1
ﺗﻌﺮﯾﻒ اﻟﻨﺎﺷﺮ: أن ﯾﻜﺒﺮ اﻟﻤﺮء أﺛﻨﺎء اﻟﺤﺮب اﻷھﻠﯿﺔ وﯾﺘﻘﻠﺪ اﻟﺴﻼح ﻓﻲ اﻟﻌﺸﺮﯾﻦ وﯾﻄﻠﻖ اﻟﺮﺻﺎص ﻋﻠﻰ ﻗﺎﺋﺪ ﺟﯿﺶ ﻟﺒﻨﺎن اﻟﺠﻨﻮﺑﻲ وﯾﺼﻤﺪ ﻋﻠﻰ ﻣﺪار ﻋﺸﺮ ﺳﻨﻮات ﻓﻲ ﻣﻌﺘﻘﻞ اﻟﺨﯿﺎم وﺟﺤﯿﻤﮫ ...ﺗﻠﻚ ھﻲ اﻟﺼﻮرة اﻟﻤﺆﺛﺮة ﻟﻠﻐﺎﯾﺔ اﻟﺘﻲ رﺳﻤﺘﮭﺎ إﻣﺮأة إﺳﺘﻌﺼﺖ دوﻣﺎً ﻋﻠﻰ اﻹﺳﺘﺴﻼم. إﻧﮭﺎ ﺳﮭﻰ ﺑﺸﺎرة ،ذﻟﻚ اﻟﺮﻣﺰ اﻟﺤﻲ ﻟﻠﻤﻘﺎوﻣﺔ اﻟﻠﺒﻨﺎﻧﯿﺔ. ﻓﻔﻲ ﻋﺎم ،1988وھﻲ ﺑﺎﻟﻜﺎد ﺟﺎوزت ﻋﻤﺮ اﻟﻤﺮاھﻘﺔ ،ﺣﺎوﻟﺖ ﺳﮭﻰ أن ﺗﻘﻀﻲ ﻋﻠﻰ ﻗﺎﺋﺪ ﺟﯿﺶ ﻟﺒﻨﺎن اﻟﺠﻨﻮﺑﻲ ،اﻟﻤﯿﻠﯿﺸﯿﺎ اﻟﻤﻠﺤﻘﺔ ﺑﺈﺳﺮاﺋﯿﻞ واﻟﻤﻜﻠﻔﺔ اﻟﻌﻤﻞ ﻋﻠﻰ ﺣﻤﺎﯾﺔ وﺟﻮد اﻻﺣﺘﻼل ﻓﻲ ﺟﻨﻮب ﻟﺒﻨﺎن .وﺣﺎﻟﻤﺎ إﻋﺘﻘﻠﺖ ،ﺳﯿﻘﺖ ﺳﮭﻰ إﻟﻰ ﻣﻌﺘﻘﻞ اﻟﺨﯿﺎم ﺣﯿﺚ ﺗﻌﺮﺿﺖ ﻟﺘﻌﺬﯾﺐ ﻗﺎس وﻃﻮﯾﻞ. وﻛﺎﻧﺖ اﻟﻤﻨﻈﻤﺎت اﻹﻧﺴﺎﻧﯿﺔ ﺗﺪﯾﻦ ،ﺑﻼ ﻛﻠﻞ ،أﻋﻤﺎل اﻟﺘﻌﺬﯾﺐ اﻟﺘﻲ إﻗﺘﺮﻓﺖ ﻓﻲ ھﺬا اﻟﻤﻌﺘﻘﻞ ،ﺑﻞ ﺗﻨﺪد ﺑﻮﺟﻮده اﻟﺬي ﯾﺴﻮده اﻹﻋﺘﺒﺎط. وﻗﺪ ﻗﻀﺖ ﺳﮭﻰ ﻋﺸﺮ ﺳﻨﻮات ﻓﻲ اﻟﻤﻌﺘﻘﻞ ،أﻣﻀﺖ ﺳﺘﺎً ﻣﻨﮭﺎ ﻓﻲ اﻟﺰﻧﺰاﻧﺔ اﻹﻧﻔﺮادﯾﺔ. ھﯿﺎ ھﻲ ﺳﮭﻰ ﺑﺸﺎرة ﺗﺮوي ﻛﯿﻒ ﻛﺎﻧﺖ ﺑﻼدھﺎ ﻧﮭﺒﺎً ﻟﻠﺮﻋﺐ وﻛﯿﻒ ﺧﻄﺖ ﺳﺒﯿﻠﮭﺎ وإﻟﺘﺰاﻣﮭﺎ اﻟﺬي ﻻ ﻋﻮدة ﻋﻨﮫ ،وﻛﯿﻒ أن ﺷﻌﻠﺔ إﻟﺘﺰاﻣﮭﺎ ﻗﺪ أﺗﺎﺣﺖ ﻟﮭﺎ اﻟﺼﻤﻮد ﻓﻲ وﺟﮫ اﻟﺒﺮﺑﺮﯾﺔ. وھﻲ ﺗﺮوي ﻛﻞ ذﻟﻚ ،ھﺎھﻨﺎ ،ﺑﻨﺒﺮة ﺣﺎدة وﺻﺪق ﯾﻨﻔﺬ إﻟﻰ اﻟﺼﻤﯿﻢ .إﻧﮭﺎ ﺷﮭﺎدة ﻓﺮﯾﺪة ،ﺗﺤﻤﻞ ﻓﻲ ﻃﯿﺎﺗﮭﺎ ﻋﺒﺮة ﻋﻦ اﻟﻮﺟﻮد اﻟﺤﺮ ،ﺣﯿﻦ ﺗﺬﻛﺮﻧﺎ ﺑﺄن ﻟﻜﻞ إﻣﺮىء اﻟﺤﻖ ﻓﻲ ﻣﻘﺎوﻣﺔ اﻟﻈﻠﻢ ،وأن ﻣﻦ ﯾﻄﻠﺐ اﻟﺤﺮﯾﺔ ﯾﻨﺒﻐﻲ ﻟﮫ أن ﯾﺘﺠﺎوز ذاﺗﮫ ،ﻋﻠﻰ اﻟﺪوام.
2
اﻻﺳﯿﺮة اﻟﻠﺒﻨﺎﻧﯿﺔ اﻟﻤﺤﺮرة ﺳﮭﻰ ﺑﺸﺎرة ﺗﺮوي ﻣﺬﻛﺮاﺗﮭﺎ ﺑﻘﻠﻢ ﺳﮭﻰ ﺑﺸﺎرة اﻟﺜﻼﺛﺎء ١ﺗﺸﺮﯾﻦ اﻷول )أﻛﺘﻮﺑﺮ( ٢٠٠٢
ﺗﻤﮭﯿﺪ ﻟﻢ أﻛﻦ ﻷﺗﺨﯿﻞ ﻣﺎ ﺣﯿﯿﺖ ﻣﻜﺎﻧﺎً أﺻﻐﺮ ﻣﻦ ذﻟﻚ اﻟﺬي ﻛﻨﺖ ﻓﯿﮫ. وإذ وﺟﺪﺗﻨﻲ ﺛﺎﻧﯿﺔ أﻣﺎم اﻟﺰﻧﺰاﻧﺔ رﻗﻢ ،7ﻃﺎل ﺑﻲ اﻟﺰﻣﻦ ﺣﺘﻰ اﺳﺘﻮﻋﺒﺖُ أﻧﻨﻲ ﻋﺸﺖُ ﺣﻘﺎً ھﻨﺎ ،ﺑﯿﻦ ھﺬه اﻟﺠﺪران اﻟﻀﯿﻘﺔ ﻟﻠﻐﺎﯾﺔ .وأﻧﻨﻲ أﻣﻀﯿﺖُ ﻓﻲ ھﺬا اﻟﻤﻌﺘﻘﻞ ﻋﺸﺮة أﻋﻮام ﻣﻦ ﺣﯿﺎﺗﻲ ،ﺛﻠﺚ أﯾﺎﻣﻲ ،وﺛﻠﺚ ﻟﯿﺎﻟﻲ. ھﺎ أﻧﻨﻲ أﻋﻮدُ اﻟﯿﻮم اﻟﻰ ﻣﻌﺘﻘﻞ اﻟﺨﯿﺎم ،ﻓﻲ ﺟﻨﻮب ﻟﺒﻨﺎن، وﺳﻂ ﺧﻀﻢ اﻟﺠﻤﻮع اﻟﻐﻔﯿﺮة اﻟﺘﻲ ﺗﺤﺚ اﻟﺨﻄﻰ إﻟﯿﮫ .وھﺎ أن اﻟﻤﻌﺘﻘﻞ اﻟﺬي ﻃﺎﻟﻤﺎ أرھﺐ اﻟﻨﺎس ،ﺑﺎت اﻟﯿﻮم ﻣﺤﺠﺔ ﻟﮭﻢ .وﻛﺎن ﻗﺒﻞ اﻟﯿﻮم ،وإﺑﺎن ﺳﻨﻮات اﻻﺣﺘﻼل اﻹﺳﺮاﺋﯿﻠﻲ اﻟﺴﻮداء ،أﺷﺪ اﻟﺮﻣﻮز إﯾﻼﻣﺎً ﻟﻠﻮﻃﻨﯿﯿﻦ .ﻓﺮأﯾﺖ ﺟﻤﮭﺮة اﻟﺰوار وھﻲ ﺗﺮوح وﺗﺠﻲء ﻓﻲ ﻗﺎﻋﺎت اﻟﺘﻌﺬﯾﺐ واﻻﺳﺘﺠﻮاب داﺧﻞ اﻟﺴﺠﻮن اﻟﻤﻘﺰزة ،ﺣﯿﺚ ﻣﺮ اﻟﻜﺜﯿﺮ اﻟﻜﺜﯿﺮ ﻣﻦ اﻟﺮﺟﺎل واﻟﻨﺴﺎء ،رأﯾﺖ ھﺬه اﻟﺠﻤﮭﺮة ﺗﻨﻈﺮ وﻻ ﺗﺼﺪق أﺑﺼﺎرھﺎ ،وﺗﺮوح ﺗﺨﻤﻦ ،ﻓﻲ ﻣﺎ ﺗﺮى، اﻟﻌﺬاﺑﺎت اﻟﺘﻲ ﻛﯿﻠﺖ ﻟﻜﻞ ﺳﺠﯿﻦ وﺳﺠﯿﻨﺔ ﻓﯿﮫ.
3
ﻛﺎن اﻟﺘﺎرﯾﺦ ﻗﺪ ﺗﻮاﻟﺖ أﯾﺎﻣﮫ ،ﻗﺒﯿﻞ أﺳﺒﻮع ﻣﻦ ھﺬا اﻟﺤﺪث ،ﻋﻠﻰ ﻧﺤﻮ ﻣﻔﺎﺟﺊ .ﻓﻔﻲ اﻟﺜﺎﻧﻲ واﻟﻌﺸﺮﯾﻦ ﻣﻦ أﯾﺎر /ﻣﺎﯾﻮ ﻣﻦ اﻟﻌﺎم ،2000ﺳﺮّع اﻹﺳﺮاﺋﯿﻠﯿﻮن اﻧﺴﺤﺎﺑﮭﻢ ﻣﻦ اﻟﻤﻨﻄﻘﺔ اﻟﺘﻲ ﻛﺎﻧﻮا ﯾﺤﺘﻠﻮﻧﮭﺎ ﻣﻨﺬ اﻟﻌﺎم ،1978ﻓﻲ ﺟﻨﻮب ﻟﺒﻨﺎن ،رﻏﻤﺎً ﻋﻨﮭﻢ .ﻟﻤﺎ أدرﻛﺖ اﻟﻤﯿﻠﯿﺸﯿﺎت اﻟﻠﺒﻨﺎﻧﯿﺔ ،اﻟﻤﺮﺗﺰﻗﺔ ﻟﺪى إﺳﺮاﺋﯿﻞ إﻧﮫ ﻟﻢ ﯾﻌﺪ ﻟﮭﺎ أي ﺣﻆ ﻓﻲ اﻟﺒﻘﺎء ،وأﻧﮭﺎ ﺻﺎرت ﻓﻲ ﺣﻜﻢ اﻟﻤﺘﺮوﻛﺔ ﻟﻤﺼﯿﺮھﺎ، ﻓﻲ أﺟﻞ ﻗﺮﯾﺐ ،أﺧﺬ أﻓﺮادھﺎ ﯾﺴﻠﻤﻮن أﻧﻔﺴﮭﻢ اﻟﻰ ﺣﺰب اﷲ ،اﻟﺬي ﺑﺎت ﺑﺪوره ،رأس اﻟﺤﺮﺑﺔ ﻟﻤﻘﺎوﻣﺔ ھﺬا اﻻﺣﺘﻼل .وﺣﯿﺎل ھﺬا اﻷﻣﺮ ،ﺣﯿﻦ وﺟﺪت اﻟﻔﺮق اﻹﺳﺮاﺋﯿﻠﯿﺔ أن اﻟﺪرع اﻟﺘﻲ ﻃﺎﻟﻤﺎ ﻛﺎﻧﺖ ﺗﺤﻤﯿﮭﺎ ﻣﻦ اﻟﻤﻘﺎوﻣﯿﻦ اﻧﮭﺎرت ،أدرﻛﺖ أن ﻟﺤﻈﺔ اﻻﻧﺴﺤﺎب ﺣﺎﻧﺖ، ﻗﺒﻞ أن ﺗﺘﺤﻤﻞ ﺗﺒﻌﺎت ﺑﻘﺎﺋﮭﺎ ﻓﻲ ﻟﺒﻨﺎن وﺧﺮوﺟﮭﺎ ﻣﻨﮫ ﺑﺄﺛﻤﺎن ﺑﺎھﻈﺔ. وﻟﻢ ﺗﻨﻘﺾ ﺛﻤﺎن وأرﺑﻌﻮن ﺳﺎﻋﺔ ،ﺣﺘﻰ وﺟﺪت اﻹﺳﺮاﺋﯿﻠﯿﯿﻦ ﯾﺴﺎرﻋﻮن اﻟﻰ إﺧﻼء ﻣﻮاﻗﻌﮭﻢ ،ﺑﻌﺪ أن ﯾﺪﻣﺮوا دُﺷﻤﮭﻢ ،وﯾﻨﻜﻔﺌﻮن اﻟﻰ داﺧﻞ ﻓﻠﺴﻄﯿﻦ اﻟﻤﺤﺘﻠﺔ، ﻣﻦ دون ﺧﺴﺎﺋﺮ. وﻓﯿﻤﺎ ﻛﺎﻧﻮا ﯾﻌﻮدون اﻟﻘﮭﻘﺮى ،رأى اﻹﺳﺮاﺋﯿﻠﯿﻮن رﺟ ً ﻼ ﻗﺪم ﻟﺘﻮه ،ﻟﯿﻌﺎﯾﻦ اﻟﻜﺎرﺛﺔ اﻟﺘﻲ ﺣﻠﺖ ﺑﺄﺗﺒﺎﻋﮫ ،وﻛﺎن اﻟﺮﺟﻞ اﻟﻤﺬﻛﻮر ﻋﺎﺋﺪاً ﻣﻦ إﻗﺎﻣﺔ ﻃﻮﯾﻠﺔ ﻟﮫ ﻓﻲ ﻓﺮﻧﺴﺎ ،ﺣﯿﺚ رﺗﺐ ﻟﻌﺎﺋﻠﺘﮫ اﻟﻌﯿﺶ اﻟﺪاﺋﻢ ،ﺑﻌﺪ ﯾﻘﯿﻨﮫ ﻣﻦ ﻋﺠﺰه ﻋﻦ ﻋﺮﻗﻠﺔ اﻻﻧﮭﯿﺎر اﻟﺬي ﺑﺎت ﻣﺤﺘﻮﻣﺎً. أﻧﻄﻮان ﻟﺤﺪ ،ﻗﺎﺋﺪ اﻟﺠﻨﻮد اﻟﻠﺒﻨﺎﻧﯿﯿﻦ اﻟﻤﻠﺘﺤﻘﯿﻦ ﺑﺈﺳﺮاﺋﯿﻞ، ﻗﺎﺋﺪ اﻟﺠﯿﺶ اﻟﻤﯿﺖ ھﺬا ،ﺟﯿﺶ ﻟﺒﻨﺎن اﻟﺠﻨﻮﺑﻲ ،رأﯾﺘﮫ ،ﻓﻲ 4
ھﺬه اﻷﺛﻨﺎء ،ﯾﺮﻏﻲ وﯾﺰﺑﺪ "ﻟﻠﺨﯿﺎﻧﺔ" اﻟﺘﻲ ﻃﻌﻨﮫ ﺑﮭﺎ ﺣﻤﺎﺗﮫ اﻟﻘﺪاﻣﻰ ،وﻟﺘﺮﻛﮭﻢ اﻟﻤﺌﺎت ﻋﺮﺿﺔ ﻟﻺھﺎﻧﺔ واﻻﻋﺘﻘﺎل ﻓﻲ أرض ﻣﻜﺸﻮﻓﺔ ،وﻛﺎﻧﻮا ﻃﺎﻟﻤﺎ ﻗﺎﺗﻠﻮا ﻟﺼﺎﻟﺢ ﺑﻠﺪ ﻟﯿﺲ ﺑﻠﺪھﻢ ،وﺿﺤﻮا ﻓﻲ اﻟﻐﺎﻟﺐ ﺑﺄرواﺣﮭﻢ ﻓﻲ ﺳﺒﯿﻠﮫ. وﺷﺎءت اﻷﻗﺪار أن ﯾﺮﺗﺒﻂ ﻣﺼﯿﺮي ﺑﻤﺼﯿﺮ ذﻟﻚ اﻟﺮﺟﻞ، ﻻﺛﻨﺘﻲ ﻋﺸﺮة ﺳﻨﺔ ﺧﻠﺖْ. ﻟﻤﺎ ﻛﻨﺖ ﻃﺎﻟﺒﺔ ﺷﯿﻮﻋﯿﺔ ،وﻣﺘﺤﺪرة ﻣﻦ ﻋﺎﺋﻠﺔ ﻣﺴﯿﺤﯿﺔ أرﺛﻮذﻛﺴﯿﺔ إﻻ أﻧﮭﺎ ﻟﺒﻨﺎﻧﯿﺔ ﺑﺎﻟﺼﻤﯿﻢ ،أﻟﻔﯿﺘُﻨﻲ ﻣﻨﺨﺮﻃﺔ ﻓﻲ اﻟﺤﺮب ،ﻣﻨﺬ ﻣﺮاھﻘﺘﻲ اﻟﻤﺒﻜﺮة ،ﺿﺪ ﻛﻞ ﻣﺎ ﯾﺠﺴﺪ ھﺬا اﻟﻮﺟﻮد اﻟﻐﺮﯾﺐ ﻓﻲ أرﺿﻲ ،ودﻓﻌﺖ ﻣﻦ ﺣﺮﯾﺘﻲ ﺛﻤﻨﺎً ﻟﺨﻮﺿﻲ ھﺬه اﻟﺤﺮب ،إذ أودﻋﺖ ﻓﻲ اﻟﺰﻧﺰاﻧﺔ ﺑﻼ ﻣﺤﺎﻛﻤﺔ ،وﻣﻦ دون أن ﯾﺘﺴﻨﻰ ﻟﻲ ﻣﻌﺮﻓﺔ ﺳﻨﻮات اﻟﻌﻘﻮﺑﺔ اﻟﻤﻔﺮوﺿﺔ ﻋﻠﻲ. ﻋﺸﺮ ﺳﻨﻮات ﺳُﻠﺨﺖ ﻣﻦ ﺣﯿﺎﺗﻲ
وﻣﻨﺬ أن ﺗﺤﺮرت ،ﻟﻢ ﯾﻜﻦ ﻟﯿﻐﯿﺐ ﻣﻦ ﺧﺎﻃﺮي ،وﻟﻮ ﯾﻮﻣ ًﺎ واﺣﺪاً ،ﻣﺎ ﻋﺸﺘﮫ ﻓﻲ ﻣﻌﺘﻘﻞ اﻟﺨﯿﺎم ،وﻣﺎ ﻛﺎﻧﺖ ﻟﺘﻤﺤﻰ ﻣﻦ ﻣﺨﯿﻠﺘﻲ ﺻُﻮر اﻟﺬﯾﻦ ﻛﺎﻧﻮا ﻻ ﯾﺰاﻟﻮن ﯾﻌﺎﻧﻮن اﻟﻘﮭﺮ واﻟﻌﺬاب ﻓﯿﮫ. وﻣﺎ ﻓﺘﺌﺖ ذﻛﺮﯾﺎت اﻷﯾﺎم اﻟﺘﻲ ﻗﻀﯿﺘﮭﺎ ﻓﻲ ﻣﻌﺘﻘﻞ اﻟﺨﯿﺎم ﺗﻌﺎودﻧﻲ ،وﺗﺄﺧﺬﻧﻲ أﺣﯿﺎﻧﺎً ﻋﻠﻰ ﻏﻔﻠﺔ ﻣﻨﻲ .ذات ﺻﺒﺎح، وأﻧﺎ ﻣﻘﯿﻤﺔ ﻓﻲ ﺑﺎرﯾﺲ ،ﻣﻜﺎن إﻗﺎﻣﺘﻲ اﻟﻤﺆﻗﺘﺔ ،ﺗﻠﻘﯿﺖ رزﻣﺔ ﻣﺮﺳﻠﺔ اﻟﻰ ﻋﻨﻮاﻧﻲ ﻣﻦ ﻟﺒﻨﺎن .ﺣﻠﻠﺖُ اﻟﺮزﻣﺔ
5
ﻓﻮﺟﺪت ﻓﻲ داﺧﻠﮭﺎ ﻣﺎ ﯾﺸﺒﮫ اﻟﻤﺨﺪة .ﻓﺴﺎرﻋﺖ اﻟﻰ إﺧﺮاﺟﮭﺎ ﻣﻦ ﻋﻠﺒﺘﮭﺎ ووﺿﻌﺘﮭﺎ ﻋﻠﻰ ﻣﻜﺘﺒﻲ .ورﺣﺖ أﻧﻈﺮ اﻟﯿﮭﺎ دون أن ﺗﺮاودﻧﻲ أدﻧﻰ ﻓﻜﺮة ﻋﻤﺎ ﯾﻤﻜﻦ أن ﺗﻜﻮن .إﻧﮭﺎ ﻣﺠﺮد ھﺪﯾﺔ .وﻃﺎل ﺑﻲ اﻟﺰﻣﻦ وأﻧﺎ أﺣﺎول إدراك ﺳﺮ ﺗﻠﻚ اﻟﮭﺪﯾﺔ ،ﺣﺘﻰ اﻟﺘﻤﻊ ﻓﻲ ذھﻨﻲ ﺑﺎرق ﻓﻔﮭﻤﺖ .ﺣﻠﻠﺖ ﺣﺒﻜﺔ اﻟﻤﺨﺪة ،ﻓﻮﺟﺪت ﻓﻲ داﺧﻠﮭﺎ ﻗﺼﺎﺻﺎت ﻣﻦ اﻟﻮرق ﻛﺘﺐ ﻋﻠﯿﮭﺎ ﺟﻤﯿﻌﺎً ﺑﺨﻂٍ ﻋﺮﻓﺖ ﺻﺎﺣﺒﮫ ﻟﻠﺘﻮ. ﻛﺎن ذﻟﻚ اﻟﺨﻂ ﺧﻄﻲ .اﺑﺘﻠﺖ ﻋﯿﻨﺎي ﺑﺎﻟﺪﻣﻮع ،وﺟﻌﻠﺖ أرﺗﺐ ھﺬه اﻟﻜﻨﻮز ﻓﻮق ﺳﺮﯾﺮي ،وﺳﺮﻋﺎن ﻣﺎ ﻣﻀﺖ ﺑﻲ اﻟﻠﻘﯿﺎ اﻟﻰ ھﻨﺎﻟﻚ ،ﻓﺨﺎﻟﻄﺖ ﻧﻔﺴﻲ رواﺋﺢ اﻟﺨﯿﺎم ،وأﻧﻮارھﺎ وﺿﻮﺿﺎءھﺎ ،ﻋﻠﻰ اﻟﺴﻮاء. وﺗﺒﯿﻦ ﻟﻲ ،ﻓﯿﻤﺎ ﺑﻌﺪ ،أن إﺣﺪى اﻟﻤﺤﺮرات ﺣﺪﯾﺜﺎً ﻣﻦ ﻣﻌﺘﻘﻞ اﻟﺨﯿﺎم ،ﺷﺎءت أن ﺗﺤﻤﻞ ﻓﻲ ﻃﻮاﯾﺎ ﺛﻮﺑﮭﺎ ھﺬا اﻟﺠﺰء اﻟﺼﻐﯿﺮ ﻣﻦ ذاﺗﻲ اﻟﺬي ﻛﺎن ﻻ ﯾﺰال ﺳﺠﯿﻨﺎً ھﻨﺎﻟﻚ ،ﻋﻨﯿﺖ ﻗﺼﺎﺋﺪي اﻟﺘﻲ ﻧﻈﻤﺘﮭﺎ ﻓﻲ اﻟﻤﻌﺘﻘﻞ ﺧﻠﺴﺔ، وﻟﻢ ﯾﻜﻦ ﺑﻮﺳﻌﻲ ﺣﻤﻠﮭﺎ ،ﺣﯿﻦ اﻧﻔﺘﺤﺖ ﻟﻲ ﺑﻮاﺑﺎت اﻟﻤﻌﺘﻘﻞ ،ﻋﻠﻰ ﻧﺤﻮ ﻣﺒﺎﻏﺖ. وﻟﻮﻻھﺎ ﻟﻜﺎن ﻗﺪ ﻗﺪر ﻟﺬاﻛﺮﺗﻲ أن ﺗﻈﻞ أﺳﯿﺮة ﻓﻲ اﻟﻤﻌﺘﻘﻞ .وﻣﺎ ﻛﻠﻤﺎت ھﺬا اﻟﻜﺘﺎب إﻻ اﺳﺘﻜﻤﺎﻻً ﻟﮭﺎ ،اﻟﯿﻮم.
6
دﯾﺮ ﻣﯿﻤﺎس ﻋﻮد ﻟﻲ اﻟﻰ دﯾﺮ ﻣﯿﻤﺎس دﯾﺮ ﻣﯿﻤﺎس ھﻲ ﻗﺮﯾﺘﻲ ﻓﻲ ﺟﻨﻮب ﻟﺒﻨﺎن ،ﻗﺮﯾﺔ وادﻋﺔ ،ﻻ أﺑﺴﻂ ﻣﻊ ﺑﯿﻮﺗﮭﺎ اﻟﻤﺌﺔ ،ذات اﻷﺳﻄﺢ اﻟﻤﺘﺮﺑﺔ ،واﻟﻘﺎﺋﻤﺔ ﻋﻠﻰ ﺳﻔﺢ ﺟﺒﻞ ،وﻓﯿﮭﺎ ﺛﻼث ﻛﻨﺎﺋﺲ ،وﺗﺤﯿﻂ ﺑﮭﺎ أﺷﺠﺎر اﻟﺰﯾﺘﻮن ﻣﻦ ﻛﻞ ﻧﺎﺣﯿﺔ .أﻣﺎ ﻣﻨﺰل ﻋﺎﺋﻠﺘﻨﺎ ﻓﯿﻘﻮم ﻋﻠﻰ ﻃﺮف اﻟﻘﺮﯾﺔ ﻗﻠﯿﻼً ،وﻋﻠﻰ ﻣﻄﻞٍ ﻣﻨﮭﺎ ،ﻏﯿﺮ أﻧﮫ ﻛﺎن ﯾﻜﻔﻲ ﻷﺣﺪ ﻣﻨﺎ أن ﯾﮭﺒﻂ اﻟﻤﻨﺤﺪر ﺣﺘﻰ ﯾﺠﺪ ﻧﻔﺴﮫ ،وﺑﻄﺮﻓﺔ ﻋﯿﻦ ،ﻓﻲ ﻇﻼل اﻷﺟﺮاس .وﻛﺎن ﺟﺪي ،ﻷﺑﻲ" ،ﺣﻨﺎ"، ﻋﻤّﺮه ،ﻣﻜﻌﺒﺎً ﻣﻦ اﻹﺳﻤﻨﺖ واﻟﺤﺠﺎرة اﻟﺸﻘﺮاء ،وﻗﺪ ﻧﻔﺬت ﻣﻨﮭﺎ أﺑﻮاب وﻧﻮاﻓﺬ ،ﻣﺰدرﻋﺎً وﺳﻂ ﺧﻀﺮة اﻟﺠﻨﺎﺋﻦ، ﺗﺤﯿﻂ ﺑﮭﺎ أﺷﺠﺎر اﻟﺮﻣﺎن .وﻛﺎﻧﺖ ﺷﺠﺮة ﺗﯿﻦ ﻋﻤﻼﻗﺔ ﺗﻨﺒﺖ ﻗﺮب اﻟﻤﻨﺰل ،ﻣﺎﻧﺤﺔ إﯾﺎﻧﺎ ﺛﻤﺎرھﺎ ﻋﻠﻰ ﻣﺪار اﻟﺴﻨﺔ. وﻛﺎن اﻟﻤﻨﺰل ﻣﺆﻟﻔﺎً ﻣﻦ ﺛﻼث ﻏﺮف وﺷﺮﻓﺔ واﺣﺪة. وﻛﺎن ﻷﺑﻨﺎء ﺟﺪي اﻟﺨﻤﺴﺔ ،وﻣﻨﮭﻢ واﻟﺪي ،أن ﯾﻜﺒﺮوا ﺑﯿﻦ ﺟﺪراﻧﮭﺎ ھﺬه ،ﻏﯿﺮ ﺑﻌﯿﺪ ﻋﻦ ﻣﻨﺰل آﺧﺮ أﻟﯿﻒ ﻟﻨﺎ ،ھﻮ ﻣﻨﺰل ﻋﺎﺋﻠﺔ أﻣﻲ. ھﺎ ھﻨﺎ أﻣﻀﯿﺖ ﻛﻞ اﻟﻌﻄﻞ اﻟﺼﯿﻔﯿﺔ ،زﻣﻦ ﻃﻔﻮﻟﺘﻲ وﻓﺘﻮّﺗﻲ. ﻟﻌﺒﺖ ،رﻛﻀﺖ ﻣﻊ أﺗﺮاﺑﻲ وأﺑﻨﺎء ﻋﻤﻮﻣﺘﻲ ﻓﻲ اﻷزﻗﺔ، وأﻋﻨﺖ أﻣﻲ ﻓﻲ أﻋﻤﺎل اﻟﺤﻘﻞ .وﺳﺒﺤﺖُ ﻓﻲ اﻟﻨﮭﺮ ،اﻟﻰ أﺳﻒ اﻟﻮادي .ﺗﺴﻠﻘﺖ ﻗﻤﺔ اﻟﺠﺒﻞ ﻷرى ﺟﯿﺪاً ،وﻋﻠﻰ ذروة اﻟﺠﺒﻞ اﻟﻤﻘﺎﺑﻞ ،ﻗﻠﻌﺔ اﻟﺸﻘﯿﻒ اﻟﺘﻲ أﺣﻜﻢ اﻟﺼﻠﯿﺒﯿﻮن ﺑﻨﺎءھﺎ
7
ﻋﻠﻰ اﻟﻄﺮﯾﻖ اﻟﻤﺆدي اﻟﻰ اﻟﻘﺪس ،واﻟﺘﻲ ﻛﺎﻧﺖ ﻻ ﺗﺰال ﻓﻲ ﻋﮭﺪة اﻟﺠﯿﺶ اﻟﻠﺒﻨﺎﻧﻲ. وھﻜﺬا ،ﺗﺴﻨﻰ ﻟﻲ أن أﻋﺮف ﺑﻠﺪة اﻟﺨﯿﺎم ،ﺧﻼل إﺣﺪى ﻧﺰھﺎﺗﻲ اﻟﻜﺜﯿﺮة ،وھﻲ اﻟﻮاﻗﻌﺔ ﻋﻠﻰ ﺑﻌﺪ ﻛﯿﻠﻮﻣﺘﺮات ﻋﺪﯾﺪة ﻣﻦ ﺑﻠﺪﺗﻨﺎ .ﻛﺎن ﯾﻘﻮم ﻓﻲ اﻟﺒﻠﺪة ﻣﻌﺴﻜﺮ ،ﻣﺜﻠﮫ ﻣﺜﻞ أي ﻣﻌﺴﻜﺮ آﺧﺮ ،وﻛﺎن ﺑﻤﺜﺎﺑﺔ ﺣﺎﻣﯿﺔ ﻗﺪﯾﻤﺔ ﻣﻦ إرث اﻻﺳﺘﻌﻤﺎر اﻟﻔﺮﻧﺴﻲ ،وﺛﻜﻨﺔ ﻣﻨﺸﺄة ﻋﻠﻰ ﺗﻠﺔ ﻣﺸﺮﻓﺔ ،وﺳﻂ ﺷﺠﺮ اﻟﺼﻨﻮﺑﺮ ،وﺗﻤﺪ ﺳﻠﻄﺎﻧﮭﺎ ﻋﻠﻰ اﻟﻨﻮاﺣﻲ .وﻛﺎن ﺧﺮاج ﺑﻠﺪة اﻟﺨﯿﺎم اﻷوﺳﻊ اﻣﺘﺪاداً ﻟﻘﺮى اﻟﺠﻮار ،ﺣﯿﺚ ﺗﺘﺮاﻣﻰ أرﺟﺎؤھﺎ إﻻ أﻧﮭﺎ ﺗﻠﺒﺚ ﺗﺤﺖ إﺷﺮاف اﻟﻤﻌﺴﻜﺮ وﻧﻈﺮه .وﻻ أزال أذﻛﺮ ھﺆﻻء اﻟﺠﻨﻮد اﻟﺸﺒﺎن اﻟﺬﯾﻦ ﻛﺎﻧﻮا ﯾﻘﻮﻣﻮن ﺑﺤﺮاﺳﺘﮫ ،ﺣﯿﻦ ﺗﺒﺎدﻟﻨﺎ وإﯾﺎھﻢ ﺑﻌﺾ اﻟﻜﻠﻤﺎت. وﻟﻢ ﯾﻜﻦ ﺛﻤﺔ ﻇﺮف ﻣﻌﯿﻦ ﯾﺤﻜﻢ ﺗﻠﻚ اﻟﺼﺪﻓﺔ ،ﻓﻲ ﺣﯿﻨﮫ. وﻣﺎ ﻛﻨﺖ ﻷﺗﺨﯿﻞ اﻟﺼﻮرة اﻟﺘﻲ ﺳﻮف ﯾﺆول إﻟﯿﮭﺎ ذﻟﻚ اﻟﺤﺼﻦ اﻟﻤﺴﻮر ﺑﻌﺪ ﻣﻀﻲ ﺧﻤﺴﺔ ﻋﺸﺮ ﻋﺎﻣﺎً ﻋﻠﻰ اﻟﺼﺪﻓﺔ اﻟﻤﺬﻛﻮرة. ﻧﻌﻢ ،ﻋﻠﻰ ھﺬا اﻟﻨﺤﻮ اﻧﻘﻀﺖ ﺻﯿﻔﯿﺎت ﻃﻔﻮﻟﺘﻲ ،ﻓﻲ دﯾﺮ ﻣﯿﻤﺎس ،اﻟﻰ أن ﺣﺪث اﻻﺟﺘﯿﺎح اﻹﺳﺮاﺋﯿﻠﻲ. ﻗﺮﯾﺘﻨﺎ ﻣﺴﯿﺤﯿﺔ ،وﻋﺎﺋﻠﺘﻨﺎ ﻣﻦ اﻟﻄﺎﺋﻔﺔ اﻷرﺛﻮذﻛﺴﯿﺔ ،واﺳﻢ ﻋﺎﺋﻠﺘﻨﺎ اﻟﻌﺮﺑﻲ ،ﯾﻨﺒﺊ ﺑﺎﻟﺒﺸﺎرة اﻟﺘﻲ أﻋﻠﻨﮭﺎ اﻟﻤﻼك ﻟﻤﺮﯾﻢ اﻟﻌﺬراء .وﻗﺪ اﺗﻔﻖ أھﻠﻮﻧﺎ ﻋﻠﻰ أن ﺗﻌﻨﻰ اﻟﻌﻤﺔ "أدﻻھﯿﺖ " ﺑﺘﺮﺑﯿﺘﻨﺎ اﻟﻤﺴﯿﺤﯿﺔ .وﻛﺎدت ھﺬه اﻟﻌﻤﺔ ،ﻟﻜﺜﺮة ﺗﻘﻮاھﺎ أن ﺗﺪﺧﻞ ﺳﻠﻚ اﻟﺮھﺒﻨﺔ .وﻟﺌﻦ اﻧﺼﺮﻓﺖ آﺧﺮ اﻷﻣﺮ ،اﻟﻰ اﻟﺘﻌﻠﯿﻢ ،ﻓﺈﻧﮭﺎ ﻗﺪ ﻇﻠﺖ ﺗﻠﻚ "اﻟﺮاھﺒﺔ اﻟﺘﻘﯿﺔ "ﻓﻲ ﻧﻈﺮ اﻟﻌﺎﺋﻠﺔ ﻛﻠﮭﺎ .وﺑﻐﺾ اﻟﻨﻈﺮ ﻋﻦ ﻛﻮﻧﻲ ﻏﯿﺮ ﻣﻤﺎرﺳﺔ 8
ﻟﻄﻘﻮس اﻟﺪﯾﺎﻧﺔ ،وﺟﺪت أﻧﮭﺎ ﻛﺎﻧﺖ ﺧﯿﺮ ﻣﺜﺎل وﺻﻮرة ﻋﻦ اﻟﺪﯾﻦ ،ھﻨﯿﺔ ،وﻣﺴﺎﻟﻤﺔ ،وﻣﻨﻔﺘﺤﺔ اﻟﺮوح .وﻛﻠﻤﺎ ﺣﺎن ﻣﻮﻋﺪ ذھﺎﺑﻨﺎ اﻟﻰ اﻟﻜﻨﯿﺴﺔ ﯾﻮم اﻷﺣﺪ ،ھﻤﺖ اﻷﺧﺖ "أدﻻھﯿﺖ" ﻟﺘﻤﻀﻲ ﺑﻨﺎ اﻟﻰ ﻛﻨﯿﺴﺔ اﻟﻜﺎﺛﻮﻟﯿﻚ ،ﻣﺎ داﻣﺖ رﻋﯿﺘﮭﻢ ﻓﻲ ﺟﻮارﻧﺎ .ﺑﯿﺪ أﻧﻲ ،ﻓﻲ أﯾﺎم ﻓﺘﻮﺗﻲ ھﺬه ،ﻛﻨﺖ أﻧﻈﺮ اﻟىﺎﻟﺪﯾﻦ ﻋﻠﻰ أﻧﮫ اﻷﻋﯿﺎد اﻟﺪﯾﻨﯿﺔ ،ﻟﯿﺲ إﻻ. ﻓﻔﻲ اﻟﺨﺎﻣﺲ ﻋﺸﺮ ﻣﻦ أﯾﻠﻮل /ﺳﺒﺘﻤﺒﺮ ،ﻣﻦ ﻛﻞ ﺳﻨﺔ، ﻛﺎن اﻟﻨﺎس ﻓﻲ ﻗﺮﯾﺘﻲ ،ﯾﺤﺘﻔﻠﻮن ﺑﻌﯿﺪ ﻣﺎر "ﻣﺎﻣﺎ" ،ﺷﻔﯿﻊ ﻗﺮﯾﺘﻨﺎ ،وﻛﺎن ﻧﺎﺳﻜﺎً ﻣﺘﻌﺒﺪاً ﷲ .ﻣﺎ ﻛﻨﺎ ﻟﻨﻔﻮّت ھﺬا اﻟﻌﯿﺪ، أﯾﺎً ﻛﺎﻧﺖ اھﺘﻤﺎﻣﺎﺗﻨﺎ .ﻓﻔﻲ ذﻟﻚ اﻟﯿﻮم ،ﺗﺠﺪ ﻛﻞ أﺑﻨﺎء اﻟﻘﺮﯾﺔ، ﻣﻤﻦ ﻛﺎﻧﻮا ﻓﻲ ﺑﯿﺮوت ﻟﻠﻌﻤﻞ أو اﻟﺪراﺳﺔ ،ﻗﺪ ﻋﺎدوا إﻟﯿﮭﺎ، ﻋﻠىﻮﺟﮫ اﻟﺴﺮﻋﺔ .وﻛﺎن آل "ﺑﺸﺎرة" ،ﺷﺄن اﻟﻌﺎﺋﻼت اﻷﺧﺮى ﻓﻲ اﻟﻘﺮﯾﺔ ،أُﺛِﺮَ ﻋﻨﮭﻢ ﺣﺒﮭﻢ ﻟﻠﺴﻤﺮ واﻟﺘﺴﻠﯿﺔ. ﺣﺘﻰ إذا ﺣﻞ اﻟﻠﯿﻞ ،رأﯾﺘﻨﺎ ﻣﻨﺼﺮﻓﯿﻦ اﻟﻰ اﻟﻄﻌﺎم، واﻟﺮﻗﺺ ،وإرﺳﺎل اﻷﻧﻐﺎم ،وﺳﻂ اﻟﺤﻮش داﺧﻞ دﯾﺮ أﻧﺸﺊ ﻋﻠﻰ ذﻟﻚ اﻹﺳﻢ" ،دﯾﺮ ﻣﺎﻣﺎ" ،واﻟﺬي ﺑﺪا رﻏﻢ اﻧﻌﺰاﻟﮫ ﻋﻦ اﻟﻘﺮﯾﺔ ﻗﻠﯿﻼً ،ﻏﺎرﻗﺎً وﺳﻂ ﻏﺎﺑﺎت اﻟﺰﯾﺘﻮن اﻟﺪھﺮﯾﺔ .وﻻ ﺗﻠﺒﺚ ﻓﺮﺣﺔ اﻟﻌﯿﺪ أن ﺗﻌﻢ اﻟﺤﺎﺿﺮﯾﻦ .ﻓﻲ ﺣﯿﻦ ﺗﺮى اﻟﺮﺟﺎل ﯾﺸﺮﺑﻮن اﻟﻌﺮق ﺣﺘﻰ ﯾﺠﺎﻧﺒﻮا اﻟﺘﻌﻘﻞ أﺣﯿﺎﻧﺎً ،وﻻ ﺗﻌﻒ اﻟﻨﺴﺎء ﻋﻦ دﻣﻮع اﻟﻌﺬراء .وإذا اﻧﻘﻀﻰ اﻟﻠﯿﻞ ،ﻋﻠﻰ ھﺬا اﻟﻤﻨﻮال وأﻗﺒﻞ اﻟﺼﺒﺎح ،ھُﯿﺌﺖ اﻟﻨﻔﻮس ﻟﻼﺣﺘﻔﺎل ﺑﺎﻟﻄﻘﻮس اﻟﻤﻼﺋﻤﺔ وﻟﻠﺰﯾﺎح .واﻟﺤﺎل أن اﻟﺪﯾﺎﻧﺔ واﻻﺣﺘﻔﺎﻻت ﻏﺎﻟﺒﺎً ﻣﺎ ﻛﺎﻧﺖ ﺗﺴﯿﺮ ﺟﻨﺒﺎ اﻟﻰ ﺟﻨﺐ ،ﻣﺘﺂﺧﯿﺔ وﻻ ﺳﯿﻤﺎ ﻓﻲ اﻷﻋﺮاس .وﻗﺪ ﯾﺤﺪث أن ﺗﺘﻮاﺻﻞ اﻻﺣﺘﻔﺎﻻت ﻟﺴﺒﻌﺔ أﯾﺎم ﺑﻠﯿﺎﻟﯿﮭﺎ ،وﯾﺸﺎرك ﻓﯿﮭﺎ أﺑﻨﺎء اﻟﻘﺮﯾﺔ ﺟﻤﯿﻌﮭﻢ ،ﻟﻤﻨﺎﺳﺒﺔ زواج ،ﻛﻤﺎ ﺟﺮى ﻟﺰواج ﻗﺮﯾﺒﻲّ ﻣﯿﺸﺎل وﻛﺎﺗﺮﯾﻦ .وﻗﺪ ﻋُﺪ ذﻟﻚ ﺣﺪﺛﺎً ﻓﺎﺋﻖ اﻟﻌﺎدة! 9
وﻛﺎن ذﻟﻚ اﻟﻌﺮس ،ﻓﻲ اﻟﻌﺎم 1976.ﻓﻔﻲ ﻃﻮاﯾﺎ اﻟﺬاﻛﺮة اﻟﺠﻤﺎﻋﯿﺔ ،ﻛﺎن ﯾﻨﺒﻐﻲ ﻟﻼﺣﺘﻔﺎل ،أي اﺣﺘﻔﺎل ،أن ﯾﻨﺎل ﻣﻦ اﻟﺘﻌﻈﯿﻢ ﻣﺎ ﯾﻨﺎﻟﮫ اﻟﻌﺮس اﻟﻘﺮوي اﻟﻄﻨﺎن ،ﻣﺎ دام اﻹﺛﻨﺎن ﯾﻨﺘﻤﯿﺎن اﻟﻰ اﻟﻌﺼﺮ اﻟﺬھﺒﻲ ذاﺗﮫ اﻟﺬي ﺣﻄﻤﺘﮫ اﻟﺤﺮب، ﺑﻌﺪ أن ﺑﺎﻋﺪت ﺑﯿﻦ اﻟﻨﺎس وﺑﺪدﺗﮭﻢ ﻓﻲ ﺟﮭﺎت اﻟﻮﻃﻦ وﻣﺨﺎﺑﺌﮫ وﻣﻨﺎﻓﯿﮫ. وﻛﺎن ﺟﺪي ﯾﺠﺴﺪ ،وﺣﺪه ،ھﺬا اﻟﻌﺎﻟﻢ اﻟﺘﻘﻠﯿﺪي ،وﻗﺪ ذھﺐ ﺻﯿﺘﮫ ،ﻓﻲ دﯾﺮ ﻣﯿﻤﺎس ﻷﻣﺪ ﺑﻌﯿﺪ – ﻓﺼُﻮر ﻟﻠﻨﺎس ،ﻋﻦ ﺣﻖ ،رﺟﻼً ﻋﺎدﻻً وﺷﺪﯾﺪ اﻟﻘﺴﻮة ﻓﻲ آن ،ﺣﺘﻰ اﻟﻔﻈﺎﻇﺔ. ذات ﯾﻮم ،وﺑﯿﻨﻤﺎ ﻛﺎن ﻋﻤﻲ "ﻧﺎﯾﻒ" ﯾﻤﺎزﺣﻨﻲ ﺑﺄن أﺟﻠﺴﻨﻲ ،أﻧﺎ إﺑﻨﺔ اﻷرﺑﻌﺔ أﻋﻮام ،ﻋﻠﻰ ﻃﺎوﻟﺔ اﻟﻤﻄﺒﺦ، وأﺧﺬ ﯾﺪﻋﻮﻧﻲ اﻟﻰ اﻟﺮﻗﺺ وﯾﺠﻌﻠﻨﻲ أﺗﻤﺰز ﻗﻠﯿﻼً ﻣﻦ اﻟﻌﺮق ﻣﻦ ﻛﺄﺳﮫ ،وﻛﻨﺖ أﺣﺐ اﻟﻌﺮق ،رﻏﻢ ﻛﻮﻧﮫ ﻣﺸﺮوب اﻟﻜﺒﺎر ﻣﻤﻨﻮﻋﺎً ﻋﻠﻰ اﻷﻃﻔﺎل ،إذ دﺧﻞ ﺟﺪي ﻋﻠﻰ ﺣﯿﻦ ﻏﺮة ،ﻣﻔﺎﺟﺌﺎً ﻋﻤﻲ وﻣﻤﺎزﺣﺘﮫ ،ﻓﻤﺎ ﻛﺎن ﻣﻨﮫ إﻻ أن وﺟﮫ ﻟﮫ ﺿﺮﺑﺔ ﻣﻮﺟﻌﺔ ،وھﺸّﻢ ﻗﺪح اﻟﻌﺮق أرﺿﺎً، وﻟﻢ ﯾﺰل ﺣﺘﻰ ﺻﻔﻌﻨﻲ ،ﺑﺪوري .وﻇﻞ ﻓﻲ ﻧﻔﺴﻲ ﺧﻮفٌ ﻣﻨﮫ ،ﻋﻠﻰ اﻟﺪوام ،وﻟﻢ أﻛﻦ اﺳﺘﺜﻨﺎءً ﻓﻲ اﻟﻌﺎﺋﻠﺔ .ذﻟﻚ أن ﺟﺪي ﻧﺸﺄ ﻋﻠﻰ ھﺬا اﻟﻨﺤﻮ ،ﻣﺘﺠﺮﺋﺎً ﻋﻠﻰ ﺿﺮب ﻣﻦ ﯾﺸﺎء ﻣﻦ أﺑﻨﺎﺋﮫ ،ﺳﻮاء أﻛﺎﻧﻮا ﻓﺘﯿﺎﻧﺎً أو ﻓﺘﯿﺎت .وﻣﺎ ﻛﺎﻧﺖ ﻛﻨﺎﺋﻨﮫ ﺑﻤﻨﺄى ،ﻋﻠﻰ اﻟﺪوام ،ﻣﻦ إﺣﺪى ﻟﻄﻤﺎﺗﮫ اﻟﻌﻨﯿﻔﺔ .وﻟﻤﺎ ﻛﺎن ﻓﻼﺣﺎً ،ﻓﻲ أﻏﻠﺐ ﺳﻨﻮات ﻋﻤﺮه ،ورث ﻓﻲ أﯾﺎم ﺷﯿﺨﻮﺧﺘﮫ ﻣﮭﻨﺔ رآھﺎ ﻋﻠﻰ ﻗﺮد ﻃﺒﺎﻋﮫ :ﻧﺎﻃﻮر اﻟﻜﺮوم ﻣﻨﻌﺎً ﻣﻦ اﻟﺴﺮﻗﺔ .وﻟﻢ ﯾﺠﺮؤ أﺣﺪ ﻣﻦ اﻟﻘﺮﯾﺔ ﻋﻠﻰ اﻟﺸﻚ ﺑﺘﯿﻘﻈﮫ اﻟﺪاﺋﻢ وﺳﮭﺮه ﻋﻠﻰ ﻣﺎ اﺋﺘﻤﻦ ﻋﻠﯿﮫ.
10
وإذ ﻛﺎن ﻗﺪ وﻟﺪ ﻓﻲ أواﺋﻞ اﻟﻘﺮن اﻟﻌﺸﺮﯾﻦ ،أدرك ﺟﺪي ﻋﺼﺮ اﻻﻧﺘﺪاب اﻟﻔﺮﻧﺴﻲ ﻋﻠﻰ ﻟﺒﻨﺎن ،وﻣﺎ ﺑﯿﻦ اﻟﺤﺮﺑﯿﻦ اﻟﻌﺎﻟﻤﯿﺘﯿﻦ .وﻇﻞ ﯾﺤﺘﻔﻆ ،ﻓﻲ أﻏﻮار ﺻﻨﺪوﻗﮫ ﺣﯿﺚ وﺛﺎﺋﻘﮫ ،ﺑﺸﮭﺎدة وﻻء ﻋﺰﯾﺰة ﻟﻠﺴﻠﻄﺎت اﻟﻤﺤﺘﻠﺔ إﺑﺎن ﺧﺪﻣﺘﮫ اﻟﻌﺴﻜﺮﯾﺔ .وﺑﻘﺪر ﻣﺎ ﻛﺎﻧﺖ ﺟﺪﺗﻲ ،ﺳﻠﯿﻤﺔ ،ﺗﺒﺪي اﻣﺘﻌﺎﺿﺎً وﺗﺬﻣﺮاً ﻣﻦ ھﺬا اﻟﺤﺰب أو ذاك ،ﻟﻔﺮط ﻣﺎ ﻛﺎﻧﺖ اﻟﺴﯿﺎﺳﺔ آﺧﺬة ﺑﻠﺒﮭﺎ ،ﺑﻘﺪر ذﻟﻚ رأﯾﺖ ﺟﺪي واﻗﻔﺎً ﻋﻠﻰ اﻟﺤﯿﺎد .وﻛﺄﻧﻤﺎ ﺑﻐﯿﺮ ﻣﺒﺎﻻة ﻣﻦ اﻟﺴﯿﺎﺳﺔ .ﻣﻊ ذﻟﻚ ،ﻧﺸﺄت ﺑﯿﻦ اﻟﺠﺪﯾﻦ ﻣﻨﺎزﻋﺎت .وﻛﺎﻧﺖ ھﺬه اﻷﺧﯿﺮة ﺗﺤﻤﻠﮭﺎ ﻋﻠﻰ اﻻﺧﺘﻼف اﻟﺤﺎد .ﻓﻔﻲ اﻟﻤﺎﺿﻲ اﻟﺒﻌﯿﺪ ،ﻛﺎن "ﺣﻨﺎ" ﯾﺒﺪي ﺗﻘﺪﯾﺮاً ﺑﺎﻟﻐﺎً ﻟﻠﻨﺎﺋﺐ ،أﺣﻤﺪ ﺑﻚ اﻷﺳﻌﺪ ،وھﻮ ﻛﺒﯿﺮ إﻗﻄﺎﻋﯿﻲ اﻟﺠﻨﻮب ،وﻛﺎن ﻋﺮﺿﺔ ﻟﻠﺴﺨﺮﯾﺔ ﻣﻦ زوﺟﺘﮫ ﺳﻠﯿﻤﺔ اﻟﺘﻲ ﻛﺎﻧﺖ ﻻ ﺗﺰال ﺗﺬﻛﺮ ذﻟﻚ اﻟﺠﻮاب اﻟﻤﺘﻌﺠﺮف اﻟﺬي أﺟﺎب ﺑﮫ اﻟﻨﺎﺋﺐ اﻟﺸﮭﯿﺮر اﻟﻤﺬﻛﻮر ﻣﻌﺘﺮﺿﺎً ﺑﮫ ﻋﻠﻰ ﻣﻄﻠﺐ اﻟﻔﻼﺣﯿﻦ ﺑﻀﺮورة اﻓﺘﺘﺎح ﻣﺪرﺳﺔ ﻓﻲ اﻟﻘﺮﯾﺔ ،وھﻢ ﻣﻘﺒﻠﻮن ﻋﻠﻰ اﻧﺘﺨﺎﺑﮫ "إن اﺑﻨﻲ ﻛﺎﻣﻞ ،ﯾﺪرس ،وھﺬا ﯾﻜﻔﯿﻨﺎ". وﻣﺮت اﻟﺴﻨﻮات اﻟﻄﻮﯾﻠﺔ ،وﻇﻠﺖ ﺟﺪﺗﻲ ﺗﺆدي ﻟﻨﺎ ھﺬا اﻟﻤﺸﮭﺪ ،ﺑﻨﺒﺮة اﻻﺳﺘﻨﻜﺎر ﻧﻔﺴﮭﺎ ،ﻷﻣﺪ ﺑﻌﯿﺪ. ﻟﻢ ﺗﻄﻞ إﻗﺎﻣﺔ واﻟﺪي ﻓﻲ ﺑﯿﺖ أﺑﯿﮫ ،ﻓﺘﺮك اﻟﻘﺮﯾﺔ اﻟﻰ اﻟﻤﺪﯾﻨﺔ .وﺣﯿﻦ أﺟﻮل ﻓﻲ دﯾﺮ ﻣﯿﻤﺎس وأُﺳﺄل ﻋﻤﻦ أﻛﻮن، واﺑﻨﺔ أي "ﺑﺸﺎرة" أﻛﻮن ،أرد ﺑﺄﻧﻲ اﺑﻨﺔ "ﻓﻮاز" ،ﻓﻼ أﺟﺪ ﻓﻲ ﻗﺴﻤﺎت اﻟﺴﺎﺋﻞ ﻣﺎ ﯾﻨﻢ ﻋﻦ ﻣﻌﺮﻓﺘﮫ ﺻﺎﺣﺐ اﻻﺳﻢ. وﻧﺎدراً ﻣﺎ زار أﻗﺎرﺑﮫ ،ﻋﻠﻰ ﻋﻜﺲ واﻟﺪﺗﻲ "ﻧﺠﺎة" ،اﻟﺘﻲ ﻇﻠﺖ ﻋﻠﻰ ﺻﻼت وﺛﯿﻘﺔ ﺑﺄﻗﺎرﺑﮭﺎ وﺑﺄﺻﺪﻗﺎﺋﮭﺎ .ﺻﻼت ﻛﺎﻧﺖ ﺗﺠﮭﺪ ﻓﻲ ﺗﻤﺘﯿﻨﮭﺎ ﻛﻠﻤﺎ ﺗﺴﻨﻰ ﻟﮭﺎ ذﻟﻚ ،أﯾﺎم اﻟﻌﻄﻞ. 11
إﻧﻤﺎ ﯾﺠﺪر ﺑﻨﺎ اﻟﻘﻮل إﻧﮫ أﺗﯿﺢ ﻟﮭﺎ اﻟﺘﺮدد اﻟﻰ اﻟﻘﺮﯾﺔ أﻛﺜﺮ ﻣﻤﺎ ﺗﺴﻨﻰ ﻟﻮاﻟﺪي ،ﺑﻜﺜﯿﺮ ،ذﻟﻚ أﻧﮫ ﻛﺎن ﻣﻀﻄﺮاً ﻟﻠﺒﻘﺎء ﻓﻲ ﺑﯿﺮوت ﻷﺟﻞ اﻟﻌﻤﻞ ،ﻛﻠﻤﺎ ھﻤﻤﻨﺎ ،أﻧﺎ وأﺧﻮاﺗﻲ وأﺧﺘﻲ اﻷﻛﺒﺮ ﻣﻨﻲ ﺳﻨﺎً ،ﺑﻤﻐﺎدرة اﻟﻤﺪﯾﻨﺔ اﻟﻰ اﻟﻘﺮﯾﺔ. وﻟﻌﻞ ھﺬه اﻻﻧﻄﻼﻗﺎت اﻟﺘﻲ ﻛﻨﺎ ﻧﯿﻤﻢ ﺑﮭﺎ ﺷﻄﺮ دﯾﺮ ﻣﯿﻤﺎس ،ﻛﺎﻧﺖ ﻟﻨﺎ ﺑﻤﺜﺎﺑﺔ رﺣﻼت ﻃﻮﯾﻠﺔ ،ﺣﺘﻰ وﻟﻮ ﻛﺎن ذﻟﻚ ﻓﻲ ﺑﻠﺪ ﺻﻐﯿﺮ ﻛﻠﺒﻨﺎن ،ﺣﯿﺚ اﻟﻤﺴﺎﻓﺎت ﺑﯿﻦ اﻟﻤﺪﯾﻨﺔ واﻟﻘﺮﯾﺔ ﻻ ﺗﺘﻌﺪى ،إﻻ ﻓﻲ اﻟﻨﺎدر ،اﻟﺨﻤﺴﯿﻦ أو اﻟﺴﺒﻌﯿﻦ ﻛﯿﻠﻮﻣﺘﺮاً. وﻟﻤﺎ ﻛﻨﺎ ﻻ ﻧﻤﻠﻚ ﺳﯿﺎرة ،ﺑﺎﻟﻄﺒﻊ ،ﻛﻨﺎ ﻧﺠﻮل وﻓﻲ أﯾﺪﯾﻨﺎ ﺣﻘﺎﺋﺒﻨﺎ ،ﺗﻘﻠﻨﺎ اﻟﺴﺮﻓﯿﺴﺎت اﻟﺘﻲ ﻛﺎﻧﺖ ﺗﺠﻮب اﻟﺒﻼد ،اﻟﻰ ﻣﻘﺼﺪﻧﺎ .وﻛﺎﻧﺖ ﻟﻨﺎ رﺣﻼﺗﻨﺎ ھﺬه ،ﺻﯿﻔﺎً ﺷﺘﺎءً ،وﻓﻲ اﻟﻤﯿﻼد ﻛﻤﺎ ﻓﻲ ﻋﯿﺪ اﻟﻔﺼﺢ ،ﻣﺜﺎﺑﺔ أوذﯾﺴﺔ ﻋﻈﯿﻤﺔ اﻟﺘﺸﻮﯾﻖ .وﻛﺎن ﯾﻠﺰﻣﻨﺎ ﺛﻼث ﺳﺎﻋﺎت أﺣﯿﺎﻧﺎً ﻟﻨﺒﻠﻎ ﻗﺮﯾﺘﻨﺎ، ﻣﻊ ﻣﺎ ﺗﻘﺘﻀﯿﮫ اﻟﻄﺮﯾﻖ ﻣﻦ ﻣﺤﻄﺎت إﻟﺰاﻣﯿﺔ ﻧﻘﻒ ﻋﻨﺪھﺎ، وﻣﻦ دروب ﻛﺜﯿﺮة اﻟﺘﻌﺮج ،ﻛﻠﻤﺎ ﺑﻠﻐﻨﺎ ﻧﺘﻮءات ﺷﺪﯾﺪة اﻻﻧﺤﺪار ﻓﻲ أﻋﺎﻟﻲ اﻟﺠﺒﺎل .ﻓﻔﻲ ﺻﯿﺪا ،ﻛﻨﺎ ﻧﺴﺘﻮﻗﻒ اﻟﺴﺮﻓﯿﺲ ﻟﻨﺸﺘﺮي اﻟﺤﻠﻮى ،وﻓﻲ اﻟﻨﺒﻄﯿﺔ ،وﻗﻔﺔ ﺛﺎﻧﯿﺔ ﻟﺸﺮاء اﻟﻠﺤﻢ ،وﻧﻜﻮن ﻗﺪ ﺣﻤﻠﻨﺎ ﻣﻌﻨﺎ اﻟﺨﺒﺰ ﻣﻦ ﺑﯿﺮوت، وﻛﺎن ﺧﺒﺰاً" ﻋﺼﺮﯾﺎً" ،إذا ﺻﺢ اﻟﺘﻌﺒﯿﺮ ،وﻛﻨﺖ أﺳﺘﻠﺬه أﺿﻌﺎف ﻣﺎ ﯾﺴﺘﻠﺬ أھﻠﻲ اﻟﺮﻏﯿﻒ اﻟﺬي ﻛﺎن ﯾﺨﺒﺰ ﻟﺪى ﺟﺪي ،ھﺬه اﻟﻤﻌﺠﻨﺎت أو "اﻟﻄﻼﻣﻲ" اﻟﻀﺨﻤﺔ اﻟﺘﻲ ﺗﺸﻮى ﻋﻠﻰ اﻟﺼﺎج اﻟﺬي أوﻗﺪت ﻧﺎره ﺑﺰﺑﻞ اﻟﺒﻘﺮ اﻟﺠﺎف. إﻻ أﻧﻨﺎ ،واﻟﺤﻖ ﯾﻘﺎل ،ﻟﻢ ﻧﻜﻦ ﻧﻌﻮد اﻟﻰ ﺑﯿﺮوت ،ﻣﻦ دﯾﺮ ﻣﯿﻤﺎس ،ﻓﺎرﻏﻲ اﻷﯾﺪي ،وﻻ ﺳﯿﻤﺎ ﻓﻲ ﻧﮭﺎﯾﺔ ﻓﺼﻞ 12
اﻟﺼﯿﻒ .ﻓﻔﻲ أﯾﺎم اﻟﺼﯿﻒ اﻟﻄﻮﯾﻠﺔ ،ﻛﻨﺎ ﻧﺰرع ،وﻓﻲ أواﺧﺮھﺎ ﺗﺤﺼﺪ اﻷﯾﺪي ﻣﺎ زرﻋﺖ ﻣﻦ ﺧﻀﺮة وﻓﻮاﻛﮫ ﻋﻠﻰ أﻧﻮاﻋﮭﺎ ،ﻣﻤﺎ ﻛﺎﻧﺖ زراﻋﺘﮫ ﺷﺎﺋﻌﺔ ،وﻛﺎن اﺳﺘﮭﻼﻛﮫ ﻣﺤﻠﯿﺎً .وﻟﻢ ﯾﻜﻦ أي ﺑﯿﺖ ﻓﻲ اﻟﻘﺮﯾﺔ ﻣﮭﻤﺎ ﺻﻐﺮ ،ﻣﻌﺪوﻣﺎً ﻣﻦ ﻗﻄﻌﺔ أرض ﻣﺴﺘﻐﻠﺔ ﻟﻠﺰراﻋﺔ .واﻷرض ﻣﻌﻄﺎء، وﻛﻞ ﻧﺒﺖٍ ﯾﻠﻘﻰ ﻣﻨﮭﺎ ﻗﺒﻮﻻً وﺣﯿﺎة :اﻟﺬرة ،واﻟﺒﻨﺪورة، واﻟﺒﺎذﻧﺠﺎن ،واﻟﻜﻮﺳﻰ ،واﻟﺒﺼﻞ ،واﻟﺼﻌﺘﺮ .ﺑﯿﺪ أن ﺻﯿﺖ دﯾﺮ ﻣﯿﻤﺎس اﻟﺰراﻋﻲ ﺟﺎر ﻋﻠﻰ ﺟﻮدة زﯾﺘﻮﻧﮭﺎ.
13
اﻟﻌﺎﺋﻠﺔ أﺗﺮاه ﻟﯿﻮم ﻣﻮﻟﺪﻧﺎ اﻷﺛﺮ اﻟﻜﺒﯿﺮ ﻋﻠﻰ ﺣﯿﺎﺗﻨﺎ ،أﻧﺎ اﻟﻤﻮﻟﻮدة ﻓﻲ اﻟﺨﺎﻣﺲ ﻋﺸﺮ ﻣﻦ ﺣﺰﯾﺮان /ﯾﻮﻧﯿﻮ 1967؟ أو ﯾﺴﻌﻨﻲ أن أﻃﺮح اﻟﺴﺆال؟ ﻓﻲ ھﺬا اﻟﯿﻮم ،ﻛﺎﻧﺖ اﻟﺠﯿﻮش اﻟﻤﺼﺮﯾﺔ ،واﻷردﻧﯿﺔ واﻟﺴﻮرﯾﺔ ،ﺗﺠﺮﺟﺮ أذﯾﺎل اﻟﮭﺰﯾﻤﺔ ﻋﻠﻰ ﯾﺪ اﻟﺠﯿﺶ اﻹﺳﺮاﺋﯿﻠﻲ .وﻛﺎن ﺟﻤﺎل ﻋﺒﺪ اﻟﻨﺎﺻﺮ ﻓﻲ ھﺬه اﻟﻠﺤﻈﺔ ﺑﺎﻟﺬات ،وﻣﻦ اﻟﻘﺎھﺮة ﯾﻘﺪم اﺳﺘﻘﺎﻟﺘﮫ اﻟﻰ ﺷﻌﺐ ﻣﺼﺎب ﺑﺬھﻮل ﻣﻦ رؤﯾﺔ رﺋﯿﺴﮫ اﻷﺳﻄﻮري ﯾﺘﮭﺎوى .وﻟﺌﻦ ﻛﻨﺖ وﻟﺪت ﻓﻲ ﯾﻮم ھﺰﯾﻤﺔ ﻟﻠﻌﺎﻟﻢ اﻟﻌﺮﺑﻲ ،ﻓﺈﻧﻲ ﻓﻀﻼ ﻋﻦ ذﻟﻚ ،آﺧﺮ اﻟﻤﻮﻟﻮدﯾﻦ ﻓﻲ ﻋﺎﺋﻠﺘﻲ .ﺗﺰوج واﻟﺪاي ﻋﺎم ،1958وﻛﺎن ﻛﻞ ﻣﻨﮭﻤﺎ ﻓﻲ اﻟﻌﺸﺮﯾﻦ ﻣﻦ ﻋﻤﺮه .ﻓﻜﺎن أن وﻟﺪ أﺧﻲ ﻋﺪﻧﺎن ﻓﻲ اﻟﺴﻨﺔ اﻟﺘﻲ ﺗﻠﺖ زواﺟﮭﻤﺎ ،ﺛﻢ أﺑﺼﺮت اﻟﻨﻮر أﺧﺘﻲ ﺣﻨﺎن ،وﻓﯿﻤﺎ ﺑﻌﺪ وﻟﺪ أﺧﻲ ﻋﻤﺮ، وﻓﻲ آﺧﺮ اﻟﻌﻨﻘﻮد ﻛﻨﺖ أﻧﺎ أﺧﯿﺮاً .وﻟﺮﺑﻤﺎ أﺗﺖ ﺗﺴﻤﯿﺘﻲ "ﺳﮭﻰ" - ،وﺗﻌﻨﻲ اﻟﻨﺠﻤﺔ – ﺗﯿﻤﻨﺎً وﻃﻠﺒﺎً ﻟﻸﻣﻞ. أﻣﺎ اﻟﺮﺟﻞ اﻟﺴﯿﺎﺳﻲ اﻷﺛﯿﺮ ﻟﺪي ،ﻓﻲ ﻟﺒﻨﺎن ،ﻓﻠﻢ ﯾﻜﻦ إﻻ واﻟﺪي .ﻓﮭﻮ اﻟﺸﯿﻮﻋﻲ واﻟﻨﻘﺎﺑﻲ ،ﻣﻨﺬ ﻣﺮاھﻘﺘﮫ اﻷوﻟﻰ، ﺑﻼ ﺷﻚ .أﻛﺘﺐ "ﺑﻼ ﺷﻚ" ،ﻷﻧﮫ ﻻ ﯾﺴﻌﻨﻲ اﻟﻘﻮل إﻧﮫ ﺻﻢ آذاﻧﻨﺎ ،ﺻﺒﺢ ﻣﺴﺎء ،ﺑﺎﻟﺘﺰاﻣﮫ .إﻧﻤﺎ ﻋﻠﻰ اﻟﻌﻜﺲ ﻣﻦ ذﻟﻚ. وﻟﻤﺎ ﻛﺎن واﻟﺪي ﻣﺴﺘﻌﺪاً ،أﺗﻢ اﻻﺳﺘﻌﺪاد ،ﻟﻼﻧﺨﺮاط ﻓﻲ أﯾﺔ ﻗﻀﯿﺔ ﺣﻖ ،ﻓﻘﺪ ﺑﺪا ﺻﻤﻮﺗﺎً ،ﻏﯿﺮ ﻣﺤﺐ ﻟﻠﻀﺠﯿﺞ. وﻟﻄﺎﻟﻤﺎ رأﯾﺘﮫ ﻣﺸﺎرﻛﺎً اﻟﻌﺎﺋﻠﺔ ﻓﻲ ﻛﻞ اﻷﻋﯿﺎد اﻟﺪﯾﻨﯿﺔ اﻟﺘﻲ
14
ﯾﺤﺴﻦ اﻻﺣﺘﻔﺎل ﺑﮭﺎ ﻓﻲ اﻟﻘﺮﯾﺔ اﺣﺘﺮاﻣﺎً ﻷﻓﺮاد ﻋﺎﺋﻠﺘﮫ اﻟﻜﺒﯿﺮة ،وﻟﻢ أﻛﺘﺸﻒ اﻧﺘﻤﺎءه اﻟﻰ اﻟﺤﺰب اﻟﺸﯿﻮﻋﻲ اﻟﻠﺒﻨﺎﻧﻲ إﻻ ﻣﺆﺧﺮاً ،ﺣﯿﻦ ﺑﻠﻐﺖ اﻟﻌﻤﺮ اﻟﻤﻨﺎﺳﺐ اﻟﺬي ﯾﺆھﻠﻨﻲ ﻟﻼﻧﺨﺮاط ﻓﻲ ﺻﻔﻮﻓﮫ .وﻟﻢ أﺟﺮؤ ﻗﻂ ﻋﻠﻰ ﺳﺆال أﺑﻲ ﻋﻦ دواﻓﻊ اﻟﺘﺰاﻣﮫ ھﺬا. ﺑﺎﻟﺘﺄﻛﯿﺪ ،ﻛﺎن أُﺛﺮ ﻋﻦ ﻗﺮﯾﺘﻨﺎ ،دﯾﺮ ﻣﯿﻤﺎس ،وﻟﺰﻣﻦ ﺑﻌﯿﺪ ﺧﻠﻰ ،ﻛﻮﻧﮭﺎ ﻗﻠﻌﺔ ﻣﻦ ﻗﻼع اﻟﯿﺴﺎر – أﻗﻠﮫ اﻟﻰ ﻣﺎ ﻗﺒﻞ اﻻﺣﺘﻼل اﻹﺳﺮاﺋﯿﻠﻲ ﻋﺎم .1978ﻗﻠﻌﺔ ﻟﻠﯿﺴﺎر ،ﺑﯿﺪ أﻧﮭﺎ ﻛﺎﻧﺖ ،ﻛﺬﻟﻚ ،ﺗﻠﻚ اﻟﺒﻠﺪة اﻟﺘﻲ دﻓﻌﺖ أﺑﻨﺎءھﺎ أﺷﻮاﻃﺎً ﺑﻌﯿﺪة ﻓﻲ اﻟﺘﻌﻠﻢ .وﻛﺎﻧﺖ اﻟﻨﺘﺎﺋﺞ اﻟﺒﺎھﺮة ﻟﺘﻼﻣﺬة دﯾﺮ ﻣﯿﻤﺎس أرﻗﻰ ﻣﺎ ﻛﺎﻧﺖ ﺗﺒﻠﻐﮫ ﻓﻲ ﺑﻠﺪات اﻟﺠﻮار ،ﻗﺎﻃﺒﺔ. وﻛﺎن واﻟﺪي ،اﻟﺬي اﺿﻄﺮ اﺿﻄﺮاراً اﻟﻰ اﻟﺘﻮﻗﻒ ﻋﻦ اﻟﺪراﺳﺔ ،إﺛﺮ ﺣﺎدﺛﺔ ﺟﺮت ﻟﮫ ﻣﻊ ﺟﻨﺪي ،ﻻ ﯾﺰال ﯾﺒﺪي ﺷﻐﻔﺎً ﺑﺎﻟﻜﺘﺐ وﺑﺎﻟﺪارﺳﺔ .وﻟﻤﺎ ﻛﺎﻧﺖ اﻷوﺳﺎط اﻟﻤﺜﻘﻔﺔ ﻣﻦ اﻟﺤﺰب ﻗﺪ اﺳﺘﮭﻮﺗﮫ ،وﻻ ﺳﯿﻤﺎ ﻓﻲ ﻧﮭﺎﯾﺔ اﻟﺨﻤﺴﯿﻨﯿﺎت، أﺧﻤﻦ أﻧﮫ اﻧﺘﺴﺐ ،ﺑﻤﻞء ﺧﺎﻃﺮه ،اﻟﻰ ﺧﻄﺎﺑﮭﺎ اﻟﺬي ﯾﻌﻠﻲ ﻣﻦ ﺷﺄن اﻟﻤﻮاﻃﻨﯿﺔ ﻋﻠﻰ ﺣﺴﺎب اﻻﻧﺘﻤﺎء اﻟﻄﺎﺋﻔﻲ. وﻣﻨﺬ أن وﻋﯿﺖ اﻷﻣﻮر ،ﻛﺎن واﻟﺪي ﯾﻌﻤﻞ ﻓﻲ ﻣﺠﺎل اﻟﻨﺸﺮ ﺑﻤﺜﺎﺑﺔ ﻋﺎﻣﻞ ﻓﻲ اﻟﻤﻄﺒﻌﺔ ،ﯾﺼﻒ اﻟﺤﺮوف أو ﯾﻄﺒﻌﮭﺎ ﻃﺒﻌﺎً .وﻻ ﯾﺰال اﻟﻰ ﯾﻮﻣﻨﺎ ھﺬا ،وﻋﻠﻰ اﻟﺮﻏﻢ ﻣﻦ اﺳﺘﺤﻘﺎﻗﮫ ﺗﻘﺎﻋﺪاً ،ﺑﻌﺪ ﻛﻞ ﺳﻨﻮات اﻟﻨﺎر واﻟﺒﺎرود ،ﯾﻤﻀﻲ ﻛﻞ ﺻﺒﺎح اﻟﻰ ﻋﻤﻠﮫ ،ﻓﻤﺎ ﻛﺎن ﯾﮭﻤﮫ ﻣﻦ اﻟﺤﯿﺎة ،ھﻮ أن ﯾﻨﺎل ﻛﻔﺎف ﻋﯿﺸﮫ ،وﻻ ﺗﺰال ﺻﻮرﺗﮫ ﻓﻲ ذاﻛﺮﺗﻲ رﺟﻼً اﺳﺘﺄﺛﺮت ﺑﮫ ﻣﮭﻨﺘﮫ ﻛﻠﯿﺎً.
15
ﻣﺎ ﻛﻨﺖ ﻷراه ﯾﻮم اﻷﺣﺪ ﺣﯿﻦ ﻛﻨﺎ اﻋﺘﺪﻧﺎ اﻟﺨﺮوج ﺑﺄﻓﺮاد ﻋﺎﺋﻠﺘﻨﺎ ،وﻧﻤﻀﻲ ﻣﺮات اﻟﻰ ﺷﺎﻃﺊ اﻟﺒﺤﺮ ،أو ﻏﺎﻟﺒﺎً اﻟﻰ أﻗﺎرﺑﻨﺎ .وﺣﯿﻦ ﺑﺎﺗﺖ ھﺬه اﻟﻨﺰھﺎت ﻣﺴﺘﺤﯿﻠﺔ ﺑﻔﻌﻞ اﻧﺪﻻع اﻟﺤﺮب اﻷھﻠﯿﺔ واﻻﻧﻔﺠﺎرات ،وﺟﺪت اﻟﺘﺰاﻣﮫ وﻋﻤﻠﮫ ﻣﺨﺘﻠﻄﯿﻦ ﺗﻤﺎﻣﺎً ،وﻋﻠﻰ ﻧﺤﻮ ﻣﺒﺎﻏﺖ. وﻟﻤﺎ ﻛﺎﻧﺖ ﻣﻄﺒﻌﺔ اﻟﺤﺪث دُﻣﺮت ﻓﻲ ﺑﺪاﯾﺔ اﻟﻌﻤﻠﯿﺎت اﻟﻘﺘﺎﻟﯿﺔ ،ﻓﻠﻘﺪ ﻋﻤﻞ ﻓﻲ ﻣﻄﺒﻌﺔ أﺧﺮى ﻟﻠﺤﺰب ،وھﻲ ﻣﻄﺒﻌﺔ "اﻷﻣﻞ" ،واﻟﺘﻲ اﺳﺘﻤﺮت ﺑﺎﻟﻌﻤﻞ ،رﻏﻢ ﻛﻞ اﻟﻈﺮوف اﻟﺘﻲ ﻋﺎﻧﺎھﺎ اﻟﻘﯿﻤﻮن ﻋﻠﯿﮭﺎ ﺧﻼل اﻟﺤﺮب ﻛﻠﮭﺎ، وﺑﺬﻟﻚ أﻣﻜﻦ ﻃﺒﺎﻋﺔ اﻟﺠﺮﯾﺪة اﻟﻨﺎﻃﻘﺔ ﺑﻠﺴﺎن اﻟﺸﯿﻮﻋﯿﯿﻦ، ﻋﻨﯿﺖ ﺑﮭﺎ ﺟﺮﯾﺪة" اﻟﻨﺪاء" ،وﺣﯿﻦ ﻋﺎدت اﻟﻤﻌﺎرك ﻟﺘﻄﺮدﻧﺎ ﺧﺎرﺟﺎً ﻣﻦ ﻣﻨﺰﻟﻨﺎ ودﻣﺮﺗﮫ ﻣﻦ ﺛﻢ ،اﺿﻄﺮرﻧﺎ اﻟﻰ اﻟﻨﺰول ﻓﻲ أﺣﺪ اﻷﺑﻨﯿﺔ اﻟﻌﺎﺋﺪة اﻟﻰ ھﺬه اﻟﻤﻄﺒﻌﺔ، ﺣﯿﺚ أﻗﻤﻨﺎ ﻧﮭﺎﺋﯿﺎً. أﻣﺎ واﻟﺪﺗﻲ ،ذات اﻟﺸﺨﺼﯿﺔ اﻟﻘﻮﯾﺔ ،ﻓﻜﺎﻧﺖ ﻣﺪﺑﺮة ﻣﻨﺰﻟﻨﺎ اﻟﺼﻐﯿﺮ ،ﻓﻠﮭﺎ ﻛﻞ اﻟﻘﺮارات اﻟﺘﻲ ﺗﺘﻌﻠﻖ ﺑﺎﻷﺑﻨﺎء ،وﻟﻤﺎ ﻛﺎﻧﺖ ﺗﻌﺘﺮض ،ﻣﺜﻼً ،ﻋﻠﻰ أن أﻣﻀﻲ ﺑﺮﻓﻘﺔ أﺻﺪﻗﺎﺋﻲ اﻟﻜﺸﺎﻓﺔ ﻓﻲ إﺣﺪى اﻟﺮﺣﻼت ،ﻛﺎن ﯾﺘﻮﺟﺐ ﻋﻠﻲ أن أﺗﺤﯿﻦ ﻏﯿﺎﺑﮭﺎ ﻋﻦ اﻟﻤﻨﺰل ﻷﺳﺘﺄذن واﻟﺪي اﻟﺬي ﻣﺎ ﻛﺎن ﻟﯿﺮﻓﺾ ﻃﻠﺒﺎً .وﻟﻘﺪ ﺣﺒﺖ اﻟﻄﺒﯿﻌﺔ واﻟﺪي ﻃﺒﺎﻋﺎً ﯾﻐﻠﺐ ﻋﻠﯿﮭﺎ اﻟﻔﺮح ،ﻓﺒﺪت ﻟﻨﺎ ﺳﺮﯾﻌﺔ اﻟﺒﺪﯾﮭﺔ ،ﺗﺮوي اﻟﺤﻜﺎﯾﺎ ،أو ﺗﺮﻣﻲ ﺑﺎﻟﺪﻋﺎﺑﺎت ،ﺣﯿﻨﺎً ﺑﻌﺪ ﺣﯿﻦ. وﻟﻢ ﺗﺘﺬﻣﺮ ﯾﻮﻣﺎً ﻣﻦ ﻣﺨﺎﻃﺮ اﻟﺤﺮب وﻻ ﻣﻦ اﻧﻘﻄﺎﻋﺎت اﻟﻤﯿﺎه واﻟﻜﮭﺮﺑﺎء ،اﻟﺘﻲ ﻛﺎﻧﺖ ﺗﻀﺎﻋﻒ ﻣﻦ ﻣﺼﺎﻋﺐ اﻟﺤﯿﺎة ،ﻓﻲ ﻣﺎ ﺣﻮﻟﻨﺎ ،وﻻ ﻛﺎﻧﺖ ﺗﺘﺄﻓﻒ ﻣﻦ ﻣﻮﺟﺎت 16
اﻟﻘﺼﻒ اﻟﻤﺘﻼﺣﻘﺔ ﻋﻠﯿﻨﺎ .وﺑﺨﻼف واﻟﺪي ،ﻟﻢ ﺗﻜﻦ أﻣﻲ ﺗﮭﺘﻢ ﻟﻠﺴﯿﺎﺳﺔ ،وﻋﺮﻓﺖ ﻓﯿﻤﺎ ﺑﻌﺪ أﻧﮭﺎ أدﻟﺖ ﺑﺼﻮﺗﮭﺎ ﻓﻲ اﻧﺘﺨﺎﺑﺎت اﻟﻌﺎم ، 1971ﻟﺼﺎﻟﺢ اﻟﯿﺴﺎر ،ﻗﺒﯿﻞ اﻟﺤﺮب اﻷھﻠﯿﺔ ،ﺑﯿﺪ أن ذﻟﻚ ﻟﻢ ﯾﻜﻦ ﻋﻦ ﻗﻨﺎﻋﺔ راﺳﺨﺔ ﻟﺪﯾﮭﺎ، ﺑﻘﺪر ﻣﺎ ﻛﺎن إرﺿﺎءً ﻟﺰوﺟﮭﺎ. واﻟﺤﺎل أن واﻟﺪﺗﻲ أدرﻛﺖ ﺑﺎﻛﺮاً أن ﻟﻠﺤﺰب اﻟﺸﯿﻮﻋﻲ ﻃﻐﯿﺎﻧﺎً ﻋﻠﻰ زوﺟﮭﺎ .ﻓﮭﻲ ﻟﻢ ﺗﻜﺪ ﺗﻨﺰع ﻋﻨﮭﺎ ﺛﻮب اﻟﻌﺮس ،ﺣﺘﻰ أﺷﺎر إﻟﯿﮭﺎ واﻟﺪي ﺑﺄن ﺗﺮﺗﺐ اﻟﺤﻘﺎﺋﺐ ﻟﺘﻠﺤﻖ ﺑﮫ اﻟﻰ ﺳﻮرﯾﺎ ،ﺣﯿﺚ أرﺳﻞ ﺳﺮاً ﺑﻤﮭﻤﺔ ﺑﺮﻓﻘﺔ ﻋﻤﻲ ،إﻻ أن أﻣﺮاً ﻣﻌﺎﻛﺴﺎً ﺻﺪر ﻟﻠﺘﻮ آﻣﺮاً ﺑﻤﻮﺟﺒﮫ اﻟﻤﻨﺎﺿﻠﯿﻦ ﺑﺎﻟﻌﻮدة ،ﻋﻠﻰ ﺟﻨﺎح اﻟﺴﺮﻋﺔ اﻟﻰ ﺑﯿﺮوت، وﺑﺎﻟﺘﺨﻠﻲ اﻟﻔﻮري ﻋﻦ زوﺟﺘﯿﮭﻤﺎ اﻟﻠﺘﯿﻦ ﻟﻢ ﯾﻤﺾ ﻋﻠﻰ إﻧﺠﺎﺑﮭﻤﺎ ﺑﻜﺮﯾﮭﻤﺎ ﺳﻮى أﯾﺎم ﻣﻌﺪودات .وﻇﻠﺖ واﻟﺪﺗﻲ، ﻋﻠﻰ ﻛﺮ اﻷﯾﺎم ،ﺗﺰداد ﻏﯿﻈﺎً ﻣﻦ ﺗﻠﻚ اﻟﺴﯿﺎﺳﺔ ،وﺷﺎءت أن ﺗﺪﻓﻌﮭﺎ دﻓﻌﺎً ﻋﻦ ﻣﻨﺰﻟﮭﺎ. وﻟﻸﺳﻒ ،ﻛﺎن ﺻﯿﺖ ﻋﺎﺋﻠﺘﻨﺎ اﻟﺤﺰﺑﯿﺔ أﺳﺒﻖ ﻣﻨﮭﺎ، وأرﺳﺦ ﻣﻦ إرادﺗﮭﺎ .وإﺑﺎن اﻧﺘﺨﺎب ﺑﺸﯿﺮ اﻟﺠﻤﯿﻞ رﺋﯿﺴﺎً ﻟﻠﺒﻼد ﻋﺎم ، 1982ﻗﺪم اﻟﻰ اﻟﺤﻲ ﻣﻘﺎﺗﻠﻮن ﻛﺘﺎﺋﺒﯿﻮن وأﺧﺬوا ﯾﺮﺳﻠﻮن ﻓﻲ ﺣﻘﻨﺎ اﻟﻜﻼم اﻟﻨﺎﺑﻲ ،ﻣﺰدرﯾﻦ ﻣﺤﻘﺮﯾﻦ ،ﻣﺮﺳﻠﯿﻦ زﻋﯿﻘﮭﻢ ﻣﻦ ﺗﺤﺖ ﻧﻮاﻓﺬ ﺑﯿﺘﻨﺎ اﻟﺠﺒﻠﻲ، ﺣﯿﺚ ﻛﻨﺎ ،ﻣﺮددﯾﻦ" :ﺑﺸﺮ ،ﺑﺸﺮ ،ﺑﺸﻮره ،ﺑﯿﺖ ﺑﺸﺎرة ﻣﻘﮭﻮرة". واﻟﺤﻖ أن اﻟﺤﻈﻮة اﻟﺴﯿﺎﺳﯿﺔ ،اﻟﺘﻲ ﻛﺎن ﯾﻨﺎﻟﮭﺎ أﺣﺪ اﻟﻤﺮﺷﺤﯿﻦ ﻋﻦ اﻟﯿﻤﯿﻦ اﻟﻤﺎروﻧﻲ ،ﻛﺎن ﯾﻤﺜﻞ اﻧﺘﻜﺎﺳﺔ ﻟﻠﺸﯿﻮﻋﯿﯿﻦ. 17
ﻣﻨﺬ ﺑﺪاﯾﺔ اﻟﺤﺮب اﻷھﻠﯿﺔ ،وﺟﺪت أھﻠﻲ ﯾﻘﯿﺴﻮن اﻟﻤﺨﺎﻃﺮ اﻟﺘﻲ ﺗﻨﺠﻢ ﻋﻦ اﻻﻟﺘﺰام اﻟﺴﯿﺎﺳﻲ .وﻗﺪ ﺑﺪأت ﺧﯿﻮط اﻷﺣﺪاث ﺗﺘﻮاﻟﻰ ﻣﻨﺬ أن أﻃﻠﻖ أول ﻗﻨﺎص ،ﻛﺎﻣﻦ ﻓﻲ ﺗﺴﻘﯿﻔﺔ أﺣﺪ اﻟﺒﯿﻮت اﻟﻘﺮﯾﺒﺔ ﻣﻦ ﻣﻨﺰﻟﻨﺎ اﻷول ،ﻃﻠﻘﺎت ﻋﻠﻰ ﻣﺎ ﺳﻤﻲ ﺑﺨﻂ اﻟﺠﺒﮭﺔ ،وذﻟﻚ ﻓﻲ اﻟﺜﺎﻟﺚ ﻋﺸﺮ ﻣﻦ ﻧﯿﺴﺎن / أﺑﺮﯾﻞ .وﻛﺎن ذﻟﻚ اﻟﻘﻨﺎص ﻛﺘﺎﺋﺒﯿﺎً ،أﺣﺪ ﺟﯿﺮاﻧﻨﺎ اﻟﻤﻌﺮوﻓﯿﻦ ،وﯾﺪﻋﻰ "ﻋﯿﺴﻰ" ،ﻗﺪ زرع اﻟﺮﻋﺐ ﻓﻲ اﻟﺤﻲ ﺑﺄﺳﺮه .وأﺻﺎﺑﺖ رﺻﺎﺻﺎﺗﮫ ﺑﺎﻟﻤﻘﺘﻞ أﺷﺨﺎﺻﺎً ﻛﺜﯿﺮﯾﻦ، وﺑﺎت ﻣﻦ اﻟﻤﺆﻛﺪ ،ﺣﯿﺎل ﻣﺨﺎﻃﺮ اﻟﻤﺮور ﻣﻦ أﻣﺎم ذﻟﻚ اﻟﻘﻨﺎص ،أن ﺗﺘﻮﻗﻒ اﻟﺴﻜﺔ اﻟﺤﺪﯾﺪ ﻋﻦ اﻟﻌﻤﻞ ،وﺑﺎﻟﻔﻌﻞ ﻛﻔﺖ ﺳﻜﺔ اﻟﺤﺪﯾﺪ ﻋﻦ اﻟﻌﻤﻞ ،ﻣﻨﺬ ذﻟﻚ اﻟﺤﯿﻦ .وﺧﻼل ﺷﮭﺮ ﺑﺄﯾﺎﻣﮫ ،ﺟﮭﺪت اﻟﻤﯿﻠﯿﺸﯿﺎت اﻟﻤﻮاﻟﯿﺔ ﻟﺴﻮرﯾﺎ ﻓﻲ ﻃﺮد ذﻟﻚ اﻟﻘﻨﺎص ،وﺟﻌﻠﺖ ﺗﻤﺸﻂ اﻟﺤﻲ ﺗﻤﺸﯿﻄﺎً دﻗﯿﻘﺎً، وﺑﺴﺮﯾﺔ ﺗﺎﻣﺔ .وﻓﻲ ھﺬه اﻟﻤﻨﺎﺳﺒﺔ ،ﺗﻨﺒﮫ أھﻠﻲ أﻧﻨﺎ اﻟﻌﺎﺋﻠﺔ اﻟﻮﺣﯿﺪة اﻟﺘﻲ ﺗﻤﻠﻚ ﺳﻼﺣﺎً ،ﺳﻮاء أﻛﺎن ﻣﺴﺪﺳﺎً أم ﺑﻨﺪﻗﯿﺔ ﺻﯿﺪ .ﺣﺘﻰ ﻛﺎن اﻋﺘﻘﺎل ﻋﯿﺴﻰ .وﻟﺴﻮف ﯾﻌﺪم ﻻﺣﻘﺎً .وﻗﺪ رﺳﻤﺖ ﻓﻲ ﺧﯿﺎﻟﻲ ﺳﯿﻨﺎرﯾﻮ ﻟﻄﺮﯾﻘﺔ إﻋﺪاﻣﮫ ﻻ ﺗﺘﻔﻖ ﻣﻊ ﻣﺎ ﺣﺼﻞ .ﻛﻨﺖ أﻋﺘﻘﺪ أﻧﮫ أﻋﺪم ﺷﻨﻘﺎً ﻓﻲ ﺣﯿﮫ ،اﻟﻤﻮﺿﻊ اﻟﺬي ﺷﮭﺪ ﻃﻔﻮﻟﺘﮫ ،ﻟﯿﻜﻮن ﻣﺜﺎﻻً وﻋﺒﺮة ﻟﻤﻦ ﯾﻌﺘﺒﺮ ،وﻓﻲ ﺟﻤﯿﻊ اﻷﺣﻮال .ﻓﻘﺪ ﻛﻨﺎ ﻻ ﻧﺰال ﻣﻠﺘﺠﺌﯿﻦ ﻓﻲ دﯾﺮ ﻣﯿﻤﺎس. وﻟﻢ ﺗﻤﺾ أﯾﺎم ﺣﺘﻰ أﺗﺎﻧﺎ واﺣﺪ ﻣﻦ ﻣﻌﺎرﻓﻨﺎ اﻟﻜﺘﺎﺋﺒﯿﯿﻦ ﻟﯿﻨﺬر واﻟﺪي :ﻓﮭﻮ ﻋﻠﻰ وﺷﻚ أن ﯾﻘﺘﻞ ﻓﻲ إﺣﺪى ﻋﻤﻠﯿﺎت اﻟﺜﺄر .ﻋﻠﻤﺎً أن اﻟﺜﺄر إن ھﻮ إﻻ ﻋﻤﻠﯿﺔ اﻏﺘﯿﺎل ﻣﻨﻈﻢ ،ﯾﻘﻮم ﻣﻘﺎم اﻟﺮﻣﺰ .وھﻜﺬا ،ﺑﻘﻲ واﻟﺪي ﺷﮭﺮﯾﻦ ﻛﺎﻣﻠﯿﻦ ﻣﺤﺠﻮزاً ﻓﻲ اﻟﻤﻄﺒﻌﺔ وﯾﺤﻮط ﺑﮫ رﺟﺎل ﻣﻦ أﺗﺒﺎع ﻛﻤﯿﻞ ﺷﻤﻌﻮن، وھﻮ ﺛﺎﻧﻲ ﻗﺎﺋﺪ ﻓﻲ ﺣﺮﻛﺔ اﻟﯿﻤﯿﻦ اﻟﻤﺴﯿﺤﯿﺔ اﻟﻤﺎروﻧﯿﺔ، ﺣﺘﻰ ﺗﻤﻜﻦ ،ﻣﺎﻟﻚ اﻟﻤﻄﺒﻌﺔ ،ﺳﻠﯿﻢ اﻟﻠﻮزي ﻣﻦ إﺧﺮاﺟﮫ 18
ﺑﺴﯿﺎرة ﺗﻌﻮد اﻟﻰ رﺋﺎﺳﺔ اﻟﺠﻤﮭﻮرﯾﺔ اﻟﻠﺒﻨﺎﻧﯿﺔ .وﻛﺎن واﻟﺪي ﻣﺤﻈﻮﻇﺎً ﻟﻨﺠﺎﺗﮫ .ﻓﻲ ﺣﯿﻦ ﻟﻘﻲ أﺣﺪ أﻗﺎرﺑﮫ ﻣﺼﺮﻋﮫ ﻓﻲ اﻟﻔﺘﺮة اﻟﻌﺼﯿﺒﺔ ﻧﻔﺴﮭﺎ ،وھﻮ ﻛﺎن ﯾﻌﻤﻞ، ﻛﻮاﻟﺪي ،ﻓﻲ اﻟﻤﻄﺒﻌﺔ. وﻟﻄﺎﻟﻤﺎ ﻛﺎﻧﺖ أﻣﻲ ﻣﺼﺮة ﻋﻠﻰ أن ﯾﻜﻮن أﺑﻨﺎؤھﺎ ﺧﺎرج اﻟﻤﻨﺰل ﻛﻠﻤﺎ اﻟﺘﻘﻰ واﻟﺪي ﺑﺄﺧﻮﺗﮫ وأﺧﺬوا ﯾﺘﺪاوﻟﻮن ﻓﻲ ﺷﺆون اﻟﺴﯿﺎﺳﺔ .ﻏﯿﺮ أن ھﺬا اﻟﺤﺮص ﺑﺪا ﻻ ﻃﺎﺋﻞ ﻣﻨﮫ، أﻗﻠﮫ ﻓﻲ ﻣﺎ ﺧﺺ أﺧﻲ اﻷﻛﺒﺮ ،وﻣﺎ ﺧﺼﻨﻲ .ذات ﯾﻮم ، وﻗﺒﯿﻞ اﻧﺪﻻع اﻟﺤﺮب اﻷھﻠﯿﺔ ،أﻗﺪم ﻣﺪﯾﺮ اﻟﻤﺪرﺳﺔ، اﻟﻜﺘﺎﺋﺒﻲ ﺑﺪوره ،ﻋﻠﻰ ﺗﻮﺟﯿﮫ ﺻﻔﻌﺔ ﻷﺧﻲ ﻋﺪﻧﺎن ،وﻟﻢ ﯾﻜﻦ ﻗﺪ ﺑﻠﻎ اﻟﺜﺎﻧﯿﺔ ﻋﺸﺮ ﻣﻦ ﻋﻤﺮه ،ﻷﻗﻮال ﻧﻤﯿﺖ اﻟﻰ أھﻞ اﻟﯿﺴﺎر ،ﻋﻠﻰ ﺣﺪ ﻣﺎ وﺻﻔﮭﺎ اﻟﻤﺪﯾﺮ .وﻛﺎﻧﺖ ھﺬه اﻟﺤﺎدﺛﺔ ﺷﺄﻧﺎً ﻋﺎﺋﻠﯿﺎً ﯾﺘﻮزع اﻟﺠﻤﯿﻊ ﺗﺒﻌﺎﺗﮫ .وﻟﻢ ﯾﻜﻦ واﻟﺪي وﺣﺪه ﻣﺴﺆوﻻً ﻋﻤﺎ ﺟﺮى ﻻﺑﻨﮫ ،إﻧﻤﺎ ﻛﺎن ﻋﻤﮫ "ﻧﺎﯾﻒ" اﻟﺸﯿﻮﻋﻲ ،ﺑﺪوره ،ﻣﺸﺎرﻛﺎً ﻓﻲ ﻗﺴﻂ ﻣﻦ اﻟﻤﺴﺆوﻟﯿﺔ .وﻣﻊ ﻛﻮﻧﮫ أﺻﻐﺮ ﻋﻤﺮاً ﻣﻦ واﻟﺪي ،ﻓﻘﺪ ﻛﺎن ﯾﻌﻤﻞ ﻓﻲ اﻟﻤﻄﺒﻌﺔ ،ﺷﺄﻧﮫ. أﻣﺎ إذا ﺷﺌﺖ أن ﺗﺼﻒ اﻷﺟﻮاء ﻓﻲ ﻋﺎﺋﻠﺔ ﻋﻤﻠﻲ ﻓﻘﻞ إﻧﮭﺎ ﻣﺨﺘﻠﻔﺔ ﻋﻤﺎ ﻓﻲ ﻋﺎﺋﻠﺘﻨﺎ اﺧﺘﻼﻓﺎً ﺷﺪﯾﺪاً .ﻓﺄﻧﺖ ﺗﺮى ﻛﻞ ﻓﺮد ﻣﻦ ﻋﺎﺋﻠﺘﮫ ﻣﻠﺘﺰم ﺑﺎﻟﺤﺰب اﻟﺸﯿﻮﻋﻲ .ﻓﻀﻼً ﻋﻦ ﻛﻮن ﻋﻤﻲ ﻣﺤﺎزﺑﺎً ،ﺑﺎﻟﻄﺒﻊ ،ﻓﺄﻧﺖ ﺗﺠﺪ اﻣﺮأﺗﮫ "ﻧﻮال" ﻣﻨﺎﺿﻠﺔ ﻓﻲ اﻻﺗﺤﺎد اﻟﻨﺴﺎﺋﻲ ،وھﻲ ورﺛﺖ اﻻﻧﺘﻤﺎء اﻟﻰ اﻟﺤﺰب وراﺛﺔ ،وﻛﺎن ﻟﻲ أن أﻛﺘﺸﻒ ھﺬا اﻟﻌﺎﻟﻢ ﻓﻲ ﻧﮭﺎﯾﺔ اﻟﺴﺒﻌﯿﻨﯿﺎت .إذ ﻗﻀﯿﺖ ﻣﻌﻈﻢ ﺻﯿﻔﯿﺎﺗﻲ ،ﺧﻼل ﺳﻨﻮات اﻻﺣﺘﻼل اﻹﺳﺮاﺋﯿﻠﻲ ﻟﻠﺠﻨﺒﻮ ،ﻓﻲ ﻛﻨﻒ ذﻟﻚ اﻟﻤﻨﺰل. وﻛﺎن ﻋﻤﻲ ﯾﺄﺗﻲ ﻻﺻﻄﺤﺎﺑﻲ اﻟﻰ اﻟﻘﺮﯾﺔ ﺣﺎﻟﻤﺎ ﺗﺮﻣﻲ 19
اﻟﻤﺪرﺳﺔ ﺑﮭﻤﻮﻣﮭﺎ ،ﻓﺄروح أﺗﻘﻠﺐ ﻣﻌﮫ ﻓﻲ ﻋﺎﻟﻢ آﺧﺮ ،وﻓﻲ ﺣﯿﺎة ﻣﻠﺆھﺎ اﻻﺿﻄﺮات ﺣﯿﺚ ﯾﺴﻌﻨﻲ أن أھﺘﻢ ﻟﻜﻞ اﻟﺸﺆون ،ﻛﺎن ﻣﻨﺰل ﻋﻤﻲ ﻣﻜﺎﻧﺎً ﺗﻌﻘﺪ ﻓﯿﮫ اﻟﻠﻘﺎءات واﻻﺟﺘﻤﺎﻋﺎت ،وﯾﺘﻮاﻋﺪ ﻓﯿﮫ اﻟﻨﺎس ﻋﻠﻰ اﻟﺘﻌﺎرف واﻟﺤﺪﯾﺚ .وﻏﺎﻟﺒﺎً ﻣﺎ ﻛﻨﺖ أﻟﺘﻘﻲ ﺑﻌﻤﻲ داود اﻟﺬي ﻛﺎن ﻣﻨﺎﺿﻼً ﻓﻲ اﻟﺤﺰب ،ﺑﺪوره ،ﺗﺸﺎرﻛﮫ اﻣﺮأﺗﮫ ﺟﻤﻠﯿﮫ اﻻﻟﺘﺰام ﻋﯿﻨﮫ .وﻓﯿﮫ ﻛﻨﺖ أﺳﺮ ﺑﺴﻤﺎع ﺟﺪﺗﻲ وھﻲ ﺗﺮوي ﻟﻨﺎ زﻓﺎف اﺑﻨﮭﺎ داود ﺑﺠﻤﯿﻠﺔ ،واﻟﻌﺮس اﻷﺳﻄﻮري اﻟﺬي أﻋﺪ ﻟﮭﻤﺎ :ﯾﻮم ﻧﺰﻟﺖ اﻟﻌﺎﺋﻠﺔ ﻣﻦ اﻟﻘﺮﯾﺔ ﻟﺘﻄﻠﺐ ﯾﺪ "ﺟﻤﯿﻠﺔ" ،وﻛﺎﻧﺖ اﻷﺧﯿﺮة ﺗﻘﻀﻲ ﻟﯿﻠﺘﮭﺎ اﻷوﻟﻰ ﻓﻲ اﻟﺴﺠﻦ ﻻﺷﺘﺮاﻛﮭﺎ ﻓﻲ إﺣﺪى اﻟﻤﻈﺎھﺮات. وھﻜﺬا ،أﺗﺎﺣﺖ ﻟﻲ اﻟﺼﻠﺔ ﺑﻨﺎﯾﻒ ،اﻟﻤﻨﺎﺿﻞ ،وﺑﻨﻮال ﻧﺼﯿﺮة اﻟﻤﺮأة ،وﻓﻲ ﺧﻀﻢ اﻟﺤﺮب ،أن أﻛﺘﺸﻒ ﻣﺎھﯿﺔ اﻟﺠﺪال ،واﻟﻤﺜﻞ اﻟﻌﻠﯿﺎ ،وﻣﻔﮭﻮم اﻻﻟﺘﺰام .ﻟﺌﻼ أﻧﺪم ﻋﻠﻰ ﻣﺎ أﻗﻮم ﺑﮫ ﻻﺣﻘﺎً. وإذا ﻣﺎ ﻛﻨﺖ اﺳﺘﻤﺪدت ﻣﻦ أﺑﻲ ذﻟﻚ اﻟﺸﻐﻒ اﻟﺬي ﻋﻤﻠﺖ ﻋﻠﻰ ﺗﺮﺳﯿﺨﮫ ﻟﺪى أﺧﯿﮫ ،ﻓﺈﻧﻲ اﻋﺘﺪت ﻣﻨﮫ ،وﻓﻲ زﻣﻦ ﻣﺒﻜﺮ ،ﺣﺲ اﻟﻜﺘﻤﺎن .وﻛﺎﻧﺖ ذﻛﺮى ،ﻣﻦ ذﻛﺮﯾﺎت ﻃﻔﻮﻟﺘﻲ ،ﻃﺒﻌﺘﻨﻲ ﺟﯿﺪاً .ﻛﻨﺖ ذات ﯾﻮم ،ﻓﻲ ﻗﺎﻋﺔ اﻟﺠﻠﻮس ﺑﺮﻓﻘﺔ أﺧﻲ ﻋﻤﺮ وإﺣﺪى ﺑﻨﺎت ﻋﻤﻲ ،وﻛﺎن اﻻﺛﻨﺎن ﯾﻌﻠﺒﺎن وﯾﻀﺠﺎن ،ﻓﺈذا ﺑﺄﺣﺪ اﻷﺣﺬﯾﺔ ﯾﻄﯿﺮ وﯾﺮﺗﻄﻢ ﺑﺰﺟﺎج اﻟﻨﺎﻓﺬة ﻓﯿﺤﺪث ارﺗﻄﺎﻣﮫ وﺗﺤﻄﻢ اﻟﺰﺟﺎج ﺿﻮﺿﺎء ﻋﺎﻟﯿﺔ .ﻓﻤﺎ ﻛﺎن ﻣﻨﻲ إﻻ أن اﻧﺪﻓﻌﺖ واﻹﺛﺎرة ﺗﻘﻄﻊ أﻧﻔﺎﺳﻲ ،وﻣﻀﯿﺖ اﻟﻰ واﻟﺪﺗﻲ اﻟﺘﻲ ﻛﺎﻧﺖ ﻓﻲ زﯾﺎرة ﻟﮭﺎ اﻟﻰ إﺣﺪى ﺟﺎراﺗﮭﺎ ،وﻗﺎﻃﻌﺖ أﺣﺎدﯾﺜﮭﻤﺎ ،ورﺣﺖ أروي
20
ﻟﮭﺎ ﺗﻔﺎﺻﯿﻞ اﻟﺤﺎدﺛﺔ ،ﻣﻦ دون أن ﺗﻨﺪ ﻋﻨﻲ أﯾﺔ ﺣﺮﻛﺔ ،أو ﺗﺼﺪر أي ﻧﺄﻣﺔ ،وﻟﻢ أﺗﻮﻗﻒ إﻻ ﺣﯿﻦ ذﻛﺮت ﻟﮭﺎ اﻟﻔﺎﻋﻞ. ﻟﻢ ﺗﺒﺪ أﻣﻲ أي اﻋﺘﺮاض ﻋﻠﻰ ﻣﺎ ﻗﻠﺖ ،ودﻋﺘﻨﻲ اﻟﻰ اﻧﺘﻈﺎرھﺎ ﻓﻲ اﻟﺒﯿﺖ .ﻓﺠﻠﺴﺖ واﻟﺨﯿﺒﺔ ﺗﻼزﻣﻨﻲ ،وأﻧﺎ ﺻﺎﻣﺘﺔ .وﻋﻨﺪﻣﺎ ﺑﻠﻐﺖ واﻟﺪﺗﻲ ﻋﺘﺒﺔ اﻟﻤﻨﺰل ،أﻣﺮﺗﻨﻲ ﺑﺎﻟﺮﻛﻮع ﻓﻲ اﻟﺤﻤﺎم .ﻟﺴﺎﻋﺘﯿﻦ ﻛﺎﻧﺘﺎ ﻟﻲ ﺑﻤﺜﺎﺑﺔ دھﺮ، ورﺣﺖ أﺳﺎﺋﻞ اﻟﻨﻔﺲ ﻋﻤﺎ إذا ﻛﺎن ﻣﺎ ﻓﻌﻠﺘﮫ ﯾﺴﺘﺤﻖ ھﺬا اﻟﻌﻘﺎب اﻟﺸﺪﯾﺪ ،وﻟﺪى وﺻﻮل واﻟﺪي ،أﺟﮭﺸﺖ ﺑﺎﻟﺒﻜﺎء. ﻓﺒﺎدر ،ﻟﻠﺤﺎل ،اﻟﻰ رﻓﻊ اﻟﻘﺼﺎص ﻋﻨﻲ ،وﺑﺎﻟﻤﻘﺎﺑﻞ دﻋﺎﻧﻲ اﻟﻰ ﺳﺆال أﻣﻲ ﻋﻦ اﻟﺪواﻓﻊ اﻟﺘﻲ ﺣﻤﻠﺘﮭﺎ ﻋﻠﻰ ذﻟﻚ اﻟﻌﻘﺎب .ﻓﺘﻮﺟﮭﺖ ﻟﮭﺎ ﺛﺎﻧﯿﺔ ،وأﻛﺪت ﻟﮭﺎ أﻧﻲ ﻟﺴﺖ اﻟﻤﺬﻧﺒﺔ، ﻣﻤﺎ أﻏﺎﻇﮭﺎ ﺷﺪﯾﺪ اﻟﻐﯿﻆ ،ﻓﺨﻠﺼﺖ اﻟﻰ إﻓﮭﺎﻣﻲ ﺑﺄﻧﮫ ﯾﻨﺒﻐﻲ ﻟﻲ أﻻ أروي ﺣﻜﺎﯾﺎﺗﻲ اﻟﺘﺎﻓﮭﺔ ﻟﻜﻞ اﻟﻨﺎس ،ﻛﻤﺎ ﯾﻨﺒﻐﻲ ﻟﻲ ﺑﺎﻟﻤﻘﺎم اﻷول ،أﻻ أﺷﻲ ﺑﺄﺣﺪ. ﻻ ﯾﺴﻌﻨﻲ أن أﻗﯿﺲ ﺑﺎﻟﺘﺤﺪﯾﺪ ﻣﺪى ﺗﺄﺛﯿﺮ ذﻟﻚ اﻟﺤﺎدث ﻓﻲ، ﺑﯿﺪ أﻧﻲ ﻗﺮرت أﻻ أﺑﻮح ﺑﺄﺳﺮاري وﻣﺸﺎﻋﺮي اﻷﻛﺜﺮ ﺣﻤﯿﻤﯿﺔ وﻋﻤﻘﺎً ،ﻷھﻠﻲ ،وﻻ ﻹﺧﻮﺗﻲ ،وﻻ ﻷﺧﺘﻲ ،رﻏﻢ ﻋﺎﻃﻔﺔ اﻷﺧﻮة واﻟﻤﺤﺒﺔ اﻟﺘﻲ ﺗﺠﻤﻊ ﺑﯿﻦ روﺣﯿﻨﺎ. ﻓﺈذا ﺻﺢ أﻧﻨﺎ أﺑﻨﺎء ﻋﺎﺋﻠﺔ ﺑﺸﺎرة ،وُﺳﻤﻨﺎ ﺟﻤﯿﻌﺎً ﺑﺎﻟﺤﯿﻮﯾﺔ، ﻓﺈﻧﮫ ﻛﺎن ﻟﻜﻞ ﻣﻨﺎ ﻃﺒﺎﻋﮫ وﺷﺨﺼﯿﺘﮫ. ﻛﺎن أﺧﻲ "ﻋﺪﻧﺎن" ﻻ ﯾﺰال ﻣﺮاھﻘﺎً ﺣﯿﻦ اﻧﺠﺮف ﻟﺒﻨﺎن اﻟﻰ ھﺎوﯾﺔ اﻟﺤﺮب اﻷھﻠﯿﺔ ،اﻟﺘﻲ ﻋﺎش أدق أھﻮاﻟﮭﺎ ﺣﺘﻰ ﻟﺤﻈﺔ ﺳﻔﺮه ﻓﻲ اﻟﻌﺎم .1978ﻓﻠﻤﺎ ﻛﺎن واﻟﺪاي ﯾﺼﺮان ﻋﻠﻰ ﻋﺪم إﺑﻘﺎء ﺑﻜﺮھﻤﺎ ﻓﻲ ﺧﻀﻢ اﻟﺼﺮاﻋﺎت ،اﺳﺘﺠﺎب 21
"ﻋﺪﻧﺎن" ﻟﻸﻣﺮ وﻏﺎدر اﻟﺒﻼد ﻟﻤﺘﺎﺑﻌﺔ دروﺳﮫ اﻟﺠﺎﻣﻌﯿﺔ، ﻓﻲ ﺟﻮ ﻣﻦ اﻷﻣﺎن ،داﺧﻞ اﻻﺗﺤﺎد اﻟﺴﻮﻓﯿﺎﺗﻲ ﻓﻲ ﺣﯿﻨﮫ، ﻓﻲ ﻣﺪﯾﻨﺔ ﺧﺎرﻛﻮف .ﻓﻨﻈﺮاً ﻟﻤﺪاﺧﯿﻠﻨﺎ اﻟﻤﺘﻮاﺿﻌﺔ ،ﻟﻢ ﯾﻜﻦ ﺣﺴﺒﺎﻧﻨﺎ إرﺳﺎﻟﮫ اﻟﻰ ﻓﺮﻧﺴﺎ ،أو أﻗﻠﮫ اﻟﻰ اﻟﻮﻻﯾﺎت اﻟﻤﺘﺤﺪة اﻷﻣﯿﺮﻛﯿﺔ .وﻣﻊ أن اﻟﻌﯿﺶ ﻓﻲ اﻻﺗﺤﺎد اﻟﺴﻮﻓﯿﺎﺗﻲ ﻛﺎن أرﺧﺺ ﻣﻤﺎ ﻓﻲ ﻏﯿﺮه ﻣﻦ اﻟﺒﻠﺪان ،إﻻ أن أﺧﻲ ﻛﺎن ﯾﻔﻀﻠﮫ ﻋﻠﻰ ﻣﺎ ﻋﺪاه ،ﯾﻘﯿﻨﺎً ﻣﻨﮫ ﺑﺼﻮاب اﺧﺘﯿﺎره وﺗﻮﺟﮭﮫ. اﻟﻰ ذﻟﻚ ،ﻓﻨﺤﻦ ﻧﺪﯾﻦ ﻟﻨﻘﺎﺑﺔ اﻻﺗﺤﺎد اﻟﻌﻤﺎﻟﻲ اﻟﺘﻲ ﻛﺎن واﻟﺪي ﻋﻀﻮاً ﻓﯿﮭﺎ ،ﺑﻔﻀﻞ ﺗﺄﻣﯿﻨﮭﺎ ﻣﻨﺤﺔ ﻷﺧﻲ .واﻟﺤﺎل أن ھﺬا اﻟﺴﻔﺮ ﻛﺎن ﻛﻔﯿﻼً ﺑﺘﻔﺮﯾﻘﻨﺎ ﻟﺴﻨﻮات ﻃﻮﯾﻠﺔ .وﻓﻲ ﻣﺪﯾﻨﺔ ﺧﺎرﻛﻮف ،اﻟﺘﻘﻰ ﻋﺪﻧﺎن ﺑﺎﻣﺮأة ﺷﺎﺑﺔ ،ﺗﺪﻋﻰ "ﺗﺎﺳﻮﻻ" ،وھﻲ ﻗﺒﺮﺻﯿﺔ ﯾﻮﻧﺎﻧﯿﺔ ،أﺣﺒﮭﺎ ﻓﺘﺰوﺟﺎ .وإﺛﺮ ﺗﺨﺮﺟﮭﻤﺎ ﻣﮭﻨﺪﺳﯿﻦ ﺑﺎﻻﻟﻜﺘﺮوﻧﯿﻚ ﻋﺎد اﻟﺰوﺟﺎن اﻟﻰ ﻗﺒﺮص .وﻣﻦ ﺛﻢ ،ﺳﻌﻰ أﺧﻲ اﻟﻰ ﻋﻤﻞ ﻟﮫ ﻓﻲ ﻟﺒﻨﺎن ،ﻏﯿﺮ أن ﻋﻮدﺗﮫ ﺗﺰاﻣﻨﺖ ﻣﻊ ﻣﻘﺘﻞ اﺛﻨﯿﻦ ﻣﻦ أﺻﺪﻗﺎﺋﮫ ،ﻣﺎ ﺣﻤﻠﮫ ﻋﻠﻰ اﻟﻌﻮدة اﻟﻰ ﻗﺒﺮص واﻹﻗﺎﻣﺔ ﻓﻲ ﻣﻮﻃﻦ اﻣﺮأﺗﮫ، ﻧﮭﺎﺋﯿﺎً .وﻛﻞ ھﺬه اﻷﻣﻮر وﻛﺜﯿﺮ ﻏﯿﺮھﺎ ،ﻣﺎ ﻛﻨﺖ ﻷﻋﺮﻓﮭﺎ إﻻ ﻓﯿﻤﺎ ﺑﻌﺪ ،إﺛﺮ ﺧﺮوﺟﻲ ﻣﻦ اﻟﻤﻌﺘﻘﻞ. وأﺧﺘﻲ ﺣﻨﺎن ﺗﺘﻤﯿﺰ ﺑﺸﺨﺼﯿﺔ ﻣﺨﺘﻠﻔﺔ ﻋﻨﻲ ﺗﻤﺎﻣﺎً .وﻣﻊ أﻧﮭﺎ ﻛﺎﻧﺖ ﻃﺎﻟﺒﺔ ﻣﺜﺎﺑﺮة ﻓﻲ ﻋﻠﻤﮭﺎ ،ﻓﻘﺪ ﺑﺪت ﻛﺘﻮﻣﺔ ﻟﻠﻐﺎﯾﺔ .ﻟﻢ ﺗﻠﺘﺰم ﺑﺎﻟﺴﯿﺎﺳﺔ ،ﺷﺄﻧﻲ وﺷﺄن أﺧﯿﮭﺎ .وﻟﻄﺎﻟﻤﺎ ﻛﻨﺖ ﺣﺎﻓﻈﺔ أﺳﺮارھﺎ ،وأﺣﯿﺎﻧﺎً ﻛﻨﺖ أﺳﺪ ﻏﯿﺒﺘﮭﺎ ﻟﺪى أھﻠﻲ ،ﻛﻠﻤﺎ رﻏﺒﺖ ﻓﻲ اﻟﺨﺮوج ﻣﻊ ﺻﺪﯾﻘﺎﺗﮭﺎ وﻛﺎﻧﺖ واﻟﺪﺗﻲ ﺣﺎزﻣﺔ ﻓﻲ ﻣﻨﻌﮭﺎ .ﻓﻜﺎن ﯾﺰﯾﺪ ﻓﻲ اﻃﻤﺌﻨﺎن واﻟﺪﺗﻲ ﻋﻠﯿﮭﺎ أﻧﻨﻲ ﻛﻨﺖ أراﻓﻘﮭﺎ ،أو أدﻋﻲ ﺑﺄﻧﻲ ﻣﺎﺿﯿﺔ ﻣﻌﮭﺎ .ﺛﻢ أﻧﻲ ﻛﻠﻤﺎ ﻇﻨﻨﺖ أﻧﮫ ﺑﻮﺳﻌﻲ ﺧﺪﻣﺘﮭﺎ ،واﺟﮭﺖ واﻟﺪﺗﻲ ﺑﺎﻟﻘﻮل إﻧﻲ ﻣﻮاﻓﻘﺔ ﻋﻠﻰ رأي أﺧﺘﻲ .أﺗﺮاھﺎ ﺗﻠﻚ ﻛﺎﻧﺖ 22
ﺣﻘﯿﻘﺔ أﻣﺮﯾﻨﺎ؟ ذﻟﻚ ھﻮ ﺳﺮﻧﺎ .ﺧﻼل ﺳﻨﻮات اﻟﺤﺮب اﻷھﻠﯿﺔ ،اﺳﺘﻤﺮت اﻟﺤﯿﺎة ﻛﯿﻔﻤﺎ اﺗﻔﻖ ،وﻋﺎﺷﺖ ﺣﻨﺎن ﻗﺼﺔ ﺣﺐ ﻣﻊ أﺣﺪ ﺟﯿﺮاﻧﻨﺎ وﯾﺪﻋﻰ ﺑﯿﺎر .وﻛﺎن اﻷﺧﯿﺮ ﯾﺠﮭﺪ ﻓﻲ إﻋﻄﺎء إﻧﻄﺒﺎع ﻋﻦ ﻧﻔﺴﮫ ﺑﺄﻧﮫ ﻏﺮﯾﺐ اﻷﻃﻮار ﺑﻌﺾ اﻟﺸﻲء .وﻣﺎ ﻛﺎن ﺻﯿﺘﮫ ،اﻵﻧﻒ ،ﻟﯿﺨﺪﻣﮫ ﻟﺪى واﻟﺪيّ، ﻏﯿﺮ أن ﺟﻠﺴﺎت اﻟﻌﺎﺷﻘﯿﻦ ،واﻟﻨﺎس ﻧﯿﺎم ،ﻛﺎﻧﺖ ﺗﻄﻮل، وﻛﻠﻤﺎت اﻟﺒﻮح ﺑﺎﻟﺤﺐ ﺗﺒﻠﻎ ﺷﺮﻓﺘﻨﺎ ﻣﻦ ﺷﺮﻓﺔ ﺑﯿﺘﮫ .وﻇﻞ اﻟﺤﺎل ﻋﻠﻰ ھﺬه اﻟﺼﻮرة أﺷﮭﺮاً ﻃﻮﯾﻠﺔ ،اﻟﻰ أن ﺗﺴﻨﻰ ﻟﮭﻤﺎ اﻟﺨﺮوج ﻣﻦ ﺧﻔﺎﺋﮭﻤﺎ ،وﺗﺰوﺟﺎ. ﻏﯿﺮ أﻧﻲ ،ﻟﻢ أﻛﻦ ھﻨﺎ ﻷﺷﮭﺪ زواﺟﮭﻤﺎ .ﻛﻨﺖ ﻓﻲ ﻣﻌﺘﻘﻞ اﻟﺨﯿﺎم .أﻣﺎ أﺧﻲ اﻟﺜﺎﻧﻲ ﻋﻤﺮ ﻓﻜﺎن ﻣﺤﺒﺎً ﻟﻠﺤﯿﺎة .إذ ﻗﺮر اﻟﺘﻮﻗﻒ ﻋﻦ اﻟﺪراﺳﺔ ﺑﺎﻛﺮاً ،ﺑﻌﺪ ﻧﯿﻠﮫ ﺷﮭﺎدة اﻟﺒﺎﻛﺎﻟﻮرﯾﺎ، ﻗﺎﺋﻼً أﻧﮫ ﯾﻔﻀﻞ اﻟﻌﻤﻞ .ﻓﺎﺧﺘﺎر ،ﺷﺄن واﻟﺪي ﻣﮭﻨﺔ اﻟﻄﺒﺎﻋﺔ ،ﺣﺘﻰ ﺻﺎر ﻣﺨﺘﺼﺎً ﺑﺎﻟﺘﻨﻘﯿﺤﺎت اﻟﻼزﻣﺔ ﻟﻠﺼﻮر .ﻏﯿﺮ أن اﻟﺤﺮب أﺣﺪﺛﺖ اﻧﻘﻼﺑﺎً ﺟﺬرﯾﺎً ﻓﻲ ﺣﯿﺎﺗﮫ، وﻻ ﺳﯿﻤﺎ ﺑﻌﺪ اﻟﻘﺼﻒ اﻟﺬي ﺗﻌﺮض ﻟﮫ ﺣﯿﱡﻨﺎ ﻋﺎم .1983 ﻓﻲ ھﺬا اﻟﯿﻮم ،وﻟﻤﺎ ﻛﺎن اﻟﻘﺼﻒ ﺷﺪﯾﺪاً ،ﻟﺠﺄ اﻟﻰ اﻟﻄﺎﺑﻖ اﻟﺜﺎﻧﻲ ،ﺑﯿﻨﻤﺎ ﺑﻘﯿﺖ أﻧﺎ ﺑﺮﻓﻘﺔ أﺧﺘﻲ وأﺑﻲ ﻓﻲ اﻟﻄﺎﺑﻖ اﻟﺜﺎﻟﺚ .وﺑﻠﻎ اﻟﻘﺼﻒ ﻣﻦ اﻟﺸﺪة ﺑﺤﯿﺚ ﻋﺠﺰﻧﺎ ﻋﻦ ﺑﻠﻮﻏﮭﻤﺎ ،ﻷن ﺣﻨﺎﻧﺎً ﻛﺎﻧﺖ ﻗﺪ اﺧﺘﺎرت اﻟﻠﺤﻈﺔ ﻏﯿﺮ اﻟﻤﻨﺎﺳﺒﺔ ﻟﻼﺳﺘﺤﻤﺎم .وﻛﺎن أن أﺻﯿﺒﺖ واﻟﺪﺗﻲ ،ﺧﻼل ھﺬا اﻟﻘﺼﻒ ،إﺻﺎﺑﺔ ﺑﺎﻟﻐﺔ ﺑﺸﻈﺎﯾﺎ ﻗﺬﯾﻔﺔ ﻓﻲ ﻣﺮﻓﻘﮭﺎ .ﻣﺎ اﺳﺘﻠﺰم إﻗﺎﻣﺘﮭﺎ ﻓﻲ اﻟﻤﺴﺘﺸﻔﻰ ﻟﻠﻤﻌﺎﻟﺠﺔ ،ﺛﻼﺛﺔ أﺷﮭﺮ. وﺑﻌﺪ ﺗﻠﻚ اﻟﺤﺎدﺛﺔ ،ﺟﻌﻠﺖ ﺗﻠﺢ ﻋﻠﻰ ذھﻦ أﺧﻲ ﻓﻜﺮة واﺣﺪة ﻻ ﻏﯿﺮ .وھﻲ ﻣﻐﺎدرة ﻟﺒﻨﺎن ،وﻛﺎن ﻟﮫ ﻣﺎ أراد ﻓﻲ اﻟﻌﺎم . 1985وﻟﻜﻮﻧﮫ ﻣﻨﻔﯿﺎً وﻻﺟﺌﺎً اﻟﻰ ﺟﻤﮭﻮرﯾﺔ أﻟﻤﺎﻧﯿﺎ 23
اﻟﻔﺪراﻟﯿﺔ ،ﻓﻘﺪ ﺳﺮه ﻏﺎﯾﺔ اﻟﺴﺮور أن ﯾﻌﺎﯾﻦ ﺳﻘﻮط ﺟﺪار ﺑﺮﻟﯿﻦ ،ﻓﻲ اﻟﻌﺎم .1989 ﻋﻨﺪ ھﺬا اﻟﺤﺪ ،ﻻ ﯾﺴﻌﻨﻲ أن أﻓﺼّﻞ أﺣﺪاﺛﺎً ﻟﻢ ﺗﺼﻠﻨﻲ ﻣﻨﮭﺎ إﻻ اﻷﺻﺪاء ،وأﻧﺎ ﻓﻲ ﻋﺰﻟﺘﻲ اﻹﺟﺒﺎرﯾﺔ. واﻟﺤﻖ أﻧﻨﻲ أدﯾﻦ ﻷﺧﻮﺗﻲ ،وﻷﺧﺘﻲ ،وﻟﻜﻞ ﻣﻨﮭﻢ ﺑﺒﻌﺾ ﻣﻦ ﻃﺒﺎﻋﻲ .أﻧﺎ أﺻﻐﺮ أﺧﻮاﺗﻲ ،اﻟﺘﺰﻣﺖ ﻓﻲ اﻟﺴﯿﺎﺳﺔ ﺷﺄن ﻋﺪﻧﺎن ،وﻛﻨﺖ رﯾﺎﺿﯿﺔ ﻋﻠﻰ ﻣﺜﺎل ﺣﻨﺎن ،اﻟﺘﻲ ﻛﺎﻧﺖ ﻣﻌﻠﻤﺔ ﻟﻠﺮﯾﺎﺿﺔ ﻗﺒﻞ أن ﺗﻌﺎود دراﺳﺎﺗﮭﺎ ﻓﻲ اﻟﻠﻐﺔ اﻟﻌﺮﺑﯿﺔ وآدﺑﺎھﺎ ،وأﻋﺸﻖ اﻟﺤﯿﺎة ،ﻣﺜﻠﻤﺎ ﯾﻌﺸﻘﮭﺎ ﻋﻤﺮ ،ﻛﺎﻧﺖ اﻟﺮﯾﺎﺿﺔ ﺗﺤﺘﻞ ﺣﯿﺰاً ﻛﺒﯿﺮاً ﻣﻦ اھﺘﻤﺎﻣﺎﺗﻲ وﻧﺸﺎﻃﺎﺗﻲ. ﻓﺠﺮﺑﺖ أول اﻷﻣﺮ أﻟﻌﺎب اﻟﻘﻮى ،ﺛﻢ اﻧﺼﺮﻓﺖ اﻟﻰ اﻟﺮﯾﺎﺿﺎت اﻟﺠﻤﺎﻋﯿﺔ ﻣﺜﻞ ﻛﺮة اﻟﺴﻠﺔ وﻛﺮة اﻟﻄﺎوﻟﺔ ،ﻓﯿﻤﺎ ﺑﻌﺪ ،ﻣﻦ ﻏﯿﺮ أن أھﻤﻞ اﻟﺘﻤﺎرﯾﻦ اﻟﺮﯾﺎﺿﯿﺔ اﻟﺠﺴﻤﺎﻧﯿﺔ. ﻛﺎﻧﺖ اﻟﺮﯾﺎﺿﺔ ﺗﻤﺪﻧﻲ ﺑﺸﻌﻮر ﻣﻦ اﻟﺤﺮﯾﺔ ﻋﺎرم ،ﺑﻞ ﻛﺎن ﻟﮭﺎ اﻟﻔﻀﻞ ﻓﻲ ﺑﻘﺎﺋﻲ وﺻﻤﻮدي ﻓﻲ ﺳﻨﻮات أﺳﺮي اﻟﻼﺣﻘﺔ. وأراﻧﻲ ﻛﺬﻟﻚ ﻣﺪﯾﻨﺔً ﻷﺧﺘﻲ ﺑﺤﺲ اﻟﻤﺜﺎﺑﺮة ﻓﻲ اﻟﺪروس. وﻟﻤﺎ ﻛﺎن ﻟﻲ اﻟﺤﻆ ﻓﻲ أن أﺗﻠﻘﻰ ﻋﻠﻮﻣﻲ ﻓﻲ اﻟﻤﺪرﺳﺔ اﻻﺑﺘﺪاﺋﯿﺔ ،وﻣﻦ ﺑﻌﺪھﺎ ،ﻓﻲ اﻟﺜﺎﻧﻮﯾﺔ ،آﻟﯿﺖ ﻋﻠﻰ ﻧﻔﺴﻲ أن أﻛﻮن اﻷوﻟﻰ ﻓﻲ ﺻﻔﻲ ،ﻋﻠﻰ اﻟﻐﺎﻟﺐ .وﻛﺎﻧﺖ ﻛﻞ اﻟﻤﻮاد ﺗﺴﺘﮭﻮﯾﻨﻲ ،ﺣﺘﻰ ﻟﻮ ﻛﻨﺖ ﻣﯿﺎﻟﺔ اﻟﻰ اﻟﻤﻮاد اﻟﻌﻠﻤﯿﺔ ،ﻣﯿﻼً ﺻﺎرﺧﺎً .ووﺟﺪﺗﻨﻲ أرﻛﺰ ﻋﻠﻰ ﻓﺮوﺿﻲ ودروﺳﻲ أﺗﻤﻤﮭﺎ ،ﻣﺎ داﻣﺖ واﻟﺪﺗﻲ وﻓﺮت ﻟﻲ ﺣﻤﺎﯾﺔ ﻣﻦ ﻛﻞ اﻟﺘﻘﻠﺒﺎت واﻟﻤﺨﺎﻃﺮ اﻟﺘﻲ ﻛﺎﻧﺖ ﺗﺤﺪق ﺑﻨﺎ .وﻛﺎن ﻣﻦ 24
اﻟﺼﻌﻮﺑﺔ ﻟﻨﺎ ﺑﻤﻜﺎن أن ﻧﺴﺘﻘﺒﻞ أﺻﺪﻗﺎءﻧﺎ ،ﻟﻀﯿﻖ ﻣﺴﻜﻨﻨﺎ، ﻓﻜﻨﺖ أﺳﺘﻌﯿﺾ ﻋﻦ ذﻟﻚ ﺑﺸﻲء ﻣﻦ اﻟﺘﺮوﯾﺢ ﻋﻦ اﻟﻨﻔﺲ ﻓﻲ اﻟﺨﺎرج ﻓﺄﺗﺎح ﻟﻲ ذﻟﻚ اﻟﺠﻮ أن أﻣﻀﻲ وﻗﺘﺎً ﻃﻮﯾﻼً ﻓﻲ ﺗﺤﻀﯿﺮ دروﺳﻲ ﺑﻤﻔﺮدي .ﺑﯿﺪ أن ﺗﺠﻠﯿﻲ ﻓﻲ ﻣﻮاد اﻟﺮﯾﺎﺿﯿﺎت أﺗﺎﺣﺖ ﻟﻲ أن أﺻﯿﺮ ،وﺑﺰﻣﻦ ﻣﺒﻜﺮ ﻗﯿﺎﺳﺎً ﻋﻠﻰ أﺧﻮﺗﻲ ،ﻣﺴﺘﻘﻠﺔ ﻣﺎدﯾﺎً ﻋﻦ أھﻠﻲ ،ﻟﻤﺎ ﻛﻨﺖ أﻛﺴﺒﮫ ﻟﻘﺎء اﻟﺪروس اﻟﺨﺼﻮﺻﯿﺔ ،ﻣﻨﺬ ﺳﻦ اﻟﺜﺎﻧﯿﺔ ﻋﺸﺮة .وﻣﺎ ﺑﺮح ﺻﯿﺘﻲ ﯾﺰداد ،وزﺑﺎﺋﻨﻲ ﯾﺘﻜﺎﺛﺮون وﻋﺎﺋﺪاﺗﻲ ﻣﻦ اﻟﺘﻌﻠﯿﻢ ﺗﺘﻨﺎﻣﻰ ،ﺣﺘﻰ أﻧﻨﻲ ﻛﻨﺖ أﻗﻮم ﺑﻤﺼﺎرﯾﻔﻲ وﻣﻌﺎﺷﻲ وأﻧﺎ ﻟﻢ أﺗﺠﺎوز اﻟﺮاﺑﻌﺔ ﻋﺸﺮة ﻣﻦ ﻋﻤﺮي .ﻓﯿﻤﺎ ﻣﻀﻰ، ﻛﺎن أﺧﻲ ﻋﻤﺮ وأﺧﺘﻲ ﯾﻤﺪاﻧﻨﻲ ﺑﺎﻟﻤﺎل ﻛﻠﻤﺎ اﺣﺘﺠﺖ اﻟﻰ ﺷﺮاء ﻏﺮض ﻟﻲ ،وﻓﻲ ھﺬه اﻷﺛﻨﺎء ﻛﺎن أﺧﻲ ﯾﻌﻤﻞ ﻓﻲ اﻟﻤﻄﺒﻌﺔ ﻟﺤﯿﺎزة ﺑﻌﺾ اﻟﻤﺎل ،ﺑﯿﻨﻤﺎ ﻛﺎن ﻷﺧﺘﻲ اﻟﺤﻈﻮة ﻓﻲ أن ﯾﻜﻮن ﻟﮭﺎ ﻣﻨﺤﺔ ﺗﻌﻠﯿﻤﯿﺔ .وﺳﺮﻋﺎن ﻣﺎ ذاع ﻟﻲ ﺻﯿﺖ ﻣﺘﻮاﺿﻊ ﻓﻲ ﺣﯿّﻨﺎ ﻟﻤﺎ ﻛﻨﺖ أﻗﺪﻣﮫ ﻣﻦ دروس، وھﺬا ﻣﺎ أﺛﻠﺞ ﺻﺪر أﻣﻲ اﻟﺘﻲ ﻣﺎ ﺑﺮﺣﺖ ﺗﻘﻮل ﻓﻲ ﺳﺮھﺎ: ھﺎ إن اﺑﻨﺘﻲ إذ ﺗﻘﻀﻲ ﻣﻌﻈﻢ أوﻗﺎت ﻓﺮاﻏﮭﺎ ﻓﻲ اﻟﺘﺪرﯾﺲ، وﻓﻲ ﺗﺼﺤﯿﺢ ﻓﺮوﺿﮭﺎ ،ﺗﻠﮭﻮ ﻋﻦ اﻟﺴﯿﺎﺳﺔ وﻻ ﺗﺠﺪ اﻟﻮﻗﺖ اﻟﻜﺎﻓﻲ ﻟﮭﺎ ،أﻗﻠﮫ. ﻣﻊ ذﻟﻚ ،اﻧﺘﺨﺒﺖُ ﻧﺎﻃﻘﺔ ﺑﻠﺴﺎن ﺻﻒ اﻟﺒﻨﺎت ،ﻓﻲ ﺛﺎﻧﻮﯾﺔ ﻓﺨﺮ اﻟﺪﯾﻦ اﻟﺮﺳﻤﯿﺔ ،وأﻧﺎ ﻟﻢ أﻛﻦ ﺗﺠﺎوزت اﻟﺜﺎﻧﯿﺔ ﻋﺸﺮة. وﻋﻠﻰ ﻛﻮن اﻟﻤﺪرﺳﺔ ﻗﺮﯾﺒﺔ ﻣﻦ ﺧﻄﻮط اﻟﻘﺘﺎل ،ﻓﻘﺪ ﺣﺎﻓﻈﺖ ﻋﻠﻰ ﻣﺴﺘﻮى ﺗﺮﺑﻮي ﺟﯿﺪ ﻋﺎﻣﺔً ،وھﻲ ﺗﻌﺪ ﺑﯿﻦ أھﻢ اﻟﺜﺎﻧﻮﯾﺎت اﻟﺮﺳﻤﯿﺔ واﻟﺨﺎﺻﺔ ﻓﻲ اﻟﻌﺎﺻﻤﺔ ،واﻟﺤﺎل أن ﺛﺎﻧﻮﯾﺔ ﻓﺨﺮ اﻟﺪﯾﻦ ﻟﻢ ﺗﻜﻦ ﻣﺠﺮد ﻣﺪرﺳﺔ ﻋﺎدﯾﺔ ،إﻧﻤﺎ ﻛﺎﻧﺖ أﺷﺒﮫ ﺑﻤﻜﺎن ﺗﺘﺮﺟﻊ ﻓﯿﮫ ﻛﻞ اﻟﻨﻘﺎﺷﺎت واﻷﺻﺪاء اﻟﺴﯿﺎﺳﯿﺔ اﻟﺘﻲ ﺷﻜﻠﺖ ﻟﺐ اﻟﺼﺮاع اﻟﺪاﺋﺮ ﻓﻲ اﻟﺸﺎرع. 25
وﻛﺎن ﻟﻠﺤﯿﺎة اﻻﺟﺘﻤﺎﻋﯿﺔ اﻟﻤﻮﺳﯿﻘﯿﺔ ﻓﯿﮭﺎ ﺣﻀﻮر ﻛﺜﯿﻒ. أﻣﺎ اﻷﻋﯿﺎد واﻟﻤﻨﺎﻗﺸﺎت واﻟﺤﻔﻼت اﻟﻤﻮﺳﯿﻘﯿﺔ ﻓﻜﺎﻧﺖ ﺗﺘﻮاﻟﻰ ﻓﯿﮭﺎ ﻓﺼﻮﻻً ،وﻓﻲ وﺗﯿﺮة ﻣﺘﺼﻠﺔ .ﻛﻤﺎ ﻛﺎﻧﺖ" ﻓﺨﺮ اﻟﺪﯾﻦ" ﻓﻲ ﻗﻠﺐ ﻛﻞ اﻟﻤﻈﺎھﺮات ﻓﻲ ﺑﯿﺮوت ،وﻟﮭﺬا وﺟﺪﺗﻨﻲ ﻛﺜﯿﺮة اﻟﺘﻌﻠﻖ ﺑﮭﺎ. اﻧﺘﺨﺒﺖُ ﻧﺎﻃﻘﺔ ﺑﻠﺴﺎن اﻟﺘﻠﻤﯿﺬات ،ﻣﻦ ﺻﻔﻲ ،ﻷﻧﻨﻲ ﻛﻨﺖ، ﺑﻼ ﺷﻚ ،أﻛﺜﺮ اﻟﻔﺘﯿﺎت ﺣﯿﻮﯾﺔ ﻛﻠﻤﺎ اﻗﺘﻀﻰ اﻷﻣﺮ ﺗﻨﻈﯿﻢ اﻻﺣﺘﻔﺎل ﺑﺎﻷﻋﯿﺎد ،وﻷﻧﻨﻲ ﻛﻨﺖُ أﻣﺜﻞ اﻟﺼﻒ ﻓﻲ اﻟﻤﺴﺎﺑﻘﺎت اﻟﺮﯾﺎﺿﯿﺔ .وﻟﻠﻤﻨﺎﺳﺒﺔ ،اﻛﺘﺸﻔﺖُ ﻣﺒﺪأ ﺛﺒﺖ ﻟﻲ ﺻﺪﻗﮫ ﻓﯿﻤﺎ ﺑﻌﺪ :وھﻮ أن اﻟﻨﺎس ﺗﻮﻛﻞ ﻣﺴﺆوﻟﯿﺎت اﻟﻰ اﻷﻛﺜﺮ ﺣﯿﻮﯾﺔ ،أﯾﺎً ﺗﻜﻦ أذواﻗﮭﻢ وﻣﯿﻮﻟﮭﻢ ﺣﯿﺎﻟﮫ .ﻻ أﺣﺐ إﺻﺪار اﻷواﻣﺮ اﻟﻰ اﻵﺧﺮﯾﻦ ،وﻻ ﻗﯿﺎدﺗﮭﻢ ،وﻻ أﺧﺬ اﻟﻘﺮارات اﻟﺘﻲ ﺗﻠﺰﻣﮭﻢ إﻟﺰاﻣﺎً .ﻣﻊ ذﻟﻚ ،وﻋﻠﻰ ﻣﺮ اﻷﻋﻮام ،رأﯾﺘﻨﻲ ﻣﻀﻄﺮة اﻟﻰ ﻗﺒﻮل ھﺬا اﻟﻨﻮع ﻣﻦ اﻟﻤﮭﺎم .ﻣﻦ اﻟﺤﺰب اﻟﺸﯿﻮﻋﻲ اﻟﻠﺒﻨﺎﻧﻲ ،واﻟﺬي ﺑﺎﺷﺮتُ اﻟﻨﻀﺎل ﻓﻲ ﺻﻔﻮﻓﮫ ،ﻓﻲ اﻟﻔﺘﺮة ﻧﻔﺴﮭﺎ .ﻛﻤﺎ أﻧﻨﻲ ﻋُﯿﻨﺖُ، ﺑﺨﻼف إرادﺗﻲ ،ﻓﻲ اﻟﻤﺠﻠﺲ اﻟﻮﻃﻨﻲ ﻟﮭﺬه اﻟﺤﺮﻛﺔ ،وذﻟﻚ ﺑﻌﺪ ﺳﻨﻮات ﻗﻠﯿﻠﺔ ﻣﻦ ﺗﻮﻟﻲ اﻟﻤﮭﻤﺔ اﻷوﻟﻰ .ﻓﻲ ﺣﯿﻦ ﻛﻨﺖُ راﻏﺒﺔ ﻓﻲ أن ﺗﻄﻠﻖ ﯾﺪاي ﻣﻦ اﻟﻤﺴﺆوﻟﯿﺎت ،ﻷﻋﻤﻞ ﻓﻲ ﺣﺎل ﻣﻦ اﻟﻜﺘﻤﺎن واﻟﺼﻤﺖ. ﻓﻲ اﻟﺴﺎدﺳﺔ ﻋﺸﺮة ،اﺷﺘﺮﻛﺖُ ﻟﻠﻤﺮة اﻷوﻟﻰ ﻓﻲ أﺣﺪ اﻟﻤﺨﯿﻤﺎت اﻟﻜﺸﻔﯿﺔ اﻟﻌﺎﺋﺪة ﻹﺗﺤﺎد اﻟﺸﺒﺎب اﻟﺪﯾﻤﻮﻗﺮاﻃﻲ ﻣﻦ دون رﺿﻰ أﻣﻲ اﻟﺘﻲ ﻛﺎﻧﺖ ﺗﺮﺗﺎبُ ﻛﺜﯿﺮاً ﻣﻦ ھﺬا اﻟﺘﻨﻈﯿﻢ اﻟﺼﺪﯾﻖ ﻟﻠﺤﺰب .وﻛﺎن اﻟﻤﺨﯿﻢ ﻗﺎﺋﻤﺎً ﻓﻲ اﻟﺠﻨﻮب ﻣﻦ ﺑﯿﺮوت ،ﻗﺮﯾﺒﺎً ﻣﻦ اﻟﺒﺤﺮ .وﻟﻤﺎ ﻛﻨﺖ ﻣﺴﺆوﻟﺔ ﻋﻦ ﻣﻮاد اﻟﻤﺨﯿﻢ ،ﻗﺼﺪﺗﮫ ﻓﻲ أﯾﺎﻣﮫ اﻷﺧﯿﺮة ،ﻷﻛﻮن ﻋﻠﻰ ﺑﯿﻨﺔ 26
ﻣﻦ ﺗﺤﻀﯿﺮات اﻟﺮﺣﯿﻞ .وﺧﻼل اﻟﻠﯿﻠﺔ اﻷﺧﯿﺮة ،وﻣﻊ أن ﻋﺪﯾﺪﻧﺎ ﻛﺎن ﺳﺘﺔ ﻛﺸﺎﻓﺔ ﻓﺤﺴﺐ .ﻗﺮرﻧﺎ اﻟﻘﯿﺎم "ﺑﻐﺎرة " ﻋﻠﻰ اﻟﻤﺨﯿﻢ اﻟﻤﺠﺎور ،وﻛﺎن ﻟﺘﻨﻈﯿﻢ ﺗﻘﺪﻣﻲ آﺧﺮ. ﻓﺎﻗﺘﺮﺣﺖ ﻋﻠﻰ رﻓﺎﻗﻲ ﺑﺄن ﻧﺤﻮل اھﺘﻤﺎم اﻟﺤﺮس. وﺑﺤﺴﺐ اﻟﻘﻮاﻋﺪ اﻟﻤﺮﻋﯿﺔ اﻹﺟﺮاء ﻛﺎﻧﺖ ﻣﺤﺎوﻟﺔ ﺧﺪاع اﻟﺤﺮاس وﺗﺤﻮﯾﻞ اﻧﺘﺒﺎھﮭﻢ أﻣﺮاً ﻣﺴﻤﻮﺣﺎً ،ﻹﻟﻘﺎء اﻟﻘﺒﺾ ﻋﻠﻰ ﺑﻌﺾ اﻟﻜﺸﺎﻓﺔ أو ﻟﺤﯿﺎزة اﻟﻌﺪة .وﻛﺎن اﻟﻤﺨﯿﻢ اﻟﻐﺎزي ،ﻋﻠﻰ ھﺬا اﻟﻨﺤﻮ ﯾﻨﺎل ﺣﻈﻮة وﺷﺮﻓﺎً ،ﻷﻧﮫ أﺛﺒﺖ ﺗﻔﻮﻗﮫ. ﻛﺎن اﻟﻮﻗﺖ ﻣﻨﺘﺼﻒ اﻟﻠﯿﻞ .ﻓﺘﻘﺪﻣﺖ ﻧﺤﻮ اﻟﺤﺮس ،وﺑﻲ ﺗﺮﻓﻊ ﻣﺰﻋﻮم ،ﻓﺎﺻﻄﻨﻌﺖ اﻛﺘﺸﺎف ﻣﻮﻗﻌﮭﻢ .ﻛﺎن اﻟﺤﺎرس ﺻﺒﯿﺎً .ﺗﻌﺎرﻓﻨﺎ وﻃﻤﺄﻧﺘﮫ أﻧﻲ أﻗﻮم ﺑﺪوري ﺑﺎﻟﺤﺮاﺳﺔ ﻓﻲ اﻟﻤﺨﯿﻢ اﻟﺬي ﯾﻨﻈﻤﮫ اﻹﺗﺤﺎد واﻗﺘﺮﺣﺖُ ﻋﻠﯿﮫ أن ﯾﺄﺗﻲ ﺑﺼﺤﺒﺘﻲ ﻟﯿﺸﺮب اﻟﺸﺎي ﻓﻲ ﺧﯿﻤﺘﻨﺎ ،ﻷﺟﻞ أن ﯾﺮﯾﺢ ﻗﺪﻣﯿﮫ ﻗﻠﯿﻼً .ﻓﻤﺎ ﻛﺎن أﯾﺴﺮ ﻣﻦ وﻗﻮﻋﮫ ﻓﻲ اﻟﻔﺦ، وراﻓﻘﻨﻲ .وﻓﻲ ھﺬه اﻷﺛﻨﺎء ،وﺑﯿﻨﻤﺎ ﻛﺎن رﻓﺎﻗﮫ ﯾﻐﻄﻮن ﻓﻲ ﻧﻮم ﻋﻤﯿﻖ ،ﺟﻌﻞ ﺷﺮﻛﺎﺋﻲ ﯾﻨﺘﺰﻋﻮن ﺧﯿﻤﺔً ﻣﻦ ﺧﯿﻢ ذﻟﻚ اﻟﺘﻨﻈﯿﻢ ،وﯾﺤﻤﻠﻮن ﻣﻌﮭﻢ ﺛﻼث ﺟﺮار ،ورﻗﻌﺔ ﺷﻄﺮﻧﺞ وآﻟﺔ ﺳﺘﯿﺮﯾﻮ ﻣﻊ ﻣﻜﺒﺮات اﻟﺼﻮت اﻟﻌﺎﺋﺪة إﻟﯿﮭﺎ. ﻓﻲ ﺻﺒﺎح اﻟﯿﻮم اﻟﺘﺎﻟﻲ ،إﺳﺘﻐﺮق اﻟﻜﺸﺎﻓﺔ اﻟﻤﺴﻠﻮﺑﻮن زﻣﻨﺎً ﯾﺴﯿﺮاً ﺛﻢ أدرﻛﻮا أن اﻟﺪاﺋﺮة دارت ﻋﻠﯿﮭﻢ .ﻓﺄُﻋﻠﻨﻮا اﻟﺘﺄھﺐ ﻓﻲ ﺻﻔﻮﻓﮭﻢ .وﻟﻢ ﯾﻠﺒﺚ أن روى ﻟﮭﻢ اﻟﺤﺎرس ﻣﺎ ﺟﺮى ﻟﮫ ،ﻓﺄرﺳﻠﺖُ ،إﺛﺮ ذﻟﻚ ،ﺑﻌﺜﺔ اﻟﻰ ﻣﺨﯿﻤﻨﺎ ﺗﻄﺎﻟﺐ ﺑﻤﻘﺎﺑﻠﺔ اﻟﻔﺘﺎة ،ﺑﻤﻘﺎﺑﻠﺘﻲ ،ﻋﺒﺜﺎً.
27
إذ ﻛﻨﺖُ أرﻗﺐُ اﻟﺤﺪث ،ﻣﻦ وراء ﻧﻘﺎب اﻟﺨﯿﻤﺔ .إﻻ أن ﻗﺎﺋﺪﻧﺎ اﻟﺸﮭﻢ ﻋﻠﻲ ،رﺿﻲ ﺑﺄن ﯾﺮد ﻟﮭﻢ اﻟﻌﺪة اﻟﻤﺄﺧﻮذة ﺑﺎﺳﺘﺜﻨﺎء رﻗﻌﺔ اﻟﺸﻄﺮﻧﺞ ،اﻟﺘﻲ أرادھﺎ أن ﺗﻜﻮن ﻏﻨﯿﻤﺔ ﺣﺮب .وﻋﻠﯿﮫ ﻋﺰم اﻟﻤﺨﯿﻢ اﻟﺨﺼﻢ ﻋﻠﻰ اﺧﺘﻄﺎﻓﻲ ﺛﺄراً ﻟﻺھﺎﻧﺔ اﻟﺘﻲ ﻟﺤﻘﺖ ﺑﮫ. وﻟﻜﻦ اﻷﻣﺮ ﻛﺎن ﻣﻘﻀﯿﺎً إذ ﺣﻤﻠﻨﺎ رﺣﺎﻟﻨﺎ وﻣﻀﯿﻨﺎ. ﻛﺎن ذﻟﻚ أول إﻧﺠﺎز ﺣﺮﺑﻲ ﻟﻲ ،ﺑﺼﻮرة ﻣﻦ اﻟﺼﻮر.
28
اﻟﺤـــــﺮب ﻋﺮﻓﺖُ اﻟﺤﺮب وأﻧﺎ ﻓﻲ اﻟﺴﺎدﺳﺔ .أﻣﺎ اﻵن ،وﻗﺪ ذھﺒﺖ ﻣﻦ ﻋﯿﻨﻲ اﻟﺘﻤﺎﻋﺎت اﻟﻄﻔﻮﻟﺔ ،ﻓﻼ أزال أﺣﻤﻞ ﻓﻲ ﺧﺎﻃﺮي ذﻛﺮى اﻧﺪﻻﻋﮭﺎ اﻟﺪﻗﯿﻖ واﻟﻌﺼﻲ ﻋﻠﻰ اﻟﺘﺼﺪﯾﻖ .ﻛﻨﺖُ ﻓﻲ دﯾﺮ ﻣﯿﻤﺎس .وﻛﺎن أوان اﻟﻌﻄﻠﺔ اﻟﺼﯿﻔﯿﺔ. ﻛﺎن ذﻟﻚ ﻓﻲ اﻟﺨﺎﻣﺲ ﻋﺸﺮ ﻣﻦ أﯾﻠﻮل /ﺳﺒﺘﻤﺒﺮ ﻋﺎم ،1973وھﻮ ﯾﻮم اﻻﺣﺘﻔﺎﻻت ﺑﻌﯿﺪ ﻣﺎر ﻣﺎﻣﺎ .وﻛﺎﻟﻌﺎدة، ﻛﻨﺎ ﻧﺘﻮزع ﻏﺮف اﻟﺒﯿﺖ اﻟﻜﺒﯿﺮ ،ﻧﺤﻦ وﺟﻤﯿﻊ أﺑﻨﺎء ﻋﻤﻮﻣﺘﻲ وﺟﺪاي .وﻛﺎن ﻓﻲ اﻟﻤﻨﺰل ﺧﻤﺲ ﻧﺴﺎء وﺧﻤﺴﺔ وﻋﺸﺮون وﻟﺪاً ،ﯾﻌﻤﺮون اﻟﺒﯿﺖ ﺑﻀﺤﻜﮭﻢ وﻏﻨﺎﺋﮭﻢ اﻟﻤﺘﻮاﺻﻠﯿﻦ .ﺑﯿﻨﻤﺎ ﻛﺎن آﺑﺎؤﻧﺎ ﺟﻤﯿﻌﮭﻢ ﯾﻌﻤﻠﻮن ﻓﻲ ﺑﯿﺮوت .وﻛﺎن ﯾﻔﺘﺮض ﺑﻨﺎ أن ﻧﻠﻘﺎھﻢ ﻓﻲ اﻟﯿﻮم اﻟﺘﺎﻟﻲ ،ﺑﻌﺪ رﺣﻠﺘﻨﺎ اﻟﺒﺮﯾﺔ اﻟﻤﻌﺘﺎدة. ﻏﯿﺮ أن ھﺬه اﻟﻠﯿﻠﺔ ،ﻛﺎﻧﺖ ﻟﻨﺎ ﻣﺤﺾ ﺻﺨﺐ وﻗﺼﻒ .وﻻ أزال أذﻛﺮ أﻧﮫ ﺗﻨﺎھﻰ اﻟﻰ ﺳﻤﻌﻲ ﻛﻠﻤﺘﺎن" :ﻏﺎرات" ،و "إﺳﺮاﺋﯿﻠﯿﻮن" .وﺗﺒﯿﻦ ﻟﻨﺎ أن اﻟﻄﯿﺮان اﻹﺳﺮاﺋﯿﻠﻲ ﻣﻀﻰ ﯾﻜﯿﻞ ﺿﺮﺑﺔ ﻗﺎﺳﯿﺔ ﻟﻤﻨﻈﻤﺔ اﻟﺘﺤﺮﯾﺮ اﻟﻔﻠﺴﻄﯿﻨﯿﺔ اﻟﺘﻲ ﻛﺎﻧﺖ ﺗﻘﯿﻢ ﻣﺨﯿﻤﺎت ﻓﻲ اﻟﺠﻮار ،وراﺣﺖ اﻟﻄﺎﺋﺮات ﺗﻐﯿﺮ ﻋﻠﻰ دﻓﻌﺎت ،ﻣﻮﺟﮭﺔ ﺣﻤﻤﮭﺎ اﻟﻰ ﺟﻮار اﻟﺒﻠﺪة ،وﻋﻠﻰ ﻣﺪار اﺛﻨﺘﻲ ﻋﺸﺮة ﺳﺎﻋﺔ .وﻛﺎن ﯾﺴﺘﺤﯿﻞ أن ﯾﻐﻤﺾ ﻟﻨﺎ ﺟﻔﻦ ﻟﺸﺪة اﻟﺘﻮﺗﺮ اﻟﺬي ﻛﻨﺎ ﻓﯿﮫ .وﺣﯿﺎل ھﺬا اﻷﻣﺮ ﺳﻌﺖ واﻟﺪﺗﻲ وﻋﻤﺎﺗﻲ اﻟﻰ إﻟﮭﺎﺋﻨﺎ ،ﺑﺄن ﺟﻌﻠﻦ ﯾﺨﺒﺰن ﻋﻠﻰ اﻟﺘﻨﻮر .وأُﻋﺪت اﻟﻤﻮﻧﺔ ﻟﻌﻮدﺗﻨﺎ اﻟﻰ ﺑﯿﺮوت .إﻻ أﻧﻨﺎ اﻟﺘﮭﻤﻨﺎھﺎ ﻓﻲ أﺛﻨﺎء ﻟﯿﻠﺘﻨﺎ اﻟﻠﯿﻼء.
