أصوات السنة الخامسة
العدد السادس تصوير :نضال جوابرة
احملتويات مفهوم املقاومة الشعبية لكن ال مكان للجبناء بني أهل القرية أخبار مسرح احلرية ابنتي تدعى صمود طموح املقاومة الشعبية في توانة هنا األغوار اجتياح طعم آخر للنجاح أريد أمي طفولة ثم إصرار األغوار توانه النبي صالح وبالعكس أشجار وذكريات التحدي املرابطات هن اجلبارات طابون أم اخلير صدى األماكن أمهات ثائرات
سعاد شواهنة منال فزع منال فزع سعاد شواهنة منال فزع سعاد شواهنة سعاد شواهنة سعاد شواهنة منال فزع منال فزع منال فزع سعاد شواهنة سعاد شواهنة منال فزع منال فزع سعاد شواهنة منال فزع
1 2 3 5 6 7 8 9 10 12 13 14 15 16 17 18 19 20
مفهوم املقاومة الشعبية الوقوف ضد االعتداء والمعتدي لمقاومته عن طريق عدم التعاون واإلضراب والمقاطعة ،والمقاومة الشعبية بمعناها اإلجرائي تجعل من كل فرد مقاوما تبعا لموقعه ،إذ يشارك جميع شرائح المجتمع في هذا النوع من المقاومة من خالل االحتجاجات الجماعية ،المواكب، التجمعات الشعبية ،المسرح والموسيقى ،واألعمال الرمزية ،والمقاطعة االقتصادية ،والتصريحات الرسمية ،و تكريم الشهداء.
شخصيات عالمية استخدمت المقاومة الشعبية سبيال للتحرر
مارتن لوثر كينج
زعيم أمريكي من أصول إفريقية وناشط سياسي إنساني ،وأحد المطالبين بإنهاء التمييز العنصري ضد السود ،وفي عام 1964 حصل على جائزة نوبل للسالم ،وكان أصغر من يحوز عليها .اغتيل في الرابع من أبريل عام ،1968واعتبر مارتن لوثر كينج من أهم الشخصيات التي ناضلت في سبيل الحرية وحقوق اإلنسان.حيث حارب مظاهر التمييز ضد الزنوج كمنعهم من الجلوس في الحافالت إال في الخلف و إجبارهم على ترك المكان في حال دخول رجل أبيض .واتخذ كنج هذا األمر وسيلة للكفاح الالعنيف عن طريق مقاطعة السود للحافالت ،وقد استمرت هذه المقاطعة ما يزيد عن سنة اعتمد فيها الزنوج على أساليب سلمية عديدة. مهاتما غاندي
تحرير :منال فزع و سعاد شواهنة إشراف و تصميم المجلة :محمد معاوية
بدعم من
هو الزعيم الروحي للهند ،والزعيم الروحي للثورة السلمية التي أدت إلى استقالل الهند عن بريطانيا .وهو رائد الساتياغراها وتعني العصيان المدني .وقد استخدم ذلك في جنوب إفريقيا ثم عاد واستخدمها في الهند عام 1915 .قام بتنظيم مجموعة من االحتجاجات من قبل الفالحين والمزارعين اعتراضا ً على الضرائب المفرطة والتمييز في المعاملة ،كما بدأ حملة لتحقيق الوئام الديني وتدعيم حقوق المرأة ونبذ الفقر .بعد تجربة غاندي في جنوب أفريقيا ضد التمييز العنصري ،عاد إلى الهند وهو يفكر بطريقة للخالص من االحتالل البريطاني وتبني الطرق السلمية التي تضمنت أشكاال من حركات التمرد والعصيان المدني والمقاطعة للنسيج اإلنجليزي و كسر قانون الملح -وهو القانون الذي كان يقضي بفرض ضرائب على الملح الذي تنتجه الشركات البريطانية فقط -وتوجه إلى البحر ليستخلص الملح منه ودعا الشعب الهندي للمشاركة في هذا األمر وفي عام 1930كانت مسيرة الملح وامتدت 26يوماً.
1
لكن ال مكان للجبناء بني أهل القرية منال فزع
على مدخل القرية جاءت الشاحنة التي ترمي المياه العادمة في كل مكان ،على األسطح واآلبار واألشجار حتى أنا لم أسلم منهم، ُ تصديت لهم مع الشباب هاجمنا جنديٌ اختبأ خلف الشاحنة ،وبدأ بإطالق النار باتجاهنا ،فخانتني اإلصابة في قدمي ولم أستطع حينما ُ عجزت عن الركض ،والصراع أكل تفكيري ،أريد أن أتجاوز عن الظلم وأكسر الوجع ،و لكن لم أستطع ،فغسلتني الشاحنة الهروب، بالمياه المخضرّ ة التي ال وصف لبشاع ِة رائحتها. ُ أقوى على وجعي وإصابتي ِبحُب النبي صالح ،ال أريد أن أخسر قدمي ،لكن ال مكان للجبناء بين أهل القرية ،أصبت ست مرات وفي ت في ُغرفة اإلنعاش ،وهناك رصاصة ال تزال في قدمي ،صِ ُ ُ َ الموت عدة مرا ٍ رت لما أراهم رأيت أول مرة كان عمري 11سنة، يُهاجموننا أرتجف ،وعليَّ أن أتقدم وأتصدى لهم. عال حُرقة الوطن ،أو حتى أنا وهو وهي وكل سكان النبي صالح مستهدفين ،إن كنت على الجبل أو في المدرسة أو ُتغني بصوت ٍ تذهب لزيارة أقاربك سيهاجمونك ،ويعكرون صفو يومك ،ألن غايتهم إيذاءنا حتى عيوننا ال يجوز لها أن تلمع فرحا ً بأي شيء. حينما يكون الوجع كبيراً ال يمكننا أن نحبسه بداخل قارورة زجاجية أو حتى بالستيكية مرنة ،فاالحتالل نقم ُة حريتنا التي نحلم بها الخروج واللعِب دون الغازات الخانقة ،لكننا رجال كل يوم جمعة على الجبل أو البوابة ،وروح األطفال المُشاكسة تصارعنا تري ُد َ حجر موجود على األرض ونضربه نتحدى الظلم والقتل واالعتداءات التي ال تترك لنا شبراً وال نفسا ً بيننا إال وتقتحمه ،نستغ ُل آخر ٍ نهز أجسادهم ّ أنا وصديقي في النضال ،علّنا ُّ الرثة ،ومهما كثرت اإلصابات والوجع كبير ،الضربة التي ال تقتلك ،بالطبع ستقويك.
تصوير :أسيل أبو بكر
2
أخبار مسرح احلرية معرض “حرية” : نطم مسرح الحرية معرضا للفن التشكيلي بعنوان “حرية” وجاء افتتاح المعرض بعد دورة تدريبية شارك فيها عدد من الفنانات الشابات ،إذ خضعن لتدريب ممنهج علمي حول الرسم واستخدام األلوان الزيتية والرصاص.
مخيم صيفي لألطفال: أقام مسرح الحرية مخيما صيفيا لألطفال ،استمر عشرة أيام في الفترة بين 2015/7/26وحتى 2015/8/5وتضمن المخيم تدريبات حول الدراما والمسرح واستخدام اللعب في التعليم.
مسرحية الحصار: افتتح مسرح الحرية في الرابع من نيسان مسرحية الحصار ،بالتزامن مع الذكرى الرابعة الغتيال جوليانو مير خميس -مؤسس مسرح الحرية ومديره في العام ،2011كما تزامن افتتاح المسرحية أيضا مع ذكرى اجتياح السلطات اإلسرائيلية لمخيم جنين في العام ،2002وحصار كنيسة المهد في بيت لحم. مسرحية الحصار تعرض مجموعة من القصص الحقيقية لمقاتلين مستوحاة من تجارب المقاتلين الذين حوصروا في كنيسة المهد خالل االنتفاضة الثانية عام ،2002حيث التقى مخرج المسرحية نبيل الراعي بعدد من المقاتلين الذين تم نفيهم إلى أوروبا ،واستمع إلى قصصهم ونقل جزءا من صمودهم خالل هذا الحصار في عمله المسرحي حصار بمشاركة المخرجة البريطانية زوي الفرتي. مثل هذه المسرحية ممثلو مسرح الحرية الذين كبروا خالل االنتفاضة الثانية ،وعاشوا حياتهم تحت االحتالل ،كما شارك في التمثيل عدد من الممثلين من الضفة الغربية واألراضي المحتلة عام .1948عرضت مسرحية الحصار في مناطق مختلفة في الضفة الغربية ،والقت صدى واسعا في وسائل اإلعالم المحلية ،كما عرضت المسرحية خالل جولة مسرح الحرية في المملكة المتحدة وهذا حقق انتشارا عالميا للمسرحية ،وترك أثرا مميزا وردود فعل عالمية مثيرة.
