Study: For a Balanced Image of Women in Media (Arabic)

Page 1


‫نحو صورة متوازنة‬ ‫للنساء في اإلعالم‬ ‫إعداد‪:‬‬ ‫نهوند القادري عيسى‬ ‫بمعاونة المساعدات الباحثات‪:‬‬ ‫سارة النجار –تغريد سميري‬ ‫جيهان المصري‪ -‬ملكة خانات‬ ‫البحث من إنتاج‪:‬‬ ‫جمعية ‪Fe-Male‬‬

‫بالتعاون مع‬ ‫منظمة أكش إيد‪ -‬مبادرة المنطقة العربية‬

‫بيروت‪ -‬أيلول ‪2015‬‬


‫© إن جميع حقوق طبع هذه الدراسة محفوظة بإسم جمعية ‪ ،Fe-Male‬لكن يمكن إستخدام‬ ‫النص دون مقابل من أجل أهداف بحثية تخدم المناصرة‪ ،‬أو التعليم أو األبحاث‪ ،‬على أن يتم ذكر‬ ‫المصدر‪ .‬كذلك‪ ،‬يجب طلب اإلذن في حال الرغبة بنسخ بعض أو جميع المعلومات الواردة في هذه‬ ‫الدراسة‪ ،‬أو في حال إستخدامها في دراسات أخرى‪ ،‬أو ترجمتها أو موائمتها‪.‬‬


‫تعريف في_مايل‬ ‫تأسســت منظمــة «‪ »Fe-Male‬عــام ‪ ، 2012‬بمبــادرة مــن مجموعــة ناشــطات نســويات‪ ،‬وهــي‬ ‫منظمــة مدنيــة لبنانيــة‪ ،‬غيــر طائفيــة ال تبغــي الربــح‪ .‬تعتمــد المنظمــة مبــدأ حقــوق اإلنســان‬ ‫كمرجعيــة لهــا وتســتند إلــى اإلتفاقيــات الدوليــة فــي عملهــا‪ ،‬وتؤمــن بــأن الدولــة المدنيــة في‬ ‫لبنــان هــي مــن أهــم األســس التــي ســتحقق المســاواة بيــن جميــع المواطنيــن والمواطنــات‪.‬‬ ‫تهــدف ‪ Fe-Male‬الــى بنــاء جيــل جديــد مــن النســويات الشــابات‪ ،‬رفــع الوعــي ومناصــرة‬ ‫عــدد مــن القضايــا المرتبطــة بحقــوق اإلنســان والنســاء بشــكل خــاص عبــر اإلعــام ووســائل‬ ‫التواصــل اإلجتماعــي‪ ،‬تمكيــن النســاء‪ ،‬إضافــةً إلــى العمــل علــى محاربــة تســليع وتنميــط‬ ‫ضدهــن‪.‬‬ ‫النســاء فــي اإلعــام واإلعــان وتعديــل القوانيــن التمييزيــة ّ‬ ‫ـجلة فــي وزارة الداخليــة والبلديــات اللبنانيــة تحــت العلــم والخبــر رقــم‬ ‫منظمــة ‪ Fe-Male‬مسـ ّ‬ ‫‪.867‬‬

‫تعريف بالمشروع‬ ‫«مــش بالتســليع‪ ،‬منتجــك ببيــع» هــو عنــوان حملــة كانــت قــد بدأتهــا جمعيــة ‪ Fe-Male‬منــذ‬ ‫ـروج له‬ ‫تأسيســها‪ .‬تهــدف هــذه الحملــة إلــى اإلضــاءة علــى كافــة أنــواع التمييــز الجنــدري الــذي يـ ّ‬ ‫اإلعــام واإلعــان وإظهــار كيفيــة مســاهمة الصــور التســليعية للنســاء فــي مضاعفــة العنــف‬ ‫ضدهــن‪ ،‬باإلضافــة إلــى تغييــر صــورة النســاء فــي اإلعــام واإلعــان فــي لبنــان علــى المــدى‬ ‫ّ‬ ‫البعيــد‪ .‬وقــد قامــت ‪ Fe-Male‬فــي إطــار هــذه الحملــة بإنتــاج وثائقــي حــول صــورة النســاء‬ ‫فــي اإلعــام واإلعــان فــي لبنــان بعنــوان «صــورة غــب الطلــب»‪ ،‬وتســتكمل الجمعيــة عملهــا‬ ‫علــى هــذا الموضــوع مــن خــال مشــروع بعنــوان «نحــو تغييــر صــورة النســاء فــي اإلعــام‬ ‫واإلعــان فــي لبنــان» بالشــراكة مــع منظمــة األكشــن إيــد (مبــادرة المنطقــة العربيــة) بهــدف‬ ‫الضغــط علــى الــرأي العــام وأصحــاب القــرار فــي المؤسســات اإلعالميــة واإلعالنيــة والمؤسســات‬ ‫الحكوميــة والرســمية مــن أجــل التح ـ ّرك لوقــف تســليع النســاء ممــا مــن شــأنه أن يحميهــن‬ ‫ـن بســبب هــذه الصــور التســليعية والنمطيــة‪.‬‬ ‫مــن العنــف والتمييــز الالحــق بهـ ّ‬


‫الفهرس‬ ‫مقدمة عامة ‬

‫‪5‬‬

‫‪ -I‬السمات الخاصة بالمشهد اإلعالمي اللبناني من منظور النوع االجتماعي‬ ‫ ‬ ‫أوالً‪ ،‬إشكالية النوع االجتماعي‬

‫‪9‬‬

‫ثانياً‪ ،‬إشكالية اإلعالم بحد ذاته ‬ ‫‪ -1‬خصوصية المشهد اإلعالمي اللبناني‬

‫‪9‬‬

‫ ‬ ‫ ‬

‫‪- -2‬موقع المرأة في وسائل اإلعالم وفي قانون تنظيم اإلعالم‬ ‫‪ -3‬أبرز سمات الحضور الجندري في المشهد اإلعالمي‬ ‫أ‪ -‬سمات الحضور الجندري في البرامج المتلفزة‬ ‫ب‪ -‬سمات الحضور الجندري في اإلعالنات‬

‫‪9‬‬

‫ ‬ ‫ ‬

‫ج‪ -‬سمات الحضور الجندري في األعمال الفنية‬ ‫(المسلسالت‪ ،‬األغنيات) ‬

‫‪10‬‬ ‫‪11‬‬ ‫‪13‬‬ ‫‪14‬‬ ‫‪15‬‬ ‫‪17‬‬

‫‪ -II‬مآالت الحضور الجندري في البرامج االجتماعية المتلفزة الراهنة ‬ ‫آليات البرمجة المعتمدة بالعالقة مع متطلبات األجهزة ‬ ‫ ‬

‫‪21‬‬

‫‪ -III‬إشكالية النوع االجتماعي في الصحافة المطبوعة ورقيا ً‬ ‫أو إلكترونياً ‬ ‫ ‬ ‫ ‬ ‫‪ -VI‬السبل الفضلى للوصول إلى سلوك إعالمي مناهض للتمييز الجندري‪،‬‬ ‫وبالتالي إلى صور أكثر توازنا ً للنساء ‬

‫‪28‬‬

‫ ‬

‫‪31‬‬

‫تجارب عربية‪ /‬محاوالت لتعزيز موقع ودور المرأة في وسائل اإلعالم‬

‫‪34‬‬

‫خطوات أبعد في سبيل ضمان صور متوازنة للنساء في اإلعالم ‬

‫‪36‬‬


‫نحو صورة متوازنة للنساء في اإلعالم‬

‫مقدمة عامة‬ ‫يصعــب علــى الباحــث فــي اإلعــام مــن منظــور جنــدري أن يقيّــم األداء اإلعالمــي‬ ‫لوســيلة معينــة أو لبرنامــج معيــن أو لمضمــون معيــن‪ ،‬وذلــك بالنظــر إلــى أســباب‬ ‫عديــدة‪ ،‬منهــا‪:‬‬ ‫▐ التداخــل الحاصــل‪ ،‬بفعــل التط ـ ّورات التكنولوجيــة واالتصاليــة الراهنــة بيــن كل مــن‪ :‬اإلعــام‬ ‫واإلعــان واالتصــال‪ ،‬المرســل والمتلقــي‪ ،‬الجديــة والترفيــه‪ ،‬العــام والخــاص‪ ،‬الواقعــي واالفتراضــي‪،‬‬ ‫العولمــة والخصوصيــة‪.‬‬ ‫▐ التنـ ّوع والتعــدد فــي المشــهد اإلعالمــي اللبنانــي‪ ،‬الــذي يعــج بالتناقضــات‪ ،‬وتلفــه المفارقــات كيفمــا‬ ‫ت ـ ّم النظــر إليــه‪ ،‬تختلــف فيــه الرســائل باختــاف الوســيلة‪ ،‬وباختــاف غائيــة مــن يملكهــا ويُديرهــا‬ ‫ويُم ّولهــا‪ ،‬وباختــاف الجمهــور المســتهدف مــن تلــك الرســائل‪ ،‬وباختــاف ثقافــة وحساســية مــن يعمــل‬ ‫فــي الوســيلة تجــاه الموضوعــات المطروحــة‪ ،‬وباختــاف الظــروف المحيطــة بالعمــل اإلعالمــي عينــه‪.‬‬ ‫▐ تراجــع دور الدولــة األمــة لحســاب الشــركات الكبــرى واقتصــاد الســوق‪ ،‬وصعــود الفردانيــة‪،‬‬ ‫وتراجــع العمــل الحزبــي والتط ّوعــي وااللتــزام بمصالــح المجموعــة‪ ،‬وتراجــع التقديمــات االجتماعيــة‪،‬‬ ‫وفقــدان فاعليــة األســاليب الرقابيــة التقليديــة‪.‬‬ ‫▐ تداخــل عامــل الجنــدر مــع عوامــل أخــرى تعــود إلــى العمــر‪ ،‬االنتمــاء العرقــي والدينــي‪ ،‬والفئــة‬ ‫االجتماعيــة‪ ،‬واألوضــاع المعيشــية‪.‬‬ ‫▐ حصــول متغيــرات تكنولوجيــة واتصاليــة فــي ســياق اجتماعــي وسياســي وثقافــي معقّــد‪ُ ،‬محــاط‬ ‫باألزدواجيــة مــن كل حــدب وصــوب‪ ،‬وترافقهــا فــي الفتــرة األخيــرة مــع انتفاضــات وحــراكات شــعبية‬ ‫فــي العديــد مــن البلــدان العربيــة‪ ،‬تظافــرت مجموعــة عوامــل محليــة وإقليميــة وعالميــة علــى تعطيــل‬ ‫ديناميتهــا الداخليــة‪ ،‬وح ّولتهــا إلــى أعمــال عنــف وعنــف مضــاد‪ ،‬بشــكل غــدا العنــف يســتولد نفســه فــي‬ ‫أشــكال ملموســة أحيانـا ً ومجــردة أحيانـا ً أخــرى‪ ،‬لدرجــة بتنــا نعيــش حالــة مــن الفوضــى والضجيــج‬ ‫اإلعالمــي الــذي كاد يــودي بنــا إلــى أزمــة معنــى حقيقيــة‪.‬‬ ‫فــي ضــوء مــا تق ـ ّدم أعــاه مــن واقــع إعالمــي محيّــر وملتبــس تبقــى إشــكالية الحضــور الجنــدري فــي‬ ‫وســائل اإلعــام قائمــة فــي مختلــف البلــدان‪ ،‬وتــزداد إلحاحـا ً فــي بلــد كلبنــان يُعانــي نظامــه مــن التشــوهات‬ ‫البنونيــة اآلتيــة‪:‬‬

‫‪5‬‬


‫نحو صورة متوازنة للنساء في اإلعالم‬

‫▐ صــراع متواصــل بيــن المجموعــات المذهبيــة والدينيــة‪ ،‬معطــوف علــى صراعــات مصالــح ماليــة‬ ‫وقــوى سياســية ذات امتــدادات إقليميــة‪ .‬صــراع يغفــو أحيان ـاً‪ ،‬ويطفــو علــى الســطح أحيان ـا ً أخــرى‪،‬‬ ‫متأثــراً ومؤثّــراً بمــا يجــري فــي المحيــط العربــي واإلقليمــي مــن صراعــات وتحالفــات‪.‬‬ ‫▐ نظام إعالمي وليد نظام سياسي بطريركي أبوي قائم على المحاصصة الطائفية والمذهبية‪.‬‬ ‫▐ تنافس شرس ومحموم بين الوسائل اإلعالمية على حصة اإلعالنات المحصورة باألساس‪.‬‬ ‫▐ غياب المأسسة ومحدودية اإلنتاج لدى مختلف الوسائل اإلعالمية‪.‬‬ ‫▐ تقــادم القوانيــن التــي ترعــى العمــل اإلعالمــي وتوانيهــا عــن مواكبــة المســتجدات‪ ،‬واستنســابية‬ ‫تطبيقهــا فــي معظــم األحيــان‪ ،‬هــذا عــدا عــن الخلــل البنيــوي الــذي تُعانــي منــه األُطــر التنظيميــة‪ ،‬مــا‬ ‫ينعكــس ســلبا ً علــى أدائهــا‪ ،‬باإلضافــة إلــى شــلل العمــل النقابــي‪.‬‬ ‫وتــزداد إشــكالية الحضــور الجنــدري فــي اإلعــام تعقيــداً فــي ظــل تحــوالت طــرأت علــى أوضــاع النســاء‬ ‫اللبنانيــات اللواتــي قطعــن شــوطا ً علــى مســتوى التعليــم واكتســاب المهــارات والقــدرات ولكنهــن لــم يتم ّكــن‬ ‫مــن اختــراق الســقف الزجاجــي علــى مســتوى اتخــاذ القــرارات بمــا يتناســب وقدراتهــن‪ .‬وحالي ـا ً تطفــو‬ ‫هــذه اإلشــكالية بشــكل عنيــف بالنظــر ألجــواء العنــف التــي تعيشــها المنطقــة‪ ،‬والتــي أتــت مفاعيلهــا علــى‬ ‫النســاء مضاعفــة‪ .‬فــي هــذا الســياق تتعالــق هــذه اإلشــكالية مــع إشــكالية أخــرى تعــود للعمــل اإلعالمــي‬ ‫عينــه‪ ،‬المنطلقــة مــن التســاؤل حــول كيفيــة تعاطيــه مــع مــا يجــري علــى أرض الواقــع‪ ،‬والمســافة الفاصلــة‬ ‫بيــن الواقــع الــذي يجهــد اإلعــام فــي بنائــة العتبــارات عديــدة يضيــق المجــال لذكرهــا هنــا‪ ،‬ومــا يحصــل‬ ‫فعليــا علــى أرض الواقــع‪ .‬كذلــك تبــرز إشــكالية أخــرى علــى صلــة باإلعالمييــن‪/‬ات أنفســهم‪/‬هن مــا‬ ‫يريدونه‪/‬يردنــه‪ ،‬ومــا يريــده مالــك المؤسســة‪ ،‬ومــا يريــده المعلــن‪ ،‬ومــا يريــده الجمهــور المتلقــي للرســائل‬ ‫اإلعالميــة‪ ،‬ومــا تتطلّبــه األجهــزة اإلعالميــة عينهــا‪.‬‬ ‫يتجلــى هــذا التعقيــد عندمــا نســتعرض مــا صــدر عــن وســائل اإلعــام بمختلــف أشــكاله فــي الســنوات‬ ‫األخيــرة مــن عناويــن لهــا صلــة بالنســاء‪ ،‬ســواء كان بإبــراز تجاربهــن أو باإلضــاءة علــى إنجــازات‬ ‫حققنهــا‪ ،‬أو بتغطيــة ألشــكال عنــف تعرّضــن لــه‪ ،‬أو بتمييــز مــورس بحقهــن أو بتقييــم ألدائهــن‪ ،‬أو‬ ‫بمؤتمــرات ومقــاالت خاضــت فــي قضيتهــن‪ ،‬أو بــدر‬ ‫اسات حول أوضاعهن‪.‬‬ ‫وبغرض إيضاح الصورة إرتأينا أن نعتمد في هذه الورقة المسار المنهجي اآلتي‪:‬‬

‫◄ أو ً‬ ‫ال اإلطاللــة علــى المشــهد اإلعالمــي اللبنانــي‪ ،‬بهــدف اإلطــاع علــى الحضــور الجنــدري‬ ‫وتل ّمــس مواقــع وأدوار النســاء‪ ،‬بالعالقــة مــع ســمات هــذا المشــهد‪ ،‬وخصوصيتــه‪.‬‬

‫‪6‬‬


‫نحو صورة متوازنة للنساء في اإلعالم‬

‫◄ ثانيــً اســتعراض أبــرز مــا خلصــت إليــه دراســات ســبق وأنجزتهــا بخصــوص الحضــور‬ ‫الجنــدري فــي نشــرات األخبــار‪ ،‬البرامــج الحواريــة المتلفــزة‪ ،‬اإلعالنــات‪ ،‬والدرامــا‪.‬‬ ‫◄ ثالثــ ًا متابعــة مــا آل إليــه الحضــور الجنــدري فــي اإلعــام اللبنانــي المتلفــز فــي الفتــرة‬ ‫الراهنــة التــي تتّســم بأجــواء عنــف غيــر مســبوقة‪ ،‬معطوفــة علــى تفلّــت المتناهــي علــى مســتوى‬ ‫معاييــر وأخالقيــات العمــل اإلعالمــي‪ ،‬وذلــك مــن خــال البرامــج المتلفــزة التــي أثــارت جــدالً فــي‬ ‫وســائل اإلعــام المكتوبــة وفــي اإلعــام اإللكترونــي وعلــى شــبكات التواصــل االجتماعــي‪ ،‬والتــي‬ ‫وقــع االختيــار فيهــا علــى العينــة المك ّونــة مــن برامــج‪« 1:‬طونــي خليفــة «‪ ،2»1544‬وبرنامــج‬ ‫«للنشــر»‪ ،3‬وبرنامــج «بــا تشــفير»‪ ،4‬وبرنامــج «حكــي جالــس»‪.5‬‬ ‫لــم يكــن الغــرض مــن رصــد هــذه البرامــج تحليــل مضمونهــا بالمعنــى التقليــدي والدقيــق للكلمــة‪ ،‬بقــدر‬ ‫مــا كان االطــاع علــى القضايــا المثــارة وعلــى طريقــة مقاربــة كل مــن هــذه البرامــج لموضــوع المــرأة‪،‬‬ ‫أفــكار وآراء وتعابيــر تمييزيــة تنــم‬ ‫وبغــرض تبيــان مــا تحملــه‪ ،‬عــن وعــي أو عــن غيــر وعــي‪ ،‬مــن‬ ‫ٍ‬ ‫عــن أشــكال عنــف مبطّنــة‪ ،‬ســواء كانــت لفظيــة أو نفســية أو معنويــة أو رمزيــة‪ ،‬وتبيــان العالقــة بيــن‬ ‫هــذه المنمطــات وبيــن أســاليب العمــل اإلعالمــي التــي تُعززهــا‪ ،‬وتلــك التــي تُخفــف منهــا‪ .‬واســتخالص‬ ‫التمايــزات العائــدة لمعالجــة القضايــا االجتماعيــة بيــن كل مــن هــذه البرامــج‪ ،‬ودرجــة النمطيــة فــي كل منهــا‬ ‫‪،‬ومــدى تواجــد الحساســية الجندريــة فــي طريقــة المعالجــة‪.‬‬ ‫◄ رابعــً اســتخالص أبــرز المؤ ّشــرات العائــدة لمــا كتبــه اإلعــام المطبــوع ورقيـا ً أو إلكترونيـا ً‬ ‫حــول العناويــن اآلتيــة‪:‬‬ ‫▐ المرأة اإلعالمية‪ ،‬المضامين اإلعالمية المتلفزة التي حضرت فيها المرأة كضيفة وكموضوع‪.‬‬ ‫▐ تغطيــة العنــف علــى أســاس النــوع االجتماعــي الــذي يُصيــب المــرأة داخــل الدائــرة األســرية مــن‬ ‫ناحيــة‪ ،‬ومــن جــراء النزاعــات والصراعــات المســلحة‪ ،‬مــن ناحيــة ثانيــة‪.‬‬ ‫▐ مناقشــة القوانيــن المرعيــة اإلجــراء وأســاليب الرقابــة الســائدة بالعالقــة مــع المتغيــرات الطارئــة‬ ‫بفضــل التطـ ّورات التكنولوجيــة واالتصاليــة‪.‬‬ ‫▐ مواكبــة المتغيــرات الطارئــة علــى أوضــاع النســاء‪ ،‬وتغطيــة المؤتمــرات والدراســات حــول‬ ‫المــرأة‪ .‬وذلــك مــن خــال أرشــيف إلكترونــي أعددتــه شــخصيا ً خــال الســنوات األربــع األخيــرة‪،‬‬ ‫‪ 1‬بخصوص عينة الرصد انظر التقرير األساسي ملجق رقم ‪ 2‬ص ‪.104‬‬ ‫يقدّمــه طونــي خليفــة علــى قنــاة‪ MTV‬اللبنانيــة‪ ،‬موعــد البــث‪ :‬ك ّل يــوم اثنيــن الســاعة الثامنــة والنصــف بتوقيــت بيــروت ‪،‬عــدد الحلقــات المرصــودة‪( 6 :‬مــن‬ ‫الموســم األول) مــن حلقــة ‪ 28‬لغايــة ‪.35‬‬ ‫‪2‬عرّ فــت قنــاة ‪ MTV‬علــى موقعهــا اإللكترونــي برنامــج «طونــي خليفــة ‪ »1544‬كالتالــي‪« :‬البرنامــج الــذي يُعـدّه اإلعالمــي طونــي خليفــة يتنــاول مختلــف القضايــا‬ ‫والملفــات التــي تهـ ّم المشــاهد‪ .‬فيعالــج فــي فقــرات منوّ عــة مواضيــع منبثقــة مــن تطــوّ رات سياســية وأمنيــة وأخــرى اجتماعيــة‪ ،‬إنســانية وطبيــة (إنجــازات واكتشــافات‬ ‫أو أخطــاء وإهمــال) باإلضافــة إلــى مواضيــع فن ّيــة ورياضيــة وغيرهــا‪ ..‬كمــا يُلقــي البرنامــج الضــوء علــى اختراعــات ومواهــب واكتشــافات أو أخطــاء وإهمــال)‬ ‫‪3‬عــاد برنامــج «للنشــر» الــذي يُناقــش أبــرز الملفــات والقضايــا االجتماعيــة المثيــرة للجــدل علــى قنــاة الجديــد‪ ،‬بديكــور جديــد وفقــرات جديــدة‪ ،‬ويكــون خاللهــا‬ ‫المراســلون جــزءاً أساســيا ً مــن القضايــا التــي يت ـ ّم طرحهــا ومناقشــتها لمــدة ســاعتين مباشــرة علــى الهــواء‪ ،‬عنــد الثامنــة والنصــف مــن ك ّل اثنيــن‪ُ ،‬تقدمــه ريمــا‬ ‫كركــي‪.‬‬ ‫‪4‬عرّ فــت قنــاة الجديــد علــى موقعهــا اإللكترونــي برنامــج «بــا تشــفير» بالعبــارة المختصــرة التاليــة‪ :‬برنامــج حــواري جديــد يتم ّيــز بجرأتــه وصراحــة أســئلة مقـدّم‬ ‫البرنامــج تمــام بليــق» يُبــث أســبوعيا ً نهــار األربعــاء الســاعة التاســعة والنصــف‪ .‬تـ ّم رصــد ‪ 6‬حلقــات اســتضافت علــى التوالــي جويــل حاتــم‪ ،‬ميــاد أبــو ملهــب‪،‬‬ ‫ســما المصــري‪ ،‬الرا كــي‪ ،‬ليــال عبــود‪ ،‬وبشــرى الخليــل‪.‬‬ ‫‪5‬حكي جالس» يقدّمه اإلعالمي جو معلوف ويبث على شاشة الـ‪ LBC‬و الـ‪ LDC‬ك ّل إثنين الساعة ‪ 9:30‬مساءً‪.‬‬

‫‪7‬‬


‫نحو صورة متوازنة للنساء في اإلعالم‬

‫كونــي متابعــة وباحثــة فــي شــؤون الجنــدر فــي اإلعــام‪ ،‬وذلــك بُغيــة االطــاع علــى عمــق التمايــزات‬ ‫بيــن اإلعالميــن المرئــي والمكتــوب فــي مقاربــة موضــوع المــرأة‪ ،‬واالنعكاســات المتبادلــة لــكل وســيلة‬ ‫علــى األخــرى‪ .‬هــذا عــدا عــن ّ‬ ‫أن النظرإلــى المعالجــة اإلعالميــة مــن منظــور جنــدري يُم ِّكننــا مــن‬ ‫االطــاع علــى أبــرز االهتمامــات فــي هــذه الفتــرة ويُظهــر لنــا أيــن تقـ ّدم اإلعــام وأيــن تراجــع وأيــن‬ ‫رواح مكانــه علــى مســتوى النمطيــة فــي معالجــة قضايــا النســاء‪.‬‬ ‫‪6‬‬ ‫وبعــد اســتعراض الئحــة العناويــن التــي احتفظــت بهــا فــي أرشــيفي اإللكترونــي ‪ ،‬تبيّــن ّ‬ ‫أن االهتمــام فــي‬ ‫العينــة المشــار إليهــا أعــاه انصــب علــى الموضوعــات اآلتيــة‪:‬‬

‫◙‬

‫الــكالم حــول إعالميــات اشــتهرن فــي تقديــم برامــج معينــة‪ ،‬أو اتخــذن مواقــف معينــة‪ ،‬أو تعرضن‬ ‫لضغــوط معينــة نتيجــة مواقفهــن‪ .‬تض ّمنــت العينــة كل مــن يــوال يعقوبيــان‪ ،‬حيــاة مرشــاد‪ ،‬ليليــان‬ ‫داوود‪ ،‬لينــا زهــر الديــن وريمــا كركــي‪.‬‬

‫◙‬

‫رصــد البرامــج المتلفــزة واإلعــان عنهــا أو عــن تغييــرات طــرأت علــى بعضهــا‪ ،‬ونشــر مقــاالت‬ ‫تُحلــل أداءهــا وتنتقده‪.‬‬

‫◙‬

‫اســتعراض ألخبــار نســاء عربيــات أبدعــن‪ ،‬نلــن جوائــز‪ ،‬انتجــن أعمــاالً فنيــة‪ ،‬شــكلن ظواهــر‬ ‫معينــة‪ ،‬خرجــن عــن المألــوف‪ ،‬قاومــن‪ ،‬تحقيقــات حــول نســاء مارســن مهنـا ً كانــت فــي الســابق حكــراً‬ ‫علــى الرجــال‪ ،‬أو هاجــرن للعمــل‪.‬‬

‫◙‬

‫أخبــار مثيــرة حــول العنــف الــذي تتعـرّض لــه النســاء جــراء الصراعــات واألعمــال اإلرهابيــة‬ ‫التــي تشــهدها المنطقــة العربيــة‪.‬‬

‫◙‬

‫أخبــار التحــرش والعنــف األســري الــذي تتعـرّض لــه النســاء اللبنانيــات وتعاطــي مجلــس النــواب‬ ‫والقضــاء مــع هــذه الظواهــر‪.‬‬

‫◙‬

‫الــكالم حــول القوانيــن التــي ترعــى عمــل وســائل اإلعــام والمخالفــات والمواثيــق وأجهــزة‬ ‫الرقابــة‪ ،‬فــي معــرض تعــرّض اإلعالمييــن أنفســهم لدعــاوى قــدح وذ ّم وتشــهير وغيرهــا‪.‬‬

‫◙‬

‫اســتعراض لدراســات حــول النســاء واإلعــام واالتصــال‪ ،‬وتغطيــة لمؤتمــرات ُعقــدت حــول‬ ‫المــرأة وأوضاعهــا‪ ،‬ونشــر لمقــاالت وتحليــات تطرّقــت إلــى عناويــن عديــدة منهــا‪ :‬النســوية‪-‬‬ ‫العولمــة‪ -‬الحــراك‪ -‬الربيــع العربــي‪ -‬التيــارات السياســية‪ -‬الداعيــات‪ -‬أوضــاع المــرأة العربيــة‪-‬‬ ‫المنظّــرات النســويات (بيتــي فريــدان‪ -‬دنيــز كيدناواتــي )‪ -‬المــرأة واإلعــام‪ -‬المــرأة والنضــال‪ -‬المــرأة‬ ‫والمواطنــة‪ -‬المــرأة والتحريــر والتمكيــن‪ -‬تراجــع حقــوق المــرأة‪.7‬‬ ‫◄ خامســً بعــد تشــخيص الواقــع‪ ،‬ســوف يُصــار إلــى تعييــن أماكــن التقــ ّدم والبنــاء عليهــا‪،‬‬ ‫وتحديــد النواقــص واألســباب الكامنــة خلفهــا‪ ،‬بغــرض متابعــة الطريــق نحــو إرســاء معاييــر للعمــل‬ ‫اإلعالمــي خاليــة مــن التمييــز المبنــي علــى أســاس النــوع االجتماعــي‪.‬‬