29
وﻓﻲ اﻟﻐﺪ ،ﺣﯿﻦ ﺗﺴﻠﻘﻨﺎ ﻣﺘﻦ اﻟﺴﺮﻓﯿﺲ ،أﻋﻠﻤﻨﺎ اﻟﺴﺎﺋﻖ أن اﻟﻄﺮﯾﻖ اﻟﺮﺋﯿﺴﯿﺔ اﻟﻤﻔﻀﯿﺔ اﻟﻰ ﺑﯿﺮوت ﺑﺎﺗﺖ ﻣﻘﻄﻮﻋﺔ، ﻋﻠﻰ ﺑﻌﺪ ﻋﺸﺮﯾﻦ دﻗﯿﻘﺔ ﻣﻦ اﻟﻘﺮﯾﺔ .إذ أﺻﺎﺑﺖ اﻟﻘﻨﺎﺑﻞ اﻹﺳﺮاﺋﯿﻠﯿﺔ ﺟﺴﺮ اﻟﺨﺮدﻟﻲ اﻟﺬي ﯾﺮﺑﻂ اﻟﻤﻨﻄﻘﺔ ﺑﺴﺎﺋﺮ أﺟﺰاء اﻟﺒﻼد .وﻟﻢ ﯾﻜﻦ ھﺬا اﻟﺠﺴﺮ اﻟﺬي ﯾﻤﺮ ﻧﮭﺮ اﻟﻠﯿﻄﺎﻧﻲ ﺗﺤﺘﮫ ﺷﺄن ﻛﻞ اﻟﺠﺴﻮر .ﻛﺎن ﺟﺴﺮاً ﺧﺸﺒﯿﺎً، وﻛﺎﻧﺖ اﻟﺴﯿﺎرات اﻟﺘﻲ ﺗﻌﺒﺮُه ﺗﺤﺪث ﻟﺪى ﻣُﺮورھﺎ ﺻﺪىً وأﺻﻮاﺗﺎً ﻻ ﯾﻤﻜﻦ أن ﯾﻠﻘﺎھﺎ اﻟﻤﺮء ﻓﻲ أي ﺟﺴﺮ آﺧﺮ .ﻻ ﯾﺰال ﺻﻮت ذﻟﻚ اﻟﻌﺒﻮر ﻓﻲ أذﻧﻲ .وھﻮ ﯾﺸﻜﻞ ﺟﺰءاً ﻣﻦ آﻻف اﻹﺷﺎرات اﻟﻄﺮﯾﻘﯿﺔ اﻟﺘﻲ ﺗﻤﺜﻞ ﻟﻨﺎ ﻋﻠﻰ اﻣﺘﺪاد ﺗﻠﻚ اﻟﻤﺴﯿﺮة اﻟﻤﺄﻟﻮﻓﺔ .وﻟﻤﺎ ﻛﺎن اﻟﺠﺴﺮ ﻣﺪﻣﺮاً ،ﺑﺎت ﻟﺰاﻣﺎً ﻋﻠﯿﻨﺎ أن ﻧﺴﻠﻚ ﻃﺮﯾﻖ اﻟﺒﻘﺎع ،اﻟﻘﺎﺋﻤﺔ اﻟﻰ اﻟﺸﺮق .ﻋﻄﻔﺔ ﻃﻮﯾﻠﺔ ﻛﺎن ﻟﮭﺎ أن ﺗﺴﺘﻐﺮق ﻣﻨﺎ ﺳﺎﻋﺘﯿﻦ ﻟﻨﺒﻠﻎ ﺑﻌﺪھﻤﺎ اﻟﻰ ﺑﯿﺮوت ،أﺧﯿﺮاً. وﻇﻞ ﺟﺴﺮ اﻟﺨﺮدﻟﻲ ﻣﺪﻣﺮاً .وﻟﺴﻮف ﯾﻜﻮن ﻋﻠﯿﻨﺎ أن ﻧﺘﻌﺮف اﻟﻰ ﻃﺮق ﺟﺪﯾﺪة ،ﻛﻠﻤﺎ ﻋﺰﻣﻨﺎ ﻋﻠﻰ اﻟﻌﻮدة اﻟﻰ دﯾﺮ ﻣﯿﻤﺎس ،ﻏﯿﺮ أن ھﺬا اﻟﻔﺮاغ ﻟﻦ ﯾﺠﺪ ﻟﮫ إﺷﺒﺎﻋﺎً أﺑﺪاً. وﻛﺎن ﻣﻘﺪراً ﻟﻲ أن أﻻﻗﻲ اﻟﺤﺮب ،ﺑﻌﺪ ﺳﻨﺘﯿﻦ ﻣﻦ ذﻟﻚ اﻟﺰﻣﻦ ،وﺳﻂ ﻗﺮﯾﺘﻲ .واﻟﻰ اﻟﻤﻌﺎرك ﺷﺒﮫ اﻟﯿﻮﻣﯿﺔ ﻣﺎ ﺑﯿﻦ اﻹﺳﺮاﺋﯿﻠﯿﯿﻦ واﻟﻔﻠﺴﻄﯿﻨﯿﯿﻦ أﺿﯿﻔﺖ اﻟﻤﻌﺎرك ﺑﯿﻦ اﻟﻠﺒﻨﺎﻧﯿﯿﻦ أﻧﻔﺴﮭﻢ .وﻛﺎﻧﺖ أول ﻟﯿﻠﺔ ﻣﺸﮭﻮدة ﺑﺎﻟﻘﺼﻒ ﺑﺎﻏﺘﺘﻨﺎ وﻧﺤﻦ ﻻ ﻧﺰال ﻓﻲ اﻟﻤﻨﺰل .ﻛﺎن اﻟﻮﻗﺖ ﺑﻼ ﺷﻚ، ﻓﻲ اﻟﺜﺎﻟﺚ ﻋﺸﺮ ﻣﻦ ﻧﯿﺴﺎن /أﺑﺮﯾﻞ ﻋﺎم ،1975وھﻮ ﺗﺎرﯾﺦ ﺑﺎت ﻣﺘﻌﺎرﻓﺎً ﻋﻠﯿﮫ ﻟﻜﻮﻧﮫ ﯾﺆرخ ﻟﺒﺪاﯾﺔ اﻟﺤﺮب اﻷھﻠﯿﺔ .ﻛﻨﺎ ﻧﻘﯿﻢ ﻓﻲ ﻣﻨﺰﻟﻨﺎ اﻷول ،اﻟﻜﺎﺋﻦ ﻓﻲ ﺣﻲ ﻏﺎﻟﯿﺮي ﺳﻤﻌﺎن ﻗﺮب اﻟﺸﯿﺎح .ﻓﺄﺟﺒﺮﺗﻨﺎ اﻹﻧﻔﺠﺎرات ﻋﻠﻰ 30
اﻟﻠﺠﻮء اﻟﻰ أﺣﺪ اﻟﺠﯿﺮان .وﻛﺎﻧﺖ ﻃﻠﻘﺎت اﻟﻘﺬاﺋﻒ ﺗﻨﯿﺮ ﺳﻤﺎء ذﻟﻚ اﻟﻠﯿﻞ .ورﺣﺖُ أﻣُﺪ رأﺳﻲ ﻋﺒﺮ اﻟﻨﺎﻓﺬة ﻷﻋﺎﯾﻦ اﻟﺒﺮوق وﺧﻄﻮط اﻟﻨﺎر اﻟﺘﻲ ﻛﺎﻧﺖ ﺗﻨﻄﻠﻖ ﻣﻦ اﻟﻘﺼﺮ اﻟﺮﺋﺎﺳﻲ ،ﻏﯿﺮ ﺑﻌﯿﺪ ﻋﻦ ﻣﻨﺰﻟﻨﺎ ،رﻏﻢ أن ﺗﻄﻠﻊ اﻟﺼﻐﺎر ﻛﺎن ﻣﺤﻈﻮراً ،ﻟﺴﻼﻣﺘﮭﻢ ،ﻛﺎن ذﻟﻚ ﻣﺸﮭﺪاً راﺋﻌﺎً ،ﻟﻌﯿﻨﻲ. وﻋﻠﻰ ھﺬا ،أﻗﻤﻨﺎ ﺟﻤﯿﻌﻨﺎ ﻓﻲ ﻏﺮﻓﺔ ﺿﯿﻘﺔ ،وﻛﺎن ھﺬا اﻟﻮﺿﻊ ﻏﯿﺮ اﻟﻤﺘﻮﻗﻊ واﻟﻔﺎﺋﻖ اﻟﻌﺎدة ،ﯾﻔﺘﻨﻨﻲ أﯾﻤﺎ اﻓﺘﺘﺎن. ﺑﺎﻟﻄﺒﻊ ،ﻛﻨﺖ ﺗﺮى اﻟﺨﺸﯿﺔ واﻟﺬھﻮل ﻓﻲ ﻋﯿﻮن اﻟﺮاﺷﺪﯾﻦ ﻣﻨﺎ .وﻟﻢ ﯾﻜﻒ واﻟﺪاﻧﺎ ﻋﻦ ﺗﺮداد أﻧﮭﻢ ﺳﻮف ﯾﻜﻔﻮن ﻋﻦ اﻹﺷﺘﺒﺎك ،وأﻧﮫ ﯾﻨﺒﻐﻲ أﻻ ﻧﺨﺎف ،ﻓﻲ ﺣﯿﻦ أﻧﮭﻤﺎ ﻇﮭﺮا ﺷﺪﯾﺪي اﻟﻘﻠﻖ .وﻇﻼ ﯾﺘﻜﻠﻤﺎن ﻟﯿﺤﻔﻈﺎ ﻣﻌﻨﻮﯾﺎﺗﮭﻤﺎ واﻵﺧﺮﯾﻦ .وﺟﻌﻼ ﯾﻘﻮﻻن إن اﻷﻣﻮر ﺳﻮف ﺗﺘﺤﺴﻦ ﻓﻲ اﻟﻐﺪ ،وﯾﻌﻮد ﻛﻞ ﺷﻲء اﻟﻰ ﻃﺒﯿﻌﺘﮫ وھﺪوﺋﮫ. وﻟﻢ ﯾﻜﻮﻧﺎ ﯾﻌﻠﻤﺎن أن ھﺬه اﻟﻠﯿﻠﺔ ﺳﻮف ﺗﺴﺘﻤﺮ ﺧﻤﺴﺔ ﻋﺸﺮ ﻋﺎﻣﺎً ﺑﺄﯾﺎﻣﮭﺎ وأﺣﺰاﻧﮭﺎ. وﻛﺎن ﻟﻲ أن أﻛﺸﺘﻒ ﻋﻠﻰ ﻣﺮ اﻷﺳﺎﺑﯿﻊ واﻟﺘﻔﺠﯿﺮات اﻟﻤﺘﻼﺣﻘﺔ ھﺬه اﻟﺮﯾﺒﺔ اﻟﻨﺎﺟﻤﺔ ﻋﻦ اﺳﺘﮭﺪاف اﻟﻤﺪن ،وﻣﻦ اﻟﻘﺼﻒ اﻟﻌﺸﻮاﺋﻲ اﻟﺬي ﻛﺎن ﯾﻄﺎول اﻟﺴﻜﺎن اﻟﻤﺪﻧﯿﯿﻦ. وﻣﻤﺎ أذﻛﺮه ﺣﺪث ﺟﺮى ﻟﻨﺎ ﻓﻲ ﺧﺘﺎم ﺳﻨﺘﻨﺎ اﻟﺪراﺳﯿﺔ ،ﻓﻲ ﺣﺰﯾﺮان /ﯾﻮﻧﯿﻮ ﻣﻦ اﻟﻌﺎم ﻧﻔﺴﮫ .وﻛﺎن اﻟﻤﻌﻠﻤﻮن ﯾﺴﻠﻤﻮﻧﻨﺎ دﻓﺎﺗﺮ ﻋﻼﻣﺎﺗﻨﺎ .ﻓﺈذا اﻟﻤﻌﺎرك اﻷﺧﻮﯾﺔ ﺗﻨﺪﻟﻊ ﻓﻲ اﻟﻤﺪﯾﻨﺔ ،واﺿﻌﺔ ﺣﺪاً ﻧﮭﺎﺋﯿﺎً ﻷول اﺣﺘﻔﺎل ﻣﺪرﺳﻲ ﻟﻨﺎ. ﻓﺎﻧﺪﻓﻌﻨﺎ ﻟﻠﺘﻮ ﺧﺎرج اﻟﻤﺪرﺳﺔ ﺑﺎﺗﺠﺎه ﻣﻨﺰﻟﻨﺎ .رﻋﻮد ﻋﻈﯿﻤﺔ ﻛﺎﻧﺖ ﺗﻤﺰق اﻟﺴﻤﺎء .وﻃﺎﺋﺮات ،ﯾﺸﺎر إﻟﯿﮭﺎ ﺑﺎﻹﺻﺒﻊ .وﻛﺎن ﺑﻮﺳﻊ أﺣﺪﻧﺎ أن ﯾﺘﻤﯿﺰھﺎ ﺑﻮﺿﻮح. 31
وﻟﻠﺤﺎل ﺣﻀﺮﺗﻨﻲ ﺗﺤﺬﯾﺮات واﻟﺪﺗﻲ ﺑﺄﻻ ﻧﻤﺲ اﻷﻟﻌﺎب اﻟﺘﻲ ﯾﻤﻜﻦ أن ﻧﺠﺪھﺎ ﻋﻠﻰ اﻟﻄﺮﻗﺎت أو ﻓﻲ اﻷراﺿﻲ اﻟﺒﻮر .وﻛﺎﻧﺖ اﻹذاﻋﺔ اﻟﻠﺒﻨﺎﻧﯿﺔ أوردت ﺧﺒﺮاً ﻋﻦ اﻧﻔﺠﺎر ﺣﺼﻞ ﻓﻲ اﻟﺠﻨﻮب ،وأﺧﻄﺮت ﻓﻲ إﺛﺮه اﻟﻌﺎﺋﻼت ﺑﻀﺮورة اﻟﺘﻨﺒﮫ ﻟﻸﺷﯿﺎء اﻟﺘﻲ ﯾﺮﻣﯿﮭﺎ اﻹﺳﺮاﺋﯿﻠﯿﻮن ﺑﻤﺜﺎﺑﺔ أﻓﺨﺎخ ﻣﺘﻔﺠﺮة .ورﻛﻀﺖُ واﻟﺘﻔﺖُ اﻟﻰ اﻟﻮراء ﻷﺻﯿﺢ ﺑﺎﺑﻨﮫ ﻋﻤﻲ ﺑﺄﻻ ﺗﻠﻤﺲ ﺷﯿﺌﺎً وأن ﻧﺴﺮع اﻟﻰ ﻣﻨﺎزﻟﻨﺎ. وﺧﻠﺖُ أن ﺧﻠﻔﻲ ﺟﺴﻤﺎً ﻗﺬف ﺑﮫ اﻹﻧﻔﺠﺎر .وﻟﻢ أدر أذ ﻛﺎن اﻟﺸﺨﺺ أﺻﯿﺐ ﺑﺎﻟﻘﺼﻒ أم ﻗﺘﻞ. اﻟﯿﻮم ،ﻣﺎ ﻋﺪت أﻋﺮف إذا ﻛﻨﺖ ﻗﺪ ﺧﺒﺮت ﺣﻘﺎً ھﺬه اﻟﺤﺎدﺛﺔ ،أو ﺷﺎھﺪﺗﮭﺎ ﻋﻠﻰ ﺷﺎﺷﺔ اﻟﺘﻠﻔﺰﯾﻮن ،ﻗﺒﻞ أن ﺗﺨﺎﻟﻂ ﺻﻮر ﻃﻔﻮﻟﺘﻲ اﻷﻋﻈﻢ رﺳﻮﺧﺎً ﻓﻲ ﻣﺨﯿﻠﺘﻲ. وﺑﺪءاً ﻣﻦ ھﺬه اﻟﺴﻨﺔ ﻣﺎ ﻓﺘﺌﺖ اﻟﻤﺪرﺳﺔ ﺗﺘﻌﺮض ﻟﮭﺬا اﻻﻧﻘﻄﺎع اﻟﺬي ﺻﺎرت ﺗﻔﺮﺿﮫ اﻟﻤﻨﺎزﻋﺎت .ﻓﻲ اﻟﻤﺮة اﻷوﻟﻰ ﺷﺄن ﻻﺣﻘﺎﺗﮭﺎ ،ﻟﻢ ﯾﻜﻦ أﺣﺪ ﯾﻌﻠﻢ ﺷﯿﺌﺎً ﻋﻤﺎ ﯾﺤﺼﻞ. وﻷي ﺳﺒﺐ ﻛﺎن اﻟﻤﻌﻠﻤﻮن ﯾﻮﻗﻔﻮن اﻟﺪروس؟ وﻷي ﺳﺒﺐ ﻛﻨﺖ ﺗﺮى اﻷھﻞ ﻣﻨﺘﻈﺮﯾﻦ ﻓﻲ ﺑﺎﺣﺔ اﻟﻤﺪرﺳﺔ ،واﻟﻮﻗﺖ ﻻ ﯾﺰال ﺻﺒﺎﺣﺎً؟ وﻷي ﺳﺒﺐ ﻛﺎﻧﻮا ﯾﺄﺗﻮن ﻷﺧﺬﻧﺎ؟ وﻣﺎ ﻛﺎن أي ﺳﺆال ﻟﯿﻠﻘﻰ إﺟﺎﺑﺔ ﻣﻨﻄﻘﯿﺔ ﺗﻔﺴﺮه. ﻛﺎﻧﺖ ﺗﻠﻚ اﻟﺤﻘﺒﺔ اﻟﺘﻲ ﻛﺎن اﻟﻨﺎس ﻓﯿﮭﺎ ﯾﺘﻮﻗﻔﻮن ﻋﻦ اﻟﻌﻤﻞ دون ﻣﻌﺮﻓﺔ اﻟﻤﺪى اﻟﺰﻣﻨﻲ اﻟﺬي ﯾﻌﺎودون ﺑﻌﺪه أﺷﻐﺎﻟﮭﻢ، واﻟﺘﻲ ﻻ ﯾﻌﻮد ﻓﯿﮭﺎ اﻟﻤﺮء وﺣﺪه اﻟﻰ اﻟﻤﻨﺰل ،واﻟﺘﻲ ﯾﻨﺒﻐﻲ ﻓﯿﮭﺎ ﺗﻮﻗﻊ ﻣﺠﻲء اﻷھﻞ اﻟىﺎﻟﻤﺪارس ﻟﯿﺘﻤﻜﻨﻮا ﻣﻦ اﺻﻄﺤﺎب أﺑﻨﺎﺋﮭﻢ اﻟﻰ اﻟﻤﻨﺎزل .ﻛﺎﻧﺖ ﺗﻠﻚ اﻟﺤﻘﺒﺔ اﻟﺘﻲ اﺳﺘﺸﻌﺮت ﻓﯿﮭﺎ ﻛﻞ ﻣﺮة ﺑﺎﻟﺨﻮف ﻧﻔﺴﮫ :أﻻ ﯾﺄﺗﻲ أﺣﺪ 32
ﻻﺻﻄﺤﺎﺑﻲ ھﺬا اﻟﯿﻮم ،وأرى ﻧﻔﺴﻲ ﻣﺘﺮوﻛﺔ وﺣﺪي وﺳﻂ اﻟﻘﺬاﺋﻒ واﻹﻧﻔﺠﺎرات .وﻛﺎن اﻷﻃﻔﺎل ﺟﻤﯿﻌﮭﻢ، ﻋﻠﻰ ﺣﺪ ﻋﻠﻤﻲ ﯾﺘﻤﻠﻜﮭﻢ ھﺬا اﻟﺨﻮف ،وﺣﺘﻰ ﻟﻮ رأﯾﺘﮭﻢ ﯾﻀﺎﺣﻜﻮﻧﻨﺎ ﻟﺜﺎﻧﯿﺔ واﺣﺪة ﺑﻌﺪ أن ﯾﻠﻤﺤﻮا ﺻﻮرة واﻟﺪھﻢ أو واﻟﺪﺗﮭﻢ .وﻇﻠﺖ اﻟﺪراﺳﺔ ﻃﻮﯾﻼً ﻋﻠﻰ ھﺬا اﻟﻨﺤﻮ ،وﻟﻢ ﯾﺘﺴﻦ ﻟﻠﺘﻼﻣﯿﺬ أن ﯾﺘﺎﺑﻌﻮا ﺳﻨﺘﮭﻢ اﻟﺪراﺳﯿﺔ ،ﺑﻌﺪﺋﺬ ،اﻟﻰ ﺧﺘﺎﻣﮭﺎ اﻟﻤﺮﺟﻮ .وﻣﺎ ﻛﻨﺎ ﻟﻨﻌﻠﻢ ﻓﻲ ﺻﺒﯿﺤﺔ ﺗﻮﺟﻨﺎ اﻟﻰ اﻟﻤﺪارس أن ﯾﻮﻣﻨﺎ ﺳﯿﻜﻮن ﺧﺎﻟﯿﺎً ﻣﻦ اﻟﻤﺸﺎﻛﻞ .وﻛﺎن اﻟﻘﯿﻤﻮن ﻋﻠﻰ اﻟﺘﻌﻠﯿﻢ ﻟﺪﯾﻨﺎ ﯾﺨﺘﺼﺮون ﻟﻨﺎ اﻟﻔﺼﻮل اﻟﺪراﺳﯿﺔ إذ ﯾﻮزﻋﻮن ﻟﻨﺎ دﻓﺎﺗﺮ ﻋﻼﻣﺎﺗﻨﺎ ﻋﻠﻰ ﻧﺤﻮ ﻣﻔﺎﺟﺊ .وﻛﺎن اﻟﺒﻌﺾ ﻟﯿﻌﯿﺪ ﺻﻔﮫ ﺑﺴﺒﺐ اﻟﻤﻌﺎرك اﻟﺘﻲ ﻻ ﻋﺪّ ﻟﮭﺎ ،واﻟﺘﻲ أﺧﺬت ﺗﻨﺪﻟﻊ ﺑﯿﻦ ﻓﺼﯿﻠﯿﻦ ﺣﻠﯿﻔﯿﻦ ﺳﺎﺑﻘﺎً وﻗﺪ ﺻﺎرا اﻟﯿﻮم أﻟﺪ ﻋﺪوﯾﻦ. وﻇﻠﺖ اﻷوﺿﺎع ﻋﻠﻰ ھﺬه اﻟﺤﺎل ﺣﺘﻰ ﻛﺎن اﻟﻌﺎم .1977 وﻓﻲ ﺧﻼل ھﺬه اﻟﺴﻨﺔ أﻗﺎﻣﺖ ﻋﺎﺋﻠﺘﻲ ﻓﻲ اﻟﻤﺒﻨﻰ اﻟﺤﺎﻟﻲ. وﻟﻜﻨﻲ إﺳﺘﻤﺮﯾﺖ ﻓﻲ ارﺗﯿﺎد ﻣﺪرﺳﺘﻲ ،ﺣﯿﺚ ﻛﻨﺖ ﺳُﺠﻠﺖ ﻓﻲ ﺷﮭﺮ أﯾﻠﻮل /ﺳﺒﺘﻤﺒﺮ ،واﻟﻘﺎﺋﻤﺔ ﻓﻲ ﻣﺎر ﻣﺨﺎﯾﻞ ،ﻏﯿﺮ ﺑﻌﯿﺪ ﻋﻦ ﺧﻂ اﻟﺘﻤﺎس .وﻟﻤﺎ ﻛﺎﻧﺖ اﻟﻤﺪرﺳﺔ ﺑﻌﯿﺪة ﻧﻮﻋﺎً ﻣﺎ ﻋﻦ ﻣﻨﺰﻟﻨﺎ اﻟﺠﺪﯾﺪ ،ﺷﺎءت أﻣﻲ أن ﺗﻮﻓﺮ ﻟﻲ ﺳﯿﺎرة "ﺗﺎﻛﺴﻲ" ،وھﻲ ﻣﻦ ﻧﻮع اﻟﻤﺎرﺳﯿﺪس اﻟﺮﻣﺎدﯾﺔ ﯾﻘﻮدھﺎ رﺟﻞ ﺳﻜﻮت ،ﻓﻲ اﻷرﺑﻌﯿﻦ ﻣﻦ ﻋﻤﺮه .ﻓﻜﺎن ﯾﺄﺗﻲ إﻟﯿﻨﺎ وﯾﻘﻠﻨﻲ ﻛﻞ ﯾﻮم اﻟﻰ اﻟﻤﺪرﺳﺔ ،وﯾﻌﯿﺪﻧﻲ ﻣﻨﮭﺎ اﻟﻰ أﺳﻔﻞ اﻟﺪرج ﻟﺪﯾﻨﺎ .وذات ﯾﻮم ،وﻓﯿﻤﺎ ﻛﺎن اﻟﺴﺎﺋﻖ ﯾﻌﻮد ﺑﻲ ،ﺑﻌﯿﺪ اﻟﻈﮭﺮ ،وﻓﻲ ﻣﻌﯿﺘﻲ رﻛﺎب أرﺑﻌﺔ إذ ﺑﻨﺎ ﻧﻘﻊ وﺳﻂ اﻟﻤﻌﺮﻛﺔ وﺗﺒﺎدل اﻟﻘﺬاﺋﻒ اﻟﻤﺪﻓﻌﯿﺔ ﻋﻠﻰ ﻣﻘﺮﺑﺔ ﻣﻦ اﻟﻤﺨﯿﻢ اﻟﻔﻠﺴﻄﯿﻨﻲ ﺻﺒﺮا وﺷﺎﺗﯿﻼ ،ﺣﯿﺚ ﻛﺎن اﻟﺴﺎﺋﻖ ﻣﻌﺘﺎداً ﻋﻠﻰ إﻧﺰال ﺗﻠﻤﯿﺬﯾﻦ .وﺗﻌﺎﻟﺖ اﻟﻀﻮﺿﺎء وﺻﻌﺪت ﻏﺒﺎﺋﺮ 33
اﻹﻧﻔﺠﺎر ﺣﺘﻰ أﻋﻤﺖ اﻟﺴﺎﺋﻖ وﺳﻂ اﻟﺸﺎرع .ﻓﺄﺻﯿﺐ ﻛﻞ ﻣﻦ ﺣﻮﻟﻨﺎ ﺑﺎﻟﺬھﻮل واﻟﺮﻋﺐ .وﺳﺮﻋﺎن ﻣﺎ اﻧﻔﺠﺮت ﻗﻨﺒﻠﺔ وراءﻧﺎ .وأﺧﺮى اﻧﻔﺠﺮت أﻣﺎﻣﻨﺎ .وﺑﺎت ﻛﻞ ﻣﻦ ﻓﻲ اﻟﺴﯿﺎرة ﯾﺼﺮﺧﻮن وﯾﻮﻟﻮﻟﻮن .واﻷرض اھﺘﺰت ﻣﻦ ﺗﺤﺘﻨﺎ .وﻛﺎن ﻓﻲ اﻷرض ﻗﺮﯾﺒﺎً ﻣﻨﺎ ،ﺟﺮﺣﻰ .وﻟﺮﺑﻤﺎ ﺳﻘﻂ ﻗﺘﻠﻰ .ورأﯾﺖ اﻟﻨﺎس ﯾﮭﺮوﻟﻮن ﺻﺎﺋﺤﯿﻦ ،وﯾﺘﺮاﻛﻀﻮن ﻣﻦ ﻛﻞ اﺗﺠﺎه أﻣﺎ اﻟﺴﺎﺋﻘﻮن ﺑﺪورھﻢ وﻗﺪ أﺻﺎﺑﮭﻢ اﻟﺠﻨﻮن واﻟﮭﻠﻊ ،ﻓﺮاﺣﻮا ﯾﻄﻠﻘﻮن زﻣﺎﻣﯿﺮھﻢ وﯾﺴﺮﻋﻮن ﻣﺎ أﻣﻜﻨﮭﻢ ﻟﯿﺸﻘﻮا ﻷﻧﻔﺴﮭﻢ ﻣﺠﺎﻻً ﻟﻠﻨﺠﺎة وﺳﻂ اﻟﺤﺸﻮد .وﻣﻀﻰ اﻟﺴﺎﺋﻖ ﺑﺴﯿﺎرﺗﻨﺎ وراح ﯾﺘﻌﺮج ﺳﺮﯾﻌﺎً ﺑﯿﻦ اﻟﺤﻮاﺟﺰ واﻟﺤﺮاﺋﻖ .ﺣﺘﻰ أﻣﻜﻦ اﻟﺴﺎﺋﻖ أن ﯾﻌﻮد ﺑﻨﺎ ،اﻟﻰ ﺷﺎﻃﺊ اﻷﻣﺎن ﺳﺎﻟﻤﯿﻦ ﻣﻊ أن ذﻟﻚ اﻟﯿﻮم ﻛﺎن ﻣﻦ أﺧﻄﺮ ﻣﺎ ﺷﮭﺪﺗﮫ ﺑﯿﺮوت وأﺷﺪ ﻣﺎ ﻋﺮﻓﺖ ﻣﻦ أﯾﺎم ﻣﺮﻋﺒﺔ ﻓﯿﮭﺎ. ﻟﻢ ﯾﻌﺮف أھﻠﻲ ﺷﯿﺌﺎً ﻣﻤﺎ ﺣﺪث ﻟﻨﺎ ذﻟﻚ اﻟﻨﮭﺎر .ذﻟﻚ أن ﻟﺴﺎﻧﻲ ﻛﺎن أﻗﻞ ﻃﻼﻗﺔ ﻓﻲ ﻣﺎ ﺧﺺ ﺣﯿﺎﺗﻲ ،وﻟﻢ أرو ﻟﮭﻢ ھﺬه اﻟﻌﻮدة اﻟﺨﻄﺮة واﻟﺸﺎﻗﺔ. وﻓﻲ زﻣﻦ ﻟﯿﺲ ﺑﺎﻟﻄﻮﯾﻞ ،ﺑﺪءاً ﻣﻦ اﻟﻌﺎم ،1975ﺟﻌﻠﺖ اﻟﺤﺮب ﺗﻔﺮض ﻋﻠﯿﻨﺎ ﻣﺒﺎدﺋﮭﺎ ،وﺳﺮﻋﺎن ﻣﺎ ﺻﺎرت ﻟﻨﺎ ﺑﻤﺜﺎﺑﺔ اﻟﻄﻘﻮس .وأول ھﺬه اﻟﻤﺒﺎدئ أن ﻧﺤﺘﻤﻲ ﺟﯿﺪاً ،ﻣﺎ أﻣﻜﻨﻨﺎ ،وﻋﻠﯿﮫ ﻟﻢ ﻧﻠﺒﺚ أن ﺻﺮﻧﺎ ﻗﺎدرﯾﻦ ﻋﻠﻰ ﺗﺨﻤﯿﻦ اﻟﻮﺿﻊ اﻷﻛﺜﺮ أﻣﺎﻧﺔ ،ﺣﯿﺚ ﯾﺴﻌﻨﺎ أن ﻧﺨﺘﺒﺊ ﺣﺎل ﺗﺠﺪد اﻟﻘﺼﻒ ﻋﻠﯿﻨﺎ – وﻛﺎن ﯾﻔﺘﺮض ﺑﮭﺬا اﻟﻤﻜﺎن أن ﯾﺒﺪو ﻣﺤﺼﻨﺎً ﻟﻠﻐﺎﯾﺔ ،وﻗﺎﺋﻤﺎً ﺑﯿﻦ ﺟﺪارﯾﻦ ﻋﻠﻰ اﻷﻗﻞ ،ﺗﺨﻔﯿﻔﺎً ﻣﻦ ﻋﺰم اﻟﺼﻮارﯾﺦ اﻟﻤﺤﺘﻤﻠﺔ .وﻷن ﺷﻘﺘﻨﺎ اﻷوﻟﻰ ﻟﻢ ﺗﻜﻦ ﺗﺘﻤﺘﻊ ﺑﮭﺬا اﻻﻣﺘﯿﺎز )إﻧﻤﺎ ﻛﺎﻧﺖ ﻋﻠﻰ اﻟﻌﻜﺲ ،أﻛﺜﺮ اﻟﻤﻨﺎزل ﺗﻌﺮﺿﺎً ﻟﻠﻘﺼﻒ وﻃﻠﻘﺎت اﻟﻘﻨﺎﺻﺔ( ،ﻛﻨﺎ ﻧﻀﻄﺮ 34
دوﻣﺎً اﻟﻰ اﻟﻠﺠﻮء ﻟﺪى ﺟﺎرﻧﺎ ﻓﻲ اﻟﻄﺎﺑﻖ ﻧﻔﺴﮫ ،وﻗﺎﯾﺔ ﻣﻦ أﻋﻤﺎل اﻟﻘﺼﻒ اﻟﻤﻔﺎﺟﺌﺔ اﻟﺘﻲ وﺳﻌﮭﺎ أن ﺗﺘﺄﺑﺪ ﻟﯿﺎﻟﻲ ﻃﻮﯾﻠﺔ ﻻ ﻋﺪ ﻟﮭﺎ وﻻ ﺣﺼﺮ .ﻏﯿﺮ أﻧﻨﺎ ﺳﺮﻋﺎن ﻣﺎ أﺧﺬﺗﻨﺎ رﺗﺎﺑﺔ اﻷﻣﻮر وﻧﺴﯿﻨﺎ اﻟﺤﺬر ،وأھﻤﻠﻨﺎ اﻟﻤﺨﺎﺑﺊ .وﻓﻲ ﻓﺘﺮة وﺟﯿﺰة ،ﺻﺮﻧﺎ ﺧﺒﺮاء ﻓﻲ ﺗﺨﺰﯾﻦ اﻷﻃﻌﻤﺔ ﻋﻠﻰ اﺧﺘﻼﻓﮭﺎ واﻟﻤﺆن ﻋﻠﻰ أﻧﻮاﻋﮭﺎ .وﻛﺎن ﻟﻨﺎ أﺧﯿﺮاً ،أن ﻧﻜﺘﺸﻒ اﻷﺳﻠﺤﺔ ،وأﻧﻤﺎﻃﮭﺎ اﻟﻤﺨﺘﻠﻔﺔ وﻋﯿﺎراﺗﮭﺎ وﻣﺼﺎدر اﻧﻄﻼﻗﮭﺎ اﻟﺘﻲ أﻣﻜﻦ ﻟﻨﺎ ﺗﺒﯿﻨﮭﺎ ﻛﻠﻤﺎ ﺳﻤﻌﻨﺎ ﺻﺎروﺧﺎً أو ﺳﻼﺣﺎً آﻟﯿﺎً. واﻟﺤﺮب ﺗﻔﺮض ﻛﺬﻟﻚ ﺟﻮاﻧﺒﮭﺎ اﻷﺧﺮى .ﻣﺜﻞ ذﻟﻚ ﻃﻘﻄﻘﺔ اﻷﻟﺤﺎن اﻟﺨﺎﺻﺔ ﺑﺎﻷﻧﺒﺎء اﻟﻤﻌﺠﻠﺔ ﻓﻲ اﻹذاﻋﺔ، ﻛﻠﻤﺎ أدرﻛﻨﺎ ﺗﺼﻌﯿﺪاً ﻟﻠﻜﺮاھﯿﺔ واﻟﻌﻨﻒ ﻓﻲ اﻟﻤﻌﺎرك. وﻛﺎن ﻟﻜﻞ ﻣﻌﺴﻜﺮ ﻣﺤﻄﺘﮫ اﻹذاﻋﯿﺔ اﻟﻨﺎﻃﻘﺔ اﻟﺮﺳﻤﯿﺔ ﺑﺎﺳﻤﮫ ،وﻛﺎن ﻣﻦ اﻟﯿﺴﯿﺮ أن ﯾﺤﻠﻞ اﻟﻤﺮء اﻟﻤﻌﻠﻮﻣﺎت اﻟﺘﻲ ﯾﺪﻟﻰ ﺑﮭﺎ ﺣﺎﻟﻤﺎ ﯾﻌﺮف اﻟﻨﺎﻃﻖ ﺑﮭﺎ .وﺻﺎر اﻧﻘﻄﺎع اﻟﻤﯿﺎه واﻟﻜﮭﺮﺑﺎء ،وﺗﻮاﻟﻲ اﻧﻘﻄﺎﻋﮭﻤﺎ ﺣﯿﻨﺎً ﺑﻌﺪ آﺧﺮ ،اﻟﻘﺎﻋﺪة اﻟﺘﻲ اﻋﺘﺪﻧﺎ ﻋﻠﻰ اﺗﺒﺎﻋﮭﺎ .وﺗﻌﻠﻤﻨﺎ أن ﻧﻌﻤﻞ ﺑﻤﺎ ھﻮ ﻗﺎﺋﻢ، أي أن ﻧﺤﯿﺎ ﻣﻦ دون أﻣﻮر ﻛﺜﯿﺮة .وﻛﻠﻤﺎ رﺳﺨﺖ اﻟﺤﺮب ﻣﻦ وﺟﻮدھﺎ ﺑﯿﻨﻨﺎ ،ازدادت ﺗﻘﻨﯿﺎﺗﻨﺎ وﺑﺮاﻋﺎﺗﻨﺎ .ﻓﻜﻨﺎ ﻧﺴﺘﻀﻲء ﺑﺤﺴﺐ ﻣﺎ ﺗﻤﻠﯿﮫ ﻋﻠﯿﻨﺎ اﻟﺴﻨﻮات ﺑﺎﻟﺸﻤﻮع أو ﺑﺎﻟﻜﺎز ،أو ﺑﺎﻟﻐﺎز ،وﺑﻨﺎءً ﻋﻠﻰ "ﻣﯿﻮل "اﻟﻤﺴﺘﻔﯿﺪﯾﻦ ﻣﻦ اﻷوﺿﺎع ،وﻗﺪ ﻓﺮﺿﻮھﺎ ﻋﻠﯿﻨﺎ .أﻣﺎ ﺗﺨﺰﯾﻦ اﻟﻤﯿﺎه ﻓﻜﺎن ﯾﻄﺮح ﻓﻲ ذاﺗﮫ ﻣﺴﺎﺋﻞ ﺷﺎﺋﻜﺔ ﻟﻠﻐﺎﯾﺔ .ذﻟﻚ أن ﺿﻐﻂ اﻟﻤﯿﺎه ﻏﺎﻟﺒﺎً ﻣﺎ ﯾﻜﻮن ﺿﻌﯿﻔﺎً ﻣﻨﺬ دﻓﻌﮭﺎ ﻣﻦ اﻟﺸﺮﻛﺔ ،ﻓﺘﻌﺠﺰ ھﺬه ﻋﻦ ﺑﻠﻮغ اﻟﻄﻮاﺑﻖ اﻟﻌﻠﯿﺎ .وﺑﻌﺪ اﻟﺼﻔﺎﺋﺢ اﻵﺧﺬة ﺑﺎﻹﺗﺴﺎع ،واﻟﺘﻲ ﻧﻤﻠﺆھﺎ ﻓﻲ اﻟﻄﺎﺑﻖ اﻷرﺿﻲ ،ﯾﺄﺗﻲ دور ﻣﺤﺮﻛﺎت اﻟﻀﺦ ،ﻓﯿﺼﯿﺮ دوﯾﮭﺎ ﻣﺘﺼﻼً ﺑﻌﺎﻟﻤﻨﺎ اﻟﺼﻮﺗﻲ 35
اﻟﺠﺪﯾﺪ ،أوﻻً ﻟﺘﻐﺬﯾﺔ اﻟﻘﺴﺎﻃﻞ وﻣﻦ ﺛﻢ ﻟﻤﻞء اﻟﺨﺰاﻧﺎت ﺣﯿﻦ ﯾﻄﻮل اﻧﻘﻄﺎع اﻟﻤﯿﺎه أﯾﺎﻣﺎً ﻛﺜﯿﺮة .وأدرﻛﺖ ﻓﻲ ﺑﺮھﺔ ﻗﺼﯿﺮة ،أن اﻟﺤﺮب ﺗﺸﯿﻊ اﻻﻧﻌﺪام ﻓﻲ اﻟﻤﺴﺎواة ﺑﯿﻦ اﻟﻨﺎس ،ﻋﻠﻰ ﻧﺤﻮ ﻣﺎ ﯾﺆدﯾﮫ اﻟﻤﻮت ،واﻟﻤﻘﺪار ﻋﯿﻨﯿﮫ ﻣﻦ اﻟﯿﻘﯿﻦ .ﻓﻜﺎن اﻷﻛﺜﺮ ﻏﻨﻰً ﻣﻘﺘﺪرﯾﻦ ﻓﻲ ﻛﻞ ﺷﻲء ،وﻟﻢ ﯾﺤﺮﻣﻮا ﺷﯿﺌﺎً ،وﻛﺎﻧﺖ ﻣﺤﻄﺎت اﻟﻀﺦ ﻟﺪﯾﮭﻢ وﻣﻮﻟﺪات اﻟﻜﮭﺮﺑﺎء ﺗﻨﻄﻖ ﻋﻦ ھﺬا اﻻﺧﺘﻼل .وﺑﺎﻟﻤﻘﺎﺑﻞ وﺟﺪت اﻟﻔﻘﺮاء ﻣﻀﻄﺮﯾﻦ اﻟﻰ ﺳﺮﻗﺔ ﺧﻄﻮط اﻟﻜﮭﺮﺑﺎء .ﺑﺎﻟﺘﻌﻠﯿﻖ ﻋﻠﻰ ﺧﻄﻮط اﻟﺸﺮﻛﺔ اﻟﺘﻲ ﻻ ﺗﺰال ﻋﺎﻣﻠﺔ ،ﺣﺘﻰ أن اﻟﻨﺎﻇﺮ اﻟﻰ ﻇﺎھﺮة اﻟﺘﻌﻠﯿﻖ ﻓﻲ ﺣﯿﻨﮫ ،ﯾﺠﺪ ﺧﯿﻮﻃﺎً ھﺎﺋﻠﺔ أﺷﺒﮫ ﺑﺨﯿﻮط اﻟﻌﻨﺎﻛﺐ اﻟﻌﻤﻼﻗﺔ وﻗﺪ اﻣﺘﺪت ﻓﻲ ﻛﻞ ﺷﻮارع ﺑﯿﺮوت وأزﻗﺘﮭﺎ. وﻛﺎن ﻟﻠﻤﻌﺎرك ﺑﺪورھﺎ أن ﺗﻔﺮض أﺳﻤﺎءھﺎ .ﻓﺎﻛﺘﺸﻔﻨﺎ ﻋﻠﻰ ﻣﺪى اﻷﺳﺎﺑﯿﻊ اﻟﻘﻠﯿﻠﺔ اﻟﺘﻲ ﺗﻠﺖ اﻧﺪﻻع اﻟﺤﺮب اﻟﻜﻠﻤﺎت اﻟﺘﺎﻟﯿﺔ :اﻟﻘﻨﺎﺻﺔ ،واﻟﻤﮭﺠﺮﯾﻦ ،واﻟﻼﺟﺌﯿﻦ – أﻣﺜﺎﻟﻨﺎ ﻣﻤﻦ ﺣﺮﻣﺘﮭﻢ أﻋﻤﺎل اﻟﻘﺼﻒ ﻣﻦ اﻟﺴﻜﻦ ﻓﻲ ﻣﻨﺰﻟﮭﻢ اﻷول .وﻓﯿﻤﺎ ﺑﻌﺪ ،وإﺛﺮ اﺣﺘﻼل إﺳﺮاﺋﯿﻞ ﻟﻠﻤﻨﻄﻘﺔ اﻟﺠﻨﻮﺑﯿﺔ اﻟﻤﺤﺎذﯾﺔ ﻟﮭﺎ ﺣﻤﺎﯾﺔ ﻟﺤﺪودھﺎ اﻟﺸﻤﺎﻟﯿﺔ ،ارﺗﻔﻌﺖ أﻋﺪاد اﻟﻼﺟﺌﯿﻦ اﻟﻰ ﺑﯿﺮوت وﺿﻮاﺣﯿﮭﺎ ،وﺳﺮﻋﺎن ﻣﺎ ﺑﻠﻐﺖ ﻋﺸﺮات اﻵﻻف .وﻧﺸﺄ ﻣﺎ ﯾﺴﻤﻰ ﺑﺘﺒﺪﯾﻞ اﻟﻤﻮاﻗﻊ واﻟﻤﻨﺎزل ﺑﯿﻦ اﻟﺬﯾﻦ ﻓﺮوا ﻣﻦ اﻟﻤﻌﺎرك ﻓﻲ ﺑﯿﺮوت، ﺗﺎرﻛﯿﻦ ﺑﯿﻮﺗﮭﻢ ﻓﺎرﻏﺔ ،وﺑﯿﻦ اﻟﺬﯾﻦ اﺣﺘﻠﻮھﺎ ﻟﺤﺮﻣﺎﻧﮭﻢ ﻣﻦ ﻛﻞ ﺷﻲء ،وﯾﺄﺳﺎً ﻣﻦ إﺣﻘﺎق ﻣﻄﺎﻟﺒﮭﻢ .واﻟﺤﺎل أن ﺳﻜﺎن اﻟﺠﻨﻮب اﻟﺬﯾﻦ ﺣﻠﻮا ﺣﺪﯾﺜﺎً ﻓﻲ ﺑﯿﺮوت اﻛﺘﺸﻔﻮا ﻋﺎﻟﻤﺎً ﻣﺪﯾﻨﯿﺎً ﻛﺎﻣﻼً ،ﺗﻌﻤﺮه اﻷﺑﻨﯿﺔ ﻓﻲ ورﻃﺔ ﻣﻘﯿﻤﺔ ،وﻻ ﻧﻤﻠﻚ ﻣﻨﺰﻻً ،ﻓﻘﺪ رأﯾﺖ واﻟﺪي ﻣﺘﺼﺪﯾﺎً ﻟﮭﺬه اﻟﺘﺠﺮﺑﺔ ،ﻣﺎﻧﻌﺎً إﯾﺎﻧﺎ ﻣﻦ اﻹﻗﺎﻣﺔ ﻓﻲ ﺑﯿﺖ ھﺠﺮه ﺳﻜﺎﻧﮫ ،ﺣﺘﻰ وﻟﻮ أﯾﺎﻣﺎً ﻗﻠﯿﻠﺔً. 36
وإذا ﻣﺎ ﺷﺌﺖ أن ﺗﺼﻒ اﻟﻼﺟﺌﯿﻦ )اﻟﻠﺒﻨﺎﻧﯿﯿﻦ ﺑﺎﻟﻄﺒﻊ( ،ﻓﻘﺪ ﺻﺢ وﺻﻔﮭﻢ أﻧﮭﻢ ﺻﻔﻮف ﻣﻦ اﻟﺴﯿﺎرات اﻟﺘﻲ ﺣُﺸﯿﺖ ﺑﺎﻟﻌﻠﺐ وأﻏﺮاض اﻟﻨﻮم واﻟﻤﻼﺑﺲ ،وﺑﺎﺗﺖ ﻋﻠﻰ أھﺒﺔ اﻟﻔﺮار ﻣﻦ ﺳﺎﺣﺎت اﻟﻘﺘﺎل ،ﻛﻠﻤﺎ اﻧﺪﻟﻌﺖ اﻟﻤﻌﺎرك أو ﻋﻨﻔﺖ .وﺣﯿﻦ ﻏﺎدرﻧﺎ ﻣﻨﺰﻟﻨﺎ اﻷول ،ﻋﺎم ، 1975ﺣﻤﻠﻨﺎ ﻣﻌﻨﺎ اﻟﺒﺮاد واﻟﻐﺴﺎﻟﺔ وﺑﻌﺾ ﻗﻄﻊ اﻷﺛﺎث ،ﺳﺮﯾﺮﯾﻦ وﻣﻘﺎﻋﺪ .ﻓﻜﺎن ﻟﮭﺬه اﻟﻤﻘﺘﻨﯿﺎت اﻟﺒﺎﺋﺴﺔ أن ﺗﻈﻞ ﻓﻲ دﯾﺮ ﻣﯿﻤﺎس ،ﺣﯿﺚ أودﻋﺖ ﻓﻲ ﻣﻜﺎن آﻣﻦ رﯾﺜﻤﺎ ﺗﻌﻮد اﻟﻌﺎﺋﻠﺔ أدراﺟﮭﺎ ﻣﻄﻤﺌﻨﺔ اﻟﻰ ﻣﺼﯿﺮھﺎ .ﻏﯿﺮ أن ھﺬه اﻷﺧﯿﺮة أﺻﺎﺑﮭﺎ ﻣﺎ أﺻﺎﺑﻨﺎ ،ﻓﺮأﯾﺘﮭﺎ ﺗﻠﺤﻖ ﺑﻨﺎ ﻓﻲ ﻛﻞ ﻣﻨﺎﻓﯿﻨﺎ، ﻣﻨﮭﻮﻛﺔً وﺗﺎﺋﮭﺔً ﺷﺄﻧﻨﺎ ،أﻏﺮاض ﻣﮭﺠﺮة ،وﻻﺟﺌﺔ ،وﺳﯿﺌﺔ اﻟﻤﺰاج ،ﻗﺎﺑﻌﺔ ﻋﻠﻰ ﺳﻘﻒ ﺳﯿﺎرة ،أو ﻓﻲ ﺻﻨﺪوﻗﮭﺎ، واﻟﺘﻲ راﺣﺖ ،ﺷﺄﻧﻨﺎ ،ﺗﻌﺪ ﺧﺴﺎﺋﺮھﺎ اﻟﺤﻘﯿﻘﯿﺔ، و"أﻣﻮاﺗﮭﺎ" ،ﻓﻲ اﻹﻧﻔﺠﺎرات أو اﻟﺤﺮاﺋﻖ اﻟﻤﺘﻼﺣﻘﺔ. إذاً ،ﻛﺎﻧﺖ ﻗﺮﯾﺘﻨﺎ دﯾﺮ ﻣﯿﻤﺎس أول ﻣﻠﺠﺄ ﻟﻨﺎ ﻣﻦ ﻣﻌﺎرك اﻟﺤﺮب اﻷھﻠﯿﺔ اﻷوﻟﻰ .وﻟﻢ ﻧﻜﻦ اﻟﻮﺣﯿﺪﯾﻦ ﻓﻲ ﺗﺼﺮﻓﻨﺎ ھﺬا ﺣﯿﺎل اﻟﻤﻌﺎرك .إذ ﻋﺠﺖ اﻟﻘﺮﯾﺔ ﺑﺴﻜﺎﻧﮭﺎ وأﺑﻨﺎﺋﮭﺎ ﻣﻤﻦ ﻧﺰﺣﻮا ﻋﻦ اﻟﻤﺪﯾﻨﺔ .ﺣﺘﻰ رأﯾﺖ ﻛﻞ اﻣﺮئ ﺟﺎھﺪاً ﻓﻲ اﻹﻗﺎﻣﺔ ،ﻛﯿﻔﻤﺎ اﺗﻔﻖ ،ﻓﻲ ﻛﻨﻒ ﻋﺎﺋﻠﺘﮫ اﻟﻰ ﺣﯿﻦ .وﻛﺎن ﻋﻠﻲ أن أﺳﺠﻞ ﻓﻲ ﻣﺪرﺳﺔ دﯾﺮ ﻣﯿﻤﺎس اﻻﺑﺘﺪاﺋﯿﺔ ،ﻓﻲ ﺣﯿﻦ ﻣﻀﻰ أﺧﻮاي وأﺧﺘﻲ اﻟﻰ ﺛﺎﻧﻮﯾﺔ ﻣﺮﺟﻌﯿﻮن ،اﻟﺒﻌﯿﺪة ﻋﻦ ﻗﺮﯾﺘﻨﺎ ﻛﯿﻠﻮ ﻣﺘﺮات ﻣﻌﺪودة .ﻓﻘﻀﯿﻨﺎ ﺳﻨﺔً ﻓﻲ اﻟﻘﺮﯾﺔ، ھﻲ ﻣﻦ اﻟﻌﻤﺮ ،ﺑﻌﯿﺪاً ﻋﻦ ﺿﻮﺿﺎء اﻟﺤﺮب. وﻓﻲ ﺧﻼل ھﺬه اﻹﻗﺎﻣﺔ ،ھﺰﻧﻲ ﺣﺎدث ﻓﻲ اﻟﺼﻤﯿﻢ .إذ أﻗﺪم أﺣﺪ ﺟﯿﺮاﻧﻨﺎ وﯾﺪﻋﻰ "ﺳﻤﻌﺎن" ﻋﻠﻰ ﻗﺘﻞ واﻟﺪﺗﮫ "ﻟﻮر" .وﻟﻢ ﯾﻜﻦ ﻓﻲ اﻟﻘﺘﻞ ﻣﺎ ﯾﺪل ﻋﻠﻰ اﻟﺴﯿﺎﺳﺔ .ذﻟﻚ أن 37
"ﻟﻮر" ذات اﻟﺠﻤﺎل اﻟﺮاﺋﻊ ،ذھﺒﺖ ﺿﺤﯿﺔ اﻟﺸﺎﺋﻌﺎت ﻓﻲ ﻣﺎ ﺧﺺ ﻋﻼﻗﺎﺗﮭﺎ وﺗﺼﺮﻓﺎﺗﮭﺎ .وﻟﻤﺎ ﻛﺎن اﺑﻨﮭﺎ" ﺳﻤﻌﺎن" ﺿﻨﯿﻨﺎً ﺑﺸﺮف اﻟﻌﺎﺋﻠﺔ رأى أن ﯾﻨﺘﻘﻢ ﻣﻤﻦ ﻟﻄﺨﺖ ﺳﻤﻌﺘﮭﺎ، ﻓﺄرداھﺎ ﺑﻄﻠﻖ ﻣﻦ ﺑﻨﺪﻗﯿﺘﮫ .وﻛﻨﺖُ ﻓﻲ ھﺬه اﻷﺛﻨﺎء أزور ﻣﻨﺰل اﻟﻤﻐﺪورة ،ﻻھﯿﺔً ﻣﻊ اﺑﺮاھﯿﻢ اﺑﻦ "ﻟﻮر" اﻟﻔﺘﻲ، واﻟﻤﺮﯾﺾ ﻋﻘﻠﯿﺎً ،وﻛﻨﺖُ أول ﻣﻦ وﺟﺪ ﺟﺜﺔ "ﻟﻮر" اﻟﻤﻀﺮﺟﺔ ﺑﺪﻣﺎﺋﮭﺎ .ﻓﻜﺎﻧﺖ ھﺬه اﻟﻘﺘﯿﻠﺔ أول ﻣﯿﺖ أﻧﻈﺮه ﺑﻌﯿﻨﻲ ،وﻣﻦ ھﺬا اﻟﻘﺮب. ﻏﯿﺮ أن اﻟﺤﺮب ﻟﻢ ﺗﺸﺄ أن ﺗﺠﻨﺐ ھﺬا اﻟﻤﻠﺠﺄ اﻷﻣﯿﻦ ﻣﻦ ﺷﺮورھﺎ .ﻓﺒﻌﺪ ﺳﻨﺘﯿﻦ ﻣﻦ ﻋﻮدﺗﻨﺎ اﻟﻰ ﺑﯿﺮوت ،ﻋﺎم ،1978ﻗﺮر اﻹﺳﺮاﺋﯿﻠﯿﻮن اﺟﺘﯿﺎح اﻟﺠﻨﻮب ﻟﯿﺒﻌﺪوا ﻣﻨﻈﻤﺔ اﻟﺘﺤﺮﯾﺮ اﻟﻔﻠﺴﻄﯿﻨﯿﺔ ﻋﻦ ﺣﺪودھﻢ .ﻓﻲ اﻟﺒﺪء، رﻣﺖ اﻟﻄﻮاﻓﺎت ﺑﺎﻟﻤﻨﺎﺷﯿﺮ ،داﻋﯿﺔً ﺳﻜﺎن دﯾﺮ ﻣﯿﻤﺎس اﻟﻰ اﻟﮭﺮب ﻣﻨﮭﺎ .ﻓﺮأﯾﺖ ﻏﺎﻟﺒﯿﺔ ﺳﻜﺎن اﻟﻘﺮﯾﺔ وﻗﺪ ﻟﺠﺄت اﻟﻰ اﻟﺒﺮاري .وﻣَﻦ اﺗﺠﮫ ﻣﻨﮭﻢ ﺻﻮب اﻟﻘﺮى اﻟﻤﺴﻠﻤﺔ ،ﻟﻘﻮا ﺗﺮﺣﺎﺑﺎً ﻣﻨﮭﻢ وإﻗﺎﻣﺔ ﻋﻠﻰ أﯾﺴﺮ ﻣﺎ ﯾﻜﻮن .وﻟﻢ ﯾﺒﻖ ﻓﻲ اﻟﺒﻠﺪة إﻻ ﺑﻌﺾ اﻷﺷﺨﺎص ،اﻟﻤﻌﺘﺼﻤﯿﻦ ﺑﺒﯿﻮﺗﮭﻢ ،ﻣﻦ دون أن ﯾﺘﻌﺪوا اﻟﻌﺸﺮﯾﻦ ﺷﺨﺼﺎً .وﻣﺎ أن ھﺪأ اﻟﻘﺼﻒ ﻗﻠﯿﻼً ﺣﺘﻰ رأﯾﺖ أﻋﺪاداً ﻛﺒﯿﺮة ﻣﻦ اﻟﻤﻠﺘﺠﺌﯿﻦ ﯾﻌﻮدون اﻟﻰ دﯾﺎرھﻢ. ﻏﯿﺮ أن دﯾﺮ ﻣﯿﻤﺎس ﻇﻠﺖ ﻷﻣﺪ ﺑﻌﯿﺪ ،ﻣﺤﺘﻠﺔ ﻣﻦ ﻗﺒﻞ اﻟﺠﯿﺶ اﻹﺳﺮاﺋﯿﻠﻲ. وﺑﺎﻟﻌﻮدة اﻟﻰ ﺑﯿﺮوت ،وﺗﺤﺪﯾﺪاً ﻓﻲ ﺧﺮﯾﻒ اﻟﻌﺎم ،1976 ﺑﺎﺗﺖ اﻹﺷﺘﺒﺎﻛﺎت ﺧﺒﺰﻧﺎ اﻟﯿﻮﻣﻲ .وﻣﺎ ﻛﺎﻧﺖ ﻟﺘﺘﻮﻗﻒ إﻻ ﺧﻼل آوﻧﺎت وﻗﻒ إﻃﻼق اﻟﻨﺎر اﻟﮭﺸﺔ .ﺻﺎرت اﻟﺤﺮب 38
ﻟﻨﺎ ﺷﺄﻧﺎً ﯾﻮﻣﯿﺎً .ﺗﻘﯿﺲ اﻷﯾﺎم ﺑﻤﻘﯿﺎﺳﮭﺎ وﺗﻤﺤﻮ اﻟﺴﻨﻮات اﻟﺘﻲ ﺗﺸﺎﺑﮭﺖ ﻓﻲ ذاﻛﺮﺗﻲ ﺣﺘﻰ ﻣﺎ ﻻ ﯾﻤﯿﺰھﺎ ﺑﻌﻀﮭﺎ ﻋﻦ ﺑﻌﺾ إﻃﻼﻗﺎً .ﻓﮭﻲ أي اﻟﺤﺮب ،ﺗﺨﻠﻄﮭﺎ ﺧﻠﻄﺎً ﺑﺮﻋﻮدھﺎ وﺻﺮﺧﺎﺗﮭﺎ اﻟﺘﻲ ﻻ ﺗﻨﺘﮭﻲ .وھﻲ ﺗﺤﻔﻆ ﻟﻨﺎ أﺣﯿﺎﻧﺎً ﺑﻌﺾ اﻟﻠﺤﻈﺎت ﻏﯿﺮ اﻟﻤﺘﻮﻗﻌﺔ واﻟﻌﺒﺜﯿﺔ .ﻓﻌﻠﻰ ﺳﺒﯿﻞ اﻟﻤﺜﺎل ﻛﻨﺖ ﻣﺮة ﺑﺮﻓﻘﺔ أﺧﺘﯿﻰ ﻧﻠﻘﻲ ﺑﻨﻈﺮﻧﺎ ﻓﻲ اﻣﺘﺪاد اﻟﻤﺸﮭﺪ، وﻋﺼﺮ ذﻟﻚ اﻟﯿﻮم ﺑﮭﻲ اﻟﺼﻔﺎء ،إذا ﺑﻲ أﻟﻤﺢ ﺑﻄﺎرﯾﺔ ﻣﺪﻓﻌﯿﺔ ﻗﺎﺋﻤﺔ ﻋﻠﻰ ﺑﻌﺪ ﻣﺌﺎت اﻷﻣﺘﺎر ﻣﻦ ﻣﻨﺰﻟﻨﺎ، ﻓﺄﺧﻄﺮت أﺧﺘﻲ ﺑﺬﻟﻚ وﺑﻲ ﻗﻠﻖ ﻣﻦ ذﻟﻚ اﻟﻤﻨﻈﺮ، ﻓﺄﺟﺎﺑﺘﻨﻲ ﻣﻐﺘﺎﻇﺔ ،ﺑﺄن ﻣﺎ أﻗﻮﻟﮫ ﻣﺤﺾ ادﻋﺎء .وﻟﻜﻨﻲ ﺳﺮﻋﺎن ﻣﺎ اﻧﺘﺒﮭﺖ اﻟﻰ أن ﻓﻮھﺔ اﻟﻤﻼﻟﺔ أﺧﺬت ﺗﺘﺤﺮك، وھﺎﻟﻨﻲ أن أرى ﻗﺎﺋﺪھﺎ ﯾﻮﺟﮭﮭﺎ ﺷﻄﺮ ﺑﯿﻮت اﻟﺤﻲ ﺣﯿﺚ ﻧﺤﻦ .وﻣﺎ ﻛﺪتُ أﺣﺬر أﺧﺘﻲ ﻣﻦ ھﻮل ﻣﺎ ﯾﻨﺘﻈﺮﻧﺎ ﺣﺘﻰ اھﺘﺰ اﻟﻔﻀﺎء ﺣﻮﻟﻨﺎ .ﻓﻘﺪ أﺻﺎﺑﺖ اﻟﻘﺬﯾﻔﺔ ﻣﻨﺰﻻً ﻣﺠﺎوراً ﻟﻤﻨﺰﻟﻨﺎ وﻛﺎن ﺳﻜﺎﻧﮫ ﻟﺤﺴﻦ ﺣﻈﮭﻢ ﻗﺪ ﻏﺎدروه. وﻛﻠﻤﺎ ﺗﻘﺪﻣﺖُ ﺳﻨﺔً ﺗﻜﺸﻔﺖ ﻟﻲ اﻟﻤﻌﺎرك ﻋﻦ وﺟﮫ ﻣﺨﺘﻠﻒ. وﻗﺪ ﺗﺴﻨﻰ ﻟﻲ ﺑﻔﻀﻞ اﻧﺘﺴﺎﺑﻲ اﻟﻰ إﺗﺤﺎد اﻟﺸﺒﺎب اﻟﺪﯾﻤﻮﻗﺮاﻃﻲ أن أﺷﮭﺪ ﻓﺼﻮل ھﺬه اﻟﻤﺄﺳﺎة ،اﻟﺘﻲ ﺑﺪت ﻣﺴﺘﻤﺮة اﻟﻰ ﻣﺎ ﻻ ﻧﮭﺎﯾﺔ .وإذ اﻧﺨﺮﻃﻨﺎ ﻓﻲ اﻟﺪﻓﺎع اﻟﻤﺪﻧﻲ، اﻟﺬي ﻛﺎن ﻟﻠﺼﻠﯿﺐ واﻟﮭﻼل اﻷﺣﻤﺮ اﻟﻠﺒﻨﺎﻧﯿﯿﻦ اﻟﻔﻀﻞ ﻓﻲ ﺗﻨﻈﯿﻤﮫ ،رﺣﻨﺎ ﻧﻤﺪ ﯾﺪ اﻟﻌﻮن اﻟﻰ اﻟﺠﺮﺣﻰ واﻷﺷﺪ ﻓﻘﺮاً، ﻣﻤﻦ ﻛﺎﻧﻮا ﻣﺤﺮوﻣﯿﻦ ﻣﻦ ﻛﻞ ﺷﻲء وھﻲ ﻓﻲ ﻣﺨﺎﺑﺊ ﺑﺎﺋﺴﺔ .إﻻ أﻧﻨﻲ ﻣﻀﯿﺖُ ﻓﻲ اﺗﺤﺎد اﻟﺸﺒﺎب اﻟﺪﯾﻤﻮﻗﺮاﻃﻲ أﺑﻌﺪ ﺑﻜﺜﯿﺮ ﻣﻦ ھﺬه اﻷﻋﻤﺎل اﻹﻧﺴﺎﻧﯿﺔ. وﻛﻨﺖ ﻏﺎﻟﺒﺎً ﻣﺎ أﺷﺎرك اﻟﻌﺎﻣﻠﯿﻦ ﻓﻲ اﻟﻤﺴﺘﻮﺻﻔﺎت اﻟﻘﺎﺋﻤﺔ ﻓﻲ اﻷﺣﯿﺎء .وﻛﻨﺖ أﻏﺴﻞ اﻟﺜﯿﺎب ،وأھﺘﻢ ﺑﺎﻟﺠﺮﺣﻰ ﻣﻤﻦ 39
ﺟﺮوﺣﮭﻢ ﻃﻔﯿﻔﺔ ،وﺣﺘﻰ ﻟﻮ ﻛﺎن اﻟﺸﺒﺎب اﻟﻤﻨﺘﻤﻮن اﻟﻰ اﻻﺗﺤﺎد ،ﻏﯿﺮ ﺷﯿﻮﻋﯿﯿﻦ ﺑﻜﻞ ﻣﺎ ﺗﻌﻨﯿﮫ ھﺬه اﻟﻜﻠﻤﺔ ،ﻓﻘﺪ اﻋﺘﺒﺮﻧﺎ اﻟﻤﻘﺎﺗﻠﻮن ﻣﻨﺎﺿﻠﯿﻦ. ﻓﻲ اﻟﺤﺮب اﻷھﻠﯿﺔ ،ﻻ ﯾﺴﻌﻚ أن ﺗﺒﺤﺚ ﻋﻦ اﻟﻨﺸﺎط .إﻧﻤﺎ اﻟﻨﺸﺎط ھﻮ ﻣﺎ ﯾﺴﺘﺪﻋﯿﻚ. وھﻜﺬا ﺻﺮت أﺗﺮدد ﻓﻲ اﻟﻌﺎم 1984اﻟﻰ ﻣﻮﻗﻊ ﻗﺘﺎﻟﻲ ﻗﺮﯾﺐ ﻛﺎﺋﻦ ﺑﯿﻦ ﺟﺪران أﺣﺪ اﻷﻧﺪﯾﺔ اﻟﻘﺪﯾﻤﺔ ﻓﻲ ﺑﯿﺮوت، ﻧﺎدي اﻟﺮواد .وﻛﺎن ﺗﺒﺎدل اﻟﻘﺼﻒ ﺑﯿﻦ ﺑﯿﺮوت اﻟﺸﺮﻗﯿﺔ واﻟﻐﺮﺑﯿﺔ ﯾﺒﻠﻎ ﺣﺪوداً ﻗﺼﻮى ﻣﻦ اﻟﻌﻨﻒ .وﺑﺎت اﺟﺘﯿﺎز اﻟﺨﻂ اﻟﻔﺎﺻﻞ ﺑﯿﻨﮭﻤﺎ أﻣﺮاً ﺑﺎﻟﻎ اﻟﺨﻄﻮرة .ذﻟﻚ أن اﻟﻘﻨﺎﺻﺔ اﻟﻤﺘﻤﺮﻛﺰﯾﻦ ﻋﻠﻰ اﻟﺠﺎﻧﺒﯿﻦ ﻛﺎﻧﻮا ﯾﺼﻄﺎدون اﻟﻤﺎرة ﻋﻠﻰ أھﻮن ﺳﺒﯿﻞ .وﻓﻲ ھﺬا اﻟﻮﺿﻊ وﻻ ﺳﯿﻤﺎ إذا ﻛﺎن اﻟﻨﺎس ﻣﻀﻄﺮﯾﻦ اﻟﻰ ﻧﻘﻞ "ﺻﺪﯾﻖ" أو ﻣﺮﯾﺾ ،ﻣﻊ "ﻣﻤﺮر" ﺻﺪﯾﻖ ﻋﻠﻰ اﻟﻐﺎﻟﺐ ،ﻓﯿﻌﻤﺪ اﻷﺧﯿﺮ اﻟﻰ إﻟﮭﺎء اﻟﻘﻨﺎص ﺑﺘﺤﺮﯾﻜﮫ ﺛﻮﺑﺎً أو ﻣﺎ أﺷﺒﮫ ﻃﯿﻒ اﻟﺮﺟﻞ ﻗﺒﯿﻞ ﻟﺤﻈﺔ اﻟﻤﺮور وأﺛﻨﺎءھﺎ .ﺣﺘﻰ إذا ﻧﺠﺢ اﻟﻤﻤﺮر اﻧﺪﻓﻌﺖ ﺳﯿﺎرة اﻹﺳﻌﺎف وﺟﺎزت اﻟﻤﻌﺒﺮ اﻟﺨﻄﺮ ﻓﻲ ﺣﺪود ﺛﺎﻧﯿﺔ ﻣﻦ اﻟﺰﻣﻦ .وﻛﺎن ﯾﻨﺒﻐﻲ ﻟﺮﻛﺎب اﻟﺴﯿﺎرة أن ﯾﻈﻠﻮا ﺧﺎﻓﻀﻲ اﻟﺮؤوس. واﻧﺼﺮﻓﺖ ﻓﻲ ﻧﺎدي اﻟﺮواد اﻟﻰ اﻟﻤﮭﻤﺎت اﻟﻤﻨﺰﻟﯿﺔ اﻟﻤﻌﺘﺎدة ذات ﯾﻮم ،ﺷﺮح ﻟﻲ أﺣﺪ أﻓﺮاد اﻟﻤﯿﻠﯿﺸﯿﺎت ﻛﯿﻔﯿﺔ اﺳﺘﺨﺪام اﻟﻼﺳﻠﻜﻲ اﻟﺬي ﯾﺘﯿﺢ ﻟﻨﺎ اﻻﺗﺼﺎل ﺑﻜﻞ ﻧﻘﻄﺔ ﻋﺴﻜﺮﯾﺔ راﺑﻄﺎً إﯾﺎھﺎ ﺑﺎﻷﺧﺮى .وﻛﺎن ﻛﻞ ﻣﺎ ﻓﯿﮫ ﻣﺮﻣﺰاً. وﻻ ﯾﺴﻤﺢ ﻋﻠﻰ اﻹﻃﻼق ﺑﺈﯾﻀﺎح اﻟﺮﺳﺎﺋﻞ اﻟﻤﻨﻘﻮﻟﺔ. وﺑﯿﻨﻤﺎ ﻛﻨﺎ ﻧﺘﺤﺪث ،إذا ﺑﻘﺬﯾﻔﺔ ﺗﻨﻔﺠﺮ ﻏﯿﺮ ﺑﻌﯿﺪ ﻣﻦ اﻟﻨﺎدي. 40
ﻓﻘﺘﻞ ﻋﻠﻰ اﻟﻔﻮر أﺣﺪ أﻓﺮاد اﻟﻤﯿﻠﯿﺸﯿﺎ اﻟﺘﺎﺑﻌﺔ ﻟﻠﺤﺰب اﻟﺘﻘﺪﻣﻲ اﻹﺷﺘﺮاﻛﻲ .وﻋﻠﻰ اﻟﻔﻮر ﺧﻼ اﻟﻤﺮﻛﺰ ﻣﻦ ﻣﻘﺎﺗﻠﯿﮫ .واﻟﻰ ﺟﺎﻧﺒﻲ ،أﺧﺬ اﻟﻼﺳﻠﻜﻲ اﻟﻌﺘﯿﺪ ﯾﺮن رﻧﺘﮫ اﻟﻤﻌﮭﻮدة .ﻓﺮﻓﻌﺖ اﻟﺴﻤﺎﻋﺔ ﺑﺼﻮرة آﻟﯿﺔ وأﺟﺒﺖ اﻟﺴﺎﺋﻞ. ﻓﻜﺎن اﻟﻤﺴﺆول ﻋﻦ اﻟﻘﯿﺎدة اﻟﻌﺎﻣﺔ ﻟﻠﺤﺰب وھﻮ ﯾﻘﻮم ﺑﺠﻮﻟﺔ ﺗﻔﻘﺪﯾﺔ ﻟﻠﻤﺮاﻛﺰ اﻟﺘﺎﺑﻌﺔ ﻟﮫ .وﻟﻤﺎ ﻛﻨﺖ ﻗﺪ ﻧﺴﯿﺖ ﺗﻌﻠﯿﻤﺎت اﻷﻣﺎن رﺣﺖُ أﺟﯿﺐُ ﺑﺤﺪة ﻇﺎھﺮة ،وأﻓﺼﻞ ﻓﻲ ﻣﺠﺮﯾﺎت اﻟﺤﺎدﺛﺔ ودﻗﺎﺋﻘﮭﺎ ﻣﺎ ﺟﻌﻞ ﻣﺤﺪﺛﻲ ﯾﻀﯿﻖ ﻏﯿﻈﺎً ﻣﻨﻲ ﺣﺎﻧﻘﺎً ﻣﻦ ﻋﺪم ﺗﺒﺼﺮي .وﻓﻲ ھﺬه اﻷﺛﻨﺎء دﺧﻞ اﻟﻤﺴﺆول ﻋﻨﻲ وأوﻗﻒ ﻟﻠﺘﻮ ھﺬه اﻟﻜﺎرﺛﺔ .ﻣﻊ ذﻟﻚ ،ﻋﻮﻗﺐ ﻟﺨﻔﺘﮫ وإھﻤﺎﻟﮫ ﻣﺴﺆوﻟﯿﺘﮫ. وﻓﻲ ﻣﺎ ﺑﻌﺪ ،اﻧﺪﻟﻊ ﺻﺮاع آﺧﺮ ﺑﯿﻦ ﻓﺼﯿﻠﯿﻦ ﻟﺒﻨﺎﻧﯿﯿﻦ ﺟﻌﻠﻨﻲ اﻧﻐﻤﺲ ﻣﻦ ﺟﺪﯾﺪ ،ﻓﻲ ﻟﺠﺔ ھﺬا اﻟﻤﻌﺘﺮك ،اﻟﺨﻠﻲ ﻣﻦ اﻷﻣﺠﺎد .وﻛﺎن اﻟﺼﺮاع ،إذ ذاك داﺋﺮاً ﺑﯿﻦ اﻟﺤﺰب اﻟﺸﯿﻮﻋﻲ وﺣﺮﻛﺔ أﻣﻞ اﻟﺸﯿﻌﯿﺔ .وﻣﻦ ﺟﺪﯾﺪ رأﯾﺘﻨﻲ ﻣﻠﺘﺰﻣﺔ ﺗﺄﻣﯿﻦ دوام ﻓﻲ ﻣﺮﻛﺰ ﻟﻺﺳﻌﺎف ﻓﻔﻲ أﻏﻠﺐ اﻟﻤﻌﺎرك اﻟﺸﺮﺳﺔ ،ﻛﺎن اﻟﻌﺪﯾﺪ ﻣﻦ ﺷﺒﺎن اﻻﺗﺤﺎد ﯾُﻔﺮزون اﻟﻰ ھﺬا اﻟﻤﺮﻛﺰ وﻟﻜﻦ ﺑﺮﻓﻘﺔ زﻣﯿﻠﯿﻦ ﻟﮭﻢ ﻣﻦ ﺟﻤﻌﯿﺎت أﺧﺮى ،أﻣﺎ ﻧﺤﻦ ﻓﺒﻘﯿﻨﺎ ﻃﻮال ھﺬه اﻻﺷﺘﺒﺎﻛﺎت ،ﻧُﻌﻨﻰ ﺑﺎﻟﺠﺮﺣﻰ ﻣﻦ ذوي اﻹﺻﺎﺑﺎت اﻟﻄﻔﯿﻔﺔ ،وﻧﻀﻤﺪ ﺟﺮاﺣﮭﻢ ﻓﻲ ﻣﻮاﻗﻌﮭﻢ .وﻇﻠﻠﻨﺎ ﻋﻠﻰ ھﺬا اﻟﻨﺤﻮ ﺛﻼﺛﺔ أﯾﺎم ﺑﻠﯿﺎﻟﯿﮭﺎ وﻛﺎن ﻓﻲ ﻋﮭﺪﺗﻨﺎ ﺧﻤﺴﺔ ﻋﺸﺮ ﻣﻘﺎﺗﻼً ،ذﻟﻚ أن ﻣﯿﻠﺸﯿﺎت ﺣﺮﻛﺔ أﻣﻞ ﻇﻠﺖ ﺗﻔﺘﺶ اﻟﻤﺴﺘﻮﺻﻔﺎت وﻣﺮاﻛﺰ اﻹﺳﻌﺎف ﺗﻔﺘﯿﺸﺎً دﻗﯿﻘﺎً ﺑﺤﺜﺎً ﻋﻦ "اﻷﻋﺪاء" .ﻓﺈذا ﻣﺎ وﺟﺪت أﺣﺪھﻢ اﻟﻰ ﺗﺼﻔﯿﺘﮫ ﻟﻠﺤﺎل.
41
ﻓﻲ اﻟﻤﺮﻛﺰ اﻟﺬي ﺗﻮﻟﯿﻨﺎ أﻣﺮه ،ﻛﻨﺖ ﻣﺴﺆوﻟﺔ ﻋﻦ اﻷدوﯾﺔ اﻟﻮاردة اﻟﯿﮫ ،ﻋﻠﻰ ﺳﺒﯿﻞ اﻟﻤﺜﺎل ،ﻛﺎن ﯾﻨﺒﻐﻲ ﻟﻲ أن أﺗﺄﻛﺪ ﻣﻦ ﺻﻼﺣﯿﺔ ﻛﻞ دواء ،وأﻋﻨﻰ ﺑﺎﻟﻤﻄﺒﺦ واﻟﻐﺴﯿﻞ ،ﻋﻠﻰ ﻗﺪم اﻟﻤﺴﺎواة ﻣﻊ رﻓﯿﻘﻲ .وﻛﺎن اﻟﺘﻮﺗﺮ ﯾﺒﻘﯿﻨﺎ ﻣﺘﯿﻘﻈﯿﻦ دوﻣﺎً .ﺣﺘﻰ إذا اﻧﻘﻀﺖ اﺛﻨﺘﺎن وﺳﺒﻌﻮن ﺳﺎﻋﺔ ﻋﻠﻰ اﻟﺠﮭﻮد ،اﻟﻤﻮاﻛﺒﺔ ﻟﻠﻘﺘﺎل ،ﺻﺪرت اﻷواﻣﺮ إﻟﯿﻨﺎ ﺑﻀﺮورة إﺧﻼء اﻟﻤﻮاﻗﻊ ،ﻣﺎ دام اﻟﻮﺿﻊ ﻓﻲ ﻏﯿﺮ ﺻﺎﻟﺢ اﻟﺤﺰب ﻣﯿﺪاﻧﯿﺎً .ﻟﻠﺤﺎل رﺣﻨﺎ ﻧﻤﺤﻮ ﻛﻞ أﺛﺮ ﻣﻦ اﻟﻨﺸﺎط داﺧﻞ اﻟﻤﺮﻛﺰ ،وﻗﻔﻠﻨﺎ ﻋﺎﺋﺪﯾﻦ اﻟﻰ ﻣﻨﺎزﻟﻨﺎ .وﻛﺎن ﺧﯿﺮ ﻣﺎ اﺳﺘﻘﺒﻠﺘﻨﻲ ﺑﮫ أﻣﻲ ،وﻟﻠﻤﺮة اﻷوﻟﻰ ،أﻧﮭﺎ ﺑﺪت ﻣﺘﻔﮭﻤﺔً ﻟﻤﺎ أﻧﺎ ﻓﯿﮫ ،ﻏﯿﺮ ﻣﺘﺸﺪدة أو ﻋﻨﯿﻔﺔ ﺣﯿﺎل ﻣﺎ ﯾﺸﻮه ﺣﯿﺎﺗﻲ اﻟﻌﺎدﯾﺔ. ﻓﮭﻲ ﻟﻢ ﺗﻜﻦ ﻋﻠﻰ ﻋﻠﻢ ﺑﺎﻟﻤﺨﺎﻃﺮ واﻷھﻮال اﻟﺘﻲ اﻋﺘﺮﺿﺖ ﺳﺒﯿﻠﻲ .وﻓﻲ أﺛﻨﺎء ﺧﺪﻣﺘﻲ ھﺬه ،ﻛﻨﺖ اﺳﺘﺪﻋﯿﺖ ﻋﻠﻰ ﻋﺠﻞ ﻷراﻓﻖ ﻣﺴﺆوﻻً ﻓﻲ اﻟﺤﺰب اﻟﺘﻘﺪﻣﻲ اﻹﺷﺘﺮاﻛﻲ ،ﻣﺼﺎﺑﺎً إﺻﺎﺑﺔ ﺑﺎﻟﻐﺔ ،اﻟﻰ ﻣﺴﺘﺸﻔﻰ اﻟﺠﺎﻣﻌﺔ اﻷﻣﯿﺮﻛﯿﺔ .ﻓﻲ اﻟﺒﺪء ﺗﻠﻘﻰ اﻟﻤﺼﺎب ﻋﻼﺟﺎً أوﻟﯿﺎً ﻓﻲ ﻣﺴﺘﻮﺻﻒ ﻗﺮﯾﺐ ،ﻛﺎن ﯾﺪﻋﻰ اﻟﺘﺮك ،وﻟﻤﺎ ﺳﺎءت ﺣﺎﻟﺘﮫ ﺗﻄﻠﺐ ﻧﻘﻠﮫ اﻟﻰ ﻣﺮﻛﺰ أﻛﺜﺮ ﺗﺠﮭﯿﺰاً .وﻟﻤﺎ ﻛﺎن اﻹﺷﺘﺮاﻛﯿﻮن ﺑﺄﻣﺲ اﻟﺤﺎﺟﺔ اﻟﻰ دﻟﯿﻞ ،ﯾﺮﺷﺪھﻢ اﻟﻰ اﻟﻄﺮق اﻷﻛﺜﺮ أﻣﺎﻧﺎً وﺑﻌﺪاً ﻋﻦ ﻧﺎر اﻟﻘﻨﺎﺻﺔ ﻟﯿﺒﻠﻐﻮا اﻟﺠﺎﻣﻌﺔ اﻷﻣﯿﺮﻛﯿﺔ ﻗﺮ اﻟﺮأي أن ﻧﺮاﻓﻘﮭﻢ .ﻓﻤﻀﯿﻨﺎ ﺑﺴﯿﺎرة اﻹﺳﻌﺎف اﻟﺘﺎﺑﻌﺔ ﻟﻺﺗﺤﺎد ﺗﻮاﻛﺒﮭﺎ ﺑﻌﺾ اﻵﻟﯿﺎت اﻟﺘﻲ أﻋﺘﻼھﺎ ﺣﺮاس اﻟﻘﺎﺋﺪ اﻹﺷﺘﺮاﻛﻲ اﻟﻤﺼﺎب وﻛﺎﻧﻮا ﻛﺜﯿﺮﯾﻦ .وﻛﻤﺎ ﺑﺎت ﻣﺄﻟﻮﻓﺎً ﻓﻲ ﻇﺮوف ﻣﻤﺎﺛﻠﺔ ،ﺗﻜﻮن ﺧﻼﻟﮭﺎ ﺷﺨﺼﯿﺔ ﺳﯿﺎﺳﯿﺔ ﺑﺎرزة ﻓﻲ إﺣﺪى زﯾﺎراﺗﮭﺎ أو ﺗﻨﻘﻼﺗﮭﺎ اﻟﻌﺎدﯾﺔ ،أُﻃﻠﻘﺖ ﺻﻔﺎرات ﺳﯿﺎرﺗﻨﺎ وأﺧﺬ 42
اﻟﻤﺮاﻓﻘﻮن ﯾﻄﻠﻘﻮن اﻟﺮﺻﺎص ﻣﻦ أﺳﻠﺤﺔ اﻟﻜﻼﺷﯿﻨﻜﻮف، وﯾﺘﺒﻌﻮﻧﮭﺎ ﺑﺰﻣﺎﻣﯿﺮ ﺳﯿﺎراﺗﮭﻢ اﻟﻤﺪوﯾﺔ .وﻧﺤﻦ ﻋﻠﻰ ھﺬه اﻟﺼﻮرة ،أﻣﻜﻦ ﻟﻨﺎ أن ﻧﺠﺘﺎز أﻛﺜﺮ ﻧﻘﺎط اﻟﻤﺮور ﺣﺴﺎﺳﯿﺔ، ﻣﻦ دون أن ﯾﺼﺎب أﺣﺪﻧﺎ ﺑﺄذى .و ﻛﻨﺎ ﺛﻼﺛﺔ ﺣﻮل اﻟﺠﺮﯾﺢ :أﻧﺎ اﻟﺠﺎﻟﺴﺔ اﻟﻰ اﻟﺨﻠﻒ واﻟﻤﮭﺘﻤﺔ ﺑﺘﺜﺒﯿﺘﮫ ﻋﻠﻰ ﻣﺤﻤﻠﮫ داﺧﻞ ﺳﯿﺎرة ﻣﺴﺮﻋﺔٍ ﻋﻠﻰ أﺗﻢ ﻣﺎ ﯾﻜﻮن اﻟﻄﯿﺶ، واﻟﺴﺎﺋﻖ واﻟﻤﺴﻌﻒ .وﻟﺌﻦ ﻛﺎن رﺑﺎﻧﻨﺎ ﯾﺤﻔﻆ اﻟﻄﺮﻗﺎت ﻋﻦ ﻇﮭﺮ ﻗﻠﺐ ﻓﺈن اﻟﺘﻮﺗﺮ اﻟﺸﺪﯾﺪ ﺟﻌﻞ ﻧﻘﺎط اﻹرﺗﻜﺎز ﻟﺪﯾﮫ ﺗﺨﺘﻠﻂ ﻓﻲ ذھﻨﮫ .وﻛﺎن ﯾﻨﺒﻐﻲ ﻟﻨﺎ أن ﻧﻤﺮ ﻟﻠﺤﻈﺔٍ واﺣﺪة ﺑﺸﺎرع ﯾﻘﻊ ﻋﻠﻰ ﻣﺮﻣﻰ ﻗﻮات ﻣﯿﻠﯿﺸﺎ أﻣﻞ ﺛﻢ ﻧﻨﻌﻄﻒ ﺑﻄﺮﻓﺔ ﻋﯿﻦ اﻟﻰ اﻟﯿﺴﺎر ﻗﺒﻞ أن ﯾﺴﺘﺪرﻛﻮا أﻣﺮھﻢ وﯾﺮدوا. وﻣﺎ أن ﺑﻠﻐﺖ ﺳﯿﺎرة اﻹﺳﻌﺎف ھﺬا اﻟﺘﻔﺮع اﻧﻌﻄﻔﺖ اﻟﻰ اﻟﯿﻤﯿﻦ ﺑﺪﻻً ﻣﻦ أن ﺗﻤﯿﻞ ﻓﻲ اﺳﺘﺪارة واﺣﺪة اﻟﻰ اﻟﯿﺴﺎر . وﻟﻢ ﻧﺠﺪ أﻧﻔﺴﻨﺎ إﻻ ﻓﻲ ﻣﻮاﺟﮭﺔ ﻣﯿﻠﯿﺸﯿﺎت أﻣﻞ اﻟﺘﻲ ﺳﺎرع أﻓﺮادھﺎ اﻟﻰ ﺗﻠﻘﯿﻢ أﺳﻠﺤﺘﮭﻢ وﺗﻮﺟﯿﮫ ﻗﺎذﻓﺎﺗﮭﻢ ﻧﺤﻮ ﺳﯿﺎرﺗﻨﺎ. وﻟﻠﻔﻮر ﺻﺤﻨﺎ ﺑﺎﻟﺴﺎﺋﻖ ﺑﺄن ﯾﻤﯿﻞ ﺑﻨﺎ اﻟﻰ اﻟﯿﺴﺎر ،ﻓﻔﻌﻞ وﺑﺎﻧﺤﺮاﻓﺔ ﻣﺮﯾﻌﺔ دﻓﻊ ﺑﻨﺎ اﻟﺮﺑﺎن اﻟﻰ ﺷﺎرع ﻣﻮاز ،ﻧﺠﺎﻧﺎ ﺑﮭﺎ ،ﻓﺄﺻﺎﺑﺖ اﻟﺮﺻﺎﺻﺎت واﻟﻘﺬاﺋﻒ ﺟﺪران اﻟﺸﺎرع ﺣﯿﺚ ﻛﺪﻧﺎ ﻧﺼﺮع. وﻟﻜﻦ ﻣﺎ ﺗﺮاه اﻟﺤﻆ ﻓﺎﻋﻼً ﺣﯿﻦ ﺗﺸﺘﺪ اﻟﺤﺮب ﻟﺘﺒﻠﻎ ذروة ﺟﻨﻮﻧﮭﺎ؟ اﺑﻦ ﻋﻤﻲ ﻣﺮوان ﻟﻘﻲ ﻣﺼﺮﻋﮫ ﻓﻲ اﻟﻌﺎم ،1981وذﻟﻚ ﺧﻼل ﻋﻤﻠﯿﺔ ﺗﻔﺠﯿﺮ أﺻﺎﺑﺖ ﻣﺤﯿﻂ اﻟﺠﺎﻣﻌﺔ اﻟﻌﺮﺑﯿﺔ .وﻟﺴﻮء ﺣﻈﻨﺎ وﺣﻆ اﻟﻤﻐﺪور ﻛﺎن ذﻟﻚ اﻟﺘﻔﺠﯿﺮ اﻟﺬي اﺳﺘﺨﺪﻣﺖ ﻓﯿﮫ ﺳﯿﺎرة ﻣﻔﺨﺨﺔ ،أﺷﺪ ﻋﻤﻠﯿﺎت اﻟﺘﻔﺠﯿﺮ ھﻮﻻً وأﺑﺸﻌﮭﺎ ﻓﺘﻜﺎً ﺑﺄھﻞ اﻟﻌﺎﺻﻤﺔ وأرزاﻗﮭﻢ .ﻛﺎن ﻣﺮوان اﺑﻦ ﻋﻤﻲ داود ،ﻗﺪ ﺻﻮدف وﺟﻮده ﻓﻲ ﻟﺒﻨﺎن ،ﻟﺰﯾﺎرة ﻛﺎن ﯾﻘﻮم ﺑﮭﺎ ﻷھﻠﮫ ﺑﻌﺪ ﻓﺘﺮة دراﺳﯿﺔ ﻓﻲ أﻟﻤﺎﻧﯿﺎ اﻟﺸﺮﻗﯿﺔ وﻣﺎ 43
أﻓﻈﻌﮭﺎ ﻣﺄﺳﺎةً أن ﯾُﻘﺘﻞ ﯾﻮم ﻣﯿﻼده .وﻛﺎن ﯾﻔﺘﺮض ﺑﮫ أن ﯾﻼﻗﻲ أﺻﺪﻗﺎءه وأﺑﻨﺎء ﻋﻤﻮﻣﺘﮫ ﻟﻼﺣﺘﻔﺎل ﺑﻌﯿﺪ ﻣﯿﻼده ﻓﻲ أﺣﺪ ﻣﻄﺎﻋﻢ اﻟﻌﺎﺻﻤﺔ .ﻛﺎن ﻻ ﯾﺰال واﻗﻔﺎً ﺣﯿﻦ اﻧﻔﺠﺮت اﻟﻌﺒﻮة اﻟﻨﺎﺳﻔﺔ ﻓﺤﺼﺪﺗﮫ وﻣﻦ ﺣﻮﻟﮫ .وﻣﻊ أن اﺑﻦ ﻋﻤﻲ ﻛﺎن ﯾﻘﻒ ﺑﻌﯿﺪاً ﻣﻦ اﻟﺴﯿﺎرة اﻟﻤﻔﺨﺨﺔ ،إﻻ أن اﻻﻧﻔﺠﺎر ﻛﺎن ﻣﻦ اﻟﻘﻮة ﺣﯿﺚ دﻓﻌﮫ ﺑﻌﯿﺪاً ،وأﺳﻘﻄﮫ أرﺿﺎً ﺟﺜﺔ ﺑﻼ رأس. وﻋﻠﻰ اﻟﻔﻮر ﺗﻌﺎﻟﺖ اﻷﻧﺒﺎء اﻟﻌﺎﺟﻠﺔ ﻣﻦ اﻹذاﻋﺎت .وﻻ ﯾﺰال ﻓﻲ ﺧﺎﻃﺮي ذﻛﺮ ﻛﻞ ﺑﯿﺎن ﯾُﻘﺮأ ﻋﻠﻰ ﻋﺠﻞ ،وﺟﻮ اﻟﻮﺟﻮم ﯾﻌﺘﺮي وﺟﮫ ﻛﻞ ﻓﺮد ﯾﺴﻤﻌﮭﺎ .وﻛﻠﻤﺎ ﺣﺼﻞ اﻧﻔﺠﺎر ﻓﻲ ﺑﯿﺮوت ،ﺧﻠﺖ ،وﻛﻞ ﻓﺮد ﻓﯿﮭﺎ ﯾﺴﺎﺋﻞ ﻧﻔﺴﮫ ﺑﺤﺮﻗﺔ وﻏﺼﺔ ﻋﻤﺎ إذا ﻛﺎن أﺣﺪ أﻗﺮﺑﺎﺋﮫ ﻣﺮّ ﻓﻲ ذﻟﻚ اﻟﺤﻲ اﻟﻤﺴﺘﮭﺪف أو ﺗﻮﻗﻒ ﻓﯿﮫ .ﻓﺈذا ﻣﺎ ﺛﺒﺖ ﻟﮫ ذﻟﻚ ،ﻟﺰﻣﮫ أن ﯾﻤﻀﻲ ﻓﻲ ﺟﻮﻟﺔ اﺳﺘﻜﺸﺎف ﻣﻀﻨﯿﺔ وﯾﺎﺋﺴﺔ ﯾﺘﺤﺮى اﻟﻤﺸﺎرح ﻛﺎﺷﻔﺎً ﻋﻦ ﻛﻞ ﺟﺜﺔ ﻋﺴﺎه ﯾﺘﻌﺮف ﻓﻲ إﺣﺪاھﺎ اﻟﻰ وﺟﮫ ﻋﺰﯾﺰه ،أو اﻟﻰ ﺟﺜﻤﺎﻧﮫ. وﻏﺎﻟﺒﺎً ﻣﺎ ﻛﺎﻧﺖ ﺣﻠﻘﺔ اﻟﻌﻨﻒ اﻟﺠﮭﻨﻤﯿﺔ اﻟﻤﺘﻤﺜﻠﺔ ﺑﻌﻤﻠﯿﺎت اﻟﺘﻔﺠﯿﺮ اﻟﻤﺘﻨﻘﻠﺔ ،وﺷﺪﺗﮭﺎ اﻟﻤﻨﻘﻄﻌﺔ اﻟﻨﻈﯿﺮ ،ﻏﺎﻟﺒﺎً ﻣﺎ ﻛﺎﻧﺘﺎ ﺗﺤﻮﻻن دون اﻟﺘﻌﺮف اﻟﻰ ﺟﺜﺚ اﻟﻘﺘﻠﻰ اﻟﻤﺸﻮھﺔ ﺗﺸﻮﯾﮭﺎً ﻻ ﯾﻄﺎق .وﻋﻠﯿﮫ ،ﻓﻘﺪ ﻛﺎن ذوو اﻟﻘﺘﯿﻞ وأﺻﺪﻗﺎؤه ﺑﻤﺤﺾ ﻗﺮاﺋﻦ ﺻﺎدﻗﺔ داﻟﺔ ﻋﻠﯿﮫ ،ﻟﯿﻜﻮﻧﻮا ﻋﻠﻰ ﺑﯿﻨﺔ ﻣﻦ اﻟﻤﺼﯿﺮ اﻟﻌﺼﻲ ﻋﻠﻰ اﻟﺘﺼﻮر اﻟﺬي آل إﻟﯿﮫ اﺑﻨﮭﻢ أو ﻋﺰﯾﺰھﻢ.
44
ذﻟﻚ اﻟﯿﻮم ،ﻛﺎن إﯾﺬاﻧﺎً ﻟﻌﺎﺋﻠﺘﻨﺎ ﺑﺄن اﻷﻣﻞ ﻃﻮى ﻟﻮاءه وﻏﺎر ﻓﻲ ﻟﺠﺔ ﻓﺸﻠﮫ ،ﺑﺎﻛﺘﺸﺎف ﺟﺜﺔ ﻣﺮوان واﻧﺴﺪال ﺳﺘﺎر ﻣﻦ اﻟﺤﺪاد ﺛﻘﯿﻞ ﻋﻠﻰ ﺣﯿﺎة ﻛﻞ ﻣﻦ أﻓﺮادھﺎ.
45
اﻟﺤﺮب ﻣﺤﺾ ﺟﻨﻮن ﻓﻲ ﻟﺒﻨﺎن ،ﻛﻤﺎ ﻓﻲ ﺳﺎﺋﺮ اﻟﺒﻠﺪان ،ﺗﺘﺨﺬ اﻟﺤﺮب ﻋﻠﻠﮭﺎ وأﺳﺎﻟﯿﺒﮭﺎ اﻟﻤﺘﻮﯾﺔ ،وﻛﺎﻧﺖ ﺗﺤﻤﻞ أﺳﻤﺎء ﻋﺪﯾﺪة ﺗﻨﻜﺸﻒ ﻟﻲ ﺗﺪرﯾﺠﯿﺎً :اﻹﺳﺮاﺋﯿﻠﯿﻮن واﻟﻔﻠﺴﻄﯿﻨﯿﻮن ﺣﯿﻨﺎً ،وأﺣﯿﺎﻧﺎً اﻟﺼﺮاع ﺑﯿﻦ اﻟﯿﻤﯿﻦ واﻟﯿﺴﺎر اﻟﻠﺒﻨﺎﻧﯿﯿﻦ ،وﻓﯿﻤﺎ ﻛﻨﺖ أدرك ھﺬه اﻷﺳﻤﺎء ﻣﺠﺮدة ،أﺧﺬت اﻷﯾﺎم ﺗﺮﺳﻢ ﻟﻲ أوﺟﮫ اﻟﺤﺮب ھﺬه ﺑﺸﺮاً ﻣﻦ ﻟﺤﻢ ودم ،وﻛﺄﻧﻤﺎ ﻛﻨﺖ إزاء أﻣﻜﻨﺔ ﻣﺨﺘﻠﻔﺔ ﻟﻤﺠﺎزر ﻣﺸﺘﺮﻛﺔ .وﻓﻲ ھﺬا اﻟﺴﯿﺎق ،ﻛﺎن ﺛﻤﺔ ﺑﻮﺳﻄﺔ ﻋﯿﻦ اﻟﺮﻣﺎﻧﺔ وﻣﻘﺘﻞ رﻛﺎﺑﮭﺎ ،وھﻢ ﻓﻲ ﻣﻌﻈﻤﮭﻢ ﻓﻠﺴﻄﯿﻨﯿﻮن .وﺛﻤﺔ ﻓﻲ ھﺬا اﻟﺼﻌﯿﺪ ﻛﺬﻟﻚ ،اﻟﻤﺠﺰرة اﻟﺘﻲ ارﺗﻜﺒﺖ ﻓﻲ ﻣﺴﺒﺢ اﻟﺼﻔﺮا ﻣﺎرﯾﻨﺎ ،وھﻮ ﻣﺘﺠﻊ ﺳﯿﺎﺣﻲ ﺗﺤﻮل اﻟﻰ ﻣﺮﻛﺰ ﻗﯿﺎدة اﻻﺣﺮار ،وﻛﺬﻟﻚ اﻷﻣﺮ اﻟﺘﻄﮭﯿﺮ اﻟﺬي ﻟﺤﻖ ﺑﻤﺨﯿﻢ ﺗﻞ اﻟﺰﻋﺘﺮ اﻟﻘﺎﺋﻢ ﻓﻲ ﺑﯿﺮوت اﻟﺸﺮﻗﯿﺔ اﻟﺘﻲ أﻓﺮﻏﺖ ﺑﺪورھﺎ ﻣﻦ ﺳﻜﺎﻧﮭﺎ اﻟﻔﻠﺴﻄﯿﻨﯿﯿﻦ ،أو اﻟﺸﯿﻌﯿﺔ أو اﻟﻤﺴﯿﺤﯿﯿﻦ اﻟﻤﻨﺘﻤﯿﻦ اﻟﻰ أﺣﺰاب اﻟﯿﺴﺎر .وﺗﻤﺜﻞ ﻛﺬﻟﻚ ﻓﻲ ﻗﺎﺋﻤﺔ ھﺬه اﻟﺤﺮوب ،ﻣﺤﺎوﻟﺔ اﻻﻏﺘﯿﺎل اﻟﺘﻲ ارﺗﻜﺒﺖ ﻓﻲ ﺣﻖ ﻋﺎﺋﻠﺔ رﺋﯿﺲ اﻟﺠﻤﮭﻮرﯾﺔ اﻟﻠﺒﻨﺎﻧﯿﺔ ﺳﻠﯿﻤﺎن ﻓﺮﻧﺠﯿﺔ. ﺗﻀﺎف إﻟﯿﮭﺎ ﻋﻤﻠﯿﺎت اﻟﺨﻄﻒ ﻣﻦ ﻗﺒﻞ ﻛﻞ اﻷﻃﺮاف واﻟﺤﻮاﺟﺰ اﻟﺘﻲ ارﺗﻔﻌﺖ أﻧﻰ ﻛﺎن ﻓﺠﺴﺪت اﻧﻘﺴﺎم اﻟﻤﺪﯾﻨﺔ اﻟﻰ ﺷﻄﺮﯾﻦ ﻣﺘﻘﺎﺗﻠﯿﻦ ،ﻛﻞ ھﺬا وﻋﯿﻮﻧﻨﺎ اﻟﻤﺼﺎﺑﺔ ذھﻮﻻً ﻻ ﺗﻘﻮى ﻋﻠﻰ ﺷﻲء. ﻟﻢ ﺗﻌﺪ ﺑﯿﺮوت ﻗﺎﺋﻤﺔ .إذ ﺑﺎت اﺳﻤﮭﺎ ﻛﻠﻤﺎ رددﺗﮫ اﻹذاﻋﺎت أو ورد ﻓﻲ ﻣﻨﺎﻗﺸﺎﺗﻨﺎ وأﺣﺎدﯾﺜﻨﺎ أﺗﻰ ﻣﺼﺤﻮﺑﺎً ﺑﻨﺴﺒﯿﻦ، ﺷﺮﻗﯿﺔ أو ﻏﺮﺑﯿﺔ.
46
وﻟﺌﻦ ﻛﺎن اﻟﺘﺎرﯾﺦ ﯾﺴﺘﻨﺰﻓﻨﺎ ﻣﻨﺬ ﺛﻼﺛﯿﻦ ﻋﺎﻣﺎً ،ﻓﺈﻧﮫ اﻵن ﯾﺴﺤﻘﻨﺎ .ﻋﻮدٌ ﺑﻲ اﻟﻰ ﺑﺪء اﻷﺣﺪاث .ﻓﺒﻌﺪ أن ﻛﺎﻧﺖ اﻟﺤﺪود ﺑﯿﻦ إﺳﺮاﺋﯿﻞ وﻟﺒﻨﺎن ﺗﻨﻌﻢ ﺑﺎﻟﮭﺪوء اﻟﻨﺴﺒﻲ ﻋﻠﻰ اﻣﺘﺪاد ﻋﻘﺪﯾﻦ ﺗﻘﺮﯾﺒﺎً ،ﻣﻦ اﻟﻌﺎم 1949وﺣﺘﻰ اﻟﻌﺎم ،1967ﻓﻘﺪ أﺧﺬت ﺑﺎﻟﺘﺒﺪل ﻣﻨﺬ ذﻟﻚ اﻟﺤﯿﻦ .ذﻟﻚ أن ﻣﻨﻈﻤﺔ اﻟﺘﺤﺮﯾﺮ اﻟﻔﻠﺴﻄﯿﻨﯿﺔ ﺟﻌﻠﺖ ﺗﻜﺜﻒ ﻣﻦ ﻋﻤﻠﯿﺎﺗﮭﺎ اﻟﻌﺴﻜﺮﯾﺔ اﻧﻄﻼﻗﺎً ﻣﻦ ﻟﺒﻨﺎن ،اﻟﺬي ﺑﺎت ﻋﺮﺿﺔ ﻟﻐﺎرات إﺳﺮاﺋﯿﻞ اﻹﻧﺘﻘﺎﻣﯿﺔ. وﺗﻮاﻟﺖ اﻟﻐﺎرات وﻋﻤﻠﯿﺎت اﻟﻘﺼﻒ وازدادت وﺗﯿﺮﺗﮭﺎ ﻋﻠﻰ ﻧﺤﻮ ﻣﺎ اﻧﻜﺸﻒ ﻟﻲ وأﻧﺎ ﺑﻌﺪ ﻓﺘﺎة ﺻﻐﯿﺮة ،ﻓﻲ دﯾﺮ ﻣﯿﻤﺎس .وﻛﺎن ﻟﮭﺬا اﻟﺘﺤﻮل اﻟﺠﺪﯾﺪ أن ﯾﺪﻓﻊ ﺑﺎﻟﻌﻼﻗﺎت ﺑﯿﻦ اﻟﺴﻠﻄﺎت اﻟﻠﺒﻨﺎﻧﯿﺔ وﻗﯿﺎدة ﻣﻨﻈﻤﺔ اﻟﺘﺤﺮﯾﺮ اﻟﻰ ﺣﺎﻓﺔ اﻟﺘﺪھﻮر واﻻﺷﺘﺒﺎك .وﻟﮭﺬه اﻟﻐﺎﯾﺔ وﺗﺠﻨﺒﺎً ﻟﻠﺼﺮاع ،ﻋﻘﺪ اﺗﻔﺎق اﻟﻘﺎھﺮة ﻓﻲ اﻟﻌﺎم 1969ﺑﯿﻦ اﻟﻄﺮﻓﯿﻦ :وﻣﻊ أن ھﺬا اﻹﺗﻔﺎق ﺿﯿﻖ ﻣﻦ ھﺎﻣﺶ اﻟﺘﺤﺮك أﻣﺎم اﻟﻔﻠﺴﻄﯿﻨﯿﯿﻦ إﻻ أﻧﮫ اﻋﺘﺮف ﻟﮭﻢ ﺑﺤﻖ اﻟﻤﻘﺎوﻣﺔ ﺣﺘﻰ اﻧﻄﻼﻗﺎً ﻣﻦ اﻷراﺿﻲ اﻟﻠﺒﻨﺎﻧﯿﺔ ،وﻟﻢ ﯾﻜﻦ ھﺬا اﻷﻣﺮ ﻛﻔﯿﻼً ﺑﺈزاﻟﺔ اﻟﺘﻮﺗﺮ ﻋﻠﻰ اﻟﺤﺪود ﻣﻊ إﺳﺮاﺋﯿﻞ ،إﻧﻤﺎ ﺻﺎرت اﻟﺤﺪود ﻋﻠﻰ اﻟﻌﻜﺲ ﻣﻦ ذﻟﻚ "ﺣﺎرة" وﻷﻣﺪ ﻃﻮﯾﻞ .أﺿﻒ اﻟﻰ ذﻟﻚ أن اﻟﺼﺮاع ﻧﻔﺴﮫ ﺑﯿﻦ ﻣﻨﻈﻤﺔ اﻟﺘﺤﺮﯾﺮ اﻟﻔﻠﺴﻄﯿﻨﯿﺔ واﻟﺴﻠﻄﺎت اﻷردﻧﯿﺔ ﺑﻠﻎ ذروﺗﮫ ﻓﻲ ﺣﺮب ﺿﺎرﯾﺔ ﺳﺤﻖ ﺧﻼﻟﮭﺎ اﻟﺠﯿﺶ اﻷردﻧﻲ ﻗﻮات اﻟﻤﻨﻈﻤﺔ إﺑﺎن ﻣﺎ ﺳُﻤﻲ ﺑﺄﯾﻠﻮل اﻷﺳﻮد ،ﻓﺎﺿﻄﺮت ھﺬه اﻷﺧﯿﺮة اﻟﻰ إﺧﻼء أدواﺗﮭﺎ اﻟﻘﺘﺎﻟﯿﺔ اﻟﻰ ﻟﺒﻨﺎن .إذاً ،ﻛﺎن اﻟﻔﻠﺴﻄﯿﻨﯿﯿﻦ ﺣﻀﻮر ﻃﺎغ ﻓﻲ ﻟﺒﻨﺎن ﺳﻮاء أﻛﺎن ﺣﻀﻮرھﻢ ﻣﻤﺜﻼً ﺑﻘﻮاھﻢ اﻟﻌﺴﻜﺮﯾﺔ أم ﺑﺄﻛﺜﺮ ﻣﻨﮭﺎ ،أو ﺑﺤﻀﻮر ﻻﺟﺌﯿﮭﻢ ﻓﻲ ﺣﺮﺑﻲ اﻟﻌﺎم 1948 و .1967وﻛﺎﻧﺖ أُﻧﺸﺌﺖ ﺣﻮل ﺑﯿﺮوت ﻣﺨﯿﻤﺎت ﻋﺪﯾﺪة ﺗﺮﻋﺎھﺎ وﺗﺸﺮف ﻋﻠﯿﮭﺎ اﻟﺴﻠﻄﺎت اﻟﻠﺒﻨﺎﻧﯿﺔ ﻋﻦ ﻛﺜﺐ.
47
وإذا ﻛﺎن ﻣﻦ اﻟﯿﺴﯿﺮ أن أﺗﺒﯿﻦ ﺻﻮرة اﻹﺳﺮاﺋﯿﻠﯿﯿﻦ ﻓﻲ ذھﻨﻲ ﻟﻔﺮط ﻣﺎ ﻛﺎﻧﺖ ﺟﺪﺗﻲ ﺗﺮوي ﻟﻨﺎ ﺣﻜﺎﯾﺎت ﻋﻨﮭﻢ وﻷﻋﻤﺎل اﻟﻘﺼﻒ اﻟﺘﻲ ﺗﻌﺮﺿﺖ ﻟﮭﺎ دﯾﺮ ﻣﯿﻤﺎس ﻣﻦ ﻗﺒﻠﮭﻢ ﻋﺎم ،1973ﻓﺈﻧﮫ ﻛﺎن ﻣﻦ اﻟﻌﺴﯿﺮ ﻋﻠﻲ أن أرﺳﻢ ﻟﻠﻔﻠﺴﻄﯿﻨﯿﯿﻦ ﺻﻮرة ﻣﻌﻠﻮﻣﺔ .إذ ﻟﻢ أﻋﺮف ﻓﻠﺴﻄﯿﻨﯿﯿﻦ ﻓﻲ ﻃﻔﻮﻟﺘﻲ وﻻ ﻓﻲ ﻓﺘﻮﺗﻲ ،ﻏﯿﺮ أﻧﻲ ﻛﻨﺖ أﻋﺮف أﻧﮭﻢ ﻃﺮدوا ﻣﻦ أرﺿﮭﻢ وأﻧﮭﻢ ﯾﻨﺘﻈﺮون أن ﺗﻜﻮن ﻟﺪﯾﮭﻢ اﻟﻘﺪرة ﻋﻠﻰ اﺳﺘﺮدادھﺎ .ﻣﻊ ذﻟﻚ ﻇﻠﺖ ﺻﻮرﺗﮭﻢ ﻓﻲ ﺧﯿﺎﻟﻲ ﻏﺎﻣﻀﺔ ،ﺑﻞ ﻣﻠﺘﺒﺴﺔ وﻣﺎ ﻛﻨﺖ أﻋﺮف ﻣﺨﯿﻤﺎت ﻟﻠﻔﻠﺴﻄﯿﻨﯿﯿﻦ واﻟﻘﻀﯿﺔ اﻟﻔﻠﺴﻄﯿﻨﯿﺔ ﻟﻢ ﺗﻜﻦ ﻟﺘﻤﻨﻲ ﻣﺒﺎﺷﺮة. إﻧﻤﺎ ﻛﻨﺖ ﻻ أزال أﻋﺪھﻢ ﻟﺒﻨﺎﻧﯿﯿﻦ ﺷﺄن اﻵﺧﺮﯾﻦ ،وﻛﺎن اﺳﻢ ﻋﺮﻓﺎت ﻻ ﯾﺒﺪو ﻟﻲ ﻣﺄﻟﻮﻓﺎً ﻏﺎﯾﺔ اﻷﻟﻔﺔ. وﻛﺎن ﻟﺤﺎدﺛﺔ ﻏﺎﻣﻀﺔ ﻓﻲ ﺑﺪاﯾﺔ اﻟﺤﺮب اﻷھﻠﯿﺔ اﻟﻠﺒﻨﺎﻧﯿﺔ ﻋﺎم 1976أن ﺗﺸﻮه ﺻﻮرة اﻟﻔﻠﺴﻄﯿﻨﯿﯿﻦ ﻓﻲ ﻋﯿﻨﻲ ﻷﻣﺪ ﻃﻮﯾﻞ :وﻣﺆداھﺎ أن أﺣﺪ أﻗﺮﺑﺎﺋﻲ اﻏﺘﯿﻞ ﻋﻠﻰ ﯾﺪ أﺣﺪ اﻟﻔﻠﺴﻄﯿﻨﯿﯿﻦ. وﯾﺮوي اﻷھﻞ أن إﺣﺪى ﻗﺮﯾﺒﺎت أﺑﻲ ﻛﺎﻧﺖ ﺗﺴﻠﻚ ﻃﺮﯾﻖ ﺑﯿﺮوت اﻟﻐﺮﺑﯿﺔ ﻓﻲ اﺗﺠﺎه اﻟﺠﻨﻮب وﺑﺮﻓﻘﺘﮭﺎ اﺑﻨﮭﺎ ﻋﻔﯿﻒ، وﺻﺎدف ﻣﺮورھﻤﺎ وﺟﻮد ﺣﺎﺟﺰ أﻗﯿﻢ ﻋﻠﻰ ﻣﻘﺮﺑﺔ ﻣﻦ اﻟﻨﺒﻄﯿﺔ ﻓﻲ ﻛﻔﺮﺗﺒﻨﯿﺖ .وﻟﺪى إﺻﺮار آﻣﺮ اﻟﺤﺎﺟﺰ ﻋﻠﻰ رؤﯾﺔ أوراق اﻟﺮﻛﺎب أﺧﺮﺟﺖ اﻟﻤﺮأة ھﻮﯾﺘﮭﺎ ﻓﮭﺎل اﻟﻤﻼزم أن ﯾﺮى ﻃﺎﺋﻔﺘﮭﺎ اﻻرﺛﻮذﻛﺴﯿﺔ ،أي اﻟﻤﺴﯿﺤﯿﺔ . وﻛﺎن ﻟﻄﺎﻟﻤﺎ ﯾﻘﻮم ﺣﻮار ﻣﺴﻠﺢ ﺑﯿﻦ اﻟﻤﯿﻠﯿﺸﯿﺎت اﻟﻤﺴﯿﺤﯿﺔ وﻣﻨﻈﻤﺔ اﻟﺘﺤﺮﯾﺮ اﻟﻔﻠﺴﻄﯿﻨﯿﺔ .واﻟﺤﺮب اﻟﻘﺬرة ﺗﺬر ﻗﺮوﻧﮭﺎ ﻓﻲ ﻛﻞ ﻧﺎح ،أﻣﺎ ﻋﻔﯿﻒ اﺑﻦ ﻗﺮﯾﺘﻨﺎ ﺟﻨﺪﯾﺎً ﻓﻲ اﻟﺠﯿﺶ اﻟﻠﺒﻨﺎﻧﻲ ،وﻟﻢ ﯾﻜﻦ ﻓﯿﮫ ﻣﻦ اﻟﻜﺘﺎﺋﺐ وﻟﻮ ذرة 48
واﺣﺪة .ﺑﻞ ﻛﺎن ﯾﻌﺘﺒﺮ ﻧﻔﺴﮫ ﻣﻦ أھﻞ اﻟﯿﺴﺎر ،وأﻧﺼﺎر اﻟﻔﻠﺴﻄﯿﻨﯿﯿﻦ ،ﻏﯿﺮ أن اﻟﻤﯿﻠﯿﺸﯿﺎت ﻓﻲ ﺟﻮھﺮھﺎ اﻟﻘﺎﺋﻢ ﻋﻠﻰ اﻟﺘﻌﺼﺐ ،ﻻ ﺗﻨﻈﺮ اﻟﻰ ﺗﻔﺎﺻﯿﻞ دﻗﯿﻘﺔ ﻛﮭﺬه .إﻧﮫ ﻣﺴﯿﺤﻲ ﻓﮭﻮ إذن ﻋﺪو ﻟﻨﺎ ،ﻓﺄﻣﺮ اﻟﻤﻼزم ﺑﺈﺧﺮاج ﻗﺮﯾﺒﻨﺎ ﻣﻦ اﻟﺴﯿﺎرة وﺑﻔﻈﺎﻇﺔ ﺑﯿﻨﺔ ،وﻏﺬ أدرﻛﺖ واﻟﺪﺗﮫ ﻟﻠﺤﺎل ﻋﻦ اﺑﻨﮭﺎ ﺑﺎﻛﯿﺔ ﻣﻨﺘﺤﺒﺔ .وﻋﺒﺜﺎً رﺟﺘﮭﻢ إذ اﻧﺘﮭﻮا اﻟﻰ رﻣﯿﮫ ﺑﺎﻟﺮﺻﺎص وﺑﺄﻋﺼﺎب ﺑﺎردة .إذاً ﺳﻘﻂ ﻋﻔﯿﻒ ﻓﺪاء ﻋﻦ ﻣﻌﺮﻛﺔ وﻗﻀﯿﺔ ﻟﯿﺴﺘﺎ ﻣﻦ ﺷﺄﻧﮫ. ﻓﯿﻤﺎ ﺑﻌﺪ ،وﻟﺰﻣﻦ ﻣﺘﺄﺧﺮ ﺗﺒﯿﻨﺖ ﻟﻲ اﻟﺤﻘﺎﺋﻖ اﻟﻔﺎﺿﺤﺔ :ﻟﻢ ﯾُﻘﺘﻞ ﻋﻔﯿﻒ ﻋﻠﻰ ﯾﺪ أﺣﺪ اﻟﻔﻠﺴﻄﯿﻨﯿﯿﻦ ،وإﻧﻤﺎ ﻋﻠﻰ ﯾﺪ ﻟﺒﻨﺎﻧﻲ ﺷﯿﻌﻲ ﻛﺎن أراد أن ﯾﻨﺘﻘﻢ ﻻﺧﺘﻔﺎء أﺧﯿﮫ ،ﻋﻠﻰ ﯾﺪ ﻛﺘﺎﺋﺒﯿﯿﻦ .وﻛﺎن ﯾﻈﻦ أن ھﺬا اﻷﺧﯿﺮ ،أي ﻋﻔﯿﻒ ،أﻗﺪم ﻋﻠﻰ اﻏﺘﯿﺎﻟﮫ .وﺑﺪورھﻢ ﻛﺎن أھﻞ ﻗﺮﯾﺘﮫ اﻟﺬﯾﻦ ﻇﻠﻠﺘﮭﻢ اﻟﺸﺎﺋﻌﺎت ،ﯾﺘﺨﯿﻠﻮن أن ھﺬا اﻻﺧﺘﻄﺎف إﻧﻤﺎ ﻛﺎن ارﺗﻜﺒﮫ ﺑﻌﺾ "اﻟﻐﺮﺑﺎء" .ﻣﻊ ذﻟﻚ ﻓﺈن ﺧﺎﺗﻤﺔ ھﺬه اﻟﻤﺄﺳﺎة ﻟﺘﺒﺪو رھﯿﺒﺔ .وﻓﻲ ﻧﮭﺎﯾﺔ اﻷﻣﺮ ﺗﺒﯿﻦ أن أﺧﻮ ھﺬا اﻟﻤﻼزم ﻟﻢ ﯾﻘﺘﻞ ﻓﻘﺪ ﺗﻮارى ﻋﻦ اﻷﻧﻈﺎر واﻧﺨﺮط ﻣﻦ ﺗﻠﻘﺎء ﻧﻔﺴﮫ ﻓﻲ ﻣﻌﺴﻜﺮ اﻟﻜﺘﺎﺋﺐ واﻗﺘﺮف أﻋﻤﺎﻻً دﻧﯿﺌﺔ ﻟﺼﺎﻟﺤﮭﻢ. واﻧﻘﻀﺖ ﺳﻨﺔ ﻗﺒﻞ أن اﻛﺘﺸﻒ اﻟﻔﻠﺴﻄﻨﯿﯿﻦ وﻗﻀﯿﺘﮭﻢ ﻋﻠﻰ ﺣﻘﯿﻘﺘﮭﻢ .وﻟﻜﻦ ﺑﻈﺮوف ﻣﺨﺘﻠﻔﺔ ﺗﻤﺎﻣﺎً ﻋﻦ اﻟﻤﺎﺿﻲ اﻟﺒﻌﯿﺪ .وذﻟﻚ ﯾﻮم ﻋﺎﯾﻨﺘﮭﻢ ،وھﻢ ﯾﺤﻮﻃﻮن ھﺬه اﻟﻤﺮة ﺑﻨﻌﺶ أﺣﺪ أﻗﺮﺑﺎﺋﻲ واﺑﻦ أخ واﻟﺪي ،وﻛﺎن ﯾﺪﻋﻰ ﺧﺎﻟﺪاً. ﻓﺮأﯾﺘﮭﻢ ﯾﺸﻜﻠﻮن ﻣﻦ ﺣﻮﻟﮫ ﻛﻮﻛﺒﺔ اﻟﺸﺮف وﯾﺆدون اﻟﺘﺤﯿﺔ ﻟﻠﺸﮭﯿﺪ ﻓﻲ ﻧﻌﺸﮫ ،ﻋﻠﻰ أﻧﮫ ﻓﻘﯿﺪ ﻟﻠﺜﻮرة اﻟﻔﻠﺴﻄﯿﻨﯿﺔ ﻧﻔﺴﮭﺎ. ذﻟﻚ أن أﻋﺪاداً ﻣﻦ اﻟﺸﺒﺎن اﻟﻠﺒﻨﺎﻧﯿﯿﻦ أﺧﺬت ﺗﻨﺨﺮط ﻓﻲ ﺻﻔﻮف اﻟﻔﺪاﺋﯿﯿﻦ ﺣﺎﻟﻤﺎ ﺗﺒﯿﻦ ﻟﮭﺎ أن ھﺆﻻء ﯾﻘﺎﺗﻠﻮن 49
اﻹﺳﺮاﺋﯿﻠﯿﯿﻦ اﻟﺬﯾﻦ دﺧﻠﻮا ﺟﻨﻮب اﻟﺒﻼد وأﻣﻌﻨﻮ ﻓﯿﮭﺎ ﻏﺰوًا وإرھﺎﺑﺎً وﻗﺘﻼً وﻛﺎن ﻗﺮﯾﺒﻲ ﺧﺎﻟﺪ واﺣﺪاً ﻣﻨﮭﻢ .وﻛﺎن اﻟﻤﻐﺪور أﺻﯿﺐ ﺧﻼل ﻋﻤﻠﯿﺔ ﻧﻘﻠﮫ اﻟﺬﺧﺎﺋﺮ ﻣﻊ ﻓﺮﻗﺔ اﻟﻤﻐﺎوﯾﺮ اﻟﺘﻲ اﻧﻀﻮى ﻓﯿﮭﺎ ،وﻓﻲ ﺗﻔﺼﯿﻞ اﻹﺻﺎﺑﺔ أن ﻟﻐﻤﺎً أرﺿﯿﺎً اﻧﻔﺠﺮ ﺑﮫ ﻓﺒﺘﺮت ﺳﺎﻗﮫ ﻟﻠﺤﺎل وأﺻﯿﺐ ﺑﺠﺮوح ﻋﺪﯾﺪة إﻻ أﻧﮫ ﻣﺎ ﻟﺒﺚ أن ﻓﺎرق اﻟﺤﯿﺎة ﻣﺘﺄﺛﺮاً ﺑﺠﺮاﺣﮫ ،ﻓﯿﻤﺎ ﻛﺎن رﻓﺎﻗﮫ ﯾﻨﻘﻠﻮﻧﮫ اﻟىﻤﺮﻛﺰ اﻹﺳﻌﺎف ﻓﻲ ﺗﻠﻚ اﻟﻤﻨﻄﻘﺔ .وﻗﺮ رأي ﻣﻨﻈﻤﺔ اﻟﺘﺤﺮﯾﺮ اﻟﻔﻠﺴﻄﯿﻨﯿﺔ أن ﺗﺠﺮي ﻟﻠﺸﮭﯿﺪ ﻣﺮاﺳﻢ ﺗﺸﯿﯿﻊ إﺳﺘﺜﻨﺎﺋﯿﺔ. ﻓﺎﻧﻄﻠﻘﺖ ذﻟﻚ اﻟﯿﻮم ﺗﻈﺎھﺮة ﺿﺨﻤﺔ ﻓﻲ ﺑﯿﺮوت اﻟﻐﺮﺑﯿﺔ، ﻏﯿﺮ ﺑﻌﯿﺪ ﻋﻦ ﻣﻨﺰل اﻟﺸﮭﯿﺪ .أﻣﺎ أﻧﺎ ﻓﻮﻗﻔﺖ أﺗﺎﺑﻊ ذﻟﻚ اﻟﻤﺸﮭﺪ ،وأﻋﺎﯾﻦ اﻟﻔﺼﻮل اﻟﻤﺆﺛﺮة اﻟﺘﻲ ﺗﺘﻮاﻟﻰ أﻣﺎﻣﻲ. ﻓﺮأﯾﺖ اﻟﺸﺒﺎن اﻟﻔﻠﺴﻄﯿﻨﯿﯿﻦ وھﻢ ﯾﺴﯿﺮون ﻓﻲ اﻟﻌﺮض اﻟﻌﺴﻜﺮي ،ﺿﺎرﺑﯿﻦ اﻷرض ﺑﺄﻗﺪاﻣﮭﻢ ﻋﻠﻰ اﻹﯾﻘﺎع ﻧﻔﺴﮫ. ﻛﺎن ﺷﺒﺎن آﺧﺮون ﯾﺤﻤﻠﻮن ﺻﻮراً ﻣﻜﺒﺮة ھﻲ رﺳﻮم ﻟﺸﮭﺪاﺋﮭﻢ وﯾﻨﺜﺮون اﻟﺰھﺮ اﻷﺳﻮد واﻷﺑﯿﺾ واﻷﺣﻤﺮ واﻷﺧﻀﺮ ﺑﺄﻟﻮان ﻋﻠﻤﮭﻢ اﻟﻔﻠﺴﻄﯿﻨﻲ ﻓﺘﻘﻊ اﻷﺧﯿﺮة ﻋﻠﻰ ﻣﻮﺿﻊ ﻣﺨﻄﻂ ﻟﻜﻞ ﻣﺮﺑﻊ أوﺷﻜﻞ ﻣﻦ أﺷﻜﺎل ذﻟﻚ اﻟﻌﻠﻢ. وھﻜﺬا ،ﺗﺴﻨﻰ ﻟﻲ أن أﻛﺘﺸﻒ ﻋﻠﻤﺎً وﻗﻀﯿﺔً وﺷﻌﺒﺎً .وﻓﻲ اﻟﺤﻘﺒﺔ ﻧﻔﺴﮭﺎ ،ﻛﺎن اﻟﻮﺿﻊ ﻓﻲ اﻟﺠﻨﻮب ﯾﺘﺨﺬ ھﯿﺌﺔً ﻣﻌﺎﻛﺴﺔً :إذ ﺗﻤﺜﻠﺖ ﻓﻲ ﺟﯿﺶ ﻟﺒﻨﺎن اﻟﺠﻨﻮﺑﻲ .وھﻮ ﺟﯿﺶ أُﺳﻨﺪت ﻗﯿﺎدﺗﮫ ،ﻓﻲ اﻟﻮاﻗﻊ اﻟﻰ ﺑﻌﺾ اﻟﻀﺒﺎط اﻟﻌﺴﻜﺮﯾﯿﻦ اﻟﻤﺴﯿﺤﯿﯿﻦ؛ وﺗﻮﻟﻰ أﺣﺪھﻢ ،وﯾﺪﻋﻰ ﺳﻌﺪ ﺣﺪاد ،ﻗﯿﺎدة اﻟﺠﯿﺶ ھﺬا .وﺑﺎﻟﻄﺒﻊ ،ﻇﻠﺖ اﻟﺪوﻟﺔ اﻟﻌﺒﺮﯾﺔ راﻋﯿﺔ ﻟﮭﺬا اﻟﺠﯿﺶ وﻣﻜﻠﻔﺔ إﯾﺎه ﺣﻤﺎﯾﺔ ﺑﻌﺾ اﻟﺜﻐﻮر اﻟﺤﺪودﯾﺔ ﻣﻦ ھﺠﻤﺎت اﻟﻤﻘﺎوﻣﯿﻦ .وﻓﻲ اﻹﻃﺎر اﻟﻤﺤﻠﻲ رأﯾﺖ أدوات 50
ھﺬا اﻟﺠﯿﺶ ﻻ ﯾﺘﻮرﻋﻮن ﻋﻦ اﻗﺘﺮاف اﻟﺠﺮاﺋﻢ وﻧﺴﺒﺘﮭﺎ اﻟﻰ اﻟﻐﺮﺑﺎء ،ﻟﯿﺴﺘﻤﯿﻠﻮا اﻟﻨﺎس إﻟﯿﮭﻢ وﯾﻨﺨﺮط ﺷﺒﺎﺑﮭﻢ ﻓﻲ ذﻟﻚ اﻟﺠﯿﺶ .وﻓﻲ ھﺬا اﻟﺸﺄن ﻻ أزال أذﻛﺮ ﺣﺎدﺛﺔ اﻏﺘﯿﺎل ﻃﺒﯿﺐ ﻋﺎﻣﻞ ﻓﻲ اﻟﺮﯾﻒ وﺳﺎﺋﻘﮫ ،وﻗﺪ أوﻟﮫ اﻟﻤﺘﻌﺎوﻧﻮن اﻟﺠﺪد ﻣﻊ ﺟﯿﺶ ﻟﺤﺪ ﻋﻠﻰ أﻧﮫ ﻋﻤﻞ ﻛﻮﻧﮫ ﺧﻼﻓﺎً ﻋﻠﻰ اﻟﻤﺎل ﺑﯿﻦ اﻟﺴﺎﺋﻖ وﻟﺒﻨﺎﻧﻲ ﺷﯿﻌﻲ .أﻣﺎ ﻣﻘﺘﻞ اﻟﻄﺒﯿﺐ ﻓﻜﺎن اﻟﺪاﻓﻊ إﻟﯿﮫ ﺧﺸﯿﺔ اﻟﻘﺎﺗﻞ ﻣﻦ اﻧﻜﺸﺎف ﺟﺮﯾﻤﺘﮫ ﻋﻠﻰ ﯾﺪ ذﻟﻚ اﻟﻄﺒﯿﺐ ﻟﻤﻌﺎﯾﻨﺘﮫ ﺣﺎدث اﻟﻘﺘﻞ اﻷول. إﺛﺮ ذﻟﻚ ﺗﻮﺗﺮت اﻷﺟﻮاء ﻓﻲ اﻟﻘﺮﯾﺔ .وﻟﻢ ﯾﻄﻞ اﻷﻣﺮ ﺣﺘﻰ ﺻﺎرت دﯾﺮ ﻣﯿﻤﺎس ﺟﺰءاً ﻣﻦ اﻟﺤﺰام اﻷﻣﻨﻲ اﻟﺬي اﻗﺘﻄﻌﮫ ﺟﯿﺶ اﻟﺪﻓﺎع اﻹﺳﺮاﺋﯿﻠﻲ ﻣﻦ اﻟﺒﻼد وﺟﻌﻠﮫ ﺣﺮزاً ﻟﮫ .ﻓﺈذا ﺻﺢ أن ھﺬه اﻟﺤﺪود اﻟﺠﺪﯾﺪة أُﻋﺪت ﻟﺘﻜﻮن ﺣﺎﻣﯿﺔً ﻟﻤﻦ ﻓﻲ داﺧﻠﮭﺎ ،إﻻ أﻧﮭﺎ ﻟﻢ ﺗﻜﻦ ﺣﺪوداً ﺷﺪﯾﺪة اﻹﺣﻜﺎم. ﻓﻠﻘﺪ ﻇﻠﺖ واﻟﺪﺗﻲ ﺗﻮاﺻﻞ زﯾﺎراﺗﮭﺎ اﻟﻤﺄﻟﻮﻓﺔ اﻟﻰ اﻟﻘﺮﯾﺔ ﻏﯿﺮ أﻧﮭﺎ ﻛﺎﻧﺖ إﺣﺪى اﻟﻨﺴﺎء اﻟﻘﻼﺋﻞ اﻟﻠﻮاﺗﻲ أﻣﻜﻦ ﻟﮭﻦ أن ﯾﺤﺘﻔﻈﻦ ﺑﻌﻼﻗﺎت ﻣﺘﯿﻨﺔ ﻣﻊ أﻗﺮﺑﺎء ﻟﮭﻦ ،ﻛﺎﻧﻮا ﻻ ﯾﺰاﻟﻮن ﻓﻲ اﻟﻤﻨﺎﻃﻖ اﻟﻤﺤﺘﻠﺔ. وﺑﺪءاً ﻣﻦ رﺑﯿﻊ اﻟﻌﺎم ، 1975واﻟﻤﻌﺎرك ﺑﯿﻦ ﻣﻨﻈﻤﺔ اﻟﺘﺤﺮﯾﺮ اﻟﻔﻠﺴﻄﯿﻨﯿﺔ واﻹﺳﺮاﺋﯿﻠﯿﯿﻦ ﺗﺘﻘﺎﻃﻊ وﺗﺘﺸﺎﺑﻚ ﻣﻊ اﻟﺤﺮب اﻷھﻠﯿﺔ اﻟﺪاﺋﺮة ﻓﻲ ﺑﯿﺮوت وﺿﻮاﺣﯿﮭﺎ .وﻛﺎن ﺳﺒﻖ اﻧﺪﻻع ھﺬه اﻟﺤﺮب ﻓﺘﺮة ﻃﻮﯾﻠﺔ ﻣﻦ اﻹﺿﻄﺮاﺑﺎت اﻟﻤﺘﻘﻄﻌﺔ اﻟﺘﻲ أُﻗﺤﻤﺖ ﻓﯿﮭﺎ ﺑﺎﻟﺘﺪرﯾﺞ ،ﻣﺆﺳﺴﺎت اﻟﺒﻼد وﺑﻨﯿﺎﺗﮭﺎ اﻟﺴﯿﺎﺳﯿﺔ واﻻﺟﺘﻤﺎﻋﯿﺔ .ﻓﮭﺬه اﻟﺤﺮب اﻟﺘﻲ ﻏﺎﻟﺒﺎً ﻣﺎ ﺻﻮرھﺎ اﻟﻐﺮب ﻋﻠﻰ أﻧﮭﺎ ﺻﺮاع ﺑﯿﻦ اﻟﻤﻌﺴﻜﺮ اﻟﻤﺴﯿﺤﻲ وﺑﯿﻦ اﻟﻄﻮاﺋﻒ اﻹﺳﻼﻣﯿﺔ ،ﻟﻢ ﺗﻜﻦ ﻋﺎﺋﻠﺘﻲ ﻟﺘﺤﯿﺎھﺎ ﻋﻠﻰ اﻹﻃﻼق ،ﺷﺄن ﻋﺎﺋﻼت ﻛﺜﯿﺮة .وﻣﻦ ﺟﮭﺘﻲ 51
ﻛﺎﻧﺖ ﻟﻲ ﻗﺮاءة أﺧﺮى ﻟﻠﺼﺮاع اﻟﺠﺎري ﺑﯿﻦ ﻗﻄﺒﯿﻦ: اﻟﯿﻤﯿﻦ ﺿﺪ اﻟﯿﺴﺎر .أﻣﺎ اﻟﯿﻤﯿﻦ ﻓﻜﺎن ﻣﻤﺜﻼً ،ﺑﻼ أدﻧﻰ ﺷﻚ، ﺑﺎﻷﺣﺰاب اﻟﻤﺴﻤﺎة ﻣﺴﯿﺤﯿﺔ ،وﻋﻨﯿﺖ ﺑﮭﺎ اﻟﻜﺘﺎﺋﺐ اﻟﻠﺒﻨﺎﻧﯿﺔ ﺑﻘﯿﺎدة ﺑﯿﺎر اﻟﺠﻤﯿﻞ وﺣﺰب اﻟﻮﻃﻨﯿﯿﻦ اﻷﺣﺮار ﺑﻘﯿﺎدة ﻛﻤﯿﻞ ﺷﻤﻌﻮن ،وﯾﺪﻋﻢ ھﺬﯾﻦ اﻟﺤﺰﺑﯿﻦ اﻟﻤﻮارﻧﺔ اﻟﻜﺎﺛﻮﻟﯿﻚ ،أو ﯾُﺴﺘﺪل ﻣﻦ ھﺬا أﻧﻨﺎ ﻧﺤﻦ اﻷرﺛﻮذﻛﺲ ،أﻗﻞ ﻣﺴﯿﺤﯿﺔ ﻣﻦ ھﺆﻻء وﻗﺪ ﺻﻨﻔﻨﺎ ﻣﻊ ذﻟﻚ ﻓﻲ اﻟﻤﻌﺴﻜﺮ اﻟﻌﺎدي؟ ﻓﻲ ﺣﯿﻦ ﻛﺎن اﻟﯿﺴﺎر ﻋﻠﻰ ﺣﺪ ﻣﺎ ﯾﺼﻔﮫ اﻟﺮاﺷﺪون ﻓﻲ ﻋﺎﺋﻠﺘﻨﺎ ،ﻣﻤﺜﻼً ﺑﺎﻟﺤﺰﺑﯿﻦ اﻟﺸﯿﻮﻋﻲ اﻟﻠﺒﻨﺎﻧﻲ واﻟﺘﻘﺪﻣﻲ اﻹﺷﺘﺮاﻛﻲ ،اﻟﻠﺬﯾﻦ ﻛﺎﻧﺎ ﺣﻠﯿﻔﯿﻦ ﻟﻤﻨﻈﻤﺔ اﻟﺘﺤﺮﯾﺮ اﻟﻔﻠﺴﻄﯿﻨﯿﺔ وﺑﻌﺾ اﻟﺘﻨﻈﯿﻤﺎت اﻹﺳﻼﻣﯿﺔ اﻟﻠﺒﻨﺎﻧﯿﺔ ،أﻗﻠﮫ ﻓﻲ ﺑﺪء اﻟﺼﺮاع واﻟﺤﺮب اﻷھﻠﯿﺔ؛ وﯾُﻀﺎف اﻟﻰ ھﺬﯾﻦ اﻟﺤﺰﺑﯿﻦ ﺳﻮرﯾﺎ اﻟﺘﻲ ﺑﺪت ﺧﯿﺎراﺗﮭﺎ ﻣﺘﻘﻠﺒﺔ ،ﻓﮭﻲ إذا ﻣﺎ دﻋﻤﺖ ﻃﺮﻓﺎً أو ﺳﺎﻧﺪت آﺧﺮ ،ﻣﻦ ﻛﻠﻲ اﻟﻤﻌﺴﻜﺮﯾﻦ، ﻓﻸﻧﮭﺎ ﺳﻌﺖ اﻟﻰ اﻟﺤﻔﺎظ ﻋﻠﻰ ﻧﻮع ﻣﻦ "اﻟﺘﻮازن" ﺑﯿﻦ اﻟﻘﻮى اﻟﺴﯿﺎﺳﯿﺔ اﻟﻠﺒﻨﺎﻧﯿﺔ ﻛﺎﻓﺔ ،وﺑﻐﯿﺔ اﻹﻓﺎدة ﻣﻨﮫ ﻗﺪر ﻣﺎ ﺗﺴﺘﻄﯿﻊ ،ﺣﺘﻰ إذا اﻧﺪﻟﻌﺖ اﻟﺤﺮب اﻷھﻠﯿﺔ ﺷﮭﺪﻧﺎ اﻧﺒﺜﺎق أﺣﺰاب ﺟﺪﯾﺪة ،وﻻ ﺳﯿﻤﺎ اﻟﺸﯿﻌﯿﺔ ﻣﻨﮭﺎ ﻣﺘﺮﺟﻤﺔ ﺑﺬﻟﻚ ﺻﻌﻮد ﻧﺠﻢ ﺗﻠﻚ اﻟﻄﺎﺋﻔﺔ واﺗﺴﺎع ﻧﻄﺎﻗﮭﺎ اﻟﺪﯾﻤﻮﻏﺮاﻓﻲ وأھﻤﯿﺘﮭﺎ ﻓﻲ ﺗﺮﻛﯿﺒﺔ اﻟﻤﺠﺘﻤﻊ اﻟﻠﺒﻨﺎﻧﻲ :ﻣﻦ ﻣﺜﻞ "ﺣﺮﻛﺔ اﻟﻤﺤﺮوﻣﯿﻦ" اﻟﺘﻲ أﻧﺸﺄھﺎ ﻣﻮﺳﻰ اﻟﺼﺪر ،ﺣﺮﻛﺔ أﻣﻞ اﻟﻠﺒﻨﺎﻧﯿﺔ ،وﺣﺰب اﷲ ﻓﯿﻤﺎ ﺑﻌﺪ. وﻓﻲ ﻇﻞ ھﺬه اﻟﻤﻌﻤﻌﺔ ،رأﯾﺖ ﺗﺤﺎﻟﻔﺎت ﺗﻌﻘﺪ ﺧﻼﻓﺎً ﻟﻄﺒﯿﻌﺔ اﻟﻤﺘﺤﺎﻟﻔﯿﻦ ،وﺻﺮاﻋﺎت داﺧﻠﯿﺔ ﺣﺎدة واﻧﮭﯿﺎر ﺟﺒﮭﺎت، ﺗﺸﻜﻞ ﺟﻤﯿﻌﮭﺎ ﻗﻮام ﯾﻮﻣﯿﺎﺗﻨﺎ ﻓﻲ ھﺬه اﻟﺤﺮب.
52
وﻟﻤﺎ ﻛﺎن اﺷﺘﻌﺎل اﻟﺤﺮب ،ﻋﻠﻰ ﻣﺪار ﺳﻨﻮاﺗﮭﺎ اﻷوﻟﻰ، ﯾﻮﻓﺮ ﻣﺼﺎﻟﺢ ﺿﺨﻤﺔ ﻟﻘﻠﺔ ﻣﻦ اﻟﻤﺴﺘﻔﯿﺪﯾﻦ وﺗﺠﺎر اﻷﺳﻠﺤﺔ ﻓﻘﺪ اﺳﺘﻮﻟﺪت وﻗﻮدھﺎ ﻣﻦ ذاﺗﮭﺎ ،ﻣﺎ ﺟﻌﻠﮭﺎ ﺗﺴﺘﻤﺮ آﺟﺎﻻً ﻃﻮﯾﻠﺔ ﺣﺘﻰ ﺗﺠﺎوزت ﻛﻞ ﻣﻨﻄﻖ ﺳﯿﺎﺳﻲ ﺳﺎھﻢ ﻓﻲ إﻃﻼﻗﮭﺎ أو دﻓﻊ ﺑﮭﺎ اﻟﻰ اﻹﻧﻔﺠﺎر .وھﺬا ﻣﺎ ﺣﺼﻞ ﺑﻌﯿﺪ رﺣﯿﻞ اﻟﻘﻮات اﻟﻔﻠﺴﻄﯿﻨﯿﺔ ،ﻓﻲ اﻟﻌﺎم ،1982ﻣﻦ ﺑﯿﺮوت ،وﻗﺪ ﻃﺎردھﺎ ﺟﯿﺶ اﻟﺪﻓﺎع اﻹﺳﺮاﺋﯿﻠﻲ ﺧﻼل ﻋﻤﻠﯿﺔ "ﺳﻼﻣﺔ اﻟﺠﻠﯿﻞ" اﻟﻌﺘﯿﺪة ،ﺣﺘﻰ ﺣﺼﺎرھﺎ ﻓﻲ أول ﻣﺪﯾﻨﺔ ﻋﺮﺑﯿﺔ )ﻏﯿﺮ اﻟﻘﺪس). وﻟﺴﻮء ﻃﺎﻟﻌﻨﺎ ،ﻧﺤﻦ اﻟﺸﻌﺐ اﻟﻠﺒﻨﺎﻧﻲ ،آﻟﻤﻨﺎ أن ﻧﺮى ﺟﯿﺸﻨﺎ اﻟﻮﻃﻨﻲ وھﻮ ﯾﻨﺠﺮف ﻓﻲ ﺗﯿﺎر اﻟﺤﺮب اﻷھﻠﯿﺔ اﻟﻤﺠﻨﻮن ،ﺑﺪﻻً ﻣﻦ أن ﯾﻜﺮس ھﻤﮫ ﻟﻠﺪﻓﺎع ﻋﻦ اﻟﺒﻼد ،ﺿﺪ ﻛﻞ ﻣﺎ ﯾﺘﮭﺪدھﺎ ﻣﻦ ﻣﺨﺎﻃﺮ ﺧﺎرﺟﯿﺔ ﻣﺤﺪﻗﺔ ﺑﮭﺎ .وإذ ﺑﺪا اﻟﺠﯿﺶ ﻋﺎﺟﺰاً ﻋﻦ اﻟﺒﻘﺎء ﺑﻤﻨﺄى ﻋﻦ اﻟﻤﻤﺎﺣﻜﺎت اﻟﺴﯿﺎﺳﯿﺔ واﻟﺼﺮاﻋﺎت اﻟﻌﺴﻜﺮﯾﺔ ،آﺛﺮ أن ﯾﻌﯿﺪ إﻧﺘﺎج اﻟﻤﺠﺘﻤﻊ اﻟﻠﺒﻨﺎﻧﻲ ﺑﻜﻞ ﻣﺎ ﻓﯿﮫ ﻣﻦ ﻧﺰﻋﺎت إﻧﺘﺤﺎرﯾﺔ .ﺣﺘﻰ إذا ﺗﻨﺎﺳﻰ أﻓﺮاد اﻟﺠﯿﺶ واﺟﺒﺎﺗﮭﻢ اﻟﻤﻘﺪﺳﺔ ﺑﺎﻟﺪﻓﺎع ﻋﻦ اﻟﻮﻃﻦ ﺑﺄﺳﺮه ،اﻧﻘﺎد ﻛﻞ ﻣﻨﮭﻢ ﻟﻄﺮف ﻣﻦ أﻃﺮف اﻟﺼﺮاع. ﻓﺎﻟﺘﺰم ﺑﻌﻀﮭﻢ ﻣﻌﺴﻜﺮاً ﻓﺮﻗﺎً ﺻﻐﯿﺮةً وﺿﻌﺖ ﻓﻲ ﺧﺪﻣﺔ أﺳﯿﺎد اﻟﺤﺮب اﻟﺬﯾﻦ ﺳﺮﻋﺎن ﻣﺎ ﺛﺒﺘﻮا دﻋﺎﺋﻢ ﺳﯿﺎدﺗﮭﻢ ﻋﻠﻰ أﻧﻘﺎض ﺑﯿﺮوت. أﻣﺎ أﻧﺎ ﻓﺄدرﻛﺖ ﻣﺒﻜﺮاً ھﻮل ھﺬه اﻟﻮرﻃﺔ اﻟﺘﻲ دﻓﻌﺖ ﺑﺄﺑﻨﺎء اﻟﻤﺆﺳﺴﺔ اﻟﻌﺴﻜﺮﯾﺔ اﻟﻮاﺣﺪة اﻟﻰ اﻻﻗﺘﺘﺎل ﻓﯿﻤﺎ ﺑﯿﻨﮭﻢ ،وﺑﺪت ﻟﻲ اﻟﺤﺮب اﻷھﻠﯿﺔ ﻓﻲ وﻗﺖ ﻣﺒﻜﺮ ﻟﻠﻐﺎﯾﺔ أﻧﮭﺎ ﻓﺦ ھﺎﺋﻞ وﻗﻊ ﻓﯿﮫ اﻟﻠﺒﻨﺎﻧﯿﻮن ﻟﯿﺲ إﻻ .وﻛﺎن ھﺬا اﻟﯿﻘﯿﻦ اﻟﺤﺘﻤﻲ ﯾﺤﻀﺮﻧﻲ وﻋﻠﻰ ﻧﺤﻮ ﻣﻠﻤﻮس ،ﺣﯿﻦ ﻛﻨﺖ 53
أﻋﻤﻞ ﻓﻲ اﻟﺪﻓﺎع اﻟﻤﺪﻧﻲ ،أو أﺗﻄﻮع أﺣﯿﺎﻧﺎً ﻓﻲ ﺧﺪﻣﺔ اﻟﺼﻠﯿﺐ أو اﻟﮭﻼل اﻷﺣﻤﺮ اﻟﻠﺒﻨﺎﻧﯿﯿﻦ ،ﻓﺤﯿﻦ ﻛﻨﺎ ﻧﺨﻠﻲ اﻟﺠﺮﺣﻰ ﻣﻦ ﺳﺎﺣﺎت اﻟﻤﻌﺮﻛﺔ ،وﻧﺘﻮﺟﮫ ﺑﮭﻢ اﻟﻰ اﻟﻤﺴﺘﺸﻔﯿﺎت ،ﻣﺎ ﻛﻨﺎ ﻟﻨﻔﺘﺶ ﻋﻦ ھﻮﯾﺔ ھﺬا اﻟﺠﺮﯾﺢ أو ذاك ،وﻻ ﻋﻦ اﻧﺘﻤﺎﺋﮫ اﻟﻄﺎﺋﻔﻲ .وﺑﺎﻟﻤﻘﺎﺑﻞ ،ﺑﺪا ﻟﻨﺎ ﺟﻤﯿﻊ اﻷﻃﺮاف ﻣﺨﯿﺒﯿﻦ ﻟﻶﻣﺎل ،ﻣﺎ داﻣﻮا ﯾﻌﻤﻠﻮن ﻋﻠﻰ إﺷﻌﺎل اﻟﺤﺮب اﻷھﻠﯿﺔ ،ﻣﺮﻛﺰﯾﻦ ﻋﻠﻰ ﺗﻔﺎﺻﯿﻞ دون أﺧﺮى، داﻓﻌﯿﻦ اﻟﻰ ﺗﺮھﺎت ﻻ ﻃﺎﺋﻞ ﻣﻨﮭﺎ ،ﺗﺤﺜﮭﻢ ﻋﻠﯿﮭﺎ ﻃﺎﻗﺔ ﻋﺠﯿﺒﺔ ،ﻓﻲ ﺣﯿﻦ ﻧُﺤﯿﺖ اﻷﻣﻮر اﻟﺠﻮھﺮﯾﺔ ﺟﺎﻧﺒﺎً. وﻟﻄﺎﻟﻤﺎ أﺛﺎر ﻋﺪم ﻓﮭﻤﻨﺎ ﻇﺎھﺮات اﻟﺤﺮب اﻷھﻠﯿﺔ اﻟﻨﻘﺎﺷﺎت اﻟﻤﺴﺘﻔﯿﻀﺔ ،ﻓﺎﺳﺘﻐﺮﻗﺖ ﻣﻨﺎ اﻷﺧﯿﺮة أﯾﺎﻣﺎً ﺑﻄﻮﻟﮭﺎ ،ﻓﻲ ﻣﻘﺮ إﺗﺤﺎد اﻟﺸﺒﺎب اﻟﺪﯾﻤﻮﻗﺮاﻃﻲ .وﻛﻨﺖُ، واﻟﺤﺎل ھﺬه ،ﺷﻐﻔﺔ ﺑﺠﻮ ھﺬه اﻟﻨﻘﺎﺷﺎت ﻓﻲ اﻹﺗﺤﺎد ،ﺣﺘﻰ ﻟﻮ ﻇﻠﺖ واﻟﺪﺗﻲ ﺗﻨﻈﺮ ﺑﻌﯿﻦ اﻟﺮﯾﺒﺔ اﻟﻰ اﺟﺘﻤﺎﻋﺎﺗﻲ اﻟﻄﻮﯾﻠﺔ ﻓﻲ ذﻟﻚ اﻟﻤﺮﻛﺰ .ﻓﮭﻲ إذ أﻟِﻔﺖ ﻛﻮﻧﮭﺎ ﻏﯿﺮ ﻣﺒﺎﻟﯿﺔ ﺑﻨﻀﺎل زوﺟﮭﺎ اﻟﺸﯿﻮﻋﻲ ﻟﺰﻣﻦ ﺑﻌﯿﺪ ﻣﻀﻰ ،ﺑﺎﺗﺖ ﻋﻠﻰ ﯾﻘﯿﻦ ﺑﺄن اﻻﺗﺤﺎد ﻟﻢ ﯾﻜﻦ ﺳﻮى آﻟﺔ ﻟﻄﺤﻦ اﻟﺪﻣﺎغ ،آﻟﺔ ﻟﻠﺘﺮوﯾﺞ اﻟﺪﻋﺎﺋﻲ ﻓﻲ ﺧﺪﻣﺔ إﻋﺪاد ﺣﺰﺑﻲ ﯾﺜﯿﺮ ﺳﺨﻄﮭﺎ. وﻛﺬﻟﻚ ھﻲ ﺻﻮرة اﻟﻤﺨﯿﻤﺎت اﻟﻜﺸﻔﯿﺔ ﻓﻲ ﻋﯿﻨﯿﮭﺎ ،إذ ﺑﺪت ﻟﮭﺎ ﻣﺤﺾ ﺣﺠﺞ ﻟﺘﻌﻠﯿﻢ اﻟﺸﺒﺎن اﻟﻠﺒﻨﺎﻧﯿﯿﻦ اﻷﻛﺜﺮ اﻟﺘﺰاﻣﺎً ﻋﻘﺎﺋﺪﯾﺎً واﺳﺘﻌﺪاداً ﻟﻠﺨﻀﻮع ،ﺣﻤﻞ اﻟﺴﻼح واﺳﺘﺨﺪاﻣﮫ. وﻏﺎﻟﺒﺎً ﻣﺎ ﻛﺎﻧﺖ ﺗﺮدد وﺑﺼﻮت ﻋﺎل" :ﻣﺎ اﻟﺬي ﯾﻘﺪﻣﮫ اﻟﺤﺰب اﻟﺸﯿﻮﻋﻲ؟ ﻻ ﺷﻲء ،إﻧﮭﺎ اﻟﺤﻜﺎﯾﺎت اﻟﻘﺪﯾﻤﺔ ﻧﻔﺴﮭﺎ!" .ﻛﻞ ھﺬا وواﻟﺪي ﻻ ﯾﻨﺒﺲ ﺑﺒﻨﺖ ﺷﻔﺔ ،ﻋﻠﻰ ﺟﺎري ﻋﺎدﺗﮫ.
54
وإذا ﻛﺎن اﻟﻨﺎس ﯾﺠﻤﻌﻮن ﻋﻠﻰ اﻋﺘﺒﺎر اﻻﺗﺤﺎد ﻣﻘﺮﺑﺎً ﻣﻦ اﻟﺤﺰب ،ﻓﺈﻧﮫ )أي اﻻﺗﺤﺎد( وﻋﻠﻰ ﺧﻼف ﻣﺎ ﺗﺨﺸﺎه واﻟﺪﺗﻲ ،اﺗﺴﻢ ﺑﻜﻮﻧﮫ ﺧﺰاﻧﺎً ﻟﻠﻄﺎﻗﺔ واﻟﺘﺴﺎؤﻻت واﻟﺸﻜﻮك، وﻣﺌﻼً ﻓﻺرادة اﻟﺒﻨﺎءة .ﻣﻊ ذﻟﻚ ﻻ أراﻧﻲ ﺷﯿﻮﻋﯿﺔ ﻣﺘﺰﻣﺘﺔ. ﻓﺈذا ﻛﻨﺖ أﻗﺪم اﻟﻤﻌﻮﻧﺔ ﻟﻠﻤﺤﺘﺎﺟﯿﻦ واﻟﻼﺟﺌﯿﻦ أﺣﯿﺎﻧﺎً ،ﻓﮭﺬا ﻻ ﯾﻌﻨﻲ أﻧﻲ ﻣﺎ ﻋﺪت ﺻﺎﺣﺒﺔ ﻗﺮاري ،وﻻ ﺣﺮﯾﺔ ﻟﻲ ﻓﻲ اﻟﺤﻜﻢ واﻟﻌﻤﻞ .ﺑﻞ إن اﻟﺘﺰاﻣﻲ ﺑﺎﻟﺤﺰب ﻟﻢ ﯾﻜﻦ اﻟﺘﺰاﻣﺎً ﻧﻀﺎﻟﯿﺎً ﺻﺎرﻣﺎً ،إﻧﻤﺎ ھﻮ ﯾﺘﺮﺟﻢ ﻋﻦ ﺗﻌﻠﻘﻲ ﺑﺘﺮﺑﯿﺔ ﺗﺘﯿﺢ ﻟﻲ أن أﺳﺘﻌﯿﺪ ﻋﺎﻟﻤﻲ اﻟﺼﻐﯿﺮ ،اﻟﺬي ﯾﻌﻤﺮه واﻟﺪي أو أﻋﻤﺎﻣﻲ .وﻋﻼﻗﺘﻲ اﻟﺘﻲ ﻧﺴﺠﺘﮭﺎ ﻣﻊ اﻟﺤﺰب اﻟﺸﯿﻮﻋﻲ ھﻲ ﻣﻦ اﻻﻟﺘﺒﺎس ﻋﯿﻨﮫ ،إن أﻧﺎ إﻻ رﻓﯿﻘﺔ درب ،ﺣﺘﻰ ﻟﻮ أﻧﻲ ﻏﯿﺮ ﻣﺪرﻛﺔ ﺗﻤﺎﻣﺎً أﺑﻌﺎد ھﺬه اﻟﻌﺒﺎرة وﻻ ﺣﺪودھﺎ .أو أراﻧﻲ ﺗﻠﻚ اﻟﻤﺮاﻗﺒﺔ اﻟﺘﻲ أﺑﻘﺖ اﻟﺘﺰاﻣﮭﺎ ﻃﻲ اﻟﻜﺘﻤﺎن، ﻏﯿﺮ أﻧﮭﺎ وﺟﺪت ﺿﺎﻟﺘﮭﺎ ﻓﻲ اﻟﻤﺜﻞ اﻟﺘﻲ ﺳﺤﻘﺘﮭﺎ رﺣﻰ اﻟﺤﺮب اﻟﺪاﺋﺮة ،ھﺬه اﻟﻤﺜﻞ اﻟﺘﻲ ﻣﺎ ﺑﺮح واﻟﺪي ﯾﺠﺴﺪھﺎ ﻟﻲ ﻋﻠﻰ ﻣﺪى اﻷﯾﺎم .وﻟﺌﻦ ارﺗﻜﺐ ﺑﻌﺾ اﻟﺸﯿﻮﻋﯿﯿﻦ أﺧﻄﺎءً ﺟﺴﯿﻤﺔ ﻓﻲ ﺳﻌﯿﺮ اﻟﻤﻌﺎرك ،ﻓﺈﻧﻲ ﻋﻠﻰ ﯾﻘﯿﻦ ﺑﺄن ھﺬه اﻷﺧﻄﺎء ﻋﺠﺰت ﻋﻦ إﻃﻔﺎء اﻷﻣﻞ اﻟﺬي ﻻ ﯾﺰال ﯾﻠﺘﻤﻊ ﻓﻲ ﻋﯿﻨﻲ أﺑﻲ. وﻟﻜﻦ ،ﻣﺎ ﺗﺮاه ﯾﻜﻮن ھﺬا اﻟﻤﺜﺎل اﻟﺬي ﻃﺎﻟﻤﺎ ﺟﺬﺑﻨﻲ إﻟﯿﮫ ﻷﻧﺨﺮط ﻓﻲ ﺗﻠﻚ اﻟﺘﺮﺑﯿﺔ اﻟﺴﺎﻟﻔﺔ؟ ﻟﯿﺲ ﺻﺮاع اﻟﻄﺒﻘﺎت ﺑﺎﻟﺘﺄﻛﯿﺪ ،ﺣﺘﻰ وﻟﻮ ﻛﺎن ﯾﻨﻄﻮي ﻓﯿﮫ ،ﺿﻤﻨﺎً ،داﻓﻊ اﻟﺤﺰب ﻟﻺﺷﺘﺮاك ﻓﻲ اﻟﺤﺮب .إﻧﻤﺎ ﻣﺜﺎﻟﻲ ﻓﻜﺮة اﻟﻮﻃﻦ ،ﺑﺨﻼف ﻣﺎ ﯾﻈﻦ اﻟﺒﻌﺾ .ﻓﻠﻤﺎ ﻛﺎن اﻟﺤﺰب ﻣﻨﺬ ﻧﺸﺄﺗﮫ ﻏﯿﺮ ﻣﯿﺎل اﻟﻰ ﺗﻘﺴﯿﻢ اﻟﻤﺠﺘﻤﻊ اﻟﻠﺒﻨﺎﻧﻲ ﺷﺮاﺋﺢ ﻃﺎﺋﻔﯿﺔ ،وﺟﺪﺗﮫ ﯾﻮاﺻﻞ اﻟﻜﻼم ﻋﻦ وﻃﻦ ﻟﻠﺠﻤﯿﻊ ،وﻃﻦ ﯾﻌﺎﻣﻞ ﻓﯿﮫ ﻣﻮاﻃﻨﯿﮫ ﻋﻠﻰ ﻗﺪم اﻟﻤﺴﺎواة ﻓﻲ ﺣﻘﻮﻗﮭﻢ وواﺟﺒﺎﺗﮭﻢ .وﻛﺎن 55
ھﺬا اﻟﺨﻄﺎب اﻟﻮﻃﻨﻲ واﻟﺠﻤﮭﻮري ﯾﻤﺴﻨﻲ ﻓﻲ اﻟﺼﻤﯿﻢ. ﻓﮭﻮ ﯾﻀﺮب ﻋﻠﻰ وﺗﺮ ﻓﻲ ﻧﻔﺴﻲ ،ﻛﺎن آﺧﺬاً ﺑﺎﻻﻧﺤﻼل، ﺑﻔﻌﻞ اﻟﺸﻌﺎرات واﻟﺤﻤﻼت اﻟﺪﻋﺎﺋﯿﺔ ﻟﺸﮭﻮر وﺷﮭﻮر، إﻋﻼءً ﻟﺤﺮوب اﻹﻗﺘﺘﺎل اﻷﺧﻮي .وﻟﮭﺬا ،اﻧﺪﻓﻌﺖ اﻟﻰ اﻹﻧﺘﺴﺎب ﻏﺮﯾﺰﯾﺎً ،وﺑﻤﻞء ﻛﯿﺎﻧﻲ ،ﻋﻀﻮاً ﻓﺎﻋﻼً ﻓﻲ اﻟﺤﺰب .ﻟﺴﺖ ﻓﺘﺎةً ﻣﺴﯿﺤﯿﺔ وﻟﺒﻨﺎﻧﯿﺔ ،إﻧﻤﺎ أﻧﺎ ﻟﺒﻨﺎﻧﯿﺔ ﻓﻲ اﻟﻤﻘﺎم اﻷول ،وﻣﻦ ﺛﻢ أﻧﺘﻤﻲ اﻟﻰ ﻋﺎﺋﻠﺔ أرﺛﻮذﻛﺴﯿﺔ. ﻓﻲ أواﺧﺮ اﻟﺴﺒﻌﯿﻨﯿﺎت ،وﺑﻌﺪ ﺧﻤﺲ ﺳﻨﻮات ﻣﻦ اﻟﻤﻌﺎرك اﻟﻤﺘﻮاﺻﻠﺔ ،ﺑﻠﻐﺖُ ﻓﻲ ﺻﻤﯿﻢ ﻧﻔﺴﻲ اﻟﻰ ﺣﺘﻤﯿﺔ راﺳﺨﺔ، وھﻲ أن ﻟﻠﺒﻨﺎن ﻋﺪواً واﺣﺪاً ،وﻣﺤﺘﻼً أﺣﺪاً أﻻ وھﻮ إﺳﺮاﺋﯿﻞ .وﻓﻲ إدراﻛﻲ أن اﻟﺤﺮب اﻷھﻠﯿﺔ ھﻲ ﻣﺤﺼﻠﺔ ﻃﺒﯿﻌﯿﺔ ﻟﻤﺎ ﻛﻨﺎ ﻓﯿﮫ .ذﻟﻚ أن اﻟﺴﻠﻄﺎت اﻹﺳﺮاﺋﯿﻠﯿﺔ ﻓﻲ ﻧﻈﺮي ﻛﺎﻧﺖ وﻻ ﺗﺰال ﻣﻨﺬ ﻋﻘﻮد ﻃﻮﯾﻠﺔ ﺗﺘﺒﻊ اﻻﺳﺘﺮاﺗﯿﺠﯿﺔ ﻧﻔﺴﮭﺎ ،واﻟﺘﻲ ﺗﻘﻀﻲ ﺑﺎﺣﺘﻼل ﺟﻨﻮب ﻟﺒﻨﺎن، وﺗﻮﺳﯿﻊ ﺣﺪود إﺳﺮاﺋﯿﻞ ﻋﻠﻰ اﻟﺪوام ﻛﻠﻤﺎ أﻣﻜﻦ ﻟﮭﺎ ذﻟﻚ. وﻛﺎن ھﺪف ھﺬه اﻟﺴﻠﻄﺎت واﺿﺤﺎً ،ﺑﻨﻈﺮي ،وھﻮ ﺗﻔﺠﯿﺮ اﻟﻮﺿﻊ ﻓﻲ ﻟﺒﻨﺎن ﻟﯿﺘﺴﻨﻰ ﻟﮭﺎ ﺿﻢ اﻟﻤﺰﯾﺪ ﻣﻦ اﻷراﺿﻲ، وﺑﻐﯿﺔ ﺗﻤﺘﯿﻦ ﻣﻮﻗﻊ اﻟﺪوﻟﺔ اﻟﻌﺒﺮﯾﺔ ﺑﺘﻮﺳﯿﻊ أرﺟﺎﺋﮭﺎ. وﻛﺎن ھﺬا اﻟﺘﮭﺪﯾﺪ اﻟﻜﺎﻣﻦ ﻋﻠﻰ اﻟﺪوام ،ﻣﻦ اﻟﺪوﻟﺔ اﻟﻌﺒﺮﯾﺔ ،ﯾﺸﻜﻞ ﻣﺤﻮر أﺣﺎدﯾﺜﻨﺎ أﯾﺎم اﻟﻤﺮاھﻘﺔ ،ﯾﻮم ﻛﻨﺎ ﻻ ﻧﺨﺸﻰ ﻣﻦ ﺗﺒﻌﺎت ھﺬه اﻷﺣﺎدﯾﺚ وﻻ ﻣﻦ ﺗﺄﺛﯿﺮھﺎ ﻋﻠﻰ ﻣﺴﺘﻘﺒﻠﻨﺎ ﻣﺎ داﻣﺖ ﺗﺠﺮي ﻓﻲ وﺗﯿﺮة ﻏﯿﺮ ﻣﻨﺘﻈﻤﺔ .وﻟﻄﺎﻟﻤﺎ دﻏﺪﻏﺖ ﻣﺸﺎﻋﺮﻧﺎ اﻟﻔﺘﯿﺔ أﻏﺎﻧﻲ ﻣﺎرﺳﯿﻞ ﺧﻠﯿﻔﺔ اﻟﻮﻃﻨﯿﺔ، وھﺪھﺪﺗﻨﺎ ﺻﻐﺎراً .وﻛﺎن أﺧﻮﺗﻲ ﯾﺮددوﻧﮭﺎ ﻣﺮات وﻣﺮات .ﺣﺘﻰ أن ھﺬه اﻷﻏﺎﻧﻲ ﺑﺪت ﻟﻲ ﻋﻠﻰ اﻟﻤﻘﺪار ﻧﻔﺴﮫ ﻣﻦ اﻟﻘﻮة اﻟﺘﻲ ﻓﻲ ﻣﺴﺮﺣﯿﺎت زﯾﺎد اﻟﺮﺣﺒﺎﻧﻲ ،ھﺬا 56
اﻟﺴﺎﻋﻲ اﻟﻰ اﻟﺪﯾﻤﻮﻗﺮاﻃﯿﺔ ﺑﻼ ﻛﻠﻞ .ﻓﻜﺘﺎﺑﺎﺗﮫ اﻟﻤﺘﮭﻜﻤﺔ واﻟﮭﺎزﺋﺔ واﻟﺘﻲ ﺗﻐﻤﺰ ﻣﻦ ﻗﻨﺎة اﻟﻤﺘﻌﺼﺒﯿﻦ ﻣﻦ إﺧﻮاﻧﮫ ﻓﻲ اﻟﻤﻮاﻃﻨﯿﺔ ،ھﺬه اﻟﻜﺘﺎﺑﺎت ذاع ﺻﯿﺘﮭﺎ واﻣﺘﺪ اﻟﻰ اﻟﻌﺎﻟﻢ اﻟﻌﺮﺑﻲ .وﻏﺎﻟﺒﺎً ﻣﺎ أوردت اﻹذاﻋﺎت ﻣﻘﺎﻃﻊ ﻃﻮﯾﻠﺔ ﻣﻦ ﻣﺴﺮﺣﯿﺎﺗﮫ ،وﻣﺜﻠﮭﺎ ﻓﻌﻠﺖ اﻟﻤﺪارس .وھﻲ ﺗﺒﺪي إﻧﻜﺎرھﺎ ﻟﺘﻼﻋﺒﺎت اﻟﺴﯿﺎﺳﺔ وﻣﺮاوﻏﺎت اﻟﺪﯾﺒﻠﻮﻣﺎﺳﯿﺔ اﻟﺘﻲ دﻓﻌﺖ ﺑﻠﺒﻨﺎن اﻟﻰ ﻟﺠﺞ اﻟﮭﻼك ،واﺣﺪة ﺑﻌﺪ أﺧﺮى. ﻓﻲ اﻟﻌﺎم ،1980وﻛﻨﺖ ﻻ أزال ﻓﻲ اﻟﺜﺎﻟﺜﺔ ﻋﺸﺮة، ﺣﺮﺿﺖُ ﻟﻠﻤﺮة اﻷوﻟﻰ ﻓﻲ ﺣﯿﺎﺗﻲ ﺣﻔﻼً ﻟﻸﻏﺎﻧﻲ اﻟﻤﻠﺘﺰﻣﺔ ،وذﻟﻚ ﻓﻲ ﻣﻘﺮ اﻷوﻧﯿﺴﻜﻮ ﺑﺒﯿﺮوت .وﻟﻢ ﯾﻘﺒﻞ اﻟﻤﺴﺎء ﺣﺘﻰ اﻣﺘﻸت اﻟﻘﺎﻋﺔ ﺑﺎﻟﺤﻀﻮر ،اﻟﺬﯾﻦ أﻗﺒﻠﻮا ﻟﺴﻤﺎع ﻣﺎرﺳﯿﻞ ﺧﻠﯿﻔﺔ .وﻛﺎن أﺑﻨﺎء ﻋﻤﻮﻣﺘﻲ وﺑﻨﺎﺗﮭﻢ ﻗﺪ أﻗﻨﻌﻮﻧﺎ ،أﻧﺎ وأﺧﻲ ﻋﻤﺮ وأﺧﺘﻲ ﺑﺎﻟﻤﺠﻲء .وﻣﻊ أﻧﻨﺎ وﺻﻠﻨﺎ اﻟﻰ اﻟﻘﺎﻋﺔ ﻗﺒﻞ اﻓﺘﺘﺎح اﻟﺤﻔﻠﺔ ﺑﺴﺎﻋﺔ ﻟﻢ ﻧﺠﺪ أﻣﺎﻛﻦ ﻟﻠﺠﻠﻮس إﻻ ﺑﺸﻖ اﻟﻨﻔﺲ .وﻣﺎ ﻛﺎد اﻟﻤﻐﻨﻲ ﯾﻄﻞ ﻋﻠﻰ اﻟﻤﺴﺮح ﺣﺘﻰ أﺧﺬ اﻟﺤﻀﻮر ﯾﻠﻮﺣﻮن ﻟﮫ ﺑﺎﻷﻋﻼم واﻟﻤﻨﺎدﯾﻞ وﺑﺎﻷﺛﻮاب اﻟﺤﻤﺮاء .وإذ اﻧﺪﻣﺠﺖُ ﺑﺎﻟﻠﻌﺒﺔ، ﻧﺰﻋﺖُ ﻋﻨﻲ ﺳﺘﺮﺗﻲ اﻟﺤﻤﺮاء ،ورﺣﺖ أﻟﻮح ﺑﮭﺎ ﺑﺪوري. وﻣﺎ أن ﺗﻼﺷﺖ أﺻﺪاء اﻟﮭﺮج ،وﺟﺪﺗﻨﻲ أﺻﯿﺦ اﻟﺴﻤﻊ اﻟﻰ ﻛﻠﻤﺎت اﻷﻏﺎﻧﻲ ،اﻟﺘﻲ ﺑﺪت ﻟﻲ أﻗﻮى وأروع ﻣﻦ ﻛﻞ ﺧﻄﺎب ﺳﯿﺎﺳﻲ .واﻟﺤﺎل أن ﻣﺎرﺳﯿﻞ ﺧﻠﯿﻔﺔ ﻟﻢ ﯾﻦ ﯾﻐﻨﻲ ﻣﻌﺎﻧﺎة ﻛﻞ ﻣﻦ ﺧﺴﺮ أرﺿﮫ وﺑﯿﺘﮫ ،وﺑﺎت رھﯿﻦ اﻟﯿﺄس، ﻣﻦ دون أن ﯾﻤﯿﺰ اﻟﻠﺒﻨﺎﻧﯿﯿﻦ ﻋﻦ اﻟﻔﻠﺴﻄﯿﻨﯿﯿﻦ ﻋﻠﻰ اﻹﻃﻼق ،وﻛﺎن ﯾﻐﻨﻲ ﺣﻨﯿﻦ اﻟﻨﺎس اﻟﻰ ﺣﻘﻮل اﻟﺘﺒﻎ ﻓﻲ ﺟﻨﻮب ﻟﺒﻨﺎن ،واﻟﺘﻲ ﻏﺎدرھﺎ اﻟﻤﺰارﻋﻮن إﺛﺮ اﻟﺤﺮب. وﻛﺎن ﯾﻐﻨﻲ ﺗﺎرﯾﺦ اﻟﺨﯿﺎم اﻟﺘﻲ ﻗﺼﻔﮭﺎ اﻟﻄﯿﺮان اﻹﺳﺮاﺋﯿﻠﻲ ﻋﺎم ،1978وﺳﺎرﻋﺖ اﻟﻤﯿﻠﺸﯿﺎت اﻟﻰ ﻧﮭﺒﮭﺎ. 57
وﻓﻲ ﻣﺎ أذﻛﺮ ،اﻟﻰ ﺣﯿﻨﮫ ﻟﻢ أُﻧﺸﺪ ﺷﻌﺮاً ،وﻟﻮ ﺿﺌﯿﻼً ،ﻓﻲ ﻃﺎﺋﻔﺔ ﻣﻦ اﻟﻄﻮاﺋﻒ أﯾﺎً ﺗﻜﻦ. إﻧﻤﺎ ﻻ ﺗﺰال ﻓﻲ ذاﻛﺮﺗﻲ ﻗﺼﺎﺋﺪ ﻣﻐﻨﺎة ﻟﻠﺒﻨﺎن ،ﺑﻼدﻧﺎ وأرﺿﻨﺎ ،ﻟﮭﺎ وﺣﺪھﺎ ﻟﯿﺲ إﻻ. إﻻ أن اﻟﺴﻨﻮات اﻟﻼﺣﻘﺔ ،وﻻ ﺳﯿﻤﺎ إﺛﺮ دﺧﻮﻟﻲ اﻟﻰ اﻟﺠﺎﻣﻌﺔ ،ﺟﻌﻠﺘﻨﻲ أﺗﺒﯿﻦ ﺑﻮﺿﻮح ﻋﻤﻖ اﻹﻧﻘﺴﺎﻣﺎت اﻟﺘﻲ اﻧﺘﮭﻰ إﻟﯿﮭﺎ ﺷﻌﺒﻨﺎ! وﻓﻲ ھﺬا اﻟﺸﺄن ﻛﺎن اﻻﻧﺘﺼﺎر اﻟﺜﻮرة اﻹﺳﻼﻣﯿﺔ ﻓﻲ إﯾﺮان ،ﻋﺎم ،1979دور ﻓﻲ دﻓﻊ اﻟﺘﯿﺎر اﻹﺳﻼﻣﻲ أﺷﻮاﻃﺎً ﻛﺜﯿﺮة اﻟﻰ اﻷﻣﺎم ﻓﻲ اﻟﺸﺮق اﻷوﺳﻂ، وﻟﻢ ﯾﻜﻦ ﻟﺒﻨﺎن ،وﺑﯿﺮوت ﺗﺤﺪﯾﺪاً ،ﺑﻤﻨﺄى ﻋﻦ ھﺬه اﻟﺘﻐﯿﺮات .ﺑﻞ إن ﻋﻮدة اﻟﺘﯿﺎر اﻹﺳﻼﻣﻲ ﺷﻜﻠﺖ ﻣﺎدة ﻟﻠﺘﻨﺎﻓﺲ ﺑﯿﻦ اﻟﺘﻨﻈﯿﻤﯿﻦ اﻟﺸﯿﻌﯿﯿﻦ ،ﺣﺰب اﷲ اﻟﻤﺪﻋﻮم ﻣﻦ ﻃﮭﺮان ،وﺣﺮﻛﺔ أﻣﻞ .وﻓﻲ ﺣﯿﻦ ﺟﮭﺪ أﻧﺼﺎر ﺣﺰب اﷲ ﻓﻲ ﺗﻌﻠﯿﻖ ﺷﻌﺎرات ﺑﺎﻟﻠﻐﺔ اﻟﻔﺎرﺳﯿﺔ ،ﺗﺼﺪى ﻟﮭﻢ أﻧﺼﺎر ﺣﺮﻛﺔ أﻣﻞ ﻗﺎﺋﻠﯿﻦ ﺑﺄن اﻟﻘﺮآن إﻧﻤﺎ أﻧﺰل ﺑﺎﻟﻠﻐﺔ اﻟﻌﺮﺑﯿﺔ دون ﻏﯿﺮھﺎ .وﻣﺎ ﻟﺒﺜﺖ أن ﻇﮭﺮت أﺻﻮل ﻓﻲ اﻟﻠﺒﺎس ﻣﺤﺎﻓﻈﺔ .وﻛﺎن أن اﻧﻄﻮت ﻋﻮدة اﻷﺳﻠﻤﺔ ھﺬه ﻋﻠﻰ اﻧﺤﺮاﻓﺎت ﻻ ﺗُﻄﺎق ،ﻣﻦ ﻣﺜﻞ اﻻﻏﺘﯿﺎﻻت أو ﺧﻄﻒ اﻟﻤﺜﻘﻔﯿﻦ ،أو ﻗﺬف اﻟﻨﺴﺎء اﻟﻠﻮاﺗﻲ ﯾﺠﺮؤون ﻋﻠﻰ اﻟﻨﺰول ﺑﺜﯿﺎب اﻟﺒﺤﺮ اﻟﻰ اﻟﺸﺎﻃﺊ ﺑﻤﺎدة اﻟﺰاج ﺑﺎﻋﺘﺒﺎر ﺗﺼﺮﻓﮭﻦ ﻏﯿﺮ اﻟﻼﺋﻖ .وﻟﻤﺎ ﻛﻨﺖُ ﻣﻘﺮﺑﺔ ﻣﻦ اﻟﺸﯿﻮﻋﯿﯿﻦ وﺟﺪﺗﻨﻲ ھﺪﻓﺎً ﻟﺒﻌﺾ ھﺬه اﻷﻋﻤﺎل .إذ ﻛﻨﺖُ أﺟﺴﺪ ﺣﺴﺎً ﺑﺎﻹﺧﺘﻼط رأﺗﮫ اﻟﺘﯿﺎرات اﻹﺳﻼﻣﯿﺔ اﻟﻤﺘﺸﺪدة ﺷﺄﻧﺎً ﯾﻨﺒﻐﻲ إزاﻟﺘﮫ: ﻣﻤﺎرﺳﺔ اﻟﺮﯾﺎﺿﺔ وﻟﻌﺒﺔ اﻟﺸﻄﺮﻧﺞ اﻟﺘﻲ أُﺟﻦ ﺑﮭﺎ وأﺣﺐ أن ﯾﻘﺎﺳﻤﻨﻲ إﯾﺎھﺎ أﺻﺪﻗﺎﺋﻲ ﻓﻲ اﻟﻜﻠﯿﺔ وﻃﻼﺑﻲ ،ﺣﺘﻰ ﺻﺮتُ ھﺪﻓﺎً ﻟﻠﺘﮭﺪﯾﺪ ﺑﺎﻟﻤﻮت ﻣﻦ ﻗﺒﻞ ﺷﺒﺎن ﺣﺮﻛﺔ أﻣﻞ. 58
وﻣﺎ ﻛﺎن ذﻟﻚ اﻟﻮﺿﻊ اﻟﻌﺒﺜﻲ ﻋﻠﻰ ﻗﺴﻮﺗﮫ ،ﻟﯿﺤﻮل دون اﻧﺨﺮاﻃﻲ ﻓﻲ ﺻﻔﻮف اﻟﻤﻘﺎوﻣﺔ واﻟﻨﻀﺎل ﺗﺤﺖ ﻟﻮاﺋﮭﺎ.