3
ابنتي تدعى صمود منال فزع
ال تغرك اإلرادة المشدودة كمسمار صدأ في الجدار وانثنى، فالوج ُه تملؤه التجاعيد ،والعيون ال تزال تحتفظ بشكل العنف واندفاع الدبابات هناك ،الشمس قاسية في الخيمة وال ترحم، وصورة أبي وأمي في المكان الذي نتنقل حتى نجمع دفأنا وقوتنا والوطن ،هنا الحديدية ٌ جنة منحني إياها ربي على أرضه ،لكنها الجنة القاسية الموحشة كما االستيطان. الرقم القياسي في عملية الهدم، أبو صقر بشارات صاحب ِ يهدمولي وأرجع أبني أقرب على المستوطنة أكثر ،حاليا ً بيننا 400متر ،وتكررت العملية ست مرات وإرادتي ما ضعفت، إذا أن رح أضعف وأرحل غيري رح يضعف متلي ،أنا إبن الحديدية وفش قوة بتطلعني منها. في أول هدمة صادرلي الضابط صهريج المي ألنها من بين األشياء الي بتحيينا ،وفاوضني على ورقة تنازل عنه إذا طلعت من الحديدية ،حكالي ارحل من هون ورح تأخذ حقك بالكامل، قلت له مبروك عليك ،سألني شو يعني ،قلت له من الحديدية مش
يف 2005كانت رابع هدمة، �أجى جيب التنظيم بالليل علي اجلندي� :أبو �صقر نادى ّ معك � 24ساعة ،اخلي 4
طالع ،الرزاق هو هللا والمي من السماء ،لو قطعت عني المي مش رح أموت من العطش خير هللا كثير ،المستوطنين دائما ً بحطوا حشيش مسمم للغنمات أو بوخذوهن بحجة إنهم قراب عالمستوطنة ،حتى إذا سمموهم بقني غيرهم ،أنا زرعت شجرة الزيتون بالحديدية وبسقيها على حسابي ،إحنا منمكن األرض وحق وجودنا بشجرة الزيتون. في 2002ثاني هدمة كانت الدنيا شتاء أجى مسؤول اإلدارة المدنية وبجانبه مسؤول عسكري ،سألته لما ت��روح عبيتك ويشوفوك أوالدك مغبّر رح يسألوك وين كنت ،رح تقلهم كنت بهدم ببيوت فلسطينية ورح يطيروا من الفرح ،وبنفس الوقت رح يسألوني أوالدي مين هدملنا بيتنا رح أقلهم اإلسرائيليين ولما يعرفوا قديش حاولوا يشردونا رح يضلهم يقاوموكم للموت. وفي ثالث هدمة ،عرض عليّ أنور الضابط الدرزي انتقل على عاطوف أو عالمالح بس رفضت ،كنت وقتها محضر خيمة من الخيش ،بعد ما هدموا نصبته وعاودوا رجعوا عليّ وتفاجئوا كيف نصبته بالسرعة هاي ،قلت له لو تهدم مئة مرة رح أرجع أنصب الخيمة. في 2005كانت رابع هدمة ،أجى جيب التنظيم بالليل نادى عليّ الجندي :أبو صقر معك 24ساعة ،اخلي. وقتها احترت زوجتي صابها مخاض الحمل ،أروح معهم وال أبقى أتصدى للهدم ،وقررت أروح مع زوجتي على المستشفى عشان أكبر بأذن بنتي صمود إلي كبرت قلوبنا بجيتها ،ومن وقتها وإحنا صامدين أكثر ،وفرحتنا كبرت بصمود وصمدت الخيمة معنا أكثر ،فش مكان بوسعنا بالعالم قد خيمتنا ،بكفي إنها على أرضي وأرض أبوي وجدودي. في الهدمة الخامسة كان إرادتي أقوى مش رح أبين إني ضعيف ومغتاظ ومعصب ،قلت لزوجتي تعمل كاسة ش��اي ،قعدت وشربتها والدبابات مقابلتني جاي تهدم ،بس ابتسامتي بوجه قهرهم بتهز كل وجود اليهود. آخر هدمة قربت عالمستوطنة أكثر مش رح أتراجع عن مكاني وحقي باألرض هاي ،فش أرض بتوسعني أكثر منها ،ال400 متر أكيد رح ينقصوا بالهدمة إلي وراه��ا ،هدفنا نقهرهم بوجودنا وصمودنا. الحياة الكريمة إنك تعيش بحرية ،شح المي والكهرباء والخدمات الصحية وكل شيء ما بساوي إنك تقاوم وتبقى بأرضك، صحيح ما عايشت التقدم الموجود ،لكن إذا بدنا ننصاع للسياسة اإلسرائيلية فلسطين كلها ممنوع نضل فيها ،بحسب قرارات محكمة العدل في 2006سكان الحديدية كلهم غير شرعيين، وممنوع عنا كل شيء ،بس وال قوة بتزحزحنا عن بلدنا وخيمتنا.
تصوير :براء شرقاوي
5
طموح سعاد شواهنة
كان لألسماء وقعا مختلفا في روحها ،عاشت أيامها تسمع صوتا يناديها ،قضت اللحظات تعد لزفافها من أحد أبناء الجوار في خلة المية ،ثوبها األبيض ،أحمر الشفاه الكرزي ،وابتسامة مختلفة رسمها على شفتيه كانت كافية الكتشاف روح أخرى ،ومكان آخر. دفعها القدر إلى تلك األسئلة عن قرية في الجوار ،كانت تسمع جدتها تدعوها” توانة” ،سعادة لم يترجمها إال العناق بدت على وجهها حين عرفت أن لزوجها وعائلته بيتا قديما هناك ،كأن لروحها عمراً آخر ،دفعت نفسها إليه إذ قررت السكن في بيت العائلة العتيق ،أعدت نفسها ،رتبت أروقتها ،أوانيها ،وعلقت بعض اللوحات ،والصور ،وأوشحة مطرزة ،وتركت شباكها الخشبي مواربا على فناء ترابي واسع ال زالت تفكر بزرعه ،أي ورد يناسب طوب البيت القديم ،حجارته العتيقة ،وشبابيكه الخشبية. يوحي المكان بهذا الدفء الذي تصنعه مساحة ضيقة ،ببسمة وكثير من الكلمات طوت انتصار إحساس غربة تتركه مسافة بضع كيلو مترات بين قريتها ومنزلها الجديد .تكتشف في األيام روحا أخرى ،كانت تنتظر مولد ابنتها فرح ،تسمع ارتداد صوت الوقت في روحها ،إذ تنتظر حضور الطبيب إلى العيادة في زيارته األسبوعية ،فال يوجد عيادة دائمة وطبيب يتواجد يوميا في البلدة ،تجتاز انتصار تلك المسافة القصيرة الطويلة في آن إلى يطا حين يدفعها القلق لالطمئنان على جنينها” فرح” ،و تستعين بأحد الجيران ليقلها بسيارته ،إذ ال يوجد مجمع للسيارات العامة ،وال سيارات عامة في مكان بهذا الصغر والهدوء. كان مكانها مساحة للحلم ،للتأمل ،للولوج إلى الروح ،غنت لفرح، فكرت بها ،حلمت لها بلحظات أفضل ،هكذا بدأ حلم انتصار
بتأسيس روضة لألطفال ،ستكبر فرح ،سيكبر أبناء القرية، سكنها هذا الهاجس تسعة شهور ،ووضعته اقتراحا بين كفي رئيس المجلس القروي ورجال البلدة ،فهي تؤمن أن األحالم ال تنتظر ،األحالم تصنع بإرادة الروح .رممت وأبناء القرية كهفا صغيرا ،لونته ،رتبت أرجاءه ،زينته بالرسوم ،باألضواء القليلة التي تصل إلى البلدة متسللة من بلدة مجاورة ،وجهزته ببعض الماء ،البدايات البسيطة ترسم في النفس صورة لوجود آخر ،لحلم أكبر. بإرادة أم كانت معلمة وملهمة لطالبها بدأ مشوارهم في كهف صغير ،قلق هو حلمها دوما ،تعيش قلقا على طالبها الصغار، وتحيا قلقا وترقبا إذ تخشى أن يتعثر حلمها وتتوقف الروضة عن العلم ،تخشى انتصار متابعة التربية والتعليم ،إذ ال يصلح الكهف مكانا للطالب ،بهذا القلق وهذا الحب بدأت القرية تبني روضة لألطفال ،لم يكن الحصول على تمويل لبناء الروضة سهال ،لكن مؤسسات دولية ساندت الفكرة ،هكذا بدأ البناء ليكون جسرا للبقاء والتحدي ،وعنوانا للمقاومة ،هكذا صار لألطفال عمر أجمل يحيونه ،ومستقبل أكثر جماال يفتشون عنه. حين تنظر انتصار إلى روضة األطفال في طريق عودتها إلى المنزل ،ال تستطيع أن تنسى ذلك اليوم الذي قضته ليال مرابطة تفترش جسدها فوق قطع الحديد ،وبين أكوام الطوب لترد عن المكان خطرا بالهدم يهدد روضتها ،إذ تتربص آلة عسكرية اسرائيلية في المكان .كبر الحلم بأبناء القرية ،صار روضة يقف أبناؤها يبنون أحالمهم بروح طفل يكبر حلما.