‫‪8‬‬

‫‪ 6‬بخصوص الئحة الموضوعات أنظر التقرير األساسي ملحق رقم ‪ 3‬ص ‪105‬‬ ‫‪ 7‬بالنظــر لضيــق المجــال‪ ،‬إرتأينــا عــدم تضميــن الورقــة هــذا الجانــب‪ ،‬خصوصـا ً وأ ّنــه يشــكل موضوعـا ً قائمــا بذاتــه يؤشــر علــى مــدى المالءمــة بيــن الحــراك‬ ‫الفكــري والحــراك علــى أرض الواقــع‪..‬‬


‫نحو صورة متوازنة للنساء في اإلعالم‬

‫‪01‬‬

‫السمات الخاصة بالمشهد اإلعالمي اللبناني من منظور‬ ‫النوع االجتماعي‬ ‫ّ‬ ‫إن الــكالم علــى أبــرز ســمات المشــهد اإلعالمــي اللبنانــي مــن منظــور النــوع االجتماعــي‪ ،‬يضعنــا‬ ‫أمــام إشــكالتين متداخلتيــن‪ :‬األولــى تعــود للنــوع االجتماعــي‪ ،‬والثانيــة تتعلّــق باإلعــام بحــد ذاتــه‪.‬‬

‫◄ أو ًال‪ ،‬إشكالية النوع االجتماعي‬ ‫مــن الواضــح‪ّ ،‬‬ ‫أن أشــكال التمييــز المولِّــدة للعنــف التــي حملتهــا معهــا البنــاءات االجتماعيــة لالختالفات‬ ‫بيــن الجنســين مــا كانــت لتترعــرع وتســتتب وتأخــذ صفــة الطبيعيــة لوال مــا أســماه بورديــو(‪)Bourdieu‬‬ ‫بـــ «الدوكســا»‪ ،‬أي الحفــاظ علــى أمكنــة إنتــاج الســلطة (الثقافــة والمجتمــع) مــن خــال معاييــر وقواعــد‬ ‫وقوانيــن ومعتقــدات وقيــم حملهــا اإلعــام‪ ، 8‬أو علــى األقــل ســاهم فــي إعــادة إنتاجهــا‪ .‬إذ تــرى‬ ‫ّ‬ ‫‪Bertini‬أن المعاييــر والمبــادئ والمعــارف الضمنيــة والظاهريــة التــي تُهيــكل وتُنظّــم كل مجتمــع‬ ‫إنســاني هــي نتــاج بنــاءات اجتماعيــة وثقافيــة محــددة فــي الزمــان (تطـ ّور الحقيقــة مــع التاريــخ) وفــي‬ ‫المــكان (نســبوية)‪ .‬مشــيرةً إلــى الفائــدة التــي تُمثّلهــا دراســات «الجنــدر»‪ ،‬والتــي تــرى فيهــا إعــادة‬ ‫تشــييد ضروريــة لإلشــكاليات وللمنهجيــات‪ّ .‬‬ ‫ألن الجنــدر يشـ ِّغل الرســم الخيالــي اإلعالمــي واالتصالــي‬ ‫الــذي هــو فــي أســاس أي مجتمــع إنســاني‪ ،‬وحيــث أنّــه مــن الضــروري التقــاط امتــداده السياســي الــذي‬ ‫يظهــر عبــر األجهــزة‪ ،‬التــي بتركيبهــا واحــدة فــوق األخــرى‪ ،‬مــن األســرة إلــى المدرســة‪ ،‬مــروراً‬ ‫بالميديــا‪ ،‬المؤسســة‪ ،‬الجامعــة‪ ،‬البحــث‪ ،‬الفضــاء العــام‪ ،‬تُســاهم فــي إمســاك تنظيــم اجتماعــي وثقافــي‬ ‫مرتكــز علــى الهرميــة الجنســية التــي هــي خــارج المســاءلة‪.9‬‬

‫◄ ثانيًا‪ ،‬إشكالية اإلعالم بحد ذاته‬ ‫لطالمــا حمــل اإلعــام كمفهــوم جملــة مفارقــات‪ ،‬لكونــه ليــس بمعطــى مســتقل بذاتــه‪ ،‬إنّمــا هــو بنــاء‬ ‫اجتماعــي‪ .‬والمعلومــة ال توجــد إال مــن خــال ســياق اجتماعــي تنظيمــي‪ ،‬ومــن خــال اســتراتيجية‬ ‫فاعلــة ألقطــاب يُســاهمون فــي تشــكيل أو تســوية معناهــا‪ ،‬فــي مرحلــة إنتاجهــا ونقلهــا وتلقّيهــا‪.10‬‬ ‫فإعــام طــرف لطــرف آخــر يعنــي نقلــه مــن حالــة الاليقيــن إلــى حالــة اليقيــن‪ ،‬غيــر ّ‬ ‫أن المتلقــي‬ ‫للمعلومــة مجــرد مــا يعــرف‪ ،‬يتولّــد لديــه نهــم لمعرفــة المزيــد‪ ،‬أي ّ‬ ‫أن المعلومــة التــي اســتقرت فــي‬ ‫ذهنــه ســرعان مــا تولّــد لديــه اليقينـا ً جديــداً‪ ،‬فيعــود اإلعــام ليعمــل على خفضــه‪ .‬إنّهــا لعبــة ال متناهية‪،‬‬ ‫دفعــت الدارســين للبحــث فــي التناقضــات التــي تقــوم علــى أساســها تلــك اللعبــة اإلعالميــة‪ :‬بيــن وظيفــة‬ ‫‪ 8‬ترمــز الدوكســا إلــى مجموعــة مــن اآلراء والقيــم والمعتقــدات والمعاييــر المعتمــدة علــى أ ّنهــا أمــر مفــروغ منــه‪ ،‬ومشــكلة اعتباطيــة ثقافيــة خاصــة بمجتمــع معيــن‬ ‫فــي فتــرة معينــة مــن تاريخــه‪ .‬أنظــر بهــذا الصــدد‬ ‫‪Fleury, B, et Walter, J. (2009). Penser le Genre en sciences de l’information et de la communication et au –delà.‬‬ ‫‪Questions de communication numéro15. P.164.‬‬ ‫‪9 Voir à ce propos: Fleury, B, et Walter, J. (2009). Op.cit. P.P 116- 117.‬‬ ‫‪10 Voir à ce propos: Muller, P. (2001). Politiques publiques et effets d’information. Dans J. Gestle (dir), Les effets‬‬ ‫‪d’information en politique. Paris: éd. L’Harmattan. p.237.‬‬

‫‪9‬‬


‫نحو صورة متوازنة للنساء في اإلعالم‬

‫اإلضــاءة علــى المشــاكل االجتماعيــة‪ ،‬وبيــن ترميــز الرســائل بأســلوب ممســرح يســتغل آالم النــاس‬ ‫لتركيــب مشــهدية جاذبــة‪ ،‬بيــن تضخيمــم الظواهــر‪ ،‬ومــن ثــم العمــل علــى إجهاضهــا مــن خــال‬ ‫تســخيفها ومــن ث ـ ّم اســتهالكها‪.‬‬ ‫تدفعنــا هــذه المفارقــات للتســاؤل‪ :‬هــل بإمــكان اإلعــام أن يســاهم فــي الح ـ ّد مــن التمييــز والعنــف‬ ‫المبنييــن علــى أســاس النــوع االجتماعــي فــي الوقــت الــذي يجـ ّر معــه أشــكال تمييــز وعنــف أخــرى‪،‬‬ ‫بــدءاً مــن األجنــدا التــي يضعهــا‪ ،‬والتراتبيــة التــي يشــيّدها‪ ،‬واآلليــات التــي يعتمدهــا والتــي يبــدو‬ ‫واضحـا ً تأرجحهــا بيــن‪ :‬الســر والمشــهدية‪ ،‬الترويــج الذاتــي وخدمــة اآلخريــن‪ ،‬التنفيــس عــن العنــف‬ ‫مــن خــال الــكالم عنــه وإشــعال النيــران‪ ،‬بيــن اللهــاث وراء اإلثــارة والغريــزة‪ ،‬واإلباحيــة‪ ،‬وإدعــاء‬ ‫العفــة والطهرانيــة ؟ مــع اإلشــارة إلــى ّ‬ ‫أن أيــة محاولــة لإلجابــة علــى هــذا الســؤال ال ب ـ ّد وأن تكــون‬ ‫نابعــة مــن خصوصيــة المشــهد اإلعالمــي اللبنانــي‪.‬‬

‫‪1‬‬

‫خصوصية المشهد اإلعالمي اللبناني ‬

‫تــزداد إشــكالية اإلعــام البنيويــة تعقيــداً أمــام خصوصيــة المشــهد اإلعالمــي اللبنانــي الــذي تض ّخــم‬ ‫فــي العقــود األخيــرة‪ ،‬متداخـاً مــع المشــهد اإلعالمــي العربــي‪ ،‬السـيّما الخليجــي منــه‪ ،‬نظــراً للعالقــة‬ ‫المعقّــدة التــي نُســجت بيــن اإلعالميــن اللبنانــي والخليجــي والقائمــة علــى حاجــة أحدهمــا لآلخــر‪،‬‬ ‫حاجــة اإلعــام الخليجــي إلــى الخبــرات اللبنانيــة‪ ،‬وحاجــة اإلعــام اللبنانــي إلــى الرأســمال الخليجــي‪،‬‬ ‫وإلــى القــدرة الشــرائية للجمهــور الخليجــي‪ ،‬لدرجــة يــكاد المــرء يخــال نفســه أمــام نمــوذج مر ّكــب‬ ‫يصعــب تحديــد الخليجــي منــه عــن اللبنانــي‪ . 11‬وأمــام تشــابكه مــع المشــهد اإلعالمــي العالمــي ســواء‬ ‫كان ذلــك لجهــة آليــات العمــل‪ ،‬أو معاييــر المهنــة ومتطلبــات المنافســة‪ .‬بمعنــى آخــر هنــاك مفارقــات‬ ‫تحكــم نوعيــة إنتــاج اإلعــام اللبنانــي تتمثّــل بالمــزج بيــن العالميــة والخصوصيــة‪ ،‬إنّــه إعــام يصـ ّح‬ ‫فيــه القــول‪ :‬جــذوره ضاربــة عميقـا ً فــي الذهنيــة االجتماعيــة وفــي المخيــال الشــعبي‪ ،‬وأغصانــه تحمــل‬ ‫أوراقـا ً هجينــة متل ّونــة بمــا هــو مســتحدث ومســتورد‪ .‬هــذا عــدا عــن ّ‬ ‫أن هــذا المشــهد اإلعالمــي الحيوي‬ ‫المتنــوع والمتعــدد والــذي أمكــن لــه بنــاء العديــد مــن المهــارات اإلعالميــة التــي تخطــت فــي عملهــا‬ ‫الســوق اللبنانيــة نحــو الســوق العربيــة الســيّما الخليجيــة‪ ،‬بــدا يُعانــي مــن جملــة عــوارض تتمثّــل‬ ‫باآلتــي‪:‬‬ ‫▐ خلــل علــى صعيــد قوننــة اإلعــام المرئــي والمســموع‪ ،‬إذ اعتــرت دفتــر الشــروط العديــد مــن‬ ‫النواقــص‪ ،‬إضافــة إلــى محــاوالت االلتفــاف عليــه‪ ،‬وممارســة العديــد مــن أشــكال االستنســابية فــي‬ ‫تطبيقــه‪ .‬ومــا زال دور المجلــس الوطنــي لإلعــام المفتــرض بــه أن يســهر علــى حســن ســير العمــل‬ ‫اإلعالمــي مكب ـاً بســبب تركيبتــه المستنســخة عــن تركيبــة النظــام السياســي اللبنانــي‪.‬‬ ‫▐ تقــادم القوانيــن‪ ،‬فقانــون الصحافــة المكتوبــة الــذي وضــع فــي ســتينات القــرن الماضــي لــم يعــد‬ ‫متالئمـا ً مــع المســتجدات‪ .‬كذلــك لــم يتــم العمــل علــى تعديــل قانــون البــث الفضائــي منــذ مــا يزيــد عــن‬ ‫العشــر ســنوات رغــم التط ـ ّورات التكنولوجيــة واإلتصاليــة المتســارعة‪ .‬و مــا زالــت الرقابــة علــى‬ ‫اإلنترنــت تحــول دونهــا عقبــات كثيــرة‪.‬‬ ‫‪ 11‬انظر بهذا الصدد‪ :‬القادري عيسى‪ ،‬نهوند‪ .)2008( .‬قراءة في ثقافة الفضائيات العربية– الوقوف على تخوم التفكيك‪ ،‬بيروت‪:‬‬ ‫مركز دراسات الوحدة العربية‪.‬‬

‫‪10‬‬


‫نحو صورة متوازنة للنساء في اإلعالم‬

‫▐ وقــوع أخالقيــات الممارســة المهنيــة بيــن مطرقــة ضعــف العمــل النقابــي وســندان اإلنقســامات‬ ‫المحليــة وعــدم تالقيهــا علــى قيــم مشــتركة‪.‬‬ ‫▐ التحــوالت الطارئــة علــى ســوق اإلعالنــات بفعــل التطـ ّورات التكنولوجيــة واإلتصاليــة الراهنــة‬ ‫التــي أ ّدت إلــى تحـ ّوالت ج ّمــة طالــت منهجيــات العمــل اإلعالنــي‪ ،‬واســتراتيجياته والقنــوات الحاملــة‬ ‫لــه‪ ،‬وســلوك المســتهلكين وأنمــاط اســتهالكهم‪ .‬وهــذا مــا دفــع المعلنيــن إلنفــاق غالبيــة موازاناتهــم‬ ‫علــى إدارة صفحــات «الفايســبوك» وحســابات «توتيــر» وســواهما مــن وســائل اإلعــام االجتماعــي‪،‬‬ ‫فــي ســباق لزيــادة أعــداد المعجبيــن والتعليقــات عبــر المواقــع االجتماعيــة‪ .‬وقــد أثــار اســتخدام الويــب‬ ‫مجموعــة أســئلة ذات أبعــاد قانونيــة اقتصاديــة سياســية اجتماعيــة ثقافيــة‪ ،‬فــي ســياق تميّــز باإلزدواجيــة‬ ‫بيــن الكوكبــة والمحليــة‪ ،‬وحيــث المســتخدمون يُشــاركون بأنفســهم فــي إنتــاج القيمــة االقتصاديــة مــن‬ ‫خــال أنســاق تبــادل الســلع اإلعالميــة علــى النــت‪ .‬هــذا االنجــذاب اإلعالنــي نحــو الفضــاء اإللكترونــي‬ ‫المترافــق مــع إغــراءات خفّــض الكلفــة واإلمكانــات الالمتناهيــة فــي الوصــول إلــى مجموعــات محـ ّددة‬ ‫المواصفــات‪ ،‬انعكــس ســلبا ً علــى ســوق اإلعالنــات األرضيــة اآلخــذة باالنحســار‪ .‬ولــم تكــن الســوق‬ ‫اإلعالنيــة فــي لبنــان بمنــأى عــن هــذه التحــوالت المعطوفــة علــى جملــة صعوبــات نابعــة من الســياقات‬ ‫المحليــة‪ .‬فهــذه الســوق‪ ،‬بغــض النظــر عــن تضــارب وعــدم دقــة األرقــام حولهــا‪ ،‬تعانــي مــن تشــوهات‬ ‫عديــدة‪.‬‬ ‫نتــج عــن ذلــك أزمــات وصراعــات انعكســت ســوءاً علــى البنــى والمضاميــن اإلعالميــة‪ ،‬وعلــى‬ ‫الجســم اإلعالمــي‪.‬‬

‫‪2‬‬

‫موقع المرأة في وسائل اإلعالم وفي قانون تنظيم اإلعالم ‬

‫‪ %23‬مــن العامليــن فــي أبــرز الصحــف اللبنانيــة و‪ %34.2‬فــي أبــرز المجــات‪ ،‬كذلــك يُش ـ ّكلن مــا‬ ‫نســبته ‪ %29.36‬مــن العامليــن فــي أبــرز التلفزيونــات‪ ،‬وفــي أبرز اإلذاعات يُشــكلن نســبة ‪.12%47.2‬‬ ‫مــن المفيــد أن نشــيرأوالً‪ ،‬إلــى ّ‬ ‫أن نســبة إســهام اإلنــاث فــي ملكيــة المحطــات اإلذاعيــة اللبنانيــة بلغــت‬ ‫‪ %3.4‬فقــط مــن مجمــوع المســاهمين‪ ،‬وبلغــت فــي محطــات التلفــزة ‪ ،%6‬مــع اإلشــارة إلــى ّ‬ ‫أن غالبيــة‬ ‫أســماء اإلنــاث اسـتُخدمت مــن قبــل المالكيــن الذكــور لاللتفــاف علــى القانــون‪ّ .13‬‬ ‫وأن ســيدتين تملــكان‬ ‫مطبوعــة سياســية مــن أصــل ‪ .111‬وثانيــاً‪ ،‬إلــى ّ‬ ‫أن مجلــس نقابــة الصحافــة كان يضــ ّم ســيدة مــن‬ ‫أصــل ‪ 18‬عضــوا اي مــا نســبته ‪ ،%5.5‬ليخلــو فــي انتخاباتــه األخيــرة (‪ )2015‬مــن الســيدات‪ .‬وكان‬ ‫يضـ ّم مجلــس نقابــة المحرريــن ســيدة مــن أصــل ‪ 12‬عضــواً أي مــا نســبته ‪،%8.33‬علمـا ً ّ‬ ‫أن نســبتهن‬ ‫بيــن المحرريــن ‪ .14 %35‬لتعــود وتتمثّــل النســاء فــي انتخابــات العــام ‪ 2015‬بثــاث ســيدات مــن‬ ‫أصــل ‪ 12‬عضــواً‪ .‬وثالثـاً‪ ،‬إلــى الكيفيــة التــي ت ّمــت بهــا رؤيــة المشـرّع للمــرأة ولعالقتهــا باإلعــام‪ .‬إذ‬ ‫أنّــه ورد فــي دفتــر الشــروط فــي الفصــل المتعلّــق بالبرامــج‪ ،‬السـيّما فــي البنــد الســابع المتعلّــق ببرامــج‬ ‫المــرأة واألســرة مــا يلــي‪:‬‬ ‫‪ 11‬القــادري‪ ،‬عيســى نهونــد‪ .)2012( .‬أوجــه معالجــة اإلعــام اللبنانــي لموضــوع العنــف المبنــي علــى أســاس النــوع االجتماعــي‪ .‬بيــروت‪ :‬صنــدوق األمــم‬ ‫المتحــدة للســكان‪ ،‬الجــدول الخــاص بأعــداد النســاء فــي محطــات التلفــزة واإلذاعــة الملحــق رقــم ‪ ،2‬جــدول رقــم ‪ -3‬وجــدول رقــم ‪ 4‬ص ‪.145 -144‬‬ ‫‪ 12‬ورشــة العمــل التشــاورية لمنظمــات المجتمــع المدنــي فــي المنطقــة العربيــة حــول التقــدم المحــرز فــي تنفيــذ إعــان ومنهــاج عمــل بيجيــن بعــد عشــرين عامـا ً‬ ‫– مداخلــة رئيســة لجنــة حقــوق المــرأة اللبنانيــة الســيدة عــزة الحــر مــروة‪www.escwa.un.org -‬‬

‫‪11‬‬


‫نحو صورة متوازنة للنساء في اإلعالم‬

‫▐ تُخصــص المؤسســة اإلذاعيــة فــي برامجهــا فتــرات أو برامــج للتوجّــه إلــى األســرة بــكل مــا‬ ‫يتعلــق بشــؤونها ويســاعد علــى شـ ّد األواصــر بيــن أفرادهــا وخلــق مناخــات التعاطــف والتفاهــم فيمــا‬ ‫بينهــم‪.‬‬ ‫▐ تُعطــى المــرأة االهتمــام الــازم بمــا يُســاعد علــى آداء دورهــا فــي المجتمــع وتأميــن ســعادة‬ ‫األســرة‪.‬‬ ‫▐ يُحظّــر علــى المؤسســة بـ ّ‬ ‫ـث أي دعايــة أو فقــرات توحــي أو تشــجع بشــكل مباشــر أو غيــر مباشــر‬ ‫علــى العنــف الجنســي أو الجســدي أو يُســاعد علــى االنحــراف أو يحــطّ مــن شــأن المــرأة أو يُق ـ ِّوض‬ ‫أركان الترابــط األســري العائلــي أو يتعــارض مــع أحــكام المــادة ‪ 36‬مــن قانــون اإلعــام المرئــي‬ ‫والمســموع‪ .15‬كذلــك ورد فــي دفتــر الشــروط الفقــرة ‪ :9‬عــدم ّ‬ ‫بــث أو نقــل مــا مــن شــأنه إثــارة‬ ‫النعــرات الطائفيــة والمذهبيــة أو الحــضّ عليهــا‪ ،‬أو ك ّل مــا مــن شــأنه أن يدفــع بالمجتمــع وبخاص ـ ٍة‬ ‫بــاألوالد إلــى العنــف الجســدي أو المعنــوي واإلنحــراف الخلقــي‪ ،‬واإلرهــاب والتفرقــة العنصريــة أو‬ ‫الدينيــة‪ .‬وعلــى المؤسســة عــدم بــث أفــام أو برامــج تتّســم بالعنــف والتشــويق الجنســي قبــل العاشــرة‬ ‫والنصــف لي ـاً‪ ،‬وعــدم الترويــج لهــذه األفــام قبــل التاســعة والنصــف لي ـاً‪.‬‬ ‫نشــير فــي هــذا الســياق إلــى ّ‬ ‫أن هــذه النظــرة البطريركيــة للمــرأة‪ ،‬المتمثّلــة بعــدم االعتراف بتمــام كيان‬ ‫المــرأة وقيمتهــا وحصانتهــا‪ ،‬عبــر النظــر إليهــا علــى أنّهــا ُخلقــت مــن أجــل إســعاد األســرة والــزوج‬ ‫فقــط‪« .‬هــذه النظــرة التــي تضمــر هــدراً للكيــان والمكانــة والقيمــة والداللــة تُصبــح اســتباحة‪ ،‬ويُصبــح‬ ‫االســتغالل والتن ّكــر للحقــوق واالنتقــاص منهــا ممكنـاً»‪ ،‬علــى حـ ّد تعبيــر مصطفــى حجــازي‪.16‬‬ ‫والدليــل علــى ذلــك ّ‬ ‫أن البرامــج واألنمــاط االســتهالكية و«الموضويــة» التــي تقــف خلفهــا شــركات‬ ‫اإلعــان راحــت تُمــارس عنفـا ً غيــر مســبوق علــى المــرأة ال سـيّما تلــك التــي تُعانــي مــن ضائقــة ماليــة‬ ‫وال تتمتــع بالمواصفــات الجماليــة المعروضــة علــى شاشــات التلفــزة‪ ،‬ودون أي حســيب أو رقيــب‪.‬‬ ‫كذلــك غابــت الحساســية الجندريــة عــن مشــروع القانــون الجديــد الــذي اقترحتــه مؤسســة مهــارات‬ ‫بالتعــاون مــع النائــب غســان مخيبــر‪.‬‬ ‫إذ ورد فقــط فــي الفصــل الثانــي‪ ،‬المــادة ‪ 55‬التــي تنــصّ علــى اآلتــي‪ :‬ك ّل مــن اســتعمل وســائل‬ ‫اإلعــام المنصــوص عنهــا فــي هــذا القانــون للتحريــض علــى التمييــز العنصــري أو علــى الكراهيــة أو‬ ‫العنــف ضـ ّد األشــخاص بســبب جنســهم أو أصلهــم أو لونهــم أو ميولهــم أو انتمائهــم العرقــي أو الدينــي‬ ‫أو الجنســي وبــرر جرائــم الحــرب أو الجرائــم ض ـ ّد اإلنســانية يُعاقــب بالغرامــة مــن عشــرة مالييــن‬ ‫إلــى خمســة وعشــرين مليــون ليــرة لبنانيــة‪( .‬أي مــا يســاوي أجــر حلقــة أو حلقتيــن مــن البرامــج التــي‬ ‫تحقــق نســبة مشــاهدة عاليــة علــى أبعــد تقديــر)‪.‬‬

‫‪ 15‬أنظر دفاتر الشروط النموذجية للمؤسسات اإلعالمية التلفزيونية واإلذاعية المرفقة بالمرسوم رقم ‪ 7979‬تاريخ ‪ ،1996-2-29‬وزارة اإلعالم اللبنانية‪.‬‬ ‫‪ 16‬أنظــر بهــذا الصــدد‪ :‬حجــازي‪ ،‬مصطفــى‪ .)2004( .‬المــرأة والتحــرر مــن االعتــراف المشــروط‪ .‬النســاء فــي الخطــاب العربــي المعاصــر‪ -‬باحثــات ‪ .9‬بيــروت‪:‬‬ ‫تجمــع الباحثــات اللبنانيــات‪ ،‬المركــز الثقافــي العربــي‪ ،‬ص ‪.580-577‬‬

