طه جابر العلواني يتحدث عن المختار السوسي كتبها ،jpsفي 62يونيو 6002الساعة 51:51 :م /http://jpss.maktoobblog.com/120طه-جابر-العلواني-يتحدث-عن-المختار-السو/
قبل عشر سنوات من اليوم حاضر المفكر االستاذ طه جابر العلواني عن العالمة محمد المختار السوسي بأكادير في ندوة بكليتها ،وهي محاضرة غير منشورة يتفرد الموقع بنشرها. ندوة "التراث اإلسالمي بسوس" ،المنظمة من لدن كلية اآلداب ،جامعة ابن زهر بأ َكادير ،والمعهد العالمي للفكر اإلسالمي بواشنطن ،أيام 51-52شعبان 62-61/5160نونبر .5222 دور سوس في خدمة الثقافة العربية واإلسالمية محمد المختار السوسي نموذجا
د .طه جابر العلواني رئيس المجلس الفقهي ألمريكا الشمالية رئيس جامعة العلوم اإلسالمية واالجتماعية -فرجينيا الواليات المتحدة األمريكية عنون العالمة ابن خلدون البـاب الرابع واألربعين ،مقدمته بعنوان ":فصل في أن حملة العلم في اإلسالم أكثرهم مـن األعاجم" ،ثم بدأه بقوله":مـن الغريب الواقع أن حملة العلم في الملة اإلسالمية أكثرهم من العجم"( )5ثم سرد أمثلة على ذلك مفتتحا بعلم النحو الذي هو علم اللسان العربي فقال..":فكان صاحب صناعة النحو سيبويه والفارسي من بعده َّ الزجَّ اج من بعدهما وكلهم عجم في أنسابهم ،وإنما ربوا في اللسان العربي فاكتسبوه بالمربَى ومخالطة العرب، وصـيروه قوانين وفنا لمـن بعدهم .وكذا حملة الحديث الذيـن حفظوه عن أهل اإلسالم أكثرهم عجم أو مستعجمون باللغة والمربى ،وكان علماء أصول الفقه كلهم عجما كما يُعرف ،وكذا حملة علم الكالم ،وكذا أكثر المفسرين .ولم تقـم بحفظ العلم وتدوينه إال األعـاجم"( )6ولـو أردنا أن نستقرئ األمثلة على هذه الظاهرة التي رصدها ابن خلدون لطال الحديث ،وإنما نريد هنا استخالص بعض دالالتها: 1-من الواضح أن الحضارة اإلسالمية تأسست على رباط األخوة الذي ال يعترف بحدود المكان أو حواجز العرق،ابتداء من المؤاخاة بين المهاجرين واألنصار
التي دشن بها رسول هللا صلى هللا عليه وسـلم المجتمع اإلسالمي األول في المدينة. 2ولذلك فقد وجدت فيها كل الشعوب اإلسالمية مكانها و مكانتها،و أسهمت بدورها و عبرت عن عبقريتها،دون احتكار أو تنافر :فقـاد األعاجم -أو الشعوباإلسالمية من غير العرب -حركة العلم فيها ،كما قاد العرب حركة السياسة والحرب. 3 -وبذلك يزول العجب واالستغراب الذي أبداه ابن خلدون من هذا األمر .فإذا عـرف السبب بطل العجب.