59
اﻻﺟﺘﯿﺎح ﻟﻢ أﺣﺘﻔﻞ ﯾﻮﻣﺎً ﺑﻌﯿﺪ ﻣﯿﻼدي.
وﻻ ﺳﯿﻤﺎ ذﻟﻚ اﻟﻌﯿﺪ اﻟﺬي ﺑﻠﻐﺖُ ﻓﯿﮫ اﻟﺨﺎﻣﺴﺔ ﻋﺸﺮة، ﻓﺎﻟﺨﺎﻣﺲ ﻋﺸﺮ ﻣﻦ ﺣﺰﯾﺮان /ﯾﻮﻧﯿﻮ ،ﻓﻲ اﻟﻌﺎم ،1982 ﻟﻢ ﯾﻜﻦ ﺟﺪﯾﺮاً ﺑﺄي اﺣﺘﻔﺎل ،وﻛﻨﺎ ﻧﻌﺪ اﻟﻌﺪة ﻟﻤﻐﺎدرة ﺑﯿﺘﻨﺎ ﻓﻲ اﺗﺠﺎه ﻣﻨﻔﻰ آﺧﺮ ﻓﻲ اﻟﺠﻨﻮب .وﻛﺎن أﻋﺪاﺋﻲ ﻋﻠﻰ ﻣﺪى ﻧﻈﺮي :اﻹﺳﺮاﺋﯿﻠﯿﻮن ﯾﻌﺴﻜﺮون ﻟﺪى ﺑﻮاﺑﺔ ﻣﺪﯾﻨﺘﻲ ﻣﻨﺘﺼﺮﯾﻦ. ﻛﻞ ﺷﻲء ﺑﺪأ ﻷﯾﺎم ﻗﻠﯿﻠﺔ ﺧﻠﺖ ﻓﻲ ﻟﻨﺪن .ﻓﻔﻲ ﻟﯿﻞ اﻟﺜﺎﻟﺚ واﻟﺮاﺑﻊ ﻣﻦ ﺣﺰﯾﺮان /ﯾﻮﻧﯿﻮ ،ﺗﻌﺮض اﻟﺪﯾﺒﻠﻮﻣﺎﺳﻲ اﻹﺳﺮاﺋﯿﻠﻲ اﻟﻤﻌﺘﻤﺪ ﻟﺪى ﺑﺮﯾﻄﺎﻧﯿﺎ ،ﺷﻠﻮﻣﻮ أرﻏﻮف، ﻻﻋﺘﺪاء ﻣﺴﻠﺢ ،وﻛﺎﻧﺖ إﺻﺎﺑﺘﮫ ﺑﺎﻟﻐﺔ .وﻟﻠﺤﺎل ،اﺗﮭﻢ اﻹﺳﺮاﺋﯿﻠﯿﻮن ﻣﻨﻈﻤﺔ اﻟﺘﺤﺮﯾﺮ اﻟﻔﻠﺴﻄﯿﻨﯿﺔ ﺑﺄﻧﮭﺎ وراء اﻟﻌﻤﻠﯿﺔ ،ﻋﻠﻰ اﻟﺮﻏﻢ ﻣﻦ أن اﻟﻤﻨﻈﻤﺔ أداﻧﺘﮭﺎ وأﻧﻜﺮت أن ﯾﻜﻮن ﻟﺮﺟﺎﻟﮭﺎ أي ﺻﻠﺔ ﺑﮭﺎ .وﻛﻤﺎ ﺑﺎت ﻣﺄﻟﻮﻓﺎً ،ردت إﺳﺮاﺋﯿﻞ ﺑﺎﻋﺘﺪاءات واﺳﻌﺔ ﻃﺎوﻟﺖ ﺟﻨﻮب ﻟﺒﻨﺎن .وﻓﻲ ﻣﻘﺎﺑﻞ ذﻟﻚ ،ﻋﻤﺪت ﻣﻨﻈﻤﺔ اﻟﺘﺤﺮﯾﺮ اﻟﻰ ﻗﺼﻒ اﻟﺠﻠﯿﻞ اﻷﻋﻠﻰ .وﻟﻤﺎ ﻛﺎن ﻟﺒﻨﺎن ﻣﺘﺮﺋﺴﺎً دورة ﻣﺠﻠﺲ اﻷﻣﻦ، ﺻﺪر ﻋﻨﮫ إﻋﻼن ﯾﺪﻋﻮ اﻟﻔﺮﻗﺎء اﻟﻰ وﻗﻒ إﻃﻼق اﻟﻨﺎر، ﻏﯿﺮ أن اﻷﻣﻮر ﺟﺮت ﻋﻠﻰ اﻟﻌﻜﺲ ﺗﻤﺎﻣﺎً ،إذ دﺧﻠﺖ اﻟﺪﺑﺎﺑﺎت اﻹﺳﺮاﺋﯿﻠﯿﺔ ﺑﻘﯿﺎدة أرﯾﯿﻞ ﺷﺎرون اﻟﻰ ﺑﻼدي ﻓﻲ اﻟﺨﺎﻣﺲ ﻣﻦ ﺷﮭﺮ ﺣﺰﯾﺮان /ﯾﻮﻧﯿﻮ وﺑﺪأت ﻋﻤﻠﯿﺔ ﻣﺎ ﺳُﻤﻲ "ﺑﺴﻼﻣﺔ اﻟﺠﻠﯿﻞ".
60
ﻓﻲ اﻟﺒﺪء ،ﻟﻢ ﺗﻜﻦ أﺧﺒﺎر اﻻﺟﺘﯿﺎح اﻟﺠﺪﯾﺪ ﻟﺘُﺤﺪث أي ذﻋﺮ ﻟﺪى أھﻞ ﺑﯿﺮوت .إذ ﻛﺎن اﻟﺴﺄم ﺑﻠﻎ ﺑﻨﺎ ﺣﺪه ،ﻷﻧﮫ ﻟﻢ ﺗﻜﻦ اﻟﻤﺮة اﻷوﻟﻰ أو اﻷﺧﯿﺮة اﻟﺘﻲ دﺧﻠﺖ ﻓﯿﮭﺎ إﺳﺮاﺋﯿﻞ اﻟﻰ اﻷراﺿﻲ اﻟﻠﺒﻨﺎﻧﯿﺔ .وﻋﻠﻰ اﻟﺮﻏﻢ ﻣﻦ اﻟﻮﺳﺎﺋﻞ ﻏﯿﺮ اﻻﻋﺘﯿﺎدﯾﺔ اﻟﺘﻲ اﺳﺘﺨﺪﻣﮭﺎ اﻟﻤﺠﺘﺎﺣﻮن ،ﻟﻢ ﯾﺸﻌﺮﻧﺎ ذﻟﻚ ﺑﺎﻟﺨﻄﺮ اﻟﺪاھﻢ .وﻛﺎن ﺛﻤﺔ ﯾﻘﯿﻦ راﺳﺦ ﻟﺪى أﻏﻠﺒﯿﺔ رﺟﺎل اﻟﺴﯿﺎﺳﺔ اﻟﻠﺒﻨﺎﻧﯿﯿﻦ ﺑﺄن اﻹﺳﺮاﺋﯿﻠﯿﯿﻦ ﯾﺰﻣﻌﻮن اﻟﺘﻘﺪم اﻟﻰ ﻋﻤﻖ اﻟﺠﻨﻮب اﻟﻠﺒﻨﺎﻧﻲ ﻟﻐﺎﯾﺔ ﺗﻄﮭﯿﺮ اﻟﺠﯿﻮب اﻟﺘﻲ ﯾﺸﻜّﻮن ﻓﻲ أﻧﮭﺎ ﻣﺨﺎﺑﺊ ﻟﻠﻤﻘﺎﺗﻠﯿﻦ اﻟﻔﻠﺴﻄﯿﻨﯿﯿﻦ ،إﻻ أﻧﮭﻢ ﺳﻮف ﯾﺮﺗﺪون اﻟﻰ ﻣﺎ وراء ﺣﺪودھﻢ ،ﺗﺎرﻛﯿﻦ أﻣﺮ ﺣﻤﺎﯾﺔ ﺣﺪودھﻢ ﻟﻠﻤﯿﻠﯿﺸﯿﺎت اﻟﺘﻲ ﺗﺸﻜﻞ ﻟﮭﻢ ﺻﻤﺎم اﻷﻣﺎن. ﻣﻊ ذﻟﻚ ،ﻛﺎن ﻓﻲ ﺑﯿﺮوت اﻟﻐﺮﺑﯿﺔ أﺷﺨﺎص ﯾﺘﻨﺒﺄون ﺑﺄن اﻹﺳﺮاﺋﯿﻠﯿﯿﻦ ﺳﻮف ﯾﻘﻮﻣﻮن ﺑﺎﺟﺘﯿﺎح ﻛﺒﯿﺮ ﺑﻐﯿﺔ ﺗﺼﻔﯿﺔ ﺣﺴﺎﺑﮭﻢ اﻟﻨﮭﺎﺋﻲ ﻣﻊ اﻟﻔﻠﺴﻄﯿﻨﯿﯿﻦ ،وﻛﺎن ﻣﻦ ﺑﯿﻦ ھﺆﻻء اﻟﻤﺘﻨﺒﺌﯿﻦ اﻟﺤﺰب اﻟﺸﯿﻮﻋﻲ اﻟﻠﺒﻨﺎﻧﻲ .ﻓﺈذا اﻟﻮﻗﺎﺋﻊ ﺗﺜﺒﺖ ﻣﺨﺎوﻓﮭﻢ وﺗﻮﻗﻌﺎﺗﮭﻢ :وﻣﻀﯿﻨﺎ ﻧﺸﮭﺪ ﻋﻠﻰ ﻣﺮ اﻟﺴﺎﻋﺎت اﻟﻄﻮﯾﻠﺔ ﻓﻲ ذﻟﻚ اﻟﻨﮭﺎر ﻣﺎ ﺑﺪا ﻟﻨﺎ ﻋﺼﯿﺎً ﻋﻠﻰ اﻟﺘﺼﺪﯾﻖ. إذ رأﯾﻨﺎ ﺟﯿﺶ اﻟﺪﻓﺎع اﻹﺳﺮاﺋﯿﻠﻲ ﯾﺘﺨﺬ ﻟﮫ ﻣﻮاﻗﻊ ﺛﻢ ﻻ ﯾﻠﺒﺚ أن ﯾﺘﻘﺪم .وأﻋﺎﻧﺖ ﺗﻘﺪم اﻟﻘﻮات اﻹﺳﺮاﺋﯿﻠﯿﺔ اﻟﺒﺮﯾﺔ ﻗﻮات أُﻧﺰﻟﺖ ﻣﻦ اﻟﺴﻔﻦ اﻟﺤﺮﺑﯿﺔ ،ﻓﺠﻌﻠﺖ ﺗﺤﯿﻂ ﺑﺎﻟﻔﺪاﺋﯿﯿﻦ وﺑﺤﻠﻔﺎﺋﮭﻢ اﻟﻘﻮات اﻟﻤﺸﺘﺮﻛﺔ .وﻗﺮﯾﺒﺎً ﻣﻦ دﯾﺮ ﻣﯿﻤﺎس، ﺳﻘﻄﺖ ﻗﻠﻌﺔ اﻟﺸﻘﯿﻒ ﻓﻲ أﯾﺪي ھﺬه اﻟﻘﻮات اﻟﻤﮭﺎﺟﻤﺔ. واﻧﻄﻠﻘﺖ ﻗﻮاﻓﻞ اﻟﻤﺪرﻋﺎت ﺷﻤﺎﻻً ﺑﺎﺗﺠﺎه ﺑﯿﺮوت ،ﻣﻦ دون أن ﺗﻌﺎﻟﺞ ﺑﻌﺾ ﺟﯿﻮب اﻟﻤﻘﺎوﻣﺔ ﻓﻲ ﻃﺮﯾﻘﮭﺎ اﻟﻤﻈﻔﺮ ذاك.
61
وأﺧﺬ اﻟﻤﻮاﻃﻨﻮن اﻟﻠﺒﻨﺎﻧﯿﻮن ﻣﻦ ﺳﻜﺎن ﺑﯿﺮوت اﻟﻐﺮﺑﯿﺔ، وﻗﺪ ﺗﻤﺎﻟﻜﻮا أﻧﻔﺴﮭﻢ ،ﯾﻌﺪون اﻟﻌﺪة ﻟﺤﺼﺎر ﻣﺤﺘﻤﻞ ،ﻣﻦ دون أن ﯾﻌﻮا ﺣﻘﯿﻘﺔ ﻣﺎ ﯾﺠﺮي .وﻛﺎﻧﺖ ﻋﻤﻠﯿﺎت اﻟﻘﺼﻒ اﻟﻤﺘﺒﺎدل ﺑﯿﻦ أﺣﯿﺎء اﻟﻤﻨﻄﻘﺘﯿﻦ اﻟﻐﺮﺑﯿﺔ واﻟﺸﺮﻗﯿﺔ ازدادت ﻋﻨﻔﺎً وﺷﺮاﺳﺔ ﻓﻲ اﻷﺷﮭﺮ اﻷﺧﯿﺮة ،ﻓﺄﺟﺒﺮﺗﻨﺎ ﻋﻠﻰ اﻟﺘﻌﺎﯾﺶ ﻣﻌﮭﺎ .ﻏﯿﺮ أن ﺣﯿﺎﺗﻨﺎ اﻟﯿﻮﻣﯿﺔ ،ﺑﻘﺪوم اﻟﻘﻮات اﻹﺳﺮاﺋﯿﻠﯿﺔ ،ﺻﺎرت ﻻ ﺗﻄﺎق .ﻓُﻘﺪَ اﻟﺨﺒﺰ ﻣﻦ اﻷﺳﻮاق ﻷﯾﺎم ﻏﯿﺮ ﻗﻠﯿﻠﺔ ،واﻣﺘﻸت اﻟﻤﺴﺘﺸﻔﯿﺎت ﺑﺎﻟﻤﺮﺿﻰ اﻟﻤﺼﺎﺑﯿﻦ ،وﻟﻢ ﺗﻌﺪ أﻋﺪاد اﻟﻤﻤﺮﺿﺎت ﻛﺎﻓﯿﺔ ،وازداد اﻟﻨﻘﺺ ﻓﻲ اﻷﺳﺮة .وﺑﺈﺻﺮار ﻣﻦ اﻟﺼﻠﯿﺐ اﻷﺣﻤﺮ ﻋﻤﺪتُ ﻣﻊ ﺑﻌﺾ اﻷﺻﺪﻗﺎء ﻓﻲ اﻹﺗﺤﺎد اﻟﻰ ﺗﻮزﯾﻊ اﻹﻋﺎﻧﺎت ﻋﻠﻰ ذوي اﻟﺤﺎﺟﺔ ﻣﻦ اﻟﻤﮭﺠﺮﯾﻦ اﻟﺬﯾﻦ أُﺳﻜﻨﻮا ﻋﻠﻰ ﻋﺠﻞ ﻓﻲ ﻣﺪرﺳﺔ ﻣﺼﺎدرة ﻟﮭﺬه اﻟﻐﺎﯾﺔ. واﺷﺘﺪ اﻟﺘﻮﺗﺮ ﺑﻞ راح ﯾﺰداد ﻛﻠﻤﺎ ﺗﻘﺪﻣﺖ أرﺗﺎل اﻟﺪﺑﺎﺑﺎت اﻹﺳﺮاﺋﯿﻠﯿﺔ واﻗﺘﺮﺑﺖ ﻣﻦ اﻟﻌﺎﺻﻤﺔ. ﻟﻠﻤﺮة اﻷوﻟﻰ ﻓﻲ ﺣﯿﺎﺗﻲ أراﻧﻲ ﻓﻲ ﻣﻮاﺟﮭﺔ ﻋﺪوي .وإذ ﻏﺸﯿﺘﻨﻲ ھﺬه اﻟﻔﻜﺮة ،ﺻﺮت أﺗﺮﺟﺢ ﺑﯿﻦ اﻟﺨﻮف ﻣﻨﮫ وﺗﺤﺪﯾﮫ .وﻓﻲ ﺣﯿﻦ ﻛﺎن ﺳﻜﺎن اﻟﻤﺪﯾﻨﺔ ﻗﺪ ﺗﻮاروا ﻓﻲ اﻟﻤﻼﺟﺊ ،ﻛﻨﺎ ﻧﻤﻀﻲ ،أﻧﺎ ورﻓﺎﻗﻲ .ﻟﻠﻌﺐ ﺑﻜﺮة اﻟﺴﻠﺔ ﻏﯿﺮ ﺑﻌﯿﺪ ﻋﻦ اﻟﻘﺬاﺋﻒ اﻟﻤﺘﺴﺎﻗﻄﺔ ھﻨﺎ وھﻨﺎك .وﻛﻨﺖ أﺑﻄﺊ اﻟﺨﻄﻮ ﻛﻠﻤﺎ ﻋﻤﺖ اﻹﺳﺘﻨﻔﺎرات وﻓﺮﻏﺖ اﻟﺸﻮارع ﻣﻦ اﻟﻨﺎس ﻛﻠﯿﺎً. ﺑﺪت اﻟﻤﻌﺮﻛﺔ ،وﻋﻠﻰ اﻟﺮﻏﻢ ﻣﻦ ﻛﻞ اﻹﺳﺘﻨﻔﺎرات ،ﻏﯿﺮ ﻣﺘﻜﺎﻓﺌﺔ .وﻟﻢ ﺗﺪم اﻹﺷﺘﺒﺎﻛﺎت ﺑﯿﻦ اﻟﻔﺮق اﻹﺳﺮاﺋﯿﻠﯿﺔ واﻟﻘﻮات اﻟﻔﻠﺴﻄﯿﻨﯿﺔ واﻟﻠﺒﻨﺎﻧﯿﺔ اﻟﻤﺸﺘﺮﻛﺔ ،إﻻ ﺳﺎﻋﺎت. 62
إذاً ،ﻛﺎن ﻟﻘﻮات ﺟﯿﺶ اﻟﺪﻓﺎع اﻹﺳﺮاﺋﯿﻠﻲ أن ﺗﺘﻘﺪم ﺳﺎﺣﻘﺔ ﻋﻠﻰ ﻧﺤﻮ ﻻ ﯾﺮﺣﻢ وﻟﺌﻦ ﺑﺎت ھﺬا اﻟﺠﯿﺶ ﯾﺘﮭﺪد اﻟﻮﺟﻮد اﻟﻌﺴﻜﺮي اﻟﺴﻮري ﻓﻲ ﻟﺒﻨﺎن ،ﻓﺈن اﻟﻤﻌﺎرك اﻟﺘﻲ ﺗﻮاﻟﺖ ﻓﺼﻮﻟﮭﺎ ﺑﯿﻦ اﻟﻄﺮﻓﯿﻦ ﺳﺮﻋﺎن ﻣﺎ رﺟﺤﺖ ﻛﻔﺔ ﺟﯿﺶ اﻟﺪﻓﺎع .وﻟﻤﺎ ﻛﺎن اﻟﻄﯿﺮان اﻟﺴﻮري ﻗﺪ ﻣُﻨﻲ ﺑﺨﺴﺎﺋﺮ ﻓﺎدﺣﺔ ﻓﻲ ﺻﻔﻮﻓﮫ ،ﺟﻌﻞ ﯾُﺨﻠﻲ اﻟﻤﺠﺎل اﻟﺠﻮي ﻋﻤﻠﯿﺎً، ﻟﻄﯿﺮان اﻟﻌﺪو .أﻣﺎ ﻓﻲ اﻟﻤﺠﺎل اﻟﺒﺮي ،ﻓﻘﺪ أُﺻﯿﺒﺖ اﻟﻔﺮق اﻟﺴﻮرﯾﺔ اﻟﻤﺪرﻋﺔ إﺻﺎﺑﺎت ﻛﺒﯿﺮة ﻓﺎﻧﺪﺣﺮت .وﻓﻲ اﻟﻨﺎﺣﯿﺔ اﻟﻐﺮﺑﯿﺔ ،أﻏﺎرت اﻟﻘﻮات اﻹﺳﺮاﺋﯿﻠﯿﺔ ﻋﻠﻰ ﺧﻠﺪة ،وھﻲ ﺑﻮاﺑﺔ ﺑﯿﺮوت اﻟﺠﻨﻮﺑﯿﺔ .ﻏﯿﺮ أن اﻟﮭﺠﻮم ﻟﻢ ﯾﺴﻔﺮ ﻋﻦ ﺗﻘﺪم ﻇﺎھﺮ ﻟﮭﺎ .واﺷﺘﺪ اﻟﻀﻐﻂ ،وﻋﺒﺜﺎً ﺗﻮاﺻﻠﺖ إﻋﻼﻧﺎت وﻗﻒ إﻃﻼق اﻟﻨﺎر ﻋﻠﻰ ﻣﺪى اﻷﯾﺎم ﻓﻲ ﺷﮭﺮ ﺣﺰﯾﺮان / ﯾﻮﻧﯿﻮ .أﻣﺎ ﺟﺒﻞ ﻟﺒﻨﺎن ﻓﻜﺎن ﻋﺮﺿﺔً ﻟﻠﻘﺼﻒ اﻟﺜﻘﯿﻞ ﻣﻦ اﻟﻤﺪﻣﺮة اﻷﻣﯿﺮﻛﯿﺔ "ﻧﯿﻮﺟﺮﺳﻲ" ،اﻟﺘﻲ ﻛﺎﻧﺖ ﺗﺮﺳﻮ ﻓﻲ ﻋﺮض اﻟﺒﺤﺮ ﻗﺒﺎﻟﺔ ﺑﯿﺮوت ،ﺑﻌﺪ أن ﻛﻠﻔﺘﮭﺎ واﺷﻨﻄﻦ ﺑﻤﮭﻤﺔ اﻟﺪﻋﻢ ﻓﻲ ﺳﺎﺣﺔ اﻟﻤﻌﺮﻛﺔ ھﺬه .وﻻ ﺷﻚ أن ھﺬا اﻟﺪوي اﻟﮭﺎﺋﻞ اﻟﺬي ﻣﺎ ﺑﺮﺣﺖ ﻣﺪاﻓﻊ اﻟﻤﺪﻣﺮة ﺗﺼﺪره ﻛﺎن ﺟﺪﯾﺪاً ﻋﻠﯿﻨﺎ .ورﺣﺖُ أﺳﺎﺋﻞ ﻧﻔﺴﻲ :ﻛﯿﻒ ﯾﻤﻜﻦ ﻟﻠﻨﺎس ﻓﻲ اﻟﺠﺒﺎل أن ﯾﺼﻤﺪوا ﺣﯿﺎل ھﺬا اﻟﺪوي اﻟﻤﺮﻋﺐ واﻟﻘﺎﺗﻞ؟ وﺑﻌﺪ ﺣﯿﻦ ،ﻋﻤﺪت اﻟﻔﺮق اﻹﺳﺮاﺋﯿﻠﯿﺔ اﻟﻰ اﻹﻟﺘﻔﺎف ﻋﻠﻰ ﺑﯿﺮوت اﻟﻐﺮﺑﯿﺔ ،ﻓﺪﺧﻠﺖ اﻟﻘﻄﺎع اﻟﺸﺮﻗﻲ ﻣﻨﮭﺎ ،اﻟﺬي ﻛﺎن ﺗﺤﺖ ﺳﯿﻄﺮة اﻟﻜﺘﺎﺋﺒﯿﯿﻦ ،ﻣﻦ ﻏﯿﺮ ﻗﺘﺎل .ﺣﺘﻰ إذا ﺗﻤﺮﻛﺰت ھﺬه اﻟﻘﻮات ﻋﻠﻰ ﺧﻄﻮط اﻟﺘﻤﺎس اﻟﻘﺪﯾﻤﺔ، وﺻﺎرت ﺑﯿﺮوت اﻟﻐﺮﺑﯿﺔ ﻣﺤﺎﻃﺔ ﺑﻤﺎ ﯾﺸﺒﮫ اﻟﻜﻤﺎﺷﺔ، أﻧﮭﺎﻟﺖ اﻟﻘﺬاﺋﻒ ﻣﻦ اﻟﻌﯿﺎرات اﻟﺜﻘﯿﻠﺔ ﻟﻠﻐﺎﯾﺔ ﻋﻠﯿﮭﺎ، وﺷﺎرﻛﺖ ﻛﻞ ﻗﻄﺎﻋﺎت اﻟﺴﻼح اﻟﺒﺮﯾﺔ واﻟﺠﻮﯾﺔ واﻟﺒﺤﺮﯾﺔ
63
ﻟﺪى اﻟﻌﺪو ﺑﺎﻟﻘﺼﻒ .وﻛﺎﻧﺖ اﻷرض ﺗﺰﻟﺰل ﺗﺤﺖ أﻗﺪاﻣﻨﺎ ﻛﻠﻤﺎ ﺳﻘﻄﺖ ﻗﺬﯾﻔﺔ أو ﺻﺎروخ ﻣﺘﻮﺳﻂ اﻟﻤﺪى. وﻟﻢ ﯾﻘﺒﻞ اﻟﺮاﺑﻊ ﻋﺸﺮ ﻣﻦ ﺣﺰﯾﺮان /ﯾﻮﻧﯿﻮ ﻋﺸﯿﺔ ﻣﻮﻟﺪي ﺣﺘﻰ ﺻﺮﻧﺎ ﻣﺤﺎﺻﺮﯾﻦ ﻋﻤﻠﯿﺎً. وﻓﻲ ھﺬه اﻷﺛﻨﺎء ﺗﻮﻟﻰ ﻋﻤﻲ إﺑﻌﺎدﻧﺎ ﻋﻦ أﺟﻮاء اﻟﻤﻌﺎرك. ﻣﺎ دام ﯾﺴﺘﺤﯿﻞ ﻋﻠﻰ واﻟﺪي أن ﯾﻐﺎدر اﻟﻤﻜﺎن ﻓﻲ ﻇﻞ ھﺬه اﻟﻈﺮوف ،ﻛﻤﺎ ﯾﺴﺘﺤﯿﻞ ﻋﻠﯿﮫ أن ﯾﺒﻘﻲ ﻋﺎﺋﻠﺘﮫ ﻓﻲ ﺣﺎل اﻟﺨﻄﺮ اﻟﺤﺘﻤﻲ .ﻛﺬﻟﻚ ،رأﯾﺖ واﻟﺪﺗﻲ أﺷﺪ إﺻﺮاراً ﻋﻠﻰ ﻋﺪم اﻟﺒﻘﺎء .وﻛﺎن اﻹﺳﺮاﺋﯿﻠﯿﻮن رﻣﻮا ﻓﻲ ﻟﯿﻞ 27و 28 ﻣﻦ ﺣﺰﯾﺮان /ﯾﻮﻧﯿﻮ ﺑﻤﻨﺎﺷﯿﺮ ﻓﻮق ﺑﯿﺮوت اﻟﻐﺮﺑﯿﺔ، ﻣﺨﻄﺮﯾﻦ اﻟﻨﺎس ﻓﯿﮭﺎ ،ﻋﻠﻰ ﻧﺤﻮ ﻣﺎ ﻓﻌﻠﻮا ﻓﻲ دﯾﺮ ﻣﯿﻤﺎس ﻟﺴﻨﻮات ﺧﻠﺖ ،ﺑﻀﺮورة ﻣﻐﺎدرة اﻟﻤﺪﯾﻨﺔ ﺣﻔﺎﻇﺎً ﻋﻠﻰ أرواﺣﮭﻢ .وﻣﺎ ﻛﺎد ﺻﺒﺎح اﻟﯿﻮم اﻟﺘﺎﻟﻲ ﯾﺸﻖ أﻧﻮاره ﺣﺘﻰ رأﯾﺖ ﺳﯿﻼً ﻻ ﯾﻨﺘﮭﻲ ﻣﻦ اﻟﺒﺸﺮ اﻟﻨﺎزﺣﯿﻦ ﻣﻦ ﺑﯿﺮوت اﻟﻐﺮﺑﯿﺔ ،وﻛﻨﺖ ﻣﺤﻤﻮﻟﺔً ﻓﻲ ﺧﻀﻤﮫ ﻋﻠﻰ اﻟﺮﻏﻢ ﻣﻨﻲ وﻣﻦ ﺟﺴﺪي .وﻣﻊ ذﻟﻚ ،ﻟﻢ ﻧﻜﻦ ﻓﻲ اﻟﮭﻢ ﺳﻮاء .ﻓﺎﻷﻏﻨﯿﺎء ﻛﺎﻧﻮا اﻷﺳﺒﻖ اﻟﻰ ﻣﻐﺎدرة ﺑﯿﺮوت ،ﺑﺎﻟﻄﺎﺋﺮة ،أو ﺑﺴﯿﺎراﺗﮭﻢ .أﻣﺎ اﻟﺬﯾﻦ ﺑﻘﻮا ﺣﯿﺚ ھﻢ ﻓﻜﺎﻧﻮا ﻣﻦ اﻟﻔﻠﺴﻄﯿﻨﯿﯿﻦ ،ﺑﺎﻟﻄﺒﻊ ،وﻣﻦ اﻟﻠﺒﻨﺎﻧﯿﯿﻦ اﻷﺷﺪ ﻓﻘﺮاً ،أو اﻟﺬﯾﻦ ﻻ ﯾﺠﺪون ﻟﮭﻢ أي رﻛﻦ أو ﻣﻠﺠﺄ ﻓﻲ اﻟﺒﻼد ﻛﻠﮭﺎ. وﻛﺎن رﺣﯿﻠﻲ ﻋﻦ ﺑﯿﺮوت ﻧﻮﻋﺎً ﻣﻦ اﻟﺘﻤﺰق ،واﻟﻤﻐﺎدرة، واﻟﻔﺮار .وﻛﺎن ﻟﻲ ،ﻛﺬﻟﻚ ،ﻧﻮﻋﺎً ﻣﻦ اﻟﮭﺰﯾﻤﺔ .وﻇﻠﻠﺖُ أﻋﺎﻧﺪ ﺑﻜﻞ ﻣﺎ أوﺗﯿﺖ ﻣﻦ ﻗﻮة .ورﺣﺖ أﻗﻮل ﻓﻲ ﺳﺮي: ﯾﺠﺐ أن أﺑﻘﻰ ﺣﯿﺚ أﻧﺎ وﺣﺘﻰ اﻟﻨﮭﺎﯾﺔ ،ﻓﻲ ﻣﻨﺰﻟﻲ.
64
ﺑﯿﺪ أن واﻟﺪﺗﻲ ھﯿﺄت ﻧﻔﺴﮭﺎ ﻟﻤﻐﺎدرة ﻣﻨﺰﻟﻨﺎ ،ﻟﻢ ﺗﻜﻦ إرادﺗﻲ ﻟﺘﻌﻨﻲ ﻟﮭﺎ اﻟﺸﻲء اﻟﻜﺜﯿﺮ .وﺑﺪون أن ﺗﻨﺎﻗﺸﻨﻲ ﻓﻲ رﻏﺒﺘﻲ أﻣﺮﺗﻨﻲ ﺑﺄن أﻟﺤﻖ ﺑﮭﻢ ،ھﻲ وأﺧﺘﻲ وأﺧﻲ وﻋﻤﻲ ﺻﺒﺤﻲ .ﻛﺎن ﯾﻨﺒﻐﻲ ﻟﻨﺎ أن ﻧﻐﺎدر اﻟﻤﻜﺎن ،وﻓﯿﻤﺎ ﻛﻨﺎ ﺧﺎرﺟﯿﻦ إﺷﺘﺮﻃﺖُ ﻋﻠﻰ واﻟﺪﺗﻲ ﻋﺪم اﻟﻤﺒﯿﺖ ﻓﻲ اﻟﻘﻄﺎع اﻟﺸﺮﻗﻲ اﻟﻤﺴﯿﺤﻲ ،ﻓﻲ ﻧﻮع ﻣﻦ اﻟﺘﻨﺎزل اﻟﺰھﯿﺪ .ذﻟﻚ أﻧﮫ ﺗﻮﺟﺐ ﻋﻠﯿﻨﺎ إﺟﺘﯿﺎز اﻟﻤﻨﻄﻘﺔ اﻟﺘﻲ ﻏﺪت ﻣﻤﺮاً ﻟﻺﺳﺮاﺋﯿﻠﯿﯿﻦ ،ﺗﯿﺴّﺮ ﻟﮭﻢ ﻣﻦ ﺧﻼﻟﮫ اﻟﺴﯿﻄﺮة ﻋﻠﻰ اﻟﻤﺪﯾﻨﺔ. ﻛﺎﻧﺖ ﺗﻠﻚ اﻟﻤﺮة اﻷوﻟﻰ ،ﻣﻨﺬ زﻣﻦ ﺑﻌﯿﺪ ،ﺗﻄﺄ ﻓﯿﮭﺎ ﻗﺪﻣﺎي ﺑﯿﺮوت اﻟﺸﺮﻗﯿﺔ ،ﺑﻌﺪ أن اﺟﺘﺰﻧﺎ ﺧﻂ اﻟﺘﻤﺎس اﻟﻤﻔﺘﻮح اﺳﺘﺜﻨﺎﺋﯿﺎً اﻟﻰ اﻟﻐﺮب ،ﻷﺟﻞ أن ﯾﺴﺘﻜﻤﻞ اﻹﺟﺘﯿﺎح ﺧﻄﻄﮫ. ﻛﻨﺖُ ﺟﺎﻟﺴﺔً ﻋﻠﻰ اﻟﻤﻘﻌﺪ اﻟﺨﻠﻔﻲ ﻣﻦ اﻟﺴﯿﺎرة ﻟﻤﺎ ﻋﺒﺮت ﺑﻨﺎ ﻣﻤﺮ اﻟﻤﺘﺤﻒ اﻟﻤﺮﯾﻊ ،واﻟﻘﺎﺋﻢ ﻋﻠﻰ ﻣﻘﺮﺑﺔ ﻣﻦ ﻗﺼﺮ اﻟﺼﻨﻮﺑﺮ ،ﻓﻲ ﺣﯿﻦ ﻣُﻨﻊ اﻟﻔﻠﺴﻄﯿﻨﯿﻮن ﻣﻦ ﻋﺒﻮره ﻣﻨﻌﺎً ﺑﺎﺗﺎً .ﺣﺘﻰ إذا ﺑﻠﻐﻨﺎ اﻟﺠﺎﻧﺐ اﻵﺧﺮ ﻣﻦ اﻟﻤﺘﺤﻒ ،ﻃﺎﻟﻌﻨﺎ ﻋﺎﻟﻢ آﺧﺮ ،ﻻ ﯾﺸﺒﮫ ﺑﺸﻲء ﻣﺎ آﻟﺖ إﻟﯿﮫ أﺣﯿﺎؤﻧﺎ ،ﻓﻔﯿﻤﺎ ﻛﺎن ﻗﻄﺎع ﺑﯿﺮوت اﻟﻐﺮﺑﯿﺔ ﻣﺪﻣﺮاً ﺑﻔﻌﻞ أﻋﻤﺎل اﻟﻘﺼﻒ ،ﺑﺪا اﻟﺠﺰء اﻟﺬي ﯾﺴﯿﻄﺮ ﻋﻠﯿﮫ اﻟﻜﺘﺎﺋﺒﯿﻮن ﺳﻠﯿﻤﺎً ،أو ﯾﻜﺎد .أﻧﺎ اﻵن ،ﻏﺎدرتُ ﻟﺘﻮي ﻣﺪﯾﻨﺔ ﻓﻲ ﺣﺎل اﻟﺤﺮب ،وھﺎ أﻧﺎ ﻓﻲ ﻋﺎﻟﻢ ﺻﺎﻋﻖ ﻓﻲ ﺗﻔﺎھﺘﮫ ،ﻓﻲ ﻣﺪﯾﻨﺔ ﻛﻜﻞ اﻟﻤﺪن ،ﺑﻤﺘﺎﺟﺮھﺎ واﻟﻤﺘﻨﺰھﯿﻦ ﻓﯿﮭﺎ ،وﺑﻤﻘﺎھﯿﮭﺎ اﻟﻤﻜﺘﻈﺔ ﺑﺮوادھﺎ ،ﻣﻊ أﻧﻨﻲ ﻟﻢ أﺟﺘﺰ ﺳﻮى ﺑﻀﻊ ﻣﺌﺎت ﻣﻦ اﻷﻣﺘﺎر ﺑﻌﯿﺪاً ﻋﻦ ﻣﻨﺰﻟﻲ. وﻟﻤﺎ ﻛﻨﺎ ارﺗﺤﻠﻨﺎ ﻓﻲ وﺿﻊ ﻣﺰر ،ﺑﻌﺪ أﯾﺎم ﻣﻦ اﻟﻘﺼﻒ ﺑﻠﯿﺎﻟﯿﮭﺎ ،اﻗﺘﺮﺣﺖ ﻋﻠﻲ واﻟﺪﺗﻲ ﺑﺄن ﺗﺸﺘﺮي ﻟﻲ ﺛﯿﺎﺑﺎً ﻟﺘﻠﮭﯿﻨﻲ ﻋﻤﺎ ﺑﻲ .ﻟﻜﻨﻲ واﻟﻐﻀﺐ ﯾﻤﺘﻠﻜﻨﻲ ،أﺑﺪﯾﺖُ ﻟﮭﺎ ﻣﻤﺎﻧﻌﺔ ﻻ ﺗﻘﺒﻞ اﻟﺠﺪال.
65
اﺳﺘﻠﺰم إﺧﻼء ﺑﯿﺮوت اﻟﻐﺮﺑﯿﺔ ﻣﻦ ﺳﻜﺎﻧﮭﺎ وﻗﺘﺎً ﻃﻮﯾﻼً. وﻛﻨﺎ ﻣﺠﺒﺮﯾﻦ ﻋﻠﻰ اﻟﻤﺒﯿﺖ ﻟﺪى أﻗﺮﺑﺎء ﻟﻨﺎ ﻓﻲ اﻟﻤﻨﻄﻘﺔ اﻟﺸﻨﯿﻌﺔ .وﻟﺴﺎﻋﺎت اﻟﻠﯿﻞ اﻟﻄﻮﯾﻠﺔ ﻛﻨﺖ أﺟﺘﺮ ﻏﻀﺒﻲ. وﺻﺒﺒﺖُ ﺟﺎم ﺣﻘﺪي ﻋﻠﻰ اﻷرض ﻛﻠﮭﺎ ،وﻋﻠﻰ ھﺆﻻء اﻟﻠﺒﻨﺎﻧﯿﯿﻦ اﻟﺬﯾﻦ اﺳﺘﻘﺒﻠﻮا اﻹﺳﺮاﺋﯿﻠﯿﯿﻦ وأﻋﺎﻧﻮھﻢ ﻋﻠﻰ ﻓﺘﺢ ﺑﯿﺮوت ،واﻟﺬﯾﻦ ﻛﻔﻮا ،ﺑﻨﻈﺮي ،أن ﯾﻜﻮﻧﻮا ﻟﺒﻨﺎﻧﯿﯿﻦ ﺣﻘﺎً . وﺣﻘﺪتُ ﻛﺬﻟﻚ ﻋﻠﻰ ﻋﺎﺋﻠﺘﻲ اﻟﺘﻲ اﺧﺘﺎرت ﺳﺒﯿﻞ اﻟﻔﺮار، وﻟﺰﻣﻦ ﻃﻮﯾﻞ ﻟﻠﻐﺎﯾﺔ. وأدرﻛﻨﻲ اﻟﺨﻮف ،ھﺬه اﻟﻤﺮة ،ﻣﻦ أن ﯾﺬھﺐ ﻛﻞ ﺷﻲء ﺳﺪىً .وﻓﻲ اﻟﻐﺪ ،أُﻋﺪّت ﻟﻨﺎ ﺳﯿﺎرة ﺑﯿﺠﻮ ﺑﯿﻀﺎء ﻓﺘﻜﻮﻣﻨﺎ ﻓﯿﮭﺎ .ﻛﻨﺎ ﻋﺸﺮة رﻛﺎب ،ﻓﻲ ﺳﯿﺎرة ﻻ ﺗﺘﺴﻊ إﻻ ﻟﺨﻤﺴﺔ .ﺛﻢ ﻛﺎن اﻹﻧﻄﻼق .أﻣﺎ اﻟﻄﺮﯾﻖ ﻓﺒﺘﻨﺎ ﻧﻌﺮف أﻧﮭﺎ ﺗﺘﺨﻠﻠﮭﺎ ﺣﻮاﺟﺰ إﺳﺮاﺋﯿﻠﯿﺔ .وﻣﺎ أن ﻇﮭﺮ أول ﺣﺎﺟﺰ ﺣﺘﻰ ﺑﺎدر ﻋﻤﻲ اﻟﻰ ﺗﻤﺰﯾﻖ أواﻗﻨﺎ اﻟﺜﺒﻮﺗﯿﺔ ،ﺣﺘﻰ أﻧﮫ أﺻﺮ ﻋﻠىﺘﻤﺰﯾﻖ ﺑﻄﺎﻗﺔ ﺗﻌﺮﯾﻒ ﻟﻲ ﺻﺎدرة ﻋﻦ اﻟﺼﻠﯿﺐ اﻷﺣﻤﺮ اﻟﻠﺒﻨﺎﻧﻲ .وﻋﺒﺜﺎً اﺣﺘﺠﺠﺖُ ﻋﻠﻰ اﻷﻣﺮ .ﻓﻘﺪ ﺑﺪا ﻋﻤﻲ واﻟﺤﺎل ھﺬه ،ﺷﺪﯾﺪ اﻟﻌﺰم ،ﻻ ﯾﻠﯿﻦ .وﻗﺪ ﺑﺮزت ﻧﻘﺎط اﻟﺘﻔﺘﯿﺶ اﻟﺘﻲ أﻗﺎﻣﮭﺎ اﻹﺳﺮاﺋﯿﻠﯿﻮن ﺧﯿﺮ ﻣﺼﺪاق ﻟﻤﺨﺎوف ﻋﻤﻲ .ﻓﻜﺎﻧﺖ ھﺬه اﻷﺧﯿﺮة ﻧﻘﺎﻃﺎً ﯾﺘﻌﺮض ﻓﯿﮭﺎ اﻟﻤﺎرة ﻟﻺھﺎﻧﺎت ﻟﯿﺲ إﻻ .أﻣﺎ أﻋﻤﺎل اﻟﺘﺤﺮي ﻓﻜﺎﻧﺖ ﺗﺘﻢ ﺑﺎﻟﻠﻐﺔ اﻟﻌﺮﺑﯿﺔ ،وﻋﻠﻰ ﻧﺤﻮ ﻣﺘﻮاﺻﻞ .وﻛﻨﺎ ﻣﺠﺒﺮﯾﻦ ﻋﻠﻰ اﻹﻧﺘﻈﺎر ﻟﺴﺎﻋﺎت ﻃﻮﯾﻠﺔ ﺗﺤﺖ ﻟﮭﯿﺐ اﻟﺸﻤﺲ ﻣﻦ ﻏﯿﺮ أن ﻧﺒﻞ ﺷﻔﺎھﻨﺎ .وﻓﻲ أﺣﺪ اﻟﺤﻮاﺟﺰ ،رأﯾﻨﺎ ﻃﻔﻼً ﯾﺒﻜﻲ ﻷﻧﮫ ﻋﻄﺸﺎن ﻓﻄﻠﺐ أھﻠﮫ ﻣﻦ اﻟﺠﻨﺪي أن ﯾﺘﻔﻀﻞ وﯾﺘﻜﺮم ﺑﻜﺄس ﻣﻦ اﻟﻤﺎء ،ﻓﻤﺎ ﻛﺎن ﻣﻨﮫ إﻻ أن رﻓﺾ.
66
وﻣﻀﺖ اﻟﺴﯿﺎرة ﺑﻨﺎ واﻟﺘﻔّﺖ ﺣﻮل اﻟﻤﺪﯾﻨﺔ ﻣﻦ اﻟﺠﻨﻮب، وﺳﺎرت ﺑﻤﺤﺎذاة اﻟﺸﺎﻃﺊ .ھﻨﺎك رأﯾﻨﺎ ﺟﻨﻮداً إﺳﺮاﺋﯿﻠﯿﯿﻦ ﻓﻲ ﻣﺎﯾﻮھﺎت اﻟﺴﺒﺎﺣﺔ ﻣﺴﺘﻠﻘﯿﻦ ﻋﻠﻰ اﻟﺮﻣﺎل ھﺎﻧﺌﯿﻦ ﺑﺄﺷﻌﺔ اﻟﺸﻤﺲ وﻛﺄﻧﮭﻢ ﻓﻲ ﺑﻼدھﻢ. وﺑﻌﺪ ﺛﻤﺎﻧﻲ ﺳﺎﻋﺎت ﻣﻦ اﻟﻤﺴﯿﺮ اﻟﻤﺘﺼﻞ ،أﻣﻜﻨﻨﺎ أﺧﯿﺮاً أن ﻧﺒﻠﻎ دﯾﺮ ﻣﯿﻤﺎس. ﻋﺪتُ إﻟﯿﮭﺎ ﺑﻌﺪ ﻏﯿﺎب دام ﺧﻤﺲ ﺳﻨﻮات .وﻛﺎن ﻟﻘﺎﺋﻲ ﺑﺠﺪي وﺟﺪﺗﻲ وﻋﻤﺘﻲ ﯾﻔﯿﺾ ﺑﺎﻟﻤﺸﺎﻋﺮ واﻟﺘﺄﺛﺮ .وﻟﻢ أﻟﺒﺚ أن ﻋﺎﯾﻨﺖُ ،ﻓﻲ ﻣﺪى ﺑﺼﺮي ﺟﯿﺸﺎً ﺷُﺒّﮫ ﻟﻲ أﻧﮫ ﻟﺒﻨﺎﻧﻲ .وﺗﺮاءى ﻟﻲ ،أﻧﻰ وﺟﮭﺖُ ﻧﺎﻇﺮي ،ﻟﻈﻞّ ﺟﻨﺪي إﺳﺮاﺋﯿﻠﻲ ،وأدرﻛﺖ ﻓﯿﻤﺎ ﺑﻌﺪ أن ھﺆﻻء اﻟﺮﺟﺎل اﻟﻤﺴﻠﺤﯿﻦ واﻟﻤﺮﺗﺪﯾﻦ ﺑﺰة ﻋﺴﻜﺮﯾﺔ وﻃﻨﯿﺔ إﻧﻤﺎ ھﻢ ﻓﻲ ﺧﺪﻣﺔ اﻟﺪوﻟﺔ اﻟﻌﺒﺮﯾﺔ .وراﻋﻨﻲ اﺳﺘﻌﻤﺎر اﻟﻘﺮﯾﺔ ﻓﻲ زﻣﻦ ﯾﺴﯿﺮ، وإﻏﺮاﻗﮭﺎ ﺑﺎﻟﺴﻠﻊ اﻹﺳﺮاﺋﯿﻠﯿﺔ .ورأﯾﺖ ﻛﻞ اﻟﻨﺎس ﯾﺮﺗﺪون ﻣﻄﺮزات ﻋﺴﻜﺮﯾﺔ ﻣﺼﻨﻮﻋﺔ ﻟﺪى أﻋﺪاﺋﻨﺎ وﻣﻮزﻋﺔ ﻣﺠﺎﻧﺎً ﻋﻠﯿﮭﻢ .وﻛﻨﺎ أﯾﻨﻤﺎ ﺗﻮﺟﮭﻨﺎ وﺟﺪﻧﺎ ﺟﻨﻮدھﻢ وﻣﻌﻠﺒﺎﺗﮭﻢ. ﻓﻘﺮرت ،وﻋﻠﻰ ﻧﺤﻮ ﻋﻔﻮي ،أن أﻗﺎﻃﻊ ﻛﻞ ﺑﻀﺎﻋﺔ ﺗﺄﺗﻲ ﻣﻦ ھﻨﺎﻟﻚ .ﻛﺎن ﺛﻤﺔ ﻣﻨﺎخ ﺿﺎﻏﻂ ﯾﺴﻮد اﻟﻘﺮﯾﺔ اﻟﺘﻲ ﺑﺪت ﻣﻨﻘﺴﻤﺔً ﺷﻄﺮﯾﻦ :اﻷول ﻣﺆﯾﺪ ،واﻵﺧﺮ ﻣﻌﺎرض .اﻟﻤﺆﯾﺪ، وﯾﻤﺜﻠﮫ اﻟﻤﺘﺤﺎﻟﻔﻮن ﻣﻊ إﺳﺮاﺋﯿﻞ ،أﻣﺎ اﻟﻤﻌﺎرض ﻓﯿﻤﺜﻠﮫ ﺧﺼﻮﻣﮭﺎ .ذﻟﻚ أن اﻟﻨﺰوح اﻟﺠﻤﺎﻋﻲ ﻣﻦ ﺑﯿﺮوت ،وﻟﺌﻦ أﻋﺎد اﻟﻰ اﻟﻘﺮﯾﺔ ﻋﺎﺋﻼت ﺗﻨﺘﻤﻲ اﻟﻰ اﻟﯿﺴﺎر ،ﺷﺄن ﻋﺎﺋﻠﺘﻨﺎ اﻟﻐﺎﺋﺒﺔ ﻋﻨﮭﺎ ﻣﻨﺬ اﻟﻌﺎم ،1978ﻓﺈﻧﮫ ﺣﻤﻞ ﻛﺬﻟﻚ ﺷﺒﺎﻧﺎً ﻛﺒﺮوا ﻓﻲ اﻟﻌﺎﺻﻤﺔ وﻛﺎﻧﻮا ﻣﺘﻌﺎﻃﻔﯿﻦ ﻣﻊ اﻟﻄﺮوﺣﺎت 67
اﻟﺘﻲ ﺑﺎﺗﺖ ﻣﻮﺿﻊ ﺗﺄﯾﯿﺪ ﻓﻲ ﺑﯿﺮوت اﻟﺸﺮﻗﯿﺔ ،وﻋﺎدوا اﻟﻰ اﻟﻘﺮﯾﺔ. وﻟﻢ ﺗﻤﺾ ﻋﻠﻰ ﺣﻠﻮل اﻟﻜﺘﺎﺋﺒﯿﯿﻦ ﻓﻲ اﻟﺒﻠﺪة أﯾﺎم ﻣﻌﺪودة ﺣﺘﻰ ﺣﺎوﻟﻮا أن ﯾﻔﺘﺘﺤﻮا ﻣﺮﻛﺰاً ﻟﮭﻢ ،ذﻟﻚ أﻧﮭﻢ ﻇﻨﻮا أﻧﻔﺴﮭﻢ ،ﻟﻮھﻠﺔ ،ﻣﺪﻓﻮﻋﯿﻦ اﻟﻰ اﻟﻨﺠﺎح .ﻏﯿﺮ أن ﻣﺴﺎﻋﯿﮭﻢ ﺳﺮﻋﺎن ﻣﺎ ﺑﺎءت ﺑﺎﻟﻔﺸﻞ ،ﻷن اﻹﺳﺮاﺋﯿﻠﯿﯿﻦ ﻻ ﯾﺮﺿﻮن ﻋﻦ ﻗﻮى أﺧﺮى ﺳﻮى ﻋﻦ ﺣﻠﯿﻔﮭﻢ ﺳﻌﺪ ﺣﺪاد .وﻣﺎ ﻟﺒﺜﻮا أن ﺧﻨﻘﻮا ﻓﻲ اﻟﻤﮭﺪ ﺑﻌﺾ اﻟﺤﻤﻼت اﻟﺪﻋﺎﺋﯿﺔ اﻟﺘﻲ ﻛﺎن ﻣﻦ ﺷﺄﻧﮭﺎ أن ﺗﺸﯿﻊ اﻟﺘﻮﺗﺮات ﺑﯿﻦ ھﺆﻻء اﻟﻜﺘﺎﺋﺒﯿﯿﻦ وﻗﻮات ﺳﻌﺪ ﺣﺪاد .وﻓﻲ اﻟﻮاﻗﻊ ،ﻛﺎن ﺛﻤﺔ ﻟﺒﻨﺎﻧﺎن ﯾﺘﺴﺎﻛﻨﺎن ﻓﻲ دﯾﺮ ﻣﯿﻤﺎس ﻛﯿﻔﻤﺎ اﺗﻔﻖ ،ﻏﯿﺮ أن ﻛﻼً ﻣﻨﮭﻤﺎ ﻛﺎن ﯾﺘﺠﻨﺐ اﻟﺨﻮض ﻓﻲ اﻟﻤﺴﺎﺋﻞ اﻟﺸﺎﺋﻜﺔ ،وﻻ ﺳﯿﻤﺎ ﻓﻲ ﺣﻀﺮة اﻵﺧﺮ ،وﻛﻨﺖ ﺗﺮى ﻛﺘﺎﺋﺒﯿﯿﻦ وﺷﯿﻮﻋﯿﯿﻦ ﻣﺘﻮاﺟﺪﯾﻦ ﻓﻲ اﻟﻨﺎدي اﻟﺮﯾﺎﺿﻲ ﻧﻔﺴﮫ اﻟﺬي أُﻧﺸﺊ ﻇﺮﻓﯿﺎً. ﺑﻘﯿﻨﺎ ﻓﻲ اﻟﻘﺮﯾﺔ اﻟﻰ ﻧﮭﺎﯾﺔ ﺗﺸﺮﯾﻦ اﻟﺜﺎﻧﻲ /ﻧﻮﻓﻤﺒﺮ .وﻛﻠﻤﺎ ﺣﺎوﻟﺖ أن أﺳﺘﻞ ﻏﻀﺒﻲ اﻟﺬي ﺣﻤﻠﺘﮫ ﻣﻌﻲ ﻣﻦ ﺧﻼل دروﺳﻲ ،ﻋﺎودﻧﻲ اﻟﺘﻔﻜﯿﺮ ﻓﻲ إﺳﺮاﺋﯿﻞ وﻓﻲ واﺟﺒﻲ ﻛﻠﺒﻨﺎﻧﯿﺔ ﻓﻲ ﻣﻮاﺟﮭﺔ ﻋﺪواﻧﮭﺎ .وﻛﺎﻧﺖ ﺑﺸﺮى وﻻدة ﺟﺒﮭﺔ اﻟﻤﻘﺎوﻣﺔ اﻟﻮﻃﻨﯿﺔ اﻟﻠﺒﻨﺎﻧﯿﺔ ،ﻓﻲ اﻟﺴﺎدس ﻋﺸﺮ ﻣﻦ أﯾﻠﻮل / ﺳﺒﺘﻤﺒﺮ ،ﻗﺪ ﻏﻤﺮت ﻛﯿﺎﻧﻲ ﻓﺮﺣﺎً .وﻗﻠﺖ ﻓﻲ ﺳﺮي :أﺧﯿﺮاً ﺑﺮﯾﻖ اﻷﻣﻞ. وﻣﻦ ﻋﺠﺎﺋﺐ اﻷﻣﻮر ،أن ﺗﻜﻮن ھﺬه اﻟﺒﺸﺮى زﻓﺖ ﻟﻠﻨﺎس ﺑﻌﯿﺪ ﻣﻘﺘﻞ ﺑﺸﯿﺮ اﻟﺠﻤﯿﻞ ،ﺣﻠﯿﻒ اﻹﺳﺮاﺋﯿﻠﯿﯿﻦ واﻟﺬي ﻓﺘﺢ ﺑﻮاﺑﺎت ﺑﯿﺮوت ﻟﺠﯿﺶ اﻟﺪﻓﺎع اﻹﺳﺮاﺋﯿﻠﻲ ،واﻟﺬي ﻋﺮّض اﻟﻤﺪﻧﯿﯿﻦ ﻷﺧﻄﺎر ﻣﺤﺪﻗﺔ ،وﺑﺎت ﺑﻮﺟﻮدھﻢ اﻟﻤﺮﺷﺢ 68
اﻷﺑﺮز ﻟﺮﺋﺎﺳﺔ اﻟﺠﻤﮭﻮرﯾﺔ ،وذھﺐ آﺧﺮ أﻣﺮه ﺿﺤﯿﺔ ﻋﺒﻮة ﻣﻔﺨﺨﺔ .وﻟﺌﻦ ﺣﺰﻧﺖ ﻟﻤﻮﺗﮫ ﻋﻠﻰ ھﺬا اﻟﻨﺤﻮ ،ﻓﺈن ﺧﺒﺮ ﻣﻘﺘﻠﮫ ھﺬا أراﺣﻨﻲ ﻧﻮﻋﺎً ﻣﺎ. ﻓﻜﺎن ﺗﻮﻟﯿﮫ اﻟﺴﻠﻄﺔ ﻗﺪ أﺛﺎر ﺣﻤﯿﺔ اﻟﻜﺘﺎﺋﺒﯿﯿﻦ ﻓﻲ ﺑﻠﺪﺗﻨﺎ، ﻓﺄﺗﻮا ﯾﮭﻠﻠﻮن ﻓﺮﺣﯿﻦ ﺑﺬﻟﻚ اﻹﻧﺘﺼﺎر ﺗﺤﺖ ﻧﻮاﻓﺬ ﺑﯿﻮﺗﻨﺎ. ﺣﺘﻰ إذا أُﻋﻠﻦ ﻣﻘﺘﻞ ﺑﺸﯿﺮ اﻟﺠﻤﯿﻞ رأﯾﺖ ﻗﺴﻤﺎً ﻣﻦ أھﺎﻟﻲ دﯾﺮ ﻣﯿﻤﺎس ﯾﻌﻠﻨﻮن ﺣﺪادھﻢ واﺿﻄﺮاﺑﮭﻢ اﻟﻌﻤﯿﻖ. وھﺆﻻء ﻛﺎﻧﻮا ﻗﺴﻤﺎً ﻣﻦ اﻟﺒﻠﺪة ﻟﯿﺲ إﻻ. وﻟﻢ ﺗﻤﺾ أﺳﺎﺑﯿﻊ ﻗﻠﯿﻠﺔ ﺣﺘﻰ واﻓﺎﻧﺎ واﻟﺪي اﻟﻰ اﻟﻘﺮﯾﺔ. وﻛﺎن ﺣﺼﺎر ﺑﯿﺮوت اﻟﻐﺮﺑﯿﺔ أﺣﺪث ﻓﯿﮫ ﻋﻤﯿﻖ اﻷﺛﺮ .إذ ﺑﻘﻲ وﺣﺪه ﻓﻲ ﺣﯿﻨﺎ اﻟﻰ ﺟﺎﻧﺐ ﺑﻌﺾ أﺻﺪﻗﺎﺋﮫ ﻣﻦ ﺟﯿﺮاﻧﻨﺎ .ﻓﻌﺎﺷﻮا ﺳﻮﯾﺔ ﻣﺮارة اﻷﺣﺪ اﻷﺳﻮد :ﺣﯿﻦ ﺗﻮاﺻﻞ اﻟﻘﺼﻒ ﻋﻠﻰ ﻣﻨﻄﻘﺔ ﺑﯿﺮوت اﻟﻐﺮﺑﯿﺔ ﻋﻠﻰ ﻣﺪى أرﺑﻊ وﻋﺸﺮﯾﻦ ﺳﺎﻋﺔ ﺑﻼ ﺗﻮﻗﻒ .وﻟﻤﺎ ﻛﺎن ﻣﻨﺸﻐﻼً ﻋﻠﻰ اﻟﺪوام ،ﻋﻠﻰ اﻟﺮﻏﻢ ﻣﻦ ﻃﻮﻓﺎن اﻟﻨﺎر اﻟﺘﻲ أﺣﺎﻃﺖ ﺑﮫ، وﺟﺪﺗﮫ ﻏﯿﺮ ﻗﺎدر ﻋﻠﻰ اﻟﻄﻌﺎم واﻟﺸﺮاب ،ﻟﻔﺘﺮات ﻏﯿﺮ ﻗﺼﯿﺮة .ﻓﺄُﻧﮭﻚ وﻣﺮض واﺿﻄﺮ ﻋﻤﻲ اﻟﻰ إﺧﺮاﺟﮫ وﺣﻤﻠﮫ اﻟﻰ اﻟﻘﺮﯾﺔ .ھﮭﻨﺎ ،راح ﯾﺮوي ﻟﻨﺎ ﻋﻠﻰ ﻃﺮﯾﻘﺘﮫ )أي ﺑﺎﺳﺘﻨﻈﺎﻗﮫ ودﻓﻌﮫ اﻟﻰ اﻟﻜﻼم( أرھﺐ ﺳﺎﻋﺎت اﻟﺤﺼﺎر اﻟﺘﻲ ﻗﻀﺎھﺎ ﻓﻲ ﺑﯿﺮوت ،وﺑﻨﺒﺮة ﺑﻄﯿﺌﺔ ھﺎدﺋﺔ. ﻛﯿﻒ أﻧﮫ أﻣﻜﻨﮫ ورﻓﺎﻗﮫ أن ﯾﺨﺮﺟﻮا ﺟﺮﯾﺪﺗﮭﻢ اﻟﻰ اﻟﻨﻮر، ﻛﻞ ﺻﺒﺎح ،راﻓﻌﯿﻦ ﺑﺬﻟﻚ اﻟﺘﺤﺪي ﻋﻠﻰ اﻟﻤﻸ .وروى ﻛﺬﻟﻚ رﺣﯿﻞ اﻟﻤﻘﺎﺗﻠﯿﻦ اﻟﻔﻠﺴﻄﯿﻨﯿﯿﻦ ،ﯾﻘﻮم ﺑﺤﺮاﺳﺘﮭﻢ ﺟﻨﻮد ﻗﻮات اﻷﻣﻢ اﻟﻤﺘﺤﺪة ،ﻣﻦ ذوي اﻟﻘﺒﻌﺎت اﻟﺰرق ،وذﻟﻚ إﺛﺮ اﻹﺗﻔﺎق اﻟﺬي ﻋﻘﺪ ﺑﯿﻦ ﯾﺎﺳﺮ ﻋﺮﻓﺎت واﻹﺳﺮاﺋﯿﻠﯿﯿﻦ، 69
واﻟﺬي ﺳﻌﺖ اﻟﻤﻨﻈﻤﺎت اﻟﺪوﻟﯿﺔ اﻟﻰ اﻟﺘﻔﺎوض ﺑﺸﺄﻧﮫ ﺑﯿﻦ اﻟﻄﺮﻓﯿﻦ اﻟﻤﺘﻘﺎﺗﻠﯿﻦ. وراح واﻟﺪي ﯾﺼﻒ اﻟﺪﻣﻮع اﻟﺘﻲ ﺳُﻜﺒﺖ ،واﻟﻮھﻦ واﻟﺼﻤﺖ اﻟﻤﻄﺒﻖ اﻟﻠﺬﯾﻦ ﺣﻼّ ﻋﻠﻰ اﻟﻤﺪﯾﻨﺔ وھﻲ ﺗﻮدع ھﺆﻻء اﻷﺧﻮة اﻟﻤﻨﮭﺰﻣﯿﻦ واﻟﻤﻜﺮوھﯿﻦ ﻣﻦ ﺑﻌﺾ ﻣﻨﺎ، وﯾﻐﺎدرون ﻣﻮﻃﻦ ﻟﺠﻮﺋﮭﻢ اﻟﺒﺎﺋﺲ ﻣﺒﺤﺮﯾﻦ وﻟﻤﺮة أﺧﺮى ﺑﺎﺗﺠﺎه اﻟﻤﺠﮭﻮل .وﻋﻠﻰ ﺣﺪ ﻣﺎ روى واﻟﺪي ،ﻓﻘﺪ ﺗﻤﻠﻚ اﻟﺒﻼد ﺷﻌﻮر ﻣﻦ اﻟﻤﻮاﺳﺎة ،ﻧﺎدر ﺑﺈﺟﻤﺎﻋﮫ .ذﻟﻚ أن واﻟﺪﺗﻲ ﺷﺎءت أن ﺗﻮاﻓﻲ واﻟﺪي اﻟﻰ ﺑﯿﺮوت ﻓﻲ اﻟﻔﺘﺮة ﻋﯿﻨﮭﺎ ،وﻛﺎﻧﺖ ﺗﺒﺪي رﯾﺒﺔ ﺣﯿﺎل أﺑﻮ ﻋﻤﺎر ،ﻏﯿﺮ أﻧﮭﺎ ﻣﻀﺖ ﺗﺮﺳﻞ ﻋﺒﺎرات اﻟﻤﻮاﺳﺎة ﺣﯿﺎﻟﮫ وﺗﺮﺛﻲ ﻟﻮﺿﻊ ﺷﻌﺒﮫ وﻗﻮاﺗﮫ ،وﻟﻠﻤﺮة اﻷوﻟﻰ ﻋﻠﻰ ﻣﺎ أذﻛﺮ .ﻛﺎن ﺻﻔﺤﺔ وﻃﻮﯾﺖ .ﺑﯿﺪ أﻧﻲ ﻇﻠﻠﺖُ ﻋﻠﻰ ﯾﻘﯿﻦ ﺑﺄن ھﺬا اﻟﺮﺣﯿﻞ ﻟﻦ ﯾﻨﮭﻲ اﻟﻤﺴﺄﻟﺔ ﻋﻠﻰ اﻹﻃﻼق .وﻛﺎن ﻣﻦ اﻷﻛﯿﺪ ﻟﻲ أن اﻹﺳﺮاﺋﯿﻠﯿﯿﻦ أﺛﺎروا اﻟﺬرﯾﻌﺔ اﻟﻔﻠﺴﻄﯿﻨﯿﺔ ،وأﺣﺴﻨﻮا اﺳﺘﺨﺪام اﻧﻘﺴﺎﻣﺎﺗﻨﺎ ﻟﯿﻄﯿﻠﻮا وﺟﻮدھﻢ ﻓﻲ ﻟﺒﻨﺎن ،ﻵﻣﺎد ﻏﯿﺮ ﻣﻌﺮوﻓﺔ. ﻏﯿﺮ أن اﻟﻜﻠﻤﺎت اﻷﺷﺪ إﯾﻼﻣﺎً ﻛﺎﻧﺖ ﺗﻠﻚ اﻟﺘﻲ وﺻﻒ ﺑﮭﺎ واﻟﺪي ،ﻣﺨﯿﻤﻲّ ﺻﺒﺮا وﺷﺎﺗﯿﻼ ،واﻟﻤﺠﺎزر اﻟﺘﻲ ارﺗﻜﺒﺖ ﻓﯿﮭﻤﺎ ﺿﺪ ﺳﻜﺎن ھﺬﯾﻦ اﻟﻤﺨﯿﻤﯿﻦ اﻟﻮاﻗﻌﯿﻦ ﺟﻨﻮب ﺑﯿﺮوت .آﻻف ﻣﻦ اﻷﺷﺨﺎص ﻟﻘﻮا ﻣﺼﺮﻋﮭﻢ ﻓﻲ ھﺬه اﻟﻤﺬاﺑﺢ ،اﻟﺘﻲ ﻛﺎن اﻹﺳﺮاﺋﯿﻠﯿﻮن ﻣﺠﺮد ﺷﺎھﺪﯾﻦ ﻓﯿﮭﺎ ﻟﻜﻮﻧﮭﻢ ﯾﺮاﻗﺒﻮن ﻣﺪاﺧﻠﮭﻤﺎ .وﺧﺮﺟﺖ اﻷﺣﺰاب اﻟﻮﻃﻨﯿﺔ اﻟﻠﺒﻨﺎﻧﯿﺔ وﻋﺮﻓﺎت ،وﺳﺮﻋﺎن ﻣﺎ ﺣُﻤﻠﺖ إﺳﺮاﺋﯿﻞ وﺣﻠﻔﺎءھﺎ ،وﻣﯿﻠﯿﺸﯿﺎت ﺳﻌﺪ ﺣﺪاد ،واﻟﻘﻮات اﻟﻠﺒﻨﺎﻧﯿﺔ واﻟﻜﺘﺎﺋﺐ اﻟﻤﺴﺆوﻟﯿﺔ اﻟﻜﺎﻣﻠﺔ. 70
وﻷﺳﺎﺑﯿﻊ ﻋﺪﯾﺪة ،أﺧﺬ واﻟﺪي ﻗﺴﻄﺎً وﻓﯿﺮاً ﻣﻦ اﻟﺮاﺣﺔ ﻟﺪﯾﻨﺎ واﺳﺘﻌﺎد ﻗﻮاه .وﺑﻌﺪ ذﻟﻚ ،رأﯾﺘﮫ ﯾﺴﺘﻐﻞ ﻓﺮﺻﺔ ﺳﺎﻧﺤﺔً ﻟﮫ، وھﻲ اﻧﻔﺘﺎح اﻟﺤﺪود ﻣﻊ إﺳﺮاﺋﯿﻞ :أن ﯾﻤﻀﻲ ھﻮ وواﻟﺪﺗﻲ اﻟﻰ أرض اﻟﻌﺪو ،وﻟﻠﻤﺮة اﻷوﻟﻰ ﻓﻲ ﺣﯿﺎﺗﮭﻤﺎ ﻗﺎﺻﺪﯾﻦ، زﯾﺎرة ﻗﺮﯾﺒﺔ ﻟﮭﻤﺎ ﻓﻲ اﻟﻘﺪس اﻟﺸﺮﻗﯿﺔ .واﻟﺤﺎل أن ھﺬا اﻟﻨﻮع ﻣﻦ اﻟﻌﻼﻗﺎت اﻟﻌﺎﻣﺔ دأﺑﺖ اﻟﺪوﻟﺔ اﻟﻌﺒﺮﯾﺔ ﻋﻠﻰ ﺗﻨﻈﯿﻤﮭﺎ ﺑﮭﺪف اﻟﻤﺒﺎﻋﺪة ﺑﯿﻦ ﻟﺒﻨﺎﻧﯿﻲ اﻟﺠﻨﻮب وإﺧﻮاﻧﮭﻢ ﻓﻲ ﺑﯿﺮوت .وﻓﻲ اﻟﻘﺪس اﻟﺸﺮﻗﯿﺔ ،راح واﻟﺪي ﯾﻘﻨﻊ اﻟﻔﻠﺴﻄﯿﻨﯿﯿﻦ ﺑﺄﻧﮫ ﯾﺸﺎﻃﺮھﻢ آراءھﻢ ،وأن اﻟﻠﺒﻨﺎﻧﯿﯿﻦ ﻟﯿﺴﻮا ﺟﻤﯿﻌﺎً ﻋﻤﻼء ﻟﺪى إﺳﺮاﺋﯿﻞ ،وﻟﻢ ﯾﺘﻮﺻﻞ اﻟﻰ إﻗﻨﺎﻋﮭﻢ ﺑﺬﻟﻚ إﻻ ﺑﺸﻖ اﻟﻨﻔﺲ .وﺑﻘﯿﺖ ﻟﻔﺘﺮة ﻃﻮﯾﻠﺔ أﺳﺎﺋﻞ ﻧﻔﺴﻲ وﺑﻤﺮارة ،ﻋﻦ اﻟﺪاﻓﻊ اﻟﺬي ﺟﻌﻞ واﻟﺪي ،اﻟﻤﻨﺎﺿﻞ اﻟﺸﯿﻮﻋﻲ ﻣﻨﺒﺘﺎً ،ﯾﻘﺘﻨﻊ ﺑﺈﻣﻜﺎﻧﯿﺔ ﻋﺒﻮره ھﺬه اﻟﺤﺪود ﻗﺎﺻﺪاً اﻟﺠﮭﺔ اﻷﺧﺮى ،وﻣﻮاﻓﻘﺎً ﻋﺪوﻧﺎ ﻓﻲ أھﺪاﻓﮫ. ﻟﺪى ﻋﻮدﺗﮫ ،ﺳﺎرع اﻟﻰ ﺗﺼﻮﯾﺐ وﺿﻌﻨﺎ .وﻟﺌﻦ ﻏﺎدر، ﻓﻲ ﺑﯿﺮوت اﻟﻐﺮﺑﯿﺔ ،ﻣﻨﺰﻻً أﺻﺎﺑﺘﮫ اﻟﻘﺬاﺋﻒ وأﻣﻌﻨﺖ ﻓﯿﮫ ﺗﺪﻣﯿﺮاً ﻟﻤﺮﺗﯿﻦ ﻣﺘﻮاﻟﯿﺘﯿﻦ ،ﻓﺈﻧﮫ ﻇﻞ ﻣﺼﺮاً ﻋﻠﻰ ﻋﺪم إﻗﺎﻣﺘﻨﺎ ﻓﻲ ﻣﻨﻄﻘﺔ ﻣﺤﺘﻠﺔ ،ﻓﯿﻤﺎ ﻛﺎن اﻹﺳﺮاﺋﯿﻠﯿﻮن ﯾﺒﺎﺷﺮون اﻹﻧﺴﺤﺎب ﻣﻦ ﺑﯿﺮوت .وﻋﻠﻰ أي ﺣﺎل ،ﻛﻨﺖ ﻋﻠﻰ ﯾﻘﯿﻦ ﺑﺄن ﺑﺄس اﻟﻤﻘﺎوﻣﺔ ،اﻟﺘﻲ ﯾﻨﺨﺮط ﻓﯿﮭﺎ أﻣﺜﺎﻟﻲ، ﺳﻮف ﯾﻜﻮن ﻛﻔﯿﻼً ،وﺣﺪه ،ﺑﺈﺟﺒﺎر اﻹﺳﺮاﺋﯿﻠﯿﯿﻦ ﻋﻠﻰ اﻟﺘﻘﮭﻘﺮ. إذاً ،ﻣﻀﻰ واﻟﺪي ﺑﺮﻓﻘﺔ واﻟﺪﺗﻲ اﻟﻰ اﻟﻌﺎﺻﻤﺔ ﻟﺘﻘﺪﯾﺮ ﺣﺠﻢ اﻷﺿﺮار اﻟﻼﺣﻘﺔ ﺑﻤﻨﺰﻟﻨﺎ ،وﻋﻠﻰ اﻟﻔﻮر ﻗﺎﻣﺎ ﺑﺄﻋﻤﺎل ﺗﺮﻣﯿﻢ ﺳﺮﯾﻌﺔ ﻓﻲ اﻟﻤﻨﺰل ،وأرﺳﻼ ﻓﻲ ﻃﻠﺒﻨﺎ ﻟﻤﻮاﻓﺎﺗﮭﻤﺎ اﻟﻰ ﺑﯿﺮوت. 71
وﺑﻌﺪ اﻧﻘﻄﺎع دام أﺷﮭﺮاً ﻋﺪﯾﺪة ،ﻋﺪﻧﺎ اﻟﻰ ﺑﯿﺮوت اﻟﻐﺮﺑﯿﺔ ،واﺳﺘﻌﺪتُ أﺻﺪﻗﺎﺋﻲ وﺣﻠﻠﺖُ ﻓﻲ ﺣﻲ اﻷﺛﯿﺮ ﻟﺪي. وﻣﻊ أن ﻛﻞ ﺷﻲء ﺑﺪا ﻋﻠﻰ ﺣﺎﻟﮫ ،ﻓﻘﺪ ﺗﺒﯿﻦ ﻟﻲ أن ﻛﻞ اﻷوﺿﺎع ﺗﺒﺪﻟﺖ .وﻟﻢ ﺗﻌﺪ أﺧﺒﺎر اﻟﻌﻤﻠﯿﺎت اﻟﺤﺮﺑﯿﺔ اﻟﺘﻲ ﺗﻨﺸﺮ ﻋﺒﺮ اﻹذاﻋﺔ ﻣﻘﺘﺼﺮة ﻋﻠﻰ اﻟﻘﺘﺎل اﻷﺧﻮي واﻟﻌﻘﯿﻢ، ﺑﻞ ﺻﺎر ﻟﻌﻤﻠﯿﺎت اﻟﻤﻘﺎوﻣﺔ ﺿﺪ اﻹﺳﺮاﺋﯿﻠﯿﯿﻦ ﺣﯿﺰ ﻓﻲ اﻟﻨﺸﺮات اﻹذاﻋﯿﺔ أﯾﻀﺎً. وإذ أﺟﻠﺖُ اﻟﻨﻈﺮ ﻓﻲ ﻣﺪﯾﻨﺘﻲ ،اﻟﺘﻲ أرﻏﺐ ﻓﻲ أن ﺗﻜﻮن ﻋﻠﻰ ﺻﻮرﺗﻲ اﻟﻤﺮﺟﻮة ،ﺷﻌﺮتُ ﻟﻠﻤﺮة اﻷوﻟﻰ ﺑﺄن اﻟﺠﯿﺶ اﻟﻠﺒﻨﺎﻧﻲ ﯾﻤﺎرس ﻋﻠﯿﻨﺎ رﻗﺎﺑﺔ ﺧﻔﯿﺔ .وﻣﻊ أن اﺗﺤﺎدﻧﺎ ﻟﻢ ﯾﻜﻦ ﻣﺤﻈﻮراً ،إﻻ أن ﻛﻼً ﻣﻨﺎ ﺻﺎر ﻣﻼﺣﻘﺎً ﻋﻦ ﻛﺜﺐ. وﺟﺪتُ ھﺬا اﻟﻮﺿﻊ ﺑﺎﻋﺜﺎً ﻋﻠﻰ اﻟﻀﺤﻚ ،وﻋﺒﺜﯿﺎً ،ﻷن ھﺬا اﻟﺠﯿﺶ ﺑﻨﻈﺮي ﯾﺨﻄﺊ اﻟﮭﺪف ﻛﻠﯿﺎً ،ﻏﯿﺮ أﻧﻨﺎ ﻛﻨﺎ ﻣﺠﺒﺮﯾﻦ ﻋﻠﻰ أﺧﺬ اﻷﻣﺮ ﺑﻌﯿﻦ اﻻﻋﺘﺒﺎر. ﺣﺪﺛﺎن ﻛﺎن ﻟﮭﻤﺎ أن ﯾﻄﺒﻌﺎ ﻋﻮدﺗﻲ اﻟﻰ ﺑﯿﺮوت .ﻓﻔﻲ اﻟﺜﺎﻧﻲ واﻟﻌﺸﺮﯾﻦ ﻣﻦ ﺗﺸﺮﯾﻦ اﻟﺜﺎﻧﻲ /ﻧﻮﻓﻤﺒﺮ ،واﻟﺬي ﯾﺤﺘﻔﻞ ﻓﯿﮫ اﻟﻠﺒﻨﺎﻧﯿﻮن ﺑﻌﯿﺪ اﻻﺳﺘﻘﻼل ،ﻗﺮرﻧﺎ أن ﻧﻨﻈﻢ ﻣﻈﺎھﺮة اﺣﺘﺠﺎج ﺿﺪ اﻟﻮﺟﻮد اﻹﺳﺮاﺋﯿﻠﻲ .وأﻋﻠﻤﻨﺎ ﺑﻌﺪم ﻣﻮاﻓﻘﺔ اﻟﺠﯿﺶ اﻟﻠﺒﻨﺎﻧﻲ ﻋﻠﻰ ھﺬه اﻟﺘﻈﺎھﺮة .ﺗﺠﺎوزﻧﺎ اﻷﻣﺮ وﻗﺮرﻧﺎ أن ﻧﻀﻊ ﻓﻲ ﻣﻘﺪﻣﺔ اﻟﺤﺸﺪ ﻓﺘﯿﺎﻧﺎً ﺗﺘﺮاوح أﻋﻤﺎرھﻢ ﺑﯿﻦ اﻟﻌﺎﺷﺮة واﻟﺮاﺑﻌﺔ ﻋﺸﺮة .وﻛﻨﺎ ﻋﻠﻰ ﯾﻘﯿﻦ ﺑﺄن اﻟﻌﺴﻜﺮﯾﯿﻦ ﻟﻦ ﯾﺠﺮؤوا ﻋﻠﻰ اﻟﻤﺴﺎس ﺑﻔﺘﯿﺎن ﻋﺰل. وﻟﻜﻨﻨﺎ أﺧﻄﺄﻧﺎ ﻓﻲ ﺗﻘﺪﯾﺮﻧﺎ ،إذ ﻟﻢ ﯾﺘﻮان اﻟﺠﻨﻮد ﻋﻦ إﻃﻼق اﻟﻨﺎر ﻋﻠﻰ اﻟﺤﺸﻮد ﻓﺠﺮﺣﻮا اﻟﻜﺜﯿﺮﯾﻦ ﻣﻦ اﻟﺸﺒﺎن اﻟﺬﯾﻦ ﺗﻢ ﻧﻘﻠﮭﻢ اﻟﻰ اﻟﻤﺴﺘﺸﻔﯿﺎت .وﻟﻢ ﺗﻤﺾ ﻋﻠﻰ ﺗﻠﻚ اﻟﺤﺎدﺛﺔ 72
ﺑﻌﺾ اﻷﯾﺎم ﺣﺘﻰ ﻗﺎم ﺷﺎب ﻟﺒﻨﺎﻧﻲ ﯾﺪﻋﻰ ﺑﻼل ﻓﺤﺺ، ﺑﺄول ﻋﻤﻞ اﻧﺘﺤﺎري ﺿﺪ ﻋﺮﺑﺔ إﺳﺮاﺋﯿﻠﯿﺔ ﻣﺪرﻋﺔ .ﻓﻘﺮرﻧﺎ ﻟﻠﺘﻮ أن ﻧﻄﺒﻊ ﻣﻠﺼﻘﺎت ﻧﺤﯿﻲ ﻓﯿﮭﺎ ﺑﻄﻮﻟﺔ اﻟﺸﮭﯿﺪ، وﻣﻀﯿﻨﺎ ﻧﻌﻠﻖ ھﺬه اﻟﻤﻠﺼﻘﺎت ،ﺗﺤﺖ ﺟﻨﺢ اﻟﻈﻼم ،ﻋﻠﻰ ﺟﺪران اﻟﻤﺪﯾﻨﺔ .ﻓﻜﻨﺎ ﻧﻨﻄﻠﻖ اﺛﻨﯿﻦ اﺛﻨﯿﻦ ،ﺷﺎب وﻓﺘﺎة، وﻛﻠﻤﺎ ﺻﺎدﻓﺘﻨﺎ دورﯾﺔ ﻓﻲ ﻋﻤﻠﻨﺎ اﺻﻄﻨﻌﻨﺎ اﻟﻤﻐﺎزﻟﺔ ﺻﺮﻓﺎً ﻟﻠﻨﻈﺮ وﺗﻤﻮﯾﮭﺎً. وﻓﻲ ﺧﻼل أﺷﮭﺮ اﻟﺮﺻﺎص ھﺬه ،ﺟﺮت ﻋﻤﻠﯿﺎت ﺷﺠﺎﻋﺔ ﺿﺪ اﻟﻔﺮق اﻟﻌﺴﻜﺮﯾﺔ اﻷﺟﻨﺒﯿﺔ اﻟﺘﻲ اﻧﺘﺸﺮت ﻓﻲ ﺑﯿﺮوت . ودﻓﻊ اﻟﺠﻨﻮد اﻷﻣﯿﺮﻛﯿﻮن واﻟﻔﺮﻧﺴﯿﻮن ﺛﻤﻨﺎً ﺑﺎھﻈﺎً ﻟﺘﺪﺧﻠﮭﻢ اﻟﻰ ﺻﺎﻟﺢ إﺳﺮاﺋﯿﻞ .وﻋﻠﻰ اﻟﺮﻏﻢ ﻣﻦ أﻧﻨﻲ ﺷﺪﯾﺪة اﻟﺘﺤﻔﻆ ﺣﯿﺎل اﻟﻌﻤﻠﯿﺎت اﻹﻧﺘﺤﺎرﯾﺔ وﺣﯿﺎل اﻟﻌﻨﻒ ﺑﺬاﺗﮫ ،إﻻ ﺣﯿﻦ ﯾﻜﻮن وﺳﯿﻠﺔ اﻟﻨﻀﺎل اﻟﻤﺘﺒﻘﯿﺔ ﻓﻲ ﯾﺪ اﻟﻤﻈﻠﻮم ،وﺟﺪتُ ھﺬه اﻟﻌﻤﻠﯿﺎت ﻻ ﻣﻔﺮ ﻣﻨﮭﺎ ﻹﺣﻼل اﻟﺴﻼم ﻓﻲ ﺑﯿﺮوت .ﻟﻘﺪ ﻛﺎﻧﻮا ﻓﻲ اﻟﻮاﻗﻊ ﻃﺮﻓﺎً ﻓﻲ ﺣﺮب ﻻ ﺗﻮﻓﺮ أﺣﺪاً وﻻ ﺷﯿﺌﺎً. واﻟﺤﻖ ،أن ﺗﻌﻠّﻤﻲ اﻟﺴﯿﺎﺳﺔ ﺗﻀﺎﻋﻔﺖ وﺗﯿﺮﺗﮫ ،ﺧﻼل ﺳﻨﺔ 1982اﻟﺮھﯿﺒﺔ ھﺬه .وﻗﺪ ﻋﻤﻞ اﻹﺟﺘﯿﺎح اﻹﺳﺮاﺋﯿﻠﻲ ﻋﻠىﺘﺮﺳﯿﺦ ﻗﻨﺎﻋﺎﺗﻲ أﯾﻤﺎ ﺗﺮﺳﯿﺦ. ﻛﻨﺖ ﻓﻲ اﻟﺨﺎﻣﺴﺔ ﻋﺸﺮة ﻣﻦ ﻋﻤﺮي ،وﻗﺪ أﻋﺪدت ﻧﻔﺴﻲ ﻟﻤﺒﺎﺷﺮة اﻟﻌﻤﻞ.
73
اﻹﻟﺘــــﺰام ﻣﻈﺎھﺮة ﻓﻲ ﺑﯿﺮوت ،ﻣﻦ أﺟﻞ ﻛﻞ اﻟﻤﻔﻘﻮدﯾﻦ، واﻟﻤﺨﻄﻮﻓﯿﻦ ،واﻟﻤﻮﻗﻮﻓﯿﻦ. اﻟﺤﺮب اﻷھﻠﯿﺔ ﻻ ﺗﻜﺘﻔﻲ ﺑﺰھﻖ أرواح اﻟﻨﺎس ﻓﻘﻂ ،إﻧﻤﺎ ﺗﻌﻤﺪ ﻛﺬﻟﻚ اﻟﻰ اﺧﺘﻄﺎف اﻟﺮﺟﺎل ،ﻓﺘﺘﺮك ﻋﺎﺋﻼﺗﮭﻢ ﺑﺎﻧﺘﻈﺎر ﻻ ﯾﻄﺎق .ذﻟﻚ اﻟﯿﻮم ،ﻛﺎن ﯾﻨﺒﻐﻲ ﻟﻜﻞ اﻟﺴﯿﺎرات أن ﺗﺘﻮﻗﻒ ﻋﻦ اﻟﺴﯿﺮ ،ﻟﺪﻗﯿﻘﺔ واﺣﺪة وﺳﻂ اﻟﺸﻮارع ﺗﻀﺎﻣﻨﺎً ﻣﻊ اﻟﻤﺨﻄﻮﻓﯿﻦ .وﻧﺰﻟﺖُ ﻣﻊ أﺻﺪﻗﺎﺋﻲ ﻓﻲ اﻹﺗﺤﺎد اﻟﻰ اﻟﺸﻮارع اﻟﺮﺋﯿﺴﯿﺔ ﻓﻲ اﻟﻤﺪﯾﻨﺔ ﻹﯾﻘﺎف ﺣﺮﻛﺔ اﻟﺴﯿﺮ. إﻻ أن اﻟﻌﻤﻠﯿﺔ ﺑﺎءت ﺑﺎﻟﻔﺸﻞ ،ذﻟﻚ اﻟﯿﻮم .ﻓﻜﺎﻧﺖ اﻟﺴﯿﺎرات ﺗﻮاﺻﻞ ﺳﯿﺮھﺎ ﻏﯿﺮ ﻣﺒﺎﻟﯿﺔ ﺑﺈﺷﺎرات اﻟﺘﻮﻗﻒ .ورأﯾﺖُ ﺳﺎﺋﻘﺎً ﯾﮭﻢ ﺑﺎﻻﻧﻄﻼق ﻏﯿﺮ آﺑﮫ ﺑﻨﺸﺎﻃﻨﺎ .ﻓﺄﺛﺎر ﺗﺼﺮﻓﮫ ﻓﻲ ﻧﻔﺴﻲ ﻏﻀﺒﺎً ﻋﺎرﻣﺎً .وﻋﻠىﺎﻟﺮﻏﻢ ﻣﻦ أﻧﻨﻲ أﺿﺒﻂ أﻋﺼﺎﺑﻲ وﻣﺸﺎﻋﺮي ﺟﯿﺪاً ،ﻓﻘﺪ ﺟﻌﻠﻨﻲ ھﺬا اﻟﺘﺼﺮف أﻓﻘﺪ ﺻﻮاﺑﻲ .وﺑّﺨﺘﮫُ ودﻋﻮﺗﮫ أن ﯾﺼﯿﺮ أﻛﺜﺮ ﻣﺪﻧﯿﺔً .ﻓﺮد ﻋﻠﻲ ﺳﺌﻤﺎً ،وﻃﻤﺄﻧﻨﻲ ﺑﺄن ﺟﮭﻮدﻧﺎ ﻛﻠﮭﺎ ﻟﻦ ﺗﺠﺪي ﻧﻔﻌﺎً ،وأﻧﮭﺎ ﺑﻼ ﻃﺎﺋﻞ. وذات ﻟﯿﻠﺔ ،ﺣﺪث أﻣﺮ ﺟﻠﻞ. ﻛﺎن اﻟﻮﻗﺖ ﻣﻨﺘﺼﻒ اﻟﻠﯿﻞ ،ﺣﯿﻦ أُﻋﻠﻦ ﺧﺒﺮ ﻣﻘﺘﻞ اﻟﺸﯿﺦ راﻏﺐ ﺣﺮب .ﻛﺎن أﺣﺪ وﺟﻮه اﻟﻤﻘﺎوﻣﺔ اﻟﺒﺎرزﯾﻦ .وھﻮ ﻟﻢ ﯾﺘﻮان ﻋﻦ اﻟﺪﻋﻮة اﻟﻰ ﻣﻘﺎوﻣﺔ اﻻﺣﺘﻼل اﻹﺳﺮاﺋﯿﻠﻲ ،ﻣﻦ
74
ﻋﻠﻰ ﻣﻨﺒﺮ اﻟﺤﺴﯿﻨﯿﺔ ﻓﻲ ﺑﻠﺪﺗﮫ ﺟﺒﺸﯿﺖ ،اﻟﻘﺮﯾﺒﺔ ﻣﻦ ﺻﻮر. وﻛﺎن اﻟﺸﯿﺦ ﺣﺮب رﺟﻞ دﯾﻦ وﻣﻠﺘﺰﻣﺎً ﻓﻲ ﺣﺮﻛﺔ أﻣﻞ، ﻓﻲ آن .وﻟﻤﺎ وﺟﺪ اﻹﺳﺮاﺋﯿﻠﯿﻮن أن ﻟﮫ ﺗﺄﺛﯿﺮاً ﻛﺒﯿﺮاً ﻓﻲ ﻣﺤﯿﻄﮫ ،وأﻧﮫ ﻟﻢ ﯾﻦ ﯾﺤﺾّ اﻟﻌﺸﺮات ﻣﻤﻦ ﺣﻮﻟﮫ ﻋﻠﻰ ﻗﺘﺎﻟﮭﻢ ،ﻗﺘﻠﻮه ﻓﻲ ﻗﻠﺐ ﻣﺴﺠﺪه .ﻓﺄﺣﺪث ﻓﻲّ ﻏﯿﺎﺑﮫ ﺣﺰﻧﺎً ﺷﺪﯾﺪاً .ﻓﻤﻀﯿﺖ ،ﻣﻊ اﻟﻔﺠﺮ اﻟﻰ رﻓﯿﻘﻲ "ﻋﻠﻲ" ،اﻟﺬي ﻛﺎن ﻣﺴﺆوﻻً ﻋﻦ اﻟﻄﻼب اﻟﺜﺎﻧﻮﯾﯿﻦ اﻟﻤﻠﺘﺰﻣﯿﻦ ﻓﻲ اﻹﺗﺤﺎد ﺑﻤﻨﻄﻘﺔ ﺑﯿﺮوت اﻟﻐﺮﺑﯿﺔ .أﯾﻘﻈﺘﮫ وأﻃﻠﻌﺘﮫ ﻋﻠﻰ اﻟﺨﺒﺮ، ﻓﻘﺮرﻧﺎ أن ﻧﻨﻈﻢ ﺗﺠﻤﻌﺎً ﻓﻲ اﻟﻤﺪرﺳﺔ ،ﺣﺪاداً ﻋﻠﻰ اﻟﺸﮭﯿﺪ ﺣﺮب ،واﺣﺘﺠﺎﺟﺎً ﻋﻠﻰ ﻋﺪوان إﺳﺮاﺋﯿﻞ ،ﻋﻠﻰ أن ﯾﻠﻲ اﻟﺘﺠﻤﻊ اﻹﻧﻄﻼق ﻓﻲ ﺗﻈﺎھﺮة اﻟﻰ اﻟﺸﺎرع. وﻟﻤﺎ ﻛﻨﺖ اﻟﻨﺎﻃﻘﺔ ﺑﻠﺴﺎن ﻣﺪرﺳﺘﻲ اﻧﺘﺪﺑﺖُ ﻷﺳﺄل ﻣﺪﯾﺮﺗﻨﺎ اﻟﻤﻮاﻓﻘﺔ ﻋﻠﻰ ﺗﺤﺮﻛﻨﺎ .اﻧﺪﻓﻌﺖُ اﻟىﻤﻜﺘﺒﮭﺎ ،وﺳﺮﻋﺎن ﻣﺎ ﻗﻮﺑﻠﺖ ﺑﺎﻟﺮﻓﺾ .وﻟﺌﻦ ﺗﻔﮭﻤﺖ اﻟﻤﺪﯾﺮة اﻧﻔﻌﺎﻟﻲ وﻏﻀﺒﻲ، ﻓﻘﺪ ﻇﻠﺖ ﻣﺼﺮة ﻋﻠﻰ رﻓﻀﮭﺎ ﺗﻌﻄﯿﻞ اﻟﺪروس ﻟﻤﺮة ﺟﺪﯾﺪة ،ﻓﻲ ﺣﯿﻦ ﺑﺪت ﺣﯿﺎﺗﻨﺎ اﻟﻤﺪرﺳﯿﺔ ﻣﺸﻮﺷﺔ ﺑﻜﻞ أﻧﻮاع اﻷﺣﺪاث اﻟﻨﺎﺟﻤﺔ ﻋﻦ اﻟﺤﺮب اﻷھﻠﯿﺔ .وﻇﻠﺖ ﻣﻌﺎﻧﺪة ،ﻻ ﺗﻠﯿﻦ .أﻏﺎﻇﻨﻲ ﺗﺼﺮﻓﮭﺎ .ﻓﺨﺮﺟﺖُ ﻋﻦ ﻃﻮري ،ورﺣﺖُ أﻗﺪم ﻟﮭﺎ اﻟﺒﺮاھﯿﻦ ﻣﻦ ﻋﻠﯿﺎء اﻟﺨﺎﻣﺴﺔ ﻋﺸﺮة رﺑﯿﻌﺎً ﺗﻠﻮ اﻟﺒﺮاھﯿﻦ ﻋﻤﺎ ﻇﻨﻨﺘﮫ درﺳﺎً ﺑﺎﻟﻮﻃﻨﯿﺔ .ﻣﻊ ذﻟﻚ ،أﻣﻜﻨﻨﻲ أن أﺑﺪل رأﯾﮭﺎ ،وﺗﻮﺻﻠﻨﺎ اﻟﻰ ﻧﻮع ﻣﻦ اﻟﻤﺴﺎوﻣﺔ ،ﯾﻘﻀﻲ ﺑﺄن ﻧﺘﺎﺑﻊ دراﺳﺘﻨﺎ ﻓﻲ ﻧﮭﺎر ذﻟﻚ اﻟﯿﻮم ،ﺛﻢ ﯾﺴﻤﺢ ﻟﻨﺎ ﺑﺎﻟﺘﺠﻤﻊ ﻟﺸﺮح ﻣﺎ ﯾﺠﺮي ،ﻗﺒﻞ اﻹﻧﺼﺮاف اﻟﻰ اﻟﺘﻈﺎھﺮ ﻓﻲ ﺑﯿﺮوت اﻟﻐﺮﺑﯿﺔ .ذﻟﻚ اﻟﯿﻮم ،ﺗﻈﺎھﺮت ﻣﺪرﺳﺘﻲ وﺣﺪھﺎ ﻓﻲ اﻟﺸﺎرع دون ﺳﺎﺋﺮ اﻟﻨﺎس .وﻛﺎﻟﻌﺎدة ،ﻛﺎﻧﺖ اﻟﻤﻮاﻛﺐ ﺗﻨﻄﻠﻖ ﻣﻦ اﻟﺼﻨﺎﺋﻊ ،وﺗﺘﺠﮫ ﺻﻮب ﻣﻜﺎﺗﺐ اﻷﻣﻢ اﻟﻤﺘﺤﺪة ﺳﺎﻟﻜﺔ ﺷﺎرع اﻟﺤﻤﺮاء اﻟﻜﺒﯿﺮ ،وﻣﻦ ﺛﻢ ﺗﺘﺠﮫ اﻟﻰ اﻟﺠﺎدة 75
اﻟﻜﺒﺮى ،وﺗﻤﺮ ﻣﻦ أﻣﺎم اﻟﺴﻔﺎرة اﻟﻜﻮﯾﺘﯿﺔ .ﻏﯿﺮ أﻧﻨﺎ اﻛﺘﻔﯿﻨﺎ ﺑﺎﻟﺘﻈﺎھﺮ ﻓﻲ اﻟﺤﻲ ﻧﻔﺴﮫ ،ﻣﻦ دون راﯾﺎت وﻻ أﻋﻼم. ورﺣﺖ أﻃﻠﻖ اﻟﺸﻌﺎرات ﻓﻲ ﺣﯿﻮﯾﺔ ﺑﺎﻟﻐﺔ ،ﺣﺘﻰ أن أﺣﺪ اﻟﺮﺟﺎل اﻟﻤﺎرﯾﻦ ﻣﻦ ذﻟﻚ اﻟﻤﻜﺎن رﻣﻰ ﺑﮭﺬا اﻟﻘﻮل" :ھﺬه اﻟﻔﺘﺎة ،ﻟﺴﻮف ﺗﻘﻮم ﯾﻮﻣﺎً ﺑﻌﻤﻠﯿﺔ اﻧﺘﺤﺎرﯾﺔ ،ﺑﺎﻟﺘﺄﻛﯿﺪ!". ﺗﺒﺪت ﻟﻲ ﻧﺘﯿﺠﺔ ھﺬا اﻟﻨﮭﺎر ھﺰﯾﻠﺔً. وﺑﺎرﺣﻨﻲ ھﺪوﺋﻲ ،ﻣﻦ ﺟﺪﯾﺪ ،أﻛﺜﺮ ﻣﻦ اﻟﻼزم .وﺗﻔﻜﺮ ُ ت ﻓﻲ ﺿﺮورة أن أﺳﺘﺨﺪم ﻃﺎﻗﺘﻲ اﻟﻤﺘﻮﻗﺪة وﺣﻤﺎﺳﺘﻲ ﻷھﺪاف أﺧﺮى. ﻓﻤﻨﺬ اﻹﻋﻼن ﻋﻦ وﻻدة ﺟﺒﮭﺔ اﻟﻤﻘﺎوﻣﺔ اﻟﻠﺒﻨﺎﻧﯿﺔ ﺿﺪ اﻹﺣﺘﻼل اﻹﺳﺮاﺋﯿﻠﻲ ،ﻓﻲ اﻟﺴﺎدس ﻋﺸﺮ ﻣﻦ أﯾﻠﻮل / ﺳﺒﺘﻤﺒﺮ ﻓﻲ اﻟﻌﺎم ،1982ﻛﻔﻔﺖُ ﻋﻦ اﻟﻀﯿﺎع وﻋﺮﻓﺖُ ﺳﺒﯿﻠﻲ .ﻗﺮرت أن أﻟﺘﺰم .وﻟﻜﻦ ،ﻣﺎذا ﯾﻘﺘﻀﻲ أن أﻋﻤﻞ، وﻓﻲ أي ﻇﺮوف ،وﻣﻊ ﻣﻦ؟ ﻟﻢ أﻛﻦ ﻷﻋﺮف ﺟﻮاﺑﺎً ﻋﻦ ﻛﻞ ھﺬه اﻟﺘﺴﺎؤﻻت .وﻛﻠﻤﺎ اﺳﺘﺸﻌﺮت ،ﻓﻲ ﺻﻤﯿﻢ ﻧﻔﺴﻲ، ھﺬه اﻟﺤﺎﺟﺔ اﻟﻰ اﻟﻤﺴﺎھﻤﺔ ﻓﻲ ھﺬه اﻟﻤﻌﺮﻛﺔ اﻟﺘﻲ اﻧﺪﻟﻌﺖ ﻟﺘﻮھﺎ ،ازددتُ ﺟﮭﻼً ﺑﺎﻟﺴﺒﯿﻞ اﻟﺘﻲ ﯾﻨﺒﻐﻲ ﻟﻲ أن اﺗﺨﺬھﺎ ﻷﺻﯿﺮ ﻋﻠﻰ ﺻﻠﺔ ﻣﻠﻤﻮﺳﺔ ﺑﮭﺬه اﻟﻤﻘﺎوﻣﺔ اﻟﺸﮭﯿﺮة ،اﻟﺘﻲ أﺟﻠﮭﺎ .واﻟﺤﺎل أن ﺗﺤﻮل اﻟﻤﻘﺎوﻣﺔ اﻟىﻨﻄﺎق اﻟﺴﺮﯾﺔ ﻓﻲ ﺑﯿﺮوت ﻟﻢ ﯾﻜﻦ ﻟﯿﺴﮭﻞ أﻣﺮ ذﻟﻚ اﻟﺘﻮاﺻﻞ. وﻛﺬﻟﻚ ﻟﻢ ﯾﻜﻦ ھﺬا اﻟﺘﻜﺘﻢ اﻟﺸﺪﯾﺪ اﻟﺬي ﻟﺒﺜﺖُ أﺣﻔﻆ ﻓﯿﮫ ﻗﻨﺎﻋﺎﺗﻲ اﻟﻌﻤﯿﻘﺔ ،ﺳﻮاء داﺧﻞ ﻋﺎﺋﻠﺘﻲ أو ﻟﺪى أﻗﺮﺑﺎﺋﻲ، ﻟﯿﺴﮭﻞ ﻋﻠﻲ اﻷﻣﺮ ﻧﻔﺴﮫ .وﺣﯿﻦ ﻛﻨﺎ ﻧﻨﺎﻗﺶ ﻓﻲ اﻹﺗﺤﺎد ﻣﺴﺄﻟﺔ اﻗﺘﺪارﻧﺎ ﻋﻠﻰ اﻟﻘﯿﺎم ﺑﺄﻋﻤﺎل ﺟﺮﯾﺌﺔ ،ﻛﻨﺖ أﺣﺬر 76
ﺟﯿﺪاً ﻣﻦ إﯾﺬاء أي ﻣﯿﻞ ﻓﻲّ اﻟﻰ ھﺬه اﻟﺸﻌﻠﺔ اﻟﺘﻲ ﻣﻠﻜﺖ ﻛﯿﺎﻧﻲ ﻣﻨﺬ أﯾﻠﻮل /ﺳﺒﺘﻤﺒﺮ اﻟﺸﮭﯿﺮ ذاك .ﻓﺠﮭﺪتُ ،ﻋﻠﻰ اﻟﺪوام ،ﻓﻲ أن أﺑﺪو ﻃﺎﻟﺒﺔً ﻧﺠﯿﺒﺔً ،ﺗﻨﻔﺮ ﻣﻦ اﻟﺨﺮوج اﻟﻰ اﻟﺴﮭﺮات ،وﺗﺆﺛﺮ أن ﺗﻈﻞ ﻓﻲ اﻟﻤﻨﺰل ﻟﺘﻌﻤﻞ ،وﻣﻨﺪوﺑﺔ ﻋﻦ اﻟﻄﻼب ﻧﺸﻄﺔ ﻏﯿﺮ أﻧﮭﺎ ﻻ ﺗﺨﺮج ﻋﻦ اﻟﻤﻌﻘﻮل، وذات رﺷﺎد ورزاﻧﺔ ،ﻓﻲ ﺣﯿﻦ ﺑﻄُﻞَ أن ﯾﻜﻮن ﻋﻄﺎء اﻟﺬات واﻟﺘﻀﺤﯿﺔ ﺑﺎﻟﻨﻔﺲ ﻓﻲ ﺳﺒﯿﻞ اﻟﻘﻀﯿﺔ ،ﻋﻠﻰ ﺣﺴﺎب اﻟﺸﻌﺎرات اﻟﻄﻨﺎﻧﺔ ،أﻣﺮﯾﻦ ﻣﺤﺮﻣﯿﻦ ﻣﻨﺬ اﻟﻌﻤﻠﯿﺔ اﻻﻧﺘﺤﺎرﯾﺔ اﻷوﻟﻰ اﻟﺘﻲ ﻧﻔﺬﺗﮭﺎ ﻓﺘﺎة ﻟﺒﻨﺎﻧﯿﺔ ﻓﻲ اﻟﻘﻄﺎع اﻟﻤﺤﺘﻞ ﻋﺎم 1985.ﺳﻨﺎء ﻣﺤﯿﺪﻟﻲ ،ذات اﻟﺜﻤﺎﻧﯿﺔ ﻋﺸﺮة رﺑﯿﻌﺎً ،ﺷﺎءت أن ﺗﻔﺠﺮ ﺑﻨﻔﺴﮭﺎ اﻟﻘﻨﺒﻠﺔ اﻟﺘﻲ ﻛﺎﻧﺖ ﺗﺤﻤﻠﮭﺎ ﻟﺪى ﻣﺮور دورﯾﺔ إﺳﺮاﺋﯿﻠﯿﺔ. وﻟﺌﻦ ﻛﻨﺖُ ﻣﺴﺎﻟﻤﺔ ﻓﻲ ﻃﻮﯾﺘﻲ ،ﻓﺈن ھﺬا اﻟﻤﺜﺎل اﻟﺬي ﺻﻌﻘﻨﻲ وﺟﻌﻠﻨﻲ ﻣﺴﺘﻌﺪة ﻟﻠﻨﻀﺎل. واﻟﻨﻀﺎل دوﻧﮫ اﻟﻜﺜﯿﺮ ﻣﻦ اﻟﺼﻌﻮﺑﺎت ،وﻷﺟﻠﮫ ﯾُﻀﺤﻰ ﺑﺎﻟﻜﺜﯿﺮ ﻣﻦ اﻷﻣﻮر .وھﺎ أﻧﺎ وﻗﺪ ﺑﻠﻐﺖ اﻟﺨﺎﻣﺴﺔ ﻋﺸﺮة، ذﻟﻚ اﻟﻌﻤﺮ اﻟﺬي ﯾﺼﯿﺮ ﻓﯿﮫ ﻣﺘﻮﻗﻌﺎً أن ﺗﻨﻤﻮ ﺑﯿﻦ اﻟﺸﺒﺎب، ﻓﻲ ﻣﺮﺣﻠﺔ اﻟﻤﺮاھﻘﺔ ،وﺑﯿﻦ اﻟﻔﺘﯿﺎت ،ﺳﻮاء ﻓﻲ اﻟﻤﺪرﺳﺔ أم ﻓﻲ اﻻﺗﺤﺎد ،ﻣﺸﺎﻋﺮ ﺗﺘﺠﺎوز اﻟﻤﺼﻠﺤﺔ اﻟﺒﺤﺘﺔ ... ،أو ﻣﺸﺎﻋﺮ اﻟﺤﺐ واﻟﮭﻮى ،وﻓﻲ ھﺬا اﻟﺸﺄن ،ﻛﻨﺖ ﻣﻮﺿﻊ إﻋﺠﺎب ﻣﻦ ﻗﺒﻞ أﺣﺪ أﺻﺪﻗﺎﺋﻲ ،وﻛﺎن ﻋﻀﻮاً ﻓﻲ اﻟﺤﺰب اﻟﺸﯿﻮﻋﻲ ،وﻣﺎ ﺑﺮح ﯾﻨﻈﺮ ﺑﺸﻲء ﻣﻦ اﻻﺣﺘﻘﺎر اﻟﻰ أﻋﻀﺎء اﻻﺗﺤﺎد ،وﯾﻨﻌﺘﮭﻢ ﺑﻐﯿﺮ اﻟﻨﺎﺿﺠﯿﻦ ﻷﻧﮭﻢ ﻻ ﯾﻔﻜﺮون إﻻ ﻓﻲ اﻟﻠﮭﻮ .ورﺣﺖ أﺻﻐﻲ إﻟﯿﮫ وھﻮ ﯾﺒﻮح ﻟﻲ ﺑﺤﺒﮫ ،ھﺬا اﻟﺒﻮح اﻷول ﻓﻲ ﺣﯿﺎﺗﻲ .ﻟﻢ أﺛﺒﻂ ﻋﺰﯾﻤﺘﻲ ،إﻻ أﻧﻲ ،وﺑﻌﺪ ﺗﻔﻜﯿﺮ ﻋﻤﯿﻖ ،ﺻﺮت ﻋﻠىﯿﻘﯿﻦ ﺑﺄن ﺣﻜﺎﯾﺔ 77
اﻟﺤﺐ ھﺬه رﺑﻤﺎ ﺗﺤﻮل دون اﻟﻤﻀﻲ ﻓﻲ ﻣﺨﻄﻄﻲ اﻟﻤﺴﺘﻘﺒﻠﻲ .وﻛﻨﺖُ ،اﻟىﺤﯿﻨﮫ ،ﻻ أزال أﻋﺮضُ ﺧﺪﻣﺎﺗﻲ ﻟﻤﺮاﻓﻘﺔ ھﺬا اﻟﺸﺨﺺ أو ذاك ﻟﻠﻌﺒﻮر ﻓﻲ ﺳﯿﺎرﺗﮫ اﻟﻰ ﻧﻘﻄﺔ ﻓﻲ ﺑﯿﺮوت. ﻓﺈذا ﻣﺎ ﻛﻨﺖُ أﻣﻀﻲ ﻗﺪﻣﺎً ﻓﻲ اﻗﺘﺮاﺣﺎﺗﻲ ،ﻓﻸﻧﻲ ﻛﻨﺖ أﻋﺮف أن وﺟﻮد زوﺟﯿﻦ ﻓﻲ ﺳﯿﺎرة واﺣﺪة ﯾﺜﯿﺮ ﻣﻦ اﻟﺮﯾﺒﺔ أﻗﻞ ﻣﻤﺎ ﯾﺜﯿﺮه رﺟﻞ ﻣﻔﺮد – وﻻ ﺳﯿﻤﺎ إذا ﻛﺎﻧﺖ اﻟﺴﯿﺎرات اﻟﺘﻲ اﺳﺘﻘﻠﻠﺘﮭﺎ ﻧﺎﻗﻠﺔ ﻟﻸﺳﻠﺤﺔ واﻟﺬﺧﺎﺋﺮ ،ﻋﻠﻰ اﻷﻏﻠﺐ. ﻓﺈن ﯾﻠﺘﺰم اﻟﻤﺮء وﯾﺰﯾﺪ ﻣﻦ اﻟﺘﺰاﻣﮫ ،ﻷﻣﺮ ﯾﺴﺘﺘﺒﻊ ﻋﻮاﻗﺐ ﻏﯿﺮ ﻣﺤﺴﻮﺑﺔ .أﺿﻒ اﻟﻰ ذﻟﻚ ،ﻓﺈن اﻷﻣﺜﻠﺔ اﻟﺘﻲ ﻋﺎﯾﻨﺘﮭﺎ ﻣﻦ ﺣﻮﻟﻲ ﻛﺎﻧﺖ ﺗﺮدﻋﻨﻲ ﻋﻦ ﻣﺰاوﺟﺔ اﻟﻤﺸﺎﻋﺮ ﺑﺎﻟﻤﻘﺎوﻣﺔ. وﻓﻲ ﺧﻼل ﺑﺤﺜﻲ اﻟﺪؤوب ﻋﻦ ﺷﺒﻜﺎن اﻟﻤﻘﺎوﻣﺔ ،ﺗﻘﺮﺑﺖُ ﻣﻦ رﻓﯿﻘﺔ ﻓﻲ اﻟﺤﺰب وﻟﮭﺎ ﺻﺪﯾﻖ ﯾﻨﺘﻤﻲ اﻟﻰ ﺗﻨﻈﯿﻢ ﻣﺎرﻛﺴﻲ .وﻛﻨﺖُ أﻋﺮف أن ھﺬا اﻟﺼﺪﯾﻖ ﯾُﺸﻚ ﻓﻲ ﻛﻮﻧﮫ ﻣﺸﺎرﻛﺎً ﻓﻲ ﻋﻤﻠﯿﺎت ﺣﺮﺑﯿﺔ .وﻛﻠﻤﺎ أﺑﺪت ﻟﮫ ﺻﺪﯾﻘﺘﮫ رﻏﺒﺘﮭﺎ ﻓﻲ اﻻﻟﺘﺰام واﻟﻘﺘﺎل اﻟﻰ ﺟﺎﻧﺒﮫ ،واﺟﮭﮭﺎ ﺑﺎﻟﺮﻓﺾ اﻟﻘﺎﻃﻊ ،ﻣﺤﺘﺠﺎً ﻟﮭﺎ ﺑﺎﻟﻤﺨﺎﻃﺮ اﻟﻜﺜﯿﺮة .ﻟﻢ ﯾﻜﻦ ﯾﺸﺎء أن ﺗﺨﺎﻃﺮ ﻓﻲ ﺷﻲء .وﻟﮭﺬا اﻟﺴﺒﺐ ،اﻧﺘﮭﻰ ﺑﮭﻤﺎ اﻷﻣﺮ اﻟﻰ اﻹﻧﻔﺼﺎل .وﻓﯿﻤﺎ ﺑﻌﺪ ،ﻋﺮﻓﺖُ اﻟﻤﻌﻀﻠﺔ ﻧﻔﺴﮭﺎ ﻓﻲ ﻋﯿﻦ ﺻﺪﯾﻘﺔ أﺧﺮى .ﻛﺎن اﻟﺸﺎب ،ھﺬه اﻟﻤﺮة ،ﻣﻠﺘﺰﻣﺎً ﻓﻲ ﺻﻔﻮف ﺣﺰب اﷲ .وﻛﺎن اﻟﺘﺰاﻣﮫ ﯾﺴﺘﻐﺮق ﻣﻨﮫ ﺟُﻞ وﻗﺘﮫ، ﻣﺎ ﺟﻌﻞ ﺻﺪﯾﻘﺘﻲ ﺗﻨﻔﺮ ﻣﻨﮫ .وﯾﻮم ﻗﺮرت اﻹﻧﻔﺼﺎل ﻋﻨﮫ، ﻋﻠﻤﺖ ﺑﺄﻧﮫ ﻣﺰﻣﻊ ﻋﻠﻰ اﻟﻘﯿﺎم ﺑﻌﻤﻠﯿﺔ اﻧﺘﺤﺎرﯾﺔ ،ﻗﺮﯾﺒﺎً .وﻟﻢ 78
أﯾﻘﻨﺖ أن ﻟﮭﺎ ﻗﺴﻄﺎً ﻣﻦ اﻟﻤﺴﺆوﻟﯿﺔ ﻓﻲ ﻗﺮار ﺻﺪﯾﻘﮭﺎ ھﺬا، ﺳﺄﻟﺘﻨﻲ أن أراﻓﻘﮭﺎ اﻟﻰ اﻟﺠﻨﻮب ﻟﻤﻼﻗﺎة ذﻟﻚ اﻟﺸﺎب وﻣﺤﺎوﻟﺔ ﺛﻨﯿﮫ ﻋﻦ اﻟﻘﯿﺎم ﺑﮭﺬه اﻟﻌﻤﻠﯿﺔ .ﻓﺴﺮرتُ ﺑﮭﺬه اﻟﻨﻌﻤﺔ ﻏﯿﺮ اﻟﻤﺘﻮﻗﻌﺔ ،وﻗﺒﻠﺖ رﻓﻘﺘﮭﺎ .ﻣﻀﯿﻨﺎ إﻟﯿﮫ . وأﻣﻜﻨﮭﺎ ،آﺧﺮ اﻷﻣﺮ ،أن ﺗﻘﻨﻊ ﺻﺪﯾﻘﮭﺎ اﻟﻘﺪﯾﻢ ﺑﺎﻟﻌﺪول ﻋﻦ ﻧﺸﺎﻃﮫ .واﻟﺤﻖ ﯾﻘﺎل ،إن ھﺬا اﻟﻤﻘﺎﺗﻞ ،ﺣﯿﻦ أﺳﺮ ﻟﮭﺎ ﺑﻜﻞ ﻧﻮاﯾﺎه ،وﺣﯿﻦ وﻓﺮ ﻟﮭﺎ ﻛﻞ اﻟﻮﺳﺎﺋﻞ اﻟﺘﻲ ﺗﺘﯿﺢ ﻟﮭﺎ ﻣﻮاﻓﺎﺗﮫ ﺣﯿﺚ ھﻮ ،ﯾﻜﻮن ﻗﺪ أﻓﺴﺪ ﻣﺨﻄﻄﮫ وﻧﻀﺎﻟﮫ ﺑﯿﺪه .إﻧﻲ أﺗﻔﮭﻢ ﻣﺸﺎﻋﺮ رﻓﯿﻘﺘﻲ وﻣﺴﻌﺎھﺎ ﻓﻲ ﺳﺒﯿﻞ اﺳﺘﺮﺟﺎع ﺻﺪﯾﻘﮭﺎ، ﺣﺘﻰ وﻟﻮ ﺻﺮتُ أﻧﻈﺮ إﻟﯿﮭﺎ ﺑﻌﯿﻦ اﻟﻠﻮم. وﻟﻘﺪ ﻧﻈﺮت ﺣﻮﻟﻲ ،ﻓﻮﺟﺪت أﻧﮫ ﯾﻤﻜﻦ ﻟﻠﻤﺮء أن ﯾﺨﺘﺎر اﻻﻟﺘﺰام ،وﻗﺪ ﯾﺬھﺐ ﺑﮫ اﻟﻰ ﺣﺪ اﻟﺘﻀﺤﯿﺔ ﺑﻨﻔﺴﮫ ،أﺣﯿﺎﻧﺎً، ﻟﻐﺎﯾﺎت ﺷﺨﺼﯿﺔ ،ﻻ ﺗﻤﺖ ﺑﺼﻠﺔ اﻟﻰ اﻟﺸﻌﻮر اﻟﻮﻃﻨﻲ. ﺗﻀﺎف اﻟﻰ ﺣﻜﺎﯾﺎت اﻟﻐﺮام اﻟﻤﺤﺒﻄﺔ ،ﻗﺼﺔ ﻗﺮﯾﺒﺔ ﻟﻲ وﺗﺪﻋﻰ "ﻟﻮﻻ ﻋﺒﻮد" ،وھﻲ اﻟﺸﯿﻮﻋﯿﺔ اﻟﺘﻲ اﺳﺘﺸﮭﺪت ﻓﻲ ﺧﻼل ﺳﻠﺴﻠﺔ ﻣﻦ اﻟﻌﻤﻠﯿﺎت اﻟﻤﻨﻔﺬة ﻓﻲ اﻟﺒﻘﺎع" .ﻟﻮﻻ" ﻛﺎﻧﺖ ﻗﺪ اﻧﻔﺼﻠﺖ ﻋﻦ ﺻﺪﯾﻘﮭﺎ ﻗﺒﯿﻞ ﻗﯿﺎﻣﮭﺎ ﺑﺎﻟﻌﻤﻠﯿﺔ اﻟﺘﻲ أدت اﻟﻰ ﻣﻘﺘﻠﮭﺎ. ﻓﻲ اﻟﺤﻘﯿﻘﺔ ،ﻛﺎﻧﺖ ھﺬه اﻷﻣﺜﻠﺔ )ﻋﻦ اﻟﺤﺐ اﻟﻤﺤﺒﻂ( ﺗﺜﻠﺞ ﺻﺪري ،ﻣﺎ دام ﻟﺪي اﻻﻧﻄﺒﺎع ﺑﺄﻧﻲ أﺑﻠﯿﺖُ ﺣﺴﻨﺎً إذ ﺗﺠﻨﺒﺖُ أﯾﺔ ﻋﻼﻗﺔ ،ﺣﺘﻰ وﻟﻮ ﻛﺎﻧﺖ ﻣﻊ ﻣﻘﺎوم .وﻣﻊ أﻧﻲ ﻛﻨﺖ ،ﺷﺄن ﻛﻞ ﻓﺘﯿﺎت ﺟﯿﻠﻲ ،راﻏﺒﺔ ﻓﻲ أن ﯾﻜﻮن ﻟﻲ ﻋﺎﺷﻖ ،وأﺣﻠﻢ ﺑﺄن أﺣﯿﺎ ﺣﯿﺎة زوﺟﯿﺔ ،ﺗﺤﻘﻖ ﺧﻼﻟﮭﺎ أﻣﺎﻧﻲ اﻟﺰوﺟﯿﻦ ،ﻓﻲ ﻋﺎﺋﻠﺔ وأﺑﻨﺎء ،ﻓﻘﺪ ﺑﺪا ﻟﻲ ﻣﺤﺎﻻً ﻓﻲ ﻇﻞ اﻟﻈﺮوف اﻟﻀﺎﻏﻄﺔ اﻟﺘﻲ ﺗﺤﯿﻂ ﺑﻨﺎ ،أن أﻧﺨﺮط ﻓﻲ اﻟﺘﺰاﻣﯿﻦ وﻓﻲ ﺟﺒﮭﺘﯿﻦ ،ﻣﻌﺎً .وﻣﻨﺬ ذﻟﻚ اﻟﺤﯿﻦ ،اﻗﺘﺼﺮت 79
ﻋﻼﻗﺎﺗﻲ ﺑﺎﻟﻔﺘﯿﺎن ﻋﻠﻰ اﻟﺼﺪاﻗﺔ ﺣﺘﻰ أﻧﻨﻲ ﻏﺪوت ﻟﮭﻢ ﺧﯿﺮ أﻣﯿﻨﺔ ﻋﻠﻰ أﺳﺮارھﻢ ،وﻧﻮﻋﺎً ﻣﻦ اﻟﻤﺴﺎﻋﺪة اﻻﺟﺘﻤﺎﻋﯿﺔ واﻟﻌﺎﻃﻔﯿﺔ. وﺑﺎﻟﻤﻘﺎﺑﻞ ،وﺟﺪت ﻋﺪداً ﻻ ﺑﺄس ﺑﮫ ﻣﻦ ﺻﺪﯾﻘﺎﺗﻲ ﯾﺴﺄﻟﻨﻨﻲ اﻟﻨﺼﺢ ﻓﻲ ﻋﻼﻗﺎﺗﮭﻦ اﻟﻌﺎﻃﻔﯿﺔ ،ﻷﻧﮭﻦ ﯾﻌﺘﻘﺪن أﻧﻲ ﻛﻨﺖ ﻋﻠﻰ دراﯾﺔ ﺑﮭﺬه اﻷﻣﻮر ،ﻟﻤﺠﺮد أﻧﻲ ﻛﻨﺖ ﻣﻘﺮﺑﺔ ﻣﻦ اﻟﺤﺰب اﻟﺸﯿﻮﻋﻲ اﻟﺬي أُﺛﺮ ﻋﻦ أﻋﻀﺎﺋﮫ ﺗﻤﯿﺰھﻢ ﺑﺎﻟﺘﺤﺮر. ﻓﻲ اﻟﻮاﻗﻊ ،ﻛﺎن اﺧﺘﯿﺎري ﻓﻲ أﻻ ﯾﻜﻮن ﻟﺪي ﺻﺪﯾﻖ ،ﻗﻠﯿﻞ اﻟﻜﻠﻔﺔ .إذ ﻟﻢ ﯾﻜﻦ ﯾﺸﻐﻠﻨﻲ ﺳﻮى أﻣﺮ واﺣﺪ ،اﻟﺪﺧﻮل ﻓﻲ اﻟﻤﻘﺎوﻣﺔ. ﻋﺎﻧﯿﺖُ اﻟﻜﺜﯿﺮ ﻷﺟﻞ أن ﯾﺘﺤﻘﻖ ھﺬا اﻟﻄﻤﻮح ،ﻓﺸﺎرﻛﺖُ، ﻣﺸﺎرﻛﺔً ﻧﺸﻄﺔ ﻓﻲ اﻟﺤﻤﻠﺔ اﻟﺘﻲ أدت اﻟﻰ إﺳﻘﺎط اﺗﻔﺎق اﻟﻌﺎر ،اﺗﻔﺎق 17أﯾﺎر /ﻣﺎﯾﻮ ﻟﻌﺎم ،1983واﻟﺬي ﻛﺎن وُﻗﻊ ﺑﯿﻦ إﺳﺮاﺋﯿﻞ وﺣﻠﻔﺎﺋﮭﺎ اﻟﻠﺒﻨﺎﻧﯿﯿﻦ اﻟﻤﻤﺜﻠﯿﻦ ﺑﺄﻣﯿﻦ اﻟﺠﻤﯿﻞ .وأدى اﻟﻨﻀﺎل اﻟﻰ ﺗﺤﻘﯿﻖ ﻏﺎﯾﺘﮫ ،ﺑﺴﻘﻮط ذﻟﻚ اﻻﺗﻔﺎق .وﻓﻲ ﺗﻠﻚ اﻟﻔﺘﺮة ،ﻗﺎﺑﻠﻨﻲ ﺟﻤﯿﻊ أﻓﺮاد ﻋﺎﺋﻠﺘﻲ ﺑﺎﻟﺤﺮص اﻟﺸﺪﯾﺪ ﻋﻠﻲ ،ﻓﺄﺟﻤﻌﻮا ﻋﻠﻰ إرﺳﺎﻟﻲ اﻟﻰ اﻟﺨﺎرج .وﻛﺎﻧﺖ واﻟﺪﺗﻲ ﺗﺠﮭﺪ ﻓﻲ ﺗﺠﻨﯿﺒﻲ ﺷﺮ اﻟﻤﺼﯿﺮ اﻟﺬي ﻗﺪ ﺗﺆول إﻟﯿﮫ ﻓﺘﺎة ﻟﺒﻨﺎﻧﯿﺔ أرﺛﻮذﻛﺴﯿﺔ ،ﻋﻨﯿﺖ ﺑﮫ اﻟﺰواج ﻣﻦ ﺷﺎب ﻣﺴﻠﻢ .وﻛﺎن واﻟﺪي ،ﺷﺄن أﺧﻲ ﻋﺪﻧﺎن وﻋﻠﻰ ﺷﺎﻛﻠﺘﮫ ،ﯾﺮﯾﺪ ﻟﻲ أن أﺧﺮج ﻣﻦ اﻟﺒﻼد ،ﻷﺗﻌﻠﻢ ﺑﻌﯿﺪاً ﻋﻦ اﻟﺤﺮب اﻷھﻠﯿﺔ ،وﻋﻦ ﻓﺼﻮل اﻟﺮﻋﺐ ﻓﯿﮭﺎ ،وﻋﻦ ﻣﻈﺎھﺮ اﻟﻌﻨﻒ اﻟﺘﻲ ﻻ ﺗُﻌﺪ وﻻ ﺗﺤﺼﻰ .وﻟﺌﻦ ﻇﻨﻨﺖُ أن أﺣﺪ أﺳﺎﺗﺬة أﺧﺘﯿﻰ ﯾﻤﻜﻨﮫ أن ﯾﻀﻌﻨﻲ ﻋﻠﻰ ﺳﻜﺔ 80
اﻟﻤﻘﺎوﻣﯿﻦ ،ﻓﺈﻧﻲ ﻛﻨﺖُ ﻋﻠﻰ ﯾﻘﯿﻦ أﻧﮫ ﺳﻮف ﯾﺴﺎرع اﻟﻰ إﺧﻄﺎر أھﻠﻲ ﺑﻨﻮاﯾﺎي ﻟﻮ أﺳﺮرتُ ﻟﮫ ﺑﻜﻠﻤﺔ واﺣﺪة ﻓﻲ ھﺬا اﻟﺸﺄن .وزاد ﻓﻲ اﻟﻄﯿﻦ ﺑﻠﺔ ،أن ﻣﺤﺎوﻻﺗﻲ اﻷوﻟﻰ ﻟﻠﺘﻘﺮب ﻣﻦ اﻟﻤﻘﺎوﻣﯿﻦ ﺑﺎءت ﺑﺎﻟﻔﺸﻞ واﻟﺼﺪ ،ﺑﻜﻠﻤﺎت ﺟﻠﯿﺔ .وﺣﯿﻦ ﺧﺎﻃﺮت ،أﺧﯿﺮاً ،وﻃﺮﺣﺖُ اﻟﺴﺆال ﻋﯿﻨﮫ ﻋﻠﻰ "ﻋﻠﻲ"، وھﻮ اﻟﻤﺴﺆول اﻟﺴﯿﺎﺳﻲ اﻟﺬي أوﻟﯿﮫ ﺗﻘﺪﯾﺮي وأﻋﺮف ﻣﻘﺪار ﺣﻔﻈﮫ ﻟﻠﺴﺮ ،أﺟﺎب ﺑﺄﻧﮫ اﻷﺟﺪى ﻟﻲ أن أﻇﻞ ﻓﻲ ﻣﻮﺿﻌﻲ ،داﺧﻞ اﻻﺗﺤﺎد ،وﻓﻲ ﻣﺪرﺳﺘﻲ .ﻓﮭﻮ ﯾﺮى ﺳﺒﯿﻠﻲ ﻣﺮﺳﻮﻣﺔً ﻓﻲ ھﺬه اﻟﻮﺟﮭﺔ ،ﻻ ﺗﻠﻚ .وﻋﻠﯿﮫ ،ﻓﻘﺪ رأﯾﺘﻨﻲ ﻣﻨﺘﺨﺒﺔً ،وﯾﻜﺎد ﯾﻜﻮن ﻏﺼﺒﺎً ﻋﻨﻲ ،ﻓﻲ اﻟﻤﺠﻠﺲ اﻟﻮﻃﻨﻲ ﻟﺤﺮﻛﺘﻨﺎ .وأوردت اﻟﺠﺮاﺋﺪ إﺳﻤﻲ .ﻓﺎﻋﺘﺒﺮتُ ذﻟﻚ ﺑﺪاﯾﺔ ﺳﯿﺌﺔ ﻟﻤﻦ ﯾﺮﻏﺐ ﻓﻲ اﻻﻧﺨﺮاط ﺑﻌﻤﻞ ﺳﺮي ،وﯾﺠﺪه ﻓﻲ ﺗﻀﯿﯿﻊ اﺳﻤﮫ وﺳﻂ ﺣﺮﻛﺔ ﻃﻼﺑﯿﺔ ،ﺻﺮتُ أﺗﺮدد إﻟﯿﮭﺎ أﻗﻞ ﺑﻜﺜﯿﺮ ﻣﻦ اﻟﺴﺎﺑﻖ ،ﻟﺴﺐ ﻇﺎھﺮ ﻋﻠﻰ اﻷﻗﻞ ،وھﻮ اﻧﺼﺮاﻓﻲ اﻟﻰ اﻟﺪراﺳﺔ. وﺑﻌﺪ ﺗﻔﻜﯿﺮ ﻣﻠﻲ ﻓﻲ اﻷﻣﺮ ،ارﺗﺄﯾﺖ اﻟﺘﻮﻗﻒ ﻋﻦ ﻣﺘﺎﺑﻌﺔ دروﺳﻲ ﻓﻲ ﻛﻠﯿﺔ اﻟﮭﻨﺪﺳﺔ ،اﻟﺘﻲ اﻟﺘﺤﻘﺖُ ﺑﮭﺎ ﺑﺈﺻﺮار ﻣﻦ ﻋﺎﺋﻠﺘﻲ .ﻛﻤﺎ ﻗﺮ رأﯾﻲ ﻋﻠﻰ ﻣﻐﺎدرة ﻋﺎﺋﻠﺘﻲ ﻟﻺﻗﺎﻣﺔ ﻓﻲ اﻟﺠﻨﻮب .وﻗﻠﺖ ﻓﻲ ﺳﺮي :إن زواﺟﻲ وإﻗﺎﻣﺘﻲ ﻓﻲ اﻟﺠﻨﻮب ﻗﺪ ﯾﻜﻮﻧﺎن ﺣﻼً آﻣﻨﺎً ﻟﻤﺎ أﺳﻌﻰ إﻟﯿﮫ. ذات ﯾﻮم أﻧﺒﺄتُ "ﻋﻠﻲ" ﺑﻌﺰﻣﻲ ﻋﻠﻰ اﻟﺬھﺎب اﻟﻰ اﻟﻤﻨﻄﻘﺔ اﻟﻤﺤﺘﻠﺔ .وﻛﺎﻧﺖ ﻣﺤﺾ ﻋﺒﺎرة ﻗﻠﺘﮭﺎ ﻟﮫ. ﻓﺠﺄةً ،ﺣﺪث ﻣﺎ ﻟﻢ ﯾﻜﻦ ﺑﺎﻟﺤﺴﺒﺎن .إذ أﺗﺎﻧﻲ ﻋﻠﻲ ،وﻗﺪ أﯾﻘﻦ ﺑﻌﺰﻣﻲ اﻟﺜﺎﺑﺖ ﻓﻲ ﻣﺎ أﺳﻌﻰ إﻟﯿﮫ ،وﻟﻢ ﺗﻤﺾ أﯾﺎم ﻗﻠﯿﻠﺔ ﻋﻠﻰ ﺳﺆاﻟﻲ اﻟﺴﺎﻟﻒ ،وأﺟﺎﺑﻨﻲ ﺑﺄن "أﺣﺪھﻢ" ﯾﻮد أن 81
ﯾﻠﺘﻘﯿﻨﻲ ،وأن ﯾﻠﺘﻘﯿﻨﻲ ،وأن ﻣﻮﻋﺪاً ﻟﻲ ﻣﻌﮫ ﺳﻮف ﯾﺤﺪد ﻋﻠﻰ وﺟﮫ اﻟﺴﺮﻋﺔ .ﻟﺪى ﻋﻮدﺗﻲ اﻟﻰ اﻟﻤﻨﺰل ،أﻗﻔﻠﺖ ﺑﺎب ﻏﺮﻓﺘﻲ ووﺿﻌﺖ اﻟﻤﻮﺳﯿﻘﻰ ورﺣﺖ أرﻗﺺ ﺑﺤﻤﯿﺔ ﻻﻓﺘﺔ. وأﺧﯿﺮاً ،ھﺎ ﻗﺪ وﺟﺪتُ ﺻﻠﺔً! ﻓﻲ اﻟﯿﻮم اﻟﻤﻮﻋﻮد ،ﺗﻮﺟﮭﺖ ﺧﻠﺴﺔً اﻟﻰ أﺣﺪ اﻷﺑﻨﯿﺔ ﻓﻲ ﺑﯿﺮوت اﻟﻐﺮﺑﯿﺔ .وﻛﺎن "ﻋﻠﻲ" ﯾﺮاﻓﻘﻨﻲ .دﺧﻠﻨﺎ ،وﻗﺪﻣﻨﻲ اﻟﻰ رﺟﻞ أرﺑﻌﯿﻨﻲ ،ﯾﺪﻋﻰ "ﻣﺎزن" .ھﻜﺬا ﻛﺎﻧﻮا ﯾﺪﻋﻮﻧﮫ. ﻗﺎﻣﺔ ﻣﺪﯾﺪة ،ﺑﻞ ﺻﺎﺣﺐ ﺣُﺴﻦ ،ﻋﯿﻨﺎن زرﻗﺎوان وﺷﻌﺮ أﺷﻘﺮ .وﺑﺪا ﻟﻲ ﻛﺘﻮﻣﺎً ،ﺑﻞ ﻗﻞْ ﻣﯿﺎﻻً اﻟﻰ اﻟﺴﻜﻮت ،وﻣﺎ ﻛﺎﻧﺖ ﻋﺒﺎراﺗﮫ ﻟﺘﻨﺒﺊ ﺑﺄي ﻣﻨﺒﺖ اﺟﺘﻤﺎﻋﻲ ﺧﺎص .ﺗﻜﻠﻤﻨﺎ ﻓﻲ ﻛﻞ ﺷﻲء .ﺛﻢ رأﯾﺖ ﻋﻠﯿﺎً ﯾﻨﺴﻞ ﺧﺎرﺟﺎً وﯾﺘﺮﻛﻨﻲ وﺣﺪي ﺑﺤﻀﺮة "ﻣﺎزن" .ﻋﻨﺪﺋﺬ اﻧﻄﻠﻘﺖ أﻟﺴﺘﻨﺎ ﻓﺘﺤﺪﺛﻨﺎ ﻋﻤﺎ ﯾﺠﺮي ﻓﻲ ﻟﺒﻨﺎن ،وﻋﻦ اﻟﺤﺮب اﻷھﻠﯿﺔ واﻟﻤﻘﺎوﻣﺔ. ﻓﺸﺮﺣﺖ ﻟﮫ أن ﻣﺸﺎﻋﺮي اﻟﻮﻃﻨﯿﺔ ﺗﻠﺰﻣﻨﻲ اﻻﻧﺨﺮاط ﻓﯿﮭﺎ، ﻷﻧﻨﺎ ،إن ﻟﻢ ﻧﻔﻌﻞ ﺷﯿﺌﺎً ،ﻧﺤﻦ اﻟﻠﺒﻨﺎﻧﯿﯿﻦ ،ﻓﺴﻮف ﻧﻠﻘﻰ اﻟﻤﺼﯿﺮ ﻧﻔﺴﮫ اﻟﺬي ﻟﻘﯿﮫ اﻟﻔﻠﺴﻄﯿﻨﯿﻮن .وﻗﻠﺖ ﻟﮫ إﻧﻨﻲ ﻣﺼﻤﻤﺔ ﻋﻠﻰ اﻟﻤﻀﻲ اﻟﻰ اﻟﻨﮭﺎﯾﺔ .وﻟﻔﻈﻨﺘﮫ ،ﺟﻌﻠﻨﻲ "ﻣﺎزن" أﻃﻠﻖ ﻟﺴﺎﻧﻲ ﻓﻲ اﻟﻜﻼم ،وﺟﻌﻞ ﯾﺰن ﺣﻤﯿﺘﻲ ،إذ ﺷﺮح ﻟﻲ أﻧﮫ ﻣﻦ اﻟﻄﺒﯿﻌﻲ أن ﯾﺘﺮاﺟﻊ اﻟﻤﺮء ﺣﯿﺎل اﻟﻤﺨﺎﻃﺮ .أدرﻛﺖُ ﻗﺼﺪه ،ﻓﺄﺟﺒﺘﮫ ﺑﺄن ﻗﻨﺎﻋﺎﺗﻲ راﺳﺨﺔ وأن ﻋﺰﻣﻲ ﻻ ﯾﺰال ﻋﻠﻰ ﺣﺎﻟﮫ. وﺗﻼ اﻟﻠﻘﺎء اﻷول ﻟﻘﺎءان آﺧﺮان ،ﻟﻢ ﯾﻜﻦ "ﻋﻠﻲ" ﺣﺎﺿﺮًا ﻓﯿﮭﻤﺎ .ﺳﺄﻟﻨﻲ ﻣﺤﺪﺛﻲ ﻋﻦ ﻗﺮاءاﺗﻲ ،ﻓﻜﺎن اﻟﺠﻮاب ﺑﺴﯿﻄﺎً؛ ﻓﻲ ﻣﺎ ﻋﺪا اﻟﻜﺘﺎب اﻟﺬي ﻛﺎن أھﺪاﻧﻲ إﯾﺎه ﻋﺎﺷﻖ ﺷﯿﻮﻋﻲ، واﻟﺬي ﯾﻨﻄﻮي ﻋﻠﻰ ﺳﺮد ﻟﻸﻋﻤﺎل اﻟﺒﻄﻮﻟﯿﺔ اﻟﺘﻲ 82
اﺟﺘﺮﺣﮭﺎ اﻟﺠﯿﺶ اﻷﺣﻤﺮ ﺿﺪ اﻟﻔﺮق اﻷﻟﻤﺎﻧﯿﺔ ﺧﻼل اﻟﺤﺮب اﻟﻌﺎﻟﻤﯿﺔ اﻟﺜﺎﻧﯿﺔ ،ﻟﻢ أﻛﻦ أﻗﺮأ ﺷﯿﺌﺎً ﺧﺎرﺟﺎً ﻋﻦ ﻧﻄﺎق ﻣﻘﺮراﺗﻲ .ﻻ ﺟﺮاﺋﺪ ،وﻻ ﻛﺘﺐ ﺳﯿﺎﺳﯿﺔ أو ﺗﺎرﯾﺨﯿﺔ. ﻓﻤﺎ ﻛﺎن ﻣﻦ اﻟﺴﯿﺪ "ﻣﺎزن" ،إﻻ أن أﻋﻄﺎﻧﻲ ،ﺑﺎدئ اﻷﻣﺮ، ﻛﺮاﺳﺔ ذات ﻋﻨﻮان واﺿﺢ" ،اﻟﻔﯿﯿﺘﻜﻮﻧﻎ" .واﻟﻜﺮاﺳﺔ ھﺬه ﺗﻨﻄﻮي ﻋﻠﻰ ﺧﻤﺴﯿﻦ ﺻﻔﺤﺔ ،ﻛُﺘﺒﺖ ﺑﺎﻟﻌﺮﺑﯿﺔ ،وﻃُﺒﻌﺖ ﻓﻲ ﺑﯿﺮوت .ﺛﻢ اﻗﺘﺮح ﻋﻠﻲ أن أﻗﺮأ أﻋﻤﺎﻻً ﻋﺪﯾﺪة أﺧﺮى. ﻓﺎﺧﺘﺮت أن أﻗﺮأ "اﻟﺠﺪﻟﯿﺔ اﻟﺘﺎرﯾﺨﯿﺔ" ،وھﻮ ﻣﺠﻠﺪ ﺿﺨﻢ، ﻛﺎن ﻣﺮﺷﺪي اﻟﺠﺪﯾﺪ اﺳﺘﻌﺎره اﺳﺘﺜﻨﺎﺋﯿﺎً ﻣﻦ ﻣﻜﺘﺒﺔ روﺳﯿﺔ. واﻟﺤﻖ ،أﻧﻲ ﻟﻢ أﻗﺮأ ﻣﮭﻤﺔ اﻟﻰ اﻟﺠﻨﻮب ،ﺣﺎل دون اﺣﺘﻔﺎﻇﻲ ﺑﮭﺬا اﻟﻜﺘﺎب أو إﺑﻘﺎﺋﮫ ﻓﻲ ﻣﻨﺰﻟﻲ. وﻛﻠﻤﺎ ازدادت اﻟﻠﻘﺎءات ،ﺗﻮﺳﻌﺖ ﻣﻮاﺿﯿﻊ اﻟﻨﻘﺎش ﺑﯿﻨﻨﺎ. واﺗﻀﺢ ﻟﻲ أن "ﻣﺎزن" ﯾﺒﺤﺚ ،ﻓﻲ اﻟﻤﻘﺎم اﻷول ،ﻋﻦ ﻣﺴﯿﺤﯿﯿﻦ ﻟﯿﺆدوا ﻣﮭﻤﺎت ﻓﻲ اﻟﺠﻨﻮب .ﻷن ھﺆﻻء أﻗﻞ إﺛﺎرة ﻟﻠﺸﺒﮭﺎت ،ﻣﻦ ﻗﺒﻞ اﻟﻤﯿﻠﯿﺸﯿﺎت اﻟﻤﺆﯾﺪة ﻹﺳﺮاﺋﯿﻞ، واﻟﺘﻲ ﺗﺘﻮﻟﻰ ﺣﻜﻢ اﻟﻤﻨﻄﻘﺔ اﻟﻤﺤﺘﻠﺔ ،اﻟﻰ ﺟﺎﻧﺐ ﺟﯿﺶ إﺳﺮاﺋﯿﻞ .اﻟﻰ ذﻟﻚ ،ﻓﻘﺪ ﻧﺼﺤﻨﻲ ﺑﺄﻻ أﺑﺪل ﺷﯿﺌﺎً ﻣﻦ ﻋﺎداﺗﻲ ،وأﺗﺎﺑﻊ اﻟﻌﯿﺶ ﻓﻲ ﻛﻨﻒ ﻋﺎﺋﻠﺘﻲ ،وأﻛﺮّس أﻏﻠﺐ أوﻗﺎﺗﻲ ﻓﻲ اﻟﺪراﺳﺔ اﻟﺠﺪﯾﺔ .وﺷﺮح ﻟﻲ أن ھﺬا اﻟﺘﺠﺬر اﻟﻌﺎﺋﻠﻲ أﺳﺎﺳﻲ ،ﻣﺎ دام أ اﻟﻤﻘﺎوﻣﺔ ﺗﺴﻌﻰ اﻟىﺘﺤﺮﯾﺮ ﯾﮭﻢ ﺟﻤﯿﻊ اﻟﻠﺒﻨﺎﻧﯿﯿﻦ. ﻓﻲ ﻏﻀﻮن ﺷﮭﺮ آذار /ﻣﺎرس ، 1986أﻋﺪد ُ ت اﻣﺘﺤﺎﻧﺎﺗﻲ ،وﻣﻦ ﺛﻢ ﻣﻀﯿﺖ اﻟﻰ ﻋﻤﺘﻲ اﻟﺘﻲ ﺑﻘﯿﺖ ﻓﻲ اﻟﺠﻨﻮب .وﻛﺎن ذﻟﻚ أول اﺧﺘﺒﺎر ﻟﻲ ،ﺣﺘﻰ ﻟﻮ ﻟﻢ ﯾﻜﻦ ﻣﺎ أﻗﻮم ﺑﮫ ﺑﻤﺜﺎﺑﺔ ﻋﻤﻠﯿﺔ ﺧﺎﺻﺔ ،ﺑﻜﻞ ﻣﺎ ﻟﻠﻜﻠﻤﺔ ﻣﻦ ﻣﻌﻨﻰ. وﻟﺪى ﻋﻮدﺗﻲ ،وﺟﺪتُ ﻣﺎ ﯾﺸﺒﮫ اﻟﻜﺎرﺛﺔ. 83
ﻓﺤﯿﻦ ﻗﺼﺪت اﻟﻤﻜﺎن اﻟﻤﺄﻟﻮف ﻟﻠﻘﺎﺋﻨﺎ ،ﻟﻢ أﺟﺪ "ﻣﺎزﻧﺎً" اﻟﺬي ﺗﻮارى ﻣﻦ دون أن ﯾﺘﺮك ﻟﻲ أﻗﻞ أﺛﺮ أو رﺳﺎﻟﺔ . وﺑﻘﯿﺖ ،ﻋﻠﻰ ﻣﺪى ﺛﻼﺛﺔ أﺷﮭﺮ ،ﻻ أﻋﻠﻢ ﺷﯿﺌﺎً ﻋﻨﮫ، ﻓﺘﻤﻠﻜﻨﻲ اﻟﯿﺄس وﺷﺎرﻓﺖ ﻋﻠﻰ اﻹﺣﺒﺎط .ﻓﺒﻌﺪ أن ﻻﻣﺴﺖُ ﺣﻠﻤﻲ ﺑﯿﺪي ھﺎ ھﻮ ﯾﺘﻮارى ﺑﻌﯿﺪاً ﻋﻨﻲ .ﻟﻢ ﯾﻜﻦ ﺑﻤﻘﺪوري أن أﻗﻮل ﻛﻠﻤﺔ ﺑﮭﺬا اﻟﺸﺄن ﻟﻌﻠﻲ .ﯾﻨﺒﻐﻲ ﻟﻲ أن أﻧﺘﻈﺮ. وﻋﻠﻤﺖُ أﺧﯿﺮاً أن "ﻣﺎزﻧﺎً" ﻛﺎن ﻗﺪ اﺧﺘﻄﻒ ﻋﻠﻰ ﯾﺪ ﺣﺮﻛﺔ أﻣﻞ .اﺧﺘُﻄﻒ وﻋُﺬب ﺗﻌﺬﯾﺒﺎً .ﺗﺸﻮﺷﺖ أﻓﻜﺎري وﻟﻢ أﻋﺪ ﻗﺎدرة ﻋﻠﻰ اﻟﺘﺮﻛﯿﺰ ﻋﻠﻰ دروﺳﻲ ،ﺣﺘﻰ اﻧﺘﮭﯿﺖُ اﻟﻰ اﻟﺮﺳﻮب ﻓﻲ اﻻﻣﺘﺤﺎن ،ﻷول ﻣﺮة ﻓﻲ ﺣﯿﺎﺗﻲ .وﺑﻌﺪ ﻣﻀﻲ أﺳﺎﺑﯿﻊ ﻣﺜﻘﻠﺔ ﺑﺎﻻﻧﺘﻈﺎر ،ﻻح ﺑﺎرق ﻣﻦ أﻣﻞ. "ﻣﺎزن" ﺗﺮك ﻟﻲ رﺳﺎﻟﺔ ﻓﻲ ﻣﺮﻛﺰ اﻻﺗﺤﺎد. وأﺧﯿﺮاً ،أُﻋﯿﺪ اﻟﺘﻮاﺻﻞ اﻟﻰ ﺣﺎﻟﮫ .وﯾﻮم ﻟﻘﯿﺘﮫ ،ﻓﻲ ﻏﻀﻮن أﯾﺎم ﻗﻠﯿﻠﺔ ،ﻟﻢ ﯾﺮو ﻟﻲ ﺷﯿﺌﺎً ﻋﻦ ﺟﻠﺠﻠﺘﮫ .إﻧﻤﺎ اﻛﺘﻔﻰ ﺑﺈﻋﻼﻣﻲ أﻧﮫ ﻟﻢ ﯾﺪل ﺑﺄي ﻣﻌﻠﻮﻣﺔ ﻓﻲ ﻣﺎ ﯾﺨﺼﻨﻲ، وﻋﺪﻧﺎ اﻟﻰ ﻧﻘﺎﺷﺎﺗﻨﺎ. ﻓﻲ اﻟﺒﺪء ،ﻟﻄﺎﻟﻤﺎ ﻇﻨﻨﺖُ أن اﻻﻧﺨﺮاط ﻓﻲ اﻟﻤﻘﺎوﻣﺔ ﺷﺄن ﺑﺎﻟﻎ اﻟﺴﮭﻮﻟﺔ .إذ ﯾﻜﻔﻲ أن أُﻋﻄﻰ ﻋﺒﻮة ﻣﺘﻔﺠﺮة وأُﻋﻠﻢ ﻋﻦ اﻟﮭﺪف ،ﺣﺘﻰ ﺗﺘﻢ اﻟﻌﻤﻠﯿﺔ .ﺑﻞ اﻛﺘﺸﻔﺖُ أن اﻟﻌﻤﻠﯿﺎت ھﻲ أﻋﻘﺪ ﻣﻤﺎ ﯾﺘﺼﻮره اﻟﻜﺜﯿﺮون ،وأدق ﻣﻦ ﻗﯿﺎﺳﮭﻢ .ﻓﮭﻲ ﺗﺴﺘﻠﺰم ﺗﮭﯿﺌﺔ ،ودراﺳﺔ ﻣﯿﺪاﻧﯿﺔ ﻟﻸرض ،وﺟﻤﻌﺎً ﻟﻤﻌﻄﯿﺎت وﺗﻔﺎﺻﯿﻞ ھﺎﺋﻠﺔ .وﺣﯿﻦ أﻧﺒﺄت ﻣﺤﺪﺛﻲ ﺑﻌﺰﻣﻲ ﻋﻠﻰ ﻗﻀﺎء إﺟﺎزة ﻗﺼﯿﺮة ﻓﻲ اﻟﺠﻨﻮب ،ﻃﻠﺐ ﻣﻨﻲ "ﻣﺎزن" أن أﻛﺘﺐ ﺗﻘﺮﯾﺮاً .ﺛﻼث ﺻﻔﺤﺎت ﺑﺤﺠﻢ ورﻗﺔ اﻟﻨﺴﺦ اﻟﻌﺎدﯾﺔ) ، (A4أﺧﻂ ﻓﯿﮭﺎ ﻛﻞ ﻣﺎ أراه.
84
وﻓﻲ ﻣﻮازاة ذﻟﻚ ،ﺟﻌﻠﺖ اﺑﺘﺪع ﺣﺠﺔ ﻗﺎﺑﻠﺔ ﻟﻠﺘﺼﺪﯾﻖ، أﺑﺮر ﻓﯿﮭﺎ ﻟﻌﺎﺋﻠﺘﻲ وﺻﺪﯾﻘﺎﺗﻲ ﻣﺸﺎوﯾﺮي اﻟﻜﺜﯿﺮة ،ﺟﯿﺌﺔ وذھﺎﺑﺎً ،اﻟﻰ اﻟﺠﻨﻮب وﻣﻨﮫ ،وﻛﺎﻧﺖ ھﺬه اﻟﺤﺠﺔ ﺗﺪﻋﻰ "ﺳﮭﺎد" .وھﻮ ﻋﺎﻣﻞ ﻓﻲ اﻟﻤﺨﺘﺒﺮ اﻟﺘﺎﺑﻊ ﻟﻤﺴﺘﺸﻔﻰ ﻣﺮﺟﻌﯿﻮن ،وھﻲ ﺑﻠﺪة ﯾﻌﻤﻞ ﻓﯿﮭﺎ اﺑﻦ ﻋﻤﻲ ﻋﺼﺎم ،ﺣﯿﺚ ﯾﺪﯾﺮ ﻋﯿﺎدة ﺧﺎﺻﺔ ﺑﺎﻟﺘﻌﺎون ﻣﻊ زوﺟﺘﮫ" .ﺳﮭﺎد" ھﺬا ﻛﺎن ﻓﻲ اﻟﺴﺎدﺳﺔ واﻟﻌﺸﺮﯾﻦ ،وﻟﮫ ﻣﻜﺎﻧﺔ ﺟﯿﺪة وھﯿﺌﺔ ﺣﺴﻨﺔ. واﻟﺤﺎل أن ﻛﻞ ﻣﺎ ﻛﻨﺖ أﺳﺮُ ﺑﮫ ﺻﺪﯾﻘﺎﺗﻲ ،ﯾﺸﯿﻊ ﺑﯿﻦ اﻟﻨﺎس ﻛﺎﻟﻨﺎر ﻓﻲ اﻟﮭﺸﯿﻢ .وﺟﮭﺪتُ أن أﺑﻮح ﺑﺴﺮي اﻟﻰ أﻛﺜﺮ ﻧﺴﺎء اﻟﻘﺮﯾﺔ ﺛﺮﺛﺮة .ذات ﻣﺴﺎء ،وﺑﯿﻨﻤﺎ ﻛﻨﺖ أﺗﻨﺰه ﻣﻊ أﺧﺘﻲ ،ﺳﺄﻟﺘﻨﻲ إن ﻛﺎن ھﺬا اﻟﻔﺘﻰ ﯾﺴﺘﺄھﻞ ﻣﺸﺎوﯾﺮي اﻟﻜﺜﯿﺮة اﻟﯿﮫ .ﻓﺎﺻﻄﻨﻌﺖ اﻟﻐﻀﺐ اﻟﺸﺪﯾﺪ ،وذﻛﺮﺗﮭﺎ ﻋﻠﻰ ﻧﺤﻮ ﻓﻆ ،ﺑﻘﺼﺔ ﺣﺒﮭﺎ – اﻟﺤﻘﯿﻘﯿﺔ ﺑﺨﻼف ﻗﺼﺘﻲ – ﻣﻊ ﺑﯿﺎر ،ﺟﺎرﻧﺎ اﻟﻤﻌﻘﺪ. ﻟﻠﺤﺎل ،ﺑﻠﻐﺘﮭﺎ اﻟﺮﺳﺎﻟﺔ ،ﻛﻤﺎ ﺑﻠﻐﺖ ﻛﻞ ﻣﻦ ﺣﻮل أﺧﺘﻲ ،ﻓﻠﻢ ﯾﻌﺪ أﺣﺪ ﯾﺠﺮؤ ﻋﻠﻰ ﻣﻔﺎﺗﺤﺘﻲ ﺑﺄﻣﺮ وﺟﻮدي ﻓﻲ اﻟﺠﻨﻮب. وذات ﯾﻮم ،أﺧﺒﺮﻧﻲ "ﻣﺎزن "ﺑﺄن ﻟﻘﺎﺋﻲ ﺑﮫ ھﺬا ﺳﻮف ﯾﻜﻮن اﻷﺧﯿﺮ .وﻣﻦ اﻵن ﻓﺼﺎﻋﺪاً ،ﺳﻮف ﯾﻮﻛﻞ اﻻھﺘﻤﺎم ﺑﻲ اﻟﻰ ﻋﻀﻮ آﺧﺮ ﻓﻲ اﻟﺘﻨﻈﯿﻢ .وﻛﺎن ﯾﻨﺒﻐﻲ ﻟﻲ أن أﺣﻤﻞ ﻓﻲ ﯾﺪي اﻟﻤﺠﻠﺔ اﻟﻨﺴﺎﺋﯿﺔ" اﻟﺤﺴﻨﺎء" وأﺑﺮزھﺎ ﻟﻠﻤﻸ. واﺗﻔﻘﻨﺎ ﻋﻠﻰ أن ﻧﺘﺒﻊ ﻧﻈﺎﻣﺎً رﻣﺰﯾﺎً ﯾﺘﻌﻠﻖ ﺑﺄﻣﻦ ﻛﻠﯿﻨﺎ .ﻓﺈذا ﻇﻨﻨﺖُ ﻧﻔﺴﻲ ﻣﻼﺣﻘﺔً أو ﻣﺮاﻗﺒﺔ ،ﯾﻨﺒﻐﻲ ﻟﻲ أن أﺣﺮك ﻋﻠﺒﺔ اﻟﻤﺎرﻟﺒﻮرو ﻋﻠﻰ ﻧﺤﻮ ﯾﺴﺘﻔﺎد ﻣﻨﮫ وﺟﻮد ﺧﻄﺮ ﻣﺎ. ﻛﻨﺖ أﺗﻮﻗﻊ أن ﯾﺄﺗﻲ رﺟﻞ ،ﺑﺎﺳﻢ" أﺣﻤﺪ" ﻟﻠﻘﺎﺋﻲ .وﻓﻲ اﻟﯿﻮم اﻟﻤﻮﻋﻮد ،وﺑﻌﺪ دورات ﻛﺜﯿﺮة ﻗﻤﺖُ ﺑﮭﺎ ﻓﻲ اﻟﻤﺪﯾﻨﺔ، 85
ﻗﺼﺪتُ اﻟﻤﻘﮭﻰ أﺧﯿﺮاُ .وﻛﻨﺖُ أﻟِﻔﺖُ ،ﻣﻨﺬ ﻟﻘﺎﺋﻲ اﻷول ﺑـ "ﻣﺎزن" إﺿﺎﻋﺔ ﺑﻌﺾ اﻟﻮﻗﺖ ﻓﻲ زﯾﺎرة اﻟﻤﺤﻼت اﻟﺘﺠﺎرﯾﺔ ،وﻻ ﺳﯿﻤﺎ ﺗﻠﻚ اﻟﺘﻲ ﺗﻌﻤﺮھﺎ واﺟﮭﺎت ﻣﻦ اﻟﺰﺟﺎج اﻟﻌﺎﻟﯿﺔ ،ﻟﯿﺘﺴﻨﻰ ﻟﻲ اﻟﺘﺄﻛﺪ ﻣﻤﺎ إذا ﻛﻦ أﺣﺪھﻢ ﯾﻼﺣﻘﻨﻲ أم ﻻ .وﺗﻤﺖ اﻟﺼﻠﺔ ﺑﺄﺣﻤﺪ ،ﻛﻤﺎ ﻛﺎن ﻣﺘﻮﻗﻌﺎً .ﻟﻘﺪ أﻧﺠﺰت ،ﻟﻠﺘﻮ ،ﺧﻄﻮة إﺿﺎﻓﯿﺔ ﻓﻲ ھﺬا اﻟﺴﺒﯿﻞ .وھﺎ أﻧﻲ ﻋﻠﻰ ﺻﻠﺔ ﻣﺒﺎﺷﺮة ﺑﺄﺣﺪ ﻓﺮوع اﻟﻤﻘﺎوﻣﺔ اﻟﻨﺸﻄﺔ. وﻟﺴﻮف ﺗﺘﻌﺪد اﻟﻠﻘﺎءات .وﻛﺎن ﺷﮭﺮ ﺣﺰﯾﺮان /ﯾﻮﻧﯿﻮ ﻣﻦ اﻟﻌﺎم .1986وﺑﻌﺪ اﻟﻌﻄﻠﺔ اﻟﺼﯿﻔﯿﺔ ،وﻣﻨﺬ ﺷﮭﺮ أﯾﻠﻮل / ﺳﺒﺘﻤﺒﺮ ،ﻣﻦ ذﻟﻚ اﻟﻌﺎم ،ﺳﻮف أﻣﻀﻲ ﻣﻌﻈﻢ أوﻗﺎﺗﻲ ﻓﻲ اﻟﻤﻨﻄﻘﺔ اﻟﻤﺤﺘﻠﺔ. وﺳﻮف ﯾﺒﺪأ ﻋﻤﻞ ﺳﺮي ﺟﺪﯾﺪ.