‫‪12‬‬


‫نحو صورة متوازنة للنساء في اإلعالم‬

‫‪3‬‬

‫أبرز سمات الحضور الجندري في المشهد اإلعالمي‬

‫علــى الرغــم مــن غنــى وتنــ ّوع المشــهد اإلعالمــي اللبنانــي‪ّ ،‬‬ ‫فــإن الســمات الطاغيــة عليــه تتمثّــل‬ ‫إ ّمــا باإلعــام المتماهــي بالتناحــر السياســي‪ ،‬وإ ّمــا بموجــات موضــة البرامــج والزوايــا والصفحــات‬ ‫الترفيهيــه التــي تعبــق مــن غالبيتهــا رائحــة التمييــز المســتند علــى أســاس النــوع االجتماعــي‪ ،‬يقــع‬ ‫بينهمــا مجموعــة مــن البرامــج والصفحــات والزوايــا االجتماعيــة التــي مــن ناحيــة‪ ،‬تعمــل تحــت‬ ‫عنــوان حقــوق اإلنســان فــي التعبيــر وعــدم الخــوف والتــردد مــن المــسّ بالمحرمــات‪ ،‬ومــن ناحيــة‬ ‫ثانيــة‪ ،‬تحــت عنــوان حداثــة التعاطــي اإلعالمــي مــع موضوعــات المجتمــع القائمــة علــى آليــات فــي‬ ‫العمــل تضيــع فيهــا الحــدود بيــن اإلعــام واإلعــان واالتصــال‪ ،‬بيــن الخــاص والحميمــي والعــام‪ ،‬بيــن‬ ‫المرســل والمتلقــي‪ ،‬بيــن المصداقيــة واإلثــارة‪.‬‬ ‫وهكــذا أصبــح اإلعــام المشــهدي هــو النمــط المف ّ‬ ‫ضــل حالي ـاً‪ ،‬حتــى لــدى الصحافــة المكتوبــة التــي‬ ‫راحــت فــي الفتــرة األخيــرة تســير علــى خطــى التلفزيــون‪ .‬إنّــه إعــام يســتغل الدمــاء والدمــوع والبؤس‬ ‫اإلنســاني العنــف والمــوت‪ .‬لــذا فـ ّ‬ ‫ـإن سوســيولوجيا الخطــاب اإلعالمــي عــن النســاء يقــع فــي قلــب‬ ‫سوســيولوجيا الميديــا‪ :‬كل منتــوج إعالمــي يتطلّــب ثالثــة فضــاءات اجتماعيــة مختلفــة‪ :‬فضــاء اإلنتــاج‪،‬‬ ‫واالســتقبال‪ ،‬والفضــاء المتولّــد عــن الصفــة االســتداللية للموضــوع‪ .‬والمؤسســات اإلعالميــة هــي‬ ‫األطــراف الرئيســية الفاعلــة فــي اإلنتــاج‪ ،‬وجميعهــا تُشــكل مــا نســميه الحقــل اإلعالمــي‪ ،‬وهــذا األخيــر‬ ‫يُجابــه ضغوطــات آتيــة مــن حقــول أخــرى كالمعلنيــن والسياســيين مث ـاً‪ .17‬رغــم هــذه المنزلقــات‬ ‫المتعرّجــة‪ ،‬حصلــت مجموعــة متغيّــرات جعلــت الوســائل اإلعالميــة الســيّما الجيــل الثالــث منهــا‬ ‫تحتــل مكانــة هامــة فــي معالجــة قضايــا النســاء وفــي رســم معالــم صــور النســاء المتناقضــة‪ ،‬الســلبية‬ ‫واإليجابيــة منهــا‪ ،‬الواقعيــة و«المؤســطرة» (‪ ،)mystifiée‬المتفلّتــة والمتح ّجــرة‪ ،‬وكثيــراً مــا تتبنّــى‬ ‫هــذه الوســائل إســتراتيجيات ومعاييــر فــي العمــل والتوظيــف وأســاليب للتعامــل مــع اإلعالمييــن‪،‬‬ ‫ونظــرة إلــى الجمهــور تنبــع مــن كونهــا تعمــل ضمــن نظــام إعالمــي عالمــي تُســيّره أيديولوجيــا‬ ‫رأســمالية أبويــة‪ .18‬هــذا عــدا عــن أنّهــا تعمــل فــي مجتمعــات تحكمهــا مركزيــة شــديدة يتداخــل فيهــا‬ ‫عالــم المــال باإلعــام بالســلطة‪ ،‬فــي ظــ ّل منافســة محمومــة مــع فضائيــات عربيــة وأجنبيــة علــى‬ ‫ســوق إعالنيــة ضيّقــة‪ ،‬وذلــك مــا يجعــل هــذه الوســائل تلهــث فــي قســم كبيــر منهــا‪ ،‬وراء جمهــور‬ ‫عربــي‪ ،‬ولديهــا فــي غالــب األحيــان أحــكام مســبقة عنــه‪ ،‬مســتم ّدة فــي جــزء كبيــر منهــا مــن الوســائل‬ ‫اإلعالميــة الغربيــة‪ ،‬دون أن تأخــذ بعيــن االعتبــار التطــ ّورات الحاصلــة علــى صعيــد واقــع هــذا‬ ‫الجمهــور واالختالفــات التــي تحكمــه‪ .‬لذلــك اســتعانت بعــض هــذه المحطــات فــي بدايــة إطالقهــا‬ ‫الفضائــي بالرجــال للسياســة وبالنســاء للترفيــه‪ ،‬مشـ ّكلة نمطـا ً إعالميـا ً أ ّدى إلــى اختــزال اإلعالميــات‬ ‫علــى اختالفهــن فــي أولئــك المرئيــات منهــن‪ ،‬غيــر ّ‬ ‫أن هــذا النمــط ســرعان مــا انحســر أمــام احتــدام‬ ‫لعبــة المنافســة‪ ،‬والتطــورات علــى مختلــف الصعــد‪ ،‬بحيــث ّ‬ ‫أن معاييــر الشــكل لــم تعــد تكفــي وحدهــا‬ ‫لخــوض لعبــة المنافســة‪ ،‬وأصبــح المطلــوب مزيــداً مــن الثقافــة وإتقــان اللغــات‪ ،‬وســعة االطــاع‪،‬‬ ‫وغنــى التجربــة‪.19‬‬ ‫‪ 17‬أنظــر بهــذا الصــدد‪ :‬القــادري عيســى‪ ،‬نهونــد‪ .)2008( .‬نحــو تمكيــن النســاء فــي اإلعــام– مــن أجــل تحقيــق التكافــؤ بيــن المواطنيــن والمواطنــات‪ .‬بيــروت‪:‬‬ ‫تقريــر صادرعــن مؤسســة الحريــري للتنميــة البشــرية المســتدامة بدعــم مــن البنــك الدولــي ومجلــس اإلنمــاء واإلعمــار‪.‬‬ ‫‪ 18‬أظهــرت الدراســات التــي قــام بهــا المشــروع العالمــي لمراقبــة اإلعــام فــي ســبعين دولــة حــول مشــاركة النســاء فــي األخبــار فــي يــوم واحــد أنّ النســاء فــي‬ ‫األخبــار يشــكلن نســبة ‪ %43‬مــن الصحافييــن ولكــن ‪ %17‬فقــط ممــن أجريــت معهــن المقابــات و‪ %29‬مــن اللواتــي تجــرى معهــن المقابــات هــن ضحايــا لحــوادث‬ ‫مختلفــة‪ .‬أنظــر بهــذا الصــدد‪ :‬برنامــج األمــم المتحــدة اإلنمائــي‪ ،‬الصنــدوق العربــي لإلنمــاء االقتصــادي واالجتماعــي‪ ،‬برنامــج الخليــج العربــي لدعــم منظمــات األمــم‬ ‫المتحــدة اإلنمائيــة‪ .)2006( .‬تقريــر التنميــة اإلنســانية للعــام ‪ ،2005‬نحــو نهــوض المــرأة فــي الوطــن العربــي‪ .‬تمــت طباعتــه فــي ع ّمــان‪ :‬المطبعــة الوطنيــة‪:‬‬ ‫ع ّمــان – المملكــة األردنيــة الهاشــمية‪ ،.‬ص ‪.151‬‬ ‫‪ 19‬انظــر بهــذا الصــدد‪ :‬القــادري عيســى‪ ،‬نهونــد‪ .)2006( .‬ورقــة خلفيــة لتقريــر التنميــة اإلنســانية ‪ ،2005‬فــي نحــو نهــوض المــرأة فــي الوطــن العربــي‪ ،‬مرجــع‬ ‫ســبق ذكــره ص ‪.151‬‬

‫‪13‬‬


‫نحو صورة متوازنة للنساء في اإلعالم‬

‫أ‬

‫سمات الحضور الجندري في البرامج المتلفزة‬

‫قبــل الخــوض فــي الحضــور الجنــدري فــي البرامــج المتلفــزة المســماة اجتماعيــة‪ ،‬ال بـ ّد مــن اإلشــارة‬ ‫إلــى ّ‬ ‫أن التنميــط االجتماعــي للمــرأة الــذي غالبـا ً مــا يُبعدهــا عــن السياســة لعــب دوراً فــي وضــع هرمية‬ ‫ُ‬ ‫نشــرات األخبــار بحيــث أعطيــت األولويــة للصراعــات السياســية الضيقــة التــي ال مصلحــة للمــرأة‬ ‫بهــا‪ ،‬وهــي باألصــل مغيّبــة عنهــا‪ ،‬ودفــع بالشــأن المعيشــي والحياتــي الــذي يعنــي المــرأة بالصميــم‬ ‫إلــى الخلــف‪.‬‬ ‫أي ّ‬ ‫أن نشــرات األخبــار أعــادت بمضامينهــا وبتركيبتهــا إنتــاج األدوار النمطيــة المنســوبة لــكل‬ ‫مــن الجنســين‪ ،‬وإن كانــت حصلــت بعــض الخروقــات المبعثــرة غيــر القــادرة علــى المــسّ بالبنيــة‬ ‫وبالتراتبيــة المعهــودة‪ .‬كذلــك كانــت العالقــة بيــن بنيــة البرامــج الحواريــة والبنــى السياســية والثقافيــة‬ ‫واالجتماعيــة جــداً وثيقــة‪ .‬فبقيــت ســمة البرامــج الحواريــة األساســية هــي الحفــاظ علــى مــا هــو ســائد‪.‬‬ ‫وبقــي للرجــل النصيــب األكبــر مــن اإلعــداد واإلخــراج والتقديــم والترويــج‪ ،‬وحضــوره مــا زال‬ ‫متق ّدمـا ً علــى المــرأة كضيــف‪ ،‬كمشــارك‪ ،‬كمتصل‪،‬علــى الرغــم مــن تزايــد أعــداد النســاء كمق ّدمــات‪،‬‬ ‫ومشــاركات فــي اإلعــداد وفــي التقاريرالمرافقــة‪ .‬لــذا بــدا التنميــط الجنــدري فــي البرامــج الحواريــة‬ ‫معقّــداً‪ ،‬يرتــدي أشــكاالً متعــددة‪ ،‬أحيانــا ً‬ ‫ّ‬ ‫يخــف وأحيانــا يقــوى‪ ،‬أحيانــا ً يُقسّــم األدوار والصفــات‬ ‫والمســؤوليات علنـاً‪ ،‬وأحيانـا ً يعتمــد أســلوب التغييــب للمــرأة‪ ،‬وأحيانـا ً أخــرى يعتمــد أســلوب التحييــد‬ ‫للرجــل‪ ،‬وأحيانــا يلتــف علــى حقــوق المــرأة عبــر المبالغــة وإعتمــاد أســلوب التســامي‪ ،‬وأحيانـا ً يتنــازل‬ ‫ـراف مشــروطٌ‪ ،‬وأحيانـا ً يُبرزهــا وهــي تســبطن التنميــط‪ ،‬وأحيانـا ً‬ ‫معترفــا لهــا بحقوقهــا إنّمــا هــو إعتـ ٌ‬ ‫يعمــل بطريقــة اإلنزيــاح مــن عنــوان لعنــوان آخــر‪.‬‬ ‫المهــم أنّــه رغــم هــذا التنــوع فــي األســاليب فـ ّ‬ ‫ـإن هــذه البرامــج إعتمــدت آليــات عرفــت أيــن تســتبعد‬ ‫المــرأة وأيــن تبرزهــا‪ ،‬وبأيــة حــدود‪ ،‬فبقــي الرجــل مــن خــال تلــك اآلليــة هــو الثبــات والمــرأة هــي‬ ‫التــي تتح ـرّك نحــوه‪ ،‬الرجــل هــو الــك ّل والمــرأة هــي جــزء مــن هــذا الــك ّل ‪.20‬‬

‫‪ 20‬لمزيــد مــن التفاصيــل‪ ،‬انظــر‪ :‬القــادري عيســى‪ ،‬نهونــد‪ .)2008( .‬نحــو تمكيــن النســاء فــي اإلعــام‪ ،‬مــن أجــل تحقيــق التكافــؤ بيــن المواطنيــن والمواطنــات‪،‬‬ ‫مرجــع ســبق ذكــره‪.‬‬

‫‪14‬‬


‫نحو صورة متوازنة للنساء في اإلعالم‬

‫ب‬

‫سمات الحضور الجندري في اإلعالنات‬

‫كذلــك بينــت شــبكات رصــد وتحليــل اإلعالنــات ّ‬ ‫أن األولويــة أُعطيــت للســلع التجميليــة والمنزليــة‪،‬‬ ‫وأن برامــج المنوعــات هــي األكثــر جذبــا ً لهــا‪ّ .‬‬ ‫ّ‬ ‫وأن هــذه اإلعالنــات علــى تن ّوعهــا وقعــت‪ ،‬ســواء‬ ‫وعــى لذلــك مطلقيهــا أم لــم يعــوا‪ ،‬فــي خانــة البنــاء المفاهيمــي للظاهــرة اإلعالنيــة فــي المجتمعــات‬ ‫الرأســمالية‪ ،‬وتقلّبــت مــع تقلّباتهــا‪ .‬فقــد اعتبــرت دراســات الجنــدر الســيّما فــي الواليــات المتحــدة‬ ‫تط ـ ّور الظاهــرة اإلعالنيــة علــى أنّهــا ســمة مــن ســمات المرحلــة الجديــدة مــن الرأســمالية‪ :‬محاولــة‬ ‫إنتــاج حاجــات األفــراد فــي الوقــت نفســه مــع إنتــاج الحاجــات االســتهالكية الكفيلــة بإرضائهــا‪ .‬وهــذا‬ ‫مــا أ ّدى إلــى العمــل علــى إعــادة رســم أنمــاط الحيــاة‪ ،‬الهويــات العائليــة وهويــات النــوع لمصلحــة‬ ‫ســيطرة الصناعــة الكبــرى‪ .‬وفــي هــذا اإلطــار‪ ،‬اعتُبِــرت األنوثــة والذكــورة بنــاءات أيديولوجيــة‬ ‫تُقابلهــا ممارســات وســلوكات اســتهالكية‪ ،‬تعريفهــا يرتبــط بشــكل واســع بمصالــح الجهــة المنتجــة‪. 21‬‬ ‫وذهبــت دراســات أخــرى أبعــد مــن ذلــك فلــم تُر ّكــز علــى اإلعــان كإعــان إنّمــا كتعبيــر مختصــر‬ ‫عــن الثقافــة‪ ،‬مبرهنــةً ّ‬ ‫أن المــرأة كــي تكــون متطابقــة مــع الفكــرة الجاهــزة عــن األنوثــة عليهــا أن‬ ‫تبــدو ســلبية فــي مظهرهــا وســلوكها (خفــة‪ ،‬نحافــة‪ ،‬عذوبــة‪ ،‬تســامح)‪ ،‬وأن تبــدو جاهــزة ( ُمغريــة‬ ‫عليهــا أن تُغــري كــي تصــل إلــى أهدافهــا)‪ .‬بالمقابــل تحمــل اإلعالنــات للســلع الذكوريــة وصفــات‬ ‫علــى كل رجــل أن يعرفهــا ليبــدو متطابقــا مــع مثــال الرجــل الحقيقــي‪ :‬يرتــاد العالــم‪ ،‬قــوي جســدياً‪،‬‬ ‫يُقــرر‪ ،‬يقــود‪ ،‬يُدخــن‪ ،‬يُغــري مــن خــال الســلطة‪ ،‬والقــوة‪ ،‬والتملّــك‪ .‬بمــا معنــاه للرجــال الشــجاعة‪،‬‬ ‫والعدائيــة‪ ،‬والديناميكيــة‪ ،‬والدائــرة العامــة‪ ،‬وللنســاء الجمــال والنعومــة والدائــرة الخاصــة‪ .22‬غيــر‬ ‫أنّــه فــي الســنوات األخيــرة أخــذت البالغــة اإلعالنيــة التقليديــة تتعايــش مــع الخطــاب األكثــر فردانيــة‪.‬‬ ‫وهــذا مــا أ ّدى إلــى تحســين عالقــة المــرأة مــع جســدها واألخــذ باالعتبــار رغباتهــا‪ ،‬وإعتبــاراً مــن‬ ‫منتصــف التســيعينيات مــن القــرن الماضــي غــدت اإلعالنــات تُعبّــر علــى طريقتهــا عــن صعوبــات‬ ‫تحـرّر المــرأة علــى الجنســين‪ ،‬وتُبــرز أفــراداً متردديــن بيــن قيــم وأدوار متناقضــة‪ .‬فاإلعالنــات ليســت‬ ‫بالفعاليــة التــي تفــرض محتويــات ثقافيــة إنّمــا هــي بمنزلــة ُمس ـرِّع للرؤيــة لبعــض األبعــاد الثقافيــة‬ ‫اإلشــكالية وغيــر اإلشــكالية‪ .23‬ويمكــن فــي هــذا الســياق اإلشــارة إلــى نمــاذج مــن هــذا االرتبــاك‪،‬‬ ‫تتمثّــل فــي اآلتــي‪ :‬أوالً‪ ،‬اختــاف مكامــن النجــاح بيــن الجنســين‪ ،‬ثاني ـا ً فــي تحييــد اإلعالنــات للســلع‬ ‫المجنــدرة تقليديـاً‪ ،‬ثالثـاً‪ ،‬فــي اســتثمار اإلعــان بالكامــل للشــخصيات األنثوية‪24‬ورابعـاً‪ ،‬فــي العمــل‬ ‫علــى إدامــة الســيطرة الذكوريــة ‪.25‬‬ ‫‪21 Voir à ce propos: Perret, J.B (2003). L›APPROCHE FRANÇAISE DU GENRE EN PUBLICITE- Bilan‬‬ ‫‪critique et pistes de renouvellement. Une communication sexuée? Réseaux Numéro 120, 20034/. Paris: éd: La‬‬ ‫‪découverte, Hermès, p.151‬‬ ‫‪22 Voir à ce propos: Perret, J.B (2003). Op.cit, p.154‬‬ ‫‪23 Voir à ce propos: Perret, J.B (2003). Op.cit p.159 in (CATHELAT, 1986 ; DEFRANCE, 1999 ; METOUDI, 1982‬‬ ‫)‪ou Perret 1997‬‬ ‫‪ 24‬فــي ضــوء ذلــك‪ ،‬عملــت اإلعالنــات علــى إســتثمار الشــخصيات األنثويــة فــي ك ّل األمكنــة‪ :‬النســاء لديهــن دائمــا قــدرات مرتبطــة باإلغــراء‪ ،‬وباألمومــة‬ ‫وســيادة المنــزل‪ ،‬إ ّنمــا أيضـا ً إلــى جانــب هــذه المؤهــات التقليديــة أُضيفــت قــدرات جديــدة كانــت فــي الســابق حكــراً علــى الرجــال‪ :‬المنافســة‪ ،‬واإلتقــان‪ ،‬والســيطرة‬ ‫االجتماعيــة‪ ،‬والماليــة‪ ،‬والجنســية‪ .‬وهــذا مــا مــا يجعلنــا نعتقــد أنّ المثــال لنمــوذج المــرأة المعاصــرة يعــود لهــذه الصــورة المختلطــة‪ ،‬بينمــا نــادراً مــا نــرى إعالنــات‬ ‫تبيــن الرجــال فــي دور أنثــوي‪ ،‬وإذا مــا فعلــت فإ ّنهــا تبرزهــم فــي تصــوّ ر مضحــك وطوع ـا ً كاريكاتــوري‪ ،‬ممــا يقلّــل مــن مصداقيــة هــذه الصــورة‪.‬‬ ‫إنّ تبــادل األدوار تـ ّم بشــكل شــبه حصــري مــن المذكــر إلــى المؤنــث‪ :‬أل ّنــه مث ّمــن بالنســبة للمــرأة أنّ تتبنــى ســلوك الذكــور‪ ،‬إ ّنمــا العكــس بقــي خطــأً‪ ،‬وهــذه الصــور‬ ‫المختلطــة حصــراً بالمــرأة تترجــم ديمومــة نــوع مــن الســيطرة الرمزيــة الذكوريــة‪ ،‬مــن خــال تســيد نمــوذج الحيــاد‪.‬‬ ‫‪Voir à ce propos: Perret, J.B (2003). Op.cit, p.163164-..‬‬ ‫‪ 25‬ذلــك يعنــي أي أنّ المشــهد اإلعالنــي زاوج بطريقــة مضطربــة بيــن الديناميــة الحاليــة لتطــوّ ر األدوار الجندريــة ( كمــا وصفهــا العديــد مــن الفاعليــن منــذ‬ ‫عشــرات الســنين‪ :‬ثبــات نمــوذج مثــال «الحيــاد» جعلــه أقــرب مــن المذكــر‪ ،‬وتبنــي النســاء أكثــر فأكثــر لــأدوار المختلطــة) وبيــن التخلّــي عــن الســلوكات األكثــر‬ ‫نموذجيــة للذكــورة التقليديــة‪.‬‬ ‫‪Voir à ce propos: Perret, J.B (2003). Op.cit,169 in Duchemin,1994.‬‬

‫‪15‬‬


‫نحو صورة متوازنة للنساء في اإلعالم‬

‫أن اإلعــان يُســهم فــي بنــاء مفهومــي ك ّل مــن المؤنــث والمذكــر‪ ،‬والدليــل ّ‬ ‫مــا يعنــي ّ‬ ‫أن المصانــع‬ ‫الثقافيــة األمريكيــة رســمت مثــاالً أنثويـا ً مرتبطـا ً مباشــرةً باأليديولوجيــا الجديــدة «الحداثــة»‪ .‬عاملـةً‬ ‫علــى فتــح األســرة علــى الخــارج علــى الجديــد علــى الســوق الــذي ال ينضــب المجـ ّدد بالســلع‪ ،‬وأصبــح‬ ‫المنــزل المــكان المثالــي لتصريــف الســلع‪ ،‬كمــا أشــار ‪ّ ،Mattelart‬‬ ‫إن أســطورة الحداثــة تجعلنــا‬ ‫نفكــر أنّــه كلمــا اســتهلكنا كانــت لدينــا خيــارات أكثــر‪.26‬‬ ‫واعتبــرت ميشــال مارتــن ‪ّ Michele Martin‬‬ ‫أن أســطورة الحداثــة الكبــرى التــي تنقلهــا «الميديــا»‬ ‫ال تســاهم فــي التحــرر الجنســي أو االقتصــادي للنســاء‪ ،‬إنّمــا تُســتخدم إلضفــاء قيمة جديدة على الســمات‬ ‫األكثــر تقليديــة لهــن‪ .‬ويعــود مصــدر أســطورة الحداثــة‪ ،‬برأيهــا‪ ،‬إلــى اإلعــان‪ ،‬مــن خــال إيحائــه ّ‬ ‫أن‬ ‫مواصفــات الشــيء الحديــث ينســحب علــى الشــخص الــذي يملكــه‪ ،‬وقيمــة الشــخص تكمــن فــي األشــياء‬ ‫التــي يملكهــا‪ .‬ولــذا غــدا التطـ ّور فــي المجتمعــات الرأســمالية يرتــدي صفــة « ‪ »Exogène‬أي التمـ ّدد‬ ‫نحــو الخــارج‪ .‬وغــدا التقـ ّدم يرتكــز علــى حيــازة الســلع المتمحــورة حــول المســتقبل‪ ،‬محتقــراً الماضــي‬ ‫والمعرفــة التقليديــة والممارســات الثقافيــة المحليــة‪ ،‬مصــوراً علــى أنّــه الشــيء يوجــد قبــل التقـ ّدم هــذا‪،‬‬ ‫وبالمقابــل هــو أبــدي‪ .27‬ينتــج عــن أســطورة الحداثــة هــذه مجتمــ ٌع «مجــرد»‪ ،‬يطبّــق بشــكل عــام‬ ‫وبــدون تمييــز مواصفــات وإمكانــات الطبقــة المســيطرة والثقافــة الغربيــة علــى كل المجتمعــات‪ ،‬وهــذا‬ ‫مــا أســماه ماتــار« ديمقراطيــة الرغبــة»‪ .28‬كذلــك ت ـ ّم العمــل علــى إدامــة الســيطرة عبــر الــدالالت‬ ‫اللغويــة‪ ،‬واإلخراجيــة‪ ،‬لــذا أَقرنــت محتويــات اإلعــام الرجــال مــع العــام‪ ،‬والعمــل‪ ،‬واإلنتــاج‪ ،‬وجنــي‬ ‫المــال‪ .‬فــي حيــن أقرنــت النســاء مــع الخــاص‪ ،‬ومــع الفــراغ‪ ،‬ومــع إعــادة اإلنتــاج‪ ،‬لكونهــن يصرفــن‬ ‫المال‪.‬‬ ‫باإلجمــال‪ ،‬التقطــت اإلعالنــات الســوق االحتماليــة لظاهــرة تح ـرّر المــرأة وعملــت علــى تثميرهــا‬ ‫وراحــت تُمثّــل النســاء علــى أنّهــن كيــان اســمه المــرأة‪ ،‬صفاتهــا وعيوبهــا وتطلّعاتهــا تخــصّ جنســها‪.‬‬ ‫فالتع ّمــق فــي الموضــوع يكشــف مكامــن اللعبــة اإلعالنيــة هــذه‪ :‬المــرأة العاملــة‪ ،‬المــرأة القويــة‪ ،‬المــرأة‬ ‫الطفلــة‪ ،‬المــرأة األ ّم‪ ،‬المــرأة الســهلة‪ ،‬المــرأة الشــيء هــي أوجــه مختلفــة لنمــوذج واحــد مرتكــز علــى‬ ‫مالمــح الشــخصية الســلبية‪ ،‬وهــذا النمــوذج يبــدو وكأنّــه طبيعــي مرتبــط بموضــوع الســلعة أكثــر ممــا‬ ‫يبــدو علــى أنّــه مركــب مــن المعلــن‪.29‬‬

‫‪26 Voir à ce propos: Martin, M. (1991). Communication et Médias de Masse Culture, Domination et Opposition.‬‬ ‫‪Québec: Presse de l’université de Québec, Télé-université, p.p173177-.‬‬ ‫‪27 Voir à ce propos: Martin, M. (1991). Op.cit, p.180..‬‬ ‫‪28 Voir à ce propos: Martin, M. (1991). Op.cit, p.182‬‬ ‫‪29 Voir à ce propos: Martin, M. (1991). Op.cit, p.319‬‬