هذه مالحظات عجلى أردنا التمهيد بها بين يدي هذه الكلـمة المختصرة عن دور"سوس"في خدمة الثقافة العربية اإلسالمية. ولما كان من العسير أن تستقرئ دور إقليم أنجب رجاال في وزن عبد هللا بن ياسين مؤسس دولة المرابطين ،والمهدي بن تومرت مؤسس دولة الموحدين ومحمد المهدي مؤسس الدولة السعدية ،ومحمد بن سليمان الروداني مؤلف كتاب"جمع الفوائد ،من جامع األصول ومجمع الزوائد" وهو أجمع موسوعة للسنة النبوية كتبها األقدمون ..فقد اخترنا أن نقتصر على مثال واحد هو العالمة محمد المختار السوسي ،وأن يكون هذا المثال معاصرا لعل األجيال الجديدة من إخوتنا المغاربة -ومن المسلمين في كل مكان -يجدون في الحديث عنه هممهم ويدفعهم إلى المزيد من البذل في خدمة اإلسالم الحنيف وحضارته العظيمة. األبعاد الخمسة لشخصية السوسي: ليس المراد هنا إيراد ترجمة شخصية للعالمة محمد المختار السوسي ،فأهل المغرب أدرى بذلك،و إنما نكتفي باإلشارة إلى جوانب من شخصيته من أجل إبراز الدور الحضاري الذي قامت به "سوس" في خدمة الحضارة العربية اإلسالمية. البعداألول :غرامهبلغةالقرآن ينحدر محمد المختار السوسي -شأنه شأن سكان "سوس" عموما -من أصول أمازيغية بربرية.لكن ذلك لم يمنعه من تجشم المشاق في تعلم اللغة العربية -لغة القرآن -حتى أصبح من أدبـائها البارعين و علمـائها المبرزين ،ومتذوقيها المغرمين ببيانها،المأخوذين بجمالها.وأسمع إليه وهو يقول في مقدمة كتابه المعسول: "الحمد هلل الذي علم بالقلم ،علم اإلنسان ما لم بعلم ،فتح العيون ،وأرهف اآلذان،وهدى النجدين،وانطق األلسن باللغات،وخص كتابه الكريم بأفصح اللغات ،لغة العـرب خير لغة أخرجت للناس،بعدما هذبتها ألسـن العـرب العرباء ،ثم شذبتها حكمة القرآن بالمثل العليا ،فاستحقت أن تـكون لغة عامة لجميع من يعتنقون اإلسالم من أقصى الشرق إلى أقصى المغرب.فالحمد هلل الذي هدانا حتى صـرنا نتذوق حالوتها،ونـدرك طالوتها،ونستشف آدابها ،ونخوض أمواج قوافيها ،حتى لنعد أنفسنا من أبناء يعرب ،و إن لم نكن إال أبناء (أمازيغ) .فاإلنسان بذوقه وبما يستحليه عند التعبير،ال بما رضعه من ثدي أمهاته ،و اللسان ما تتفتح له به المعـاني الحلوة،ال ما يتهدج به من لغة يرثها… وتلك نعمة أنعم هللا بها علينا من فضله وكرمه ،حتى إننا لنرى أنفسنا من ورثة األدب العربي ،فنغار إن مسه ماس بفهاهة ،ونذود عن حماه إن أحسسنا بمـن يريد أن يمسه بإهانة ،فنحن عرب أقحاح ،من حرشة الضباب ،والمستطيبين لل ِّشيـح والقيصوم ،وإن لم تكن أصـولنا إال مـن هؤالء الذين يجاوروننا من أبناء الشلحيين األماجد"( .)3وما أشبـه هذا بافتخار أحد الشعراء الشناقطة (الموريتانيين) من ذوي األصول البربرية بعروبة اللسان التي تشهد لهم شهادة أبلغ من االنتماء الساللي ،فيغني "البيـان" عن "البينات" .يقول ذلك الشاعر: أ َّنا إلى العرب العرباء ننتسبُ إ َّنا بني حسن دلَّت فصاحتنا ففي اللسان بيان إننا عـربُ إن لم تقم بينات إننا عرب البعدالثاني :تجشمهالمشاق في تعلمها ولم يكن من السهل على رجل مثل عالمتنا السوسي-لم يرث اللغة العربية من أبويه ولم يرتضعها من أثداء أمهاته -أن يبلغ تلك المرتبة السامقة التي بلغها،بل كان األمر يتطلب منه ومن أبناء جلدته معاناة وبذال ال يستطيع تحملها إال المؤمن الصادق الراغب فيما عند هللا ،الموقن من جزائه على خدمة كتابه الكريم. يشرح لنا محمد المختار السوسي تلك المعاناة من خـالل هذه المقارنة بين الطـالب المغربي الفاسـي ذي األصـول العربية،والطالب المغربي الشلحي ذي األصـول البربرية،فيقول":ينشأ الفاسي في بيئة تتكلـم العربية الدارجة يسمعها من أبويه ومن الخـدم ومن أقرانه في مالعب األزقة .