العدد ٣٦ < ١٣٤٥صفحة < ٥جنيهات < األحد ٢٩من شعبان ٥ < 1440من مايو 2019
٢
٥مايو ٢٠١٩العدد ١٣٤٥
منتدى أدب املصريني..
كالم ضد منطق الحقائق
فرصة لتقدمي الرؤى حول األعمال األدبية شهاب طارق استضافت دار نشر ابن رشد للنشر والتوزيع األســبــوع املــاضــى ،انــطــاق مــنــتــدى أدب مدار أربع ليالى متتالية املصريني األول ،على ُ َّ نوقشت فيها أعمال كتاب مصريني ،خالل خمس ندواتَّ .يعد املنتدى ُأحد أنشطة مشروع أدب املصريني الذى أسسه الكاتب والشاعر أحمد سراج ،وكانت بدايته فى عام .٢٠١٥ جاءت الليلة األولى ُ للمنتدى من نصيب الشاعر رفعت ســام ،والتى أدار واملترجم املصرى ً ندوتها أحمد سراج قائل :السائد أن ال أحد يتصدى لترجمة الشعر ،وعندما يقوم البعض بذلك فإنه يكتفى إما بمختارات أو بديوان شهير ،لكننا نفاجأ برفعت سالم الذى يذهب كاملة ،أى أنه يتابع الشعر فى حياته لترجمة ٍ ٍ بشكل كبير. وفى كلمته قال الدكتور أبو اليزيد الشرقاوى: ِ عندما تــقــرأ ديـــوان لرفعت ســام ستكون ً مضطرا إلى البحث عن جماليات كل ديوان على حــدة ،فــإذا استخلصت جماليات هذا الديوان وانتقلت إلى ديوان سابق أو الحق ،فلن تنفعك الجماليات التى استخلصتها فى هذا الديوان لتطبيقها على ديــوان سابق ،وسوف ً مضطرا باستمرار إلــى أن تجدد من تكون أدواتك ملتابعة تجليات رفعت سالم املتجددة. وأضاف الشرقاوى :فى قصيدة عراء؛ عندما تقرأ النص التفعيلى تقرأه على أنه نص مكتمل وشعر النثر هو هامش عليه ،هــذا يعطيك إمكانية كبيرة للتعامل مع شعر رفعت سالم، وهذا هو أحد الشروط الثالثة التى وضعتها سوزان برنار فى كتابها الشهير «قصيدة النثر» وهى الكثافة والتوهج واملجانية ،والكثافة تنتمى مرة تقرأ النص إلى شعر سالم ،ألنك فى ً كل ً إحساسا جديدا ،وهذا ما سيبهرك ويعطيك نجحت فيه ً كثيرا تجربة رفعت سالم. جانبه قال الدكتور أحمد بلبولة أنه عندما من ِ بــدأ يقرأ ديــوان رفعت ســام «أرعــى الشياه على املياه» شعر بالغيظ كما لم يشعر به فى حياته ،بسبب ذات سالم النرجسية والواثقة فى الديوان ،والتى تكتب القصيدة كأنها فى
جامعة الدكالى حتتفى ببالغة اخلطاب عند د.عماد عبد اللطيف
فى كل مرة تقرأ النص إحساسا سيبهرك ويعطيك ً جديدا ،وهذا ما جنحت ً كثيرا جتربة رفعت فيه ً سالم. فسحة ،إنها شاعرية كبيرة تتنقل من الهامش إلــى الحاشية إلــى املــن عبر مجموعة من الرموز ،وتحمل رسالة كبيرة فى مضمونها. وأضاف بلبولة :رفعت سالم بهذا الديوان ً يعطينا درس ــا فــى كيفية كتابة قصيدة املنازلة وكيف يكون لدينا موضوع ونحرره من مناسبته ،ونعيد استثمار هذا املوضوع بحيث ال يموت بانقضاء املناسبة .الديوان عندما نتأمله نجد أنه يتكون من حاشية تستمر ،وهى شبيهة إلى حد ما بالنقوش املــوجــودة على الجداريات الفرعونية أو كتاب املوتى أو حديث الفالح الفصيح ،فهو يستدعيها ويخلط بينها ببعض اإلشارات املباشرة عن الــثــورة .أمــا املــن الشعرى،
جانب من املنتدى ً رئيسا ،وهو عبارة فهو التيار الذى يبدو ـر وأنثى، ـ ذك ـن عــن حــوار مغازلة برية بـ ٍ كالهما يتحدث وكأنهما يحدثان نفسيهما إلى أن يلتقيا فى صفحة من الصفحات. أما الناقد أحمد رجب شلتوت ،فقال :إن «أوراق العشب» ليس ديوان واحد أو ومجموعة دواوين منفردة ،لكنه مجموع شعر ووتمان الذى كتبه حياته ،والذى يراه رفعت سالم ظاهرة عبر ِ شعرية فريدة ،تلقى بظاللها الكثيفة على شعرية القرن العشرين ،لذا يصفه سالم بأنه قارة شعرية بكاملها .ومن املعروف أن شعر ً ً عربيا ،تجلى فى تعدد اهتماما ووتمان لقى الترجمات الصادرة ألوراق العشب ،وقد كان ً الشاعر العراقى سعدى يوسف سباقا بتعريف القارئ العربى بأشعار ووتمان وعوامله. وأضاف شلتوت :رغم تعدد الترجمات ألشعار ووتمان إال أننا كنا فى حاجة ماسة لترجمة جديدة تكون كاملة ودقيقة ،وبالرغم من أن الترجمات هذه أسهمت فى تعريف القارئ بووتمان ،إال أن أيــا منها لم يحط بمجمل التجربة الشعرية عنده ،وهذا ما فعله رفعت ترجمته. سالم فى ِ وفى نهاية الندوة عبر الشاعر واملترجم رفعت سالم عن امتنانه العميق على هذه الحفاوة الدائمة ملناقشة أعماله بصورة مستمرة، وعلى هذه املبادرة التى هى امتداد لسلسة أدب املصريني التى أسسها أحمد سراج .
رحيل أحمد إبراهيم الفقيه توفى األسبوع املاضى الكاتب والروائى الليبى أحمد إبراهيم الفقيه ،بعد صراع مع املرض ،فى القاهرة. ُو ِلد الفقيه فى 28ديسمبر ،1942وهو كاتب وأستاذ جامعى ليبى فى األدب العربى الحديث ،له ترجمات لعدد من األعمال األدبية إلى لغات متعددة ،حصل على درجة الدكتوراه فى األدب العربى ،من جامعة إدنبره بإسكتلندا ،ومن ثم انتقل إلى ليبيا وقام بالتدريس فى جامعاتها ،إضافة إلى جامعات عربية أخرى. بدأ الفقيه فى نشر مقاالته وقصصه القصيرة فى الصحف الليبية بدءا من عام ،1959لتفوز مجموعته القصصية «البحر ال ماء فيه» باملركز األول فى جوائز اللجنة العليا لآلداب والفنون بليبيا ،كما تم اختيار ثالثيته «سأهبك مدينة أخرى» كواحدة من ضمن أفضل مائة رواية عربية فى القرن العشرين ،وتعتبر روايته «خرائط الروح» أطول رواية عربية ،حيث تتكون من 12جزء ،وتتناول تاريخ االستعمار فى ليبيا .ومن أعماله األخرى« :حقول الرماد»« ،البحر ال ماء فيه»« ،فئران بال جحور»، «ابنة بانايوتى»« ،الحالة الكلبية لفيلسوف الحزب»« ،اختفت النجوم فأين أنت»« ،الطريق إلى قنطرارة»« ،العائد من موته»« ،خفايا القصر املسحور»« ،مرايا فينيسيا»« ،جعفر من باكستان» ،و«قصص من عالم العرفان». كان أحمد الفقيه سفيرا لليبيا فى أثينا وبوخارست ،كما عمل فى عدد من املؤسسات الصحفية ،كما عمل فى العديد من املؤسسات الصحفية وترأس تحرير 12مجلة .وأسهم فى تأسيس عدد من الصروح الثقافية واألدبية فى بالده ،مثل مجلة الرواد األدبية عام 1966وعمل ضمن هيئة تحريرها ،وأنشأ صحيفة «األسبوع الثقافى» فى مطلع السبعينيات وعمل رئيسًا لتحريرها وقدم من خاللها كتابًا صاروا فى طليعة الحركة األدبية والشعرية ،كما أسهم فى إنشاء مجلة الثقافة العربية فى بيروت وعمل لفترة من الوقت رئيسًا لتحريرها ،كما سعى إلنشاء اتحاد لألدباء فى ليبيا وكان مقرر لجنته التأسيسية.
حول مشروعه فى البالغة وتحليل الخطاب ،نظمت جامعة شعيب الدكالى بالجديدة باململكة املغربية، مؤتمرا علميًا دارت محاوره حول الدراسات التى قام بها د.عماد عبداللطيف ضم املؤتمر ثالث جلسات علمية وتعريفية ،تم فيها إلقاء ستة بحوث ،البحث األول من إعــداد د.إبراهيم الــعــدراوس ،ويحمل عنوان «البالغة والتاريخ الراهن :بالغة الحرية، عماد عبداللطيف نموذجا» ،وجاء الثانى بإعداد د.رشيد بلنقيه بعنوان «قـــــراءة فــى كــتــاب، الــبــاغــة والــتــواصــل عــبــر الــثــقــافــات»، والـــثـــالـــث بـــإعـــداد د.ميلودة العكرودى، بعنوان «رحلة البحث عن البديل فى بالغة الــشــعــار والـــرمـــز»، ويـــتـــنـــاول الــبــحــث الــــرابــــع «الــفــضــاء وتمثالته من الواقعى إلــــى االف ــت ــراض ــى» د.عماد عبد اللطيف من إعــداد د.سميرة ح ــاوى ،أمــا البحث الخامس فجاء بعنوان «آلــيــات تحليل الخطاب السياسى ،كتاب «بالغة الحرية لعماد عبداللطيف»، وفيه يحلل د.محمد منتاقى ،اآلليات املوظفة فى فهم الخطاب السياسى ،وتحليله ،واختتم املؤتمر أعماله ببحث «سادس» للدكتور عماد عبداللطيف بعنوان «الصياد والفريسة :منهجيات دراسة خطاب الجمهور فى البالغة والنقد ودراسات التواصل. أقيم املؤتمر فى كلية اآلداب والعلوم اإلنسانية، بإشراف د.لطيفة األزرق ،ومشاركة د .رحمة توفيق.
مناقشة «صالة خاصة» فى بتانة تنظم مؤسسة بتانة فى التاسعة مساء الخميس القادم 9مايو ،ندوة ملناقشة رواية «صالة خاصة» الصادرة عن الهيئة العامة للكتاب ،للكاتب صبحى موسى ،يشارك فيها الناقد الدكتور شاكر عبد الحميد وزيــر الثقافة األسبق ،الكاتب السياسى أحمد بهاء الدين شعبان ،والناقد األكاديمى الدكتور رضا عطية ،ويديرها الشاعر والناقد شعبان يوسف. تقع الرواية فى 550صفحة من القطع الكبير، وتتعرض للحقبة املسيحية بوصفها واحــدة من الفترات املهمة فى التاريخ والهوية املصرية ،وذلك عبر فصول سردية تجمع بني التاريخى والفنى والــواقــعــى ،وتمزج الــروايــة بني أسئلة الحاضر وإشكاليات املــاضــى ،فــى إطــار فنى قائم على التشويق والتوظيف السردى للمعلومات ،كما تجيب على العديد من األسئلة املهمة حول كيفية تطور الفكر املسيحى فى قرونه األولــى ،وقدر املساهمة املصرية فى بناء الفلسفة املسيحية ً عامليا. بالذكر أن صبحى موسى شاعر وروائــى، جدير ِ ً مديرا صدرت له عدة أعمال شعرية وروائية ،وعمل ً ورئيسا للنشر بالهيئة العامة لقصور الثقافة، لتحرير مجلة الثقافة الجديدة ،كما حصل على العديد من الجوائز عن أعماله ،منها جائزة نجيب محفوظ من املجلس األعلى للثقافة ،عن روايته «نقطة نظام» فى .2018 اقرأ ص١٩ ، ١٨
أحمد إبراهيم الفقيه
٣٥
٥مايو ٢٠١٩العدد ١٣٤٥
إعالنات الغيطانى طارق الطاهر ما أسباب الخصومة التى وقعت بينك وبني األديب الراحل جمال الغيطانى والتى انتهت بتصالحكما بعد هجوم كبير ومعارك وفوز بجائزة الدولة التقديرية؟ هكذا لخصت الزميلة انتصار دردير فى كتابها «فاروق حسنى يتذكر ..زمن من الثقافة» ،ما دار على صفحات جريدة «أخبار األدب» التى أسسها جمال الغيطانى ،من اختالف للرؤى حول املشهد الثقافى املصرى فى فترة تولى فاروق حسنى وزارة الثقافة ،لم تر سوى أن هناك معارك انتهت بصلح وجائزة. هكذا يمكن تلخيص سنوات من عمر جريدة فى سطرين ،معناهما أن هناك مصالح قد حكمت رؤية من يرأس تحريرها ،وعندما وصل ملبتغاه توقفت املعارك. إذا كان السؤال قد صيغ بهذه الطريقة ،فكيف كانت اإلجابة من جانب الوزير السابق « :وكأنه حصل على استراحة محارب أجاب قائال :حني تم ترشيح جمال الغيطانى أعطيت صوتى إلبداعه ،وليس لشخصه، وفعلت نفس الشىء مع بعض من فازوا بها ،وكانوا فى خصومة شديدة معى ،مثل فاروق جويدة ،د .نعمات أحمد فؤاد ،ألنى أنظر لعطاء املبدع وليس إلى تصفية حساب معى ،جمال الغيطانى -يرحمه الله -كان صديقى قبل أن أتولى الوزارة ،وبعد الوزارة علم أنى سأصدر جريدة ثقافية فجاء يخبرنى أنه يعد إلصدار جريدة أخبار األدب وقال لى اعتبرها جريدتك وساعدنا بإعالنات، بدال من أن تصدر جريدة ،ووافقت ووقفت بينى وبينه أطراف عديدة ،وأعتقد هو أنى قد منعت اإلعالنات عن جريدته ،فبدأ يهاجمنى ،وكان محاربا شرسا ،وكنت أرد على هجومه فى الصحف». وألنى شاهد على ما ذكره فاروق حسنى ،وفى عجالة وبدون تفاصيل ال وقت لها اآلن ،أحب أن أوضح للزميلة جانبا من بعض املعارك التى خاضتها «أخبار األدب»، وكان من بينها معركة جوائز الدولة ،وقد خضتها بنفسى على مدى سنوات طوال ،بعد جدل كثير كان يصحب كل دورة من دورات منح هذه الجوائز ،وقد أكد فاروق حسنى دون أن يدرى صحة معركتنا ،التى كانت تصب فى ضرورة إصالح طريقة منح الجوائز ،ومنها منع رؤساء الهيئات من التصويت ،ألنهم يمثلون كتلة قادرة على أن تمنح الجائزة لهذا الشخص أو تحجبها عنه ،والدليل ما قاله فاروق حسنى فى إجابته أنه أعطى صوته للغيطانى ،لو أن هناك حديثا عن نظام مؤسسى ملا كان صوته الوحيد من بني ما يقرب من 52صوتا هو املرجح والكفيل بمنح الجائزة أو حجبها ،وألنه يعلم أن صوته ليس صوتا ،بل رمز «لكتلة تصويتية» ،ملا تحدث بثقة عن أنه منح الجائزة للغيطانى وفاروق جويدة ونعمات أحمد فؤاد ،أى أنه كان بمقدوره وهو الصوت الواحد أن يؤثر فى نتيجة الجوائز ،األمر اآلخر الذى أحب أن أوضحه ملؤلفة الكتاب أن الدولة املصرية استجابت منذ العامني لكل ما جاء فى انتقادات «أخبار األدب» وغيرها من الصحف التى أعلت قيمة الوطن على املصلحة الشخصية ،وبالفعل تم إجراء تعديالت فى طريقة املنح ،على رأسها عدم التصويت من قبل قيادات وزارة الثقافة ،وكذلك تقوم لجنة فحص تخصصية بترشيح عدد محدود للمجلس األعلى للتصويت عليها. هذه واحدة من معاركنا التى خضناها ضد فاروق
غالف عدد أخبار األدب فى ١٠ نوفمبر ١٩٩٦املتضمن تحقيقًا بعنوان :األدباء لوزير الثقافة.. ثقافتنا مهانة ..آثارنا منهوبة فلماذا ال ترحل؟
الدولة املصرية استجابت منذ العامني لكل ما جاء فى انتقادات «أخبار األدب» وغيرها من الصحف التى أعلت قيمة الوطن على املصلحة الشخصية
حسنى ،وانتهت لصالحنا ،وعلى فكرة نحن لم نكن فى خصومة مع أحد بدليل ،أننى حاورت الوزير السابق حول جوائز الدولة ،فجاء العنوان «نعم الوزارة تأخذ رؤية الوزير فى التصويت على الجوائز» ووقتها أثار هذا الحوار غضبا بني قيادات الوزارة ،ألن الوزير ببساطة قال إنهم يصوتون حسب رؤيته «نعم ..رؤساء الهيئات الثقافية يصوتون فى جوائز الدولة حسب رؤيتى» أخبار األدب ١٥سبتمبر .١٩٩٦ األمر اآلخر عليك أن تراجعى قوائم الفائزين بجوائز الدولة التشجيعية ،فستجدين جمال الغيطانى فاز بها قبل مجئ فاروق حسنى ،وحصل عليها -أيضا -نخبة من األدباء؛ بعضهم بعد أن حصل عليها الغيطانى ،لكنهم سابقوه فى الحصول على التقديرية ،فبالشك أن معركة الغيطانى لصالح الثقافة املصرية أجلت فوزه بالجائزة، وعليك -أيضا -أن تعلمى أن الجهة التى رشحت الغيطانى للتقديرية كانت جامعة سوهاج ،وعليك -أيضا -أن تعودى إلى السيرة الذاتية للغيطانى للتعرف على الجوائز العاملية التى حصل عليها ،قبل أن يفوز بالجائزة التقديرية ،وأخيرا بعد أن غادر فاروق حسنى الوزارة حصل الغيطانى على جائزة النيل فى اآلداب ،وهى أعلى جائزة مصرية. أما فيما يخص الربط بني الهجوم واإلعالنات كما جاء فى إطار إجابة فاروق حسنى ،فهذا غير صحيح إطالقا ،وهى قصة سبق أن كتبتها فى «أخبار األدب» منذ سنوات طوال والوزير كان على كرسيه الوزارى ،أن الذى أصدر توجيهات بمنع اإلعالنات هو فاروق حسنى نفسه ،بعد أن كتبت موضوعا عنوانه «إلى فاروق حسنى.. ثقافتنا مهانة وآثارنا منهوبة ..فلماذا ال ترحل» ،ولم يكن هذا املوضوع مقاال ،إنما تحقيقا صحفيا أجريته مع مجموعة من األدباء واملثقفني خاصة من خارج القاهرة، بعد أن هاجمهم مدير صندوق التنمية الثقافية فى ذلك الوقت سمير غريب ،ووصفهم بأنهم يبتزون هيئة قصور الثقافة ،وانتقدت فى وقتها هذه التصريحات ،التى أدت إلى أن عقد وزير الثقافة لقاء مفتوحا لتقديم اعتذار لهم ملا بدر من مدير الصندوق ،الذى رد على موضوعى الخاص بتصريحاته ،أنه يريد أن يكون اإلعالن القادم فى أخبار األدب هو «صندوق التنمية الثقافية يدعم اخبار األدب وهيئة قصور الثقافة» وبالتالى رفضنا اإلعالن بهذه الطريقة ،وعندما أخبرت الوزير بهذه الصيغة ،طلب عدم نشره ،ولكن بعد أن أجرينا التحقيق أخذ جانب مدير الصندوق ،ومنع اإلعالنات ،وهو فى إجابته على الزميلة انتصار دردير يشير إلى جانب مما أقوله عندما قال« :وقفت بينى وبينه أطراف عديدة، وأعتقد هو أنى قد منعت اإلعالنات». هذه حقائق أسوقها على عجل ،وربما أتوقف عندها باستفاضة فيما بعد ،فاختزال معارك الجريدة ضد سياسات وزير قوى فى حكومات مبارك ،أنها من أجل اإلعالنات أو الفوز بجائزة؛ عبث ،ال يرضاه أى ضمير ،ال سيما «أخبار األدب» تصدر من مؤسسة صحفية كبرى، ضمنت لها استمرارها أكثر من ربع قرن.
تصدر عن دار أخبار اليوم ٦شارع الصحافة بالقاهرة
رئيس مجلس االدارة:
ياســــــر رزق رئيس التحرير:
طارق الطاهر مديرا التحرير:
محمد شعير إسالم الشيخ مدير التحرير التنفيذى:
ياسر عبد الحافظ نائب رئيس التحرير التنفيذى:
منصورة عز الدين اإلخراج الصحفى:
سيد عبد النبى محمد مختار أحمد سعيد صدر العدد األول منها فى ١٩٩٣/٧/١٩ برئاسة تحرير جمال الغيطانى فى عهد إبراهيم سعده رئيس مجلس اإلدارة أسعار البيع فى البالد العربية والخارج >سوريا 50ل س >لبنان 2000 ليرة > األردن 1.25دينار >الكويت 750فلس >السعودية 8رياالت > تونس ١٫٥٠دينار > املغرب ١٥ دراهــم > البحرين ٠٫٣٠٠دينار > قطر ١٠ريــاالت >األمـــارات 8 دراهم >سلطنة عمان ٠٫٥٠ريال >اليمن 200ريال >غزة /الضفة/ القدس 1دوالر >فرنسا 3يورو >اململكة املتحدة 2ج >ايطاليا 3.5 يورو >املانيا 4.5يورو >اليونان 2.9 يورو >النمسا 3.65يورو >تركيا 350٠000ليرة >امريكا 5دوالر >استراليا 8دوالرات >كندا 5.5 دوالر >الجزائر > DA 150ليبيا 2000درهم > مسقط ٠٫٥٠ريال.
< االشتراكات السنوية < داخل جمهورية مصر العربية 260 جنيها مصرى .الدول العربية 66 دوالر .اتحاد البريد االفريقى 98 دوالر .أمريكا وكندا 126دوالرا. الدول االوروبية 98دوالرا استراليا ونيوزيلندا ومع فى حكمها 255 دوالر .السداد نقدا أو بشيك ألمر أخبار اليوم ( 3أ) شارع الصحافة. القاهرة فاكس25782706 :
االستعالم ت25806420 -25806419 : املبنى الرئيسى25782600 -25782500 : املبنى الصحفى25782700 : قطاع التوزيع25782702 -25782701 : فاكس املؤسسة25782520 -25782510 : األيميلFax- akhbar @ Live. com : فاكس األعالنات25782540 : فاكس التوزيع25782540 : تلكس دولى2282 : محلي 88 :طريق الحرية مكتب االسكندرية :الدور السادس ت 4820009 - 4830000 :تلكس 54137
مقاالت الرأى املنشورة فى الجريدة تعبر عن وجهة نظر كتابها
٣٤
٥مايو ٢٠١٩العدد ١٣٤٥
3
5مايو ٢٠١٩العدد ١٣٤٥
بفارق توقيت بسيط ،تزامنت ذكرى ميالده مع ذكريات الوزير األسبق .املاضى هو ّ البطل فى الحالتني مع فارق جوهرى ،فشخصية جمال الغيطانى شكلت -بتفاصيلها املتعددة -جزءا من مالمح الوطن فى حقبة ضبابية ،ومن هذه التفاصيل دفاعه الوطنى عن تراثنا املهدد .بينما يحاول فاروق حسنى إعادة رسم مالمحه الشخصية ،بعد رحيل واحد من أكبر معارضيه ،ويواصل إنتاج أفكاره السابقة ،ويصمت كثيرا عن وقائع مهمة، إما لكونه ال يملك تبريرات لها ،أو ألنه لم يواجه سؤاال حولها .ومن الطبيعى أن يكون الغيطانى حاضرا خالل عملية« غسيل سمعة» شهدتها مذكرات الوزير ،التى خرجت على شكل حوار فى كتاب ،يتضمن تلميحات إلى أن منطلقات الكاتب الكبير كانت شخصية، بينما يتجاهل الكتاب نفسه الدوافع الشخصية للوزير ،رغم أن القضايا عامة فى كلتا الحالتني. الشيخ سلطان القاسمى حاكم الشارقة فى افتتاح املهرجان
رئيس هيئة الشارقة للكتاب لـ «أخبار األدب»:
جراحها ال تزال تنزف:
معارك الكاتب الكبير ..و «غسيل ُسمعة» الوزير! إيهاب احلضرى ُ التقيت مع الكاتب الكبير على حب التراث ،مع فارق الخبرة ّ واملكانة .وحدتنا الرؤية رغم اختالفات متقطعة ومشروعة .هذه الخالفات لم تكن قاصرة ّ على ،فكثيرا ما كان نقاشه معنا كصحفيني شباب يتسم بتباين وجهات النظر ،وقد منحنا هذا االختالف صك براءة ،من اتهام سابق التجهيز بأننا «صبيانه» ،الذين يستخدمهم فى معاركه ذات املنطلقات الشخصية! ففى سياق املعارك املحتدمة استحضر البعض الصورة الذهنية للحارة ،وجعلوا من جمال الغيطانى فتوة يستعني بحرافيشه ،لكن سلوك الحوارى كان حاضرا فقط فى أسلوب رد الخصوم على قنابلنا ،التى لم يستطيعوا إبطال مفعولها رغم سطوتهم ،فلجأوا إلثارة غبار لم ينقشع رغم رحيل الغيطانى. ما أسباب الخصومة التى وقعت بينك وبني األديب الراحل جمال الغيطانى ،والتى انتهت بتصالحكما بعد هجوم كبير ومعارك ،وفوزه بجائزة الدولة التقديرية؟ سؤال ُملغم يخلط األوراق بشكل واضح ،ويمنح الوزير أكثر مما يريده ،ويجعله فى وضع استرخاء «وكأنه حصل على استراحة محارب» حسب وصف املؤلفة انتصار دردير ،وهو وصف صادق تماما .لقد تضمن السؤال اإلجابة ،ولم يعد الوزير األسبق فى حاجة إلى تكرارها ،فالغيطانى وفقا للصياغة غير البريئة كان يثير املعارك لفرض« إتاوة» ،حصل عليها بجائزة الدولة! لهذا تجاوز فاروق حسنى التلميح الواضح ،وتفرغ إلثارة املزيد من الغبار ،عندما ربط املعارك بوقف إعالنات وزارة الثقافة لـ «أخبار األدب» ! أى أن املصلحة كانت املنطلق فى كل األحوال. يأتى السؤال التالى هجوميا فى ظاهره ،ويتطرق لواقعة شهيرة رفع فيها الوزير أخبار األدب تحت قبة البرملان ،وتساءل« :هيه دى الصحافة التى تدعمها الدولة لتهاجمنا؟» ،فى واقعة تحريض علنية وغير مسبوقة .تساؤل ذكى كان يمكن أن يمحو خطيئة السؤال السابق ،لكن الوزير تهرب من تفسير واقعة التحريض ،وركز على الشق األول الذى أكدت فيه محاورته أنه أصدر جريدة القاهرة للرد على مهاجميه .وألن الحقيقة ليست هدفا أساسيا لم يجد الوزير من يحاصره ليبرر فعلته تحت قبة البرملان. التحريض على الصحافة كرد فعل لحملة انطلقت جاءت واقعة ُ بأيام ،وكنت أحد األطراف الفاعلني بها ،فبعد منتصف قبلها ُ الليل تلقيت مكاملة هاتفية من الكاتب الكبير ،كان صوته يجمع بني االنزعاج واالنفعال ،حدثنى عن كارثة يتعرض لها متحف الفن اإلسالمى .صباح اليوم التالى كنت هناك مع صديقى املصور الراحل يوسف ناروز ،ورصدنا الجريمة التى يجرى ارتكابها ،يتم نقل عدد هائل من القطع األثرية بوسائل بدائية ،أدت إلى تعرض بعضها للتلف فعليا ،وبمجرد عودتنا باملادة نزلت الصور على الغيطانى كصاعقة، وبدأ إجراء اتصاالت عديدة انتهت بتوجه عدد كبير من املثقفني وعلماء اآلثار إلى النائب العام ،لتقديم بالغ ضد وزير الثقافة، واملطالبة بوقف تفتيت املتحف اإلسالمى .ما حدث كان سابقة فى الحياة السياسية املصرية ،فقد جرت العادة أن يلجأ معارضو الوزير إلى القضاء ،لوقف إحدى مغامراته فى مجال اآلثار ،تكرر ذلك فى دعاوى قضائية انتهت بمنع سفر معرضني خارجيني ،وإبطال مخطط تدمير هوية باب العزب ،لكن اللجوء للنائب العام كان تكتيكا
إحدى ندوات املهرجان
جديدا لم يعتده مسئول الثقافة الكبير ،فانفعل تحت قبة البرملان، وهو ما فتح عليه نيرانا صديقة ،حيث هاجمه بضراوة ،الكاتب الكبير إبراهيم سعدة ،فى عموده بالصفحة األخيرة فى «أخبار اليوم» ،الذى كان يوقعه باسم أنور وجدى. ال مجال هنا لتكرار ردودنا على ادعاءات الوزير ،التى نشرتها «أخبار األدب» على مدار أعداد ،فى واحدة من أكبر حمالتها ُ الصحفية ،ووثقت تفاصيلها فى كتابى األخير« هدير الحجر» ،لكنى سأستعير هنا أسلوب الوزير ،باالعتماد على عبارات عامة ،غير أنها كاشفة ،ترتكز على وثائق نشرناها فى وقتها .فقد تسبب العبث باملتحف اإلسالمى فى كوارث ذات مستويات متعددة ،وشهدت األحداث معارضة ملا يجرى من داخل الوزارة نفسها ،تسببت فى اإلطاحة بمسئولني فى املجلس األعلى لآلثار ودار الكتب ،وكانت النتيجة جرائم مكتملة األركان ،من بينها العبث بمبنى أثرى وتغيير مالمحهّ ،ملصلحة مشروعُ آخر هو تطوير دار الكتب .ينسى الوزير كل ذلك ويتحلى بالتسامح املفرط وهو يقول« :أود أن أسجل عذرى لكل من كان ضدى ،ألن من ال يعرف يجهل» !! ثم اختزل تبريراته القديمة فى عبارات مختصرة ،ليعيد صياغة ما سبق الرد عليه ُفى حينه باملستندات ،فالرجل ذكى ويعرف أن ذاكرة السمكة هى املسيطرة. كما أن الكثيرين خارج سياق األحداث ال يعرفون كواليس ما جرى. أما فرسان املعركة فمنهم من رحل ،ومنهم من اختار الصمت طريقا منذ سنوات ،لهذا أصبحت الساحة شبه فارغة ،تتيح للوزير األسبق فرصة الحديث بأسى عن حالة تربص ممن اعتبرهم أصدقاء، ومنهم الكاتب جمال الغيطانى. كتابات الغيطانى موثقة .ينطبق األمر نفسه على معارك أخبار األدب فى مجال اآلثار وغيرها ،وهى معارك كانت تحت إشرافه املباشر ،حتى لو لم يكن هو من أطلق شرارتها .كان يتابع مشاغباتنا عن كثب ،ويبدى مالحظاته التى قد نختلف عليها ،لكنه لم يكن يتدخل حال اختالف الرؤى ،شرطه الوحيد هو التحلى باملنطق ،وهو أمر فى ُ وضعته مع غيرى من الزمالء نصب أعيننا .ورغم أخطاء الوزير الفادحة فى مجال اآلثار ،إال أنه ذكى ،يعلم أن كل ما نشرته أخبار األدب أصبح تاريخا ،وإذا كان الحاضر وقتها قد دعمه ،باعتباره يحتمى بأحد مراكز القوى ،فإن أى قراءة مستقبلية ستتخلص من قوى الضغط القديمة ،لهذا يحاول كل فترة أن يترك خلفه تفسيرات قد تنصفه لدى الباحثني ذات مستقبل ،بعد أن ّ رسخ ثقافة صخب، يتباكى البعض على ضجيجها املفقود ،لدى وزراء تتابعوا بعده دون أن تتاح لهم فرصته فى النفوذ أو الخلود فى مناصبهم! لهذا لم يتطرق الوزير مثال إلى تفسيرات مطلوبة ،ملحاور أساسية تضمنتها معارك الغيطانى والجريدة ،ليس مهما أن يتذكر كبار مساعديه الذين تصيدتهم األجهزة الرقابية تباعا ،وال عمليات الترميم الفاشلة بشهادة تقارير دولية ،وحتى بدون شهادتها يظل الواقع شاهدا حيا على ذلك ،ويكفى كارثة مدرسة صرغتمش التى
يكفيه أنه لم يكن من العابرين فى كالم عابر ،لهذا بقيت حروفه غائرة داخل البعض ،يواصلون تضميد جراحهم منها
سقط سقفها وعادت املياه الجوفية لتحاصرها ،بعد أقل من عشرين عاما من ترميمها فى عصره .الوزير معذور ،فلم يوجه إليه سؤال حول هذه األمور ليجيب عليه ،ومعظم األسئلة كانت مجرد تمريرات تتيح له فرصة تسديد هدف ،وهذا هو أهم أهداف الكتاب. فاروق حسنى دائما على حق ،والخطأ يأتى حتى من الواقفني فى خندقه ،ففى أزمة باب العزب يلقى باللوم على محامى الحكومة، الذى تهاون فى التعامل مع القضية بالشكل املطلوب ،فإذا كان ذلك ينطبق على محكمة القضاء اإلدارى ،فلماذا لم يتدارك الوزير األمر، ويرفع سماعة هاتفه طالبا هيئة دفاع أقوى تنقذه من تأييد الحكم فى اإلدارية العليا .خاصة أنه اعترف فى الكتاب باللجوء إلى الهاتف مرات عديدة ،لوقف هجمات عليه ،ال من املعارضني ،بل من جانب وزراء يزاملونه فى الحكومة نفسها ،مثل وزيرى اإلعالم والداخلية! أى أنه كان يملك القدرة على تشكيل فريق دفاع أقوى ،يقيه من حيثيات الحكم التى جاءت كصفعة على وجه املخطط ،وتضمنت عبارات بالغة القوة تدين السياسات األثرية ،وألن حلم الوزير لم يتحقق فقد صرف انتباهه عن تطويرها ،بشكل الئق يراعى املعايير األثرية ،لهذا كانت النتيجة أن املكان تحول « :إلى مأوى للخارجني على القانون وأطفال الشوارع عقب أحداث ثورة يناير .»2011هذا ما أورده الكتاب نصا ،ليبرهن على رؤيته الثاقبةُ ،ويحمل معارضى مشروع باب العزب ومنهم الغيطانى مسئولية ما انتهت إليه حالة املنطقة .القول بأن املأساة التى تعرض لها باب العزب كانت بعد ثورة يناير ال ُيعفى الوزير من املسئولية ،فقد أهمل املنطقة عمدا بعد أن توقف مشروعه ،رغم بقائه نحو عشر سنوات فى الوزارة بعد حكم اإلدارية العليا ،تجاهل خاللها املنطقة التى كانت تحتاج إلى مشروع ترميم جاد ،يضع الرؤية األثرية ال السياحية فى املقدمة .كان هذا تحديدا أحد املحاور األساسية التى يرتكز عليها هجوم الغيطانى على وزارة الثقافة فى مجال اآلثار ،فقد حذر أكثر من مرة من التعامل مع اآلثار بفكر اقتصادى ،ألن ذلك يؤدى إلى نتائج وخيمة فى النهاية، ُ ويجعل اآلثار التى يمكن أن تدر دخال أولى بالرعاية ،بينما تبقى الغالبية العظمى فى املنطقة املظلمة! رحل الكاتب الكبير إذن لكنه باق .عبارة ذات مالمح تأبينية، غير أن الواقع يمنحها حيوية تليق بالخالدين .يكفيه أنه لم يكن من العابرين فى كالم عابر ،لهذا بقيت حروفه غائرة داخل البعض، يواصلون تضميد جراحهم منها .شخصيا أرى أن عمليات غسيل السمعة حق مشروع ألى إنسان ،لكن املشكلة تبدأ حينما ال يكتفى البعض بصناعة أساطيرهم الشخصية ،عبر رسم مالمح مالئكية لهم ،ويعمدون إلى تشويه معارضيهم بعبارات تبدو مهذبة فى ظاهرها ،وفى باطنها تحتضن اإلساءة! ملحوظة أخيرة: املختطف الرئيسى للسفينة اإليطالية أكيلى الورو لم يكن محمود ّ عباس .ألتمس العذر لذاكرة الوزير ،لكن بعض الهنات قد تؤدى إلى مشكالت دبلوماسية!.
نسعى الستعادة الطفل من عالم «السوشيال ميديا» فيروز، يروى العرض قصة ثالث مغامرات يخوضها أبناء شهرزاد؛ ً وقادر ،وأمني ،حيث يأخذ الحضور إلى عوالم خيالية تسرد فصال جديدًا ألسرار الحب ،والحكمة ،واملعرفة ،ويطوف ُ فيهم برحلة من البر إلى البحر ،ومن الوديان إلى ُالتالل والجبال ،تجسد تفاصيلها كاملة على «مسرح املجاز» بتقنيات تستخدم للمرة األولى فى املنطقة.
أدب الطفل والقصص املصورة رسالة الشارقة:
عالء عبد الهادى أكد أحمد بن ركاض العامرى رئيس هيئة الشارقة للكتاب ،أن اإلمارة تشهد هذا العام عدة فعاليات وأنشطة ثقافية ،تمثل فى مجملها نتاج عمل ثقافى دؤوب ومستمر على مدار أربعة عقود ،وباهتمام ومتابعة شخصية من سمو حاكم الشارقة الدكتور سلطان بن محمد القاسمى ،موضحا أن 2019هو عام االستحقاقات الثقافية للشارقة، فهى «شارقة تشرق فكرا وعلما وثقافة» حيث تم اختيارها عاصمة عاملية للكتاب ،وتم اختيارها أيضا لتكون ضيف شرف ألربعة من أهم معارض الكتب فى أربع مدن عاملية ،هى موسكو وتورينو وبولونيا، إضافة إلى عاصمتني سيعلن عنهما خالل عدة أسابيع. وقال العامرى فى تصريحات خاصة لـ «أخبار األدب» إن مهرجان الشارقة القرائى للكتاب فى دورته الـ 11التى استضافتها الشارقة على مدار الفترة من 17إلى 27أبريل الجارى جاءت جديدة فى كل شيء ،وخطا فيها املهرجان خطوة جديدة لتثبيت دعائمه باعتباره أهــم معرض احترافى متخصص فى أدب األطفال فى املنطقة العربية ،وفى منطقة الشرق األوسط. وحول اإلضافات فى هذه الدورة من املهرجان قال العامرى :الجديد فعليا كثير ،ويمكن ملسه حتى فى العملية التنظيمية ،وفى توزيع األجنحة ،وفى األنشطة والفعاليات ،ألن هدفنا األساسى هو جذب الطفل إلى ملعب القراءة ،نحن نسعى إلى إعادة الطفل الذى سرقته عوالم الثورة التقنية إلى عالم الكتاب والقراءة واالطالع ،ونسعى من خالل اإلبهار إلى تحويل العملية التعليمية إلى متعة وبهجة وسعادة، ومنها نجذب الطفل مرة أخرى إلى الكتاب ،نحن نعمل بنفس طويل، ووفق سياسة واضحة طويلة األمد. وأضاف العامرى :هذا العام أطلقنا منصة «أفق» ألول مرة لبيع وشراء الحقوق بني رسامى كتب األطفال ودور النشر ،حيث افتتح سمو حاكم الشارقة أكبر معرض لرسامى أغلفة وكتب األطفال من 65دولة على هامش افتتاح مهرجان الشارقة القرائى ،هذا األمر يصب بالتأكيد فى صالح اإلبــداع املوجه للطفل ،ويضع معايير جديدة لالرتقاء بالذائقة الفنية الخاصة برسوم كتب األطفال ،كما قدمنا هذا العام أول جائزة ألدب الطفل املوجه لفاقدى البصر ،أضف إلى ذلك زيادات فى عدد املشاركات ،ومعرضني جديدين أحضرنا كليهما من أهم العواصم العاملية ليكونا أمام أطفالنا فى املنطقة العربية، يكفى أن أقول لك إن معرض «طريق الحرير» يمثل متعة للكبار قبل الصغار ،ألنه يتيح معرفة بمتعة عن أحد أهم الطريق التجارية فى التاريخ اإلنسانى. وحول اجتماع الـ «إفال» املعنية باملكتبات على مستوى العالم ،قال العامرى إن من مسببات فــوز الشارقة عاصمة عاملية للكتاب، استضافتها للمؤتمر السنوى للمكتبات الذى ترعاه الـ «إفال» لنرى فيه أحــدث ثمار الفكر فيما يتعلق باالرتقاء بمنظومة املكتبات على مستوى وطننا العربى ،دعنى أقول لك إن إشراقات الشارقة، وأنشطتها الثقافية جعلت املنظمات الثقافية العاملية تضع عينها على الشارقة ،بمنظور غير تقليدى ،وأصبحوا يتعاملون معها على أنها أصبحت نقطة وصل حقيقية بني الشرق والغرب ،وعاصمة للكتاب ومنصة لحوار الشعوب والثقافات ،وهو ما عزز دور الشارقة فى
أحمد بن ركاض العامرى
الوصول إلى أدب طفل عاملى يحتاج إلى جهد كبير فى الترجمة مجال صناعة النشر ووصل إلى ذروته بافتتاح «مدينة النشر» لتكون أول مدينة حرة للنشر فى العالم ،قوال وفعال ،وهو ما يدعم صناعة النشر العربى ،وينقله نقلة جديدة. وقال ابن ركاض إن كل هذه النجاحات التى لم تأت مصادفة ،أو عفوية ،وتلقى علينا بمزيد من التبعات والتكليفات لنحافظ عليها، وننتقل إلى مرحلة أكبر وأهم. مشيرا إلى أن كل هذا يصب فى صالح عملية النشر العربى ككل ،ألن الشارقة فى كل أنشطتها ،سواء الداخلية منها أو الخارجية ،ال تقدم فقط الثقافة اإلماراتية ،بل تسعى لتقديم الثقافة العربية بمعناها الواسع ،واللغة العربية.
أبناء شهرزاد
وفى اإلطار ذاته احتفلت الشارقة باختيارها هذا العام لتكون عاصمة عاملية للكتاب بالعرض الفنى املبهر «ألف ليلة وليلة :الفصل األخير»، الذى تم تقديمه وسط بحيرة الشارقة على مسرح «املجاز» بمشاركة 537خبيرا وفنانا قدموا 13نوعا من أنــواع الفنون .وأكد الشيخ سلطان بن أحمد القاسمى رئيس اللجنة املسئولة عن االحتفالية أن الرسالة التى يقدمها العرض ال تتجسد فى قصة أبطاله ومغامراتهم وحسب ،وإنما فى الرؤية التى ينطلق منها ،وطاقم العمل القائم عليه، وفريق املوسيقيني املشاركني فيه ،إضافة إلى أنواع الفنون التى تجتمع فيه ،إذ يقدم العرض ثالثة عشر نوعا فنيًا مختلفًا من فنون التمثيل، واألداء ،والعزف ،واألكروبات ،والضوء ،والظل ،ويجمع فنانني وفنيني وتقنيني من ثالثة وعشرين بلدًا ،كلهم يلتقون فى رسالة الكتاب وجمال املعرفة.
على هامش املهرجان أقيمت العديد من الندوات املعنية بأدب الطفل ،من بينها ندوة مهمة بعنوان «أدب أطفال عاملى» أكدت خاللها الكاتبة اإلماراتية بدرية الشامسى أن الوصول بأدب الطفل املحلى إلى العاملية يحتاج إلى الكثير من جهود الترجمة، وأن الساحة األدبية املحلية تمتلك إنتاجات نوعية ومتميزة يقدمها مبدعون ومبدعات لهم بصمتهم ،فالكتابة لألطفال ليست باألمر السهل ،قائلة« :النص الجيد سيجذب األطفال ،لكن علينا أن نهتم برسومات كتب الطفل أكثر ،وبالرغم من حضور الرسامني املحليني والعرب فى مختلف األحــداث الثقافية التى تقام على الصعيدين اإلقليمى والعاملى لكننا مازلنا نفتقر لوجود هذه العناصر الفنية بالكثافة التى نراها فى الخارج ،وعلينا إذا أردنا ّ أن نصدر أدبنا الخاص بالطفل مراعاة تضمينه بخيارات بصرية تسمح بترجمة القصة والفكرة ،وال يمكن أن نغفل أن الطفل هو ّ الطفل أينما كان ،يشده اللون وتلفت انتباهه الشخصيات التى يتضمنها النص وهذا أمر مهم يجب االنتباه له». ّ وأكد كتاب عرب وأجانب شاركوا فى ندوات املهرجان ضرورة رفع األطفال ملستوى الكتابة ال العكس ،مشيرين إلى أن الطفل يمتلك قدرة كبيرة على التحليل والفهم ،وإن منحه مساحة كافية ليختبر الكلمات واملعانى دون أن تكون مبسطة بشكل تقليدى يسهم فى صقل مهاراته وخبراته ويقوده نحو اكتشاف العوالم الساحرة التى تضمها الكتب ،داعني إلى مواصلة الجهود من أجل تقديم مواد إبداعية لألطفال تمتلك الثراء والتشويق وتبتعد عن الطرح التقليدى. بينما سلطت ورشــة عمل بعنوان «تاريخ القصص املصورة» التى قدمها الرسام شهاب الدين مشرف ،الضوء على أول ظهور للقصص املصورة ،التى بدأت من الحضارة الفرعونية باستخدام الرسومات للتعبير عن حياتهم اليومية وطقوسهم الدينية ،باإلضافة إلى تناول مراحل تطورها ،ومدى تأثيرها على ثقافة األطفال واليافعني ،نظرًا إلى شغفهم وحبهم القتناء هذا النوع من اإلبداع. كما بحث املهرجان دور الكاتب فى الحفاظ على خصوصية ثقافة مجتمعه والتعريف بها ،إلى جانب تعزيز قيمة التسامح بني املجتمعات من خالل تسليط الضوء على الثقافات األخرى والتجارب اإلنسانية امللهمة التى تحث على التفاهم والتحاور بني الشعوب فى كافة أرجاء العالم .وذلك فى جلسة حوارية حملت عنوان «نكتب عن ثقافتنا» ،شاركت فيها كل من اإلماراتية مريم الزرعونى ،ومؤلفة األطفال السريالنكية روبى لوفيل ،التى قالت: «بحكم أنى أعيش حاليًا فى اململكة املتحدة ،فكنت أجد نفسى فى حالة بحث دائم عن كتب تلبى شغف أبنائى بالقراء وتزيد معارفهم ،وتعزز ارتباطهم بالعادات والتقاليد السيريالنكية والتراث الثرى والزاخر بالروائع واإلبداعات ،وفى أوقات كثيرة كنت أفشل فى الوصول إلى هذه النوعية من الكتب ،وهو ما دفعنى إلى االتجاه للكتابة ألبنائى».
٤
٥مايو ٢٠١٩العدد ١٣٤٥
شهدت أكادميية الفنون األسبوع املاضى، فعاليات مؤمترها العلمى األول حتت عنوان «الفن األفريقى ..أيقونة اإلبداع اإلنسانى»، الذى أقيم حتت رعاية د.إيناس عبد الدامي وزيرة الثقافة ،ود.أشرف زكى رئيس األكادميية، وقد تولت رئاسته د.غادة جبارة نائب رئيس مقررا. األكادميية ،ود.إميان مهران ً عددا من اجللسات العلمية، تضمن املؤمتر ً باإلضافة إلى معرض بعنوان «أفريقيا فى عيون الفنانني» بقاعة مختار عبد اجلواد، وآخر للفنان د.وائل صابر بقاعة ثروت عكاشة، ومهرجان لألكالت واألزياء التقليدية األفريقية أمام معهد الفنون املسرحية. د .غادة جبارة رئىس املؤمتر مع بعض املشاركني
فى مؤمترها العلمى األول:
أكادميية الفنون حتتفى باإلبداع األفريقى عائشة املراغى شملت الجلسات العلمية أكثر من محور ،جاء على رأسها «املوسيقى األفريقية» التى استغرقت ًما يقرب من ثالث جلسات نقاشية وحوالى 15بحثا، حيث تناول عاطف إمام فهمى فنون أداء املوسيقى ً مشيرا والغناء الصوفى فى دول شمال أفريقيا، إلى أن موسيقانا العربية ارتبطت بالجانب الدينى واستمدت ألحانها من اللغة العربية لغة القرآن الكريم .وهو ما ذهب إليه أشرف عبد الرحمن فى ورقته البحثية حول «املوشحات األندلسية فى دول شمال أفريقيا بني التشابه واالختالف» ،حيث أرجع تفرد موسيقى وأغانى شمال أفريقيا عن باقى شعوب القارة األفريقية ،إلى نزوح العرب بعد سقوط األندلس فى عام ،1492حاملني معهم فنونهم وآدابهم ،ومن أهمها املوشح األندلسى .وقد تطرق الباحث إلى تاريخ ظهور املوشح والتغيرات التى حدثت له فى األندلس وكيفية انتقاله إلى البالد العربية وخاصة بالد املغرب العربى. وبشكل أكثر تخصص ودقــة؛ تناول عبدالله إبراهيم عبدالله آلة الزمبارة ،األبرز فى السودان، وهى نوع من أنواع الناى ،تتميز ألحانها بالشدو األخاذ الذى يقترب من النفوس ،ولها عدة أشكال منها ذات الثقوب الثالثة واألربــعــة والخمسة. وفى نهاية ورقته يتطرق الباحث إلى أبواق الوازا ً الجمعية موضحا الفرق بينها وبني الزمبارة ،بينما يتخذها محمد آدم سليمان أبو البشر موضوعاً لبحثه بعنوان «أبواق الوازا الطقسية بإقليم النيل ً موضحا أن تلك اآللة ارتبطت باملوسيقى األزرق»، الطقسية خاصة بموسم الحصاد .أما محمد أبو ً نموذجا فى بحثه شنب فاختار الطنبورة األفريقية ً مصدرا لإلبداع»، «اآلالت املوسيقية األفريقية وهى واحدة من أهم اآلالت الوترية األفريقية التى عرفتها البشرية فى عصورها األولى ،وتجمع بني الكثير من العناصر الثقافية ذات الطابع املادى (امللموس) وغير املــادى (املــحــســوس) ،لكنها فى طريقها لالندثار ،لعدم توافر أماكن كافية مخصصة لتدريب الشباب على صنعها وطريقة العزف ًعليها. انتقال إلى فن املسرح؛ تناوله على حمودين ونجالء نجاحى عند األمازيغ فى شمال أفريقيا، موضحني مراحل تطوره وتأثره باملسرح اليونانى والرومانى ،واتجاهات التجريب فيه .ومن جانبها ناقشت رشا خيرى الدور َّ الفعال ملا ُيسمى باملسرح من أجل التنمية ،فى مجابهة املشاكل االجتماعية ً خصوصا فى البلدان واالقتصادية والصحية، النامية من خالل عرض لنماذج من بلدان أفريقية مختلفة .يتميز هذا النوع من املسرح بأنه ال يشترط وجــود مسارح تقليدية وإنما يمكن تقديمه فى
إحدى اجللسات يرأسها د .زين نصار
الفنان األفريقى اجته إلى صناعة األوانى الفخارية بغرض خدمة املجتمع ورغبته فى االرتباط بالقوة الروحية الكامنة خلف عالم املرئيات ،وهى من املهام املوكلة إلى املرأة األفريقية ملا لديها من خبرات متراكمة ومتوارثة عبر األجيال. الساحات واألســواق والغرف ،وبالتالى ال يتطلب أى تجهيزات معقدة أو مصاريف إنتاجية ضخمة، ولذلك يمكن تحقيقه فى الريف واملدن بشكل ثابت أو متجول .وهو يتوجه فى األساس للجمهور الذى ال يتاح له ارتياد املسارح من الطبقات الفقيرة واألقل ً حظا فى املجتمع. وعلى مستوى الــســرد؛ ناقش حمدى النورج «الحضور األفريقى (دول حــوض النيل) فى الرواية املصرية» واتخذ من رواية «عتبات الجنة» ً ً نموذجا، لفتحى إمبابى موضحا أبعاد الحضور املصرى داخل دول حوض النيل ،وكيف هو التفاعل والتعاطى مع روح التواجد ،وكيف لعبت العسكرية املصرية دورها البالغ على مدى سنواتها املمتدة فى احتضان دول حــوض النيل ،وتجذر العمق التاريخى للوجود املصرى داخل دول أفريقيا .بينما تناول حسام نايل «تمثيالت أفريقيا السوداء وبناء الهوية السردية» من خالل رواية «ثقوب فى الثوب األسود» إلحسان عبد القدوس ،التى يدور نطاقها الجغرافى بني داكــار عاصمة السنغال وباماكو عاصمة مالى. وما بني الرواية والهوية؛ ناقشا على حمودين
ونجالء نجاحى «مالمح الهوية الثقافية فى الرواية األفريقية الحديثة» من خالل رواية (املفسرون) لوول سوينكا ،ذلك الكاتب النيجيرى الذى تمكن فى مؤلفاته الروائية واملسرحية من سرد وتمثيل تاريخ القارة السوداء ونضال شعوبها وأنماط عيشهم وتجسيد هويتهم الثقافية األفريقية. بينما تطرق أشرف توفيق إلى تناول هوية مصر األفريقية فى إطارها العام ،حيث رصد مواطن التجليات األفريقية فى فنون مصر مثل املوسيقى والغناء والحرف الشعبية والفنون التشكيلية مثل املوتيفات ذات الشكل املثلثى واأللــوان الزاهية الساخنة فى زخرفة جدران بيوت النوبة املصرية وشمال السودان ،واألدوات املنزلية املستعملة ً يوميا فى مصر وتشابهها مع نفس تلك األدوات فى نوبة شمال السودان والنيجر وتشاد ،وكذلك فى بعض املمارسات ًاالحتفالية الشعبية مثل الزار. َّ واستغراقا فى محور املأثورات الشعبية ،تحدثت إيمان مهران عن «القيم الجمالية لفن (الزربية) فى شمال أفريقيا» ،وهو فن املرسمات النسجية املرتبط بتغطية األثــاث واألســطــح واألرضــيــات املختلفة ،يتميز بالدقة والتصميمات املحلية
القديمة .أمــا هــدى على أحمد فتناولت «اإلنــاء األفريقى بني اإلبداع وتأصيل الهوية األفريقية» مشيرة إلى أن الفنان األفريقى اتجه إلى صناعة األوانــى الفخارية بغرض خدمة املجتمع ورغبته فــى االرتــبــاط بالقوة الــروحــيــة الكامنة خلف عالم املرئيات ،وهى من املهام املوكلة إلى املرأة األفريقية ملا لديها من خبرات متراكمة ومتوارثة عبر األجيال .وبني املــوروث والفن تناول د.أحمد املعتقدات عبدالله «فــن األقنعة األفريقية بني ً املحلية والتأثير فى الفن األوروبى الحديث» ،مؤكدا أن الثراء الفنى الذى تميزت به الفنون األفريقية وبخاصة نحت األقنعة ،جعلها محط أنظار الكثير من الفنانني األوروبيني ،حيث وجدوا فيها ً مثيرا ً بصريا له قيمته الفنية وتأثيرها الوجدانى ،مما حفزهم لالستلهام منها فى إبــداع الكثير من األعمال الفنية بأساليب جديدة. على الــرغــم مــن تنوع الثقافات فــى القارة األفريقية إال أنه ال يوجد انتشار أو استغالل لها بني دول القارة على املستوى اإلقليمى ،بشكل يؤدى إلى املحافظة على الهوية األفريقية وعدم اندثارها وسط التغيرات الثقافية التى يشهدها العالم ً حاليا .هذا ما ذهبت إليه نيفني وجيه محمد كساب فى بحثها حول «دور اإلنتاج اإلعالمى فى الترسيخ للثقافة األفريقية» حيث أشــارت إلى أنه ال يوجد توثيق للتراث اإلنسانى الذى تمتلكه القارة األفريقية من خالل األعمال الفنية املختلفة وخاصة اإلنتاج السينمائى والتليفزيونى املتعدد األشكال .وفى نفس اإلطار ناقشت صفاء سعد «دور املسلسل التليفزيونى السودانى فى قضايا التنوير والتغيير االجتماعى» مشيرة إلى تطور املسلسل التليفزيونى األفريقى فى اتجاه التطرق لقضايا والتنوير ،وأرجعت املجتمع والهوية وقضايا التغير ً اختيارها للدراما السودانية تحديدا إلى التطور فى األفكار واملضامني والتنوع الذى شهدته حتى على مستوى الكتابة والتأليف واإلخــراج واألداء التمثيلى خالل األونة األخيرة. بينما تناولت رانيا مراد عبد الرحمن وإيناس الشيخ «دور اإلعالم فى دعم العالقات املصرية األفريقية» ،تلك العالقات التى مرت بتحوالت كثيرة من التهميش إلى االندماج ،لكن مصر تسعى ً دائما ألن تكون حلقة الوصل بني أفريقيا والعالم العربى ،لتحقيق مزيد من التعاون األفروعربى والــتــنــمــيــة عــلــى كــافــة املــســتــويــات السياسية واالقتصادية واالجتماعية ،بما يصب ويخدم القارة األفريقية واملنطقة العربيةَّ ، ويعد اإلعالم أداة فعالة من أدوات تحقيق التنمية ،حيث يلعب ً دورا ً كبيرا فى تحقيق االستراتيجيات والسياسات التى تستهدف إعادة بناء املجتمعات.
٣٣
جنب إبراهيم أصــان» ،يقول ويضحك بسخرية ،وأقول له ،إن هذا حدث كثيرًا فى السنوات التى سبقت التحاقى بالعمل إلى الجريدة ،على يد األستاذ مصطفى عبدالله ،كنت محظوظًا بالنشر مرتني إلى جوار محمود درويش. كــان يعرف أن الكتب ال تصل بانتظام إلــى األقاليم، باستثناء الكتب التى توزعها املؤسسات الصحفية الثالث الكبرى ،وكانت أنجحها دار أخبار اليوم ،التى وزعت آالف النسخ من أعمال محمود السعدنى ومصطفى محمود وأحمد رجب والشيخ محمد متولى الشعراوى وغيرهم ،لكن األعمال األدبية كان محكومًا عليها بالعزلة ،خاصة وأن األمور قبل السوشيال ميديا وانتشار املكتبات بهذا الشكل املكثف وتمدد معارض الكتب كانت صعبة ،حتى األدباء الكبار لم يسلموا ْ وحصر كل منهم فى أبدًا من النظرة الضيقة إلى أعمالهم، عمل وحيد كأنه لم يكتب غيره «الوقائع الغريبة فى اختفاء سعيد أبى النحس املتشائل» إيميل حبيبى« ،الثالثية» نجيب محفوظ« ،رامة والتنني» إدوار الخراط« ،الزينى بركات» جمال الغيطانى« ،شرف» صنع الله إبراهيم« ،البحث عن وليد مسعود» جبرا إبراهيم جبرا« ،رجال فى الشمس» غسان كنفانى« ،املجوس» إبراهيم الكونى« ،بيضة النعامة» رؤوف مسعد« ،حدث أبوهريرة قال» محمود املسعدى« ،الحرب فى بر مصر» يوسف القعيد« ،الرجع البعيد» فؤاد التكرلى، والقائمة تطول ،وهكذا يجد الكاتب الناشئ نفسه أمام عروض لكتب ال تصله ،وسيأخذ منها طرفًا ،وربما يبحث عنها يومًا ما ،وسيقرأ دراســات مهمة لعبدالفتاح كليطو، وأبى يعرب املرزوقى وجابر عصفور وعبدالعزيز حمودة، وإذا تعلق األمر بالفن التشكيلى سيجد نفسه فى مغارة «على بابا» ،شاجال ،دافنشى ،فان جوخ ،مايكل أنجلو ،رافييل، بيكاسو ،أوسكا ،رينوار ،دالى ،بوتيرو ،هوبر ،هوكوساى، وعشرات غيرهم من أشهر الفنانني ،ينتمون إلى كل العصور، مشاهير ومظاليم أزاحتهم سطوة الكبار من منطقة الضوء وتركتهم فى صقيع العتمة ،فنانون لم يأخذوا فرصتهم رغم أن أعمالهم تشهد بنبوغهم وعظمتهم ،كان كذلك يصر على منح األعمال املنشورة فى «أخبار األدب» روحًا خاصة ،وارتبطت النصوص لفترة باثنني من أهم الفنانني املصريني ،جودة خليفة ،الذى تنطق أعماله بالروح املصرية فى عمومها ،وجميل شفيق بعوامله الصامتة ،نساء متوحدات حزينات ،وأسماك تسرح فى ملكوت الرمال ،وأحصنة، وصحراوات ،وجبال ،وقد رأيت شفيق أثناء زيارة خاطفة لـ»أخبار األدب» فى النصف الثانى من حقبة التسعينيات وهو يرسم على األوراق البيضاء بالرصاص ويحول سطحها امليت ْإلى أبعاد وأكوان تموج بحياة هادئة ،وانبهرت حينما أسفرت تخطيطاته السريعة املاهرة عن وجه امرأة مصرية يقطر الكحل من عينيها ،امــرأة بجمال نساء مودليانى، لكنهن منتشيات بروح مصرية ،غادرت أماكنها من أيقونات الكنائس وتلبستهن ،مانحة إياهن ذلك اإلحساس املوغل فى العتاقة والجمال ،وهكذا لو افترضنا أن ُ«أخبار األدب» بيت، رفه كاتب من قرية بيت عاملى ،يجلس فى غ ِ سيكون أقرب إلى ٍ ٍ مصرية نائية جنبًا إلى جنب مع سميح القاسم ،وباختني، وتــودروف ،وسلمى الخضراء الجيوسى ،ومحمد دكروب، ومحيى الدين اللباد ،وأنسى الحاج ،وصالح عبدالصبور، وأحمد عبداملعطى حجازى ،وأمل دنقل ،وإدوار سعيد ،ونعوم تشومسكى ،وقاسم حداد ،ويوسف أبورية ،وأبوالعالء املعرى وشمس الدين التبريزى.. وجالل الدين الرومى ُ أصحاب البيت فراعنة ،وكائنات مسحورة خارجة لتوها من «ألــف ليلة وليلة» ،حيوانات «كليلة ودمنة» العظيمة، وعالء الدين ومصباحه والجنى وفانوسه ،وغلمان أبى نواس وعشيقات ماركيز ،وصخور من «أرض الحقيقة» جلبها محيى الدين بن عربى ،بعد أن تجرد من هيكله مثل شيخ املريد أبى الفخر الكرمانى ،واجتاز الزمان واملكان .فى ذلك البيت الذى أسسه جمال الغيطانى تنساب موسيقى لطاملا اقترنت بحضوره إلى مكتبه فى الثامنة صباحًا ،موسيقى تركية ،أو مغربية ،أو مصرية تنطق بتلك البهجة التى تتلمس خطوات املجد مع صوت ليلى مراد ومحمد عبدالوهاب فى «يا دى النعيم» ،أو الجنة فى صوت محمد رفعت ،أو أوبرالية ،أو سيمفونية كأنها ترنيمة قادمة من الكنيسة املجاورة ملبنى األهرام. كان الغيطانى حريصًا على أن ينقل إليك بكل جوارحه أنه يفهم تعبك ،ويقدر مشقة صادفتها ،وجهدًا بذلته ،ولغة تخاتلك ،لغة تخلع قناع امرأة فائقة الجمال وتنظر إليك بوجه قبيح مدمم ،وفنًا تحاول ملسه والعبور من جنانه. عدت ذات مرة من وادى النطرون ،وفى ذهنى حكايات شاهدتها وسمعتها عن الرهبان هناك ،وغـــارات كانوا يتعرضون لها من البربر .لطاملا جاءت قطعان الهمج من
٥مايو ٢٠١٩العدد ١٣٤٥
ملف
الغيطانى دائم البحث عن اخلصوصية املصرية ،فى معمار حسن فتحى بالقرنة ،فى معمار قاهرة املعز لدين اهلل الفاطمى ،وأسبلة مصر القدمية ،فى مقابر القاهرة ،وفى خصوصية احلارة الشعبية
مع جريجورى بك
الصحارى وحاصرتهم ،كان البربر يعتقدون أن ذلك املظهر املتقشف يخفى وراءه شيئًا ما ،ربما ذهب ،ربما أملاس ،وربما أحجار كريمة ،وبالتالى كانوا يقتحمون األديرة والقاليات ويدمرون كل ركن فيها ،ويعميهم الغضب عن رؤية الحقيقة البسيطة ،أنه ال ذهب وال حتى نحاس ،وإنما أجولة من البذور ْ لتطم ِئن تقاوم الزمن والعطن والشمس الحارقة القاسية، رجال الدين أن بوسعهم الحياة ألشهر قليلة فى سكينة ،ثم يتحول غضب البربر إلى إعصار ،ويقطعون أيدى وأرجل الرهبان شر تقطيع ،وبعد كثير من تلك الهجمات الخائنة يبدأ الرهبان فى بناء أديرة تشبه القالع ،وتخزين الغالل واملياه ،حتى إذا جاء البربر انعزلوا بأنفسهم لشهور أو حتى سنوات ،يشعر البربر باليأس ويعودون إلى صحرائهم القاحلة الجهنمية خائبني مشتعلني بالكراهية باحثني عن عدو جديد .استمع الغيطانى ملا أســرده بصبر ،وراقــت له الحكايات ،وقال لى إنه سيمدنى بمراجع تضىء لى تاريخ هذا املكان ،منها كتاب أصدرته الجامعة األمريكية به صور نادرة لألديرة ،وهذه قيمة الغيطانى ،أنه ال يكتفى باملتاح ،ويقنعك بأن هناك ما هو أفضل ،وما هو أبعد من الحكاية ،ونشر املوضوع بعنوانى فى الصفحات الداخلية «حكايات الرهبان فى وادى النطرون» ،ونشره بعنوان جذاب فى الصفحة األولى «بحثًا عن الذهب فى أديرة وادى النطرون» ،وهاتفنى مساء الجمعة ،وأخبرنى أن تليفونه لم يتوقف عن الرنني ،كان يقول لى إن هذه هى مصر التى نريد تقديمها للعالم ،مصر التى ال نعرف عنها شيئًا ،وسرد لى قائمة من اتصلوا به للثناء على املوضوع ،وقال لى« :أخوك محمد الغيطانى هيكلمك ألنه فرحان جدًا باملوضوع» ،وكانت هذه هى أول مكاملة بينى وبني محمد. كان الغيطانى دائم البحث عن الخصوصية املصرية ،فى
للفنان :جميل شفيق
معمار حسن فتحى بالقرنة ،فى معمار قاهرة املعز لدين الله الفاطمى ،وأسبلة مصر القديمة ،فى مقابر القاهرة ،وفى خصوصية الحارة الشعبية ،كان يرى أننا نجافى الروح التى ميزت شخصيتنا املصرية ،وأن إبراز الجمال املصرى من حولنا قد يعيد شيئًا مما فقدناه .لقد فاجأنى بمكاملة أخرى كما فاجأ غيرى وقال نفس الكالم عن الروح املصرية بعد أن قرأ روايتى «عني القط» ،وكنت وقتها فى مدينة «املنصورة». كان كالمه عيدًا بالنسبة لى ،كما كان عيدًا لكثيرين اتصل بهم أو كتب عنهم أو قابلهم وجهًا لوجهَّ ، وعبر لهم عن محبة غامرة واحترام ملا يقدمونه. كان الغيطانى منفتحًا على الجميع ،واالنفتاح هو أساس الخلطة التى صنعت الجريدة .عرف العالم العربى معنى التعددية ال من خالل سياسات وحكومات ،وإنما من خالل َ واملطاردين واملهاجرين جريدة أدبية ،كانت ساحة للمغتربني ومحبى الحياة وكارهى أنفسهم والهادئني والصاخبني والكالسيكيني والحداثيني وما بعد الحداثيني والواقعيني والخياليني والحكائني والزجالني والشعراء وأشخاص عبروا إلى األدب ضيوفًا وغــادروه سريعًا على ريش نعام أو محمولني إلى القبور ،وأشخاص تشبثوا بمواقعهم رغم صعوبة الرحلة ،كان تليفونه متاحًا للجميع ،يشكو أن الناس ال يرحمونه ويتصلون به 24ساعة ،ومع هذا كان يرد آناء الليل وأطراف النهار ،كان يشكو كذلك أن صحته ال تحتمل كالسابق أن ُيقابل كل هؤالء األشخاص القادمني من بلدان عربية وأجنبية .طالب علم من إفريقيا ،وآسيا ،وشرق أوروبا، مستعربون ،ورؤساء أكاديميات ،وزراء ومهندسون وعلماء ومترجمون ورؤساء هيئات ثقافية ،مخرجو سينما ونقاد كبار، شباب يتلمسون الطريق وكتاب راسخون ،مريدون وأصدقاء تاريخيون ،لكنه أيضًا أتاح نفسه طوال الوقت .كان العشرات يرسلون خطاباتهم أو فاكساتهم إلى أن يحني وقت يتمكنون فيه من شق املسافات بالطائرات والقطارات والسيارات ملقابلته .كان الغيطانى مزارًا حيًا ،ال شك فى ذلك ،و«أخبار األدب» استمدت روحها وخصوصيتها من قوة شخصيته وتأثيره الشبيه بتأثير االنفجار العظيم ،خبت الجريدة فى فترات ،ولكنها عادت قوية فى فترات أخرى ،إذ أن األساس الذى رماه حتى سابع أرض يمكنه أن يسندها ملائة عام على األقل. كان الغيطانى رغم كل مشاغله يدير معارك فى جميع االتجاهات ،معارك مبنية على الفكر ،ال على مصالح شخصية ضيقة ،ولكنه بالطبع كان يحزن ويغضب ،كان يتحول إلى زلزال هادر فى غضبه ،وإلى بحيرة صافية ،فى هدوئه ،صفاء يكشف األحجار واألصداف والشعاب املرجانية واألسماك امللونة فى القاع ،كان يترك نفسه على سجيتها ليسخر من هذا أو ذاك ،كان يسخر منى ،ومنك ،ومن نفسه ،لكنه لم يكن كارهًا ،وال فاجرًا فى خصوماته ،كان يريد أن يسخر، ويمزح ،ويضحك وكفى ،أن يلقى جملته العابثة ،وينفجر بعدها فى ضحكته القوية املميزة .كنت قد نشرت حوارًا مع عماد أبوصالح فى «أخبار األدب» ،والعنوان الذى اختاروه للصفحة األولى «عماد أبو صالح :شعراء التسعينات مناديل كلينكس» ،وكان كلما أخبرته بأن نرجسية فالن طفحت عليه فى هذه اللحظة ،وأنه رفض املشاركة فى تحقيق معى ،كان يفكر لحظة ويقول كأنما يتحدث بجدية شديدة« :ده كده عايز عماد أبوصالح ،هات له عماد أبوصالح» ،ثم ينفجر فى الضحك ،ويمسك قلبه ،كأنما يحافظ على بقائه فى مكانه طوال تلك الضحكة القوية الصافية الجميلة .ما أجمل قلبه ذاك ،وما أجمل املشاعر التى حملها ناحية أقرب الناس إليه، عائلته الصغيرة ،وعائلة األدباء الكبيرة ،بل واإلنسانية كلها.
٣٢
٥مايو ٢٠١٩العدد ١٣٤٥
ملف
فى عام 96كانت زيارتى األولى إلى "أخبار األدب" مع صديقى الشاعر عبدالناصر عالم ،كانت اجلريدة قد أعلنت اسمى ضمن الفائزين مبسابقتها للقصة القصيرة، وجئت الستالم جائزتى400 ، جنيه ،اشتريت بها كثير ًا من الكتب ،وحينما هبطت من القطار إلى رصيف محطة جنع حمادى لم يكن فى يدى سوى التذكرة وربع جنيه معدنى "مخروم".
٥
٥مايو ٢٠١٩العدد ١٣٤٥
مع صبرى حافظ وروبن أوستل وبطرس احلالق
مع ممدوح عدوان واملنصف املزغنى
جمال الغيطانى ..أنشودة الكاتب واجلريدة حسن عبداملوجود استلمت املبلغ من املبنى اإلدارى ،ثم اتجهنا إلى املبنى الصحفى ،كما يفعل غيرنا يوميًا ،لزيارة أهم مكان ثقافى فى مصر ،قبلة األدباء والنقاد والباحثني ،كنت أقول لنفسى «ها هى الجريدة التى تحلم بالنشر فيها ،وها هو الكاتب الكبير األستاذ جمال الغيطانى على بعد خطوات منك». َّ وبعد قليل من االنتظار ،انفتح باب مكتبه ،وأطــل بوجه مشرق باسم ،واحتفى بعبدالناصر عالم احتفاء كبيرًا ،كان ناصر يشق طريقه بشكل جيد ،ونشرت له «أخبار األدب» بعض القصائد ،بينما امتنعت عن النشر لى ،ولكن جاء الدور َّ على أخيرًا ،فقد نشرت قصتى «طقوس البيت املبعثر» على مساحة كبيرة ،ومعها إشارة إلى أنها القصة الفائزة باملركز الـ 12مع أن «إعالن أسماء الفائزين» قال وقتها إنها القصة الحاصلة على املركز «السادس مكرر» ،لم أكن حانقًا ،بل كنت سعيدًا ألن الجريدة ستنشر لى ،حتى ولو قالت إننى صاحب املركز األخير ،كنت قد أرسلت كثيرًا من الخطابات إلى « 6ش الصحافة» ،وكــان األستاذ عمرو الديب ينشر بانتظام رسائلى فى باب البريد ،وها هى الفرصة تلوح فاتحة ذراعيها ،لم أكن أطمع سوى فى سالم على األستاذ جمال الغيطانى ،ولكنه فاجأنى بما هو أكثر ،نظر َّ إلى ،ونطق اسمى الثالثى ،كأنه يقرأه من كوبون املسابقة ،وقال إنه اطلع على كل النصوص التى اشتركت بها ،القصة الطويلة الفائزة، األقاصيص ،ووصفها بالجميلة ،وأخبرنى ومجموعة من َ َ كذلك أنها نافست القصة الفائزة حتى النهاية ،ولكن الرأى
استقر على «طقوس البيت املبعثر» ،ثم أبدى دهشته ألنه كان يعتقد أننى كبير السن ،وربما كان حديثه آنذاك نوعًا من املجاملة ،ألن اسمى وسنى وعنوانى وكل ما يتعلق بحياتى كان مدونًا بالكوبون ،قال لى وقتها« :كنت فاكر عندك ستني سنة، بس طلعت طفل» ،ثم أطلق ضحكته املميزة فهزت شبابيك ً الطابق الثامن .جلسنا بصحبته قليال ،وحينما انتهى اللقاء أصر على توصيلنا حتى باب األسانسير ،وكان انطباعى األول عنه عظيمًا ،الكاتب الكبير املبتسم ،املتواضع ،واملجامل إلى أقصى درجة ،وهكذا أحببته فورًا.
للفنان :جودة خليفة
كان الغيطانى حريص ًا على أن ينقل إليك بكل جوارحه أنه يفهم تعبك ،ويقدر مشقة صادفتها ،وجهد ًا بذلته ،ولغة تخاتلك ،لغة تخلع قناع امرأة فائقة اجلمال وتنظر إليك بوجه قبيح مدمم، وفن ًا حتاول ملسه والعبور من جنانه
وقد حكت لى الدكتورة سمية رمضان منذ فترة أن املوقف نفسه تكرر معها فى مقابلتهما األولى« :حينما ذهبت إليه ،وكان ذلك منذ سنوات بعيدة جدًا ،قابلنى بترحيب بالغ ،وأعطانى إيحاء بأنه يعرفنى ويتابعنى جيدًا ،وتعامل معى كما لو أننى كاتبة كبيرة ،وأصر على توصيلى حتى باب األسانسير ،وطبعًا بفتكر ده باندهاش شديد ،ألنه مني البنت دى اللى الغيطانى بجاللة قدره يوصلها بنفسه لغاية األسانسير؟!» .وفى األغلب ً تلك األمور الصغيرة ،هى ما ينطبع فى الذهن ويدوم طويال، خاصة مع الذوات النرجسية التى تميز األدباء ،نرجسية ال تحتمل أبدًا أى هفوة فى التعامل .لم يكن الغيطانى محايدًا، وال يرحب بحساب ،أبدًا ،بل كان سخيًا جدًا فى معامالته، كان يمدك منذ الوهلة األولى بثقة مفرطة فى نفسك ،ولم تكن عالقته تنتهى بالكاتب مع انتهاء املقابلة ،وكثيرًا ما كان ذلك الكاتب ُيفاجأ باتصال منه على هاتف البيت ،قبل ظهور املوبايل ،وقد فعلها مرة معى ،وجاءنى أخى محمد ليقول إن األستاذ جمال الغيطانى على التليفون ،وقد اعتبرتها مزحة، حتى سمعت صوته ،وتأكدت أنه نفس الصوت لنفس الشخص الذى قابلته فى الطابق الثامن من مبنى «أخبار اليوم» .كان يفعل ذلك مع عشرات غيرى بدأب وإخــاص ،كأنه يقدم فريضة للثقافة ،وكــان دائمًا يستخدم تعبيرات من عينة «تقليب التربة املصرية» إذ كان مؤمنًا بأن األحوال قد تمنع البعض من إرسال أعمالهم ،أو ربما قد تقضى عليهم إذا لم يجدوا العناية الكافية ،ولهذا كان مقتنعًا بضرورة املبادرة بطلب نصوص من أدباء واستكتاب نقاد وباحثني ،ونجح فى تحويل «أخبار األدب» إلى بيت للجميع ،بيت قد تبتعد عنه ً قليال أو كثيرًا لكنك تعرف أنك ستعود إليه فى النهاية ،وكان مقتنعًا بأن الجريدة لها وظيفة تربوية ،قال لى مرة إن نشر ُالنصوص ليس الغاية النهائية ،وإن كثيرًا من النصوص التى تنشر ليست عظيمة ،لكن من ننشر لهم ،خاصة من يشقون طريقهم بالكاد ،يجدون أنفسهم فى نفس املساحة مع أسماء من العيار الثقيل ،أسماء بحجم إبراهيم أصالن ومحمد البساطى وإبراهيم عبداملجيد وبهاء طاهر وخيرى شلبى وسعيد الكفراوى وخيرى عبدالجواد ومجيد طوبيا وجميل عطية إبراهيم وفاروق شوشة ومحمد إبراهيم أبوسنة وبدر شاكر السياب وسعدى يوسف ومحمد بنيس ومحمد على وحسن طلب ورفعت سالم شمس الدين ومحمد سليمان ِّ وحلمى سالم ،إلخ ،وهذا التجاور ُيحفزهم ،ويمنحهم الثقة ً املطلوبة لشق الطريق« ،تخيل ،مثال ،حسن عبداملوجود بينشر
للفنان :جيرارد سيكوتو
العقود ال تضمن سوى الفتات للمترجم
صكوك عبودية
هذه حكاية دالة جدًا. دار نشر خاصة حصلت على تمويل لترجمة كتاب ما ،وكلفت مترجمًا بالتصدى له ،مقابل أجر َّ َّ قبل ،ووقع العقد ،وسارت األمور جيدًا معه ،فقد متوسط ،مقارنة بحجمَّ املنحة الغربية ،واملترجم ِ انتهى من الترجمة وسلمها فى موعدها ،لكنه فوجئ بالناشر يطلب منه التوقيع على ورقة غريبة، ورقة تفيد بأنه حصل على مبلغ أكبر بكثير مما حصل عليه ،مبلغ محدد باليورو مع أنه حصل على أجره بالجنيه املصرى ،وأخبره الناشر كذلك ،بينما يحاول ،يا للغرابة ،إقناعه باألمر ،بأنه مطالب بإرسال هذه الورقة إلى الجهة املانحة ،وهكذا عرف املترجم أنه َّ تعرض لعملية نصب كبيرة ،وكان مدهشًا أن يطلب منه الناشر بكل بساطة مساعدته فى إتمام عملية النصب! ليست هذه هى الحكاية الوحيدة التى تكشف شكل العالقة بني الناشر واملترجم ،العالقة التى يحكمها الطرف األقوى «الناشر» ،فهو فى األغلب من يختار العناوين ،وهو من يضغط على املترجم إلنجاز العمل ،وهو من يحدد األجر ،واملترجم تنتهى عالقته تمامًا بالعمل لحظة الترجمة ،وليس هناك فى السوق معايير تحدد متوسطًا لألجور ،وكل دار تحدد سعرها ،والجهات الحكومية تتعامل أيضًا بسياسة أجور تخصها ،وهكذا تحكم العشوائية كل شىء يخص عملية الترجمة ،واملترجم املضغوط باحتياجاته األسرية يضطر ،فى أغلب األحيان ،للقبول ،بعقود تشبه عقود اإلذعان ،أو صكوك العبودية فى بعض الحاالت ،مع التأكيد على أن االستثناءات حاضرة فهناك نماذج جيدة لدور نشر تتعامل باحترافية شديدة ،وتمنح املترجم ما يستحق .الكالم لن ينتهى ،واألفضل ترك املجال للمترجمني أنفسهم للحديث ،فهم القادرون على عرض مشاكلهم ،واألهم طرح حلول لها نتمنى أن تجد من يصغى.
.حسن عبداملوجود
بدون دعم من جهات أجنبية ال حقوق لنا خبرتى فى العالقة بني املترجم ودار النشر تتلخص فــى كلمتني ،بــدون دعــم مــن جهات أجنبية ليس للمترجم حقوق «تقريبًا» ،أو ينال املترجم فتاتًا ،ال سيما من دور النشر املصرية. وحتى الدعم تريد دور النشر «املصرية خاصة» جزءًا منه ،أو قطعة من التورتة ،فخلى الواحد ســاكــت أحــســن .هــذا طبعا تعميم ،وهناك استثناءات .وعمومًا أيضًا خبرتى مع الدور العربية أفضل. هل يحصل املترجم على نسبة من املبيعات؟ هناك بعض الدور تفعل هذا ،خاصة فى ًالطبعة الثانية ،ولكن هذا موضوع إشكالى .أوال ،هم
كل ما أطلبه كمترجم :االتفاق على مكافأة فى العقد ،مكافأة يرضى عنها الطرفان
يكتبون فى العقد «الحساب سنويًا» ،ولكن طبعًا ال أحد يتصل بك ليقول :العام املاضى بعنا كذا وحقك كذا ،ال بد أن تسأل أنت ،وتلح فى السؤال «وطبعا هذا تعميم» ،أكرر ،و«هناك استثناءات مفرحة»ً ،ثانيًا :هل تستطيع ككاتب أو كمترجم أن تعرف فعال كم باع كتابك؟ هل ترى أى حسابات يمكن الثقة فيها؟ أم يخبرك الناشر برقم، وعليك أن تصدقه؟! فى دور النشر بمعظم الدول األوروبية هناك كشف حساب ،يمكن أن يكون سنويًا ،أو شهريًا حتى ،وستجدهم يقولون لك كم عــدد النسخ املبيعة فى كل مدينة بدقة ،وبالطبع ال أقارن وال
سمير جريس أطلب هذا ،ولكن العالقة بني الناشر والكاتب أو املترجم فى عاملنا العربى عالقة مأزومة وإشكالية فيما يتعلق باملكافأة أو نسبة املبيعات، ووالله أنا كل ما أطلبه كمترجم :االتفاق على مكافأة فى العقد ،مكافأة يرضى عنها الطرفان، ثم االلتزام بهذا العقد .هذا هو كل شىء ،وهذا ما ال يحدث دائمًا ،لألسف الشديد. كلمة ختامية ،حتى ال تكون الصورة كلها قاتمة، ً هناك فعال دور محترمة ،أحرص على التعاون معها ،تلتزم بكل ما ورد فى العقد ،هذه استثناءات مفرحة أتمنى أن تصبح هى القاعدة.
٦
٥مايو ٢٠١٩العدد ١٣٤٥
أرطال من حلمى برغم أن أهم ما يصدر من كتب باللغة العربية اآلن ،ومنذ فترة غير قليلة ،هى الكتب املترجمة، وبرغم أن املترجمني باتوا يحظون بقدر من الثناء ولفت األنظار وربما «النجومية» ما كان أسالفهم األقربون ليحلموا بمثله أو ببعض منه ،فإن وضع املترجم ـ املــادى على األقــل ـ ال يعكس شيئا من ذلك. فاملترجم ال َ يعامل على اإلطالق باعتباره مالكا لترجمته ،صاحبا للنص العربى الذى أنتجه .هو أقرب إلى صنايعى ،فنى ترجمة ،حرفى يؤجر عن مهمة ،ثم تنقطع عالقته إلى األبــد باملنتج الذى ينتجه .يبيع املترجم الترجمة للناشر لفترة محددة ،أقلها خمس سنوات ،وتصل فى بعض العقود الجائرة إلى أربعة أمثال ذلك وربما أكثر. بال نسبة للمترجم من املبيعات ،بال مقابل مادى عند تجديد العقد ،وأغلب عقود الناشرين مع املترجمني تنص على تجديد العقد تلقائيا ،لكنها ال تنص ـ إال نادرا للغاية ـ على مقابل لهذا التجديد. ناهيك عن دور نشر تنكر على املترجم أن يوضع اسمه على غالف كتابه ،أو تفرض عليه محررا ينظر فى ترجمته وهو لم يترجم فى حياته إال فى امتحان الثانوية العامة ،أو دور أخرى ال تقبل كتابا مترجما ما لم يراجعه شخص حاصل على دكتوراه
لو أن القارئ يرفض الترجمات الرديئة واملعيبة واملتعجلة ،لو أنه ميتنع عن شراء ترجمات املبتدئني والدخالء والهواة، ملا استطاع ناشر أن يفرض شروطه املجحفة على مترجم جيد
أحمد شافعى وإن لم تكن له دراية بالترجمة. هذا فضال عن دور النشر الكثيرة التى يقوم عليها نصابون حقيقيون ،يتلقون آالف الدوالرات دعما من الــخــارج ،موجها للترجمة ،فال ينال املترجم منها شيئا ،بل وال يعلم عنها شيئا. وما هذه إال نماذج تخطر لى اآلن من املهازل التى يتعامل معها املترجم كل يوم. قد يبدو الناشر هنا هو شيطان املترجم ،هو شيلوك الطامع فى رطل من لحمه مع كل كتاب، ومع أنه كذلك فى كثير من الحاالت ،لكن الحقيقة أن عدو املترجم الحقيقى هو القارئ. بوسع أى مترجم جيد أن يرفض األجر الظالم واملعاملة الظاملة من أى ناشر ،بوسعه أن يفاوضه من موقع القوة ،لوال وجود القارئ الجاهل الذى يدعم الناشر ضد املترجم . لو أن القارئ يرفض الترجمات الرديئة واملعيبة واملتعجلة ،لو أنه يمتنع عن شراء ترجمات املبتدئني والدخالء والهواة ،ملا استطاع ناشر أن يفرض شروطه املجحفة على مترجم جيد .لكن بسبب بعض القراء الجهلة ممن يشترون أى ترجمة، تستطيع دار أن تصدر عشرات الروايات املترجمة مستعينة بطلبة أو خريجني جدد يحتاجون فى أحسن الحاالت إلى تدريب طويل على الترجمة.
