫‪9/29/16 9:10:34 AM‬‬

‫ثم رفعوها‬ ‫نظ� � ��ر أح� � ��د املغفلني إل� � ��ى منارة جامع ش� � ��اهقة‬ ‫االرتف� � ��اع‪ ،‬فقال‪ :‬ي� � ��ا الله! م� � ��ا كان أطول الناس‬ ‫الذين بنوا هذه العمارة!‬ ‫فقال له صاحب� � ��ه األحمق‪ :‬اس� � ��كت ما أجهلك‪،‬‬ ‫أيوج� � ��د في الدنيا أحد بط� � ��ول هذه املنارة؟ إمنا‬ ‫بنوها على األرض ثم رفعوها!‬ ‫لم ال أمتها؟‬ ‫َ‬ ‫قيل للفض� � ��ل بن العباس إن ابن� � ��ك يقول‪ :‬وددت‬ ‫لو أني بامل� � ��كان الذي أرى الناس فيه وال يروني‪.‬‬ ‫فق� � ��ال‪ :‬ويح ابني‪ ،‬لم ال أمتها فقال‪ :‬ال أراهم وال‬ ‫يروني؟‬ ‫مجير اجلراد‬ ‫سقط اجلراد قريباً من بيت بعض العرب‪ ،‬فجاء‬ ‫أهل احل� � ��ي‪ ،‬فقال� � ��وا‪ :‬نريد جارك‪ .‬فق� � ��ال‪ :‬أما‬ ‫جعلتموه جاري‪ ،‬فوالل� � ��ه ال تصلون إليه‪ .‬وأجاره‬ ‫فسمي مجير اجلراد‪ ،‬وهو أبوحنبل‪.‬‬ ‫حتى طار ُ‬ ‫رأس رديء‬ ‫افت� � ��رى رجل أصلع على أب� � ��ي دالمة في مجلس‬ ‫القاضي وأف� � ��رط في افترائه‪ .‬فق� � ��ال أبودالمة‪:‬‬ ‫والل� � ��ه إني ألغبط ش� � ��عر رأس� � ��ك‪ ،‬إذ هرب من‬ ‫رأسك هذا الرديء!‬ ‫ممن ال يريد‬ ‫قي� � ��ل لب ّن� � ��ان الطفيلي‪ :‬من دخل إل� � ��ى طعام‪ ،‬من‬ ‫غير أن يُدعى إليه دخل لصاً‪ ،‬وخرج مغيراً (أي‪:‬‬

‫العدد ‪ - 696‬نوفمبر ‪2016‬‬

‫‪nov 78-81.indd 78‬‬


‫الكويت عاصمة الثقافة اإلسالمية ‪2016‬‬

‫ناهب � � �اً) قال‪ :‬م� � ��ا آكله إال حالالً‪ .‬قي� � ��ل له‪ :‬كيف‬ ‫ذلك؟ قال‪ :‬ألي� � ��س صاحب الوليمة يقول للخباز‪:‬‬ ‫زد ف� � ��ي كل ش� � ��يء؟ وإذا أراد أن يُطعم مائة ق ّدر‬ ‫ملائ� � ��ة وعش� � ��رين‪ ،‬فإنه يجيئنا م� � ��ن نريد‪ ،‬ومن ال‬ ‫نريد‪ ،‬فأنا ممن ال يريد‪.‬‬ ‫الكالم أفضل‬ ‫ذك� � ��ر الصمت وال� � ��كالم عند األحن� � ��ف بن قيس‪،‬‬ ‫فقال قوم‪ :‬الصمت أفضل‪ ،‬فقال األحنف‪ :‬الكالم‬ ‫أفض� � ��ل‪ ،‬ألن الصمت ال يع� � ��دو صاحبه‪ ،‬والكالم‬ ‫ينتفع ب� � ��ه من س� � ��معه‪ ،‬ومذاكرة الرج� � ��ال تلقيح‬ ‫لعقولهم‪.‬‬ ‫ابن أبي جرادة‬ ‫كان جمال الدين بن العدمي‪ ،‬قاضي حلب‪ ،‬عاق ً‬ ‫ال‬ ‫ع� � ��ادالً خبيراً باألحكام‪.‬‏‏وح� � ��دث أن ا ّدعى عنده‬ ‫م � � � ّدع على آخر مببلغ‪ .‬فلما أنك� � ��ر امل ّدعى عليه‪،‬‬ ‫أخ� � ��رج امل ّدعي وثيقة فيها إقرار «منصور بن أبي‬ ‫جرادة بتس � � �لُّم املبل� � ��غ»‪ .‬فأنكر املدع� � ��ى عليه أن‬ ‫االسم املذكور في الوثيقة (أبا جرادة) اسم أبيه‪.‬‏‬ ‫‏ فقال له القاضي ابن العدمي‪ :‬فما اس� � ��مك أنت؟‏‬ ‫‏قال‪ :‬منصور‏‪ .‬قال‪ :‬واس� � ��م أبيك؟‏‏قال‪ :‬هبة الله‪.‬‏‬ ‫‏فس� � ��كت عنه القاضي‪ ،‬وتشاغل باحلديث مع من‬ ‫كان عنده حتى طال ذلك‪ ،‬وكان جليسه يقرأ عليه‬ ‫في صحي� � ��ح البخاري‪ .‬ث� � ��م إذا بالقاضي يصيح‬ ‫فج� � ��أة‪:‬‏ يا ابن أبي ج� � ��رادة!‏‏فأجابه امل ّدعى عليه‬ ‫مبادراً‏‪:‬‏موالي‏!‏فقال له‪ :‬ادفع لغرميك ح َقّه‪.‬‬ ‫فعاد إلى دار السالم‬ ‫يق� � ��ال إن أحد الذي� � ��ن يكرهون املتنبي الش� � ��اعر‬ ‫الكبير أصابه ضيق لكثرة ما يسمع من استشهاد‬ ‫الناس بش� � ��عره‪ ،‬فآلى على نفسه أال يسكن مدينة‬ ‫يُذكر بها أبوالطيب وينش� � ��د كالم� � ��ه‪ ،‬فهاجر من‬ ‫مدينة الس� �ل��ام (بغداد)‪ ،‬وكان كلم� � ��ا وصل بلداً‬

‫يسمع به ذكره يرحل عنه‪ ،‬حتى وصل إلى أقصى‬ ‫بالد الترك‪ ،‬فس� � ��أل أهلها عن أب� � ��ي الطيب فلم‬ ‫يعرف� � ��وه‪ ،‬فتوطنها‪ ،‬فلما كان ي� � ��وم اجلمعة ذهب‬ ‫إلى صالته باجلامع‪ ،‬فسمع اخلطيب ينشد بيت‬ ‫املتنبي‪ ،‬بعد ما ذكر أسماء الله احلسني‪:‬‬ ‫أس� ��ام � �ي � � ًا ل� ��م ت�� � ��زده م� �ع ��رف � ً�ة‬ ‫وإمن� � � � � � ��ا ل� � � � � � ��ذ ًة ذك� � ��رن� � ��اه� � ��ا‬ ‫فعاد إلى دار السالم‪.‬‬ ‫ضيف إبراهيم‬ ‫دخ� � ��ل احلمدوني عل� � ��ى رجل وعن� � ��ده أقوام بني‬ ‫أيديهم أطباق احللوى‪ ،‬وال ميدون أيديهم‪ ،‬فقال‪:‬‬ ‫لق� � ��د ذكرمتوني بضي� � ��ف إبراهيم عليه الس� �ل��ام‬ ‫وق� � ��ول الله تعالى‪َ { :‬ف َل ّ َم ��ا َرأَى أَ ْي ِد َي ُه � ْ�م اَل ت َِص ُل‬ ‫س ِمن ُْه ْم ِخيف ًَة} (س ��ورة هود‪:‬‬ ‫ِإ َل ْي ِه ن َِك َر ُه ْم َوأَ ْو َج َ‬ ‫‪ )70‬ثم قال‪ :‬كلوا رحمكم الله‪ ،‬فضحكوا وأكلوا‪.‬‬ ‫فانزل!‬ ‫قال اب� � ��ن بدر الطفيلي ألب� � ��ي العيناء وهو واقف‬ ‫عل� � ��ى باب داره وابن بدر راكباً بغله‪ :‬أهذا املنزل؟‬ ‫فق� � ��ال أبو العيناء‪ :‬نعم‪ ،‬فإن أردت أن ترى س� � ��وء‬ ‫أثرك فانزل! >‬

‫‪79‬‬

‫‪9/29/16 9:10:40 AM‬‬

‫‪nov 78-81.indd 79‬‬


‫طرائف غربية‬

‫كالفني كولدج‬

‫ملاذا ضحك دافنشي؟‬ ‫كان ليوناردو دافنش� � ��ي واحداً من أقطاب عصر‬ ‫النهضة في إيطاليا‪ ،‬وكان باإلضافة إلى عبقريته‬ ‫في فن الرسم والتصوير مخترعاً كبيراً ساهم في‬ ‫كثير من االختراعات التي يفخر بها اإليطاليون‬ ‫والعالم كله‪.‬‬ ‫ً‬ ‫وفي إح� � ��دى الليالي كان عائدا إلى بيته فهاجمه‬ ‫كلب كبير ومزّق مالبس� � ��ه‪ ،‬فما كان من دافنشي‬ ‫إال أن س� � ��قط على األرض يضحك‪ ...‬فلما جاءه‬ ‫الناس ينقذونه س� � ��ألوه عن سبب ضحكه‪ ،‬فقال‪:‬‬ ‫«أنا الذي اخترعت عش� � ��رات املداف� � ��ع والبنادق‬ ‫لكي ندافع بها عن الوطن‪ ،‬نسيت أن أخترع شيئاً‬ ‫حلمايتي من الكالب!»‪.‬‬ ‫مقهى مكسيم في باريس‬ ‫في أواخر القرن التاس� � ��ع عش� � ��ر‪ ،‬ذهب ش� � ��اب‬

‫‪80‬‬

‫‪9/29/16 9:10:44 AM‬‬

‫وعروس� � ��ه إلى مطع� � ��م صغير خام� � ��ل الذكر في‬ ‫مدين� � ��ة باريس ليتناوال العش� � ��اء‪ ،‬فلما جاء وقت‬ ‫دف� � ��ع احلس� � ��اب‪ ،‬صع� � ��ق الرجل ح� �ي��ن تبني أن‬ ‫محفظة نقوده قد ُس� � ��رقت منه‪ ،‬وأبى النادل أن‬ ‫يصدقه‪ ،‬وس� � ��اقه مع عروس� � ��ه إلى مدير املطعم‬ ‫ال� � ��ذي علم أنهما قد ض ّيعا أيضاً تذكرة عودتهما‬ ‫إل� � ��ى فيينا‪ ،‬فع� � ��رض عليهم� � ��ا أن يقرضهما ماالً‬ ‫يكفيهما للسفر‪.‬‬ ‫فقال الشاب‪« :‬لن تندم على سخائك وكرمك‪...‬‬ ‫وس� � ��وف أؤلف رواية موس� � ��يقية (أوبريت) أجعل‬ ‫مطعمك فيها مسرحاً ألحد مشاهدها»‪.‬‬ ‫وبعد سنوات‪ ،‬بر الش� � ��اب وهو الفنان النمساوي‬ ‫«فران� � ��ز ليه� � ��ار» مبا وع� � ��د‪ ...‬فقد أ ّل� � ��ف رواية‬ ‫«األرملة املرحة»‪ .‬وض ّمنها تلك األغنية املشهورة‬ ‫ع� � ��ن «مقهى مكس� � ��يم»‪ .‬وكذلك ظف� � ��رت «كافيه‬ ‫مكس� � ��يم» في باريس بذيوع الصي� � ��ت بني أماكن‬ ‫الترويح في جميع أرج� � ��اء األرض‪ ،‬ألن صاحبها‬ ‫الرقي� � ��ق «أوج� �ي��ن كورنوش» عط� � ��ف على مؤلف‬ ‫موسيقي مفلس يوماً ما!‬ ‫األمور نسبية‬ ‫ح� �ي��ن ألقى وليم ج‪ .‬بريان (وقد صار في ما بعد‬ ‫من أش� � ��هر خطباء أمريكا) إحدى خطبه األولى‪،‬‬ ‫كان� � ��ت والدته ضمن جمهور احلاضرين‪ ،‬فأفاض‬ ‫م� � ��ن فصاحته‪ ،‬وما كاد ينتهي م� � ��ن خطبته حتى‬ ‫أقبل على والدته وسألها‪ :‬ما رأيك؟‬ ‫فقالت ف� � ��ي رفق‪« :‬وليم‪ ...‬لقد ب� � ��دا لي أنك لم‬ ‫تغتن� � ��م خي� � ��ر الفرص الت� � ��ي أتيح� � ��ت لك خالل‬ ‫اخلطبة‪.»...‬‬ ‫فقال‪ :‬ما تعنني؟‬ ‫ّ‬ ‫لتكف وتقعد‪،‬‬ ‫فقال� � ��ت‪ :‬كانت أمامك فرص كثيرة‬ ‫فلم تفعل!‬

‫العدد ‪ - 696‬نوفمبر ‪2016‬‬

‫‪nov 78-81.indd 80‬‬


‫الكويت عاصمة الثقافة اإلسالمية ‪2016‬‬

‫تبذير‬ ‫اشترى بخيل من أسكتلندا تذكرتي «يا نصيب»‪،‬‬ ‫ففازت إحداهما باجلائزة األولى‪ ،‬وهي س� � ��يارة‬ ‫جدي� � ��دة ‪ -‬آخ� � ��ر موديل ‪ -‬ولكنه رغ� � ��م ذلك بدا‬ ‫مكتئباً‪.‬‬ ‫وس� � ��أله أحد أصدقائه عن س� � ��بب حزنه برغم‬ ‫فوزه بسيارة جديدة‪ ...‬فقال‪:‬‬ ‫ إنن� � ��ي نادم ألنني اش� � ��تريت التذك� � ��رة األخرى‬‫أيضاً!‬ ‫حتذير‬ ‫تلقى ليندون جونس������ون عندم������ا كان نائباً‬ ‫للرئيس األمريكي جون كينيدي رسالة من‬ ‫أحد الهن������ود احلمر في أمريكا ‪ -‬أصحاب‬ ‫األرض األصلي���ي��ن ‪ -‬ق������ال فيه������ا‪« :‬كون������وا‬ ‫حريص���ي��ن بالنس������بة إلى قوان���ي��ن الهجرة‬ ‫الت������ي تصدرونها‪ ...‬فإننا كن������ا مهملني في‬ ‫قوانيننا»‪.‬‬ ‫جهاز تسجيل‬ ‫كان الصحف� � ��ي األملان� � ��ي هان� � ��ز أولري� � ��خ‬ ‫كميس� � ��كي‪ ،‬الذي كان يع� � ��د أفضل صحفي‬ ‫في أملانيا الش� � ��رقية قبل توحيد األملانيتني‪،‬‬ ‫يج� � ��ري حديثاً مع أحد السياس� � ��يني الذين‬ ‫اشتهروا بالتدقيق في مراجعة تصريحاتهم‬ ‫قبل وبعد نش� � ��رها‪ ...‬ولهذا وضع كميسكي‬ ‫جهازاً صغيراً للتس� � ��جيل داخل أحد جيوب‬ ‫معطفه‪.‬‬ ‫وفي وس� � ��ط احلديث‪ ،‬أخ� � ��ذ اجلهاز يصدر‬ ‫طنيناً مس� � ��موعاً‪ ...‬وعندئذ نظر السياسي‬ ‫إلى الصحفي‪ ،‬وقال‪:‬‬ ‫ عفواً يا هر كميسكي‪ ...‬أهذا صوت جهاز‬‫تسجيلك أم صوت جهازي أنا؟!‬

‫تشرشل‬

‫أديسون مطرود‬ ‫ق� � ��ال املخترع األمريكي أديس� � ��ون ف� � ��ي مذكراته‬ ‫الت� � ��ي كتبها قبل وفاته‪« :‬لق� � ��د ُطردت من عملي‬ ‫مرت� �ي��ن‪ :‬أوالهما ح� �ي��ن كنت عام� �ل � ً‬ ‫ا للتلغراف‪،‬‬ ‫فاس� � ��ترعت اهتمامي اآللة نفسها‪ ،‬وفكرت في‬ ‫محاولة حتس� � ��ينها‪ ،‬فكنت أشرد أحياناً بخيالي‬ ‫مفكراً في وسيلة التحسني‪ ،‬فأنسى تسلّم برقية‬ ‫أو تسليمها‪ .‬والثانية حينما التحقت بوظيفة في‬ ‫مكتب مقاول صغي� � ��ر‪ ،‬إذ الحظت كثرة الفئران‬ ‫واحلش� � ��رات في الكتب‪ ،‬فش� � ��غلت بالتفكير في‬ ‫طريق� � ��ة إلبادتها‪ ،‬ووفقت في ذل� � ��ك‪ ،‬ولكن هذا‬ ‫لم يش� � ��فع ل� � ��ي عند صاح� � ��ب العمل‪ ،‬ف� � ��كان أن‬ ‫ُطردت إلهمالي م� � ��رة أخرى‪ .‬ولقد آملني الطرد‬ ‫م� � ��ن الوظيفتني في حينه أش� � ��د األلم‪ ...‬ولكنني‬ ‫لو لم أطرد من هاتني الوظيفتني‪ ،‬ما ذاع اس� � ��م‬ ‫أديسون‪ ،‬والنقضت حياتي خاملة بغير إنتاج >‬

‫‪81‬‬

‫‪9/29/16 9:10:48 AM‬‬

‫‪nov 78-81.indd 81‬‬


‫نقد‬

‫في غبن رواية «بندر شاه» للطيّب صالح‬ ‫د‪ .‬فوزي الزمرلي‬

‫أكادميي من تونس‬

‫م���ا زال الق���رّاء الع���رب عازفي���ن إل���ى يومن���ا هذا عن‬ ‫رواي���ة «بن���در ش���اه»‪ ،‬رغ���م إش���ارة مؤ ّلفه���ا الط ّي���ب‬ ‫صالح إل���ى احتفالها بالمعاناة الت���ي كابدها راوي‬ ‫«موس���م الهجرة إلى الش���مال»‪ ،‬إث���ر انقطاعه عن‬ ‫دل – فض ً‬ ‫القري���ة وتأثّره بمصطفى س���عيد‪ .‬وق���د ّ‬ ‫ال‬ ‫ع���ن ذلك ‪ -‬على أنّه رصد في ثناياها مس���يرة ذلك‬ ‫الراوي نفس���ه بع���د رجوعه إل���ى الجن���وب بحث ًا عن‬ ‫زمنه الضائع‪ .‬ولذلك أعرب عن خيبة أمله في ق ّرائه‬ ‫و ّ‬ ‫نق���اده الذين زهدوا في تل���ك الرواية التي اعتبرها‬ ‫أهم أعماله السرديّة‪.‬‬ ‫من ّ‬

‫�لبي دخ� � ��ل أساس� � ��ي ‪-‬‬ ‫كان لذل� � ��ك التل ّق� � ��ي الس� � � ّ‬ ‫وف� � ��ق رأين� � ��ا – في نف� � ��ور الـط ّي� � ��ب صالح م� � ��ن الكتابة‬ ‫القصص ّية خ� �ل��ال الطور األخير من أطوار حياته‪ ،‬رغم‬ ‫أ ّنه حظي بش� � ��هرة واس� � ��عة في العالم العرب� � � ّ�ي والعالم‬ ‫الغربي بعد نش� � ��ر رواية «موس� � ��م الهجرة إلى الشمال»‬ ‫ّ‬ ‫وترجمتها إلى لغات ع ّدة‪.‬‬ ‫وم� � ��ن أج� � ��ل هذا كلّ� � ��ه‪ ،‬فإ ّنن� � ��ا س� � ��نج ّود النظر في‬ ‫خصائص رواية «بندر شاه» بجزءيها املوسومني بـ «ضوء‬ ‫البيت» و«مريود» لنحلّل خطابها ونثبت مت ّيزها عن بق ّية‬ ‫آثارالط ّيب صالح الس� � ��رد ّية ونق� � ��ف على اجلوانب التي‬ ‫أفضت إلى غبنها املتواصل إلى اآلن‪.‬‬ ‫إ ّن تعلّ� � ��ق أحداث رواية «بندر ش� � ��اه» بأطوار حياة‬ ‫ال� � ��راوي محيميد في قرية «ود حام� � ��د» قد فتح عاملها‬ ‫�ردي على معج� � ��م املتص ّوفني وكراماته� � ��م ورؤاهم‬ ‫الس� � � ّ‬ ‫املهيمنة على فضاء تل� � ��ك القرية التي أنفق بها طفولته‬ ‫وحب رفيقته مرمي‪ .‬وكانت‬ ‫وصب� � ��اه‪ ،‬متن ّعما بعطف ج ّده ّ‬ ‫‪82‬‬

‫‪9/29/16 9:31:59 AM‬‬

‫عودته إلى «ود حامد» ‪ -‬قرية القباب العش� � ��ر ‪ -‬ناطقة‬ ‫بأ ّن� � ��ه يئس من الثقافة يأس� � ��ا أذكى رغبته في النهل من‬ ‫منبع إميان العش� � ��يرة التي س � � �لّم أفرادها بأ ّن «أصوات‬ ‫احلي� � ��اة ف� � ��ي ود حام� � ��د متناس� � ��قة متماس� � ��كة جتعلك‬ ‫حتس بأ ّن املوت معنى آخ� � ��ر من معاني احلياة ال أكثر»‬ ‫ّ‬ ‫(الط ّيب صالح‪ ،‬ضوء البيت‪ ،‬بيروت‪ ،‬دار العودة‪،1971 ،‬‬ ‫ص‪.)61‬‬ ‫غي� � ��ر أ ّن ذهاب بعض الش� � ��خص ّيات إلى أ ّن ارتباط‬ ‫املجتم� � ��ع الس� � ��وداني بالغرب قد طم� � ��س قيمه األصيلة‬ ‫وش ّوش تناس� � ��قه‪ ،‬يكش� � ��ف إلى جانب ذلك عن اهتمام‬ ‫املؤ ّلف بتلك املس� � ��ألة التي تس � � � ّربت إل� � ��ى مجتمعه إثر‬ ‫اتّصاله بالغرب‪.‬‬ ‫وهكذا يتّضح لنا أ ّن الراوي قد نفّذ العزم الذي‬ ‫أعلن عنه في خامتة «موس� � ��م الهجرة إلى الشمال»‪،‬‬ ‫ث � � � ّم رجع إل� � ��ى القرية وب � � � ّرر موقفه بقول� � ��ه لرفاقه‪:‬‬ ‫«وقتني طفح الكيل مش� � ��يت ألصحاب الش� � ��أن‪ ،‬قلت‬ ‫العدد ‪ - 696‬نوفمبر ‪2016‬‬

‫‪nov 82-85.indd 82‬‬


‫لهم‪ :‬خالص‪ .‬م� � ��ش عاوز‪ .‬رافض‪.‬‬ ‫ادون� � ��ي حقوقي‪ .‬عاوز أروح ألهلي‪.‬‬ ‫دار ج ّدي وأبوي‪ .‬أزرع وأحرث زي‬ ‫بق ّية خلق الله (‪ )...‬قلت لهم عاوز‬ ‫أعود للماض� � ��ي‪ .‬أ ّي� � ��ام كان الناس‬ ‫ن� � ��اس والزمان زمان» (ضوء البيت‪،‬‬ ‫ص‪.)85-84‬‬ ‫وق� � ��د جنم� � ��ت ه� � ��ذه الرغب� � ��ة‬ ‫العارمة في العودة إلى املاضي عن‬ ‫خاصة‬ ‫حن� �ي��ن محيميد إلى رؤي� � ��ة‬ ‫ّ‬ ‫للعال� � ��م وعن توق إلى احلقيقة التي‬ ‫مي ّثل أقطاب الصوف ّية مصدراً من‬ ‫مصادر إش� � ��عاعها‪ .‬أي إ ّنه ف� � ��ي نهاية املطاف حنني‬ ‫إلى الروحان ّيات التي طمس� � ��تها املاد ّيات في املدينة‬ ‫الشرقي ومزّق كيانه‪ .‬ولكن‪ ،‬مبا‬ ‫طمساً بلبل اإلنسان‬ ‫ّ‬ ‫أ ّن دبيب التغ ّير تس � � � ّرب إلى القرية خالل الس� � ��نوات‬ ‫التي تغ ّرب فيها الراوي‪ ،‬فإ ّن تلك الظاهرة أش� � ��عرته‬ ‫باخليب� � ��ة عندما رجع إليه� � ��ا وأثبتت له أ ّن «ود حامد‬ ‫الت� � ��ي حملها في خياله ك ّل ه� � ��ذه األعوام وعاد اآلن‬ ‫جندي في جيش منهزم لم يعد لها‬ ‫يبح� � ��ث عنها مثل‬ ‫ّ‬ ‫وجود» (ضوء البيت‪ ،‬ص ‪.)46‬‬

‫أسطورة بندر شاه‬

‫افت� � ��رض املؤ ّل� � ��ف في نص� � ��وص مصاحب� � ��ة أ ّن‬ ‫«املاضي واملس� � ��تقبل في تآمر مستم ّر ض ّد احلاضر‪،‬‬ ‫كما أ ّن اجل ّد واحلفيد في تآمر مس� � ��تم ّر ض ّد األب»‬ ‫(أحمد ح� � ��رز الله‪ ،‬حوار مع الط ّي� � ��ب صالح‪ ،‬تونس‪،‬‬ ‫العم� � ��ل الثقافي‪ 19 ،‬مارس ‪ ،1973‬ص‪ ،8‬ص‪ ،)17‬ث ّم‬ ‫حاول اختبار ذل� � ��ك االفتراض في الرواية التي نحن‬ ‫بصددها‪ .‬وم� � ��ن أجل ذلك ص ّور التغ ّير العميق الذي‬ ‫ط� � ��رأ على القرية تصويراً دف� � ��ع محيميد في اجلزء‬ ‫األ ّول من الرواية إلى حتميل بندر ش� � ��اه مسؤول ّية ك ّل‬ ‫تلك األح� � ��داث‪ .‬ومن ث ّم انتهى إل� � ��ى أ ّن صورة اجل ّد‬ ‫مماثلة لصورة عيس� � ��ى بن ض� � ��وء البيت وإلى امتزاج‬ ‫صورة مريود بصورة بندر ش� � ��اه وأظهر بشاعة مقتل‬ ‫املاضي واملستقبل‪.‬‬ ‫وهك� � ��ذا تع ّق� � ��د اخلط� � ��اب الروائ� � � ّ�ي وتداخل� � ��ت‬ ‫األح� � ��داث تداخ ً‬ ‫ال حجب اخليط الرابط بينها‪ .‬ذلك‬ ‫أ ّن عبارة «بندر شاه» حتيل على مسائل وشخص ّيات‬ ‫‪84‬‬

‫‪9/29/16 9:32:06 AM‬‬

‫مختلف� � ��ة‪ ،‬وكذلك أل ّن ال� � ��راوي لم‬ ‫يع ّرف بأس� � ��طورة بندر شاه إ ّال في‬ ‫مما جعل‬ ‫اجلزء الثاني من الرواية‪ّ ،‬‬ ‫فهم جزئها األ ّول متو ّقفا على قراءة‬ ‫جزئها الثاني قراءة تأويل ّية (الط ّيب‬ ‫صالح‪ ،‬مريود‪ ،‬بي� � ��وت‪ ،‬دار العودة‪،‬‬ ‫‪ ،1978‬ص ‪.)66 - 33‬‬ ‫ولئن تس � � � ّببت أح� �ل��ام اليقظة‬ ‫التي عاش� � ��تها بعض الش� � ��خص ّيات‬ ‫في تعقي� � ��د خطاب الرواية ظاهر ّيا‪،‬‬ ‫فإ ّنه� � ��ا أن� � ��ارت في مس� � ��توى العمق‬ ‫القض ّية األساس � � � ّية التي تعلّقت بها‬ ‫وفس� � ��رت ج ّل رموزها‪ ،‬فال� � ��راوي أطـلعنا على‬ ‫الرواية ّ‬ ‫فس� � ��ر لنا مغزاها تفسيراً أبان عن‬ ‫م‬ ‫ث‬ ‫يقظته‪،‬‬ ‫أحالم‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫صالتها باملسألة األساس ّية التي رصدتها رواية «بندر‬ ‫شاه»‪ ،‬ودعم االفتراض الذي أ ّثر في حتديد برنامجها‬ ‫السردي (ضوء البيت‪ ،‬ص ‪.)56-47‬‬ ‫ّ‬ ‫وبه� � ��ذا جتلّ� � ��ى لنا أ ّن احلل� � ��م الذي ص � � � ّور مقتل‬ ‫اجل � � � ّد واحلفيد واعتقال األبناء ليس إ ّال متثي ً‬ ‫ال لذلك‬ ‫احلاضر الذي تنافر مع ماضيه ومع مس� � ��تقبله تنافرا‬ ‫ز ّج ب� � ��ه في ت ّيار الفوضى وخلخل جميع أركانه‪ .‬وكانت‬ ‫أحالم سعيد عشا البايتات دا ّلة على أ ّنه رتّب عناصر‬ ‫أس� � ��طورة بندر شاه نفس� � ��ها ترتيباً جديداً‪ ،‬نظراً إلى‬ ‫اختالف موقفه من مظاه� � ��ر تغ ّير القرية عن مواقف‬ ‫رفاقه‪ .‬إ ّن تصالح سعيد وسيف الدين مع أبناء بكري‬ ‫عندما شاركا في انتخاب زعيم القرية هو الذي جعله‬ ‫يعتبر أ ّن حاضرها متناس� � ��ق مع ماضيها ومستقبلها‪،‬‬ ‫م� � ��ن دون تآم� � ��ر وال تصارع وال س� � ��فك دماء‪ .‬ولذلك‬ ‫اقتنع محيميد بتح ّق� � ��ق تلك املصاحلة التي اعتبرها‬ ‫في ش� � ��بابه ضربا من املعجزات‪ ،‬عندم� � ��ا ع ّبر جد ّه‬ ‫ورفاقه عن إعجابه� � ��م مبواقف احلفيد مريود الذي‬ ‫ناب عن ج ّده بندر شاه في موكب عقد إلبرام إحدى‬ ‫الصفقات التجار ّية (ضوء البيت‪ ،‬ص ‪.)23-22‬‬ ‫ونح� � ��ن إن أمعنا النظر في حلم س� � ��عيد عش� � ��ا‬ ‫البايتات يتبني لنا أ ّن بندر شاه استحال فيه إلى ملك‬ ‫ثري بنى قصرا شبيها باملنزل الذي بناه ضوء البيت‬ ‫ّ‬ ‫وأقام به صحبة مريود وأحد عشر عبدا‪ .‬وخالل ذلك‬ ‫احللم امتزجت صورة بندر شاه بصورة محجوب‪ ،‬إذ‬ ‫ظن أ ّنه‬ ‫س � � �لّم بندر شاه األمانة إلى أصحابها بعد أن ّ‬ ‫العدد ‪ - 696‬نوفمبر ‪2016‬‬

‫‪nov 82-85.indd 84‬‬


‫الكويت عاصمة الثقافة اإلسالمية ‪2016‬‬ ‫ورث األرض ومن عليها‪ ،‬مثلما سلّم محجوب السلطة‬ ‫إلى س ّكان القرية بعد أن استب ّد بها‪.‬‬ ‫لذلك تخلّصت أسطورة بندر شاه في حلم سعيد‬ ‫من مظاهر الصراع بني املاضي واحلاضر واملستقبل‬ ‫املؤ ّدي� � ��ة إلى انهي� � ��ار املجتمع‪ ،‬وغابت فيها مش� � ��اهد‬ ‫البط� � ��ش وإراقة الدماء‪ ،‬مؤ ّك� � ��دة بذلك وقوع معجزة‬ ‫أخرى من معجزات الش� � ��يخ احلن� �ي��ن‪ .‬ومن ث ّم طغى‬ ‫الش� � ��وق على س� � ��عيد وقت احللم واس� � ��تبد به الوجد‬ ‫فس� � ��الت دموعه ورأى نفس� � ��ه يؤ ّذن للصالة بصوت‬ ‫�جي حمل جميع س � � � ّكان ود حامد – وفق ما بدا‬ ‫ش� � � ّ‬ ‫التوجه إلى اجلامع‪ ،‬حيث ّ‬ ‫متت املصاحلة‬ ‫على‬ ‫ل� � ��ه ‪-‬‬ ‫ّ‬ ‫بحضور جميع الناس‪ ،‬ودخ� � ��ل اجلامع من لم يدخل‬ ‫جامعا في حياته (ضوء البيت‪ ،‬ص ‪.)70 64-‬‬

‫عتبات النص‬

‫ونح� � ��ن إن قرأن� � ��ا منت الرواية في ض� � ��وء عتباته‬ ‫جتلّ� � ��ى لنا أ ّن الط ّيب صال� � ��ح م ّهد لتلك الرواية مبثل‬ ‫«الرج� � ��ل والتنّني في البئر» ّ‬ ‫ليدل – من ناحية ‪ -‬على‬ ‫أ ّن البط� � ��ل الراوي ّ‬ ‫تفطن إل� � ��ى أ ّن املل ّذات املاد ّية هي‬ ‫التي جعلته «يتش� � ��اغل عن نفس� � ��ه ويلهو عن شأنه»‪،‬‬ ‫ويب ّرر من ناحية أخرى إفراطه في طرح األسئلة على‬ ‫رفاق صب� � ��اه وتعلّقه بفهم س� � ��لوك أقطاب الصوفية‬ ‫واتّباع سبيلهم بعد وفاة مرمي‪.‬‬ ‫ورغ� � ��م أ ّن محيميد حرص عل� � ��ى معرفة أخبار‬ ‫األولياء الذين بهروا س ّكان القرية مبعجزاتهم وعزم‬ ‫على االستعداد لآلخرة‪ ،‬فإ ّنه لم يسلك سبيلهم خالل‬ ‫الطور األخير من أطوار حياته إ ّال بعد أن اهت ّز كيانه‬ ‫لوفاة مرمي وغمرته احلسرة على فراقها ووقف على‬ ‫الصوفي‪ .‬فقد اس� � ��تع ّدت مرمي للموت‬ ‫عمق إميانها‬ ‫ّ‬ ‫«كأ ّنها ق ّررت أن ترحل فجأة» واس� � ��تقبلته استقبالها‬ ‫للزواج (مري� � ��ود‪ ،‬ص ‪ .)81-80‬وخالل حلظة الفراق‬ ‫أعربت حمليميد عن الش� � ��قاء الذي خ ّيم على حياتها‬ ‫منذ أن قط� � ��ع صلته بها فأذكت ندم� � ��ه على مغادرة‬ ‫وفجرت في عينيه «الدموع التي ظلّت حبيسة‬ ‫القرية ّ‬ ‫ك ّل تلك األعوام» (مريود‪،‬ص ‪.)82‬‬ ‫إ ّن مش� � ��هد م� � ��وت مرمي ه� � ��و الذي ذ ّك� � ��ر محيميد‬ ‫مبشهدي موت بالل وحواء (مريود‪ ،‬ص ‪ ،)66-57‬وقدح‬ ‫بريق ش� � ��عاع جعله يستعذب املوت وهو يحمل ج ّثة مرمي‬ ‫بني يديه يري� � ��د أن يلحق بها‪ .‬ومبا أ ّن تر ّدده خالل تلك‬ ‫في غنب رواية «بندر شاه» للط ّيب صالح‬ ‫‪9/29/16 9:32:09 AM‬‬

‫اللّحظ� � ��ة قد غ ّيب ذلك الش� � ��عاع عن نظره‪ ،‬فإ ّنه رجاها‬ ‫أن تس� � ��مح له بالسير معها ملّا ش� � ��اهد طيفها م ّرة ثانية‬ ‫شاعري تخلّلته نفحات‬ ‫فأبت‪ .‬وعندئذ دار بينهما حوار‬ ‫ّ‬ ‫صوف ّية خ ّ‬ ‫البة‪ .‬وله� � ��ذا يبدو لنا أ ّن خروج محيميد إلى‬ ‫البادي� � ��ة يوم ّيا بعد أن هدته مرمي إلى س� � ��بيل اخلالص‬ ‫مي ّث� � ��ل دليال عل� � ��ى أ ّنه عزف ع� � ��ن العلوم الت� � ��ي تلقّاها‬ ‫باملدينة وأعرض عن مل ّذات الدنيا وبدأ يروض نفس� � ��ه‬ ‫عل� � ��ى اللّح� � ��اق بقافل� � ��ة املتص ّوفني‪ .‬وقد أس� � ��فرت تلك‬ ‫الوجه� � ��ة عن توطيد عالقاته بالطبيعة توطيداً أش� � ��عره‬ ‫ب� � ��أ ّن عصارة احلياة كلّها توجد – فع ً‬ ‫ال – في ود حامد‬ ‫(ضوء البيت‪ ،‬ص‪.)14‬‬ ‫إ ّن نفور محيميد م�� ��ن الثقافة يترجم عن إميانه بأ ّن‬ ‫العربي ناجمة عن أخذ العرب‬ ‫األزمة التي مي ّر بها العالم‬ ‫ّ‬ ‫�ري وحده‪ ،‬ويظهر ش� � � ّكه في إمكانات العقل‬ ‫بالعلم البش�� � ّ‬ ‫وقيمة ما أنتجه‪ ،‬ويثبت أ ّن بحثه عن توازنه النفس�� � ّ�ي قد‬ ‫ج ّمل صورة املاضي في نظره‪.‬‬ ‫غير أ ّن الرواية د ّلت ‪ -‬فضال عن ذلك – على اختالط‬ ‫السبل أمام مؤ ّلفها وعلى تش ّعب القض ّية التي انشغل بها‬ ‫بإش�� ��ارتها – من ناحية – إلى تف ّكك وحدة القرية وتب ّدد‬ ‫قيمها التليدة وإفصاحها من ناحية أخرى عن فزع بعض‬ ‫الشخص ّيات من املستقبل وتفاؤل بعضها اآلخر بتعاضد‬ ‫األجداد واألحفاد على صيانة احلاضر‪.‬‬ ‫وم� � ��ن هنا ش� � � ّ‬ ‫الروائي عن‬ ‫�ف عالم «بندر ش� � ��اه»‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫احلضاري الراه� � ��ن باجلن� � ��وب وجتذر في‬ ‫الوض� � ��ع‬ ‫ّ‬ ‫فض� � ��اء القرية وانفتح على معجم املتص ّوفني واحتفل‬ ‫مبعتق� � ��دات أهل اجلنوب احتف� � ��اال أثبت ميل الط ّيب‬ ‫صالح إلى االنخراط بتلك الرواية في موجة تأصيل‬ ‫الرواية العرب ّية‪ .‬وقد ساهم تل ّون تقن ّيات «بندر شاه»‬ ‫�عبي القائم على املش� � ��افهة في‬ ‫بأل� � ��وان احلكي الش� � � ّ‬ ‫إظهار قس� � ��ماتها الدا ّلة على إمعان املؤ ّلف في رصد‬ ‫واقع اجلن� � ��وب‪ ،‬بعد أن وقف عل� � ��ى واقع الغرب في‬ ‫«موسم الهجرة إلى الشمال»‪.‬‬ ‫وق� � ��د أ ّدى ك ّل ذلك إلى تل ّون رواية «بندر ش� � ��اه»‬ ‫بلون محلّ ّي أثبت مت ّيزها عن الروايات الس� � ��ائدة في‬ ‫الغربي‪ّ ،‬‬ ‫ودل على أ ّن املس� � ��لك‬ ‫العربي واألدب‬ ‫األدب‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫الذي اتّبع� � ��ه الط ّيب صالح لينخ� � ��رط بها في موجة‬ ‫تأصي� � ��ل الرواي� � ��ة العرب ّية قد ع ّق� � ��د خطابها تعقيدا‬ ‫نفّر منها ج ّل النقّاد وحمل الق ّراء على العزوف عنها‬ ‫وغبنها غبناً كاد يطمس أوجه ثرائها املتع ّددة >‬ ‫‪85‬‬

‫‪nov 82-85.indd 85‬‬


‫أدب‬

‫األصول العربية لما بعد الحداثة‬ ‫أمير الغندور‬ ‫«إنها اللغة التي تتحدث وليس المؤلف»‪.‬‬ ‫هك���ذا أعلن الناقد الفرنس���ي روالن بارت في مقال مد ٍو نش���ره عام ‪ 1967‬أعلن‬ ‫في���ه أيض ًا‪« :‬نحن لن نعرف أبداً (م���ن يتكلم في النص)‪ ،‬ألن الكتابة هي تدمير‬ ‫لكل ص���وت ولكل نقطة أص���ل‪ .‬فالكتابة هي الم���كان المحايد الذي تضيع‬ ‫فيه ذواتنا وهويتنا‪ ،‬بدءاً بهوية الجسد الذي يكتب»‪.‬‬ ‫«النق���د (ال���ذي نرفضه هو ذلك ال���ذي يختزل النص في مؤلف���ه) فيختزل عمل‬ ‫بودلي���ر الفنان في فش���ل بودلير اإلنس���ان‪ ،‬و(ي���رى في) عمل فان ج���وخ نتيجة‬ ‫لجنونه‪ ...‬ويتم (في هذا النقد المرفوض من بارت) تفس���ير أي عمل من خالل‬ ‫الرج���ل أو الم���رأة التي أنتج���ت هذا العمل‪ ،‬كم���ا لو كان العم���ل دائما صوت‬ ‫شخص فرد‪ ،‬هو المؤلف»‪.‬‬

‫كم� � ��ا أعلن ب� � ��ارت أن «النقد ال� � ��ذي نقبله –‬ ‫كتفكيكي� �ي��ن ‪ -‬هو ذل� � ��ك الذي يجع� � ��ل اللغة هي‬ ‫التي تتكلم وليس املؤلف‪ ,‬وهذا هو رأي الش� � ��اعر‬ ‫ماالرميه‪ ،‬كما هو رأي الشاعر بول فاليري الذي‬ ‫سخر من فكرة املؤلف‪ ،‬وقال إن أي تفسير للعمل‬ ‫الفني من خالل اللجوء إل� � ��ى اجلوانب الداخلية‬ ‫للكاتب هو مجرد خرافة»‪.‬‬ ‫«أن تعطي النص مؤلفاً معناه فرض حد وقيد‬ ‫على هذا النص وإغالق الكتابة»‪.‬‬ ‫«من الضروري اإلطاحة بأسطورة املؤلف‪...‬‬ ‫ألن ميالد القارئ البد أن يأتي على حساب موت‬ ‫املؤلف»‪.‬‬ ‫وتزامن نشر مقالة بارت هذه مع نشر دريدا‬ ‫‪86‬‬

‫‪9/29/16 10:55:42 AM‬‬

‫كتبه الثالثة الشهيرة‪« :‬الكتابة واالختالف» و«في‬ ‫اجلراماتولوجي� � ��ا» و«الص� � ��وت والظاهرة»‪ .‬وكان‬ ‫ميش� � ��يل فوكو قد نشر كتابه «الكلمات واألشياء»‬ ‫في عام ‪ ،1966‬وبهذا أصبحت الساحة الفرنسية‬ ‫في عام ‪ 1967‬حافلة باألطروحات ما بعد البنيوية‬ ‫اجلذرية‪.‬‬ ‫ولن� � ��ا أن نتص� � ��ور مقدار الدهش� � ��ة واملعارك‬ ‫واالستقطابات التي سببها نشر كل هذه األفكار‬ ‫التفكيكي� � ��ة في عام ‪ ،1967‬من مثل أفكار‪« :‬موت‬ ‫املؤل� � ��ف» ‪« -‬التن� � ��اص» ‪« -‬اعتباطي� � ��ة العالمة»‪،‬‬ ‫لكونه� � ��ا أفكار تضاد ما اعتاده أغلب التقليديني‪.‬‬ ‫ورمبا كانت هذه الكتابات س� � ��بباً في بلورة وعي‬ ‫اجتماعي جديد في الشارع الفرنسي قبيل مايو‬ ‫العدد ‪ - 696‬نوفمبر ‪2016‬‬

‫‪nov 86-91.indd 86‬‬


‫أدب‬

‫سفيتالنا ألكسييفيتش‪...‬‬ ‫عندما يُكتب التاريخ بلغة المشاعر‬ ‫يوسف توفيق‬

‫كاتب من املغرب‬

‫لم تفاجئ اللجنة السويدية هذه المرة جمهور المتابعين‪ ،‬بإعالنها فوز‬ ‫الكاتبة البيالروسية سفيتالنا ألكسييفيتش بجائزة نوبل لآلداب لنسخة‬ ‫ه���ذه الس���نة‪ ،‬فقد كان���ت من أب���رز المرش���حات القتناص المج���د األدبي‪،‬‬ ‫إل���ى جانب ثلة من األدب���اء المرموقي���ن كالياباني هاروك���ي موراكامي‬ ‫والكيني نكوجي واتيونغو والكاتب المس���رحي النرويجي جون فوس‪.‬‬ ‫وق���د اعتلت ‪ -‬على س���بيل المث���ال ‪ -‬صدارة قائم���ة التكهنات في موقع‬ ‫التخمين���ات الش���هير «الدبروكس»‪ ،‬أيام��� ًا قليلة فقط قبل إع�ل�ان النتيجة‪.‬‬ ‫وس���وغت اللجنة اختيارها بتعدد األصوات في كتاباتها‪ ،‬مما يعد معلم ًا‬ ‫للمعاناة والشجاعة في العصر الحالي‪.‬‬

‫م� � ��ن األمور الالفتة في كتابات س� � ��فيتالنا هو‬ ‫انتسابها إلى جنس جديد‪ ،‬يقوم على تخوم األدب‬ ‫والعم� � ��ل الصحف� � ��ي الوثائقي‪ ،‬إذ حتش� � ��د الكاتبة‬ ‫البيالروس� � ��ية‪ ،‬ف� � ��ي جميع أعماله� � ��ا مجموعة من‬ ‫الش� � ��هادات التي استقتها مباش� � ��رة ممن عايشوا‬ ‫بأنفس� � ��هم أحداث احل� � ��رب داخ� � ��ل اإلمبراطورية‬ ‫احلم� � ��راء‪ ،‬أو من ضحاي� � ��ا كارثة تش� � ��يرنوبيل‪ ،‬أو‬ ‫من الذين انه� � ��اروا بانهيار جدار برلني‪ .‬ويعد هذا‬ ‫األس� � ��لوب اختياراً عن اقتناع راس� � ��خ مرده إميان‬ ‫الكاتبة بفاعلية االس� � ��تجواب كأسلوب عمل ناجع‬ ‫في كتابة التاريخ وتوثيق مآسي العصر‪ ،‬خصوصاً‬ ‫أنها أب� � ��دت غير مرة في حواراته� � ��ا الصحفية أن‬ ‫لها حساس� � ��ية مفرطة جتاه األص� � ��وات التي كانت‬ ‫س� �ل��احها األخاذ في اكتشاف العالم وإعادة كتابة‬ ‫التاريخ‪.‬‬ ‫‪92‬‬

‫‪10/3/16 8:55:16 AM‬‬

‫احلرب بصيغة املؤنث‬ ‫س� � ��جلت س� � ��فيتالنا في باكورة أعمالها وجهاً‬ ‫غي� � ��ر أنثوي للحرب (‪ ،)1985‬من خالل ش� � ��هادات‬ ‫املئات من النس� � ��اء ضحايا احلرب العاملية الثانية‪،‬‬ ‫ممن س� � ��ببت لهن احلرب نزف � � �اً متواص ً‬ ‫ال‪ ،‬وتركت‬ ‫عنده� � ��ن جروحاً غائ� � ��رة في اجلس� � ��د والذاكرة‪،‬‬ ‫واحدة منه� � ��ن أبدت بعد انتهاء احلرب رغبتها في‬ ‫حتقيق أمنيات ثالث‪ ،‬أن تركب في عربة ترام‪ ،‬وأن‬ ‫تأكل خبزاً أبيض‪ ،‬ثم تنام فوق س� � ��رير من األوراق‬ ‫البيض� � ��اء‪ .‬أما األخريات فع َّبرن بلس� � ��ان يقطر أملاً‬ ‫ع� � ��ن حياتهن داخل املعس� � ��كرات التي جردتهن من‬ ‫أنوثته� � ��ن‪ ،‬وجعلتهن يلبس� � ��ن زي احلرب‪ ،‬ويزحفن‬ ‫حتت األسالك الشائكة‪ ،‬وميارسن القتل في أبشع‬ ‫صوره‪.‬‬

‫آخر الشهود (‪ :)1985‬أو احلرب بعيون بريئة‬

‫العدد ‪ - 696‬نوفمبر ‪2016‬‬

‫‪nov 92-95.indd 92‬‬


‫الكويت عاصمة الثقافة اإلسالمية ‪2016‬‬

‫الكاتبة البيالروسية سفيتالنا ألكسييفيتش خالل مراسم تسلم جائزة نوبل‬

‫ويس� � ��تمر حفر الكاتبة البيالروسية في ذاكرة‬ ‫احل� � ��رب‪ ،‬بإزميل الش� � ��هادات املؤثرة م� � ��رة أخرى‪،‬‬ ‫ألطفال اكتووا بنارها‪ ،‬وجترعوا قس� � ��وتها البالغة‪.‬‬ ‫وقد سئلت مرة في حوار صحفي عن ماهية البطل‬ ‫ف� � ��ي عملها؟‪ ،‬فأجابت من دون تردد‪ ،‬إنها الطفولة‬ ‫البائسة التي احترقت بالرصاص والقنابل واجلوع‬ ‫واخلوف‪ .‬وفي إحدى الشهادات‪ ،‬حتكي صبية عن‬ ‫شهر يونيو (حزيران) من سنة ‪ 1941‬قائلة‪:‬‬ ‫آخر ذكرى من زمن الس� �ل��ام‪ ،‬هي حكاية كانت‬ ‫ترويها لي والدتي قب� � ��ل أن أخلد للنوم‪ ،‬وفي ذلك‬ ‫الصب� � ��اح‪ ،‬أيقظني اخلوف‪ ،‬اخل� � ��وف من أصوات‬ ‫مجهولة‪ ،‬كان أبي وأمي يعتقدان بأن اجلميع نائم‪،‬‬ ‫بينما أن� � ��ا كنت بجانب أخت� � ��ي الصغيرة أرقب كل‬ ‫ش� � ��يء متظاهرة بالن� � ��وم‪ ،‬كان أب� � ��ي يقبل أمي في‬ ‫وجهها ويديها‪ ،‬اس� � ��تغربت بشدة‪ ،‬ألني لم أشاهد‬ ‫أب� � ��ي يفعل ذلك من قب� � ��ل‪ ،‬وبينما أنا أش� � ��اهد ما‬ ‫يح� � ��دث عبر النافذة‪ ،‬ذهب االثن� � ��ان خارج البيت‪،‬‬ ‫ممس� � ��كني بأيدي بعضهما‪ ،‬كانت أمي تتعلق بأبي‪،‬‬ ‫لم تكن تريده أن يغ� � ��ادر‪ ،‬لكنه متلص منها‪ ،‬وأخذ‬ ‫ف� � ��ي اجلري‪ ...‬إني أراه كما لو كان ذلك قد حدث‬ ‫سفيتالنا ألكسيفيتش‪ ...‬عندما ُيكتب التاريخ بلغة املشاعر‬ ‫‪10/3/16 8:55:20 AM‬‬

‫باألمس‪ ،‬أخفى وجه� � ��ه بيديه‪ ،‬ومضى‪ ،‬كان خائفاً‬ ‫من العودة‪.‬‬

‫توابيت الزنك (‪:)1989‬‬ ‫حرب أفغانستان‪ ...‬باسم ماذا؟‬

‫لم تكن س� � ��فيتالنا تريد اخل� � ��وض مجدداً في‬ ‫س� � ��يرة احلرب ومآس� � ��يها املفجع� � ��ة‪ ،‬لكنها وجدت‬ ‫نفس� � ��ها بحكم عملها ف� � ��ي الصحافة‪ ،‬في قلب آلة‬ ‫احلرب الطاحنة‪ ،‬عندما ذهبت إلى أفغانس� � ��تان‪،‬‬ ‫لتضرب موعداً آخر م� � ��ع القصف والدمار اللذين‬ ‫يجتاحان كل ش� � ��يء‪ ،‬وينث� � ��ران املوت في كل مكان‪.‬‬ ‫ثم تعيش فص ً‬ ‫ال جديداً يكتبه املوت األعمى الذي‬ ‫ال ينتقي ضحاياه‪ .‬من ب� �ي��ن أولئك الضحايا طفل‬ ‫زارته الكاتبة في أحد مستش� � ��فيات كابول‪ ،‬وحني‬ ‫أرادت أن تسلمه دمية‪ ،‬أمسكها بأسنانه‪ ،‬فتعجبت‬ ‫من صنيعه‪ ،‬لكن امرأة كانت جتلس بجانبه أزاحت‬ ‫عنه الغطاء لتكتش� � ��ف أنه فقد رجليه ويديه معاً‪.‬‬ ‫ومن بينهم شاب في مقتبل العمر ألقت عليه التحية‬ ‫عندم� � ��ا دخلت املقصف لتناول الغ� � ��داء‪ ،‬لكنه لقي‬ ‫حتفه بعد نصف س� � ��اعة من ذلك‪ ،‬لتبقى تستذكر‬ ‫‪93‬‬

‫‪nov 92-95.indd 93‬‬


‫مالم� � ��ح وجهه بقي� � ��ة اليوم‪ .‬كما يتضم� � ��ن الكتاب‬ ‫شهادات عن جنود فقدوا اإلحساس بطعم احلياة‪،‬‬ ‫وآخرين فقدوا عقولهم‪ ،‬وهاموا على وجوههم في‬ ‫األرض‪ .‬وفي ص� � ��ور أخرى ال تقل مأس� � ��اوية عن‬ ‫س� � ��ابقاتها‪ ،‬تصور الكاتبة األمه� � ��ات الثكالى وهن‬ ‫يس� � ��تقبلن جثامني أبنائهن في توابيت من الزنك‪،‬‬ ‫من بينهن أم‪ ،‬أبدلت الكلمات شبه الرسمية على‬ ‫شاهد قبر ابنها‪ ،‬بعبارة‪ ،‬بأي إسم؟‬

‫مسحورون باملوت (‪:)1993‬‬ ‫أكذوبة املدينة الفاضلة‬ ‫يصور الكتاب الذي رأى النور سنة ‪ ،1993‬ما‬ ‫خلفه س� � ��قوط جدار برلني‪ ،‬وتهاوي اإلمبراطورية‬ ‫احلمراء‪ ،‬من آثار نفسية وخيمة على الذين عايشوا‬ ‫احللم الشيوعي‪ ،‬وضحوا بأغلى ما ميلكون من أجل‬ ‫أن تش� � ��رق ش� � ��مس العدالة االجتماعية واملساواة‪،‬‬ ‫ثم اس� � ��تفاقوا على احلقيق� � ��ة الصادمة التي كانت‬ ‫مختبئة حتت دثار الوهم والتضليل الذي مارس� � ��ته‬ ‫أيديولوجي� � ��ا احلزب الش� � ��يوعي‪ ،‬وذلك عن طريق‬ ‫شخصيات وجدت في االنتحار سبي ً‬ ‫ال ومهرباً من‬

‫اإلحباط‪ ،‬الناجم عن سوء التفاهم بني جيل عاش‬ ‫احللم‪ ،‬وآخر لم ير في جتربة املعسكر الشرقي إال‬ ‫صفحات من استبداد األنظمة الشمولية وقهرها‬ ‫وتنكيلها باإلنسان‪ .‬وفي الكتاب‪ ،‬نقرأ عن أم حتكي‬ ‫معاناتها قبل اإلقدام على االنتحار‪:‬‬ ‫«لدي عقلية معتقل‪ ،‬أبنائي يعاملونني كمريضة‬ ‫أصيبت مبرض عضال‪ ،‬لق� � ��د فقدت قدرتي على‬ ‫التعبي� � ��ر والش� � ��رح‪ .‬في ي� � ��وم عيد مي� �ل��ادي رويت‬ ‫إحدى ذكرياتي عن املعس� � ��كر‪ .‬لم يكن الفرح ليجد‬ ‫س� � ��بي ً‬ ‫ال إلى قلوبنا‪ ،‬فرغم إحساسنا بأن كل شيء‬ ‫عل� � ��ى ما يرام‪ ،‬فإنه كان هناك ش� � ��يء يحملنا على‬ ‫ذرف الدم� � ��وع‪ .‬حكيت كيف كنا نعش� � ��ق الفاحت من‬ ‫ماي� � ��و (أيار)‪ .‬قاطعني ابني قائال‪ :‬كيف تش� � ��عرين‬ ‫بإحس� � ��اس كهذا؟ يجب أن تشعري باخلجل‪ .‬إنهم‬ ‫مختلفون‪ ،‬في الش� � ��ارع كنت أعشق الشباب‪ ،‬لكن‬ ‫يس� � ��اورني ش� � ��عور باخلوف جتاههم عندما أعود‬ ‫إل� � ��ى البيت‪ .‬عندما كنت صغيرة ف� � ��ي دار األيتام‪،‬‬ ‫كان يعتريني هذا اإلحساس بني الفينة واألخرى‪.‬‬ ‫ص� � ��رخ قائ ً‬ ‫ال‪ :‬لق� � ��د كنتم فئران جت� � ��ارب‪ ،‬لتجربة‬ ‫الإنس� � ��انية‪ ،‬واآلن تفخرون ألنك� � ��م متلصتم منها‪،‬‬

‫ألكسييفيتش في شبابها‬ ‫‪94‬‬

‫‪10/3/16 8:55:25 AM‬‬

‫العدد ‪ - 696‬نوفمبر ‪2016‬‬

‫‪nov 92-95.indd 94‬‬


‫الكويت عاصمة الثقافة اإلسالمية ‪2016‬‬

‫مجموعة من مؤلفات أديبة نوبل‬

‫اإلنس� � ��ان‪ ،‬الدولة‪ ،‬تتحدثني عن السماد‪ ،‬عن مادة‬ ‫بناء صرح الش� � ��يوعية‪ .‬لقد وضعوكم في أقفاص‪،‬‬ ‫وتريدين أن أتذكر ذلك؟! لن تكوني إنس� � ��انة حرة‪،‬‬ ‫يسري في عروقي دم عبوديتك‪ ،‬أفكر في استبدال‬ ‫دمي‪ ،‬ألني لو حاولت املغادرة‪ ،‬س� � ��أحمل ذلك في‬ ‫كريات دم� � ��ي‪ ...‬أكرهك‪ .‬أش� � ��علت الغاز‪ ،‬وفتحت‬ ‫املذياع‪ ،‬لقد كنت حرة‪ ،‬لم أكن أشعر بقدرتي على‬ ‫فعل ذلك»‪.‬‬

‫موسوعة األومو سوفياتيكوس‬

‫بهذه الفسيفساء‪ ،‬تكون سفيتالنا ألكسييفيتش‬ ‫ق� � ��د دبجت معظ� � ��م مداخل موس� � ��وعة اإلنس� � ��ان‬ ‫الس� � ��وفييتي أو األومو س� � ��وفياتيكوس‪ ،‬س� � ��واء في‬ ‫مرحل� � ��ة االحتاد الس� � ��وفييتي‪ ،‬أو خالل مرحلة ما‬ ‫بعده‪ .‬معلنة اندثار هذا اإلنسان‪ ،‬في كتابها «نهاية‬ ‫الرجل األحمر» (‪.)2013‬‬

‫استقبال أعمال سفيتالنا ألكسييفيتش‬

‫لم جتد أعمال الكاتبة البيالروس� � ��ية الترحيب‬ ‫الكافي في روس� � ��يا وتوابعها‪ ،‬وإلى تاريخ تتويجها‬ ‫باجلائزة لم تنش� � ��ر أعمالها في بيالروس� � ��يا نظراً‬ ‫سفيتالنا ألكسيفيتش‪ ...‬عندما ُيكتب التاريخ بلغة املشاعر‬

‫‪10/3/16 8:55:30 AM‬‬

‫ملعارضتها للنظام السياس� � ��ي القائم‪ .‬لكنها لقيت‬ ‫ف� � ��ي املقابل جتاوب � � �اً كبيراً ف� � ��ي فرنس� � ��ا وأملانيا‬ ‫والس� � ��ويد‪ ،‬حيث حص� � ��دت عديداً م� � ��ن اجلوائز‬ ‫وامليداليات‪ ،‬وقد حظيت بترجمة ستة من أعمالها‬ ‫في فرنس� � ��ا‪ ،‬ابتداء من س� � ��نة ‪ ،1990‬وهي السنة‬ ‫التي ش� � ��هدت تعرف القارئ الفرنس� � ��ي عليها‪ ،‬من‬ ‫خ� �ل��ال كتابها «توابيت الزنك»‪ ،‬الذي أجج نقاش � � �اً‬ ‫كبيراً في أوس� � ��اط املثقفني هن� � ��اك‪ ،‬ملا يحمله من‬ ‫نق� � ��د الذع ألكذوبة احلرب التي لفقت للرأي العام‬ ‫احمللي والدولي‪.‬‬ ‫وبرغم ما يقال عن خروج كتاباتها عن مضمار‬ ‫األدب وانتمائها جلن� � ��س الكتابة الصحفية‪ ،‬فإنها‬ ‫تصر ش� � ��خصياً على أن أدوات العمل الصحفي لم‬ ‫تكن س� � ��وى وسيلة لكتابة فصول أدب يطرح أسئلة‬ ‫ميتافيزيقية عن ماهية اإلنسان وموقعه في الوجود‪،‬‬ ‫ويحف� � ��ر عميقاً في ذاكرة املآس� � ��ي والكوارث التي‬ ‫اجتاحت العالم‪ ،‬بأصوات املكلومني وأحاس� � ��يس‬ ‫املفجوعني‪ .‬وإذا كانت اللجنة السويدية قد غضت‬ ‫الطرف في هذه النس� � ��خة وفي نس� � ��خ سابقة عن‬ ‫إنس� � ��ان األدب‪ ،‬فإنها ‪ -‬ومن دون أدنى ش� � ��ك ‪ -‬لم‬ ‫تخطئ في إعادة االعتبار ألدب اإلنسان >‬ ‫‪95‬‬

‫‪nov 92-95.indd 95‬‬


‫أدب‬

‫«عائلة باسكوال دوارتي»‪...‬‬ ‫اعترافات معاصرة في «أدب التهويل»‬ ‫نويمي فيرّو بانديرا‬

‫مترجمة من إسبانيا‬

‫«لست سيئا ياسيدي رغم أنه التنقصني األسباب لذلك»‬ ‫بهذه الجملة انطلقت إحدى أفضل الروايات التي ُكتبت في اللغة اإلس���بانية‬ ‫في القرن العشرين‪ ،‬التي نشرت في عام ‪ 1942‬بقلم الحائز جائزة نوبل لألدب‬ ‫كاميلو خوسيه ثيال‪ ،‬وقد تن ّبأ ناشر «عائلة باسكوال دوارتي»‪ ،‬وهو عنوان هذه‬ ‫الزمن‪ ‬علم‪ ‬بأن‬ ‫الرواية‪ ،‬أنه لن يبيع أكثر من اثنتي عشرة‪ ‬نس���خة‪ ،‬ولكن بمرور‬ ‫ّ‬ ‫ً‬ ‫ترجمة بعد رواية ثيربانتس‪،‬‬ ‫الرواية ذاتها أصبحت النص األدبي اإلسباني األكثر‬ ‫دون كيخوتي دي ال مانتشا‪ .‬‬

‫هكذا أصبحنا ندرك اآلن أن التنبؤات واألدب‬ ‫في أغلب األحيان ال يتفقان‪ ،‬كما يحدث بش������أن‬ ‫تنب������ؤات الطقس التي تض������ع املتنبئ اجلوي في‬ ‫مكان غير مالئم‪ ،‬ولذا ال يتس������م عمله بالواقعية‬ ‫ورؤي������ة اليوم التالي‪ .‬أتس������اءل‪ :‬ك������م عاماً عاش‬ ‫الناش������ر األول لرواية «عائلة باسكوال دوارتي»؟‬ ‫أو م������ا إذا كان القدر قد منح������ه الوقت الكافي‬ ‫ليدرك خطأ تقديره السعيد‪ ،‬ولكن باستطاعتنا‬ ‫أن نس������امحه‪ ،‬ألن املؤلف نفسه كان يشك بعض‬ ‫الش������يء في جناحه عندما تكلم عنه بعد عشر‬ ‫سنوات من‪ ‬إصدار روايته األولى‪.‬‬ ‫اعتاد نقاد األدب على اس������تحداث العناوين‬ ‫الفرعية لفئ������ة األعمال األدبية اجلديدة التي ال‬ ‫أن يكون‬ ‫تنس������جم مع‪ ‬القدمية‪ ،‬ومن املمكن جداً ّ‬ ‫‪96‬‬

‫‪9/29/16 9:13:43 AM‬‬

‫هذا العمل جزءاً من أعمالهم‪.‬‬ ‫كان������ت فئة رواية «باس������كوال دوارتي» تنتمي‬ ‫إلى نوع خ������اص يُدعى في تل������ك احلقبة‪« ‬أدب‬ ‫أن مؤلفه لم يتأخر‬ ‫التهوي������ل»‪ ،‬على الرغم م������ن ّ‬ ‫بنقاش املصطلح على اعتباره عنواناً بليدا‪ً.‬‬ ‫أن «ثي���ل��ا» كان يس������تمتع بالنق������اش‪،‬‬ ‫نعل������م ّ‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫متأصال في‬ ‫وبالنق������اش احملتدم أيضا‪ ،‬ألنه كان‬ ‫ّ‬ ‫ش������خصيته‪ .‬العنوان ال يه������م إذا كان مالئماً أم‬ ‫ال‪ ،‬إمنا األهم بالنس������بة إلين������ا التداخل في روح‬ ‫النص وتاريخ تأليفه وهي إسبانيا في أول فترة‬ ‫ما بعد احلرب األهلية‪ ،‬أي في أربعينيات القرن‬ ‫املاضي‪.‬‬ ‫لعل األجدى واألنفع من وجهة نظري إعادة‬ ‫قراءة الرواية ألطرح على نفس������ي أسئلة متنوعة‬ ‫العدد ‪ - 696‬نوفمبر ‪2016‬‬

‫‪nov 96-98.indd 96‬‬


‫طريق هذه النهاية‪ .‬لطامل������ا راودني التفكير‪ ‬في‬ ‫املس������تقبل القريب‪ ،‬هذا املس������تقبل الذي أو ّد أن‬ ‫أعي������ش ألراه وأرى فيه األدب العربي بعد انتهاء‬ ‫مش������اهد العنف‪ .‬هل تنقذنا الق������درة اإلبداعية‬ ‫للروائي من ذل احلياة؟‬ ‫هل هي هدفها؟ هل سيُس������تخدم األدب كفن‬ ‫م������ن الفنون اإلنس������انية لتصفية وح������ش وتهويل‬ ‫أن الواقع‬ ‫الواقع؟ وأكثر من ذلك‪ ،‬أليس صحيحاً ّ‬ ‫يخلق حالياً عباقرة‪ ‬في املعاناة للمستقبل؟‬ ‫أن مس������يرة األدب العربي‬ ‫‪ ‬م������ن البديه������ي ّ‬ ‫املعاصر ليس������ت فقط رصداً ملجريات األحداث‬ ‫في البلدان التي تعاني مستوى عنف غاشم وج ّم‬ ‫اللحظة!‪ ‬ألن كل بل������د يعيش جتربته‬ ‫في ه������ذه‬ ‫ّ‬ ‫على وقائع كاملة االختالف اقتصادياً واجتماعياً‬ ‫وسياسياً‪ ،‬وإذا صدقنا أن األدب ليس إال مجرد‬ ‫انع������كاس ملا يح������دث حولنا‪ ،‬فال ش������ك في أننا‬ ‫سنش������هد والدة إبداعات مختلف������ة كلياً‪ .‬أوجدت‬ ‫النص������وص األدبية ف������ي أمري������كا الالتينية في‬ ‫ثمانينيات القرن املاضي تياراً قوياً الس������تخدام‬ ‫الشكل االختباري‪ ،‬أو الرواية الشرطية‪ ،‬لتواجه‬ ‫الواق������ع الذي ي������رزح حتت نظم متس������لطة‪ ،‬كما‬ ‫أطلق عليها النقاد عنوان الرواية الس������وداء‪ .‬في‬ ‫بلدان مثل تش������يلي هذا النوع من البناء السردي‬ ‫الس������ترجاع املاضي بامتياز أت������اح فرصاً ممتازة‬ ‫إلبداع الواقعية األدبية‪ ،‬هادفاً أن يصبح السياق‬ ‫االجتماعي والسياسي موضوع الرواية‪.‬‬ ‫ال نستطيع أن نعرف ما إذا كان أدب التهويل‬ ‫س������وف يش������كل ح ً‬ ‫ال من احلل������ول املمكنة للجيل‬ ‫اجلديد من األدباء العرب‪ ،‬كما ال نس������تطيع أن‬ ‫نتنبأ بأن اجلو العام املتشائم احلالي سوف يطول‬ ‫أدبياً ألكثر من عقدين‪ ،‬ولكن بكل تأكيد‪ ‬س������وف‬ ‫تبقى الذاكرة منبع األلم لألبد عند بعض أفراد‬ ‫املجتمع وبينهم األدباء‪.‬‬ ‫«لست سيئاً‪ ،‬يا س������يدي‪ ،‬مع أ ّنه ال تنقصني‬ ‫األس������باب لذل������ك‪ ،»...‬مازال������ت ه������ذه اجلملة‬ ‫أح������د أجــــمل الطــــرق لـــــكي يبــــدأ س������جــني ما‬ ‫اعترافاته >‬

‫ع������ن مس������يرة األدب العربي املعاص������ر في هذه‬ ‫البلدان التي مازالت تناضل منتفض ًة ضد دكتاتور‬ ‫م������ا‪ .‬أعلم بأن كلمة «انتفاضة» تبدو حكراً‪ ‬على‬ ‫بشكل قوي‪ ،‬لكن ث ّمة‪ ‬كلمة‬ ‫القضية الفلسطينية‬ ‫ٍ‬ ‫أخرى ف������ي بحر اللغة العربي������ة الغني هي كلمة‬ ‫«ثورة»‪ ...‬أنا مثل اآلخرين عندي مشكالت عدة‬ ‫مع كلمة ث������ورة‪ ،‬وباألخص عندم������ا نتحدث عن‬ ‫تلك التي اندلعت قبل خمس س������نوات‪ .‬على كل‬ ‫األحوال ال أنوي أن تكون الكلمة بذاتها جزءاً من‬ ‫األسئلة‪ ،‬بل رمبا جزءاً من األجوبة‪.‬‬ ‫‪« ‬لست سيئاً‪ ،‬يا سيدي‪ ،‬مع أنه ال تنقصني‬ ‫األسباب لذلك‪،»...‬‬ ‫أول جمل������ة انطلق������ت بها مذكرات س������جني‬ ‫وه������و باس������كوال دوارتي‪ ،‬محاوالً‪ ‬تفس������ير ماذا‬ ‫ح������دث في حياته لكي تنتهي أيامه بني القضبان‬ ‫أن‬ ‫محكوم������اً عليه بامل������وت‪ .‬ال ريب عن������دي في ّ‬ ‫األدب العرب������ي خالل الس������نوات املقبلة س������وف‬ ‫يحتوي عل������ى كل الصور املزدحم������ة املثقلة بكل‬ ‫عمقها وأملها وتهويلها‪ ،‬وس������يكون القارئ شاهداً‬ ‫مجدداً ملوضوعات كانت ‪ -‬مع األسف ‪ -‬حاضرة‬ ‫منذ عقود طويلة بلغة الضاد‪.‬‬ ‫في ع������ام ‪ 1975‬وص������ف عبدالرحمن منيف‬ ‫م������ا كان يحدث في «ش������رق املتوس������ط‪)*( »...‬‬ ‫وبع������د واح������د وأربع���ي��ن عاماً‪ ‬تبق������ى روايات������ه‬ ‫حاضر ًة‪ ‬أمامنا‪ ...‬لو‪ ‬مت������ت كتابتها حديثاً فال‬ ‫ش������يء جديداً حتت الش������مس‪ ،‬كما يق������ول املثل‬ ‫الش������عبي‪ .‬كان مؤلفنا «ثيال» يك������رر في مؤلفاته‬ ‫البد أن تكون‬ ‫ّ‬ ‫أن الذاك������رة منبع األل������م‪ ،‬والذاكرة ّ‬ ‫مبنزلة مرآة تسترجع فترات احلياة السابقة في‬ ‫أقص������ى حدودها‪ .‬ليس من الس������هل‪ ‬االعتراف‬ ‫ولكن‬ ‫بأن كل النهايات هي النهاية نفسها مكررة‪،‬‬ ‫ّ‬ ‫ه������ذه الفكرة حتتوي بنفس������ها على حقيقة ظلت‬ ‫راس������خة طوال فترات التاريخ الذي ال فرق فيه‬ ‫بني الش������رق والغرب‪ .‬قراءة املاضي مهما كانت‬ ‫وجهة نظرنا فيه علمتنا أن اإلنس������ان هو الكائن‬ ‫الوحي������د في الدنيا ال������ذي ال يكل عن التخطيط‬ ‫للمس������تقبل في اللحظ������ة التي يح������اول فيها أن‬ ‫أن النهايات‬ ‫يصف حاضره فيه‪ .‬وإذا اتفقنا على ّ‬ ‫نفس������ها متكررة حتى فال يبقى لنا إال اكتش������اف (*) عنوان رواية لعبدالرحمن منيف من أدب السجون‬ ‫‪98‬‬

‫‪9/29/16 9:13:55 AM‬‬

‫العدد ‪ - 696‬نوفمبر ‪2016‬‬

‫‪nov 96-98.indd 98‬‬


‫الكويت عاصمة الثقافة اإلسالمية ‪2016‬‬

‫ملـــف‬ ‫فن ولوج الذات‪ ...‬أو مسرح المونودراما ‪ /‬محمود سليمان‬ ‫ألفريــد فــرج‪ ...‬مبدعــ ًا مسرحيـ ًا بالمصادفــة ‪ /‬محمود كحيلة‬ ‫المسرح‪ ...‬والسيرة االفتراضية للشخصية ‪ /‬عقيل مهدي‬ ‫فن ولوج الذات‪ ...‬أو مسرح املونودرامـا‬ ‫‪10/13/16 8:21:50 AM‬‬

‫‪99‬‬

‫‪nov 99-115.indd 99‬‬


‫فن ولوج الذات‪...‬‬ ‫أو مسرح المونودرامـا‬ ‫محمود سليمان‬

‫كاتب من مصر‬

‫في التجربة المسرحية العالمية‬ ‫يبقى مسرح المونودراما فن ًا متفرداً‬ ‫خ���اص��� ًا ل��ط��ب��ي��ع��ت��ه المستعيدة‬ ‫ص��������وت ال�����م�����اض�����ي وأح������داث������ه‬ ‫وم��واق��ف��ه ال��م��ت��ع��ددة ع��ل��ى‬ ‫نحو‬ ‫ٍ‬ ‫م���ا‪ ،‬ف��ي ص���وت واح���د ه��و صوت‬ ‫الشخصية المونودرامية الواحدة‬ ‫المتفردة والمتشظية بعالقاتها‬ ‫ورؤاه�����ا ال��ك��ام��ن��ة ف���ي وجدانها‬ ‫الغائر المليء بالضيق والحزن‬ ‫وال��ش��ك وال��ت��ع��ب ورب��م��ا األم��ل‬ ‫ضن مع‬ ‫أيض ًا في صراع شاق و ُم ٍ‬ ‫اآلخرين‪ ،‬لتكشف عن معطيات‬ ‫التشابك وااللتحام والتجاوز‪ ،‬ولنكتشف بأنفسنا النتيجة‬ ‫سدها ويعيد إنتاجها البطل الواحد بالتشخيص الذهني‪.‬‬ ‫يُ َج ّ‬