تصوير :أسيل أبو بكر
املقاومة الشعبية في توانه منال فزع
حدّ ثنا عن وجودك هنا؟ ُ سكنت في توانة بعد جدي وأبي ،بلدنا بالتركية تعني “استنى”، وبالطبع هي بوابة لمنطقة الجنوب ل 25قرية ،أنا ولدت في ُ ورثت غرفتين مغارة وحتى اآلن أحافظ عليها منذ زمن جدي، قديمتين عن جدتي ،فحميتهما بتراث األجداد وفلسطين ،وهدفي أن أُعلم أبنائي أن يبقوا هنا ويتمسكوا بهذه األرض ،نحن نعيش هنا عن ج ِد جدنا ،ولن نغادر ،من الصعب أن تترك مكانا ً عشت فيه ونشأ قلبك على حبه.
ما سبب تواجد األجانب في القرية؟ ال يوجد مراكز تعليمية سوى في قرية توانة ،فتضطر القرى القريبة إلى إرسال أبنائها إلى قري ِة المدرسة في توانة ،رغم تعدي المستوطنين المستمر لهم ،في عام 2004عندما تعرض أحد األمريكان الذين جاؤوا لمرافقة الطالب من قرية طوبة التي تقع بين مستوطنتين ،كسر المستوطنون رجل أحدهم بالعصاة، واآلخر أُصيب في وجهه فما كان من مؤسسة “سي بي تي” أن تبعث أفراد مهمتهم توصيل األطفال لمدارسهم كل صباح.
ما هي أبرز مواجهة لك مع المستوطنين؟ في منطقتنا يوجد خمس مستوطنات كبيرة ،ومِثلُها صغيرة أو عشوائية تدعى ”كرفانات” ،التي تسبب لنا مشاكل دائمة ؛ كتسميم اآلبار ،وتخريب المزروعات ،والسيطرة على األراضي. في 2005قمنا بتشكيل نواة حتى نقاومهم بعدما رأينا سيطرة المستمر لهم ،توجهنا لألرض في المستوطنين ودعم الجيش ِ منطقة الخروبة التي تقع بعد توانة في شهر أيار للحصاد، واألرض بحسب الخرائط هي من حقنا لكن قربها من مزرعة مستوطنة “ماعون” كانت تسبب لنا المواجهات المستمرة، ذهب بعضنا للحصاد والبعض اآلخر لرعي األغنام وآخرون يحرسوننا من هجوم المستوطنين المفاجئ ،وكالمعتاد هجموا علينا وأبلغونا بأن علينا أن نغادر المكان ،فتغلبنا عليهم بالكثرة والكاميرات التي توثق األحداث ،وجاء جيش االحتالل بعد وق ٍ ت قصير فتوجه للناس ولم يجيبوه ،فحدثني حتى ُنغادر المكان، ُ ُ أراض تابعة لنا أحتفظ بخارط ٍة ُتثبت أننا في كنت وألجل الحظ ٍ ليس من حقهم إخراجنا ،فلم يستجب وهددنا باالنسحاب خالل 10دقائق ،ولكثرتنا تأخرنا باالنسحاب فاستخدموا العنف ضدّنا، ّ ومزق الضابط الخارطة واعتقلوني لمدة يومين ودفعت غرامة
ما دوركم كلجان شعبية في حماية حقوق المواطنين؟ نحن كلجان شعبية نعمل على متابع ِة األوضاع بالتناوب ،ففي شبان تقريبا ً في أوقات فراغهم لمتابعة كل تجمع يتفرغ ثالث ُة ٍ األوضاع ،باإلضافة إلى استخدام الضغط والمناصرة للحصول على حقوقنا ،ونوصل مشاكلنا للمؤسسات الدولية وللسلطة عن طريق المحاميين ،ونشكل خيمات اعتصام مثلما يحدث في قرية سوسيا المهددة بالترحيل بحجة قربها من المستوطنة ،واإلدارة المدنية ومؤسسة “راجافيم” لحقوق المستوطنين جمعت قواها في تصديها لنا لكننا نجحنا في عدم تنفيذ قرارهم حالياً. وفي عام 1995رحّ لوا خمسة تجمعات فاستقبلتهم قريتي توانة والكرمل لمدة سنة ،وألن من حقهم أن يعودوا توصلنا للكنيست اإلسرائيلي في تل أبيب وقمنا بالمفاوضة ،وتمكنا بعد التعرض لمحكمة العدل “الظلم” اإلسرائيلية بأن ُنعيد أهالي القرى المرحلة ،وناشدنا مؤسسات عالمية ومؤسسة التعايش السلمي “برشن دوف” لحماية المواطنين. نحن نناشد من يريد أن يعرف معاناتنا أن يأتي لزيارتنا“ ،الحكي مش متل الشوف”.
بحُجة التعدي على المنطقة.
6
7
هنا األغوار سعاد شواهنة
تبدو المفاهيم مختلفة هذا النهار ،عهد ترمي حقيبتها بعد مشقة مشي طويلة من مدرستها في تياسير إلى الجفتلك ،لم تستطع اليوم أن تستقل الباص الصغير المزدحم في طريق العودة ،فقد كبرت عهد ،كثرت عدد الحصص الصفية التي عليها تلقيها ،هكذا أصبح يفوتها موعد الباص في طريق العودة، فتجتمع مع صديقاتها ويعدن معا سيرا على األقدام. بعد عصر هذا اليوم جلست مع صديقاتها في خيمة أعدت لعرض مسرحي بعنوان”محكمة” ،اتخذت زاوية منفصلة بعيدة عن األوالد وشغبهم كما يفعلن في الصف ،إذ يجلسن معا في الجهة اليمنى ،بينما يجلس األوالد في الجهة اليسرى من الصف ،وقلما يتبادلون األحاديث .تعد مشاعل نفسها للبدء بالحديث قبل العرض ،وجهها القمحي يشي بابتسامة دافئة ،عهد تنظر إليها بإعجاب ،أحبت حديثها عن نفسها ،لقد تحملت مشاعل تلك المسافة صيفا ً وشتا ًء لتصل المدرسة ،تابعت دراستها في تياسير و في طوباس حيث درست المرحلة الثانوية ،وهي تدرس في الجامعة اليوم وتقطع تلك المسافة بين األغوار وبيت لحم أسبوعيا لتدرس الفنون ،وتصوغ الفن لغة تحكي بها عن األغوار في مسرحية وفي ألوان لوحة لم تكتمل بعد. لم تكن التقنيات الصوتية عالية الجودة ،ال منصة للعرض ،ما من بروتوكوالت مسرحية ،بهذه البساطة تحدثت المسرحية عن األغوار ،العمل ،الدراسة، األطفال ،الحلم ،المكان الضيق الواسع في آن ،كانت أصوات الماعز تتداخل مع أصوات الممثلين ،وتمر بعض النساء يلقين التحية في طريقهن إلى نبع يمألن الماء منه ،انتهت المسرحية بال ستار يسدل في نهايتها .كانت ابتسامة مشاعل الستار األجمل لختام المسرحية وسط الكثير من التصفيق. اقتربت عهد من مشاعل“ :أنا بحلم أصير مثلك ،بدي أكمل دراستي ،بس طريق العودة صار أصعب وفيه قلق لما كبرت” .ربتت مشاعل على كتفها وتابعت عهد“ :من لما وقفنا مستوطن أنا وصاحباتي وإحنا مروحات من المدرسة وقلنا تعالن أوصلكن ،وأمي بتقولي بيكفي مدرسة ،خلص أحسن ضلي ساعديني بالبيت حتى تتزوجي ،المستوطن ما كانش بدو يوصلنا أكيد، هو بهموش نوصل ،يومها ركضنا كتير ،هربنا أنا وصاحباتي ،حملت بوتي وركضت بسرعة ،ما بعرف ليش حسيت إني ممكن أكون أسرع بدون بوت. ابتسمت مشاعل“ :حاولي عزيزتي حاولي ،ليس أحلى من أن تصبح أحالمنا حقيقة” .كانت مشاعل تقول هذا وهي ترى مسرحيتها القادمة ،قصتها، وموضوعها الذي ال يبرح األغوار “ :هنا األغوار مرة أخرى”.