صانع وتاجر العقود مهما كانت هى مجرد «حبر على ورق»، وشكل من أشكال التوثيق لضمان الحقوق ،ومع هذا من النادر جدًا أن تصل األمــور إلى املحكمة ،وال يحضرنى سوى مثال واحد لخالف وقع بني مترجم وناشر ،لكنه انتهى بالصلح فى النهاية. ِّ أنا شخصيًا حينما يؤخر ناشر ما مستحقاتى محام، املالية ال أفكر أبدًا فى الذهاب بعقدى إلى ٍ كل ما أفعله أن ِّ أوسط صديقًا مشتركًا بينى وبني ً الناشر ،ومثال حينما شعرت باليأس ذات مرة هددت باللجوء إلى اتحاد الناشرين ،هذا أقصى ما أفكر فيه ،وال أظن أن أحدًا من الطرفني ،سواء الناشر أو املترجم يفكر فى اللجوء إلى املحاكم، وبالتالى ال تكون املسألة «ما املكتوب فى العقد»، بقدر «الطريقة نفسها فى التعامل» ،مع العلم أن أى ناشر هدفه الربح ،ألنه صانع وتاجر فى نفس الوقت ،وهذا يخرجه ،أحيانًا عن «التركيز فى الصنعة» بقدر «تركيزه على التجارة نفسها»، وبالتالى يصبح غير مهتم بجودة الترجمة ودقتها، وممكن «يسترخص»ويستعني بمترجم «درجــة تانية» ،أو يضغط على مترجم مميز إلنهاء العمل سريعًا وبمبلغ أقل ،وهذا كله من أجل تحقيق ربح معقول. والسؤال :ما الــذى يريده املترجم سوى إتاحة
وبسبب هؤالء القراء يندر اآلن أن تجد من يترجم إال الروايات .وبسببهم ،ال يبالى أغلب الناشرين بعرض مخطوطات الترجمة قبل النشر على مصححني يضبطونها نحوا وصــرفــا وإمــاء. وبسبب القراء الجهلة يتحول غير املترجمني إلى مترجمني ،فمترجمني كبار ،فمراجعني ،فمأساة تامة األركــان ...ويتحول النصابون إلى ناشرين فناشرين أثرياء فمسئولني فى لجان تخطط للعمل الثقافى ،فكارثة .وهكذا ،بسبب القراء الجهلة، نتحول جميعا بمرور الوقت إلى قراء جهلة. والحل فى تقديرى ليس إال مظلة من القوانني، تحدد السعر العادل للترجمة أوال ،وتحدد حق املترجم (والكاتب عموما) فى كل نسخة تباع من كتاب له ،وتفرض على الناشر وعلى املطبعة رقابة تضمن الشفافية فى عدد املطبوع وعدد املبيع من النسخ. نحن بحاجة أيضا إلى ما يشبه جهاز حماية املستهلك نلجأ إليه كلما دفعنا عشرات بل مئات الجنيهات فى كتاب ثم تبني أنه ال يحقق معايير الكتاب الجيد. نحن ببساطة بحاجة إلــى قــانــون ،وسيادة للقانون ،وطبعا ،كما نعلم جميعا ،سنظل فى مصر إلى األبد بحاجة إلى القانون وسيادة القانون.
محمد عبدالنبى
أى ناشر هدفه الربح ،ألنه صانع وتاجر فى نفس الوقت ،وهذا يخرجه ،أحيان ًا عن «التركيز فى الصنعة» بقدر «تركيزه على التجارة نفسها»
وقت معقول أمامه؟ إنه ال يريد الشعور بالضغط، حتى ُيخرج العمل على أكمل صورة ،ويريد كذلك أن يشعر باألمان ،وهو لن يشعر بهذا دون أن يحصل على مبالغ تكفيه وتضمن له حياة كريمة ،ولكن هذا ال يتوفر فى معظم الحاالت. من األمور التى يفعلها الناشرون كذلك لتحقيق ربح سريع وسهل أنهم يحصلون على منح للترجمة من جهات أجنبية لترجمة كتب معينة ،ليست عظيمة فى األغــلــب ،وليست َّ ملحة بمعايير ما تحتاجه املكتبة ،ويدفعون جزءًا صغيرًا للمترجم من هذه املنحة ،وكل هذا َ ال يصب فى مصلحة القارئ الذى ُ سيذهب إليه املنتج فى صورته النهائية. كما أن الــنــاشــريــن ،معظم الــوقــت ،هــم من يختارون العناوين ،وعلى املترجم الرفض أو القبول ،وفى األغلب يقبل ،ألنه «عايز ياكل عيش»، أما الحاالت التى يختار فيها عنوانًا جيدًا ويستطيع إقناع الناشر به ،ويحصل على أجر جيد ،فهى تمثل استثناءات نادرة جدًا .لقد أصبحت العالقة بني املترجم والناشر محكومة بمصلحة الناشر ،الذى يتعامل معه باعتباره «صنايعى» ال يجب أخذ رأيه، مع أننا فى الواقع نستطلع رأى «الصنايعى» أحيانًا. وفيما يتعلق بالجهات الحكومية هناك مشاكل ُ أيضًا ،وعلى سبيل املثال ترجمت كتاب «املسرح
وفنون األداء ..سياسات الذاكرة فى األرجنتني» وكنت أتوقع أن يكلف املركز القومى للترجمة أحد املتخصصني فى املسرح باملراجعة لكنهم لم يفعلوا ذلك ،ربما ألنهم شعروا بأن الترجمة جيدة ،فقرروا أنها ال تحتاج إلى ذلك ،وبالتالى منحوا الكتاب ملصحح مباشرة ،وفى حــاالت أخــرى ال أشعر أن املراجع عنده الحساسية الالزمة للتصدى لترجمة معينة. وتظل مسألة األجر ،فى النهاية ،ضرورة كبيرة، فلو تصدى املترجم لعمل أو اثنني فقط فى العام وحصل مقابلهما على مبالغ تكفيه فال شك أن ُ ِّ سيركز ،ولن يشعر العائد سيكون عظيمًا ،ألنه بالضغط ،وبالتالى لن يضطر إلى إنهاء ترجمة سريعًا ليحصل على فرصة ترجمة ثانية ،وال شك أن جزءًا من النجاح سيعود عليه ،ألن الجميع سيطلبه باعتباره اسمًا مميزًا. كذلك ال يفوتنى الحديث عن التفاوت الرهيب فى األجر بني دور النشر الخاصة ،وكذلك بينها وبني الــدور مثيالتها العربية ،وأيضًا بينها وبني الحكومية ،ال يوجد معيار واضح يقول إن هذا هو متوسط األجر الخاص باملترجم ،ولذلك أتمنى أن تتعاون كل هذه الجهات فى وضع معيار واضح ومقبول له.
٣١ خالل أيام وحتديد ًا فى ٩مايو حتل ذكرى ميالد الروائى الكبير جمال الغيطانى وبهذه املناسبة تبدأ «أخبار األدب» نشر مجموعة مــن املــقــاالت والــشــهــادات الــتــى تستعيد الغيطانى فى جتلياته املختلفة ،الكاتب العاملى ،واجلورناجلى الــذى أســس «أخبار األدب» ومنح احلياة الثقافية زخم ًا كبير ًا، واإلنسان الذى ترك خلفه أتباع ًا ومريدين باملئات.
٥مايو ٢٠١٩العدد ١٣٤٥
جمال الغيطانى بني الصحافة والرواية شوقى بدر يوسف فى عددها التاسع الصادر فى سبتمبر 1969 نشرت مجلة الطليعة التى كانت تصدرها مؤسسة األهــرام فى ذلك الوقت ملفا توثيقيا عن أدباء الستينيات بعنوان "هكذا يتكلم األدبــاء الشبان.. شهادات واقعية وتعليقات" ،طرحت فيه املجلة عددا من األسئلة حول العالقة بني الفن واألدب ،وبني ما يمارسه الفنان أو األديب فى ذلك الوقت ،وطبيعة املناخ الذى يسيطر على ممارسة الفن أو األدب، والعالقة بني أدباء هذا الجيل ،و كذا العالقة التى تربط األديب ّبمؤسسات الدولة .وكان ضمن هذه الكوكبة من كتاب الستينيات الذين شملهم هذا امللف هو القاص الشاب جمال الغيطانى الذى كان عمره فى ذلك الوقت لم يتجاوز الرابعة والعشرين، وقد أشار جمال الغيطانى فى مستهل إجابته بقوله " :ترجع عالقتى بالقصة ،إلى فترة مبكرة جدا من عمرى ،كانت هذه العالقة تتخذ فى البداية شكل امليل إلى اختالق حكايات من ذهنى أثناء الطفولة أقصها على األصدقاء .طبعا تبلور هذا فيما بعد، واتخذ شكل االهتمام بالقراءة ،وأستطيع تحديد أول مرة كتبت فيها القصة خالل عام ،1959كنت فى نهاية املرحلة اإلعدادية من التعليم ،وفى ليلة سمعت حكاية يرويها والدى ،صغتها بعد أيام فى قصة قصيرة أسمها "السكير". عمل جمال فى بداية حياته العملية فى الجمعية الصناعية ملنتجات خــان الخليلى ،وكــان بحكم عمله فى هذا املجال معايشة الحرفيني واملتصلني بالصناعات اليدوية التى تحمل فى طياتها تراثا شعبيا عريقا يحتاج إلى الدقة والصبر ،وهو ما حببه إلى هذا املجال وجعله يتطلع ويتعايش مع هذه الفنون التى كانت مرتبطة بالناس فى حياتهم ومعتقداتهم ،كما كان للتاريخ دوره املهم فى بلورة فكر جمال الغيطانى وعنه يقول " :كانت نكسة 67 بوتقة صهرت تجربتى ،وفى آالمها اعتصر جيلى، فى تلك األيــام كنت أدور حول هذه اللحظة من التاريخ ،ابتعث من املاضى لحظات تتشابه مع اللحظات التى تمر بى أو أمر بها ،كانت عالقتى بالتاريخ املكتوب قد بــدأت مبكرة ،عندما كنت أخرج من مدرسة الحسني االعدادية وأمضى إلى الشيخ تهامى صاحب املكتبة التى تستقر حتى اآلن فوق رصيف الجامع األزهــر ،وبقروش قليلة اقرأ ،وكان من بني ما قرأته من كتب التاريخ ،تايخ الجبرتى ،وابــن إيــاس ،وابــن واصــل ،وأبــن تغرى بردى ،وكتب التاريخ الفرعونى واملالحم الشعبية وغيرها من الكتب" .وبعد فترة وجيزة من صدور مجموعته القصصية األولى "أوراق شاب عاش من ألف عام" ،انتقل للعمل بجريدة األخبار مما أتاح له فرصة القراءة ،واالحتكاك باملناخ الصحفى العام فى جريدة عريقة ،ومحاولة بلورة ما تعلمه وتعايش معه قبل االنتقال إلــى هــذا املجال فى عمله الجديد .كان هذا بعد أن صدرت ملجموعته األولى التى كتبت قصصها بعد نكسة ،1967حيث استدعاه املفكر محمود أمني العالم للعمل معه بمؤسسة أخبار األيــام التى كان يترأسها ،وكان العمل الصحفى فى ذلك الوقت له وجهان الوجه
التقنى الذى يتيح للصحفى شمولية الرؤية ودقتها، أما الوجه اآلخر فهو فى استهالك صاحبه خاصة إذا كان صاحب قلم يتوق إلى تحقيق ذاته أدبيا وفكريا .كلف جمال بالتردد على جبهة القتال أيام حرب االستنزاف كمراسل صحفى وبدأ ظهوره فى هذا املجال الصحفى منذ ذلك الوقت .والقارئ لسيرة جمال الغيطانى الببليوجرافية يجد أن هذا العالم اإلبداعى لجمال الغيطانى فى غزارة منجزه واعتماده على التاريخ والتراث فى تأصيل منابع اإلبــداع الروائى فى صورته التى ظهر بها يشير إلى أننا أمام منجز إبداعى له أسئلته الخاصة واإلجــابــات التى وضعها الكاتب فى ثنايا هذا اإلبداعّ . ووطن فيها أبعادا متنوعة فى رؤاه الخاصة والعامة تكمن فى كل منجز من منجزاته اإلبداعية القصصية والروائية والكتابات األخرى القائمة على رؤى استمدت من التاريخ والتراث املصاحب له وقائع وخطوط ومالمح تشكلها. وال شك أن الحياة التى عاشها جمال كانت لها جوانبها املختلفة فى شكل وموضوعات اإلبــداع، يظهر ذلــك فى حــواراتــه املختلفة فى الدوريات املختلفة والشهادات التى أطلقها للتعبير عن رؤاه تجاه عالم اإلبداع والجوانب السياسية والعسكرية األخرى التى كان مهموما بها فى حياته الخاصة. ولــد جمال الغيطانى فى قرية جهينة الغربية محافظة سوهاج فى 9مايو 1945ونشأ فى أسرة ريفية بسيطة فى قريته جهينة بصعيد مصر ثم انتقل مع أسرته إلى حى الجمالية بمدينة القاهرة القديمة وعمره ست ســنــوات ،وهــو الحى الذى استخدمه نجيب محفوظ كمكان ملعظم رواياته لذا كان ارتباطه بنجيب محفوظ كبيرا ،مما كان سببا فى تتبعه لخطى نجيب محفوظ اإلبداعية واقترابه الشديد بعامله ،درس فن تصميم السجاد حيث تخرج عام 1959وعمل فى هذا املجال حتى عام ،1967بدأ الكتابة القصصية عام 1959ونشر أول قصة قصيرة فى يوليو 1963فى مجلة األديب لصاحبها ألبير أديب ،اعتقل ملدة 6شهور وأقصى عن عمله فى عهد الرئيس أنــور الــســادات ،وفى مسيرته اإلبداعية الطويلة حصل جمال على العديد من الجوائز فى مجال الكتابة اإلبداعية بدأت بجائزة الدولة التشجيعية فى الرواية عام ،1980 ووســام العلوم والفنون من الطبقة األولــى ،كما حصل على وسام االستحقاق الفرنسى فى اآلداب والفنون من طبقة فــارس عــام ،1987وجائزة سلطان بــن على العويس عــام ،1997وجائزة لوربا تليون ألفضل عمل مترجم إلى الفرنسية عن روايــة التجليات ،وكللت مسيرته عام 2007 بحصوله على جائزة الدولة التقديرية ،ترجمت أعماله إلى العديد من اللغات ودرست فى العديد من الجامعات فى مصر وبعض الــدول العربية واألوروبية واألمريكية ،أسس جريدة "أخبار األدب" عام ١٩٩٣وعمل رئيسا لتحريرها حتى بلوغه سن املعاش ،وبعد هذه الحياة اإلبداعية املديدة رحل جمال الغيطانى فى الثامن عشر من أكتوبر 2015 بعد صراع طويل مع املرض ،وبعد أن وضع بصمة ّفى مسيرة السرد املصرى والعربى جعلته من أبرز كتاب السرد فى جيل الستينيات.
30
٥مايو ٢٠١٩العدد ١٣٤٥
بريد
قد تلد مبدعا حقيقيا:
بعد التحية والسالم
احلكم بإعدام «اخلواطر» ليس نهائيا!! ُ يستهني البعض بكتابة الخواطر ،باعتبارها تعبر عن أفكار سطحية ،وتتسم بأسلوب قد يبدو ركيكا ،وهى وجهة نظر صحيحة ،ألن من يكتبها عادة يرغب فى التعبير املباشر عما يجول بخاطره ،دون أن يرتقى بها إلى مصاف األعمال اإلبداعية ،وغالبا يكون أصحابها قد توقفوا عن الــقــراءة ،أو لم يتخطوا عتباتها من األساس ،ألنهم لو كانوا يقرأون الجتذبهم جنس أدبى، يصبح وعاء أكثر مالءمة ألفكارهم ،التى ستصير أكثر عمقا بالتأكيد. الرأى السابق ال ينبغى أن يكون حكما باإلعدام غير أن ّ على موهبة كتابها ،فأعتقد أن كبار األدباء انطلقوا من منصة الخواطر ،قبل أن يعملوا على صقل كتابتهم، لتصبح أكثر نضجا وإبداعا ،لهذا أرى ضرورة التعامل
مع من يكتبون الخواطر بسعة صدر أكبر ،خاصة لو كانوا فى سن صغيرة ،فربما يكون من بينهم مواهب حقيقية تحتاج إلى التوجيه ،ومد يد العون لها .األمر فقط يحتاج إلى تأكيد ُملح دائما ،بأن الخواطر نقطة انطالق وليست محطة وصــول ،مع النصح املستمر بالقراءة وتحديد ُ قوائم بالكتب املرشحة .هنا فقط سيستمر محبو اإلبداع، ويواصلون تقدمهم ،وينتقلون غالبا بعد حني إلى دائرة املبدعني الحقيقيني ،بينما سينسحب الراغبون فى التعبير عن مسألة شخصية ،كقصة حب فاشلة مثال ،أو يواصلون كتابة إخفاقاتهم على شكل خواطر.
أسامة أحمد عبد اهلل اجليزة
اتركينى اتركينى أفعل ..ما أشاء.. إن احالمى بريئة.. كالطيور .. إن أنفاس الصباح ..تبحث عن شعاع ... اتركينى أحلم ...أن تعودى من جديد ... ان نغنى ..ونقرأ الشعر سويا.. ونضحك فى املساء .. معذرة ...يا سيدة الكون املمدود.. إلى مثواى... مصلوب فوق جدار الذكرى.. حبوب القهوة وأوراق الشاى ... رائحة البحر املشتاقة ألحضان الريح... كم كان جميال هذا اليوم املشرق باألصداف.. وجعلت قلبى وسادتك.. ِ كالطفلة فى أحضان فراشتها.. نلتقط الصورة والصورة... وعيونك تضحك لألمواج.. ونغنى بصوت مبحوح نستلقى فوق رمال الشط املجروح .. تتذكرين من أنا ؟؟ تتذكرين من أكون...؟؟ أنا الذى أغرقت قميصه دموعنا.. من البكاء... عزيزتي ..اتركينى أفعل ما أشاء...
للفنان :سعيد بدوى
اتركينى ..بني احالمى اغوص .. وبني عينيك أسبح ... إن فى عينيك ...حياة األبرياء...
رمضان املهدى األقصر
صراع ال ينتهى إال بالرحيل!
ُ كــف عــن الــركــض ،وال تظن أن سرعتك ق ُــادرة على اللحاق بما تهوى ،قد تصدم أنه كلما ازدادت لــديــك الرغبة فــى إدراك الشئ ابتعد ،وبــدا وكــأن الــوصــول اليه مستحيل ،حتى وإن كان فى حقيقة األمر شيئا واردا حدوثه جدا ،لذا أرح نفسك وال تلهث خلف األشياء التى ال يزيدها البحث عنها سوى بعدًا ونفورًا .اهدأ! ثمة فرق كبير بني السعى بعقالنية ،وبني أن تلهث خلف ما التعلم صدق ّ فتريث رغبتك فيه ومادعاك إليه،
٧
٥مايو ٢٠١٩العدد ١٣٤٥
فى البحث عن أمور قد أدركت وأنت فى مسيرتك أنك بحاجة إليها. إن استطعت أن تحل الصراع الذى تصر نفسك على الدخول فيه كلما رغبت بشئ ،وأن تساعدها فى فهم املقصد من هذه الحياة ،وأنه حتمًا ليس مقرونا بالتعلق بأى شيء فيها ،فإنك حينها توقن أنك أوتيت جــزءًا من نعيم الدنيا .من يملك نفسًا هادئة ال تضطرب وال تجزع مرت بما ليس فى الحسبان، كلما ُ وبما لــم تعد لــه ،فقد حــاز كنزا عظيما ،وليحفظه ويسأل الله له أن
يستديم. حــلــقــات الـــصـــراع مــع النفس ال تنتهى إال إذا رحــل صاحبها، فــوجــودهــا مــن سنن الــكــون ،لكن حالها ال يسير على وتيرة واحــدة. تارة تظن أنك انتصرت ،وأن الهدوء سيصبح حليفك فيما بقي ،وتارة تجد حلبة الصراع تبدو وكأن نيرانا اندلعت فيها ،تأبى أن تنطفئ أو حتى تهدأ.
نورين شكرى مدينة 6أكتوبر
إيهاب احلضرى ehab_hadaryy@yahoo.com
بريد الليل ..ورسائل «البوكر» السلبية!! ت عــن البوكر العربية عــدة م ــرات ،كانت األولــى كتب ُ مــع مــولــدهــا ،واألخ ـي ــرة عـنــد تـعــديــل شــروطـهــا .فاصل زمـنــى عـمــره سـنــوات بــن املــرتــن ،كــان كافيا إلثـبــات أن مخاوف البدايات لها ما يبررها ،فقد حتفظ البعض ع ـنــد انـ ـط ــاق اجلـ ــائـ ــزة ،ع ـلــى ج ـعــل ال ـتــرش ـيــح حـكــرا على الناشرين ،وج ــاءت التعديالت بعد أع ــوام لتزيد سطوتهم ،وفى كل األحوال ظل الروائى العربى ُمهمشا، ينحصر دوره فى التوقيع باملوافقة على ترشيح الناشر لــه ،وهــو توقيع مـضـمــون ،ألن «غــوايــة» اجلــائــزة جتعل الرفض شبه مستحيل. وع ـل ــى ق ــدر الـقـيـمــة املــال ـيــة ال ـك ـب ـيــرة ،ت ـث ــور م ـعــارك أك ـبــر عـنــد إع ــان ال ـفــائــز كــل دورة ،وب ـهــذا ُيـعـتـبــر غبار «ال ـبــوكــر» طقسا مــزمـنــا ،ف ـعــادة مــا يسبق اإلع ــان عن الفائز ،ويتصاعد غالبا عقب حفلها السنوى ،وحتتدم االت ـه ــام ــات ال ـتــى ُتـشـكــك ف ــى حـيــدتـهــا ومـصــداقـيـتـهــا، ومتتد النتقاد ذائقة جلنة التحكيم ،لدرجة نعتها بأنها ُمتخلفة فى إحدى الدورات. جـ ــاء الـ ـع ــام احل ــال ــى لـيـشـهــد عــاص ـفــة ج ــدي ــدة من اجلدل ،واملختلف هذه املرة هو سيناريو األحداث ،الذى وصل لذروته الدرامية عبر تسريب عبده وازن بالتأكيد تستحق هــدى للنتيجة ،قبل إعالنها بركات الفوز بجوائز كبرى ،ب ـ ـسـ ــاعـ ــات ،مم ـ ــا ف ـتــح عـلـيــه ن ـي ــران املـقــربــن لكن ما يشغلنى هو األسباب م ـ ــن اجلـ ـ ــائـ ـ ــزة ،وك ـ ــأن التى دعت اللجنة لترشيح املشكلة الــوح ـيــدة فى الـنـشــر ،ولـيـســت فيما روايـــة مــن خ ــارج األعــمــال س ـب ـق ــه مـ ــن ت ـفــاص ـيــل أش ـ ـع ـ ـلـ ــت االج ـ ـت ـ ـمـ ــاع املتقدمة. األخ ـ ـ ـ ـ ـ ـيـ ـ ـ ـ ـ ــر ل ـ ـل ـ ـج ـ ـنـ ــة التحكيم. لم تكن هذه األحداث الساخنة نقطة انطالق املعركة األخيرة ،فقد بدأت إرهاصاتها مع طلب جلنة التحكيم تــرشـيــح روايـ ــة ه ــدى بــركــات «بــريــد ال ـل ـيــل» .لــم يتقدم ناشرها بها للمسابقة ،ألن الكاتبة الكبيرة تبنت موقفا سلبيا منها ،بعد استبعاد روايتها «ملكوت هذه األرض» من القائمة القصيرة فى دورة سابقة .بالتأكيد تستحق هــدى بركات الفوز بجوائز كبرى ،لكن ما يشغلنى هو األس ـبــاب الـتــى دعــت اللجنة لترشيح رواي ــة مــن خــارج األعمال املتقدمة ،خاصة بعد أن أكدت تقارير صحفية أن الـلـجــوء لــذلــك يـحــدث فــى حــالــة اكـتـشــاف نقص أو ضـعــف فــى قــائـمــة املـتـقــدمــن ،وبــالـبـحــث فــى الـشــروط امل ـن ـش ــورة ع ـلــى م ــوق ــع اجلـ ــائـ ــزة ،ل ــم أجـ ــد سـ ــوى ع ـبــارة فضفاضة « :إذا ما رأت ذلك ضروريا» ،دون حتديد واضح حلــاالت ال ـضــرورة التى تستدعى قيام اللجنة بذلك، وألن النص مبهم يصبح التفسير املنطقى له هو ضعف األعمال املقدمة ،خاصة أن جوائز عربية أخــرى تنص على ذلك صراحة. نـحــن إذن أمـ ــام أح ــد اح ـت ـمــالــن :األول أن اللجنة لــم جتــد فــى األع ـمــال املـتـقــدمــة مــا يستحق ،وه ــو أمــر يسىء إلى أسماء املبدعني الذين تضمنتهم القائمتان الطويلة والقصيرة ،والثانى أن الهدف كان ترضية هدى بركات ،مما يعنى أن األمر كان محسوما منذ البداية، وهــو مــا يـهــدد مصداقية أعـمــال جلــان التحكيم ،وفى الــوقــت نفسه يصيب املبدعني بــاإلحـبــاط ،ألن قواعد املنافسة العادلة لم تعد قائمة. أيا كانت مبررات الترشيح فإنها توجه رسائل سلبية، حــول جــائــزة أث ــارت جــدال واسـعــا منذ حلظة ميالدها، وكانت املخاوف وقتها وجيهة ،لكن املتفائلني متسكوا بأمنيات تراجعت تدريجيا .وبعد األزمة األخيرة خرج مجلس أمناء اجلائزة ،ليعلن إصابته بخيبة أمل كبيرة نتيجة التسريب ،لكنى أمتنى أن يقف األمـنــاء وقفة جادة ،بعد جتاوز صدمتهم ،ويبدأوا وضع آليات تضمن لـلـجــائــزة الـكـبـيــرة نــزاهـتـهــا وشـفــافـيـتـهــا ،ل ـعــاج خيبة املثقفني ،التى نتجت عما هو أكبر من أى تسريب!.
أتقاضى حقوقى والسالم عليكم ما يدفع املترجم إلى التعامل مع الدور غير االحترافية هو أن «السوق ض ّيقة». لذلك أقول إن مصلحتنا جميع ًا، نحن املترجمني، أن يحقق الناشر األرباح ،وأن تتسع السوق
ً أوال :يجب أن نتفق فى البداية أننا نتحدث عن املترجمني االحترافيني وعن دور النشر االحترافية. الــدور غير االحترافية لها حسابات مختلفة، واملترجم الــذى يتعامل معها هو اآلخــر حساباته مختلفة ،قد ال يهمه املستحقات املادية بقدر اهتمامه بترسيخ اسمه فى سوق الترجمة ،أو بترجمة كتاب معني له قيمة خاصة لديه ،أو بتحقيق مكسب مادى أقل ألن هذه ،ببساطة ،هى الفرصة املتوفرة أمامه. ثانيًا :يجب أن نتفق أيضًا على أن املترجم والناشر ليسا خصمني ،هما فى مركب واحــدة. من مصلحة املترجم أن يربح الناشر .كلما ازداد ربح الناشر ازداد عدد الناشرين ،وعدد الكتب املنشورة ،وازدادت الفرص املتاحة أمام املترجم، واتسعت السوق أمام املترجمني عمومًا. أنــا شخصيا أكــون سعيدًا جــدًا إذا استطاع الناشر تحقيق أرباح جيدة من مشروعنا املشترك «الكتاب ُامل َ ترجم» ،وأعتبر هذا نجاحًا لى .عندما يترجم معى كتابًا ناجحًا على املستوى املادى ،سوف يسعى للتعاقد معى على كتاب ثان وثالث .سبق
وأن عملت لسنوات فى مجال النشر وبيع الكتب، واطلعت على خفايا هــذا املجال بصورة جيدة. وأنا أعرف كم التفاصيل املعقدة التى يخوضها الناشر ،وصعوبات املهنة .الناشر لديه مصروفات ال تحصى« :مصروفات تشغيل الدار ،شراء الحقوق، مصروفات الترجمة ،الغالف ،شراء الورق وأسعاره املتغيرة ،الطباعة ،النقل ،التخزين ،خصم املكتبات الذى يلتهم نصف سعر الكتاب تقريبا، إلخ» ،ويواجه تحديات ال ينتبه إليها معظمنا «تزوير الكتب ،القرصنة ُ ،إلــخ» .وهو يتعرض للمساءلة َ القانونية أحيانًا ،وتمنع كتبه فى املعارض العربية فى أحيان أخرى. كل هذه التفاصيل تجعله من أصحاب رؤوس األمــوال املغامرة .فهو يحقق النجاح الساحق فى عــدد قليل من الكتب ،ويحقق النجاح فى بعض الكتب ،وكثير مــن الكتب ال تنجح وتبقى فى املخازن ،بخسارة أو بربح بسيط. أنا شخصيًا ،كمترجم ،ال أطمح فى «مشاركته» أرباحه .هو ببساطة يشترى منى «حقوق» الترجمة،
امنحونا احلد األدنى من األمان مــن خــال مــا ُعــرض على ًمــن عــدة دور نشر خاصة ،أرى العقود مجحفة جدا؛ ألنها تنحاز إلى مصلحة الناشر ،وتجور على حق املترجم بصورة فجة .فالناشر ليس عليه إال استالم مخطوطة العمل ً تماما للنشر،فى أغلب األحوال ،وال يتعهد جاهزة بشيء إال دفع نسبة محددة من املبيعات تتراوح بني عشرة إلى ثالثني فى املائة حسب سياسة الدار. وهو ما يعنى أن على املترجم -فى مثل هذه الحالة- تقديم كل ما بذله من جهد ووقت وتكاليف إضافية مجانية للناشر؛ فالعائد املتوقع من فى العمل هدية ً ً مجزيا املبيعات ليس عاجل من ناحية ،ولن يكون من ناحية أخرى .فكيف يمكن للمترجم أن ينتظم فى الترجمة بهذا الشكل ،وهو ال يتقاضى ً أجرا ً ً ً ومحددا سلفا ،وعليه ما عليه من التزامات واضحا ومسئوليات الحياة اليومية؟! ً طبعا إلــى العمل فى أعمال يضطر املترجم أخرى سواء فى الترجمة التجارية لصالح مكاتب الترجمة ،أو أى أعمال ذات عائد مادى وشركات َ عاجل ،ومن ثـ َّـم تتعطل ً مشاريع ترجمته األدبية واإلبداعية ألنها تمثل عبئا ً ً إضافيا عليه ،وال ماديا تظهر إلى النور إال بعد وقت طويل ألنه ال يستطيع ً وطبعا هذا الكالم له استثناءات لها. التفرغ التام َ تتعلق باللغة املترجم عنها ،ومدى شهرة العمل، واملؤلف ،واملترجم ،وتوفر جهات داعمة أو ممولة للترجمة ،وهو ما ال يتوفر فى الترجمة عن اللغة ُ األردية وجميع اللغات األخرى غير املعروفة للقارئ العربى. >>> فى الوضع الحالى املشار إليه تظل النسبة من املبيعات هى العائد املادى الوحيد للمترجم .أما إذا تغيرت هذه السياسةَّ ، ونص العقد على تقاضى املترجم مستحقاته املادية كاملة بمجرد تسليم العمل مقابل أن تمتلك الدار حقوق نشر الترجمة
الناشر يراهن بالفعل على حاجة املترجم إلى نشر عمله وإخراجه للنور ،ويتعامل مع املترجم كأنه هاوٍ أو أنه ترجم هذا العمل أو ذاك رفاهية وال يحتاج إلى عائد
ملدة معينة ،فأظن أنــه لن تكون هناك ضرورة لذلك .ويمكن املوازنة بني األمرين بأن يتقاضى ِّ ويعوض املترجم نسبة معقولة من مستحقاته، املتبقى منها بنسبة من املبيعات. ً بنودا عادلة وكل ما أنشده أن يتضمن العقد تــســاوى بــن حــقــوق وواجــبــات كــا مــن املترجم والناشر ،وترتقى إلى مستوى العمل الثقافى الذى يجمعهما .فلكل منهما دور ال يقل أهمية عن اآلخر، والعالقة بينهما تكاملية أو هكذا يجب أن تكون. وبما أن عملية النشر تكفل للناشر الحد األدنى من االستقرار املادى والتفرغ لها ،فال بد أن ينص عقد الترجمة كذلك على ما يضمن للمترجم الحد األدنى من األمان املادى ويساعده فى تكريس نفسه لعملية الترجمة .ومن الناحية الفنية ال بد أن ينص هذ العقد على أن يلتزم املترجم بمعايير الجودة والدقة وكل ما من شأنه إبداع ترجمة جيدة ومتقنة وجميلة ،وأن يلتزم الناشر كذلك بالتحرير الجيد للنص ،وتصميم الغالف املناسب لــه ،والعناية بجودة الطباعة واإلخــراج الفنى وغير ذلك من فنيات النشر ،باإلضافة إلى تحديد اآلليات التى سيتبعها فى التسويق والتوزيع. >>> وإجابة عن سؤال هل التعامل أكثر احترافية مع دور النشر غير املصرية؟فمن املؤكد أن املسألة نسبية وليست كل دور النشر غير املصرية أكثر احترافية ،ولكن بحكم تجربتى املحدودة جربت العمل فى كتابني جماعيني مع مركز دراسات خارج مصر ،وأراها تجربة جيدة وال بأس بها من ناحية ُاالحترافية فى التعامل واألداء الجيد ،والتعاقد املرضى إلى حد ما ،واألجــر املناسب ،واإلخــراج الفنى املعقول ،ولكن ما زالت مشكلة هذا املركز األساسية تتمثل فى ضعف التسويق والتوزيع ،فكتب هذا املركز ال تتوفر خارج بلده بسهولة ،وحتى عندما
إيهاب عبداحلميد مقابل مبلغ مقطوع .إذا دفعه لى فى املوعد املتفق عليه ،وأخــرج الكتاب بالصورة املثلى ،سأعتبره شريكًا رائعًا ،وسأظل أتعامل معه. أما أن أطلب منه «نسبة» من الربح على النسخ املبيعة ،فهذا أمر غير عملى ،لألسباب السالف ذكرها .هو «يغامر» فى مشروعه ،أما أنا فليس َّ لدى أى قدر من املغامرة .أنا أترجم الكتاب وأتقاضى حقوقى ،والسالم عليكم. وباملناسبة ،الدور االحترافية معروفة ،والدور غير االحترافية معروفة أيضًا .وما يدفع املترجم إلى التعامل مع الدور غير االحترافية هو أن «السوق ّ ضيقة» .لذلك أقــول إن مصلحتنا جميعًا ،نحن املترجمني ،أن يحقق الناشر األربــاح ،وأن تتسع السوق. الناشرون ليسوا ،ويجب أال يكونوا ،خصومًا للمترجمني .إنهم شركاء فى مشروع واحد وسوق واحدة تعود بالنفع على الجميع فى حالة اتساعها وتنظيمها.
هانى السعيد أرسل لى نسختني من الكتاب الثانى حجزته الرقابة فى البريد ،وعانيت ً كثيرا حتى حصلت عليهما بعد فترة طويلة وتكاليف ُمبالغ فيها. >>> وهل املترجم هو الحلقة األضعف بالنسبة للناشر املصرى؟ نعم لألسف تبدو هذه هى الحقيقة باستثناءات تثبت القاعدة وال تنفيها .الناشر يراهن بالفعل على حاجة املترجم إلى نشر عمله وإخراجه للنور، ـاو أو أنه ترجم هذا ويتعامل مع املترجم كأنه هـ ٍ العمل أو ذاك رفاهية وال يحتاج إلى عائد مباشر عن عمله .ومن ناحية أخرى ُي ِّ حمل أغلب الناشرين ً حاليا املترجم بعض أهم مسئولياتهم كناشرين
مثل التدقيق اللغوى والتحرير ،واألغرب التسويق، فيطلبون من املترجم بعد كل ما بذله من جهد فى الترجمة أن يتولى مهمة تسويق كتابه! >>> لقد أوضحت صــورة الناشر الخاص حسبما رأيتها ،أما الناشر الحكومى فمن املؤكد أنه يختلف حسب الجهة التابع لها .صحيح أن لى عمال معلقا ً ومتأخرا جدا مع أحد الناشرين الحكوميني ألسباب ً حاليا ،إال أن املعروف وامللموس أن ترجع لى أنا النشر الحكومى يعانى من مشاكل بيروقراطية مزمنة فى نشر الترجمات وغيرها باستثناء بعض آلخر. املحاوالت الجادة من آن ً وإذا كان لى أن أقول شيئا فى النهاية يخص اللغة األرديــة التى أترجم عنها فهو أن إقــدام أى ناشرعلى نشر ترجمة من لغة مثل األرديــة بالشروط الطبيعية أمر نوعى ً تماما بل واستثنائى إلــى حد كبير ،ال يمكن أن ُينتج حركة ترجمة حقيقية عن هذه اللغة.
8
٥مايو ٢٠١٩العدد ١٣٤٥
أحداث
لم ترتكن إلى كونها شاعرة فقط ،وطوال الوقت تبحث إميان أحمد يوسف عن املزيد من التجارب اإلبداعية ،حتى فاجأتنا منذ فترة قليلة بإصدار ستة كتب دفعة واحدة ،منها ما يضم قصائد شعر بالعامية ،وكتاب آخر يجمع ما بني قصائد بالعامية والفصحى، وكتابني فى فن السيرة؛ واحد عن شاعر اإلسكندرية الكبير محمد مكيوى ،وكتاب آخر عن املؤرخ املوسيقى وامللحن خليل املصرى ،فضال عن إعادة طبع ديوانها الشعرى األول «تنهيدة صبية» مرة أخرى، بعدما يقرب من 25عاما على طبعته األولى ،كما أنها حاليا رئيس نادى األدب باجليزة ،الذى أصبح قبلة للمثقفني والكتاب واألدباء من مختلف أنحاء املحروسة.
بعد أن أصدرت ستة كتب دفعة واحدة
تصوير :سامح مسلم
الشاعرة إميان أحمد: أنا بنت الثقافة اجلماهيرية ..لكنى ال أنسى «املؤامرة» طارق الطاهر عن هذه التجارب املتنوعة دار هذا الحوار ،الذى قادنا إلى التعرف على بداياتها ،وعالقة الشعر بنشأتها ،وكيف استطاعت أن تغير من نظرة والدها لها ،عندما شعر أن ابنته التى تمنى أن تكون ولدا؛ موهوبة ،فطلب منها أن تقدم نفسها بـ «إيمان أحمد» بدال من إيمان يوسف ،فقد شعر بالفخر بأن يذكر اسمه فى األمسيات التى تشارك فيها ،وكذلك على أغلفة الكتب التى تصدرها. بداية سألتها :ستة كتب تصدر دفعة واحدة ،أال ترين أن ذلك أمر غير معتاد فى احلياة الثقافية؟ أردت فى هذه الكتب ،أن أسجل التجارب اإلبداعية الكثيرة ،التى خلقت لدى وعيًا كبيرًا على املستوى الشخصى ،فهذه الكتب هى بمثابة شموس وأقمار ملحطات حياتية وإبداعية تستحق التسجيل، فهى ترصد لتطورات وقعت على مستوى الــذات ،وأتت –أيضا- نتيجة تجارب تشبعت بها ،كما يجب أال تنسى أن هذه اإلصدارات متنوعة ،فهى ما بني الفصحى والعامية والنثر والسرد ،والسيرة. ما ذكرته يقودنا إلى سؤال حول أنه كان من ضمن هذه اإلصدارات ديوانك الشعرى األول «تنهيدة صبية» الصادر ،1994وهو يعبر عن حالة إبداعية ،بالتأكيد مت جتــاوزهــا..إذن إص ــداره بعد حوالى 25 عاما؛ ماذا يضيف لك؟ هذا الديوان ،يأتى فى إطار رغبتى فى إعادة كافة الدواوين التى أصدرتها عبر مشوارى ،من هنا نشرته بذات الكيفية التى صدر بها ألول مرة ،دونما زيادة أو نقصان ،ومع مرور الوقت ،ستوفر
مع رئيس التحرير
هذه الدواوين لى وللنقاد مادة دسمة لرؤية حالتى الشعرية املمتدة عبر ربع قرن ،بكل تحوالتها ورؤاها الفنية. فــى بــدايــاتــك الـشـعــريــة ،صــدر لــك قبل ديــوانــك ،أكـثــر مــن ديــوان مشترك مع شاعرات أخريات ..ملاذا كانت بدايات جماعية ،رغم أن الشعر عمل فردى؟ ديوان «عرايس الشعر» هو تجربة نشر لسبع شاعرات سكندريات دفعة واحدة ،وصدر عن مديرية الثقافة باإلسكندرية عام ،1992 بتقديم للشاعر الكبير الراحل محمد مكيوى ،هذه التجربة واحدة من التجارب الهامة فى حياتى ،ألن الديوان كان يعد إثباتا لوجودنا فى الحركة األدبية فى ذلك الوقت ،وكنا وقتها فى نادى األدب بقصر ثقافة الحرية ،وأتذكر أن هذه التجربة لفتت نظر الناقدة الكبيرة فريدة النقاش ،وقدمت إلينا فى اإلسكندرية للتحدث عن
الديوان ،لنفاجأ بعد ذلك بمقال لها على نصف صفحة بجريدة األهرام بعنوان «الشاعرات قادمات» ،تشيد فيه بهذه التجربة. الحظت أن الغالبية العظمى من مؤلفاتك الـ ،16صادرة عن دور نشر خاصة وليست حكومية ..ما سبب ذلك؟ مالحظتك فى محلها تماما ،وهو يذكرنى بواقعتني حدثتا معى فى بداية مشوارى ،وهما تخصان هيئة قصور الثقافة ،ففى عام 1994تقدمت بديوان ،وبعد عامني قالوا لى الديوان فقد ،فقدمت ديوانا آخر عام ،1996وبعد فترة قالو لى –أيضا -الديوان فقد، ولم أنشر مرة أخرى فى هذه الهيئة حتى اآلن ،باستثناء مشاركتى فى تجربة تبسيط أعمال توفيق الحكيم ،إذ صدر لى تبسيط ملسرحية إيزيس فى سلسلة عني صقر الصادر فى عام .1998 لذا بعد تجربتى الفقد لم أعد أثق فى نشر أعمالى فى مؤسسة حكومية ،إذ ال أخفى عليك أننى شعرت أن األمر مقصود ،وأن هناك مؤامرة ،تهدف إلى تهميش الكاتبات واملبدعات ،والديوان الوحيد الذى نشر لى فى مؤسسة حكومية هو ديــوان «احتوانى االنتظار» 2006بالتعاون مع هيئة الكتاب واتحاد الكتاب ،وقد سعدت بهذا النشر وأعتز به. هــل هناك دواف ــع أخــرى غير إحساسك بــاملــؤامــرة دفعتك للنشر اخلاص؟ نعم ..هو سرعة إصدار أعمالى لكى أسعد والدى ،هذا األب الذى تولد لديه حزن شديد عندما أبلغ أن مولوده األول أنثى وليس ذكرًا، فقد كان يريدنى «يوسف» وليس «إيمان» ،وكثيرا ما شهدت دموعه، لضياع حلمه فى إنجاب ذكر ،وهو حلم لم يتحقق له ،فجميع من ولدوا بعدى هم أيضا إناث ،ودائما ما أقول لنفسى «أنا يوسف حلم أبى» ،هذه العبارة كتبتها على إحدى كراساتى فى االبتدائية، وكلما كبرت وتبخر حلم والدى فى إنجاب الذكر ،كنت أتذكر هذه العبارة «أنا يوسف حلم أبى» ،حتى حدثت املفارقة ،عندما بدأت
دراساتى املختلفة مكنتنى من التعبير عما أريد بأشكال فنية متنوعة
٢٩
بناء شاهق فى مناخ الشعر العامى ،وفى حياة األبنودى نفسه، والذى بدأ يكتب األغانى للمشاهير من طراز محمد رشدى وعبد الحليم حافظ وآخرين ،وجاءت قصائد األبنودى املنفردة ،والتى كانت تنشر فى مجالت وصحف «صباح الخير ،وروز اليوسف، وبناء الوطن ،واملساء» ،مجتمعة فى ديوان شامل كامل ،واحتوى على مختارات من قصائده األولى ،قصائد الشباب الفائر والطموح والثائر ،ومن خالل قصائده نستطيع أن ندرك ثقافته املتمردة. لم يكن املعنى وال املصطلح وال املفردة وال الشجاعة وال الثقافة املهيمنة على القصائد ،هى التى تعطى الفرادة لقصائد األبنودى، ولكن كل ذلك ،والبناء الصورى الذى كان يتواتر على القصيدة منذ مطلعها األول «املفتتح» ،حتى الفقرة «القفلة» األخيرة للقصيدة ،استطاعت القصائد أن تفرض ظلها الفنى العبقرى منذ الطلعة األولى للشاعر ،ومن ثم كتب سيد خميس دراسة بديعة وقوية وأحقها بالديوان ،وفى حدود معرفتى أنها كانت الدراسة املتخصصة األولى «املهمة» فى شعر العامية املصرية ،مع كامل التقدير واالحترام لدراسة رجاء النقاش عن ديوان «عن القمر والطني» لصالح جاهني ،والفارق هنا أن سيد خميس كان يدرك ّ يتقصى أصولها القديمة ،ولكن عميقا شروط العامية التى كان دراسة رجاء النقاش املفيدة ،كانت استكماال لدراسته عن الديوان األول «مدينة بال قلب» للشاعر أحمد عبد املعطى حجازى ،والذى صدر عام 1959عن دار اآلداب ببيروت. كانت جماعة «ابن عــروس» ،ومن التفوا حولها من املثقفني، مزعجة إلى حد بعيد للسلطات ،خاصة كانت أصدرت رباعيات ّ وجنية» لسيد حجاب عام صالح جاهني ،ثم صدر ديوان «صياد وصارت البياتى، الوهاب ،1966وقدمه الشاعر العراقى عبد ّ جماعة ابن عروس حركة متمردة وقوية ،وصار مثقفو وكتاب جيل الستينات يؤسسون لحركة ثقافية طليعية كبيرة ،وكان من بني هؤالء أو على رأسهم ابراهيم فتحى وجمال أحمد الغيطانى وصبرى حافظ وصالح عيسى وعلى الشوباشى وغيرهم ،لذلك لم تمهلهم السلطات ،فألقت القبض عليهم فى أكتوبر ،1966لتفرج عنهم فى مارس ،1967وكان األبنودى هو النجم الذى نال قدرا كبيرا من العقاب ،رغم جماهيريته ،وذلك ألسباب عجائبية حكى لنا عنها فى عيد امليالد األخير. 1967 خرج األبنودى بعد نضاالت عديدة بذلها مثقفون ومسئولون وكتاب كبار ،وكانت عطيات عوض _زوجته_ ،والشهيرة بعطيات األبنودى ،تقود حملة واسعة وكبيرة من أجل اإلفراج عن زوجها بدأت ومن معه ،وبالفعل خرج املعتقلون ،وفى شهرى ابريل ومايو ّ بوادر حرب قادمة بني مصر واسرائيل ،وفى تلك املرحلة ،فكر األبنودى أن يرتاح ويأخذ هدنة قليلة ،ويسافر إلى «البلد» لاللتقاء بأهله هناك ،ويستمد منهم الدفء املفقود فى القاهرة بعد حكاية االعتقال املريرة. وبالفعل شرع عبد الرحمن مع عطيات للذهاب إلى «أبنود»، ولكن عبر البحر األحمر ،لكى يمر على السويس ،لكى يلتقى بأحباب له ،وهم «عيد أبو زعزوع» و«على أبو العيون» و«مبارك طايع» و« على أبو سلمى» ،وألنه كان يحلم ببيت وحديقة هناك، فكان ال بد أن يقابلهم ،وباملناسبة كلهم أصبحوا شخصيات «شعرية» فى ديوانه «وجوه على الشط». ومن السويس إلى الغردقة ،وكان عبد الفتاح األبنودى _شقيقه_ فى االنتظار ،وعند جالل األبنودى _الشقيق الثانى_ فى سفاجا قضى ليلة هناك ،ثم استقل األتوبيس إلى أبنود محافظة قنا، ليلتقى بوالده ووالدته وينام على سرسر الجريد. تليفون من وجدى الحكيم لم يكن فى منزل أهل عبد الرحمن تليفون ،ولكن كان أى اتصال من القاهرة يأتى على الكابينة ،وبعدها يبلغ عامل السنترال الهدف املطلوب ،وجاء «مرسال» لعبد الرحمن بأن «تليفون» له جاء من القاهرة ،وذهب لكى يدرك أن ثمة أحداثا جساما تستوجب وجــوده فى القاهرة ،واملكاملة كانت من الناقد واملــؤرخ الفنى ّ التليفون ،بأن عبد الناصر سوف وأسر له فى وجدى الحكيم، ّ يدخل الحرب ضد اسرائيل ،ولم يكذب األبنودى خبرا ،وعاد إلى القاهرة بالفعل ،ويتحول إلى شعلة نار ال تخمد ،وال تحمل أحقادا، فاألمر ال يخص أى مرارات ،الوطن يتعرض للقصف الغادر من الصهاينة. فى النصف الثانى من مايو ،1967كان عبد الرحمن يكتب أجمل وأقوى أغانيه الوطنية ،وكانت لقاءاته مع عبد الحليم حافظ وكمال الطويل ،وكذلك أحمد سعيد مدير إذاعة صوت العرب تتكثف وتتواتر ،وكذلك نائبه محمد عروق ،وعلى تلك الخلفية كتب األبنودى أغانيه الحماسية« :وال يهمك ياريس» األمريكان ياريس، و«بالدم حناخد تارنا ..بالدم نعود لديارنا» و «احلف بسماها وبترابها ..احلف بدروبها وأبوابها ..ماتغيب الشمس العربية طول
٥مايو ٢٠١٩العدد ١٣٤٥
لم يكن األمر مجرد لهجة، وصوت مختلف ،وأداء موسيقى، ولكن األبنودى وجد فى بيئته ما يستطيع أن يقدمه للناس دون أى افتعال أو تحذلق ما انا عايش فوق الدنيا ،ثم «إنذار يااستعمار ..بترول مافيش .. قنال مافيش» ،و«يابركان الغضب ياموحد العرب» /و«ابنك يقولك يابطل هات لى انتصار». وعندما انطلقت هــذه األغــانــى ،أشعلت حماس املصريني بضراوة ،وأنشدها العامل والفالح والطالب والشباب ،ولكن هذه األغانى _ بالطبع _ لم تمنع ما حدث فى صبيحة ّ 5يونيو ،1967 تلك الكارثة التى لم يعترف بها أحمد سعيد ،وظل يطلق بياناته املدوية ،والتى كانت تذيع االنتصارات الوهمية. وبعد الحماس الذى أطلقه األبنودى فى أغانيه ،كتب قصيدته «كباية شاى» ،هذه القصيدة الجنائزية الحزينة ،والتى لم يستطع أن يصرخ أو يبكى أو يهتف ،كان حزينا للغاية: على كرسى ف قهوة ف شارع شبرا ... قعدت.. وجابلى كباية الشاى الجرسون... _كباية شاى القهوة غير كباية شاى البيت خالص بصيت له كتير.. مش عارف ليه.. من مده طويله ماشفتش ّ حى... كان الشارع نابض فيه الدم املطفى ّ وحى.. ّ مر عليا الراجل الصلع خالص.. والبنت اللى ف ايدها طبق الفول الناقص خالص خالص... والست الالبسه التوب اللسود خالص.. ّ مرت عربيه جديده وفيها ناس وشها ساكت خالص خالص
وولد بيكلم بنت على التلتوار بالحس الواطى خالص خاص... وخايف خالص.. وعلى التلتوار التانى كان دكان فكهانى منظم خالص.. ونيونه مشعلل أنوار خالص خالص.. وقعت سنجة تورماى (خمسه)... طلع الولد (املتشعبط) ّ ركبها.. وركب من باب التورماى قدام الكومسارى .. شافه مكلمهوش خالص.. عدى الراجل اللى منزلش من ع العجله بقاله 6سنني كان تعبان جدا.. وموطى.. ومش بيبدل خالص.. أخد الجرسون قرشني بقشيش .. بص لى جدا ..جدا واستغرب خالص خالص خالص!!.. القصيدة إحساس عارم وجنائزى ومهزوم بالهزيمة واالنكسار. عيد ميالده األخير ّ كنا نعد لعيد ميالده فى 11إبريل ،2015وكنت قلقا على حالته ّ التى ال تتحمل الجلوس والقيام ،وتجرأت وهاتفته «الخميس 9 ابريل» قبل االحتفال بيومني ،وعندما سمعنى ،بادرنى :إياك عاوز تعتذر؟ ،فقلت له :ليس اعتذارا بقدر ما هو رجاء بتأجيل االحتفال ليوم آخر ،حتى تسترد صحتك قليال ،وأبلغنى بأنه فى طريقه للمستشفى فى عربة اإلسعاف ،وبالفعل ذهبنا «أحمد بهاء شعبان وعزة كامل وبناتى سوسن وميسون» وفريق من جريدة التحرير، وتحامل على نفسه كثيرا ،وكان مبتسما طوال الوقت ،ولكننا الحظنا بأن آلة األلم تعمل فى جسده بضراوة ،وعدنا ،وأعددنا ملفا وافيا فى الجريدة يوم االثنني 13إبريل ،وفى الثالثاء 14 إبريل دخل املستشفى ،وتداهمه الغيبوبة ،ليغيب عنا فى 21إبريل أعظم شاعر أنجبته مصر فى العصر الحديث.
٢٨
٥مايو ٢٠١٩العدد ١٣٤٥
9
هناك شعراء أصبحوا ظواهر شبه ثابتة ،دون أن يتنازلوا عن شرط الفن واإلجادة واالحترام ،ولم يترخصوا أمام «شباك» الجماهير ،ولم يذوبوا تحت الفتة «ما يطلبه الناس املشاهدون ّ واملستمعون» ،مثلما يذهب كثيرون من مختلف الفنانني والكتاب فى املجاالت األخــرى ،السينما واملسرح والــروايــة والشعر والقصة القصيرة واألغانى ،وعلى رأس هؤالء الشاعران محمود درويش وعبد الرحمن األبنودى ،لم ينزلق أى منهم إلى شعار «النزول إلى الناس» ،ولكنهم ّ أصروا على تقديم الكتابة الفنية الراقية ،وفى الوقت ذاته إمتاع الناس بكل فئاتهم وطوائفهم وطبقاتهم.
< مؤلفاتى مبثابة شموس وأقمار ملحطات حياتية وإبداعية تستحق التسجيل < ال أجد غضاضة فى أن تتنوع وسائلى الفنية فى كتاب واحد
الشاعر الذى كسر كل حواجز العزلة شعبان يوسف األبنودى ظاهرة ّ فنية فريدة وال أخفى أن ظاهرة األبنودى كانت أكثر شعبية بكثير من أى ظاهرة شعرية أخرى فى الوطن العربى ،ولم تكن لهجته املحلية الصعيدية الحادة أو الناعمة_كما زعم بعض الكارهني _ هى الطعم الذى يجذب الجماهير الواسعة ،على اعتبار أن اللهجة التى يطلقها وينطق بها ،هى نوع من الفلكلور واألحاجى ،وكأنها مجرد طرفة ذات «دم خفيف» فقط ،وقالوا بأن قصائد األبنودى، سوف تفقد وهجها ومعناها وتأثيرها ،عندما يقرأها آخرون دون اللهجة الصعيدية ،وأثبتت التجارب والزمن الذى سكت فيه األبنودىّ ،وال يذهب إلى املحافل األدبية الجماهيرية كما يفعل قديما ،وظل يكتب وينشر فقط ،وكانت كتاباته تحقق القراءة األعلى فى كافة املطبوعات التى تنشر له ،وكان ينشر فى جريدة «التحرير» مربعاته التى قاوم بها ظالم وجحيم مرحلة حكم جماعة اإلخــوان ،وكانت املربعات تحقق أعلى قراءة بني كل ما إلى كان يكتب فى الجريدة بشكل مطلق ،دون أن تنزلق مربعاته ّ الهجاء الرخيص ،الذى يشترى ذوق القارئ فى ذلك الوقت ،وتظل املربعات _حتى اآلن_ ملحمة شعرية ذات طابع إنسانى فريد ،رغم أنها كتبت تحت ظروف قاهرة. فى القاهرة عندما قدمه _والد جيل الستينات الشعرى_ صالح جاهني فى أواخر عقد الخمسينات وأوائل بداية الستينات ،كان يعرف أنه من الصعيد ،ويعمل فى محكمة قنا ،ولم يكن عبد الرحمن قد ظهر فى القاهرة ،ولم يصبح ظاهرة ،وليس له أى سند سوى قصائده التى يرسلها بالبريد ،وكانت عالقة األبنودى به ،عالقة رسائل فقط الغير ،دون أن يراه جاهني ،أو يستمع إليه ،ولكن جاهني استطاع أن يدرك «نجابة» هذا الشاعر وفصاحته وعمقه وشعبيته ،دون تلك اللهجة التى كانت مثارا لجدل النقاد. التحق األبنودى بالقوات املسلحة ،وكــان ينزل فى إجازاته الدورية إلى ندوات القاهرة ،وكان يدخل الندوات بزيه العسكرى، فلفت األنظار بقوة ،شاعر جيد ،استطاع أن يقدم جديدا بعد فؤاد حداد وصالح جاهني ،ويفرض بيئته الصعيدية على مجتمع مدينة القاهرة: املحشور باألموات.. القبر ّ والليل اتأنى ملا فات.. ووقف بيبص ف خرم الباب أربع مرات.. الكلب بيعوى فوق الحيط.. وترد عليه من شرق السكة كالبّ ، يتجن..
أحداث
حلمى النمنم
األبنودى ويهد السقف ّ .. يمطر فوق العيلة حطب القطن.. الليل ساعة.. ّ دقتها من دق الطواحني ... من دق قلوب الناس النايمة على التربة.. جنب املواعني.. جنب جرار امليه النايمه فى الطني.. وحفيف النخل حفيف ورقه بني إيد محضر فى عيون مساكني.. وبخار (الزربيه) الطالع يحكى حكايه.. عن عيشه وخضره وفاطمه وست الكل... إذن لم يكن األمر مجرد لهجة ،وصوت مختلف ،وأداء موسيقى، ولكن األبنودى وجد فى بيئته ما يستطيع أن يقدمه للناس دون أى افتعال أو تحذلق ،وهذا ما ّفعله زميله ورفيقه وابن محافظة قنا ُ «يحيى الطاهر عبدالله ،فقدم االثنان ما لم يستطع أن يقدمه آخرون ،عوالم حقيقية ،ال تستدعى الدهشة من خارجها ،ولم ينقل األبنودى أو الطاهر عبدالله عالم الصعيد بشكل فوتوغرافى، بل كانا يعيدان تدوير العالم وإبداعه ،وتقديمه كما بدا فى املقطع الذى اقتبسناه سلفا. فى القاهرة كان يتردد على الندوات بزيه العسكرى ،ذلك الزى الذى كان ومايزال ينال قدرا كبيرا من التقدير واالحترام، مهما قال راجفون ،فنحن الذين عشنا مرارة الهزيمة لسنوات عديدة ،كنا ننتظر األمل دوما من هؤالء الجنود البواسل ،ولم يكن األبنودى _كذلك_ يفتعل حالته هذه ،فكان يصعد على املنصات بذلك الزى ،ويقرأ قصائده بلهجته ّالتى يعرفها ويتقنها ويعيشها ويدرك أسرارها ،تلك اللهجة التى ظلت ترافقه حتى رحيله فى 21 ابريل ،2015وكان يفخر بها ،وكنا فى منزله يوم 11ابريل ،2015 واحتفلنا بعيد ميالده األخير ،وكان موغال فى صعيديته املحببة والسلسة والقريبة من قلوبنا. البيان األول لجماعة ابن عروس بعد أن حقق األبنودى قدرا من الذيوع الثقافى ،وأصبح حضوره الشعرى حقيقة واضحة للحياة الثقافية ،وكان هواه متمردا إلى حد كبير ،وارتبطت حياته الثقافية ببعض املثقفني الفاعلني، وكانت حركة جيل الستينات بدأت تظهر ،ويشتد عودها ،وذلك فى الشعر العامى والفصيح عموما ،وفى القصة القصيرة ،وفى املسرح ،ولم يكن فى ذلك الوقت قد برز كاتب روائى من ذلك الجيل ،ولكن األبنودى كانت ظاهرته بدأت تتشكل ،وكانت عالقته
٥مايو ٢٠١٩العدد ١٣٤٥
بأمل دنقل الفنية واإلنسانية جيدة ،وكانا يذهبان إلى املقاهى، ويكتبان شعرا _كما قال لى_ مرتجال على ترابيزات املقاهى، ويتركانه. فى ذلك الوقت ،وعلى األخص فى مارس عام ،1964كانت السلطات قد أفرجت عن اليساريني الذين قضوا خمس سنوات فى املعتقالت ،فخرج مثقفون كبار مثل ابراهيم فتحى ،ومحمود أمني العالم ولطفى الخولى وكمال عبد الحليم وألفريد فرج وغيرهم ،وانتعشت الحياة الثقافية ّبشكل ملحوظ ،ومن ثم راح الناقد واملثقف الشاب سيد خميس يفكر فى إنعاش املناخ الشعرى فى مصر ،فأسس جماعة «ابن عروس» ،ومن املعروف أنه كان قد باع بعضا من ميراثه فى األرض التى تركها له والده ،لكى يستطيع اإلنفاق على تلك الجماعة التى أسست دارا للنشر باسم «دار ابن عروس للنشر» ،وكانت ثمرة تلك الجماعة األولى ديوان «األرض والعيال» لعبد الرحمن األبنودى ،والذى حمل «البيان األول» لها، والذى نشر على غالفه األخير ،وليسمح لى القارئ الكريم نشر هذا البيان القصير والدال تاريخيا: (مــن اســم ابــن عــروس الشاعر الــفــارس .تستمد حركتنا الشعرية الكثير من القيم والتقاليد ..فقد ربط ابن عروس ،الشعر بالشرف ..بالناس ،وعلى هذا الدرب سار الكثيرون من الشعراء الشرفاء ،الذين تحتفظ بهم ذاكرة شعبنا. مشى فى نفس الطريق ..النديم ،بيرم التونسى ،فؤاد حداد. وعندما اختار صالح جاهني شعار «أشعار بالعامية املصرية» لديوانه «عن القمر والطني» كان يكمل طريق الرواد العظام ،وكان يضع فى الوقت نفسه الشعار املناسب لهذا الشعر. وهذا الشعر العامى املصرى الجديد ،يغنى مرحلة التحول العظيمة ،التى نعيشها ،ويغنى أحالم الرواد التى تجسدت واقعا، ويغنى أحالم هذا الجيل.. من هذا املنبع ،جاءت أشعار هذا الديوان ،ومنه أيضا سيصدر ديوان الشاعر املصرى سيد حجاب «صياد ّ وجنية». ومن دار ابن عروس سنقدم للقراء دواوين البن عروس ،وبيرم، وفؤاد حداد ،وصالح جاهني ،وغيرهم. وستصدر دراسات وأبحاث مستقلة حول هذا الشعر ،ورواده ، ومصادره.. دار ابن عروس جماعة أشعار بالعامية املصرية) لم يكن هذا الديوان سوى الطلقة األولى الصائبة والقوية فى
جاهني استطاع أن يدرك «نجابة» هذا الشاعر وفصاحته وعمقه وشعبيته، دون تلك اللهجة التى كانت مثارا لجدل النقاد
أكتب الشعر وأشترك فى األمسيات كان يالحظ أننى أوقع أو ينادى على بـ «إيمان يوسف» ويوسف هو اسم جدى ،حتى جاءت لحظة امليالد الحقيقية ،عندما طلب منى أن أكتب اسمى «إيمان أحمد» وقال لى إنه فخور بى ،ويريد أن يرتبط اسمه بإبداعاتى من هنا أصبحت أوقع باسمى الثالثى «إيمان أحمد يوسف». ومع إصدار كل عمل جديد ،كان يسعد بى ،كان يحب أن يمأل عينيه بـ «إيمان أحمد يوسف» من هنا لجأت للنشر الخاص ،لكى أسعد والــدى ،الذى توفى بعد ديوانى السابع ،وال أخفى عليك إحساسى الشديد بالسعادة عندما كنت أذهب إليه وفى يدى عمل يحمل اسمى ،كنت أشعر باالنتصار والفخر ،أننى غيرت رأيه ،وأنه أصبح ينظر إليمان ،أنها مثل أحمد أو تزيد عليه بموهبتها. ضمن أعمالك األخيرة كتاب «اإلسكندرية بالعامية والفصحى والسرد» ،قمت فيه بتجميع قصائدك بالفصحى والعامية وكذلك مقاالتك ،عــن هــذه املدينة التى شهدت مــولــدك ،وحياتك مــا عدا السنوات العشر األخيرة التى انتقلت فيها إلى القاهرة ،أال ترين أن استخدامك ألكثر من نوع أدبى فى كتاب واحد يضر بالتجربة؟ على العكس ،اإلسكندرية الساحرة ببحرها الذى طاملا كان مؤتمنا على أسرارى ،تتحمل الكتابة عنها بكافة األنواع األدبية، ولكل نوع جاذبيته وقدرته على أن ينقل للقارئ انفعاالتى وشعورى، وما عجزت أن أخرجه شعرا ،عبرت عنه من خالل املقاالت ،التى تمرست عليها لسنوات طويلة فى أكثر من جريدة ومجلة سكندرية، ولم أجد أية غضاضة فى أن تتنوع وسائلى الفنية فى كتاب واحد. فى الفترة األخيرة أقدمت على كتابة القصة القصيرة ،وبالفعل صــدر لــك مجموعتان قصصيتان ،األول ــى «صـبــاح امل ـيــدان» ،2013 والثانية «بكاء الشجر» ،2018وذلك بعد تسعة دواويــن شعرية ..ما الذى دفعك لالنتقال من الشعر إلى القصة؟ ضحكت وقالت ،وأنا اآلن فى إطار كتابة رواية طويلة ،السر فى هذا التنوع هو تراكم الخبرات ،فخالل مشوارى ،لم أركن فقط للقراءة والكتابة ،بل كنت أسعى إلى اكتساب مهارات جديدة عن طريق التعلم ،فبعد سنوات من حصولى على تعليم أقل من الجامعى ،سعيت إلى أن أحصل على بكالوريوس اإلعالم وهو ما تحقق لى ،وحصلت –أيضا -على دورة دراما إذاعية عام 1997 من اتحاد كتاب مصر بالتعاون مع اتحاد اإلذاعة والتليفزيون، كما حصلت على دبلومة فى العالقات العامة من مؤسسة أخبار اليوم ،ودبلومة فى الدراسات اإلسالمية بعد دراسة ملدة عامني فى املعهد العالى للدراسات اإلسالمية ،كل هذه الدراسات أطلعتنى على مالمح أخرى لفلسفة الحياة، وفلسفة وجودى كمبدعة ،وخلقت لدى وعيًا جديدًا، مكننى من أن أعبر عما بداخلى بأشكال فنية متنوعة ومختلفة. لديك طموح أن تصدرى مجموعة من الدراسات عن شخصيات سكندرية فــى إطــار سلسلة تتولني كتابتها، وأص ـ ــدرت مـنـهــا بــالـفـعــل ك ـتــابــن ..م ــا دوافـ ــع هــذه التجربة؟ بالفعل أصــدرت سلسلة أطلقت عــلــيــهــا «عــبــقــريــة اإلســكــنــدريــة ملبدعيها» ،عــن دار نشر «شعلة اإلبــداع للطباعة والنشر» ،وظهر لى كتابان ،لكل منهما تجربته املختلفة ،األول بعنوان «الشاعر الكبير واملبدع محمد مكيوى.. حــيــاة الــشــاعــر وقــصــائــد لم تنشر من قبل» ،وهو يتناول مــســيــرة هــــذا الــشــاعــر الرائد وتأثيره فى األجيال اإلب ــداع ــي ــة املختلفة فــى اإلسكندرية، فــضــا عــن كونه مــبــدعــا مــوهــوبــا وصاحب فلسفة فى
الحياة ،من هنا أذكر مقولته الشهيرة لنا «الكتابة خلود» وكذلك عباراته التى جاء فيها الكتاب هو إبداعك الذى تسجله للزمان، ليكون لك بصمة تواجد ،واسم ،وحتى ال تخدعك الحياة ،وتمر عليها مرور الكرام وترحل .بل كن األذكى واألقوى بإبداعك سطرا واجتهد ،وشارك وانتهج طريقا لصنع الحاضر واملستقبل .تعلم جميع املهارات ،واقرأ ما تيسر من الكتب للسابقني والحاضرين، ثم كن أنت بإبداعك كن نفسك واستمر .وقــاوم مهما كانت الصعوبات واملواجهات .ثقتك بالله تقيك وتحميك .وتدعمك بالثقة بنفسك وإبــداعــاتــك وطريقك وخــلــودك» واستجابة لهذه الفلسفة ،قمت بتسجيل سيرته الذاتية فى هذا الكتاب وتطرقت إلى إصداراته املختلفة ودوره فى إثراء الحياة الثقافية السكندرية وتجربته فى التدريس فى سجن الحضرة ،لكن روحه الشاعرية املرهفة وأحاسيسه الحرة الرقيقة ،لم تحتمل دخول السجن ،ولو ملجرد التدريس لحراس السجن والعاملني فيه أو للمساجني ،الذين يقضون فترة عقوبتهم بني أسواره أو داخل زنزاناته ،لذلك ترك العمل كمدرس بسجن الحضرة وانتقل للعمل كرئيس لقسم اإلحصاء بإدارة الصحة ،ثم انتدب فى أكثر من وظيفة ثقافية ،آخرها رئيس للقسم الثقافى بقصر ثقافة الحرية بمديرية الثقافة باإلسكندرية ،كما نشرت قصائد من ديوانه الذى لم ينشر من قبل بعنوان «حلم النهار». أما الكتاب الثانى فى هذه السلسلة ،الذى نفدت طبعته األولى، وصدرت بالفعل طبعته الثانية فهو بعنوان «ليالى خليل املصرى.. املؤرخ املوسيقى وامللحن والشاعر» وهو واحد من أفراد عائلتى، بمثابة جدى ،وهو صاحب سيرة متفردة ،فقد أنفق وقته وماله فى جمع تراث املوسيقى الشرقية ،وهو أول ملحن قدم الفنان عبد الحليم حافظ لإلذاعة ،حينما لحن له أغنية «الكون الجميل حواليك» ،وقد ابتدع املصرى مقام نغمة جديدة باسم «أشواق»، وقد استعرضت مشواره وإسهاماته الهامة فى هذا الكتاب. تتولني اآلن رئاسة نادى أدب اجليزة ..ما تقييمك لتجربة نوادى األدب بالثقافة اجلماهيرية؟ أنا بنت قصور الثقافة منذ عام ،1977وتجربة نوادى األدب تجربة جديرة بالتأمل تحمل الكثير من اإليجابيات ،وال تخلو من سلبيات ،ولكن هناك أسباب قد تجهض هذه الفكرة فى أية لحظة ،منها امليزانيات الضئيلة التى ال تتناسب مع أحالمنا ،وكذلك بعض العقبات اإلدارية التى تحول دون استضافة الكثير من املبدعني وأساتذة الجامعة ،الذين يأتون بشكل ودى ،وإن كانت هذه السلبيات ال تمنع من أن أشكر املسئولني عن الثقافة فى مديرية ثقافة الجيزة وكذلك فى إقليم القاهرة الكبرى ،لدعمهم لنا ملواصلة عملنا ،لكن األمر يحتاج لقرارات للقضاء على البيروقراطية التى تعوق عملنا ،خاصة أننا نحاول أن نرعى املوهوبني الجدد ،ومن بينهم أطفال صغار السن نقيم لهم دورات تدريبية ،لنحببهم فى األدب والثقافة. ماذا تتمنني فى الفترة القادمة؟ أتمنى أن تترجم بعض أعمالى إلـــى لــغــات مــخــتــلــفــة ،وســبــق أن تــرجــمــت جــامــعــة سنجور الفرنسية باإلسكندرية قصائد لــى ،كما أننى مشغولة هذه األيام بجمع ًما يقرب من 40 دراسة ومقاال عن إبداعاتى لتصدر فى كتاب.
د .محمد عفيفى
احتفالية روسية بعيد النصر مرفت عمارة احتفل املركز الثقافى الروسى بالقاهرة بعيد النصر والذكرى الـ 74لالنتصار على أملانيا النازية فى الحرب العاملية الثانية، بــدأت بمائدة مستديرة أدارهــا شريف جــاد مدير النشاط الثقافى باملركز وافتتحها ألكسى تيفانيان مدير املركز الثقافى الروسى ،مشيرا إلى أهمية االنتصار على النازية وكيف استطاع الجيش األحمر االنتصار فى معركة ستالينجراد ،وأكد أنه لوال دخول االتحاد السوفيتى الحرب ما انتصرت أوروبا. فى حني تناول حلمى النمنم وزير الثقافة السابق كيفية مواجة االتحاد السوفيتى للغزو األملانى ،وتابع النمنم بسؤال :ماذا لو انتصرت أملانيا واحتلت العالم؟ مؤكدا أن أملانيا كانت تنوى القدوم إلى الشرق األوسط والسيطرة على قناه السويس. وفــى كلمته أشــار الدكتور حلمى الحديدى رئيس منظمة التضامن األفروآسيوى إلــى أهمية الــدور الــذى لعبته قوات الجيش األحمر فى محاربة النازية ،وذكر بعض السيناريوهات لو انتصرت أملانيا .واختتم حديثه باإلشادة بالعالقات املصرية الروسية ،التى بدأت فى الصعود مع بناء السد العالى. ومــن جانبه قــال الدكتور حسني الشافعى رئيس املؤسسة املصرية الروسية للثقافة والعلوم :فى إطار االحتفال بعيد النصر واالستعداد لعام « 2020عام الثقافة املصرية الروسية» نستعد إلصدار سلسلة من الكتب والدراسات تضم وثائق الحرب العاملية الثانية. بينما تحدث الدكتور محمد عفيفى رئيس قسم التاريخ بكلية اآلداب جامعة القاهرة عن األهمية التاريخية لالنتصار فى الحرب العامليه الثانية وإنقاذ البشرية من أطماع النازية والفاشية ،وأشاد بالعالقات مع الجانب الروسى التى بدأت فى التطور منذ صفقة األسلحة التشيكية. وأشــارت الدكتورة نورهان الشيخ األستاذة بكلية االقتصاد والعلوم السياسية جامعة القاهرة إلى أن االتحاد السوفيتى دافع عن كرامة أوروبا بكاملها ،وأنه ضحى بـ 26مليون مواطن ،أى ما يقرب من %16من إجمالى السكان ،بينما فقدت الدول الغربية وأمريكا %1.5فقط. وأضــاف اللواء طلعت مسلم ،الخبير العسكرى ،أن معركة ستالينجراد حولت مسار الحرب بكاملها وكانت بداية السقوط األملانى .وحول مشاركة العسكريني املصريني بالحرب أشار مسلم إلى أن مصر كانت خاضعة للجيش البريطانى ،كما أن الجيش املصرى فى هذا التوقيت لم يكن به سوى 9كتائب مشاة فقط. أما الدكتور نور ندا نائب رئيس الحزب العربى الناصرى، فتحدث عن الحجم الكبير من التضحيات التى قدمها العسكريون الروس وحرصهم على إعالء قيمة الوطن .تبعه الدكتور سيد عشماوى أستاذ التاريخ بكلية اآلداب جامعة القاهرة مؤكدا أن نتائج معركة ستالينجراد غيرت التاريخ ،كما أشاد بمساندة االتحاد السوفيتى ملصر فى العدوان الثالثى. ختم شريف جاد اللقاء بنقل تهنئة الجمعيات العربية لخريجى الجامعات السوفيتية والروسية ،مشيدا بحرص الجانب الروسى على إحياء ذكرى النصر من خالل الثقافة والفن التى ال تزال تنتج أعماال فنية حتى تنقل التفاصيل التاريخية لألجيال الشابة. بعدها انتقل الحضور الفتتاح معرض الصور األرشيفية فى ذكــرى الحرب بمشاركة ســفــارات روسيا وكازاخستان وبيالروسيت وأرمينيا وأوزبيكستان وأذربيجان وطاجيكستان. واختتمت االحتفالية بحفل موسيقى لفرقة سويت ساوند بقيادة املايسترو منير نصر الدين والتى قدمت مجموعة من األغانى باللغة الروسية ومقطوعات موسيقية روسية وعربية.
10
5مايو ٢٠١٩
العدد١٣٤٥
٢٧
٥مايو ٢٠١٩العدد ١٣٤٥
إبداع
تزامنا مع رئاسة مصر لالتحاد األفريقى ،نظمت كلية الدراسات األفريقية العليا ،بجامعة القاهرة ،مؤتمرها الدولى السنوى بعنوان (مصر والتنمية املستدامة فى أفريقيا :الرؤى وآليات التفعيل فى ضوء أجندة االتحاد األفريقى 2063م .وذلك برعاية الرئيس عبدالفتاح السيسى ،وبحضور د. عثمان الخشت رئيس الجامعة ،الذى أكد على حرص الجامعة على الدعم املتواصل للكلية ،وتقديم كافة التسهيالت للطلبة األفارقة ،أما الدكتور محمد نوفل عميد الكلية ،ورئيس املؤتمر ،فقد أعلن أن املؤتمر يهدف لوضع اسهام علمى يعمل على دفع عجلة التنمية وتحقيق األمن والسلم ،وبحث سبل النهوض بمستقبل القارة فى ظل أجندة أفريقية 2063م التى يتبناها االتحاد األفريقى ،وفى االفتتاح -أيضا أشار السفير أبوبكر حفنى ،مساعد وزير الخارجية للشئون االفريقية إلى أن التكافل األفريقى لن يحدث إال بنشر األمن والسالم ،وأن استقاللية القرار األفريقى يحقق أهدفا التنمية املستدامة ،وهذا يتطلب توفير موارد ذاتية لتمويل ميزانية االتحاد بعيدا عن املنح واملساعدات الخارجية. وبحضور 150باحثا من مختلف الدول األفريقية تم مناقشة 138بحثا ،توصل املشاركون بها إلى تفعيل الدبلوماسية الشعبية بني دول القارة ،وانشاء قناة فضائية ناطقة باللغات األفريقية ،فضال عن ترجمة أبحاث املؤتمر بعدة لغات ،وتقديمها إلى رئاسة الجمهورية ،ورئاسة الجامعة ،تفعيال لدور كلية الدراسات األفريقية العليا ،كبيت خبرة فى مجال الشأن األفريقى.
مسافر على فني
فى مؤمتر دولى بجامعة القاهرة
أفريقيا التى نريدها ثقافي ًا وسياسي ًا عام 2063 منى نور
بــدأت جلسات املؤتمر 20جلسة فــى أيامها الثالثة ،بجلسة افتتاحية بقاعة الشيخ القاسمى باملكتبة املركزية ،بكلمة للدكتور محمد نوفل، عميد الكلية ورئيس املؤتمر أكد فيها أن أهمية تبنى ،2063فى ضوء جملة من العوامل الرئيسية، من بينها تغير السياق الدولى من خالل العوملة والثورة التكنولوجية ،والتى أتاحت معها ملختلف دول وأقاليم القارة األفريقية فرصا غير مسبوقة لتحقيق تقدم ملموس على كافة املستويات ،ولعل من بينها مــبــادرة الشراكة الجديدة من أجل تنمية أفريقيا «نيباد» الصادرة فى عام ،2001 وتستهدف أجندة « »2063تحقيق سبعة طموحات: تحقيق الرخاء فى أفريقيا ،التكامل االفريقى، الحكم الجيد الرشيد ،:الديمقراطية واحترام حقوق اإلنسان والعدالة وحكم القانون ،وتحقيق السلم واألمن فى أفريقيا ،وخلق هوية ثقافية قوية، وميراث مشترك ،وقيم وأخالقيات ألفريقيا ،وخلق تنمية فى افريقيا مستدامة على الشعوب االفريقية والسيما املرأة والشباب. ثمة أوراق علمية عديدة ،متنوعة فى تناول القضايا املرتبطة بالقارة األفريقية من بينها: قضية الهوية األفريقية فى إطار أجندة االتحاد االفريقى ،2063وتأثيراتها املحتملة على العالقات العربية ،وفيها أوضح د .أشرف عبيد ،أن الهوية األفريقية ترتبط فى أفكار ورؤى املفكرين األفارقة بكثير من القضايا الفكرية ذات التطبيقات العملية السياسية التى تزخر بها البيئة فى أفريقيا ،ومن أولى هذه القضايا :هل شمال أفريقيا. وعن اللغة والتنمية فى الفكر السياسى للشيخ أنتاديوب ،أشارت د .ايمان عبدالعظيم ،إلى أن قضية اللغة إحــدى القضايا الهامة التى شغلت اهتمام املثقفني األفارقة ،مع أنها لم تكن وحدها القضية محل االهتمام فى أفريقيا ،فكثيرا ما ثــار الجدل بني املثقفني األفــارقــة ،السيما فى املستعمرات الفرنسية حول مدى امكانية استخدام اللغات األفريقية ،بديال عن اللغات األجنبية ،وكان من بينهم املفكر السنغالى «الشيخ أنتا ديوب» الذى أطلق عليه فرعون املعرفة ،إلملامه بالعديد من التخصصات املختلفة ،ومن هنا تسعى ورقتى إلى تفسير العالقة بني اللغة وقضايا التنمية فى الفكر السياسى للشيخ «أنتا ديوب» ،وقد توصلت إلى ضرورة استخدام اللغات األفريقية لتحقيق التنمية األفريقية ،كما أنه ال يمكن دراسة اللغات األفريقية دون تحديد ملسألة أصــل الحضارة املصرية القديمة ،بمعنى أن تظل الــدراســات اإلنسانية األفريقية فى الحضارة املصرية القديمة هى األساس فى مسألة تطور اللغات األفريقية. وكانت ورقة متميزة عن الهوية األفريقية فى أجندة االتحاد األفريقى 2063م ،قدمها د .باسم رزق ،أبــان فيها أن الهوية تعبر عن حالة من التماسك والوحدة التى تنتج عن املالمح والسمات والقواسم املشتركة التى تميز وتمايز جماعة أو شعبا عن غيره ،وتناول د .باسم مفهوم الهوية األفريقية وأسسها الفكرية ،الهوية األفريقية فى االطروحات القارية السابقة ،الهوية األفريقية واالتحاد األفريقي ،الهوية األفريقية فى أجندة االتحاد األفريقى 2063م. واختص د .جالل حسن «جامعة دمياط» املؤتمر
د .عثمان الخشت رئيس جامعة القاهرة يفتتح املؤتمر بحضور مندوبى األزهر والكنسية
تضمنت األبحاث قضايا فى مختلف املناحى التى تهم شعوب القارة فى مجاالت السياسة واالقتصاد ،والنواحى االجتماعية والبيئية. بورقة علمية عن ظاهرة اإلرهــاب وآثارها على التنمية املستدامة فى أفريقيا ،مشيرا إلى أنه يأتى فى مقدمة القضايا الطارئة التى تتطلب اهتماما عاجال وفوريا من االتحاد األفريقى والجهات الفاعلة األخــرى فى الــقــارة ،مكافحة اإلرهــاب والتطرف العنيف ،وبيان أهم اآلليات املتوقعة لتفعيل أجندة 2063م ،فى إطار مكافحة اإلرهاب والتطرف ،وعن اإلرهــاب وأثــره على التنمية فى أفريقيا ،،ورقة علمية استعرض فيها د .خوجلى أحمد الصديق «جامعة أم درمــان» ،محاور عدة ّبي فيها أن أفريقيا رغم مواردها الوافرة ابتليت باالستعمار األوروبــى الذى استنزف هذه املوارد وسخرها ملصلحته ،وعندما غادر ترك فيها عددا من الحروب األهلية ،والصراعات اإلثنية ،مما ساهم فى تأخر مسيرتها التنموية وتقدم إنسانها، وفى عصرنا هذا تعرضت أفريقيا مثل غيرها من القارات لظاهرة اإلرهاب الذى ساهم كذلك فى تعطيل مشروعاتها التنموية ،وتسبب فى ضعف إنسانها فى كافة مجاالت التقدم البشرى والتطور اإلنسانى. وقد قدم د .زكى البحيرى «جامعة املنصورة، دراسة فى معوقات التنمية ،والتكامل فى أفريقيا، أكد فيها من أن أهم املعوقات التى تعوق عملية التنمية فى أفريقيا ،الصراعات التى تحدث للسيطرة على الحكم والسلطة بطريقة غير ديمقراطية فى بعض البلدان ،ودول القارة، فضال عن الصراعات والنزاعات القبلية ،وتواجد العمليات اإلرهابية التى تؤدى إلى عدم االستقرار للمجتمعات بالشكل الــذى يمكنها من تخطيط وتنفيذ عمليات تنمية ترفع من مستوى السكان، وتحقق تقدمها ،خاصة فى بعض مناطق غرب أفريقيا ،مثل مالى ونيجيريا ،وفى بعض مناطق شمال القارة مثل ليبيا. ومن ضمن معوقات التنمية والتكامل ـ أيضا ـ افتقاد القارة للبنية التحتية من طرق ومواصالت برية ونهرية وجوية ،ونقص الكهرباء ،والطاقة املتاحة التى تلزم عمليات الزراعة والصناعة، والــخــدمــات املــتــعــددة ،ويــدخــل فــى إط ــار ذلك ايضا ،ضعف مستوى الصحة والتعليم وعدم مواكبة التطور الحديث فى العالم املتقدم من
نقلة تكنولوجية ،وثورة واسعة فى مجال االتصال واملعلومات ،كما يأتى من املعوقات أيضا تدخل القوى الخارجية التى تسعى الستغالل ونهب ثروات القارة دون تحقيق أية مشروعات تنموية ،وتحرر املرأة وتطلق طاقات الشباب كقوة عاملةكبيرة. وتفردت ورقة د .سمير عزت إبراهيم بتقديم الخريطة اللغوية فى أفريقيا ،أشار فيها إلى كثرة اللغات فى أفريقيا ،إذ يقدر علماء اللغة عددها بما يربى على ألفني وخمسمائة لغة ،تقريبا ،يتحدث بها أكثر من مليار انسان ،ويرجع هذا التعدد، وهذه الكثرة إلى طبيعة األنظمة القبلية السائدة، فى القارة ،ذلك أن عددا كبيرا من القبائل تعتمد فى حياتها اليومية على الجمع وااللتقاط والرعى، والتنقل من مكان آلخر ،وفى أحيان كثيرة تهاجر بسبب الجفاف إلى مناطق تتوافر بها املياه والعشب لرعى ماشيتها ،ومن ثم تنقسم إلى بطون وعشائر، وتنقسم لغاتها إلى لهجات بسبب االندماج مع جماعات رعوية أخــرى ،تتحول إلى لغات بمرور الزمن ،ويصبح لكل بطن أو عشيرة لغة خاصة بها، بل إن بعض القبائل كما فى غانا مثال ،لها أكثر من لغة ،فى حني أن عدد سكان دول مثل «غينيا بساو، ناميبيا ،بتسوانا» ال يتجاوز عدد سكان كل دولة الثالثة ماليني نسمة. مؤكدا أن الخريطة اللغوية األفريقية تعد من أعقد الخرائط اللغوية فى العالم ملا تزخر به من كم هائل من اللغات ،ليس فقط من حيث العدد ،بل ايضا من حيث التنوع والتباين وتداخل بعضها فى بعض ،ويمثل هذا التنوع والتباين دولة مثل نيجيريا « 500لغة» ،السودان قبل االنفصال « 140لغة»، أثيوبيا « 90لغة» ،وتقدر عدد األسرات اللغوية فى العالم بحوالى 12أسرة منها خمس فى أفريقيا وحدها. وفــى هــذا اإلطــار قــدم كل من د .سيد رشــاد، ود .محمد نــوفــل ،دراســـة حــول اعـــادة ترسيم الخريطة اللغوية ألفريقيا ،أشار فيها إلى وجود أكثر من 2600لغة ،موزعة على خمس فصائل لغوية كبرى فصيلة اللغات األفروآسيوية ،اللغات النيجركونجية ،اللغات النيلية الصحراوية ،لغات الخوايسان ،وفصيلة اللغات االسترونيزية. وأكدا أن األوضــاع اللغوية فى أفريقيا شهدت
تغيرات وتحوالت كثيرة السيما فى العقود األخيرة نتيجة للعديد مــن األســبــاب منها :النزاعات والــحــروب ،األزمــات السياسية ،واالقتصادية، الــتــحــوالت االجتماعية والثقافية ،الهجرات الطوعية والقسرية،التغيرات املناخية ،العوملة وهيمنة اللغات األجنبية الوافدة ،انحسار واندثار العديد من اللغات املحلية فى أفريقيا ،كل ذلك أسهم فى تشويه الخريطة اللغوية ألفريقيا وطمس معاملها. وعن املــوروث الثقافى املشترك للمجتمعات الــحــدوديــة ،ق ــدم د .محمد عفيفى دراس ــة أنثروبولوجية لواحتى سيوة ،والجغبوب ،أوضح فيها أن املجتمعات الصحراوية الحدودية تمتلك كنوزا هائلة من املوروثات الثقافية التى تجعلهم ميدانا خصبا للدراسات االنثروبولوجية ،خاصة منطقة الــصــحــراء الغربية حيث تقع واحتا سيوه والجغبوب فى محيطها ،فتوجد عالقات تاريخية وثقافية فرضتها الظروف اإليكولوجية والسياسية التى شكلت الهوية الثقافية لسكان املنطقة ،لذلك نجد الكثير من التراث الثقافى املشترك بني الواحتني ،والــذى نتج عنه تقارب وتواصل دائم فى العالقات القرابية والثقافية واللغوية بينهما. وتــنــاول د .نصر الدين جــار النبى سليمان «جامعة كردفان» العالقات بني مصر اإلسالمية وبالد النوبة املسيحية ،وأثرها فى انتشار الثقافة اإلسالمية فى ســودان وادى النيل ،فقال إن أبرزها الحملة الكبرى التى قام بها عبدالله بن سعد بن أبى السرح ،والتى أسفرت عن معاهدة البقط ،والتى سمحت للمسلمني بالدخول إلى بالد النوبة املسيحية ،األمر الذى أدى إلى انتشار اإلسالم وثقافته فى سودان وادى النيل .أما بالد النوبة فهى تلك الرقعة التى تمتد من أسوان شماال حتى ملتقى النيل األزرق واألبيض جنوبا، هذه املنطقة قامت فيها ثالث ممالك مسيحية، وهى نوباتيا فى أقصى الشمال ،وجنوبها املقره وعلوه ،وجميعها ارتبطت بعالقات مع مصر، فالعالقات بني مصر وبــاد النوبة بــدأت منذ الفتح اإلسالمى ،وامتدت إلى عهد العباسيني، ومن ثم عهد الدويالت اإلسالمية التى قامت فى مصر ،ابتداء من الدولة الطولونية «أحمد بن طولون» ،الذى بدأ بإعداد حملة حربية اتجه بها صوب بالد النوبة وأرض البجة ،هذه الحملة احتوت عددا كبيرا من القبائل العربية أبرزها قبائل ربيعة وجهينة ،والتى استقرت فى تلك األجزاء ،كذلك امتدت العالقة بني الدولتني فى العهد االخشيدى ،ففى هذا العهد وسابقه تمت االستعانة بالنوبة فى الجيش االخشيدى ،أما القبائل العربية فقد فتح لها باب الهجرة إلى بالد النوبة والبجة ،األمر الذى أدى نشر الثقافة اإلسالمية ،وكان االزدهــار الحقيقى بني مصر والنوبة فى العهد الفاطمى وزادت سوءًا فى عهد املماليك «السلطان بيبرس» ،الذى هاجم امللك النوبى داوود وأجبره على دفع البقط. وتضمنت األبحاث أيضاـ والتى قاربت على مائتى بحث ـ قضايا فى مختلف املناحى التى تهم شعوب القارة فى مجاالت السياسة واالقتصاد، والنواحى االجتماعية والبيئية.
