آخر من يعمل فراس محدي ديسمرب 2020
آخر من يعمل عىل مقعد املش يخة جيلس آيب و لك النظار شاخصة اليه ,يأخذ يف تدليك حليته بيرساه و ميناه ال تنف ّك تداعب خرزات املس بحة اخلشبيّة ّث يرجع النظر يف وجوه احلارضين فال يرى سوى الشحوب و العطش .يه ذي ثالثة آ ّّيم اكمةل قضت عىل عش يّة دنّست برئ القرية و تفتّحت يف سامهئا الهادئة يتحسس قربته اخلاوية املشدودة خلرصه ّث جييل نظره يف زواّي يفي القائظ. آبواب هذا اجلحمي ّ ّ الص ّ احلجريةّ . السعف املتألك ,راحئة خشب لك يشء يويح ابلقحط .اللكس عىل اجلدران ,ظفائر ّ السقيفة ّ ّ الصندل ّ اجلاف حتت شعاع الشمس املصبوبّ . لك هذا امللح يش يع يف قلبه الوهن و يذكره ابحلاجة ّ السخط و الغضب: للامء .يطيل آيب يف مصته فتتعاىل اهلمهامت من هنا و هناك و تنفلت عبارات ّ "آبنايئ ميوتون عطشا و هايه الرفاة منقوعة يف مياهنا ليوم آخر" ش هذا املصاب ّي رجل؟" "آما اكن كل آن متنعه عهنا فتكفنا ّ السعال ّث يأخذ بطر ّيف بردته فيلفّها عىل يغرس رآسه بني كتفيه ببطىء و عيناه زائغتان ,يسعل فيطيل ّ هيم مبغادرة اجمللس اتراك وراءه آ ّمة من الناس الهالكني -ال حماةل -ميور هبم الضّ مأ و جسده النحيف و ّ الكوة احلجرية املفضية اىل السقيفة احنناءا خفيفا ,فيلفح وهجه يشء من قيظ الهنّ ار. العجز .ينحين جماوزا ّ اخملمي بثقهل منذ آس بوعني عىل هذه الربوع املعزوةل خيترب الرض ,من جديد ,كن ّه ال هو ذا شهر مت ّوز ّ يدب عىل وهجها بعد مرور مومس اجلفاف الفارط. يصدّق آن حيّا ما اليزال ّ جي ّر آيب خطاه الثقيةل يف بطء مثريا وراءه حساابت الرتاب امللتوية يف الفضاء كّنّ ا رؤوس الش ياطني ّث حي ث اخلطو حنو البرئ ,برئ قريتنا الوحيدة .تكل اليت ال يعمل آحد من حفرها و ال من ش يّد جدارها تتوسط ساحة القرية حتيط هبا املنازل و ّ املرصع ّ احلجري القصري ّ ابلصدف .يه هناك منذ جفر ّالزمان ّ ادلاككني من ّ لك هجة .قدمية قدم ال ّولني ,فمك من سوق نصبت حولها و مك من عرس آقمي عندها و مك من عروس طافت هبا ليةل دخلهتا مشفوعة ابلزغاريد و الهاز ج ّترباك و اس تبشارا .برئ آقدم من ش يوخ القرية الش يخ عبد اجلليل و آبيه ّ مجيعا .آقدم من ّ الطيب و جدّه هتامة .آقدم من البيوت اليت خلط مالطها من طمهيا و ماهئا و آقدم من آجشار الزيتون عىل مرىم البرص اليت ارتوت مهنا يوم اكنت فسائل ضعيفة و ربّام يه آقدم ّ حت من حاكّيت جدّيت. اكنت البرئ تعين لنا احلياة و تزنل مزنةل الشمس و القمر عندان قبل آن تقبع يف قاعها جث ّة تكل الهبمية الشاردة .مفهنا سقياان و مهنا ما نطعم و عند وارداهتا من النّسوة و الصباّي آخبار القرية و الناس. 1