اجتياح سعاد شواهنة ال ندرك كيف ترسم تلك األحداث القاسية لنفسها مكانا في يوم عادي ،تعلم رشدي من والده أن يشد وتد خيمته لتقف صامدة شامخة بقماشها الرث وأعمدتها المتهالكة لتبقى شوكة عالقة في عنق المستوطنة في الحديدية ،تعلم كيف يكون مستعدا لنصبها في كل مرة تطال فيها آليات االحتالل اإلسرائيلي من الخيمة. يحتفظ والده بأرض صغيرة يناضل كل يوم بحدة ،بكبرياء ليبقى محتفظا ً بأرضه بعيداً عن شبح مصادرة االحتالل لها ،يبذرها، ويزرعها ،يعتني رشدي باألرض في عطلته المدرسية ،ركب رشدي الجرار الزراعي كعادته ،وراح يحرث ويرتب أرض والده ،يقول والده دوما أن الغور جنته التي ال يستطيع العيش بعيدا عنها للحظة واحدة ،فلسطين تحتدم ،المكان مشحون بالقسوة ،غزة مكان صاخب ،يرتد صخبه على األغوار. كان يوما قاسيا ،وقع رشدي فيه عن الجرار الزراعي ،والجيش يرتعد خوفا ويمنع سيارة اإلسعاف من اجتياز الحاجز ،رشدي يحارب الموت تحيطه لهفة والدته ،وقلق أبيه ،وهو ينزف ،ووالده يسابق الموت إليه ،رشدي ينزف والمكان قاس ،ال طبيب في الجوار ،وسيارة اإلسعاف ال يسعفها القلق ،تحاصرها اآلالت العسكرية وفوهات أسلحتهم ،ينزف رشدي بين ذراعي والدته، ينزف حتى يخطفه الموت .تبكي أمه بحرقه ،تتألم بقلق ،يخفي والده دموعه ويطلق صرخة عالية كأنه يريد لرشدي أن يسمعها في سكونه “ :أنا من األغوار ،هنا سأبقى ،في خيمتي المهددة بالهدم ،وأرضي المهددة بالمصادرة ،خسرتك رشدي ،رحلت رشدي أنا أمك إخوتك سنبقى وفاء لألرض لروحك للتراب حبيبي” .
تصوير :براء شرقاوي
8
9
طعم آخر للنجاح
سعاد شواهنة
في قلق المكان وألمه يجد رشيد دراغمة لنفسه روحا مختلفة في األغوار المكان الذي ولد وكبر فيه ،وعاش قسوته ،وتعلم فيه كيف يصنع من بقائه لغة للمقاومة ،يزرعها في أذهان األطفال والشباب. يروي دراغمة كيف وقفت مؤسسة التضامن الدولي ومركز معا التنموي ومن خالل حمالت عديدة أطلقوها مثل حملة انقذوا األغوار في مواجهة سيل من محاوالت التهجير وطمس الهوية ،وقتل اإلرادة في عيون األطفال .وإذ كنت أحدثه شعرت أن لديه القدرة على السير معصوب العينين في األغوار دون أن يتوه لحظة ،أو يتعثر بحجر. في عتمة الليل بنى رشيد وأيد فلسطينية ساهرة مئتي بيت .يتذكر هذا بفخر يشوبه القلق“ :استطعنا بناء مئتي بيت ،في المكان الذي يمنع البناء فيه” .وبتنهيدة تابع“ :مئتي بيت مهدد بالهدم من قوات االحتالل اإلسرائيلي في أي لحظة لكنها صامدة”. للطوب في األغوار حكاية أخرى ،ففي المكان الذي يمنع فيه البناء وال تتوفر فيه مدارس قريبة للسبب ذاته يقول رشيد“ :يسير األطفال مسافات طويلة للوصول إلى مدارسهم ،يمنع بناء مدرسة هنا ،وال نستطيع تعليم األوالد في في الخيام فالصيف حار ،والشتاء قاس متقلب”. يروي رشيد الناس والمكان واألغوار ،وال تخونه الذاكرة ،فال يسقط اسما ألي طفل أرقه الطريق إلى المدرسة ،فتسلل منها إلى حقل نخيل ،أو كروم عنب يعمل فيها ،ال ينسى شيخا آلمه ظهره وهو يرعى أغنامه ،وال يغفل عن سيدة كسر مستوطن يدها إذ تمأل الماء من عين ماء قريب من بيتها علها تعود وتطهو طعاما ألطفالها .يتذكر رشيد حقول نخيل صادرها االحتالل اإلسرائيلي وفرش نفسه فيها ،ومياه في جوف األرض يمنع التنقيب عنها .محموما بكل هذا لكنه يتذكر بفخر انتصارا دوليا لفلسطين حين أوقف بمساندة كبيرة من األهالي والعاملين تصدير بضائع شركة كريسكو كراميل اإلسرائيلية العاملة داخل مستوطنة من المستوطنات إلى الدول األوروبية ،يتذكر األمر كأنه حدث أمس” :كان األمر صعبا ،في عيون العاملين الفلسطينيين من أبناء األغوار في هذه الشركة رأيت صورا للقلق لالرتباك ،واالحتدام معا ،وقف العمال بين صورة األرض التي يحبون ،وبين صورة أطفالهم ،فذاك يحتاج حذاء جديدا، وذاك له ابنة يثقل ليله التفكير بسعالها ،واحتياجها المستمر للدواء ،لكنها األغوار ،المكان الذي يحبون ،وقف العاملون بعد تجاوز عناء ذاك التناقض أمام المحكمة ليدلون بشهاداتهم ،وبتلك األصوات نجحت مساعينا” .بهذا الفرح يقول“ :كان هذا في العام 2010 عملنا ثالث سنوات لنصل إلى هذا النجاح ،ورائع أن نستطيع ذلك ،نؤمن ،نبقى ،نحيا ،ونقاوم بصمودنا ،برسوخنا ،األرض واالنسان هذا كل ما لدينا من سالح لكننا باقون”.