طلعت محمد
قصائد
جلستنا ملت
ماجد أبادير
ولسة
إلى الشاعر اجلميل /حلمى سالم
ولسة الحلم بيعافر ..ف بطن الليل .. وبينقر على الدماغات ... لحد الصبح ويسافر ..مع املتاهات .. وملا أسأل عليه فينو ؟ يقولوا مات .. واشوفه ساعات بيتنقل .. وياخد م الصور 100 مالغية ف عيون حبيبني على الكورنيش .. ال ف ايدهم يعرفوا مصيرهم ... وال قادرين يسيبوا بعض .. وبستانى النهاردة ماعدش يتصاحب عليه الورد . وال العصافير على كفوفه ...بتعزف أحلى أغنية .. ف عز البرد .. وتجرى لجل ما تصبح على الناس ف البيوت .. دغرى.. .. تصحى البسمة ف عيون الفواعلية ..ف عز الحر وتغزل وسطهم خضرة و ..ترسم نهر .. وحيلى مش كما امبارح ... وخلقى عاد كالم جارح ... ما عدشى يحتمل ممكن ..وال يمكن ..وال جايز .. ومش هـ الحق اصحى حد .. ومش هالحق اصحى حد
محكوم محكوم بمسافة ووقت .. و 1100من األمثال .. وباعوم على عوم الدنيا ساعات .. وساعات أتهبد أتشال .. ومــحــال ...راح أغير بالكام كلمة كالم متشال
...وف عقل عــيــال محفور على باب دماغاتها ... شيطان ومالك .. ف انقسم اتنني واتنني ..واتنني... وب احسبنى باصغر واصغر.. واصغر.. وأنا خايف بكرة الصبح .. وأنا طالع شغلى وكل الناس نايمني .. ابص ..ف مرايتى .. علشان ما أســاوى الباقى ..من شعرى الواقع ... مأشوفنيش !! ...........
الدنيا الدنيا البالعة ما فيها ..بتتمطع .. وتشاور ده .. فيبطل كل عمايله .. وال تانى تعاند فيه.. وال ترجع لجل تحايله .. ترجع تتمطع وتشاور ده .. وأنا دورى مجاش . استنى وال مستناش .. والدنيا اللى مرحماش .. وال عمرها يوم هتبطل .. وبتضرب ومشيفاش .. غير ملا تخلص كل ما فيها مشاورة .. وبشاورة بتمسح ده ورا ده .. وال حب يعيش.. وال حلم يعيش .. يحيا التنتيش ...طول ما الدنيا البالعة ما فيها بتتمطع .. وماتخترنيش..!!.........
والبحر فيك غويط ال سكونى فيك شهيد هل ياترى القريب زى البعيد؟ تمر األيام وتهل والصبح على الشجر بيرمى السالم أنت حر زيى وال أنا السجني ياحمام الصبح كسر جمودك لوال الحياة فيك تعصر خلودك لو الشجن فيك تحكى للقمر عن شطوطك خالد ياقمر خالد وإحنا اللى بهتنا لونك نسيك سامحنى يمكن أبص فيك لم يجى دورك.
ياريت تكونى حاسة بى مسكون بالهم وساكنى وعارف عيونك حتجننى ال زايغ الضى ال رايق صبابة آة يا معشوقة وينك أنت فاض الكيل ومل ليه راجعة تانى تقوليلى اكتب عن املل صابر وفاضحة عيونى الدموع خايف طريقك من الرجوع كنت ماشى دايق سكر وأقول ياحبيبتى بكرة أكبر فتحت عيونى صرت مش لونى ليه بختى معاك عدم وال الزمان حكم
يا ضيعة من لونى ياشقية فني عيونك يابهية كل ما امد الخطوة بلقى نفسى بصغر داريت عن اللومك ورجعت ذى اليوم لسة تانى بسأل لسة تانى بسأل املطرح هو واأللم جوه أكيد ياحبيبتى باكبر لفينى ايدك متى تيجى مواعيدك خايف الدم منى يهرب خايف الدم منى يهرب دارى عنك اللوم متسأليش عن الغش إن كنت معاك أقرب. خايف من لقاك
حفنة رماد كان فيها الشوق والشوق مات عني كساها السكات شايف يارب عبدك وأنت يارب اللى هاد اسقينى طعم الحرية من خالخيل العرق والسهاد لو قلبى يموت تحيى قلب يلف البالد املدى ليك براح والكون فى عيونى مفتاح والعشق أرواح أيه حناخد غير حى على الفالح يارب شايف افتحى مفتاح.
٢٦
٥مايو ٢٠١٩العدد ١٣٤٥
إبداع
رسائل لم ولن تصل أمل جمال السيد
عزيزى البعيد القريب.. ً َ تعصف بى ذكــراك هذه األيــام كثيرا ،ال َ أدرى أطيفك يطوف حولى أم أنك قريب للحد الذى يشعرنى أنك هنا جوارى. ُ أتتذكرنى كما أفعل أم ترانى أنا امللتاعة الوحيدة بغيابك! ٍ ّ منذ متى وأنت قاس فى الغياب هكذا! ً ُ لم تــرن إلى خاطرى يوما فكرة رحيلك ً املفاجئ ،حتى أننى أمضيت شهورا بعدها أحاول تدارك ما حدث. فى أمسية قررت أن تذهب وليكن ما يكون. َ منذ متى وأنت تفكر فى نفسك فقط! َ َ ً ُ أتذكر كم مرة ابتعدت أنا واقتربت أنت! ّ َ ُ كم مرة حاولت الهروب فتمسكت بذكرى ّ ّ جميلة بيننا لتؤثر على فأهدأ! ّ كم مرة وعدتنى بالبقاء وإن رحلت أنا! ِ ّ ّ مرت األيام بحلوها ومرها ..بطولها ومللها.. بنجاحاتنا وخيباتنا ..بأسرارنا وأخبارنا.. ّ بصداقاتنا وأعدائنا ..مرت كلها بأحالمى َ بك وأمنياتى للقائك. لم ال ترجع األيــام إلى الــوراء كما تتقدم إلى األمام؟ لم ال يحدث هذا ليوم واحد أو لساعة واحدة فتحدثنى أخبارك وأحكى لك أفكارى. مازلت أذكــر آخر احتفال بميالدى منذ ّ أربع سنوات .مرت السنون واأليام إال أن ّ عمرى توقف عند هذه السن التى شاركتنى اإلحتفال بها. أترانى كبرت ونضجت فى غيابك! أتقرأ كلماتى فتشعر بأثرك املتروك فيها! ٍ أستتلقى أول كتاب منى بــاإلهــداء كما تواعدنا! أمعجزات العالم توقفت معارضة لقاءنا! َ بمجرد أن أكتب لــك يهدأ عقلى وتثور ذكرياتى.. ً أيكون اللقاء قريبا أم أن أملى فى رؤياك بات من املستحيالت! ُ ّ لعل دنياك هادئة مستكينة ،وياليت ذكراى ال تترك أحالمك وأمسياتك فتتعجل اللقاء. إلى لقاء قريب فى رسالة أو حلم أو حتى فى ُِ ّ الخيال إلى أن يحن القدر للقيانا.
١١
5مايو ٢٠١٩
العدد ١٣٤٥
ير ال ِخ ِ اح َما َق ْب َل ْ َ ص َح ُ ال ْ ِْ الض ْو ِء ور َّ ِم ْن َم ْز ُم ِ بشير ميلودى َ َ ْ َِ َيا َأش َع ُيا ُ ْ َ ُّ ب ََ ْ ول َال َر َ اذا َ ي ُق ْ َم ْ َ است ْحال /فهل ن ط و َو ُال ُ َّ َ َت ْق ٌوم الساعه !؟ ض ْ ُ ْ ِ َ ْ َِ ُ ِأ َر ْ َ بأ َّق َص َى َ ُال ُّ َحز َ ْن ًتح َت َكر الرج َاءْ فكلنا يوما يرى َْ َ َأ ْو ِج ِاع َه ْ َ ِ ْ َ َ ِ ُ َ ِ ِ َ اب ْطني َنأ ُت ْى ُل ٍص َ ْح ِر ْاء َ َال ْغي ِاب ُم َر َ َك ْج َر ْه َم ٌأو مثل بعض خزاعه ُه ِل َ ز ْم َز ِم ي؟ َخل َّق ْت ُمع ُ ْ ِ ُ ِ ْ َ َ َ الش ِم َّسُ ت َله َم ْنى الخيال ِو َ ْ َ َل َس ْتمد شعاعه ِك َان ُت َ َ َّ ً َ ِ َ ْ َ َ ْ َ ْ ُ ْ َ ن ْتركت الحلم الدُك ً َج َنة َ َ /فل َم َ َب َ َي ٌّا رجال أباح ضياعه أ َم َ ْ َ ِ ْ َ َ َّ ْ َ النجوى ص ِفا ْ ِ َ ِ َس ْت َ ِس َعى ْ َم َن َ ِ لتنتزع الحياة لطفلها
ََِ َ ْ َببْر َ ْاع ُه ُ ْ ِ ْ ُ ّ ِ َق َّد ْي َكب ِر ِال َط ِفل َ َالذ ْ ُي ْ َ يه ْشعيرة الرؤيا ِ ُخل ِّف َت َف َ َب َك ُل ش ِّج َاع ِه ِق َ ْدر َالر ُج ُال َّ ً َ َ َ كونوا ْأ ُم ُة و َسطا َب َأ ْن َي َ ُ ِو َأن َي ْهبوا الوجود َقن َاع ِه َ ن ي ْا َ ْس ِاد ْ َ ِ ِ ِ َ ْ َ َ ْ َ يم ْلا َ التجأت ِ َالبيت َّ َالق ِد َ ُ إ َلى َّالر َّماد َ وْخنت اع ُه ِ ِ ْ ك ِالط َ ْ ص َ َُْ َي َّتلون َّ فُى َم ِز َم َور َهم : ول إ َذا َأ ْتـــــــــى الرس َ َ أ َن ُ ْ َ ُ ه اع م س ون م ُال ْيل ُه ْ ِ ُ َ ُ َ ْ َ ُ ْ هم ينكرون عزيرهم
َ ِ َ َّ َ ْ ً ِ ْ َ َ ِ َ َ َّ ُ َو ْبأ َن َع ْهدا فى العشاء توهموا اعه ْ ِ ِأن ب ْ ُ ء ز ج َفى َ ْال َ ْ َ ِ ِ ِ َ ْ ِ َ َ ِ ير ْم َن َّال َح ْكاية ِما َ قب َل َّ َال َخ َ ُ ه اع ز ف م ك يل ََّ :أ ْن أ ُم ًام َ َ ْ ِ َ ْ َ ُ َق ِ َ وبا َ س ْي َرَو ُى ِز َر َع ْه د ج م ن أ ِو ْب َ ْ ِ َ َ َ َم َن ْب ِع َد ما أكل الفناء ذراعه َيا ْأ َش ْع َي ٌا َ ْ َ ُ ُ ُّ َ َ ُ َ ًّ َ ْهل ُ َبر ُز ِخ َير َت ْاده الشعراء حقا ؟ أ ْم َتراه إشاعه ! َ ْال َ ُن َ َ ْ َ ْ َ َ َ ْ َ َ ُ ْ ِ َ َأقُّرأ ِآي َة ْ ِال َوت َى فأفهمهم إذا مروا بغير شفاع
عرائس النواوى الورقية فى «ميتولوجيا»
جدا صباح هادئ ً
منى عبد الكريم
صباح هادى
َ َ ٌ َص ِب ٌاح ِ ًّ َه َاد ِئ َ ٌجدا َو َعاشق ُّة َ ِ َعل ِى َ ٌالشباك َو َاق ِف ُة س ُوفِّ َار ْ َ ْ َ ْ ُ َحب ِها الوحد َي ْن َ َاجى ُ ْ َ ْ َق َل ْبه ُا ُاملتعب َو ْي َر َسم َّ ْ ِ الض ْو ِء ِل َوح ِة ْ ُ ات ْ َال ْحزن َل ْذ َ َك َى َت ْس َعد اسم ْنا َ َّ ِ ْ ُ ْ ِ ْ َت ِق َ رحيق الجنة العجز
َ َ َّ ْ َ ُّ ُ َ الدمْوع ضأناْ َ ْ َ ِت ُو ِّ َ َل َحب ُن ْا ٌال ُ َعن َف َف َل َ ب ِعد َه ُن َاك ح ٌيل ُ َهن ِّا ُ َ َو َل َر َ خ ٌط ُل َي ِّه ُ َددنا َو َل ُ ْ َو ِل ْ َق ُب َح يبددنا وغنوتنا
ُ َ ِّ ُ َ ْ َ َ ت ْه ُد ْد ِرع ْ َش ِة ِ ِ َ َ َال ْحَ ُزن القديم بنا َوت َفت َح ْ َ ِ َ ْ ِ َ َ َ اب َت ُو َبت ُها ُ ال ًثير لنا َب َ ْ ِوتج َم َعنا ْن ُج َّوم ْا َف َ ْى َ ُسم َا َالع َش ّ ِاق َ وتفتح باب جنتها
َِ ْ َ ْ َ ْ شت َاق ُ َ ِ ْ ِ َّ َل َ ْن َي َ ى َف ْؤ َادى َ ال ْغر ر ت فِ َ َفكي ِ ْ َي َا ْع َش ُق ُّى َو ْكَي ِف أراك ؟ اس ْى َ ْ ِو َكي َف َ َأر ْد َأن ِف ْ َ إلى شفتيك كى ترعاك ؟
لم تكن تلك هى املرة األولــى التى تظهر فيها عرائس أسماء النواوى الورقية على مسطحها التشكيلى لتعيدنا إلى فترات الطفولة وحكايات الجدة ،وتذكرنا برمزية تلك العروسة التى طاملا احتملت الوخز والــحــرق لــدرء الحسد واألعــن الحاقدة عنا .إذ كانت هذه العروسة هى األيقونة التى اختارتها أسماء ملشروعها الفنى الذى تقدمت به لجائزة الدولة لإلبداع فى 2014والتى سافرت من خاللها لألكاديمية املصرية بروما. وقد اختارت الفنانة آنذاك رمزا ينتمى للتراث الشعبى بكل تداعياته ،ذلك الطقس الذى عايشته بنفسها من خالل الخالة التى كانت تجمع بنات العائلة وتحرق العروسة الورقية درءا للحسد ،إال أن النواوى قامت بمعالجة شكل العروسة واختارت شكال للعروسة مستوحى كذلك من شكل «فتاة عالمات املــرور» باعتباره رمزا دوليا ،مع بعض التحويرات الفنية .. تقول الفنانة أسماء النواوى :إن العروسه الورق فــى الــتــراث املــصــرى هــى عــروســة الحسد وهى تستخدم فى ممارسة شعبية ترتبط بما يعرف بـ«السحر األبيض» حيث يهدف الطقس السحرى هنا إلى إبعاد الضرر الحادث بفعل العني الحاسدة. وقد تقام املمارسة على عروسة ورقية تصنع على هيئة جميع الحاسدين ،وتغرز فيها اإلبرة مرات
عديدة والراقية تقول« :من عني اللى شافوك وال فالنة ومن عني فالن».. صلوا على النبى ..من عني ً مع ذكر األسماء األكثر احتماال فى الحسد ،وتتغير معنى العروسة حسب من يحملها ،وهنا فكرت أن أقدم فى أعمالى عالقة كل بطلة أو بطل بتلك العروسة وما تمثله له. فــى معرضها األخــيــر «مــيــتــولــوجــيــا» الــذى استضافه جاليرى املسار تعاود الفنانة استخدام العرائس الورقية بأكثر من صياغة فهى ليست عروسة واحدة بل عدة عرائس ،أحيانا عقد من العرائس ،أو وردة تضعها الفتاة فى شعرها ،إذ تقول الفنانة كان هناك دائما تساؤل ما يؤرقنى عن سر استخدام عروسة واحدة فى العادة لنحملها بكل تلك األشياء ،ومع مزيد من البحث اكتشفت أنها أيضا رمز الستمرار الحياة ،وقوتها تكمن فى ريعان الصبا ،وهى رمز لإلخصاب واإلنجاب .وهنا تظهر العرائس كرمز للقيمة التى تشكل الحافز لإلستمرار ،فمنا من يرى فى املعرفة ذلك الحافز وغيره من يرى فى رحلة بحثه عن السالم الداخلى وهكذا. تعترف أسماء أن األجـــواء التى تصور فيها عرائسها هذه املرة أكثر سالما ،إذ كانت من قبل ذلك كانت كل الصراعات واملشاحانات الداخلية، أما اآلن فهى أجواء أكثر احتفاء وبراءة وطهرا ،تلك األجــواء التى ترتبط بوصول املرء إلى بر األمان بمعرفته سر استمرار الحياة بالنسبة له. وال تكتفى أسماء برمز واحد فى لوحاتها ،إذ يحتشد كل عمل بمجموعة متضافرة من الرموز التى يتعني على املتلقى معها أن يفكها تباعا ،إذ تعتمد أسماء على مفهوم الرموز التراكمية بمعنى
أن اللوحة تتكون من مجموعة من الرموز وعلى املشاهد أن يعرف معنى كل رمز حتى يدرك معنى العمل الفنى. فحني وضعت النواوى عروستها الورقية مع زهرة الياسمني فهى تحيلنا لرواية «غربة للياسمني» لخولة حمدى إذ تشبه أسماء فى إيطاليا بطلة الرواية “ياسمني” فى فرنسا ..إذ تقول :أرادونى مثل زهرة الياسمني تعيش فى كل األجواء ،فالياسمني
أســمــاء ذاتــهــا حــاضــرة كبطلة رئيسية فى عدد من اللوحات، ويتحول مسطحها ملسرح من احلكايات محمل باملعانى .
نبات ال يحتاج إلى الكثير من ّ العناية .تكفيه دفعة واحدة من ّ السماد فى ربيع كل عام ،وتربة رطبة دون فيض من السقيا جميع ّ أنواع الياسمني تفضل ّ الن ّ ّ تتحمل وجود شىء مو فى مكان مشمس ،لكنها من الظل .لم تصبنى الدهشة من تلك النصيحة التى تحاول فيها األم أن تربى ابنتها على الرضا بالقليل فنحن نساء الوطن العربى تربينا أن نزهر مهما كانت الظروف ،تعلمنا أن نعطى حتى وإن لم نأخذ أى شئ فى املقابل ...وهو أمر ضاغط جدا، ربما يعلمنا الكثير من األشياء وربما يساعدنا للوصول للسالم الداخلى ولكن عبر رحلة شاقة. ومما ال شك فيه أن أسماء النواوى معنية بقضايا املــرأة ،وتلك الصعوبات التى تواجهها سواء فى الحياة فى هذا املجتمع وما ينتظره منها أو حني تخرج إلى املجتمعات الغربية وتواجه قضايا شائكة خاصة إذا كانت ترتدى الحجاب لتواجه صعوبات من نوع آخر مثل اإلسالموفوبيا ،لذا نجد أسماء ذاتها حاضرة كبطلة رئيسية فى عدد من اللوحات، ويتحول مسطحها ملسرح من الحكايات محمل باملعانى وبقصص بطالته فى الغالب ،إذ قليال ما يظهر الرجل كبطل فى أعمالها. ومن األمور الالفتة فى تجربة أسماء أنها تنبهنا إلى عدم االنبهار بالظاهر فاملعانى الخفية قد تغير رؤيتنا تماما ،فمثال تلك الزخارف النباتية الجميلة التى توظفها فــى بعض الــلــوحــات تحمل داللــة مغايرة ،فهى مستوحاة من الحضارة الفارسية، وعلى الرغم من جمال هذه النبتة اال أنها نبات ضار .وهى تمثل كل األشخاص واملواقف التى يكون ظاهرها جميال ولكن باطنها يحمل الكثير من الضرر للمرأة .كذلك فإن ذلك الطائر الجارح، الطائر الفينيق أو الفنيكس أو كما يعرف بالعنقاء هو طائر خرافى قوى وجميل وهو عندما يموت يتحول الى رماد ولكن سرعان ما يتحول الرماد الى طائر أقوى وأجمل ،هو يشبه املرأة املصرية الكادحة املطالبة أن تكون طائرا فينيقا كل يوم. ومما ال شك فيه أن أسماء التراكمات التى يحملها املسطح ال تنبع فقط من معانى الرموز وإنما تمتد إلى التراكمات الحضارية والفكرية والثقافية التى تخص الفنانة ذاتها ،إذ تحيلنا فى أعمالها إلى حضارات عدة من خالل بحث مستمر عن اختالف معنى الرمز من حضارة ألخرى فمثال نجد زهرة اللوتس التى تعنى فى الحضارة املصرية القديمة رمــزا لــدورة الحياة الجديدة والتى تتأثر بالشمس فتتغير مدى إزهارها على مدار اليوم بقوة أشعة الشمس ،نجدها فى حضارة شرق آسيا هى رمز للتطهر والنقاء .ففى إحدى اللوحات التى قدمتها فى معرضها األخير نجد فتاتيها محاطتني بأزهار وأوراق اللوتس اآلسوية فلقد اختاروا فى النقاء هدفا الستمرار الحياة. ويبدو اللون أيضا بطال أساسيا عند أسماء النواوى إذ أنها تستخدم درجات من األزرق والبنى الترابى تعتبر بمثابة بصمة تميز أعمالها ،ومع ذلك فقد حرصت أسماء على الخروج من عباءتها الفنية بتقديم عدد من األعمال التى ال تنتمى لباقى مجموعة املعرض فى مذاقها وألوانها ،ومنها مجموعة عروبة التى مزجت فيها الحروف العربية وغلب عليها استخدام درجات من اللون األسود، وكذلك اللوحتان املستوحاتان من الحضارة املصرية القديمة ..إذ ال تتوقف أسماء عن البحث والتجديد فى تجربتها الفنية لكشف املزيد من املعانى واملفاهيم والستكشاف ذاتها باملثل.
12
5مايو ٢٠١٩
العدد ١٣٤٥
نصوص لــ
أحمد مجاهد :عماد أبوغازى جاء إلى مكتبى سير ًا بعد تعيينه وزير ًا بدقائق حسن عبداملوجود
كان لقاؤهما األول فى املجلس األعلى للثقافة، فى مقره القديم بالزمالك ،كان ذلك فى مؤتمر «توفيق الحكيم» ،تم انتداب عماد أبوغازى وقتها من الجامعة بشكل عادى ،فقد كان مدرسًا ،بينما فشلت محاولة انتداب أحمد مجاهد ،املــدرس املساعد. ظل مجاهد يعمل بشكل غير رسمى وبــدون يحصل على مال انــتــداب لــســنــوات ،ولــم يكن َّ بانتظام« ،شهر ،وشهر ال» ،ولكن االثنني كانا يشعران أنهما يخدمان الثقافة ،وموضوع املال لم يكن فى بالهما ،كان جابر عصفور كبيرهما ،كانا ذراعيه ،عماد األيمن ،ومجاهد األيسر ،وكانت الصداقة تنمو بسرعة كبيرة بينهما ،وخرجت من نطاق العمل إلى نطاق الحياة الشخصية ،وشهد عماد أبوغازى على زواج مجاهد ً ،ورويــدًا رويدًا أصبح كل منهما مرآة لآلخر ومكمال له. وهذه حكاية ال يعرفها الكثيرون ،يسردها أحمد مجاهد.. رئيس الــوزراء األسبق عصام شرف استدعى عماد أبوغازى ليكلفه بحقيبة «الثقافة» ،وكانت الدنيا صعبة جــدًا ،والــشــوارع متوقفة بسبب اإلضرابات واملتاريس التى انتشرت فى كل مكان وصارت عالمة على تلك الحقبة ،ولم يكن أمام أبوغازى إال الذهاب سيرًا إلى مجلس الوزراء ،وبعد أن انتهى اللقاء مع شرف ،قرر أبوغازى املرور على صديقه أحمد مجاهد رئيس هيئة قصور الثقافة فى مكتبه بـ«عمارات العرائس» ،كانت املسافة يسيرة بني مجلس الــوزراء والهيئة ،وفى املكتب أخبره عماد بالسر ،أنه أصبح وزيرًا للثقافة ،ولكن السر لم يصبح سرًا بعد دقائق ،فبينما يتبادالن الحديث أعلن التليفزيون النبأ ،وكان أحمد مجاهد يشعر بأنه أدى مهمته فى هيئة قصور الثقافة، َّ وتشبع من العمل هناك ،ومن األفضل له أن يترك مكانه لشخص يمكن أن يضيف شيئًا جديدًا ،أما هو فقد كانت لديه خطة كبيرة للنشر فى هيئة الكتاب ،وبالتالى وبعد حوار قصير مع أبوغازى اتفقا على أن يتولى «هيئة الكتاب». يتظاهرون الهيئة يقول مجاهد« :كان موظفو ُّ مثل الجميع فى البلد وقتها ،كانوا غاضبني وسدوا املدخل ،ورفضوا وجــودى بمجرد إعــان اسمى كرئيس للهيئة ،وعماد أصر على أن يذهب معى إلى هناك ،وأنا رفضت ،وأصــرت على الرفض، وقلت له :أنت وزير ومينفعش تروح هناك نهائى والدنيا والعة ،وكتبت له استقالتى ،كنت أفكر فى أن صداقتنا تحتم َّ على أن أتــرك مكانى لكى ال أسبب له قلقًا ،ولكنه كان حاسمًا كعادته وتجاهلها، وأصــر أن ًيأتى معى ،وأمــام إص ــراره رضخت، وذهبنا فعال ،ووقف بثبات أمام املوظفني ،وطلب مجموعة منهم ،وذهبنا معهم إلى دار الكتب لنفتح معهم حوارًا ونستمع إلى مطالبهم ،وسألهم :ملاذا استمعتم إليه؟ تعترضون عليه؟ هل تعرفونه؟ هل ً هل رأيتم كيف يعمل؟ واستمعوا َّ إلى فعال ،وفوجئوا بأن َّ لدى خبرة بالهيئة ،وعملت فيها لبعض الوقت سكرتيرًا لتحرير مجلة (فصول) ،كما طرحت أمامهم بعض ما أفكر فيه لتطوير الهيئة ،وخرجوا مبسوطني ،ولكن االضطرابات لم تنته ،وقال لى عماد إنه سيأتى معى مرة أخرى ،كان قويًا وشجاعًا للغاية ،وال يرهبه شىء ،والبلد كلها كانت سايبة، واتصل برئيس الـــوزراء ،وقــال له إن ما يحدث بلطجة لن يرضخ لها أبــدًا ،وإن مجاهد إن لم يتمكن من تسلم عمله سيستقيل فورًا» ،ويعلق« :ال يمكن أن أنسى هذا املوقف ،ألنه يدل على معدن أبوغازى ،لقد ظل لفترة وجيزة فى منصبه كوزير للثقافة ،لكننا استطعنا أن ننجز الكثير ،بسبب تفهمه ودعمه وتنظيمه ،وقد افتتحنا ،على سبيل
25
لدى عماد ،كما يقول مجاهد ،هواجسه الغريبة ،ومنها ما يخص النظافة ،وامليكروبات ،إنه ال يأكل مثالً أى نباتات تطرح ثمارها بالقرب من األرض ،حينما كان صغير ًا ،فى بداية السبعينات حتديد ًا ،اجتاح البلد وباء ،له عالقة بالتني البرشومى ،ورغم أن القصة انتهت منذ زمن ،إال أن عماد لم ينسها ،وحتى اآلن ال يأكل التني البرشومى أبد ًا.
أدونيس يتوسط أحمد مجاهد وعماد أبو غازى املثال ،قاعة صالح عبدالصبور ،وهى أول قاعة للندوات فى الهيئة ،وأسسنا معرض فيصل للكتاب، وأصبحنا ضيف شرف معرض كتاب تركيا». أول سفرية لهما ســويــا كــانــت فــى معرض فرانكفورت ،وكانت جامعة الدول العربية ضيف الــشــرف ،وك ــان مسئول التنظيم هــو املــرحــوم محمد غنيم ،وكان االثنان يساعدانه« :أبوغازى دؤوب جدًا طول عمره ،ينجز ُفروضه على أكمل وجه بدقة متناهية ،وحينما تتاح أمامه فسحة من الوقت ينطلق فورًا بدون تفكير إلى املتاحف ومعارض الفنون واآلثار ،ويكون متسلحًا بالخرائط املناسبة للمدينة ،ويصور كل ما يحبه وكل ما تقع عيناه عليه ،كان وال يزال شغوفًا بالفن ،ولطاملا أثار إعجابى» ،ويضيف« :لم يختلف فيه شىء مع ترقيه فى الوظيفة ،فما كان يفعله وهو رئيس للشعب واللجان باملجلس هو ما يفعله وهو وزير للثقافة، وما يفعله فى أى مدينة هو ما يفعله فى املدينة التالية ،يخلع املالبس الرسمية بعد عمل كثير، ويتحول إلى سائح مثقف ،هذا هو تكوينه ،ال يعمل بالثقافة فقط ولكنه محب لها». أبوغازى هــادئ ،لكنه يكون صعبًا للغاية فى مواقفه ،إذا اتخذ موقفًا فإن عودته فيه تكاد تكون صعبة إن لم تكن مستحيلة .يحكى مجاهد قصة
جديدة.. ً «الشعب عن مسئوال أبوغازى عماد كان حينما ً والــلــجــان» باملجلس ،كــان مجاهد مسئوال عن «املؤتمرات» ،وحدث خالف ما بني جابر عصفور وقرر االستقالة، وأبوغازى« :كان عماد زعالن جدًاُ ، وعرفت باألمر ،ولم وكتبها وسلمها ملديرة مكتبه، ُ أســأل مطلقًا عن السبب ،وحصلت بطريقة ما على ورقة االستقالة ،وعماد عرف بذلك ،وكان غاضبًا جدًا ،وكتب أخرى ،وهذه املرة سلمها إلى مديرة مكتب األمني العام للمجلس الدكتور جابر عصفور ،وباملودة الشديدة واالحترام استطعت كذلك سحب االستقالة الثانية ،ومر املوقف بسالم فى النهاية ،جلس االثــنــان ،وزال الخالف كأن هناك من مسحه بأستيكة» ،وضحك« :الظرفني اللى فيهم نص االستقالة مقفولني لغاية اللحظة دى ،لم أفكر فى فتحهما مطلقًا ،وال يزاالن حبيسى صندوق الذكريات فى بيتى» ،ويعلق« :لم أشأ أن أسأل أيًا منهما ،الدكتور أبوغازى والدكتور جابر، رغم مرور كل هذا الوقت ما سبب الخالف ،وهذا هو الطبيعى فى العالقات املحترمة ،الغضب سيذهب وتبقى املحبة ،لقد رأيت فيه من اللحظة األولى شخصًا شديد األدب ،شاطر جدًا ،واألهم مخلص ،ولكن مواقفه حدية ،وهناك اختالف بني
شخصيتينا بكل تأكيد ،فأنا أميل بطبعى إلى املرح َّ فاكة معايا ّ حبتني ،أما عماد فيبدو متجهمًا والدنيا للوهلة األولى ،لكن حينما تقترب منه ستجد أيضًا ذلك الشخص البسيط ،والذى ال تفارقه ابتسامته الجميلة ،لقد قضينًا زمنًا ،نعمل معا طوال اليوم، ونتناول الوجبات الثالث معًا ،وال نذهب إلى بيوتنا إال للنوم ،ثم يتجدد اللقاء بنفس الشكل فى اليوم التالى ،لقد بدا أن الحياة ستسير إلى األبد هكذا، ولــم تكن لـ َّ ـدى مشكلة فى صحبة هــذا اإلنسان الرائع». لدى عماد ،كما يقول مجاهد ،هواجسه الغريبة، ومنها ما يخص النظافة ،وامليكروبات ،إنه ال يأكل ً مثال أى نباتات تطرح ثمارها بالقرب من األرض، حينما كان صغيرًا ،فى بداية السبعينات تحديدًا، اجتاح البلد وبــاء ،له عالقة بالتني البرشومى، ورغم أن القصة انتهت منذ زمن ،إال أن عماد لم ينسها ،وحتى اآلن ال يأكل التني البرشومى أبدًا. يضحك مجاهد« :خــاص ..انتهينا» ،ويضيف: «أيضًا قرر بعد وفاة أبيه أنه لن يرتدى إال كرافتة سوداء ،وقال إنه لن يغير ذلك إال فى فرح ابنته، وهذان املثاالن وغيرهما يكشفان لك صرامة ُعماد حتى فى األمور البسيطة ،وهى الصرامة التى ت ِّميز كذلك مواقفه الفكرية». دهاليز املجلس األعلى فى نمت صداقة االثنني ِّ للثقافة وأروقــتــه ،وبينما يحضران لكثير من املؤتمرات ،أو أثناء تلك املؤتمرات ذاتها ،كانا حريصني للغاية ،وعرفا أن شيئًا صغيرًا للغاية قادر على إفشال مؤتمر ،ولكنهما ،بحسب حكايات مجاهد ،كانا ُيفاجآن بأمور تبدو تافهة للغاية تصل إلى األمني العام نفسه ،فأحد املثقفني الكبار يتصل بمكتب الدكتور جابر ويخبر مديرته ليقول له إن غرفته تخلو من علبة مناديل« :كنا حريصني على كل شىء ،والضيف نعتبره مسئوليتنا الشخصية ،كان عماد يبقى فى املجلس بينما أذهب مع املثقفني إلى الفندق ،كنا نقسم أنفسنا بحيث ال يفوتنا شىء، جابر عصفور ،أال يترك شيئًا وهذه سياسة الدكتور ُ للصدفة ،هناك أمور كان تحل بابتسامة ،بضحكة، باستيعاب ،قيمة الضيف من قيمتك ،أنت أستاذ جامعة وهم قامات ثقافية كبرى». يعود مجاهد إلــى أبــوغــازى« :اآلن يمكننا أن نتقابل مرتني أو ثالثًا ،ومن املمكن أن نتحدث عشر مرات فى التليفون ،خالل العام ،لكن قوة عالقتنا لم تتغير ،وكل منا يقول أمام اآلخر ما يقوله فى ظهره ،بل إنه يقول كالمًا أفضل وأجمل بعيدًا عنى ،وهكذا أفعل أيضًا ،وكــل منا يجد اآلخر ،وال يحتاج سوى إلى رفع سماعة الهاتف». كــان مجاهد يعمل على بحث منذ فــتــرة ،كان البحث األخير فى الترقية ،واحتاج إلى بيانات من ثالثة أو أربعة سطور موجودة فى موسوعة «املرأة العربية» ،واتصل بعماد وقال له إنه يريد معلومات عن كاتبة معينة ،وقال له عماد إن املوسوعة ليست أمامه اآلن ،وبعد ثالث أو أربع ساعات اتصل به عماد وقــال له إنه سيرسل إليه ما يحتاجه على اإليميل« :أصبح اللقاء دوريــا شبه مستحيل فى ظروف الحياة الصعبة ،لكن عمق العالقة واملحبة واإلخالص يحفظ الصداقة متوهجة». ويقول« :ال يوجد سر بيننا ،ومع هذا ال يتدخل أحدنا فى شئون اآلخــر ،وهــذا أمــر مهم لتدوم الصداقة ،ما ال تريد الحديث عنه أنا ال أسألك فيه ،ســواء اآلن أو بعدين ،ولو أردت أن تتحدث فهذا يخصك ،كل منا يحترم املساحة الشخصية، وبالتأكيد أنا محظوظ به ،فهو شخصية نادرة فى التهذيب وفى األخــاق ،واإلخــاص الشديد، والثبات على املوقف ،وأنا فخور ملجرد أنه يعتبرنى أحد أصدقائه» .
5مايو ٢٠١٩العدد ١٣٤٥
عبدالرحيم املاسخ ـــ أحمد نوار أمل جمال السيد ـــ بشير ميلودى صباح هادى ـــ ماجد أبادير ـــ طلعت محمد
مدرسة الغيطانى مبناسبة افتتاح مدرسة جمال الغيطانى الثانوية العامة بنات بجهينة عبد الرحيم املاسخ
مدرسة صاحبها بقلوب األحباب فتحت للحب كما كان و ظلت تذكره إذ غاب كان جمال الغيطانى رواية تجمع كل الناس بكل األجناس جنود هوى تحت الراية حني ذهبت إليه وكنت آراه ألول مرة حني مددت يدى بشعرى وتلقفه كى ينشر سره ماذا قال؟ وماذا قلت؟
وماذا كان إلى اآلن؟ ليختلف الوقت لتخرج من موطئ قدمى لألجيال مسره هذا العلم الحر العاشق ال يكره أحدا مدت مصر يدا للسير فكان يدا تطرق أبواب امللكوت املتجمد و املتفكك و الحارق حتى اكتمل البنيان وأمن بمصر على أسرته اإلنسان فلو فرح ومات لكن الفرحة ال تلزم بوجود تتأزم فى فمه الكلمات مات غنيا باإلبداع ،فقيرا بالذكرى بني جحور األفعى كى تلهج شكرا إن الحارس للمجد
املتقلب فى فوران الوجد الحاضر قبل العهد .رمى القيد و فات لكن املدرسة بال صوت ضحكت كالنور و كاملاء وهى تخرج طول الوقت وفاء ووفاء ووفاء وجمال يصافح من دخلوا ويصافح من خرجوا يوصيهم باألحباب وينذرهم من كيد االعداء. ملف من ٣١إلى ٣٥
الفاتنات ينتظرن فى البيت أحمد نوار
كنت قد قررت أال تكتب عن االمتحانات حتى ال يصبح األمر مبتذال وسخيفا من كثرة الكالم عنه لكن اليوم كان ملحميا بكل املقاييس لذلك وجــب عليك تخليد ذكراه اليوم هو يوم أمتحان الرياضيات. بدأ اليوم بمشهد هزلى تنزل فيه من بيتك مهروال معتقدا أن الساعة هى التاسعة والنصف وقد تبقى نصف ساعة فقط على بدء االمتحان رغم أنك رأيت الساعة تشير إلى الثامنة والنصف لكنك نسيت ذلك بعدها بدقيقتني. لحظة استالم األوراق ويا لها من لحظة.. صوت صرصور الحقل يرن فى أذنيك ملدة عشر دقائق بعد استالم الورقة. تجلس فاغرا فاك على اتساعه شاعرا بالبله املغولى يتملك عقلك وإن كان مرضى البله املغولى يتمتعون ببراءة لم تحظ منها بشىء. نصف ساعة قد مر وال تجد سؤاال واحدا
أنــت متيقن مــن إجابته يشفع لــك عند الدكتورة. الوضع مؤسف للغاية ..صوت شادية يأتى عذبا من مكان ما فى مخيلتك «عملتو إيه ف الدنيا دى آه يا والدى آه يا والدى» تتلفت حولك ..ال ليس كما ظننت لم أكن ْ أحـــاول الــغــش!! كنت أحـــاول أن أعــرف أن كان هناك من أنتهت حــدود معرفته وكتابته عند ملء خانات البيانات مثلى فى أول الورقة فارتد البصر إلى خاسئا وهو حسير ،األغلبية يغتصبون األوراق بأقالمهم بينما ال تكف أيديهم عن الطرق على الحاسبة.
بعد وقت ليس بالطويل تدخل الدكتورة وعلى شفتيها ابتسامة انتصار من نوع «ابــقــوا قابلونى لو فلحتم» .تتجول بني الطلبة كقائد مظفر وسط أسرى الحرب بينما يتصايح الطلبة طالبني العون وتوضيح بعض األسئلة فتستمع السئلتهم فى غير اهتمام ثم تجيب كال منهم على حدة بنفس الجملة الساخرة الهازئة « يادى الخيييييبة» وتتعمد مط كلمة الخيبة بقدر اإلمكان حتى تتردد فى أذنيك ألطول وقت ممكن لتشعرك بمدى ضآلتك وحقارتك أمام علمها الال متناهى. كتب أصدقاؤك ما يكفى نجاحهم لثالثة أعوام قادمة بينما ورقتك ناصعة البياض
ليس أنصع منها سوى صفحات حسناتك. يصول املراقبون ويجولون فى املكان وعلى وجوههم ابتسامة شامتة وســاخــرة من البالهة املتبدية على وجوه بعض الطالب وطرق البعض اآلخر البلهاء املضحكة فى الغش. بعد فترة تملكك اليأس فصرت تكتب أشياء أنت نفسك ال تفهمها فى محاولة لسد الفراغات فى ورقة إجابتك. بعد أن مألت أوراق اإلجابة بتعاويذك وطالسمك غير املفهومة جلست تتأمل وجوه الزمالء البائسة. منهمكون فى حل تلك األحجيات وكأن حياتهم تتوقف عليها. بعد فترة كــان كــل مــا يشغلك هــن تلك الفاتنات الالتى تركتهن فى البيت أصابع املمبار التى تركتها أمس لتواسيك فى هذا الظرف العصيب وزجــاجــات البيبسى.. خرجت من اللجنة بلهفة عاشق سيلتقى محبوبته بعد طول غياب وبعد دقائق كان كل مايشغل بالك هو عدد األصابع التى لم تلتهمها من املمبار.
٢٤
٥مايو ٢٠١٩العدد ١٣٤٥
إشراف :منصورة عز الدين
كحل وحبهان:
كيف
١٣
٥مايو ٢٠١٩العدد ١٣٤٥
تتذوق احلياة؟ َّ
محمد سمير مصباح «أجلس وإلى يمينى جاذبية أبى وأمى ،ومدينة بعيدة تبدو اآلن قديمة ومعتقة وتأسر القلب كالحبهان ،وإلى يسارى جاذبية أبسط من القدرة على الوصفُ ،مغوية بال ضوضاء ،كالكحل الذى ُيظلل نظرة صافية». بتلك الفقرة يوضح عمر طاهر سبب تسمية روايته بـ"كحل وحبهان"؛ حيث أن قطبى حياة بطل الرواية وأمــه وجدته وخاله، هما عائلته املكونة من أبيه ِ ومدينته البعيدة التى تحوى ذكريات طفولته ،والذين الحبهان ،الذى البد منه فى يمثلون ِسحر وجاذبية َ الطعام والقهوة ليمنحهما َب َرك ِته ّ ،والقطب اآلخر هو بصفاء زوجته «صافية"؛ فتاة عادية ولكنها ساحرة ُ الطيبةً ،والتى تمثل الكحل روحها ِّونظرتها وعشرتها ً يزين العني ويزيدها بريقا وألقا رغم بساطته. الذى هى الرواية األولى للكاتب عمر طاهر ،سبقها عدة مشروعات أدبية ،كانت تحمل روح الصحفى الساخر ّ املنقب عن الجمال فى كهف القبح ،اختار أن يبدأ مسيرته الروائية من الطريق األقرب لقلوب الناس، ليس معدتهم ولكن حالة الحنني إلى املاضى ومشاركة الذكريات ،ليكتب سيرة إنسان باستخدام الطعام والرائحة. الــروايــة بــروح الثمانينات ،ومــا تسلل منها إلى الرواية تجد التسعينات ،وفى كل ركن من أركــان محاصرا بذكرياتك الخاصة التى َت َ ً صادف نفسك أنها ذكريات بطل الرواية وربما ذكريات جيل كامل، وكأننا مررنا على ماكينة تصوير مستندات لنطبع فى أنفسنا (روح بيوت الطبقة املتوسطة ،واألغانى الشبابية التى لم ُتعد شبابية ،واألكالت وطقوسها، والعادات فى األفراح واألحزان). َ> > > َت ُ طرق باب الرواية ِل ُيفتح لك باب البيت املصرى كما يقول الكتاب؛ فالجدة هى الكوكب الكبير الذى يعيشون على أرضــه الخصبة ،وهى ميزان البيت األكالت وعني الحكمة وما تضفيه على األشياء أو ً ً ً أو األحــداث يكسبها جمال وطابعا ِّ خاصا ورائحة ُ خاصة ،فالجدة فى هذه الرواية تذكر أنفى برائحة الخبز الفالحى _مستطيل الشكل_ لحظة خروجه من الفرن البلدى املصنوع من الطني ووقوده النار فى الحطب والقش ،مواقفها ومنطقها فى الحياة يجعلها كبطل خارق يفعل الصواب والخير ً دائما. ٍ ويمثل األب «إبراهيم» عمود البيت الذى يرفع القواعد ويضبط ما قد يميل بحزم ُ وحب ،يقول بطل ًالرواية ٍ العقاب" ،ولكن أيضا كان إن األب «كان يدير منظومة ٌ ّيتخلل ذلك الكثير من الحب وبعض من التدليل ،ربما يلخص العالقة بني األب وابنه تلك الفقرة َّ «تغيرت
الطريقة التى ينادى أبى بها اسمى ،كان التدليل يغزوها فى الطفولة ،ثم التوتر طوال فترة املراهقة، شابا ُم ً واإلشفاق ً غتربا ُم ً كافحا حتى تزوجت». وتجد األم هــى الشجرة التى تمنح االبــن الظل والسكينة والثمار ،هى من تملك مفتاح قلب ابنها الحقيقى وهو معدته ،وعن طريق استخدامها لذلك املفتاح َت ْع ُبر إليه وتفيض ُ بالحب ،تأخذ بيده إلى عالم ِ «الــراديــو» السحرى الــذى أخصب خياله ،وتجعله مالذه للهروب من بعض آالمه. فى حني أن خاله القريب من عمره ،هو الصديق والسمير وباب الهروب الخلفى من رتابة الحياة ،أو كما يقول عبد الله« :يجمعنى بالخال كل ما له عالقة بالحياة؛ الكرة ،واألغانى ،وأفالم السينما ،ولعبة
عالقة الرائحة باألشخاص والذكريات عالقة وثيقة ومعقدة، فكل شخص وحدث فى الرواية له رائحة خاصة يدور فلكل من فى فلكها، ٍ ُ املراهقة والحب والعائلة والوحدة والغربة والصداقة والنجاح والفشل رائحة وطعم ولون.
فى حالة فضفضة تغلفها شفافية األطفال، ً معددا األشياء التى توتره وال تمنحه الرؤية املطلوبة لإلجابة على السؤال. فى مطبخ الرواية ستجد لوحات فى حب صنوف األكل ،تجعلك تشتهى ما ُّ يتحدث عنه وإن كنت ُ ال تحبه ،وهذا يدل على تمكن عمر طاهر من أداة مهمة فى كتابة الرواية وهى دقة الوصف ،سواء مكان أو حدث أو حالة ،وفى وصفه لألكالت يستطيع أن يجعلك تراها وتشم رائحتها كما لو كانت أمامك ،بل قد ُيهيأ لك الشروع فى األكل. عالقة الرائحة باألشخاص والذكريات عالقة وثيقة ومعقدة ،فكل شخص وحدث فى الرواية له رائحة ُ والحب فلكل من املراهقة خاصة يدور فى فلكها، ٍ والعائلة والوحدة والغربة والصداقة والنجاح والفشل رائحة وطعم ولون.يتساءل الكاتب عن الرائحة َ وبعدها ُيطلعنا على تأويله لروائح األشياء؛ كرائحة الكتب القديمة ،ورائــحــة ما بعد املطر ،ورائحة النقود ،ورائحة القهوة .ومن أجمل مقاطع الرواية املقطع الذى يبتكر فيه سيسكو وخاله تلك اللعبة التى يصبغون فيها املشاهير بروائح معينة ،فعلى سبيل املثال «رائحة عبد الحليم حافظ هى تلك الرائحة العشبية الرقيقة التى تنطلق عقب قص الحشائش وتقليم األشجار وقصقصة فروعها» و"ليلى مراد رائحتها فانيليا» و"سعاد حسنى رائحتها كراميل محروق». > > > ً فى ًحبكة الرواية يفقد البطل حاسة الشم فقدانا مؤقتا ،إلى أن يتم إرشاده للعالج الروحى املتوفر ُّفى مطبخ منزله أال وهو الحبهان ،ومنه يبدأ رحلة التغزل فى التوابل وشرح الفلسفة واالنطباع الخاصني بكل تابل ،وال ينسى ذكر أهمية التوابل التاريخية والسيما حرب التوابل الشهيرة. يأخذنا «عبد الله» بطل الرواية من الخاص إلى األكثر خصوصية؛ فأن يتحدث شخص عن عاداته فى األكل ويحكى عن مدى شراهته وشهوانيته للطعام ،فهو يغوص فى أعماق نفسه بل ويقوم بتعريتها ،ألن هذا يعتبر من األشياء السرية التى ال يمكن البوح بها إال أمام املقربني كاألب واألم وربما الزوجة .فنجد أننا ً –الشعوريا -نحن من يتم تعريتنا من الداخل، كقراء وكأنه يتحدث عن أدق تفاصيلنا التى قد ال نحب التحدث عنها ،وهذا فى رأيى من أهم املالمح التى أحدثت ً تماسا بني القارئ وروح الرواية. إيقاع الرواية هادئ ومتزن يشبه تسوية األرز؛ فعلى نار هادئة تتابع أحداث خمسة أيام من حياة البطل ٍ خط وهو فى مرحلة املراهقة ،يتخللها «تقليب» فى ٍ ـواز يعرض حياة البطل بعد التخرج وأثناء عمله مـ ٍ وقصة حبه التى ُ الزواج .وفى النهاية تتذوق كملها ي ُ الرواية وقد نضجت تمام النضج فتتمنى أن تأكلها مرة أخرى.
الصراحة ،والنميمة ،والنكات الفاحشة ،وتقليد األقارب» .وذلك ما قد يتمناه أى شخص فى صديقه. استخدم الكاتب لغة بسيطة معبرة عن حياة مراهق «عبد الله أو سيسكو" ،التى تذكرنا بهولدن كوفيلد بطل رواية الحارس فى حقل الشوفان ،مع الفارق بني ً ً ساخطا ،وسيسكو غاضبا الشخصيتني ،فكوفيلد كان ً ً حائرا .وبرغم بساطة اللغة تجدها شاعرية محبا وعذبة ،فلم يستطع عمر طاهر أن يخلع عباءة الشاعر وأفاض علينا بتشبيهات تجعل ما يصفه _على سبيل كقصيدة نثر. املثال_ من الطعام ِ وبسبب ضمير املتكلم الذى استخدمه عمر طاهر يظن البعض أنها سيرته الذاتية، ليكتب روايته ،قد ً ولكنك قد تشعر _أيضا_ أنها سيرتك أنت ،فبالرغم من أنه لم يذكر اسم املدينة التى هى مسرح األحداث فى مرحلة الطفولة ،ستشعر عند القراءة أن ً كثيرا من تلك األحداث تخصك ،وأن هناك شيء ما يشبه مرحلة ما من حياتك. > > > ََ جهة أخرى ،ربما كان من األفضل لو ذكر اسم من ٍ ً مدينته ليضفى مزيدا من الخصوصية والصدق على أحداثه ،ولتطبع املدينة روحها على صفحة الرواية. عندما َيسأل بطل الرواية نفسه ،ماذا رأت عيناى ً أصل؟ ستجد اإلجابة -وإن اختلفت األماكن بها -تلمس ذكريات طفولتك ،وتأخذ بيدك إلــى املاضى فى طفل ولكن بعقل رجل ٍ جولة بانورامية ،يسردها لسان ٍ ناضج .ما يؤكد لنا أن عينا عمر طاهر كاميرا تلتقط أدق التفاصيل دون أن تنسى شيء كى ال يختل جمال ُ حترف ال يغفل الصورة ،وأنه يمتلك مهارة رسام م ِ وضع ولو أدق التفاصيل ،حتى وإن كانت مجرد قطرة مطر واحدة فى مكان ما فى لوحته ليعبر عن طقس اللوحة. وحينما يسأل ًنفسه :ما هو ِّأجمل ما رأته عيناى؟ ً وطبيبا يشخص حالته بمهارة ،فيقول: ستجده فيلسوفا «القدرة على الرؤية تحتاج إلى سالم ،وأنا أشعر بعدم الكتاب :كحل وحبهان االرتياح معظم الوقت ،وتؤملنى معدتى كلما اقترب املؤلف :عمر طاهر منى التوتر ،وهو يظهر لى ً دائما» .ويدخل _بعد ذلك_ الناشر :الكرمة
للفنانة :أسماء النواوى
فى الشارقة شىء أليف يوهمك أنها تستقبلك كما ودعتك آخر مرة .أقول «يوهمك» ألن عالقتنا باملدن قائمة على الوهم واإليهام ً والحدس ،ال نكاد نعرفها أبدا ،بما فى ذلك (أو ربما على وجه الخصوص) مدننا األم .كانت زيارتى للشارقة خاطفة هذه املرة ،وصلتها ً ً صباحا ،وكانت فجرا وغادرتها فى اليوم التالى املناسبة حضور عرض فنى ساحر عنوانه «ألف ليلة وليلة ..الفصل األخير» ،وهو العرض الذى احتضنه مسرح املجاز الشهير -املقام على نمط املسارح الرومانية -فى اليوم العاملى للكتاب23 ، ً أبريل ،احتفال باختيار الشارقة عاصمة عاملية للكتاب .2019 شارك فى هذا العرض ،الذى حضرته باقة من الكتاب والدبلوماسيني والشخصيات الثقافية من مختلف أنحاء العالم ،فنانون من 25دولة، ً واعتمدت مشاهده البصرية على 13فنا من فنون األداء ،واملوسيقى واألكروبات وفنون ً أنواعا مختلفة من الضوء والظل ،كما وظف الرقص مثل «بريك دانس»« ،هيب هوب» والرقص املعاصر وتعابير راقصة من الصني والهند، وتجاور فيه الغناء العربى بصوت سعاد ماسى مع الغناء واملوسيقى األرمنية وموسيقى التانجو األرجنتينية وغيرها .كل هذا فى تناغم مدهش ضبط إيقاعه عزف أوركسترا مكونة من 51 ً عازفا. ولعل أهم ما فى هذا العرض كان ًاملؤثرات الصوتية والبصرية القريبة أحيانا من «خدع ُ شاهد للتساؤل إن كان ما يراه سينمائية» تدفع امل ِ خداع بصر أم ماذا! فعلى خشبة املسرح تهب العواصف ويثور البحر ويبرق البرق ويظهر الراقصون كما لو أنهم يهزمون قانون الجاذبية َ فى بعض املشاهد. فى هذا العرض املشتبك مع «ألف ليلة وليلة» نرى شهرزاد فى آخر حياتها ،تطلب من شهريار أن يجمع أبناءها الثالثة ،فيروز وأمني وقادر، وتكلف كال منهم بمهمة تتطلب رحلة من نوع ما لجلب شىء محدد .تنطلق األميرة فيروز إلى حديقة الدمع وتعود بقارورة حبر ،ويبحر األمير قادر نحو الجزر الصامتة؛ حيث يتوقف الزمن، ويعود فى النهاية بريشة طائر الفينيق ،ويذهب األمير أمني إلى الوديان القاحلة ويجيب عن عدد من األسئلة واألحجيات ،يوجهها له جنى ،ويعود بكتاب. فى النهاية تخبر شهرزاد أبناءها أن حكايتها األخيرة هى حكايتهم هم ،وعليهم أن يواصلوا ما بدأته ،فالكتاب هو ما يحوى املعارف كلها، والريشة والحبر هما أداتا الكتابة .وإذا كانت «الليالى العربية» مخصصة ملديح فن الحكى ،فإن هذا النص املشتبك معها ينبنى بدوره على محبة الحكايات والكتابة والكتب. تبقى اإلشارة إلى أنه باختيار الشارقة عاصمة عاملية للكتاب ،٢٠١٩تكون ثالث مدينة عربية تحظى بهذا اللقب بعد اإلسكندرية 2002 وبيروت .2009
م.ع
الشارقة ..عاصمة عاملية للكتاب!
١٤
٥مايو ٢٠١٩العدد ١٣٤٥
٢٣
٥مايو ٢٠١٩العدد ١٣٤٥
يدخل إليها من باب الذكريات:
فاروق حسنى
يعود إلى أرض املعركة بعد رحيل خصومه!
ً ً وغالفا أنيقً ا ،الكتب ليست للمباهاة وال لالستعراض الفارغ ،عناوينها ليست وورقا حبرا الكتب ليست ً ً فخاخا ناعمة محبوكا داخلها تصوراتنا عن األحداث ،بعض الكتب مصيدة للقاريء ليشتريها ،ليست كذلك ،من حق أصحابها املكتوبة أسماؤهم بالبنط الفخم العريض أن يقولوا ما شاءوا ،ثم لنا نحن القراء حق التصديق والتعليق والتأويل واحلوار. وإصدارا حلكم قبل القراءة ،أمهد لوجهة نظر ا تزيد هذا يبدو كتاب! ما الداعى ملقدمة كهذه قبل عرض ً ً عدائية ضد الكتاب وهو منطق يخالف العمل الصحفى والثقافى ،لكن الكتاب الذى نحن بصدده ال يترك لك فرصة ،منذ اللحظة األولى ال بد لك أن حتدد موقفك منه ،مع أو ضد ،هذا هو املنهج الذى تأسس كثيرا عن شخصية بطله :الفنان فاروق حسنى وزير ثقافة مصر األسبق ،الرجل عليه ،منهج ال يختلف ً الذى كانت املعارك ظله الذى يأتنس به.
ياسر عبد احلافظ كثيرون سيقرأون كتاب «فــاروق حسنى يتذكر... زمن من الثقافة» بوجدانهم مثلما فعلت أنا ،أولئك الذين كانوا الطرف اآلخــر من املعركة ،الوزير َ عالم كانت ورجاله فى ناحية ونحن فى األخرى، املعركة؟ سألت نفسى قبل أن أفتح الكتاب ،ألنك ما إن تغادر أرض معركة إال وهدفك نسيانها ،وما جرى منذ 2011إلى اآلن كان له أكبر األثــر فى إغالق الكثير من امللفات على ما هى عليه ،على الخالفات ووجهات النظر املتعارضة ،من مع ومن ضد ،على ذكرى من احترقوا فى مسرح ،وعلى أثر راح فى غمضة عني ،ولوحة بماليني ُسرقت ،على سؤال :ما الذى نريده من الثقافة؟ ما أهمية البناء واالفتتاحات بال مردود ثقافى حقيقى؟ لكن فاروق حسنى لم ينس ولم يغلق امللف ،حقه بالطبع ،ومن يجادل ،بغض النظر من على صواب ومــن على خطأ فهذه كانت معركة حياته التى عاما و 3أشهر وً 13 قضى فيها «ً 23 يوما» وفق حساب الكاتبة الصحفية والزميلة انتصار دردير ً ً حوارا طويل مع الوزير األسبق نتج والتى أجرت عنه الكتاب الذى فضل حسنى أن يكون على هذا الشكل ألنه ال يحب «املونولوج فى الحديث ،فمتعتى الحقيقية هى تحفيز اإلبداع من خالل عقل آخر يقوم بالبحث داخل عقلى» ،هكذا جاء دور انتصار الــتــى «كــانــت املــحــرض واملحفز لكل ذكرياتى وحواسى بعد أن أبعدنى عنها القلم بطرفه املدبب الــذى سجن تفكيري" ،ويكون ثمرة التعاون بني ملسات الريشة والقلم بطرفه املدبب هذا الكتاب «أسجل إعجابى بما قامت به هذه الكاتبة املوهوبة بحث دءوب ،وإيجاد معظم الوثائق التى تعطى من ً تشويقا ً كبيرا لالسترسال فى القراءة ،مع صياغة جمعت بني األدب وفن الحوار ،مع الرصد والتحليل، والتوثيق». لكن هــذه وجهة نظر الوزير األسبق فى العمل، فماذا عنا نحن؟ الحقيقة أنى بدأت قراءة الكتاب بال حسابات ،والكلمة التى دونها الــوزيــر على غالفه الداخلى حــول البحر ،والــنــداء الغامض ً بينهما ،أوهمتنى أن الكتاب سيكون معتدل، ً إنسانيا ،سينسى فاروق حسنى املنصب السابق له ً ما زال جالسا ويتحدث كفنان ،لكنى فوجئت أنه ً على الكرسى لم يغادره ،ما زال واقفا على أرض املعركة بكامل عدته وعتاده ومعه من يقرع طبول الحرب ويسمعنا قصائد الفخر والحماس «إن سجل فاروق حسنى الذى يرصده هذا الكتاب يوضح كيف خاض املعارك على جميع الجبهات ،وكيف تصدى
لهجمات األعداء كما واجه نيران األصدقاء». املقتطف السابق جزء من مقدمة ثانية للكتاب بقلم محمد سلماوى تحت عنوان «فاروق حسني ..الفرس املتمرد» ومنذ سطورها األولــى تفهم روح هذا ً تماما لتنسى كاف الكتاب ومنهجه ،السطر األول ٍ هذا البحر الذى تحدث عنه حسنى ،ال بحر ًوال هدوء فى الكتاب «سوف يظل فاروق حسنى رمزا ً باقيا ً جالسا على عبر السنني للفن والثقافة ،سواء كان ً مقعد الوزير بمكتبه فى الزمالك ،أو واقفا يخلط ألوانه »..هكذا يقول سلماوى فى بداية مقدمته ،أمر عليك أن تضعه فى ذهنك كقارئ ،وأنت تعرف أن الرموز ً دوما هناك من يسعى لهدمها ،هناك من يشن عليها املعارك ،أعداء من اتجاهات مختلفة: اإلخوان املسلمون ،بعض املثقفني ،قيادات الحزب الوطنى الحاكم ،والتى يكشف عنها النقاب ألول مرة من خالل الكتاب كما يقول سلماوى ،الحزب الحاكم الــذى لم ينضم حسنى لعضويته وظلت قياداته تعمل بدأب للقضاء عليه!. مقدمة سلماوى تقول ببساطة إن فاروق حسنى كان يعمل وحده فى عصر مبارك الذى ساده الجمود فى كل املجاالت» ،ولو أن ما حدث فى الثقافة حدث فى املجاالت األخــرى لتغيرت الحياة فى مصر بشكل كامل ،لكن ذلــك لم يحدث ،وظــل فــاروق حسنى االستثناء الذى يثبت القاعدة» .ليس هذا فقط ،إنجاز فاروق حسنى من وجهة نظر سلماوى لم يتوقف فقط على أنه األبــرز واألهــم والوحيد فى عصر مبارك بل يتعداه إلى «وإذا كانت البالد
تخطو اليوم خطوات عمالقة على طريق اإلصالح وعلى طريق البناء والتشييد ،فإن الصرح الذى بناه فاروق حسنى فى السنوات التى سبقت الثورة لم يستطع أن يطاوله أحد فى السنوات التى تلتها، وهذا الكتاب بلغة الفن هو (سكيتش) مبسط لهذا اإلنجاز». هل يتحدث سلماوى عن بشر مثلنا يسير على األرض؟ ال ،هو يتحدث عن فاروق حسني! ورغم ً هــذا قد يكون مقبول أن تكون هــذه وجهة نظر شخص فى الكتاب ،على أن توازنها وجهات نظر أخرى ،كتب السيرة سواء كتبها الشخص أو كانت على شكل حوار أو أى طريقة أخرى ،ال بد لها من مقومات لالعتراف بها ،خاصة إن كان كتاب سيرة ملسئول رفيع فى الدولة ،ال بد من قدر كبير من الحساسية ،ومن الضرورى أن ترى وجهات نظر اآلخرين وتتحاور معها ،لكن على الضد من هذا فإن ما كتبه سلماوى ،يشكل الرؤية األساسية ،بل والوحيدة ،التى انبنى عليها العمل من أوله آلخره، للتكريس لصورة وحيدة ً «أحد أهم وأنجح وزراء الثقافة فى مصر ،محققا من اإلنجازات ما لم يحققه وزير آخر فى التاريخ املصرى الحديث» .كما تختتم محاورته انتصار دردير مقدمتها. >>> من املهم التأكيد على أن انتصار درديــر بذلت ً ً كبيرا فى إنجاز العمل ،تحقق من خالل جهدا لغة الكتاب وأسلوبه ،ولو لم يكن ملا أقرأه مردود واقعى داخــل نفسى لقلت إنــى استمتعت للغاية بقراءته ،هناك بناء تصاعدى يشبه بناء الرواية، لدينا بطل هو فــاروق حسنى ،وكلمة البطل هنا أقصدها بمعناها امللحمى ،من البداية يرسم العمل مالمح هذا البطل ،نشأته التى حملت إرهاصات االختالف والتفرد والتى كانت األم أول من ملحتها وشجعتها .ترسم انتصار لوحات تذكرك باألعمال التراجيدية ،هناك خيال ووعــى سينمائى يقود الكتاب من البداية إلى النهاية ،يمكنك حتى أن تسمع املوسيقى من بني صفحات الكتاب ،موسيقى أقل ،أنشودة البهجة لبيتهوفن ،عمل ً كالسيكية ال ً ً ً تدريجيا وصول إلى يبدأ خافتا هادئا ويتصاعد الكريشندو. لكن ،يكمن الضعف األســاســى فى البناء الذى تعمدته إنتصار فى املغاالة ،فى النهاية لسنا بصدد رواية حتى لو استعارت شكلها ،من املفترض أننا أمــام عمل توثيقى ،واألعمال التوثيقية ال تخلط
نقالت متسارعة اإليقاع ملعالم ذلك العصر احلميم ومالمحه األثــيــرة ،فأغنية ليلى مــراد عن معاودتها قــراءة «جوابات» احلبيب وكتابتها مراسالت له تستدعى أغنية «رجاء عبده": «البوسطجية اشتكوا من كتر مراسيلي" ،وتستدعى الديوان الشهير لعبد الرحمن األبــنــودى« ،جوابات حراجى القط"، وصوالً إلى أغنية جناح سالم« ،عاوز جواباتك" ،فى تناسل اســتــدعــائــى لنصوص ذلــك الــزمــن وكــأ ّنــنــا إزاء «تــصــادي» نصوصى ،فلكل نص صدى فى نص آخر قد يتشارك معه ويتماثل معه فى بعض التيمات ويتخالف معه فى تيمات أخرى. ومما تتداعى الذات الساردة فى بيانه «الغواية» التى تعنى «الهواية" ،باعتبارها مبدأ حياة: الغواية حقا ال تقاوم ،كنت أبتسم عندما أستمع إلى أغنية صباح ..الغاوى ينقط بطاقيته تسلم لى عينه وعافيته... وبعدها تتدلل وهى متط الكلمة كأنها تتذوقها على مهل... الــغــاوي ..عينى أصبحت تلتقط أى غـ ٍـاو وتنتبه له فتجده مجيدا فى غوايته ،العب الكرة الشراب احلريف ،جتده من فرط غوايته يقضى يومه بطوله فى الشارع فى لعب الكرة الشراب ..الغاوى مزيكا جتده عازفا شاطرا متميزا ..راقب معى وسترى صحة فكرتي .من ال يغوى شيئا معينا يفقد الكثير من املتعة فى حياته ،فالغواية سحر احلــيــاة .وهى باللغة املتأنقة ....الهواية ،حتى لو لم يتميز املرء فى هوايته، فسيستمتع باحلياة وسيشعر مبعناها .استمرت هوايتى للمسرح على مدى عمرى ،عاوز أم ّثل؟ِ ..ل َم؟ ...ال أدرى ،أم ّثل وخالص(.ص ص.)19 18- تبدو الذات الساردة فى استدعائها الذاكراتى لذلك العهد احلميم مسكونة بآثاره بأغانيه وممارساته وهو ما يتبدى فى التداعى املستمر وتكرارية لفظة «الغواية» ومشتقاتها واستمتاعا بها ،وهو ما يجعل جلمل باعتبارها عش ًقا للحياة ً إيقاعا يساعد على تدفق لغة احلكي. السرد وغنائيته ً كما يــبــرز الــصــوت الــســارد تـ ــرددات الـــذات بــن خياراتها ومنشوداتها ،ويعمل االلتفات باستعمال ضمير املخاطب هنا على استدعاء الصوت السارد للقارئ مبا يجعل الدفقة السردية كأ ّنها بوح حميم وحــوار يجريه السارد مع متلقيه االفتراضي. كسر اإليهام فى بعض املواضع من النص الروائى يخاطب الصوت السارد قارئه ،كما فى حديثه عن اجلدة فى مستهل الرواية: و ِل َدت تقريبا فى جيل أم كلثوم وطه حسني وجنيب الريحانى، حتى تستطيع أيها القارئ العصرى أن تتمثلها فى ذهنك بقدر من احلميمية .ال تغادر بيتها املطمئن فى شارع جزيرة بدران بأول شبرا ،شبرا أيضا ،نعم ،ال تغادره بسبب ضعف ركبتيها وصعوبة حركتها مع استحالة صعود السلم للدور الرابع حيث تستقر شقتها( .ص.)5 يستعمل السرد هذه الوسيلة املسرحية فى األساس ،مبخاطبة القارئ ،مبا يناظر مخاطبة املتلقى لكسر احلاجز الرابع فى املسرح ،رمبا للمسافة الزمكانية بني عصرين اختلف بينهما املكان وتبدلت مالمحه ،وكأن السارد ال يريد ملتلقيه وقارئه التماهى مع أحداث القص بشكل مفرط. السخرية من الوسائل التعبيرية التى يستعملها السرد فى رواية «صافينى مرة» فى أداء رسائله جلوء السارد أحيا ًنا إلى السخرية: أراد الرئيس عبد الناصر زيادة عدد الطلبة املقبولني باجلامعات حتقيقا ملجانية التعليم على أصولها ،لم يكن عنده أماكن كافية باجلامعات وال ميزانيات لبناء فصول تستوعب املقبولني ،لم تعطله هذه العقبات فقرر أن يقبل الطلبة املتقدمني بأى أعداد ويحشرهم فى األماكن املتاحة ،يعنى مببدأ لقمة هنية تكفّى مِ ّية ،أو حصيرة الصيف واسعة(.ص.)45 متثل السخرية طريقة أداء بالغية ووسيلة نفسية متارسها الذات فى مواجهة واقع ال ترضاه ،قد فقد املنطق ،واقع ال تستطيع الذات تغييره أو تعديله وتبدو مضطرة لتق ّبُله ،كما يلعب التعبير الساخر ،هنا ،الذى يُ َّ وظف فيه أمثلة مأثورة وحك ًما شعبية ،دو ًرا أشبه باملوازاة االستعارية. الكتاب :صافينى مرة املؤلف :نعيم صبرى الناشر :دار الشروق
أمجد ناصر صدرت حديثاً عن منشورات املتوسط ــ إيطاليا، مجموعة شعرية جديدة للشاعر األردنى ،املقيم فى لندن «أمجد ناصر» ،حملت عنوان« :مملكة آدم». ِ األحدث هذا ،يُساجل أمجد ناصر ،التراث فى عمله امليثولوجى للجحيم ،وسواه فى الواقع ،لكن من ٍ مهاد ٍ أرض البشر ،أو كما جاء بانورامية أولى كبرى ،هى ُ فى مقدمة الناقد واملترجم السوري صبحى حديدي للكتاب :هذه ،املعاصرةُ على وجه التحديد ،شهدت العذاب ني جحيم ال تتف َّو ُق على خوارقِ ِ وتشه ُد أفان َ ٍ ِ ِ اجلحيم التى ص َّورتْها املخ ّيل ُة تنويعات مختلف فى ِ ُّصوص ن وال ر األساطي بها دت توع أو اإلنسانية، ّ ُ ُ تتحدى أقصى ما املق ّدس ُة ،فحسب؛ بل لعلّها ،أيضاً، َّ ُ طاقات استحضار َّ ِ ميلك التخيي ُل من الش ِّر ،ومتثيلِ القسوة ،واستكنا ِه األلم ،وجتسيدِ املوت .وهذا ما يفعل ُ ُه ٍ ٍ أمجد ناصر هنا ،على امتدادِ جحيمية، طبقات سبع ِ يدير فى ٍّ ٍ دي إنساني اشتباك كل منها بني َة وأخالقيَ ،ف ْر ٍّ ٍّ ٍّ تخييلي ،فى ٍآن معاً؛ ومجازي ، ملموس ي د ما عي، ٍ ِّ ٍّ ٍّ َ ٍّ وج ْم ٍّ اشتغاالت ّ ٍ خلقة ،الستقصاءِ ولك ْن ،دائماً ،ضم َن إطار ِّ معادالت ِّ َ خلف هذه البنى املشتبكةِ والشعرِ َّيةِ ِ الشعرِ واملتشابكة. لكن جحي َم أمجد ناصر ليس منشأ ًة ميتافيزيقي ًة أو ّ ً إبالغهِ ِ ِ واإلحلاح على «اهلل» ة مفرد م رغ ، ة ماورائي تكرارِ َ ِ ِ اإلشارات إلى مبا يجرى فى مملكةِ مخلوقِ هِ آدم ،ورغ َم وإبليس وصعودِ الشاعرِ املتكلِّ ِم فى القصيد ِة عزرائي َل َ حداداً «إلى ِعلِّ ِّي ْي» ،غير م ّيتَ ،ح َّياً ،وجاه ً ال ،إ ْن كان َّ أم ّ جناراً أم ميكانيكياً أم شاعراً ،وظا َّناً أن ُه رسو ٌل غي ُر إلهي! ولهذا فإنّ ما تستكش ُف ُه قصيدةُ أمجد ناصر من ٍّ غيبي مفهوم ِ مراتب الشقاءِ وطبقاتِهِ ال يندر ُج فى أيِّ ٍّ ٍ العقاب فى احليا ِة اآلخرة ،بل هو مثا ٌل من أرض عن ِ البشر فى عصرِ نا ،تُنشئة أجهزةُ االستبدادِ والفسادِ واجلشع والهيمنة؛ بل ليس ث ّم َة مبالغة فى القول إنّ ِ اإلشارات السور ّي َة هى ميدانُ ُه ومشهد ّيتُهُ. ُ املأساةَ ّ فى هذا الصددِ كثيرةٌ وجل ّي ُة املغزى« :البرامي ُل التى تس ُ ؤوس كامل َ َطر الذى أرسل َ ُه اهللُ إلى اقط على ال ُّر ِ َّ والساري َن فى مملكةِ د و«بال أخرى»، مم البراميلِ ُ َّ أُ ٍ آدم»َ ، تي واملساميرِ و«خ َزنَة البراميلِ املع َّبأ ِة بـ التى إن ْ وأنصالِ السكاكني» ،و«األب باولو دالوليو». هي رسال ُة ّ اللغفران التى يُرسلها أمجد ناصر إلى األرضي وضحاياه ،وشقائِنا جحيمنا عصرِ نا ،حول ِّ البشريِّ وصانعيهِ ،وحو َل مملكةِ آدم «حيثُ صارت مصاصى الدماءِ /أَ َكلَةِ ُ ُ وم الكلم ُة للزّومب ِّي ْيَّ / ل ِ ِ الصب َيةِ الصغارِ / بى غتص م / األعراض البشرَ /هاتِكِ ى ِّ ِ ُ رجالِ اخلازوقِ والكراسى الكهربائيةِ ُ /مح ِّولى ال ُق ُرودِ بشر ،والعكس /عا ّقى آبائِهم وأ ّمهاتِهم /الذين إلى ٍ َ التشريح» .بيد فى سريع س ر د ك ؤوس ر ال ٍ َ يقطعون ّ َ ْ ٍ ِ ّ سج َل نقل ًة ي لكى إل َب ت ك ي لم هذا ع ُ ِّ ُ ّص البدي َ أنّ الن َّ ِّ ةِ املقام فى ي الش ناصر أمجد جتربة ن ضم متق ّدم ًة عرِ َ َّ ِ
فى مملكة آدم
ٍ األ ّول ،بل إنّ إنتا َج قصيدةٍ الهاجس األش ُّد رفيعة هو ُ ِ عطيات العمل الف ِّن َّيةِ ؛ أل ّنه إمنا يبدأ ُ من بروزاً فى ُم ٍ بالغة فى امل َ ْعنى واملَبْنى ،تُع ِل ُن ِش ْعر َّيتَ َها العالي َة على َّص النبيلةِ ،األخالقيةِ ِ ن ال لنبرات ح تا ي فال الفور، ِّ ُ ُ والعاطفيةِ والفلسفيةِ ،وال األهوالِ اجلحيميةِ وبواطنه ،أن ت ِ ِ ُبط َئ ارتقا َء الطاغيةِ على سطوح املَعنى اجلماليات ِّ ِ الش ْعرِ َّيةِ فى ُمستوياتِها املُختلفةِ واملُتكاملة. جته ُد «مملكة آدم» كثيراً لكى يتماهى القارئُ مع جحيمِ ها ،ولكى يكو َن شريكاً فى إعاد ِة إبصارِ أهوالِهِ ، ابتداع مخ ّي ٍلة أو بوصفها سم َة عصرِ نا ،وليست نتا َج ِ ديني .وهذا ،تالياً ،عم ٌل ِش ْعرِ ٌّي فري ٌد، أسطورةٍ أو ٍّ نص ٍّ بص ُر عيانياً ومسرحياً وسينمائياً؛ ي بل ال يُق َرأ فقط، ُ َ ويُس َمع أيضاً ،واستطراداً ،ألنّ عماراتِهِ اإليقاعي َة ال عجل ،وال تض ُّخ األناشي َد قارع ًة تُدغد ُغ اآلذا َن على ٍ ٌّ َ واختراقي، ح وجار ذ ف ، ع رفي ي ع ش رِ ٌّ ٌ ٌ ُمنذِ َر ًة .إنه بيا ٌن ِ ْ ٌّ لكنه أيضاً ٌ رهيف وجدانياً ،ونبي ٌل إنسانياً ،و ُمنحا ٌز َّ ِ الفظاعات التى أخالقياً؛ يتوغ ُل عميقاً فى أنساقِ األرضي ،وصارت اجلحيم و صن باتت البشريِّ ْ َ ِ ِّ ُ السور َّي ُة مثالَ َها األ ّو َل ،وأمثولَتَها العليا. ة املأسا ُّ كما جاء فى قراءة الكاتب والشاعر اللبناني ع ّباس بيضون ملا نُشر من «مملكةِ آدم» فى العدد األول من يخوض أمجد فى القدر مجلة «براءات» الشعرية: ُ والنِّهاية وال َّ َّ امللح َمة، فى يخوض ه ن إ أى ير المعنى وامل َ ِص ُ َ ُ ِ مشارف وق َم ٍم نقف على ونح ُن نقرأ ونشع ُر بأ َّننا ملحمية ،فنحن ال نصل إلى ال َّ ٍ السلب الشيء وإلى ّ وض فى أغوار فاغرة ،إال بعد املُطلق ،إال بع َد أن نخُ َ السراب وعلى أن من َّر على اجلميع وعلى املنفى وعلى َّ الن ِ حرب اإلنسان مع نفسه ِّهايات املُظلمة .نح ُن هنا فى ِ وحربه مع قدره ،وحربهِ مع الكون ،ومع تهاوى معناه وصيرور ِة ك ِّل شيءٍ إلى نفى عارم. ِ بالكلمات فى ُمط َّولته امللحمِ ية يخوض أمجد ناصر ُْ امل َكمة ،ما ميكن أن يكو َن عمار ًة من الن ِ ِّهايات ومن ٍ معركة كونية ،فى ِسفر املصائر واألقدار .إ َّنه فى كونى وفى صراع بني األركان واملصائر ،وبني املعانى المعانى ،وبني الوجود وال َّ وال َّ الوجود لدرجةِ أن هذا النَّص يبْنى على الريح معركة سدميية وبال حدود .إ َّننا فع ً نص أمجد ناصر قصير ال فى قلب امللحمة ،ولو أنَّ َّ بالقياس إلى امللحمة إ َّال أنَّ كونية هذا النص تُوازى ُ تقاطعاتِها وقدرته على النَّفى ملحم ًة كاملة ،بل إنَّ بالسلب ،الكتابة باخلواء ُ ْ امل َكم ،جتع ُل من والكتابة ّ وتناسقِ ه وامتداده طابقاً ِه ت م واستقا سويته فى النَّص َ ُ بعد طابق وركناً بعد ركن معماراً حقيقياً وملحمة موجزة. الكتاب :مملكة آدم الشاعر :أمجد ناصر الناشر :املتوسط ـ ايطاليا
٢٢
٥مايو ٢٠١٩العدد ١٣٤٥
١٥
٥مايو ٢٠١٩العدد ١٣٤٥
صافينى مرة:
سرد
النفس الطويل
د .رضا عطية إسكندر
طرحا تأتى رواية «صافينى مرة» للكاتب نعيم صبرى لتقدم لنا ً استعاد ًّيا لزمن يبدو حمي ًما من حياتنا املعاصرة ،حقبة شهدت عديدًا من التحوالت ،األحالم الكبرى واإلحباطات املدوية، من منتصف اخلمسينيات حيث أحــام الصعود للمجتمع املصرى والتق ّدم للدولة املصرية مرو ًرا بحادثتى الوحدة مع سوريا واالنفصال عنها ،ثم احلدث املفصلى اجللل ،هزمية يونيو ،1967واحلقبة الساداتية التى انتهت بأزمات اقتصادية وطائفية كبرى ،يتضافر مع هذا فى تشكيل النسيج السردى حكاية بطل الــروايــة بني أحالمه فى احلياة وقصصه فى احلب ،جناحاته وإخفاقاته. يستلهم النص الروائى عنوانه من أغنية شهيرة لعبد احلليم حافظ« ،صافينى مــرة" ،تعود بنا إلى فترة حميمية ،حيث خمسينيات القرن العشرين ،وكأن البث احلكائى هو عملية «تصايف» تقوم بها الذات ببوحها املتدفق واجترارها االستعادى لفيض من الذكريات واملشاهد العالقة بالذاكرة. السرد ووجوه التاريخ إذا كانت القراءة الثقافية لألدب والطرح املاركسى ينظران نصا تاريخ ًّيا ،على نحو أو آخر، إلى النص األدبى باعتباره ً ولو بشكل غير مباشر ،ال مبعنى أ ّنه وثيقة تاريخية مبفهومها الصارمّ ، وإنــا مبعنى أنّ النص األدبــى هو انعكاس لسياق تاريخى وثقافى للعصر الذى تدور فيه أحداثه -فإنّ السرد فى روايــة «صافينى مــرة» يبدو معن ًّيا بتمظهرين للتاريخ: الــتــاريــخ فــى أحــداثــه الكبرى ووقــائــعــه الــفــارقــة ،األح ــداث السياسية الكبرى ،والتاريخ كسياق اجتماعى وثقافى بإبراز مالمح عصر ما وطريقة العيش فيه. >>> يبدو السرد معن ًّيا فى رواية «صافينى مرة» بإبراز احملطات الفارقة فى تاريخ مصر فى فترة ما بعد ثورة يوليو :1952 ً وهبوطا بتوتر فترة الستينيات لعبت مبشاعر جيلنا صعو ًدا عنيف .بناء السد العالى فى بدايتها وشعور الزهو الوطنى الــذى أضيف للزهو القومى بالوحدة مع سوريا .القوانني االشتراكية ومعانى املساواة والعدالة االجتماعية التى كنا قد بدأنا فى التعلق بها مع بدايات قراءتنا الثقافية وتكون معارفنا األساسية .ثم فجأة االنفصال وتداعى أمل الوحدة العربية التى غرسها عبد الناصر فى قلوبنا منذ منتصف اخلمسينيات .اخلطة اخلمسية األولى واجلدل احملتدم حول التصنيع الثقيل ،وغناء عبد احلليم له ،لألفراح والرفاهية... حنمد طريق َع النيل ،اسمه فــى االشــتــراكــيــة ...التصنيع التقيل ،...ثم حرب اليمن ومشاعرها املتضاربة ،زهو قومي... قلق وطني ...حيرة وتيه ...آالف اجلنود املصريني يُبعث بهم تباعا( .ص.)34 إلى اليمن ً يجمع الصوت الــســارد فى النص ما بني الصوت الفردى، صوت بطل الرواية ،وصوت اجلماعة ،اجليل الذى صعد فى خمسينيات وستينيات القرن العشرين الذى عاين حتوالت إيقاعا داف ًقا ،كما يضمن السرد كثيرة فارقة ،ما يجعل للنص ً استدعاءات تناصية لنصوص أغــان لهذه الفترة كنصوص عالمات على هذه الفترة فى ربط العصر وأحداثه الكبرى بسياقاته الثقافية املؤطرة له. يكشف الصوت السارد فى رواية «صافينى مرة» عن أنّ ثمة غير وجه للتاريخ ،مبعنى أنّ احلكاية املسرودة معنية برواية تاريخ آخر يتجاوز الرواية اخلاصة بالتاريخ الرسمي: احلكايات الصغيرة التى حتدث بني السطور وال ينتبه إليها التاريخ عظيمة القيمة عندى ،فهى الناس البسيطة ،وليست الناس البارزة واحلكام الذين يهتم التاريخ بسيرهم وأخبارهم،
سأحكى ألحــفــادى وسأحكى ســواء فهموا أم لــم يفهموا، فسيجيء يوم يفهمون فيه ويعرفون قيمة حكايات زمان التى ال تذكرها كتب التاريخ( .ص.)12 تتبدى عناية الطرح احلكائى برواية تاريخ آخر ،غير التاريخ السياسى للجماعة الرسمية ،إنه تاريخ اجلماعة الشعبية، فكأن السرد معنى باستجالء ظالل التاريخ وخلفيات العصر الثقافية وتل ّ ُمس السياقات االجتماعية التى تكتنف األحداث التاريخية الكبرى ،التاريخ فى ثناياه الدقيقة وتفاصيله الصغيرة. شعرية األشياء والتفاصيل الدقيقة تنبنى رواية «صافينى مرة» فى تشكيلها السردى على تدفق مستمر فى سرد التفاصيل الدقيقة ووصف األشياء التى يت ّكون منها الفضاء احلكائى ،كما فى املقطع االفتتاحى للرواية: صافينى مرة وجافينى مرة تنسنيش كده باملرة...... وال َ صافينى مرة ...وجافينى مرة...... َخ َر َجت من غرفتها املطلة على الصالة املستطيلة الشكل، تتوكأ على ضعف ركبتيها وهــى تستند بإحدى يديها إلى ترابيزة السفرة التى متاثل الصالة فى استطالتها وتتوسطها، وبــيــدهــا األخـــرى على البوفيه املــجــاور لــبــاب الــشــقــة ،فى طريقها إلى الطرقة املؤدية إلى املطبخ واحلمام والكابينيه أو املرحاض .بيوت زمان كان معظمها بكابينيه منفصل عن احلمام ،البيوت ذات األسقف العالية والبراح فى كل شىء. امرأة مصرية ممتلئة اجلسم كالعادة ،ارتقت سنوات عمرها املتتابعة منذ نهاية القرن التاسع عشر وحتى ما بعد منتصف القرن العشرين ،لتصل إلى مرتبة اجلدة .تيته مرمي ،أو الست أم حنا ،كما اعتاد الناس أن ينادوا الستات فى مصر بأسماء حترجا من ذكر أسماء النساء على املأل. أبكارهن الذكور، ً (ص.)5 يبدو السرد فى مستهل الــروايــة كمشهد سينمائى ،يجمع املكون الصوتي :األغنية اخلمسينية التى تعبر عن جدل بني ِ ّ العالقة مع اآلخــر واملـ ِ ّـكــون البصري :حركة اجلــدة« ،تيتة مرمي" ،وعناصر املكان وأشياءه وارتباطها بذلك العصر حيث الفساحة واالتساع والبراح ،فثمة عناية سردية باألوصاف الزمكانية التى ت ِ ّ ُشكل مسرح السرد ،كما تعضد النثريات الصغيرة واحلــركــات الدقيقة التى يبرزها السرد شعرية احلكى وتدعم واقعيته. وال يفوت السرد أن يبرز ً بعضا من مالمح الشخصية املصرية كما فى جتنب مناداة النساء بأسمائهن ،فيعرج السرد على أدق الصفات فى الشخصية املصرية كما يقول الصوت السارد: أنا باموت فى العامية املصرية ،يعنى باحب العامية املصرية ج ــدا ...تــرى مــا الصلة بــن املــوت واحلـ ــب؟ ...ملــاذا يربط
املصريون بني احلب واملــوت؟ ..والضحك واملــوت؟ ..حاموت من الضحك ..هل هى محاولة من محاوالتهم الدءوب لقهر املوت بجعله مراد ًفا للحب والضحك؟ ...يجوز ...فقد قلبوا مقابرهم إلى أماكن مريحة عامرة باملأكل واملشرب وامللبس.. (ص.)13 يجرى السرد عبر صوت السارد عديدًا من األسئلة الوجودىة الكبرى ،على بساطة طرق طرحها ،مبا يبرز مكونات الشخصية املصرية ويكشف عن طرائق تفكيرها ووسائل وعيها باحلياة ورؤيتها للعالم؛ كما فى اللعب اللغوى الذى متارسه الشخصية اجلمعية املصرية إزاء املوت بجعله مراد ًفا للحب أو التمادى فى الضحك ،وكــأنّ اللغة الشعبية املصرية تسير بأسلوب مقاوم حلضورات املوت فى اللغة الرسمية متا ًما كما فعلوا مبقابرهم. بنية التمدد السردى يأتى السرد فى رواية «صافينى مرة» ممتدًا ومتمدد البنية، فى تدفق مستمر ،بال تقسيم إلــى فصول ،وهــو ،بالطبع، مغامرة ،فقد يحتاج املتلقى بعض وقفات اللتقاط األنفاس، ولكن السرد يبدو كرغبة فى االنطالق البوحى واالنهمار ّ احلكائى ،لذا يبدو السرد فى رواية «صافينى مرة"بتبدياته الغنائية معتمدًا على «التداعي» احلكائى ،فيقول الصوت السارد فى الرواية عن هذه املرحلة األثيرة الساكنة فى وعى الذات من عهدى الصبا والشباب: جواب حبيبى بخط إيده ..قريته وكل ما أقراه أعيده أعيده... علي باكتب لك جوابات واستنى ترد َّ وابعت لك سالمات أغلى من ننى عن ّيه... وتشدو ليلى مــراد عن اجلــوابــات ،أو البوسطجية اشتكوا من ُكتر مراسيلى لرجاء عبده ،األغانى تتكلم عن اجلوابات والبوسطجية ،واألشــعــار ،مــن ينسى اخلــال عبد الرحمن األبنودى وجوابات حراجى القط إلى زوجته الست فاطمة أحمد عبد الغفار فى جبالية الفار قريتهم فى صعيد مصر وحكاياته عن عمله فى السد العالي ...السد العالى هذا ً أيضا حكاية وعشناها فى صبانا وغنينا لها مع عبد احلليم حــافــظ ...قلنا حانبنى وآدى احنا بنينا السد العالي،.... املهم نرجع للجوابات والبوسطجية تانى ،حاجات اندثرت أو كــادت ،لكننا ال نغنى اآلن لإلى ميالت والكومبيوترات، اجلوابات زمان كانت حياتنا ،وغرامياتنا السرية ،نحتفظ بها ذكرى حميمة ونراجعها كلما اشتقنا للحبيب البعيد لدواعى السفر أو اإلقامة ،وإذا انتهت قصة احلب ألى سبب نستردها من احلبيب ،ومن ينسى أغنية جناح سالم اجلميلة ...عاوز جواباتك ..يعنى افترقنا خالص؟! (ص ص.)23 22- ثمة تداع حلقى فى البث السردى لتلفظات الصوت السارد فى
ّ يكشف الصوت السارد فى رواية «صافينى مرة» عن أن ثمة غير وجه ّ للتاريخ ،بمعنى أن الحكاية املسرودة معنية برواية تاريخ آخر يتجاوز الرواية الخاصة بالتاريخ الرسمى.