‫‪16‬‬


‫نحو صورة متوازنة للنساء في اإلعالم‬

‫ ج‬

‫سمات الحضور الجندري في األعمال الفنية‬ ‫(المسلسالت‪ ،‬األغنيات)‬

‫ّ‬ ‫إن صعوبــة شــغل موضــوع المــرأة حيّــزاً فــي مجــال الفكــر يعــود إلــى ثبــات التمثّــات المتخيّلــة‬ ‫للنســاء المرتبطــة جوهريــا ً بعالــم الميديــا‪ ،‬كمــا تــرى الفيلســوفة ‪ .Genvieve Fraisse‬ألنّــه فــي‬ ‫األحــكام المســبقة لمــن يمســكون بالفكــر‪ :‬النســاء يتعلّقــن بالمظهــر وبالنتيجــة هــن أبعــد مــا يكــن عــن‬ ‫الحقيقــة‪ ،‬وبمــا ّ‬ ‫أن المــرأة تبع ـا ً لهــذه األحــكام ليســت إال مظهــراً‪ ،‬الــكالم عليهــا هــو مــن اختصــاص‬ ‫الميديــا‪ ،‬واهتمــام هــذه األخيــرة بموضــوع النســاء يعنــي عمليـا ً البحــث عــن أثــر إعالمــي‪ ،‬ومعالجــة‬ ‫موضــوع المــرأة يعنــي ضغطــه ليصبــح ال معنــى لــه‪ ،‬ذاك هــو نصيــب النســاء أن يكـ ّ‬ ‫ـن خــارج الحقــل‬ ‫المفاهيمــي مــن جهــة‪ ،‬وتحــت نيــران التمثــات المتخيلــة‪ ،‬أي «الموضــة»‪ ،‬مــن جهــة ثانيــة‪ .30‬وبمــا‬ ‫ـإن الرجــال يعتبــرون ّ‬ ‫أن النســاء هُ ّمشــن فــي مجــال إنتــاج األفــكار والرمــوز‪ ،‬فـ ّ‬ ‫ّ‬ ‫أن مــا يقولونــه هــو‬ ‫المهــم‪ ،‬وبالتالــي هــو الجديــر بالنشــر‪ ،‬أي أعطــوا ألنفســهم دور إنتــاج وســائل التفكيــر والتصــورات‬ ‫عــن النســاء‪ .31‬لــذا نالحــظ ّ‬ ‫أن هنــاك ثنائيــة مــا زالــت تتح ّكــم بصــورة المــرأة علــى شاشــات التلفــزة‬ ‫العربيــة‪ :‬إ ّمــا المــرأة موضــوع االســتهالك والعــرض و«الفرجــة»‪ ،‬وإ ّمــا المــرأة المصونــة التــي هــي‬ ‫بمنزلــة جوهــرة يجــب حفظهــا فــي الصنــدوق واإلقفــال عليهــا‪ .‬والمؤســف ّ‬ ‫أن هاتيــن النظرتيــن للمــرأة‬ ‫تلتقيــان عنــد نقطــة واحــدة‪ ،‬هــي النظــر إليهــا كجســد فقــط يص ـ ّح للغيــر وبالتحديــد للرجــل أن يق ـرّر‬ ‫كيــف ســيتصرّف إزاءه وبأيــة وجهــة سيســتخدمه‪ ،‬يُغطيــه أم يكشــفه!!!‬ ‫ينســحب هــذا النــوع مــن التهميــش علــى مســتوى التلقــي للرســائل وف ـ ّ‬ ‫ك رموزهــا‪ ،‬فتُصبــح النســاء‬ ‫أحيانـا ً أكثــر مــن الرجــال ضحايــا التعاقــب بيــن الصــور المرافقــة لموجــات التوتــر والعنــف والكوارث‬ ‫واألزمــات والصراعــات التــي شــهدها لبنــان والمنطقــة العربيــة فــي الفتــرة األخيــرة‪ ،‬وبيــن الصــور‬ ‫المنســابة مــن موجــات الضحــك والهــزل والمــرح والســهر التــي بــرع اللبنانيــون بإظهارهــا علــى‬ ‫شاشــات التلفــزة‪ ،‬الســيّما فــي األوقــات العصيبــة‪ ،‬لكــون التعاقــب بيــن النقيضيــن يمســك بالجهــاز‬ ‫العصبــي لإلنســان ويضعــه تحــت الســيطرة‪ ،‬مــن ناحيــة يُقلقــه ويُخيفــه‪ ،‬ومــن ناحيــة يُســليه ويُنســيه‪،‬‬ ‫ويح ّ‬ ‫ضــره لموجــة تخويــف جديــدة وهكــذا دواليــك‪ .‬فيغــدو العنــف الناتــج عــن تعاقــب هــذه الصــور‬ ‫متداخ ـاً مــع العنــف المبنــي علــى أســاس النــوع‪ ،‬وتُصبــح أفعــال وأقــوال وصــور العنــف المرتكبــة‬ ‫بحـ ّ‬ ‫ق النســاء بخاصـ ٍة أعمــاالً فرديــة وكأنّهــا تفصيــل يومــي وعاديــة مــن عاديــات الحيــاة‪ ،‬تنســاب عبــر‬ ‫الكلمــة‪ ،‬الصــورة‪ ،‬الضحكــة‪ ،‬اإلشــارة‪ ،‬النغــم‪ ،‬متســلّلة إلــى نســيج األغنيــة‪ ،‬النكتــة‪ ،‬ومختلــف األعمــال‬ ‫اإلبداعيــة‪ .‬وخيــر مثــال علــى ذلــك أغنيــات راجــت فــي الفتــرة األخيــرة تحمــل صــور عنــف ض ـ ّد‬ ‫المــرأة أو صــور عنــف ض ـ ّد «الغريــم» ناتجــة عــن تعنــت وإصــرار فئــة مــن الرجــال علــى اعتبــار‬ ‫المــرأة واحــدة مــن مقتنايتهــم‪ .32‬وهــذا مــا حــدا بالجمعيــات المناهضــة للعنــف األســري فــي الســنوات‬ ‫األخيــرة للعمــل علــى تمريــر رســائلها عبــر األعمــال الفنيــة‪ ،‬فشــرعت فــي رعايــة فيديــو كليبــات‬ ‫وووقفــات إعالنيــة وأعمــال دراميــة بغــرض التوعيــة‪.‬‬ ‫‪30 Réseaux, Numéro 120.(2003). “ Une communication sexuée?”, dossier coordonné par Simone Bonnafous,‬‬ ‫‪Josiane Jouet, Rémy Rieffel, FTRFD. Paris: Hermes, science Publications.,pp.2627-.‬‬ ‫‪31 Voir à ce propos: Martin, M. (1991). Op.cit, p.365.‬‬ ‫‪ 32‬راج فــي اآلونــة األخيــرة عــدد مــن األغنيــات التــي تتنــاول العنــف القائــم علــى التمييــز الجنــدري‪ .‬منهــا أغنيــة المطربــة اللبنانيــة نــوال الزغبــي «فــوق‬ ‫ً‬ ‫متناولــة فيهــا قصــة زوجــة مطلّقــة تتنــازع هــي وزوجهــا الســابق علــى حضانــة أطفالهــا‪.‬‬ ‫جروحــي»‪ ،‬مــن كلمــات الشــاعر فــارس إســكندر‪،‬‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫أصــدر المطــرب اللبنانــي محمــد إســكندر أغنيــة ملئيــة بالعبــارات التــي تحمــل تمييــزا جندريـا ضـ ّد المــرأة‪ .‬تحمــل عنــوان «جمهوريــة قلبــي» مــن كلمــات فــارس‬ ‫ّ‬ ‫تتوظــف بشــهادتها‪ /‬ع ّنــا البنــت بتدلّــل ك ّل شــي بيجــي لخدمتهــا‪ .‬بعــد أغنيــة محمــد إســكندر «جمهوريــة قلبــي» التــي أثــارت موجــة مــن‬ ‫اســكندر‪ :‬نحنــا مــا ع ّنــا بنــات‬ ‫االنتقــادات النســوية‪ ،‬أصــدرت مــي مطــر أغنيــة بالتعــاون مــع طونــي أبــي كــرم‪ .‬تــرد علــى تلــك االغنيــات وتقــول‪ :‬نحنــا فــي عنــا شــباب منعتــز بثقافتهــا بتفهــم شــو‬ ‫يعنــي شــهادات و بتعــرف شــو قيمتها‪-‬هنــي البيحبــو البنــات بذكاهــا وحنيتهــا ‪-‬متلــك مــش عايزيــن رجــال همــا حــاال و شــهوتها ‪-‬نحنــا مــا بدنــا وال شــب مــن عصــر‬ ‫الجاهلية‪-‬يجــي يتحكــم فينــا ويقــول هيــدي رجوليــة ‪ -‬يقعدنــي قبالــو بالبيــت صبــح و ضهــر وعشــية ‪-‬ويقلّــي مــا عنــدك شــي إال تهتمــي فيــي‪ .‬أمــا جديــد عمــر جــاد‬ ‫فــكان أغنيتــه التــي يقــول فيهــا‪ :‬بــدي يــاك حلــوة ومتعلمــة وقويــة إلــى مــا هنالــك مــن الطلبــات !!!‬

‫‪17‬‬


‫نحو صورة متوازنة للنساء في اإلعالم‬

‫وخيــر مثــال علــى ذلــك‪ ،‬أنّــه أثنــاء الفتــرة التــي امتــد خاللهــا رصــد البرامــج االجتماعيــة اللبنانيــة‪،‬‬ ‫وتحديــداً فــي أيــار ‪ ،2015‬أطلقــت الفنانــة اللبنانيــة إليســا كليــب ألغنيتهــا «يــا مرايتــي»‪ ،‬ومــا إن تـ ّم‬ ‫إطــاق الفيديــو الكليــب حتــى حقّــق نســب مشــاهدة عاليــة تخطــت المليــون بعــد خمســة أيــام علــى بثّــه‬ ‫عبــر موقــع يوتيــوب‪ .‬والالفــت ّ‬ ‫أن الفيديــو عالــج قضيــة العنــف األســري وتحديــداً العنــف الجســدي‪،‬‬ ‫فنــرى الفنانــة إليســا فــي بدايــة الفيديــو كليــب وهــي تحــاول إخفــاء الكدمــات بواســطة نظــارة شمســية‬ ‫تزيلهــا عــن عينيهــا بائعــة الماكيــاج‪ ،‬ونراهــا تُضــرب وتُعنّــف وتُرمــى أرض ـاً‪ ،‬وطيلــة ذلــك الوقــت‬ ‫تُحــاول إخفــاء ذلــك عــن طفليهــا‪ ،‬كمــا نراهــا فــي أكثــر مــن مشــهد خائفــة ومرتعبــة‪ ،‬فكلمــا قــام الــزوج‬ ‫بحركــة بيــده ترتعــش وتبتعــد خوفـا ً مــن أن يكــون قــد يهـ ّم بضربهــا‪ .‬فــي نهايــة الكليــب تُقــرر المــرأة‬ ‫المعنّفــة (إليســا) طلــب الطــاق وتأخــذ علــى عاتقهــا تربيــة أطفالهــا‪ ،‬قائلــة‪« :‬ال مــا كان وقتــي بعــد‪،‬‬ ‫ليلتهــا قـرّرت حــطّ حـ ّد لقصتــي معــه‪ ،‬لتنكتبلــي بدايــة جديــدة‪ ،‬ســنين قطعــت‪ ،‬كفيــت طريقــي وكتبــت‬ ‫قصتــي‪ ،‬كتابــي قصــة امــرأة عانــت‪ ،‬يمكــن اليــوم عــم تشــوفني لتعــرف إنــو الء‪ ،‬مــش هــاي هيــي‬ ‫النهايــة»‪ ،‬وتتو ّجــه للنســاء بالقــول «اكســري صمتــك ومــا تكســري صورتــك بالمرايــة»‪ .‬فــي نهايــة‬ ‫الفيديــو كليــب أيضـا ً إعــان لجمعيــة كفــى ورقــم الخــط الســاخن للتبليــغ عــن حــوادث العنــف‪.33‬‬ ‫وكمثــال آخــر‪ ،‬برامــج التنــدر التــي راجــت لفتــرة فــي معظــم محطــات التلفــزة اللبنانيــة والتــي غالبـا ً ما‬ ‫تفــوح منهــا رائحــة العنــف الــذي تحملــه الذهنيــة االجتماعيــة المعنِفــة للمــرأة ال ُمعنَفــة‪ ،‬والتــي تُصورّهــا‬ ‫علــى أنّهــا ملتــذة باالغتصــاب فــي س ـرّها‪ ،‬ومســتدرجة للعنــف بطبيعتهــا‪ . 34‬يحصــل ك ّل ذلــك ألنّ‬ ‫موجــات الصــور التــي تتعاقــب فــي وســائل اإلعــام تنتــج عــدم حساســية علــى العالــم المحيــط‪ ،‬تُولّــد‬ ‫فتــوراً والمبــاالة‪ ،‬ورغبــة أقـ ّل فــي االســتثمار أو التوظيــف فــي الحيــاة العامــة حيــث الثمــن مــن وقــت‬ ‫آلخــر هــو إرادة شــغل مــكان المعبــود الصنــم الــذي أبــداً مــا هــو إال أنــا آخــر‪ .‬ألنّــه عندمــا لــم يعــد‬ ‫هنــاك مــن شاشــة لعمــل شاشــة يُمكننــا ببســاطة أن نعتقــد بأنّــه يُمكننــا اجتيــاز الشاشــة‪.‬‬ ‫مهمــا تكــن مصادفــة‪ ،‬ســيناريوهات الســينما والتلفزيــون فــي التســعينيات حذرتنــا مــن الوضــع خــارج‬ ‫القانــون‪ ،‬مــن القانــون والممنــوع‪ ،‬لكــن العنــف الالمتناهــي الــذي عرضتــه يُحيلنــا باألصــل إلــى هــذه‬ ‫الموجــات التــي تم ـ ّر بشــكل ال منقطــع‪ ،‬وبهــذا يكمــن كل عنفهــا‪ .‬لكــن كان يتوجــب علينــا أن نتقــدم‬ ‫درجــة ونفهــم ّ‬ ‫أن العنــف المبــرز أخــرج آليــات عقليــة وحسـيّة يمكــن أن تكــون آليــات المتلقــي عينــه‪،‬‬ ‫الــذي يجــب أن يُدبّــر نفســه مــع موجــات العنــف التــي تتطابــق فــي معظــم األحيــان مــع الصــور‬ ‫الكاذبــة والخادعــة‪ .35‬أمــا فــي الدرامــا فـ ّ‬ ‫ـإن الرجــل بشــكل عــام هــو الــذي يُنتــج المعنــى والمــرأة‬ ‫هــي التــي تمثّلــه‪ .‬وفــي معــرض رصــد الحضــور الجنــدري فــي عينــة مــن المسلســات المعروضــة‬ ‫علــى شاشــات التلفــزة اللبنانيــة فــي العــام ‪ 2007‬تبيــن أنّــه تخلّــل هــذه المسلســات تنميط ـا ً جندري ـا ً‬ ‫يخــف ويقــوى تِبع ـا ً لمتطلبــات الحبكــة‪ ،‬ومتطلبــات جــذب الجمهــور‪ ،‬وفــي غالــب األحيــان متطلبــات‬ ‫إنتــاج خطــاب توافقــي مــع ثقافــة المجتمــع الســائدة‪ .‬فبــدت هــذه المسلســات علــى تن ـ ّوع قصصهــا‬ ‫عبــارة عــن تمثيــل من ّمــط للمــرأة األبديــة غيــر المكتفيــة‪ ،‬المســتبطنة لثقافــة وقيــم المجتمــع‪ ،‬معطي ـةً‬ ‫انطباعـا ً للرجــال كمــا للنســاء علــى أنّهن‪/‬هــم فــي رحلــة الكتشــاف أنفســهم‪/‬هن‪ ،‬مق ّدمــة اآلالم واآلفــات‬ ‫االجتماعيــة علــى أنّهــا آالم فرديــة‪.‬‬

‫‪18‬‬

‫‪ 33‬أغنيــة «يــا مرايتــي» مــن كلمــات أحمــد ماضــي وألحــان زيــاد برجــي‪ ،‬وقــد تــم تصويــر الفيديــو كليــب الخــاص بهــا علــى مــدى يوميــن فــي صربيــا تحــت إدارة‬ ‫المخرجــة إنجــي جمــال التــي صرحــت أنهــا صاحبــة الفكــرة‪.‬‬ ‫‪ 34‬ورد فــي حلقــة األحــد ‪ 18‬نيســان فــي برنامــج لــول علــى أو تــي فــي علــى لســان إحــدى ضيفــات البرنامــج النكتــة التاليــة‪ ” :‬واحــد عمــا يغتصــب واحــدة‪،‬‬ ‫صــارت تصــرخ‪ :‬يــا بــا ضميــر‪ ،‬يــا بــا ضميــر‪ ،‬شــو بــا ضميــر؟ قــال لهــا‪ :‬بــدك وقــف‪ ،‬اجابــت‪ :‬مجــرد ســؤال‪ .‬أعقبتهــا نكتــة ثانيــة علــى لســان مقــدم البرنامــج‪:‬‬ ‫واحــد عمــا يغتصــب واحــدة‪ ،‬تلفنــت للبوليــس قائلــة عمــا يغتصبنــي‪ ،‬بإمكانكــم أن تأتــوا غــداً العتقالــه‪ .‬والالفــت أنّ هــذا البرنامــج برعايــة مجوهــرات تبــث إعالنـا ً‬ ‫عنوانــه‪” :‬مجوهراتــي حــق لــي” ‪Mon bijou mon droit‬‬ ‫‪35 Voir à ce propos: Mongin, O. (2003). Une violence en mal de transgression, du contenu des scénarios à la‬‬ ‫‪réception des images. Esprit: La société des écrans et la tv, No. 293 (34/)b (Mars –Avril -2003(. PP.156- 164p. 164.‬‬


‫نحو صورة متوازنة للنساء في اإلعالم‬

‫وقــد بــدا التنميــط الجنــدري مــن خــال شــبكات التحليــل علــى مســتويات عديــدة‪ :‬علــى مســتوى المهــن‬ ‫المنســوبة للممثليــن‪/‬الت (الرجــال‪ ،‬مهــن حــرّة‪ /‬النســاء‪ ،‬عاطــات عــن العمــل)‪ ،‬علــى مســتوى‬ ‫األوضــاع (أوضــاع النســاء فــي المسلســات بــدت أصعــب مــن أوضــاع الرجــال)‪ ،‬علــى مســتوى‬ ‫القــدرات (قــدرات الرجــال الفكريــة والتعليميــة بــدت أعلــى مــن قــدرات النســاء)‪ ،‬واإلمكانــات‬ ‫(اإلمكانــات المتاحــة للرجــال كانــت أكبــر مــن تلــك المتاحــة للنســاء)‪ .‬بالمقابــل تق ّدمــت النســاء علــى‬ ‫الرجــال فــي اتّخــاذ المبــادرات‪ ،‬واتّخــاذ القــرارات‪ .‬علــى مســتوى الســلوك (ســلوك الرجــال طغــى عليه‬ ‫اإلنفعــال العنيــف‪ /‬ســلوك النســاء اتســم باإلنفعــال الهــادئ)‪ ،‬بمــا معنــاه‪ :‬وضــع الرجــل المتفـ ّوق علــى‬ ‫المــرأة فــي المسلســات خ ّولــه إعطــاء األوامــر‪ /‬وضعهــا الدونــي فــرض عليهــا االنصيــاع‪ .‬فبــدا الرجل‬ ‫المقتــدر المتح ـرّش الغاضــب‪ /‬بــدت المــرأة الفقيــرة المخدوعــة الباحثــة عــن الحــب الحقيقــي‪.‬‬ ‫ونُ ّمطــت اإلمكانــات علــى الشــكل التالــي‪ :‬اإلمكانــات الماديــة للرجــال والجماليــة للنســاء‪ ،‬والنتيجــة‬ ‫اســتغالل المــال للجمــال‪ .‬واســتحوذ الرجــل علــى كافــة نشــاطات المجتمــع‪ .‬وبــدت المــرأة الناجحــة‬ ‫القويــة مجـرّدة مــن عاطفتهــا وأُنوثتهــا‪ ،‬مســتبطنةً للقيــم الذكوريــة‪ .‬وبتنيجــة هــذا التنميــط يصبــح وضــع‬ ‫الرجــل المأســور بالســيطرة أصعــب مــن وضــع المــرأة‪ .‬وإن كان الحضــور الجنــدري بــدا أحيانــا ً‬ ‫مهتــزاً‪ ،‬علــى ســبيل المثــال‪ ،‬ظهــور رجــال ضعــاف ال يعملــون ونســاء قويــات متمـرّدات‪ .‬والــدالالت‬ ‫الجندريــة اللغويــة وردت علــى لســان النســاء كمــا الرجــال‪ ،‬فالنســاء اســتبطن تعابيــر ذكوريــة بــا‬ ‫وعيهــن‪ .‬كتعابيــر‪ :‬المــوزة‪ ،‬والتحفــة‪ ،‬والقشــطة‪ ،‬وتعابيــر ذكوريــة شــيّأت المــرأة وأفقــدت الرجــل‬ ‫إنســانيته‪.36‬‬ ‫ولــدى البحــث عــن أوجــه المعالجــة الدراميــة لموضــوع العنــف المبنــي علــى أســاس النــوع االجتماعي‬ ‫لــدى عينــة مــن المسلســات المعروضــة علــى محطــات التلفــزة اللبنانيــة فــي العــام ‪ ،2012‬تبيّــن ّ‬ ‫أن‬ ‫كتبــة ســيناريو المسلســات كانــوا علــى األغلــب مــن اإلنــاث‪ّ ،‬‬ ‫وأن المخرجيــن كانــوا علــى األغلــب مــن‬ ‫الذكــور‪ّ .‬‬ ‫وأن الترويــج للحلقــات حمــل معــه مؤشــرات عنــف مبنــي علــى أســاس النــوع االجتماعــي‪،‬‬ ‫وحملــت معظــم الحلقــات التــي ت ـ ّم رصدهــا مؤ ّشــرات علــى ســلوك جنــدري عنيــف‪ ،‬وكان مرتكبــو‬ ‫أفعــال العنــف بالدرجــة األولــى رجــاالً بالغيــن‪ .‬وكان مصــدر العنــف أوالً األفــراد‪ ،‬ثانيـا ً المجموعــات‬ ‫وذهنيــة المجتمــع‪.‬‬ ‫وتجلّــى ســلوك العنــف أوالً فــي العنــف النفســي واللفظــي‪ ،‬ثاني ـا ً فــي الجســدي‪ ،‬ثالث ـا ً فــي الرمــزي‪،‬‬ ‫رابعــا ً فــي اإلقتصــادي‪ ،‬خامســا ً فــي الجنســي‪ ،‬وسادســا ً فــي القانونــي‪ .‬وكان الحيّــز المكانــي الــذي‬ ‫ارتكبــت فيــه أعمــال العنــف مــن نصيــب المنــازل واألســر بالدرجــة األولــى‪ .‬وكان مرتكبــو العنــف هــم‬ ‫علــى األغلــب مــن الذكــور المتزوجيــن مــن مســتوى تعليمــي عــال‪ ،‬ينتمــون إلــى الفئــات الوســطى‪،‬‬ ‫يعملــون فــي المهــن الحــرة‪ ،‬يشــغلون مواقــع اجتماعيــة وســط‪ ،‬يعيشــون ظــروف اجتماعيــة صعبــة‬ ‫فــي محيــط اجتماعــي قلــق‪ .‬وكان المعنَّفــون هــم علــى األغلــب مــن اإلنــاث البالغــات اللواتــي لــم‬ ‫يســبق لهــن الــزواج‪ ،‬مــن ذوات المســتويات التعليميــة العاليــة‪ ،‬يعملــن فــي الدرجــة األولــى فــي المهــن‬ ‫الح ـرّة‪ ،‬ينتميــن إلــى الفئــات الوســطى‪ ،‬لديهــن مواقــع اجتماعيــة وســط‪ ،‬يعشــن فــي محيــط اجتماعــي‬ ‫قلــق‪ .‬وكانــت ردود فعــل المعنَّفيــن أوالً القبــول علــى مضــض‪ ،‬ثانيـاً‪ ،‬التــزام الصمــت‪ ،‬ثالثـا ً رد عنيــف‬ ‫وتلقائــي‪ ،‬رابع ـا ً قبــول‪ .‬ولجــأ حوالــي الثلــث مــن المعنَّفيــن إلــى طــرف آخــر كان بالدرجــة األولــى‬ ‫األصدقــاء ثــ ّم األهــل‪ .‬وكانــت ر ّدة فعــل مرتكــب العنــف أوالً الشــعور باالرتيــاح‪ ،‬ثانيــا ً اإلعتــذار‬ ‫والوعــد بعــدم المعــاودة مــع رغبــة فــي التعويــض عمــا حصــل‪ ،‬ثالث ـا ً عــدم اإلدراك لفعــل العنــف‪.‬‬ ‫‪ 36‬القادري عيسى‪ ،‬نهوند‪ .)2008( .‬نحو تمكين النساء في اإلعالم– من أجل تحقيق التكافؤ بين المواطنين والمواطنات‪ ،‬مرجع سبق ذكره‪.‬‬

‫‪19‬‬


‫نحو صورة متوازنة للنساء في اإلعالم‬

‫وتبع ـا ً للدرامــا‪ ،‬تعــود أبــرز المؤ ّشــرات الدالــة علــى مســببات العنــف المبنــي علــى أســاس النــوع‬ ‫االجتماعــي أوالً إلــى الذهنيــة االجتماعيــة والعــادات‪ ،‬وثاني ـا ً إلــى تراجــع القيــم‪ ،‬وثالث ـا ً إلــى التربيــة‬ ‫األســرية‪ .‬وانعكســت مفاعيــل العنــف المبنــي علــى أســاس النــوع االجتماعــي أوالً علــى األســر‪ ،‬ثانيـا ً‬ ‫علــى النســاء الضحايــا‪ ،‬وثالثـا ً علــى المرتكــب نفســه‪ .‬نظــرت المسلســات إلــى حــاالت العنــف المبنــي‬ ‫علــى أســاس النــوع االجتماعــي أوالً علــى أنّهــا فرديــة‪ ،‬ثانيــا ً كحالــة اجتماعيــة تــ ّم ربطهــا علــى‬ ‫التوالــي باألســرة‪ ،‬بالمجتمــع‪ ،‬بالقانــون بالثقافــة‪ ،‬بالنظــام السياســي‪ .‬وكانــت محــاوالت خــروج بعــض‬ ‫المسلســات مــن أســر النمطيــة الجندريــة نابعــة أوالً‪ ،‬مــن رغبــة فــي التفلــت مــن الذهنيــة االجتماعيــة‪،‬‬ ‫وثاني ـاً‪ ،‬لمتطلبــات الحبكــة‪ ،‬وثالث ـاً‪ ،‬رغبــة فــي اإلثنيــن مع ـا ً ‪.37‬‬ ‫وفــي معــرض االســتماع إلــى عيّنــة مصغ ـرّة مــن كتبــة الســيناريو ومــن ممثّليــن فــي حلقــة النقــاش‬ ‫المر ّكــز‪ 38‬التــي ض ّمــت منــى طايــع‪ ،‬شــكري أنيــس فاخــوري‪ ،‬ومــروان نجــار‪ ،‬وممثليــن‪ :‬روال‬ ‫حمــادة ومجــدي مشموشــي‪ ،‬ت ـ ّم البحــث فــي العوامــل الكامنــة وراء استســهال ممارســة العنــف ض ـ ّد‬ ‫النســاء لكونهــن نســاء‪ ،‬وفــي األشــكال التــي يرتديهــا العنــف المبنــي علــى أســاس النــوع‪ ،‬وفــي أي مــن‬ ‫هــذه األشــكال يســتدعي معالجــة دراميــة ملحــة‪ ،‬وفــي أشــكال وأوجــه المعالجــة الدراميــة لموضوعــات‬ ‫حساســة كهــذه‪ ،‬وفــي الخيــط الفاصــل بيــن نظــر الدرامــا إلــى المشــكلة علــى أنّهــا عمــل فــردي أو‬ ‫مســؤولية اجتماعيــة‪ ،‬وفيمــا يلــزم لتحســين اإلنتــاج الدرامــي بمــا يخــدم القضايــا اإلنســانية بمــا فيهــا‬ ‫مناهضــة العنــف ض ـ ّد النســاء‪ .‬كان أهــم مــا ص ـرّح بــه هــؤالء ّ‬ ‫أن أبســط التفاصيــل اليوميــة تحمــل‬ ‫معهــا عنفـا ً ضـ ّد المــرأة‪ ،‬وأســباب ارتــكاب العنــف تعــود إلــى الديــن والتربيــة واألعــراف االجتماعيــة‪،‬‬ ‫وأن الفروقــات الجســدية تســتدعي فروقــات اجتماعيــة! ّ‬ ‫ّ‬ ‫وأن دور الدرامــا يتمثّــل فــي طــرح اإلشــكالية‪،‬‬ ‫وإثــارة اإلهتمــام لــدى مختلــف األقطــاب‪.‬‬ ‫ووجــد هــؤالء ّ‬ ‫أن الدرامــا مق ّ‬ ‫صــرة فــي معالجــة موضوعــات حساســة كاالغتصــاب وســفاح القربــى‪،‬‬ ‫ألنّهــا ال تطــرح القضايــا الصحيحــة مــن واقعنــا اإلجتماعــي فهــي تُظهــر الواقــع المحصــور باألثريــاء‪،‬‬ ‫ّ‬ ‫وأن لــدى الدرامــا مشــاكل كثيــرة تتمثّــل فــي‪ :‬غيــاب االســتراتيجيات الواضحــة ذات األهــداف التنمويــة‬ ‫واالجتماعيــة‪ ،‬وطُغيــان العقليــة الربحيــة لــدى محطــات التلفــزة‪ ،‬وفــي مراعــاة الســوق الســعودية‬ ‫والخليجيّــة وفــي عنــف النظــام السياســي اللبنانــي‪ ،‬وفــي رقابــة رجــال الديــن التــي هــي أصعــب مــن‬ ‫رقابــة األمــن العــام‪ ،‬هــذا عــدا عــن الفتــور فــي التواصــل بيــن المبدعيــن ومنظمــات المجتمــع المدنــي‪.‬‬ ‫وبرأيهــم ّ‬ ‫أن الضمانــة لتخفيــف احتمــاالت ســوء فهــم رســالة الدرامــا هــو رســم خطــة لتطبّــق علــى‬ ‫نطــاق واســع فــي ك ّل األعمــال الدراميّــة‪ ،‬والنظــر إلــى النواحــي اإليجابيــة ألعمــال المــرأة‪ .‬فالمشــكلة‬ ‫تكمــن فــي المجتمــع‪ ،‬والدليــل ر ّدة فعــل النســاء علــى بعــض المسلســات المشــبّعة بمشــاهد عنــف‬ ‫تطــال المــرأة‪ ،‬مبــرزةً إياهــا علــى أنّهــا راضيــة بواقــع الحــال‪ ،‬منادي ـةً زوجهــا الــذي يُعنّفهــا بـــالقول‬ ‫«ابــن ع ّمــي تــاج راســي»‪.‬‬

‫‪ 37‬أنظــر بهــذا الصــدد‪ :‬القــادري‪ ،‬عيســى نهونــد‪ .)2012( .‬أوجــه معالجــة اإلعــام اللبنانــي لموضــوع العنــف المبنــي علــى أســاس النــوع االجتماعــي‪ ،‬مرجــع‬ ‫ســبق ذكــره‪ ،‬ص ‪.51‬‬ ‫‪ 38‬أُجريت الحلقة نهار الثالثاء ‪ 20‬تموز ‪ ،2010‬في مقر الهيئة اللبنانية لمناهضة العنف ض ّد المرأة‪ ،‬بيروت‬