تصوير :نضال جوابرة
10
11
أريد أمي منال فزع
ً وقبلة تزر ُع القوة وحب الحياة على جبينه وفي قلبه ،أري ُد أمي ،أعيدوا لي أمي، كيف يصحو الطفل من فراشه مبتسما ً دون لمسة أمه، أيام في حياتي. الدنيا تدور بي وأمي ال تربت على ُتوازن الثِقل في كتفي وتحملني ،كانت أصعب عشرة ٍ آذان الظهر يدّوي في شوارع النبي صالح ،أبي وأمي يعدّون أنفاسنا المرتجفة لنواجه بقوة أولئك الضعفاء وأسلحتهم ،مشينا معاً ،ثم وصلنا للجيل المقابل للعين ،كانت قنابل الغاز ته ُل باستقبالنا ومعها القنابل الصوتية وكلها خانقة وتدفعنا لالنتقام ونتقدمُ ،كلنا هناك أرض تضمنا وتحفظ تواريخنا ندافع عن حري ٍة لنا اغتصبها الجنود بالكراهية والقنابل التي ال إحصاء لها ،وال جمال بعد الدفاع عن ٍ المهمة وأعيادنا وبقاءنا وماذا نحب ،صرنا نحن الثائرات الصغيرات. ُبن أحدهم أن كان ابن عمي قريبا ً منهم ،تعدو عليه بالضرب لم أحتمل فهرعت لمساندته وتخليصه من بين أيديهم ،فما كان من ج ِ يرمي بي على جنديٍ آخر ،ولشدة خوفه ضربني بالسالح على رأسي ،ابتدأت الدنيا تدور بي وال أسمع سوى صدى صوت أمي تسألهم “ :ليش ضربتوها ؟ “ ،وبالنهاية يعتقلونها ،فضعفت كل إرادتي وقلبي بدأ يتلوى ،ال أريد أن أكون سببا ً في اعتقال أمي ،أري ُد أمي ،أريد أن أعيدها لكنني عاجزة وأفقد وعيي تدريجياً ،وبعدها صحوت وأنا في المستشفى دون أن أكترث للوجع فقلبي ذهب مع أمي. عندما تصحو من نومك في تمام الساعة الثالثة أو الرابعة صباحا ً على أنفاس كالب التفتيش وهم يعبثون في كل زوايا المنزل ،يأخذون أوراقنا المهمة وكل شيء من الممكن أن نستفيد منه ،ويكبلون أبي ويعتقلونه لمدة سنة بحجة أنه أحد المحرضين على مقاومتهم والخروج في المسيرات. عندما يمنعنا االحتالل من الفرح ويسرق تفكيرنا بهم الكثير من لحظات عمرنا ،وحينما يوجد في كل بيت شهيد أو أسير أو جريح، لن أشعر بالخوف ،أنا قوية ،أبكي بحرقة على عمي الذي استشهد أمام أعيننا ،ويتكور في داخلي الشعور الغريب الذي يدفعني فقط لالنتقام ،ما بال القسوة ال تغادر البراءة التي تسكننا ،واجبي أن أذهب ألثور وأرمي ثقل الوجع في وجوههم بالحجارة ،أرف ُع هامتي بين أسلحتهم ،الطفل الذي بداخلنا خرج في يوم ثورتنا على الظلم.
تصوير :أسيل أبو بكر
12
طفولة ثم إصرار
منال فزع
في توانة تعجز أن تقف جنبا ً الى جنب وتسير متفاخراً متوازنا ً بثقلك كقو ِة الشباب الصغار هناك ،كل شي ٍء بات محتل تعت ُل إنسانيته ،ما عليك فقط عاديا ً ما دام يصد ُر من ٍ إال أن تسمع وتنسج في مخيلتك صور ًة لشباب فلسطين الباقين وحتى إن تفاوتت معاناتهم ف ُكلهم أبطال ،يتصدون ب الوطن والمقاوم ،وال ألفعال المستوطنين فتكب ُر قلوبهم ِب ُح ِ عوامل تزيحهم قيد أُنملة عن صف بلدهم األم الروحية لهم. سامح العدرا 15عاما ً والشجاعة تقد ُر بأضعاف ع��م��ره“ :أواج���ه اع��ت��داءات مستمرة من المستوطنين وخصوصا ً حينما أذهب لرعي األغنام”. ٌ ومجموعة من وموقف تحديه ضمن المجموعة :لوّ نا أنا مخيم أصدقائي في القرى المجاورة إطارات السيارات خالل ٍ صيفي على شكل علم فلسطين عند شارع خربة “المفجرة”، وهي إحدى التجمعات التي تعاني من مواجهات مستمرة مع المستوطنين ،فما جاءنا به قهرهم من وطنية أهل مسافر يطا الزائدة أن سرق أحد المستوطنين اإلطارات وهرب به إلى المستوطنة ،فتجمع حشدنا وذهبنا السترجاع العجل الذي أبيّنا أن يستبدلوه بغيره ،وكانت إرادتنا أقوى ،فأعادوه، سامح يقول“ :هاي أرضنا ،ليش أطلع من البلد”. حسين الهريني 18عشر عاماً “ :المشاكل شبه يومية وكل يوم يحمل قصة جديدة ألننا ببساطة نعيش بين مستوطنات، ويوجد احتكاك شبه يومي مع المستوطنين الذين يحتمون باستمرار بجيش االحتالل. في أحد المرات جاءنا نبأ ٌ بأنهم يعتقلون خالي ناصر العدرا خالل عودته من ّ يطا كونه ناشطا ً في اللجان الشعبية التي تشحذنا للتصدي لالستيطان ،فهرعنا إلى الحاجز الذي أقامه اإلسرائيليون على بوابة القرية ،فوجدنا خالي مكبل األيدي ويستعدون لنقله إلى الجيب ،هجمنا لتخليصه فوقف في وجهنا جنديان من جيش االحتالل الذي يُقال بأنه يحتل المرتبة الرابعة من حيث القوة ،فما كان م ّنا إال أن خلصنا ً رسالة لهم بأن قوتهم لن تكون أكبر من خالي ناصر لنوصل صمودنا وحقنا”. الجنود والضباط حتى القاضي في المحكمة كلهم ينصاعون ألوامر المستوطنين ولكذباتهم ،ويتعدون على أطفال الطوبة القادمين للدراسة في توانة لكن نحن رجال نتصدى ألفعالهم بقوة حق بقائنا. العنف ألن المقاومة ليست إرهاباً ،لكنهم دوما ً نحن ال نستخد ُم َ يتكاثرون علينا ويتعدون علينا بالضرب ،ونحن ال نسكت، دوما ً نثبت تواجدنا باألماكن القريبة منهم وإن أبعدونا نعود مرة أخرى ،وال تراجُع حتى لو تعرضنا لهجماتهم ،عندما يكون الوطن غاليا ً علينا أن ندفع الثمن.
تصوير :نضال جوابرة
13
األغوار ،توانة، النبي صالح وبالعكس منال فزع كان المشوار طويالً وشاقا ً والشغف أكبر بكثير ألماكن تحتوي أولئك األبطال التي ال تسمع عنهم إال في قصص بالدنا المحتلة، أشعر باألنانية والسطحية ،ال وصف للوجع حتى في تصدعات األرض هناك ،كلك يبقى حزينا ً إالهم أولئك الجبارين. أنا لم أذق يوما ً رصاصة وجع في قلبي على حبي ٍ ب أو قريب، لم أشعر حتى بسخونة الرمال بداخل سيارة مكيفة أقلتنا لتوثيق المعاناة ،ولم أخرج من بيتي قسراً وأحتا ُر في اختيار الدمية التي ترافقني بمشوار بعي ٍد ال أحفظ خارطته ،وال أحب ُه كبلدي لكنه يحتويني ويلمل ُم الشتات الذي أذاقني إياه االحتالل ،لم أجبّر يوما ً على إطفا ِء النور ،أو أمُنع من شرب المياه المُثلجة ،أنا أقوى على كل شيء برفاهيتي. ُ َ عندما كنت طفلة كنت أحبُ التسوق كثيراً ،فت َم ُل أمي من كثرة فراش ألعابي وأضجر إن لم أحصل على واحدة تمنيتها ،أنام في ٍ اخترت ألوانه وطراوته أنا ،وأغلقت الستار على ضوء القمر بكل هدوء دون أن يداهم أحالمي كلب التفتيش. إن قرصتك ناموسة ستتلوى في فراشك تتمل ُل ألمها ،دون أن طفل بابُ خيمته ال يقاوم ترسم في بالك أفعى تتلوى على جس ِد ٍ الرياح وال حتى قوة دفع النمالت. ألبطال يُدافعون عن أرضك حان الوقت أن تنحني وقبعتك ٍ وكرامتك وحقك ،أشخاصٌ لو ُزرتهم سيعلق في ذهنك صمودهم، وتتمنى أن تزورهم كل يوم ،نحنُ بحاج ٍة لهم كي نتعل َم منهم كيف ُ نحفظ درسا ً نقوى على مشاق الحياة ،وكيف ُنحبُّ بلدنا أكثر، صغيراً مضمونه خارطة فلسطين الكبيرة دون كل التقسيمات، الخارطة التي رسمناها في ُكراسات رسم الخرائط ،وهم حفظوا حدودها وشكل التواء األرض والجبل والبحر هناك من رأس الناقورة حتى بئر السبع ،سكنوا في نِقاطها الصعبة ورسموا علم فلسطين. وحتى ال تشعر بالغباء ،إياك أن تسألهم هل تفضلون العيش في مكان آخر.