الفن بالواقع ،وال تستخدم الفن لتمرير وتثبيت رؤية واحدة ال غير ،فى هذه الحالة نحن أمام عمل دعائى ال أكثر وال أقل. ال اعتراض لدى على السعى الدءوب لتأكيد فرادة فــاروق حسنى وتميزه منذ الصغر ،غير أن ما لفت انتباهى هو التأكيد على مسألة األعداء تلك باعتبارها امللمح األساسى ألى شخصية بطولية، تسرد املحاورة أولــى املواجهات عندما كان فى السادسة والعشرين حيث قام سعد كامل بتعيينه ً مديرا لقصر ثقافة األنفوشى ،وعندما ذهب فى ً اليوم التالى إلى القصر وجد مكتبه محطما ،بعض املوظفني الحاقدين فعلوا ذلك وكان فى استطاعة املدير الشاب أن يدخلهم السجن لكنه تصرف بحكمة ستالزمه فيما بعد فى مواجهة «الكراهية والحقد» على حد ً وصــف سلماوى فى مقدمته، ً «أحقادا وأمراضا» كما كتب أحمد بهاء الدين أو ونقلت عنه انتصار ،وفــاروق حسنى فى مواجهة ذلك يلجأ للفن والشعر وهدفه اإلنجاز للوطن ال مصلحته الخاصة. >>> هل كان من الخطأ اعتراض املثقفني على شخص فــاروق حسنى؟ يعيد الكتاب سرد ما حدث وفق املنهج الذى أوضحناه ،كل ما حدث يعاد حكيه من خلل عينى البطل املنتصر فاروق حسنى ،بما فى ذلك العالقة مع نظام مبارك الذى هوى ،الصورة القديمة لفاروق حسنى كما نعرفها يضاف إليها موضعته من العصر والنظام الذى أتى به وعمل من خالله ،رؤية فى القلب منها عزوفه عن املنصب الذى جاءه ً سعيا بطلب عاطف صدقى «ظللنا على مدى ثالث ساعات نتجادل ،حتى أبديت موافقتى، ولم يحسمها إال أنى سأؤدى مهمة للوطن ،وسأحقق رؤيتى ملصر كبلد ذى ثقافة وتاريخ عريق». ً تلك الرؤية تحديدا هى املشكلة الرئيسية التى يقع فيها فاروق حسنى ،ومحاورته ،ومحمد سلماوى والكتاب ،هناك معركة ،كلنا يتفق على هذا ،لكن فاروق حسنى فى كتابه يصور األمر على أن فريقه هو من كان فى صف الوطن ،يدافع عنه ،يبنى من أجله ،يضحى بنفسه وبفنه ليبنى مجده ،أما الفريق الثانى الضد فأفراده ليسوا أكثر من «مشتاقني وموعودين ومغرضني ،ومن يستكثرونها عليه ويرون فى أنفسهم ما ال يراه اآلخرون» ،بهذه العني سترى انتصار كل املعارك التالية على اختياره كوزير ،حتى لو حاولت أن تبدو محايدة ،باحثة عن الحقيقة من خالل صياغات بعض األسئلة ،لكنها منذ البداية فرضت على العمل قناعة جامدة ونتيجة ال بد أن تصل إليها ،وإذا كانت تؤكد أنها «محاكمة من نوع خاص يرفع فيها الستار عن كواليس وأسرار» فإنها تحولت إلى حفل تكريم ومنح جوائز ونياشني داخل قاعة محكمة ،وفى الوقت نفسه توزيع االتهامات على كل معارضيه ودفن كل اعتراضاتهم وأسئلتهم. من الضرورى التأكيد هنا على أن هذا العرض لن يقوم بتفنيد ما قاله وزير الثقافة األسبق من آراء فى معارك مختلفة ،كنا فى «أخبار األدب» لفترة طويلة فى الواجهة منها ،تفنيد هذه اآلراء يتطلب ملفات كاملة ،واألهم من تفنيدها كما أرى توضيح الكيفية التى أدار بها فاروق حسنى معاركه ،وهى ً أيضا الطريقة التى يرد بها فى الكتاب على وجهات نظر الخصوم ،دعنا على سبيل املثال نتأمل معركة سقوط كتف أبى الهول ،والخالف األول الحقيقى له فى منصبه كوزير ،كان أول الفرسان ضده الراحل د .أحمد قدرى ،قبل أن يتحدث حسنى عن ترميم كتف ًالتمثال يتحدث عن د .قدرى ،يصفه بأنه كان صديقا له ،وعلى هذا االعتبار طلب منه أن يتوسط له لدى الوزير منصور حسن ليرأس هيئة اآلثار «وكانت أقصى أمنياته أن يتوالها» ،ثم يضيف كان «يتطلع ليكون ً وزيرا للثقافة ،وصرح لى بأنه «موعود
بذلك" ،بعدها يحكى الوزير األسبق مواقف نستنتج منها أن د .قــدرى كــان شخصية انفعالية ،غير منضبطة ،وبعد هذا التمهيد املدروس ،بعد تشويه خصمه بتلك الطريقة ،يسرد رؤيته لترميم التمثال ليصبح ما يراه الحقيقة الكاملة التى ال تقاطعها املحاورة ولو بسؤال واحد عن االعتراضات التى أثيرت وقتها. التكنيك السابق يشكل منهجية للكتاب ،إضعاف مواقف الخصوم عبر التشكيك فى دوافع ما يقومون به ،وعبر التركيز على ما يتمتع به الوزير األسبق من أخــاق رفيعة ،تسأل انتصار عن الخالف مع د.نعمات أحمد فؤاد «هاجمت د .نعمات ً كثيرا ً قراراتك ،وعارضت بشدة سفر اآلثار للخارج خوفا من تعرضها للخطر ،وقالت من يريد أن يشاهدها فليأت إلى مصر» ،كيف كان تعاملك مع اختالفها؟ صيغة الــســؤال هــذه تبتعد عــن نطاق القضية األســاســيــة لــه لتحيله إلــى اتــجــاه آخـ ًـر مضمر، يلتقط حسنى اإليحاء ليأتى رده مسبوقا بوصف املحاورة لحالته «بأدب جم واحترام شديد يقول»: ً «د.نعمات سيدة قديرة ،إال أنها كانت عنيفة جدا فى خصومتها ،وكانت مرشحة حتى قبل أن نلتقى لنيل جائزة الدولة ،ولم تحصل عليها إال فى عهدى، وألننى أدرك قيمتها فقد منحتها صوتى ،وأدركت هى بحسها الوطنى أنى تحملت الكثير فى سبيل القيام بمهمتى تجاه الوطن». حتى لو تكن من القراء املحترفني فإن السؤال :كيف كان تعاملك مع اختالفها؟ حالة الوزير وهو يتحدث عنها بــأدب جم واحــتــرام شديد ،حالة نعمات ً التى كانت عنيفة جدا فى خصومتها ،رغبتها فى الحصول على جائزة الدولة ،ثم لم تحصل عليها إال فى عهد فــاروق حسني .هذا كله يشكل وعيك كقارئ فى اتجاه االقتناع بإجابة الوزير عن سفر «املشكلة أن البعض يخاف ،ويقف اآلثار للخارج ً مكانه فال يحقق شيئا ،ونحن نفكر ونعمل ونتخذ كل ً ً ترويجا وعائدا باملاليني». االحتياطات فنحقق حالة من التناغم الكامل فى الكتاب بني الوزير األسبق ومحاورته ،كالهما لديه القناعة نفسها، سؤال «هل تعتقد أنه كانت هناك حالة تربص لكل ما تقوم به؟» ،إجابة «بل تربص شديد ،وكان من بينهم من اعتبرهم أصدقاء ثم اختلفنا فوقفوا ضــدى ثم عدنا أصــدقــاء أكثر مما كنا ،ومنهم الكاتب جمال الغيطانى ود .على رضوان ود .نعمات ً اعتقادا أنى ال أفهم أحمد فؤاد ،وكانت معارضتهم فى اآلثار ،ثم اكتشفوا مع الوقت خطأ ذلك ،ألننى مهتم بها منذ».. >>> بالفعل كنت ألغلق الكتاب وأعلن انتهائى منه قبل أن أصل إلى منتصفه ،ألنه ببساطة وصل إلى مبتغاه وهدفه قبل ذلــك ،أدركــت كقارئ أن الوزير كان ً دوما على حق ،وكل معارضيه ًعلى خطأ ،ملاذا على خطأ؟ ألسباب عدة :الحقد مثال ثم تطهروا منه، كان مغررا بهم ،رأوا املنجزات على أرض الواقع، وهكذا ،ما لم يحسب له الوزير األسبق حسابه ولم يهتم بالرد عليه أن هؤالء فقط لم يشكلوا النواة الصلبة ملعارضته ،وإذا كان ومعارضوه قد عادوا أصدقاء كما يقول فإن هناك من ال يزال يعتقد أنه كان على خطأ. الالفت ،وتلك نقطة تستحق الدراسة ،أن الوزير
هل كان من الخطأ اعتراض املثقفني على شخص فاروق حسنى؟ يعيد الكتاب سرد ما حدث وفق املنهج الذى أوضحناه ،كل ما حدث يعاد حكيه من خلل عينى البطل املنتصر فاروق حسنى ،بما فى ذلك العالقة مع نظام مبارك الذى هوى.
األسبق يجد ً دومــا من يحمله تبعات األخطاء، ربما ألن القاعدة األساسية أن كل من حوله على خطأ ،املثقفون الذين اعترضوا على اختياره فى البداية ،املسئولون الذين وقعت مشكالت فى إداراتهم ،أما الجديد فهو الدولة ذاتها ،فبعد أن خرج من الــوزارة ،وبعد أن سقط نظام الرئيس األسبق مبارك الــذى حماه لفترة طويلة ،يدينه فاروق حسنى فى كتابه مرات عدة ،انضم نظام مبارك بأكمله إلى قائمة من عرقلوا خطط وزير التنوير والثقافة والفن ،عندما تسأله انتصار عن مسؤولية الثقافة فى مواجهة التطرف ،يرد بأن وزارتــه أنشأت قصور الثقافة واملكتبات فى كافة املحافظات والقرى والنجوع ،وأطلقت األنشطة الفنية بأنواعها كافة فى كل األقاليم ،فمن سيجده الوزير هنا سبب التقصير :التلفزيون «كنا نستجدى التليفزيون لكى يعرضها لتصل إلى الناس ،وكنت أشكو للرئيس عدم اهتمام التليفزيون بما نقوم به فيعطى توجيهاته لهم فيعرضونها فى الثالثة ً صباحا» .إضافة إلى هذا «كانت الزوايا مليئة باملتطرفني وهم من يعتلون املنابر ،والدولة كانت غائبة عنهم ،حتى فى التليفزيون كانوا يعطون ً فكريا الفرصة للدعاة الجدد املنتمني لإلخوان ً نجوما ،ووزارة الثقافة لم تكن ويصنعون منهم تستطيع أن تصفق وحدها ،كان ال بد».. >>> هذه هى املسألة ببساطة ،وزارة الثقافة فى عهد فاروق حسنى كانت تصفق وحدها ،الدولة فى جانب وهى فى آخر ،دولة متخلفة عقيمة ال تؤمن بالثقافة وال الفن وال التعليم ،تعطى ً دورا للمتشددين وتصنع ً الثقافة نجوما ،لكننا إذا ما دخلنا إلى وزارة منهم ً هذه التى تحاول التصفيق وحدها سنجد أيضا من يعمل على إعاقة العمل ،خلف كل قضية ستجد ً مقصرا لنصل فى النهاية إلى أن فــاروق حسنى ً ً كان وحيدا تماما ،أعزل إال من ريشته فى مواجهة األعــداء ،هل يذكرك هذا بشئ :نعم ،بالضبط، البطل التراجيدى كما فى املالحم الكبرى ،هذا على األغلب كل ما ستخرج به من الكتاب. وال ينتهى العمل إال كما بدأ ،املفتتح شهادة ملحمد سلماوى ،واملنتهى شهادات من :آدم حنني ،حسني فهمى ،خالد جالل ،د .خالد منتصر ،زاهى حواس، سليمان جودة ،سهير عبد القادر ،عزت العاليلى، على أبو شــادى ،ليلى علوى ،مفيد فــوزى ،نجيب ً وأخيرا محاورته نفسها ساويرس ،وحيد حامد، انتصار دردير .والشهادات كلها ال تحيد عن هدف أياد بيضاء الكتاب كله :رصد كم لفاروق حسنى من ٍ على الثقافة املصرية! اقرأ أيضا ص ٣٥/٣٤ الكتاب :فاروق حسنى يتذكر.. زمن من الثقافة حاورته :انتصار دردير الناشر :نهضة مصر
١٦
٥مايو ٢٠١٩العدد ١٣٤٥
٢١
املختارات القصصية خلوسيه ميرينو:
الذاكرة
يلفت نظر القارى قدرة املؤلفة على إمساك خيوط أحداث روايتها مبهارة ،وكأنّ احلكاية كانت مكتملة األركان فى رأسها قبل تدوينها ،فلم تكشف عن الروابط اخلف ّية بني شخوص العمل إال فى الصفحات األخيرة ،فى إطار حبكة متماسكة ٍ بحرفية تضاهى حرفية الكاتب البيروفى األشهر ُر ِسمت ماريو بارجاس يوسا فى بناء عامله الروائى ،وعلى األخص فى روايته األخيرة «البطل املتكتّم» .واض ٌح ً التناص مع أيضا ّ ظنى) ،حني تتذ ّكر الزوجة واقعة «حشر» ُكـتابها ّ املفضلني (فى ّ رأسها فى البلوفر ملا كانت طفلة ( ُمستدعية إحدى قصص خوليو كورتاثار) ،ورواية موبى ديك مليلفل فى احملور املوازى (مغامرات جييم وماتيو). تتصاعد الدراما الروائية تصاعدًا هاد ًئا .حيث يقع الزوجان فى مأزق «محبوك» يهدد حياتهما ،تستغله املؤلفة فى الكشف قصة حب حقيقية وغير عادية ،مدفونة ــ لألسف -حتت عن ّ والعادي .فى رأيى الشخصى ،يُولَد الفن من قلب ركام املبتذل ّ
مثل تلك املفارقات ،أقصد من إبراز حلظات القسوة املمزوجة احلب املغمورة مبشاعر اخلوف والشك ،بغرض إخراج مشاعر ّ يومي ومبتذل .شيء يشبه االستسالم إلى فى مستنقع ما هو ّ مقصلة األلم لفصل اللسان املز ّيف عن الف ّم الصادق ،ورمبا يفاجيء الزو ُج زوجته موقف بهذه القسوة مينح احلياة مغزىِ . بلعبة خطرة ،أو بكذبة بريئة محبوكة مبــهــارة ،هى اللعبة الطفولية التى يحب كل إنسان االحتفاظ بها ،كما نقرأ فى أول الرواية. >>> يستحيل بالطبع أنّ تف ّوت كاتبة بذكاء إميا مونسو (التى أتطلع إلى ترجمة املزيد من أعمالها إلى العربية) فرصة العروج على مبفهومي الكذب واخليال. موضوعات مثل الكتابة ،وعالقتها ّ ففى أحد فصول الرواية يقول الزوج لزوجتهِ : «أنت تعرفني أننى ال أستسيغ احلكاية القائمة على الكذب" ،فتجيب الزوجة بح ّدة »:كيف ميكنك أن تصف اخليال بالكذب ،فى اخليال تَقو ُم باملشاركة باقتناع ُمسبق ،بينما فى الكذب ال يوجد اتفاق، إنه ُطغيان من جانب واحد».لكن زيارة «مونسو» كانت خفيفة، نظرى/فلسفى على حساب ما فلم تُسهب فى مناقشة ما هو ّ جمالي/فني. هو ّ تنقلب الد ّفة ،حينما تشعر الزوجة بالضيق بسبب املأزق الذى ِ احلالة املثقفة) من زوجها تو ّرطا فيه ،فتطلب (وهى الشاعرة ّ املنظم املُم ّل الرتيب) اختراع حكاية ملساعدتها على (وهــو نسيان ضيق املوقف وعنائه .فيالعبها الزوج فى البداية ً قائل: ِ بحب صادق جتاه زوجته، ملعبك" ،لكنه، «ال ..هذا مدفوعا ٍ ً يقص عليها حكاي ًة وال أروع عن الصداقة والصديق ،حكاية ّ عن دور الروايات واخليال فى حياة اإلنسان ،وهى احلكاية التى ستقودنا إلى نقطة النور فى الرواية ،فتكتشف الزوجة أنّ موضوع االحتفال بالذكرى السنوية مجرد لعبة من ألعاب الكذب البريء ،لعبة أصيلة مقنِعة وقادرة على كشف احلقيقة أكثر من أية وقائع أخرى. ُ وتتشكك فــى احلكاية تُــص ـ ّدق الــزوجــة احلكاية املُختلقة،
بهزمية أخالق ّي ٍة أو مرارةٍ ٍ - 3كل أبطال احلكايات ينتهون وانكسار أمــام املجتمع ،ففى ( )1يُح َبط (عبد اهلل) لفشل ٍ خطتِه فى الظفَر بعالقة حميمة مع جارته شيماء ،إال أنه مؤرجحا بني الرغبة فيها والتعلق باألفالم اإلباحية، مازال ً وفى ( )3يستمر االستغالل اجلنسى للبطلة رغم جناح زيجتِها الثانية على األقل فى إجناب طفلة ،وفى ( )4نكتشف نحن من موقع القارئ مدى تَ َر ِ ّدى (رمضان) ومنظومة قِ َيمِ ه حني رضى كرج ٍل خانته زوجتُه -على رءوس أشهادالفضيحة لنفسه ُ املجلس ال ُعرفى ،وفى ( )5نشهد كذلك تر ّدى البطلة الراوية زوج خانته ،وفى ()6 فى التحايُل إلثبات نسب طفلتها إلى ٍ يستمر (عبد الستار) فى تخ ّيُل سيناريو اإلغواء من السيدات الثريات الالتى يعمل فى بيوتهن فى اخلليج بعد أن بدأ معه فى مصر قبل سفرِ ه ،دون أن يتحقق بالطبع ،وفى ( )7ينكشف رهان (ودنو) مع رفاقه فى املقهى أمام رئيس املباحث ويصبح مهد ًدا باإلهانة واحلبس ،وفى نهاية ( )8تقطع ال َبغِ ّي تأمالتها بشأن رزق أيامها القليلة القادمة لتستقبل طال ًبا آخر فى شقة َطلَبة فى بني السرايات ،وفى ( )9يوحى إلينا الكاتب أنّ بطلَه (عبده بعالش) أقام عالق ًة آثم ًة مع (رجاء) والدة التوأمتَني (إسراء ومروة) اللتَني هام بهما مِ ن قبل ،وفى ( )10تنهار أ ّ ُم البنات باكي ًة أمام ضغوط اجليران الفاسدين الذين يالحقونها وبناتِها باإليذاء والتح ّ ُرش اللفظي .حتى فى ( )11ينتهى املثقف إلــى القلق والــشــك فــى صحة وج ــدوى مسلكه االجتماعى واأل ُ َسرِ ّي حيث يقول« :خلينا قافلني اجلرح وخلينا كل مهمتنا نكسب قرشني يعيشوا بيها العيال واهى أيام بتتقضى .ساعات باقول احنا غلطانني إننا ما سبناش العيال عايشني زى منهم أهو على األقل يقدروا يتواءموا .عيشتنا وأفكارنا دى هتعمل عندهم شرخ جامد .ربنا يستر عليهم وعلينا». - 4تلحق هــذه املالحظة بسابقتِها ،حيث البطل الوحيد ِ املؤنسن منتص ًرا ملتح ًفا باملجد من حكايته هو الديك اخلارج َ فى َمثَل احلكاية األخيرة .مختصر احلكاية أنّ الديك نكش فى الكوم فوجد قمحة وشعيرة ،ثم بدأ يلعب لعب ًة ماكر ًة مع ٍ سلسلة من الصانعني املنهمكني فى أعمالهم ،تبدأ بامرأة تطحن بال َّر َحى ،مــرو ًرا بامرأةٍ تعجن الدقيق وتخبز ،وف ّ الح يأكل بص ً ال فى حقلِه ويستريح من عمله حتت شجرة ،وناس بناس يقيمون ُعرسا .مع ُك ٍ ّل منهم ء وانتها وليمة، فى يطبخون ً ٍ ُ َ اآلخر ما م َعه الديك كر ًما منزّهً ا من الغ َرض ويُهدى يُبدى
(من أول القمحة والعشيرة) ،ثم يعود إليه بعد ٍ وقت ليأخذ شي ًئا أكبر ،يبدأ بحفان دقيق وينتهى بأخذ اجل َمل مبا ح َمل من عروس! َ (موزاييك) نهاية فى الفانتازى ل ث امل موقع من - 5يَظهر أنّ كثير من فى ـده ـ جن أن ميكن ملا ا د ـا ـ ـض ـ م ا و نح نحو ٍ ًّ املؤ ّلف يَ ً منجزات السرد املعروفة .ففى األعمال القصصية الكاملة لفرانز كافكا مثَ ً ال -ذلك الكتاب الشهير الذى ُجمِ ع بعد وفاة كافكا -يبدأ السرد مبثَلَني فانتازيني Two Introductory الكابوسي Parablesليتنزّل بعد ذلك إلى العالَم القصصى ّ لكافكا بكل تفاصيلِه ُ َ ٍ ٍ سحرية مبكرة .أ ّما واقعية امل ِ ّومة فى فى (موزاييك) ،يصعد حسني عبد العليم من احلكايات التى ت ُع ّ ُج بالتفاصيل الصغيرة -لدرجة تكرار أسماء األعالم بني أشخاص مختلفني ال رابط بينهم ،فنلمح القصص ُمشير ًة إلى ٍ شخصني باسم (إسالم) وشخصني باسم (عزت) مث ً ال – إلى املثَل الفانتازى املُتعالى على الواقع. خروجا من هذه املالحظات ،نصل إلى نتيجتَني: ً تصب هذه السمات األسلوبية واملضمونية فى تكريس أوالً- ُّ أصيل للكاتب .ال ُ ٍ يقف فيه على يسار املشهد يساري موقف ٍ ٍّ السياسى االقتصادى فقط كما يبدو فى انحياز حكاياته لقاع املجت َمع الغارق فى الفقر واجلهل واملرض ،وإمنا يتعداه إلى يسار املشهد جنسا االجتماعي بتراتُب ّيتِه التى جتعل من النساء ً ّ ثان ًيا – كما تقول سيمون دو بوفوار – حني يرفض التخلّى عليم ،إ ّال الثنتني من بطالت حكاياتِه. عن دفة السرد ٍ كراو ٍ واألهم من هذين اليسا َرين واألعم ُق منهما وقو ُفه على يسار املشهد الثقا ّ الوسواسى يف ُك ِلّه ،والذى يتجلى فى االستدعاء ّ للجنس – ذلك ُ امل َّرم – كمح ّرك ألحداث معظم احلكايات إن لم يكن كلّها ،كما يتجلى فى احلرص على اللغة العامية فى للتفاصح ،وفى إعطاء أولوية أثر السرد واالبتعاد عمدًا عن أى ٍ ُ العرض على القارئ للحكايات الواقعية الغارقة فى التفاصيل الفانتازي لذيل الكتاب ،وأخي ًرا فى طبيعة واالحتفاظ باملَثَل ّ ٍ ِ املا ّدة املسرودة نفسها من حيثُ الترابُط ،فنح ُن أما َم رواية ال نكو ُن ُمبالِغني إذا ُقلنا إنها ُس ِ ّميَت رواي ًة َقس ًرا ،ولُوِ يَت ذِ را ُعها لتكون كذلك ،حيث ضرب مؤ ّلفُها بعرض احلائط كل تقاليد البناء الروائى كما عرفناه مستقِ ًّرا منذ ما قبل ثرفانتس! وجدي ٌر ِ ّ بالذكر أنّ هذا اليسار يسا ٌر متشائ ٌم فيما يبدو ،فال ُ َمخ َرج من ال ُه ّوة املظلمة التى يتردى فيها أبطال احلكايات
كشبح انتقامى
ممدوح رزق ّ تجسد القصص القصيرة للكاتب اإلسبانى خوسيه ماريا ميرينو ،والتى صدرت مختارات لها بترجمة عبير محمد عبد الحافظ ،عن مشروع «كلمة» أبو ظبى؛ ّ تجسد اللحظة غير املتوقعة التى تكشف ًخاللها الذاكرة عن الدافع التدميرى للحياة بوصفها حاضنا للموت ..خيال املاضى الذى يمارس ما يشبه االنتقام أو املحو للعالم الذى تراكم الفناء داخله. «بينما كانت منهمكة فى إشعال نيران املدفأة ،بعد أن حملت إناء الحطب إلى الصالة سمعها تتأفف .جلس فى مقعده ً مجددا ،وأخذ يتأمل الجهد الذى تقوم به السيدة الوثير العجوز ببرود ونظرة علمية فاحصة ،واكتشف حركاتها التى تزداد صعوبة ً يوما بعد يوم ،فتبدو وكأنها تزحف ،شيء خاص بها .ألسنة اللهب التى امتدت بني الحطب حولت التعاسة التى يشعر بها إلى إحساس إيجابى مستوحى من ذكريات الشتاء فى طفولته ،أوقات اإلجازات فى الفترات التى كان يتساقط فيها الثلج ،ثمار البندق والجوز التى تشوى على نار املدفأة». فى قصة «امليالد فى الغرفة العلوية» تحدث هذه اللحظة بتأثير من حضور مفاجئ للشتاء أو «الدعابة الساخرة التى ألقى بها بعد انقضاء الربيع والصيف»..تنتج هذه املباغتة ً استدعاء للذكريات ،األمر الذى يذكرنا بالرغبة الشتائية التى يفجرها الشتاء فى تدوين الذكريات كما كتب عنها خوان مياس فى رواية «العالم» ..لكن هذا االسترجاع للماضى ً الطفولى سيكون فى جوهره تأمل للموت ..املوت املفاجئ لألب والذى وضع نهاية للهواية القديمة التى كان يمتلكها شاب ماهر فى صنع نماذج السفن الحربية القديمة ..الشاب الذى سيبدأاآلن ـبنفس األدوات التى كان يستعملها فى تشييد تلك النماذج وكاستجابة عفوية ملا تمثله الذاكرة فى تلك اللحظةـ سيبدأ فى صنع ّ مجسم للقريةكزينة للميالد. >>> «مشهد املكان غير املأهول دفعه إلى التفكير فى ضرورة أن يسكنه أناس ،وبدأ بهمة وحماس فى خلقهم :املحافظ ،وهو فى نفس الوقت مالك أحد املتاجر ،حارس الحدود ،واملعلمة، وساعى البريد على دراجته البخارية ،والقس ،والنساء والرجال ،حيوانات وطيور جارحة .بدأ الجيران يخرجون من بني أصابعه بسرعة غريبة .الدجاج والحكام والنعاج ً مرتديا كوفية الشتاء». وجريجوريا .وهو نفسه يمكننا هنا أن نعقد مقارنة بني النموذجني :سفينة حربية قديمة ،وقرية صغيرة بكل ما تتضمنه من بيوت وشــوارع وبشر ..بني مغامرة الخيال التى أنهاها املوت املباغت لألب، ورتابة الواقع التى احتلها املوت منذ تلك اللحظة البعيدة.. املفاجأة الشتائية ليس هنا يتم تدوين الذكريات بتحريض ً كماض آخر أيضا ..كأن الخيال فقط بشكل ملموس ،وإنما ٍ احتضار األب سيعود كشبح ،وفى التوقيت القديم الذى قتله ُ ذاته «لحظة الشتاء حيث تصنع املجسمات االحتفالية بأعياد امليالد» ليحاول أن يثأر من املوت الكامن فى الحياة ..كأن الشتاء قد تواطأ حني مر فى غير موعده ،متسلال من الزمن نفسه كى يدفع صانع نموذج القرية إلى االنتقام.
«راقب بذعر شديد الحياة التى أخذت تدب فى قلب النموذج، عند الجبل ،وفى البيوت ،ومياه النهر ،وأشجار الحور ،بدا كل شيء ينبض بحياة غير قابلة للشك .وتحول خوفه إلى هلع. تقهقر إلى الخلف حتى وصل إلى باب الحجرة ،وضغط على زر الكهرباء ،دون أن يجرؤ على النظر فى الظالم الحالك، وأحكم إغالق الحجرة باملفتاح». ملاذا شعر بالهلع حينما بدأ جميع األشخاص والكائنات فى ّ ّ املجسم؟ ملاذا أرجع األمر إلى الهلوسة حني التحرك داخل اكتسبت ًحياة النموذج اإليقاع اليومى املعتاد للقرية؟ هل لم يكن مدركا ملا تسعى الذاكرة للقيام به ،أم أنها حيلة دفاعية «إلهية» ضد التدمير الالحق؟. >>> سيتعاقب قتل البشر والحيوانات داخــل القرية كإبادة ُجماعية ،ومن البديهى حني نعرف أن الطريقة الفظيعة التى ذبح بها الضحايا بعيدة عن أى تفسير؛ أن نفكر فى السكاكني التى استخدمها صانع نموذج القرية فى خلقها ..هكذا تكون إعادة امليالد بواسطة محو الحياة ..امليالد الحقيقى الذى ّ ّ املوت يثبت الفناء كأصل للعالم ..يكون خالق املجسم هو ً كحقيقة تعرف ما تنوى ارتكابه ،فال يصبح موت األب مباغتا، ّ وبالتالى يمكن التقدم على موت اآلخرين املحتوم بخطوة.. هذه الخطوة هى املجاز الضرورى للثأر فال يكون مجرد تدمير للحياة ،وإنما تشريح للفناء ..هى الجوهر االفتراضى لالنتقام من املوت ،حيث يمكنك أن تحفر داخل جثث أهل القرية ،وهم ما زالوا عالقني فى حركتهم املعتادة ..لكنها ليست هلوسة بقدر ما هى النسخة العارية من الواقع ،أو ّ املحطم من األساس. نموذجه البدائى
يكمن الجمال الروائى عند مايرنيك فى قدرته بقطع المعة من التأمالت على تطريز ثوبه الروائى ٍ الفلسفية حول مسألة القدر.
«فــى فجر الــيــوم الخامس الــذى وافــق الجمعة ،وكــان ً ً معتما مثل املقالة يوما ً الــســوداء ،قرعت األجــراس مجددا وسط األجواء الضبابية .وحطمت قوة مباغتة نافذة أحد املنازل ،وسقط الزوجان العجوزان على األرض غارقني فى دمائهما بني حطام خشب النافذة وقطع الخزف ،ولطخت الدماء كل شيء، ووسمت الواقع بطابع دمــوى ال ينمحى .نظر إلى اإلطار الذى ُانتزع عن الحائط بقوة فائقة ،والطريقة التى تحطمت بها الطاولة العتيقة املصنوعة من خشب الصنوبر ،وكأن قوة هائلة انبعثت منها ،وهو ما جعله يستدعى صورة النماذج الصغيرة التى اعتاد أن يصنعها، وكانت تنهار وتتناثر إلى قطع صغيرة حني يدفعها دفعة خفيفة». ّ املجسم وقد أصبحت لم تعد هناك سوى قرية واحدة ..قرية ً العالم الذى ال يوجد شيء خارجه ..ليس هذا تداخل بني الواقع والخيال ،وإنما الوجود الذى يتجاوزهما ،واألكثر هيمنة من الحياة التى تتضمن امتزاجهما ..الوجود الذى يتوارى داخل صانع النموذج حيث تختلط الجثث باألشياء ّ املجسم بالخرق املحطمة واملتناثرة ..لكنه حينما يغطى البالية ثم يغلق باب الحجرة العلوية باملفتاح قبل أن يلقيه فى البئر القديمة فإنه سيبدو كأنما يحاول إغماض عينيه عن نهايته املنطقية ـكواحد من أهل القريةـ لن ينجو من االنتقام قرره بنفسه ..كأنه على النقيض يحاول االنفصال بشكل الذى ً إلهى أيضا عن العالم الذى خلقه «نموذج القرية" ،وبالتالى ينتزع نفسه خارج مصيرها بعدما أيقن أن الثأر الذى أراده قد تحقق بالفعل. «الوقت يمر ،والحرب لم تنته .لم تكن تعرف على وجه التحديد األسباب التى اندلعت من أجلها الحرب ،يحدثهم الواعظ فى الكنيسة من املنبر عن العدو ،وكيف أنه مثل الشيطان ،يجب أن نخشاه ألنه ينشر العدوى مثل الوباء .فى نهاية األمر كفت الحرب والعدو عن تقديم أخبار حقيقية، وبدا األمر ،وكأن املجهود الحربى أصبح هدفه الدفاع عن الوطن والتصدى ملجموعة من الوحوش ،أتوا لغزو الوطن من بالد بعيدة ومشؤومة مهما كلف األمر .بلغ األمر مداه، حتى أنه فى أحد األيام وصلت إلى البلدة عربة حربية فيها مجموعة من معتقلى الحرب ،وخرج جميع الجيران لرؤيتهم، فــإذا بواحدة من السيدات تعرب عن دهشتها واملفاجأة املحبطة التى شعرت بها حني رأت أن األعــداء ال يبدون بالشكل الشيطانى نفسه الذى تحدث عنه القس». سيؤدى غناء الزوجة فى قصة «الهارب من الجندية» ً دورا ً ّ ملجسم القرية ..يعود زوجها املحارب الهارب من مشابها الخدمة العسكرية بعد أن جرحته شظية إحــدى القنابل اليدوية ،وأصبح عليه اآلن أن يختبئ من جنود الحرس الوطنى الذين لو نجحوا فى القبض عليه سيكون مصيره تجد الزوجة إلى جوارها املحارب املــوت ..ذات صباح لن ً الهارب ،بل ستعثر عليه ميتا أعلى الهضبة بني الصخور ُ ً مجددا خالل محاولته الطويلة للهرب من وقد فتح جرحه الجنود ..يكتب ميرينو أن الزوجة بعد عودة زوجها وقبل
٥مايو ٢٠١٩العدد ١٣٤٥
احلقيقية ،فيجيبها« :الواقع كثي ًرا ما يفوق اخليال».ث ّم تنقلب الد ّفة مرة أخرى حينما تقول الزوجة لزوجها قرب النهاية»: ً َ لديك تلمحيات وال خيال..لم تكن نقي..مبا أ ّن َك ال متلك َ أنت ّ كنت بحاجة ٍ معان خف ّية..كان كل شيء نظي ًفا ومرت ًبا وشفا ًفاُ .. لهذا فى ذلك احلني». اآلن فقط تفطن الزوجة إلى حقيقة مشاعرها ،وترى األمور على حقيقتها ،فترتضى اللعبة اخلطرة ،وتقبل الهدية ،وتبتلع الكذبة البريئة .تبتسم ،وتق ّبَل زوجها فى عنقه قائلة »:هدية.. استطعت إخراجى من...من روتني كان يقضى هدية رائعة... َ علي» .يضحك الزوج ضحك ًة حذِ رة متحفظة وكأنه يقول»: ّ متام ..انتهى الدرس يا راكيل». الزوجي كأصدق ما رسمت عالقة ال شك أن الرواية قد ْ ْ يكون ،بعد أن شاب حياتهما غبار امللل والرتابة ،لكنهما لم يستسلما ،فنفضا ذلك الغبار باحلكايات وباخليال ،وبألعاب الكذب البريء. اجلميل فى الرواية أن املؤلفة مت ّرر إلينا فكرة أن كل إنسان يحتاج فى حياته ،بشكل أو بآخر ،إلى حكاية يحكيها م ّرة واحــدة فقط ،مـ ّرة واحــدة ودون عــودة ،حتى ولو كانت تلك احلكاية مختَلقة كل ًيا ،وحتى لو لم حتدث على أرض الواقع. ففى الصفحات األخيرة من الرواية يبوح الزوج لزوجته بشيء ظل مدفو ًنا فى صدره طوال خمس وعشرين سنة ،هى ُعمر ً رغبت فى أن أحكى ِ لك كل شيء قائل":دائ ًما ما زواجهما، ُ بيوم أجيء بك إلى هنا وأحكى لك عندما عرفتك..كنت أحلُم ٍ أفضل وأسوأ ما فى حياتى ،كنت أريد التخلص من املاضى بجوارك" ،وكأن كل ما جرىــوال فرق إن كان مقصو ًدا أم غير مقصود -إمنا جرى فقط كى تُروى هذه احلكاية. الكتاب :الذكرى السنوية الكاتب :إميا مونسو املترجم :عبد السالم باشا الناشر :صفصافة
ُ واملثقف الذى كتبَها ،واملنتصر الوحيد كيا ٌن خارج اإلنسانية ب ُر ّمتها! املؤنسن فى ثان ًيا -يبدو أنّ احل ّل األكثر وجاه ًة للُغز الديك َ نظر ما – رمزًا احلكاية األخيرة يك ُمن فى اعتبارِ ه -من وجهة ٍ نفسه! نح ُن أما َم ٍ للكاتب ِ ديك قليل الفعل ،يتلخص منجزُه فى ِ النبش والعثور على قمحة وشعيرة .لكنّه بإحلاحه بالزيارة على صن َع أيديهم بسيف احلياء – «اتلخبطت َمن م َّر بهم وأخذِ ه منهم ُ ّ ِ مِ الست واحتارت واتكسفت وبعدين سل ت وا ّدتُه حفان دقيق» – يقترب فى دورِ ه من ال ّر ِ اصد الذى أص َّر املؤ ّلف على أن يَكونَه ُ فى (موزاييك) .لقد عرض املؤ ّلف مواقف مجتمعي ًة وجوديةً منوذجي ليرب َ ِط بينها بأى كخالق عاري ًة أما َمنا .لم يتدخل ٍ ٍّ ً ً ٍ ٍ فصيح طريقة أو ليفرض عليها رؤية متعالية من خالل سرد ٍ احلِ ّ ُ يُراوِ ح وار العا ّم ّي ويخل ُق معه توت ًرا وتع ّد ًدا فى األصوات ،Heteroglossiaوهو الشرط الذى اعتب َره الناقد األدبى الروسى باختني ركنًا مه ًّما من أركان البناء الروائي .عرض حسني عبد العليم مواقفَه بل ُ ٍغة شديدة العا ّمية إن جاز التعبير، فظهرت أمامنا بلحمها ا َ حل ّي .وهو بهذا املثَل األخير يتنصل من صفة ا َ ُ خللق املتعالية – فى جتــا ُو ٍب مع يساريتِه املشار عادِ نفسه هو والديك ك ُم ٍل إليها فى النتيجة السابقة – ويق ّدم َ أدبي للتاجر الشاطر الذى ال يخل ُ ُق سلع ًة وإمنا يعرف كيف ٍّ يقايض وينتصر ويُثري .هذا ،فى الوقت الذى يُلمِ ُح فيه مِ را ًرا ٍ حقيقي (كما فى كنشاط خالل حكاياتِه إلى احتقارِ ه للتجارة ٍّ ّ ّ ُ طفيلية اجلالس أمام د ّكانِه فى 10وفى تسفيه الشطار فى الديك ،أنتصر أخي ًرا رغم مِ َهنِهم فى .)11كأنه يقو ُل« :أنا هذا ِ ّ هزميتى الفادحةِ أمامكم ،حني أبتك ُر جتارتى اخلاصة التى تشبه جتاراتكم وال تشبهها فى آن"! إذا كان لنا أن ُنيب عن السؤال الذى استحضرناه من فيلم (ب َركة) فى مقدمة هذه القراءة ،فإنّ حسني عبد العليم من خالل حكاياته فى موزاييك يحاول أن يتابع انتصار الراصد الواقف على يسار العالَم .يقو ُل لنا« :رغم كل هذا القبح ،فإنّ ِ وإخالصها للحكاية ،وال اجلمال يك ُمن فى دِ قة العني الراصدة شيء بعد هذا». الكتاب :موزاييك املؤلف :حسني عبد العليم الناشر :دار ميريت
٢٠
٥مايو ٢٠١٩العدد ١٣٤٥
١٧ قانونية طويلة: بعد معركة ّ
رواية الذكـــرى السـنوية:
ألـعـاب
أعمال كافكا
الكذب البرىء
أحمد الزناتى «كل منا ميتلك لعبة طفولية يحب االحتفاظ بها كبالغ». ً مدخل إلى رواية الذكرى لم أجد أفضل من العبارة السابقة السنوية للكاتبة القطلونية"إميا مونسو" ،والتى صدرت ترجمتها إلى اللغة العربية قبل شهور عن دار صفصافة ،بترجمة عذبة تستحق اإلشادة للمترجم املصرى عبد السالم باشا. موضوعا إنسان ًيا/ رغم شاعرية أجــواء الرواية ،ومقاربتها ً اجتماع ًيا مه ًما ،وهو عالقة زوجــة بزوجها ،أو عالقة زوج بزوجته (وثـ ّمــة فــارق جوهرى سيالحظه الــقــارئ مع تقدم األحداث) ،ال تكتفى املؤلفة بطرح مسألة رتابة احلياة الزوجية وفتورها لعوامل من بينها الروتني اليومى ،واالنشغال بالعمل، مسار زوج بزوجته ،وعلى ٍ وتربية األوالد ،بل تتخذ من عالقة ٍ صديق بصديقهَ ،مـعــبـ ًرا سرد ًيا ،تنفذ من مواز ،من عالقة ٍ ٍ خالله إلى قضايا متصلة بعالقة الكذب باخليال والكتابة.
متوازيي؛ األول هو حكاية زوج تسير الرواية على محوريْن ْ وزوجة؛ الزوجة ّ موظفة استقبال فى أحد الفنادق ،وهى قارئة نهمة ،تعيش حياة زوجية تصفها «بالنظام الشديد والرتابة"، ِ والشعر .بطلتنا فتخلق لنفسها عاملًا مواز ًيا قوامه الكلمات ُمترجمة بال قراء ،صنف نادر ،تترجم أشعا ًرا داخل رأسها وال تد ّونها على األوراق ،ومع والدة طفليْها تتو ّقف عن ترجمة الشعر فى عقلها .رغم ح ّبها الشديد لزوجها ،تشعر برغبة ّ ومنظمة للغاية ،وكل حا ّدة فى هدم حياة يومية عادية للغاية، شيء فيها ُمتوقع .أما زوجها فموظف بإحدى الشركات ،رجل عادي مفتـقـ ٌر إلى اخليال ،أو هكذا ِ توهمنا املؤلفة فى البداية. ّ تس ّدد الزوجة سه ًما إلى صدر زوجها قائلةِ »: أدهشنى مرة ً َ َ حياتك». سؤال جديدًا مرة واحدة فى حياتك ،اسألنى فى ذهبت إلى ح ّل مبتكر للتغلب على مشكلة الطريف أنّ املؤلفة ْ امللل الزوجى ،حينما اقترحت الزوجة على زوجها أن يهزما حالة الرتابة ،ال مبزيد من التواصل والكالم ،بل باخلرس التام ،بالصمت فتقول":فى األصل كان الصمت فقط ..ميكننا أن نتواصل بالكتابة ،كل شيء يصبح أكثر ر ّقة عندما نكتب..
لن نستخدم الواتس آب وال الرسائل مطل ًقا..يحيا املونولوج». أس َّرهـا الزوج فى نفسه ولم يُبدِ ها ،وجـهـز ر ًدا مغل ًفا فى َ شكل هدية صغيرة ،هى حبكة الرواية ،ليوافقهاعلى اقتراحها وكأنه يقول لها« :من عينى يا حبيبتى» ،وتبدأ بعدها مغامرة رأسا على عقب .كانت الزوجة تتوق إلى مثيرة تقلب حياتهما ً الدهشة وإلى التغيير وكسر امللل ،فكان لها ما أرادت. أمــا احملــور الثانى فيبدو ــ ظاهر ًيا -حكاي ًة من ّبتة الصلة الزوجي (اللذين تغفل املؤلفة ذكر اسميهما فى عن حكاية ْ البداية) ،ولكننا نكتشف أ ّنه طريق داعم للمحور األول ،إذ صبيي ،أحدهما قارئ يتتبع عالقة صداقة فريدة تربط بني ْ نهم ،غارق فى عالم الكتب ،هو «جييم" ،الذى يقرأ نها ًرا ،و يعيش ما يقرأ ً ليل ،ويأخذ بيد صديقه «ماتيو» إلى عوالم ـجــسد األعــمــال األدبــيــة التى يقرآنها على أرض خيالية تُ َّ مدروسا ،ومنتظ ًما بني تراوحا الواقع .تتراوح أحداث الرواية ً ً السابقي .فص ٌل عن رحلة خلوية يقوم بها الزوجان احملوريْن ْ إلى الغابة ،تلبي ًة لدعوة الزوج لالحتفال بـ"الذكرى السنوية"، الصديقي. تال عن مغامرات وفص ٌل ٍ ْ
بركة حسني عبد العليم: َ
اصد الر ِ ّ
على يسار العا َلم
محمد سالم عبادة من ُق ـ ِ ّـد َر له أن يشاهد الفيلم الوثائقى التجريبى (بَ َركة) للمخرج ( ُرن ْفرِ ْك – )Ron Frickeمن إنتاج عام 1992- رمبا يستعيد هذا الفيلم بسهولة مع قراءة هذا النص السردي. ص يتحدى املألوف واملتعا َرف عليه عن الرواية. (موزاييك) نَ ّ ٍ فصل أحداث تتصاع ُد من أشخاص يتطورون مع لسنا أمام ٍ ٍ إلى فصل .باألحرى ،الفصول أقرب إلى قصص قصيرة ال مباشر .اثنا عشر فص ً ُ ِ ال فى هذا بشكل ترتبط شخصياتُها ٍ املوزاييك ،تأتى العشرة األولى منها على هذه الشاكلة التى ُ وتشترك فى سمتني أساسيتني: أسلَفنا القو َل عليها، ُ أنها جمي ًعا مستقاةٌ من قاع املجتمع ،حيث األبطال يعانونأزمـ ٍ ـات مالي ًة طاحن ًة ومعها منظوم ٌة خُ لُقِ ّي ٌة وضيع ٌة غالبا. ففى ( )1عبد اهلل ال يجد ماالً يتزوج به بعد أن ز َّو َج إحدى أُختَيه ،ويالح ُق جنس ًّيا جارتَه املتز ّوجة (شيماء) ،وفى ()2 الريفي الفقير هاشم أبو محمود إلى بيت أخته يلجأ املريض ّ جماالت ــ الفقيرة هى األخرى -فى القاهرة ليبيت عندها ليل ًة قبل الذهاب إلى مستشفى احلكومة ،وفى ( )3يترك القصة التى تخرج من زيجة الراوى العليم د ّفة احلكى لبطلة ّ ِّ تذك ُرنافاشلة إلى استغالل جنسى إلى زيجة ثانية على الو َرق بزيجة فيلم (القاهرة )30وإن كان الديوث والزوجة وعشيقُها جمي ًعا من قاع املجتمع -إلى عمل مؤقت إلى نفس الزيجة
٥مايو ٢٠١٩العدد ١٣٤٥
الثانية ،وفى ( )4يكتشف رمضان خيانة زوجته عفاف مع السائق عربى ويالحقهما ثم يفضحهما وينتهى األمر بقعدة ُعرفية تُعيد عفاف إلــى رمضان الــذى يرضى هــذا ا ُ حلكم ٍ بساطة ،كأنه ينتمى إلى منظومة قِ يَم يتحدد فيها العلنى فى مبحددات مختلفة جذر ًّيا ع ّما مفهوم كرامة ونخوة الرجولة ِّ أ ِلفَه معظم املنتمني إلى مجتمعنا على األقل ...وهكذا! تبي فى أ َّن اجلنس ُم َح ِ ّر ٌكأساسي لد ّفة األحــداث ،كما ّ ٌّ ثالثة من األمثلة السابقة. القصة احلادية عشرة تبدو كأنها بلسان الكاتب ِ نفسه ،فهو مهتم باألدب والسينما واملوسيقى يتحدث عن مثق ٍّف موسوعي ٍ ّ ٍّ ويعانى غربة املثقفني املعروفة فى مجتمعه .بينما تأتى الثانية الفانتازي ،حيث عشرة – األخيرة -فى صورة املَثَل Parable ّ البطل دِ يـ ٌ نس ٌن كأنه قــاد ٌم من كليلة ودمنة أو حكايات ـك ُم َؤ َ ا َ جل ّدات. فى فيلم (بَ َركة) ميـ ّ ُر بنا ( ُرن ْفــرِ ْك) على األماكن املق ّدسة لدى البوذيني واليهود واملسيحيني واملسلمني ،ومي ّر على عدد من مظاهر الطبيعة اخل ّ البة ،كما مي ّ ُر على مظاهر مختلفة لتسا ُرع نبض احلياة مع احلضارة الصناعيةّ .كُــل ذلك من خالل كادرات بديعة تشهد على ِحذقِ ه وحساسيتِه البصرية العالية وانتقائ ِيتِه امل ُ َع ِ ّبرة كذلك ،حيث يصل إلينا مع نهاية قوي بأ ّنه يُتابع مسارات تلك الب َركة اإللهية أو الفيلم شعو ٌر ّ ٌ النفَس ال ّ ُربُوب ِّى السارى فى كل مظهر من مظاهر احلياة على األرض .هذا عن بَ َركة .فماذا يُحاول (حسني عبد العليم) أن يُتابِع مبواقفِ ه اإلنسانية املُختارة من مجتمعِ ه فى هذه الرواية؟! مالحظات أسلوبي ٌة وسياق ّي ٌة على حكايات هذا املوزاييك، ثَ ّمة ٌ
ُ تنضاف إلى السمتني املهيمنتَني على العشرة األولــى منها، واملُشار إليهما آن ًفا: ٌ ٍ ناحية ،وبقية أعمال اختالف بني لغة سرد (موزاييك) من يوجد الواقعي العا ّم ّي ُ ٍ املتَفِ ى بكل فاحلوار أخرى. ناحية من املؤلف ّ الشتائم والتابوهات اللفظية مشت َر ٌك بني أعمالِه كا ّف ًة ،إ ّال أنّ ٍ بدرجات متفاوتة. التفاصح فى هذه األعمال السرد يَجنَح إلى ُ نفسه عا ّم ّ ٌي ال يحاول االقتراب من فالسرد (موازييك) أ ّما فى ُ الفصحى خطو ًة واحدة .هكذا يقول الراوى العليم فى مطلع (« :)6إستعمل قلم جاف بيك إســود .مشى بيه على إسمه املكتوب على املِخلة كإنه بيحفر :عبد الستار بيومى بخيت من كفر كال الباب مركز السنطة محافظة الغربية" ،كما يقول فى مطلع (« :)7ودنو كان قاعد مفرود ع القهوة بني اصحابه ـ وطبعا واحــد بيحب وعشرة بيكرهوا – نكشوه زى العادة فاملعلم اتفرد». - 2طبيعة الصوت السارد فى احلكايات االثنتى عشرة: ال ــراوى العليم لــم يــتـ ُرك د ّفــة احلكى للبطل إال فــى ثالث ٍ حكايات ،هى ( )11وهى فيما يبدو بلسان املؤ ِ ّلف ِ نفسه كما ُقلنا ،و( )3و( )5حيث الــراوى امــرأةٌ هى البطلة ،وهى بطل ٌة جاهل ٌة فقيرةٌ كما فى سائر احلكايات .لم يترك املؤلف دفة رج ٍل إ ّال ِ لنفسه. احلكى أبدًا ٍ لبطل ُ
موته كانت تغنى فى بعض األحيان ،وهى بني أهل القرية دون قصد منها ،وكان أهل القرية فى صمتهم يستقبلون تصرفها بدهشة ..الغناء تحت وطأة الخوف والتكهنات املشؤومة.. تغنى الزوجة بالعفوية ذاتها التى ّ شيد صانع نماذج السفن ّ مجسم القرية بها ..الغناء الذى يسترجع ذاكرة الحربية املوت ..التاريخ الشخصى للزوجة وعالقتها بزوجها وبأهل القرية ..الغناء الذى يحاول تعطيل مفاجأته املتوقعة ..تغنى ّ الزوجة كأنها تريد أن تتقدم على النهاية املنتظرة ..كأن ذلك هو طريقتها الخاصة فى االنتقام من الحرب. «قــدم الدكتور بعد ذلك فرضية جديدة أدهشت سيلينا باييخو ،وهى أن الكلمات إحدى األدوات األساسية لتواصل الجنس البشرى ،حافظت على بقائها بفضل املجهود العنيف الذى تبذله الذاكرة ،ويقوم به كل إنسان بشكل مستمر منذ معرفته األولى بمبادئ اللغة األساسية ،وإذا حدث وتعثرت هذه اإلرادة السرية ،بفعل النسيان ،فإن هذه القلعة اللغوية الضخمة سوف تنهار .دون أدنى شك بحسب ما قاله فإن هذا ما حدث له؛ لقد كف عن بذل أى مجهود فى داخله ،لكى يتذكر ويصوغ أصوات الجمل ،التى تنبع أصواتها من محيط الطبيعة مثل خرير املياه ،وصــوت الرعد ،وحتى ضجيج املحركات .كتب الدكتور سوتو عبارات أخرى :فى الكلمات املكتوبة توجد إشارة لألشياء ..األشياء التى توجد بالفعل هى فقط التى لها أسماء ..الكلمات هى العالم». لكننا حينما نتحدث عن محو الحياة فكأننا نشير إلى اللغة التى يكمن املوت داخلها ..فى قصة «كلمات العالم» يختفى الدكتور سوتو بعد أن أصبحت العبارات بالنسبة له مجرد أصوات غير مفهومة ..اللغة هى ادعاء الوجود ،حيث يمارس املوت عمله ،وبالضرورة فإن فقدانها يبدو كوظيفة للخيال الذى سبق أن ّ جرد أهل القرية من الحياة ،أى حينما نزع ّ عنهم تلك األجساد التى تكونها الكلمات حتى يتمثل الفناء ناصعا ..اللغة إذن كأنها القاتل الذى ّ ً يزيف أدلة إدانته ،األمر الذى يعيدنا إلى حديث الواعظ فى الكنيسة عن الحرب فى قصة «الهارب من الجندية» وعالقته بغناء الزوجة قبل موت املحارب ..هنا يصبح الحيز الفارغ من الطبيعة الذى اختفى الدكتور سوتو داخله كأنه األصل الغامض ملا قبل الكلمات أى ما قبل الزمن ..كأنه العدم الذى يسبق املوت. >>> من الجدير باالنتباه بالنسبة لى أن قصة «كلمات املوتى» ً اندماجا بصورة ما بني للكاتب الفرنسى فيليب كلوديل تمثل قصتى «امليالد فى الغرفة العلوية» و"كلمات العالم» لخوسيه ماريا ميرينو: ّ «ربما ليس ألن حقيقة أو معرفة مخلصة ستتسرب خلسة أو تنكشف على نحو مفاجئ من مناقشة تقليدية أو جدل مكرر؛ بل ربما ألن العماء التام ال يمكنه العيش والخلود إال بواسطة الكلمات ،وهو ما يعنى الفناء اللحظى السهل والبديهى للعميان بطبيعة الحال ..وحدها الغفلة تلك التى تبدو حاكمة للغة البشر فى املواقف املختلفة ،وحامية لقرار التعتيم األزلى على أى إمكانية أو فرصة للفهم أو للتبرير ..الغفلة التى ال يمكن السيطرة على خفائها املمتد لكل حيز ومقصد واحتمال للحروف املتداولة فى الحياة واملوت ..ذلك الشيء أو تلك املسارات والسياقات املتبلدة واملتشابكة التى ال يسكنها سوى موتى». فى قصة كلوديل التى تدور فى القرون الوسطى يموت الناس أثناء الثرثرة العادية ،فاتحني أفواههم دون فزع ..كأن هؤالء املوتى هم أهل القرية التى ّ ّ مجسمات شيد نموذجها صانع ً السفن الحربية القديمة ،وكأنهم جميعا الدكتور سوتو الذى اختفى حني لم تعد هناك كلمات ..القتل الجماعى الناجم عن ّ تحول اللغة فى لحظة مفاجئة من قناع للحياة إلى وجه للموت ..من التظاهر بالوجود إلى بلوغ ذروة الفناء الكامن منذ الكلمة األولى. الكتاب :قصص قصيرة املؤلف :خوسيه ماريا مورينو املترجم :عبير محمد عبد احلافظ الناشر :مشروع كلمة
أرون هيلر ترجمة: مجدى عبد املجيد خاطر ُر ّبــا يتم الكشف قري ًبا عن كنز دفني من أعمال فرانز ً كامل كافكا غير املنشورة ،عقب معركة استم ّرت عقدًا حول تَرِ كته األدب ّية ،دفعت ُمراقبني ملقارنتها ببعض قصص الكاتب السريال ّية؛ إ ْذ أ ّيدت محكمة فى مدينة زيورخ هذا ّ الشهر قرارات إسرائيل ّية تتعلّق بالقض ّية ،وحكمت بجواز فتح عدد من صناديق الودائع اآلمنة فى املدينة السويسر ّية، وشحن محتوياتها إلى مكتبة إسرائيل الوطن ّية .ويتعلّق ا ُ حلكم بوثائق أصل ّية ُيكنها أن تلقى ضو ًءا جديدًا على التباسا؛ وهو يهودى األدب عالم شخصيات أكثر من واحد ً بوهيمى كان يتح ّدث األملان ّية من مدينة براغ ،اندلع نزاع محموم بني إسرائيل وأملانيا على إرثــه الثقايف .وعلى ً مجهول، ال ّرغم من أنّ احملتوى الدقيق للخزائن ال يزال فإنّ خُ براء يتو ّقعون أن تضم اخلبيئة نهايات بعض كبريات أعمال كافكا ،والتى نُشر الكثير منها بعد وفاته دون نهاية. وكــانــت احملكمة ال ُعليا فــى إســرائــيــل قــد جـ ـ ّردت أســرة ـاصــة مــن مخطوطات إســرائــيــلـ ّيــة مــن مجموعتها اخلـ ّ كافكا ،والتى ظلّت مخف ّية داخل أقبية مصرف إسرائيلى وواحــدة من شقق تل أبيب القذرة املليئة بالقطط .لكن قــرار احملكمة السويسر ّية سيستكمل االستحواذ على كل أعماله املعروفة تقري ًبا ،بعد سنوات من النزاعات القانون ّية الطويلة بشأن هو ّية أصحابها الشرعيني .هذه امللحمة كان من املمكن أن يكتبها كافكا نفسه ،ا ّلذى أصبح اسمه ُمراد ًفا لوصف املواقف العبث ّية التى تنطوى على عمليات قانون ّية ُمعضلة .حيثُ اشتهر كافكا بقصصه عن رجال تسحقهم سلطات غامضة أو يُغ ّيرهم عا ٌر ما .ففى «املاكمة» على سبيل املثال ،يخضع ّ رواية ُ موظف مصرفى املوجهة إلجراءات ُمحاكمة قاسية دون أن يعرف االتهامات ّ ضــده .يقول بنيامني بالنت؛ وهو باحث مبعهد فان لير بالقدس ومــؤ ِ ّلــف كتاب « ُمحاكمة كافكا األخــيــرة» ا ّلــذى يعرض أحداث القض ّية وفق تسلسلها الزّمني« :يتم ّثل ما فى هذه ُ املاكمات من عبث ّية فى أ ّنها حول تَرِ كة لم يكن هناك من يعرف ما حتتويه .ونأمل أن يحل هذا القرار ربا تنتهى، أخي ًرا هذه املسائل؛ ذلك أنّ العمل ّية القانون ّية ّ لكن املسائل املتعلّقة بانتمائه وإرثه الثقافى ستظل معنا لفترة طويلة ِج ًّدا». >>> كانت ملكية كتابات كافكا قد آلت إلى صديقه و ُمحرر نصوصه وناشره؛ ماكس برود ،قبيل وفاته بفترة قصيرة السل عام 1924عن عمر ناهز األربعني، بسبب مرض ّ ُ حيثُ طلب من راعيه أن يحرق كل األعمال التى لم تُقرأ. لكن برود جتاهل وصية صديقه ونشر أغلب ما كان فى حوزته؛ ويضم روايــات احملاكمة والقلعة وأميركا ،وهى األعمال التى ح ّولت كافكا احملدود الشهرة أثناء حياته ،إلى واحد من أشهر الكتّاب وأكثرهم تأثي ًرا فى القرن العشرين بعد وفاته .غير أنّ برود ا ّلــذى هـ َّرب بعض املخطوطات إلى إسرائيل قبل إنشائها حني ف ّر من النازيني عام ،1938 وعي عند وفاته عام 1968سكرتيرته لم ينشر كل شيءّ ، ّ الشخص ّية إستر هوف مسئولة عن تركته األدب ّية وطلب منها نقل أوراق كافكا إلى إحدى املؤسسات األكادمي ّية. لكن هوف احتفظت باألوراق بعيدًا عن األنظار طيلة أربعة ّ عقود ،بل باعت بعضها مببالغ خيال ّية .إ ْذ عرضت ً مثل املخطوطة األصل ّية لرواية احملاكمة للبيع فى مزاد سوذبيز عام ،1988وحصلت على 1.8مليون دوالر من أرشيف األدب األملانى فى مدينة مارباخ شمال شتوجتارت .وتركت هــوف املجموعة بعد وفاتها عــام 2008عن عمر ناهز املائة وعا ًما واحــدا البنتيها؛ إيفا هوف وروث وايسلر، وكالهما ناجيتان من احملرقة النازية مثل أ ّمهما ،اعتبرتا برود أ ًبا لهما وأرشيفه هو ميراثهما الشرعي .ث ّم توفيت
ّ الضائعة قد ترى قريبا النور ً
االبنتان وتركتا أبناء وايسلر يواصلون الدفاع ع ّما تبقّى من املجموعة. كان أشعيا إجتار محامى أبناء وايسلر قد قلل من أهمية ً الكم ُ ُ قائل إ ّنها على األرجح نُسخ املتمل فى زيــورخ، طبق األصــل من مخطوطات باعتها هــوف ،وصـ ِ ّـرح بأ ّنه مهما يكن ا ُ حلكم فإ ّنه استمرار لعمل ّية «تُداس فيها حقوق امللك ّية الفرد ّية دون أى ُمبرر قانوني« .وقــال إنّ موكليه ورثــوا األعــمــال قانون ًّيا ويعتبرون استيالء الــدولــة على ممتلكاتهم « ُمشينًا» و"سرقة من الدرجة األولى ».وتزعم مكتبة إسرائيل الوطن ّية أنّ أوراق كافكا «أصول ثقاف ّية» ميلكها ّ الشعب اليهودى ،وأنّ كافكا ف ّكر قبيل وفاته فى مغادرة براغ واالنتقال إلى دولة إسرائيل قبل إنشائها ،وأ ّنه دروسا فى اللغة العبر ّية مع امرأة مقدس ّية تب ّرعت تلقّى ً أخي ًرا بدفتر تلميذها ا ّلــذى يضم املفردات اللغو ّية إلى املكتبة .وكانت املكتبة أثناء السنوات األخيرة قد استحوذت على العديد من املخطوطات األخرى التى أمرت احملكمة أحفاد هوف بتسليمها. >>> وقــال مائير ميلر أحــد ممثلى املكتبة القانونيني ا ّلذين رافقوا القضية التى استم ّرت عشر سنوات ،أ ّنه من املتو ّقع أن تصل األوراق اجلديدة إلى إسرائيل فى غضون شهر. وص ـ ّرح ديفيد بلومبرج؛ مدير مكتبة إسرائيل الوطن ّية، رحب بقرار وهى هيئة غير حكوم ّية غير ربح ّية بقوله« :نُ ِ ّ احملكمة السويسر ّية التى تتفق مع كا ّفة األحكام التى أصدرتها احملاكم اإلسرائيل ّية ،كما يستكمل هذا القرار حتضير مكتبة إسرائيل الوطن ّية لتسلّم تركة ماكس برود األدب ّية بأكملها ،والتى ستلقى املعاملة التى تليق بها وستُتاح لعموم اجلمهور فى إسرائيل والعالم». لكن متخصصني آخــريــن يتشككون فــى تبنّى إسرائيل لكافكا ،الفتني إلى صراعه بشأن هويته اليهود ّية .أ ّما أرشيف األدب األملانى؛ على سبيل املثال ،فقد انحاز إلى جانب ورثة هوف وسعى إلى شراء املجموعة نفسها بزعم أنّ النصوص مكتوبة باللغة األملانية وهــى بذلك تراث أملاني .وقال ديتمار جيجل؛ أحد موظفى األرشيف ،إ ّنه لن يُع ِلّق على قرار محكمة زيورخ أل ّنه لم ّ يطلع عليه بعد. فى حني ح ّذر بالنت من أن محتويات األرشيف املُخبأ قد ال ترقى لتوقعات اجلميع ،وأضاف ُمشي ًرا إلى املنافسة تخص كافكا« :من غير الشرسة حول أى وثيقة أصل ّية ّ املرجح أن نكتشف رائعة مجهولة لكافكا بني تلك األوراق، ّ لكنّها تظل أورا ًقــا ذات قيمة؛ ذلك أ ّنه ث ّمة هالة غريبة ُتيط بكافكا جتعل كل ما يتعلّق به ج ّذا ًبا».
عن األسوشيتد برس
١٨
٥مايو ٢٠١٩العدد ١٣٤٥
١٩
٥مايو ٢٠١٩العدد ١٣٤٥
صالة خاصة:
آفاق جديدة بعض النماذج الروائية اجلديدة حتفز على التساؤل عن حتوالت فن الرواية وتطور أمناطه وأشكاله الفنية وعالقته مبجاالت أخرى ،وإثارة تساؤالت عديدة حول صلة فن الرواية مبجاالت التعليم واإلدراك املعرفى ونظرياتهما وكذلك تشكيل الوعى والبنية الذهنية للمتلقني أو حتريكها فى اجتاهات بحثية بعينها .رواية «صالة خاصة» للروائى املصرى صبحى موسى الصادرة عن الهيئة العامة للكتاب 2019متثل واحدة من تلك التجارب الروائية التى تثير هذه األسئلة حول األبعاد املعرفية والتعليمية وجدل اجلمالى واملعرفى فى اخلطابات الروائية وغيرها الكثير من التساؤالت املهمة. رواية «صالة خاصة» هى منوذج فنى ينحت فى تاريخ املسيحية فى مصر بدأب وبطابع بحثى ال يتجاوز اخلصائص والسمات اجلمالية للنوع األدبى ،وتقارب التحوالت التاريخية الكبرى واملصيرية للكنيسة املصرية ورأسها فى اإلسكندرية فى فترة مهمة من العصر الرومانى وبعد ذلك ،ومن ثم تقارب التحوالت والتشكالت العقدية فى الكنيسة املصرية وبداية خصوصية تصوراتها للعقيدة املسيحية ومن ثم حربها أو صراعها مع السلطة الزمنية املتمثلة فى األباطرة الرومان وكذلك حربها وجدلها التاريخى مع الكنائس امللح األخرى .السؤال ّ واجلوهرى هنا ،كيف تبدو هذه املساحة من اجلدل الدينى والعقدى الرسمى والتاريخى مجال اشتغال جمالى للخطاب الروائى؟
لتلقى السرد الروائى
محمد سليم شوشة الحقيقة أن الرواية عبر ّ حس خاص استثمرت هذه املساحة من الصراع العقدى التاريخى واملمتد لعقود طويلة بحسب حكاية دير املالح كما ّ يدونها روفائيل السكندرى وتلميذه بنيامني وغيرهما وكما كشفتها رسائل أوريجانوس ،هذه املساحة من الصراع العقدى والجدل الدينى والخالف والــصــدام مــع األبــاطــرة واألســاقــفــة اآلخــريــن والباباوات أنتجت منها الرواية حالة من الشجن اإلنسانى العميق الذى يخلق حاال شعرية ينضح بها خطاب الرواية ويبدو فى إطار هذه الشعرية على قدر كبير من اإليحاء بمعان مطلقة حول تحوالت اإلنسان وتضحياته وانتهازيته أو قدر إخالصه ونقائه ورغبته فى املعرفة وإدراك الحقيقة .كما أن الرواية تبدو وفق هذه الشعرية الناتجة عن شجن هذا الصراع املمتد واملليء بالتضحيات والتحوالت والتراكم وامليراث الفكرى واالجتهاد أو املطامع وجدل كل هذه القيم ،تبدو ذات شكل إنسانى أو دفق إنسانى يجعل املتلقى فى حال من املراقبة الرهيفة والتساؤل عن طبيعة اإلنسان فى املطلق وجوهره حني يموت أو يتعذب فى سبيل أفكار واجتهادات ال يقدر على حسمها من حيث الصواب والخطأ أو الحق والباطل أو الخير والشر. >>> «صالة خاصة» لها منافذها الجمالية الدقيقة التى قد ترهق النقاد ملا لها من وجه تاريخى وبحثى قد ُيخفى أو يطمر بعض الجوانب اإلنسانية أو شعرية األلــم والعذاب اإلنسانى وشعرية تكرار املأساة وتكرار املصائر والتضحيات بشكل قدرى يبدو فيها اإلنسان مثل موجات متدفقة فى نهر الوجود .بني ًّ نسبيا وكذلك تبدل تحوالت الزمن وثبات املكان الشخصيات واألسماء واألفكار واملعتقدات وثبات األسئلة أحيانا حــول الله وحــول جوهر العقيدة ومفرداتها ولــوائــح اإليــمــان وقوانينه يبدو نهر اإلنسانية الشعرى بمعامله املحفزة على التساؤل واملثيرة للدهشة .يتغير الجالسون على املقعد البابوى فى اإلسكندرية مرات عديدة ويظل الصراع وتبقى األسئلة ويظل االجتهاد ويتنوع اإلنسان بني نماذج عديدة ثابتة عنيدة وأخرى أكثر مرونة وقبوال لالختالف .من يميلون إلى الدماء والعنف وتصفية الحسابات باملؤامرات واألكاذيب واملكائد ومن يبقون على شرف الخصومة وحق االختالف ومن كافة هذه الحوادث والنماذج والتناقضات تتجلى شعرية تنوع الحياة اإلنسانية التى تتجاوز األحادية، ومن هذه الخالفات واالختالفات تتوالد التجارب واالمتحانات والفنت والعذابات ومن يبقون راسخني فى الذاكرة الجمعية بال هفوات قديسني حامني للكلمة واملبدأ وآخرين يسقطون فى اختبارات سهلة أحيانا ،لتتجلى الطبيعة اإلنسانية بتراكبها وغموضها واحتياجها الدائم للبحث والتنقيب فيها عبر الكتابة والتدوين والتساؤل وكتابة التاريخ. فن الرواية وفق هذا النموذج اإلبداعى املتحقق فى رواية صالة خاصة يبدو فنا جبارا إذا جاز التعبير، يملك من القدرات ما ال تملك الخطابات األخرى سواء السينمائية أو الدرامية أو الخطابات العلمية األكاديمية أو التاريخية البحثية .فهو يحقق املعادلة الصعبة الجامعة بني الجمالى واملعرفى بطاقاته الفلسفية والتدوينية والتأريخية دون سأم أو جفاف
بحثي .الخطاب الروائى على هذا النحو يملك القدرة على استثمار الوقفات البحثية والتأملية وطرح األسئلة الصعبة التى تحتاج نقاشا يطول بالدليل والبرهان حول وحدة اإلله أو األقانيم أو صفة مريم البتول وما يستتبع الخالف حول كونها أم اإلله لدى البعض من جدل فى مسائل عقدية أخرى .بعض هذه األفكار واملسائل قد ال تقدر على طرحها ومقاربتها الدراما التلفزيونية أو السينما بقدراتها الشفاهية املتجردة من قــدرات النص املكتوب. >>> ّ يخص فالنص املكتوب له طبيعة خاصة فيما زمن التلقى ،ألن القارئ يملك القدرة على إعادة القراءة مرات عديدة دون حاجة لتكرار التشغيل أو املشاهدة كما فى الفنون السردية األخرى كالسينما والتلفزيون ،وهذه الطاقات البحثية واملعرفية إنما تشبع باألساس بعض احتياجات املتلقني للمعرفة ونزوعهم إلى إدراك السر الجوهرى فى الصراع والدوافع الحقيقية للقتل والتعذيب والتنكيل والنفى وكافة الحوادث التى تمتلئ بها الرواية على نحو ما تضج بها الحياة نفسها من الخالفات واالقتتال العقدى الذى يبدو هو النغمة اإلنسانية األكثر ثباتا فى هذا الوجود ،مهما كانت تنويعات هذه النغمة، فما خــاف املسلمني بتنويعاتهم حــول الجهاد والعنف والقتال إال صورة من األصل الواحد الذى كان منه خالف املسيحيني األوائــل فى العقيدة. فالخالف كله فى النهاية عقدى والنتيجة كذلك واحــدة تنوعت بني القتل والنفى والتعذيب ،كما كان هناك دائما املرحبون باالختالف فى الرأى واملتقبلون ألى االجتهادات ،حتى قد يصل األمر لقبول الشيطان نفسه وإيجاد مبرر ألفعاله أو إدراك رفضه وعصيانه وفق منطق ال يخلو من وجاهة حسبما رأى أوريجانوس فى رسائله وحسب ما استقرت عليه رحلة بحثه من التسامح والغفران
مع الجميع وللجميع كما طرحت الرواية. الرواية تمثل لحنا طويال أو معزوفة موسيقية كبيرة تتراكب وتتداخل فيها تنويعات نغمية عدة ،ففيها عدد من األصــوات السردية والحكايات املركبة واملمتزجة وفــق نسق تبادلى من بداية الرواية حتى نهايتها ،فالحكاية اإلطار التى تقع فى الفترة املعاصرة وهى قصة أنطونيوس ودميانة ومالك كاتب دير املالح وغيرهم من الشخصيات تمتلئ باألحداث والتحوالت ويصبح املكون العاطفى فيها روحا تصنع تواشجا ونغمة صغرى ممتدة داخل النغمة األكبر ،كما فيها كذلك خط التحقيق املمتد وقصة نشر الكتاب املمنوع رسائل أوريجانوس على أنها سيرة القديس أنطونيوس ،وكذلك فيها خط البحث عن دميانة ولقائها مرة أخرى بحبيبها بعد فــراق وإنقاذها من الراغبني فى التخلص منها ألنها اطلعت على أسرارهم ،وهى فى ذاتها قصة فيها قدر كبير من التشويق واإلثارة ،كما فى هذه الحكاية املعاصرة/اإلطار قصة غامضة حول مقتل الراهب بوخوميوس أو انتحاره وهو لغز ال تتضح حقيقته إال فى نهاية الرواية ،وهو ما يمنح الرواية الشكل البوليسى الــذى يعزز بنية اللغز ويمنح خطابها نسقا حركيا يتمثل فى السعى نحو كشف هذا اللغز ومعرفة القاتل. >>> بقية أما الحكايتان األخريان اللتني تتشكل منهما ُّ النغمات السردية التى تتقاطع وتتبادل التوزع فــى فضاء الــروايــة ،فهما قصة ديــر املــاح من بداية نشأته بما فيها من الحقائق أو الكرامات أو األساطير إن جاز التعبير عن ميخائيل املالح املعتزل فى الصحراء بلبوءته وأشبالها التى تظل حاضرة من البداية للنهاية وفــق منطق روحى
أو اعتقادى جعلها ال تغيب عن عقيدة املؤمنني بوجودها سواء فى الواقع أو األحــام أو التحايل ومن هنا تمتد فاعليتها .وقصة دير املالح فى ذاتها هى الوسيط بني الحكايات األخرى ملا مثل الدير ورهبانه من حال الوسطية والتوازن املعرفى واملعبرة أو القنطرة التى عبرت منها املعارف املختلفة فى كافة االتجاهات ،وبشكل كبير من التوازن وقبول اآلخر أو التنوع الفكرى دون صدام وبخاصة فى املاضي .فيبدو دير املالح بتاريخه رمزا للمعرفة بشكل مطلق عبر سيرة رجاله ورؤسائه ديمتريوس وأبــانــوب املصرى الجنوبى ورفائيل السكندرى وإيمانوئيل الطيب وبوخوميوس .والنغمة السردية الرئيسة الثالثة التى تتبادل وتتراوح مع النغمتني السابقتني هى سيرة أوريجانوس حسبما ّ دونها فى رسائله االعترافية إلى صديقه البابا ديونسيوس، والحقيقة أن هــذه السيرة/الرسائل هى الجزء الجوهرى فى خطاب روايــة صالة خاصة ،فهى الجزء املشترك بني الحكايات الثالثة وتربطها جميعا ببعضها ،وهى كذلك تعكس حاال خاصة من السماحة والسالم الروحى واملحبة الخالصة لكافة عناصر الوجود التى تبدو متصارعة. >>> رحلة أوريجانوس رحلة صوفية ثرية وفى غاية العمق وتمثل العمود الفقرى للرواية بما فيها من روحى ومعرفى وبما فيها من اإلخالص رحلة بحث َ َ والجلد وقبول اآلخر ومحبته ومبادلة الشر والنقاء خيرا ،وملا فيها من الحكمة والتحوالت الكبيرة وشجن املوت والترحال وتبدل الحياة بني الهناءة واأللــم والعذاب تبدال ال يمكن توقعه وال قراءته، ولكن يمكن ألوريجانوس فقط أن يتصالح معه ويستوعبه ويمر عبره كما لو أن كل هذا األلم لم يحدث من األســاس .النغمات السردية الثالثة السابق عرضها تقع فى أزمنة مختلفة ولكنها تبدو متشابهة وأسئلتها واحــدة ونماذجها اإلنسانية مكررة ،وتبدو امتدادات لبعضها ،حتى األسماء تتكرر ،فأنطونيوس الصغير أو الحالى قد يقابل القديس أنطونيوس الكبير الــذى عــاش فى دير املــاح ،ودميانة ترى نفسها ومصيرها فى رضا القديسة تريزا وقبولها لها وكذلك موقفها من أمها التى لها نفس االسم كذلك .والحيوانات الحارسة األسطورية أو الكرامات والشهادة تيمة متكررة فى كافة األزمنة بوصفها جزءا من العقل املؤمن ونسيجه الواحد ،وأحد املكونات الفاعلة فيه ،فنجد اللبوءة وأشبالها ودفاعها الثابت عن الحق وحراسة املظلومني والضعفاء ال تبدو بعيدةعن طبيعة كلب السماء الذى يبدو أشبه ببوصلة روحية لكل من أنطونيوس ودميانة ويوجههما ويربط بينهما كما يربطهما الحب ،هنا يكون دور التكرار أو هذه الثنائيات املتوازية أو املتقاطعة أو املتناظرة ليس فقط الربط النفسى للشخصيات أو صنع حالة من االنسجام فى النسيج اإلنسانى الذى يكون فيه العقل املسيحى املؤمن حالة واحدة أو متشابها إلى حد بعيد ،ولكنها كذلك تخلق نوعا من التكرار فى خطاب الرواية بحيث يحيل بعض الرواية على بعض ويمثل التكرار شبكة من العالقات والتقاطعات الداخلية التى تصنع وحدة النص وانسجامه أو تكامله .الرواية تجسد حاالت عديدة من الصراع التى تجعلها مشحونة بالكراهية والحب وتنوع املشاعر اإلنسانية ،واإلحساس باالنتظار أو الخوف والترقب والتخطيط والتدبير والحركة ،وكلها فى النهاية تصب فى عنصر التشويق وتجعل الرواية تقدم حاالت إنسانية نابضة وتمثل هذه الصراعات
«صالة خاصة» لها منافذها الجمالية الدقيقة التى قد ترهق النقاد ملا لها من وجه تاريخى وبحثى قد ُيخفى أو يطمر بعض الجوانب اإلنسانية أو شعرية األلم والعذاب اإلنسانى وشعرية تكرار املأساة وتكرار املصائر والتضحيات بشكل قدرى يبدو فيها اإلنسان مثل موجات متدفقة فى نهر الوجود.
مــرآة تكشف الشخصيات من الــداخــل ،تكشف نزقها وطمعها أو صبرها وجلدها وتحملها ،كما فيها عديد االتجاهات والنماذج من الخير والشر والخليط أو املمتزج وهو األكثر .كذلك فيها ما يمكن أن يكون صراعا بني املالئكة والشياطني أو بني النقاء والدنس ،بني السامى واملنحط ،بني املادة والجوهر ،وهكذا ليبدو عالم الرواية عبر الحكايات الثالث تركيبة حياتية شاملة ومعقدة فيها كافة التناقضات والتعارضات التى فى الحياة الطبيعية أو التى يتشكل منها الوجود كله ،فتركيبة الحياة هى تركيبة الوجود بتكامله وتعارضه وقيمه املتصارعة أو املتصالحة واملنسجمة ،والتقاط الرواية لهذه الحالة الجوهرية للوجود هو قدرة خاصة للسرد الروائى على اقتناص إيقاع الوجود وصراعه أو حركته نحو املعرفة أو التضليل. >>> للرواية نقطة إنجاز مهمة أخرى تتمثل فى قدرة خطابها على تمثل العقل املسيحى بكافة شحوناته املعرفية واالصطالحية وكافة األسئلة والشواغل القديمة أو املتجددة ،فنجد أنها على قدر كبير من التدقيق فيما يخص مصطلحات علوم الالهوت املسيحى ومــا يعرف بالئحة اإليــمــان واملجامع املسكونية أو الكنسية وما مرت به املسيحية من منعرجات أو اجتهادات وأبــرز املجتهدين من الناحية التاريخية ،فيكون القارئ بعد القراءة فى القلب من مسائل الحياة الدينية املسيحية وقضاياها وتاريخ الكنيسة الذى ترصد الرواية تموجاته برهافة كبيرة ال تنتقص من الطبيعة الجمالية للسرد أو تجنح إلى الجفاف التاريخى الصرف .هذه املصطلحات واملعارف املسيحية تأتى موزعة وفق استراتيجية مشهدية تضج بالحركة واالنفعاالت والتصرفات البشرية واملطامع وحركة األقدار التى تنتزع أحد أطراف الصراع أو كليهما، فيزول املتصارعون واملختلفون ويبقى الخالف موروثا ويبقى أحيانا الحقد راسخا كما تبقى املحبة
للرواية نقطة إنجاز مهمة أخرى تتمثل فى قدرة خطابها على تمثل العقل املسيحى بكافة شحوناته املعرفية واالصطالحية وكافة األسئلة والشواغل القديمة أو املتجددة.