‫املونـــــــودراما مسرح يقول عنه عــــبدالكرمي‬ ‫برشيد إنه املسرح الذي يقـــــوم باألســـــاس على‬ ‫ممث������ل واحد‪ ,‬وه������ذا املمثل ال ميل������ك إال خياله‬ ‫وعواطفه وذاكرته وجسمه‪ ،‬وهي املسرحية التي‬ ‫يؤديها ممثل واحد‪ ،‬وإن كان ثمة ظهور أكثر من‬ ‫ممثل في مسرح املونودراما فذلك دون أن تكون‬ ‫لشخصيات أخرى مشاركة ناطـــــقة في العرض‬ ‫‪100‬‬

‫‪10/12/16 8:46:35 AM‬‬

‫املونودرامي‪ .‬ويش������ير هيث������م اخلواجة في كتابه‬ ‫«أطي������اف املس������رح العربي» إل������ى أن املونودراما‬ ‫من أصعب أنواع الكتابة املسرحية‪ ,‬وهو مختبر‬ ‫دقيق وحساس من أجل الكشف عن املمثل املبدع‬ ‫الذي يحل محل ممثلني ع������دة‪ ،‬ويبدو االهتمام‬ ‫باملونودراما كنص مس������رحي متفرد من سمات‬ ‫األدب في العصر احلديث‪.‬‬ ‫العدد ‪ - 696‬نوفمبر ‪2016‬‬

‫‪nov 99-115.indd 100‬‬


‫الكويت عاصمة الثقافة اإلسالمية ‪2016‬‬

‫يعتبر المسرح المونودرامي‬ ‫امتداد ًا للفنون التراثية‬ ‫الشعبية مثل الراوي‬ ‫والحكواتي‪ ،‬ولكن‬ ‫بطريقة أكثر تالحم ًا‬ ‫مع الجمهور‬

‫خلع القناع‬ ‫ول������و تتـبعــن������ا أصـ������ل الـكـلـم������ة الالتـيـنـيـ������ة‬ ‫‪ Monodrama‬لوجدناه������ا تنقس������م إلى كلمتني‬ ‫األولى ‪ MONO‬أي الواح������د‪ ،‬و‪ Drama‬وتعني‬ ‫«الفعل» وهي كلمة تعني اصطالحاً «مس������رحية‬ ‫املمثل الواحد» أو عرض الشخص الواحد (‪One‬‬ ‫‪ ،)Man Show‬وإن كانت بداية مسرح املونودراما‬ ‫قد وجدت من خالل بدايات احلركة املسرحية‬ ‫األولى التي ظهرت في اليونان على يد ثيسبيس‬ ‫‪ Thespis‬ال������ذي يع������د أول ممثل مع������روف في‬ ‫التاريخ ومن اسمه اش������تق املصطلح اإلجنليزي‬ ‫‪ Thespian‬أي مس������رحي‪ ،‬حيث كان ثيس������بيس‬ ‫ذلك املمثل اليوناني ماهر األداء قادراً على جلب‬ ‫حالة اإلدهاش للجمهور اليوناني من خالل قدرة‬ ‫متقنة على متثيل الش������خصيات املختلفة ولعب‬ ‫أدوارها على خش������بة املسرح وهو يغير مالبسه‬ ‫ويرتدي بعض األقنعة املصنوعة التي تتناس������ب‬ ‫فن ولوج الذات‪ ...‬أو مسرح املونودرامـا‬ ‫‪10/12/16 8:46:39 AM‬‬

‫مع شخوصه معتمداً على حركته وطريقة أدائه‪،‬‬ ‫إلى أن ظهر أس������خيلوس الذي عمل على كس������ر‬ ‫ثان له دور أيضاً‪،‬‬ ‫فردية األداء باستعانته مبمثل ٍ‬ ‫وكذلك ظهرت أشكال مس������رحية أخرى تعتمد‬ ‫على «ممثل واحد» مثل «اجلوجنلرز»‪ ،‬وهو شكل‬ ‫من أشكال املامي ‪ mime‬عند الرومان‪ ،‬وكذلك‬ ‫«البانتومامي»‪ ،‬الذي يقوم به ممثل واحد أيضاً‪،‬‬ ‫ثم عادت املونودراما احلديثة مع األملاني جوهان‬ ‫كريس������تيان براندي������ز املمثل واملؤلف املس������رحي‬ ‫الكبير الذي اس������تحضر فن ثيسبيس األول في‬ ‫عرض مسرحياته التي كان يكتبها هو ثم مُيثلها‬ ‫هو بنفسه أيضاً‪ ،‬ومن خالل شخصية واحدة‪.‬‬ ‫يعتبر املس������رح املونودرام������ي امتداداً للفنون‬ ‫التراثية الشعبية التي ظهرت في حياة الشعوب‬ ‫مثل ال������راوي واحلكواتي‪ ،‬ولك������ن بطريقة أكثر‬ ‫تالحماً مع اجلمهور‪ ،‬إذ يعتمد الفن في مسرح‬ ‫املونودرام������ا على التنظيم والتخطيط اجلدي ال‬ ‫االرجتال والعش������وائية الشفوية التي تتغير وفق‬ ‫املكان والزمان والبطل‪ ،‬فنجد البطل في النص‬ ‫املونودرامي اجليد مكتمل املالمح‪ُ ،‬معبراً بصدق‬ ‫ورؤية عن دوره احملدد فوق خشبة املسرح‪ ،‬ذلك‬ ‫الدور الذي يؤديه بنا ًء على نص مسرحي مكتوب‬ ‫بعناية وإخراج وس������ينوغرافيا‪ ،‬ومن خالل أداء‬ ‫متق������ن وواضح‪ ،‬كل ذلك بطريقة ممنهجة قادرة‬ ‫على رسم الصورة وتشـــابكها وعالقاتها للنفاذ‬ ‫إلى جوهر احلالة وس������ر تش������ابكها وعالقاتها‬ ‫املس������تمرة بطريقة دراماتيكي������ة مركبة لصراع‬ ‫نفسي يدور من حيث شخصية متفردة‪ ،‬متعددة‬ ‫األص������وات‪ ،‬ثابتة الرؤي������ة‪ ،‬تس������تعيد موقفاً أو‬ ‫مواقف مما جرى بينها وبني اآلخرين في حالة‬ ‫من الصراع القلق املش������وب باألس������ى واخلوف‬ ‫أيضاً لتعيد إنتاجها وتقييم النتيجة التي أسفر‬ ‫عنه������ا ذلك الصراع معها ومن ثَ َّم تقومي موقفها‬ ‫ووجودها من ذلك احلدث نفس������ه‪ ،‬فمن خالل‬ ‫البطل الواحد‪/‬الصوت الواحد يجب على املؤلف‬ ‫أن يس������تعيض عن أشخاص عدة وأصوات عدة‬ ‫من خ���ل��ال ممثل واحد هو ذل������ك املمثل القادر‬ ‫على فرض رؤية متكاملة على خش������بة املس������رح‬ ‫وتوظي������ف جميع عناص������ر العرض املس������رحي‬ ‫‪101‬‬

‫‪nov 99-115.indd 101‬‬


‫إذا كان تطور الشخصية‬ ‫في المسرحية متعددة‬ ‫األشخاص ينشأ من‬ ‫خالل فعل تبادلي بين‬ ‫الشخصيات‪ ،‬فإن تطور‬ ‫الشخصية في مسرح‬ ‫المونودراما ينمو من‬ ‫خالل فعل ذاتي تقوم به‬ ‫الشخصية المنفردة الوحيدة‬

‫إن أهم ما مييز مسرح املونودراما هو قدرته‬ ‫على خل������ع القناع أم������ام اجلمه������ور‪ ،‬حيث يجد‬ ‫املتلقي نفس������ه في رحلة مثي������رة متكنه من رؤية‬ ‫اإلنس������ان وجوهره‪ ،‬كما يقول لويس كارتون في‬ ‫كتابه «‪ »The power of one‬أي «قوة الش������خص‬ ‫أن املس������رحية متعددة‬ ‫الواح������د»‪ ،‬حي������ث أك������د ّ‬ ‫الش������خصيات ترتدي فيها كل ش������خصية قناعاً‬ ‫ما مختلف������اً يتغير وفق س������ير العمل واألحداث‬ ‫في املس������رحية والزمن‪ .‬أما في املونودراما فإن‬ ‫الش������خصية واحدة بال قناع مم������ا مُي ِّكن املتلقي‬ ‫من النظ������ر بعمق في دواخل الذات اإلنس������انية‬ ‫التي تلعبها الش������خصية الواحدة‪ ،‬ثم يستش������هد‬ ‫بـ«هاملت» ف������ي مونولوجه الش������هير الذي قاله‬ ‫وحده من دون حضور الشخصيات األخرى «أن‬ ‫أكون أو ال أكون هذا هو السؤال»‪.‬‬ ‫لقد نزع هامل������ت قناعه الذي ما كان ممكناً‬ ‫ل������و وجدت ش������خصية أخرى مع������ه‪ ،‬فيما يعتقد‬ ‫أن إزالة القناع بالنس������بة للممثل الواحد تعطيه‬ ‫إحساس������اً دفيناً بأنه بإزالة القناع يظهر ضعفه‬ ‫أمام اجلمه������ور مما مينحه حالة متفردة ومثيرة‬ ‫ومدهشة له‪.‬‬

‫مناجـاة‬

‫كاجلس������د واإلمياء واحلركة واإلش������ارة والكالم‬ ‫واالنفع������االت العاطفي������ة والتعبير واملوس������يقى‬ ‫والص������وت واحلرك������ة والس������كون وكل مف������ردة‬ ‫س������ينوغرافية وغيرها من تقني������ات‪ ،‬لتوظيفها‬ ‫توظيف������اً جديداً ورمبا غير متوقع خللق نوع من‬ ‫التواصل احلميم والعميق بني املمثل واجلمهور‪.‬‬ ‫وإذا كان تطور الشخصية في املسرحية متعددة‬ ‫األشخاص ينشأ من خالل فعل تبادلي بني تلك‬ ‫الش������خصيات‪ ،‬فإن تطور الشخصية في مسرح‬ ‫املونودرام������ا ينمو من خالل فع������ل ذاتي تقوم به‬ ‫الش������خصية املنفردة الوحي������دة‪ ،‬إذ تقوم بالفعل‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫واحد ومن خالل‬ ‫واحد‪،‬‬ ‫ورد الفعل في ٍآن‬ ‫وزمن‬ ‫ردود أفعالها الشخصية ومدى تأثرها‪.‬‬ ‫‪102‬‬

‫‪10/12/16 8:46:44 AM‬‬

‫هي مناجاة شخص لنفس������ه في حوار ذاتي‬ ‫دام بني صوتني‬ ‫وواضح بال مداراة في ص� ٍ‬ ‫�����راع ٍ‬ ‫في شخصية واحدة‪ ...‬صوت الذات التي تشعر‬ ‫وتتألم وتصرخ‪ ،‬وصوت العقل احلاد‪ ،‬جتس������دها‬ ‫املش������اعر واألداء ليتغلب فيها صوت املش������اعر‬ ‫عل������ى صوت العق������ل‪ .‬واملناج������اة واملونولوج هما‬ ‫األدات������ان األكثر أهمية في مس������رح املونودراما‪،‬‬ ‫حيث يستعني بهما املمثل في عملية االسترجاع‬ ‫«فالش باك» الستعادة بعض الصور من مواقف‬ ‫س������ابقة أو حالة أو معاناة سابقة مما خلَّفت في‬ ‫نفس������ية الشخصية بعضاً من األلم أو بعضاً من‬ ‫الضيق واحلزن أو شيئاً آخر من السرور والفرح‬ ‫ورمبا أم������ل منتظر ميك������ن حتقق������ه لتُعبر عما‬ ‫بداخلها من أسى نتيجة ذلك الصراع‪.‬‬ ‫واحلقيق������ة أن املونودراما ش������كل أصيل في‬ ‫أش������كال املسرح العاملي وأكثر فنون املسرح إثارة‬ ‫العدد ‪ - 696‬نوفمبر ‪2016‬‬

‫‪nov 99-115.indd 102‬‬


‫الكويت عاصمة الثقافة اإلسالمية ‪2016‬‬

‫الفنان املغربي عبداحلق الزروالي في أحد عروضه املسرحية‬

‫للجدل بني مؤي� ٍ‬ ‫�����د ومعارض‪ ،‬فهي وإن كانت قد‬ ‫َو َجدت من أسس لها وساهم في إرساء قواعدها‬ ‫في الغرب بدءاً بجان جاك روس������و – الذي يرى‬ ‫البعض أنه أول من كتب مس������رحية مونودرامية‬ ‫مكتملة األركان وحتت مس������ؤولية فنية كبيرة ‪-‬‬ ‫في مسرحية «بيجماليون» (‪ ،)1760‬وقد تناولتها‬ ‫أس������ماء كبيرة أيضاً مثل تش������يكوف الشهير في‬ ‫مس������رحية «التبغ» ووصفها باملونولوج في فصل‬ ‫واحد‪ ،‬ووج������ه احلديث للجمه������ور الذي اعتبره‬ ‫هو ذاته جمه������ور احملاضرة الت������ي تتحدث عن‬ ‫أض������رار التبغ‪ ،‬وكتبها أيضاً صموئيل بيكيت في‬ ‫مسرحياته «مسرح بال كلمات‪ ،‬ياجو‪ ،‬اجلمرات‪،‬‬ ‫أليس‪ ،‬ش������ريط ك������راب األخي������ر»‪ ،‬وكذلك جان‬ ‫كوكت������و ف������ي مس������رحيته «الصوت اإلنس������اني»‬ ‫عدة مس������رحيات‪،‬‬ ‫والش������اعر األملاني جوته في ّ‬ ‫وكذل������ك يوجني أونيل في نص������ه «قبل اإلفطار»‬ ‫وغيره������م‪ ...‬إال أنها قد القت نقداً واس������عاً من‬ ‫فن ولوج الذات‪ ...‬أو مسرح املونودرامـا‬ ‫‪10/12/16 8:46:46 AM‬‬

‫بعض الكتاب والنقاد مثل بيتر بروك الذي يرى‬ ‫أن الن������ص املونودرامي يُفقد املس������رح جزءاً من‬ ‫وهجه اخلاص‪ ،‬ألنه يعتمد أساس������اً على ممثل‬ ‫واحد يقوم بأداء عرض مسرحي كامل‪ ,‬وبذلك‬ ‫تغيب س������مة التفاعل التي يقوم عليها أي حدث‬ ‫درامي حقيقي على خش������بة املس������رح بني ممثل‬ ‫وممثل آخر في ثنائية التعامل بني فعل ورد فعل‪،‬‬ ‫وفيما يرى البعض أن الش������خصية املونودرامية‬ ‫هي ش������خصية وحيدة منفردة وال ميكن أن تُرى‬ ‫إال م������ن منظورها هي م������ن دون أن يكون هناك‬ ‫بعض اآلراء حولها‪ ،‬وهي بذلك تنأى بالشخصية‬ ‫بعيداً عن محيطه������ا االجتماعي‪ ،‬وعن تواصلها‬ ‫مع اآلخر‪.‬‬ ‫وهن� � ��اك م� � ��ن النقاد من ي� � ��رى أن املونودراما‬ ‫فن ميكن استسهاله من البعض‪ ،‬حيث تقل تكلفة‬ ‫إنتاجه وتتيسر عملية تنقالته من مكان إلى آخر‪،‬‬ ‫فال يكون هناك سوى مخرج ومؤلف وممثل واحد‬ ‫‪103‬‬

‫‪nov 99-115.indd 103‬‬


‫أكثر فنون المسرح‬ ‫إثارة للجدل والحديث‬ ‫مؤيد لها ومعارض‪،‬‬ ‫بين‬ ‫ٍ‬ ‫كتبها جان جاك روسو‬ ‫وتشيكوف وصموئيل‬ ‫بيكيت وجان كوكتو‬ ‫وجوته ويوجين أونيل‬ ‫وغيرهم‬

‫ال أكث� � ��ر‪ ،‬وبالتالي تقل التكلفة اإلنتاجية‪ ،‬وإن كان‬ ‫هذا الرأي وه� � ��و أقرب للصواب ويعتبره كثير من‬ ‫النق� � ��اد من عي� � ��وب املس� � ��رحية املونودرامية‪ ،‬فإن‬ ‫ذل� � ��ك قد يك� � ��ون نقطة مهمة ف� � ��ي مصلحة النص‬ ‫املونودرام� � ��ي م� � ��ن وجهة نظ� � ��ر املؤيدين ملس� � ��رح‬ ‫املونودراما‪ ،‬خاصة في ظ� � ��ل الركود العام حلركة‬ ‫املس� � ��رح في العالم العربي خالل الفترة األخيرة‪،‬‬ ‫وخير دلي� � ��ل هو ازدياد مس� � ��رح املونودراما حالياً‬ ‫بشكل واضح وجلي‪ ،‬كما يتميز مسرحها من وجهة‬ ‫نظر آخرين بأنه مس� � ��رح خل� � ��ع القناع واالعتراف‬ ‫والنقد على حد األسى‪.‬‬

‫ُ‬ ‫البطل املونودرامي‬

‫ال يقوم مس������رح إال عند توافر شرطني أو‬ ‫‪104‬‬

‫‪10/12/16 8:46:51 AM‬‬

‫طرفني أساس������يني ال غنى عن أحدهما بأي‬ ‫ٍ‬ ‫حال من األحوال‪ ،‬هما «ممثل وجمهور»‪ ،‬مثلما‬ ‫يعبر عنه الكاتب ماكس راينهارت‪ ،‬وعليه فإن‬ ‫ممثل الش������خصية املونودرامية مبفرده يعتبر‬ ‫الالعب األساسي رقم واحد في هذه اجلولة‬ ‫على اخلش������بة في مواجه������ة اجلمـــهور الذي‬ ‫ميثل الطرف أو الشرط الثاني‪ ،‬والبد للطرف‬ ‫األول أن ميتلك قدرة خاصة وأدا ًء مختلــــــفاً‬ ‫ومؤثراً رمبا ال حتتاجهما مسرحيات متــــعددة‬ ‫الشخصيات‪ ،‬فاملمثل ‪ /‬البــــطل املونــــودرامي‬ ‫هو الطرف األول واحملرك األول لكل مفردة‬ ‫سينوغرافية على خشبة املسرح‪ ,‬وهو نفسه‬ ‫املمثل القادر على تفادي الوقوع في فخ رتابة‬ ‫احلوار الس������ردي الطويل في النص‪ ،‬والبطل‬ ‫الوحيد واألداة الوسيطة بني النص واملتلقي‪،‬‬ ‫ال������ذي يحم������ل اجل������زء األكبر م������ن مفردات‬ ‫الرسالة املونودرامية والذي عليه أن يوصلها‬ ‫بالشكل املناسب الصحيح الذي يؤكد دالالت‬ ‫النص واله������دف منه وغايته‪ ،‬والذي يش������غل‬ ‫احليز املكاني «اخلش������بة» واحلي������ز الزماني‬ ‫(زمن الع������رض) دون أن يتره������ل أداؤه أو أن‬ ‫يتس������رب امللل إلى اجلمهور‪ ،‬فإذا كان النص‬ ‫املونودرامي نصاً عميقاً يتطلب رؤية واس������عة‬ ‫عل������ى رصد احل������دث ف������ي الزم������ان واملكان‬ ‫املناس������بني وبطريقــة تتجاوز س������ردية األداء‬ ‫ال واحداً‬ ‫أو ترهله يس������تطـــــيع أن يوجه ممـــــث ً‬ ‫يلع������ب دوراً مختلفاً وحالة درامية يس������تطيع‬ ‫الدفع بها من خالل تصاعد وتنامي األحداث‬ ‫وتش������ابكها وبني ردود أفع������ال املمــــــــثل فوق‬ ‫خشبة املس������رح‪ ،‬فإن املمثل الذي يصفه كيث‬ ‫جونستون بالقول‪« :‬بوسعك أن تشاهد ممث ً‬ ‫ال‬ ‫رائع������اً في الصفوف اخللفية ملس������رح كبير ال‬ ‫ميثل وجهه إال بقعة ضئيلة في شبكية العني‬ ‫فتـــــتوه������م أنـــك رأي������ت كل تعبير دقــيق‪ ،‬مثل‬ ‫هذا املمثل ميكــــــنه أن يجعل القناع اخلشبي‬ ‫يبتسم وشفتيه املقوستني ترتعدان‪ ,‬وحاجبيه‬ ‫املرسومني يضيقان»‪.‬‬ ‫والبطل املونودرامي متفرد ال ميكنه أن يقدم‬ ‫تفرده إال إذا ابتل������ع دوره‪ ،‬والكه وهضمه مفككاً‬ ‫العدد ‪ - 696‬نوفمبر ‪2016‬‬

‫‪nov 99-115.indd 104‬‬


‫الكويت عاصمة الثقافة اإلسالمية ‪2016‬‬

‫الفنانة رمي حجاب في عرض بارانويا‬

‫روح جسده وعاداته الشخصية التي سيلعبها في‬ ‫جس������ده هو‪ ،‬وصوالً إلى كيمياء روحية وجسدية‬ ‫بينه وبني الش������خصية‪ ،‬حتى يصل بوعي بصري‬ ‫وفك������ري إلى نبش قيعان الش������خصية متاماً كما‬ ‫يقول جواد األسدي‪.‬‬

‫مونودراما عربية‬

‫إن مس������رح املونودرام������ا في العال������م العربي‬ ‫بعي������د في احلقيقة إن لم يك������ن مغيباً‪ ،‬بل ذهب‬ ‫البعض للقول بأن القليل من املسرحيني العرب‬ ‫قادرون على تولي مسؤولية التورط مع وحدانية‬ ‫الشخصية على خشبة املسرح‪ .‬ويرجع ذلك إلى‬ ‫عدم امتالك البعض من أدوات املسرح أكثر من‬ ‫موهبة احلركة واحلوار والب������كاء‪ ،‬وتلك أقصى‬ ‫فن ولوج الذات‪ ...‬أو مسرح املونودرامـا‬ ‫‪10/12/16 8:46:54 AM‬‬

‫غاي������ات اإلبداع لدى غي������ر املوهوب‪ ،‬ألنها تكون‬ ‫قاصرة عن تقدمي الع������رض املتكامل فنياً مثلما‬ ‫يراها الدكتور فاضل خليل‪.‬‬ ‫وقد قدم املس������رح العربي ع������دداً قلي ً‬ ‫ال من‬ ‫املمثلني املوهوبني الذي������ن اهتموا وعمدوا على‬ ‫تقدمي عروض املونودراما‪ ،‬مثل املسرحي املغربي‬ ‫عبداحلق الزروالي‪ ،‬الذي قدم أكثر من عشرين‬ ‫مس������رحية كتبها وأخرجها ومن ثم مثلها وحده‪،‬‬ ‫والفنان زيناتي قدس������ية والفن������ان اللبناني رفيق‬ ‫علي أحمد‪ ،‬والفنان عبدالعزيز احلداد وغيرهم‬ ‫ممن رأوا في النص املونودرامي مساحة خيالية‬ ‫للتعبير عن قدراتهم اخلاصة لتجسيد شخصية‬ ‫وحيدة متفردة هي البطل الوحيد على خش������بة‬ ‫املسرح >‬ ‫‪105‬‬

‫‪nov 99-115.indd 105‬‬


‫ألفريد فرج‪...‬‬ ‫مبدع ًا مسرحي ًا بالمصادفة‬ ‫محمود كحيلة‬

‫كاتب من مصر‬

‫م���ا م���ن م���ج���ال ت��دخ��ل��ت ال���م���ص���ادف���ة في‬ ‫صناعة بعض رم��وزه وأبطاله كما فعلت‬ ‫ف��ي الفنون التمثيلية‪ ،‬فهذه فتاة ترافق‬ ‫ج��ارت��ه��ا ف���ي م��ق��اب��ل��ة ف��ن��ي��ة ك���ان���ت فيها‬ ‫ع��ل��ى ال��ه��ام��ش‪ ،‬ف��ي��ح��دث أن ي��ت��م رفض‬ ‫ص���اح���ب���ة ال���م���وع���د وال����م����ب����ادرة‪ ،‬وتقبل‬ ‫الرفيقة لتصبح «سيدة المسرح العربي»‬ ‫ن��ج��م��ة م���ت���أل���ق���ة ف����ي س���م���اء ال��م��س��رح‬ ‫العربي الفنانة القديرة سميحة أيوب‪،‬‬ ‫وش��اب آخ��ر يتبدل حاله بالمصادفة من‬ ‫موظف حسابات في «استديو مصر» إلى فتى الشاشة األول‪ ،‬بطل أشهر‬ ‫أفالم السينما العربية‪ ،‬إنه نجم التمثيل السينمائي الراحل عماد حمدي‪.‬‬

‫رص������د توفيق احلكيم ش������يئاً م������ن ذلك في‬ ‫روايته الش������هيرة «األيدي الناعمة» بطريقة أكثر‬ ‫عمق������اً‪ ،‬عندما جنح ش������اب فقير ف������ي أداء دور‬ ‫األمي������ر «البرنس» بينما عجز «البرنس» نفس������ه‬ ‫في التعبير عن حقيقته ونفس������ه‪ ،‬ولذا كثيراً ما‬ ‫نس������تعني مبن يعبر عنا م������ن محامني ومطربني‬ ‫وممثلني وكتاب ندعمهم ألنهم يحس������نون التعبير‬ ‫عن������ا‪ ،‬وكثيراً ما جنهل مواهبن������ا إذا لم نصادف‬ ‫ما يكش������ف عنه������ا‪ ،‬ولذل������ك كان للمصادفة دور‬ ‫‪106‬‬

‫‪10/12/16 8:47:00 AM‬‬

‫كبير في الكش������ف عن عدد من املوهوبني ومنهم‬ ‫الكاتب واملنظر واملؤرخ املسرحي الراحل ألفريد‬ ‫فرج‪ ،‬أح������د أهم كتاب املس������رح العربي املعاصر‬ ‫ومفكري عصره الذهبي‪ ،‬وهو مصري اجلنسية‬ ‫ولد مبحافظة الش������رقية عام ‪ 1929‬وحصل في‬ ‫مدينة اإلس������كندرية على ليس������انس اآلداب عام‬ ‫‪1949‬م‪ ،‬وقد بدأ رحلة الكتابة املس������رحية بنص‬ ‫«صوت مصر» وأنهاه������ا بـ«األميرة والصعلوك»‪،‬‬ ‫وبني البداية والنهاية كتب نحو ثالثني مسرحية‪،‬‬ ‫العدد ‪ - 696‬نوفمبر ‪2016‬‬

‫‪nov 99-115.indd 106‬‬


‫الكويت عاصمة الثقافة اإلسالمية ‪2016‬‬

‫مشهد من مسرحية حالق بغداد‬

‫منه������ا «س������قوط فرع������ون» و«س������ليمان احللبي»‬ ‫و«الزير س������الم» و«حالق بغداد» و«الفخ» و«علي‬ ‫جن������اح التبريزي وتابعه قف������ة» و«النار والزيتون»‬ ‫و«ج������واز على ورقة ط���ل��اق» و«رس������ائل قاضي‬ ‫إشبيلية» و«عسكر وحرامية» و«غراميات عطوة‬ ‫أب������و مطوة»‪ ،‬وله كتب مهمة ف������ي مجال التنظير‬ ‫املس������رحي هي «دليل املتفرج الذكي إلى املسرح»‬ ‫و«املالحة فى بح������ار صعبة» و«أضواء املس������رح‬ ‫العربي»‪.‬‬

‫جوائز وتكرميات‬

‫حص������ل ألفريد فرج عل������ى جوائز وتكرميات‬ ‫كثي������رة محلي������ة وعربي������ة‪ ،‬منها «جائ������زة الدولة‬ ‫التقديري������ة» و«جائزة القدس» و«جائزة العويس»‬ ‫و«جائزة مؤسس������ة الكويت للتقدم العلمي»‪ ،‬التي‬ ‫حص������ل عليها عام ‪2003‬م ف������ي موضوع احلركة‬ ‫املسرحية في الوطن العربي عن أعماله املسرحية‬ ‫ألفريد فرج‪ ...‬مبدع ًا مسرحي ًا باملصادفة‬ ‫‪10/12/16 8:47:03 AM‬‬

‫اخلالدة‪ ،‬مثل «غراميات عطوة أبو مطوة» وكتاباته‬ ‫النقدية مثل «الرحلة إلى املسرح املجهول»‪ ،‬وع ّما‬ ‫امتازت ب������ه أعماله من رؤى فكرية عميقة‪ ،‬وعن‬ ‫القيم اإلنسانية العظيمة التي كان يلح عليها في‬ ‫أعمال������ه والتي تدعو إلى خلق إرادة قوية فاعلة‪،‬‬ ‫وباإلضافة إلى املس������توى الرص���ي��ن الذي يؤهله‬ ‫ألن يكرم ويوضع في مص������اف املفكرين‪ ،‬حصل‬ ‫أيضاً على وس������ام الدولة للعلوم والفنون مرتني‪،‬‬ ‫ألنه انحاز في أغلب أعماله إلى العروبة والتقدم‬ ‫والعدالة‪ ،‬وأسهم ألفريد فرج كذلك في تأسيس‬ ‫«جمعية كتَّاب الدراما» التي ضمت أش������هر كتَّاب‬ ‫الدرام������ا املصرية أمثال محف������وظ عبدالرحمن‪،‬‬ ‫وأبوالعال الس���ل��اموني وغيرهما‪ ،‬وحتى ساعاته‬ ‫األخي������رة كان يبدي اهتماماً كبيراً بنش������اط هذه‬ ‫اجلمعية الثقافية واألدبية التي كانت تهدف إلى‬ ‫التأكيد على احترام الكتاب ورفع ش������أن الدراما‬ ‫العربي������ة‪ ،‬وكان يدعو من خالله������ا إلى االهتمام‬ ‫‪107‬‬

‫‪nov 99-115.indd 107‬‬


‫بإع������ادة املس������رحيات القدمي������ة س������واء كانت له‬ ‫أو لغي������ره‪ ،‬وأن������ه من حق أي كاتب مس������رحي أن‬ ‫يعاد عرض مس������رحياته طاملا أنها التزال حتمل‬ ‫مقوم������ات العيش بيننا‪ ،‬وقد انته������ى هذا الكيان‬ ‫الثقاف������ي برحيل������ه‪ ،‬وآخ������ر مرة ذكر فيها اس������م‬ ‫اجلمعي������ة كانت في تأب���ي��ن ألفريد فرج بحضور‬ ‫رموز املسرح من جميع األقطار العربية باملسرح‬ ‫القومي في القاهرة‪.‬‬ ‫كان أم������ام ألفري������د فرج في ميدان املس������رح‬ ‫العربي قامات كبيرة‪ ،‬وكان عليه أن يكافح كفاحاً‬ ‫عظيماً كي يحاكيها أو يجد لنفس������ه مقعداً على‬ ‫مائدة املسرح العربي‪ ،‬ولذلك اشتغل على نفسه‬ ‫وطور أدواته‪ ،‬وس������اعده في ذلك ما متتع به من‬ ‫صدق في التفاعل مع قضايا الوطن الذي جعله‬ ‫ضمن قائمة املعارضة وهدفاً للسجن السياسي‪،‬‬ ‫ورغم ذلك ظل ألفريد ط������وال حياته يبحث عن‬ ‫الكم������ال في الف������ن وهو قيمة فكري������ة مهمة فى‬ ‫طرح قضايا احلرية واملعرفة لتحرير البشر من‬ ‫البؤس والشقاء‪.‬‬ ‫رغم كل هذا احلضور املسرحي ما كان ألفريد‬ ‫ف������رج ليمتهن املس������رح إال باملصادفة التي قادت‬ ‫صديق������ه أحمد حمروش‪ ،‬وهو أحد ضباط ثورة‬ ‫يوليو ‪1952‬م الذين اجتهوا إلى العمل بالصحافة‬ ‫ومنها إل������ى الثقافة‪ ،‬حيث عني مديراً للمس������رح‬ ‫القومي املصري فاس������تكتب زميله من الصحافة‬ ‫ألفريد فرج نصوصاً مسرحية لعرضها على أهم‬ ‫مسرح في مصر وهو املسرح القومي‪ .‬هكذا دعي‬ ‫ألفريد إلى الكتابة املس������رحية فأحبها وامتهنها‬ ‫واس������تثمر منبرها للتعبير عن ذاته وعن قضايا‬ ‫الناس ومش������كالت الوطن التي كان مهموماً بها‬ ‫من قبل‪ ،‬حتى أنه سجن بسبب الرأي وقتها‪ .‬كان‬ ‫مش������روع كاتب مس������رحي وخرج من سجنه كاتباً‬ ‫مسرحياً‪ ،‬وأصبح على حد تعبير أحمد حمروش‬ ‫أول صحفي يتجه إلى الكتابة املسرحية‪.‬‬ ‫ألفريد فرج له وجه تنظيري في مجال النقد‬ ‫األدبي واملسرحي‪ ،‬وله كتاب مهم في هذا الشأن‬ ‫هو «دليل املتفرج الذكي إلى املسرح» الذي نشره‬ ‫وهو ف������ي الس������ابعة والثالثني من عم������ره‪ ,‬وكان‬ ‫وقتذاك قد أ َّلف ونش������ر س������ت مسرحيات فقط‬ ‫‪108‬‬

‫‪10/12/16 8:47:08 AM‬‬

‫وعرضت له خمس مس������رحيات‪ ،‬وقد أظهر في‬ ‫هذا املؤلف عمق الناق������د الذي بداخله‪ ،‬وهو ما‬ ‫أفاده في معاجلة مؤلفاته املس������رحية وأكس������بها‬ ‫ش������جاعة وصدق������اً ال يناظره فيهم������ا أحد‪ ،‬فقد‬ ‫كان يس������مي نصوصه املتأث������رة بالكاتب األملاني‬ ‫برتولد بريخت باس������م النص نفسه الذي تأثر به‬ ‫أو تن������اص معه بكل وضوح وش������جاعة‪ ،‬ومن دون‬ ‫أدنى تردد ما كان ليخشى أن يتهمه أحد بالنقل‬ ‫أو التقليد‪ ،‬ألنه في الواقع لم يكن يقلد وإمنا كان‬ ‫يقدم معاجلة جديدة وفريدة وعربية لنص غربي‬ ‫بريختي الفكرة‪ ،‬ألنه كان يفهم جيداً أن املس������رح‬ ‫معاجل������ة وليس فك������رة‪ ،‬ولذلك كتبت عش������رات‬ ‫املس������رحيات عن كليوبات������را وال عالقة ألي منها‬ ‫باألخرى‪ ،‬ومنوذج ذلك نص مسرحية «على جناح‬ ‫التبريزي وتابعه قفة» التي تش������به في االس������م ال‬ ‫في املضمون وال في املعاجلة مس������رحية «السيد‬ ‫بونتيال وتابعه ماتي» لبريخت‪ .‬أللفريد فرج أيضاً‬ ‫وجه تأريخي وتوثيقي كش������ف عنه كتابه «شارع‬ ‫عم������اد الدين وحكايات الف������ن والنجوم» الصادر‬ ‫أوائل ديسمبر ‪2005‬م قبل رحيله بقليل‪.‬‬

‫ألفريد فرج والتراث‬

‫من مؤلفات ألفريد ف������رج الروائية «حكايات‬ ‫الزمن الضائع في قرية مصرية»‪ ,‬و«أيام وليالي‬ ‫الس������ندباد»‪ ,‬وله في الس������رد كذل������ك مجموعة‬ ‫قصص قصيرة بعنوان «أيام عربية» ترجمت إلى‬ ‫اإلجنليزية‪.‬‬ ‫اس������تلهم ألفريد فرج إبداعات������ه من التراث‬ ‫الفرعوني ثم انتقل إلى «ألف ليلة وليلة» مبذاقها‬ ‫الساحر‪ ,‬وكذلك حكايات التاريخ والتراث العربي‬ ‫واملسرح العاملي‪.‬‬ ‫عرضت أولى مسرحياته «صوت مصر» عام‬ ‫‪1956‬م على خشبة املسرح القومي بالقاهرة‪ ,‬ثم‬ ‫«س������قوط فرعون» عام ‪1957‬م من إخراج حمدي‬ ‫غي������ث مل������دة أحد عش������ر يوماً فق������ط ملعارضتها‬ ‫ٍ‬ ‫وقتئذ‪ ,‬وكتب ألفريد‬ ‫س������لبيات احلكم الناصري‬ ‫فرج مس������رحية بعنوان «باإلجم������اع ‪ »1+‬تعرض‬ ‫فيها لالستفتاء على جمال عبدالناصر‪ ،‬موضحاً‬ ‫أن احلاك������م يحتاج لكي يحكم إل������ى ما هو أكثر‬ ‫العدد ‪ - 696‬نوفمبر ‪2016‬‬

‫‪nov 99-115.indd 108‬‬


‫الكويت عاصمة الثقافة اإلسالمية ‪2016‬‬ ‫من اإلجماع‪ ،‬ولذلك كان جزاء‬ ‫ألفريد فرج أنه حني فتح النظام‬ ‫أبواب س������جونه ومعتقالته بعد‬ ‫عامني من عرضها كان أول من‬ ‫اعتقل لكونه صاحب «س������قوط‬ ‫فرعون» واس������تمر س������جينا من‬ ‫عام ‪1959‬م إلى عام ‪1964‬م‪.‬‬ ‫كتب ألفريد فرج في املعتقل‬ ‫مس������رحيته الش������هيرة «ح���ل��اق‬ ‫بغداد»‪ ،‬وه������ي كوميديا خيالية‬ ‫ألفريد فرج‬ ‫ف������ي حكايت���ي��ن مثيرت���ي��ن هما‬ ‫«يوسف وياسمينة»‪ ,‬و«زينة النساء» ومن طرائف‬ ‫ه������ذه التجربة أن ممثليها األوائل ومش������اهديها‬ ‫األوائل كانوا من املسجونني‪ ,‬ولذلك بعد إطالق‬ ‫سراحه أخرجها «فاروق الدمرداش» عام ‪1965‬م‪،‬‬ ‫ومن تألي������ف ألفري������د فرج عرضت مس������رحية‬ ‫«س������ليمان احللب������ي» ع������ام ‪1966‬م‪ ،‬ومس������رحية‬ ‫«عس������كر وحرامية» عام ‪1967‬م‪ ،‬و«الزير سالم»‬ ‫عام ‪1968‬م‪ ،‬بينما عرضت مسرحية «على جناح‬ ‫التبري������زي وتابعه قفة» ع������ام ‪1970‬م‪ ،‬ومت وقف‬ ‫عرضها بناء على تعليمات نظام أنور الس������ادات‪،‬‬ ‫وم������ن تألي������ف ألفريد أيض������اً مس������رحية «النار‬ ‫والزيتون» الت������ي تتعلق باملقاومة الفلس������طينية‪،‬‬ ‫وبس������بب مواقفه السياس������ية منعت أعماله من‬ ‫العرض على املس������رح املصري ملدة أربعة عش������ر‬ ‫عاماً بعد مص������ادرة «على جناح التبريزي وتابعه‬ ‫قفة»‪ ،‬لذلك هاجر من مصر وعاش باألردن بني‬ ‫الفلس������طينيني بني عامي ‪1968‬و‪1969‬م‪ ،‬ثم عمل‬ ‫مدرس������اً باجلزائر‪ ,‬وبعدها سافر إلى العراق ثم‬ ‫الكويت ثم باريس وأخيراً لندن‪.‬‬ ‫ف������ي مرحلة تالية من حيات������ه اإلبداعية كتب‬ ‫ألفري������د فرج عدداً من املس������رحيات منها «جواز‬ ‫على ورقة ط���ل��اق» عام ‪1973‬م وكتب «رس������ائل‬ ‫قاض������ي إش������بيلية» عام ‪1975‬م و«احل������ب لعبة»‪،‬‬ ‫وف������ي ع������ام ‪1985‬م ق������دم ل������ه املس������رح املتجول‬ ‫مس������رحية «رس������ائل قاضي إش������بيلية» و«أغبياء‬ ‫وفقراء» ‪1988‬م‪ ،‬وآخر مس������رحياته هي «األميرة‬ ‫والصعلوك» التي عرضها املسرح القومي بطولة‬ ‫وإخراج نور الشريف‪.‬‬ ‫ألفريد فرج‪ ...‬مبدع ًا مسرحي ًا باملصادفة‬ ‫‪10/12/16 8:47:10 AM‬‬

‫إل������ى جان������ب ذل������ك كتب‬ ‫ألفريد ف������رج دراما تلفزيونية‬ ‫رائع������ة هي «بقبق الكس���ل��ان»‬ ‫بطول������ة عبداملنع������م إبراهي������م‬ ‫إل������ى جانب مس������رحياته التي‬ ‫اقترب فيها من عالم الطفولة‬ ‫وخياله������ا‪ ،‬كم������ا ف������ي «رحمة‬ ‫وأمير الغابة املسحورة»‪ ،‬وقد‬ ‫طبعت هيئ������ة الكتاب املصرية‬ ‫أعمال������ه الكاملة في عش������رة‬ ‫مجل������دات تش������مل إبداعات������ه‬ ‫املسرحية ومقاالته وكتاباته النقدية‪ ،‬وترجمت‬ ‫هذه األعمال لتكون مناذج فريدة لتمثيل األدب‬ ‫املسرحي العربي‪.‬‬ ‫حصل ألفريد فرج عل������ى جائزة القدس من‬ ‫االحت������اد العام للكتَّاب واألدب������اء العرب‪ ،‬وحصل‬ ‫كذلك على جائ������زة الدولة التقديرية في الفنون‬ ‫واآلداب من املجلس األعلى للثقافة املصرية عام‬ ‫‪1993‬م‪ ،‬وعني بعد ذلك رئيس������اً للجنة املس������رح‬ ‫باملجل������س األعلى‪ ،‬واس������تمر ف������ي منصبه حتى‬ ‫وفاته‪ .‬وألجل كل ذلك رش������حته جامعة القاهرة‬ ‫قبل وفاته بأس������ابيع جلائزة «نوبل» وكان سعيداً‬ ‫رغم مرضه األخير بهذا الترش������يح فرحاً بوجود‬ ‫كات������ب عربي ضم������ن قائمة املرش������حني لـ«نوبل»‬ ‫بعد جني������ب محفوظ‪ ،‬ولذلك طلب من ش������قيقه‬ ‫الكات������ب الصحفي نبي������ل فرج توفير نس������خ من‬ ‫جمي������ع مؤلفاته وإرس������الها له في لن������دن ليقوم‬ ‫بنفس������ه بتحضير ملف الترشح‪ ،‬ولكن حال دون‬ ‫تقدميه عدم اكتمال ش������روط الترشيح للجائزة‪،‬‬ ‫وبدالً من حتضير ملف «نوبل» كما صرح شقيقه‬ ‫نبيل فرج ليلة التأبني‪ ،‬مت حتضير مراس������م دفن‬ ‫ألفري������د فرج يوم ‪ 4‬ديس������مبر ‪2005‬م‪ ،‬بعد رحلة‬ ‫كفاح مع املرض وتوقف بناء عليه مشروع «نوبل»‬ ‫ألن أه������م حيثياته������ا أن يكون املرش������ح على قيد‬ ‫احلياة‪.‬‬ ‫غاب جسد ألفريد فرج لكن أفكاره وإبداعاته‬ ‫اجلميلة وسيرته الثورية مازالت حتتفظ له بوجود‬ ‫عل������ى األرض ككاتب يرحل متى قدر له الرحيل‪،‬‬ ‫لكن تبقى أقواله وأفكاره على قيد احلياة >‬ ‫‪109‬‬

‫‪nov 99-115.indd 109‬‬


‫المسرح‪...‬‬ ‫والسيرة االفتراضية للشخصية‬ ‫د‪.‬عقيل مهدي‬

‫أكادميي ومؤلف ومخرج مسرحي من العراق‬

‫قدم المؤلف والمخرج المس���رحي الدكتور عقيل مهدي تجربة مسرحية‬ ‫أخ���ذت بما أطل���ق عليه «درامية النمط»‪ ،‬وذلك من خ�ل�ال أعمال اعتمدت‬ ‫ً‬ ‫عام�ل�ا‪ ،‬من خاللها‪ ،‬على‬ ‫ش���خصيات معروفة في مس���توى الفن والفكر‪،‬‬ ‫نقل «الش���خصية» من مس���تواها الحياتي‪ ،‬التاريخي‪ ،‬إلى مستوى أعلى‬ ‫م���ن الناحي���ة الفنية (المس���رحية)‪ ،‬متخذاً لها‪ ،‬من بعد‪ ،‬تس���مية «الس���يرة‬ ‫االفتراضية» لهذه الشخصيات‪ .‬وفي هذا المقال يتوقف بنا على ما لهذه‬ ‫التجربة من آفاق‪.‬‬

‫على صعيد اش� � ��تغالي املس� � ��رحي اخلاص كنت‬ ‫دائماً‪ ،‬ف� � ��ي جتربتي اإلخراجية‪ ،‬أفضل املوس� � ��يقى‬ ‫«املالئم� � ��ة» الصانع� � ��ة للح� � ��دث املس� � ��رحي املبتكر‬ ‫اجلدي� � ��د‪ ،‬ولم أفترض – حلظ� � ��ة واحدة – أن يقفل‬ ‫نوع املوس� � ��يقى على بعد «عرب� � ��ي»‪ ،‬أو «عراقي» أو‬ ‫«غربي»! إن توظيف هذه املوسيقى يت ّم بالتعاون مع‬ ‫مصمم «املوسيقى»‪ ،‬وهو صاحب اخلبرة احلاسمة‪،‬‬ ‫من بعد التشاور‪ ،‬في اختيار هذه املقاطع‪ ،‬واملوتيفات‬ ‫‪ motive‬املوس� � ��يقية والصوتي� � ��ة‪ ،‬الكفيل� � ��ة بنق� � ��ل‬ ‫«احلوار»‪ ،‬و«الشخصيات» من أفق محدد خاص‪ ،‬إلى‬ ‫أبعاد مفتوحة‪ ،‬ومؤثرة‪ ،‬مع توظيف الوعي‪ ،‬واخلبرة‬ ‫اجلمالية‪ ،‬والنقدية‪ ،‬والعروض التي س� � ��بق تقدميها‬ ‫أو املشاركة فيها‪ ،‬بصفة ممثل‪ ،‬في أبرزها‪.‬‬

‫طبقات النص‬

‫أعتقد أن الن� � ��ص الظاهر هو دليل يقودنا إلى‬ ‫أعماق النص «الباطنية»‪ ،‬ألنه في «قلبها» هذا‪ ،‬تنبض‬ ‫‪110‬‬

‫‪10/12/16 8:47:15 AM‬‬

‫ص‬ ‫كامنة الصور‪ ،‬السمعية واملرئية‪ ،‬وبالتالي‪ ،‬يُ ّ‬ ‫خص ُ‬ ‫كالنا وقتاً طوي ً‬ ‫النص املوازي لإلخراج‪،‬‬ ‫ال ملتابعة ذلك ّ‬ ‫النص الصوتي‪ ،‬امللحن للكلمات احلوارية‪ ،‬وبهذا‬ ‫هو‬ ‫ّ‬ ‫املكرس «للتأويل» اإلخراجي‪ ،‬تنجز «الرؤية‬ ‫التفاعل‬ ‫ّ‬ ‫الفني� � ��ة» للعرض‪ .‬حتى ال يقع الع� � ��رض في «نثرية»‬ ‫مباش� � ��رة ال تقوى على التحليق ف� � ��ي فضاء املخيلة‪،‬‬ ‫والتخيي� � ��ل‪ ،‬الس� � ��تقدام الصورة النهائي� � ��ة للعرض‪،‬‬ ‫وتوظيف التقنية ملساهمتها في تسهيل مراحل تطور‬ ‫العرض في فضاء يحفل باملوس� � ��يقى التي تتس � � � ّيد‬ ‫حتفيزاته على مخيلة املتف� � ��رج‪ ،‬وعلى طريقة تلق ّيه‬ ‫للعالمة الرئيس� � ��ة‪ ،‬املكثفة‪ ،‬والدالة‪ ،‬التي تس � � � ّوقها‬ ‫املوسيقى للمتفرج‪.‬‬

‫موسيقى أداء املمثل‬

‫ال يحق للمخ� � ��رج أن يتن ّبه إلى حركات اإلعراب‬ ‫وحدها‪ ،‬ف� � ��ي نطق الكلمات‪ ،‬واجلم� � ��ل‪ ،‬بل يتخطى‬ ‫ذل� � ��ك إل� � ��ى زرع ذبذبات حلنية أساس� � ��ية في املعنى‬ ‫العدد ‪ - 696‬نوفمبر ‪2016‬‬

‫‪nov 99-115.indd 110‬‬


‫الكويت عاصمة الثقافة اإلسالمية ‪2016‬‬

‫عقيل مهدي على اخلشبة‬

‫الفن� � ��ي اجلمالي‪ ،‬لعمل املمثل عل� � ��ى الدور‪ .‬فاملمثل‬ ‫ه� � ��و من يقع علي� � ��ه واجب تنظيم طبق� � ��ات صوتية‪،‬‬ ‫والفرز بني األصوات اجلهيرة من املسموعة همساً‪،‬‬ ‫أو الذه� � ��اب بها إلى مرات� � ��ب مرتفعة‪ ،‬أو منخفضة‪،‬‬ ‫تبعاً للض� � ��رورات الفنية للعرض‪ ،‬وما ميليه املوقف‪،‬‬ ‫أو احل� � ��دث الدرام� � ��ي‪ ،‬وطبيعة التش� � ��كيل احلركي‪،‬‬ ‫وإطار املنظر العام‪ .‬هذا كله يرتبط بأبعاد شخصية‬ ‫ال� � ��دور‪ ،‬ومن أهمها النفس� � ��ية‪ ،‬الروحية‪ ،‬واملزاجية‪،‬‬ ‫وتوقيتات حركاته‪ ،‬ذلك ألن املوس� � ��يقى في املسرح‪،‬‬ ‫تراف� � ��ق خط� � ��و املمثل‪ ،‬ول� � ��ن تنعزل ع� � ��ن وجوده في‬ ‫مساحات مخططة‪ ،‬مدروس� � ��ة فوق اخلشبة إلبراز‬ ‫دوره وجتس� � ��يمه‪ .‬ينبغي احلرص على حس� � ��ن أداء‬ ‫املمثل‪ ،‬وعلى الداللة املعنوية‪ ،‬املركبة من لغة النص‬ ‫الدرامي‪ ،‬وكلمات املمثل بنوتاتها ‪ mote‬املوسيقية‪،‬‬ ‫وهو ينطقها على املس� � ��رح‪ ،‬وتتدرج احلال مع املمثل‬ ‫من مرتبة التفس� � ��ير إلى مرتبة التأويل‪ ،‬إلى التمكن‬ ‫الشخصي اخلاص بأداء املمثل الصوتي واجلسدي‪،‬‬ ‫وه� � ��و يخل� � ��ق دوره إبداعياً وفق موهبت� � ��ه ومهاراته‪.‬‬ ‫عندما نتعامل مع موس� � ��يقي أكادميي محترف‪ ،‬فإنه‬ ‫غالباً ما يستجيب‪ ،‬بطريقته اخلاصة‪ ،‬إلى ما يجري‬ ‫تأكيده في التمرين‪ ،‬أو ما يتطلب إعادة إنتاجه ثانية‪،‬‬ ‫ليتأطر مش� � ��هدياً‪ ،‬ويض ّم حزمة حلني� � ��ة‪ ،‬ومؤثرات‬ ‫صوتية حاملة لإلش� � ��ارات الزماني� � ��ة واملكانية التي‬ ‫املسرح‪ ...‬والسيرة االفتراضية للشخصية‬ ‫‪10/12/16 8:47:19 AM‬‬

‫توفر صدقية واضحة‪ ،‬ومقنعة‪ ،‬للمشهد املسرحي‪.‬‬

‫نبض العرض املسرحي‬

‫كذل� � ��ك‪ ،‬ال ينفصل اإليقاع املأخ� � ��وذ مجازاً من‬ ‫ّ‬ ‫واملوظف في األدب الدرامي‪ ،‬عن اإليقاع‬ ‫املوسيقى‬ ‫احلقيق� � ��ي أو األصلي اخلاص باإليقاع املوس� � ��يقي‬ ‫نفسه‪.‬‬ ‫لكل نأمة‪ ،‬وتش� � ��كيلة‪ ،‬وخ� � ��روج ودخول‪ ،‬وصعود‬ ‫ونزول‪ ،‬إيقاعها اخلاص‪ .‬وحتى ال ينفرط هذا اإليقاع‬ ‫إلى أحادات جزئية‪ ،‬تراكمية‪ ،‬ينبغي تكوينها‪ ،‬وبناؤها‬ ‫وجمل خاصة‪ ،‬ضمن‬ ‫وفق أنساق زمنية موس� � ��يقية ُ‬ ‫بنية إطارية مش� � ��هدية تسهم بتكراراتها‪ ،‬وتسلسلها‪،‬‬ ‫وانعطافاتها‪ ،‬بالتمهيد مع املشهد اآلخر‪ ،‬وصوالً إلى‬ ‫نقطة اخلتام‪ ،‬تتع ّمق العالقات املوسيقية‪ ،‬وضربتها‬ ‫الصاجة‪ ،‬أو املكتومة بحسب خطة اإلخراج املعتمدة‬ ‫ّ‬ ‫في صناعة العرض‪ .‬إن بنية األحداث الفرعية هي‬ ‫التي تصوغ البنية الكبرى‪ ،‬النهائية‪ ،‬للعرض‪ ،‬وتضفي‬ ‫عليه صفة التكامل‪ ،‬لتحقيق أثره‪ ،‬فنياً‪ ،‬وجمالياً لدى‬ ‫املتلقي‪ ،‬الذي ينش ّ ُد للعرض‪ ،‬مبا تضخه من دالالت‬ ‫من خالل الصورة الس� � ��معية للموسيقى‪ ،‬واألغاني‪،‬‬ ‫واملؤثرات الصوتية‪ ،‬أو اإلنش� � ��اد‪ ،‬واإللقاء اجلميل‪،‬‬ ‫واجلليل‪ ،‬وتعديل عمليات تلقيه في الصالة‪ ،‬لينتمي‬ ‫طوعياً إل� � ��ى مجرى يتناغم مع الص� � ��وت التعبيري‪،‬‬ ‫‪111‬‬

‫‪nov 99-115.indd 111‬‬


‫الكويت عاصمة الثقافة اإلسالمية ‪2016‬‬

‫يحرص املخرج على نحت دالالته بالتشكيل البصري‬

‫والتصوي� � ��ري للمادة الفنية الت� � ��ي تدور حول محاور‬ ‫جدلي� � ��ة من الغياب‪ ،‬واحلضور عب� � ��ر التفتح الزمني‬ ‫للع� � ��رض‪ ،‬وتأكيد مكانية احلدث‪ ،‬وبيئته املرس� � ��ومة‬ ‫بدراية محسوبة‪ ،‬ومكثفة بال ترهل أو ابتسار سلبي‬ ‫ال يش� � ��بع الطاب� � ��ع الغنائي أو امللحمي ف� � ��ي درامية‬ ‫املشهد‪.‬‬

‫حتريك صوامت املشهد‬

‫يحرص املخرج على نحت دالالته املوسيقية‪ ،‬في‬ ‫ُ‬ ‫الكلمة‪ ،‬أو القطعة املوسيقية‪ ،‬في بعدها التصويري‪،‬‬ ‫أو التعبيري‪ ،‬أو في هيمنة طبيعة املؤثرات الصوتية‬ ‫وفترات الصمت‪ .‬فاملوس� � ��يقى‪ ،‬ق� � ��ادرة على حتويل‬ ‫الش� � ��خصيات الصامت� � ��ة واملش� � ��اهد الصامتة‪ ،‬إلى‬ ‫ش� � ��خصيات‪ ،‬ومش� � ��اهد ناطقة‪ ،‬وف� � ��ي الغالب تكون‬ ‫معبرة‪ ،‬كما يقال‪ ،‬عن لسان احلال املع ّبر عن املوقف‬ ‫والشخصية في حلظات العرض املسرحي الزمنية‪،‬‬ ‫املتدفقة‪ ،‬واملتحولة‪ .‬واحلق يقال‪ ،‬أضفت املوسيقى‬ ‫التي أنتخبها الفنان د‪ .‬طارق حسون على عروضي‪،‬‬ ‫املسرح‪ ...‬والسيرة االفتراضية للشخصية‬ ‫‪10/12/16 8:47:26 AM‬‬

‫كما ب ّينت‪ ،‬رش� � ��اقة وش� � ��ك ً‬ ‫ال صافياً‪ ،‬ع ّمقا من أناقة‬ ‫العرض‪ ،‬وعزّزا من اتس� � ��اع رقع� � ��ة تأثيره بعمق في‬ ‫صال� � ��ة املش� � ��اهدين‪ ،‬وإثارته� � ��م وجداني � � �اً‪ ،‬وفكرياً‪،‬‬ ‫وجمالياً‪.‬‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫قد يتن� � ��اول املخرج – أيضا – نوع � � �ا معينا من‬ ‫أجن� � ��اس الدراما‪ ،‬مث ً‬ ‫ال في الكوميديا يكون مس� � ��ار‬ ‫(اللحن) متقاطعاً مع مثيل� � ��ه في التراجيديا وينتقل‬ ‫من اخلفّة وإش� � ��اعة البهجة واملتعة‪ ،‬إلى ضرب من‬ ‫معاناة مؤسية‪ ،‬شجية‪.‬‬ ‫ترتبط املوس� � ��يقى أيضاً باجلذور االجتماعية‪،‬‬ ‫سواء في جتربتي اإلخراجية‪ ،‬أو في جتارب اآلخرين‪،‬‬ ‫فق� � ��د توحي األجواء األرس� � ��تقراطية مبوس� � ��يقى ال‬ ‫جتدها في قاع املجتمع وطبقاته الس� � ��فلى‪ .‬ونسمع‬ ‫كذلك أن لهيمنة السلطة مساراً سمعياً يختلف عن‬ ‫هدير اجلموع وانتفاضتها ضد تس� � ��لطها‪ ،‬وثوراتها‬ ‫الكاس� � ��حة الغاضبة‪ .‬قد تكون املوسيقى‪ ،‬واملؤثرات‬ ‫مسجلة بحسب ظروف املتطلبات‬ ‫الصوتية‪ ،‬ح ّية‪ ،‬أو‬ ‫ّ‬ ‫الفنية للعرض‪ ،‬أو بحسب ظروف اإلنتاج املادي‪ ،‬أو‬ ‫‪113‬‬

‫‪nov 99-115.indd 113‬‬


‫وفق قدرات املمثلني الغنائية ومهاراتهم على العزف‬ ‫املوس� � ��يقي‪ ،‬أحياناً‪ .‬أو ما يقتضيه املسرح املعاصر‬ ‫من مواكبة للحساسية املوسيقية للجمهور املعاصر‪،‬‬ ‫ولكن يبقى األس� � ��اس هو محاولة خلق نسق مترابط‬ ‫بني كلمات احلوار‪ ،‬وإمياءات اجلسد‪ ،‬وحركاته في‬ ‫فضاء املوسيقى‪.‬‬

‫املوروث املسرحي واحلداثة‬

‫الع� � ��رض املس� � ��رحي ‪ -‬كم� � ��ا أراه ‪ -‬يعتمد على‬ ‫نس� � ��يج النص الدرامي‪ ،‬ألنه ينقله إلى مجال حيوي‬ ‫جديد فيحق� � ��ق وظائف نفعية تداولية‪ ،‬ويعزز القناة‬ ‫اإلبداعية إليصال الفكرة إلى اجلمهور مبعاجلة فنية‬ ‫جمالية تتخذ ش� � ��اعرية متفردة للعرض يجتمع فيها‬ ‫جتسده أجساد‬ ‫التجريد مع التجس� � ��يد املادي الذي ّ‬ ‫املمثل� �ي��ن‪ ،‬والديكورات‪ ،‬واألكسس� � ��وارات‪ ،‬واألزياء‪.‬‬ ‫وتأت� � ��ي في جانب روحي مقابل هو املوس� � ��يقى‪ ،‬وقد‬ ‫تكون غير ملموس� � ��ة مادياً‪ ،‬لكنها تأتي محسوس� � ��ة‪،‬‬ ‫وموحي� � ��ة‪ ،‬وبالغة الصفاء والداللة‪ ،‬لتعزّز متاس� � ��ك‬ ‫عناصر الع� � ��رض‪ ،‬ومتابعة اجتاهاته احلركية اآلنية‬ ‫«التزامني� � ��ة»‪ ،‬أو «املتوالي� � ��ة» املتتابع� � ��ة‪ ،‬وه� � ��ي تغذ‬ ‫مساراتها باجتاه هدف أعلى للعرض‪ ،‬يستقطبها‪.‬‬ ‫يحرص على حتقيق عرض متكامل‪،‬‬ ‫كل مخرج‬ ‫ُ‬

‫حتى ال يدع البعد املوسيقي يأتي متنافراً مع بنائه‪،‬‬ ‫وتكوينه اخلاص‪ ،‬مع األخذ ف� � ��ي االعتبار أن القبح‬ ‫املوسيقي‪ ،‬والنش� � ��ازات قد يتطلبها السياق الدرامي –‬ ‫أحياناً – للعرض ف� � ��ي حالة مقصودة من احلاالت‪،‬‬ ‫على سبيل املثال‪ ،‬معاجلة «اجلروتسك» ‪groteske‬‬ ‫في عروض احلداثة اجلديدة‪ ،‬أو حتى في العروض‬ ‫الكالس� � ��يكية‪ ،‬والتقليدي� � ��ة‪ ،‬التي تتطل� � ��ب مثل هذه‬ ‫املعاجلات املنزاحة عن التنميطات الس� � ��ائدة‪ .‬ترك‬ ‫لن� � ��ا املس� � ��رح العاملي جت� � ��ارب مختلفة ف� � ��ي تعامل‬ ‫املوسيقى مع العرض ومنها جتربة فاجنر الذي أك َّد‬ ‫احلالة املزاجي� � ��ة (‪ )Mood‬لتحقيق الكمال والدقة‪،‬‬ ‫في صورة فنية تتسيدها العواطف واالنفعاالت‪ ،‬كما‬ ‫في جتربته األوبرالية مث ً‬ ‫ال‪.‬‬

‫زمنية العرض‬

‫في العرض املس� � ��رحي تربط زمنية املوس� � ��يقى‪،‬‬ ‫ماض� � ��ي احلدث بآني� � ��ة األفعال القائم� � ��ة اآلن أمام‬ ‫اجلمه� � ��ور‪ ،‬ومبس� � ��تقبله املقب� � ��ل لتدف� � ��ع املتف� � ��رج‪،‬‬ ‫متأث� � ��راً ومتابعاً ألجزاء الع� � ��رض ووحداته‪ ،‬من دون‬ ‫االبتعاد عن اإلطار الس� � ��ياقي االجتماعي‪ ،‬أو أسئلة‬ ‫احلداث� � ��ة التجريبية‪ ،‬واحملف� � ��زة إبداعياً‪ .‬وإن كانت‬ ‫تخص‬ ‫األصال� � ��ة التاريخي� � ��ة واالجتماعي� � ��ة للعرض‬ ‫ّ‬

‫يعتمد عقيل على تطويع قدرات ممثليه بشكل هائل‬ ‫‪114‬‬

‫‪10/12/16 8:47:31 AM‬‬

‫العدد ‪ - 696‬نوفمبر ‪2016‬‬

‫‪nov 99-115.indd 114‬‬


‫الكويت عاصمة الثقافة اإلسالمية ‪2016‬‬

‫الديكور واإلضاءة والعود ‪ ...‬ومشهد مسرحي سيمفوني‬

‫األزي� � ��اء‪ ،‬واملناظر‪ ،‬لكن تبقى روح العرض الداخلية‪،‬‬ ‫ومضمراته الس ّرية‪ ،‬رهينة املوسيقى التي تتكفل بها‬ ‫بالتضافر مع املؤثرات الصوتية وإلقاء املمثل‪.‬‬

‫املوسيقى والعرض تاريخي ًا‬

‫منذ تقس� � ��يم أرس� � ��طو للتراجيديا‪ ،‬تعرفنا إلى‬ ‫الديثرامبوس ال� � ��ذي يترجم إلى األمدوحة‪ ،‬والكلمة‬ ‫تنقسم إلى مقطعني‪ ،‬ديو‪ :‬اثنني وثرامبوي‪ :‬إنشادي‪،‬‬ ‫توقيع� � ��ي‪ ،‬منظوم‪ .‬وفي فترة الحقة قس� � ��م بوالو فن‬ ‫أغان هي‪:‬‬ ‫الشعر إلى أربع ٍ‬ ‫قوان� �ي��ن عام� � ��ة‪ ،‬خصائ� � ��ص ش� � ��كلية مصنفة‪،‬‬ ‫أغان مأس� � ��اوية‪ ،‬كوميدية‪ ،‬ملحمية‪ ،‬وأخيراً‪ ،‬أغنية‬ ‫مبحموالت أخالقية قيمية‪.‬‬ ‫وف� � ��ي التاري� � ��خ املعاص� � ��ر يتعام� � ��ل املخرج� � ��ون‬ ‫املس� � ��رحيون م� � ��ع املوس� � ��يقى بوصفها بنية رئيس� � ��ة‬ ‫وأساسية تصنع صورة العرض السمعية التي تثري‬ ‫وتوس� � ��ع من آمادها اجلمالية‪ ،‬لتؤثر‬ ‫صورته املرئية‪،‬‬ ‫ّ‬ ‫في املتفرج فض ً‬ ‫ال عن دور اإللقاء في وقفات صوت‬ ‫املمثل وتنغيماته‪ ،‬لينقل احلوار الدرامي من موسيقى‬ ‫الكلم� � ��ة‪ ،‬واجلمل� � ��ة‪ ،‬واملقطع‪ ،‬إلى أس� � ��لبة العرض‪،‬‬ ‫وأس� � ��لوبيته اجلمالية‪ ،‬حتى تصبح أصوات املمثلني‬ ‫معزوفة بش� � ��رية أوركس� � ��ترالية‪ ،‬ترافقه� � ��ا األحلان‬ ‫املوس� � ��يقية‪ ،‬وآالتها املتنوعة‪ .‬فاملوسيقى قادرة على‬ ‫املسرح‪ ...‬والسيرة االفتراضية للشخصية‬ ‫‪10/12/16 8:47:33 AM‬‬

‫خلق عالم علوي مفارق للسائد الواقعي‪ ،‬مث ً‬ ‫ال‪ ،‬حاول‬ ‫فاجنر في مسرحيته األوبرالية «الهولندي الطائر»‪،‬‬ ‫وض� � ��ع حل� � � ٍ�ن ألغنية يؤديه� � ��ا الصي� � ��اد إيريك تقول‬ ‫رقدت أحلم»‪،‬‬ ‫كلماتها‪« :‬ف� � ��وق املرتفعات الصخرية‪،‬‬ ‫ُ‬ ‫وهذا النمط الذي نصادفه في مسرحياته األخرى‪،‬‬ ‫الضاجة باملوس� � ��يقى الفانتازية اخلاصة بأس� � ��اطير‬ ‫الس� � ��يرينيات‪ ،‬برؤوس� � ��هن البش� � ��رية‪ ،‬وأجس� � ��ادهن‬ ‫من عالم الطيور‪ ،‬ومعهن الباخوس� � ��يات الكاهنات‪،‬‬ ‫املنتش� � ��يات‪ ،‬واحلوريات الع� � ��ذارى‪ .‬جند في عرض‬ ‫«تانه� � ��اوزر» أغنية تق� � ��ول‪« :‬يا فين� � ��وس‪ ،‬أنا الوحيد‬ ‫ال عن النظ� � ��ام الصوتي‬ ‫الذي يعرف احل� � ��ب»‪ ،‬فض ً‬ ‫للغة احلوار وجرسها اللفظي‪ ،‬والسيما في الشعر‪،‬‬ ‫وغنائيت� � ��ه الواضحة‪ ،‬وكذلك في املوروث الش� � ��عبي‬ ‫املوسيقي والغنائي‪ ،‬حتى إذا توسعنا قلي ً‬ ‫ال وجدنا أن‬ ‫الروائي ألدوس هكس� � ��لي طمح إلى موسقة الرواية‪،‬‬ ‫بجملها‪ ،‬وكلماتها‪ ،‬وإيقاعاته� � ��ا املتناغمة‪ ،‬املتجاذبة‬ ‫مثل سمفونية رحبة‪.‬‬ ‫وفي املس� � ��رح الراقص‪ ،‬جند مونتاج � � �اً صوتياً‬ ‫مقتبس � � �اً م� � ��ن الفودفي� � ��ل وامليوزك ه� � ��ول والرفيو‪،‬‬ ‫وكذل� � ��ك مقطوع� � ��ات مبتكرة تتقابل فيه� � ��ا األفكار‪،‬‬ ‫واألف� � ��كار املضادة‪ ،‬بتنوعات صوتي� � ��ة‪ ،‬كونترابونط‪،‬‬ ‫لتنس� � ��ج األبعاد الصورية املس� � ��موعة لفكرة العرض‬ ‫ُ‬ ‫املسرحي >‬ ‫‪115‬‬

‫‪nov 99-115.indd 115‬‬


‫أدب‬

‫بالغة الصورة الساخرة‪...‬‬ ‫قراءة في رحلة ابن فضالن‬ ‫كريم الطيبي‬

‫كاتب من املغرب‬

‫انطالق��� ًا م���ن افت���راض أن الن���ص الرحلي يس���عى‪ ،‬فيما يس���عى إليه‪ ،‬إلى‬ ‫مما نتج عنه استش���فاف‬ ‫تقدي���م صور عن اآلخ���ر‪ ،‬انطالق ًا من ذات الرحالة‪ّ ،‬‬ ‫مجموعة من االختالفات على مس���تويات عديدة‪ :‬ثقافية وفكرية ولغوية‬ ‫وعقدي���ة‪ ...‬إل���خ‪ ،‬فاننا نبتغي في هذا المقال دراس���ة مكون الس���خرية في‬ ‫رحلة ابن فضالن‪.‬‬

‫بغية اس� � ��تجالء ه� � ��ذه التضارب� � ��ات‪ ،‬عمد بعض‬ ‫الرحال� �ي��ن إل� � ��ى وصفه� � ��ا وصف � � �اً ميت� � ��از باألمان� � ��ة‬ ‫واملوضوعي� � ��ة‪ ،‬في حني عم� � ��د بعضهم إل� � ��ى إضفاء‬ ‫الذاتي� � ��ة والنق� � ��د‪ ،‬وفي ه� � ��ذا املنحى اش� � ��تغلت آلية‬ ‫السخرية باعتبارها تقنية نقدية وظفها الرحالون في‬ ‫وصف اآلخر ومميزاته؛ وهذه اآللية – الس� � ��خرية –‬ ‫وإن ل� � ��م تهيمن في رحلة اب� � ��ن فضالن‪ ،‬إال أنها كانت‬ ‫حاضرة‪ .‬فما هو‪ ،‬إذاً مفهوم السخرية؟ وما وظائفها‬ ‫في املنت الرحلي؟ وما خصائصها الفنية؟‬

‫أو ًال‪ :‬التعريف بالرحلة‬

‫أملش بن يلط� � ��وار ملك الصقالبة إل� � ��ى أمير املؤمنني‬ ‫املقتدر يسأله فيه البعثة إليه ممن يفقهه في الدين‪،‬‬ ‫ويع ّرفه شرائع اإلسالم‪ ،‬ويبني له مسجداً وينصب له‬ ‫منبراً ليقيم عليه الدعوة له في بلده وجميع مملكته‪،‬‬ ‫ويسأله بناء حصن يتحصن فيه من امللوك املخالفني‬ ‫له‪ ،‬فأجيب إلى ما سأل من ذلك»‪ ،‬فكان ابن فضالن‬ ‫على رأس البعثة التي أرسلها املقتدر‪.‬‬ ‫ويعد هذا الرحالة م� � ��ن أبرز الرحالني في تاريخ‬ ‫الرحالت العربية‪ ،‬وذل� � ��ك بفضل رحلته التي قام بها‬ ‫إلى حوض الفوجلا‪ ،‬وهي رحلة نادرة نحو تلك املناطق‬ ‫التي لم تكن معروفة آنذاك؛ وتكمن أهمية الرحلة في‬ ‫كونه� � ��ا وثيقة تاريخية ت� � ��ؤرخ ملجموعة من املجتمعات‬ ‫مثل روس� � ��يا والصقالب� � ��ة واألتراك واخل� � ��زر‪ ،‬وتذكر‬ ‫عاداتهم وأخالقهم ودياناتهم وأعرافهم االجتماعية‪.‬‬

‫تعتب� � ��ر رحلة اب� � ��ن فضالن من الرح� �ل��ات املهمة‬ ‫ف� � ��ي تاريخ أدب الرحالت العربي‪ ،‬ويعود تاريخها إلى‬ ‫العصر العباسي‪ ،‬إذ قام بها سنة ‪921‬م‪ 309 /‬هـ‪ ،‬إلى‬ ‫بالد الت� � ��رك والصقالبة والروس واخلزر‪ .‬أما الدافع‬ ‫وراء ه�� ��ذه الرحلة‪ ،‬فراجع إلى الس�� ��لطان العباس�� ��ي ثاني ًا‪ :‬تعريف السخرية‬ ‫املقتدر الذي أمر بإرس� � ��ال بعثة إلى ملك الصقالبة‪،‬‬ ‫إن الباحث الذي يبح� � ��ث عن ح ّد يحد به مفهوم‬ ‫بعد أن راسله طالباً منه العون‪ ،‬يقول ابن فضالن في السخرية ‪ IRONIE‬يجد نفس� � ��ه أمام مصطلح معقد‬ ‫رحلته موضحاً الباع� � ��ث عن الرحلة‪« :‬ملا وصل كتاب يصعب اإلمس� � ��اك به‪ ،‬وقد فطنت إل� � ��ى هذا الباحثة‬ ‫‪116‬‬

‫‪10/12/16 8:48:33 AM‬‬

‫العدد ‪ - 696‬نوفمبر ‪2016‬‬

‫‪nov 116-119 indd.indd 116‬‬


‫الكويت عاصمة الثقافة اإلسالمية ‪2016‬‬

‫أمينة الدهري‪ ،‬الت� � ��ي حاولت تأصيل املفهوم بقولها‪:‬‬ ‫«تقلبت الس� � ��خرية بني حتدي� � ��دات عديدة‪ ،‬وخضعت‬ ‫ملقاربات متنوعة بتنوع التنظيرات التي انبثقت عنها‪،‬‬ ‫منذ نش� � ��أتها األولى في حقل الفلس� � ��فة اإلغريقية‪،‬‬ ‫أي انطالق � � �اً من إعادة مس� � ��اءلتنا للحس املش� � ��ترك‬ ‫مع س� � ��قراط‪ ،‬ثم انتقالها من مجالها األخالقي هذا‪،‬‬ ‫بالغة الصورة الساخرة‪ ...‬قراءة في رحلة ابن فضالن‬ ‫‪10/12/16 8:48:37 AM‬‬

‫إلى البالغي مع البالغيني الرومان لتقترن باملفارقة‬ ‫الداللية عن� � ��د سيس� � ��يرون وكينتلي� � ��ان‪ ،‬وليغدو هذا‬ ‫التض� � ��اد بني الفكرة والتعبي� � ��ر عنها مرتَ َكز حتديدها‬ ‫بالنس� � ��بة إلى التقليد البالغي الفرنس� � ��ي بعد ذلك‪،‬‬ ‫مش� � ��فوعاً بعناصر س� � ��ياقية م� � ��ع دومارس� � ��ي وأبعاد‬ ‫مجازي� � ��ة م� � ��ع فونتانيي‪ .‬ثم تط� � ��ور مفهومها إلى أداة‬ ‫‪117‬‬