‫‪20‬‬


‫نحو صورة متوازنة للنساء في اإلعالم‬

‫‪02‬‬

‫مآالت الحضور الجندري في البرامج االجتماعية‬ ‫المتلفزة الراهنة‬

‫آليات البرمجة المعتمدة بالعالقة مع متطلبات األجهزة‬ ‫فكمــا هــو معلــوم تعمــل الوســيلة اإلعالميــة بهــدف جــذب الشــريك فــي عمليــة التبــادل‪ ،‬أي المتلقــي‬ ‫الــذي بدونــه ال مب ـرّر لوجــود المتصــل نفســه‪ .‬وهنــا تجــد الوســيلة نفســها أمــام مشــكلة إذ ليــس فقــط‬ ‫عليهــا أن تُبرهــن عــن مصداقيتهــا أمــام المتلقــي إنّمــا عليهــا أن تفعــل ذلــك إزاء أكبــر عــدد ممكــن مــن‬ ‫المتلقيــن‪ .‬بمعنــى آخــر‪ :‬حتــى وإن كانــت لــدى الوســيلة اإلعالميــة مشــاريع تربويــة وتوعويــة إزاء‬ ‫الــرأي العــام فإنّهــا تجــد نفســها ملزمــة فــي البحــث عــن أكبــر عــدد ممكــن مــن المواطنيــن المســتهلكين‬ ‫لإلعــام‪ ،‬أي يتوجــب عليهــا أن تُخــرج خطاب ـا ً إعالمي ـا ً يرتكــز علــى األوتــار العاطفيــة الســائدة فــي‬ ‫المجموعــات الثقافيــة واالجتماعيــة وعلــى معرفــة بعوالــم المعتقــدات التــي تســود فــي هــذه الجماعــات‪.‬‬ ‫وبســبب هــذه الغائيــة المزدوجــة تجــد الوســيلة نفســها فــي وضــع متوتّــر بيــن قطبيــن يُعطيــان عملهــا‬ ‫شــرعية‪ :‬الج ّديــة واإلثــارة‪ .‬وكلّمــا نحــت نحــو األولــى خســرت الثانيــة والعكــس صحيــح‪ .‬وهــي تعــي‬ ‫ذلــك وتعــي ّ‬ ‫أن لعبتهــا تقتضــي الســباحة بيــن هذيــن القطبيــن تِبعـا ً أليديولوجيتهــا ولطبيعــة الحــدث ‪.‬‬ ‫فالتلفزيــون تُحرّكــه تبعـا ً لـــ بورديــو‪ 40Bourdieu‬أيديولوجيــا ناعمــة متمثّلــة فــي الجرعــات اليوميــة‬ ‫واللحظــة التــي تبثّهــا وســائل اإلعــام‪ ،‬وهــو فــي هــذا المنــاخ مــن الفســاد البنيــوي يُمــارس نوعـا ً مــن‬ ‫العنــف الرمــزي‪ ،‬ومخاطــره تأتــي مــن حقيقــة ّ‬ ‫أن للصــورة تلــك الخاصيّــة التــي يُمكنهــا أن تنتــج مــا‬ ‫يسـ ّميه نقــاد األدب «تأثيــر الواقــع»‪ .‬لذلــك يرغــب التلفزيــون حاليا ً في اســتغالل وتملّق أذواق مشــاهديه‬ ‫وذلــك بتقديــم إنتــاج يتج ّســد نموذجــه فــي المشــاهد الســريعة التــي تســتعرض التجــارب المعيشــة فــي‬ ‫الحيــاة مــن دون أقنعــة‪ ،‬وهــي غالبـا ً متطرّفــة ُمعـ ّدة لتُرضــي نزعــة البصبصــة والتلصلــص والميــول‬ ‫االســتعراضية التــي تمــأ المجتمــع االســتعراضي‪ .‬وهكــذا حـ َّل منطــق اإلغــراء محـ ّل منطــق اإلقنــاع‬ ‫(مــن هنــا التأنيــث المتزايــد فيــه)‪ ،‬منطــق الجلســة الجيــدة أهـ ّم مــن منطــق الحجــة والبرهــان‪ ،‬علــى حـ ّد‬ ‫تعبيــر «دوبريــه»‪ .‬لــذا يت ـ ّم العمــل أكثــر فأكثــر علــى دمــج كل شــيء بالبرامــج الترفيهيــة‪ ،‬كل شــيء‬ ‫غــدا للعــرض(‪ .)show‬وهــل هنــاك أجمــل مــن «عــرض الفتيــات»!؟ وهــل هنــاك أســهل مــن عــرض‬ ‫االختالفــات والمشــاكل؟! وهــل هنــاك أصــدق مــن عــرض المشــاعر واألحاســيس والعواطــف؟!‬ ‫وأن أهميــة الترفيــه فــي الثقافــة البصريــة تنبــع مــن ّ‬ ‫خصوص ـا ً ّ‬ ‫أن المشــاهدة التلفزيونيــة تدخــل دون‬ ‫إحــداث ضجــة الس ـيّما إذا كان البرنامــج ترفيهي ـا ً شــعبيا ً وغيــر سياســي‪ ،‬وهــذا يضــع اإلنســان فــي‬ ‫إطــار معادلــة معرفيــة جديــدة «مــا فــوق سياســية»‪ ،‬بمعنــى أنّهــا تطــال أشــكاالً وأنمــاط تفكيــر وطــرق‬ ‫أســاليب ممارســته فــي الحيــاة اليوميــة والعمليــة فتأتيــه مــن حيــث ال يــدري‪ .‬ألنّــه عندمــا يتعلّــق األمــر‬ ‫بمشــروع يُخاطــب األحاســيس تســقط كل مقاومــة وينتفــي عملي ـا ً ونظري ـا ً البديــل‪ ،‬فتحــل المشــاهدة‬ ‫مــكان المشــاركة ‪.41‬‬ ‫‪39 Voir à ce propos: Charaudeau, P. (1997). Le discours d’information politique. Paris: éd: Nathan; p.80.‬‬ ‫‪ 40‬انظــر بهــذا الصــدد‪ :‬محمــود‪ ،‬ســيد‪“ )1999(.‬التلفزيــون وأخطــار األيديولوجيــا الناعمــة‪ ،‬عــن بورديــو‪ ،‬التلفزيــون وآليــات التالعــب بالعقــول”‪ .‬جريــدة الحيــاة‪:‬‬ ‫عــدد ‪ 5‬أيلــول ‪.1999‬‬ ‫‪ 41‬انظر بهذا الصدد‪ :‬معتوق‪ ،‬فريدريك‪« .)1995(.‬التلفزيون الذي يحتفل بمناسباتنا بالنيابة عنا»‪ .‬جريدة الحياة‪ :‬عدد ‪ 2‬أيلول ‪.1995‬‬

‫‪21‬‬


‫نحو صورة متوازنة للنساء في اإلعالم‬

‫تتجلّــى هــذه اآلليــة المعتمــدة فــي البرامــج المتلفــزة المســتوردة آليــة عملهــا‪ ،‬والمعدة ألغــراض ربحية‪،‬‬ ‫والهادفــة للحفــاظ علــى األوضــاع القائمــة‪ ،‬مــن خــال تركهــا المشــاهدين ‪/‬ات يتلهــون بمشــاكلهم‬ ‫لدرجــة االبتــذال ومــن ث ـ ّم االســتهالك‪ ،‬أكثــر مــا تتجلّــى فــي برامــج التلفــزة اللبنانيــة‪ .‬فهــذه األخيــرة‬ ‫غــدت تر ّكــب مشــهدية معــدة ســلفاً‪ ،‬قوامهــا اللهــاث وراء ك ّل مــا هــو غريــب ومثيــر‪ ،‬وخــارج عــن‬ ‫المألــوف‪ ،‬مســتندة إلــى لعبــة تواطــؤ بيــن مع ـ ّدي البرامــج‪ ،‬والشــهود الحــاالت (ال أحــد يــدري كيــف‬ ‫تت ـ ّم‪ ،‬وكيــف تُبــاع وتشــرى) وبيــن حــراس القيــم‪ ،‬وإن كان يتخللهــا أحيان ـا ً محــاوالت متعثّــرة لكســر‬ ‫المحرمــات‪ ،‬عبــر االســتقواء ببعــض األطــراف علــى حســاب بعضهــا اآلخــر‪ ،‬أو عبــر التنقّــل داخــل‬ ‫البنيــة واللعــب فــي تناقضــات هرميتهــا‪ ،‬لتكــون المحصّلــة حصــد نســب عاليــة مــن المشــاهدة‪ ،‬وبقــاء‬ ‫األمــور كمــا هــي عليــه‪ .‬ولإليحــاء بواقعيــة هــذه المشــهدية الممســرحة غالب ـا ً مــا يلجــأ مقدمــو‪ /‬ات‬ ‫هــذه البرامــج إلــى التأكيــد علــى ّ‬ ‫أن الالعبيــن‪/‬ات علــى مســرحهم مــن شــهود وحــاالت قــد أتــوا‪ /‬اتيــن‬ ‫بنــاء لطلبهــم‪ /‬هــن وبمــلء إرادتهم‪/‬هــن‪ّ ،‬‬ ‫وأن دورالبرنامــج يتمثــل فقــط إمــا فــي مســاعدتهم‪/‬هن علــى‬ ‫حـ ّل مشــكلتهم‪/‬هن‪ ،‬والفســح فــي المجــال لهم‪/‬هــن لعــرض آرائهم‪/‬هــن واإلفصــاح عــن مكنوناتهم‪/‬هــن‪،‬‬ ‫ودفــع المســؤولين فــي المؤسســات الحكوميــة للنظــر فــي مشــاكل هــؤالء المهمشــين والضعفــاء‪ .‬وإ ّمــا‬ ‫فــي وعــظ الضاليــن ونصحهــم وإرشــادهم إلــى الطريــق الســليم‪.‬‬ ‫بالمحصلــة‪ ،‬بــدا طونــي خليفــة فــي برنامــج «‪ »1544‬محاميـا ً شرسـا ً عــن البنيــة الذكوريــة المهيمنــة‪،‬‬ ‫وحارسـا ً أمينـا ً للذهنيــة الســائدة التــي تــرى فــي تعنيــف الرجــل لزوجتــه أمــراً خاصـاً‪ ،‬نازعا ً الشــرعية‬ ‫عــن تدخــات خارجيــة بهــذا الشــأن‪ ،‬باســتثناء رجــال الديــن الذيــن يســعون للصلــح بينهمــا‪ .‬وبالطريــق‬ ‫غيّــب القانــون‪ ،‬وعمــل علــى تعميــق الشــرخ بيــن الجمعيــات نفســها‪ ،‬بيــن الجمعيــات ورجــال الديــن‪،‬‬ ‫بيــن الناشــطين والحقوقييــن وأهالــي الضحايــا‪ .‬الالفــت ّ‬ ‫أن خليفــة فــي معــرض التطـرّق لحادثــة عنــف‬ ‫مارســها شــاب علــى خالــه المســن وفيمــا بعــد علــى شــقيقته ألنّهــا أبلغــت عنــه اســتخدم أكثــر مــن مـرّة‬ ‫كلمــة تفضحــه‪ ،‬وهــذا مــا يــد ّل علــى ّ‬ ‫أن درجــة اســتنكاره للعنــف تختلــف تبعـا ً الختــاف جنــس مــن تقــع‬ ‫عليــه الحادثــة‪ .‬كذلــك اســتخدم خليفــة االختــاف بيــن رجــال الديــن حــول النظــر إلــى الحجــاب ليوصلنــا‬ ‫إلــى نتيجــة مفادهــا ّ‬ ‫أن الحجــاب يختصــر إنســانية المــرأة وعفّتهــا وطهارتهــا‪ ،‬بمــا معنــاه أنّــه أعادنــا‬ ‫إلــى الصــورة النمطيــة التــي تطمــس شــخصية المــرأة وتختصرهــا بنوعيــة اللبــاس ســواء كان محتشــما ً‬ ‫أو خالفــه‪ .‬وفــي معــرض تحليلــه وضيفــه لواقعــة تقبيــل اإلعالميــة كوثــر البشــرواي لحــذاء جنــدي‪،‬‬ ‫أن تقبيــل األحذيــة هــو فعــل أنثــوي حصــراً ّ‬ ‫افترضــا ّ‬ ‫وأن النســوة وحدهــن يقمــن بفعــل كهــذا‪ ،‬فلــم يذكــر‬ ‫الضيــف مثـاً أهالــي الضيعــة أو أهالــي البلــد‪ ،‬بــل برأيــه وحدهــن النســوة يفعلــن ذلــك‪ ،‬وأغفــا عــادات‬ ‫تقبيــل األيــادي واألرجــل وأحيانـا ً األحذيــة الشــائعة فــي بعــض األوســاط‪ ،‬ومــن قبــل الرجــال ‪.‬‬ ‫أيضـا ً اســتفاد خليفــة مــن غرابــة حادثــة عقــد قــران رجــل يبلــغ مــن العمــر ‪ 62‬عامـا ً علــى فتــاة فــور‬ ‫والدتهــا لير ّكــب قضيــة لبرنامجــه‪ ،‬دون أن يرتقــي إلــى مســتوى معالجتهــا‪ ،‬مستســهالً االســتنجاد‬ ‫ق للعائلــة تطبيقــه»‪ ،‬مبــرزاً‬ ‫بالشــرع اإلســامي لمعرفــة رأيــه فــي عقــد التحريــم هــذا ومتــى يحــ ّ‬ ‫االختالفــات بيــن المذهبيــن الســني والشــيعي إزاء هــذا الموضــوع‪ ،‬متغاف ـاً ع ّمــا يحملــه هــذا الفعــل‬ ‫مــن عنــف علــى الطفلــة ‪،‬ارتكبتــه األم بســبب جهلهــا‪ ،‬مقفـاً البــاب أمــام معالجــة القضيــة مــن منظــور‬ ‫إنســاني‪ .‬والدليــل علــى ذلــك أنّــه اســتضاف رجلــي ديــن (ســني وآخــر شــيعي) دون اســتضافة أحــد‬ ‫مــن ممثلــي المنظمــات الحقوقيــة أو اإلنســانية‪ .‬يبــدو خليفــة مــن خــال أســئلته للشــيخين وكأنّــه يبحــث‬ ‫عــن مبــررات إجــراء هكــذا عقــد‪ ،‬موحيـا ً بأنّــه فــي حــال أبــاح الشــرع بذلــك يمكننــا التفهّــم‪ ،‬متجاهـاً‬

‫‪22‬‬


‫نحو صورة متوازنة للنساء في اإلعالم‬

‫قضيــة كبــرى مطروحــة حاليـا ً عنوانهــا «التزويــج القســري للقاصــرات»‪ .‬كذلــك فــي إحــدى الفقــرات‪،‬‬ ‫ـع خليفــة تشــابك العنــف المبنــي علــى أســاس النــوع االجتماعــي مــع عوامــل طبقيــة وسياســية‪،‬‬ ‫لــم يـ ِ‬ ‫لذلــك أقفــل الموضــوع حرصـا ً منــه علــى عــدم المــس بالبنيــة السياســية‪ ،‬مــن خــال التالعــب بالمشــكلة‬ ‫المطروحــة‪ ،‬وجعــل الضحيــة تتحـ ّول إلــى جانيــة‪ .‬ودفعــت الطريقــة التــي يطــرح فيهــا األســئلة إحــدى‬ ‫ضيفاتــه للتماهــي مــع الجانــي وللبــوح برغبتهــا باســتعمال األســاليب عينهــا التــي اســتعملها الجانــي مــع‬ ‫ضحيتــه‪ ،‬فــي حــال تســنى لهــا محاكمتــه‪.‬‬ ‫وغالب ـا ً مــا يقــع خليفــة المدافــع باســتمرار عــن المجتمــع الذكــوري فــي تناقــض فاقــع‪ ،‬يلــوم الفنانيــن‬ ‫والفنانــات علــى نشــر األســرار والحميميــات وهــو الباحــث عنهــا والالهــث وراءهــا لير ّكــب مشــهدية‬ ‫برنامجــه‪ .‬هــذا عــدا عــن األســئلة التــي حملتهــا فقــرات برنامجــه واإلجابات عليهــا أتت مح ّملــة بالصور‬ ‫النمطيــة عــن ك ّل مــن الجنســين‪ ،‬تُعيــد إنتــاج الذهنيــة الســائدة حــول مواصفــات وأدوار ومواقــع ك ّل مــن‬ ‫الجنســين‪ :‬المــرأة المســتعدة دائم ـا ً لتنفيــذ رغبــات زوجهــا وإن اقتضــى األمــر أن تُعــد عشــاء مفاجئ ـا ً‬ ‫لضيوفــه فــي وقــت متأخــر مــن الليــل‪ ،‬وتلــك التــي تتح ّمــل الشــتائم واإلهانــات منــه‪ ،‬وتلــك التــي تعيــش‬ ‫هاجــس الشــكل والتق ـ ّدم بالعمــر‪ ،‬وتلهــث وراء عمليــات التجميــل‪ ،‬والمــرأة ناقصــة العقــل الــخ ‪ .‬إنّــه‬ ‫العنــف القائــم علــى الترســيخ المســتمر للشــعور الحــا ّد لــدى النســاء باإلهانــة الجســدية (عبــر تهميــش‬ ‫ك ّل األجســاد النســائية غيــر المتطابقــة مــع المعاييــر القاســية للرغبــة الذكوريــة‪ :‬الجســد البشــع‪ ،‬الهــرم‪،‬‬ ‫الضخــم)‪ ،‬والناتــج ربمــا عــن اســتدخال النســاء لهــذه النظــرة‪ .‬إنّهــا ســيرورة مد ّعمــة بالصــور التــي‬ ‫تنقلهــا وســائل اإلعــام ومصانــع الجمــال والتــي تُق ـ ّوض ثقــة العديــد مــن النســاء بأنفســهن‪ .42‬وهــذا‬ ‫مــا أســماه «بورديــو» بالعنــف الرمــزي‪ ،‬حيــث ال ُمســيطَر عليهــن يُطبّقــن معاييــر بُنيــت مــن وجهــة‬ ‫نظــر المســيطرين‪ ،‬وهــذا مــا يجعــل هــذه المعاييــر تظهــر وكأنّهــا طبيعيــة‪ ،‬وهــذا مــا يــؤ ّدي إلــى نــوع‬ ‫مــن االحتقــار الذاتــي أو النكــران الذاتــي الممنهــج‪ ،‬وهــذا مــا نشــهده فــي عالمنــا المعاصــر‪ ،‬مــن‬ ‫خــال نظــرة العديــد مــن النســاء إلــى أجســادهن التــي ال تتطابــق مواصفاتهــا مــع المعاييــر الجماليــة‬ ‫المفروضــة مــن قِبــل «الموضــة»‪.43‬‬ ‫تبــدو مق ّدمــة برنامــج «للنشــر» اإلعالميــة ريمــا كركــي مرتبكــة فــي إدارة الحلقــات التــي تُعالــج‬ ‫موضوع ـا ً مــن ناحيــة تعتبــره مثيــراً‪ ،‬مســتغرباً‪ ،‬صادمــا‪ ،‬مقرف ـا ً يُعبــر عــن اســتهتار وقلّــة أخــاق‬ ‫الزوجيــن ناشــري الفيلــم اإلباحــي‪ ،‬علــى حــ ّد تعبيرهــا‪ ،‬ومــن ناحيــة ثانيــة يُعــاود البرنامــج ألكثــر‬ ‫مــن مــرّة نشــر مقاطــع مــن الفيديــوات الفاضحــة لهذيــن الزوجيــن‪ ،‬مــع إخفــاء الوجــه واألعضــاء‬ ‫التناســلية‪ ،‬والتحفّــظ عــن ذكــر إســم العائلــة‪ .‬والســؤال هنــا مــا فائــدة ذلــك‪ ،‬والــزوج حـ ّل ضيفـا ً علــى‬ ‫االســتديو‪ ،‬والمق ّدمــة حثّــت الزوجــة واســتفزتها لتظهــر وتدافــع عــن وجهــة نظرهــا‪ .‬هــذه اللعبــة القائمــة‬ ‫علــى تركيــب مشــهد صــادم مثيــر مــن ناحيــة‪ ،‬والتمــادي مــن قبــل القيّميــن علــى البرنامــج فــي إظهــار‬ ‫الحــرص علــى األخــاق واآلداب العامــة مــن خــال تقريــع مــن قامــوا بهــذا العمــل‪ ،‬وإســداء النصــح‬ ‫وإطــاق المواعــظ عليهــم‪ ،‬مــن ناحيــة ثانيــة‪ ،‬ولّــدت عنف ـا ً بــدا علــى وجــه المق ّدمــة وعلــى نبرتهــا‬ ‫وحركــة يديهــا‪ ،‬وكأنّهــا تقــول‪ :‬أنــا لســت مقتنعــة بمــا أقــوم بــه غيــر أنّــي ملزمــة بذلــك‪ ،‬هــذا مــا‬ ‫ّ‬ ‫وألن المشــهدية مطلوبــة لذاتهــا‪ ،‬كان‬ ‫يريــده البرنامــج‪ ،‬هــذا مــا تريــده الكاميــرا وأنــا هنــا لخدمتهــا‪.‬‬ ‫الفت ـا ً غيــاب آراء ألطــراف أخــرى غيــر المتهميــن الشــهود‪ ،‬ســواء كان لحقوقــي أو نفســي أو خبيــر‬ ‫بالتكنولوجيــا لمعرفــة كيفيّــة تســريب الفيديوهــات ونشــرها ضمــن حســابات خاصــة باســم ك ّل مــن‬ ‫الزوجيــن علــى الفايســبوك‪ .‬كذلــك لــم يكــن إبــراز برنامجهــا لـــقضية زينــب مــن بــاب اإلضــاءة علــى‬ ‫‪ 42‬انظر بهذا الصدد ‪Réseaux.( 1999).p.30,in Lowy,p.130‬‬ ‫‪43 Voir à ce propos: Bourdieu, P. (1998). La domination masculine. Paris: éd. Seuil, collection Liber, p.55.‬‬

‫‪23‬‬


‫نحو صورة متوازنة للنساء في اإلعالم‬

‫قضيــة الســجينات فــي لبنــان‪ ،‬وشــروط توقيفهــن‪ ،‬واألوضــاع المحيطــة بهــن‪ ،‬وال مــن بــاب التجــارة‬ ‫بالبنــات والمخــدرات‪ ،‬إنّمــا مــن بــاب اإلثــارة واإليحــاءات الجنســية التــي وردت فــي عنــوان المحــور‪،‬‬ ‫كرّرتهــا زينــب ألكثــر مــن مــرة وهــي تــروي قصتهــا فــي االســتديو وفــي التقريــر‪.‬‬ ‫ـغ البرنامــج في تناولــه لمحور»رجال الديــن واالبتزاز المــادي والتحرش الجنسي»مناقشــة‬ ‫كذلــك لــم يبـ ِ‬ ‫شــرعية وســلطة رجــال الديــن فــي التحكــم فــي مصيــر النــاس‪ ،‬وال فــي وضــع أنفســهم خــارج المســاءلة‬ ‫والمحاســبة إنّمــا أراد أن ير ّكــب مشــهداً صادمـا ً غريبـاً‪ ،‬تتخلّلــه إيحــاءات جنســية تــزداد اشــتعاالً فــي‬ ‫حضــرة المحرمــات والمقدســات والممنوعــات‪ ،‬لهــذا الســبب اســتهل مهندســو هــذه المشــهدية هــذا‬ ‫المحــور بالتشــويق وذلــك بتحذيــر األهــل الذيــن لديهــم أوالد دون ‪ 18‬مــن مشــاهدتهم التقريــر أو نقلهــم‬ ‫إلــى غرفــة أخــرى «ألنّــه يتض ّمــن كالمـا ً صادمــا وبشــعاً‪ .‬والســؤال هنــا إذا كان كذلــك‪ ،‬لمــاذا عرضــه؟‬ ‫تمام ـا ً كمثــل اإلعالنــات المر ّوجــة للتدخيــن والمقترنــة دائم ـا ً بتحذيــر مــن وزارة الصحــة بأخطــاره‬ ‫ا لمميتة ‪.‬‬ ‫كذلــك لــم يكــن الهــدف مــن تطـرّق إحــدى الحلقــات لموضــوع خطــف فتــاة قاصــر (فــرح) وتزويجهــا‬ ‫معالجــة قضيــة تزويــج القاصــرات‪ ،‬واإلضــاءة علــى أســبابها ونتائجهــا علــى الفتــاة وعلــى المجتمــع‪،‬‬ ‫إنّمــا اقتصــرت علــى تبــادل االتهامــات بيــن الضيــوف ( والــد الفتــاة وخطيبهــا مــن ناحيــة‪ ،‬والفتــاة‬ ‫ووالــد زوجهــا مــن ناحيــة ثانيــة)‪ ،‬ورجــل ديــن للوقــوف علــى رأي الشــرع فيمــا جــرى‪ ،‬وغــاب عــن‬ ‫ّ‬ ‫وكأن‬ ‫الحــوار اســتضافة أطــراف أخــرى تتكلّــم عــن حالــة فــرح الصحيــة والنفســية وحتــى اإلنســانية‪،‬‬ ‫البرنامــج يُعطــي للشــرع الح ـ ّ‬ ‫ق الحصــري فــي البــت بمصيــر الفتــاة ليقفــل علــى الموضــوع‪.‬‬ ‫إن العدائيــة التــي تُبديهــا كركــي بيــن الفينــة والفينــة والتــي تتمظهــر فــي نبرة الصــوت أو فــي المقاطعة‬ ‫الحاســمة وغيــر اللبقــة أحيان ـا ً للضيــوف والتــي هــي ناتجــة عــن الضغــط المــزدوج الواقعــة تحــت‬ ‫وطأتــه والمتمثّــل بمــا تريــده هــي‪ ،‬وبمــا يُريــده البرنامــج‪ ،‬لــم تكــن مضمونــة مــع الداعيــة الســباعي‪.‬‬ ‫فهــي باألســاس أُجبِــرت علــى ارتــداء الحجــاب بنــا ًء لشــرطه فــي الظهــور معهــا مــن خــارج االســتديو‪،‬‬ ‫وعندمــا ســنحت لهــا الفرصــة فــي معــرض إطالتــه الــكالم وخروجــه عــن الموضــوع المــراد لــه الــكالم‬ ‫فيــه‪ ،‬ر ّدت لــه الكــرة بمقاطعتــه بطريقــة وجدهــا هــو ال تليــق بشــيخ أُعطــي لــه الحــق فــي فــرض‬ ‫شــروطه عليهــا للظهــور فــي برنامجهــا‪ ،‬قائلــة‪« :‬أنــا هنــا ســيدة االســتديو‪ ،‬وأنــا مــن يقـرّر مــاذا يحــدث‬ ‫هنــا‪ ...‬أكمــل اإلجابــة حتــى ال يضيــع الوقــت فــي نقــاش «بــا طعمــة» ‪ .‬وهكــذا أفلتــت المشــهدية مــن‬ ‫عقالهــا لتتحــول إلــى مشــهدية أهــ ّم وأعظــم ولتتلقفهــا وســائل اإلعــام األجنبيــة والعربيــة‪ ،‬وتبنــي‬ ‫عليهــا تحليــات جندريــة متشــابكة مــع مواقــف وآراء سياســية وأحــكام مســبقة وجاهــزة حــول المــرأة‬ ‫العربيــة‪ .‬فش ـ ّكل هــذا الشــريط مــادة إعالميّــة دســمة للعديــد مــن الصحــف والمواقــع اإلخباريّــة التــي‬ ‫أفــردت لــه صفحاتهــا األولــى‪ ،‬وأجمعــت علــى الثنــاء علــى جــرأة هــذه اإلعالميــة التــي رفضــت‬ ‫اإلهانــة‪.‬‬ ‫لعـ ّل مــا قالتــه كركــي لصحيفــة «الغارديــان» البريطانيــة بحاجــة إلــى وقفــة تأ ّمــل وتفكيــر فــي حالــة‬ ‫االرتبــاك التــي تعيشــها اإلعالميــات نتيجــة وضعيتهــن القائمــة فــي هــذا النــوع مــن البرامــج والتــي ال‬ ‫يُحســدن عليهــا‪ .‬فمــن ناحيــة تك ّونــت لــدى كركــي درجــة مــن الوعــي لقضايــا الجنــدر ال يُســتهان بهــا‪،‬‬ ‫وإن بقيــت مســتبطنة ألشــكال مــن التمييــز تدفعهــا إلنــكار مــا تتع ـرّض لــه مــن أشــكال ضغــط وقهــر‬