والتسامح والسالم النفسى قيما راسخة كذلك لدى آخرين. الرواية فيما يخص ما ينتج عنها من الدالالت تبدو ذات طاقة إيحائية عالية وال تميل إلى التصريح فهى تستعرض الحوادث واملواقف دون تفسيرها ليكون للقارئ حــق الــتــأويــل والتفسير والفهم واستيعاب ما وراء الــحــوادث ومــا بني السطور، وليحاول أن يعرف أين يكون الخير وأين يكون الشر وأين التقائهما .ومن جمالياتها فى تقديرنا منطقها فى التعامل مع األماكن واملواقع وتاريخ األديــرة وخصوصية كل دير واملعالم الجغرافية القديمة ورصد حركة األسفار والترحال التى ال تنتهى أو تتوقف عند مرحلة أو فترة زمنية ،وهو ما يمثل زادا معرفيا وجماليا إضافيا للرواية ويجعلها تتجاوز البنية التقليدية للسرد الروائى الذى يقتصر على الحكاية التقليدية بأن يكون تاريخا للمكان سواء الدينى أو املكان بصفة عامة من صحار وأنهار ومناطق جبلية أو مــدن عريقة مثل أسيوط أو ليكوبوليس وكذلك اإلسكندرية العريقة وما حدث فيهما من تحوالت فى هذه الحقبة وبخاصة صراع الديانات املصرية والرومانية القديمة مع الديانات السماوية أو بني اليهودية واملسيحية من جانب أو بني املسيحية ومن يسمون بالهراطقة والتيارات الفلسفية مثل الغنوصيني واألفلوطنيني أو تيارات املسيحية وبعضها ما بني مجسدين وغير مجسدين أو تداخل الديانات ببعضها على نحو ما نرى من وصل بعضهم إيزيس بمريم فى فكرة (أم اإلله) والقيامة والعودة بالجسد مرة أخرى بعد التالشي. فيما يشبه حاال عامة من الديناميكية العقدية الدائمة التى ليس لها وجهها االجتهادى فى املعرفة وحسب بل كذلك لها وجهها الدامى والعنيف ومن ثم تكون الطبيعة اإلنسانية للصراع. >>> وفى تصورنا أن لهذه الرواية وجوها جمالية عديدة ومنجزات كثيرة ،وتمثل حالة إبداعية تستحق االهتمام واملقارنة بما سار قريبا من دربها من الروايات حتى تتضح الفوارق فى املنجز املعرفى والجمالي .فنجد أن لغتها متنوعة ومتفاوتة بحسب السياق أو اختالف الصوت أو شخصية املدون ،فلغة أوريجانوس تختلف عن لغة مالك أو لغة رفائيل، وهكذا ،كل بحسب علمه وذهنيته .وتبقى فكرة التدوين والكتابة ذاتها ذات طبيعة روحية وبحثية تجعلها فى مرتبة الصالة أو رحلة البحث الروحى التى ال تختلف عن أشكال العبادة األخرى. الكتاب :صالة خاصة املؤلف :صبحى موسى الناشر :هيئة الكتاب
١٨
٥مايو ٢٠١٩العدد ١٣٤٥
١٩
٥مايو ٢٠١٩العدد ١٣٤٥
صالة خاصة:
آفاق جديدة بعض النماذج الروائية اجلديدة حتفز على التساؤل عن حتوالت فن الرواية وتطور أمناطه وأشكاله الفنية وعالقته مبجاالت أخرى ،وإثارة تساؤالت عديدة حول صلة فن الرواية مبجاالت التعليم واإلدراك املعرفى ونظرياتهما وكذلك تشكيل الوعى والبنية الذهنية للمتلقني أو حتريكها فى اجتاهات بحثية بعينها .رواية «صالة خاصة» للروائى املصرى صبحى موسى الصادرة عن الهيئة العامة للكتاب 2019متثل واحدة من تلك التجارب الروائية التى تثير هذه األسئلة حول األبعاد املعرفية والتعليمية وجدل اجلمالى واملعرفى فى اخلطابات الروائية وغيرها الكثير من التساؤالت املهمة. رواية «صالة خاصة» هى منوذج فنى ينحت فى تاريخ املسيحية فى مصر بدأب وبطابع بحثى ال يتجاوز اخلصائص والسمات اجلمالية للنوع األدبى ،وتقارب التحوالت التاريخية الكبرى واملصيرية للكنيسة املصرية ورأسها فى اإلسكندرية فى فترة مهمة من العصر الرومانى وبعد ذلك ،ومن ثم تقارب التحوالت والتشكالت العقدية فى الكنيسة املصرية وبداية خصوصية تصوراتها للعقيدة املسيحية ومن ثم حربها أو صراعها مع السلطة الزمنية املتمثلة فى األباطرة الرومان وكذلك حربها وجدلها التاريخى مع الكنائس امللح األخرى .السؤال ّ واجلوهرى هنا ،كيف تبدو هذه املساحة من اجلدل الدينى والعقدى الرسمى والتاريخى مجال اشتغال جمالى للخطاب الروائى؟
لتلقى السرد الروائى
محمد سليم شوشة الحقيقة أن الرواية عبر ّ حس خاص استثمرت هذه املساحة من الصراع العقدى التاريخى واملمتد لعقود طويلة بحسب حكاية دير املالح كما ّ يدونها روفائيل السكندرى وتلميذه بنيامني وغيرهما وكما كشفتها رسائل أوريجانوس ،هذه املساحة من الصراع العقدى والجدل الدينى والخالف والــصــدام مــع األبــاطــرة واألســاقــفــة اآلخــريــن والباباوات أنتجت منها الرواية حالة من الشجن اإلنسانى العميق الذى يخلق حاال شعرية ينضح بها خطاب الرواية ويبدو فى إطار هذه الشعرية على قدر كبير من اإليحاء بمعان مطلقة حول تحوالت اإلنسان وتضحياته وانتهازيته أو قدر إخالصه ونقائه ورغبته فى املعرفة وإدراك الحقيقة .كما أن الرواية تبدو وفق هذه الشعرية الناتجة عن شجن هذا الصراع املمتد واملليء بالتضحيات والتحوالت والتراكم وامليراث الفكرى واالجتهاد أو املطامع وجدل كل هذه القيم ،تبدو ذات شكل إنسانى أو دفق إنسانى يجعل املتلقى فى حال من املراقبة الرهيفة والتساؤل عن طبيعة اإلنسان فى املطلق وجوهره حني يموت أو يتعذب فى سبيل أفكار واجتهادات ال يقدر على حسمها من حيث الصواب والخطأ أو الحق والباطل أو الخير والشر. >>> «صالة خاصة» لها منافذها الجمالية الدقيقة التى قد ترهق النقاد ملا لها من وجه تاريخى وبحثى قد ُيخفى أو يطمر بعض الجوانب اإلنسانية أو شعرية األلــم والعذاب اإلنسانى وشعرية تكرار املأساة وتكرار املصائر والتضحيات بشكل قدرى يبدو فيها اإلنسان مثل موجات متدفقة فى نهر الوجود .بني ًّ نسبيا وكذلك تبدل تحوالت الزمن وثبات املكان الشخصيات واألسماء واألفكار واملعتقدات وثبات األسئلة أحيانا حــول الله وحــول جوهر العقيدة ومفرداتها ولــوائــح اإليــمــان وقوانينه يبدو نهر اإلنسانية الشعرى بمعامله املحفزة على التساؤل واملثيرة للدهشة .يتغير الجالسون على املقعد البابوى فى اإلسكندرية مرات عديدة ويظل الصراع وتبقى األسئلة ويظل االجتهاد ويتنوع اإلنسان بني نماذج عديدة ثابتة عنيدة وأخرى أكثر مرونة وقبوال لالختالف .من يميلون إلى الدماء والعنف وتصفية الحسابات باملؤامرات واألكاذيب واملكائد ومن يبقون على شرف الخصومة وحق االختالف ومن كافة هذه الحوادث والنماذج والتناقضات تتجلى شعرية تنوع الحياة اإلنسانية التى تتجاوز األحادية، ومن هذه الخالفات واالختالفات تتوالد التجارب واالمتحانات والفنت والعذابات ومن يبقون راسخني فى الذاكرة الجمعية بال هفوات قديسني حامني للكلمة واملبدأ وآخرين يسقطون فى اختبارات سهلة أحيانا ،لتتجلى الطبيعة اإلنسانية بتراكبها وغموضها واحتياجها الدائم للبحث والتنقيب فيها عبر الكتابة والتدوين والتساؤل وكتابة التاريخ. فن الرواية وفق هذا النموذج اإلبداعى املتحقق فى رواية صالة خاصة يبدو فنا جبارا إذا جاز التعبير، يملك من القدرات ما ال تملك الخطابات األخرى سواء السينمائية أو الدرامية أو الخطابات العلمية األكاديمية أو التاريخية البحثية .فهو يحقق املعادلة الصعبة الجامعة بني الجمالى واملعرفى بطاقاته الفلسفية والتدوينية والتأريخية دون سأم أو جفاف
بحثي .الخطاب الروائى على هذا النحو يملك القدرة على استثمار الوقفات البحثية والتأملية وطرح األسئلة الصعبة التى تحتاج نقاشا يطول بالدليل والبرهان حول وحدة اإلله أو األقانيم أو صفة مريم البتول وما يستتبع الخالف حول كونها أم اإلله لدى البعض من جدل فى مسائل عقدية أخرى .بعض هذه األفكار واملسائل قد ال تقدر على طرحها ومقاربتها الدراما التلفزيونية أو السينما بقدراتها الشفاهية املتجردة من قــدرات النص املكتوب. >>> ّ يخص فالنص املكتوب له طبيعة خاصة فيما زمن التلقى ،ألن القارئ يملك القدرة على إعادة القراءة مرات عديدة دون حاجة لتكرار التشغيل أو املشاهدة كما فى الفنون السردية األخرى كالسينما والتلفزيون ،وهذه الطاقات البحثية واملعرفية إنما تشبع باألساس بعض احتياجات املتلقني للمعرفة ونزوعهم إلى إدراك السر الجوهرى فى الصراع والدوافع الحقيقية للقتل والتعذيب والتنكيل والنفى وكافة الحوادث التى تمتلئ بها الرواية على نحو ما تضج بها الحياة نفسها من الخالفات واالقتتال العقدى الذى يبدو هو النغمة اإلنسانية األكثر ثباتا فى هذا الوجود ،مهما كانت تنويعات هذه النغمة، فما خــاف املسلمني بتنويعاتهم حــول الجهاد والعنف والقتال إال صورة من األصل الواحد الذى كان منه خالف املسيحيني األوائــل فى العقيدة. فالخالف كله فى النهاية عقدى والنتيجة كذلك واحــدة تنوعت بني القتل والنفى والتعذيب ،كما كان هناك دائما املرحبون باالختالف فى الرأى واملتقبلون ألى االجتهادات ،حتى قد يصل األمر لقبول الشيطان نفسه وإيجاد مبرر ألفعاله أو إدراك رفضه وعصيانه وفق منطق ال يخلو من وجاهة حسبما رأى أوريجانوس فى رسائله وحسب ما استقرت عليه رحلة بحثه من التسامح والغفران
مع الجميع وللجميع كما طرحت الرواية. الرواية تمثل لحنا طويال أو معزوفة موسيقية كبيرة تتراكب وتتداخل فيها تنويعات نغمية عدة ،ففيها عدد من األصــوات السردية والحكايات املركبة واملمتزجة وفــق نسق تبادلى من بداية الرواية حتى نهايتها ،فالحكاية اإلطار التى تقع فى الفترة املعاصرة وهى قصة أنطونيوس ودميانة ومالك كاتب دير املالح وغيرهم من الشخصيات تمتلئ باألحداث والتحوالت ويصبح املكون العاطفى فيها روحا تصنع تواشجا ونغمة صغرى ممتدة داخل النغمة األكبر ،كما فيها كذلك خط التحقيق املمتد وقصة نشر الكتاب املمنوع رسائل أوريجانوس على أنها سيرة القديس أنطونيوس ،وكذلك فيها خط البحث عن دميانة ولقائها مرة أخرى بحبيبها بعد فــراق وإنقاذها من الراغبني فى التخلص منها ألنها اطلعت على أسرارهم ،وهى فى ذاتها قصة فيها قدر كبير من التشويق واإلثارة ،كما فى هذه الحكاية املعاصرة/اإلطار قصة غامضة حول مقتل الراهب بوخوميوس أو انتحاره وهو لغز ال تتضح حقيقته إال فى نهاية الرواية ،وهو ما يمنح الرواية الشكل البوليسى الــذى يعزز بنية اللغز ويمنح خطابها نسقا حركيا يتمثل فى السعى نحو كشف هذا اللغز ومعرفة القاتل. >>> بقية أما الحكايتان األخريان اللتني تتشكل منهما ُّ النغمات السردية التى تتقاطع وتتبادل التوزع فــى فضاء الــروايــة ،فهما قصة ديــر املــاح من بداية نشأته بما فيها من الحقائق أو الكرامات أو األساطير إن جاز التعبير عن ميخائيل املالح املعتزل فى الصحراء بلبوءته وأشبالها التى تظل حاضرة من البداية للنهاية وفــق منطق روحى
أو اعتقادى جعلها ال تغيب عن عقيدة املؤمنني بوجودها سواء فى الواقع أو األحــام أو التحايل ومن هنا تمتد فاعليتها .وقصة دير املالح فى ذاتها هى الوسيط بني الحكايات األخرى ملا مثل الدير ورهبانه من حال الوسطية والتوازن املعرفى واملعبرة أو القنطرة التى عبرت منها املعارف املختلفة فى كافة االتجاهات ،وبشكل كبير من التوازن وقبول اآلخر أو التنوع الفكرى دون صدام وبخاصة فى املاضي .فيبدو دير املالح بتاريخه رمزا للمعرفة بشكل مطلق عبر سيرة رجاله ورؤسائه ديمتريوس وأبــانــوب املصرى الجنوبى ورفائيل السكندرى وإيمانوئيل الطيب وبوخوميوس .والنغمة السردية الرئيسة الثالثة التى تتبادل وتتراوح مع النغمتني السابقتني هى سيرة أوريجانوس حسبما ّ دونها فى رسائله االعترافية إلى صديقه البابا ديونسيوس، والحقيقة أن هــذه السيرة/الرسائل هى الجزء الجوهرى فى خطاب روايــة صالة خاصة ،فهى الجزء املشترك بني الحكايات الثالثة وتربطها جميعا ببعضها ،وهى كذلك تعكس حاال خاصة من السماحة والسالم الروحى واملحبة الخالصة لكافة عناصر الوجود التى تبدو متصارعة. >>> رحلة أوريجانوس رحلة صوفية ثرية وفى غاية العمق وتمثل العمود الفقرى للرواية بما فيها من روحى ومعرفى وبما فيها من اإلخالص رحلة بحث َ َ والجلد وقبول اآلخر ومحبته ومبادلة الشر والنقاء خيرا ،وملا فيها من الحكمة والتحوالت الكبيرة وشجن املوت والترحال وتبدل الحياة بني الهناءة واأللــم والعذاب تبدال ال يمكن توقعه وال قراءته، ولكن يمكن ألوريجانوس فقط أن يتصالح معه ويستوعبه ويمر عبره كما لو أن كل هذا األلم لم يحدث من األســاس .النغمات السردية الثالثة السابق عرضها تقع فى أزمنة مختلفة ولكنها تبدو متشابهة وأسئلتها واحــدة ونماذجها اإلنسانية مكررة ،وتبدو امتدادات لبعضها ،حتى األسماء تتكرر ،فأنطونيوس الصغير أو الحالى قد يقابل القديس أنطونيوس الكبير الــذى عــاش فى دير املــاح ،ودميانة ترى نفسها ومصيرها فى رضا القديسة تريزا وقبولها لها وكذلك موقفها من أمها التى لها نفس االسم كذلك .والحيوانات الحارسة األسطورية أو الكرامات والشهادة تيمة متكررة فى كافة األزمنة بوصفها جزءا من العقل املؤمن ونسيجه الواحد ،وأحد املكونات الفاعلة فيه ،فنجد اللبوءة وأشبالها ودفاعها الثابت عن الحق وحراسة املظلومني والضعفاء ال تبدو بعيدةعن طبيعة كلب السماء الذى يبدو أشبه ببوصلة روحية لكل من أنطونيوس ودميانة ويوجههما ويربط بينهما كما يربطهما الحب ،هنا يكون دور التكرار أو هذه الثنائيات املتوازية أو املتقاطعة أو املتناظرة ليس فقط الربط النفسى للشخصيات أو صنع حالة من االنسجام فى النسيج اإلنسانى الذى يكون فيه العقل املسيحى املؤمن حالة واحدة أو متشابها إلى حد بعيد ،ولكنها كذلك تخلق نوعا من التكرار فى خطاب الرواية بحيث يحيل بعض الرواية على بعض ويمثل التكرار شبكة من العالقات والتقاطعات الداخلية التى تصنع وحدة النص وانسجامه أو تكامله .الرواية تجسد حاالت عديدة من الصراع التى تجعلها مشحونة بالكراهية والحب وتنوع املشاعر اإلنسانية ،واإلحساس باالنتظار أو الخوف والترقب والتخطيط والتدبير والحركة ،وكلها فى النهاية تصب فى عنصر التشويق وتجعل الرواية تقدم حاالت إنسانية نابضة وتمثل هذه الصراعات
«صالة خاصة» لها منافذها الجمالية الدقيقة التى قد ترهق النقاد ملا لها من وجه تاريخى وبحثى قد ُيخفى أو يطمر بعض الجوانب اإلنسانية أو شعرية األلم والعذاب اإلنسانى وشعرية تكرار املأساة وتكرار املصائر والتضحيات بشكل قدرى يبدو فيها اإلنسان مثل موجات متدفقة فى نهر الوجود.
مــرآة تكشف الشخصيات من الــداخــل ،تكشف نزقها وطمعها أو صبرها وجلدها وتحملها ،كما فيها عديد االتجاهات والنماذج من الخير والشر والخليط أو املمتزج وهو األكثر .كذلك فيها ما يمكن أن يكون صراعا بني املالئكة والشياطني أو بني النقاء والدنس ،بني السامى واملنحط ،بني املادة والجوهر ،وهكذا ليبدو عالم الرواية عبر الحكايات الثالث تركيبة حياتية شاملة ومعقدة فيها كافة التناقضات والتعارضات التى فى الحياة الطبيعية أو التى يتشكل منها الوجود كله ،فتركيبة الحياة هى تركيبة الوجود بتكامله وتعارضه وقيمه املتصارعة أو املتصالحة واملنسجمة ،والتقاط الرواية لهذه الحالة الجوهرية للوجود هو قدرة خاصة للسرد الروائى على اقتناص إيقاع الوجود وصراعه أو حركته نحو املعرفة أو التضليل. >>> للرواية نقطة إنجاز مهمة أخرى تتمثل فى قدرة خطابها على تمثل العقل املسيحى بكافة شحوناته املعرفية واالصطالحية وكافة األسئلة والشواغل القديمة أو املتجددة ،فنجد أنها على قدر كبير من التدقيق فيما يخص مصطلحات علوم الالهوت املسيحى ومــا يعرف بالئحة اإليــمــان واملجامع املسكونية أو الكنسية وما مرت به املسيحية من منعرجات أو اجتهادات وأبــرز املجتهدين من الناحية التاريخية ،فيكون القارئ بعد القراءة فى القلب من مسائل الحياة الدينية املسيحية وقضاياها وتاريخ الكنيسة الذى ترصد الرواية تموجاته برهافة كبيرة ال تنتقص من الطبيعة الجمالية للسرد أو تجنح إلى الجفاف التاريخى الصرف .هذه املصطلحات واملعارف املسيحية تأتى موزعة وفق استراتيجية مشهدية تضج بالحركة واالنفعاالت والتصرفات البشرية واملطامع وحركة األقدار التى تنتزع أحد أطراف الصراع أو كليهما، فيزول املتصارعون واملختلفون ويبقى الخالف موروثا ويبقى أحيانا الحقد راسخا كما تبقى املحبة
للرواية نقطة إنجاز مهمة أخرى تتمثل فى قدرة خطابها على تمثل العقل املسيحى بكافة شحوناته املعرفية واالصطالحية وكافة األسئلة والشواغل القديمة أو املتجددة.
والتسامح والسالم النفسى قيما راسخة كذلك لدى آخرين. الرواية فيما يخص ما ينتج عنها من الدالالت تبدو ذات طاقة إيحائية عالية وال تميل إلى التصريح فهى تستعرض الحوادث واملواقف دون تفسيرها ليكون للقارئ حــق الــتــأويــل والتفسير والفهم واستيعاب ما وراء الــحــوادث ومــا بني السطور، وليحاول أن يعرف أين يكون الخير وأين يكون الشر وأين التقائهما .ومن جمالياتها فى تقديرنا منطقها فى التعامل مع األماكن واملواقع وتاريخ األديــرة وخصوصية كل دير واملعالم الجغرافية القديمة ورصد حركة األسفار والترحال التى ال تنتهى أو تتوقف عند مرحلة أو فترة زمنية ،وهو ما يمثل زادا معرفيا وجماليا إضافيا للرواية ويجعلها تتجاوز البنية التقليدية للسرد الروائى الذى يقتصر على الحكاية التقليدية بأن يكون تاريخا للمكان سواء الدينى أو املكان بصفة عامة من صحار وأنهار ومناطق جبلية أو مــدن عريقة مثل أسيوط أو ليكوبوليس وكذلك اإلسكندرية العريقة وما حدث فيهما من تحوالت فى هذه الحقبة وبخاصة صراع الديانات املصرية والرومانية القديمة مع الديانات السماوية أو بني اليهودية واملسيحية من جانب أو بني املسيحية ومن يسمون بالهراطقة والتيارات الفلسفية مثل الغنوصيني واألفلوطنيني أو تيارات املسيحية وبعضها ما بني مجسدين وغير مجسدين أو تداخل الديانات ببعضها على نحو ما نرى من وصل بعضهم إيزيس بمريم فى فكرة (أم اإلله) والقيامة والعودة بالجسد مرة أخرى بعد التالشي. فيما يشبه حاال عامة من الديناميكية العقدية الدائمة التى ليس لها وجهها االجتهادى فى املعرفة وحسب بل كذلك لها وجهها الدامى والعنيف ومن ثم تكون الطبيعة اإلنسانية للصراع. >>> وفى تصورنا أن لهذه الرواية وجوها جمالية عديدة ومنجزات كثيرة ،وتمثل حالة إبداعية تستحق االهتمام واملقارنة بما سار قريبا من دربها من الروايات حتى تتضح الفوارق فى املنجز املعرفى والجمالي .فنجد أن لغتها متنوعة ومتفاوتة بحسب السياق أو اختالف الصوت أو شخصية املدون ،فلغة أوريجانوس تختلف عن لغة مالك أو لغة رفائيل، وهكذا ،كل بحسب علمه وذهنيته .وتبقى فكرة التدوين والكتابة ذاتها ذات طبيعة روحية وبحثية تجعلها فى مرتبة الصالة أو رحلة البحث الروحى التى ال تختلف عن أشكال العبادة األخرى. الكتاب :صالة خاصة املؤلف :صبحى موسى الناشر :هيئة الكتاب
٢٠
٥مايو ٢٠١٩العدد ١٣٤٥
١٧ قانونية طويلة: بعد معركة ّ
رواية الذكـــرى السـنوية:
ألـعـاب
أعمال كافكا
الكذب البرىء
أحمد الزناتى «كل منا ميتلك لعبة طفولية يحب االحتفاظ بها كبالغ». ً مدخل إلى رواية الذكرى لم أجد أفضل من العبارة السابقة السنوية للكاتبة القطلونية"إميا مونسو" ،والتى صدرت ترجمتها إلى اللغة العربية قبل شهور عن دار صفصافة ،بترجمة عذبة تستحق اإلشادة للمترجم املصرى عبد السالم باشا. موضوعا إنسان ًيا/ رغم شاعرية أجــواء الرواية ،ومقاربتها ً اجتماع ًيا مه ًما ،وهو عالقة زوجــة بزوجها ،أو عالقة زوج بزوجته (وثـ ّمــة فــارق جوهرى سيالحظه الــقــارئ مع تقدم األحداث) ،ال تكتفى املؤلفة بطرح مسألة رتابة احلياة الزوجية وفتورها لعوامل من بينها الروتني اليومى ،واالنشغال بالعمل، مسار زوج بزوجته ،وعلى ٍ وتربية األوالد ،بل تتخذ من عالقة ٍ صديق بصديقهَ ،مـعــبـ ًرا سرد ًيا ،تنفذ من مواز ،من عالقة ٍ ٍ خالله إلى قضايا متصلة بعالقة الكذب باخليال والكتابة.
متوازيي؛ األول هو حكاية زوج تسير الرواية على محوريْن ْ وزوجة؛ الزوجة ّ موظفة استقبال فى أحد الفنادق ،وهى قارئة نهمة ،تعيش حياة زوجية تصفها «بالنظام الشديد والرتابة"، ِ والشعر .بطلتنا فتخلق لنفسها عاملًا مواز ًيا قوامه الكلمات ُمترجمة بال قراء ،صنف نادر ،تترجم أشعا ًرا داخل رأسها وال تد ّونها على األوراق ،ومع والدة طفليْها تتو ّقف عن ترجمة الشعر فى عقلها .رغم ح ّبها الشديد لزوجها ،تشعر برغبة ّ ومنظمة للغاية ،وكل حا ّدة فى هدم حياة يومية عادية للغاية، شيء فيها ُمتوقع .أما زوجها فموظف بإحدى الشركات ،رجل عادي مفتـقـ ٌر إلى اخليال ،أو هكذا ِ توهمنا املؤلفة فى البداية. ّ تس ّدد الزوجة سه ًما إلى صدر زوجها قائلةِ »: أدهشنى مرة ً َ َ حياتك». سؤال جديدًا مرة واحدة فى حياتك ،اسألنى فى ذهبت إلى ح ّل مبتكر للتغلب على مشكلة الطريف أنّ املؤلفة ْ امللل الزوجى ،حينما اقترحت الزوجة على زوجها أن يهزما حالة الرتابة ،ال مبزيد من التواصل والكالم ،بل باخلرس التام ،بالصمت فتقول":فى األصل كان الصمت فقط ..ميكننا أن نتواصل بالكتابة ،كل شيء يصبح أكثر ر ّقة عندما نكتب..
لن نستخدم الواتس آب وال الرسائل مطل ًقا..يحيا املونولوج». أس َّرهـا الزوج فى نفسه ولم يُبدِ ها ،وجـهـز ر ًدا مغل ًفا فى َ شكل هدية صغيرة ،هى حبكة الرواية ،ليوافقهاعلى اقتراحها وكأنه يقول لها« :من عينى يا حبيبتى» ،وتبدأ بعدها مغامرة رأسا على عقب .كانت الزوجة تتوق إلى مثيرة تقلب حياتهما ً الدهشة وإلى التغيير وكسر امللل ،فكان لها ما أرادت. أمــا احملــور الثانى فيبدو ــ ظاهر ًيا -حكاي ًة من ّبتة الصلة الزوجي (اللذين تغفل املؤلفة ذكر اسميهما فى عن حكاية ْ البداية) ،ولكننا نكتشف أ ّنه طريق داعم للمحور األول ،إذ صبيي ،أحدهما قارئ يتتبع عالقة صداقة فريدة تربط بني ْ نهم ،غارق فى عالم الكتب ،هو «جييم" ،الذى يقرأ نها ًرا ،و يعيش ما يقرأ ً ليل ،ويأخذ بيد صديقه «ماتيو» إلى عوالم ـجــسد األعــمــال األدبــيــة التى يقرآنها على أرض خيالية تُ َّ مدروسا ،ومنتظ ًما بني تراوحا الواقع .تتراوح أحداث الرواية ً ً السابقي .فص ٌل عن رحلة خلوية يقوم بها الزوجان احملوريْن ْ إلى الغابة ،تلبي ًة لدعوة الزوج لالحتفال بـ"الذكرى السنوية"، الصديقي. تال عن مغامرات وفص ٌل ٍ ْ
بركة حسني عبد العليم: َ
اصد الر ِ ّ
على يسار العا َلم
محمد سالم عبادة من ُق ـ ِ ّـد َر له أن يشاهد الفيلم الوثائقى التجريبى (بَ َركة) للمخرج ( ُرن ْفرِ ْك – )Ron Frickeمن إنتاج عام 1992- رمبا يستعيد هذا الفيلم بسهولة مع قراءة هذا النص السردي. ص يتحدى املألوف واملتعا َرف عليه عن الرواية. (موزاييك) نَ ّ ٍ فصل أحداث تتصاع ُد من أشخاص يتطورون مع لسنا أمام ٍ ٍ إلى فصل .باألحرى ،الفصول أقرب إلى قصص قصيرة ال مباشر .اثنا عشر فص ً ُ ِ ال فى هذا بشكل ترتبط شخصياتُها ٍ املوزاييك ،تأتى العشرة األولى منها على هذه الشاكلة التى ُ وتشترك فى سمتني أساسيتني: أسلَفنا القو َل عليها، ُ أنها جمي ًعا مستقاةٌ من قاع املجتمع ،حيث األبطال يعانونأزمـ ٍ ـات مالي ًة طاحن ًة ومعها منظوم ٌة خُ لُقِ ّي ٌة وضيع ٌة غالبا. ففى ( )1عبد اهلل ال يجد ماالً يتزوج به بعد أن ز َّو َج إحدى أُختَيه ،ويالح ُق جنس ًّيا جارتَه املتز ّوجة (شيماء) ،وفى ()2 الريفي الفقير هاشم أبو محمود إلى بيت أخته يلجأ املريض ّ جماالت ــ الفقيرة هى األخرى -فى القاهرة ليبيت عندها ليل ًة قبل الذهاب إلى مستشفى احلكومة ،وفى ( )3يترك القصة التى تخرج من زيجة الراوى العليم د ّفة احلكى لبطلة ّ ِّ تذك ُرنافاشلة إلى استغالل جنسى إلى زيجة ثانية على الو َرق بزيجة فيلم (القاهرة )30وإن كان الديوث والزوجة وعشيقُها جمي ًعا من قاع املجتمع -إلى عمل مؤقت إلى نفس الزيجة
٥مايو ٢٠١٩العدد ١٣٤٥
الثانية ،وفى ( )4يكتشف رمضان خيانة زوجته عفاف مع السائق عربى ويالحقهما ثم يفضحهما وينتهى األمر بقعدة ُعرفية تُعيد عفاف إلــى رمضان الــذى يرضى هــذا ا ُ حلكم ٍ بساطة ،كأنه ينتمى إلى منظومة قِ يَم يتحدد فيها العلنى فى مبحددات مختلفة جذر ًّيا ع ّما مفهوم كرامة ونخوة الرجولة ِّ أ ِلفَه معظم املنتمني إلى مجتمعنا على األقل ...وهكذا! تبي فى أ َّن اجلنس ُم َح ِ ّر ٌكأساسي لد ّفة األحــداث ،كما ّ ٌّ ثالثة من األمثلة السابقة. القصة احلادية عشرة تبدو كأنها بلسان الكاتب ِ نفسه ،فهو مهتم باألدب والسينما واملوسيقى يتحدث عن مثق ٍّف موسوعي ٍ ّ ٍّ ويعانى غربة املثقفني املعروفة فى مجتمعه .بينما تأتى الثانية الفانتازي ،حيث عشرة – األخيرة -فى صورة املَثَل Parable ّ البطل دِ يـ ٌ نس ٌن كأنه قــاد ٌم من كليلة ودمنة أو حكايات ـك ُم َؤ َ ا َ جل ّدات. فى فيلم (بَ َركة) ميـ ّ ُر بنا ( ُرن ْفــرِ ْك) على األماكن املق ّدسة لدى البوذيني واليهود واملسيحيني واملسلمني ،ومي ّر على عدد من مظاهر الطبيعة اخل ّ البة ،كما مي ّ ُر على مظاهر مختلفة لتسا ُرع نبض احلياة مع احلضارة الصناعيةّ .كُــل ذلك من خالل كادرات بديعة تشهد على ِحذقِ ه وحساسيتِه البصرية العالية وانتقائ ِيتِه امل ُ َع ِ ّبرة كذلك ،حيث يصل إلينا مع نهاية قوي بأ ّنه يُتابع مسارات تلك الب َركة اإللهية أو الفيلم شعو ٌر ّ ٌ النفَس ال ّ ُربُوب ِّى السارى فى كل مظهر من مظاهر احلياة على األرض .هذا عن بَ َركة .فماذا يُحاول (حسني عبد العليم) أن يُتابِع مبواقفِ ه اإلنسانية املُختارة من مجتمعِ ه فى هذه الرواية؟! مالحظات أسلوبي ٌة وسياق ّي ٌة على حكايات هذا املوزاييك، ثَ ّمة ٌ
ُ تنضاف إلى السمتني املهيمنتَني على العشرة األولــى منها، واملُشار إليهما آن ًفا: ٌ ٍ ناحية ،وبقية أعمال اختالف بني لغة سرد (موزاييك) من يوجد الواقعي العا ّم ّي ُ ٍ املتَفِ ى بكل فاحلوار أخرى. ناحية من املؤلف ّ الشتائم والتابوهات اللفظية مشت َر ٌك بني أعمالِه كا ّف ًة ،إ ّال أنّ ٍ بدرجات متفاوتة. التفاصح فى هذه األعمال السرد يَجنَح إلى ُ نفسه عا ّم ّ ٌي ال يحاول االقتراب من فالسرد (موازييك) أ ّما فى ُ الفصحى خطو ًة واحدة .هكذا يقول الراوى العليم فى مطلع (« :)6إستعمل قلم جاف بيك إســود .مشى بيه على إسمه املكتوب على املِخلة كإنه بيحفر :عبد الستار بيومى بخيت من كفر كال الباب مركز السنطة محافظة الغربية" ،كما يقول فى مطلع (« :)7ودنو كان قاعد مفرود ع القهوة بني اصحابه ـ وطبعا واحــد بيحب وعشرة بيكرهوا – نكشوه زى العادة فاملعلم اتفرد». - 2طبيعة الصوت السارد فى احلكايات االثنتى عشرة: ال ــراوى العليم لــم يــتـ ُرك د ّفــة احلكى للبطل إال فــى ثالث ٍ حكايات ،هى ( )11وهى فيما يبدو بلسان املؤ ِ ّلف ِ نفسه كما ُقلنا ،و( )3و( )5حيث الــراوى امــرأةٌ هى البطلة ،وهى بطل ٌة جاهل ٌة فقيرةٌ كما فى سائر احلكايات .لم يترك املؤلف دفة رج ٍل إ ّال ِ لنفسه. احلكى أبدًا ٍ لبطل ُ
موته كانت تغنى فى بعض األحيان ،وهى بني أهل القرية دون قصد منها ،وكان أهل القرية فى صمتهم يستقبلون تصرفها بدهشة ..الغناء تحت وطأة الخوف والتكهنات املشؤومة.. تغنى الزوجة بالعفوية ذاتها التى ّ شيد صانع نماذج السفن ّ مجسم القرية بها ..الغناء الذى يسترجع ذاكرة الحربية املوت ..التاريخ الشخصى للزوجة وعالقتها بزوجها وبأهل القرية ..الغناء الذى يحاول تعطيل مفاجأته املتوقعة ..تغنى ّ الزوجة كأنها تريد أن تتقدم على النهاية املنتظرة ..كأن ذلك هو طريقتها الخاصة فى االنتقام من الحرب. «قــدم الدكتور بعد ذلك فرضية جديدة أدهشت سيلينا باييخو ،وهى أن الكلمات إحدى األدوات األساسية لتواصل الجنس البشرى ،حافظت على بقائها بفضل املجهود العنيف الذى تبذله الذاكرة ،ويقوم به كل إنسان بشكل مستمر منذ معرفته األولى بمبادئ اللغة األساسية ،وإذا حدث وتعثرت هذه اإلرادة السرية ،بفعل النسيان ،فإن هذه القلعة اللغوية الضخمة سوف تنهار .دون أدنى شك بحسب ما قاله فإن هذا ما حدث له؛ لقد كف عن بذل أى مجهود فى داخله ،لكى يتذكر ويصوغ أصوات الجمل ،التى تنبع أصواتها من محيط الطبيعة مثل خرير املياه ،وصــوت الرعد ،وحتى ضجيج املحركات .كتب الدكتور سوتو عبارات أخرى :فى الكلمات املكتوبة توجد إشارة لألشياء ..األشياء التى توجد بالفعل هى فقط التى لها أسماء ..الكلمات هى العالم». لكننا حينما نتحدث عن محو الحياة فكأننا نشير إلى اللغة التى يكمن املوت داخلها ..فى قصة «كلمات العالم» يختفى الدكتور سوتو بعد أن أصبحت العبارات بالنسبة له مجرد أصوات غير مفهومة ..اللغة هى ادعاء الوجود ،حيث يمارس املوت عمله ،وبالضرورة فإن فقدانها يبدو كوظيفة للخيال الذى سبق أن ّ جرد أهل القرية من الحياة ،أى حينما نزع ّ عنهم تلك األجساد التى تكونها الكلمات حتى يتمثل الفناء ناصعا ..اللغة إذن كأنها القاتل الذى ّ ً يزيف أدلة إدانته ،األمر الذى يعيدنا إلى حديث الواعظ فى الكنيسة عن الحرب فى قصة «الهارب من الجندية» وعالقته بغناء الزوجة قبل موت املحارب ..هنا يصبح الحيز الفارغ من الطبيعة الذى اختفى الدكتور سوتو داخله كأنه األصل الغامض ملا قبل الكلمات أى ما قبل الزمن ..كأنه العدم الذى يسبق املوت. >>> من الجدير باالنتباه بالنسبة لى أن قصة «كلمات املوتى» ً اندماجا بصورة ما بني للكاتب الفرنسى فيليب كلوديل تمثل قصتى «امليالد فى الغرفة العلوية» و"كلمات العالم» لخوسيه ماريا ميرينو: ّ «ربما ليس ألن حقيقة أو معرفة مخلصة ستتسرب خلسة أو تنكشف على نحو مفاجئ من مناقشة تقليدية أو جدل مكرر؛ بل ربما ألن العماء التام ال يمكنه العيش والخلود إال بواسطة الكلمات ،وهو ما يعنى الفناء اللحظى السهل والبديهى للعميان بطبيعة الحال ..وحدها الغفلة تلك التى تبدو حاكمة للغة البشر فى املواقف املختلفة ،وحامية لقرار التعتيم األزلى على أى إمكانية أو فرصة للفهم أو للتبرير ..الغفلة التى ال يمكن السيطرة على خفائها املمتد لكل حيز ومقصد واحتمال للحروف املتداولة فى الحياة واملوت ..ذلك الشيء أو تلك املسارات والسياقات املتبلدة واملتشابكة التى ال يسكنها سوى موتى». فى قصة كلوديل التى تدور فى القرون الوسطى يموت الناس أثناء الثرثرة العادية ،فاتحني أفواههم دون فزع ..كأن هؤالء املوتى هم أهل القرية التى ّ ّ مجسمات شيد نموذجها صانع ً السفن الحربية القديمة ،وكأنهم جميعا الدكتور سوتو الذى اختفى حني لم تعد هناك كلمات ..القتل الجماعى الناجم عن ّ تحول اللغة فى لحظة مفاجئة من قناع للحياة إلى وجه للموت ..من التظاهر بالوجود إلى بلوغ ذروة الفناء الكامن منذ الكلمة األولى. الكتاب :قصص قصيرة املؤلف :خوسيه ماريا مورينو املترجم :عبير محمد عبد احلافظ الناشر :مشروع كلمة
أرون هيلر ترجمة: مجدى عبد املجيد خاطر ُر ّبــا يتم الكشف قري ًبا عن كنز دفني من أعمال فرانز ً كامل كافكا غير املنشورة ،عقب معركة استم ّرت عقدًا حول تَرِ كته األدب ّية ،دفعت ُمراقبني ملقارنتها ببعض قصص الكاتب السريال ّية؛ إ ْذ أ ّيدت محكمة فى مدينة زيورخ هذا ّ الشهر قرارات إسرائيل ّية تتعلّق بالقض ّية ،وحكمت بجواز فتح عدد من صناديق الودائع اآلمنة فى املدينة السويسر ّية، وشحن محتوياتها إلى مكتبة إسرائيل الوطن ّية .ويتعلّق ا ُ حلكم بوثائق أصل ّية ُيكنها أن تلقى ضو ًءا جديدًا على التباسا؛ وهو يهودى األدب عالم شخصيات أكثر من واحد ً بوهيمى كان يتح ّدث األملان ّية من مدينة براغ ،اندلع نزاع محموم بني إسرائيل وأملانيا على إرثــه الثقايف .وعلى ً مجهول، ال ّرغم من أنّ احملتوى الدقيق للخزائن ال يزال فإنّ خُ براء يتو ّقعون أن تضم اخلبيئة نهايات بعض كبريات أعمال كافكا ،والتى نُشر الكثير منها بعد وفاته دون نهاية. وكــانــت احملكمة ال ُعليا فــى إســرائــيــل قــد جـ ـ ّردت أســرة ـاصــة مــن مخطوطات إســرائــيــلـ ّيــة مــن مجموعتها اخلـ ّ كافكا ،والتى ظلّت مخف ّية داخل أقبية مصرف إسرائيلى وواحــدة من شقق تل أبيب القذرة املليئة بالقطط .لكن قــرار احملكمة السويسر ّية سيستكمل االستحواذ على كل أعماله املعروفة تقري ًبا ،بعد سنوات من النزاعات القانون ّية الطويلة بشأن هو ّية أصحابها الشرعيني .هذه امللحمة كان من املمكن أن يكتبها كافكا نفسه ،ا ّلذى أصبح اسمه ُمراد ًفا لوصف املواقف العبث ّية التى تنطوى على عمليات قانون ّية ُمعضلة .حيثُ اشتهر كافكا بقصصه عن رجال تسحقهم سلطات غامضة أو يُغ ّيرهم عا ٌر ما .ففى «املاكمة» على سبيل املثال ،يخضع ّ رواية ُ موظف مصرفى املوجهة إلجراءات ُمحاكمة قاسية دون أن يعرف االتهامات ّ ضــده .يقول بنيامني بالنت؛ وهو باحث مبعهد فان لير بالقدس ومــؤ ِ ّلــف كتاب « ُمحاكمة كافكا األخــيــرة» ا ّلــذى يعرض أحداث القض ّية وفق تسلسلها الزّمني« :يتم ّثل ما فى هذه ُ املاكمات من عبث ّية فى أ ّنها حول تَرِ كة لم يكن هناك من يعرف ما حتتويه .ونأمل أن يحل هذا القرار ربا تنتهى، أخي ًرا هذه املسائل؛ ذلك أنّ العمل ّية القانون ّية ّ لكن املسائل املتعلّقة بانتمائه وإرثه الثقافى ستظل معنا لفترة طويلة ِج ًّدا». >>> كانت ملكية كتابات كافكا قد آلت إلى صديقه و ُمحرر نصوصه وناشره؛ ماكس برود ،قبيل وفاته بفترة قصيرة السل عام 1924عن عمر ناهز األربعني، بسبب مرض ّ ُ حيثُ طلب من راعيه أن يحرق كل األعمال التى لم تُقرأ. لكن برود جتاهل وصية صديقه ونشر أغلب ما كان فى حوزته؛ ويضم روايــات احملاكمة والقلعة وأميركا ،وهى األعمال التى ح ّولت كافكا احملدود الشهرة أثناء حياته ،إلى واحد من أشهر الكتّاب وأكثرهم تأثي ًرا فى القرن العشرين بعد وفاته .غير أنّ برود ا ّلــذى هـ َّرب بعض املخطوطات إلى إسرائيل قبل إنشائها حني ف ّر من النازيني عام ،1938 وعي عند وفاته عام 1968سكرتيرته لم ينشر كل شيءّ ، ّ الشخص ّية إستر هوف مسئولة عن تركته األدب ّية وطلب منها نقل أوراق كافكا إلى إحدى املؤسسات األكادمي ّية. لكن هوف احتفظت باألوراق بعيدًا عن األنظار طيلة أربعة ّ عقود ،بل باعت بعضها مببالغ خيال ّية .إ ْذ عرضت ً مثل املخطوطة األصل ّية لرواية احملاكمة للبيع فى مزاد سوذبيز عام ،1988وحصلت على 1.8مليون دوالر من أرشيف األدب األملانى فى مدينة مارباخ شمال شتوجتارت .وتركت هــوف املجموعة بعد وفاتها عــام 2008عن عمر ناهز املائة وعا ًما واحــدا البنتيها؛ إيفا هوف وروث وايسلر، وكالهما ناجيتان من احملرقة النازية مثل أ ّمهما ،اعتبرتا برود أ ًبا لهما وأرشيفه هو ميراثهما الشرعي .ث ّم توفيت
ّ الضائعة قد ترى قريبا النور ً
االبنتان وتركتا أبناء وايسلر يواصلون الدفاع ع ّما تبقّى من املجموعة. كان أشعيا إجتار محامى أبناء وايسلر قد قلل من أهمية ً الكم ُ ُ قائل إ ّنها على األرجح نُسخ املتمل فى زيــورخ، طبق األصــل من مخطوطات باعتها هــوف ،وصـ ِ ّـرح بأ ّنه مهما يكن ا ُ حلكم فإ ّنه استمرار لعمل ّية «تُداس فيها حقوق امللك ّية الفرد ّية دون أى ُمبرر قانوني« .وقــال إنّ موكليه ورثــوا األعــمــال قانون ًّيا ويعتبرون استيالء الــدولــة على ممتلكاتهم « ُمشينًا» و"سرقة من الدرجة األولى ».وتزعم مكتبة إسرائيل الوطن ّية أنّ أوراق كافكا «أصول ثقاف ّية» ميلكها ّ الشعب اليهودى ،وأنّ كافكا ف ّكر قبيل وفاته فى مغادرة براغ واالنتقال إلى دولة إسرائيل قبل إنشائها ،وأ ّنه دروسا فى اللغة العبر ّية مع امرأة مقدس ّية تب ّرعت تلقّى ً أخي ًرا بدفتر تلميذها ا ّلــذى يضم املفردات اللغو ّية إلى املكتبة .وكانت املكتبة أثناء السنوات األخيرة قد استحوذت على العديد من املخطوطات األخرى التى أمرت احملكمة أحفاد هوف بتسليمها. >>> وقــال مائير ميلر أحــد ممثلى املكتبة القانونيني ا ّلذين رافقوا القضية التى استم ّرت عشر سنوات ،أ ّنه من املتو ّقع أن تصل األوراق اجلديدة إلى إسرائيل فى غضون شهر. وص ـ ّرح ديفيد بلومبرج؛ مدير مكتبة إسرائيل الوطن ّية، رحب بقرار وهى هيئة غير حكوم ّية غير ربح ّية بقوله« :نُ ِ ّ احملكمة السويسر ّية التى تتفق مع كا ّفة األحكام التى أصدرتها احملاكم اإلسرائيل ّية ،كما يستكمل هذا القرار حتضير مكتبة إسرائيل الوطن ّية لتسلّم تركة ماكس برود األدب ّية بأكملها ،والتى ستلقى املعاملة التى تليق بها وستُتاح لعموم اجلمهور فى إسرائيل والعالم». لكن متخصصني آخــريــن يتشككون فــى تبنّى إسرائيل لكافكا ،الفتني إلى صراعه بشأن هويته اليهود ّية .أ ّما أرشيف األدب األملانى؛ على سبيل املثال ،فقد انحاز إلى جانب ورثة هوف وسعى إلى شراء املجموعة نفسها بزعم أنّ النصوص مكتوبة باللغة األملانية وهــى بذلك تراث أملاني .وقال ديتمار جيجل؛ أحد موظفى األرشيف ،إ ّنه لن يُع ِلّق على قرار محكمة زيورخ أل ّنه لم ّ يطلع عليه بعد. فى حني ح ّذر بالنت من أن محتويات األرشيف املُخبأ قد ال ترقى لتوقعات اجلميع ،وأضاف ُمشي ًرا إلى املنافسة تخص كافكا« :من غير الشرسة حول أى وثيقة أصل ّية ّ املرجح أن نكتشف رائعة مجهولة لكافكا بني تلك األوراق، ّ لكنّها تظل أورا ًقــا ذات قيمة؛ ذلك أ ّنه ث ّمة هالة غريبة ُتيط بكافكا جتعل كل ما يتعلّق به ج ّذا ًبا».
عن األسوشيتد برس
١٦
٥مايو ٢٠١٩العدد ١٣٤٥
٢١
املختارات القصصية خلوسيه ميرينو:
الذاكرة
يلفت نظر القارى قدرة املؤلفة على إمساك خيوط أحداث روايتها مبهارة ،وكأنّ احلكاية كانت مكتملة األركان فى رأسها قبل تدوينها ،فلم تكشف عن الروابط اخلف ّية بني شخوص العمل إال فى الصفحات األخيرة ،فى إطار حبكة متماسكة ٍ بحرفية تضاهى حرفية الكاتب البيروفى األشهر ُر ِسمت ماريو بارجاس يوسا فى بناء عامله الروائى ،وعلى األخص فى روايته األخيرة «البطل املتكتّم» .واض ٌح ً التناص مع أيضا ّ ظنى) ،حني تتذ ّكر الزوجة واقعة «حشر» ُكـتابها ّ املفضلني (فى ّ رأسها فى البلوفر ملا كانت طفلة ( ُمستدعية إحدى قصص خوليو كورتاثار) ،ورواية موبى ديك مليلفل فى احملور املوازى (مغامرات جييم وماتيو). تتصاعد الدراما الروائية تصاعدًا هاد ًئا .حيث يقع الزوجان فى مأزق «محبوك» يهدد حياتهما ،تستغله املؤلفة فى الكشف قصة حب حقيقية وغير عادية ،مدفونة ــ لألسف -حتت عن ّ والعادي .فى رأيى الشخصى ،يُولَد الفن من قلب ركام املبتذل ّ
مثل تلك املفارقات ،أقصد من إبراز حلظات القسوة املمزوجة احلب املغمورة مبشاعر اخلوف والشك ،بغرض إخراج مشاعر ّ يومي ومبتذل .شيء يشبه االستسالم إلى فى مستنقع ما هو ّ مقصلة األلم لفصل اللسان املز ّيف عن الف ّم الصادق ،ورمبا يفاجيء الزو ُج زوجته موقف بهذه القسوة مينح احلياة مغزىِ . بلعبة خطرة ،أو بكذبة بريئة محبوكة مبــهــارة ،هى اللعبة الطفولية التى يحب كل إنسان االحتفاظ بها ،كما نقرأ فى أول الرواية. >>> يستحيل بالطبع أنّ تف ّوت كاتبة بذكاء إميا مونسو (التى أتطلع إلى ترجمة املزيد من أعمالها إلى العربية) فرصة العروج على مبفهومي الكذب واخليال. موضوعات مثل الكتابة ،وعالقتها ّ ففى أحد فصول الرواية يقول الزوج لزوجتهِ : «أنت تعرفني أننى ال أستسيغ احلكاية القائمة على الكذب" ،فتجيب الزوجة بح ّدة »:كيف ميكنك أن تصف اخليال بالكذب ،فى اخليال تَقو ُم باملشاركة باقتناع ُمسبق ،بينما فى الكذب ال يوجد اتفاق، إنه ُطغيان من جانب واحد».لكن زيارة «مونسو» كانت خفيفة، نظرى/فلسفى على حساب ما فلم تُسهب فى مناقشة ما هو ّ جمالي/فني. هو ّ تنقلب الد ّفة ،حينما تشعر الزوجة بالضيق بسبب املأزق الذى ِ احلالة املثقفة) من زوجها تو ّرطا فيه ،فتطلب (وهى الشاعرة ّ املنظم املُم ّل الرتيب) اختراع حكاية ملساعدتها على (وهــو نسيان ضيق املوقف وعنائه .فيالعبها الزوج فى البداية ً قائل: ِ بحب صادق جتاه زوجته، ملعبك" ،لكنه، «ال ..هذا مدفوعا ٍ ً يقص عليها حكاي ًة وال أروع عن الصداقة والصديق ،حكاية ّ عن دور الروايات واخليال فى حياة اإلنسان ،وهى احلكاية التى ستقودنا إلى نقطة النور فى الرواية ،فتكتشف الزوجة أنّ موضوع االحتفال بالذكرى السنوية مجرد لعبة من ألعاب الكذب البريء ،لعبة أصيلة مقنِعة وقادرة على كشف احلقيقة أكثر من أية وقائع أخرى. ُ وتتشكك فــى احلكاية تُــص ـ ّدق الــزوجــة احلكاية املُختلقة،
بهزمية أخالق ّي ٍة أو مرارةٍ ٍ - 3كل أبطال احلكايات ينتهون وانكسار أمــام املجتمع ،ففى ( )1يُح َبط (عبد اهلل) لفشل ٍ خطتِه فى الظفَر بعالقة حميمة مع جارته شيماء ،إال أنه مؤرجحا بني الرغبة فيها والتعلق باألفالم اإلباحية، مازال ً وفى ( )3يستمر االستغالل اجلنسى للبطلة رغم جناح زيجتِها الثانية على األقل فى إجناب طفلة ،وفى ( )4نكتشف نحن من موقع القارئ مدى تَ َر ِ ّدى (رمضان) ومنظومة قِ َيمِ ه حني رضى كرج ٍل خانته زوجتُه -على رءوس أشهادالفضيحة لنفسه ُ املجلس ال ُعرفى ،وفى ( )5نشهد كذلك تر ّدى البطلة الراوية زوج خانته ،وفى ()6 فى التحايُل إلثبات نسب طفلتها إلى ٍ يستمر (عبد الستار) فى تخ ّيُل سيناريو اإلغواء من السيدات الثريات الالتى يعمل فى بيوتهن فى اخلليج بعد أن بدأ معه فى مصر قبل سفرِ ه ،دون أن يتحقق بالطبع ،وفى ( )7ينكشف رهان (ودنو) مع رفاقه فى املقهى أمام رئيس املباحث ويصبح مهد ًدا باإلهانة واحلبس ،وفى نهاية ( )8تقطع ال َبغِ ّي تأمالتها بشأن رزق أيامها القليلة القادمة لتستقبل طال ًبا آخر فى شقة َطلَبة فى بني السرايات ،وفى ( )9يوحى إلينا الكاتب أنّ بطلَه (عبده بعالش) أقام عالق ًة آثم ًة مع (رجاء) والدة التوأمتَني (إسراء ومروة) اللتَني هام بهما مِ ن قبل ،وفى ( )10تنهار أ ّ ُم البنات باكي ًة أمام ضغوط اجليران الفاسدين الذين يالحقونها وبناتِها باإليذاء والتح ّ ُرش اللفظي .حتى فى ( )11ينتهى املثقف إلــى القلق والــشــك فــى صحة وج ــدوى مسلكه االجتماعى واأل ُ َسرِ ّي حيث يقول« :خلينا قافلني اجلرح وخلينا كل مهمتنا نكسب قرشني يعيشوا بيها العيال واهى أيام بتتقضى .ساعات باقول احنا غلطانني إننا ما سبناش العيال عايشني زى منهم أهو على األقل يقدروا يتواءموا .عيشتنا وأفكارنا دى هتعمل عندهم شرخ جامد .ربنا يستر عليهم وعلينا». - 4تلحق هــذه املالحظة بسابقتِها ،حيث البطل الوحيد ِ املؤنسن منتص ًرا ملتح ًفا باملجد من حكايته هو الديك اخلارج َ فى َمثَل احلكاية األخيرة .مختصر احلكاية أنّ الديك نكش فى الكوم فوجد قمحة وشعيرة ،ثم بدأ يلعب لعب ًة ماكر ًة مع ٍ سلسلة من الصانعني املنهمكني فى أعمالهم ،تبدأ بامرأة تطحن بال َّر َحى ،مــرو ًرا بامرأةٍ تعجن الدقيق وتخبز ،وف ّ الح يأكل بص ً ال فى حقلِه ويستريح من عمله حتت شجرة ،وناس بناس يقيمون ُعرسا .مع ُك ٍ ّل منهم ء وانتها وليمة، فى يطبخون ً ٍ ُ َ اآلخر ما م َعه الديك كر ًما منزّهً ا من الغ َرض ويُهدى يُبدى
(من أول القمحة والعشيرة) ،ثم يعود إليه بعد ٍ وقت ليأخذ شي ًئا أكبر ،يبدأ بحفان دقيق وينتهى بأخذ اجل َمل مبا ح َمل من عروس! َ (موزاييك) نهاية فى الفانتازى ل ث امل موقع من - 5يَظهر أنّ كثير من فى ـده ـ جن أن ميكن ملا ا د ـا ـ ـض ـ م ا و نح نحو ٍ ًّ املؤ ّلف يَ ً منجزات السرد املعروفة .ففى األعمال القصصية الكاملة لفرانز كافكا مثَ ً ال -ذلك الكتاب الشهير الذى ُجمِ ع بعد وفاة كافكا -يبدأ السرد مبثَلَني فانتازيني Two Introductory الكابوسي Parablesليتنزّل بعد ذلك إلى العالَم القصصى ّ لكافكا بكل تفاصيلِه ُ َ ٍ ٍ سحرية مبكرة .أ ّما واقعية امل ِ ّومة فى فى (موزاييك) ،يصعد حسني عبد العليم من احلكايات التى ت ُع ّ ُج بالتفاصيل الصغيرة -لدرجة تكرار أسماء األعالم بني أشخاص مختلفني ال رابط بينهم ،فنلمح القصص ُمشير ًة إلى ٍ شخصني باسم (إسالم) وشخصني باسم (عزت) مث ً ال – إلى املثَل الفانتازى املُتعالى على الواقع. خروجا من هذه املالحظات ،نصل إلى نتيجتَني: ً تصب هذه السمات األسلوبية واملضمونية فى تكريس أوالً- ُّ أصيل للكاتب .ال ُ ٍ يقف فيه على يسار املشهد يساري موقف ٍ ٍّ السياسى االقتصادى فقط كما يبدو فى انحياز حكاياته لقاع املجت َمع الغارق فى الفقر واجلهل واملرض ،وإمنا يتعداه إلى يسار املشهد جنسا االجتماعي بتراتُب ّيتِه التى جتعل من النساء ً ّ ثان ًيا – كما تقول سيمون دو بوفوار – حني يرفض التخلّى عليم ،إ ّال الثنتني من بطالت حكاياتِه. عن دفة السرد ٍ كراو ٍ واألهم من هذين اليسا َرين واألعم ُق منهما وقو ُفه على يسار املشهد الثقا ّ الوسواسى يف ُك ِلّه ،والذى يتجلى فى االستدعاء ّ للجنس – ذلك ُ امل َّرم – كمح ّرك ألحداث معظم احلكايات إن لم يكن كلّها ،كما يتجلى فى احلرص على اللغة العامية فى للتفاصح ،وفى إعطاء أولوية أثر السرد واالبتعاد عمدًا عن أى ٍ ُ العرض على القارئ للحكايات الواقعية الغارقة فى التفاصيل الفانتازي لذيل الكتاب ،وأخي ًرا فى طبيعة واالحتفاظ باملَثَل ّ ٍ ِ املا ّدة املسرودة نفسها من حيثُ الترابُط ،فنح ُن أما َم رواية ال نكو ُن ُمبالِغني إذا ُقلنا إنها ُس ِ ّميَت رواي ًة َقس ًرا ،ولُوِ يَت ذِ را ُعها لتكون كذلك ،حيث ضرب مؤ ّلفُها بعرض احلائط كل تقاليد البناء الروائى كما عرفناه مستقِ ًّرا منذ ما قبل ثرفانتس! وجدي ٌر ِ ّ بالذكر أنّ هذا اليسار يسا ٌر متشائ ٌم فيما يبدو ،فال ُ َمخ َرج من ال ُه ّوة املظلمة التى يتردى فيها أبطال احلكايات
كشبح انتقامى
ممدوح رزق ّ تجسد القصص القصيرة للكاتب اإلسبانى خوسيه ماريا ميرينو ،والتى صدرت مختارات لها بترجمة عبير محمد عبد الحافظ ،عن مشروع «كلمة» أبو ظبى؛ ّ تجسد اللحظة غير املتوقعة التى تكشف ًخاللها الذاكرة عن الدافع التدميرى للحياة بوصفها حاضنا للموت ..خيال املاضى الذى يمارس ما يشبه االنتقام أو املحو للعالم الذى تراكم الفناء داخله. «بينما كانت منهمكة فى إشعال نيران املدفأة ،بعد أن حملت إناء الحطب إلى الصالة سمعها تتأفف .جلس فى مقعده ً مجددا ،وأخذ يتأمل الجهد الذى تقوم به السيدة الوثير العجوز ببرود ونظرة علمية فاحصة ،واكتشف حركاتها التى تزداد صعوبة ً يوما بعد يوم ،فتبدو وكأنها تزحف ،شيء خاص بها .ألسنة اللهب التى امتدت بني الحطب حولت التعاسة التى يشعر بها إلى إحساس إيجابى مستوحى من ذكريات الشتاء فى طفولته ،أوقات اإلجازات فى الفترات التى كان يتساقط فيها الثلج ،ثمار البندق والجوز التى تشوى على نار املدفأة». فى قصة «امليالد فى الغرفة العلوية» تحدث هذه اللحظة بتأثير من حضور مفاجئ للشتاء أو «الدعابة الساخرة التى ألقى بها بعد انقضاء الربيع والصيف»..تنتج هذه املباغتة ً استدعاء للذكريات ،األمر الذى يذكرنا بالرغبة الشتائية التى يفجرها الشتاء فى تدوين الذكريات كما كتب عنها خوان مياس فى رواية «العالم» ..لكن هذا االسترجاع للماضى ً الطفولى سيكون فى جوهره تأمل للموت ..املوت املفاجئ لألب والذى وضع نهاية للهواية القديمة التى كان يمتلكها شاب ماهر فى صنع نماذج السفن الحربية القديمة ..الشاب الذى سيبدأاآلن ـبنفس األدوات التى كان يستعملها فى تشييد تلك النماذج وكاستجابة عفوية ملا تمثله الذاكرة فى تلك اللحظةـ سيبدأ فى صنع ّ مجسم للقريةكزينة للميالد. >>> «مشهد املكان غير املأهول دفعه إلى التفكير فى ضرورة أن يسكنه أناس ،وبدأ بهمة وحماس فى خلقهم :املحافظ ،وهو فى نفس الوقت مالك أحد املتاجر ،حارس الحدود ،واملعلمة، وساعى البريد على دراجته البخارية ،والقس ،والنساء والرجال ،حيوانات وطيور جارحة .بدأ الجيران يخرجون من بني أصابعه بسرعة غريبة .الدجاج والحكام والنعاج ً مرتديا كوفية الشتاء». وجريجوريا .وهو نفسه يمكننا هنا أن نعقد مقارنة بني النموذجني :سفينة حربية قديمة ،وقرية صغيرة بكل ما تتضمنه من بيوت وشــوارع وبشر ..بني مغامرة الخيال التى أنهاها املوت املباغت لألب، ورتابة الواقع التى احتلها املوت منذ تلك اللحظة البعيدة.. املفاجأة الشتائية ليس هنا يتم تدوين الذكريات بتحريض ً كماض آخر أيضا ..كأن الخيال فقط بشكل ملموس ،وإنما ٍ احتضار األب سيعود كشبح ،وفى التوقيت القديم الذى قتله ُ ذاته «لحظة الشتاء حيث تصنع املجسمات االحتفالية بأعياد امليالد» ليحاول أن يثأر من املوت الكامن فى الحياة ..كأن الشتاء قد تواطأ حني مر فى غير موعده ،متسلال من الزمن نفسه كى يدفع صانع نموذج القرية إلى االنتقام.
«راقب بذعر شديد الحياة التى أخذت تدب فى قلب النموذج، عند الجبل ،وفى البيوت ،ومياه النهر ،وأشجار الحور ،بدا كل شيء ينبض بحياة غير قابلة للشك .وتحول خوفه إلى هلع. تقهقر إلى الخلف حتى وصل إلى باب الحجرة ،وضغط على زر الكهرباء ،دون أن يجرؤ على النظر فى الظالم الحالك، وأحكم إغالق الحجرة باملفتاح». ملاذا شعر بالهلع حينما بدأ جميع األشخاص والكائنات فى ّ ّ املجسم؟ ملاذا أرجع األمر إلى الهلوسة حني التحرك داخل اكتسبت ًحياة النموذج اإليقاع اليومى املعتاد للقرية؟ هل لم يكن مدركا ملا تسعى الذاكرة للقيام به ،أم أنها حيلة دفاعية «إلهية» ضد التدمير الالحق؟. >>> سيتعاقب قتل البشر والحيوانات داخــل القرية كإبادة ُجماعية ،ومن البديهى حني نعرف أن الطريقة الفظيعة التى ذبح بها الضحايا بعيدة عن أى تفسير؛ أن نفكر فى السكاكني التى استخدمها صانع نموذج القرية فى خلقها ..هكذا تكون إعادة امليالد بواسطة محو الحياة ..امليالد الحقيقى الذى ّ ّ املوت يثبت الفناء كأصل للعالم ..يكون خالق املجسم هو ً كحقيقة تعرف ما تنوى ارتكابه ،فال يصبح موت األب مباغتا، ّ وبالتالى يمكن التقدم على موت اآلخرين املحتوم بخطوة.. هذه الخطوة هى املجاز الضرورى للثأر فال يكون مجرد تدمير للحياة ،وإنما تشريح للفناء ..هى الجوهر االفتراضى لالنتقام من املوت ،حيث يمكنك أن تحفر داخل جثث أهل القرية ،وهم ما زالوا عالقني فى حركتهم املعتادة ..لكنها ليست هلوسة بقدر ما هى النسخة العارية من الواقع ،أو ّ املحطم من األساس. نموذجه البدائى
يكمن الجمال الروائى عند مايرنيك فى قدرته بقطع المعة من التأمالت على تطريز ثوبه الروائى ٍ الفلسفية حول مسألة القدر.
«فــى فجر الــيــوم الخامس الــذى وافــق الجمعة ،وكــان ً ً معتما مثل املقالة يوما ً الــســوداء ،قرعت األجــراس مجددا وسط األجواء الضبابية .وحطمت قوة مباغتة نافذة أحد املنازل ،وسقط الزوجان العجوزان على األرض غارقني فى دمائهما بني حطام خشب النافذة وقطع الخزف ،ولطخت الدماء كل شيء، ووسمت الواقع بطابع دمــوى ال ينمحى .نظر إلى اإلطار الذى ُانتزع عن الحائط بقوة فائقة ،والطريقة التى تحطمت بها الطاولة العتيقة املصنوعة من خشب الصنوبر ،وكأن قوة هائلة انبعثت منها ،وهو ما جعله يستدعى صورة النماذج الصغيرة التى اعتاد أن يصنعها، وكانت تنهار وتتناثر إلى قطع صغيرة حني يدفعها دفعة خفيفة». ّ املجسم وقد أصبحت لم تعد هناك سوى قرية واحدة ..قرية ً العالم الذى ال يوجد شيء خارجه ..ليس هذا تداخل بني الواقع والخيال ،وإنما الوجود الذى يتجاوزهما ،واألكثر هيمنة من الحياة التى تتضمن امتزاجهما ..الوجود الذى يتوارى داخل صانع النموذج حيث تختلط الجثث باألشياء ّ املجسم بالخرق املحطمة واملتناثرة ..لكنه حينما يغطى البالية ثم يغلق باب الحجرة العلوية باملفتاح قبل أن يلقيه فى البئر القديمة فإنه سيبدو كأنما يحاول إغماض عينيه عن نهايته املنطقية ـكواحد من أهل القريةـ لن ينجو من االنتقام قرره بنفسه ..كأنه على النقيض يحاول االنفصال بشكل الذى ً إلهى أيضا عن العالم الذى خلقه «نموذج القرية" ،وبالتالى ينتزع نفسه خارج مصيرها بعدما أيقن أن الثأر الذى أراده قد تحقق بالفعل. «الوقت يمر ،والحرب لم تنته .لم تكن تعرف على وجه التحديد األسباب التى اندلعت من أجلها الحرب ،يحدثهم الواعظ فى الكنيسة من املنبر عن العدو ،وكيف أنه مثل الشيطان ،يجب أن نخشاه ألنه ينشر العدوى مثل الوباء .فى نهاية األمر كفت الحرب والعدو عن تقديم أخبار حقيقية، وبدا األمر ،وكأن املجهود الحربى أصبح هدفه الدفاع عن الوطن والتصدى ملجموعة من الوحوش ،أتوا لغزو الوطن من بالد بعيدة ومشؤومة مهما كلف األمر .بلغ األمر مداه، حتى أنه فى أحد األيام وصلت إلى البلدة عربة حربية فيها مجموعة من معتقلى الحرب ،وخرج جميع الجيران لرؤيتهم، فــإذا بواحدة من السيدات تعرب عن دهشتها واملفاجأة املحبطة التى شعرت بها حني رأت أن األعــداء ال يبدون بالشكل الشيطانى نفسه الذى تحدث عنه القس». سيؤدى غناء الزوجة فى قصة «الهارب من الجندية» ً دورا ً ّ ملجسم القرية ..يعود زوجها املحارب الهارب من مشابها الخدمة العسكرية بعد أن جرحته شظية إحــدى القنابل اليدوية ،وأصبح عليه اآلن أن يختبئ من جنود الحرس الوطنى الذين لو نجحوا فى القبض عليه سيكون مصيره تجد الزوجة إلى جوارها املحارب املــوت ..ذات صباح لن ً الهارب ،بل ستعثر عليه ميتا أعلى الهضبة بني الصخور ُ ً مجددا خالل محاولته الطويلة للهرب من وقد فتح جرحه الجنود ..يكتب ميرينو أن الزوجة بعد عودة زوجها وقبل
٥مايو ٢٠١٩العدد ١٣٤٥
احلقيقية ،فيجيبها« :الواقع كثي ًرا ما يفوق اخليال».ث ّم تنقلب الد ّفة مرة أخرى حينما تقول الزوجة لزوجها قرب النهاية»: ً َ لديك تلمحيات وال خيال..لم تكن نقي..مبا أ ّن َك ال متلك َ أنت ّ كنت بحاجة ٍ معان خف ّية..كان كل شيء نظي ًفا ومرت ًبا وشفا ًفاُ .. لهذا فى ذلك احلني». اآلن فقط تفطن الزوجة إلى حقيقة مشاعرها ،وترى األمور على حقيقتها ،فترتضى اللعبة اخلطرة ،وتقبل الهدية ،وتبتلع الكذبة البريئة .تبتسم ،وتق ّبَل زوجها فى عنقه قائلة »:هدية.. استطعت إخراجى من...من روتني كان يقضى هدية رائعة... َ علي» .يضحك الزوج ضحك ًة حذِ رة متحفظة وكأنه يقول»: ّ متام ..انتهى الدرس يا راكيل». الزوجي كأصدق ما رسمت عالقة ال شك أن الرواية قد ْ ْ يكون ،بعد أن شاب حياتهما غبار امللل والرتابة ،لكنهما لم يستسلما ،فنفضا ذلك الغبار باحلكايات وباخليال ،وبألعاب الكذب البريء. اجلميل فى الرواية أن املؤلفة مت ّرر إلينا فكرة أن كل إنسان يحتاج فى حياته ،بشكل أو بآخر ،إلى حكاية يحكيها م ّرة واحــدة فقط ،مـ ّرة واحــدة ودون عــودة ،حتى ولو كانت تلك احلكاية مختَلقة كل ًيا ،وحتى لو لم حتدث على أرض الواقع. ففى الصفحات األخيرة من الرواية يبوح الزوج لزوجته بشيء ظل مدفو ًنا فى صدره طوال خمس وعشرين سنة ،هى ُعمر ً رغبت فى أن أحكى ِ لك كل شيء قائل":دائ ًما ما زواجهما، ُ بيوم أجيء بك إلى هنا وأحكى لك عندما عرفتك..كنت أحلُم ٍ أفضل وأسوأ ما فى حياتى ،كنت أريد التخلص من املاضى بجوارك" ،وكأن كل ما جرىــوال فرق إن كان مقصو ًدا أم غير مقصود -إمنا جرى فقط كى تُروى هذه احلكاية. الكتاب :الذكرى السنوية الكاتب :إميا مونسو املترجم :عبد السالم باشا الناشر :صفصافة
ُ واملثقف الذى كتبَها ،واملنتصر الوحيد كيا ٌن خارج اإلنسانية ب ُر ّمتها! املؤنسن فى ثان ًيا -يبدو أنّ احل ّل األكثر وجاه ًة للُغز الديك َ نظر ما – رمزًا احلكاية األخيرة يك ُمن فى اعتبارِ ه -من وجهة ٍ نفسه! نح ُن أما َم ٍ للكاتب ِ ديك قليل الفعل ،يتلخص منجزُه فى ِ النبش والعثور على قمحة وشعيرة .لكنّه بإحلاحه بالزيارة على صن َع أيديهم بسيف احلياء – «اتلخبطت َمن م َّر بهم وأخذِ ه منهم ُ ّ ِ مِ الست واحتارت واتكسفت وبعدين سل ت وا ّدتُه حفان دقيق» – يقترب فى دورِ ه من ال ّر ِ اصد الذى أص َّر املؤ ّلف على أن يَكونَه ُ فى (موزاييك) .لقد عرض املؤ ّلف مواقف مجتمعي ًة وجوديةً منوذجي ليرب َ ِط بينها بأى كخالق عاري ًة أما َمنا .لم يتدخل ٍ ٍّ ً ً ٍ ٍ فصيح طريقة أو ليفرض عليها رؤية متعالية من خالل سرد ٍ احلِ ّ ُ يُراوِ ح وار العا ّم ّي ويخل ُق معه توت ًرا وتع ّد ًدا فى األصوات ،Heteroglossiaوهو الشرط الذى اعتب َره الناقد األدبى الروسى باختني ركنًا مه ًّما من أركان البناء الروائي .عرض حسني عبد العليم مواقفَه بل ُ ٍغة شديدة العا ّمية إن جاز التعبير، فظهرت أمامنا بلحمها ا َ حل ّي .وهو بهذا املثَل األخير يتنصل من صفة ا َ ُ خللق املتعالية – فى جتــا ُو ٍب مع يساريتِه املشار عادِ نفسه هو والديك ك ُم ٍل إليها فى النتيجة السابقة – ويق ّدم َ أدبي للتاجر الشاطر الذى ال يخل ُ ُق سلع ًة وإمنا يعرف كيف ٍّ يقايض وينتصر ويُثري .هذا ،فى الوقت الذى يُلمِ ُح فيه مِ را ًرا ٍ حقيقي (كما فى كنشاط خالل حكاياتِه إلى احتقارِ ه للتجارة ٍّ ّ ّ ُ طفيلية اجلالس أمام د ّكانِه فى 10وفى تسفيه الشطار فى الديك ،أنتصر أخي ًرا رغم مِ َهنِهم فى .)11كأنه يقو ُل« :أنا هذا ِ ّ هزميتى الفادحةِ أمامكم ،حني أبتك ُر جتارتى اخلاصة التى تشبه جتاراتكم وال تشبهها فى آن"! إذا كان لنا أن ُنيب عن السؤال الذى استحضرناه من فيلم (ب َركة) فى مقدمة هذه القراءة ،فإنّ حسني عبد العليم من خالل حكاياته فى موزاييك يحاول أن يتابع انتصار الراصد الواقف على يسار العالَم .يقو ُل لنا« :رغم كل هذا القبح ،فإنّ ِ وإخالصها للحكاية ،وال اجلمال يك ُمن فى دِ قة العني الراصدة شيء بعد هذا». الكتاب :موزاييك املؤلف :حسني عبد العليم الناشر :دار ميريت
٢٢
٥مايو ٢٠١٩العدد ١٣٤٥
١٥
٥مايو ٢٠١٩العدد ١٣٤٥
صافينى مرة:
سرد
النفس الطويل
د .رضا عطية إسكندر
طرحا تأتى رواية «صافينى مرة» للكاتب نعيم صبرى لتقدم لنا ً استعاد ًّيا لزمن يبدو حمي ًما من حياتنا املعاصرة ،حقبة شهدت عديدًا من التحوالت ،األحالم الكبرى واإلحباطات املدوية، من منتصف اخلمسينيات حيث أحــام الصعود للمجتمع املصرى والتق ّدم للدولة املصرية مرو ًرا بحادثتى الوحدة مع سوريا واالنفصال عنها ،ثم احلدث املفصلى اجللل ،هزمية يونيو ،1967واحلقبة الساداتية التى انتهت بأزمات اقتصادية وطائفية كبرى ،يتضافر مع هذا فى تشكيل النسيج السردى حكاية بطل الــروايــة بني أحالمه فى احلياة وقصصه فى احلب ،جناحاته وإخفاقاته. يستلهم النص الروائى عنوانه من أغنية شهيرة لعبد احلليم حافظ« ،صافينى مــرة" ،تعود بنا إلى فترة حميمية ،حيث خمسينيات القرن العشرين ،وكأن البث احلكائى هو عملية «تصايف» تقوم بها الذات ببوحها املتدفق واجترارها االستعادى لفيض من الذكريات واملشاهد العالقة بالذاكرة. السرد ووجوه التاريخ إذا كانت القراءة الثقافية لألدب والطرح املاركسى ينظران نصا تاريخ ًّيا ،على نحو أو آخر، إلى النص األدبى باعتباره ً ولو بشكل غير مباشر ،ال مبعنى أ ّنه وثيقة تاريخية مبفهومها الصارمّ ، وإنــا مبعنى أنّ النص األدبــى هو انعكاس لسياق تاريخى وثقافى للعصر الذى تدور فيه أحداثه -فإنّ السرد فى روايــة «صافينى مــرة» يبدو معن ًّيا بتمظهرين للتاريخ: الــتــاريــخ فــى أحــداثــه الكبرى ووقــائــعــه الــفــارقــة ،األح ــداث السياسية الكبرى ،والتاريخ كسياق اجتماعى وثقافى بإبراز مالمح عصر ما وطريقة العيش فيه. >>> يبدو السرد معن ًّيا فى رواية «صافينى مرة» بإبراز احملطات الفارقة فى تاريخ مصر فى فترة ما بعد ثورة يوليو :1952 ً وهبوطا بتوتر فترة الستينيات لعبت مبشاعر جيلنا صعو ًدا عنيف .بناء السد العالى فى بدايتها وشعور الزهو الوطنى الــذى أضيف للزهو القومى بالوحدة مع سوريا .القوانني االشتراكية ومعانى املساواة والعدالة االجتماعية التى كنا قد بدأنا فى التعلق بها مع بدايات قراءتنا الثقافية وتكون معارفنا األساسية .ثم فجأة االنفصال وتداعى أمل الوحدة العربية التى غرسها عبد الناصر فى قلوبنا منذ منتصف اخلمسينيات .اخلطة اخلمسية األولى واجلدل احملتدم حول التصنيع الثقيل ،وغناء عبد احلليم له ،لألفراح والرفاهية... حنمد طريق َع النيل ،اسمه فــى االشــتــراكــيــة ...التصنيع التقيل ،...ثم حرب اليمن ومشاعرها املتضاربة ،زهو قومي... قلق وطني ...حيرة وتيه ...آالف اجلنود املصريني يُبعث بهم تباعا( .ص.)34 إلى اليمن ً يجمع الصوت الــســارد فى النص ما بني الصوت الفردى، صوت بطل الرواية ،وصوت اجلماعة ،اجليل الذى صعد فى خمسينيات وستينيات القرن العشرين الذى عاين حتوالت إيقاعا داف ًقا ،كما يضمن السرد كثيرة فارقة ،ما يجعل للنص ً استدعاءات تناصية لنصوص أغــان لهذه الفترة كنصوص عالمات على هذه الفترة فى ربط العصر وأحداثه الكبرى بسياقاته الثقافية املؤطرة له. يكشف الصوت السارد فى رواية «صافينى مرة» عن أنّ ثمة غير وجه للتاريخ ،مبعنى أنّ احلكاية املسرودة معنية برواية تاريخ آخر يتجاوز الرواية اخلاصة بالتاريخ الرسمي: احلكايات الصغيرة التى حتدث بني السطور وال ينتبه إليها التاريخ عظيمة القيمة عندى ،فهى الناس البسيطة ،وليست الناس البارزة واحلكام الذين يهتم التاريخ بسيرهم وأخبارهم،
سأحكى ألحــفــادى وسأحكى ســواء فهموا أم لــم يفهموا، فسيجيء يوم يفهمون فيه ويعرفون قيمة حكايات زمان التى ال تذكرها كتب التاريخ( .ص.)12 تتبدى عناية الطرح احلكائى برواية تاريخ آخر ،غير التاريخ السياسى للجماعة الرسمية ،إنه تاريخ اجلماعة الشعبية، فكأن السرد معنى باستجالء ظالل التاريخ وخلفيات العصر الثقافية وتل ّ ُمس السياقات االجتماعية التى تكتنف األحداث التاريخية الكبرى ،التاريخ فى ثناياه الدقيقة وتفاصيله الصغيرة. شعرية األشياء والتفاصيل الدقيقة تنبنى رواية «صافينى مرة» فى تشكيلها السردى على تدفق مستمر فى سرد التفاصيل الدقيقة ووصف األشياء التى يت ّكون منها الفضاء احلكائى ،كما فى املقطع االفتتاحى للرواية: صافينى مرة وجافينى مرة تنسنيش كده باملرة...... وال َ صافينى مرة ...وجافينى مرة...... َخ َر َجت من غرفتها املطلة على الصالة املستطيلة الشكل، تتوكأ على ضعف ركبتيها وهــى تستند بإحدى يديها إلى ترابيزة السفرة التى متاثل الصالة فى استطالتها وتتوسطها، وبــيــدهــا األخـــرى على البوفيه املــجــاور لــبــاب الــشــقــة ،فى طريقها إلى الطرقة املؤدية إلى املطبخ واحلمام والكابينيه أو املرحاض .بيوت زمان كان معظمها بكابينيه منفصل عن احلمام ،البيوت ذات األسقف العالية والبراح فى كل شىء. امرأة مصرية ممتلئة اجلسم كالعادة ،ارتقت سنوات عمرها املتتابعة منذ نهاية القرن التاسع عشر وحتى ما بعد منتصف القرن العشرين ،لتصل إلى مرتبة اجلدة .تيته مرمي ،أو الست أم حنا ،كما اعتاد الناس أن ينادوا الستات فى مصر بأسماء حترجا من ذكر أسماء النساء على املأل. أبكارهن الذكور، ً (ص.)5 يبدو السرد فى مستهل الــروايــة كمشهد سينمائى ،يجمع املكون الصوتي :األغنية اخلمسينية التى تعبر عن جدل بني ِ ّ العالقة مع اآلخــر واملـ ِ ّـكــون البصري :حركة اجلــدة« ،تيتة مرمي" ،وعناصر املكان وأشياءه وارتباطها بذلك العصر حيث الفساحة واالتساع والبراح ،فثمة عناية سردية باألوصاف الزمكانية التى ت ِ ّ ُشكل مسرح السرد ،كما تعضد النثريات الصغيرة واحلــركــات الدقيقة التى يبرزها السرد شعرية احلكى وتدعم واقعيته. وال يفوت السرد أن يبرز ً بعضا من مالمح الشخصية املصرية كما فى جتنب مناداة النساء بأسمائهن ،فيعرج السرد على أدق الصفات فى الشخصية املصرية كما يقول الصوت السارد: أنا باموت فى العامية املصرية ،يعنى باحب العامية املصرية ج ــدا ...تــرى مــا الصلة بــن املــوت واحلـ ــب؟ ...ملــاذا يربط
املصريون بني احلب واملــوت؟ ..والضحك واملــوت؟ ..حاموت من الضحك ..هل هى محاولة من محاوالتهم الدءوب لقهر املوت بجعله مراد ًفا للحب والضحك؟ ...يجوز ...فقد قلبوا مقابرهم إلى أماكن مريحة عامرة باملأكل واملشرب وامللبس.. (ص.)13 يجرى السرد عبر صوت السارد عديدًا من األسئلة الوجودىة الكبرى ،على بساطة طرق طرحها ،مبا يبرز مكونات الشخصية املصرية ويكشف عن طرائق تفكيرها ووسائل وعيها باحلياة ورؤيتها للعالم؛ كما فى اللعب اللغوى الذى متارسه الشخصية اجلمعية املصرية إزاء املوت بجعله مراد ًفا للحب أو التمادى فى الضحك ،وكــأنّ اللغة الشعبية املصرية تسير بأسلوب مقاوم حلضورات املوت فى اللغة الرسمية متا ًما كما فعلوا مبقابرهم. بنية التمدد السردى يأتى السرد فى رواية «صافينى مرة» ممتدًا ومتمدد البنية، فى تدفق مستمر ،بال تقسيم إلــى فصول ،وهــو ،بالطبع، مغامرة ،فقد يحتاج املتلقى بعض وقفات اللتقاط األنفاس، ولكن السرد يبدو كرغبة فى االنطالق البوحى واالنهمار ّ احلكائى ،لذا يبدو السرد فى رواية «صافينى مرة"بتبدياته الغنائية معتمدًا على «التداعي» احلكائى ،فيقول الصوت السارد فى الرواية عن هذه املرحلة األثيرة الساكنة فى وعى الذات من عهدى الصبا والشباب: جواب حبيبى بخط إيده ..قريته وكل ما أقراه أعيده أعيده... علي باكتب لك جوابات واستنى ترد َّ وابعت لك سالمات أغلى من ننى عن ّيه... وتشدو ليلى مــراد عن اجلــوابــات ،أو البوسطجية اشتكوا من ُكتر مراسيلى لرجاء عبده ،األغانى تتكلم عن اجلوابات والبوسطجية ،واألشــعــار ،مــن ينسى اخلــال عبد الرحمن األبنودى وجوابات حراجى القط إلى زوجته الست فاطمة أحمد عبد الغفار فى جبالية الفار قريتهم فى صعيد مصر وحكاياته عن عمله فى السد العالي ...السد العالى هذا ً أيضا حكاية وعشناها فى صبانا وغنينا لها مع عبد احلليم حــافــظ ...قلنا حانبنى وآدى احنا بنينا السد العالي،.... املهم نرجع للجوابات والبوسطجية تانى ،حاجات اندثرت أو كــادت ،لكننا ال نغنى اآلن لإلى ميالت والكومبيوترات، اجلوابات زمان كانت حياتنا ،وغرامياتنا السرية ،نحتفظ بها ذكرى حميمة ونراجعها كلما اشتقنا للحبيب البعيد لدواعى السفر أو اإلقامة ،وإذا انتهت قصة احلب ألى سبب نستردها من احلبيب ،ومن ينسى أغنية جناح سالم اجلميلة ...عاوز جواباتك ..يعنى افترقنا خالص؟! (ص ص.)23 22- ثمة تداع حلقى فى البث السردى لتلفظات الصوت السارد فى
ّ يكشف الصوت السارد فى رواية «صافينى مرة» عن أن ثمة غير وجه ّ للتاريخ ،بمعنى أن الحكاية املسرودة معنية برواية تاريخ آخر يتجاوز الرواية الخاصة بالتاريخ الرسمى.