86
اﻟﺘﺤﻀﯿﺮ ﻟﻘﺪ ﺣﻮّل اﻻﺣﺘﻼل اﻹﺳﺮاﺋﯿﻠﻲ اﻟﺠﻨﻮب ﺗﺤﻮﯾﻼً ﻛﺒﯿﺮاً ،ﻓﻲ ﺧﻼل ﺳﻨﻮات ﻣﻌﺪودة. واﻧﻘﻠﺒﺖ أﻧﻤﺎط ﺣﯿﺎة اﻟﻠﺒﻨﺎﻧﯿﯿﻦ وﺗﺒﺪﻟﺖ ﺗﻘﺎﻟﯿﺪھﻢ ،ﻣﻨﺬ أن ﺑﺪأوا ﯾﻌﻤﻠﻮن ﻓﻲ إﺳﺮاﺋﯿﻞ .وﻟﻢ ﯾﻜﻔﮭﻢ ذﻟﻚ ،ﺑﻞ إن أﯾﺎم اﻷﻋﯿﺎد ﻟﺪﯾﮭﻢ ﺻﺎرت اﻟىﺤﺎل ﻻ ﺗﺮﺿﯿﮭﻢ ﻋﻠﻰ اﻹﻃﻼق. وﻣﺎ ﻋﺎدت رُﺗﺐ اﻹﻛﻠﯿﻞ ﺗﺠﺮي ﻧﮭﺎر اﻷﺣﺪ ،ﻛﻤﺎ ھﻮ ﺣﺎﺻﻞ ﻓﻲ اﻟﻜﻨﯿﺴﺔ ،إﻧﻤﺎ ﺻﺎرت ﺗﺠﺮي ﻧﮭﺎر اﻟﺴﺒﺖ، ﻣﺠﺎراة "ﻟﻠﺸﺒﺎت" اﻟﯿﮭﻮدي .ذﻟﻚ أن اﻟﻤﺎل أﻗﺪر ﻋﻠﻰ ﺧﻠﺨﻠﺔ اﻟﻌﻼﻗﺎت اﻻﺟﺘﻤﺎﻋﯿﺔ ،ﻣﻦ وﺟﻮد اﻟﻔﺮق اﻹﺳﺮاﺋﯿﻠﯿﺔ .وﺻﺎرت اﻟﻨﺴﺎء اﻟﺸﺎﺑﺎت اﻟﻠﻮاﺗﻲ ﯾﻌﻤﻠﻦ ﻟﺪى اﻹﺳﺮاﺋﯿﻠﯿﯿﻦ ،أو ﯾﺘﻌﺎﻣﻠﻦ ﻣﻊ ﺟﻨﻮد اﻹﺣﺘﻼل ،ﯾﻨﻠﻦ أﺟﻮراً أﻋﻠﻰ ﺑﻜﺜﯿﺮ ﻣﻤﺎ ﺗﻨﺎﻟﮫ اﻟﻌﺎﻣﻼت ﻓﻲ ﺑﯿﺮوت. واﻟﺤﺎل أن ھﺆﻻء اﻟﻠﺒﻨﺎﻧﯿﺎت ﻣﺎ ﻛﻦّ ﻟﯿﺮﺿﯿﻦ ﺑﺎﻟﺘﻐﺰل ﺑﮭﻦ ،إﻻ ﻃﻤﻌﺎً ﺑﮭﺬه اﻟﻘﺪرة اﻟﺸﺮاﺋﯿﺔ اﻟﻌﺎﻟﯿﺔ .ﻟﺘﻘﻠﺼﺖ اﻟﺰﯾﺠﺎت ،وﺗﺰاﯾﺪ اﻟﻄﻼق ﻓﻲ ﺻﻔﻮﻓﮭﻦ. إذاً ،ﺑﺎت اﻟﺠﻨﻮب ﻣﻨﻄﻘﺔ ﻣﻌﺪوﻣﺔ ﻣﻦ ﺣﯿﺚ اﻟﺤﻘﻮق ،ﺑﻞ إﻧﮫ ﻏﺪا ﻣﻮﻃﻨﺎً ﻟﻌﻤﻠﯿﺎت اﻟﺘﮭﺮﯾﺐ ﻛﺎﻓﺔ .ﺣﺘﻰ إذا ﺟﻠﺴﺖ اﻟﻰ ﻣﺎﺋﺪة أﺣﺪھﻢ ،ﻟﻢ ﺗﺠﺪ ﻟﺪﯾﮫ ﻗﻨﯿﻨﺔ ﻋﺮق واﺣﺪة ،إﻧﻤﺎ ﺗﺮى ﻗﻨﺎﻧﻲ اﻟﻮﯾﺴﻜﻲ ﻣﻦ ﻧﻮع ﺟﻮﻧﻲ ووﻛﺮ .ﻟﻢ ﺗﺘﻮان ﻋﺼﺎﺑﺎت اﻟﺘﮭﺮﯾﺐ ﻓﯿﮫ ﻋﻦ اﻻﺗﺠﺎر ﺑﺎﻟﻤﺨﺪرات وإرﺳﺎﻟﮭﺎ ﻋﺒﺮ اﻟﺤﺪود ،وﺑﯿﻊ اﻟﺴﯿﺎرات اﻟﻤﮭﺮﺑﺔ واﻟﻤﺴﺮوﻗﺔ ،وﻛﻞ ﻣﺎ ﺣُﺮم اﻟﺘﺪاول ﺑﮫ ﻋﻠﻨﺎً .وﻛﺎن ھﺬا اﻟﻮﺿﻊ ،ﻟﺒﻌﺾ
87
اﻷﻓﺮاد اﻟﺬﯾﻦ ﯾﺴﺆوھﻢ اﻟﻘﺎﻧﻮن ﻓﻲ ﺑﻼدھﻢ ،ﻣﻠﺠﺄ ﻣﺜﺎﻟﯿﺎً ﻟﮭﻢ أﻛﺜﺮ أﻣﻨﺎً ﻣﻦ ﺟﯿﺶ ﻟﺒﻨﺎن اﻟﺠﻨﻮﺑﻲ ،اﻟﺬي ﯾﻘﻮده اﻟﯿﻮم أﻧﻄﻮان ﻟﺤﺪ ،ﺑﻼ ﺣﯿﺎء. ﺑﺪا ﻟﻲ ذﻟﻚ اﻟﻌﺎﻟﻢ اﻟﺬي اﻧﻜﺸﻒ ﻟﻲ ﺧﻼل زﯾﺎرﺗﻲ اﻷوﻟﻰ ﻟﻘﺮﯾﺘﻲ ،وﺑﻌﯿﺪ ﻟﻘﺎﺋﻲ اﻷول ﺑـ "ﻣﺎزن" ﻓﻲ ﺑﯿﺮوت ،ﺑﺪا ﻟﻲ ﺷﺎذاً .وﻓﯿﮫ ﻋﺪت واﻟﺘﻘﯿﺖ ﺑﺄﻗﺎرﺑﻲ ،وأﺻﺪﻗﺎﺋﻲ، وﺟﮭﺪت ﻓﻲ أن أذوّب ﻛﯿﺎﻧﻲ وﺳﻄﮫ ،ﻷﻓﮭﻢ ﻃﻮاﯾﺎه ﺟﯿﺪاً. أﻣﺎ اﻟﺤﺪﯾﺚ ﻋﻦ اﻟﻤﻘﺎوﻣﺔ ﻓﻠﻢ ﯾﻜﻦ ﻓﻲ اﻟﺤﺴﺒﺎن ،ﻋﻠﻰ اﻹﻃﻼق .ﻓﮭﻲ ﻣﺎ ﺑﺮﺣﺖ ﻣﻮﺿﻮﻋﺎً ﻣﺤﺮﻣﺎً ﻧﻈﺮاً ﻟﺤﻀﻮر ﺟﮭﺎز اﻟﻤﺨﺎﺑﺮات اﻟﻘﻮي ،ﺳﻮاء أﻛﺎﻧﻮا ﻣﺮﺗﺒﻄﯿﻦ ﺑﺠﯿﺶ ﻟﺒﻨﺎن اﻟﺠﻨﻮﺑﻲ ﻣﺒﺎﺷﺮة ،أم ﺑﺠﮭﺎز اﻟﺸﯿﻦ ﺑﺖ ،وھﻮ ﺟﮭﺎز ﻣﻜﻠﻒ اﻟﺤﻔﺎظ ﻋﻠﻰ اﻷﻣﻦ اﻟﺪاﺧﻠﻲ ﻟﻠﺪوﻟﺔ اﻟﻌﺒﺮﯾﺔ. ﻣﻦ اﻟﻈﻠﻢ اﻻدﻋﺎء ﺑﺄن ﻣﻌﻈﻢ اﻟﻠﺒﻨﺎﻧﯿﯿﻦ اﻟﺬﯾﻦ ﺻﺎدﻓﺘﮭﻢ ﻛﺎﻧﻮا ﻣﺆﯾﺪﯾﻦ ﻟﻺﺳﺮاﺋﯿﻠﯿﯿﻦ .ﻋﻠﻰ اﻟﻌﻜﺲ ﻣﻦ ذﻟﻚ ،ﻓﻘﺪ ﻇﻠﻮا ﻣﺘﻌﻠﻘﯿﻦ ﺑﺒﻼدھﻢ وﺑﻌﺎﺋﻼﺗﮭﻢ ،اﻟﺘﻲ ﻏﺎﻟﺒﺎً ﻣﺎ ﻛﺎﻧﺖ ﺗﻘﯿﻢ ﺑﯿﻦ اﻟﻘﻄﺎﻋﯿﻦ ،اﻟﻤﺤﺘﻞ واﻟﻤﺤﺮر وﻋﻠﻰ ﺟﺎﻧﺒﻲ ﺧﻂ اﻟﺘﻤﺎس اﻷﺧﯿﺮ .ﺑﻞ رأﯾﺘﮭﻢ ﯾﺠﮭﺪون ﻓﻲ ﺷﺮاء ﻣﻮﻃﺊ ﻗﺪم ﻟﮭﻢ ﻓﻲ ﺑﯿﺮوت ،ﻛﻠﻤﺎ أﺗﺎﺣﺖ ﻟﮭﻢ إﻣﻜﺎﻧﯿﺎﺗﮭﻢ اﻟﻤﺎدﯾﺔ ذﻟﻚ . ﺑﯿﺪ أﻧﮭﻢ ﺣﺎوﻟﻮا ،ﻛﺬﻟﻚ ،أن ﯾﻜﺴﺒﻮا ﻣﺎ وﺳﻌﮭﻢ ﻣﻦ اﻟﻮﺿﻊ .ﻓﻠﻤﺎ وﺟﺪوا أﻧﻔﺴﮭﻢ ﻓﻲ ﻣﮭﺐ اﻟﺘﺎرﯾﺦ وﻗﺮﻗﻌﺔ اﻟﺴﻼح ،وداﺧﻞ ﻣﺠﺘﻤﻊ اﻧﻌﺪم ﻓﯿﮫ اﻟﺘﻮازن ﺑﻔﻌﻞ اﻟﺤﺮب اﻷھﻠﯿﺔ ،ﺟﮭﺪوا ﻓﻲ أن ﯾﺘﺨﻠﺼﻮا ﺑﻠﺒﺎﻗﺔ ﻣﻤﺎ ھﻢ ﻓﯿﮫ، وﯾﺮاﻋﻮا ﻣﺼﺎﻟﺤﮭﻢ ،ﻣﻦ دون أن ﯾﻄﺮﺣﻮا ﻋﻠﻰ أﻧﻔﺴﮭﻢ أﺳﺌﻠﺔ ﺣﻮل اﻟﻤﻘﺪار اﻟﺬي ﺑﻠﻐﻮه ﻓﻲ ذﻟﻚ اﻟﻔﺴﺎد ،أو ﻓﻲ اﻟﺘﻌﺎﻣﻞ ﻣﻊ اﻟﻘﻮة اﻟﻤﺤﺘﻠﺔ ،ﻣﺎ دام )اﻟﺘﻌﺎﻣﻞ( ﺗﺤﺼﯿﻼً ﻟﻠﺤﺎﺻﻞ .ﻛﻠﮭﻢ ﻛﺎﻧﻮا ﻣﻘﺘﻨﻌﯿﻦ ﺑﺄن ھﺬا اﻟﻮﺿﻊ ﻻ ﯾﻤﻜﻨﮫ 88
أن ﯾﺪوم ،إﻻ أن أﺣﺪاً ﻣﻨﮭﻢ ﻟﻢ ﯾﺒﻠﻎ ﺑﮫ ﺣﺪ اﻟﺘﺼﻮر ﺑﺄن إﺳﺮاﺋﯿﻞ ﺳﻮف ﺗﻨﺴﺤﺐ ﯾﻮﻣﺎً اﻟىﻤﺎ وراء ﺣﺪودھﺎ .ﻓﻲ اﻟﻮاﻗﻊ ،ﻟﻘﺪ ﺗﻮھﻢ ھﺆﻻء ﺑﺄن ﺗﺮﺑﻊ ﻗﺎﺋﺪ ﻋﺴﻜﺮي وﺳﯿﺎﺳﻲ ﻋﻠﻰ ﺳﺪة ﺟﯿﺶ ،واﺻﻄﻨﺎع اﻷﺧﯿﺮ أﻟﻘﺎﺑﺎً ﻣﺜﯿﺮة ﻟﻠﺴﺨﺮﯾﺔ ﻓﻲ دوﯾﻠﺔ ﻣﺴﺦ ،ﺗﻮھﻤﻮا ﺑﺄن ذﻟﻚ أھﻞّ ﻟﻠﺒﻘﺎء واﻟﺤﯿﺎة .ﻓﻠﻢ ﻻ ﯾﻜﻮن ﻟﺒﻨﺎن اﻟﺠﻨﻮﺑﻲ ﻣﺴﻠﻮﺧﺎً ﻋﻦ ﻟﺒﻨﺎن ،وﯾﺮﻗﻰ اﻟﻰ ﻣﺮﺗﺒﺔ اﻟﺪوﻟﺔ ،ﺻﻤﺎم اﻷﻣﺎن ﺑﯿﻦ إﺳﺮاﺋﯿﻞ وﺟﯿﺮاﻧﮭﺎ اﻟﻌﺮب اﻟﻰ اﻟﺸﻤﺎل؟ ﺛﻢ إن ﻟﺒﻨﺎن ﻣﺘﻰ اﺳﺘﻌﺎد ﺳﯿﺎدﺗﮫ ﻋﻠﻰ ھﺬه اﻟﻤﻨﻄﻘﺔ اﻟﻤﺤﺘﻠﺔ ،ﻓﺈن أﻓﺮاد اﻟﻤﯿﻠﯿﺸﯿﺎت اﻟﺬﯾﻦ ﻛﺎﻧﻮا ﺗﺎﺑﻌﯿﻦ ﻟﺠﯿﺶ ﻟﺒﻨﺎن اﻟﺠﻨﻮﺑﻲ ،وھﻢ ﻋﺴﻜﺮﯾﻮن ﻗﺪاﻣﻰ ﻓﻲ اﻟﺠﯿﺶ اﻟﻠﺒﻨﺎﻧﻲ وﻗﺪ ﺑﺎﺗﻮا ﻣﻠﺤﻘﯿﻦ ﺑﺠﯿﺶ اﻻﺣﺘﻼل ،ﺟﻌﻠﻮا )أﻓﺮاد اﻟﻤﯿﻠﯿﺸﯿﺎت( ﯾﺘﺨﯿﻠﻮن اﻟﻘﺪرة اﻟﻤﯿﺴﺮة ﻓﻲ اﻻﻧﻀﻮاء ﺛﺎﻧﯿﺔ ﺗﺤﺖ ﻟﻮاء اﻟﻌﻠﻢ اﻟﻠﺒﻨﺎﻧﻲ ،وذﻟﻚ ﺑﻔﻀﻞ ﻗﺎﻧﻮن ﻟﻠﻌﻔﻮ ﯾﺼﺪر ﻟﺼﺎﻟﺤﮭﻢ .ﻏﯿﺮ أن ﺷﯿﺌﺎً ﻣﻦ ھﺬا اﻟﻘﺒﯿﻞ ﻟﻢ ﯾﻜﻦ أﻛﯿﺪاً .وﻟﻤﺎ ﻛﻨﺖ اﺑﻨﺔ ﻣﻨﺎﺿﻞ ﺷﯿﻮﻋﻲ ذاﺋﻊ اﻟﺼﯿﺖ ،وﻣﻦ ﻗﺮﯾﺔ أُﺛﺮ ﻋﻨﮭﺎ ﻛﻮن أﻏﻠﺐ ﺳﻜﺎﻧﮭﺎ ﻣﻦ اﻟﺸﯿﻮﻋﯿﯿﻦ ،رأﯾﺘﻨﻲ ﻣﻀﻄﺮة اﻟﻰ ﺑﺬل اﻟﺠﮭﻮد اﻟﻤﻀﺎﻋﻔﺔ ﻟﺪﻓﻊ اﻷﻧﻈﺎر ﻋﻨﻲ .وﻟﻢ أﻛﻦ ﺑﻌﺪ ،ﻓﻲ ﻣﺮﺣﻠﺔ اﻟﺘﺰاﻣﻲ اﻷﺧﯿﺮة ،ﺑﯿﻦ ﻋﺎم 1986و ،1987ﻣﻜﻠﻔﺔ ﺑﻤﮭﻤﺔ ﺧﺎﺻﺔ ،إﻻ ﻣﺎ ﺗﻌﻠﻖ ﺑﻨﻘﻞ اﻟﻤﻌﻠﻮﻣﺎت اﻟﻰ ﺑﯿﺮوت، وﺑﺎﻟﺴﻌﻲ اﻟﻰ ﻣﻀﺎﻋﻔﺔ اﻻﺗﺼﺎﻻت ﻣﻊ اﻟﻠﺒﻨﺎﻧﯿﯿﻦ ﻣﻦ اﻟﻤﻨﻄﻘﺔ اﻟﻤﺤﺘﻠﺔ ،وﻣﻊ أﻋﻀﺎء ﺑﺎﻟﻤﺨﺎﺑﺮات اﻟﺘﺎﺑﻌﺔ ﻟﺠﯿﺶ ﻟﺤﺪ ،إن ﻛﺎن ذﻟﻚ ﻣﻤﻜﻨﺎً .وﻓﻲ اﻟﻤﻘﺎﺑﻞ ،رﺣﺖ أﺟﮭﺪ ﻧﻔﺴﻲ ﻷﺑﺪو ﻓﻲ ﺻﻮرة ﺗﻠﻚ اﻟﻔﺘﺎة اﻟﺒﺎﻟﻐﺔ اﻷﻧﺲ ،واﻟﻤﺮﺣﺔ، واﻟﺮﯾﺎﺿﯿﺔ ،وﻏﯿﺮ اﻟﻤﮭﺘﻤﺔ ﺑﺘﺎﺗﺎً ﺑﺎﻷﻣﻮر اﻟﺴﯿﺎﺳﯿﺔ واﻟﻌﺴﻜﺮﯾﺔ ،اﻟﺘﻲ ﻋُﺪت ﺷﺄن اﻟﻤﻨﻄﻘﺔ ﺑﺘﺎﺗﺎً ﺑﺎﻷﻣﻮر اﻟﺴﯿﺎﺳﯿﺔ واﻟﻌﺴﻜﺮﯾﺔ ،اﻟﺘﻲ ﻋُﺪت ﺷﺄن اﻟﻤﻨﻄﻘﺔ اﻟﻤﺤﺘﻠﺔ اﻷول .ورﺣﺖ أﺳﺘﺴﮭﻞ اﻟﺤﺼﻮل ﻋﻠﻰ أذوﻧﺎت اﻟﺪﺧﻮل 89
اﻟﻰ اﻟﻤﻨﻄﻘﺔ واﻟﺨﺮوج ﻣﻨﮭﺎ ،واﻟﺘﻲ ﻛﺎﻧﺖ ﺗُﻌﺪ ﺑﺎﻟﺘﻨﺎوب ﺑﯿﻦ ﺑﯿﺮوت واﻟﺠﻨﻮب ،ﻟﺪى ﻣﺮﻛﺰ اﻟﻤﺨﺎﺑﺮات اﻟﺘﺎﺑﻊ ﻟﺠﯿﺶ ﻟﺒﻨﺎن اﻟﺠﻨﻮﺑﻲ ﺣﯿﻨﺎً وﻟﺪى اﻹﺳﺮاﺋﯿﻠﯿﯿﻦ ﺣﯿﻨﺎً آﺧﺮ ﺗﻀﻠﯿﻼً ﻷﺛﺮي .ورﺣﺖُ أﺗﺮدد ﻋﻠﻰ ﺑﯿﺮوت اﻟﺸﺮﻗﯿﺔ وﻋﻠﻰ ﺑﯿﺮوت اﻟﻐﺮﺑﯿﺔ ،ﻋﻠﻰ ﺣﺪ ﺳﻮاه .وﻓﻲ آﺧﺮ اﻟﻤﻄﺎف ،ﺳﻌﯿﺖُ رﺳﻤﯿﺎً اﻟﻰ ﻋﻤﻞ ﻓﻲ اﻟﺠﻨﻮب .ﻓﻲ اﻟﻌﺎﺻﻤﺔ ﺑﯿﺮوت ،ﻛﺎن اﻟﻨﺎس ﻋﻠﻰ ﯾﻘﯿﻦ ﺑﺄن ﻟﺪي ﺣﺠﺔ ﻗﻮﯾﺔ ﻟﻠﺒﻘﺎء ﻓﻲ اﻟﺠﻨﻮب ،وھﻲ اﻟﻌﻼﻗﺔ اﻟﻐﺮاﻣﯿﺔ اﻟﻤﻠﻔﻘﺔ. وﻓﻲ ھﺬه اﻷﺛﻨﺎء ،رﺣﺖ أﻓﯿﺪ ،ﺑﺎﻟﻈﺎھﺮ ،ﻣﻦ اﻟﮭﺒﺔ اﻟﻤﺎﻟﯿﺔ اﻟﺘﻲ ﻣﺎ ﺑﺮﺣﺖ ﺗﻤﺪ ھﺬه اﻟﻤﻨﻄﻘﺔ ،ﻋﻠﻰ ﻧﺤﻮ ﻣﺼﻄﻨﻊ. وﻓﯿﻤﺎ اﻧﻘﻄﻌﺖ ﺻﻠﺘﻲ ﺑـ" ﻣﺎزن" اﻧﻘﻄﺎﻋﺎً ﻣﺆﻗﺘﺎً ،ﻃﺮﺣ ُ ﺖ ﻋﻠﻰ ﻧﻔﺴﻲ ﺳﺆاﻻً ﻋﻤﺎ إذا ﻛﻨﺖ ﻣﺴﺘﻌﺪة ﻹﻗﺎﻣﺔ ﻋﻼﻗﺔ ﻣﻊ ﺟﻨﺪي إﺳﺮاﺋﯿﻠﻲ ،ﻣﺤﺎوﻟﺔ إﯾﻘﺎﻋﮫ ﻓﻲ اﻟﻔﺦ .ﺣﺘﻰ أﻧﻲ أﻛﺮھﺖُ ﻧﻔﺴﻲ ﻋﻠﻰ ﻣﺤﺎوﻟﺔ ﻹﻏﺮاء ﺷﺎب ﻟﺒﻨﺎﻧﻲ ،ﻷﻛﻮن ﻋﻠﻰ ﺑﯿﻨﺔ ﻣﻦ اﻟﺤﺪود اﻟﺘﻲ ﯾﺴﻌﻨﻲ أن أﺑﻠﻐﮭﺎ ﻓﻲ ﻋﻼﻗﺔ ﻣﺼﻄﻨﻌﺔ .ﻓﻜﺎﻧﺖ اﻟﻨﺘﯿﺠﺔ أن ﻓﺸﻠﺖُ ﻓﺸﻼً ذرﯾﻌﺎً ،إذ ﺑﺪوتُ ﻋﺎﺟﺰة ﻋﻦ ﺗﺨﻄﻲ اﻟﺤﺪود اﻟﺪﻧﯿﺎ ﻣﻤﺎ ﻗﺼﺪﺗﮫ ،وﻛﻨﺖُ ﻣﺴﺘﻌﺪة ﻟﻠﻘﯿﺎم ﺑﻜﻞ ﺷﻲء ،ﻏﯿﺮ أﻧﻲ ،ﺣﺎﻟﻤﺎ وﺟﺪﺗﻨﻲ ﻓﻲ أﻟﻔﺔ ﻏﺮﻓﺘﮫ ،أدرﻛﺖُ أن ﺗﺠﺎوزتُ ﺣﺪودي ﺑﻜﺜﯿﺮ ،ﻓﻤﺎ ﻛﺎن ﻣﻦ ﺻﺪﯾﻘﻲ اﻟﺒﺎﺋﺲ إﻻ أن ﺳﺄﻟﻨﻲ ﻋﻤﺎ ﺟﺮى ﻟﻲ ھﺬا اﻟﯿﻮم ،ﻻ ﺳﯿﻤﺎ وأن ﺻﯿﺘﻲ ﻛﺸﯿﻮﻋﯿﺔ ﯾﺠﻌﻠﻨﻲ ﻓﻲ ﻧﻈﺮ اﻵﺧﺮﯾﻦ اﻣﺮأة ﻣﺘﺤﺮرة ،وﯾﺮﻓﻌﻨﻲ ﻓﻲ ﻧﻈﺮ أﺻﺪﻗﺎﺋﻲ اﻟﻰ ﺧﯿﺮ ﻣﻜﺎﻧﺔ ﺗﺆھﻠﻨﻲ إﻗﺎﻣﺔ اﻟﻌﻼﻗﺎت اﻟﻐﺮاﻣﯿﺔ ﻣﻦ دون أﯾﺔ وﻗﺎﯾﺔ ،وﺑﻼ أي ﻗﻠﻖ. اﻟﻰ ﺟﺎﻧﺐ أﺣﻤﺪ ﺗﻌﻠﻤﺖُ أﺻﻮل اﻟﺒﺤﺚ ﻋﻦ اﻟﻤﻌﻠﻮﻣﺎت. ﻛﯿﻒ أﺗﺒﯿﻦ ﺗﺤﺮﻛﺎت اﻟﻔﺮق ،وﻛﯿﻒ أﻗﯿﻢ ﻋﺪﯾﺪ اﻟﻘﻮات 90
اﻟﻤﺴﻠﺤﺔ ،وﺗﺴﺠﯿﻞ أرﻗﺎم اﻟﻮﺣﺪات ،ورﺳﻢ ﻣﻮاﻗﻌﮭﺎ .ﻛﻤﺎ ﻋﻠﻤﻨﻲ اﻟﻮﻗﺎﯾﺔ ﻣﻦ اﻟﻤﺨﺎﻃﺮ ،ﺑﺄن أﺷﺎر إﻟﻲ ﺑﻀﺮورة اﻟﺤﺬر ﻛﻠﻤﺎ اﻗﺘﻀﺘﻨﻲ اﻟﺤﺎﺟﺔ اﻻﺗﺼﺎل ﺑﺎﻟﻤﻘﺎوﻣﺔ أو اﻟﻌﻤﻞ ﻓﻲ اﻟﺴﺮﯾﺔ اﻟﺘﺎﻣﺔ .وﻛﻨﺖُ ،ﻗﺒﻞ ذﻟﻚ ،أﻇﻦ أﻧﮫ ﯾﻜﻔﻲ اﻟﻤﻘﺎﺗﻞ إﻋﺪاد ﺳﺮﯾﻊ ﺣﺘﻰ ﯾﺴﻌﮫ أن ﯾﻤﻀﻲ وﺑﻨﺪﻗﯿﺘﮫ ﻓﻲ ﯾﺪه ،ﻓﺎﻛﺘﺸﻔﺖ أن اﻷﻣﺮ ﯾﺘﻄﻠﺐ ﺻﺒﺮاً ﻓﺎﺋﻘﺎً وﻣﻀﺎﻋﻔﺔً ﻟﻠﺰﯾﺎرات اﻟﻰ اﻟﺠﻨﻮب ،ﻷدرك ،ﺗﻤﺎﻣﺎً ،اﻵﻟﯿﺎت اﻟﺘﻲ ﯾﺘﺤﺮك وﻓﻘﮭﺎ ﺟﯿﺶ ﻟﺒﻨﺎﻧﻲ اﻟﺠﻨﻮﺑﻲ. إﻻ أن ﺧﻼﻓﺎً ﺣﺼﻞ ﺑﯿﻨﻲ وﺑﯿﻦ ﻣﺮﺷﺪي ،وﻟﺤﯿﻦ .وﻣﻔﺎده أن ﻣﻜﺘﺒﺎً إﺳﺮاﺋﯿﻠﯿﺎً ﻛﺎن أُﻗﯿﻢ ،ﺳﺮاً ،ﻓﻲ اﻷﺷﺮﻓﯿﺔ ،ﻣﻦ ﺑﯿﺮوت اﻟﺸﺮﻗﯿﺔ ،ﻓﺘﻤﻨﻰ ﻋﻠﻲ أن أھﺘﻢ ﻷﻣﺮه .وﻛﻨﺖ أﺧﻤﻦ ﻏﺎﯾﺘﮫ ﻣﻦ ذﻟﻚ وھﻲ إﻋﺪاد ﻋﻤﻠﯿﺔ ﺗﻔﺠﯿﺮ ﺿﺪه. ﻓﺄﺑﺪﯾﺖ ﻟﮫ ﻋﺪم اﺳﺘﻌﺪادي ﻟﻠﻘﯿﺎم ﺑﺄي ﻋﻤﻠﯿﺔ ﻓﻲ ﺑﯿﺮوت. ﻓﺮﺿﺦ ﻟﻸﻣﺮ ﻣﻘﺘﻨﻌﺎً ﺑﺤﺠﺘﻲ. ﺑﺎﻟﻨﺴﺒﺔ ﻟﻲ ،ﻛﺎن ﯾﻨﺒﻐﻲ ﻟﺤﺮﺑﻨﺎ أن ﺗﺪور رﺣﺎھﺎ ﻓﻲ اﻟﻤﻨﻄﻘﺔ اﻟﻤﺤﺘﻠﺔ ،دون ﻛﻞ اﻟﻤﻨﺎﻃﻖ. وﻣﻨﺬ ﺷﮭﺮ ﺗﻤﻮز /ﯾﻮﻟﯿﻮ ﻣﻦ اﻟﻌﺎم ،1987ﺑﺎﺗﺖ ﻧﺼﺐ ﻋﯿﻨﻲ ﺧﻄﺔ ﻣﺤﺪدة ﻟﻠﻐﺎﯾﺔ .وھﻲ ﺗﺘﻤﺜﻞ ﻓﻲ أھﺪاف ﺛﻼﺛﺔ : رﺟﺎل اﻷﻣﻦ ﻓﻲ ﺟﯿﺶ ﻟﺒﻨﺎن اﻟﺠﻨﻮﺑﻲ ،واﻹﺳﺮاﺋﯿﻠﯿﯿﻦ، وأﻧﻄﻮان ﻟﺤﺪ ﺷﺨﺼﯿﺎً .وﻓﻲ ﺗﻠﻚ اﻟﺤﻘﺒﺔ ،ﻛﺎﻧﺖ ﻓﻜﺮة اﻧﻔﺼﺎل اﻟﻤﻨﻄﻘﺔ اﻟﺠﻨﻮﺑﯿﺔ اﻟﻤﺤﺘﻠﺔ ﻋﻦ ﺳﺎﺋﺮ ﻟﺒﻨﺎن ﻗﺪ ﻟﻘﯿﺖ ﺳﯿﺮورة واﺳﻌﺔ .ﻗﺎﺋﺪه اﻟﻤﺰﻋﻮم ﻣﻦ ﺷﺄﻧﮫ أن ﯾﻜﻮن ﺧﯿﺮ اﻟﻮﺳﺎﺋﻞ ﻟﺘﺪﻣﯿﺮ ﺟﮭﻮد اﻹﺳﺮاﺋﯿﻠﯿﯿﻦ اﻟﺬﯾﻦ دﻓﻌﻮا ﺑﺴﻠﻔﮫ ﺳﻌﺪ ﺣﺪاد اﻟﻰ إﻋﻼﻧﮫ دوﻟﺔ "ﻟﺒﻨﺎن اﻟﺤﺮ" ،ﻓﻲ اﻟﻤﻨﻄﻘﺔ اﻟﺘﻲ ﻛﺎﻧﺖ ﻻ ﺗﺰال ﻓﻲ ﻗﺒﻀﺘﮫ .وﻛﻨﺖ ﻣﻜﻠﻔﺔ ﺑﺄن 91
أﻋﺎﯾﻦ ،ﻣﻜﺎﻧﯿﺎً ،أي اﻷھﺪاف ھﻲ اﻷﻗﺮب اﻟﻰ اﻟﺘﺤﻘﯿﻖ. ورﺣﺖ ،ﻓﻲ ھﺬا اﻟﺸﺄن ،أﺑﺎﺷﺮ ﻛﻞ أﻧﻮاع اﻻﺗﺼﺎﻻت، وأﻗﺒﻞ اﻟﺪﻋﻮات ،واﺣﺪة ﺗﻠﻮ اﻷﺧﺮى ،ﻷﻋﯿﺎد أو اﺣﺘﻔﺎﻻت ﻣﮭﻤﺎﻛﺎن ﻧﻮﻋﮭﺎ .ﺣﺘﻰ أﻣﻜﻨﻨﻲ اﻟﺘﻘﺮب ﺷﯿﺌﺎً ﻓﺸﯿﺌﺎً ،ﻣﻦ ﻣﺮﻛﺰ اﻟﻤﺨﺎﺑﺮات اﻟﺘﺎﺑﻊ ﻟﻤﺪﯾﻨﺔ ﺣﺎﺻﺒﯿﺎ ،ﻗﺮﯾﺒﺎً ﻣﻦ ﻣﺮﺟﻌﯿﻮن .وﻣﻤﺎ ﻻ ﺷﻚ ﻓﯿﮫ ،أن أﺣﺪاً ﻣﻦ ﻣﺤﺪﺛﻲّ ﻟﻢ ﯾﻜﻦ ﻟﯿﺨﺪﻋﮫ ﺗﺼﺮﻓﻲ ﺧﺪاﻋﺎً ﺗﺎﻣﺎً .ﻓﻜﻨﺖُ أُﺻﻨﻒ ﻓﻲ ﺧﺎﻧﺔ اﻟﻮﺻﻮﻟﯿﺔ ،أو ﻓﻲ ﺧﺎﻧﺔ ﻏﯿﺮ ﻣﺤﺪدة .وﺗﺤﺖ اﻟﻤﻈﺎھﺮ اﻟﺨﺎدﻋﺔ وﺻﯿﻎ اﻟﻠﯿﺎﻗﺔ اﻟﺘﻲ ﻣﺎ ﺑﺮح اﻟﻨﺎس ﯾﺮﻣﻮﻧﻨﻲ ﺑﮭﺎ، ﻛﻨﺖ ﻣﻮﺿﻊ رﻗﺎﺑﺔ ﺷﺪﯾﺪة ﻣﻨﮭﻢ ،وﻣﺠﺎﻻً ﻟﻠﺘﻘﺪﯾﺮ أو اﻟﺘﻌﯿﯿﺮ .وﻣﺮت اﻷﺳﺎﺑﯿﻊ دون أن ﺗﺮﺗﺴﻢ أﻣﺎﻣﻲ ﻓﺮﺻﺔ ﺗﺘﯿﺢ ﻟﻲ اﻟﺘﻘﺪم ﺧﻄﻮات .وﺗﻮزﻋﺖ إﻗﺎﻣﺘﻲ ﺑﯿﻦ دﯾﺮ ﻣﯿﻤﺎس ،اﻟﻰ ﺟﺎﻧﺐ ﻋﻤﺘﻲ ،اﻟﺘﻲ أﺳﻜﻨﺘﻨﻲ ﻟﺪﯾﮭﺎ ،ﻣﻨﺬ أن ﻧﺰل ﺟﺪاي ﻟﻺﻗﺎﻣﺔ ﻟﺪى أﺑﻨﺎﺋﮭﻤﺎ ﻓﻲ ﺑﯿﺮوت ،ﻟﻜﺒﺮھﻤﺎ، وﺑﯿﻦ ﻣﺮﺟﻌﯿﻮن ،ﻟﺪى اﺑﻦ ﻋﻤﻲ ﻋﺼﺎم. ﻋﺼﺎم ﻣﺘﺰوج وﯾﻌﻨﻰ ﺑﺘﺮﺑﯿﺔ وﻟﺪﯾﮫ ،ﺟﺎھﺪاً ﻓﻲ أن ﯾﺠﻨﺒﮭﻤﺎ اﻟﻌﺎﻟﻢ اﻟﺸﺎذ اﻟﺬي ﯾﻤﺪ ﺧﯿﻮﻃﮫ ﻣﻦ ﺣﻮﻟﮭﻤﺎ .وﻛﻨﺖ ﻟﮫ ﺻﻼت ﺟﯿﺪة ﻣﻊ ﻣﻌﻈﻢ ﻋﻨﺎﺻﺮ اﻟﻤﺨﺎﺑﺮات اﻟﻤﻮﻟﺠﯿﻦ اﻻھﺘﻤﺎم ﺑﺎﻷﻣﻦ ،ﺷﺄن اﻹﺳﺮاﺋﯿﻠﯿﯿﻦ .ﻏﯿﺮ أن ﺗﺼﺮﻓﮫ ﺑﺪا ﻟﻲ أﻋﻘﺪ ﻣﻤﺎ ﺗُﻨﺒﺊ ﺑﮫ ﻇﻮاھﺮ اﻷﻣﻮر .ﻛﺎن ﯾﺴﻌﻰ، ﺑﺎﻷﺣﺮى ،اﻟﻰ ﻧﯿﻞ ﺛﻘﺔ اﻹﺳﺮاﺋﯿﻠﯿﯿﻦ ﺣﻔﺎﻇﺎً ﻋﻠﻰ ﻣﺼﺎﻟﺤﮫ ،ﻏﯿﺮ أﻧﮫ اﻟﺸﯿﻮﻋﻲ ﻓﻲ دواﻓﻌﮫ اﻷوﻟﻰ وأﺻﻮﻟﮫ ،ﻇﻞ ﻓﻲ ﻗﺮارة ﻧﻔﺴﮫ ﻣﻌﺎرﺿﺎً ﻟﻼﺣﺘﻼل .ﺣﺘﻰ أن اﻣﺮأﺗﮫ ،ﺟﺎﻧﯿﺖ ،ﻛﺎدت ﺗﺸﺎرك ،ذات ﯾﻮم ،ﻓﻲ ﻧﺸﺎط ﻟﻠﻤﻘﺎوﻣﺔ .وﻣﺎ أن وﻃﺄت ﻗﺪﻣﺎي ﻣﻨﺰﻟﮭﻤﺎ ﺣﺘﻰ أﺧﺬ ﯾﺴﺘﻘﺼﻲ ﻧﻮاﯾﺎي وﻗﻨﺎﻋﺎﺗﻲ ،وھﻮ ﯾﻌﺮف ،ﺣﻖ اﻟﻤﻌﺮﻓﺔ، ﺻﯿﺖ ﻋﺎﺋﻠﺘﻲ ،وﻻ ﺳﯿﻤﺎ واﻟﺪي وﻋﻤﻲ. 92
وذات ﯾﻮم ،وﺑﯿﻨﻤﺎ ﻛﺎن ﯾﻘﻠﻨﻲ ﻓﻲ ﺳﯿﺎرﺗﮫ ،ﻣﺮرﻧﺎ ﺑﻤﻜﺎن ﺻﺎر ﻣﻌﺮوﻓﺎً ،ﺣﯿﺚ ﻧﻔﺬ اﻟﻤﻘﺎوﻣﻮن ﻋﻤﻠﯿﺔ ﺻﺎﻋﻘﺔ، ﺑﺎدرﻧﻲ ﺑﺎﻟﺴﺆال ،وﻋﻠﻰ ﻧﺤﻮ ﻏﯿﺮ ﻣﺘﻮﻗﻊ ،ﻋﻤﺎ أﻓﻜﺮ ﺑﮫ ﺣﯿﺎل ھﺬا اﻟﺘﺼﺮف .ﻓﻠﺒﺜﺖ ﻣﺘﺤﻔﻈﺔ ،ﺑﺎﻟﻄﺒﻊ ،وﻟﻢ أﺑﺪ ﻟﮫ ﻣﺎ ﯾﺠﻮل ﻓﻲ ﺻﻤﯿﻢ ﻓﻜﺮي ،إﻧﻤﺎ أﻇﮭﺮت ﻟﮫ ﻋﺪم ﺗﻔﮭﻤﻲ ﻟﮭﺬا اﻟﻨﻮع ﻣﻦ اﻷﻋﻤﺎل ورﻓﻀﻲ اﻟﻌﻨﻒ ﺑﻌﺎﻣﺔ ،وأرﻓﻘﺖ ردي ھﺬا ﺑﺪﻋﻮة اﻟﻰ ﺗﻼﻗﻲ اﻹرادات اﻟﺨﯿﺮة ﻓﻲ اﻟﺒﻼد. راﻗﺖ ھﺬه اﻹﺟﺎﺑﺔ ﻛﺜﯿﺮاً ﻻﺑﻦ ﻋﻤﻲ. وﻣﻨﺬﺋﺬ ،راح ﯾﻨﻈﺮ اﻟﻲ ﻋﻠﻰ أﻧﻲ ﻓﺘﺎة ﺑﺴﯿﻄﺔ وﺑﻌﯿﺪة ﻛﻞ اﻟﺒﻌﺪ ﻋﻦ اﻟﺤﻘﺎﺋﻖ اﻟﺴﯿﺎﺳﯿﺔ. وﻓﻲ اول ﺣﺰﯾﺮان /ﯾﻮﻧﯿﻮ ﻣﻦ اﻟﻌﺎم ،1988أﻗﻤﺖُ ﻓﻲ ﻣﻨﻄﻘﺔ اﻟﺠﻨﻮب ھﺬه ،إﻗﺎﻣﺔ داﺋﻤﺔ .وﻋﻠﯿﮫ ،ﻓﻘﺪ ﺻﺎر اﻻﺗﺼﺎل ﺑﺒﯿﺮوت ﺻﻌﺒﺎً ﻟﻠﻐﺎﯾﺔ .ﻓﻔﻲ اﻟﻌﺎم ،1987 أﻣﻜﻨﻨﻲ ﻣﻌﺮﻓﺔ ﺧﻄﺔ ﻛﺎن أﻋﺪھﺎ اﻹﺳﺮاﺋﯿﻠﯿﻮن ﻟﻠﮭﺠﻮم ﻋﻠﻰ ﻛﻔﺮﺗﺒﻨﯿﺖ ،ﻗﺒﻞ 15ﯾﻮم ﻣﻦ ﺣﺪوﺛﮭﺎ ،إﻻ أﻧﻲ ﻛﻨﺖ ﻋﺎﺟﺰة ﻋﻦ إﺑﻼغ اﻟﺮﺳﺎﻟﺔ اﻟﻰ اﻟﻤﻌﻨﯿﯿﻦ. وﻟﺪى ﻋﻮدﺗﻲ اﻟﻰ ﺑﯿﺮوت ،ﻧُﺼﺤﺖ ﺑﺄن أﻛﻮن ﻋﻠﻰ ﺻﻠﺔ ﻣﻊ ﻣﻨﺎوﺑﯿﻦ ﻟﻠﻤﻘﺎوﻣﺔ ،ﯾﻜﻮﻧﻮن ﻓﻲ اﻟﺠﻨﻮب .رﻓﻀﺖُ ذﻟﻚ ،ﻷﻧﻲ ﻛﻨﺖ ﻋﻠﻰ ﯾﻘﯿﻦ ﺑﺄﻧﻲ ﻣﻮﺿﻊ ﻣﺮاﻗﺒﺔ ﻋﻦ ﻛﺜﺐ. ﻓﺎﻗﺘﺮح اﻟﻘﯿﻤﻮن ﻋﻠﻲ ﺣﻼً ﺑﺪﯾﻼً أﺛﺒﺖ ﻓﻌﺎﻟﯿﺘﮫ :رﺳﺎﺋﻞ ﻣﺮﻣﺰة ﻋﺒﺮ اﻟﮭﺎﺗﻒ .وﻓﯿﻤﺎ ﺑﻌﺪ ،أﻣﻜﻨﻨﻲ أن أﺑﻌﺚ ﺑﻤﻌﻠﻮﻣﺔ ﻋﻠﻰ ھﺬا اﻟﻨﺤﻮ ،وﻣﻔﺎدھﺎ أﻧﮫ ﺳﻮف ﯾﻨﻈﻢ اﺣﺘﻔﺎل ﺗﺆدي ﺧﻼﻟﮫ ﻣﻄﺮﺑﺔ ﻟﺒﻨﺎﻧﯿﺔ ﺷﮭﯿﺮة وﺻﻼت ﻏﻨﺎﺋﯿﺔ، وﻛﺎن ﯾﻔﺘﺮض أن ﯾﺤﻀﺮ اﻟﺤﻔﻞ أﻧﻄﻮان ﻟﺤﺪ وﻣﺴﺆوﻟﻮن إﺳﺮاﺋﯿﻠﯿﻮن .ﻟﻘﺪ ﻛﺎﻧﺖ ﺧﯿﺮ ﻣﻨﺎﺳﺒﺔ ﻟﻌﻤﻠﯿﺔ ﻋﺴﻜﺮﯾﺔ .ﻏﯿﺮ 93
أن ﺷﯿﺌﺎً ﻣﻦ ھﺬا اﻟﻘﺒﯿﻞ ﻟﻢ ﯾﻜﻦ ﻇﺎھﺮاً ﻓﻲ اﻟﻤﻜﺎن .ﻓﺮأﯾﺖ ﻣﻦ ﻏﯿﺮ اﻟﻤﺠﺪي ﻟﻠﺘﺨﻄﯿﻂ ﻷي ﻋﻤﻠﯿﺔ ﻣﻦ ھﺬا اﻟﻨﻮع. وﻟﻠﺤﺎل ،ﻗﺼﺪتُ ﻣﺮﻛﺰ اﻟﮭﺎﺗﻒ واﺗﺼﻠﺖُ ﺑﺒﯿﺮوت، ﻣﺘﻜﻠﻤﺔ ﻣﻊ ﺻﺪﯾﻖ داﻋﯿﺔ إﯾﺎه ﻷن "ﯾﺤﻔﻆ ﻟﻲ ﻣﻌﮫ ﻛﺘﺎﺑﻲ اﻟﻔﯿﺰﯾﺎء واﻟﻜﯿﻤﯿﺎء ،ﻣﻊ دﻓﺘﺮي اﻟﻤﺎدﺗﯿﻦ" .ﻓﺄدرك ﻣﺤﺪﺛﻲ ﻟﻠﺘﻮ ﻣﺎ ﯾﺠﺮي .وﻓﻲ ﺧﻼل ﻟﻘﺎءاﺗﻨﺎ اﻷﺧﯿﺮة ﻧﺼﺤﻨﻲ أﺣﻤﺪ ﺑﺄﻣﺮ واﺣﺪ :أن أﺑﺎﻋﺪ ﺑﯿﻨﻲ وﺑﯿﻦ ﻣﺨﺎﺑﺮات ﺣﺎﺻﺒﯿﺎ اﻟﺘﻲ ﯾﺮﺗﺎب ﺑﮭﺎ .وﻟﻜﻨﻲ ﻟﻢ أواﻓﻘﮫ رﯾﺒﺘﮫ .ﻓﺤﺘﻰ ﻟﻮ ﻛﻨﺖ أرﻛﺰ ﺟﮭﻮدي ﻋﻠﻰ ﻣﺮﺟﻌﯿﻮن ،ﺣﯿﺚ ﯾﻘﻊ ﻣﻨﺰل أﻧﻄﻮان ﻟﺤﺪ، ﻓﺈﻧﻲ اﻋﺘﺒﺮت ﻣﻦ اﻟﻮاﺟﺐ أن أﺗﺮدد ﻋﻠﻰ ﻣﻌﺎرﻓﻲ ﻓﻲ ﺣﺎﺻﺒﯿﺎ ﻟﻠﺴﻼم ﻋﻠﯿﮭﻢ ،أﻗﻠﮫ ﻟﺘﻀﻠﯿﻞ اﻷﺛﺮ .وﻗﺮرت أن أﺑﺤﺚ ﻋﻦ ﻋﻤﻞ ،ﻓﻲ ﻣﻨﻄﻘﺔ اﺳﺘﺮاﺗﯿﺠﯿﺔ .وﺑﺪت ﻟﻲ ﻓﻜﺮة أن أﻋﻤﻞ ﻓﻲ ﻣﺮﻛﺰ اﻟﮭﺎﺗﻒ ﺟﺬاﺑﺔ ﻟﻠﻐﺎﯾﺔ .وﺳﺮﻋﺎن ﻣﺎ أﺑﻠﻐﺖ ﻋﺼﺎم ﺑﺮﻏﺒﺘﻲ ﻓﻲ ھﺬا اﻟﻌﻤﻞ ﻟﯿﺘﻮﺳﻂ ﻟﻲ ﻣﻊ اﻟﻤﺴﺆول .ﺛﻢ ،أوﻟﻢ ﯾﻘﺘﺮح ﻋﻠﻲ ھﺬا اﻟﻤﺴﺆول ،وﻓﻲ ﺣﻀﺮة ﻋﺼﺎم ،اﻟﻌﻤﻞ اﻟﻤﺬﻛﻮر؟ وﻟﻢ أﻛﺪ أﺗﻠﻔﻆ ﺑﻄﻠﺒﻲ، ﺣﺘﻰ ﺻﺎح ﺑﻲ ﻋﺼﺎم .ﯾﻤﻜﻦ اﻟﻘﻮل إن ﻟﻠﻌﺎﻣﻼت ﻓﻲ اﻟﮭﺎﺗﻒ ،ﺑﺎﻟﻨﺴﺒﺔ ﻟﮫ ،ﺻﯿﺘﺎً ﻏﯿﺮ ﺣﺴﻦ .ﻓﮭﻦ ،اﻟﻰ ﻛﻮﻧﮭﻦ ﻣﺮﺗﺒﻄﺎت ﻣﺒﺎﺷﺮة ﺑﺠﮭﺎز اﻟﻤﺨﺎﺑﺮات ،ﯾﺤﯿﯿﻦ ﺣﯿﺎةً أﺧﻼﻗﯿﺔ ﻓﺎﺳﺪة ،ﻋﻠﻰ ذﻣﺔ ﻋﺼﺎم .وﻗﺪ راح ﯾﺼﯿﺢ وﻛﺄﻧﻤﺎ ﻣُﺲ ﺑﺎﻟﺼﻤﯿﻢ ،وﻗﺎل" :ﻣﺴﺘﺤﯿﻞ! أو ﺗﺪرﻛﯿﻦ ﻣﺎ ﺗﻔﻌﻠﯿﻦ؟ إﻧﻚ ﻟﺴﺎذﺟﺔ ﺣﻘﺎً!" .ﻓﺄﺟﺒﺘﮫ ﺑﺄﻧﮫ ﯾﻨﺒﻐﻲ ﻟﻲ أن أﺟﺪ ﻋﻤﻼً، وﯾﺴﻌﻨﻲ أن أؤدي ﺧﺪﻣﺎﺗﻲ ﻟﻠﻤﺮﻛﺰ اﻟﺜﻘﺎﻓﻲ واﻟﺮﯾﺎﺿﻲ ﻓﻲ ﻣﺮﺟﻌﯿﻮن ،وھﻲ ﻓﻜﺮة ﻣﻨﻄﻘﯿﺔ ﺗﻨﺴﺠﻢ ﻣﻊ ﻣﯿﻠﻲ اﻟﻰ ھﺬا اﻟﻨﻤﻂ ﻣﻦ اﻟﻨﺸﺎﻃﺎت .ﻓﻜﺎن أن ھﺪأت ھﺬه اﻟﻔﻜﺮة ﻣﻦ روﻋﮫ ،ﻟﻠﺤﺎل .ﺣﺘﻰ أﻧﮫ ﺧﻠﺺ اﻟﻰ اﻋﺘﺒﺎرھﺎ ﻣﻤﺘﺎزة وأﻛﺪ ﻟﻲ أﻧﮫ ﺳﻮف ﯾﻘﻮم ﺑﺎﻟﻼزم ﻟﺘﺪﺑﯿﺮ اﻟﻠﻘﺎء ﺑﺎﻟﻤﺴﺆول ﻋﻦ ذاك اﻟﻨﺎدي. 94
ﺣُﺪد اﻟﻤﻮﻋﺪ ﻣﻊ ھﺬا اﻷﺧﯿﺮ .وﻣﻀﯿﺖُ ﻣﻊ ﻋﺼﺎم اﻟﻰ اﻟﻤﺮﻛﺰ .وﺳﺎر اﻟﻠﻘﺎء ﻋﻠﻰ ﺧﯿﺮ ﻣﺎ ﯾﺮام .ﻓﻘﺪ ﻛﺎن ﻣﺤﺪﺛﻲ ودوداً ،وﻟﻢ أﺟﺪ ﻛﺒﯿﺮ ﺻﻌﻮﺑﺔ ﻓﻲ إﻗﻨﺎﻋﮫ ﺑﺄن اﻟﺮﯾﺎﺿﺔ ھﻲ ﺷﻐﻔﻲ .واﻗﺘﺮﺣﺖُ ﻋﻠﯿﮫ أن أﻗﺪم دروﺳﺎً ﻓﻲ ﻛﺮة اﻟﻄﺎوﻟﺔ ،أو ﻓﻲ اﻟﺘﻤﺎرﯾﻦ اﻟﺮﯾﺎﺿﯿﺔ اﻟﺒﺪﻧﯿﺔ .ﻓﺘﻨﺘﮫ اﻟﻔﻜﺮة اﻷﺧﯿﺮة ،ﻓﺎﻧﺪﻓﻊ ﯾﺴﺘﺒﻖ آﻣﺎﻟﻲ اﻟﺨﺮﻗﺎء ،إذ أﻛﺪ ﻟﻲ ،ﺑﻼ ﺗﻜﻠﻒ ،أن اﻣﺮأة ﻗﺎﺋﺪ ﺟﯿﺶ ﻟﺒﻨﺎن اﻟﺠﻨﻮﺑﻲ ﺗﺒﺤﺚ ﻋﻦ أﺳﺘﺎذ ﻟﻠﺘﻤﺎرﯾﻦ اﻟﺮﯾﺎﺿﯿﺔ اﻟﺤﯿﻮﯾﺔ (Aerobic).ﻓﺎﻧﺪﻓﻌﺖ ﺑﺤﻤﯿﺔ ﻇﺎھﺮة ،وأﻛﺪتُ ﻟﮫ ﺑﺤﺰم ﻻ ﺷﻚ ﻓﯿﮫ ،وﺧﺎﻟﻄﺔ ﺑﻌﺾ اﻟﻌﺒﺎرات اﻟﻔﺮﻧﺴﯿﺔ ﺑﻜﻼﻣﻲ ،ﺑﺄﻧﻨﻲ أﻟﻔﺖُ ھﺬا اﻟﻨﻮع ﻣﻦ اﻟﺮﯾﺎﺿﺎت. اﻣﺮأة ﻗﺎﺋﺪ اﻟﻤﯿﻠﯿﺸﯿﺎ ﻓﻲ اﻟﻤﻨﻄﻘﺔ اﻟﻤﺤﺘﻠﺔ! ﺑﯿﺪ أن ﻣﻮﻗﻌًﺎ ﺑﮭﺬه اﻷھﻤﯿﺔ ﻟﯿﺲ ﺑﺎﻷﻣﺮ اﻟﯿﺴﯿﺮ .ﻣﯿﻨﺮﻓﺎ ﻟﺤﺪ ،اﻵﺗﯿﺔ ﻣﻦ ﺣﻲ اﻷﺷﺮﻓﯿﺔ اﻷﻧﯿﻖ ،وھﻲ اﻟﻤﺮأة اﻟﺸﺎﺑﺔ واﻟﺠﻤﯿﻠﺔ وذات اﻟﺤﯿﻮﯾﺔ اﻟﻼﻓﺘﺔ ،ﻏﺎﻟﺒﺎً ﻣﺎ اﺳﺘﺸﻌﺮت اﻟﻤﻠﻞ ﻓﻲ ﻋﺎﻟﻢ ﻣﺼﻄﻨﻊ ،ﺗﺪﻋﻤﮫ اﻟﻨﻌﻤﺔ اﻹﺳﺮاﺋﯿﻠﯿﺔ ،ﺣﯿﺚ ﻛﻞ اﻟﻨﺎس ﯾﻌﺮﻓﻮن ﻛﻞ اﻟﻨﺎس وﯾﺮاﻗﺒﻮن ﺑﻌﻀﮭﻢ ﺑﻌﻀﺎً ،وﻏﺎﻟﺒﺎً ﻣﺎ ﯾﺘﻨﺎﻓﺴﻮن ﻓﻲ رواﯾﺔ ﺣﻜﺎﯾﺎت ﻣﺒﺎﻟﻎ ﻓﯿﮭﺎ ،وﯾﺠﯿﺒﻮن ﺑﻌﻀﮭﻢ ﺑﻌﻀﺎً إﺟﺎﺑﺎت ﻓﻈﺔ ﻻ ﺗﻮﻓﺮ أﺣﺪاً .وﻛﻨﺖ ﻓﻜﺮت، ﻟﻠﺤﻈﺔ ،ﻓﻲ أن أﺿﺎﻋﻒ ﻟﻘﺎءاﺗﻲ ﻟﺪى ﻣﺰﯾﻦ ﻟﻠﺴﯿﺪات ﻓﻲ ﻣﺮﺟﻌﯿﻮن ،أﻣﻼً ﻓﻲ ﻟﻘﺎﺋﮭﺎ ،ﻣﺎ داﻣﺖ ﺗﺘﺮدد اﻟﻰ ذﻟﻚ اﻟﻤﺤﻞ ﺑﺎﺳﺘﻤﺮار .ﻏﯿﺮ أن ھﺬا اﻟﻤﺸﺮوع ﻟﻢ ﯾﻜﻦ ﻟﯿﻨﺴﺠﻢ ﻣﻊ ﺷﺨﺼﯿﺘﻲ ،ﺛﻢ إن ﺗﺼﺮﻓﻲ ﻗﺪ ﯾﺜﯿﺮ اﻟﺸﺒﮭﺎت .وﺣﺘﻰ ﻟﻮ ﻛﻨﺖ ﺑﺬﻟﺖُ ﺟﮭﻮداً ﻓﻲ ﻣﺎ ﺧﺺ اﻟﺜﯿﺎب ،ﻣﻨﺬ أن أﻟﻔﺖُ اﻟﻌﯿﺶ ﻓﻲ اﻟﺠﻨﻮب ،أن اﻟﺘﻲ اﻋﺘﺪت ﻟﺒﺎس اﻟﺠﯿﻨﺰ واﻟﺘﻲ- ﺷﺮت ﻓﻲ ﻋﺰ ﺷﺒﺎﺑﻲ وزھﻮ ﺣﯿﺎﺗﻲ ﻓﻲ ﺑﯿﺮوت ،ﻓﻠﻘﺪ ﺑﻘﯿﺖ آﻧﻒ ﻣﻦ اﻟﺘﻄﺮﯾﺔ ﺑﺎﻟﻤﺴﺎﺣﯿﻖ ،وﻣﻦ اﻟﻌﻨﺎﯾﺔ اﻟﻤﻔﺮﻃﺔ 95
ﺑﺰﯾﻨﺔ اﻟﺸﻌﺮ .وﺑﺎﻟﻤﻘﺎﺑﻞ ،وﺟﺪتُ ﻣﺸﺮوع اﻟﺮﯾﺎﺿﺔ آﻧﻒ ﯾﻼﺋﻤﻨﻲ ﻛﻞ اﻟﻤﻼءﻣﺔ. دُﺑﺮ ﻟﻲ ﻟﻘﺎء ﻣﻊ ﻣﯿﻨﺮﻓﺎ ﻟﺤﺪ .واﻓﯿﺘﮭﺎ اﻟﻰ اﻟﻤﻨﺰل ،ﺑﺮﻓﻘﺔ ﻋﺼﺎم اﻟﺬي أﺗﺎح ﻟﻲ وﺟﻮده ﺗﺠﺎوز ﺣﻮاﺟﺰ اﻷﻣﻦ ﺑﺴﺮﻋﺔ ﻻﻓﺘﺔ ،وﺣﺎل دون ﺗﻌﺮﺿﻲ ﻟﺘﻔﺘﯿﺶ ﻃﻔﯿﻒ .ﻛﺎن اﻟﻤﻨﺰل اﻟﺘﺎﺑﻊ ﻷﻧﻄﻮان ﻟﺤﺪ ،ﻗﺎﺋﺪ اﻟﻤﯿﻠﯿﺸﯿﺎ ،واﺳﻌﺎً، وﻣﺮﯾﺤﺎً ،ﻋﻠﻤﺎً أن ﻟﺤﺪ ﯾﻌﻮد ﺑﺄﺻﻠﮫ اﻟﻰ اﻟﺒﻘﺎع .وﻟﻤﺎ ﻛﺎﻧﺖ ﻣﯿﻨﺮﻓﺎ ﺟﻤﯿﻠﺔ ﻟﻠﻐﺎﯾﺔ وأﻛﺜﺮ ﺷﺒﺎﺑﺎً ﻣﻦ زوﺟﮭﺎ ﺑﻜﺜﯿﺮ، أﺛﺎرت ﻓﻲ ﻧﻔﺴﻲ اﻧﻄﺒﺎﻋﺎً ﺟﯿﺪاً .إﻧﮭﺎ اﻣﺮأة ذﻛﯿﺔ وﻣﺜﻘﻔﺔ، وﯾﺒﺪو أﻧﮭﺎ ﺣﻈﯿﺖ ﺑﺘﺮﺑﯿﺔ ﻣﻤﺘﺎزة ،ﻓﺠﮭﺪت ﻓﻲ أن ﺗﻜﻮن ﻋﻠﻰ ﻣﺴﺘﻮى اﻟﻤﺼﯿﺮ اﻟﺒﺎﻋﺚ ﻋﻠﻰ اﻟﺴﺨﺮﯾﺔ ﻗﻠﯿﻼً، واﻟﺬي ﯾﺤﺘﻔﻆ ﻟﮭﺎ اﻟﺘﺎرﯾﺦ ﺑﮫ؛ أن ﺗﻜﻮن اﻟﺴﯿﺪة اﻷوﻟﻰ ﻓﻲ ﻟﺒﻨﺎن اﻟﺠﻨﻮﺑﻲ. وﻟﻢ ﺗﻜﻦ ﺗﺘﺤﺪث ﻣﻊ أﺑﻨﺎﺋﮭﺎ إﻻ اﻟﻔﺮﻧﺴﯿﺔ .وﻟﻜﻨﮭﺎ ،ﻛﺎﻧﺖ ﺗﺸﻌﺮ ،ﻓﻲ ﻗﺮارة ﻧﻔﺴﮭﺎ ،أن ﻗﺒﻮﻟﮭﺎ ﻓﻲ ﻣﺠﺘﻤﻊ ﻣﺮﺟﻌﯿﻮن ﻻ ﯾﺰال دوﻧﮫ ﻋﻘﺒﺎت. وﻗﺪ أﻟﻔﺖ ﻧﻔﺴﮭﺎ ،ھﺬه اﻷﯾﺎم ،ﻓﻲ ﻗﺒﻀﺔ أﺳﺘﺎذة ﻟﻠﺮﻗﺺ ﻻ ﻻ ﺗﺘﻮاﻧﻰ ﻋﻦ اﻹﻓﺎدة ﻋﻦ اﻟﻮﺿﻊ ،ﻓﺮاﺣﺖ ﺗﺒﺘﺰ ﺗﻼﻣﯿﺬھﺎ ﻣﺎﻻً ،ﻛﻠﻤﺎ أﺗﯿﺢ ﻟﮭﺎ ذﻟﻚ .وﺟﻌﻠﺖ ﺗﻜﻠﻔﻨﻲ ﺳﺮﯾﻌﺎً ﺑﺘﺪرﯾﺐ ﺛﻼﺛﯿﻦ ﺗﻠﻤﯿﺬاً ،ﺣﺎﻟﻤﺎ ﻗﺪح ذھﻨﮭﺎ ﻋﻦ ﺗﻤﺎرﯾﻦ اﻟﺮﯾﺎﺿﺔ اﻟﺤﯿﻮﯾﺔ ھﺬه .وﻓﻲ ﻣﻨﺎﺳﺒﺔ ﻏﯿﺮ ﻣﺘﻮﻗﻌﺔ ﺑﻠﻎ ﻣﯿﻨﺮﻓﺎ ﺗﻘﺪﯾﺮ ﺷﺄﻧﻲ ،ﻣﻦ ﻗﺒﻞ اﻣﺮأة ﻓﺮﻧﺴﯿﺔ ،وھﻲ زوﺟﺔ ﻃﺒﯿﺐ ﻟﺒﻨﺎﻧﻲ، ﻓﺄﺑﺪﯾﺖ ﺳﺮوري اﻟﺒﺎﻟﻎ ﺑﻄﺮﺣﮭﺎ ،وأﺑﻠﻐﺘﮭﺎ اﺳﺘﻌﺪادي ﻟﻠﻤﺒﺎﺷﺮة ﺑﺎﻟﺪروس ﺣﺎﻟﻤﺎ ﺗﺘﯿﺢ ﻟﻲ دروﺳﻲ ﻓﻲ اﻟﺠﺎﻣﻌﺔ ﺑﺒﯿﺮوت ،ذﻟﻚ .وﺑﺎﻟﻄﺒﻊ ﺗﺮﻛﺖ ﻟﻲ اﻟﺨﯿﺎر ﻓﻲ ﺗﻮﻗﯿﺖ 96
اﻟﻌﻤﻞ .ﻓﻲ اﻟﻮاﻗﻊ ،ﻛﻨﺖ أﺗﺸﻮق ﻷﻋﻠﻢ رؤﺳﺎﺋﻲ ﺑﻤﺎ ﯾﺤﺪث ﻣﻌﻲ ،وﻓﻀﻠﺖُ اﻟﻌﻮدة اﻟﻰ ﺑﯿﺮوت ﻟﻤﻨﺎﻗﺸﺔ اﻷﻣﺮ ،اﺗﻘﺎءً ﻣﻦ اﻟﻤﺨﺎﻃﺮ. اﻟﺤﻖ ﯾﻘﺎل ،أن ﺿﺮﺑﺔ اﻟﺤﻆ ھﺬه ﻏﻤﺮﺗﻨﻲ ﺑﺎﻟﺮﺿﻰ اﻟﻌﺎرم .وأﺧﯿﺮاً ،ھﺎ ھﻲ اﻟﻔﺮﺻﺔ ﺳﺎﻧﺤﺔ ﺣﻘﺎً .وأراﻧﻲ ﻋﻠﻰ ﻗﯿﺪ أﻧﻤﻠﺔ ﻣﻦ اﻹﻗﺎﻣﺔ ،ﺑﮭﺪوء ،ﻓﻲ ﻗﻠﺐ ﺟﯿﺶ ﻟﺒﻨﺎﻧﻲ اﻟﺠﻨﻮﺑﻲ ،وھﻮ ﻛﻨﺎﯾﺔ ﻋﻦ ﻣﺮﻛﺰ ﻣﺮاﻗﺒﺔ ﯾﻜﺎد ﯾﻜﻮن ﻓﺮﯾﺪاً، ﻟﺘﺨﺰﯾﻦ أﻛﺒﺮ ﻗﺪر ﻣﻤﻜﻦ ﻣﻦ اﻟﻤﻌﻠﻮﻣﺎت ﻋﻦ ﻋﺎدات ﻗﺎﺋﺪ اﻟﻤﯿﻠﯿﺸﯿﺎ وﺗﺤﺮﻛﺎﺗﮫ .وﻣﻨﺬ ﺑﺪء اﻟﻨﻘﺎﺷﺎت ،ﺟﻌﻠﻨﺎ ،أﻧﺎ وأﺣﻤﺪ ،ﻧﺮﺗﺜﻲ ﻓﺮﺿﯿﺔ اﻟﻌﻤﻠﯿﺔ اﻟﻤﻨﻈﻤﺔ ﺿﺪ أﻧﻄﻮان ﻟﺤﺪ ،وھﺎ أن ﻣﺎ ﺗﺼﻮرﻧﺎه أﺷﺮف ﻋﻠﻰ اﻟﺘﺠﺴﺪ. وﻓﯿﻤﺎ ﺑﻌﺪ ،ﺣﯿﻦ اﻟﺘﻘﯿﺖ ﺑﺄﺣﻤﺪ ،ﺧﻠﺘﻨﻲ ﻓﺨﻮرةً ﺣﻘ ًﺎ ﺑﺎﻟﻨﺘﺎﺋﺞ ،وﺑﺪا رﺋﯿﺴﻲ ﻣﺘﺤﻤﺴﺎً ﻟﻠﻐﺎﯾﺔ ،ﻣﻊ ذﻟﻚ ،ﻓﻘﺪ ﻛﻨﺎ ﻧﺠﮭﻞ ،اﻟﻰ ﺣﯿﻨﮫ ،ﻣﺎ ﯾﻤﻜﻦ أن ﯾﺤﺼﻞ ،وﻻ ﻣَﻦْ ﺳﻮف ﯾﺆدي اﻟﻤﮭﻤﺔ .وﻟﺪى ﻣﺮوري ﺑﺒﯿﺮوت ،أﺷﺮت اﻟىﺄﺣﺪ أﺻﺪﻗﺎﺋﻲ ﻣﻤﻦ ﯾﻌﺘﺒﺮون ﻣﺘﻌﺼﺒﯿﻦ ﻟﻠﺮﻗﺺ ،ﺑﺄن ﯾﺴﺠﻞ ﻟﻲ دروﺳﺎً ﻓﻲ اﻟﺘﻤﺎرﯾﻦ اﻟﺮﯾﺎﺿﯿﺔ اﻟﺤﯿﻮﯾﺔ ﻛﺎﻧﺖ "ﺟﯿﻦ ﻓﻮﻧﺪا" أﻋﺪﺗﮭﺎ .وﻓﻲ ﻧﻮع ﻣﻦ اﻟﺒﺮاءة ،رﺣﺖُ أﺳﺄل أﺧﺘﻲ ﺑﻌﺾ اﻟﻤﻔﺎھﯿﻢ ،وھﻲ ﻣﻌﻠﻤﺔ ﻟﻠﺮﯾﺎﺿﺔ ،وﻣﻦ ﺛﻢ ﻗﻔﻠﺖُ ﻋﺎﺋﺪة اﻟﻰ ﻣﺮﺟﻌﯿﻮن ﻷھﯿﺊ اﻟﻨﻔﺲ ﻟﻼﺧﺘﺒﺎر اﻟﻤﺸﮭﻮد .. ﻓﺎﻧﺘﮭﺰت ﻓﺮﺻﺔ ﻏﯿﺎب ﻋﺼﺎم وزوﺟﺘﮫ ،ورﺣﺖ أردد اﻟﺘﻤﺎرﯾﻦ ﻋﻠﻰ ﺷﺮﯾﻂ ﻣﺴﺠﻞ ،إذ ﯾﻨﺒﻐﻲ أن ﯾﻜﻮن اﻹﯾﮭﺎم ﻛﺎﻣﻼً .ووﺿﻌﺖُ ﻓﻲ اﻟﻤﺴﺠﻠﺔ ﺷﺮﯾﻄﺎً ﻟﺤﻔﻠﺔ ﺑﺎﻟﯿﮫ، ووﻗﻌﺖُ ﻋﻠﯿﮭﺎ ﺣﺮﻛﺎت ذات ﻣﻮﺳﯿﻘﻰ إﯾﻘﺎﻋﯿﺔ ﻟﻠﻐﺎﯾﺔ.
97
وﺑﻌﺪ ﯾﻮﻣﯿﻦ ﻣﻦ ﻋﻮدﺗﻲ اﻟﻰ اﻟﺠﻨﻮب ،ﺳﺮﻧﻲ أن أﺟﺘﺎز اﻟﺘﺠﺮﺑﺔ اﻷھﻢ ﻓﻲ ﺣﯿﺎﺗﻲ. وأﻋﺎﻧﺘﻨﻲ ﺑﺪاﯾﺎت اﻟﺪروس اﻷوﻟﻰ .إذ ﻛﺎن ﻋﻠﻲ أن أﻋﺎود اﻟﻤﺠﻲء اﻟﻰ ﻣﻨﺰل أﻧﻄﻮان ﻟﺤﺪ ﻟﻘﯿﺎس ﺑﻌﺾ اﻟﺘﻔﺎﺻﯿﻞ اﻟﺪﻗﯿﻘﺔ .وﺳﺮﻋﺎن ﻣﺎ اﺗﻔﻘﻨﺎ ﻋﻠﻰ راﺗﺒﻲ .وﻗﺪ ﺻﻐﺖُ ﻣﻄﻠﺒﻲ اﻟﺬي ﺑﺪا ﻟﻲ ﻗﺎﺑﻼً ﻟﻠﺘﺼﺪﯾﻖ واﻟﻘﺒﻮل ،وﻣﺎ دﻣﺖُ أﺗﯿﺖُ اﻟﻰ اﻟﺠﻨﻮب ،ﻓﻼ ﺑﺪ ﻟﻲ ﻣﻦ اﻟﻌﻤﻞ ،ﺑﺼﻮرة رﺳﻤﯿﺔ. وﻟﻢ ﯾﻜﻦ اﻷﺟﺮ ﻣﺮﺗﻔﻌﺎً ﻟﻠﻐﺎﯾﺔ ،وﻻ ﻣﻨﺨﻔﻀﺎً ﻟﻠﻐﺎﯾﺔ .ﺧﻤﺴﺔ دوﻻرات ﻋﻦ اﻟﺸﺨﺺ اﻟﻮاﺣﺪ ،ھﺬا إذا ﺑﻠﻎ اﻟﻤﺴﺠﻠﯿﻦ ﺛﻼﺛﯿﻦ ﺷﺨﺼﺎً .وﺣﯿﻦ اﻟﺘﻘﯿﻨﺎ ﻣﻊ ﻣﯿﻨﺮﻓﺎ ،ﻟﻠﻤﺮة اﻷوﻟﻰ، وﻃﻤﺄﻧﺘﻨﻲ ﻣﯿﻨﺮﻓﺎ أﻧﻨﺎ ﻟﻦ ﻧﺤﺘﺎج اﻟﻰ دﻋﺎﯾﺔ ،ﻧﻈﺮاً ﻟﻨﺪرة وﺳﺎﺋﻞ اﻟﺘﺮﻓﯿﮫ ﻓﻲ اﻟﻤﻨﻄﻘﺔ اﻟﻤﺤﺘﻠﺔ .وھﻲ ﻟﻢ ﺗﺴﻊ اﻟﻰ أﺳﺘﺎذ ﻟﻠﺮﯾﺎﺿﺔ إﻻ ﺑﺘﺤﺮﯾﺾ وﻃﻠﺐ ﻣﻦ ﺻﺪﯾﻘﺎﺗﮭﺎ ،أﻣﺎ اﻟﯿﻮم ﻓﺴﻮف ﺗُﺤﻤﻞ ﻋﻠﻰ ﺗﻐﯿﯿﺮ ﻟﮭﺠﺘﮭﺎ .وﻟﻤﺎ رأت أن اﻟﻔﺘﯿﺎت اﻷﺧﯿﺮات ﺣﻨﺜﻦ ﺑﻮﻋﻮدھﻦ ،اﻧﺘﺎب ﻣﯿﻨﺮﻓﺎ ﻏﻀﺐ ﺷﺪﯾﺪ ،وأﯾﻘﻨﺖ أﻧﮭﻦ ﯾﮭﺰأن ﺑﮭﺎ ،وﯾﺠﮭﺪن ﻓﻲ اﺳﺘﺒﻌﺎدھﺎ ﻋﻠﻰ اﻟﺪوام. ﻟﻢ ﯾﺜﻨﮭﺎ اﻷﻣﺮ ،ﻓﺎﻟﺘﺰﻣﺖ ﻛﻠﯿﺎً ﻓﻲ ھﺬا اﻟﻤﺸﺮوع اﻟﺬي اﻛﺘﺴﺐ ﻓﻲ ﻧﻈﺮھﺎ أھﻤﯿﺔ ﻏﯿﺮ ﻣﺘﻮﻗﻌﺔ .وراﺣﺖ ﺗﺠﻌﻞ ﻣﻨﮫ ﻣﻮﺿﻮﻋﮭﺎ اﻟﻤﺤﺒﺐ .ﺣﺘﻰ إذا اﺳﺘﺸﺎرت زوﺟﮭﺎ، أﻧﻄﻮان ﻟﺤﺪ ،أﻛﺪ ﻟﮭﺎ دﻋﻤﮭﺎ اﻟﻤﻄﻠﻖ .وﻛﺎن ﯾﻨﺒﻐﻲ أن ﺗﺒﺎﺷﺮ اﻟﺪروس ﻓﻲ ﺟﻤﮭﻮر ﻣﺤﺪد ،ﻻ ﯾﺘﻌﺪى اﻟﺨﻤﺴﺔ ﺗﻼﻣﯿﺬ ،ﻣﻊ ذﻟﻚ ﻓﻘﺪ ﺑﺪأت اﻟﺪروس ﺣﻘﺎً .ﺑﻘﯿﺖ ﻣﺴﺄﻟﺔ اﻟﻤﺎل .إذ ﻟﻢ أﻛﻦ أﻣﻨﻲ ﻧﻔﺴﻲ ﺑﺎﻟﻜﺜﯿﺮ ﺑﮭﺬا اﻟﻌﺪد اﻟﻘﻠﯿﻞ ﻣﻦ اﻟﺘﻼﻣﯿﺬ .وﻷﺟﻞ أن ﺗﺠﺪ ﻣﯿﻨﺮﻓﺎ ﺣﻼً ﻟﮭﺬه اﻟﻤﺴﺄﻟﺔ اﻟﺪﻗﯿﻘﺔ
98
اﺳﺘﻌﺎﻧﺖ ﺑﺰوﺟﮭﺎ ،ﻓﻜﺎﻧﺖ ﻟﻲ أوﻟﻰ اﻟﻤﻨﺎﺳﺒﺎت اﻟﺘﻲ أﻟﺘﻘﻲ ﻓﯿﮭﺎ أﻧﻄﻮان ﻟﺤﺪ. ﻛﺎن أﺣﻤﺪ أراﻧﻲ ،ﻓﻲ ﻣﺎ ﻣﻀﻰ ،ﺻﻮرةً ﻟﻤﻼزم ﻓﻲ اﻟﺠﯿﺶ اﻟﻠﺒﻨﺎﻧﻲ ،ﻏﻲ رأن ﻗﺴﻤﺎﺗﮫ ﺗﺒﺪﻟﺖ ﻛﺜﯿﺮاً ﻋﻤﺎ ﻛﺎﻧﺖ ﻋﻠﯿﮫ ﻓﻲ ﺳﻨﻮات ﻣﻌﺪودة .ﻓﺮأﯾﺖ ﺣﯿﺎﻟﻲ ﺷﺨﺼﺎً ﻣﺨﺘﻠﻔﺎً ﻛﺜﯿﺮاً ﻋﻦ اﻟﺼﻮرة اﻟﺘﻲ ﻃﺎﻟﻤﺎ ﺣﻔﻈﺘﮭﺎ ﻋﻨﮫ .إذ ﻟﻢ ﯾﻜﻦ اﻟﺮﺟﻞ ذا ﻃﺒﺎع ﻣﻨﻔﺮة .وﻛﺎن ﯾﺠﮭﺪ ﻧﻔﺴﮫ ﻓﻲ ﺳﺒﯿﻞ إرﺿﺎء زوﺟﺘﮫ .ﻓﺎﻗﺘﺮح ﻋﻠﻲ أن أﻋﻮض ﻋﻦ اﻟﻨﻘﺺ ﻓﻲ ﻣﺮدودي ﻣﻦ ﻧﻘﻮده اﻟﺨﺎﺻﺔ .ﻗﺒﻠﺖُ اﻗﺘﺮاﺣﮫ ﻣﺒﺪﯾﺔً ﻟﮫ ﺗﻌﻠﻘﻲ اﻟﺸﺪﯾﺪ ﺑﮭﺬا اﻟﻤﺸﺮوع. وﺣﯿﻦ أﺧﺬت إﺟﺎزة ،ﺗﺒﺪى ﻟﻲ أن ﺛﻤﺔ ﻗﺮاراً ﯾﺴﻠﻚ ﺳﺒﯿﻠﮫ اﻟﻰ اﻟﻨﻀﻮح ﻓﻲ ذھﻨﻲ ،ﺷﯿﺌﺎً ﻓﺸﯿﺌﺎً .ﻓﮭﺎ أﻧﺎ أﺧﯿﺮاً ،ﻓﻲ اﻟﺴﺎﺣﺔ ،ﻗﺮﯾﺒﺔ ﺟﺪاً ﻣﻦ اﻟﮭﺪف اﻟﺬي وﺿﻌﻨﺎه ﻧﺼﺐ أﻋﯿﻨﻨﺎ .وﻋﻠﯿﮫ ،ﻓﺈﻧﮫ ﯾﻌﻮد ﻟﻲ وﺣﺪي أن أﻗﻮم ﺑﺎﻟﻤﮭﻤﺔ اﻷﻋﻈﻢ ﻃﻤﻮﺣﺎً ﻣﻤﺎ ﻛﻨﺎ ﻧﺘﺨﯿﻠﮫ ﻓﻲ ھﺬه اﻷﺛﻨﺎء. أن أﻗﺘﻞ أﻧﻄﻮان ﻟﺤﺪ.
99
اﻟﻌﻤﻠﯿﺔ ﻟﻘﺎء آﺧﺮ ﻣﻊ راﺑﻂ اﻟﺘﻮاﺻﻞ ﺟﺮى ﻟﻲ ،ﻓﻲ ﻗﻠﺐ اﻟﻤﻘﺎوﻣﺔ .راح أﺣﻤﺪ ﯾﺼﻐﻲ إﻟﻲ وأﻧﺎ أروي ﻟﮫ ﻟﻘﺎﺋﻲ اﻷول ،وﺟﮭﺎً ﻟﻮﺟﮫ ،ﻣﻊ أﻧﻄﻮان ﻟﺤﺪ .وﻟﻠﺤﺎل أﺷﺎر إﻟﻲ ﺑﻀﺮورة أن ﯾﺤﻞ ﺷﺨﺺ آﺧﺮ ﺑﺪﯾﻼً ﻋﻨﻲ ﻻﻏﺘﯿﺎل ﻗﺎﺋﺪ اﻟﻤﯿﻠﯿﺸﯿﺎ .ﻓﺮﻓﻀﺖُ اﻗﺘﺮاﺣﮫ ،ورددتُ ﻋﻠﯿﮫ ﺑﺎﻟﻘﻮل إﻧﻲ ﻣﺆھﻠﺔ أﻛﺜﺮ ﻣﻦ أي ﺷﺨﺺ آﺧﺮ ﻟﻠﻘﯿﺎم ﺑﮭﺬا اﻷﻣﺮ ،ﻧﻈﺮاً ﻟﻠﻈﺮوف اﻟﻤﺤﯿﻄﺔ ﺑﺎﻟﻌﻤﻠﯿﺔ .ﻟﻢ ﺗﻠﻖ ھﺬه اﻟﻔﻜﺮة ﻗﺒﻮﻻً ﻟﺪى أﺣﻤﺪ ،إذ ﻣﻀﻰ ﯾﻘﯿﺲ ﻓﻌﺎﻟﯿﺘﮭﺎ ،ﻏﯿﺮ أﻧﮫ ﻛﺎن ﯾﺸﻚ، ﻓﻲ ﺻﻤﯿﻢ ﻧﻔﺴﮫ ،ﺑﻘﺪراﺗﻲ اﻟﻌﻤﻼﻧﯿﺔ وإزاء إﺻﺮاري ،رﺿﺦ ﻟﻸﻣﺮ ،وﻗﺒﻞ ﺑﺎﻟﻤﻀﻲ ﻓﻲ ﺗﻠﻚ اﻟﻤﺨﺎﻃﺮة .وﻋﻠﯿﮫ ﻓﻘﺪ ﻃﺮﺣﺖ ﻣﺴﺄﻟﺔ اﻟﺴﻼح .ﻋﻨﺪﺋﺬ أﺷﺎر إﻟﻲ ﺑﻀﺮورة اﻻﺗﺼﺎل ﺑﺎﻟﻤﻘﺎوﻣﺔ ﻓﻲ اﻟﺠﻨﻮب ،اﻟﺘﻲ ﯾﺴﻌﮭﺎ أن ﺗﻮﻓﺮ ﻟﻲ اﻟﺴﻼح ،ﻓﺮﻓﻀﺖُ اﻷﻣﺮ .ﻷﻧﻲ اﻋﺘﻘﺪتُ ﺑﺄﻧﻲ ﻣُﻼﺣﻘﺔ أﯾﻨﻤﺎ ﺗﻮﺟﮭﺖ ،ﺣﺘﻰ داﺧﻞ ﺑﯿﺮوت ﺣﯿﺚ ﺑﺎت ﻋﻠﻲ أن أﺳﺘﺨﺪم أﻟﻒ ﺣﯿﻠﺔ وﺣﯿﻠﺔ ﻟﺌﻼ أﻋﺘﻘﻞ. وﻛﻨﺖ ﻛﻠﻤﺎ أردت اﻻﺗﺼﺎل ﺑﺮؤﺳﺎﺋﻲ وﺟﺪت ﻧﻔﺴﻲ ﻣﺮاﻗﺒﺔ ﻋﻦ ﻛﺜﺐ ،وأﯾﻘﻨﺖ ﺑﺄﻧﮫ ﯾﺴﺘﺤﯿﻞ ﻋﻠﻲ أن أﺗﻮارى ﻋﻦ أﻧﻈﺎر ﻣﻼﺋﻜﺘﻲ اﻟﺤﺮاس ،ﻓﺄﻋﻮد وأﻋﺪل ﻋﻦ اﻟﻠﻘﺎء. وﺑﺎﻟﻤﻘﺎﺑﻞ ،أﻟﻔﺖ أن أﻗﺼﺪ ﺷﻘﺔ ﻷﺣﺪ اﻷﺻﺪﻗﺎء ﺣﯿﺚ ﯾﺴﻌﻨﻲ أن أﺑﺪل ﺛﯿﺎﺑﻲ وأﺣﺘﺠﺐ ﻋﻦ اﻟﻌﯿﻮن ﺳﺎﻟﻜﺔ رﺻﯿﻒ اﻟﺸﺎرع ،ﺣﺬراً واﺗﻘﺎءً. وﻟﻤﺎ ﻛﺎن اﻟﻮﻗﺖ ﯾﻀﯿﻖ ﻋﻠﯿﻨﺎ ﺧﻨﺎﻗﮫ ،ﻗﺮرﻧﺎ أن ﻧﻠﺘﻘﻲ ﻓﻲ ﻣﻜﺎن ﻣﻨﻌﺰل ،ﻓﻲ ﻣﻘﮭﻰ ﺣﯿﺚ اﻋﺘﺎد اﻟﻌﺸﺎق ﻋﻠﻰ اﻟﻠﻘﺎء. 100
وﻓﻲ اﻟﯿﻮم اﻟﻤﻮﻋﻮد ،ﺣﻤﻞ ﺻﺪﯾﻘﻲ ﻣﻌﮫ ﻣﺴﺪﺳﺎً ،ﻋﯿﺎر 5ر 5ﻣﻠﯿﻤﺘﺮاً .وﺷﺮح ﻟﻲ ﺑﺎﺧﺘﺼﺎر ﻛﯿﻔﯿﺔ اﺳﺘﺨﺪاﻣﮫ، واﻟﻌﻨﺎﯾﺔ ﺑﺼﻤﺎم اﻷﻣﺎن ﻓﯿﮫ .وﺗﻤﺖ رﺣﻠﺔ ﻋﻮدﺗﻲ ﻣﻦ دون ﻣﺎ ﯾﻌﻜﺮھﺎ .إذ ﺟﻌﻠﺖ أﻟﺼﻖ اﻟﺴﻼح ﺑﺠﻠﺪي، وﻣﺮرتُ ﺑﻜﻞ ﻧﻘﺎط اﻟﺘﻔﺘﯿﺶ ﺑﻄﻤﺄﻧﯿﻨﺔ ﻛﻠﯿﺔ .ﻛﻨﺖ ﺑﺮﻓﻘﺔ ﻋﺼﺎم ،اﻟﺬي ﺻﻮدف وﺟﻮده ﻓﻲ ﺑﯿﺮوت ،وأدرﻛﺖ أﻧﮫ ﺑﻔﻀﻠﮫ وﺑﻔﻀﻞ ﻋﻼﻗﺎﺗﮫ اﻟﻜﺜﯿﺮة ،ﻏُﺾ اﻟﻨﻈﺮ ﻋﻨﻲ ﻓﻠﻢ أُﻓﺘﺶ .وﻣﺎ أن ﺑﻠﻐﺖ اﻟﻘﺮﯾﺔ ﺣﺘﻰ وارﯾﺖ اﻟﻤﺴﺪس ﺗﺤﺖ ﺷﺮﺷﻔﻲ .ﺛﻢ ﻧﻘﻠﺘﮫ اﻟﻰ داﺧﻞ ﺟﮭﺎز ﻟﻠﺘﻠﻔﺰﯾﻮن ﻣﺘﺮﺑﻊ ﻓﻲ ﻏﺮﻓﺘﻲ. وﻟﻢ ﯾﻤﺾ زﻣﻦ ﺣﺘﻰ أُﺧﺬ دوري ﻛﻤﻌﻠﻤﺔ ﻟﻠﺘﻤﺎرﯾﻦ اﻟﺮﯾﺎﺿﯿﺔ اﻟﺤﯿﻮﯾﺔ ﻋﻠﻰ ﻣﺤﻤﻞ اﻟﺠﺪ .وﺻﺮتُ ،ﺷﯿﺌﺎً ﻓﺸﯿﺌﺎً ،ﻣﻘﺮﺑﺔ ﻣﻦ ﻣﯿﻨﺮﻓﺎ .وﻛﺎﻧﺖ ھﺬه اﻷﺧﯿﺮة ﺗﻌﺸﻖ اﻟﺜﯿﺎب ،ذات اﻟﻄﺎﺑﻊ اﻷﻧﺜﻮي ،واﻟﺘﻲ ﻛﺎﻧﺖ ﺗﺠﮭﺰھﺎ ﻟﻲ أﻣﻲ .وﺻﺮت أﻟﺒﺴﮭﺎ أﻛﺜﺮ ﻣﻦ أي وﻗﺖ ﻣﻀﻰ .ﺣﺘﻰ أﻧﮭﺎ ﺳﺄﻟﺘﻨﻲ إذا ﻛﺎﻧﺖ اﻟﺨﯿﺎﻃﺔ اﻟﺘﻲ ﻛﺎﻧﺖ ﺗﺤﯿﻂ ﻟﻲ اﻟﺜﯿﺎب ﺗﻘﺒﻞ ﺑﺈﻋﺪاد اﻟﺜﯿﺎب ﻟﮭﺎ .ﻓﺄﻓﻠﺤﺖ ،ھﺬه اﻟﻤﺮة ،ﺑﺎﻟﺘﻤﻠﺺ ﻣﻦ اﻹﺟﺎﺑﺔ .ﻓﻀﻼً ﻋﻦ ذﻟﻚ ،ﻓﻘﺪ ﻻﻗﺖ دروس اﻟﺮﯾﺎﺿﺔ اﻟﺘﻲ ﺑﺎﺷﺮﻧﺎ ﻓﯿﮭﺎ رواﺟﺎً ﻇﺎھﺮاً ،وﺑﻠﻎ اﻟﺤﻤﺎس ﺑﺰوﺟﺔ ﻗﺎﺋﺪ اﻟﻤﯿﻠﯿﺸﯿﺎ أن اﻗﺘﺮﺣﺖ ،ذات ﯾﻮم ،إﺟﺮاء ﺳﺒﺎق ﻣﻊ زﻣﯿﻼﺗﻨﺎ اﻟﻤﺪرﺑﺎت اﻹﺳﺮاﺋﯿﻠﯿﺎت .ﻓﺠﺮى اﻟﺴﺒﺎق وﺗﻨﺎﻗﻠﺖ أﺧﺒﺎره وﺳﺎﺋﻞ اﻹﻋﻼم ﻟﺪﯾﮭﻦ .وھﻜﺬا ،وﺟﺪﺗﻨﻲ ﻓﻲ ﻣﻨﺰﻟﮭﺎ ،ﻟﺪى ﻣﻨﺎﺳﺒﺎت ﻋﺪﯾﺪة ،إﻣﺎ ﻟﺤﻤﻞ ﺷﺮاﺋﻂ اﻟﻔﯿﺪﯾﻮ إﻟﯿﮭﺎ ،أو ﻟﺤﻞ ﺑﻌﺾ اﻟﻤﺴﺎﺋﻞ اﻟﻤﺮﺗﺒﻄﺔ ﺑﺎﻟﺪروس .وﺣﯿﻦ ﺗﻜﻮن ﻣﻨﺸﻐﻠﺔ أو ﺿﺠﺮة ،ﯾﺤﺪث ﻟﻲ أن أﻟﻌﺐ ﻣﻊ إﺑﻨﮭﺎ اﻟﻔﺘﻰ ،اﻟﺬي ﺳﺮﻋﺎن ﻣﺎ ﻛﺴﺒﺖ وده.
101
وﻛﻨﺖُ ﻛﻠﻤﺎ ﻣﻀﯿﺖُ ﻓﻲ ﺣﺒﻚ ﻣﻐﺎﻣﺮﺗﻲ ،ﺗﻤﻠﻜﻨﻲ اﻟﺸﻌﻮر ﺑﺄن ﻛﻞ أﻧﻮاع اﻟﻤﺨﺎﻃﺮ أﺧﺬت ﺗﻀﯿﻖ ﻋﻠﻲ اﻟﺨﻨﺎق .ﻓﻔﻲ ﺑﯿﺮوت ،رأﯾﺖ أﺻﺪﻗﺎﺋﻲ اﻟﺬﯾﻦ ﯾﻌﺮﻓﻮن أﻧﻲ أﻗﻤﺖُ ﻓﻲ اﻟﺠﻨﻮب إﻗﺎﻣﺔ داﺋﻤﺔ ،وﻗﺪ أﺧﺬوا ﯾﻨﻈﺮون إﻟﻲ ﻧﻈﺮة ﻣﻠﺆھﺎ اﻻﻧﺰﻋﺎج .ﻟﮭﻮ أﻣﺮ ﻣﺜﯿﺮ ﻟﻠﺮﯾﺒﺔ ،أن ﺗﻈﻞ ﻓﺘﺎة ﻣﺴﯿﺤﯿﺔ ﺗﻘﻮم ﺑﺮﺣﻼت ﻣﻜﻮﻛﯿﺔ ﺑﯿﻦ ﺑﯿﺮوت واﻟﻤﻨﻄﻘﺔ اﻟﻤﺤﺘﻠﺔ .ﺣﺘﻰ أن أﺣﺪ ﺷﺮاﺋﻂ اﻟﻔﯿﺪﯾﻮ ،ﺣﯿﺚ أﻇﮭﺮُ راﻗﺼﺔً ﻓﻲ ﺣﻀﺮة إﺳﺮاﺋﯿﻠﯿﯿﻦ وأﻓﺮاد ﻣﻦ اﻟﻤﯿﻠﯿﺸﯿﺎ ،راح ﯾﺪور ﻋﻠﻰ ﻛﺜﯿﺮﯾﻦ ﻣﻦ ﻣﻌﺎرﻓﻲ ،ﻓﻲ ﻣﺪﯾﻨﺔ ﺣﺎﺻﺒﯿﺎ .ﻻ ﯾﺨﻔﻰ ﺷﻲء ﻋﻠﻰ أﺣﺪ ﻓﻲ ﻟﺒﻨﺎن .وﻟﻤﺎ ﻛﺎن ھﺆﻻء ﻻ ﯾﺮﯾﺪون أن أﺻﯿﺮ ﻣﺘﻌﺎوﻧﺔ ﻣﻊ اﻹﺳﺮاﺋﯿﻠﯿﯿﻦ أو ﺟﺎﺳﻮﺳﺔ، أرﺳﻠﻮا أﺣﺪھﻢ ﻟﯿﺮاﻧﻲ ﻣﺤﺎوﻻً ﺣﻤﺎﯾﺘﻲ ﻣﻤﻦ ﯾﺤﯿﻄﻮن ﺑﻲ. وﺟﻌﻞ ﯾﺤﺬرﻧﻲ ﻓﻲ ﻛﻼم ﻋﺎم ،ﻛﺜﯿﺮ اﻟﻌﻤﻮﻣﯿﺔ ،ﻣﻦ اﻟﺴﮭﻮﻟﺔ اﻟﺘﻲ ﯾﻨﺠﺮ ﻓﯿﮭﺎ اﻟﻤﺮء وراء اﻟﻤﺎل ،ﻣﻤﺎ ﯾﻤﯿﺰ اﻟﻤﻨﻄﻘﺔ اﻟﻤﺤﺘﻠﺔ .أﻣﺎ أﻗﺮﺑﺎﺋﻲ اﻵﺧﺮون ،ﻓﻜﺎﻧﻮا ﯾﻈﻨﻮن أﻧﻲ ﺑﺖُ أﻋﯿﺶ ﻓﻲ ﺑﯿﺮوت اﻟﺸﺮﻗﯿﺔ ،ﻻﻗﺘﻨﺎﻋﮭﻢ ﺑﻤﺎ راﺣﺖ ﺗﺸﯿﻌﮫ أﻣﻲ ﻋﯿﻦ ،ﺗﺠﻨﯿﺒﺎً ﻟﻲ ﻣﻦ ﺷﺮور اﻟﺴﻤﻌﺔ اﻟﺴﯿﺌﺔ. وھﺬه ﺣﺎل اﺑﻦ ﻋﻤﻲ "إﻣﯿﻞ" ،اﻟﺬي أﺧﺬ ﯾﺤﻀﻨﻲ ﺑﺠﺪﯾﺔ ﻻﻓﺘﺔ ﻋﻠﻰ ﻋﺪم اﻟﺘﺮدد اﻟﻰ اﻟﻜﺘﺎﺋﺒﯿﯿﻦ ،اﻟﻤﺘﺤﺎﻟﻔﯿﻦ ﻣﻊ إﺳﺮاﺋﯿﻞ ،ﻻ ﻟﺸﻲء إﻻ وﻓﺎءً ﻟﺬﻛﺮي ﻗﺮﯾﺒﺘﻨﺎ "ﻟﻮﻻ". ﻓﺮﺣﺖُ أﻃﻤﺌﻨﮫ ﺑﺄن ﻟﯿﺲ ﻓﻲ ﻧﻔﺴﻲ أي ﻧﯿﺔ ﻣﻦ ھﺬا اﻟﻘﺒﯿﻞ ﻋﻠﻰ اﻹﻃﻼق. واھﺘﻤﺖ ﺣﺮﻛﺔ "أﻣﻞ" ﻷﻣﺮي ،أﯾﻀﺎً ،ﺣﺘﻰ أﻧﮭﺎ أﺑﻠﻐﺘﻨﻲ رﺳﺎﻟﺔ ﻣﺆداھﺎ ﻣﻨﻌﻲ ﻣﻦ اﻟﺪﺧﻮل اﻟﻰ اﻟﺤﻲ اﻟﺬي ﯾﻘﯿﻢ ﻓﯿﮫ ﻧﺒﯿﮫ ﺑﺮي .وﻓﻲ اﻟﻨﺒﻄﯿﺔ ،أﻣﻜﻨﻨﻲ اﻟﺘﻤﻠﺺ ﻣﻦ ﻗﺒﻀﺔ أﻓﺮاد ﻣﻦ اﻟﺤﺮﻛﺔ أﻣﺮوا ﺑﺎﻟﺴﻌﻲ وراﺋﻲ ،ﺑﻔﺎرق ﻣﻦ اﻟﺰﻣﻦ ﺿﺌﯿﻞ .ﺛﻢ إن اﻻﺳﺘﺠﻮاﺑﺎت اﻟﺘﻲ ﺻﺮتُ ﻣﻮﺿﻮﻋﺎً ﻟﮭﺎ 102
ﻓﻲ اﻟﻤﻨﻄﻘﺔ اﻟﻤﺤﺘﻠﺔ ،أﺧﺬت ﺗﻄﻮل وﺗﺘﺴﻊ .وﻓﻲ ﻣﺮﺟﻌﯿﻮن ،راح أﻧﻄﻮان ﻟﺤﺪ وﻣﺤﯿﻄﮫ ﯾﻄﺮﺣﺎن أﺳﺌﻠﺔ ﻣﺘﺰاﯾﺪة ﻋﻨﻲ ،وﻻ ﺳﯿﻤﺎ ﻓﯿﻤﺎ ﺧﺺ ذھﺎﺑﻲ اﻟﻰ دﯾﺮ ﻣﯿﻤﺎس وﺟﯿﺌﺘﻲ ﻣﻨﮭﺎ ،وﺗﺮددي اﻟﻰ ﺑﯿﺖ ﻋﺼﺎم .وھﮭﻨﺎ، ﻻ ﺑﺪ أن أﺷﯿﺮ اﻟﻰ اﻻﺳﺘﺠﻮاب اﻟﺴﺮي اﻟﺬي ﺟﺮى ﻟﻲ، إﺛﺮ رﺣﻠﺔ ﻗﻤﺖ ﺑﮭﺎ اﻟﻰ ﺣﺎﺻﺒﯿﺎ ،ﻋﻠﻰ ﯾﺪ أﻋﻀﺎء ﻓﻲ اﻷﻣﻦ اﻟﻤﺤﻠﻲ .وﻛﻨﺖ ﻣﺰﻣﻌﺔً ﻋﻠﻰ اﻟﺬھﺎب ﺑﺮﻓﻘﺔ ﻣﯿﻨﺮﻓﺎ ﻟﻨﺸﺘﺮي آﻻت اﻟﺠﻮق اﻟﺼﻮﺗﯿﺔ ﻷﺟﻞ دروﺳﻲ ،ﻏﯿﺮ أن اﻷﯾﺪي اﻟﻐﻠﯿﻈﺔ اﻧﺘﮭﺖ اﻟﻰ ﻣﺮاﻓﻘﺘﻲ ﻓﻲ ﻣﺸﻮاري .وﺧﻼل اﻟﻄﺮﯾﻖ راح ھﺆﻻء ﯾﺴﺘﺠﻮﺑﻮﻧﻨﻲ ﺣﻮل ﻋﺎﺋﻠﺘﻲ وأﻓﻜﺎري. وﻟﻤﺎ ﻛﻨﺖُ ﻣﺪرﺑﺔ ﻋﻠﻰ ھﺬا اﻟﻨﻮع ﻣﻦ اﻻﺳﺘﺠﻮاب ،ﺑﺪوت ذﻟﻘﺔ اﻟﻠﺴﺎن ،ﻓﺄوﺣﯿﺖ إﻟﯿﮭﻢ ﺑﺄن ﻟﯿﺲ ﻟﺪي أي ﺷﻲء أﺧﻔﯿﮫ. ﻓﺨﺮﺟﺖُ ﺑﺎﻧﻄﺒﺎع ﻣﻔﺎده أن اﻃﻮان ﻟﺤﺪ ﻟﻢ ﯾﻜﻦ ﻣﻦ اﻟﺴﺬاﺟﺔ ﺑﺤﯿﺚ ﯾﺼﺪر اﻟﺪور اﻟﺬي أؤدﯾﮫ ﻛﻤﻌﻠﻤﺔ ﻟﻠﺘﻤﺎرﯾﻦ اﻟﺮﯾﺎﺿﯿﺔ اﻟﺤﯿﻮﯾﺔ .إﻧﻤﺎ اﻋﺘﺒﺮﻧﻲ ،ﺑﻼ ﺷﻚ، ﺟﺎﺳﻮﺳﺔ ﺻﻐﯿﺮة ﻣﻜﻠﻔﺔ ﺑﺠﻤﻊ أﻛﺒﺮ ﻗﺪر ﻣﻤﻜﻦ ﻣﻦ اﻟﺘﻔﺎﺻﯿﻞ ﻋﻨﮫ ،وﻟﮭﺬا أﺧﻄﺮ رﺟﺎﻟﮫ اﻟﻤﻘﺮﺑﯿﻦ ﺑﺸﺄﻧﻲ ﻟﺘﺸﺪﯾﺪ اﻟﻤﺮاﻗﺒﺔ ﻋﻠﻲ .ﻣﻊ ذﻟﻚ ،ﻟﻢ ﯾﺨﻄﺮ ﻓﻲ ذھﻨﻲ أﻧﻲ أرﻗﻰ ﻓﻲ ﻧﻈﺮه اﻟﻰ درﺟﺔ اﻟﻤﻨﺎﺿﻠﺔ اﻟﺘﻲ ﻻ ﺗﺴﺘﮭﯿﻦ ﺑﺸﻲء ﻓﻲ ﺳﺒﯿﻞ اﻟﻘﻀﯿﺔ .وﻛﺎن ﻣﻦ ﺣﻈﻲ أﯾﻀﺎً ،أن أﻋﺰف ﻋﻠﻰ وﺗﺮ اﻟﻤﻨﺎﻓﺴﺔ ﺑﯿﻦ ﺟﮭﺎز اﻟﻤﺨﺎﺑﺮات اﻟﺘﺎﺑﻊ ﻟﻤﺮﻛﺰ ﺣﺎﺻﺒﯿﺎ ،وﺑﯿﻦ اﻟﻤﺴﺆوﻟﯿﻦ اﻟﻌﺴﻜﺮﯾﯿﻦ ﻟﺠﯿﺶ ﻟﺒﻨﺎن اﻟﺠﻨﻮﺑﻲ ﻓﻲ ﻣﺮﺟﻌﯿﻮن ،ﻟﻌﻠﻤﻲ أن أﻓﺮاد ﻣﺨﺎﺑﺮات ﺣﺎﺻﺒﯿﺎ ﻣﻌﻈﻤﮭﻢ ﻣﻦ اﻟﺪروز واﻟﺸﯿﻌﺔ ،ﻓﻲ أن اﻵﺧﺮﯾﻦ ﻣﺴﯿﺤﯿﻮن .وﻣﻤﺎ ﻻ ﺷﻚ ﻓﯿﮫ أن ﺟﻤﺎﻋﺔ ﺣﺎﺻﺒﯿﺎ ،اﻟﺘﻲ
103
ﺗﻤﻠﻚ ﻋﻨﻲ ﻣﻌﻠﻮﻣﺎت واﻓﯿﺔ ،ﺑﺪت أﻛﺜﺮ ﻣﯿﻼً اﻟﻰ اﻻﺗﯿﺎب ﺑﻲ ،أﻛﺜﺮ ﻣﻦ ﺟﻤﺎﻋﺔ ﻣﺮﺟﻌﯿﻮن. وﻣﻨﺬ أن ﺳُﻠﻤﺖُ اﻟﻤﺴﺪس ،ﻗﺮرت أن أﺑﻘﯿﮫ ﻓﻲ ﺣﻮزﺗﻲ، ﻛﻠﻤﺎ ﺷﺌﺖُ اﻟﺪﺧﻮل اﻟﻰ ﺑﯿﺖ ﻟﺤﺪ .وﻛﺎﻧﺖ اﻟﻤﺨﺎﻃﺮة ﻛﺒﯿﺮة ﻟﻠﻐﺎﯾﺔ ،ﺣﺘﻰ أﻧﻨﻲ ﺑﺖ ﺗﺤﺖ رﺣﻤﺔ أﺣﺪ أﻋﻀﺎء اﻟﺤﺮس اﻟﺸﺨﺼﻲ ﻟﻘﺎﺋﺪ ﺟﯿﺶ ﻟﺒﻨﺎن اﻟﺠﻨﻮﺑﻲ ،واﻟﺬي ﺑﺪا أﻛﺜﺮ ﻓﻄﻨﺔً ﻣﻦ زﻣﻼﺋﮫ ،ﻓﺎرﺗﺄى أن ﯾﻔﺘﺸﻨﻲ .ﻣﺮة ،اﺛﻨﺘﯿﻦ، أﻣﻜﻨﻨﻲ اﻟﺪﺧﻮل اﻟﻰ ﻣﻨﺰل ﻟﺤﺪ وﻓﻲ ﺣﻮزﺗﻲ اﻟﻤﺴﺪس اﻟﻤﺨﺒﺄ ﻓﻲ ﺣﻘﯿﺒﺘﻲ. ذات ﯾﻮم ،ﺣﺪث ﻣﺎ ﻻ ﯾﻌﻘﻞ. ﻓﺒﯿﻨﻤﺎ ﻛﻨﺖ أﺗﺤﺪث ﻣﻊ ﻣﯿﻨﺮﻓﺎ ،إذ ﺑﺰوﺟﮭﺎ ﯾﺪﺧﻞ اﻟﻰ اﻟﻤﻨﺰل ،ﻓﻮاﻓﺎﻧﺎ وﺗﺒﺎدﻟﻨﺎ ﺑﻌﺾ اﻟﻜﻠﻤﺎت ﺣﻮل اﻟﺪروس. واﻗﺘﺮﺣﺖ ﻋﻠﯿﮫ اﻣﺮأﺗﮫ أن ﯾﺘﻨﺎول ﺷﯿﺌﺎً .وﻟﻤﺎ ﻛﺎن اﻟﺠﻮع ھﺪه ،ﻗﺒﻞ ﻋﻦ ﻃﯿﺐ ﺧﺎﻃﺮه. ﻟﻠﺤﺎل ،اﻋﺘﺬرت ﻣﯿﻨﺮﻓﺎ ﻣﻨﻲ ،ﻓﺘﺮﻛﺘﻨﻲ وﺣﺪي ﺑﺮﻓﻘﺔ زوﺟﮭﺎ .واﺻﻠﻨﺎ أﺣﺎدﯾﺜﻨﺎ ،اﻟﻰ أن أﺗﺖ ﺑﺎﻟﻄﻌﺎم ،ﺛﻢ ﻏﺎﺑﺖ ﻋﻨﺎ ،ﻣﻦ ﺟﺪﯾﺪ .أدار ﻟﻲ ﻗﺎﺋﺪ اﻟﻤﯿﻠﯿﺸﯿﺎ ﻇﮭﺮه وأﺧﺬ ﯾﻠﺘﮭﻢ ﻃﻌﺎﻣﮫ .ﺗﻮﻻﻧﻲ اﻟﺬھﻮل ،واﺣﺘﺮتُ ﻓﻲ أﻣﺮي .اﻟﻔﺮﺻﺔ ﺳﺎﻧﺤﺔ وﻣﺜﺎﻟﯿﺔ .ﻓﻲ ﺣﻮزﺗﻲ ﺳﻼح ،وھﻮ ﯾﺪﯾﺮ ﻟﻲ ﻇﮭﺮه. أدﺧﻠﺖ ﯾﺪي ﻓﻲ اﻟﻤﺤﻔﻈﺔ اﻟﺘﻲ أﺣﻤﻠﮭﺎ اﻟﻰ ﺟﺎﻧﺒﻲ وأﺧﺮﺟﺖُ ..ﻣﻨﺪﯾﻼً .ﺗﺤﺴﺴﺖُ ﺣﺠﻢ اﻟﻤﺴﺪس اﻟﺜﻘﯿﻞ ﻟﺼﻖ ﺧﺎﺻﺮﺗﻲ ،ﻏﯿﺮ أﻧﻲ أﻟﻔﯿﺘﻨﻲ ﻋﺎﺟﺰة ﻋﻦ اﻟﺘﻤﺎﺳﻚ .ﻟﯿﺲ ھﻜﺬا ،ﻟﯿﺲ وھﻮ ﯾﺘﻨﺎول اﻟﻄﻌﺎم ،أﯾﺎً ﯾﻜﻦ ،ﻟﯿﺲ ﻣﻦ اﻟﺨﻠﻒ ،ﻣﻦ اﻟﻈﮭﺮ. 104
وﻛﻨﺖ ﻋﺎﺟﺰة ﻋﻦ ﻗﺘﻞ ﻋﺪوي ﻓﻲ ﻇﺮوف ﻣﻤﺎﺛﻠﺔ. وﻓﻲ ﻟﺤﻈﺎت ،ﻏﺎدرتُ اﻟﻤﻨﺰل واﻻرﺗﺒﺎك ﯾﮭﺰ ﻛﯿﺎﻧﻲ ،ﺑﻌﺪ أن اﺳﺘﺄذﻧﺖ ﺿﯿﻔﻲ اﻟﺬي ﺑﺪا أﻧﮫ ﻟﻢ ﯾﺸﻚ ﻓﻲ ﺷﻲء .وﻋﻠﻰ اﻟﺮﻏﻢ ﻣﻦ أﻧﻲ ﺑﻘﯿﺖ ﻋﺎزﻣﺔً ﻋﻠﻰ إﺗﻤﺎم ﻋﻤﻠﻲ ،ﻓﻘﺪ ﺗﺒﯿﻦ ﻟﻲ ،وﻟﻠﻤﺮة اﻷوﻟﻰ ،ﻣﻘﺪار اﻟﺼﻌﻮﺑﺔ ﻓﻲ ھﺬه اﻟﻤﮭﻤﺔ .إذ ﯾﻘﺘﻀﻲ اﻻﻏﺘﯿﺎل ،أﯾﺎً ﺗﻜﻦ ﺷﺮﻋﯿﺘﮫ ﻓﻲ ﻧﻈﺮي ،ﺟﺮأة ﻋﻠﻰ ﺗﺠﺎوز ﻧﻔﺴﻲ .وﻓﻲ ھﺬا اﻟﺼﯿﻒ ﻣﻦ اﻟﻌﺎم ،1988 وﺑﻌﺪ ﺛﻼﺛﺔ ﻋﺸﺮة ﻋﺎﻣﺎً ﻋﻠﻰ اﻧﺪﻻع اﻟﺤﺮب اﻷھﻠﯿﺔ، واﻟﻔﻈﺎﺋﻊ ﻣﻦ ﻛﻞ اﻷﻧﻮاع اﻟﺘﻲ ارﺗﻜﺒﺖ ﻓﯿﮭﺎ ،أدرﻛﺖُ آﺧﺮ اﻟﻤﻄﺎف أﻧﻨﻲ ﻣﺎ زﻟﺖُ أﻧﻔﺮ ﻣﻦ اﻟﻠﺠﻮء اﻟﻰ اﻟﻘﻮة واﻟﻔﻈﺎﻇﺔ ،ﻣﺎ دﻣﺖُ آﻧﻒ ﻣﻦ رؤﯾﺔ ﻣﺸﺎھﺪ اﻟﻌﻨﻒ ﻋﻠﻰ ﺷﺎﺷﺔ اﻟﺘﻠﻔﺰﯾﻮن .وﺣﺘﻰ ﻟﻮ ﻛﺎن ﻣﺎ أراه ﻣﺤﺾ اﺧﺘﻼق وﺗﺨﯿﻞ ،ﺷﺄن ﻋﻤﻠﯿﺎت ﺗﻔﺠﯿﺮ اﻟﺴﯿﺎرات ،ﻓﺈﻧﮫ ﺳﺮﻋﺎن ﻣﺎ ﯾﺬﻛﺮﻧﻲ ﺑﺎﻟﺠﺮﺣﻰ اﻟﺬﯾﻦ اھﺘﻤﻤﺖ ﺑﮭﻢ ،وﺑﺼﻮر اﻟﻘﺘﻰ اﻟﺬﯾﻦ ﻟﻢ ﺗُﻘﺲ أﻃﯿﺎﻓﮭﻢ ﻃﺒﺎﻋﻲ وﻻ ﻣﺸﺎﻋﺮي. ﻓﺎﺗﻀﺢ ﻟﻲ ﻓﻲ اﻟﻠﺤﻈﺔ اﻟﺤﺎﺿﺮة ،ﺿﺮورة أن أﺗﺠﺎوز ھﺬا اﻟﻨﻔﻮر. ﻓﻲ أﯾﻠﻮل/ﺳﺒﺘﻤﺒﺮ ،ﻗﺼﺪت واﻟﺪﺗﻲ دﯾﺮ ﻣﯿﻤﺎس ﻟﺘﺤﻀﯿﺮ ﻣﻮﻧﺔ اﻟﺸﺘﺎء ،ﻋﻠﻰ ﺟﺎري ﻋﺎدﺗﮭﺎ ﻛﻞ ﺳﻨﺔ .وﻛﻨﺖ ﺗﻨﻮي اﻹﻗﺎﻣﺔ ﻓﯿﮭﺎ ﻷﺳﺎﺑﯿﻊ ﻣﻌﺪودة .واﻟﺤﺎل أن واﻟﺪﺗﻲ ﻣﺎ ﻛﺎﻧﺖ ﻟﺘﻌﻠﻢ أﻧﮭﺎ ﺗﻘﻮم ﯾﺰﯾﺎرﺗﮭﺎ اﻷﺧﯿﺮة اﻟﻰ دﯾﺮ ﻣﯿﻤﺎس .وﻓﻲ ﺑﯿﺮوت ﺟﻌﻞ ﻋﻤﻲ "ﻧﺎﯾﻒ" ﯾﺤﺬر أﻣﻲ ﻣﻦ أﻣﺮ ﻣﺎ .ﻓﻤﻦ ﺧﻼل ﺧﺒﺮﺗﮫ اﻟﺸﺨﺼﯿﺔ ﻓﻲ اﻟﺤﺰب اﻟﺸﯿﻮﻋﻲ اﻟﺬي اﻧﻔﺼﻞ ﻋﻨﮫ ،أﻧﺒﺄھﺎ ﺑﺄﻧﮫ ﯾﺸﺘﻢﱡ ﺷﯿﺌﺎً ﻣﺎ .وﻛﺎن ﻋﻠﻰ ﯾﻘﯿﻦ
105
ﺑﺄﻧﻲ ﻓﻲ اﻟﺠﻨﻮب ﺑﻤﮭﻤﺔ ﻣﻌﯿﻨﺔ .ﻓﺄﺧﻄﺮ ﻛﻨﺘﮫ ﺑﻀﺮورة أﻻ أﻣﺮّ ﺑﺪﯾﺮ ﻣﯿﻤﺎس وﻻ ﺑﻤﺮﺟﻌﯿﻮن. ﻏﯿﺮ أن ھﺬه اﻟﻤﺨﺎوف ﺳﺮﻋﺎن ﻣﺎ ﺗﺒﺪدت ﻓﻲ ذھﻨﮭﺎ .إذ رأت اﻟﻨﺎس ﺟﻤﯿﻌﮭﻢ ،أو ﯾﻜﺎد ،ﯾﻜﯿﻠﻮن اﻟﻤﺪﯾﺢ ﺗﻠﻮ اﻵﺧﺮ ﻻﺑﻨﺘﮭﺎ .ﻓﺠﻌﻠﻮا ﯾﻜﺒﺮون ﻓﻲّ ﻋﻔﻮﯾﺘﻲ ،وﺣﯿﻮﯾﺘﻲ ودﻣﺎﺛﺔ ﺧﻠﻘﻲ .ﻓﺴﺮت واﻟﺪﺗﻲ ﺑﺎﻹﻃﺮاء .اﻟﻰ ذﻟﻚ ،ﻓﻘﺪ ﻛﺎن ﻣﻦ ﺧﯿﺮ اﻟﺼﺪف أن ﯾﺤﻀﺮ ﻋﺎﺷﻘﻲ اﻟﺰﻋﻮم اﻟﻰ ﻣﻨﺰﻟﻨﺎ .وإذا ﺑﺎﻟﺸﺎب ،ذي اﻟﺨﻄﻮ اﻟﻮاﺛﻖ ،ﯾﺮﺟﻮﻧﻲ أن أﻗﺒﻞ دﻋﻮﺗﮫ ﻟﺤﻀﻮر أﺣﺪ اﻷﻋﯿﺎد؛ ﺣﺘﻰ ﻟﻜﺄن ﻓﺼﻮﻻً ﻣﻦ رواﯾﺔ ﻏﺮاﻣﯿﺔ ﻛﺎﻧﺖ ﺗﺠﺮي ﺗﺤﺖ ﺑﺼﺮ واﻟﺪﺗﻲ وﻓﻲ ﺣﻀﻮرھﺎ. ﻓﻀﻼً ﻋﻦ ذﻟﻚ ،ﻓﻘﺪ ﺧﻄﺖ ﻟﻲ رﺳﺎﻟﺔ ،ﺣﺪدت ﻟﻲ ﻓﮭﯿﺎ ﻣﻮﻋﺎً ﻟﻘﻄﺎف اﻟﺰﯾﺘﻮن ،ﻓﻲ ﻣﺪى اﯾﺎم ﻗﻠﯿﻠﺔ! وﺑﻌﺪ أن اﻃﻤﺄﻧﻨﺖُ اﻟﻰ ھﺬه اﻟﻨﺎﺣﯿﺔ ،ﺳﺎرﻋﺖُ اﻟﻰ ﺑﯿﺮوت ﻷﻻﻗﻲ أﺣﻤﺪ ﺛﺎﻧﯿﺔ .وﻛﻨﺖ أﺷَﻌْﺖُ ﻓﻲ اﻟﻤﻨﻄﻘﺔ اﻟﻤﺤﺘﻠﺔ، أﻧﻲ ﻣﺎﺿﯿﺔ اﻟﻰ ﺑﯿﺮوت ﻹﺟﺮاء اﻣﺘﺤﺎﻧﺎﺗﻲ اﻟﺘﻲ ﯾﻨﺒﻐﻲ أن ﺗﺤﺼﻞ ﻓﻲ اﻟﻤﺪة اﻟﺘﻲ ﺣﺪدﺗﮭﺎ .وﺣﺎﻟﻤﺎ ﺑﻠﻐﺖُ ﻣﻜﺘﺐ أﺣﻤﺪ ﻓﻲ ﺻﯿﺪا ،ﺑﺎﺷﺮت ﺑﻘﺮاءة ﻣﻘﺮراﺗﻲ رﯾﺜﻨﻤﺎ ﯾﻔﺮغ ﻣﻦ اﻧﺸﻐﺎﻟﮫ .ﻓﺄﺻﺎﺑﮫ اﻟﺬھﻮل اھﺘﻤﺎﻣﻲ ﺑﺪروﺳﻲ ﻋﻠﻰ ھﺬا اﻟﻨﺤﻮ .ﻓﻘﺪ ﺑﺪا ﻟﮫ اﻧﺼﺮاﻓﻲ اﻟﻰ ﻣﺮاﺟﻌﺔ دروﺳﻲ اﻟﺘﻲ ﻟﻢ ﯾﺘﺴﻦ ﻟﻲ اﻻﻃﻼع ﻋﻠﯿﮭﺎ ،ﻗﺒﻞ أﯾﺎم ﻗﻠﯿﻠﺔ ﻣﻦ اﻟﻌﻤﻠﯿﺔ اﻟﻤﺰﻣﻊ ﺗﻨﻔﯿﺬھﺎ ،ﺑﺪا ﻟﮫ ھﺬا اﻟﺘﺼﺮف ﻏﺎﯾﺔ ﻓﻲ اﻟﻌﺒﺚ. وﻣﻦ ﺟﺪﯾﺪ رأﯾﺘﮫ ﯾﻄﺮح اﻟﺴﺆال ﻧﻔﺴﮫ ﻋﻠﻲ :أﺗﺮاﻧﻲ اﻷﻛﺜﺮ أھﻠﯿﺔً ،ﻣﻦ اﻟﻨﺎﺣﯿﺔ اﻟﻨﻔﺴﺎﻧﯿﺔ ،ﻟﻠﻘﯿﺎم ﺑﮭﺬا اﻟﻌﻤﻞ؟ ﻓﺄﺟﺒﺖُ ،ﺑﺎﻹﺻﺮار ﻋﯿﻨﮫ ،ﺑﺄﻧﻲ ﻗﺎدرة ﻋﻠﻰ ذﻟﻚ ،وﻋﺎزﻣﺔ ﻋﻠﯿﮫ .ﻓﻜﺎن ﻟﻤﺮاﻓﻌﺘﻲ ھﺬه أن ﺗﻨﺘﮭﻲ اﻟﻰ ﻣﺎ ﺗﻤﻨﯿﺖُ ،أي 106
اﻟﻨﺠﺎح .وإذا اﺳﺘﺒﻌﺪﻧﺎ اﻟﺤﻞ اﻟﻤﺘﻤﺜﻞ ﻓﻲ ﻋﺒﻮة ﻧﺎﺳﻔﺔ، أﺷﺮﻧﺎ اﻟﻰ ﻓﺮﺿﯿﺔ اﻟﺮﺻﺎﺻﺎت اﻟﻤﺴﻤﻮﻣﺔ ﺣﺮﺻﺎً ﻣﻨﺎ ﻋﻠﻰ اﻟﻤﺰﯾﺪ ﻣﻦ ﻓﺮص إﺻﺎﺑﺔ ﻗﺎﺋﺪ اﻟﻤﯿﻠﯿﺸﯿﺎ وإﯾﺬاﺋﮫ. وﻛﺎن أﺣﻤﺪ ﯾﻌﺮف ،ﻋﻠﻰ أي ﺣﺎل ،ﻣﺪى ﻧﻔﻮري ﻣﻦ اﻟﻌﻨﻒ .وﺧﻄﺮ ﻟﮫ أن اﺳﺘﺨﺪام اﻟﻤﺴﺪس ﻣﻦ اﻟﻌﯿﺎر 5ر5 ﻣﻠﯿﻤﺘﺮاً ذي اﻟﻤﻔﺎﻋﯿﻞ اﻟﻤﺪﻣﺮة ،ﻟﯿﺲ ﺑﺎﻷﻣﺮ اﻟﻌﻤﻠﻲ. وﺑﺎﻟﻤﻘﺎﺑﻞ ،ﻓﺈن ﻣﺴﺪﺳﺎً ﻣﻦ اﻟﻌﯿﺎر اﻟﺼﻐﯿﺮ ﯾﺴﻌﮫ أن ﯾﻘﻮم ﻣﻘﺎﻣﮫ. وﻣﺎ أن اﺗﺨﺬﻧﺎ ﻗﺮارﻧﺎ ﺣﺘﻰ ﻣﻀﯿﻨﺎ اﻟﻰ أرض ﺑﻮر، ﻣﻌﺰوﻟﯿﻦ ﻋﻦ اﻟﻨﺎس ،ﻟﻠﻘﯿﺎم ﺑﺒﻌﺾ اﻟﺘﺪرﯾﺒﺎت ﻋﻠﻰ اﻟﺮﻣﺎﯾﺔ .وﻛﻨﺎ ﻧﻌﻠﻢ أﻧﮫ ﯾﻨﺒﻐﻲ ﻟﻨﺎ ﺗﻨﻔﯿﺬ ﻣﺨﻄﻄﻨﺎ ﻋﻠﻰ وﺟﮫ اﻟﺴﺮﻋﺔ ،ذﻟﻚ أﻧﻨﺎ ﺑﺘﻨﺎ ﻓﻲ ﺳﺒﺎق ﻣﻊ اﻟﺰﻣﻦ .وﺷﺮﺣﺖ ﻷﺣﻤﺪ رؤﯾﺘﻲ ﻟﻸﻣﻮر .ﻓﺄﻧﺎ ﻟﻦ أﻃﻠﻖ اﻟﺮﺻﺎص ﻋﻠﻰ رأس اﻟﺮﺟﻞ اﻟﻤﺴﺘﮭﺪف ،ﻋﻠﻰ ﻣﺎ ﻧﺼﺤﻨﻲ ﺑﮫ ،ﻛﻤﺎ أﻧﻲ ﻟﻦ أﻓﺮغ ﻛﻞ ﻃﻠﻘﺎت ﻣﺴﺪﺳﻲ ﻓﻲ ﺟﺴﻢ ﻋﺪوي .إﻧﻤﺎ ﺳﻮف أﻛﺘﻔﻲ ﺑﻄﻠﻘﺘﯿﻦ اﺛﻨﺘﯿﻦ أوﺟﮭﮭﻤﺎ اﻟﻰ اﻟﻘﻠﺐ ﻣﺒﺎﺷﺮةً ،ﻋﻠﻰ ﻧﺤﻮ ﻣﺎ ﻗﺮرتُ ﻣﻨﺬ أن ﻋﺰﻣﺖُ ﻋﻠﻰ اﻷﻣﺮ. وأﺧﺬت اﻷﯾﺎم اﻷﺧﯿﺮة ﻣﻦ إﻗﺎﻣﺘﻲ ﻓﻲ ﺑﯿﺮوت ﺗﻤﻀﻲ ﺳﺮاﻋﺎً ﻛﺎﻟﺒﺮق. ورﺣﺖ أﻋﺪُ اﻟﻨﻔﺲ إﻋﺪاداً ﯾﺼﯿﺮ ﻣﻦ اﻟﻤﺤﺎل ﻓﯿﮫ أن ﯾﻮﺣﻲ ﻛﻼﻣﻲ ﺑﻈﻞ ﻣﻦ ﺧﻮف أو ارﺗﻌﺎش أو ﻣﺎ ﺷﺎﺑﮫ . وأﺷﺮتُ اﻟﻰ أﺻﺪﻗﺎء ﻟﻲ ﺑﺄن ﯾﻮﺻﻮا ﻋﻠﻰ ﻗﺎﻟﺐ ﻣﻦ اﻟﺤﻠﻮى ﻟﻼﺣﺘﻔﺎل ﺑﻌﯿﺪ ﻗﺮﯾﺐ ،وﻣﻀﯿﺖ أﺣﺪّثْ أﺧﺘﻲ ﺑﺄﺣﺎدﯾﺚ اﻟﻤﺸﺎﻋﺮ واﻟﻘﻠﻮب ،واﺳﺘﺄذﻧﺖ واﻟﺪي ،ﻣﻦ دون أن أﺗﻔﻮه ﺑﺸﻲء ﻣﻤﺎ ﻓﻲ ﺻﺪري .وﻟﺪى إﺻﺮار أﺣﻤﺪ 107
اﻟﺬي ﻗﻀﯿﺖُ ﻟﺪﯾﮫ آﺧﺮ ﻟﯿﻠﺔ ﻣﻦ ﻟﯿﺎﻟﻲ اﻟﺤﺮة ﺧﺼﺼﺘﮭﺎ ﻟﺘﻠﻘﻲ اﻟﻨﺼﺎﺋﺢ واﻟﺘﺸﺠﯿﻊ ،أﻋﺪدتُ رﺳﺎﻟﺔ أﺷﺮح ﻓﯿﮭﺎ دواﻓﻌﻲ اﻟﻰ اﻟﻌﻤﻞ .ﻓﺬﻛﺮتُ ،ﻓﻲ ﻣﺎ ذﻛﺮتُ ،اﻟﺤﺮب اﻷھﻠﯿﺔ ،واﻻﺟﺘﯿﺎح اﻹﺳﺮاﺋﯿﻠﻲ وﻣﺼﺮع أﺑﻄﺎﻟﻨﺎ، واﻹﻋﺠﺎب اﻟﺬي أﺑﺪﯾﮫ ،ﻓﻲ ھﺬه اﻷﺛﻨﺎء ،ﻟﻼﻧﺘﻔﺎﺿﺔ اﻟﺘﻲ اﻧﻄﻠﻘﺖ ﻟﺘﻮھﺎ ﻓﻲ اﻷراﺿﻲ اﻟﻔﻠﺴﻄﯿﻨﯿﺔ اﻟﻤﺤﺘﻠﺔ ،واﻟﺘﻲ أﻋﺘﺒﺮھﺎ ﺧﯿﺮ ﻣﺜﺎل ﻋﻠﻰ اﻟﻤﻘﺎوﻣﺔ واﻟﺜﻮرة اﻟﻤﺜﺎﻟﯿﺔ .وﻟﻤﺎ ﻛﺎﻧﺖ ھﺬه آﺧﺮ ﻟﯿﺎﻟﻲّ ﻓﻲ ﻣﻨﺰﻟﻨﺎ ،ﻋﻤﺪتُ ﺳﺮاً اﻟﻰ إﺣﺮاق ﺻﻮري اﻷﻋﺰ ﻋﻠﻰ ﻗﻠﺒﻲ واﻟﺘﻲ أﺧﺸﻰ اﺳﺘﺨﺪاﻣﮭﺎ ﻣﻦ ﻗﺒﻞ اﻟﺤﺰب ﻓﻲ اﻟﺪﻋﺎﯾﺔ ﻟﺼﺎﻟﺢ ﺷﮭﺪاء اﻟﻤﻘﺎوﻣﺔ .ﻣﻊ ذﻟﻚ، أﻋﻄﯿﺖ رﺋﯿﺲ ﺑﻌﺾ اﻟﺼﻮر اﻟﻜﺒﯿﺮة ﻟﻲ .ﺟﻌﻞ ﻣﻈﮭﺮ ھﺬه اﻷﻣﻮر ﯾﻐﯿﻈﻨﻲ ،وﺣﯿﻦ أﻋﻠﻤﻨﻲ أﺣﻤﺪ ﺑﺎﻹﺳﻢ اﻟﺤﺮﻛﻲ اﻟﺬي اﺧﺘﺎره اﻟﺤﺰب ﻟﮭﺬه اﻟﻌﻤﻠﯿﺔ" :زھﺮة اﻟﺠﻨﻮب" ،وﺿﻌﺖ ﺣﺪاً ﻟﻸﻣﺮ وﻣﻀﯿﺖُ. ﻓﻲ ﺻﺒﯿﺤﺔ ذﻟﻚ اﻟﯿﻮم اﻟﻤﻘﺪر ﻟﺮﺣﯿﻠﻲ ،ودﻋﺖ أﺑﻲ ﻣﻦ دون أن أﻋﺮف إذا ﻛﻨﺖُ ﺳﺄراه ﯾﻮﻣﺎً. ﺑﺖُ ﻻ أﻋﺮف ﻣﺎذا ﯾﻨﺘﻈﺮﻧﻲ .ورﺣﺖ أﺗﺨﯿﻞ أن اﻷﻣﻮر ﺗﻮﺷﻚ ﻣﻨﻄﻘﯿﺎً ،أن ﺗﺴﯿﺮ ﺑﺨﻼف ﻣﺎ أﺗﻤﻨﺎه ،وأن اﻟﻌﻤﻠﯿﺔ ﯾﻜﻤﻦ أن ﺗﻨﺠﺢ أو ﺗﺒﻮء ﺑﺎﻟﻔﺸﻞ ،ﻏﯿﺮ أﻧﻲ ﻣﺎ ﻛﻨﺖ ﻷﺳﺘﻮﻋﺐ أن ﯾﺘﻮﻗﻒ ﻛﻞ ﺷﻲء ﻣﻦ ﺣﻮﻟﻲ .وﻣﻦ ﺛﻢ ﺗﻮﺟﮭﺖ اﻟﻰ اﻟﺠﺎﻣﻌﺔ ﻹﺟﺮاء اﻣﺘﺤﺎﻧﺎﺗﻲ ،ﻋﻠﻰ اﻟﻨﺤﻮ اﻟﻤﺮﺳﻮم .إﻻ أﻧﻲ وﺿﻌﺖ اﻟﻘﻠﻢ ﺟﺎﻧﺒﺎً ،ﻗﺒﻞ اﻟﻮﻗﺖ ﺑﻜﺜﯿﺮ. وﻛﺎن أﺣﻤﺪ ﻗﺪ وﻋﺪﻧﻲ ﺑﻤﺮاﻓﻘﺘﻲ ﺣﺘﻰ ﺣﺪود اﻟﻤﻨﻄﻘﺔ اﻟﺠﻨﻮﺑﯿﺔ .رأﯾﺘﮫ ﻓﻲ اﻧﺘﻈﺎري ﺧﺎرﺟﺎً ،ﻓﻤﻀﯿﻨﺎ.
108
ﻟﻢ ﺗﺴﺘﻐﺮق اﻟﺮﺣﻠﺔ وﻗﺘﺎً ﻃﻮﯾﻼً ،وﻟﻜﻦ أﺣﻤﺪ ﺑﺪا ﻣﺘﻮﺗﺮًا ﻟﻠﻐﺎﯾﺔ .ﻛﺎن ﯾﺨﺸﻰ ﻣﻦ أن ﯾﻨﻜﺸﻒ أﻣﺮ اﻟﻤﺴﺪس ﻓﻲ إﺣﺪى ﻧﻘﺎط اﻟﺘﻔﺘﯿﺶ .وﺣﺎﻟﻤﺎ ﺑﻠﻐﻨﺎ اﻟﻤﻜﺎن ،وﺗﺒﺎدﻟﻨﺎ ﻛﻠﻤﺎت ﻗﻠﯿﻠﺔ ،ﺳﺎر ﻛﻞ ﻣﻨﺎ ﻓﻲ وﺟﮭﺘﮫ. وﻟﻤﺎ ﺑﻠﻐﺖُ اﻟﺤﺎﺟﺰ ،وﺟﺪتُ أن اﻟﺠﻨﺪﯾﺔ اﻟﻤﻜﻠﻔﺔ ﺑﺘﻔﺘﯿﺶ اﻟﻨﺴﺎء ﻟﻢ ﺗﻜﻦ ﻣﻮﺟﻮدة .وﻟﻢ ﯾﻜﻦ ﺑﺤﻮزﺗﻲ إذن ﺑﺎﻟﻤﺮور. وھﻢ ﺟﻨﺪي ﺑﺎﻟﺤﻠﻮل ﻣﻜﺎن ھﺬه اﻷﺧﯿﺮة .أﻣﺎ اﻟﺠﻨﺪي ھﺬا ﻓﻠﻢ أﻛﻦ أﻋﺮﻓﮫ .وراﺣﺖ ﯾﺪاه ﺗﻤﻌﻨﺎن ﺗﻔﺘﯿﺸﺎً ﻓﻲ ﺛﻨﺎﯾﺎي، واﺳﺘﻐﺮﻗﺘﺎ زﻣﻨﺎً ﻃﻮﯾﻼً .وﺷﻌﺮت أﻧﮫ ﻻﻣﺲ ،ﻋﻠﻰ ﻧﺤﻮ ﻏﯿﺮ إرادي ،اﻟﻤﺴﺪس اﻟﺬي ﻛﻨﺖ دﺳﺴﺘﮫ ﺗﺤﺖ ﺛﯿﺎﺑﻲ، وﻛﺎن أﺣﻤﺪ ﻗﺪ أﺣﻜﻢ وﺿﻌﮫ ،ﻏﯿﺮ أﻧﻲ وﺟﺪﺗﮫ ﻻ ﯾﺒﺪي اﻧﻔﻌﺎﻻً ،ﻣﺎ دام ﺧﺎﻃﺮه ﻣﻨﺸﻐﻼً ﻓﻲ أﻣﺮ آﺧﺮ .ﺛﻢ ﺧﻄﺮ ﻟﻲ أن أﺷﯿﺮ إﻟﯿﮫ ﺑﺎﻟﻜﻒ ﻋﻦ اﻟﺘﻔﺘﯿﺶ ﻃﺎﻟﺒﺔً ﻣﻨﮫ أن أرى "اﻟﺴﯿﺪ رﯾﻤﻮن" ،ﻣﺪﻋﯿﺔ ﺑﺄﻧﮫ ﻓﻲ اﻧﺘﻈﺎري ،ھﺎﻟﮫ اﻷﻣﺮ، ﻓﻜﻒ ﻟﻠﺤﺎل ﻋﻦ ﺟﺴﻲ ،وأﻋﻔﺎﻧﻲ ﻣﻦ اﻟﺒﻮاﺑﺔ اﻹﻟﻜﺘﺮوﻧﯿﺔ. ﻛﺎن رﺋﯿﺴﮫ ھﻨﺎ ،ﻏﯿﺮ أﻧﻲ أﻓﻠﺤﺖُ ﻓﻲ اﻟﺘﻮاري ﺑﻼ ﻋﺎﺋﻖ ﯾُﺬﻛﺮ ،ﺑﻌﺪ أن ﺗﺒﺎدﻟﻨﺎ ،أﻧﺎ وﻣﺮؤوﺳﯿﮫ ،ﻋﺒﺎرات اﻟﻤﺠﺎﻣﻠﺔ اﻟﻤﺄﻟﻮﻓﺔ. وﻟﻤﺎ ﻧﻈﺮتُ ﻣﻦ ﺣﻮﻟﻲ ،وأﻧﺎ ﻓﻲ ﻣﻨﻄﻘﺔ اﻟﺠﻨﻮب اﻟﻤﺤﺘﻠﺔ، وﺟﺪتُ أن ﺣﺎﻻً ﻣﻦ اﻟﺘﻮﺗﺮ ،أﻛﺒﺮ ﻣﻤﺎ ﻛﺎن إﺑﺎن إﻗﺎﻣﺘﻲ اﻷوﻟﻰ ،ﺗﺤﯿﻂ ﺑﻲ ﻣﻦ ﻛﻞ ﻧﺎح .ﻓﻤﻦ ﺟﮭﺔ ،ﻛﺎﻧﺖ أﺟﮭﺰة اﻷﻣﻦ واﻟﻤﺨﺎﺑﺮات اﻟﺘﺎﺑﻌﺔ ﻟﺤﺎﺻﺒﯿﺎ ،ﺗﺴﻌﻰ ،وﻣﻨﺬ زﻣﻦ ﺑﻌﯿﺪ ،اﻟﻰ إﻗﻨﺎﻋﻲ ﺑﺎﻟﻌﻤﻞ اﻟﻰ ﺟﺎﻧﺒﮭﻢ .ذﻟﻚ أﻧﻲ ﻛﻨﺖ، ﺑﻨﻈﺮھﻢ ،ﻣﺜﺎل اﻟﻤﻨﻀﻮﯾﺔ واﻟﻤﺘﻌﺎﻣﻠﺔ ،ﻣﺴﯿﺤﯿﺔ وﺗﺴﻜﻦ ﻓﻲ ﺑﯿﺮوت اﻟﻐﺮﺑﯿﺔ ،وھﻲ ﺣﺮة اﻟﺘﺼﺮف ،ﻓﻮق ذﻟﻚ.
109
وﺧﯿﻞ إﻟﻲ أن اﻟﺘﺰاﻣﻲ ﻓﻲ ﺻﻔﻮﻓﮭﻢ ﺳﻮف ﯾﻜﻮن ﻣﻨﺎﺳﺒﺔً ﺟﯿﺪة ﻹﺑﻌﺎد اﻟﺸﺒﮭﺎت ﻋﻨﻲ. ﻓﻤﺎ أن ﻋﺪتُ اﻟﻰ ﻣﺮﺟﻌﯿﻮن ﺣﺘﻰ أُﻧﺒﺌﺖُ ﺑﺄن ﻗﺎﺋﺪ اﻷﻣﻦ، ﻓﻲ ﺟﯿﺶ ﻟﺒﻨﺎن اﻟﺠﻨﻮﺑﻲ ،ﻋﻠﻢ اﻟﺪﯾﻦ ،ﯾﺮﻏﺐ ﻓﻲ رؤﯾﺘﻲ. ﻟﻢ ﺗﻜﻦ ﺗﻠﻚ اﻟﻤﺮة اﻷوﻟﻰ اﻟﺘﻲ أﺟﺪ ﻧﻔﺴﻲ ﻓﯿﮭﺎ ﻋﻠﻰ ھﺬا اﻟﻘﺪر ﻣﻦ اﻟﻘﺮب .ﻓﻔﻲ ﺷﮭﺮ ﺗﻤﻮز /ﯾﻮﻟﯿﻮ ،ﻛﻨﺖ اﻟﺘﻘﯿﺖُ ﺑﮭﺬا اﻟﺮﺟﻞ ﻓﻲ ﺛﻜﻨﺔ ﺣﺎﺻﺒﯿﺎ .ﻛﺎن ﺳﻜﺮاﻧﺎً وراح ﯾﺮﻏﻲ وﯾﺰﺑﺪ ﺣﯿﺎل "اﻹرھﺎﺑﯿﯿﻦ اﻟﺬﯾﻦ ﯾﻘﺘﻠﻮن رﺟﺎل ﺟﯿﺶ ﻟﺒﻨﺎن اﻟﺠﻨﻮﺑﻲ" ،وﻗﺪ ﺑﺪت رزﻣﺎت ﻣﻦ اﻟﺪوﻻرات ﻣﺮﻣﯿﺔ ﻋﻠﻰ ﻣﻜﺘﺒﮫ .وﺑﻌﺪ ﻣﺤﺎوﻟﺘﮫ إرھﺎﺑﻲ واﺳﺘﺨﻼص اﻟﻤﻌﻠﻮﻣﺎت ﻣﻨﻲ ،ﻣﻦ دون أن ﯾﻔﻠﺢ ﻓﻲ ذﻟﻚ ،اﻗﺘﺮح ﻋﻠﻲ أن أﻣﺮر ﻟﺼﺎﻟﺤﮫ رﺳﺎﺋﻞ اﻟىﺨﺎرج اﻟﻤﻨﻄﻘﺔ اﻟﻤﺤﺘﻠﺔ ،ﺑﯿﺪ أﻧﻲ آﺛﺮتُ أﻻ أﺧﻔﻲ درﺟﺔ اﻟﻘﺮاﺑﺔ ﺑﯿﻦ ﻋﺎﺋﻠﺘﻲ واﻟﺤﺰب اﻟﺸﯿﻮﻋﻲ ،ﻣﻦ دون أن أﻓﺼّﻞ ﻓﻲ اﻷﻣﺮ ،ﺛﻢ ﻋﺪتُ ﻷؤﻛﺪ ﻟﮫ إﯾﺜﺎري اﻻﺧﺘﻼط اﻟﻄﺎﺋﻔﻲ ﻋﻠﻰ ﻣﺎ ﻋﺪاه .واﻧﺘﮭﯿﺖُ، آﺧﺮ اﻷﻣﺮ ،اﻟﻰ اﻟﻘﻮل ﺑﺄن اﻟﺴﯿﺎﺳﺔ ﻟﻢ ﺗﻜﻦ ﺷﺎﻏﻠﻲ ﻋﻠﻰ اﻹﻃﻼق ،وﺑﻘﯿﺖ اﻷﻣﻮر ﻋﻨﺪ ھﺬا اﻟﺤﺪ. وﻓﻲ ھﺬه اﻷﺛﻨﺎء ،ﺑﺖُ ﻋﻠﻰ ﯾﻘﯿﻦ أن ﺟﮭﺎز اﻷﻣﻦ ﻟﻢ ﯾﻌﺪ ﯾﻄﯿﻖ أن ﯾﺮاﻧﻲ أﺟﺨﻞ ﻣﻦ ﻧﻘﺎط ﺗﻔﺘﯿﺶ ﻣﺨﺘﻠﻔﺔ ،وھﻮ ﯾﺴﻌﻰ اﻵن ﻟﻀﺒﻂ ﺗﺤﺮﻛﺎﺗﻲ وﺣﺼﺮھﺎ .وإذ ﺑﺪوت ﻗﻠﻘﺔ، أﺧﺬ ﻋﺼﺎم ﯾﻄﺮح ﻋﻠﻲ اﻷﺳﺌﻠﺔ .ﻓﺤﺎوﻟﺖ أن أﻓﮭﻤﮫ ﺑﺄﻧﻲ ﻻ أﻃﯿﻖ أن أﻛﻮن ﻣﻮﺿﻊ ﻣﺮاﻗﺒﺔ ،وأﻧﻲ ﻻ أدﯾﻦ ﺑﺸﻲء ﻟﺠﻤﺎﻋﺔ ﺣﺎﺻﺒﯿﺎ ،ﻣﺎ دﻣﺖُ ﺣﺮة اﻟﻨﻔﺲ واﻟﺸﺨﺼﯿﺔ .ﻓﻤﺎ ﻛﺎن ﻣﻦ زوﺟﺘﮫ ﺟﺎﻧﯿﺖ إﻻ أن أﯾﺪﺗﻨﻲ ﻓﻲ ﺷﻜﻮاي .ﻓﻘﺮر ﻋﺼﺎم أن ﯾﺘﻮﺳﻂ ﻟﺼﺎﻟﺤﻲ ،ﻣﻦ دون أن ﯾﻌﻠﻤﻨﻲ ﺑﺬﻟﻚ. ﺣﺘﻰ أﻧﮫ ،وﺧﻼل أﺣﺪ اﻷﻋﺮاس ﻓﻲ دﯾﺮ ﻣﯿﻤﺎس ،ﺗﺼﺪى 110
ﻟﻠﻤﺪﻋﻮ "ﻛﻤﯿﻞ" وھﻮ ﺑﻤﺜﺎﺑﺔ اﻟﯿﺪ اﻟﯿﻤﻨﻰ ﻟﻌﻠﻢ اﻟﺪﯾﻦ ،وﺣﺎل دون إزﻋﺎﺟﻲ. واﻧﻘﻀﺖ اﻷﺳﺎﺑﯿﻊ ،ﻣﻦ دون أن ﺗﺘﺮاﺟﻊ ﺣﺪة اﻟﺘﻮﺗﺮ ﻣﻦ ﺣﻮﻟﻲ .ﺗﺎﺑﻌﺖُ إﻋﻄﺎء دروﺳﻲ ﻓﻲ اﻟﺮﯾﺎﺿﺔ اﻟﺤﯿﻮﯾﺔ ﻣﻨﺘﻈﺮة أﯾﺔ ﻓﺮﺻﺔ ﺳﺎﻧﺤﺔ ﻟﺰﯾﺎرة ﺑﯿﺖ أﻧﻄﻮان ﻟﺤﺪ. ﺣﺘﻰ ﻛﺎن ﯾﻮم اﻷﺣﺪ ﻓﻲ أواﺋﻞ ﺗﺸﺮﯾﻦ اﻟﺜﺎﻧﻲ /ﻧﻮﻓﻤﺒﺮ ،إذ ﺣﻀﺮ اﻟﻰ ﻣﻨﺰﻟﻨﺎ ﻓﻲ دﯾﺮ ﻣﯿﻤﺎس رﺟﺎل اﻷﻣﻦ ،واﻟﺴﺎﻋﺔ ﻟﻢ ﺗﺒﻠﻎ ﺑﻌﺪ اﻟﺨﺎﻣﺴﺔ ﺻﺒﺎﺣﺎً .ﻛﺎن ھﺆﻻء ﯾﺴﻌﻮن ﻓﻲ إﺛﺮي ،وﻟﺤﺴﻦ ﺣﻈﻲ ،ﻛﻨﺖ ﻗﺪ ﺧﺮﺟﺖُ ﻟﻘﻄﺎف اﻟﺰﯾﺘﻮن، دﻗﺎﺋﻖ ﻗﻠﯿﻠﺔ ﺳﺒﻘﺖ وﺻﻮﻟﮭﻢ .ﺣﺘﻰ إذا ﺳﺄﻟﺘﮭﻢ واﻟﺪﺗﻲ ﻋﻦ اﻟﺪاﻋﻲ اﻟﻰ اﻟﺴﺆال ﻋﻨﻲ ،أﺟﺎﺑﻮا ﺑﻜﻼم ﻏﺎﻣﺾ ،وﻣﻀﻮا ﺧﺎﻟﯿﻲ اﻟﻮﻓﺎض ،ﻣﻦ دون أن ﯾﻔﺼﺤﻮا ﻟﮭﺎ ﻋﻦ ﻣﻘﺎﺻﺪھﻢ اﻟﺤﻘﯿﻘﯿﺔ .وﻟﻤﺎ أﻗﻠﻖ ھﺬا اﻷﻣﺮ واﻟﺪﺗﻲ ،راﺣﺖ ﺗﺨﺒﺮﻧﻲ، ﻓﻲ وﻗﺖ ﻣﺘﺄﺧﺮ ﻣﻦ ذﻟﻚ اﻟﻨﮭﺎر ،ﻋﻦ ﺗﻠﻚ اﻟﺰﯾﺎرة اﻟﺼﺒﺎﺣﯿﺔ وﻏﯿﺮ اﻟﻤﺘﻮﻗﻌﺔ. وﺣﯿﻦ ﻋﺪت اﻟﻰ ﻣﺮﺟﻌﯿﻮن ،ﻣﺴﺎءً ذﻟﻚ اﻟﯿﻮم اﻷﺣﺪ، وﺟﺪتُ أن أﺣﺪھﻢ ﻋﺒﺚ ﺑﻐﺮﻓﺘﻲ وﻗﻠﺐ اﻷﻏﺮاض ﻓﯿﮭﺎ رأﺳﺎً ﻋﻠﻰ ﻋﻘﺐ .واﻟﺤﺎل أﻧﻲ ﻛﻨﺖُ أﺣﺘﺎط ﻟﻸﻣﺮ ،وأﺿﻊ ﺛﻮﺑﺎً ﻣﻦ أﺛﻮاﺑﻲ ﻓﻲ وﺿﻌﯿﺔ ﻣﻌﯿﻨﺔ ،ﻓﻲ ﺧﺰاﻧﺘﻲ ،ﺣﺘﻰ إذا ﺗﻌﺮﺿﺖ اﻷﺧﯿﺮة ﻟﻠﺘﻔﺘﯿﺶ ،أﻧﺒﺄﺗﻨﻲ ﺗﻠﻚ اﻟﻮﺿﻌﯿﺔ ﺑﺎﻷﻣﺮ. وﺣﯿﻦ وﺻﻠﺖُ اﻟﻰ ﻣﺨﺒﺌﻲ ،أدرﻛﺖُ أﻧﮫ ﺗﻌﺮض ﻟﻠﻨﺒﺶ. اﻷﻣﻦ أﯾﻀﺎً وأﯾﻀﺎً .وﻟﺤﺴﻦ ﺣﻈﻲ أﻧﮭﻢ ﻟﻢ ﯾﻜﺘﺸﻔﻮا ﺳﻼﺣﻲ .وﻛﻨﺖُ ﺧﺒﺄتُ اﻟﻤﺴﺪس اﻟﺜﺎﻧﻲ ﻓﻲ ﻗﺮارة ﺟﺎرور ﻃﻮﯾﻞ ﺟﺪاً وﺛﻘﯿﻞ .ﻓﺘﺒﯿﻦ ﻟﻲ أﻧﮭﻢ ﻟﻢ ﯾﺴﺤﺒﻮا اﻟﺠﺎرور ﻛﻠﮫ ،ﻋﻠﻰ ﻣﺎ ﺗﻮﻗﻌﺖ ﺗﻤﺎﻣﺎً. 111
ﻏﯿﺮ أن اﻟﺮﺳﺎﻟﺔ ﺑﺪت واﺿﺤﺔً ﻟﻠﻐﺎﯾﺔ .ﻟﻘﺪ ﺻﺮتُ ﻓﻲ ﻣﺪى ﻧﻈﺮھﻢ اﻟﻘﺮﯾﺐ .وإن ھﻲ إﻻ ﺑﻀﻌﺔ أﯾﺎم ﺣﺘﻰ ﯾﻨﻜﺸﻒ ﻟﮭﻢ أﻣﺮي .وﻛﻨﺖُ ﻋﻠﻰ ﯾﻘﯿﻦ ﺑﺄن رﺟﺎل اﻷﻣﻦ ﻟﻢ ﯾﻄﻠﺒﻮا اﻹذن ﻣﻦ أﻧﻄﻮان ﻟﺤﺪ ﻟﻨﺰوﻟﮭﻢ ذﻟﻚ اﻟﺼﺒﺎح اﻟﻰ ﻣﻨﺰﻟﻨﺎ ،ﺑﺴﺒﺐ ﺗﻨﺎﻣﻲ ﺣﺲ اﻟﺘﻨﺎﻓﺲ ﺑﯿﻦ ھﺆﻻء وﻣﺮاﻓﻘﻲ ﻗﺎﺋﺪ اﻟﻤﯿﻠﯿﺸﯿﺎ ذاك .وﻟﻤﺎ ﻛﺎن اﻟﻨﺎس ﻓﻲ اﻟﻤﻨﻄﻘﺔ اﻟﻤﺤﺘﻠﺔ ﯾﻌﺮﻓﻮن ﻛﻞ ﺷﻲء ،ﻓﻘﺪ ﺗﻨﺎھﻰ ﻟﻲ أﻧﮭﻢ ﺳﻮف ﯾﻤﮭﻠﻮﻧﻨﻲ ﻗﻠﯿﻼً ﻗﺒﻞ ﻣﻌﺎودة ھﺠﻮﻣﮭﻢ .وﻛﻨﺖُ ﻋﻠﻰ ﯾﻘﯿﻦ ،أﻛﺜﺮ ﻣﻦ أي ﯾﻮم ﻣﻀﻰ ،أن ﻣﺠﺮد اﻋﺘﻘﺎﻟﻲ أو ﺳﻮﻗﻲ اﻟﻰ اﻻﺳﺘﺠﻮاب اﻟﻤﺄﻟﻮف ،ﻣﻦ ﺷﺄﻧﮫ أن ﯾﺤﻄﻢ ﻛﻞ ﻣﺎ ﺑﻨﯿﺘﮫ ﻣﻦ ﺧﯿﻮط اﻟﺜﻘﺔ ﺑﯿﻨﻲ وﺑﯿﻦ ﻣﯿﻨﺮﻓﺎ ﻟﺤﺪ. وأدرﻛﺖ أن اﻟﻮﻗﺖ ﺳﯿﻨﻔﺪ ﻣﻨﻲ. ﻣﺎ أﺻﻌﺐ اﺻﻄﻨﺎع اﻟﻔﺮص .ﻷﯾﺎم ﻗﻠﯿﻠﺔ ﺧﻠﺖ وﺟﺪﺗﻨﻲ ﻋﺎﺋﺪةً اﻟﻰ ﻣﻜﺘﺐ ﻗﺎﺋﺪ ﺟﯿﺶ ﻟﺒﻨﺎن اﻟﺠﻨﻮﺑﻲ ،وﻟﻜﻨﮫ ﻛﺎن ﻻ ﯾﺰال ﯾﺘﻜﻠﻢ ﻣﻊ ﺿﺎﺑﻂ إﺳﺮاﺋﯿﻠﻲ .وﻟﻜﻦ اﻟﻌﺪ اﻟﻌﻜﺴﻲ آﺧﺬ ﻓﻲ اﻟﺠﺮﯾﺎن .وﺟﺪﺗﻨﻲ أﻃﻠﺐ ﻣﯿﻨﺮﻓﺎ ،ﻟﻠﻤﺮة اﻷﺧﯿﺮة، ﻷﺷﯿﺮ ﻟﮭﺎ ﺑﺄﻧﻲ ﻣﻀﻄﺮة ﻟﻠﺬھﺎب اﻟﻰ ﺑﯿﺮوت ،ﺑﺴﺒﺐ اﻣﺘﺤﺎﻧﺎﺗﻲ ﺑﺎﻟﺘﺄﻛﯿﺪ .وأﻋﻠﻤﺘﮭﺎ ﺑﻘﺼﺪي اﻟﻤﺮور ﻋﻠﯿﮭﺎ ﻓﻲ ﯾﻮم ﻏﺪ ،اﻹﺛﻨﯿﻦ ،ﻷﺗﺮك ﻋﻨﺪھﺎ ﻣﻔﺎﺗﯿﺢ ﻗﺎﻋﺔ اﻟﺮﯾﺎﺿﺔ، ﺑﺎﻹﺿﺎﻓﺔ اﻟﻰ ﺷﺮاﺋﻂ اﻟﻔﯿﺪﯾﻮ اﻟﺨﺎﺻﺔ ﺑﺎﻟﺘﻤﺎرﯾﻦ اﻟﺮﯾﺎﺿﯿﺔ اﻟﺤﯿﻮﯾﺔ اﻟﺘﻲ ﻃﻠﺒﺘﮭﺎ ﻣﻨﻲ. ﻓﻮاﻓﻘﺖ. ﺻﺒﺎح اﻹﺛﻨﯿﻦ ،ارﺗﺪﯾﺖُ ﺑﻨﻄﻠﻮﻧﺎً أزرق ،وﻗﻤﯿﺼﺎً أﺑﯿﺾ، واﻧﺘﻌﻠﺖُ ﺑﺎﻟﯿﺮﯾﻦ ﺳﻮداء ،وأﻣﻜﻨﻨﻲ اﻟﺪﺧﻮل اﻟﻰ ذﻟﻚ اﻟﺒﯿﺖ 112
اﻟﺠﻤﯿﻞ اﻟﺬي ﯾﻘﯿﻢ ﻓﯿﮫ اﻟﺰوﺟﺎن ،ﻣﻦ دون أن أﺛﯿﺮ رﯾﺒﺔ أﺣﺪھﻢ أو ﺷﻜﮫ. وﻛﺎن ﻋﺼﺎم ﻗﺪ أﻗﻠﻨﻲ ﺑﺴﯿﺎرﺗﮫ اﻟﻰ ﻣﺪﺧﻞ ذﻟﻚ اﻟﺒﯿﺖ، وھﻮ اﻋﺘﺎد اﻻﺷﺘﺮاك ﻓﻲ ﻣﺎ ﯾﺸﺒﮫ ﻛﺮﻧﻔﺎل اﻟﺴﯿﺎرات اﻟﺠﺎري ﻓﻲ ﺷﻮارع ﻣﺮﺟﻌﯿﻮن ،ﺗﺰﺟﯿﺔ ﻟﻠﻮﻗﺖ وﻗﺘﻼً ﻟﮫ. وﻛﻨﺖ اﺳﺘﻠﻠﺖُ ،ﻗﺒﻞ اﻧﻄﻼﻗﻲ ،اﻟﻤﺴﺪس ﻣﻦ ﻣﺨﺒﺌﮫ ﺑﻌﺪ أن أﺧﻔﯿﺘﮫ ﻓﻲ ﺣﻘﯿﺒﺘﻲ ،وﺟﻌﻠﺘﮫ وﺳﻂ أﻏﺮاض ﺻﻐﯿﺮة ﻏﯿﺮه .أﻣﺎ اﻟﺮﺟﺎل اﻟﻤﻮﻟﺠﻮن ﺑﺤﺮاﺳﺔ ﻗﺎﺋﺪ ﺟﯿﺶ ﻟﺒﻨﺎن اﻟﺠﻨﻮﺑﻲ ﻓﺘﺮﻛﻮﻧﻲ وﺷﺄﻧﻲ ودﻋﻮﻧﻲ أدﺧﻞ اﻟﻰ اﻟﺒﯿﺖ. إﻧﮭﺎ اﻟﺮﺗﺎﺑﺔ. ھﻨﺎك واﻓﯿﺖُ ﻣﯿﻨﺮﻓﺎ وﺻﺪﯾﻘﺔ ﻟﮭﺎ إﺳﺒﺎﻧﯿﺔ ،وﻛﺎﻧﺘﺎ ﻓﻲ اﻟﺤﺪﯾﻘﺔ ،ﺛﻢ ﻋﺪﻧﺎ واﻟﺘﻘﯿﻨﺎ ﺑﺰوج ھﺬه اﻷﺧﯿﺮة ﻓﻲ ﻗﺎﻋﺔ اﻻﺳﺘﻘﺒﺎل. وﻓﯿﻤﺎ ﺑﻌﺪ ،واﻓﺎﻧﺎ أﻧﻄﻮان ﻟﺤﺪ .ﻛﺎن اﻟﺠﻮ ﺑﮭﺠﺎً .ﻛﻨﺎ ﻧﺘﻜﻠﻢ اﻟﻔﺮﻧﺴﯿﺔ ،وﺟﻌﻠﺖ ﻣﯿﻨﺮﻓﺎ ﺗﺮﺛﻲ ،ﻣﺮة ﺛﺎﻧﯿﺔ ،ﻟﻌﻘﻠﯿﺎت اﻟﻨﺎس اﻟﻀﯿﻘﺔ ﻓﻲ اﻟﻤﻨﻄﻘﺔ اﻟﻤﺤﺘﻠﺔ .وﻣﻦ ﺛﻢ اﻧﺘﻘﻠﻨﺎ اﻟﻰ ﻗﺎﻋﺔ اﻟﺠﻠﻮس .وﻛﺎن ﻗﺎﺋﺪ اﻟﻤﯿﻠﯿﺸﯿﺎ ﺟﺎﻟﺴﺎً ﻗﺮب اﻟﮭﺎﺗﻒ، وﻛﻨﺖ ﻋﻠﻰ ﯾﻤﯿﻨﮫ ،ﺗﻤﺎﻣﺎً ﻛﻤﺎ ﺗﺨﯿﻠﺖ اﻟﻤﺸﮭﺪ .وأﺧﺬت اﻷﺣﺎدﯾﺚ ﺗﺼﯿﺮ ﻋﺎﺑﺜﺔ .أﻣﺴﻜﺖُ ﻋﻦ اﻟﻜﻼم ،وﻧﺄﯾﺖُ ﺑﻨﻔﺴﻲ ﻋﻦ اﻟﺤﻮارات اﻟﺠﺎرﯾﺔ. ﻛﻨﺖُ أﺻﻐﻲ.