‫‪24‬‬


‫نحو صورة متوازنة للنساء في اإلعالم‬

‫تمــارس عليهــا مــن قبــل آليــة البرنامــج المر ّكــب باألســاس بعقليــة ذكوريــة ذات بُنيــة هرميــة تســتغل‬ ‫مآســي ومشــاكل ومشــاعر الفئــات الدنيــا مــن النســاء والمه ّمشــين لتركــب مشــهدية جاذبــة للمعلــن‪ .‬فمــن‬ ‫ناحيــة‪ ،‬ال تريــد كركــي تفســير كالم الســباعي لهــا فــي إطــار التمييــز الجنــدري ألنّهــا ال تعــرف نوايــاه‪،‬‬ ‫وال تجــد ّ‬ ‫أن لألمــر عالقــة بالديــن أو الموقــف السياســي‪ ،‬إنّمــا هــو متعلّــق باألخــاق واألدب»‪ ،‬مــن‬ ‫ناحيــة ثانيــة تتكلّــم علــى المجتمــع األبــوي الــذي يحكــم علــى النســاء مــن خــال المظهــر‪ .‬واألســئلة‬ ‫المطروحــة أمــام كركــي فــي هــذا الســياق كثيــرة ولع ـ ّل الجــواب عليهــا يزيــد إرباكهــا إربــاكاً‪ :‬مــا‬ ‫عالقــة التمييــز الجنــدري بالنوايــا‪ ،‬ولــو فرضنــا ّ‬ ‫أن هنــاك عالقــة‪ ،‬ألــم تبــرز نوايــا الســباعي القائمــة‬ ‫علــى هــذا التمييــز عندمــا وضــع شــرطه المســبق للظهــور فــي البرنامــج حتــى وإن كان مــن خــارج‬ ‫االســتديو بوضعهــا للحجــاب ؟ وهــي بالطبــع قبلــت علــى مضــض كرمــى لعيــون البرنامــج الــذي‬ ‫هــو نســخة فاقعــة مــن النظــام األبــوي الــذي تكلّمــت عنــه‪ .‬وهــل صحيــح ّ‬ ‫أن مــا حصــل بينهــا وبيــن‬ ‫الســباعي ال عالقــة لــه بالديــن أو الموقــف السياســي إنّمــا هــو متعلــق باألخــاق واآلداب؟ أيــن ذلــك؟‬ ‫فــي برنامــج ي ّدعــي حرصــه علــى األخــاق واآلداب‪ ،‬ويُمــارس عكســها مــع ضيوفــه حيــث يُهينهــم‪،‬‬ ‫يختــرق حميماتهــم‪ ،‬يشــتري مشــاكلهم بالمفــرق ليبيعهــا بالجملــة إلــى المعلــن‪ ،‬عبــر الســباق لتســجيل‬ ‫أعلــى نســب مــن المشــاهدة‪ ،‬وبالطبــع يحمــي نفســه بتحييــد البنيــة الدينيــة السياســية القائمــة‪ ،‬التــي غالبـا ً‬ ‫مــا يســتدعي رموزهــا للبــت بالموضوعــات المطروحــة‪ ،‬ولإلقفــال علــى أيّــة معالجــة تــؤ ّدي إلــى‬ ‫تغييــر نحــو األفضــل‪.‬‬ ‫وعلــى الرغــم مــن احتــرام جــو معلــوف مق ـ ّدم برنامــج «حكــي جالــس» لضيوفــه رجــاالً ونســا ًء‪،‬‬ ‫وامتنانــه لهــم‪ /‬هــن لمشــاركتهم‪ /‬هــن فــي برنامجــه‪ ،‬وإبــداء حماســته غيــر المحــدودة لكشــف الفســاد‬ ‫واإلعوجــاج فــي المجتمــع اللبنانــي‪ ،‬وعلــى الرغــم مــن تخصيصــه عــدد البــأس بــه مــن الحلقــات‬ ‫لقضايــا المــرأة‪ ،‬واســتضافته لناشــطات نســويات ألكثــر مــن م ـرّة إال ّ‬ ‫أن برنامجــه يتض ّمــن أحيان ـاً‪،‬‬ ‫عــن وعــي أوعــن غيــر وعــي‪ ،‬آراء وتعابيــر تن ـ ّم عــن تمييــز جنــدري‪ ،‬مــا يك ـرّس ســهولة اســتباحة‬ ‫جســد المــرأة وامتهــان لكرامتهــا اإلنســانية‪ .‬ففــي إحــدى الفقــرات‪ ،‬اختصــرت النســاء بفئــة واحــدة‬ ‫ينصــبّ اهتمامهــا الكلّــي علــى شــكلها ومظهرهــا‪ ،‬وفــي هــذا مبالغــة وتســخيف كبيــر للمــرأة ولرجاحــة‬ ‫عقلهــا وإبرازهــا علــى أنّهــا كائــن ســطحي مهــووس بمظهــره الخارجــي ويســعى إلبــراز مفاتنــه ليُثيــر‬ ‫الرجــال‪ ،‬وتغييــب لفئــات أخــرى مــن النســاء الكادحــات‪ ،‬المناضــات‪ ،‬العامــات مــن أجــل إعالــة‬ ‫أســرهن‪ .‬وفــي مــكان آخــر كان تبريــر جــو معلــوف عــن نقــل كالم مســيء بحــق المــرأة إضطراريـا ً‬ ‫«لتعلــم النــاس حجــم الــكالم المذهبــي والطائفــي ألنّهــا ليســت عم ـاً عابــراً» غيــر مقنــع‪ ،‬فالغايــة ال‬ ‫تُبـرّر الوســيلة هنــا‪ ،‬بالعكــس إنّهــا تنقــل الصــراع والحقــد إلــى شــريحة أوســع‪ ،‬وإن كنّــا ال نــرى هنــا‬ ‫ســوى إســقاط جنســي مارســه الشــباب علــى كلمــة تتعلّــق بجســد المــرأة ليــس أكثــر‪.‬‬ ‫أمــا بخصــوص آليــة عمــل برنامــج «بــا تشــفير» القائــم علــى تركيــب مشــهدية جاذبــة للمشــاهدين‬ ‫مــن خــال البحــث فــي فضــاء اإلنترنــت أو فــي أروقــة الصحافــة المسـ ّماة «صفــراء» أو فــي البرامــج‬ ‫اإلســتعراضية المثيــرة المماثلــة عــن شــخصيات مشــهورة مــن ناحيــة‪ ،‬وعطوبــة مــن ناحيــة ثانيــة‪،‬‬ ‫لكــون نجوميتهــم‪ /‬هــن المثيــرة للجــدل ركبــت علــى عجــل تحمــل الغــازاً مثيــرة‪ ،‬متفلتــة مــن المعاييــر‬ ‫االجتماعيــة الســائدة‪ ،‬يســتغلها القيّمــون علــى البرنامــج ليلعبــوا دور المقــرع والمعنّــف والمهيــن‬ ‫والواعــظ‪ ،‬مســتحضرين الشــرعية الدينيــة واألخالقيــة والسياســية‪ ،‬ناســبين ألنفســهم مــن خاللهــا دور‬ ‫القاضــي والمحقــق والمحاســب والمســائل‪ ،‬والناطــق باســم الــرأي العــام‪ .‬يحصــل ذلــك بعمليــة تواطــؤ‬

‫‪25‬‬


‫نحو صورة متوازنة للنساء في اإلعالم‬

‫بيــن المضيــف والمســتضاف بهــدف تغذيــة النجوميــة عبــر إمدادهــا بجرعــات زائــدة مــن الشــهرة‬ ‫وتحقيــق أعلــى نســب مــن المشــاهدة‪ ،‬وال يهــ ّم مــا تجــ ّر معهــا هــذه المشــهدية مــن دالالت تحمــل‬ ‫إهانــة لكيــان المــرأة اإلنســان‪ ،‬وتعنيــف لهــا بأشــكال مختلفــة عبــر التو ّغــل فــي عمــق حميمياتهــا‬ ‫وخصوصياتهــا‪ ،‬وإن كان يتـ ّم إبــرازه علــى أنّــه تعنيــف ذاتــي‪ ،‬مــن خــال التأكيــد والتشــديد علــى أنّهــن‬ ‫أتيــن بمــلء إرادتهــن‪.‬‬ ‫فغالبـا ً مــا يُحــاول بليــق أن يزيــد طابــع التشــويق علــى حلقاتــه‪ ،‬وإن كان لــم يخطــر ببــال المشــاهدين‬ ‫أن يســمعوا منــه ســؤاالً علــى الهــواء يتجــاوز ك ّل الخطــوط الحمــر وحــدود اللياقــة‪ .‬إذ ســأل إحــدى‬ ‫ضيفاتــه‪ :‬هــل صحيــح أنّــك مارســت الجنــس مــع مديــر أعمالــك فــي موقــف للســيارات؟ تنفــي الضيفــة‬ ‫وبعدهــا يتّصــل المذيــع بالصحفــي الــذي نشــر الخبــر ليوضــح أنّــه بالخطــأ قــال فــي إحــدى المقابــات‬ ‫أن الفنانــة هــي ل‪.‬ع (ليــال عبــود) ولكنّهــا فــي الحقيقــة ف‪.‬م‪ .‬نكتشــف بعدهــا ّ‬ ‫التلفزيونيــة ّ‬ ‫أن الخبــر‬ ‫عــار عــن الصحــة ّ‬ ‫وأن المذيــع كان يعلــم بذلــك‪ ،‬لكنّــه مــع ذلــك أصــ ّر علــى طــرح ســؤال بهــذا‬ ‫المســتوى علــى الهــواء مباشــرة علــى إمــرأة تعمــل فــي المجــال الفنــي‪ .‬وال يكتفــي بليــق بلعــب دور‬ ‫المحقــق بــل أيضـا ً يلعــب دور الواعــظ‪ ،‬كأن يســأل إحــدى ضيفاتــه‪ :‬إذا وقفتــي أمــام القبلــة مــاذا تطلبيــن‬ ‫مــن هللا؟ أن يســامحك علــى ذنوبــك؟ وعندمــا تقــول لــه أنــا إنســانة مؤمنــة أصلــي وأصــوم يقــول‬ ‫لهــا مســتغرباً‪« :‬إنتــي مــا عنــدك ذنــوب!»‪ .‬وغالب ـا ً مــا يســمح لنفســه باســتباحة خصوصيــة ضيفاتــه‬ ‫فيطــرح األســئلة كمحقــق حتــى أنّــه يفتعــل ذلــك فــي حركاتــه كوضــع اليــد علــى الكرســي المخصصــة‬ ‫للضيــوف وأن يــدور حولهــا‪ .‬بالمحصّلــة يجــد المشــاهدون ‪/‬ات أنفســهم‪ /‬هــن أمــام صــورة المــرأة غيــر‬ ‫المســؤولة‪ ،‬المســتهترة بكرامتهــا‪ ،‬والتــي همهــا اســتغالل الرجــال وجمــع األمــوال‪ ،‬التــي تصرفهــا مــن‬ ‫غيــر حســاب‪ ،‬والتــي تُجنــب مــن غيــر زواج ‪ .‬وبغيــة التوغــل فــي إذاللهــا وإهانتهــا‪ ،‬ودفعهــا للبــكاء‪،‬‬ ‫يســتحضر بليــق األمومــة‪ ،‬الشــرع‪ ،‬المجتمــع‪ ،‬الضيعــة لجلدهــا أو لدفعهــا لجلــد ذاتهــا‪.‬‬ ‫وأحيانــا يتشــابك النــوع االجتماعــي مــع اإلنتمــاء العائلــي‪ ،‬مــع الــوالء السياســي‪ ،‬كمــا حصــل فــي‬ ‫الحلقــة التــي اســتضافت بشــرى الخليــل‪ ،‬إذ أراد معـ ّدو البرنامــج أن ير ّكبــوا مشــهدية‪ ،‬مســتلين مشــهدية‬ ‫متلفــزة حصلــت فــي برنامــج تلفزيونــي آخــر(‪ ،)1544‬فاســتضافوا محاميــة اســتفزها المقــ ّدم منــذ‬ ‫البدايــة بوصفهــا ب»البطلــة وبالحديديــة»‪ ،‬متســائالً فيمــا إذا كانــت ســتكون بطلــة فــي هــذه الحلقــة؟‬ ‫دون أن نعلــم مــن أيــن أتــى لهــا بهــذه الصفــة ‪.‬هــل ألنّهــا تشــاجرت مــع زميــل لهــا فــي برنامــج‬ ‫طونــي خليفــة‪ ،‬وتطاولــت فــي الــكالم علــى ك ّل مــن الســيدتين نــازك وبهيــة الحريــري‪ ،‬أم ألنهــا كانــت‬ ‫محاميــة مدافعــة عــن صــدام حســين‪ ،‬أم ألنّهــا تدافــع حاليـا ً عــن بشــار األســد ؟ أم ألنّهــا تر ّشــحت فــي‬ ‫اإلنتخابــات ضـ ّد الئحــة الرئيــس بــري‪ ،‬أم ألنّهــا انتقــدت ســعد الحريــري وأشــرف ريفــي‪ .‬هــذا الــكالم‬ ‫يحمــل صــورة نمطيــة عــن المــرأة القويــة والتــي غالب ـا ً مــا يت ـ ّم نعتهــا بالمســترجلة‪.‬‬ ‫لــذا كان تركيــز بليــق خــال مســار الحلقــة علــى نــزع صفــة األنوثــة عنهــا‪ّ ،‬‬ ‫ألن فــي ذهنــه المــرأة‬ ‫شــيء يقتنيــه الرجــل‪ ،‬واألنوثــة مقترنــة بالــزواج‪ ،‬باألمومــة‪ ،‬باللطافــة‪ ،‬بالصــوت المنخفــض‪ ،‬بعــدم‬ ‫التد ّخــل فــي السياســة التــي هــي بنظــره شــأن ذكــوري بحــت‪ .‬إلــى مــا هنالــك مــن صــور نمطيــة‬ ‫تمييزيــة تضمنّهــا كالم بليــق واســتدرج ضيفتــه المحاميــة والسياســية ليوقعهــا فــي فـ ّخ هــذه النمطيــة‪،‬‬ ‫مــن حيــث ال تــدري‪ ،‬كونــه ضــرب لهــا علــى الوتــر الحســاس المتمثــل فــي «عقــدة التقـ ّدم فــي العمــر‬ ‫وعــدم الــزواج واإلنجــاب» ‪ .‬وليحقّــق بليــق مزيــداً مــن البطولــة تفــوق بطولتهــا التــي وصفهــا بهــا‬

‫‪26‬‬


‫نحو صورة متوازنة للنساء في اإلعالم‬

‫فــي بدايــة الحلقــة اســتعان بصــورة نمطيــة بالراقصــة لتحــطّ مــن شــأنها أو لتغمــز مــن قنــاة المحاميــة‬ ‫والسياســية وابنــة العائلــة الشــريفة كمــا وصفــت خليــل نفســها‪ .‬كذلــك فــي إحــدى الحلقــات‪ ،‬اســتل‬ ‫البرنامــج موضوعــه مــن فضــاء اإلنترنــت‪ ،‬وت ـ ّم تركيــب المشــهدية حــول عارضــة أزيــاء أم لطفــل‪،‬‬ ‫ابنــة طبيــب مشــهور‪ ،‬وزوجــة فنــان معــروف مواظبــة علــى صفحتهــا علــى الفايســبوك تعــرض‬ ‫حميمياتهــا وأخبارهــا بطريقــة اســتعراضية‪.‬‬ ‫ويمعــن المقــ ّدم فــي إهانــة ضيفتــه وإذاللهــا‪ ،‬ويتوقّــف ليُســدي النصــح والوعــظ‪ ،‬ويُعــاود الكــرة‪،‬‬ ‫ليســتدرجها للبــكاء والنــدم‪ .‬الغريــب فــي األمــر لعبــة التواطــؤ بيــن المقــدم وضيفاتــه‪ ،‬فنــادراً مــا نســمع‬ ‫اعتراض ـا ً علــى أي مــن األســئلة رغــم اإلهانــات الواضحــة والمبطنــة أحيان ـاً‪ .‬ال نتفهــم هــذه األســئلة‬ ‫كمشــاهدين‪ ،‬وال نســتطيع أن نتفهــم أيضـاً‪ :‬التبريــر الــذي تق ّدمــه الضيفــة للمقـ ّدم بعــد ك ّل هــذه األســئلة‬ ‫تقــول‪« :‬مــا حــدا يزعــل مــن تمــام (المذيــع)‪ ،‬هــذا عملــه‪ ،‬وأنــا كان عل ـ ّي إقبــل أو ال إقبــل»‪ .‬وفــي‬ ‫حلقــة أخــرى اســتل بليــق الالعبيــن علــى مســرحه مــن خــال حديــث علــى إحــدى الشاشــات لنجمتــه‬ ‫«المســماة‪ :‬انقرضــوا الرجــال»‪ ،‬ومــن خــال التع ـرّي فــي أكثــر مــن مظاهــرة لبطلــه المســمى«ملك‬ ‫التع ـرّي»‪.‬‬ ‫ور ّكــب المشــهدية تلــك‪ ،‬كمــا أشــار ليتسـنّى للضيفيــن المواجهــة حــول مفهــوم «الرجولــة» الــذي ضاع‬ ‫فــي متاهــات الهــزل والضحــك والســخرية المتبادلــة بيــن الضيفيــن‪ ،‬كذلــك ضاعــت مفاهيــم الجمــال‬ ‫واألنوثــة والعنــف المرتكــب بحـ ّ‬ ‫ق النســاء بأشــكاله الجســدية والرمزيــة‪ .‬فحملــت الحلقــة علــى طرافتهــا‬ ‫صــوراً نمطيــة مهينــة بحـ ّ‬ ‫ق ك ّل مــن الرجــال والنســاء تــر ّددت علــى لســان المقـ ّدم كمــا الضيــوف‪ .‬وكان‬ ‫الفت ـا ً اإلهانــة المر ّكبــة التــي تعرّضــت لهــا المــرأة عندمــا يصــف أبــو ملهــب الرجــل الــذي يضــرب‬ ‫زوجتــه بالمــرأة‪ ،‬ولــم يعتــرض المقـ ّدم علــى ذلــك‪.‬‬ ‫تتك ـرّر المشــهدية عينهــا فــي الحلقــة التــي اســتضافت إحــدى عارضــات األزيــاء‪ ،‬التــي يمننهــا منــذ‬ ‫البدايــة الســتضافتها ولزيــادة شــهرتها‪ ،‬ويمعــن فــي إهانتهــا لحـ ّد الشــتيمة واالتهــام بالوســاخة والحقــارة‬ ‫إلــخ ويضعهــا مقابــل المجتمــع الشــريف العفيــف‪ ،‬ومقابــل أهــل الشــوف‪ ،‬ومقابــل المجتمــع الشــرقي‬ ‫المحافــظ‪ ،‬ثــم يعــاود وعظهــا ونصحهــا‪ ،‬ملتبس ـا ً صــورة العفــة والطهــارة مســتنكراً إعــان الدعــارة‬ ‫علــى شاشــات التلفزيــون‪ ،‬ظنّــا ً منــه ّ‬ ‫أن مــا يفعلــه برنامجــه هــو قمــة القداســة والعفّــة والطهــارة‪.‬‬ ‫ويتّهمهــا باإلســاءة إلــى صــورة المــرأة اللبنانيــة‪ .‬وتبــرز لعبــة التواطــؤ عندمــا يجــد أنّهــا أكثــر ضيفــة‬ ‫أدلــت باعترافــات ســخيفة فــي برنامجــه لتُجيبــه مطري ـةً علــى هــذه الســخافة المطلوبــة باألســاس‪.‬‬ ‫باإلجمــال‪ ،‬إذا كانــت البرامــج المتلفــزة التــي تــم تناولهــا قــد أوغلــت فــي تكريــس النمطيــة وفــي صيانــة‬ ‫البنيــة الذكوريــة األبويــة‪ ،‬العتبــارات عديــدة تعــود إلــى المنافســة ومتطلبــات األجهــزة‪ ،‬ووضعيــة‬ ‫العامليــن فــي اإلعــام‪ ،‬وغيــاب الوعــي الجنــدري‪ ،‬وعــدم فعاليــة أســاليب الرقابــة بالشــكل التــي هــي‬ ‫عليــه‪ ،‬ووضعيــة الجمهــور الغــارق بمشــاكله والمتلهــي بمشــاكل اآلخريــن‪ ،‬مــا جعلهــا تُسـجّل تراجعـا ً‬ ‫علــى صعيــد الحضــور الجنــدري فــي وســائل اإلعــام‪ ،‬فـ ّ‬ ‫ـإن الســؤال يتمحــور حــول مــدى اختــاف‬ ‫هــذا الحضــور باختــاف الوســيلة‪ ،‬وهــذا مــا ســنتبينه فــي معــرض الــكالم حــول اإلعــام المطبــوع‪.‬‬

‫‪27‬‬


‫نحو صورة متوازنة للنساء في اإلعالم‬

‫‪03‬‬

‫إشكالية النوع االجتماعي في الصحافة المطبوعة ورقيًا‬ ‫أو إلكترونيًا‬ ‫يبــدو تنــاول الصحافــة ألخبــار اإلعالميــات الشــهيرات‪ ،‬بغــرض تســليط الضــوء علــى نجاحــات‬ ‫معينــة حققنهــا‪ ،‬أو جــرأة معينــة أبدينهــا أو ضغــط أو تمييــز تعرضــن لــه نتيجــة مواقــف إتخذنهــا أو‬ ‫آلراء أبدينهــا‪ ،‬واقعـا ً ضمــن مقولــة بورديــو «الــدوران الدائــري لإلعــام»‪ ،‬ســواء كان علــى مســتوى‬ ‫الشــخصيات أو الموضوعــات المثــارة‪.‬‬ ‫أمــا بخصــوص نقــد اإلعــام المطبــوع لإلعــام المتلفــز فإنّــه شـ ّكل خرقـا ً كبيــراً فــي عالــم اإلعــام‪،‬‬ ‫ألنّــه مــن الســهل علــى وســائل اإلعــام أن تُحــاول تقديــم نفســها باســتمرار علــى أنّهــا مدافعــة عــن‬ ‫حريــة التعبيــر إزاء الســلطات السياســية واإلقتصاديــة‪ ،‬غيــر أنّــه مــن الصعوبــة بمــكان أن تُمــارس هــذه‬ ‫الحريــة إزاء نفســها والس ـيّما إذا كانــت صــادرة مــن أحــد الصحافييــن الذيــن يعملــون فــي المؤسســة‬ ‫اإلعالميــة‪ ،‬لكــون ســكوت اإلعــام عــن اإلعــام كان نمط ـا ً ســائداً لفتــرة طويلــة فــي عالــم الميديــا‪.‬‬ ‫إذ أنّــه مــن الصعــب التحقيــق عــن الــذات (أي لعــب دور الطــرف والحكــم مع ـاً‪ ،‬كذلــك مهمــة الحكــم‬ ‫علــى نوعيــة اإلعــام تحمــل شــيئا ً مــن المراهنــة والمخاطــرة‪ ،‬فليــس هنــاك مــن أدوات متبلــورة لتحليــل‬ ‫حقيقــة محتويــات البرامــج المبثــة والمقــاالت المنشــورة‪ ،‬إالّ إذا كان مــن يتصـ ّدى لهــذه المهمــة يعـرّف‬ ‫بنفســه المجــال المعالــج مــن قبــل الصحافــي)‪.‬‬ ‫هــذا عــدا عــن ّ‬ ‫أن قيــاس صحــة األحــكام المق ّدمــة هــو عمليـا ً مســتحيل‪ ،‬باإلضافــة إلــى أســباب أخــرى‪،‬‬ ‫منهــا‪ّ :‬‬ ‫أن إجــراء تحقيــق عــن الزمــاء يُعـ ّد مــن األمــور الحساســة‪ ،‬خشــية المعاملــة بالمثــل‪ ،‬هــذا عــدا‬ ‫أن إثــارة نقابــات الصحافــة لموضــوع األخالقيــات بقيــت مرحليــة مــن فتــرة ألخــرى‪ ،‬تتّخــذ أحيانـا ً‬ ‫عــن ّ‬ ‫طابــع اإلدانــة المنتظمــة‪ ،‬والمطالبــات التــي نــادراً مــا تُضفــي إلــى صراعــات جماعيــة‪ .‬باإلضافــة إلــى‬ ‫غيــاب العقوبــة أو اإلعــان عنهــا فــي حــاالت األخطــاء والهفــوات التــي يرتكبهــا المحــررون كمثــل‪:‬‬ ‫األخطــاء‪ ،‬الترويــج المتخفــي‪ ،‬الخــدع‪ ،‬اإلنحيــاز‪ ،‬النســيان‪ .‬فــي ضــوء مــا تق ـ ّدم أعــاه يصبــح مــن‬ ‫المشــروع أن تطــرح األســئلة عــن كيفيــة تســوية الخالفــات بيــن المؤسســة والصحافــي حــول مســائل‬ ‫جوهريــة معينــة‪ .‬هــذا عــدا عــن حاجــة الصحافييــن إلــى التواضــع وعــدم اإلدعــاء بالشــفافية‪.‬‬ ‫لتتمتّــع الميديــا بشــيء مــن المصداقيــة يلزمهــا التواضــع‪ ،‬وعــدم اإلدعــاء بالشــفافية‪ ،‬يلزمهــا الشــجاعة‬ ‫عبــر رفــض وهــم الواقعيــة‪ ،‬يلزمهــا اإلبــداع وإيجــاد صيــغ جديــدة‪ ،‬يلزمهــا أن تعــرف كيــف تديّــر‬ ‫العالقــة بيــن فاعليــات‪ :‬اإلعــام‪ ،‬السياســة‪ ،‬المواطنــة‪ .‬كذلــك يتطلّــب األمــر تواضعــا ً مــن قبــل‬ ‫الصحافييــن‪ ،‬إعتراف ـا ً بالجهــل ببعــض األمــور‪ ،‬إعتراف ـا ً باألخطــاء‪ ،‬بعــدم المقــدرة علــى البــت فــي‬ ‫بعــض المســائل‪ّ .‬‬ ‫ألن الصحافــي المســؤول هــو الــذي يُبرهــن‪ ،‬يعــرض الوقائــع بتعقيداتهــا‪ ،‬أكثــر ممــا‬ ‫يبــت‪ ،‬ويصيــغ أحكامــا نهائيــة‪ .‬فعلــى المســتوى الفــردي ك ّل إنســان لــه الحـ ّ‬ ‫ق فــي أن يف ّكــر وأن يقــول‬ ‫مــا يريــد فــي إطــار القواعــد القانونيــة‪.‬‬