صارت اليوم منبوذة تعلوها حسابة من البؤس و الىسّ , حت آن ّين رآيت آبناء ّمعي ابلمس يقميون علهيا الواتد و جييؤون جبدل ثور فيش ّدونه فوقها لري ّدوا عن الناس آذاها و آخرون معهم هي ّمون بأن هييلوا علهيا الرتاب و يطمسوها اىل البد لوال آن ش يوخا عندان منعومه. يقرتب آيب حبذر متلث ّام طرف ثوبه مس ندا بدنه اىل القامئ اخلش ّيب .ينحين ببطىء ملقيا بنظره اىل آعامق يجرت البرئ املظلمة يتف ّحصها ّث يش ّد البكرة اليه و يأخذ يف ّلف احلبل .يطرق عندها قطر املاء مسامعه ف ّ بش بق ما تبقى من ريقه ليبلّل شفتيه املتلكّس تني حتت لفح الشّ مس. " ّرابه" يقول بصوت خائر بعد آن ن ّد عنه تهنّد املنكوب. ّ ذكل اجلسد ال يزال هناك يزيد البرئ عطنا مع ّ لك جفر .يف الليةل الوىل ,اكنت القراب اليت ترسلها النسوة اىل ابطن البرئ تعود محمّةل مباء مالطه ادلّ م و امحلوضة .آ ّما يف الليّةل الثانية ,فاكنت تنضح بسائل آسن تشوبه العفونة و هايه اليوم ّ الصد ّيف ال آحد يتجرآ ّ حت عىل لك قالل القرية مرصوفة اىل جانب اجلدار ّ االقرتاب مهنا ملا يف رحيها من آذى للنّفس و البدن. حيول عينيه عن قعر البرئ بغية آن آنظر اىل تكل ادلّ ابة اس تجمعت قواي و اقرتبت من آيب اذلي اكن ال ّ اليت حرمت مجيع آهل القرية من السقاية مفنعين عهنا و آشاح وهجيي بباطن كفّه ث آمسك رآيس بلكتا يديه و غرسه يف بطنه حت ظننت آن ّين آختنق و قال: عد اىل احلجرة و لتساعد آ ّمك عىل مجع آغراض البيت .ستشدّ ون الرحال عند املساء.حولت وهجيي حنوه دون جواب وعيناي وقعت لكامته عىل مسامعي كّنّ ا الشّ هب احملرتقة يف اللّيل الهبميّ . مغرورقتان ابدلمع آس تجدي عطفه و لكّنه مل يأبه يل و دفعين بساعده حيث ّين عىل االرساع فانطلقت مكن مس آسقي الرض اجلافّة بدمعي .مل نكن آ ّول من يغادر القرية ,مفنذ اللّيةل الوىل خرجت عربتان به ّ الصغار .ح ّت آن آيخ سلمي اذلي بلغ الثامنة يف حتمالن العجائز و النّسوة املرضعات و بعض الطفال ّ الصيف خرج معهم يف جعل دون آن آو ّدعهّ . لك الضعاف و من ال يقدر عىل العطش غادر القرية يف هذا ّ تكل اللّيةل ّث تالمه بعض ّ الش يوخ و زوجات العم بشري البدينات و اخلال حمسن و الع ّمة ّيمنة ,خرجت حتمل ّهرهتا حس ناء و قفص ادلجاج .لكّهم جلؤوا اىل املدينة اليت تبعد مسري نصف يوم عن مضاربنا فهناك ال يرشب الناس من برئ واحدة و مه عىل الغلب ال يعطشون. كنت آركض يف خطّ مس تقمي آفكّر يف ما ينتظران عند املساء آان و آ ّمي .العرابت و الطريق و املدينة و آيخ سلمي اذلي س بقنا اىل هناك .تراءى يل آن الطريق اىل احلجرة حي ث اكنت آ ّمي تقيض يوهما تغزل و ختيط آصبح ال ّنائيّا و هتت آفّكّر يف يوم صبنا ,آان و آيخ سلمي ,آيب اىل تكل املدينة ل ّ يتسمل خمت 2