الفن بالواقع ،وال تستخدم الفن لتمرير وتثبيت رؤية واحدة ال غير ،فى هذه الحالة نحن أمام عمل دعائى ال أكثر وال أقل. ال اعتراض لدى على السعى الدءوب لتأكيد فرادة فــاروق حسنى وتميزه منذ الصغر ،غير أن ما لفت انتباهى هو التأكيد على مسألة األعداء تلك باعتبارها امللمح األساسى ألى شخصية بطولية، تسرد املحاورة أولــى املواجهات عندما كان فى السادسة والعشرين حيث قام سعد كامل بتعيينه ً مديرا لقصر ثقافة األنفوشى ،وعندما ذهب فى ً اليوم التالى إلى القصر وجد مكتبه محطما ،بعض املوظفني الحاقدين فعلوا ذلك وكان فى استطاعة املدير الشاب أن يدخلهم السجن لكنه تصرف بحكمة ستالزمه فيما بعد فى مواجهة «الكراهية والحقد» على حد ً وصــف سلماوى فى مقدمته، ً «أحقادا وأمراضا» كما كتب أحمد بهاء الدين أو ونقلت عنه انتصار ،وفــاروق حسنى فى مواجهة ذلك يلجأ للفن والشعر وهدفه اإلنجاز للوطن ال مصلحته الخاصة. >>> هل كان من الخطأ اعتراض املثقفني على شخص فــاروق حسنى؟ يعيد الكتاب سرد ما حدث وفق املنهج الذى أوضحناه ،كل ما حدث يعاد حكيه من خلل عينى البطل املنتصر فاروق حسنى ،بما فى ذلك العالقة مع نظام مبارك الذى هوى ،الصورة القديمة لفاروق حسنى كما نعرفها يضاف إليها موضعته من العصر والنظام الذى أتى به وعمل من خالله ،رؤية فى القلب منها عزوفه عن املنصب الذى جاءه ً سعيا بطلب عاطف صدقى «ظللنا على مدى ثالث ساعات نتجادل ،حتى أبديت موافقتى، ولم يحسمها إال أنى سأؤدى مهمة للوطن ،وسأحقق رؤيتى ملصر كبلد ذى ثقافة وتاريخ عريق». ً تلك الرؤية تحديدا هى املشكلة الرئيسية التى يقع فيها فاروق حسنى ،ومحاورته ،ومحمد سلماوى والكتاب ،هناك معركة ،كلنا يتفق على هذا ،لكن فاروق حسنى فى كتابه يصور األمر على أن فريقه هو من كان فى صف الوطن ،يدافع عنه ،يبنى من أجله ،يضحى بنفسه وبفنه ليبنى مجده ،أما الفريق الثانى الضد فأفراده ليسوا أكثر من «مشتاقني وموعودين ومغرضني ،ومن يستكثرونها عليه ويرون فى أنفسهم ما ال يراه اآلخرون» ،بهذه العني سترى انتصار كل املعارك التالية على اختياره كوزير ،حتى لو حاولت أن تبدو محايدة ،باحثة عن الحقيقة من خالل صياغات بعض األسئلة ،لكنها منذ البداية فرضت على العمل قناعة جامدة ونتيجة ال بد أن تصل إليها ،وإذا كانت تؤكد أنها «محاكمة من نوع خاص يرفع فيها الستار عن كواليس وأسرار» فإنها تحولت إلى حفل تكريم ومنح جوائز ونياشني داخل قاعة محكمة ،وفى الوقت نفسه توزيع االتهامات على كل معارضيه ودفن كل اعتراضاتهم وأسئلتهم. من الضرورى التأكيد هنا على أن هذا العرض لن يقوم بتفنيد ما قاله وزير الثقافة األسبق من آراء فى معارك مختلفة ،كنا فى «أخبار األدب» لفترة طويلة فى الواجهة منها ،تفنيد هذه اآلراء يتطلب ملفات كاملة ،واألهم من تفنيدها كما أرى توضيح الكيفية التى أدار بها فاروق حسنى معاركه ،وهى ً أيضا الطريقة التى يرد بها فى الكتاب على وجهات نظر الخصوم ،دعنا على سبيل املثال نتأمل معركة سقوط كتف أبى الهول ،والخالف األول الحقيقى له فى منصبه كوزير ،كان أول الفرسان ضده الراحل د .أحمد قدرى ،قبل أن يتحدث حسنى عن ترميم كتف ًالتمثال يتحدث عن د .قدرى ،يصفه بأنه كان صديقا له ،وعلى هذا االعتبار طلب منه أن يتوسط له لدى الوزير منصور حسن ليرأس هيئة اآلثار «وكانت أقصى أمنياته أن يتوالها» ،ثم يضيف كان «يتطلع ليكون ً وزيرا للثقافة ،وصرح لى بأنه «موعود
بذلك" ،بعدها يحكى الوزير األسبق مواقف نستنتج منها أن د .قــدرى كــان شخصية انفعالية ،غير منضبطة ،وبعد هذا التمهيد املدروس ،بعد تشويه خصمه بتلك الطريقة ،يسرد رؤيته لترميم التمثال ليصبح ما يراه الحقيقة الكاملة التى ال تقاطعها املحاورة ولو بسؤال واحد عن االعتراضات التى أثيرت وقتها. التكنيك السابق يشكل منهجية للكتاب ،إضعاف مواقف الخصوم عبر التشكيك فى دوافع ما يقومون به ،وعبر التركيز على ما يتمتع به الوزير األسبق من أخــاق رفيعة ،تسأل انتصار عن الخالف مع د.نعمات أحمد فؤاد «هاجمت د .نعمات ً كثيرا ً قراراتك ،وعارضت بشدة سفر اآلثار للخارج خوفا من تعرضها للخطر ،وقالت من يريد أن يشاهدها فليأت إلى مصر» ،كيف كان تعاملك مع اختالفها؟ صيغة الــســؤال هــذه تبتعد عــن نطاق القضية األســاســيــة لــه لتحيله إلــى اتــجــاه آخـ ًـر مضمر، يلتقط حسنى اإليحاء ليأتى رده مسبوقا بوصف املحاورة لحالته «بأدب جم واحترام شديد يقول»: ً «د.نعمات سيدة قديرة ،إال أنها كانت عنيفة جدا فى خصومتها ،وكانت مرشحة حتى قبل أن نلتقى لنيل جائزة الدولة ،ولم تحصل عليها إال فى عهدى، وألننى أدرك قيمتها فقد منحتها صوتى ،وأدركت هى بحسها الوطنى أنى تحملت الكثير فى سبيل القيام بمهمتى تجاه الوطن». حتى لو تكن من القراء املحترفني فإن السؤال :كيف كان تعاملك مع اختالفها؟ حالة الوزير وهو يتحدث عنها بــأدب جم واحــتــرام شديد ،حالة نعمات ً التى كانت عنيفة جدا فى خصومتها ،رغبتها فى الحصول على جائزة الدولة ،ثم لم تحصل عليها إال فى عهد فــاروق حسني .هذا كله يشكل وعيك كقارئ فى اتجاه االقتناع بإجابة الوزير عن سفر «املشكلة أن البعض يخاف ،ويقف اآلثار للخارج ً مكانه فال يحقق شيئا ،ونحن نفكر ونعمل ونتخذ كل ً ً ترويجا وعائدا باملاليني». االحتياطات فنحقق حالة من التناغم الكامل فى الكتاب بني الوزير األسبق ومحاورته ،كالهما لديه القناعة نفسها، سؤال «هل تعتقد أنه كانت هناك حالة تربص لكل ما تقوم به؟» ،إجابة «بل تربص شديد ،وكان من بينهم من اعتبرهم أصدقاء ثم اختلفنا فوقفوا ضــدى ثم عدنا أصــدقــاء أكثر مما كنا ،ومنهم الكاتب جمال الغيطانى ود .على رضوان ود .نعمات ً اعتقادا أنى ال أفهم أحمد فؤاد ،وكانت معارضتهم فى اآلثار ،ثم اكتشفوا مع الوقت خطأ ذلك ،ألننى مهتم بها منذ».. >>> بالفعل كنت ألغلق الكتاب وأعلن انتهائى منه قبل أن أصل إلى منتصفه ،ألنه ببساطة وصل إلى مبتغاه وهدفه قبل ذلــك ،أدركــت كقارئ أن الوزير كان ً دوما على حق ،وكل معارضيه ًعلى خطأ ،ملاذا على خطأ؟ ألسباب عدة :الحقد مثال ثم تطهروا منه، كان مغررا بهم ،رأوا املنجزات على أرض الواقع، وهكذا ،ما لم يحسب له الوزير األسبق حسابه ولم يهتم بالرد عليه أن هؤالء فقط لم يشكلوا النواة الصلبة ملعارضته ،وإذا كان ومعارضوه قد عادوا أصدقاء كما يقول فإن هناك من ال يزال يعتقد أنه كان على خطأ. الالفت ،وتلك نقطة تستحق الدراسة ،أن الوزير
هل كان من الخطأ اعتراض املثقفني على شخص فاروق حسنى؟ يعيد الكتاب سرد ما حدث وفق املنهج الذى أوضحناه ،كل ما حدث يعاد حكيه من خلل عينى البطل املنتصر فاروق حسنى ،بما فى ذلك العالقة مع نظام مبارك الذى هوى.
األسبق يجد ً دومــا من يحمله تبعات األخطاء، ربما ألن القاعدة األساسية أن كل من حوله على خطأ ،املثقفون الذين اعترضوا على اختياره فى البداية ،املسئولون الذين وقعت مشكالت فى إداراتهم ،أما الجديد فهو الدولة ذاتها ،فبعد أن خرج من الــوزارة ،وبعد أن سقط نظام الرئيس األسبق مبارك الــذى حماه لفترة طويلة ،يدينه فاروق حسنى فى كتابه مرات عدة ،انضم نظام مبارك بأكمله إلى قائمة من عرقلوا خطط وزير التنوير والثقافة والفن ،عندما تسأله انتصار عن مسؤولية الثقافة فى مواجهة التطرف ،يرد بأن وزارتــه أنشأت قصور الثقافة واملكتبات فى كافة املحافظات والقرى والنجوع ،وأطلقت األنشطة الفنية بأنواعها كافة فى كل األقاليم ،فمن سيجده الوزير هنا سبب التقصير :التلفزيون «كنا نستجدى التليفزيون لكى يعرضها لتصل إلى الناس ،وكنت أشكو للرئيس عدم اهتمام التليفزيون بما نقوم به فيعطى توجيهاته لهم فيعرضونها فى الثالثة ً صباحا» .إضافة إلى هذا «كانت الزوايا مليئة باملتطرفني وهم من يعتلون املنابر ،والدولة كانت غائبة عنهم ،حتى فى التليفزيون كانوا يعطون ً فكريا الفرصة للدعاة الجدد املنتمني لإلخوان ً نجوما ،ووزارة الثقافة لم تكن ويصنعون منهم تستطيع أن تصفق وحدها ،كان ال بد».. >>> هذه هى املسألة ببساطة ،وزارة الثقافة فى عهد فاروق حسنى كانت تصفق وحدها ،الدولة فى جانب وهى فى آخر ،دولة متخلفة عقيمة ال تؤمن بالثقافة وال الفن وال التعليم ،تعطى ً دورا للمتشددين وتصنع ً الثقافة نجوما ،لكننا إذا ما دخلنا إلى وزارة منهم ً هذه التى تحاول التصفيق وحدها سنجد أيضا من يعمل على إعاقة العمل ،خلف كل قضية ستجد ً مقصرا لنصل فى النهاية إلى أن فــاروق حسنى ً ً كان وحيدا تماما ،أعزل إال من ريشته فى مواجهة األعــداء ،هل يذكرك هذا بشئ :نعم ،بالضبط، البطل التراجيدى كما فى املالحم الكبرى ،هذا على األغلب كل ما ستخرج به من الكتاب. وال ينتهى العمل إال كما بدأ ،املفتتح شهادة ملحمد سلماوى ،واملنتهى شهادات من :آدم حنني ،حسني فهمى ،خالد جالل ،د .خالد منتصر ،زاهى حواس، سليمان جودة ،سهير عبد القادر ،عزت العاليلى، على أبو شــادى ،ليلى علوى ،مفيد فــوزى ،نجيب ً وأخيرا محاورته نفسها ساويرس ،وحيد حامد، انتصار دردير .والشهادات كلها ال تحيد عن هدف أياد بيضاء الكتاب كله :رصد كم لفاروق حسنى من ٍ على الثقافة املصرية! اقرأ أيضا ص ٣٥/٣٤ الكتاب :فاروق حسنى يتذكر.. زمن من الثقافة حاورته :انتصار دردير الناشر :نهضة مصر
١٤
٥مايو ٢٠١٩العدد ١٣٤٥
٢٣
٥مايو ٢٠١٩العدد ١٣٤٥
يدخل إليها من باب الذكريات:
فاروق حسنى
يعود إلى أرض املعركة بعد رحيل خصومه!
ً ً وغالفا أنيقً ا ،الكتب ليست للمباهاة وال لالستعراض الفارغ ،عناوينها ليست وورقا حبرا الكتب ليست ً ً فخاخا ناعمة محبوكا داخلها تصوراتنا عن األحداث ،بعض الكتب مصيدة للقاريء ليشتريها ،ليست كذلك ،من حق أصحابها املكتوبة أسماؤهم بالبنط الفخم العريض أن يقولوا ما شاءوا ،ثم لنا نحن القراء حق التصديق والتعليق والتأويل واحلوار. وإصدارا حلكم قبل القراءة ،أمهد لوجهة نظر ا تزيد هذا يبدو كتاب! ما الداعى ملقدمة كهذه قبل عرض ً ً عدائية ضد الكتاب وهو منطق يخالف العمل الصحفى والثقافى ،لكن الكتاب الذى نحن بصدده ال يترك لك فرصة ،منذ اللحظة األولى ال بد لك أن حتدد موقفك منه ،مع أو ضد ،هذا هو املنهج الذى تأسس كثيرا عن شخصية بطله :الفنان فاروق حسنى وزير ثقافة مصر األسبق ،الرجل عليه ،منهج ال يختلف ً الذى كانت املعارك ظله الذى يأتنس به.
ياسر عبد احلافظ كثيرون سيقرأون كتاب «فــاروق حسنى يتذكر... زمن من الثقافة» بوجدانهم مثلما فعلت أنا ،أولئك الذين كانوا الطرف اآلخــر من املعركة ،الوزير َ عالم كانت ورجاله فى ناحية ونحن فى األخرى، املعركة؟ سألت نفسى قبل أن أفتح الكتاب ،ألنك ما إن تغادر أرض معركة إال وهدفك نسيانها ،وما جرى منذ 2011إلى اآلن كان له أكبر األثــر فى إغالق الكثير من امللفات على ما هى عليه ،على الخالفات ووجهات النظر املتعارضة ،من مع ومن ضد ،على ذكرى من احترقوا فى مسرح ،وعلى أثر راح فى غمضة عني ،ولوحة بماليني ُسرقت ،على سؤال :ما الذى نريده من الثقافة؟ ما أهمية البناء واالفتتاحات بال مردود ثقافى حقيقى؟ لكن فاروق حسنى لم ينس ولم يغلق امللف ،حقه بالطبع ،ومن يجادل ،بغض النظر من على صواب ومــن على خطأ فهذه كانت معركة حياته التى عاما و 3أشهر وً 13 قضى فيها «ً 23 يوما» وفق حساب الكاتبة الصحفية والزميلة انتصار دردير ً ً حوارا طويل مع الوزير األسبق نتج والتى أجرت عنه الكتاب الذى فضل حسنى أن يكون على هذا الشكل ألنه ال يحب «املونولوج فى الحديث ،فمتعتى الحقيقية هى تحفيز اإلبداع من خالل عقل آخر يقوم بالبحث داخل عقلى» ،هكذا جاء دور انتصار الــتــى «كــانــت املــحــرض واملحفز لكل ذكرياتى وحواسى بعد أن أبعدنى عنها القلم بطرفه املدبب الــذى سجن تفكيري" ،ويكون ثمرة التعاون بني ملسات الريشة والقلم بطرفه املدبب هذا الكتاب «أسجل إعجابى بما قامت به هذه الكاتبة املوهوبة بحث دءوب ،وإيجاد معظم الوثائق التى تعطى من ً تشويقا ً كبيرا لالسترسال فى القراءة ،مع صياغة جمعت بني األدب وفن الحوار ،مع الرصد والتحليل، والتوثيق». لكن هــذه وجهة نظر الوزير األسبق فى العمل، فماذا عنا نحن؟ الحقيقة أنى بدأت قراءة الكتاب بال حسابات ،والكلمة التى دونها الــوزيــر على غالفه الداخلى حــول البحر ،والــنــداء الغامض ً بينهما ،أوهمتنى أن الكتاب سيكون معتدل، ً إنسانيا ،سينسى فاروق حسنى املنصب السابق له ً ما زال جالسا ويتحدث كفنان ،لكنى فوجئت أنه ً على الكرسى لم يغادره ،ما زال واقفا على أرض املعركة بكامل عدته وعتاده ومعه من يقرع طبول الحرب ويسمعنا قصائد الفخر والحماس «إن سجل فاروق حسنى الذى يرصده هذا الكتاب يوضح كيف خاض املعارك على جميع الجبهات ،وكيف تصدى
لهجمات األعداء كما واجه نيران األصدقاء». املقتطف السابق جزء من مقدمة ثانية للكتاب بقلم محمد سلماوى تحت عنوان «فاروق حسني ..الفرس املتمرد» ومنذ سطورها األولــى تفهم روح هذا ً تماما لتنسى كاف الكتاب ومنهجه ،السطر األول ٍ هذا البحر الذى تحدث عنه حسنى ،ال بحر ًوال هدوء فى الكتاب «سوف يظل فاروق حسنى رمزا ً باقيا ً جالسا على عبر السنني للفن والثقافة ،سواء كان ً مقعد الوزير بمكتبه فى الزمالك ،أو واقفا يخلط ألوانه »..هكذا يقول سلماوى فى بداية مقدمته ،أمر عليك أن تضعه فى ذهنك كقارئ ،وأنت تعرف أن الرموز ً دوما هناك من يسعى لهدمها ،هناك من يشن عليها املعارك ،أعداء من اتجاهات مختلفة: اإلخوان املسلمون ،بعض املثقفني ،قيادات الحزب الوطنى الحاكم ،والتى يكشف عنها النقاب ألول مرة من خالل الكتاب كما يقول سلماوى ،الحزب الحاكم الــذى لم ينضم حسنى لعضويته وظلت قياداته تعمل بدأب للقضاء عليه!. مقدمة سلماوى تقول ببساطة إن فاروق حسنى كان يعمل وحده فى عصر مبارك الذى ساده الجمود فى كل املجاالت» ،ولو أن ما حدث فى الثقافة حدث فى املجاالت األخــرى لتغيرت الحياة فى مصر بشكل كامل ،لكن ذلــك لم يحدث ،وظــل فــاروق حسنى االستثناء الذى يثبت القاعدة» .ليس هذا فقط ،إنجاز فاروق حسنى من وجهة نظر سلماوى لم يتوقف فقط على أنه األبــرز واألهــم والوحيد فى عصر مبارك بل يتعداه إلى «وإذا كانت البالد
تخطو اليوم خطوات عمالقة على طريق اإلصالح وعلى طريق البناء والتشييد ،فإن الصرح الذى بناه فاروق حسنى فى السنوات التى سبقت الثورة لم يستطع أن يطاوله أحد فى السنوات التى تلتها، وهذا الكتاب بلغة الفن هو (سكيتش) مبسط لهذا اإلنجاز». هل يتحدث سلماوى عن بشر مثلنا يسير على األرض؟ ال ،هو يتحدث عن فاروق حسني! ورغم ً هــذا قد يكون مقبول أن تكون هــذه وجهة نظر شخص فى الكتاب ،على أن توازنها وجهات نظر أخرى ،كتب السيرة سواء كتبها الشخص أو كانت على شكل حوار أو أى طريقة أخرى ،ال بد لها من مقومات لالعتراف بها ،خاصة إن كان كتاب سيرة ملسئول رفيع فى الدولة ،ال بد من قدر كبير من الحساسية ،ومن الضرورى أن ترى وجهات نظر اآلخرين وتتحاور معها ،لكن على الضد من هذا فإن ما كتبه سلماوى ،يشكل الرؤية األساسية ،بل والوحيدة ،التى انبنى عليها العمل من أوله آلخره، للتكريس لصورة وحيدة ً «أحد أهم وأنجح وزراء الثقافة فى مصر ،محققا من اإلنجازات ما لم يحققه وزير آخر فى التاريخ املصرى الحديث» .كما تختتم محاورته انتصار دردير مقدمتها. >>> من املهم التأكيد على أن انتصار درديــر بذلت ً ً كبيرا فى إنجاز العمل ،تحقق من خالل جهدا لغة الكتاب وأسلوبه ،ولو لم يكن ملا أقرأه مردود واقعى داخــل نفسى لقلت إنــى استمتعت للغاية بقراءته ،هناك بناء تصاعدى يشبه بناء الرواية، لدينا بطل هو فــاروق حسنى ،وكلمة البطل هنا أقصدها بمعناها امللحمى ،من البداية يرسم العمل مالمح هذا البطل ،نشأته التى حملت إرهاصات االختالف والتفرد والتى كانت األم أول من ملحتها وشجعتها .ترسم انتصار لوحات تذكرك باألعمال التراجيدية ،هناك خيال ووعــى سينمائى يقود الكتاب من البداية إلى النهاية ،يمكنك حتى أن تسمع املوسيقى من بني صفحات الكتاب ،موسيقى أقل ،أنشودة البهجة لبيتهوفن ،عمل ً كالسيكية ال ً ً ً تدريجيا وصول إلى يبدأ خافتا هادئا ويتصاعد الكريشندو. لكن ،يكمن الضعف األســاســى فى البناء الذى تعمدته إنتصار فى املغاالة ،فى النهاية لسنا بصدد رواية حتى لو استعارت شكلها ،من املفترض أننا أمــام عمل توثيقى ،واألعمال التوثيقية ال تخلط
نقالت متسارعة اإليقاع ملعالم ذلك العصر احلميم ومالمحه األثــيــرة ،فأغنية ليلى مــراد عن معاودتها قــراءة «جوابات» احلبيب وكتابتها مراسالت له تستدعى أغنية «رجاء عبده": «البوسطجية اشتكوا من كتر مراسيلي" ،وتستدعى الديوان الشهير لعبد الرحمن األبــنــودى« ،جوابات حراجى القط"، وصوالً إلى أغنية جناح سالم« ،عاوز جواباتك" ،فى تناسل اســتــدعــائــى لنصوص ذلــك الــزمــن وكــأ ّنــنــا إزاء «تــصــادي» نصوصى ،فلكل نص صدى فى نص آخر قد يتشارك معه ويتماثل معه فى بعض التيمات ويتخالف معه فى تيمات أخرى. ومما تتداعى الذات الساردة فى بيانه «الغواية» التى تعنى «الهواية" ،باعتبارها مبدأ حياة: الغواية حقا ال تقاوم ،كنت أبتسم عندما أستمع إلى أغنية صباح ..الغاوى ينقط بطاقيته تسلم لى عينه وعافيته... وبعدها تتدلل وهى متط الكلمة كأنها تتذوقها على مهل... الــغــاوي ..عينى أصبحت تلتقط أى غـ ٍـاو وتنتبه له فتجده مجيدا فى غوايته ،العب الكرة الشراب احلريف ،جتده من فرط غوايته يقضى يومه بطوله فى الشارع فى لعب الكرة الشراب ..الغاوى مزيكا جتده عازفا شاطرا متميزا ..راقب معى وسترى صحة فكرتي .من ال يغوى شيئا معينا يفقد الكثير من املتعة فى حياته ،فالغواية سحر احلــيــاة .وهى باللغة املتأنقة ....الهواية ،حتى لو لم يتميز املرء فى هوايته، فسيستمتع باحلياة وسيشعر مبعناها .استمرت هوايتى للمسرح على مدى عمرى ،عاوز أم ّثل؟ِ ..ل َم؟ ...ال أدرى ،أم ّثل وخالص(.ص ص.)19 18- تبدو الذات الساردة فى استدعائها الذاكراتى لذلك العهد احلميم مسكونة بآثاره بأغانيه وممارساته وهو ما يتبدى فى التداعى املستمر وتكرارية لفظة «الغواية» ومشتقاتها واستمتاعا بها ،وهو ما يجعل جلمل باعتبارها عش ًقا للحياة ً إيقاعا يساعد على تدفق لغة احلكي. السرد وغنائيته ً كما يــبــرز الــصــوت الــســارد تـ ــرددات الـــذات بــن خياراتها ومنشوداتها ،ويعمل االلتفات باستعمال ضمير املخاطب هنا على استدعاء الصوت السارد للقارئ مبا يجعل الدفقة السردية كأ ّنها بوح حميم وحــوار يجريه السارد مع متلقيه االفتراضي. كسر اإليهام فى بعض املواضع من النص الروائى يخاطب الصوت السارد قارئه ،كما فى حديثه عن اجلدة فى مستهل الرواية: و ِل َدت تقريبا فى جيل أم كلثوم وطه حسني وجنيب الريحانى، حتى تستطيع أيها القارئ العصرى أن تتمثلها فى ذهنك بقدر من احلميمية .ال تغادر بيتها املطمئن فى شارع جزيرة بدران بأول شبرا ،شبرا أيضا ،نعم ،ال تغادره بسبب ضعف ركبتيها وصعوبة حركتها مع استحالة صعود السلم للدور الرابع حيث تستقر شقتها( .ص.)5 يستعمل السرد هذه الوسيلة املسرحية فى األساس ،مبخاطبة القارئ ،مبا يناظر مخاطبة املتلقى لكسر احلاجز الرابع فى املسرح ،رمبا للمسافة الزمكانية بني عصرين اختلف بينهما املكان وتبدلت مالمحه ،وكأن السارد ال يريد ملتلقيه وقارئه التماهى مع أحداث القص بشكل مفرط. السخرية من الوسائل التعبيرية التى يستعملها السرد فى رواية «صافينى مرة» فى أداء رسائله جلوء السارد أحيا ًنا إلى السخرية: أراد الرئيس عبد الناصر زيادة عدد الطلبة املقبولني باجلامعات حتقيقا ملجانية التعليم على أصولها ،لم يكن عنده أماكن كافية باجلامعات وال ميزانيات لبناء فصول تستوعب املقبولني ،لم تعطله هذه العقبات فقرر أن يقبل الطلبة املتقدمني بأى أعداد ويحشرهم فى األماكن املتاحة ،يعنى مببدأ لقمة هنية تكفّى مِ ّية ،أو حصيرة الصيف واسعة(.ص.)45 متثل السخرية طريقة أداء بالغية ووسيلة نفسية متارسها الذات فى مواجهة واقع ال ترضاه ،قد فقد املنطق ،واقع ال تستطيع الذات تغييره أو تعديله وتبدو مضطرة لتق ّبُله ،كما يلعب التعبير الساخر ،هنا ،الذى يُ َّ وظف فيه أمثلة مأثورة وحك ًما شعبية ،دو ًرا أشبه باملوازاة االستعارية. الكتاب :صافينى مرة املؤلف :نعيم صبرى الناشر :دار الشروق
أمجد ناصر صدرت حديثاً عن منشورات املتوسط ــ إيطاليا، مجموعة شعرية جديدة للشاعر األردنى ،املقيم فى لندن «أمجد ناصر» ،حملت عنوان« :مملكة آدم». ِ األحدث هذا ،يُساجل أمجد ناصر ،التراث فى عمله امليثولوجى للجحيم ،وسواه فى الواقع ،لكن من ٍ مهاد ٍ أرض البشر ،أو كما جاء بانورامية أولى كبرى ،هى ُ فى مقدمة الناقد واملترجم السوري صبحى حديدي للكتاب :هذه ،املعاصرةُ على وجه التحديد ،شهدت العذاب ني جحيم ال تتف َّو ُق على خوارقِ ِ وتشه ُد أفان َ ٍ ِ ِ اجلحيم التى ص َّورتْها املخ ّيل ُة تنويعات مختلف فى ِ ُّصوص ن وال ر األساطي بها دت توع أو اإلنسانية، ّ ُ ُ تتحدى أقصى ما املق ّدس ُة ،فحسب؛ بل لعلّها ،أيضاً، َّ ُ طاقات استحضار َّ ِ ميلك التخيي ُل من الش ِّر ،ومتثيلِ القسوة ،واستكنا ِه األلم ،وجتسيدِ املوت .وهذا ما يفعل ُ ُه ٍ ٍ أمجد ناصر هنا ،على امتدادِ جحيمية، طبقات سبع ِ يدير فى ٍّ ٍ دي إنساني اشتباك كل منها بني َة وأخالقيَ ،ف ْر ٍّ ٍّ ٍّ تخييلي ،فى ٍآن معاً؛ ومجازي ، ملموس ي د ما عي، ٍ ِّ ٍّ ٍّ َ ٍّ وج ْم ٍّ اشتغاالت ّ ٍ خلقة ،الستقصاءِ ولك ْن ،دائماً ،ضم َن إطار ِّ معادالت ِّ َ خلف هذه البنى املشتبكةِ والشعرِ َّيةِ ِ الشعرِ واملتشابكة. لكن جحي َم أمجد ناصر ليس منشأ ًة ميتافيزيقي ًة أو ّ ً إبالغهِ ِ ِ واإلحلاح على «اهلل» ة مفرد م رغ ، ة ماورائي تكرارِ َ ِ ِ اإلشارات إلى مبا يجرى فى مملكةِ مخلوقِ هِ آدم ،ورغ َم وإبليس وصعودِ الشاعرِ املتكلِّ ِم فى القصيد ِة عزرائي َل َ حداداً «إلى ِعلِّ ِّي ْي» ،غير م ّيتَ ،ح َّياً ،وجاه ً ال ،إ ْن كان َّ أم ّ جناراً أم ميكانيكياً أم شاعراً ،وظا َّناً أن ُه رسو ٌل غي ُر إلهي! ولهذا فإنّ ما تستكش ُف ُه قصيدةُ أمجد ناصر من ٍّ غيبي مفهوم ِ مراتب الشقاءِ وطبقاتِهِ ال يندر ُج فى أيِّ ٍّ ٍ العقاب فى احليا ِة اآلخرة ،بل هو مثا ٌل من أرض عن ِ البشر فى عصرِ نا ،تُنشئة أجهزةُ االستبدادِ والفسادِ واجلشع والهيمنة؛ بل ليس ث ّم َة مبالغة فى القول إنّ ِ اإلشارات السور ّي َة هى ميدانُ ُه ومشهد ّيتُهُ. ُ املأساةَ ّ فى هذا الصددِ كثيرةٌ وجل ّي ُة املغزى« :البرامي ُل التى تس ُ ؤوس كامل َ َطر الذى أرسل َ ُه اهللُ إلى اقط على ال ُّر ِ َّ والساري َن فى مملكةِ د و«بال أخرى»، مم البراميلِ ُ َّ أُ ٍ آدم»َ ، تي واملساميرِ و«خ َزنَة البراميلِ املع َّبأ ِة بـ التى إن ْ وأنصالِ السكاكني» ،و«األب باولو دالوليو». هي رسال ُة ّ اللغفران التى يُرسلها أمجد ناصر إلى األرضي وضحاياه ،وشقائِنا جحيمنا عصرِ نا ،حول ِّ البشريِّ وصانعيهِ ،وحو َل مملكةِ آدم «حيثُ صارت مصاصى الدماءِ /أَ َكلَةِ ُ ُ وم الكلم ُة للزّومب ِّي ْيَّ / ل ِ ِ الصب َيةِ الصغارِ / بى غتص م / األعراض البشرَ /هاتِكِ ى ِّ ِ ُ رجالِ اخلازوقِ والكراسى الكهربائيةِ ُ /مح ِّولى ال ُق ُرودِ بشر ،والعكس /عا ّقى آبائِهم وأ ّمهاتِهم /الذين إلى ٍ َ التشريح» .بيد فى سريع س ر د ك ؤوس ر ال ٍ َ يقطعون ّ َ ْ ٍ ِ ّ سج َل نقل ًة ي لكى إل َب ت ك ي لم هذا ع ُ ِّ ُ ّص البدي َ أنّ الن َّ ِّ ةِ املقام فى ي الش ناصر أمجد جتربة ن ضم متق ّدم ًة عرِ َ َّ ِ
فى مملكة آدم
ٍ األ ّول ،بل إنّ إنتا َج قصيدةٍ الهاجس األش ُّد رفيعة هو ُ ِ عطيات العمل الف ِّن َّيةِ ؛ أل ّنه إمنا يبدأ ُ من بروزاً فى ُم ٍ بالغة فى امل َ ْعنى واملَبْنى ،تُع ِل ُن ِش ْعر َّيتَ َها العالي َة على َّص النبيلةِ ،األخالقيةِ ِ ن ال لنبرات ح تا ي فال الفور، ِّ ُ ُ والعاطفيةِ والفلسفيةِ ،وال األهوالِ اجلحيميةِ وبواطنه ،أن ت ِ ِ ُبط َئ ارتقا َء الطاغيةِ على سطوح املَعنى اجلماليات ِّ ِ الش ْعرِ َّيةِ فى ُمستوياتِها املُختلفةِ واملُتكاملة. جته ُد «مملكة آدم» كثيراً لكى يتماهى القارئُ مع جحيمِ ها ،ولكى يكو َن شريكاً فى إعاد ِة إبصارِ أهوالِهِ ، ابتداع مخ ّي ٍلة أو بوصفها سم َة عصرِ نا ،وليست نتا َج ِ ديني .وهذا ،تالياً ،عم ٌل ِش ْعرِ ٌّي فري ٌد، أسطورةٍ أو ٍّ نص ٍّ بص ُر عيانياً ومسرحياً وسينمائياً؛ ي بل ال يُق َرأ فقط، ُ َ ويُس َمع أيضاً ،واستطراداً ،ألنّ عماراتِهِ اإليقاعي َة ال عجل ،وال تض ُّخ األناشي َد قارع ًة تُدغد ُغ اآلذا َن على ٍ ٌّ َ واختراقي، ح وجار ذ ف ، ع رفي ي ع ش رِ ٌّ ٌ ٌ ُمنذِ َر ًة .إنه بيا ٌن ِ ْ ٌّ لكنه أيضاً ٌ رهيف وجدانياً ،ونبي ٌل إنسانياً ،و ُمنحا ٌز َّ ِ الفظاعات التى أخالقياً؛ يتوغ ُل عميقاً فى أنساقِ األرضي ،وصارت اجلحيم و صن باتت البشريِّ ْ َ ِ ِّ ُ السور َّي ُة مثالَ َها األ ّو َل ،وأمثولَتَها العليا. ة املأسا ُّ كما جاء فى قراءة الكاتب والشاعر اللبناني ع ّباس بيضون ملا نُشر من «مملكةِ آدم» فى العدد األول من يخوض أمجد فى القدر مجلة «براءات» الشعرية: ُ والنِّهاية وال َّ َّ امللح َمة، فى يخوض ه ن إ أى ير المعنى وامل َ ِص ُ َ ُ ِ مشارف وق َم ٍم نقف على ونح ُن نقرأ ونشع ُر بأ َّننا ملحمية ،فنحن ال نصل إلى ال َّ ٍ السلب الشيء وإلى ّ وض فى أغوار فاغرة ،إال بعد املُطلق ،إال بع َد أن نخُ َ السراب وعلى أن من َّر على اجلميع وعلى املنفى وعلى َّ الن ِ حرب اإلنسان مع نفسه ِّهايات املُظلمة .نح ُن هنا فى ِ وحربه مع قدره ،وحربهِ مع الكون ،ومع تهاوى معناه وصيرور ِة ك ِّل شيءٍ إلى نفى عارم. ِ بالكلمات فى ُمط َّولته امللحمِ ية يخوض أمجد ناصر ُْ امل َكمة ،ما ميكن أن يكو َن عمار ًة من الن ِ ِّهايات ومن ٍ معركة كونية ،فى ِسفر املصائر واألقدار .إ َّنه فى كونى وفى صراع بني األركان واملصائر ،وبني املعانى المعانى ،وبني الوجود وال َّ وال َّ الوجود لدرجةِ أن هذا النَّص يبْنى على الريح معركة سدميية وبال حدود .إ َّننا فع ً نص أمجد ناصر قصير ال فى قلب امللحمة ،ولو أنَّ َّ بالقياس إلى امللحمة إ َّال أنَّ كونية هذا النص تُوازى ُ تقاطعاتِها وقدرته على النَّفى ملحم ًة كاملة ،بل إنَّ بالسلب ،الكتابة باخلواء ُ ْ امل َكم ،جتع ُل من والكتابة ّ وتناسقِ ه وامتداده طابقاً ِه ت م واستقا سويته فى النَّص َ ُ بعد طابق وركناً بعد ركن معماراً حقيقياً وملحمة موجزة. الكتاب :مملكة آدم الشاعر :أمجد ناصر الناشر :املتوسط ـ ايطاليا
٢٤
٥مايو ٢٠١٩العدد ١٣٤٥
إشراف :منصورة عز الدين
كحل وحبهان:
كيف
١٣
٥مايو ٢٠١٩العدد ١٣٤٥
تتذوق احلياة؟ َّ
محمد سمير مصباح «أجلس وإلى يمينى جاذبية أبى وأمى ،ومدينة بعيدة تبدو اآلن قديمة ومعتقة وتأسر القلب كالحبهان ،وإلى يسارى جاذبية أبسط من القدرة على الوصفُ ،مغوية بال ضوضاء ،كالكحل الذى ُيظلل نظرة صافية». بتلك الفقرة يوضح عمر طاهر سبب تسمية روايته بـ"كحل وحبهان"؛ حيث أن قطبى حياة بطل الرواية وأمــه وجدته وخاله، هما عائلته املكونة من أبيه ِ ومدينته البعيدة التى تحوى ذكريات طفولته ،والذين الحبهان ،الذى البد منه فى يمثلون ِسحر وجاذبية َ الطعام والقهوة ليمنحهما َب َرك ِته ّ ،والقطب اآلخر هو بصفاء زوجته «صافية"؛ فتاة عادية ولكنها ساحرة ُ الطيبةً ،والتى تمثل الكحل روحها ِّونظرتها وعشرتها ً يزين العني ويزيدها بريقا وألقا رغم بساطته. الذى هى الرواية األولى للكاتب عمر طاهر ،سبقها عدة مشروعات أدبية ،كانت تحمل روح الصحفى الساخر ّ املنقب عن الجمال فى كهف القبح ،اختار أن يبدأ مسيرته الروائية من الطريق األقرب لقلوب الناس، ليس معدتهم ولكن حالة الحنني إلى املاضى ومشاركة الذكريات ،ليكتب سيرة إنسان باستخدام الطعام والرائحة. الــروايــة بــروح الثمانينات ،ومــا تسلل منها إلى الرواية تجد التسعينات ،وفى كل ركن من أركــان محاصرا بذكرياتك الخاصة التى َت َ ً صادف نفسك أنها ذكريات بطل الرواية وربما ذكريات جيل كامل، وكأننا مررنا على ماكينة تصوير مستندات لنطبع فى أنفسنا (روح بيوت الطبقة املتوسطة ،واألغانى الشبابية التى لم ُتعد شبابية ،واألكالت وطقوسها، والعادات فى األفراح واألحزان). َ> > > َت ُ طرق باب الرواية ِل ُيفتح لك باب البيت املصرى كما يقول الكتاب؛ فالجدة هى الكوكب الكبير الذى يعيشون على أرضــه الخصبة ،وهى ميزان البيت األكالت وعني الحكمة وما تضفيه على األشياء أو ً ً ً أو األحــداث يكسبها جمال وطابعا ِّ خاصا ورائحة ُ خاصة ،فالجدة فى هذه الرواية تذكر أنفى برائحة الخبز الفالحى _مستطيل الشكل_ لحظة خروجه من الفرن البلدى املصنوع من الطني ووقوده النار فى الحطب والقش ،مواقفها ومنطقها فى الحياة يجعلها كبطل خارق يفعل الصواب والخير ً دائما. ٍ ويمثل األب «إبراهيم» عمود البيت الذى يرفع القواعد ويضبط ما قد يميل بحزم ُ وحب ،يقول بطل ًالرواية ٍ العقاب" ،ولكن أيضا كان إن األب «كان يدير منظومة ٌ ّيتخلل ذلك الكثير من الحب وبعض من التدليل ،ربما يلخص العالقة بني األب وابنه تلك الفقرة َّ «تغيرت
الطريقة التى ينادى أبى بها اسمى ،كان التدليل يغزوها فى الطفولة ،ثم التوتر طوال فترة املراهقة، شابا ُم ً واإلشفاق ً غتربا ُم ً كافحا حتى تزوجت». وتجد األم هــى الشجرة التى تمنح االبــن الظل والسكينة والثمار ،هى من تملك مفتاح قلب ابنها الحقيقى وهو معدته ،وعن طريق استخدامها لذلك املفتاح َت ْع ُبر إليه وتفيض ُ بالحب ،تأخذ بيده إلى عالم ِ «الــراديــو» السحرى الــذى أخصب خياله ،وتجعله مالذه للهروب من بعض آالمه. فى حني أن خاله القريب من عمره ،هو الصديق والسمير وباب الهروب الخلفى من رتابة الحياة ،أو كما يقول عبد الله« :يجمعنى بالخال كل ما له عالقة بالحياة؛ الكرة ،واألغانى ،وأفالم السينما ،ولعبة
عالقة الرائحة باألشخاص والذكريات عالقة وثيقة ومعقدة، فكل شخص وحدث فى الرواية له رائحة خاصة يدور فلكل من فى فلكها، ٍ ُ املراهقة والحب والعائلة والوحدة والغربة والصداقة والنجاح والفشل رائحة وطعم ولون.
فى حالة فضفضة تغلفها شفافية األطفال، ً معددا األشياء التى توتره وال تمنحه الرؤية املطلوبة لإلجابة على السؤال. فى مطبخ الرواية ستجد لوحات فى حب صنوف األكل ،تجعلك تشتهى ما ُّ يتحدث عنه وإن كنت ُ ال تحبه ،وهذا يدل على تمكن عمر طاهر من أداة مهمة فى كتابة الرواية وهى دقة الوصف ،سواء مكان أو حدث أو حالة ،وفى وصفه لألكالت يستطيع أن يجعلك تراها وتشم رائحتها كما لو كانت أمامك ،بل قد ُيهيأ لك الشروع فى األكل. عالقة الرائحة باألشخاص والذكريات عالقة وثيقة ومعقدة ،فكل شخص وحدث فى الرواية له رائحة ُ والحب فلكل من املراهقة خاصة يدور فى فلكها، ٍ والعائلة والوحدة والغربة والصداقة والنجاح والفشل رائحة وطعم ولون.يتساءل الكاتب عن الرائحة َ وبعدها ُيطلعنا على تأويله لروائح األشياء؛ كرائحة الكتب القديمة ،ورائــحــة ما بعد املطر ،ورائحة النقود ،ورائحة القهوة .ومن أجمل مقاطع الرواية املقطع الذى يبتكر فيه سيسكو وخاله تلك اللعبة التى يصبغون فيها املشاهير بروائح معينة ،فعلى سبيل املثال «رائحة عبد الحليم حافظ هى تلك الرائحة العشبية الرقيقة التى تنطلق عقب قص الحشائش وتقليم األشجار وقصقصة فروعها» و"ليلى مراد رائحتها فانيليا» و"سعاد حسنى رائحتها كراميل محروق». > > > ً فى ًحبكة الرواية يفقد البطل حاسة الشم فقدانا مؤقتا ،إلى أن يتم إرشاده للعالج الروحى املتوفر ُّفى مطبخ منزله أال وهو الحبهان ،ومنه يبدأ رحلة التغزل فى التوابل وشرح الفلسفة واالنطباع الخاصني بكل تابل ،وال ينسى ذكر أهمية التوابل التاريخية والسيما حرب التوابل الشهيرة. يأخذنا «عبد الله» بطل الرواية من الخاص إلى األكثر خصوصية؛ فأن يتحدث شخص عن عاداته فى األكل ويحكى عن مدى شراهته وشهوانيته للطعام ،فهو يغوص فى أعماق نفسه بل ويقوم بتعريتها ،ألن هذا يعتبر من األشياء السرية التى ال يمكن البوح بها إال أمام املقربني كاألب واألم وربما الزوجة .فنجد أننا ً –الشعوريا -نحن من يتم تعريتنا من الداخل، كقراء وكأنه يتحدث عن أدق تفاصيلنا التى قد ال نحب التحدث عنها ،وهذا فى رأيى من أهم املالمح التى أحدثت ً تماسا بني القارئ وروح الرواية. إيقاع الرواية هادئ ومتزن يشبه تسوية األرز؛ فعلى نار هادئة تتابع أحداث خمسة أيام من حياة البطل ٍ خط وهو فى مرحلة املراهقة ،يتخللها «تقليب» فى ٍ ـواز يعرض حياة البطل بعد التخرج وأثناء عمله مـ ٍ وقصة حبه التى ُ الزواج .وفى النهاية تتذوق كملها ي ُ الرواية وقد نضجت تمام النضج فتتمنى أن تأكلها مرة أخرى.
الصراحة ،والنميمة ،والنكات الفاحشة ،وتقليد األقارب» .وذلك ما قد يتمناه أى شخص فى صديقه. استخدم الكاتب لغة بسيطة معبرة عن حياة مراهق «عبد الله أو سيسكو" ،التى تذكرنا بهولدن كوفيلد بطل رواية الحارس فى حقل الشوفان ،مع الفارق بني ً ً ساخطا ،وسيسكو غاضبا الشخصيتني ،فكوفيلد كان ً ً حائرا .وبرغم بساطة اللغة تجدها شاعرية محبا وعذبة ،فلم يستطع عمر طاهر أن يخلع عباءة الشاعر وأفاض علينا بتشبيهات تجعل ما يصفه _على سبيل كقصيدة نثر. املثال_ من الطعام ِ وبسبب ضمير املتكلم الذى استخدمه عمر طاهر يظن البعض أنها سيرته الذاتية، ليكتب روايته ،قد ً ولكنك قد تشعر _أيضا_ أنها سيرتك أنت ،فبالرغم من أنه لم يذكر اسم املدينة التى هى مسرح األحداث فى مرحلة الطفولة ،ستشعر عند القراءة أن ً كثيرا من تلك األحداث تخصك ،وأن هناك شيء ما يشبه مرحلة ما من حياتك. > > > ََ جهة أخرى ،ربما كان من األفضل لو ذكر اسم من ٍ ً مدينته ليضفى مزيدا من الخصوصية والصدق على أحداثه ،ولتطبع املدينة روحها على صفحة الرواية. عندما َيسأل بطل الرواية نفسه ،ماذا رأت عيناى ً أصل؟ ستجد اإلجابة -وإن اختلفت األماكن بها -تلمس ذكريات طفولتك ،وتأخذ بيدك إلــى املاضى فى طفل ولكن بعقل رجل ٍ جولة بانورامية ،يسردها لسان ٍ ناضج .ما يؤكد لنا أن عينا عمر طاهر كاميرا تلتقط أدق التفاصيل دون أن تنسى شيء كى ال يختل جمال ُ حترف ال يغفل الصورة ،وأنه يمتلك مهارة رسام م ِ وضع ولو أدق التفاصيل ،حتى وإن كانت مجرد قطرة مطر واحدة فى مكان ما فى لوحته ليعبر عن طقس اللوحة. وحينما يسأل ًنفسه :ما هو ِّأجمل ما رأته عيناى؟ ً وطبيبا يشخص حالته بمهارة ،فيقول: ستجده فيلسوفا «القدرة على الرؤية تحتاج إلى سالم ،وأنا أشعر بعدم الكتاب :كحل وحبهان االرتياح معظم الوقت ،وتؤملنى معدتى كلما اقترب املؤلف :عمر طاهر منى التوتر ،وهو يظهر لى ً دائما» .ويدخل _بعد ذلك_ الناشر :الكرمة
للفنانة :أسماء النواوى
فى الشارقة شىء أليف يوهمك أنها تستقبلك كما ودعتك آخر مرة .أقول «يوهمك» ألن عالقتنا باملدن قائمة على الوهم واإليهام ً والحدس ،ال نكاد نعرفها أبدا ،بما فى ذلك (أو ربما على وجه الخصوص) مدننا األم .كانت زيارتى للشارقة خاطفة هذه املرة ،وصلتها ً ً صباحا ،وكانت فجرا وغادرتها فى اليوم التالى املناسبة حضور عرض فنى ساحر عنوانه «ألف ليلة وليلة ..الفصل األخير» ،وهو العرض الذى احتضنه مسرح املجاز الشهير -املقام على نمط املسارح الرومانية -فى اليوم العاملى للكتاب23 ، ً أبريل ،احتفال باختيار الشارقة عاصمة عاملية للكتاب .2019 شارك فى هذا العرض ،الذى حضرته باقة من الكتاب والدبلوماسيني والشخصيات الثقافية من مختلف أنحاء العالم ،فنانون من 25دولة، ً واعتمدت مشاهده البصرية على 13فنا من فنون األداء ،واملوسيقى واألكروبات وفنون ً أنواعا مختلفة من الضوء والظل ،كما وظف الرقص مثل «بريك دانس»« ،هيب هوب» والرقص املعاصر وتعابير راقصة من الصني والهند، وتجاور فيه الغناء العربى بصوت سعاد ماسى مع الغناء واملوسيقى األرمنية وموسيقى التانجو األرجنتينية وغيرها .كل هذا فى تناغم مدهش ضبط إيقاعه عزف أوركسترا مكونة من 51 ً عازفا. ولعل أهم ما فى هذا العرض كان ًاملؤثرات الصوتية والبصرية القريبة أحيانا من «خدع ُ شاهد للتساؤل إن كان ما يراه سينمائية» تدفع امل ِ خداع بصر أم ماذا! فعلى خشبة املسرح تهب العواصف ويثور البحر ويبرق البرق ويظهر الراقصون كما لو أنهم يهزمون قانون الجاذبية َ فى بعض املشاهد. فى هذا العرض املشتبك مع «ألف ليلة وليلة» نرى شهرزاد فى آخر حياتها ،تطلب من شهريار أن يجمع أبناءها الثالثة ،فيروز وأمني وقادر، وتكلف كال منهم بمهمة تتطلب رحلة من نوع ما لجلب شىء محدد .تنطلق األميرة فيروز إلى حديقة الدمع وتعود بقارورة حبر ،ويبحر األمير قادر نحو الجزر الصامتة؛ حيث يتوقف الزمن، ويعود فى النهاية بريشة طائر الفينيق ،ويذهب األمير أمني إلى الوديان القاحلة ويجيب عن عدد من األسئلة واألحجيات ،يوجهها له جنى ،ويعود بكتاب. فى النهاية تخبر شهرزاد أبناءها أن حكايتها األخيرة هى حكايتهم هم ،وعليهم أن يواصلوا ما بدأته ،فالكتاب هو ما يحوى املعارف كلها، والريشة والحبر هما أداتا الكتابة .وإذا كانت «الليالى العربية» مخصصة ملديح فن الحكى ،فإن هذا النص املشتبك معها ينبنى بدوره على محبة الحكايات والكتابة والكتب. تبقى اإلشارة إلى أنه باختيار الشارقة عاصمة عاملية للكتاب ،٢٠١٩تكون ثالث مدينة عربية تحظى بهذا اللقب بعد اإلسكندرية 2002 وبيروت .2009
م.ع
الشارقة ..عاصمة عاملية للكتاب!
12
5مايو ٢٠١٩
العدد ١٣٤٥
نصوص لــ
أحمد مجاهد :عماد أبوغازى جاء إلى مكتبى سير ًا بعد تعيينه وزير ًا بدقائق حسن عبداملوجود
كان لقاؤهما األول فى املجلس األعلى للثقافة، فى مقره القديم بالزمالك ،كان ذلك فى مؤتمر «توفيق الحكيم» ،تم انتداب عماد أبوغازى وقتها من الجامعة بشكل عادى ،فقد كان مدرسًا ،بينما فشلت محاولة انتداب أحمد مجاهد ،املــدرس املساعد. ظل مجاهد يعمل بشكل غير رسمى وبــدون يحصل على مال انــتــداب لــســنــوات ،ولــم يكن َّ بانتظام« ،شهر ،وشهر ال» ،ولكن االثنني كانا يشعران أنهما يخدمان الثقافة ،وموضوع املال لم يكن فى بالهما ،كان جابر عصفور كبيرهما ،كانا ذراعيه ،عماد األيمن ،ومجاهد األيسر ،وكانت الصداقة تنمو بسرعة كبيرة بينهما ،وخرجت من نطاق العمل إلى نطاق الحياة الشخصية ،وشهد عماد أبوغازى على زواج مجاهد ً ،ورويــدًا رويدًا أصبح كل منهما مرآة لآلخر ومكمال له. وهذه حكاية ال يعرفها الكثيرون ،يسردها أحمد مجاهد.. رئيس الــوزراء األسبق عصام شرف استدعى عماد أبوغازى ليكلفه بحقيبة «الثقافة» ،وكانت الدنيا صعبة جــدًا ،والــشــوارع متوقفة بسبب اإلضرابات واملتاريس التى انتشرت فى كل مكان وصارت عالمة على تلك الحقبة ،ولم يكن أمام أبوغازى إال الذهاب سيرًا إلى مجلس الوزراء ،وبعد أن انتهى اللقاء مع شرف ،قرر أبوغازى املرور على صديقه أحمد مجاهد رئيس هيئة قصور الثقافة فى مكتبه بـ«عمارات العرائس» ،كانت املسافة يسيرة بني مجلس الــوزراء والهيئة ،وفى املكتب أخبره عماد بالسر ،أنه أصبح وزيرًا للثقافة ،ولكن السر لم يصبح سرًا بعد دقائق ،فبينما يتبادالن الحديث أعلن التليفزيون النبأ ،وكان أحمد مجاهد يشعر بأنه أدى مهمته فى هيئة قصور الثقافة، َّ وتشبع من العمل هناك ،ومن األفضل له أن يترك مكانه لشخص يمكن أن يضيف شيئًا جديدًا ،أما هو فقد كانت لديه خطة كبيرة للنشر فى هيئة الكتاب ،وبالتالى وبعد حوار قصير مع أبوغازى اتفقا على أن يتولى «هيئة الكتاب». يتظاهرون الهيئة يقول مجاهد« :كان موظفو ُّ مثل الجميع فى البلد وقتها ،كانوا غاضبني وسدوا املدخل ،ورفضوا وجــودى بمجرد إعــان اسمى كرئيس للهيئة ،وعماد أصر على أن يذهب معى إلى هناك ،وأنا رفضت ،وأصــرت على الرفض، وقلت له :أنت وزير ومينفعش تروح هناك نهائى والدنيا والعة ،وكتبت له استقالتى ،كنت أفكر فى أن صداقتنا تحتم َّ على أن أتــرك مكانى لكى ال أسبب له قلقًا ،ولكنه كان حاسمًا كعادته وتجاهلها، وأصــر أن ًيأتى معى ،وأمــام إص ــراره رضخت، وذهبنا فعال ،ووقف بثبات أمام املوظفني ،وطلب مجموعة منهم ،وذهبنا معهم إلى دار الكتب لنفتح معهم حوارًا ونستمع إلى مطالبهم ،وسألهم :ملاذا استمعتم إليه؟ تعترضون عليه؟ هل تعرفونه؟ هل ً هل رأيتم كيف يعمل؟ واستمعوا َّ إلى فعال ،وفوجئوا بأن َّ لدى خبرة بالهيئة ،وعملت فيها لبعض الوقت سكرتيرًا لتحرير مجلة (فصول) ،كما طرحت أمامهم بعض ما أفكر فيه لتطوير الهيئة ،وخرجوا مبسوطني ،ولكن االضطرابات لم تنته ،وقال لى عماد إنه سيأتى معى مرة أخرى ،كان قويًا وشجاعًا للغاية ،وال يرهبه شىء ،والبلد كلها كانت سايبة، واتصل برئيس الـــوزراء ،وقــال له إن ما يحدث بلطجة لن يرضخ لها أبــدًا ،وإن مجاهد إن لم يتمكن من تسلم عمله سيستقيل فورًا» ،ويعلق« :ال يمكن أن أنسى هذا املوقف ،ألنه يدل على معدن أبوغازى ،لقد ظل لفترة وجيزة فى منصبه كوزير للثقافة ،لكننا استطعنا أن ننجز الكثير ،بسبب تفهمه ودعمه وتنظيمه ،وقد افتتحنا ،على سبيل
25
لدى عماد ،كما يقول مجاهد ،هواجسه الغريبة ،ومنها ما يخص النظافة ،وامليكروبات ،إنه ال يأكل مثالً أى نباتات تطرح ثمارها بالقرب من األرض ،حينما كان صغير ًا ،فى بداية السبعينات حتديد ًا ،اجتاح البلد وباء ،له عالقة بالتني البرشومى ،ورغم أن القصة انتهت منذ زمن ،إال أن عماد لم ينسها ،وحتى اآلن ال يأكل التني البرشومى أبد ًا.
أدونيس يتوسط أحمد مجاهد وعماد أبو غازى املثال ،قاعة صالح عبدالصبور ،وهى أول قاعة للندوات فى الهيئة ،وأسسنا معرض فيصل للكتاب، وأصبحنا ضيف شرف معرض كتاب تركيا». أول سفرية لهما ســويــا كــانــت فــى معرض فرانكفورت ،وكانت جامعة الدول العربية ضيف الــشــرف ،وك ــان مسئول التنظيم هــو املــرحــوم محمد غنيم ،وكان االثنان يساعدانه« :أبوغازى دؤوب جدًا طول عمره ،ينجز ُفروضه على أكمل وجه بدقة متناهية ،وحينما تتاح أمامه فسحة من الوقت ينطلق فورًا بدون تفكير إلى املتاحف ومعارض الفنون واآلثار ،ويكون متسلحًا بالخرائط املناسبة للمدينة ،ويصور كل ما يحبه وكل ما تقع عيناه عليه ،كان وال يزال شغوفًا بالفن ،ولطاملا أثار إعجابى» ،ويضيف« :لم يختلف فيه شىء مع ترقيه فى الوظيفة ،فما كان يفعله وهو رئيس للشعب واللجان باملجلس هو ما يفعله وهو وزير للثقافة، وما يفعله فى أى مدينة هو ما يفعله فى املدينة التالية ،يخلع املالبس الرسمية بعد عمل كثير، ويتحول إلى سائح مثقف ،هذا هو تكوينه ،ال يعمل بالثقافة فقط ولكنه محب لها». أبوغازى هــادئ ،لكنه يكون صعبًا للغاية فى مواقفه ،إذا اتخذ موقفًا فإن عودته فيه تكاد تكون صعبة إن لم تكن مستحيلة .يحكى مجاهد قصة
جديدة.. ً «الشعب عن مسئوال أبوغازى عماد كان حينما ً والــلــجــان» باملجلس ،كــان مجاهد مسئوال عن «املؤتمرات» ،وحدث خالف ما بني جابر عصفور وقرر االستقالة، وأبوغازى« :كان عماد زعالن جدًاُ ، وعرفت باألمر ،ولم وكتبها وسلمها ملديرة مكتبه، ُ أســأل مطلقًا عن السبب ،وحصلت بطريقة ما على ورقة االستقالة ،وعماد عرف بذلك ،وكان غاضبًا جدًا ،وكتب أخرى ،وهذه املرة سلمها إلى مديرة مكتب األمني العام للمجلس الدكتور جابر عصفور ،وباملودة الشديدة واالحترام استطعت كذلك سحب االستقالة الثانية ،ومر املوقف بسالم فى النهاية ،جلس االثــنــان ،وزال الخالف كأن هناك من مسحه بأستيكة» ،وضحك« :الظرفني اللى فيهم نص االستقالة مقفولني لغاية اللحظة دى ،لم أفكر فى فتحهما مطلقًا ،وال يزاالن حبيسى صندوق الذكريات فى بيتى» ،ويعلق« :لم أشأ أن أسأل أيًا منهما ،الدكتور أبوغازى والدكتور جابر، رغم مرور كل هذا الوقت ما سبب الخالف ،وهذا هو الطبيعى فى العالقات املحترمة ،الغضب سيذهب وتبقى املحبة ،لقد رأيت فيه من اللحظة األولى شخصًا شديد األدب ،شاطر جدًا ،واألهم مخلص ،ولكن مواقفه حدية ،وهناك اختالف بني
شخصيتينا بكل تأكيد ،فأنا أميل بطبعى إلى املرح َّ فاكة معايا ّ حبتني ،أما عماد فيبدو متجهمًا والدنيا للوهلة األولى ،لكن حينما تقترب منه ستجد أيضًا ذلك الشخص البسيط ،والذى ال تفارقه ابتسامته الجميلة ،لقد قضينًا زمنًا ،نعمل معا طوال اليوم، ونتناول الوجبات الثالث معًا ،وال نذهب إلى بيوتنا إال للنوم ،ثم يتجدد اللقاء بنفس الشكل فى اليوم التالى ،لقد بدا أن الحياة ستسير إلى األبد هكذا، ولــم تكن لـ َّ ـدى مشكلة فى صحبة هــذا اإلنسان الرائع». لدى عماد ،كما يقول مجاهد ،هواجسه الغريبة، ومنها ما يخص النظافة ،وامليكروبات ،إنه ال يأكل ً مثال أى نباتات تطرح ثمارها بالقرب من األرض، حينما كان صغيرًا ،فى بداية السبعينات تحديدًا، اجتاح البلد وبــاء ،له عالقة بالتني البرشومى، ورغم أن القصة انتهت منذ زمن ،إال أن عماد لم ينسها ،وحتى اآلن ال يأكل التني البرشومى أبدًا. يضحك مجاهد« :خــاص ..انتهينا» ،ويضيف: «أيضًا قرر بعد وفاة أبيه أنه لن يرتدى إال كرافتة سوداء ،وقال إنه لن يغير ذلك إال فى فرح ابنته، وهذان املثاالن وغيرهما يكشفان لك صرامة ُعماد حتى فى األمور البسيطة ،وهى الصرامة التى ت ِّميز كذلك مواقفه الفكرية». دهاليز املجلس األعلى فى نمت صداقة االثنني ِّ للثقافة وأروقــتــه ،وبينما يحضران لكثير من املؤتمرات ،أو أثناء تلك املؤتمرات ذاتها ،كانا حريصني للغاية ،وعرفا أن شيئًا صغيرًا للغاية قادر على إفشال مؤتمر ،ولكنهما ،بحسب حكايات مجاهد ،كانا ُيفاجآن بأمور تبدو تافهة للغاية تصل إلى األمني العام نفسه ،فأحد املثقفني الكبار يتصل بمكتب الدكتور جابر ويخبر مديرته ليقول له إن غرفته تخلو من علبة مناديل« :كنا حريصني على كل شىء ،والضيف نعتبره مسئوليتنا الشخصية ،كان عماد يبقى فى املجلس بينما أذهب مع املثقفني إلى الفندق ،كنا نقسم أنفسنا بحيث ال يفوتنا شىء، جابر عصفور ،أال يترك شيئًا وهذه سياسة الدكتور ُ للصدفة ،هناك أمور كان تحل بابتسامة ،بضحكة، باستيعاب ،قيمة الضيف من قيمتك ،أنت أستاذ جامعة وهم قامات ثقافية كبرى». يعود مجاهد إلــى أبــوغــازى« :اآلن يمكننا أن نتقابل مرتني أو ثالثًا ،ومن املمكن أن نتحدث عشر مرات فى التليفون ،خالل العام ،لكن قوة عالقتنا لم تتغير ،وكل منا يقول أمام اآلخر ما يقوله فى ظهره ،بل إنه يقول كالمًا أفضل وأجمل بعيدًا عنى ،وهكذا أفعل أيضًا ،وكــل منا يجد اآلخر ،وال يحتاج سوى إلى رفع سماعة الهاتف». كــان مجاهد يعمل على بحث منذ فــتــرة ،كان البحث األخير فى الترقية ،واحتاج إلى بيانات من ثالثة أو أربعة سطور موجودة فى موسوعة «املرأة العربية» ،واتصل بعماد وقال له إنه يريد معلومات عن كاتبة معينة ،وقال له عماد إن املوسوعة ليست أمامه اآلن ،وبعد ثالث أو أربع ساعات اتصل به عماد وقــال له إنه سيرسل إليه ما يحتاجه على اإليميل« :أصبح اللقاء دوريــا شبه مستحيل فى ظروف الحياة الصعبة ،لكن عمق العالقة واملحبة واإلخالص يحفظ الصداقة متوهجة». ويقول« :ال يوجد سر بيننا ،ومع هذا ال يتدخل أحدنا فى شئون اآلخــر ،وهــذا أمــر مهم لتدوم الصداقة ،ما ال تريد الحديث عنه أنا ال أسألك فيه ،ســواء اآلن أو بعدين ،ولو أردت أن تتحدث فهذا يخصك ،كل منا يحترم املساحة الشخصية، وبالتأكيد أنا محظوظ به ،فهو شخصية نادرة فى التهذيب وفى األخــاق ،واإلخــاص الشديد، والثبات على املوقف ،وأنا فخور ملجرد أنه يعتبرنى أحد أصدقائه» .
5مايو ٢٠١٩العدد ١٣٤٥
عبدالرحيم املاسخ ـــ أحمد نوار أمل جمال السيد ـــ بشير ميلودى صباح هادى ـــ ماجد أبادير ـــ طلعت محمد
مدرسة الغيطانى مبناسبة افتتاح مدرسة جمال الغيطانى الثانوية العامة بنات بجهينة عبد الرحيم املاسخ
مدرسة صاحبها بقلوب األحباب فتحت للحب كما كان و ظلت تذكره إذ غاب كان جمال الغيطانى رواية تجمع كل الناس بكل األجناس جنود هوى تحت الراية حني ذهبت إليه وكنت آراه ألول مرة حني مددت يدى بشعرى وتلقفه كى ينشر سره ماذا قال؟ وماذا قلت؟
وماذا كان إلى اآلن؟ ليختلف الوقت لتخرج من موطئ قدمى لألجيال مسره هذا العلم الحر العاشق ال يكره أحدا مدت مصر يدا للسير فكان يدا تطرق أبواب امللكوت املتجمد و املتفكك و الحارق حتى اكتمل البنيان وأمن بمصر على أسرته اإلنسان فلو فرح ومات لكن الفرحة ال تلزم بوجود تتأزم فى فمه الكلمات مات غنيا باإلبداع ،فقيرا بالذكرى بني جحور األفعى كى تلهج شكرا إن الحارس للمجد
املتقلب فى فوران الوجد الحاضر قبل العهد .رمى القيد و فات لكن املدرسة بال صوت ضحكت كالنور و كاملاء وهى تخرج طول الوقت وفاء ووفاء ووفاء وجمال يصافح من دخلوا ويصافح من خرجوا يوصيهم باألحباب وينذرهم من كيد االعداء. ملف من ٣١إلى ٣٥
الفاتنات ينتظرن فى البيت أحمد نوار
كنت قد قررت أال تكتب عن االمتحانات حتى ال يصبح األمر مبتذال وسخيفا من كثرة الكالم عنه لكن اليوم كان ملحميا بكل املقاييس لذلك وجــب عليك تخليد ذكراه اليوم هو يوم أمتحان الرياضيات. بدأ اليوم بمشهد هزلى تنزل فيه من بيتك مهروال معتقدا أن الساعة هى التاسعة والنصف وقد تبقى نصف ساعة فقط على بدء االمتحان رغم أنك رأيت الساعة تشير إلى الثامنة والنصف لكنك نسيت ذلك بعدها بدقيقتني. لحظة استالم األوراق ويا لها من لحظة.. صوت صرصور الحقل يرن فى أذنيك ملدة عشر دقائق بعد استالم الورقة. تجلس فاغرا فاك على اتساعه شاعرا بالبله املغولى يتملك عقلك وإن كان مرضى البله املغولى يتمتعون ببراءة لم تحظ منها بشىء. نصف ساعة قد مر وال تجد سؤاال واحدا
أنــت متيقن مــن إجابته يشفع لــك عند الدكتورة. الوضع مؤسف للغاية ..صوت شادية يأتى عذبا من مكان ما فى مخيلتك «عملتو إيه ف الدنيا دى آه يا والدى آه يا والدى» تتلفت حولك ..ال ليس كما ظننت لم أكن ْ أحـــاول الــغــش!! كنت أحـــاول أن أعــرف أن كان هناك من أنتهت حــدود معرفته وكتابته عند ملء خانات البيانات مثلى فى أول الورقة فارتد البصر إلى خاسئا وهو حسير ،األغلبية يغتصبون األوراق بأقالمهم بينما ال تكف أيديهم عن الطرق على الحاسبة.
بعد وقت ليس بالطويل تدخل الدكتورة وعلى شفتيها ابتسامة انتصار من نوع «ابــقــوا قابلونى لو فلحتم» .تتجول بني الطلبة كقائد مظفر وسط أسرى الحرب بينما يتصايح الطلبة طالبني العون وتوضيح بعض األسئلة فتستمع السئلتهم فى غير اهتمام ثم تجيب كال منهم على حدة بنفس الجملة الساخرة الهازئة « يادى الخيييييبة» وتتعمد مط كلمة الخيبة بقدر اإلمكان حتى تتردد فى أذنيك ألطول وقت ممكن لتشعرك بمدى ضآلتك وحقارتك أمام علمها الال متناهى. كتب أصدقاؤك ما يكفى نجاحهم لثالثة أعوام قادمة بينما ورقتك ناصعة البياض
ليس أنصع منها سوى صفحات حسناتك. يصول املراقبون ويجولون فى املكان وعلى وجوههم ابتسامة شامتة وســاخــرة من البالهة املتبدية على وجوه بعض الطالب وطرق البعض اآلخر البلهاء املضحكة فى الغش. بعد فترة تملكك اليأس فصرت تكتب أشياء أنت نفسك ال تفهمها فى محاولة لسد الفراغات فى ورقة إجابتك. بعد أن مألت أوراق اإلجابة بتعاويذك وطالسمك غير املفهومة جلست تتأمل وجوه الزمالء البائسة. منهمكون فى حل تلك األحجيات وكأن حياتهم تتوقف عليها. بعد فترة كــان كــل مــا يشغلك هــن تلك الفاتنات الالتى تركتهن فى البيت أصابع املمبار التى تركتها أمس لتواسيك فى هذا الظرف العصيب وزجــاجــات البيبسى.. خرجت من اللجنة بلهفة عاشق سيلتقى محبوبته بعد طول غياب وبعد دقائق كان كل مايشغل بالك هو عدد األصابع التى لم تلتهمها من املمبار.
٢٦
٥مايو ٢٠١٩العدد ١٣٤٥
إبداع
رسائل لم ولن تصل أمل جمال السيد
عزيزى البعيد القريب.. ً َ تعصف بى ذكــراك هذه األيــام كثيرا ،ال َ أدرى أطيفك يطوف حولى أم أنك قريب للحد الذى يشعرنى أنك هنا جوارى. ُ أتتذكرنى كما أفعل أم ترانى أنا امللتاعة الوحيدة بغيابك! ٍ ّ منذ متى وأنت قاس فى الغياب هكذا! ً ُ لم تــرن إلى خاطرى يوما فكرة رحيلك ً املفاجئ ،حتى أننى أمضيت شهورا بعدها أحاول تدارك ما حدث. فى أمسية قررت أن تذهب وليكن ما يكون. َ منذ متى وأنت تفكر فى نفسك فقط! َ َ ً ُ أتذكر كم مرة ابتعدت أنا واقتربت أنت! ّ َ ُ كم مرة حاولت الهروب فتمسكت بذكرى ّ ّ جميلة بيننا لتؤثر على فأهدأ! ّ كم مرة وعدتنى بالبقاء وإن رحلت أنا! ِ ّ ّ مرت األيام بحلوها ومرها ..بطولها ومللها.. بنجاحاتنا وخيباتنا ..بأسرارنا وأخبارنا.. ّ بصداقاتنا وأعدائنا ..مرت كلها بأحالمى َ بك وأمنياتى للقائك. لم ال ترجع األيــام إلى الــوراء كما تتقدم إلى األمام؟ لم ال يحدث هذا ليوم واحد أو لساعة واحدة فتحدثنى أخبارك وأحكى لك أفكارى. مازلت أذكــر آخر احتفال بميالدى منذ ّ أربع سنوات .مرت السنون واأليام إال أن ّ عمرى توقف عند هذه السن التى شاركتنى اإلحتفال بها. أترانى كبرت ونضجت فى غيابك! أتقرأ كلماتى فتشعر بأثرك املتروك فيها! ٍ أستتلقى أول كتاب منى بــاإلهــداء كما تواعدنا! أمعجزات العالم توقفت معارضة لقاءنا! َ بمجرد أن أكتب لــك يهدأ عقلى وتثور ذكرياتى.. ً أيكون اللقاء قريبا أم أن أملى فى رؤياك بات من املستحيالت! ُ ّ لعل دنياك هادئة مستكينة ،وياليت ذكراى ال تترك أحالمك وأمسياتك فتتعجل اللقاء. إلى لقاء قريب فى رسالة أو حلم أو حتى فى ُِ ّ الخيال إلى أن يحن القدر للقيانا.
١١
5مايو ٢٠١٩
العدد ١٣٤٥
ير ال ِخ ِ اح َما َق ْب َل ْ َ ص َح ُ ال ْ ِْ الض ْو ِء ور َّ ِم ْن َم ْز ُم ِ بشير ميلودى َ َ ْ َِ َيا َأش َع ُيا ُ ْ َ ُّ ب ََ ْ ول َال َر َ اذا َ ي ُق ْ َم ْ َ است ْحال /فهل ن ط و َو ُال ُ َّ َ َت ْق ٌوم الساعه !؟ ض ْ ُ ْ ِ َ ْ َِ ُ ِأ َر ْ َ بأ َّق َص َى َ ُال ُّ َحز َ ْن ًتح َت َكر الرج َاءْ فكلنا يوما يرى َْ َ َأ ْو ِج ِاع َه ْ َ ِ ْ َ َ ِ ُ َ ِ ِ َ اب ْطني َنأ ُت ْى ُل ٍص َ ْح ِر ْاء َ َال ْغي ِاب ُم َر َ َك ْج َر ْه َم ٌأو مثل بعض خزاعه ُه ِل َ ز ْم َز ِم ي؟ َخل َّق ْت ُمع ُ ْ ِ ُ ِ ْ َ َ َ الش ِم َّسُ ت َله َم ْنى الخيال ِو َ ْ َ َل َس ْتمد شعاعه ِك َان ُت َ َ َّ ً َ ِ َ ْ َ َ ْ َ ْ ُ ْ َ ن ْتركت الحلم الدُك ً َج َنة َ َ /فل َم َ َب َ َي ٌّا رجال أباح ضياعه أ َم َ ْ َ ِ ْ َ َ َّ ْ َ النجوى ص ِفا ْ ِ َ ِ َس ْت َ ِس َعى ْ َم َن َ ِ لتنتزع الحياة لطفلها
ََِ َ ْ َببْر َ ْاع ُه ُ ْ ِ ْ ُ ّ ِ َق َّد ْي َكب ِر ِال َط ِفل َ َالذ ْ ُي ْ َ يه ْشعيرة الرؤيا ِ ُخل ِّف َت َف َ َب َك ُل ش ِّج َاع ِه ِق َ ْدر َالر ُج ُال َّ ً َ َ َ كونوا ْأ ُم ُة و َسطا َب َأ ْن َي َ ُ ِو َأن َي ْهبوا الوجود َقن َاع ِه َ ن ي ْا َ ْس ِاد ْ َ ِ ِ ِ َ ْ َ َ ْ َ يم ْلا َ التجأت ِ َالبيت َّ َالق ِد َ ُ إ َلى َّالر َّماد َ وْخنت اع ُه ِ ِ ْ ك ِالط َ ْ ص َ َُْ َي َّتلون َّ فُى َم ِز َم َور َهم : ول إ َذا َأ ْتـــــــــى الرس َ َ أ َن ُ ْ َ ُ ه اع م س ون م ُال ْيل ُه ْ ِ ُ َ ُ َ ْ َ ُ ْ هم ينكرون عزيرهم
َ ِ َ َّ َ ْ ً ِ ْ َ َ ِ َ َ َّ ُ َو ْبأ َن َع ْهدا فى العشاء توهموا اعه ْ ِ ِأن ب ْ ُ ء ز ج َفى َ ْال َ ْ َ ِ ِ ِ َ ْ ِ َ َ ِ ير ْم َن َّال َح ْكاية ِما َ قب َل َّ َال َخ َ ُ ه اع ز ف م ك يل ََّ :أ ْن أ ُم ًام َ َ ْ ِ َ ْ َ ُ َق ِ َ وبا َ س ْي َرَو ُى ِز َر َع ْه د ج م ن أ ِو ْب َ ْ ِ َ َ َ َم َن ْب ِع َد ما أكل الفناء ذراعه َيا ْأ َش ْع َي ٌا َ ْ َ ُ ُ ُّ َ َ ُ َ ًّ َ ْهل ُ َبر ُز ِخ َير َت ْاده الشعراء حقا ؟ أ ْم َتراه إشاعه ! َ ْال َ ُن َ َ ْ َ ْ َ َ َ ْ َ َ ُ ْ ِ َ َأقُّرأ ِآي َة ْ ِال َوت َى فأفهمهم إذا مروا بغير شفاع
عرائس النواوى الورقية فى «ميتولوجيا»
جدا صباح هادئ ً
منى عبد الكريم
صباح هادى
َ َ ٌ َص ِب ٌاح ِ ًّ َه َاد ِئ َ ٌجدا َو َعاشق ُّة َ ِ َعل ِى َ ٌالشباك َو َاق ِف ُة س ُوفِّ َار ْ َ ْ َ ْ ُ َحب ِها الوحد َي ْن َ َاجى ُ ْ َ ْ َق َل ْبه ُا ُاملتعب َو ْي َر َسم َّ ْ ِ الض ْو ِء ِل َوح ِة ْ ُ ات ْ َال ْحزن َل ْذ َ َك َى َت ْس َعد اسم ْنا َ َّ ِ ْ ُ ْ ِ ْ َت ِق َ رحيق الجنة العجز
َ َ َّ ْ َ ُّ ُ َ الدمْوع ضأناْ َ ْ َ ِت ُو ِّ َ َل َحب ُن ْا ٌال ُ َعن َف َف َل َ ب ِعد َه ُن َاك ح ٌيل ُ َهن ِّا ُ َ َو َل َر َ خ ٌط ُل َي ِّه ُ َددنا َو َل ُ ْ َو ِل ْ َق ُب َح يبددنا وغنوتنا
ُ َ ِّ ُ َ ْ َ َ ت ْه ُد ْد ِرع ْ َش ِة ِ ِ َ َ َال ْحَ ُزن القديم بنا َوت َفت َح ْ َ ِ َ ْ ِ َ َ َ اب َت ُو َبت ُها ُ ال ًثير لنا َب َ ْ ِوتج َم َعنا ْن ُج َّوم ْا َف َ ْى َ ُسم َا َالع َش ّ ِاق َ وتفتح باب جنتها
َِ ْ َ ْ َ ْ شت َاق ُ َ ِ ْ ِ َّ َل َ ْن َي َ ى َف ْؤ َادى َ ال ْغر ر ت فِ َ َفكي ِ ْ َي َا ْع َش ُق ُّى َو ْكَي ِف أراك ؟ اس ْى َ ْ ِو َكي َف َ َأر ْد َأن ِف ْ َ إلى شفتيك كى ترعاك ؟
لم تكن تلك هى املرة األولــى التى تظهر فيها عرائس أسماء النواوى الورقية على مسطحها التشكيلى لتعيدنا إلى فترات الطفولة وحكايات الجدة ،وتذكرنا برمزية تلك العروسة التى طاملا احتملت الوخز والــحــرق لــدرء الحسد واألعــن الحاقدة عنا .إذ كانت هذه العروسة هى األيقونة التى اختارتها أسماء ملشروعها الفنى الذى تقدمت به لجائزة الدولة لإلبداع فى 2014والتى سافرت من خاللها لألكاديمية املصرية بروما. وقد اختارت الفنانة آنذاك رمزا ينتمى للتراث الشعبى بكل تداعياته ،ذلك الطقس الذى عايشته بنفسها من خالل الخالة التى كانت تجمع بنات العائلة وتحرق العروسة الورقية درءا للحسد ،إال أن النواوى قامت بمعالجة شكل العروسة واختارت شكال للعروسة مستوحى كذلك من شكل «فتاة عالمات املــرور» باعتباره رمزا دوليا ،مع بعض التحويرات الفنية .. تقول الفنانة أسماء النواوى :إن العروسه الورق فــى الــتــراث املــصــرى هــى عــروســة الحسد وهى تستخدم فى ممارسة شعبية ترتبط بما يعرف بـ«السحر األبيض» حيث يهدف الطقس السحرى هنا إلى إبعاد الضرر الحادث بفعل العني الحاسدة. وقد تقام املمارسة على عروسة ورقية تصنع على هيئة جميع الحاسدين ،وتغرز فيها اإلبرة مرات
عديدة والراقية تقول« :من عني اللى شافوك وال فالنة ومن عني فالن».. صلوا على النبى ..من عني ً مع ذكر األسماء األكثر احتماال فى الحسد ،وتتغير معنى العروسة حسب من يحملها ،وهنا فكرت أن أقدم فى أعمالى عالقة كل بطلة أو بطل بتلك العروسة وما تمثله له. فــى معرضها األخــيــر «مــيــتــولــوجــيــا» الــذى استضافه جاليرى املسار تعاود الفنانة استخدام العرائس الورقية بأكثر من صياغة فهى ليست عروسة واحدة بل عدة عرائس ،أحيانا عقد من العرائس ،أو وردة تضعها الفتاة فى شعرها ،إذ تقول الفنانة كان هناك دائما تساؤل ما يؤرقنى عن سر استخدام عروسة واحدة فى العادة لنحملها بكل تلك األشياء ،ومع مزيد من البحث اكتشفت أنها أيضا رمز الستمرار الحياة ،وقوتها تكمن فى ريعان الصبا ،وهى رمز لإلخصاب واإلنجاب .وهنا تظهر العرائس كرمز للقيمة التى تشكل الحافز لإلستمرار ،فمنا من يرى فى املعرفة ذلك الحافز وغيره من يرى فى رحلة بحثه عن السالم الداخلى وهكذا. تعترف أسماء أن األجـــواء التى تصور فيها عرائسها هذه املرة أكثر سالما ،إذ كانت من قبل ذلك كانت كل الصراعات واملشاحانات الداخلية، أما اآلن فهى أجواء أكثر احتفاء وبراءة وطهرا ،تلك األجــواء التى ترتبط بوصول املرء إلى بر األمان بمعرفته سر استمرار الحياة بالنسبة له. وال تكتفى أسماء برمز واحد فى لوحاتها ،إذ يحتشد كل عمل بمجموعة متضافرة من الرموز التى يتعني على املتلقى معها أن يفكها تباعا ،إذ تعتمد أسماء على مفهوم الرموز التراكمية بمعنى
أن اللوحة تتكون من مجموعة من الرموز وعلى املشاهد أن يعرف معنى كل رمز حتى يدرك معنى العمل الفنى. فحني وضعت النواوى عروستها الورقية مع زهرة الياسمني فهى تحيلنا لرواية «غربة للياسمني» لخولة حمدى إذ تشبه أسماء فى إيطاليا بطلة الرواية “ياسمني” فى فرنسا ..إذ تقول :أرادونى مثل زهرة الياسمني تعيش فى كل األجواء ،فالياسمني
أســمــاء ذاتــهــا حــاضــرة كبطلة رئيسية فى عدد من اللوحات، ويتحول مسطحها ملسرح من احلكايات محمل باملعانى .
نبات ال يحتاج إلى الكثير من ّ العناية .تكفيه دفعة واحدة من ّ السماد فى ربيع كل عام ،وتربة رطبة دون فيض من السقيا جميع ّ أنواع الياسمني تفضل ّ الن ّ ّ تتحمل وجود شىء مو فى مكان مشمس ،لكنها من الظل .لم تصبنى الدهشة من تلك النصيحة التى تحاول فيها األم أن تربى ابنتها على الرضا بالقليل فنحن نساء الوطن العربى تربينا أن نزهر مهما كانت الظروف ،تعلمنا أن نعطى حتى وإن لم نأخذ أى شئ فى املقابل ...وهو أمر ضاغط جدا، ربما يعلمنا الكثير من األشياء وربما يساعدنا للوصول للسالم الداخلى ولكن عبر رحلة شاقة. ومما ال شك فيه أن أسماء النواوى معنية بقضايا املــرأة ،وتلك الصعوبات التى تواجهها سواء فى الحياة فى هذا املجتمع وما ينتظره منها أو حني تخرج إلى املجتمعات الغربية وتواجه قضايا شائكة خاصة إذا كانت ترتدى الحجاب لتواجه صعوبات من نوع آخر مثل اإلسالموفوبيا ،لذا نجد أسماء ذاتها حاضرة كبطلة رئيسية فى عدد من اللوحات، ويتحول مسطحها ملسرح من الحكايات محمل باملعانى وبقصص بطالته فى الغالب ،إذ قليال ما يظهر الرجل كبطل فى أعمالها. ومن األمور الالفتة فى تجربة أسماء أنها تنبهنا إلى عدم االنبهار بالظاهر فاملعانى الخفية قد تغير رؤيتنا تماما ،فمثال تلك الزخارف النباتية الجميلة التى توظفها فــى بعض الــلــوحــات تحمل داللــة مغايرة ،فهى مستوحاة من الحضارة الفارسية، وعلى الرغم من جمال هذه النبتة اال أنها نبات ضار .وهى تمثل كل األشخاص واملواقف التى يكون ظاهرها جميال ولكن باطنها يحمل الكثير من الضرر للمرأة .كذلك فإن ذلك الطائر الجارح، الطائر الفينيق أو الفنيكس أو كما يعرف بالعنقاء هو طائر خرافى قوى وجميل وهو عندما يموت يتحول الى رماد ولكن سرعان ما يتحول الرماد الى طائر أقوى وأجمل ،هو يشبه املرأة املصرية الكادحة املطالبة أن تكون طائرا فينيقا كل يوم. ومما ال شك فيه أن أسماء التراكمات التى يحملها املسطح ال تنبع فقط من معانى الرموز وإنما تمتد إلى التراكمات الحضارية والفكرية والثقافية التى تخص الفنانة ذاتها ،إذ تحيلنا فى أعمالها إلى حضارات عدة من خالل بحث مستمر عن اختالف معنى الرمز من حضارة ألخرى فمثال نجد زهرة اللوتس التى تعنى فى الحضارة املصرية القديمة رمــزا لــدورة الحياة الجديدة والتى تتأثر بالشمس فتتغير مدى إزهارها على مدار اليوم بقوة أشعة الشمس ،نجدها فى حضارة شرق آسيا هى رمز للتطهر والنقاء .ففى إحدى اللوحات التى قدمتها فى معرضها األخير نجد فتاتيها محاطتني بأزهار وأوراق اللوتس اآلسوية فلقد اختاروا فى النقاء هدفا الستمرار الحياة. ويبدو اللون أيضا بطال أساسيا عند أسماء النواوى إذ أنها تستخدم درجات من األزرق والبنى الترابى تعتبر بمثابة بصمة تميز أعمالها ،ومع ذلك فقد حرصت أسماء على الخروج من عباءتها الفنية بتقديم عدد من األعمال التى ال تنتمى لباقى مجموعة املعرض فى مذاقها وألوانها ،ومنها مجموعة عروبة التى مزجت فيها الحروف العربية وغلب عليها استخدام درجات من اللون األسود، وكذلك اللوحتان املستوحاتان من الحضارة املصرية القديمة ..إذ ال تتوقف أسماء عن البحث والتجديد فى تجربتها الفنية لكشف املزيد من املعانى واملفاهيم والستكشاف ذاتها باملثل.
10
5مايو ٢٠١٩
العدد١٣٤٥
٢٧
٥مايو ٢٠١٩العدد ١٣٤٥
إبداع
تزامنا مع رئاسة مصر لالتحاد األفريقى ،نظمت كلية الدراسات األفريقية العليا ،بجامعة القاهرة ،مؤتمرها الدولى السنوى بعنوان (مصر والتنمية املستدامة فى أفريقيا :الرؤى وآليات التفعيل فى ضوء أجندة االتحاد األفريقى 2063م .وذلك برعاية الرئيس عبدالفتاح السيسى ،وبحضور د. عثمان الخشت رئيس الجامعة ،الذى أكد على حرص الجامعة على الدعم املتواصل للكلية ،وتقديم كافة التسهيالت للطلبة األفارقة ،أما الدكتور محمد نوفل عميد الكلية ،ورئيس املؤتمر ،فقد أعلن أن املؤتمر يهدف لوضع اسهام علمى يعمل على دفع عجلة التنمية وتحقيق األمن والسلم ،وبحث سبل النهوض بمستقبل القارة فى ظل أجندة أفريقية 2063م التى يتبناها االتحاد األفريقى ،وفى االفتتاح -أيضا أشار السفير أبوبكر حفنى ،مساعد وزير الخارجية للشئون االفريقية إلى أن التكافل األفريقى لن يحدث إال بنشر األمن والسالم ،وأن استقاللية القرار األفريقى يحقق أهدفا التنمية املستدامة ،وهذا يتطلب توفير موارد ذاتية لتمويل ميزانية االتحاد بعيدا عن املنح واملساعدات الخارجية. وبحضور 150باحثا من مختلف الدول األفريقية تم مناقشة 138بحثا ،توصل املشاركون بها إلى تفعيل الدبلوماسية الشعبية بني دول القارة ،وانشاء قناة فضائية ناطقة باللغات األفريقية ،فضال عن ترجمة أبحاث املؤتمر بعدة لغات ،وتقديمها إلى رئاسة الجمهورية ،ورئاسة الجامعة ،تفعيال لدور كلية الدراسات األفريقية العليا ،كبيت خبرة فى مجال الشأن األفريقى.