‫‪28‬‬


‫نحو صورة متوازنة للنساء في اإلعالم‬

‫ولكــن إذا إ ّدعــى أحــد مــا أنّــه يريــد أن يُعلــم تترتّــب عليــه مســؤولية جديــدة تضــاف إلــى الحــق فــي‬ ‫التعبيــر‪ .‬مــن هنــا ضــرورة أن يُميّــز الصحافــي بيــن العمــل الــذي يقتــرب مــن اإلتصــال وذاك الــذي‬ ‫يتصــل باإلعــام‪.44‬‬ ‫وهكــذا فــي ســياق التنافــس المحمــوم بيــن محطــات التلفــزة علــى حصــد أعلــى نســب مــن المشــاهدة‪،‬‬ ‫وفــي ظـ ّل تفلــت بعــض اإلعالمييــن المتزايــد مــن معاييــر العمــل اإلعالمــي‪ ،‬دون حســيب أو رقيــب‪،‬‬ ‫يغــدو اإلعــام عــن اإلعــام حاجــة مجتمعيــة ماســة‪ ،‬ليتم ّكــن المشــاهدون مــن معرفــة شــروط عمــل‬ ‫المهنــة‪ ،‬نوعيــة البرامــج التــي يشــاهدونها‪ ،‬شــروط ممارســة الصحافييــن لعملهــم‪ ،‬نجــوم الشاشــة‪،‬‬ ‫ومداخيلهــم‪ ،‬حــدود تدخلهــم الــخ‪ .‬وهــذا مــا باشــرته بعــض الصحــف المكتوبــة فــي لبنــان منــذ فتــرة‬ ‫ليســت ببعيــدة‪ ،‬مخصصــة صفحــات لرصــد ونقــد اإلعــام المرئــي والمســموع‪.‬‬ ‫إضافــة إلــى نقــد البرامــج المتلفــزة‪ ،‬تن ّوعــت أشــكال معالجــة اإلعــام المطبــوع لموضــوع المــرأة‬ ‫لتشــمل اإلضــاءة علــى األعمــال اإلبداعيــة والفنيــة التــي تتطــرق لقضايــا المــرأة بطريقــة هادفــة‪ ،‬أو‬ ‫لإلضــاءة علــى نســاء تميّــزن بخروجهــن عــن المألــوف‪ ،‬أو انتقــاد ظواهــر اســتهالكية تســتغل المــرأة‬ ‫وتحــطّ مــن شــأنها‪ ،‬أو إبــراز التح ـ ّوالت الطارئــة علــى أوضــاع النســاء فــي الواقــع الملمــوس بمــا‬ ‫يُخالــف أو يتعــارض مــع البنيــة الذهنيــة المركبــة تاريخيـا ً والمنمطــة ألدوارهــن وصفاتهــن‪ .‬باإلضافــة‬ ‫إلــى إثــارة إشــكاليات طُغيــان الطابــع الذكــوري علــى المشــهد السياســي فــي لبنــان‪ .‬والتعريــف‬ ‫بالدراسات التي تُالحق التمييز الجندري‪ .‬‬ ‫وفيمــا يتعلّــق بمعالجــة اإلعــام المطبــوع للعنــف المبنــي علــى أســاس النــوع االجتماعــي فــي ســياق‬ ‫االنتفاضــات وأجــواء التوتّــر والعنــف والصراعــات المســلحة واألعمــال اإلرهابيــة‪ ،‬يُعالــج اإلعــام‬ ‫المطبــوع موضــوع العنــف معالجــة خبريــة غيــر مكتملــة الشــروط‪ ،‬بالنظــر لصعوبــة التقصّــي‬ ‫وللمخاطــر التــي يتعـرّض لهــا الصحافيــون فــي حــال تســنى لهــم التواجــد فــي أمكنــة الحــدث‪ ،‬وهــذا مــا‬ ‫جعــل وســائل اإلعــام تلجــأ إلــى شــهود العيــان أو إلــى النقــل عــن مصــادر ووســائل إعــام أجنبيــة‪،‬‬ ‫دون المقــدرة علــى التحقــق وعلــى مقارنــة المعلومــات أو مقابلتهــا مــع مصــادر أخــرى‪ ،‬أو إلــى تقاريــر‬ ‫صــادرة عــن األمــم المتحــدة أو منظمــات حقوقيــة دوليــة‪ ،‬ودون تكليــف النفــس عنــاء تحليلهــا‪ ،‬إنّمــا‬ ‫نقلهــا بطريقــة اســتعراضية يمتــزج فيهــا الجــد بالهــزل‪ ،‬الواقعــي باالفتراضــي‪.‬‬ ‫وأبــرز مثــال علــى ذلــك العينــة التــي بيــن أيدينــا والتــي تنـ ّم عــن قصــور اإلعــام فــي التعاطــي مــع‬ ‫مشــكلة معقّــدة كهــذه تحمــل فــي طياتهــا ليــس فقــط عنف ـا ً إنّمــا عنــف العنــف المــؤ ّدي إلــى نــوع مــن‬ ‫تبلّــد المشــاعر‪ ،‬وبالتالــي اإلعاقــة عــن التحــرك‪ .‬فــي معــرض المعالجــة التحليليــة لموضــوع العنــف‬ ‫المبنــي علــى أســاس النــوع االجتماعــي فــي أجــواء الصراعــات والحــروب ومــا ينتــج عنهــا مــن‬ ‫نــزوح وتهجيــر‪ ،‬فإننــا نصــادف نمــاذج متنوعــة مــن المعالجــة المبســطة‪ ،‬المكتفيــة فــي أغلــب األحيــان‬ ‫بمــا تعرضــه التقاريــر األمميــة حــول الموضــوع‪ ،‬أو بمــا ينشــر فــي فضــاء اإلنترنــت وعلــى شــبكات‬ ‫التواصــل االجتماعــي‪ .‬أمــا فــي معــرض معالجــة اإلعــام المطبــوع الخبريــة لموضــوع العنــف المبنــي‬ ‫علــى أســاس النــوع االجتماعــي ســواء كان عنفـا ً مرتكبـا ً داخــل الدائــرة األســرية أو فــي المجــال العــام‪،‬‬ ‫‪ 44‬إ ذا كان المقــال يرتكــز علــى مصــدر وحيــد‪ ،‬إذا كانــت الصراعــات غائبــة‪ ،‬إذا كان يبحــث عــن اســتغباء القــارئ‪ ،‬إذا كان يُقـدّم األمــور بطريقــة مانويــة‪ ،‬وإذا‬ ‫عــرض مجانـا ً وغيــر مو ّقــع مــن أحــد فإ ّنــه يقتــرب مــن اإلتصــال ‪.‬إنّ إعــام كهــذا يــد ّل إ ّمــا عــن الســهولة وإ ّمــا عــن حاجــة لتوجيــه القــارئ‪ .‬علــى العكــس‪ ،‬المقــال‬ ‫الــذي يُقـدّم مواقــف مختلــف األطــراف فــي أي صــراع‪ ،‬والــذي يمتنــع عــن البــت ويتــرك للقــارئ أن يحكــم‪ ،‬وال يُخفــي النواقــص بمــا فيهــا للمرســل‪ ،‬حتــى لــو نشــر‬ ‫فــي جريــدة المؤسســة هــذا المقــال يقتــرب مــن اإلعــام‪ ،‬إنّ إعــام كهــذا يــد ّل علــى جهــد صــادق فــي البحــث عــن الحقيقــة ‪.‬‬ ‫‪Voir à ce propos: Lagardette, J. (2006). L’information responsable- un défi démocratique. Paris: éd. Charles‬‬ ‫‪Leopold Mayer, p.89.‬‬

‫‪29‬‬


‫نحو صورة متوازنة للنساء في اإلعالم‬

‫كان واضحــا ً انتقــال هــذا اإلعــام مــن طــور المعالجــة الخبريــة المبسّــطة إلــى المعالجــة المركبــة‬ ‫التــي تطــل علــى أبعــاد الموضــوع وخلفياتــه القانونيــة واالجتماعيــة والسياســية‪ ،‬وتتناولــه مــن زوايــا‬ ‫متعـ ّددة‪ :‬قضائيــة‪ ،‬إداريــة‪ ،‬نفســية‪ ،‬معيشــية‪ .‬وإن كانــت تبــدر أحيانـا ً مــن بعــض الوســائل محــاوالت‬ ‫لمــداراة البنيــة المهيمنــة‪ ،‬أو للتغافــل عــن أخطــاء معينــة أو عــن إهمــال معيّــن يُرتكــب بحــق ضحايــا‬ ‫العنــف‪.‬‬ ‫كذلــك اتســمت المعالجــة التحليليــة بشــيء مــن الجديــة‪ ،‬بالنظــر لتفاعلهــا مــع الحــراك الحاصــل علــى‬ ‫األرض مــن قبــل منظمــات المجتمــع المدنــي‪ ،‬والناشــطين الحقوقييــن والقانونييــن‪ ،‬وبعــض األحــكام‬ ‫القضائيــة الرائــدة‪ ،‬ومــع الدراســات والمعطيــات األكاديميــة التــي غــدت متوفــرة‪ .‬وتجلّــى ذاك فــي‬ ‫اعتمــاد العديــد مــن الصحافييــن‪ ،‬الس ـيّما الصحافيــات اللواتــي غــدون ناشــطات فــي مناهضــة هــذا‬ ‫النــوع مــن العنــف‪ ،‬منهجيــات مترابطــة ومقاربــات متشــابكة مــع منظــور النــوع االجتماعــي‪.‬‬ ‫وكان الفتــا ً غيــاب الحساســية الجندريــة عــن مناقشــة الصحافــة المطبوعــة للقوانيــن اإلعالميــة‬ ‫واإلعالنيــة وتطبيقاتهــا والخلــل الــذي يعتريهــا‪ ،‬باســتثناء تحقيــق أجرتــه الصحافيــة فيفيــان الخولــي‬ ‫مــن موقــع «‪ »now‬اإللكترونــي‪ ،‬تحــت عنــوان‪ « :‬المـــرأة فـــي اإلعالنـــات اللبنانيـــة‪ :‬سلعـــة وال‬ ‫قوانيـــن رادعـــة»‪ ،‬تطــرح فــي مســتهله المشــكلة المتمثلــة فــي عــرض جســد المــرأة المفعــم بالمتعــة‬ ‫واإلثــارة علــى الطرقــات وشاشــات التلفــزة فــي إعالنــات تجاريــة أقــرب إلــى الســلع الجنســية منهــا إلى‬ ‫اإلعالنيــة‪ ،‬متســاءلةً علــى مــن يقــع اللــوم فــي تحقيــر المــرأة فــي اإلعــان التجــاري‪ ،‬وأيــن الرقابــة‬ ‫م ّمــا نــرى ونشــاهد؟ كذلــك خلَّــف احتــكاك بعــض الصحافييــن باألجهــزة الرقابيــة القانونيــة وراءه‬ ‫جــدالً حــول أحقيــة وشــرعية وقانونيــة واستنسســابية مــا يحصــل‪ ،‬وحــول عالقــة اإلعــام بالقضــاء‪.‬‬ ‫وهــذا مــا أســس لبــذور وعــي فــي األوســاط الصحافيــة بأهميــة مواكبــة القوانيــن للتحــوالت الحاصلــة‬ ‫علــى أرض الواقــع‪ ،‬الس ـيّما لــدى الصحافيــات الشــابات‪ ،‬علم ـا ً ّ‬ ‫أن هــذا الوعــي بقــى منقوص ـا ً لخلــوه‬ ‫مــن الحساســية الجندريــة‪.‬‬

‫‪30‬‬


‫نحو صورة متوازنة للنساء في اإلعالم‬

‫‪04‬‬

‫السبل الفضلى للوصول إلى سلوك إعالمي مناهض‬ ‫للتمييز الجندري‪ ،‬وبالتالي إلى صور أكثر توازنًا للنساء‬

‫بالمحصلــة النهائيــة‪ ،‬يجــد المراقــب للحضــور الجنــدري فــي وســائل اإلعــام فــي لبنــان نفســه أمــام‬ ‫مشــهد إعالمــي غــدت تشــغل فيــه النســاء حيــزاً آخــذاً فــي االتســاع يوم ـا ً بعــد يــوم‪ ،‬ســواء كان علــى‬ ‫مســتوى العــدد أو علــى مســتوى تن ـ ّوع وتعــدد المهمــات الموكولــة لهــن‪ .45‬غيــر ّ‬ ‫أن هــذا الحضــور‬ ‫الكمــي نــادراً مــا ترجــم إلــى حضــور نوعــي ينعكس علــى ســيرورة اإلنتــاج اإلعالمي وعلــى مضامين‬ ‫الرســائل اإلعالميــة‪ .‬فمــا زالــت تحــول دون هــذا التحــول النوعــي مجموعــة عقبــات‪ ،‬جــزء منهــا‬ ‫مشــترك مــع الرجــال وجــزء آخــر خــاص بالنســاء‪ .‬فالنظــر إلــى ملكيــة وســائل اإلعــام‪ ،‬إلــى رؤســاء‬ ‫مجالــس اإلدارات مــن منظــور جنــدري يُرينــا صعوبــة خــرق النســاء للســقف الزجاجــي حتــى وإن‬ ‫كــن يحملــن شــهادات عاليــة وإن شــكلن خبــرات وأبدعــن فــي أمكنــة كثيــرة‪ ،‬كذلــك نظــرة إلــى األطــر‬ ‫التنظيميــة التــي ترعــي العمــل اإلعالمــي‪ ،‬المجلــس الوطنــي لإلعــام‪ ،‬النقابــات التــي تــكاد تخلــو مــن‬ ‫النســاء‪ ،‬نظــرة إلــى القوانيــن وإلــى االقتراحــات اآليلــة لتعديلهــا‪ ،‬نجدهــا تفتقــد أليــة حساســية جندريــة‪.‬‬ ‫هــذا عــدا عــن ّ‬ ‫أن المراقــب لهــذا الحضــور وجــد نفســه فــي الفتــرة األخيــرة أمــام مشــهد متلفــز متفلــت‬ ‫بغالبيتــه مــن المعاييــر األخالقيــة التــي ترعــى العمــل اإلعالمــي‪ ،‬يعيــش هاجــس التســابق المحمــوم‬ ‫لتســجيل نســب مشــاهدة عاليــة‪ ،‬اســتدراجا ً للمعلــن‪ ،‬وال هــم لــه إن كانــت المشــهدية التــي ر ّكبهــا أتــت‬ ‫علــى حســاب حقــوق المــرأة اإلنســان والمواطــن وعلــى حســاب كرامتهــا‪ ،‬مــا دام القيمــون علــى هــذه‬ ‫البرامــج قــد أ ّمنــوا جانبهــم مســبقا ً وعملــوا علــى تحييــد البنيــة البطريركيــة األبويــة‪ ،‬أو باألحــرى‬ ‫أضفــوا عليهــا المزيــد مــن الشــرعنة‪ ،‬فأعطوهــا الكلمــة الفصــل لتبــت فــي األمــور كافــة‪ ،‬وهــذا مــا‬ ‫أعــاق أي إمكانيــة لفتــح آفــاق لمعالجــة موضوعــات تتعلّــق بالتمييــز أوبالعنــف المبنــي علــى أســاس‬ ‫النــوع االجتماعــي‪.‬‬ ‫فــي حيــن ّ‬ ‫أن الباحــث فــي المشــهد اإلعالمــي المكتــوب واإللكترونــي يعثــر علــى العديــد مــن أماكــن‬ ‫الخــرق للتنميــط الجنــدري مــن قبــل مجموعــة مــن الصحافييــن بغالبيتهــم شــابات تك ّونــت لديهــم‬ ‫حساســية علــى قضايــا النــوع االجتماعــي‪ ،‬ســواء كان بالتجربــة أم عبــر التدريــب‪ ،‬وتجلّــى ذلــك فــي‬ ‫نقــد البرامــج المتلفــزة التــي تتو ّخــى اإلثــارة علــى حســاب كرامــة المــرأة وإنســانيتها‪ ،‬وفــي تغطيــة‬ ‫أخبــار الجرائــم المرتكبــة بح ـ ّ‬ ‫ق النســاء بطريقــة منهجيــة تضــع الحادثــة فــي ســياقها القانونــي تُط ـ ّل‬ ‫علــى األســباب وتعالــج النتائــج‪ ،‬وتتفاعــل مــع حــراك المجتمــع المدنــي بهــذا الشــأن‪ ،‬وتجلّــى أيضـا ً فــي‬ ‫التفاعــل مــع الدراســات الجندريــة‪ ،‬وإجــراء تحقيقــات حــول أماكــن الخــرق الجنــدري كأن يتـ ّم الــكالم‬ ‫علــى هجــرة النســاء للعمــل‪ ،‬وعلــى شــغل النســاء لمهــن كانــت فــي الســابق حكــراً علــى الرجــال‪ .‬وعلى‬ ‫اعتبــار ّ‬ ‫أن التنــوع الجنــدري مــا هــو إال تجســيد حــي للتن ـ ّوع الديمقراطــي‪.‬‬

‫انظــر بهــذا الصــدد‪ :‬القــادري‪ ،‬عيســى‪ ،‬نهونــد ‪ ،‬وحــرب‪ ،‬ســعاد‪ .)2002( .‬اإلعالميــات واإلعالميــون فــي التلفزيــون –بحــث فــي األدوار والمواقــع‪.‬‬ ‫‪45‬‬ ‫بيــروت‪ :‬المركــز الثقافــي العربــي وتجمــع الباحثــات اللبنانيــات‪.‬‬

‫‪31‬‬


‫نحو صورة متوازنة للنساء في اإلعالم‬

‫هــذا التطـ ّور الــذي حقّقــه اإلعــام المطبــوع ورقيـا ً أو إلكترونيــا علــى صعيــد معالجة العنف األســري‪،‬‬ ‫لــم نشــهد مثيلــه علــى صعيــد تغطيــة العنــف المبنــي علــى أســاس النــوع االجتماعــي فــي ظـ ّل الحــروب‬ ‫والصراعــات واألعمــال اإلرهابيــة‪ ،‬اذ بــدت التغطيــة اإلعالميــة قاصــرة عاجــزة‪ ،‬تُعانــي مــن ش ـ ّح‬ ‫فــي المصــادر‪ ،‬مج ـرّد ناقلــة عــن مصــادر أجنبيــة وتقاريــر ومراكــز دراســات أجنبيــة‪ ،‬دون تكليــف‬ ‫النفــس عنــاء التقصــي والبحــث فــي أبعــاد مــا يجــري وفــي خلفيــات تغطيــات وســائل اإلعــام األجنبيــة‬ ‫ومستتبعاتها‪.‬‬ ‫وإزاء القوانيــن التــي ترعــى العمــل اإلعالمــي وأســاليب الرقابــة‪ ،‬والهيــاكل التنظيميــة‪ ،‬نُالحــظ ّ‬ ‫أن‬ ‫الصحافييــن الذيــن تطرقــوا إلــى الدعــاوى المقامــة بحــق البعــض منهــم‪ ،‬والذيــن توقفــوا أمــام إشــكاليات‬ ‫الرقابــة‪ ،‬وعــدم مواكبــة القوانيــن للتطـ ّور‪ ،‬وإشــكالية العالقــة بيــن القانــون والقضــاء غابــت الحساســية‬ ‫الجندريــة عــن معالجاتهــم‪ .‬فــي حيــن ّ‬ ‫أن رئيــس مكتــب اإلعــام فــي األمــن العــام العميــد منيــر عقيقــي‬ ‫شـ ّخص مشــكلة الرقابــة بالقــول‪ّ « :‬‬ ‫أن اإلعالنــات المرئيــة واللوحــات تخضــع إلجــازة مســبقة‪ ،‬إالّ أنّــه‬ ‫ال توجــد أي مــادة فــي القانــون تمنــع ظهــور جســد المــرأة»‪.‬‬ ‫وأضــاف‪« :‬نعمــل جاهديــن للتوفيــق بيــن الضوابــط القانونيــة والحفــاظ علــى مصالــح الشــركات‪.‬‬ ‫لهــذا يعمــد جهــاز الرقابــة أحيانـا ً إلــى إستشــارة مرشــد اجتماعــي أو نفســي أو حتــى الفئــة أو المركــز‬ ‫المقصــود فــي اإلعــان (مهنــة حــرة‪ ،‬طفــل‪ ،‬مؤسســة دينيــة أو مدنيــة) ويُعــرض علــى لجنــة متكاملــة‬ ‫للتدقيــق فــي حيثياتــه‪ ،‬وصــوالً إلــى قــرار نهائــي يُرضــي الطرفيــن‪ .‬ويجــد عقيقــي ّ‬ ‫أن «دور المــرأة‬ ‫فــي الترويــج الدعائــي موجــود‪ ،‬وهــو فــي بعــض األحيــان اســتغالل وتحقيــر لهــا‪ ،‬موضحـا ً أنّــه حتــى‬ ‫لــو خضــع اإلعــان المرئــي أو اللوحــات اإلعالنيــة إلجــازة‪ ،‬إالّ أنّــه يحـ ّ‬ ‫ق للجرائــد والمجــات نشــره‬ ‫كمــا كان قبــل تعديلــه‪ّ ،‬‬ ‫ألن اإلعالنــات فــي الصحــف ال تخضــع إلجــازة مســبقة»‪.‬‬ ‫وفــي معــرض أســفه لتشــويه صــورة المــرأة‪ ،‬يُلقــي باللــوم علــى المجتمــع المدنــي النســائي الــذي لــم‬ ‫يتح ـرّك يوم ـا ً اتجــاه هــذه القضيــة‪ .‬ويعتبــر ّ‬ ‫أن احتجاجهــن لــه تأثيــر كبيــر علــى المجتمــع وبالتالــي‬ ‫يُســاعد فــي تعديــل بعــض المــواد خصوص ـا ً ّ‬ ‫أن قانون ـا ً جديــداً لإلعــام يُناقــش حالي ـا ً (‪ )2013‬فــي‬ ‫اللجــان النيابيــة المختصــة‪ .46‬وإن كنــا لــم نلحــظ لــدى الجهــات التــي اقترحــت قانونـا ً جديــداً لإلعــام‬ ‫(مؤسســة «مهــارات» بالتعــاون مــع النائــب غســان مخيبــر) أيــة حساســية جندريــة‪ ،‬أيض ـا ً لــم نلحــظ‬ ‫هــذه الحساســية لــدى لجنــة اإلعــام واالتصــاالت فــي مجلــس النــواب التــي عملــت علــى المشــروع‪،‬‬ ‫وال لــدى الصحافييــن الــذي تفاعلــوا مــع االقتــراح وناقشــوه‪.‬‬ ‫بنــاء علــى مــا تقـ ّدم‪ ،‬يمكــن االســتنتاج ّ‬ ‫أن إشــكالية الحضــور الجنــدري فــي وســائل اإلعــام بمختلــف‬ ‫مضامينهــا مــا زالــت قائمــة بــل وأحيانــا ً ملحــة لــدى مختلــف األطــراف المعنيــة بحقــوق اإلنســان‬ ‫للمــرأة‪ ،‬وبمواطنيتهــا‪ .‬إذ أنّــه مــا إن يتراجــع التنميــط ألدوار ومواقــع ومواصفــات كل مــن الجنســين‬ ‫خطــوة إلــى الــوراء‪ ،‬ســرعان مــا يتقــ ّدم خطــوات إلــى األمــام‪ .‬فعلــى الرغــم مــن تزايــد أعــداد‬ ‫اإلعالميــات فــي وســائل اإلعــام اللبنانيــة‪ّ ،‬إل ّ‬ ‫أن ذلــك نــادراً مــا ترافــق مــع أســاليب ومقاربــات جديــدة‬ ‫فــي معالجــة إشــكالية العنــف المبنــي علــى أســاس النــوع االجتماعــي‪ ،‬وذلــك لكــون اإلعالميــون‪ /‬ات‬ ‫أنفســهم‪ /‬هــن يتعرضــون‪ /‬يتعرضــن ألســاليب عنــف مضمــرة ومخفيــة‪ ،‬متأتيــة مــن النســق اإلعالمــي‬ ‫والسياســي والثقافــي واالقتصــادي المهيمــن‪ ،‬بــل أحيانـا ً مــن الجمهــور نفســه الذيــن يقـ ّدرون أنّهم‪/‬هــن‬ ‫‪ 46‬أنظر بهذا الصدد‪ :‬الخـولـي‪ ،‬فيفـيـان (‪« .)2013‬المـرأة فـي اإلعالنـات اللبنانيـة‪ :‬سلعـة وال قوانيـن رادعـة‪ .‬موقع‬ ‫‪- ، ، /now، https://now.mmedia.me/lb/ar/nowspecialar‬نشر‪.PM 06:28 2013/01/10:‬‬

‫‪32‬‬


‫نحو صورة متوازنة للنساء في اإلعالم‬

‫يتوجهون‪/‬هــن‪ ،‬حتــى مــن تتوافــر لديهم‪/‬هــن الحساســية علــى قضايــا النــوع االجتماعــي لــم يتمكنــوا‪/‬‬ ‫تتمكــن كفايــة مــن معالجــة فضلــى تتصــدى لهــذه اإلشــكالية‪ .‬خصوصـا ً فــي ظـ ّل واقــع يجــد اإلعــام‬ ‫نفســه واقعـا ً أمــام إشــكالية الرؤيــا ذات المنحــى الســلوكي‪ ،‬أي رؤيــة مــا هــو مرئــي‪ ،‬وأمــام المعالجــة‬ ‫الظرفيــة المرتبطــة باألحــداث التــي تحصــل وأو بمــا توفــر‪ ،‬وأســاليب العمــل المحكومــة بمنطــق‬ ‫الســبق الصحفــي مــن ناحيــة‪ ،‬واإلثــارة ‪،‬مــن ناحيــة ثانيــة‪ ،‬والتــي غــدت أســاليب نمطيــة تجاريــة تجــر‬ ‫معهــا عنف ـا ً رمزي ـا ً ال مثيــل لــه‪.‬‬ ‫فهــذا األســلوب اإلعالمــي ال ُممســرح الجــاذب للجمهــور العريــض وبالتالــي للمعلــن يوظّــف الــكالم‬ ‫مــن ناحيــة‪ ،‬للتنفيــس عــن العنــف والتفريــج عــن الضيــق‪ ،‬ويوظفــه مــن ناحيــة ثانيــة‪ ،‬لتعنيــف الــذات‬ ‫مــن خــال تعريتهــا وإعــادة جلدهــا‪ ،‬ومــن ناحيــة ثالثــة‪ ،‬لتجهيــل الفاعــل وتســخيف الموضــوع‪ .‬وهــذا‬ ‫مــا يســتدعي مــن مختلــف األطــراف الفاعلــة التفكيــر فــي كيفيــة جعــل اإلعــام شــريكا ً فعليــا ً فــي‬ ‫تســريع أشــكلة هــذا الموضــوع‪ ،‬وفــي التمهيــد لفتــح جــدل قانونــي وحقوقــي بصــدده‪.‬‬ ‫وفــي دفعــه لوضــع أســاليبه وآليــات عملــه وأخالقياتــه باســتمرار موضــوع مســاءلة‪ ،‬وللتســاؤل عــن‬ ‫الهرميــة المتحكمــة بالتراتبيــة اإلعالميــة وبأولويــات األجنــدا المطروحــة‪ ،‬وبموقــع ودور النســاء منهــا‬ ‫إنتاجـا ً وموضوعـا ً واســتهالكاً‪ .‬كــي ال تبــدو المســؤولية متحلّلــة‪ ،‬وكــي ال يضيــع الــكالم فــي اإلعــام‬ ‫عــن التمييــز والعنــف المبنيــن علــى أســاس النــوع االجتماعــي بســبب التداخــل بينهمــا وبيــن التمييــز‬ ‫والعنــف المبنيــن علــى أســاس الفــروق الطبقيــة والمعيشــية والمناطقيــة والمذهبيــة‪ .‬فمــا ورد فــي‬ ‫المضاميــن اإلعالميــة ومــا ُغيّــب كان خيــر ُمعبِّــر عــن ذاك العنــف الــذي تحملــه الذهنيــة االجتماعيــة‬ ‫صبــة وال ُمتَ َحــرش بهــا‪ .‬بالنظــر إلــى خصوصيــة المجتمــع اللبنانــي‬ ‫ال ُمعنِّفــة للمــرأة ال ُمعنَّفــة السـيّما ال ُمغت َ‬ ‫الــذي تتعايــش فيــه أســاليب الحيــاة الحديثــة ومــا تحملــه مــن بــذور عنــف مخمليــة‪ ،‬مــع أســاليب الحيــاة‬ ‫التقليديــة ومــا تحملــه مــن تقســيم وتنميــط لــأدوار يشــرعن العنــف ويح ّولــه إلــى مجــرد عمــل طبيعــي‪،‬‬ ‫وهــذا مــا يجعــل العنــف المبنــي علــى أســاس النــوع االجتماعــي عنفــا ً مركبــا ً مســتنداً إلــى ذهنيــة‬ ‫اجتماعيــة محكومــة بالعنــف المــزدوج بوجهيــه الحداثــي والتقليــدي‪.‬‬