ثم إذا دخل مكتب القرآن يجد في كتاب هللا ألفاظا ال يغيب منها عن فهمه إال بعـض كلـمات ال تستعمل في بيئته..و أما الشلحي البربري القح الذي يحيا في مثل جبال جزولة ،الذي ينشأ في بيئة لغته الشلحية البعيدة عن العربية ،فإنه قد يحفـظ القـرآن-وكثير منهم ال يستتمون حفظه إال عند البلوغ أو أكثر-وهو ال يدري حتى معنى الخبز والسمن والبصل والحصير والفأس،ألنه ينشأ في إقليم منزو منكمش على نفسه..ذلك هو الطالب الشلحي الذي تدرس له العلوم العربية باللغة الشلحية على ما هو العادة..فمتى يا ترى يتمكن في اللغة العربية؟حتى إذا تمكن من قواعدها بكثرة اإلكباب سنوات فإنه ال يتذوق لبابها وآدابها إال بعد جهود أخرى بين تالوات كتب أدبية كثيرة خارج الدروس المعتادة كما هي عادة بعض المدارس التي تكب على أمثال هذا الكتب في عطـل األسبـوع يوم الخميس والجمعة والعواشر ،وبعد مدارسة أمثال المقامات ،والمية العجم ،والمية العرب ،والشقراطيسية ،وبانت سعاد ،والهمزية ،والبردة ،وقالئد العقيان ،وديـوان المتنبي ،والمعلقات السبـع، وأمثالها ،مما يدرس في كل المدارس أو بعضها…" .ثم يعقب السوسي داعيا اإلخوة العرب إلى تفهم هذه المعاناة و االعتراف بالجميل ألهلها فيقول":فلتسمع أيها الفاسي ما يقاسيه صنوك السوسي في تطلعه إلى التمكن في اللغة العربية والتضلع منها .و بعـد :أفال تشكر هذا الجزولي المكب على العربية وآدابها حتى استطاع أن يتذوق منها بعد سـنين كثيرة في فقـر و إقالل في باديته القاحلة ما تتـذوقه أنت،وأنت في أعظم حاضرة ُتجبى إليها ثمرات كل شيء؟ أفال ينبغي أن تعتبر ما كان يالقيه حتى استطاع أن يتطلع إلى التعبير بالعربية،وأن يقول فيها ما يقول،ميدانا عظيما تجلت فيه التضحية في أعلى مجاليها)1(". البعدالثالث :اعتزازهبالعربيةهوية إن العربيـة عند العالمة السوسي ليست مجرد ثقافة يوسع بها األمازيغي المغـربي أبعاد شخصيته ،أو يزيد بهـا جـوانب معرفته ،ولكنها انسالخ من الهوية القـديمة ،وتحول ال رجعة فيه ،من خالل االنتماء إلى هوية جديدة تضرب دورها في أعماق التاريخ من اليوم الذي رضي في البربر باهلل ربـا وباإلسالم ديـنا وبمحمد صلى هللا عليه وسلم نبيا .تلكم رؤية السوسي لنفسه وألخيه الشلحي الذي يصفه بأنه "ال يقنعـه إال أن يتسربل شملة عربية ،ويستلئم فكرة مضرية ،وأن يتصور أنه من جبلي (نعمان) فيستخلص إليه نسيمه أو إنه أحد بني عذرة ،فيتهالك على نفسه هياما إن توهم أنه سنحت له إحدى الحسان ،أو انه عنترة العبسي، فيلحظ جلده كأنه خافية الغراب ،ويرفع عقيرته وقد أغلظ من صوته فينشد كما يحسب أن عنترة ينشد: قيل الفوارس ويك عنتر أقدم ولقد شفى نفسي وأبرأ سقمها ّ أوإنه أبو نواس فيغازل الكأس والطاس ..أو أنه ابن زيدون في أكناف ( الزهراء) وهو يراسل (والدة) بقواف رقيقة ومعان تفعل باأللباب ما تفعل الخمر .هكذا يعود ذلك الشلحي عربيا مبينا ،وقد سلخ عنه مسالخ أبويه ،وعادات قومه ونسي كلما ما يسامته أو يكون عن أيمانه وعن شمائله من الشلحيين والشلحيات .يطير كل ذلك عنه كما طار عن جده األول كفره يوم حلَّق دين هللا عليه بأجنحته البيضاء ،وقد أعار أمس للعرب قلبه وشعوره على عهود أجداده ،ثم اتبعه اليوم لسانه وذوقه ،فيستطيب السبح في بحور أشعارهم وآدابهم" ()1 البعد الرابع :اإلسالم أساسا للوطنية لم يكن العالمة السوسي يؤمن بأية فكـرة دخيلة سالحا ضد المستعمرين الدخـالء ،بل كان يعـتبر اإلسـالم أساس وطنيته ومنبعها " فوطنيته من دينه ،وليس دينه من وطنيته،كما قال"( .)2ولذلك فقد "كان معجبا كل اإلعجاب باألستاذ اإلمام محمد عبده"( )2كما كان له دور ال ينكر في الحركة الوطنية المغربية المناهضة