مسافر على فني
فى مؤمتر دولى بجامعة القاهرة
أفريقيا التى نريدها ثقافي ًا وسياسي ًا عام 2063 منى نور
بــدأت جلسات املؤتمر 20جلسة فــى أيامها الثالثة ،بجلسة افتتاحية بقاعة الشيخ القاسمى باملكتبة املركزية ،بكلمة للدكتور محمد نوفل، عميد الكلية ورئيس املؤتمر أكد فيها أن أهمية تبنى ،2063فى ضوء جملة من العوامل الرئيسية، من بينها تغير السياق الدولى من خالل العوملة والثورة التكنولوجية ،والتى أتاحت معها ملختلف دول وأقاليم القارة األفريقية فرصا غير مسبوقة لتحقيق تقدم ملموس على كافة املستويات ،ولعل من بينها مــبــادرة الشراكة الجديدة من أجل تنمية أفريقيا «نيباد» الصادرة فى عام ،2001 وتستهدف أجندة « »2063تحقيق سبعة طموحات: تحقيق الرخاء فى أفريقيا ،التكامل االفريقى، الحكم الجيد الرشيد ،:الديمقراطية واحترام حقوق اإلنسان والعدالة وحكم القانون ،وتحقيق السلم واألمن فى أفريقيا ،وخلق هوية ثقافية قوية، وميراث مشترك ،وقيم وأخالقيات ألفريقيا ،وخلق تنمية فى افريقيا مستدامة على الشعوب االفريقية والسيما املرأة والشباب. ثمة أوراق علمية عديدة ،متنوعة فى تناول القضايا املرتبطة بالقارة األفريقية من بينها: قضية الهوية األفريقية فى إطار أجندة االتحاد االفريقى ،2063وتأثيراتها املحتملة على العالقات العربية ،وفيها أوضح د .أشرف عبيد ،أن الهوية األفريقية ترتبط فى أفكار ورؤى املفكرين األفارقة بكثير من القضايا الفكرية ذات التطبيقات العملية السياسية التى تزخر بها البيئة فى أفريقيا ،ومن أولى هذه القضايا :هل شمال أفريقيا. وعن اللغة والتنمية فى الفكر السياسى للشيخ أنتاديوب ،أشارت د .ايمان عبدالعظيم ،إلى أن قضية اللغة إحــدى القضايا الهامة التى شغلت اهتمام املثقفني األفارقة ،مع أنها لم تكن وحدها القضية محل االهتمام فى أفريقيا ،فكثيرا ما ثــار الجدل بني املثقفني األفــارقــة ،السيما فى املستعمرات الفرنسية حول مدى امكانية استخدام اللغات األفريقية ،بديال عن اللغات األجنبية ،وكان من بينهم املفكر السنغالى «الشيخ أنتا ديوب» الذى أطلق عليه فرعون املعرفة ،إلملامه بالعديد من التخصصات املختلفة ،ومن هنا تسعى ورقتى إلى تفسير العالقة بني اللغة وقضايا التنمية فى الفكر السياسى للشيخ «أنتا ديوب» ،وقد توصلت إلى ضرورة استخدام اللغات األفريقية لتحقيق التنمية األفريقية ،كما أنه ال يمكن دراسة اللغات األفريقية دون تحديد ملسألة أصــل الحضارة املصرية القديمة ،بمعنى أن تظل الــدراســات اإلنسانية األفريقية فى الحضارة املصرية القديمة هى األساس فى مسألة تطور اللغات األفريقية. وكانت ورقة متميزة عن الهوية األفريقية فى أجندة االتحاد األفريقى 2063م ،قدمها د .باسم رزق ،أبــان فيها أن الهوية تعبر عن حالة من التماسك والوحدة التى تنتج عن املالمح والسمات والقواسم املشتركة التى تميز وتمايز جماعة أو شعبا عن غيره ،وتناول د .باسم مفهوم الهوية األفريقية وأسسها الفكرية ،الهوية األفريقية فى االطروحات القارية السابقة ،الهوية األفريقية واالتحاد األفريقي ،الهوية األفريقية فى أجندة االتحاد األفريقى 2063م. واختص د .جالل حسن «جامعة دمياط» املؤتمر
د .عثمان الخشت رئيس جامعة القاهرة يفتتح املؤتمر بحضور مندوبى األزهر والكنسية
تضمنت األبحاث قضايا فى مختلف املناحى التى تهم شعوب القارة فى مجاالت السياسة واالقتصاد ،والنواحى االجتماعية والبيئية. بورقة علمية عن ظاهرة اإلرهــاب وآثارها على التنمية املستدامة فى أفريقيا ،مشيرا إلى أنه يأتى فى مقدمة القضايا الطارئة التى تتطلب اهتماما عاجال وفوريا من االتحاد األفريقى والجهات الفاعلة األخــرى فى الــقــارة ،مكافحة اإلرهــاب والتطرف العنيف ،وبيان أهم اآلليات املتوقعة لتفعيل أجندة 2063م ،فى إطار مكافحة اإلرهاب والتطرف ،وعن اإلرهــاب وأثــره على التنمية فى أفريقيا ،،ورقة علمية استعرض فيها د .خوجلى أحمد الصديق «جامعة أم درمــان» ،محاور عدة ّبي فيها أن أفريقيا رغم مواردها الوافرة ابتليت باالستعمار األوروبــى الذى استنزف هذه املوارد وسخرها ملصلحته ،وعندما غادر ترك فيها عددا من الحروب األهلية ،والصراعات اإلثنية ،مما ساهم فى تأخر مسيرتها التنموية وتقدم إنسانها، وفى عصرنا هذا تعرضت أفريقيا مثل غيرها من القارات لظاهرة اإلرهاب الذى ساهم كذلك فى تعطيل مشروعاتها التنموية ،وتسبب فى ضعف إنسانها فى كافة مجاالت التقدم البشرى والتطور اإلنسانى. وقد قدم د .زكى البحيرى «جامعة املنصورة، دراسة فى معوقات التنمية ،والتكامل فى أفريقيا، أكد فيها من أن أهم املعوقات التى تعوق عملية التنمية فى أفريقيا ،الصراعات التى تحدث للسيطرة على الحكم والسلطة بطريقة غير ديمقراطية فى بعض البلدان ،ودول القارة، فضال عن الصراعات والنزاعات القبلية ،وتواجد العمليات اإلرهابية التى تؤدى إلى عدم االستقرار للمجتمعات بالشكل الــذى يمكنها من تخطيط وتنفيذ عمليات تنمية ترفع من مستوى السكان، وتحقق تقدمها ،خاصة فى بعض مناطق غرب أفريقيا ،مثل مالى ونيجيريا ،وفى بعض مناطق شمال القارة مثل ليبيا. ومن ضمن معوقات التنمية والتكامل ـ أيضا ـ افتقاد القارة للبنية التحتية من طرق ومواصالت برية ونهرية وجوية ،ونقص الكهرباء ،والطاقة املتاحة التى تلزم عمليات الزراعة والصناعة، والــخــدمــات املــتــعــددة ،ويــدخــل فــى إط ــار ذلك ايضا ،ضعف مستوى الصحة والتعليم وعدم مواكبة التطور الحديث فى العالم املتقدم من
نقلة تكنولوجية ،وثورة واسعة فى مجال االتصال واملعلومات ،كما يأتى من املعوقات أيضا تدخل القوى الخارجية التى تسعى الستغالل ونهب ثروات القارة دون تحقيق أية مشروعات تنموية ،وتحرر املرأة وتطلق طاقات الشباب كقوة عاملةكبيرة. وتفردت ورقة د .سمير عزت إبراهيم بتقديم الخريطة اللغوية فى أفريقيا ،أشار فيها إلى كثرة اللغات فى أفريقيا ،إذ يقدر علماء اللغة عددها بما يربى على ألفني وخمسمائة لغة ،تقريبا ،يتحدث بها أكثر من مليار انسان ،ويرجع هذا التعدد، وهذه الكثرة إلى طبيعة األنظمة القبلية السائدة، فى القارة ،ذلك أن عددا كبيرا من القبائل تعتمد فى حياتها اليومية على الجمع وااللتقاط والرعى، والتنقل من مكان آلخر ،وفى أحيان كثيرة تهاجر بسبب الجفاف إلى مناطق تتوافر بها املياه والعشب لرعى ماشيتها ،ومن ثم تنقسم إلى بطون وعشائر، وتنقسم لغاتها إلى لهجات بسبب االندماج مع جماعات رعوية أخــرى ،تتحول إلى لغات بمرور الزمن ،ويصبح لكل بطن أو عشيرة لغة خاصة بها، بل إن بعض القبائل كما فى غانا مثال ،لها أكثر من لغة ،فى حني أن عدد سكان دول مثل «غينيا بساو، ناميبيا ،بتسوانا» ال يتجاوز عدد سكان كل دولة الثالثة ماليني نسمة. مؤكدا أن الخريطة اللغوية األفريقية تعد من أعقد الخرائط اللغوية فى العالم ملا تزخر به من كم هائل من اللغات ،ليس فقط من حيث العدد ،بل ايضا من حيث التنوع والتباين وتداخل بعضها فى بعض ،ويمثل هذا التنوع والتباين دولة مثل نيجيريا « 500لغة» ،السودان قبل االنفصال « 140لغة»، أثيوبيا « 90لغة» ،وتقدر عدد األسرات اللغوية فى العالم بحوالى 12أسرة منها خمس فى أفريقيا وحدها. وفــى هــذا اإلطــار قــدم كل من د .سيد رشــاد، ود .محمد نــوفــل ،دراســـة حــول اعـــادة ترسيم الخريطة اللغوية ألفريقيا ،أشار فيها إلى وجود أكثر من 2600لغة ،موزعة على خمس فصائل لغوية كبرى فصيلة اللغات األفروآسيوية ،اللغات النيجركونجية ،اللغات النيلية الصحراوية ،لغات الخوايسان ،وفصيلة اللغات االسترونيزية. وأكدا أن األوضــاع اللغوية فى أفريقيا شهدت
تغيرات وتحوالت كثيرة السيما فى العقود األخيرة نتيجة للعديد مــن األســبــاب منها :النزاعات والــحــروب ،األزمــات السياسية ،واالقتصادية، الــتــحــوالت االجتماعية والثقافية ،الهجرات الطوعية والقسرية،التغيرات املناخية ،العوملة وهيمنة اللغات األجنبية الوافدة ،انحسار واندثار العديد من اللغات املحلية فى أفريقيا ،كل ذلك أسهم فى تشويه الخريطة اللغوية ألفريقيا وطمس معاملها. وعن املــوروث الثقافى املشترك للمجتمعات الــحــدوديــة ،ق ــدم د .محمد عفيفى دراس ــة أنثروبولوجية لواحتى سيوة ،والجغبوب ،أوضح فيها أن املجتمعات الصحراوية الحدودية تمتلك كنوزا هائلة من املوروثات الثقافية التى تجعلهم ميدانا خصبا للدراسات االنثروبولوجية ،خاصة منطقة الــصــحــراء الغربية حيث تقع واحتا سيوه والجغبوب فى محيطها ،فتوجد عالقات تاريخية وثقافية فرضتها الظروف اإليكولوجية والسياسية التى شكلت الهوية الثقافية لسكان املنطقة ،لذلك نجد الكثير من التراث الثقافى املشترك بني الواحتني ،والــذى نتج عنه تقارب وتواصل دائم فى العالقات القرابية والثقافية واللغوية بينهما. وتــنــاول د .نصر الدين جــار النبى سليمان «جامعة كردفان» العالقات بني مصر اإلسالمية وبالد النوبة املسيحية ،وأثرها فى انتشار الثقافة اإلسالمية فى ســودان وادى النيل ،فقال إن أبرزها الحملة الكبرى التى قام بها عبدالله بن سعد بن أبى السرح ،والتى أسفرت عن معاهدة البقط ،والتى سمحت للمسلمني بالدخول إلى بالد النوبة املسيحية ،األمر الذى أدى إلى انتشار اإلسالم وثقافته فى سودان وادى النيل .أما بالد النوبة فهى تلك الرقعة التى تمتد من أسوان شماال حتى ملتقى النيل األزرق واألبيض جنوبا، هذه املنطقة قامت فيها ثالث ممالك مسيحية، وهى نوباتيا فى أقصى الشمال ،وجنوبها املقره وعلوه ،وجميعها ارتبطت بعالقات مع مصر، فالعالقات بني مصر وبــاد النوبة بــدأت منذ الفتح اإلسالمى ،وامتدت إلى عهد العباسيني، ومن ثم عهد الدويالت اإلسالمية التى قامت فى مصر ،ابتداء من الدولة الطولونية «أحمد بن طولون» ،الذى بدأ بإعداد حملة حربية اتجه بها صوب بالد النوبة وأرض البجة ،هذه الحملة احتوت عددا كبيرا من القبائل العربية أبرزها قبائل ربيعة وجهينة ،والتى استقرت فى تلك األجزاء ،كذلك امتدت العالقة بني الدولتني فى العهد االخشيدى ،ففى هذا العهد وسابقه تمت االستعانة بالنوبة فى الجيش االخشيدى ،أما القبائل العربية فقد فتح لها باب الهجرة إلى بالد النوبة والبجة ،األمر الذى أدى نشر الثقافة اإلسالمية ،وكان االزدهــار الحقيقى بني مصر والنوبة فى العهد الفاطمى وزادت سوءًا فى عهد املماليك «السلطان بيبرس» ،الذى هاجم امللك النوبى داوود وأجبره على دفع البقط. وتضمنت األبحاث أيضاـ والتى قاربت على مائتى بحث ـ قضايا فى مختلف املناحى التى تهم شعوب القارة فى مجاالت السياسة واالقتصاد، والنواحى االجتماعية والبيئية.
طلعت محمد
قصائد
جلستنا ملت
ماجد أبادير
ولسة
إلى الشاعر اجلميل /حلمى سالم
ولسة الحلم بيعافر ..ف بطن الليل .. وبينقر على الدماغات ... لحد الصبح ويسافر ..مع املتاهات .. وملا أسأل عليه فينو ؟ يقولوا مات .. واشوفه ساعات بيتنقل .. وياخد م الصور 100 مالغية ف عيون حبيبني على الكورنيش .. ال ف ايدهم يعرفوا مصيرهم ... وال قادرين يسيبوا بعض .. وبستانى النهاردة ماعدش يتصاحب عليه الورد . وال العصافير على كفوفه ...بتعزف أحلى أغنية .. ف عز البرد .. وتجرى لجل ما تصبح على الناس ف البيوت .. دغرى.. .. تصحى البسمة ف عيون الفواعلية ..ف عز الحر وتغزل وسطهم خضرة و ..ترسم نهر .. وحيلى مش كما امبارح ... وخلقى عاد كالم جارح ... ما عدشى يحتمل ممكن ..وال يمكن ..وال جايز .. ومش هـ الحق اصحى حد .. ومش هالحق اصحى حد
محكوم محكوم بمسافة ووقت .. و 1100من األمثال .. وباعوم على عوم الدنيا ساعات .. وساعات أتهبد أتشال .. ومــحــال ...راح أغير بالكام كلمة كالم متشال
...وف عقل عــيــال محفور على باب دماغاتها ... شيطان ومالك .. ف انقسم اتنني واتنني ..واتنني... وب احسبنى باصغر واصغر.. واصغر.. وأنا خايف بكرة الصبح .. وأنا طالع شغلى وكل الناس نايمني .. ابص ..ف مرايتى .. علشان ما أســاوى الباقى ..من شعرى الواقع ... مأشوفنيش !! ...........
الدنيا الدنيا البالعة ما فيها ..بتتمطع .. وتشاور ده .. فيبطل كل عمايله .. وال تانى تعاند فيه.. وال ترجع لجل تحايله .. ترجع تتمطع وتشاور ده .. وأنا دورى مجاش . استنى وال مستناش .. والدنيا اللى مرحماش .. وال عمرها يوم هتبطل .. وبتضرب ومشيفاش .. غير ملا تخلص كل ما فيها مشاورة .. وبشاورة بتمسح ده ورا ده .. وال حب يعيش.. وال حلم يعيش .. يحيا التنتيش ...طول ما الدنيا البالعة ما فيها بتتمطع .. وماتخترنيش..!!.........
والبحر فيك غويط ال سكونى فيك شهيد هل ياترى القريب زى البعيد؟ تمر األيام وتهل والصبح على الشجر بيرمى السالم أنت حر زيى وال أنا السجني ياحمام الصبح كسر جمودك لوال الحياة فيك تعصر خلودك لو الشجن فيك تحكى للقمر عن شطوطك خالد ياقمر خالد وإحنا اللى بهتنا لونك نسيك سامحنى يمكن أبص فيك لم يجى دورك.
ياريت تكونى حاسة بى مسكون بالهم وساكنى وعارف عيونك حتجننى ال زايغ الضى ال رايق صبابة آة يا معشوقة وينك أنت فاض الكيل ومل ليه راجعة تانى تقوليلى اكتب عن املل صابر وفاضحة عيونى الدموع خايف طريقك من الرجوع كنت ماشى دايق سكر وأقول ياحبيبتى بكرة أكبر فتحت عيونى صرت مش لونى ليه بختى معاك عدم وال الزمان حكم
يا ضيعة من لونى ياشقية فني عيونك يابهية كل ما امد الخطوة بلقى نفسى بصغر داريت عن اللومك ورجعت ذى اليوم لسة تانى بسأل لسة تانى بسأل املطرح هو واأللم جوه أكيد ياحبيبتى باكبر لفينى ايدك متى تيجى مواعيدك خايف الدم منى يهرب خايف الدم منى يهرب دارى عنك اللوم متسأليش عن الغش إن كنت معاك أقرب. خايف من لقاك
حفنة رماد كان فيها الشوق والشوق مات عني كساها السكات شايف يارب عبدك وأنت يارب اللى هاد اسقينى طعم الحرية من خالخيل العرق والسهاد لو قلبى يموت تحيى قلب يلف البالد املدى ليك براح والكون فى عيونى مفتاح والعشق أرواح أيه حناخد غير حى على الفالح يارب شايف افتحى مفتاح.
٢٨
٥مايو ٢٠١٩العدد ١٣٤٥
9
هناك شعراء أصبحوا ظواهر شبه ثابتة ،دون أن يتنازلوا عن شرط الفن واإلجادة واالحترام ،ولم يترخصوا أمام «شباك» الجماهير ،ولم يذوبوا تحت الفتة «ما يطلبه الناس املشاهدون ّ واملستمعون» ،مثلما يذهب كثيرون من مختلف الفنانني والكتاب فى املجاالت األخــرى ،السينما واملسرح والــروايــة والشعر والقصة القصيرة واألغانى ،وعلى رأس هؤالء الشاعران محمود درويش وعبد الرحمن األبنودى ،لم ينزلق أى منهم إلى شعار «النزول إلى الناس» ،ولكنهم ّ أصروا على تقديم الكتابة الفنية الراقية ،وفى الوقت ذاته إمتاع الناس بكل فئاتهم وطوائفهم وطبقاتهم.
< مؤلفاتى مبثابة شموس وأقمار ملحطات حياتية وإبداعية تستحق التسجيل < ال أجد غضاضة فى أن تتنوع وسائلى الفنية فى كتاب واحد
الشاعر الذى كسر كل حواجز العزلة شعبان يوسف األبنودى ظاهرة ّ فنية فريدة وال أخفى أن ظاهرة األبنودى كانت أكثر شعبية بكثير من أى ظاهرة شعرية أخرى فى الوطن العربى ،ولم تكن لهجته املحلية الصعيدية الحادة أو الناعمة_كما زعم بعض الكارهني _ هى الطعم الذى يجذب الجماهير الواسعة ،على اعتبار أن اللهجة التى يطلقها وينطق بها ،هى نوع من الفلكلور واألحاجى ،وكأنها مجرد طرفة ذات «دم خفيف» فقط ،وقالوا بأن قصائد األبنودى، سوف تفقد وهجها ومعناها وتأثيرها ،عندما يقرأها آخرون دون اللهجة الصعيدية ،وأثبتت التجارب والزمن الذى سكت فيه األبنودىّ ،وال يذهب إلى املحافل األدبية الجماهيرية كما يفعل قديما ،وظل يكتب وينشر فقط ،وكانت كتاباته تحقق القراءة األعلى فى كافة املطبوعات التى تنشر له ،وكان ينشر فى جريدة «التحرير» مربعاته التى قاوم بها ظالم وجحيم مرحلة حكم جماعة اإلخــوان ،وكانت املربعات تحقق أعلى قراءة بني كل ما إلى كان يكتب فى الجريدة بشكل مطلق ،دون أن تنزلق مربعاته ّ الهجاء الرخيص ،الذى يشترى ذوق القارئ فى ذلك الوقت ،وتظل املربعات _حتى اآلن_ ملحمة شعرية ذات طابع إنسانى فريد ،رغم أنها كتبت تحت ظروف قاهرة. فى القاهرة عندما قدمه _والد جيل الستينات الشعرى_ صالح جاهني فى أواخر عقد الخمسينات وأوائل بداية الستينات ،كان يعرف أنه من الصعيد ،ويعمل فى محكمة قنا ،ولم يكن عبد الرحمن قد ظهر فى القاهرة ،ولم يصبح ظاهرة ،وليس له أى سند سوى قصائده التى يرسلها بالبريد ،وكانت عالقة األبنودى به ،عالقة رسائل فقط الغير ،دون أن يراه جاهني ،أو يستمع إليه ،ولكن جاهني استطاع أن يدرك «نجابة» هذا الشاعر وفصاحته وعمقه وشعبيته ،دون تلك اللهجة التى كانت مثارا لجدل النقاد. التحق األبنودى بالقوات املسلحة ،وكــان ينزل فى إجازاته الدورية إلى ندوات القاهرة ،وكان يدخل الندوات بزيه العسكرى، فلفت األنظار بقوة ،شاعر جيد ،استطاع أن يقدم جديدا بعد فؤاد حداد وصالح جاهني ،ويفرض بيئته الصعيدية على مجتمع مدينة القاهرة: املحشور باألموات.. القبر ّ والليل اتأنى ملا فات.. ووقف بيبص ف خرم الباب أربع مرات.. الكلب بيعوى فوق الحيط.. وترد عليه من شرق السكة كالبّ ، يتجن..
أحداث
حلمى النمنم
األبنودى ويهد السقف ّ .. يمطر فوق العيلة حطب القطن.. الليل ساعة.. ّ دقتها من دق الطواحني ... من دق قلوب الناس النايمة على التربة.. جنب املواعني.. جنب جرار امليه النايمه فى الطني.. وحفيف النخل حفيف ورقه بني إيد محضر فى عيون مساكني.. وبخار (الزربيه) الطالع يحكى حكايه.. عن عيشه وخضره وفاطمه وست الكل... إذن لم يكن األمر مجرد لهجة ،وصوت مختلف ،وأداء موسيقى، ولكن األبنودى وجد فى بيئته ما يستطيع أن يقدمه للناس دون أى افتعال أو تحذلق ،وهذا ما ّفعله زميله ورفيقه وابن محافظة قنا ُ «يحيى الطاهر عبدالله ،فقدم االثنان ما لم يستطع أن يقدمه آخرون ،عوالم حقيقية ،ال تستدعى الدهشة من خارجها ،ولم ينقل األبنودى أو الطاهر عبدالله عالم الصعيد بشكل فوتوغرافى، بل كانا يعيدان تدوير العالم وإبداعه ،وتقديمه كما بدا فى املقطع الذى اقتبسناه سلفا. فى القاهرة كان يتردد على الندوات بزيه العسكرى ،ذلك الزى الذى كان ومايزال ينال قدرا كبيرا من التقدير واالحترام، مهما قال راجفون ،فنحن الذين عشنا مرارة الهزيمة لسنوات عديدة ،كنا ننتظر األمل دوما من هؤالء الجنود البواسل ،ولم يكن األبنودى _كذلك_ يفتعل حالته هذه ،فكان يصعد على املنصات بذلك الزى ،ويقرأ قصائده بلهجته ّالتى يعرفها ويتقنها ويعيشها ويدرك أسرارها ،تلك اللهجة التى ظلت ترافقه حتى رحيله فى 21 ابريل ،2015وكان يفخر بها ،وكنا فى منزله يوم 11ابريل ،2015 واحتفلنا بعيد ميالده األخير ،وكان موغال فى صعيديته املحببة والسلسة والقريبة من قلوبنا. البيان األول لجماعة ابن عروس بعد أن حقق األبنودى قدرا من الذيوع الثقافى ،وأصبح حضوره الشعرى حقيقة واضحة للحياة الثقافية ،وكان هواه متمردا إلى حد كبير ،وارتبطت حياته الثقافية ببعض املثقفني الفاعلني، وكانت حركة جيل الستينات بدأت تظهر ،ويشتد عودها ،وذلك فى الشعر العامى والفصيح عموما ،وفى القصة القصيرة ،وفى املسرح ،ولم يكن فى ذلك الوقت قد برز كاتب روائى من ذلك الجيل ،ولكن األبنودى كانت ظاهرته بدأت تتشكل ،وكانت عالقته
٥مايو ٢٠١٩العدد ١٣٤٥
بأمل دنقل الفنية واإلنسانية جيدة ،وكانا يذهبان إلى املقاهى، ويكتبان شعرا _كما قال لى_ مرتجال على ترابيزات املقاهى، ويتركانه. فى ذلك الوقت ،وعلى األخص فى مارس عام ،1964كانت السلطات قد أفرجت عن اليساريني الذين قضوا خمس سنوات فى املعتقالت ،فخرج مثقفون كبار مثل ابراهيم فتحى ،ومحمود أمني العالم ولطفى الخولى وكمال عبد الحليم وألفريد فرج وغيرهم ،وانتعشت الحياة الثقافية ّبشكل ملحوظ ،ومن ثم راح الناقد واملثقف الشاب سيد خميس يفكر فى إنعاش املناخ الشعرى فى مصر ،فأسس جماعة «ابن عروس» ،ومن املعروف أنه كان قد باع بعضا من ميراثه فى األرض التى تركها له والده ،لكى يستطيع اإلنفاق على تلك الجماعة التى أسست دارا للنشر باسم «دار ابن عروس للنشر» ،وكانت ثمرة تلك الجماعة األولى ديوان «األرض والعيال» لعبد الرحمن األبنودى ،والذى حمل «البيان األول» لها، والذى نشر على غالفه األخير ،وليسمح لى القارئ الكريم نشر هذا البيان القصير والدال تاريخيا: (مــن اســم ابــن عــروس الشاعر الــفــارس .تستمد حركتنا الشعرية الكثير من القيم والتقاليد ..فقد ربط ابن عروس ،الشعر بالشرف ..بالناس ،وعلى هذا الدرب سار الكثيرون من الشعراء الشرفاء ،الذين تحتفظ بهم ذاكرة شعبنا. مشى فى نفس الطريق ..النديم ،بيرم التونسى ،فؤاد حداد. وعندما اختار صالح جاهني شعار «أشعار بالعامية املصرية» لديوانه «عن القمر والطني» كان يكمل طريق الرواد العظام ،وكان يضع فى الوقت نفسه الشعار املناسب لهذا الشعر. وهذا الشعر العامى املصرى الجديد ،يغنى مرحلة التحول العظيمة ،التى نعيشها ،ويغنى أحالم الرواد التى تجسدت واقعا، ويغنى أحالم هذا الجيل.. من هذا املنبع ،جاءت أشعار هذا الديوان ،ومنه أيضا سيصدر ديوان الشاعر املصرى سيد حجاب «صياد ّ وجنية». ومن دار ابن عروس سنقدم للقراء دواوين البن عروس ،وبيرم، وفؤاد حداد ،وصالح جاهني ،وغيرهم. وستصدر دراسات وأبحاث مستقلة حول هذا الشعر ،ورواده ، ومصادره.. دار ابن عروس جماعة أشعار بالعامية املصرية) لم يكن هذا الديوان سوى الطلقة األولى الصائبة والقوية فى
جاهني استطاع أن يدرك «نجابة» هذا الشاعر وفصاحته وعمقه وشعبيته، دون تلك اللهجة التى كانت مثارا لجدل النقاد
أكتب الشعر وأشترك فى األمسيات كان يالحظ أننى أوقع أو ينادى على بـ «إيمان يوسف» ويوسف هو اسم جدى ،حتى جاءت لحظة امليالد الحقيقية ،عندما طلب منى أن أكتب اسمى «إيمان أحمد» وقال لى إنه فخور بى ،ويريد أن يرتبط اسمه بإبداعاتى من هنا أصبحت أوقع باسمى الثالثى «إيمان أحمد يوسف». ومع إصدار كل عمل جديد ،كان يسعد بى ،كان يحب أن يمأل عينيه بـ «إيمان أحمد يوسف» من هنا لجأت للنشر الخاص ،لكى أسعد والــدى ،الذى توفى بعد ديوانى السابع ،وال أخفى عليك إحساسى الشديد بالسعادة عندما كنت أذهب إليه وفى يدى عمل يحمل اسمى ،كنت أشعر باالنتصار والفخر ،أننى غيرت رأيه ،وأنه أصبح ينظر إليمان ،أنها مثل أحمد أو تزيد عليه بموهبتها. ضمن أعمالك األخيرة كتاب «اإلسكندرية بالعامية والفصحى والسرد» ،قمت فيه بتجميع قصائدك بالفصحى والعامية وكذلك مقاالتك ،عــن هــذه املدينة التى شهدت مــولــدك ،وحياتك مــا عدا السنوات العشر األخيرة التى انتقلت فيها إلى القاهرة ،أال ترين أن استخدامك ألكثر من نوع أدبى فى كتاب واحد يضر بالتجربة؟ على العكس ،اإلسكندرية الساحرة ببحرها الذى طاملا كان مؤتمنا على أسرارى ،تتحمل الكتابة عنها بكافة األنواع األدبية، ولكل نوع جاذبيته وقدرته على أن ينقل للقارئ انفعاالتى وشعورى، وما عجزت أن أخرجه شعرا ،عبرت عنه من خالل املقاالت ،التى تمرست عليها لسنوات طويلة فى أكثر من جريدة ومجلة سكندرية، ولم أجد أية غضاضة فى أن تتنوع وسائلى الفنية فى كتاب واحد. فى الفترة األخيرة أقدمت على كتابة القصة القصيرة ،وبالفعل صــدر لــك مجموعتان قصصيتان ،األول ــى «صـبــاح امل ـيــدان» ،2013 والثانية «بكاء الشجر» ،2018وذلك بعد تسعة دواويــن شعرية ..ما الذى دفعك لالنتقال من الشعر إلى القصة؟ ضحكت وقالت ،وأنا اآلن فى إطار كتابة رواية طويلة ،السر فى هذا التنوع هو تراكم الخبرات ،فخالل مشوارى ،لم أركن فقط للقراءة والكتابة ،بل كنت أسعى إلى اكتساب مهارات جديدة عن طريق التعلم ،فبعد سنوات من حصولى على تعليم أقل من الجامعى ،سعيت إلى أن أحصل على بكالوريوس اإلعالم وهو ما تحقق لى ،وحصلت –أيضا -على دورة دراما إذاعية عام 1997 من اتحاد كتاب مصر بالتعاون مع اتحاد اإلذاعة والتليفزيون، كما حصلت على دبلومة فى العالقات العامة من مؤسسة أخبار اليوم ،ودبلومة فى الدراسات اإلسالمية بعد دراسة ملدة عامني فى املعهد العالى للدراسات اإلسالمية ،كل هذه الدراسات أطلعتنى على مالمح أخرى لفلسفة الحياة، وفلسفة وجودى كمبدعة ،وخلقت لدى وعيًا جديدًا، مكننى من أن أعبر عما بداخلى بأشكال فنية متنوعة ومختلفة. لديك طموح أن تصدرى مجموعة من الدراسات عن شخصيات سكندرية فــى إطــار سلسلة تتولني كتابتها، وأص ـ ــدرت مـنـهــا بــالـفـعــل ك ـتــابــن ..م ــا دوافـ ــع هــذه التجربة؟ بالفعل أصــدرت سلسلة أطلقت عــلــيــهــا «عــبــقــريــة اإلســكــنــدريــة ملبدعيها» ،عــن دار نشر «شعلة اإلبــداع للطباعة والنشر» ،وظهر لى كتابان ،لكل منهما تجربته املختلفة ،األول بعنوان «الشاعر الكبير واملبدع محمد مكيوى.. حــيــاة الــشــاعــر وقــصــائــد لم تنشر من قبل» ،وهو يتناول مــســيــرة هــــذا الــشــاعــر الرائد وتأثيره فى األجيال اإلب ــداع ــي ــة املختلفة فــى اإلسكندرية، فــضــا عــن كونه مــبــدعــا مــوهــوبــا وصاحب فلسفة فى
الحياة ،من هنا أذكر مقولته الشهيرة لنا «الكتابة خلود» وكذلك عباراته التى جاء فيها الكتاب هو إبداعك الذى تسجله للزمان، ليكون لك بصمة تواجد ،واسم ،وحتى ال تخدعك الحياة ،وتمر عليها مرور الكرام وترحل .بل كن األذكى واألقوى بإبداعك سطرا واجتهد ،وشارك وانتهج طريقا لصنع الحاضر واملستقبل .تعلم جميع املهارات ،واقرأ ما تيسر من الكتب للسابقني والحاضرين، ثم كن أنت بإبداعك كن نفسك واستمر .وقــاوم مهما كانت الصعوبات واملواجهات .ثقتك بالله تقيك وتحميك .وتدعمك بالثقة بنفسك وإبــداعــاتــك وطريقك وخــلــودك» واستجابة لهذه الفلسفة ،قمت بتسجيل سيرته الذاتية فى هذا الكتاب وتطرقت إلى إصداراته املختلفة ودوره فى إثراء الحياة الثقافية السكندرية وتجربته فى التدريس فى سجن الحضرة ،لكن روحه الشاعرية املرهفة وأحاسيسه الحرة الرقيقة ،لم تحتمل دخول السجن ،ولو ملجرد التدريس لحراس السجن والعاملني فيه أو للمساجني ،الذين يقضون فترة عقوبتهم بني أسواره أو داخل زنزاناته ،لذلك ترك العمل كمدرس بسجن الحضرة وانتقل للعمل كرئيس لقسم اإلحصاء بإدارة الصحة ،ثم انتدب فى أكثر من وظيفة ثقافية ،آخرها رئيس للقسم الثقافى بقصر ثقافة الحرية بمديرية الثقافة باإلسكندرية ،كما نشرت قصائد من ديوانه الذى لم ينشر من قبل بعنوان «حلم النهار». أما الكتاب الثانى فى هذه السلسلة ،الذى نفدت طبعته األولى، وصدرت بالفعل طبعته الثانية فهو بعنوان «ليالى خليل املصرى.. املؤرخ املوسيقى وامللحن والشاعر» وهو واحد من أفراد عائلتى، بمثابة جدى ،وهو صاحب سيرة متفردة ،فقد أنفق وقته وماله فى جمع تراث املوسيقى الشرقية ،وهو أول ملحن قدم الفنان عبد الحليم حافظ لإلذاعة ،حينما لحن له أغنية «الكون الجميل حواليك» ،وقد ابتدع املصرى مقام نغمة جديدة باسم «أشواق»، وقد استعرضت مشواره وإسهاماته الهامة فى هذا الكتاب. تتولني اآلن رئاسة نادى أدب اجليزة ..ما تقييمك لتجربة نوادى األدب بالثقافة اجلماهيرية؟ أنا بنت قصور الثقافة منذ عام ،1977وتجربة نوادى األدب تجربة جديرة بالتأمل تحمل الكثير من اإليجابيات ،وال تخلو من سلبيات ،ولكن هناك أسباب قد تجهض هذه الفكرة فى أية لحظة ،منها امليزانيات الضئيلة التى ال تتناسب مع أحالمنا ،وكذلك بعض العقبات اإلدارية التى تحول دون استضافة الكثير من املبدعني وأساتذة الجامعة ،الذين يأتون بشكل ودى ،وإن كانت هذه السلبيات ال تمنع من أن أشكر املسئولني عن الثقافة فى مديرية ثقافة الجيزة وكذلك فى إقليم القاهرة الكبرى ،لدعمهم لنا ملواصلة عملنا ،لكن األمر يحتاج لقرارات للقضاء على البيروقراطية التى تعوق عملنا ،خاصة أننا نحاول أن نرعى املوهوبني الجدد ،ومن بينهم أطفال صغار السن نقيم لهم دورات تدريبية ،لنحببهم فى األدب والثقافة. ماذا تتمنني فى الفترة القادمة؟ أتمنى أن تترجم بعض أعمالى إلـــى لــغــات مــخــتــلــفــة ،وســبــق أن تــرجــمــت جــامــعــة سنجور الفرنسية باإلسكندرية قصائد لــى ،كما أننى مشغولة هذه األيام بجمع ًما يقرب من 40 دراسة ومقاال عن إبداعاتى لتصدر فى كتاب.
د .محمد عفيفى
احتفالية روسية بعيد النصر مرفت عمارة احتفل املركز الثقافى الروسى بالقاهرة بعيد النصر والذكرى الـ 74لالنتصار على أملانيا النازية فى الحرب العاملية الثانية، بــدأت بمائدة مستديرة أدارهــا شريف جــاد مدير النشاط الثقافى باملركز وافتتحها ألكسى تيفانيان مدير املركز الثقافى الروسى ،مشيرا إلى أهمية االنتصار على النازية وكيف استطاع الجيش األحمر االنتصار فى معركة ستالينجراد ،وأكد أنه لوال دخول االتحاد السوفيتى الحرب ما انتصرت أوروبا. فى حني تناول حلمى النمنم وزير الثقافة السابق كيفية مواجة االتحاد السوفيتى للغزو األملانى ،وتابع النمنم بسؤال :ماذا لو انتصرت أملانيا واحتلت العالم؟ مؤكدا أن أملانيا كانت تنوى القدوم إلى الشرق األوسط والسيطرة على قناه السويس. وفــى كلمته أشــار الدكتور حلمى الحديدى رئيس منظمة التضامن األفروآسيوى إلــى أهمية الــدور الــذى لعبته قوات الجيش األحمر فى محاربة النازية ،وذكر بعض السيناريوهات لو انتصرت أملانيا .واختتم حديثه باإلشادة بالعالقات املصرية الروسية ،التى بدأت فى الصعود مع بناء السد العالى. ومــن جانبه قــال الدكتور حسني الشافعى رئيس املؤسسة املصرية الروسية للثقافة والعلوم :فى إطار االحتفال بعيد النصر واالستعداد لعام « 2020عام الثقافة املصرية الروسية» نستعد إلصدار سلسلة من الكتب والدراسات تضم وثائق الحرب العاملية الثانية. بينما تحدث الدكتور محمد عفيفى رئيس قسم التاريخ بكلية اآلداب جامعة القاهرة عن األهمية التاريخية لالنتصار فى الحرب العامليه الثانية وإنقاذ البشرية من أطماع النازية والفاشية ،وأشاد بالعالقات مع الجانب الروسى التى بدأت فى التطور منذ صفقة األسلحة التشيكية. وأشــارت الدكتورة نورهان الشيخ األستاذة بكلية االقتصاد والعلوم السياسية جامعة القاهرة إلى أن االتحاد السوفيتى دافع عن كرامة أوروبا بكاملها ،وأنه ضحى بـ 26مليون مواطن ،أى ما يقرب من %16من إجمالى السكان ،بينما فقدت الدول الغربية وأمريكا %1.5فقط. وأضــاف اللواء طلعت مسلم ،الخبير العسكرى ،أن معركة ستالينجراد حولت مسار الحرب بكاملها وكانت بداية السقوط األملانى .وحول مشاركة العسكريني املصريني بالحرب أشار مسلم إلى أن مصر كانت خاضعة للجيش البريطانى ،كما أن الجيش املصرى فى هذا التوقيت لم يكن به سوى 9كتائب مشاة فقط. أما الدكتور نور ندا نائب رئيس الحزب العربى الناصرى، فتحدث عن الحجم الكبير من التضحيات التى قدمها العسكريون الروس وحرصهم على إعالء قيمة الوطن .تبعه الدكتور سيد عشماوى أستاذ التاريخ بكلية اآلداب جامعة القاهرة مؤكدا أن نتائج معركة ستالينجراد غيرت التاريخ ،كما أشاد بمساندة االتحاد السوفيتى ملصر فى العدوان الثالثى. ختم شريف جاد اللقاء بنقل تهنئة الجمعيات العربية لخريجى الجامعات السوفيتية والروسية ،مشيدا بحرص الجانب الروسى على إحياء ذكرى النصر من خالل الثقافة والفن التى ال تزال تنتج أعماال فنية حتى تنقل التفاصيل التاريخية لألجيال الشابة. بعدها انتقل الحضور الفتتاح معرض الصور األرشيفية فى ذكــرى الحرب بمشاركة ســفــارات روسيا وكازاخستان وبيالروسيت وأرمينيا وأوزبيكستان وأذربيجان وطاجيكستان. واختتمت االحتفالية بحفل موسيقى لفرقة سويت ساوند بقيادة املايسترو منير نصر الدين والتى قدمت مجموعة من األغانى باللغة الروسية ومقطوعات موسيقية روسية وعربية.
8
٥مايو ٢٠١٩العدد ١٣٤٥
أحداث
لم ترتكن إلى كونها شاعرة فقط ،وطوال الوقت تبحث إميان أحمد يوسف عن املزيد من التجارب اإلبداعية ،حتى فاجأتنا منذ فترة قليلة بإصدار ستة كتب دفعة واحدة ،منها ما يضم قصائد شعر بالعامية ،وكتاب آخر يجمع ما بني قصائد بالعامية والفصحى، وكتابني فى فن السيرة؛ واحد عن شاعر اإلسكندرية الكبير محمد مكيوى ،وكتاب آخر عن املؤرخ املوسيقى وامللحن خليل املصرى ،فضال عن إعادة طبع ديوانها الشعرى األول «تنهيدة صبية» مرة أخرى، بعدما يقرب من 25عاما على طبعته األولى ،كما أنها حاليا رئيس نادى األدب باجليزة ،الذى أصبح قبلة للمثقفني والكتاب واألدباء من مختلف أنحاء املحروسة.
بعد أن أصدرت ستة كتب دفعة واحدة
تصوير :سامح مسلم
الشاعرة إميان أحمد: أنا بنت الثقافة اجلماهيرية ..لكنى ال أنسى «املؤامرة» طارق الطاهر عن هذه التجارب املتنوعة دار هذا الحوار ،الذى قادنا إلى التعرف على بداياتها ،وعالقة الشعر بنشأتها ،وكيف استطاعت أن تغير من نظرة والدها لها ،عندما شعر أن ابنته التى تمنى أن تكون ولدا؛ موهوبة ،فطلب منها أن تقدم نفسها بـ «إيمان أحمد» بدال من إيمان يوسف ،فقد شعر بالفخر بأن يذكر اسمه فى األمسيات التى تشارك فيها ،وكذلك على أغلفة الكتب التى تصدرها. بداية سألتها :ستة كتب تصدر دفعة واحدة ،أال ترين أن ذلك أمر غير معتاد فى احلياة الثقافية؟ أردت فى هذه الكتب ،أن أسجل التجارب اإلبداعية الكثيرة ،التى خلقت لدى وعيًا كبيرًا على املستوى الشخصى ،فهذه الكتب هى بمثابة شموس وأقمار ملحطات حياتية وإبداعية تستحق التسجيل، فهى ترصد لتطورات وقعت على مستوى الــذات ،وأتت –أيضا- نتيجة تجارب تشبعت بها ،كما يجب أال تنسى أن هذه اإلصدارات متنوعة ،فهى ما بني الفصحى والعامية والنثر والسرد ،والسيرة. ما ذكرته يقودنا إلى سؤال حول أنه كان من ضمن هذه اإلصدارات ديوانك الشعرى األول «تنهيدة صبية» الصادر ،1994وهو يعبر عن حالة إبداعية ،بالتأكيد مت جتــاوزهــا..إذن إص ــداره بعد حوالى 25 عاما؛ ماذا يضيف لك؟ هذا الديوان ،يأتى فى إطار رغبتى فى إعادة كافة الدواوين التى أصدرتها عبر مشوارى ،من هنا نشرته بذات الكيفية التى صدر بها ألول مرة ،دونما زيادة أو نقصان ،ومع مرور الوقت ،ستوفر
مع رئيس التحرير
هذه الدواوين لى وللنقاد مادة دسمة لرؤية حالتى الشعرية املمتدة عبر ربع قرن ،بكل تحوالتها ورؤاها الفنية. فــى بــدايــاتــك الـشـعــريــة ،صــدر لــك قبل ديــوانــك ،أكـثــر مــن ديــوان مشترك مع شاعرات أخريات ..ملاذا كانت بدايات جماعية ،رغم أن الشعر عمل فردى؟ ديوان «عرايس الشعر» هو تجربة نشر لسبع شاعرات سكندريات دفعة واحدة ،وصدر عن مديرية الثقافة باإلسكندرية عام ،1992 بتقديم للشاعر الكبير الراحل محمد مكيوى ،هذه التجربة واحدة من التجارب الهامة فى حياتى ،ألن الديوان كان يعد إثباتا لوجودنا فى الحركة األدبية فى ذلك الوقت ،وكنا وقتها فى نادى األدب بقصر ثقافة الحرية ،وأتذكر أن هذه التجربة لفتت نظر الناقدة الكبيرة فريدة النقاش ،وقدمت إلينا فى اإلسكندرية للتحدث عن
الديوان ،لنفاجأ بعد ذلك بمقال لها على نصف صفحة بجريدة األهرام بعنوان «الشاعرات قادمات» ،تشيد فيه بهذه التجربة. الحظت أن الغالبية العظمى من مؤلفاتك الـ ،16صادرة عن دور نشر خاصة وليست حكومية ..ما سبب ذلك؟ مالحظتك فى محلها تماما ،وهو يذكرنى بواقعتني حدثتا معى فى بداية مشوارى ،وهما تخصان هيئة قصور الثقافة ،ففى عام 1994تقدمت بديوان ،وبعد عامني قالوا لى الديوان فقد ،فقدمت ديوانا آخر عام ،1996وبعد فترة قالو لى –أيضا -الديوان فقد، ولم أنشر مرة أخرى فى هذه الهيئة حتى اآلن ،باستثناء مشاركتى فى تجربة تبسيط أعمال توفيق الحكيم ،إذ صدر لى تبسيط ملسرحية إيزيس فى سلسلة عني صقر الصادر فى عام .1998 لذا بعد تجربتى الفقد لم أعد أثق فى نشر أعمالى فى مؤسسة حكومية ،إذ ال أخفى عليك أننى شعرت أن األمر مقصود ،وأن هناك مؤامرة ،تهدف إلى تهميش الكاتبات واملبدعات ،والديوان الوحيد الذى نشر لى فى مؤسسة حكومية هو ديــوان «احتوانى االنتظار» 2006بالتعاون مع هيئة الكتاب واتحاد الكتاب ،وقد سعدت بهذا النشر وأعتز به. هــل هناك دواف ــع أخــرى غير إحساسك بــاملــؤامــرة دفعتك للنشر اخلاص؟ نعم ..هو سرعة إصدار أعمالى لكى أسعد والدى ،هذا األب الذى تولد لديه حزن شديد عندما أبلغ أن مولوده األول أنثى وليس ذكرًا، فقد كان يريدنى «يوسف» وليس «إيمان» ،وكثيرا ما شهدت دموعه، لضياع حلمه فى إنجاب ذكر ،وهو حلم لم يتحقق له ،فجميع من ولدوا بعدى هم أيضا إناث ،ودائما ما أقول لنفسى «أنا يوسف حلم أبى» ،هذه العبارة كتبتها على إحدى كراساتى فى االبتدائية، وكلما كبرت وتبخر حلم والدى فى إنجاب الذكر ،كنت أتذكر هذه العبارة «أنا يوسف حلم أبى» ،حتى حدثت املفارقة ،عندما بدأت
دراساتى املختلفة مكنتنى من التعبير عما أريد بأشكال فنية متنوعة
٢٩
بناء شاهق فى مناخ الشعر العامى ،وفى حياة األبنودى نفسه، والذى بدأ يكتب األغانى للمشاهير من طراز محمد رشدى وعبد الحليم حافظ وآخرين ،وجاءت قصائد األبنودى املنفردة ،والتى كانت تنشر فى مجالت وصحف «صباح الخير ،وروز اليوسف، وبناء الوطن ،واملساء» ،مجتمعة فى ديوان شامل كامل ،واحتوى على مختارات من قصائده األولى ،قصائد الشباب الفائر والطموح والثائر ،ومن خالل قصائده نستطيع أن ندرك ثقافته املتمردة. لم يكن املعنى وال املصطلح وال املفردة وال الشجاعة وال الثقافة املهيمنة على القصائد ،هى التى تعطى الفرادة لقصائد األبنودى، ولكن كل ذلك ،والبناء الصورى الذى كان يتواتر على القصيدة منذ مطلعها األول «املفتتح» ،حتى الفقرة «القفلة» األخيرة للقصيدة ،استطاعت القصائد أن تفرض ظلها الفنى العبقرى منذ الطلعة األولى للشاعر ،ومن ثم كتب سيد خميس دراسة بديعة وقوية وأحقها بالديوان ،وفى حدود معرفتى أنها كانت الدراسة املتخصصة األولى «املهمة» فى شعر العامية املصرية ،مع كامل التقدير واالحترام لدراسة رجاء النقاش عن ديوان «عن القمر والطني» لصالح جاهني ،والفارق هنا أن سيد خميس كان يدرك ّ يتقصى أصولها القديمة ،ولكن عميقا شروط العامية التى كان دراسة رجاء النقاش املفيدة ،كانت استكماال لدراسته عن الديوان األول «مدينة بال قلب» للشاعر أحمد عبد املعطى حجازى ،والذى صدر عام 1959عن دار اآلداب ببيروت. كانت جماعة «ابن عــروس» ،ومن التفوا حولها من املثقفني، مزعجة إلى حد بعيد للسلطات ،خاصة كانت أصدرت رباعيات ّ وجنية» لسيد حجاب عام صالح جاهني ،ثم صدر ديوان «صياد وصارت البياتى، الوهاب ،1966وقدمه الشاعر العراقى عبد ّ جماعة ابن عروس حركة متمردة وقوية ،وصار مثقفو وكتاب جيل الستينات يؤسسون لحركة ثقافية طليعية كبيرة ،وكان من بني هؤالء أو على رأسهم ابراهيم فتحى وجمال أحمد الغيطانى وصبرى حافظ وصالح عيسى وعلى الشوباشى وغيرهم ،لذلك لم تمهلهم السلطات ،فألقت القبض عليهم فى أكتوبر ،1966لتفرج عنهم فى مارس ،1967وكان األبنودى هو النجم الذى نال قدرا كبيرا من العقاب ،رغم جماهيريته ،وذلك ألسباب عجائبية حكى لنا عنها فى عيد امليالد األخير. 1967 خرج األبنودى بعد نضاالت عديدة بذلها مثقفون ومسئولون وكتاب كبار ،وكانت عطيات عوض _زوجته_ ،والشهيرة بعطيات األبنودى ،تقود حملة واسعة وكبيرة من أجل اإلفراج عن زوجها بدأت ومن معه ،وبالفعل خرج املعتقلون ،وفى شهرى ابريل ومايو ّ بوادر حرب قادمة بني مصر واسرائيل ،وفى تلك املرحلة ،فكر األبنودى أن يرتاح ويأخذ هدنة قليلة ،ويسافر إلى «البلد» لاللتقاء بأهله هناك ،ويستمد منهم الدفء املفقود فى القاهرة بعد حكاية االعتقال املريرة. وبالفعل شرع عبد الرحمن مع عطيات للذهاب إلى «أبنود»، ولكن عبر البحر األحمر ،لكى يمر على السويس ،لكى يلتقى بأحباب له ،وهم «عيد أبو زعزوع» و«على أبو العيون» و«مبارك طايع» و« على أبو سلمى» ،وألنه كان يحلم ببيت وحديقة هناك، فكان ال بد أن يقابلهم ،وباملناسبة كلهم أصبحوا شخصيات «شعرية» فى ديوانه «وجوه على الشط». ومن السويس إلى الغردقة ،وكان عبد الفتاح األبنودى _شقيقه_ فى االنتظار ،وعند جالل األبنودى _الشقيق الثانى_ فى سفاجا قضى ليلة هناك ،ثم استقل األتوبيس إلى أبنود محافظة قنا، ليلتقى بوالده ووالدته وينام على سرسر الجريد. تليفون من وجدى الحكيم لم يكن فى منزل أهل عبد الرحمن تليفون ،ولكن كان أى اتصال من القاهرة يأتى على الكابينة ،وبعدها يبلغ عامل السنترال الهدف املطلوب ،وجاء «مرسال» لعبد الرحمن بأن «تليفون» له جاء من القاهرة ،وذهب لكى يدرك أن ثمة أحداثا جساما تستوجب وجــوده فى القاهرة ،واملكاملة كانت من الناقد واملــؤرخ الفنى ّ التليفون ،بأن عبد الناصر سوف وأسر له فى وجدى الحكيم، ّ يدخل الحرب ضد اسرائيل ،ولم يكذب األبنودى خبرا ،وعاد إلى القاهرة بالفعل ،ويتحول إلى شعلة نار ال تخمد ،وال تحمل أحقادا، فاألمر ال يخص أى مرارات ،الوطن يتعرض للقصف الغادر من الصهاينة. فى النصف الثانى من مايو ،1967كان عبد الرحمن يكتب أجمل وأقوى أغانيه الوطنية ،وكانت لقاءاته مع عبد الحليم حافظ وكمال الطويل ،وكذلك أحمد سعيد مدير إذاعة صوت العرب تتكثف وتتواتر ،وكذلك نائبه محمد عروق ،وعلى تلك الخلفية كتب األبنودى أغانيه الحماسية« :وال يهمك ياريس» األمريكان ياريس، و«بالدم حناخد تارنا ..بالدم نعود لديارنا» و «احلف بسماها وبترابها ..احلف بدروبها وأبوابها ..ماتغيب الشمس العربية طول
٥مايو ٢٠١٩العدد ١٣٤٥
لم يكن األمر مجرد لهجة، وصوت مختلف ،وأداء موسيقى، ولكن األبنودى وجد فى بيئته ما يستطيع أن يقدمه للناس دون أى افتعال أو تحذلق ما انا عايش فوق الدنيا ،ثم «إنذار يااستعمار ..بترول مافيش .. قنال مافيش» ،و«يابركان الغضب ياموحد العرب» /و«ابنك يقولك يابطل هات لى انتصار». وعندما انطلقت هــذه األغــانــى ،أشعلت حماس املصريني بضراوة ،وأنشدها العامل والفالح والطالب والشباب ،ولكن هذه األغانى _ بالطبع _ لم تمنع ما حدث فى صبيحة ّ 5يونيو ،1967 تلك الكارثة التى لم يعترف بها أحمد سعيد ،وظل يطلق بياناته املدوية ،والتى كانت تذيع االنتصارات الوهمية. وبعد الحماس الذى أطلقه األبنودى فى أغانيه ،كتب قصيدته «كباية شاى» ،هذه القصيدة الجنائزية الحزينة ،والتى لم يستطع أن يصرخ أو يبكى أو يهتف ،كان حزينا للغاية: على كرسى ف قهوة ف شارع شبرا ... قعدت.. وجابلى كباية الشاى الجرسون... _كباية شاى القهوة غير كباية شاى البيت خالص بصيت له كتير.. مش عارف ليه.. من مده طويله ماشفتش ّ حى... كان الشارع نابض فيه الدم املطفى ّ وحى.. ّ مر عليا الراجل الصلع خالص.. والبنت اللى ف ايدها طبق الفول الناقص خالص خالص... والست الالبسه التوب اللسود خالص.. ّ مرت عربيه جديده وفيها ناس وشها ساكت خالص خالص
وولد بيكلم بنت على التلتوار بالحس الواطى خالص خاص... وخايف خالص.. وعلى التلتوار التانى كان دكان فكهانى منظم خالص.. ونيونه مشعلل أنوار خالص خالص.. وقعت سنجة تورماى (خمسه)... طلع الولد (املتشعبط) ّ ركبها.. وركب من باب التورماى قدام الكومسارى .. شافه مكلمهوش خالص.. عدى الراجل اللى منزلش من ع العجله بقاله 6سنني كان تعبان جدا.. وموطى.. ومش بيبدل خالص.. أخد الجرسون قرشني بقشيش .. بص لى جدا ..جدا واستغرب خالص خالص خالص!!.. القصيدة إحساس عارم وجنائزى ومهزوم بالهزيمة واالنكسار. عيد ميالده األخير ّ كنا نعد لعيد ميالده فى 11إبريل ،2015وكنت قلقا على حالته ّ التى ال تتحمل الجلوس والقيام ،وتجرأت وهاتفته «الخميس 9 ابريل» قبل االحتفال بيومني ،وعندما سمعنى ،بادرنى :إياك عاوز تعتذر؟ ،فقلت له :ليس اعتذارا بقدر ما هو رجاء بتأجيل االحتفال ليوم آخر ،حتى تسترد صحتك قليال ،وأبلغنى بأنه فى طريقه للمستشفى فى عربة اإلسعاف ،وبالفعل ذهبنا «أحمد بهاء شعبان وعزة كامل وبناتى سوسن وميسون» وفريق من جريدة التحرير، وتحامل على نفسه كثيرا ،وكان مبتسما طوال الوقت ،ولكننا الحظنا بأن آلة األلم تعمل فى جسده بضراوة ،وعدنا ،وأعددنا ملفا وافيا فى الجريدة يوم االثنني 13إبريل ،وفى الثالثاء 14 إبريل دخل املستشفى ،وتداهمه الغيبوبة ،ليغيب عنا فى 21إبريل أعظم شاعر أنجبته مصر فى العصر الحديث.
30
٥مايو ٢٠١٩العدد ١٣٤٥
بريد
قد تلد مبدعا حقيقيا:
بعد التحية والسالم
احلكم بإعدام «اخلواطر» ليس نهائيا!! ُ يستهني البعض بكتابة الخواطر ،باعتبارها تعبر عن أفكار سطحية ،وتتسم بأسلوب قد يبدو ركيكا ،وهى وجهة نظر صحيحة ،ألن من يكتبها عادة يرغب فى التعبير املباشر عما يجول بخاطره ،دون أن يرتقى بها إلى مصاف األعمال اإلبداعية ،وغالبا يكون أصحابها قد توقفوا عن الــقــراءة ،أو لم يتخطوا عتباتها من األساس ،ألنهم لو كانوا يقرأون الجتذبهم جنس أدبى، يصبح وعاء أكثر مالءمة ألفكارهم ،التى ستصير أكثر عمقا بالتأكيد. الرأى السابق ال ينبغى أن يكون حكما باإلعدام غير أن ّ على موهبة كتابها ،فأعتقد أن كبار األدباء انطلقوا من منصة الخواطر ،قبل أن يعملوا على صقل كتابتهم، لتصبح أكثر نضجا وإبداعا ،لهذا أرى ضرورة التعامل
مع من يكتبون الخواطر بسعة صدر أكبر ،خاصة لو كانوا فى سن صغيرة ،فربما يكون من بينهم مواهب حقيقية تحتاج إلى التوجيه ،ومد يد العون لها .األمر فقط يحتاج إلى تأكيد ُملح دائما ،بأن الخواطر نقطة انطالق وليست محطة وصــول ،مع النصح املستمر بالقراءة وتحديد ُ قوائم بالكتب املرشحة .هنا فقط سيستمر محبو اإلبداع، ويواصلون تقدمهم ،وينتقلون غالبا بعد حني إلى دائرة املبدعني الحقيقيني ،بينما سينسحب الراغبون فى التعبير عن مسألة شخصية ،كقصة حب فاشلة مثال ،أو يواصلون كتابة إخفاقاتهم على شكل خواطر.
أسامة أحمد عبد اهلل اجليزة
اتركينى اتركينى أفعل ..ما أشاء.. إن احالمى بريئة.. كالطيور .. إن أنفاس الصباح ..تبحث عن شعاع ... اتركينى أحلم ...أن تعودى من جديد ... ان نغنى ..ونقرأ الشعر سويا.. ونضحك فى املساء .. معذرة ...يا سيدة الكون املمدود.. إلى مثواى... مصلوب فوق جدار الذكرى.. حبوب القهوة وأوراق الشاى ... رائحة البحر املشتاقة ألحضان الريح... كم كان جميال هذا اليوم املشرق باألصداف.. وجعلت قلبى وسادتك.. ِ كالطفلة فى أحضان فراشتها.. نلتقط الصورة والصورة... وعيونك تضحك لألمواج.. ونغنى بصوت مبحوح نستلقى فوق رمال الشط املجروح .. تتذكرين من أنا ؟؟ تتذكرين من أكون...؟؟ أنا الذى أغرقت قميصه دموعنا.. من البكاء... عزيزتي ..اتركينى أفعل ما أشاء...
للفنان :سعيد بدوى
اتركينى ..بني احالمى اغوص .. وبني عينيك أسبح ... إن فى عينيك ...حياة األبرياء...
رمضان املهدى األقصر
صراع ال ينتهى إال بالرحيل!
ُ كــف عــن الــركــض ،وال تظن أن سرعتك ق ُــادرة على اللحاق بما تهوى ،قد تصدم أنه كلما ازدادت لــديــك الرغبة فــى إدراك الشئ ابتعد ،وبــدا وكــأن الــوصــول اليه مستحيل ،حتى وإن كان فى حقيقة األمر شيئا واردا حدوثه جدا ،لذا أرح نفسك وال تلهث خلف األشياء التى ال يزيدها البحث عنها سوى بعدًا ونفورًا .اهدأ! ثمة فرق كبير بني السعى بعقالنية ،وبني أن تلهث خلف ما التعلم صدق ّ فتريث رغبتك فيه ومادعاك إليه،
٧
٥مايو ٢٠١٩العدد ١٣٤٥
فى البحث عن أمور قد أدركت وأنت فى مسيرتك أنك بحاجة إليها. إن استطعت أن تحل الصراع الذى تصر نفسك على الدخول فيه كلما رغبت بشئ ،وأن تساعدها فى فهم املقصد من هذه الحياة ،وأنه حتمًا ليس مقرونا بالتعلق بأى شيء فيها ،فإنك حينها توقن أنك أوتيت جــزءًا من نعيم الدنيا .من يملك نفسًا هادئة ال تضطرب وال تجزع مرت بما ليس فى الحسبان، كلما ُ وبما لــم تعد لــه ،فقد حــاز كنزا عظيما ،وليحفظه ويسأل الله له أن
يستديم. حــلــقــات الـــصـــراع مــع النفس ال تنتهى إال إذا رحــل صاحبها، فــوجــودهــا مــن سنن الــكــون ،لكن حالها ال يسير على وتيرة واحــدة. تارة تظن أنك انتصرت ،وأن الهدوء سيصبح حليفك فيما بقي ،وتارة تجد حلبة الصراع تبدو وكأن نيرانا اندلعت فيها ،تأبى أن تنطفئ أو حتى تهدأ.
نورين شكرى مدينة 6أكتوبر
إيهاب احلضرى ehab_hadaryy@yahoo.com
بريد الليل ..ورسائل «البوكر» السلبية!! ت عــن البوكر العربية عــدة م ــرات ،كانت األولــى كتب ُ مــع مــولــدهــا ،واألخ ـي ــرة عـنــد تـعــديــل شــروطـهــا .فاصل زمـنــى عـمــره سـنــوات بــن املــرتــن ،كــان كافيا إلثـبــات أن مخاوف البدايات لها ما يبررها ،فقد حتفظ البعض ع ـنــد انـ ـط ــاق اجلـ ــائـ ــزة ،ع ـلــى ج ـعــل ال ـتــرش ـيــح حـكــرا على الناشرين ،وج ــاءت التعديالت بعد أع ــوام لتزيد سطوتهم ،وفى كل األحوال ظل الروائى العربى ُمهمشا، ينحصر دوره فى التوقيع باملوافقة على ترشيح الناشر لــه ،وهــو توقيع مـضـمــون ،ألن «غــوايــة» اجلــائــزة جتعل الرفض شبه مستحيل. وع ـل ــى ق ــدر الـقـيـمــة املــال ـيــة ال ـك ـب ـيــرة ،ت ـث ــور م ـعــارك أك ـبــر عـنــد إع ــان ال ـفــائــز كــل دورة ،وب ـهــذا ُيـعـتـبــر غبار «ال ـبــوكــر» طقسا مــزمـنــا ،ف ـعــادة مــا يسبق اإلع ــان عن الفائز ،ويتصاعد غالبا عقب حفلها السنوى ،وحتتدم االت ـه ــام ــات ال ـتــى ُتـشـكــك ف ــى حـيــدتـهــا ومـصــداقـيـتـهــا، ومتتد النتقاد ذائقة جلنة التحكيم ،لدرجة نعتها بأنها ُمتخلفة فى إحدى الدورات. جـ ــاء الـ ـع ــام احل ــال ــى لـيـشـهــد عــاص ـفــة ج ــدي ــدة من اجلدل ،واملختلف هذه املرة هو سيناريو األحداث ،الذى وصل لذروته الدرامية عبر تسريب عبده وازن بالتأكيد تستحق هــدى للنتيجة ،قبل إعالنها بركات الفوز بجوائز كبرى ،ب ـ ـسـ ــاعـ ــات ،مم ـ ــا ف ـتــح عـلـيــه ن ـي ــران املـقــربــن لكن ما يشغلنى هو األسباب م ـ ــن اجلـ ـ ــائـ ـ ــزة ،وك ـ ــأن التى دعت اللجنة لترشيح املشكلة الــوح ـيــدة فى الـنـشــر ،ولـيـســت فيما روايـــة مــن خ ــارج األعــمــال س ـب ـق ــه مـ ــن ت ـفــاص ـيــل أش ـ ـع ـ ـلـ ــت االج ـ ـت ـ ـمـ ــاع املتقدمة. األخ ـ ـ ـ ـ ـ ـيـ ـ ـ ـ ـ ــر ل ـ ـل ـ ـج ـ ـنـ ــة التحكيم. لم تكن هذه األحداث الساخنة نقطة انطالق املعركة األخيرة ،فقد بدأت إرهاصاتها مع طلب جلنة التحكيم تــرشـيــح روايـ ــة ه ــدى بــركــات «بــريــد ال ـل ـيــل» .لــم يتقدم ناشرها بها للمسابقة ،ألن الكاتبة الكبيرة تبنت موقفا سلبيا منها ،بعد استبعاد روايتها «ملكوت هذه األرض» من القائمة القصيرة فى دورة سابقة .بالتأكيد تستحق هــدى بركات الفوز بجوائز كبرى ،لكن ما يشغلنى هو األس ـبــاب الـتــى دعــت اللجنة لترشيح رواي ــة مــن خــارج األعمال املتقدمة ،خاصة بعد أن أكدت تقارير صحفية أن الـلـجــوء لــذلــك يـحــدث فــى حــالــة اكـتـشــاف نقص أو ضـعــف فــى قــائـمــة املـتـقــدمــن ،وبــالـبـحــث فــى الـشــروط امل ـن ـش ــورة ع ـلــى م ــوق ــع اجلـ ــائـ ــزة ،ل ــم أجـ ــد سـ ــوى ع ـبــارة فضفاضة « :إذا ما رأت ذلك ضروريا» ،دون حتديد واضح حلــاالت ال ـضــرورة التى تستدعى قيام اللجنة بذلك، وألن النص مبهم يصبح التفسير املنطقى له هو ضعف األعمال املقدمة ،خاصة أن جوائز عربية أخــرى تنص على ذلك صراحة. نـحــن إذن أمـ ــام أح ــد اح ـت ـمــالــن :األول أن اللجنة لــم جتــد فــى األع ـمــال املـتـقــدمــة مــا يستحق ،وه ــو أمــر يسىء إلى أسماء املبدعني الذين تضمنتهم القائمتان الطويلة والقصيرة ،والثانى أن الهدف كان ترضية هدى بركات ،مما يعنى أن األمر كان محسوما منذ البداية، وهــو مــا يـهــدد مصداقية أعـمــال جلــان التحكيم ،وفى الــوقــت نفسه يصيب املبدعني بــاإلحـبــاط ،ألن قواعد املنافسة العادلة لم تعد قائمة. أيا كانت مبررات الترشيح فإنها توجه رسائل سلبية، حــول جــائــزة أث ــارت جــدال واسـعــا منذ حلظة ميالدها، وكانت املخاوف وقتها وجيهة ،لكن املتفائلني متسكوا بأمنيات تراجعت تدريجيا .وبعد األزمة األخيرة خرج مجلس أمناء اجلائزة ،ليعلن إصابته بخيبة أمل كبيرة نتيجة التسريب ،لكنى أمتنى أن يقف األمـنــاء وقفة جادة ،بعد جتاوز صدمتهم ،ويبدأوا وضع آليات تضمن لـلـجــائــزة الـكـبـيــرة نــزاهـتـهــا وشـفــافـيـتـهــا ،ل ـعــاج خيبة املثقفني ،التى نتجت عما هو أكبر من أى تسريب!.
أتقاضى حقوقى والسالم عليكم ما يدفع املترجم إلى التعامل مع الدور غير االحترافية هو أن «السوق ض ّيقة». لذلك أقول إن مصلحتنا جميع ًا، نحن املترجمني، أن يحقق الناشر األرباح ،وأن تتسع السوق
ً أوال :يجب أن نتفق فى البداية أننا نتحدث عن املترجمني االحترافيني وعن دور النشر االحترافية. الــدور غير االحترافية لها حسابات مختلفة، واملترجم الــذى يتعامل معها هو اآلخــر حساباته مختلفة ،قد ال يهمه املستحقات املادية بقدر اهتمامه بترسيخ اسمه فى سوق الترجمة ،أو بترجمة كتاب معني له قيمة خاصة لديه ،أو بتحقيق مكسب مادى أقل ألن هذه ،ببساطة ،هى الفرصة املتوفرة أمامه. ثانيًا :يجب أن نتفق أيضًا على أن املترجم والناشر ليسا خصمني ،هما فى مركب واحــدة. من مصلحة املترجم أن يربح الناشر .كلما ازداد ربح الناشر ازداد عدد الناشرين ،وعدد الكتب املنشورة ،وازدادت الفرص املتاحة أمام املترجم، واتسعت السوق أمام املترجمني عمومًا. أنــا شخصيا أكــون سعيدًا جــدًا إذا استطاع الناشر تحقيق أرباح جيدة من مشروعنا املشترك «الكتاب ُامل َ ترجم» ،وأعتبر هذا نجاحًا لى .عندما يترجم معى كتابًا ناجحًا على املستوى املادى ،سوف يسعى للتعاقد معى على كتاب ثان وثالث .سبق
وأن عملت لسنوات فى مجال النشر وبيع الكتب، واطلعت على خفايا هــذا املجال بصورة جيدة. وأنا أعرف كم التفاصيل املعقدة التى يخوضها الناشر ،وصعوبات املهنة .الناشر لديه مصروفات ال تحصى« :مصروفات تشغيل الدار ،شراء الحقوق، مصروفات الترجمة ،الغالف ،شراء الورق وأسعاره املتغيرة ،الطباعة ،النقل ،التخزين ،خصم املكتبات الذى يلتهم نصف سعر الكتاب تقريبا، إلخ» ،ويواجه تحديات ال ينتبه إليها معظمنا «تزوير الكتب ،القرصنة ُ ،إلــخ» .وهو يتعرض للمساءلة َ القانونية أحيانًا ،وتمنع كتبه فى املعارض العربية فى أحيان أخرى. كل هذه التفاصيل تجعله من أصحاب رؤوس األمــوال املغامرة .فهو يحقق النجاح الساحق فى عــدد قليل من الكتب ،ويحقق النجاح فى بعض الكتب ،وكثير مــن الكتب ال تنجح وتبقى فى املخازن ،بخسارة أو بربح بسيط. أنا شخصيًا ،كمترجم ،ال أطمح فى «مشاركته» أرباحه .هو ببساطة يشترى منى «حقوق» الترجمة،
امنحونا احلد األدنى من األمان مــن خــال مــا ُعــرض على ًمــن عــدة دور نشر خاصة ،أرى العقود مجحفة جدا؛ ألنها تنحاز إلى مصلحة الناشر ،وتجور على حق املترجم بصورة فجة .فالناشر ليس عليه إال استالم مخطوطة العمل ً تماما للنشر،فى أغلب األحوال ،وال يتعهد جاهزة بشيء إال دفع نسبة محددة من املبيعات تتراوح بني عشرة إلى ثالثني فى املائة حسب سياسة الدار. وهو ما يعنى أن على املترجم -فى مثل هذه الحالة- تقديم كل ما بذله من جهد ووقت وتكاليف إضافية مجانية للناشر؛ فالعائد املتوقع من فى العمل هدية ً ً مجزيا املبيعات ليس عاجل من ناحية ،ولن يكون من ناحية أخرى .فكيف يمكن للمترجم أن ينتظم فى الترجمة بهذا الشكل ،وهو ال يتقاضى ً أجرا ً ً ً ومحددا سلفا ،وعليه ما عليه من التزامات واضحا ومسئوليات الحياة اليومية؟! ً طبعا إلــى العمل فى أعمال يضطر املترجم أخرى سواء فى الترجمة التجارية لصالح مكاتب الترجمة ،أو أى أعمال ذات عائد مادى وشركات َ عاجل ،ومن ثـ َّـم تتعطل ً مشاريع ترجمته األدبية واإلبداعية ألنها تمثل عبئا ً ً إضافيا عليه ،وال ماديا تظهر إلى النور إال بعد وقت طويل ألنه ال يستطيع ً وطبعا هذا الكالم له استثناءات لها. التفرغ التام َ تتعلق باللغة املترجم عنها ،ومدى شهرة العمل، واملؤلف ،واملترجم ،وتوفر جهات داعمة أو ممولة للترجمة ،وهو ما ال يتوفر فى الترجمة عن اللغة ُ األردية وجميع اللغات األخرى غير املعروفة للقارئ العربى. >>> فى الوضع الحالى املشار إليه تظل النسبة من املبيعات هى العائد املادى الوحيد للمترجم .أما إذا تغيرت هذه السياسةَّ ، ونص العقد على تقاضى املترجم مستحقاته املادية كاملة بمجرد تسليم العمل مقابل أن تمتلك الدار حقوق نشر الترجمة
الناشر يراهن بالفعل على حاجة املترجم إلى نشر عمله وإخراجه للنور ،ويتعامل مع املترجم كأنه هاوٍ أو أنه ترجم هذا العمل أو ذاك رفاهية وال يحتاج إلى عائد
ملدة معينة ،فأظن أنــه لن تكون هناك ضرورة لذلك .ويمكن املوازنة بني األمرين بأن يتقاضى ِّ ويعوض املترجم نسبة معقولة من مستحقاته، املتبقى منها بنسبة من املبيعات. ً بنودا عادلة وكل ما أنشده أن يتضمن العقد تــســاوى بــن حــقــوق وواجــبــات كــا مــن املترجم والناشر ،وترتقى إلى مستوى العمل الثقافى الذى يجمعهما .فلكل منهما دور ال يقل أهمية عن اآلخر، والعالقة بينهما تكاملية أو هكذا يجب أن تكون. وبما أن عملية النشر تكفل للناشر الحد األدنى من االستقرار املادى والتفرغ لها ،فال بد أن ينص عقد الترجمة كذلك على ما يضمن للمترجم الحد األدنى من األمان املادى ويساعده فى تكريس نفسه لعملية الترجمة .ومن الناحية الفنية ال بد أن ينص هذ العقد على أن يلتزم املترجم بمعايير الجودة والدقة وكل ما من شأنه إبداع ترجمة جيدة ومتقنة وجميلة ،وأن يلتزم الناشر كذلك بالتحرير الجيد للنص ،وتصميم الغالف املناسب لــه ،والعناية بجودة الطباعة واإلخــراج الفنى وغير ذلك من فنيات النشر ،باإلضافة إلى تحديد اآلليات التى سيتبعها فى التسويق والتوزيع. >>> وإجابة عن سؤال هل التعامل أكثر احترافية مع دور النشر غير املصرية؟فمن املؤكد أن املسألة نسبية وليست كل دور النشر غير املصرية أكثر احترافية ،ولكن بحكم تجربتى املحدودة جربت العمل فى كتابني جماعيني مع مركز دراسات خارج مصر ،وأراها تجربة جيدة وال بأس بها من ناحية ُاالحترافية فى التعامل واألداء الجيد ،والتعاقد املرضى إلى حد ما ،واألجــر املناسب ،واإلخــراج الفنى املعقول ،ولكن ما زالت مشكلة هذا املركز األساسية تتمثل فى ضعف التسويق والتوزيع ،فكتب هذا املركز ال تتوفر خارج بلده بسهولة ،وحتى عندما
إيهاب عبداحلميد مقابل مبلغ مقطوع .إذا دفعه لى فى املوعد املتفق عليه ،وأخــرج الكتاب بالصورة املثلى ،سأعتبره شريكًا رائعًا ،وسأظل أتعامل معه. أما أن أطلب منه «نسبة» من الربح على النسخ املبيعة ،فهذا أمر غير عملى ،لألسباب السالف ذكرها .هو «يغامر» فى مشروعه ،أما أنا فليس َّ لدى أى قدر من املغامرة .أنا أترجم الكتاب وأتقاضى حقوقى ،والسالم عليكم. وباملناسبة ،الدور االحترافية معروفة ،والدور غير االحترافية معروفة أيضًا .وما يدفع املترجم إلى التعامل مع الدور غير االحترافية هو أن «السوق ّ ضيقة» .لذلك أقــول إن مصلحتنا جميعًا ،نحن املترجمني ،أن يحقق الناشر األربــاح ،وأن تتسع السوق. الناشرون ليسوا ،ويجب أال يكونوا ،خصومًا للمترجمني .إنهم شركاء فى مشروع واحد وسوق واحدة تعود بالنفع على الجميع فى حالة اتساعها وتنظيمها.
هانى السعيد أرسل لى نسختني من الكتاب الثانى حجزته الرقابة فى البريد ،وعانيت ً كثيرا حتى حصلت عليهما بعد فترة طويلة وتكاليف ُمبالغ فيها. >>> وهل املترجم هو الحلقة األضعف بالنسبة للناشر املصرى؟ نعم لألسف تبدو هذه هى الحقيقة باستثناءات تثبت القاعدة وال تنفيها .الناشر يراهن بالفعل على حاجة املترجم إلى نشر عمله وإخراجه للنور، ـاو أو أنه ترجم هذا ويتعامل مع املترجم كأنه هـ ٍ العمل أو ذاك رفاهية وال يحتاج إلى عائد مباشر عن عمله .ومن ناحية أخرى ُي ِّ حمل أغلب الناشرين ً حاليا املترجم بعض أهم مسئولياتهم كناشرين
مثل التدقيق اللغوى والتحرير ،واألغرب التسويق، فيطلبون من املترجم بعد كل ما بذله من جهد فى الترجمة أن يتولى مهمة تسويق كتابه! >>> لقد أوضحت صــورة الناشر الخاص حسبما رأيتها ،أما الناشر الحكومى فمن املؤكد أنه يختلف حسب الجهة التابع لها .صحيح أن لى عمال معلقا ً ومتأخرا جدا مع أحد الناشرين الحكوميني ألسباب ً حاليا ،إال أن املعروف وامللموس أن ترجع لى أنا النشر الحكومى يعانى من مشاكل بيروقراطية مزمنة فى نشر الترجمات وغيرها باستثناء بعض آلخر. املحاوالت الجادة من آن ً وإذا كان لى أن أقول شيئا فى النهاية يخص اللغة األرديــة التى أترجم عنها فهو أن إقــدام أى ناشرعلى نشر ترجمة من لغة مثل األرديــة بالشروط الطبيعية أمر نوعى ً تماما بل واستثنائى إلــى حد كبير ،ال يمكن أن ُينتج حركة ترجمة حقيقية عن هذه اللغة.
٦
٥مايو ٢٠١٩العدد ١٣٤٥
أرطال من حلمى برغم أن أهم ما يصدر من كتب باللغة العربية اآلن ،ومنذ فترة غير قليلة ،هى الكتب املترجمة، وبرغم أن املترجمني باتوا يحظون بقدر من الثناء ولفت األنظار وربما «النجومية» ما كان أسالفهم األقربون ليحلموا بمثله أو ببعض منه ،فإن وضع املترجم ـ املــادى على األقــل ـ ال يعكس شيئا من ذلك. فاملترجم ال َ يعامل على اإلطالق باعتباره مالكا لترجمته ،صاحبا للنص العربى الذى أنتجه .هو أقرب إلى صنايعى ،فنى ترجمة ،حرفى يؤجر عن مهمة ،ثم تنقطع عالقته إلى األبــد باملنتج الذى ينتجه .يبيع املترجم الترجمة للناشر لفترة محددة ،أقلها خمس سنوات ،وتصل فى بعض العقود الجائرة إلى أربعة أمثال ذلك وربما أكثر. بال نسبة للمترجم من املبيعات ،بال مقابل مادى عند تجديد العقد ،وأغلب عقود الناشرين مع املترجمني تنص على تجديد العقد تلقائيا ،لكنها ال تنص ـ إال نادرا للغاية ـ على مقابل لهذا التجديد. ناهيك عن دور نشر تنكر على املترجم أن يوضع اسمه على غالف كتابه ،أو تفرض عليه محررا ينظر فى ترجمته وهو لم يترجم فى حياته إال فى امتحان الثانوية العامة ،أو دور أخرى ال تقبل كتابا مترجما ما لم يراجعه شخص حاصل على دكتوراه
لو أن القارئ يرفض الترجمات الرديئة واملعيبة واملتعجلة ،لو أنه ميتنع عن شراء ترجمات املبتدئني والدخالء والهواة، ملا استطاع ناشر أن يفرض شروطه املجحفة على مترجم جيد
أحمد شافعى وإن لم تكن له دراية بالترجمة. هذا فضال عن دور النشر الكثيرة التى يقوم عليها نصابون حقيقيون ،يتلقون آالف الدوالرات دعما من الــخــارج ،موجها للترجمة ،فال ينال املترجم منها شيئا ،بل وال يعلم عنها شيئا. وما هذه إال نماذج تخطر لى اآلن من املهازل التى يتعامل معها املترجم كل يوم. قد يبدو الناشر هنا هو شيطان املترجم ،هو شيلوك الطامع فى رطل من لحمه مع كل كتاب، ومع أنه كذلك فى كثير من الحاالت ،لكن الحقيقة أن عدو املترجم الحقيقى هو القارئ. بوسع أى مترجم جيد أن يرفض األجر الظالم واملعاملة الظاملة من أى ناشر ،بوسعه أن يفاوضه من موقع القوة ،لوال وجود القارئ الجاهل الذى يدعم الناشر ضد املترجم . لو أن القارئ يرفض الترجمات الرديئة واملعيبة واملتعجلة ،لو أنه يمتنع عن شراء ترجمات املبتدئني والدخالء والهواة ،ملا استطاع ناشر أن يفرض شروطه املجحفة على مترجم جيد .لكن بسبب بعض القراء الجهلة ممن يشترون أى ترجمة، تستطيع دار أن تصدر عشرات الروايات املترجمة مستعينة بطلبة أو خريجني جدد يحتاجون فى أحسن الحاالت إلى تدريب طويل على الترجمة.
صانع وتاجر العقود مهما كانت هى مجرد «حبر على ورق»، وشكل من أشكال التوثيق لضمان الحقوق ،ومع هذا من النادر جدًا أن تصل األمــور إلى املحكمة ،وال يحضرنى سوى مثال واحد لخالف وقع بني مترجم وناشر ،لكنه انتهى بالصلح فى النهاية. ِّ أنا شخصيًا حينما يؤخر ناشر ما مستحقاتى محام، املالية ال أفكر أبدًا فى الذهاب بعقدى إلى ٍ كل ما أفعله أن ِّ أوسط صديقًا مشتركًا بينى وبني ً الناشر ،ومثال حينما شعرت باليأس ذات مرة هددت باللجوء إلى اتحاد الناشرين ،هذا أقصى ما أفكر فيه ،وال أظن أن أحدًا من الطرفني ،سواء الناشر أو املترجم يفكر فى اللجوء إلى املحاكم، وبالتالى ال تكون املسألة «ما املكتوب فى العقد»، بقدر «الطريقة نفسها فى التعامل» ،مع العلم أن أى ناشر هدفه الربح ،ألنه صانع وتاجر فى نفس الوقت ،وهذا يخرجه ،أحيانًا عن «التركيز فى الصنعة» بقدر «تركيزه على التجارة نفسها»، وبالتالى يصبح غير مهتم بجودة الترجمة ودقتها، وممكن «يسترخص»ويستعني بمترجم «درجــة تانية» ،أو يضغط على مترجم مميز إلنهاء العمل سريعًا وبمبلغ أقل ،وهذا كله من أجل تحقيق ربح معقول. والسؤال :ما الــذى يريده املترجم سوى إتاحة
وبسبب هؤالء القراء يندر اآلن أن تجد من يترجم إال الروايات .وبسببهم ،ال يبالى أغلب الناشرين بعرض مخطوطات الترجمة قبل النشر على مصححني يضبطونها نحوا وصــرفــا وإمــاء. وبسبب القراء الجهلة يتحول غير املترجمني إلى مترجمني ،فمترجمني كبار ،فمراجعني ،فمأساة تامة األركــان ...ويتحول النصابون إلى ناشرين فناشرين أثرياء فمسئولني فى لجان تخطط للعمل الثقافى ،فكارثة .وهكذا ،بسبب القراء الجهلة، نتحول جميعا بمرور الوقت إلى قراء جهلة. والحل فى تقديرى ليس إال مظلة من القوانني، تحدد السعر العادل للترجمة أوال ،وتحدد حق املترجم (والكاتب عموما) فى كل نسخة تباع من كتاب له ،وتفرض على الناشر وعلى املطبعة رقابة تضمن الشفافية فى عدد املطبوع وعدد املبيع من النسخ. نحن بحاجة أيضا إلى ما يشبه جهاز حماية املستهلك نلجأ إليه كلما دفعنا عشرات بل مئات الجنيهات فى كتاب ثم تبني أنه ال يحقق معايير الكتاب الجيد. نحن ببساطة بحاجة إلــى قــانــون ،وسيادة للقانون ،وطبعا ،كما نعلم جميعا ،سنظل فى مصر إلى األبد بحاجة إلى القانون وسيادة القانون.