‫‪nov 116-119 indd.indd 117‬‬


‫ملواجه� � ��ة العال� � ��م من قب� � ��ل الرومانس� � ��يني األملان‪ ،‬ملا‬ ‫يس� � ��مح له تعددها من عدم مطابقة القول ملعناه‪ ،‬وملا‬ ‫تخوله من مسافة نقدية جتاه التعاقدات االجتماعية‬ ‫وضوابط احلوار»‪.‬‬ ‫يتب ّدى لن� � ��ا أن املفهوم ال ميك� � ��ن ضبطه بتحديد‬ ‫واح� � ��د‪ ،‬فالتعريف� � ��ات مختلفة باخت� �ل��اف اخللفيات‬ ‫املعرفي� � ��ة‪ ،‬وهو م� � ��ا يؤكده د‪ .‬محم� � ��د العمري بقوله‪:‬‬ ‫«كل تعريف س� � ��يؤدي ال محالة إلى الدخول في تصور‬ ‫خاص‪ ،‬ل� � ��ه بدايته ونهايته وحدوده التي تتجاهل‪ ،‬في‬ ‫كثير من األحيان‪ ،‬االجتهادات والتصورات األخرى»‪.‬‬ ‫وحتس� � ��ن اإلش� � ��ارة إل� � ��ى أن احلديث ع� � ��ن هذه‬ ‫اإلش� � ��كاليات ليس الغ� � ��رض منه التعم� � ��ق في مفهوم‬ ‫الس� � ��خرية واإلحاطة مبا ُقدم ف� � ��ي موضوع التعريف‬ ‫به‪ ،‬ألن هذا ليس هو مس� � ��عى عرضنا‪ ،‬إمنا سنحاول‬ ‫تقدمي بعض اإلضاءات التي ستؤطر حتليلنا للسخرية‬ ‫التي تتعلق مبوضوع العرض‪.‬‬ ‫بالرجوع إلى املدلول اللغوي للسخرية سنجد أنها‬ ‫تطل� � ��ق على الهزء والتهكم‪ ،‬وهو املعنى الذي حتتضنه‬ ‫املعاجم القدمية‪ ،‬فقد ورد في «لسان العرب» ما يلي‪:‬‬ ‫وس َخراً و َم ْس� � � َ‬ ‫وسخْ راً‪،‬‬ ‫«س� � � ِ�خ َر منه وبه َس� � ��خْ راً َ‬ ‫َ‬ ‫�خراً ُ‬ ‫ً‬ ‫وس� � ��خْ َر ًة ِ‬ ‫وسخْ رِ َّية‪ :‬هزئ‬ ‫وس� � ��خْ رِ ّيا ُ‬ ‫وسخْ رِ ّياً ُ‬ ‫بالضم‪ُ ،‬‬ ‫الض ْحكة»‪.‬‬ ‫«السخرة‪ُّ :‬‬ ‫به» ويقول أيضا‪ُّ :‬‬ ‫نالحظ م� � ��ن خالل هذي� � ��ن احل ّدي� � ��ن أن مدلول‬ ‫الس� � ��خرية يرتبط بالضح� � ��ك واالس� � ��تهزاء‪ ،‬وهذان‬ ‫املفهومان يحيالن إلى وجود مرس� � ��ل ومرس� � ��ل إليه‪،‬‬ ‫حيث يعمد املرس� � ��ل بالسخرية من املرسل إليه «بغية‬ ‫االنتقاص من� � ��ه أو حتقيره أو حتطيم� � ��ه وجعله مثار‬ ‫تن ّدر وتفكه»‪.‬‬ ‫ويختلف هذا املتجه عن مفهوم «الهجاء» ومكمن‬ ‫االختالف هو أن السخرية فعل مضمر وغير مباشر‪،‬‬ ‫في حني أن الهجاء هو «أدب الغضب املباشر والثورة‬ ‫املكشوفة»‪.‬‬

‫نظ� � ��ره‪ ،‬بع� � ��ادات ووجهات نظر األجان� � ��ب‪ .‬إنه يقارن‬ ‫املناظر ويتأملها وير ّكبها»‪ ،‬ومبا أن الرحلة كانت نحو‬ ‫بالد بعيدة «فهي باألس� � ��اس رحلة نحو الذات‪ ،‬بحكم‬ ‫أن ما يوصف ال ينم إال عن املقارنة مع الذات بش� � ��كل‬ ‫من األشكال»‪.‬‬ ‫واب� � ��ن فضالن وهو يق� � ��وم به� � ��ذه الوظيفة واجه‬ ‫َغيْرِ َّي � � � ًة متت� � ��از بالتبيان واالخت� �ل��اف الكبيرين‪ ،‬فقد‬ ‫الحظ ع� � ��ادات غريبة عن� � ��ه باعتباره عربياً مس� � ��لماً‬ ‫ل� � ��ه تقاليده وعاداته اخلاصة‪ ،‬وه� � ��ذا ما حدا به إلى‬ ‫التوس� � ��ل بالس� � ��خرية‪ ،‬فاألمور الباعثة على السخرية‬ ‫ّ‬ ‫تتلخص كلها في «الغرابة»‪ ،‬وس� � ��نقف هنا على بعض‬ ‫املواقف الساخرة في رحلة ابن فضالن‪.‬‬

‫‪ - 1‬السخرية ولغة اآلخر‬

‫يق� � ��ول ابن فض� �ل��ان وهو يصف أه� � ��ل خوارزم‪:‬‬ ‫«وه� � ��م أوحش الن� � ��اس كالماً وطبعاً‪ ،‬كالمهم أش� � ��به‬ ‫ش� � ��يء بصياح الزرازير‪ ،‬وبها قري� � ��ة يقال لها أردكو‪،‬‬ ‫أهلها يقال لهم الكردلية‪ ،‬كالمهم أش� � ��به شيء بنقيق‬ ‫الضفادع»‪ .‬يجس� � ��د هذا املنطوق مظهراً من مظاهر‬ ‫الس� � ��خرية م� � ��ن اآلخر ف� � ��ي الرحلة‪ ،‬فق� � ��د ركز ابن‬ ‫فضالن ف� � ��ي وصف أهل خوارزم عل� � ��ى لغتهم‪ ،‬ومن‬ ‫خ� �ل��ال املقارنة التي عقدها ب� �ي��ن لغتي أهل خوارزم‬ ‫وأهل الكردلية وبني اللغ� � ��ة العربية‪ ،‬باعتبارها اللغة‬ ‫الوحيدة التي يتقنها الرحالة‪ ،‬وجد اختالفاً صارخاً‬ ‫بينهم� � ��ا‪ ،‬لذلك عمد إلى إثارة الس� � ��خرية والضحك‬ ‫منها والتهكم عليها واالس� � ��تخفاف من قيمتها‪ ،‬وهنا‬ ‫بقدر ما نستشف إحس� � ��اس ابن فضالن بغرابة تلك‬ ‫اللغ� � ��ة عليه‪ ،‬نستش� � ��ف أيضاً ع� � ��دم اعترافه باآلخر‬ ‫وبخصوصياته الثقافية والفكرية املتمثلتني في اللغة‬ ‫باعتبارها كياناً يجس� � ��د هوي� � ��ة اجلماعة‪ .‬واملالحظ‬ ‫أن الس� � ��خرية هن� � ��ا بلغت ذروتها‪ ،‬ألن الس� � ��اخر جلأ‬ ‫إل� � ��ى املبالغ� � ��ة في التصوي� � ��ر‪ ،‬إذ ماثل ب� �ي��ن لغة أهل‬ ‫خوارزم بصياح الزرازير‪ ،‬وش ّبه لغة أهل أردكو بنقيق‬ ‫ثالثا‪ :‬السخرية في الرحلة‬ ‫الضفادع‪ ،‬وهذه املبالغة كفيلة بأن تثير الضحك لدى‬ ‫شكلت السخرية مظهراً من مظاهر وصف صورة املتلقي‪.‬‬ ‫اآلخر في رحلة ابن فضالن‪ ،‬فالرحلة باعتبارها أدباً‬ ‫مقارناً «تس�� ��تدعي اآلخر وتصوره مقارنة إياه بالذات ‪ - 2‬السخرية والعقيدة‬ ‫الواصفة»‪.‬‬ ‫نقرأ في رحلة ابن فضالن قوالً آخر حتضر فيه‬ ‫الرحالة هي «مقارن� � ��ة عاداته ووجهات السخرية بشكل واضح وهو‪« :‬وهم مع ذلك كاحلمير‬ ‫ووظيف� � ��ة ّ‬ ‫‪118‬‬

‫‪10/12/16 8:48:41 AM‬‬

‫العدد ‪ - 696‬نوفمبر ‪2016‬‬

‫‪nov 116-119 indd.indd 118‬‬


‫الكويت عاصمة الثقافة اإلسالمية ‪2016‬‬ ‫الضال� � ��ة‪ ،‬ال يدينون لله بدي� � ��ن وال يرجعون إلى عقل موضوعاً للضحك‪ ،‬على اعتبار أن مدار السخرية هو‬ ‫وال يعبدون ش� � ��يئاً‪ ،‬بل يس� � ��مون كبراءهم أرباباً‪ ،‬فإذا جتسيد العيوب واملبالغة في وصفها‪.‬‬ ‫استش� � ��ار أحدهم رئيس� � ��ه في ش� � ��يء قال له‪ :‬يا رب‬ ‫إيش أعمل في كذا وكذا‪ ،‬وأمرهم شورى بينهم‪ ،‬غير رابعا‪ :‬اجلانب الفني للسخرية‬ ‫أنهم متى اتفقوا على شيء وعزموا عليه جاء أرذلهم‬ ‫عمد الرحالة إلى آلة الس� � ��خرية في تصوير لغة‬ ‫وأخس� � ��هم فنقض ما قد أجمعوا علي� � ��ه»‪ .‬يتبدى من اآلخر وعاداته التي متتاز بالغرابة‪ ،‬وجلأ إلى أسلوب‬ ‫خالل ه� � ��ذا امللفوظ رؤية ابن فض� �ل��ان لآلخر‪ ،‬لقد فن� � ��ي في التصوي� � ��ر‪ ،‬اعتمد على الوص� � ��ف باعتباره‬ ‫بس� � ��ط صورة األتراك العقدية‪ ،‬وباستحضار جدلية «اخلط� � ��اب الذي يَ ِس� � ��م كل ما هو موج� � ��ود‪ ،‬فيعطيه‬ ‫األن� � ��ا‪ /‬اآلخر‪ ،‬ص� � ��در الرحالة في حكم� � ��ه هذا من متيزه اخلاص وتفرده داخل نسق املوجودات املشابهة‬ ‫خ� �ل��ال ذاتيته وعقديته التي هي اإلس� �ل��ام‪ ،‬فاملتأمل أو املختلفة عنه»‪.‬‬ ‫كما عمد الرحالة إلى عنصر التش� � ��بيه أو التماثل‬ ‫في الوصف الذي س� � ��رده يستنتج أن الرحالة يصف‬ ‫انطالقاً م� � ��ن خلفيته املعرفية املبني� � ��ة على العقيدة لك� � ��ي ينقل املوض� � ��وع املس� � ��خور منه من املج� � ��رد إلى‬ ‫اإلس� �ل��امية الت� � ��ي ترف� � ��ض تع� � ��دد األرب� � ��اب وتؤمن احملس� � ��وس‪ ،‬فقد ش � � � ّبه لغة أهل خ� � ��وارزم ولغة أردكو‪،‬‬ ‫بوحدانية الله‪ ،‬لذلك شغّل آلية السخرية‪ ،‬باعتبارها وهما لغتان غير مفهومتني وواضحتني بنقيق الضفادع‬ ‫وس� � ��يلة خطابية حتاول إفس� � ��اد صورة اآلخر الذي وصي� � ��اح الزرازير‪ ،‬وهم� � ��ا صوتان كذل� � ��ك ال يفهمهما‬ ‫حتول إل� � ��ى حمار هائم ال يس� � ��تخدم عقله وال يؤمن اإلنسان‪ ،‬فهذه الصورة األسلوبية تستثير فعل الضحك‪.‬‬ ‫بشيء‪ ،‬بل تنحصر مهمته الوجودية فقط في إشباع واألسلوب نفسه ينهجه في املواقف الساخرة األخرى‪،‬‬ ‫رغب� � ��ات الغريزة‪ .‬ف� � ��ي حني أن العقيدة اإلس� �ل��امية إذ ش � � � ّبه األتراك من حي� � ��ث حليتهم بالتيس ومن حيث‬ ‫هي عقيدة عقل تدعو اإلنس� � ��ان إلى التفكر والتدبر؛ جترده� � ��م من العب� � ��ادة باحلمير‪ ،‬وهي كلها تش� � ��بيهات‬ ‫والتصور نفسه يحكم موقفه الصادر في عادة الترك تصل إلى نفوس املتلقني فتثير الضحك‪.‬‬ ‫املتمثلة في حلق اللحية‪ ،‬ج� � ��اء في الرحلة‪« :‬والترك‬ ‫إن الس� � ��خرية في رحلة ابن فض� �ل��ان نابعة من‬ ‫كلهم ينتفون حلاهم إال أسبلتهم‪ ،‬ورمبا رأيت الشيخ خلفي� � ��ة الرحال� � ��ة وتصوره الذي يختل� � ��ف عن اآلخر‬ ‫الهرم منهم وقد نتف حليته وترك ش� � ��يئاً منها حتت اختالفاً كبيراً‪ ،‬ومن ثم ميكن اعتبار الس� � ��خرية لوناً‬ ‫ذقنه وعليه البوس� � ��تني‪ ،‬فإذا رآه إنس� � ��ان من بعد لم من ألوان النقد‪ ،‬فهي «تع ّبر عن رأي معني للس� � ��اخر‪،‬‬ ‫يش� � ��ك أنه تيس»‪ .‬نالحظ أن ابن فضالن يسخر من أو نظرة خاصة له‪ ،‬أو إحس� � ��اس خاص جتاه حالة أو‬ ‫الشكل اخلارجي لإلنسان التركي الذي ميتلك منطاً ظاهرة‪ ،‬أو منظر ال يتفق والظواهر الطبيعية املألوفة‬ ‫خاصاً في إعفاء اللحية‪ ،‬وهو ما يختلف جذرياً عما في نظره»‪.‬‬ ‫وعلى هذا األساس ش� � ��كلت السخرية نتيجة ملا‬ ‫هو مألوف عند املس� � ��لمني‪ ،‬ومن ث � � � ّم انطلق الرحالة‬ ‫«من نس� � ��قه الفقهي وصوره الثابتة وقوالبه اجلاهزة‪ ،‬عقده الرحالة من مقارنات بني الذات واآلخر‪.‬‬ ‫لقد حاولنا تسليط الضوء على مكون السخرية‬ ‫التي أراد أن يقولب بها اآلخرين»‪.‬‬ ‫في املنت الرحلي‪ ،‬فخلصنا إلى أن هذه اآللية اخلطابية‬ ‫‪ - 3‬السخرية والعيوب اجلسدية‬ ‫حاضرة ف� � ��ي رحلة ابن فضالن‪ ،‬وكان أهم باعث لها‬ ‫ميكن الوقوف ف� � ��ي الرحلة أيض � � �اً على مقاطع هو الغرابة‪ ،‬فالعادات واألعراف واللغات والتصورات‬ ‫س� � ��اخرة أخرى‪ ،‬واملوضوع هو شكل ملك الصقالبة‪ ،‬الديني� � ��ة املختلف� � ��ة وغير املألوفة جعل� � ��ت الرحالة ال‬ ‫حي� � ��ث ر ّكز الرحال� � ��ة على عيوب املظه� � ��ر اخلارجي يتردد في االحتكام إل� � ��ى مرجعه الديني‪ ،‬ناعتاً هذه‬ ‫للمس� � ��خور منه‪ ،‬يقول‪« :‬وهو رجل بدين بطني ج ًدا»‪ ،‬املظاهر بالبدع واخلروج عن الش� � ��رع‪ ،‬س� � ��اخراً من‬ ‫ويق� � ��ول أيض � � �اً‪« :‬وكان رج ً‬ ‫ال له منظ� � ��ر وهيبة بدين‪ ،‬بعض املعتقدات أو الترهات واألباطيل‪ ،‬لذلك عملت‬ ‫السخرية باعتبارها آلية بالغية وخطابية سعت إلى‬ ‫عريض كأمنا يتكلم من خابية»‪.‬‬ ‫لقد جعل ابن فضالن من املظهر اخلارجي للملك إفساد صورة اآلخر‪ ،‬وإثارة ضحك املتلقي >‬ ‫بالغة الصورة الساخرة‪ ...‬قراءة في رحلة ابن فضالن‬ ‫‪10/12/16 8:48:45 AM‬‬

‫‪119‬‬

‫‪nov 116-119 indd.indd 119‬‬


‫قصة مترجمة‬

‫السعــادة‬ ‫إنريكي نونيث رودريجيث *‬ ‫ترجمة‪ :‬د‪ .‬محمد مصطفى‬

‫أستاذ باحث مبعهد لشبونة اجلامعي‪ ،‬لشبونة‪ ،‬البرتغال‬

‫كان محله املتواض� � ��ع الذي يبيع الفواكه يقع أمام‬ ‫بيتي اخلشبي العتيق‪ .‬لست أدري متى أبصرته عيناي‬ ‫للمرة األولى‪ ،‬مع أنه كان دائماً هناك يستطلع صحيفة‬ ‫جلبها معه من بلده‪ ،‬ولعل ذلك كان قبل ميالدي بفترة‬ ‫طويلة‪ .‬كم بدا لي ذلك ردحاً طوي ً‬ ‫ال من الزمن!‬ ‫اس� � ��مه لويس‪ ،‬أو لويس الصين� � ��ي‪ ،‬ولم نعرف له‬ ‫مطلق � � �اً أي لق� � ��ب‪ .‬وكان يتندر على ذل� � ��ك قائ ً‬ ‫ال بلغة‬ ‫إسبانية ركيكة‪:‬‬ ‫ لقب‪ ...‬ملاذا؟ إن الناس هنا ال يفهمون األلقاب‬‫الصينية‪.‬‬ ‫كان يجل� � ��س خلف الطاولة العالية مس� � ��تنداً إلى‬ ‫كرس� � ��ي عتيق ال ظهر له‪ ،‬مس� � ��تطلعاً بعينيه اللوزيتني‬ ‫الصغيرتني جريدته املكتوبة بأحرف صينية كبيرة‪.‬‬ ‫تف� � ��وح من محل� � ��ه رائح� � ��ة النباتات االس� � ��توائية‬ ‫والعصائر الصينية التي يتم إعدادها باستخدام املياه‬ ‫اجليرية التي كانت تبدو لي دائماً مياهاً سحرية‪ ،‬مع‬ ‫أن أمي كانت تقول إن تلك العصائر يتم إعدادها من‬ ‫غبار مواد البناء‪ .‬أما بالنسبة لي كانت تلك العصائر‬ ‫متثل سراً آسيوياً يستعصي على فهم أمي‪ ،‬متاما مثل‬ ‫تدخني نرجيلة مصنوعة من قصب السكر البري‪.‬‬ ‫ل� � ��م تقع علي� � ��ه عيني مطلق � � �اً واقفاً ف� � ��ي محله‪.‬‬ ‫وعندما يأتي أي مش� � ��تر إلى احملل باحثاً عن أي نوع‬ ‫م� � ��ن الفاكهة‪ ،‬فإنه لم يك� � ��ن يرفع عينيه عن اجلريدة‪،‬‬ ‫وكان يقول بلغة ال تكاد تُفهم‪:‬‬ ‫ ضع النقود على الطاولة‪.‬‬‫ث� � ��م يواصل القراءة‪ .‬لم تكن عين� � ��اه تتحركان من‬ ‫اليس� � ��ار إل� � ��ى اليمني كم� � ��ا نفعل نحن‪ ،‬ب� � ��ل يقرأ من‬ ‫أعلى إلى أس� � ��فل كما يفعل الصيني� � ��ون‪ .‬وإبان حقبة‬ ‫الدكتاتوري� � ��ة في كوبا‪ ،‬لم يك� � ��د يدلف أحد إلى محله‬ ‫ليشتري ش� � ��يئاً‪ .‬ومع ذلك فلم أس� � ��معه البتة شاكياً‪.‬‬ ‫‪120‬‬

‫‪10/12/16 8:49:13 AM‬‬

‫واحلق أني لم أس� � ��معه أبداً يشتكي من شيء‪ .‬كم كان‬ ‫يحلو لي أن أمضي الساعات تلو الساعات في محله‪.‬‬ ‫لك� � ��ن والدي قرر أنه يجب علي أن أذهب للمدرس� � ��ة‪،‬‬ ‫وعند ذلك قلت زياراتي حملله‪.‬‬ ‫أنهيت دراس� � ��تي االبتدائية واملتوسطة والثانوية‪،‬‬ ‫وم� � ��ع ذل� � ��ك فعندما كن� � ��ت أمر مبحله ف� � ��ي أي وقت‪،‬‬ ‫كن� � ��ت أجده يقرأ صحيفت� � ��ه الصينية بعينني ضيقتني‬ ‫منهكتني‪ .‬حني كنت أعود من اجلامعة في عطلة‪ ،‬كنت‬ ‫أجده جالساً على كرسيه كالعادة‪.‬‬ ‫وعندم� � ��ا ألقي عليه التحية‪ ،‬كانت ترتس� � ��م على‬ ‫محياه عالمات احلبور‪.‬‬ ‫وذات يوم بادرته بالسؤال عن حال عمله‪ ،‬فقال‪:‬‬ ‫ حس� � ��ناً‪ ،‬لم يش� � ��تر أح� � ��د أي ش� � ��يء‪ ،‬أمر جيد‬‫بالنسبة إلي‪ ،‬أليس كذلك؟‬ ‫ً‬ ‫قال لي إني عندما كنت صغيرا سرقت من محله‬ ‫ثم� � ��ره فاكهة‪ ،‬ولكنه تظاهر بأنه ال يراني‪ .‬وكانت تلك‬ ‫هي املرة األولى التي ينطق فيها اسمي‪:‬‬ ‫إنريكي‪ ،‬أيها اللص‪ .‬لقد سرقت الفاكهة‪.‬‬ ‫وكانت املرة األولى التي أراه فيها يبتسم ابتسامة‬ ‫عريضة‪ .‬وعندها الحظت للمرة األولى أني أحبه‪.‬‬ ‫في الثالث من س� � ��بتمبر ‪ 1951‬بدا احملل فارغا‪ً.‬‬ ‫لقد عث� � ��روا عليه ميتاً بني الفواك� � ��ه الصينية محاطاً‬ ‫بالثوم والنباتات االس� � ��توائية‪ .‬كان نائماً على س� � ��رير‬ ‫خشبي متواضع مرتدياً أسماالً بالية‪.‬‬ ‫وعلى صدره الصحيفة الكانتونية ذاتها التي يعود‬ ‫تاريخها إلى ع� � ��ام ‪ .1920‬هي اجلريدة الوحيدة التي‬ ‫مت العثور عليها ب� �ي��ن مقتنياته‪ .‬وهي ذاتها الصحيفة‬ ‫الت� � ��ي كان يقرأها يوماً بعد يوم من� � ��ذ أن عرفته‪ .‬بدأ‬ ‫الن� � ��اس يتحدث� � ��ون‪ ،‬وروي� � ��داً رويداً منت األس� � ��طورة‬ ‫ليصبح لويس حلماً يراود اجلميع في قريته الصغيرة‬ ‫العدد ‪ - 696‬نوفمبر ‪2016‬‬

‫‪nov 120-121.indd 120‬‬


‫الكويت عاصمة الثقافة اإلسالمية ‪2016‬‬

‫مبقاطع� � ��ة كانتون بالصني‪ ،‬حي� � ��ث كان اجلميع ينتظر‬ ‫عودت� � ��ه ليتزوج م� � ��ن خطيبته التي تركه� � ��ا خلفه عند‬ ‫رحيله‪ ،‬خطيبته التي لم تعرفه مطلقاً‪.‬‬ ‫كان كل ذل� � ��ك محض اخت� � ��راع‪ ،‬ألن لويس لم يكن‬ ‫يحلم‪ ،‬إنه توف� � ��ي نتيجة أزمة قلبية حادة على حد ما‬ ‫ذك� � ��ر طبيب القرية‪ .‬فكيف نعرف إذاً مباذا كان يحلم‬ ‫إن كان حقاً يحلم؟‬ ‫لكن مبرور الوقت زاد اعتقادي بأن هذه األسطورة‬ ‫هي أمر حقيق� � ��ي‪ ،‬ألني لم أر في حيات� � ��ي مطلقاً على‬ ‫وجه لويس تلك االبتسامة التي رأيتها على محياه عند‬ ‫السعادة‬ ‫‪10/12/16 8:49:19 AM‬‬

‫موت� � ��ه‪ .‬إنه لن يعرف ما يدور بخلدي مطلقاً‪ .‬ولكني كم‬ ‫وددت أن أجلس في محله أثناء حياته ألقرأ الصحيفة‬ ‫الصغي� � ��رة التي حملت توقيعي عل� � ��ى أول ما كتبت في‬ ‫قريتي‪ .‬وهي صحيفة لم يأت أحد لشرائها‪.‬‬ ‫أمر جيد بالنسبة إلي‪ ،‬أليس كذلك؟ >‬ ‫* إنريكي نونيث رودريجيث (‪ )2002-1923‬كاتب كوبي‬ ‫وكرس حياته لألدب‪٠‬‬ ‫شهير تلقى تعليمه بجامعة هافانا‪َّ ،‬‬ ‫من أهم أعماله املسرحية «شكر ًا أيها الطبيب»‪ ،‬ومن أهم‬ ‫أعماله الروائية «مطلوب شعب»‪ ،‬حصل على جائزة خوزيه‬ ‫مارتي عن مجمل أعماله الصحفية‬ ‫‪121‬‬

‫‪nov 120-121.indd 121‬‬


‫قصة مترجمة‬

‫إن أ ْبكي‬ ‫ْ‬ ‫قصة‪ :‬فيونا كيدمان‬

‫كاتبة وروائية من نيوزيلندا (•)‬

‫ترجمة‪ :‬عاطف عبدالمجيد‬

‫شاعر وكاتب ومترجم من مصر‬

‫كان������ت هدية أبي األولى ل������ي‪ ،‬إن لم تخني‬ ‫اس������وداد عيني من الضرب الذي‬ ‫الذاكرة هي ْ‬ ‫عاقبني به‪ ،‬يوم أن كان عمري س������ت س������نني‪.‬‬ ‫أما األخيرة‪ ،‬فكانت زيار ًة إلى طبيب األسنان‪،‬‬ ‫كنت في السادسة عشرة‬ ‫كي يخلع أس������ناني‪.‬‬ ‫ُ‬ ‫يومه������ا‪ِ .‬‬ ‫أنت أفضل من دونه������ا‪ ،‬يا دميي‪ ،‬كما‬ ‫كان يق������ول‪ .‬في ما بعد‪ ،‬س������يُجن ِ‬ ‫بعض‬ ‫ّبك هذا‬ ‫َ‬ ‫املشكالت‪ ،‬حينما تصبحني ُمسنّة‪ .‬إنها مجزرة‬ ‫ظللت أنزف أسبوعاً‪ .‬لقد كان غريباً‬ ‫حقيقية‪.‬‬ ‫ُ‬ ‫أن يخ������رج من فمي هذا الصدي������د‪ ،‬وكل هذه‬ ‫األش������ياء‪ .‬س������أوافيكم بالتفاصيل‪ ...‬بعد ذلك‬ ‫انسحب العجوز‪ ،‬وقضيت عاماً أ ّدخر من أجل‬ ‫طاقم أسناني‪ .‬بعد ذلك‪ ،‬لم تكن األسنان تؤدي‬ ‫وظيفتها‪ .‬كنت فقط أستخدمها حني كان هناك‬ ‫من يتملقني‪ .‬كان هذا ُق ْرب نهاية احلرب‪ ،‬ولم‬ ‫تكن املنافس������ة سهلة‪ .‬فتيات حسناوات في كل‬ ‫مكان‪ .‬لم يك ْن بعضهن يش������به ش������يئاً محدداً‪.‬‬ ‫غير أني قابلت هنري‪ ،‬انظروا‪ ،‬كيف كنا نبدو‪،‬‬ ‫ل������م يعد له������ذا أهمية قص������وى‪ .‬كذلك لم يكن‬ ‫لدي فائض من الوقت ألرى نفسي في املرآة‪.‬‬ ‫ّ‬ ‫اخلفي؟‬ ‫حس������ناً‪ ،‬لكن أي مصلحة لك س������يدي‬ ‫ّ‬ ‫س������تر ْون‪ .‬بعد أن عب ْرت أنا وهنري املذبح‪ ،‬أنا‬ ‫بغط������اء رأس صغير‪ ،‬وقبعة صغيرة متيل جهة‬ ‫عيني اليس������رى‪ ،‬وبعد أن ت���ل��ا الكاهن كل تلك‬ ‫الكلم������ات املباركة‪ ،‬وأال ش������يء وال أحد ينقض‬ ‫رباط الزواج املقدس‪ ،‬فكرت في ذاتي‪ ،‬حسناً‬ ‫فتاي‪ ،‬ه������ذا يتوقف عليك‪ .‬فقط‬ ‫ي������ا هنري يا‬ ‫َ‬ ‫ً‬ ‫ا ْك ِ‬ ‫تف بجعلي أجنب صغارا‪ ،‬وسأكون سعيدة‪.‬‬ ‫‪122‬‬

‫‪10/12/16 8:49:40 AM‬‬

‫جداً‪.‬‬ ‫كنت مدفونة‪ .‬اثنا عشر في وقت قصير ّ‬ ‫كالري‪ ،‬ميك������ي‪ ،‬ليزي وماجي – بعد األميرات‬ ‫الصغيرات – وﭼميي‪ ،‬ﭼوي و‪ ...‬حس������ناً‪ ،‬أنتم‬ ‫ال تريدون أن تعرفوا األسماء كلها‪ ،‬وهذا ليس‬ ‫أكثر س������وءاً‪ .‬أوافق‪ ،‬ليس هناك أس������ماء‪ .‬كان‬ ‫الرب طيباً من أجلي‪ .‬لم يبخل بال َك ّم‪ .‬أجنبت‬ ‫آخر العنقود عام ‪.1975‬‬ ‫نع������م‪ ،‬واصل������ت لزم������ن طوي������ل‪ .‬ثالث������ون‬ ‫عام������اً‪ .‬مق������ززة‪ ،‬مثلم������ا يقول������ون‪ ,‬لألمومة‪.‬‬ ‫�����ي أن أجعل له عقدة‬ ‫خنزير عج������وز! كان عل� َّ‬ ‫وق������ت تفكي������ري ف������ي من س������يقوم بتس������ليته‪.‬‬ ‫الكاثولي������ك‪ .‬ي������ا لهم م������ن أش������خاص غريبي‬ ‫األط������وار! ه������ذا م������ا كان������وا يقولون������ه‪ .‬كانوا‬ ‫ينادونن������ي بالفم املخمل������ي‪ .‬كأنه������م ينادونني‬ ‫من أس������فل إحدى احلانات‪ .‬بس������بب أسناني‪،‬‬ ‫انظروا‪ .‬هل تس������معون‪ ،‬ال؟ أؤكد أنكم تقولون‬ ‫�����ت لفقْد‬ ‫اآلن – ش������خص مثلك������م – إن وصل� ُ‬ ‫واح������دة أو اثنتني‪ ،‬فلن يصيبن������ي هذا باأللم‪.‬‬ ‫حس������ناً‪ ،‬ضئيل هذا الذي تتصوره‪ ،‬يا س������يدي‬ ‫اخلفي‪ ،‬لكني أؤكد أنكم سترون اليوم األشياء‬ ‫مثلي‪ .‬الحظوا‪ ،‬يحدث وأنا أعطي إحساس������اً‬ ‫بأن هذا س������هل‪ ،‬ومن دون أي مش������كلة‪ ،‬حب‪،‬‬ ‫احترام‪ ،‬خ������وف من الله‪ ،‬وكل هذه البهرجة‪...‬‬ ‫احلقيقة‪ ،‬أن هناك أياماً أعبرها بش������كل جيد‬ ‫أيض������اً‪ ،‬مثلم������ا حدث بعد س������قوط هنري من‬ ‫ّ‬ ‫وتهشم جمجمته‪ .‬جت ّمع الصبْية‬ ‫أعلى السقالة‬ ‫حول ضريح������ه يومذاك‪ ،‬هناك‪ ،‬ف������ي كامارا‪،‬‬ ‫عل������ى مقربة من البحر‪ ،‬املقب������رة تتخللها تالل‬ ‫العدد ‪ - 696‬نوفمبر ‪2016‬‬

‫‪nov 122-125.indd 122‬‬


‫مغط������اة بجنبات صفراء‪ .‬كان������وا يبكون‪ ،‬كانوا‬ ‫يجعلون منها أمراً يطول شرحه‪ ،‬معتقدين أن‬ ‫أحده������م لو قفز داخل الفتح������ة لكان بصحبة‬ ‫هنري‪ .‬لكني أتراجع وأق������ول لهم‪ ،‬هذا النهار‬ ‫ال َك������دِ ر بس������مائه التي تس������ترخي علينا‪ ،‬أقول‬ ‫له������م حتركوا‪ .‬من منكم س������يهتم بي مثلما كان‬ ‫أبوك������م يفعل؟ حتركوا اآلن‪ .‬ليس هناك من له‬ ‫احلق ف������ي أن يصيح مثلي هكذا س������واي أنا‪.‬‬ ‫عقِ ب هذا‪ ،‬أقابل نصف دستة صبْية يتمرغون‬ ‫في املنزل‪ .‬نسكن في نيوتَوِ ْن‪ ،‬في األعلى‪ ،‬وراء‬ ‫احلدائق‪ .‬نستطيع يوم األحد أن نحصل على‬ ‫بعض األس������ماك‪ ،‬ألنها ليس������ت مكلفة‪ ،‬عندما‬ ‫يغتسلون خلف سوق الس������مك‪ .‬من بني هؤالء‬ ‫من يظ������ل باملنزل‪ ،‬ال يوجد أح������د لديه طعام‪.‬‬ ‫ثمة من يُعيد األطفال كي أهتم بهم‪ .‬يعلم الله‬ ‫إل������ى أين يهربون‪ .‬في حقول الكرنب‪ ،‬أؤكد‪ .‬ال‬ ‫أقول لكم‪ ،‬في بعض األي������ام‪ ،‬عندما تغادر كل‬ ‫من ليزي وماج������ي مع أحفادهما – نعم‪ ،‬أكون‬ ‫أ ّماً للج������دة أيضاً – يوجد عش������رون‪ ،‬ثالثون‬ ‫صب ّياً ف������ي هذا املنزل‪ .‬ركام من األش������خاص‬ ‫واألش������ياء في كل مكان‪ .‬أين جتدون كل هذا؟‬ ‫أَ ْس������ َألُهم‪ .‬أثاث‪ ،‬صبْية يخدمون‪ ،‬بقايا خُ ْردة‪،‬‬ ‫ُعلب أطعمة فارغة‪ .‬ال يستطيعون أن يتوقفوا‪.‬‬ ‫أ ّي������اً ما كان������ت املالبس الرثة الت������ي يرتدونها‪،‬‬ ‫يُقال إنها تصيبهم باحلك������ة‪ .‬أنا يُقلقني هذا‪.‬‬ ‫أخي������راً! ذاك ال������ذي كان يغ������رز اجلمي������ع في‬ ‫أنت – ال‬ ‫كومة من املش������كالت‪ .‬اآلن اس������م ْع‪َ ،‬‬ ‫أنت‪ ،‬أقول‪ ،‬لم أعد أريد أن أرى‬ ‫يهم اس������مه– َ‬ ‫البولي������س هنا‪ .‬لق������د رأيت منهم م������ا يكفيني‬ ‫ف������ي ما تبقّى م������ن أيام������ي‪ .‬كان األجدر به أن‬ ‫�����ي‪ .‬لكن ال‪ ،‬كان يع������رف دائماً أكثر‬ ‫يُصغي إل� ّ‬ ‫الصبي‪ .‬أتساءل‪ :‬ما سبب‬ ‫من ش������خص‪ ،‬ذلك‬ ‫ّ‬ ‫ذلك؟ حينذاك‪ ،‬ذات يوم يستيقظ ثم يقول‪ ،‬أنا‬ ‫أقلب الصفح������ة‪ ،‬املرأة العجوز‪ .‬آه نعم؟ أقول‪،‬‬ ‫لقد سمعتها من قبل‪ ،‬تلك العجوز‪ .‬كيف تبدو‬ ‫هذه الصفحة؟ يح َم ّر ثم يقول‪ ،‬ياه‪ ،‬حس������ناً‪...‬‬ ‫حس������ناً‪ ...‬لديها تلك الفتاة التي أحبها متاماً‬ ‫وس������وف أصنع ثروتن������ا‪ .‬موافق������ة‪ ،‬أقول‪ ،‬هل‬ ‫أنت متأكد أنك س������تكون في موعد ال َعش������اء‪.‬‬ ‫‪124‬‬

‫‪10/12/16 8:49:47 AM‬‬

‫حينذاك‪ ،‬كان لديه س������بعة عش������ر عاماً‪ .‬كان‬ ‫سيكون لديه ثمانية عشر عاماً تقريباً‪ ،‬إن كان‬ ‫علي أن‬ ‫اليزال هناك‪ .‬أنتم ترون أنه كان ينبغي ّ‬ ‫اصمتي‪ ،‬أيتها ال َب ْشرة العجوز‪ ،‬كما‬ ‫أحميه‪ .‬أوه ْ‬ ‫كان يقول‪ .‬وأنا أقسم لكم‪ ،‬أرد‪ ،‬كم كنت أفضل‬ ‫ف������ي بعض األيام أال تكون قد ُولدت أبداً‪ .‬أنت‬ ‫ش������رك أكثر من خيرك‪ .‬ه������و ذاك‪ .‬لم يرج ْع‪.‬‬ ‫يُقبل رج������ال البوليس‪ ،‬فيما ت������د ّوي صفارات‬ ‫اإلنذار بامتداد الطري������ق‪ .‬تعالي يا جدة‪ ،‬كما‬ ‫كان������وا يقولون‪ ،‬لقد وجدن������ا صب ّيك هناك في‬ ‫املستش������فى‪ .‬كان هذا في اجلزء املنخفض من‬ ‫الش������ارع على وجه التحديد‪ .‬حينذاك أسألهم‬ ‫هل هو في حالة س������يئة‪ ،‬وإذا ما كنت أستطيع‬ ‫أن أذهب إليه بعد ال َعشاء؟ مع اثني عشر صب ّياً‬ ‫وصبي������ة‪ ،‬لك������م أن تتخيلوا جي������داً نصيبي من‬ ‫تورمات الظ ْهر واخل������دوش‪ .‬غير أنه يومذاك‬ ‫كان صمت������ه غريباً‪ ،‬ذلك الصم������ت الذي نراه‬ ‫في التلفزيون‪ .‬حينذاك أخطف غطاء رأس������ي‬ ‫وأق������ول لهم أن يقوم������وا بتوصيلي إليه‪ .‬حلظة‬ ‫أن وصلت كان كل شيء قد انتهى‪ .‬لقد سقط‬ ‫من أعلى بناية حينم������ا كانوا يطاردونه‪ .‬كانت‬ ‫البناي������ة بنكاً كما كان يق������ول‪ .‬لم يكن حتى قد‬ ‫وصل إلى الشباك حني ضغط املوظفون على‬ ‫أزرار اإلن������ذار‪ .‬دعوني أراه‪ ،‬أقول‪ .‬بالتأكيد يا‬ ‫علي‪ ،‬غي������ر أنهم كان لديهم‬ ‫ج������دة‪ ،‬كما يردون ّ‬ ‫ً‬ ‫حقيقة شيء ُملح‪ ،‬أكثر إحلاحا من املوت‪.‬‬ ‫ِ‬ ‫يراك‪ ،‬ثم يدخل رجل‬ ‫هناك طبيب يريد أن‬ ‫يرتدي معطفاً أبيض يصافحني‪ .‬لقد كان هذا‬ ‫صغيري‪ ،‬رحت أبكي‪ ،‬ش������اكرة إياه على لطفه‬ ‫معي‪ .‬لكن ال‪ ،‬ليس هذا هو املوضوع‪ ،‬إنه شيء‬ ‫آخر غير تلك املواس������اة التي كان يعنيها‪ ،‬وها‬ ‫أنا أتلقّى الصدمة‪ُ ،‬معلمة احلياة واملوت‪ .‬أنا‪،‬‬ ‫لدي ش������يء م������ا ال ثمن له أريد‬ ‫الفم املخملي‪ّ ،‬‬ ‫يتي صبيك‪،‬‬ ‫أن أقدم������ه‪ .‬نحن نريد إح������دى ُكل ْ ْ‬ ‫كما يقول������ون‪ .‬هل تس������تطيع أن متنحني وقتاً‬ ‫للتفكير؟ أس������أل‪ ،‬وأنا جالس������ة‪ ،‬الساقان في‬ ‫القطن‪ .‬لي������س هناك كثير م������ن الوقت‪ ،‬يقول‬ ‫الطبيب ذو املعطف األبيض‪ .‬يجلس بجواري‪،‬‬ ‫كتفي‪.‬‬ ‫فيما مُي ّرر ش������خص آخ������ر ذراعيه حول‬ ‫ْ‬ ‫العدد ‪ - 696‬نوفمبر ‪2016‬‬

‫‪nov 122-125.indd 124‬‬


‫الكويت عاصمة الثقافة اإلسالمية ‪2016‬‬ ‫ف ّكري في هذا الرجل املس������كني املوضوع على‬ ‫آلة الفرز الغش������ائي‪ ،‬كم������ا يقولون‪ .‬تعمل اآللة‬ ‫أربعاً وعش������رين س������اعة في األربع والعشرين‬ ‫س������اعة‪ .‬تدور بال توقف كي جتدد دمه‪ .‬ممدد‬ ‫هناك‪ ،‬ضعي������ف‪ ،‬ينتظر إما امل������وت وإما ُكلية‬ ‫جدي������دة‪ ،‬أحد اثنني وصال ف������ي البداية‪ُ .‬كلية‬ ‫صبيك مناس������بة متاماً‪ ،‬بالضبط هي ما يلزم‬ ‫إلنقاذ حياته‪ .‬أبقى جالس������ة هناك مستغرِ ق ًة‬ ‫ف������ي التفكي������ر‪ .‬أتخيله������م يس������تطيعون قراءة‬ ‫أفكاري التي تتوالى في رأسي‪ .‬أتخيل أن هذا‬ ‫ليس جديداً بالنس������بة لهم‪ .‬ملاذا أمنحكم هذا؟‬ ‫إن لم تكونوا قد الحقتموه‪ ،‬ما كان سيس������قط‬ ‫أرض������اً‪ .‬إنه حت������ى لم يكن مع������ه أي نقود‪ .‬أل ْم‬ ‫تستطيعوا أن تروا فيه مجرد صبي؟ ما الذي‬ ‫فعلتموه به من دون أن تخبروني؟ أنتم تعلمون‬ ‫أن رجال البوليس يفعلون أش������ياء ال نقرأ عنها‬ ‫في اجلرائد‪ .‬أهم الذين فعلوا هذا بصغيري؟‬ ‫بع������د ذل������ك‪ ،‬أتس������اءل عما يس������اويه هذا‪.‬‬ ‫أتس������اءل إن كان هذا الش������خص لدي������ه مال‪.‬‬ ‫أؤكد أن������ه يعطي كل النق������ود للناس فقط من‬ ‫أج������ل أن أقول نعم‪ .‬وإن أَ ُق������ل ال‪ ،‬من أجل أن‬ ‫أنهض خارجة مباشرة‪ ،‬ليس لدي شيء ألقوله‬ ‫أو أفعله‪ .‬ال أحد يستطيع أن يتصرف سواي‪.‬‬ ‫بالتأكي������د‪ ،‬أن������ت تعلم ما فعلته أنا‪ ،‬يا س������يدي‬ ‫اخلف������ي‪ ،‬ولم أرِ د أب������داً أن أفعل خالف هذا‪.‬‬ ‫لكني‪ ،‬يا الله‪ ،‬أفتقده‪ .‬أفتقده كلَّ األيام‪ .‬ها أنا‬

‫ذي‪ ،‬في جمع������ة اآلالم‪ ،‬في أحد تلك النهارات‬ ‫الغائمة حني يبدو العالَم متوقفاً‪ ،‬جمعة تشبه‬ ‫ُجمع اآلالم يوم أن كن������ت صغيرة‪ .‬إنها األولى‬ ‫من دونه‪ .‬لكنها جمعة مختلفة هذه املرة‪ ،‬ألنني‬ ‫اآلن أع������رف أن ه������ذا يعني القيام������ة واحلياة‬ ‫األبدي������ة‪ ،‬حتى بحي������ث كاثوليكي������ة طيبة تُتم‬ ‫واجباتها الدينية مثلي لم تستطع أبداً أن تفهم‪.‬‬ ‫أنتم ت������رون‪ ،‬إنها أنا القيامة‪ .‬نع������م‪ ،‬أنا‪ ،‬الفم‬ ‫املخمل������ي‪ .‬خ������ذوا هذا جس������دي‪ .‬أم������ه‪ .‬حني‬ ‫صحوت ذاك الصباح‪ ،‬قلت لنفس������ي‪ ،‬إن كنت‬ ‫س������تبكني‪ ،‬فتذكري أنه اليزال يعيش في مكان‬ ‫ما‪ .‬إنه الرياح أس������فل جناحيْ� َ‬ ‫�����ك‪ ،‬كما يقولون‬ ‫يا س������يدي اخلفي‪ ،‬األطفال الذي������ن أجنبتَهم‬ ‫رمبا ذات ي������وم‪ ،‬نبضات قلب������ك‪ ،‬الهواء الذي‬ ‫يص������ارع كي يصعد ثاني ًة على الس������طح حيثما‬ ‫تكون أس������فل األمواج‪ ،‬الدم ال������ذي يجري في‬ ‫أوردتك‪ ،‬إنه الناقوس وس������ط املدينة‪ ،‬األصابع‬ ‫التي جتعل س������يارتك تنطلق في الصباح‪ ،‬اليد‬ ‫التي متسك بالقلم‪ ،‬إنه الصوت الذي يتحدث‬ ‫ويُغنّي‪ ،‬إنه األب‪ ،‬الزوج‪ ،‬العاش������ق‪ ،‬األخ‪ ،‬االبن‪،‬‬ ‫إنه ِّ‬ ‫الطيبة والرحمة‪ ،‬إن������ه تفتّح زهرة وه ْمس‬ ‫مطر‪ ،‬إنه مِ ل ْ ُك َ‬ ‫ك‪ ،‬يا سيدي اخلفي‪ .‬إنه مل ْ ُكنا‪.‬‬ ‫إنه احلياة >‬ ‫(<) فيونا كيدمان‪ ...‬ولدت في عام ‪ .1940‬نشرت ثماني‬ ‫روايات‪ ،‬إلى جانب كتابتها للشعر والقصة القصيرة‪.‬‬

‫لم تسمح به نفسه‬ ‫أتى زياد بن عبيدالله احلارثي‪ ،‬وهو أمير املدينة‪ ،‬بس�ل�ال خبيص هدية‪ ،‬فظن أنها‬ ‫فاكهة رطبة‪ ،‬فقال‪ :‬ضعوها‪ ،‬وادعوا مس ��اكني املسجد‪ .‬فلما جيء بهم‪ ،‬وفتحت السالل‪،‬‬ ‫إذا فيه ��ا اخلبي ��ص الياب ��س‪ ،‬مم ��ا يبقى‪ ،‬فلم تس ��مح به نفس ��ه‪ ،‬فقال‪ :‬اذهب ��وا بهم إلى‬ ‫الس ��جن‪ .‬قالوا‪ِ :‬ول َم‪ ،‬أصلح الله األمير؟ قال‪ :‬ألنكم تقيلون في املس ��جد‪ ،‬وتصلون بغير‬ ‫وضوء‪ .‬قالوا‪ :‬فإننا نحلف أال ندخل املسجد أبداً‪.‬‬ ‫والسمن)‬ ‫(اخلبيص‪ :‬احللْواء املخْ بُوصة من التمر َّ‬

‫إن أ ْبكي‬ ‫ْ‬ ‫‪10/12/16 8:49:52 AM‬‬

‫‪125‬‬

‫‪nov 122-125.indd 125‬‬


‫قصص على الهواء‬

‫قصص ألصوات شابة تنشر بالتعاون‬ ‫مـ ــع إذاع ـ ـ ــة «مــونــت كــارلــو» الدولي ــة *‬

‫ملــاذا اخ ـتــرت هــذه ال ـق ـصــص?‬ ‫د‪ .‬طلعت شاهين ‪ -‬كاتب من مصر‬ ‫القصص القصيرة التي وصلتنا في تصفيات مس������ابقة «حتكيم على الهواء» التي بلغ عددها خمس‬ ‫عش������رة قصة قصيرة الختيار خمس منها للفوز بجوائز الش������هر‪ ،‬تتفاوت ف������ي موضوعاتها وطريقة‬ ‫تناوله������ا لهذه املوضوعات في القالب القصصي فنياً‪ ،‬متاماً كما تتفاوت في مس������تويات إجادة اللغة‬ ‫العربي������ة‪ ،‬فبعضها يبدو مكتم������ل األدوات فنياً بامتالك أدوات القص أو احلك������ي الذي تتطلبه كتابة‬ ‫القصة القصيرة‪ ،‬والبعض اآلخر يفتقر إلى اخلبرة في هذا املجال‪ ،‬ما أدى إلى اس������تبعاد بعض تلك‬ ‫القصص رغم طرافة موضوعاتها‪.‬‬ ‫القصة األولى‪« :‬سيتفهم ذلك اجلميع» لسلوى صعب‪ /‬لبنان‬ ‫تتناول القصة موقفاً إنسانياً يبدو معتاداً في البيئة العربية‪ ،‬األم التي تفقد جنينها فتعيش حالة من‬ ‫احل������زن والترقب‪ ،‬لكن من العنوان يبدو أن الكاتبة تريد من مجتمع تلك املرأة أن يتفهم تلك احلالة‪،‬‬ ‫فيك������ون العنوان داالً على ذلك‪« :‬س������يتفهم ذلك اجلميع»‪ ،‬وتبدو الكاتبة متقنة بش������كل جيد لتقنيات‬ ‫القصة القصيرة باختيارها للحظة فارقة في حياة البطلة‪ ،‬وتنامي احلدث في لغة ذات جمل قصيرة‬ ‫دال������ة جتذب القارئ وتدفعه إلى متابع������ة احلكي الذي يتناول حياة لم تكتم������ل‪ ،‬حياة تختزنها ذاكرة‬ ‫صاحبة القصة في صورة «أش������عة صوتية» أو «إيكو»‪ ،‬حتى يكاد القارئ يس������مع صوت الطفل ويتابع‬ ‫تطورات منوه‪ ،‬لينتهي إلى مطالبة من حول تلك املرأة بتفهم موقفها الرافض لنس������يان تلك الذكرى‬ ‫التي لم تكن سوى صورة جلنني لم يكتمل‪.‬‬ ‫القصة الثانية‪« :‬الرسالة» ألحمد جمال الدين رمضان‪ /‬مصر‬ ‫نع������رف جميعاً القصص واحلكايات التي تدور حول زجاجات متخر عباب البحر وتتغلب على غضب‬ ‫* تُنشر القصة األولى الفائزة في هذا العدد‪ ،‬بينما تنشر بقية القصص الفائزة على موقع مجلة العربي وتُبث في إذاعة‬ ‫«مونت كارلو الدولية» على مدار شهر نوفمبر ‪.2016‬‬

‫‪126‬‬

‫‪10/12/16 8:50:24 AM‬‬

‫العدد ‪ - 696‬نوفمبر ‪2016‬‬

‫‪nov 126-129.indd 126‬‬


‫الكويت عاصمة الثقافة اإلسالمية ‪2016‬‬

‫طبيعته لتصل إلى شواطئ لم تكن تخطر على بال من يكتب الرسائل‪ ،‬تلك احلكايات حتاول أن تنقل‬ ‫إلينا مغزى واحداً وهو «اخللود»‪ ،‬فمعظم الرس������ائل التي نقلتها زجاجات من شاطئ إلى آخر خلَّدت‬ ‫قصص وحكايات كاتبيها‪ ،‬أو ساعدت على إنقاذهم من املوت والفناء‪ ،‬وكاتب قصة «الرسالة» التقط‬ ‫خيط تلك األساطير‪ ،‬ليثبت لنا عكس ذلك متاماً نظراً الختالف الزمان‪.‬‬ ‫عاشقان واجهتهما الصعوبات من أجل اعتراف املجتمع بحبهما‪ ،‬اعتقاداً أن كتابة حكايتهما ووضعها‬ ‫ف������ي زجاجة ميكن أن يكون������ا احلل‪ ،‬ولكن مبا أننا أصبحنا في زمن غي������ر الزمن‪ ،‬فإن مصير حكاية‬ ‫العاش������قني انتهى إلى يدي طفل ورجل عجوز فقيرين يعيشان واقعاً مختلفاً ال مكان فيه لرومانسية‬ ‫عاش������قني‪ ،‬ألن األهم بالنسبة للجد ليس س������ماع حكاية رومانسية بقدر حاجته إلى نار تدفئ جسده‬ ‫وجس������د رفيقه الصغير في ش������تاء بارد‪ .‬وهي فكرة ذكية من الكاتب الذي يتمتع‪ ،‬إضافة إلى حس������ن‬ ‫اختيار موضوع قصته‪ ،‬بامتالكه أيضاً ألدوات القص اجليد‪.‬‬ ‫القصة الثالثة‪« :‬العقد والفستان» لفاطمة الشيخ أحمد‪ /‬السودان‬ ‫في قصة «العقد والفس������تان» جلأت الكاتبة فاطمة الشيخ أحمد إلى التراث لتستوحي قصة حتاول‬ ‫من خاللها أن تؤكد أن للجمال شروطاً الكتماله‪ ،‬فربطت بني حالتني استحال معهما اكتمال اجلمال‪.‬‬ ‫وب������دأت قصتها «في بلد ما في زمن ما» التي توازي البداية التراثية املعروفة «كان ياما كان» لتحكي‬ ‫لنا عن عقد فريد يفش������ل التاجر املش������تري في بيعه رغم جماله‪ ،‬ألن جماله مرتبط بش������يء ينقصه‪،‬‬ ‫وألن العقد ينقصه الفس������تان املناسب‪ ،‬ولن يكتمل هذا اجلمال إال باجتماعهما معاً على جسد واحد‬ ‫يبرز جمالهما معاً‪.‬‬ ‫ونظ������راً إل������ى أن الكاتبة امرأة‪ ،‬فهي تعرف متام������اً تركيب اجلمال واالرتباط بني العقد والفس������تان‪،‬‬ ‫وعكس������ت عليهما رؤيتها التي تنطبق على احلياة نفسها‪ ،‬متاماً كما يجب اختيار العقد إلبراز جمال‬ ‫الفستان‪ ،‬فإن من يرد أن يرى جمال احلياة فعليه أن يخلق التناسق بني عناصرها‪.‬‬ ‫اختيار املوضوع كان موفقاً للتعبير عن رؤية الكاتبة وكأنها تعلن رفضها لقبح محيط بها‪ ،‬وأن جمال‬ ‫احلياة ال يكون مكتم ً‬ ‫ال إال بجمال عناصرها‪.‬‬ ‫القصة الرابعة‪« :‬هلوسة» لهم يوسف الشرقي‪/‬املغرب‬ ‫تعكس قصة «هلوسة» حلظة عاشها معظمنا في حلظة من حلظات احلمى التي البد وأن كل إنسان‬ ‫مر بها في يوم ما‪ ،‬فمن منا لم تنتب جس������ده احلمى التي تلفه في عالم غير واقعي وملتبس؟ إال أن‬ ‫الفارق بني الكاتب املبدع واإلنسان العادي هو التقاط هذه اللحظة وحتويلها إلى عمل أدبي‪ .‬تضعنا‬ ‫الكاتبة داخل حدث ترى أنه جدير باملش������اركة مع اآلخرين‪ ،‬لكنها باختيار العنوان «هلوس������ة» حتذرنا‬ ‫من أن ما سوف نقرأه أو نعيشه مجرد خيال‪.‬‬ ‫اس������تطاعت الكاتب������ة صوغ تلك اللحظة النفس������ية ألنه������ا متتلك موهبة احلكي بلغة س������ليمة وصفت‬ ‫تصوراتها لتلك اللحظة بصور متماسكة‪.‬‬ ‫‪127‬‬

‫‪10/13/16 8:39:05 AM‬‬

‫‪nov 126-129.indd 127‬‬


‫‪ /‬مصر عصام رفعت حامد ‪ /‬مصر‬

‫الكويت عاصمة الثقافة اإلسالمية ‪2016‬‬ ‫القصة اخلامسة‪« :‬الوهم» لزهير عبدالعليم‪/‬مصر‬ ‫تتناول هذه القصة حالة أقرب إلى الهلوسة البصرية النابعة من احلرمان العاطفي لشاب مراهق ما‬ ‫إن يرى ش������ك ً‬ ‫ال أنثوياً حتى يتخيل ش������كل تلك األنثى بالطريقة التي ترضيه أو تشبعه‪ ،‬فقد رأى بطل‬ ‫القصة فتاة ذات مالمح رائعة تتطابق مع ما في ذهنه من شكل مسبق للجمال‪.‬‬ ‫اعتمد كاتب القصة على مجموعة من التعبيرات البصرية التي تكشف عن خبرة تشكيلية في وصف‬ ‫اجلمال األنثوي‪ ،‬مع تشويق القارئ من خالل اإليحاء بعدم دقة األوصاف التي يراها‪ ،‬النابعة من أن‬ ‫اجلمال األنثوي الذي يراه يغطي على كل وصف‪« ،‬هي فتاة وليست سيدة‪ ...‬أو صبية‪« ،»...‬والشعر‬ ‫الذي رمبا يكون أسود فاحماً أو بنياً داكناً أو رمبا بنياً فاحتاً»‪.‬‬ ‫القصة جيدة في الوصف البصري‪ ،‬ولكن كاتبها في حاجة إلى حتسني إجادته لقواعد اللغة العربية‬ ‫وتشكيالتها األسلوبية‪.‬‬

‫«سيتفهم ذلك الجميع»‬ ‫سلوى صعب ‪ -‬لبنان‬ ‫تناولتها من ُدرجها األثير‪ ،‬وبدأت تناجيه‪.‬‬ ‫«هل حقاً م ّرت عشر سنوات؟!»‬ ‫أحس� � ��ت ب� � ��ه يختلج حتت‬ ‫كأ ّنه األمس‪ ،‬حني‬ ‫ّ‬ ‫أضالعها‪ ،‬وينبض حلماً طاملا راودها‪.‬‬ ‫بات احللم حقيقة‪ ،‬وتَك َّو َن فرحاً ال يوصف‪.‬‬ ‫«متنّيت� � ��ك بنتاً وها أنا أراك صب ّي � � �اً‪ ،‬و ِل َم ال؟‬ ‫صب ّياً يكتمل بك العقد‪ ،‬ستكون األثير عندي دون‬ ‫منازع‪ ،‬وسيتفهم ذلك اجلميع»‪.‬‬ ‫تبس� � ��مت‪ :‬س� � ��م َعت ضحكته األولى‪ ،‬و«ماما»‬ ‫َّ‬ ‫وتكحلت عيناه� � ��ا برؤيته يخطو خطوته‬ ‫األول� � ��ى‪،‬‬ ‫ّ‬ ‫األولى‪...‬‬ ‫ه ّيأت له مريلته‪ ،‬ومحفظته‪ ،‬وأقالم التلوين‪،‬‬ ‫وس� � ��ارت معه‪ ،‬تزفه حروفه األولى‪ ،‬واألرض من‬ ‫وقع قدميها متور‪.‬‬ ‫َ‬ ‫مم� � ��ن ينظر إليك‬ ‫و‬ ‫�‬ ‫س‬ ‫نف‬ ‫من‬ ‫عليك‬ ‫«أغا ُر‬ ‫�ي‪،‬‬ ‫�‬ ‫�‬ ‫ّ‬ ‫ول� � ��و ح ّبا‪ ،‬وأس� � ��خط عل� � ��ى من ال ي� � ��راك بعيني‪،‬‬ ‫أن� � ��ت بق ّيتي‪ ،‬أنت لي‪ ،‬أنت كلّي‪ ،‬وس� � ��يتف ّهم ذلك‬ ‫اجلميع»‪.‬‬ ‫ثي� � ��اب فريقه املفض� � ��ل ‪ -‬م� � ��ا كان؟ ال يهم‪-‬‬

‫أوصت عليها من خ� � ��ارج البالد‪ ،‬كان قلبها يقفز‬ ‫فرحاً ح� �ي��ن تراه يلبس� � ��ها‪ ،‬ويركل كرت� � ��ه بقدمه‬ ‫الصغيرة‪ ،‬ولم يكن فرحها ليخبو حتى لو أصابت‬ ‫فشجته‪.‬‬ ‫كرته نافذة فكسرتها أو إناء‬ ‫ّ‬ ‫«آه ‪ ...‬عندم� � ��ا تكبر أكثر‪ ،‬لغدك ذاك ك ّل ما‬ ‫أملك‪ ،‬وسيتفهم ذلك اجلميع»‪.‬‬ ‫ل� � ��م يكن األ ّول‪ ،‬ولكنّه لم يكن الش� � ��قيق‪ ،‬لهذا‬ ‫كان األثير‪ ،‬فهي لم حتمل بس� � ��واه‪ ،‬وسيتف ّهم ذلك‬ ‫اجلميع‪.‬‬ ‫سرقها من حلظتها تلك دخول زوجها الغرفة‪،‬‬ ‫نظر إلى الصورة بني يديها‪ ،‬اعتراه احلزن وشيء‬ ‫من الغضب‪ ،‬وقال مقولته املتوقعة‪:‬‬ ‫س� � ��تهلكني وأنت تنظرين إلى ه� � ��ذه الصورة‪،‬‬ ‫متى س� � ��تقتنعني أنها مج ّرد صورة صوتية جلنني‬ ‫لم ي َر النور؟‬ ‫وه ّم ليأخذ صورة الـ «إيكو» من يدها‪ ،‬ولكنّه‬ ‫تراج� � ��ع‪ ،‬فقد احتضنتها ب� �ي��ن ضلوعها بقوة كما‬ ‫اعت� � ��ادت‪ ،‬ولن يق� � ��وى على انتزاعه� � ��ا ولو حاول‪.‬‬ ‫وغابت في نشيج‪ ،‬ال يتف ّهمه اجلميع >‬

‫‪129‬‬

‫‪10/12/16 8:50:34 AM‬‬

‫‪nov 126-129.indd 129‬‬


‫ديوان العربي‬

‫أربع قصائد من فلسطين‬ ‫نمر سعدي‬

‫ال ما َء في الوقت‬ ‫ال ش ��ي َء أكت ُب ��هُ ه ��ذا املس ��ا َء وال‬ ‫خص � ٌ�ر ُألس ��ن َد ديوان ��ي علي � ِ�ه غ ��دا‬ ‫قم ٍر‬ ‫ال م ��ا َء في الوق � ِ�ت ال ٌ‬ ‫ورد على َ‬ ‫�رأة حت ��ى متُ � � ّ َد ي ��دا‬ ‫قطف � ُ�ت الم � ٍ‬ ‫َ‬ ‫واجهة‬ ‫خلف‬ ‫لنا اصطفاقُ األيادي‬ ‫ٍ‬ ‫جرحان حّ َ‬ ‫واتدا‬ ‫الزجاج‪ ...‬بن ��ا‬ ‫م ��ن‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫لنا حزي ��رانُ ‪ ...‬جنم � ُ‬ ‫البحار لنا‬ ‫�ات‬ ‫ِ‬ ‫ٌ‬ ‫ُ‬ ‫صوت لها وصدى‬ ‫واألغنيات‪ ...‬أن ��ا‬ ‫األرض عن جسدي‬ ‫نزعت أنها َر هذي‬ ‫ُ‬ ‫ِ‬ ‫َ‬ ‫خلخالني لي ب َردى‬ ‫مثل‬ ‫ارتدت‬ ‫م‬ ‫يو‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ِ‬ ‫***‬

‫ُحب‬ ‫ُ‬ ‫تلتقط ا َ‬ ‫حل ّ َب عصفورةٌ من يدي‪ ‬‬ ‫التقطت كاميرا صورتي بغتةً‬ ‫مثلما‬ ‫ْ‬ ‫لست أعرفهُ وامرأ ْة‬ ‫ألرى رج ًال قلق ًا ُ‬ ‫اجلدار‬ ‫لوحة في‬ ‫عميق إلى‬ ‫بحزن‬ ‫ينظران‬ ‫ِ‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫ِ‬ ‫غير أن ينبسا‪:‬‬ ‫ِ‬ ‫يقوالن من ِ‬ ‫فيه‬ ‫يا لهذا املساءِ الذي نحنُ ِ‬ ‫جهة‬ ‫ِ‬ ‫قطاران من دومنا ُو ٍ‬ ‫ٌ‬ ‫الشرايني‪...‬‬ ‫غامض‬ ‫وصدى‬ ‫لنداءِ‬ ‫ِ‬ ‫حب‪ ...‬‬ ‫يا ُّ‬ ‫يا س ّ َر شهوتنا املطفأ ْة‬ ‫الزمهرير‬ ‫مفترق‬ ‫يسمرنا عن َد‬ ‫يا صليب ًا ِّ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ويا قب َرنا املشت َر ْك‬ ‫‪130‬‬

‫‪10/12/16 8:51:02 AM‬‬

‫شاعر من فلسطني‬

‫َ‬ ‫تراب‬ ‫إن‬ ‫َّ‬ ‫نصف غواياتنا من ٍ‬ ‫َ‬ ‫سراب‬ ‫ونصف تآويلنا من‬ ‫ٍ‬ ‫ني الش َر ْك‬ ‫بعيد وب َ‬ ‫وأسما َكنا ب َ‬ ‫بحر ِ‬ ‫ني ٍ‬ ‫لوردة نوستاجليا في أصابعنا‬ ‫ماء‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫هات ً‬ ‫ث ّ َم ُخذ دفت َر ّ‬ ‫عر للمدفأ ْة‬ ‫الش ِ‬ ‫***‬

‫ُشرود‬ ‫غرفة بارد ْة‬ ‫بعيد وفي‬ ‫في‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫مكان ٍ‬ ‫بتفاصيل زينتها‪ ‬‬ ‫تعتني‬ ‫ِ‬ ‫القدمي‪...‬‬ ‫بالكتابة أو بالبيانو‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫اللون‬ ‫األزرق‬ ‫بفستانها‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫الزجاج‬ ‫بزهور‬ ‫أو‬ ‫باألكاليبتوس‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫شوبنهاور‬ ‫بيأس‬ ‫ٍ‬ ‫ِ‬ ‫وبأشعار هايني‬ ‫ِ‬ ‫وبالذكريات‬ ‫ِ‬ ‫ٌ‬ ‫ناحلة‬ ‫وهي‬ ‫شهر نيسانَ‬ ‫ِ‬ ‫كالفراشة في ِ‬ ‫بألبومها َ‬ ‫بالزعفران املج ّ َف ِف فوقَ‬ ‫الرسالة‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫االفتراضي‪...‬‬ ‫والوجع‬ ‫ّ‬ ‫ِ‬ ‫َّ‬ ‫خلف ُش ّ َباكها‪ ‬‬ ‫من‬ ‫ح‬ ‫و‬ ‫تل‬ ‫ِ‬ ‫كل مساءٍ ّ ُ‬ ‫صغير‬ ‫ملالك‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫َ‬ ‫كالنسيم إلى بيتها‪ ‬‬ ‫ها‬ ‫ل‬ ‫ليحم‬ ‫وتبكي‬ ‫ِ‬ ‫ٌ‬ ‫زورق من ح َبقْ‬ ‫ُ‬ ‫منذُ‬ ‫حتاول تفسي َر أحزانها‪ ‬‬ ‫ني‬ ‫خمس سن َ‬ ‫ِ‬ ‫والرسم لكن بال فائد ْة‬ ‫بالكتابة‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ُ‬ ‫باحلنني‪ ‬‬ ‫فتغسل أحداقها‬ ‫ِ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫وتشعل في قلبها‬ ‫املتوهج ليل الن َفقْ‬ ‫ِ‬ ‫العدد ‪ - 696‬نوفمبر ‪2016‬‬

‫‪nov 130-131.indd 130‬‬


‫الكويت عاصمة الثقافة اإلسالمية ‪2016‬‬

‫منذُ‬ ‫ني‬ ‫خمس سن َ‬ ‫ِ‬ ‫تر ّبي عصافي َر غربتها امرأةٌ شارد ْة‬ ‫***‬

‫فم‬ ‫القصائد ك ِّلها‬ ‫األرق من‬ ‫فم ِك‬ ‫ُّ‬ ‫ِ‬ ‫ُ‬ ‫املاورد‬ ‫انبالج املاءِ في‬ ‫ومن‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫احلزين أو املد ّ َو ِر‬ ‫النثر‬ ‫واألحلى من‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫والليمون‬ ‫الشاي‬ ‫زهور‬ ‫واألشف من‬ ‫ُّ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫األنني ومن ِ‬ ‫ِ‬ ‫أربع قصائد من فلسطني‬ ‫‪10/12/16 8:51:39 AM‬‬

‫القلب‬ ‫مدار‬ ‫واألعلى‬ ‫ً‬ ‫سماء في ِ‬ ‫ِ‬ ‫ُ‬ ‫الصلب‬ ‫النحيب‬ ‫واملنحوت من ماءِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫وتر الغواي ْة‬ ‫ُ‬ ‫واملقدود من ِ‬ ‫كالعصفور لي يا نونُ ؟‬ ‫بحر جا َء‬ ‫من ِ ّ‬ ‫ِ‬ ‫أي ٍ‬ ‫يداي‬ ‫أي‬ ‫فردوس جنتهُ‬ ‫َ‬ ‫بل من ِ ّ‬ ‫ٍ‬ ‫األنوثة‪ ‬‬ ‫شجر‬ ‫عن‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫النهر روحي‪ ‬‬ ‫مصب‬ ‫كي يعي َد إلى‬ ‫ِّ‬ ‫ِ‬ ‫مبعشوق وشايةْ؟ >‬ ‫أسرت‬ ‫مثلما‬ ‫ْ‬ ‫ٍ‬ ‫‪131‬‬

‫‪nov 130-131.indd 131‬‬


‫ديوان العربي‬

‫عبلـــة‬ ‫عبداهلل الشوربجي‬ ‫أضم َك ‪..‬‬ ‫ُّ‬ ‫ما بيني وبيني‬ ‫ألفرحا‬ ‫ُم َع َّوذةٌ أخرى‬ ‫ُ‬ ‫وفاحتة الضحى‬ ‫أنا ٌ‬ ‫عبلة‬ ‫ِّ‬ ‫قصيدة‬ ‫تُتلى بكل‬ ‫ٍ‬ ‫َ‬ ‫صلت بي‬ ‫عيونك‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫وقلبك َس َّبحا‬ ‫أدهم‬ ‫على ٍ‬ ‫تأتي البال َد ُمؤذنا‬ ‫َ‬ ‫احلرف‬ ‫أحبك مل َء‬ ‫ِ‬ ‫ألفصحا‬ ‫انطقْ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫لي امل َ ْه ُر‬ ‫َ‬ ‫والنعمانُ يسرقُ نو َقهُ‬ ‫ظالم قد استشرى‬ ‫ٌ‬ ‫وظلم قد انتحى‬ ‫ٌ‬ ‫«يقولون‪:‬‬ ‫ٌ‬ ‫مريضة»‬ ‫ليلى بالعراق‬ ‫يقولون‪:‬‬ ‫لوحا‬ ‫م‬ ‫يعود‬ ‫قيس ال‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫َّ‬ ‫ٌ‬ ‫َ‬ ‫أضمك‬ ‫إليك‬ ‫في شوق ِ‬ ‫ولم أزلْ‬ ‫فتشرقُ في غرناطتني ِ ُم َو َّشحا‬ ‫هنا‬ ‫ُ‬ ‫تنقل األخبا ُر‬ ‫ً‬ ‫سفينة‬ ‫أنَّ‬ ‫بعشرينَ قرصانا‬ ‫ٌّ‬ ‫وكل َتن ََّوحا‬ ‫‪132‬‬

‫‪10/12/16 8:51:57 AM‬‬

‫شاعر من مصر‬

‫ُ‬ ‫الفلك‬ ‫على هن َد ترسو‬ ‫أينُك؟ لم ت َُعد‬ ‫ُّ‬ ‫وكل شهيد‬ ‫ُ‬ ‫ليذ َبحا‬ ‫قد‬ ‫يعيش ُ‬ ‫مالمح وجهي ال تهزُّ‬ ‫بنخلة‬ ‫ٍ‬ ‫هزت‬ ‫هي ْ‬ ‫ْ‬ ‫وإن َ‬ ‫«جحا»‬ ‫لم تساقط سوى ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫عليك بيوتُها‬ ‫ضاقت‬ ‫بالدك إذ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ولونك أمسى غربتني ِ‬ ‫وأصبحا‬ ‫َ‬ ‫أضمك ِم ْسك ًّيا‬ ‫ُمضيئا بس ِّر ِه‬ ‫تعل َم َ‬ ‫أن يتفتَّحا‬ ‫فيك الفُ ُّل ْ‬ ‫َ‬ ‫بوجهك‬ ‫ليل‬ ‫على‬ ‫رضيت‬ ‫ُ‬ ‫ٍ‬ ‫شاعر‬ ‫ٍ‬ ‫وآنست فجر ًا‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫عيونك قد صحا‬ ‫من‬ ‫ٌ‬ ‫أنا في الهوى ُحر َّية‪..‬‬ ‫فارس‬ ‫أنتَ‬ ‫ٌ‬ ‫من املاءِ حتى املاءِ‬ ‫تُنشئُ َم ْسرحا‬ ‫َ‬ ‫اخليل‬ ‫سألت‬ ‫وإني‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫قال َصهي ُلها‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫النزال‬ ‫خاض‬ ‫بأنك َمن‬ ‫لير َبحا‬ ‫َ‬ ‫أضمك‬ ‫املنازل‬ ‫تلك‬ ‫في‬ ‫ِ‬ ‫كلما‬ ‫احلياة‬ ‫أبواب‬ ‫تراود‬ ‫ُ‬ ‫ِ‬ ‫َ‬ ‫لتفتحا >‬

‫العدد ‪ - 696‬نوفمبر ‪2016‬‬

‫‪nov 132-133.indd 132‬‬


‫الكويت عاصمة الثقافة اإلسالمية ‪2016‬‬

‫عبلة‬ ‫‪10/12/16 8:52:01 AM‬‬

‫‪133‬‬

‫‪nov 132-133.indd 133‬‬


‫فـن‬

‫أرتميسيــــا‪...‬‬ ‫أول فنانة مشهورة في تاريخ الرسم‬ ‫بندر عبدالحميد‬

‫كاتب من سورية‬

‫يكاد تاريخ الفن في العالم يخلو من أس���ماء الفنانات المعروفات في مجال‬ ‫فن الرسم‪ ،‬قبل القرن السابع عشر‪ ،‬مع أن اإلبداعات النسائية كانت بارزة في‬ ‫فنون الشعر والموسيقى والغناء والرقص والفنون الشعبية في الحضارات‬ ‫القديم���ة‪ ،‬وه���ي فنون ذات صلة باألس���اطير والطقوس الروحي���ة‪ ،‬ومع ازدهار‬ ‫فن الرس���م في عص���ر النهضة ف���ي أوربا عامة‪ ،‬وف���ي المقاطع���ات اإليطالية‬ ‫خاص���ة‪ ،‬على أيدي كبار الفنانين الرواد‪ ،‬من أمثال غيوتو وروفائيل ودافنش���ي‬ ‫وماي���كل أنجلو وجورجيوني‪ ،‬برز تيار الواقعية الدرامية في فن «الباروك» على‬ ‫ي���د الفنان العنيف المضطرب كارافاجيو‪ ،‬الذي ترك تأثيرات واضحة على عدد‬ ‫كبير من الفنانين‪ ،‬مع أنه توفي باكراً بمرض المالريا عام ‪ 1610‬وعمره س���بعة‬ ‫وثالثون عام ًا‪ ،‬وكان قبل ذلك منفي ًا من روما‪ ،‬بعد أن قتل أحد رفاقه في إحدى‬ ‫مشاجراته المتواصلة‪ ،‬وامتدت تلك التأثيرات إلى البلدان األوربية منذ نهايات‬ ‫القرن السادس عش���ر وبدايات القرن السابع عشر‪ ،‬وتسربت انعكاساتها إلى‬ ‫فن العمارة‪ ،‬ولم يكن عمل المرأة في الفن مألوف ًا في تلك الحقبة‪ ،‬فالتيارات‬ ‫الديني���ة المتخلف���ة المتواصلة في القرون الوس���طى كان���ت تقمع العلماء‬ ‫والمفكري���ن والنس���اء بالتكفي���ر والترهيب الذي مارس���ته محاك���م التفتيش‪،‬‬ ‫ومنه���م الفلك���ي والفيلس���وف وعال���م الرياضي���ات والمهن���دس والفيزيائي‬ ‫جاليليو جاليلي ‪ -‬أبو العلم الحديث‪ ،‬كما قال عنه ألبرت أينشتاين‪.‬‬