تصوير :نضال جوابرة
14
أشجار وذكريات سعاد شواهنة كان له اسم موسيقي أحبه ،ووجه أسمر ال يفارقه الشغب ،كان يلقي كتبه ودفاتره ويركض إلينا ،يلعب معنا ،ويفض شجارا عالقا بيني وبين عهد ،يطويه بهدوء ،ويطوينا كلتينا بين ذراعيه، ونكون معا في لعبة أخرى نلون ،نصرخ ،نركض. مصطفى كان يسرح شعري ويقول“ :سأكون مصفف شعر محترف يوما ما يا جنى” .األحالم أجمل ما حملنا أنا ،هو ،عهد، نريمان ،حسين ،سامر ،مجد ،سلمى .األحالم وحدها تحملنا إلى الخروج كل جمعة لنسير في طريق آالم يقف بنا قريبا من مستوطنة تنتزع أرض جدي ،ونبع ماء تغازله جدتي إذ تستحضر لقاءها األول بجدي في ظل نبع الماء ،وعلى مسافة منا برج عسكري يطالعنا بعين ناقمة. الليلة الماضية كنا نجلس :األصحاب ،العائلة ،الجيران ،ونقلب الحكايات ،نتذكر الغائبين ،أطلق مصطفى نظره بعيدا باتجاه حقل زيتون يقف كئيبا منزويا منفيا في سور مستوطنة ،نظر إليه وأطلق تنهيدة قال بعدها“ :يشتاق هذا الزيتون أهله ،ليس أقسى من أن تكون قريبا وال تستطيع االقتراب ممن تحب ،في المكان سياج ومستوطنة ،وأشجار زيتون متعبة ،لكنها ال زالت تقف، كما نقف نحن رغم التعب”. هي المرة األولى التي يتحدث فيها مصطفى عن الشوق بهذا الدفء .للجمعة صوت مختلف في كل مرة ،بدت روحي قلقة هذا الصباح ،خوف غريب سكن مالمحي ،بهذا الخوف خرجت، وقفت إلى جانب أمي في المسيرة ،أمي ال زالت تعاني جراحا كانت قد أصيبت بها األسبوع الفائت ،كنت أدعي حاجتي لظلها هذا النهار ،ألظل قريبة منها إذا راودها األلم. طاف الموت بنا ،قرأ وجوهنا جميعا ،سكن في روح مصطفى، ال زال المكان صاخبا ال يتسع لوجعي ،ال يكفي لدموعي ،ال مرهم يخفي حرقته ،غاب مصطفى ،غاب حلمه ،لن يصفف شعري ،لن نلعب معا بعد اليوم ،ولن نتشارك األحاديث مساء، ال زلت أتذكر كلماته ،نظراته إلى حقل الزيتون ،قسوة غيابه تصنع من طفلة مثلي روحا تعتنق التحدي ،تحترف الصمود والبقاء ،وتقف بين المعتصمين ،بين األهل واألصدقاء ،وتعرف أن المكان باق إذ سكن الروح والذكريات. تصوير :أسيل أبو بكر
15
التحدي
املرابطات هن اجلبارات
سعاد شواهنة
ال أحترف الكثير من األشياء ،لكن القلق علمني أن أكون يقظا كل الوقت ،للمكان روح تعيش في عدسة التصوير ،لتكون عمرا آخر لجدران النبي صالح ،شوارعها ،بيوتها ،وجوهها .كانت الكاميرا درعا أحتمي به من ضياع البوصلة ،منذ اليوم األول الذي بدأت فيه مسيرات النبي صالح في مواجهة عبث المستوطنين ،وأنا أصغي لروح المكان ،وأتذكر أصوات شهداء عائلة التميمي في الثورة الفلسطينية ،ومعركة القسطل ،كانت النبي صالح مكانا صغيرا حافال بالتحدي دوما ،فال زلت أتذكر حديث جدي عن ثورة العام 1939لم يكن في البلدة سوى بارودتين ،لكنهما ردتا عن المكان الكثير من األذى ،واليوم تحترف النبي صالح لغة أخرى حيث تتخذ المقاومة الشعبية لغة تدافع بها عن نفسها، وتدفع عنها األذى ،وتؤكد فيها البقاء. يجتمع الكثير من الجيران و األصدقاء واألهل وبعض المتضامنين في منزلي الصغيركل جمعة ،ونسير معا في طرق مختلفة كل مرة ونصل إلى أماكننا المسلوبة ،قريبا من نبع ماء استولى عليه المستوطنون ،وقريبا من حقل صادره االحتالل لصالح مستوطنة ،وبمحاذاة حاجز عسكري ،نسير معا بصمودنا نقف وبصمودنا نبقى فهذه األرض لنا ،هذا المكان لنا ،هذه السماء لنا. أحمل معي عدسة التصوير دوما ،أسجل لحظاتنا ،وأوثق الطريق والمسير ،وكل صخب يدفع به االحتالل إلينا ،صاخبا كان المكان حين دفعت بعدسة التصوير أرضا ألرد عن زوجتي ضربات جندي ال يرى من روحها مشوارا قضيناه معا أنا وهي في حياة عانقتنا ببسمة يوما ،وأدارت لها وجهها بجفاء أليام. قالت زوجتي لي ذاك المساء بين رشفتي قهوة“ :بالل إن جنى بدأت تكبر ،تنظر إلى المكان بوعي أكثر ،بدأت تحسه ،وتكتبه خبرا عاجال صاخبا ،وصورة حية من الميدان” .كنت سعيدا جدا بما تقول ابنة أخي الصغيرة تكبر ،تتحدى وتفتش في اللغة عن طريقة تقاوم فيها من خالل الخبر ،جنى بدأت تنقل أخبار النبي صالح المكان الصغير الذي ال يصل إليه الكثير من الصحفيين كل جمعة ،ليواكبوا كل احتدام مع قوات االحتالل ،نقلت جنى الكثير من األخبار ،نقلت المكان الذي تحب في الصورة والكلمة، أما الصورة فال زال يشوبها االرتجاج ،لكنها حية واعية قلقة. كنت سعيدا بجنى ،روحي تربت على كتفها ،تبتسم لعينيها، لعدستها الصغيرة ،جنى أراها قلما سيكبر ليصنع من حروفه تعويذة تحمي ديار النبي صالح .افتخر بها إذ تقف إلى جانبي متحمسة تخرج إلى مسيرة أسبوعية في النبي صالح وتقول هنا سنبقى هنا سنظل ،فهذه فلسطين التي نحب.
16
منال فزع
تصوير :أسيل أبو بكر
ال نبالي إن انحنى الظه ُر تعبا ً ال جمال بعد هذا المكان يُذكر ،و إن تكاسلت الشمس أو تزايد حرُّ ها لن يخف الثِقل ،الحبُّ الذي زرعه هللا في قلوبنا أكبر بكثير ،في القدس لن تضيق بك الطرقات حتى وإن حاصرتك أسلحتهم ،الروحانية تأكل كل وجع قلبك. الزقاق تحشده فوهات أسلحتهم التي تخشانا ونحن في الطريق نتلمسُ حبا ً من المسجد األقصى بقدر ما نكن له ،وأجراً عظيما ً من هللا، ت المستوطنين المتدينين ،وغيرهم اليمنيين ،يبعدوننا ونعود ،يصادرون هوياتنا وال نيأس، أقسمنا على الرباطِ فيه وحمايته من هجما ِ نحن نخج ُل من الغياب في إبعادنا عن المكان الذي نحس بفرحه وحزنه ،حجارته تستقبلنا بشغف ،وأشجاره ُتلقي علينا التحية ،في القدس رو ُح مسن ٍة رأت الكثير ولم تيأس ،وال ألم في قدميها يوقفها عن الصمود ،أنظر إليها إنها تبتسم. قاس ال يُطاق ،ونحن نأكل الصبر بشوكه ،ضربٌ المرابطات في المسجد األقصى هنَّ الجبارات ،يتحملن الكثير من أذى محتل ٍ واعتقال ومحاكم وإبعاد وغرامات وشتائم وسخرية ،كل هذا ونحن أصحاب المكان وملوك القدس. حينما يدق الظلم رأسه في جبينك يتحداك لن تيأس ستفتح عيونك جيداً وتتمتم بداخلك يا هللا انصرنا على القوم الكافرين ،هللا يحميك ولن يخذل اإليمان الذي بداخلك ،حينما يضر ُم الظلم نفسه حريقا ً في أرواحنا ،ننام ونحتسبه عند هللا ،نصحو ونفتح النافذة ونرى اللمعان الذي ال ينطفئ ،هنا القدس وقبة الصخرة والمسجد األقصى وكل الجمال ،هذا الجمال يساوي كل العمر.