لالستعمار .وهكذا نراه مع جماعة من إخوانه في فاس ،تنظم جماعة ثقافية يترأسها ،وتسمى بـ "الحماسة"،ويشارك في تأسيس جماعة سياسية يترأسها الزعيم المرحوم عالل الفاسي رغم أنه كان أصغر الجماعة سنا"( .)1وكان عالمتنا السوسي يؤمن بأن العقيدة اإلسالمية واللغة العربية هما الضمان الوحيد لتماسك اللحمة االجتماعية وصيانة الوحدة الوطنية في المغرب .وقد دفع ثمن مواقفه المبدئية ضد االستعمار ،فنفاه المستعمرون إلى قريته النائيـة ،وفرضوا عليه إقـامة جبرية فيها مدة تسع سنوات ().5211 - 5232 البعد الخامس :حرصه على الذاكرة التاريخية حينما نفى المستعمرون الفرنسيون عالمتنا السوسي إلى تلك القرية النائية،حسبوا انهم بذلك قد أسكتوا صوتا من أصوات الحق المتشبثة بحريتها وكرامتها، الرافضة لكل تبعية أو إذالل .ولكن المستعمرين كانوا قصيري النظر ،شأنهم شأن المعتدين الظالمين في كل زمان. وبرهن السوسي على أنه ليس بالرجل الذي يستسلم أو تلين قناته أبدا ،فاستغل عزلته في الكتـابة والتأليف وعكف على تدوين تاريخ "سوس" ورجاالتها ،فأنجز في ذلك موسوعته الضخمة "المعسول" التي ضمت تراجم ألربعمائة وثمانين من علماء سوس وأدبائها وقادتها المجاهدين ،لتكون ذاكرة األجيال وشاهدا خالدا على تلك األمجاد التي يحاول المستعمرون طمسها .يقول األديب سيدي عبد الكريم بن الحسني في تقريظه كتاب المعسول":إن ظاهـر هذه النقمة [المنفى] كان في باطنه نعمة ،وقد تكون مصائب قوم عند قوم فوائد،فقد كان المنفى مباركا على تاريخ سوس ،ميمونا على خزانة المغرب ،إذ خال فيه واعية سوس إلى نفسه لمَّا بان عن خالنه وعن عمله ،فبات ال يجد أنيسا غير القلم والقرطاس،لم يكن له بد من االعتكاف على البحث والتسلي بالتقييد ،فشغل نفسه بالجمع والتـدوين في هـذا االغتـراب الروحي ،وانصرف إلى التصنيف والتسجيل والتقسيم ،وأمكنه من ذلك في حالة العسر ما لم يمكنه في حالة اليسر).2( ". لقد كان العالمة السوسي مـدركا أن الحرب مع االستعمار حـرب حضارية وثقافية قبل أن تكـون سياسيـة وعسكرية ،فانكب على تخليد تاريخ المنطقة وإحياء ثقافتها ليكون ذلك سالحا في أيدي األجيال الجديدة ضد كل تبعية ثقافية أو سياسية .والحق أن منفاه ذلك لم يكن نعمة على سوس والخزانة المغربية فقط ،بل كان نعمة على كل المسلمين في كل مكان. وحينما انضم إلى أول حكومة مغربية بعد االستقالل،لم يتزحزح السوسي عن مبادئه قيد أنملة ،بـل ظل وفـيا للثقافة اإلسالمية واللغة العربية ،حريصا على االستقالل الثقافي باعتباره الوجه اآلخر لالستقالل السياسي ،متألما إذا رأى أي مظهر من مظاهر التراخي في هذا األمر ..يحكي األستاذ أبو بكر القـادري كيف كان العالمـة السوسي يزوره في بيته أو في مدرسته ثم يحدثه بمـرارة قائال":لماذا نقوم بنشر اللغة األجـنبية (الفرنسية) ألبنائنا في سوس بعد أن كانت هذه اللغة متقلصة في عهد االستعمار؟ أليس نشرها في تلك األصقاع سيكون على حساب اللغة العربية التي كان لها شأن وأي شأن في مدننا وقرانا السوسية ،فنبدلها اآلن باللغة األعجمية؟ ما هي مصلحة أبنائنا الصغار في هذه االزدواجية التي ستضيع عليهم معرفة لغتهم ،وتقلل من اهتمامهم بدراسة دينهم وقرآنهم)50( ".. رحم هللا العالمة محمد المختار السوسي فلقد ظل وفيا إليمانه وقرآنه حتى أتاه اليقين ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
)(1ابن خلدون ،المقدمة ص .150 )(2نفس المصدر ص .155 )(3محمد المختار السوسي ،المعسول .53/5 )(4المعسول .615 - 610/60 )(5المعسول .616 - 615 / 60 )(6صدقي علي أزايكو في ندوة :المختار السوسي الذاكرة المستعادة ص .516 )(7أبو بكر القادري في ندوة :المختار السوسي الذاكرة المستعادة ص .21 )(8القادري ،نفس المرجع ص .25 )(9المعسول .360/ 60 )(10القادري في ندوة المختار السوسي الذاكرة المستعادة ص .500
.