‫ش������هد النص������ف األول من القرن الس������ابع‬ ‫عش������ر صعود الفنانة األولى في تاريخ الرسم‬ ‫أرمتيسيا غنتليسكي (‪ ،)1653 -1593‬وهي أول‬ ‫امرأة تعترف بها األوس������اط الفنية اإليطالية‪،‬‬ ‫من خالل قبولها في أكادميية الفن والتصميم‬ ‫‪136‬‬

‫‪10/12/16 8:53:51 AM‬‬

‫في فلورنس������ا‪ ،‬ووصف������ت بأنها أفض������ل فنانة‬ ‫ظهرت في عصر الب������اروك‪ ،‬ومنذ ذلك احلني‬ ‫وإلى اليوم ل������م تظهر في إيطاليا فنانة تنافس‬ ‫أرمتيسيا في جتربتها وشهرتها‪ ،‬وقبل أرمتيسيا‬ ‫بقليل ظهرت بعض الفنانات الهاويات اللواتي‬ ‫العدد ‪ - 696‬نوفمبر ‪2016‬‬

‫‪nov 136-139.indd 136‬‬


‫لم تس������مح لهن الظروف بتطوير جتاربهن‪ ،‬ولم‬ ‫يجدن اعتراف������اً من األوس������اط الفنية بأهمية‬ ‫أعمالهن‪ ،‬ومن أبرزهن‪:‬‬ ‫ كاترينا فان هيمس������ن التي عاش������ت في‬‫مدينة أنتوي������رب‪ ،‬التي كانت مرك������زاً للفن في‬ ‫أوربا‪ ،‬وتعلمت الرس������م في مشغل أبيها الفنان‬ ‫يان فان هيمس������ن‪ ،‬ورسمت نفسها في لوحات‬ ‫عدة مختلفة‪.‬‬ ‫ سوفينسبا أنغويسوال‪ ،‬التي دعاها فيليب‬‫الثاني ملك إس������بانيا‪ ،‬وترك������ت لوحات متفرقة‬ ‫ومتوسطة اجلودة‪.‬‬ ‫ الفينيا فونتانا‪ ،‬التي عاشت في منطقة‬‫بولوني������ا اإليطالي������ة‪ ،‬ودعاها إلى روم������ا البابا‬ ‫كليمنت الثامن‪.‬‬ ‫ فيدي غاليزيا‪ ،‬التي عاش������ت في ميالنو‪،‬‬‫وكانت ترسم الطبيعة واملوضوعات التاريخية‪.‬‬

‫البداية الصعبة‬

‫تلقت أرمتيس������يا دروس������ها األولى في الفن‬ ‫مع إخوتها‪ ،‬في مش������غل أبيها الفن������ان أورازيو‬ ‫غنتليس������كي‪ ،‬ف������ي روما‪ ،‬وب������رزت موهبتها في‬ ‫الرس������م منذ البداية الصعبة‪ ،‬وقب������ل أن تتعلم‬ ‫الق������راءة والكتاب������ة‪ ،‬واش������تهرت أعماله������ا في‬ ‫األوساط الفنية حينما كانت في عامها السابع‬ ‫عشر‪ ،‬بعد أن أجنزت رسم النسخة األولى من‬ ‫لوحتها «س������وزانا والرجالن العج������وزان»‪ ،‬التي‬ ‫تش������ير إلى ظاه������رة العنف ل������دى الرجال ضد‬ ‫امل������رأة‪ ،‬مما أث������ار اهتمام أبيه������ا بتدريبها على‬ ‫معاجلة اخلطوط واأللوان‪ ،‬وكان والدها رساماً‬ ‫محترفاً‪ ،‬متأثراً بأس������لوب كارافاجيو الذي كان‬ ‫يعرفه عن قرب‪.‬‬

‫الرحيل إلى فلورنسا‬

‫م������ع أنه متزوج‪ ،‬وكان س������جيناً س������ابقاً ملرتني‪،‬‬ ‫بتهم������ة محاولة قتل زوجت������ه وقضايا أخالقية‬ ‫مختلف������ة‪ ،‬وها هو يعود إلى الس������جن ملدة عام‪،‬‬ ‫بينم������ا تزوج������ت أرمتيس������يا من الفن������ان بيترو‬ ‫ستياتيسي‪ ،‬وانتقلت معه إلى فلورنسا‪ ،‬وتابعت‬ ‫إجناز لوح������ات جديدة‪ ،‬وانضمت إلى أكادميية‬ ‫الفن������ون‪ ،‬وحظي������ت بصداق������ة العالم الش������هير‬ ‫جاليلي������و جاليلي‪ ،‬ال������ذي كان معجباً بأعمالها‪،‬‬ ‫وكانت حريصة على مالحظاته الذكية حولها‪،‬‬ ‫وج������رت بينهم������ا مراس���ل��ات متواصل������ة حتى‬ ‫وفاته ع������ام ‪ ،1642‬وكان جاليل������ي من أعضاء‬ ‫األكادميية‪ ،‬كما حظي������ت برعاية الدوق الكبير‬ ‫ملقاطعة توسكاني‪ ،‬كوزميو دي مديتشي الثاني‪،‬‬ ‫الذي اشترى لوحتها الش������هيرة «جوديت تذبح‬ ‫هولوفيرن������س»‪ ،‬التي اس������توحتها م������ن حكاية‬ ‫قدمية عن القائد البابلي الذي غزا فلس������طني‬ ‫ف������ي طريقه إل������ى مصر‪ ،‬فتس������للت إلى خيمته‬ ‫جوديت ووصيفتها‪ ،‬وكان مستلقياً على فراشه‬ ‫ثم ً‬ ‫ال وغافياً‪ ،‬فتمكنتا من قطع رأس������ه بسرعة‬ ‫وقوة بس������يفني حادين‪ ،‬وحملتا الرأس املقطوع‬ ‫في سلة‪ ،‬وعادتا بصمت‪.‬‬ ‫وعملت أرمتيس������يا وزوجها ف������ي أكادميية‬ ‫الفنون‪ ،‬وفي تزيني دارة آل مديتش������ي برس������وم‬ ‫ورم������وز مبتكرة‪ ،‬وفي عام ‪ 1620‬اش������ترى ملك‬ ‫إس������بانيا فيليب الرابع إح������دى لوحاتها‪ ،‬وبعد‬ ‫وفاة ال������دوق في عام ‪ 1621‬ع������ادت إلى روما‪،‬‬ ‫لتعيش مع ابنتها بامليرا‪ ،‬بعد أن طلقت زوجها‪،‬‬ ‫وزاره������ا الفنان الفرنس������ي بيير دومنس������تييه‪،‬‬ ‫وقدم لها لوحة متثل يدها التي متس������ك بريشة‬ ‫الرسم‪ ،‬وكتب لها‪« :‬إلى أرمتيسيا املرأة النبيلة‬ ‫واحلكيم������ة والراقي������ة من روما»‪ ،‬كما رس������مها‬ ‫الفنان الفرنسي جيروم ديفيد في لوحة بعنوان‬ ‫«الفنانة الشهيرة في روما»‪.‬‬

‫رأى أورازي������و أن ابنت������ه حتت������اج إلى مزيد‬ ‫م������ن التدريب لصق������ل موهبته������ا‪ ،‬فكلف أحد‬ ‫وف������ي ع������ام ‪ 1627‬انتقلت أرمتيس������يا إلى‬ ‫الفنان���ي��ن احملترف���ي��ن الذين يعرفه������م‪ ،‬ويدعى‬ ‫أغوس������تينو تاسي‪ ،‬بهذه املهمة‪ ،‬في عام ‪ ،1612‬فينس������يا‪ ،‬وأقام������ت فيها ثالث س������نوات غنية‬ ‫وتب���ي��ن أن تاس������ي رج������ل محت������ال‪ ،‬متك������ن من بالنش������اط الفني‪ ،‬ووج������دت في ه������ذه املدينة‬ ‫اغتصاب أرمتيس������يا‪ ،‬بعد أن وعدها بالزواج‪ ،‬أعداداً كبيرة من الفنانني اإليطاليني واألجانب‬

‫أضواء فينيسيا‬

‫‪138‬‬

‫‪10/12/16 8:53:58 AM‬‬

‫العدد ‪ - 696‬نوفمبر ‪2016‬‬

‫‪nov 136-139.indd 138‬‬


‫الكويت عاصمة الثقافة اإلسالمية ‪2016‬‬ ‫املعجبني بأعمالها‪ ،‬إلى جانب النبالء املولعني‬ ‫بالف������ن واقتن������اء اللوحات‪ ،‬وتزي���ي��ن قصورهم‬ ‫بأفض������ل الرس������وم املوزع������ة ب���ي��ن اجل������دران‬ ‫والس������قوف‪ ،‬وتش������ير هذه الرحالت املتواصلة‬ ‫بني املدن الكب������رى إلى حاجة أرمتيس������يا إلى‬ ‫مواكب������ة ما هو جديد في حركة الفن‪ ،‬والبحث‬ ‫عن األمان ملواصلة تنويع أعمالها وتس������ويقها‬ ‫لطرد شبح الفقر الذي يعانيه بعض الفنانني‪.‬‬

‫الضوء والظالل‬

‫برع������ت أرمتيس������يا ف������ي مزاوج������ة األلوان‪،‬‬ ‫والس������يطرة على التض������اد احلاد بني األس������ود‬ ‫واألبيض واألل������وان الواضح������ة وتنويعاتها‪ ،‬في‬ ‫نس������يج اللوحة وتفاصيل حركة اجلسد البشري‬ ‫وظالله‪ ،‬وانفعاالت������ه ومتوجاته‪ ،‬كما برعت في‬ ‫رسم تفاصيل حركة التفاف األلبسة وانسدالها‬ ‫وانثنائها حول األجساد برشاقة ودقة متناهيتني‪،‬‬ ‫وأتقنت صوغ أسلوبها اخلاص في تيار الواقعية‬ ‫الدرامية‪ ،‬مبا في ذلك رسم الوجوه التي تشكل‬ ‫في حركاتها الرش������يقة م������رآة تعكس انفعاالت‬ ‫اجلس������د في حاالته املتغي������رة‪ ،‬وكان لها اهتمام‬ ‫واضح ف������ي رس������م املوضوع������ات ذات اخللفية‬ ‫التاريخية‪ ،‬واالجتماعي������ة والدينية‪ ،‬وتلك التي‬ ‫تشير إلى قس������وة الرجل في التعامل مع املرأة‪،‬‬ ‫وهي أول من رس������م كليوباترا في لوحتني‪ ،‬نرى‬ ‫في إحداهما كليوبات������را في حلظاتها األخيرة‪،‬‬ ‫متس������ك برأس حية تلتف ح������ول معصمها‪ ،‬كما‬ ‫رسمت شخصيات نساء من األساطير والتاريخ‪،‬‬ ‫مثل منيرف������ا ربة الفنون واحلكمة‪ ،‬وشمش������ون‬ ‫ودليل������ة‪ ،‬وفينوس النائمة‪ ،‬وس������انتا شيش������يليا‬ ‫تعزف عل������ى العود‪ ،‬ويوحن������ا املعمدان‪ ،‬والحظ‬ ‫عدد من الدارس���ي��ن والنقاد تفوق أرمتيسيا في‬ ‫رسم أجساد النس������اء واألطفال برشاقة نادرة‪،‬‬ ‫كما في لوحاتها عن العذراء والطفل‪ ،‬واملجدلية‬ ‫والطفل‪ ،‬وكانت حريصة على رس������م نس������خ من‬ ‫لوحاتها املبيعة‪ ،‬كما رس������مت نفسها في لوحات‬ ‫عدة مختلفة‪ ،‬ومنها اللوحة التي تبدو فيها وهي‬ ‫تعزف على العود‪.‬‬ ‫ف������ي عام ‪ 1630‬اس������تقرت أرمتيس������يا في‬ ‫أرمتيسيـ ــا‪ ...‬أول فنانة مشهورة في تاريخ الرسم‬ ‫‪10/12/16 8:54:02 AM‬‬

‫نابولي‪ ،‬وواصلت نش������اطها الفني‪ ،‬ورتبت زواج‬ ‫ابنتها بامليرا‪ ،‬ووصلتها دعوة من امللك ش������ارلز‬ ‫لزيارة لندن ع������ام ‪ ،1638‬لتنضم إلى الفنانني‬ ‫الذين يعملون في تزيني القصر امللكي‪ ،‬ومنهم‬ ‫والده������ا الفنان العج������وز أورازي������و‪ ،‬الذي كان‬ ‫يعم������ل في تزيني منزل امللكة هنرييتا ماريا في‬ ‫جريني������ش‪ ،‬وبع������د وفاة والدها ف������ي لندن عام‬ ‫‪ 1638‬عادت إلى نابولي‪ ،‬لتس������تقر فيها‪ ،‬حتى‬ ‫وفاتها في عام ‪ 1653‬تقريباً‪.‬‬ ‫وبعد أن ظلت أرمتيس������يا شبه منسية على‬ ‫مدى أكثر من ثالثة قرون‪ ،‬شهد النصف الثاني‬ ‫من القرن العشرين اهتماماً واسع النطاق بها‪،‬‬ ‫فص������درت عنه������ا مجموعة من الكت������ب بلغات‬ ‫مختلفة‪ ،‬ومنها دراس������ات وروايات ومسرحيات‬ ‫عن حياتها وأعمالها‪ ،‬إلى جانب فيلم سينمائي‬ ‫طويل للمخرج������ة إينيس ميرلي������ه عام ‪،1997‬‬ ‫وأفالم تلفزيوني������ة‪ ،‬ومعارض ألعمالها املوزعة‬ ‫بني املتاح������ف األوربية واألميركي������ة‪ ،‬وفي عام‬ ‫‪ 1915‬نش������ر الناق������د الفن������ي جيس������ي م‪ .‬لوكر‬ ‫كتاباً صدر عن جامعة ييل بعنوان «أرمتيس������يا‬ ‫غنتليسكي‪ ...‬لغة الرسم» >‬ ‫‪139‬‬

‫‪nov 136-139.indd 139‬‬


‫سينما‬

‫فيلم «شحاذون ومعتزون» ألسماء البكري «أنموذج ًا»‬

‫السينما الروائية العربية‬ ‫وأسئلة مجتمع الهامش‬ ‫عبدالقادر حميدة‬

‫يثي���ر فيل���م «ش���حاذون ونب�ل�اء» (‪)1991‬‬ ‫للمخرج���ة المصري���ة أس���ماء البكري‬ ‫(‪ )2015-1945‬عدي���داً م���ن األس���ئلة‬ ‫االجتماعي���ة‪ ،‬المتعلق���ة بمجتم���ع‬ ‫الهام���ش‪ ،‬وذل���ك أنه يحي���ل إلى فئة‬ ‫مس���كوت عنه���ا‪ ،‬عل���ى الرغ���م م���ن‬ ‫لمح إليها قائلين‬ ‫كثافتها‪ ،‬وكثيراً ما نُ ِّ‬ ‫«الجماهي���ر العريض���ة»‪« ،‬الطبق���ة‬ ‫الفقي���رة»‪« ،‬البس���طاء»‪ ،‬إل���ى غيره���ا‬ ‫م���ن كلم���ات وتعبي���رات نقص���د من‬ ‫خالله���ا تلك الفئة التي في كثير من‬ ‫األحيان تصنع ُّ‬ ‫تمثلن���ا للعالم ورؤيتنا‬ ‫له م���ن خالل أحكامها‪ ،‬وبالتالي هي‬ ‫توجهن���ا من خالل كثافته���ا وعددها‪،‬‬ ‫وم���ن هن���ا ف���إن ه���ذا الفيلم يش���كل‬ ‫ناف���ذة يمكنن���ا م���ن خالله���ا إدراك‬ ‫الكيفية الت���ي عالجت بها الس���ينما‬ ‫العربي���ة أس���ئلة الهام���ش‪ ،‬وكي���ف‬ ‫ص���ورت لن���ا عوال���م المهمش���ين‪،‬‬ ‫وكي���ف س���اهمت ف���ي إع���ادة ط���رح‬

‫‪140‬‬

‫‪10/12/16 8:55:33 AM‬‬

‫كاتب من اجلزائر‬

‫أسئلة المسكوت عنه ‪،Le non dit‬‬ ‫والالمفكر فيه ‪ l’inpensable‬بتعبير‬ ‫ميش���ال فوك���و‪ ،‬وذل���ك م���ن خالل‬ ‫لج���وء الس���ينما إل���ى الرواي���ة التي‬ ‫تنتج االس���تفهامات ذاتها‪ ،‬وما هذه‬ ‫الرواي���ة إال أهم تلك الرواي���ات‪ ،‬رواية‬ ‫الت���زال بعيدة عن التن���اول اإلعالمي‬ ‫واألكاديمي المكثف‪.‬‬

‫العدد ‪ - 696‬نوفمبر ‪2016‬‬

‫‪nov 140-147.indd 140‬‬


‫الكويت عاصمة الثقافة اإلسالمية ‪2016‬‬

‫املخرجة أسماء البكري وصالح السعدني‬

‫ال ميكنن�� ��ا أن نكت�� ��ب ع�� ��ن فيلم «ش�� ��حاذون ونبالء»‬ ‫للمخرجة أس�� ��ماء البك�� ��ري‪ ،‬م�� ��ن دون أن نتحدث ‪ -‬ولو‬ ‫باقتضاب ‪ -‬عن كاتب رواية «شحاذون ومعتزون» الروائي‬ ‫املصري ألبير قصيري‪ ،‬ومن دون أن نتحدث عن الرواية‬ ‫نفس�� ��ها‪ ،‬تلك التي أس�� ��رت الكثيرين‪ ،‬بأسلوبها‪ ،‬وصوتها‬ ‫املختلف‪ ،‬وأسرت املخرجة نفسها‪ ،‬فدفعتها إلى إخراجها‬ ‫على ش�� ��كل فيلم عام ‪ ،1991‬فمن هو ألبير قصيري‪ ،‬وما‬ ‫فلسفته‪ ،‬وما فحوى روايته؟‬ ‫ولد ألبير قصيري في القاهرة يوم ‪ 3‬نوفمبر ‪،1913‬‬ ‫متح�� ��دراً م�� ��ن عائلة غنية نس�� ��بياً‪ ،‬ذات أص�� ��ل إغريقي‬ ‫أرثوذوكس�� ��ي م�� ��ن قرية القصي�� ��ر بالق�� ��رب من حمص‬ ‫السورية‪ ،‬واس�� ��تقرت عائلته في القاهرة في نهاية القرن‬ ‫ال� � �ـ ‪ ،19‬لتتخ�� ��ذ لها لقباً جديداً مس�� ��توحى م�� ��ن بلدتها‬ ‫األصل‪ ،‬فأصبحت تسمى عائلة قصيري‪.‬‬ ‫تابع ألبير دراسته في مؤسسات مسيحية بالقاهرة‪،‬‬ ‫ومنذ سن العاشرة شرع في الكتابة‪ ،‬وحينما بلغ ‪ 17‬سنة‬ ‫بدأ في نشر قصص قصيرة في مجالت قاهرية‪.‬‬ ‫في س�� ��نة ‪ 1938‬انض�� ��م ألبير إل�� ��ى مجموعة «الفن‬ ‫واحلرية»‪ ،‬التي كانت أول مجموعة س�� ��وريالية في العالم‬ ‫العربي‪ ،‬بيد أن لقاء قصيري بالكاتب العاملي هنري ميلر‬ ‫كان حاسماً بالنسبة إليه‪ ،‬حيث نشر مجموعته القصصية‬ ‫السينما الروائية العربية وأسئلة مجتمع الهامش‬ ‫‪10/12/16 8:55:36 AM‬‬

‫األولى «الرجال الذين نس�� ��يهم الرب» ع�� ��ام ‪ ،1940‬التي‬ ‫ترجمه�� ��ا ميلر نفس�� ��ه إل�� ��ى اإلجنليزية‪ ،‬مقدم�� ��ا الكاتب‬ ‫كاكتشاف مميز بالنسبة إليه‪ ،‬وإلى القارئ األجنلوفوني‪،‬‬ ‫وقد لعب ألبير كام�� ��و أيضاً دوراً في حياة الكاتب‪ ،‬حيث‬ ‫نصح إدموند ش�� ��ارلو بقراءة هذا الكاتب‪ ،‬لينبهر ش�� ��ارلو‬ ‫ويس�� ��هم في التعريف بألبير‪ ،‬كما أن الصحفية والناشرة‬ ‫جويل لوس�� ��فيلد أع�� ��ادت بعثه من النس�� ��يان مرة أخرى‪،‬‬ ‫بحوار طويل في ثمانينيات القرن املاضي‪ ،‬لتتبعه بإعادة‬ ‫طبع كل أعماله التي هي املجموعة القصصية التي سبق‬ ‫ذكرها‪ ،‬وسبع روايات هي‪:‬‬ ‫«من�� ��زل امل�� ��وت األكي�� ��د» (‪« ،)1942‬كس�� ��الى الغابة‬ ‫املثمرة» (‪« ،)1948‬ش�� ��حاذون ومعتزون» (‪« ،)1955‬العنف‬ ‫والسخرية» (‪« ،)1964‬مؤامرة املشعوذين» (‪« ،)1975‬رغبة‬ ‫في الصحراء» (‪« ،)1990‬ألوان املجاعة» (‪ ،)1999‬وكانت‬ ‫س�� ��نة ‪ 1999‬هي التي قرر فيها قصي�� ��ري أن يتوقف عن‬ ‫الكتابة‪ ،‬ألنه وصل إلى اقتناع مفاده أنه قال كل شيء‪.‬‬ ‫نال قصيري عام ‪ 2005‬جائزة بونس�� ��تون من ش�� ��ركة‬ ‫«ناس األدب» عل�� ��ى مجموع أعماله‪ ،‬وأيضاً على اجلائزة‬ ‫الكب�� ��رى للفرانكفونية‪ ،‬كما مت اقتب�� ��اس فيلم من روايته‬ ‫«ش�� ��حاذون ومعتزون» من قِ بل املخرجة أس�� ��ماء البكري‪،‬‬ ‫وكان م�� ��ن بطول�� ��ة صالح الس�� ��عدني ومحم�� ��ود اجلندي‬ ‫‪141‬‬

‫‪nov 140-147.indd 141‬‬


‫وأحمد آدم وآخرين‪.‬‬ ‫توف�� ��ي ألبير قصيري يوم ‪ 22‬يونيو ‪ ،2008‬في غرفته‬ ‫في نزل «ال لويزيان» في س�� ��انت جرمان دي بري‪ ،‬الغرفة‬ ‫التي اتخذها مسكناً له مدة ستني عاماً‪.‬‬

‫فلسفة قصيري من خالل روايته‬ ‫«شحاذون ومعتزون»‬ ‫يع ّد قصي�� ��ري أحد الكتاب الكب�� ��ار الذين يحترمون‬ ‫الكتاب�� ��ة‪ ،‬فكان ال يكت� � ��ب إال عندما متس� � ��ه حاجة إلى‬ ‫الكتابة‪ ،‬وال يق� � ��ول أكثر مما يحتاج إليه‪ ،‬بطيئاً يرى أن‬ ‫الرواية يج� � ��ب أن تكون بطيئة‪ ،‬وأن تبنى بناء س� � ��ميكاً‬ ‫يقوي� � ��ه الزمن‪ ،‬وإنه بالتالي يضم رأي� � ��ه لرأي القائلني‪:‬‬ ‫إن «ما يدعو إلى الدهش� � ��ة حقاً‪ ،‬أن يذهب الروائي إلى‬ ‫نصه‪ ،‬بعدة قدمية‪ ،‬متجاه ً‬ ‫ال سطوة اآلن‪ ،‬فهو ينظر إلى‬ ‫نفس� � ��ه في املرآة كل يوم‪ ،‬ثم يكتب سيرة أخرى‪ ،‬يتلقى‬ ‫بريده اإللكتروني من قارة أخرى‪ ،‬ويكتفي مبا يشاهده‬ ‫من نافذته املواربة وشارعه الضيق»‪.‬‬ ‫وبالتالي فق� � ��د كان قصيري يعتب� � ��ر روايته «فكراً»‬

‫غالف رواية «شحاذون ومعتزون»‬ ‫‪142‬‬

‫‪10/12/16 8:55:39 AM‬‬

‫ال دخ� � ��ل للخيال في� � ��ه‪ ،‬وكان يحرص عل� � ��ى أن يوصف‬ ‫بالكات� � ��ب ال بالروائ� � ��ي‪ ،‬ألنه رجل يكتب م� � ��ا يفكر فيه‬ ‫فع ً‬ ‫ال‪ ،‬وألنه أيضاً منس� � ��جم مع أفكاره‪ ،‬حيث نس� � ��تطيع‬ ‫أن نتلمس بس� � ��هولة مالمح ألبير قصيري‪ ،‬بني مالمح‬ ‫أستاذ الفلسفة الذي ترك مهمته كمدرس في اجلامعة‬ ‫ليصب� � ��ح متس� � ��والً في ح� � ��ارات القاهرة‪ ،‬ذائباً وس� � ��ط‬ ‫البسطاء‪ ،‬مس� � ��تطعماً س� � ��عادة العيش بينهم‪ ،‬فـ«ألبير»‬ ‫يش� � ��به «جوهر» بطل «ش� � ��حاذون ومعت� � ��زون»‪ ،‬إلى حد‬ ‫كبير‪ ،‬ألن «ألبير» نفس� � ��ه ترك كل عمل‪ ،‬ليتفرغ للعيش‪،‬‬ ‫واالس� � ��تمتاع بدقائق� � ��ه وحلظاته حد النخ� � ��اع‪ ،‬لم يكن‬ ‫يعمل‪ ،‬وكان يعيش م� � ��ن عائدات كتبه‪ ،‬وبعض اللوحات‬ ‫التي يهديها له أصدقاؤه‪ ،‬فيبيعها وقت احلاجة‪.‬‬ ‫من ناحية أخرى‪ ،‬ومبا أن قصيري يرى في الرواية‬ ‫وس� � ��يلته املثلى لتمري� � ��ر أفكاره‪ ،‬فقد جعل من الس� � ��ت‬ ‫«أمينة» امرأة متمردة على الرجل‪ ،‬مديرة بيت مواعيد‪،‬‬ ‫تتحك� � ��م في أه� � ��واء الرج� � ��ال وش� � ��هواتهم‪ ،‬على عكس‬ ‫نظيرتها الس� � ��ت «أمينة» عند جنيب محفوظ‪ ،‬التي هي‬ ‫ام� � ��رأة خاضع� � ��ة‪ ،‬تنفذ بال احتجاج يذكر أوامر «س� � ��ي‬ ‫الس� � ��يد»‪ ،‬ومن هنا فإن قصي� � ��ري أراد أن مينح للمرأة‬ ‫حري� � ��ة ما‪ ،‬ويعطيها دوراً وصوت � � �اً‪ ،‬مثلما أراد أن يحرر‬ ‫«جوهر» من رق الوظيفة ووهم املكانة االجتماعية‪ ،‬وإذا‬ ‫كانت كل رواية «حتكي من خالل حبكتها قصة إبداعها‬ ‫اخلاص‪ /‬قصتها اخلاصة»‪ ،‬فإن روايات ألبير قصيري‬ ‫حتكي قصة واحدة‪ ،‬هي قصة املهمش� �ي��ن‪ ،‬املنس� � ��يني‪،‬‬ ‫الذين ليس لهم صوت مس� � ��موع‪ ،‬والذين يهمس� � ��ون في‬ ‫زوايا احلارات‪ ،‬حتاول كل رواياته أن مت ّد هؤالء بصوت‬ ‫ما‪ ،‬وأن حتكي قصصه� � ��م‪ ،‬وتتنفس أجواءهم‪ ،‬وتتلمس‬ ‫مواط� � ��ن أملهم‪ ،‬بس� � ��خرية أق� � ��رب لألل� � ��م‪ ،‬وبألم أقرب‬ ‫للس� � ��خرية‪ ،‬فكتابة قصي� � ��ري الف ّذة ق� � ��ادرة على ذلك‪،‬‬ ‫وهذا ما أثار دهش� � ��ة كتَّاب كبار مثل هنري ميلر وألبير‬ ‫كامو‪ ،‬والش� � ��يء املدهش حقاً ه� � ��و أن قصيري ال يكتب‬ ‫إال م� � ��ا يؤمن به ويعتقده بل ويعيش� � ��ه‪ ،‬وال ينفصل عن‬ ‫كتابته أبداً‪ ،‬وال يستعجل نتائجها‪ ،‬وال يلهث وراء جائزة‬ ‫أو اعت� � ��راف ما من أحد‪ ،‬يكفي� � ��ه فقط اعتراف احلياة‬ ‫نفسها‪ ،‬ويا له من اعتراف!‬ ‫وخالصة فلس�� ��فة قصيري أن الذي ال ميلك ش�� ��يئاً‬ ‫هو السعيد‪ ،‬ألنه ليس لديه ما يضيعه‪ ،‬أو يفقده فيحزن‬ ‫عليه‪ ،‬فعدم امللكية ه�� ��و احلكمة‪ ،‬لقد كان يكره أن يكون‬ ‫محاطاً باألشياء‪ ،‬ولذا فإنه لم يسع إلى متلّك شيء ما‪ ،‬ال‬ ‫العدد ‪ - 696‬نوفمبر ‪2016‬‬

‫‪nov 140-147.indd 142‬‬


‫الكويت عاصمة الثقافة اإلسالمية ‪2016‬‬

‫مشهد من فيلم «شحاتني ونبالء»‬

‫منزل‪ ،‬وال س�� ��يارة‪ ،‬وال غيرها‪ ،‬لقد عاش في غرفة فندق‬ ‫«ال لويزيان» ستني عاماً‪ ،‬ومات هناك‪ ،‬من دون تركة غير‬ ‫كتبه‪ ،‬ورواياته الرائعة التي تركها لنا‪.‬‬

‫عن أسماء البكري‬

‫ولدت املخرجة أسماء البكري عام ‪ ،1941‬نشأت في‬ ‫أسرة أرستقراطية نوعاً ما‪ ،‬فجدها هو السكاكيني باشا‪،‬‬ ‫حيث عاش�� ��ت في قصره الش�� ��هير‪ ،‬وناضل�� ��ت في الفترة‬ ‫األخي�� ��رة من حياتها من أج�� ��ل أن يتم ترميم هذا القصر‬ ‫الفني الرائع والتاريخي‪ ،‬نضاالً لم يسفر عن شيء سوى‬ ‫إحباط مس�� ��تمر‪ ،‬بعد رفض فيلمه�� ��ا الذي لم تتمكن من‬ ‫إخراجه‪ ،‬وهو ع�� ��ن رواية «خالتي صفي�� ��ة والدير» لبهاء‬ ‫طاهر‪ ،‬تبرز فيه خصوصاً‪ ،‬ذلك التس�� ��امح والتعايش بني‬ ‫املسيحيني واملسلمني‪.‬‬ ‫بدأت مش�� ��وارها الفني عام ‪ ،1973‬بالعمل مساعدة‬ ‫مخرج‪ ،‬وأهم من عملت معهم حينها يوسف شاهني الذي‬ ‫ترك بصمة ما على أعمالها‪ ،‬وكان أول فيلم أخرجته هو‬ ‫الفيل�� ��م القصير «قطرة ماء» ع�� ��ام ‪ ،1979‬بعدها اجتهت‬ ‫البكري إلى إخراج األفالم الطويلة‪ ،‬بتش�� ��جيع من يوسف‬ ‫شاهني نفسه‪ ،‬فأخرجت ثالثية مميزة «شحاذون ونبالء»‬ ‫(‪ )1991‬و«كونش�� ��يرتو درب الس�� ��عادة» (‪ )1998‬و«العنف‬ ‫والسخرية» الفيلمان الطويالن األول واألخير أي الثالث‪،‬‬ ‫السينما الروائية العربية وأسئلة مجتمع الهامش‬ ‫‪10/12/16 8:55:43 AM‬‬

‫مأخوذان ع�� ��ن روايتي «ش�� ��حاذون ومعت�� ��زون» و«العنف‬ ‫والس�� ��خرية» للروائي نفس�� ��ه وهو الراحل ألبير قصيري‬ ‫الذي يلقبه البعض بـ«فولتير النيل»‪.‬‬ ‫أخرجت البكري عدداً من األفالم التسجيلية‪ ،‬منها‪:‬‬ ‫«قطرة ماء»‪ ،‬الذي حصل على ثماني جوائز‪ ،‬و«بورتريه»‬ ‫والفيلمان من إنتاجها اخلاص‪ ،‬أما فيلم «دهشة» فتحقق‬ ‫بدع�� ��م األمريكي�� ��ة ماري دوج�� ��ن ويتحدث ع�� ��ن صناعة‬ ‫املراكب اخلش�� ��بية التي تُوشك على االنقراض في النيل‪،‬‬ ‫فاملراكب املصنوعة من احلديد‪ ،‬والتي تس�� ��ير بـ «اجلاز»‬ ‫حل�� ��ت محلها‪ .‬كم�� ��ا أخرجت أس�� ��ماء للتلفزيون املصري‬ ‫ثالث�� ��ة أفالم‪« :‬الرخ�� ��ام»‪ ،‬عن تاريخ الرخ�� ��ام في مصر‪،‬‬ ‫و«الظاهر»‪ ،‬ثم «الفاطميون»‪.‬‬ ‫ورحل�� ��ت البكري في ه�� ��دوء‪ ،‬س�� ��يج رحيلها صمت‬ ‫مفجع‪ ،‬صم�� ��ت كأنه «العنف والس�� ��خرية»‪ ،‬صمت كبير‪،‬‬ ‫ذلك م�� ��ا نالحظه من خالل فيديو على اليوتيوب يعرض‬ ‫حلظات الدفن في مدفن السادات البكرية‪ ،‬حيث يترجم‬ ‫الغياب التام للمثقف��ي��ن يومها ذلك الصمت وكأنها غربة‬ ‫ثانية‪ ،‬انعزال ثان‪ ،‬إقصاء أخير‪.‬‬

‫الواقع املتعدد‬

‫إن مس�� ��اءلة مجتمع الهامش‪ ،‬ه�� ��ي في أحد أبعادها‬ ‫الفنية العملية «اخلوض عميقاً في الواقع‪ ،‬اختراق قشرة‬ ‫‪143‬‬

‫‪nov 140-147.indd 143‬‬


‫س�� ��طحه اخلادعة غالب� � �اً‪ ،‬للوصول إلى م�� ��ا هو جوهري‬ ‫وأصيل فيه»‪ ،‬وأحياناً ما يقس�� ��م الواقع إلى ثنائية‪ :‬املركز‬ ‫والهام�� ��ش‪ ،‬احلقيق�� ��ة واخليال‪ ،‬وإذا كان�� ��ت زاوية الرؤية‬ ‫ه�� ��ي التي حتدد املرك�� ��ز والهامش‪ ،‬سياس�� ��ياً واجتماعياً‬ ‫واقتصادياً وثقافياً‪ ،‬فإن الثنائية الثانية احلقيقة واخليال‬ ‫ال تبنى فقط على زاوية الرؤية‪ ،‬بل هي خاضعة العتبارات‬ ‫أخرى‪ ،‬يتداخل فيه�� ��ا اخليالي باملخيالي بالرمزي‪ ،‬إذ إن‬ ‫ما نحاول فهمه هو غير مرئي‪ ،‬هو موجود في العالقات‬ ‫ب��ي��ن املرئيات والتفاع�� ��ل بينها‪ ،‬وبالتال�� ��ي فنحن ال نقرأ‬ ‫الواق�� ��ع كما هو‪ ،‬بل كما يبدو لن�� ��ا‪« ،‬ليه هو فيه أكثر من‬ ‫واقع؟» يس�� ��أل الضابط‪ ،‬فيجيبه جوهر‪« :‬أكيد‪ ،‬فيه واقع‬ ‫صنعه الدجل» واألحكام املس� � ��بقة‪ ،‬والهابيتوس ‪Habitus‬‬ ‫بتعبير بيير بورديو‪ ،‬والتمث� � ��ل اجلمعي ‪Représentation‬‬ ‫‪ collectif‬بتعبير إميل دوركامي‪ ،‬وهناك واقع آخر س�� ��ماه‬ ‫جاك بيرك «املعيش اجلمعي» ‪ ،le vécu collectif‬وسماه‬ ‫جوهر في الفيلم تس�� ��مية رائعة ه�� ��ي «واقع مبهج يعكس‬ ‫بساطة احلياة»‪.‬‬ ‫ويبدو لي أنه من املس�� ��تحيل على أي علم اجتماعي‬ ‫أو إنساني أن يقرأ الواقع كما هو ويفهمه كما هو‪ ،‬ألن ما‬ ‫نعتب�� ��ره نتيجة بحث علمي‪ ،‬يظل مجرد وهم قابل للنقض‬ ‫ف�� ��ي أي حلظة‪ ،‬فالواق�� ��ع الفعلي قد يك�� ��ون موجوداً بني‬ ‫األش�� ��ياء املرئية واخلفية‪ ،‬وفي التفاعل بينها‪ .‬أستحضر‬ ‫هنا مقول�� ��ة الروائي الكوبي كابري�� ��را أنفتي ميغال رييرا‬ ‫الذي جزم بأنه ليس بإمكانه التحدث «عن ش�� ��يء اسمه‬ ‫الواق�� ��ع اآلن‪ ،‬الواقع قد حتول ف�� ��ي عديد من املرات إلى‬ ‫شيء آخر‪ ،‬إلى حلم‪ ،‬إلى كابوس»‪ ،‬ومنه فإنه ليس بإمكان‬ ‫أي صرامة منهجية أن تدعي فهمها املطلق للواقع‪ ،‬ومنه‬ ‫أيض� � �اً نعتقد أنه على العلوم االجتماعية أن تغامر لتفهم‬ ‫تلك األشياء اخلفية‪ ،‬وأن تعدد مناهجها في سبيل ذلك‪،‬‬ ‫وأن تن�� ��وع ف�� ��ي إجراءاته�� ��ا‪ ،‬علها تقترب قلي��ل � ً‬ ‫ا من فهم‬ ‫الظاهرة املراد دراستها‪ ،‬واالستفهامات التي يكون ممكناً‬ ‫طرحها‪.‬‬ ‫إذن ف�� ��ي أي منطقة نح�� ��ن اآلن‪ ،‬هل نحن في الواقع‬ ‫أو ف�� ��ي ما يتجلى لنا من الواقع؟ ه�� ��ل نحن في اجلد أم‬ ‫في اللع�� ��ب؟ ويبدو ل�� ��ي أن اللعب‪ ،‬والكس�� ��ل‪ ،‬والهامش‪،‬‬ ‫ثم�� ��رات أجدى من أضداده�� ��ا‪ ،‬وال نبتعد كثيراً عن كتاب‬ ‫للفيلس�� ��وف الهولندي فزينج�� ��ا ‪ Vezinja‬بعنوان «الرجل‬ ‫الذي يلعب» ‪ ،L’homme qui joue‬الذي اعتبر فيه األدب‬ ‫كأحد أشكال اللعب‪ ،‬إنه لعبة اجتماعية بامتياز‪.‬‬ ‫‪144‬‬

‫‪10/12/16 8:55:49 AM‬‬

‫وها هو بيير بورديو ‪ Pierre Bourdieu‬نفس�� ��ه يبني‬ ‫لن�� ��ا أن اش�� ��تغال حقل معني مش�� ��روط بوج�� ��ود رهانات‬ ‫وأش�� ��خاص يلعبون اللعبة‪ ،‬مزودين ف�� ��ي ذلك بالهابتوس‬ ‫‪ Habitus‬ال�� ��ذي يقتضي املعرف�� ��ة واالعتراف بالرهانات‬ ‫وبالقوانني املالزمة للعبة‪ ،‬إلخ‪.‬‬ ‫من هنا فإن هذا اللعب يس�� ��عى إلى اإلرباك‪ ،‬إرباك‬ ‫احلقائق التي تبدو نهائية وخلخلتها‪ ،‬تعرية زوايا املسكوت‬ ‫عن�� ��ه‪ ،‬رمي حجر في بحيرة راكدة‪ ،‬إنه ش�� ��غب الس�� ��ؤال‪،‬‬ ‫ووجوب االستفهام‪« ،‬الس�� ��ؤال كيان مكتمل‪ ،‬واجلواب أيا‬ ‫كان ناقصاً» يق�� ��ول جمال الغيطاني‪ ،‬إننا إذن في منطقة‬ ‫يقني بني شكني‪ ،‬أو شك يتولد عنه شك آخر‪ ،‬إننا نحفر‪،‬‬ ‫نحرك‪ ،‬نزعج‪ ،‬ننبش باحثني عما وراء الظاهر‪ ،‬عما وراء‬ ‫ما يتبدى لنا‪ ،‬إننا نتلصص عليها‪ ،‬أصوات «مكتومة حتت‬ ‫ستار من الصمت الكاذب»‪.‬‬ ‫ومن�� ��ه فقد قررنا بداي�� ��ة‪ ،‬أن نلعب م�� ��ع الواقع لعبة‬ ‫الشك‪ ،‬أن نس�� ��ائل املجتمع العربي بصورة غير مباشرة‪،‬‬ ‫وننزل إلى واقعه احلني الفعلي‪ ،‬الذي لن نستطيع رصده‬ ‫مهما حاولنا‪ ،‬بل أن نلجأ إلى ديوان العصر‪ :‬الرواية‪ ،‬فهي‬ ‫الت�� ��ي بإمكانها أن تقربنا من�� ��ه‪ ،‬ألنها حتكي هذا املجتمع‬ ‫وال حتكيه‪ ،‬ألنها تنطلق من بناء لتهدم وتعيد بناء جديداً‪،‬‬ ‫ألنها الس�� ��ؤال االجتماعي املفتوح الذي علينا أال نهمشه‪،‬‬ ‫أال نقع أسرى للس�� ��طحي وأمامنا الرواية حتاول جاهدة‬ ‫التوغل إلى العمق‪ .‬إن الرواية في مجتمعنا العربي اليوم‬ ‫هي ما ميكنني أن أس�� ��ميه مستعيراً من تعبير عبدالكبير‬ ‫اخلطيبي «الهامش اليقظ» سأسميه تبعاً لذلك بـ«الواقع‬ ‫اليقظ»‪.‬‬ ‫ومنه فإن هذا الواقع اليقظ سيمكننا من قراءة وفهم‬ ‫املمارس�� ��ات التي تبدو للبعض «هامش�� ��ية» و«منحرفة»‪،‬‬ ‫وتساهم في بناء رؤية سليمة وواقعية للمجتمع‪ ،‬معتبرة أن‬ ‫«املجتمع الذي ال يعمل س�� ��وى على اتهام أفعال مواطنيه‪،‬‬ ‫بدالً من فهمها‪ ،‬هو مجتم�� ��ع جامد ومتكلس»‪ .‬ومنه فإن‬ ‫الفن يحاول أن يقول الطقوس‪ ،‬ويرسم املوزاييك الشعبي‬ ‫بلمسة آسرة‪ ،‬وبلغة بسيطة لكنها مرتبة وهادفة‪.‬‬

‫سينما الرواية‪ ...‬سينما التأويل‬ ‫إذا عرفنا ما س� � ��بق‪ ،‬واس� � ��توعبناه ج� � ��از لنا أن‬ ‫نخطو قلي� �ل � ً‬ ‫ا لألمام وبحذر أبس� � ��تمولوجي‪ ،‬يجب‬ ‫أال ننفص� � ��ل عنه أو ينفصل عنا‪ ،‬لنحاول أن نس� � ��رد‬ ‫بعض التعريفات اللغوي� � ��ة واالصطالحية‪ ،‬وهما ال‬ ‫العدد ‪ - 696‬نوفمبر ‪2016‬‬

‫‪nov 140-147.indd 144‬‬


‫الكويت عاصمة الثقافة اإلسالمية ‪2016‬‬

‫الروائي ألبير قصيري‬

‫تنفص� �ل��ان‪ ،‬لكلمة التأويل‪ ،‬وعملي� � ��ة التأويل‪ ،‬وهما‬ ‫ال تنفصالن أيضاً‪ ،‬ذلك أن «اس� � ��تدعاء املمارس� � ��ة‬ ‫التأويلية أمر ضروري‪ ،‬وضرورته نابعة من مالزمته‬ ‫الفكر الرمزي»‪ ،‬كم� � ��ا أن «الضرورة تعني البدء من‬ ‫الوج� � ��ود ال من العدم»‪ ،‬فها هو ابن عربي في كتابه‬ ‫«الفتوح� � ��ات املكية» يجعل م� � ��ن التأويل «عبارة ع ّما‬ ‫ي� � ��ؤول إليه ذلك احلدي� � ��ث الذي ح� � ��دث عنده في‬ ‫خيال� � ��ه (املتلقي)‪ ،‬فهو ينقله من خي� � ��ال إلى خيال‪،‬‬ ‫ألن الس� � ��امع يتخيله على قدر فهم� � ��ه‪ ،‬فقد يطابق‬ ‫اخليا ُل اخليا َل‪ ،‬خيال السامع مع خيال املتكلم‪ ،‬وقد‬ ‫ال يطابق‪ .‬فإذا طابق سمي فهماً عنه وإن لم يطابق‬ ‫فلي� � ��س بفهم» والتأويل عند نصر حامد أبوزيد هو‪:‬‬ ‫«العودة إلى أصل الشيء‪ ،‬سواء كان فع ً‬ ‫ال‪ ،‬أو حديثاً‪،‬‬ ‫وذلك الكتشاف داللته ومغزاه»‪.‬‬ ‫السينما الروائية العربية وأسئلة مجتمع الهامش‬ ‫‪10/12/16 8:55:53 AM‬‬

‫ولك�� ��ي نقترب أكثر م�� ��ن فهم العملي�� ��ة التأويلية‪ ،‬أي‬ ‫م�� ��ن فهم آليات الفهم‪ ،‬علينا أن ننتبه للمكون األساس�� ��ي‬ ‫للتأوي�� ��ل‪ ،‬الذي من دونه تنع�� ��دم العملية برمتها‪ ،‬أال وهو‬ ‫النص «الذي يخبر املتلقي فيثير لديه مجموعة من ردود‬ ‫الفعل التي تعمل على انبثاق معطيات جديدة تسعف في‬ ‫عملية التأويل ومضاعفة الفهم»‪.‬‬ ‫ومن ناحية أخرى فإن عملية الفهم حتيل إلى «عاملية‬ ‫التجربة التأويلية تعني في األساس مجاوزة األورغانون»‬ ‫(اآللة) «املنهجي الصارم الذي ال يؤس�� ��س‪ ،‬بأي شكل من‬ ‫األش�� ��كال‪ ،‬حقيقة العل�� ��وم اإلنس�� ��انية والتاريخية بإقرار‬ ‫حقيقة متجذرة في التصور واملمارسة والتواصل»‪.‬‬ ‫فإذا كان التأويل يرسم آفاقاً للنص تقربه من املعنى‪،‬‬ ‫أو تفتحه على املعاني‪ ،‬فإن�� ��ه أيضاً قراءة متنح تعدداً ما‬ ‫للن�� ��ص‪ ،‬أو حتاول أن توجه تعدده إلى اجتاه ما‪ ،‬ومبا أنه‬ ‫‪145‬‬

‫‪nov 140-147.indd 145‬‬


‫متعدد‪ ،‬فهو ال يس�� ��تمد حياته من «التطابق ووحدة املعنى‬ ‫وحتمي�� ��ة احلضور‪ ،‬وإمنا في تداخل الطبقات وتش�� ��ابك‬ ‫املجازات»‪ ،‬وذلك أن للنص توجهاً ما نحو الواقع‪ ،‬وللواقع‬ ‫رغبة ف�� ��ي التجلي من خالل نص‪ ،‬وكلت�� ��ا العمليتني غير‬ ‫تامة‪ ،‬متتح إحداهما حضورها من األخرى‪ ،‬وبالتالي فإن‬ ‫النصوص مهما تعالت عن واقعها فإنها «ال تس�� ��تغني عن‬ ‫البش�� ��ر في فهمها وتأويلها‪ ،‬أي إنها ال تفصح بذاتها عن‬ ‫معناه�� ��ا وداللتها‪ ،‬وإمنا ينطق بها الرجال كما قال اإلمام‬ ‫عل�� ��ي بن أبي طالب» (])‪ ،‬وبالتالي فإننا ال نبتعد عن‬ ‫الصواب كثيراً إذا أكدنا أن العملية التأويلية مبا هي عملية‬ ‫فهم‪ ،‬فهي في اآلن نفس�� ��ه عملية متحيصية نقدية‪ ،‬تعلو‬ ‫بالفكر اإلنساني‪ ،‬ومتنحه متسعاً من اإلدراك‪ ،‬وتخول له‬ ‫التساؤل والنحت داخل املناطق املعتمة التي قد يضمرها‬ ‫الن�� ��ص‪ ،‬وال يفصح عنها بس�� ��هولة‪ ،‬ومن�� ��ه فإننا نؤكد مع‬ ‫األستاذ علي حرب أن «املهمة األولى لعمل الفكر النقدي‪،‬‬ ‫هي تش�� ��كيل املفاهيم التي تسهم في مقاومة ما يتكشف‬ ‫عن�� ��ه نظام العالم من الفوض�� ��ى والعماء‪ ،‬أو في فضح ما‬ ‫يتستر عليه البش�� ��ر في أقوالهم ومعارفهم وممارساتهم‪،‬‬ ‫على اختالف هوياتهم‪ ،‬من التعمية والزيف‪ ،‬أو من اجلهل‬ ‫والنس�� ��يان‪ ،‬أو من اإلرهاب والطغي�� ��ان»‪ .‬ومنه فإ ّن تع ّدد‬ ‫الق�� ��راءة يحقق إمكان� � �اً داللياً لم يتحقق م�� ��ن قبل‪ ،‬و«كل‬ ‫قراءة هي اكتش�� ��اف جديد‪ ،‬أل ّن كل قراءة تستكشف بعداً‬ ‫مجهوالً من أبعاد النص‪ ،‬أو تكشف النقاط عن طبقة من‬ ‫طبقاته الداللية»‪ ،‬فال حي�� ��اد إذن في القراءة‪ ،‬بل تصبح‬ ‫«كل قراءة لنص م�� ��ن النصوص هي قراءة فيه‪ ،‬أي قراءة‬ ‫فاعلة منتجة‪ ،‬تعيد تش�� ��كيل النص‪ ،‬وإنتاج املعنى‪ ،‬ولهذا‬ ‫نق�� ��ول إ ّن القراءة احلرفية هي خدعة‪ ،‬اللهم إال إذا كانت‬ ‫تعني التكرار األجوف أو الصمت‪ ،‬أي الال قراءة»‪.‬‬ ‫ومن�� ��ه ف�� ��إن العملي�� ��ة التأويلي�� ��ة كما يق�� ��ول محمد‬ ‫مفت�� ��اح‪« :‬لها رهان تريد أن تعززه وتس�� ��نده‪ ،‬أو أن تخلقه‬ ‫وتصطنع�� ��ه اصطناعاً‪ ،‬وللفوز بالرهان البد من االنتصار‬ ‫على املعوقات مهما اختلفت أصنافها وأنواعها‪ ،‬ولتحقيق‬ ‫النص�� ��ر‪ ،‬فإنها تلتج�� ��ئ إلى وضع مب�� ��ادئ وصوغ قوانني‬ ‫لتضبط في ضوئها نفسها وحتاكم خصومها إذا جتاوزوا‬ ‫تلك القوانني وهتكوا حرمتها‪.‬‬ ‫إن التعرض ملفهوم التأويل والتأويلية س�� ��يقود حتماً‬ ‫إلى مفاهي�� ��م مرافق�� ��ة‪ ،‬ال ميكن التغاض�� ��ي عنها‪ ،‬مثل‪:‬‬ ‫السياق ‪ ،Le contexte‬وتعدد األصوات ‪،La Polyphonie‬‬ ‫وذلك أن اس�� ��تدعاء املمارس�� ��ة التأويلي�� ��ة يتطلب االنتباه‬ ‫‪146‬‬

‫‪10/12/16 8:55:58 AM‬‬

‫إلى ذلك‪ ،‬فالنصوص حينما تتأنس�� ��ن تعتريها خصائص‬ ‫األنسنة‪ ،‬ونس�� ��تأنس هنا إلى ما قاله نصر حامد أبوزيد‬ ‫في هذا الصدد حني أش�� ��ار إلى املستوى مرجعاً االنتباه‬ ‫أثناء عملية تأويل النصوص إلى كونها قد تغير مس�� ��توى‬ ‫النظر إليها‪ ،‬ألنها «تأنس�� ��نت» منذ جتس�� ��دت في التاريخ‬ ‫واللغة‪ ،‬وتوجهت مبنطوقها ومدلولها إلى البشر في واقع‬ ‫تاريخ�� ��ي محدد‪ .‬إنها محكومة بجدلي�� ��ة الثبات والتغير‪،‬‬ ‫فالنص�� ��وص ثابتة في «املنط�� ��وق» متحرك�� ��ة متغيرة في‬ ‫«املفهوم»‪.‬‬

‫«شحاذون ونبالء»‪ ...‬صوت مجتمع الهامش‬

‫مب�� ��اذا تعج تلك الهوامش؟ أو ما هو املس�� ��كوت عنه‬ ‫هنا؟ ميكننا أن نش�� ��ير هنا إلى بع�� ��ض صور ذلك الواقع‬ ‫الذي ال يتحدث عن نفسه كثيراً‪ ،‬والذي يحتاج إلى روائي‬ ‫عميق كي يحفر عنه‪ ،‬ويحتاج إلى س�� ��ينمائي مجيد كي ال‬ ‫يخرجه في صوره األكثر ابتذاالً‪ ،‬هنا وفق ألبير قصيري‪،‬‬ ‫ألنه روائي ال يس�� ��عى إلى الش�� ��هرة‪ ،‬وال يدعي‪ ،‬وال يحب‬ ‫الظه�� ��ور‪ ،‬مثله متاماً مثل بطل روايته‪ ،‬أس�� ��تاذ الفلس�� ��فة‬ ‫«جوهر»‪ ،‬وهنا أيضاً وفقت أس�� ��ماء البكري في اختيارها‬ ‫لزوايا املش�� ��اهد‪ ،‬ف�� ��ي الفضاء‪ ،‬في األل�� ��وان‪ ،‬في دقتها‪،‬‬ ‫املش�� ��اهد ال تقول الواقع مباش�� ��رة‪ ،‬بل توحي‪ ،‬وتس�� ��تثير‬ ‫التأويل والقراءة اجلادة‪.‬‬ ‫التأوي�� ��ل هن�� ��ا يحت�� ��اج إلى ُمش�� ��اهد يتفاع�� ��ل فع ً‬ ‫ال‬ ‫مع املش�� ��اهد‪ ،‬ال مجرد ُمش�� ��اهد ف�� ��ارغ‪ ،‬يبحث عن متعة‬ ‫سطحية‪ ،‬وأحداث فارغة‪.‬‬ ‫أه�� ��م النقاط التي ميك�� ��ن من خاللها رس�� ��م صورة‬ ‫«املس�� ��كوت عنه» الذي قالته املخرجة بطريقة «مسكوت‬ ‫عنها»‪ ،‬ويبدو أن كاتب الس�� ��يناريو‪ ،‬الذي لم يكن شخصاً‬ ‫آخر غير الروائي قصيري نفسه‪ ،‬قد فهم فلسفة أسماء‬ ‫البكري مثلما فهمته هي متام� � �اً‪ ،‬فجاءت معاجلة املثلية‬ ‫عن طريق رس�� ��م ش�� ��خصية ضابط الشرطة (عبدالعزيز‬ ‫مخي�� ��ون) بطريق�� ��ة رائع�� ��ة‪ ،‬حيث نلمح غض�� ��ب صديقه‬ ‫«س�� ��مير» منه‪ ،‬كاش�� ��فاً بذلك عن صراع حاد‪ ،‬يصل إلى‬ ‫درجة الفص�� ��ام في ش�� ��خصية الضابط‪ ،‬ه�� ��ذا الفصام‬ ‫الذي قد ينفتح على تأويالت متعددة في عالقة السلطة‬ ‫باملجتمع أو احلاكم باحملكوم‪.‬‬ ‫هذا الفصام الذي اس�� ��تطاع «جوه�� ��ر» تلخيصه في‬ ‫كلمات‪ ،‬حني سأله الضابط قائ ً‬ ‫ال‪:‬‬ ‫«وإيه هي راحة البال»؟‬ ‫العدد ‪ - 696‬نوفمبر ‪2016‬‬

‫‪nov 140-147.indd 146‬‬


‫الكويت عاصمة الثقافة اإلسالمية ‪2016‬‬ ‫فيجيبه جوهر في ثقة‪« :‬اللي انت بتدور عليها»‪.‬‬ ‫هذه احليرة التي نشأت من طبيعة الضابط كإنسان‪،‬‬ ‫ومهنته القاضية بتتبع مجرمني‪ ،‬خدمة لس�� ��لطة هو غير‬ ‫مقتن�� ��ع بها‪ ،‬تكش�� ��فها لقطات عدة م�� ��ن الفيلم‪ ،‬موضحة‬ ‫آلي�� ��ات الهيمنة‪ ،‬ح��ي��ن تبدأ ف�� ��ي التفكك أم�� ��ام األبعاد‬ ‫اإلنس�� ��انية العميقة‪ ،‬هي األسئلة التي طرحها الفيلم في‬ ‫أكث�� ��ر من حلظة من حلظاته‪ ،‬فها ه�� ��و «الكردي» يعترف‬ ‫بأنه ه�� ��و من «أرنبة»‪ ،‬ليس ألنه هو القاتل‪ ،‬بل ألس�� ��باب‬ ‫ع�� ��دة من ضمنه�� ��ا إلى جان�� ��ب أنه «إنس�� ��ان حالم متأثر‬ ‫باألدب الغرب�� ��ي»‪ ،‬كما يصفه «جوهر»‪ ،‬أنه يريد أن يقدم‬ ‫ح ً‬ ‫ال للضابط الذي اس�� ��تبدت به احلي�� ��رة‪ ،‬وذلك بعد أن‬ ‫عرف أن هذا الضابط يستحق الشفقة أيضاً‪ ،‬وتلك هي‬ ‫الس�� ��لطة التي حتيد عن فهم العالقات اإلنس�� ��انية داخل‬ ‫اجلماعة التي تتسلط عليها‪.‬‬ ‫وهكذا نالحظ أن الفيلم‪ ،‬انطلق من مس�� ��ألة مسكوت‬ ‫عنها هي املثلية داخل املجتمع‪ ،‬إلى تفكيك عالقات الهيمنة‬ ‫واخلضوع داخ�� ��ل املجتمع‪ ،‬ومختلف التمظهرات التي تبرز‬ ‫من خاللها احليرة في كل طرف من طرفي املعادلة‪.‬‬ ‫مس� � ��ألة أخرى أراد الفيلم متريرها هي «س� � ��لطة‬ ‫املرأة»‪ ،‬ففي الوقت الذي تظهر فيه املرأة مستضعفة‬ ‫تسعى إلى تطوير مكانتها لتساويها بالرجل‪ ،‬في ذلك‬ ‫املجتمع الش� � ��رقي‪ ،‬وهي الصورة التي كرس� � ��تها «ست‬ ‫أمينة» عند جنيب محفوظ في «الثالثية»‪ ،‬في مقابل‬ ‫صورة «سي السيد» املتسلط‪ ،‬جند أن أسماء البكري‪،‬‬ ‫وم� � ��ن ورائه� � ��ا الروائي قصيري‪ ،‬يقل� � ��ب الطاولة على‬ ‫اجلميع‪ ،‬حني يضع املرأة وباالسم نفسه «ست أمينة»‬ ‫مديرة لبيت املتعة‪ ،‬الذي متارس من خالله س� � ��لطتها‬ ‫على الرجال‪ ،‬إنها تتحكم في مصائر‪ ،‬وتدير ش� � ��ؤوناً‪،‬‬ ‫حينما تنش� � ��ئ عالق� � ��ات مع رواد بيته� � ��ا‪ ،‬الذين فيهم‬ ‫املوظف «احملصل قريب الوزي� � ��ر»‪ ،‬واملخبر «املتخفي‬ ‫على ش� � ��كل تاج� � ��ر محترم»‪ ،‬والك� � ��ردي «املوظف عند‬ ‫احلكومة»‪ ،‬وجوهر «أس� � ��تاذ الفلس� � ��فة املستقيل»‪ ،‬كل‬ ‫هؤالء يدورون في فلك الس� � ��ت أمين� � ��ة‪ ،‬ومن هنا من‬ ‫الطبيع� � ��ي أن تكون بؤرة ح� � ��دث الفيلم «اغتيال البنت‬ ‫أرنب� � ��ة»‪ ،‬الغاني� � ��ة القادمة من «صندوق بريد ش� � ��بني‬ ‫الط� � ��وب»‪ ،‬والت� � ��ي لم تع� � ��رف املدرس� � ��ة «تفتكر يعني‬ ‫املدرس� � ��ة كانت حتوظفني هنا؟»‪ ،‬تك� � ��ون بؤرة الفيلم‬ ‫في بيت «س� � ��ت أمينة»‪ ،‬فاختيار ه� � ��ذا املكان لم يكن‬ ‫اعتباطاً‪ ،‬فجل أحداث الفيلم الرئيسة تدور فيه‪ ،‬هنا‬ ‫السينما الروائية العربية وأسئلة مجتمع الهامش‬ ‫‪10/12/16 8:56:02 AM‬‬

‫بإمكانن� � ��ا أن نلجأ إلى بيير بورديو‪ ،‬لنعمق فهمنا لهذا‬ ‫املكان أكثر من خالل «الرمزيات»‪ ،‬الس� � ��لطة الرمزية‬ ‫‪ Autorité symbolique‬املمثل� � ��ة ف� � ��ي الس� � ��ت أمينة‬ ‫وجوهر‪ ،‬في مواجهة الس� � ��لطة الرس� � ��مية املمثلة في‬ ‫ضابط الشرطة‪.‬‬ ‫ً‬ ‫يحملنا الفيلم أيضا إلى اس�� ��تفهام صريح ومباش�� ��ر‬ ‫حول مفهوم «السعادة»‪ ،‬هل نعيش السعادة حينما نحاط‬ ‫بكل أس�� ��باب الرفاهية واألش�� ��ياء املادية‪ ،‬أم عندما نكون‬ ‫خل�� ��واً من كل ذلك؟ وطبع� � �اً الروائي قصيري ينتصر إلى‬ ‫ال�� ��رأي الثاني‪ ،‬إلى ال جدوى املادة‪ ،‬وال جدوى الكماليات‬ ‫الت�� ��ي تزيد على احلاجة‪ ،‬احلاج�� ��ة التي تكاد تتطابق مع‬ ‫الع�� ��دم‪ ،‬مثلما هي غرفة «جوهر» متاماً‪ ،‬غرفة خالية من‬ ‫فراش للنوم فقد كان يفت�� ��رش الصحف‪ ،‬واملؤثثة مبوقد‬ ‫نار وبضعة «مواعني» إلعداد الشاي وتناول طعام بسيط‪،‬‬ ‫«جوهر» الذي ترك املاديات بحثاً عن سعادة حقيقية بني‬ ‫الشحاذين‪ ،‬والعمال البسطاء‪ ،‬واملجاذيب الذين يتمتعون‬ ‫ب�� ��دفء الش�� ��مس‪ ،‬دون أن يحملوا هماً لش�� ��يء‪ ،‬ذلك هو‬ ‫رأسمال الرمزي ‪ Le capital symbolique‬الذي سيسعى‬ ‫«جوهر» إلى الدفاع عنه‪ ،‬ويس�� ��عى ضابط الش�� ��رطة إلى‬ ‫فهمه من خالل أحداث الفيلم‪ ،‬هذا الضابط الذي ينتهي‬ ‫في األخير إل�� ��ى االقتناع بوجهة نظ�� ��ر «جوهر»‪ ،‬فيترك‬ ‫وظيفته‪ ،‬وميشي حافياً وسط احلفاة‪.‬‬

‫خامتة‬

‫كثيراً ما قرئ فيلم أسماء البكري على أنه دعوة إلى‬ ‫ثورة على السلطة السياسية‪ ،‬لكن يبدو لنا من خالل هذا‬ ‫املق�� ��ال أنه دعوة إلى فهم «مجتمع الهامش» الذي يس�� ��اء‬ ‫فهمه‪ ،‬حينما يتم االقتراب له من َع ٍل‪ ،‬إن فهم اإلنس�� ��ان‬ ‫غاية كل فن‪ ،‬وخلود العمل الفني ليس له ضابط إال مدى‬ ‫اقترابه من سبر غور اإلنسان‪ ،‬فكلما كان العمل إنسانياً‪،‬‬ ‫كان مجيداً‪ ،‬وذل�� ��ك ما باح به يكن في آخر الفيلم‪ ،‬قائ ً‬ ‫ال‬ ‫للضابط‪« :‬اإلنسان هو محور اهتمامنا»‪.‬‬ ‫ولعل ف�� ��ي االقتراب م�� ��ن عوالم الس�� ��ينما الروائية‬ ‫العربية التي جتس�� ��د «مجتمع الهام�� ��ش»‪ ،‬دعوة حقيقية‬ ‫إلى فهم ه�� ��ذا األخير فني� � �اً واجتماعي� � �اً‪ ،‬فيؤدي بذلك‬ ‫الفن الس�� ��ينمائي دوره احلقيقي جتاه املجتمع‪ ،‬ويتفاعل‬ ‫املجتم�� ��ع معه ألنه ملس جوهره‪ ،‬وحرك دواخله‪ ،‬وزرع فيه‬ ‫االس�� ��تفهامات احلقيقية‪ ،‬التي ليست ش�� ��يئاً آخر سوى‬ ‫أسئلة الوجود >‬ ‫‪147‬‬

‫‪nov 140-147.indd 147‬‬


‫فـن‬

‫نصف قرن على رحيله‬

‫محمد القصبجي‪ ...‬المجدد العبقري‬ ‫في الموسيقى العربية‬ ‫حاب‬ ‫إلياس س ّ‬

‫ناقد فني من لبنان‬

‫إن���ه ضل���ع م���ن مجموع���ة‬ ‫تتكون من خمسة من عباقرة‬ ‫الموس���يقى العربي���ة‪ ،‬تولوا‬ ‫إرس���اء قواعد مدرس���ة القرن‬ ‫العش���رين في الموس���يقى‬ ‫العربي���ة خالل النص���ف األول‬ ‫م���ن الق���رن بش���كل خ���اص‪،‬‬ ‫وإن كان العم���ر ق���د امت���د‬ ‫ببعضه���م حت���ى ثمانينيات‬ ‫القرن الماضي (السنباطي)‬ ‫أو تسعينياته (عبدالوهاب)‪.‬‬

‫إنهم حس� � ��ب تسلس� � ��ل تواريخ ميالدهم‪ :‬س� � ��يد‬ ‫دروي� � ��ش (‪ ،)1892‬محمد القصبج� � ��ي (‪ ،)1892‬زكريا‬ ‫أحم� � ��د (‪ ،)1896‬محمد عبدالوه� � ��اب (‪ ،)1898‬رياض‬ ‫السنباطي (‪.)1906‬‬ ‫ومع أن األولني قد ولدا في العام نفس� � ��ه‪ ،‬فقد كان‬ ‫س� � ��يد درويش هو الس � � � َّباق إلى إعالن ثورة مبكرة على‬ ‫تراث القرن التاسع عشر املوسيقي‪ ،‬املرتكز على فلسفة‬ ‫االرجتال ف� � ��ي الغناء‪ ،‬وعلى االكتفاء بفرقة موس� � ��يقية‬ ‫‪148‬‬

‫‪10/12/16 8:56:22 AM‬‬

‫مح� � ��دودة العدد‪ ،‬هي التخت املوس� � ��يقي (عود‪ ،‬وكمان‪،‬‬ ‫وقانون‪ ،‬وناي‪ ،‬ورق)‪ ،‬يقتصر دورها على مرافقة املغني‪،‬‬ ‫وعلى ترديد اللحن من ورائه‪ ،‬الذي يعيد ارجتال اللحن‬ ‫الواحد مرات عديدة‪ ،‬في كل سهرة‪.‬‬ ‫وكان� � ��ت ثورة س� � ��يد درويش معتم� � ��دة على والدة‬ ‫شخصية امللحن‪ ،‬بشكل منفصل عن شخصية املغني‪،‬‬ ‫كما سعى باجتاه اعتماد األوركسترا الكبيرة‪ ،‬وإن كان‬ ‫العمر لم ميتد به حتى يوغل في استخدامها‪ .‬ومع أن‬ ‫العدد ‪ - 696‬نوفمبر ‪2016‬‬

‫‪nov 148-151.indd 148‬‬


‫دروي� � ��ش لم يعش أكثر من ‪ 31‬عاماً (‪،)1923 - 1892‬‬ ‫فإن� � ��ه أجنز ثورته التجديدية م� � ��ن خالل إنتاج ثالثني‬ ‫مس� � ��رحية‪ ،‬وردت فيه� � ��ا كل جتديداته في تأس� � ��يس‬ ‫مدرسة القرن العشرين في املوسيقى العربية‪ ،‬وذلك‬ ‫في غضون سبع سنوات فقط (‪.)1923-1917‬‬ ‫ومع أن محم� � ��د القصبجي (‪ ،)1966 - 1892‬كان‬ ‫قد ب� � ��دأ قبل رحي� � ��ل درويش يلحن بع� � ��ض األغنيات‬ ‫اخلفيفة‪ ،‬لكنه لم يبدأ في تلحني مسرحياته اخلمس‪،‬‬ ‫إال بعد ‪ 3‬سنوات من رحيل درويش‪ ،‬أي في عام ‪،1926‬‬ ‫فلحن «املظلومة» (‪ )1926‬ثم «حرم املفتش» (‪،)1926‬‬ ‫ثم «كيد النس� � ��ا» (‪ ،)1928‬ثم «حياة النفوس» (‪،)1928‬‬ ‫وكلها ملني� � ��رة املهدية‪ ،‬وأخيراً «جنمة الصبح» (‪)1929‬‬ ‫لفرقة جنيب الريحاني‪ .‬وهكذا فقد تأخرت عبقرية‬ ‫محمد القصبجي التلحينية في الظهور‪ ،‬حتى ما بعد‬ ‫رحيل زميله س� � ��يد درويش‪ .‬وق� � ��د ثبت في ما بعد أن‬ ‫هذه العبقرية املوس� � ��يقية لم تنطلق متاماً من عقالها‬ ‫إال بعدم� � ��ا مت اللقاء بني محمد القصبجي وأم كلثوم‪،‬‬ ‫بني ‪ 1927‬و‪.1928‬‬

‫عصر «رق احلبيب»‬

‫قبل ذلك‪ ،‬كان القصبجي قد ساهم بأحلان عادية‪،‬‬ ‫ال يذكر التاريخ منها شيئاً‪ ،‬لعصر كانت سيادة الغناء‬ ‫النس� � ��ائي فيه لكل من فتحية أحمد‪ ،‬ومنيرة املهدية‪،‬‬ ‫اللتني فازتا في عام ‪ 1926‬باملرتبة األولى في مسابقة‬ ‫وزارة األشغال املصرية (املسؤولة عن املسارح يومها)‬ ‫لتحديد أجمل األصوات النسائية في مصر‪.‬‬ ‫وكأن ه� � ��ذه احملطة في عام ‪ ،1926‬كانت األخيرة‬ ‫ف� � ��ي اإلعالن عن غروب عص� � ��ر فتحية أحمد ومنيرة‬ ‫املهدية‪ ،‬وظه� � ��ور عصر جديد‪ ،‬ظل ممتداً حتى يومنا‬ ‫هذا‪ ،‬هو عصر أم كلثوم‪.‬‬ ‫لك� � ��ن الذي لم يس� � ��جله التاري� � ��خ بالوضوح الذي‬ ‫يستحقه حتى يومنا هذا‪ ،‬هو أنه مع أن الشيخ أبوالعال‬ ‫محمد‪ ،‬هو الذي ح َّول أم كلثوم بني ‪ 1923‬و‪ ،1927‬من‬ ‫غناء التواش� � ��يح الدينية إلى غناء القصائد العاطفية‪،‬‬ ‫ف� � ��إن محمد القصبجي هو َمن س� � ��جل له التاريخ أنه‬ ‫صانع ش� � ��خصية ص� � ��وت وأداء أم كلث� � ��وم في العصر‬ ‫اجلديد الذي مثلته‪ ،‬انطالق � � �اً من مونولوج «إن كنت‬ ‫أس� � ��امح وأنسى األس� � ��ية» (‪ )1928‬حتى مونولوج «رق‬ ‫احلبيب» (‪ .)1942‬وإنه بذلك كان سابقاً لظهور تأثير‬ ‫‪150‬‬

‫‪10/12/16 8:56:31 AM‬‬

‫العبقريني اآلخرين‪ :‬زكريا أحمد ورياض السنباطي‪،‬‬ ‫على أداء أم كلثوم‪ ،‬وتاريخها الغنائي‪.‬‬ ‫واحلقيقة أن محمد القصبجي لعب بالتعاون مع‬ ‫أم كلثوم دوراً أوسع من ذلك‪ .‬ففي الوقت الذي كانت‬ ‫أم كلثوم تعيش فيه بت� � ��ردد كبير خطواتها األولى في‬ ‫االنتقال من عصر اإلنش� � ��اد الديني‪ ،‬إلى عصر الغناء‬ ‫الدنيوي‪ ،‬حتتاج إلى فرقة موس� � ��يقية مقتدرة‪ ،‬لم تكن‬ ‫أب� � ��داً بحاجة إليها في عصر اإلنش� � ��اد الديني‪ ،‬فجاء‬ ‫محم� � ��د القصبجي‪ ،‬عازف الع� � ��ود العبقري واملجدد‪،‬‬ ‫ليكون له� � ��ا هذه الفرق� � ��ة املوس� � ��يقية الرائعة‪ ،‬ويظل‬ ‫يترأس� � ��ها ويقودها حتى تقدم به العمر‪ ،‬والحظت أم‬ ‫كلثوم أن ذاكرته املوسيقية بدأت تضعف‪ ،‬فنقلت مهمة‬ ‫قيادة فرقتها املوس� � ��يقية إلى عازف القانون العبقري‬ ‫محمد عبده صالح‪.‬‬

‫أستاذ عبدالوهاب‬

‫وميكن الق� � ��ول إن عبقرية القصبجي املوس� � ��يقية‬ ‫انطلق� � ��ت بكل جم� � ��وح وعظمة‪ ،‬في ص� � ��وغ جتديدات‬ ‫املوس� � ��يقى العربي� � ��ة في عص� � ��ر ما بع� � ��د درويش‪ ،‬من‬ ‫خالل صوت أم كلثوم العبقري‪ ،‬ومبنافس� � ��ة شديدة مع‬ ‫جتدي� � ��دات محمد عبدالوهاب‪ ،‬ال� � ��ذي كان هو اآلخر‬ ‫ق� � ��د افتت� � ��ح العصر اجلدي� � ��د في ع� � ��ام ‪ ،1927‬وجلس‬ ‫على عرش الغناء الرجال� � ��ي‪ .‬لكنه في مجال التجديد‬ ‫املوس� � ��يقي كان يجلس على العرش إلى جانب أستاذه‬ ‫وزميل� � ��ه محمد القصبج� � ��ي‪ .‬واحلقيقة أن العالقة بني‬ ‫هذين العبقريني في مواصلة جتديد املوسيقى العربية‬ ‫بع� � ��د درويش‪ ،‬قد بدأت بدروس العزف على آلة العود‪،‬‬ ‫التي كان القصبجي (عبقري العود وأس� � ��تاذه)‪ ،‬يلقنها‬ ‫لتلميذه في العزف‪ ،‬محمد عبدالوهاب‪.‬‬ ‫لك� � ��ن العبقري� � ��ة املوس� � ��يقية االس� � ��تثنائية لهذين‬ ‫املوسيقيني املجددين‪ ،‬ما لبثت أن فتحت بينهما مجاالً‬ ‫أوس� � ��ع للزمالة املوسيقية‪ ،‬فقد الحظا أنهما يتشاركان‬ ‫في االفتتان بروائع املوس� � ��يقى الكالس� � ��يكية األوربية‪،‬‬ ‫فراح� � ��ا (وفق مذك� � ��رات عبدالوهاب) يعق� � ��دان طوال‬ ‫خمس س� � ��نوات كاملة‪ ،‬جلسات اس� � ��تماع مشترك إلى‬ ‫روائع املوس� � ��يقى الكالس� � ��يكية األوربية‪ ،‬ويحلالن‪ ،‬كل‬ ‫على عوده‪ ،‬األحلان الرئيس� � ��ة واألحل� � ��ان الفرعية في‬ ‫هذه الروائع‪ ،‬وطريقة تشابكها وفقاً لقواعد الهارمونيا‬ ‫والبوليفونيا‪.‬‬ ‫العدد ‪ - 696‬نوفمبر ‪2016‬‬