املش يخة من عند املندوب .محلنا احلنطور اىل آعىل الوادي و من ّمّة رببنا شاحنة آقلّتنا اىل وسط العمران الكثيف ابلشوارع الواسعة املزيّنة و البنية العمالقة .كنت ال آفلت يد آيب خوفا من التيه وسط الزحام و اكن آيخ سلمي بدوره ال يفلت يدي .كنّا منيش يف سلسةل مامتسكة بأفواه فاغرة و برص زائغ. ذبرت بيف اكن سلمي ال يتوقّف عن السؤال و بيف كنت آجيبه عىل قدر علمي بذكل العامل املتشابكة عنارصه ,فأان و ان كنت آكربه س نّا ,ا ّال آن ّين مل آعهد سوى حياة الريف .سألين عن الرضيّة ا ّلسوداء الصلبة ,فقلت آن ّه –رمبا -يه من طمي الودّين املطبوخ يف الفران ,آفران املدينة الكبرية .و سألين عن ّ الصور العمالقة ذلكل ّالرجل العابس اليت متل امليادين و احلارات فقلت –ربّام -هو آخ عزيز عىل الناس هنا ,انس املدينة الكرث .و سألين عن الشجر اذلي ال زهر فيه و ال ّمار ,فقلت –ربّام -هو من نباهتم الضّ ار ,آتذبر ّي سلمي بيف كنّا يف حقلنا نزنع العشب الزائد من حتت س يقان احلنّاء؟ هذه آعشاهبا, آعشاب املدينة الضّ ارةّ .ث طفقت آؤل ّف احلاكّيت و الساطري لش بع فضوهل طوال مشينا ّ حت بلغنا دار املندوب اليت يتقدّهما درج عال بس ّجاد آمحر و بيارق منثورة عىل جانبيه .تبعنا آيب اىل داخل ادلار و اكن يتوقّف عند ماكتب ا ّ ملوظفني يف ّ لك ّمرة حت بلغ آعىل املبىن و كنّا بصحبته .هناكل ,طلب منّا انتظاره عند انفذة ببرية و دخل هو جحرة املندوب. ّ وقف سلمي عند النافذة و وقفت خلفه ممساك بكتفيه من رهبة االرتفاع .كنّا اكملعلقني يف ا ّلسامء و الزجاج يلفّنا من ّ لك صوب .و اكن عند آقدامنا ذكل املشهد اذلي لن آنىس آبدا تفاصيهل .ساحة بساحة قريتنا لكهنّ ا آكرب و داككني حتيط هبا اكليت عندان و لكهنّ ا آكرث و بناّيت مرشفة علهيا ببيوتنا ولكهنّ ا آعىل بل ان ّين الساحة الكبرية آحسب آن آصغرها آكرب من بيت الش يخ عبد اجلليل اتجر القرية .و اكن يتوسط تكل ّ حفرة اكخلندق .حفرة عىل جانهبا درج يفظي اىل آسفل و حييط هبا جدار قصري من ّالرخام و الفتات كثرية .اكن الناس يظهرون حبجم النّمل و اكنوا يدخلون احلفرة آفرادا و يغادروّنا يف آرساب .اكن االجعاز مص آذنيه و كنت آان آشري هل بس بابيت اىل الراقصني يف املشهد قد متكّن من آيخ سلمي فأخرس لسانه و ّ يف طرف الساحة و العازفني ,و آشري اىل ابعة احللوى و اىل فتيات املدارس ذوات التّنانري القصرية و احلس و االدراك .و آان سلمي ّ الصغري ال يأبه محلايس .اكن مشدودا للحفرة الكبرية اكجملذوب ,كن ّه فقد ّ اكملهرج. آ ّلوح هل يف الفضاء ّ ظللنا عىل تكل احلال من اذلهول و حالوة االكتشاف اىل آن قاطعنا صوت آيب الرخمي بأن حان وقت لكن سلمي آيخ تس ّمر يف ماكنه و آخذ يشري بيده اىل احلفرة مردّدا بصوت عال "بري ,بري" منهبّ ا العودة ّ ّ لك من اكن يف الصاةل .فوثبت عليه لكمت صوته بباطن كفّي و اكتفى آيب ابلضحك و املشاهدة. الرصاخ .حفدّثته عن "ّي للفضيحة" قلت بصوت خافت ّث اّنمكت آؤلّف القصص لسلمي حت آلهيه عن ّ ما اكن قد نقل لنا س يدي املؤدب يف القرية عن آخبار الساموات و الرضني .فقلت آن تكل احلفرة انّام 3