113
وﺑﻌﺪ ﻧﺼﻒ ﺳﺎﻋﺔ أﺗﺖ اﻟﺨﺎدﻣﺔ وﺳﺄﻟﺘﻨﺎ ﻋﻤﺎ ﻧﺮﻏﺐ ﻓﻲ ﺷﺮﺑﮫ .ﺗﻤﺘﻤﺖ ﺑﺒﻌﺾ اﻟﻜﻠﻤﺎت ﺷﺎﻛﺮة ..وﻗﻠﺖ إن اﻟﻮﻗﺖ ﺑﺎت ﻣﺘﺄﺧﺮاً وﯾﻨﺒﻐﻲ ﻟﻲ اﻟﻌﻮدة .وأﺻﺮ ﻣﻀﯿﻔﻲ ﻋﻠﻰ اﻟﺒﻘﺎء ﻓﺎﺻﻄﻨﻌﺖ اﻟﺒﻘﺎء ﻟﯿﺎﻗﺔً .أﺷﻌﻞ ﻗﺎﺋﺪ اﻟﻤﯿﻠﯿﺸﯿﺎ اﻟﺘﻠﻔﺰﯾﻮن .ﻛﺎﻧﺖ ﺳﺎﻋﺔ اﻷﺧﺒﺎر ﻋﻠﻰ ﻗﻨﺎة اﻟﻤﻨﻄﻘﺔ اﻟﻤﺤﺘﻠﺔ .ﻣﺮ ﺗﺤﻘﯿﻖ ﻋﻦ اﻻﻧﺘﻔﺎﺿﺔ .وأﺗﯿﺢ ﻟﻲ أن أﻟﻤﺢ ﻓﺘﻰً ﻓﻠﺴﻄﯿﻨﯿﺎً وھﻮ ﯾﺮﻣﻲ ﺑﺎﻟﺤﺠﺮ .وﻛﺎن أﻧﻄﻮان ﻟﺤﺪ ﯾﻠﮭﻮ ﺑﺎﻟﻼﻗﻂ وﯾﺴﺘﻤﻊ ﻣﻦ ﻏﯿﺮ اﻧﺘﺒﺎه .ﻓﻲ ھﺬه اﻟﻠﺤﻈﺔ رن اﻟﮭﺎﺗﻒ .رﻓﻊ اﻟﺴﻤﺎﻋﺔ وﻟﻠﺤﺎل ﺗﻘﻄﺐ وﺟﮭﮫ .ﻛﺎن ﻣﺤﺪﺛﮫ ﻓﻲ اﻟﻄﺮف اﻵﺧﺮ ﻣﻦ اﻟﺨﻂ ،ﯾﻌﺎﻟﺞ ﻣﻮاﺿﯿﻊ ﻻ ﺗﺮوﻗﮫ، ﻓﻲ اﻟﻈﺎھﺮ. وﺟﮭﺖُ ﻧﻈﺮي ﺻﻮب ﺳﺎﻋﺔ اﻟﺠﺪار. ﻛﺎﻧﺖ اﻟﺴﺎﻋﺔ ﻟﻢ ﺗﺒﻠﻎ اﻟﺜﺎﻣﻨﺔ ﻣﺴﺎءً ﺑﻌﺪ .وﺑﺪا أﻧﻄﻮان ﻟﺤﺪ، اﻟﺠﺎﻟﺲ ﻋﻦ ﯾﻤﯿﻦ ،ﯾﻮاﺻﻞ ﻛﻼﻣﮫ .وﻟﻠﺤﻈﺔ وﻗﻊ ﻧﻈﺮه ﻋﻠﻲ وأﺧﺬ ﯾﺮﻣﻘﻨﻲ ﺑﺸﻲء ﻣﻦ اﻟﻔﻀﻮل ،ﺟﺬﺑﺖُ ﻧﺤﻮي اﻟﺤﻘﯿﺒﺔ اﻟﻤﻮﺿﻮﻋﺔ ﻟﺪى ﻗﺪﻣﻲ .وﻛﻨﺖُ ھﺎدﺋﺔ ھﺪوءاً ﻏﺮﯾﺒﺎً .دﺳﺴﺖُ ﯾﺪي ﻓﻲ اﻟﻔﺘﺤﺔ ﻣﺸﯿﺮة اﻟﻰ ﻣﯿﻨﺮﻓﺎ ﺑﺄﻧﻲ ﺟﻠﺒﺖُ ﻟﮭﺎ اﻟﻤﻔﺎﺗﯿﺢ واﻟﺸﺮاﺋﻂ اﻟﻤﺴﺠﻠﺔ اﻟﺘﻲ ﻃﻠﺒﺘﮭﺎ ﻣﻨﻲ. وﻓﻲ ﺧﻔﯿﺔ ﻋﻦ اﻷﻧﻈﺎر ،ﻗﺒﻀﺖ ﯾﻤﻨﺎي ﺑﺸﺪة ﻋﻠﻰ أﺧﻤﺺ اﻟﻤﺴﺪس .وﻓﯿﻤﺎ أﻧﺎ ﺟﺎﻟﺴﺔ ،أﺧﺮﺟﺖُ ﻗﺒﻀﺘﻲ اﻟﻤﺴﻠﺤﺔ ﺑﺎﻟﻤﺴﺪس ﻣﻦ اﻟﺤﻘﯿﺒﺔ ،وﺑﺒﺮودة أﻋﺼﺎب، وﻟﻠﺤﺎل ﺻﻮﺑﺖ ،ﺑﺬراﻋﻲ اﻟﯿﻤﻨﻰ ،ﻧﺤﻮ ﻗﺎﺋﺪ اﻟﻤﯿﻠﯿﺸﯿﺎ، وأﺳﻨﺪتُ ﻣﻌﺼﻤﻲ ﺑﯿﺴﺮاي. وﻋﻠﻰ اﻟﺘﺨﻤﯿﻦ ،ﺻﻮﺑﺖُ ﻧﺤﻮ اﻟﻘﻠﺐ.
114
وﺿﻐﻄﺖُ ﻋﻠﻰ اﻟﺰﻧﺎد ﻟﻠﻤﺮة اﻷوﻟﻰ ،وﻇﻨﻨﺖُ ﻧﻔﺴﻲ أرى اﻟﻄﻠﻘﺔ وھﻲ ﺗﺨﺘﺮق ﺳﺘﺮة اﻟﺜﯿﺎب اﻟﻜﺎﻛﯿﺔ ﻟﻘﺎﺋﺪ اﻟﺤﺮب ھﺬا .ﻓﻤﺎ ﻛﺎن ﻣﻦ أﻧﻄﻮان ﻟﺤﺪ إﻻ أن ﻗﻔﺰ ﻋﻠﻰ ﻗﺪﻣﯿﮫ، ﻣﺬھﻮﻻً ،ﺗﻤﺎﻣﺎً ﻛﻤﺎ ﺗﻮﻗﻊ أﺣﻤﺪ .وﺳﻤﻌﺖُ ﺷﺘﯿﻤﺔ ﺗﺨﺮج ﻣﻦ ﺑﯿﻦ ﺷﻔﺘﯿﮫ" :ﺑﻨﺖ اﻟﻜﻠﺐ!" .ﻓﺄﻃﻠﻘﺖ ﺛﺎﻧﯿﺔً ،ﻋﻠﻰ ﻣﺎ ﺗﻮﻗﻌﻨﺎ. ﺳﻘﻂ أرﺿﺎً. ﺗﻮﻗﻔﺖ اﻟﺤﯿﺎة ﻟﺜﺎﻧﯿﺔ ﻓﻲ ﻗﺎﻋﺔ اﻟﺠﻠﻮس .وﻣﺎ ھﻲ إﻻ ﻟﺤﻈﺔ ،ﺣﺘﻰ ﺷﻖ اﻟﺼﻤﺖ ﻋﻮﯾﻞ ﻣﯿﻨﺮﻓﺎ وﻗﺪ أﺻﺎﺑﮭﺎ اﻹﻧﮭﯿﺎر ،وراﺣﺖ ﺗﻤﻸ اﻟﻔﻀﺎء ﺻﺮاﺧﺎً ﻃﺎﻟﺒﺔ ﺳﻼﺣﺎً ﻟﺘﻘﺘﺺ ﻣﻨﻲ ،وﻃﻮاﻓﺔ ﻋﺴﻜﺮﯾﺔ ﻹﺧﻼء زوﺟﮭﺎ .ورﻣﯿﺖ ﻣﻦ ﺣﻮﻟﻲ ﺑﻨﻈﺮة داﺋﺮﯾﺔ ،ﻓﻮﺟﺪت اﻟﺼﺪﯾﻘﺔ اﻹﺳﺒﺎﻧﯿﺔ ﺑﺎھﺘﺔ ،ﺗﺤﺪق ﺑﻲ وﻓﻲ ﻋﯿﻨﯿﮭﺎ ﻣﺎ ﯾﻨﻢ ﻋﻦ اﺧﺘﻼل .أﻣﺎ زوﺟﮭﺎ اﻟﺬي ﺷﻠﮫ اﻟﺮﻋﺐ ،ﻓﺮاح ﯾﺮﻣﻘﻨﻲ وﻛﺄن دوره آتٍ ﻻ ﻣﺤﺎﻟﺔ ،ﻓﺎﻏﺘﻨﻤﺖ ﻓﺮﺻﺔ اﻟﺬھﻮل ھﺬه ورﻣﯿﺖُ ﺑﺎﻟﻤﺴﺪس ﻓﻲ ﻏﺮﻓﺔ اﻟﻨﻮم اﻟﻤﺘﻔﺮﻋﺔ ﻋﻦ ﻗﺎﻋﺔ اﻟﺠﻠﻮس، وأردت أن أﻛﺴﺐ ﺑﻌﺾ اﻟﻮﻗﺖ .وﻟﺴﻮف ﯾﺒﺤﺚ اﻟﺤﺮاس ﻋﻦ اﻟﺴﻼح ،وﺣﯿﻦ ﯾﻔﺘﺸﻮن اﻟﻐﺮﻓﺔ ﯾﺠﺪوﻧﮫ ،وھﺬا ﻣﺎ ﻟﻦ ﯾﺘﺄﺧﺮ ﺣﺼﻮﻟﮫ. وﻋﻠﻰ ﺑﻌﺪ ﻣﺘﺮﯾﻦ ﻣﻨﻲ ،رأﯾﺖُ ﺟﺴﺪ اﻟﻤﯿﻠﯿﺸﯿﻮيّ ﯾﺪور ﻋﻠﻰ ﻧﻔﺴﮫ أرﺿﺎً ،وﯾﺘﻮﻗﻒ ﺑﻼ ﺣﺮاك. ﺗﻢ ﻟﻲ ﻣﺎ أردت ،وﻧﺠﺤﺖُ ﻓﻲ اﻟﻘﯿﺎم ﺑﻌﻤﻠﯿﺘﻲ.
115
اﻟﺘﻮﻗﯿﻒ ﻣﺎﺗﺮاه ﯾﺤﺪث ﻟﻲ اﻵن؟ ﻣﻨﺬ أن ﻗﺮرت اﻟﻘﯿﺎم ﺑﺎﻟﻌﻤﻠﯿﺔ اﻟﻰ ﺧﺘﺎﻣﮭﺎ ،ﻟﻢ أﻛﻒ ﻋﻦ ﻃﺮح اﻟﺘﺴﺎؤل ﻋﻠﻰ ﻧﻔﺴﻲ ،أﻟﻒ ﻣﺮة وﻣﺮة ،ﻣﻦ دون أن أﻟﻘﻰ اﻟﺠﻮاب اﻟﺸﺎﻓﻲ .ﻓﻲ ﻣﺨﻄﻄﺎﺗﻨﺎ ﻟﻢ ﯾﻜﻦ ﻣﺘﻮﻗﻌﺎً أن أﻧﺠﻮ ﺑﻨﻔﺴﻲ أو أن ﯾﺄﺗﻲ أﺣﺪ ﻟﻨﺠﺪﺗﻲ .ﻛﺎن ذﻟﻚ اﻷﻣﺮ ﺑﺎﻟﻎ اﻟﺨﻄﻮرة .ذﻟﻚ أن ﻣﻨﺰل أﻧﻄﻮان ﻟﺤﺪ ﻛﺎن ﺑﻤﺜﺎﺑﺔ ﻣﻌﺴﻜﺮ ﻣﻌﻨﺰل .وﻟﺌﻦ ﺗﺴﻨﻰ ﻟﻲ ،ﻣﺮة ﺛﺎﻧﯿﺔ ،إﻟﮭﺎء اﻟﺤﺮاس ﻟﻠﺪﺧﻮل اﻟﻰ اﻟﻤﻨﺰل ،وﻟﺰﻣﻨﻲ ﺳﺎﻋﺔ ﺑﺎﻟﻜﺎد ﺣﺘﻰ أﻃﻠﻖ اﻟﻨﺎر ﻋﻠﻰ ﻗﺎﺋﺪ اﻟﻤﯿﻠﯿﺸﯿﺎ اﻟﺘﺎﺑﻌﺔ ﻹﺳﺮاﺋﯿﻞ ،ﻓﺈن اﻟﻄﻠﻘﺘﯿﻦ ﻋﻤﻤﺘﺎ اﻹﻧﺬار ﻋﻠﻰ اﻟﺴﺎﻣﻌﯿﻦ. وﻏﺪا ﺗﻮﻗﯿﻔﻲ أﻣﺮاً ﻣﺤﺘﻮﻣﺎً. وﻟﻜﻦ ،ﻣﺎ ﺗﺮاھﻢ ﯾﻔﻌﻠﻮن ﺑﺸﺄﻧﻲ؟ ﯾﻌﺬﺑﻮﻧﻨﻲ؟ ﯾﻌﺪﻣﻮﻧﻨﻲ؟ ﻓﻲ اﻟﻤﺮة اﻷﺧﯿﺮة اﻟﺘﻲ ﺳﺒﻘﺖ ﻣﺠﯿﺌﻲ اﻟﻰ اﻟﻤﻨﻄﻘﺔ اﻟﺠﻨﻮﺑﯿﺔ ﻧﺎﻗﺸﺖُ ﻣﻊ أﺣﻤﺪ ﻣﺎ ﯾﻤﻜﻦ أن أﺻﯿﺮ إﻟﯿﮫ ﻓﻲ ﺣﺎل ﺗﻮﻗﯿﻔﻲ .وﻋﻠﻰ ﻣﺎ ﻇﻨﻨﺖُ ،ﻗﺪ أودع ﻓﻲ اﻟﺴﺠﻦ .داﺧﻞ اﻟﻤﻨﻄﻘﺔ اﻟﻤﺤﺘﻠﺔ ،ﻣﺎ داﻣﺖ أرﺿﺎً ﻻ اﺣﺘﻜﺎم ﻓﯿﮭﺎ اﻟﻰ ﻗﺎﻧﻮن أو ﺷﺮﻋﺔ ،ﺑﺤﯿﺚ ﯾُﺴﻮّغ اﻟﻤﺤﺘﻠﻮن ﻷﻧﻔﺴﮭﻢ اﻋﺘﻘﺎل اﻷﺷﺨﺎص ﻟﺴﻨﻮات ﻃﻮﯾﻠﺔ ،ﻣﻦ دون أن ﯾﻘﺪﻣﻮه ﻟﻠﻤﺤﺎﻛﻤﺔ .أﻣﺎ أﺣﻤﺪ ﻓﻜﺎن ﻣﻘﺘﻨﻌﺎً ﺑﺄﻧﮫ إذا ﺗﺴﻨﻰ ﻟﻲ اﻏﺘﯿﺎل أﻧﻄﻮان ﻟﺤﺪ ،ﻗﺎﺋﺪ ﺟﯿﺶ ﻟﺒﻨﺎن اﻟﺠﻨﻮﺑﻲ ،ﻓﺴﻮف أودع ﻓﻲ ﺳﺠﻦ إﺳﺮاﺋﯿﻞ ،ﻋﻠﻰ وﺟﮫ اﻟﺴﺮﻋﺔ .ﻏﯿﺮ أن ھﺬا اﻟﻘﺮار )ﺑﻨﻘﻞ اﻟﻤﻌﺘﻘﻠﯿﻦ( ﺑﺪا ﻟﮫ ﺑﻌﯿﺪ اﻻﺣﺘﻤﺎل ،ﻣﺎ داﻣﺖ اﺗﻔﺎﻗﯿﺎت
116
ﺟﻨﯿﻒ ﻓﻲ ﻣﺎ ﺧﺺ اﻷﺳﺮى ﺗﻤﻨﻊ ﻋﻠﻰ اﻟﺪوﻟﺔ اﻟﻤﺤﺘﻠﺔ ﻧﻘﻞ اﻟﻤﻮﻗﻮﻓﯿﻦ اﻟﻰ ﺑﻠﺪ آﺧﺮ. وﻓﻲ ﺧﻼل ھﺬا اﻟﻨﻘﺎش ،ذﻛﺮتُ ﻟﮫ إﻣﻜﺎﻧﯿﺔ اﻟﺘﻌﺬﯾﺐ ،ﻓﺮد ﻋﻠﻲ ﺑﺎﻟﻘﻮل" :ﺣﺪﺛﻲ وﻻ ﺣﺮج ﻓﻲ ھﺬا اﻟﺸﺄن" ،ﻣﻄﻤﺌﻨﺎً إﯾﺎي .ﻓﻲ اﻟﻮاﻗﻊ ،ﻟﻢ أﻛﻦ أﻋﺮف اﻟﻜﺜﯿﺮ ﺑﮭﺬا اﻟﺨﺼﻮص. وأﻧﺎ اﻟﻰ اﻟﯿﻮم ،ﻻ أﻋﺮف اﺳﻢ "أﺣﻤﺪ" اﻟﺤﻘﯿﻘﻲ ،وﻻ ﺷﺒﻜﺎت اﻟﻤﻘﺎوﻣﺔ اﻟﺘﻲ ﯾﺮﺗﺒﻂ ﺑﮭﺎ ﻓﻲ اﻟﺠﻨﻮب .إﻧﻤﺎ اﻛﺘﻔﻰ ﺑﺘﻮﺻﯿﺘﻲ ﺑﻌﺪم اﻹﯾﺤﺎء ﺑﺈﻣﻜﺎﻧﯿﺎت ﻋﻤﻠﯿﺎﺗﻨﺎ اﻷﺧﺮى اﻟﺘﻲ ﻛﻨﺎ ﺑﺼﺪدھﺎ ،اﺧﺘﻄﺎف إﺳﺮاﺋﯿﻠﻲ ،اﻟﻘﯿﺎم ﺑﻌﻤﻠﯿﺔ ﺿﺪ ﺟﮭﺎز اﻷﻣﻦ ،اﺧﺘﻄﺎف اﺑﻦ أﻧﻄﻮان ﻟﺤﺪ ،وھﺬا اﺧﺘﯿﺎر ﺗﺼﺪّﯾﺖُ ﻟﮫ ﺑﻌﻨﻒ ﺷﺪﯾﺪ ﻣﻨﺬ ﺑﺪاﯾﺔ ﺗﻌﺎوﻧﻨﺎ ،وﺣﺘﻰ ﻗﺒﻞ أن ﯾﺄﻟﻔﻨﻲ اﻟﺼﺒﻲ وآﻟﻔﮫ. إذاً ،ﺑﯿﻨﻤﺎ ﻛﻨﺖ ﻻ أزال ﺟﺎﻟﺴﺔً ﻓﻲ ﻣﻜﺎﻧﻲ ﻓﺈذا "ﺑﺴﯿﺰار" ﻣﺪﯾﺮ إذاﻋﺔ اﻟﺸﺮق اﻷوﺳﻂ ﻓﻲ ﻗﺎﻋﺔ اﻟﺠﻠﻮس ﻓﺄدرك اﻟﻮﺿﻊ ﺣﺎﻻً ،وﻗﻔﺰ اﻟﻰ ﺟﺎﻧﺒﻲ واﺿﻌﺎً ﯾﺪﯾﮫ ﻋﻠﻰ ﻛﺘﻔﻲ، وﺳﺄﻟﻨﻲ ﺑﺎﻟﻔﺮﻧﺴﯿﺔ: • • • •
"ﻟﻤﺎذا ﻗﻤﺖ ﺑﮭﺬا اﻷﻣﺮ؟ ﻟﻢ ﻗﺘﻠﺘﮫ؟؟" "إﻧﻤﺎ ھﻮ اﻟﺬي ﯾﻘﺘﻠﻨﺎ". "ﻣﻦ أرﺳﻠﻚ؟" "أﻧﺎ ﻋﻀﻮ ﻓﻲ اﻟﻤﻘﺎوﻣﺔ اﻟﻠﺒﻨﺎﻧﯿﺔ ،وأﻧﺘﻤﯿﻰ اﻟﻰ اﻟﺤﺰب اﻟﺸﯿﻮﻋﻲ اﻟﻠﺒﻨﺎﻧﻲ".
ﻓﻲ ھﺬه اﻟﻠﺤﻈﺎت ،ﺟﻌﻞ ﺳﯿﺰار ﯾﺒﻌﺪ ﻣﯿﻨﺮﻓﺎ ﻋﻨﻲ ،وھﻲ ﺗﺴﻌﻰ اﻟﻰ ﺿﺮﺑﻲ ،وﺗﻨﺪﻓﻊ اﻟﻰ اﻟﮭﺎﺗﻒ ﻃﺎﻟﺒﺔ اﻟﻨﺠﺪة. دﺧﻞ ﺟﻨﺪي ،ﻋﺮﻓﺘﮫ ﻣﻦ ھﯿﺌﺘﮫ .ﻛﺎن ﯾﺪﻋﻰ إﺑﺮاھﯿﻢ. 117
وﺣﺎﻟﻤﺎ وﺻﻞ إﻟﻲ اﻧﺘﺰﻋﻨﻲ ﻋﻦ ﻣﻘﻌﺪي ،وأﺣﺎﻃﻨﻲ ﺑﺬراﻋﯿﮫ ﻣﻄﻮﻗﺎً إﯾﺎي ،واﺗﺠﮫ ﺑﻲ اﻟﻰ اﻟﺒﺎب .وﻣﺎ أن ﺑﻠﻐﮫ، ﺣﺘﻰ ﺳﻤﻌﻨﺎ أواﻣﺮ ﻣﻦ اﻟﺨﺎرج ﺑﺎﻻﺳﺘﺴﻼم .ﻓﺼﺎح ﺑﺮﻓﺎﻗﮫ" :ھﺬا أﻧﺎ ،ھﺬا أﻧﺎ ،ﻻ ﺗﻄﻠﻘﻮا اﻟﻨﺎر"! ﻓﻲ ھﺬه اﻷﺛﻨﺎء ،وﻧﺤﻦ ﻧﺠﺘﺎز ﻋﺘﺒﺔ اﻟﺒﯿﺖ ،ﺻﻮدف ﻣﺮور ﻟﺒﻨﺎﻧﻲ آﺧﺮ ،وھﻮ ﺗﺎﺟﺮ ﻣﻘﺮب ﻣﻦ اﻟﻠﺤﺪﯾﯿﻦ ،وﻗﺪ اﻧﺪﻓﻊ اﻟﻰ اﻟﻤﻜﺎن ﻣﻊ إﺑﺮاھﯿﻢ ﺣﯿﻦ ﺳﻤﻌﺎ ﻃﻠﻘﺘﻲ اﻟﻨﺎر. ﻋﺮﻓﺘﮫ ،ﺑﺪوره ،ﻛﺎن ﺻﺪﯾﻖ اﻟﻄﻔﻮﻟﺔ ﻻﻣﻊ ،وھﻮ ﻣﻦ ﻗﺮﯾﺔ دﯾﺮ ﻣﯿﻤﺎس أﯾﻀﺎً .ﻛﺎن واﻟﺪه ﻗﺎﺋﺪ اﻟﺤﺮس ﻓﻲ ﻣﻌﺘﻘﻞ اﻟﺨﯿﺎم .ﻧﻈﺮ إﻟﻲ ﻻﻣﻊ واﻟﺬھﻮل ﯾﻤﻸ ﻋﯿﻨﯿﮫ .وﺑﺪوري ،ﻟﻢ أﺧﻒِ دھﺸﺘﻲ ﻣﻦ اﻛﺘﺸﺎﻓﮫ ھﮭﻨﺎ .ﻟﻠﺤﺎل ،رأﯾﺘﮫ وﻗﺪ أﺧﺬ رأﺳﮫ ﺑﯿﻦ ﯾﺪﯾﮫ ،ذﻟﯿﻼً ،وﺗﺎﺑﻌﺖُ ﺳﺒﯿﻠﻲ ﻣﻦ دون أن ﺗﺼﺪر ﻣﻨﻲ أي ﻛﻠﻤﺔ. وﻣﻦ ﺛﻢ ﺳﺎﻗﻨﻲ اﻟﺤﺮاس اﻟﻰ ﻣﺮاﻛﺰھﻢ ﻓﻲ ذﻟﻚ اﻟﻤﻜﺎن. دﻓﻊ ﺑﻲ أﺣﺪھﻢ اﻟﻰ داﺧﻠﮫ ،ﺛﻢ رﻣﺎﻧﻲ ﻋﻠﻰ اﻟﻜﺮﺳﻲ . وأﻣﺴﻚ ﺑﺴﻮط وراح ﯾﻀﺮﺑﻨﻲ ﺑﮫ .ﺗﻮﻗﻒ ،ﻟﺤﻈﺔ ،ﻋﻦ اﻟﻀﺮب ﻟﯿﻨﺘﺰع ﺣﺬاﺋﻲ ودﺑﺎﺑﯿﺲ ﺷﻌﺮي ،وﻋﺎود اﻟﻀﺮب .وﻛﺎﻧﺖ اﻟﺠﻠﺪات ﻋﻠﻰ إﯾﻘﺎع اﻷﺳﺌﻠﺔ" .ﻣﻦ أرﺳﻠﻚ؟ أﯾﻦ ھﻢ أﺻﺪﻗﺎؤك؟ ﻣﺎذا ﯾﻌﺮف ﻋﺼﺎم؟" أﻣﺎ أﻧﺎ ﻓﺒﻘﯿﺖ ﺑﻜﻤﺎء. ﻛﻒ اﻟﺤﺎرس ﻋﻦ اﻟﻀﺮب ووﺿﻊ اﻷﺻﻔﺎد ﺣﻮل ﻣﻌﺼﻤﻲ .وﺗﺮﻛﻨﻲ ﻋﻠﻰ اﻟﻜﺮﺳﻲ ،وﯾﺪاي ﻣﻜﺒﻠﺘﺎن .وﻟﻢ ﺗﻤﺾ ﻟﺤﻈﺎت ،ﺣﺘﻰ دﺧﻞ ﻓﺮﯾﻖ ﻣﻦ اﻟﺮﺟﺎل .ﻛﺎﻧﻮا ﺳﺘﺔ أو ﺛﻤﺎﻧﯿﺔ إﺳﺮاﺋﯿﻠﯿﯿﻦ .رﻣﻘﻮﻧﻲ ﺑﻨﻈﺮة واﺣﺪة وأﺧﻠﻮا
118
اﻟﻐﺮﻓﺔ ﻣﻦ دون أن ﯾﻨﺒﺴﻮا ﺑﻜﻠﻤﺔ واﺣﺪة .وﻋﺎد اﻟﺤﺎرس، وأﺧﺮج ﻣﺴﺪﺳﮫ ﻣﻦ ﻗﺮاﺑﮫ ووﺿﻊ ﻓﻮھﺘﮫ ﻋﻠﻰ ﺻﺪﻏﻲ. "ﺗﻜﻠﻤﻲ ،أو أﻗﺘﻠﻚ" ".ﺳﺒﻖ أن ﻗﻠﺖُ ﻛﻞ ﺷﻲء". ﺑﻘﯿﺖُ ھﺎدﺋﺔ ،رﻏﻢ ﻛﻞ اﻟﻈﺮوف .وﻗﺪ ﺗﺒﯿﻦ ﻟﻲ ،ﻓﯿﻤﺎ ﺑﻌﺪ أن ﺳﯿﺰار ﺣﯿﻦ أﻋﺪ ﺗﻘﺮﯾﺮه ،أﺧﺬ ھﺬا اﻷﻣﺮ ﻓﻲ اﻋﺘﺒﺎره، ﻣﺸﺪداً ﻋﻠﯿﮫ .ﻓﮭﻮ ﺣﺎﻟﻤﺎ اﻛﺘﺸﻒ ﺣﻀﻮري ﻓﻲ ﻗﺎﻋﺔ اﻟﺠﻠﻮس ،ﻛﻨﺖُ ﻻ أزال ﺳﺎﻛﻨﺔ اﻟﻔﺆاد ،ﺣﺘﻰ أﻧﻨﻲ اﺑﺘﺴﻤﺖُ اﺑﺘﺴﺎﻣﺔ ﻃﻔﯿﻔﺔ .وھﺬا ﻗﺪ ﯾﺒﺪو ﻟﺴﯿﺰار ﻋﺼﯿﺎً ﻋﻠﻰ اﻟﺘﺼﺪﯾﻖ ،إﻻ أن أﻣﺮاً أﺳﺎﺳﯿﺎً ﻟﻠﻐﺎﯾﺔ ﻗﺪ ﺟﺮى ﻓﻲ داﺧﻠﻲ. إذ رأﯾﺘﻨﻲ أﻧﺰع ﻋﻨﻲ ﻧﮭﺎﺋﯿﺎً ﻗﻨﺎع اﻟﻄﺎﻟﺒﺔ اﻟﺴﻄﺤﯿﺔ ،وﻏﯿﺮ اﻟﻤﺒﺎﻟﯿﺔ .وﻛﻨﺖ ﻟﻄﺎﻟﻤﺎ ﻋﺸﺖُ ﻓﻲ ﺣﺎل ﻣﻦ اﻧﻔﺼﺎم اﻟﺸﺨﺼﯿﺔ ،ﻣﻦ ﻏﯿﺮ أن ﯾﺘﺴﻨﻰ ﻟﻲ اﻟﺘﺼﺮﯾﺢ ﺑﺤﻘﯿﻘﺘﻲ ،أو اﻟﺒﻮح ﺑﻤﺎ أﺷﻌﺮ ﺑﮫ ﺣﻘﯿﻘﺔ ﻷي ﻣﺨﻠﻮق ،ﻣﺎ ﻋﺪا اﻟﺸﺨﺼﯿﻦ "ﻣﺎزن" و" أﺣﻤﺪ" .ﻟﻘﺪ ﻛﺬﺑﺖ ،ﻷﺷﮭﺮ وأﺷﮭﺮ ،وأﺧﻔﯿﺖ ﻣﺎ أﺿﻤﺮه ﺣﺘﻰ ﻋﻦ أﻗﺮب اﻟﻨﺎس إﻟﻲ ،وﺧﺪﻋﺘﮭﻢ، وﻟﻜﻨﻨﻲ ،ﻣﻨﺬ أن أﻃﻠﻘﺖُ اﻟﻨﺎر ﻋﻠﻰ أﻧﻄﻮان ﻟﺤﺪ ،ﺻﺎر ﺑﺈﻣﻜﺎﻧﻲ اﻟﺘﺼﺮﯾﺢ ﻋﻦ ھﻮﯾﺘﻲ وﻋﻦ أﻓﻜﺎري. وإذا وﺟﺪﺗﻨﻲ أﺧﯿﺮًا ﻓﻲ ﻣﻮاﺟﮭﺔ أﻋﺪاﺋﻲ ،ﻟﻢ ﯾﻌﺪ ﻟﻲ ﻣﻦ أدوار أﺧﺮى أؤدﯾﮭﺎ. رأﯾﺖ اﻟﺤﺎرس ﯾﺮﺳﻞ ﺗﻨﮭﺪاﺗﮫ ،ﺳﺤﺐ ﻣﺴﺪﺳﮫ ﻣﻦ ﺻﺪﻏﻲ ،وأﺧﺮج اﻟﻄﻠﻘﺎت ﻣﻦ ﻣﺎﺳﻮرﺗﮫ ،وأﻣﺴﻚ ﺑﺴﻮﻃﮫ ﺛﺎﻧﯿﺔ .ﺛﻢ اﻧﮭﺎل ﻋﻠﻲ ﺿﺮﺑﺎً وﺑﻼ ﺷﻔﻘﺔ .ﻓﺮﺣﺖُ أﺻﯿﺢ ﻣﻦ اﻷﻟﻢ.
119
ﻣﻀﻰ زﻣﻦ ﺣﺴﺒﺘﮫ دھﺮاً ،ﺳﻤﻌﻨﺎ إﺛﺮه ﻃﺮﻗﺎً ﻋﻠﻰ اﻟﺒﺎب. دﺧﻞ رﺟﻼن .وﺿﻊ اﻟﺤﺎرس ﻏﻄﺎءً ﻋﻠﻰ رأﺳﻲ .ﻛﺒﻠﻮا ﻗﺪﻣﻲ وﻣﻀﻮا ﺑﻲ .وﻟﻠﺘﻘﺪم ،رﺣﺖ أﻗﻔﺰ وﻗﺪﻣﺎي ﻣﻀﻤﻮﻣﺘﺎن .ﻓﺴﻤﻌﺖُ ﺻﻮﺗﺎً " :ﻻﺗﺰال ﻗﺎدرة ﻋﻠﻰ اﻟﻘﻔﺰ!" .وﻋﺎد ﺻﺎﺣﺐ اﻟﺼﻮت اﻟﻰ اﻟﻜﻼم ،ﻣﺨﺎﻃﺒﺎً إﯾﺎي" :ﻋﻤﻞ ﺟﯿﺪ ،ﺑﺮاﻓﻮ ﻋﻠﯿﻚ ﻗﺘﻠﺘﮫ!" .أﻣﺴﻜﻨﻲ ھﺆﻻء ﺑﻜﺘﻔﻲ ورﻣﻮﻧﻲ ﻓﻲ ﺻﻨﺪوق ﺳﯿﺎرة ،وﺳﺮﻋﺎن ﻣﺎ أﻗﻠﻌﺖ زاﻋﻘﺔً .وإذا ﻣﺎ ﺑﻠﻐﻨﺎ ﻣﻜﺎﻧﺎً ﺑﺪا ﻟﻲ أﻧﮫ ﻣﻌﺴﻜﺮ ﺗﺎﺑﻊ ﻟﺠﯿﺶ ﻟﺒﻨﺎن اﻟﺠﻨﺒﻮﺑﻲ ،اﺳﺘﺒﺪل ھﺆﻻء ﺳﯿﺎرة ﺑﺄﺧﺮى .ﻓﺘﻮﻻﻧﻲ اﻧﻄﺒﺎع ﺑﺄﻧﻨﺎ ﺻﺎﻋﺪون ﺑﺎﺗﺠﺎه اﻟﺨﯿﺎم ،اﻟﺘﻲ ﺗﺒﻌﺪ ﺑﻀﻌﺔ ﻛﯿﻠﻮﻣﺘﺮات ﻋﻦ ﻣﺮﺟﻌﯿﻮن ،ﻧﻈﺮاً ﻟﻤﯿﻼن اﻟﺴﯿﺎرة ﺻﻌﻮداً .وﻛﺎن اﻟﻤﻌﺴﻜﺮ اﻟﻘﺪﯾﻢ ﻗﺪ ﺗﺤﻮل ﻓﻲ ﺧﻼل اﻟﺴﻨﻮات اﻷﺧﯿﺮة ،اﻟﻰ ﻣﻌﺘﻘﻞ ذي ﺻﻮرة ﺑﺎﻋﺜﺔ ﻋﻠﻰ اﻟﺮﻋﺐ .وﻓﯿﻤﺎ ﻛﻨﺎ ﻧﺴﯿﺮ ،ﻇﻞ اﻟﺮاﻛﺐ ﻓﻲ اﻟﻤﻘﻌﺪ اﻷﻣﺎﻣﻲ ﯾﺸﺘﻤﻨﻲ ،وﯾﻮﺟﮫ إﻟﻲ ﻛﻠﻤﺎت ﻧﺎﺑﯿﺔ وﻓﻈﺔ ،ذات دﻻﻟﺔ ﺟﻨﺴﯿﺔ ﺑﺎﻷﺧﺺ .ﻛﺎن ﯾﻘﻮل" :إذا ﻛﻨﺖِ ﺿﺎﺟﻌﺖِ رﺟﺎل ﺣﺎﺻﺒﯿﺎ ،ﻓﺴﻮف ﺗﺮﯾﻦ ﻛﯿﻒ ﺗﻀﺎﺟﻌﯿﻨﻨﺎ ﻧﺤﻦ" .وﺟﻌﻞ ﯾﻤﺮ ﯾﺪﯾﮫ ﻋﻠﻰ ﺟﺴﻤﻲ ﺑﻮﻗﺎﺣﺔ ﺗﺎﻣﺔ ،وﻟﻜﻦ ﺗﻤﻜﻨﺖُ ﻣﻨﮫ ﺑﻌﻀﺔ ،رﻏﻢ ﺣﺎﻟﻲ .وﺑﻌﺪ ﺗﻮﻗﻒ ﺛﺎن وﺗﺒﺪﯾﻞ آﺧﺮ ﻟﻠﺴﯿﺎرة ،أُﻧﺰﻟﺖُ ،وأُﺟﻠﺴﺖ ﻋﻠﻰ اﻟﻤﻘﻌﺪ اﻟﺨﻠﻔﻲ .وﻟﻢ ﯾﻤﺾ زﻣﻦ ﻗﺼﯿﺮ ﺣﺘﻰ ﺗﺤﻘﻘﺖ ﻣﻦ ھﻮﯾﺔ أﺣﺪ اﻟﻤﺮاﻓﻘﯿﻦ اﻟﺬﯾﻦ أﺗﻰ ﺑﮭﻢ .وﻛﺎن أﺣﺪ ﻗﺎدة ﺟﮭﺎز اﻷﻣﻦ ﻓﻲ ﻣﺮﺟﻌﯿﻮن ،وﯾﺪﻋﻰ "أﺑﻮ ﺳﻤﯿﺮ" ،ﺻﺪﯾﻖ ﻗﺮﯾﺒﻲ ﻋﺼﺎم، وھﻮ ﺟﻨﺪي ﺳﺎﺑﻖ ﻓﻲ اﻟﺠﯿﺶ اﻟﻠﺒﻨﺎﻧﻲ. وﻟﻤﺎ ﻛﺎﻧﺖ اﻟﺴﯿﺎرة ﺗﺠﺘﺎز ﻛﯿﻠﻮﻣﺘﺮات أﺧﺮى أﺑﻌﺪ ﻣﻦ اﻟﺨﯿﺎم ،أدرﻛﺖُ ﻟﻠﺘﻮ أﻧﮭﻢ ﯾﺄﺧﺬوﻧﻨﻲ اﻟﻰ إﺳﺮاﺋﯿﻞ . ﻓﺎﻟﻤﺴﺄﻟﺔ ھﻲ أﺧﻄﺮ ﺑﻜﺜﯿﺮ ﻣﻦ أن ﯾﻌﺎﻟﺠﮭﺎ اﻟﻠﺒﻨﺎﻧﯿﻮن 120
ﺑﻤﻔﺮدھﻢ .اﺟﺘﺎزت اﻟﺴﯿﺎرة ﺑﻨﺎ اﻟﺤﺪود ﺛﻢ ﺗﻮﻗﻔﺖ ﻓﻲ ﻣﺎ ﯾﺸﺒﮫ اﻟﺜﻜﻨﺔ .ﺗﺴﻤﺮت اﻟﺴﯿﺎرة ﻓﻲ ﻣﻜﺎﻧﮭﺎ .أُﻧﺰﻟﺖ ﻣﻨﮭﺎ، ﺳُﻤﺢ ﻟﻲ أن أﺟﻮل ﺣﺮة اﻟﻌﯿﻨﯿﻦ ،ﺑﻼ ﻏﻄﺎء اﻟﺮأس. أُدﺧﻠﺖُ اﻟﻰ أﺣﺪ اﻟﻤﻜﺎﺗﺐ .ﻓﺎﺗﺠﮭﺖُ ،ﻣﻘﯿﺪة اﻟﯿﺪﯾﻦ واﻟﻘﺪﻣﯿﻦ اﻟﻰ ﻛﺮﺳﻲ ،وﺟﻠﺴﺖ. دﺧﻞ رﺟﻞ ،ﻋﺮﻓﺖ ﻓﯿﻤﺎ ﺑﻌﺪ أﻧﮫ ﯾﺪﻋﻰ ﻃﻮﻣﻲ ،ﺟﻠﺲ ﻗﺒﺎﻟﺘﻲ ،وﺷﺮع ﻓﻲ اﻻﺳﺘﺠﻮاب ،ﻣﺎ إﺳﻤﻲ؟ ﻣﻦ أرﺳﻠﻨﻲ اﻟﻰ ﻣﺮﺟﻌﯿﻮن ﻟﻘﺘﻞ أﻧﻄﻮان ﻟﺤﺪ؟ ﻣﺎ ھﻮ دور ﻋﺼﺎم ﻓﻲ اﻟﻤﺴﺄﻟﺔ؟ ورﺣﺖ أﺟﯿﺐ ﻋﻦ ﻛﻞ ھﺬه اﻷﺳﺌﻠﺔ ﺑﺈﯾﺠﺎز ﻛﻠﻲ، ﺛﻢ راح ﯾﻌﺪد ﻟﻲ ﺳﻠﺴﻠﺔ ﻣﻦ اﻷﺳﻤﺎء ﻟﻠﺒﻨﺎﻧﯿﯿﻦ ،وﺳﺄﻟﻨﻲ إن ﻛﺎن ﻟﺪي ﺻﻼت ﺑﻌﺎﺋﻠﺔ ﺧﻮري .ﻓﺄﻧﻜﺮتُ ﻣﻌﺮﻓﺘﻲ ﺑﺄي ﺷﺨﺺ ﻣﻦ ھﺬه اﻟﻌﺎﺋﻠﺔ .ﻓﺄﻣﺴﻜﻨﻲ ورﻣﺎﻧﻲ ﺑﻘﺴﻮة ﻋﻠﻰ ﻛﺮﺳﻲ أﺧﺮى وﻋﺎد اﻟﻰ ﻣﮭﻤﺘﮫ .وﻣﻀﻰ ﯾﺼﺮ ﻋﻠﻰ ھﺬه اﻟﻜﻨﯿﺔ ﺑﺎﻟﺘﺤﺪﯾﺪ .ﻓﻜﺮرتُ ﻟﮫ إﻧﻜﺎري .ﻟﻠﺤﺎل ،ﺗﺴﻠﻢ رﺟﻞ آﺧﺮ اﻟﻤﮭﻤﺔ ﻋﻨﮫ ،ودﻓﻌﻨﻲ ﺑﻘﻮة اﻟﻰ إﺣﺪى اﻟﻐﺮف ،وراح ﯾﺼﻔﻌﻨﻲ ﺻﻔﻌﺎً ﻣﺘﻮاﺻﻼً .ﺛﻢ رﻣﺎﻧﻲ أرﺿﺎً ،وﻋﺎد ﻋﻠﻰ أﻋﻘﺎﺑﮫ .ﺗﺤﺴﺴﺖ ﺧﺪي ،ﻓﻌﺮﻓﺖ أن ﺣﺸﻮة إﺣﺪى أﺳﻨﺎﻧﻲ ﺳﻘﻄﺖ ﻓﻲ ھﺬا اﻟﻤﻌﺘﺮك .وﻟﻢ أﻛﺪ أﻗﻔﺰ أرﺑﻊ ﻗﻔﺰات ﺣﺘﻰ ﺳﻘﻄﺖ أرﺿﺎً ،ﻣﻤﺎ ﺟﻌﻠﻨﻲ أﺑﺘﺴﻢ رﻏﻢ اﻟﻈﺮوف اﻵﻧﻔﺔ. ﻋﺎد اﻟﺮﺟﻞ وﻋﺎدت ﻣﻌﮫ ﻣﻌﺎﻣﻼت اﻟﻘﺴﻮة .وﺟﻌﻞ اﻹﺳﺮاﺋﯿﻠﻲ ﯾﮭﺪدﻧﻲ ﺑﺄﻟﻒ ﺗﻌﺬﯾﺐ وﺗﻌﺬﯾﺐ ،وﺑﺎﻻﻏﺘﺼﺎب اﻟﺪوري ،وﻻ ﺳﯿﻤﺎ ﺑﻨﻘﻠﻲ اﻟﻰ ﻣﻌﺘﻘﻞ اﻟﺨﯿﺎم .وﻣﺎ زال ﯾﺘﻘﺪم ﻧﺤﻮي ﺣﺘﻰ ﺗﺤﺴﺲ أزرار ﺛﯿﺎﺑﻲ ﻟﯿﺜﺒﺖ ﻋﺰﻣﮫ ﻋﻠﻰ إﻧﻔﺎذ ﺗﮭﺪﯾﺪه .ﻏﯿﺮ أن اﻻﺳﺘﺠﻮاب ﺗﻮﻗﻒ ﻋﻨﺪ ھﺬا اﻟﺤﺪ، أﺧﯿﺮاً.
121
ﻋُﺼﺒﺖ ﻋﯿﻨﺎي ﺛﺎﻧﯿﺔً وﺳﯿﻖ ﺑﻲ اﻟﻰ ﺧﺎرج اﻟﺴﺠﻦ .وﻋﻠﻰ ﻧﺤﻮ ﻣﺎ ﻛﻨﺖ اﻓﺮﺗﻀﺘﮫ ،ﻋﺰم اﻹﺳﺮاﺋﯿﻠﯿﻮن ﻋﻠﻰ ﻧﻘﻠﻲ اﻟﻰ اﻟﻤﻨﻄﻘﺔ اﻟﻤﺤﺘﻠﺔ ،ﻓﮭﻢ ﻻ ﯾﺮﻏﺒﻮن ﻓﻲ ﺳﺠﯿﻨﺔ ﻣﺰﻋﺠﺔ، اﻟﻰ ھﺬا اﻟﺤﺪ. ﺳﺎرت ﺑﻨﺎ اﻟﺴﯿﺎرة دﻗﺎﺋﻖ ﻣﻌﺪودة ،ﺣﺘﻰ ﺑﻠﻐﻨﺎ اﻟﻤﻜﺎن اﻟﻤﻘﺼﻮد ،ﺣﯿﺚ ﺑﺎت ﻋﻠﻲ أن أﺳﺘﻘﺮ ﻧﮭﺎﺋﯿﺎً .إذاً ،وﺻﻠﺖُ ﻟﺘﻮي اﻟﻰ داﺧﻞ ﻣﻌﺘﻘﻞ اﻟﺨﯿﺎم ،اﻟﺬي اﻧﻘﻀﻰ ﻋﻠﻰ ﻣﺮورﻧﺎ ﺑﮫ ﻟﺤﻈﺎت ،ﻟﯿﺲ إﻻ .ﻛﺎن اﻟﻮﻗﺖ ﻗﺪ ﺗﺠﺎوز ﻣﻨﺘﺼﻒ اﻟﻠﯿﻞ ،ﺑﻘﻠﯿﻞ .وﻛﺎن ﻟﺪي اﻻﻧﻄﺒﺎع ﺑﺄﻧﻲ واﻗﻔﺔ ﻓﻲ ﺧﯿﻤﺔ ﻛﺒﯿﺮة ،وﻗﺪ ﺗﺒﯿﻦ ﻟﻲ ﻓﯿﻤﺎ ﺑﻌﺪ أﻧﻲ ﻓﻲ أﻣﻜﻨﺔ اﻟﺘﻌﺬﯾﺐ .دﺧﻞ رﺟﻞ ﻟﺒﻨﺎﻧﻲ .ﯾﺪﻋﻰ ﺳﻤﯿﺮ ،وھﻮ اﺑﻦ أﺑﻲ ﺳﻤﯿﺮ .أﻣﺎ اﺳﻤﮫ اﻟﺤﺮﻛﻲ ﻓﻲ اﻟﻤﻌﺘﻘﻞ ،ﺣﯿﺚ ﻛﻞ ﻓﺮد ﻓﯿﮫ ﻻ ﯾﺪﻋﻰ ﺑﺎﺳﻤﮫ ،ﻓﮭﻮ ﺳﺎﻣﺮ .وﻛﺎن ھﺬا اﻷﺧﯿﺮ ﻣﻮﻟﺠﺎً ﺑﺎﻻﺳﺘﺠﻮاﺑﺎت ﻓﻲ ھﺬا اﻟﺴﺠﻦ اﻟﺨﺎص وﻟﺴﻮف ﯾﻜﻮن ﻟﮫ، ﻣﻨﺬ اﻟﻠﺤﻈﺔ ،اﻟﻌﻨﺎﯾﺔ ﺑﻮﺿﻌﻲ. ﻋُﮭﺪ ﺑﻲ اﻟﻰ ﺣﺎرﺳﺔ راﺣﺖ ﺗﻨﺰع ﻋﻨﻲ ﺛﯿﺎﺑﻲ وﺗﻔﺘﺸﻨﻲ. وﺳﺎﻗﺘﻨﻲ ،ﺑﻌﺪ ذﻟﻚ ،اﻟﻰ اﺣﺪى اﻟﻐﺮف اﻟﻤﺨﺼﺼﺔ ﻟﻼﺳﺘﺠﻮاﺑﺎت .وأﻟﻔﯿﺘﻨﻲ إزاء رﺟﻞ ،وأﻧﺎ ﻣﺎ زﻟﺖ ﻣﻌﺼﻮﺑﺔ اﻟﻌﯿﻨﯿﻦ وﻣﻜﺒﻠﺔ اﻷﻃﺮاف .وراﺣﺖ اﻷﺳﺌﻠﺔ ﺗﺘﻮاﻟﻰ ﻋﻠﻲ. "ﻣﺎ ھﻮ دور ﻋﺼﺎم اﻟﺤﻘﯿﻘﻲ؟"
ﻓﺄﻛﺪت ﻟﮫ أن ﻗﺮﯾﺒﻲ ﻋﺼﺎم ﻻ ﺻﻠﺔ ﻟﮫ اﻟﺒﺘﺔ ﺑﺎﻟﻌﻤﻠﯿﺔ، ﻏﯿﺮ أن ﻣﺴﺘﺠﻮﺑﻲ ﻟﻢ ﺗﻘﻨﻌﮫ إﺟﺎﺑﺘﻲ ﻋﻠﻰ اﻹﻃﻼق . ﻓﻤﻀﻰ ﯾﺮﺑﻂ ﯾﺪي ﺑﻤﺴﺮﯾﯿﻦ ﻛﮭﺮﺑﺎﺋﯿﯿﻦ ﻣﻮﺻﻮﻟﯿﻦ ﺑﻤﻮﻟﺪ.
122
وﻛﺎن ﻟﻲ أن أﻋﺮف اﻟﺘﻌﺬﯾﺐ ﺑﺎﻟﻜﮭﺮﺑﺎء .وﻛﺎن اﻷﻟﻢ اﻟﺬي ازداد ﺗﺮﻛﯿﺰاً ﯾﺪﻓﻌﻨﻲ اﻟﻰ اﻟﺼﺮاخ اﻟﺤﺎد واﻟﻤﺘﺘﺎﻟﻲ واﻟﻤﺘﺼﺎﻋﺪ .وﺟﻌﻞ ﻣﻌﺬﺑﻲ ﯾﺪس ﻓﻲ ﻛﻤﺎﻣﺔ ﻷﺳﻜﺖ. وﻟﺌﻦ ﻛﻨﺖ ،ﺷﺄن ﻛﻞ اﻟﻨﺎس ،ﺗﻌﺮﺿﺖُ ﻟﺸﺤﻨﺔ ﻛﮭﺮﺑﺎﺋﯿﺔ ﺑﺼﻮرة ﻻ إرادﯾﺔ ،ﻛﺄن ﯾﻤﺴﻨﻲ اﻟﺘﯿﺎر ﻣﻦ ﻣﻨﺸﺐ ﻛﮭﺮﺑﺎﺋﻲ أو ﻣﻦ ﺷﺮﯾﻂ ﻋﺎر ،ﻓﺈﻧﻲ ﻏﺪوت ﻷﯾﺎم ﻋﺮﺿﺔ ﻟﺸﺤﻨﺎت ﻛﮭﺮﺑﺎﺋﯿﺔ ﻣﺘﻮاﺻﻠﺔ وﻣﻤﺘﺪة اﻟﻰ ﻛﻞ أﻃﺮاف اﻟﺠﺴﻢ وﺧﻼﯾﺎه .وﺗﺎﺑﻊ اﻟﺮﺟﻞ ﻋﻤﻠﮫ ،ﻣﻦ دون أن ﺗﺜﻨﯿﮫ ﺗﻮﺳﻼﺗﻲ وآﻻﻣﻲ ،وﻇﻞ ﯾﻄﺮح ﻋﻠﻲ أﺳﺌﻠﺘﮫ: "إن ﺗﻜﻠﻤﺖ ،أوﻗﻔﺖُ ذﻟﻚ".
وﻟﻤﺎ ﻛﻨﺖُ ﻻ أزال ﻣﻌﺎﻧﺪة ،ﻗﺎم اﻟﻰ دﻟﻮ وﺳﻜﺐ اﻟﻤﺎء، ﺑﻐﺘﺔ ،ﻛﻞ ﯾﺪي ،ﻓﺼﺎر اﻷﻟﻢ ﻻ ﯾﻄﺎق .ورﺣﺖ أﺻﺮخ وأﺻﺮخ: "إرﻓﻊ ھﺬا أُﺟﺒﻚ". ﻟﻠﺤﺎل ،ﺗﻮﻗﻒ وﺣﻞ ﯾﺪي .وﺳﺮﻋﺎن ﻣﺎ رﺣﺖُ أﺣﻔﮭﻤﺎ ﺑﺜﯿﺎﺑﻲ ﻟﺘﺠﻔﺎ. وﺳﺄل: "ھﻞ ﯾﻨﺘﻤﻲ ﻋﺼﺎم اﻟﻰ اﻟﻤﻘﺎوﻣﺔ؟" "ﻧﻌﻢ". ﺗﺮددتُ ﻟﺤﻈﺔ ﻗﺒﻞ اﻹﺟﺎﺑﺔ. ﺗﺼﺮﻓﺖ وﺣﺪي وﻟﻢ ﯾﻜﻦ ﻟﻌﺼﺎم أي ﺻﻠﺔ ﻋﻠﻰ اﻹﻃﻼق، ﺑﺤﺮﻛﺘﻨﺎ .أﻋﺮف أﻧﻲ ﺳﻮف أﻛﺪر ﻟﮫ ﺣﯿﺎﺗﮫ أﯾﻤﺎ ﺗﻜﺪﯾﺮ 123
ﺑﺎدﻋﺎﺋﻲ ﺻﻠﺘﮫ ﺑﮭﺬه اﻟﻤﺴﺄﻟﺔ ،وھﻮ ﻟﻄﺎﻟﻤﺎ ﺳﻌﻰ وراء ﻣﺼﺎﻟﺤﮫ ،وﻟﻜﻦ اﻟﺨﻮف ﺗﻤﻠﻚ ﻛﯿﺎﻧﻲ .واﻟﺤﻖ ﯾﻘﺎل ،إﻧﻨﻲ ﻟﻢ أﻓﻜﺮ إﻻ ﻓﻲ ﻛﺴﺐ اﻟﻮﻗﺖ ،وﻓﻲ إﯾﻘﺎف ھﺬا اﻻﺳﺘﺠﻮاب ﺑﺎﻟﻤﻘﺎم اﻷول ،ﻟﻔﺮط ﻣﺎ أرھﺒﺘﻨﻲ ﺟﻠﺴﺔ اﻟﺘﻌﺬﯾﺐ اﻷوﻟﻰ ھﺬه .وﺑﺪا ﻟﻲ أن ﺟﻮاﺑﻲ أﻗﻨﻊ اﻟﺮﺟﻞ ،ﻏﯿﺮ أﻧﮫ وﻋﺪﻧﻲ ﺑﺠﻠﺴﺔ أﺷﺪ إﯾﻼﻣﺎً إن اﺗﻀﺢ ﻟﮫ ﻛﺬﺑﻲ. وﻣﻨﺬ أن ﻋﻢ ﺧﺒﺮ اﻟﻌﻤﻠﯿﺔ ،ﻟﺴﺖ ﺳﺎﻋﺎت ﺧﻠﺖْ ،ﺷﺮع أﻓﺮاد ﺟﯿﺶ ﻟﺒﻨﺎن اﻟﺠﻨﻮﺑﻲ وﺟﮭﺎز اﻷﻣﻦ ﺑﺤﻤﻼت ﺗﻔﺘﯿﺶ واﺳﻌﺔ ﻓﻲ اﻟﻤﻨﻄﻘﺔ اﻟﺠﻨﻮﺑﯿﺔ اﻟﻤﺤﺘﻠﺔ .ﻛﺎن ﻋﺼﺎم أول اﻟﻤﻌﺘﻘﻠﯿﻦ ﻣﺎ دﻣﺖُ ﻣﻘﯿﻤﺔ ﻓﻲ ﻣﻨﺰﻟﮫ .وﻓﯿﻤﺎ ﺑﻌﺪ ،اﻋﺘﻘﻠﺖ زوﺟﺘﮫ وﺳﺠﻨﺖ أرﺑﻌﺔ أﯾﺎم ﻷﻧﮭﺎ ﺣﺎوﻟﺖ ﺗﻤﺮﯾﺮ رﺳﺎﻟﺔ ﺑﺎﻟﺮوﺳﯿﺔ اﻟﻰ زوﺟﮭﺎ .ﻓﻤﺎ ﻛﺎن "اﻋﺘﺮاﻓﻲ" ﻟﯿﺴﮭﻢ ﻓﻲ إﻃﻼﻗﮭﻤﺎ ،ﻋﻠﻰ وﺟﮫ اﻟﺴﺮﻋﺔ .وھﺬا أﻗﻞ ﻣﺎ ﯾﻤﻜﻨﻨﻲ ﻗﻮﻟﮫ، ﺑﮭﺬا اﻟﺸﺄن. وﻓﻲ ﻣﺮﺟﻌﯿﻮن ،دﺧﻞ ھﺆﻻء اﻟﻤﻔﺘﺸﻮن اﻟﻰ ﻏﺮﻓﺘﻲ، وﻗﻠﺒﻮا ﻛﻞ ﻣﺎ ﻓﯿﮭﺎ رأﺳﺎً ﻋﻠﻰ ﻋﻘﺐ .ﻏﯿﺮ أﻧﮭﻢ ﻟﻢ ﯾﻘﻌﻮا ﻋﻠﻰ ﻣﺴﺪﺳﻲ اﻷول ،اﻟﺬي ﻛﻨﺖ ﺧﺒﺄﺗﮫ داﺧﻞ ﺟﮭﺎز اﻟﺘﻠﻔﺰﯾﻮن .وﻛﺎن ﻋﻠﻲ ان أﺣﺪد ﻟﺮﺟﺎل ﺟﮭﺎز اﻷﻣﻦ ﻣﻜﺎن وﺟﻮده ،ﻓﯿﻤﺎ ﺑﻌﺪ ،ﺣﺘﻰ ﯾﻀﻌﻮا ﯾﺪھﻢ ﻋﻠﯿﮫ. ﻛﻤﺎ أرﺳﻠﺖ دﻓﻌﺎت ﻣﻦ اﻟﺠﻨﻮد اﻟﻰ دﯾﺮ ﻣﯿﻤﺎس ،ﻓﻘﺒﻀﻮا ﻋﻠﻰ واﻟﺪﺗﻲ وﻋﻠﻰ ﻋﻤﻲ ،اﻟﺬي ﻛﺎن ﻣﺎﺿﯿﺎً اﻟﻰ ﻗﻄﺎف زﯾﺘﻮﻧﮫ ،واﻟﺬي ﺻﻮدف وﺟﻮده ﻓﻲ ﻣﻨﺰﻟﻨﺎ .ﻛﻤﺎ ﺳﯿﻘﺖ واﻟﺪﺗﻲ ،ﺗﺤﺖ ﺣﺮاﺳﺔ ﻣﺸﺪدة ،اﻟﻰ ﻣﻌﺘﻘﻞ اﻟﺨﯿﺎم ﺣﯿﺚ اﻋﺘﻘﻠﺖ ﻷﻛﺜﺮ ﻣﻦ ﺷﮭﺮ.
124
ﺑﻠﻎ ﻣﺠﻤﻮع أﻗﺎرﺑﻲ واﻟﻤﻘﺮﺑﯿﻦ ﻣﻨﻲ اﻟﻤﻌﺘﻘﻠﯿﻦ ﺣﻮاﻟﻲ اﻟﺴﺘﯿﻦ ،وﻣﻨﮭﻢ ﻣﻦ اﺳﺘﺠﻮب ،وأﻏﻠﺒﮭﻢ ﻋُﺬﺑﻮا ﻋﻠﻰ أﯾﺪي رﺟﺎل ﺟﯿﺶ ﻟﺒﻨﺎن اﻟﺠﻨﻮﺑﻲ .وﻛﺎﻧﺖ ﺻﺪﯾﻘﺘﻲ ﺣﻨﺎن اﻟﺨﻮﺑﻲ أوﻟﻰ اﻟﻤﻌﺘﻘﻼت .وﺣﯿﻦ ﺳﺄﻟﻨﻲ اﻹﺳﺮاﺋﯿﻠﯿﻮن إن ﻛﻨﺖ أﻋﺮف آل اﻟﺨﻮري ،أﺟﺒﺘﮭﻢ ﺻﺪﻗﺎً ﺑﺄﻧﻲ ﻻ أﻋﺮف أﺣﺪاً ﻣﻨﮭﻢ .ذﻟﻚ أﻧﻲ ﻟﻢ أﻛﻦ أدﻋﻮ "ﺣﻨﺎﻧﺎً" ﺑﻐﯿﺮ اﺳﻤﮭﺎ اﻷول ،ﺣﺘﻰ أﻧﻲ ﻧﺴﯿﺖ اﺳﻢ ﻋﺎﺋﻠﺘﮭﺎ ﻓﻐﺎب ﻋﻦ ﺧﺎﻃﺮي ﻛﻠﯿﺎً. وﻋﻠﯿﮫ ،ﻓﻘﺪ أُﺑﻠﻐﺖ ،ﻓﯿﻤﺎ ﺑﻌﺪ ،أن ﺻﺪﯾﻘﺔ ﻟﻲ ،أﺧﺮى، ﺗﺪﻋﻰ "ﺷﻔﯿﻘﺔ" ﻧﺎﻟﮭﺎ ﻣﺠﺪ اﻻﻋﺘﻘﺎل ﺳﺘﺔ أﺷﮭﺮ ﺑﻠﯿﺎﻟﯿﮭﺎ، وﻛﺬﻟﻚ اﻷﻣﺮ ،ﺑﺎﻟﻨﺴﺒﺔ ﻟﺼﻔﺎء ،وھﻲ ﺳﻜﺮﺗﯿﺮة ﻟﺪى ﻣﺴﺆول ﻣﺘﻌﺎون ﻣﻊ اﻹﺳﺮاﺋﯿﻠﯿﯿﻦ ،واﻟﺘﻲ ﻛﻨﺖ ﻣﻘﺮﺑﺔ ﻣﻨﮭﺎ ،ﻓﻨﺎﻟﺖ ﺑﺪورھﺎ أرﺑﻌﯿﻦ ﯾﻮﻣﺎً ﻣﻦ اﻟﺤﻔﺎوة اﻷﻟﯿﻤﺔ ﻋﯿﻨﮭﺎ .إﻻ أن أﯾﺎً ﻣﻦ ھﺆﻻء اﻟﺬﯾﻦ رﻣﻮا ﻓﻲ اﻟﺴﺠﻦ ﻟﻢ ﯾﻜﻦ ،ﺑﺎﻟﺘﺄﻛﯿﺪ ،ﻋﻠﻰ ﺑﯿﻨﺔ ﻣﻦ ﻣﺨﻄﻄﻲ. واﻧﺘﮭﻰ اﻻﺳﺘﺠﻮاب اﻷول .ﻛﺎن اﻟﻮﻗﺖ ﻓﻲ ﺣﺪود اﻟﺨﺎﻣﺴﺔ ﺻﺒﺎﺣﺎً .ﺳﺎﻗﻨﻲ اﻟﺤﺮاس اﻟﻰ زﻧﺰاﻧﺔ ﺗﺒﻠﻎ ﻣﺴﺎﺣﺘﮭﺎ ﺳﺘﺔ ﻋﺸﺮ ﻣﺘﺮاً ﺗﻘﺮﯾﺒﺎً ،وأﻏﻠﻘﻮا اﻟﺒﻮاﺑﺔ وراﺋﻲ ﺑﺎﻷﻗﻔﺎل .ﻟﻢ ﺗﻜﻦ اﻟﻐﺮﻓﺔ ﻓﺎرﻏﺔ .إذ ﺗﻤﯿﺰتُ ﻓﺮاﺷﯿﻦ ﻣﻮﺿﻮﻋﯿﻦ أرﺿﺎً ،وأﺣﺪھﻤﺎ اﻟﻰ اﻵﺧﺮ .ورأﯾﺖ اﻣﺮأة ﺷﺎﺑﺔ ﻣﺴﺘﻠﻘﯿﺔ ﻋﻠﻰ أﺣﺪھﻤﺎ .أﯾﻘﻈﮭﺎ دﺧﻮﻟﻲ اﻟﻰ اﻟﺰﻧﺰاﻧﺔ، ﻓﺎﻗﺘﺮﺑﺖ ﻣﻨﻲ وﺳﺄﻟﺘﻨﻲ ﻋﻦ اﺳﻤﻲ وﺳﺒﺐ اﻋﺘﻘﺎﻟﻲ، ﻓﺄﺧﺒﺮﺗﮭﺎ ﺑﺄﻧﻲ ﻗﺘﻠﺖُ اﻧﻄﻮان ﻟﺤﺪ .ﻓﺄﺧﺬت ﺗﮭﻠﻞ ﻟﻠﺒﺸﺮى وھﻨﺄﺗﻨﻲ ﻋﻠﻰ ﻋﻤﻠﻲ ،ﺛﻢ أردﻓﺖ ﺗﻘﻮل" :ﻟﻘﺪ أﺗﻮا ھﺬه اﻟﻠﯿﻠﺔ ﻓﻲ اﻟﺜﺎﻧﯿﺔ ﺻﺒﺎﺣﺎً ،ﻟﯿﻘﻮﻟﻮا ﻟﻲ أﻧﻲ ﺳﻮف أﺣﻈﻰ ﺑﺮﻓﻘﺔ". 125
ﺑﺪت ﻟﻲ ھﺬه اﻟﺮﻓﯿﻘﺔ اﻟﺒﺎﺋﺴﺔ ﻟﻄﯿﻔﺔ ﻟﻠﻐﺎﯾﺔ ﻣﻌﻲ ،إﻻ أﻧﻲ ﻇﻠﻠﺖ ﻣﺘﺤﻔﻈﺔ ﺣﯿﺎﻟﮭﺎ .ﻓﻘﺒﻞ أن ﯾﻐﺎدرﻧﻲ أﺣﻤﺪ ﺣﺬرﻧﻲ ﻣﻦ اﻟﺼﺪاﻗﺎت اﻟﻤﻌﻘﻮدة ﻓﻲ اﻟﺴﺠﻦ .وﻛﺎن ﯾﻌﺮف أن اﻟﻤﻌﺘﻘﻼت ﺗﻌﺞ ﺑﺎﻟﺠﻮاﺳﯿﺲ واﻟﺠﺎﺳﻮﺳﺎت .وﻣﺎ ﻛﺎن أﯾﺴﺮ أن ﯾﺘﻢ اﻋﺘﻘﺎل ﺷﺨﺺ ﻓﻲ اﻟﻤﻨﻄﻘﺔ اﻟﻤﺤﺘﻠﺔ ،وﻣﺎ أﻛﺜﺮ اﻷﺷﺨﺎص اﻟﺬﯾﻦ ﯾﺮﻣﻮن ﻓﻲ اﻟﺴﺠﻮن ﻟﻠﻔﻈﮭﻢ ﻋﺒﺎرة ﻧﻌﻢ أو ﻻ .ﺣﺘﻰ إذا وﺟﺪ اﻟﻤﺮء ﻧﻔﺴﮫ داﺧﻞ اﻟﺴﺠﻦ ،ﺗﺴﻮل ﻟﮫ ﻧﻔﺴﮫ اﻟﺘﻌﺎون ﻣﻊ ﺟﻼدﯾﮫ ،آﻣﻼً ﻓﻲ أن ﺗﺨﺘﺼﺮ اﻟﻤﻌﻠﻮﻣﺎت اﻟﺘﻲ ﯾﺤﺼﻞ ﻋﻠﯿﮭﺎ ﻣﻦ أﺣﺪھﻢ ،إﻗﺎﻣﺘﮫ ﻓﻲ اﻟﺴﺠﻦ .وﻻ ﺳﯿﻤﺎ إذا ﻛﺎن ھﺬا اﻟﺴﺠﻦ ﺣﻼ ﻣﻦ أي اﻟﺘﺰام أو ﻗﯿﻤﺔ .وﻛﺎن ﻟﺠﻠﺴﺎت اﻻﺳﺘﺠﻮاب أن ﺗﺴﺘﻤﺮ أﻛﺜﺮ ﻣﻦ ﺷﮭﺮﯾﻦ ﺑﺄﯾﺎﻣﮭﻤﺎ وﻟﯿﺎﻟﯿﮭﻤﺎ ،ﺛﻼث ﺟﻠﺴﺎت ﻓﻲ اﻟﯿﻮم اﻟﻮاﺣﺪ .وﻟﻢ ﯾﻜﻦ اﻟﻨﮭﺎر أﺷﻔﻰ ﺣﺎﻻً ﻣﻦ اﻟﻠﯿﻞ ،إذ ﻛﺎن ﯾﻤﻜﻦ أن ﺗﺠﺮي ھﺬه اﻟﺠﻠﺴﺎت ﻓﻲ ﻋﺰ اﻟﻠﯿﻞ .وأول ﻣﻦ اﺳﺘﺠﻮﺑﻨﻲ ﻛﺎن "ﻋﻮاد" ،وھﻮ ﻣﻦ دﯾﺮ ﻣﯿﻤﺎس ،ﺑﻌﯿﺪ وﺻﻮﻟﻲ اﻟﻰ اﻟﻤﻌﺘﻘﻞ .وﻣﻦ ﺛﻢ أﺗﻰ دور "واﺋﻞ" ،ﻣﻦ ﺑﻠﺪة اﻟﻌﯿﺸﯿﺔ .ﺑﻌﺪ ذﻟﻚ ،ﺑﺎت "ﺳﻤﯿﺮ" ﻣﺴﺘﺠﻮﺑﻲ اﻟﺮﺋﯿﺲ، ﯾﻌﺎوﻧﮫ ﻛﻞ ﻣﻦ "أﺑﻮ ﻓﺎرس" و "راﻣﺒﻮ" ،اﻟﺬي راح ﯾﺒﺪل اﺳﻤﮫ ﻛﻠﻤﺎ ﺗﻨﺒﮫ اﻟﻰ أن اﺣﺪ اﻟﻜﻼب ﯾﺤﻤﻞ اﻻﺳﻢ ﻋﯿﻨﮫ. ووﺟﺪت ﻧﻔﺴﻲ ﻣﺠﺒﺮةً ،وﻟﻠﻤﺮة اﻟﻤﺌﺔ وﻟﻠﻤﺮة اﻷﻟﻒ ،ﻋﻠﻰ رواﯾﺔ اﻧﺨﺮاﻃﻲ ﻓﻲ اﻟﻤﻘﺎوﻣﺔ ،وﻛﯿﻒ ﺗﻢ اﺧﺘﯿﺎر أﻧﻄﻮان ﻟﺤﺪ ھﺪﻓﺎً ﻟﻠﻌﻤﻠﯿﺔ ،وﻛﯿﻒ أﻋﺪدتُ ھﺬه اﻟﻌﻤﻠﯿﺔ .وﺟﻌﻠﺖ ﺗﺘﺨﻠﻞ ھﺬه اﻟﺠﻠﺴﺎت اﻟﻤﻨﮭﻜﺔ ﻋﻤﻠﯿﺎت ﺗﻌﺬﯾﺐ ﺑﺎﻟﻜﮭﺮﺑﺎء. ﻓﻐﺎﻟﺒﺎً ﻣﺎ ﻛﺎﻧﺖ ﯾﺪاي أﺛﻨﺎء اﻻﺳﺘﺠﻮاب ،ﻣﻮﺻﻮﻟﺘﺎن ﺑﻤﺴﺮﯾﯿﻦ اﻟﻰ اﻟﻤﻮﻟﺪ اﻟﻜﮭﺮﺑﺎﺋﻲ. وﻓﻲ ﻣﺎ ﺑﻌﺪ ،راح ھﺆﻻء اﻟﻤﺴﺘﺠﻮﺑﻮن ﯾﺮﻣﻮن ﻋﻠﻲ ﺑﺪﻻء ﻣﻤﻠﻮءة ﻣﯿﺎھﺎً ﻣﺠﻠﺪة ،وﯾﺘﺮﻛﻮﻧﻨﻲ ﻟﺴﺎﻋﺎت ﻃﻮﯾﻠﺔ، 126
ﻣﻮﺛﻮﻗﺔ ﻣﺮﺗﺠﻔﺔ ،ﻓﻲ ﻋﺰ اﻟﺸﺘﺎء ،وﺑﺮد ھﺬه اﻟﺠﺒﺎل اﻟﺠﻨﻮﺑﯿﺔ ﻗﺎرس ﻟﻠﻐﺎﯾﺔ. وﻛﻠﻤﺎ ﺗﻘﺪﻣﺖ اﻻﺳﺘﺠﻮاﺑﺎت ،أدرﻛﺖُ أﻧﮭﺎ ﺗﺠﺮي ﻓﻲ ﺻﻮرة ﻣﻮازﯾﺔ ﻣﻊ اﻟﻌﺪﯾﺪ ﻣﻦ اﻷﺷﺨﺎص اﻟﻤﻘﺮﺑﯿﻦ ﻣﻨﻲ، وأن أﺳﺌﻠﺔ اﻟﻤﺴﺘﺠﻮﺑﯿﻦ ﺻﺎرت أﻛﺜﺮ دﻗﺔ .وھﻜﺬا ،ﺳﺌﻠﺖُ ﻋﻦ اﻻﺿﻄﺮاب اﻟﺬي أﺧﺬ ﺑﻜﯿﺎﻧﻲ ﻛﻠﮫ ﺣﯿﻦ روى ﻟﻲ أﺣﺪھﻢ أن أول ﻋﺎﺷﻖ ﻟﻲ ،وھﻮ ﺷﯿﻮﻋﻲ ،ﻛﺎن أﺳﺮه اﻹﺳﺮاﺋﯿﻠﯿﻮن ﺧﻼل ﻋﻤﻠﯿﺔ ﻟﻠﻤﻘﺎوﻣﺔ .ﺻﻌﻘﻨﻲ ھﺬا اﻟﺘﻔﺼﯿﻞ اﻟﺬي ﯾﻌﻮد اﻟﻰ ﺳﻨﺘﯿﻦ أو ﺛﻼث ﻣﻦ اﻋﺘﻘﺎﻟﻲ. ﻓﺄدرﻛﺖ أن ﻋﺼﺎﻣﺎً ،اﻟﺬي راﻓﻘﻨﻲ اﻟﻰ ﺑﯿﺮوت ،ذﻟﻚ اﻟﯿﻮم ،ﻛﺎن ﺷﺎھﺪاً ﻋﻠﻰ ذﻟﻚ. ﺗﻔﮭﻤﺖُ اﻟﺪاﻋﻲ اﻟﻰ ﻧﻘﻠﮫ ﺷﮭﺎدﺗﮫ ھﺬه .وﻣﺎ ﻋﺪﺗﮫ أﻟﻮﻣﮫ ﻋﻠﻰ ﻓﻌﻠﮫ ،إذ ﺗﺨﯿﻠﺖ ﻣﻘﺪار اﺿﻄﺮاﺑﮫ ،وﻗﺪ رﻣﻲ ﺑﮫ، رﻏﻤﺎً ﻋﻨﮫ ﻓﻲ ھﺬه اﻟﺤﯿﻠﺔ ،ﻣﻊ زوﺟﺘﮫ "ﺟﺎﻧﯿﺖ" اﻟﺴﺠﯿﻨﺔ ﻓﻲ ﻣﺮﺟﻌﯿﻮن ،ﺑﺪورھﺎ. ﺑﺎدئ اﻷﻣﺮ ،ﺟﮭﺪت ﻓﻲ ﻗﻮل اﻷدﻧﻰ اﻟﻤﻤﻜﻦ ،أو ﻓﻲ ﺗﻀﻠﯿﻞ ﻣﺴﺘﺠﻮﺑﻲ ﻋﺒﺮ ﻣﺴﺎرات ﺧﺎﻃﺌﺔ .ورﻏﻢ ﻣﻌﺮﻓﺘﮭﻢ اﻟﺪﻗﯿﻘﺔ ﺑﺘﻨﻘﻼﺗﻲ اﻟﺘﻲ أﻣﻜﻨﻨﻲ اﻟﻘﯿﺎم ﺑﮭﺎ ﺧﻼل اﻷﺳﺎﺑﯿﻊ اﻷﺧﯿﺮة ﻓﻲ اﻟﻤﻨﻄﻘﺔ اﻟﻤﺤﺘﻠﺔ .ﻓﻘﺪ وﺳﻌﻨﻲ اﻟﻜﺬب ﻋﻠﯿﮭﻢ ﻓﻲ ﻣﺎ ﺧﺺ اﻟﻤﺴﺪﺳﯿﻦ .إذ أﻛﺪت ﻟﮭﻢ أﻧﮭﻤﺎ ﺳُﻠﻤﺎ إﻟﻲ ﻓﻲ اﻟﻤﻨﻄﻘﺔ اﻟﻤﺤﺘﻠﺔ ﻧﻔﺴﮭﺎ .ﻏﯿﺮ أﻧﻲ ﻋﺪت ،ﺑﻌﺪ ﺟﻠﺴﺎت ﻣﻦ اﻟﺘﻌﺬﯾﺐ ،واﻋﺘﺮﻓﺖُ ﺑﺄﻧﻲ ﺣﻤﻠﺘﮭﻤﺎ ﻣﻌﻲ ﻣﻦ ﺑﯿﺮوت. وﻛﺎن ﻟﮭﺬا اﻻﻋﺘﺮاف أن أﻃﻠﻖ ﻟﻌﻨﺎت رھﯿﺒﺔ .ﻣﻊ ذﻟﻚ، ﻓﻘﺪ أﺟﻠﺖ اﻷﯾﺎم ﺣﺪوث اﻷﻣﺮ اﻟﺮھﯿﺐ ،اﻟﻰ ﻣﻨﺎﺳﺒﺔ أﺧﺮى. 127
وﻟﻤﺎ ﻛﻨﺖُ روﯾﺖُ ﻓﻲ أﯾﺎم اﻻﺳﺘﺠﻮاب اﻷوﻟﻰ أﻧﻲ ﻛﻨﺖُ ﻋﻠﻰ اﺗﺼﺎل ﺑﺸﺨﺺ واﺣﺪ ،ﯾﺪﻋﻰ أﺣﻤﺪ ،ﻟﯿﺲ إﻻ، رأﯾﺘﻨﻲ ﻣﺘﻤﺴﻜﺔ ﺑﮭﺬه اﻟﺼﯿﻐﺔ ﻷﺳﺎﺑﯿﻊ ﻋﺪﯾﺪة .ﺛﻢ إﻧﻨﻲ ،ﻟﻤﺎ ﺿﻘﺖ ذرﻋﺎً ﺑﻐﻄﺮﺳﺔ "،ﺳﻤﯿﺮ" اﻟﺬي ﻣﺎ ﻓﺘﺊ ﯾﺆﻛﺪ ﻟﻲ أﻧﮫ ﯾﻌﺮف ﻛﻞ ﺷﻲء ﻋﻨﻲ ،وﻋﻦ ﺑﺮﻧﺎﻣﺠﻲ اﻟﯿﻮﻣﻲ ،وﻋﻦ أدق ﺧﻄﻮاﺗﻲ ﻓﻲ ﺑﯿﺮوت ،ﻛﺸﻔﺖُ ﻟﮫ اﻟﺤﻘﯿﻘﺔ وأﺧﺒﺮﺗﮫ ﻋﻦ اﺗﺼﺎﻻﺗﻲ اﻷوﻟﻰ ﺑـ" ﻣﺎزن" .ﻏﯿﺮ أن ھﺬا اﻟﻤﺴﻠﻚ، ﻋﻠﻰ ﺟﺮأﺗﻲ ،ﻟﻢ ﯾﻜﻦ ﻟﯿﻼﺋﻤﻨﻲ .ﻓﺴﺮﻋﺎن ﻣﺎ ﺻُﻨﻔﺖ ﺑﯿﻦ ذوات اﻟﺮأس اﻟﺼﻠﺐ ،اﻟﻌﻨﯿﺪات. ﻓﻲ ﺧﻼل اﻷﯾﺎم اﻷوﻟﻰ ﻣﻦ اﻋﺘﻘﺎﻟﻲ ،ﺣﺎوﻟﺖُ أن أﺳﺘﻌﻠﻢ ﻋﻦ ﻣﺼﯿﺮ أﻧﻄﻮان ﻟﺤﺪ .وﻣﻊ أﻧﻲ ﻛﻨﺖُ ﻣﻨﻘﻄﻌﺔ ﻋﻦ اﻟﻌﺎﻟﻢ ،ﻓﻲ ﻣﻌﺘﻘﻞ اﻟﺨﯿﺎم ،ﻓﺈن ﻗﺮب اﻟﻤﻌﺘﻘﻞ ﻣﻦ ﻣﺮﺟﻌﯿﻮن ،ﻣﻦ ﺷﺄﻧﮫ ﺗﯿﺴﯿﺮ ﻣﮭﻤﺘﻲ .وﺣﺎوﻟﺖ ﺗﻘﺪﯾﺮ اﻟﺮوﺣﺎت واﻟﺠﯿﺌﺎت ﻟﻶﻟﯿﺎت ﻣﻦ ﺣﻮل ﻣﻌﺘﻘﻞ اﻟﺨﯿﺎم، ورﺣﺖُ ﻓﻲ اﻟﻤﻘﺎم اﻷول ،أﺻﯿﺦ اﻟﺴﻤﻊ ﻟﻌﻠﻲ أﺳﻤﻊ دﻗﺎت اﻟﺤﺰن ﺗﺼﺪر ﻣﻦ أﺟﺮاس ﻣﺮﺟﻌﯿﻮن اﻟﺒﻌﯿﺪة .وﻟﻢ أﻓﻠﺢ. إذ ﻟﻢ أﺗﻮﺻﻞ اﻟﻰ اﻟﺘﻘﺎط أي ﻣﻌﻠﻮﻣﺔ ﻣﻠﻤﻮﺳﺔ ﻓﻲ ھﺬا اﻟﺸﺄن .ﺑﺎﻟﻨﺴﺒﺔ ﻟﻲ ،ﻛﺎﻧﺖ اﻟﻌﻤﻠﯿﺔ ﻧﺎﺟﺤﺔ .ﻟﻘﺪ ﺗﻤﻜﻨﺖُ ﻣﻦ ﻗﺎﺋﺪ اﻟﻤﯿﻠﯿﺸﯿﺎ ،وﻛﺎن أﺣﻤﺪ ﺣﺎﺳﻤﺎً ﻓﻲ ﻓﺎﻋﻠﯿﺔ اﻟﺴﻢ ﻓﻲ ﻃﻠﻘﺎت اﻟﻤﺴﺪس .ﻟﻜﻨﻲ ﺳﺮﻋﺎن ﻣﺎ أﺟﺮﯾﺖ ﻧﻘﺪاً ذاﺗﯿﺎً ﻓﻲ ﻣﺎ ﯾﺘﻌﻠﻖ ﺑﺎﻟﺮﺻﺎﺻﺘﯿﻦ ،ذﻟﻚ إن إﺻﺮاري ﻋﻠﻰ إﻃﻼق رﺻﺎﺻﺘﯿﻦ ﻟﯿﺲ أﻛﺜﺮ ﻛﺎن ﻣﺜﺎراً ﻟﻠﮭﺰء ،إن أﻣﻌﻨﺖ اﻟﻨﻈﺮ إﻟﯿﮫ اﻵن ،وﺑﻌﺪ اﻧﻘﻀﺎء زﻣﻦ ﻋﻠﻰ اﻟﻌﻤﻠﯿﺔ .وﻛﺎن ﯾﻨﺒﻐﻲ ﻟﻲ أن أﻣﻀﻲ اﻟﻰ ﺧﺘﺎم ھﺬه اﻟﻌﻤﻠﯿﺔ ،ﺗﺎرﻛﺔً أﻣﺮ اﻟﺤﻜﻢ واﻟﺠﺰم ﻓﯿﮭﺎ اﻟﻰ اﻻﺧﺘﺼﺎﺻﯿﯿﻦ ،وﻟﻢ ﯾﺠﺪر ﺑﯿﻦ أن أﻓﺮض ﺧﯿﺎراﺗﻲ اﻟﺨﺎﺻﺔ.
128
ﺛﻢ ،وﺧﻼل اﻻﺳﺘﺠﻮاﺑﺎت اﻟﺠﺎرﯾﺔ ﻣﻌﻲ ،أﻟﻔﯿﺖُ ﺟﻼد ّ ي ﯾﺼﺤﺤﻮن ﻗﻮﻟﻲ ﺑﺄﻧﻲ ﻗﺘﻠﺖُ أﻧﻄﻮان ﻟﺤﺪ ،ﺑﻌﺒﺎرات ﻣﻦ ﻣﺜﻞ "أﻧﺖِ ﺣﺎوﻟﺖ ﻗﺘﻠﮫ ،ﻓﺤﺴﺐ" .ﻓﻲ اﻟﺒﺪء ،ﻟﻢ أﺣﺴﺐ ﻟﮭﺬه اﻟﺮدود ﺣﺴﺎﺑﺎً ،ﻇﺎﻧﺔ أن ﻓﻲ اﻷﻣﺮ ﺣﯿﻠﺔ ﻟﺒﺚ اﻻﺿﻄﺮاب ﻓﻲ ﻧﻔﺴﻲ .ذات ﯾﻮم ،ﻋﻤﺪ ﻣﺴﺘﺠﻮب ذﻟﻚ اﻟﯿﻮم اﻟﻰ رﻓﻊ اﻟﻌﺼﺎﺑﺔ ﻋﻦ ﻋﯿﻨﻲ ﻷﻗﺮأ ﺳﺮﯾﻌﺎً ﻣﻘﻄﻌﺎً ﻣﻦ ﻣﻘﺎﻟﺔ ﻣﻨﺸﻮرة ﻓﻲ ﺟﺮﯾﺪة "اﻟﺴﻔﯿﺮ" .ﻓﻘﺮأتُ، ﺑﻮﺿﻮح ،اﻟﺠﻤﻠﺔ اﻟﺘﺎﻟﯿﺔ" :ﺑﻌﺪ ﻣﺤﺎوﻟﺔ اﻻﻏﺘﯿﺎل اﻟﺘﻲ ﺗﻌﺮض ﻟﮭﺎ أﻧﻄﻮان ﻟﺤﺪ ."..ﻟﻘﺪ ﻛﺴﺐ اﻟﺸﺨﺺ اﻟﻤﻘﺎﺑﻞ ﻟﻲ" :أرأﯾﺖ ،ﻟﻢ ﺗﻘﺘﻠﯿﮫ!" .ﻓﻠﻤﺎ ﻛﺎن ﻗﺪ أُﺧﻠﻲ ،ﻋﻠﻰ وﺟﮫ اﻟﺴﺮﻋﺔ ،اﻟﻰ إﺳﺮاﺋﯿﻞ ،ﻧﺠﺎ ﻗﺎﺋﺪ اﻟﻤﯿﻠﯿﺸﯿﺎ ﻣﻦ اﻟﻤﻮت. واﺟﺘﺮح اﻷﻃﺒﺎء اﻹﺳﺮاﺋﯿﻠﯿﻮن اﻟﻌﺠﺎﺋﺐ ﻹﻧﻘﺎذه .إﺻﺎﺑﺎﺗﮫ ﻛﺎﻧﺖ ﺑﺎﻟﻐﺔ ،وﻇﻞ ﯾﺤﻤﻞ آﺛﺎرھﺎ اﻟﻰ اﻟﯿﻮم ،ﻓﻲ ﺷﻠﻞ ﺟﺰﺋﻲ ﺑﺬراﻋﮫ اﻟﯿﺴﺮى. وﻓﯿﻤﺎ ﺑﻌﺪ ،ﺣﯿﻦ ﺗﺴﻨﻰ ﻟﻲ أن أﺷﺮح ﻟﻤﺴﺘﺠﻮﺑﻲ أﻧﮫ ﻛﺎن ﺑﻤﻘﺪوري أن أﻃﻠﻖ اﻟﻨﺎر ﺑﻤﺴﺪس ﻣﻦ ﻋﯿﺎر ﺛﻘﯿﻞ ،ﻓﺘﻌﺠﺐ اﻷﻣﺮ وﺻﺎح" :ﺑﺎﻟﺘﺄﻛﯿﺪ ،ﻛﺎن ﯾﺴﻌﻚ أن ﺗﻘﺘﻠﯿﮫ ﻋﻠﻰ اﻟﻔﻮر ،إن اﺳﺘﺨﺪﻣﺖ اﻟـ 5ر 5ﻣﻠﯿﻤﺘﺮاً" .إذاً ،ﻟﻢ أﻗﺘﻞ ﻗﺎﺋﺪ ﺟﯿﺶ ﻟﺒﻨﺎن اﻟﺠﻨﻮﺑﻲ ،ﻣﻊ ذﻟﻚ ،ﻟﻢ أﺷﻌﺮ ﺑﺎﻟﺨﯿﺒﺔ ،ﻣﺎ دﻣﻨﺎ ﺣﻘﻘﻨﺎ ﻏﺎﯾﺘﻨﺎ ،وھﻲ إﻇﮭﺎر ھﺸﺎﺷﺔ اﻟﻨﻈﺎم اﻟﺬي أرﺳﺎه اﻹﺳﺮاﺋﯿﻠﯿﻮن ،وإﻋﻄﺎء اﻟﺸﻮاھﺪ اﻟﺤﯿﺔ ﻋﻠﻰ أﻧﮭﻢ، وﺣﻠﻔﺎؤھﻢ ﻟﻦ ﯾﺠﺪوا اﻟﺴﻜﯿﻨﺔ واﻷﻣﺎن أﻧﻰ ﺗﻮاﺟﺪوا ﻓﻲ اﻟﻤﻨﻄﻘﺔ اﻟﻤﺤﺘﻠﺔ. واﻵن ،ﯾﺠﺪر ﺑﻲ أن أﻛﺮس ﺟﮭﻮدي ﻟﻠﺠﻮھﺮي ،ﻟﻠﺒﻘﺎء
129
ﻣﻌﺘﻘﻞ اﻟﺨﯿﺎم أُﻧﺸﺊ ﻣﻌﺘﻘﻞ اﻟﺨﯿﺎم،ﻓﻲ اﻟﻌﺎم ،1985ﻓﻲ ﻣﺎ ﻛﺎن ﺳﺎﺑﻘ ًﺎ ﻣﻌﺴﻜﺮاً ﻗﺪﯾﻤﺎً ﻟﻘﻮات اﻻﻧﺘﺪاب اﻟﻔﺮﻧﺴﯿﺔ ،وذﻟﻚ ﻟﯿﻜﻮن ﺑﺪﯾﻼً ﻋﻦ ﻣﻌﺘﻘﻠﻲ أﻧﺼﺎر ) (1وأﻧﺼﺎر ) ،(2اﻟﻠﺬﯾﻦ أﺧﻼھﻤﺎ اﻹﺳﺮاﺋﯿﻠﯿﻮن ﺑﻌﺪ اﻧﺴﺤﺎﺑﮭﻢ اﻟﺠﺰﺋﻲ ﻣﻦ ﻟﺒﻨﺎن، ﺧﻠﺖْ. ﺛﻼث ﻟﺴﻨﻮات وﯾﻘﻮم ﻣﻌﺘﻘﻞ اﻟﺨﯿﺎم ﻋﻠﻰ ﻣﺮﺗﻔﻊ ﺷﺎﻣﺦ واﺳﺘﺮاﺗﯿﺠﻲ ھﻮ ﻟﺼﺎﻟﺢ اﻟﻤﻨﻄﻘﺔ اﻟﻤﺤﺘﻠﺔ ،وﺑﻌﯿﺪاً ﻋﻦ ﺳﺎﺣﺎت اﻟﻤﻌﺎرك، وﻗﺮﯾﺒﺎً ﻣﻦ إﺳﺮاﺋﯿﻞ ،ﻓﻲ ﺣﯿﻦ أن اﻟﻄﺮق إﻟﯿﮫ ﻛﺜﯿﺮة اﻟﻮﻋﻮرة .أﻣﺎ اﻟﻤﻌﺘﻘﻞ ﻓﻘﺪ ﻋﮭﺪه اﻹﺳﺮاﺋﯿﻠﯿﻮن رﺳﻤﯿﺎً اﻟﻰ ﺟﯿﺶ ﻟﺒﻨﺎن اﻟﺠﻨﻮﺑﻲ ،ﺣﺘﻰ ﻟﻮ ﻛﺎﻧﻮا أول ﻣﻦ أداره ﻣﺒﺎﺷﺮة ﻟﺪى إﻧﺸﺎﺋﮫ ،ﻧﺎﻗﻠﯿﻦ ﻣﺴﺆوﻟﯿﺎت اﻻﺳﺘﺠﻮاب وﻏﯿﺮھﺎ ﻣﻦ اﻟﻤﮭﻤﺎت ،وﻓﻲ وﺗﯿﺮة ﻣﺘﺪرﺟﺔ ،اﻟﻰ ﻣﺮﺗﺰﻗﺔ ﻟﺒﻨﺎﻧﯿﯿﻦ .وﻛﺎن "اﻟﺸﯿﻦ ﺑﺖ" ،اﻟﺠﮭﺎز اﻟﻤﻮﻟﺞ ﺑﺎﻷﻣﻦ اﻟﺪاﺧﻠﻲ ﻓﻲ إﺳﺮاﺋﯿﻞ ،ﯾﻼﺣﻖ ﻛﻞ ﻣﻠﻔﺎت اﻟﻤﻌﺘﻘﻠﯿﻦ ﻓﯿﮫ، وﻛﺎن ﻋﻤﻼؤه ﯾﺘﺮددون ﻋﻠﻰ اﻟﺴﺠﻦ ﻟﯿﻄﻠﻌﻮا ﻋﻠﻰ اﻟﻤﺴﺘﺠﺪات ﻓﯿﮫ .وﻛﺎﻧﺖ ﻣﻨﺸﺂت ھﺬا اﻟﻤﻌﺘﻘﻞ ،اﻟﻤﻨﺘﺼﺒﺔ ﻋﻠﻰ ﻣﺮﺗﻔﻊ ﻣﻄﻞ ﻋﻠﻰ اﻟﺒﻠﺪة اﻟﺘﻲ ﯾﻌﻮد ﻟﮭﺎ ﻓﻀﻞ ﺗﺴﻤﯿﺘﮫ ،ﺗﻀﻢ ﻓﯿﮭﺎ ﻣﻦ اﻷﺑﻨﯿﺔ ﻣﺎ ﯾﻨﺒﺊ ﺑﻈﻼﻣﯿﺘﮭﺎ واﻧﻌﺪام اﻟﺮﺣﻤﺔ ﻓﯿﮭﺎ :ﻗﺎﻋﺎت ﻟﻼﺳﺘﺠﻮاب وﻣﺠﻤﻮﻋﺘﺎن ﻣﻦ اﻟﺰﻧﺎزﯾﻦ اﻟﺠﻤﺎﻋﯿﺔ ،اﻟﺘﻲ ﻏﺎﻟﺒﺎً ﻣﺎ ﺗﺠﺪھﺎ ﻣﻜﺘﻈﺔ ﺑﺎﻟﻨﺰﻻء ،إﺣﺪاھﺎ ﻣﺨﺼﻮﺻﺔ ﺑﺎﻟﺮﺟﺎل واﻷﺧﺮى ﺑﺎﻟﻨﺴﺎء. وﻓﯿﮭﺎ ﻛﺬﻟﻚ ﺑﻌﺾ اﻟﻤﺴﺎﻛﻦ ﻟﻠﺤﺮاس ،اﻟﺘﻲ ﻣﻦ ﺷﺄﻧﮭﺎ )اﻟﻤﺴﺎﻛﻦ( أن ﺗﻜﻤﻞ ﺑﻨﯿﺎن ھﺬه اﻟﻤﻨﺸﺂت .وﺑﺎﻹﺿﺎﻓﺔ اﻟﻰ ﻛﻮن اﻟﻤﻌﺘﻘﻞ ﻣﺤﺎﻃﺎً ﺑﺎﻟﻤﺮاﻗﺐ ،ﻓﻘﺪ أﺣﯿﻂ ﺑﺤﻘﻮل ﻣﻦ
130
اﻷﻟﻐﺎم ﻣﻦ ﻛﻞ ﻧﺎﺣﯿﺔ ،ﺣﺘﻰ ﻟﯿﻐﺪو اﻟﻔﺮار ﻣﻨﮫ أﻣﺮاً ﺑﺎﻟﻎ اﻟﺼﻌﻮﺑﺔ ،ﺑﻞ ﻣﺴﺘﺤﯿﻼً. وﯾﻮم ﻧﺰﻟﺖُ ﻓﯿﮫ ﻋﺎم ،1988ﺑﻌﯿﺪ اﻟﻌﻤﻠﯿﺔ ،ﻛﺎن ﺻﯿﺘﮫ ﻗﺪ ذاع ،ﺑﻼ ﻣﻨﺘﻲ .وﺑﺎﻟﻄﺒﻊ ،ﻇﻠﺖ اﻟﺪوﻟﺔ اﻟﻌﺒﺮﯾﺔ ﺗﺘﻨﻜﺮ وﺟﻮده ،ﻛﻤﺎ أﻧﻜﺮ ﺟﯿﺶ ﻟﺒﻨﺎن اﻟﺠﻨﻮﺑﻲ ﻣﻌﺮﻓﺘﮫ ﺑﮫ، ﻣﺮاراً .ﻏﯿﺮ أن اﻟﻤﻌﺘﻘﻠﯿﻦ اﻟﺬﯾﻦ ﻛﺎﻧﺖ اﻟﻤﯿﻠﯿﺸﯿﺎت اﻟﺤﻠﯿﻔﺔ ﻹﺳﺮاﺋﯿﻞ ﺗﻄﻠﻘﮭﻢ ،ﺑﯿﻦ اﻟﺤﯿﻦ واﻵﺧﺮ ،أﺧﺬوا ﯾﺼﻔﻮن ذﻟﻚ اﻟﻤﻌﺘﻘﻞ وﯾﻤﻌﻨﻮن ﻓﻲ وﺻﻒ ﻇﺮوف اﻟﺤﯿﺎة ﻓﯿﮫ ،أو ﺑﺎﻷﺣﺮى ﺻﺮاع اﻟﺒﻘﺎء اﻟﺬي ﺻﺎد ﻓﻲ داﺧﻠﮫ ،ﺣﺘﻰ ﻟﻮ ﻛﺎﻧﺖ ھﺬه اﻟﻤﯿﻠﯿﺸﯿﺎت ﺗﻨﺼﺤﮭﻢ ﺑﻌﺪم اﻟﻜﻼم ﻋﻠﻰ ذﻟﻚ.. اﻟﻨﻌﯿﻢ! وﻛﺎﻧﺖ ﻧﺘﻒ اﻟﻤﻌﻠﻮﻣﺎت اﻟﻤﺴﺘﻘﺎة ﻣﻦ ھﻨﺎ وھﻨﺎك، واﻟﺘﻲ اﻋﺘُﺪّ ﺑﺼﺪﻗﯿﺘﮭﺎ ،ﻓﻘﺪ ﻧﺒﮭﺖ اﻟﻤﻨﻈﻤﺎت اﻟﻤﺪاﻓﻌﺔ ﻋﻦ ﺣﻘﻮق اﻹﻧﺴﺎن اﻟﻰ وﺟﻮد اﻧﺘﮭﺎﻛﺎت ﻣﺮﯾﻌﺔ ﻓﻲ ﻣﻌﺘﻘﻞ اﻟﺨﯿﺎم ،ﻓﺴﺎرﻋﺖ اﻟﻰ ﺗﺼﻨﯿﻔﮫ ﻓﻲ ﺳﺠﻼت اﻟﻌﺎر ﺧﺎﺻﺘﮭﺎ ،وﻓﻲ اﻟﻤﺮﺗﺒﺔ اﻟﺘﻲ ﯾﺴﺘﺤﻘﮭﺎ .واﻟﺤﺎل ،إن اﻧﺘﻔﺎء أي وﺿﻊ ﻗﺎﻧﻮﻧﻲ ﻣﻦ اﻟﻤﻨﻄﻘﺔ اﻟﻤﺤﺘﻠﺔ ،واﻟﺬي ﯾﺘﻌﺎرض ﻣﻊ ﺗﻮﺟﮭﺎت اﻷﻣﻢ اﻟﻤﺘﺤﺪة ،ﻛﺎن ﯾﺤﻮل ﻋﻠﻰ اﻟﺪوام دون ﺗﺤﻘﯿﻖ ﻣﮭﻤﺎت اﻻﺳﺘﻄﻼع اﻹﻧﺴﺎﻧﯿﺔ أو زﯾﺎرات اﻟﻤﻨﻈﻤﺎت ﻏﯿﺮ اﻟﺤﻜﻮﻣﯿﺔ ﻟﻤﻌﺘﻘﻞ اﻟﺨﯿﺎم ،ﻣﻦ ﻣﺜﻞ اﻟﻤﺆﺳﺴﺎت اﻟﺪوﻟﯿﺔ .ﺣﺘﻰ أن اﻟﻠﺠﻨﺔ اﻟﺪوﻟﯿﺔ ﻟﻠﺼﻠﯿﺐ اﻷﺣﻤﺮ ﻧﻔﺴﮭﺎ ﻟﻢ ﯾﻜﻦ ﯾﺆذن ﻟﮭﺎ ﺑﺮؤﯾﺔ اﻟﻤﻌﺘﻘﻠﯿﻦ ﻓﻲ ﻣﻌﺘﻘﻞ اﻟﺨﯿﺎم. ﻛﺎن ذﻟﻚ اﻟﻤﻌﺘﻘﻞ ﺟﺤﯿﻤﺎً ،إﻻ أﻧﮫ ﺟﺤﯿﻢ اﻧﻔﺮادي وﺳﺮي. ﯾﻠﺘﮭﻢ اﻟﻤﻌﺘﻘﻞ ﻧﻤﻄﯿﻦ ﻣﻦ اﻟﻄﺮاﺋﺪ .ﺛﻤﺔ ﻓﻲ اﻟﻤﻘﺎم اﻷول ﻣﻘﺎﺗﻠﻮ اﻟﻤﻘﺎوﻣﺔ اﻟﺬﯾﻦ أُﺳﺮوا ﻓﻲ اﻟﻤﻌﺮﻛﺔ ،ﺛﻢ اﻟﺬﯾﻦ اﻛﺸﺘﻔﮭﻢ ﺟﮭﺎز اﻷﻣﻦ ﻓﻲ اﻟﻤﻘﺎم اﻟﺜﺎﻧﻲ .وﺑﺎﻟﻨﺴﺒﺔ ﻟﮭﺆﻻء 131
اﻟﻤﻜﺘﺸﻔﯿﻦ ،واﻟﺬﯾﻦ ﺻﺮت ﻓﻲ ﻋﺪادھﻢ ،ﻓﺈﻧﮭﻢ ﻣﺘﺸﺎﺑﮭﻮن ﻓﻲ ﻣﺼﯿﺮھﻢ وﻣﺴﺎر ﻣﻌﺎﻧﺎﺗﮭﻢ .ﻓﻲ أول اﻷﻣﺮ ،ﯾﻜﻮن اﻻﺳﺘﺠﻮاب واﻟﺘﻌﺬﯾﺐ ،وﯾﻠﯿﮭﻤﺎ اﻟﻌﺰل ،وﻻﺣﻘﺎً ﯾُﺘﺮك اﻟﺴﺠﯿﻦ ﺑﻼ ﻣﺤﺎﻛﻤﺔ وﻻ ﻋﻘﻮﺑﺔ ﻣﻌﻠﻨﺔ ،ﻟﺠﻼدﯾﮫ، ﻓﯿﺴﻮﻣﻮﻧﮫ أﺷﻜﺎل اﻟﻌﺬاب اﻋﺘﺒﺎﻃﯿﺎً ،وﺑﻼ رﺣﻤﺔ .واﻟﺤﻖ أن إﺳﺮاﺋﯿﻞ ﻟﻢ ﺗﺮد أن ﺗﻈﮭﺮ ﻣﺴﺆوﻟﺔ ﻋﻦ ھﺆﻻء اﻟﻤﻌﺘﻘﻠﯿﻦ اﻟﻤﺰﻋﺠﯿﻦ :ذﻟﻚ أن ﻗﺴﻤﺎً ﻣﻦ اﻟﺮأي اﻹﺳﺮاﺋﯿﻠﻲ ﻣﺎ ﻛﺎن ﻟﯿﺮﺿﻰ ﺑﻤﺜﻞ ھﺬه اﻻﻧﺘﮭﺎﻛﺎت ﺿﺪ اﻟﺤﻖ اﻟﻌﺎم، ﻓﻲ رﻋﺎﯾﺔ دوﻟﺘﮫ .وﻟﻺﺛﺒﺎت ﻧﺴﻮق ھﺬا اﻟﻤﺜﻞ :ﻓﺈذا ﻛﺎن ﺛﻤﺔ ﻟﺒﻨﺎﻧﯿﻮن ﻣﻌﺘﻘﻠﻮن ﻋﻠﻰ اﻷرض اﻹﺳﺮاﺋﯿﻠﯿﺔ ،وﻛﺎن اﻹﺳﺮاﺋﯿﻠﯿﻮن اﺣﺘﻔﻈﻮا ﺑﮭﻢ ﻛﺮھﺎﺋﻦ ،ﺑﻐﯿﺔ أن ﯾﺤﺼﻠﻮا ﺑﺎﻟﻤﻘﺎﺑﻞ ﻋﻠﻰ ﻣﻌﻠﻮﻣﺎت ﺣﻮل ﺟﻨﻮدھﻢ اﻟﻤﻔﻘﻮدﯾﻦ ﻓﻲ اﻟﻌﻤﻠﯿﺎت ،أو ﻟﻐﺮض ﻣﺄﺗﻤﻲ ،وھﻮ اﻟﺤﺼﻮل ﻋﻠﻰ رﻓﺎت وﺟﺜﺚ ﺟﻨﻮدھﻢ اﻟﻘﺘﻠﻰ ﻓﻲ اﻟﻤﻌﺎرك ،واﻟﺘﻲ ﺣﺎﻟﺖ اﻟﻤﻮاﺟﮭﺎت اﻟﻌﺴﻜﺮﯾﺔ دون اﺳﺘﺮدادھﺎ ،رأﯾﺖ ﻋﺪداً ﻣﻦ اﻟﺠﻤﻌﯿﺎت اﻹﻧﺴﺎﻧﯿﺔ وﻣﻦ ﺗﺠﻤﻌﺎت اﻟﻤﺤﺎﻣﯿﻦ اﻹﺳﺮاﺋﯿﻠﯿﯿﻦ أو اﻟﻔﻠﺴﻄﯿﻨﯿﯿﻦ ﯾﻨﺪﻓﻌﻮن ﻟﻠﻨﻀﺎل ،ﺑﻼ ﻛﻠﻞ ،ﻟﻔﻚ أﺳﺮ ھﺆﻻء اﻟﺴﺠﻨﺎء .ﺑﺎﻟﻤﻘﺎﺑﻞ ،ﻛﺎن ﻣﻌﺘﻘﻞ اﻟﺨﯿﺎم ﻣﺜﺎﻟﯿﺎً ﻹﺳﺮاﺋﯿﻞ ،وﻟﻤﻜﺎﺳﺒﮭﺎ ﻣﻨﮫ .إذ ﻻ وﺟﻮد ﻓﯿﮫ ﻟﻌﺪاﻟﺔ أو ﻗﻀﺎء ،وﻻ ﻗﻀﺎة ،وﻻ ﻣﺤﺎﻣﯿﻦ .ﻓﻲ ﻣﻌﺘﻘﻞ اﻟﺨﯿﺎم، اﻟﺴﺠﻨﺎء ﻣﻨﻜﺮون ،وﻣﺤﺠﻮﺑﻮن ،ﺑﻞ ﺗﺮاھﻢ ﻣﺤﺬوﻓﯿﻦ ﻣﻦ ﻋﺎﻟﻢ اﻷﺣﯿﺎء وﺑﺴﮭﻮﻟﺔ ﺗﺎﻣﺔ. وﻟﻜﻦ ﺟﮭﺎز اﻷﻣﻦ ﻣﺎ ﻛﺎن ﻟﯿﻜﺘﻔﻲ ﺑﺎﻋﺘﻘﺎل اﻟﺬﯾﻦ ﯾﻘﺎﺗﻠﻮﻧﮭﻢ .إﻧﻤﺎ وﺟﺪت اﻟﻤﻌﺘﻘﻞ ﯾﻐﺺ ﺑﺨﻠﻖ ﻻ ﯾﻤﺘﻮن ﺑﺄي ﺻﻠﺔ اﻟﻰ ﻓﺮق اﻟﺠﻨﻮد ﻏﯿﺮ اﻟﻨﻈﺎﻣﯿﯿﻦ .ﻧﺴﺎء ،وأﻃﻔﺎل أو ﻣﻌﻤﺮون أو ﻣﻌﻤﺮات ،أُﺗﻲ ﺑﮭﻢ ﻣﻦ ﻛﻞ ﻓﺞ ﻋﻤﯿﻖ، وأُدﺧﻠﻮا اﻟﻰ ﻣﻌﺘﻘﻞ اﻟﺨﯿﺎم ﻟﯿﻠﻘﻮا ﻓﯿﮫ ﺷﺮ اﻟﻤﻌﺎﻣﻼت، 132
وأﻋﻈﻢ اﻟﺘﮭﺪﯾﺪات وأﻓﻈﻊ ﺻﻨﻮف اﻟﺘﻌﺬﯾﺐ واﻟﻀﻐﻮط. وﻛﻞ ﻣﺎ ﯾﮭﻢ ﺟﯿﺶ ﻟﺒﻨﺎن اﻟﺠﻨﻮﺑﻲ ھﻮ اﻟﺤﺼﻮل ﻋﻠﻰ ﻣﻌﻠﻮﻣﺎت ﻋﻦ ﺗﺤﺮﻛﺎت ﻷﻗﺮﺑﺎء ھﺆﻻء اﻟﻤﻮﻗﻮﻓﯿﻦ أو ﻟﻤﻘﺮﺑﯿﻦ ﻣﻨﮭﻢ ﻣﻤﻦ ﺗﺤﻮم ﺣﻮﻟﮭﻢ اﻟﺸﺒﮭﺎت ،أو ﻟﺪﻓﻌﮭﻢ، ﺑﺎﻻﺑﺘﺰاز ﺣﯿﻨﺎً واﻟﺘﮭﺪﯾﺪ ﺣﯿﻨﺎً آﺧﺮ ،ﻟﻠﺘﻌﺎون ﻣﻊ ﺟﮭﺎز اﻷﻣﻦ ﻓﻲ اﻟﻤﻨﻄﻘﺔ اﻟﻤﺤﺘﻠﺔ .أﻣﺎ اﻟﻤﺪة اﻟﺘﻲ ﯾﻘﻀﯿﮭﺎ ھﺆﻻء ﻓﻲ ﻣﻌﺘﻘﻠﮭﻢ ﻓﻘﺴﻤﺔ وﻧﺼﯿﺐ .ﻓﻼ أﺣﺪ ﯾﻌﺮف ،ﻣﻤﻦ ﯾﺪﺧﻞ اﻟﻰ ﻣﻌﺘﻘﻞ اﻟﺨﯿﺎم ..إن ھﻮ ﺳﯿﺨﺮج ﻣﻨﮫ ﺑﻌﺪ أﺳﺒﻮع ،أو ﺑﻌﺪ ﺳﻨﻮات ﻛﺜﯿﺮة. ﻓﻀﻼً ﻋﻦ ذﻟﻚ ،ﻓﺈن ﺧﺮوج اﻟﻤﺮء ﻣﻦ ﻣﻌﺘﻘﻞ اﻟﺨﯿﺎم ﺣﯿًﺎ ﻟﯿﺲ ﺑﺎﻷﻣﺮ اﻷﻛﯿﺪ .وﻻ ﺳﯿﻤﺎ اﻟﻨﺴﺎء اﻟﺴﺠﯿﻨﺎت .ذﻟﻚ أن اﻟﺤﯿﺎة اﻟﯿﻮﻣﯿﺔ ﻓﻲ ﻣﻌﺘﻘﻞ اﻟﺨﯿﺎم ﻛﻔﯿﻠﺔ ﺑﺄن ﺗﺘﻠﻒ أﻋﻈﻢ اﻟﺴﺠﻨﺎء ﺑﻨﯿﺔً .وﯾﻜﻤﻦ ھﺬا اﻷﻣﺮ ﺟﺰﺋﯿﺎً ﻓﻲ اﻟﻤﻨﺎخ اﻟﻤﺤﯿﻂ ﺑﺎﻟﻤﻌﺘﻘﻞ .ﻓﻠﻤﺎ ﻛﺎن اﻷﺧﯿﺮ ﯾﻘﻮم ﺟﻨﻮب ﺑﯿﺮوت ،وﻓﻲ ﻣﺮﺗﻔﻊ ﻣﻦ ﺟﺒﺎل ﺣﺮﻣﻮن اﻟﻠﺒﻨﺎﻧﯿﺔ ،وﺟﺪﺗﮫ ﺧﺎﻧﻘﺎً ﻓﻲ اﻟﺼﯿﻒ وﺟﻠﯿﺪﯾﺎً ﻓﻲ اﻟﺸﺘﺎء .وﯾﺤﺪث ،ﻛﺬﻟﻚ ،أن ﯾﺤﻞ اﻟﺜﻠﺞ ﺿﯿﻔﺎً ﻋﻠﻰ ھﺬه اﻟﻤﺮﺗﻔﻌﺎت. أﻣﺎ اﻷﺑﻨﯿﺔ ،ﺷﺄﻧﮭﺎ ﻓﻲ ﻛﻞ اﻟﺒﻠﺪان ذات اﻟﻤﻨﺎخ اﻟﺤﺎر، ﻓﻠﯿﺴﺖ ﻣﻌﺪة ﻟﻤﺠﺎﺑﮭﺔ اﻟﺒﺮد ﻋﻠﻰ اﻹﻃﻼق .وﻟﯿﺲ ﻓﻲ اﻟﺰﻧﺎزﯾﻦ ﻣﯿﺎه ﺟﺎرﯾﺔ ،إﻧﻤﺎ ﺣﺮﻣﺎن اﻟﻨﺰﻻء ﻓﯿﮭﺎ ﻣﻦ ﻛﻞ ﺷﻲء ھﻮ اﻟﻤﺒﺪأ .واﻟﻤﻌﺘﻘﻼت ﯾﻤﻠﻜﻦ أﻏﻄﯿﺔ وﻓﺮﺷﺎً ﻋﺘﯿﻘﺔ ﻣﺤﺸﻮة ﺑﺎﻻﺳﻔﻨﺞ ﻟﯿﻨﻤﻦ ﻋﻠﯿﮭﺎ .أﻣﺎ اﻟﺒﻄﺎﻧﯿﺎت ﻓﻜﺎﻧﺖ ﻧﺎدرة ،وﻓﻮق ذﻟﻚ ﻓﻘﺪ رأﯾﺖ اﻟﻤﻌﺘﻘﻼت اﻟﻤﺒﻨﯿﺔ ﻋﻠﻰ أﺳﻮأ ھﯿﺌﺔ ﺗﺤﯿﻞ أرﺿﮭﺎ ﺑﺆرة ﻟﻸﻣﺮاض واﻟﻌﻠﻞ .ﻓﺎﻟﺮﻃﻮﺑﺔ ،إذ ﺗﺨﺮج ﻣﻦ اﻷرض ،وﺗﻨﺴﻞ ﺑﯿﻦ ﺛﻨﺎﯾﺎ اﻟﻔﺮش ﻋﺒﺮ اﻟﺘﻜﺎﺛﻒ ،ﺗﻨﺨﺮ ﻋﻈﺎم اﻟﺴﺠﯿﻨﺎت ﻧﺨﺮاً وﺗﺠﻤﺪھﺎ. 133
ﺑﺎﻹﺿﺎﻓﺔ اﻟﻰ ﻓﺮش اﻟﻘﺶ وأﻧﺎﺑﯿﺐ اﻟﺤﺪﯾﺪ ﻟﻨﻘﻞ اﻟﻤﺎء، ﻛﺎﻧﺖ اﻟﺴﺠﯿﻨﺎت ﯾﺘﺒﺎدﻟﻦ دﻟﻮاً ﻣﻦ اﻟﺒﻼﺳﺘﯿﻚ ﻟﻮﺿﻊ اﻟﺒﺮاز ﻓﯿﮭﺎ ،وأﺣﯿﺎﻧﺎً ﯾﻜﻮن ھﺬا اﻷﺧﯿﺮ ﺑﻼ ﻏﻄﺎء .وﻛﺎﻧﺖ ھﺬه اﻟﺪﻻء ﺗﻔﺮغ ﻣﺮﺗﯿﻦ ﯾﻮﻣﯿﺎً ،ﻓﻲ ﻋﺰ اﻟﺒﺮد وﻓﻲ ﻗﯿﻆ اﻟﺼﯿﻒ ،ﻋﻠﻰ ﺣﺪ ﺳﻮاء .واﻟﻮاﻗﻊ أن ھﺬا اﻟﺪﻟﻮ ھﻮ ﺑﻤﺜﺎﺑﺔ وﻋﺎء ﻣﻦ ﺑﯿﻦ أوﻋﯿﺔ ﻛﺜﯿﺮة ھُﯿﺌﺖ ﺑﺎﻷﺳﺎس ،ﻟﺘﻜﻮن ﺻﻔﺎﺋﺢ ﯾﺨﺰن ﻓﯿﮭﺎ اﻟﺰﯾﺖ ﻟﻠﻤﻄﺒﺦ .ﺑﺎﻟﻄﺒﻊ ،ﻛﺎﻧﺖ اﻟﻨﺴﺎء ﻣﺤﺮوﻣﺎت ﻣﻦ اﻟﻌﻨﺎﯾﺔ ﺑﺄﻧﻔﺴﮭﻦ ﻓﻲ اﻟﺤﺪود اﻟﺪﻧﯿﺎ .إذ ﺗﻮﺟﺐ ﻋﻠﯿﮭﻦ ،ﻣﺜﻼً ،أن ﯾﺼﻨﻌﻦ ﻷﻧﻔﺴﮭﻦ ﻓﻮﻃﺎً ﺻﺤﯿﺔ ﻣﻦ ﺧﺮق أﺛﻮاﺑﮭﻦ ،وﯾﻐﺴﻠﻨﮭﺎ ﺑﺎﺳﺘﻤﺮار وﯾﻌﺪن ﻏﺴﻠﮭﺎ ﻣﺮات وﻣﺮات. إﯾﻘﺎع اﻟﺤﯿﺎة ﺛﺎﺑﺖ ﻓﻲ ﻣﻌﺘﻘﻞ اﻟﺨﯿﺎم. ﺗﻮﻗﻆ اﻟﺴﺠﯿﻨﺎت ﻓﺠﺮاً وﯾﺘﻨﺎوﻟﻦ ﻓﻄﻮراً ﺑﺴﯿﻄﺎً ﻟﻠﻐﺎﯾﺔ. وﯾﻜﻮن ﻋﻠﯿﮭﻦ أن ﯾﻨﻈﻔﻦ اﻟﺰﻧﺰاﻧﺔ ﺣﯿﺚ ھﻦ ،ﺛﻢ ﯾﺘﻨﺎوﺑﻦ ﻓﻲ اﻟﺨﺮوج ﻛﻞ ﺑﺪورھﺎ ﻹﻓﺮاغ اﻟﺪﻟﻮ ،وﻓﻲ اﻻﺳﺘﺤﻤﺎم داﺧﻞ ﻏﺮﻓﺔ ﺿﯿﻘﺔ أُﻋﺪت ﻟﮭﺬا اﻟﻐﺮض ،وﺗﻌﻮد ﺑﻌﺪ أن ﺗﻤﻸ ﺻﻔﯿﺤﺔ اﻟﻤﯿﺎه اﻟﻤﺨﺼﻮﺻﺔ ﺑﮭﻦ .وﻛﺎﻧﺖ أوﻗﺎت ﺧﺮوﺟﮭﻦ ﻣﻦ اﻟﺰﻧﺰاﻧﺔ ﻣﺤﺴﻮﺑﺔً ﺣﺴﺎﺑﺎً ﺷﺒﮫ ﻋﺴﻜﺮي، وﻣﺤﺪدة ﺑﺨﻤﺲ دﻗﺎﺋﻖ ،ﻟﯿﺲ إﻻ .وﻣﻦ ﺗﺘﺄﺧﺮ ﻣﻨﮭﻦ ﺗﻨﺎل ﻋﻘﻮﺑﺔ ﺷﺪﯾﺪة .وﻋﻨﺪ اﻟﻈﮭﺮ ،ﯾُﺤﻤﻞ ﻏﺪاء ﺿﺌﯿﻞ اﻟﻰ اﻟﺰﻧﺎزﯾﻦ .وﻓﻲ ﻣﻨﺘﺼﻒ اﻟﻌﺼﺮ ،ﺗﻘﺪم ﺑﻌﺾ اﻷﻃﻌﻤﺔ. إذاً ،ﻛﺎﻧﺖ آوﻧﺎت اﻟﻨﮭﺎر اﻟﺜﻼﺛﺔ ھﺬه وﺣﺪھﺎ ﺗﻤﻨﺢ اﻟﻤﻌﺘﻘﻞ ﺣﯿﻮﯾﺔ ﻻﻓﺘﺔ .أﻣﺎ ﺑﻘﯿﺔ اﻟﻮﻗﺖ ﻓﻜﺎن اﻟﺼﻤﺖ ھﻮ اﻟﻘﺎﻋﺪة، وﻣﻦ ﯾﺠﺮؤ ﻋﻠﻰ اﻟﺼﯿﺎح ﯾﻨﻞ ﻋﻘﺎﺑﮫ .وﻛﺬﻟﻚ ﻓﺈن اﻟﺴﻌﺎل ﻣﻤﻨﻮع .وﻋﻠﯿﮫ ﯾﻤﻜﻦ ﻟﻠﺴﺠﯿﻨﺎت أن ﯾﺘﺤﺎدﺛﻦ ﺑﺼﻮت
134
ﺧﺎﻓﺖ ،داﺧﻞ اﻟﺰﻧﺰاﻧﺔ ﻧﻔﺴﮭﺎ ،إﻻ أن ﺗﺒﺎدل اﻷﺣﺎدﯾﺚ ﻣﻊ اﻟﻨﺴﺎء ﻓﻲ زﻧﺎزﯾﻦ أﺧﺮى ﻣﻤﻨﻮع ،ﻟﺪواع أﻣﻨﯿﺔ. وﻛﺎﻧﺖ اﻟﺴﺠﯿﻨﺎت ،ﻓﻲ زﻧﺎزﯾﻨﮭﻦ ،ﻣﺤﺮوﻣﺎت ﻣﻦ أي اﺗﺼﺎل ﺑﺎﻟﺨﺎرج .واﻟﺰﯾﺎرات اﻟﯿﮭﻦ ﻛﺎﻧﺖ ﻣﻤﻨﻮﻋﺔ .أﯾﻀﺎً، ﺣﺘﻰ وﻟﻮ ﻋﺰم اﻟﻘﯿﺎم ﺑﮭﺎ ﻋﺎﺋﻼﺗﮭﻦ اﻟﻤﻘﯿﻤﺔ ﻓﻲ ﻧﻮاﺣﻲ اﻟﺨﯿﺎم ،وﻋﻠﻰ ﺑﻌﺪ ﻛﯿﻠﻮﻣﺘﺮات ﻗﻠﯿﻠﺔ ﻣﻨﮭﺎ .إذاً ،ﻻ ﺷﻲء ﺑﻮﺳﻌﮫ أن ﯾﺒﺪل ھﺬا اﻟﻮﺿﻊ اﻟﯿﻮﻣﻲ اﻟﺒﺎﺋﺲ اﻟﺬي ﺑﺘﻦ ﯾﻌﺸﻨﮫ .وﺳﻮاء أﻛﻦ اﻋﺘﻘﻠﻦ ﻓﻲ ﺧﻼل ﻋﻤﻠﯿﺔ ﻟﻠﻤﻘﺎوﻣﺔ أو أﺧﺬن ﻣﻦ أﺳﺮﺗﮭﻦ ﻋﻨﻮةً ،ﻓﺈن اﻟﺴﺠﯿﻨﺎت ﺟﻤﯿﻌﮭﻦ ﻓﻲ اﻟﮭﻢ ﺳﻮاء .ﻓﺎﻟﺜﯿﺎب اﻟﺘﻲ ﻛﻦ ﯾﺮﺗﺪﯾﻨﮭﺎ ﻗﺒﯿﻞ اﻻﻋﺘﻘﺎل ﻇﻠﺖ ﻣﻘﺘﻨﯿﺎﺗﮭﻦ اﻟﻮﺣﯿﺪة .وﯾﺮﺣﻦ ﯾﻐﺴﻠﻨﮭﺎ وﯾﺨﻄﻦ ﻓﯿﮭﺎ ،أﻟﻒ ﻣﺮة وﻣﺮة ،ﯾﻌﺮﻧﮭﺎ ﻟﺮﻓﯿﻘﺎت ﺑﺎﺋﺴﺎت وﯾﺴﺘﺒﺪﻟﻨﮭﺎ ﺑﺄﺧﺮى، ﺣﺘﻰ ﺗﺼﯿﺮ ھﺬه اﻟﺜﯿﺎب ،آﺧﺮ اﻟﻤﻄﺎف ،ﺧﺮﻗﺎً ﺑﺎﻟﯿﺔ. ﻧﻈﺮﯾﺎً ﻟﻢ ﯾﻜﻦ ﻣﺨﺰون اﻟﺒﻨﺎﻃﻠﯿﻦ ،وأﺛﻮاب اﻟﺒﺤﺮ واﻟﻔﺴﺎﺗﯿﻦ ﻟﯿُﻐﺬى إﻻ ﺑﻤﻨﺎﺳﺒﺔ اﻻﻋﺘﻘﺎﻻت اﻟﺠﺪﯾﺪة واﻟﻮاﺳﻌﺔ .وﻟﺤﺴﻦ اﻟﺤﻆ ،ﻛﺎن ﯾﻤﻜﻦ ﻟﻌﺎﺋﻼت اﻟﻤﻌﺘﻘﻼت ﻣﻦ اﻟﻤﻨﻄﻘﺔ اﻟﻤﺤﺘﻠﺔ ،أن ﺗﺪﺧﻞ اﻷﺛﻮاب اﻟﻰ ﺑﻨﺎﺗﮭﺎ ﺑﺎﻟﺤﯿﻠﺔ وﺑﺎﻟﺮﺷﺎوى ﺗﻘﺪﻣﮭﺎ ﻟﻠﺤﺎرﺳﺎت .وﺻﺎر ﻣﻦ اﻟﻌﺮف أن ﺗﺘﺮك اﻟﺴﺠﯿﻨﺎت ،اﻟﻠﻮاﺗﻲ ﯾﺼﺪر أﻣﺮ ﺑﺈﺧﺮاﺟﮭﻦ ﻣﻦ اﻟﻤﻌﺘﻘﻞ ،ﻟﺮﻓﯿﻘﺎﺗﮭﻦ اﻟﺒﺎﻗﯿﺎت ،أﻣﻼﻛﮭﻦ اﻟﻤﻨﻘﻮﻟﺔ اﻷﻛﺜﺮ ﻣﺘﺎﻧﺔ وﻣﻘﺎوﻣﺔ ﻟﻠﺰﻣﻦ. وﻛﺎن ﻣﻦ ﺷﺄن اﻟﻄﻌﺎم اﻟﮭﺰﯾﻞ واﻧﻌﺪام اﻟﺮاﺣﺔ اﻟﺬي ﺗﺘﻤﯿﺰ ﺑﮫ اﻟﺰﻧﺎزﯾﻦ أن ﺳﺎھﻤﺎ ﻓﻲ ﺗﻨﺎﻣﻲ اﻷﻣﺮاض داﺧﻞ أﺟﺴﺎد أﻧﮭﻜﮭﺎ اﻻﺳﺘﺠﻮاب وھﺪﺗﮭﺎ ﻋﻤﻠﯿﺎت اﻟﺘﻌﺬﯾﺐ اﻟﻤﺘﻮاﺻﻠﺔ واﻟﻤﻜﺜﻔﺔ .واﻟﻤﻌﺘﻘﻞ اﻟﺬي ﻛﺎن ﯾﺆوي أﻛﺜﺮ ﻣﻦ ﻣﺌﺘﻲ ﺳﺠﯿﻦ أﺣﯿﺎﻧﺎً ،رﺟﺎﻻً وﻧﺴﺎءً ،وﺟﺪت ﻓﯿﮫ ﻣﻤﺮﺿﯿﻦ اﺛﻨﯿﻦ، 135
وﻏﺎﻟﺒﺎً ﻣﺎ ﺗﻮاﺟﺪ ﻓﯿﮫ ﻣﻤﺮض واﺣﺪ ﻓﺤﺴﺐ .أﻣﺎ اﻟﻤﮭﺎرات واﻷدواب اﻟﺘﻲ ﻛﺎن ﻋﻠﯿﮭﺎ ﺟﺴﻢ اﻟﺘﻤﺮﯾﺾ ھﺬا ﻓﻜﺎﻧﺖ ﻣﺤﺪودة ﻟﻠﻐﺎﯾﺔ .وﻛﺎن أﺟﺪى ﺑﺎﻟﺴﺠﯿﻦ أﻻ ﯾﻘﻊ ﻣﺮﯾﻀﺎً ﻓﻲ ﻣﻌﺘﻘﻞ اﻟﺨﯿﺎم ،ذﻟﻚ أﻧﮫ ﻣﻦ اﻟﻌﺴﯿﺮ ﻟﻠﻐﺎﯾﺔ أن ﯾﻨﺎل اﻟﻤﺮﯾﺾ اﻷذن ﻣﻦ ﺳﻠﻄﺎت اﻟﻤﺨﯿﻢ ﺑﺎﻹﺧﻼء اﻟﻰ اﻟﻤﺴﺘﺸﻔﻰ اﻷﻗﺮب ،اﻟﻘﺎﺋﻢ ﻓﻲ ﻣﺮﺟﻌﯿﻮن .ﻛﻤﺎ ﯾﺤﺴﻦُ ﺑﺎﻟﻤﺮء ،أﯾﻀﺎً ،أﻻ ﯾﺘﺬﻣﺮ أو ﯾﺘﻤﺮد ﻋﻠﻰ اﻷﻧﻈﻤﺔ ،ﻷن أﻋﻤﺎل اﻻﻧﺘﻘﺎم ﻓﻲ ﺣﻘﮫ ﺗﻌﺎﺟﻠﮫ ،ﻟﯿﻜﻮن ﻋﺒﺮةً ﻟﻤﻦ اﻋﺘﺒﺮ، ﻓﺈذا ﻧﺼﯿﺐ اﻟﻤﺘﻤﺮدﯾﻦ واﻟﻤﺘﻤﺮدات اﻟﻀﺮب واﻟﻠﻜﻢ اﻟﺸﺪﯾﺪان وإﯾﺪاﻋﮭﻢ )إو إﯾﺪاﻋﮭﻦ( ﻓﻲ اﻟﺤﺒﺲ اﻻﻧﻔﺮادي ﻣﺪداً ﻣﺘﻔﺎوﺗﺔ. ﺣﯿﻦ ﯾﺼﻞ اﻟﺮﺟﺎل اﻟﻰ ﻣﻌﺘﻘﻞ اﻟﺨﯿﺎم ،ﯾﺘﻠﻘﻰ ﻛﻞ ﻣﻨﮭﻢ ﻟﺒﺎﺳﺎً رﺳﻤﯿﺎً واﺣﺪاً ﺑﺎﻟﻠﻮن اﻷزرق ،وﯾﻜﻮن ﻣﻦ اﻟﻘﻤﺎش ذاﺗﮫ ،اﻟﺬي ﯾُﺨﺎط ﻣﻨﮫ ﻏﻄﺎء اﻟﺮأس اﻟﺬي ﯾﻀﻌﮫ اﻟﺴﺠﻨﺎء ﺣﯿﻦ ﯾﺨﺮﺟﻮن ﻣﻦ اﻟﺴﺠﻦ .أﻣﺎ ﻇﺮوف ﺣﯿﺎة ھﺆﻻء ﻓﮭﻲ أﺷﺪ ﻗﺴﺎوة ﻣﻦ ﻇﺮوف اﻟﻨﺴﺎء ،ﻷﺳﺒﺎب ﻋﺪﯾﺪة وأھﻤﮭﺎ ازدﺣﺎم زﻧﺎزﯾﻨﮭﻢ ﺑﺎﻟﺴﺠﻨﺎء واﺳﺘﺨﺪام اﻟﺤﺮاس ﻋﻨﺪھﻢ ﻟﻠﻘﺴﻮة! اﺳﺘﺨﺪاﻣﺎً ﻣﻔﺮﻃﺎً .وﻣﻦ أھﻢ اﻷﺳﺒﺎب ﻛﺬﻟﻚ، اﺳﺘﺨﺪام اﻟﺤﺒﺲ اﻻﻧﻔﺮادي ﻓﻲ ﺣﻖ اﻟﺮﺟﺎل ،ﻋﻠﻰ ﻧﺤﻮ ﺷﺎﺋﻊ ﻟﺪﯾﮭﻢ .ﻓﺈذا ﻣﺎ ﻋﻮﻗﺒﺖ اﻣﺮأة ﺑﺎﻟﺤﺒﺲ اﻻﻧﻔﺮادي، وﺿﻌﺖ ﻓﻲ ﻣﺎ ﯾﺸﺒﮫ اﻟﻌﻠﺒﺔ ذات اﻟﺨﻤﺴﺔ واﻟﺜﻤﺎﻧﯿﻦ ﺳﻨﺘﯿﻤﺘﺮاً ﻋﺮﺿﺎً ،واﻟﻤﺘﺮﯾﻦ واﻟﺨﻤﺴﯿﻦ ارﺗﻔﺎﻋﺎً ،وﺗﻈﻞ ﻗﺎدرة ﻓﯿﮭﺎ ﻋﻠﻰ اﻟﺤﺮاك .أﻣﺎ اﻟﺤﺒﺲ اﻻﻧﻔﺮادي ﻟﻠﺮﺟﺎل ﻓﮭﻮ ﻣﺜﺎﺑﺔ ﻛﺎﺑﻮس ﺣﻘﯿﻘﻲ :إذ ﻻ ﯾﻌﺪو اﻟﺤﺒﺲ ﻛﻮﻧﮫ ﻣﻜﻌﺒﺎً، ﻻ ﯾﺘﺠﺎوز ﻛﻞ ﺟﺎﻧﺐ ﻓﯿﮫ اﻟﺘﺴﻌﯿﻦ ﺳﻨﺘﯿﻤﺘﺮاً ،وﻗﺪ أُﻋﺪ ﻓﻲ ﺟﺎﻧﺐ ﻣﻨﮫ ﺛﻘﺐ ﺻﻐﯿﺮ .واﻟﺴﺠﯿﻦ اﻟﺬي ﯾﻮﺿﻊ ﻓﻲ ﺣﺒﺲ ﻛﮭﺬا ،ﻏﺎﺋﺮاً ﻓﻲ اﻷرض ،ﻣﻨﻄﻮﯾﺎً ﻋﻠﻰ ﻧﻔﺴﮫ ،ﻣﻜﻮﻣﺎً 136
ﻋﻠﻰ ذاﺗﮫ ،ﯾﺪرك أﻧﮫ ﻟﻦ ﯾﺴﻌﮫ اﻟﻘﯿﺎم ،ﺑﺎﻟﺘﺄﻛﯿﺪ ،وﻻ اﻟﺤﺮاك إﻻ ﻟﺘﻨﺎول ﻃﻌﺎﻣﮫ .وﯾﺤﺪث أن ﯾﺮﻓﻌﮫ ﺟﻼدوه، اﻟﻰ ﺣﯿﻦ ،ﻟﻜﻲ ﯾﻐﺘﺴﻞ ،وﺑﺴﺮﻋﺔ ﻗﯿﺎﺳﯿﺔ ،ﻟﯿﻌﻮد اﻟﻰ ﻣﺨﺒﺌﮫ .وﻓﻲ ھﺬه اﻟﻈﺮوف اﻟﻤﻮﺻﻮﻓﺔ ،رأﯾﺖ ﺳﺠﻨﺎء أﻗﺎﻣﻮا ﻓﻲ ﺣﺒﺴﮭﻢ اﻻﻧﻔﺮادي ،وﻓﻲ ﺣﯿﺎة ﻇﻠﯿﻠﺔ أو ﯾﻜﺎد، أﺷﮭﺮاً ﺑﻄﻮﻟﮭﺎ وھﻢ ﯾﺤﻤﻠﻮن ﻓﻲ أﺟﺴﺎﻣﮭﻢ ﻋﻘﺎﺑﯿﻞ أﻣﺮاﺿﮭﻢ ،وآﻻﻣﺎً ﻣﺒﺮﺣﺔ ﻓﻲ اﻟﻌﻈﺎم ،أو اﺿﻄﺮاﺑﺎت ﻓﻲ رؤﯾﺘﮭﻢ .ﺣﺘﻰ أن أﺣﺪھﻢ ﺻﻤﺪ ﺣﯿﺎل ھﺬه اﻟﻤﻌﺎﻣﻠﺔ ﻏﯿﺮ اﻹﻧﺴﺎﻧﯿﺔ ﺳﻨﺔ وﻧﺼﻒ اﻟﺴﻨﺔ. وﺗﺘﻮﯾﺠﺎً ﻟﮭﺬا ﻛﻠﮫ ،ﻛﺎن اﻟﺘﻀﺎﻣﻦ اﻟﺬي ﯾﻔﺘﺮض ﺑﮫ أن ﯾﻌﻢ اﻟﺴﺠﻨﺎء ﻛﻠﮭﻢ ﻋﻠﻰ ﻧﺤﻮ ﻃﺒﯿﻌﻲ ،ﻣﻮﺿﻌﺎً ﻟﻠﺸﺒﮭﺔ ﻋﻠﻰ اﻟﺪوام .وﺣﺎﻟﻤﺎ ﺗﻌﺘﻘﻞ اﻣﺮأة ،ﺗﺨﻀﻊ ﻟﻼﺳﺘﺠﻮاب ،ﺛﻢ ﺗُﺮﺳﻞ اﻟﻰ اﻟﺤﺒﺲ اﻻﻧﻔﺮادي ،ﻛﻠﻤﺎ اﻧﻘﻀﺖ ﺟﻠﺴﺔ اﺳﺘﺠﻮاب وﺗﻌﺬﯾﺐ .ﻏﯿﺮ أﻧﮭﺎ ﻧﺎدراً ﻣﺎ ﺗﻜﻮن وﺣﺪھﺎ؛ ذﻟﻚ أن رﻓﯿﻘﺎﺗﮭﺎ ﻓﻲ اﻟﺴﺠﻦ ﯾﻜﻦ ﻣﺪﻓﻮﻋﺎت ﻣﻦ ﻗﺒﻞ ﺟﯿﺶ ﻟﺒﻨﺎن اﻟﺠﻨﻮﺑﻲ ،اﻟﺬي ﯾﺆﻣﻠﮭﻦ ﺑﺎﺧﺘﺼﺎر ﺳﺠﻨﮭﻦ ،ﺷﺮط أن ﯾﻨﻘﻠﻦ ﻟﺮﺟﺎﻟﮫ ﺑﺄﻣﺎﻧﺔ اﻷﺣﺎدﯾﺚ اﻟﺘﻲ ﺗُﺴﺮ ﺑﮭﺎ اﻟﻮاﻓﺪة اﻟﺠﺪﯾﺪة اﻟﯿﮭﻦ .ﻓﻲ ھﺬا اﻟﺸﺄن ،ﻛﺎن ﻗﺎﺋﺪي ﻓﻲ اﻟﻤﻘﺎوﻣﺔ "أﺣﻤﺪ" ﻗﺪ ﺣﺬرﻧﻲ ﻣﺴﺒﻘﺎً ﻣﻦ ھﺆﻻء اﻟﺴﺠﯿﻨﺎت اﻟﻠﻮاﺗﻲ ﯾﺒﺪﯾﻦ ﺗﻌﺎﻃﻔﮭﻦ اﻟﻜﻠﻲ ﻣﻌﻲ ،وﯾﻈﮭﺮن ﺗﻔﮭﻤﺎً ﻣﺒﺎﻟﻐﺎً ﻷﻣﺮي ،ﻓﻲ ﺣﯿﻦ ﯾﻜﻦ ﻛﺎﻣﻨﺎت ﻟﻲ ،ﻟﯿﻐﺘﻨﻤﻦ ﻓﺮﺻﺔ ﻛﺒﻮﺗﻲ وإرھﺎﻗﻲ اﻟﻤﺘﺮاﻛﻢ ﺑﻌﺪ ﺳﺎﻋﺎت وﺳﺎﻋﺎت ﻣﻦ ﺳﻮء اﻟﻤﻌﺎﻣﻠﺔ واﻟﺘﻌﻨﯿﻒ ،ﻟﯿﻨﺘﺰﻋﻦ ﻣﻨﻲ ،وﻋﻠﻰ ﺣﯿﻦ ﻏﻔﻠﺔ، اﻟﻤﻌﻠﻮﻣﺎت اﻟﺘﻲ اﺳﺘﺒﺴﻠﺖُ ﻹﺑﻘﺎﺋﮭﺎ ﻃﻲ اﻟﺼﺪر .ﺛﻢ إن ھﺬه "اﻟﺨﺮاف اﻟﺴﻮداء" ،اﻟﻤﻨﺪﺳﺎت ﻓﻲ اﻟﺰﻧﺎزﯾﻦ ،ﻛُﻦ ﯾﺘﺤﻦ ،ﻟﺴﻠﻄﺎت اﻟﺴﺠﻦ ،اﻟﻜﺸﻒ ﻋﻦ اﻟﺤﯿﻞ واﻟﻤﮭﺎرات اﻟﺘﻲ ﻗﺪ ﺗﻠﺠﺄ إﻟﯿﮭﺎ اﻟﺴﺠﯿﻨﺎت ﻟﻠﺘﻤﻠﺺ ﻣﻦ اﻹﺟﺮاء 137
اﻟﻤﻔﺮوض ،أو ﻟﻺﻟﺘﻔﺎف ﻋﻠﻰ اﻟﺤﺒﺲ اﻻﻧﻔﺮادي .وﻋﻠﯿﮫ، ﻓﻘﺪ ﺗﻮﺟﺐ ﻋﻠﻰ ﻛﻞ ﺳﺠﯿﻨﺔ أن ﺗﻀﺒﻂ ﻧﻔﺴﮭﺎ وﺗﺮاﻗﺐ اﻷﺧﺮﯾﺎت .واﻗﺘﻀﻰ ﻣﻦ ﻛﻞ ﻣﻨﺎ ﻛﺬﻟﻚ ،اﻟﺘﻨﺒﮫ اﻟﻰ ﻛﻞ ﻛﻠﻤﺔ أو ﺣﺮﻛﺔ ﻏﯿﺮ ﻣﺘﻮﻗﻌﺔ ﺑﯿﻦ أي ﺳﺠﯿﻨﺔ وﺣﺎرﺳﺔ. وأن ﺗﻈﮭﺮ ﻛﻞ أﻧﻮاع اﻟﺘﻮاﻃﺂت اﻟﺤﺎﺻﻠﺔ ﻓﻲ أي زﻧﺰاﻧﺔ. وﻻ أﻇﻦ اﻷﻣﻮر ﻟﺪى اﻟﺴﺠﻨﺎء اﻟﺮﺟﺎل ،أﺷﻔﻰ ﺣﺎﻻً ﻣﻨﮫ ﻟﺪى اﻟﻨﺴﺎء. ﻏﯿﺮ أن اﻟﻀﻐﻮط اﻟﺘﻲ ﻣﺎ ﺑﺮﺣﺖ ﺗﻤﺎرس ﻋﻠﻰ اﻟﺴﺠﯿﻨﺎت ﻛﺎﻧﺖ ﺗﻤﺲ أﻣﻮرھﻦ اﻷﻛﺜﺮ ﺣﻤﯿﻤﯿﺔ .وﻟﻄﺎﻟﻤﺎ اﻧﻄﻮت ﻗﺎﻋﺎت اﻻﺳﺘﺠﻮاب ﻋﻠﻰ أﺑﺸﻊ أﻧﻮاع اﻟﻤﻨﺎورات .وﻗﺪ روت ﻟﻲ إﺣﺪاھﻦ ذات ﯾﻮم ،ﻗﺼﺔ ﺷﺎﺑﺔ اﻋﺘﻘﻠﺖ ﻣﻦ دون أي ﺳﺒﺐ ﺧﺎص ﻟﻠﻐﺎﯾﺔ ،ﻓﺄﻏﻮاھﺎ أﺣﺪ ﻣﺴﺘﺠﻮﺑﯿﮭﺎ .إذ ﺗﻮﺻﻞ اﻟﻰ إﻗﻨﺎﻋﮭﺎ ﺑﻤﻤﺎرﺳﺔ اﻟﺠﻨﺲ ﻣﻌﮫ ،ﻣﻮﻃﻨﺎً ﻧﻔﺴﮫ ﻋﻠﻰ اﻟﺰواج ﺑﮭﺎ .ﻓﺮﺿﺨﺖ ﻟﻸﻣﺮ واﻗﺘﻨﻌﺖ ﺑﺼﺪﻗﯿﺔ اﻟﺮﺟﻞ ،وﺑﺄن ذﻟﻚ ﻣﻦ ﺷﺄﻧﮫ ﺗﯿﺴﯿﺮ ﺗﺤﺮﯾﺮھﺎ ﺑﻼ ﺷﻚ. ﻏﯿﺮ أﻧﮭﺎ ﺳﺮﻋﺎن ﻣﺎ اﻛﺘﺸﻔﺖ أﻧﮭﺎ وﻗﻌﺖ ﻓﻲ اﻟﻔﺦ اﻟﺬي ﻧﺼﺐ ﻟﮭﺎ ،وأن ﺑﻜﺎرﺗﮭﺎ اﻟﻤﻔﺘﻀﺔ إﻧﻤﺎ ﺗﺠﻌﻠﮭﺎ ﻋﺮﺿﺔ ﻻﺑﺘﺰاز ﻣﺘﻮاﺻﻞ ،ﺣﺘﻰ ﻓﻲ ﻋﺎل ﻋﻮدﺗﮭﺎ اﻟﻰ ﻛﻨﻒ ﻋﺎﺋﻠﺘﮭﺎ .ﺛﻢ إﻧﮭﺎ وﺟﺪت ﻧﻔﺴﮭﺎ ﻓﻮق ذﻟﻚ ،ﻋﺎﺟﺰة ﻋﻦ اﻟﺒﻮح ﻷﺣﺪ ﺑﻤﺴﻠﻜﮭﺎ اﻟﻤﺸﯿﻦ ﻓﻲ ﻧﻈﺮھﺎ. واﻟﺤﺎل أن ﻣﻌﺘﻘﻼت اﻟﺨﯿﺎم ﻛﻦ ﻣﻮﺿﻌﺎً ﻟﻠﺘﻼﻋﺐ ﺑﮭﻦ ﺑﺎﻟﻤﻘﺪار ﻧﻔﺴﮫ اﻟﺬي وﺟﺪن أﻧﻔﺴﮭﻦ ﻓﯿﮫ ﻣﺤﺮوﻣﺎت ﻣﻦ أي ﻣﻌﻠﻮﻣﺔ ﺗﺄﺗﯿﮭﻦ ﻣﻦ اﻟﺨﺎرج .ﻣﺎذا ﯾﺠﺮي ﻓﻲ ﻟﺒﻨﺎن وﻓﻲ اﻟﻌﺎﻟﻢ؟ ﻻ أﺣﺪ ﯾﻌﺮف ﺷﯿﺌﺎً ﻋﻦ اﻷﻣﺮ .وﻟﻜﻢ ﻛﺎن اﻟﻤﻌﺘﻘﻠﻮن ﯾﺪﯾﻨﻮن ﻟﺤﺮاﺳﮭﻢ ﻹدﻻﺋﮭﻢ ﺑﻨﺘﻒ ﻣﻦ اﻟﻤﻌﻠﻮﻣﺎت اﻟﻤﺘﺒﺎدﻟﺔ ﻣﻌﮭﻢ ،ﻋﻠﻰ ﻧﺤﻮ ﻻ إرادي ،أو ﻟﻨﺴﺦ ﻧﺎدرة أو 138
ﻟﺼﻔﺤﺎت ﻣﻦ اﻟﺠﺮاﺋﺪ ﯾﻤﻜﻦ أن ﺗﺨﺘﻠﺲ اﺧﺘﻼﺳﺎً ﻓﻲ ﻣﻨﺎﺳﺒﺔ اﻟﻤﻨﺎﻗﻼت ﻓﻲ اﻟﺴﺠﻦ أو ﻓﻲ اﻟﻄﺮﯾﻖ اﻟﻰ اﻻﺳﺘﺠﻮاﺑﺎت أو اﻟﺤﻤﺎﻣﺎت .وﯾﺤﺪث ،أﯾﻀﺎً ،أن ﯾﺮﻣﻲ اﻟﻤﺴﺘﺠﻮﺑﻮن ﻣﻌﻠﻮﻣﺔ ﻓﻲ وﺟﮫ ﺿﺤﺎﯾﺎھﻢ ،إذا ﻛﺎﻧﺖ ﺗﻔﯿﺪھﻢ ﺣﻘﺎً ،ﻣﻦ دون أن ﯾﺘﻤﯿﺰوا ﺻﺤﺘﮭﺎ أو ﯾﺘﻀﺢ ﻟﮭﻢ أﻧﮭﺎ ﻣﺤﺾ ﺗﻠﻔﯿﻖ. وھﻜﺬا ،أﻣﻜﻦ ﻟﻲ ،أﻧﺎ اﻟﻤﻮﻗﻮﻓﺔ ﻓﻲ أواﺧﺮ اﻟﻌﺎم ،1988 اﻹﻃﻼع ﻋﻠﻰ ﺳﻘﻮط ﺟﺪار ﺑﺮﻟﯿﻦ واﻻﺗﺤﺎد اﻟﺴﻮﻓﯿﺎﺗﻲ .إذ ﻛﺎن ﯾﺴﺮّ "أﺑﻮ ﻧﺒﯿﻞ" أن ﯾﻄﻠﻌﻨﻲ ﻋﻠﻰ ھﺬه اﻟﻤﻌﻠﻮﻣﺎت، ﻇﺎﻧﺎً أن ذﻟﻚ ﻣﻦ ﺷﺄﻧﮫ زﻋﺰﻋﺔ ﻗﻨﺎﻋﺎﺗﻲ وﻋﻘﯿﺪﺗﻲ .وﻋﺒﺜﺎً ﺳﻌﻰ .وﻟﺌﻦ ﻏﺪوتُ ﻣﻘﺮﺑﺔ ﻣﻦ اﻟﺤﺰب اﻟﺸﯿﻮﻋﻲ اﻟﻠﺒﻨﺎﻧﻲ ﻷﺳﺒﺎب ﻻ ﺗﻤﺖ ﺑﺼﻠﺔ اﻟﻰ اﻟﻌﻘﯿﺪة اﻟﻤﺎرﻛﺴﯿﺔ ،ﻓﺈن ھﺬا اﻟﺘﺪاﻋﻲ )ﻓﻲ اﻻﺗﺤﺎد اﻟﺴﻮﻓﯿﺎﺗﻲ( اﻟﺬي ﻋﺎﯾﻨﺖُ ﻧﺬره ﻗﺒﻞ ﻋﻤﻠﯿﺔ أﻧﻄﻮان ﻟﺤﺪ ،ﻟﻢ ﯾﻜﻦ ﻟﯿﻘﺪم أو ﯾﺆﺧﺮ ﻓﻲ ﻗﻨﺎﻋﺎﺗﻲ اﻟﺮاﺳﺨﺔ. وﺑﺎﻟﻤﻘﺎﺑﻞ ﺗﻨﺎھﺖ إﻟﻲ ،وإن ﻣﺘﺄﺧﺮاً ﻗﻠﯿﻼً ،أﺧﺒﺎر اﻧﺪﻻع ﺣﺮب اﻟﺨﻠﯿﺞ اﻟﺘﻲ ﺗﻠﺖ ﺿﻢ اﻟﻌﺮاق ﻟﻠﻜﻮﯾﺖ ﻓﻲ اﻟﻌﺎم ،1990ﻛﻤﺎ أُﻧﺒﺌﺖُ ﺑﺎﻧﺘﮭﺎء اﻟﺤﺮب اﻷھﻠﯿﺔ اﻟﻠﺒﻨﺎﻧﯿﺔ ،وﻗﺪ ﺧﺘﻤﺖ ﺑﺎﺗﻔﺎق اﻟﻄﺎﺋﻒ ،اﻟﺬي ﻧﺎﻗﺸﺘﮫ اﻷﻃﺮاف اﻟﻠﺒﻨﺎﻧﯿﺔ ﻓﻲ اﻟﻤﻤﻠﻜﺔ اﻟﻌﺮﺑﯿﺔ اﻟﺴﻌﻮدﯾﺔ .وﻛﺬﻟﻚ اﻷﻣﺮ ﻋﻠﻤﺖُ ﺑﺎﻧﻄﻼق اﻟﻤﻔﺎوﺿﺎت ﻋﻠﻰ اﻟﻤﺴﺎر اﻹﺳﺮاﺋﯿﻠﻲ – اﻟﻔﻠﺴﻄﯿﻨﻲ ،واﻟﺘﻲ وﺿﻌﺖ ﺣﺪاً ﻧﮭﺎﺋﯿﺎً ﻻﻧﺘﻔﺎﺿﺘﻲ اﻟﺤﺒﯿﺒﺔ ،إﺛﺮ اﻻﺗﻔﺎﻗﺎت اﻟﻤﻌﻘﻮدة ﻓﻲ أوﺳﻠﻮ ،ﻣﻦ اﻟﻌﺎم .1993
139
وﻓﻲ ﻣﺎ ﯾﺘﺠﺎوز ﺟﻠﺴﺎت اﻟﺘﻌﺬﯾﺐ واﻹﻓﺮاط ﻓﻲ اﻟﻘﺴﻮة ﺣﯿﺎل اﻟﺴﺠﻨﺎء ،ﻛﺎن ﻟﻤﻌﺘﻘﻞ اﻟﺨﯿﺎم أن ﯾﺸﮭﺪ ﻓﻲ ﺗﺸﺮﯾﻦ اﻷول /أﻛﺘﻮﺑﺮ ﻣﻦ اﻟﻌﺎم ،1989أزﻣﺔ ﺑﺎﻟﻐﺔ اﻟﺤﺪة ،إذ ﻋﻤﺖ ﺣﺎﻟﺔ ﻣﻦ اﻟﺘﻤﺮد اﻟﺤﻘﯿﻘﻲ ﺑﯿﻦ اﻟﻤﻌﺘﻘﻠﯿﻦ اﺣﺘﺠﺎﺟﺎً ﻋﻠﻰ ﻇﺮوف اﻟﺤﯿﺎة اﻟﻘﺎﺳﯿﺔ اﻟﺘﻲ ﯾﺤﯿﻮﻧﮭﺎ .وﻛﺎﻧﺖ ﺷﺮارة اﻟﺘﻤﺮد اﻷوﻟﻰ اﻧﻄﻠﻘﺖ ﻣﻦ زﻧﺎزﯾﻦ اﻟﺮﺟﺎل ،اﻟﺬﯾﻦ ﻣﻀﻮا ﯾﻀﺮﺑﻮن اﻷﺑﻮاب ﺿﺮﺑﺎً ﺷﺪﯾﺪاً ،وﯾﻄﻠﻘﻮن ﺻﺮﺧﺎت ﻣﻮﻗﻌﺔ ﻣﻜﺒﺮﯾﻦ" :اﷲ أﻛﺒﺮ !اﷲ أﻛﺒﺮ!" .وإذ ﻛﺎن اﻟﺴﺠﻨﺎء ﺑﻠﻐﻮا ﺣﺪ اﻟﯿﺄس ﻣﻦ اﺳﺘﺠﺎﺑﺔ ﻣﻄﺎﻟﺒﮭﻢ ،رأﯾﺘﮭﻢ ﻛﺘﻠﺔً واﺣﺪة ﻓﻲ ﻣﻮاﺟﮭﺔ ﺟﻼدﯾﮭﻢ. وﻓﯿﻤﺎ أﺧﺬت ﺣﺮﻛﺔ اﻻﺣﺘﺠﺎج ﺗﺘﺴﻊ ،ﺗﺴﺎرﻋﺖ ردود اﻟﻤﺴﺘﺠﻮﺑﯿﻦ واﻟﺤﺮاس وازدادت ﻗﺴﻮﺗﮭﻢ ﻓﻲ ﻗﻤﻊ اﻟﺴﺠﻨﺎء .وﺻﻮدف ﻣﺮور "أﺑﻮ ﻧﺒﯿﻞ" ﻓﻲ ﺳﺠﻦ اﻟﻨﺴﺎء، وﻛﺎن ﯾﻘﺴﻮ ﻓﻲ ﺿﺮب إﺣﺪاھﻦ ،وھﻲ ﻛﻔﺎح .وﻣﺎ أن اﻧﺘﮭﻰ ﺣﺘﻰ أﺷﺎر اﻟﻰ إﺣﺪى اﻟﺤﺎرﺳﺎت ﺑﺄﺧﺬھﺎ ،ﻓﻌﻤﺪت اﻷﺧﯿﺮة اﻟﻰ ﺳﻮﻗﮭﺎ ﻣﻦ زﻧﺰاﻧﺘﮭﺎ ورﻣﺘﮭﺎ ﻓﻲ ﻏﺮﻓﺔ اﻟﺤﺎرﺳﺎت ،ﺣﺘﻰ اﻧﺘﮭﻰ ﺑﮭﺎ اﻟﻤﻄﺎف اﻟﻰ ﺑﯿﺖ اﻟﻄﺎﻋﺔ اﻟﻘﺎﺋﻢ ﻓﻲ ﻣﻌﺰﻟﮭﺎ ،وﻓﻲ ﻧﻔﺴﮭﺎ ﻗﺪر ﻣﻦ اﻟﺨﻮف أﻛﺒﺮ ﻣﻦ اﻷﻟﻢ .وﻟﻤﺎ ﻛﺎﻧﺖ رﻓﯿﻘﺎﺗﮭﺎ ﻗﺪ رﻓﻌﻦ اﻟﺼﻮت ﻋﺎﻟﯿﺎً وأﺧﺬن ﯾﺤﺘﺠﺠﻦ ،ﺷﺄن زﻣﻼﺋﮭﻦ ،ﻋﻠﻰ ھﺬه اﻟﻘﺴﻮة اﻟﻤﺴﺘﺪﯾﻤﺔ، أﺻﺮ "أﺑﻮ ﻧﺒﯿﻞ" ﻋﻠﯿﮭﺎ أن ﺗﻄﻠﺐ ﻣﻦ اﻟﻤﻌﺘﻘﻼت اﻷﺧﺮﯾﺎت اﻟﻌﻮدة اﻟﻰ اﻟﺼﻤﺖ .ﻓﺮﻓﻀﺖ ﻛﻔﺎح .وﻟﻠﺤﺎل اﻧﮭﺎل ﻋﻠﯿﮭﺎ ﺑﺎﻟﻀﺮﺑﺎت واﻟﺼﻔﻌﺎت واﻟﻠﻜﻤﺎت ،ﺣﺘﻰ أُﺷﺒﻌﺖ ﻣﻨﮭﺎ. أﻣﺎ اﻟﺮﺟﺎل ﻓﻘﺪ دﻓﻌﻮا ﺛﻤﻦ ﺗﻤﺮدھﻢ أﺿﻌﺎﻓﺎً ﻣﻀﺎﻋﻔﺔً ،وﻗﺪ رﻣﯿﺖ اﻟﻘﻨﺎﺑﻞ اﻟﻤﺴﯿﻠﺔ ﻟﻠﺪﻣﻮع ﻓﻲ زﻧﺎزﯾﻨﮭﻢ اﻟﻤﻜﺘﻈﺔ، 140
وﻛﺎن اﻟﻤﺨﺒﺮون اﻟﻤﻮﺟﻮدون ﻓﻲ اﻟﺴﺠﻮن ﯾﺮﺟﻮن اﻟﺤﺮاس ﺣﺘﻰ ﯾﺨﺮﺟﻮا اﻟﺠﺮﺣﻰ .وﻣﻀﻰ اﻟﺴﺠﻨﺎء ﯾﻄﺎﻟﺒﻮن ﺑﺎﻟﺤﺪﯾﺚ ﻣﺒﺎﺷﺮة اﻟﻰ اﻹﺳﺮاﺋﯿﻠﯿﯿﻦ. وﺑﺎﻟﻔﻌﻞ ،ﻟﻢ ﯾﻤﺾ وﻗﺖ ﻛﺜﯿﺮ ﺣﺘﻰ وﺻﻞ اﻹﺳﺮاﺋﯿﻠﯿﻮن، ﻏﯿﺮ أن اﻟﻘﻤﻊ ﻟﻢ ﺗﺨﻒ ﺣﺪﺗﮫ ،إﻧﻤﺎ ﺗﻌﺎﻇﻢ ﺣﺘﻰ ﻻ ﺷﻔﻘﺔ ﻓﯿﮫ وﻻ رﺣﻤﺔ .أﻣﺎ اﻟﻤﺤﺮﺿﻮن ،أو اﻟﺬﯾﻦ اﻋﺘﺒﺮوا ﻛﺬﻟﻚ، ﻓﻘﺪ أُﺧﻀﻌﻮا ﻟﺠﻠﺴﺎت ﺗﻌﺬﯾﺐ رھﯿﺒﺔ. رﺟﻼن ﺳﻘﻄﺎ ﺷﮭﯿﺪﯾﻦ ﻓﻲ ھﺬه اﻟﺤﺮﻛﺔ. ﻓﻲ إﺛﺮ ھﺬا اﻟﺘﻤﺮد ،اﺗﺨﺬت ﺳﻠﻄﺎت اﻟﻤﻌﺘﻘﻞ ﺑﻌﺾ اﻹﺟﺮاءات ﻟﺘﺤﺴﯿﻦ اﻟﻮﺿﻊ اﻟﺤﯿﺎﺗﻲ ﻓﯿﮫ .ﻓﻘﺪ ﻣُﻨﺤﻨﺎ ﻧﺤﻦ اﻟﺴﺠﯿﻨﺎت ،أﻛﯿﺎﺳﺎً إﺳﺮاﺋﯿﻠﯿﺔ ﻋﺘﯿﻘﺔ ﻟﻠﻨﻮم ودﻻءً ﺻﺤﯿﺔ، ﻏﯿﺮ أن اﻟﺮﺟﺎل ،اﻟﺬﯾﻦ ﻟﻢ ﯾﺘﺴﻦ ﻟﮭﻢ أن ﯾﻔﺮﻏﻮا دﻻءھﻢ ھﺬه إﻻ ﻣﺮة ﻓﻲ اﻷﺳﺒﻮع ،ﻓﻜﺎن ﻣﻘﺪراً ﻟﮭﻢ أن ﯾﺤﯿﻮا ﻓﻲ اﻟﻨﺘﺎﻧﺔ اﻟﻤﮭﯿﻨﺔ. وﻓﻲ اﻟﺴﺎﺑﻊ ﻣﻦ أﯾﻠﻮل /ﺳﺒﺘﻤﺒﺮ ﻋﺎم ،1992ﺷﮭﺪ ﻣﻌﺘﻘﻞ اﻟﺨﯿﺎم ﺣﺎدﺛﺎً ﻣﻦ ﻧﻮع آﺧﺮ .ﻓﻘﺪ ﻣﺰق ﺳﻜﯿﻨﺔ اﻟﻠﯿﻞ دوي ھﺎﺋﻞ ﻗﺮﯾﺒﺎً ﻣﻦ ﺟﺪار اﻟﺴﻮر اﻟﻤﺤﯿﻂ ﺑﺎﻟﻤﻌﺘﻘﻞ ،ﻓﺄﺧﺬ اﻟﮭﻠﻊ ﺑﻨﻔﻮﺳﻨﺎ وأوﻗﻈﻨﺎ .ﻣﺎذا ﯾﺠﺮي؟ وﻛﺎﻧﺖ ﻏﺎﻟﺒﯿﺔ اﻟﻤﻌﺘﻘﻼت، ﺷﺄﻧﻲ ،ﻋﻠﻰ ﯾﻘﯿﻦ ﺑﺄن ﻣﺠﻤﻮﻋﺔ ﻣﻦ اﻟﻤﻘﺎﺗﻠﯿﻦ ﺗﺤﺎول أن ﺗﺸﻖ ﻃﺮﯾﻘﮭﺎ اﻟﻰ اﻟﻤﻌﺘﻘﻞ .أُﻃﻠﻘﺖ ﺻﻔﺎرات اﻹﻧﺬار . وﻛﺎن اﻟﺤﺮاس ﯾﻈﻨﻮن ﻟﻠﻮھﻠﺔ اﻷوﻟﻰ ،أن ﻓﻲ اﻷﻣﺮ ﻛﻠﺒﺎً ﺗﺎﺋﮭﺎً ﻓﻲ ﺣﻘﻮل اﻷﻟﻐﺎم اﻟﻤﺤﯿﻄﺔ ﺑﺎﻟﻤﺒﻨﻰ .وﻣﺎ ﻟﺒﺜﻮا أن وﺟﺪوا رﺟﻼً ﺟﺮﯾﺤﺎً ،ﻣﺸﻠﻮل اﻟﺤﺮﻛﺔ وﺳﻂ اﻟﻤﻨﻄﻘﺔ اﻟﻤﺤﻈﻮرة ﻋﻠﻰ اﻟﻤﺸﺎة ،ﺑﻌﺪ أن أﻃﻠﻘﻮا ﻗﻨﺎﺑﻞ ﻣﻀﯿﺌﺔ 141
ﻋﻠﻰ ﻣﺤﯿﻂ اﻟﻤﻌﺘﻘﻞ .وﺳﻤﻌﺖُ اﻟﻤﻤﺮض ﯾﺤﺾ اﻟﺤﺎرس ﻋﻠﻰ ﺗﻘﻠﺪ ﺳﻼﺣﮫ .ﻓﺄﺟﺎﺑﮫ اﻷﺧﯿﺮ ﺑﺄﻧﮫ ﻻ ﯾﺮﯾﺪ أن ﯾﻤﻮت دﻓﺎﻋﺎً ﻋﻦ اﻹﺳﺮاﺋﯿﻠﯿﯿﻦ ﻓﻲ ھﺬا اﻟﻤﻜﺎن .وﻋﺎود اﻟﺴﻜﻮن ﻣﻌﺘﻘﻞ اﻟﺨﯿﺎم ﻗﻠﯿﻼً ﻗﻠﯿﻼ .وﻇﻞ ﺟﻨﻮد ﺟﯿﺶ ﻟﺒﻨﺎن اﻟﺠﻨﻮﺑﻲ ﻣﺴﻤﺮﯾﻦ ﻓﻲ ﻣﺨﺎﺑﺌﮭﻢ ،ﯾﻨﺘﻈﺮون اﻹﺳﺮاﺋﯿﻠﯿﯿﻦ اﻟﺬﯾﻦ ﻗﺪﻣﻮا اﻟﻰ اﻟﻤﻜﺎن ،ﻣﺘﺄﺧﺮﯾﻦ وﻣﺪﺟﺠﯿﻦ ﺑﺎﻷﺳﻠﺤﺔ .أﻣﻜﻨﻨﻲ أن أﺗﻌﺮف اﻟﻰ ﺻﻮت أﺣﺪھﻢ وھﻮ ﯾﺴﺘﺠﻮب اﻟﺮﺟﻞ. وﻟﻤﺎ اﻃﻤﺄن اﻹﺳﺮاﺋﯿﻠﯿﻮن اﻟﻰ أن اﻟﺮﺟﻞ اﻟﺠﺮﯾﺢ ﻣﻌﺘﻘﻞ ﻓﻲ اﻟﺴﺠﻦ ،وﻗﺪ ﺣﺎول اﻟﻔﺮار ،ﻗﺮروا إﺧﺮاﺟﮫ ﻣﻦ ﺣﻘﻞ اﻷﻟﻐﺎم. واﺗﻀﺢ ،ﻓﯿﻤﺎ ﺑﻌﺪ ،أن اﻟﺮﺟﻞ ﺑﺘﺮت ﯾﺪه اﻟﯿﻤﻨﻰ واﻗﺘﻠﻌﺖ إﺣﺪى ﻋﯿﻨﯿﮫ ،ﺑﺎﻧﻔﺠﺎر ﻟﻐﻢ ﻓﯿﮫ .وﻛﺎن اﻟﺮﺟﻞ ﻣﺸﺎرﻛﺎً ﻓﻲ ﻋﻤﻠﯿﺔ ﻓﺮار ﻗﺎم ﺑﮭﺎ ﺑﺮﻓﻘﺔ ﺛﻼﺛﺔ ﻣﻦ زﻣﻼﺋﮫ اﻟﻤﻌﺘﻘﻠﯿﻦ، ﺑﻌﺪ أن أﻓﻠﺤﻮا ﻓﻲ ﺧﺪاع اﻟﺤﺮاس .وﻗﺪ ﺣﺎﻟﻒ اﻟﺤﻆ زﻣﻼﺋﮫ اﻟﺜﻼﺛﺔ ،اﻟﺬﯾﻦ اﺟﺘﺎزوا ﺣﻘﻞ اﻷﻟﻐﺎم ﺑﺴﻼم. ورأﯾﺖ اﻹﺳﺮاﺋﯿﻠﯿﯿﻦ ﯾﺠﮭﺪون أﻧﻔﺴﮭﻢ وﯾﺴﺘﻘﺪﻣﻮن اﻟﻮﺳﺎﺋﻞ اﻵﻟﯿﺔ ﻟﯿﺒﻠﻐﻮا اﻟﻰ ذﻟﻚ اﻟﺮﺟﻞ اﻟﺠﺮﯾﺢ .ﻓﻜﺎﻧﺖ ﻓﻲ ﺣﻮزﺗﮭﻢ ﺻﻔﺎﺋﺢ ﻣﻌﺪﻧﯿﺔ ﻛﺒﯿﺮة ﯾﺤﺎوﻟﻮن ﺑﮭﺎ ﺗﻤﯿﯿﺰ اﻷﻟﻐﺎم اﻟﻤﻀﺎدة ﻟﻸﻓﺮاد ،اﻟﺘﻲ ﺣُﺸﯿﺖ ﺑﮭﺎ اﻷرض ﺣﺸﻮاً .وﺑﻌﺪ ﺟﮭﻮد ﻣﻀﻨﯿﺔ اﺳﺘﻤﺮت ﺳﺎﻋﺘﯿﻦ ﻣﺘﻮاﺻﻠﺘﯿﻦ ،ﺗﻤﻜﻦ اﻹﺳﺮاﺋﯿﻠﯿﻮن ﻣﻦ اﺟﺘﯿﺎز اﻷﻣﺘﺎر اﻟﺴﺒﻌﺔ اﻟﻔﺎﺻﻠﺔ ﺑﯿﻨﮭﻢ وﺑﯿﻨﮫ .وﻣﺎ أن اﻗﺘﺮب أﺣﺪ اﻟﺠﻨﻮد اﻹﺳﺮاﺋﯿﻠﯿﯿﻦ ﺳﺎﻋﯿﺎً اﻟﻰ ﻧﻘﻠﮫ ﻋﻠﻰ ﺣﻤﺎﻟﺔ ،ﺣﺘﻰ ﻋﻼ ﺻﻮت "أﺑﻮ ﻧﺒﯿﻞ" اﻟﺠﺎﺛﻢ ﻋﻠﻰ أﺣﺪ أﺳﻄﺢ اﻟﻤﻌﺘﻘﻞ ،ﺗﺘﺮدد أﺻﺪاؤه" :إﻧﺘﺒﮫ ،رﺑﻤﺎ ﯾﻜﻮن ﻣﺴﻠﺤﺎً!" ﻓﺴﺎرع اﻟﺠﻨﺪي ،ﻣﻨﺬھﻼً ،اﻟﻰ ﺗﺮﻛﮫ ﯾﺴﻘﻂ أرﺿﺎً .ﻏﯿﺮ أن ﺷﯿﺌﺎً ﻣﻦ ھﺬا اﻟﻘﺒﯿﻞ ﻟﻢ ﯾﺤﺪث ،ﻓﺄﺧﻠﻲ اﻟﺮﺟﻞ اﻟﻰ ﻣﺴﺘﺸﻔﻰ ﻣﺮﺟﻌﯿﻮن. 142
وﻓﻲ ھﺬه اﻷﺛﻨﺎء ،اﻧﻄﻠﻖ إﺳﺮاﺋﯿﻠﯿﻮن وأﻓﺮاد ﻣﻦ ﺟﯿﺶ ﻟﺤﺪ آﺧﺮون ﻓﻲ إﺛﺮ اﻟﻔﺎرﯾﻦ .ﻏﯿﺮ أﻧﮭﻢ ﻟﻢ ﯾﺠﺪوا ﻟﮭﻢ أﺛﺮاً، ﻋﻠﻰ اﻟﺮﻏﻢ ﻣﻦ اﻟﻌﺘﺎد واﻟﻮﺳﺎﺋﻞ اﻟﺘﻲ ﻛﺎﻧﺖ ﺑﺤﻮزﺗﮭﻢ. وﻟﻤﺎ ﻛﺎن أﺣﺪ اﻟﻔﺎرﯾﻦ اﻟﺜﻼﺛﺔ ﻗﺪ أﺻﯿﺐ أﺛﻨﺎء ﻋﻤﻠﯿﺔ اﻟﻔﺮار ،ﻓﻘﺪ اﻟﺘﻤﺲ ﻣﻦ زﻣﯿﻠﯿﮫ أن ﯾﺘﺮﻛﻮه أرﺿﺎً ﻟﺌﻼ ﯾﺆﺧﺮ ﻓﺮارھﻤﺎ. وﺑﮭﺬا وﺣﺪه ﺗﻤﻜﻦ اﻹﺳﺮاﺋﯿﻠﯿﻮن ﻣﻦ وﺿﻊ ﯾﺪھﻢ ﻋﻠﻰ ھﺬا اﻟﻔﺎر اﻟﺠﺮﯾﺢ .وﻟﻜﻨﮫ ﺳﺮﻋﺎن ﻣﺎ ﻓﺎرق اﻟﺤﯿﺎة ﻓﻲ اﻟﻤﺴﺘﺸﻔﻰ ﻣﺘﺄﺛﺮاً ﺑﺠﺮاﺣﮫ .أﻣﺎ اﻟﻤﻌﺘﻘﻼن اﻵﺧﺮان اﻟﻠﺬان واﺻﻼ رﻛﻀﮭﻤﺎ ،ﻓﻘﺪ أﻣﻜﻨﮭﻤﺎ اﺟﺘﯿﺎز اﻟﻤﻨﻄﻘﺔ اﻟﻤﺤﺘﻠﺔ. ھﺬان ﻛﺎﻧﺎ اﻟﻔﺎرﯾﻦ اﻟﻮﺣﯿﺪﯾﻦ ﻣﻦ اﻟﻤﻌﺘﻘﻞ ،ﻣﺪة اﻋﺘﻘﺎﻟﻲ ﻓﻲ ﻣﻌﺘﻘﻞ اﻟﺨﯿﺎم. وردت ﺳﻠﻄﺎت اﻟﻤﻌﺘﻘﻞ ﻋﻠﻰ ﻋﻤﻠﯿﺔ اﻟﻔﺮار ھﺬه ﺑﺘﺸﺪﯾﺪھﺎ إﺟﺮاءات اﻷﻣﺎن ﻋﻠﻰ اﻷﺑﻮاب واﻟﻨﻮاﻓﺬ ،ﻓﺠﮭﺰت اﻷوﻟﻰ ﺑﻘﻀﺒﺎن إﺿﺎﻓﯿﺔ ،وﺑﺘﻘﻠﯿﺺ اﻟﺨﺪﻣﺎت اﻟﻤﻮﻛﻠﺔ اﻟﻰ اﻟﺴﺠﻨﺎء اﻟﻰ ﺣﺪھﺎ اﻷﻗﺼﻰ ،وﻻ ﺳﯿﻤﺎ ﻣﺎ ﺗﻌﻠﻖ ﻣﻨﮭﺎ ﺑﺄﻋﻤﺎل اﻟﺼﯿﺎﻧﺔ ﻓﻲ اﻟﺴﺠﻦ ،ﻣﺎ دام أن اﻟﻔﺎرﯾﻦ اﻏﺘﻨﻤﻮا ﻗﯿﺎﻣﮭﻢ ﺑﮭﺬه اﻷﻋﻤﺎل ﻟﺘﺤﻀﯿﺮ ﻓﺮارھﻢ .وﺻﺎر اﻟﺤﺮاس ﯾﻘﻮﻣﻮن ،ﻛﻞ ﻣﺴﺎء ،ﺑﺘﻔﺘﯿﺶ اﻟﺰﻧﺎزﯾﻦ ﺗﻔﺘﯿﺸﺎً دﻗﯿﻘﺎً. وﻣﺎ زاﻟﺖ أﺻﻮات اﻟﻀﺮﺑﺎت اﻟﻤﻮﻗﻌﺔ ﻋﻠﻰ اﻟﻨﻮاﻓﺬ اﻟﺘﻲ راح اﻟﺴﺠﻨﺎء ﯾﺆدوﻧﮭﺎ ﯾﻮﻣﯿﺎً ،ﺗﻀﺎﻣﻨﺎً ﻣﻊ زﻣﻼﺋﮭﻢ اﻟﻔﺎرﯾﻦ ،ﻣﺎ زاﻟﺖ ھﺬه اﻷﺻﻮات ﺗﺘﺮدد ﻓﻲ ﻣﺴﻤﻌﻲ ،اﻟﻰ ﯾﻮﻣﻨﺎ ھﺬا.