تصوير :نضال جوابرة
17
صدى األماكن سعاد شواهنة
طابون أم اخلير تصوير :أسيل أبو بكر
منال فزع
18
بشرةٌ سمراء ذاقت المرَّ في التهجير؛ تهجيرا ّ وراءه تهجير ،وكأن الحياة أبت أن تذوّ قنا طعم الهناء ،ما يطلبه الفلسطيني منا فقط أن يعيش بكرامة ،نحن أصحاب األرض ،التهجير ال دين له ،سنبقى هكذا طوال العُمر تهجرنا في 1948من بئر السبع ،وال زالوا أرض بال شعب لشع ٍ ب بال أرض ،وكيف هذا ونحن امتلكنا هذه األرض ِبح ُِر مالنا ،بعدما تهجرنا جئنا للمكوث يالحقوننا بسياسة ٍ عند أصدقا ٍء لنا في أم الخير ،وبعد أسبوعين قررنا أن نستبدل إبلنا واألغنام بتلك األراضي ،حتى نعيش بكرامة لكننا لم نتخل عن بئر السبع حيث ولدنا. ً الخيم ،فنحن نحن عربٌ رُحّ ل نعيش في الخيمة وال نحبُ بيوت الطين ،لم يكن مكوثنا تنازال م ّنا عن بئر السبع حيث نشأنا وبقينا في ِ ُنصار ُع صعوبة العيش فيها على أمل أن نعود ،وحينما جاء االحتالل في 1967الحقنا حتى على الخيمة ،جاؤوا ضيوفا ً وبعدها بنوا مدينة صغيرة تدعى كرميئيل ،وبسبب وجودنا ضمن المناطق الحدودية مُنعنا منعا ً باتا ً من البناء والماء والكهرباء وكل شيء
تترك التجارب وقعها الخاص في النفس ،كانت هذه هي المسافة التي اختبرتها بين مفهوم جامد جاف بحثت عنه بين األوراق والكتب والمراجع ،وبين واقع معاش رأيته ألعرف أكثر كيف تصنع المقاومة الشعبية في الميدان ،ال كيف تصاغ بالكلمات حبراً على ورق. زرت ومجموعة من مسرح الحرية المفجرة ،المالح ،الحديدية، توانة ،طوباس ،أم الخير ،النبي صالح ،فصايل ،الجفتلك، ومررت بأسماء أخرى استعدتها مع جنود المكان المرابطين، سكانه وأهله الفلسطينيون الذي يصوغون معنى آخر للصمود ببقائهم في ظروف قاسية. أفكار غريبة تعصف بنفسي إذ أرى وجه طفل أسمر عاثر يرمي حقيبته المدرسية ،ويعتزل طريقها الصعب الطويل ،ويهرول خلف قطيع من األغنام ،هي كل ما يملك هو وعائلته .تثقلني أعمار الصغار وأراهم في توانة يفترشون األرض ويلتحفون السماء لعبا إذ ال مكان يلعبون فيه ،ويكبرون بمدرسة صغيرة، وروضة تجرعوا ألما حتى صارت حقيقة ،وكبار يصمدون رغم كل قهر وعنف ،وشيخ يمر كل يوم أمام حقل قمح زرعه ويتذكر كيف استيقظ فرأى النار تستعر فيه بيد مستوطن عابث. تثقلني أعمار الصغار ،ويزيدني المكان كبرياء في النبي صالح، هناك حيث أجد معنى آخر للمقاومة ،وشكال آخر للصمود ،هناك حيث يقسمون على البقاء بين جدرانها في شوارعها رغم ما يجدوه من اقتحامات اسبوعية ينفذها جيش االحتالل لمنازلهم تحت ستار الليل ،وحبا وأمال يخرجون كل أسبوع ،كل جمعة يساند بعضهم بعضا ،ويساندهم تضامن بعض المتطوعين الدوليين في مسيرة شعبية تقول نحن من هنا ،نحن هنا ،وهنا سنبقى ،في النبي صالح أرى أطفاال رهنوا حياتهم لوطن يحلمون به ،وأرض يقسمون على البقاء فيها ،وافتخر أنني تعلمت الكثير من عيون صبايا صغيرات في عمر الوطن.
بحسب اتفاقية أوسلو ،نحن محاصرون حتى الهواء الذي نتنفسه يحاسبوننا عليه. حتى الطابون هوية الوطن الذي نقتات منه ُخبزنا وطعامنا آذاهم ،فتعدّوا عليه لكنه لم يم َّل منهم ،في النهار ينهضُ بكل شموخ وما أن تأتي ساعات الفجر حتى يتسلل المستوطنون ويهدوه ،لكنه أقوى من كيدهم ،يلملم نفسه مجدداً ويقف صامداً ،ويتكر ُر المشهد ال الطابون يم ُّل من انتقامهم ،وال هم يملّون من صموده ،آذتهم رائحة الطابون ونفسُ الفلسطيني البدوي ،تمردوا على رمز بقاءنا وعيشنا ،لم يتمكنوا خالل 67عاما ً من الصراع واالحتالل أن يتعلموا أننا شعبٌ ال يعرف الرضوخ وال التنازل.
19
أمهات ثائرات منال فزع
لو أمسكت بيدي لوجدت آثار الحجارة والعلم الكبير ،معادلة المقاومة ال تكتمل دون النساء واألطفال ،المشي في المقدمة صعب لكن؛ نحن نتسابق على حب البلد ،نحن نسا ٌء ثائرات ال نهتم إن أبقت الشمس عالمتها في احمرار وجهونا ،نحن نقاوم من يحرقون القلب، وأحالم األطفال في النبي صالح ،نحن أمهات نمسك أيدي أبنائنا ونهتف معهم ضد الموت تمض جمعة إال وثار كل أهل القرية ؛ إما باتجاه في كل جمعة ثائرة ،منذ ستة سنوات لم ِ الجبل المقابل للعين ،أو باتجاه البوابة بجانب البرج. في معظم األحيان سيكون الجبل قاسيا ً وال يرحمنا من رائحة الغاز والرصاص المطاطي، ويكون قاسيا ً أكثر حينما تجرح ابنتي التي أشت ُم منها الوطن والحب ،أو تبكي بحرقة على ً شجاعة أكبر ،أنا لم أكن أم جنى لوحدها كل أبناء النبي صالح هم وجع يغرس في جسدها أبنائي ،نزرع القوة في قلوبهم حينما يهاجموننا في البرد القارص ،ويجبروننا أن نغادر المنزل بحجة التفتيش ،فنحتضن أطفالنا ونحس بنبضاتهم الخائفة لكننا نصمد ،أطفالنا يصرخون في وجوههم“ :أنا مش خايف منك اطلع من بيتي”. منذ البداية كنا ُنبعد أطفالنا عن جو القرية يوم الجمعة لكن مع الوقت أدركنا أننا نعلمهم الهروب من مواجهة المشكالت والدفاع عن أنفسهم ،إن الخطر يالحقهم في كل مكان ،كنت أخرج أنا وجنى كل جمعة على مكان للترفيه ولكنني توقفت عن ذلك حتى أنها أصبحت ترافقني للمسيرة بعدما استهدفت قنابل الجنود منزالً يحتمي فيه األطفال ،فأخرجناهم من الشبابيك حتى يستطيعون التنفس ،كان يوما ً قاسيا ً علينا جميعاً ،كل األطفال علموا أنهم مستهدفون في أي مكان. استخدم االحتالل كل وسائل العنف ضدنا ،قنابل غاز وأخرى صوتية وغيرها مطاطية، والرصاص بأنواعه ،وصواريخ محرمة دوليا ً يقال بأنها ذكية ألنها تالحق الشخص حتى تصيبه ،غير المياه العادمة التي قتلت كل األشجار ومنعتنا من استخدام آبار المياه“ ،ما ضل غير إنهم يرموا علينا قنبلة نووية”. حينما أحرق المستوطنون عائلة الشهيد علي دوابشة ثار أهل القرية كأي جمعة عادية، ولما وصلنا للجبل بدأ الجنود بإطالق الرصاص الحي مباشرة على غير عادتهم بحيث يطلقون قنابل الغاز أو المطاط ،فأصيب شابان في مقتبل العمر؛ أحدهم عالء وكان يخرج للمسيرة ألول مرة حيث جاء مع والديه لحضور زفاف عمه فأصيب بقدمه ،وعندما ذهب صديقه ليساعده أصيب هو اآلخر وعاود الجنود إطالق النار على عالء فأصيب برصاصتين في بطنه ،فاجتمعت وكل األمهات وتصدينا للجنود حتى نبعدهم ونحمي أطفالنا ،أبعدناهم حتى تتمكن سيارة اإلسعاف التي دخلت بعد معاناة وحاولوا عرقلتنا وقت التوجه لرام هللا والحقونا ألنهم يريدون اعتقال المصابين ،كان موقفا ً صعبا ً حينما اتصل علينا أهل المصابين وكذبنا حتى ال نخيفهم ،في الوقت الذي نبكي بحرقة وندعو أال يصابوا بأذى.