الس بع .و آ ّن آهل املدينة مل يمتكّنوا من اخرتاق الرض فقط بل يه ّبوابة تفيض اىل احدى الرضني ّ السامء كذك .و كنت لكّام آش بعت فضوهل يف آمر اس تدرك يسأل عن املزيد حت وصلنا القرية حضى .و ّ رآيت سلمي يف تكل ال ّّيم يومئ للبرئ وسط ساحة السوق و هو حي ّدث آترابه كام اكن يومئ للحفرة العظمية وسط ميدان املدينة و عيناه ترشقاّنا بنظرات التساؤل و الفضول .و آحسب آن ّين حلظته غداة عند البرئ يعتيل بعضا من الطوب و حيدّ ق حنو السفل يف ذهول .ل ّعهل اكن يتطل ّع لن يرى بعضا من ضويل وحمظوظ .آجزم آن ّه ينعم الن يف السفليّة اليت ح ّدثته عهنا .آهّ ,يهل من فت معامل احلياة ّ فضويل ..ف ّ ّ آحد املساحب الكبرية هناك ,و حنن هنا عطىش تتثاقل خطاان يوما بعد يوم.. ها آان آصل احلجرة عند آ ّيم ,حي ث اكنت تربم احلبال و ترصف سالل احللفاء اس تعدادا للسفر .آجلس عند رببتهيا و آمسك بكفّهيا ّ حت تنتبه يل من رسحاّنا ّث آابدرها املقال: "آيب يقول آن ّنا س نلحق بسلمي هذا املساء" السفىل يف ابطن ثغرها و تتهنّد بصوت مكتوم ح ّد فتتّسع عيناها جفأة و ينقبض وهجهاّ .ث تغرس شفهتا ّ بين .ان ّام يه مسأةل وقت" االختناقّ .ث تقول "س نلتحق به ال حماةل ّي ّ مل نرحل يف تكل اللّيةل .توقفت العربة آمام اببنا و دار بني آيب و سائقها حدي ث عن البرئ و سلمي و عن لكن آيب آشار علينا العودة اىل القرية بعد رفع اجلسم الغريب و صفو املياه .و مهمنا ابخلروج آان و آ ّمي ّ ابنتظار الغد فق ّد فضّ ل آن يرسل عائةل آخرى ممّن دآب عىل ايثارمه من مساكني القرية .و بتّ ليليت آحمل بأيخ يف مس بح املدينة الكبري ,يبتسم يل بوجه تشوبه ّالزرقة و عينني يغشوها البياض وهو ميل منصة ببرية ببيت املندوب فيعتلهيا ّث يزنل تبّانه ّمرة واحدة و فاه ماء و ينفره حنوي ّث يسابقين حنو ّ فتعم الفوىض و هيرع بعضهم لهنره يرشع يف ال ّ تبول داخل حوض الغطس ,حي ث اكن الناس يس تح ّمونّ , ّ جيرها آانس مألوفو الوجوه عندي ,مكبّلون ابحلبال و دون جدوى و يرحل آخرون مس تقلني عرابت ّ تعرفت فهيم عىل اخلال حمسن و الع ّمة ّيمنة اليت اكنت تسحب بك ّد متأبطة ّقطهتا الحزمة .آحسب آن ّين ّ و قفص ادلجاج. ّ و اكنت ختطر ببايل -طوال تكل الليةل -آشاء كثرية من بيهنا آ ّن آمرا ما جلال قد حدث هنا يف بيتنا و آن ّين آان آخر من يعمل.
4