‫‪nov 148-151.indd 150‬‬


‫الكويت عاصمة الثقافة اإلسالمية ‪2016‬‬ ‫وفي رأيي الش� � ��خصي‪ ،‬فإن هذه اجللسات كانت‬ ‫املسؤول األكبر عن توس� � ��يع آفاق التجديد املوسيقي‬ ‫أمام كل من القصبجي وعبدالوهاب‪.‬‬ ‫لك� � ��ن من املؤكد فإن عبدالوه� � ��اب ظل في مجال‬ ‫التجدي� � ��د املوس� � ��يقي أكثر حرية من زميله وأس� � ��تاذه‬ ‫القصبجي‪ ،‬ألنه كان ينفذ هذه التجديدات بوس� � ��اطة‬ ‫األوركسترا الكبيرة‪ ،‬وصوته الشخصي‪ ،‬أما القصبجي‬ ‫فقد كان مرتبطاً في تنفيذ جتديداته املوسيقية‪ ،‬إلى‬ ‫جانب األوركسترا الكبيرة‪ ،‬بصوت أم كلثوم‪.‬‬ ‫وم� � ��ع عظمة هذا الص� � ��وت‪ ،‬ومع أن� � ��ه لعب على‬ ‫مدار خمسة عش� � ��ر عاماً كاملة‪ ،‬دور املؤدي العبقري‬ ‫للتجديدات املوسيقية العبقرية حملمد القصبجي‪ ،‬إال‬ ‫أن املزاج التقليدي في الغناء لدى أم كلثوم‪ ،‬الذي كان‬ ‫مؤسساً على مرحلة اإلنشاد الديني التي نشأت عليها‬ ‫مطوالً‪ ،‬كان يعاوده� � ��ا بحنني كبير‪ ،‬خاصة في أحلان‬ ‫الشيخ زكريا أحمد‪ ،‬كما في أحلان رياض السنباطي‬ ‫منذ منتصف ثالثينيات القرن املاضي‪.‬‬ ‫وبرأي� � ��ي أن ذروة التجدي� � ��دات املتوازن� � ��ة ب� �ي��ن‬ ‫الطبيعة املقامية للموس� � ��يقى العربية‪ ،‬وتأثراته بفنون‬ ‫املوس� � ��يقى الكالس� � ��يكية األوربية‪ ،‬وصلت إلى ذروتها‬ ‫في مش� � ��اركته مع رياض الس� � ��نباطي بتلحني أغنيات‬ ‫أم كلث� � ��وم في فيلمها الثاني «نش� � ��يد األمل» (‪،)1937‬‬ ‫حيث كان السنباطي في بدايته متأثراً بأستاذه محمد‬ ‫القصبجي‪ ،‬الذي أبدع ألم كلثوم في هذا الفيلم‪ ،‬حلنني‬ ‫من أعظم ما في تـراث التجديد في املوسيقى العربية‬ ‫املعاصرة‪ ،‬هما مونولوج «منيت شبابي»‪ ،‬ومونولوج «يا‬ ‫مجد‪ ،‬ياما اشتهيتك»‪.‬‬

‫الهروب إلى أسمهان‬

‫غير أن شهر العس� � ��ل هذا بني عبقرية القصبجي‬ ‫املوس� � ��يقية‪ ،‬وعبقري� � ��ة أم كلث� � ��وم الغنائي� � ��ة‪ ،‬كان يقف‬ ‫على أبواب مأس� � ��اة تاريخية ف� � ��ي العالقة بني االثنني‪،‬‬ ‫انفجرت م� � ��ع فيلم «عاي� � ��دة» (‪ ،)1942‬الذي جمح فيه‬ ‫تأثر القصبجي بالكالس� � ��يك األوربي‪ ،‬إلى حدود كانت‬ ‫سبباً في الفش� � ��ل اجلماهيري للفيلم‪ ،‬وفي إعراض أم‬ ‫كلث� � ��وم النهائي ع� � ��ن تكليف القصبج� � ��ي بوضع أحلان‬ ‫جديدة لها‪.‬‬ ‫ومب� � ��ا أن القصبجي كان يلمح قبل ذلك‪ ،‬متلمل أم‬ ‫كلثوم من آفاقه التجديدية اجلامحة‪ ،‬فقد كان يلجأ إلى‬ ‫محمد القصبجي‪ ...‬املجدد العبقري في املوسيقى العربية‬ ‫‪10/12/16 8:56:35 AM‬‬

‫أم كلثوم والقصبجي‪ ...‬بني املزاج التقليدي وجموح التجديد‬

‫الهرب ألصوات أخرى‪ ،‬خاصة صوتي أسمهان‪ ،‬وليلى‬ ‫مراد‪ .‬وقد سجل لنا التاريخ لقاءات رائعة بني عبقرية‬ ‫القصبجي التلحينية‪ ،‬وعبقرية أس� � ��مهان الغنائية‪ ،‬في‬ ‫أحلان مث� � ��ل «يا طيور» و«إمتى حتعرف» و«اس� � ��قنيها»‬ ‫وغيره� � ��ا‪ ،‬وحلناً مثل «قلبي دليل� � ��ي» لليلى مراد‪ ،‬وكلها‬ ‫أحلان كان القصبج� � ��ي يعرف أنها ال تتطابق مع مزاج‬ ‫أم كلثوم الغنائي‪.‬‬ ‫لقد وصلت املأساة التاريخية بني أم كلثوم املتمسكة‬ ‫مبزاجها التقلي� � ��دي‪ ،‬والقصبجي املصر على جتديداته‬ ‫اجلامحة‪ ،‬إلى حد حتول فيه العبقري محمد القصبجي‬ ‫من أحد أخطر املجددين في املوسيقى العربية بعد سيد‬ ‫دروي� � ��ش‪ ،‬بجانب محمد عبدالوهاب‪ ،‬إلى مجرد عازف‬ ‫للع� � ��ود في الفرقة املوس� � ��يقية ألم كلثوم‪ ،‬بعد نزع قيادة‬ ‫الفرقة منه‪ .‬وال تفسير لذلك سوى التفسيرات النفسية‬ ‫الت� � ��ي تبحث في العالقة التي كان� � ��ت تربط القصبجي‬ ‫بتلميذته أم كلثوم‪ .‬وفي إحدى حلقات لقاءات تلفزيونية‬ ‫مطولة بني الكاتب سعدالدين وهبة واملوسيقار محمد‬ ‫عبدالوه� � ��اب‪ ،‬ورد ذكر محمد القصبجي في احلديث‪،‬‬ ‫فقال عنه عبدالوهاب باحلرف‪« :‬هذا واحد من أخطر‬ ‫املجددين في تاريخ املوس� � ��يقى العربي� � ��ة‪ ،‬لكن أم كلثوم‬ ‫وضعت له حدوداً» >‬ ‫‪151‬‬

‫‪nov 148-151.indd 151‬‬


‫علوم تكنولوجية‬

‫األجهزة الرقمية‬

‫والتناظرية‬ ‫د‪ .‬ليلى صالح العلي‬

‫كاتبة وأكادميية عراقية مقيمة في اإلمارات‬

‫تحت���ل األجه���زة الرقمي���ة حي���زاً‬ ‫كبي���راً م���ن عال���م ه���ذا‬ ‫الي���وم‪ ،‬فلدين���ا أجه���زة‬ ‫تلفزة رقمية وحواس���يب‬ ‫وموبايالت وموس���يقى‬ ‫وكامي���رات وكت���ب‬ ‫وس���اعات ومحاري���ر‬ ‫‪Thermometer‬رقمية‪،‬‬ ‫وكل م���ا يخطر على بال من‬ ‫أجه���زة أخ���رى‪ .‬وه���ذا الوض���ع‬ ‫الرقم���ي ل���م يك���ن كذل���ك‬ ‫ف���ي س���بعينيات الق���رن الماضي‪،‬‬ ‫فأقص���ى م���ا كان موج���وداً ه���و‬ ‫الس���اعات الرقمية الت���ي ظهرت إلى‬ ‫جان���ب الس���اعات التناظري���ة أو التش���ابهية‬ ‫‪ .Analog‬وكثي���ر م���ن الس���اعات التناظري���ة‬ ‫كانت سويس���رية رائعة الجمال ذات عقارب‬ ‫معدنية تدور بدقة فائقة على تدريج ذي أرقام‬ ‫مختلف���ة التصاميم واأللوان‪ .‬فما الفرق بين‬ ‫األجهزة الرقمية واألجهزة التناظرية؟ وأيهما‬ ‫أداء وأفضل دقة؟‬ ‫أحسن ً‬

‫‪152‬‬

‫‪10/12/16 8:56:56 AM‬‬

‫ساعة يد رقمية فيها برامج‬ ‫موسيقى وقياسات طبية‬ ‫للقلب ترسل وتتسلم رسائل‬

‫العدد ‪ - 696‬نوفمبر ‪2016‬‬

‫‪nov 152-155.indd 152‬‬


‫الكويت عاصمة الثقافة اإلسالمية ‪2016‬‬

‫موجة مستمرة تناظرية (اللون الرمادي) وموجة عينية متقطعة (اللون األحمر) كدالة للزمن‬

‫ص ُع ُب تفس� � ��ير ه� � ��ذه التقنيات عل� � ��ى كثير من‬ ‫يَ ْ‬ ‫الناس‪ .‬ففي حالة الس� � ��اعات التناظرية يفهم الناس‬ ‫أنه� � ��ا تُعل ُن ع� � ��ن الوقت م� � ��ن خ� �ل��ال دوران ذراعني‬ ‫واجهة ُمد َّر ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫جة مُتثل وجه الس� � ��اعة‪.‬‬ ‫(عقربني) على‬ ‫ً‬ ‫وعندما نرى حركة عقرب الس� � ��اعات‪ ،‬مثال‪ ،‬مبقدار‬ ‫ثالثة أرقام س� � ��نعرف أ َّن ثالث س� � ��اعات من الوقت‬ ‫قد مرت‪ .‬هذا شيء س� � ��هل ويبدو بديهياً جداً‪ ،‬لكن‬ ‫األمر ليس كذلك‪ ،‬فحرك� � ��ة العقارب ال متثل الوقت‬ ‫املار‪ .‬فهذا ليس الوقت مبعناه العلمي أو الفلس� � ��في‪،‬‬ ‫إن� � ��ه قياس تش� � ��ابهي أو تناظ� � ��ري ‪ Analogy‬للوقت‪.‬‬ ‫هذا مثل قياس� � ��نا لطول كتاب مث ً‬ ‫ال بوساطة مسطرة‬ ‫ً‬ ‫خش� � ��بية‪ ،‬وهذا القياس ال ميثل الكت� � ��اب طبعا‪ .‬إنه‬ ‫متثي� � ��ل لطول الكتاب أو قياس يناظر طوله‪ .‬هذا هو‬ ‫بالضبط معنى تناظري أو تشابهي‪.‬‬

‫القياسات التناظرية‬

‫كانت جميع القياس� � ��ات التي ج� � ��رت قبل ظهور‬ ‫احلاسبات اإللكترونية وسيطرتها على حياتنا عبارة‬ ‫ع� � ��ن قياس� � ��ات تناظرية‪ .‬فمث ً‬ ‫ال لو كن� � ��ا نريد معرفة‬ ‫مقدار ف� � ��رق اجلهد الكهربائي ف� � ��ي دارة كهربائية‪،‬‬ ‫فس� � ��وف نرب� � ��ط على طرف� � ��ي ال� � ��دارة فولتميتر من‬ ‫النوع املوجود في ذلك احلني ذا نابض حلزوني (أي‬ ‫لولب)‪ ،‬ونالحظ أو نسجل مقدار حركة املؤشر على‬ ‫التدريج الثابت على واجهة الفولتميتر‪ .‬وكلما حترك‬ ‫املؤش� � ��ر مقداراً أكبر عل� � ��ى التدريج كان فرق اجلهد‬ ‫األجهزة الرقمية والتناظرية‬ ‫‪10/12/16 8:57:00 AM‬‬

‫على طرفي الدارة أكبر‪ .‬كذلك عندما تلتقط صورة‬ ‫ملنظر أمامك بوس� � ��اطة كاميرا غي� � ��ر رقمية‪ ،‬أي من‬ ‫النوع الذي يس� � ��تخدم أفالماً فوتوغرافية‪ ،‬فتحصل‬ ‫عل� � ��ى صورة على الفيل� � ��م الفوتوغراف� � ��ي‪ .‬فالصورة‬ ‫املُلتقط� � ��ة عل� � ��ى الفيلم متث� � ��ل التس� � ��جيل التناظري‬ ‫للمنظ� � ��ر احلقيقي امللتقط‪ .‬وبالفكرة نفس� � ��ها يكون‬ ‫الصوت الذي يتم تس� � ��جيله على ش� � ��رائط التسجيل‬ ‫القدمية هو مجموعة من املس� � ��احات املمغنطة على‬ ‫الش� � ��ريط البالس� � ��تيكي‪ ،‬متثل التس� � ��جيل التناظري‬ ‫للصوت احلقيقي الذي س� � ��جلناه‪ .‬وهكذا تعمل بقية‬ ‫أجهزة القي� � ��اس األخرى مث� � ��ل املوازي� � ��ن ومقاييس‬ ‫الضغط واحلرارة والرطوب� � ��ة وأجهزة كثيرة أخرى‪.‬‬ ‫ويس� � ��تعمل اليوم تعبير جهاز «تناظري» للداللة على‬ ‫أ َّن اجلهاز «ليس رقمياً»‪ ،‬أي إ َّن عمل ذلك اجلهاز أو‬ ‫املعلومات التي يعطيه� � ��ا ال تكون رقمية ولم تتعرض‬ ‫ملُعالجَ ات إلكترونية حت ِّول القياس إلى أرقام‪.‬‬

‫التقنيات والقياسات الرقمية‬

‫يختلف أس� � ��اس التقنيات والقياسات الرقمية‬ ‫اختالف � � �اً جذري � � �اً ع� � ��ن التقني� � ��ات والقياس� � ��ات‬ ‫التناظرية‪ .‬فبدالً من استعمال اللولب املغناطيسي‬ ‫ذي املؤشر أو استعمال فيلم فوتوغرافي أو شريط‬ ‫مغناطيس� � ��ي لتمثي� � ��ل القياس‪ ،‬يتم ف� � ��ي التقنيات‬ ‫الرقمية حتويل املعلوم� � ��ات التي نريدها من ذلك‬ ‫القي� � ��اس إلى أرق� � ��ام ثنائي� � ��ة ‪ Binary Digits‬قبل‬ ‫‪153‬‬

‫‪nov 152-155.indd 153‬‬


‫من الكتب الورقية عل� � ��ى كتاب إلكتروني واحد ميكن‬ ‫حمله باليد أو وضعه ف� � ��ي اجليب‪ .‬واملوبايالت مثال‬ ‫آخر على روعة التقنيات الرقمية‪ ،‬فهي ترسل أصوات‬ ‫األشخاص بعد حتويل هذه األصوات إلى أرقام‪ ،‬ومن‬ ‫ثم إرس� � ��ال هذه األرقام إل� � ��ى موبايل آخر يح ّولها إلى‬ ‫أم� � ��واج راديوية فنس� � ��مع ما قال املتح� � ��دث‪ .‬والتمثيل‬ ‫الرقمي يُس � � � ِّهل كثيراً من العمليات‪ ،‬فمث ً‬ ‫ال ميكن بكل‬ ‫س� � ��هولة تأمني س� �ل��امة املكاملات عن طريق تشفيرها‬ ‫قبل إرس� � ��الها‪ ،‬ألنها مجرد أرق� � ��ام ميكن التالعب بها‬ ‫بس� � ��هولة ومن ثم إرجاعها إلى ما كانت عليه بسهولة‬ ‫أيض � � �اً‪ .‬وفي برامج الرس� � ��م احلاس� � ��وبي ‪computer‬‬ ‫‪ graphics‬ميكن حتوير أو حتس� �ي��ن الرسوم والرسوم‬ ‫املتحركة بشكل كبير من خالل التالعب باألرقام التي‬ ‫متثل تلك الرس� � ��وم‪ ،‬وليس بالرس� � ��وم نفس� � ��ها‪ .‬وهذا‬ ‫التالعب غير ممكن نهائياً مع الرسوم الفوتوغرافية‪،‬‬ ‫ألنها قياسات تناظرية‪.‬‬

‫كيفية حتويل اإلشارات التناظرية إلى رقمية‬

‫يبني الرسم العلوي متثي ًال تناظري ًا ملوجة صوتية‪ .‬ويبني الرسم‬ ‫األوسط سرعة قليلة ألخذ القيمة العينية كل ثانية‪ .‬وفي‬ ‫الرسم السفلي متت مضاعفة السرعة ومت القياس كل ½ ثانية‪.‬‬

‫عرضها أو خزنها أو معاجلتها‪.‬‬ ‫وفي العقود األخيرة حتول أغلب األجهزة املعروفة‬ ‫إلى النظام الرقمي‪ ،‬مثل شاش� � ��ات البلورات السائلة‬ ‫واحملاري� � ��ر ومقاييس ضغط الدم واملقاييس املتعددة‬ ‫لقي� � ��اس التيارات واإلجه� � ��ادات الكهربائية واملوازين‬ ‫وغيره� � ��ا الكثير‪ .‬وبص� � ��ورة عامة تكون القياس� � ��ات‬ ‫الرقمية أسرع وأسهل من القياسات التناظرية‪ .‬أما‬ ‫من ناحية الدقة‪ ،‬فذلك يعتمد على طريقة تصنيعها‬ ‫وكيفية قياسها وطريقة عرضها للبيانات‪.‬‬ ‫لنستعرض اآلن بعض األمثلة عن مقارنة التقنيات‬ ‫التناظرية مع التقنيات الرقمية‪ .‬لنبدأ مث ً‬ ‫ال بأشرطة‬ ‫الكاس� � ��يت املغناطيس� � ��ي التي كانت تستعمل لتسجيل‬ ‫األغاني‪ ،‬ولنفترض أننا احتجنا إلى حوالي ‪ 400‬شريط‬ ‫كاسيت لنسجل عليها عدداً معيناً من األغاني‪ ،‬بينما‬ ‫ميكن تخزين املقدار نفسه من األغاني التي احتاجت‬ ‫‪ 400‬كاسيت على مش� � ��غل ‪ MP3 player‬منفرد ميكن‬ ‫حمله في اجليب‪ .‬كذلك جند الش� � ��يء نفسه بالنسبة‬ ‫إلى الكتاب اإللكتروني‪ ،‬حيث ميكن تخزين آالف عدة‬ ‫‪154‬‬

‫‪10/12/16 8:57:05 AM‬‬

‫يس� � ��هل حتويل اإلش� � ��ارات التناظرية‪ ،‬سواء كانت‬ ‫ضوئية أو صوتية أو أي إش� � ��ارة أخرى‪ ،‬إلى إش� � ��ارات‬ ‫رقمية من خالل تقنية تسمى «حتويل تناظري ‪ -‬إلى ‪-‬‬ ‫رقمي ‪ .»analog-to-digital conversion ADC‬وتتم‬ ‫عملية حتويل التناظ� � ��ري إلى رقمي من خالل عملية‬ ‫تس� � ��مى «اختيار العين� � ��ة» أو «التَ ْعيني� � ��ة ‪،»Sampling‬‬ ‫وتعن� � ��ي القياس على فترات أو أبع� � ��اد منتظمة‪ .‬وفي‬ ‫الواقع‪ ،‬تق� � ��وم موبايالتنا بهذه العملية كلما أجرينا أو‬ ‫تسلمنا مكاملة‪ .‬لتوضيح ذلك لنأخذ املثال التالي‪:‬‬ ‫لنفترض أننا تسلمنا مكاملة هاتفية من صديق‪.‬‬ ‫الصوت الذي يصلنا من الصديق عبارة عن موجات‬ ‫صوتية تنتقل خالل اله� � ��واء إلى ميكروفون الهاتف‪،‬‬ ‫فيحول امليكروفون الصوت إلى إش� � ��ارات كهربائية‪.‬‬ ‫واإلش� � ��ارات الصوتية والكهربائي� � ��ة كالهما موجات‬ ‫تتغير كدالة للزمن‪ ،‬وهي معلومات تناظرية وستبدو‬ ‫بش� � ��كل موجة مستمرة غير متقطعة‪ ،‬كما في الرسم‬ ‫العلوي في الشكل املرفق‪ .‬ولنفترض أ َّن سعة املوجة‬ ‫(أقص� � ��ى ارتفاع لقيمة املوجة) كان ‪ 7‬وحدات قياس‬ ‫تقريباً‪ ،‬وأق� � ��ل ارتفاع كان ‪ 1‬تقريباً‪ .‬ومن خالل دارة‬ ‫إلكترونية داخ� � ��ل الهاتف يقتصر عملها على حتويل‬ ‫املوجة التناظرية إلى موجة رقمية‪ ،‬يتم قياس حجم‬ ‫العدد ‪ - 696‬نوفمبر ‪2016‬‬

‫‪nov 152-155.indd 154‬‬


‫الكويت عاصمة الثقافة اإلسالمية ‪2016‬‬

‫الب ْت على اإلشارة التناظرية املستمرة‬ ‫تأثير زيادة سرعة العينة (عدد اخلطوط العمودية) وتأثير عمق ِ‬

‫املوج� � ��ة مرات عدة خ� �ل��ال الثانية الواح� � ��دة ثم يتم‬ ‫تخزي� � ��ن كل قي� � ��اس كرقم ثنائي‪ .‬لنفت� � ��رض أ َّن هذه‬ ‫املوجة املبينة في الرس� � ��م قد اس� � ��تغرقت فترة زمنية‬ ‫مقداره� � ��ا ‪ 9‬ثوان‪ .‬ولو تأملنا الرس� � ��م األوس� � ��ط من‬ ‫الشكل في الصفحة الس� � ��ابقة لوجدنا أ َّن هذه الدارة‬ ‫قاس� � ��ت قيمة س� � ��عة املوجة كل ثانية واحدة‪ ،‬وقد ب َّينا‬ ‫ذلك بش� � ��كل تسعة أعمدة على الرسم‪ .‬بذلك َستَخْ زِ ن‬ ‫هذه الدارة تسع قيم الرتفاعات املوجة‪ ،‬وتُقرأ القيمة‬ ‫دائماً من اليمني إلى اليس� � ��ار ‪5 - 1 - 1 - 3– 3 - 5‬‬ ‫ ‪ . 5 - 7 - 7‬بذلك نكون قد حولنا املوجة التناظرية‬‫إل� � ��ى معلومات رقمية‪ .‬بعدها تُرس� � ��ل هذه األرقام من‬ ‫خالل الهواء بش� � ��كل موجات راديوية إلى هاتف آخر‪.‬‬ ‫وس� � ��يعكس الهاتف املتس� � ��لم لألرقام م� � ��ن خالل دارة‬ ‫مختلفة سير العملية فتحول األرقام إلى موجة صوتية‬ ‫فنتمكن من سماعها‪.‬‬ ‫املش� � ��كلة هن� � ��ا واضح� � ��ة‪ ،‬فنحن فقدن� � ��ا بعض‬ ‫املعلومات بتمثيل املوجة التناظرية بتسع قيم فقط‪.‬‬ ‫لذلك يجب أخذ قيم أكثر من ذلك‪ ،‬أي نزيد من سرعة‬ ‫أخذ العين� � ��ات‪ .‬ولنفترض أننا أخذنا القياس كل ½‬ ‫ثانية‪ ،‬أي ضاعفنا من سرعة «التَ ْعينية ‪.»Sampling‬‬ ‫س� � ��نحصل هنا على ‪ 18‬قياس � � �اً بدالً من ‪-3 -4 :9‬‬ ‫‪. 6 -7 -7 -8 -8 -7 -7 -5 -2 -1 -1 -2 -3‬‬ ‫س� � ��تكون هذه األرقام أفضل من سابقتها في متثيل‬ ‫شكل املوجة التناظرية‪ .‬وهكذا ميكن زيادة السرعة‬ ‫التعيني� � ��ة وأخذ قيم رقمي� � ��ة أكثر‪ ،‬مث ً‬ ‫ال كل ¼ أو ⅛‬ ‫األجهزة الرقمية والتناظرية‬ ‫‪10/12/16 8:57:08 AM‬‬

‫ثاني� � ��ة‪ ،‬فنحصل عل� � ��ى ‪ 36‬أو ‪ 72‬قيمة رقمية لتمثيل‬ ‫املوجة التناظرية التي استغرقت ‪ 9‬ثوان زمنية‪ .‬طبعاً‬ ‫ه� � ��ذه الزيادة في مقدار املعلومات الرقمية س� � ��تعني‬ ‫زيادة في حجم مكان الذاكرة الالزم لتخزينها‪.‬‬ ‫الب ْت ‪Sampling rate and bit rate‬‬ ‫السرعة العينية وسرعة ِ‬

‫ِت أنها كمي� � ��ة املعلومات التي‬ ‫يقصد بس� � ��رعة الب ْ‬ ‫تُلتَقط في أثناء قياس� � ��ات العملية العينية التي حت ِّول‬ ‫املوجة التناظرية إلى رقمية‪ .‬وكلما ازدادت الس� � ��رعة‬ ‫ِت زادت كمية املعلومات امللتقطة‪،‬‬ ‫العينية وس� � ��رعة الب ْ‬ ‫وكان الص� � ��وت الرقم� � ��ي ال� � ��ذي نحص� � ��ل عليه أفضل‬ ‫وأنقى‪ ،‬طبعاً هذا س� � ��يكون مصحوباً بزيادة في س� � ��عة‬ ‫اخلزن وفي الوقت ال� �ل��ازم للتحميل‪ .‬ويجب أن تكون‬ ‫قيم الس� � ��رعة العينية املقبولة للحص� � ��ول على صوت‬ ‫جيد ملوس� � ��يقى األقراص املرن� � ��ة أو ‪ MP3‬أكثر من ‪40‬‬ ‫ألف َع ِّينة في الثانية‪ .‬وس� � ��بب ه� � ��ذه القيمة املرتفعة‬ ‫للقياسات الرقمية املطلوبة هو أن الترددات الصوتية‬ ‫لإلنس� � ��ان تتراوح ب� �ي��ن ‪ 20‬و‪ 20000‬ذبذبة في الثانية‪.‬‬ ‫لذلك يجب أ ْن تكون سرعة أخذ العينات ضعف قيمة‬ ‫أكب� � ��ر تردد في تلك املوجة (وهذا س� � ��بب تقني يعرفه‬ ‫علماء االختص� � ��اص)‪ .‬والقيمة املس� � ��تعملة حالياً هي‬ ‫بحدود ‪ 44‬كيلوهيرتز (أي ‪ 44000‬ذبذبة في الثانية)‪.‬‬ ‫ِت املستعملة في تسجيالت ‪ MP3‬فهي‬ ‫أما س� � ��رعة الب ْ‬ ‫ِت في الثانية)‪ .‬وتوجد قيم‬ ‫‪( kbps 128‬أي ‪ 128000‬ي ْ‬ ‫أعلى من ذلك وتصل إلى ‪> kbps 256‬‬ ‫‪155‬‬

‫‪nov 152-155.indd 155‬‬


‫علوم‬

‫فيزياء الكم‪ ...‬الكون من منظور آخر‬ ‫أحمد الشبلي‬

‫كاتب من املغرب‬

‫ج ��رى االعتق ��اد مدة طويلة ب ��أن النتائج التي حققته ��ا العلوم التجريبية الكالس ��يكية‬ ‫ف ��ي مي ��دان الميكانيكا وعلم الفل ��ك‪ ،‬كفيلة بأن تفس ��ر كل ظواهر الك ��ون‪ ،‬كبيرها‬ ‫وصغيرها‪ .‬غير أن الميكانيكا النيوتونية س ��رعان ما ستستفيق من سباتها الدغمائي‬ ‫بفع ��ل مجموعة من المعضالت التي لم تس ��تطع حلها والمتعلقة أساس� � ًا بالعالم‬ ‫المتناهي في الصغر‪ :‬عالم الذرة وما دون الذرة‪ .‬وبات مؤكداً أن قوانين نيوتن ال تنطبق‬ ‫إال على العالم األعظمي أو الماكروسكوبي (العياني)‪ ،‬أما العالم الميكروسكوبي‬ ‫(الصغري) فال تنطبق عليه تلك القوانين‪ .‬وقد كان هذا إعالن ًا عن ميالد فيزياء الكم مع‬ ‫ُّ‬ ‫ً‬ ‫ماكس بالنك‪ ،‬الفيزياء التي غيرت كثيرا من تصوراتنا عن المادة والكون والحياة‪.‬‬

‫تتبنى الفيزياء الكالس� � ��يكية تص� � ��وراً خاصاً‬ ‫للكون‪ ،‬حيث تس� � ��ود مفاهيم احلتمية‪ ،‬والسببية‪،‬‬ ‫واستقاللية املالحظ‪ ،‬إذ حتول التصور امليكانيكي‬ ‫في القرن السابع عشر إلى منوذج (‪)paradigme‬‬ ‫للتفس� � ��ير‪ ،‬فأصبحت معاييره ومقاييس� � ��ه مبنزلة‬ ‫‪156‬‬

‫‪10/12/16 8:57:27 AM‬‬

‫موجه لكل بحث في الطبيعة‪ ،‬وهكذا تكرس تصور‬ ‫معني للمادة مفاده أنه� � ��ا عاطلة متام العطالة وال‬ ‫أي أس� � ��رار أو كيفيات س� � ��حرية‪.‬‬ ‫تخفي بداخلها ّ‬ ‫وحينما صرح دي� � ��كارت (‪ )1650-1596‬في كتابه‬ ‫«مبادئ الفلس� � ��فة» قائ� �ل � ً‬ ‫ا‪« :‬ال توج� � ��د باألحجار‬ ‫العدد ‪ - 696‬نوفمبر ‪2016‬‬

‫‪nov 156-159.indd 156‬‬


‫الكويت عاصمة الثقافة اإلسالمية ‪2016‬‬ ‫والنبات� � ��ات قوى خفية ومتوارية عنا‪ ،‬كما ال تخفي‬ ‫أس� � ��راراً‪ ،‬كالتج� � ��اذب والتنابذ‪ ،‬فال ش� � ��يء يوجد‬ ‫بالطبيعة إال ويُرد إلى أس� � ��باب جس� � ��مية محضة‪،‬‬ ‫ال دخل ل� �ل��أرواح فيه� � ��ا»‪ ،‬فإن� � ��ه كان بذلك ينوب‬ ‫عن اجلميع وينطق باس� � ��م فلسفة العلم السائدة‪.‬‬ ‫فالفك� � ��رة الواضحة التي ميك� � ��ن أن تكون لنا عن‬ ‫العال� � ��م املادي هي فك� � ��رة االمت� � ��داد ومعها فكرة‬ ‫احلرك� � ��ة‪ ،‬أما ما عداهما م� � ��ن صفات وخصائص‬ ‫يدعيها أنصار‬ ‫س� � ��حرية باطني� � ��ة كتلك الت� � ��ي كان ّ‬ ‫النزع� � ��ة اإلحيائية‪ ،‬فهي جميعه� � ��ا تُ َّرهات باطلة‪.‬‬ ‫من هنا متحور اهتمام علماء الفيزياء حول املادة‪،‬‬ ‫محاولني الكشف عن القوانني املتحكمة فيها‪.‬‬ ‫وتع� � ��د مس� � ��اهمة إس� � ��حاق نيوت� � ��ن م� � ��ن بني‬ ‫املساهمات األساسية التي وضعت لبنات الفيزياء‬ ‫الكالس� � ��يكية‪ ،‬إذ اكتش� � ��ف قوانني احلركة وقانون‬ ‫اجلاذبي� � ��ة‪ .‬فوفق قانونه األول للحركة؛ إذا حترك‬ ‫جس� � ��م ما على خط مس� � ��تقيم فإنه لن يستمر في‬ ‫التحرك على مساره إلى ما ال نهاية‪ ،‬إلى أن تتسلط‬ ‫عليه ق� � ��وة خارجية حتد من حركته أو حترفه عن‬ ‫مساره‪ .‬ووفق قانونه الثاني‪ ،‬فإن كل فعل يقابله رد‬ ‫مساو له في الشدة ومعاكس في االجتاه‪ .‬أما‬ ‫فعل‬ ‫ٍ‬ ‫قانونه في اجلاذبية فمفاده أن األجس� � ��ام جميعها‬ ‫تتب� � ��ادل ما دعاه نيوت� � ��ن بالتأثير عن بعد وفق قوة‬ ‫تثاقل تُفع� � ��ل بينهما‪ .‬وهذه القوة هي التي تش� � ��د‬ ‫التفاح� � ��ة الناضجة نحو األرض‪ ،‬وهي التي حتفظ‬ ‫أيضاً القمر في مداره حول األرض‪ ،‬والكواكب في‬ ‫مساراتها حول الشمس‪.‬‬ ‫ومبعرفتن� � ��ا الوافي� � ��ة لقوان� �ي��ن احلركة‪ ،‬صار‬ ‫بإمكاننا أن نتنبأ مبس� � ��تقبل اجلس� � ��م املتحرك إن‬ ‫توافرت لدينا معطيات عن أحواله البدئية‪ :‬سرعته‬ ‫البدئية واجتاه� � ��ه‪ ...‬وكلما تزودنا مبعطيات أكثر‬ ‫دقة‪ ،‬كانت تنبؤاتنا ملساراته أكثر دقة‪.‬‬ ‫ولك� � ��ي يب� �ي��ن نيوتن ش� � ��مولية القوان� �ي��ن التي‬ ‫وضعها‪ ،‬وإمكان تطبيقها ليس فقط على األجسام‬ ‫األرضية‪ ،‬بل حتى على األجس� � ��ام الس� � ��ماوية‪ ،‬قام‬ ‫بحس� � ��اب حرك� � ��ة القمر وبعض األج� � ��رام األخرى‬ ‫باس� � ��تخدام معادالته في احلركة العادية‪ ،‬ثم قارن‬ ‫األرقام الت� � ��ي توصل إليها باألرقام املتحصلة لدى‬ ‫علماء الفلك‪ ،‬فج� � ��اءت النتائ� � ��ج متطابقة‪ .‬ليلغي‬ ‫فيزياء الكم‪ ...‬الكون من منظور آخر‬ ‫‪10/12/16 8:57:33 AM‬‬

‫بذلك التمييز التقليدي بني األجس� � ��ام الس� � ��ماوية‬ ‫واألجس� � ��ام األرضي� � ��ة‪ ،‬بني عالم الكون والفس� � ��اد‬ ‫وعالم الثبات بلغة أرس� � ��طو؛ وينتهي به األمر إلى‬ ‫توطيد الصلة بني امليكانيكا والديناميكا‪.‬‬ ‫تقودنا هذه الرؤية النيوتونية إلى تصور حتمي‬ ‫جبري للكون‪ ،‬فكل ما جرى ويجري وسوف يجري‪،‬‬ ‫قد مت تقريره‪ ،‬وما الكون إال آلة جبارة تعمل بدقة‬ ‫وفق العوامل األولى الت� � ��ي أطلقت حركتها‪ ،‬ووفق‬ ‫قوان� �ي��ن دقيقة تنطب� � ��ق على األجس� � ��ام األرضية‬ ‫واألجسام السماوية‪ .‬ومن ثم فالكون برمته خاضع‬ ‫حلتمي� � ��ة دقيقة ميكن التنبؤ به� � ��ا‪ ،‬كما أن عمليات‬ ‫القياس الت� � ��ي يجريها العالم عل� � ��ى الظواهر هي‬ ‫عمليات دقيق� � ��ة وموضوعية ال عالقة لها بالذات‬ ‫املجربة التي تقوم بهذه القياسات‪.‬‬ ‫وفقاً لهذه املبادئ كانت الطمأنينة تخيم على‬ ‫املجتمع العلمي‪ ،‬إذ مت االعتقاد بأن القوانني التي‬ ‫وضعه� � ��ا نيوتن س� � ��تكون لها الكلم� � ��ة األخيرة في‬ ‫ح� � ��ل كل املش� � ��كالت التي ميك� � ��ن أن تعترضنا في‬ ‫املستقبل‪ .‬لكن التطورات التي حدثت بينت قصور‬ ‫الفيزياء الكالس� � ��يكية عن تفسير عالم الذرة وما‬ ‫دون الذرة‪ .‬فهي صاحلة لدراسة العالم األعظمي‬ ‫أو املاكروس� � ��كوبي‪ ،‬لكنها تقف عاجزة أمام العالم‬ ‫املتناه� � ��ي في الصغر‪ ،‬أو امليكروس� � ��كوبي‪ ،‬وهو ما‬ ‫أدى إلى ظهور ما يسمى بفيزياء الكم‪.‬‬

‫فيزياء الكم‪ ...‬ثورة ضد املألوف‬

‫فرضت فيزياء الكم نفسها على املجتمع العلمي‬ ‫في بداية القرن العش� � ��رين‪ ،‬كنظري� � ��ة قادرة على‬ ‫اإلجابة عن املش� � ��كالت التي تبني قصور الفيزياء‬ ‫الكالس� � ��يكية في معاجلتها‪ .‬والكم ‪ Quantum‬هو‬ ‫في األص� � ��ل اللغوي اليوناني كمية من ش� � ��يء ما‪،‬‬ ‫ومعناها أن املادة تصدر طاقة متقطعة على شكل‬ ‫حزم‪ ،‬وبالتالي تكون احلركة هنا غير مستمرة‪ ،‬أي‬ ‫إنها قفزات‪ ،‬على عكس مفهوم احلركة النيوتونية‬ ‫التي هي ش� � ��يء متصل في امل� � ��كان‪ .‬إن اإللكترون‬ ‫مثال‪ ،‬وباعتباره جزيئاً متناهياً في الصغر‪ ،‬وبسبب‬ ‫ضآلة حجمه‪ ،‬فهو يتصرف بطريقة غير مألوفة‪.‬‬ ‫إذ الح� � ��ظ نيلز بور أن قوان� �ي��ن احلركة النيوتونية‬ ‫ال تنطب� � ��ق على حركة اإللكت� � ��رون‪ ،‬إذ إنه ال يقطع‬ ‫‪157‬‬

‫‪nov 156-159.indd 157‬‬


‫املس� � ��افة كما هو معهود‪ ،‬بل يقفز داخل الذرة من‬ ‫م� � ��دار إلى آخ� � ��ر بطريقة فجائية‪ ،‬بوس� � ��اطة «كم»‬ ‫متقطع م� � ��ن الطاقة‪ ،‬وبتغييره املدار الذي يس� � ��ير‬ ‫فيه يستطيع أن يغير طاقته ويضبطها على املدار‬ ‫اجلديد‪.‬‬ ‫وحتى نتع� � ��رف على بعض خصائ� � ��ص العالم‬ ‫الكمومي‪ ،‬سنتوقف عند بعض مبادئ فيزياء الكم‪،‬‬ ‫وسنقتصر على‪:‬‬

‫مثنوية جسيم‪ -‬موجي‬

‫ضروريتان رغم تعارضهم� � ��ا من أجل فهم ظاهرة‬ ‫الضوء؛ ألن هاتني اخلاصيتني ليس� � ��تا في الواقع‬ ‫خاصيت� �ي��ن للضوء‪ ،‬بل إنهم� � ��ا خاصيتان لتداخلنا‬ ‫م� � ��ع ظاهرة الضوء‪ .‬فنحن من نس� � ��تطيع أن ندفع‬ ‫الضوء إلى إظهار هذه اخلاصية أو تلك بناء على‬ ‫اختياراتنا املس� � ��بقة‪ .‬ولعل هذا ما حدا بهايزنبرغ‬ ‫‪ Heisenberg‬إلى القول ذات مرة‪« :‬إن ما نرصده‬ ‫لي� � ��س الطبيعة‪ ،‬بل الطبيعة كم� � ��ا تتبدى لطرائقنا‬ ‫في استجوابها»‪.‬‬

‫مل������دة طويلة كان الصراع قائماً بني نظريتني مبدأ االرتياب‬

‫متقابلتني في تفس������ير الضوء‪ :‬النظرية املوجية‬ ‫ملاكس������ويل والنظرية املوجية لنيوتن‪ ،‬ولم يُحسم‬ ‫هذا الصراع إال مع لوي دوبرلي‪ Doberly‬س������نة‬ ‫‪ ،1923‬حني ب���ي��ن أن اجلس������يم واملوجة وجهان‬ ‫لعملة واحدة‪ ،‬مش������يراً إلى أن الضوء له خاصية‬ ‫جسيمية وله خاصية موجية؛ والعالم الكمومي‬ ‫يُخيرن������ا بني معرف������ة واحدة م������ن اخلاصيتني‪.‬‬ ‫واملالحظ املشارك هو الذي يختار الواحدة على‬ ‫حساب فقدان األخرى‪ ،‬أي إن خيارنا الكتشاف‬ ‫خاصية كمومية معينة هو الذي يعمل على خلق‬ ‫هذه اخلاصي������ة في حيز وعي املالحظ‪ .‬وبذلك‬ ‫تطلعنا نظرية الكم على الوحدة الضمنية للكون‬ ‫بإظهاره������ا ع������دم جتزئ������ة العالم إل������ى مكونات‬ ‫متناهي������ة في الصغر تتمتع بوجود مس������تقل عن‬ ‫الكل‪ .‬أما الوعي اإلنساني الذي يراقب الطبيعة‬ ‫ويحاول فهمها بش������كل جتزيئي‪ ،‬فليس إال جزءاً‬ ‫من تلك العالئقية الش������مولية؛ إنه النقطة التي‬ ‫تتمركز عندها أي حادثة وتتخذ معناها‪.‬‬ ‫كما تطلعن� � ��ا فيزياء الكم عل� � ��ى أمر في غاية‬ ‫الغرابة‪ ،‬وهو أننا ال نس� � ��تطيع رصد «ش� � ��يء» في‬ ‫العالم املتناهي في الصغر‪ ،‬من دون أن نعمل بذلك‬ ‫على إحداث تغيير فيه‪ ،‬فاملراقب وموضوع مراقبته‬ ‫يتداخالن‪ .‬وما نحصل عليه من خالل فعل املراقبة‬ ‫ليس معطيات موضوعية عن العالم ما دون الذري‪،‬‬ ‫بل معلومات عن تداخلنا وتفاعلنا مع هذا العالم‪.‬‬ ‫وهذا ما يُدعى بالتكاملية‪ .‬والتكاملية مفهوم طوره‬ ‫نيلز بور من أجل تفسير الطبيعة املزدوجة للضوء‪،‬‬ ‫إذ رأى أن اخلاصية اجلسيمية واخلاصية املوجية‬ ‫‪158‬‬

‫‪10/12/16 8:57:38 AM‬‬

‫إذا كان مبدأ املالحظة والقياس هو أحد أهم‬ ‫املبادئ التي قامت عليها الفيزياء الكالس������يكية‪،‬‬ ‫فإنه في مجال فيزي������اء الكم يتعذر حتقيق هذا‬ ‫املبدأ‪ .‬في عاملنا املاكروسكوبي ميكننا أن نعرف‬ ‫بدقة بالغة متى وأين س������يكون القطار إذا عرفنا‬ ‫السرعة التي س������ينطلق بها من محطة «أ»‪ ،‬لكن‬ ‫من املس������تحيل معرفة املكان الذي س������يكون فيه‬ ‫اإللكت������رون إذا عرفنا س������رعته‪ .‬إذ إن التجارب‬ ‫على اجلس������يمات الدقيق������ة برهنت على عجزنا‬ ‫عن معرفة س������رعة جس������يم ما وموضعه في آن‬ ‫واح������د‪ .‬ففي الوقت الذي نس������تطيع فيه ضبط‬ ‫س������رعة اجلس������يم‪ ،‬فإننا نفقد متام������اً موضعه‪،‬‬ ‫وعندما نستطيع حتديد موضعه نفقد سرعته‪،‬‬ ‫وه������ذا ما يُع������رف مببدأ االرتي������اب الذي وضعه‬ ‫هايزنبرغ‪.‬‬ ‫وبذلك فإنه عكس الفيزياء الكالسيكية‪ ،‬نحن‬ ‫ال نس� � ��تطيع في ميكانيكا الك� � ��م ‪ -‬من حيث املبدأ‬ ‫ أن نع� � ��رف ما يكفي عن الوضع الراهن لعناصر‬‫احلادث� � ��ة الفيزيائية‪ ،‬لنس� � ��تطيع التنبؤ بأوضاعها‬ ‫املستقبلية‪ ،‬حتى ولو توافرت لدينا أفضل معدات‬ ‫القياس‪ .‬هذا الوضع ال ينشأ‪ ،‬كما ميكن أن يتبادر‬ ‫إلى الذهن‪ ،‬عن قصور في تقنيات القياس‪ ،‬بل هو‬ ‫وضع ناجم عن طبيع� � ��ة العالم الكمومي‪ .‬إن عدم‬ ‫قدرتنا على تقرير س� � ��رعة وموضع اجلسيم‪ ،‬يعني‬ ‫أننا ال نستطيع التنبؤ بأحواله املقبلة كما هو األمر‬ ‫مع األجس� � ��ام املتحركة في عاملنا املاكروس� � ��كوبي‪.‬‬ ‫ومن ثم‪ ،‬فإن فيزياء الكم ال تتنبأ بأحداث محددة‪،‬‬ ‫ب� � ��ل باحتماالت وق� � ��وع هذه األحداث‪ .‬وتس� � ��تطيع‬ ‫العدد ‪ - 696‬نوفمبر ‪2016‬‬

‫‪nov 156-159.indd 158‬‬


‫الكويت عاصمة الثقافة اإلسالمية ‪2016‬‬ ‫ميكانيكا الكم حس� � ��اب االحتماالت‬ ‫بالدقة نفسها التي تتمتع بها الفيزياء‬ ‫الكالسيكية في توقع األحداث‪.‬‬

‫مبدأ التراكب‬

‫إن حركة اجلس� � ��يم ف� � ��ي العالم‬ ‫الكمومي ال تتحدد إال بشكل احتمالي‪،‬‬ ‫ولذا فإن الص� � ��ورة االحتمالية هذه‪،‬‬ ‫وفق معادلة ش� � ��رودجنر‪ ،‬تتضمن أن‬ ‫اجلسيم ميكن أن يوجد في أكثر من‬ ‫موضع في آن واحد‪.‬‬ ‫بي شرودجنر أنه إذا كانت‬ ‫وقد نّ‬ ‫الصغري كالذرات وما‬ ‫أشياء العالم ُّ‬ ‫دونها‪ ،‬تتراكب بهذا الشكل الغريب‪ ،‬شكل تخطيطي قط شرودجنر‬ ‫فالبد أن تنهج األشياء املاكروسكوبية‬ ‫النهج ذاته‪ .‬لذلك حاول ش� � ��رودجنر أن يقدم مثاالً الفيزي� � ��اء‪ ،‬تطور معرفتنا بامل� � ��ادة فقط‪ ،‬بل وأيضاً‬ ‫واقعي � � �اً لتوضيح املس� � ��ألة‪ .‬فط� � ��رح جتربة القط إع� � ��ادة النظر في املطلق� � ��ات؛ أي كل ما كان يُنظر‬ ‫املش� � ��هورة؛ وفي تلك التجربة يقتل جهاز ما القط إليه على أنه أولي وضروري‪ ،‬أو مس� � ��لمة ال حاجة‬ ‫املوضوع في صندوق مغل� � ��ق عندما تتحلل ذرة ما إلى التس� � ��اؤل حول صالحيتها‪ .‬إنه� � ��ا إعادة نظر‬ ‫إشعاعياً‪ .‬وألنه عند زمن نصف العمر تكون الذرة ش� � ��ملت األس� � ��س النظرية للفيزياء الكالس� � ��يكية‬ ‫من وجهة نظر فيزي� � ��اء الكم متحللة وغير متحللة وطرحت ضرورة وراهنية اعتبارات نظرية جديدة‬ ‫في الوقت نفسه‪ ،‬فإنه بعد هذا الوقت يكون القط قادرة على أن تستوعب الفكر العلمي اجلديد في‬ ‫جدته ومرونته‪ ،‬وحتى في غرابته‪.‬‬ ‫حياً وميتاً في الوقت نفسه‪.‬‬ ‫ً‬ ‫وقد أصبح اآلن معروفا طبيعة التحوالت التي‬ ‫قط شرودجنر‬ ‫المس� � ��ت مفاهيمنا للمادة واحلي� � ��اة والكون‪ ،‬حيث‬ ‫ً‬ ‫ُ‬ ‫من بني التفسيرات التي قدمت لهذه املسألة‪ ،‬كان يُنظر إلى هذه األش� � ��ياء قدميا على أنها ثابتة‬ ‫جند تفسير مدرسة كوبنهاجن‪ ،‬وهو االجتاه الذي ال تتغير‪ ،‬وأنها خاضعة لقوانني ميكانيكية جامدة‪.‬‬ ‫كونته مناقشات نيلز بور وهايزنبرغ‪ .‬وهذا التفسير لكننا الي� � ��وم على يقني من أن ه� � ��ذه املفاهيم وإن‬ ‫مبني على أس� � ��اس أن املالحظة تُؤدي تلقائياً إلى كانت لم تفقد س� � ��حرها وغموضها‪ ،‬فهي مع ذلك‬ ‫انهيار الدالة املوجية‪ ،‬فيرى املراقب اجلس� � ��يم في ليس� � ��ت منيعة على املعرفة؛ والش� � ��يء األهم أنها‬ ‫حال محددة‪ .‬وهذا التفس� � ��ير يعني أن الواقع في تتطور باستمرار‪.‬‬ ‫ه� � ��ذا التطور الذي ميس امل� � ��ادة والكون يؤدي‬ ‫حد ذات� � ��ه متراكب‪ ،‬وأن القط ف� � ��ي احلقيقة حي‬ ‫وميت في الوقت نفس� � ��ه‪ ،‬وأن مالحظة القط عند حتما إل� � ��ى تطوير تصورنا لذاتن� � ��ا وللعالم‪ .‬بل إن‬ ‫فتح الصندوق هي السبب في حتديد حالته‪ ،‬سواء القضايا امليتافيزيقية الكبرى التي ترس� � ��خت في‬ ‫كان حياً أو ميتاً‪ .‬وبذلك ففي احلالة العادية حتكم تاريخ الفلس� � ��فة منذ اليونان‪ ،‬حول حقيقة الوجود‬ ‫الدالة املوجي� � ��ة (معادلة ش� � ��رودجنر)‪ ،‬وفي حالة واألنا والوع� � ��ي والالوعي‪ ،‬ينبغ� � ��ي أن يتم تناولها‬ ‫املالحظة تصبح حالة اجلس� � ��يم محددة‪ ،‬وتسمى اليوم في ض� � ��وء معطيات الث� � ��ورة الكمومية‪ ،‬هذا‬ ‫إذا اس� � ��تمر وجوده� � ��ا في ظل إرهاص� � ��ات فيزياء‬ ‫بانهيار الدالة املوجية‪.‬‬ ‫لم يكن من نتائج تقدم العلم املعاصر‪ ،‬السيما املستقبل >‬ ‫فيزياء الكم‪ ...‬الكون من منظور آخر‬ ‫‪10/12/16 8:57:43 AM‬‬

‫‪159‬‬

‫‪nov 156-159.indd 159‬‬


‫علوم‬

‫تعريب الكتب العلمية والعسكرية‬ ‫خالل القرن الـ ‪ 19‬في مصر‬ ‫د‪ .‬أبوبكر خالد سعداهلل‬

‫أكادميي من اجلزائر‬

‫نلق���ي في ه���ذا المقال بع���ض الضوء على جه���ود جيل القرن التاس���ع‬ ‫عش���ر في مصر‪ ،‬الرامية إلى نقل الكتب العلمية والعسكرية إلى اللغة‬ ‫ثان‬ ‫العربي���ة‪ ،‬برغم ضع���ف اإلمكانات‪ .‬وهو ما مهد الطري���ق لظهور جيل ٍ‬ ‫واصل المسيرة خالل القرن العشرين في بلدان عربية كثيرة‪.‬‬

‫بعد انقضاء مرحلة س ّميت بعصر االنحطاط ‪ -‬وما‬ ‫هي في الواقع باالنحطاط الكامل ‪ -‬دامت قروناً‪ ,‬دخل‬ ‫القرن التاسع عشر‪ ،‬ومتخض عنه ما متخض من جراء‬ ‫االحتكاك باألوربي� �ي��ن‪ .‬وتواصل التفاع� � ��ل بعد اجتياح‬ ‫االس� � ��تعمار للعال� � ��م العرب� � ��ي‪ ،‬وبوجه خ� � ��اص في مصر‬ ‫والش� � ��ام‪ .‬لقد ب� � ��دأت البعثات الطالبي� � ��ة من مصر إلى‬ ‫أوربا نحو عام ‪ ،1813‬فاجت� � ��ه طالب العلم إلى إيطاليا‬ ‫(الفنون العس� � ��كرية)‪ ،‬ثم فرنس� � ��ا وبريطانيا والنمس� � ��ا‪.‬‬ ‫وتوال� � ��ت البعثات‪ ،‬حيث بلغ عدد الطلب� � ��ة املوفدين إلى‬ ‫أوربا حتى عام ‪ 1847‬نحو ‪ 320‬طالباً‪.‬‬

‫رواد الترجمة العلمية‬

‫خالل تلك الفت� � ��رة كانت مجموعة م� � ��ن الرواد قد‬ ‫انطلقت في الترجمة إلى العربي� � ��ة والتأليف‪ ،‬والقائمة‬ ‫طويلة‪ ،‬وتغطي كل فروع املعرفة العلمية‪.‬‬ ‫ونش� � ��ير إلى أن أحد الرواد وهو محمد بيومي‬ ‫أفن� � ��دي ظل يدرس الرياضي� � ��ات في باريس خالل‬ ‫عشر سنوات بعد أن ِ‬ ‫أرس� � ��ل إليها عام ‪ .1826‬وملا‬ ‫ع� � ��اد إلى مصر كان من أفضل املدرس� �ي��ن‪ ،‬وترجم‬ ‫‪160‬‬

‫‪10/12/16 8:58:07 AM‬‬

‫عديداً م� � ��ن الكتب عن «الفرنس� � ��ية»‪ ،‬منها «اجلبر‬ ‫واملقابلة»‪ ،‬و«ثمرة االكتس� � ��اب في علم احلس� � ��اب»‪،‬‬ ‫و«الهندسة الوصفية»‪ ،‬و«جامع الثمرات في حساب‬ ‫املثلثات»‪.‬‬ ‫وكان رفاع� � ��ة الطهط� � ��اوي من أب� � ��رز رجاالت‬ ‫النهض� � ��ة العلميـــة في مصر خالل القرن التاس� � ��ع‬ ‫عش� � ��ر‪ ،‬وكان طموحه يرمي إل� � ��ى تكوين نخبة من‬ ‫املـــثقــــف� �ي��ن القادرين على ربط الصلة بني الثقافة‬ ‫العربية والثقافة الغربية عبر تعريب أمهات الكتب‬ ‫األجنبية‪.‬‬ ‫وفي هذا الس� � ��ياق افتتح الطهطاوي مؤسس� � ��ة‬ ‫تعليمي� � ��ة بالقاه� � ��رة س� � ��نة ‪ 1835‬تُعنَ� � ��ى بإع� � ��داد‬ ‫املترجمني‪ ،‬س ّميت «مدرسة األلسن» مدة الدراسة‬ ‫فيها تتراوح بني خمس وست سنوات‪.‬‬ ‫ض َّمت املدرس� � ��ة ســـنة ‪ 1973‬إلى جامــــعة‬ ‫وقد ُ‬ ‫عني ش� � ��مس‪ ،‬وصارت تس� � ��مى «كلية األلــــس� � ��ن»‪.‬‬ ‫وكـــــانت مدرسة األلس� � ��ن في وقتها تد ّرس اللغات‬ ‫الفرنس� � ��ية واإلجنليزي� � ��ة واإليطالي� � ��ة والتركي� � ��ة‬ ‫والفارس� � ��ية‪ ،‬إلى جانب الهندسة واجلبر والتاريخ‬ ‫العدد ‪ - 696‬نوفمبر ‪2016‬‬

‫‪nov 160- 162.indd 160‬‬


‫الكويت عاصمة الثقافة اإلسالمية ‪2016‬‬

‫واجلغرافيا والش� � ��ريعة اإلسالمية‪ ،‬فتخرجت فيها‬ ‫أول دفعة سنة ‪.1839‬‬

‫إسهام صالح مجدي‬

‫ممن انتس� � ��بوا إلى هذه املدرسة جند صالح مجدي‬ ‫(‪ .)1881-1827‬دعنا نق� � ��دم نبذة عن حياة هذا الرجل‬ ‫وع� � ��ن نش� � ��اطه العلمي حتى يتض� � ��ح لنا الدف� � ��ع القوي‬ ‫ال� � ��ذي عرفته الترجمة العلمية آن� � ��ذاك في مصر‪ .‬لقد‬ ‫ت� � ��رك صالح مج� � ��دي بصماته في مج� � ��ال ترجمة كتب‬ ‫الرياضيات وغيرها‪ ،‬ونشر في الصحافة وتو ّلى القضاء‬ ‫ف� � ��ي القاهرة‪ .‬تف ّوق مجدي في دراس� � ��ته في مدرس� � ��ة‬ ‫األلس� � ��ن وأجاد «العربي� � ��ة» و«الفرنس� � ��ية»‪ ،‬وتتلمذ على‬ ‫يد علي باش� � ��ا مب� � ��ارك (‪ )1893-1823‬وأخذ منه علوم‬ ‫الهندسة والرياضيات‪.‬‬ ‫وكان الطهطاوي قد أنشأ أيضاً هيئة «قلم الترجمة»‬ ‫سنة ‪ 1842‬لتعريب القوانني الفرنسية وغيرها‪ .‬ولم يكن‬ ‫هناك من املترجمني سوى خريجي مدرسة األلسن‪ .‬وجند‬ ‫على رأس� � ��هم صالح مجدي‪ .‬وبرغم أن مق ّر هذه الهيئة‬ ‫كان يتمث� � ��ل في حجرة واحدة بـ«دي� � ��وان املدارس» الذي‬ ‫تعريب الكتب العلمية والعسكرية خالل القرن الـ ‪ 19‬في مصر‬ ‫‪10/12/16 8:58:12 AM‬‬

‫أسس� � ��ه محمد علي باش� � ��ا عام ‪ ،1837‬فإن ذلك لم يكن‬ ‫عائقاً في إجن� � ��از أعمال جليلة في الترجمة تع ّد مبئات‬ ‫املؤلفات أسهم فيها صالح مجدي أميا إسهام‪ .‬ومن تلك‬ ‫اإلجنازات ترجمة القانون الفرنسي في مجلدات عدة‪.‬‬ ‫وبطبيع� � ��ة احلال فهذه الترجمة لم تكن يس� � ��يرة ملا فيها‬ ‫م� � ��ن عوائق في الربط بني القوانني الفرنس� � ��ية وأحكام‬ ‫الش� � ��ريعة اإلس� �ل��امية‪ ،‬ووجه عنايته إلى مؤلفات متس‬ ‫بوجه خاص الرياضيات والفنون العسكرية‪.‬‬ ‫وإذا نظرن� � ��ا إلى بعض تفاصيل إس� � ��هام مجدي في‬ ‫مج� � ��ال الترجمة‪ ،‬فإننا نالحظ أن� � ��ه قد غطى مواضيع‬ ‫كثي� � ��رة ومتن ّوعة‪ .‬وكان يبذل اجلهد ف� � ��ي تقريب املعنى‬ ‫للقارئ حتى ببعض اإلضافات‪ .‬ومن املعلوم أن مؤسسة‬ ‫«قل� � ��م الترجمة» قد ُش� � ��كلت من ثالثة أقس� � ��ام‪ :‬قس� � ��م‬ ‫ترجم� � ��ة الرياضيات‪ ،‬وقس� � ��م ترجمة الطبيات‪ ،‬وقس� � ��م‬ ‫ترجم� � ��ة التاريخ واألدبيات‪ .‬ف� � ��كان صالح مجدي وكيل‬ ‫قسم الرياضيات‪ ،‬وش� � ��رع هناك بترجمة كتاب «جداول‬ ‫املهندس� �ي��ن» وكتاب «تطبيق الهندس� � ��ة عل� � ��ى امليكانيكا‬ ‫والفنون املستظرفة»‪.‬‬ ‫ً‬ ‫كما ترجم كتاباً في حف�� ��ر اآلبار ومؤلفا في األرصاد‬ ‫‪161‬‬

‫‪nov 160- 162.indd 161‬‬


‫الفلكي�� ��ة‪ .‬وعندم�� ��ا انتقل إل�� ��ى كلية املهندس��ي��ن املعروفة‬ ‫باس�� ��م «املهندس�� ��خانة» ترجم كتباً عديدة في الرياضيات‬ ‫(احلس�� ��اب‪ ،‬اجلبر‪ ،‬تطبيق اجلبر في األعمال الهندسية‪،‬‬ ‫حس�� ��اب املثلثات)‪ .‬كم�� ��ا ع ّرب كتاباً ف�� ��ي وصف األحجار‬ ‫واألخشاب‪ ،‬وهي كلها كتب مطبوعة‪ .‬وظلت هذه املؤلفات‬ ‫متداولة في امل�� ��دارس واملؤسس�� ��ات التعليمية مدة طويلة‬ ‫حتى بعد وفاته‪ .‬وكان مجدي يقوم خالل عش�� ��ر س�� ��نوات‬ ‫في «املهندسخانة» بوظيفتي التدريس والترجمة وتصحيح‬ ‫املنش�� ��ورات املختلفة‪ .‬وعندما حت� � � ّول عام ‪ 1855‬إلى هيئة‬ ‫«آالي املهندس��ي��ن» (آالي تعني بالتركية لواء املشاة) أصبح‬ ‫يترجم ويصحح املؤلفات العس�� ��كرية‪ .‬ومن بني الكتب التي‬ ‫ترجمها خ��ل��ال هذه الفت�� ��رة كتاب «املطال�� ��ب املنيفة في‬ ‫االس�� ��تحكامات اخلفيفة»‪ ،‬وهي تعني «تهيئة مؤقتة لقطعة‬ ‫من األرض يقيم بها اجلند ملواجهة العدو»‪ ،‬وكتاب «طوالع‬ ‫الزهر املنيرات في استكش�� ��اف الترع والنهيرات»‪ ،‬وكتاب‬ ‫«ميادين احلصون والق��ل��اع ورمي القنابر باليد واملقالع»‪،‬‬ ‫(ولفظ قنابر يقصد به هنا القنابل)‪ ،‬وكتاب «استكشافات‬ ‫عمومية»‪ .‬كما ع ّرب كتاب «استحكامات قوية» (أي دائمة)‪.‬‬ ‫وكانت هذه الكتب مبرمجة في مناهج التدريس العسكري‪،‬‬ ‫ومت تداولها بني الضباط املهندسني‪.‬‬ ‫وعندما انتقل مجدي من هيئة «آالي املهندسني» إلى‬ ‫«مأمورية أشغال الطوابي» بالقلعة في القاهرة‪ ،‬ظل مكلفاً‬ ‫بترجمة الكتب العسكرية‪ .‬وفي هذه الفترة ربطت مجدي‬ ‫عالقة وطيدة مع علي باشا مبارك حني كان األخير قائماً‬ ‫على تدريس اجلنود ومنهم ًكا في تأليف كتاب في الهندسة‬ ‫وفروع الرياضيات سماه «تقريب الهندسة»‪ ،‬وحينها تعاون‬ ‫مع مجدي في حتريره وتنقيحه‪ ،‬ونال الكتاب شهرة واسعة‬ ‫لدى املعنيني من الطلبة واملدرسني‪ .‬وقد وصل عدد الكتب‬ ‫املترجمة واملؤلفة من قبل صالح مجدي إلى ‪ 65‬مؤلفاً!‬

‫إسهام محمود باشا الفلكي‬

‫ملزي�� ��د م�� ��ن الضوء على تل�� ��ك احلقبة نتع�� ��رف أيضاً‬ ‫إل�� ��ى رجل ذائ�� ��ع الصي�� ��ت‪ ،‬وهو محم�� ��ود باش�� ��ا الفلكي‬ ‫(‪ ،)1885-1815‬الذي انتقل من مس�� ��قط رأس�� ��ه (دمنهور‬ ‫ف�� ��ي مصر) إلى القاهرة س�� ��نة ‪ ،1834‬وذلك ليدرس بكلية‬ ‫«املهندسخانة» التي تخرج فيها سنة ‪ 1839‬برتبة مالزم‪.‬‬ ‫وكانت هذه املؤسس�� ��ة قد أعيد تنظيمها على منوال الكلية‬ ‫املتعددة التقنيات ‪ Polytechnique‬الباريسية الشهيرة‪.‬‬ ‫وقد عينّ الفلكي أستاذاً مساعداً في مادة الرياضيات‬ ‫‪162‬‬

‫‪10/12/16 8:58:16 AM‬‬

‫باملدرسة نفسها‪ ،‬فد ّرس اجلبر‪ ،‬وحساب املثلثات‪ ،‬والهندسة‬ ‫التحليلية‪ ،‬وحس�� ��اب التفاضل والتكامل‪ .‬وباملوازاة مع ذلك‬ ‫تعلّم اللغة الفرنسية فترجم إلى «العربية» كتاباً في التحليل‬ ‫الرياضي‪ ،‬وهو كتاب للمؤلف الفرنس�� ��ي جان لوي بوشارال‬ ‫‪ .Boucharlat‬والواقع أن عمل الفلكي لم يقتصر هنا على‬ ‫ترجمة الكتاب املذكور‪ ،‬بل قام بتبسيط بعض مصطلحاته‬ ‫ومفاهيمه التي رأى أنها قد تس�� ��تعصي على الطالب‪ .‬كما‬ ‫أضاف إليها جزءاً م�� ��ن مبادئ علمي امليكانيكا والفيزياء‪.‬‬ ‫كان الفلك�� ��ي يقوم بعملي�� ��ات رصدية ف�� ��ي «الرصدخانة»‬ ‫حلرك�� ��ة النجوم والكواكب وقياس املغناطيس�� ��ية األرضية‪،‬‬ ‫حتى وجد نفسه مولعاً بعلم الفلك‪ ،‬وصار املوضوع الثاني‬ ‫الذي يشغل باله بعد الرياضيات‪ .‬وملا ُر ّقي عام ‪ 1842‬إلى‬ ‫رتبة «الصاغقول أغاسي» (النقيب) صار يد ّرس علم الفلك‬ ‫ابتداء من ذلك العام إلى جانب تدريسه الرياضيات‪.‬‬ ‫كل ذلك النش� � ��اط ف� � ��ي موضوع الترجم� � ��ة العلمية‬ ‫والعس� � ��كرية كان قبل نهاية القرن التاسع عشر! ومن ث ّم‬ ‫يتبينّ أن االعتقاد الس� � ��ائد في ذلك الوقت بني الساسة‬ ‫ورجال الفكر هو أن التقدم العلمي ال يتأتّى إال عبر نقل‬ ‫مختلف العلوم املعاصرة إلى «العربية»‪ .‬فجاء اهتمامهم‬ ‫ببع� � ��ث الترجم� � ��ة ونقل العلوم من لغ� � ��ات الغرب‪ ،‬خاصة‬ ‫اللغة الفرنس� � ��ية‪ .‬وفي هذا الس� � ��ياق كانوا يرون وجوب‬ ‫التدري� � ��س باللغة العربية‪ ،‬ما أدى إلى إنش� � ��اء عديد من‬ ‫املعاهد واملدارس والكليات في مصر وبالد الشام‪ .‬وكان‬ ‫من املفترض أن تلقى الدروس بـ «العربية»‪ ،‬لكن األساتذة‬ ‫الفرنسيني لم يكن لهم مستوى في «لغة الضاد» ميكنهم‬ ‫من إلقاء دروس� � ��هم بها فأُت� � ��ي مبترجمني كانوا يرافقون‬ ‫هؤالء األس� � ��اتذة في الفصل‪ .‬وهك� � ��ذا كان الدرس يُلقى‬ ‫بـ «الفرنس� � ��ية» أم� � ��ام الطلبة ويق� � ��وم املترجمون مبهمة‬ ‫نقله إلى «العربية»‪ .‬وعلى س� � ��بيل املثال فإن كتب الطب‬ ‫التي متت ترجمتها إلى العربية آنذاك تع ّد بالعش� � ��رات‪.‬‬ ‫ونحن لم نش� � ��ر في هذا املقام إال إلى عينة بس� � ��يطة من‬ ‫املترجم� �ي��ن العلميني في ذلك الوقت‪ .‬لكن هذه احلركة‬ ‫العلمية القوية في مصر ُكسرت في نهاية القرن التاسع‬ ‫عش� � ��ر امليالدي‪ ،‬بعد التش� � ��تت والتمزق اللذين عرفتهما‬ ‫بس� � ��بب االحتالل البريطاني‪ ،‬وذلك بدءاً من عام ‪،1882‬‬ ‫إذ أدى األمر إلى اس� � ��تبدال اللغة اإلجنليزية بـ«العربية»‬ ‫في تدريس العلوم اعتبا ًرا من عام ‪ .1889‬وهكذا أجهض‬ ‫املش� � ��روع العلمي النهضوي بعد التقدم الذي أحرزه على‬ ‫األرض >‬ ‫العدد ‪ - 696‬نوفمبر ‪2016‬‬

‫‪nov 160- 162.indd 162‬‬


‫الكويت عاصمة الثقافة اإلسالمية ‪2016‬‬

‫البيت العربي‬

‫الظاهرة تتفاقم عربي ًا والغرب بدأ االنتباه‬

‫وسائل التواصل االجتماعي‬ ‫تضر بالصحة العقلية للمراهقين‬ ‫غادة الحلواني‬

‫كاتبة من مصر‬

‫يم ��ارس المش ��هد الرقم ��ي‬ ‫ضغط ًا متزايداً على المراهقين‬ ‫في ه ��ذه األيام‪ ،‬وهو ما نش ��عر‬ ‫ب ��ه فعلي ًا وبش ��كل يوم ��ي‪ .‬بل‬ ‫إن هناك عادات يومية أصبحت‬ ‫ج ��زءاً ال يتج ��زأ م ��ن مس ��لكنا‬ ‫االعتي ��ادي‪ ،‬تتعل ��ق باحت�ل�ال‬ ‫الفض ��اء االفتراض ��ي مس ��احة‬ ‫كبي ��رة م ��ن اهتمام األف ��راد في‬ ‫أغل ��ب المجتمع ��ات العربي ��ة‪،‬‬ ‫واألم ��ر هن ��ا يتج ��اوز المراهقي ��ن‬ ‫إل ��ى البالغي ��ن م ��ن مختل ��ف‬ ‫األعمار تقريب ًا‪ ،‬وهي ظواهر لها‬ ‫ارتباط وثيق باستخدام وسائط‬ ‫التواصل االجتماعي‪.‬‬

‫إن كثيرين أصبحوا يشعرون بأزمة إذا ما انقطعت‬ ‫ش� � ��بكة اإلنترن� � ��ت‪ ،‬أو فق� � ��دوا القدرة على اس� � ��تخدام‬ ‫وس� � ��ائط التواصل االجتماعي‪ ،‬إما بسبب السفر مث ً‬ ‫ال‪،‬‬ ‫أو الوج� � ��ود في أماك� � ��ن ال تتوفر فيها ش� � ��بكة اتصاالت‬ ‫جيدة باإلنترنت‪ .‬وهناك اليوم كما نعرف جميعاً العديد‬ ‫من قن� � ��وات التواصل االجتماعي‪« :‬في� � ��س بوك وتويتر‬ ‫وإنستجرام وسناب تشات ومتبلر»‪.‬‬ ‫وأصبح� � ��ت الظاهرة اليوم تف� � ��وق التخيل‪ ،‬ليس في‬ ‫وسائل التواصل االجتماعي تضر بالصحة العقلية للمراهقني‬ ‫‪9/29/16 8:49:39 AM‬‬

‫منطقتن� � ��ا العربية فقط‪ ،‬بل وفي الغرب أساس � � �اً‪ .‬وفي‬ ‫تقرير نش� � ��رته صحيفة اجلارديان البريطانية عن أزمة‬ ‫املراهقني اخلاصة باالستخدام املفرط لوسائط التواصل‬ ‫االجتماعي‪ ،‬وش� � ��يوعها في الواليات املتحدة األمريكية‪،‬‬ ‫كتبت ج� � ��وون إري� � ��ك أودوري ‪« :June Eric Udorie‬لقد‬ ‫قررت قراراً واعياً أن أجتنب تطبيقي «س� � ��ناب تشات»‬ ‫و«إنستجرام» بسبب الضغط الذي يسببه استخدامهما‬ ‫على ش� � ��قيقتي الصغيرة التي تبلغ من العمر ‪ 14‬عاماً‪.‬‬ ‫‪163‬‬

‫‪nov 163-165.indd 163‬‬


‫إذا أغلقت والدتي الـ «واي فاي» في الساعة ‪ 11‬مساء‪،‬‬ ‫فس������وف تتوس������ل لي أختى أن أضبط تلفوني احملمول‬ ‫على الهوت س������بوت‪/‬واي فاي‪ .‬فهي حتت������اج دائماً إلى‬ ‫حتميل قصصها من الـ «س������ناب ش������ات» مرة أخرى‪ ،‬أو‬ ‫أن ت������رد على رس������الة جاءت لها من������ذ دقيقتني‪ ،‬ألنها ال‬ ‫ترغب في أن يش������عر أصدقاؤها بأنها تتجاهلهم‪ .‬فإذا‬ ‫رفضت طلبه������ا موضحة لها أنه ميكن تأجيل ذلك حتى‬ ‫ُ‬ ‫الصباح‪ ،‬فإنه������ا تباغتني باتهام جاه������ز‪« :‬أنت تدمرين‬ ‫حياتي االجتماعية»‪ .‬وتقول الكاتبة تعليقاً على ما تفعله‬ ‫أختها‪« :‬إنني أرى أن مثل هذا الكالم‪ ،‬وما يعبر عنه من‬ ‫طريق������ة تفكير‪ ،‬حتى لو كان مصدره فتاة مراهقة ميكن‬ ‫أن يتسبب في إصابتي باجلنون وبال مبالغة»‪.‬‬ ‫كانت واحدة من الدراسات احلديثة في هذا الصدد‬ ‫ق������د توصلت إل������ى أن املراهق���ي��ن الذي������ن ينخرطون في‬ ‫استخدام وسائل التواصل االجتماعي خالل فترات الليل‬ ‫بشكل خاص‪ ،‬ميكن أن يتضرر نومهم‪ ،‬ما يؤدي إلى زيادة‬ ‫احتماالت خطر إصابتهم بالقلق والتوتر واالكتئاب‪.‬‬