143
ﺳﮭﻰ ﺑﺸﺎرة ﻣﻌﺘﻘﻠﺔ دﺧﻠﺖُ اﻟﻰ ﻣﻌﺘﻘﻞ اﻟﺨﯿﺎم وأﻧﺎ ﻓﻲ اﻟﺤﺎدﯾﺔ واﻟﻌﺸﺮﯾﻦ ﻣﻦ ﻋﻤﺮي ،ﻣﻦ دون أن أﻋﺮف اﻟﺰﻣﻦ اﻟﺬي ﻗﺪ اﺳﺘﻐﺮﻗﮫ ﻓﻲ اﻟﻤﻌﺘﻘﻞ. ﻛﺎﻧﺖ اﻷﯾﺎم اﻷوﻟﻰ ﻓﯿﮫ ﻣﻨﮭﻜﺔ ﻟﻠﻐﺎﯾﺔ .وراح اﻻﺳﺘﺠﻮاب ﻋﻦ ﻣﺎﺿﻲّ وﻋﻦ اﻟﻌﻤﻠﯿﺔ ﯾﺘﻮاﻟﻰ ﻋﻠﻲّ ﺑﻼ ﺗﻮﻗﻒ ،وﻟﻢ ﯾﻘﻒ اﻷﻣﺮ ﻋﻨﺪ ھﺬا اﻟﺤﺪ ،ﺑﻞ وﺟﺪﺗﻨﻲ ﻓﻲ زﻧﺰاﻧﺘﻲ أﻣﺎم ﺳﯿﻞ ﻣﻦ اﻷﺳﺌﻠﺔ اﻟﻤﻠﺤﺔ ،ﺗﻄﺮﺣﮭﺎ ﻋﻠﻲ اﻟﻤﺘﻌﺎوﻧﺎت اﻟﻠﻮاﺗﻲ ﻛﻦ دﺳﺴﻦ ﻓﻲ اﻟﺰﻧﺰاﻧﺔ ﻧﻔﺴﮭﺎ ،ﻟﻐﺎﯾﺔ ﻧﻘﻞ ﺑﻌﺾ اﻟﻤﻌﻠﻮﻣﺎت ﻋﻨﻲ اﻟﻰ اﻟﺤﺎرﺳﺎت ،ﻃﻤﻌﺎً ﻓﻲ ﻧﯿﻞ رﺿﺎھﻦ. وﻣﻨﺬ أن ﺻﻮب أﺣﺪھﻢ ﻣﺴﺪﺳﮫ ﻋﻠﻰ ﺻﺪﻏﻲ ،ﺑﻌﯿﺪ اﻟﻌﻤﻠﯿﺔ ﺑﺎﻟﻀﺒﻂ ،ﺗﺒﺎﻋﺪ ﺷﺒﺢ إﻋﺪاﻣﻲ ﺑﻼ ﻣﺤﺎﻛﻤﺔ ،وﻻ ﺳﯿﻤﺎ ﺑﻌﺪﻣﺎ ﻋﻠﻤﺖُ أن أﻧﻄﻮان ﻟﺤﺪ ﻧﺠﺎ ﻣﻦ اﻟﻌﻤﻠﯿﺔ ،وﻟﻢ ﺗﻤﺘﮫ اﻟﺠﺮاح اﻟﺒﻠﯿﻐﺔ اﻟﺘﻲ أﺻﯿﺐ ﺑﮭﺎ. وﺑﻌﺪ ﻣﻀﻲ أﺳﺎﺑﯿﻊ ﻋﺪﯾﺪة ﻋﻠﻰ اﻋﺘﻘﺎﻟﻲ ،وﺟﺪﺗﻨﻲ ﻟﻤﺮة أﺧﺮى ،أﻣﺎم ﺳﻤﯿﺮ .وﻟﻢ ﺗﻜﻦ اﻟﻌﺼﺎﺑﺔ ﻋﻠﻰ ﻋﯿﻨﻲ، ﺑﺼﻮرة اﺳﺘﺜﻨﺎﺋﯿﺔ .ﻓﻄﺮح ﻋﻠﻲ ﻣﺴﺘﺠﻮﺑﻲ أﺳﺌﻠﺔ ﻋﺎﻣﺔ ﺟﺪاً ،أﺳﺌﻠﺔ ﺻﺤﺎﻓﻲ ﻟﯿﺲ إﻻ .وﻛﺎن ھﻮ ﻣﻦ اﺳﺘﺨﺪم اﻟﻌﺒﺎرة اﻷﺧﯿﺮة .وﺳﺄﻟﻨﻲ ﻋﻦ آﺧﺮ أﻣﺮ أﻗﻮم ﺑﮫ إن ﺛﺒﺖ ﻟﻲ أﻧﻲ ﺳﻮف أﻋﺪم .ﻓﺄﺟﺒﺖُ ﺑﺄﻧﻲ ﻗﺪ أﻏﻨﻲ أﻏﻨﯿﺔ ﻟﻤﺎرﺳﯿﻞ ﺧﻠﯿﻔﺔ ،أﻏﻨﯿﺔ ﺗﺤﺘﻔﻲ ﺑﺎﻟﻤﻘﺎوﻣﺔ وﺗﻤﺠﺪھﺎ. ﻓﯿﻤﺎ ﻣﻀﻰ ،ﻟﻢ أﻋﺮف إﻻ ﻗﻠﻘﺎً ﺣﻘﯿﻘﯿﺎً واﺣﺪاً ،أﺛﻨﺎء اﻻﺳﺘﺠﻮاب ،ﻋﻠﻰ اﻟﺪوام .ذات ﯾﻮم ،وﺑﯿﻨﻤﺎ اﻻﺳﺘﺠﻮاب
144
ﺟﺎر ،إذا ﺑﺼﻮت ﺻﻔﺎرة اﻹﻧﺬار ﺗﻘﻄﻊ اﻻﺳﺘﺠﻮاب. أُﻣﺮتُ ﺑﺄن أﻗﻮم ﺳﺮﯾﻌﺎً ،ﻣﻜﺒﻠﺔ اﻟﯿﺪﯾﻦ وﻣﻌﺼﻮﺑﺔ اﻟﻌﯿﻨﯿﻦ. وﺧﯿﻞ إﻟﻲ أن اﻟﻌﺎﻟﻢ ﻛﻠﮫ ﯾﻨﻘﻠﺐ ﻣﻦ ﺣﻮﻟﻲ .وﻋُﮭﺪ ﺑﻲ اﻟﻰ اﻟﺤﺎرﺳﺎت ،اﻟﻠﻮاﺗﻲ رﺣﻦ ﯾﺼﺮﺧﻦ ﺑﻲ أن أرﻛﺾ. وﺑﯿﻨﻤﺎ أﻧﺎ أﻋﺪو ،أﺧﺬتُ أﺳﺄﻟﮭﻦ ﺑﺈﻟﺤﺎح" :ﻣﺎذا ﯾﺠﺮي؟، ﻣﺎذا ﯾﺠﺮي؟" .ﻓﺘﺮد ﻋﻠﻲ إﺣﺪاھﻦ ﺑﺎﻟﻘﻮل إﻧﮭﺎ ﻻ ﺗﻌﺮف ﺷﯿﺌﺎً. وﻓﻲ آﺧﺮ اﻟﻤﻄﺎف ،أُﻋﺪتُ اﻟﻰ زﻧﺰاﻧﺘﻲ. ﻛﺎن ذﻟﻚ إﻧﺬاراً ﺧﺎﻃﺌﺎً. وﻓﻲ ﺧﻼل ﺗﻠﻚ اﻷﺳﺎﺑﯿﻊ اﻷوﻟﻰ ،اﻟﺘﻲ ﻣﺜﻠﺖُ ﻓﯿﮭﺎ أﻣﺎم "ﺳﻤﯿﺮ" ،أو ﺣﯿﺎل أﺣﺪ ﻣﻌﺎوﻧﯿﮫ ،وھﻲ ﻣﻦ اﻟﻤﺮات اﻟﻨﺎدرة ،ﻟﻢ أﻛﻒ ﻋﻦ اﻟﻤﻮارﺑﺔ واﻟﻜﺬب ﻓﻲ ﻛﻞ ﻣﺎ ﯾﺘﻌﻠﻖ ﺑﻲ ،ﺑﺎﻟﺘﺤﺪﯾﺪ .وﻛﻨﺖ أﻗﺎﺗﻞ اﻟﻘﮭﻘﺮى ،ﻣﺸﻮﺷﺔ اﻟﺬھﻦ ﻏﺎﻟﺒﺎً ﻟﻠﺘﺤﻘﯿﻘﺎت اﻟﺘﻲ ﯾﺠﺎﺑﮭﻨﻲ ﺑﮭﺎ ﻣﺴﺘﺠﻮﺑﻲ .ﻓﺬﻛﺮتُ ﻟﮭﻢ أﻣﺮاً ﻛﺎذﺑﺎً ﻣﻨﺬ اﻟﯿﻮم اﻷول .وﻟﻢ ﺗﻤﺾ ﺳﺎﻋﺔ ﻋﻠﻰ اﻹﻗﺮار ﺑﺎﻧﺘﻤﺎء ﻋﺼﺎم اﻟﻰ اﻟﻤﻘﺎوﻣﺔ ﺣﺘﻰ ﻃﻠﺒﺖ أن أرى ﻣﺴﺆوﻻً ﻷﺑﺮئ ﻗﺮﯾﺒﻲ .وﻓﯿﻤﺎ ﺑﻌﺪ ،ﻛﺬﺑﺖُ ﺑﺸﺄن اﻟﻤﺴﺪﺳﯿﻦ ،ﻣﺆﻛﺪة أﻧﻲ ﻣﺎ ﻛﻨﺖ أﻋﺮف أن اﻟﻤﺴﺪس اﻟﻤﺴﺘﺨﺪم ﺣُﺸﻲ رﺻﺎﺻﺎت ﻣﺴﻤﻮﻣﺔ ،ﻣﺎ ﺑﺪا أﻣﺮاً ﻣﺤﺎل اﻟﺘﺼﺪﯾﻖ ﻟﺠﻼدي .وﻛﺎن ﻛﻞ ﻛﺸﻒ ﻋﻦ ﻛﺬب ﺟﺪﯾﺪ ﻣﻨﺎﺳﺒﺔ ﻟﺴﯿﻞ ﻣﻦ اﻟﺘﮭﺪﯾﺪات ﻻ ﯾﻨﺘﮭﻲ .وﺟﻌﻞ ھﺆﻻء ﯾﺆﻛﺪون ﻟﻲ أﻧﮫ ﻓﻲ ﺣﺎل ﺛﺒﺖ ﻟﮭﻢ ﻛﺬﺑﻲ وﻣﺠﺎﻧﺒﺘﻲ اﻟﺤﻘﯿﻘﺔ ،ﻓﺈن ﻟﻲ ﺷﺮ اﻟﻤﺼﯿﺮ .ﺣﺘﻰ أن أﺣﺪھﻢ زﻣﺠﺮ وﻗﺎل" :أﻋﺮف دوﻣﺎً ﻛﯿﻒ أﺟﺪك ،ﺣﺘﻰ ﻓﻲ ﺑﯿﺮوت، وﺣﺘﻰ ﺑﻌﺪ ﻋﺸﺮﯾﻦ ﺳﻨﺔ". 145
وﺑﺎﻟﻤﻘﺎﺑﻞ ،ﻛﻨﺖ ﻛﻠﻤﺎ ﺳﺌﻠﺖ ﻋﻦ اﻟﻮﻗﺎﺋﻊ اﻟﺘﻲ ﻧﻘﻠﮭﺎ ﻛﻞ أوﻟﺌﻚ اﻟﻤﺴﺘﺠﻮﺑﯿﻦ ﺑﺎﻟﺘﺰاﻣﻦ ﻣﻌﻲ ،أﺟﺒﺖُ ﺑﻼ ﺗﺮدد أو ﺗﺤﺮﯾﻒ .وھﻜﺬا ،ﺣﺪث أن أﺛﺒﺖُ واﻗﻌﺔ أو أﺧﺮى ﻛﺎن ﻣﻦ ﺷﺄﻧﮭﺎ أن ﺗﺤﯿﺮ ﻣﺴﺘﺠﻮﺑﻲ .وﻣﺜﺎﻻً ﻋﻠﻰ ذﻟﻚ ،ﻣﺎ ﺟﺮى ﻟﻲ ﻗﺒﯿﻞ اﻟﻌﻤﻠﯿﺔ ،إذ ﻋﺒﺮتُ اﻷراﺿﻲ اﻟﻠﺒﻨﺎﻧﯿﺔ ﺣﻘﺎً اﻟﻰ إﺳﺮاﺋﯿﻞ ،ﻣﻦ دون إذن ،وﻟﺴﺎﻋﺎت ﻗﻠﯿﻠﺔ ،وﻛﺎﻧﺖ ﺻﺪﯾﻘﺘﻲ" ﺻﻔﺎء" اﻟﺘﻲ ﺗﻌﻤﻞ ﻓﻲ اﻹدارة اﻟﻤﺪﻧﯿﺔ ،وﺗﻌﻨﻰ ﺑﺘﻮزﯾﻊ أذوﻧﺎت اﻟﻤﺮور اﻟﻰ اﻟﻌﻤﺎل اﻟﻠﺒﻨﺎﻧﯿﯿﻦ اﻟﻌﺎﺑﺮي اﻟﺤﺪود ﺑﯿﻦ اﻟﺒﻠﺪﯾﻦ .وﻟﻢ ﯾﻜﻦ ﻻﺧﺘﺮاﻗﻲ اﻟﺤﺪود واﻟﻨﻔﺎذ اﻟﻰ إﺳﺮاﺋﯿﻞ أي ھﺪف ﺧﺎص ،إﻧﻤﺎ ﻷﺑﯿﻦ ﻧﻘﺎط اﻟﻮھﻦ ﻓﻲ اﻟﻨﻈﺎم اﻟﻤﺘﺒﻊ ﻟﺤﻤﺎﯾﺔ اﻟﺪوﻟﺔ اﻟﻌﺒﺮﯾﺔ. ورأﯾﺘﻨﻲ أﻏﻮص ﻓﻲ ﻣﺮﺣﻠﺔ اﻻﺳﺘﺠﻮاب ھﺬه أﺷﺒﮫ ﺑﻨﻔﻖ ﻻ ﻗﺮار ﻟﮫ .وﺷﻖ ﻋﻠﻲ أن أﻣﯿﺰ اﻟﺠﻠﺴﺎت ،ﺑﻌﻀﮭﺎ ﻋﻦ ﺑﻌﺾ ،ﻟﺘﺸﺎﺑﮫ ﻣﺴﺎراﺗﮭﺎ .وﺻﺎرت اﻷﺳﺌﻠﺔ ،وﻋﻤﻠﯿﺎت اﻟﺘﻌﺬﯾﺐ ﺑﺎﻟﻜﮭﺮﺑﺎء ،وﺻﺎر ﻛﻞ ﺷﻲء ﯾﻨﻤﻰ ،ﻓﻲ ﻋﯿﻨﻲ، اﻟﻰ ﻧﻮع واﺣﺪ ﻣﻦ اﻟﺮﺗﺎﺑﺔ. ﻣﺮة ،اﺳﺘُﺪﻋﯿﺖ ﻟﻠﺘﺤﻘﯿﻖ ﻓﻲ ﻣﻨﺘﺼﻒ اﻟﻠﯿﻞ ،ﺣﺎﻟﻤﺎ وﺻﻠﺖُ ،أﻣﺮﯾﻦ أﺑﻮ ﻓﺎرس أن أﺧﻠﻊ ﺛﯿﺎﺑﻲ .ورﺣﺖُ أﻧﺰع ﻋﻨﻲ اﻟﺜﯿﺎب ،ﺷﯿﺌﺎً ﻓﺸﯿﺌﺎً ،وﻓﻲ ﺑﻂء ﻻﻓﺖ .ﺛﻢ أﻣﺮﻧﻲ ﺑﺎﻟﻜﻒ ﻋﻦ ذﻟﻚ .ﺛﻢ ﻋﺎد" ﺳﻤﯿﺮ" ،ﺑﻌﺪ ﺣﯿﻦ ،وﻃﻠﺐ ﻣﻨﻲ أن أﻋﻄﯿﮫ أﺳﻤﺎء اﻟﻤﺴﺆوﻟﯿﻦ اﻟﺴﺮﯾﯿﻦ ﻓﻲ اﻟﺤﺰب، ﻓﺎﻛﺘﻔﯿﺖ ﺑﺈﻋﻄﺎﺋﮫ ﻻﺋﺤﺔ أﺳﻤﺎء ﺣﺰﺑﯿﺔ ﻣﻌﺮوﻓﺔ رﺳﻤﯿﺎً وﻋﻠﻨﯿﺎً ،زﻋﻤﺖُ ﻓﯿﮫ أﻧﮫ ﯾﺪل ﻋﻠﻰ ﺑﻨﯿﺔ اﻟﺤﺰب اﻟﺴﺮﯾﺔ. وﻓﯿﻤﺎ ﺑﻌﺪ ،دﻋﺎﻧﻲ ﻣﺴﺘﺠﻮﺑﻲ اﻟﻰ رﻓﻊ اﻟﻌﺼﺎﺑﺔ ﻋﻦ ﻋﯿﻨﻲ .وإذ رﻓﻌﺘﮭﺎ وﺟﺪتُ ﻣﺴﺪﺳﺎً ﻣﻮﺿﻮﻋﺎً أﻣﺎﻣﻲ، وأﻣﺮﻧﻲ ﻗﺎﺋﻼً" :ﺧﺬﯾﮫ!" ﻏﯿﺮ أﻧﻲ ﻟﻢ أﺳﺘﺠﺐ ﻟﺪﻋﻮﺗﮫ. 146
وﻣﻨﺬ ذﻟﻚ اﻟﺤﯿﻦ ،أﻟﻔﯿﺘﻨﻲ وﻗﺪ ﻋﺒﺮتُ ﻋﺘﺒﺔ اﻟﺴﺠﻦ، ﻷﻛﺘﺸﻒ اﻟﻌﻨﻒ واﻷﻟﻢ ﻓﻲ أﻓﻈﻊ ﺻﻮرھﻤﺎ .ﻓﻜﻠﻤﺎ ﻛﺎن ﺟﻼدي ﯾﻀﺮﺑﻮﻧﻨﻲ أو ﯾﺸﻐﻠﻮن اﻟﻤﺤﻮل اﻟﻜﮭﺮﺑﺎﺋﻲ اﻟﻤﻮﺻﻮل اﻟﻰ ﺟﺴﻤﻲ ﻋﺒﺮ ﻣﺴﺮﺑﯿﻦ ،ﺣﻞ اﻟﻔﺮاغ ﻓﻲ رأﺳﻲ ،وﻣﺎ ﻋﺪتُ أﻓﻜﺮ ﻓﻲ ﺷﻲء ،ورﺣﺖُ أﺻﯿﺢ ﻣﻦ ﺷﺪة أﻟﻤﻲ .وأﺷﺪُ ﻣﺎ ﻛﺎن ﺧﻮﻓﻲ ،ﻣﻦ اﻟﻮﻗﻔﺎت ،ﺣﯿﻦ ﺗﻮﻗﻒ اﻟﺬراع ،اﻟﺘﻲ ﺗﺤﺮك ﻣﻤﺴﺎك اﻟﻤﺤﻮل ،ﺳﺒﺎﻗﮭﺎ ،وﺣﯿﻦ ﯾﺠﻦ اﻟﺬھﻦ ﺗﺤﺖ وﻃﺄة اﻷﺳﺌﻠﺔ ،ﻣﻨﺘﻈﺮاً ﻋﻮدة اﻟﺸﺮ، ﺑﺮﻋﺐ ﺻﺎرخ. وﻟﻜﻦ أﻓﻈﻊ اﻵﻻم ھﻲ ﺗﻠﻚ اﻟﺘﻲ ﯾﺴﺘﺸﻌﺮھﺎ اﻟﻤﺮء وھﻮ ﻓﻲ ﻗﺎع زﻧﺰاﻧﺘﮫ ،إذ ﯾﺴﻤﻊ ﺻﺮاخ اﻵﺧﺮﯾﻦ أو اﻷﺧﺮﯾﺎت وھﻮ ﯾﺜﻘﺐ رأﺳﮫ ﺑﻼ اﻧﻘﻄﺎع ،ﻷﻧﮫ ﯾﺪرك ﻣﺎ ﺗﺤﯿﺎه ﺗﯿﻨﻚ اﻟﻨﺴﻮة ،أو ھﺆﻻء اﻟﺮﺟﺎل اﻟﺬي ﯾﺘﻌﺬﺑﻮن ھﻨﺎﻟﻚ، ﺧﺎﺿﻌﯿﻦ ﻟﻨﯿﺮ اﻟﻼإﻧﺴﺎﻧﯿﺔ ﻧﻔﺴﮭﺎ ،وﻣﻌﺬﺑﯿﻦ ﻣﻦ ﻗﺒﻞ اﻟﺠﻼدﯾﻦ أﻧﻔﺴﮭﻢ ،وﻣﺬﻟﻮﻟﯿﻦ وﻣﺸﻮھﯿﻦ ﻋﻠﻰ أﯾﺪي اﻟﻮﺣﺸﯿﺔ ﻧﻔﺴﮭﺎ. وﺗﻮاﺻﻠﺖ ﺟﻠﺴﺎت اﻹﺳﺘﺠﻮاب ،ﻏﯿﺮ أن ﻣﻠﻔﻲ ﻇﻞ ﻋﺼﯿﺎً ﻋﻠﻰ اﻟﺘﻘﺪم .وﻓﻲ ﺧﻼل اﺳﺘﺠﻮاب ﻛﺎن ﯾﺠﺮﯾﮫ ﻛﻞ ﻣﻦ ﺳﻤﯿﺮ وواﺋﻞ ،إﺳﺘﺎء ھﺬا اﻷﺧﯿﺮ ﺑﺼﺮاﺣﺔ ﻣﻦ ﻋﺪم ﻓﺎﻋﻠﯿﺔ زﻣﯿﻠﮫ .ﻟﻮاﺋﻞ ﺻﯿﺖ ﻣﺮﻋﺐ .ﻓﮭﻮ اﻟﺬي ﯾﺴﺘﺠﻮب اﻟﺮﺟﺎل ﺟﻠﺴﺎت أﻗﻞ ﻣﺎ ﯾﻘﺎل ﻓﯿﮭﺎ إﻧﮭﺎ أﺷﺪ ھﻮﻻً ﻣﻦ ﺟﻠﺴﺎت اﺳﺘﺠﻮاﺑﻨﺎ" .ﺳﻤﯿﺮ ،ﻻ ﯾﻌﺮف ﻛﯿﻒ ﯾﻌﺬﺑﻚ ،ﻣﻌﻲ اﻷﻣﺮ ﻣﺨﺘﻠﻒ!" .ﻣﻊ ذﻟﻚ ،ﻓﻘﺪ ﻇﻞ اﻟﺴﻤﺘﺠﻮﺑﻮن ﯾﺘﺒﻌﻮن اﻟﺘﻌﻠﯿﻤﺎت اﻟﺼﺎرﻣﺔ ﻣﻦ ﻗﺎﺋﺪ ﻣﻌﺘﻘﻞ اﻟﺨﯿﺎم ،أو ﻧﺒﯿﻞ .ﻓﻠﻢ أُﻋﺬب إﻻ ﺑﺎﻟﻜﮭﺮﺑﺎء.
147
اﻟﻰ ذﻟﻚ ،ﻓﺈن ﺳﻤﯿﺮ ﻟﻢ ﯾﻀﺮﺑﻨﻲ إﻻ ﻣﺮة واﺣﺪة ،ﺑﻌﺪ اﺳﺘﺠﻮاب ﺟﺮى ﻟﻲ ،ﻓﻲ ﺣﻀﻮر واﻟﺪﺗﻲ ،اﻟﺘﻲ ﻛﺎﻧﺖ ﻣﻌﺘﻘﻠﺔ ﻓﻲ ﻣﻌﺘﻘﻞ اﻟﺨﯿﺎم ،ﺑﺪورھﺎ. ذﻟﻚ اﻟﯿﻮم ،ﻛﻨﺖ ﺟﺎﻟﺴﺔً ،ﻣﻜﺒﻠﺔ اﻟﯿﺪﯾﻦ وﻣﻌﺼﻮﺑﺔ اﻟﻌﯿﻨﯿﻦ، وﻛﺎﻧﺖ واﻟﺪﺗﻲ ﻗﺪ أدﺧﻠﺖ اﻟﻰ اﻟﻐﺮﻓﺔ اﻟﺘﻲ ﺗﻄﺮح ﻓﯿﮭﺎ اﻷﺳﺌﻠﺔ .وﺟﻌﻠﺖ ﺗﺤﺜﻨﻲ ﻋﻠﻰ إﻋﻄﺎء اﻟﻤﻌﻠﻮﻣﺎت ،وﻋﻠﻰ رواﯾﺔ ﻛﻞ ﻣﺎ ﺟﺮى ﻓﻲ ﻣﺎ ﺧﺺ اﻟﻌﻤﻠﯿﺔ وﺗﺤﻀﯿﺮھﺎ. وراﺣﺖ ﺗﺤﺜﻨﻲ ﻗﺎﺋﻠﺔ" :أﻧﻘﺬﯾﻨﺎ ،وأﻧﻘﺬي ﻧﻔﺴﻚ!" .وﻓﻲ ﺣﯿﻨﮫ ﻟﻢ أﻛﻦ أرﻏﺐ ﻓﻲ اﻟﺸﻌﻮر ﺑﺎﻟﺬﻧﺐ ﻷﻧﻲ ﺟﺮرت أھﻠﻲ اﻟﻰ ھﺬه اﻟﻤﻐﺎﻣﺮة ،ﺣﺘﻰ وﻟﻮ ﻛﻨﺖُ أﺧﺸﻰ ﻋﻮاﻗﺒﮭﺎ ﻋﻠﻰ ﻋﺎﺋﻠﺘﻲ .وﺧﻄﺮ ﻟﻲ ﻓﻲ ھﺬه اﻟﻠﺤﻈﺎت ،وﻋﺒﺮ آﻟﯿﺔ ﻏﺮﯾﺒﺔ ﻓﻲ اﻟﻨﻔﺲ ﻛﺎﻧﺖ ﺗﺪﻓﻌﻨﺎ اﻟﻰ إﻋﻼء اﻷﻣﻮر اﻟﺜﺎﻧﻮﯾﺔ ﻓﻲ اﻟﻈﺎھﺮ ﻋﻠﻰ ﻣﺎ ﻋﺪاھﺎ ،أن ﻋﺎﺋﻠﺔ ﺧﻄﯿﺐ أﺧﺘﻲ وﻋﺎﺷﻘﮭﺎ ﺑﺎﺗﺖ ﺗﻌﺘﺮض ﻋﻠﻰ ﻋﻼﻗﺘﮭﻤﺎ ،ﻣﺎ داﻣﺖ ﻻ ﺗﺮﺿﻰ ﻋﻦ اﻟﻤﻘﺎوﻣﺔ اﻟﻠﺒﻨﺎﻧﯿﺔ ،وﻻ ﺗﻄﯿﻖ ذﻛﺮھﺎ ،ﻋﻠﻰ ﺣﺪ ﻋﻠﻤﻲ. واﻟﻮاﻗﻊ أن واﻟﺪﺗﻲ اﺳﺘﺸﻌﺮت ،ﺑﺪوره ،ﺗﻀﻐﻄﺎً ھﺎﺋ ً ﻼ ﻋﻠﯿﮭﺎ ،إذ ﺗﻤﺜﻠﺖ وﺿﻌﻲ ﻓﻲ ھﺬه اﻟﻠﺤﻈﺔ .ﻓﮭﻲ ﺗﺮاﻧﻲ ﺳﺠﯿﻨﺔ ،ﻓﻲ ﺣﯿﻦ أن ﺟﮭﺎز اﻷﻣﻦ ﯾﺤﺎل إﻗﻨﺎﻋﮭﺎ ﺑﺄن زوﺟﮭﺎ ﯾﻀﺎﻋﻒ ﻣﻦ ﺗﺪﺧﻼﺗﮫ اﻟﻌﻠﻨﯿﺔ اﻟﻰ ﺟﺎﻧﺐ ﺣﺰﺑﮫ اﻟﺸﯿﻮﻋﻲ اﻟﻠﺒﻨﺎﻧﻲ اﻟﻘﺒﯿﺢ ،وھﺬا ﻣﺤﺾ ادﻋﺎء ،ﻏﯿﺮ أﻧﻲ ﻇﻠﻠﺖُ ﻣﻌﺎﻧﺪة ،وﺻﺎﻣﺪة ﻛﺎﻟﺼﺨﺮ ،ﺣﯿﺎل ﻛﻞ اﻟﺘﻤﺎﺳﺎﺗﮭﺎ. وﻓﻲ ﺧﻼل دﻗﺎﺋﻖ ﻣﻌﺪودة ،أﻣﺮ "ﺳﻤﯿﺮ" ﺑﺈرﺳﺎل واﻟﺪﺗﻲ، وراح ﯾﻀﺮﺑﻨﻲ ﻋﻠﻰ رأﺳﻲ ،وﻗﺪ أﺧﺮﺟﮫ ﺻﻤﺘﻲ ﻋﻦ ﻃﻮره.
148
وﻓﯿﻤﺎ ﺑﻌﺪ ،ﻓﺎﺟﺄت واﻟﺪﺗﻲ اﻟﻤﺴﺘﺠﻮﺑﯿﻦ ﻓﻲ ﻣﺎ ﺧﺼﻨﻲ .إذ ﻗﺎﻟﺖ" :ﻟﻢ ﺗﺘﺤﺮك ﻗﯿﺪ أﻧﻤﻠﺔ ،إﻧﮭﺎ ﻟﻘﻮﯾﺔ ھﺬه اﻟﺼﻐﯿﺮة". وﺑﻘﯿﺖ ﻋﻠﻰ ھﺬه اﻟﺤﺎل ،ﻣﻦ اﻻﺳﺘﺠﻮاب واﻟﺘﻌﺬﯾﺐ وﻣﺎ ﺗﻼھﻤﺎ ،ﺛﻼﺛﺔ أﺷﮭﺮ ﺗﻘﺮﯾﺒﺎً .أﺷﺎر إﻟﻲ ﺳﻤﯿﺮ ،ﺣﺎل اﻧﺘﮭﺎﺋﮭﺎ ،ﺑﺄن ﻣﻠﻔﻲ ﺳﻮف ﯾﺒﻘﻰ ﻣﻔﺘﻮﺣﺎً ،وأﻧﻨﻲ ﺳﻮف أُﻋﺎد اﻟﻰ اﻻﺳﺘﺠﻮاب إن وردﺗﮭﻢ ﻣﻌﻠﻮﻣﺔ ﺟﺪﯾﺪة ﻓﻲ ﺣﻘﻲ ،وﻗﺎل" :ﻻ ﺗُﺴﺮي ﻛﺜﯿﺮاً ،اﻵن ﺳﻮت ﺗﻜﺘﺸﻔﯿﻦ اﻟﻤﻮت". وﺑﺎﻧﺘﮭﺎء اﻻﺳﺘﺠﻮاﺑﺎت ،ﻓﻘﺪتُ إﯾﻘﺎﻋﺎً ﻟﻠﺤﯿﺎة ،اﻋﺘﺪ ُ ت ﺧﻼﻟﮫ ﻋﻠﻰ اﻟﺴﺠﻦ ،رﻏﻤﺎً ﻋﻨﻲ .ﻛﺬﻟﻚ وﺟﺪﺗﻨﻲ ﻣﻔﺘﻘﺪة اﻟﻰ اﻻﺗﺼﺎل اﻟﻤﺒﺎﺷﺮ واﻟﻤﻨﺘﻈﻢ ﺑﻐﯿﺮ اﻟﻤﺴﺠﻮﻧﯿﻦ ،رﻏﻢ ﻛﻮﻧﮫ ﺷﺪﯾﺪ اﻹﯾﻼم وﻛﺮﯾﮭﺎً ﻟﻠﻐﺎﯾﺔ .واﺑﺘﺪأ ،ﻣﻨﺬ اﻟﻠﺤﻈﺔ، ﺷﻜﻞ آﺧﺮ ﻣﻦ ﺻﺮاع اﻟﺒﻘﺎء ،ﯾﻔﯿﺾ ﺷﻜﺎً وﺗﻘﻠﺒﺎً. ووﺿﻌﺖ ﻧﺼﺐ ﻋﯿﻨﻲ ھﺪﻓﺎً. ﻓﻤﺎ دﻣﺖُ ﻟﻢ أﻣﺖْ وﺳﻼﺣﻲ ﻓﻲ ﯾﺪي ،ﻷن إﻋﺪاﻣﻲ ﺻﺎر ﻣﺴﺘﺒﻌﺪاً ،ﻓﻘﺪ ﺑﺎت ﻋﻠﻲ أن أھﯿﺊ ﻧﻔﺴﻲ ﻟﻔﺘﺮة اﻋﺘﻘﺎل ﻃﻮﯾﻠﺔ .ورﺣﺖُ أﺣﺪد ﻓﻲ ذھﻨﻲ ﺗﺎرﯾﺨﺎً ﻣﻌﯿﻨﺎً ،وھﻮ اﻟﻌﺎم ،2000ﺧﺎﺗﻤﺔ ﻻﻋﺘﻘﺎﻟﻲ. وﻛﺎن ﺗﺤﻠﯿﻠﻲ ،اﻟﺬي اﻋﺘﻤﺪتُ ﻋﻠﯿﮫ ﻓﻲ وﺿﻊ ھﺬا اﻟﺘﺎرﯾﺦ ،ﺳﯿﺎﺳﯿﺎً ﺑﺤﺘﺎً .وﻓﻜﺮتُ أن اﻹﺳﺮاﺋﯿﻠﯿﯿﻦ ،ﻓﻲ ھﺬا اﻟﺘﺎرﯾﺦ ،ﺳﻮف ﯾﻐﺎدرون ﻟﺒﻨﺎن ،ﻧﮭﺎﺋﯿﺎً .وﻟﻤﺎذا ﻓﻲ ﻣﺪى اﺛﻨﻰ ﻋﺸﺮ ﻋﺎﻣﺎً؟ رﺑﻤﺎ ﻷﻧﮭﻢ ﻛﺎﻧﻮا دﺧﻠﻮا اﻟﻰ ﻟﺒﻨﺎن واﺣﺘﻠﻮا ﺟﻨﻮﺑﮫ ﻹﺛﻨﻲ ﻋﺸﺮ ﻋﺎﻣﺎً أﺧﺮى ،أي زﻣﻨﺎً ﻣﺸﺎﺑﮭﺎً
149
ﻟﺬﻟﻚ اﻟﻤﺎﺿﻲ .ورﺑﻤﺎ ﻷن اﻟﻤﻘﺎوﻣﺔ اﻟﻠﺒﻨﺎﻧﯿﺔ ﻟﻢ ﺗﺒﺪ ﺿﻌﻔﺎً، إﻧﻤﺎ رأﯾﺘﮭﺎ ﻋﻠﻰ اﻟﻌﻜﺲ .ﺗﺰداد ﻣﻨﻌﺔً ،ﻣﻨﺬ اﻟﻌﺎم ،1982 وأن ﺣﺮب اﻻﺳﺘﻨﺰاف ھﺬه اﻟﺘﻲ ﺗﺨﻮﺿﮭﺎ اﻟﻤﻘﺎوﻣﺔ ﻋﻠﻰ أرﺿﮭﺎ ﺿﺪ إﺳﺮاﺋﯿﻞ ﻻ ﯾﻤﻜﻦ أن ﺗﻜﻮن ﻟﺼﺎﻟﺢ اﻷﺧﯿﺮة، أﻗﻠﮫ ﻓﻲ اﻟﻤﺪى اﻟﻤﺘﻮﺳﻂ .ﻛﻨﺎ ﻻ ﻧﺰال ﻓﻲ اﻟﻌﺎم ،1988 وﻛﻨﺖ أردد ﻟﻨﻔﺴﻲ أﻧﮫ ﻻ ﯾﺰال أﻣﺎﻣﻲ ،أﻗﻠﮫ ،ﻋﺸﺮ ﺳﻨﻮات ،وھﻮ رﻗﻢ ﻣﺼﻔﺮ ،أو اﺛﻨﺎ ﻋﺸﺮ ﻋﺎﻣﺎً ﻓﻲ أﻗﺼﻰ ﺣﺪ .وھﺬا ﻣﺎ أﺟﺒﺖُ ﺑﮫ ،ﻋﻠﻰ ﻧﺤﻮ ﻋﻔﻮي ،إﺳﺮاﺋﯿﻠﯿﺎً أﺗﻰ ﯾﺴﺄﻟﻨﻲ ،ﻓﻲ اﻟﻌﺎم ،1990إذا ﻣﺎ ﻛﻨﺖ أﻋﺮف اﻟﻤﺪى اﻟﺬي ﻗﺪ أﺣﺮر ﻓﯿﮫ "أﯾﻜﻮن ﻓﻲ أرﺑﻊ ﺳﻨﻮات؟" ،ﻓﺄﺟﺒﺘﮫ "إﻧﻤﺎ ﻓﻲ ﻋﺸﺮ!". إذاً ،وﺑﯿﻨﻤﺎ ﻛﻨﺖُ أھﯿﺊ ﻧﻔﺴﻲ ﻟﮭﺬا اﻟﻤﻮﻋﺪ اﻟﺒﻌﯿﺪ ،إذا ﺑﻤﻌﺎﻧﺎة ﺟﺪﯾﺪة ﺗﺒﺪأ .ﻓﺎﻟﺰﻧﺰاﻧﺔ ﺣﯿﺚ ﻛﻨﺖ ﻧﺎزﻟﺔً اﻟﻰ ﺟﻮار ﻓﺘﯿﺎت أﺧﺮﯾﺎت ،ﻛﺎﻧﺖ ﻗﺎﺋﻤﺔ ﻗﺮﯾﺒﺎً ﻣﻦ ﻏﺮﻓﺔ اﻟﺤﺎرﺳﺎت . وھﺆﻻء ﻏﺎﻟﺒﺎً ﻣﺎ ﻛﻦ ﯾﺪﺧﻠﻦ اﻟﻰ ﺳﺠﻨﻨﺎ ،وﯾﺼﺤﻦ ﻓﯿﻨﺎ ﻟﻨﺼﻤﺖ ،وﯾﻔﺘﺸﻨﻨﺎ ﺗﻔﺘﯿﺸﺎً دﻗﯿﻘﺎً .وﻣﺎ ﻛﻨﺖ ﻷﺧﺮج ﻣﻦ ھﺬا اﻟﺴﺠﻦ إﻻ ﻷﻟﺘﻘﻲ ﻗﺎﺋﺪ ﻣﻌﺘﻘﻞ اﻟﺨﯿﺎم .أﺑﻮ ﻧﺒﯿﻞ .ﻛﺎن ھﺬا اﻷﺧﯿﺮ ﻓﻲ اﻟﺜﺎﻣﻨﺔ واﻷرﺑﻌﯿﻦ ﻣﻦ ﻋﻤﺮه ،ﻃﻮﯾﻞ اﻟﻘﺎﻣﺔ ،ذا ﺷﺎرﺑﯿﻦ وﺷﻌﺮ ﻏﺰاه اﻟﺸﯿﺐ ﻛﻠﮫ .وﻛﺎﻧﺖ ﻗﺴﻤﺎﺗﮫ اﻟﻨﺤﯿﻠﺔ ﺗﺒﺮز ﻧﻈﺮاً ﺣﺎداً وﻧﻔﺎذاً .وﺟﻌﻞ ﯾﻮﺣﻲ إﻟﻲ وﻛﺄﻧﮫ ذﺋﺐ ﻋﻠﻰ أھﺒﺔ اﻹﻧﻘﻀﺎض ﻋﻠﻰ ﻓﺮﯾﺴﺘﮫ .وھﻮ ﻟﻤﺰاﺟﮫ اﻟﺒﺎﻟﻎ اﻟﺤﺪة ،ﻛﺎن ﯾﺴﻌﮫ اﻹﺗﯿﺎن ﺑﺄﺷﺪ اﻷﻋﻤﺎل ﻋﻨﻔﺎً ﻷﺟﻞ أن ﯾﺤﻄﻢ إرادة اﻟﺬﯾﻦ ﻋُﮭﺪ ﺑﮭﻢ إﻟﯿﮫ .أﺑﻮ ﻧﺒﯿﻞ ھﺬا ،ﯾﻨﺘﻤﻲ اﻟﻰ ﺑﻠﺪة ﺻﻐﯿﺮة ﻗﺮﯾﺒﺔ ﻣﻦ ﻣﺮﺟﻌﯿﻮن .ﻓﺒﻌﺪ أن ﻛﺎن ﺟﻨﺪﯾﺎً ﻋﺎدﯾﺎً ﻓﻲ اﻟﺠﯿﺶ اﻟﻠﺒﻨﺎﻧﻲ .رأﯾﺘﮫ أول اﻟﻮاﺻﻠﯿﻦ اﻟﻰ ﻣﻌﺘﻘﻞ اﻟﺨﯿﺎم ،اﻟﺬي ﺳﺮﻋﺎن ﻣﺎ ﺗﻮﻻه وﺻﺎر ﺗﺤﺖ ﺳﻠﻄﺘﮫ. 150
وﺣﯿﻦ اﻟﺘﻘﯿﺘﮫ ،دﻋﺎﻧﻲ اﻟﻰ أن أﺣﻔﻆ ھﺪوﺋﻲ وأن أﻗﻨﻊ زﻣﯿﻼﺗﻲ ﺑﺎﻷﻣﺮ ﻋﯿﻨﮫ .وراﺣﺖ زﯾﺎراﺗﻲ اﻟﻰ ﻣﻜﺘﺒﮫ ﺗﺒﺚ اﻻﺿﻄﺮاب ﻓﻲ ﺻﻔﻮف اﻟﻤﻌﺘﻘﻼت ﻣﻦ زﻣﯿﻼﺗﻲ، وﻋﻤﺖ اﻟﺘﺴﺎؤﻻت ﻓﻲ ﻣﺎ ﺑﯿﻨﮭﻦ ﺣﻮل إﻣﻜﺎن اﻧﻀﻤﺎﻣﻲ اﻟﻰ ﺻﻔﻮف اﻟﺴﻠﻄﺔ ،ﻓﺄﺻﯿﺮ ﻣﺘﻌﺎوﻧﺔ ﻣﻌﮭﺎ .وﻛﻠﻤﺎ وﺟﺪﺗﻨﻲ ﺣﯿﺎل أﺑﻮ ﻧﺒﯿﻞ أﻟﺒﺚ ﺻﺎﻣﺘﺔ ﺑﻜﻤﺎء .وﻋﻠﻰ أي ﺣﺎل ﻟﺴﺖُ ﺑﺎﻟﻤﺮأة اﻟﻀﺎﺟﺔ ﻟﻠﻐﺎﯾﺔ .ﻏﯿﺮ أن ﺗﻮﺑﯿﺨﺎﺗﮫ ﻟﻲ ﻟﻢ ﺗﻜﻦ ﺳﻮى ﺣﺠﺞ ﻷﻣﺮ آﺧﺮ. وذات ﯾﻮم ،أﻗﺒﻞ اﻟﺤﺮاس وأﺧﺮﺟﻮﻧﻲ ﻣﻦ اﻟﺰﻧﺰاﻧﺔ، ﺑﻔﻈﺎﻇﺔ ،وﻣﻦ دون أي ﺳﺒﺐ ﻇﺎھﺮ .رﻣﻮﻧﻲ أرﺿﺎً، وأﺧﺬوا ﯾﻀﺮﺑﻮﻧﻨﻲ ﺑﺴﻮط ﻣﺴﻤﺮ ،ﻋﻠﻰ ﺳﺎﻗﻲ ،وﻋﻠﻰ ﺑﺎﻃﻦ ﻗﺪﻣﻲ ،ورﺣﺖ أﻋﺪ اﻟﺠﻠﺪات .وﻓﻲ اﻟﺠﻠﺪة اﻟﺜﺎﻧﯿﺔ ﻋﺸﺮة ،ﺧﺎﻧﺘﻨﻲ ذاﻛﺮﺗﻲ .وﻛﺎن أﺑﻮ ﻧﺒﯿﻞ ﻣﻨﺘﺼﺒﺎً أﻣﺎﻣﻲ. وﻗﺎل واﺋﻞ" :اﻵن ،ﻻ ﻧﺮﯾﺪ أن ﻧﺴﻤﻊ ﻟﻚ ﺻﻮﺗﺎً ،وﻻ ﺣﺘﻰ ﺗﻨﻔﺴﺎً" وﻛﺎن ھﺬا اﻷﺧﯿﺮ ﺑﻠﻎ ﺑﮫ اﻟﻐﯿﻆ أﺷﺪه ﻟﻤﻮﻗﻔﻲ أﺛﻨﺎء اﻻﺳﺘﺠﻮاﺑﺎت ،وﻗﺮر ﻓﻲ اﻟﻮاﻗﻊ أن ﯾﺤﻄﻤﻨﻲ ،أن ﯾﻌﻤﻞ ﻛﻞ ﺷﻲء ﺣﺘﻰ ﯾﺠﻌﻠﻨﻲ ﻣﺘﻌﺎوﻧﺔ. وﺣﯿﻦ ﻋﺪت اﻟﻰ زﻧﺰاﻧﺘﻲ وﺟﺪﺗﮭﺎ ﻓﺎرﻏﺔ .وﻗﺪ ﻧﻘﻠﺖ رﻓﯿﻘﺎﺗﻲ اﻟﻰ زﻧﺰاﻧﺔ أﺧﺮى .وﺻﺮتُ وﺣﺪي. وراﺣﺖ ﺳﺎﻗﺎي ﺗﺆﻟﻤﺎﻧﻨﻲ .ﻟﻢ أﻛﻦ ﻷﺗﻨﺒﮫ ﻟﻸﻣﺮ ﻓﻲ ﺑﺪاﯾﺔ اﻟﺘﺄدﯾﺐ ،ﻏﯿﺮ أﻧﻲ ﻟﻢ أﻟﺒﺚ أن أدرﻛﺖ .ﻓﻜﺎﻧﺖ ﺑﻌﺾ ﺟﺮوﺣﻲ ﻣﻔﺘﻮﺣﺔ ﺗﻨﺰف دﻣﺎً ،وأﺧﺬت ﻣﻔﺎﺻﻠﻲ ﺗﺘﻮرم ﺗﺤﺖ ﻧﺎﻇﺮي .وﺟﮭﺪت اﻟﻠﯿﻞ ﻛﻠﮫ ،ﻓﻲ اﻟﻘﯿﺎم ﺑﺘﻤﺎرﯾﻦ، وﻓﻲ اﻟﻤﺸﻲ ﻷﺗﻤﻜﻦ ﻓﻲ اﻟﻐﺪ ﻣﻦ ﻣﻮاﺻﻠﺔ ﻃﻘﻮﺳﻲ ﻓﻲ
151
اﻟﺴﺠﻦ :ﺗﺮﺗﯿﺐ اﻟﺰﻧﺰاﻧﺔ ،واﻟﺤﻤﺎم ،واﻟﺤﺼﻮل ﻋﻠﻰ اﻟﻤﯿﺎه ووﺟﺒﺎت اﻟﻄﻌﺎم. وﻣﺎ أن أﻗﺒﻞ اﻟﺼﺒﺎح ،ﺣﺘﻰ ﺻﺎرت اﻵﻻم رھﯿﺒﺔ ،ﻻ ﺗﻄﺎق .وﻟﻤﺎ أﺧﺬت اﻟﺸﻔﻘﺔ ﺑﺎﻟﺤﺎرﺳﺎت اﻗﺘﺮﺣﻦ ﻋﻠﻲ أن ﺗﻌﯿﻨﻨﻲ إﺣﺪى اﻟﻤﻌﺘﻘﻼت ،ﻓﺮﻓﻀﺖُ اﻹﻋﺎﻧﺔ .وﺗﻮﺻﻠﺖ، ﻛﯿﻔﻤﺎ اﺗﻔﻖ ،اﻟﻰ أداء ﻣﮭﻤﺎﺗﻲ اﻟﯿﻮﻣﯿﺔ ،وﻇﻠﻠﺖُ ﺛﻼﺛﺔ أﯾﺎم وﺣﺪي .وﻣﻀﯿﺖ أﺳﺎﺋﻞ ﻧﻔﺴﻲ ﻋﻤﺎ ﺟﺮى ﻟﻲ .ذات ﺻﺒﺎح ،أدﺧﻠﺖ ﻓﺘﺎة اﻟﻰ زﻧﺰاﻧﺘﻲ ،وﻛﺎن اﺳﻤﮭﺎ "ﻣﻘﺒﻮﻟﺔ". وﻛﺎﻧﺖ ھﺬه اﻟﻔﺘﺎة ،اﻟﺘﻲ اﻋﺘﻘﻠﺖ ﺑﺎﻟﺼﺪﻓﺔ ،اﻟﻰ ﺣﺪ ﻣﺎ، ﺗﻌﺎﻧﻲ اﻧﮭﯿﺎراً رھﯿﺒﺎً ،ﯾﻘﺎرب اﻟﺠﻨﻮن .ﻓﮭﻲ إذ أﺻﺎﺑﮭﺎ اﻋﺘﻘﺎﻟﮭﺎ ﺑﺎﻟﺼﺪﻣﺔ ،اﻧﻄﻮت ﻋﻠﻰ ﻧﻔﺴﮭﺎ ،وراﺣﺖ ﺗﻜﺮر اﻟﻜﻠﻤﺎت ﻧﻔﺴﮭﺎ ﺗﻜﺮاراً ﻣﺘﻮاﺻﻼً ،وﺑﺎﻟﻨﺒﺮة اﻟﺼﻮﺗﯿﺔ ﻧﻔﺴﮭﺎ .وﺟﮭﺖُ إﻟﯿﮭﺎ اﻟﺴﺆال ﻣﺤﺎوﻟﺔ أن أﻋﺮف اﻟﻤﺰﯾﺪ ﻋﻦ ﻇﺮوف اﻋﺘﻘﺎﻟﮭﺎ ،ﻏﯿﺮ أن ذﻟﻚ ﺑﺪا ﻣﺴﺘﺤﯿﻼً .إذ ﻛﺎﻧﺖ ﺗﺒﺪي ﺧﻮﻓﺎً ﻏﯿﺮ ﻣﺒﺮر وﻻ ﻋﻘﻼﻧﻲ ،وﻛﺎﻧﺖ ﺗﺨﺸﻰ ﻋﻠﻰ اﻟﺪوام ﻣﻦ أن ﺗﺠﺮ ﻛﻞ ﻋﺎﺋﻠﺘﮭﺎ اﻟﻰ اﻻﻋﺘﻘﺎل واﻟﺘﻌﺬﯾﺐ. وﺑﺪت ﯾﺪاھﺎ زرﻗﺎوﯾﻦ ﻟﻔﺮط ﻣﺎ ﻟﻮﺗﮭﻤﺎ .ﺣﺎوﻟﺖ اﻟﻌﻨﺎﯾﺔ ﺑﮭﺎ .وﻟﺤﺴﻦ ﺣﻈﻲ ،ﺑﺪأت ﺣﺎﻟﺘﻲ اﻟﺼﺤﯿﺔ ﺗﺘﺤﺴﻦ .وﻟﻢ ﺗﻤﺾ ﺛﻤﺎﻧﯿﺔ أﯾﺎم ﺣﺘﻰ اﺧﺘﻔﺖ اﻟﻌﻘﺎﺑﯿﻞ ﻣﻦ ﺟﺴﻤﻲ. وﻓﻲ وﻗﺖ ﻻﺣﻖ ،واﻓﺘﻨﺎ ﻓﺘﯿﺎت أﺧﺮﯾﺎت. وﺳﺮﻋﺎن ﻣﺎ رﺣﻦ ﯾﺘﺸﻜﯿﻦ ﻣﻦ ﺗﺼﺮف "ﻣﻘﺒﻮﻟﺔ" اﻟﺘﻲ ﺟﻌﻠﮭﻦ ﻣﺴﻠﻜﮭﺎ ﻋﺮﺿﺔ ﻟﻤﺤﻨﺔ ﻋﺼﺒﯿﺔ ﻗﺎﺳﯿﺔ ﻟﻠﻐﺎﯾﺔ. ﻓﺴﻌﯿﺖُ ،واﻟﺤﺎل ھﺬه ،اﻟﻰ ﻣﺨﺎرج ﻣﻌﻘﻮﻟﺔ ،أﻟﻌﺎب ﺟﻤﺎﻋﯿﺔ ﺻﺎﻣﺘﺔ ﺗﺠﻨﺒﺎً ﻟﺘﺮﻛﯿﺰ اﻹﻧﺘﺒﺎه ﻋﻠﯿﮭﺎ.
152
ﻏﯿﺮ أن ﻣﻌﺎﻧﺎﺗﻲ ،ﺳﻮف ﯾﻜﻮن ﻟﮭﺎ أن ﺗﺘﺠﺪد .ﻓﺄﻧﺎ اﻵن ﺑﺖُ ﻓﻲ ﻣﺪى ﺑﺼﺮ أﺑﻮ ﻧﺒﯿﻞ ،اﻟﺬي ﯾﺮﯾﺪ أن ﯾﺨﻀﻌﻨﻲ . ﻓﺴﺮﻋﺎن ﻣﺎ ﺛﻘﻞ ﻣﻠﻔﻲ ﺑﺘﮭﻤﺔ ﺟﺪﯾﺪة .وﻣﻔﺎد اﻷﻣﺮ ،أﻧﮫ ﻟﺪى وﺻﻮل ﻣﻌﺘﻘﻠﺔ ﺟﺪﯾﺪة وﺑﻠﻮﻏﮭﺎ اﻟﻤﻌﺘﻘﻞ ﻟﻠﺘﻮ ،ﺣﺎوﻟﺖ أن أﺑﻌﺚ ﻟﮭﺎ ﺑﺮﺳﺎﻟﺔ ﻣﺤﺬرة إﯾﺎھﺎ ﻣﻦ اﻟﻤﻌﺎوﻧﺎت اﻟﻠﻮاﺗﻲ ﯾﺘﻠﻘﻔﻨﮭﺎ ﻓﻲ اﻟﺰﻧﺰاﻧﺔ .ﻓﺪﺳﺴﺖُ اﻟﺮﺳﺎﻟﺔ ﻓﻲ ﺑﻨﻄﻠﻮن ھﺬه اﻟﻔﺘﺎة ،ﺑﻌﺪﻣﺎ ﺛﺒﺖ ﻟﻲ أﻧﮫ ﻟﮭﺎ ،وھﻲ ﻛﺎﻧﺖ ﻧﺸﺮﺗﮫ ﻓﻲ اﻟﻐﺮﻓﺔ اﻟﻤﺨﺼﻮﺻﺔ ﺑﺎﻻﺳﺘﺤﻤﺎم واﻟﻐﺴﯿﻞ ﻓﻲ آن ،وﻟﻢ ﺗﻠﺒﺚ ھﺬه اﻟﻤﺮأة اﻟﺸﺎﺑﺔ أن اﻛﺘﺸﻔﺖ اﻟﺮﺳﺎﻟﺔ ،وﻟﺸﺪة دھﺸﺘﮭﺎ راﺣﺖ ﺗﻘﺮؤھﺎ أﻣﺎم رﻓﯿﻘﺎﺗﮭﺎ اﻟﺜﻼث ﻓﻲ اﻟﺰﻧﺰاﻧﺔ. ﺑﺎﻟﻄﺒﻊ ،ﻟﻢ ﯾﻄﻞ اﻟﻮﻗﺖ ﺣﺘﻰ أُﻧﺒﺊ أﺑﻮ ﻧﺒﯿﻞ ﺑﺎﻷﻣﺮ. ﻓﺎﺳﺘﺪﻋﺎﻧﻲ وأﻛﺪ ﻟﻲ أﻧﮫ ﯾﻌﺮف ﻛﺎﺗﺐ اﻟﺒﻄﺎﻗﺔ. وﻣﻊ أﻧﻲ ﻟﻢ أﻛﻦ ﻣﻘﺘﻨﻌﺔً ﺑﯿﻘﯿﻨﮫ ،ﻗﺮرتُ أن أوﺿﺢ ﻣﻼﺑﺴﺎت اﻟﺒﻄﺎﻗﺔ ،ﻣﺘﺤﻤﻠﺔً ﻣﺴﺆوﻟﯿﺔ ﻛﺘﺎﺑﺘﮭﺎ .وأﻋﻠﻨﺖُ ﺗﺤﺪي ﻟﻘﺎﺋﺪ ﻣﻌﺘﻘﻞ اﻟﺨﯿﺎم ،إذ أﻛﺪتُ ﻟﮫ أﻧﻲ ﺳﺄﻓﻌﻞ دوﻣﺎً ﻣﺎ ﯾﺤﻠﻮ ﻟﻲ. واﻟﺤﺎل إن ﺷﻌﻮري ﺑﺎﻹﺿﻄﮭﺎد واﻟﻈﻠﻢ ﻃﺎﻟﻤﺎ دﻓﻌﺎﻧﻲ اﻟﻰ اﻟﺘﻤﺮد ﻋﻠﯿﮭﻤﺎ .وﻟﻢ ﯾﺘﺄﺧﺮ ﺟﻮاب ﺟﻼدي .إذ أﺑﻠﻐﻨﻲ أﻧﮫ ﺳﻮف ﯾﻜﻮن ﻋﻠﻲ اﻹﻗﺎﻣﺔ ﻓﻲ اﻟﺤﺒﺲ اﻹﻧﻔﺮادي، وأردف ﯾﻘﻮل" :ﺳﻮف ﺗﺒﻘﯿﻦ وﺣﺪك ،ﻃﺎﻟﻤﺎ رﻓﻀﺖ اﻟﻌﻤﻞ ﻣﻌﻨﺎ". وھﺎ أﻧﺎ ﻣﺤﻜﻮم ﻋﻠﻲ ﺑﺎﻻﻧﻌﺰال اﻟﺘﺎم ﻋﻦ زﻣﯿﻼﺗﻲ وﻋﻦ اﻟﻌﺎﻟﻢ .ﻛُﺒﻠﺖ ﯾﺪاي ﺑﺎﻷﺻﻔﺎد ،ووﺿﻌﺘﺎ وراء ﻇﮭﺮي ،ﺛﻢ أُﺧﺬت اﻟﻰ اﻟﺰﻧﺰاﻧﺔ رﻗﻢ " ،7اﻟﺰﻧﺰاﻧﺔ اﻟﺼﻐﯿﺮة" ﻛﻤﺎ أﺳﻤﯿﺘﮭﺎ ،وھﻲ ﻛﻨﺎﯾﺔ ﻋﻦ ﻋﻠﺒﺔ ﺻﻐﯿﺮة وﺿﻌﺖ ﻓﯿﮭﺎ 153
ﻓﺮﺷﺔ وﺷﺮﺷﻒ .وﻛﺎن ﯾﺤﻖ ﻟﻲ ﺑﻨﻈﺎم ﻏﺬاﺋﻲ ﺧﺎص ،ھﻮ ﻛﻨﺎﯾﺔ ﻋﻦ وﺟﺒﺔ ﻃﻔﯿﻔﺔ ،ﺗُﻘﺪم ﻣﺮةً ﻓﻲ اﻟﯿﻮم ،وﯾﻨﺒﻐﻲ ﻟﻲ ﻗﻀﻤﮭﺎ ﻓﻲ ﻋﺸﺮ دﻗﺎﺋﻖ ،اﻟﻤﺪة اﻟﺘﻲ ﺗﻔﻚ ﻓﯿﮭﺎ ﯾﺪاي، إﺿﺎﻓﺔ اﻟﻰ ﻛﺄس ﻣﺎء واﺣﺪة ،ﻣﺴﺎءً .أﻣﺎ ﺑﺎﻟﻨﺴﺒﺔ ﻟﻠﺤﻤﺎم، ﻓﻠﻢ ﯾﻜﻦ ﻣﺴﻤﻮﺣﺎً ﻟﻲ ،إﻻ ﻣﺮة ﻓﻲ اﻷﺳﺒﻮع .وھﺬا ﻓﻲ اﻟﻤﺒﺪأ ،أﻣﺎ اﻟﻮاﻗﻊ ﻓﮭﻮ أن ﺟﻼدي ﻏﺎﻟﺒﺎً ﻣﺎ ﻛﺎﻧﻮا ﯾﻨﺴﻮن رﻓﻌﻲ ﻣﻦ ﻛﮭﻔﻲ. ﺗﻤﻠﻜﻨﻲ اﻟﺘﺤﺪي ،ﻓﺘﺸﺒﺜﺖ ﺑﺈرادﺗﻲ .وﺣﺎوﻟﺖ أن أﻗﻮم ﺑﺘﻤﺎرﯾﻦ ﻓﻲ ﻣﻮﺿﻌﻲ ،ﻷﻇﻞ ﻧﺸﻄﺔ ،ﻏﯿﺮ أﻧﻲ ﻛﻨﺖ ﻣﻔﺘﻘﺪة اﻟﻰ اﻟﻐﺬاء .وﻗﺮرتُ ﻋﻠﻰ اﻟﺮﻏﻢ ﻣﻦ وﺟﺒﺘﻲ اﻟﻮﺣﯿﺪة ،أﻻ أﻧﺪﻓﻊ اﻟﻰ اﻟﻄﻌﺎم ﻷﻟﺘﮭﻤﮫ ،أي أن آﻛﻞ وﺟﺒﺘﻲ ﻓﻲ ﺑﻂء ﻷﺟﻨﺐ ﻧﻔﺴﻲ ﻣﺸﺎﻛﻞ ﻓﻲ اﻟﻤﻌﺪة .ﺑﯿﺪ أن اﻟﺪﻗﺎﺋﻖ اﻟﻌﺸﺮ اﻟﺘﻲ ﻛﺎﻧﺖ أﻋﻄﯿﺖ ﻟﻲ راﺣﺖ ﺗﻤﻀﻲ ﺳﺮﯾﻌﺎً ،وﻏﺪوت ﻧﺤﯿﻠﺔً .وﺻﺎر اﻟﺒﻨﻄﻠﻮن اﻟﺬي أرﺗﺪﯾﮫ واﺳﻌﺎً ﻋﻠﻰ ﺧﺼﺮي ،ﻻﻧﻌﺪام اﻟﺤﺰام ﻓﯿﮫ .وﻓﻲ وﻗﺖ ﻗﺼﯿﺮ ،ﻧﺴﺒﯿﺎً ،وﺑﻌﺪ ﻣﺤﺎوﻻت ﻛﺜﯿﺮة ﻟﻼﻟﺘﻮاء ،أﻣﻜﻨﻨﻲ أن أﻣﺮ ﯾﺪي اﻟﻤﻜﺒﻠﺘﯿﻦ ﺗﺤﺖ ﻗﺪﻣﻲ ﺛﻢ أﺟﻌﻠﮭﻤﺎ أﻣﺎﻣﻲ ،ﻣﻤﺎ أﺗﺎح ﻟﻲ اﻟﻨﻮم ﺑﺄﻗﻞ ﺻﻌﻮﺑﺔ ﻣﻤﻜﻨﺔ ،ﻣﺎ دام اﻷﻣﺮ اﻷﺳﺎﺳﻲ ﻟﻲ ھﻮ اﻟﻘﯿﺎم ﻓﻲ اﻟﻮﻗﺖ اﻟﻤﺤﺪد ،ﺻﺒﺎﺣﺎً، ﻷﺳﺘﻌﯿﺪ ﺳﺮﯾﻌﺎً اﻟﻮﺿﻌﯿﺔ" اﻟﻨﻈﺎﻣﯿﺔ" ،ﻓﻲ ﺣﺎل ﺣﻈﯿﺖ ﺑﺰﯾﺎرة ﻣﺒﻜﺮة. وﻓﻲ ﺧﻼل أﺳﺒﻮﻋﯿﻦ ،ﻟﻘﯿﺖ اﻟﺤﺎرﺳﺔ اﻟﻤﻮﻛﻠﺔ ﺑﺎﻟﻤﺮور ﻋﻠﻲ ﻟﺘﻀﻊ اﻟﻘﺼﻌﺔ اﻟﻤﺨﺼﻮﺻﺔ ﺑﻲ ،ﺻﻌﻮﺑﺔً ﺑﺎﻟﻐﺔ ﻓﻲ ﻓﻚ أﺻﻔﺎدي ﻣﻦ ﯾﺪي .ﻓﻘﻠﺖ ﻟﮭﺎ إن ﺛﻤﺔ ﺣﻼً آﺧﺮ :ورﺣﺖ أﻣﺮر ﯾﺪي أﻣﺎﻣﻲ ،وﻟﻤﺎ ﻛﺎﻧﺖ ﻏﯿﺮ ﻣﺼﺪﻗﺔ ﻣﺎ ﺗﺮاه، دﻋﺘﻨﻲ اﻟﻰ ﻣﻌﺎودة ذﻟﻚ ،ﻓﻨﺠﺤﺖُ ﻓﯿﮫ إﺛﺮ ﺣﺮﻛﺎت 154
ﻣﻌﺪودة .وﻛﻨﺖ ﻋﻠﻰ ﯾﻘﯿﻦ ﺑﺄن أﺑﻮ ﻧﺒﯿﻞ ﺳﻮف ﯾﻄﻠﻊ ﻋﻠﻰ اﻷﻣﺮ ،وأردت أن أﺑﯿﻦ ﻟﮫ أن ﺳﺎﻋﺪي ﻟﻦ ﺗﻨﺜﻨﻲ ﻟﮫ .وﻓﻲ اﻟﻠﯿﻠﺔ ذاﺗﮭﺎ ،زارﻧﻲ واﺋﻞ .إذ ﻗﺮر أﺑﻮ ﻧﺒﯿﻞ أن ﯾﻘﯿﺪ ﺣﺮﻛﺘﻲ ،وﯾﺠﻌﻠﻨﻲ ﻓﻲ وﺿﻌﯿﺔ ﻏﯿﺮ ﻣﺮﯾﺤﺔ ﻋﻠﻰ اﻹﻃﻼق :رﺑﻂ اﻟﻌﺮﻗﻮب اﻷﯾﻤﻦ ﺑﺎﻟﻤﻌﺼﻢ اﻷﯾﻤﻦ. وﺳﺄﻟﻨﻲ ﺟﻼدي ﻗﺒﻞ أن ﯾﻌﻮد أﻋﻘﺎﺑﮫ ،ﺳﺎﺧﺮاً" :ھﻞ أﻧﺖ ﺳﻌﯿﺪة؟ ھﻜﺬا أﺣﺴﻦ ،اﻵن" .ﻓﺮددتُ ﻋﻠﯿﮫ ،ﻣﺠﮭﺪة، ﺑﺎﺑﺘﺴﺎﻣﺔ .وﻛﺎن ھﺬا اﻟﻌﻘﺎب اﻟﺠﺪﯾﺪ وﺣﺸﯿﺎً .إذ آﻟﻤﻨﻲ ﻗﯿﺎﻣﻲ ﺑﺄي ﺣﺮﻛﺔ أو ﺗﻤﺮﯾﻦ .وﻟﻢ أﻋﺪ ﻗﺎدرةً ﻋﻠﻰ اﻟﻮﻗﻮف .وﻟﺤﺴﻦ ﺣﻈﻲ ،ﻓﻘﺪ أﻧﻘﺬﻧﻲ ﻗﺪم اﻵﻻت .ﻓﺮأﯾﺖ اﻷﺻﻔﺎد ﺗﺘﻮﻗﻒ ﻋﻦ اﻟﻌﻤﻞ ،وﻻ ﺗﻨﻔﺘﺢ ﺑﺎﻟﻤﻔﺎﺗﯿﺢ ﻛﻠﻤﺎ ﺣﺎول اﻟﺤﺮاس ﻧﺰﻋﮭﺎ ﻣﻦ ﯾﺪي ﻟﺴﺤﺒﻲ ﻣﻦ ﺣﺒﺴﻲ ھﺬا، ﺗﻤﮭﯿﺪاً ﻹرﺳﺎﻟﻲ اﻟﻰ اﻟﻐﺮﻓﺔ اﻟﻤﺨﺼﻮﺻﺔ ﺑﺎﻟﺤﻤﺎم .وﺑﻌﺪ أن أﻋﯿﺘﮭﻢ اﻟﺤﯿﻠﺔ ،ﺧﻠﺼﻮا اﻟﻰ اﻧﺘﺰاع اﻷﺻﻔﺎد .ﻓﻌﺪت اﻟﻰ وﺿﻌﯿﺘﻲ اﻟﻄﺒﯿﻌﯿﺔ ،ﻏﯿﺮ أﻧﻲ ﺑﻘﯿﺖُ وﺣﺪي .وﺣﺘﻰ أﻇﻞ ﻣﺘﻤﺎﺳﻜﺔً رﻏﻢ اﻟﻈﺮوف ،ﻋﺎﻧﺪتُ وﺿﻌﻲ وأﺻﺮرتُ ﻋﻠﻰ اﻟﺘﻤﺎرﯾﻦ اﻟﺮﯾﺎﺿﯿﺔ ،أﻗﻮم ﻛﻞ ﯾﻮم وأﻣﺸﻲ ﻣﺎ ﯾﻌﺎدل اﻷرﺑﻌﺔ ﻛﯿﻠﻮﻣﺘﺮات .وﻛﺎن ﺗﺤﺮﯾﻚ اﻟﺠﺴﻢ ﯾﻘﺘﻀﻲ ﻣﻨﻲ ﻗﺪراً ﻛﺒﯿﺮاً ﻣﻦ اﻟﺘﺮﻛﯿﺰ ،ﻧﻈﺮاً ﻟﻀﯿﻖ اﻟﻤﻜﺎن .ﻓﻜﻠﻤﺎ وﻗﻔﺖُ ﻓﻲ ﻣﻨﺘﺼﻒ اﻟﺰﻧﺰاﻧﺔ ،وﻇﮭﺮي اﻟﻰ اﻟﺠﺪار ،وﺟﺪﺗﻨﻲ ﻋﻠﻰ ﺑﻌﺪ ﺧﻄﻮﺗﯿﻦ ﻣﻦ اﻟﺒﺎب .وﺻﺎر ﻋﻠﻲ أن أدور ﻋﻠﻰ ﻣﺤﻮري ،وأﻧﻔﺬ ﺧﻄﻮﺗﯿﻦ أﺧﺮﯾﯿﻦ، وأﻋﯿﺪ اﻟﺪوران ﻋﻠﻰ ﻣﺤﻮري وأﻛﺮر آﻻف اﻟﻤﺮات ھﺬه اﻟﺤﺮﻛﺔ ،ﯾﻌﯿﻨﻨﻲ ﻓﻲ ذﻟﻚ ﻗﺪر ﻛﺒﯿﺮ ﻣﻦ ﺣﻀﻮر اﻟﺬھﻦ، ﯾﻘﯿﻨﻲ ﻣﻦ ﻋﺪم اﻻﺻﻄﺪام ﺑﺄﺣﺪ اﻟﺠﺪران ﻣﻦ ﺣﻮﻟﻲ. وﻓﻲ أﯾﻠﻮل /ﺳﺒﺘﻤﺒﺮ ﻣﻦ اﻟﻌﺎم ،1989أﺳﺠﻞ ﻓﻲ دﻓﺘﺮي اﻟﺒﺸﺮى اﻟﺜﺎﻧﯿﺔ ،ﺑﻌﺪ اﻧﺘﺰاع اﻷﺻﻔﺎد ﻣﻦ ﯾﺪي .وﻣﻔﺎدھﺎ 155
أن إدارة اﻟﺴﺠﻦ ﺧﺼﺘﻨﻲ ﺑﻔﺮﺷﺔ وﺷﺮﺷﻒ .وﺑﻀﺮﺑﺔ واﺣﺪة ،اﻛﺘﺴﺒﺖ زﻧﺰاﻧﺘﻲ ﻣﺮﺗﺒﺔ ﻋﺎﻟﯿﺔ ،ﺣﺎزت ﺑﻤﻮﺟﺒﮫ ﻣﻜﺎﻧﺔ اﻟﻔﻨﺎدق ذات اﻟﻨﺠﻮم اﻟﺨﻤﺲ .وﻛﺎﻧﺖ ﺗﻠﻚ اﻟﮭﺪﯾﺔ ﻧﺸﻮةً ﻟﺨﺎﺻﺮﺗﻲّ اﻟﻠﺘﯿﻦ ازرﻗﺘﺎ ﻓﻲ اﻟﻠﯿﺎﻟﻲ اﻟﻌﺪﯾﻤﺔ اﻟﺮاﺣﺔ. وﻛﺎن أن اﻧﺘﮭﺖ أول ﺣﻘﺒﺔ ﻟﻲ ﻓﻲ اﻟﺤﺒﺲ اﻻﻧﻔﺮادي ،ﺑﻌﺪ ﻋﺸﺮة أﺷﮭﺮ .وﻟﻦ ﺗﻜﻮن اﻷﺧﯿﺮة .وﻟﺴﻮف أرﺳﻞ، ﺑﺎﻟﺘﻨﺎوب ،اﻟﻰ اﻟﺰﻧﺰاﻧﺔ رﻗﻢ 7أو اﻟﻰ اﻟﺮﻗﻢ ،27وھﻲ اﻷﻗﻞ ﺿﯿﻘﺎً. وﻓﻲ ﺧﻼل ھﺬه اﻟﺸﮭﻮر اﻟﻌﺸﺮة ،ﻋﻤﺪ أﺑﻮ ﻧﺒﯿﻞ اﻟﻰ ﻗﻄﻊ إﻗﺎﻣﺘﻲ ﻓﻲ اﻟﺤﺒﺲ اﻻﻧﻔﺮادي .ﻓﻲ اﻟﻤﺮة اﻷوﻟﻰ، اﺳﺘﺪﻋﺎﻧﻲ اﻟﻰ ﻣﻜﺘﺒﮫ ﻟﯿﻌﺮض ﻋﻠﻲ ﻣﻘﺎﯾﻀﺔ ﺟﺪﯾﺮة ﺑﺎﻹﻋﺘﺒﺎر .ﻓﺴﺄﻟﺖ" :وﻣﺎ ﺗﻜﻮن ﺑﻀﺎﻋﺔ اﻟﻤﻘﺎﯾﻀﺔ؟" ﻓﻘﺎل إن اﻹﺳﺮاﺋﯿﻠﯿﯿﻦ ﻻ ﯾﺰاﻟﻮن ﯾﺒﺤﺜﻮن ﻋﻦ اﻟﻄﯿﺎر "رون أراد" اﻟﺬي اﺧﺘﻔﻰ ﻓﻮق ﻟﺒﻨﺎن .وھﻢ ﯾﺸﻜﻮن ﻓﻲ أن ﯾﻜﻮن ﺣﺰب اﷲ ﻗﺪ أﻣﺴﻚ ﺑﺮﺟﻠﮭﻢ وﯾﺄﻣﻠﻮن ﻓﻲ أن ﺗﺴﺎھﻢ رﺳﺎﻟﺔ ﻣﻤﮭﻮرة ﺑﺎﺳﻤﻲ ،ﺗﻄﺎﻟﺐ ﺑﺘﺤﺮﯾﺮ اﻟﻄﯿﺎر اﻹﺳﺮاﺋﯿﻠﻲ ،ﻓﻲ اﻟﺘﻘﺪم ﺑﮭﺬا اﻟﻤﻠﻒ ..وﻋﺒﺜﺎً ﺳﻌﻰ .ﻓﺮد ﺑﺪھﺸﺔ ﻋﻈﯿﻤﺔ : "ﯾﺴﻌﻚ أن ﺗﺴﺎﻋﺪي ﻛﻞ اﻟﻨﺎس ﻓﻲ اﻟﺴﺠﻦ!" .ﻏﯿﺮ أﻧﻲ رﻓﻀﺖُ اﻟﺨﻀﻮع ﻟﻺﺑﺘﺰاز وأﻧﻜﺮتُ ﻛﻠﻤﺔ اﻟﺴﺠﻦ" .إﻧﻲ ﻓﻲ ﻣﻌﺘﻘﻞ .أﻣﺎ اﻟﺴﺠﻦ ﻓﮭﻮ اﻟﻤﻜﺎن اﻟﺬي ﯾﻮدع ﻓﯿﮫ اﻟﻨﺎس ﺣﺎﻟﻤﺎ ﯾﺤﺎﻛﻮن ﻣﺤﺎﻛﻤﺔ ﺻﺮﯾﺤﺔ ،اﻷﻣﺮ اﻟﺬي ﻻ ﯾﻨﻄﺒﻖ ﻋﻠﯿﻨﺎ". ورﻏﻢ ھﺬا اﻟﺮد ،إﻗﺘﺮح ﻋﻠﻲ أﺑﻮ ﻧﺒﯿﻞ أن أﻛﺘﺐ رﺳﺎﺋﻞ ﯾﺴﻌﻰ ﺟﮭﺪه ﻹﺑﻼﻏﮭﺎ اﻟﻰ اﻟﻤﻌﻨﯿﯿﻦ ﻣﺒﺎﺷﺮة .وﻛﺎن أول ﻣﻦ ورد ﻓﻲ ﺧﺎﻃﺮي أھﻠﻲ .ﻓﻜﺘﺒﺖُ رﺳﺎﻟﺔ إﻟﯿﮭﻢ ﻃﺎﻟﺒﺔً 156
ﻣﻨﮭﻢ أن ﯾﺘﻔﮭﻤﻮا اﻟﺪواﻓﻊ اﻟﺘﻲ ﺣﻤﻠﺘﻨﻲ ﻋﻠﻰ ﻣﺤﺎوﻟﺔ اﻏﺘﯿﺎل أﻧﻄﻮان ﻟﺤﺪ .وﻧﺼﺤﺘﮭﻢ ﺑﻤﻮاﺻﻠﺔ ﺣﯿﺎﺗﮭﻢ وﻛﺄن ﺷﯿﺌﺎً ﻟﻢ ﯾﻜﻦ ،وﻻ ﺳﯿﻤﺎ ﻋﺪم اﻟﻘﯿﺎم ﺑﻮﺳﺎﻃﺎت ﻟﺪى أﻋﺪاﺋﻨﺎ ﻣﻦ أﺟﻞ ﺗﺤﺮﯾﺮي .وﻣﻦ ﺛﻢ ﻛﺘﺒﺖُ رﺳﺎﻟﺔ اﻟﻰ رﺋﯿﺲ اﻻﺗﺤﺎد اﻟﺴﻮﻓﯿﺎﺗﻲ ،ﻓﻲ ﺣﯿﻨﮫ ،ﻣﯿﺨﺎﺋﯿﻞ ﻏﻮرﺑﺎﺗﺸﻮف، وأﺧﺮى اﻟﻰ اﻷﻣﯿﻦ اﻟﻌﺎم ﻟﻸﻣﻢ اﻟﻤﺘﺤﺪة ،اﻟﺬي ﻛﻨﺖ أﺟﮭﻞ اﺳﻤﮫ ،ﺣﯿﺚ وﺻﻔﺖُ ﻟﮫ ﻣﻄﻮﻻً ﻇﺮوف ﺣﯿﺎﺗﻨﺎ اﻟﺒﺎﺋﺴﺔ ،وﻻ ﺳﯿﻤﺎ اﻟﻤﺸﺎﻛﻞ اﻟﺼﺤﯿﺔ اﻟﺘﻲ ﺗﻮاﺟﮭﻨﺎ ﯾﻮﻣﯿﺎً. وﻛﻨﺖ ﻋﻠﻰ ﯾﻘﯿﻦ ﺑﺄن رﺳﺎﺋﻠﻲ ھﺬه ﻟﻢ ﺗﺬھﺐ أﺑﻌﺪ ﻣﻦ ﻣﻜﺘﺐ اﻹﺳﺮاﺋﯿﻠﯿﯿﻦ اﻟﻤﻮﻟﺠﯿﻦ ﺑﺎﻹﺷﺮاف ﻋﻠﻰ ﻣﻌﺘﻘﻞ اﻟﺨﯿﺎم ،إﻻ أﻧﻲ أردت أن أﺿﻌﮭﻢ ﺣﯿﺎل ﻣﺴﺆوﻟﯿﺎﺗﮭﻢ .أﻣﺎ اﻟﺮﺳﺎﻟﺔ اﻟﺜﺎﻟﺜﺔ ﻓﻜﺎﻧﺖ ﻣﻮﺟﮭﺔ اﻟﻰ اﻷﻣﯿﻦ اﻟﻌﺎم ﻟﻠﺤﺰب اﻟﺸﯿﻮﻋﻲ اﻟﻠﺒﻨﺎﻧﻲ وﻛﻞ اﻷﺣﺰاب اﻟﻮﻃﻨﯿﺔ اﻟﻠﺒﻨﺎﻧﯿﺔ. وﻛﺎﻧﺖ ﺑﻤﺜﺎﺑﺔ ﻧﺺ ﺻﻐﯿﺮ ،ﺣﺜﺜﺘﮭﻢ ﻓﯿﮫ ﻋﻠﻰ إﯾﻼء اﻟﺼﺮاع ﺿﺪ اﻟﻤﺤﺘﻞ اﻹﺳﺮاﺋﯿﻠﻲ ﻛﻞ اھﺘﻤﺎﻣﮭﻢ. وﻟﻢ ﯾﻜﻦ ﻟﺪي ﺷﻚ ،ﻋﻠﻰ اﻹﻃﻼق ،ﺑﺄن ھﺬه اﻟﺮﺳﺎﻟﺔ ﻟﻦ ﺗﺒﻠﻎ ﺑﯿﺮوت. وﻣﺎ أﻛﺪ ﻇﻨﻮﻧﻲ ﻋﺪم رﺿﺎ أﺑﻮ ﻧﺒﯿﻞ ﻋﻤﺎ ﻛﺘﺒﺘﮫ .وﻋﻠﯿﮫ، ﻓﻘﺪ أﻣﺮﻧﻲ ﺑﺄن أﻃﻠﺐ ﻣﻦ اﻟﺤﺰب اﻟﺸﯿﻮﻋﻲ اﻟﺘﻮﺳﻂ ﻟﺼﺎﻟﺢ "رون أراد" وﻟﻤﻌﺮﻓﺔ ﻣﺼﯿﺮه ،ﻓﺮﻓﻀﺖُ اﻹذﻋﺎن واﺳﺘﻌﻤﻠﺖُ ﻗﻠﻢ اﻟﺤﺒﺮ اﻟﺬي أﻋﻄﺎﻧﻲ إﯾﺎه ﻷرﺳﻢ أزھﺎراً وﻗﻠﻮﺑﺎً ﻋﻠﻰ اﻟﺠﯿﻨﺰ اﻟﺬي ﻛﻨﺖ أرﺗﺪﯾﮫ .ﻓﺄﺗﺎﻧﻲ رده ﺳﺮﯾﻌﺎً، ﺑﻤﺼﺎدرﺗﮭﻢ ذﻟﻚ اﻟﺠﯿﻨﺰ ،وأﺑﺪﻟﻮه ﺑﻌﺒﺎءة ﻓﻀﻔﺎﺿﺔ. وﻓﻲ اﻟﻤﺮة اﻟﺜﺎﻧﯿﺔ ،اﺳﺘﺪﻋﺎﻧﻲ أﺑﻮ ﻧﺒﯿﻞ ﻟﯿﻘﻮل ﻟﻲ إن ﻣﻘﺎﺑﻠﺔ ﺳﻮف ﯾﺠﺮﯾﮭﺎ ﻣﻌﻲ ﺻﺤﺎﻓﻲ .وأﻣﺮﻧﻲ أﻣﺮاً ﻣﺸﺪداً، 157
ﺑﺎﻟﻘﻮل إن اﻷﻣﻮر ﺗﺠﺮي ﻋﻠﻰ ﺧﯿﺮ ﻣﺎ ﯾﺮام ﻓﻲ ﻣﻌﺘﻘﻞ اﻟﺨﯿﺎم ،وأﻧﻲ اﻋﺎﻣﻞ ﻣﻌﺎﻣﻠﺔ ﺣﺴﻨﺔ ،وﺣﺘﻰ أن ﻟﺪي اﻟﺤﻖ ﺑﺎﻟﻨﺰھﺎت ﻓﻲ اﻟﮭﻮاء اﻟﻄﻠﻖ ،وﺑﻌﺪ ﻗﻠﯿﻞ ،اﻟﺘﻘﯿﺖ ﺑﺈﺳﺮاﺋﯿﻠﻲ ﻃﺮح ﻋﻠﻲ أﺳﺌﻠﺔ ﻛﺜﯿﺮة .وﺳﺄﻟﻨﻲ ﻋﻤﺎ أﻧﻮي ﻓﻌﻠﮫ إن ﺧﺮﺟﺖُ ﻣﻦ اﻟﻤﻌﺘﻘﻞ .ﻓﺄﺟﺒﺘﮫ ﺑﻤﺎ ﯾﺬﻛﺮ ﺑﻤﻮﻗﻔﻲ اﻷول اﻟﻤﺒﺪﺋﻲ ،ﻣﺒﯿﻨﺔً ﻟﮫ اﻟﻔﺮق ﺑﯿﻦ اﻟﺴﺠﻦ وﻣﻌﺴﻜﺮ اﻹﻋﺘﻘﺎل ،ﻣﺎ ﺟﻌﻞ أﺑﻮ ﻧﺒﯿﻞ ﯾﺸﺘﻌﻞ ﻏﯿﻈﺎً .ﻓﻠﻢ ﯾﺘﻤﺎﻟﻚ ﻋﻦ اﻟﺮد" :إﻧﮭﺎ ﻻ ﺗﻜﻒ ﻋﻦ ﺗﺮداد ھﺬا اﻟﻜﻼم!" .ﻏﯿﺮ أن اﻹﺳﺮاﺋﯿﻠﻲ ﺗﺠﺎوز ھﺬا اﻟﺘﻔﺼﯿﻞ وذﻛﺮﻧﻲ ﺑﺎﺳﻢ "رون أراد" .ﻓﺄﺟﺒﺘﮫ ﺑﺄن ھﺬا ﻟﯿﺲ ﻣﻦ ﺷﺄﻧﻲ. ﻟﻢ ﯾﻤﺾ ﯾﻮﻣﺎن ﺣﺘﻰ أُﻣﺮت ﺑﺎﻻﺳﺘﺤﻤﺎم ،ﺛﻢ وﺿﻊ اﻟﻐﻄﺎء ﻋﻠﻰ رأﺳﻲ ،ﻓﺄﯾﻘﻨﺖُ إن اﻻﺳﺘﺠﻮاب ﻗﺮﯾﺐ. أﺧﺮﺟﺖ ﻣﻦ زﻧﺰاﻧﺘﻲ ،ﻣﻜﺒﻠﺔ اﻟﯿﺪﯾﻦ ،ﻣﻌﺼﻮﺑﺔ اﻟﻌﯿﻨﯿﻦ. وﻋﻠﻰ ﺑﻌﺪ ﺧﻄﻮات ﻗﻠﯿﻠﺔ داﺧﻞ اﻟﻤﻌﺘﻘﻞ ،أُﻣﺮت ﺑﺮﻓﻊ اﻟﻌﺼﺎﺑﺔ .ﻓﺎﻛﺘﺸﻔﺖُ ﺣﻮﺷﺎً واﺳﻌﺎً ﺑﻌﺾ اﻟﺸﻲء ،وﻗﺪ أﺣﯿﻂ ﺑﮫ ﺳﯿﺎج ﺷﺎﺋﻚ .ﻛﺎن ﺛﻤﺔ أرﺑﻌﺔ رﺟﺎل أﻣﺎﻣﻲ، وﺧﻠﻒ ﻃﺎوﻟﺔ ،ھﻢ :أﺑﻮ ﻧﺒﯿﻞ ،وﺳﯿﺰار ،وﻣﺼﻮر، وﺷﺨﺺ راﺑﻊ ﻻ أﻋﺮﻓﮫ .ﻛﺎن ﺻﺤﺎﻓﯿﺎً ﺑﺎﻟﺘﺄﻛﯿﺪ .ﻃﻠﺐ ﻣﻨﻲ إن ﻛﺎن ﺑﻮﺳﻌﻲ اﻟﻜﻼم ﺑﺎﻟﻔﺮﻧﺴﯿﺔ .ﻓﺄﺟﺒﺘﮫ ﺑﺄﻧﻲ أﻓﻀﻞ اﻟﻌﺮﺑﯿﺔ ،ﻏﯿﺮ أﻧﮫ أﺻﺮ ﻋﻠﻰ ﻣﺘﺎﺑﻌﺘﻲ اﻟﻜﻼم ﺑﺎﻟﻔﺮﻧﺴﯿﺔ .ﻓﻜﺎﻧﺖ أﺳﺌﻠﺘﮫ اﻷوﻟﻰ ﺗﺮﻛﺰ ﻋﻠﻰ اﻟﻌﻤﻠﯿﺔ .ﻛﯿﻒ اﺗﺨﺬت اﻟﻘﺮار ﺑﺎﻹﻋﺪاد ﻟﮭﺎ وﺗﻨﻔﯿﺬھﺎ؟ وھﻞ أﻧﺎ ﻧﺎدﻣﺔ؟ وھﻞ أراﻧﻲ ﻣﺴﺘﻌﺪة ﻟﺘﻜﺮارھﺎ؟ وﻇﻞ أﺑﻮ ﻧﺒﯿﻞ ﯾﺤﺜﻨﺎ ﻋﻠﻰ اﻹﺳﺮاع .ﻓﺎﻟﺰﻣﻦ ﻣﺤﺴﻮب ﺑﺪﻗﺔ .ﺛﻢ أراد اﻹﺳﺮاﺋﯿﻠﻲ أن ﯾﻄﻠﻊ ﻋﻠﻰ رأﯾﻲ ﻓﻲ ﻣﺎ ﺧﺺ أﺧﺬ اﻟﺮھﺎﺋﻦ ،ﻓﺸﺮﺣﺖُ ﻟﮫ أﻧﻲ ﻣﺎ زﻟﺖُ ﻣﻌﺎرﺿﺔ ھﺬا اﻟﻨﻮع ﻣﻦ اﻷﻋﻤﺎل.
158
وﻛﻨﺖ ﻣﺘﻨﺒﮭﺔ ﺟﺪاً ﻟﻤﺎ أﻗﻮل .ذﻟﻚ أن ھﺬا اﻟﺼﺤﺎﻓﻲ ﻣﺎ ﻛﺎن ﻟﯿﺒﻠﻎ ﻣﻌﺘﻘﻞ اﻟﺨﯿﺎم ﻟﻮﻻ ﻣﻮاﻓﻘﺔ اﻹﺳﺮاﺋﯿﻠﯿﯿﻦ ،وﻛﻨﺖُ أﺷﻚ أن ﯾﻜﻮن ﻋﻤﻠﮭﻢ ھﺬا ﻣﺠﺎﻧﺎً ،إﻧﻤﺎ ﻛﺎن ﻣﺤﺎوﻟﺔ ﺟﺪﯾﺪة ﻣﻨﮭﻢ ﻟﻠﺘﻘﺪم ﺑﻤﻠﻒ "رون أراد" .وﻓﻲ ﻧﮭﺎﯾﺔ اﻟﻤﻘﺎﺑﻠﺔ ،اﻟﺘﻲ ﻟﻢ ﺗﺪم ﺳﻮى ﻋﺸﺮﯾﻦ دﻗﯿﻘﺔ ،اﻟﺘﻘﻂ ﻟﻲ اﻟﺼﺤﺎﻓﻲ ﺑﻌﺾ اﻟﺼﻮر .وﻗﺒﻞ أن ﯾﻐﺎدرﻧﻲ ﻗﺎل إﻧﮫ ﯾﺪﻋﻰ "روﺟﯿﮫ أوك" وأﻧﮫ ﻛﺎن ذات ﯾﻮم رھﯿﻨﺔً ﻟﺪى ﺣﺰب اﷲ .وأوﺻﺎﻧﻲ أﺧﯿﺮاً إذا ﻛﺎن ﻟﺪي رﺳﺎﻟﺔ أرﯾﺪ إﺑﻼﻏﮭﺎ اﻟﻰ أھﻠﻲ .ﻓﻘﻠﺖ ﻟﮫ إﻧﻲ ﺑﺨﯿﺮ وآﻣﻞ أن ﯾﺘﺎﺑﻌﻮا ﺣﯿﺎﺗﮭﻢ ﻛﻤﺎ ﯾﺘﻤﻨﻮن. وﻓﯿﻤﺎ ﺑﻌﺪ ،أﻣﻜﻨﻨﻲ أن أﻗﺮأ ﻣﻘﺎﻟﺘﮫ اﻟﺘﻲ أﺧﺎﻟﻔﮫ ﻓﯿﮭﺎ ،ﻏﯿﺮ أﻧﮭﺎ ﻣﻜﻨﺖ أھﻠﻲ ﻣﻦ اﻹﻃﻤﺌﻨﺎن ﻋﻠﻲ ،أﻧﻲ ﻣﺎ زﻟﺖُ ﺣﯿﺔ أرزق .وﺑﻌﺪ ھﺬه اﻟﺰﯾﺎرة ﻏﯿﺮ اﻟﻼﺋﻘﺔ ،ﻋﺪتُ اﻟﻰ ﺻﻤﺖ ﻣﻌﺘﻘﻞ اﻟﺨﯿﺎم اﻟﻤﻄﺒﻖ.
159
ﻛﻔـــــــﺎح ھﺬا اﻟﺼﺒﺎح ،ﺧﺮﺟﺖُ ﻣﻦ" زﻧﺰاﻧﺘﻲ اﻟﺼﻐﯿﺮة" ﻷﻣﻀﻲ اﻟﻰ اﻟﺤﻤﺎم ،ﻣﺼﺤﻮﺑﺔ ﺑﺤﺎرﺳﺘﯿﻦ اﺛﻨﺘﯿﻦ .وﺑﯿﻨﻤﺎ أﻧﺎ ﻓﻲ اﻟﺤﻤﺎم ،وﻗﺪ ﺧﻠﻌﺖُ اﻟﺜﯿﺎب ﻋﻨﻲ ،وھﻤﻤﺖُ ﺑﺎﻻﺳﺘﺤﻤﺎم، ﻓﺈذا ﺑﯿﺪي اﻟﻤﺘﻠﻤﺴﺔ ،ﺗﺘﺤﺴﺲ ﺷﯿﺌﺎً ﻓﻲ ﻗﻔﺎز اﻻﺳﺘﺤﻤﺎم. ورﻏﻤﺎً ﻋﻦ أﻧﻮف ﺣﺎرﺳﺎﺗﻲ اﻷﺑﺪﯾﺎت ،ﺗﻮﺻﻠﺖ اﻟﻰ إدﺧﺎل ﺷﻲء ﻣﺮﺑﻊ ﺻﻐﯿﺮ ،وھﻮ ﺑﻼ ﺷﻚ ﻗﻄﻌﺔ ﻣﻦ اﻟﻜﺮﺗﻮن ،ﻓﻲ أﺣﺪ ﺣﺬاءيّ .ﺛﻢ واﺻﻠﺖُ اﻻﻏﺘﺴﺎل ﻛﺎن ﺷﯿﺌﺎً ﻟﻢ ﯾﻜﻦ ،ﺣﺘﻰ ﻟﻮ ﻛﺎن ﻗﻠﺒﻲ ،ﻓﻲ ﺣﯿﻨﮫ ،ﺳﯿﻄﯿﺮ ﻓﺮﺣﺎً. وﻓﻲ ﺧﺘﺎم اﻻﺳﺘﺤﻤﺎم ،وﻟﻤﺎ ﻛﻨﺖُ أﺗﺤﯿﻦ ﻓﺮﺻﺔ دﺧﻮﻟﻲ اﻟﻰ اﻟﺰﻧﺰاﻧﺔ ﻷﻛﺘﺸﻒ ﻛﻨﺰﺗﻲ ،إذا ﺑﺄﺑﻲ ﻧﺒﯿﻞ ﯾﺴﺘﺪﻋﻨﻲ ﻟﻢ ﯾﻜﻦ وﺣﺪه .ﻛﺎن ﻃﻮﻣﻲ اﻹﺳﺮاﺋﯿﻠﻲ اﻟﺬي ﺳﺒﻘﺖ ﻟﻲ ﻣﻌﺮﻓﺘﮫ ،اﻟﻰ ﺟﺎﻧﺒﮫ .ﻻﺣﻆ أﺑﻮ ﻧﺒﯿﻞ ارﺗﺒﺎﻛﻲ .ﻓﻘﺎل: "ﻣﺎ اﻟﺬي دھﺎك ،ﻣﺎذا ﺟﺮى ،ﺗﺒﺪﯾﻦ ﺷﺪﯾﺪة اﻻﻧﻔﻌﺎل؟" "أﻧﺎ دوﻣﺎً ھﻜﺬا ﺣﯿﻦ أﺻﺎدف إﺳﺮاﺋﯿﻠﯿﺎً!". واﻧﺘﮭﻰ ﻛﻼﻣﻨﺎ ،ﻋﻠﻰ ھﺬا اﻟﻨﺤﻮ ،ﺳﺮﯾﻌﺎً ،وأﻣﻜﻨﻨﻲ أﺧﯿﺮًا اﻟﻌﻮدة اﻟﻰ زﻧﺰاﻧﺘﻲ .أﺧﺮﺟﺖُ ﻛﻨﺰي اﻟﺜﻤﯿﻦ ،وﺑﻘﻮة ،ﻣﻦ ﺣﺬاﺋﻲ .وﯾﺎ ﻟﺨﯿﺒﺘﻲ ،إﻧﮫ ﻗﻄﻌﺔ ﻣﻦ اﻟﻜﺮﺗﻮن ﻋﺬراء ﺗﻤﺎﻣﺎً! ورﺣﺖُ ،وﺳﻂ ذھﻮﺑﻲ أﻗﻠﺐ اﻟﻘﻄﻌﺔ وأﻋﺎود ﺗﻘﻠﯿﺒﮭﺎ ﺑﯿﻦ ﯾﺪي .ﻣﺴﺘﺤﯿﻞ .ﻟﻢ ﯾﺪﺧﻞ أﺣﺪھﻢ ھﺬه اﻟﻜﺮﺗﻮﻧﺔ ﻋﺒﺜﺎً! وﻓﻲ ﺧﻼل ﺑﻌﺾ اﻟﻮﻗﺖ ،وﺑﻌﺪ أن وﺟﮭﺖُ اﻟﻘﻄﻌﺔ ﺻﻮب اﻟﻨﻮر ،ﺗﻮﺻﻠﺖُ اﻟﻰ ﻗﺮاءة ﺑﻌﺾ ﻛﻠﻤﺎت اﻟﺘﺸﺠﯿﻊ ﻣﻨﻘﻮﺷﺔ ﻋﻠﻰ ﺳﻄﺤﮭﺎ ،ﺑﻮاﺳﻄﺔ ﻗﻄﻌﺔ ﻣﻦ اﻟﺤﺪﯾﺪ .إﻧﮭﺎ ﻛﻠﻤﺔ ﻣﺨﺘﺼﺮة ﺗﺒﺪي ﻓﯿﮭﺎ ﺻﺪﯾﻘﺘﻲ ﻛﻔﺎح دﻋﻤﮭﺎ ﻟﻲ. 160
ﻛﻔﺎح ﻟﯿﺴﺖ ﻣﻌﺘﻘﻠﺔ ﺷﺄن اﻷﺧﺮﯾﺎت .إﻧﮭﺎ ﻣﻘﺎﺗﻠﺔ ،ﻣﺜﻠﻲ. ﻛﺎﻧﺖ أﺳﺮت واﻟﺴﻼح ﻓﻲ ﯾﺪھﺎ ،ﻓﻲ ﺧﻼل ﻋﻤﻠﯿﺔ ﻗﺎﻣﺖ ﺑﮭﺎ ﺿﺪ إﺳﺮاﺋﯿﻞ ،وﻛﻔﺎح ﻟﯿﺴﺖ ﻟﺒﻨﺎﻧﯿﺔ ،إﻧﻤﺎ ھﻲ ﻓﻠﺴﻄﯿﻨﯿﺔ .ﻛﺒُﺮت ﻛﻔﺎح ﻓﻲ ﻣﺨﯿﻤﺎت ﺻﺒﺮا وﺷﺎﺗﯿﻼ ،ﻓﻲ ﺑﯿﺮوت .وﻛﺎﻧﺖ ھﻨﺎﻟﻚ ﻓﻲ اﻟﻌﺎم ،1982ﯾﻮم اﺟﺘﺎﺣﺖ اﻟﻤﻜﺎن ﻋﻠﻰ ﺣﯿﻦ ﻏﺮة ،اﻟﻘﻮات اﻟﻠﺒﻨﺎﻧﯿﺔ ،ﺑﻌﺪ دﺧﻮل اﻟﻘﻮات اﻹﺳﺮاﺋﯿﻠﯿﺔ اﻟﻰ ﺑﯿﺮوت .وﻛﺎﻧﺖ ﻻ ﺗﺰال ﻓﻲ اﻟﺜﺎﻧﯿﺔ ﻋﺸﺮة ﻣﻦ ﻋﻤﺮھﺎ ﺣﯿﻦ ﺣﺼﻠﺖ اﻟﻤﺠﺎزر ،اﻟﺘﻲ ﺣﺼﺪت ﺛﻼﺛﺔ ﻣﻦ أﺧﻮﺗﮭﺎ ،وﺗﺠﺎوزﺗﮭﺎ ،ﻓﺒﻘﯿﺖ ﻋﻠﻰ ﻗﯿﺪ اﻟﺤﯿﺎة ،وﻟﻤﺎ ﺑﻠﻐﺖ اﻟﺴﺎﺑﻌﺔ ﻋﺸﺮة ،اﻟﺘﺰﻣﺖ اﻟﻘﺘﺎل ﺿﺪ إﺳﺮاﺋﯿﻞ اﻟﻰ ﺟﺎﻧﺐ اﻟﻤﻘﺎﺗﻠﯿﻦ اﻹﺳﺮاﺋﯿﻠﯿﯿﻦ وذھﺒﺖ ﻓﻲ ﻋﻤﻠﯿﺔ ﻓﻲ اﻟﺮاﺑﻊ واﻟﻌﺸﺮﯾﻦ ﻣﻦ ﺗﺸﺮﯾﻦ اﻷول /أﻛﺘﻮﺑﺮ ﻋﺎم .1988 وﻛﺎﻧﺖ ﻣﺠﻤﻮﻋﺘﮭﻢ ﻣﺰﻣﻌﺔ ﻋﻠﻰ أﺳﺮ ﺟﻨﻮد إﺳﺮاﺋﯿﻠﯿﯿﻦ ﻟﻤﺒﺎدﻟﺘﮭﻢ ﺑﺴﺠﻨﺎء ﻓﻠﺴﻄﯿﻨﯿﯿﻦ .ﻏﯿﺮ أن اﻟﻌﻤﻠﯿﺔ ﺑﺎءت ﺑﺎﻟﻔﺸﻞ .ﻓﺎﺿﻄﺮت اﻟﻤﺠﻤﻮﻋﺔ اﻟﻰ اﻹﻧﻜﻔﺎء داﺧﻞ اﻟﻤﻨﻄﻘﺔ اﻟﻤﺤﺘﻠﺔ ﺣﯿﺚ ارﺗﺄى أﻓﺮادھﺎ اﻟﻠﺠﻮء ﻟﺪى ﻋﺎﺋﻠﺔ ﻟﺒﻨﺎﻧﯿﺔ. وﻟﺴﻮء ﺣﻈﮭﻢ ،ﻛﺎن رب اﻟﻌﺎﺋﻠﺔ ﯾﻌﻤﻞ ﻓﻲ ﺟﮭﺎز اﻷﻣﻦ. وﺣﯿﻦ اﻛﺘﺸﻒ أﻓﺮاد اﻟﻤﺠﻤﻮﻋﺔ إﺛﺒﺎﺗﺎت ،ﻓﻲ اﻟﻤﻨﺰل ،ﺗﺪل ﻋﻠﻰ اﻧﺘﻤﺎء اﻷب ،ﻛﺎن ﻗﺪ ﻓﺎت اﻷوان .إذ أﺣﺎط رﺟﺎل اﻷﻣﻦ ﺑﺎﻟﻤﻨﺰل ،وﺗﻤﻜﻨﻮا ﻣﻦ أﺳﺮ ﻛﻔﺎح ورﻓﺎﻗﮭﺎ ،ﺑﻌﺪ ﺗﺒﺎدل ﻣﺤﺪود ﻹﻃﻼق اﻟﻨﺎر ﺑﯿﻦ اﻟﻄﺮﻓﯿﻦ .ﻓﻲ اﻟﺒﺪء، ﺗﻌﺮﺿﻮا ﻟﻠﻀﺮب اﻟﻤﺒﺮح ،ﺛﻢ ﻧﻘﻠﻮا ﺟﻤﯿﻌﺎً اﻟﻰ إﺳﺮاﺋﯿﻞ، ﺣﯿﺚ اﺳﺘﺠﻮﺑﻮا ،وﻣﻨﺜﻢ ﺳﯿﻘﻮا اﻟﻰ ﻣﻌﺘﻘﻞ اﻟﺨﯿﺎم. وﻟﺪى وﺻﻮﻟﻲ اﻟﻰ اﻟﻤﻌﺘﻘﻞ ﻟﻢ ﯾﻜﻦ اﺳﻢ ﻛﻔﺎح ﻏﺮﯾﺒ ًﺎ ﻋﻨﻲ .ﻓﻘﺪ ﺗﺴﻨﻰ ﻟﻲ أن أﺣﯿﻂ ﻋﻠﻤﺎً ﺑﺎﻟﻌﻤﻠﯿﺔ اﻟﺘﻲ ﺷﺎرﻛﺖ 161
ﻓﯿﮭﺎ .ﺣﺘﻰ أن ھﺬه اﻟﻌﻤﻠﯿﺔ ﻛﺎﻧﺖ ﻣﺤﻂ اھﺘﻤﺎﻣﻲ اﻟﺒﺎﻟﻎ، ﻹﺣﺒﺎﻃﮭﺎ أوﻻً ،وﻟﻠﻐﻠﯿﺎن ﻓﻲ اﻟﻤﺸﺎﻋﺮ اﻟﺬي أﺣﺪﺛﺘﮫ ﻓﻲ اﻟﻤﻨﻄﻘﺔ اﻟﻤﺤﺘﻠﺔ .ﺣﺘﻰ أﻧﮭﺎ ﺣﻤﻠﺘﻨﻲ ﻋﻠﻰ ﺗﺄﺟﯿﻞ ﻋﻤﻠﯿﺘﻲ ﺧﻤﺴﺔ ﻋﺸﺮ ﯾﻮﻣﺎً أﺧﺮى ،ﻓﻲ ﻣﻌﺘﻘﻞ اﻟﺨﯿﺎم ،ﻛﺎﻧﺖ ﻛﻔﺎح ﻋﺮﺿﺔ ﻟﻠﺘﻌﺬﯾﺐ اﻟﻮﺣﺸﻲ ،ﺑﯿﺪ أﻧﮭﺎ ﺻﻤﺪت ﺣﯿﺎﻟﮫ .وﻗﺪ ﺑﺪت ﻟﻲ ﺛﺎﺑﺘﺔ اﻟﻌﺰم وذﻛﯿﺔ ،وأﻣﻜﻨﻨﻲ ﺗﻤﯿﺰھﺎ ﺑﻄﺮﻓﺔ ﻋﯿﻦ .ذات ﻋﯿﻨﯿﻦ ﺣﺰﯾﻨﺘﯿﻦ واﺑﺘﺴﺎﻣﺔ ﺑﺎھﺮة ،ﺟﻤﯿﻠﺔ، وﻧﺸﯿﻄﺔ ،وﻟﻄﺎﻟﻤﺎ ﺗﻐﺰل ﺑﮭﺎ اﻟﺸﺒﺎب ﻗﺒﻞ اﻋﺘﻘﺎﻟﮭﺎ .ھﻲ ﻣﺴﻠﻤﺔ ،ﻣﺆﻣﻨﺔ وﻣﻠﺘﺰﻣﺔ ﺑﺈﯾﻤﺎﻧﮭﺎ ،وﺗﻀﻊ اﻟﺤﺠﺎب، ﺟﺎھﺪة ﻓﻲ اﺗﺒﺎع اﻟﮭﺪى. وﻣﻨﺬ أن اﻟﺘﻘﯿﻨﺎ ﻓﻲ اﻟﺰﻧﺰاﻧﺔ ﻧﻔﺴﮭﺎ ،ﻟﻢ ﺗﺰل ﺻﺪاﻗﺘﻨﺎ ﺗﺰداد ﻣﺘﺎﻧﺔ ،ورﺳﻮﺧﺎً ،ﺣﺘﻰ ﺻﺮﻧﺎ وﻻ ﺷﻲء ﯾﻔﺼﻞ ﺑﯿﻨﻨﺎ . ﻛﺎن ﻟﺪﯾﻨﺎ اﻟﻜﺜﯿﺮ ﻣﻦ اﻷﻣﻮر اﻟﻤﺸﺘﺮﻛﺔ :ﻛﺎﻧﺖ ﻛﻠﺘﺎﻧﺎ ذات روح وﺛﺎﺑﺔ ،ﺷﺎﺑﺔ ،وﻣﻘﺘﻨﻌﺔ ﺑﻤﺎ ﺗﻘﻮم ﺑﮫ .ﻟﻢ ﺗﻜﻦ ﻋﻼﻗﺔ رﻓﯿﻘﺘﻲ ﺑﺄﺑﻲ ﻧﺒﯿﻞ أﺣﺴﻦ ﺣﺎﻻً ﻣﻦ ﻋﻼﻗﺘﻲ ﺑﮫ .ﻟﻘﺪ ﻛﻨﺎ ﺑﺎﻟﻨﺴﺒﺔ إﻟﯿﮫ ،اﻟﻤﺮأﺗﯿﻦ اﻟﻌﻨﯿﺪﺗﯿﻦ ﻓﻲ اﻟﻤﻌﺘﻘﻞ ﻛﻠﮫ .وﻛﺎن ﻟﻜﻔﺎح اﻟﺤﻖ ﺑﺎﻟﻤﻘﺎﺑﻼت ﻣﻊ اﻟﺼﺤﺎﻓﯿﯿﻦ .وﻛﺎن ﯾﺰورھﺎ ﻟﮭﺬه اﻟﻐﺎﯾﺔ ﺻﺤﺎﻓﯿﻮن ﻣﺼﺮﯾﻮن ﻣﻦ اﻷﺳﻮﺷﯿﯿﺘﺪ ﺑﺮس، ﺣﺘﻰ أﻧﮭﻢ ﺗﺮﻛﻮا ﻟﮭﺎ ﺑﻌﺾ اﻟﻨﻘﻮد. وﻛﻨﺎ ﺗﻮاﻓﻘﻨﺎ ﻋﻠﻰ أن ﻧﺒﻘﻰ ﻋﻠﻰ اﺗﺼﺎل إﺣﺪاﻧﺎ ﺑﺎﻷﺧﺮى، ﺣﺘﻰ وﻟﻮ ﻛﻨﺎ ﻣﻨﻔﺼﻠﺘﯿﻦ .وھﺬا ﻣﺎ ﺟﺮى ﺣﯿﻦ ﻗﺮر اﺑﻮ ﻧﺒﯿﻞ وﺿﻌﻲ ﻓﻲ اﻟﺤﺒﺲ اﻻﻧﻔﺮادي .ﺣﺪدﻧﺎ ﻣﻮﻋﺪاً ﻟﻠﻘﺎء، وﺣﺎوﻟﻨﺎ أن ﺗﻜﻮن اﻟﻐﺮﻓﺔ اﻟﻤﻌﺪة ﻟﺘﻜﻮن ﺣﻤﺎﻣﺎً ﺑﻤﺜﺎﺑﺔ ﻋﻠﺒﺔ ﻟﻠﺒﺮﯾﺪ.
162
وﻗﺒﻞ أن أواﻓﯿﮭﺎ اﻟﻰ ذﻟﻚ اﻟﻤﻮﻋﺪ ،أي ﻓﻲ اﻟﯿﻮم اﻟﺬي اﻛﺘﺸﻔﺖُ ﻓﯿﮫ ﻛﻠﻤﺘﮭﺎ اﻟﻤﻮﺟﺰة ،ﺟﻌﻠﺖ ﺳﻌﻠﺔ "ﻛﻔﺎح " ﺗﺨﻄﺮﻧﻲ .ﻟﻘﺪ ﺗﻘﻠﯿﺖ اﻟﺮﺳﺎﻟﺔ ﻣﻦ "اﻟﺒﺮﯾﺪ". وﻟﻤﺎ ﻓﻀﻀﺖُ اﻟﺮﺳﺎﻟﺔ وﺟﺪتُ ﻓﯿﮭﺎ" :ﻣﺎذا ﺟﺮى ﻟﻚ؟ إﻧﻲ ﻗﻠﻘﺔ ﻋﻠﯿﻚ ،ﻓﻘﻂ ﻟﻮ أﻧﻲ ﺣﺒﺴﺖُ ﻣﻜﺎﻧﻚ!" ﻛﺎﻧﺖ ﻛﻠﻤﺎت ﻛﻔﺎح ﺗﺜﻠﺞ ﺻﺪري .وﺳﺮﻋﺎن ﻣﺎ أﺟﺒﺘﮭﺎ ﺑﺮﺳﺎﻟﺔ" :ﻻ ﺗﻘﻠﻘﻲ ﻷﺟﻠﻲ ،ﻓﺈﻧﻲ ﻓﻲ زﻧﺰاﻧﺘﻲ اﻟﺼﻐﯿﺮة ،ﺛﻢ إن اﻟﺤﯿﺎة ھﻲ أﺟﻤﻞ ،رﻏﻢ ﻛﻞ ﺷﻲء" .وﺗﺮﻛﺖُ اﻟﺮﺳﺎﻟﺔ ﻓﻲ ﻋﻠﺒﺘﻨﺎ اﻟﺒﺮﯾﺪﯾﺔ ،اﻟﻘﻔﺎز ،وﺑﺪوري ﻧﺒﮭﺖ "ﻛﻔﺎح" ،ﺑﺴﻌﻠﺔ اﻟﻰ أﻧﻲ رددتُ ﻋﻠﯿﮭﺎ .وﻟﻄﺎﻟﻤﺎ اﻋﺘﺪﻧﺎ ﻋﻠﻰ إﺻﺎﺧﺔ اﻟﺴﻤﻊ ﻷي ﺻﻮت ﻓﻲ اﻟﺴﺠﻦ ،ﺣﺘﻰ ﺻﺮﻧﺎ اﺧﺘﺼﺎﺻﯿﺎت ﻓﻲ اﻹﺻﻐﺎء .وﺑﺘﻨﺎ ﻗﺎدرات ﻋﻠﻰ ﺗﻤﯿﯿﺰ ﺧﻄﻮ اﻟﺤﺎرﺳﺎت، ﻛﻼً ﻋﻠﻰ ﺣﺪة ،وﺻﺮﯾﺮ أي ﺑﺎب .وﻟﻤﺎ ﻛﺎن ﺳﻤﻌﻨﺎ ﻣﺘﺄھﺒﺎً ﻋﻠﻰ اﻟﺪوام ،ﺟﻌﻠﻨﺎ ﻧﺘﺒﯿﻦ اﻟﺘﻨﻘﻼت داﺧﻞ اﻟﺴﺠﻦ واﻟﺘﻲ ﻧﺮوح ﻧﺨﻤﻨﮭﺎ ﻟﻤﺠﺮد ﻣﺮور اﻟﻈﻼل ﻋﺒﺮ ﺧﯿﻂ ﻣﻦ اﻟﻀﻮء اﻟﻤﻨﺴﻞ ﺗﺤﺖ اﻷﺑﻮاب .ﻣﻦ ﯾﺬھﺐ اﻟﻰ اﻻﺳﺘﺠﻮاب ،وﺑﺮﻓﻘﺔ ﻣﻦ .ﻣﻦ ﻋﺎد ،وﻣﻦ ﻧُﻘﻞ .وﻛﺎﻧﺖ اﻟﺴﻌﻼت اﻟﺨﻤﺎﺳﯿﺔ ﺧﯿﺮ وﺳﯿﻠﺔ ﻟﻨﺎ ﻟﻠﺘﻮاﺻﻞ ،أو ﻟﺠﻠﺐ اﻻﻧﺘﺒﺎه ﻓﻲ ﻣﺎ ﺧﺺ ﺣﯿﻠﺔ ﻣﻌﺪة ﺳﺎﺑﻘﺎً. إذاً ،ﺑﻘﯿﺖ أراﺳﻞ ﻛﻔﺎح ﻋﻠﻰ وﺗﯿﺮة رﺳﺎﻟﺘﯿﻦ ﻓﻲ اﻷﺳﺒﻮع، ﺣﯿﻦ وﺿﻌﺖ ﻓﻲ اﻟﺤﺒﺲ اﻻﻧﻔﺮادي .وﻛﻞ ﺷﻲء رھﻦ ﺑﻤﻮﻧﺘﻨﺎ ﻣﻦ "اﻟﻮرق" و "اﻷﻗﻼم" .وﻛﺎﻧﺖ اﻟﻄﺮﯾﻘﺔ اﻷﻛﺜﺮ ﻓﻌﺎﻟﯿﺔ اﻟﻜﺘﺎﺑﺔ ﺑﺎﻷﻟﻮﻣﻨﯿﻮم اﻟﺬي ﻛﺎﻧﺖ ﺗﻐﻠﻒ ﺑﮫ ﻗﻄﻊ اﻟﺠﺒﻨﺔ اﻟﺘﻲ ﻧﺤﺼﻞ ﻋﻠﯿﮭﺎ ﻛﻞ ﺛﻤﺎﻧﯿﺔ أﯾﺎم .وﻛﺎﻧﺖ ھﺬه اﻟﺠﺒﻨﺔ ﻣﻦ ﺻﻨﻊ ﻓﺮﻧﺴﻲ ،ذﻟﻚ أن اﻷﻟﻮﻣﻨﯿﻮم ھﺬا ﺣﺎﻟﻤﺎ ﯾﻠﻔﮫ اﻟﻤﺮء ﻟﻔﺎً ﯾﺘﺤﻮل اﻟﻰ رﺻﺎص ﻟﻠﻜﺘﺎﺑﺔ ﻣﻦ 163
اﻟﻨﻮﻋﯿﺔ اﻟﺠﯿﺪة ،إن أﺑﺪى اﻟﻤﺮء ﺣﯿﺎﻟﺔ ﻗﺪر ﻣﻦ اﻟﺼﺒﺮ، وﻛﺎن ذا ﻣﺮان ﻓﻲ أﺻﺎﺑﻌﮫ .ﺣﺘﻰ ﺻﺎر ﻟﻨﺎ أﻧﺎ وﻛﻔﺎح ،ﻓﻲ ﻣﺪة وﺟﯿﺰة ﻣﺨﺒﺄ ﺛﺎن ﻓﻲ ﻏﺮﻓﺔ اﻻﺳﺘﺤﻤﺎم .وھﻲ ﺳﻠﺔ اﻟﻤﮭﻤﻼت .وﻛﺎن ﯾﻨﺒﻐﻲ ﻟﻨﺎ اﻟﻘﯿﺎم ﺑﻤﮭﻤﺎﺗﻨﺎ ﺑﺄﺳﺮع ﻣﺎ ﯾﻤﻜﻦ ،ﻷن اﻟﻮﻗﺖ اﻟﻤﺤﺴﻮب ﯾﺪھﻤﻨﺎ ،واﻟﺤﺎرﺳﺎت ﻻ ﯾﺘﮭﺎون ﻓﻲ ﻋﻤﻠﮭﻦ وﻻ ﯾﻤﻜﻦ ﻣﻐﺎﻓﻠﺘﮭﻦ ﺑﺴﮭﻮﻟﺔ ،ﻏﯿﺮ أﻧﮫ أﻣﻜﻨﻨﻲ ﺑﮭﺬه اﻟﻄﺮﯾﻘﺔ أن أﺗﻤﻮن ﺑﺎﻟﻤﻮاد اﻷوﻟﯿﺔ اﻟﺘﻲ ﺗﺘﯿﺢ ﻟﻨﺎ ﻣﻮاﺻﻠﺔ اﻟﺘﺮاﺳﻞ ﺑﯿﻨﻨﺎ. ﻟﻢ ﺗﻜﻦ اﻟﺮﺳﺎﺋﻞ وﺣﺪھﺎ ﻣﺎ أﺗﺎح ﻟﻨﺎ ﺣﻔﻆ اﻟﺘﻮاﺻﻞ .إذ اﻛﺸﺘﻔﺖُ ،ﻓﻲ زﻣﻦ ﯾﺴﯿﺮ ،إﻣﻜﺎﻧﯿﺎت ﻛﺜﯿﺮة ﺗﺘﯿﺤﮭﺎ ﻟﻲ "اﻟﺰﻧﺰاﻧﺔ اﻟﺼﻐﯿﺮة" :ﻓﻠﺌﻦ ﻛﺎﻧﺖ ھﺬه اﻷﺧﯿﺮة ﺿﯿﻘﺔ ،ﺑﻼ ﺷﻚ ،ﻓﺈﻧﮭﺎ ﺗﻤﯿﺰت ﺑﺴﻘﻒ ﻋﺎل وﺑﻨﺎﻓﺬة ،أﻋﻼه ،ﻣﺴﺘﻄﯿﻠﺔ ﺑﻘﯿﺎس ﺳﺒﻌﯿﻦ ﺳﻨﺘﯿﻤﺘﺮاً ﻃﻮﻻً وﺣﻮاﻟﻲ ﺧﻤﺴﯿﻦ ﺳﻨﺘﯿﻤﺘﺮاً ﻋﺮﺿﺎً ،ﻋﻠﻰ ﺣﺪ ﻣﺎ أﺗﺎﺣﮫ ﻟﻲ اﻟﻨﻈﺮ ،وﻛﺎﻧﺖ )اﻟﻨﺎﻓﺬة( ذات ﻗﻀﺒﺎن ﺻﻠﺒﺔ ﻣﻦ اﻟﺤﺪﯾﺪ .وﻛﺎﻧﺖ اﻟﺰﻧﺰاﻧﺔ ﻣﻦ اﻟﻀﯿﻖ ﺑﺤﯿﺚ ﺗﺘﯿﺢ ﻟﻲ أن أﺳﺘﻨﺪ اﻟﻰ ﺟﺪراﻧﮭﺎ اﻟﺘﻲ ﻻ ﯾﺒﻌﺪ اﻟﻮاﺣﺪ ﻣﻨﮭﺎ ﻋﻦ اﻵﺧﺮ أﻛﺜﺮ ﻣﻦ ﻣﺘﺮ واﺣﺪ ،ﻷﺗﺴﻠﻖ اﻟﻰ أﻋﻼھﺎ .وﺣﺘﻰ ﺑﻠﻐﺖُ اﻟﻨﺎﻓﺬة وﺗﻌﻠﻘﺖُ ﻓﯿﮭﺎ ،ﺻﺎر ﺑﻮﺳﻌﻲ أن أراﻗﺐ ﻣﺎ ﯾﺠﺮي ﻓﻲ اﻟﺤﻮش اﻟﺬي ﯾﻄﻞ ﻋﻠﻰ ﻗﺎﻋﺎت اﻻﺳﺘﺠﻮاب وﺣﻤﺎﻣﺎت اﻟﻨﺴﺎء .وﻛﻨﺖ ﻣﻦ ھﺬا اﻟﻤﻮﻗﻊ، ﻗﺎدرة ﻋﻠﻰ رؤﯾﺔ ﻛﻔﺎح ،وﻣﺒﺎدﻟﺘﮭﺎ ﺑﻌﺾ ﺣﺮﻛﺎت ﻓﻲ اﻟﻮﺟﮫ ﻟﮭﺎ دﻻﻟﺔ. أﺣﺐ ﻧﺎﻓﺬﺗﻲ ﺣﺒﺎً ﻛﺒﯿﺮاً. أﺣﯿﺎﻧﺎً ،أﺻﻌﺪ إﻟﯿﮭﺎ ﻟﯿﻼً ،وأﺗﺤﯿﻦ اﻟﻔﺮﺻﺔ ﻷﻧﻔﺾ ﺷﺮﺷﻔﻲ ﻣﻨﮭﺎ ﻟﻤﺰﯾﺪ ﻣﻦ اﻟﺘﮭﻮﺋﺔ .وﻛﺎﻧﺖ ﻧﺎﻓﺬﺗﻲ ﺗﺘﯿﺢ ﻟﻲ 164
أن أﻛﺴﺮ ،وﻋﻠﻰ ﻧﺤﻮ راﺋﻊ ،ھﺬا اﻟﺸﻌﻮر ﺑﺎﻟﻌﺰﻟﺔ اﻟﺬي ﻣﺎ ﺑﺮﺣﺖ ھﺬه اﻷﻣﺎﻛﻦ ﻏﯿﺮ اﻹﻧﺴﺎﻧﯿﺔ ﺗﺒﺜﮫ ﻓﻲّ .وﻛﻠﻤﺎ اﺳﺘﺨﺪﻣﺘﮭﺎ ،ﺷﻌﺮتُ ﺑﺄﻧﻲ أزداد اﺣﺘﯿﺎﻻً ﻋﻠﻰ أﺑﻮ ﻧﺒﯿﻞ، وﺑﺄﻧﻲ أﻣﻌﻦ ﻓﻲ إﻓﺸﺎل اﺳﺘﺮﺗﯿﺠﯿﺘﮫ اﻵﯾﻠﺔ اﻟﻰ إﻛﺮاھﻲ ﻋﻠﻰ اﻟﺘﻌﺎون .إﻧﮭﺎ ﻧﺎﻓﺬﺗﻲ ،ﻧﺒﻊ اﻟﺤﯿﺎة أﻃﻞ ﻋﻠﻲ، وﻣﺼﺪر ﻟﻠﺤﯿﻮﯾﺔ ﻏﯿﺮ ﻣﺘﻮﻗﻊ وﻋﺼﻲّ ﻋﻠﻰ اﻟﻨﻔﺎد. ﻏﯿﺮ أن اﻷﻣﻮر ﻓﻲ اﻟﻤﻌﺘﻘﻞ ﻻ ﺑﺪ ﻣﻦ أن ﺗﺨﺮج اﻟﻰ اﻟﻌﻠﻦ .وﺳﺮﻋﺎن ﻣﺎ داﻟﺖ ﺣﻜﺎﯾﺔ ﻧﺎﻓﺬﺗﻲ اﻟﺠﻤﯿﻠﺔ ﺣﯿﻦ رﻣﻰ أﺣﺪ اﻟﻤﺴﺘﺠﻮﺑﯿﻦ ﻧﻈﺎرﺗﮫ ﺑﺎﺗﺠﺎه ﺳﻘﻮف ﻣﻌﺘﻘﻞ اﻟﺨﯿﺎم ،ﻓﺎﻛﺘﺸﻔﻨﻲ ﻣﻌﻠﻘﺔ ﻓﻲ اﻷﻋﻠﻰ .وﻟﻠﺤﺎل ﻋﻠﺖ ﺑﯿﺎرق اﻟﻘﺘﺎل .أُﺧﺮﺟﺖُ ﻣﻦ ﺳﺠﻨﻲ ،وﻋُﻨﻔﺖ ﻣﻦ ﻗﺒﻞ أﺑﻮ ﻧﺒﯿﻞ ﺗﻌﻨﯿﻔﺎً .وﺗﺴﺎءﻟﺖ ﻋﻦ ﻣﺼﯿﺮي ،وﻋﻤﺎ إذا ﻛﺎﻧﻮا ﺳﯿﺒﺪﻟﻮن إﻗﺎﻣﺘﻲ .وﺣﯿﻦ ﻋﺪت اﻟﻰ زﻧﺰاﻧﺘﻲ اﻟﺼﻐﯿﺮة اﻟﺒﺎﺋﺴﺔ، ﻓﻮﺟﺌﺖ ﺑﺎﻟﻈﻼل اﻟﺰرﻗﺎء ﻓﯿﮭﺎ .أﻣﺎ ﻧﺎﻓﺬﺗﻲ ﻓﻘﺪ ﺣﻜﻢ ﻋﻠﯿﮭﺎ، وزﺟﺎﺟﮭﺎ ﺑﺎت ﻣﻐﻄﻰ ﺑﻄﺒﻘﺔ ﻣﻦ اﻟﺪھﺎن اﻟﻤﻠﻮن .ﻟﯿﺲ ﻣﻦ ﻧﺎﻓﺬة .أﻗﻠﮫ ﻟﺒﻌﺾ اﻟﻮﻗﺖ ،ﻷن اﻟﺪھﺎن ﺳﺎرع إﻟﯿﮫ اﻟﺠﻔﺎف وﺗﺴﺎﻗﻂ ﺑﺎﻟﺘﺪرﯾﺞ .وﻟﺤﺴﻦ اﻟﺤﻆ ،ﺑﻘﯿﺖ ﻟﻲ ﻛﻔﺎح. وﺣﯿﻦ وﺟﺪﻧﺎ ﺳﻮﯾﺔ ،ﺑﯿﻦ إﻗﺎﻣﺘﯿﻦ ﻟﻲ ﻓﻲ اﻟﺤﺒﺲ اﻹﻧﻔﺮادي ،ﺗﻜﻠﻤﻨﺎ ﻛﺜﯿﺮاً وﻟﻢ ﻧﻜﻒ ﻋﻦ اﻟﺘﺤﺪث ﻓﻲ أﻣﻮر ﻻ ﺗﺴﻌﮭﺎ اﻟﺪﻧﯿﺎ .ﺗﺤﺪﺛﻨﺎ ﻋﻦ ﻛﻞ ﻣﻨﺎ ،ﻋﻦ أﺣﻼﻣﻨﺎ ،وﻋﻦ أﻣﻨﯿﺎﺗﻨﺎ .وﺟﻌﻠﻨﺎ ﻧﻘﺎﺑﻞ ﺣﻜﺎﯾﺎﺗﻨﺎ ،إﺣﺪاﻧﺎ ﻓﻲ ﻣﻘﺎﺑﻠﺔ اﻷﺧﺮى .ﻓﺮوت ﻟﻲ ﻛﻔﺎح ﻛﯿﻒ أﻧﮭﺎ ﺗﻠﻘﺖ ﻓﻲ أﺛﻨﺎء ﺳﺠﻨﮭﺎ ﻓﻲ إﺳﺮاﺋﯿﻞ ،واﻟﺪھﺸﺔ ﺗﻐﻤﺮ ﻛﯿﺎﻧﮭﺎ ،ﻣﺴﺎﻋﺪةً ﻣﻦ إﺣﺪى "ﻋﺪواﺗﮭﺎ ".إذ ،ﻟﻤﺎ ﻛﺎﻧﺖ ﻻ ﺗﺰال ﻓﻲ إﺳﺮاﺋﯿﻞ ،وﺻﺎرت ﺗﺴﺘﺠﻮب ﺑﻮﺗﯿﺮة ﻣﮭﻠﻜﺔ ،وﺗﻘﺎﺳﻲ اﻷﻣﺮّﯾﻦ ،ﺧﻄﺮ ﻟﮭﺎ أن ﺗﻔﯿﺪ ﻣﻦ وﻗﻔﺔ ﺑﯿﻦ اﻻﺳﺘﺠﻮاب واﻟﺘﻌﺬﯾﺐ ،وﺳﺄﻟﺖ ﺣﺎرﺳﺔ 165
ﻓﻲ اﻟﺴﺠﻦ أن ﺗﻌﻄﯿﮭﺎ رﺷﻔﺔ ﻣﺎء .ﻏﯿﺮ أن ھﺬه اﻷﺧﯿﺮة، ﻣﻀﺖ ﻣﻦ دون ان ﺗﻠﺘﻔﺖ إﻟﯿﮭﺎ أو ﺗﺠﯿﺒﮭﺎ ﺑﺎﻟﻜﻼم ،ﺛﻢ ﻋﺎدت ﺳﺮاً وﻓﻲ ﯾﺪھﺎ رﺑﻊ ﻟﯿﻤﻮﻧﺔ واﻧﺘﻈﺮت ﺣﺘﻰ ﻋﺼﺮت ﺻﺪﯾﻘﺘﻲ ﻣﺎء اﻟﻠﯿﻤﻮت ﻓﻲ ﻓﻤﮭﺎ وﻋﺎدت ﻟﺘﺄﻛﻞ ﺟﻠﺪﺗﮫ ﻛﺎﻣﻠﺔ .ﺣﯿﻨﺌﺬ ،أﺧﺒﺮﺗﮭﺎ ﻛﯿﻒ أﻧﻨﻲ ﺣﺮﻣﺖ ﻣﻦ اﻟﻤﺎء ﺛﻼﺛﺔ أﯾﺎم ﻣﺘﻮاﺻﻠﺔ ﻗﻀﯿﺘﮭﺎ ﻓﻲ اﻟﺤﺒﺲ اﻹﻧﻔﺮادي، وﻛﯿﻔﻲ ﻛﻨﺖ ﻣﺼﻤﻤﺔ ﻋﻠﻰ اﻟﻘﯿﺎم ﺑﺄﻣﺮ ﻟﻄﺎﻟﻤﺎ ﻛﻨﺖ أﻧﻔﺮ ﻣﻨﮫ ﺑﻜﻞ ﻗﻮاي – أن أﻃﻠﺐ اﻟﻤﺎء ﻣﻦ ﺣﺎرﺳﺘﻲ اﻟﻠﺒﻨﺎﻧﯿﺔ، اﻟﺘﻲ ﻛﺎﻧﺖ ﺗﺮﻓﺾ دوﻣﺎً أن ﺗﻨﯿﻠﻨﻲ إﯾﺎه. وﺑﺨﻼف ﻛﻞ اﻟﻤﻌﺘﻘﻼت اﻟﻠﻮاﺗﻲ ﻛُﻦ ﻗﺪ ﺣﺒﺴﻦ ﻟﻐﺎﯾﺔ اﻻﺑﺘﺰاز ﻣﻨﮭﻦ وﺟﻌﻠﮭﻦ ﯾﺘﻌﺎون ﻣﻊ ﺟﮭﺎز اﻷﻣﻦ ،ﻛﻨﺎ أﻧﺎ وﻛﻔﺎح ﻧﻌﺮف اﻟﺪواﻋﻲ اﻟﺘﻲ ﻧﺤﻦ ﺑﺴﺒﺒﮭﺎ ﻓﻲ ﻣﻌﺘﻘﻞ اﻟﺨﯿﺎم .ﻟﻘﺪ اﺧﺘﺮﻧﺎ ذﻟﻚ .ورﻏﻢ ھﺬا ،ﻛﻨﺎ ﺟﺎھﺪﺗﯿﻦ ﻓﻲ ﻋﺪم اﻧﻔﺼﺎﻟﻨﺎ إﺣﺪاﻧﺎ ﻋﻦ اﻷﺧﺮى ،وﺣﺎوﻟﻨﺎ أن ﻧﺴﺎﻋﺪ ﺗﯿﻨﻚ اﻟﻠﻮاﺗﻲ ﻻ ﯾﻘﻮﯾﻦ ﻋﻠﻰ ﺗﺤﻤﻞ اﻟﻈﻠﻢ اﻟﻤﻠﻘﻰ ﻋﻠﻰ ﻋﺎﺗﻘﮭﻦ. وإذ ﻛﻨﺎ رﻓﯿﻘﺘﻲ ﺳﻼح وأﻟﻢ ،ﻓﻘﺪ اﺟﺘﺰﻧﺎ ﻣﻌﺎً اﻟﻌﺪﯾﺪ ﻣﻦ اﻟﻤﺤﻦ .وﻟﺐُ ھﺬه اﻟﻤﺤﻦ اﻟﺠﺮاح اﻟﻌﻤﯿﻘﺔ ﻓﻲ اﻟﺮوح، وﯾﺄس ﻛﻔﺎح ﺣﯿﻦ ﺗﺴﺮ إﻟﻲ ،أﻧﮭﺎ أﻛﺪت ﻟﺠﻼدﯾﮭﺎ ،ﺗﺤﺖ اﻟﺘﻌﺬﯾﺐ ،أﻧﮭﺎ ﺷﺎرﻛﺖ اﻟﻔﺪاﺋﯿﯿﻦ ﻟﻐﺎﯾﺔ وﺣﯿﺪة وھﻲ اﻟﻤﺎل، ﺑﻐﯿﺔ أن ﺗﺨﻔﻲ ﻋﻨﮭﻢ ﺣﻘﯿﻘﺔ ﻛﻮﻧﮭﺎ ﻗﺎﺋﺪة اﻟﻤﺠﻤﻮﻋﺔ ،وأﻧﮭﺎ ﻛﺮرت ذﻟﻚ أﻣﺎم اﻟﺼﺤﺎﻓﯿﯿﻦ اﻟﺬﯾﻦ راﺣﻮا ﯾﺴﺄﻟﻮﻧﮭﺎ ﻋﻦ ﺳﺒﺐ ﺳﺠﻨﮭﺎ ،ﻓﻲ ﺣﻀﻮر ﺟﻼدﯾﮭﺎ اﻷﺻﻠﯿﯿﻦ .أﻣﺎ اﻟﺠﺮاح اﻷﺷﺪ إﯾﻼﻣﺎً ،ﻓﻜﺎﻧﺖ ﺟﺮاح ذﻟﻚ اﻟﺠﺴﺪ ،اﻟﻤﺘﻤﺜﻠﺔ ﻓﻲ اﻷﻛﺰﯾﻤﺎ اﻟﺬي راح ﯾﺠﺘﺎح ﺟﻠﺪ ﻛﻔﺎح" .ﻛﻔﺎح "اﻟﺘﻲ ﻟﻢ أﻛﻦ أﺟﺪ ﻣﻦ وﺳﯿﻠﺔ ﻟﻤﺪاواﺗﮭﺎ ﻣﻨﮫ ﺳﻮى ﺗﻮﺳﻠﻲ إﻟﯿﮭﺎ
166
ﺑﺎﻟﻜﻒ ﻋﻦ ﺣﻚ ﺟﻠﺪھﺎ ﻟﺌﻼ ﯾﺴﺎرع اﻟﺪم اﻟﻰ ﻧﺪوﺑﮭﺎ ﻓﯿﮫ. ﻛﻔﺎح ھﺬه اﻟﺘﻲ ﻛﺎﻧﺖ ﺗﻌﻮد ﻣﻤﺰﻗﺔ ﺑﻌﺪ ﺟﻠﺴﺎت اﻟﺘﻌﺬﯾﺐ. اﻟﺤﺎل أن ﻣﺮاﺳﻼﺗﻲ ﻣﻊ ﻛﻔﺎح ،أﺛﻨﺎء إﻗﺎﻣﺘﻲ ﻓﻲ اﻟﺴﺠﻦ اﻻﻧﻔﺮادي ،ﻛﺎﻧﺖ ﺗﺠﻨﺒﻨﻲ اﻟﺤﻮادث اﻟﻤﺰﻋﺠﺔ .ذات ﯾﻮم، أﻃﻠﻘﺖ إﺣﺪاھﻦ ﺑﯿﻦ اﻟﺴﺠﯿﻨﺎت إﺿﺮاﺑﺎً ﻋﻦ اﻟﻄﻌﺎم، اﺣﺘﺠﺎﺟﺎً ﻋﻠﻰ ﻇﺮوف اﻋﺘﻘﺎل اﺛﻨﺘﯿﻦ ﻣﻨﮭﻦ ﻓﻲ اﻟﺤﺒﺲ اﻻﻧﻔﺮادي .وﻛﻨﺎ ،أﻧﺎ وﻛﻔﺎح ،ﻧﻌﺎرض ھﺬا اﻹﺟﺮاء ﻋﺎدة، ﻣﺸﺘﺮﻃﺘﯿﻦ ﻟﻠﻤﻮاﻓﻘﺔ أن ﯾﻤﻀﻲ ﺑﮫ اﻟﻤﻌﻨﯿﻮن ﺑﮫ اﻟﻰ ﺧﺘﺎﻣﮫ .ﺛﻢ إﻧﻨﺎ ،ﻛﻨﺎ ﻧﺪرك أن ﻛﻞ ﺗﺤﺮك ﻣﻦ ھﺬا اﻟﻨﻮع ﻓﻲ ﻣﻌﺘﻘﻞ اﻟﺨﯿﺎم ﻛﺎن ﯾﺴﺘﺘﺒﻊ ﺑﺴﻠﺴﻠﺔ ﻣﻦ اﻻﺳﺘﺠﻮاﺑﺎت وﻋﻤﻠﯿﺎت اﻟﺘﻌﺬﯾﺐ ،ﻟﻤﻌﺮﻓﺔ اﻟﻤﺤﺮﺿﺔ أو اﻟﻤﺤﺮﺿﺎت ﻋﻠﻰ ذﻟﻚ ،ودواﻓﻌﮫ اﻟﺤﻘﯿﻘﯿﺔ .وﻟﻢ ﯾﻤﺾ وﻗﺖ ﻃﻮﯾﻞ ﻋﻠﻰ ﺑﺪء ھﺬا اﻟﺘﺤﺮك اﻟﺬي اﻧﺨﺮﻃﺖ ﻓﯿﮫ رﻏﻢ ﺗﺤﻔﻈﻲ ﻋﻠﯿﮫ، ﺣﺘﻰ ﺗﻠﻘﯿﺖ ﻛﻠﻤﺔ ﻣﻮﺟﺰة ﻣﻦ ﻛﻔﺎح ﺗﺪﻋﻮﻧﻲ ﻓﯿﮫ اﻟﻰ اﻟﺘﻮﻗﻒ ﻋﻦ اﻹﺿﺮاب .ﻓﺄﺷﺎرت إﻟﻲ ،ﺑﺬﻟﻚ ،أﻧﮭﺎ ورﻓﯿﻘﺎﺗﮭﺎ ﻟﻢ ﯾﻜﻦ ﯾﺄﺧﺬن اﻹﺿﺮاب ﻋﻦ اﻟﻄﻌﺎم ﺑﺤﺬاﻓﯿﺮه. وأﻧﮭﻦ اﺣﺘﻔﻈﻦ ﺑﺒﻌﺾ اﻟﻤﻮﻧﺔ ،وﻛﻦ ﯾﺄﻛﻠﻦ ﺧﻔﯿﺔ. وﺧﺸﯿﺖ ﻛﻔﺎح ﻣﻦ اﺗﺒﺎﻋﻲ ﺣﻤﯿﺔ ﻗﺎﺳﯿﺔ وﻏﯿﺮ ﻻزﻣﺔ. واﺳﺘﻤﺮت رﻓﻘﺘﻨﺎ ﻃﻮﯾﻼً وﺑﺄﺟﻠﻰ ﺻﻮرھﺎ ،ﺳﺖ ﺳﻨﻮات ﺑﻤﺤﻨﮭﺎ ،وﺑﺼﺪاﻗﺘﻨﺎ ﻛﺬﻟﻚ .وﻻ أزال أذﻛﺮ ﯾﻮم اﻟﺜﺎﻟﺚ ﻣﻦ آب /أﻏﺴﻄﺲ ﻋﺎم ،1994وﻗﺪ ﺻﺎر ﺗﺤﺮﯾﺮھﺎ ﻋﺒﺜﺎً ﻋﻠﻰ اﻹﺳﺮاﺋﯿﻠﯿﯿﻦ وأﻣﺮاً ﻣﻠﺤﺎً ،ذﻟﻚ أن ﻣﺤﺎﻣﯿﺔ ﻛﻔﺎح اﻹﺳﺮاﺋﯿﻠﯿﺔ" ،ﻟﯿﺎ ﺗﺴﯿﻤﺎل" اﻟﻤﺘﺼﻠﺒﺔ ﻓﻲ رأﯾﮭﺎ ،ﺗﻮﺻﻠﺖ اﻟﻰ إﺑﻼغ ﺣﺎﻟﺘﮭﺎ ﻟﻤﺠﻠﺲ اﻟﻘﻀﺎء اﻷﻋﻠﻰ ﻓﻲ اﻟﺪوﻟﺔ اﻟﻌﺒﺮﯾﺔ .وﻛﺎﻧﺖ ﻗﻀﯿﺔ ﻛﻔﺎح ﻣﺜﯿﺮةً ﻟﻠﺤﺮج اﻟﺒﺎﻟﻎ ،ﻣﺎ ﺟﻌﻞ اﻟﺴﻠﻄﺎت اﻹﺳﺮاﺋﯿﻠﯿﺔ ﺗﻌﺠﻞ ﻓﻲ ﺣﻠﮭﺎ .ﻛﺬﻟﻚ ﻓﻘﺪ 167
أﺗﯿﺢ ﻟﻜﻔﺎح أن ﺗﻔﯿﺪ ﻣﻦ اﻟﺘﺤﻮﻻت اﻟﻜﺒﺮى ﻓﻲ اﻟﺘﺎرﯾﺦ، ﻓﺒﻌﺪ اﻧﻘﻀﺎء ﺳﻨﺔ ﻋﻠﻰ إﺑﺮام اﻻﺗﻔﺎق اﻟﻤﻌﻘﻮد ﻓﻲ "أوﺳﻠﻮ" ﺑﯿﻦ اﻟﺴﻠﻄﺎت اﻹﺳﺮاﺋﯿﻠﯿﺔ وﻣﻨﻈﻤﺔ اﻟﺘﺤﺮﯾﺮ اﻟﻔﻠﺴﻄﯿﻨﯿﺔ ﺟﮭﺪ اﻟﻔﻠﺴﻄﯿﻨﯿﻮن ﻓﻲ اﻟﺤﺼﻮل ﻣﻦ ﺷﺮﻛﺎﺋﮭﻢ اﻟﺠﺪد ﻋﻠﻰ ﺻﻜﻮك ﺑﺘﺤﺮﯾﺮ اﻟﻨﺴﺎء اﻟﻔﻠﺴﻄﯿﻨﯿﺎت اﻟﻤﻌﺘﻘﻼت ﻓﻲ ﺳﺠﻮﻧﮭﻢ. وﺣﯿﻦ ﺧﺮﺟﺖ ﻛﻔﺎح ،ﻛﻨﺖ أﻗﺒﻊ ،ھﮭﻨﺎ ،ﻓﻲ اﻟﺤﺒﺲ اﻻﻧﻔﺮادي ،وﻟﻤﺮة ﺟﺪﯾﺪة .ﻏﯿﺮ أﻧﻲ ﻟﻢ "أرث" زﻧﺰاﻧﺘﻲ اﻟﺼﻐﯿﺮة ،إﻧﻤﺎ ورﺛﺖ أﺧﺮى ،أوﺳﻊ ﻗﻠﯿﻼً .وﻟﻤﺎ ﻛﺎن ﺳﻤﻌﻲ ﻋﻠﻰ أھﺒﺘﮫ ،ﺷﺄﻧﮫ دوﻣﺎً ،ﻓﻘﺪ ﺗﻨﺎھﻰ اﻟﻲ رﻧﯿﻦ اﻟﮭﺎﺗﻒ ﻟﺪى اﻟﺤﺎرﺳﺎت .ﻓﺎﺳﺘﺪﻋﯿﺖ ﺣﺎرﺳﺔ ﻣﻨﮭﻦ، وﻣﻀﺖ ﺛﻢ ﻋﺎدت .وﻟﻠﺤﺎل ،رأﯾﺘﻨﻲ ﻗﻔﺰت اﻟﻰ أﻋﻠﻰ اﻟﻨﺎﻓﺬة اﻟﺘﻲ ﺗﻨﯿﺮ زﻧﺰاﻧﺘﻲ .وﺳﻤﻌﺖُ ﺻﻮﺗﺎً ﯾُﮭﺘﻒ اﻟﻰ إﺣﺪى زﻣﯿﻼﺗﻲ" :ﺳﻮف ﯾﺨﻠﻰ ﺳﺒﯿﻞ إﺣﺪاﻧﺎ!". وﻣﻦ أﻋﻠﻰ ﻣﺮﻛﺰ اﻟﻤﺮاﻗﺒﺔ اﻟﺬي اﺗﺨﺬﺗﮫ ،ﻛﻨﺖ أراھﻦ ﯾﺠﺘﺰن اﻟﺤﻮش ،ﺟﯿﺌﺔ وذھﺎﺑﺎً ،ﺛﻢ ﯾﺘﻮﻗﻔﻦ أﻣﺎم زﻧﺰاﻧﺔ. ﯾﻔﺘﺤﻦ اﻟﺒﺎب وﯾﺴﺘﺪﻋﯿﻦ اﻟﻤﺮأة اﻷوﻟﻰ" .ﻓﺮﯾﺪة!". وﺳﺮﻋﺎن ﻣﺎ ﺧﺮﺟﺖ اﻷﺧﯿﺮة ﻓﺄوﻣﺄت ﻟﻲ ﺑﯿﺪھﺎ إﯾﻤﺎءةً ﺧﻔﯿﺔ ،ﺣﺎﻟﻤﺎ ﺗﺒﯿﻨﺘﻨﻲ ﻣﻦ وراء اﻟﻘﻀﺒﺎن .وﻛﺎﻧﺖ ﺗﺴﺎق اﻟﻰ اﻻﺳﺘﺠﻮاب اﻷﺧﯿﺮ ﻟﮭﺎ .ﺛﻢ ﻋﺎدت اﻟﺤﺎرﺳﺎت وﺗﻮﺟﮭﻦ اﻟﻰ زﻧﺰاﻧﺔ أﺧﺮى ،ﻓﺄﺧﺮﺟﻦ "ﻣﻨﻰ" ھﺬه اﻟﻤﺮة. وﻣﻦ ﺛﻢ ﺗﻮﻗﻔﻦ أﻣﺎ زﻧﺰاﻧﺔ أﺧﯿﺮة ،وﻧﺎدﯾﻦ ﻋﻠﻰ اﻹﺳﻢ اﻟﺜﺎﻟﺚ" :ﻛﻔﺎح!" .وﺑﯿﻨﻤﺎ ﻛﻨﺖ ﻣﺘﻤﺴﻜﺔ ﺑﺤﺪﯾﺪ ﻧﺎﻓﺬﺗﻲ، اﻋﺘﺮاﻧﻲ اﻧﻘﺒﺎض ﻓﻲ ﺻﺪري .ھﺎ ھﻲ ﺻﺪﯾﻘﺘﻲ ﺗﺘﻘﺪم اﻟﻰ اﻟﻌﺘﺒﺔ ،ﻏﯿﺮ ﻣﺼﺪﻗﺔ .ﺳﻌﻠﺖ ﺳﻌﻠﺘﻲ اﻟﻤﻌﮭﻮدة واﻷﺧﯿﺮة،
168
ﺧﻔﯿﺔ .وﻟﻜﻨﮭﺎ ﻻﺿﻄﺮاﺑﮭﺎ اﻟﺸﺪﯾﺪ ﻟﻢ ﺗﻜﻦ ﻟﺘﺴﻤﻊ ﺷﯿﺌﺎً. ورﺣﻠﺖْ ،وﻗﺪ أﺣﺎط ﺑﮭﺎ ﺣﺮاﺳﻨﺎ اﻟﺸﺮﺳﻮن. رﺣﻠﺖْ. ﻟﺤﻘﺖ ﺑﮭﺎ ﻓﺘﺎﺗﺎن .ﻓﻜﺎن ذﻟﻚ اﻹﺧﻼء ﻟﺴﺒﯿﻞ اﻟﺴﺠﯿﻨﺘﯿﻦ أﻛﺜﺮ اﻹﺧﻼءات ﻓﻲ ﻣﻌﺘﻘﻞ اﻟﺨﯿﺎم دﻻﻟﺔ ﻣﻦ ﺣﯿﺚ ﻃﺎﺑﻌﮫ اﻟﺴﯿﺎﺳﻲ .وﺑﻘﯿﺖ ،وﻟﻜﻨﻲ ﻛﻨﺖ أﻋﻠﻢ أن "ﻛﻔﺎﺣﺎً" ﻣﻀﺖ وھﻲ ﻣﺘﺄﺑﻄﺔ ﺻﺮة ﺛﯿﺎب ھﺰﯾﻠﺔ. وﻛﺎن ﻓﻲ ھﺬه اﻟﺼﺮة أﻏﺮاض ﻟﻲ ،وﻗﻠﺖُ ﻓﻲ ﺳﺮي ،إﻧﮭﺎ ﺧﺎرﺟﺔ ﻣﻦ اﻷﺳﺮ ﻣﻌﮭﺎ ،ﻣﻊ ﻛﻔﺎح.