‫‪33‬‬


‫نحو صورة متوازنة للنساء في اإلعالم‬

‫تجارب عربية‪ /‬محاوالت لتعزيز موقع ودور‬ ‫المرأة في وسائل اإلعالم‬

‫إزاء هــذا المشــهد اللبنانــي المتّســم بشــيء مــن الفوضــى وبالالمبــاالة‪ ،‬نجــد بالمقابــل وفــي معــرض‬ ‫اإلطاللــة علــى التقريــر العربــي الموحــد بخصــوص التق ـ ّدم المحــرز فــي تنفيــذ منهــاج عمــل بيجيــن‬ ‫بعــد عشــرين عامـا ً ‪ ،47‬وفــي الشـ ّ‬ ‫ق المتعلّــق باإلعــام‪ ،‬أنّــه فــي العديــد مــن البلــدان العربيــة تن ّوعــت‬ ‫اإلجــراءات والتشــريعات لتعزيــز موقــع ودور المــرأة فــي وســائل اإلعــام والهيــاكل والبنــى‬ ‫التنظيميــة العائــدة إليهــا‪ ،‬وتحســين األداء المهنــي لوســائل اإلعــام للتم ّكــن مــن إنتــاج صــور تعكــس‬ ‫واقــع المــرأة بمختلــف تنوعاتــه‪ ،‬بعيــداً عــن االســتغالل والتنميــط‪ ،‬وتحســيس اإلعالمييــن واإلعالميــات‬ ‫بقضايــا النــوع االجتماعــي‪ ،‬وتعزيــز القــدرات والمهــارات االتصاليــة للعامليــن فــي اآلليــات المؤسســية‬ ‫الوطنيــة‪ .‬وتفاوتــت هــذه اإلجــراءات تبع ـا ً للبلــدان لتشــمل تعديــات علــى القوانيــن‪ ،‬وإنشــاء كيانــات‬ ‫وهيــاكل تنظيميــة مركزيــة لترشــيد عمــل اإلعــام‪ ،‬ووضــع مواثيــق شــرف ترعــى العمــل اإلعالمــي‪،‬‬ ‫وتشــجيع النســاء علــى التخصــص فــي اإلعــام‪ ،‬وتدريــب اإلعالمييــن واإلعالميــات علــى قضايــا‬ ‫النــوع االجتماعــي‪ ،‬وانخــراط بعــض اآلليــات المؤسســية الوطنيــة فــي العمــل اإلعالمــي مــن خــال‬ ‫إنتــاج بعــض المــواد اإلعالميــة‪ ،‬ورعايــة بعــض البرامــج‪ ،‬وإنشــاء مواقــع إلكترونيــة‪ ،‬وإطــاق‬ ‫مراصــد لصــورة المــرأة فــي اإلعــام‪.‬‬ ‫علــى ســبيل المثــال‪ ،‬فــي المغــرب‪ ،‬ت ـ ّم تعديــل القانــون المتعلّــق باالتصــال الســمعي والبصــري فــي‬ ‫عــام ‪ ،2014‬لمنــع اإلشــهار الــذي يتض ّمــن إســاءة للمــرأة أو بــث صــور نمطيــة أو ســلبية أو الترويــج‬ ‫للتمييــز المبنــي علــى أســاس النــوع االجتماعــي؛ وتـ ّم فــي هــذا الصــدد إعــداد دفاتــر شــروط لقنــوات‬ ‫التلفــزة العموميــة وتضمينهــا لمقتضيــات تعزيــز حضــور النســاء فــي اإلعــام؛ و ُوضــع فــي عــام‬ ‫‪ 2013‬ميثــاق لألخالقيــات تلتــزم فيــه مؤسســات اإلعــام العمومــي بالســهر علــى احتــرام مقاربــة‬ ‫النــوع االجتماعــي فــي برامجهــا‪ .‬وفــي البحريــن‪ُ ،‬وضــع فــي عــام ‪ 2014‬مشــروع قانــون جديــد‬ ‫لإلعــام شــامل ومتطـ ّور‪ ،‬كمــا ذكــر التقريــر‪ ،‬وأُحيــل إلــى الســلطة التشــريعية للتصديــق عليــه‪ ،‬وأبــرز‬ ‫مــا يتض ّمنــه حظــر اإلســاءة إلــى صــورة المــرأة والتع ـ ّدي علــى حقــوق وحريــات اآلخريــن؛ كذلــك‬ ‫ت ـ ّم تدشــين ميثــاق الشــرف الصحافــي فــي عــام ‪ 2012‬وإصــدار ميثــاق للمرئــي والمســموع ودليــل‬ ‫للســلوك اإلعالمــي‪.‬‬ ‫وفــي العــراق‪ ،‬ت ـ ّم إقــرار حقــوق الصحافييــن رقــم ‪ 21‬لســنة ‪ ،2011‬الس ـيّما وأنّهــم وقعــوا ضحيــة‬ ‫اإلرهــاب ومــن بينهــم صحافيــات‪ .‬واس ـتُحدثت فــي بعــض البلــدان كيانــات مركزيــة لترشــيد العمــل‬ ‫اإلعالمــي‪ ،‬ومنهــا تونــس التــي شــهد العمــل اإلعالمــي فيهــا عــدداً مــن التغيــرات منــذ عــام ‪2011‬‬

‫‪ 47‬والذي تسنى لي شخصيا المشاركة في العمل على صياغته بشكله النهائي‪ ،‬انظر بهذا الصدد‪ :‬االسكوا‪.)2015( .‬‬ ‫التقرير الموحد حول تنفيذ منهاج عمل بيجين ‪www.escwa.un.org ،20+‬‬

‫‪34‬‬


‫نحو صورة متوازنة للنساء في اإلعالم‬

‫تمثّلــت فــي حـ ّل وزارة االتصــال‪ ،‬وظهــور وســائل إعــام جديــدة وخاصــة‪ ،‬وتزايــد الحريــة اإلعالميــة‬ ‫وازدهــار النقاشــات واألخبــار السياســية‪ ،‬واســتحداث الهيئــة المســتقلة لالتصــال الســمعي البصــري‪،‬‬ ‫التــي تنــصّ علــى الشــروط المتعلّقــة بالحصــول علــى إجــازة إحــداث أو اســتغالل إذاعــة أو تلفــزة‬ ‫علــى أن يلتــزم كل مــن يتحصــل علــى إجــازة بجملــة مــن المبــادئ األساســية‪ ،‬مــن بينهــا حمايــة حقــوق‬ ‫المــرأة‪ ،‬والقطــع مــع الصــورة النمطيــة لهــا فــي اإلعــام‪ ،‬وذلــك بهــدف ترســيخ مشــهد إعالمــي ســمعي‬ ‫بصــري متــوازن‪.‬‬ ‫وفــي البحريــن‪ ،‬أُنشــئت فــي عــام ‪ 2013‬الهيئــة العليــا لإلعــام واالتصــال كهيئــة مســتقلّة تختــصّ‬ ‫بإعــداد مشــروع الخطــة الوطنيــة لإلعــام واإلشــراف والرقابــة علــى المحتــوى اإلعالمــي واإلعالني‪،‬‬ ‫بمــا يضمــن التــزام وســائل اإلعــام باإلتفاقيــات الدوليــة والضوابــط المهنيــة المتعلّقــة بتعزيــز دور‬ ‫المــرأة فــي المجتمــع وحمايــة حقــوق الطفــل‪ ،‬وتُمثّــل المــرأة نســبة ‪ 43‬فــي المائــة مــن مجمــوع‬ ‫أعضائهــا‪ .‬وفــي ُعمــان‪ ،‬أنشــئت فــي عــام ‪ 2010‬الهيئــة العامــة لإلذاعــة والتلفزيــون‪ .‬كذلــك أعــد‬ ‫عــدد مــن البلــدان العربيــة دراســات حــول ُســبل تقويــة القــدرات المهنيــة للعامليــن فــي اإلعــام مــن‬ ‫منظــور النــوع االجتماعــي‪ ،‬ونظّــم تدريبــات وورشــات عمــل لهــذه الغايــة‪ .‬ففــي الجزائــر‪ ،‬تـ ّم إعــداد‬ ‫برامــج تكويــن لتقويــة قــدرات المهنييــن فيمــا يخــصّ المــادة اإلعالميــة الخاصــة بالمــرأة‪ ،‬بُغيــة تحســين‬ ‫الصــورة المق ّدمــة بعيــداً عــن النمطيــة‪.‬‬ ‫وفــي البحريــن‪ُ ،‬وضعــت الخطــة الوطنيــة لنهــوض المــرأة البحرينيــة (‪ )2022-2013‬بهــدف تغييــر‬ ‫الثقافــة الســائدة والصــورة النمطيــة للمــرأة‪ ،‬وق ـ ّدم المجلــس األعلــى للمــرأة برنامج ـا ً تدريبي ـا ً إلعــداد‬ ‫شــبكة مدربيــن علــى قضايــا المــرأة‪ ،‬وعقــد ورشــات عمــل لإلعالمييــن واإلعالميــات حــول التخطيــط‬ ‫االســتراتيجي لإلعــام‪ .‬وفــي الســودان‪ ،‬ت ـ ّم تدريــب ‪ 240‬إعالمي ـا ً وإعالميــة فــي مختلــف الواليــات‬ ‫علــى مفهــوم النــوع االجتماعــي والصحــة اإلنجابيــة‪ ،‬وتنفيــذ ورشــات عمــل حــول دور اإلعــام فــي‬ ‫دعــم ومناصــرة موضــوع خفــض أســباب وفيــات األمهــات مــن المنظــور االجتماعــي والثقافــي‪ ،‬وبــث‬ ‫عــدد مــن البرامــج عبــر وســائل اإلعــام المختلفــة فــي مجــال نشــر الوعــي الصحــي والبيئــي والقانوني‬ ‫للمــرأة‪ ،‬وتنفيــذ مســرحيات وأفــام وثائقيــة عبــر وســائل اإلعــام المختلفــة لمحاربــة العــادات الضــارة‪.‬‬

‫‪35‬‬


‫نحو صورة متوازنة للنساء في اإلعالم‬

‫خطوات أبعد في سبيل ضمان صور متوازنة‬ ‫للنساء في اإلعالم‬

‫بالختــام‪ ،‬لضمــان صــور متوازنــة ومتن ّوعــة حــول الجنســين فــي اإلعــام اللبنانــي‪ ،‬ومــن أجــل إرســاء‬ ‫معاييــر للعمــل اإلعالمــي خاليــة مــن التمييــز المبنــي علــى أســاس النــوع االجتماعــي تحتــرم إنســانية‬ ‫اإلنســان‪ ،‬وتبتعــد عــن نشــر الصــور النمطيــة المســيئة بحــق الفئــات الضعيفــة والمهمشــة وبخاصــة‬ ‫النســاء‪ ،‬ولضمــان مشــاركة عادلــة ومنصفــة ســواء فــي الحصــول علــى العمــل أو مــن خالل الممارســة‬ ‫المهنيــة أو وضــع الخطــط والبرامــج والتأثيــر فــي مختلــف السياســات‪ ،‬ال بـ ّد مــن العمــل علــى تحقيــق‬ ‫اآلتي‪:‬‬ ‫▓ اعتبــار التمييــز المبنــي علــى أســاس النــوع االجتماعــي موضوعـا ً قائمـا ً بذاتــه وليــس مدرجـا ً‬ ‫مــع أشــكال أخــرى مــن التمييــز‪ ،‬وذلــك لكــون معالجتــه تتطلّــب العمــل علــى أكثــر مــن صعيــد‪،‬‬

‫وبتظافــر مختلــف األطــراف المعنيــة‪.48‬‬

‫▓ وبمــا ّ‬ ‫أن القوانيــن المنظمــة لعمــل وســائل اإلعــام فــي لبنــان غــدت بحاجة ماســة إلعــادة نظر‬ ‫شــاملة تأخــذ بعيــن النظــر التطـ ّورات الطارئــة علــى عمــل اإلعــام عينــه‪ ،‬وعلــى أوضــاع النســاء‬ ‫فإنّــه ال بـ ّد مــن الضغــط‪ ،‬ومــن مختلــف األطــراف المعنيــة‪ ،‬إليجــاد بيئــة مناســبة لعمــل الصحافيين‬ ‫والصحافيــات‪ ،‬بمعــزل عــن ضغــوط مشــغليهم وضغــوط المعلــن والجمهــور المســتهدف‪ ،‬وذلــك‬ ‫عبــر إرســاء قوانيــن ترعــى أســاليب العمــل والتوظيــف والترقــي والتدريــب والتقديمــات بشــكل‬ ‫منصــف ومتــوازن وعــادل‪ .‬وإمكانيــة تحقيــق ذلــك تتوقّــف علــى نوعيــة الروابــط التفاعليــة القائمــة‬ ‫بيــن الصحافييــن والصحافيــات وبيــن منظمــات المجتمــع المدنــي‪ ،‬وبيــن الناشــطين الحقوقييــن‪،‬‬ ‫واألكاديمييــن‪ ،‬والقضــاة الذيــن كان لهــم شــرف الريــادة فــي اجتهاداتهــم وأحكامهــم المحقــة‬ ‫والعادلــة‪ .‬علــى ســبيل المثــال‪ ،‬فــي هــذا الصــدد‪ ،‬اقترحــت المذكــرة التوجيهيــة المع ـ ّدة مــن قبــل‬ ‫مركــز المــرأة العربيــة للبحــوث والتدريــب مــا يلــي‪:‬‬ ‫◄ نشــر وتعميــم مؤ ّشــر التكافــؤ اإلعالمــي المقتــرح مــن مركــز «كوثــر» لتحديــد مواطــن التمييــز‬ ‫بيــن اإلعالميــات واإلعالمييــن فــي مختلــف المؤسســات اإلعالميــة‪.‬‬ ‫◄ الدفــع فــي اتجــاه تعديــل القوانيــن المنظمــة للعمــل الصحافــي‪ ،‬بمــا يجعلهــا تنــصّ بشــكل واضــح‬ ‫وصريــح علــى ضــرورة ضمــان المســاواة بيــن الرجــال والنســاء فــي الحصــول علــى عمــل وفــي‬ ‫األجــر والترقيــة والتكويــن والتكويــن المســتمر‪.‬‬

‫‪36‬‬

‫‪ 48‬علــى ســبيل المثــال‪ ،‬أشــارت دراســة ملكــي أنّ مدونــة الســلوك المهنيــة لنقابــة الصحافــة ال تلحــظ أي أحــكام عــن المســاواة بيــن الجنســين‪ ،‬أو أي شــروط أو‬ ‫أنظمــة بشــأن التحــرّ ش الجنســي‪ ،‬وتدمــج التمييــز والتحــرّ ش الجنســي بشــكل غامــض بفئــات التمييــز عامــة‪ .‬أنظــر بهــذا الصــدد‪ :‬مكــي‪ ،‬مــاك‪ ،)2015( .‬مرجــع‬ ‫ســبق ذكــره‪.‬‬


‫نحو صورة متوازنة للنساء في اإلعالم‬

‫◄ حــث المؤسســات اإلعالميــة علــى اعتمــاد مقاييــس شــفافة ونزيهــة تُراعــي مبــدأ تكافــؤ الفــرص‬ ‫والمســاواة بيــن اإلعالميــات واإلعالمييــن فــي التوظيــف وتحديــد األجــور والتدريــب والتكويــن‬ ‫المســتمر والتكليــف بالمهــام والترقيــة لمراكــز المســؤولية‪49 ...‬‬ ‫▓ إرســاء تقاليــد فــي العمــل‪ ،‬بغيــة الرقــي بالمهنــة اإلعالميــة بحــد ذاتهــا‪ ،‬تتمثّــل فــي تشــكيل‬ ‫لجــان محايــدة فــي ك ّل وســيلة تُراقــب نوعيــة وجــودة العمــل ومــن ضمنهــا مراقبــة مــدى خلّــوه‬ ‫مــن التمييــز المبنــي علــى أســاس النــوع االجتماعــي‪ .‬فــي هــذا الصــدد تقــول رئيســة جمعيــة‬ ‫النســاء الصحافيــات ‪ّ : Pascale Colisson‬‬ ‫أن المســألة هــي مســألة تطـ ّوع وإرادة‪ ،‬فليــس هنــاك‬ ‫مــن إمكانيــة لإلكــراه أو لإللــزام‪ ،‬مؤشــرة علــى صحيفــة «لومونــد» التــي أوجــدت خليــة داخليــة‬ ‫لمراقبــة المحتــوى وللتنبّــه إلــى الطريقــة التــي تؤعلــم فيهــا النســاء علــى صفحاتهــا‪ .50‬كذلــك‬ ‫فــي الســياق عينــه‪ ،‬وعلــى صعيــد مأسســة النــوع االجتماعــي فــي اإلعــام اقترحــت الوثيقــة‬ ‫التوجيهيــة الصــادرة عــن «كوثــر»ـ إدمــاج النــوع االجتماعــي فــي الوثائــق المنظمة لعمــل القنوات‬ ‫التلفزيونيــة والمحطــات اإلذاعيــة‪ ،‬مــع التنصيــص علــى ضــرورة تحقيــق التن ـ ّوع فــي الصــورة‬ ‫واحتــرام النســاء وكرامتهــن‪ .‬وإنتــاج إحصائيــات مصنّفــة حســب النــوع االجتماعــي‪ ،‬وإدراجهــا‬ ‫فــي الدراســات والتقاريــر التــي تصدرهــا النقابــات والهيئــات المهنيــة التمثيليــة‪ ،‬لتش ـ ّكل مؤشــراً‬ ‫أساســيا ً لمــدى احتــرام مقاربــة النــوع االجتماعــي ومبــادئ المســاواة‪.‬‬ ‫ّ‬ ‫حــث اإلعالميــات واإلعالمييــن علــى إعطــاء األهميــة للعمــل النقابــي وإضفــاء معانــي‬ ‫▓‬ ‫متطــورة علــى معنــى هــذا العمــل‪ ،‬مــن خــال ليــس فقــط تحصيــل الحقــوق وحمايــة الصحافييــن‬ ‫وصيانــة حريتهــم‪ ،‬إنّمــا أيضـا ً مــن خــال العمــل علــى جعــل الصحافييــن أنفســهم ينخرطــون فــي‬ ‫الجــدل الدائــر حــول المهنــة والمفاهيــم التــي ترعاهــا‪ ،‬وحــول شــغل المســاحة الحــرة المتروكــة‬ ‫مــن القانــون‪ ،‬ووضــع أخالقيــات للعمــل ترتقــي بالمهنــة وتجعلهــا نموذجــا ً يُحتــذى فــي العمــل‬ ‫الديمقراطــي الســليم‪ ،‬وكذلــك يُمكــن الضغــط لوضــع نقــاط ارتــكاز للنــوع االجتماعــي فــي النقابــات‬ ‫الموجــودة حالي ـاً‪.‬‬ ‫▓ بغــض النظــر عــن المواقــف المســبقة مــن موضــوع الرقابــة‪ ،‬وبعيــداً عــن الجــدل الــذي ال‬ ‫ينتهــي ولــن ينتهــي بمــدى جدواهــا‪ ،‬وبالطــرق المثلــى الواجــب اتباعهــا لتُســهم فــي تحســين نوعيــة‬ ‫العمــل اإلعالمــي والفنــي واإلبداعــي كعمــل قائــم بذاتــه‪ ،‬ال النظــر إليــه كأداة يســتخدمها أهــل‬ ‫الســلطة وأصحــاب النفــوذ بطريقــة اعتباطيــة استنســابية تعيــق اإلبــداع وتخنــق حريــة الفكــر‪ ،‬ال‬ ‫ب ـ ّد مــن االلتفــات إلــى أهميــة إدراج الجنــدر فــي طريقــة عمــل األجهــزة الرقابيــة‪ ،‬ومســاعدتها‬ ‫علــى وضــع معاييــر للرقابــة مهمــا كان شــكلها مــن منظــور النــوع االجتماعــي‪ .‬ويمكــن المباشــرة‬ ‫بذلــك مــن خــال المطالبــة بتوحيــد معاييــر الرقابــة بشــكل تنســحب علــى جميــع الوســائل‪ ،‬وتوحيــد‬ ‫الجهــاز المخـ ّول بذلــك‪ ،‬ووضــع نقــاط ارتــكاز لقضايــا النــوع االجتماعــي وتدريــب الفريــق العامل‬ ‫فــي الرقابــة علــى الموضــوع بهــدف اكســابهم مهــارات تخ ّولهــم البــت فــي الموضــوع واالبتعــاد‬ ‫عــن االستنســابية‪.‬‬ ‫‪ 49‬وثيقــة تدعــو إلــى اعتمــاد ميثــاق إعالمــي عربــي موحــد مــن منظــور «النــوع االجتماعــي» (الجندر)‪-‬أنظــر بهــذا الصــدد‪ :‬الوســط‪« .)2010( .‬اإلعــام العربــي‪:‬‬ ‫مؤنــث مـــــــظهراً‪ ...‬مذكــر عــدداً وقــراراً ونشــراً»‪ .‬صحيفــة الوســط البحرينيــة ‪ -‬العــدد ‪ - 2676‬األحــد ‪ 03‬ينايــر ‪2010‬م الموافق ‪ 17‬محــرم ‪1431‬هـ‪.‬‬ ‫‪50 Sous la direction de Marlène Coulomb- Gully. (2011). «Médias: La fabrique du genre», in Sciences de la‬‬ ‫‪société, revue publiée avec le concours du CNRS, du centre national du livre et le soutien de l.IUT Paul Sabatier,‬‬ ‫‪numéro 832011-, éd. Presses Universitaires du Mirail..Entretien avec Pascale Colisson président de l’association‬‬ ‫‪des femmes journalistes par Smati Nozha ,pp. 153160-.‬‬

‫‪37‬‬


‫نحو صورة متوازنة للنساء في اإلعالم‬

‫▓ الضغــط باتجــاه وضــع نقــاط ارتــكاز للجنــدر فــي مختلــف األطــر التنظيميــة التــي ترعــي‬ ‫عمــل اإلعــام‪ ،‬كــوزارة اإلعــام والمجلــس الوطنــي لإلعــام‪ ،‬كذلــك الب ـ ّد مــن الضغــط باتجــاه‬ ‫إعــادة النظــر فــي بنيــة وتركيبــة هــذا المجلــس والصالحيــات المعطــاة لــه مــن منظــور جنــدري‪.‬‬ ‫▓ تفعيــل صيغــة نقــد اإلعــام لإلعــام ألنّهــا تُســهم فــي إذكاء النقــاش والجــدل الدائــر حــول‬ ‫المهنــة وأســاليب عملهــا وأخالقياتهــا‪.‬‬ ‫▓ العمــل الحثيــث علــى إيجــاد حساســية جندريــة لــدى اإلعالمييــن واإلعالميــات مــن خــال‬ ‫التدريــب المســتمر والمتواصــل‪ ،‬واإلســتفادة مــن الخبــرات التــي تك ّونــت لــدى بعــض الصحافيــات‬ ‫والصحافييــن بخاصــ ٍة فــي اإلعــام المكتــوب‪ ،‬والبناءعليهــا‪ ،‬وتفكيــك المعالجــات اإلعالميــة‬ ‫وكشــف النمطيــة التــي تتخلّلهــا‪ ،‬واإلشــارة إلــى النمــاذج التــي يت ـ ّم التركيــز عليهــا فــي اإلعــام‬ ‫والفئــات التــي يتــم إغفالهــا وتغييبهــا‪ ،‬و إبــراز الصيــغ والعبــارات النمطيــة واللغــة المبنيــة علــى‬ ‫أســاس النــوع االجتماعــي‪. 51‬‬ ‫▓ التعــاون مــع الجهــات األكاديميــة ومراكــز التكويــن المهنــي إلدراج مقــررات الجنــدر فــي‬ ‫البرامــج الجامعيــة‪ ،‬واســتحداث دبلــوم متخصــص فــي دراســات الجنــدر فــي الجامعــة اللبنانيــة‪،‬‬ ‫وتوجيــه الرســائل واألطروحــات الجامعيــة للبحــث فــي الموضــوع‪ ،‬واالســتعانة بالدراســات‬ ‫المنجــزة بهــذا الخصــوص‪.‬‬ ‫▓ ادراج قضايــا النــوع االجتماعــي فــي صلــب القوانيــن التــي ترعــى العمــل اإلعالمــي‪ ،‬وايجــاد‬ ‫نقــاط ارتــكاز لقضايــا النــوع االجتماعــي فــي األجهــزة المخت ّ‬ ‫صــة فــي تطبيــق القوانيــن‪ .‬إذ يشــير‬ ‫النقيــب فــي األمــن العــام طــارق حلبــي إلــى أنّــه فــي كل القوانيــن الموجــودة وتصنيفــات الرقابــة ال‬ ‫شــيء ينــصّ علــى وضــع المــرأة تحديــداً‪ ،‬وال حتــى علــى وضــع الرجــل أو الطفــل‪.‬‬ ‫▓ تشــجيع وإطــاق مراصــد لقضايــا النــوع االجتماعــي تراقــب وتســاءل وســائل اإلعــام‬ ‫واإلعــان واإلســتفادة مــن شــبكات التحليــل التــي يع ّدهــا أحيانـا ً الباحثــون لهــذا الغــرض‪ .‬إذ تشــير‬ ‫رئيســة جمعيــة الصحافيــات‪ Pascale Colisson‬إلــى أنّــه بعــد المشــاركة فــي المشــروع العالمي‬ ‫لرصــد الميديــا ‪ ،le projet mondial de monitorage des médias‬وبفضــل الرصــد أخــذ‬ ‫المجلــس األعلــى للســمعي البصــري فــي فرنســا مبــادرة إلنشــاء لجنــة خاصــة بالمــرأة والميديا في‬ ‫داخلهــا تعمــل بريجيــت كــرازي المفتشــة العامــة للشــؤون االجتماعيــة علــى تحســيس المحتويــات‬ ‫اإلعالميــة علــى قضايــا الجنــدر‪.52‬‬ ‫▓ إكســاب الجمعيــات مهــارات اتصاليــة تســاعدها علــى إثــارة القضايــا وإســماع الصــوت‪،‬‬ ‫والتأشــير علــى أماكــن الخلــل والضغــط إلزالتهــا‪ .53‬وحــث القيميــن علــى وســائل اإلعــام لتفعيــل‬ ‫‪ 51‬انظر مقترحات الوثيقة التي اطلقها مركز «كوثر» لمنتوج إعالمي مُتنوع‬ ‫‪52 Entretien avec Pascale Colisson président de l’association des femmes journalistes par Smati Nozha,‬‬ ‫مرجع سبق ذكره‬ ‫‪ 53‬ويجــد عقيقــي أن»دور المــرأة فــي الترويــج الدعائــي موجــود‪ ،‬وهــو فــي بعــض األحيــان اســتغالل وتحقيــر لهــا‪ ،‬موضحـا ً أ ّنــه حتــى لــو خضــع اإلعــان المرئــي‬ ‫أو اللوحــات اإلعالنيــة إلجــازة‪ ،‬إالّ أ ّنــه يحـ ّ‬ ‫ـق للجرائــد والمجــات نشــره كمــا كان قبــل تعديلــه‪ ،‬ألنّ اإلعالنــات فــي الصحــف ال تخضــع إلجــازة مســبقة»‪ .‬وفــي‬ ‫معــرض أســفه لتشــويه صــورة المــرأة‪ ،‬يُلقــي باللــوم علــى المجتمــع المدنــي النســائي الــذي لــم يتحــرّ ك يومـا ً اتجــاه هــذه القضيــة‪ .‬ويعتبــر أنّ احتجاجهــن لــه تأثيــر‬ ‫كبيــر علــى المجتمــع وبالتالــي يســاعد فــي تعديــل بعــض المــواد خصوصـا ً أنّ قانونـا ً جديــداً لإلعــام يناقــش حاليـا ً فــي اللجــان النيابيــة المختصــة‪ .‬ويُشــير إلــى أنّ‬ ‫الرقابــة التــي يقــوم بهــا األمــن العــام ليســت مســبقة‪ ،‬لذلــك ال يمكنهــم توقيــف أي إعــان قبــل صنعــه‪ ،‬بــل جـ ّل مــا يمكنهــم فعلــه‪ ،‬هــو حــذف أو تعديــل وفــي بعــض‬ ‫األحيــان عــدم الموافقــة علــى اإلعــان بشــكل كامــل‪ .‬أنظــر بهــذا الصــدد‪ :‬الخولــي‪ ،‬فيفيــان‪ ،‬مرجــع ســبق ذكــره‪.‬‬

‫‪38‬‬


‫نحو صورة متوازنة للنساء في اإلعالم‬

‫مشــاركة المــرأة فــي مختلــف البرامــج‪ ،‬وإبــراز أهميــة االســتماع إلــى وجهــة نظرهــا‪ ،‬وإمــداد‬ ‫وســائل اإلعــام بالمعطيــات الخاصــة بخبــرات النســاء وكفاءاتهــن والمهــارات التــي حصلنهــا‪.‬‬ ‫▓ تفعيــل التواصــل بيــن الناشــطين الحقوقييــن ومنظمــات المجتمــع المدنــي والمبدعيــن مــن كتبــة‬ ‫نصــوص ومخرجيــن وممثليــن وفنانيــن‪ ،‬والتعــاون فيمــا بينهــم علــى إنتــاج أعمــال فنيــة خاليــة مــن‬ ‫األفــكار الجاهــزة ومــن الصــور النمطيــة المســيئة لكيــان المــرأة اإلنســان‪.‬‬ ‫ بالختــام‪ ،‬يمكــن العــودة إلــى التقريــر العربــي المو ّحــد واســتخالص جملــة تحديــات أوردهــا تبقــى‬ ‫قائمــة‪ ،‬ويتمثّــل أبرزهــا فــي جعــل الحضــور المتزايــد للنســاء فــي وســائل اإلعــام ينعكــس إيجابـا ً علــى‬ ‫آليــات العمــل المهنــي ونوعيــة اإلنتــاج اإلعالمــي؛ تدريــب النســاء لإلســتفادة مــن منظومــة اإلعــام‬ ‫التفاعلــي وتمكينهــن مــن شــغل حيّــز لهــن فــي حقــل الفضــاء العــام؛ إشــراك النســاء فــي صياغــة‬ ‫القوانيــن واألطــر التنظيميــة والمواثيــق األخالقيــة التــي ترعــى العمــل اإلعالمــي مــن منظــور النــوع‬ ‫االجتماعــي؛ وضــع آليــات عمــل تحقــق مزيــداً مــن التفاعــل والتشــبيك بيــن مختلــف األطــراف المعنيــة‬ ‫بالنهــوض بالمــرأة‪ ،‬بمــا فيهــا اإلعــام‪.‬‬

‫‪39‬‬


Turn static files into dynamic content formats.

Create a flipbook
Issuu converts static files into: digital portfolios, online yearbooks, online catalogs, digital photo albums and more. Sign up and create your flipbook.