‫استهالك عاطفي وتوتر‬

‫وق������د اس������تند القائمون عل������ى هذه الدراس������ة إلى‬ ‫اس������تبيانات رأي‪ ،‬قام فيها الدارس������ون باالس������تماع إلى‬ ‫مجموع������ة كبيرة من املراهقني‪ ،‬الذين أش������ار كثير منهم‬ ‫إلى الضغط الشديد الذي يشعرون به بسبب إحساسهم‬ ‫بض������رورة متابعة والرد على ما يصلهم من رس������ائل أو‬ ‫تعليقات على مدى الس������اعات األربع والعش������رين يومياً‬ ‫خالل األس������بوع على وسائط التواصل‪ ،‬كما عبر الكثير‬ ‫منهم عن القلق والتوتر الش������ديدين اللذين يتعرض لهما‬ ‫هؤالء إذا لم يس������تطيعوا اإلجابة والرد فوراً على رسائل‬ ‫مرسلة إليهم على أي وسيلة من وسائل التواصل‪ ،‬فض ً‬ ‫ال‬ ‫ع������ن القلق الناجم عن عدم قدرته������م مث ً‬ ‫ال على الرد أو‬ ‫التفاعل مع املش������اركات التي يبثها وسطهم االفتراضي‬ ‫على وسائط التواصل‪.‬‬ ‫وتش������ير كاتبة املوضوع إلى أن املراهقني يستهلكون‬ ‫أنفس������هم عاطفياً باإلخ���ل��اص التام لوس������ائل التواصل‬ ‫االجتماع������ي‪ ،‬لدرجة أن إحدى اإلحصاءات تش������ير إلى‬ ‫أن نس������بة خمس������ة طالب من املرحل������ة الثانوية بني كل‬ ‫عشرة سوف يستيقظون في الليل ويدخلون على وسائل‬ ‫التواص������ل االجتماعي فقط للتأكد م������ن أنهم لم يفتهم‬ ‫شيء مما بثه اآلخرون أو تفاعلوا حوله أو تناقلوه‪.‬‬ ‫‪164‬‬

‫‪9/29/16 8:49:43 AM‬‬

‫ولعل أسوأ ما في هذا األمر أن املراهقني يحتاجون‬ ‫إل������ى فت������رات أطول من الن������وم مقارنة مب������ا يحتاج إليه‬ ‫البالغ������ون من فترات النوم اليومي������ة‪ ،‬وبالتالي ميكن أن‬ ‫يغدو استهالك وس������ائل التواصل لي ً‬ ‫ال مضراً بصحتهم‬ ‫باملعن������ى احلرفي‪ .‬وقد أظهرت األبح������اث أن املراهقني‬ ‫يحتاجون من خمس إلى تس������ع س������اعات نوم ليال‪ ،‬وأن‬ ‫املتوسط يحصل على ‪ 5‬و‪ 7‬ساعات فقط‪.‬‬ ‫إن نقص س������اعات النوم‪ ،‬لفت������رات طويلة‪ ،‬ميكن أن‬ ‫يتس������بب في إصابة املراهقني بالتعب والهياج العصبي‬ ‫واالكتئ������اب‪ ،‬باإلضاف������ة إلى زيادة احتم������االت إصابتهم‬ ‫بنزالت برد وإنفلونزا وأحياناً بالتهابات املعدة‪ ،‬بس������بب‬ ‫نق������ص املناعة غالب������اً الناجم عن نقص س������اعات النوم‬ ‫واإلره������اق الذهني والبدني‪ .‬ومن بني ما تورده أودوري‬ ‫في موضوعها مقتطف������ات من مقوالت املراهقني الذين‬ ‫تناولتهم الدراسة‪ ،‬ومنها مثال ما تقوله إحدى الفتيات‪:‬‬ ‫«هذه األيام‪ ،‬أشعر بالتعب دائماً في املدرسة‪ ،‬ولست من‬ ‫هؤالء األشخاص الذين ميكن أن يظلوا مستيقظني حتى‬ ‫الثانية صباحاً للدردشة‪ .‬يتطلب العمل املنزلي والضغط‬ ‫للحصول على درجات مدرس������ية ممتازة أن أظل أعمل‬ ‫إل������ى وقت متأخر لي ً‬ ‫���ل��ا‪ .‬ويبدو أن معظ������م زمالئي في‬ ‫املدرسة يشعرون باالستنزاف كذلك»‪.‬‬

‫اخلوف من الغفلة!‬

‫بينم������ا تقول فت������اة مراهقة أخرى‪« :‬فق������دت هاتفي‬ ‫احملمول خالل إجازة الصيف‪ .‬وش������عرت بالكارثة خالل‬ ‫األس������بوع الذي كن������ت فيه بال هاتف محم������ول‪ .‬فهو يتيح‬ ‫لي الوصول واالطالع السريع على املعلومات‪ ،‬كما يسمح‬ ‫ل������ي بالتواصل دائماً مع أصدقائ������ي‪ ،‬وهو ما ميكنني من‬ ‫التع������رف الدقي������ق على ما يتعرضون له ف������ي حياتهم من‬ ‫تفاصيل بش������كل يومي‪ .‬ولهذا فحني كنت من دون هاتف‬ ‫ألسبوع‪ ،‬شعرت باخلوف من الغفلة (اخلوف من الشعور‬ ‫باكتس������اب اآلخرين جتارب ال ميكنني أن أعرف عنها في‬ ‫خ���ل��ال فترة غيابي‪ ،‬وفي املقاب������ل الرغبة في البقاء على‬ ‫اتصال مب������ا يفعله اآلخرون طوال الوقت)‪ ،‬األمر يش������به‬ ‫كما لو كنت تستمع لشخص يتحدث بلغة ال تعرفها بدقة‬ ‫وتتابعه وأنت تخش������ى أن تفقد الكثير مما يعنيه‪ ،‬وتخاف‬ ‫بدأت‬ ‫أن يفوتك شيء مما يقول‪ .‬لكن مع نهاية األسبوع‪ُ ،‬‬ ‫االعتي������اد على عدم وجود هات������ف محمول معي‪ ،‬بل إنني‬ ‫استمتعت جداً باالستراحة القصيرة من وسائل التواصل‬ ‫العدد ‪ - 696‬نوفمبر ‪2016‬‬

‫‪nov 163-165.indd 164‬‬


‫الكويت عاصمة الثقافة اإلسالمية ‪2016‬‬

‫بسبب وسائل التواصل أصبحت الصحة العقلية للشباب على احملك‬

‫االجتماعي‪ .‬لكن مع ذلك استمر ذلك اإلحساس باحلزن‬ ‫الذي أش�� ��عر به في مؤخرة رأس�� ��ي بأن هناك محادثات‬ ‫س�� ��وف أفوتها‪ ،‬ورس�� ��ائل أرس�� ��لت وفيديوهات مضحكة‬ ‫ش�� ��اركها اآلخرون ودردش�� ��ات ليلية لن أستطيع أن أراها‬ ‫أبدا على األرجح‪ .‬من جهة أخرى‪ ،‬توصلت دراسة أجراها‬ ‫مركز خدمة املواطن الوطني في الواليات املتحدة إلى أن‬ ‫البنات عوضاً عن التح�� ��دث مع آبائهن‪ ،‬وهو األمر الذي‬ ‫كان يتيح لهن الراحة النفس�� ��ية في الس�� ��ابق‪ ،‬يسعني في‬ ‫الوقت الراهن لتحقيق الراحة النفسية من خالل وسائل‬ ‫التواصل االجتماعي حني يشعرن بالقلق‪ .‬وتطرح الدراسة‬ ‫كذلك أن البنات يتعرضن للتوتر أكثر من األوالد‪ ،‬وتشير‬ ‫إحصائية أجريت على ألف مراهق في أسكتلندا أن تسع‬ ‫فتيات بني كل عش�� ��ر يتعرضن للتوتر والقلق بأسباب لها‬ ‫عالقة باستخدام وسائل التواصل االجتماعي‪.‬‬

‫عقدة الكمال‬

‫وبهذه املؤشرات والدراسات وما تكشف عنه تدريجياً‪،‬‬ ‫أصبح واضحاً أكثر فأكثر كيف تؤثر تلك الوسائل تأثيراً‬ ‫س�� ��لبياً على املراهقات‪ .‬تقول أودوري‪ :‬أس�� ��تطيع أن أرى‬ ‫ه�� ��ذا في كل مكان حولي‪ .‬ضغط الكمال واملثالية‪ ،‬وكمال‬ ‫املظهر‪ ،‬وكم�� ��ال الس�� ��لوك والتصرف‪ ،‬وكمال اجلس�� ��د‪،‬‬ ‫وكمال مجموعة األصدقاء‪ ،‬وكم�� ��ال عدد رمز اإلعجاب‬ ‫(‪ )like‬على إنستجرام‪ .‬الكمال‪ ،‬الكمال‪ ،‬الكمال‪ .‬وإذا لم‬ ‫تس�� ��تطع أن حتقق تلك املعايير العالية السخيفة‪ ،‬فسوف‬ ‫يبدأ التوبيخ الذاتي فوراً‪ .‬إن ما يس�� ��تدعي القلق حقاً هو‬ ‫الوقت‪ ،‬املس�� ��احة الزمنية الضائعة في استهالك وسائل‬ ‫وسائل التواصل االجتماعي تضر بالصحة العقلية للمراهقني‬ ‫‪9/29/16 8:49:51 AM‬‬

‫التواصل‪ .‬واحلقيقة الواضحة التي تكشفها هذه الوقائع‬ ‫والدراس�� ��ات أو تبره�� ��ن عليها هي أن الصح�� ��ة العقلية‬ ‫للمراهقني خاصة البنات‪ ،‬على احملك‪.‬‬ ‫املده�� ��ش أنن�� ��ا نع�� ��رف ذلك ف�� ��ي احلقيق�� ��ة‪ ،‬ولعلنا‬ ‫ف�� ��ي العالم العرب�� ��ي أيضاً‪ ،‬الذي تغيب فيه مع األس�� ��ف‬ ‫مث�� ��ل ه�� ��ذه الدراس�� ��ات اجل�� ��ادة ح�� ��ول هذا الن�� ��وع من‬ ‫القضايا‪ ،‬نالحظ التأثير الس�� ��لبي حولنا وفي كل مكان‪.‬‬ ‫واألمر جل�� ��ي أيضاً في الغرب‪ ،‬كما تقول أودوري‪ :‬نعرف‬ ‫هذا‪ .‬نعرف أخطار اإلنترنت‪ ،‬وقد س�� ��معنا عن البلطجة‬ ‫عبر اإلنترنت وأخطار موق�� ��ع ‪ ،Ask.fm‬نعرف الفضائح‬ ‫الوقح�� ��ة التي جترى في املدارس‪ .‬نعرف هذه األش�� ��ياء‪.‬‬ ‫نع�� ��رف أن تل�� ��ك الدراس�� ��ات تبرهن على أنن�� ��ا يجب أن‬ ‫نضع أسس� � �اً جديدة لتعليم شخصي واجتماعي وصحي‬ ‫وقانوني في املدارس‪ ،‬ونضمن أن يغطي املجال مس�� ��ائل‬ ‫متتد من الطع�� ��ام الصحي والنوم إلى املوافقة القانونية‪.‬‬ ‫ومع ذلك رفض نيكي مورجان واحلكومة القيام بأي عمل‬ ‫بهذا الش�� ��أن‪ .‬لهذا أطرح السؤال التالي‪ :‬ماذا ننتظر؟ إن‬ ‫التقاعس عن عمل أي ش�� ��يء بصدد هذه املس�� ��ائل يضر‬ ‫بالصحة اجلسدية والعاطفية للشباب في هذا البلد‪ .‬ما‬ ‫الذي يجب أن يحدث قبل أن نفعل شيئاً ما؟‬ ‫ه�� ��ذا ما تقوله أودوري في الوالي�� ��ات املتحدة‪ ،‬ولعله‬ ‫آن األوان أن نرفع الصوت بأس�� ��ئلة كهذه في مجتمعاتنا‬ ‫التي تعاني أساساً قضاياً خطيرة في التنمية واالقتصاد‪،‬‬ ‫والكس�� ��اد‪ ،‬وحتت�� ��اج إلى جه�� ��ود مكثفة ف�� ��ي تنمية كفاءة‬ ‫وقدرات أبنائها‪ ،‬التي ميكن ملثل هذه الوسائط أن تقضي‬ ‫عليها مبكراً‪ ،‬فماذا نحن فاعلون؟! >‬ ‫‪165‬‬

‫‪nov 163-165.indd 165‬‬


‫البيت العربي‬

‫«خير جليس» يشكو من الوحدة‪ ...‬وأطفال «اقرأ» ال يقرأون‬

‫كيف نشجع أطفالنا‬ ‫على المطالعة والقراءة؟‬ ‫حسنات الحكيم‬

‫كاتبة من مصر‬

‫«الذين يعرف���ون كيف يقرأون هم‬ ‫الذين سيقودون الجنس البشري‬ ‫مس���تقب ً‬ ‫ال»‪ ،‬هك���ذا ق���ال الكات���ب‬ ‫الفرنس���ي فولتير‪ ،‬وم���ن قبله قال‬ ‫ش���اعر «العربية» األكبر أبوالطيب‬ ‫المتنبي‪:‬‬ ‫سابح‬ ‫أعز مكان في الدنى سرج‬ ‫ٍ‬ ‫وخير جليس في الزمان‬ ‫كتاب‬ ‫ُ‬

‫‪166‬‬

‫‪9/29/16 8:58:21 AM‬‬

‫العدد ‪ - 696‬نوفمبر ‪2016‬‬

‫‪nov 166-170.indd 166‬‬


‫الكويت عاصمة الثقافة اإلسالمية ‪2016‬‬ ‫وفي هذا تأكيد على أن القراءة ليست ترفاً‬ ‫ثقافي������اً أو حاجة عابرة‪ ،‬بل ه������ي حاجة فكرية‬ ‫ثقافية ملحة وضرورية في كل زمان ومكان‪ ،‬ولو‬ ‫أن فولتير واملتنبي عاش������ا في زماننا ألزعجهما‬ ‫حالنا وشك َوا حزنهما إلى أقرب كتاب‪ ،‬فما عاد‬ ‫الكتاب خير جليس‪ ،‬بعد أن احتل مكانه الكمبيوتر‬ ‫واألجه������زة اللوحية واأللع������اب اإللكترونية التي‬ ‫عمقت الهوة بني شبابنا وأطفالنا وبني القراءة‪،‬‬ ‫حت������ى ص������ارت مكتب������ات امل������دارس خاوية على‬

‫كيف نشجع أطفالنا على املطالعة والقراءة؟‬ ‫‪9/29/16 8:58:29 AM‬‬

‫عروش������ها تئن حتت أكوام الغبار‪ ،‬وتشكو حالها‬ ‫لزمن كنا فيه قادة ورواداً نبراس������نا {اقْ َر ْأ َو َر ُّب َ‬ ‫ك‬ ‫أْ َ‬ ‫الكْ َر ُم} (س ��ورة العلق ‪ -‬اآلية‪ .)3 :‬فكيف نغرس‬ ‫لدى أطفالنا وطالبنا عادة املطالعة؟ وكيف نعيد‬ ‫دور مكتبة املدرسة املفقود؟‬ ‫في البداية‪ ،‬يؤكد رائد أدب األطفال يعقوب‬ ‫الشاروني أنه لكي يُحب التالميذ القراءة‪ ،‬فالبد‬ ‫أوالً أن يحب������وا الكتاب املدرس������ي املقرر عليهم‪،‬‬ ‫ليكون مدخ���ل�� ً‬ ‫ا حلب القراءة عموم������اً‪ ،‬ويتحقق‬ ‫ذلك من خ���ل��ال البح������ث عن الش������كل املُفضل‬ ‫عند الق������ارئ الصغير لهذا الكتاب؛ فمث ً‬ ‫ال يحب‬ ‫الصغار قصص الرس������وم املتتالية (االستربس)‬ ‫في املجالت املوجهة إليهم‪.‬‬ ‫�����دت الكت������ب املدرس������ية في‬ ‫ويضي������ف‪ :‬وج� ُ‬ ‫فرنس������ا وأملاني������ا للمرحلة االبتدائية تس������تخدم‬ ‫بتوس������ع هذه الشرائط املرس������ومة‪ ،‬كذلك يُحب‬ ‫األطف������ال أن تكون كل معلومة مصحوبة برس������م‬ ‫ملون واض������ح‪ ،‬وهو ما جن������ده في كل‬ ‫كت������ب املعلومات والثقاف������ة العلمية‬ ‫على مس������توى العالم؛ لذلك البد‬ ‫من تقسيم املعلومات إلى فقرات‬ ‫غي������ر طويلة‪ ،‬وأن تك������ون كل فقرة‬ ‫مصحوبة برسم ملون واضح متقن‪،‬‬ ‫أيضاً يح������ب األطفال الكلمات املتقاطعة‪،‬‬ ‫لذلك تس������تخدم بعض الدول هذا األسلوب‬ ‫في الكتب املدرسية‪ ،‬على أن تكون الكلمات‬ ‫املطلوب التعرف عليها ُمس������تقاة من املادة‬ ‫الدراسية التي يدور حولها الكتاب‪.‬‬ ‫ويتاب������ع الش������اروني‪ :‬ولكي يتردد‬ ‫الطال������ب عل������ى مكتب������ة املدرس������ة‪،‬‬ ‫فالب������د أن تك������ون مفتوح������ة طوال‬ ‫الي������وم الدراس������ي‪ ،‬مل������دة نص������ف‬ ‫س������اعة قبل بدء الدراسة‪ ،‬ونصف‬ ‫س������اعة بعدها‪ ،‬وأن تظ������ل مفتوحة‬ ‫في النوادي الصيفية بكل مدرس������ة‪،‬‬ ‫مؤكداً ضرورة أن يتعرف املدرس على ما‬ ‫يوجد في املكتبة املدرسية من كتب‪ ،‬وأن يصحب‬ ‫معه إلى الفصل‪ ،‬عند شرح موضوع معني‪ ،‬كت ًبا‬ ‫من املكتبة مرتبطة باملوضوع الذي سيش������رحه؛‬ ‫‪167‬‬

‫‪nov 166-170.indd 167‬‬


‫الشاروني‪ :‬حب القراءة يبدأ‬ ‫من الكتاب المدرسي‬ ‫نجالء عالم‪ :‬المكتبات‬ ‫أصبحت عبئ ًا على المدارس‬ ‫تريد التخلص منه‬ ‫عبدالنعيم‪ :‬المشكلة ليست‬ ‫في الطفل القارئ لكن‬ ‫في غياب عوامل جذبه‬ ‫أمينة مكتبة‪ :‬شاشة الكمبيوتر‬ ‫واأللعاب اإللكترونية خطفت‬ ‫أطفالنا من القراءة‬ ‫طالبة «إعدادي»‪ :‬الكتب‬ ‫قديمة وال تعبر عن اهتماماتنا‪...‬‬ ‫واليوم الدراسي «مزحوم»‬ ‫ربة منزل‪ :‬التكنولوجيا تغولت‬ ‫وسحبت البساط من الكتاب‬

‫‪168‬‬

‫‪9/29/16 8:58:37 AM‬‬

‫وفي هذا البد من التوس������ع في استخدام دوائر‬ ‫املع������ارف‪ ،‬على أن يح������ث امل������درس طلبته على‬ ‫التردد على املكتبة لالس������تفادة مما يعرضه في‬ ‫الفصل من كتب‪.‬‬ ‫ويش������ير كاتب األطف������ال البارز إل������ى أهمية‬ ‫مساعـــــدة الوالـــــدين للطفل على تعديل عادات‬ ‫اس������تخدام الكتاب املدرســـي فــــي البيت‪ ،‬فالبد‬ ‫م������ن تخصي������ص م������كان للمــذاك������رة‪ ،‬وأن يرتب‬ ‫التلميذ كتب املدرسة على نحو يجعل من السهل‬ ‫عليه الوصول بسرعة إلى أي كتاب يبحث عنه‪،‬‬ ‫وبطريق������ة محببة إلى نفس������ه‪ ،‬كتجلي������د الكتب‬ ‫بأل������وان زاهية وتلوين األرفف التي توضع عليها‬ ‫واملكتب الذي سيذاكر عليه بألوان مبهجة تبعث‬ ‫الس������عادة في نفسه‪ ،‬وجتعل مكان القراءة جاذباً‬ ‫للطفل‪.‬‬

‫عالم من املتعة‬

‫وتق������ول جنــــ�ل�اء عــ�ل�ام (كــــاتب������ة أطــفـــــال‬ ‫ورئيس������ة حترير مجل������ة قطـــر الن������دى)‪ :‬كــــنت‬ ‫تلمــــي������ذة نش������ـــيــطة فــــ������ي الصــــ������ف الثال������ث‬ ‫االبـــــتدائي‪ ،‬أجري وألهو في الفسحة املدرسية‪،‬‬ ‫وفج������أة ج������اءت املعلمة وقالت‪ :‬حص������ة القراءة‬ ‫ودخلت‬ ‫س������تبدأ‪ ...‬واصطحبتن������ا إلى املكتب������ة‪،‬‬ ‫ُ‬ ‫حينه������ا عاملًا من املتعة واملعرف������ة‪ ،‬لم أخرج منه‬ ‫حتى اآلن‪.‬‬ ‫وأردف� � ��ت‪ :‬املكتب� � ��ة املدرس� � ��ية كان� � ��ت رافداً‬ ‫أساس� � ��ياً لغـــــ� � ��رس بذور املوهب� � ��ة داخل املبدعني‬ ‫في جيلن� � ��ا‪ ،‬ألنه� � ��ا كانــــ� � ��ت توفر االط� �ل��اع على‬ ‫الكتب بش� � ��كل مجان� � ��ي‪ ،‬خاصة في ظ� � ��ل ارتفاع‬ ‫أسعار الكتب وثبات مســــتـــوى الدخول في بعض‬ ‫الدول العربي� � ��ة‪ ،‬ولكـــــنها أصبحت اآلن عبئاً على‬ ‫املؤسسات التعليمـــــية تريد التخلص منه؛ فالوقت‬ ‫لم يعد متاحاً حلصة املكتبة أو املطـــالعة‪ ،‬وتكدس‬ ‫املناهج جـــعل الطالب ينفرون من القراءة‪ ،‬وهناك‬ ‫بعض املبادرات احملمودة في هذا املجال كمشروع‬ ‫«حت� � ��دي الق� � ��راءة العربي» الذي أطلقه الش � � �ــــيخ‬ ‫محمد بن راش� � ��د آل مكتوم لتشجيع الطالب على‬ ‫الق� � ��راءة في الوط� � ��ن العربي‪ ،‬وال� � ��ذي أتــمنــى أن‬ ‫يتـــــكرر في جميع الدول العربية‪.‬‬ ‫العدد ‪ - 696‬نوفمبر ‪2016‬‬

‫‪nov 166-170.indd 168‬‬


‫الكويت عاصمة الثقافة اإلسالمية ‪2016‬‬

‫البد أن يكون الكتاب املوجه لألطفال جذاب ًا على مستوى املضمون والشكل مع ًا‬

‫الصديق والرفيق‬ ‫وي������رى أحم ��د عبدالنعي ��م‪( ،‬رس������ام وكاتب‬ ‫أطفال)‪ ،‬أن تنمية عادة القراءة عند الطفل تبدأ‬ ‫من البيت ومن اليوم األول إلدراكه في الش������هور‬ ‫األولى‪ ،‬وعندما يصل إلى مرحلة طرح األسئلة‪،‬‬ ‫وعلين������ا أن نتقبلها ونرحب بها ونس������اعده على‬ ‫املعرف������ة من خالل الكتاب‪ .‬فنغرس في عقله أن‬ ‫الكتاب هو مصدر املعرفة‪ ،‬وأن الرجوع إليه هو‬ ‫الطريق الصحيح لإلجابة عن تساؤالتنا في أي‬ ‫مجال‪.‬‬ ‫وحول دخول «امليديا» منافس������ة للكتاب في‬ ‫عصر التكنولوجيا‪ ،‬يرى عبدالنعيم أن «امليديا»‬ ‫قد تكون منافس������اً‪ ،‬ولكن يبقى الكتاب الصديق‬ ‫والرفيق الذي ننفس عن مشاعرنا بداخله وجند‬ ‫لديه احللول ملش������كالتنا وننجذب إليه بالصورة‬ ‫والرسمة؛ لذلك – كما يقول عبدالنعيم ‪ -‬يجب‬ ‫أن يحت������وي الكتاب على رس������وم تنعش احلواس‬ ‫داخل الطفل‪ ،‬وقد أدرك الغرب املعرفة باحلواس‬ ‫اخلمس‪ ،‬وأنتج عديداً من الكتب التي يس������تطيع‬ ‫الطف������ل من خاللها أن يقرأ ويلمس ويستنش������ق‬ ‫عبير الكتاب أيضاً‪ .‬وصنع له الكتاب من الورق‬ ‫املق������وى والقماش واخلش������ب‪ ،‬ليصاحب الطفل‬ ‫حتى داخل حمام السباحة وال يتأثر بأي عوامل‬ ‫كيف نشجع أطفالنا على املطالعة والقراءة؟‬ ‫‪9/29/16 8:58:45 AM‬‬

‫لك������ي يظل رفيقا ال ميل منه الطفل ويتعود على‬ ‫وجوده إلى ج������واره كجزء من حيات������ه كاأللعاب‬ ‫والدمى التي يحرص على اصطحابها حتى في‬ ‫فراشه‪.‬‬ ‫وحول ضعف اإلقبال على املكتبات املدرسية‬ ‫وغياب دورها‪ ،‬يقول عبدالنعيم‪ :‬ال ش������ك في أن‬ ‫هناك مش������كلة ليس������ت في الطفل القارئ‪ ،‬لكن‬ ‫ف������ي غياب عوامل ج������ذب الطفل إل������ى القراءة‬ ‫ودخول املكتبة‪ ،‬ومن هذه العوامل اجلاذبة إقامة‬ ‫املسابقات والندوات واملناقشات املفتوحة‪ ،‬التي‬ ‫تس������اعد الطفل في اختيار الكتاب الذي يتوافق‬ ‫مع هوايته‪.‬‬ ‫ويضيف‪ :‬أنا ضد من يقول إننا أمة ال تقرأ‪،‬‬ ‫بالعكس‪ ،‬فأرقام توزيع كثير من الكتب تصل إلى‬ ‫أرق������ام فلكية وحتصد اجلوائ������ز‪ ،‬فقط علينا أن‬ ‫نهت������م أكثر بالكتاب‪ ،‬ويجب أن يكون هناك وقت‬ ‫للحوار حول الكتاب وتشجيع الطفل على التعبير‬ ‫بحواسه بالكتابة أو الرسم أو حتى اإللقاء‪.‬‬

‫خطة عمل‬

‫حملنا هموم املكتبات املدرس� � ��ية وشكواها من‬ ‫العزوف عنها على طب� � ��ق من «ورق»‪ ،‬وتوجهنا بها‬ ‫إلى «مكتبة املدرسة»‪ ،‬حيث التقينا إميان إبراهيم‬ ‫‪169‬‬

‫‪nov 166-170.indd 169‬‬


‫جهود كبيرة البد أن تبذلها احلكومات واملدارس من أجل تشجيع األطفال وترغيبهم في القراءة‬

‫(أمين� � ��ة مكتبة للمرحلة االبتدائي� � ��ة) التي بادرتنا‬ ‫بالقول إنه ليس� � ��ت هن� � ��اك خطة عم� � ��ل واضحة‬ ‫ومس� � ��تمرة ينتهجه� � ��ا الكادر التدريس� � ��ي من أجل‬ ‫حتفيز األطفال على املطالعة والبحث‪ ،‬إمنا هناك‬ ‫اجتهادات ذاتية تنبع من طبيعة شخصية املدرس‬ ‫أو أمني املكتبة‪.‬‬ ‫كما أن األطفال أصبحوا يفضلون قضاء أوقات‬ ‫فراغهم أمام شاشة الكمبيوتر واأللعاب اإللكترونية‪،‬‬ ‫وف� � ��ي رأيي أن املس� � ��ؤول األول عن خل� � ��ق دافع حب‬ ‫املطالعة لدى الطالب هو معلم الصف ومن ثم أمني‬ ‫املكتبة‪ ،‬ألن الط� �ل��اب يهتمون بنصائح معلم الصف‬ ‫ومعلم املادة قبل توجيهات أمني املكتبة‪.‬‬

‫كتب قدمية‬

‫إس ��راء محم ��د (طالب������ة بالص������ف الثان������ي‬ ‫اإلعدادي) حتدثت إلينا «بكل صراحة» فقالت‪:‬‬ ‫أنا وزميالتي ال نفضل حص������ة املكتبة‪ ،‬فمعظم‬ ‫الكتب قدمية وال تعبر عن اهتماماتنا إلى جانب‬ ‫أن الي������وم الدراس������ي ال يكفي ملذاك������رة املناهج‬ ‫التعليمية حتى «نضيع» الوقت في قراءة الكتب‬ ‫اخلارجي������ة! وفي الصيف نفضل «تضييع» وقتنا‬ ‫أمام التلفاز والكمبيوتر!‬ ‫ويتفق معها علي عص ��ام (طالب في الصف‬ ‫السادس االبتدائي) قائ ً‬ ‫ال‪ :‬أنا ال أذهب إلى مكتبة‬ ‫املدرسة؛ فالكتب املوجودة بها ال تستهويني‪ ،‬فأنا‬ ‫‪170‬‬

‫‪9/29/16 8:58:56 AM‬‬

‫أحب الكتب املصورة واملجسمة وقصص الرعب‬ ‫واملغام������رات‪ ،‬وه������ذه النوعي������ة م������ن الكتب غير‬ ‫متوافرة في مكتبة املدرس������ة‪ ،‬وأسعارها مرتفعة‬ ‫جداً؛ لهذا أجلأ إلى قراءتها عبر «اإلنترنت»‪.‬‬

‫تضافر اجلهود‬

‫وترى نش ��وى غرابة (ربة من������زل) أن تكوين‬ ‫الطفل ثقافياً يتطلب تضافر جهود جهات عدة‬ ‫تبدأ من األس������رة واملؤسس������ات التربوية بجميع‬ ‫أنواعها‪ .‬وفي ما يتعلق باملدرسة تلقي املسؤولية‬ ‫األول������ى على عاتق أمني املكتبة واملدرس���ي��ن في‬ ‫تفعي������ل دور املكتب������ة وتنمية ح������ب االطالع لدى‬ ‫الطالب‪ ،‬وتق������ول‪ :‬كأم لثالثة أطفال في مراحل‬ ‫عمرية مختلف������ة‪ ،‬أحاول تنمية ع������ادة القــــراءة‬ ‫لديه������م‪ ،‬ولكني أحت������اج إلى أن تقف املدرس������ة‬ ‫بجانب������ي أنا وأمثالي ممن يس������عـون إلى حتبيب‬ ‫أطفاله������م ف������ي الق������راءة بتوفي������ر كتب ش������ائقة‬ ‫لألطف������ال جتذبه������م‪ ،‬م������ع اإلعالن ع������ن جوائز‬ ‫تش������جيعية لألطفال األكــثر قراءة واستيعاباً ملا‬ ‫يقرأون‪ ،‬حتى تكون هناك منافسة بني الطالب‬ ‫ويك������ون هن������اك حافز للق������راءة‪ ،‬فتصب������ح عادة‬ ‫مالزمة ألبنائنا حتى الكبر‪ ،‬في زمن تغولت فيه‬ ‫التكنولوجيا وس������حبت البساط من حتت أقدام‬ ‫الكتاب >‬ ‫العدد ‪ - 696‬نوفمبر ‪2016‬‬

‫‪nov 166-170.indd 170‬‬


‫الكويت عاصمة الثقافة اإلسالمية ‪2016‬‬

‫البيت العربي‬

‫دمج ذوي االحتياجات الخاصة‬ ‫في المدارس مطلب أساسي‬ ‫ربى شعراني‬

‫أكادميية وباحثة من لبنان‬

‫إن مشكلة التربية الخاصة هي مشكلة مجتمع بكامله وإن كانت كامنة‬ ‫ف���ي موقف���ه إزاء ذوي االحتياج���ات الخاصة‪ .‬ف���كان لزام ًا عل���ى المثقفين‬ ‫والمس���ؤولين توعي���ة المجتمع حي���ال هذا األم���ر‪ ،‬ليزداد ع���دد المؤمنين‬ ‫بتقدي���م الخدم���ات وتعدي���ل اآلراء واالتجاه���ات والتع���اون‪ ،‬لتش���كيل‬ ‫جمعيات لدع���م ذوي االحتياج���ات الخاصة ومؤازرته���م وقبولهم بهدف‬ ‫التكامل معهم للنهوض بهذا المجتمع‪ .‬فإذا تركت هذه الفئة من دون‬ ‫رعاي���ة واهتمام فقد يتحول بعضها إلى وجهات انحرافية مدمرة‪ ،‬تفس���د‬ ‫وتنغ���ص على من حولها‪ ،‬فاس���تثمار جهود هذه الفئ���ة هو في حد ذاته‬ ‫استثمار أمثل لطاقات إنتاجية معطاءة‪.‬‬

‫تش� � ��ير تقدي� � ��رات منظم� � ��ة الصح� � ��ة العاملي� � ��ة‬ ‫واملنظمة العاملية للتأهي� � ��ل إلى أن ‪ 25‬في املائة من‬ ‫أبناء املجتمع يتأثرون بش� � ��كل مباش� � ��ر وغير مباشر‬ ‫باإلعاقة ونتائجها‪.‬‬

‫‪ -1‬واقع ذوي االحتياجات اخلاصة‬ ‫في املجتمع‬ ‫تؤكد دراسات في بلدان كثيرة «أن ما نسبته ‪10‬‬ ‫إل� � ��ى ‪ 15‬طف ً‬ ‫ال م� � ��ن بني كل ‪ 100‬طف� � ��ل يعتبرون من‬ ‫ذوي االحتياجات اخلاصة»‪ .‬وإن لم يكن من الس� � ��هل‬ ‫الوصول إلى أرقام ونس� � ��ب دقيق� � ��ة في هذا املجال‪،‬‬ ‫إال أن تقديرات املؤسسات والهيئات الرسمية تشير‬ ‫إلى منو متزايد في عدد ذوي االحتياجات اخلاصة‪.‬‬ ‫دمج ذوي االحتياجات اخلاصة في املدارس مطلب أساسي‬ ‫‪9/29/16 8:59:23 AM‬‬

‫فف� � ��ي عام ‪2000‬م بلغ عددهم ‪ 600‬مليون‪ ،‬منهم ‪200‬‬

‫مليون على األقل م� � ��ن األطفال‪ ،‬يتركز معظمهم في‬ ‫الدول النامية‪ 70 .‬مليوناً مصابون بالصمم‪ ...‬ووفق‬ ‫تقدي� � ��رات منظمة الصحة العاملي� � ��ة فإن ‪ 12-10‬في‬ ‫املائة من س� � ��كان الدول النامي� � ��ة مصابون بإعاقات‬ ‫مختلف� � ��ة‪ .‬وقد أ ّك� � ��د تقري� � ��ر األمم املتح� � ��دة للّجنة‬ ‫االقتصادي� � ��ة واالجتماعية لغربي آس� � ��يا لعام ‪،2002‬‬ ‫أن هنالك تبايناً في درجة انتش� � ��ار اإلعاقة في دول‬ ‫املنطق� � ��ة العربية‪ ،‬حيث تتراوح النس� � ��بة بني ‪ 10‬و‪16‬‬ ‫لكل ‪ 1000‬من الذكور‪ ،‬بينما جاءت نس� � ��ب اإلعاقات‬ ‫أقل إجماالً عند اإلناث‪.‬‬ ‫ف� � ��إذا كان عدد س� � ��كان العال� � ��م العربي ‪157‬‬ ‫مليوناً‪ ،‬فإن مجم� � ��وع ذوي االحتياجات اخلاصة‬ ‫‪171‬‬

‫‪nov 171-174.indd 171‬‬


‫يصل إلى أكثر من ‪ 15‬مليوناً‪.‬‬ ‫فأي مجتمع متحضر هذا الذي يقوم على خدمة‬ ‫مواطنيه ورعاياه‪ ،‬يؤمن لهم جميع اخلدمات مهمشاً‬ ‫نسبة كبيرة منهم‪ ،‬متغاضياً عن حقوقهم وحاجاتهم‬ ‫ومعط ً‬ ‫ال نس� � ��بة ‪ 12‬في املائة من قدراته‪ ،‬أي ‪ 12‬في‬ ‫املائة من مردود وإنتاجية املجتمع وعطائه؟‬ ‫فبتهمي� � ��ش ذوي االحتياجات اخلاصة يخس� � ��ر‬ ‫املجتم� � ��ع إنتاجية ال يس� � ��تهان بها م� � ��ن ذوي العقول‬ ‫والكف� � ��اءة واإلبداع‪ ،‬فكم من صاحب إعاقة اتس� � ��م‬ ‫بعق� � ��ل مبدع راج� � ��ح ولكن عزفت عنه ي� � ��د املجتمع‬ ‫احلانية‪ ،‬فانزوى بعيداً في دياجير الظالم‪ ،‬ال لذنب‬ ‫ارتكبه ولكن لذنب ح ّمله إياه املجتمع!‬ ‫أي مجتمع هذا الذي ينأى عن صاحب اإلعاقة‬ ‫ولم يَس� � ��لم بعد أن يصيبه مثل ما أصابه‪ ،‬وهل أح ٌد‬ ‫من البشر ضمن السالمة في حياته كلها؟‬ ‫فليع� � ��رض كل مجتمع ه� � ��ذه املعضلة على أرض‬ ‫الدراس� � ��ة والبحث‪ :‬دينياً‪ ،‬وأخالقياً وإنسانياً‪ ،‬فمن‬ ‫غير الالئق عدم مس� � ��اواة أخينا بن� � ��ا‪ ،‬وحرمانه من‬ ‫حقوق نتمتع نحن بها‪.‬‬ ‫م� � ��اذا ينتظ� � ��ر املجتمع العربي بع� � ��د ليهتم بهذه‬ ‫النس� � ��بة؟ وما ال� � ��ذي يع� � ��وق؟ فاملجتمع ه� � ��و الذي‬ ‫يفتح لهم األبواب مش� � ��رعة للتغل� � ��ب على إعاقتهم‪،‬‬ ‫يس� � ��اعدهم على التعلم‪ ،‬على العطاء‪ ...‬ومس� � ��ؤولية‬ ‫املجتمع العرب� � ��ي أكبر منها في ال� � ��دول الصناعية‪،‬‬ ‫فكل عش� � ��ر إصابات عمى في الدول النامية تقابلها‬ ‫إصابة واحدة في الدول الصناعية‪.‬‬ ‫وبالتال� � ��ي‪ ،‬ف� � ��إن االس� � ��تعدادات ملواجه� � ��ة هذه‬ ‫املعض� �ل��ات البد أن تكون أش� � ��مل وأكبر‪ ،‬وال يخفى‬ ‫على أحد أنها التزال حديثة العهد‪ ،‬بدأت إطاللتها‬ ‫مع أوائل ثمانينيات القرن املاضي عند إعالن السنة‬ ‫الدولية للمعاقني‪ ،‬فكانت موجهة نحو املكفوفني ثم‬ ‫الص� � ��م‪ ،‬بينما تأخ� � ��رت خدمات املتخلف� �ي��ن عقلياً‪،‬‬ ‫وهذه االستعدادات على خجلها ال تغطي احتياجات‬ ‫‪ 2‬في املائة م� � ��ن املعاقني العرب عل� � ��ى أكثر تقدير‪،‬‬ ‫ويؤخ� � ��ذ في االعتبار أن اإلن� � ��اث أقل حظاً في تلقي‬ ‫اخلدمات‪ ،‬وأن ذوي اإلعاقة الشديدة أقل حظاً من‬ ‫ذوي اإلعاقة البس� � ��يطة‪ ،‬في ظل ندرة اخلدمات في‬ ‫املناطق الريفية‪ ،‬ووس� � ��ط غياب برام� � ��ج محدودية‬ ‫التدخل املبك� � ��ر وخدمات التعلي� � ��م التي أخذت في‬ ‫‪172‬‬

‫‪9/29/16 8:59:27 AM‬‬

‫أحسن أحوالها منط املؤسس� � ��ات املنعزلة املختصة‬ ‫ب� � ��ذوي اإلعاق� � ��ة‪ ...‬كل ذلك ضمن إط� � ��ار ال يتعدى‬ ‫نصوص � � �اً وأحكاماً تفتقد املعايي� � ��ر والضوابط التي‬ ‫تكفل جديتها وتيسر تنفيذها‪.‬‬ ‫ويش� � ��ار هنا إل� � ��ى أن املعلمني املؤهل� �ي��ن للتربية‬ ‫اخلاص� � ��ة ال تع� � ��ادل نس� � ��بتهم خُ مس ع� � ��دد معلمي‬ ‫التعليم العام رغم مبادرة بعض اجلامعات إلنش� � ��اء‬ ‫أقس� � ��ام للتربية اخلاص� � ��ة‪ ،‬إال أن ر ّواده� � ��ا مازالوا‬ ‫قليل� �ي��ن‪ ،‬والبرامج التدريبية في ه� � ��ذا املجال تكاد‬ ‫تكون معدومة‪.‬‬

‫بشائر أمل‬

‫إال أن نظرة ش� � ��مولية للعالم احلديث تتفاءل‬ ‫باخلير ملس� � ��تقبل ذوي االحتياجات اخلاصة‪ ،‬فقد‬ ‫قدمت التقنيات احلديثة آفاقاً عظيمة الستيعاب‬ ‫كل مس� � ��تويات اإلعاقة‪ ،‬وهيأت الوسائل املناسبة‬ ‫للتعليم والقراءة والكتابة ووسائل احلركة وأدوات‬ ‫التعوي� � ��ض‪ .‬ويحدونا األمل في اس� � ��تيراد املجتمع‬ ‫العرب� � ��ي ه� � ��ذه التقني� � ��ات والوس� � ��ائل وتبنيها في‬ ‫مؤسس� � ��اته االجتماعية والتعليمي� � ��ة‪ ،‬ليعيد لذوي‬ ‫االحتياج� � ��ات ما غاب من إنس� � ��انيتهم وكرامتهم‪،‬‬ ‫فيتش� � ��اركون ف� � ��ي املجتم� � ��ع معتزي� � ��ن بذواته� � ��م‬ ‫ومساهماتهم وإنتاجاتهم‪.‬‬ ‫إزاء ذلك وبفضل اس� � ��تخدام وس� � ��ائل االتصال‬ ‫والتكنولوجي� � ��ا احلديثة في الدول املتقدمة‪ ،‬س� � ��هل‬ ‫دمج ذوي االحتياجات اخلاصة في احلقل التعليمي‬ ‫وتيسر استثمار قدراتهم في حتسني املردود اإلنتاجي‬ ‫للمجتم� � ��ع‪ ،‬فمث ً‬ ‫ال اس� � ��تطاعت مجموع� � ��ة من ذوي‬ ‫التأخر الذهني‪ ،‬بدعم من أحد األش� � ��خاص‪ ،‬تسلّم‬ ‫إدارة فن� � ��دق كان على وش� � ��ك اإلغالق‪ ،‬وبعد عامني‬ ‫من العمل‪ ،‬جنحت املجموعة في حتقيق عائد ربحي‬ ‫وس� � ��معة طيبة‪ ،‬إذ غدا من أعلى املس� � ��تويات ويضم‬ ‫وسط جدرانه قاعة مشهورة خاصة للمؤمترات‪.‬‬ ‫إن م� � ��ن األول� � ��ى احتذاء هذا املث� � ��ل في املجتمع‬ ‫العرب� � ��ي‪ ،‬ففي� � ��ه تفريغ حلج� � ��م كبير م� � ��ن الطاقات‬ ‫املش� � ��حونة املعطلة‪ ،‬وفيه على األقل انتصار لآلثار‬ ‫النفس� � ��ية الناجمة عن اإلعاقة املتس� � ��ببة‪ ،‬على أقل‬ ‫مقدار‪ ،‬في قهر نس� � ��بة ال يس� � ��تهان بها من املجتمع‪،‬‬ ‫فالدمار النفس� � ��ي لذوي اإلعاق� � ��ة ال يطولهم فقط‪،‬‬ ‫العدد ‪ - 696‬نوفمبر ‪2016‬‬

‫‪nov 171-174.indd 172‬‬


‫الكويت عاصمة الثقافة اإلسالمية ‪2016‬‬

‫التربية للجميع واملجتمع للجميع شعار البد من تنفيذه في مجتمعاتنا العربية‬

‫وإمن� � ��ا يط� � ��ول ذويه� � ��م‪ ،‬وخاص� � ��ة الوال� � ��دة والوالد‬ ‫واإلخوة‪ ،‬فهم دوماً في قل� � ��ق عليهم‪ ...‬على واقعهم‬ ‫ومستقبلهم‪.‬‬

‫آالم نفسية رهيبة‬

‫يقول رينيه (مصاب بش� � ��لل من� � ��ذ طفولته) في‬ ‫مع� � ��رض كالمه عن اآلث� � ��ار النفس� � ��ية الناجمة عن‬ ‫اإلعاق� � ��ة‪« :‬إذا تألم ذوو اإلعاقة من إعاقتهم‪ ،‬فإنهم‬ ‫حقيقة يتأملون من أس� � ��لوب تعام� � ��ل غيرهم معهم»‪.‬‬ ‫وتقول س� � ��وزان (من ذوي االحتياج� � ��ات اخلاصة)‪:‬‬ ‫«إن املجتم� � ��ع هو ال� � ��ذي يصنع اإلعاقة‪ ،‬يس� � ��تطيع‬ ‫اإلنس� � ��ان التحم� � ��ل إذا كان محبوب � � �اً»‪ .‬ويقول آخر‪:‬‬ ‫«احلياة ممكنة مع اإلعاقة على أن يكون بقربك من‬ ‫يس� � ��ندك ويدعمك»‪ .‬وتقول أخ� � ��رى‪« :‬أفجعني قول‬ ‫أب� � ��ي في أحد األيام لرفاقه إن� � ��ه َّ‬ ‫فضل قيام والدتي‬ ‫بإجهاضي‪ .‬كان قوله كارثة سببت لي آالماً مبرحة‪،‬‬ ‫خاصة أنني أشعر بالسعادة‪.»...‬‬ ‫وتصف وال� � ��دة ولدها ذا اإلعاقة‪ :‬هو قريب من‬ ‫ضيق محيطه‪ ،‬يش� � ��عر بالالعدالة‪ ،‬هو س� � ��عيد معنا‬ ‫نابض باحلياة ولكن يس� � ��تصعب الس� � ��عادة مع بيئته‬ ‫دمج ذوي االحتياجات اخلاصة في املدارس مطلب أساسي‬ ‫‪9/29/16 8:59:32 AM‬‬

‫الواس� � ��عة‪ ،‬املدرس� � ��ة‪ ،‬األقارب‪ ،‬الرفاق‪ ،‬لم يُد َع يوماً‬ ‫إل� � ��ى حفل‪ ،‬أعتقد أن الناس يخش� � ��ون التعامل معه‪،‬‬ ‫رمبا يخش� � ��ون من الع� � ��دوى‪ ،‬من حص� � ��ول ذلك مع‬ ‫أوالدهم‪ ،‬تس� � ��ألني األمهات‪ :‬كيف حصل ذلك؟ نحن‬ ‫في مجتمع ٍ‬ ‫قاس ال نهتم مبآسي الغير»‪.‬‬ ‫إن ه� � ��ذه الكلمات تهز املش� � ��اعر واألحاس� � ��يس‬ ‫لتحوله� � ��ا إلى مواقف إنس� � ��انية داعمة تس� � ��هم على‬ ‫أقل مق� � ��دار في حتمل نظرات الش� � ��فقة‪ ،‬العدائية‪،‬‬ ‫التجاهل وعدم التفهم‪.‬‬

‫تراكمات سلبية‬

‫لق� � ��د أثبتت التجارب التي عاش� � ��تها أمهات ذوي‬ ‫االحتياج� � ��ات اخلاصة أنهن الفئ� � ��ة األكثر تأملاً‪ ،‬فهن‬ ‫يتحملن التراكمات االجتماعية السلبية‪ ،‬فالبقاء في‬ ‫البي� � ��ت مع أبنائهن ليس هو احل� � ��ل األمثل‪ ،‬هن يعني‬ ‫الالت� � ��وازن هذا‪ ،‬ولكن ال يعلمن آلية للخروج من هذا‬ ‫القفص‪ ،‬فهو أفضل مساعد لتلبية حاجات أبنائهن‪...‬‬ ‫الب� � ��د من تضحية «نأي الولد عن احلياة االجتماعية‬ ‫الطبيعية أو نأي أحد أعضاء األسرة‪ ،‬وغالباً ما يكون‬ ‫األم‪ .‬البد من تضحية‪ ...‬ليس باالستطاعة التغيير»‪،‬‬ ‫‪173‬‬

‫‪nov 171-174.indd 173‬‬


‫ولكن ف� � ��ي حال وجود إرادة سياس� � ��ية تدعو املجتمع‬ ‫كافة‪ ,‬آباء ومؤسسات تربوية واجتماعية ومختصني‪،‬‬ ‫للعم� � ��ل كفرقة متناغمة‪ ،‬يس� � ��توي األمر ويس� � ��تقيم‪،‬‬ ‫وهنا يتجلى دور املدرس� � ��ة ويبرز كإحدى املؤسسات‬ ‫التربوي� � ��ة الداعمة للمجتمع وجلمي� � ��ع أبناء املجتمع‬ ‫على السواء‪ ،‬يتجلى في سمته احلضاري ليأخذ بيد‬ ‫ذوي االحتياج� � ��ات اخلاصة ويعود به� � ��م إلى مكانهم‬ ‫الطبيعي وس� � ��ط املجتمع وفي مؤسساته التعليمية‪...‬‬ ‫إذن الب ّد من الدمج في املدارس‪.‬‬

‫‪ -2‬الدمج في املدارس‬

‫بعد ش� � ��عار عام ‪( 1981‬السنة الدولية للمعاقني)‪،‬‬ ‫س� � ��ادت مفاهيم مثل «املس� � ��اواة واملش� � ��اركة الكاملة»‬ ‫و«التربية للجميع» و«مجتمع للجميع»‪ ،‬التي تشير في‬ ‫مجملها إلى مس� � ��ؤولية املجتمع حيال أفراده من ذوي‬ ‫االحتياج� � ��ات اخلاصة وتهيئته ليتالءم مع متطلباتهم‪.‬‬ ‫ث� � ��م جاء اإلع� �ل��ان العاملي حلق� � ��وق اإلنس� � ��ان تتويجاً‬ ‫�ص على حق ذوي‬ ‫ألبرز س� � ��مات هذه املرحلة‪ ،‬وقد ن� � � ّ‬ ‫االحتياج� � ��ات اخلاصة في التعليم ومس� � ��ؤولية النظام‬ ‫التعليم� � ��ي نحوهم‪ .‬ف� � ��كان احلل األمث� � ��ل في دمجهم‬ ‫باملدارس العامة‪.‬‬ ‫وقد س� � ��بق مفه� � ��وم الدم� � ��ج مفه� � ��وم العادية ‪La‬‬ ‫‪ Normalization‬الذي يقصد به تأمني نوع من احلياة‬ ‫العادي� � ��ة ما أمك� � ��ن ونأيهم عن اخلدمات املؤسس� � ��ية‬ ‫املنعزلة‪ ،‬وال ش� � ��ك في أن «هذا املفهوم قد شكل ثورة‬ ‫ضد التقليد املعروف‪ ،‬وكان الس� � ��بيل األوحد لتحقيقه‬ ‫دمج هؤالء األفراد في الوسط املجتمعي»‪.‬‬ ‫واخلطوة األولى في هذا املجال هي إعداد األسرة‬ ‫واملدرس� � ��ة واملجتمع لتقبل ه� � ��ذه الفكرة‪ ،‬فعدم التوعية‬

‫االجتماعي� � ��ة وع� � ��دم تأهي� � ��ل الطالب واألس� � ��اتذة في‬ ‫املدارس للتعايش مع ذوي االحتياجات اخلاصة يؤديان‬ ‫بالدم� � ��ج إلى دور معاكس يس� � ��يء إليهم بدالً من األخذ‬ ‫بيدهم‪ ،‬والنظرة السلبية التي يتلقاها اإلنسان من غيره‬ ‫تترك بصماتها جلية على تقديره الذاتي ليصل به إلى‬ ‫أدن� � ��ى املس� � ��تويات‪ .‬وقد برز في هذا املجال مس� � ��مى‬ ‫«ذوي االحتياج� � ��ات التعليمي� � ��ة اخلاص� � ��ة» عوضاً عن‬ ‫مس� � ��مى «معاقني» الذي يعني الوصم باإلعاقة‪ ،‬وهذا‬ ‫في حد ذاته خدش إلنس� � ��انيتهم‪ ،‬فض ً‬ ‫ال عن تكريسه‬ ‫ملبدأ فرض العزل على هذه الفئة‪ .‬فالنظرة اخلاصة‬ ‫لهذه الفئة تلقي الضوء ساطعاً على إعاقتها مستبعدة‬ ‫نقاط التشابه وقدراتها السو ّية بل واملبدعة أحياناً‪.‬‬ ‫فاألول� � ��ى إذن التركي� � ��ز عل� � ��ى قدرات� � ��ه بتعزيزها‬ ‫وتطويره� � ��ا ملنحه الثق� � ��ة بالنفس والش� � ��عور بالنجاح‬ ‫والفرح‪ ،‬االتس� � ��ام بروح التس� � ��امح واإلخاء مع الغير‪،‬‬ ‫تنمي� � ��ة اجلانب االجتماعي املعرفي‪ ،‬وتكوين صداقات‬ ‫جيدة ومس� � ��تقرة تبعد عنه ش� � ��بح الش� � ��عور بالقصور‬ ‫والعج� � ��ز والدونية‪ .‬إن التفاعل م� � ��ع ذوي االحتياجات‬ ‫اخلاصة يلقي بظالله أيضاً على األصحاء‪ ،‬فيرفع من‬ ‫مس� � ��توى درجة التقبل االجتماعي للغير لديهم‪ ،‬وينمي‬ ‫لديهم مهارات التواصل والوعي االجتماعي‪ ،‬ويس� � ��هم‬ ‫في بناء شبكة أوسع وأجنح من العالقات اإلنسانية‪.‬‬ ‫إن سياس� � ��ة الدم� � ��ج ذات أثر إيجاب� � ��ي على احلقل‬ ‫االقتص� � ��ادي‪ ،‬إذ تس� � ��تبعد الكلف� � ��ة االقتصادية الباهظة‬ ‫إلقامة األبنية واملرافق اخلاصة والطاقم اإلداري املالئم‪.‬‬ ‫فالدع� � ��وة إذن مفتوحة إلتاحة الف� � ��رص متكافئة جلميع‬ ‫الطالب للتعل� � ��م‪ ،‬بغض النظر عن االحتياجات التربوية‪،‬‬ ‫وعل� � ��ى املدارس تأمني املش� � ��اركة الفاعلة لهم جميعاً في‬ ‫ظل وافر من الظروف األكادميية واالجتماعية >‬

‫أو تتوب‬ ‫جيء بشبيب بن شيبة وقد أجرم كثيراً‪ ،‬في مجلس القاضي عمرو بن عبيد‪ ،‬فعطس‬ ‫شبيب ثالث مرات‪ ،‬كل ذلك وعمرو بن عبيد ال ُيشمته‪ .‬وشبيب يرفع صوته بالتحميد‪،‬‬ ‫فقال له عمرو في «الثالثة»‪ :‬لو تقطعت نفسك ما سمعتها مني‪ ،‬أو تتوب‪.‬‬

‫‪174‬‬

‫‪9/29/16 8:59:37 AM‬‬

‫العدد ‪ - 696‬نوفمبر ‪2016‬‬

‫‪nov 171-174.indd 174‬‬


‫الكويت عاصمة الثقافة اإلسالمية ‪2016‬‬

‫البيت العربي‬

‫بعد أكثر من عشرين عام ًا‪...‬‬

‫«رشيدة» الجزائرية مازالت تبحث عن حريتها‬ ‫دهبية مشدال‬

‫كاتبة من اجلزائر‬

‫م ّرت الم���رأة الجزائرية ف���ي تاريخها المعاصر بعديد م���ن المتغيرات التي‬ ‫أث���رت على أوضاعها بش���كل كبير‪ .‬وبش���كل عام كانت هن���اك مرحلتان‬ ‫تاريخيت���ان كبيرتا األث���ر على أوضاع المرأة في الجزائ���ر‪ ،‬األولى بلغت نحو‬ ‫‪ 130‬عام ًا من االستعمار الفرنسي الذي احتل األرض وحرم الفرد الجزائري‬ ‫من استقالله‪ ،‬ووضع أثقاله على المرأة بطبيعة الحال وجعلها محرومة‬ ‫م���ن التعبير عن ذاته���ا وحريتها كمواطنة تنتمي لوطنه���ا‪ ،‬أما المرحلة‬ ‫الثانية فقد امتدت عقداً أس���ود خالل تس���عينيات الق���رن الماضي‪ ،‬الذي‬ ‫ش���هدت فيه الجزائر انتشار العنف ضد المجتمع بأكمله‪ ،‬من قبل القوى‬ ‫الظالمية المتش���ددة‪ ،‬وكان���ت المرأة الجزائرية األكث���ر تط ّرف ًا‪ ،‬ألنها كانت‬ ‫تعامل باعتبار وجودها كله حرام ًا‪.‬‬

‫احلقيقة أن امل� � ��رأة اجلزائرية خالل الفترة التي‬ ‫أعقب� � ��ت االس� � ��تقالل من احملتل الفرنس� � ��ي جاهدت‬ ‫م� � ��ن أجل اس� � ��تعادة حريته� � ��ا‪ ،‬وجنحت ف� � ��ي حتقيق‬ ‫ذاتها وإثبات وجودها‪ ،‬واحتلت مكانة أساس� � ��ية في‬ ‫املجتم� � ��ع‪ ،‬وقد بنت ذاتها بناء عل� � ��ى ما قدمته أيضاً‬ ‫خالل فترة االحتالل من دور مهم في الكفاح الوطني‬ ‫ضد االستعمار‪.‬‬ ‫وتغير بالتالي دوره� � ��ا في املجتمع‪ ،‬ومتكنت من‬ ‫تغيير النظرة لها‪ ،‬فلم يعد دورها مقتصراً على ذلك‬ ‫الدور التقليدي كزوجة تقليدية تتحمل وحدها عبء‬ ‫التنظي� � ��ف والترتيب والطهي‪ ،‬فحس� � ��ب‪ ،‬بل اقتحمت‬ ‫مج� � ��االت عديدة‪ ،‬ولعب� � ��ت أدواراً مهمة‪ ،‬في مختلف‬ ‫املجاالت في املجتمع‪ ،‬وانتزع� � ��ت أدواراً برعت فيها‬ ‫بعدما كانت حكراً على الرجل فقط‪.‬‬ ‫«رشيدة» اجلزائرية مازالت تبحث عن حريتها‬ ‫‪9/29/16 8:59:57 AM‬‬

‫بل إنها تفوقت وأصبحت ترأس الرجل في أكثر‬ ‫من مكان وفق � � �اً لكفاءتها في العمل‪ .‬فقد أثبتت أنها‬ ‫ند له وأكثر ش� � ��جاعة منه أحياناً في بعض املواقف‪.‬‬ ‫والش� � ��ك في أن هذا التغي� � ��ر اجلديد الذي طرأ على‬ ‫أوضاع املرأة أثر بش� � ��كل كبير على عالقتها بنفسها‪،‬‬ ‫فأصبح� � ��ت أكثر حترراً‪ ،‬لها حرية أن ترتدي ما تريد‬ ‫وتتنق� � ��ل أينما ش� � ��اءت من دون إزع� � ��اج‪ ،‬ومن دون أن‬ ‫تتعرض ألي حترش جنسي‪ ،‬واستمرت األوضاع على‬ ‫هذا النحو حتى بدأت تيارات اإلسالم السياسي في‬ ‫الظهور‪.‬‬ ‫فمع انتشار العنف وظاهرة اإلرهاب التي تسببت‬ ‫ف� � ��ي أحداث دموية فاق� � ��ت كل التصورات‪ ،‬وجتاوزت‬ ‫كل م� � ��ا تُقره األدي� � ��ان‪ ،‬عانت املرأة مآس� � ��ي حقيقية‪،‬‬ ‫وم� � ��ن اإلكراه واإلحباط‪ ،‬واخل� � ��وف والقلق‪ .‬وإذا كان‬ ‫‪175‬‬

‫‪nov 175-178.indd 175‬‬


‫املجتم� � ��ع املدني اجلزائري كله قد أصبح مس� � ��تهدفاً‬ ‫م� � ��ن التيارات املتش� � ��ددة‪ ،‬ف� � ��إن املرأة ق� � ��د تضاعف‬ ‫اس� � ��تهدافها‪ ،‬مرة كمواطنة مدني� � ��ة واألخرى كامرأة‪.‬‬ ‫وف� � ��ي ظل قس� � ��وة الظرف ال� � ��ذي مر عل� � ��ى اجلزائر‬ ‫عموماً‪ ،‬كان اخليار الذي خضع له عديد من نس� � ��اء‬ ‫اجلزائر هو الصمت‪.‬‬ ‫لكن بعض النس� � ��اء لم يخضعن ملثل هذا اخليار‪،‬‬ ‫ال� � ��ذي وج� � ��دت فيه الكثي� � ��رات نوعاً م� � ��ن اإلجحاف‬ ‫والظل� � ��م‪ ،‬واختارت بعض من امتلكن وس� � ��ائل التعبير‬ ‫أن يتحدث� � ��ن على لس� � ��ان آالف النس� � ��اء اجلزائريات‬ ‫الصامتات‪.‬‬

‫ميينة شويخ‬

‫ومن بني هذه النماذج النس� � ��وية ق� � ��ررت الفنانة‬ ‫ميينة بشير شويخ‪ ،‬وهي مخرجة جزائرية من مواليد‬ ‫عام ‪ ،1954‬أن تتوسل صوت الفن واخليال‪ ،‬لكي تعبر‬ ‫به عن معاناة املرأة اجلزائرية وترفع صوتها املقموع‬ ‫آنذاك عالياً‪ .‬أخرجت ميينة شويخ فيلماً منحته اسم‬ ‫«رش� � ��يدة»‪ .‬فكرة الفيلم استلهمتها الفنانة اجلزائرية‬ ‫م� � ��ن واقعة حقيقي� � ��ة‪ ،‬ورصدت في� � ��ه أوالً مظاهر ما‬ ‫تعرضت له اجلزائر من قتل‪ ،‬وما سال في شوارعها‬ ‫من دماء‪ ،‬بش� � ��كل أعطى وصف � � �اً دقيقاً لبالد لم تكن‬

‫تتوقف عن مس� � ��ح دموعها على شهدائها‪ ،‬وال تتوقف‬ ‫عن تضميد جراحها بسبب ذلك الكابوس‪.‬‬ ‫كانت رش� � ��يدة واحدة من نس� � ��اء اجلزائر الالتي‬ ‫قاومن ما أراده لهن املتشددون‪ .‬ويحكي الفيلم قصتها‪،‬‬ ‫وهي معلمة في إح� � ��دى املدارس‪ ،‬وال تقبل تهديدات‬ ‫املتشددين لها‪ ،‬بعد أن رفضت أن تساعدهم في وضع‬ ‫قنبلة في املدرسة التي تعمل بها‪ ،‬فيحاولون اغتيالها‪،‬‬ ‫لكنه� � ��ا تنجو من القتل‪ ،‬وته� � ��رب من اإلرهابيني‪ .‬وقد‬ ‫ش� � ��ارك في متثيل الفيلم مجموعة الفنانني‪ :‬ابتسام‬ ‫ج� � ��وادي الت� � ��ي لعبت دور رش� � ��يدة‪ ،‬وبهية راش� � ��دي‪،‬‬ ‫وحميد رماس‪ ،‬وزكي بولنافض‪ ،‬ورش� � ��يدة ميساوي‪،‬‬ ‫وعبدالقادر بلمقدم‪ ،‬وأمل ش� � ��وخ‪ ،‬وعز الدين بوقرة‪.‬‬ ‫وحص� � ��ل الفيلم ال� � ��ذي أنتج ع� � ��ام ‪ 2002‬على جوائز‬ ‫عاملية عدة‪.‬‬

‫بني الفن والواقع‬

‫الف� � ��ارق ب� �ي��ن الفيل� � ��م والقصة التي اس� � ��تلهمتها‬ ‫املخرج� � ��ة يع� � ��ود إل� � ��ى أن البطلة ف� � ��ي احلقيقة قد‬ ‫تعرضت للقتل بالفع� � ��ل‪ ،‬لكن في الفيلم تبقى البطلة‬ ‫حية لتعطينا املخرج� � ��ة تناقضاً جمي ً‬ ‫ال في مرحلتني‬ ‫مختلفت� �ي��ن من حياة رش� � ��يدة التي عان� � ��ت اإلحباط‬ ‫واليأس‪ ،‬وحمل� � ��ت قيم الصبر والعمل والصمود التي‬

‫جزائرية تستخدم وسيلة فنية لتأكيد كيان املرأة بكتابة كلمة امرأة على مالبسها‬ ‫‪176‬‬

‫‪9/29/16 9:00:04 AM‬‬

‫العدد ‪ - 696‬نوفمبر ‪2016‬‬

‫‪nov 175-178.indd 176‬‬


‫الكويت عاصمة الثقافة اإلسالمية ‪2016‬‬

‫تضاعف استهداف املرأة من التيارات املتشددة خالل التسعينيات‬

‫جعلتها تواصل مهنتها وعطاءها للمجتمع‪.‬‬ ‫كانت املخرجة ش� � ��ويخ قد بدأت العمل في حقل‬ ‫السينما مس� � ��اعدة في إنتاج األفالم السينمائية عام‬ ‫‪ ،1973‬وعمل� � ��ت ف� � ��ي مونتاج األفالم م� � ��ع مخرجني‬ ‫جزائريني مثل عبدالقادر لقاط‪ ،‬وأحمد رشدي‪ ،‬ومع‬ ‫زوجها محمد ش� � ��ويخ‪ ،‬وإلى جانب عملها في ميدان‬ ‫املونتاج‪ ،‬كتبت سيناريوهات عدة‪.‬‬ ‫وم� � ��ن هذه اخلبرة أقدمت على كتابة س� � ��يناريو‬ ‫«رش� � ��يدة»‪ ،‬الذي يصور لنا قصة حي� � ��اة فتاة تدعى‬ ‫رش� � ��يدة‪ ،‬تعيش حياة بس� � ��يطة في حي ش� � ��عبي في‬ ‫العاصمة م� � ��ع والدتها‪ ،‬وتزاول عمله� � ��ا كمعلمة في‬ ‫مدرس� � ��ة ابتدائية‪ ،‬وتعيش متح� � ��ررة من تلك القيود‬ ‫التي فرضها األصولي� � ��ون‪ ،‬حيث أصرت أال ترتدي‬ ‫احلجاب في زمن كان كشف شعر املرأة سبباً كافياً‬ ‫إلقام� � ��ة احل� � ��د عليها‪ ،‬ول� � ��م يكن هذا ه� � ��و التحدي‬ ‫الوحي� � ��د‪ ،‬بل إنها رفض� � ��ت اخلضوع لإلرهابيني في‬ ‫كل م� � ��ا طالبوها ب� � ��ه‪ ،‬وصوالً لرفضه� � ��ا وضع قنبلة‬ ‫في مدرس� � ��تها‪ ،‬وفي حلظة رفضه� � ��ا يطلق أحدهم‬ ‫عليها النار‪ ،‬ويتركونها لتموت ويتحول الشارع املليء‬ ‫بالضجيج إلى س� � ��كون ع� � ��ام‪ ،‬فاجلميع أخذ موقف‬ ‫املتف� � ��رج‪ ،‬لتُنق� � ��ل بعد ذلك على جناح الس� � ��رعة إلى‬ ‫«رشيدة» اجلزائرية مازالت تبحث عن حريتها‬ ‫‪9/29/16 9:00:09 AM‬‬

‫املستشفى‪ ،‬حيث يأتي لزيارتها أمها وخطيبها على‬ ‫وجه السرعة‪.‬‬

‫درس اليوم!‬ ‫ويتم إنقاذ رش� � ��يدة لتخرج من املستشفى‪ ،‬لكنها‬ ‫تعاني الشعور املرضي باخلوف‪ ،‬ولديها شعور يتملكها‬ ‫باستمرار بأن هناك من يطاردها‪ .‬وتكتشف أن احلياة‬ ‫قد باتت مستحيلة في العاصمة‪ ،‬لذا تق ّرر هي وأمها‬ ‫مغادرتها إلى الريف‪ ،‬لعلها تكون في منأى عن هؤالء‬ ‫اإلرهابيني‪ .‬وتستعيد رش� � ��يدة وظيفتها كمدرسة في‬ ‫مدرس� � ��ة ابتدائية في القرية الت� � ��ي أقامت بها‪ ،‬لتبدأ‬ ‫في استعادة تفاصيل حياتها في‪ ‬املدينة تدريجياً مع‬ ‫أمها‪ ،‬لتزداد األحداث الدرامية تصعيداً وتبلغ ذروتها‬ ‫من جراء األعمال اإلرهابية‪ ،‬االغتصاب‪ ،‬االختطاف‪،‬‬ ‫القتل‪ ،‬العنف‪ .‬وينتهي الفيلم بفاجعة ومجزرة‪ ،‬حيث‬ ‫يتحول عرس إحدى الفتيات في القرية‪ ،‬والتي زوجت‬ ‫غصباً عنها إلى مذبحة للقرية بأكملها‪ ،‬وتنجو رشيدة‬ ‫بأعجوبة‪ ،‬وتستعيد شجاعتها‪ ،‬وتظهر وسط اخلراب‬ ‫والدمار تس� � ��ير ببطء شديد وتضع جهاز الـ«ووكمان»‬ ‫على أذنيها‪ ،‬تنصت فيه إلى املوس� � ��يقى التي حتبها‪.‬‬ ‫وتتوجه إلى املدرسة ويجتم ُع حولها األطفال لتستأنف‬ ‫‪177‬‬

‫‪nov 175-178.indd 177‬‬


‫في كل بيت جزائري توجد قصة تشبه قصة رشيدة‬

‫درسها وتكتب على السبورة «درس اليوم»‪.‬‬ ‫اختارت السيناريس� � ��ت عنوان «رش� � ��يدة» لترسيخ‬ ‫فك� � ��رة أن موضوع الفيلم يخص فئ� � ��ة اجتماعية وهي‬ ‫النساء‪ ،‬ومع ذلك فهي لم تقصد القول إن الفيلم موجه‬ ‫فقط إلى هذه الفئة‪ ،‬بل يتناول واقعاً اجتماعياً وأمنياً‬ ‫مرتبطاً باملرأة‪ ‬اجلزائرية التي وجدت نفسها محرومة‬ ‫من أبس� � ��ط حقوقها‪ ،‬وميارس عليها القمع والتس� � ��لط‬ ‫يومياً من جماعات ال تنتمي لها فكرياً وال عائلياً‪.‬‬ ‫وق� � ��د اس� � ��تمر تأثير هذه الس� � ��لوكيات ف� � ��ي حياة‬ ‫اجلزائريني بعد انتهاء العشرية السوداء لفترة‪ ،‬إذ ظل‬ ‫أغلب النساء يشعرن باخلوف‪.‬‬ ‫كما أن الرجل اجلزائري بقي بسبب هذه األوضاع‬ ‫التي س� � ��ادت فت� � ��رة طويل� � ��ة‪ ،‬أيضاً‪ ،‬خائف � � �اً من وجود‬ ‫امل� � ��رأة بجواره‪ .‬لكن ميينة ش� � ��ويخ أرادت أن تغير هذه‬ ‫املفاهيم عن املرأة‪ ،‬وجعل املجتمع يؤمن بأهمية دورها‬ ‫ومشاركتها في جميع القطاعات‪ ،‬الثقافية‪ ،‬السياسية‬ ‫واالجتماعية وحتى االقتصادي� � ��ة‪ ،‬من خالل االعتماد‬ ‫على العنصر النسوي في املدرسة واملستشفى وغيرها‬ ‫من األنش� � ��طة التي أظهرتها في الفيلم‪ .‬عاشت املرأة‬ ‫واقع � � �اً مريراً في تلك الفترة‪ ،‬وكان لها النصيب األكبر‬ ‫من ه� � ��ذه املعاناة‪ ،‬فهي تش� � ��عر بالظل� � ��م واالضطهاد‪،‬‬ ‫ولكنها فضلت التضحي� � ��ة والصمود بارتباطها العميق‬ ‫‪178‬‬

‫‪9/29/16 9:00:16 AM‬‬

‫بالرواسب الثقافية والتاريخية التي شكلت شخصيتها‬ ‫س� � ��نوات طويلة‪ ،‬لدرجة أن كثيراً م� � ��ن هذه القيم بقي‬ ‫راس� � ��خاً في فئة العنصر النسوي التي أصبحت تعاني‬ ‫مش� � ��كالت اجتماعية مع أس� � ��رتها الصغيرة‪ ،‬ومشك ً‬ ‫ال‬ ‫آخ� � ��ر مع فئ� � ��ة اجتماعي� � ��ة اختارت العن� � ��ف واإلرهاب‬ ‫لتحقيق أهدافها‪.‬‬ ‫والي� � ��وم بعد مرور أكثر من عش� � ��ر س� � ��نوات على‬ ‫عرض فيلم ميينة ش� � ��ويخ الذي حاول زرع أمل جديد‪،‬‬ ‫وبعد مرور ما يزيد على أكثر من عش� � ��رين س� � ��نة على‬ ‫احلرب األهلية‪ ،‬ف� � ��إن املجتمع اجلزائري مازال يعاني‬ ‫إرهاصات تلك الفت� � ��رة‪ .‬ففي كل بيت جزائري توجد‬ ‫قصة تشبه قصة رشيدة‪ ،‬مع األسف‪ .‬فالتش ّدد الديني‬ ‫الذي عاش� � ��ته األس� � ��ر اجلزائرية في تل� � ��ك الفترة أثر‬ ‫بشكل كبير على مفاهيم الرجل جتاه املرأة‪ .‬إذ مازالت‬ ‫تنحصر بلباسها ويبقى حتررها في بيت زوجها‪ ،‬ويبقى‬ ‫حترر املرأة نسبياً وحكراً على بعض املناطق‪.‬‬ ‫س� � ��يتحدث الرج� � ��ال وس� � ��يقولون إن كل احلقوق‬ ‫ملصلحة املرأة‪ ،‬والدستور أنصفها أكثر من الرجل‪ ،‬لكن‬ ‫الرج� � ��ل لم ينصفها ومازال يراها أداة لرغباته وصورة‬ ‫قد تش� � ��وه ش� � ��رفه‪ ...‬اليوم املرأة اجلزائرية تبحث عن‬ ‫حريته� � ��ا بعيداً عن دس� � ��اتير الدول� � ��ة‪ ،‬وتريد أن جتد‬ ‫احلرية في نظرة الرجل لها في الشارع >‬ ‫العدد ‪ - 696‬نوفمبر ‪2016‬‬

‫‪nov 175-178.indd 178‬‬


‫الكويت عاصمة الثقافة اإلسالمية ‪2016‬‬

‫المسابقة الثقافية‬ ‫أشهر املتاحف العاملية‬

‫‪1‬‬ ‫‪2‬‬ ‫‪3‬‬ ‫‪4‬‬

‫ه ��و أش ��هر متاح ��ف فرنس ��ا‪ ،‬يق ��ع ف ��ي العاصم ��ة‬ ‫الفرنس ��ية باريس‪ ،‬ويزوره سنوي ًا أكثر من ‪ 8‬ماليني‬ ‫زائ ��ر‪ ،‬وكان ف ��ي األصل قلعة بناها فيليب أوغوس ��ت‬ ‫عام ‪ ،1190‬ثم حتول إلى قصر قطنه ملوك فرنسا‪،‬‬ ‫حتى حولته الثورة الفرنسية إلى متحف‪.‬‬ ‫أ‪ -‬متحف اللوفر‪.‬‬ ‫ب‪ -‬املتحف البريطاني‪.‬‬ ‫ج‪ -‬متحف املتروبوليتان‪.‬‬ ‫ه ��و أش ��هر متاح ��ف بريطاني ��ا‪ ،‬أس ��س ع ��ام‬ ‫‪ 1753‬في العاصمة البريطانية لندن‪ ،‬ويضم‬ ‫«حجر رشيد» الشهير‪ ،‬ويزوره سنوي ًا أكثر من‬ ‫‪ 5‬ماليني شخص‪.‬‬ ‫أ‪ -‬متحف ديل برادو‪.‬‬ ‫ب‪ -‬املتحف البريطاني‪.‬‬ ‫ج‪ -‬متحف فان جوخ‪.‬‬