169
اﻟﺨﻠـــــﻖ ﯾﻮم أُدﺧﻠﺖ اﻟﺴﺠﻦ ،وﺿﻌﺖ ﻧﺼﺐ ﻋﯿﻨﻲ ھﺪﻓﺎً واﺿﺤﺎً، وھﻮ أن أﻓﯿﺪ ،ﻗﺪر اﻹﻣﻜﺎن ،ﻣﻦ ﻛﻞ اﻟﻈﺮوف ﻷﺗﻌﻠﻢ وأزداد ﺗﻌﻠﻤﺎً .وأردت أن أﻇﻞ ﺿﺎﺑﻄﺔ ﺳﺎﻋﺎت اﻷﺳﺮ. ﻏﯿﺮ أﻧﻲ ،ﻓﻲ ﺧﺘﺎم ﺟﻠﺴﺎت اﻻﺳﺘﺠﻮاب وﺣﯿﻦ اﺳﺘﻌﺪت ﺣﯿﺎة اﻟﻤﻌﺘﻘﻼت اﻟﻤﺄﻟﻮﻓﺔ ،أدرﻛﺖ اﺳﺘﺤﺎﻟﺔ ﺗﻄﺒﯿﻖ ھﺬا اﻟﺒﺮﻧﺎﻣﺞ. ﻟﻘﺪ ﻛﻨﺎ ،ﻧﺤﻦ اﻟﻤﻌﺘﻘﻼت ،ﻓﻲ أﺷﺪ ﺣﺎﻻت اﻟﻌﻮز واﻟﻔﻘﺮ. ﺛﯿﺎب ﻗﻠﯿﻠﺔ ،ﻻ ﻛﺘﺐ وﻻ أوراق أو أﻗﻼم ،ﺑﺎﻟﺘﺄﻛﯿﺪ .وﻛﺎﻧﺖ ﺗﺮﻛﯿﺒﺔ ﻣﻌﺘﻘﻞ اﻟﺨﯿﺎم ﻣﻨﺸﺄة ﻋﻠﻰ اﻟﻨﺤﻮ اﻟﺬي ﻧﺤﺮم ﻓﯿﮫ، ﻧﻈﺮﯾﺎً ،ﻣﻦ ﻛﻞ وﺳﯿﻠﺔ ﻣﻦ اﻟﻮﺳﺎﺋﻞ اﻟﺘﻲ ﺗﺘﯿﺢ ﻟﻨﺎ اﻟﺘﺮﻓﯿﮫ ﻋﻦ أﻧﻔﺴﻨﺎ ،أو اﻻﺣﺘﯿﺎل ﻋﻠﻰ اﻹﯾﻘﺎع اﻟﯿﻮﻣﻲ اﻟﻤﻔﺮوض ﻋﻠﯿﻨﺎ ﻣﻦ اﻟﺤﺎرﺳﺎت .ورأﯾﺖ اﻟﻔﺘﯿﺎت ﻓﻲ ﻏﺎﻟﺒﯿﺘﮭﻦ ﯾﺨﺘﺒﻠﻦ ،ﻣﺎ أﻣﻜﻨﮭﻦ ،ﻓﻲ اﻟﻨﻮم ،ﻟﯿﻼً ﻧﮭﺎراً .وﻛﻦ ﯾﻨﺪﻓﻌﻦ اﻟﻰ اﻟﻄﻌﺎم ﻧﮭﻤﺎت ﻟﺪى ﻛﻞ وﺟﺒﺔ ،وﯾﺄﻛﻠﻦ ﺑﺴﺮﻋﺔ ﻣﺘﻨﺎھﯿﺔ ﻟﯿﺠﺪن أﻧﻔﺴﮭﻦ ﻏﺎرﻗﺎت ﻓﻲ ذﻟﻚ اﻟﺨﺪر اﻟﺬي ﺑﺎت ﺗﺴﻠﯿﺘﻨﺎ اﻟﻮﺣﯿﺪة .وﻟﻤﺎ ﻛﻨﺎ ﻣﻨﻘﻄﻌﺎت ﻋﻦ اﻟﻌﺎﻟﻢ اﻟﺨﺎرﺟﻲ، ﺻﺎر ﻟﮭﻮﻧﺎ اﻷوﺣﺪ أن ﻧﺼﯿﺦ اﻟﺴﻤﻊ ﻟﻨﺘﺘﺒﻊ ﺗﺤﺮﻛﺎت اﻟﺤﺎرﺳﺎت واﻟﺴﺠﯿﻨﺎت ﻋﻠﻰ اﻟﺴﻮاء ،ﻣﻦ زﻧﺰاﻧﺔ اﻟىﺄﺧﺮى ،وﻟﻤﻌﺮﻓﺔ ﻣﻮﺿﻊ ﻛﻞ ﻣﻦ اﻟﺴﺠﯿﻨﺎت ﻓﻲ ذﻟﻚ اﻟﺒﻨﺎء اﻟﻤﺘﺮاﻣﻲ. وﻛﻠﻤﺎ ﻛﺎﻧﺖ اﻟﺤﺎرﺳﺎت ﯾﺸﺎھﺪن ﺷﺎﺷﺔ اﻟﺘﻠﻔﺰﯾﻮن وﯾﺤﻀﺮن ﻧﺸﺮات اﻷﺧﺒﺎر ﻓﯿﮭﺎ ،ﺟﮭﺪت ﻛﻞ ﻣﻨﺎ ﻓﻲ اﻟﺘﻘﺎط أدﻧﻰ اﻟﻤﻌﻠﻮﻣﺎت ﻣﻨﮭﺎ .ﺣﺘﻰ إذا ﺣﻞ اﻟﻠﯿﻞ ،وﺿﻌﻨﺎ 170
ﻓﻲ اﻟﺘﺪاول ﺛﻤﺎرﻧﺎ اﻟﻤﺴﻤﻮﻋﺔ ،واﻟﺘﻲ ﺳﻠﺒﻨﺎھﺎ ﺳﻠﺒﺎً ،ﻏﯿﺮ أﻧﻨﺎ ﻧﺎدراً ﻣﺎ ﻛﻨﺎ ﻧﺒﻠﻎ ﻏﺎﯾﺘﻨﺎ .ورأﯾﺘﻨﻲ ﻣﺮة أﻟﻌﻦ اﻟﺴﯿﻨﻤﺎ اﻟﻤﺼﺮﯾﺔ وﻋﺠﯿﺠﮭﺎ .وﻓﻲ ﺗﻔﺼﯿﻞ اﻷﻣﺮ ،أﻧﻲ ﻛﻨﺖ ﻓﻲ اﻟﺤﺒﺲ اﻻﻧﻔﺮادي ،ﻓﻲ اﻟﺰﻧﺰاﻧﺔ رﻗﻢ ،24ورﺣﺖُ ﻣﻦ ﻧﻘﻄﺔ اﻟﻤﺮاﻗﺒﺔ ﺧﺎﺻﺘﻲ ،أﺗﻤﯿﺰ ﻣﺸﺎھﺪة اﻟﻤﺴﺮﺣﯿﺔ اﻟﻜﻮﻣﯿﺪﯾﺔ اﻟﻤﺼﻮرة ﻓﻲ اﻟﻘﺎھﺮة .وﻇﻠﻠﺖُ ﻣﺘﻤﺴﻜﺔ ﺑﻘﻀﺒﺎن اﻟﻨﺎﻓﺬة أﻃﻮل ﻣﺪة ﻣﻤﻜﻨﺔ ﻟﯿﺘﺴﻨﻰ ﻟﻲ أن أروي ﻟﻠﺒﻨﺎن ﻣﺠﺮﯾﺎﺗﮭﺎ ﻛﺎﻣﻠﺔ ،ﺧﻔﯿﺔً ﻋﻦ اﻟﺤﺎرﺳﺎت ﻣﺎ أﻣﻜﻨﻨﻲ ذﻟﻚ – ﻏﯿﺮ أن اﻷﻣﺮ ﺑﺪا ﻟﻲ ﻣﺜﺎﺑﺔ ﻋﻘﺎب آﺧﺮ. وﻟﺤﺴﻦ اﻟﺤﻆ ،ﻛﺎن ﻟﺪي اھﺘﻤﺎﻣﺎت أﺧﺮى ،أﻗﻞ ﻋﺎدﯾﺔ. ﻓﻠﻤﺎ ﻛﻨﺖ ﻻ أﻋﺮف اﻟﻘﺮآن ﻣﻌﺮﻓﺔ ﺣﻘﺔ ،ﻟﺬ ﻟﻲ أن أﻛﺘﺸﻒ ،ﻟﺪى اﻟﻤﻌﺘﻘﻼت اﻷﺧﺮﯾﺎت ﻣﻦ اﻷﻏﻠﺒﯿﺔ اﻟﺸﯿﻌﯿﺔ اﻟﻤﺴﻠﻤﺔ ،ﻧﺼﻮﺻﮫ اﻟﻤﻘﺪﺳﺔ .وﻛﺎﻧﺖ ﻣﻌﺮﻓﺘﮭﻢ اﻷﯾﺎت اﻟﻘﺮآﻧﯿﺔ اﻟﺘﻲ ﺣﻔﻈﻨﮭﺎ ﻋﻦ ﻇﮭﺮ ﻗﻠﺐ ،أﺗﺎﺣﺖْ ﻟﻲ ﺗﺮدادھﺎ وﻣﻌﺮﻓﺔ ﻣﻀﻤﻮﻧﮭﺎ ،ﺣﺘﻰ ﺣﻔﻈﺘﮭﺎ ﺑﺪوري .وﻣﺎ دﻣﺖُ ﻏﯿﺮ ﻣﻌﻨﯿﺔ ﺑﺎﻟﺪﯾﻦ ،ﻧﻈﺮاً ﻟﻠﻤﻨﺎخ اﻟﺬي ﻛﺎن ﺳﺎﺋﺪاً ﺣﻮﻟﻨﺎ ،واﻟﺬي ﻧﺸﺄتُ ﻓﻲ وﺳﻄﮫ ،رأﯾﺘﻨﻲ أﻓﯿﺪ ﻣﻦ ھﺬا اﻟﺘﻌﻠﻢ أﯾﻤﺎ إﻓﺎدة – ﺛﻢ إن اﻟﺘﻌﻠﯿﻢ ﻓﻮق ذﻟﻚ ﻛﺎن ﻣﺠﺎﻧﺎً. وﻟﻤﺎ ﻛﻨﺎ ﻣﺤﺮوﻓﻤﺎت ﻣﻦ ﻛﻞ ﺷﻲء ،ﺻﺮﻧﺎ ﺳﺎرﻗﺎت ﻣﺤﺘﺮﻓﺎت .ﻧﺴﺮق ﻛﻞ ﺷﻲء وﻻ ﺷﻲء ،ذﻟﻚ أن أﻗﻞ ﻗﻄﻌﺔ ﻣﻦ اﻟﻮرق ھﻲ ﻛﻨﺰ ﻟﻨﺎ .وﻟﺌﻦ ﻛﺎن ﻣﺴﯿﺮﻧﺎ ﻣﻦ زﻧﺰاﻧﺎﺗﻨﺎ اﻟﻰ اﻟﻐﺮﻓﺔ اﻟﻤﺨﺼﻮﺻﺔ ﺑﺎﻟﺤﻤﺎم ،أو اﻟﻰ ﻗﺎﻋﺎت اﻻﺳﺘﺠﻮاب ،ﻗﺼﯿﺮاً ،ﻓﺈن اﻟﺪﻗﺎﺋﻖ اﻟﻘﻠﯿﻠﺔ اﻟﻔﺎﺻﻠﺔ ھﺬه ﻛﺎﻧﺖ ﺗﻄﻮل ﻓﻲ ﻧﻈﺮﻧﺎ .ﺣﺘﻰ ﺑﺘﻨﺎ ﺑﻄﻼت ﻓﻲ ﺳﺮﻗﺔ أﻛﯿﺎس اﻟﺒﻼﺳﺘﯿﻚ ،ﺣﯿﺚ وﺿﻌﺖ ﻃﻠﻤﯿﺎت اﻟﺨﺒﺰ .وﻏﺎﻟﺒﺎً ﻣﺎ ﻛﻨﺎ ﻧﺴﺘﺨﺪم ھﺬه اﻷﻛﯿﺎس ﻓﻲ ﺣﻤﺎﻣﺎت اﻟﻨﺠﺪة ،وﻗﺪ 171
أُﻓﺮﻏﺖ ﻓﻲ ﺳﻠﺔ اﻟﻤﮭﻤﻼت ،ﻋﻠﻰ اﻟﺮﻏﻢ ﻣﻦ أواﻣﺮ اﻟﻤﻨﻊ اﻟﺼﺎدرة ﻋﻦ اﻟﺤﺎرﺳﺎت ،أو ﻣﺮﻣﯿﺔ ﻋﺒﺮ اﻟﻨﻮاﻓﺬ ﻣﻦ ﺧﻼل اﻟﻘﻀﺒﺎن ﻓﻲ اﻷرض اﻟﻤﺤﻈﺮة ﻋﻠﻰ اﻟﻤﺸﺎة اﻟﺘﻲ ﺗﺴﻮر اﻟﻤﻌﺘﻘﻞ .وإﺿﺎﻓﺔ اﻟﻰ أﻛﯿﺎس اﻟﺒﻼﺳﺘﯿﻚ ،ﻛﻨﺎ ﻧﺴﻌﻰ ﻓﻲ إﺛﺮ ﻣﺰق ﻣﻦ اﻟﻮرق ،وﻗﻄﻊ ﻣﻦ اﻷﻗﻼم ،وﺧﯿﻄﺎن رﻓﯿﻌﺔ ﻣﻦ ﺣﺪﯾﺪ ،ﺑﻞ ﻧﺘﻒ ﻣﻦ ﺧﯿﻄﺎن .وﺻﺎرت أﯾﺎدﯾﻨﺎ ﺧﺎﻃﻔﺔً وﺑﻤﮭﺎرةً. وﻛﻨﺎ ،إذا ﺳﺮﻗﻨﺎ ،ﻓﻠﻨﺒﺪع ﻛﺬﻟﻚ ،وﻟﻨﺤﺎول أن ﻧﺼﻨﻊ أﺷﯿﺎء ﺻﻐﯿﺮة رﻏﻤﺎً ﻋﻦ اﻟﺤﺎرﺳﺎت .وإذا ﻣﺎ أردﻧﺎ ﺧﯿﻄﺎً ﻣﻦ اﻟﻘﻄﻦ أو اﻟﺼﻮف ،ﻛﺎن ﯾﻜﻔﯿﻨﺎ اﻟﺘﻀﺤﯿﺔ ﺑﺜﻮب أو ﻛﻨﺰة. وﺑﮭﺬا أﻣﻜﻨﻨﺎ أن ﻧﺨﯿﻚ ﺑﺈﺑﺮ اﻟﺤﺪﯾﺪ اﻟﻤﺼﻨﻮﻋﺔ ﻟﮭﺬا اﻟﻐﺮض .وإﺿﺎﻓﺔ اﻟﻰ ﺧﯿﻮط اﻟﺤﺪﯾﺪ اﻟﺪﻗﯿﻘﺔ ھﺬه ،ﻛﻨﺎ ﻧﺤﺴﺐ ﺣﺴﺎﺑﺎً ﻟﻨﻮى اﻟﺰﯾﺘﻮن .وھﺬا ﻣﺎ ﻟﻢ ﯾﻜﻦ ﻣﺘﺎﺣﺎً ﻟﻠﺮﺟﺎل ،إذ ﻛﺎن ﺣﺮاﺳﮭﻢ ﯾﻌﺪون اﻟﻨﻮى اﻟﻤﻮزﻋﺔ ﻋﻠﻰ ﻛﻞ ﺳﺠﯿﻦ ،وﯾﻨﺒﻐﻲ أن ﺗﻜﻮن ﻣﻮاﻓﻘﺔ ﻟﻠﻌﺪد ﻧﻔﺴﮫ ﻣﻦ ﺣﺒﺎت اﻟﺰﯾﺘﻮن اﻟﻤﻌﻄﺎة .وﻛﻨﺎﻧﻔﺮك ھﺬه اﻟﻨﻮى وﻧﺤﻔﺮھﺎ ﻓﻲ اﻟﻮﺳﻂ ،ﺣﺘﻰ ﺗﺼﯿﺮ ﻟﻨﺎ ﻣﺴﺎﺑﺢ ،ﺑﯿﺪ أن ھﺬه اﻟﻮﺳﺎﺋﻞ زھﯿﺪة ﻟﻠﻐﺎﯾﺔ. ذات ﯾﻮم ،أﺗﺎح ﻟﻨﺎ اﻛﺘﺸﺎف ﻣﺴﻤﺎر دﻗﯿﻖ ﻓﻲ ﻧﻌﻞ أﺣﺪ اﻷﺣﺬﯾﺔ ،ﺗﺤﻘﯿﻖ ﻋﻤﻞ ﻓﺮﯾﺪ .إﺑﺮة! وﺟﻌﻠﻨﺎ ،اﻟﻠﯿﻞ ﻛﻠﮫ، ﻧﺤﻚ رأس ھﺬا اﻟﻤﺴﻤﺎر اﻟﻔﻮﻻذي ﺑﻘﻄﻌﺔ ،ھﻲ ﺧﯿﻂ ﻧﺤﺎﺳﻲ ﻛﺎن ﯾُﺴﺘﺨﺪم ﻟﻮﺻﻞ اﻟﻜﮭﺮﺑﺎء ،وﺟﺪﻧﺎه ﻓﻲ زﻧﺰاﻧﺘﻨﺎ .وﻟﻤﺎ ﻛﺎن اﻟﻔﺠﺮ ،واﻷﻟﻢ ﯾﺸﻞ أﺻﺎﺑﻌﻨﺎ ،ﺗﻮﺻﻠﻨﺎ اﻟﻰ ﺛﻘﺐ ﺧﯿﻂ اﻟﻨﺤﺎس ،وأدﺧﻠﻨﺎ ﻓﯿﮫ رأس اﻟﻤﺴﻤﺎر. وھﻜﺬا ،ﺻﺎرت ﻟﻨﺎ إﺑﺮة ﻟﻠﺨﯿﺎﻃﺔ ،وھﺬه اﻹﺑﺮة ﺻﺎر ﺑﻤﻘﺪورھﺎ أن ﺗﻀﻊ أﺑﻨﺎءً .وﺑﺬﻟﻚ ﺗﺤﻘﻖ ﻟﻨﺎ إﻧﺠﺎز ﻋﻈﯿﻢ، 172
ذﻟﻚ أن اﻷدوات اﻟﻤﺴﺘﺨﺪﻣﺔ اﻟﻰ ﺣﯿﻨﮫ ،ﺑﺎﻹﺿﺎﻓﺔ اﻟﻰ أﺳﻨﺎن اﻟﻤﺸﻂ ،ﻛﺎﻧﺖ ﻻ ﺗﺰال ﺳﺮﯾﻌﺔ اﻟﻌﻄﺐ. وﻻ ﯾﺨﻔﻰ ﻋﻠﻰ اﻟﻤﺮء أن أﻋﻤﺎل اﻟﺨﯿﺎﻃﺔ اﻟﺘﻲ ﺑﺎﺷﺮﻧﺎھﺎ، ﻓﺮﺿﺘﮭﺎ ﻋﻠﯿﻨﺎ اﻟﺤﺎﺟﺔ واﻟﻌﻮز .ﻓﻜﻨﺎ واﻟﺤﺎل ھﺬه ،ﻧﻌﺪ ﻓﻮﻃﻨﺎ اﻟﺼﺤﯿﺔ ،اﻟﻰ أن ﻃﺎﻟﺒﺖ اﻹﺳﺮاﺋﯿﻠﻲ "ﻃﻮﻣﻲ" ﺑﮭﺎ ،ﻓﻲ اﻟﻌﺎم ، 1992وﻧﻘﺼﺮ ﺛﯿﺎﺑﻨﺎ .ﻟﮭﺬه اﻷﻋﻤﺎل ،ﻛﺎن ﺑﻮﺳﻌﻨﺎ أن ﻧﻄﻠﺐ ﻣﻦ اﻟﺤﺎرﺳﺎت ﺗﻮﻓﯿﺮ اﻟﺨﯿﻂ واﻹﺑﺮ ،إﻻ أﻧﮫ ﻇﻞ ﻟﺰاﻣﺎً ﻋﻠﯿﻨﺎ أن ﻧﺤﻮك ﺗﺤﺖ أﻧﻈﺎرھﻦ ،وﻧﻌﯿﺪ ﻟﮭﻦ اﻷدوات ﺣﺎﻟﻤﺎ ﯾﻨﺘﮭﻲ اﻟﻌﻤﻞ .ﺛﻢ إﻧﮫ ﻛﺎن ﻋﻠﯿﻨﺎ أن ﻧﻮاﺟﮫ ﺗﺤﺪﯾﺎت اﻟﻤﺴﺘﺠﻮﺑﯿﻦ اﻟﺬﯾﻦ ﻛﺎﻧﻮا ﻻ ﯾﺘﻮاﻧﻮن ﻋﻦ ﻣﺼﺎدرة اﻷوﺷﺤﺔ اﻟﺘﻲ ﺗﻀﻌﮭﺎ اﻟﻔﺘﯿﺎت اﻟﻤﺴﻠﻤﺎت ﻷﺟﻞ اﻟﺘﺄﺛﯿﺮ ﻓﯿﮭﻦ ،ودﻓﻌﮭﻦ اﻟﻰ اﻟﺘﻌﺎون .وﻓﻲ ﺣﺮﻛﺔ ﻣﻦ اﻟﺘﻀﺎﻣﻦ واﻟﺘﺤﺪي ،ﻋﻤﺪت اﻟﻤﻌﺘﻘﻼت اﻟﻰ ﺣﯿﺎﻛﺔ ﻗﺒﻌﺎت ﻟﺘﺴﻊ ﻣﻌﺘﻘﻼت أﺧﺮﯾﺎت .وﻣﻊ أن اﻟﻘﺒﻌﺎت ھﺬه ﻛﺎﻧﺖ ﻓﻲ ھﯿﺌﺘﮭﺎ اﻟﻠﺒﺪﯾﺔ أﻗﺮب اﻟﻰ ﻣﺎ ﻛﺎن ﯾﺴﺘﺨﺪﻣﮫ روﺑﻦ ھﻮد وﺟﻤﺎﻋﺘﮫ ،ﻓﻘﺪ أُﻧﻘﺬ اﻟﺠﻮھﺮي ﻓﻲ اﻟﻤﺴﺄﻟﺔ. وﻛﺎن ﻣﻦ ﺷﺄن ھﺬه اﻟﻘﻔﺰة اﻟﺘﻘﻨﯿﺔ اﻟﻰ اﻷﻣﺎم ،اﻟﻤﺘﻤﺜﻠﺔ ﻓﻲ اﻹﺑﺮة ،أن ﺣﺮرت إﺑﺪاﻋﺎﺗﻨﺎ .ذﻟﻚ أن اﻹﺑﺪاع ،ﻟﻲ ،ﻟﻢ ﯾﻜﻦ ﺗﻀﯿﯿﻌﺎً ﻟﻠﻮﻗﺖ ،ﻋﻠﻰ اﻹﻃﻼق .وأن ﯾﺒﺪع اﻟﻤﺮء ﻓﺬﻟﻚ ﻻ ﯾﻌﻨﻲ اﻟﻠﻌﺐ ،اﻟﺒﺘﺔ .ﻓﺎﻹﺑﺪاع ،ﻟﻨﺎ ﻗﺒﻞ أي ﺷﻲء آﺧﺮ ،أن ﻧﺤﻮز ﻣﻦ ﺧﻼﻟﮫ ﺣﺮﯾﺔ ﻓﻲ اﻟﺘﻌﺒﯿﺮ ،وأن ﻧﻘﻮل ﻛﻞ ﻣﺎ ﻃﺎﻟﻤﺎ ﺣﺼﺮﻧﺎ ﺑﮫ ،ﺑﯿﻨﻤﺎ ﻧﺠﺪ ﻛﻞ ﻣﺎ وﻣﻦ ﺣﻮﻟﻨﺎ ﯾﺪﻋﻮﻧﻨﺎ اﻟﻰ اﻟﺼﻤﺖ واﻟﻰ ﻧﺴﯿﺎن ﻣﺎ ﻧﺤﻦ ﻋﻠﯿﮫ .ﺣﺘﻰ أﻧﻲ ،اﻟﺘﻲ أﺗﯿﺢ ﻟﻲ إﻋﺪاد وذوق ﻋﻠﻤﯿﺎن ،اﻛﺘﺸﻔﺖُ ﻓﻲ داﺧﻞ ﺟﺪران ﻣﻌﺘﻘﻞ اﻟﺨﯿﺎم ھﺬه اﻟﺤﺎﺟﺔ اﻟﻌﺼﯿﺔ ﻋﻠﻰ اﻟﺮد ،ﻋﻨﯿﺖ اﻟﺤﺎﺟﺔ اﻟﻰ اﻹﺑﺪاع .وﺻﺎرت اﻷﺷﯿﺎء اﻟﺘﻲ ﻧﺤﻘﻘﮭﺎ ﻓﻲ 173
اﻟﺨﻔﯿﺔ ﺑﻤﺜﺎﺑﺔ رﺳﺎﺋﻞ ﺟﺪﯾﺮة ﺑﺎﻟﺘﺒﺎدل .وراﺣﺖ ﻛﻞ ﻣﻨﺎ ﺗﻨﻘﺶ ﻓﯿﮭﺎ ﻣﻦ اﻟﻜﻠﻤﺎت ﻣﺎ ﺗﺸﺎء .وﻛﺎن ﺛﻤﺔ ،ﺑﺎﻟﻄﺒﻊ، ﻛﻠﻤﺎت اﻟﺤﺐ ﻟﻸﻗﺎرب واﻷھﻞ واﻷﺻﺪﻗﺎء .وﺛﻤﺔ ﻛﺬﻟﻚ، اﻟﺮﺳﺎﺋﻞ اﻟﺴﯿﺎﺳﯿﺔ ،واﻟﺸﻌﺎرات ﻷﺟﻞ ﺑﻼدﻧﺎ ،وﻷﺟﻞ ﻗﻀﯿﺘﻨﺎ. ﺣﺘﻰ ﺻﺎر اﻹﺑﺪاع ﺣﺮﯾﺘﻨﺎ اﻟﻮﺣﯿﺪة. وﻛﺎن أول ﻣﺎ ﺻﻨﻌﺘﮫ ﺳﺒﺤﺔ ﻣﻦ ﻧﻮى اﻟﺰﯾﺘﻮن ،ﻻ ﻟﺼﻠﻲ ﺑﮭﺎ ،إﻧﻤﺎ ﻷﻧﻲ أﺣﺐ ﺷﻜﻠﮭﺎ .وﺟﺪﺗﮭﺎ ﺟﻤﯿﻠﺔ .ورﺣﺖُ ﯾﺤﻔﺰﻧﻲ اﻟﮭﻮى ،أﻧﻘﺶ ﻋﻠﻰ ﻛﻞ ﺣﺒﺔ ﻣﻦ ھﺬه اﻟﺴﺒﺤﺔ ﺣﺮﻓﺎً ﻣﻦ ﺣﺮوف ﺟﺒﮭﺔ اﻟﺘﺤﺮﯾﺮ اﻟﻮﻃﻨﯿﺔ .وﻛﺎن اﻟﻐﺮض اﻟﺜﺎﻧﻲ رﺳﻤﺎً ﻟﺸﻌﺎر ﻛﻨﺖ ﺻﺎدرﺗﮫ ﻣﻦ ﻋﻘﺐ ﺳﯿﺠﺎرة، وﻋﻤﺪت اﻟﻰ ﻓﺘﺢ اﻟﻌﻘﺐ ﻓﻲ ﺷﻜﻞ ﺗﻮﯾﺠﺔ ،ورﺣﺖ أﺣﯿﻜﮭﺎ ﺑﺨﯿﻮط ﻣﻦ اﻟﺤﺮﯾﺮ .ﺛﻢ رﺳﻤﺖُ ﺛﺎﻧﯿﺔً ،اﻷﺣﺮف اﻷوﻟﻰ ﻣﻦ ﻣﻘﺎوﻣﺘﻲ ﻋﻠﻰ ﺣﻠﻘﺘﻲ اﻟﺒﺎﺋﺴﺔ .وﻓﻲ زﻣﻦ ﯾﺴﯿﺮ، أﻣﻜﻨﻨﻲ ﻣﺼﺎدرة ورق اﻟﻠﻌﺐ )أو اﻟﺸﺪة ﺑﺎﻟﻌﺎﻣﯿﺔ اﻟﻠﺒﻨﺎﻧﯿﺔ( .وﻛﻨﺖ أﻋﺮف وﺣﺪي اﻷﻟﻌﺎب اﻟﺘﻲ أﺳﺘﻌﺮﺿﮭﺎ ﻣﻊ زﻣﯿﻼﺗﻲ اﻟﻤﻌﺘﻘﻼت ،ﺛﻢ أﻋﻠﻤﮭﻦ إﯾﺎھﺎ .وﺑﻌﺪ ذﻟﻚ ﺣﺎن وﻗﺖ اﻟﺸﻄﺮﻧﺞ ،ﻓﻠﻢ أﺟﺪ ﺷﺮﯾﻜﺔ واﺣﺪة ﺗﺸﺎﻃﺮﻧﻲ ھﺬا اﻟﮭﻮى. وﻏﺎﻟﺒﺎً ﻣﺎ ﻛﺎﻧﺖ أﻋﻤﺎﻟﻨﺎ ﺗﺼﯿﺮ اﻟﻰ اﻟﻌﺪم ،ﻛﻠﻤﺎ ﻋﻤﺪت اﻟﺤﺎرﺳﺎت اﻟﻰ ﺗﻔﺘﯿﺶ اﻟﺰﻧﺎزﯾﻦ وﻣﺼﺎدرة ﻣﺎ ﯾﺠﺪﻧﮫ ﻓﯿﮭﺎ. ﻋﺪا ﻋﻦ ﻟﻌﺐ اﻟﻮرق ،اﻟﺬي ﺻﺎر ﻣﺴﻤﻮﺣﺎً ،ﻣﻨﺬ اﻟﻌﺎم ،1989اﻋﺘﺒﺮت ﻛﻞ ﻟﻌﺒﺔ أو ﻟﻌﺐ آﺧﺮ ﻣﺤﻈﻮراً .ﺣﺘﻰ إذا ﻃﺎول اﻟﺘﻔﺘﯿﺶ زﻧﺰاﻧﺔ ،وﺿﻌﻨﺎ أﯾﺎدﯾﻨﺎ ﻋﻠﻰ ﻗﻠﻮﺑﻨﺎ،
174
راﺟﯿﻦ أن ﯾﻨﺠﻮ ﻏﺮض واﺣﺪ ﻋﻠﻰ اﻷﻗﻞ ﻣﻦ اﻟﺤﻤﻠﺔ، اﻟﺘﻲ ﺗﻨﺘﮭﻲ ﺣﺼﯿﻠﺘﮭﺎ ﻓﻲ ﺳﻼل اﻟﻤﮭﻤﻼت ،أﯾﺎ ﺗﻜﻦ. ﺑﯿﺪ أن ھﺬه اﻟﻘﺪرة ،اﻟﺘﻲ ﺗﻤﻠﻜﮭﺎ ﻛﻞ ﻣﻨﺎ ﻋﻠﻰ اﻟﺨﺮوج ﻣﻦ ﻗﻮﻗﻌﺘﮭﺎ ،ﺗﺤﺮج إﯾﻤﺎ إﺣﺮاج ﺣﯿﻦ ﺗﺠﺪ اﻟﻮاﺣﺪة ﻣﻨﺎ ﻧﻔﺴﮭﺎ ﻓﻲ اﻟﺤﺒﺲ اﻹﻧﻔﺮادي .وﺣﯿﻦ أﻟﻔﯿﺘﻨﻲ ﺣﺒﯿﺴﺔً ﻓﻲ اﻟﺰﻧﺰاﻧﺘﯿﻦ اﻹﻧﻔﺮادﯾﺘﯿﻦ رﻗﻢ ،7وﺑﻌﺪھﺎ رﻗﻢ ،24ﻟﻢ ﯾﻜﻦ ﻓﻲ ﺣﻮزﺗﻲ ﺷﻲء ،وﻻ ﺳﯿﻤﺎ ﻓﻲ ﻣﺮات اﻟﺤﺒﺲ اﻷوﻟﻰ، وﻓﯿﻤﺎ ﺑﻌﺪ أﻣﻜﻨﻨﻲ أن أﺧﻔﻲ إﺑﺮﺗﯿﻦ ﻓﻲ ﻗﺒﺔ ﺛﻮب ﻣﺤﯿﻚ ﺗﻤﺎﻣﺎً ،وﻛﻨﺖ وﺣﺪي اﻟﻘﺎدرة ﻋﻠﻰ ارﺗﺪاﺋﮫ ،ﻏﯿﺮ أﻧﻲ ﻟﻢ أﺳﺎرع اﻟﻰ اﺳﺘﺨﺮاﺟﮭﻤﺎ .وﻗﻠﺖ ﻓﻲ ﺳﺮي أن ﻛﻞ ﻋﺠﻠﺔ ھﻲ ﻣﺠﻠﺒﺔ ﻟﻠﺸﻚ ،وأن اﻟﺤﺎرﺳﺎت ﯾﻤﻜﻦ أن ﯾﺨﻄﺮ ﻟﮭﻦ إﺟﺮاء ﻓﺤﺺ دﻗﯿﻖ ﻟﻤﺎ أرﺗﺪﯾﮫ .وﻓﻲ أي ﺣﺎل ،ﻛﺎن ﻣﻦ اﻟﺼﻌﻮﺑﺔ ﺑﻤﻜﺎن إﺑﻘﺎء ﻛﻨﻮزي اﻟﺒﺎﺋﺴﺔ ﻓﻲ ﻣﻨﺄى ﻋﻦ ﺣﻤﻼت اﻟﺘﻔﺘﯿﺶ ،ذﻟﻚ أن اﻟﻐﺮف ﺗﻜﻮن ﻓﺎرﻏﺔ ،وﻻ ﺳﯿﻤﺎ ﻓﻲ" اﻟﺤﺒﺲ اﻻﻧﻔﺮادي" ﺣﯿﺚ ﻛﻨﺖ ﻣﺤﺮوﻣﺔ ﻣﻦ اﻟﻔﺮاﺷﻦ أول اﻷﻣﺮ .ﺑﺪاﯾﺔ رﺣﺖ أﻋﻮض اﻟﻨﻘﺺ ﺑﺎﻟﺤﺮﻛﺎت اﻟﺮﯾﺎﺿﯿﺔ ،وﻟﻜﻦ ﺣﯿﻦ وﺟﺪﺗﻨﻲ وﻗﺪ ﻋُﻠﻖ ﻣﻌﺼﻤﻲ ﺑﻌﺮﻗﻮﺑﻲ ﺗﻌﻠﯿﻘﺎً ﺷﺪﯾﺪ اﻹﯾﻼم ﺑﺎﻷﺻﻔﺎد ،ﺻﺎرت اﻟﺤﺮﻛﺎت ﻣﺴﺘﺤﯿﻠﺔ .وﺻﺤﯿﺢ أﻧﻲ ﺻﺮت أﻗﻮم ﺑﺘﻤﺎرﯾﻦ ﻟﻠﻤﻌﺪة ،وﻟﻜﻦ ذﻟﻚ ﻟﯿﺲ ﺑﺎﻷﻣﺮ اﻟﻤﺤﺴﻮب. وﺑﮭﺬا ﺣﯿﻞ دون ﻧﺸﺎﻃﻲ ،وﻟﻢ ﯾﺤﻞ دون ﻋﻤﻠﻲ .ﻓﻔﻲ اﻟﺰﻧﺰاﻧﺔ اﻟﺼﻐﺮى أو اﻟﺼﻐﯿﺮة ،ﻧﺠﺤﺖُ ﻓﻲ ﻣﺒﺎﺷﺮة ﺗﻤﺎرﯾﻨﻲ اﻟﺤﺴﺎﺑﯿﺔ ،وذﻟﻚ ﺑﻔﻀﻞ ﻟﺐ اﻟﺨﺒﺰ اﻟﺬي ﻛﻨﺖ اﻧﺘﺸﻠﺘﮫ ﺧﻼل اﻟﻐﺪاء وأﺧﻔﯿﺘﮫ ﺗﺤﺖ ﻋﺒﺎءﺗﻲ .وﺑﻌﺪ ذﻟﻚ، وﺟﺪﺗﻨﻲ أﺻﺎدر ﺟﺪاول رﻗﻤﯿﺔ ﻛﺎﻟﺘﻲ ﺗﺘﺴﺎوى اﻷرﻗﺎم ﻓﯿﮭﺎ ،أﻓﻘﯿﺎً وﻋﻤﻮدﯾﺎً .وﻣﻀﯿﺖ ﻓﻲ ھﺬه اﻟﺘﻤﺎرﯾﻦ اﻟﺤﺴﺎﺑﯿﺔ 175
ﺣﺘﻰ ﺑﻠﻐﺖُ أﻋﺪاداً ﻣﺘﻨﺎﻣﯿﺔ وﻣﻀﺎﻋﻔﺔ ،ﺑﺎﺳﺘﺨﺪاﻣﻲ اﻟﺮﻗﻢ 25ر ،9ﻓﺘﺤﺼﻞ ﻟﺪي 49ﻋﺪداً ،وﺑﮭﺬا ﺗﻨﺴﻤﺖ اﻟﺮﺿﻰ ﻋﻦ ﻧﻔﺴﻲ .وﺻﻨﻌﺖُ زھﺮ ﻧﺮد ﻣﻦ ﺻﺎﺑﻮﻧﺔ ﻣﮭﻤﻠﺔ .وﻣﻦ ﺛﻢ اﻧﻔﺘﺢ أﻣﺎﻣﻲ ﻣﺠﺎل واﺳﻊ :اﺑﺘﻜﺎر ﻟﻌﺐ اﺟﺘﻤﺎﻋﻲ ،ﻟﻌﺐ اﻟﺴﻼم .وﻛﺎن ھﺬا اﻟﻠﻌﺐ ﯾﻘﺘﻀﻲ ﻣﻨﻲ رﺳﻢ ﻣﻮﻃﺊ ﻟﻘﻮاﺋﻢ اﻹوزة ،ﯾﺰﯾﺪ ﻓﻲ ﺗﻌﻘﯿﺪه اﻟﻘﻮاﻋﺪ اﻻﺳﺘﺮاﺗﯿﺠﯿﺔ ﻻﺣﺘﻼل اﻷراﺿﻲ .ﻓﺎﻟﻘﻮاﻋﺪ ،وإن ﻛﺎﻧﺖ ﻣﻌﻘﺪة ،ﻓﺈﻧﮭﺎ واﺿﺤﺔ ،إذ ﯾﺠﺐ اﻻﻧﺘﺼﺎر ﻋﻠﻰ اﻟﺜﻌﺎﺑﯿﻦ واﻟﺠﻨﻮد ﻟﺘﺤﻘﯿﻖ اﻟﻐﻠﺒﺔ اﻟﻤﺆﻛﺪة ﻟﻼﻋﺐ .إﻻ أن ﺗﺤﻘﯿﻖ ھﺬا اﻟﻠﻌﺐ ،ذھﻨﯿﺎً ،وﻣﻦ ﻏﯿﺮ أن أﺣﺴﺐ ﺗﻨﻘﻠﻲ اﻟﺪاﺋﻢ ﺑﯿﻦ اﻟﺰﻧﺎزﯾﻦ ،وﻋﺪم ﺑﻘﺎﺋﻲ ﻃﻮﯾﻼً ﻓﻲ اﻟﺰﻧﺰاﻧﺔ اﻟﻮاﺣﺪة .وﻛﻨﺖ ﻻ أزال ﻓﻲ اﻟﺰﻧﺰاﻧﺔ رﻗﻢ ،24ﺣﯿﻦ ﺗﻮﺻﻠﺖُ اﻟﻰ ﺗﻤﺮﯾﺮ اﻟﻠﻌﺒﺔ اﻟﻰ ﺻﺪﯾﻘﺎﺗﻲ إﺛﺮ اﻧﺘﮭﺎﺋﻲ ﻣﻦ إﻋﺪادھﺎ .وﺑﻘﯿﺖ ﻧﻘﻄﺔ ﺿﻌﻒ ﻓﻲ ھﺬا اﻟﻨﺴﻖ :ﺻﻼﺑﺔ زھﺮ اﻟﻨﺮد .وﺣﯿﻦ ﺗﻨﺎھﺖ إﻟﻲ ﻣﻦ ﺑﻌﯿﺪ، ھﺘﺎﻓﺎت اﻟﺘﻌﺠﺐ اﻟﻤﺨﻨﻮﻗﺔ ،وھﻲ ﺗﻌﻠﻦ اﻧﺸﻄﺎر ھﺬه اﻟﻘﻄﻌﺔ اﻟﻜﺒﯿﺮة ،وﻗﺪ رﻣﺘﮭﺎ ﺑﻌﻀﮭﻦ ﺑﺤﻤﺎﺳﺔ ﻣﻔﺮﻃﺔ. وﻟﺤﺴﻦ اﻟﺤﻆ ،ﻟﻢ ﺗﻠﺒﺚ رﻓﯿﻘﺎﺗﻲ أن وﺟﺪن اﻟﺒﺪﯾﻞ ،ﻧﺮد ﻣﻦ ﻣﻼﻗﻂ اﻟﻐﺴﯿﻞ اﻟﺨﺸﺒﯿﺔ ،وأﻋﺪن اﻟﻌﺮض إذ رﺣﻦ ﯾﺨﻄﻦ ﻗﻄﻌﺔ ﻣﻦ ﻗﻤﺎش ﺻﻐﯿﺮة ،ﯾﻐﻠﻔﻦ ﺑﮭﺎ زھﺮ اﻟﻨﺮد اﻟﻤﺼﻨﻮع ﻣﻦ اﻟﺼﺎﺑﻮن ﺧﺎﺻﺘﻲ ،ﺣﺘﻰ ﺻﺎر ،آﺧﺮ اﻷﻣﺮ ،زھﺮ ﻧﺮد ﺣﻘﯿﻘﯿﺎً. وﻻ أﻧﺴﻰ ﻓﻀﻞ إﺣﺪى اﻟﺤﺎرﺳﺎت ،وإﻧﺴﺎﻧﯿﺘﮭﺎ ،ﻓﻲ ﺟﻌﻞ ﺣﺴﻨﺎ اﻟﻔﻨﻲ ﯾﺒﻠﻎ ﻣﺎ ﺑﻠﻐﮫ إﺑﺪاع اﻟﺮﺟﺎل .ﻓﺎﻟﺤﺎرﺳﺔ اﻟﻤﻌﻨﯿﺔ ﺟﻌﻠﺖ ﺗﺤﻤﻞ إﻟﯿﻨﺎ ﺳﺮاً ،أﻏﺮاﺿﺎً ﻣﻦ ﺻﻨﻌﮭﻢ )ﺣﺒﻜﮭﻢ(، وأﺧﺮى ﻣﺼﺎدرة ،وﻟﻜﻢ ﻛﺎﻧﺖ دھﺸﺘﻨﺎ إذ ﻧﺮى ﻗﻄﻌﮭﻢ ﻣﺸﻐﻮﻟﺔ ﻋﻠﻰ ﻧﺤﻮ أدق وأﻋﻘﺪ ﺑﻜﺜﯿﺮ ﻣﻦ ﻗﻄﻌﻨﺎ .وﺗﻠﻚ ھﻲ ﺣﺎل اﻟﺴﺒﺤﺎت ذات اﻟﻨﻮى )ﻣﻦ زﯾﺘﻮن( اﻟﺘﻲ ﺗﻮﺻﻠﻮا اﻟﻰ 176
ﺗﺠﻤﯿﻠﮭﺎ وذﻟﻚ ﺑﺘﻐﻠﯿﻔﮭﺎ ﺣﺮﯾﺮاً أو ﻗﻄﻨﺎً .ﺛﻢ إن اﻟﻤﻤﺮض ﻧﻔﺴﮫ أﻃﻠﻌﻨﺎ ﻋﻠﻰ "ﺷﮭﺎدﺗﮫ" ﻓﻲ ﺧﯿﺎﻃﺔ اﻟﻘﻠﻮب اﻟﺼﻐﯿﺮة، ﻣﺴﺘﻌﯿﻨﺎً ﺑﺎﻟﻜﺮﺗﻮن واﻟﺤﺮﯾﺮ .وﻛﺎن ﯾﺴﺘﺨﺪم ﻟﮭﺬه اﻟﻐﺎﯾﺔ وﺳﯿﻠﺔ ﻏﺮﯾﺒﺔ ،ﻧﻮﻋﺎً ﻣﺎ .إﻧﮭﺎ ﻛﻨﺎﯾﺔ ﻣﻦ ﻗﻠﺐ ،ﺻﺎدره أﺣﺪھﻢ ،ﻣﺆﻗﺘﺎً ،وھﻮ ﻻ ﯾﺰال ﻣﻌﻠﻘﺎً ﻓﻲ ﻋﻨﻖ ھﺮ ،أﻟﯿﻒ ﻟﻠﺴﺠﻦ ،وﯾﺘﻨﻘﻞ ﺑﺤﺮﯾﺔ ﻓﻲ أرﺟﺎﺋﮫ .وﺑﻠﻎ ﺑﻲ اﻷﻣﺮ أن ﺟﺬﺑﺖ اﻧﺘﺒﺎه اﻟﮭﺮ! ﻏﯿﺮ أن اﻟﺤﺎرﺳﺎت ﻓﺎﺟﺄﻧﻨﻲ وأرﺳﻠﻦ ﯾﺨﻄﺮن أﺑﺎ ﻧﺒﯿﻞ .وھﺎ ھﻮ ﯾﺴﺄﻟﻨﻲ ﻋﻦ ﻣﺼﺪر اﻟﻘﻠﺐ، ﻓﺄﺟﯿﺒﮫ ﺑﺄﻧﻲ ﺻﻨﻌﺘﮫ ﺑﯿﺪي. ﻣﻦ ﺛﻢ ،رﺣﺖ أﺧﻠﻂ ھﺬﯾﻦ اﻟﻤﻮﺿﻮﻋﯿﻦ ﻓﻲ رﺳﻤﻲ، زھﺮة ﺗﻈﻠﻞ ﻗﻠﺒﺎً .وﺣﺎوﻟﻨﺎ أن ﻧﺘﺒﺎدل اﻟﮭﺪاﯾﺎ ﻣﻦ أﺷﻐﺎل أﯾﺪﯾﻨﺎ .وﺳﺮﻋﺎن ﻣﺎ ﺑﺪوت ﻣﺨﺘﺼﺔ ﻓﻲ رﺳﻢ اﻟﻠﻮﺣﺎت، اﻟﻜﺎﻧﻔﺎ ﻣﻦ ﻛﻞ اﻷﻧﻮاع واﻷﻟﻮان .وﻟﮭﺬه اﻟﻐﺎﯾﺔ ،ﺿﺤﯿﺖُ ﺑﺴﺮوال داﺧﻠﻲ ﻷرﺳﻢ ﻋﻠﯿﮫ أول ﻋﻤﻞ ﯾﻘﻮم ﻋﻠﻰ ﻣﺸﮭﺪ ﻣﻤﯿﺰ ﻟﻠﻐﺎﯾﺔ :ﻓﻜﻨﺖُ إذ أﺧﯿﻂ اﻟﺼﻮف اﻟﻤﻠﻮن ،أرﺳﻢ ﯾﺪﯾﻦ ﻣﺘﺸﺒﺜﺘﯿﻦ ﺑﺎﻟﻘﻀﺒﺎن ،وأﻣﺎﻣﮭﻤﺎ رﯾﺸﺔ داﺧﻞ ﻣﺤﺒﺮة. وﻛﺎﻧﺖ اﻟﻠﻮﺣﺔ ﻣﻦ ﻧﺼﯿﺐ زﻣﯿﻠﺔ ﻟﻲ ﻓﻲ اﻻﻋﺘﻘﺎل ورﺣﺖ أزﺧﺮف ﻧﺼﺎً ﺻﻐﯿﺮاً أﺑﺮزتُ ﻓﯿﮫ اﻟﻮﻋﺪ ﺑﺎﻟﺘﺤﺮﯾﺮ، ﺗﺤﺮﯾﺮﻧﺎ .وﻓﯿﻤﺎ ﺑﻌﺪ ،ﺟﻌﻠﺖُ أﺿﺎﻋﻒ اﻟﻠﻮﺣﺎت اﻟﺘﻲ ﺗﺨﺘﻠﻂ ﻓﯿﮭﺎ اﻟﺮﻣﻮز ﺑﺎﻷواﻣﺮ اﻟﺴﯿﺎﺳﯿﺔ اﻟﺘﻲ ﻏﺪت ﻋﻤﻮﻣﯿﺔ ،أﻛﺜﺮ ﻓﺄﻛﺜﺮ. وھﻜﺬا ،أﻧﺸﺄت ﻟﻮﺣﺔ ﺣﻤﻠﺖ ﻋﻨﻮان "اﻻﻧﺴﺎﻧﯿﺔ"، ﺑﺎﻟﻔﺮﻧﺴﯿﺔ .وﻟﻤﺎ ﻛﻨﺖُ ﻣﺆﻣﻨﺔ ﺑﺎﻟﺘﻔﻮق اﻟﻨﺴﺎﺋﻲ ،اﻟﻰ ﺣﺪ ﻣﺒﺎﻟﻎ ﺑﮫ ،ﻓﻘﺪ ﻗﺼﺪت ارﺗﻜﺎب ھﻔﻮة ﻟﻐﻮﯾﺔ .إذ وﺿﻌﺖُ ﺣﺮف اﻟـ ) (e muetﻓﻲ أﺧﺮ اﻟﻜﻠﻤﺔ اﻟﻔﺮﻧﺴﯿﺔ (Humanite e). 177
ﻏﯿﺮ أن ﻋﻤﻼً ﻛﮭﺬا ﻟﻢ ﯾﻜﻦ ﻣﻤﻜﻨﺎً إﻻ ﺣﯿﻦ ﻓﻜّﺖ اﻟﻘﯿﻮد ﻋﻦ ﻣﻌﺼﻤﻲّ وﺻﺎرﺗﺎ ﺣﺮﺗﯿﻦ .أﻣﺎ ﻓﻲ ﻓﺘﺮات اﻟﺤﺒﺲ اﻻﻧﻔﺮادي ،ﻓﻜﻨﺖُ أﻗﺎرب اﻟﺘﺠﺮﯾﺪ واﻟﺸﻌﺮ .وﻣﺎ ﻛﺎن ﯾﺸﺪﻧﻲ اﻟﻰ ھﺬا اﻟﻤﯿﻞ ،أﻧﻲ ﻟﻢ أﻛﻦ ﻣﺒﺘﮭﺠﺔ اﻟﻘﻠﺐ واﻟﺮوح .وﻟﺌﻦ ﺑﺪوتُ ﻣﻐﺮﻣﺔ ﺑﺎﻟﺮﯾﺎﺿﯿﺎت ،ﻓﻠﻘﺪ أُﺛﺮ ﻋﻨﻲ ﻗﺮﺿﻲ اﻟﺸﻌﺮ وإﻧﺸﺎء ﺣﺰﻧﻲ وﺻﺤﺘﻲ ﺗﺴﻘﻄﺎً ﻟﻠﻮﺣﻲ، ﺑﺤﺴﺐ ﺗﻠﻚ اﻟﺼﻮرة اﻟﺘﻲ ﻛﺎﻧﺖ ﻟﺪﯾﻨﺎ ﻋﻦ ھﺬا اﻟﻨﻮع اﻷدﺑﻲ .وﻓﯿﻤﺎ ﻣﻀﻰ ،أذﻛﺮ أﻧﻲ ﺣﻔﻈﺖُ إﺣﺪى اﻟﻘﺼﺎﺋﺪ، ﻣﻊ زﻣﯿﻼت ﻟﻲ ﻓﻲ اﻟﺼﻒ ،وﻛﺎﻧﺖ إﺣﺪاھﻦ ﻗﺪ ﻧﻈﻤﺘﮭﺎ، ﺑﺪوري ،ﻓﻲ أﻓﻖ ھﺬا اﻟﺘﻤﺮﯾﻦ راق ﻟﻲ اﻷﻣﺮ ﺣﺘﻰ ﺻﺎر اﻟﺸﻌﺮ ﺟﺰءاً أﺳﺎﺳﯿﺎً ﻣﻦ ﺣﯿﺎﺗﻲ ﻓﻲ ﻣﻌﺘﻘﻞ اﻟﺨﯿﺎم. ورﺣﺖُ أؤﻟﻒ ،وأزﯾﻦ اﻟﻜﻼم ،وإذا وﺟﺪتُ اﻟﻌﻤﻞ ﺟﺪﯾﺮًا ﺑﺎﻹﻋﺠﺎب ﻋﻤﺪتُ اﻟﻰ ﺣﻔﻈﮫ .وﻣﻀﯿﺖُ أﺗﻌﻠﻢ وأردد، ﺣﺎﻓﻈﺔً ﻋﻦ ﻇﮭﺮ ﻗﻠﺐ .وﻣﻀﯿﺖ اﺳﺘﺜﻤﺮ أﺑﯿﺎﺗﻲ ﻟﻔﺮط ﻣﺎ ﺣﺼﺮتُ ﻣﻌﺎﻧﯿﮭﺎ ﻓﻲ اﻟﺼﺪر ،وﺗﻌﻠﻤﺖُ أن أھﻮاھﺎ، وأﺟﻌﻠﮭﺎ ﻣﻤﮭﻮرة ﺑﺬاﺗﻲ. وﺑﻘﯿﺖُ أﻛﺘﺐ اﻟﺸﻌﺮ ،ﺣﺘﻰ ﺑﻠﻎ ﻣﺠﻤﻮع ﻗﺼﺎﺋﺪي اﻟﺨﻤﺴﯿﻦ ،ﻧُﻘﺸﺖ ﺟﻤﯿﻌﮭﺎ ﻓﻲ ذاﻛﺮﺗﻲ ،ﻓﻼ ﺗﻤﺤﻰ. وﻛﺎﻧﺖ أوﻟﻰ اﻟﻘﺼﺎﺋﺪ وردت ﻓﻲ ﺧﺎﻃﺮي إﺛﺮ ﻇﺮوف ﻣﺄﺳﺎوﯾﺔ ،ﻛﺎن أﺣﺪ اﻟﻤﻌﺘﻘﻠﯿﻦ ﻗﯿﺪ اﻟﺘﻌﺬﯾﺐ ،وراح ﯾﺼﯿﺢ ﺻﯿﺤﺎت ﻣﻦ اﻷﻟﻢ ﯾﻘﺸﻌﺮ ﻟﮭﺎ ﺑﺪﻧﻲ ،ﻓﺄرﺗﺠﻒ وﺗﻔﯿﺾ ﻋﯿﻨﺎي ﺑﺎﻟﺪﻣﻮع .ﻓﺤﻀﺮﻧﻲ ﻓﻲ ﺗﻠﻚ اﻟﻠﺤﻈﺎت ،ﻣﺎ ﻛﺎن ﯾﻘﻮل اﻟﻤﺴﺘﺠﻮﺑﻮن إذ ﯾﻜﺮرون ﻣﺒﺎھﺎﺗﮭﻢ ﺑﺘﻘﺪم إﺳﺮاﺋﯿﻞ ﻋﻠﻰ اﻟﺒﻠﺪان اﻟﻌﺮﺑﯿﺔ ،وﻗﻮﺗﮭﺎ وﻋﺼﺮﻧﺘﮭﺎ .ورﺣﺖُ ،ﻓﻲ ﺧﺎﻃﺮي وﻗﻠﻤﻲ ،أﻧﻘﺾُ ﻧﺠﻤﺔ اﻟﺘﻘﺪم ھﺬه اﻟﺘﻲ ﯾﺴﻌﮭﺎ أن 178
ﺗﺴﺤﻖ اﻟﺒﺸﺮ ﺗﺤﺖ أﻗﺪاﻣﮭﺎ ،وﺑﺎﻟﻤﻘﺎﺑﻞ ،أﺟﻠﻠﺖُ اﻟﺸﮭﺪاء وﻛﺬﻟﻚ ﻓﺮق اﻟﻤﻘﺎوﻣﺔ ،اﻟﺘﻲ ﺗﺰﻣﻊ ﺗﺤﺮﯾﺮﻧﺎ ﻣﻦ ﻧﯿﺮ اﻻﺣﺘﻼل .وﻛﺎﻧﺖ ﻗﺼﯿﺪﺗﻲ اﻟﺜﺎﻧﯿﺔ ﻣﺴﺘﻮﺣﺎة ﻣﻦ ﺟﻠﺴﺔ ﺗﻌﺬﯾﺐ أﺧﺮى ،ﺷﮭﺪتُ ﻓﺼﻮﻟﮭﺎ ﺑﺎﻟﺼﺪﻓﺔ ،ﺣﯿﻦ ﻛﻨﺖ ﻣﺘﻌﻠﻘﺔ ﺑﻘﻀﺒﺎن ﻧﺎﻓﺬﺗﻲ .ﻓﻠﻤﺎ ﻛﺎن أﺣﺪ اﻟﻤﺴﺘﺠﻮﺑﯿﻦ أﻧﮭﻜﮫ ﺿﺮﺑﮫ ﺳﺠﯿﻨﺎً ،وﻃﻠﺐ ﻣﻦ زﻣﯿﻞ ﻟﮫ أن ﯾﺤﻞ رﻗﯿﺒﺎً ﻋﻠﯿﮫ، ﻓﻤﺎ ﻛﺎن ﻣﻦ ھﺬا اﻷﺧﯿﺮ إﻻ أن ﻋﺎﺟﻠﮫ ﺑﺎﻟﻀﺮﺑﺎت ﻣﻦ دون ﺳﺒﺐ ،ﺣﺘﻰ راح اﻟﺴﺠﯿﻦ ﯾﺼﺮخ ﺻﺮاﺧﺎً ﻣﺮﯾﻌﺎً. ﺣﯿﻨﺌﺬ أﻧﺸﺄت ﻗﺼﯿﺪة ﻓﻲ ذﻛﺮى ﻗﺮﯾﺒﺘﻲ "ﻟﻮﻻ" ،اﻟﺘﻲ اﺳﺘﺸﮭﺪت ﻓﻲ ﻋﻤﻠﯿﺔ ﺿﺪ اﻹﺳﺮاﺋﯿﻠﯿﯿﻦ ،وأﺳﻤﯿﺘﮭﺎ "ﻟﺆﻟﺆة ﺳﮭﻞ اﻟﺒﻘﺎع" .وﻓﯿﮭﺎ وﺻﻔﺖ ﻛﯿﻒ أن اﻟﺨﻮف ﯾﺮﻣﻲ ﺑﻨﺎ، ﻣﻨﮭﻜﯿﻦ ،ﻓﻲ زاوﯾﺔ زﻧﺰاﻧﺘﻨﺎ ،ﻣﻨﻄﻮﯾﻦ ﻋﻠﻰ أﻧﻔﺴﻨﺎ، وﻛﯿﻒ أن اﺳﺘﺸﮭﺎد "ﻟﻮﻻ" ارﺗﺴﻢ ﻟﻨﺎ وﻋﺪاً ﺑﺎﻟﺘﺤﺮﯾﺮ. ﻻ ﺗﻘﺘﺼﺮ ﻗﺼﺎﺋﺪي ﻋﻠﻰ اﻟﺴﯿﺎﺳﺔ ،ﻓﺤﺴﺐ .إﻧﻤﺎ أﺻﻒ ﻓﻲ ﺑﻌﻀﮭﺎ ﻇﺮوف ﺣﯿﺎﺗﻨﺎ ﻓﻲ ﻣﻌﺘﻘﻞ اﻟﺨﯿﺎم ،وﺣﻜﺎﯾﺎت اﻟﺤﺎرﺳﺎت واﻟﺼﺪاﻗﺔ اﻟﺘﻲ ﺗﺮﺑﻄﻨﻲ ﺑﺒﻌﺾ اﻟﻤﻌﺘﻘﻼت، وﻻ ﺳﯿﻤﺎ ﻋﺰﯾﺰﺗﻲ ﻛﻔﺎح .ﻛﻤﺎ أﻧﻨﻲ أﻧﺸﺄت ﻗﺼﯿﺪة وأھﺪﯾﺘﮭﺎ اﻟﻰ ﻋﺎﺋﻠﺘﻲ .وأﺧﯿﺮاً ﻛﺘﺒﺖُ ﻧﺼﯿﻦ ﺣﺪدتُ ﻓﯿﮭﺎ رؤﯾﺘﻲ ﻟﻠﺤﺐ. أول اﻷﻣﺮ ،ﻛﻨﺖُ أﺣﻔﻆ أﺑﯿﺎﺗﻲ ﻋﻦ ﻇﮭﺮ ﻗﻠﺐ ،ﺛﻢ أﺟﮭﺪ ﻓﻲ ﻧﻘﺸﮭﺎ ﻋﻠﻰ ﺟﺪار زﻧﺰاﻧﺘﻲ .وﻣﻊ اﻟﺰﻣﻦ ،ﻃﺮأ ﺗﺤﺴﻦ ﻓﻲ اﻟﻨﺴﻖ اﻟﺬي ﻛﻨﺖ أﻛﺘﺐ ﻓﯿﮫ ،وذﻟﻚ ﺑﻔﻀﻞ ﻋﻠﺐ اﻟﻜﺮﺗﻮن )اﻟﻤﺨﺼﻮﺻﺔ ﺑﺎﻟﺠﺒﻨﺔ( اﻟﺘﻲ أﻣﻜﻨﻨﻲ اﻟﻜﺘﺎﺑﺔ ﻓﻮﻗﮭﺎ ﺑﺎﻟﺮﺻﺎص اﻟﻤﺴﺘﺨﺮج ﻣﻦ ورق اﻷﻟﻮﻣﻨﯿﻮم .وﻟﻜﻦ اﻟﮭﺪﯾﺔ اﻷﻏﻠﻰ واﻷﺟﻤﻞ ،اﻟﺘﻲ ﻟﻢ ﯾﻘﺪم ﻟﻲ اﻣﺮؤ ﺑﻘﯿﻤﺘﮭﺎ ﻓﻲ ﻣﻌﺘﻘﻞ اﻟﺨﯿﺎم ،إﻧﻤﺎ ﻛﺎن ﻗﻠﻢ اﻟﺤﺒﺮ اﻟﻨﺎﺷﻒ اﻟﺬي اﺳﺘُﻞ 179
ﻣﻦ اﻟﻤﺴﺘﺠﻮﺑﯿﻦ ،واﻟﺬي أھﺪﺗﻨﻲ ﺻﺪﯾﻘﺎﺗﻲ إﯾﺎه ذات ﯾﻮم، ﻋﻦ ﻃﺮﯾﻖ ﻣﺨﺎﺑﺌﻨﺎ .وﻛﺎن ﻟﮭﺬا اﻟﻘﻠﻢ اﻟﺤﺒﺮ أن ﯾﻐﯿﺮ ﻣﺠﺮى ﺣﯿﺎﺗﻲ ،ﻷﻧﮫ أﺗﺎح ﻟﻲ أن أُﻛﺐّ ﻋﻠﻰ ذاﺗﻲ ،ﻣﻌﺒﺮة ﻋﻦ ﺧﻮاﻟﺠﻲ اﻟﺘﻲ ﻃﺎﻟﻤﺎ ﺿﺎق ﺻﺪري ﺑﮭﺎ ،ﻓﺼﺮت أﻛﺘﺐ ﻋﻠﻰ ورق اﻟﺤﻤﺎم اﻟﺬي ﻛﻨﺎ ﻧﺴﻠﻤﮫ ،أو ﻋﻠﻰ ﻗﻄﻊ اﻟﻘﻤﺎش اﻟﺘﻲ ﺳﺮﻋﺎن ﻣﺎ ﺣﻮﻟﺘﮭﺎ اﻟﻰ ورق ﻟﻠﺮﺳﺎﺋﻞ .وﻛﺎن ﻓﻲ ﻏﺎﯾﺔ اﻷھﻤﯿﺔ ،ﻟﻲ ،أن أﺿﺎﻋﻒ ﻧﺴﺦ ﻗﺼﺎﺋﺪي ،ﻣﺎ دﻣﺖ أﺧﺸﻰ وﻗﻮﻋﮭﺎ ﺑﯿﻦ أﯾﺪي اﻟﺤﺎرﺳﺎت .وﻛﺎن ﻟﺪي ﻣﺎ ﯾﺒﺮر ﻣﺨﺎوﻓﻲ ،إذ ﻛﺎﻧﺖ اﻟﺤﺎرﺳﺎت ،وﻟﻤﺮات ﻋﺪﯾﺪة، ﯾﺪاھﻤﻨﻨﻲ ﻓﻲ أﻋﻤﺎل اﻟﻨﺴﺦ ،وﯾﺨﺘﻠﺴﻦ اﻟﻨﻈﺮ اﻟﻰ ﻣﺎ أﻗﻮم ﺑﮫ. وﻟﻤﺎ ﻛﻨﺖُ ﻣﺴﻠﺤﺔ ﺑﻘﻠﻤﻲ اﻟﺤﺒﺮ ،ﺟﺎوز ھﻤﻲ اﻟﻘﺼﺎﺋﺪ. ﻓﻔﻲ اﻟﺜﺎﻟﺚ ﻣﻦ آب /أﻏﺴﻄﺲ ،ﻣﻦ اﻟﻌﺎم ،1994ﯾﻮم أُﻃﻠﻖ ﺳﺒﯿﻞ ﻛﻔﺎح ،ﺑﺎﺷﺮتُ ﻛﺘﺎﺑﺎً ،وأﻧﺎ ﻓﻲ ﺣﺒﺴﻲ اﻻﻧﻔﺮادي رﻗﻢ ،24وﺣﯿﺪةً ،ﻻ أﻧﯿﺲ ﻟﻲ .ورﺣﺖُ أﺧﻂ ﺟﻤﻼً رزﯾﻨﺔ ،ﻋﻠﻰ ورق اﻟﺤﻤﺎم ،وﻗﺪ ﺗﺤﻮل اﻟﻰ رق ﺣﺎﻣﻞ ﺑﺆس اﻟﺒﺸﺮ .وﺳﻌﯿﺖُ اﻟﻰ ﺗﻨﺴﯿﻖ أﻓﻜﺎري ﺣﻮل اﻟﺼﻮرة اﻟﺘﻲ أھﻢ ﻓﻲ إﻧﺸﺎﺋﮭﺎ ﻋﻦ ﺑﻼدي .وﻛﺎن ﻟﺐ ھﺬه اﻷﻓﻜﺎر اﻟﺘﺮﻛﯿﺰ ﻋﻠﻰ اﻟﻤﻘﺎوﻣﺔ ،وﻣﺎ ﺗﻤﺜﻠﮫ ﻟﻨﺎ؛ وﻋﻠﻰ اﻟﻮاﺟﺒﺎت اﻟﺘﻲ ﺗﻠﺰﻣﻨﺎ ﺑﮭﺎ .ﺛﻢ ﻛﺎن إﻃﻼق ﺳﺒﯿﻞ إﺣﺪى اﻟﻔﺘﯿﺎت ﻣﻦ اﻷﺳﺮ ،ﻓﻲ اﻟﺤﺎدي واﻟﻌﺸﺮﯾﻦ ﻣﻦ ﺗﻤﻮز / ﯾﻮﻧﯿﻮ ﻋﺎم ،1996ﻣﻨﺎﺳﺒﺔً ﻟﺒﺮوز ﻓﻜﺮة ﺟﺪﯾﺪة ،وھﻲ اﻟﺸﺮوع ﻓﻲ ﻛﺘﺎﺑﺔ ﯾﻮﻣﯿﺎﺗﻲ ﻓﻲ اﻟﺴﺠﻦ. واﺟﺘﮭﺪت ،ﻛﻞ ﯾﻮم ،ﻓﻲ ﺗﺪوﯾﻦ ﻣﺎ ﯾﺠﺮي ﻓﻲ ﻣﻌﺘﻘﻞ اﻟﺨﯿﺎم ،وﻓﻲ ﺗﻔﺼﯿﻞ ﻛﻞ ﺣﺪث ﺑﺎرز.
180
ھﮭﻨﺎ ،ﺗﻜﻤﻦُ ﺣﻜﺎﯾﺔ اﻟﺼﻤﻮد واﻟﺒﻘﺎء أﯾﻀﺎً.
181
اﻟﺰﯾــــــﺎرات ﻻ ﺷﻚ أن إﻃﻼق ﺳﺮاح ﺑﻌﺾ اﻟﺴﺠﯿﻨﺎت ﯾﺒﺪّل ﺣﯿﺎة اﻟﺒﺎﻗﯿﺎت ﻓﻲ اﻟﺴﺠﻦ. ﻓﻲ اﻟﻮاﻗﻊ ،ﺑﻌﺪ إﻃﻼق ﺳﺮاح ﻛﻔﺎح واﻟﻤﻌﺘﻘﻼت اﻷﺧﺮﯾﺎت ﻓﻲ آب /أﻏﺴﻄﺲ ﻣﻦ اﻟﻌﺎم ،1994ﺣﺪث ﺗﺒﺪل ﻓﻲ اﻟﻤﻨﺎخ اﻟﺴﺎﺋﺪ داﺧﻞ اﻟﺴﺠﻦ. ﻓﻜﺎن ﻹﻃﻼق اﻟﺴﺒﯿﻞ ھﺬا أﺛﺮه ﻋﻠﻰ اﻟﻔﺘﯿﺎت ،إذ ﻧﻔﺤﮭﻦ ﺑﺎﻷﻣﻞ اﻟﺬي ﻛﺎن آﺧﺬاً ﺑﺎﻟﺘﻼﺷﻲ ،ﻗﺒﯿﻞ ھﺬه اﻟﻤﺪة .وﻟﻢ ﯾﻌﺪ ﺷﺮ اﻷﻣﻮر أﻛﯿﺪاً ،ﺑﺎﻟﻤﻘﺎﺑﻞ .وﻛﻨﺎ ﻧﺠﮭﻞ أن ﻟﺠﺎﻧﺎً ﻣﻦ اﻟﺪﻋﻢ أﺧﺬت ﺗﺘﺸﻜﻞ ،وﻻ ﺳﯿﻤﺎ ﻓﻲ ﻓﺮﻧﺴﺎ ،وأن اﻟﻤﺤﺎﻣﯿﻦ اﻹﺳﺮاﺋﯿﻠﯿﯿﻦ ﻟﺒﺜﻮا ﯾﻜﺎﻓﺤﻮن ﻹﺧﺮاﺟﻨﺎ ﻣﻦ ﻃﻲ اﻟﻨﺴﯿﺎن، وأن ھﺬه اﻟﺘﺤﻮﻻت ﻗﺪ ﻻﻗﺖ ﺛﻤﺎرھﺎ ،ﻻ ﺳﯿﻤﺎ وأن ﺿﻐﻂ اﻟﻤﺆﺳﺴﺎت اﻟﺪوﻟﯿﺔ ﺑﺎت أﻛﺜﺮ إﻟﺤﺎﺣﺎً وﻓﻌﺎﻟﯿﺔً ﻣﻦ أي وﻗﺖ ﻣﻀﻰ .إذاً ،ﺑﻌﺪ اﻧﻘﻀﺎء ﺳﻨﺔ ﻋﻠﻰ ﺗﻠﻚ اﻟﺮﺣﺎﺑﺔ اﻟﺘﻲ ﺣﺮﻣﺘﻨﻲ ﺻﺪﯾﻘﺘﻲ اﻷﺛﯿﺮة ﻟﺪي ،ھﺎ أن أﺑﻮاب ﻣﻌﺘﻘﻞ اﻟﺨﯿﺎم ﺗﻨﻔﺘﺢ ﻟﺰوار آﺧﺮﯾﻦ ،ﻏﯿﺮ اﻟﻤﺴﺆوﻟﯿﻦ ﻓﻲ ﺟﯿﺶ ﻟﺒﻨﺎن اﻟﺠﻨﻮﺑﻲ واﻟﺠﯿﺶ اﻹﺳﺮاﺋﯿﻠﻲ. وذات ﻣﺴﺎء ﻣﻦ ﯾﻮم اﻹﺛﻨﯿﻦ ﻓﻲ ﺷﮭﺮ أﯾﻠﻮل /ﺳﺒﺘﻤﺒﺮ، اﺳﺘﺪﻋﺖ اﻟﺤﺎرﺳﺎت "ھﻨﯿﺔ" ،وھﻲ ﻣﻌﺘﻘﻠﺔ ﻧﺎزﻟﺔ اﻟﻰ ﺟﺎﻧﺒﻲ ﻓﻲ اﻟﺰﻧﺰاﻧﺔ .وﻗﯿﻞ ﻟﮭﺎ إن أھﻠﮭﺎ ﺳﻮف ﯾﺄﺗﻮن ﻟﺰﯾﺎرﺗﮭﺎ .ھﻨﯿﺔ ﻣﻦ ﺳﻜﺎن اﻟﻤﻨﻄﻘﺔ اﻟﻤﺤﺘﻠﺔ ،وھﻲ ﻣﻨﺎﺿﻠﺔ ﻓﻲ ﺻﻔﻮف ﺣﺰب اﷲ ،وﻛﺎن ﺟﮭﺎز اﻷﻣﻦ رﻣﺎھﺎ ﻣﻦ ﻣﻌﺘﻘﻞ اﻟﺨﯿﺎم ﺑﻌﺪ ﺣﻠﻮﻟﻲ ﻓﯿﮫ ﺑﺤﻮاﻟﻲ اﻟﺜﻤﺎﻧﯿﺔ أﺷﮭﺮ .وھﻲ
182
اﻵن ،ﻓﻲ ﺳﻨﺔ اﻋﺘﻘﺎﻟﮭﺎ اﻟﺴﺎدﺳﺔ .ﻧﺎدﺗﻨﻲ ھﻨﯿﺔ ﺧﻔﯿﺔً، وأﺑﺪت ﻗﻠﻘﮭﺎ واﺿﻄﺮاﺑﮭﺎ ﻣﻦ ھﺬه اﻟﺰﯾﺎرة ،ورأﯾﺘﮭﺎ ﻣﺘﺄرﺟﺤﺔ ﺑﯿﻦ اﻟﻔﺮح ﻟﺮؤﯾﺔ أھﻠﮭﺎ ،واﻟﺨﯿﺒﺔ ﺣﯿﺎل اﻟﻈﺮوف اﻟﻘﺎﺳﯿﺔ اﻟﺘﻲ ﯾﻔﺘﺮض ﺑﺎﻟﺰﯾﺎرة أن ﺗﺘﻢ وﻓﻘﮭﺎ. وراﺣﺖ ﺗﺸﻜﻮ ﻟﻲ ھﻤﮭﺎ ،ﻗﺎﺋﻠﺔ" :ﻻ ﯾﺴﻌﻨﻲ أن أراھﻢ إﻻ ﻣﻦ ﺑﻌﯿﺪ ،وﻓﻲ ﻏﺮﻓﺔ ﯾﻌﻠﻮھﺎ اﻟﺸﺒﻚ ﻓﻲ ﻣﻨﺘﺼﻔﮭﺎ ،وﻻ ﻧﻘﺪر ان ﻧﺘﻌﺎﻧﻖ أو ﻧﺘﻼﻣﺲ". ﻣﻊ ذﻟﻚ ،ﻟﻢ ﺗﻜﻦ ھﺬه اﻟﻨﻌﻤﺔ اﻟﮭﺎﺑﻄﺔ ﻣﻦ اﻟﺴﻤﺎء ﺣﻜﺮًا ﻋﻠﻰ اﻟﻨﺴﺎء .ﻓﻔﻲ اﻟﻠﺤﻈﺔ ذاﺗﮭﺎ ،أُﺑﻠﻎ اﻟﺴﺠﻨﺎء ﺑﺄن أﻗﺎرب ﻟﮭﻢ ﺳﯿﺄﺗﻮﻧﮭﻢ ﻋﻤﺎ ﻗﻠﯿﻞ ،ﻓﻲ زﯾﺎرة ﻣﺤﺪودة ،ﺑﻌﺸﺮ دﻗﺎﺋﻖ ،ﻛﻼﻣﺎً وﺳﻼﻣﺎً ،ﻓﻲ ﺣﯿﻦ أن اﻟﻮﻗﺖ اﻟﻤﻌﻄﻰ ﻟﺰﯾﺎرة اﻟﻨﺴﺎء ھﻮ ﻧﺼﻒ ﺳﺎﻋﺔ. وﻣﻀﺖ "ھﻨﯿﺔ" ﺗﺘﺴﺎءل ﻋﻤﺎ ﺳﯿﻜﻮن ﺗﺼﺮﻓﮭﺎ .ﺗﻌﺮف، ھﻲ ،أن واﻟﺪھﺎ ﻣﺘﻘﺪم ﻓﻲ اﻟﻌﻤﺮ .وﺗﺴﺎءﻟﺖ ﻛﯿﻒ ﯾﻤﻜﻦ أن ﺗﺠﺮي ھﺬه اﻟﺰﯾﺎرة .ﻧﮭﺎر اﻟﺜﻼﺛﺎء ،ﺻﺒﺎﺣﺎً ،راﺣﺖ ھﻨﯿﺔ اﻟﻰ اﻟﻤﻮﻋﺪ ،وﻓﻲ اﻟﻘﻠﺐ ﻏﺼﺔ .ﺣﺘﻰ إذا ﺻﺎرت ﺣﯿﺎل أﻣﮭﺎ وأﺧﻮﺗﮭﺎ ﻟﻢ ﺗﺘﻤﺎﻟﻚ ﻧﻔﺴﮭﺎ وأﺟﮭﺸﺖ ﺑﺎﻟﺒﻜﺎء ،وﻛﺎﻧﺖ ﻋﺎزﻣﺔ ،ﻓﻲ اﻟﻮﻗﺖ ﻋﯿﻨﮫ ،ﻋﻠﻰ اﻟﻈﮭﻮر ﺑﻤﻈﮭﺮ اﻟﺸﺠﺎﻋﺔ واﻟﻘﻮة ،وھﻲ ﻟﻄﺎﻟﻤﺎ أﺛﺎرت ﻗﻠﻘﮭﻢ ﻋﻠﯿﮭﺎ .ﻏﯿﺮ أن "ھﻨﯿﺔ" ﻟﻢ ﺗﻜﻦ وﺣﺪھﺎ ﻓﻲ ذﻟﻚ اﻟﻠﻘﺎء .ﻓﻮﺟﺪت ﻣﻦ ﺣﻮﻟﮭﺎ ﻛﻞ اﻟﻨﺎس وﻗﺪ أﻓﻘﺪھﻢ اﻟﻤﻮﻗﻒ ﻛﻞ ﻣﺒﺎدرة .وﻟﻠﺤﺎل ،وﺟﺪت اﻟﺤﺮاس واﻟﺤﺎرﺳﺎت ﯾﺤﻀﻮن اﻵﺧﺮﯾﻦ ،وﺑﺸﻲء ﻣﻦ اﻟﻠﻄﻒ ،ﺑﺄن ﯾﺘﺤﺎدﺛﻮا ﻓﻲ ﺷﺆون أﺧﺮى وﯾﺘﺮﻛﻮا اﻟﺪﻣﻮع ﻟﻮﻗﺖ آﺧﺮ .وراﺣﻮا ﯾﻜﺮرون ﻗﻮﻟﮭﻢ ﻟﻸﺷﺨﺎص اﻟﺬي وﻗﻔﻮا ﻻ ﯾﻠﻮون ﻋﻠﻰ ﺷﻲء ،ﻓﻲ ﻣﻘﺎﺑﻠﺔ أﻋﺰاﺋﮭﻢ اﻟﺴﺠﻨﺎء
183
ﺑﻌﺪ ﻃﻮل ﺳﻨﻮات وﺳﻨﻮات" .ھﯿﺎ ،اﺳﺘﻔﯿﺪوا ﻣﻦ اﻟﻮﻗﺖ، ﺳﻮف ﯾﻤﺮ اﻟﻮﻗﺖ ﺳﺮﯾﻌﺎً". ﻛﺎﻧﺖ اﻟﻜﻠﻤﺎت ﺗﺨﺮج ،ﺑﺼﻌﻮﺑﺔ ﻻﻓﺘﺔ ،ﻣﻦ أﻓﻮاه اﻟﻤﺘﻘﺎﺑﻠﯿﻦ .وﻗﺒﻞ أن ﺗﺼﯿﺮ "ھﻨﯿﺔ" ﻗﺒﺎﻟﺔ ھﺬه اﻟﻮﺟﻮه اﻟﻘﺮﯾﺒﺔ ،أُﻣﺮت ﺑﺄﻻ ﺗﺘﺤﺪث ﻓﻲ اﻟﺴﯿﺎﺳﺔ ،وﻻ ﻓﻲ ﻣﺎ ﻋﺎﺷﺘﮫ ﻓﻲ ﻣﻌﺘﻘﻞ اﻟﺨﯿﺎم ،واﻻ ﺣﺮﻣﺖ ﻣﻦ اﻟﻤﻘﺎﺑﻠﺔ. وﻃُﻠﺐ ﻣﻨﮭﺎ أن ﺗﻘﻮل إن ﻛﻞ ﺷﻲء ﯾﺴﯿﺮ ﻋﻠﻰ ﻣﺎ ﯾﺮام، وأن ﺗﻄﺮح ﻋﻠﻰ أھﻠﮭﺎ أﺳﺌﻠﺔ ﻋﻦ ﺻﺤﺔ ﻛﻞ ﻣﻨﮭﻢ ،وﻋﻦ اﻷﺧﺒﺎر ذات اﻟﺼﻠﺔ ﺑﺎﻟﻌﺎﺋﻠﺔ ،ﻣﻦ ﻣﺜﻞ اﻟﻮﻻدات واﻟﺰﯾﺠﺎت واﻟﻮﻓﯿﺎت .وأﺻﺨﺖ اﻟﺴﻤﻊ ﺣﯿﻦ ﻋﺎدت ﺟﺎرﺗﻲ اﻟﻰ زﻧﺰاﻧﺘﮭﺎ .ﻛﺎﻧﺖ ھﻨﯿﺔ ﻻ ﺗﺰال ﺗﺒﻜﻲ وھﻲ ﺗﺠﺘﺎز ﻋﺘﺒﺔ اﻟﺰﻧﺰاﻧﺔ .وﺟﻌﻠﺖ ﺗﺮوي ﻟﻲ اﻟﻤﺸﮭﺪ، وﻧﻮﺑﺎت اﻟﺒﻜﺎء ﺗﻘﻄﻊ ﻋﻠﯿﮭﺎ ﻣﺠﺮى ﻛﻼﻣﮭﺎ ،وﻗﺎﻟﺖ إﻧﮭﺎ ﻛﺎﻧﺖ ﻓﺮﺣﺔ ،ﻣﻊ ذﻟﻚ ﻷﻧﮭﺎ ﺗﻤﻜﻨﺖ أﺧﯿﺮاً ﻣﻦ رؤﯾﺔ ﻛﻞ اﻟﻨﺎس. إذاً ،ﻟﻘﺪ أﻧﺠﺮت "ﻟﺠﻨﺔ اﻟﺼﻠﯿﺐ اﻷﺣﻤﺮ اﻟﺪوﻟﻲ" وﻋﺪھﺎ اﻷول .وﯾﻌﻮد اﻟﻔﻀﻞ اﻟﻰ ﻧﺠﺎﺣﮭﺎ اﻟﻰ ﻋﻨﺎد أﺷﺨﺎﺻﮭﺎ وﺻﻼﺑﺔ ﻣﻮاﻗﻔﮭﻢ .ﻟﻘﺪ أﻣﻜﻦ ﻟﮭﺎ أن ﺗﻨﺘﺰع اﻧﺘﺰاﻋﺎً ،ﻣﻦ اﻹﺳﺮاﺋﯿﻠﯿﯿﻦ وﺑﻌﺪ ﺻﺮاع ﺣﻘﻮﻗﻲ ﻣﺮﯾﺮ ﻣﻌﮭﻢ ،ﺣﻖ اﻟﺴﺠﻨﺎء ﺑﻠﻘﺎء اھﻠﮭﻢ .ﻛﻤﺎ ﺣﺼﻠﺖ "ﻟﺠﻨﺔ اﻟﺼﻠﯿﺐ اﻷﺣﻤﺮ اﻟﺪوﻟﯿﺔ" ھﺬه إﻧﺠﺎزاً آﺧﺮ ،ﯾﺘﻤﺜﻞ ﻓﻲ ﺗﺤﺴﯿﻦ ﻇﺮوف ﺣﯿﺎﺗﻨﺎ .وﻟﻢ ﯾﻜﻦ اﻟﺴﺠﻨﺎء ،اﻟﻰ ﺣﯿﻨﮫ ،ﻗﺪ ﺗﻠﻘﻮا إﻻ ﺑﻌﺾ اﻟﺜﯿﺎب اﻟﻤﺮﺳﻠﺔ ﻣﻦ اﻟﻌﺎﺋﻼت اﻟﻤﻘﯿﻤﺎت ﻓﻲ اﻟﻤﻨﻄﻘﺔ اﻟﻤﺤﺘﻠﺔ .وﻣﻨﺬ ﺗﻠﻚ اﻟﻠﺤﻈﺔ ،ﺳﻮف ﯾﻜﻮن ﻟﻜﻞ اﻟﻌﺎﺋﻼت اﻟﻠﺒﻨﺎﻧﯿﺔ اﻟﺤﻖ ﺑﺈرﺳﺎل ﻃﺮود ﺗﺤﺘﻮي ﻋﻠﻰ أﻟﺒﺴﺔ وأﻃﻌﻤﺔ .إذ ﺗﺤﻤﻞ ﻋﺎﺋﻼت اﻟﻤﻌﺘﻘﻠﯿﻦ ھﺬه اﻟﻄﺮود اﻟﻰ 184
ﻣﻜﺎﺗﺐ اﻟﺼﻠﯿﺐ اﻷﺣﻤﺮ اﻟﻤﻮزﻋﺔ ﻓﻲ ﻟﺒﻨﺎن .وﺗﻌﻤﺪ ﺑﺎﻟﻤﻘﺎﺑﻞ ،ﻟﺠﻨﺔ اﻟﺼﻠﯿﺐ اﻷﺣﻤﺮ اﻟﺪوﻟﯿﺔ ،اﻟﻰ ﺗﺠﻤﻌﯿﮭﺎ وإرﺳﺎﻟﮭﺎ اﻟﻰ ﻣﻌﺘﻘﻞ اﻟﺨﯿﺎم .وﺑﻌﺪ ﺗﻔﺘﯿﺶ ﺗﻠﻚ اﻟﻄﺮود، ﺗُﺴﻠﻢ اﻟﻰ اﻟﻤﻌﺘﻘﻠﯿﻦ ﻣﻦ أﺻﺤﺎﺑﮭﺎ .وﻛﺎﻧﺖ اﻟﻄﺮود اﻷوﻟﻰ ﺧﺎﻟﯿﺔ ﻣﻦ اﻷﻃﻌﻤﺔ ،إﻧﻤﺎ اﺣﺘﻮت ﻋﻠﻰ ﻣﺤﺎرم وﺻﺎﺑﻮن وﺷﺎﻣﺒﻮ .ھﺬا اﻷﻣﺮ ﻛﺎن ﺑﻤﺜﺎﺑﺔ اﻟﺜﻮرة ﻟﻨﺎ .وﻣﻦ ﺛﻢ أﺗﻰ دور اﻟﺒﺴﻜﻮت ،واﻟﺴﻜﺎﻛﺮ ،واﻟﺴﻜﺮ ،واﻟﻘﮭﻮة ،واﻟﺜﻤﺎر اﻟﻤﺠﻔﻔﺔ ،واﻟﺤﺒﻮب ﻋﻠﻰ أﻧﻮاﻋﮭﺎ. وﻓﻲ اﻟﺼﺒﯿﺤﺔ اﻟﺘﻲ ﺗﻠﺖ اﻟﺰﯾﺎرة اﻟﻰ ھﻨﯿﺔ ،وﻛﺎن ﯾﻮم اﻷرﺑﻌﺎء ،ﺣﺼﻞ أﻣﺮ ﻣﻔﺎﺟﺊ آﺧﺮ ،إذ ﺗﻠﻘﻰ اﻟﻤﻌﺘﻘﻠﻮن رﺳﺎﺋﻞ ﻟﻠﻤﺮة اﻷوﻟﻰ .وﻛﺎن أن ﺳﺮى اﻟﺨﺒﺮ ﻓﻲ اﻟﺴﺠﻦ ﻛﺎﻟﻨﺎر ﻓﻲ اﻟﮭﺸﯿﻢ ،ﻣﻦ زﻧﺰاﻧﺔ اﻟﻰ أﺧﺮى .وﺣﯿﻦ ﺳﻠﻤﺘﻨﻲ اﻟﺤﺎرﺳﺎت رﺳﺎﻟﺘﻲ اﻷوﻟﻰ ،دﻋﯿﻨﻨﻲ اﻟﻰ أن أﻗﺮأھﺎ ﺑﺼﻮت ﻋﺎل ،وﻛﺎﻧﺖ اﻟﺮﺳﺎﻟﺔ ھﺬه ﻣﻦ ذوات اﻟﺸﻜﻞ اﻟﻤﺘﺒﻊ ﻟﺪى" ﻣﻨﻈﻤﺔ اﻟﺼﻠﯿﺐ اﻷﺣﻤﺮ اﻟﺪوﻟﯿﺔ" واﻟﺘﻲ ﻻ ﺗﻨﻘﻞ ﻓﯿﮭﺎ إﻻ رﺳﺎﺋﻞ ﻣﻮﺟﺰة ،وﻻ ﺗﻜﺎد أﺳﻄﺮھﺎ ﺗﺘﺠﺎوز اﻟﺪزﯾﻨﺔ اﻟﻮاﺣﺪة .ﺗﻌﺮﻓﺖ اﻟﻰ ﺧﻂ واﻟﺪي ،ﻓﯿﮭﺎ .وأردت أن أﻗﺮأ ،وﻟﻜﻦ اﻟﻜﻠﻤﺎت ﯾﺒﺴﺖ ﻓﻲ ﺣﻠﻘﻲ .دﻋﺘﻨﻲ اﻟﺤﺎرﺳﺎت ﻟﺸﺄﻧﻲ ،وأﻋﻄﯿﻨﻨﻲ ﻗﻠﻤﺎً .وﻟﻢ ﯾﻜﻦ ﻟﺪي ﺳﻮى رﺑﻊ ﺳﺎﻋﺔ ﻷﺧﻂ ﻓﯿﮫ ﺟﻮاﺑﺎً ﺑﺈﯾﺠﺎز ﻣﻤﺎﺛﻞ .وﻓﻲ زﻧﺰاﻧﺔ ﻣﺠﺎورة ،ﺣﯿﺚ ﺗﻨﺰل ﺛﻼث ﻓﺘﯿﺎت ،اﺛﻨﺘﺎن ﻣﻨﮭﻦ أﻣﯿﺎت، ﺟﻌﻠﺖ اﻟﻤﺘﻌﻠﻤﺔ اﻟﻮﺣﯿﺪة ﺗﻨﺴﺦ اﻟﺮﺳﺎﻟﺔ اﻟﺘﻲ ﻛﺘﺒﺘﮭﺎ ﻣﺮﺗﯿﻦ أﺧﺮﯾﯿﻦ ،ﻣﻊ ﺗﺒﺪﯾﻞ ﻃﻔﯿﻒ ﻓﻲ اﻷﺳﻤﺎء .وﻛﺎﻧﺖ ھﺬه اﺳﺮع ﻃﺮﯾﻘﺔ ﻹﻧﺸﺎء اﻟﺮد ﻋﻠﻰ اﻟﺮﺳﺎﻟﺔ ،ﻓﻲ اﻟﻮﻗﺖ اﻟﻤﺤﺪد.
185
وﻛﺎﻧﺖ اﻟﻔﺘﺎة اﻟﻤﺘﻌﻠﻤﺔ ،واﻟﺘﻲ ﺗﺤﺴﻦ اﻟﻜﺘﺎﺑﺔ ،ﻻ ﺗﻨﻲ ﺗﺆﻧﺐ اﻟﻤﻌﺘﻘﻠﺔ زﻣﯿﻠﺘﮭﺎ ،ﺗﺄﻧﯿﺒﺎً رﻗﯿﻘﺎً ،داﻋﯿﺔ إﯾﺎھﺎ ﻟﻠﻜﻒ ﻋﻦ اﻟﺒﻜﺎء وإﻋﻄﺎﺋﮭﺎ أﺳﻤﺎء أﻗﺎرﺑﮭﺎ. أﻣﺎ أﻧﺎ ﻓﻜﺘﺒﺖُ اﻹﺟﺎﺑﺔ ﻋﻠﻰ وﺟﮫ اﻟﺴﺮﻋﺔ وﻋﺎودت ﻗﺮاءة اﻟﺮﺳﺎﻟﺔ اﻟﺘﻲ ﺑﻌﺚ ﺑﮭﺎ أﺑﻲ. إﻧﮫ واﻟﺪي ،إذاً ﻣﻦ اﺳﺘﻌﺎد رﯾﺸﺘﮫ وأﺧﺬ ﯾﻜﺘﺐ ،وھﺬا ﻣﺎ ﻟﻢ ﯾﻔﺎﺟﺌﻨﻲ ﺑﮫ .ﻋﺮﻓﺖ ،ﻓﻲ اﻟﺮﺳﺎﻟﺔ ،أﺳﻠﻮﺑﮫ اﻟﻤﺘﺰن .وﺷﺮح ﻟﻲ ﻓﻲ ﻛﻠﻤﺎ ﻣﻌﺪودة ﻛﯿﻒ ﺗﺴﻨﻰ ﻟﮫ اﻟﻜﺘﺎﺑﺔ وأﺣﺎﻃﻨﻲ ﻋﻠﻤﺎً ﺑﻤﺴﺘﺠﺪات اﻟﻌﺎﺋﻠﺔ ،وﻻ ﺳﯿﻤﺎ ﻣﺎ ﺧﺺ واﻟﺪﺗﻲ .وأﻋﻠﻤﻨﻲ ﺑﺎﻟﻮﻻدات اﻟﺠﺪﯾﺪة اﻟﺘﻲ ﻛﺎن ﻟﻘﺪوﻣﮭﺎ اﻟﺨﯿﺮ أن أﻏﻨﺖ ﺣﯿﺎة اﻟﻌﺎﺋﻼت ﻟﺪى ﻛﻞ ﻣﻦ أﺧﻮيّ وأﺧﺘﻲ ،وأﻛﺪ ﻟﻲ أن ﻛﻞ اﻷﻣﻮر ﺗﺴﯿﺮ ﻋﻠﻰ ﻣﺎ ﯾﺮام ﻓﻲ ﻋﻤﻠﮫ .وأﺧﯿﺮاً ،أﺑﺪى ﻟﻲ أﻣﻠﮫ ﺑﺄن ﯾﺮاﻧﻲ ﺣﺮة ﻓﻲ اﻟﻘﺮﯾﺐ اﻟﻌﺎﺟﻞ .ذﻟﻚ أن ھﺬه اﻟﺮﺳﺎﻟﺔ ،ھﻲ ﺧﯿﺮ ﻋﻼﻣﺔ ﻟﮫ .وأﺟﺒﺘﮫ ﺑﻜﻠﻤﺎت ﻣﺪاﻋﺒﺔ. ﻓﻄﻤﺄﻧﺘﮫ ﺑﺄن اﻟﻤﻌﻨﻮﯾﺎت ﻋﺎﻟﯿﺔ ،وأن رﺳﺎﻟﺘﮫ ﻣﻸت ﻛﯿﺎﻧﻲ ﻓﺮﺣﺎً .وأﺧﺒﺮﺗﮫ أﻧﻲ آﻛﻞ ﺟﯿﺪاً وأﻧﮫ ،ﺣﯿﻦ ﯾﻨﻘﺼﻨﻲ ﺷﻲء، ﻛﺎﻟﺒﺼﻞ ﻻﺳﺘﻜﻤﺎل ﻃﺒﻖ اﻟﻔﻮل ،ﻓﯿﻜﻔﻲ أن أﻧﺎدي ﻋﻠﻰ ﺟﺎراﺗﻲ ﺑﺄن ﯾﺄﺗﯿﻦ ﻟﻲ ﺑﺎﻟﻤﻘﻮم اﻟﻨﺎﻗﺺ ﻓﻲ اﻟﻄﻌﺎم ،ﺣﺘﻰ ﯾﺤﻀﺮ ﻋﻠﻰ ﯾﺪ اﻟﺤﺎرﺳﺎت. ﻛﺎﻧﺖ ﻟﻲ ھﺬه اﻟﺮﺳﺎﻟﺔ ﻓﺮﯾﺪة ﻟﻠﻐﺎﯾﺔ ،ﻷﻧﮭﺎ اﻟﺮﺳﺎﻟﺔ اﻷوﻟﻰ اﻟﺘﻲ ﺧﻄﺘﮭﺎ ﯾﺪاي ﻟﻌﺎﺋﻠﺘﻲ. ﻟﻢ ﯾﻤﺾ ﯾﻮم ﻋﻠﻰ اﻟﺮﺳﺎﻟﺔ ،ﺣﺘﻰ اﺳﺘﺪﻋﯿﺖ ﻟﻠﺨﺮوج ﻣﻦ زﻧﺰاﻧﺘﻲ ،وﻗﯿﻞ ﻟﻲ" :ﯾﺠﺐ ان ﺗﺄﺧﺬي ﺣﻤﺎﻣﺎً" .وﻛﺎﻧﺖ
186
اﻟﺤﺎرﺳﺎت ﯾﻌﻠﻤﻦ أﻧﻲ اﺳﺘﺤﻤﻤﺖ اﻟﺒﺎرﺣﺔ ،ﻓﺄدرﻛﺖُ ،ﻓﻲ ﺳﺮي ،أن ﺛﻤﺔ زﯾﺎرة ﺗﮭﯿﺄ ﻟﻲ .اﺳﺘﺪﻋﯿﺖ ﻟﺪى اﻟﻤﺴﺘﺠﻮﺑﯿﻦ وﺣﺎﻟﻤﺎ ﻣﺜﻠﺖُ أﻣﺎم ﺳﻤﯿﺮ ﺳﺄﻟﻨﻲ إذا ﻛﻨﺖ أﺧﻤﻦ ﻣﺎ ﻗﺪ ﯾﺤﺪث ﻟﻲ .ﻓﺄﺟﺒﺘﮫ ﺑﺄن أﻋﻀﺎء ﻣﻦ اﻟﺼﻠﯿﺐ اﻷﺣﻤﺮ ﻗﺪ ﯾﻜﻮﻧﻮن أﺗﻮا ﻟﺰﯾﺎرﺗﻲ .ﻓﺼﺤﺢ ﻟﻲ ﺳﻤﯿﺮ ﻗﺎﺋﻼً: "ﺑﻞ إﻧﮭﺎ واﻟﺪﺗﻚ ،أﺗﺮﯾﻦ ،ﻧﺤﻦ أﻧﺎس أوادم ،وﻟﺴﻨﺎ ﻣﺜﻠﻚ ﺗﮭﯿﺌﯿﻦ ﻟﻌﻤﻠﯿﺎت اﻏﺘﯿﺎل .ﺳﻮف ﺗﺮﯾﻦ واﻟﺪﺗﻚ ،وﻟﻜﻦ إﯾﺎك وﻛﻠﻤﺔ واﺣﺪة ﻓﻲ اﻟﺴﯿﺎﺳﺔ ،أو ﻓﻲ ﻇﺮوف اﻻﻋﺘﻘﺎل ،أو ﻧﻮﻗﻒ ﻛﻞ ﺷﻲء". ﻓﻲ اﻟﺼﺒﺎح اﻟﯿﻮم اﻟﺘﺎﻟﻲ ،اﺧﺘﺮت ﺛﯿﺎﺑﺎً ﺧﺎﺻﺔ ﻟﻠﻤﻨﺎﺳﺒﺔ، اﻟﻮﺷﺎح واﻟﻜﻨﺰة اﻟﻠﺬﯾﻦ ﺗﺮﻛﺘﮭﻤﺎ ﻟﻲ ﻛﻔﺎح .وأﻧﺎ أﻋﻠﻢ أن ھﺬه اﻷﺧﯿﺮة ﺳﻮف ﺗﺴﺄل واﻟﺪﺗﻲ ﻋﻦ أﺧﺒﺎري ﺣﺎل ﻋﻮدﺗﮭﺎ اﻟﻰ ﺑﯿﺮوت ،وأن واﻟﺪﺗﻲ ﺳﻮف ﺗﺮوي ﻟﮭﺎ ﻛﻞ ھﺬا اﻟﻤﺸﮭﺪ .وأﺧﺎل أن ﻛﻔﺎﺣﺎً ﻗﺪ ﺗﺴﺮّ ﺑﮭﺬه اﻻﻟﺘﻔﺎﺗﺔ ﻧﺤﻮھﺎ. وﺿﻊ اﻟﺤﺮاس ﻏﻄﺎء اﻟﺮأس ﻋﻠﻲ ﻓﻐﺎدرتُ زﻧﺰاﻧﺘﻲ. وﺳﺎﻗﻨﻲ ھﺆﻻء اﻟﻰ ﻗﺎﻋﺔ ﯾﻔﺼﻞ ﻣﺎ ﺑﯿﻦ ﻃﺮﻓﯿﮭﺎ ﺷﺒﺎك ﻃﻮﯾﻞ ﻣﻦ ﻓﻮﻻذ .ﻣﻦ ﺟﮭﺘﻲ ،ﻛﺎن ﺟﻤﮭﻮر ﻣﻦ اﻟﻨﺎس، وﻟﻜﻦ ﻧﻈﺮة ﻓﺎﺣﺼﺔ أﻇﮭﺮت ﻟﻲ أﻧﮭﻢ ﻛﻞ اﻟﻤﺴﺘﺠﻮﺑﯿﻦ ورﺟﻞ ﻣﻘﻨﻊ أﻣﻜﻨﻨﻲ اﻟﺘﻌﺮف إﻟﯿﮫ ﺳﺮﯾﻌﺎً :إﻧﮫ واﺋﻞ .اﻧﻔﺘﺢ اﻟﺒﺎب ﻓﻲ ﻣﻘﺎﺑﻠﺘﻲ .ﻇﮭﺮت واﻟﺪﺗﻲ ،وھﻲ ﺗﺘﻘﺪم ﻋﻠﻰ رﻛﺒﺘﯿﮭﺎ ﺑﺎﺗﺠﺎه اﻟﺸﺒﺎك .إذ ﻛﺎﻧﺖ ﺗﻘﺪﻣﺖ ﺑﻨﺬورھﺎ أن ﺗﺰﺣﻒ ﻋﻠﻰ رﻛﺒﺘﯿﮭﺎ إن ھﻲ ﻋﺎدت ورأت اﺑﻨﺘﮭﺎ ﺣﯿﺔ. وﻇﻠﺖ وﻓﯿﺔ ﻟﻨﺬرھﺎ .ﻛﺎﻧﺖ ﺗﺮﺗﺪي ﺗﻨﻮرة ،وﺻﺪاراً وﻓﻮﻗﮭﺎ ﺳﺘﺮة .ﻓﻘﻠﺖ ﻓﻲ ﻧﻔﺴﻲ ،وﻟﺮﺑﻤﺎ ﻛﺎﻧﺖ ﻻ ﺗﺰال
187
ﺗﺸﻌﺮ ﺑﺎﻟﺒﺮد ،ﻣﺎ داﻣﺖ اﻟﺘﻨﻮرة ﻻ ﺗﻘﯿﮭﺎ ﻛﻔﺎﯾﺔ .ﺛﻢ ﻧﻈﺮتُ إﻟﯿﮭﺎ ﻓﺮأﯾﺖُ اﻟﺸﯿﺐ ﻗﺪ ﻏﺰا ﺷﻌﺮھﺎ. ﻗﺎﻟﺖ" :ﻛﯿﻒ ﺣﺎﻟﻚ ،ﯾﺎﺑﻨﺘﻲ؟" "أﻧﺎ ﺟﯿﺪة ،وأﻧﺖِ؟" واﻧﻄﻠﻘﺖ اﻟﻤﺤﺎدﺛﺔ .ﻓﺴﺄﻟﺘﻨﻲ ﻋﻤﺎ إذا ﻛﺎﻧﺖ ﺗﻐﯿﺮت ﻛﺜﯿﺮًا ﻋﻤﺎ ﻣﻀﻰ ،ﺛﻢ أﻃﻠﻌﺘﻨﻲ ﻋﻠﻰ أﺧﺒﺎر أﺧﻮﺗﻲ ،وأﺧﺘﻲ، وأوﻻدھﻢ .وﻟﻠﺤﺎل ،رددتُ ﻋﻠﯿﮭﺎ راﺟﯿﺔً ﺑﺄﻻ ﺗﺠﻠﺐ اﻷﻃﻔﺎل ﻣﻌﮭﺎ اﻟﻰ ھﻨﺎ .ﺛﻢ ﺗﻮﺟﮭﺖ واﻟﺪﺗﻲ ﻧﺤﻮ اﻟﺤﻀﻮر، ﺷﺄن ﻣﺤﺎﻣﻲ اﻟﺪﻓﺎع ﻓﻲ ﻣﺤﻜﻤﺔ اﻟﺠﻨﺎﯾﺎت ،ﻓﻲ ﻧﻮع ﻣﻦ اﻟﻤﺮاﻓﻌﺔ اﻟﺮﻧﺎﻧﺔ" :إﺑﻨﺘﻲ ﻟﯿﺲ إرھﺎﺑﯿﺔ .إﻧﮭﺎ ﺗﻠﻤﯿﺬة ﻣﺠﺘﮭﺪة ،وھﻲ ﺗﺤﺐ اﻟﺪروس ،وﺗﺴﺘﺤﻖ أن ﯾﻄﻠﻖ ﺳﺮاﺣﮭﺎ ﻟﺘﻌﻮد اﻟﻰ ﺟﺎﻣﻌﺘﮭﺎ .اﻟﻤﺎﺿﻲ ﻣﻀﻰ". واﺳﺘﻌﺮت اﻟﻤﺸﺎر ﻓﻲ ﺻﺪرھﺎ ﺣﺘﻰ أﻋﻠﻨﺖ اﺳﺘﻌﺪادھﺎ ﻟﻠﻘﺎء ﻗﺎﺋﺪ ﺟﯿﺶ ﻟﺒﻨﺎن اﻟﺠﻨﻮﺑﻲ ،ﺿﺤﯿﺘﻲ ،أﻧﻄﻮان ﻟﺤﺪ، إﻻ أﻧﻲ أوﻗﻔﺘﮭﺎ وﻗﻠﺖ" :ﻣﺎﻣﺎ ﻟﯿﺲ اﻵن وﻗﺘﮫ". وﻃﺎﻟﺖ ﻣﺤﺎدﺛﺘﻨﺎ .ﺛﻢ ﻗﺎل أﺣﺪ اﻟﺤﺮاس" :اﻧﺘﮭﻰ" .إﺛﺮ ذﻟﻚ ،وﺿﻌﺖ واﻟﺪﺗﻲ ﯾﺪھﺎ ﻋﻠﻰ أﺣﺪ اﻟﻘﻀﺒﺎن وﺳﺄﻟﺘﻨﻲ أن أﻋﻤﻞ ﻣﺜﻠﮭﺎ .ﻛﻨﺖ أﻋﺮف أن ذﻟﻚ ﻣﻤﻨﻮﻋﺎً ،ﻓﻠﻢ أﺣﺎول. وﺳﺎرع اﻟﺤﺮاس اﻟﻰ أﺧﺬي ،ﺣﯿﻦ دﺳﺖ واﻟﺪﺗﻲ ﯾﺪھﺎ ﻓﻲ اﻟﺤﻘﯿﺒﺔ وﺻﺮﺧﺖ" :ﺣﻤﻠﺖ ﻟﻚ ﺳﻨﺪوﯾﺸﺎً !".ﻓﺄﺟﺒﺘﮭﺎ ﺑﺄن ﻻ ﺷﻲء ﯾﻨﻘﺼﻨﻲ ھﻨﺎ ،ﻷﻃﻤﺌﻨﮭﺎ .وﻟﻢ أﻛﺪ أﻧﮭﻲ ھﺬه اﻟﺠﻤﻠﺔ ﺣﺘﻰ ﻏﺪوتُ ﺧﺎرج ﻟﻘﺎﻋﺔ ،ﻣﺨﻔﻮرة ﺑﺎﻟﺤﺮاس .ﻟﻦ أﻗﻮى ،ﻣﺎ ﺣﯿﯿﺖ ،ﻋﻠﻰ ﻧﺴﯿﺎن ﻋﯿﻨﯿﮭﺎ ،وﻻ ﯾﺪﯾﮭﺎ ﺑﺎﻟﻤﺘﺸﺒﺜﺘﯿﻦ ﺑﺎﻟﻘﻀﺒﺎن.
188
وﻟﺪى ﻋﻮدﺗﻲ اﻟﻰ زﻧﺰاﻧﺘﻲ رﺣﺖُ أﺟﺮي ﺣﺴﺎب ھﺬه اﻷﯾﺎم اﻟﺘﻲ ﻻ ﺗﺼﺪق .وﺗﺒﯿﻦ ﻟﻲ أن اﻣﺘﯿﺎز اﻟﻠﻘﺎءات اﻷوﻟﻰ ھﺬه ﯾﻌﻮد اﻟﻰ اﻟﻘﺪاﻣﻰ ﻣﻦ اﻟﻤﻌﺘﻘﻠﯿﻦ أو اﻟﻤﻌﺘﻘﻼت ،ﻋﻠﻰ ﺣﺪ ﺳﻮاء .وﻟﻤﺎ ﻛﻨﺖ ﺣﺬرة ﺣﯿﺎل ﻛﻞ اﻷﻣﻮر ،رأﯾﺖ أن أﻣﺘﻨﻊ ﻋﻦ اﺳﺘﺨﺮاج اﻟﻌﺒﺮ واﻵﻣﺎل اﻟﻌﺮاض ،أو أﺗﺨﯿﻞ إﺧﻼءً ﻟﺴﺒﯿﻠﻲ ﻗﺮﯾﺒﺎً. إذاً ،أﻣﻜﻦ ﻟﻠﻤﺮاﺳﻼت اﻷوﻟﻰ أن ﺗﺒﺪل وﺿﻊ اﻟﻤﻌﺘﻘﻠﯿﻦ. وﺳﻤﻌﺖ اﻟﺮﺟﺎل ﯾﺒﻠﻐﻮن ﺟﯿﺮاﻧﮭﻢ أﺧﺒﺎر ﻋﺎﺋﻼﺗﮭﻢ، وﺑﺼﻮت ﻋﺎل ،وﯾﻨﺸﺮون آﻣﺎﻟﮭﻢ وﻣﺸﺎﻋﺮھﻢ ﻋﻠﻰ اﻟﻤﻸ. وﻛﻨﺖ أﻇﻦ أن اﻟﺮﺳﺎﺋﻞ واﻟﺰﯾﺎرات ﯾﻤﻜﻦ أن ﺗﺸﻜﻞ وﺳﯿﻠﺘﻲ ﺿﻐﻂ ﻋﻠﯿﻨﺎ .ﻋﻠﻰ أي ﺣﺎل ،ﻗﻠﺖ ﻓﻲ ﺳﺮي أﻧﮫ ﻟﻦ ﺗﻜﻮن ﻟﻲ زﯾﺎرة ﻣﻦ ﻋﺎﺋﻠﺘﻲ ،إﻻ ﻗﺒﯿﻞ ﺧﺮوﺟﻲ ﻣﻦ اﻟﺴﺠﻦ .وﻛﺎن ھﺬا اﻻﺣﺘﻤﺎل اﻷﺧﯿﺮ ﻣﺴﺘﺒﻌﺪاً ﻣﻦ ذھﻨﻲ ﻷﺳﺒﺎب ﻋﺪﯾﺪة ،ﻷﻧﻲ ﻛﻨﺖ أﻋﻠﻢ أن ﻟﺠﻨﺔ اﻟﺼﻠﯿﺐ اﻷﺣﻤﺮ اﻟﺪوﻟﯿﺔ ﻗﺎدرة ﻋﻠﻰ زﯾﺎرة اﻟﻤﻌﺘﻘﻠﯿﻦ ،ﻏﯿﺮ أﻧﮭﺎ ﻋﺎﺟﺰة ﻋﻦ إﺧﻼء ﺳﺒﯿﻠﮭﻢ. واﺳﺘﮭﻞ اﻟﻌﺎم 1995ﺑﺠﻮ ﻣﻦ اﻟﺘﺠﺪﯾﺪ .ورأﯾﻨﺎ أﻋﻤﺎل اﻟﺘﺮﻣﯿﻢ ﺟﺎرﯾﺔ ﻓﻲ اﻟﻤﻌﺘﻘﻞ .وﻓﻲ ﻣﺎ ﺧﺺ اﻟﻨﺴﺎء ،ﻓﻘﺪ أُﻋﺪت ﺛﻼث زﻧﺰاﻧﺎت وأﺛﺜﺖ ﻋﻠﻰ ﻃﺮاز ﻓﻲ ﻏﺎﯾﺔ اﻟﺮﻓﺎھﯿﺔ ،وھﺬا ﯾﻌﻨﻲ ﻗﺎﻋﺎت ﻟﻺﺳﺘﺤﻤﺎم ﻣﺠﮭﺰة ﺑﻤﻐﺎﺳﻞ وﺑﺮﺷﺎﺷﺎت ﻟﻠﻤﺎء ﺣﺪﯾﺜﺔ ﻟﻠﻐﺎﯾﺔ .ﻛﻤﺎ أن أﺳﺮّة إﺳﺮاﺋﯿﻠﯿﺔ ﻛﺎﻧﺖ ﻣﺴﺘﺨﺪﻣﺔ ﻓﻲ اﻟﺠﯿﺶ ،وُزﻋﺖ ﻋﻠﻰ أﻏﻠﺐ اﻟﺰﻧﺎزﯾﻦ ،إﻻ ﻣﺎ ﺧﺺ زﻧﺰاﻧﺘﻲ .وﻛﺎن أﺑﻮ ﻧﺒﯿﻞ ﻣﺼﺮاً ﻋﻠﻰ أن أﺗﻘﺪم ﻣﻨﮫ ﺑﻄﻠﺐ ﺷﺨﺼﻲ .وﻛﺎﻧﺖ اﻟﺤﺎرﺳﺎت ﯾﺼﺮرن دوﻣﺎً ﻋﻠﻰ ﻗﯿﺎﻣﻲ ﺑﮭﺬا اﻟﺪور ،ﻏﯿﺮ أﻧﻲ ﺑﻘﯿﺖ أرﻓﺾ اﻟﺘﻌﺎون ﻣﻊ ﻗﺎﺋﺪ ﻣﻌﺘﻘﻞ اﻟﺨﯿﺎم .ﻣﮭﻤﺎ ﻛﺎن اﻟﺜﻤﻦ. 189
ﺣﺘﻰ إذا ﻣﻀﻰ ﺷﮭﺮ ﻋﻠﻰ اﻟﺰﯾﺎرات اﻷوﻟﻰ ھﺬه ،رأﯾﺖ ﻋﺪوي ﻣﺎﺛﻼً أﻣﺎم زﻧﺰاﻧﺘﻲ ،واﺳﺘﺪﻋﻰ ﺣﺎرﺳﺔ وأﻣﺮﯾﻦ ﺑﺄن أﻟﺤﻖ ﺑﮭﺎ .ﻓﺎﺳﺘﻨﺘﺠﺖ أﻧﮫ ﺳﻮف ﺗﺤﺼﻞ أﻣﻮر ﺟﺪﯾﺪة، ﻓﻲ اﻟﻘﺮﯾﺐ اﻟﻌﺎﺟﻞ. وﻓﻲ ﺻﺒﺎح اﻟﯿﻮم اﻟﺘﺎﻟﻲ ،ﻓُﺘﺢ اﻟﺒﺎب واﺳﺘﺪﻋﯿﺖ ﻷﻣﺜﻞ ﻋﻠﻰ اﻟﻌﺘﺒﺔ .ﻛﺎن ﺛﻤﺔ ﻟﺠﻨﺔ ﻟﻺﺳﺘﻘﺒﺎل ،ﻗﺎﺋﻤﺔ ﻋﻠﻰ ﺑﻌﺪ أﻣﺘﺎر أﻣﺎﻣﻲ .ﻓﻌﺮﻓﺖ ﻣﻨﮭﺎ ،أﺑﻮ ﻧﺒﯿﻞ ،واﻟﺤﺎرﺳﺎت، واﻟﺤﺮاس واﻟﻘﺎﺋﺪ اﻟﻌﺴﻜﺮي ﻟﻠﻤﻌﺘﻘﻞ ،أي ﻣﺎ ﻣﺠﻤﻠﮫ ﺳﺒﻌﺔ أﺷﺨﺎص .وﻛﺎن ھﺆﻻء ﯾﺤﯿﻄﻮن ﺑﻔﺮﯾﻖ ﻣﺆﻟﻒ ﻣﻦ أرﺑﻌﺔ أﺷﺨﺎص ﻣﺠﮭﻮﻟﯿﻦ ،وﺗﻌﻠﻮ ﺑﺰاﺗﮭﻢ ﺷﺎرات اﻟﻠﺠﻨﺔ اﻟﺪوﻟﯿﺔ ﻟﻠﺼﻠﯿﺐ اﻷﺣﻤﺮ .وﻛﺎن اﻟﻤﺴﺆول ﻋﻦ ھﺬا اﻟﻔﺮﯾﻖ اﻟﺼﻐﯿﺮ ﯾﺒﺪي اﺳﺘﻐﺮﺑﺎه ﺑﺎﻟﻔﺮﻧﺴﯿﺔ ﺣﺎل اﻛﺘﺸﻔﻨﻲ" :أﻧﺖِ ﺳﮭﻰ ،ﺑﺎﻟﺘﺄﻛﯿﺪ!" .ﺛﻢ اﻧﻌﻘﺪت اﻷﺣﺎدﯾﺚ ﻓﯿﻤﺎ ﺑﯿﻨﻨﺎ ﻋﻠﻰ ﻣﺪى دﻗﯿﻘﺘﯿﻦ اﺛﻨﺘﯿﻦ .وأﺧﺒﺮﻧﻲ اﻟﺮﺟﻞ ذاﺗﮫ" ،ﺑﻠﺘﺎزار"، ﺑﺄن واﻟﺪﺗﻲ ﻛﺴﺮت ﺳﺎﻗﮭﺎ ،ﺛﻢ أﻧﺒﺄﻧﻲ ﺑﺄﻧﮫ ﺳﻮف ﯾﻌﻮد ﻗﺮﯾﺒﺎً ،ﻋﻠﻰ ﻣﺎ أﻛﺪه ﻋﺎﻣﺮ ،اﻟﻤﺴﺆول اﻟﻌﺴﻜﺮي ﻓﻲ ﻣﻌﺘﻘﻞ اﻟﺨﯿﺎم. وأﻏﻠﻖ ﺑﺎب زﻧﺰاﻧﺘﻲ. وﺗﻮاﺻﻠﺖ زﯾﺎرة اﻟﻠﺠﻨﺔ اﻟﺪوﻟﯿﺔ ﻟﻠﺼﻠﯿﺐ اﻷﺣﻤﺮ ﻓﻲ اﻟﻐﺪ. وھﻜﺬا ﺗﻤﻜﻨﺖ اﻟﻠﺠﻨﺔ ﺑﺄﻓﺮادھﺎ اﻟﻘﻼﺋﻞ ،ﻣﻦ اﺳﺘﻄﻼع ﺣﺎل ﻛﻞ ﻓﺮد ﻣﻦ اﻟﻤﻌﺘﻘﻠﯿﻦ ﻓﻲ ﻣﻌﺘﻘﻞ اﻟﺨﯿﺎم ،وإن ﺑﺼﻮرة ﺳﺮﯾﻌﺔ.
190
وﻟﺴﻮف ﺗﻌﻮد اﻟﻠﺠﻨﺔ اﻟﺪوﻟﯿﺔ ﻟﻠﺼﻠﯿﺐ اﻷﺣﻤﺮ ﺑﺼﻮرة ﻣﻨﺘﻈﻤﺔ اﻟﻰ ﻣﻌﺘﻘﻞ اﻟﺨﯿﺎم ،ﻟﺘﻨﻈﺮ ﻓﻲ أﺣﻮاﻟﮫ ،ﺑﺪءاً ﻣﻦ ذﻟﻚ اﻟﺘﺎرﯾﺦ .وﻛﺎن "ﺑﻠﺘﺎزار" اﻟﺬي ﺗﻔﺎوض ﻣﻊ أﻧﻄﻮان ﻟﺤﺪ ﺷﺨﺼﯿﺎً ﻓﻲ ﺷﺄن دﺧﻮل اﻟﺼﻠﯿﺐ اﻷﺣﻤﺮ اﻟﺪوﻟﻲ اﻟﻰ ﻣﻌﺘﻘﻞ اﻟﺨﯿﺎم ،ﺗﻮﺻﻞ أﺧﯿﺮاً اﻟﻰ دﻓﻊ اﻷﻣﻮر ﻟﺼﺎﻟﺢ اﻟﻤﻌﺘﻘﻠﯿﻦ ،أﻛﺜﺮ ﻓﺄﻛﺜﺮ. وﻟﻢ ﯾﻤﺾ زﻣﻦ ﻋﻠﻰ ذﻟﻚ اﻟﻠﻘﺎء ﺣﺘﻰ ﺣﻈﻲ ﻋﻀﻮ ﻣﻦ اﻟﻤﻨﻈﻤﺔ اﻟﺴﻮﯾﺴﺮﯾﺔ ﺑﺎﻷذن ﺑﺪﺧﻮل أﯾﺔ زﻧﺰاﻧﺔ ﻟﻠﺘﺤﺪث ﻣﻊ اﻟﺴﺠﻨﺎء .ذات ﺻﺒﺎح ،دﺧﻠﺖ "ﻛﻼرا" اﻟﻰ ﻋﺮﯾﻨﻲ، رﻏﻤﺎً ﻋﻦ ﺗﺤﻔﻈﺎت اﻟﺤﺎرﺳﺎت .ھﻲ اﻣﺮأة ﺷﺎﺑﺔ ﺑﮭﯿﺔ اﻟﻄﻠﻌﺔ ﻓﻲ اﻟﺜﻼﺛﯿﻦ ﻣﻦ ﻋﻤﺮھﺎ .ﺗﻔﮭﻢ اﻟﻌﺮﺑﯿﺔ وﺗﻌﺒﺮ ﺑﮭﺎ ﺑﯿﺴﺮ ﻋﻤﺎ ﺗﺮﯾﺪ .ﻓﺄﺳﺮت ﻟﻲ ﺑﺮﺿﺎھﺎ ﺑﻌﺪ ﻛﻞ اﻟﺠﮭﻮد اﻟﺘﻲ ﺑُﺬﻟﺖ ،ﻋﻠﻰ ﻣﺪار اﻟﺴﻨﻮات اﻟﺴﺎﺑﻘﺔ ،وأﻛﺪت ﻟﻲ أﻧﮭﻢ ﺳﻮف ﯾﺒﺬﻟﻮن ﻗﺼﺎرى ﺟﮭﺪھﻢ ﻓﻲ ﺳﺒﯿﻞ أن ﯾﺸﮭﺪ ﻣﺼﯿﺮﻧﺎ ﺗﺤﻮﻻً إﯾﺠﺎﺑﯿﺎً ،ﺛﻢ ﻃﺮﺣﺖ ﻋﻠﻲ أﺳﺌﻠﺔ ﺗﺘﻌﻠﻖ ﺑﻈﺮوف اﻟﺤﯿﺎة اﻟﺘﻲ ﻋﺸﺘﮭﺎ ،ھﮭﻨﺎ .ﻓﻜﺎن أن أﺛﺮت ﺗﺠﺮﺑﺘﻲ ﻓﻲ اﻷﺳﺮ ،اﻟﺘﻲ روﯾﺖ ﻟﮭﺎ ﻓﺼﻮﻻً ﻣﻨﮭﺎ ،ﺗﺄﺛﯿﺮاً دﻓﻌﮭﺎ اﻟﻰ اﻟﺒﻜﺎء .وراﺣﺖ ﺗﻀﺎﻋﻒ اﻷﺳﺌﻠﺔ وﺗﺪون اﻟﻤﻼﺣﻈﺎت اﻟﻜﺜﯿﺮة .ﺛﻢ ﻋﺎﯾﻨﻨﻲ ﻃﺒﯿﺐ ،ﻓﺄﺛﺮتُ اﻧﺘﺒﺎھﮫ اﻟﻰ اﻟﺤﺎﻟﺔ اﻟﻤﺰرﯾﺔ اﻟﺘﻲ ﺻﺎرت إﻟﯿﮭﺎ اﻷدوات اﻟﺼﺤﯿﺔ ﻓﻲ اﻟﺴﺠﻦ ،واﻟﻰ ﺣﺎﻻت اﻟﻨﺰﯾﻒ اﻟﺤﺎدة واﻟﺨﻄﯿﺮ ،اﻟﺘﻲ ﺗﺤﺪﺛﮭﺎ ﺟﻠﺴﺎت اﻟﺘﻌﺬﯾﺐ ﻓﻲ اﻟﻨﺴﺎء اﻟﻠﻮاﺗﻲ ﻻ ﯾﺰﻟﻦ ﻓﻲ ﻓﺘﺮة ﺣﯿﻀﮭﻦ. وﺟﺮى ﻟﻘﺎء آﺧﺮ ﻟﻨﺎ ﻓﻲ زﻧﺰاﻧﺔ ﻓﺎرﻏﺔ .ﻓﺮﺣﺖُ أروي، ﺗﻔﺎﺻﯿﻞ اﻋﺘﻘﺎﻟﻲ ،وﺟﻠﺴﺎت اﻻﺳﺘﺠﻮاب ،واﻟﻤﺮات اﻟﺘﻲ وﺿﻌﺖ ﻓﯿﮭﺎ ﺑﺎﻟﺤﺒﺲ اﻻﻧﻔﺮادي .وﻛﺎﻧﺖ "ﻛﻼرا" ﺗﻄﻠﺐ 191
ﻣﻨﻲ أن أﺣﺪد ﻟﮭﺎ اﻟﺪواﻋﻲ اﻟﺘﻲ ﺟﻌﻠﺖ أﺑﻮ ﻧﺒﯿﻞ ﯾﻘﺮر وﺿﻌﻲ ﻓﻲ اﻻﻧﻔﺮاد .وﻓﻲ ﻧﮭﺎﯾﺔ اﻟﺤﺪﯾﺚ ،اﻧﻀﻢ "ﺑﻠﺘﺎزار" إﻟﯿﻨﺎ .وﻗﺎل ﻟﻲ أﻧﮫ ﻟﻦ ﯾﻜﺘﻔﻲ ﺑﮭﺬه اﻟﺠﮭﻮد اﻟﺘﻲ ﻗﺎم ﺑﮭﺎ .وأوﺻﻰ ﺑﻜﺘﺐ وﺑﺄدوات ﯾﺴﻌﻨﺎ أن ﻧﺴﺘﺨﺪﻣﮭﺎ ﻓﻲ أوﻗﺎت ﻓﺮاﻏﻨﺎ .وﺟﻌﻞ ﯾﻌﺘﺬر ﻣﻨﻲ ،ﻣﺪاﻋﺒﺎً ،ﻣﻦ ﻛﻮﻧﻲ ﻣﻨﺎﺿﻠﺔ ﺷﯿﻮﻋﯿﺔ وﻻ ﯾﺴﻌﮭﺎ ﻗﺮاءة أﻋﻤﺎل ﻛﺎرل ﻣﺎرﻛﺲ وأﻧﺠﻠﺰ .وأدرﻛﺖ ،ﺑﻌﺪ ذﻟﻚ ان اﻟﺮﻗﺎﺑﺔ اﻟﻤﻔﺮوﺿﺔ ﻋﻠﻰ اﻟﻜﺘﺐ ذات اﻟﺼﺒﻐﺔ اﻟﺸﯿﻮﻋﯿﺔ دون ﻏﯿﺮھﺎ ،ھﻲ اﻟﺘﻲ ﺣﺎﻟﺖ دون وﺻﻮﻟﮭﺎ .ﻓﺄﻛﺪت ﻟﮫ أن اﻟﻘﺮآن وﺣﺪه ھﻮ اﻟﻜﺘﺎب اﻷﻋﻈﻢ ﻓﺎﺋﺪة ﻟﺼﺪﯾﻘﺎﺗﻲ اﻟﻤﺴﻠﻤﺎت. وﻗﺒﻞ أن ﯾﻐﺎدر "ﺑﻠﺘﺎزار" ،ﻋﺎودت اﻟﺘﺄﻛﯿﺪ ﻟﮫ ﻋﻠﻰ اﻧﻌﺪام اﻟﻌﻨﺎﯾﺔ اﻟﺼﺤﯿﺔ واﻷدوﯾﺔ ﻣﻦ اﻟﻤﻌﺘﻘﻞ .ﺣﺘﻰ رأﯾﺖ اﻟﺤﺎرﺳﺎت ،إﺛﺮ ھﺬه اﻟﺰﯾﺎرات ،وﻗﺪ اﻋﺘﺮاھﻦ اﻟﻘﻠﻖ، وﺳﺎورﺗﮭﻦ اﻟﺸﻜﻮك ،وﻇﻨﻦ أن ﺷﯿﺌﺎً ﻣﺎ ﯾُﺤﺎك ﺿﺪھﻦ. ﻓﺠﻌﻠﻦ ﯾﺴﺄﻟﻨﻨﺎ ،أﻟﻒ ﺳﺆال ،ﻟﻤﻌﺮﻓﺔ ﻣﺎ ﻗﻠﻨﺎه ﻟﻠﺠﻨﺔ اﻟﺪوﻟﯿﺔ ﻟﻠﺼﻠﯿﺐ اﻷﺣﻤﺮ .وأﺑﻮ ﻧﺒﯿﻞ ﻛﺬﻟﻚ ،راﯾﺘﮫ ﺷﺪﯾﺪ اﻻﺿﻄﺮاب واﻟﻘﻠﻖ .ﺣﺘﻰ أﻧﮫ أﺧﺬ ﯾﺴﺘﺪﻋﻲ اﻟﻤﻌﺘﻘﻼت اﻷﻛﺜﺮ ﻃﻮاﻋﯿﺔ ﻟﯿﺴﺘﻨﻄﻘﮭﻦ ﻋﻦ اﻟﺰﯾﺎرات .وﻋﻠﻰ اﻟﺮﻏﻢ ﻣﻦ ﻣﺨﺎوﻓﻲ ،ﻓﻘﺪ اﺳﺘﻤﺮت اﻟﺰﯾﺎرات وﻟﻢ ﺗﻨﻘﻄﻊ اﻟﺮﺳﺎﺋﻞ ﻋﺒﺮ اﻟﺒﺮﯾﺪ. وﻗﺪ ﺗﺴﻨﻰ ﻟﻲ أن أﻗﺎﺑﻞ واﻟﺪﺗﻲ ﻟﻠﻤﺮة اﻟﺜﺎﻧﯿﺔ ﻓﻲ ﻛﺎﻧﻮن اﻷول /دﯾﺴﻤﺒﺮ ﻣﻦ اﻟﻌﺎم .1995ﻓﻜﺎن أن اﺗﺴﻤﺖ أﺣﺎدﯾﺜﻨﺎ ،ھﺬه اﻟﻤﺮة ،ﺑﻨﺒﺮة أﺧﻒ وأﻟﻄﻒ ﻣﻦ اﻟﺴﺎﺑﻖ .وإذ أﻧﺒﺄﺗﮭﺎ ﺑﺄﻧﮭﺎ ﻟﻢ ﺗﺘﻐﯿﺮ ﻣﻨﺬ رأﯾﺘﮭﺎ ،ردت ﺑﺄﻧﮭﺎ وُﺿﻌﺖ ﻓﻲ اﻟﺒﺮاد ﺑﻌﯿﺪ اﻟﻌﻤﻠﯿﺔ اﻟﺘﻲ ﻗﻤﺖُ ﺑﮭﺎ .وﻟﻢ ﺗﺤﺪﺛﻨﻲ ﻋﻦ ﻇﺮوف اﻋﺘﻘﺎﻟﮭﺎ ،ھﻲ ،ﻓﻲ ھﺬا اﻟﺴﺠﻦ .وﻗﺪ ﻋﻠﻤﺖ ،ﻓﻤﯿﺎ 192
ﺑﻌﺪ ،أﻧﮭﺎ ،ﻗﺒﻞ اﻋﺘﻘﺎﻟﮭﺎ ،أُﺧﻄﺮت ﻣﻦ ﻗﺒﻞ زوﺟﺔ ﻋﻤﻲ، اﻟﻤﻨﺎﺿﻠﺔ اﻟﻤﺸﮭﻮرة واﻟﻤﺴﺠﻮﻧﺔ ﻟﻤﺮات ﻣﺘﺘﺎﻟﯿﺔ ﻓﻲ اﻟﻤﺎﺿﻲ ،ﻣﻦ ﻛﻮﻧﮭﺎ وُﺿﻌﺖ ﻗﯿﺪ اﻟﻤﺮاﻗﺒﺔ ﻓﻲ ﻣﻨﺰﻟﮭﺎ، ﺑﺪﯾﺮ ﻣﯿﻤﺎس ،ﻟﺸﮭﺮﯾﻦ ﻣﺘﻮاﺻﻠﯿﻦ .ﺣﺘﻰ ﺻﺎر ﻣﺠﻤﻮع اﻟﻤﻘﺎﺑﻼت اﻟﺘﻲ ﺟﺮت ﻟﻲ ﻣﻊ واﻟﺪﺗﻲ ﻓﻲ ﺟﺪران ﻣﻌﺘﻘﻞ اﻟﺨﯿﺎم ﺳﺘﺎً ،وآﺧﺮھﺎ ﻛﺎﻧﺖ ﻓﻲ آب /أﻏﺴﻄﺲ ﻣﻦ اﻟﻌﺎم .1998 وﻓﻲ ﻛﺎﻧﻮن اﻷول /دﯾﺴﻤﺒﺮ ﻣﻦ اﻟﻌﺎم ،1995ﺗﺤﻘﻘﺖ وﻋﻮد اﻟﻠﺠﻨﺔ اﻟﺪوﻟﯿﺔ ﻟﻠﺼﻠﯿﺐ اﻷﺣﻤﺮ .وھﺎ أن اﻟﺤﺎرﺳﺎت ﯾﻮزﻋﻦ ﻋﻠﯿﻨﺎ اﻟﻜﺘﺐ ﻣﻦ ﻣﺨﺘﻠﻒ اﻷﺻﻨﺎف. أﻣﺎ ﻃﺮد اﻟﻜﺘﺐ اﻟﺬي ﻃﺎﻟﻤﺎ اﻧﺘﻈﺮﺗﮫ ﻓﻠﻢ ﯾﺒﻠﻐﻨﻲ إﻻ ﻓﻲ اﻟﺜﺎﻣﻦ ﻋﺸﺮ ﻣﻦ ﻛﺎﻧﻮن اﻷول /دﯾﺴﻤﺒﺮ .وﻛﻨﺖ ﻗﺪ ﺗﻠﻘﯿﺖ ،ﻗﺒﻞ ذﻟﻚ ﺑﺄﺳﺒﻮع ،أول ﻛﺘﺎب ﻟﻲ ﻣﻨﺬ ﺳﻨﻮات، وھﻮ ﻛﺘﺎب اﻹﻧﺠﯿﻞ ﺑﺎﻟﻠﻐﺔ اﻟﻌﺮﺑﯿﺔ .ﻓﻲ ﺣﯿﻦ ﺣﯿﻈﺖ زﻣﯿﻼﺗﻲ اﻟﻤﺴﻠﻤﺎت ﺑﺎﻟﻘﺮآن ،ﻟﻜﻞ ﻣﻨﮭﻦ ﻛﺘﺎب .وﺻﺮﻧﺎ، ﺑﺪءاً ﻣﻦ ﺗﻠﻚ اﻟﻠﺤﻈﺔ ،ﻧﺰود ﺑﺎﻟﻤﺠﻠﺪات اﻟﻤﺮﻏﻮﺑﺔ اﻟﺘﻲ ﻛﺎن ﻋﻠﯿﻨﺎ أن ﻧﻌﯿﺪھﺎ ﺟﺪﯾﺪةً ،ﺑﻌﺪ ﻗﺮاءﺗﮭﺎ ،ﻟﻨﺤﻈﻰ ﺑﻐﯿﺮھﺎ .وھﻜﺬا ﺑﺎت ﻟﻨﺎ ﻣﻜﺘﺒﺔ ﻣﺘﻨﻮﻋﺔ ﻟﻠﻐﺎﯾﺔ ،ﺗﻀﻤﻨﺖ اﻋﺪاداً ﻛﺒﯿﺮة ﻣﻦ اﻷﻋﻤﺎل اﻟﻤﺘﻨﻮﻋﺔ ﻛﺎﻟﺴﯿﺮ )وأذﻛﺮ ﻣﻨﮭﺎ ﻛﺘﺎﺑﺎً ﯾﺘﻨﺎول ﺣﯿﺎة ﻏﻮرﺑﺎﺗﺸﯿﻒ( ،أو ﻛﺎﻷﺑﺤﺎث اﻟﻌﻠﻤﯿﺔ )ﺷﺄن اﻟﻜﺘﺎب اﻟﺬي أﺻﺪره اﻻﺳﺘﺎذ اﻟﺠﺎﻣﻌﻲ دوﻣﯿﻨﯿﻚ ﺷﻮﻓﺎﻟﯿﯿﮫ واﻟﺬي ﺧﺺ ﻓﯿﮫ ﺑﺎﻟﺪراﺳﺔ ﺟﺒﻞ ﻟﺒﻨﺎن( ،أو اﻷﻋﻤﺎل اﻟﺮواﺋﯿﺔ ،اﻟﺘﻲ ﻻ ﺗﻠﯿﻖ اﻟﺒﺘﺔ ﺑﺈﻃﺎر اﻟﺨﯿﺎم وﻣﻌﺘﻘﻠﮭﺎ ،واﻟﺘﻲ ﺗﻌﻮد اﻟﻰ ﺑﺮﺑﺎرا ﻛﺎرﺗﻼﻧﺪ .وﺑﺎﻟﻤﻘﺎﺑﻞ ﻛﻨﺎ ﻧﻘﺮأ اﻷﻋﻤﺎل اﻟﺪﯾﻨﯿﺔ اﻟﺘﻲ راح ﻓﯿﮭﺎ ﻣﺆﻟﻔﻮھﺎ ﯾﻤﺠﺪون أﻋﻤﺎل اﻟﻤﻘﺎوﻣﺔ ﺿﺪ اﻟﻤﺤﺘﻠﯿﻦ ،وذﻟﻚ ﻓﻲ ﺗﻮﻃﺌﺔ اﻟﻜﺘﺐ، ﻛﻤﺎ ﺗﺠﺪ ﻓﯿﮭﺎ رواﯾﺔ ﺗﺎرﯾﺨﯿﺔ ﺗﺠﺮي ﻓﻲ ﻇﻞ اﻻﻧﺘﺪاب 193
اﻟﺒﺮﯾﻄﺎﻧﻲ .واﻟﺸﯿﻖ ﻓﻲ اﻷﻣﺮ أن ھﺬا اﻟﻜﺘﺎب ﯾﺮوي ﺣﻜﺎﯾﺔ ﻣﻘﺎوم أردﻧﻲ ﺗﺼﺪى ﻟﻼﻧﺘﺪاب اﻟﺒﺮﯾﻄﺎﻧﻲ ،وﻗﺪ ﺑﻠﻎ وﺻﻒ ھﺬا اﻟﻤﻘﺎوم وﻣﺸﺎﻋﺮه ﺣﺪاً ،إذا ﻣﺎ ﻗﺎرﻧﺘﮫ اﻟﻘﺎرﺋﺎت ﻓﻲ ﻣﻌﺘﻘﻞ اﻟﺨﯿﺎم ﺑﻤﺎ ھﻦ ﻓﯿﮫ ﻷﻃﻠﻘﻦ اﻟﻌﻨﺎن ﻟﻀﺤﻜﮭﻦ وﺳﺨﺮﯾﺘﮭﻦ ،ﺣﺘﻰ ادرار اﻟﺪﻣﻊ. ﻛﻤﺎ أﻧﻨﺎ ﺗﻠﻘﯿﻨﺎ ﻛﺘﺒﺎً ﻣﺪرﺳﯿﺔ ﻟﺘﻌﻠﻢ اﻟﻠﻐﺎت اﻷﺟﻨﺒﯿﺔ، ﻛﺎﻟﻔﺮﻧﺴﯿﺔ واﻹﻧﻜﻠﯿﺰﯾﺔ ،ﻏﯿﺮ أﻧﮫ ﻟﻢ ﯾﺘﺴﻦ ﻟﻨﺎ ﻋﻠﻰ اﻹﻃﻼق ،أن ﻧﺄﻟﻒ ﻣﺠﺎﻻً ﺟﺎﻣﻌﯿﺎً ﻣﺤﺪداً ،ﻛﺎﻟﺬي وﺿﻊ ﻓﻲ ﺗﺼﺮﻓﻨﺎ ،ﻧﻈﺮاً ﻟﻈﺮوف اﻟﺴﺠﻦ وﺣﺪاﺛﺔ ﻋﮭﺪه ﺑﺎﻟﺸﺄن اﻟﺘﺮﺑﻮي .واﻟﺤﺎل ھﺬه ،ﻓﻘﺪ أﻟﺰﻣﺖُ ﻧﻔﺴﻲ ﺑﺎﺗﺒﺎع ﻧﻈﺎم ﺻﺎرم ﻓﻲ ﻣﺎ ﺧﺺ اﻟﻘﺮاءة ،إذ ﻟﯿﺲ ھﻨﺎك ﻣﺠﺎل ﻷن أﺗﻌﺪى اﻟﺨﻤﺴﯿﻦ ﺻﻔﺤﺔ ﻓﻲ اﻟﯿﻮم ،ﺗﺠﻨﺒﺎً ﻟﻤﺸﺎﻛﻞ ﻓﻲ اﻟﺮؤﯾﺔ واﻟﻨﻈﺮ ،ﺑﻌﺪ ﻛﻞ ھﺬه اﻟﺴﻨﻮات اﻟﺘﻲ ﻗﻀﯿﺘﮭﺎ ﻣﺤﺮوﻣﺔ ﻣﻦ اﻟﻜﺘﺐ .ﺑﯿﺪ أﻧﻲ ﻓﻀﻠﺖُ ،ﻣﻦ ﺑﯿﻦ ﻛﻞ اﻟﻜﺘﺐ اﻟﻤﻮﺿﻮﻋﺔ ﻓﻲ اﻟﺘﺪاول ،ﻛﺘﺎب "رﺟﺎل وﺳﻼم واﺣﺪ"، ﻟﻤﺆﻟﻔﺘﮫ اﻟﻠﺒﻨﺎﻧﯿﺔ ﻛﺎرول داﻏﺮ ،واﻟﺬي ﺗﺮوي ﻓﯿﮫ ﻣﺴﺎر اﻟﺴﻼم اﻹﺳﺮاﺋﯿﻠﻲ – اﻟﻌﺮﺑﻲ ﺑﻌﺪ ﺣﺮب اﻟﺨﻠﯿﺞ ،واﻟﺬي ﺑﻠﻎ أوﺟﮫ ﻓﻲ اﻻﺗﻔﺎﻗﺎت اﻟﻤﻌﻘﻮدة ﺑﯿﻦ اﻹﺳﺮاﺋﯿﻠﯿﯿﻦ واﻟﻔﻠﺴﻄﯿﻨﯿﯿﻦ .اﻟﻰ ذﻟﻚ ،ﯾﻔﺼّﻞ اﻟﻜﺘﺎب ﻓﻲ ﺗﺒﻌﺎت ھﺬا اﻟﺴﻼم ﻋﻠﻰ ﻟﺒﻨﺎن واﻷراﺿﻲ اﻟﻤﺤﺘﻠﺔ .وﻛﺎن ھﺬا اﻟﻜﺘﺎب ﻣﻨﺎﺳﺒﺔ ﻓﺮﯾﺪة ﻟﻲ ﻷﻃﻠﻊ ﻋﻠﻰ ﻣﺎ ﺟﺮى ﻓﻲ ﺑﻼدي ،وﻓﻲ اﻟﻤﻨﻄﻘﺔ ﻛﻜﻞ ،ﺧﻼل اﻟﺴﻨﻮات اﻷﺧﯿﺮة اﻟﺘﻲ ﻃﺒﻌﺘﮭﺎ ﻧﮭﺎﯾﺔ اﻟﺤﺮب اﻷھﻠﯿﺔ ﺑﻤﯿﺴﻤﮭﺎ. وﻓﻲ اﻟﻌﺎم 1996أدﺧﻠﺖ إﻟﯿﻨﺎ اﻟﻠﺠﻨﺔ اﻟﺪوﻟﯿﺔ ﻟﻠﺼﻠﯿﺐ اﻷﺣﻤﺮ اﻟﻤﻮاد اﻟﺘﻲ ﻃﺎل اﻧﺘﻈﺎرھﺎ – اﻷﺳﻼك، واﻟﻜﺮﺗﻮن ،واﻟﻮرق ،وأدوات اﻟﺘﻠﻮﯾﻦ ،وأﺣﺮف ﻟﻠﻄﺒﺎﻋﺔ. 194
وﻗﺒﻞ أن ﺗﺄﺗﯿﻨﺎ ھﺬه اﻟﺪﻓﻌﺔ اﻟﻤﺪھﺸﺔ ،ﺑﺰﻣﻦ ﻗﺼﯿﺮ ،ﻛﻨ ُ ﺖ أھﺪﯾﺖُ ﻛﻼً ﻣﻦ أﻋﻀﺎء اﻟﻠﺠﻨﺔ اﻟﺪوﻟﯿﺔ ﻟﻠﺼﻠﯿﺐ اﻷﺣﻤﺮ ﻗﻔﺎزاً ﺻﻐﯿﺮاً ﻣﻦ ﻋﻤﻞ ﯾﺪي ،ﻓﺤﺼﻠﺖ "ﺑﺪﯾﻌﺔ" اﻟﻤﺘﺮﺟﻤﺔ ،و"ﺑﻠﺘﺎزار" ،و"ﻛﻼرا" وﻛﻞ اﻵﺧﺮﯾﻦ ﻋﻠﻰ واﺣﺪ ﻣﻦ ھﺬه اﻟﻘﻔﺎزات .وھﻮ ﻋﺒﺎرة ﻋﻦ ﺟﯿﺐ ﺻﻐﯿﺮ، ﻧﺴﺠﺖُ ﻓﻲ داﺧﻠﮫ زھﺮة ذات أﻟﻮان ﻋﺪﯾﺪة .ذﻟﻚ أن ﻋﻤﻞ اﻟﻨﺠﺪة ،ﺑﺎﻟﻨﺴﺒﺔ ﻟﻲ ،ھﻮ أن ﯾﻤﺪ اﻟﻤﺮء ﯾﺪ اﻟﻌﻮن اﻟﻰ أﺧﯿﮫ اﻹﻧﺴﺎن ،وﻣﺎ اﻟﺰھﺮة اﻟﻤﺤﻤﯿﺔ ﺑﺮاﺣﺔ اﻟﯿﺪ إﻻ اﻟﻜﺎﺋﻦ اﻟﺒﺸﺮي ،ﺑﻨﻈﺮي .ﺛﻢ إﻧﻲ ﺣﺒﻜﺖُ وروداً ﻟـ" ﻛﻼرا" وﻟـ "ﻛﻮرﯾﻦ" ،وﻟﻌﻀﻮ آﺧﺮ ﻣﻦ اﻟﻠﺠﻨﺔ اﻟﺪوﻟﯿﺔ ﻟﻠﺼﻠﯿﺐ اﻷﺣﻤﺮ .أﺿﻒ اﻟﻰ ذﻟﻚ ،أﻧﮫ ﯾﻮم ﻓُﺘﺢ ﺑﺎب اﻟﺰﻧﺰاﻧﺔ ﺣﯿﺚ ﻛﻨﺖُ واﺛﻨﺘﺎن ﻣﻦ زﻣﯿﻼﺗﻲ ،ووﺿﻌﺖ اﻟﺤﺎرﺳﺎت اﻷدوات ﻓﻲ ﻛﯿﺲ ،اﻣﺎﻣﻨﺎ ،ﻟﻢ ﻧﺼﺪق ﻣﺎ ﺗﺮاه ﻋﯿﻮﻧﻨﺎ. وﻟﻠﺤﺎل ،ﻣﻀﺖ" ھﻨﯿﺔ" و "ﻓﺎﻃﻤﺔ" ﺗﺴﺘﺨﺪﻣﺎن اﻷدوات وﺗﺠﮭﺰان أﺳﺎور ،وأﻗﺮاﻃﺎً ﻟﻸذن ،وﻋﻘﻮداً ،وﻛﺎﻧﺘﺎ ﺗﺒﻘﯿﺎن ﻟﺴﺎﻋﺔ ﻣﺘﺄﺧﺮة ﻣﻦ اﻟﻠﯿﻞ ﻣﺜﺎﺑﺮﺗﯿﻦ ﻓﻲ ﻋﻤﻠﮭﻤﺎ .أﻣﺎ أﻧﺎ ﻓﺎﻧﻜﺒﺒﺖُ ﻋﻠﻰ رﺳﻢ ﻓﻨﻲ ذي ﺧﻄﻮط ھﻨﺪﺳﯿﺔ ﺑﺎﻟﻐﺔ اﻟﺘﻌﻘﯿﺪ، ﻷﺗﻤﮫ ھﺪﯾﺔ ﻟﻠﺠﻨﺔ اﻟﺪوﻟﯿﺔ ﻟﻠﺼﻠﯿﺐ اﻷﺣﻤﺮ .ﺛﻢ ﻗﺮّ رأﯾﻨﺎ ﻋﻠﻰ أن ﻧﻨﻈﻢ ﺟﮭﻮدﻧﺎ ﻓﻲ ﻣﺸﺎﻏﻞ :أﻧﺎ أرﺳﻢ وزﻣﯿﻼﺗﻲ ﯾﻠﻮنّ. وﻇﻞ اﻟﻜﺮﺗﻮن ،ﻟﻮﺟﻮده ﺑﯿﻦ أﯾﺪﯾﻨﺎ ،ﯾﺤﯿﺮﻧﺎ ﻓﻲ وﺟﮫ اﺳﺘﻌﻤﺎﻟﮫ .وﻟﻤﺎ أُﺳﻘﻂ ﻓﻲ ﯾﺪﻧﺎ وﻟﻢ ﻧﺠﺪ ﻣﺨﺮﺟﺎً ﻟﻸﻣﺮ، ﻃﻠﺒﻨﺎ ﻣﻦ اﻟﺤﺎرﺳﺔ "ﺳﻤﯿﺮة" أن ﺗﻜﺘﺸﻒ ﻟﻨﺎ ﻋﻤﺎ ﯾﻔﻌﻠﮫ اﻟﺴﺠﻨﺎء اﻟﺮﺟﺎل ﺑﺎﻟﻜﺮﺗﻮن .ﻓﺠﺎء ﺟﻮاﺑﮭﺎ ﺻﺎﻋﻘﺎً ﻟﻨﺎ :إذ ﻗﺎﻟﺖ إﻧﮭﻢ ﯾﺘﺪﺑﺮون أﻣﺮھﻢ ﻓﻲ ھﺬا اﻟﺸﺄن ،ﺣﺘﻰ ﻟﯿﻔﻮﻗﻮﻧﻨﺎ ﻛﺜﯿﺮاً .وﺗﻔﻜﺮﻧﺎ ﻓﻲ أﻧﻨﺎ رﺑﻤﺎ وﺟﺪﻧﺎ ﻓﻨﺎﻧﯿﻦ ،ﻣﻦ ﺑﯿﻨﮭﻢ. وﻇﻠﻠﻨﺎ ﻣﺼﺮّات ﻋﻠﻰ ﻣﻌﺮﻓﺔ اﻟﻤﺰﯾﺪ .ﺣﺘﻰ أﺗﺘﻨﺎ اﻟﺤﺎرﺳﺔ 195
وﻓﻲ ﯾﺪھﺎ ﺑﻌﺾ اﻷﻏﺮاض اﻟﺘﻲ ﺻﻨﻌﻮھﺎ ﻣﻦ اﻟﻜﺮﺗﻮن، ﻓﺎﻋﺘﺮﻓﻨﺎ ﻟﮭﺎ ﻟﻠﺤﺎل ﺑﺘﻔﻮﻗﮭﻢ ﻓﻲ ھﺬا اﻟﻤﺠﺎل .ورﺣﻨﺎ ﻧﻨﺴﺦ ﻧﻤﺎذج اﻟﺴﺒﺤﺎت اﻟﺘﻲ ﺟﻌﻠﻮا ﯾﺼﻨﻌﻮﻧﮭﺎ ،واﺳﺘﻮﺣﯿﻨﺎ ﻛﺬﻟﻚ ،ﻣﻦ ﺧﺒﺮاﺗﮭﻢ ﯾﻮم اﺑﺘﻜﺮﻧﺎ ﺑﻄﺎﻗﺎت ﻟﻠﻤﻌﺎﯾﺪة .وﻟﻤﺎ ﻛﺎن اﻟﺴﺠﻦ ﯾﺤﻮي ﻋﺪداً ﻛﺒﯿﺮاً ﻣﻦ اﻟﺸﯿﻌﺔ ،ﻓﻘﺪ ﺟﻌﻞ اﻟﻤﻌﺘﻘﻠﻮن ﯾﺮﺳﻤﻮن ﺷﻌﺎراً ﺑﺎت ﻣﺄﻟﻮﻓﺎً ،وھﻮ ﻗﺒﻀﺔ اﻹﻣﺎم ﻋﻠﻲ ﺑﻦ أﺑﻲ ﻃﺎﻟﺐ وھﻲ ﻣﻤﺴﻜﺔ ﺑﺎﻟﺴﯿﻒ ،ﺳﯿﻔﮫ .وﻣﻦ ﺛﻢ أھﺪﯾﻨﺎ اﻷﻣﯿﻦ اﻟﻌﺎم ﻟﺤﺰب اﷲ ﺣﺴﻦ ﻧﺼﺮ اﷲ ،رﺳﻤﺎً ھﻮ أﻗﺮب اﻟﻰ اﻟﺨﻂ اﻟﻌﺮﺑﻲ ﻣﺤﺒﻮﻛﺎً ﻋﻠﻰ اﻟﻜﺮﺗﻮن ،وﻗﺪ ﺟﻌﻠﻨﺎ ﻧﺠﺎﻧﺲ ﺑﯿﻦ اﻷﻟﻔﺎظ ﻓﯿﮫ: "اﻟﻨﺼﺮ ﻧﺼﺮُ اﷲ" .ﺑﯿﺪ أن اﻟﺤﺎرﺳﺎت ﻛﻦ ﻟﻨﺎ ﺑﺎﻟﻤﺮﺻﺎد، ﻓﺼﺎدرن ﻧﺘﺎﺟﻨﺎ ،ﻓﻲ اول ﺣﻤﻠﺔ ﺗﻔﺘﯿﺶ أﺗﯿﺤﺖ ﻟﮭﻦ. ﻓﺎﻟﺴﺠﻦ ھﻮ اﻟﺴﺠﻦ.
196
ﺣﻨــــــﺎن ﻣﺎ أن اﺳﺘﻌﺎدت ﺻﺪﯾﻘﺘﻲ "ﻛﻔﺎح" ﺣﺮﯾﺘﮭﺎ ،ﻓﻲ اﻟﻌﺎم ،1994ﺣﺘﻰ ﻋﺪتُ ﻷﻏﻮر ﺛﺎﻧﯿﺔ ﻓﻲ ﻋﺎدﯾﺎت اﻟﺴﺠﻦ وھﻤﻮﻣﮫ. وﻛﺎن ﯾﻘﺘﻀﻲ ذﻟﻚ ﺻﺮاﻋﺎً ،ﻛﻞ ﻟﺤﻈﺔ ،ﺿﺪ ھﺬا اﻟﻌﺎﻟﻢ اﻟﺤﺎﺑﺲ ،وﺿﺪ ﻗﻮاﻋﺪه اﻟﺘﻲ ﻓﺮﺿﺖُ ﻋﻠﯿﻨﺎ .ﻟﻠﺠﺪار ﺷﻘﻮﻗﮫ وﻧﻘﺎط ﺿﻌﻔﮫ ،وﻋﻠﯿﮫ ﻟﻢ ﯾﻜﻦ ﻟﻠﺼﺮاع وﺟﮭﺔ وﺣﯿﺪة. وﺑﻤﻘﺪار ﻣﺎ ﺟﮭﺪ أﺑﻮ ﻧﺒﯿﻞ ﻓﻲ ﺗﺤﻄﯿﻢ ﺟﺒﮭﺔ اﻟﻤﻌﺘﻘﻼت ﺿﺪ اﻟﺘﺠﺴﺲ اﻟﺪاﺧﻠﻲ ،رأﯾﺘﻨﺎ ﺳﺎﻋﯿﺎت إﻟﻰ أداء اﻷدوار اﻟﻤﻘﯿﺘﺔ اﻟﺘﻲ ﯾﻤﻜﻦ أن ﺗﺠﺎﺑﮭﻨﺎ ﺑﮭﺎ اﻟﺤﺎرﺳﺎت .ﺣﺘﻰ اﻧﺘﮭﯿﺖ إﻟﻰ ﻧﻮع ﻣﻦ اﻟﺘﻮاﻃﺆ ﻣﻊ إﺣﺪاھﻦ ،وھﻲ ﺗﺪﻋﻰ "ﺟﻤﺎﻧﺔ" ،ﻋﻠﻰ اﻟﺮﻏﻢ ﻣﻦ ﻛﻮﻧﮭﺎ اﻷﺷﺪ ﻓﻲ ﻣﻌﺎﻣﻠﺘﮭﺎ ﻟﻠﻨﺴﺎء .وھﻲ ﻛﺎﻧﺖ ﺗﻜﺮه ﺟﻮ اﻟﺘﺸﻜﯿﻚ اﻟﻤﻌﻤﻢ ﻓﻲ اﻟﺴﺠﻦ، واﻟﺬي ﻃﺎﻟﻤﺎ رﻏﺐ أﺑﻮ ﻧﺒﯿﻞ ﻓﻲ إﺷﺎﻋﺘﮫ ،وأﺑﺪت اﻣﺘﻌﺎﺿﺎً ﻣﻦ ﺗﺼﺮف زﻣﯿﻼﺗﮭﺎ .وﻛﺎﻧﺖ اﻟﺤﺎرﺳﺔ اﻟﻮﺣﯿﺪة اﻟﺘﻲ ﺗﺄﻧﻒ ﻣﻦ إدﺧﺎل اﻟﺤﺮاس إﻟﻰ اﻟﻘﺴﻢ اﻟﻤﺨﺼﺺ ﻟﻠﻨﺴﺎء، ﻣﻦ اﻟﻤﻌﺘﻘﻞ ،وﻷﻟﻒ ﺳﺒﺐ وﺳﺒﺐ .وﻟﻤﺎ ﻛﺎﻧﺖ ﻻ ﺗﺆﺛﺮ ﺻﺪاﻗﺔ زﻣﯿﻠﺔ ﻣﻦ زﻣﯿﻼﺗﮭﺎ اﻟﺤﺎرﺳﺎت ،ﺻﺮت أﻧﯿﺴﺘﮭﺎ وﺣﺎﻓﻈﺔ أﺳﺮارھﺎ .ﻓﻮﺟﺪﺗﻨﻲ ،ھﻜﺬا ،ﻣﻦ دون أن أﻃﺮح أي ﺳﺆال ﻋﻠﯿﮭﺎ ،ﻣﻄﻠﻌﺔ ﻋﻠﻰ أدق اﻟﺘﻔﺎﺻﯿﻞ ﺣﻮل اﻵﻟﯿﺔ اﻟﺘﻲ ﯾﺴﯿﺮ ﺑﮭﺎ اﻟﻤﻌﺘﻘﻞ .ﺣﺘﻰ أن اﻟﻤﺮأة اﻟﺸﺎﺑﺔ ﺟﻌﻠﺖ ﺗﺴﻤﺢ ﻟﻲ ،ﺑﺎﻟﺨﺮوج ﻣﻦ زﻧﺰاﻧﺘﻲ ،ﺧﻔﯿﺔ ﻋﻦ ﻋﯿﻮن اﻷﺧﺮﯾﺎت ،ﻟﺘﺴﺮ ﻟﻲ ﺑﻤﺎ ﻋﻨﺪھﺎ.
197
وﻛﺎن ھﺬا اﻟﮭﺎﻣﺶ ﻣﻦ اﻟﺤﺮﯾﺔ ،اﻟﻤﺴﺮوق ﻣﻦ أﺑﻲ ﻧﺒﯿﻞ، ﯾﺴﺮﻧﻲ ﺳﺮوراً ﺑﺎﻟﻐﺎً ،ﺣﺘﻰ أﻧﻨﻲ ،ﺟﮭﺪتُ ﺑﺎﻟﻤﻘﺎﺑﻞ ﻓﻲ ﺣﺾ اﻟﻤﺘﻌﺎوﻧﺎت ﻋﻠﻰ اﻟﺒﻘﺎء ﻓﻲ ﻣﻌﻘﻠﮭﻦ ،إذ أﺛﺮت ﻓﻲ ﻧﻔﻮﺳﮭﻦ اﻟﺸﻜﻮك ﻓﺄﻛﺪتُ ﻟﮭﻦ أن ﻗﺎﺋﺪ ﻣﻌﺘﻘﻞ اﻟﺨﯿﺎم إن ھﻮ إﻻ ﻣﺨﺎدع ،وأن ﻇﺮوﻓﮭﻦ ﻻ ﺗﺨﺘﻠﻒ ﺑﺸﻲء ﻋﻦ ﻇﺮوﻓﻨﺎ، وأﻧﮭﻦ اﻟﻤﺮﻣﯿﺎت ﻓﻲ اﻟﺰﻧﺎزﯾﻦ ﺷﺄﻧﻨﺎ ،ﻛﻠﻤﺎ دﻋﺖ اﻟﺤﺎﺟﺔ ﻗﺎﺋﺪ ﻣﻌﺘﻘﻞ اﻟﺨﯿﺎم إﻟﻰ ﻃﻠﺐ ﺑﻌﺾ اﻟﻤﻌﻠﻮﻣﺎت ﻣﻨﮭﻦ، ﯾﺄﺧﺬﻧﮭﺎ ﻋﻨﻮةً ﻣﻦ ﺷﻔﺎه اﻟﺴﺠﯿﻨﺎت ﻣﻦ زﻣﯿﻼﺗﮭﻦ .وﻧﺠﺤﺖ ھﺬه اﻟﺠﮭﻮد إﻟﻰ ﺣﺪ ﻛﺒﯿﺮ ،ﻟﻠﻘﺪرة اﻹﻗﻨﺎﻋﯿﺔ اﻟﺘﻲ اﻧﻄﻮت ﻋﻠﯿﮭﺎ ،ﺣﺘﻰ أﻣﻜﻨﻨﻲ أن أﺷﯿﻊ ﻧﻮﻋﺎً ﻣﻦ اﻟﺘﺴﻮﯾﺔ ،ﺗﻘﻮم ھﺆﻻء ﺑﻤﻮﺟﺒﮭﺎ ﺑﻨﻘﻞ ﺗﻔﺎﺻﯿﻞ ﻣﺠﺮدة ﻣﻦ اﻷھﻤﯿﺔ ﻟﻠﻤﺴﺘﺠﻮﺑﯿﻦ ،راﺿﯿﺎت ﻋﻠﻰ اﻟﺴﻜﻮت ﻋﻠﻰ اھﺘﻤﺎﻣﺎﺗﻨﺎ اﻟﺴﺮﯾﺔ اﻟﻜﺒﺮى واﻟﺼﻐﺮى. ذﻟﻚ أن إﺑﺪاﻋﯿﺘﻨﺎ ﻟﻢ ﯾﺼﺒﮭﺎ اﻟﻜﻠﻞ ،ﻋﻠﻰ اﻹﻃﻼق .إذ أﻗﻤﻨﺎ ﻧﻈﺎﻣﺎً ﻟﻼﺗﺼﺎﻻت ﻓﯿﻤﺎ ﺑﯿﻦ اﻟﺴﺠﯿﻨﺎت اﻷﺧﺮﯾﺎت ﻛﺎن أﻛﺜﺮ ﺗﻘﺪﻣﺎً وﻓﻌﺎﻟﯿﺔ ﻣﻦ ﺻﻨﺪوق اﻟﺒﺮﯾﺪ اﻟﺬي ﺟﻌﻠﻨﺎه ﻓﻲ اﻟﺤﻤﺎﻣﺎت .وﻗﺪ ﺗﻮﺻﻠﻨﺎ إﻟﻰ رﺑﻂ اﻟﺰﻧﺎزﯾﻦ اﻟﻤﺘﺠﺎورة ﺑﻌﻀﮭﺎ ﺑﺎﻟﺒﻌﺾ اﻵﺧﺮ ﺑﺨﯿﻂ ،ﺟﻌﻠﻨﺎ ﻧﻤﺮره ﻟﯿﻼً ،ﻋﺒﺮ اﻟﻜﻮى اﻟﺘﻲ ﺗﻌﻠﻮ ﻛﻼً ﻣﻦ ھﺬه اﻟﺰﻧﺎزﯾﻦ ،وﺑﮭﺬا أﻣﻜﻨﻨﺎ أن ﻧﻤﺮر اﻟﺮﺳﺎﺋﻞ أو أﺷﯿﺎء ﺻﻐﯿﺮة ﻛﺎﻟﺴﺠﺎﺋﺮ وﻋﻠﺐ اﻟﻜﺒﺮﯾﺖ ،اﻟﺘﻲ ﺗﺴﻌﻰ إﻟﯿﮭﺎ ﺑﻌﺾ اﻟﻤﻌﺘﻘﻼت ﺳﻌﯿﺎً ﺣﺜﯿﺜﺎً. وﻛﺎن ﻧﻈﺎم اﺗﺼﺎﻻﺗﻨﺎ ھﺬا ،اﻟﺬي دﻋﻮﻧﺎه "اﻟﻤﺼﻌﺪ" أو "اﻟﺤﻤﺎر" ،ﺷﺎھﺪاً ﻋﻠﻰ إدارﺗﻨﺎ وﻗﺪرﺗﻨﺎ ﻋﻠىﺒﻨﺎء ﺣﯿﺎة ﻣﻮازﯾﺔ ﻟﻤﻌﺘﻘﻞ اﻟﺨﯿﺎم ،واﻟﺘﻲ أراھﺎ اﺳﺘﻤﺮاراً ﻟﻠﻤﻌﺮﻛﺔ اﻟﺘﻲ ﯾﺨﻮض اﻟﻤﻘﺎﺗﻠﻮن ﻏﻤﺎرھﺎ ﺧﺎرج اﻟﻤﻌﺘﻘﻞ.