تصوير :نضال جوابرة
20
21
النبي صالح إحدى قرى فلسطين الواقعة قرب رام هللا ،حيث تبعد عنها حوالي 20إلى الشمال الغربي ،وترتفع عن سطح البحر 570م. تنسب القرية إلى النبي صالح أحد أنبياء العرب الخمسة الذين ذكرهم القرآن الكريم .وهناك العديد من األماكن في فلسطين تحمل نفس االسم ،وجاء ذلك تخليداً لذكرى نزوح النبي صالح إلى فلسطين وموته فيها ،ويقال أن قبره موجود في منطقة الرملة في مكان يحمل اسمه. ً تبلغ مساحة أراضيها 2846دونما ،وتحيط بها أراضي قرى كفرعين ،دير السودان ،بيت ريما ،دير نظام ،وأم الصفا .قدّر عدد سكانها عام 1922حوالي 105نسمة .أما في عام 1945 كان عددهم حوالي 170نسمة ،وفي عام 1967حوالي 179 نسمة ،وفي عام 1996بلغ العدد 218نسمة .يحيط بالقرية مجموعة من الخرب األثرية ،وتحتوي على أنقاض أبنية وحجارة منحلة .صادرت سلطات االحتالل جزءاً من أراضيها وأقامت
عليها عام 1977مستعمرة حالميش. المقاومة الشعبية في قرية النبي صالح بسبب استمرار االحتالل اإلسرائيلي في االستيالء على أراضي قرية النبي صالح والقرى المجاورة انطلق أبناء هذه القرية وأشقائهم في دير نظام بمسيرات أسبوعية وفعاليات مستمرة للمطالبة بإزالة المستوطنة وإعادة حقوقهم المسلوبة ،وانفجر هذا الصراع بعد قيام مستوطنين صهاينة باالستيالء على عين الماء التابعة ألبناء القرية وعلى أراض أخرى بحجة أنها أراض دينية لليهود ما أثار حفيظة الفلسطينين ،وتواصلت هذه الفعاليات منذ 2009/12/9حتى اآلن ،فهاجمت قوات االحتالل المسيرة باستخدام أشكال القوة والتهديد فتسببت بحرق عشرات المنازل بقنابل الغاز وإصابة العشرات إصابات خطيرة ومتوسطة واستشهاد الشهيد مصطفى التميمي أواخ��ر العام 2011 واعتقال العشرات والتهديد بهدم المنازل وفرض اغالقات مشددة ومداهمات ليلية الهدف منها وقف فعاليات النبي صالح التي اعتبرتها إسرائيل على لسان صحافتها أنها جرثومة يجب القضاء عليها في مهدها خصوصا مع رفع سقف المطالب التي أعلنتها قيادة المقاومة الشعبية في النبي صالح والتي نادت بزوال االحتالل بكافة أشكاله وتعبيراته على األرض . األغوار تشكل األغوار الشمالية ما نسبته %70من مساحة طوباس كاملة .تدخل ضمن حدودها اإلدارية مدينة طوباس ،وتياسير، وبلدية عقابا ،وبلدية طمون ،ووادي الفارعة ،وبردلة ،وكردلة، والعقبة ،وعين البيضاء ،ومخيم الفارعة ،وطلوزة ،والعقبة. وتنتشر باألغوار الشمالية عدة تجمعات بدوية منها المالح، والحديدية ،وسمرة ،والفارسية ،ومكحول ،وعين الحلوة، وعاطوف ،ويرزة ،وإبزيق ،وسلحب ،البقيعة .ما زالت المحافظة تفتقر إلى العديد من خدمات البنية التحتية ،نتيجة لمنع السلطات اإلسرائيلية من إجراء أي إنشاءات في المنطقة ،ال سيما منطقة األغوار الشمالية التي يُم َنع إيصال الكهرباء والماء والهاتف والطرق والمدارس لسكانها. محافظة طوباس منطقة استراتيجية هامة ،تشكل مع منطقة أريحا ،غور فلسطين ،الذي يمتاز بجودة أرضه ،ووفره مياهه، وصالحيته لزراعة الكثير من المزروعات .وكانت المنطقة هدفا ً لالحتالل واالستيطان اإلسرائيلي منذ احتالل الضفة الغربية، فقد تم بناء مجموعة كبيرة من المستوطنات ومعسكرات تدريب الجيش ،أتت على أكثر من نصف مساحة المحافظة ،خاصة بعد القرار األخير بفصل وعزل منطقة األغوار.
تصوير :نضال جوابرة
التوانة تقع قرية التوانة على مسافة حوالي 15كم إلى الجنوب من قرية الخليل ويعيش فيها حوالي 300مواطن. تحيط بها أربع مستوطنات صهيونية وهي “فتح سدرو وماعون وكرمئيل وأم العرايس” ،وتقطنها عائالت “العمور وحمامدة والهريني” وبعض األفراد من عائالت أخرى ،ويبلغ عدد سكانها حوالي 400نسمة ،وتضم مدرسة مختلطة ،وعيادة صحية، ومسجد هدمه االحتالل أكثر من مرة ،ويعتمد سكان القرية على الزراعة وتربية المواشي. يستيقظ سكان القرية كل يوم على محاولة جديدة للمستوطنين لمصادرة األراضي القريبة من المستوطنات، المؤسسة الصهيونية تحاول بكافة الوسائل الترهيبية العنصرية طرد سكان القرية وتهجيرهم وإجبارهم على ترك ممتلكاتهم، وذلك سوف يستمر نظرا لغياب الدعم الحكومي من السلطة، ونتيجة للعدد السكاني القليل في القرية. عانت توانة منذ عام 1967نوعا ً خاصا ً من االحتالل ومحاولة التهويد لقربها من الحدود األردنية ،قام االحتالل بفصلها عن مدينة يطا بخط التفافي ،وأحاطها بالمستوطنات ،سكان القرية باتوا اليوم يخشون من خطر الطرد والترحيل ،ويعيش سكان القرية تحت اعتداءات المستوطنين الهمجية والقمعية الذين يشكلون معاناة كبيرة ألهل القرية ،فالحياة في القرية ال تطاق جراء الحرب المستعرة بين المستوطنين وجنود االحتالل ضد سكان القرية المجردين من كل وسائل الدفاع عن أنفسهم ،سوى إيمانهم بحقهم في أرضهم التي ورثوها عن أسالفهم.