‫‪5‬‬ ‫‪6‬‬

‫م ��ن أكبر متاحف آس ��يا‪ ،‬أس ��س ع ��ام ‪،1945‬‬ ‫وق ��د بني بحي ��ث يق ��اوم ال ��زالزل واحلرائق‪،‬‬ ‫ويض ��م متث ��ال مايتريا‪ ،‬وتاج س ��يال الذهبي‪،‬‬ ‫ويزوره أكثر من مليوني شخص سنوي ًا‪.‬‬ ‫أ‪ -‬متحف فان جوخ‪.‬‬ ‫ب‪ -‬املتحف الوطني الكوري‪.‬‬ ‫ج‪ -‬متحف اللوفر‪.‬‬ ‫أح ��د أكبر متاحف تايوان‪ ،‬أس ��س عام ‪،1925‬‬ ‫ويض ��م حوال ��ي ‪ 7‬مالي�ي�ن قطع ��ة أثري ��ة من‬ ‫الف ��ن الصين ��ي‪ ،‬ي ��زوره أكث ��ر م ��ن مليون ��ي‬ ‫شخص سنوي ًا‪ ،‬ويقع في تايبيه بتايوان‪.‬‬ ‫أ‪ -‬متحف املتروبوليتان‪.‬‬ ‫ب‪ -‬متحف طوكيو الوطني‪.‬‬ ‫ج‪ -‬متحف القصر الوطني‪.‬‬

‫هو أش ��هر متاح ��ف الواليات املتحدة‪ ،‬أس ��س‬ ‫ع ��ام ‪ 1870‬ف ��ي س ��نترال ب ��ارك ف ��ي مدين ��ة‬ ‫نيوي ��ورك األمريكية‪ ،‬ويتمي ��ز باحتوائه على‬ ‫أكب ��ر مجموع ��ة أثري ��ة من الفن اإلس�ل�امي‪،‬‬ ‫ويزوره سنوي ًا حوالي ‪ 5‬ماليني زائر‪.‬‬ ‫أ‪ -‬متحف اللوفر‪.‬‬ ‫ب‪ -‬املتحف البريطاني‪.‬‬ ‫ج‪ -‬متحف املتروبوليتان‪.‬‬ ‫هو أش ��هر متاحف إس ��بانيا‪ ،‬أسس عام ‪1785‬‬

‫في مدريد‪ ،‬في عهد ش ��ارل الثالث‪ ،‬ويش ��تهر‬ ‫مبجموعت ��ه املمي ��زة م ��ن اللوح ��ات الزيتية‪،‬‬ ‫وي ��زوره أكث ��ر م ��ن مليون ��ي ش ��خص س ��نوي ًا‪،‬‬ ‫ويذكر أن بابلو بيكاس ��و فش ��ل ف ��ي إدارة هذا‬ ‫املتحف في ثالثينيات القرن املاضي‪.‬‬ ‫أ‪ -‬متحف ديل برادو‪.‬‬ ‫ب‪ -‬متحف األرميتاج‪.‬‬ ‫ج‪ -‬متحف طوكيو الوطني‪.‬‬

‫‪179‬‬

‫‪10/16/16 8:16:18 AM‬‬

‫‪nov 179-181.indd 179‬‬


‫‪7‬‬ ‫‪8‬‬

‫أح ��د أكبر متاحف روس ��يا‪ ،‬افتتحه القيصر‬ ‫الروس ��ي نيقوال األول عام ‪ 1852‬في مدينة‬ ‫س ��ان بطرس ��برج‪ ،‬ويض ��م ‪ 3‬مالي�ي�ن قطع ��ة‬ ‫فني ��ة‪ ،‬ويش ��تهر مبجموع ��ة م ��ن املالب ��س‬ ‫اإلمبراطورية الروس ��ية الفخمة‪ ،‬ومجموعة‬ ‫مجوهرات فابرجيه‪.‬‬ ‫أ‪ -‬املتحف البريطاني‪.‬‬ ‫ب‪ -‬متحف األرميتاج‪.‬‬ ‫ج‪ -‬متحف ديل برادو‪.‬‬

‫من أكبر املتاحف اليابانية ويقع في أوساكا‪،‬‬ ‫ويش ��تهر مبجموع ��ة م ��ن الت ��راث اليابان ��ي‬ ‫مثل أزي ��اء الكيمون ��و والس ��اموراي‪ ،‬وافتتح‬ ‫عام ‪ ،1872‬ويزوره أكثر من مليوني ش ��خص‬ ‫سنويا‪.‬‬ ‫أ‪ -‬متحف املتروبوليتان‪.‬‬ ‫ب‪ -‬متحف طوكيو الوطني‪.‬‬ ‫ج‪ -‬متحف ديغلي أوفيزي‪.‬‬

‫‪9‬‬ ‫‪10‬‬

‫ه ��و أحد أكب ��ر متاح ��ف إيطاليا‪ ،‬أس ��س عام‬ ‫‪ 1581‬ف ��ي فلورنس ��ا باعتب ��اره قص ��ر كوزميو‬ ‫األول دي ميديتش ��ي‪ ،‬وافتت ��ح للجمهور عام‬ ‫‪ ،1765‬ويض ��م مجموع ��ة م ��ن اآلث ��ار الت ��ي‬ ‫تركته ��ا أس ��رة ميديتش ��ي‪ ،‬وي ��زوره أكث ��ر من‬ ‫مليون شخص سنوي ًا‪.‬‬ ‫أ‪ -‬متحف ديغلي أوفيزي‪.‬‬ ‫ب‪ -‬متحف اللوفر‪.‬‬ ‫ج‪ -‬متحف فان جوخ‪.‬‬

‫ه ��و أكبر متاحف هولندا‪ ،‬أس ��س في ‪ 2‬يونيو‬ ‫‪ 1973‬بأمس ��تردام‪ ،‬ويضم أكبر مجموعة من‬ ‫أعمال الفنان الهولندي فان جوخ‪.‬‬ ‫أ‪ -‬متحف القصر الوطني‪.‬‬ ‫ب‪ -‬متحف اللوفر‪.‬‬ ‫ج‪ -‬متحف فان جوخ‪.‬‬

‫جوائز املسابقة‬ ‫اجلائزة األولى ‪ 100‬دينار‬ ‫اجلائزة الثانية ‪ 75‬دينا ًرا‬ ‫اجلائزة الثالثة ‪ 50‬دينا ًرا‬ ‫باإلضافة إلى ‪ 8‬جوائز تشجيعية قيمة كل منها‬ ‫‪ 40‬دينا ًرا‪.‬‬ ‫شروط املسابقة‬ ‫اإلجاب� � ��ة عن ‪ 9‬أس� � ��ئلة على األقل‪ ,‬يكت� � ��ب على الظرف‬ ‫مجلة العربي «مس� � ��ابقة العربي الع� � ��دد ‪ .»696‬آخر موعد‬ ‫لوص� � ��ول اإلجابات ه� � ��و أول فبراير ‪2017‬م‪ .‬يكتب االس ��م‬ ‫ثالثي� � ًا (بالعربية واإلجنليزية) والعنوان البريدي واضحني‪،‬‬ ‫ورق� � ��م الهاتف‪ ،‬عل� � ��ى أن تك� � ��ون البيانات البنكي� � ��ة املطلوبة‬ ‫ب � � �ـ «اإلجنليزية»‪ ،‬وهي اس� � ��م البنك والفرع وعنوانه واس� � ��م‬ ‫املستفيد ورقم احلساب واآليبان والسويفت كود‪.‬‬ ‫يرس ��ل املش ��اركون م ��ن داخ ��ل الكوي ��ت ص ��ورة البطاق ��ة‬ ‫املدنية‪.‬‬ ‫ل� � ��ن تقبل اإلجابات التي ترد إلى املجلة بواس� � ��طة البريد‬ ‫اإللكتروني‪.‬‬

‫‪180‬‬

‫‪10/16/16 8:16:22 AM‬‬

‫العدد ‪ - 696‬نوفمبر ‪2016‬‬

‫‪nov 179-181.indd 180‬‬


‫الكويت عاصمة الثقافة اإلسالمية ‪2016‬‬

‫حل مسابقة العدد ‪ 693‬أغسطس ‪2016‬‬

‫‪1‬‬

‫رواية كتبها ميخائيل شولوخوف الذي لم يحصل‬ ‫على شهادة املدرسة االبتدائية‪ ،‬ولكنه رغم ذلك‬ ‫نال جائزة نوبل عام ‪ :1965‬الدون الهادئ‪.‬‬

‫‪6‬‬

‫رواي�� ��ة يحكي فيه�� ��ا إيفان تورغينيف ع�� ��ن الصراعات‬ ‫العائلية التي تدور حول تنافس جيل الشباب ضد األجيال‬ ‫األكبر سنا في روسيا عام ‪ :1860‬اآلباء والبنون‪.‬‬

‫‪2‬‬

‫رواية كتبها فيودور دوستويفسكي حول موضوع‬ ‫اجلرمي� � ��ة وضمي� � ��ر القات� � ��ل ال� � ��ذي يفك� � ��ر في‬ ‫معن� � ��ى مفه� � ��وم العدال� � ��ة والقان� � ��ون‪ :‬اجلرمية‬ ‫والعقاب‪.‬‬

‫‪7‬‬

‫رواي�� ��ة يحك�� ��ي فيها ميخائي�� ��ل ليرمنت�� ��وف قصة‬ ‫ش�� ��خص يعتبره الناس بطال‪ ،‬ويقول فيها‪« :‬لطاملا‬ ‫تغذى الناس باحللوى حتى فسدت م َعد ُهم‪ ،‬وينبغي‬ ‫عليهم اآلن أن يتعاطوا العقاقير املُرة حتى تش�� ��فى‬ ‫معدهم»‪ :‬بطل من هذا الزمان‪.‬‬

‫‪3‬‬

‫رواي�� ��ة يحك�� ��ي فيها ليو تولس�� ��توي قص�� ��ة اجتياح‬ ‫نابليون بونابارت لألراضي الروس�� ��ية‪ ،‬ثم انسحابه‬ ‫منها‪ ،‬نتيجة عجزه عن حتمل شتاء روسيا القارص‪:‬‬ ‫احلرب والسالم‪.‬‬

‫‪8‬‬

‫رواية يحكي فيها بوريس باسترناك قصة طبيب‬ ‫وشاعر يكافح وسط اضطرابات الثورة الروسية‬ ‫في سبيل احلب واحلياة‪ :‬الدكتور جيفاجو‪.‬‬

‫‪4‬‬

‫رواية يحكي فيها مكس�� ��يم غورك�� ��ي عن أم فقيرة‬ ‫مس�� ��املة‪ ،‬يقوم أوالدها بتعليمها في سن الكبر عن‬ ‫السياس�� ��ة وحقوق املظلومني‪ ،‬ويقول فيها‪« :‬بعض‬ ‫الناس تعمى عيونهم‪ ‬من‪ ‬ش�� ��دة اجل�� ��وع‪ ،‬وبعضهم‬ ‫تعمى عيونهم من‪ ‬كثرة الذهب»‪ :‬األم‪.‬‬

‫‪9‬‬

‫رواية يتناول فيها ليو تولس�� ��توي قضية الزواج‪ ،‬من‬ ‫خالل حياة زوجة رجل أرستقراطي يهملها زوجها‪،‬‬ ‫ويفتتح تولس�� ��توي روايته باجلملة املش�� ��هورة‪« :‬كل‬ ‫العائالت الس�� ��عيدة تتشابه‪ ،‬لكن لكل عائلة تعيسة‬ ‫طريقتها اخلاصة في التعاسة»‪ :‬آنا كارنينا‪.‬‬

‫‪5‬‬

‫رواية يحكي فيها نيقوالي غوغول عن محتال يتعامل بالبيع‬ ‫والرهون� � ��ات عل� � ��ى أرواح الن� � ��اس‪ .‬ويقول فيه� � ��ا‪« :‬إن بعض‬ ‫الناس يعيش� � ��ون في هذا الوجود كمجرد بقع ولطخات على‬ ‫شخصيات اآلخرين»‪ :‬أرواح ميتة‪.‬‬

‫‪10‬‬

‫رواية يطور فيها ميخائيل بولغاكوف مس� � ��رحية‬ ‫غوته الشهيرة «فاوست»‪ ،‬حيث يكتب عن شيطان‬ ‫يلحق الدمار مبوسكو‪ :‬املعلم ومارجريتا‪.‬‬

‫أسماء الفائزين‬ ‫الفائز األول‬

‫شهاب بن عبداجلليل جوادي ‪ -‬والية قفصة‪/‬تونس‪.‬‬

‫الفائز الثاني‬

‫السيد سمير السيد أحمد ‪ -‬كفر الشيخ‪/‬مصر‪.‬‬

‫الفائز الثالث‬

‫همام بشارة غصيب ‪ -‬عمان‪/‬األردن‪.‬‬

‫الفائزون باجلوائز التشجيعية‬

‫‪ - 1‬مروة عبداحلميد قشطي ‪ -‬أبوظبي‪/‬اإلمارات‪.‬‬

‫املسابقة الثقافية‬ ‫‪10/16/16 8:16:27 AM‬‬

‫‪ - 2‬س ��كينة عبداحلكي ��م عل ��ي القديح ��ي ‪ -‬القطي ��ف‪/‬‬ ‫السعودية‪.‬‬ ‫‪ - 3‬محمد سلطان املذكور ‪ -‬احملرق‪/‬البحرين‪.‬‬ ‫‪ - 4‬إسالم محمود أحمد عمر ‪ -‬املنيا‪/‬مصر‪.‬‬ ‫‪ - 5‬زبيدة علي حليب محمد ‪ -‬الدوحة‪/‬قطر‪.‬‬ ‫‪ - 6‬نسرين خالد عبدالرحمن ‪ -‬عمان‪/‬األردن‪.‬‬ ‫‪ - 7‬ناصر حمد عبدالله ‪ -‬اجلهراء‪/‬الكويت‪.‬‬ ‫‪ - 8‬هناء حسن سويد ‪ -‬بيروت‪/‬لبنان‪.‬‬

‫‪181‬‬

‫‪nov 179-181.indd 181‬‬


‫للتصوير الفوتوغرافي‬ ‫س� � ��عيها الكتش� � ��اف طاقات إبداعية عربية‪ ،‬تنش� � ��ر «العربي» نتائج مسابقتها الش� � ��هرية ألفضل الصور‬ ‫ضمن‬ ‫فوتوغرافية‪ .‬املس� � ��ابقة مفتوحة لكل املصورين في الوطن العرب� � ��ي‪ .‬وتختار جلنة حتكيم في «العربي» ثالث‬ ‫ال‬ ‫للحصول على ثالث جوائز ش� � ��هرية‪ .‬على أن مينح الفائزون التالون اش� � ��تراكات مجانية مبجلة العربي‬ ‫صور‬ ‫كجوائز تشجيعية ملدة عام كامل‪ ،‬كما تنشر الصور الفائزة باملراكز األولى‪.‬‬

‫املشاركون في املسابقات‬ ‫الثقافية والفوتوغرافية والعربي الصغير من داخل‬ ‫دول��ة ال�ك��وي��ت‪ ،‬يجب‬ ‫أن‬ ‫ت‬ ‫�‬ ‫�ر‬ ‫ف‬ ‫�‬ ‫�ق‬ ‫ر‬ ‫سائلهم‬ ‫ب‬ ‫�‬ ‫ص‬ ‫�‬ ‫�ور‬ ‫ال‬ ‫بطاقة‬ ‫ا‬ ‫مل‬ ‫�‬ ‫�د‬ ‫ن‬ ‫�‬ ‫ي‬ ‫�‬ ‫�ة والهاتف‪،‬‬ ‫واملشاركون القصر ي‬ ‫رسلون‬ ‫صور‬ ‫ال‬ ‫بطاقة‬ ‫ا‬ ‫ملدنية ألحد األبوين‪.‬‬

‫‪1‬‬

‫الفائزة األولى‪:‬‬

‫«صغير القنفذ»‪ ،‬بعدسة‪ :‬لطيفة الدوسري‪/‬الكويت‪.‬‬

‫شروط املسابقة‬ ‫< املجاالت التي يتم التنافس فيها هي فنون الصور الشخصية‪ ،‬جماليات الطبيعة اخلالبة ورصد احلياة البرية‪ ،‬املدن والطرقات وحركة املجتمع في سعيه‬ ‫لبناء احلياة‪ ،‬التصوير في اإلضاءة املتاحة وتباين األبيض واألس� � ��ود‪ ،‬توثيق العمارة العربية واإلس� �ل��امية والتراث العاملي‪ ،‬ويحق لكل متنافس االش� � ��تراك في‬ ‫هذه املجاالت‪ < .‬األعمال الفائزة تصبح ملكاً ملجلة العربي‪ ،‬ويجوز لها نش� � ��رها بأي وس� � ��يلة إلكترونية أو طباعية مع االحتفاظ بامللكية املعنوية للمصور‪ ،‬وال‬ ‫يحق للمشارك املطالبة باسترجاع الصور غير الفائزة‪ < .‬على املشاركني مراعاة املعايير األخالقية والقانونية في الصور املقدمة‪ ،‬ومبشاركة املتسابق يتعهد‬ ‫بتحمل� � ��ه حق� � ��وق امللكية الفكرية واخلصوصية للصور‪ < .‬تكون الصور األصلية املطبوعة بحجم مناس� � ��ب ال يقل عن ‪( 5x7‬أقصر ضلع ‪ 12‬س� � ��م)‪ ،‬مع ضرورة‬ ‫تس� � ��جيل جميع البيانات اخلاصة باملوضوع (مثل مكان التصوير‪ ،‬وتاريخ التصوير وموضوع الصورة)‪ ،‬وعنوان املتس� � ��ابق‪ ،‬واسمه الثالثي (باللغة اإلجنليزية)‪،‬‬ ‫ورقم هاتفه‪ < .‬الصور الرقمية املرسلة بالبريد اإللكتروني‪ ،‬ال يقل طول (أقصر ضلع) في الصورة عن ‪ 1900‬بكسل‪( ،‬تعادل ‪ 5‬ميجا بكسل تقريباً) ويجب أن‬ ‫تكون صيغتها ‪ ، jpg‬مع ذكر جميع البيانات الس� � ��ابقة‪ < .‬لن تقبل الصور التي حتتوي على إطارات إضافية أو توقيع أو تاريخ أو عبارات مطبوعة‪ < .‬ترس� � ��ل‬ ‫الصور إلى عنوان «العربي»‪ :‬صندوق بريد ‪ ،748‬الرمز البريدي‪ ،13008 ،‬الصفاة‪ ،‬دولة الكويت‪ .‬ويكتب على املغلف بخط واضح‪ :‬مسابقة «العربي» الشهرية‬ ‫للتصوير الفوتوغرافي‪ ،‬أو على البريد اإللكتروني ‪photo@alarabi.info‬‬

‫‪182‬‬

‫‪10/16/16 8:16:49 AM‬‬

‫العدد ‪ - 696‬نوفمبر ‪2016‬‬

‫‪nov 182-183.indd 182‬‬


‫الكويت عاصمة الثقافة اإلسالمية ‪2016‬‬ ‫اجلائزة األولى‬ ‫د‪.‬ك‬

‫‪100‬‬

‫اجلائزة الثانية‬ ‫د‪.‬ك‬

‫‪75‬‬

‫اجلائزة الثالثة‬ ‫د‪.‬ك‬

‫‪50‬‬

‫‪2‬‬

‫الفائز الثاني‪:‬‬

‫«تعليق الدراجات!»‪،‬‬ ‫بعدسة‪ :‬ياسر محمد عالء الدين‪/‬‬ ‫مصر‪.‬‬

‫‪3‬‬ ‫الفائز الثالث‪:‬‬

‫«األرجوحة»‪،‬‬ ‫بعدسة‪ :‬محمد نوردين حمو‪/‬‬ ‫املغرب‪.‬‬

‫الفائزون باشتراكات مجانية في مجلة العربي‪:‬‬

‫< أمجد محمد علي‪/‬إندونيسيا < أسامة عبدالله الزايد‪/‬الكويت < موسى معوشي‪/‬اجلزائر‪.‬‬ ‫مسابقة التصوير الفوتوغرافي‬ ‫‪10/16/16 8:16:58 AM‬‬

‫‪183‬‬

‫‪nov 182-183.indd 183‬‬


‫من المكتبة العربية‬

‫العـ ْلم»‬ ‫قراءة في كتاب «علميـة ِ‬ ‫د‪ .‬عدنان بدر‬

‫كاتب من لبنان‬

‫انطلق���ت مقارب���ة الدكت���ور حس���ين دي���اب‬ ‫النقدي���ة ف���ي كتاب���ه «علمي���ة العل���م»‪ ،‬م���ن‬ ‫فرضية قوامه���ا أن التفكير عملية محكومة‬ ‫بأطر مرجعي���ة – ذهنية‪ ،‬ال س���بيل إلى فهم‬ ‫منتوجه���ا كعملي���ة تفكي���ر إال بتحليل تلك‬ ‫األطر الذهنية والبن���ى المعرفية الحاكمة‪.‬‬ ‫وتكم���ن نظرت���ه ف���ي ازدواجية عم���ل تلك‬ ‫المقارب���ة‪ ،‬إذ ينض���ح األول بمحاولت���ه إخراج‬ ‫المادة م���ن محيطه���ا التاريخ���ي المغلق‪،‬‬ ‫أم���ا بل���ورة الثان���ي فتكم���ن ف���ي محاولته‬ ‫ط���رح الم���ادة تلك حاض���راً‪ ،‬والس���ؤال عن‬ ‫مدى تحليلها ايبس���تيمولوجي ًا أو معرفي ًا‪.‬‬ ‫فبات���ت فلس���فة العل���م‪ ،‬ف���ي تطوراته���ا‬ ‫الراهن���ة‪ ،‬تلق���ي هم ًا مضاعف ًا عل���ى المعنيين بأمره���ا‪ ،‬فض ً‬ ‫ال عن أمر‬ ‫توظيفه���ا وتفعيلها في الواق���ع الحضاري لتوطي���ن الحضارة وبيئة‬ ‫البحث العلمي‪.‬‬

‫لم يعد كافياً البتة التنقيب في تاريخ الفلسفة‬ ‫القدمية عن مسوح عقالنية وممارسات جتريبية‬ ‫كانت في زمانه� � ��ا‪ .‬فالبد من جتاوز هذا املاضي‬ ‫(بع� � ��د أخذ األكثر صالحية منه) وتفعيل ممكنات‬ ‫أعمق وأش� � ��مل تتجه نحو املس� � ��تقبل‪ ،‬ألن فلسفة‬ ‫العلوم جتاوزت الطرح الوضعي البسيط واالقتصار‬ ‫‪184‬‬

‫‪10/16/16 8:17:22 AM‬‬

‫على فحص األسس املنطقية وامليتودولوجية لعدم‬ ‫الكفاية‪ .‬والعلم الرياضي ال يهبط من السماء‪ ،‬وال‬ ‫ميك� � ��ن قطف املنهجيات من الش� � ��جرة‪ ،‬بل بتهيئة‬ ‫السبل وطرح التس� � ��اؤالت‪ ،‬ألن طريق العلم شاق‬ ‫ُ‬ ‫وطويل‪ ،‬ومن األقل إل� � ��ى األكثر تعقيداً‪ .‬وهذا ما‬ ‫يحاوله الكاتب ش� � ��ارحاً أن الفلس� � ��فة لم تولد في‬ ‫العدد ‪ - 696‬نوفمبر ‪2016‬‬

‫‪nov 184-187.indd 184‬‬


‫الكويت عاصمة الثقافة اإلسالمية ‪2016‬‬ ‫ي� � ��وم واحد‪ ،‬كما أنها لم تولد من ال ش� � ��يء (فهي‬ ‫ليست إسقاطاً وليست من عدم)‪.‬‬ ‫ويس� � ��أل دياب إذا كان تاريخ الفلسفة معطى‬ ‫بديهياً‪ ،‬فكيف لها أن متلك تاريخاً؟ فمن املؤكد أن‬ ‫أي فلس� � ��فة ليست احلقيقة‪ ،‬وأن تاريخها مينحها‬ ‫أو مينع دعمها‪ ،‬وأي علم ليس احلقيقة‪ .‬لذا فإن‬ ‫تاري� � ��خ العلوم ليس تاريخاً للحقيقة‪ ،‬بل إنه تاريخ‬ ‫املعارف (اجلزئية والنسبية واملؤقتة) وتاريخ تطور‬ ‫ه� � ��ذه املعارف‪ .‬بهذا يوضح الكاتب صورة التاريخ‬ ‫العلمي على أنه تاريخ معياري ومتواتر‪.‬‬ ‫ف� � ��كل عصر ‪ -‬وفق الكاتب ‪ -‬س� � ��يكون حكماً‬ ‫رس� � ��مياً على العصور الس� � ��ابقة علي� � ��ه‪ ،‬كما أنه‬ ‫سيُحاكم من وجهة النظر العلمية للعلوم الالحقة‬ ‫بعده‪ .‬وهذا ال يكون ممكناً إال ألن التطور العلمي‬ ‫قاب� � ��ل للبرهنة (مس� � ��تنداً إلى م� � ��ا أوضحه كارل‬ ‫بوبر)‪ .‬ففكرة التطور أساس� � ��ية في تاريخ العلوم‪،‬‬ ‫وهي الت� � ��ي متنع علم � � �اً ما من امت� �ل��اك حقيقة‬ ‫مطلقة‪ ،‬م� � ��ع العلم بأن تاري� � ��خ العلم هو الضمان‬ ‫على علميته بفضل التطور الذي يشهد عليه‪.‬‬ ‫ف� � ��إذا كان تاري� � ��خ العلوم ينظر إل� � ��ى املاضي‪،‬‬ ‫فإننا جند أن تاريخ الفلس� � ��فة ينظر نحو احلاضر‬ ‫واملس� � ��تقبل‪ ،‬ألن تاريخ الفلسفة ليس نهراً طوي ً‬ ‫ال‬ ‫هادئاً‪ ،‬إنه تاريخ متحرك وحلبة صراع (اس� � ��تناد‬ ‫الكات� � ��ب هنا إلى ما يصفه كانط) وحاضره مكان‬ ‫للمعرك� � ��ة‪ ،‬ويجب أن تُع� � ��د فيه النق� � ��اط ونختار‬ ‫معس� � ��كرنا‪ ،‬فال حيادي� � ��ة فيه‪ .‬فتاريخ الفلس� � ��فة‬ ‫جزء من الفلسفة (أي من ذاته) وتاريخ صراعات‬ ‫وإبداع� � ��ات تلك الفلس� � ��فة‪ .‬إذن فهو ليس تاريخاً‬ ‫بس� � ��يطاً يركن لس � � � ّمو احلاضر على املاضي‪ ،‬بل‬ ‫إنه ج� � ��د متداخل جداً ‪ ،‬فالعل� � ��م باحلاضر يُبنى‬ ‫عل� � ��ى املاضي‪ ،‬كما أن املعرفة باملاضي يكش� � ��فها‬ ‫احلاضر‪ .‬لذا فإن التاريخ هو جزء من نفسه‪.‬‬ ‫وال يكتف� � ��ي د‪ .‬دياب به� � ��ذا العرض‪ ،‬بل يطرح‬ ‫مقولة تتس� � ��اءل‪ :‬طاملا أنه ليس هناك حضارة بل‬ ‫تش � � � ّكل حضارات‪ ،‬وليس هن� � ��اك ثقافة بل تعدد‬ ‫ثقاف� � ��ات‪ ،‬وليس هناك حداثة ب� � ��ل بناء حداثات‪،‬‬ ‫ولي� � ��س هن� � ��اك علم بل تن� � ��وع عل� � ��وم‪ ،‬وتكمن قوة‬ ‫اللغة في العبور ب� �ي��ن كل ما ذكر‪ ،‬وقوة الفكر في‬ ‫استيعاب التعدد والتنوع‪ ،‬وقوة العلم في األخذ من‬ ‫العـلْم»‬ ‫قراءة في كتاب «علميـة ِ‬ ‫‪10/16/16 8:17:25 AM‬‬

‫املعارف وبناء الصلة والترميم‪ ،‬فإن قراءة الكاتب‬ ‫االيبس� � ��تيمولوجية لعلمية العلم‪ ،‬تدفعه بعيداً عن‬ ‫عملي� � ��ة التحقي� � ��ب والتمرحل للعل� � ��م وتأخذه إلى‬ ‫البح� � ��ث في مصدري� � ��ة العلم وعلميت� � ��ه‪ .‬لذا كان‬ ‫تناوله للعلميني من زوايا النظر إلى‪ :‬مصدر العلم‪،‬‬ ‫وعملية تش � � � ّكل العلم‪ ،‬وعلمية العلم ومشروعيته‪،‬‬ ‫س� � ��ائ ً‬ ‫موجه العلم‪ ،‬وع� � ��ن مرجعية املعرفة‪،‬‬ ‫ال عن ّ‬ ‫ووجهة العلم‪.‬‬ ‫وكان ل� � ��ه مرتكز آخر بُني عل� � ��ى عملية تطور‬ ‫العلم ومحايثة املعارف التي متت (بطريقة البناء‬ ‫على‪ ،‬أو الدحض‪ ،‬أو النقد) غير ملتفت للدقة في‬ ‫التواري� � ��خ (وإن حصلت) وتفضيلها على أي حدث‬ ‫علمي‪ ،‬يعن� � ��ي أن هناك إقص� � ��اء ألهمية التأريخ‬ ‫يقابل� � ��ه اإلض� � ��اءة عل� � ��ى أهمية احل� � ��دث العلمي‬ ‫والث� � ��ورات العلمية التي جتعل م� � ��ن التاريخ رقماً‬ ‫ي� � � ّ‬ ‫�دل على زمن لنقطة التح ّول ليس أكثر‪ .‬وكذلك‬ ‫املي� � ��ل للحديث عن فلس� � ��فة العصور ال عن تاريخ‬ ‫العصور (أي فلس� � ��فة التاريخ ال تاريخ الفلسفة)‪.‬‬ ‫ويعطي مث� � ��االً على ذلك بأن أهمي� � ��ة أثينا تكمن‬ ‫في بناء الدولة والقانون واإللزام‪ ،‬وأهمية العصر‬ ‫اإلسالمي فيما أنتج من علميني‪ ،‬وأهمية ابن رشد‬ ‫فيما أس� � ��س للفيزياء‪ ،‬وأهمية الثورة الكوبرنيكية‬ ‫توصلت إليه من معارف‪،‬‬ ‫وبلورتها مع جاليلو فيما ّ‬ ‫وبعد الش� � ��ك الديكارتي أهمية كانط في فلسفته‬ ‫النقدية‪( ،‬فإن استبدال اسم آخر بالقرن احلادي‬ ‫عش� � ��ر في سيرة ابن رش� � ��د‪ ،‬ال يقلل من علميته‪،‬‬ ‫ال بل إن قلة علميته تلغي تاريخه‪ ،‬وكذا بالنس� � ��بة‬ ‫لغيره من العلميني)‪.‬‬ ‫وف� � ��ي وضعه ح� � ��داً لهذا االلتب� � ��اس‪ ،‬يقول إن‬ ‫فيلس� � ��وف العصور الس� � ��ابقة ليس األق ّل علمية‪،‬‬ ‫وإن التاريخ هو مبنزلة «رأس� � ��مال عقلي» للعقلية‬ ‫اجلديدة‪ ،‬وعليه تنمو احلض� � ��ارة‪ ،‬إذ ليس هناك‬ ‫من طفرة حضارية‪ .‬كم� � ��ا أن الربط املتوازي بني‬ ‫تاريخ الفلس� � ��فة وتاريخ احلض� � ��ارة‪ ،‬يقابله ما هو‬ ‫بني فلس� � ��فة التاريخ ومن ّو احلضارة‪ ،‬إلمكان متتع‬ ‫رحلة (التحقيب)‪ ،‬واس� � ��تحالة هذا على‬ ‫األول بامل َ َ‬ ‫الثاني العتباره رأس� � ��مال عقلي وفلسفي ال ميكن‬ ‫تسخيفه ورميه في أقبية التاريخ‪.‬‬ ‫َخبُ� � ��ر الكاتب اإلحاط� � ��ة الش� � ��املة لألصول‬ ‫‪185‬‬

‫‪nov 184-187.indd 185‬‬


‫الفلس� � ��فية وإح� � ��راك العملي� � ��ة النقدي� � ��ة عليها‪،‬‬ ‫ومن ث� � ��م العرض الواضح لعلمي� � ��ة العلم بالنظرة‬ ‫النقدية للسياق الفكري (العلمي) األوربي‪ ،‬وقبله‬ ‫العربي‪ ،‬والس� � ��ابق عليه اإلس� �ل��امي واملس� � ��يحي‪،‬‬ ‫بعد اليوناني‪ ،‬من دون تهميش للمش� � ��ارب العلمية‬ ‫الرئيس� � ��ة القبس� � ��قراطية‪ .‬باعتب� � ��اره أن النق� � ��د‬ ‫ليس (مطرقة) يس� � ��تبدل بها حام� � ��ل القلم قلمه‪،‬‬ ‫وصاحب العقل لس� � ��انه‪ ،‬وحام� � ��ل الفكر باعتباره‬ ‫النق� � ��د (مش� � ��حذة) إلعادة صوغ لبن� � ��ة نزعها من‬ ‫س� � ��ابق علي� � ��ه‪ ،‬فهدم وأس� � ��س من جدي� � ��د فبنى‪.‬‬ ‫إمن� � ��ا هو نتاج اجتهادات له� � ��ا تاريخها وأولوياتها‬ ‫ومناهجها العلمية واملوضوعية‪ .‬واس� � ��تطاع دياب‬ ‫بلورة الصراع ب� �ي��ن القدمي واجلديد وبني اخلطأ‬ ‫والصواب وبني العقل والالعقل‪ ،‬ومن ثم إخضاع‬ ‫العقل للنقد واملساءلة وكذا إخضاع الزمن العلمي‬ ‫إلعادة بنائه‪ .‬وأش� � ��ار أيضاً إلى أن للفكر النقدي‬ ‫مهمة الكش� � ��ف عن مكر التاريخ وس� � ��طوة التراث‬ ‫وفهم العال� � ��م والوجود‪ ،‬وإنتاج املعن� � ��ى واملعرفة‪،‬‬ ‫كما ميارس هذا الفكر صالحيته وإصالح نفسه‬ ‫بتع ّرضه للمس� � ��اءلة (املس� � ��اءلة ه� � ��ي آلية حلكمه‬ ‫وأداة حملاكمت� � ��ه)‪ .‬لذلك ال يس� � ��لم الفكر النقدي‬ ‫من النق� � ��د‪ ،‬ولكن بتفاوت من� � ��ط وحضور وطرق‬ ‫وممارس� � ��ة النقد بالع� � ��ودة إلى الس� � ��ياق الثقافي‬ ‫والزمان� � ��ي واملكاني‪ .‬إن حصر موضوع العلم على‬ ‫النحو املرحلي هو مدعاة التباس‪ ،‬لذا جند الكاتب‬ ‫في حديثه عن علمية العلم ايبستيمولوجياً وتناوله‬ ‫العلم من مش� � ��ارب عدة‪ ،‬ف� � ��ي النظر إلى األصول‬ ‫بداية واعتبار مج� � ��االت العلم الوضعي تالياً ومن‬ ‫ث� � ��م االلتفات إلى منجزات العلم‪ ،‬حررته أمور من‬ ‫السقوط في عدم املوضوعية‪.‬‬ ‫أربك� � ��ت الكات� � ��ب مواضيع الزم� � ��ان والتاريخ‬ ‫ِّ‬ ‫ملنظري الفالس� � ��فة احلاليني والس� � ��ابقني عليهم‪.‬‬ ‫والذي� � ��ن دخلوا في متاه� � ��ات «األمر املاضي» من‬ ‫التاريخ الذين يحاولون دوماً التفلّت منه‪ ،‬و«الراهن‬ ‫اآلني» من الزمن الذين صاروا إليه‪ ،‬ويكاد يتفلّت‬ ‫منهم وفيه ينظرون وينتظرون‪ ،‬و«الش� � ��أن اآلتي»‬ ‫وهو الغد الذي ال يدرون له مخرجاً‪ .‬لهذا كان له‬ ‫التمييز بني فلسفة التاريخ وتاريخ الفلسفة‪ .‬هذا‬ ‫األمر غير السهل ال يتم عن طريق التفريق بتقدمي‬ ‫‪186‬‬

‫‪10/16/16 8:17:29 AM‬‬

‫اس� � ��م على آخر‪ ،‬إمنا الفرق في اجلوهر واملعنى‬ ‫وحتديد وجهة الفلسفة‪ .‬وكانت له حتديدات‪:‬‬

‫فلسفة التاريخ‬

‫هي أحد اجتاهات النظر لعلميي عهد احلداثة‪،‬‬ ‫وهي مفهوم تعاقبي أقرب إلى العرضية منه إلى‬ ‫الضرورة‪ ،‬مرتبط بالنظر الفلسفي امليتافيزيقي‪.‬‬ ‫وه� � ��ذا املدخل النظري إل� � ��ى التاريخ يبدأ بداهة‬ ‫بافتراض أن للتاريخ نواميس حتكمه‪.‬‬ ‫فالس� � ��ير قدمياً يعني باجت� � ��اه‪ ،‬من احلاضر‬ ‫إلى املس� � ��تقبل‪ ،‬والس� � ��ير قدمياً يعني االجتاه من‬ ‫الق� � ��دمي إلى احلاض� � ��ر‪ .‬وعند لف� � ��ظ كلمة تاريخ‬ ‫يُوح� � ��ى لنا بتاري� � ��خ املومأ إليه مبا قب� � ��ل التاريخ‪،‬‬ ‫وجند دالئله األولى في الش� � ��رق القدمي (الصني‬ ‫والهند)‪ ،‬حيث ساد الطغيان التام‪ ،‬فكان الطاغية‬ ‫وكان� � ��وا العبي� � ��د‪ .‬أما وس� � ��ط التاري� � ��خ فقد مت ّثل‬ ‫ف� � ��ي بالد اليونان والرومان‪ ،‬ف� � ��كان العبد (القن)‬ ‫واحلر والس� � ��يد‪ .‬ومنتهى التاري� � ��خ الذي هو عهد‬ ‫املس� � ��يحية‪ ،‬فكان الفرد (حراً) وس� � ��يده املاورائي‬ ‫(والعالقة ميتافيزيقية)‪ ،‬فالعبد هو عبدالله‪ .‬تلك‬ ‫هي فلسفة التاريخ‪ ،‬التي تدرس التاريخ مبراحله‬ ‫وخصائصه وحكمه ومحكوميته‪.‬‬

‫تاريخ الفلسفة‬

‫ال ميك� � ��ن اخلل� � ��ط موضوعي � � �اً بني فلس� � ��فة‬ ‫التاريخ (التاريخ محدد) وتاريخ الفلس� � ��فة (أولوية‬ ‫الفلس� � ��فة)‪ ،‬إذ تأخذنا األولى إلى املاضي وتأتي‬ ‫بن� � ��ا الثانية م� � ��ن املاضي لتأخذنا إلى املس� � ��تقبل‬ ‫�بب لوجودها)‪.‬‬ ‫(فاملاء يخرج من النافورة وهو س� � � ٌ‬ ‫وال ميكن منطقياً‪ ،‬جعل مس� � ��افة بني العلم وتاريخ‬ ‫العلم (إنه الفصل بني اجلسد والروح)‪ ،‬فال ميكن‬ ‫قطف العلم واملعرفة كصيغة جاهزة عن ش� � ��جرة‬ ‫علمي� � ��ة أو معرفي� � ��ة‪ .‬فهذه الش� � ��جرة لها أصولها‬ ‫وجذورها العلمية‪ ،‬إذ ّ‬ ‫يتغذى آخر برعم علمي في‬ ‫رأس� � ��ها (ليطرد برعماً جديداً) من أبعد جذر من‬ ‫جذورها‪.‬‬ ‫وأُنه� � ��ي مبا أث� � ��اره الكاتب م� � ��ن أن هذا ليس‬ ‫عرض � � �اً ملنظومة فلس� � ��فية جدي� � ��دة‪ ،‬وال عرضاً‬ ‫حمل� � ��ددات أو حتى توصيات‪ ،‬إمن� � ��ا وجهة علمية‬ ‫العدد ‪ - 696‬نوفمبر ‪2016‬‬

‫‪nov 184-187.indd 186‬‬


‫الكويت عاصمة الثقافة اإلسالمية ‪2016‬‬ ‫بالطريقة االيبس� � ��تيمولوجية تخ� � ��دم العلم وتنقّي‬ ‫الفلس� � ��فة‪ ،‬ألن علمية العلم تزكو بالتدخل عليها‪،‬‬ ‫وبالطريق� � ��ة املنطقية العقالنية‪ ،‬فالبد من عرض‬ ‫ما ميكننا التمني واالنتباه إليه في محاولة تقليص‬ ‫املس� � ��افة بني العلم وتاريخ العل� � ��م‪ ،‬فما هو علمي‬ ‫الي� � ��وم‪ ،‬م� � ��ا كان ليوجد لو لم يكن له أس� � ��س من‬ ‫السابق‪ ،‬وبطريقة أدقّ ‪ :‬ليس من املمكن ومن غير‬ ‫احملبب إعطاء وزن وصفة الس ّمو لعلمية آينشتاين‬ ‫وإغفال ما قام به «طاليس وأرخميدس»‪ ،‬ال بل إن‬ ‫الس� � ��ياق يوضح أن ما وصل إليه األول هو نتيجة‬ ‫تراكمات علمية بدءاً من هؤالء القدامى‪.‬‬ ‫ووجه������ة النظ������ر (ولي������س احلك������م) عن������د‬ ‫د‪ .‬دياب تقول‪ :‬م������ن مبدأ خدمة وحتقيق علمية‬

‫العلم‪ ،‬فإن مب������دأ القطع املعرفي مبفهومه البدء‬ ‫م������ن الصفر وأقله������ا البدء من جدي������د‪ ،‬محكوم‬ ‫بأوه������ام‪ .‬وه������ل بُني������ت الث������ورات العلمي������ة على‬ ‫احتم������ال البداي������ة الصفرية أو م������ن دون قاعدة‬ ‫علمية وأسس معرفية؟ فالعلم ال يأتي من فراغ‪،‬‬ ‫وإذا كان كذلك فس������يصبح فيما بعد عدماً عند‬ ‫مواجهته أو حدوث أول ثورة علمية جديدة‪ .‬فمن‬ ‫املأل������وف إعطاء أهمية لتاري������خ العلم‪ ،‬وتقدميها‬ ‫عل������ى إنتاجيته‪ ،‬أوليس مكتش������ف اإلس������طرالب‬ ‫أكثر أهمي������ة من مطوره‪ ،‬ومركزية الش������مس لم‬ ‫حتضر لو لم ِ‬ ‫تأت لتدحض مركزية سابقة عليها‬ ‫ال ميك������ن إغفال دوام وصالبة علميتها ألكثر من‬ ‫ألفي سنة؟ >‬

‫َّ‬ ‫حظان‬

‫مل� � ��ا ولي عبدالله بن عامر العراق قصده صديقان له (أنصاري وثقفي)‪ ،‬فلما س� � ��ارا تخلف‬ ‫األنصاري وقال‪ :‬الذي أعطى ابن عامر العراق قادر على أن يعطيني‪ .‬فوفد الثقفي وقال‪ :‬أحوز‬ ‫احلظ� �ي��ن‪ .‬فلما دخل على عبدالله بن عامر قال ل� � ��ه‪ :‬ما فعل زميلك األنصاري؟ قال‪ :‬رجع إلى‬ ‫أهله‪ ،‬فأمر لألنصاري بأربعة آالف دينار فخرج الثقفي وهو يقول‪:‬‬ ‫ف��وال �ل��ه م��ا ح ��رص احل��ري��ص بنافع‬ ‫ف �ي �غ �ن��ي وال زه � ��د ال� �ق� �ن ��وع بضائر‬ ‫خرجنا جميع ًا م��ن مساقط روسنا‬ ‫ع� �ل ��ى ث� �ق ��ة م� �ن ��ا ب� �ج ��ود اب � ��ن عامر‬ ‫ف� �ل� �م ��ا أن� �خ� �ن ��ا ال� �ن���اج� �ع���ات ببابه‬ ‫ت �خ � َّل��ف ع �ن��ي ال �ي �ث��رب��ي اب� ��ن جابر‬ ‫وق � � � ��ال‪ :‬س �ت �ك �ف �ي �ن��ي ع� �ط� �ي ��ة ق � ��ادر‬ ‫ع �ل��ى م��ا ي �ش��اء ال �ي��وم ل�ل�خ�ل��ق قاهر‬ ‫ف��إن ال ��ذي أع�ط��ى ال �ع��راق اب��ن عامر‬ ‫ل ��رب ��ي ال � ��ذي أرج � ��و ل �س��د مفاقري‬ ‫ف� �ق� �ل���ت‪ :‬خ �ل��ا ل � ��ي وج � �ه� ��ه ولعله‬ ‫س�ي�ج �ع��ل ل ��ي ح ��ظ ال �ف �ت��ى امل� �ت ��زاور‬ ‫ف� �ل� �م ��ا رآن� � � ��ي س � � ��ال ع� �ن���ه صبابة‬ ‫إل� �ي���ه ك� �م ��ا ح� �ن ��ت ظ � � ��ؤار األب���اع���ر‬ ‫َف ��أ ْب ��ت وق ��د أي �ق �ن��ت أن ل �ي��س نافع ًا‬ ‫وال ض� ��ائ� ��ر ًا ش � ��يء خ �ل��اف امل� �ق ��ادر‬

‫العـلْم»‬ ‫قراءة في كتاب «علميـة ِ‬ ‫‪10/16/16 8:49:33 AM‬‬

‫‪187‬‬

‫‪nov 184-187.indd 187‬‬


‫من المكتبة األجنبية‬

‫دوافع الحرب‬ ‫تأليف‪ :‬ريتشارد نيد ليبو‬ ‫ترجمة‪ :‬د‪ .‬إيهاب عبدالرحيم علي‬ ‫عرض‪ :‬حسان العوض ‪ -‬كاتب وطبيب من سورية‬

‫الجدي���د ف���ي كت���اب «لم���اذا تتح���ارب األم���م؟‬ ‫دواف���ع الح���رب في الماض���ي والمس���تقبل» أنه‬ ‫يحل���ل بدء الح���روب من حي���ث الدواف���ع والقوة‬ ‫النس���بية للدول؛ لذلك أنش���أ كاتب���ه األمريكي‬ ‫ريتش���ارد ني���د ليب���و مجموع���ة بيان���ات تتأل���ف‬ ‫م���ن جمي���ع الح���روب‪ ،‬من���ذ ع���ام ‪ 1648‬وحت���ى‬ ‫ع���ام ‪ ،2008‬وه���ي الح���روب الت���ي كان أح���د‬ ‫أطرافه���ا عل���ى األق���ل م���ن الق���وى المهيمنة‬ ‫أو العظم���ى أو اآلفل���ة‪ ،‬والت���ي انط���وت على‬ ‫وفي���ات قتالية ال تقل ع���ن ألف‪ .‬فنتج عن هذا م���ا مجموعه ‪94‬‬ ‫حرب��� ًا م���ن بين ‪ 150‬حرب��� ًا دارت رحاها بي���ن الدول خالل ه���ذه الفترة التي‬ ‫بلغت ‪ 360‬سنة‪.‬‬

‫اخت������ار الكاتب عام ‪ 1648‬بداية‪ ،‬ألن س���ل��ام‬ ‫ويستفاليا ميثل نقطة االنطالق األوسع اعترافاً‬ ‫لنظام الدولة احلديثة‪ ،‬وقبل ذلك غالباً ما يصعب‬ ‫التمييز بني النزاعات الداخلية والدولية‪.‬‬ ‫ومن دراس������ته لهذه البيان������ات توصل الكاتب‬ ‫إلى ست فرضيات حول أنواع الدول التي يحتمل‬ ‫أن تش������عل احلروب‪ ،‬وهي خمس������ة أنواع‪ :‬القوى‬ ‫العظمى‪ .‬والقوى املهيمنة وهي قوى عظمى تتسم‬ ‫بأنها أقوى بكثير من الق������وى العظمى األخرى‪.‬‬ ‫‪188‬‬

‫‪10/16/16 8:17:55 AM‬‬

‫والق������وى الصاعدة‪ ،‬وهي دول عازمة على انتزاع‬ ‫االعتراف به������ا بوصفها قوى عظم������ى‪ .‬والقوى‬ ‫اآلفلة التي كانت يوماً ما عظمى ورمبا مهيمنة‪،‬‬ ‫بيد أنها فقدت قوتها‪ .‬والقوى الضعيفة‪.‬‬ ‫تتعل������ق فرضي������ات الكاتب بدواف������ع احلرب‬ ‫األربعة‪ :‬األمن واملصلحة واملكانة واالنتقام‪.‬‬

‫الفرضية األولى‬

‫«أش������د الدول عدوانية هي القوى الصاعدة‬ ‫العدد ‪ - 696‬نوفمبر ‪2016‬‬

‫‪nov 188-191.indd 188‬‬


‫الكويت عاصمة الثقافة اإلسالمية ‪2016‬‬ ‫التي تس������عى إلى االعتراف به������ا كقوى عظمى‪،‬‬ ‫والقوى العظمى املسيطرة التي تسعى للهيمنة»‪.‬‬ ‫كان هن� � ��اك ‪ 119‬طرف � � �اً بادئاً ألربع وتس� � ��عني‬ ‫حرباً‪ ،‬إذ انطوت بعض احلروب على أطراف بادئة‬ ‫متع� � ��ددة‪ ...‬بدأت القوى املهيمنة ‪ 24‬حرباً‪ ،‬وبدأت‬ ‫القوى الصاعدة ‪ 27‬حرباً‪ ،‬مع األخذ بعني االعتبار‬ ‫أن هذه القوى الصاع� � ��دة واملهيمنة أقل بكثير من‬ ‫عدد القوى العظمى ضمن النظام في أي وقت‪.‬‬

‫الفرضية الثانية‬

‫«نادراً م������ا تقوم القوى الصاع������دة واملهيمنة‬ ‫بشن احلروب بعضها ضد بعض‪ .‬وعندما تفعل‬ ‫ذلك‪ ،‬تك������ون القوى الصاع������دة متحالفة مع قوة‬ ‫عظمى واحدة على األقل»‪.‬‬ ‫وف������ق البيانات لم تتح������ارب القوى الصاعدة‬ ‫واملهيمن������ة إال ف������ي مناس������بتني‪ ،‬األول������ى عندما‬ ‫انضمت إجنلت������را الصاعدة‪ ،‬إلى فرنس������ا‪ ،‬ضد‬ ‫إس������بانيا‪ ،‬في ع������ام ‪ .1648‬والثاني������ة هي هجوم‬ ‫الصني على الق������وات األمريكي������ة املتمركزة في‬ ‫كوريا في عام ‪.1950‬‬

‫الفرضية الثالثة‬

‫«تتمثل األه������داف املفضلة للق������وى املهيمنة‬ ‫والصاعدة في القوى اآلفلة واألطراف الضعيفة‪.‬‬ ‫وهي تهاجم أيضاً القوى العظمى التي ينظر إليها‬ ‫على أنها ضعيفة مؤقتاً‪ ،‬ولكن ضمن حتالف من‬ ‫القوى الكبرى األخرى»‪.‬‬ ‫من ب���ي��ن ‪ 27‬حرباً بدأتها الق������وى الصاعدة‪،‬‬ ‫كانت س������ت حروب منها ضد قوى آفلة‪ ،‬وس������بع‬ ‫ضد قوى ضعيفة‪ ،‬وعش������ر ضد ق������وى عظمى‪،‬‬ ‫كانت كلها تقريباً ضمن حتالف‪.‬‬ ‫ً‬ ‫في حني ب������دأت القوى املهيمنة ‪ 24‬حربا‪ ،‬لم‬ ‫يكن أي منها ضد قوى صاعدة‪ ،‬وإمنا كانت تسع‬ ‫حروب منها ضد قوى عظمى‪ ،‬وخمس ضد قوى‬ ‫آفلة‪ ،‬وعشر ضد قوى ضعيفة‪.‬‬

‫الفرضية الرابعة‬

‫«إن األغلبية الس������احقة مما يطلق عليه اسم‬ ‫ح������روب الهيمن������ة ‪ -‬أي تلك التي تش������مل معظم‬ ‫دوافع احلرب‬

‫‪10/16/16 8:17:59 AM‬‬

‫القوى العظمى‪ ،‬إن لم يكن كلها ‪ -‬تكون عرضية‬ ‫وناجتة عن تصعيد غير مقصود»‪.‬‬ ‫هناك تس������ع ح������روب ش������املة ج������ ّرت إليها‬ ‫أغلبي������ة القوى العظم������ى واملهيمنة املوجودة في‬ ‫حينها‪ .‬وه������ي من حيث املدة واخلس������ائر‪ ،‬أكثر‬ ‫احل������روب تكلف������ة‪ .‬وق������د هزمت جمي������ع القوى‬ ‫املهيمن������ة والعظمى التي بدأت حروباً ش������املة‪،‬‬ ‫وهناك س������ببان رئيسان لهذه النتيجة‪ :‬األول هو‬ ‫اخلط������أ في تقدير عواقب التصعيد‪ ،‬إذ س������عت‬ ‫األط������راف البادئة إل������ى االنتصار ف������ي حروب‬ ‫قصيرة ومعزولة ضد قوى أضعف منها‪ ،‬بيد أن‬ ‫اعتداءاته������ا حرضت على تدخل قوى أخرى‪ ،‬ما‬ ‫أدى ف������ي النهاية إلى هزميتها؛ فاحلرب العاملية‬ ‫األولى (‪ )1918-1914‬نتجت عن محاولة فاشلة‬ ‫من جانب النمسا‪ ،‬متت بدعم أملاني‪ ،‬لشن حرب‬ ‫معزولة ضد صربيا‪ ،‬وق������د حرضت تصعيدات‬ ‫عدة غير مرغوب فيها‪ :‬دعمت روس������يا صربيا‪،‬‬ ‫ودعمت فرنسا روسيا‪ ،‬ودعمت بريطانيا فرنسا‪،‬‬ ‫وبعد ذلك دخلت اإلمبراطورية العثمانية وبلغاريا‬ ‫وروماني������ا واليونان والياب������ان والواليات املتحدة‬ ‫ودول أخ������رى‪ ،‬ليص������ل العدد اإلجمال������ي للدول‬ ‫املتحاربة إلى ‪ 32‬دولة‪.‬‬ ‫أما الس������بب الثاني للفشل فهو عسكري‪ ،‬إذ‬ ‫لم تكن األطراف البادئة قوية مبا يكفي لهزمية‬ ‫الدول التي هاجمتها أو التحالفات التي حرضتها‬ ‫ضدها‪.‬‬

‫الفرضية اخلامسة‪:‬‬ ‫«للتصعي������د غير املقص������ود وإس������اءة تقدير‬ ‫ت������وازن القوى أس������باب أعمق من ع������دم اكتمال‬ ‫املعلومات»‪.‬‬ ‫ً‬ ‫يعتق������د الق������ادة الذين يواجه������ون مزيجا من‬ ‫التهدي������دات االس������تراتيجية واحمللي������ة أنه������م ال‬ ‫يس������تطيعون التغلب عليها إال عن طريق احلرب‪،‬‬ ‫أو توجيه حتد إلى أح������د اخلصوم‪ ،‬ما يقلل من‬ ‫القلق املرتبط باتخ������اذ قرار باملضي قدماً‪ ،‬وهم‬ ‫يقوم������ون بذلك عادة عن طري������ق إنكار املخاطر‬ ‫املرتبطة بسياس������اتهم‪ ،‬وهم يطلب������ون املعلومات‬ ‫الداعم������ة والتش������جيع من املرؤوس���ي��ن ووكاالت‬ ‫‪189‬‬

‫‪nov 188-191.indd 189‬‬


‫االستخبارات‪ ،‬ويفقدون حساسيتهم للمعلومات‪،‬‬ ‫وحتى للتحذيرات التي تشير إلى أن سياساتهم‬ ‫قد تؤدي إلى كارث������ة‪ ،‬وأكبر مثال قرارات أملانيا‬ ‫والنمسا وروسيا في عام ‪.1914‬‬

‫الفرضية السادسة‬

‫«ليس م������ن النادر أن تق������وم القوى الضعيفة‬ ‫واآلفلة بشن حروب ضد القوى العظمى»‪.‬‬ ‫بدأت الق������وى اآلفلة ‪ 14‬حرباً‪ ،‬وبدأت القوى‬ ‫الضعيفة أربعاً‪ .‬كانت القوى العظمى هدفاً ألربع‬ ‫عش������رة حرباً منها‪ ،‬وكانت ‪ 11‬من احلروب التي‬ ‫ش������نت ضد القوى العظمى هي انتقامية س������عت‬ ‫فيها القوى اآلفلة أو الضعيفة‪ ،‬من دون جدوى‪،‬‬ ‫إلى اس������تعادة أراض انتزعته������ا منها في حروب‬ ‫س������ابقة القوى العظمى‪ ،‬ولم يك������ن من النادر أن‬ ‫تفقد األطراف البادئ������ة أراضي إضافية نتيجة‬ ‫لهذه احلروب‪ ،‬كما فعلت اإلمبراطورية العثمانية‬ ‫في ع������ام ‪ 1812‬عندم������ا اضطرت إل������ى التنازل‬ ‫لروسيا عن إقليم بيسارابيا‪.‬‬

‫احلرب في املستقبل‬

‫وقع� � ��ت حروب القوى العظمى مرة كل خمس� � ��ة‬ ‫عش� � ��ر عاماً في املتوس� � ��ط خالل القرن العشرين‪،‬‬ ‫لكنها وقعت مرة كل أربع سنوات في القرن السادس‬ ‫عشر‪ .‬ومع ذلك‪ ،‬فقد كانت حروب القرن العشرين‬ ‫أش� � ��د تدميراً ل� �ل��أرواح واملمتل� � ��كات؛ ففي احلرب‬ ‫العاملي� � ��ة األولى فقد نح� � ��و ‪ 9.4‬ماليني من املقاتلني‬ ‫حياته� � ��م‪ ،‬وف� � ��ي احل� � ��رب العاملية الثاني� � ��ة زاد عدد‬ ‫القتلى على خمس� �ي��ن مليون � � �اً‪ ،‬مبن في ذلك اجلنود‬ ‫واملدنيون‪ .‬لقد كانت القوى العظمى في حالة حرب‬ ‫طوال ‪ 95‬في املائة من الوقت في القرنني السادس‬ ‫عشر والسابع عشر‪ ،‬وانخفض تواتر سنوات احلرب‬ ‫إلى ‪ 71‬في املائة خالل القرن الثامن عش� � ��ر‪ ،‬وتعتبر‬ ‫الس� � ��نوات املمتدة بني عامي ‪ 1815‬و‪ 1914‬أول فترة‬ ‫تس� � ��تغرق قرناً من الزمن كانت فيها سنوات السالم‬ ‫أكثر من سنوات احلرب‪.‬‬

‫املصلحة‬

‫أضعف الدوافع‪ ،‬إذ لم يكن هناك سوى تسع‬ ‫‪190‬‬

‫‪10/16/16 8:18:01 AM‬‬

‫حروب‪ ,‬س������ت منها وقعت في القرنني الس������ابع‬ ‫عشر والثامن عشر عندما كان الزعماء يعتقدون‬ ‫أن ث������روة العالم محدودة‪ .‬وثمة حالتان وقعتا في‬ ‫القرن التاس������ع عش������ر هما ح������روب األفيون بني‬ ‫بريطانيا والصني‪ ،‬والسيطرة األجنلو‪ -‬فرنسية‬ ‫على مصر في عام ‪.1882‬‬ ‫أما في القرن العشرين فلم تكن هناك حروب‬ ‫بني القوى العظمى ميكن إثبات أن املصلحة هي‬ ‫دافعها األساس������ي بش������كل مقنع‪ .‬وهناك سببان‬ ‫له������ذا التراجع التاريخي امللح������وظ‪ :‬يتعلق األول‬ ‫بتكلفة الغزو مقابل فوائده‪ ،‬والثاني هو رد الفعل‬ ‫املتوقع من اجلهات الفاعلة األخرى‪ ،‬إذ غالباً ما‬ ‫س������تفرض حظراً جتارياً واستثمارياً على الدولة‬ ‫املعتدية يجعل االستغالل االقتصادي لألراضي‬ ‫املغزوة أكثر تعقيداً‪.‬‬

‫األمن‬

‫كان������ت اجلهات البادئ������ة مدفوعة باألمن في‬ ‫عش������رين حرباً‪ .‬يبـــــ������رز األمن كداف������ع بأوضح‬ ‫صورة في القرن العش������رين‪ ،‬إذ كان بارزاً في ‪13‬‬ ‫منها‪ .‬وباس������تثناء احلرب اإلسبانية‪ -‬األمريكية‪،‬‬ ‫والهجوم األمريكي على أفغانس������تان‪ ،‬اللذين كان‬ ‫األمن فيهما دافعاً بأهمية املكانة نفس������ها‪ ،‬فقد‬ ‫ارتبطت احل������االت املتبقية بالنزاع������ات العاملية‬ ‫الثالثة التي نشبت خالل القرن العشرين‪ ،‬وهي‬ ‫احلرب������ان العامليت������ان األولى والثاني������ة واحلرب‬ ‫الباردة‪.‬‬ ‫وبع������د دراس������ته للح������رب الب������اردة يتوص������ل‬ ‫الكاتب إلى أن الزعماء ليس������وا سجناء الظروف‬ ‫االس������تراتيجية والسياسية‪ ،‬فهم ميتلكون القدرة‬ ‫على حتويل العالق������ات العدائية الطويلة األمد‪،‬‬ ‫لكنه������م يج������ب أن يكون������وا مدفوع���ي��ن‪ ،‬كما كان‬ ‫جورباتشوف والسادات‪ ،‬بأجندات محلية تتطلب‬ ‫حل ه������ذه الصراع������ات أو تقلي������ل توتراتها على‬ ‫األقل‪.‬‬

‫املكانة‬

‫كان������ت املكانة دافع اجله������ات البادئة في ‪62‬‬

‫حرب������اً‪ ،‬ما يجعله������ا أهم الدواف������ع‪ ،‬وينطبق هذا‬ ‫العدد ‪ - 696‬نوفمبر ‪2016‬‬

‫‪nov 188-191.indd 190‬‬


‫الكويت عاصمة الثقافة اإلسالمية ‪2016‬‬ ‫على كل القرون املتضمنة في مجموعة البيانات‪،‬‬ ‫ولكن مبظاه������ر مختلفة‪ .‬ففي القرنني الس������ابع‬ ‫عش������ر والثامن عشر وقعت حروب املكانة ضمن‬ ‫نظام إقليمي أوربي يهيمن عليه امللوك واألمراء‪،‬‬ ‫الذي������ن كان معظمهم ينظر إلى دولهم باعتبارها‬ ‫إرثاً عائلياً‪.‬‬ ‫وقد س������عى احلكام في كثير م������ن األحـــــيان‬ ‫إل������ى حتقيق الفخ������ار عن طري������ق االنتصــــارات‬ ‫العسكرية والغزو‪ ،‬وقد كان كثــــير منـــهم يقودون‬ ‫جيوشهم شخصياً في املعارك مثل لويس الرابع‬ ‫عشر‪.‬‬ ‫لقد هيمن الشرف والكرامة على املراسالت‬ ‫الدبلوماس������ية خالل القرن الثامن عش������ر الذي‬ ‫حدثت في������ه ثماني حروب ارتبط������ت باخلالفة‪،‬‬ ‫ما من������ح الزعم������اء العدوانيني فرصاً لتوس������يع‬ ‫نطاق س������يادتهم‪ ،‬إذ حاولت بروس������ـــيا وفرنس������ا‬ ‫القيام بذلك عندم������ا اعتلــــت ماريا تريزا عرش‬ ‫النمسا‪.‬‬ ‫في القرن التاسع عش������ر‪ ،‬صار السعي وراء‬ ‫املكان������ة مصدر اهتمام وطن������ي‪ ،‬فقد كانت نخب‬ ‫صناع السياس������ة اخلارجية التزال أرستقراطية‬ ‫األص������ول ف������ي أغلبها‪ ،‬وأش������د التزام������اً مبفهوم‬ ‫الش������رف الوطني بعد أن فقدت رموز الش������رف‬ ‫التقليدية حظوتها‪.‬‬ ‫وقـــــد تفاع������ل الرأي العام بق������وة مع الدول‬ ‫الوطنية وش������رفها‪ ،‬وصـــارت هذه الظاهرة أكثر‬ ‫وضوحاً في القـــرن العش������رين‪ ،‬وكـــانت من بني‬ ‫األسباب الرئيسة للحـــرب العاملـــية األولـــى‪.‬‬ ‫كم������ا أن املكانة مكتنف������ة على نحو عميق في‬ ‫أصول احلرب العاملية الثاني������ة‪ ،‬ففي أملانيا كان‬ ‫هناك اس������تياء عمي������ق جتاه احللفاء وش������روط‬ ‫معاهدة فرساي‪.‬‬ ‫ل������م تكن احل������رب الوس������يلة الوحي������دة لنيل‬ ‫املكان������ة‪ ،‬ففي النصف الثاني من القرن التاس������ع‬ ‫عشر تزايدت أهمية االس������تعراض‪ ،‬على الرغم‬ ‫م������ن أنه لم يقلل م������ن جاذبية احلرب‪ ،‬فقد أنفق‬ ‫لويس الرابع عش������ر مبالغ طائل������ة على القصور‬ ‫واحلدائ������ق والفن������ون والعلوم‪ ،‬وق������د حذا حذوه‬ ‫امللوك اآلخرون‪ ،‬وخالل القرن التاس������ع عش������ر‬ ‫دوافع احلرب‬ ‫‪10/16/16 8:18:06 AM‬‬

‫أصبحت األعمال الهندس������ية واملعمارية العامة‪،‬‬ ‫واملستعمرات واألساطيل مهمة على نحو متزايد‪.‬‬ ‫وفي النصف الثاني من القرن العشرين ارتبطت‬ ‫املنزل������ة بالثروة وامليدالي������ات الذهبية الرياضية‬ ‫وجوائز نوبل واستكش������اف الفضاء واألس������لحة‬ ‫النووية‪.‬‬ ‫يستنتج الكاتب أنه من املرجح أن يعمل جناح‬ ‫دولة في نيل الش������رف واملكانة بوسائل ال عالقة‬ ‫لها بالقوة العسكرية على تشجيع الدول األخرى‬ ‫على أن حتذو حذوها‪ ،‬وأن تس������تثمر مزيداً من‬ ‫امل������وارد لتحقيق هذه الغاي������ات‪ .‬وإذا حتقق هذا‬ ‫التطور‪ ،‬فسيدفع التنافس على املكانة بعيداً عن‬ ‫احلرب وباجتاه املجاالت األخرى‪.‬‬

‫االنتقام‬

‫كان االنتقام الداف������ع الرئيس في ‪ 11‬حرباً‪.‬‬ ‫متثل هدف الغالبية الس������احقة من هذه احلروب‬ ‫في استعادة أراض مفقودة من طرف مهاجم في‬ ‫حرب س������ابقة‪ .‬وقد بدأتها قوى آفلة أو ضعيفة‬ ‫ض������د قوى صع������دت أخيراً إلى مص������اف القوى‬ ‫العظمى‪.‬‬ ‫دارت سبع حروب انتقامية في القرن الثامن‬ ‫عشر‪ ،‬بدأت س������ت منها من قبل السويد وتركيا‬ ‫وبولن������دا ضد روس������يا التي ج������اء صعودها على‬ ‫حس������اب تلك الدول‪ .‬وفي القرن العشرين هناك‬ ‫ث���ل��اث حروب فقط ميكن وصفها بأنها انتقامية‬ ‫إحداها حرب جزر الفوكالن������د‪ /‬مالفيناس في‬ ‫ع������ام ‪ 1982‬ب���ي��ن األرجنتني وبريطاني������ا‪ .‬عموماً‬ ‫صار السعي إلى االنتقام أكثر عقالنية من حيث‬ ‫أن الدول املتضررة س������عت إل������ى عزل خصومها‬ ‫دبلوماسياً‪.‬‬

‫هل التزال احلروب بني الدول ممكنة؟‬

‫إن مراجعة الكات������ب للدوافع جتعله يتفاءل‪,‬‬ ‫فقد فقدت كل الدوافع جاذبيتها كسبب للحرب‬ ‫خاص������ة املصلح������ة واالنتقام؛ ولذل������ك فهو يتنبأ‬ ‫بانخفاض عام في توات������ر احلروب‪ ،‬من دون أن‬ ‫يعن������ي ذلك أنه لن تكون هن������اك حروب‪ ,‬خاصة‬ ‫خالل العقدين القادمني >‬ ‫‪191‬‬

‫‪nov 188-191.indd 191‬‬


‫كتب مختارة‬

‫‪192‬‬

‫‪10/16/16 8:18:25 AM‬‬

‫ال � �ت � �ف � �ك � �ي� ��ر م � � ��ع ك� � ��ان� � ��ط ض ��د‬ ‫ك � � ��ان � � ��ط س � �م � �ـ � �ـ � �ي� ��ر ب� �ل� �ك� �ف� �ي ��ف‬ ‫م � �ن � �ش� ��ورات ض � �ف� ��اف‪ ،‬ب � �ي� ��روت –‬ ‫م �ن �ش��ورات االخ �ت�ل�اف ‪ -‬اجلزائر‪،‬‬ ‫‪2014‬‬ ‫مقاربة فلسفية في قراءة أبرز أفكار‬ ‫الفيلسوف كانط‪ ،‬حول فكرة قدرات‬ ‫ال�ع�ق��ل ال �ب �ش��ري ف��ي اإلج��اب��ة عن‬ ‫أسئلة يثيرها وال ميتلك القدرات‬ ‫التي تتيح له اإلحابة عنها‪.‬‬

‫مقاصد الشريعة اإلسالمية‬ ‫محم ��د الطاه ��ر ب ��ن عاش ��ور‬ ‫دار الكت ��اب املص ��ري‪ ،‬دار الكت ��اب‬ ‫اللبناني ‪ -‬بيروت‪2011 ،‬‬ ‫مقارب � ��ة جدي � ��دة في تأس � ��يس علم‬ ‫املقاصد الشرعية من خالل محاولة‬ ‫املؤلف وصل ماضي الفكر املقاصدي‬ ‫بحاضره في محاول � ��ة إلعادة العقل‬ ‫املسلم ترتيب أولوياته‪.‬‬

‫في أحضان الكتب‬ ‫بالل فضل‬ ‫دار الشروق ‪ -‬القاهرة‪2014 ,‬‬ ‫مجموعة من املق� � ��االت التي‬ ‫يق� � ��دم فيها املؤل� � ��ف قراءاته‬ ‫لبع� � ��ض كت� � ��ب األدب العاملي‬ ‫والعرب� � ��ي‪ ،‬وانطباعات� � ��ه عن‬ ‫األدب والكتاب� � ��ة واإلع� �ل��ام‬ ‫الثقافي‪.‬‬

‫عبدالعـــزي ��ز الس� �ـــــــــريــــع ‪ ...‬مالم ��ح‬ ‫م ��ن رحل ��ة االحتف ��اء والتك ��رمي‬ ‫أمجد زكي‬ ‫هيئ ��ة الفجي ��رة للثقاف ��ة واإلع�ل�ام ‪-‬‬ ‫الفجيرة‪2016 ،‬‬ ‫س�� ��يرة كامل�� ��ة حياتي�� ��ة وعملي�� ��ة للكاتب‬ ‫املس�� ��رحي والناش�� ��ط الثقاف�� ��ي الكويتي‬ ‫عبدالعزيز السريع‪ ،‬يقدمها املؤلف متوقفاً‬ ‫عند أب�� ��رز محطات حياة الس�� ��ريع وأهم‬ ‫منجزاته في الكتابة والعمل الثقافي‪.‬‬

‫نــــــــــــــــس ��اء ب�ل�ا أمـــــه ��ات‪ ...‬الـــــــ ��ذوات‬ ‫النس ��ائية ف ��ي الرواي ��ة النس ��ائية‬ ‫السعــوديــــة‬ ‫س� �مـــــاهر الــــضامن مؤسس ��ة االنتشار‬ ‫العربي ‪ -‬بيروت‪2010 ،‬‬ ‫دراس�� ��ة في الرواية النسائية السعودية‬ ‫تقدم رصداً خلصائص املنجز الروائي‬ ‫األنث�� ��وي ف�� ��ي الس�� ��عودية ومالمح�� ��ه‪،‬‬ ‫وتقدم حتلي ً‬ ‫ال خلطاب الوعي في هذه‬ ‫التجارب السردية‪.‬‬

‫الشاعر والطفل واحلجر‬ ‫فتحي عبدالسميع‬ ‫الهيئ ��ة املصري ��ة العام ��ة للكت ��اب ‪-‬‬ ‫القاهرة‪2016 ,‬‬ ‫كتاب اس�� ��تثنائي يقدم س�� ��يرة الشاعر‬ ‫والش�� ��عر‪ ،‬أي عالقته بفكرة الشعر من‬ ‫خالل س�� ��يرته وإعادة ق�� ��راءة جتربته‬ ‫الش�� ��عرية عن طريق اس�� ��تعادة جتارب‬ ‫وخبرات احلياة‪.‬‬

‫عني النقد (سيرة فكرية)‬ ‫صالح فضل‬ ‫دار الشروق ‪ -‬القاهرة‪2013 ،‬‬ ‫مجموع�� ��ة م�� ��ن املق�� ��االت التي‬ ‫يرص�� ��د فيه�� ��ا املؤلف س�� ��يرته‬ ‫الفكري�� ��ة والنقدي�� ��ة بع�� ��د تت ُّبع‬ ‫مسيرته الدراسية واألكادميية‬ ‫وأه�� ��م ما م�� ��ر به م�� ��ن خبرات‬ ‫وشخصيات وجتارب‪.‬‬

‫الغد ‪ ...‬يبدأ اليوم (شعر)‬ ‫خالد التومي‬ ‫رس�ل�ان للطباع ��ة والنش ��ر‪-‬‬ ‫سوسة‪2016 ,‬‬ ‫ديوان ش� � ��عر م� � ��ن أجوائه «يا‬ ‫زمان� � ��ا ‪ /‬نس� � ��ي الوال� � ��ه فيه‬ ‫زمن� � ��ه‪ /‬وأنا‪ /‬منذ خمس� �ي��ن‬ ‫سنة‪ /‬أنتظر اللقيا‪ /‬لم أنس‬ ‫طريق املئذنة»‪.‬‬ ‫العدد ‪ - 696‬نوفمبر ‪2016‬‬

‫‪nov 192-193.indd 192‬‬


‫الكويت عاصمة الثقافة اإلسالمية ‪2016‬‬

‫كتب مختارة‬ ‫‪10/16/16 8:18:31 AM‬‬

‫ذاكرة الكورفيدا (رواية)‬ ‫اخلطاب املزروعي‬ ‫مؤسس ��ة االنتش ��ار العربي ‪ -‬بيروت‪,‬‬ ‫‪2016‬‬ ‫رواي�� ��ة للكات�� ��ب العمان�� ��ي اخلطاب‬ ‫املزروعي تتناول س�� ��يرة ش�� ��خصية‬ ‫تشاؤمية يشبه حياته بنوع من أنواع‬ ‫الغربان يدعى الكورفيدا‪ ،‬ألن والده‬ ‫مثل هذه الغرب�� ��ان‪ ،‬تركه منذ صغره‬ ‫مبكراً‪ ،‬وتتوالى األحداث‪.‬‬

‫عبدالهادي التازي (نشاطه الفكري‬ ‫والسياسي)‬ ‫عمار رشيد العزاوي‬ ‫م��رك��ز دراس � � ��ات ال���وح���دة العربية‬ ‫وبيروت‪2016 ،‬‬ ‫ك �ت��اب ي �ق��دم س �ي��رة وص� ��ورة املفكر‬ ‫وامل��ؤرخ واملناضل املوسوعي املغربي‬ ‫عبدالهادي ال �ت��ازي وي��ؤرخ لنشاطه‬ ‫الفكري والسياسي في خدمة املغرب‬ ‫واملنطقة العربية‪.‬‬