198
وﻛﺎن أن ﺛﺒﺘﺘﻨﻲ ﻓﻲ ھﺬه اﻟﻘﻨﺎﻋﺔ وﺻﻮل ﻣﻌﺘﻘﻠﺔ ﺟﺪﯾﺪة إﻟﻰ ﻣﻌﺘﻘﻞ اﻟﺨﯿﺎم ﻋﺎم .1996ﻓﻘﺪ اﻛﺘﺸﻔﺖ ﻓﻲ" ﺣﻨﺎن" ﺻﺪﯾﻘﺔ ﺟﺪﯾﺪة وﻣﻨﺎﺿﻠﺔ ﺑﻜﻞ ﻣﺎ ﻓﻲ اﻟﻜﻠﻤﺔ ﻣﻦ ﻣﻌﻨﻰ. وإذا ﻛﺎﻧﺖ رﻓﯿﻘﺘﻲ اﻷوﻟﻰ "ﻛﻔﺎح" ﻣﺆﺗﻤﻨﺔ ﻋﻠﻰ ﺣﻜﺎﯾﺔ ﻛﻔﺎح اﻟﻔﻠﺴﻄﯿﻨﯿﯿﻦ ﺿﺪ إﺳﺮاﺋﯿﻞ ،ﻓﺈن ﺷﺨﺺ" ﺣﻨﺎن" ﯾﺒﺮز ﻗﯿﺎم ﺣﺮﻛﺔ ﺳﯿﺎﺳﯿﺔ ﺟﺪﯾﺪة وﺻﺎﻋﺪة ،ﻓﻲ اﻟﻤﺠﺘﻤﻊ اﻟﻠﺒﻨﺎﻧﻲ ،ﻋﻨﯿﺖُ ﺑﮭﺎ "ﺣﺰب اﷲ". وﻟﻘﺪ ﺑﺎت ھﺬا اﻟﻔﺮﯾﻖ اﻟﺠﺬري ،اﻟﻤﻨﻐﺮس ﻓﻲ ﺻﻔﻮف اﻟﻄﺎﺋﻔﺔ اﻟﺸﯿﻌﯿﺔ ،ﯾﻮﻣﺎً ﺑﻌﺪ ﯾﻮم ﻣﻦ أﻋﺘﻰ أﻋﺪاء اﻟﺠﻨﻮد اﻹﺳﺮاﺋﯿﻠﯿﯿﻦ وﻣﺮﺗﺰﻗﺘﮭﻢ ﻣﻦ اﻟﻠﺒﻨﺎﻧﯿﯿﻦ ،ﺣﺘﻰ أﻧﮫ ،أي ھﺬا اﻟﻔﺮﯾﻖ ،وﻋﺪ ﺑﺪﺣﺮ اﻹﺳﺮاﺋﯿﻠﯿﯿﻦ وﻓﻌﻞ. إذاً ،ﻛﺎﻧﺖ ﺣﻨﺎن ﻗﺪ اﻋﺘﻘﻠﺖ ﺑﺤﺠﺔ واھﯿﺔ ،ﻓﻲ اﻟﻌﺎم .1996ﻓﻠﻤﺎ ﻛﺎن أﺧﻮھﺎ ،ﻣﻌﺘﺒﺮاً ﻣﻦ ﻗﺒﻞ ﺟﮭﺎز اﻷﻣﻦ ﻣﺴﺆوﻻً ﻓﻲ ﺣﺰب اﷲ ،أراد أﻓﺮادھﺎ ھﺆﻻء ﻣﻦ ﺣﺒﺴﮭﺎ أن ﯾﺤﺼﻠﻮا ﻣﻨﮭﺎ ﻋﻠﻰ ﻣﻌﻠﻮﻣﺎت ﺛﻤﯿﻨﺔ ﻓﻲ ﻣﺎ ﺧﺺ ﻋﻤﻞ ھﺬه اﻟﻤﯿﻠﯿﺸﯿﺎ اﻟﺘﻲ راﺣﺖ ﺗﺤﺼﺪ اﻧﺘﺼﺎرات ﻋﺴﻜﺮﯾﺔ اﻟﻮاﺣﺪة ﺗﻠﻮ اﻷﺧﺮى ،وﻟﺪى وﺻﻮﻟﮭﺎ ،راﺣﺖ ﺣﻨﺎن ﺗﺮوي ﻟﻨﺎ ﺗﻔﺎﺻﯿﻞ ﻋﻤﻠﯿﺔ" ﻋﻨﺎﻗﯿﺪ اﻟﻐﻀﺐ" اﻟﺘﻲ أﻃﻠﻘﮭﺎ رﺋﯿﺲ اﻟﻮزراء اﻹﺳﺮاﺋﯿﻠﻲ ﻓﻲ ﺣﯿﻨﮫ ،ﺷﻤﻌﻮن ﺑﯿﺮﯾﺰ، ﻗﺒﻞ اﻹﻧﺘﺨﺎﺑﺎت اﻟﺘﺸﺮﯾﻌﯿﺔ ﻟﻠﻌﺎم ،1996ﺑﺄﺳﺎﺑﯿﻊ ﻗﻠﯿﻠﺔ. وﻛﺎﻧﺖ اﻟﻐﺎﯾﺔ ﻣﻦ ﻋﻤﻠﯿﺎت اﻟﻘﺼﻒ اﻟﻤﺪﻣﺮة واﻟﻌﻨﯿﻔﺔ، اﻟﺘﻲ ﻋﺎودت ﺿﺮب ﻟﺒﻨﺎن ،ﺗﺤﻄﯿﻢ ﺑﻨﯿﺔ ﺣﺰب اﷲ .ﻏﯿﺮ أن ھﺬا اﻟﺠﯿﺶ اﻷﻋﻈﻢ ﻗﺪرةً ﻓﻲ اﻟﻤﻨﻄﻘﺔ ﻋﺠﺰ ﻋﻦ زﻋﺰﻋﺔ اﻟﻤﻘﺎوﻣﯿﻦ اﻟﻤﻨﻐﺮزﯾﻦ ﻓﻲ ﺻﻔﻮف ﺷﻌﺒﮭﻢ اﻟﻠﺒﻨﺎﻧﻲ ،أو زﺣﺰﺣﺔ ﻗﻮاﻋﺪھﻢ اﻟﻌﺎﻣﻠﺔ ،وﻛﺎﻧﺖ رﺷﻘﺎت ﺻﻮارﯾﺦ اﻟﻜﺎﺗﯿﻮﺷﺎ اﻟﺘﻲ ﯾﻄﻠﻘﮭﺎ اﻟﺤﺰب ﺗﺼﯿﺐ ﺷﻤﺎل 199
إﺳﺮاﺋﯿﻞ وﺗﺒﺚ اﻟﺮﻋﺐ ﻓﻲ ﺻﻔﻮف ﺳﻜﺎﻧﮫ .واﻟﺤﻖ أن واﺑﻞ اﻟﻨﺎر اﻟﺬي ﻛﻨﺎ ﻧﺴﻤﻊ أﺻﺪاءه ﻓﻲ ﻣﻌﺘﻘﻞ اﻟﺨﯿﺎم أدى إﻟىﮭﺪف ﻣﻌﺎﻛﺲ ﺗﻤﺎﻣﺎً ،وﻻ ﺳﯿﻤﺎ ﺑﻌﺪ اﻟﻤﺠﺰرة اﻟﻤﺮﺗﻜﺒﺔ ﻓﻲ ﻗﺎﻧﺎ ،داﺧﻞ ﻣﺮﻛﺰ ﻟﻸﻣﻢ اﻟﻤﺘﺤﺪة ﻓﻲ ﺟﻨﻮب ﻟﺒﻨﺎن ،إﻟﻰ ﺣﯿﺚ ﻛﺎن اﻟﻤﺌﺎت ﻣﻦ اﻟﻤﺪﻧﯿﯿﻦ ﻗﺪ ﻟﺠﺆوا إﻟﯿﮫ .وﻛﺎن ﻻﺗﻔﺎق اﻟﻨﺎﻗﻮرة ،اﻟﺬي وﺿﻊ ﺣﺪاً ﻟﻸزﻣﺔ ،أن ﺧﺮج ﺑﻤﺎ ﺳﻤﻲ" ﺑﺘﻔﺎھﻢ ﻧﯿﺴﺎن" .وأھﻢ ﻣﺎ ﻓﻲ ھﺬا اﻟﺘﻔﺎھﻢ أﻧﮫ ﯾﻘﺮ ﺑﺤﻖ اﻟﻤﻘﺎوﻣﺔ ﻓﻲ اﻟﺘﺼﺪي ﻟﻼﺣﺘﻼل ،ﺑﺸﺮط أن ﺗﺘﺠﻨﺐ اﻟﻤﺪﻧﯿﯿﻦ ﻣﻦ ﻛﻼ اﻟﻄﺮﻓﯿﻦ. وﻟﻤﺎ ﺑﻠﻐﺖ ﺣﻨﺎن إﻟﻰ ﻣﻌﺘﻘﻞ اﻟﺨﯿﺎم ،ﻛﻨﺖ اﻟﻤﺮأة اﻟﻮﺣﯿﺪة اﻟﺒﺎﻗﯿﺔ ﻓﯿﮫ .ﻛﺎﻧﺖ زﻣﯿﻼﺗﻲ ﻗﺪ أﻃﻠﻖ ﺳﺮاﺣﮭﻦ ،ﻟﺤﻈﻮﺗﮭﻦ ﺑﺎﻟﻌﻔﻮ ﻣﻦ دوﻧﻲ .ﻣﺎ دام أﻧﻄﻮان ﻟﺤﺪ ﯾﺮﻓﺾ رﻓﻀﺎً ﻗﺎﻃﻌﺎً ،وﯾﺪﻋﻤﮫ اﻹﺳﺮاﺋﯿﻠﯿﻮن ﻓﻲ ﻣﻮﻗﻔﮫ ،ﺷﻤﻠﻲ ﺑﮭﺬا اﻟﻌﻔﻮ .وراﺣﺖ ھﺬه اﻟﺴﺠﯿﻨﺔ اﻟﺠﺪﯾﺪة ﺗﺘﺒﻊ اﻟﺪروس اﻟﻌﺎدﯾﺔ اﻟﺘﻲ ﯾﻤﻨﺤﮭﺎ اﻟﺴﺠﻦ ﻟﻜﻞ داﺧﻞ إﻟﯿﮫ ﻓﻤﻦ اﻟﺤﺒﺲ اﻹﻧﻔﺮادي ،إﻟﻰ ﺟﻠﺴﺎت اﻻﺳﺘﺠﻮاب ،وﻣﻦ ﺛﻢ إﻟﻰ ﺟﻠﺴﺎت اﻟﺘﻌﺬﯾﺐ ،ﺣﻠﻘﺎت ﻓﻲ ﻣﺴﺎر اﻟﻤﻌﺎﻧﺎة اﻟﻮاﺣﺪة .وﺑﻌﺪ ﻃﻮل ﻏﯿﺎب ،ﻗﺮرت اﻟﺘﺤﺮي ﻋﻨﮭﺎ ،ﻓﺠﻨﺪت ﻛﻞ ﺻﻼﺗﻲ ﺑﺎﻟﺤﺎرﺳﺎت ﺣﺘﻰ أﻣﻜﻨﻨﻲ اﻟﺘﻌﺮف إﻟﻰ ھﻮﯾﺘﮭﺎ ،وﺑﻮﻗﺖ وﺟﯿﺰ .ﻓﻌﺮﻓﺖ اﺳﻤﮭﺎ ﻛﺎﻣﻼً ،وﺗﺒﯿﻦ ﻟﻲ أﻧﮭﺎ ﻣﻨﺎﺿﻠﺔ ﻓﻲ ﺻﻔﻮف ﺣﺰب اﷲ ،وأﺟﺮﯾﺖ أول اﺗﺼﺎل ﺑﮭﺎ ،إذ ﻓﺎﺟﺄﺗﮭﺎ ﻣﺘﻤﺴﻜﺔ ﺑﻘﻀﺒﺎن اﻟﺰﻧﺰاﻧﺔ اﻻﻧﻔﺮادﯾﺔ ،ﺷﺄﻧﻲ ﻟﺴﻨﻮات ﻋﺪﯾﺪة ﺧﻠﺖ. ﻓﺄﺑﻠﻐﺘﮭﺎ ،ﺑﺎﻹﯾﻤﺎء أن ﻣﻦ ﻣﺼﻠﺤﺘﮭﺎ ﻏﻠﻖ اﻟﻨﺎﻓﺬة ﺑﺄﺳﺮع ﻣﺎ ﯾﻤﻜﻦ ﻟﺌﻼ ﺗﺜﯿﺮ ﺣﻨﻖ اﻟﺤﺮاس .وﻟﻜﻦ ﻓﺎﺟﺄﻧﻲ ذﻛﺎء ھﺬه اﻟﻤﺮأة اﻟﺸﺎﺑﺔ اﻟﺘﻲ ﺗﻔﮭﻢ اﻟﻮﺿﻊ ﺑﻄﺮﻓﺔ ﻋﯿﻦ .وﻓﯿﻤﺎ ﺑﻌﺪ، 200
أﻣﻜﻨﻨﻲ اﻻﺗﺼﺎل ﺑﮭﺎ ،ﻣﺘﻮﺳﻠﺔ اﻷﻏﺎﻧﻲ اﻟﺪﯾﻨﯿﺔ اﻟﺘﻲ رﺣﺖُ أدﻧﺪﻧﮭﺎ ﺑﺼﻮت ﻣﻨﺨﻔﺾ. ﻛﻨﺎ ﻧﻘﺪر اﻷﻣﻮر ،ﻋﻦ ﺑﻌﺪ. وﺳﺮﻋﺎن ﻣﺎ رﺳﺨﺖ اﻟﺜﻘﺔ ﺑﯿﻨﻨﺎ .وإذا ﻣﺎ ﺑﺎﻏﺘﺘﻨﺎ ﻣﻘﺎدﯾﺮﻧﺎ ﻓﻲ اﻟﺴﺠﻦ ،رأﯾﺘﮭﺎ ﻟﻢ ﺗﺘﻮان ﻋﻦ اﻟﻤﺨﺎﻃﺮة ﻹﺑﻼﻏﻲ رﺳﺎﺋﻞ ﺗﺘﻌﻠﻖ ﺑﺎﻟﻤﻨﺎﻗﻼت اﻟﺠﺎرﯾﺔ ﻋﻠﻰ وﻗﻊ اﻻﺳﺘﺠﻮاﺑﺎت .وﺣﺎﻟﻤﺎ أﺗﯿﺢ ﻟﻲ اﻻﺗﺼﺎل ﺑﺎﻟﻠﺠﻨﺔ اﻟﺪوﻟﯿﺔ ﻟﻠﺼﻠﯿﺐ اﻷﺣﻤﺮ ،أﺑﻠﻐﺖ أﻓﺮادھﺎ ﺑﻮﺟﻮد "ﺣﻨﺎن" ،وﻛﺎﻧﺖ إدارة اﻟﻤﻌﺘﻘﻞ أﻏﻔﻠﺖ ذﻛﺮ اﻟﻤﻌﺘﻘﻠﺔ اﻟﺠﺪﯾﺪة. وﻓﻲ ھﺬه اﻷﺛﻨﺎء وﺻﻠﺖ ﻣﻌﺘﻘﻠﺘﺎن اﺛﻨﺘﺎن ،وﻟﻢ ﯾﺒﻖ ﻓﻲ ﻣﻌﺘﻘﻞ اﻟﺨﯿﺎم إﻻ ﺛﻼث ﻧﺴﺎء ﻓﻲ ﻣﻘﺎﺑﻞ ﻋﺸﺮات اﻟﺴﺠﻨﺎء ﻣﻦ اﻟﺮﺟﺎل. أﻓﺎدت "ﺣﻨﺎن" ﺳﺮﯾﻌﺎً ﻣﻦ ﺗﻘﻨﯿﺔ اﻻﺗﺼﺎل اﻟﺤﺪﯾﺜﺔ اﻟﺘﻲ ﻛﻨﺎ أﻗﻤﻨﺎھﺎ ﻓﻲ اﻟﺰﻧﺎزﯾﻦ اﻟﺤﺪﯾﺜﺔ ،اﻟﻤﺒﻨﯿﺔ ﻟﺬر رﻣﺎد اﻟﻌﻨﺎﯾﺔ ﺑﺎﻟﺴﺠﻨﺎء ﻓﻲ ﻋﯿﻮن اﻟﺰاﺋﺮﯾﻦ ﻣﻦ اﻟﻠﺠﻨﺔ اﻟﺪوﻟﯿﺔ ﻟﻠﺼﻠﯿﺐ اﻷﺣﻤﺮ .وﻛﺎﻧﺖ ﻣﺠﺎري اﻟﻤﻐﺎﺳﻞ ﻷﺷﮭﺮ ﻛﺜﯿﺮة ﺧﻠﺖ ﺑﻤﺜﺎﺑﺔ ﻗﻨﻮات ﻟﻼﺗﺼﺎل ،ﻧﺘﺒﺎدل ﺧﻼﻟﮭﺎ أﻛﺜﺮ اﻷﺣﺎدﯾﺚ ﺳﺮﯾﺔ ،ﻓﻲ ﺣﯿﻦ ﺑﺪت اﻟﯿﻮم ﻋﻠﻰ ھﯿﺌﺔ ﻣﻦ اﻟﺮﻓﺎھﯿﺔ ﻻ ﺗﺼﺪق ،إذ ﻛﺎن ﯾﻜﻔﻲ إﺣﺪاﻧﺎ أن ﺗﺘﻜﻠﻢ، ﺑﺼﻮت ﺧﺎﻓﺖ ،ﻓﻮق ﻓﻮھﺔ اﻟﻤﺠﺮى ،ﺛﻢ ﺗﺼﯿﺦ اﻟﺴﻤﻊ ﻟﺘﺘﻠﻘﻰ اﻟﺠﻮاب ﻣﻦ اﻟﺼﺪﯾﻘﺔ اﻟﻤﻘﺼﻮدة .وإﺿﺎﻓﺔ إﻟىﺎﻟﺮﺳﺎﺋﻞ اﻟﻤﻮﺟﺰة اﻟﺘﻲ ﻛﻨﺖ أﺑﻌﺚ ﺑﮭﺎ إﻟﻰ "ﺣﻨﺎن"، وﻗﺪ وارﯾﺘﮭﺎ ﺑﺄﻏﺎن ذات ﻃﺎﺑﻊ ﻣﺤﺎﯾﺪ ،ﺟﻌﻠﺖُ أﻧﺒﺌﮫ ﺑﺎﻟﻔﺨﺎخ اﻟﻤﻨﺼﻮﺑﺔ ﺣﻮل ﻣﻌﺘﻘﻞ اﻟﺨﯿﺎم ،ورﺳﻤﺖُ ﻟﮭﺎ 201
ﺻﻮرة ﺳﺮﯾﻌﺔ ﻋﻦ اﻟﻤﺴﺘﺠﻮﺑﯿﻦ اﻟﺬي ﺗﺼﺪت ﻟﮭﻢ ﺑﻘﺴﺎوة ﺷﺪﯾﺪة. وﻟﻢ ﯾﻠﺒﺚ ھﺆﻻء أن اﻗﺘﻨﻌﻮا ﺑﺄن اﻟﻤﺮأة اﻟﺸﺎﺑﺔ ھﺬه ﻟﯿﺲ ﻗﺮﯾﺒﺔ ﻟﻘﺎﺋﺪ ﻋﺴﻜﺮي ﻓﻲ ﺣﺰب اﷲ ﻓﺤﺴﺐ ،إﻧﻤﺎ ھﻲ ﻛﺬﻟﻚ ﻣﻨﺎﺿﻠﺔ ﻧﺸﻄﺔ ،وﻗﺪ اﺳﺘﺨﺪﻣﺖ ﻛﺴﺎﻋﯿﺔ ﺑﯿﻦ ﻓﺮق اﻟﻤﻘﺎوﻣﯿﻦ .وﻣﻦ ﺟﮭﺘﮭﺎ ،ﻟﻢ ﺗﻜﻦ ﺣﻨﺎن ﻟﺘﺘﺮاﺧﻰ ﺣﯿﺎل ﻣﺴﺘﺠﻮﺑﯿﮭﺎ ،ﻓﯿﺄﺧﺬ ﺑﮭﺎ اﻟﻐﻀﺐ اﻟﺸﺪﯾﺪ ﻣﻦ ﺟﻼدﯾﮭﺎ ،ﻛﻠﻤﺎ ذﻛﺮوا اﺳﻢ اﻷﻣﯿﻦ اﻟﻌﺎم ﻟﺤﺰب اﷲ "ﺣﺴﻦ ﻧﺼﺮ اﷲ"، ﻣﺠﺮداً ﻣﻦ ﻟﻘﺒﮫ اﻟﻤﮭﯿﺐ "اﻟﺴﯿﺪ" ،اﻟﺬي ﯾﺆﻛﺪ ﻧﺴﺒﺘﮫ إﻟﻰ ﺳﻼﻟﺔ اﻟﻨﺒﻲ ،ﻣﻤﺎ ﻛﺎن ﯾﻄﻠﻖ ﻏﻀﺒﮭﻢ اﻟﻌﺎرم ﻣﻦ ﻋﻘﺎﻟﮫ. وﺑﻔﻀﻞ اﻷﺣﺎدﯾﺚ اﻟﺘﻲ ﺟﺮت ﻟﻲ ﻣﻌﮭﺎ ،أﻣﻜﻦ ھﺬه اﻟﻤﺮأة اﻟﺸﺎﺑﺔ أن ﺗﺘﺠﻨﺐ إﺛﺎرة ﻣﺴﺘﺠﻮﺑﯿﮭﺎ .وھﻜﺬا ،أﻧﺒﺄﺗﮭﺎ ﺑﮭﻮﯾﺔ أﺣﺪ ھﺆﻻء اﻟﻤﺴﺘﺠﻮﺑﯿﻦ ،وھﻮ ﻣﺴﻠﻢ ،ﻓﻲ ﺣﯿﻦ ﻇﻞ ﻣﺼﺮاً ﻋﻠﻰ ادﻋﺎﺋﮫ اﻻﻧﺘﻤﺎء إﻟﻰ اﻟﻤﺴﯿﺤﯿﺔ ،ﻛﻠﻤﺎ ﻛﺎﻧﺖ ﻓﻲ ﺣﻀﺮﺗﮭﻢ .وﻟﻤﺎ أﺧﺒﺮﺗﮫ أﻧﮫ ﻓﻲ ﺣﻘﯿﻘﺘﮫ ،ﯾﻨﺘﻤﻲ إﻟﻰ ﻗﺮﯾﺔ ذات أﻏﻠﺒﯿﺔ ﻣﺴﻠﻤﺔ ،ﺑﻌﺪ أﺳﺎﺑﯿﻊ ﻣﻦ ﺣﻮارﻧﺎ ،ﻇﻞ ﻣﺴﻤﺮاً ﻓﻲ ﻣﻜﺎﻧﮫ وﻗﺪ ﺗﻤﻠﻜﮫ اﻟﺬھﻮل واﻻرﺗﺒﺎك. ﺛﻢ إن "ﺣﻨﺎﻧﺎً" ﻧﺠﺤﺖ ﻓﻲ ﺗﺪﺑﯿﺮ ﻣﻘﻠﺐ آﺧﺮ ،ﻃﺮﯾﻒ ،ﯾﻮم وُﺿﻌﺖ ﻓﻲ ﺣﻀﺮة إﺣﺪى اﻟﻤﻌﺎوﻧﺎت ،وﻗﺪ ﺣﺎوﻟﺖ ھﺬه اﻷﺧﯿﺮة إدﻋﺎء اﻟﻤﻌﺎﻣﻠﺔ اﻟﺴﯿﺌﺔ ﻣﻦ ﻗﺒﻞ ﺟﻼدﯾﮭﺎ ﻓﻲ إﺣﺪى ﺟﻠﺴﺎت اﻻﺳﺘﺠﻮاب .وﻟﻤﺎ ﻛﻨﺖُ أﻓﻀﯿﺖ إﻟﻰ"ﺣﻨﺎن" ﺑﺎﻟﻜﺜﯿﺮ ﻣﻦ ﻣﺠﺮﯾﺎت اﻟﺘﺤﻘﯿﻖ .اﻻﺳﺘﺠﻮاب واﻟﺘﻌﺬﯾﺐ وﻣﻦ ﻗﻮام اﻟﻤﺘﻌﺎوﻧﺎت أﯾﻀﺎً ،ﻓﻘﺪ ﺗﺒﯿﻨﺖ ﻋﻠﻰ اﻟﻔﻮر ﺑﻌﺾ ﻣﻌﺎﻟﻢ اﻟﺘﻄﺮﯾﺔ ﻋﻠﻰ ﺷﻔﺘﻲ ﻣﺤﺪﺛﺘﮭﺎ .وﺳﺮﻋﺎن ﻣﺎ رﺣﺎت ﺗﻜﯿﻞ ﻟﮭﺎ اﻹﻃﺮاء ﺗﻠﻮ اﻹﻃﺮاء ﻋﻠﻰ ﺟﻮدة اﻟﻤﺴﺤﻮق 202
اﻟﻌﺎﻟﯿﺔ ،ﻓﺄﺧﺬ اﻹﺿﻄﺮاب اﻟﻤﻌﺎوﻧﺔ ،وأﻛﺪت ﻟﮭﺎ أن ذﻟﻚ ھﻮ ﻟﻮن ﺑﺸﺮﺗﮭﺎ اﻟﻄﺒﯿﻌﻲ .وﻟﻢ ﺗﻘﻒ ﺣﻨﺎن ﻋﻨﺪ ھﺬا اﻟﺤﺪ، ﺑﻞ راﺣﺖ ﺗﺴﺄل ﻣﺤﺪﺛﺘﮭﺎ ﻋﻦ ﻇﺮوف اﺳﺘﺠﻮاﺑﮭﺎ أﺳﺌﻠﺔ دﻗﯿﻘﺔ ،ﻟﺘﻌﻮد ﻓﺘﺴﺠﻞ اﻷﺧﻄﺎء اﻟﻜﺜﯿﺮة ﻓﻲ وﺻﻔﮭﺎ اﻷﻣﻜﻨﺔ واﻷﺷﯿﺎء اﻟﺘﻲ ﺟﺎورﺗﮭﺎ ﺳﺎﻋﺎت ﻃﻮاﻻً .ﺛﻢ وﺟﮭﺖ إﻟﯿﮭﺎ ﺳﺆاﻻً ﻣﻔﺎﺟﺌﺎً ﻋﻦ ﻟﻮن اﻟﺪﻟﻮ اﻟﺼﺤﯿﺔ اﻟﻤﺴﺘﺨﺪﻣﺔ ﻓﻲ اﻟﺰﻧﺰاﻧﺔ اﻟﺘﻲ ﯾﺘﺪﻋﻲ اﻟﺨﯿﺮة ارﺗﯿﺎدھﺎ .ﻓﺘﻮﻟﻰ اﻟﺬھﻮل ھﺬه اﻟﻤﺘﻌﺎوﻧﺔ ،وﻗﺎﻟﺖ وھﻲ ﻣﺘﻠﺠﻠﺠﺔ ،أن ﻟﻮﻧﮭﺎ ﻣﺎﺋﻞ إﻟﻰ اﻟﻔﻮﺷﯿﺎ .ﻋﻨﺪﺋﺬ ﻟﻢ ﺗﺘﻤﺎﻟﻚ ھﺬه اﻟﻔﺘﺎة ﻋﻦ إﻃﻼق ﻓﺮﺣﺘﮭﺎ )ﺑﮭﺬا اﻟﻜﺸﻒ اﻟﻤﯿﺴﺮ ﻟﻠﻜﺬب) ،وھﻲ اﻟﻔﺘﺎة اﻟﺸﯿﻌﯿﺔ اﻟﺘﻲ ﻻ ﺗﻨﻲ ﺗﺬﻛﺮ ﺑﺄن ھﺬه اﻟﺪﻻء إﻧﻤﺎ ھﻲ ﻣﺼﻨﻮﻋﺔ ﺑﺎﻷﺳﺎس ﻟﺘﻜﻮن ﺻﻔﺎﺋﺢ ﻟﻠﺰﯾﺖ وأﻧﮭﺎ ﻻ ﺗﻌﺮف أﻧﻮاﻋﺎً ﻣﻦ اﻟﺪﻻء ﺗﺴﺘﺨﺪم ھﺬا اﻟﻠﻮن اﻷﻗﻞ ﺷﯿﻮﻋﺎً ،ﻋﻠﻰ اﻹﻃﻼق .وﻓﯿﻤﺎ ﺑﻌﺪ ،ﺣﺜﺜﺖ ﺣﻨﺎﻧﺎً ﻋﻠﻰ اﻟﻜﺸﻒ ﻋﻦ" ﻣﯿﻜﺮو" ،ﯾﺤﺘﻠﻢ أن ﯾﻜﻮن ﻣﺨﻔﯿﺎً ﻓﻲ زﻧﺰاﻧﺘﮭﺎ .وﺑﺎﻟﻔﻌﻞ ،ﻓﻘﺪ أﻣﻜﻦ ﻟﮭﺎ أن ﺗﻜﺸﻒ ﻋﻦ وﺟﻮد أﺣﺪھﺎ ،ﺑﻌﺪ ﺳﺎﻋﺎت وﺳﺎﻋﺎت ﻣﻦ اﻟﺘﻔﺘﯿﺶ واﻟﺘﻨﻘﯿﺐ اﻟﺪﻗﯿﻘﯿﻦ ،وﺳﺮﻋﺎن ﻣﺎ ﻋﻤﻠﺖ ﻋﻠﻰ ﺗﻌﻄﯿﻠﮫ ﺑﺄھﺪأ ﻣﺎ ﯾﻜﻮن. ﺣﺘﻰ أن أﺑﺎ ﻧﺒﯿﻞ ﻧﻔﺴﮫ ،ﻟﻤﺎ أدرك أن أول ﻋﻤﻞ ﻗﺎﻣﺖ ﺑﮫ ﺣﻨﺎن ھﻮ رﻓﻌﮭﺎ اﻟﻤﺮآة اﻟﻤﻌﻠﻘﺔ ﻓﻲ ﻗﺎﻋﺔ اﻻﺳﺘﺠﻮاب ﻟﻠﺘﺄﻛﺪ ﻣﻤﺎ إذا ﻛﺎﻧﺖ ﺗﺨﻔﻲ وراءھﺎ آﻟﺔ ﻟﻠﺘﻨﺼﺖ ،ﻟﻤﺎ ﻋﻠﻢ ﺑﮭﺬا اﻷﻣﺮ ﺗﮭﯿﺐ ھﺬه اﻟﻔﺘﺎة ،وﺣﯿﺎھﺎ ﻣﺆﻛﺪاً ﻟﮭﺎ أن اﺧﺘﺒﺎراً ﻛﮭﺬا ﻻ ﯾﻤﻜﻦ أن ﺗﺄﺗﻲ ﺑﮫ ﺷﺎﺑﺔ ﺑﻌﻤﺮھﺎ .ﻏﯿﺮ أن ﺣﻨﺎﻧﺎً ﻟﻢ ﺗﻜﻦ ﻣﺒﺘﺪﺋﺔً ﻓﻲ اﻟﻮاﻗﻊ .ﻓﮭﻲ ﺑﺎﺷﺮت ﻧﻀﺎﻟﮭﺎ ﻣﻨﺬ ﻃﻔﻮﻟﺘﮭﺎ ،إذا ﺻﺢ اﻟﺘﻌﺒﯿﺮ .إﻻ أﻧﮭﺎ ارﺗﻜﺒﺖ ﺧﻄﺄ ﻓﻲ ﻣﻮاﺟﮭﺔ ﻗﺎﺋﺪ ﻣﻌﺘﻘﻞ اﻟﺨﯿﺎم ،إذ أﺑﻠﻐﺘﮫ ﺑﺎﺳﻤﮭﺎ اﻟﺤﺮﻛﻲ ﻓﻲ اﻟﻤﻘﺎوﻣﺔ :زھﺮة .وﻛﺎن ھﺬا اﻻﺳﻢ ﺿﺎﻟﺔ ﺟﮭﺎز اﻷﻣﻦ، 203
اﻟﺬي اﻛﺘﺸﻒ رﺟﺎﻟﮫ ﻓﻲ وﺛﺎﺋﻘﮭﻢ أن ﺧﻄﻄﺎً ﻓﻲ ﻧﻘﻞ اﻷﺳﻠﺤﺔ وﻓﻲ ﻏﯿﺮھﺎ ،ﻛﺎﻧﺖ ﺳُﺮﻗﺖ ﻓﻨُﺴﺨﺖ ،ورُدت اﻷﺻﻠﯿﺔ ﻣﻨﮭﺎ ،وﻗﺪ ﻣﮭﺮت ﺑﺮﺳﻢ "زھﺮة "وﺗﻮﻗﯿﻌﮭﺎ ،اﻟﺘﻲ ﻟﻢ ﺗﻜﻦ ﺳﻮى ﺣﻨﺎن ،وﻛﺎﻧﺖ ﻓﻲ اﻟﺮاﺑﻌﺔ ﻋﺸﺮة ﻣﻦ ﻋﻤﺮھﺎ ،ﻟﯿﺲ إﻻ. وﻛﺎن ﻣﺼﯿﺮي ﺷﺒﯿﮭﺎً ﺑﻤﺼﯿﺮھﺎ إﻟﻰ ﺣﺪ ﺑﻌﯿﺪ ،وﻣﺎ أدراﻧﺎ أن اﻟﻘﺪر ﺳﻮف ﯾﻠﻌﺐ ﻟﻌﺒﺘﮫ ،ﻟﺪى ﻛﻞ ﻣﻨﺎ .وﺗﻘﻠﺒﺖ اﻟﻈﺮوف ،ﻓﺮأﯾﺖ ﺣﻨﺎﻧﺎً ﻣﻮﺿﻮﻋﺔ ﻓﻲ زﻧﺰاﻧﺘﻲ .وﻛﺎﻧﺖ ھﺬه اﻟﻤﺮة اﻷوﻟﻰ اﻟﺘﻲ أﻗﺎﺳﻢ ﻓﯿﮭﺎ زﻣﯿﻠﺔ ﻟﻲ ﻓﻲ اﻻﻋﺘﻘﺎل ﻣﺪة ﻃﻮﯾﻠﺔ ﻣﻦ اﻟﺰﻣﺎن ،ﺑﻌﺪ أن ﻋﺸﺖُ ﺛﻤﺎﻧﻲ ﺳﻨﻮات ﻓﻲ ﻣﺎ ﯾﻘﺎرب اﻟﻌﺰﻟﺔ .وﻇﻠﻠﻨﺎ ﻧﺘﻘﺎﺳﻢ اﻵﻻم واﻟﺘﺠﺎري ﻋﯿﻨﮭﺎ، ﻃﻮال ﺛﻤﺎﻧﯿﺔ أﺷﮭﺮ ،إﻟﻰ أن رُدت إﻟﻲّ اﻟﺤﯿﺎة ،ﻓﻲ ﻛﺎﻧﻮن اﻟﺜﺎﻧﻲ /ﯾﻨﺎﯾﺮ ﻣﻦ اﻟﻌﺎم .1998 ﻟﻘﺪ ﻛﺎﻧﺖ ﻃﺒﺎع ﻛﻞ ﻣﻨﺎ ﻣﺨﺘﻠﻔﺔ ،ﻛﺎﻧﺖ ﺣﻨﺎن اﻣﺮأة ﺷﺎﺑﺔ ﺟﺎزﻣﺔ ﻓﻲ اﻷﻣﻮر ،وﻻ ﺗﻤﯿﻞ إﻟﻰ اﻟﺘﻨﺎزل ،إﻻ ﻗﻠﯿﻼً .ذات ﻗﺎﻣﺔ ﻃﻮﯾﻠﺔ ،وﺟﻤﯿﻠﺔ ﻟﻠﻐﺎﯾﺔ ﺑﺤﯿﺚ ﺗﺜﯿﺮ ﺣﺴﺪ اﻟﺤﺎرﺳﺎت، ھﻲ اﻟﻤﺘﺄﻧﻘﺔ ﻃﺒﯿﻌﯿﺎً ،وﻟﮭﺎ ﻣﺰاج ﺣﺰﯾﻦ ﻓﻲ ﻃﺒﯿﻌﺘﮫ .وﻟﺌﻦ ﻛﺎﻧﺖ ﺑﻄﺒﻌﮭﺎ ھﺎدﺋﺔ ،ﻓﮭﻲ ﺳﺮﻋﺎن ﻣﺎ ﺗﺸﺘﻌﻞ ﻏﻀﺒﺎً .وإذا أﺛﺎرھﺎ اﻟﻤﺴﺘﺠﻮﺑﻮن وﻟﻜﺰوھﺎ ،وﺟﺪﺗﮭﺎ وﻗﺪ ردت ﻋﻠﻰ اﻟﺘﺤﺪي ﺑﻤﺜﻠﮫ ،ﻣﺎ داﻣﺖ ﻏﯿﺮ ﻗﺎدرة ﻋﻠﻰ إﺧﻔﺎء ﻣﺸﺎﻋﺮھﺎ اﻟﺼﺎدﻗﺔ .وﻣﻊ ﻛﻮﻧﮭﺎ ﻣﻐﺘﺼﺒﺔ ،ﻣﻦ ﻗﺒﻞ ﺟﻼدﯾﮭﺎ ،ﻓﻘﺪ ﻇﻠﺖ ﻣﻌﺘﺼﻤﺔ ﺑﺈﯾﻤﺎﻧﮭﺎ اﻋﺘﺼﺎﻣﮭﺎ ﺑﺤﺰﺑﮭﺎ .ﺑﯿﺪ أن ذﻟﻚ ﻟﻢ ﯾﺤﻞ دون اﻧﻔﺘﺎﺣﮭﺎ ﻋﻠﻰ اﻷﺧﺮﯾﺎت ﻣﻦ اﻟﻄﻮاﺋﻒ واﻟﻤﺜﻞ اﻟﻤﺨﺘﻠﻔﺔ ﻋﻤﺎ ﻟﺪﯾﮭﺎ .ﻛﺬﻟﻚ ،ﻟﻢ ﺗﺠﺪ ﻓﯿﮭﺎ أي أﺛﺮ ﻣﻦ اﻟﺘﺒﺸﯿﺮﯾﺔ.
204
أﻣﺎ أﻧﺎ ،اﻟﻤﻌﺘﺒﺮة ﺷﯿﻮﻋﯿﺔ وﻣﺴﯿﺤﯿﺔ ﻓﻠﻢ أﺟﺪ أي ﺻﻌﻮﺑﺔ ﻓﻲ إﻗﺎﻣﺔ ﻋﻼﻗﺔ ﻣﺘﯿﻨﺔ وﻋﻤﯿﻘﺔ ﻣﻊ ھﺬه اﻟﻤﻨﺎﺿﻠﺔ اﻟﺜﺎﺑﺘﺔ ﻓﻲ ﻋﺰﻣﮭﺎ .ﻓﻜﺎن أول ﻣﺎ ﯾﮭﻤﮭﺎ ﻓﻲ اﻟﺪﻧﯿﺎ ﻣﻘﺎﺗﻠﺔ اﻟﻤﺤﺘﻞ اﻹﺳﺮاﺋﯿﻠﻲ .وإذا ﻣﺎ ﻟﻤﺴﺖ ﻓﻲ ﻣﺤﺪﺛﺘﮭﺎ ﻇﻼً ﻣﻦ اﻟﺸﻚ أو ﻋﺪم اﻟﺘﻘﺪﯾﺮ ،أﻣﻜﻨﮭﺎ أن ﺗﻌﻮد أدراﺟﮭﺎ وﺗﺤﻔﻆ ﺣﺮﻣﺘﮭﺎ اﻟﻤﺄﻣﻮﻧﺔ .ﻛﺎﻧﺖ ﺣﻨﺎن ﻓﻲ ﻧﻈﺮي ،اﻣﺮأة ﻧﺸﻄﺔ ،ﻣﺴﺘﻌﺪة ﻟﻠﺒﺬل أﯾﺎ ﺗﻜﻦ اﻟﻈﺮوف ،ﻓﻲ ﺣﯿﻦ ﻇﻠﻠﺖُ ﻣﺴﺘﻌﺪة ﻃﻮال اﻟﺰﻣﻦ اﻟﻤﻨﻘﻀﻲ ﻻﻧﺘﻈﺎر اﻟﺰﻣﻦ واﻟﻮﺳﯿﻠﺔ اﻟﺬﯾﻦ ﯾﺘﯿﺤﺎن ﻟﻲ اﻟﻨﻀﺎل. ﻓﻲ واﻗﻊ اﻷﻣﺮ ،ﻛﻨﺎ ﻧﺘﻘﺎﺳﻢ اﻟﺮؤﯾﺔ ﻧﻔﺴﮭﺎ ﻓﻲ ﻣﻘﺎوﻣﺔ ﺿﺪ ﺟﯿﺶ اﻻﺣﺘﻼل ،ﻣﻘﺎوﻣﺔ ﺣﯿﺚ ﯾﺠﺪ ﻛﻞ ﻟﺒﻨﺎﻧﻲ ﻣﻜﺎﻧﮫ ودوره اﻟﻔﺎﻋﻠﯿﻦ .وﻓﻀﻼً ﻋﻦ ذﻟﻚ ،ﻓﻘﺪ ﻛﻨﺖ أﻋﺪ ﻟﻮﺣﺔ ﻛﺒﯿﺮة ﺗﺨﺘﺼﺮ ﻓﻲ اﻟﺮﻗﻢ ،425وھﻮ رﻗﻢ اﻟﻘﺮار اﻟﺬي اﺗﺨﺬﺗﮫ اﻷﻣﻢ اﻟﻤﺘﺤﺪة وﺳﺒﻖ أن اﻋﺘﻤﺪ ﻓﻲ اﻟﻌﺎم ،1978 وھﻮ ﯾﺪﻋﻮ إﺳﺮاﺋﯿﻞ إﻟﻰ اﻻﻧﺴﺤﺎب ﻣﻦ اﻟﻤﻨﻄﻘﺔ اﻟﻤﺤﺘﻠﺔ ﻣﻦ ﺟﻨﻮب ﻟﺒﻨﺎن دون ﻗﯿﺪ أو ﺷﺮط .وﻗﺪ اﺣﺘﻄﺖ ﻟﺠﻌﻞ ھﺬا اﻟﺮﻗﻢ ﻣﺮﺋﯿﺎً ﻣﻦ رﺟﺎل اﻟﻤﻌﺘﻘﻞ .وﺑﺎﻟﻄﺒﻊ ،ﻛﺎن ﻣﺠﺮد ذﻛﺮ ھﺬا اﻟﻨﺺ ﻓﻲ ﻣﻌﺘﻘﻞ اﻟﺨﯿﺎم ،ﻣﺤﻈﻮراً. وﻣﺮت اﻷﯾﺎم إﻟﻰ ﺟﺎﻧﺐ" ﺣﻨﺎن" ،ﻧﻘﻀﯿﮭﺎ ﻓﻲ ﺣﺪﯾﺚ اﻟﺴﯿﺎﺳﺔ واﻟﻐﻨﺎء واﻟﻘﺮاءة .ﻋﺮّﻓﺘﮭﺎ ﺑﻤﺎرﺳﯿﻞ ﺧﻠﯿﻔﺔ وأﻏﺎﻧﯿﮫ اﻟﻤﻠﺘﺰﻣﺔ .وﺑﺎﻟﻤﻘﺎﺑﻞ ﺟﻌﻠﺖ ﺗﻌﻠﻤﻨﻲ أﻧﺎﺷﯿﺪ ﺣﺰب اﷲ اﻟﻌﺴﻜﺮﯾﺔ .وﻓﻲ اﻟﺒﺪء ،ﻛﻨﺎ ﻧﺤﯿﺎ ﺣﯿﺎة ﻣﻠﺆھﺎ اﻟﺤﻤﺎس واﻟﻔﺮح .وﻓﻲ ﺧﻼل اﻟﺰﯾﺎرات اﻟﻤﺄذون ﻟﮭﺎ ،ﻏﺎﻟﺒﺎً ﻣﺎ ﻛﻨﺎ وﻋﺎﺋﻠﺘﺎﻧﺎ ﻣﺘﻮاﺟﺪﯾﻦ ،ﺟﻨﺒﺎً إﻟﻰ ﺟﻨﺐ ،ﻣﺎ ﻛﺎن ﯾﺴﺮﻧﺎ وﯾﻤﺾ اﻟﺤﺮاس وﯾﻐﯿﻈﮭﻢ.
205
وﺟﻌﻞ أﻓﺮاد ﻋﺎﺋﻠﺘﯿﻨﺎ ﯾﻄﻠﺒﻮن ﻣﻦ ﻛﻞ ﻣﻨﺎ أن ﺗﮭﺘﻢ ﻟﺸﺄن اﻷﺧﺮى ،وﯾﻠﺢ ﻛﻞ ﻣﻨﮭﻤﺎ ﻋﻠﻰ ھﺬه اﻟﺼﻠﺔ ،ﻣﺎ داﻣﺖ اﻟﺼﻮرة اﻟﺮاﺳﺨﺔ ﻓﻲ أذھﺎن اﻟﺠﻼدﯾﻦ ﻋﻨﺎ ،أﻧﻨﺎ اﻣﺮأﺗﺎن ﻣﻐﺎﻣﺮﺗﺎن. وﻟﻢ ﺗﻤﺾ أﺳﺎﺑﯿﻊ ﺣﺘﻰ ﺗﻤﻠﻚ اﻟﻤﺮض ﺣﻨﺎن ،ﻓﻜﺎن أﻟﻤﺎ ﻣﺎﻛﺮا ﯾﺠﺘﺎح ﻣﻌﺪﺗﮭﺎ .وﺳﺮﻋﺎن ﻣﺎ ﺳﺎء وﺿﻌﮭﺎ، واﻟﻤﺮض ﻓﻲ ﻣﻌﺘﻘﻞ اﻟﺨﯿﺎم ﻻ ﯾﺮﺣﻢ .وھﺎ ھﻲ ﺗﺒﺼﻖ دﻣﺎً واﻻﻟﺘﮭﺎب اﻟﺬي ﺑﺎت ﻣﻤﺘﺪاً إﻟﻰ ﺑﻄﻨﮭﺎ ﻻ ﯾﻤﻜﻦ ﻣﺪاواﺗﮫ ﻓﻲ ھﺬه اﻷﻣﻜﻨﺔ ،وﻓﻲ ﻏﯿﺎب اﻟﻤﻤﺮﺿﯿﻦ اﻷﻛﻔﺎء .إذاً، ﺗﻮﺟﺐ ﻋﻠﻲ إﻗﻨﺎع إدارة اﻟﻤﻌﺘﻘﻞ ﺑﺈﺧﺮاج "ﺣﻨﺎن" ﻣﺨﻔﻮرةً إﻟﻰ ﻣﺴﺘﺸﻔﻰ ﻣﺮﺟﻌﯿﻮن .وﺑﻌﺪ ﺻﺮاع ﻣﺮﯾﺮ ﺣﻈﯿﻨﺎ ﺑﺎﻟﻤﻮاﻓﻘﺔ .ﻓﺨﺮﺟﺖ ﺣﻨﺎن ،ﯾﺪاھﺎ ﻣﻘﯿﺪﺗﺎن وﻋﯿﻨﺎھﺎ ﻣﻌﺼﻮﺑﺘﺎن ،إﻟﻰ اﻟﻤﺴﺘﺸﻔﻰ ﻹﺟﺮاء اﻟﻔﺤﻮﺻﺎت اﻟﻀﺮورﯾﺔ ﻟﮭﺎ. وﻟﻜﻦ ﻧﺘﺎﺋﺞ اﻟﺘﺤﻠﯿﻞ اﻟﺘﻲ أﺟﺮﯾﺖ ﻓﻲ اﻟﻤﺴﺘﺸﻔﻰ ،ﻟﻢ ﺗﺘﺢ ﺗﺸﺨﯿﺼﺎً ﺣﻘﯿﻘﯿﺎً .وﻣﻨﺬ ذﻟﻚ اﻟﺤﯿﻦ ،ﺗﻮاﻟﺖ زﯾﺎرات ﺣﻨﺎن إﻟﻰ اﻟﻤﺴﺘﺸﻔﻰ ،ﺣﺘﻰ ﺻﺮتُ ﻗﻠﻘﺔ ﻋﻠﻰ ﺣﺎﻟﺔ ﺻﺪﯾﻘﺘﻲ، وﻛﻠﻤﺎ أﺗﻰ أھﻠﮭﺎ ﻟﺰﯾﺎرﺗﮭﺎ أﻧﻜﺮت ﻛﻞ إﺷﺎﻋﺔ ﺣﻮل ﺻﺤﺘﮭﺎ ،وﻃﻤﺄﻧﺘﮭﻢ إﻟﻰ أﻧﮭﺎ ﻓﻲ ﺣﺎل ﺟﯿﺪة .ﻣﻦ ﺟﮭﺘﻲ، ﺻﺮتُ أﺧﺸﻰ أن ﺗﺤﻤﻞ اﻷﯾﺎم ﻟﻲ أﺧﺒﺎراً ﺳﯿﺌﺔ ﻋﻦ ﺻﺤﺘﮭﺎ. وﻣﺎذا ﻟﻮ ﻛﺎن اﻟﻤﺮض ﺷﻜﻼً ﻣﻦ اﻟﺴﺮﻃﺎن؟ وﻛﻠﻤﺎ ﺗﻜﺎﺛﺮت زﯾﺎرات ﺣﻨﺎن وﻃﺎﻟﺖ إﻗﺎﻣﺘﮭﺎ ﻓﻲ اﻟﻤﺴﺘﺸﻔﻰ ،ازددتُ ﻗﻠﻘﺎً وﺧﻮﻓﺎً ﻋﻠﯿﮭﺎ .وﺑﺎت ﻏﯿﺎﺑﮭﺎ ﺷﺪﯾﺪ 206
اﻟﻮﻃﺄة ﻋﻠﻲ .رﻏﻢ أن اﻟﻤﺴﺘﺸﻔﻰ ﻟﻢ ﯾﻜﻦ ﻣﻜﺎﻧﺎً ﻣﺠﮭﻮ ً ﻻ ﻟﻲ ،إذ أُدﺧﻠﺖ إﻟﯿﮫ ﻓﻲ ﺣﺎﻟﺔ ﻃﺎرﺋﺔ ﻟﻼﺳﺘﻔﺴﺎر ﻋﻦ أﺳﺌﻠﺔ ﺗﺘﻌﻠﻖ ﺑﺎﻷﺳﻨﺎن .وﻛﺎن اﻟﻄﺒﯿﺐ اﻟﺬي داواﻧﻲ ﻋﻠﻰ ﻗﺪر ﻗﻠﯿﻞ ﻣﻦ اﻟﻤﮭﺎرة .وﻛﻨﺖ أﻋﺮف أن ﺳﺠﻨﺎء ﻣﻌﺘﻘﻞ اﻟﺨﯿﺎم، اﻟﻨﺎزﻟﯿﻦ ﻋﻠﻰ ﺣﺴﺎب ﺟﮭﺎز اﻷﻣﻦ اﻟﺬي ﯾﺨﺸﻰ ﻓﺮار ﺳﺠﻨﺎﺋﮫ ،ﻛﺎﻧﻮا ﯾٌﯿﺪون ﺑﺄﺳﺮﺗﮭﻢ ﻃﻮال إﻗﺎﻣﺘﮭﻢ ﻓﯿﮫ .وﻣﺎ ﻛﺎن اﻻﺳﺘﺸﻔﺎء ﯾﻮﻣﺎً ﻟﯿﺤﻮل دون ﻣﻤﺎرﺳﺔ اﻟﻘﺴﻮة ﻓﻲ ﺣﻖ ھﺆﻻء اﻟﻤﺮﺿﻰ .ﻓﻔﻲ إﺣﺪى اﻻﺳﺘﺸﻔﺎءات اﻟﻜﺜﯿﺮة، ﺧﻀﻌﺖ "ﺣﻨﺎن" ﻻﺳﺘﺠﻮاب ﻣﻦ ﺷﺨﺺ ﺣﻠﯿﻖ اﻟﺮأس، وراح ﯾﺴﺄﻟﮭﺎ ،ﻣﻦ ﻧﺎﻓﺬة ﻏﺮﻓﺘﮭﺎ ،إن ﻛﺎﻧﺖ ﺗﺮﯾﺪ ﺷﯿﺌﺎً، وأﻟﺢ ﻓﻲ ﺳﺆاﻟﮫ .وﻟﻜﻦ ﺻﺪﯾﻘﺘﻲ ﻇﻠﺖ ﻣﻤﺎﻧﻌﺔ ،وﻻ ﺗﻠﯿﻦ، وأدرﻛﺖ أن ﻓﻲ اﻷﻣﺮ ﻓﺨﺎً ،ﯾﺆول إﻟﻰ ﺗﺒﺮﯾﺮ ﻋﺪم اﻟﺴﻤﺎح ﻟﮭﺎ ،ﻣﻦ ﻗﺒﻞ أﺑﻮ ﻧﺒﯿﻞ ،ﺑﺎﺳﺘﺸﻔﺎء آﺧﺮ. وﺑﻌﺪ أﺳﺎﺑﯿﻊ ﻃﻮﯾﻠﺔ ﻣﻦ اﻟﻘﻠﻖ واﻷﻟﻢ ،أﻃﻠﻖ ﺳﺒﯿﻞ "ﺣﻨﺎن" أﺧﯿﺮاً ،ﺑﻨﺎءً ﻋﻠﻰ ﻣﻠﻒ ﻃﺒﻲ ﻣﺘﺮاﻛﻢ .ذﻟﻚ أن ﺣﻨﺎﻧﺎً ﺑﺎﺗﺖ ﻋﺒﺌﺎً ﻋﻠﻰ ﺟﮭﺎز اﻷﻣﻦ ،اﻟﺬي راح ﯾﻨﻔﺮ ﻣﻦ ﺗﺤﻤﻞ ھﺬه اﻟﻤﻌﺘﻘﻠﺔ اﻟﺘﻲ ﺗﻜﺜﺮ ﻣﻦ روﺣﺎﺗﮭﺎ وﺟﯿﺌﺎﺗﮭﺎ إﻟﻰ ﻣﺮﺟﻌﯿﻮن. وھﺎ أﻧﻲ أﺿﯿﻊ وﻟﻤﺮة أﺧﺮى ،ﺻﺪﯾﻘﺔ ﻏﺎﻟﯿﺔ ،وﻟﻜﻦ ﻋﻠﻰ ﯾﻘﯿﻦ ﻣﻦ أﻧﮭﺎ ﺳﻮف ﺗﻠﻘﻰ اﻟﻌﻨﺎﯾﺔ اﻟﺼﺤﯿﺔ اﻷﺳﻠﻢ ﺧﺎرج ﻣﻌﺘﻘﻞ اﻟﺨﯿﺎم. وھﺎ ھﻮ ﻣﻌﺘﻘﻞ اﻟﺨﯿﺎم ﯾُﺤﺒﻂ ،ﻟﻠﻤﺮة اﻟﺜﺎﻧﯿﺔ.
207
إﺧــﻼء اﻟﺴﺒﯿــﻞ ﻛﺎن ﻟﻮﺟﻮد اﻟﻠﺠﻨﺔ اﻟﺪوﻟﯿﺔ ﻟﻠﺼﻠﯿﺐ اﻷﺣﻤﺮ ﺑﯿﻨﻨﺎ ،ﻋﺒﺮ زﯾﺎراﺗﮫ وﻣﺮاﺳﻼﺗﮫ ،ﻋﻈﯿﻢ اﻷﺛﺮ ﻓﻲ ﺗﻐﯿﯿﺮ ﻣﺠﺮى ﺣﯿﺎﺗﻨﺎ. ﻓﺒﻌﺪ أن ﺗﺴﻨﻰ ﻟﻲ أن أرى واﻟﺪﺗﻲ ﻟﻠﻤﺮة اﻷوﻟﻰ ﻣﻨﺬ ﺛﻤﺎﻧﻲ ﺳﻨﻮات ﻋﻠﻰ اﻋﺘﻘﺎﻟﻲ ،ﺻﺎرت ﻟﻘﺎءاﺗﻲ ﻣﻨﺘﻈﻤﺔ ﻋﻠﻰ ﻧﺤﻮ ﻣﺎ ،وﻟﻜﻨﮭﺎ ﺑﻘﯿﺖ رھﻦ إرادة ﺳﺠّﺎﻧﯿﻨﺎ .وﻋُﯿﻨﺖ ﻟﻨﺎ زﯾﺎرة ﺛﺎﻧﯿﺔ ﻓﻲ ﻛﺎﻧﻮن اﻷول /دﯾﺴﻤﺒﺮ ﻣﻦ اﻟﻌﺎم ،1995وﺣﻖ ﻟﻨﺎ ﻓﯿﮭﺎ اﻟﻌﻨﺎق ،ﻏﯿﺮ أﻧﻲ ﻋﺪت وﺣﺮﻣﺖ ﻣﻦ ھﺬه اﻟﺨﻄﻮة ﻟﺨﻤﺴﺔ أﺷﮭﺮ ﻣﺘﻮاﺻﻠﺔ .إذ ﺟﻌﻞ أﺑﻮ ﻧﺒﯿﻞ ﯾﻮاﺻﻞ ﻣﻌﺎﻣﻠﺘﻲ ﺑﺎﻟﻔﻈﺎﻇﺔ ﻧﻔﺴﮭﺎ .وﻧُﻈﻤﺖ زﯾﺎرﺗﺎن أﺧﺮﯾﺎن ﻓﻲ اﻟﻌﺎم .1996وﻓﻲ إﺣﺪى ھﺎﺗﯿﻦ اﻟﻔﺮﺻﺘﯿﻦ، ﻟﻘﯿﺖ واﻟﺪي اﻟﺬي ﻇﻞ ﺻﺎﻣﺘﺎً ،ﻻ ﯾﻨﺒﺲ ﺑﺒﻨﺖ ﺷﻔﺔ ،ﻣﻤﺎ أﻏﺎظ واﻟﺪﺗﻲ ﻓﺎﻧﺪﻓﻌﺖ ﺗﻘﻮل" :إن ﻛﻨﺖ أﺗﯿﺖ ﻟﺘﺒﻘﻰ ﺻﺎﻣﺘﺎً ،ﻓﻼ ﺣﺎﺟﺔ ﻟﻚ ﺑﺎﻟﻤﺠﻲء ."..ﺛﻢ ﻋﺎدت اﻟﻠﻘﺎءات ﺑﯿﻦ اﻟﺴﺠﻨﺎء وﻋﺎﺋﻼﺗﮭﻢ اﻟﻰ اﻻﻧﻘﻄﺎع ﻋﺸﺮة أﺷﮭﺮ ﻣﺘﻮاﺻﻠﺔ. وﻣﻨﺬ أن أُﻃﻠﻖ ﺳﺮاح ﻛﻔﺎح ﻓﻲ اﻟﻌﺎم ،1994ﺷُﺮﻋﺖ أﺑﻮاب ﻣﻌﺘﻘﻞ اﻟﺨﯿﺎم أﻣﺎم اﻟﺴﺠﻨﺎء واﻟﺴﺠﯿﻨﺎت .وﻛﺎن إﻃﻼق ﺳﺮاح ﻛﻞ ﺳﺠﯿﻦ ﻋﯿﺪاً ﻟﻨﺎ ﺟﻤﯿﻌﺎً ،وﻻ ﺳﯿﻤﺎ ﻧﺤﻦ اﻟﺬﯾﻦ ﺑﻘﯿﻨﺎ ﻓﻲ اﻟﺴﺠﻦ ..رأﯾﺘﻨﻲ ﻓﺮﺣﺔً ﺑﺮؤﯾﺔ ھﺆﻻء اﻟﺴﺠﯿﻨﺎت ﯾﺨﺮﺟﻦ اﻟﻰ اﻟﺤﺮﯾﺔ ،وﻟﯿﺲ ﻣﻦ ﻟﻮم ﺑﯿﻨﮭﻦ أو ﻋﺘﺐ .ﻓﺈذا ﻛﻨﺖُ ﻋﻠﻰ ﯾﻘﯿﻦ ﺑﺴﺒﺐ وﺟﻮدي ھﮭﻨﺎ ،ﻓﻠﯿﺲ ذﻟﻚ ﺷﺄن أﻏﻠﺒﯿﺔ اﻟﻨﺴﺎء اﻟﻠﻮاﺗﻲ رﻣﯿﻦ ﻓﻲ زﻧﺎزﯾﻦ اﻟﻨﺴﯿﺎن 208
ﺳﻨﻮات وﺳﻨﻮات ﻷن ﺟﮭﺎز اﻷﻣﻦ رﻏﺐ ﻓﻲ ﺗﺤﻮﯾﻠﮭﻦ اﻟﻰ ﻣﺘﻌﺎوﻧﺎت ﻣﻊ رﺟﺎﻟﮫ ،ﻟﯿﺲ إﻻ. ﻓﻀﻼً ﻋﻦ ذﻟﻚ ،ﻓﻘﺪ ﺷﺪد ﻣﻦ ﺗﻔﺎؤﻟﻲ رﺣﯿﻞ ﺻﺪﯾﻘﺘﻲ اﻷﺳﯿﺮة ،ﺣﻨﺎن .ﻓﮭﻲ ﺑﺎﺳﺘﻌﺎدﺗﮭﺎ ﺣﺮﯾﺘﮭﺎ ﺟﻌﻠﺘﻨﻲ آﻣﻞ ﺑﺘﺤﻘﻖ ﺣﺮﯾﺘﻲ .وﺻﺮت أﻗﻮل ﻓﻲ ﺳﺮي إﻧﮭﺎ ﻣﺴﺄﻟﺔ وﻗﺖ ﻟﺤﺴﺐ ،وأﺳﺘﺤﻀﺮ ﻣﻦ ﻃﻮاﯾﺎ ذھﻨﻲ ذﻟﻚ اﻟﺘﺎرﯾﺦ اﻷﺳﻄﻮري اﻟﺬي اﻋﺘﻤﺪﺗﮫ ،ﻓﯿﻤﺎ ﻣﻀﻰ ،زﻣﻨﺎً ﻹﻃﻼق ﺳﺒﯿﻠﻲ ،اﻟﻌﺎم .2000وﻓﻲ ﺣﯿﻦ وﺟﺪت اﻟﺮﺟﺎل ﻓﻲ ﻣﻌﺘﻘﻞ اﻟﺨﯿﺎم ﻛﺜﯿﺮﯾﻦ وﯾﻌﺎﻧﻮن ﻇﺮوﻓﺎً ﻗﺎﺳﯿﺔ ﻟﻠﻐﺎﯾﺔ، رأﯾﺖ ﻋﺪد اﻟﻨﺴﺎء وﻗﺪ ﺻﺎر ﺿﺌﯿﻼً ،واﻟﺤﯿﺎة اﻟﯿﻮﻣﯿﺔ وﻗﺪ ﺗﺒﺪﻟﺖ ﻋﻦ اﻟﺴﺎﺑﻖ ﻋﻠﻰ ﻧﺤﻮ ﻛﺒﯿﺮ .إذ ﺑﺎت ﺑﻮﺳﻌﻨﺎ أن ﻧﺘﻨﺰه ﻓﻲ اﻟﺤﻮش اﻟﺼﻐﯿﺮ اﻟﺬي ﯾﺠﺎور اﻟﺰﻧﺎزﯾﻦ. ﺑﺪت واﻟﺪﺗﻲ ﻧﺎﻓﺪة اﻟﺼﺒﺮ ﻟﺘﺮاﻧﻲ ﺧﺎرﺟﺔ ﻣﻦ اﻷﺳﺮ. وﻛﺎﻧﺖ ﺗﻄﺮح ﻋﻠﻲ اﻟﺴﺆال ﻋﯿﻨﮫ ،ﻇﺎﻧﺔ أن ﻟﺪي ﻣﻌﻠﻮﻣﺎت ﺑﮭﺬا اﻟﺸﺄن .وﻛﻨﺖ أﻛﺘﻔﻲ ﺑﺎﻹﺟﺎﺑﺔ أﻧﻲ ﺳﻮف أﺧﺮج ﺑﻌﺪ وﻗﺖ ﻃﻮﯾﻞ ،وﻟﯿﺲ اﻵن. وﻓﻲ اﻟﻌﺎم ،1996ﺳﺮت إﺷﺎﻋﺎت ﻓﻲ ﺑﯿﺮوت ﺣﻮل إﻃﻼق ﺳﺮاﺣﻲ .وﻣﻀﻰ واﻟﺪي اﻟﻰ اﻟﻤﺴﺆوﻟﯿﻦ اﻟﺴﯿﺎﺳﯿﯿﻦ ﯾﺠﮭﺪ ﻓﻲ اﺳﺘﯿﻀﺎﺣﮭﻢ اﻷﻣﺮ ،ﻓﺮد ھﺆﻻء ﺑﺘﻄﻤﯿﻨﺎت ﻟﮫ ﺑﮭﺬا اﻟﺸﺄن .وأﻛﺪ ﺣﺰب اﷲ أﻧﮫ ﯾﻨﺎﺿﻞ ﻓﻲ ﺳﺒﯿﻞ إﻃﻼﻗﻲ ﻣﻦ اﻷﺳﺮ .وﻣﻀﻰ ﺑﻌﺾ أﺻﺪﻗﺎﺋﻲ وﺻﺤﺎﻓﯿﻮن اﻟﻰ ﺑﻠﺪة اﻟﻨﺒﻄﯿﺔ ،ﻗﺮﯾﺒﺎً ﻣﻦ اﻟﻤﻨﻄﻘﺔ اﻟﻤﺤﺘﻠﺔ، ﻟﯿﻨﺘﻈﺮوﻧﻲ ﻓﯿﮭﺎ .ﻏﯿﺮ أن واﻟﺪﺗﻲ رﻓﻀﺖ دﻋﻮﺗﮭﻢ ﺑﺎﻟﺬھﺎب ،وﻟﻜﻨﮭﺎ ﻇﻠﺖ ﻋﻠﻰ أﺣﺮ ﻣﻦ اﻟﺠﻤﺮ ﻓﻲ ﻣﻨﺰﻟﮭﺎ، ﺗﻨﺘﻈﺮ ﺑﻔﺎرغ ﻣﻦ اﻟﺼﺒﺮ ﺑﺸﺮى إﻃﻼﻗﻲ ﻣﻦ اﻷﺳﺮ 209
اﻷﻛﯿﺪة .ﺑﯿﺪ أن أﺻﺤﺎب اﻷﻣﺮ اﻟﻮاﻗﻊ ﻓﻲ اﻟﺠﻨﻮب أرﺳﻠﻮا ﯾﺒﺪون دھﺸﺘﮭﻢ ﻣﻦ وﺟﻮد أﺻﺪﻗﺎﺋﻲ ،وﺳﺎرﻋﻮا اﻟﻰ ﺗﺒﺪﯾﺪ ھﺬه اﻵﻣﺎل. ﻟﺌﻦ ﺻﺢ ﺧﺒﺮ إﻃﻼق ﺑﻌﺾ اﻷﺳﺮى ﻣﻦ ﻣﻌﺘﻘﻞ اﻟﺨﯿﺎم، ﻓﺈﻧﻨﻲ ﻟﻦ أﻛﻮن ﺑﯿﻨﮭﻢ .ﻣﺎ أﺻﺎب واﻟﺪﺗﻲ ،ﻓﻲ ﺑﯿﺮوت، ﺑﺎﻹﻧﮭﯿﺎر. ﯾﻨﺒﻐﻲ ﻟﻨﺎ اﻟﺼﺒﺮ ،ﺑﻌﺪ. ﻓﻲ اﻟﻠﯿﻠﺔ ﻧﻔﺴﮭﺎ ،اﻧﻔﺘﺢ ﺑﺎب اﻟﺰﻧﺰاﻧﺔ ،وﻧﺎدت اﻟﺤﺎرﺳﺔ ﻋﻠﻰ إﺣﺪى ﺻﺪﯾﻘﺘﻲّ" ،ﻓﺎﻃﻤﺔ" ،وﻗﺎﻟﺖ" :ﺧﺬي أﻏﺮاﺿﻚ ،ﺳﻮف ﺗﺮﺣﻠﯿﻦ" .ﺟﻤﻌﺖ اﻟﻤﺮأة اﻟﺸﺎﺑﺔ أﻏﺮاﺿﮭﺎ .ﺛﻢ ﻋﺎدت اﻟﺤﺎرﺳﺔ ﻧﻔﺴﮭﺎ ،ودﻋﺖ اﻟﻤﺮأة اﻟﺸﺎﺑﺔ اﻟﺜﺎﻧﯿﺔ اﻟﺘﻲ ﺑﻘﯿﺖ ﻣﻌﻲ ﺑﺎﻹﺳﻢ "ھﻨﯿﺔ" ،وﻗﺎﻟﺖ ﻟﮭﺎ: "ﺳﻮف ﺗﺮﺣﻠﯿﻦ أﯾﻀﺎً ،ھﯿﺌﻲ ﻛﯿﺴﻚ!". أﻣﺎ أﻧﺎ ﻓﺮﺣﺖ أﺗﺴﺎءل ﻋﻦ ﻣﺼﯿﺮي ،ﺑﯿﻨﻤﺎ ﻛﺎﻧﺖ اﻟﻤﻌﺘﻘﻠﺘﺎن ﺗﺘﮭﯿﺂن ﻟﻠﺨﺮوج .ﺗﺴﺎرﻋﺖ اﻟﺪﻗﺎﺋﻖ ،وﻟﻜﻦ اﻟﺤﺎرﺳﺔ ﻟﻢ ﺗﻌﺪ ﻟﻠﺪﻋﻮة اﻷﺧﯿﺮة .ودّﻋﺖ اﻟﻤﺮأﺗﯿﻦ، وھﻨﺄﺗﮭﻤﺎ ﺑﺎﻹﻓﺮاج ﻋﻨﮭﻤﺎ ،وﻣﻦ ﺛﻢ ﻏﺎدرﺗﺎ اﻟﺴﺠﻦ، وﻇﻠﻠﺖُ وﺣﺪي ،ﯾﺤﺪوﻧﻲ اﻷﻣﻞ ﻧﻔﺴﮫ واﻟﻌﺰم ﻧﻔﺴﮫ ،ﺣﺘﻰ أﺗﺼﺪى ﻷﺑﻲ ﻧﺒﯿﻞ. ﻟﻢ ﺗﺘﺢ ﻟﻲ اﻟﻮﺣﺸﺔ ﻓﻲ ﻣﻌﺘﻘﻞ اﻟﺨﯿﺎم واﻻﻧﻔﺮاد داﺧﻞ زﻧﺎزﯾﻨﮭﺎ أن أﻓﮭﻢ ﺗﻤﺎﻣﺎً أن إﻃﻼﻗﻲ ﻣﻦ اﻷﺳﺮ ﺻﺎر اﻟﮭﺪف اﻟﺬي ﺗﺴﻌﻰ إﻟﯿﮫ اﻟﻌﺪﯾﺪ ﻣﻦ ﻟﺠﺎن اﻟﺪﻋﻢ اﻟﺘﻲ أُﻧﺸﺌﺖ ﻓﻲ اﻟﺸﺮق اﻷوﺳﻂ ،وﻓﻲ ﻓﺮﻧﺴﺎ .ﻓﻘﺪ ﺗﺸﻜﻠﺖ ﻓﻲ
210
ﺑﺎرﯾﺲ ﻟﺠﻨﺔ ﺑﺎﺳﻢ "ﺟﻤﻌﯿﺔ اﻟﻌﻤﻞ ﻋﻠﻰ إﻃﻼق ﺳﺮاح ﺳﮭﻰ ﺑﺸﺎرة" ،وﻗﺪ ﺑﺬﻟﺖ ھﺬه اﻟﺠﻤﻌﯿﺔ ﺟﮭﻮداً ﻣﺘﻮاﺻﻠﺔ ﻟﻠﺘﻌﺮﯾﻒ ﺑﻤﻌﺘﻘﻞ اﻟﺨﯿﺎم ،ﻛﻤﺎ ﺗﺸﻜﻠﺖ اﻟﻰ ﺟﺎﻧﺒﮭﺎ ھﯿﺌﺔ ﻣﻦ اﻷﺳﺎﺗﺬة اﻟﺠﺎﻣﻌﯿﯿﻦ .وﻛﻨﺖ أﺟﮭﻞ ،ﺑﺎﻟﻄﺒﻊ ،أن اﻟﺤﺰب اﻟﺸﯿﻮﻋﻲ ﻛﺎن ﻛﻠﻒ ﻣﺤﺎﻣﯿﺔ ﻓﺮﻧﺴﯿﺔ ﺗﺪﻋﻰ "ﻣﻮﻧﯿﻚ ﺑﯿﻜﺎر – وﯾﻞ "ﺑﺎﻟﺪﻓﺎع ﻋﻨﻲ .وھﺬه اﻟﻤﺤﺎﻣﯿﺔ ،ذات اﻟﺤﺰم واﻟﺤﯿﻮﯾﺔ ،ﻣﻀﺖ ﺗﻼﺣﻖ ﻣﻠﻔﻲ ﻓﻲ إﺳﺮاﺋﯿﻞ ،ﻋﺒﺮ اﻟﻤﺤﺎﻣﯿﺔ "ﻟﯿﺎ ﺗﺴﯿﻤﯿﻞ" .وﺟﻌﻠﺖ ھﺬه اﻟﻤﺤﺎﻣﯿﺔ اﻹﺳﺮاﺋﯿﻠﯿﺔ ﺗﺨﻮض ﻣﻌﺮﻛﺔ ﻗﺎﻧﻮﻧﯿﺔ ﺿﺪ دوﻟﺘﮭﺎ ﻧﻔﺴﮭﺎ. وﻛﺎن اﻟﺮھﺎن ﺑﺴﯿﻄﺎً ﻟﻠﻐﺎﯾﺔ :إﺛﺒﺎت أن إﺳﺮاﺋﯿﻞ ﺗﻜﻔﻞ اﻋﺘﻘﺎﻟﻲ ﻓﻲ ﻣﻌﺘﻘﻞ اﻟﺨﯿﺎم ،وﺑﺎﻟﺘﺎﻟﻲ اﻹﺻﺮار ﻋﻠﻰ إﺟﺮاء ﻣﺤﺎﻛﻤﺔ ﻋﺎدﻟﺔ وﻧﺰﯾﮭﺔ ﻓﻲ ﺷﺄﻧﮭﺎ .وﻣﻀﺖ اﻟﺤﺮب اﻟﺪاﺋﺮة رﺣﺎھﺎ ﺑﺒﻂء وﺛﺒﺎت ﺗﻜﺴﺐ أﻛﯿﺪاً ﻟﺼﺎﻟﺤﻲ ،ﺣﯿﻦ أﻣﻜﻦ "ﻟﻠﯿﺎ ﺗﺴﯿﻤﯿﻞ" إﺛﺒﺎت أن أﻃﻮان ﻟﺤﺪ ﯾﻤﻠﻚ ﺟﻮاز ﺳﻔﺮ إﺳﺮاﺋﯿﻠﯿﺎً ،وﻋﻠﯿﮫ ﻓﮭﻮ ﯾﺨﻀﻊ ﻟﻠﻘﺎﻧﻮن اﻹﺳﺮاﺋﯿﻠﻲ. وﻛﺬﻟﻚ ﻓﻌﻠﺖ ﻓﺮﻧﺴﺎ ،ﺣﯿﺚ ﺗﺴﻜﻦ ﻋﺎﺋﻠﺔ ﻗﺎﺋﺪ ﺟﯿﺶ ﻟﺒﻨﺎن اﻟﺠﻨﻮﺑﻲ ﻣﻨﺬ ﻗﯿﺎﻣﻲ ﺑﺎﻟﻌﻤﻠﯿﺔ ،إذا ﺣﺮﻛﺖ ﻋﻼﻗﺎﺗﮭﺎ وﺿﺎﻋﻔﺖ ﻣﻦ اﺗﺼﺎﻻﺗﮭﺎ ﻣﻊ اﻹﺳﺮاﺋﯿﻠﯿﯿﻦ .ﻏﯿﺮ أن دﯾﺒﻠﻮﻣﺎﺳﯿﺔ اﻟﻈﻞ ھﺬه ﻟﺒﺜﺖ ﺗﺘﻘﺪم ﺑﺨﻄﻰ ﺑﻄﯿﺌﺔ ﻟﻠﻐﺎﯾﺔ .أﻣﺎ اﻟﺮأي اﻟﻌﺎم اﻟﻔﺮﻧﺴﻲ ﻓﻘﺪ أدى دوره ﻓﻲ ھﺬا اﻟﺸﺄن .إذ أُرﺳﻠﺖ ﻋﺮﯾﻀﺔ ﻣﻮﻗﻌﺔ ﻣﻦ ﻛﺒﺎر اﻟﺸﺨﺼﯿﺎت اﻟﻔﺮﻧﺴﯿﺔ ﻣﻄﺎﻟﺒﺔ ﺑﺎﻹﻓﺮاج ﻋﻨﻲ ،وﻗﺪ ﻧُﺸﺮت ﻓﻲ ﺟﺮﯾﺪة "ﻟﻮﻣﻮﻧﺪ"، ﻓﻲ ﺣﯿﻨﮫ .وﻛﺬﻟﻚ ﻓﻌﻠﺖ واﻟﺪﺗﻲ ،ھﻲ أﻛﺜﺮ اﻟﺨﻠﻖ ﺑﻌﺪاً ﻋﻦ اﻟﺴﯿﺎﺳﺔ ،ﺣﯿﻦ ﺳﺎﻓﺮت اﻟﻰ ﺑﺎرﯾﺲ ،وﻣﻨﮭﺎ اﻟﻰ ﺳﺘﺮاﺳﺒﻮرغ ،ﻟﺘﻤﺜﻞ أﻣﺎم اﻟﻨﻮاب اﻷوروﺑﯿﯿﻦ ،وﻟﯿﻨﺘﮭﻲ ﺑﮭﺎ اﻟﻤﻄﺎف اﻟﻰ ﻛﯿﺒﻚ ،ﻣﺪﻋﻮة ﻣﻦ ﺟﻤﻌﯿﺔ )أﻣﻨﺴﯿﺘﻲ( اﻟﻌﻔﻮ اﻟﺪوﻟﯿﺔ. 211
وﻓﻲ ﺣﺰﯾﺮان /ﯾﻮﻧﯿﻮ ﻣﻦ اﻟﻌﺎم ،1998وﻓﻲ اﻟﺴﺎدس ﻋﺸﺮ ﻣﻨﮫ ﺗﺤﺪﯾﺪاً ،ﻓﻲ اﻟﻤﻌﺘﻘﻞ ﻏﻠﯿﺎن ﻟﻢ ﯾﺸﮭﺪ ﻟﮫ ﻣﺜﯿﻼً ﻣﻨﺬ اﻟﺘﻤﺮد اﻟﺴﺎﻟﻒ .وﻣﻔﺎده أن ﻋﻤﻠﯿﺔ إﻓﺮاج واﺳﻌﺔ ھﻲ ﻗﯿﺪ اﻹﻋﺪاد .وﻣﺎ اﻟﺪاﻋﻲ؟ إﻧﮭﺎ ﻋﻤﻠﯿﺔ ﺗﺒﺎدل ،ﯾﺘﻢ ﺧﻼﻟﮭﺎ ﺗﺴﻠﯿﻢ اﻹﺳﺮاﺋﯿﻠﯿﯿﻦ ﺟﺜﺚ ﺟﻨﻮدھﻢ اﻟﺬﯾﻦ ﺳﻘﻄﻮا ﻓﻲ آﺧﺮ ﻋﻤﻠﯿﺔ )أﻧﺼﺎر( ﻋﺴﻜﺮﯾﺔ ﻓﻲ اﻟﺠﻨﻮب اﻟﻠﺒﻨﺎﻧﻲ اﻟﻤﺤﺮر، ﻓﻲ ﻣﻘﺎﺑﻞ اﻹﻓﺮاج ﻋﻦ ﺳﺠﻨﺎء ﻣﻦ ﻣﻌﺘﻘﻞ اﻟﺨﯿﺎم. وﺟﺮى اﻟﺘﺪاول ﺑﻘﺎﺋﻤﺔ ﻣﻦ اﻷﺳﻤﺎء ﻃﻮﯾﻠﺔ ،ﺑﻠﻐﺖ اﻟﺨﻤﺴﯿﻦ .وﻇﻠﺖ ﺗﺨﺘﻠﻂ ﻓﻲ أﺳﻤﺎﻋﻨﺎ اﻟﺘﮭﺎﻟﯿﻞ ﺑﺼﻔﻖ اﻷﺑﻮاب ،ﻋﻠﻰ ﻣﺪى زﻣﻨﻲ ﻏﯿﺮ ﺑﺴﯿﻂ .وﻛﺎن ﺑﻤﻘﺪورﻧﺎ أن ﻧﺴﻤﻊ أﺳﻤﺎء اﻟﻤﺰﻣﻊ اﻹﻓﺮاج ﻋﻨﮭﻢ ،وھﻲ ﺗﺘﻠﻰ ﻋﻠﻰ اﻟﻤﻸ ﻓﻲ اﻟﺴﺠﻦ .وﺗﻨﺎھﻰ اﻟﻰ ﺳﻤﻌﻲ اﺳﻢ "ﻣﺤﻤﺪ ".ﻓﻘﻠﺒﺖ اﻹﺳﻢ ﻓﻲ ذھﻨﻲ ،وﻗﻠﺖُ ﻓﻲ ﻧﻔﺴﻲ ،إذا ﻛﺎن ﻣﺤﻤﺪ ﻓﻲ ﻗﺎﺋﻤﺔ اﻟﻤﻔﺮج ﻋﻨﮭﻢ ،وھﻮ اﻟﺬي ﺧﻄﻂ ﻟﻌﻤﻠﯿﺎت ﻛﺜﯿﺮة ﺿﺪ اﻹﺳﺮاﺋﯿﻠﯿﯿﻦ ،ﻓﮭﺬا ﯾﻌﻨﻲ أﻧﻨﻲ ﺳﻮف أﻛﻮن ﻣﺸﻤﻮﻟﺔ ﺑﺎﻹﻃﻼق ،أﯾﻀﺎً .وأﺻﺎب اﻟﺬھﻮل اﻣﺮأة ﻣﻌﺘﻘﻠﺔ ،ﻟﺪى ﺳﻤﺎع اﺳﻤﮭﺎ ،وھﻲ" ﻓﺎﻃﻤﺔ" ،زوج "ﻣﺤﻤﺪ" اﻟﺴﺎﻟﻒ ذﻛﺮه. وﻛﺎﻧﺖ ﺗﺘﻨﺎھﻰ إﻟﯿﻨﺎ ،ﻣﻦ اﻟﺠﮭﺔ اﻷﺧﺮى ﺧﻠﻒ اﻟﺠﺪار اﻟﺬي ﯾﻔﺼﻠﻨﺎ ﻋﻦ اﻟﺮﺟﺎل ،أﺻﻮات اﻻﺳﺘﻌﺪاد ﻟﻠﺮﺣﯿﻞ .ﻟﻢ ﯾﺰرﻧﺎ أي ﺷﺨﺺ ﻟﮭﺬا اﻟﻐﺮض .ﺛﻢ ﻋﺎد اﻟﮭﺪوء ﻟﯿﺨﯿﻢ ﻋﻠﻰ اﻟﺴﺠﻦ .ﻓﺄﯾﻘﻦ أﻧﻨﺎ ،ﻧﺤﻦ اﻟﻨﺴﺎء ،أﻋﺪن اﻟﻰ اﻟﻨﺴﯿﺎن، ﻣﺮة أﺧﺮى .وراﺣﺖ ﻓﺎﻃﻤﺔ ﺗﻌﻠﻦ ھﺰءھﺎ ﻣﻦ ﺟﻼدﯾﮭﺎ، ﻓﮭﻲ واﺛﻘﺔ ﺑﺄن زوﺟﮭﺎ أﻃﻠﻖ ﺳﺒﯿﻠﮫ.
212
وﻟﻢ ﯾﻤﺾ زﻣﻦ ﺣﺘﻰ أدرﻛﻨﺎ أن اﻟﻔﺮﺣﺔ ﻟﻢ ﺗﺒﻠﻎ ﻣﺮﺗﺠﺎھﺎ، ﺣﯿﻦ ﻋﻠﻤﻨﺎ أن "ﻣﺤﻤﺪاً" ﻟﻢ ﯾﻄﻠﻖ ﺳﺮاﺣﮫ ،إﻧﻤﺎ ﺟﺮى ﻧﻘﻠﮫ ﻣﻦ زﻧﺰاﻧﺔ اﻟﻰ أﺧﺮى ﻓﻲ اﻟﺤﺒﺲ اﻻﻧﻔﺮادي اﻟﻤﻄﺒﻖ. وﻇﻞ ﯾﺒﺚ ﻟﻨﺎ إﺷﺎرات داﻟﺔ ﻋﻠﻰ وﺟﻮده ،ﺑﺄن ﯾﻘﻮل ﺑﺼﻮت ﻋﺎل أﺳﻤﺎء اﻟﻤﻌﺘﻘﻠﯿﻦ ﻓﻲ زﻧﺰاﻧﺔ ﻣﺠﺎورة ﻟﮫ. ﻓﻨﺎدﯾﺖ ﺑﺪوري ﻋﻠﻰ "ﻓﺎﻃﻤﺔ" ﺑﺼﻮت ﻋﺎل ،ﻟﻜﻲ ﯾﻔﮭﻢ "ﻣﺤﻤﺪ" ﺑﺄن زوﺟﮫ ﻣﺎ ﺗﺰال ھﻨﺎ ،ﺑﺪورھﺎ. أﯾﻀﺎً ،ﻛﺎن ذﻟﻚ ﺣﺪﺛﺎً ﻣﻦ ﻏﯿﺮ ﻃﺎﺋﻞ. واﻧﻘﻀﺖ أﯾﺎم اﻟﺼﯿﻒ ،وﺻﺮﻧﺎ ﻓﻲ ﻣﻨﺘﺼﻒ ﺷﮭﺮ آب / أﻏﺴﻄﺲ ،وﺑﺖ ﻣﺤﻈﯿﺔ ﺑﻠﻘﺎء واﻟﺪﺗﻲ .ﺳﺮﺗﻨﻲ ھﺬه اﻟﻠﻘﺎءات وﻛﺎﻧﺖ ﻋﻮدﺗﻲ اﻟﻰ ﻧﻮع ﻣﻦ اﻟﺮﺗﺎﺑﺔ ﺗﺤﻮل دون ﺗﺨﯿﻠﻲ ﻣﺎ ﻗﺪ ﯾﺠﺮي ﻓﻲ اﻟﺜﺎﻟﺚ ﻣﻦ أﯾﻠﻮل /ﺳﺒﺘﻤﺒﺮ .ﻛﺎﻧﺖ اﻟﺴﺎﻋﺔ ﺗﺸﯿﺮ اﻟﻰ اﻟﺜﺎﻣﻨﺔ إﻻ ﻋﺸﺮ دﻗﺎﺋﻖ ،ھﺬا اﻟﺼﺒﺎح، إذا دﺧﻠﺖ ﺣﺎرﺳﺔ ﺗﺪﻋﻰ "ﻋﻠﯿﺎً وﻗﺎﻟﺖ ﻟﻲ" :ھﯿﺌﻲ أﻏﺮاﺿﻚ! ﻣﺎذا ﻓﻌﻠﺖ ﺣﺘﻰ ﯾﻘﺮر أﺑﻮ ﻧﺒﯿﻞ ﻣﻌﺎﻗﺒﺘﻚ وإرﺳﺎﻟﻚ اﻟﻰ اﻟﺰﻧﺰاﻧﺔ رﻗﻢ 1؟" .ﻓﺄﺟﺒﺘﮭﺎ ﻻھﯿﺔً " :ﻻ ﺷﻲء" .وﻛﻨﺖ واﺛﻘﺔ ﻣﻦ أﻧﮫ ﺳﻮف ﯾﻔﺮج ﻋﻨﻲ ﻗﺮﯾﺒﺎً. ﻟﻢ ﺗﻘﻞ اﻟﺤﺎرﺳﺔ ﺷﯿﺌﺎً ﻣﻦ ھﺬا اﻟﻘﺒﯿﻞ ،إﻻ أﻧﻲ ﻛﻨﺖ ﻋﻠﻰ ﯾﻘﯿﻦ ﻣﻦ ذﻟﻚ .واﻟﺰﻣﻦ ھﻮ ھﺬا اﻟﯿﻮم .وﻟﻢ ﯾﺒﻖ ﻓﻲ ﻣﻌﺘﻘﻞ اﻟﺨﯿﺎم إﻻ أرﺑﻊ ﻧﺴﺎء ،وﻗﻠﺖ ﻓﻲ ﻧﻔﺴﻲ أﻧﮫ ﺣﺎن دوري ﻟﻠﺨﺮوج ﻣﻦ ﺟﺪران ﻣﻌﺘﻘﻞ اﻟﺨﯿﺎم .واﻟﺤﺎل أن اﻟﺤﻤﻠﺔ اﻟﺪوﻟﯿﺔ وإﺻﺮار اﻟﻤﺤﺎﻣﯿﺘﯿﻦ أﻓﻀﯿﺎ اﻟﻰ ﻧﺘﯿﺠﺔ ﻣﺆﻛﺪة .إذ ﻗﺮرت إﺳﺮاﺋﯿﻞ أن ﺗﻄﻠﻖ ﺳﺮاح ﻣﻌﺘﻘﻠﺔ ﺑﺎﺗﺖ ﻣﺰﻋﺠﺔ ﻟﮭﺎ اﻟﻰ ﺣﺪ ﻛﺒﯿﺮ .ﺟﻤﻌﺖ أﻏﺮاﺿﻲ وﺑﺪﻟﺖ زﻧﺰاﻧﺘﻲ .وﻣﺎ أن دﺧﻠﺘﮭﺎ ﺣﺘﻰ اﺳﺘﺤﻤﻤﺖ وﻣﺸﻄﺖ ﺷﻌﺮي. 213
ﺛﻢ اﻧﺘﻈﺮت. ﺑﻌﺪ ذﻟﻚ ﻣﻀﺖ ﺑﻲ اﻟﺤﺎرﺳﺎت اﻟﻰ اﻟﻄﺒﯿﺐ اﻟﻤﻌﺘﻤﺪ ﻟﺪى ﺟﯿﺶ ﻟﺒﻨﺎن اﻟﺠﻨﻮﺑﻲ .ﺳﺄﻟﻨﻲ ﻋﻦ وﺿﻌﻲ اﻟﺼﺤﻲ اﻟﻌﺎم وﻛﺘﺐ ﺗﻘﺮﯾﺮاً ﻣﻮﺟﺰاً. اﻟﺘﻔﺖ ﻧﺤﻮي ،ووﺟﮫ إﻟﻲ ﺑﻌﺾ ﻛﻠﻤﺎت اﻟﺘﺸﺠﯿﻊ وﻗﺪم إﻟﻲ ﻟﻮﯾﺤﺔ ﻓﻀﯿﺔ ،وﻗﺎﻟﺖ" :ﺧﺬي ھﺬه اﻷدوﯾﺔ ﻗﺒﻞ أن ﺗﺮﺣﻠﻲ ،ﻣﻀﻰ زﻣﻦ ﻃﻮﯾﻞ ﻟﻢ ﺗﺴﺘﻘﻠﻲ ﻓﯿﮫ ﺳﯿﺎرة". ﻛﺎﻧﺖ اﻟﺴﺎﻋﺔ ﺗﺸﯿﺮ اﻟﻰ اﻟﺜﺎﻣﻨﺔ واﻟﻨﺼﻒ. أﺧﺬﺗﻨﻲ اﻟﺤﺎرﺳﺎت اﻟﻰ ﻣﻜﺘﺐ أﺑﻲ ﻧﺒﯿﻞ .وھﺎ ھﻮ ﻋﺪوي اﻟﻘﺪﯾﻢ ﯾﻨﺘﻈﺮﻧﻲ ﺧﻠﻒ ﻣﻜﺘﺒﮫ ،ﻣﺸﺪود اﻷﻋﺼﺎب ﻗﻠﯿﻼً . وﻛﺎن رﺟﻞ آﺧﺮ ﻣﻨﺘﻈﺮاً ﻟﺪﯾﮫ .ﻓﺄﻣﻜﻨﻨﻲ ﺗﺒﯿﻦ ھﻮﯾﺘﮫ :إﻧﮫ أﺑﻮ ﺳﻤﯿﺮ ،اﻟﺮﺟﻞ اﻟﺬي ﺧﻔﺮﻧﻲ اﻟﻰ إﺳﺮاﺋﯿﻞ ﺑﻌﯿﺪ ﺗﻨﻔﯿﺬ ﻋﻤﻠﯿﺔ اﻻﻏﺘﯿﺎل ،ﻟﺴﻨﻮات ﻋﺸﺮ ﺧﻠﺖ .وﻛﺎن اﻟﺸﯿﺐ ﻗﺪ ﻏﺰا ﺷﻌﺮه .ﺑﺎدر أﺑﻮ ﻧﺒﯿﻞ اﻟﻰ اﻟﻘﻮل" :أﻧﺖ ﺧﺎرﺟﺔ ﻣﻦ اﻷﺳﺮ" .ﻣﻦ دون أن ﯾﻌﻠﻖ ﻋﻠﻰ اﻷﻣﺮ ﺑﻜﻠﻤﺔ .ﺛﻢ أﺷﺎر ﺑﯿﺪه اﻟﻰ أﻏﺮاض ﻣﻮﺟﻮدة أﻣﺎﻣﮫ ،وﻗﺎل" :ﻛﺎن ﻟﺪﯾﻚ ھﺬه، ﯾﻮم دﺧﻮﻟﻚ ،اﻟﻰ ھﻨﺎ" .وﻧﻈﺮت اﻟﻰ ﻣﻜﺘﺒﮫ ،ﻓﺮأﯾﺖ ﺣﻘﯿﺒﺘﻲ ،وﺣﻨﺠﻮر اﻟﺘﻄﺮﯾﺔ ،واﻟﻌﻄﺮ ..وﺳﺄﻟﻨﻲ ﻗﺎﺋﺪ اﻟﺴﺠﻦ ﻗﺎﺋﻼً" :أﯾﻨﻘﺼﻚ ﺷﻲء؟" وﻛﺎﻧﺖ اﻷﻏﺮاض اﻟﻘﯿﻤﺔ ﺗﻮﺿﻊ ﻧﻈﺮﯾﺎً ﻓﻲ ﺻﻨﺪوق ﻟﺪى دﺧﻮﻟﻨﺎ اﻟﻰ اﻟﺴﺠﻦ. وﻋﻠﻰ اﻷرﺟﺢ ،ﺟﻌﻞ ھﺬا اﻷﺧﯿﺮ ﯾﺒﺘﻠﻊ ﺳﺎﻋﺘﻲ ،ﻣﺎ دﻣﺖ ﻟﻢ أﺟﺪھﺎ ﺑﯿﻦ أﻏﺮاﺿﻲ اﻟﺘﻲ رﺣﺖُ أﻟﻤﺴﮭﺎ ﺑﻄﺮف أﺻﺎﺑﻌﻲ .وﻛﺎن ﯾﻨﻘﺼﻨﻲ ،ﻛﺬﻟﻚ ،ﺑﻌﺾ ﺷﺮاﺋﻂ اﻟﺘﺴﺠﯿﻞ اﻟﺘﻲ ﻛﺎﻧﺖ راﺋﺠﺔ ﻓﻲ ﺣﯿﻨﮫ ،ﻣﻮﺳﯿﻘﻰ اﻟﺪﯾﺴﻜﻮ – 214
وﻣﺴﺪﺳﻲ ،ﻃﺒﻌﺎً! وﻟﻜﻦ ھﺬه اﻷﻏﺮاض اﻟﺘﻲ ﺳُﻠﺒﺘﮭﺎ ﻟﻢ ﺗﻜﻦ ﻟﺘﻔﺴﺪ ﺷﯿﺌﺎً ﻣﻦ ذﻟﻚ اﻟﺸﻌﻮر ﺑﺎﻟﻄﻤﺄﻧﯿﻨﺔ اﻟﺬي راح ﯾﺠﺘﺎح ﻛﯿﺎﻧﻲ ﺷﯿﺌﺎً ﻓﺸﯿﺌﺎً .أﻣﺎ أﺑﻮ ﻧﺒﯿﻞ ﻓﻠﻢ ﯾﻘﻮَ ﻋﻠﻰ اﻃﻤﺌﻨﺎﻧﻲ ،ﻓﺄرﺳﻞ آﺧﺮ ﺷﺮوره وذﻛﺮ اﺳﻢ إﺣﺪى ﺻﺪﯾﻘﺎﺗﻲ ﻓﻲ اﻟﺴﺠﻦ ،وﻗﺪ أُﻃﻠﻖ ﺳﺮاﺣﮭﺎ وﻗﺎل: "أﺗﻌﺮﻓﯿﻦ ﺑﺄﻧﮭﺎ ﺗﺰوﺟﺖ رﺟﻼً ﻛﺎن ﻣﺘﺰوﺟﺎً؟" .وﺑﻘﯿﺖُ ﻻ أرد ،ﻣﺪرﻛﺔ ﻣﺎ ﯾﺜﯿﺮه .ﻋﻨﺪﺋﺬ ﻋﮭﺪ ﺑﻲ اﻟﻰ أﺑﻲ ﺳﻤﯿﺮ. وﻗﺼﺪتُ زﻧﺰاﻧﺘﻲ رﻗﻢ 1ﻷﺧﺬ أﻏﺮاﺿﻲ اﻟﻤﺘﺒﻘﯿﺔ وأرﺣﻞ .وﺑﯿﻨﻤﺎ أﻧﺎ أﺳﯿﺮ ،ﻟﻤﺤﺖُ وﺟﮭﻲ زﻣﯿﻠﺘﻲّ ﻓﻲ اﻷﺳﺮ ﺳﻤﯿﺮة واﻧﺘﺼﺎر وﻗﺪ ﺑﻠﻠﺘﮭﻤﺎ اﻟﺪﻣﻮع ،وھﻤﺎ ﻣﺘﻌﻠﻘﺘﺎن ﺑﻨﺎﻓﺬﯾﺘﮭﻤﺎ .وﻟﻤﺎ ﻛﻨﺖ ﻋﺸﺖُ ﻣﺜﻞ ھﺬه اﻟﻠﺤﻈﺎت، ﻛﻠﻤﺎ أﻃﻠﻖ ﺳﺮاح زﻣﯿﻠﺔ أﺧﺮى ﻏﯿﺮي ،ﻛﻨﺖ أﻋﺮف أن ھﺬه اﻟﻌﯿﻮن ﻃﺎﻟﻤﺎ ارﺳﻠﺖ دﻣﻮع اﻟﺤﺰن واﻟﻔﺮح ﻣﺨﺘﻠﻄﺔ، ﺣﺘﻰ ﻻ ﺗﻤﯿﯿﺰ ﺑﯿﻨﮭﻤﺎ. وﻣﻦ ﺛﻢ ﺗﻮﺟﮭﻨﺎ اﻟﻰ ﺑﻮاﺑﺎت ﻣﻌﺘﻘﻞ اﻟﺨﯿﺎم. ﻟﻢ أﺧﺮج ﻣﻦ اﻟﻤﻌﺘﻘﻞ إﻻ ﻣﺮﺗﯿﻦ ﻓﻲ اﻟﺴﻨﻮات اﻟﻌﺸﺮ اﻟﻤﺎﺿﯿﺔ ،ﻷﻣﻀﻲ اﻟﻰ ﻣﺴﺘﺸﻔﻰ ﻣﺮﺟﻌﯿﻮن .ﻛﺎﻧﺖ ﯾﺪاي ﻣﻘﯿﺪﺗﯿﻦ وﻋﯿﻨﺎي ﻣﻌﺼﻮﺑﺘﯿﻦ ،وﻟﻢ أر ﺷﯿﺌﺎً ﻣﻦ اﻟﺴﺠﻦ أو ﻣﻦ اﻟﻤﺴﯿﺮ اﻟﺬي ﻛﻨﺎ ﻧﺠﺘﺎزه .وھﺬه اﻟﻤﺮة ،أراﻧﻲ أﻏﺎدر اﻷﻣﺎﻛﻦ ﻣﻨﺘﺼﺒﺔ اﻟﻘﺎﻣﺔ. وﻟﻢ أﻟﺘﻔﺖ ،وﻟﻮ ﻣﺮة واﺣﺪة ،اﻟﻰ اﻟﻮراء ﻗﺒﻞ أن أﺟﺘﺎز ﻋﺘﺒﺔ ھﺬا اﻟﺠﺤﯿﻢ اﻟﺬي ﻃﺎﻟﺖ إﻗﺎﻣﺘﻲ ﻓﯿﮫ ﻋﺸﺮ ﺳﻨﻮات.
215
ﻛﻨﺎ أرﺑﻌﺔ ﻓﻲ اﻟﺴﯿﺎرة اﻟﺘﻲ راﺣﺖ ﺗﻘﻠﻨﻲ ﻓﻲ ﻃﺮﯾﻖ اﻟﺤﺮﯾﺔ .اﻟﺴﺎﺋﻖ ،وأﺑﻮ ﺳﻤﯿﺮ ،وﻋﻤﯿﻞ ﻣﻦ ﺟﮭﺎز اﻷﻣﻦ ﯾﺮاﻗﺒﻨﻲ ﻣﻦ اﻟﺨﻠﻒ .وأﺧﺬت اﻟﺴﯿﺎرة ﺗﻨﺤﺪر ﺑﻨﺎ اﻟﻮھﺎد – ﻓﻨﻈﺮتُ ،وﻋﯿﻨﺎي ﻣﻔﺘﻮﺣﺘﺎن ﻋﻠﻰ وﺳﻌﮭﻤﺎ ،وأﻣﻜﻨﻨﻲ ﺗﺒﯿﻦ اﻟﻘﺮى اﻟﺼﻐﯿﺮة ،ورﺣﺖ أﺗﺤﺰر اﻟﻤﻨﻌﻄﻔﺎت ،وأﺳﺠﻞ ﺑﻌﺾ اﻟﺘﺒﺪﻻت ﻓﻲ اﻟﻤﻨﻄﻘﺔ ،ھﻨﺎ وھﻨﺎﻟﻚ .وھﺎ أﻧﻨﺎ ﻧﺼﻞ اﻟﻰ ﻣﺮﺟﻌﯿﻮن. ﻟﻠﺤﻈﺔ ،اﻧﺘﺎﺑﻨﻲ اﻟﺸﻚ .وﻣﺎذ ﻟﻮ ﻟﻢ ﯾﻄﻠﻖ ﺳﺮاﺣﻲ؟ وﻣﺎذا ﻟﻮ ﻛﻨﺖ أُﺧﺮﺟﺖ ﻷﻛﻮن وﺟﮭﺎً ﻟﻮﺟﮫ ﻣﻊ أﻧﻄﻮان ﻟﺤﺪ؟ ورﺣﺖُ أھﯿﺊ ﻧﻔﺴﻲ ﻷي ﻃﺎرئ ،واﻟﺴﯿﺎرة ﺗﺠﺎوزت ﺑﻨﺎ ﻓﻲ ھﺬه اﻟﻠﺤﻈﺎت ﻣﻨﺰل ﻗﺎﺋﺪ ﺟﯿﺶ ﻟﺒﻨﺎن اﻟﺠﻨﻮﺑﻲ .ﻏﯿﺮ أن اﻟﺴﯿﺎرة ﺟﺮت ﻓﻲ ﺧﻄﮭﺎ اﻟﻘﻮﯾﻢ ،وﻟﻢ ﺗﻨﺤﺮف ﺑﻞ اﺗﺠﮭﺖ اﻟﻰ اﻟﺒﻨﺎء ﻣﻦ ﺣﯿﺚ ﺑﺪأ ﻛﻞ ﺷﻲء .ﻓﺘﺎﺑﻊ اﻟﺴﺎﺋﻖ ﻣﺴﯿﺮه وﺗﻮﻗﻒ ،آﺧﺮ اﻷﻣﺮ ،أﻣﺎم ﻣﻜﺘﺐ أﺑﻮ ﺳﻤﯿﺮ. ﺗﺮﺟﻠﻨﺎ ﻣﻦ اﻟﺴﯿﺎرة ودﺧﻠﻨﺎ. وﻣﺎ أن ﻣﺜﻠﺖ أﻣﺎم اﻟﻤﺴﺆول ﻓﻲ ﺟﯿﺶ ﻟﺒﻨﺎن اﻟﺠﻨﻮﺑﻲ ﺣﺘﻰ ﺑﺎدرﻧﻲ اﻟﻰ اﻟﻘﻮل" :أﺗﻌﺮﻓﯿﻦ أن ﻗﺮﯾﺒﻚ ﻋﺼﺎم ﻣﺎت؟ "وﻟﻢ أﻛﻦ أﻋﺮف ،ﻓﻲ ﺣﯿﻨﮫ ،أﻧﮫ ﺗﻮﻓﻲ ﻓﻲ ﻓﺮﻧﺴﺎ، إﺛﺮ ﺣﺎدث اﺻﻄﺪام ﻓﻲ ﺳﯿﺎرﺗﮫ ،وﻟﻜﻨﻲ ﻋﺪتُ ورددتُ ﻋﻠﯿﮫ ﺑﺴﺆال ﻗﻠﺖ " :ﻣﺎ اﺳﻤﻚ؟" .وإذ ﻓﻮﺟﺊ ﺑﺎﻷﻣﺮ رد ﻗﺎﺋﻼً" :أﺑﻮ ﺳﻤﯿﺮ!" .ﺛﻢ دس أﻣﺎﻣﻲ ،وﺑﺤﺮﻛﺔ ﺑﻄﯿﺌﺔ، ورﻗﺔً ھﻲ ﺑﻤﺜﺎﺑﺔ ﻛﺘﺎب وﺟﺐ ﻋﻠﻲ أن أوﻗﻌﮫ .ﻗﺮأت اﻟﺠﻤﻠﺔ اﻷوﻟﻰ ﻓﯿﮫ ،اﻟﺘﺰاﻣﺎً ﻣﻦ ﻗﺒﻠﻲ ﺑﻌﺪم اﻟﻘﯿﺎم ﺑﺄي ﻋﻤﻞ ﯾﻤﺲ أﻣﻦ اﻟﺒﻼد ،وﺑﺄن أﻣﺘﻨﻊ ﻋﻦ ﻧﺸﺮ أﯾﺔ ﻣﻌﻠﻮﻣﺔ ﯾﻤﻜﻦ أن ﯾﻔﯿﺪ ﻣﻨﮭﺎ اﻟﺠﯿﺶ اﻟﻠﺒﻨﺎﻧﻲ .ﻓﻘﺮأت اﻟﻜﺘﺎب ﻣﺮة أوﻟﻰ 216
وﺛﺎﻧﯿﺔ وﺛﺎﻟﺜﺔ وأﻣﻜﻨﻨﻲ ﻗﺮاءﺗﮫ ﺳﺮﯾﻌﺎً .ذﻟﻚ أن اﻟﻜﺘﺎب ﻻ ﯾﺘﻀﻤﻦ أي ﺗﺮوﯾﺴﺔ .ﻓﮭﻮ ﻣﺠﮭﻮل اﻟﻮﺟﮭﺔ واﻟﺠﮭﺔ . اﺑﺘﺴﻤﺖ ﻟﻸﻣﺮ .وﻣﻀﻰ أﺑﻮ ﺳﻤﯿﺮ ﯾﺸﺮح ﻟﻲ ﺑﺄن "ھﺬه إﺟﺮاءات ﺷﻜﻠﯿﺔ ،ﻟﯿﺲ إﻻ ".وأﻋﻄﺎﻧﻲ ﻗﻠﻢ اﻟﺤﺒﺮ ،ووﻗﻌﺖ أﺳﻔﻞ اﻟﻮرﻗﺔ ،وأﻧﺎ أھﺰ ﻛﺘﻔﻲّ وﺳﺄﻟﺘﮫ إن ﻛﺎن ﯾﺮﯾﺪ أن أوﻗﻊ ﻟﮫ أﻣﺮاً آﺧﺮ .ﻓﺄﺟﺎب ﺑﻼ. وﻓﻲ ھﺬه اﻷﺛﻨﺎء ،دﺧﻠﺖ "ﺑﺎرﺑﺮا" اﻟﻰ اﻟﻤﻜﺘﺐ .ﻓﻌﮭﺪ ﺑﻲ أﺑﻮ ﺳﻤﯿﺮ اﻟﻰ ﻟﺠﻨﺔ اﻟﺼﻠﯿﺐ اﻷﺣﻤﺮ اﻟﺪوﻟﯿﺔ ،رﺳﻤﯿﺎً. وھﺎ أﻧﺎ ﻣﺤﺮرة. أﻟﻘﯿﺖ ﻧﻔﺴﻲ ﻓﻲ ذراﻋﻲ ﺑﺎرﺑﺮا. وأﺳﺮت إﻟﻲ ﺑﺄﻧﮭﺎ ﺣﻤﻠﺖ ﻣﻌﮭﺎ ﺛﯿﺎﺑﺎً أﻛﺜﺮ ﻟﯿﺎﻗﺔ ﺑﻲ ﻣﻤﺎ أرﺗﺪﯾﮫ ،وھﻲ ﺑﻨﻄﻠﻮن وﺳﺘﺮة .ﺷﻜﺮﺗﮭﺎ ،ﻏﯿﺮ أﻧﻲ ﻛﻨﺖُ ﻗﺪ ﻗﺮرت أن أﺣﺘﻔﻆ ﺑﺜﯿﺎب اﻷﺳﺮ اﻟﺘﻲ ﻛﻨﺖ أرﺗﺪﯾﮭﺎ اﻟﻰ ﺣﯿﻨﮫ ،ﻣﻨﺬ اﻟﺼﺒﺎح – ﺑﻨﻄﻠﻮن ﺟﯿﻨﺰ ،وﺑﻠﻮزة زرﻗﺎء وﺣﺰام ﻣﻦ ﺻﻨﻊ ﯾﺪي. وﻛﺎن ﻓﻲ اﻟﺤﻮش ،أﻣﺎم ﻣﻜﺘﺐ أﺑﻮ ﺳﻤﯿﺮ ،ﺳﯿﺎرة ﻟﻠﺠﻨﺔ اﻟﺪوﻟﯿﺔ ﻟﻠﺼﻠﯿﺐ اﻷﺣﻤﺮ ،ﻓﻲ اﻧﺘﻈﺎرﻧﺎ .ﺻﻌﺪﻧﺎ اﻟﻰ ﻣﺘﻨﮭﺎ واﺗﺠﮭﻨﺎ اﻟﻰ ﺑﯿﺮوت .ﺳﻠﻜﺖ اﻟﺴﯿﺎرة ﺑﻨﺎ ﻃﺮﯾﻘﺎً ﻟﻢ أﻋﺮﻓﮫ. وراﺣﺖ ﻋﯿﻨﺎي ﺗﻠﺘﮭﻤﺎن اﻟﻤﺸﮭﺪ اﻟﺘﮭﺎﻣﺎً .ﺟﺎوزﻧﺎ ﺑﻌﺾ اﻟﻮﺣﺪات اﻟﻌﺴﻜﺮﯾﺔ اﻹﺳﺮاﺋﯿﻠﯿﺔ ،وﻟﻠﺤﺎل رأﯾﺘﻨﻲ أﺳﺠﻞ أرﻗﺎﻣﮭﺎ ،ﻋﻠىﻨﺤﻮ آﻟﻲ .وﻛﺎن اﻟﻔﺮح ﯾﻐﻤﺮ ﻛﻞ ﻣﻦ ﻓﻲ اﻟﺴﯿﺎرة .ﺑﯿﺪ أﻧﻲ ﻏﺪوت أﻛﺜﺮ ﺳﻜﻮﻧﺎً ﻣﻨﮭﻢ .وﻻ ﺷﻚ ﻓﻲ
217
ذﻟﻚ ،ﻣﺎ داﻣﺖ ﻋﯿﻨﺎي ﻻ ﺗﺼﺪﻗﺎن ھﺬا اﻟﺘﺤﻮل اﻟﺴﺮﯾﻊ ﻓﻲ اﻟﺰﻣﻦ. وﻛﺎﻧﺖ اﻟﺴﺎﻋﺔ ﺗﺸﯿﺮ اﻟﻰ اﻟﺘﺎﺳﻌﺔ وﺧﻤﺴﺔ ﻋﺸﺮ دﻗﯿﻘﺔ. وﺳﺮﻋﺎن ﻣﺎ أﻋﻠﻨﺖ إذاﻋﺔ" ﺻﻮت اﻟﺸﻌﺐ" إﻃﻼق ﺳﺮاﺣﻲ ،ﺛﻢ ﻣﺎ ﻟﺒﺜﺖ ﻛﻞ وﺳﺎﺋﻞ اﻹﻋﻼم اﻟﻠﺒﻨﺎﻧﯿﺔ أن ﻗﻄﻌﺖ إرﺳﺎﻟﮭﺎ ﻣﻌﻠﻨﺔ اﻟﺨﺒﺮ ،وﻻ ﺳﯿﻤﺎ ﻓﻲ ﺑﯿﺮوت .وﻛﺎن ﺣﺸﺪ ﻣﻦ اﻟﺼﺤﺎﻓﯿﯿﻦ ﯾﺘﺒﻊ اﻟﺴﯿﺎرة ﺣﯿﺚ ﻛﻨﺖ ،أﻣﻼً ﻓﻲ اﻹدﻻء ﺑﺮأﯾﻲ ،وﻟﻜﻦ ﻋﺒﺜﺎً .وﻛﺎﻧﺖ اﻟﺘﻌﻠﯿﻤﺎت اﻟﻤﻌﻄﺎة اﻟﻰ اﻟﻠﺠﻨﺔ اﻟﺪوﻟﯿﺔ ﻟﻠﺼﻠﯿﺐ اﻷﺣﻤﺮ ﺗﻘﻀﻲ ﺑﻌﺪم إﺟﺮاء أي ﻣﻘﺎﺑﻠﺔ ﻓﻲ اﻟﻤﻨﻄﻘﺔ اﻟﻤﺤﺘﻠﺔ. أﻋﺮف أن ﺳﻨﻮات ﻋﺸﺮاً ﻣﻀﺖ ﻣﻨﺬ آﺧﺮ رﺣﻠﺔ ﻟﻲ اﻟﻰ اﻟﻤﻨﻄﻘﺔ اﻟﻤﺤﺘﻠﺔ ،ﺑﺎﻟﺴﯿﺎرة ،وﻟﻜﻨﻨﻲ ﻇﻠﻠﺖ ﻏﯿﺮ ﻗﺎدرة ﻋﻠىﺘﻤﯿﯿﺰ أﺛﺮ ھﺬه اﻟﺴﻨﻮات ﻓﻲ ﻣﺎ ﯾﺤﯿﻂ ﺑﻲ .وأﻋﺎرﺗﻨﻲ "ﺑﺎرﺑﺮا اﻟﮭﺎﺗﻒ اﻟﺨﻠﯿﻮي ﺧﺎﺻﺘﮭﺎ ﻷﺗﺼﻞ ﺑﻮاﻟﺪﺗﻲ ،ﻓﻜﺎن ﺣﺪﯾﺜﻨﺎ ﯾﻔﯿﺾ ﺑﮭﺠﺔ ،وﺗﻮاﻋﺪﻧﺎ ﻋﻠﻰ اﻟﻠﻘﺎء ﺑﻌﺪ ﻗﻠﯿﻞ. "ﻧﻌﻢ ،أﻧﺎ ﻓﻲ ﺣﺎل ﺟﯿﺪة ،اﻟﻰ اﻟﻠﻘﺎء ﻗﺮﯾﺒﺎً!" .وﻟﻤﺴﺖُ ﻣﻦ ﻣﻨﺪوﺑﺔ اﻟﺼﻠﯿﺐ اﻷﺣﻤﺮ ﻧﻮﻋﺎص ﻣﻦ رد اﻟﻔﻌﻞ ﻋﻠﻰ ھﺬه اﻵﻟﺔ اﻟﺴﺤﺮﯾﺔ اﻟﺠﺪﯾﺪة ،إﻻ أﻧﻲ ﻟﻢ أﺑﺪ دھﺸﺘﻲ ﻟﺬﻟﻚ .إذا وﺟﺪتُ وﺻﻔﮭﺎ ،أي آﻟﺔ اﻻﺗﺼﺎل اﻟﺨﻠﯿﻮﯾﺔ .ﻣﻄﺎﺑﻘﺎً ﺗﻤﺎﻣﺎً ﻟﻤﺎ ﻛﺎﻧﺖ ﺗﻨﻘﻠﮫ اﻟﯿﻨﺎ ﺳﺠﯿﻨﺎت ﻣﻌﺘﻘﻞ اﻟﺨﯿﺎم اﻟﺠﺪﯾﺪات .ﻓﻲ اﻟﺴﯿﺎرة ،وﺿﻌﻨﺎ اﻟﻤﻮﺳﯿﻘﻰ .وﻛﺎﻧﺖ ﺑﺎرﺑﺮا ﺗﺸﻚ ﻓﻲ ﻣﻌﺮﻓﺘﻲ اﻷﻏﺎﻧﻲ اﻟﺘﻲ اﺳﻤﻌﮭﺎ ﻟﻠﺘﻮ .ﻓﺒﯿﻨﺖُ ﻟﮭﺎ اﻟﻌﻜﺲ. وﻗﻠﺖ ﻟﮭﺎ إﻧﮫ ﺑﻔﻀﻞ ﺗﻨﻘﻼت اﻟﻤﻌﺘﻘﻼت ﻓﻲ أرﺟﺎء اﻟﻤﻌﺘﻘﻞ ،وﺑﻔﻀﻞ ﺟﮭﺎز اﻟﺮادﯾﻮ اﻟﺬي ﻛﺎﻧﺖ اﻟﺤﺎرﺳﺎت 218
ﯾﺸﻐﻠﻨﮫ ﻟﯿﺴﻤﻌﻦ اﻷﻏﺎﻧﻲ ،أﻣﻜﻦ ﻟﻨﺎ اﻻﻃﻼع ﻋﻠﻰ آﺧﺮ اﻟﻤﺴﺘﺠﺪات ﻓﻲ ھﺬا اﻟﺸﺄن. وﻣﻀﻰ ﺳﺎﺋﻘﻨﺎ ﯾﺴﺄل ﻋﻦ اﻟﻄﺮﯾﻖ اﻟﺬي ﯾﺠﺐ أن ﯾﺴﻠﻜﮫ ﻟﯿﺼﻞ ،وﺑﺄﻗﺼﻰ ﺳﺮﻋﺔ ،اﻟﻰ اﻟﺴﺮاي اﻟﺤﻜﻮﻣﻲ ،ﺣﯿﺚ ﻧﺘﻈﺮ وﺻﻮل اﻟﻠﺠﻨﺔ اﻟﺪوﻟﯿﺔ ﻟﻠﺼﻠﯿﺐ اﻷﺣﻤﺮ .وﻟﻤﺎ أدرك اﻟﺨﻂ ،اﻧﻌﻄﻒ ﻋﻦ اﻟﻄﺮﯾﻖ اﻟﺮﺋﯿﺴﯿﺔ ،ودﻟﻒ اﻟﻰ ﻃﺮﯾﻖ أﺧﺮى .وﻟﻢ أدرك ﺗﺼﺮﻓﮫ ھﺬا إﻻ ﺣﯿﻦ ﺑﻠﻐﻨﺎ اﻟﻰ اﻟﮭﺪف. ﻓﻲ ھﺬه اﻷﺛﻨﺎء ،ﺑﺪأ اﻟﮭﺎﺗﻒ اﻟﻌﺮﺑﻲ ﯾﻌﻤﻞ ھﺬه اﻟﻤﺮة. وﺗﻮﻗﻔﺖ ﺳﯿﺎرة اﻟﺼﻠﯿﺐ اﻷﺣﻤﺮ اﻟﺪوﻟﻲ .وﺗﺮﺟﻠﺖ ﻣﻦ اﻟﺴﯿﺎرة ،وإذا ﺻﺮﺧﺎت ﻣﻦ اﻟﻔﺮح ﺗﻨﻄﻠﻖ ﻣﻦ ھﻨﺎ وھﻨﺎك. وﻓﻲ اﻟﺒﺪء ،وأﻧﺎ ﻣﺎ زﻟﺖ ﺗﺤﺖ وﻗﻊ اﻟﺬھﻮل ،ﻋﺮﻓﺖ أﺑﻲ، اﻟﺬي ﻛﺎن ﯾﻨﺘﻈﺮﻧﻲ وﺣﺪه ،وﯾﺤﻮط ﺑﮫ اﻟﺤﺮس اﻟﺸﺨﺼﻲ ﻟﺮﺋﯿﺲ اﻟﻮزراء .وﻓﯿﻤﺎ أﻧﺎ أﺻﻌﺪ درج اﻟﺴﺮاي ،ﺗﻌﺮﻓﺖ اﻟﻰ وﺟﮫ ،ﺛﻢ اﻟﻰ آﺧﺮ ،وﺛﺎﻟﺚ وراﺑﻊ .ﻛﺎن أﺻﺪﻗﺎﺋﻲ ﻛﻠﮭﻢ ھﻨﺎ ،ﯾﺤﻔﻮن ﺑﻲ .ﺗﺒﯿﻨﺖ ﻟﻲ ﻗﺴﻤﺎﺗﮭﻢ اﻟﺘﻲ ﻟﻢ ﯾﺒﺪل ﻓﯿﮭﺎ اﻟﺰﻣﻦ ﺷﯿﺌﺎً ،ﻛﻤﺎ ﻟﻮ أن اﻟﺰﻣﻦ اﻟﻤﻨﻘﻀﻲ ﻟﻢ ﯾُﺤﺴﺐ ﻗﻂ .وراﺣﺖ اﻷﯾﺎدي ﺗﻠﻮح ،ﻣﻠﮭﻮﻓﺔ ،ﻣﺘﺴﺎرﻋﺔ ،ﺣﺘﻰ ﻟﻨﺘﻼﻣﺲ ،ﻓﻲ ھﺬه اﻵوﻧﺎت اﻟﺘﻲ ﺗﻔﯿﺾ ﺑﺎﻟﻤﺸﺎﻋﺮ .ﺛﻢ واﻓﯿﺖُ ﻋﺎﺋﻠﺘﻲ اﻟﺘﻲ ﻛﺎﻧﺖ ﻓﻲ اﻧﺘﻈﺎري وﺳﻂ ﺑﮭﻮ اﻟﻘﺼﺮ اﻟﺮﺋﺎﺳﻲ. وﻛﺎن أﺣﺮى ﺑﺴﺎﻋﺎت اﻟﺤﺮﯾﺔ اﻷوﻟﻰ ھﺬه أن ﺗﺤﻤﻠﻨﻲ ﻓﻲ دواﻣﺔ ﻣﻦ اﻟﺤﯿﺎة ﺣﻘﯿﻘﯿﺔ. ﺣﺘﻰ إذا اﺳﺘﻘﺒﻠﻨﻲ رﺋﯿﺲ اﻟﻮزراء ﻓﻲ ﺣﯿﻨﮫ ،رﻓﯿﻖ اﻟﺤﺮﯾﺮي ،أﺧﺬت ﻟﻨﺎ ﺻﻮر ﺟﺪﯾﺮة ﺑﺘﺴﺠﯿﻞ ھﺬه اﻟﻤﻨﺎﺳﺒﺔ . وﻣﻦ ﺛﻢ أﺟﺮﯾﺖ ﻟﻘﺎء ﺻﺤﺎﻓﯿﺎً ﻃﻮﯾﻼً ،وﻛﻨﺖ ﻣﺤﺎﻃﺔ 219
ﺑﻘﯿﺎدات اﻟﺤﺰب اﻟﺸﯿﻮﻋﻲ اﻟﻠﺒﻨﺎﻧﻲ ﻣﻤﻦ ﻻ أﻋﺮﻓﮭﻢ إﻻ ﺑﺎﻹﺳﻢ :وﻛﺎن ﻓﻲ ﻋﺪادھﻢ اﻷﻣﯿﻦ اﻟﻌﺎم ،وﺧﻠﻔﮫ ،وﻋﺪد ﻛﺒﯿﺮ ﻣﻦ اﻟﻤﺤﺎزﺑﯿﻦ اﻵﺧﺮﯾﻦ .أﻣﺎ اﻟﺸﯿﻮﻋﯿﻮن اﻟﺬﯾﻦ ﻛﺎﻧﻮا اﻧﺘﺨﺒﻮﻧﻲ ﻋﻀﻮاً ﻓﻲ ﻣﺠﻠﺴﮭﻢ اﻟﻮﻃﻨﻲ أﺛﻨﺎء اﻷﺳﺮ، ﻓﻜﺎﻧﻮا اﻟﻰ ﺟﺎﻧﺒﻲ ،ﺟﻤﯿﻌﮭﻢ. ﻟﻢ أﻛﻦ ھﯿﺄت ﻧﻔﺴﻲ ﻟﻺﺟﺎﺑﺔ ﻋﻠﻰ أﺳﺌﻠﺔ اﻹﻋﻼم واﻟﻮﺳﺎﺋﻞ اﻹﻋﻼﻣﯿﺔ ،وأﻣﻜﻨﻨﻲ ،ﻓﻘﻂ ،أن أﺷﯿﺮ اﻟﻰ ﻣﺼﯿﺮ أوﻟﺌﻚ اﻟﺬﯾﻦ ﻻ ﯾﺰاﻟﻮن ھﻨﺎﻟﻚ ﻓﻲ اﻷﺳﺮ ،ﺣﯿﻦ ﺗﺴﺎﻗﻄﺖ ﻋﻠﻲ اﻷﺳﺌﻠﺔ ﻣﻦ ﻛﻞ ﺻﻮب .وﺳﺌﻠﺖ إن ﻛﻨﺖ ﻣﺴﺘﻌﺪة ﻟﻤﻌﺎودة اﻟﻌﻤﻠﯿﺔ اﻟﺘﻲ ﻣﻦ أﺟﻠﮭﺎ أُﺳﺮت ،وﺳﺌﻠﺖ ﻃﻮﯾﻼً ﻋﻦ أﻋﻤﺎل اﻟﺘﻌﺬﯾﺐ اﻟﺘﻲ ﻣﻮرﺳﺖ ﻓﻲ ﻣﻌﺘﻘﻞ اﻟﺨﯿﺎم ،وﻻ ﺗﺰال. واﻧﺘﮭﻰ ﻟﻘﺎﺋﻲ ﻣﻊ اﻟﺼﺤﺎﻓﯿﯿﻦ ،إﻻ أن ﺗﺪﻓﻘﮭﻢ ﻋﻠﻲ ﻟﻢ ﯾﻨﺘﮫ. ﺣﺘﻰ إذا اﺳﺘﻘﻠﯿﺖ اﻟﺴﯿﺎرة وھﻤﻤﻨﺎ ﺑﺎﻟﻌﻮدة اﻟﻰ اﻟﻤﻨﺰل، رأﯾﺖ اﻟﻜﺎﻣﯿﺮات ﺗﻮاﻛﺒﻨﺎ ،وإذا ﺑﻤﻨﺰﻟﻨﺎ ﺑﺘﺤﻮل اﻟﻰ ﻗﺎﻋﺔ ﺧﺎﺻﺔ ﻟﻠﺼﺤﺎﻓﺔ ،ﯾﻌﺞ اﻟﻨﺎس ﻓﯿﮭﺎ ،ﺑﺤﯿﺚ ﺑﺘﻨﺎ ﻧﻘﻠﻖ ﻋﻠﻰ ﺻﻼﺑﺔ اﻟﻤﻨﺰل وﻗﺪرﺗﮫ ﻋﻠﻰ ﺣﻤﻞ ھﺬا اﻟﻌﺪد اﻟﻜﺒﯿﺮ ﻣﻦ اﻟﻮاﻓﺪﯾﻦ إﻟﯿﮫ .وﻓﻲ ﻣﻨﺘﺼﻒ اﻟﻠﯿﻞ ،وإذ ﺑﻠﻎ ﺑﻲ اﻹرھﺎق ﺣﺪه ،ﻗﺼﺪت ﻣﻨﺰل ﻋﻤﻲ ﻟﻠﺮاﺣﺔ .وﻓﻲ اﻟﺼﺒﺎح اﻟﺒﺎﻛﺮ، اﺳﺘﯿﻘﻈﺖُ وﺑﻲ ﺷﻌﻮر ﻣﻌﺎﻛﺲ ﻟﺬاك اﻟﺬي ﺗﻮﻻﻧﻲ ﻓﻲ اﻟﺴﺠﻦ ﻃﯿﻠﺔ ﻋﺸﺮ ﺳﻨﻮات .ﻓﻔﻲ ﻣﻌﺘﻘﻞ اﻟﺨﯿﺎم ،ﻛﺎن ﯾﺘﻤﻠﻜﻨﻲ اﻟﺸﻌﻮر ﻧﻔﺴﮫ ،ﺻﺒﺎﺣﺎً ،وﻗﺒﯿﻞ أن أﻓﺘﺢ ﻋﯿﻨﻲ، وھﻮ ﺷﻌﻮري ﺑﺄﻧﻲ ﻣﺎ زﻟﺖُ ﻓﻲ ﻣﻨﺰﻟﻲ ﺑﺒﯿﺮوت .وﻟﻤﺎ ﺻﺮتُ ﻓﻲ ﺑﯿﺮوت ،أﺧﺬ ﯾﺘﻮﻻﻧﻲ اﻟﺸﻌﻮر ﺑﺄﻧﻲ أﺳﺘﯿﻘﻆ ﻓﻲ اﻷﺳﺮ ،وﻟﻢ ﯾﺒﺎرﺣﻨﻲ ھﺬا اﻟﺸﻌﻮر وﻇﻞ ﻣﻌﻲ ﻟﺰﻣﻦ ﻃﻮﯾﻞ.
220
وﻓﻲ اﻷﯾﺎم اﻟﺘﺎﻟﯿﺔ ،اﺳﺘﻤﺮت اﻟﻠﻘﺎءات واﻟﻤﺆﺗﻤﺮات اﻟﺼﺤﺎﻓﯿﺔ .ﻟﻢ أﻋﺪ وﺣﺪي ،ﻓﻮاﻟﺪﺗﻲ ﺣﺮﯾﺼﺔ ﻋﻠﻲ اﻟﻰ ﺣﺪ ﻛﺒﯿﺮ .وﻗﺮ رأي اﻟﺤﺰب اﻟﺸﯿﻮﻋﻲ أن ﯾﺮﺳﻞ ﺣﺮﺳﺎً ﻣﻦ ﻟﺪﻧﮫ ،ﯾﻘﯿﻤﻮن ﻟﺪﯾﻨﺎ ،ﻣﺎ أﺛﺎر اﻧﺰﻋﺎﺟﻲ. زد ﻋﻠﻰ ذﻟﻚ ،أن واﻟﺪﺗﻲ ﻣﺎ ﻛﺎﻧﺖ ﺗﺮى ﺑﻌﯿﻦ اﻟﺮﺿﺎ ﻧﻔﺎذ اﻟﺤﺰب اﻟﻰ وﺳﻂ ﺣﻤﯿﻤﯿﺘﻨﺎ .وﻓﻲ ﺧﻼل أﯾﺎم ،أﻗﻨﻌﺖُ اﻟﺮﺟﻞ اﻟﻤﻨﻮط ﺑﺤﻤﺎﯾﺘﻲ ﺑﺄﻧﻲ ﻻ أﺣﺘﺎج أﺣﺪاً ،وﻃﻤﺄﻧﺘﮫ ﺑﺄن ﺣﺎﻟﻲ ﻻ ﺗﺪﻋﻮ اﻟﻰ ھﺬا اﻟﺤﺮص. وﻣﺎ ﻛﺎﻧﺖ اﻷﺳﺎﺑﯿﻊ اﻟﺘﺎﻟﯿﺔ ،اﻟﻤﺘﻼﺣﻘﺔ ﺗﺒﺎﻋﺎً ،ﻟﺘﺘﯿﺢ ﻟﻲ اﻟﻌﯿﺶ ﺑﺴﻼم .ﻓﻜﺎن إﻃﻼق ﺳﺮاﺣﻲ ﻣﻮﺿﻊ اﺣﺘﻔﺎء ،ﺣﺘﻰ ﺑﻠﻐﺖ أﺑﻌﺎده ﺣﺪ اﻟﻌﯿﺪ اﻟﻮﻃﻨﻲ .وﻇﻞ اﻟﻤﻨﺰل وﻣﺮﻛﺰ اﻟﺤﺰب اﻟﺮﺋﯿﺴﻲ ﯾﺴﺘﻘﺒﻼن اﻵﻻف واﻵﻻف ﻣﻦ اﻟﺰوار، ﻓﻲ ﺻﻔﻮف ﻻ ﺗﻨﺘﮭﻲ ،وﻋﻠﻰ اﻣﺘﺪاد اﻷﺷﮭﺮ اﻟﺜﻼﺛﺔ اﻟﺘﻲ أﻋﻘﺒﺖ اﻟﺜﺎﻟﺚ ﻣﻦ أﯾﻠﻮل /ﺳﺒﺘﻤﺒﺮ ھﺬا .واﻟﺤﻖ أﻧﻨﻲ ﺗﺄﺛﺮت ،ﻏﺎﯾﺔ اﻟﺘﺄﺛﺮ ،ﺑﮭﺬا اﻟﺘﻌﻠﻖ ﺑﻘﯿﻢ اﻟﻤﻘﺎوﻣﺔ – وأﻗﻠﮫ، ھﺬا ﻣﺎ ﻛﺎن ﯾﺠﺪر ﺑﻲ ﺣﻔﻈﮫ ﻣﻦ ھﺬه اﻟﺘﻈﺎھﺮات. وﻓﻲ ھﺬه اﻷﺛﻨﺎء رﺣﺖُ أﻗﯿﺲ ھﺬه اﻟﺴﻨﻮات اﻟﻤﺴﺮوﻗﺔ ﻣﻨﻲ .وﻟﺌﻦ ﻋﺪت اﻟﻰ اﻟﺤﯿﺎة ﺑﻘﺴﻮة ،أﺟﺪﻧﻲ اﻵن ﻏﯿﺮ ﻗﺎدرة ﻋﻠﻰ اﺳﺘﻌﺎدة ذﻟﻚ اﻹﯾﻘﺎع ،اﻟﺬي أھﻨﺄ ﻓﯿﮫ ﺑﻮﺟﻮد ﻣﻌﺎﻓﻰ .وﻛﺎن ھﺬا اﻟﺠﮭﺪ ﻧﻮﻋﺎً آﺧﺮ ﻣﻦ اﻻﻟﺘﺰام. وارﺗﺴﻤﺖ ﻓﻲ ﺧﺎﻃﺮي ،واﻟﺤﺎل ھﺬه ،ﻓﻜﺮة اﻻﻋﺘﻜﺎف ﺑﻌﯿﺪاً ﻋﻦ ﺑﯿﺮوت وﻋﻦ ﻟﺒﻨﺎن ،ﻷﺟﻞ أن أﺳﺘﻌﯿﺪ ﻧﻔﺴﻲ. وﻓﻲ اﻟﯿﻮم ذاﺗﮫ ،اﻟﺬي أﻋﻠﻦ ﻓﯿﮫ إﻃﻼق ﺳﺮاﺣﻲ ،اﺗﺼﻞ ﺑﻲ ﺳﻔﯿﺮ ﻓﺮﻧﺴﺎ ﻓﻲ ﻟﺒﻨﺎن وأﺷﺎر إﻟﻲ اﻟﻰ أن ﺑﺎرﯾﺲ ﻣﺴﺘﻌﺪة ﻻﺳﺘﻘﺒﺎﻟﻲ ﻟﺪﯾﮭﺎ اﻟﻤﺪة اﻟﺘﻲ أرﯾﺪھﺎ ،أﯾﺎً ﺗﻜﻦ .وﺑﻌﺪ 221
أﺳﺎﺑﯿﻊ ﻣﻦ اﻟﺘﻔﻜﯿﺮ ،ﻗﺒﻠﺖُ اﻟﺪﻋﻮة ،وﻣﺎ أﻋﻈﻢ ﻓﺮﺣﺔ أﻣﻲ ﺑﮭﺬا اﻟﻘﺮار ،وھﻲ اﻟﺘﻲ ﻣﻀﺖ ﺗﺘﺨﯿﻠﻨﻲ ،ﻛﻠﻤﺎ اﺟﺘﺰت ﻋﺘﺒﺔ ﺑﯿﺘﻨﺎ ،أﻧﻲ ﻣﺰﻣﻌﺔ ﻋﻠﻰ ﻋﻤﻠﯿﺔ ﺟﺪﯾﺪة ﻓﻲ اﻟﻤﻨﻄﻘﺔ اﻟﻤﺤﺘﻠﺔ. وﻗﺒﯿﻞ اﻧﺼﺮاﻓﻲ اﻟﻰ اﻟﺴﻔﺮ ،ﻛﻨﺖ ﺗﻠﻘﯿﺖُ رﺳﺎﻟﺔ ﻣﻦ اﻟﻤﻜﺘﺐ اﻟﺪاﺋﻢ ﻟﻠﺤﺰب اﻟﺸﯿﻮﻋﻲ .ﻓﻌﺮﻓﺖُ ﻟﻠﺘﻮ ﻣﺼﺪرھﺎ . إﻧﮫ أﺣﻤﺪ .اﻟﻤﺴﺆول ﻋﻨﻲ ﻓﻲ اﻟﻤﻘﺎوﻣﺔ .وﻟﻠﺤﺎل ،وﺗﺒﻌﺎً ﻟﻘﻮاﻋﺪ اﻟﺴﺮﯾﺔ اﻟﺘﻲ ﻟﻢ ﻧﻨﺴﮭﺎ ،ﻋﯿّﻨﺎ ﻣﻮﻋﺪاً ﻟﻨﺎ ﺧﻔﯿﺔً. وﻋﺪﻧﺎ ،واﻟﺘﻘﯿﻨﺎ ﺳﻮﯾﺔ ،ﺑﻤﻨﺄى ﻋﻦ اﻟﻌﯿﻮن. ھﻮ اﻟﺬي ﻛﺎن اﻟﺴﺒﺐ ﻓﻲ دﻓﻌﻲ اﻟﻰ ﺷﺪق اﻟﺘﻨﯿﻦ ،وأﻧﺎ اﻟﺘﻲ ﺗﺤﺮﻗﺖ ﻃﻮﯾﻼص ﻷدﺧﻠﮫ .وأﺳﺮ ﻟﻲ أﻧﮫ ﻣﺎ ﺑﺮح ﯾﻔﻜﺮ ﻓﻲ ﻣﻘﺎوﻣﺘﮫ ،ﻛﻞ ﺻﺒﺎح وﻛﻞ ﻣﺴﺎء ،ﺑﻌﺪ أن وﻗﻌﺖ ﻓﻲ ﻓﺦ ﻣﻌﺘﻘﻞ اﻟﺨﯿﺎم. ذﻟﻚ اﻟﯿﻮم ،ﺑﺪت اﻟﻜﻠﻤﺎت ﻧﺎﻓﻠﺔً ،أو ﺗﻜﺎد.
222
ﺧﺎﺗﻤـــــﺔ ﻓﻲ اﻟﺮاﺑﻊ واﻟﺸﻌﺮﯾﻦ ﻣﻦ أﯾﺎر /ﻣﺎﯾﻮ ،ﻋﺎم ،2000ﺗﺤﺮر اﻟﺠﻨﻮب اﻟﻠﺒﻨﺎﻧﻲ ،وﺳﻘﻄﺖ أﺳﻮار ﻣﻌﺘﻘﻞ اﻟﺨﯿﺎم ،أﯾﻀﺎً وأﯾﻀﺎً .ﺑﺎﻷﯾﺪي اﻟﻌﺰﻻء ،وﺑﻘﺒﻀﺎت اﻟﻘﺮوﯾﯿﻦ اﻟﺬﯾﻦ ﻇﻠﻮا ،ﻃﻮال ھﺬه اﻟﺴﻨﯿﻦ ،ﻣﺴﻜﻮﻧﯿﻦ ﺑﺼﺮﺧﺎت اﻟﻤﻌﺬﺑﯿﻦ اﻟﺼﺎدرة ﻣﻦ اﻟﻤﻌﺘﻘﻞ .وراﺣﺖ ﺻﻔﻮف اﻟﻤﺪﻧﯿﯿﻦ ﺗﺘﻮاﻓﺪ اﻟﻰ اﻟﻤﻌﺘﻘﻞ .وﻟﻢ ﯾﺒﺪ اﻟﺤﺮاس ﻓﯿﮫ وﻻ اﻟﺤﺎرﺳﺎت أي ﻣﻘﺎوﻣﺔ ﺗﺬﻛﺮ ،إذ ﻛﺎﻧﻮا ﺟﻤﯿﻌﮭﻢ ﻗﺪ أﺧﻠﻮا اﻟﻤﻜﺎن ﻣﻦ دون أن ﯾﺴﺄﻟﻮا ﻋﻤﺎ ﺗﺮﻛﻮه وراءھﻢ ،وﻋﻤﻦ ﻛﺎﻧﻮا ﻓﻲ اﻟﻤﻌﺘﻘﻞ، ﺗﻠﻚ اﻟﻌﺸﯿﺔ .وﻗﺪ أﻋﺎدوا اﻟﺮوح اﻟﻰ اﻟﺮﺟﺎل واﻟﻨﺴﺎء اﻟﺬﯾﻦ ﺑﺪوا ﻣﺘﻌﺒﯿﻦ ،وﻣﻨﺪھﺸﯿﻦ ﻟﮭﺬا اﻟﺘﺤﻮل اﻟﺘﺎرﯾﺨﻲ اﻟﺬي ﯾﺠﺮي أﻣﺎم ﻋﯿﻮﻧﮭﻢ. وﻓﻲ اﻷﺳﺎﺑﯿﻊ اﻷوﻟﻰ اﻟﺘﻲ أﻋﻘﺒﺖ ﺳﻘﻮط اﻟﻤﻨﻄﻘﺔ اﻟﻤﺤﺘﻠﺔ ،وﺳﻘﻮط ﻣﻌﺘﻞ اﻟﺨﯿﺎم ﻛﺬﻟﻚ ،رأﯾﺖ ﻗﺎﺋﺪھﺎ أﻧﻄﻮان ﻟﺤﺪ ﯾﻌﻮد اﻟﻘﮭﻘﺮى اﻟﻰ ﺗﻞ أﺑﯿﺐ .وﻛﺎﻧﺖ اﻟﻠﺠﺎن اﻟﺘﻲ ﺗﺤﺮﻛﺖ ﻓﻲ ﻓﺮﻧﺴﺎ دﻋﻤﺎً ﻟﺘﺤﺮﯾﺮ اﻟﺴﺠﻨﺎء ﻣﻦ ﻣﻌﺘﻘﻞ اﻟﺨﯿﺎم ﯾﻨﺘﻈﺮون ،واﻟﻌﺰم ﺛﺎﻟﺜﮭﻢ ،أن ﺗﻄﺄ ﻗﺪﻣﺎ اﻷﺧﯿﺮ ﻓﺮﻧﺴﺎ ،وﯾﺪﺧﻞ اﻟﻰ ﺷﻘﺘﮫ اﻟﺒﺎرﯾﺴﯿﺔ ﺧﺎﺋﺒﺎً ،ﺣﯿﺚ ﻛﺎن أودع ﻋﺎﺋﻠﺘﮫ إﺛﺮ ﻗﯿﺎﻣﻲ ﺑﺎﻟﻌﻤﻠﯿﺔ ﺿﺪه ،وذﻟﻚ ﻟﺘﺮﻓﻊ ﻓﻲ وﺟﮭﮫ دﻋﻮى ﻣﻀﻤﻮﻧﮭﺎ ارﺗﻜﺎب ﺟﺮاﺋﻢ ﺣﺮب ﺿﺪ اﻹﻧﺴﺎﻧﯿﺔ .أﻣﺎ اﻟﺤﺮاس واﻟﺤﺎرﺳﺎت ﻓﻲ ﻣﻌﺘﻘﻞ اﻟﺨﯿﺎم ،ﻓﻘﺪ ﻣﻀﻮا ﺑﻐﺎﻟﺒﯿﺘﮭﻢ اﻟﻰ إﺳﺮاﺋﯿﻞ ،وأﻧﺰﻟﻮا ﻟﮭﺬه اﻟﻐﺎﯾﺔ ﻓﻲ ﻣﺨﯿﻤﺎت ﻣﺆﻗﺘﺔ ،ﺣﯿﺚ ﯾﺄﻣﻠﻮن اﻟﻔﺮار ،وﺑﺄﺳﺮع ﻣﺎ أﻣﻜﻨﮭﻢ ،اﻟﻰ ﺑﻼد أﺧﺮى ،ﺗﻜﻮن أرﺣﻢ ﻟﮭﻢ ،ﻟﻤﺎﺿﯿﮭﻢ ﻓﻲ وﻃﻨﮭﻢ اﻷم .وھﺬه ﻛﺎﻧﺖ ﺣﺎل أﺑﻮ ﻧﺒﯿﻞ وﻏﺎﻟﺒﯿﺔ اﻷﺷﺨﺎص اﻟﻘﯿﻤﯿﻦ ﻋﻠﻰ ﻣﻌﺘﻘﻞ اﻟﺨﯿﺎم. 223
إﻻ أن ﺣﺎرﺳﺔ واﺣﺪة وھﻲ ﺗﺪﻋﻰ "ﻋﻠﯿﺎ" آﺛﺮت أن ﺗﺒﻘﻰ ﻓﻲ ﻟﺒﻨﺎن .وﯾﻮم ﻋﺪت اﻟﻰ زﯾﺎرة ﺗﻠﻚ اﻷﻣﺎﻛﻦ ﻟﻠﻤﺮة اﻷوﻟﻰ ،أُﺧﺒﺮت أن أﺣﺪاً ﻻ ﯾﻌﺮف ﻋﻨﮭﺎ ﺷﯿﺌﺎً. وﺑﻌﺪ زﯾﺎرﺗﻲ ﻟﻤﻌﺘﻘﻞ اﻟﺨﯿﺎم ،وﻋﻮدﺗﻲ اﻟﻰ ﻗﺮﯾﺘﻲ دﯾﺮ ﻣﯿﻤﺎس ،ﺣﯿﺚ ﻟﻢ ﺗﻜﻦ ﻗﺪﻣﺎي ﻗﺪ وﻃﺌﺘﺎھﺎ ﻣﻨﺬ ﻋﻤﻠﯿﺘﻲ ﻓﻲ اﻟﻌﺎم ،1988ﺻﺮتُ أﻧﻘﻞ ﺧﻄﻮي ووﻗﺘﻲ ﺑﯿﻦ ﻛﻞ ﻣﻦ ﻟﺒﻨﺎن ،ﻗﺮﯾﺒﺎً ﻣﻦ ﻋﺎﺋﻠﺘﻲ ،وﺑﺎرﯾﺲ ،ﺣﯿﺚ ﺗﻌﻠﻤﺖ اﻟﻠﻐﺔ اﻟﻌﺒﺮﯾﺔ .وواﺻﻠﺖ ﻣﺮاﺳﺔل ﻋﺰﯾﺰﺗﻲ ﻛﻔﺎح اﻟﺘﻲ ﺗﺰوﺟﺖ ﻣﻦ ﻟﺒﻨﺎﻧﻲ وﺑﺎﺗﺖ ﺗﺤﯿﺎ ﻓﻲ ﺑﯿﺮوت ﻣﻊ وﻟﺪﯾﮭﺎ ،اﻟﺼﺒﻲ وﯾﺪﻋﻰ أﯾﻤﻦ ،واﻟﻔﺘﺎة ﺗﺪﻋﻰ "ﺳﮭﻰ" ﻋﻠﻰ اﺳﻤﻲ .أﻣﺎ ﻛﻔﺎح ،ﺷﺄن ﻛﻞ اﻟﻔﻠﺴﻄﯿﻨﯿﯿﻦ ﻓﻲ ﻟﺒﻨﺎن اﻟﺬﯾﻦ ﯾﺤﯿﻮن ﻓﯿﮫ ﻣﻮاﻃﻨﯿﻦ ﻣﻦ اﻟﺪرﺟﺔ اﻟﺜﺎﻧﯿﺔ ،ﻓﻼ ﯾﺴﻌﮭﺎ أن ﺗﻌﻤﻞ .ﺑﯿﺪ أﻧﮭﺎ ﻛﺎﻧﺖ ﺗﻨﺎﺿﻞ ﻹﺧﺮاج اﻟﻤﻌﺘﻘﻠﯿﻦ اﻟﻘﺪاﻣﻰ ﻣﻦ ﻣﻌﺘﻘﻞ اﻟﺨﯿﺎم ،وﻷﺟﻞ اﻧﺴﺤﺎب اﻟﺠﯿﺶ اﻹﺳﺮاﺋﯿﻠﻲ ﻣﻦ اﻟﻤﻨﻄﻘﺔ اﻟﻤﺤﺘﻠﺔ .ﻛﺬﻟﻚ ﻋﺪتُ واﻟﺘﻘﯿﺖ ﺑﺤﻨﺎن ،اﻟﺘﻲ ﻏﺪت ،ھﻲ وزوﺟﮭﺎ ،ﯾﻨﺎﺿﻼن ﻓﻲ ﺻﻔﻮف ﺣﺰب اﷲ .وﺻﺎر ﻟﮭﻤﺎ وﻟﺪاً أﻃﻠﻘﺎ ﻋﻠﯿﮫ اﺳﻢ ﻋﺒﺎس. وﻗﺪ وﺟﺪت أن اﻟﺤﯿﺎة ،ﺑﺎﻟﻨﺴﺒﺔ ﻟﮭﻤﺎ ،ﺷﺄﻧﮭﺎ ﺑﺎﻟﻨﺴﺒﺔ ﻟﻲ، إﻧﻤﺎ ﺑﺪأت ﺑﻌﺪ ﻣﻌﺘﻘﻞ اﻟﺨﯿﺎم .ﺛﻢ ﻋﺎدت واﺗﺨﺬت ،ھﺬه اﻟﺤﯿﺎة ،أﺑﻌﺎداً راﺋﻌﺔ ﺑﻌﺪ ﺗﺤﺮﯾﺮ اﻟﺠﻨﻮب .وﻛﺎن ذﻟﻚ اﻟﺘﺤﺮﯾﺮ اﻟﻠﺤﻈﺔ اﻟﺘﺎرﯾﺨﯿﺔ اﻟﻨﺎدرة اﻟﺘﻲ ﺟﻌﻠﺖ اﻟﻠﺒﻨﺎﻧﯿﯿﻦ ﯾﺘﺤﺪون ﺣﯿﺎﻟﮭﺎ ،ﺑﻌﺪﻣﺎ ﻃﺎل اﻧﻘﺴﺎﻣﮭﻢ ﺧﻤﺴﺔ ﻋﺸﺮة ﻋﺎﻣﺎً، واﻟﺴﻼح ﻟﻐﺘﮭﻢ اﻟﻮﺣﯿﺪة ،وﺑﻌﺪ أن واﺻﻠﻮا ﺗﺸﺘﺘﮭﻢ إﺛﺮ ﺳﻼم ﻻ ﯾﺴﻌﮫ أن ﯾﻌﻒ ﻋﻤﺎ ارﺗﻜﺒﻮه ﺣﯿﺎل ﺑﻌﻀﮭﻢ اﻟﺒﻌﺾ ،وﻗﺪ ﻇﮭﺮ ﻣﻨﮭﻢ اﻟﻘﺪر اﻟﻜﺒﯿﺮ ﻣﻦ اﻟﺘﻔﺮﯾﻂ ﺑﻤﺴﺆوﻟﯿﺎﺗﮭﻢ ،ﺑﺤﯿﺚ ﻏﺪت ﺑﻠﺴﻤﺔ اﻟﺠﺮاح اﻟﺒﻠﯿﻐﺔ ،أﻣﺮاً 224
ﻋﺴﯿﺮاً ﻟﻠﻐﺎﯾﺔ .وﻟﻘﺪ أﻇﮭﺮ ھﺬا اﻟﺘﺤﺮﯾﺮ ﻛﻢ ﻛﺎﻧﺖ ﺣﺮﺑﻨﺎ اﻷھﻠﯿﺔ واھﻤﺔ وﻋﺒﺜﯿﺔ ،ﺷﺄن ﻛﻞ اﻟﺤﺮوب اﻷﺧﻮﯾﺔ ،ﺣﯿﺎل ذﻟﻚ اﻻﻧﺘﺼﺎر اﻟﺬي ﺣﻘﻘﺘﮫ ﻣﻘﺎوﻣﺘﻨﺎ ﺿﺪ اﻻﺣﺘﻼل اﻹﺳﺮاﺋﯿﻠﻲ. إذاً ،أﺗﺎﺣﺖ اﻟﺨﯿﺎم اﻟﻤﺤﺮرة أن ﯾﺠﺪ ﻋﺸﺮات اﻷﺷﺨﺎص اﻟﺠﺮﺣﻰ ،ﺟﺴﻤﺎً وروﺣﺎً ،واﻟﺬﯾﻦ ﻣﺎ ﺑﺮﺣﻮا ﯾﻌﺎﻧﻮن أﻟﻒ ﻋﻠﺔ وﻋﻠﺔ ،أﺗﺎﺣﺖ ﻟﮭﻢ اﻟﺘﺪاوي ،ﻋﻠﮭﻢ ﯾﻌﻮدون اﻟﻰ اﻟﺤﯿﺎة اﻟﺤﻘﺔ .ذﻟﻚ ان ﻣﻌﺘﻘﻞ اﻟﺨﯿﺎم ،ﻧﻈﯿﺮ ﻛﻞ اﻟﻤﻌﺘﻘﻼت ﻣﻦ ﻧﻮﻋﮫ ،ﯾﮭﺪف اﻟﻰ إﺧﻀﺎع اﻟﻜﺎﺋﻦ اﻟﺒﺸﺮي اﻟﻤﻌﺘﻘﻞ ﻓﯿﮫ، وﯾﺴﻌﻰ اﻟﻰ ﺗﺤﻄﯿﻢ إرادﺗﮫ وإﻧﻜﺎر إﻧﺴﺎﻧﯿﺘﮫ اﻟﺘﻲ أﻋﻄﯿﺖ ﻟﮫ ﻓﻲ ﺟﺒﻠﺘﮫ. أﻣﺎ اﻟﻘﻀﯿﺔ اﻟﺠﻮھﺮﯾﺔ اﻟﺘﻲ رأﯾﺘﻨﻲ أﻗﺎﺗﻞ ﻓﻲ ﺳﺒﯿﻠﮭﺎ ﻓﻜﺎﻧﺖ ﻧﺸﺮ اﻟﺴﻼم ﻓﻲ رﺑﻮع ﺑﻠﺪي ﻟﺒﻨﺎن ،وﺟﻌﻠﮫ ﺣﺮاً وﻗﺎﺋﻤﺎً ﻋﻠﻰ اﻟﺤﻖ واﻟﺪﯾﻤﻮﻗﺮاﻃﯿﺔ .وھﺬه ﻛﻠﮭﺎ ﺗﻨﻤﻰ اﻟﻰ اﻟﺬاﻛﺮة اﻟﺤﯿﺔ .وإذا ﻣﺎ اﻧﺼﺮف اﻟﻠﺒﻨﺎﻧﯿﻮن اﻟﻰ ھﺬا اﻟﻨﺴﯿﺎن ،ﻓﺈن اﻷﻣﻞ اﻟﻤﻨﺸﻮد ﻓﻲ ﺗﺤﻘﯿﻖ ﺻﻮرة ﻟﺒﻨﺎن اﻟﻤﻮﺻﻮﻓﺔ ﻟﻦ ﯾﺮى اﻟﻨﻮر ،وﺗﻜﻮن ﺟﺬوة اﻟﻤﻘﺎوﻣﺔ ﻗﺪ اﻧﻄﻔﺄت اﻟﻰ ﻏﯿﺮ رﺟﻌﺔ. إن رﺿﯿﺖ ﺑﻔﻜﺮة اﻟﻤﻮت ﻓﻲ ﺳﺒﯿﻞ ﺑﻼدي .وﻟﺌﻦ ﺷﻌﺮت ﺑﺄﻧﻲ ﻣﺮﺗﺒﻄﺔ ﺑﺎﻟﻜﻮن ﻛﻠﮫ ،وﺑﺎﻹﻧﺴﺎﻧﯿﺔ ﺟﻤﻌﺎء ،ﻓﺈن ﻟﺒﻨﺎن اﻟﺬي وﻟﺪت ﻓﯿﮫ ،ﻛﺒﺮت ﻓﯿﮫ ،ﯾﻮﺟﺐ ﻋﻠﻲ اﻟﻌﻤﻞ ﻋﻠﻰ ﻣﻨﻌﺘﮫ .وﺑﻼدي ،ھﻲ ﻟﻲ ،ﻛﺎﻟﮭﻮاء اﻟﺬي اﺗﻨﺸﻘﮫ .وﻻ ﯾﻤﻜﻦ اﻟﻤﺮء أن ﯾﻘﺪّر ﺛﻤﻦ اﻟﺤﺮﯾﺔ إﻻ ﺣﯿﻦ ﺗﻨﻌﺪم ﻣﻦ ﺣﻮﻟﮫ.
225
وﻟﻘﺪ ﺳﻌﻰ اﻷﻋﺪاء أن ﯾﺤﺮﻣﻮﻧﻲ ﻣﻦ ھﺬه اﻟﺒﻘﻌﺔ اﻟﺼﻐﯿﺮة ﻣﻦ اﻷرض ..ﻓﺼﺮتُ اﺑﻨﺔ اﻟﺤﺮب ،ﻋﻠﻰ ھﺬا اﻟﻨﺤﻮ ،إذا ﻛﺎن ﯾﺒﺘﻐﻲ ﻟﻶﺧﺮﯾﻦ أن ﯾﻌﺮﻓﻮا ﻛﻢ ﻛﺎن ﯾﻌﻨﻲ ﻟﻨﺎ أن ﻧﻨﻤﻮ ﻓﻲ ﻇﻞ اﻻﺣﺘﻼل ،وأن ﻧﻜﻮن ﺗﺤﺖ رﺣﻤﺔ اﻷذن ﺑﺎﻟﻤﺮور ،أو أن ﻧﺤﯿﺎ ﻓﻲ ﻇﻞ ﻣﻨﻊ اﻟﺘﺠﻮل ،ﻣﺤﺮوﻣﯿﻦ ﻣﻦ اﻟﺤﺮﯾﺔ واﻟﮭﻮﯾﺔ .وﻓﻲ ﻟﺤﻈﺔ ﻣﻦ اﻟﻠﺤﻈﺎت ،ﺟﻌﻞ اﻟﺪم اﻟﻤﮭﺪور ﻣﻦ ﺣﻮﻟﻲ ،ﻓﻲ اﻟﻤﺠﺎزر وﻣﻌﺎرك اﻷﺧﻮة، ﯾﻤﻀﻨﻲ وﯾﺤﺮق ﻛﯿﺎﻧﻲ ﻓﻲ اﻟﺼﻤﯿﻢ .ﻓﺎﺧﺘﺮت اﻻﻟﺘﺰام، وﻻ ﯾﺴﻊ أي ﺗﻌﺒﺌﺔ إﯾﺪﯾﻮﻟﻮﺟﯿﺔ أن ﺗﺪﻓﻊ رﺟﻼً أو اﻣﺮأة ﻟﺘﻌﻤﻞ ﻣﺎ ﻻ ﺗﻌﺘﻘﺪه ﺟﺪﯾﺮاً ﺑﺎﻟﻘﻀﯿﺔ ،وﻣﺎ ﻟﻢ ﺗﻔﮭﻤﮫ ،وﻣﺎ ﻟﻢ ﺗﻘﺮر ﻋﯿﺸﮫ ﺣﺘﻰ اﻟﻨﮭﺎﯾﺔ .ﻛﻨﺖ أﻋﺮف ﻣﺎ ﯾﻨﺘﻈﺮﻧﻲ. وﻛﺎﻧﺖ ھﺬه اﻟﻔﻜﺮة ،ﻓﻲ اﻟﻮاﻗﻊ ،أﻋﺠﺰ ﻣﻦ أن ﺗﻮﻗﻒ ﻣﺴﯿﺮي .وﺣﯿﻦ اﻧﺨﺮﻃﺖُ ﻓﻲ ﺻﻔﻮف اﻟﻤﻘﺎوﻣﺔ ،ﺑﻌﺪ أرﺑﻊ ﺳﻨﻮات ﻣﻦ اﻟﺒﺤﺚ اﻟﺪؤوب ،ﻟﻢ أﻛﻦ وﺣﺪي .ﻛﺎﻧﺖ ﻋﺎﺋﻠﺘﻲ ،واﻷﺻﺪﻗﺎء ،واﻟﺸﻌﺐ ﻛﻠﮫ ،ﻛﺎن ﻛﻞ ﻣﻦ أﺳﮭﻢ ﻓﻲ ﺗﻜﻮﯾﻨﻲ ﯾﺮاﻓﻘﻨﻲ ﻓﻲ ﻣﻘﺎوﻣﺘﻲ ھﺬه .وﻋﻠﻰ اﻟﻨﺤﻮ ذاﺗﮫ ،ﻓﺄﻧﺎ ﻟﻢ أﺗﺼﺮف ﺑﻤﺤﺾ ﺷﺨﺼﻲ ،وﺑﻤﻌﺰل ﻋﻦ اﻵﺧﺮﯾﻦ. إﻧﻤﺎ ﻛﻨﺖ ﻋﻠﻰ ﯾﻘﯿﻦ أن اﻟﻠﺒﻨﺎﻧﯿﯿﻦ ﺟﻤﯿﻌﮭﻢ ﯾﻤﺪوﻧﻨﻲ ﺑﺎﻟﺘﺄﯾﯿﺪ .ﺑﻞ ﻛﺎن ﻋﻤﻠﻲ ،أو اﻟﻌﻤﻠﯿﺔ ذاﺗﮭﺎ اﻟﺘﻲ ﻗﻤﺖ ﺑﮭﺎ، ﺑﻤﺜﺎﺑﺔ رﺳﺎﻟﺔ اﻟﻰ اﻟﻠﺒﻨﺎﻧﯿﯿﻦ ،ﻓﻲ وﺟﮫ اﻟﺠﻨﻮن اﻟﺬي ﺗﻤﺜﻞ ﻓﻲ اﻟﺤﺮب اﻷھﻠﯿﺔ ،وﻓﻲ وﺟﮫ اﻟﻌﺪو اﻟﺤﻘﯿﻘﻲ ﻟﮭﻢ ﺟﻤﯿﻌﺎً. وﯾﻮم ﺑﻠﻐﺖ ﻣﻌﺘﻘﻞ اﻟﺨﯿﺎم ،أردتُ أن أواﺻﻞ اﻟﻤﻘﺎوﻣﺔ، وﻛﺎﻧﺖ اﻟﺤﺮب ﻧﻔﺴﮭﺎ ،وإن ﺑﻐﯿﺮ وﺳﺎﺋﻞ .وﻛﺎن اﻟﻤﺤﺘﻞ ﻋﯿﻨﮫ اﻟﺬي وﺟﺐ ﻋﻠﻲ أن أﻗﺎوﻣﮫ وأن أﺗﺼﺪى ﻟﺠﺒﺮوﺗﮫ. وﻛﺎن اﻟﺼﺮاع ھﻮ إﯾﺎه ،وﻗﺪ ﺑﺎت ﯾﻮﻣﯿﺎً ،وﺳﻠﯿﻞ ﻛﻞ ﻟﺤﻈﺔ ﻣﻦ ﻟﺤﻈﺎت اﻷﺳﺮ.
226
أﻣﺎ اﻟﺬﯾﻦ ﺧﺎﻧﻮا أو ﺣُﻄﻤﺖ إرادﺗﮭﻢ ﻓﻜﺎﻧﻮا أوﻟﺌﻚ اﻟﺬﯾﻦ أو اﻟﻠﻮاﺗﻲ ﻟﻢ ﯾﺤﺴﻨﻮا اﻟﺘﻘﺎط واﻗﻊ ﻛﻞ ﻣﻦ اﻻﺣﺘﻼل واﻟﻤﻘﺎوﻣﺔ ،وﻟﻢ ﯾﺘﺤﺴﺴﻮا ﺗﺤﺬر اﻟﺤﺮﯾﺔ ﻓﻲ ﺗﺮاب اﻟﻮﻃﻦ. وھﺆﻻء ،ﺣﺎﻟﻤﺎ وﺟﺪﺗﮭﻢ ﻓﻲ اﻟﺴﺠﻦ ،ﺻﺎروا ﺳﺠﻨﺎء ﻃﺒﺎﻋﮭﻢ وأوھﺎﻣﮭﻢ ،أو ﺳﺠﻨﺎء ﺷﻌﻮرھﻢ ﺑﺎﻟﺬﻧﺐ .أﻣﺎ أﻧﺎ، ﻓﻠﻢ ﯾﻜﻦ ذا ﺷﺄن أن ﯾﻨﻈﺮ إﻟﻲ ﻛﻔﺘﺎة ،أو أﺑﺮز أوھﺎﻣﻲ ،أو أﻋﺎﻧﻲ اﻷﺳﺮ .إﻧﻤﺎ ﻛﺎن اﻣﺘﻨﺎﻋﻲ ﻋﻦ اﻟﻨﻀﺎل ،ﺗﻨﻜﺮاً ﻹﻧﺴﺎﻧﯿﺘﻲ ،ﻹﻧﺴﺎﻧﯿﺘﻨﺎ. وﻛﺎن ﻋﻠﻲ أن أﻗﺎﺗﻞ ،ﻛﻞ ﯾﻮم ،وﻛﻞ دﻗﯿﻘﺔ ،وأن أﺗﻤﺎﺳﻚ ﻟﺌﻼ أﺧﺮج ﻣﻦ ھﺬا اﻟﺴﺠﻦ اﻟﻰ اﻟﺴﺠﻦ اﻵﺧﺮ ،اﻟﺮھﯿﺐ واﻷﺑﺪي ،ﻋﻨﯿﺖ ﺑﮫ ﻣﺴﺘﺸﻔﻰ اﻷﻣﺮاض اﻟﻌﺼﺒﯿﺔ .وﻛﺎن ﻋﻠﻲ ،ﻛﺬﻟﻚ ،أن أﺳﻤﻊ أﺻﻮات اﻟﺮﺟﺎل اﻟﺼﺎﺋﺤﯿﻦ أﻟﻤﺎً، وأﺻﻮات اﻟﻨﺴﺎء اﻟﻠﻮاﺗﻲ ﯾﺘﻮﺳﻠﻦ ،وأن أرى ھﺬه اﻟﻤﺮأة اﻟﺘﻲ أُﺧﺬ ﻣﻨﮭﺎ اﺑﻨﮭﺎ ،وھﺬه اﻟﺠﺪة اﻟﺘﻲ ﺗُﺴﺎق اﻟﻰ ﻗﺎﻋﺔ اﻟﺘﻌﺬﯾﺐ ،وأن أﺷﺠﻊ ﺟﺎرﺗﻲ ﻓﻲ اﻟﺰﻧﺰاﻧﺔ ﺣﺘﻰ ﻻ ﺗﻮاﺻﻞ ﺣﻚ ﺑﻘﻊ اﻷﻛﺰﯾﻤﺎ اﻟﺘﻲ أﺧﺬت ﺗﻠﺘﮭﻢ ﺟﻠﺪھﺎ اﻟﺘﮭﺎﻣﺎً ..وﻛﺎن ﻋﻠﯿﻚ ،أﻧﺖِ ذاﺗﻚ ،أﻻ ﺗﻨﮭﺎري ،وأﻻ ﺗﻜﺸﻔﻲ ﻋﻦ أي ﺷﻌﻮر ،وإﻻ اﻧﺘﺼﺮ اﻟﻌﺪو .وأﻧﺖِ اﻟﺘﻲ ﯾﺸﺪ اﻟﺴﺠﻦ ﻣﻦ ﺧﻨﺎﻗﮫ ﻋﻠﯿﻚ ،وﺗﺤﻮﯾﻚ أﻓﻜﺎرك وﺣﺪھﺎ ،واﻟﺰﻣﻦ ﯾﮭﺰأ ﺑﺬﻛﺮﯾﺎﺗﻚ ،وﺑﺤﻨﯿﻨﻚ وﻃﻔﻮﻟﺘﻚ ..اﻟﺨﻮف ﯾﺼﻘﻠﻚ. وھﺎ أﻧﺖ ﺗﻌﺮﻓﯿﻦ ﻋﺪوك اﻷﺧﯿﺮ ﻓﻲ ﻧﻔﺴﻚ ،وﺗﻌﺮﻓﯿﻦ أﻧﮫ ﻋﻠﯿﻚ ﺗﺠﺎوزه ،ﻟﺘﺠﺪي ﺣﺮﯾﺘﻚ اﻟﻤﻨﺸﻮدة .وﻛﺎن ﻋﻠﯿﻚ أن ﺗﻘﺎوﻣﻲ ،ﻟﻤﺮة ﺑﻌﺪ ،وﻟﻤﺮة ﺑﻌﺪ.. ﻓﻲ اﻟﻤﻌﺘﻘﻞ ،ﻛﺎن ﯾﻜﻔﻲ اﻟﻤﺮء ﺿﺤﻜﺔ ،أو ﻣﺸﮭﺪ ﻣﺴﺮﺣﻲ ﺻﻐﯿﺮ أﻋﺪ ﻋﻔﻮ اﻟﺨﺎﻃﺮ ،ﻟﯿﺘﺠﺎوز اﻟﺮﻋﺐ ﻣﻦ ﺣﻮﻟﮫ . 227
واﻟﯿﻮم ،ﯾﺤﺪث أن أﻣﻀﻲ ﺑﺨﯿﺎﻟﻲ ،ﺑﻄﺮﻓﺔ ﻋﯿﻦ ،وﺑﺴﺒﺐ ﻇﺮف ﺗﺎﻓﮫ ،اﻟﻰ ذﻟﻚ اﻟﻤﻮﺿﻊ ،اﻟﻰ أرض اﻟﺰﻧﺰاﻧﺔ اﻟﻤﻄﺮوﻗﺔ ،وﻓﻲ زاوﯾﺔ زﻧﺰاﻧﺘﻲ .وﻟﻠﺤﻈﺔ ﻓﻘﻂ .ﻟﯿﺲ ﻣﺎ ﯾﺸﻐﻠﻨﻲ ھﺬه اﻟﺬاﻛﺮة ،ذاﻛﺮﺗﻲ .إﻧﻤﺎ ﺗﺸﻐﻠﻨﻲ ذاﻛﺮة ﺷﻌﺐ ﺑﺄﺳﺮه ،وﻣﺴﺘﻘﺒﻠﮫ .ﺗﺸﻐﻠﻨﻲ روح اﻟﻤﻘﺎوﻣﺔ ﻓﯿﮫ .ذﻟﻚ أن ﻣﺎ ﻗﻤﺖ ﺑﮫ ھﻮ ﻷﺟﻞ أﻃﻔﺎل اﻟﻐﺪ ،وﻷﺟﻞ ھﺬه اﻟﺴﺎﻋﺔ اﻟﮭﺸﺔ ،اﻟﺘﻲ ﻻ ﯾﺴﻌﻨﺎ ﻓﯿﮭﺎ أن ﻧﺮاھﻢ ﯾﻠﻌﺒﻮن ،أو ﻧﺴﻤﻊ أﺻﺪاء ﺻﺮاﺧﮭﻢ اﻟﻼھﻲ ﻓﻲ اﻷرﺟﺎء ،أو وھﻢ ﯾﺴﺘﻈﻠﻮن ﻓﻲء اﻟﺸﺠﺮ ،ﻓﻲ رﺑﻮع ﺑﻼدي.
228