‫تلفزيون الكويت تاريخ وحكايات‬ ‫محمد السنعوسي‬ ‫(نشر خاص) ‪2016‬‬ ‫كت�� ��اب توثيقي يق�� ��دم فيه وزير‬ ‫اإلعالم الكويتي األسبق محمد‬ ‫السنعوس�� ��ي س�� ��يرته احلياتي�� ��ة‬ ‫والعملي�� ��ة خ��ل��ال تأس�� ��يس‬ ‫التلفزيون الكويتي والعمل به بني‬ ‫عامي ‪ 1960‬و ‪.1985‬‬

‫الطريق إلى تل مطران (رواية)‬ ‫علي بدر‬ ‫دار الشروق ‪ -‬القاهرة‪2009 ،‬‬ ‫رواي�� ��ة يق�� ��دم فيه�� ��ا الكات�� ��ب‬ ‫ال ثرياً‬ ‫العراقي علي ب�� ��در تخيي ً‬ ‫للفسيفس�� ��اء العراقي�� ��ة اإلثنية‬ ‫والدينية واحلضارية من خالل‬ ‫رحل�� ��ة البط�� ��ل مل�� ��كان غري�� ��ب‬ ‫واستكشافه‪.‬‬

‫دليلالقراءاتملااختلففيهمنالكلمات‬ ‫م�ح�م��د ح �س�ين احل �س �ي �ن��ي اجلاللي‬ ‫حتقيق‪ :‬الدكتور علي حيدر الضوي‪,‬‬ ‫دار العلم ‪ -‬نيودلهي‪2013 ،‬‬ ‫دليل ال�ق��راءات السبع للقرآن الكرمي‬ ‫ف��ي اخ��ت�ل�اف ن �ط��ق ب �ع��ض الكلمات‬ ‫باإلمالة أو تخفيف الهمزة وغير ذلك‬ ‫من أشكال القراءة وهي مرتبة ترتيباً‬ ‫أبجدياً وحسب السور‪.‬‬

‫العالق ��ات الس ��ودانية ‪ -‬الصيني ��ة‬ ‫(‪)2011-1956‬‬ ‫د‪ .‬جعفر كرار أحمد‬ ‫مرك ��ز دراس ��ات الوح ��دة العربي ��ة ‪-‬‬ ‫بيروت‪2016 ,‬‬ ‫كتاب يتناول عالقة الصني بالسودان‬ ‫التي متثل واحدة من أطول العالقات‬ ‫وأقدمها بني الصني وإفريقيا‪ ،‬وطبيعة‬ ‫اهتمام األولى بإفريقيا وأسباب فشل‬ ‫السودان في االستفادة منها‪.‬‬

‫قلب مفتوح‬ ‫عبده وازن‬ ‫الدار العربية للعلوم‪ ،‬بيروت ‪ -‬منشورات‬ ‫االختالف ‪ -‬اجلزائر‪2010 ،‬‬ ‫س�� ��يرة يقدم فيه�� ��ا الش�� ��اعر اللبناني‬ ‫جتربة تعرض�� ��ه إلج�� ��راء عملية قلب‬ ‫مفت�� ��وح‪ ،‬وتداعيات اخلب�� ��رة املرضية‬ ‫عل�� ��ى ذاكرته التي اس�� ��تدعت س�� ��يرة‬ ‫حياته على النحو املدون‪.‬‬

‫اخلروج من جهنم‬ ‫سعد محيو مركز دراسات الوحدة‬ ‫العربية ‪ -‬بيروت‪2016 ،‬‬ ‫قراءة شاملة ألغلب جوانب الكارثة‬ ‫البيئي�� ��ة الراهنة ف�� ��ي العالم من‬ ‫طبيعة العالقات الدولية وحروب‬ ‫الطاقة وتقديس التكنولوجيا في‬ ‫حتذير للكون من تهديد بالتدمير‬ ‫إذا استمر السياق نفسه‪.‬‬ ‫‪193‬‬

‫‪nov 192-193.indd 193‬‬


‫المفكرة الثقافية‬

‫بدء فعاليات الموسم الثقافي الجديد‬

‫السفارة المصرية تكرم الشاعر‬ ‫الكويتي فاضل خلف‬ ‫كمال ربيع‬ ‫ضم ��ن فعالي ��ات افتتاح الموس ��م‬ ‫الثقافي الجديد للسفارة المصرية‬ ‫في الكويت‪ ،‬ومن خ�ل�ال المكتب‬ ‫الثقافي‪ ،‬وفي حضور عدد كبير من‬ ‫المثقفي ��ن والمبدعين الكويتيين‬ ‫والمصريين‪ ،‬قام الس ��فير المصري‬ ‫ل ��دى دول ��ة الكوي ��ت ياس ��ر عاطف‬ ‫بتكريم الشاعر والكاتب الكويتي‬ ‫الرائ ��د فاضل خلف‪ ،‬مهدي� � ًا إياه درع‬ ‫اإلبداع‪.‬‬

‫رحب الس� � ��فير املص� � ��ري باحلضور الكثيف‬ ‫بداية‪ّ ،‬‬ ‫ال� � ��ذي حضر األمس� � ��ية‪ ،‬معتبراً هذا احلض� � ��ور تأكيداً‬ ‫ألهمية الثقافة والفن� � ��ون والدور الكبير الذي تلعبه في‬ ‫حياة الش� � ��عوب‪ ،‬مؤكداً أننا اليوم في ظل األزمات التي‬ ‫تعانيه� � ��ا مجتمعاتنا في حاجة أكب� � ��ر للثقافة واإلبداع‪.‬‬ ‫وش� � ��دد الس� � ��فير املصري على أن الدول التي تـأخرت‬ ‫ثقافياً تخلفت بالتبعية عن ركب احلضارة اإلنس� � ��انية‪،‬‬ ‫‪194‬‬

‫‪10/16/16 8:18:55 AM‬‬

‫مضيف � � �اً أن الظروف والتغيرات التي ش� � ��هدتها املنطقة‬ ‫العربية خصوصاً في شطرها اإلفريقي في مصر وليبيا‬ ‫وتونس‪ ،‬وكذلك في س� � ��ورية والع� � ��راق‪ ،‬ألهمت املبدعني‬ ‫العرب وأثرت عديداً م� � ��ن التجارب اإلبداعية‪ ،‬ولذلك‪،‬‬ ‫وكم� � ��ا اقترح امللحق الثقافي املص� � ��ري بالكويت د‪ .‬نبيل‬ ‫بهجت‪ ،‬فسوف يكون عنوان املوسم الثقافي هو «الثقافة‬ ‫العربي� � ��ة حياة وإبداع»‪ ،‬تأكيداً عل� � ��ى التنوع واخلصوبة‬ ‫العدد ‪ - 696‬نوفمبر ‪2016‬‬

‫‪nov 194-199.indd 194‬‬


‫الكويت عاصمة الثقافة اإلسالمية ‪2016‬‬ ‫الكبيرة التي تتمتع بها ثقافة املنطقة العربية‪.‬‬ ‫كما أعرب الس� � ��فير املصري عن س� � ��عادته بقبول‬ ‫الشاعر الكبير فاضل خلف دعوة السفارة املصرية له‬ ‫لالحتفاء به وتكرميه‪ ،‬مؤك� � ��داً أن مصر تقدر املثقفني‬ ‫الع� � ��رب وتهتم باالحتفاء بتجاربهم اإلبداعية‪ ،‬مش� � ��يراً‬ ‫إل� � ��ى أن املكتب الثقافي املصري ال� � ��ذي ك ّرم عدداً من‬ ‫مبدعي الكويت ومثقفيها املوسمني املاضيني سيستمر‬ ‫في هذا النهج خالل املوسم اجلديد أيضاً‪.‬‬

‫الثقافة ونهضة األمم‬

‫من جهته‪ ،‬رح� � ��ب امللحق الثقافي املصري الدكتور‬ ‫نبيل بهجت باحلض� � ��ور‪ ،‬مؤكداً أهمية الثقافة والفنون‬ ‫ف� � ��ي نهضة األمم‪ ،‬وأن مصر حترص منذ فجر التاريخ‬ ‫عل� � ��ى االهتمام بالوعي اجلمالي والثقافي كما تش� � ��هد‬ ‫بذلك جداري� � ��ات املعابد القدمي� � ��ة وبرديات األجداد‪.‬‬ ‫وتعاقب� � ��ت األجي� � ��ال لتحاف� � ��ظ عل� � ��ى ه� � ��ذا اإلرث من‬ ‫املس� � ��ؤولية الثقافية وصوال إلى عص� � ��ر النهضة الذي‬ ‫ش� � ��هد رواداً كب� � ��اراً مثل طه حس� �ي��ن وأحمد ش� � ��وقي‬ ‫ورفاعة الطهط� � ��اوي وجنيب محف� � ��وظ وغيرهم‪ .‬وما‬ ‫أحوجنا اليوم ملثل هؤالء الكب� � ��ار لينيروا الطريق أمام‬ ‫أجيال جدي� � ��دة‪ ،‬ليعتزوا مباضيه� � ��م وبثقافتهم ولغتهم‬ ‫وحضارتهم‪ ،‬وبالتالي يصنعوا مستقبلهم‪.‬‬ ‫وق� � ��دم الدكتور نبيل بهجت الش� � ��كر للكويت أميراً‬ ‫وحكومة وش� � ��عباً عل� � ��ى ما توليه من اهتم� � ��ام بالتعاون‬ ‫املش� � ��ترك في املجال الثقافي‪ ،‬أثمر ع ّما شهده املوسم‬ ‫الثقافي املاضي من أوجه نشاط ثقافية عدة‪ ،‬باإلضافة‬ ‫مل� � ��ا تقدمه الكويت من دعم في مجال التعليم ملصر من‬ ‫خالل امل� � ��دارس املخصصة لفصول التقوية املس� � ��ائية‬ ‫التي يشرف عليها املكتب الثقافي املصري‪.‬‬ ‫وأعرب بهجت عن س� � ��عادته ببدء املوس� � ��م بتكرمي‬ ‫الش� � ��اعر الكبير فاضل خلف ملا قدمه لألدب والثقافة‬ ‫ف� � ��ي الكويت والعالم العرب� � ��ي‪ ،‬وبوصفه منوذجاً رائداً‪،‬‬ ‫ومعلماً وفاع ً‬ ‫ال ثقافياً مميزاً‪.‬‬ ‫وقد تلقى الش� � ��اعر الكويتي فاض� � ��ل خلف التكرمي‬ ‫بس� � ��عادة معبراً عن تثمينه له� � ��ذا التقدير الذي يأتي من‬ ‫مصر التي يُكن لها احلب والتقدير‪ ،‬مؤكداً أن أجياالً من‬ ‫مثقفي مصر ومبدعيه� � ��ا كان لهم عظيم األثر في تلقي‬ ‫العلم والثقافة في املنطقة‪ ،‬كما أشار إلى أنه يكن التقدير‬ ‫ملعل� � ��م ومثقف مصري كبير هو زكي مبارك‪ ،‬ما دعاه إلى‬ ‫السفارة املصرية تكرم فاضل خلف‬ ‫‪10/16/16 8:18:59 AM‬‬

‫أن يكتب كتاباً عن س� � ��يرته‪ ،‬وذه� � ��ب بالطبعة األولى من‬ ‫الكتاب للدكتور طه حسني الذي أشاد بالكتاب وكاتبه‪.‬‬ ‫وخالل األمس� � ��ية التي أدارها الشاعر نادي حافظ‪،‬‬ ‫ألق� � ��ى عدداً من قصائد الش� � ��اعر فاض� � ��ل خلف‪ ،‬القت‬ ‫استحسان اجلمهور‪.‬‬

‫تكرمي تونسي‬

‫من جهته‪ ،‬قدم الكات� � ��ب الكويتي عبدالله خلف عن‬ ‫ش� � ��قيقه األكبر فاضل خلف ش� � ��هادة‪ ،‬باعتب� � ��اره القدوة‬ ‫والنم� � ��وذج واملعلم‪ ،‬متوقفاً عند بع� � ��ض محطات حياته‪،‬‬ ‫حيث عم� � ��ل معلماً‪ ،‬ث� � ��م كتب للصحاف� � ��ة‪ ،‬وألف الكتب‪،‬‬ ‫وعم� � ��ل ملحقاً إعالمياً لدى دول� � ��ة تونس على مدى ‪14‬‬ ‫عام� � ��ا‪ ،‬وهو ما دعا الرئيس التونس� � ��ي لتكرميه بوس� � ��ام‬ ‫رفيع خ� �ل��ال زيارته للكويت في حف� � ��ل أقيم بقصر بيان‬ ‫قبل شهور قليلة‪.‬‬ ‫وتوالت ش� � ��هادات عدد من احلض� � ��ور من املبدعني‬ ‫الكويتي� �ي��ن وبينهم اإلعالمية أم� � ��ل عبدالله‪ ،‬التي أكدت‬ ‫س� � ��عادتها بهذا التك� � ��رمي لرجل قدم لألجي� � ��ال الكويتية‬ ‫منوذج � � �اً رفيعاً ف� � ��ي حتصيل املعرف� � ��ة واألدب‪ ،‬وقدمت‬ ‫الش� � ��كر ملصر‪ ،‬الت� � ��ي وصفتها بأنها صاحب� � ��ة املبادرات‬ ‫املتميزة والعطاء الكبير‪ ،‬عل� � ��ى التكرمي لدالالته الكبيرة‬ ‫في نفوس الكويتيني‪.‬‬ ‫بدوره‪ ،‬قدم الكات� � ��ب طالب الرفاعي كلمة قال فيها‬ ‫إنه س� � ��عيد به� � ��ذا التكرمي ليس فقط ألن� � ��ه يخص قامة‬ ‫أدبي� � ��ة كبيرة من أدباء الكويت الرواد‪ ،‬بل ألنه يعد كذلك‬ ‫تكرمياً لكل مثقف كويتي‪ .‬وقدم الشكر للسفير املصري‬ ‫وللملحق الثقافي على املبادرة‪.‬‬ ‫وكذلك حتدثت الدكتورة سعاد عبدالوهاب‪ ،‬عميدة‬ ‫كلية اآلداب معبرة ع� � ��ن تثمينها ملبادرة تكرمي أحد رواد‬ ‫األدب ف� � ��ي الكوي� � ��ت‪ ،‬موضح� � ��ة أن العالق� � ��ات الثقافية‬ ‫املصري� � ��ة ‪ -‬الكويتية تاريخية ومتميزة‪ ،‬وحرص املثقفون‬ ‫الكب� � ��ار في مصر مبكراً على متتينها‪ ،‬كما أنها تتأكد من‬ ‫قوة العالقات كلما زارت مصر‪.‬‬ ‫اختتمت األمسية بحفل غنائي للفنان املصري عامر‬ ‫التوني‪ ،‬وفرقته املوس� � ��يقية‪ ،‬حيث قدم عدداً من قصائد‬ ‫املديح النبوي في فاصل موس� � ��يقي من اإلنشاد الديني‪،‬‬ ‫الذي راق للحضور وأضاف لألمس� � ��ية املتميزة روحاً من‬ ‫اإلبداع واجلمال‪ .‬كما ك َّرم السفير املصري الفنان عامر‬ ‫التوني وفرقته في ختام األمسية >‬ ‫‪195‬‬

‫‪nov 194-199.indd 195‬‬


‫المفكرة الثقافية‬

‫مركز الشيخ إبراهيم بن محمد في البحرين‬

‫«الحالمون ال يمكن ترويضهم أبد ًا»‬ ‫ماهر منصور‬

‫كاتب من البحرين‬

‫يمل���ي المش���ي باتج���اه مرك���ز الش���يخ إبراهي���م ب���ن محم���د آل‬ ‫خليف���ة للثقاف���ة والبح���وث ش���كل الحي���اة ف���ي مدين���ة المح���رق‬ ‫العاصم���ة الحضاري���ة بمملك���ة البحري���ن‪ .‬وق���د أع���د القائم���ون علي���ه‬ ‫ترتيب��� ًا هندس���ي ًا متناغم��� ًا م���ع المحي���ط العمران���ي للمدين���ة الت���ي‬ ‫ال ت���زل تنب���ض بأنف���اس س���اكنيها‪ ،‬فحرص���وا عل���ى إيج���اد قي���م جمالي���ة‬ ‫للم���كان‪ ،‬مادي���ة ومعنوية‪ ،‬تبدأ م���ن عالقة زائر المركز بالش���ارع والبيوت‬ ‫في���ه‪ ،‬وتمتد إل���ى داخله‪ ،‬حيث تولد من رحم الط���راز القديم للمكان‪ ،‬روح‬ ‫معمارية جديدة‪ ،‬ترتبط بعالقة إنس���انية منطقي���ة تحترم الكيان القديم‬ ‫وتطل عليه بتأمل هادئ‪.‬‬

‫ف������ي بداية القرن املاض������ي كان البيت الذي‬ ‫يحتضن املركز اليوم يع������ود لرجل عرف بدوره‬ ‫التنويري الكبير في مجاالت عدة شملت الفنون‬ ‫والثقافة والفلسفة والعلوم‪ ،‬هو الشيخ إبراهيم‬ ‫ب������ن محم������د آل خليفة‪ ،‬وقد جعل من مجلس������ه‬ ‫في ه������ذا البيت (املركز الي������وم) ملتقى للثقافة‬ ‫وش������ؤونها وموق������ع اتصال حض������اري في حوار‬ ‫احلضارات‪ .‬وهو املجلس الذي أعادت الشيخة‬ ‫م������ي بنت محمد آل خليفة إحياءه في ‪ 12‬يناير‬ ‫‪ ،2002‬ح���ي��ن قامت ببناء هذا املركز في املوقع‬ ‫األصلي ملجلس جدها الش������يخ إبراهيم‪ ،‬مبقية‬ ‫على الط������راز املعماري الق������دمي للمكان‪ ،‬وعلى‬ ‫‪196‬‬

‫‪10/16/16 8:19:02 AM‬‬

‫صفته كملتق������ى علم وثقافة‪ ،‬اس������تضاف حتى‬ ‫اآلن أكثر من أربعمائة شخصية أدبية وسياسية‬ ‫وفنية ودينية وفكرية‪.‬‬ ‫خالل عشر سنوات من تأسيسه كان مركز‬ ‫الش������يخ إبراهيم بن محم������د آل خليفة للثقافة‬ ‫والبحوث يؤس������س ملنهج عمل ميضي في ثالثة‬ ‫اجتاه������ات‪ :‬األول فكري تنويري يتعلق ببرامجه‬ ‫الثقافية السنوية التي متيزت بتنوعها وعمقها‪،‬‬ ‫والثان������ي بتوس������ع احللم ليش������مل بيوت������اً أخرى‬ ‫بس������ياقات إنس������انية وإبداعية بلغت اليوم ‪22‬‬ ‫بيتاً‪ ،‬أما االجت������اه الثالث ف������كان القاعدة التي‬ ‫ق������ام عليه������ا ه������ذان االجتاهان‪ ،‬وه������و االجتاه‬ ‫العدد ‪ - 696‬نوفمبر ‪2016‬‬

‫‪nov 194-199.indd 196‬‬


‫لالستثمار في الثقافة‪ ،‬األمر الذي جنحت فيه‬ ‫بالفعل الشيخة مي حني أقنعت بنوكاً وكيانات‬ ‫اقتصادية عدة بأن يكونوا ش������ركاء فاعلني في‬ ‫نش������اط ثقافي مجتمع������ي غير ربح������ي‪ ،‬يقوده‬ ‫املركز‪ ،‬مهمته بالدرجة األولى معرفية تنويرية‪.‬‬ ‫الس������نوات العش������ر األولى من عم������ر املركز‬ ‫كانت كفيلة برس������م مالمح املشروع‪ ،‬الذي يعمل‬ ‫القائم������ون عليه وفق قاعدة ذهبية‪ ،‬س������يجدها‬ ‫املرء أينم������ا حترك في أرج������اء املركز والبيوت‬ ‫التابع������ة له‪ ،‬هي «احلامل������ون ال ميكن ترويضهم‬ ‫أبداً»‪ ،‬وحلم هؤالء تفتّح بترميم وإعادة توظيف‬ ‫عش������رات البيوت التراثية‪ ،‬موزعة بني مدينتي‬ ‫املنامة واحملرق‪ ،‬منها بيت «عبدالله الزايد لتراث‬ ‫البحرين الصحف������ي»‪ ،‬وبيت «الصوت اخلليجي‬ ‫لفن������ون الغناء» (بيت محمد بن فارس)‪ ،‬ومكتبة‬ ‫«اق������رأ لألطف������ال»‪ ،‬وبيت «الك������ورار اخلليجي»‬

‫‪198‬‬

‫‪10/16/16 8:19:15 AM‬‬

‫لنس������ج خيوط الذهب و«ذاكرة امل������كان» عمارة‬ ‫بن مطر للحف������اظ على إرث اللؤلؤ وتاريخ هذه‬ ‫األسرة العريقة (بن مطر)‪ ,‬و«بيت الشعر» بيت‬ ‫إبراهي������م العريض‪ ،‬فض ً‬ ‫ال عن مش������اريع أخرى‬ ‫تراثية وبحثية‪.‬‬ ‫في هذه البيوت التراثية يس������تطيع املرء أن‬ ‫يلمس املعنى البليغ لالستثمار بالثقافة‪ ،‬وكيف‬ ‫يس������تطيع احلاملون أن يصنعوا حقائق مذهلة‪،‬‬ ‫ويحيل������وا الفكرة إلى ذاكرة ال تعرف النس������يان‪،‬‬ ‫فق������ط حفظت تل������ك البيوت ذاك������رة أهم بيوت‬ ‫احملرق وأشهر الشخصيات العامة في البحرين‬ ‫ممن صنعوا تاريخ اململك������ة‪ ،‬في الفن والثقافة‬ ‫واإلعالم والتراث والتجارة وس������واها‪ ...‬وليس‬ ‫سراً يذاع أن الترتيب املعماري واملعرفي لبيوت‬ ‫هؤالء‪ ،‬دفع بالعديد إلى التمني بأن تكون بيوتهم‬ ‫وإرثهم املعرفي والثقافي موضوع اهتمام املركز‬

‫العدد ‪ - 696‬نوفمبر ‪2016‬‬

‫‪nov 194-199.indd 198‬‬


‫الكويت عاصمة الثقافة اإلسالمية ‪2016‬‬

‫في حياتهم ومماتهم‪ .‬وبذلك حتول مركز الشيخ‬ ‫إبراهيم بن محمد آل خليفة من فضاء للثقافة‬ ‫والبحوث‪ .‬إلى ح������ارس على الذاكرة البحرينية‬ ‫ورجاالتها‪ ،‬السيما أهل الثقافة واملعرفة منهم‪.‬‬ ‫تبق������ى القيم������ة الكب������رى للبي������وت التابعة‬ ‫للمرك������ز‪ ،‬تكمن في أنها كان������ت أحالماً تنبض‬ ‫في وسط نسيج س������كاني حي‪ ،‬وتختلط بنبض‬ ‫حياته������م اليومية‪ ،‬األمر ال������ذي جعلها أبعد من‬ ‫أن تكون أمكنة متحفية‪ ،‬لتصبح أس������لوب حياة‬ ‫ألهل احمل������رق البحرينية‪ ،‬يحمل معنى إضافياً‪،‬‬ ‫رومانسي الطابع‪ ،‬مصدره الشعور واإلحساس‬ ‫بفسيفساء يشكله املكان‪ ،‬حيث جتد أهل احلي‬ ‫جزءاً حيوياً من روح تلك البيوت الثقافية‪ ،‬سواء‬ ‫من خالل مشاركتهم في نشاطها‪ ،‬أو من خالل‬ ‫ابتساماتهم وعبارات الترحيب التي يالقون بها‬ ‫ضيوف املركز وبيوته الذين يأتون من كل بلدان‬ ‫«احلاملون ال ميكن ترويضهم أبداً»‬ ‫‪10/16/16 8:19:24 AM‬‬

‫العالم‪ ،‬زواراً ومحاضرين‪.‬‬ ‫عفوي������ة احلي������اة ح������ول البي������وت الثقافية‬ ‫التراثي������ة كان قد التقطه������ا مجلس أمناء مركز‬ ‫الش������يخ إبراهيم بن محم������د آل خليفة للثقافة‬ ‫والبحوث‪ ،‬فس������ارع إلى مشاركة املجتمع احمللي‬ ‫باملنطقة تفاصي������ل حياتهم‪ ،‬فقام املركز بتنفيذ‬ ‫حديق������ة مائية ألهل احل������ي‪ ،‬فض ً‬ ‫ال عن حديقة‬ ‫معلق������ة على جدار رئيس في مدخله أيضاً‪ ،‬هي‬ ‫األول������ى من نوعها في املنطق������ة العربية‪ ،‬حتفل‬ ‫بعدد متن������وع من النباتات‪ ،‬هذا إلى جانب دعم‬ ‫الصناعات التقليدية‪ ،‬وتأس������يس مقاه ومطاعم‬ ‫شعبية‪ ،‬بأسعار زهيدة‪ .‬وفي كل مرة كان مركز‬ ‫الشيخ إبراهيم يصنع رؤية ورؤى من نوع خاص‪،‬‬ ‫تعلن عن وجودها العفوي‪ ،‬احلالم والعاش������ق‪...‬‬ ‫األم������ر الذي جع������ل منه مكاناً يحفل بالس������حر‬ ‫واملعرفة >‬ ‫‪199‬‬

‫‪nov 194-199.indd 199‬‬


‫منتدى الحوار‬

‫أخطاء لغوية شائعة‪...‬‬ ‫في البنية واألسلوب‬ ‫د‪ .‬أحمد إسماعيل عبدالكريم‬

‫مصر‬

‫أخطاء كثيرة يقع فيها ُ‬ ‫الك َّت���اب والصحفيون والخطباء وجهابذة الفكر‬ ‫ورجاالته‪ ،‬حتى ال تكاد تخلو مطبوعة من خطأ‪ ،‬في الكتابة أو األس���لوب‪،‬‬ ‫فق���د يتناه���ى إلى مس���امعك خط���أ ظاهر م���ن خطي���ب يعتل���ي المنبر‬ ‫وق���د صارت الكلمة جزءاً من كيانه‪ ،‬أو مس���ؤول يدل���ي‬ ‫بتصريح صحفي‬ ‫ٍ‬ ‫فتصيب���ك س���هام أخطائه في مقت���ل‪ ،‬وأمثلة ذل���ك كثي���رة‪ ،‬وخالل هذه‬ ‫األسطر سنحاول إلقاء الضوء على بعض األخطاء التي يقع فيها العامة‬ ‫ألن‬ ‫والخاصة من أبناء «العربية» على ح ٍّد س���واء‪ ،‬األمر الذي ينذر بالخطر‪َّ ،‬‬ ‫اللغة هي العمود الفقري لألمة ورأس األمر في بنية مقوماتها‪.‬‬

‫واملش� � ��كلة التي تصل إلى ح� � ��د الكارثة هي عدم‬ ‫االعت� � ��راف باخلطأ ومحاولة إصالح� � ��ه‪ ،‬بل منهم من‬ ‫يج� � ��د املبرر خلطئه ويتمادى فيه وال يحاول إصالحه‪،‬‬ ‫وق� � ��د ر َّد أحدهم – مس� � ��تهزئاً ‪ -‬بجملة صارت مث ً‬ ‫ال‪:‬‬ ‫«م� � ��ا على املطرب م� � ��ن معرب»‪ ،‬واألخط� � ��اء التي يقع‬ ‫فيه� � ��ا الكتَّاب والباحثون صارت مس� � ��لمات كأن يقول‬ ‫أحدهم‪« :‬فليس ثمة إش� � ��كالية بني كذا وكذاً»‪ ،‬وينتقل‬ ‫الباحثون من املصدر الصريح «إش� � ��كال» إلى املصدر‬ ‫إن علم الصرف ِّ‬ ‫يخطئ‬ ‫الصناعي «إش� � ��كالية»؛ حي� � ��ث َّ‬ ‫القائلني بذلك‪ ،‬فاألصح «إش� � ��كال» وليس «إشكالية»‪،‬‬ ‫ومن األخطاء التي تتكرر لدى الباحثني في الرس� � ��ائل‬ ‫العلمية‪ ،‬فض ً‬ ‫ال عن املؤلفات والكتب والدراسات التي‬ ‫تغص بها الدوريات األسبوعية والشهرية‪ ،‬اخللط بني‬ ‫القناعة واالقتناع‪ ،‬كأن يقول بعضهم‪« :‬وفي قناعتي‪...‬‬ ‫وهل يدفع ذلك للقناع� � ��ة بقبول فكرة كذا?»‪ ،‬واألصح‬ ‫‪200‬‬

‫‪10/16/16 8:19:42 AM‬‬

‫في هذا الس� � ��ياق القول‪ :‬لالقتناع وليس القناعة‪ ،‬إذ‬ ‫الفرق بني اللفظتني ال يحت� � ��اج لكبير بحث في بطون‬ ‫املعاجم‪ ،‬فاالقتناع معناه الفهم واالستيعاب من خالل‬ ‫التس� � ��ليم باألدلة والبراهني على صحة رأي أو فكرة‪،‬‬ ‫أ َّم� � ��ا القناعة فه� � ��ي االكتفاء والرض� � ��ا بالقليل‪ ،‬ومنها‪:‬‬ ‫القناعة كنز ال يفنى‪.‬‬ ‫كما يستخدم كثير من الكتَّاب «ثمة» مبعنى بعض‬ ‫كأن يقال‪« :‬ل� � ��م أجد في هذا املوض� � ��وع ثمة ارتياح»‪,‬‬ ‫وهذا اخلطأ ش� � ��ائع عند كثير م� � ��ن املتخصصني في‬ ‫«العربية»‪ ،‬فض ً‬ ‫أن‬ ‫ال عن غير املتخصصني‪ ،‬والصواب‪َّ :‬‬ ‫لفظة «ثمة» ظرف واس� � ��م إشارة مختص؛ إذ يُشار به‬ ‫إلى املكان البعيد فقط‪ ،‬ومعناها «هناك»‪ ،‬وأن أصلها‬ ‫«ث � � � َّم» حلقتها «هاء» الس� � ��كت ‪ -‬حيث يج� � ��وز ذلك إذا‬ ‫ُوق� � ��ف عليها ‪ -‬فيقال‪« :‬ث َّم � � �هْ»‪ ،‬وقد يُقال في الوصل‪:‬‬ ‫«ث َّم َت» بالتاء مفتوحة‪ ،‬وهي مبعنى «ث َّم»‪.‬‬ ‫العدد ‪ - 696‬نوفمبر ‪2016‬‬

‫‪nov 200-201.indd 200‬‬


‫الكويت عاصمة الثقافة اإلسالمية ‪2016‬‬ ‫ويخط� � ��ئ بعضه� � ��م في تك� � ��رار االس� � ��م املوصول‬ ‫ف� � ��ي تركيب واحد‪ ،‬الس� � ��يما املوص� � ��ول املعطوف على‬ ‫موصول س� � ��ابق‪ ،‬فهذا غير صحيح‪ ،‬فال يصح عطف‬ ‫املوصول على موصول آخ� � ��ر نحوياً‪ ،‬إال إذا كان ذانك‬ ‫املوصوالن هم� � ��ا «الذين» املوص� � ��ول املختص باجلمع‬ ‫املذكر العاقل‪ ،‬وبش� � ��رط أن يكون صدر صلته ضميراً‪،‬‬ ‫وش� � ��اهده قول الله تعالى‪{ :‬ا َّلذِ ي � � � َن ُه ْم فِ ي ص اَ‬ ‫َلتِهِ ْم‬ ‫َخ ِ‬ ‫ضونَ‪)3( ‬‬ ‫اش � � � ُعونَ‪َ )2( ‬وا َّلذِ ي َن ُه ْم َعنِ اللَّ ْغوِ ُم ْعرِ ُ‬ ‫َوا َّلذِ ي َن ُه ْم لِل َّز َكا ِة َف ِ‬ ‫وجهِ ْم‬ ‫اعلُونَ‪َ )4( ‬وا َّلذِ ي َن ُه ْم ِل ُف ُر ِ‬ ‫َحافِ ُظونَ}‪( )5( ‬س ��ورة املؤمن ��ون)‪« ،‬أما في غير هذا‬ ‫املوصول بصف� � ��ة خاصة‪ ،‬ومن دون تل� � ��ك الصلة‪ ،‬فال‬ ‫يص� � ��ح عطف املوصول على موص� � ��ول آخر‪ ،‬فال يصح‬ ‫الق� � ��ول‪« :‬الطالب� � ��ة التي ذكاؤها ش� � ��ديد‪ ،‬والتي عملها‬ ‫واضح‪ ،‬والت� � ��ي كتابها نظي� � ��ف محبوب� � ��ة»‪ ،‬والصواب‬ ‫في مثل ه� � ��ذه اجلملة‪ ،‬في عطف جمل� � ��ة الصلة دون‬ ‫املوص� � ��ول‪« :‬الطالب� � ��ة الت� � ��ي ذكاؤها ش� � ��ديد‪ ،‬وعملها‬ ‫واضح‪ ،‬وكتابها نظيف محبوبة»‪.‬‬ ‫كما يكثر اخلطأ بطريقة أكثر شيوعاً في الفصل‬ ‫بني املضاف واملضاف إليه‪ ،‬كأن يقال‪« :‬انحس� � ��ار نفوذ‬ ‫ودور أهل السياسة»‪ ،‬أو يقال‪« :‬حضر مدرسو وطالب‬ ‫املدرس� � ��ة» والصواب على الترتيب القول‪« :‬انحس� � ��ار‬ ‫نفوذ أهل السياسة ودورهم»‪ .‬والقول‪« :‬حضر مدرسو‬ ‫املدرسة وطالبها»؛ ألنه ال يجوز في «العربية» الفصل‬ ‫بني املضاف واملضاف إليه‪.‬‬ ‫وكثيراً ما نخطئ حني تأخير االسم املؤ َّكد‪ ،‬وتقدمي‬ ‫عني أو نف� � ��س علي� � ��ه‪ ،‬كأن تقول‪ :‬نف� � ��س املوقف رأيته‬ ‫باألمس‪ ،‬أو قول الباحثني في احلواشي‪ :‬نفس املصدر‪،‬‬ ‫أو نفس الصفح� � ��ة‪ ،‬أو قول بعضهم‪ :‬نفس احلاضرين‪،‬‬ ‫أو نف� � ��س املدعوي� � ��ن‪ ...‬وغيرها‪ ،‬والص� � ��واب في ذلك‬ ‫القول‪ :‬املوقف نفسه‪ ...‬الصفحة نفسها‪ ...‬احلاضرون‬ ‫أنفسهم‪ ...‬املدعوون أنفسهم‪ ،‬وكذا األمر في عني‪.‬‬ ‫ومن مخالفتهم قواع� � ��د اللغة العربية تعريف كلمة‬ ‫«بعض»‪ ،‬كقولهم‪« :‬جمعت الطالب إلى بعضهم البعض»‪،‬‬ ‫أو «ج� � ��اء البعض منه� � ��م»‪ ،‬وصحته «جمع� � ��ت الطالب‬ ‫بعضه� � ��م إلى بعض‪ ،‬وج� � ��اء بعضهم»‪ .‬وم� � ��ن مخالفتهم‬ ‫القواع� � ��د اللغوي� � ��ة مجيء خبر كان جمل� � ��ة فعلية فعلها‬ ‫ماض مج� � ��رداً من قد‪ ،‬كما يق� � ��ال‪ :‬وكان جاءني ضيف‬ ‫ٍ‬ ‫عزي� � ��ز‪ ...‬والصواب‪« :‬وكان ق� � ��د جاءني ضيف عزيز»‪،‬‬ ‫ألن� � ��ه ال يصح نحوياً مجيء خبر كان جملة فعلية‪ ،‬فعلها‬ ‫أخطاء لغوية شائعة‪ ...‬في البنية واألسلوب‬ ‫‪10/16/16 8:19:48 AM‬‬

‫ألن قد تغير من الزمن املاضي‪،‬‬ ‫م� � � ٍ‬ ‫�اض مجرداً من قد؛ َّ‬ ‫ف� � ��ي اخلبر وفي الناس� � ��خ‪ ،‬وتقربه من احل� � ��ال كما قال‬ ‫الرضي في «شرح الكافية»‪.‬‬ ‫ومن األخطاء الواردة بكثرة على األلس� � ��نة وضعهم‬ ‫اللفظ� � ��ة في غير موضعها ال� � ��ذي جعلت له‪ ،‬ومن ذلك‬ ‫وضع اللفظة «قط» موضع «أبداً» كأن تس� � ��مع لهم في‬ ‫قسم الوالء‪« :‬ال أتركه قط حتى أذوق املوت»‪ ،‬والصواب‬ ‫الق� � ��ول‪« :‬ال أتركه أبداً حتى أذوق امل� � ��وت»‪ ،‬وذلك ألن‬ ‫السياق يعني املستقبل وليس املاضي‪ ،‬ألن «أبداً» تفيد‬ ‫الوقوع في املس� � ��تقبل‪ ،‬أما «ق� � � ْ‬ ‫�ط» فهي لفظ يحيل إلى‬ ‫املاضي‪ ،‬ومعناه الوقت املاضي عموماً‪ ،‬حيث إن «قط»‬ ‫ظرف الستغراق ما مضى من الزمان دون املستقبل‪.‬‬ ‫كم� � ��ا يخطئ بعضهم ف� � ��ي تعريف «غي� � ��ر» وتنكير‬ ‫ما بعدها عل� � ��ى التبديل‪ ،‬كأن يقال‪ :‬األس� � ��تاذ الدكتور‬ ‫«فالن» األس� � ��تاذ الغير متفرغ‪ ،‬والصواب‪ :‬غير املتفرغ‪،‬‬ ‫ألن «غي� � ��ر» ال تُعرف وال تدخل عليه� � ��ا «ال»‪ ،‬وما أكثر‬ ‫األخطاء الواردة في اس� � ��تخدام حروف اجلر بالزيادة‬ ‫واحلذف واإلقحام‪ ،‬فيقال‪ :‬يتحصل على‪ ،‬والصواب‪:‬‬ ‫يحص� � ��ل على‪ ،‬وقد يقحم بعضه� � ��م حرف اجلر «على»‬ ‫بع� � ��د الفعل «يؤكد» فيقول‪« :‬يؤكد كذا على»‪ ،‬والصواب‬ ‫أن الفع� � ��ل «يؤكد» ال يتعدى بحرف اجلر على أو غيره‪،‬‬ ‫فكما يخطئ بعضهم في الزي� � ��ادة واإلقحام‪ ،‬يخطئون‬ ‫أيض � � �اً في النقص واحلذف‪ ،‬ومن قول بعضهم‪« :‬رغم»‬ ‫من دون حرف اجلر‪ ،‬س� � ��واء كان «الباء» أو في األخرى‬ ‫«الب� � ��اء» و«من»‪ ،‬والصواب‪« :‬برغ� � ��م»‪ ،‬أو‪« :‬على الرغم‬ ‫من»‪.‬‬ ‫وق� � ��د يغيب عن ذاكرة بعضه� � ��م أن حرف اجلر قد‬ ‫يحدد معن� � ��ى الفعل وداللته مثل‪« :‬رغ� � ��ب»‪ ،‬فإذا أردف‬ ‫بحرف اجلر «ف� � ��ي» فإنه يفيد الرغب� � ��ة ذاتها‪ ،‬كما هو‬ ‫معروف ف� � ��ي املعنى الدارج‪ ،‬أما إذا أردف بحرف اجلر‬ ‫«عن» فيفيد العكس متاماً‪ ،‬كأن يقول أحدهم‪ :‬إنه يرغب‬ ‫في حرفة الصيد‪ ،‬واآلخ� � ��ر‪ :‬يرغب عن حرفة الصيد‪،‬‬ ‫فش� � ��تان بني االثنني‪ ،‬األول‪ :‬يري� � ��د أو يحب‪ ،‬واآلخر‪ ،‬ال‬ ‫يريد ويكره‪ ،‬ولكنه بالتأكيد يريد حرفة غيرها‪.‬‬ ‫وهك� � ��ذا تبدو دق� � ��ة لغتنا العربية الت� � ��ي تلقي على‬ ‫عاتقن� � ��ا حت ُّمل أمان� � ��ة احملافظة عليه� � ��ا‪ ،‬ومجابهة كل‬ ‫األنواء واألعاصير التي حت� � ��اول بكل قوة اقتالعها من‬ ‫جذورها‪ ،‬األم� � ��ر الذي يدفعنا للصمود وبذل كل نفيس‬ ‫من أجل احملافظة عليها‪ ،‬وذلك من صور اجلهاد >‬ ‫‪201‬‬

‫‪nov 200-201.indd 201‬‬


‫وتريات‬

‫رسالـ ٌة مــن‬

‫خلف ال ُ‬ ‫ق ْ‬ ‫ضبان‬ ‫ِ‬ ‫د‪ .‬سامي محمد السيد‬

‫أَبَت� � ��اهُ َح� � ��ا َر القو ُل من� � ��ي وانْ َب َرى‬ ‫الس � � � ُكونِ َكياني‬ ‫َد ْمعي يُ َزلزِ ُل في ُ‬ ‫الص ْم ِت يَ ْهت ُ‬ ‫ِك ِستْ َرنَا‬ ‫عت‬ ‫َ‬ ‫وسمِ ُ‬ ‫صوت َّ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫وت َِض � � � ُّج مِ نْ ُه في الدج� � ��ى أ ْركاني‬ ‫املدِ قِ ناظراً‬ ‫جعلت من بصري حُ َ‬ ‫َف‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ُ‬ ‫يَ ْرن� � ��و بخ� � ��وف ظل َمة اجل � � � ْدرانِ‬ ‫ترناً‬ ‫�رمي مُ‬ ‫�معت لل َم ِ‬ ‫وس� � � ُ‬ ‫َ‬ ‫لك الك� � � ِ‬ ‫َ‬ ‫للص� �ل��ا ِة آ َذاني‬ ‫َت‬ ‫غ‬ ‫أص‬ ‫ف‬ ‫�ي‬ ‫�‬ ‫�‬ ‫�‬ ‫ل‬ ‫حو‬ ‫ْ ْ َ‬ ‫تاب ُم َرت ً‬ ‫ف َهم ْم ُت أ ْم ِس� � � ُ‬ ‫ال‬ ‫�ك بالكِ ِ‬ ‫ِ‬ ‫اآليات ف� � ��ي ال ُق ْرآنِ‬ ‫بَ ْعض � � �اً م � � � َن‬ ‫أنش � � � ْد ُت فيه� � ��ا َراحت� � ��ي ُمتَجلِداً‬ ‫َ‬ ‫ودعوت نفس� � ��ي ِ‬ ‫وه َم� � ��ة البُنْيانِ‬ ‫ُ‬ ‫الصوت خار َج ُغرفتي‬ ‫عت‬ ‫َ‬ ‫ما إ ْن َسمِ ُ‬ ‫�جانِ‬ ‫الس� � � ّ‬ ‫يَ ْعل� � ��و إل� � � َّ�ي ببصم� � ��ةِ َ‬ ‫ضوع قات ٍِل‬ ‫ُ‬ ‫فرأيت نفس� � ��ي في خُ ٍ‬ ‫�دت إل� � � َّ�ي َم َر ِ‬ ‫�‬ ‫�‬ ‫�‬ ‫ب‬ ‫و‬ ‫اس � � � ُم األضغانِ‬ ‫َ ْ‬ ‫‪202‬‬

‫‪10/16/16 8:20:06 AM‬‬

‫مصر‬

‫مِ ْن َخ ِ‬ ‫لف أَ ْعمد ِة احلديدِ‬ ‫تواترت‬ ‫ْ‬ ‫�‬ ‫�‬ ‫�‬ ‫ف‬ ‫أن‬ ‫�ت ُق� � ��وةَ ال ِّني� � ��رانِ‬ ‫�اس فا َق� � � ْ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫خلف‬ ‫ْت‬ ‫أس� � ��م ُع‬ ‫ِ‬ ‫و َوقف ُ‬ ‫الباب علِّي ْ‬ ‫َ‬ ‫�ت ُربُ� � ��و َع َمكاني‬ ‫خُ طوا ِت� � ��هِ تَ َرك� � � ْ‬ ‫حس� � ��رتي‬ ‫أَبَت� � ��اهُ إن� � ��ي غار ٌق في ْ‬ ‫َ‬ ‫واج ِت� � ��را َء َز َماني‬ ‫ُح � � �ز ُ‬ ‫ْت النَدامة ْ‬ ‫ص ْد ُت ُك َّل َ‬ ‫الش ْو ِك َغا َر ْت جْ ُ‬ ‫أنمي‬ ‫َ‬ ‫وح َ‬ ‫�دت أَلْق� � ��ى إال ُكل َهوانِ‬ ‫�‬ ‫�‬ ‫�‬ ‫ع‬ ‫�ا‬ ‫�‬ ‫�‬ ‫�‬ ‫م‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫وا ُ‬ ‫حلل � � � ُم َ‬ ‫تص َو َح� � � ْ‬ ‫�ت أزها ُرهُ‬ ‫ضا َع َ‬ ‫�ت ُك َّل َم َطامِ � � � َح الغِ ل ْ َم� � ��انِ‬ ‫وتَ َر ْك� � � ُ‬ ‫حَ‬ ‫الصخُ ور َر َكاٍ ئبي‬ ‫وت ّط َم� � � ْ‬ ‫�ت فوق ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫�ت أبك� � ��ي مِ ِّن� � ��ي ُك َّل بنانِ‬ ‫وك َد ْم� � � ُ‬ ‫أَبت� � ��اهُ إن ش � � � َق الظ� �ل � َ‬ ‫�ت‬ ‫ا َم تَبين� � � ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫�ت َو َعالني‬ ‫َف ْج � � � ٌر َمالمِ ُح � � � ُه َعل� � � ْ‬ ‫رأيت َر ْس َم الب ْ‬ ‫ِشرِ في َو ْجهِ ال َو َرى‬ ‫َو َ‬ ‫مِ � � ��ن ُك ِّل َح ْدب ب� � ��ا َن في اجلِ يرانِ‬

‫العدد ‪ - 696‬نوفمبر ‪2016‬‬

‫‪nov 202-203.indd 202‬‬


‫الكويت عاصمة الثقافة اإلسالمية ‪2016‬‬

‫توحدوا‬ ‫َو َر َ‬ ‫أيت أهلي ف� � ��ي األنَ ِام َ‬ ‫َ‬ ‫وأرادوا فين� � ��ا كرام � � � َة اإلنْس� � ��انِ‬ ‫فا ْر َف � � � ْع بعــ� � � ٍ�ز للس� � ��ماءِ تض ُّرعاً‬ ‫للس� � ��ماءِ يَ� � ��دانِ‬ ‫وارف � � � ْع بع � � � ٍّز َّ‬ ‫�أن القيْ َد م ّن� � ��ي ُم َح َّط ٌم‬ ‫واعلم ب� � � ّ‬ ‫�ي حتم � � �اً ال َم َحال � � � َة فاني‬ ‫والبغ� � � ُ‬ ‫أج َرموا‬ ‫ُشقوا القبُو َر ِّ‬ ‫ووسدوا َم ْن ْ‬ ‫ُش� � ��قوا اللُّحو َد مل ْوكِ � � � ِ�ب ُ‬ ‫الطغْيانِ‬ ‫َّحيب ألَ� � � َّم َح ْولَ َك إخْ َوتي‬ ‫وإذا الن ُ‬ ‫َ‬ ‫تَبك� � ��ي أل ْجل� � ��ي َم� � ��را َرةَ احلِ ْدثانِ‬ ‫�معت أ ُ ّمي في بُ َكائها تنْ ُد ُب‬ ‫وس� � � َ‬ ‫َم� � ��ن ضا َع مِ نْها ف� � ��ي ُذرا ال َّريْعانِ‬ ‫إ ّن� � ��ي بح� � ��قِّ الل� � ��ه أ ْر ُج� � ��و مِ نْ ُك ُم‬ ‫صفحاً فأنت � � � ُم َمبع� � ��ثُ العِ ْرفان‬ ‫َ‬

‫ٌ‬ ‫خلف القُ ْضبان‬ ‫رسالة من ِ‬ ‫‪10/16/16 8:20:08 AM‬‬

‫أَبت� � ��اهُ ي� � ��ا أ ُ ّم� � ��اهُ ي� � ��ا ِس � � � َر ا َ‬ ‫حل َيا‬ ‫وحن� � ��انِ‬ ‫ي� � ��ا نَبْ� � � َع ُكل َم َحب� � � ٍ�ة َ‬ ‫�ب الذي‬ ‫فألنْتُم� � ��ا النهرانِ للح� � � ِّ‬ ‫يَ ْس� � ��ري فال يقفا ع� � ��ن اجلريانِ‬ ‫رأت‬ ‫لك ّنه� � ��ا األق� � ��دا ُر ي� � ��ا أبت� � ��ي ْ‬ ‫وأن� � ��ا الذبي ُح ألن أك� � ��ون اجلاني‬ ‫ف� �ل��ا ورب� � ��ك ال تَ ُكن ب� � ��ي غاضباً‬ ‫فبغي� � ��ر حبك أو رض� � � ِ‬ ‫�اك أُعاني‬ ‫�ت مبع� � ��ثُ ُك ِّل نُ� � ��ورِ أ ْرجتي‬ ‫وألنْ� � � َ‬ ‫وألنت سيفي في ا ُ‬ ‫ياني‬ ‫خل ُط ِ‬ ‫وب مَ َ‬ ‫وألنْ َت ِع� � ��زي في احليا ِة َو َم ْركني‬ ‫�ت ُع ْم� � ��ري دقائ � � � ٌق وثواني‬ ‫وألَنْ� � � َ‬ ‫فإل� � ��ى اللِّقاءِ إذا س� � ��مت أَ ْقدا ُرنا‬ ‫وس َم ْونا فوق َم َب ِ‬ ‫اعث األَ ْحزانِ >‬ ‫َ‬ ‫‪203‬‬

‫‪nov 202-203.indd 203‬‬


‫تغيير إيميل مجلة‬ ‫قراء مجلة العربي وكتّ ابها إلى أن إمييل املجلة‬ ‫نوجه عناية ّ‬ ‫الرسمي قد تغير‪ ،‬منذ فترة‪ ،‬وبدء ًا من هذا الشهر‪ ،‬نوفمبر‬ ‫‪ ،2016‬ستكون العناوين اإللكترونية املتاحة ملراسلة املجلة وفق ًا‬ ‫لطبيعة املساهمة أو طبيعة التواصل كالتالي‪:‬‬

‫املراسالت اخلاصة بقسم التحرير‬

‫املشارك ــات واملقــاالت‬ ‫الـمتابـعة الـمالية‬ ‫االشـتــراك بالـمج ـلــة‬ ‫مسابقة التصوير‬

‫‪10/16/16 9:05:32 AM‬‬

‫‪:‬‬ ‫‪:‬‬ ‫‪:‬‬ ‫‪:‬‬

‫‪alarabi@alarabi.info‬‬ ‫‪fin@alarabi.info‬‬ ‫‪subscribe@alarabi.info‬‬ ‫‪photo@alarabi.info‬‬

‫‪nov 204-209.indd 204‬‬


‫الكويت عاصمة الثقافة اإلسالمية ‪2016‬‬

‫عزيزي العربي‬

‫نور عمري‬ ‫ي � ��ا ن� � ��ور أي� � � ��ام ع � �م� ��ري ي � ��ا ضياها‬ ‫ل � ��ك األش � � � � ��واق ي� �ح ��رق� �ن ��ي سناها‬ ‫وج � � � ��ودك س � ��ر ش� ��وق� ��ي واش� �ت� �ي ��اق ��ي‬ ‫وأن�� � ��ت أف � � � ��راح ع � �م� ��ري م � ��ع عناها‬

‫< مجلة العربي من املجالت‬ ‫العربية الرائعة والرائدة‪ ،‬تتناول‬ ‫مواضي� � ��ع جدي� � ��دة ومتنوع� � ��ة‬

‫ب �ق �ل �ب��ي ش � �ي� ��دت ل� ��ك ق� �ص ��ر احملبة‬ ‫وه � ��ام � ��ت ف� �ي ��ك روح� � � ��ي ي � ��ا مناها‬ ‫أحالم ‪ -‬الكويت‬

‫وتخاط� � ��ب املتلقي العربي من كل‬ ‫ش� � ��رائح املجتمع‪ ،‬تتمي� � ��ز بنكهة‬ ‫خاصة عند قراءتها ومطالعتها‪،‬‬

‫أمتن� � ��ى لها التقدم واالس� � ��تمرار‬ ‫برسالتها‪.‬‬ ‫عباس السعدي‪ - ‎‬العراق‬

‫‪E.mail: subscribe@alarabi.info‬‬

‫قسيمة جتديد اشتراك ‪ /‬اشتراك جديد‬ ‫االسم الثالثي‬ ‫العنوان البريدي‬ ‫العنوان اإللكتروني‬ ‫الهاتف‪( :‬املنزل) ‬

‫(العمل)‬

‫الهاتف اجلوال‬ ‫عزيزي العربي‬ ‫‪10/16/16 8:20:42 AM‬‬

‫‪205‬‬

‫‪nov 204-209.indd 205‬‬


‫ذكريات مع مجلة العربي‬ ‫< مجل������ة العرب������ي هي منب������ر الثقاف������ة العربية‪ ،‬حيث‬ ‫انطلقت من أرض الثقافة العربية؛ الكويت احلرة العظيمة‪،‬‬ ‫منذ أكتوبر ‪ ،1958‬وجاء د‪ .‬أحمد زكي وأدى رس������الته على‬ ‫أكم������ل وجه‪ .‬ومنذ عام ‪ ،1976‬تلقفها األس������تاذ أحمد بهاء‬ ‫الدي������ن وألبس املجلة حلّة التطور اجلميل‪ .‬ومن عام ‪1982‬‬ ‫ج������اء عمالق الثقاف������ة العربية د‪ .‬محم������د الرميحي ومعه‬ ‫شهدت املجلة الكثير والكثير فمن لم يقرأ «حديث الشهر»‬ ‫للرميح������ي‪ ،‬و«إل������ى أن نلتقي» ألنور الياس���ي��ن‪ ،‬لم يقرأها‪.‬‬ ‫وجاء د‪ .‬سليمان إبراهيم العسكري‪ ،‬ومعه جاءت كل تقنية‬ ‫متطورة‪.‬‬ ‫أبقاها الله منارة الثقافة العربية متتعنا وتغذي قلوبنا‬ ‫وعقولنا‪ ،‬وها هو أملي قد حتقق بكتابتي عنها ولها‪ ،‬ومنذ‬ ‫تسعينيات القرن املاضي وأنا أحلم بكوني محرراً فيها وقد‬ ‫حتقق نصف احللم‪ ...‬فهل يتحقق النصف اآلخر؟!‬ ‫حسني اخلوارزمي ‪ -‬مصر‬ ‫ضع عالمة ✓ أمام املطبوعة املطلوب االشتراك فيها‬ ‫(‪ )1‬قيمة االشتراك السنوي لـ «العربي» للمشتركني من الوطن العربي‪:‬‬ ‫‪ 8‬دنانير أو ما يعادلها بالدوالر األمريكي‪.‬‬ ‫باقي دول العالم ‪ 10‬دنانير أو ما يعادلها بالدوالر األمريكي أو اليورو األوربي‪.‬‬ ‫(‪ )2‬قيمة االشتراك السنوي لـ «العربي الصغير» للمشتركني من الوطن العربي‪:‬‬ ‫‪ 6‬دنانير أو ما يعادلها بالدوالر األمريكي‪.‬‬ ‫باقي دول العالم ‪ 8‬دنانير أو ما يعادلها بالدوالر األمريكي أو اليورو األوربي‪.‬‬ ‫(‪ )3‬قيمة االشتراك في كتاب العربي‪ 5 :‬دنانير أو ما يعادلها بالدوالر األمريكي‬ ‫باقي دول العالم ‪ 16‬دوال ًرا أمريك ًيا‪.‬‬ ‫توقيع طالب االشتراك‪:‬‬ ‫ترسل قيمة االشتراك مبوجب حوالة مصرفية أو شيك بالدينار الكويتي باسم وزارة اإلعالم‬ ‫مع القسيمة على العنوان التالي‪:‬‬ ‫مجلة العربي ‪ -‬قسم االشتراكات‬

‫دولة الكويت ‪ -‬ص‪.‬ب‪ - 748 :‬الصفاة ‪ -‬الرمز البريدي ‪ - 13008‬بدالة‪ - )00965( 22512086/82/81 :‬فاكس‪)00965( 22512044 :‬‬ ‫‪State of Kuwait - P.O. Box: 748 Safat 13008-Tel.: (00965) 22512086/82/81-Fax: (00965) 22512044‬‬

‫‪206‬‬

‫‪10/16/16 8:20:47 AM‬‬

‫العدد ‪ - 696‬نوفمبر ‪2016‬‬

‫‪nov 204-209.indd 206‬‬


‫الكويت عاصمة الثقافة اإلسالمية ‪2016‬‬

‫استنزاف حتى آخر رمق (قصة قصيرة)‬ ‫كظل� � ��ي أصب� � ��ح يالحقن� � ��ي‪ ،‬وهل‬ ‫التنصل منه‪ ،‬أقعدني وش� � ��ل‬ ‫أس� � ��تطيع‬ ‫ّ‬ ‫ما كن� � ��ت أزخر به‪ ،‬أفقدني كل ما كنت‬ ‫أنوي‪ ،‬أسأله وهو الغائب‪ ،‬متى ترحل؟‬ ‫لكنه دوم � � �اً ال يجيب‪ ،‬فأصرخ به‪ ،‬أنت‬ ‫نحس� � ��ي وكربي فلتعفني من سلطتك‪،‬‬ ‫انتظ� � ��رت الوقت الطويل ك� � ��ي يرحل‪،‬‬ ‫أصبحت احلياة انتظاراً ولهفة للحظة‬ ‫احلرية‪.‬‬ ‫وعن� � ��د يأس� � ��ي ظه� � ��رت‪ ،‬عن� � ��د‬ ‫استس� �ل��امي م� � ��ن مح� � ��اوالت ثني� � ��ك‪،‬‬ ‫انحني� � ��ت بإرادتك وتل� � ��وت ما ال ميكن‬ ‫نسيانه‪.‬‬ ‫س� � ��امحيني أنا املخطئ‪ ،‬كوني لي‬ ‫عون � � �اً‪ ،‬فلقد ِش� � ��خْ ُت وأن� � ��ا بني يديك‬ ‫خاضع‪.‬‬ ‫ سهل هذا التسامح في ظاهره‪،‬‬‫ولكن هل يعيد س� � ��نني عنفواني الذي‬ ‫كسرته؟‬ ‫ أعيد الك َّرة‪ ،‬بأن تسامحيني‪.‬‬‫ فلتعده� � ��ا‪ ،‬تدب� � ��ر أم� � ��رك‪ ،‬هل‬‫س� � ��تجعل م� � ��ا تبقى م� � ��ن حيات� � ��ي‪...‬‬ ‫خدمتك‪.‬‬ ‫فاطمة محمد الغامدي‪ -‬السعودية‬

‫< مجل� � ��ة العرب� � ��ي م� � ��ن أبرز‬ ‫وأرقى املجالت التي قرأتها‪ .‬رائدة‬ ‫متميزة منذ اإلصدارات األولى لها‪.‬‬ ‫لها خبرة وباع في إعداد وتبيان كل‬ ‫اإلبداعات واالنش� � ��غاالت العربية‬ ‫واإلقليمي� � ��ة‪ ،‬خدمة للعل� � ��م والفكر‬ ‫واألدب‪ .‬كان لتأسيسها رافد متني‬ ‫لرب� � ��ط نبض األمة العربية بس� � ��يل‬ ‫عزيزي العربي‬ ‫‪10/16/16 8:20:52 AM‬‬

‫فكره� � ��ا وعلومه� � ��ا‪ .‬وتول� � ��د عليها‬ ‫لرواجها ناش� � ��ئة من املجالت مثل‬ ‫«العربي الصغير» وغيرها‪.‬‬ ‫مجلة العربي قبل عوملة الفكر‬ ‫واإلبداع عبر الش� � ��بكة العنكبوتية‪،‬‬ ‫كان له� � ��ا حض� � ��ور وغ� � ��زو ثقاف� � ��ي‬ ‫اس� � ��تحوذا على كل أطياف القراءة‬ ‫واملطالعة‪ ،‬ولكل الفئات املتلقية وكل‬

‫األطياف العمرية‪ ،‬فهي غنية بتن ّوع‬ ‫مواضيعها ومشاركاتها في معايشة‬ ‫احلراك الثقاف� � ��ي واإلبداعي على‬ ‫مسار الوطن العربي‪.‬‬ ‫باختص� � ��ار ه� � ��ي مجل� � ��ة رائدة‬ ‫مخضرمة ومتميزة‪.‬‬ ‫مصباح ولي الدين ‪-‬‬ ‫اجلزائر‬ ‫‪207‬‬

‫‪nov 204-209.indd 207‬‬


‫لون (قصة قصيرة)‬ ‫متس� � ��ك بالتة األل� � ��وان بيدها‬ ‫اليس� � ��رى وفرش� � ��اة الرس� � ��م بيدها‬ ‫اليمن� � ��ى‪ ,‬وتقف أمام لوحتها الفنية‬ ‫التي تعتبرها قطعة من جسدها ال‬ ‫قطعة من قماش‪.‬‬ ‫تضع اللمسات األخيرة لرسمها‬ ‫(األميرة خلود)‪ ,‬تتحدث مع رسمها‪,‬‬ ‫فالرس�� ��م هو الش�� ��يء الوحيد الذي‬ ‫تفهم وضعها‪ ,‬منذ زمن وهي حتاكي‬ ‫أي لوحة ترس�� ��مها‪ ,‬من خالل الرسم‬ ‫تعبر ع َّما يختلج قلبها من مش�� ��اعر‪,‬‬ ‫فأحياناً تس�� ��رد له همومها‪ ,‬وأحياناً‬ ‫حتدثه عن أفراحها‪ .‬في هذا املساء‬ ‫وهي تض�� ��ع اللمس�� ��ات األخي�� ��رة لـ‬ ‫«لألمي�� ��رة خلود» ق�� ��ررت أن تتحدث‬ ‫معه�� ��ا ع�� ��ن حياتهم�� ��ا فه�� ��ي األخت‬ ‫الكبرى لألمي�� ��رة‪ .‬بدأت احلديث مع‬ ‫أخته�� ��ا األميرة عن حياتهما‪ ,‬حدثتها‬ ‫عما ش�� ��اءته أقدار الله حينما رحلت‬ ‫عن الدنيا والدتهم�� ��ا وخلود مازالت‬ ‫طفلة ترضع‪.‬‬ ‫تبتس� � ��م األمي� � ��رة ف� � ��ي اللوحة‬ ‫وتواص� � ��ل ه� � ��ي ملس� � ��اتها وحديثها‬ ‫عن م� � ��ا تعرضتا له من قس� � ��وة من‬ ‫والدهم� � ��ا بعد وف� � ��اة أمهما‪ ,‬وكيف‬ ‫تركهم� � ��ا لألقدار وهاجر مع زوجته‬

‫اجلدي� � ��دة دومن� � ��ا رحم� � ��ة لطفلتني‬ ‫صغيرتني‪ .‬تنظر بسعادة إلى الوجه‬ ‫األميرة‪ ,‬تشعر بأن األميرة تبادلها‬ ‫االبتسامة‪.‬‬ ‫تواص� � ��ل إبداعه� � ��ا‪ ,‬واألل� � ��وان‬ ‫تتناث� � ��ر من اللوحة وتبعث الس� � ��عادة‬ ‫في األفق احمليط بهما‪ ,‬تسمع بكاء‬ ‫أخته� � ��ا الصغيرة خلود ف� � ��ي الغرفة‬ ‫املجاورة له� � ��ا‪ ,‬تتوقف عن الرس� � ��م‬ ‫وتغادر مرسمها الصغير نحو أختها‬

‫عمار حمود أحمد القاضي‪ -‬اليمن‬

‫وض� � ��اء لألدب‬ ‫< ه� � ��ي منبر ّ‬ ‫والعلم‪ ،‬ولقد تربينا على كتاباتها‬ ‫الش� � ��ائقة والرش� � ��يقة وطباعتها‬ ‫الفاخ� � ��رة وألوانه� � ��ا الزاهي� � ��ة‪...‬‬ ‫وكنت مهتماً بالشعر الذي كانت‬

‫حتتويه‪ ...‬جزى الله كل َمن عمل‬ ‫بها خيراً‪.‬‬ ‫ه� � ��ذا ل� � ��م يكن إط� � ��راء‪ ،‬ومع‬ ‫هذا تس� � ��تحقون الثن� � ��اء‪ ...‬فقد‬ ‫عاص� � ��رت مجلتك� � ��م وقتما كانت‬

‫للمجالت مكانة‪ ،‬وكانت مجلتكم‬ ‫تقتنى وتصن� � ��ف مع الكتب ال مع‬ ‫الدوريات‪.‬‬ ‫إبراهيم الدرويش ‪-‬‬ ‫السعودية‬

‫‪208‬‬

‫‪10/16/16 8:20:56 AM‬‬

‫الرضيع� � ��ة اجلائعة‪ .‬تطع� � ��م أختها‪,‬‬ ‫ثم تأخذه� � ��ا وتعود معها للمرس� � ��م‬ ‫الصغير‪ ,‬حتتض� � ��ن أخته� � ��ا بيده� � ��ا‬ ‫اليس� � ��رى وتضمه� � ��ا إل� � ��ى صدرها‬ ‫الداف� � ��ئ الصغير‪ ،‬وتتناول فرش� � ��اة‬ ‫الرس� � ��م بيده� � ��ا اليمن� � ��ى وتواصل‬ ‫رس� � ��مها وحتدث األميرة كيف أنها‬ ‫تربت في أحضان أم لم تتزوج بعد‪.‬‬

‫العدد ‪ - 696‬نوفمبر ‪2016‬‬

‫‪nov 204-209.indd 208‬‬


‫الكويت عاصمة الثقافة اإلسالمية ‪2016‬‬

‫إن‪ ...‬فإنّه‪...‬‬ ‫ْ‬ ‫صغراهن‪,‬‬ ‫فمسدت شعر‬ ‫ّ‬ ‫تبقّى على يوم جلسة احملكمة اجلدران‪ّ ,‬‬ ‫أسبوع‪ ،‬سبعة أيام بلياليها‪ ,‬سيفتح لثمت ي������د أكبرهم‪ ,‬مس������حت دمع‬ ‫ربت على‬ ‫باب الزنزانة ويغلق مرات ومرات أمهم‪ ،‬س������معت همسهم‪ُ ّ ,‬‬ ‫������ن روحي ط������ارت إليهم‪ ،‬رؤوس������هم‪ ،‬كل ليل������ة وي������وم‪ ،‬حتى‬ ‫علي‪ ،‬لك ّ‬ ‫ّ‬ ‫������جاني ش������ملته مني نظ������رة لم‬ ‫ص������رت أذرع الزنزان������ة االنفرادية س ّ‬ ‫ببصري‪ ،‬وارتسمت وجوههن على يألفها‪ ،‬فوارى عينيه عني‪ ،‬في ليلة‬

‫اجللسة اعتراني متلمل االنتظار‪,‬‬ ‫بدأت ي������داي ترتعش������ان‪ ,‬وبعضي‬ ‫ي������أكل بعضي تلهفاً‪ ،‬قلت‪ :‬س������تمر‬ ‫الساعات وفي احملكمة إن لم أرهم‬ ‫سأعود ألحتضن اجلدران‪.‬‬ ‫عبدالعزيز مشرف‬

‫‪ ‬قصص ألصوات شابة تنشر بالتعاون‬ ‫مـ ــع إذاع ـ ـ ــة «مــونــت كــارلــو» الدولي ــة‬

‫قصص على الهواء‪ ‬‬ ‫حرص ًا من مجلة العربي على دعم املواهب العربية الشا ّبة في الكتابة السردية واألدبية‪،‬‬ ‫تدع ��و الك ّت ��اب الش ��باب العرب م ��ن كل أقطار العال ��م العربي إلى االش ��تراك في مس ��ابقتها‬ ‫األدبية الش ��هرية «قصص على الهواء»‪ ،‬التي يش ��ارك في حتكيمها مجموعة من أبرز النقّ اد‬ ‫والكتّاب العرب‪.‬‬

‫شروط المسابقة‬

‫‪ ‬‬ ‫تستقبل مجلة العربي القصص اخلاصة مبسابقة «قصص على الهواء» بالتعاون مع إذاعة‬ ‫مونت كارلو بشكل مستمر‪ ،‬من جميع األصدقاء من الكتّاب الشباب وحتى عمر ‪ 40‬عام ًا‪.‬‬ ‫ويت ��م حتوي ��ل القصص دوري� � ًا إلى محكّ مني من أرج ��اء الوطن العربي‪ ،‬م ��ن النقّ اد والكتّاب‬ ‫الع ��رب‪ ،‬ليخت ��اروا ش ��هري ًا خمس قصص تف ��وز بجائزة مقداره ��ا ‪ 150‬دوالر ًا لكل فائز‪ .‬وتُنش ��ر‬ ‫القصة األولى في املجلة‪ ،‬بينما تبث القصص اخلمس أسبوعي ًا في إذاعة مونت كارلو‪.‬‬ ‫ويشترط‪:‬‬ ‫ أال يزيد عمر املتسابق على ‪ 40‬عام ًا‪.‬‬‫رشحت جلوائز شبيهة‪.‬‬ ‫ أال تكون القصة قد نُشرت مسبق ًا في أي وسيلة نشر‪ ،‬أو ّ‬‫‪ -‬أال يزيد عدد كلمات القصة على ‪ 500‬كلمة‪.‬‬

‫عزيزي العربي‬ ‫‪10/16/16 8:20:59 AM‬‬

‫‪209‬‬

‫‪nov 204-209.indd 209‬‬


‫الكويت عاصمة الثقافة اإلسالمية ‪2016‬‬

‫إلى أن‬

‫نلتقي‬ ‫فاطمة حسين العيسى‬ ‫كاتبة من الكويت‬

‫المحيط األبيض‬ ‫ال أظن أن بيننا َمن يس� � ��تطيع العيش بال محيط‪ ،‬تلك الدائرة املرئية‪ ،‬أو غير املرئية‪ ،‬التي تُش� � ��عره بأنه‬ ‫والص ْحب واألصدقاء‪ ،‬التي تتكون بهم ومنهم أجواء‬ ‫ليس وحده في هذه الدنيا‪ .‬هي دائرة األقارب واملعارف َّ‬ ‫ص َّدق َْك»‪ ،‬ولشدة‬ ‫قك ال من َ‬ ‫ص َد ْ‬ ‫الدفء البش� � ��ري الذي نعيش� � ��ه‪ ...‬وفي هذا يقول األعراب‪« :‬صديقك من َ‬ ‫علي‬ ‫اعترض‬ ‫وكلما‬ ‫لعالقاتي‪،‬‬ ‫إعجابي وإمياني بهذه املقولة‪ ،‬وجدت نفسي ألبسها ثوباً وأستخدمها ميزاناً‬ ‫ّ‬ ‫أحد األصدقاء أو املعارف أحتجج مبقولة «عمر اخليام»‪:‬‬ ‫�وب ال� �ع� �ي�� ِ�ش ل� � � ْ�م ُأس��ت��ش��ر‬ ‫ل� �ب� �س � ُ�ت ث � � � َ‬ ‫وح� � � � � ��رتُ ف � �ي� ��ه ب �ي ��ن شَ � � � َّت� � ��ى ال� �ف� �ك ��ر‬ ‫وس � � � � � � ��وف أن � � � �ض� � � ��و ال� � � � �ث � � � ��وب ع� �ن ��ي‬ ‫ول���م أدرك مل� ��اذا ج� �ئ ��ت‪ ...‬أي���ن املفر؟!‬ ‫ال أحس� � ��ب أن بيننا من ي ّدعي أن باس� � ��تطاعته العيش بال أصحاب وال معارف وال أصدقاء‪ ،‬بل يقضي‬ ‫حس� � ��نت وجت ّملت وجاءته بكل ما يحلم به‪ ،‬فالبد أن يفتح عينيه‬ ‫أيامه ولياليه ضمن األس� � ��وار العائلية مهما ّ‬ ‫يوم � � �اً لي� � ��رى أن في احلياة «حباً» كما فيها «هوى»‪ ،‬وفيها فصول أربعة لكل منها طعم ولون‪ ،‬وفيها أراض لله‬ ‫واسعة تبدأ بغرزة إبرة وتنتهي مبحيط الكرة األرضية‪.‬هي ثالث من الشرائح البشرية تط ّل عليكم من دفتري‬ ‫اخلاص‪ ،‬تستقبلكم بابتسامة عساها حتظى بالر ّد منكم‪.‬‬ ‫األولى‪ :‬عربية من أصول يونانية ‪ -‬لبنانية‪ ،‬لها قلب بسعة العالم كله‪ ،‬فتاة صافية نظيفة ذات خلق بالغ الرقي‪،‬‬ ‫لكنها مس�� ��يحية أح ّبت وأح ّبها شاب مس�� ��لم‪ ،‬وقد دخلت نفق التضحيات وحدها حماية حلبها العظيم‪ ...‬خدعها‬ ‫صاحبنا وألقى بها خلف األسوار‪ ،‬ولروعة منبتها ح ّولت حديد األسوار إلى ذهب حلماية أسرتها حضانة وتعليماً‬ ‫وعم ً‬ ‫ال وتركته لالستمتاع بحياته اجلديدة مع األجنبية اجلديدة‪ ،‬تركته ال يبكي دمعاً بل دماً‪ ...‬يستحقه‪.‬‬ ‫الثانية‪ :‬س� � ��ورية جذبها غوى عش� � ��قها لوطنها‪ ،‬تاريخاً‪ ،‬حضارة‪ ،‬ثقافة وأجواء عائلية دافئة في مدن كبيرة‬ ‫ممت� � ��دة بأخالقيات قرية صغيرة‪ ،‬وفي ليلة غاب عنها القمر وحلقت بها الش� � ��مس فغ� � ��اب عنها الزيتون والكرز‬ ‫والياسمني‪ ،‬واشتعلت فيها نار كلما خمدت تب ّرع مجنون بإشعالها فاتسعت األرض بيتاً وظلت قلوبنا متماسكة‪.‬‬ ‫الثالث ��ة‪ :‬إجنليزية مغرمة بالعروبة حضارة وثقافة وتاريخاً وفناً‪ ،‬ألتقي بها في لندن وال أنس� � ��ى فرحتها‬ ‫وه� � ��ي ّ‬ ‫تزف لي خبر اختي� � ��ار ابنتها «بياترس» احلضارة العربية مادة لدراس� � ��تها في جامعة كامبردج‪ ،‬ألتقيها‬ ‫سنوياً في لندن‪ ،‬يجمعنا «غداء ممتد زمنياً» أو جولة في متحف أو معرض فني أو مسرح‪.‬‬ ‫أمتنى أال أحظى بأي لوم منكم عندما أقول إننا جميعاً نحتاج إلى مثل تلك االختراقات للنسيج احمليط‬ ‫بن� � ��ا من أهل وصحب ومراكز علم وعالقات خاصة وعامة تش � � � ّد الوثاق عل� � ��ى أعناقنا‪ ،‬فكلما تل ّونت األجواء‬ ‫أصبح األكسجني أكثر صفاء‪ ،‬وصارت احلياة تستحق مجهود العيش فيها >‬

‫‪210‬‬

‫‪10/16/16 8:21:23 AM‬‬

‫العدد ‪ - 696‬نوفمبر ‪2016‬‬

‫‪nov 210.indd 210‬‬


‫العدد ‪ > 696‬صفر ‪ 1438‬هـ > نوفمبر ‪ 2016‬م ‪November‬‬

‫العدد ‪ 696‬نوفمبر‬ ‫‪2016‬‬

‫‪ISSN : 0258 - 3941‬‬

‫جداينسك‪...‬‬

‫مدينة تغيَّر فيها تاريخ العالم مرتين‬

‫‪@alarabiinfo‬‬ ‫‪10/17/16 8:14:31 AM‬‬

‫‪full cover.indd 2‬‬


Turn static files into dynamic content formats.

Create a flipbook
Issuu converts static files into: digital portfolios, online yearbooks, online catalogs, digital photo albums and more. Sign up and create your flipbook.