محمد عبدالنبى
أى ناشر هدفه الربح ،ألنه صانع وتاجر فى نفس الوقت ،وهذا يخرجه ،أحيان ًا عن «التركيز فى الصنعة» بقدر «تركيزه على التجارة نفسها»
وقت معقول أمامه؟ إنه ال يريد الشعور بالضغط، حتى ُيخرج العمل على أكمل صورة ،ويريد كذلك أن يشعر باألمان ،وهو لن يشعر بهذا دون أن يحصل على مبالغ تكفيه وتضمن له حياة كريمة ،ولكن هذا ال يتوفر فى معظم الحاالت. من األمور التى يفعلها الناشرون كذلك لتحقيق ربح سريع وسهل أنهم يحصلون على منح للترجمة من جهات أجنبية لترجمة كتب معينة ،ليست عظيمة فى األغــلــب ،وليست َّ ملحة بمعايير ما تحتاجه املكتبة ،ويدفعون جزءًا صغيرًا للمترجم من هذه املنحة ،وكل هذا َ ال يصب فى مصلحة القارئ الذى ُ سيذهب إليه املنتج فى صورته النهائية. كما أن الــنــاشــريــن ،معظم الــوقــت ،هــم من يختارون العناوين ،وعلى املترجم الرفض أو القبول ،وفى األغلب يقبل ،ألنه «عايز ياكل عيش»، أما الحاالت التى يختار فيها عنوانًا جيدًا ويستطيع إقناع الناشر به ،ويحصل على أجر جيد ،فهى تمثل استثناءات نادرة جدًا .لقد أصبحت العالقة بني املترجم والناشر محكومة بمصلحة الناشر ،الذى يتعامل معه باعتباره «صنايعى» ال يجب أخذ رأيه، مع أننا فى الواقع نستطلع رأى «الصنايعى» أحيانًا. وفيما يتعلق بالجهات الحكومية هناك مشاكل ُ أيضًا ،وعلى سبيل املثال ترجمت كتاب «املسرح
وفنون األداء ..سياسات الذاكرة فى األرجنتني» وكنت أتوقع أن يكلف املركز القومى للترجمة أحد املتخصصني فى املسرح باملراجعة لكنهم لم يفعلوا ذلك ،ربما ألنهم شعروا بأن الترجمة جيدة ،فقرروا أنها ال تحتاج إلى ذلك ،وبالتالى منحوا الكتاب ملصحح مباشرة ،وفى حــاالت أخــرى ال أشعر أن املراجع عنده الحساسية الالزمة للتصدى لترجمة معينة. وتظل مسألة األجر ،فى النهاية ،ضرورة كبيرة، فلو تصدى املترجم لعمل أو اثنني فقط فى العام وحصل مقابلهما على مبالغ تكفيه فال شك أن ُ ِّ سيركز ،ولن يشعر العائد سيكون عظيمًا ،ألنه بالضغط ،وبالتالى لن يضطر إلى إنهاء ترجمة سريعًا ليحصل على فرصة ترجمة ثانية ،وال شك أن جزءًا من النجاح سيعود عليه ،ألن الجميع سيطلبه باعتباره اسمًا مميزًا. كذلك ال يفوتنى الحديث عن التفاوت الرهيب فى األجر بني دور النشر الخاصة ،وكذلك بينها وبني الــدور مثيالتها العربية ،وأيضًا بينها وبني الحكومية ،ال يوجد معيار واضح يقول إن هذا هو متوسط األجر الخاص باملترجم ،ولذلك أتمنى أن تتعاون كل هذه الجهات فى وضع معيار واضح ومقبول له.
٣١ خالل أيام وحتديد ًا فى ٩مايو حتل ذكرى ميالد الروائى الكبير جمال الغيطانى وبهذه املناسبة تبدأ «أخبار األدب» نشر مجموعة مــن املــقــاالت والــشــهــادات الــتــى تستعيد الغيطانى فى جتلياته املختلفة ،الكاتب العاملى ،واجلورناجلى الــذى أســس «أخبار األدب» ومنح احلياة الثقافية زخم ًا كبير ًا، واإلنسان الذى ترك خلفه أتباع ًا ومريدين باملئات.
٥مايو ٢٠١٩العدد ١٣٤٥
جمال الغيطانى بني الصحافة والرواية شوقى بدر يوسف فى عددها التاسع الصادر فى سبتمبر 1969 نشرت مجلة الطليعة التى كانت تصدرها مؤسسة األهــرام فى ذلك الوقت ملفا توثيقيا عن أدباء الستينيات بعنوان "هكذا يتكلم األدبــاء الشبان.. شهادات واقعية وتعليقات" ،طرحت فيه املجلة عددا من األسئلة حول العالقة بني الفن واألدب ،وبني ما يمارسه الفنان أو األديب فى ذلك الوقت ،وطبيعة املناخ الذى يسيطر على ممارسة الفن أو األدب، والعالقة بني أدباء هذا الجيل ،و كذا العالقة التى تربط األديب ّبمؤسسات الدولة .وكان ضمن هذه الكوكبة من كتاب الستينيات الذين شملهم هذا امللف هو القاص الشاب جمال الغيطانى الذى كان عمره فى ذلك الوقت لم يتجاوز الرابعة والعشرين، وقد أشار جمال الغيطانى فى مستهل إجابته بقوله " :ترجع عالقتى بالقصة ،إلى فترة مبكرة جدا من عمرى ،كانت هذه العالقة تتخذ فى البداية شكل امليل إلى اختالق حكايات من ذهنى أثناء الطفولة أقصها على األصدقاء .طبعا تبلور هذا فيما بعد، واتخذ شكل االهتمام بالقراءة ،وأستطيع تحديد أول مرة كتبت فيها القصة خالل عام ،1959كنت فى نهاية املرحلة اإلعدادية من التعليم ،وفى ليلة سمعت حكاية يرويها والدى ،صغتها بعد أيام فى قصة قصيرة أسمها "السكير". عمل جمال فى بداية حياته العملية فى الجمعية الصناعية ملنتجات خــان الخليلى ،وكــان بحكم عمله فى هذا املجال معايشة الحرفيني واملتصلني بالصناعات اليدوية التى تحمل فى طياتها تراثا شعبيا عريقا يحتاج إلى الدقة والصبر ،وهو ما حببه إلى هذا املجال وجعله يتطلع ويتعايش مع هذه الفنون التى كانت مرتبطة بالناس فى حياتهم ومعتقداتهم ،كما كان للتاريخ دوره املهم فى بلورة فكر جمال الغيطانى وعنه يقول " :كانت نكسة 67 بوتقة صهرت تجربتى ،وفى آالمها اعتصر جيلى، فى تلك األيــام كنت أدور حول هذه اللحظة من التاريخ ،ابتعث من املاضى لحظات تتشابه مع اللحظات التى تمر بى أو أمر بها ،كانت عالقتى بالتاريخ املكتوب قد بــدأت مبكرة ،عندما كنت أخرج من مدرسة الحسني االعدادية وأمضى إلى الشيخ تهامى صاحب املكتبة التى تستقر حتى اآلن فوق رصيف الجامع األزهــر ،وبقروش قليلة اقرأ ،وكان من بني ما قرأته من كتب التاريخ ،تايخ الجبرتى ،وابــن إيــاس ،وابــن واصــل ،وأبــن تغرى بردى ،وكتب التاريخ الفرعونى واملالحم الشعبية وغيرها من الكتب" .وبعد فترة وجيزة من صدور مجموعته القصصية األولى "أوراق شاب عاش من ألف عام" ،انتقل للعمل بجريدة األخبار مما أتاح له فرصة القراءة ،واالحتكاك باملناخ الصحفى العام فى جريدة عريقة ،ومحاولة بلورة ما تعلمه وتعايش معه قبل االنتقال إلــى هــذا املجال فى عمله الجديد .كان هذا بعد أن صدرت ملجموعته األولى التى كتبت قصصها بعد نكسة ،1967حيث استدعاه املفكر محمود أمني العالم للعمل معه بمؤسسة أخبار األيــام التى كان يترأسها ،وكان العمل الصحفى فى ذلك الوقت له وجهان الوجه
التقنى الذى يتيح للصحفى شمولية الرؤية ودقتها، أما الوجه اآلخر فهو فى استهالك صاحبه خاصة إذا كان صاحب قلم يتوق إلى تحقيق ذاته أدبيا وفكريا .كلف جمال بالتردد على جبهة القتال أيام حرب االستنزاف كمراسل صحفى وبدأ ظهوره فى هذا املجال الصحفى منذ ذلك الوقت .والقارئ لسيرة جمال الغيطانى الببليوجرافية يجد أن هذا العالم اإلبداعى لجمال الغيطانى فى غزارة منجزه واعتماده على التاريخ والتراث فى تأصيل منابع اإلبــداع الروائى فى صورته التى ظهر بها يشير إلى أننا أمام منجز إبداعى له أسئلته الخاصة واإلجــابــات التى وضعها الكاتب فى ثنايا هذا اإلبداعّ . ووطن فيها أبعادا متنوعة فى رؤاه الخاصة والعامة تكمن فى كل منجز من منجزاته اإلبداعية القصصية والروائية والكتابات األخرى القائمة على رؤى استمدت من التاريخ والتراث املصاحب له وقائع وخطوط ومالمح تشكلها. وال شك أن الحياة التى عاشها جمال كانت لها جوانبها املختلفة فى شكل وموضوعات اإلبــداع، يظهر ذلــك فى حــواراتــه املختلفة فى الدوريات املختلفة والشهادات التى أطلقها للتعبير عن رؤاه تجاه عالم اإلبداع والجوانب السياسية والعسكرية األخرى التى كان مهموما بها فى حياته الخاصة. ولــد جمال الغيطانى فى قرية جهينة الغربية محافظة سوهاج فى 9مايو 1945ونشأ فى أسرة ريفية بسيطة فى قريته جهينة بصعيد مصر ثم انتقل مع أسرته إلى حى الجمالية بمدينة القاهرة القديمة وعمره ست ســنــوات ،وهــو الحى الذى استخدمه نجيب محفوظ كمكان ملعظم رواياته لذا كان ارتباطه بنجيب محفوظ كبيرا ،مما كان سببا فى تتبعه لخطى نجيب محفوظ اإلبداعية واقترابه الشديد بعامله ،درس فن تصميم السجاد حيث تخرج عام 1959وعمل فى هذا املجال حتى عام ،1967بدأ الكتابة القصصية عام 1959ونشر أول قصة قصيرة فى يوليو 1963فى مجلة األديب لصاحبها ألبير أديب ،اعتقل ملدة 6شهور وأقصى عن عمله فى عهد الرئيس أنــور الــســادات ،وفى مسيرته اإلبداعية الطويلة حصل جمال على العديد من الجوائز فى مجال الكتابة اإلبداعية بدأت بجائزة الدولة التشجيعية فى الرواية عام ،1980 ووســام العلوم والفنون من الطبقة األولــى ،كما حصل على وسام االستحقاق الفرنسى فى اآلداب والفنون من طبقة فــارس عــام ،1987وجائزة سلطان بــن على العويس عــام ،1997وجائزة لوربا تليون ألفضل عمل مترجم إلى الفرنسية عن روايــة التجليات ،وكللت مسيرته عام 2007 بحصوله على جائزة الدولة التقديرية ،ترجمت أعماله إلى العديد من اللغات ودرست فى العديد من الجامعات فى مصر وبعض الــدول العربية واألوروبية واألمريكية ،أسس جريدة "أخبار األدب" عام ١٩٩٣وعمل رئيسا لتحريرها حتى بلوغه سن املعاش ،وبعد هذه الحياة اإلبداعية املديدة رحل جمال الغيطانى فى الثامن عشر من أكتوبر 2015 بعد صراع طويل مع املرض ،وبعد أن وضع بصمة ّفى مسيرة السرد املصرى والعربى جعلته من أبرز كتاب السرد فى جيل الستينيات.
٣٢
٥مايو ٢٠١٩العدد ١٣٤٥
ملف
فى عام 96كانت زيارتى األولى إلى "أخبار األدب" مع صديقى الشاعر عبدالناصر عالم ،كانت اجلريدة قد أعلنت اسمى ضمن الفائزين مبسابقتها للقصة القصيرة، وجئت الستالم جائزتى400 ، جنيه ،اشتريت بها كثير ًا من الكتب ،وحينما هبطت من القطار إلى رصيف محطة جنع حمادى لم يكن فى يدى سوى التذكرة وربع جنيه معدنى "مخروم".
٥
٥مايو ٢٠١٩العدد ١٣٤٥
مع صبرى حافظ وروبن أوستل وبطرس احلالق
مع ممدوح عدوان واملنصف املزغنى
جمال الغيطانى ..أنشودة الكاتب واجلريدة حسن عبداملوجود استلمت املبلغ من املبنى اإلدارى ،ثم اتجهنا إلى املبنى الصحفى ،كما يفعل غيرنا يوميًا ،لزيارة أهم مكان ثقافى فى مصر ،قبلة األدباء والنقاد والباحثني ،كنت أقول لنفسى «ها هى الجريدة التى تحلم بالنشر فيها ،وها هو الكاتب الكبير األستاذ جمال الغيطانى على بعد خطوات منك». َّ وبعد قليل من االنتظار ،انفتح باب مكتبه ،وأطــل بوجه مشرق باسم ،واحتفى بعبدالناصر عالم احتفاء كبيرًا ،كان ناصر يشق طريقه بشكل جيد ،ونشرت له «أخبار األدب» بعض القصائد ،بينما امتنعت عن النشر لى ،ولكن جاء الدور َّ على أخيرًا ،فقد نشرت قصتى «طقوس البيت املبعثر» على مساحة كبيرة ،ومعها إشارة إلى أنها القصة الفائزة باملركز الـ 12مع أن «إعالن أسماء الفائزين» قال وقتها إنها القصة الحاصلة على املركز «السادس مكرر» ،لم أكن حانقًا ،بل كنت سعيدًا ألن الجريدة ستنشر لى ،حتى ولو قالت إننى صاحب املركز األخير ،كنت قد أرسلت كثيرًا من الخطابات إلى « 6ش الصحافة» ،وكــان األستاذ عمرو الديب ينشر بانتظام رسائلى فى باب البريد ،وها هى الفرصة تلوح فاتحة ذراعيها ،لم أكن أطمع سوى فى سالم على األستاذ جمال الغيطانى ،ولكنه فاجأنى بما هو أكثر ،نظر َّ إلى ،ونطق اسمى الثالثى ،كأنه يقرأه من كوبون املسابقة ،وقال إنه اطلع على كل النصوص التى اشتركت بها ،القصة الطويلة الفائزة، األقاصيص ،ووصفها بالجميلة ،وأخبرنى ومجموعة من َ َ كذلك أنها نافست القصة الفائزة حتى النهاية ،ولكن الرأى
استقر على «طقوس البيت املبعثر» ،ثم أبدى دهشته ألنه كان يعتقد أننى كبير السن ،وربما كان حديثه آنذاك نوعًا من املجاملة ،ألن اسمى وسنى وعنوانى وكل ما يتعلق بحياتى كان مدونًا بالكوبون ،قال لى وقتها« :كنت فاكر عندك ستني سنة، بس طلعت طفل» ،ثم أطلق ضحكته املميزة فهزت شبابيك ً الطابق الثامن .جلسنا بصحبته قليال ،وحينما انتهى اللقاء أصر على توصيلنا حتى باب األسانسير ،وكان انطباعى األول عنه عظيمًا ،الكاتب الكبير املبتسم ،املتواضع ،واملجامل إلى أقصى درجة ،وهكذا أحببته فورًا.
للفنان :جودة خليفة
كان الغيطانى حريص ًا على أن ينقل إليك بكل جوارحه أنه يفهم تعبك ،ويقدر مشقة صادفتها ،وجهد ًا بذلته ،ولغة تخاتلك ،لغة تخلع قناع امرأة فائقة اجلمال وتنظر إليك بوجه قبيح مدمم، وفن ًا حتاول ملسه والعبور من جنانه
وقد حكت لى الدكتورة سمية رمضان منذ فترة أن املوقف نفسه تكرر معها فى مقابلتهما األولى« :حينما ذهبت إليه ،وكان ذلك منذ سنوات بعيدة جدًا ،قابلنى بترحيب بالغ ،وأعطانى إيحاء بأنه يعرفنى ويتابعنى جيدًا ،وتعامل معى كما لو أننى كاتبة كبيرة ،وأصر على توصيلى حتى باب األسانسير ،وطبعًا بفتكر ده باندهاش شديد ،ألنه مني البنت دى اللى الغيطانى بجاللة قدره يوصلها بنفسه لغاية األسانسير؟!» .وفى األغلب ً تلك األمور الصغيرة ،هى ما ينطبع فى الذهن ويدوم طويال، خاصة مع الذوات النرجسية التى تميز األدباء ،نرجسية ال تحتمل أبدًا أى هفوة فى التعامل .لم يكن الغيطانى محايدًا، وال يرحب بحساب ،أبدًا ،بل كان سخيًا جدًا فى معامالته، كان يمدك منذ الوهلة األولى بثقة مفرطة فى نفسك ،ولم تكن عالقته تنتهى بالكاتب مع انتهاء املقابلة ،وكثيرًا ما كان ذلك الكاتب ُيفاجأ باتصال منه على هاتف البيت ،قبل ظهور املوبايل ،وقد فعلها مرة معى ،وجاءنى أخى محمد ليقول إن األستاذ جمال الغيطانى على التليفون ،وقد اعتبرتها مزحة، حتى سمعت صوته ،وتأكدت أنه نفس الصوت لنفس الشخص الذى قابلته فى الطابق الثامن من مبنى «أخبار اليوم» .كان يفعل ذلك مع عشرات غيرى بدأب وإخــاص ،كأنه يقدم فريضة للثقافة ،وكــان دائمًا يستخدم تعبيرات من عينة «تقليب التربة املصرية» إذ كان مؤمنًا بأن األحوال قد تمنع البعض من إرسال أعمالهم ،أو ربما قد تقضى عليهم إذا لم يجدوا العناية الكافية ،ولهذا كان مقتنعًا بضرورة املبادرة بطلب نصوص من أدباء واستكتاب نقاد وباحثني ،ونجح فى تحويل «أخبار األدب» إلى بيت للجميع ،بيت قد تبتعد عنه ً قليال أو كثيرًا لكنك تعرف أنك ستعود إليه فى النهاية ،وكان مقتنعًا بأن الجريدة لها وظيفة تربوية ،قال لى مرة إن نشر ُالنصوص ليس الغاية النهائية ،وإن كثيرًا من النصوص التى تنشر ليست عظيمة ،لكن من ننشر لهم ،خاصة من يشقون طريقهم بالكاد ،يجدون أنفسهم فى نفس املساحة مع أسماء من العيار الثقيل ،أسماء بحجم إبراهيم أصالن ومحمد البساطى وإبراهيم عبداملجيد وبهاء طاهر وخيرى شلبى وسعيد الكفراوى وخيرى عبدالجواد ومجيد طوبيا وجميل عطية إبراهيم وفاروق شوشة ومحمد إبراهيم أبوسنة وبدر شاكر السياب وسعدى يوسف ومحمد بنيس ومحمد على وحسن طلب ورفعت سالم شمس الدين ومحمد سليمان ِّ وحلمى سالم ،إلخ ،وهذا التجاور ُيحفزهم ،ويمنحهم الثقة ً املطلوبة لشق الطريق« ،تخيل ،مثال ،حسن عبداملوجود بينشر
للفنان :جيرارد سيكوتو
العقود ال تضمن سوى الفتات للمترجم
صكوك عبودية
هذه حكاية دالة جدًا. دار نشر خاصة حصلت على تمويل لترجمة كتاب ما ،وكلفت مترجمًا بالتصدى له ،مقابل أجر َّ َّ قبل ،ووقع العقد ،وسارت األمور جيدًا معه ،فقد متوسط ،مقارنة بحجمَّ املنحة الغربية ،واملترجم ِ انتهى من الترجمة وسلمها فى موعدها ،لكنه فوجئ بالناشر يطلب منه التوقيع على ورقة غريبة، ورقة تفيد بأنه حصل على مبلغ أكبر بكثير مما حصل عليه ،مبلغ محدد باليورو مع أنه حصل على أجره بالجنيه املصرى ،وأخبره الناشر كذلك ،بينما يحاول ،يا للغرابة ،إقناعه باألمر ،بأنه مطالب بإرسال هذه الورقة إلى الجهة املانحة ،وهكذا عرف املترجم أنه َّ تعرض لعملية نصب كبيرة ،وكان مدهشًا أن يطلب منه الناشر بكل بساطة مساعدته فى إتمام عملية النصب! ليست هذه هى الحكاية الوحيدة التى تكشف شكل العالقة بني الناشر واملترجم ،العالقة التى يحكمها الطرف األقوى «الناشر» ،فهو فى األغلب من يختار العناوين ،وهو من يضغط على املترجم إلنجاز العمل ،وهو من يحدد األجر ،واملترجم تنتهى عالقته تمامًا بالعمل لحظة الترجمة ،وليس هناك فى السوق معايير تحدد متوسطًا لألجور ،وكل دار تحدد سعرها ،والجهات الحكومية تتعامل أيضًا بسياسة أجور تخصها ،وهكذا تحكم العشوائية كل شىء يخص عملية الترجمة ،واملترجم املضغوط باحتياجاته األسرية يضطر ،فى أغلب األحيان ،للقبول ،بعقود تشبه عقود اإلذعان ،أو صكوك العبودية فى بعض الحاالت ،مع التأكيد على أن االستثناءات حاضرة فهناك نماذج جيدة لدور نشر تتعامل باحترافية شديدة ،وتمنح املترجم ما يستحق .الكالم لن ينتهى ،واألفضل ترك املجال للمترجمني أنفسهم للحديث ،فهم القادرون على عرض مشاكلهم ،واألهم طرح حلول لها نتمنى أن تجد من يصغى.
.حسن عبداملوجود
بدون دعم من جهات أجنبية ال حقوق لنا خبرتى فى العالقة بني املترجم ودار النشر تتلخص فــى كلمتني ،بــدون دعــم مــن جهات أجنبية ليس للمترجم حقوق «تقريبًا» ،أو ينال املترجم فتاتًا ،ال سيما من دور النشر املصرية. وحتى الدعم تريد دور النشر «املصرية خاصة» جزءًا منه ،أو قطعة من التورتة ،فخلى الواحد ســاكــت أحــســن .هــذا طبعا تعميم ،وهناك استثناءات .وعمومًا أيضًا خبرتى مع الدور العربية أفضل. هل يحصل املترجم على نسبة من املبيعات؟ هناك بعض الدور تفعل هذا ،خاصة فى ًالطبعة الثانية ،ولكن هذا موضوع إشكالى .أوال ،هم
كل ما أطلبه كمترجم :االتفاق على مكافأة فى العقد ،مكافأة يرضى عنها الطرفان
يكتبون فى العقد «الحساب سنويًا» ،ولكن طبعًا ال أحد يتصل بك ليقول :العام املاضى بعنا كذا وحقك كذا ،ال بد أن تسأل أنت ،وتلح فى السؤال «وطبعا هذا تعميم» ،أكرر ،و«هناك استثناءات مفرحة»ً ،ثانيًا :هل تستطيع ككاتب أو كمترجم أن تعرف فعال كم باع كتابك؟ هل ترى أى حسابات يمكن الثقة فيها؟ أم يخبرك الناشر برقم، وعليك أن تصدقه؟! فى دور النشر بمعظم الدول األوروبية هناك كشف حساب ،يمكن أن يكون سنويًا ،أو شهريًا حتى ،وستجدهم يقولون لك كم عــدد النسخ املبيعة فى كل مدينة بدقة ،وبالطبع ال أقارن وال
سمير جريس أطلب هذا ،ولكن العالقة بني الناشر والكاتب أو املترجم فى عاملنا العربى عالقة مأزومة وإشكالية فيما يتعلق باملكافأة أو نسبة املبيعات، ووالله أنا كل ما أطلبه كمترجم :االتفاق على مكافأة فى العقد ،مكافأة يرضى عنها الطرفان، ثم االلتزام بهذا العقد .هذا هو كل شىء ،وهذا ما ال يحدث دائمًا ،لألسف الشديد. كلمة ختامية ،حتى ال تكون الصورة كلها قاتمة، ً هناك فعال دور محترمة ،أحرص على التعاون معها ،تلتزم بكل ما ورد فى العقد ،هذه استثناءات مفرحة أتمنى أن تصبح هى القاعدة.
٤
٥مايو ٢٠١٩العدد ١٣٤٥
شهدت أكادميية الفنون األسبوع املاضى، فعاليات مؤمترها العلمى األول حتت عنوان «الفن األفريقى ..أيقونة اإلبداع اإلنسانى»، الذى أقيم حتت رعاية د.إيناس عبد الدامي وزيرة الثقافة ،ود.أشرف زكى رئيس األكادميية، وقد تولت رئاسته د.غادة جبارة نائب رئيس مقررا. األكادميية ،ود.إميان مهران ً عددا من اجللسات العلمية، تضمن املؤمتر ً باإلضافة إلى معرض بعنوان «أفريقيا فى عيون الفنانني» بقاعة مختار عبد اجلواد، وآخر للفنان د.وائل صابر بقاعة ثروت عكاشة، ومهرجان لألكالت واألزياء التقليدية األفريقية أمام معهد الفنون املسرحية. د .غادة جبارة رئىس املؤمتر مع بعض املشاركني
فى مؤمترها العلمى األول:
أكادميية الفنون حتتفى باإلبداع األفريقى عائشة املراغى شملت الجلسات العلمية أكثر من محور ،جاء على رأسها «املوسيقى األفريقية» التى استغرقت ًما يقرب من ثالث جلسات نقاشية وحوالى 15بحثا، حيث تناول عاطف إمام فهمى فنون أداء املوسيقى ً مشيرا والغناء الصوفى فى دول شمال أفريقيا، إلى أن موسيقانا العربية ارتبطت بالجانب الدينى واستمدت ألحانها من اللغة العربية لغة القرآن الكريم .وهو ما ذهب إليه أشرف عبد الرحمن فى ورقته البحثية حول «املوشحات األندلسية فى دول شمال أفريقيا بني التشابه واالختالف» ،حيث أرجع تفرد موسيقى وأغانى شمال أفريقيا عن باقى شعوب القارة األفريقية ،إلى نزوح العرب بعد سقوط األندلس فى عام ،1492حاملني معهم فنونهم وآدابهم ،ومن أهمها املوشح األندلسى .وقد تطرق الباحث إلى تاريخ ظهور املوشح والتغيرات التى حدثت له فى األندلس وكيفية انتقاله إلى البالد العربية وخاصة بالد املغرب العربى. وبشكل أكثر تخصص ودقــة؛ تناول عبدالله إبراهيم عبدالله آلة الزمبارة ،األبرز فى السودان، وهى نوع من أنواع الناى ،تتميز ألحانها بالشدو األخاذ الذى يقترب من النفوس ،ولها عدة أشكال منها ذات الثقوب الثالثة واألربــعــة والخمسة. وفى نهاية ورقته يتطرق الباحث إلى أبواق الوازا ً الجمعية موضحا الفرق بينها وبني الزمبارة ،بينما يتخذها محمد آدم سليمان أبو البشر موضوعاً لبحثه بعنوان «أبواق الوازا الطقسية بإقليم النيل ً موضحا أن تلك اآللة ارتبطت باملوسيقى األزرق»، الطقسية خاصة بموسم الحصاد .أما محمد أبو ً نموذجا فى بحثه شنب فاختار الطنبورة األفريقية ً مصدرا لإلبداع»، «اآلالت املوسيقية األفريقية وهى واحدة من أهم اآلالت الوترية األفريقية التى عرفتها البشرية فى عصورها األولى ،وتجمع بني الكثير من العناصر الثقافية ذات الطابع املادى (امللموس) وغير املــادى (املــحــســوس) ،لكنها فى طريقها لالندثار ،لعدم توافر أماكن كافية مخصصة لتدريب الشباب على صنعها وطريقة العزف ًعليها. انتقال إلى فن املسرح؛ تناوله على حمودين ونجالء نجاحى عند األمازيغ فى شمال أفريقيا، موضحني مراحل تطوره وتأثره باملسرح اليونانى والرومانى ،واتجاهات التجريب فيه .ومن جانبها ناقشت رشا خيرى الدور َّ الفعال ملا ُيسمى باملسرح من أجل التنمية ،فى مجابهة املشاكل االجتماعية ً خصوصا فى البلدان واالقتصادية والصحية، النامية من خالل عرض لنماذج من بلدان أفريقية مختلفة .يتميز هذا النوع من املسرح بأنه ال يشترط وجــود مسارح تقليدية وإنما يمكن تقديمه فى
إحدى اجللسات يرأسها د .زين نصار
الفنان األفريقى اجته إلى صناعة األوانى الفخارية بغرض خدمة املجتمع ورغبته فى االرتباط بالقوة الروحية الكامنة خلف عالم املرئيات ،وهى من املهام املوكلة إلى املرأة األفريقية ملا لديها من خبرات متراكمة ومتوارثة عبر األجيال. الساحات واألســواق والغرف ،وبالتالى ال يتطلب أى تجهيزات معقدة أو مصاريف إنتاجية ضخمة، ولذلك يمكن تحقيقه فى الريف واملدن بشكل ثابت أو متجول .وهو يتوجه فى األساس للجمهور الذى ال يتاح له ارتياد املسارح من الطبقات الفقيرة واألقل ً حظا فى املجتمع. وعلى مستوى الــســرد؛ ناقش حمدى النورج «الحضور األفريقى (دول حــوض النيل) فى الرواية املصرية» واتخذ من رواية «عتبات الجنة» ً ً نموذجا، لفتحى إمبابى موضحا أبعاد الحضور املصرى داخل دول حوض النيل ،وكيف هو التفاعل والتعاطى مع روح التواجد ،وكيف لعبت العسكرية املصرية دورها البالغ على مدى سنواتها املمتدة فى احتضان دول حــوض النيل ،وتجذر العمق التاريخى للوجود املصرى داخل دول أفريقيا .بينما تناول حسام نايل «تمثيالت أفريقيا السوداء وبناء الهوية السردية» من خالل رواية «ثقوب فى الثوب األسود» إلحسان عبد القدوس ،التى يدور نطاقها الجغرافى بني داكــار عاصمة السنغال وباماكو عاصمة مالى. وما بني الرواية والهوية؛ ناقشا على حمودين
ونجالء نجاحى «مالمح الهوية الثقافية فى الرواية األفريقية الحديثة» من خالل رواية (املفسرون) لوول سوينكا ،ذلك الكاتب النيجيرى الذى تمكن فى مؤلفاته الروائية واملسرحية من سرد وتمثيل تاريخ القارة السوداء ونضال شعوبها وأنماط عيشهم وتجسيد هويتهم الثقافية األفريقية. بينما تطرق أشرف توفيق إلى تناول هوية مصر األفريقية فى إطارها العام ،حيث رصد مواطن التجليات األفريقية فى فنون مصر مثل املوسيقى والغناء والحرف الشعبية والفنون التشكيلية مثل املوتيفات ذات الشكل املثلثى واأللــوان الزاهية الساخنة فى زخرفة جدران بيوت النوبة املصرية وشمال السودان ،واألدوات املنزلية املستعملة ً يوميا فى مصر وتشابهها مع نفس تلك األدوات فى نوبة شمال السودان والنيجر وتشاد ،وكذلك فى بعض املمارسات ًاالحتفالية الشعبية مثل الزار. َّ واستغراقا فى محور املأثورات الشعبية ،تحدثت إيمان مهران عن «القيم الجمالية لفن (الزربية) فى شمال أفريقيا» ،وهو فن املرسمات النسجية املرتبط بتغطية األثــاث واألســطــح واألرضــيــات املختلفة ،يتميز بالدقة والتصميمات املحلية
القديمة .أمــا هــدى على أحمد فتناولت «اإلنــاء األفريقى بني اإلبداع وتأصيل الهوية األفريقية» مشيرة إلى أن الفنان األفريقى اتجه إلى صناعة األوانــى الفخارية بغرض خدمة املجتمع ورغبته فــى االرتــبــاط بالقوة الــروحــيــة الكامنة خلف عالم املرئيات ،وهى من املهام املوكلة إلى املرأة األفريقية ملا لديها من خبرات متراكمة ومتوارثة عبر األجيال .وبني املــوروث والفن تناول د.أحمد املعتقدات عبدالله «فــن األقنعة األفريقية بني ً املحلية والتأثير فى الفن األوروبى الحديث» ،مؤكدا أن الثراء الفنى الذى تميزت به الفنون األفريقية وبخاصة نحت األقنعة ،جعلها محط أنظار الكثير من الفنانني األوروبيني ،حيث وجدوا فيها ً مثيرا ً بصريا له قيمته الفنية وتأثيرها الوجدانى ،مما حفزهم لالستلهام منها فى إبــداع الكثير من األعمال الفنية بأساليب جديدة. على الــرغــم مــن تنوع الثقافات فــى القارة األفريقية إال أنه ال يوجد انتشار أو استغالل لها بني دول القارة على املستوى اإلقليمى ،بشكل يؤدى إلى املحافظة على الهوية األفريقية وعدم اندثارها وسط التغيرات الثقافية التى يشهدها العالم ً حاليا .هذا ما ذهبت إليه نيفني وجيه محمد كساب فى بحثها حول «دور اإلنتاج اإلعالمى فى الترسيخ للثقافة األفريقية» حيث أشــارت إلى أنه ال يوجد توثيق للتراث اإلنسانى الذى تمتلكه القارة األفريقية من خالل األعمال الفنية املختلفة وخاصة اإلنتاج السينمائى والتليفزيونى املتعدد األشكال .وفى نفس اإلطار ناقشت صفاء سعد «دور املسلسل التليفزيونى السودانى فى قضايا التنوير والتغيير االجتماعى» مشيرة إلى تطور املسلسل التليفزيونى األفريقى فى اتجاه التطرق لقضايا والتنوير ،وأرجعت املجتمع والهوية وقضايا التغير ً اختيارها للدراما السودانية تحديدا إلى التطور فى األفكار واملضامني والتنوع الذى شهدته حتى على مستوى الكتابة والتأليف واإلخــراج واألداء التمثيلى خالل األونة األخيرة. بينما تناولت رانيا مراد عبد الرحمن وإيناس الشيخ «دور اإلعالم فى دعم العالقات املصرية األفريقية» ،تلك العالقات التى مرت بتحوالت كثيرة من التهميش إلى االندماج ،لكن مصر تسعى ً دائما ألن تكون حلقة الوصل بني أفريقيا والعالم العربى ،لتحقيق مزيد من التعاون األفروعربى والــتــنــمــيــة عــلــى كــافــة املــســتــويــات السياسية واالقتصادية واالجتماعية ،بما يصب ويخدم القارة األفريقية واملنطقة العربيةَّ ، ويعد اإلعالم أداة فعالة من أدوات تحقيق التنمية ،حيث يلعب ً دورا ً كبيرا فى تحقيق االستراتيجيات والسياسات التى تستهدف إعادة بناء املجتمعات.
٣٣
جنب إبراهيم أصــان» ،يقول ويضحك بسخرية ،وأقول له ،إن هذا حدث كثيرًا فى السنوات التى سبقت التحاقى بالعمل إلى الجريدة ،على يد األستاذ مصطفى عبدالله ،كنت محظوظًا بالنشر مرتني إلى جوار محمود درويش. كــان يعرف أن الكتب ال تصل بانتظام إلــى األقاليم، باستثناء الكتب التى توزعها املؤسسات الصحفية الثالث الكبرى ،وكانت أنجحها دار أخبار اليوم ،التى وزعت آالف النسخ من أعمال محمود السعدنى ومصطفى محمود وأحمد رجب والشيخ محمد متولى الشعراوى وغيرهم ،لكن األعمال األدبية كان محكومًا عليها بالعزلة ،خاصة وأن األمور قبل السوشيال ميديا وانتشار املكتبات بهذا الشكل املكثف وتمدد معارض الكتب كانت صعبة ،حتى األدباء الكبار لم يسلموا ْ وحصر كل منهم فى أبدًا من النظرة الضيقة إلى أعمالهم، عمل وحيد كأنه لم يكتب غيره «الوقائع الغريبة فى اختفاء سعيد أبى النحس املتشائل» إيميل حبيبى« ،الثالثية» نجيب محفوظ« ،رامة والتنني» إدوار الخراط« ،الزينى بركات» جمال الغيطانى« ،شرف» صنع الله إبراهيم« ،البحث عن وليد مسعود» جبرا إبراهيم جبرا« ،رجال فى الشمس» غسان كنفانى« ،املجوس» إبراهيم الكونى« ،بيضة النعامة» رؤوف مسعد« ،حدث أبوهريرة قال» محمود املسعدى« ،الحرب فى بر مصر» يوسف القعيد« ،الرجع البعيد» فؤاد التكرلى، والقائمة تطول ،وهكذا يجد الكاتب الناشئ نفسه أمام عروض لكتب ال تصله ،وسيأخذ منها طرفًا ،وربما يبحث عنها يومًا ما ،وسيقرأ دراســات مهمة لعبدالفتاح كليطو، وأبى يعرب املرزوقى وجابر عصفور وعبدالعزيز حمودة، وإذا تعلق األمر بالفن التشكيلى سيجد نفسه فى مغارة «على بابا» ،شاجال ،دافنشى ،فان جوخ ،مايكل أنجلو ،رافييل، بيكاسو ،أوسكا ،رينوار ،دالى ،بوتيرو ،هوبر ،هوكوساى، وعشرات غيرهم من أشهر الفنانني ،ينتمون إلى كل العصور، مشاهير ومظاليم أزاحتهم سطوة الكبار من منطقة الضوء وتركتهم فى صقيع العتمة ،فنانون لم يأخذوا فرصتهم رغم أن أعمالهم تشهد بنبوغهم وعظمتهم ،كان كذلك يصر على منح األعمال املنشورة فى «أخبار األدب» روحًا خاصة ،وارتبطت النصوص لفترة باثنني من أهم الفنانني املصريني ،جودة خليفة ،الذى تنطق أعماله بالروح املصرية فى عمومها ،وجميل شفيق بعوامله الصامتة ،نساء متوحدات حزينات ،وأسماك تسرح فى ملكوت الرمال ،وأحصنة، وصحراوات ،وجبال ،وقد رأيت شفيق أثناء زيارة خاطفة لـ»أخبار األدب» فى النصف الثانى من حقبة التسعينيات وهو يرسم على األوراق البيضاء بالرصاص ويحول سطحها امليت ْإلى أبعاد وأكوان تموج بحياة هادئة ،وانبهرت حينما أسفرت تخطيطاته السريعة املاهرة عن وجه امرأة مصرية يقطر الكحل من عينيها ،امــرأة بجمال نساء مودليانى، لكنهن منتشيات بروح مصرية ،غادرت أماكنها من أيقونات الكنائس وتلبستهن ،مانحة إياهن ذلك اإلحساس املوغل فى العتاقة والجمال ،وهكذا لو افترضنا أن ُ«أخبار األدب» بيت، رفه كاتب من قرية بيت عاملى ،يجلس فى غ ِ سيكون أقرب إلى ٍ ٍ مصرية نائية جنبًا إلى جنب مع سميح القاسم ،وباختني، وتــودروف ،وسلمى الخضراء الجيوسى ،ومحمد دكروب، ومحيى الدين اللباد ،وأنسى الحاج ،وصالح عبدالصبور، وأحمد عبداملعطى حجازى ،وأمل دنقل ،وإدوار سعيد ،ونعوم تشومسكى ،وقاسم حداد ،ويوسف أبورية ،وأبوالعالء املعرى وشمس الدين التبريزى.. وجالل الدين الرومى ُ أصحاب البيت فراعنة ،وكائنات مسحورة خارجة لتوها من «ألــف ليلة وليلة» ،حيوانات «كليلة ودمنة» العظيمة، وعالء الدين ومصباحه والجنى وفانوسه ،وغلمان أبى نواس وعشيقات ماركيز ،وصخور من «أرض الحقيقة» جلبها محيى الدين بن عربى ،بعد أن تجرد من هيكله مثل شيخ املريد أبى الفخر الكرمانى ،واجتاز الزمان واملكان .فى ذلك البيت الذى أسسه جمال الغيطانى تنساب موسيقى لطاملا اقترنت بحضوره إلى مكتبه فى الثامنة صباحًا ،موسيقى تركية ،أو مغربية ،أو مصرية تنطق بتلك البهجة التى تتلمس خطوات املجد مع صوت ليلى مراد ومحمد عبدالوهاب فى «يا دى النعيم» ،أو الجنة فى صوت محمد رفعت ،أو أوبرالية ،أو سيمفونية كأنها ترنيمة قادمة من الكنيسة املجاورة ملبنى األهرام. كان الغيطانى حريصًا على أن ينقل إليك بكل جوارحه أنه يفهم تعبك ،ويقدر مشقة صادفتها ،وجهدًا بذلته ،ولغة تخاتلك ،لغة تخلع قناع امرأة فائقة الجمال وتنظر إليك بوجه قبيح مدمم ،وفنًا تحاول ملسه والعبور من جنانه. عدت ذات مرة من وادى النطرون ،وفى ذهنى حكايات شاهدتها وسمعتها عن الرهبان هناك ،وغـــارات كانوا يتعرضون لها من البربر .لطاملا جاءت قطعان الهمج من
٥مايو ٢٠١٩العدد ١٣٤٥
ملف
الغيطانى دائم البحث عن اخلصوصية املصرية ،فى معمار حسن فتحى بالقرنة ،فى معمار قاهرة املعز لدين اهلل الفاطمى ،وأسبلة مصر القدمية ،فى مقابر القاهرة ،وفى خصوصية احلارة الشعبية
مع جريجورى بك
الصحارى وحاصرتهم ،كان البربر يعتقدون أن ذلك املظهر املتقشف يخفى وراءه شيئًا ما ،ربما ذهب ،ربما أملاس ،وربما أحجار كريمة ،وبالتالى كانوا يقتحمون األديرة والقاليات ويدمرون كل ركن فيها ،ويعميهم الغضب عن رؤية الحقيقة البسيطة ،أنه ال ذهب وال حتى نحاس ،وإنما أجولة من البذور ْ لتطم ِئن تقاوم الزمن والعطن والشمس الحارقة القاسية، رجال الدين أن بوسعهم الحياة ألشهر قليلة فى سكينة ،ثم يتحول غضب البربر إلى إعصار ،ويقطعون أيدى وأرجل الرهبان شر تقطيع ،وبعد كثير من تلك الهجمات الخائنة يبدأ الرهبان فى بناء أديرة تشبه القالع ،وتخزين الغالل واملياه ،حتى إذا جاء البربر انعزلوا بأنفسهم لشهور أو حتى سنوات ،يشعر البربر باليأس ويعودون إلى صحرائهم القاحلة الجهنمية خائبني مشتعلني بالكراهية باحثني عن عدو جديد .استمع الغيطانى ملا أســرده بصبر ،وراقــت له الحكايات ،وقال لى إنه سيمدنى بمراجع تضىء لى تاريخ هذا املكان ،منها كتاب أصدرته الجامعة األمريكية به صور نادرة لألديرة ،وهذه قيمة الغيطانى ،أنه ال يكتفى باملتاح ،ويقنعك بأن هناك ما هو أفضل ،وما هو أبعد من الحكاية ،ونشر املوضوع بعنوانى فى الصفحات الداخلية «حكايات الرهبان فى وادى النطرون» ،ونشره بعنوان جذاب فى الصفحة األولى «بحثًا عن الذهب فى أديرة وادى النطرون» ،وهاتفنى مساء الجمعة ،وأخبرنى أن تليفونه لم يتوقف عن الرنني ،كان يقول لى إن هذه هى مصر التى نريد تقديمها للعالم ،مصر التى ال نعرف عنها شيئًا ،وسرد لى قائمة من اتصلوا به للثناء على املوضوع ،وقال لى« :أخوك محمد الغيطانى هيكلمك ألنه فرحان جدًا باملوضوع» ،وكانت هذه هى أول مكاملة بينى وبني محمد. كان الغيطانى دائم البحث عن الخصوصية املصرية ،فى
للفنان :جميل شفيق
معمار حسن فتحى بالقرنة ،فى معمار قاهرة املعز لدين الله الفاطمى ،وأسبلة مصر القديمة ،فى مقابر القاهرة ،وفى خصوصية الحارة الشعبية ،كان يرى أننا نجافى الروح التى ميزت شخصيتنا املصرية ،وأن إبراز الجمال املصرى من حولنا قد يعيد شيئًا مما فقدناه .لقد فاجأنى بمكاملة أخرى كما فاجأ غيرى وقال نفس الكالم عن الروح املصرية بعد أن قرأ روايتى «عني القط» ،وكنت وقتها فى مدينة «املنصورة». كان كالمه عيدًا بالنسبة لى ،كما كان عيدًا لكثيرين اتصل بهم أو كتب عنهم أو قابلهم وجهًا لوجهَّ ، وعبر لهم عن محبة غامرة واحترام ملا يقدمونه. كان الغيطانى منفتحًا على الجميع ،واالنفتاح هو أساس الخلطة التى صنعت الجريدة .عرف العالم العربى معنى التعددية ال من خالل سياسات وحكومات ،وإنما من خالل َ واملطاردين واملهاجرين جريدة أدبية ،كانت ساحة للمغتربني ومحبى الحياة وكارهى أنفسهم والهادئني والصاخبني والكالسيكيني والحداثيني وما بعد الحداثيني والواقعيني والخياليني والحكائني والزجالني والشعراء وأشخاص عبروا إلى األدب ضيوفًا وغــادروه سريعًا على ريش نعام أو محمولني إلى القبور ،وأشخاص تشبثوا بمواقعهم رغم صعوبة الرحلة ،كان تليفونه متاحًا للجميع ،يشكو أن الناس ال يرحمونه ويتصلون به 24ساعة ،ومع هذا كان يرد آناء الليل وأطراف النهار ،كان يشكو كذلك أن صحته ال تحتمل كالسابق أن ُيقابل كل هؤالء األشخاص القادمني من بلدان عربية وأجنبية .طالب علم من إفريقيا ،وآسيا ،وشرق أوروبا، مستعربون ،ورؤساء أكاديميات ،وزراء ومهندسون وعلماء ومترجمون ورؤساء هيئات ثقافية ،مخرجو سينما ونقاد كبار، شباب يتلمسون الطريق وكتاب راسخون ،مريدون وأصدقاء تاريخيون ،لكنه أيضًا أتاح نفسه طوال الوقت .كان العشرات يرسلون خطاباتهم أو فاكساتهم إلى أن يحني وقت يتمكنون فيه من شق املسافات بالطائرات والقطارات والسيارات ملقابلته .كان الغيطانى مزارًا حيًا ،ال شك فى ذلك ،و«أخبار األدب» استمدت روحها وخصوصيتها من قوة شخصيته وتأثيره الشبيه بتأثير االنفجار العظيم ،خبت الجريدة فى فترات ،ولكنها عادت قوية فى فترات أخرى ،إذ أن األساس الذى رماه حتى سابع أرض يمكنه أن يسندها ملائة عام على األقل. كان الغيطانى رغم كل مشاغله يدير معارك فى جميع االتجاهات ،معارك مبنية على الفكر ،ال على مصالح شخصية ضيقة ،ولكنه بالطبع كان يحزن ويغضب ،كان يتحول إلى زلزال هادر فى غضبه ،وإلى بحيرة صافية ،فى هدوئه ،صفاء يكشف األحجار واألصداف والشعاب املرجانية واألسماك امللونة فى القاع ،كان يترك نفسه على سجيتها ليسخر من هذا أو ذاك ،كان يسخر منى ،ومنك ،ومن نفسه ،لكنه لم يكن كارهًا ،وال فاجرًا فى خصوماته ،كان يريد أن يسخر، ويمزح ،ويضحك وكفى ،أن يلقى جملته العابثة ،وينفجر بعدها فى ضحكته القوية املميزة .كنت قد نشرت حوارًا مع عماد أبوصالح فى «أخبار األدب» ،والعنوان الذى اختاروه للصفحة األولى «عماد أبو صالح :شعراء التسعينات مناديل كلينكس» ،وكان كلما أخبرته بأن نرجسية فالن طفحت عليه فى هذه اللحظة ،وأنه رفض املشاركة فى تحقيق معى ،كان يفكر لحظة ويقول كأنما يتحدث بجدية شديدة« :ده كده عايز عماد أبوصالح ،هات له عماد أبوصالح» ،ثم ينفجر فى الضحك ،ويمسك قلبه ،كأنما يحافظ على بقائه فى مكانه طوال تلك الضحكة القوية الصافية الجميلة .ما أجمل قلبه ذاك ،وما أجمل املشاعر التى حملها ناحية أقرب الناس إليه، عائلته الصغيرة ،وعائلة األدباء الكبيرة ،بل واإلنسانية كلها.
٣٤
٥مايو ٢٠١٩العدد ١٣٤٥
3
5مايو ٢٠١٩العدد ١٣٤٥
بفارق توقيت بسيط ،تزامنت ذكرى ميالده مع ذكريات الوزير األسبق .املاضى هو ّ البطل فى الحالتني مع فارق جوهرى ،فشخصية جمال الغيطانى شكلت -بتفاصيلها املتعددة -جزءا من مالمح الوطن فى حقبة ضبابية ،ومن هذه التفاصيل دفاعه الوطنى عن تراثنا املهدد .بينما يحاول فاروق حسنى إعادة رسم مالمحه الشخصية ،بعد رحيل واحد من أكبر معارضيه ،ويواصل إنتاج أفكاره السابقة ،ويصمت كثيرا عن وقائع مهمة، إما لكونه ال يملك تبريرات لها ،أو ألنه لم يواجه سؤاال حولها .ومن الطبيعى أن يكون الغيطانى حاضرا خالل عملية« غسيل سمعة» شهدتها مذكرات الوزير ،التى خرجت على شكل حوار فى كتاب ،يتضمن تلميحات إلى أن منطلقات الكاتب الكبير كانت شخصية، بينما يتجاهل الكتاب نفسه الدوافع الشخصية للوزير ،رغم أن القضايا عامة فى كلتا الحالتني. الشيخ سلطان القاسمى حاكم الشارقة فى افتتاح املهرجان
رئيس هيئة الشارقة للكتاب لـ «أخبار األدب»:
جراحها ال تزال تنزف:
معارك الكاتب الكبير ..و «غسيل ُسمعة» الوزير! إيهاب احلضرى ُ التقيت مع الكاتب الكبير على حب التراث ،مع فارق الخبرة ّ واملكانة .وحدتنا الرؤية رغم اختالفات متقطعة ومشروعة .هذه الخالفات لم تكن قاصرة ّ على ،فكثيرا ما كان نقاشه معنا كصحفيني شباب يتسم بتباين وجهات النظر ،وقد منحنا هذا االختالف صك براءة ،من اتهام سابق التجهيز بأننا «صبيانه» ،الذين يستخدمهم فى معاركه ذات املنطلقات الشخصية! ففى سياق املعارك املحتدمة استحضر البعض الصورة الذهنية للحارة ،وجعلوا من جمال الغيطانى فتوة يستعني بحرافيشه ،لكن سلوك الحوارى كان حاضرا فقط فى أسلوب رد الخصوم على قنابلنا ،التى لم يستطيعوا إبطال مفعولها رغم سطوتهم ،فلجأوا إلثارة غبار لم ينقشع رغم رحيل الغيطانى. ما أسباب الخصومة التى وقعت بينك وبني األديب الراحل جمال الغيطانى ،والتى انتهت بتصالحكما بعد هجوم كبير ومعارك ،وفوزه بجائزة الدولة التقديرية؟ سؤال ُملغم يخلط األوراق بشكل واضح ،ويمنح الوزير أكثر مما يريده ،ويجعله فى وضع استرخاء «وكأنه حصل على استراحة محارب» حسب وصف املؤلفة انتصار دردير ،وهو وصف صادق تماما .لقد تضمن السؤال اإلجابة ،ولم يعد الوزير األسبق فى حاجة إلى تكرارها ،فالغيطانى وفقا للصياغة غير البريئة كان يثير املعارك لفرض« إتاوة» ،حصل عليها بجائزة الدولة! لهذا تجاوز فاروق حسنى التلميح الواضح ،وتفرغ إلثارة املزيد من الغبار ،عندما ربط املعارك بوقف إعالنات وزارة الثقافة لـ «أخبار األدب» ! أى أن املصلحة كانت املنطلق فى كل األحوال. يأتى السؤال التالى هجوميا فى ظاهره ،ويتطرق لواقعة شهيرة رفع فيها الوزير أخبار األدب تحت قبة البرملان ،وتساءل« :هيه دى الصحافة التى تدعمها الدولة لتهاجمنا؟» ،فى واقعة تحريض علنية وغير مسبوقة .تساؤل ذكى كان يمكن أن يمحو خطيئة السؤال السابق ،لكن الوزير تهرب من تفسير واقعة التحريض ،وركز على الشق األول الذى أكدت فيه محاورته أنه أصدر جريدة القاهرة للرد على مهاجميه .وألن الحقيقة ليست هدفا أساسيا لم يجد الوزير من يحاصره ليبرر فعلته تحت قبة البرملان. التحريض على الصحافة كرد فعل لحملة انطلقت جاءت واقعة ُ بأيام ،وكنت أحد األطراف الفاعلني بها ،فبعد منتصف قبلها ُ الليل تلقيت مكاملة هاتفية من الكاتب الكبير ،كان صوته يجمع بني االنزعاج واالنفعال ،حدثنى عن كارثة يتعرض لها متحف الفن اإلسالمى .صباح اليوم التالى كنت هناك مع صديقى املصور الراحل يوسف ناروز ،ورصدنا الجريمة التى يجرى ارتكابها ،يتم نقل عدد هائل من القطع األثرية بوسائل بدائية ،أدت إلى تعرض بعضها للتلف فعليا ،وبمجرد عودتنا باملادة نزلت الصور على الغيطانى كصاعقة، وبدأ إجراء اتصاالت عديدة انتهت بتوجه عدد كبير من املثقفني وعلماء اآلثار إلى النائب العام ،لتقديم بالغ ضد وزير الثقافة، واملطالبة بوقف تفتيت املتحف اإلسالمى .ما حدث كان سابقة فى الحياة السياسية املصرية ،فقد جرت العادة أن يلجأ معارضو الوزير إلى القضاء ،لوقف إحدى مغامراته فى مجال اآلثار ،تكرر ذلك فى دعاوى قضائية انتهت بمنع سفر معرضني خارجيني ،وإبطال مخطط تدمير هوية باب العزب ،لكن اللجوء للنائب العام كان تكتيكا
إحدى ندوات املهرجان
جديدا لم يعتده مسئول الثقافة الكبير ،فانفعل تحت قبة البرملان، وهو ما فتح عليه نيرانا صديقة ،حيث هاجمه بضراوة ،الكاتب الكبير إبراهيم سعدة ،فى عموده بالصفحة األخيرة فى «أخبار اليوم» ،الذى كان يوقعه باسم أنور وجدى. ال مجال هنا لتكرار ردودنا على ادعاءات الوزير ،التى نشرتها «أخبار األدب» على مدار أعداد ،فى واحدة من أكبر حمالتها ُ الصحفية ،ووثقت تفاصيلها فى كتابى األخير« هدير الحجر» ،لكنى سأستعير هنا أسلوب الوزير ،باالعتماد على عبارات عامة ،غير أنها كاشفة ،ترتكز على وثائق نشرناها فى وقتها .فقد تسبب العبث باملتحف اإلسالمى فى كوارث ذات مستويات متعددة ،وشهدت األحداث معارضة ملا يجرى من داخل الوزارة نفسها ،تسببت فى اإلطاحة بمسئولني فى املجلس األعلى لآلثار ودار الكتب ،وكانت النتيجة جرائم مكتملة األركان ،من بينها العبث بمبنى أثرى وتغيير مالمحهّ ،ملصلحة مشروعُ آخر هو تطوير دار الكتب .ينسى الوزير كل ذلك ويتحلى بالتسامح املفرط وهو يقول« :أود أن أسجل عذرى لكل من كان ضدى ،ألن من ال يعرف يجهل» !! ثم اختزل تبريراته القديمة فى عبارات مختصرة ،ليعيد صياغة ما سبق الرد عليه ُفى حينه باملستندات ،فالرجل ذكى ويعرف أن ذاكرة السمكة هى املسيطرة. كما أن الكثيرين خارج سياق األحداث ال يعرفون كواليس ما جرى. أما فرسان املعركة فمنهم من رحل ،ومنهم من اختار الصمت طريقا منذ سنوات ،لهذا أصبحت الساحة شبه فارغة ،تتيح للوزير األسبق فرصة الحديث بأسى عن حالة تربص ممن اعتبرهم أصدقاء، ومنهم الكاتب جمال الغيطانى. كتابات الغيطانى موثقة .ينطبق األمر نفسه على معارك أخبار األدب فى مجال اآلثار وغيرها ،وهى معارك كانت تحت إشرافه املباشر ،حتى لو لم يكن هو من أطلق شرارتها .كان يتابع مشاغباتنا عن كثب ،ويبدى مالحظاته التى قد نختلف عليها ،لكنه لم يكن يتدخل حال اختالف الرؤى ،شرطه الوحيد هو التحلى باملنطق ،وهو أمر فى ُ وضعته مع غيرى من الزمالء نصب أعيننا .ورغم أخطاء الوزير الفادحة فى مجال اآلثار ،إال أنه ذكى ،يعلم أن كل ما نشرته أخبار األدب أصبح تاريخا ،وإذا كان الحاضر وقتها قد دعمه ،باعتباره يحتمى بأحد مراكز القوى ،فإن أى قراءة مستقبلية ستتخلص من قوى الضغط القديمة ،لهذا يحاول كل فترة أن يترك خلفه تفسيرات قد تنصفه لدى الباحثني ذات مستقبل ،بعد أن ّ رسخ ثقافة صخب، يتباكى البعض على ضجيجها املفقود ،لدى وزراء تتابعوا بعده دون أن تتاح لهم فرصته فى النفوذ أو الخلود فى مناصبهم! لهذا لم يتطرق الوزير مثال إلى تفسيرات مطلوبة ،ملحاور أساسية تضمنتها معارك الغيطانى والجريدة ،ليس مهما أن يتذكر كبار مساعديه الذين تصيدتهم األجهزة الرقابية تباعا ،وال عمليات الترميم الفاشلة بشهادة تقارير دولية ،وحتى بدون شهادتها يظل الواقع شاهدا حيا على ذلك ،ويكفى كارثة مدرسة صرغتمش التى
يكفيه أنه لم يكن من العابرين فى كالم عابر ،لهذا بقيت حروفه غائرة داخل البعض ،يواصلون تضميد جراحهم منها
سقط سقفها وعادت املياه الجوفية لتحاصرها ،بعد أقل من عشرين عاما من ترميمها فى عصره .الوزير معذور ،فلم يوجه إليه سؤال حول هذه األمور ليجيب عليه ،ومعظم األسئلة كانت مجرد تمريرات تتيح له فرصة تسديد هدف ،وهذا هو أهم أهداف الكتاب. فاروق حسنى دائما على حق ،والخطأ يأتى حتى من الواقفني فى خندقه ،ففى أزمة باب العزب يلقى باللوم على محامى الحكومة، الذى تهاون فى التعامل مع القضية بالشكل املطلوب ،فإذا كان ذلك ينطبق على محكمة القضاء اإلدارى ،فلماذا لم يتدارك الوزير األمر، ويرفع سماعة هاتفه طالبا هيئة دفاع أقوى تنقذه من تأييد الحكم فى اإلدارية العليا .خاصة أنه اعترف فى الكتاب باللجوء إلى الهاتف مرات عديدة ،لوقف هجمات عليه ،ال من املعارضني ،بل من جانب وزراء يزاملونه فى الحكومة نفسها ،مثل وزيرى اإلعالم والداخلية! أى أنه كان يملك القدرة على تشكيل فريق دفاع أقوى ،يقيه من حيثيات الحكم التى جاءت كصفعة على وجه املخطط ،وتضمنت عبارات بالغة القوة تدين السياسات األثرية ،وألن حلم الوزير لم يتحقق فقد صرف انتباهه عن تطويرها ،بشكل الئق يراعى املعايير األثرية ،لهذا كانت النتيجة أن املكان تحول « :إلى مأوى للخارجني على القانون وأطفال الشوارع عقب أحداث ثورة يناير .»2011هذا ما أورده الكتاب نصا ،ليبرهن على رؤيته الثاقبةُ ،ويحمل معارضى مشروع باب العزب ومنهم الغيطانى مسئولية ما انتهت إليه حالة املنطقة .القول بأن املأساة التى تعرض لها باب العزب كانت بعد ثورة يناير ال ُيعفى الوزير من املسئولية ،فقد أهمل املنطقة عمدا بعد أن توقف مشروعه ،رغم بقائه نحو عشر سنوات فى الوزارة بعد حكم اإلدارية العليا ،تجاهل خاللها املنطقة التى كانت تحتاج إلى مشروع ترميم جاد ،يضع الرؤية األثرية ال السياحية فى املقدمة .كان هذا تحديدا أحد املحاور األساسية التى يرتكز عليها هجوم الغيطانى على وزارة الثقافة فى مجال اآلثار ،فقد حذر أكثر من مرة من التعامل مع اآلثار بفكر اقتصادى ،ألن ذلك يؤدى إلى نتائج وخيمة فى النهاية، ُ ويجعل اآلثار التى يمكن أن تدر دخال أولى بالرعاية ،بينما تبقى الغالبية العظمى فى املنطقة املظلمة! رحل الكاتب الكبير إذن لكنه باق .عبارة ذات مالمح تأبينية، غير أن الواقع يمنحها حيوية تليق بالخالدين .يكفيه أنه لم يكن من العابرين فى كالم عابر ،لهذا بقيت حروفه غائرة داخل البعض، يواصلون تضميد جراحهم منها .شخصيا أرى أن عمليات غسيل السمعة حق مشروع ألى إنسان ،لكن املشكلة تبدأ حينما ال يكتفى البعض بصناعة أساطيرهم الشخصية ،عبر رسم مالمح مالئكية لهم ،ويعمدون إلى تشويه معارضيهم بعبارات تبدو مهذبة فى ظاهرها ،وفى باطنها تحتضن اإلساءة! ملحوظة أخيرة: املختطف الرئيسى للسفينة اإليطالية أكيلى الورو لم يكن محمود ّ عباس .ألتمس العذر لذاكرة الوزير ،لكن بعض الهنات قد تؤدى إلى مشكالت دبلوماسية!.
نسعى الستعادة الطفل من عالم «السوشيال ميديا» فيروز، يروى العرض قصة ثالث مغامرات يخوضها أبناء شهرزاد؛ ً وقادر ،وأمني ،حيث يأخذ الحضور إلى عوالم خيالية تسرد فصال جديدًا ألسرار الحب ،والحكمة ،واملعرفة ،ويطوف ُ فيهم برحلة من البر إلى البحر ،ومن الوديان إلى ُالتالل والجبال ،تجسد تفاصيلها كاملة على «مسرح املجاز» بتقنيات تستخدم للمرة األولى فى املنطقة.
أدب الطفل والقصص املصورة رسالة الشارقة:
عالء عبد الهادى أكد أحمد بن ركاض العامرى رئيس هيئة الشارقة للكتاب ،أن اإلمارة تشهد هذا العام عدة فعاليات وأنشطة ثقافية ،تمثل فى مجملها نتاج عمل ثقافى دؤوب ومستمر على مدار أربعة عقود ،وباهتمام ومتابعة شخصية من سمو حاكم الشارقة الدكتور سلطان بن محمد القاسمى ،موضحا أن 2019هو عام االستحقاقات الثقافية للشارقة، فهى «شارقة تشرق فكرا وعلما وثقافة» حيث تم اختيارها عاصمة عاملية للكتاب ،وتم اختيارها أيضا لتكون ضيف شرف ألربعة من أهم معارض الكتب فى أربع مدن عاملية ،هى موسكو وتورينو وبولونيا، إضافة إلى عاصمتني سيعلن عنهما خالل عدة أسابيع. وقال العامرى فى تصريحات خاصة لـ «أخبار األدب» إن مهرجان الشارقة القرائى للكتاب فى دورته الـ 11التى استضافتها الشارقة على مدار الفترة من 17إلى 27أبريل الجارى جاءت جديدة فى كل شيء ،وخطا فيها املهرجان خطوة جديدة لتثبيت دعائمه باعتباره أهــم معرض احترافى متخصص فى أدب األطفال فى املنطقة العربية ،وفى منطقة الشرق األوسط. وحول اإلضافات فى هذه الدورة من املهرجان قال العامرى :الجديد فعليا كثير ،ويمكن ملسه حتى فى العملية التنظيمية ،وفى توزيع األجنحة ،وفى األنشطة والفعاليات ،ألن هدفنا األساسى هو جذب الطفل إلى ملعب القراءة ،نحن نسعى إلى إعادة الطفل الذى سرقته عوالم الثورة التقنية إلى عالم الكتاب والقراءة واالطالع ،ونسعى من خالل اإلبهار إلى تحويل العملية التعليمية إلى متعة وبهجة وسعادة، ومنها نجذب الطفل مرة أخرى إلى الكتاب ،نحن نعمل بنفس طويل، ووفق سياسة واضحة طويلة األمد. وأضاف العامرى :هذا العام أطلقنا منصة «أفق» ألول مرة لبيع وشراء الحقوق بني رسامى كتب األطفال ودور النشر ،حيث افتتح سمو حاكم الشارقة أكبر معرض لرسامى أغلفة وكتب األطفال من 65دولة على هامش افتتاح مهرجان الشارقة القرائى ،هذا األمر يصب بالتأكيد فى صالح اإلبــداع املوجه للطفل ،ويضع معايير جديدة لالرتقاء بالذائقة الفنية الخاصة برسوم كتب األطفال ،كما قدمنا هذا العام أول جائزة ألدب الطفل املوجه لفاقدى البصر ،أضف إلى ذلك زيادات فى عدد املشاركات ،ومعرضني جديدين أحضرنا كليهما من أهم العواصم العاملية ليكونا أمام أطفالنا فى املنطقة العربية، يكفى أن أقول لك إن معرض «طريق الحرير» يمثل متعة للكبار قبل الصغار ،ألنه يتيح معرفة بمتعة عن أحد أهم الطريق التجارية فى التاريخ اإلنسانى. وحول اجتماع الـ «إفال» املعنية باملكتبات على مستوى العالم ،قال العامرى إن من مسببات فــوز الشارقة عاصمة عاملية للكتاب، استضافتها للمؤتمر السنوى للمكتبات الذى ترعاه الـ «إفال» لنرى فيه أحــدث ثمار الفكر فيما يتعلق باالرتقاء بمنظومة املكتبات على مستوى وطننا العربى ،دعنى أقول لك إن إشراقات الشارقة، وأنشطتها الثقافية جعلت املنظمات الثقافية العاملية تضع عينها على الشارقة ،بمنظور غير تقليدى ،وأصبحوا يتعاملون معها على أنها أصبحت نقطة وصل حقيقية بني الشرق والغرب ،وعاصمة للكتاب ومنصة لحوار الشعوب والثقافات ،وهو ما عزز دور الشارقة فى
أحمد بن ركاض العامرى
الوصول إلى أدب طفل عاملى يحتاج إلى جهد كبير فى الترجمة مجال صناعة النشر ووصل إلى ذروته بافتتاح «مدينة النشر» لتكون أول مدينة حرة للنشر فى العالم ،قوال وفعال ،وهو ما يدعم صناعة النشر العربى ،وينقله نقلة جديدة. وقال ابن ركاض إن كل هذه النجاحات التى لم تأت مصادفة ،أو عفوية ،وتلقى علينا بمزيد من التبعات والتكليفات لنحافظ عليها، وننتقل إلى مرحلة أكبر وأهم. مشيرا إلى أن كل هذا يصب فى صالح عملية النشر العربى ككل ،ألن الشارقة فى كل أنشطتها ،سواء الداخلية منها أو الخارجية ،ال تقدم فقط الثقافة اإلماراتية ،بل تسعى لتقديم الثقافة العربية بمعناها الواسع ،واللغة العربية.
أبناء شهرزاد
وفى اإلطار ذاته احتفلت الشارقة باختيارها هذا العام لتكون عاصمة عاملية للكتاب بالعرض الفنى املبهر «ألف ليلة وليلة :الفصل األخير»، الذى تم تقديمه وسط بحيرة الشارقة على مسرح «املجاز» بمشاركة 537خبيرا وفنانا قدموا 13نوعا من أنــواع الفنون .وأكد الشيخ سلطان بن أحمد القاسمى رئيس اللجنة املسئولة عن االحتفالية أن الرسالة التى يقدمها العرض ال تتجسد فى قصة أبطاله ومغامراتهم وحسب ،وإنما فى الرؤية التى ينطلق منها ،وطاقم العمل القائم عليه، وفريق املوسيقيني املشاركني فيه ،إضافة إلى أنواع الفنون التى تجتمع فيه ،إذ يقدم العرض ثالثة عشر نوعا فنيًا مختلفًا من فنون التمثيل، واألداء ،والعزف ،واألكروبات ،والضوء ،والظل ،ويجمع فنانني وفنيني وتقنيني من ثالثة وعشرين بلدًا ،كلهم يلتقون فى رسالة الكتاب وجمال املعرفة.
على هامش املهرجان أقيمت العديد من الندوات املعنية بأدب الطفل ،من بينها ندوة مهمة بعنوان «أدب أطفال عاملى» أكدت خاللها الكاتبة اإلماراتية بدرية الشامسى أن الوصول بأدب الطفل املحلى إلى العاملية يحتاج إلى الكثير من جهود الترجمة، وأن الساحة األدبية املحلية تمتلك إنتاجات نوعية ومتميزة يقدمها مبدعون ومبدعات لهم بصمتهم ،فالكتابة لألطفال ليست باألمر السهل ،قائلة« :النص الجيد سيجذب األطفال ،لكن علينا أن نهتم برسومات كتب الطفل أكثر ،وبالرغم من حضور الرسامني املحليني والعرب فى مختلف األحــداث الثقافية التى تقام على الصعيدين اإلقليمى والعاملى لكننا مازلنا نفتقر لوجود هذه العناصر الفنية بالكثافة التى نراها فى الخارج ،وعلينا إذا أردنا ّ أن نصدر أدبنا الخاص بالطفل مراعاة تضمينه بخيارات بصرية تسمح بترجمة القصة والفكرة ،وال يمكن أن نغفل أن الطفل هو ّ الطفل أينما كان ،يشده اللون وتلفت انتباهه الشخصيات التى يتضمنها النص وهذا أمر مهم يجب االنتباه له». ّ وأكد كتاب عرب وأجانب شاركوا فى ندوات املهرجان ضرورة رفع األطفال ملستوى الكتابة ال العكس ،مشيرين إلى أن الطفل يمتلك قدرة كبيرة على التحليل والفهم ،وإن منحه مساحة كافية ليختبر الكلمات واملعانى دون أن تكون مبسطة بشكل تقليدى يسهم فى صقل مهاراته وخبراته ويقوده نحو اكتشاف العوالم الساحرة التى تضمها الكتب ،داعني إلى مواصلة الجهود من أجل تقديم مواد إبداعية لألطفال تمتلك الثراء والتشويق وتبتعد عن الطرح التقليدى. بينما سلطت ورشــة عمل بعنوان «تاريخ القصص املصورة» التى قدمها الرسام شهاب الدين مشرف ،الضوء على أول ظهور للقصص املصورة ،التى بدأت من الحضارة الفرعونية باستخدام الرسومات للتعبير عن حياتهم اليومية وطقوسهم الدينية ،باإلضافة إلى تناول مراحل تطورها ،ومدى تأثيرها على ثقافة األطفال واليافعني ،نظرًا إلى شغفهم وحبهم القتناء هذا النوع من اإلبداع. كما بحث املهرجان دور الكاتب فى الحفاظ على خصوصية ثقافة مجتمعه والتعريف بها ،إلى جانب تعزيز قيمة التسامح بني املجتمعات من خالل تسليط الضوء على الثقافات األخرى والتجارب اإلنسانية امللهمة التى تحث على التفاهم والتحاور بني الشعوب فى كافة أرجاء العالم .وذلك فى جلسة حوارية حملت عنوان «نكتب عن ثقافتنا» ،شاركت فيها كل من اإلماراتية مريم الزرعونى ،ومؤلفة األطفال السريالنكية روبى لوفيل ،التى قالت: «بحكم أنى أعيش حاليًا فى اململكة املتحدة ،فكنت أجد نفسى فى حالة بحث دائم عن كتب تلبى شغف أبنائى بالقراء وتزيد معارفهم ،وتعزز ارتباطهم بالعادات والتقاليد السيريالنكية والتراث الثرى والزاخر بالروائع واإلبداعات ،وفى أوقات كثيرة كنت أفشل فى الوصول إلى هذه النوعية من الكتب ،وهو ما دفعنى إلى االتجاه للكتابة ألبنائى».
٢
٥مايو ٢٠١٩العدد ١٣٤٥
منتدى أدب املصريني..
كالم ضد منطق الحقائق
فرصة لتقدمي الرؤى حول األعمال األدبية شهاب طارق استضافت دار نشر ابن رشد للنشر والتوزيع األســبــوع املــاضــى ،انــطــاق مــنــتــدى أدب مدار أربع ليالى متتالية املصريني األول ،على ُ َّ نوقشت فيها أعمال كتاب مصريني ،خالل خمس ندواتَّ .يعد املنتدى ُأحد أنشطة مشروع أدب املصريني الذى أسسه الكاتب والشاعر أحمد سراج ،وكانت بدايته فى عام .٢٠١٥ جاءت الليلة األولى ُ للمنتدى من نصيب الشاعر رفعت ســام ،والتى أدار واملترجم املصرى ً ندوتها أحمد سراج قائل :السائد أن ال أحد يتصدى لترجمة الشعر ،وعندما يقوم البعض بذلك فإنه يكتفى إما بمختارات أو بديوان شهير ،لكننا نفاجأ برفعت سالم الذى يذهب كاملة ،أى أنه يتابع الشعر فى حياته لترجمة ٍ ٍ بشكل كبير. وفى كلمته قال الدكتور أبو اليزيد الشرقاوى: ِ عندما تــقــرأ ديـــوان لرفعت ســام ستكون ً مضطرا إلى البحث عن جماليات كل ديوان على حــدة ،فــإذا استخلصت جماليات هذا الديوان وانتقلت إلى ديوان سابق أو الحق ،فلن تنفعك الجماليات التى استخلصتها فى هذا الديوان لتطبيقها على ديــوان سابق ،وسوف ً مضطرا باستمرار إلــى أن تجدد من تكون أدواتك ملتابعة تجليات رفعت سالم املتجددة. وأضاف الشرقاوى :فى قصيدة عراء؛ عندما تقرأ النص التفعيلى تقرأه على أنه نص مكتمل وشعر النثر هو هامش عليه ،هــذا يعطيك إمكانية كبيرة للتعامل مع شعر رفعت سالم، وهذا هو أحد الشروط الثالثة التى وضعتها سوزان برنار فى كتابها الشهير «قصيدة النثر» وهى الكثافة والتوهج واملجانية ،والكثافة تنتمى مرة تقرأ النص إلى شعر سالم ،ألنك فى ً كل ً إحساسا جديدا ،وهذا ما سيبهرك ويعطيك نجحت فيه ً كثيرا تجربة رفعت سالم. جانبه قال الدكتور أحمد بلبولة أنه عندما من ِ بــدأ يقرأ ديــوان رفعت ســام «أرعــى الشياه على املياه» شعر بالغيظ كما لم يشعر به فى حياته ،بسبب ذات سالم النرجسية والواثقة فى الديوان ،والتى تكتب القصيدة كأنها فى
جامعة الدكالى حتتفى ببالغة اخلطاب عند د.عماد عبد اللطيف
فى كل مرة تقرأ النص إحساسا سيبهرك ويعطيك ً جديدا ،وهذا ما جنحت ً كثيرا جتربة رفعت فيه ً سالم. فسحة ،إنها شاعرية كبيرة تتنقل من الهامش إلــى الحاشية إلــى املــن عبر مجموعة من الرموز ،وتحمل رسالة كبيرة فى مضمونها. وأضاف بلبولة :رفعت سالم بهذا الديوان ً يعطينا درس ــا فــى كيفية كتابة قصيدة املنازلة وكيف يكون لدينا موضوع ونحرره من مناسبته ،ونعيد استثمار هذا املوضوع بحيث ال يموت بانقضاء املناسبة .الديوان عندما نتأمله نجد أنه يتكون من حاشية تستمر ،وهى شبيهة إلى حد ما بالنقوش املــوجــودة على الجداريات الفرعونية أو كتاب املوتى أو حديث الفالح الفصيح ،فهو يستدعيها ويخلط بينها ببعض اإلشارات املباشرة عن الــثــورة .أمــا املــن الشعرى،
جانب من املنتدى ً رئيسا ،وهو عبارة فهو التيار الذى يبدو ـر وأنثى، ـ ذك ـن عــن حــوار مغازلة برية بـ ٍ كالهما يتحدث وكأنهما يحدثان نفسيهما إلى أن يلتقيا فى صفحة من الصفحات. أما الناقد أحمد رجب شلتوت ،فقال :إن «أوراق العشب» ليس ديوان واحد أو ومجموعة دواوين منفردة ،لكنه مجموع شعر ووتمان الذى كتبه حياته ،والذى يراه رفعت سالم ظاهرة عبر ِ شعرية فريدة ،تلقى بظاللها الكثيفة على شعرية القرن العشرين ،لذا يصفه سالم بأنه قارة شعرية بكاملها .ومن املعروف أن شعر ً ً عربيا ،تجلى فى تعدد اهتماما ووتمان لقى الترجمات الصادرة ألوراق العشب ،وقد كان ً الشاعر العراقى سعدى يوسف سباقا بتعريف القارئ العربى بأشعار ووتمان وعوامله. وأضاف شلتوت :رغم تعدد الترجمات ألشعار ووتمان إال أننا كنا فى حاجة ماسة لترجمة جديدة تكون كاملة ودقيقة ،وبالرغم من أن الترجمات هذه أسهمت فى تعريف القارئ بووتمان ،إال أن أيــا منها لم يحط بمجمل التجربة الشعرية عنده ،وهذا ما فعله رفعت ترجمته. سالم فى ِ وفى نهاية الندوة عبر الشاعر واملترجم رفعت سالم عن امتنانه العميق على هذه الحفاوة الدائمة ملناقشة أعماله بصورة مستمرة، وعلى هذه املبادرة التى هى امتداد لسلسة أدب املصريني التى أسسها أحمد سراج .
رحيل أحمد إبراهيم الفقيه توفى األسبوع املاضى الكاتب والروائى الليبى أحمد إبراهيم الفقيه ،بعد صراع مع املرض ،فى القاهرة. ُو ِلد الفقيه فى 28ديسمبر ،1942وهو كاتب وأستاذ جامعى ليبى فى األدب العربى الحديث ،له ترجمات لعدد من األعمال األدبية إلى لغات متعددة ،حصل على درجة الدكتوراه فى األدب العربى ،من جامعة إدنبره بإسكتلندا ،ومن ثم انتقل إلى ليبيا وقام بالتدريس فى جامعاتها ،إضافة إلى جامعات عربية أخرى. بدأ الفقيه فى نشر مقاالته وقصصه القصيرة فى الصحف الليبية بدءا من عام ،1959لتفوز مجموعته القصصية «البحر ال ماء فيه» باملركز األول فى جوائز اللجنة العليا لآلداب والفنون بليبيا ،كما تم اختيار ثالثيته «سأهبك مدينة أخرى» كواحدة من ضمن أفضل مائة رواية عربية فى القرن العشرين ،وتعتبر روايته «خرائط الروح» أطول رواية عربية ،حيث تتكون من 12جزء ،وتتناول تاريخ االستعمار فى ليبيا .ومن أعماله األخرى« :حقول الرماد»« ،البحر ال ماء فيه»« ،فئران بال جحور»، «ابنة بانايوتى»« ،الحالة الكلبية لفيلسوف الحزب»« ،اختفت النجوم فأين أنت»« ،الطريق إلى قنطرارة»« ،العائد من موته»« ،خفايا القصر املسحور»« ،مرايا فينيسيا»« ،جعفر من باكستان» ،و«قصص من عالم العرفان». كان أحمد الفقيه سفيرا لليبيا فى أثينا وبوخارست ،كما عمل فى عدد من املؤسسات الصحفية ،كما عمل فى العديد من املؤسسات الصحفية وترأس تحرير 12مجلة .وأسهم فى تأسيس عدد من الصروح الثقافية واألدبية فى بالده ،مثل مجلة الرواد األدبية عام 1966وعمل ضمن هيئة تحريرها ،وأنشأ صحيفة «األسبوع الثقافى» فى مطلع السبعينيات وعمل رئيسًا لتحريرها وقدم من خاللها كتابًا صاروا فى طليعة الحركة األدبية والشعرية ،كما أسهم فى إنشاء مجلة الثقافة العربية فى بيروت وعمل لفترة من الوقت رئيسًا لتحريرها ،كما سعى إلنشاء اتحاد لألدباء فى ليبيا وكان مقرر لجنته التأسيسية.
حول مشروعه فى البالغة وتحليل الخطاب ،نظمت جامعة شعيب الدكالى بالجديدة باململكة املغربية، مؤتمرا علميًا دارت محاوره حول الدراسات التى قام بها د.عماد عبداللطيف ضم املؤتمر ثالث جلسات علمية وتعريفية ،تم فيها إلقاء ستة بحوث ،البحث األول من إعــداد د.إبراهيم الــعــدراوس ،ويحمل عنوان «البالغة والتاريخ الراهن :بالغة الحرية، عماد عبداللطيف نموذجا» ،وجاء الثانى بإعداد د.رشيد بلنقيه بعنوان «قـــــراءة فــى كــتــاب، الــبــاغــة والــتــواصــل عــبــر الــثــقــافــات»، والـــثـــالـــث بـــإعـــداد د.ميلودة العكرودى، بعنوان «رحلة البحث عن البديل فى بالغة الــشــعــار والـــرمـــز»، ويـــتـــنـــاول الــبــحــث الــــرابــــع «الــفــضــاء وتمثالته من الواقعى إلــــى االف ــت ــراض ــى» د.عماد عبد اللطيف من إعــداد د.سميرة ح ــاوى ،أمــا البحث الخامس فجاء بعنوان «آلــيــات تحليل الخطاب السياسى ،كتاب «بالغة الحرية لعماد عبداللطيف»، وفيه يحلل د.محمد منتاقى ،اآلليات املوظفة فى فهم الخطاب السياسى ،وتحليله ،واختتم املؤتمر أعماله ببحث «سادس» للدكتور عماد عبداللطيف بعنوان «الصياد والفريسة :منهجيات دراسة خطاب الجمهور فى البالغة والنقد ودراسات التواصل. أقيم املؤتمر فى كلية اآلداب والعلوم اإلنسانية، بإشراف د.لطيفة األزرق ،ومشاركة د .رحمة توفيق.
مناقشة «صالة خاصة» فى بتانة تنظم مؤسسة بتانة فى التاسعة مساء الخميس القادم 9مايو ،ندوة ملناقشة رواية «صالة خاصة» الصادرة عن الهيئة العامة للكتاب ،للكاتب صبحى موسى ،يشارك فيها الناقد الدكتور شاكر عبد الحميد وزيــر الثقافة األسبق ،الكاتب السياسى أحمد بهاء الدين شعبان ،والناقد األكاديمى الدكتور رضا عطية ،ويديرها الشاعر والناقد شعبان يوسف. تقع الرواية فى 550صفحة من القطع الكبير، وتتعرض للحقبة املسيحية بوصفها واحــدة من الفترات املهمة فى التاريخ والهوية املصرية ،وذلك عبر فصول سردية تجمع بني التاريخى والفنى والــواقــعــى ،وتمزج الــروايــة بني أسئلة الحاضر وإشكاليات املــاضــى ،فــى إطــار فنى قائم على التشويق والتوظيف السردى للمعلومات ،كما تجيب على العديد من األسئلة املهمة حول كيفية تطور الفكر املسيحى فى قرونه األولــى ،وقدر املساهمة املصرية فى بناء الفلسفة املسيحية ً عامليا. بالذكر أن صبحى موسى شاعر وروائــى، جدير ِ ً مديرا صدرت له عدة أعمال شعرية وروائية ،وعمل ً ورئيسا للنشر بالهيئة العامة لقصور الثقافة، لتحرير مجلة الثقافة الجديدة ،كما حصل على العديد من الجوائز عن أعماله ،منها جائزة نجيب محفوظ من املجلس األعلى للثقافة ،عن روايته «نقطة نظام» فى .2018 اقرأ ص١٩ ، ١٨
أحمد إبراهيم الفقيه
٣٥
٥مايو ٢٠١٩العدد ١٣٤٥
إعالنات الغيطانى طارق الطاهر ما أسباب الخصومة التى وقعت بينك وبني األديب الراحل جمال الغيطانى والتى انتهت بتصالحكما بعد هجوم كبير ومعارك وفوز بجائزة الدولة التقديرية؟ هكذا لخصت الزميلة انتصار دردير فى كتابها «فاروق حسنى يتذكر ..زمن من الثقافة» ،ما دار على صفحات جريدة «أخبار األدب» التى أسسها جمال الغيطانى ،من اختالف للرؤى حول املشهد الثقافى املصرى فى فترة تولى فاروق حسنى وزارة الثقافة ،لم تر سوى أن هناك معارك انتهت بصلح وجائزة. هكذا يمكن تلخيص سنوات من عمر جريدة فى سطرين ،معناهما أن هناك مصالح قد حكمت رؤية من يرأس تحريرها ،وعندما وصل ملبتغاه توقفت املعارك. إذا كان السؤال قد صيغ بهذه الطريقة ،فكيف كانت اإلجابة من جانب الوزير السابق « :وكأنه حصل على استراحة محارب أجاب قائال :حني تم ترشيح جمال الغيطانى أعطيت صوتى إلبداعه ،وليس لشخصه، وفعلت نفس الشىء مع بعض من فازوا بها ،وكانوا فى خصومة شديدة معى ،مثل فاروق جويدة ،د .نعمات أحمد فؤاد ،ألنى أنظر لعطاء املبدع وليس إلى تصفية حساب معى ،جمال الغيطانى -يرحمه الله -كان صديقى قبل أن أتولى الوزارة ،وبعد الوزارة علم أنى سأصدر جريدة ثقافية فجاء يخبرنى أنه يعد إلصدار جريدة أخبار األدب وقال لى اعتبرها جريدتك وساعدنا بإعالنات، بدال من أن تصدر جريدة ،ووافقت ووقفت بينى وبينه أطراف عديدة ،وأعتقد هو أنى قد منعت اإلعالنات عن جريدته ،فبدأ يهاجمنى ،وكان محاربا شرسا ،وكنت أرد على هجومه فى الصحف». وألنى شاهد على ما ذكره فاروق حسنى ،وفى عجالة وبدون تفاصيل ال وقت لها اآلن ،أحب أن أوضح للزميلة جانبا من بعض املعارك التى خاضتها «أخبار األدب»، وكان من بينها معركة جوائز الدولة ،وقد خضتها بنفسى على مدى سنوات طوال ،بعد جدل كثير كان يصحب كل دورة من دورات منح هذه الجوائز ،وقد أكد فاروق حسنى دون أن يدرى صحة معركتنا ،التى كانت تصب فى ضرورة إصالح طريقة منح الجوائز ،ومنها منع رؤساء الهيئات من التصويت ،ألنهم يمثلون كتلة قادرة على أن تمنح الجائزة لهذا الشخص أو تحجبها عنه ،والدليل ما قاله فاروق حسنى فى إجابته أنه أعطى صوته للغيطانى ،لو أن هناك حديثا عن نظام مؤسسى ملا كان صوته الوحيد من بني ما يقرب من 52صوتا هو املرجح والكفيل بمنح الجائزة أو حجبها ،وألنه يعلم أن صوته ليس صوتا ،بل رمز «لكتلة تصويتية» ،ملا تحدث بثقة عن أنه منح الجائزة للغيطانى وفاروق جويدة ونعمات أحمد فؤاد ،أى أنه كان بمقدوره وهو الصوت الواحد أن يؤثر فى نتيجة الجوائز ،األمر اآلخر الذى أحب أن أوضحه ملؤلفة الكتاب أن الدولة املصرية استجابت منذ العامني لكل ما جاء فى انتقادات «أخبار األدب» وغيرها من الصحف التى أعلت قيمة الوطن على املصلحة الشخصية ،وبالفعل تم إجراء تعديالت فى طريقة املنح ،على رأسها عدم التصويت من قبل قيادات وزارة الثقافة ،وكذلك تقوم لجنة فحص تخصصية بترشيح عدد محدود للمجلس األعلى للتصويت عليها. هذه واحدة من معاركنا التى خضناها ضد فاروق
غالف عدد أخبار األدب فى ١٠ نوفمبر ١٩٩٦املتضمن تحقيقًا بعنوان :األدباء لوزير الثقافة.. ثقافتنا مهانة ..آثارنا منهوبة فلماذا ال ترحل؟
الدولة املصرية استجابت منذ العامني لكل ما جاء فى انتقادات «أخبار األدب» وغيرها من الصحف التى أعلت قيمة الوطن على املصلحة الشخصية
حسنى ،وانتهت لصالحنا ،وعلى فكرة نحن لم نكن فى خصومة مع أحد بدليل ،أننى حاورت الوزير السابق حول جوائز الدولة ،فجاء العنوان «نعم الوزارة تأخذ رؤية الوزير فى التصويت على الجوائز» ووقتها أثار هذا الحوار غضبا بني قيادات الوزارة ،ألن الوزير ببساطة قال إنهم يصوتون حسب رؤيته «نعم ..رؤساء الهيئات الثقافية يصوتون فى جوائز الدولة حسب رؤيتى» أخبار األدب ١٥سبتمبر .١٩٩٦ األمر اآلخر عليك أن تراجعى قوائم الفائزين بجوائز الدولة التشجيعية ،فستجدين جمال الغيطانى فاز بها قبل مجئ فاروق حسنى ،وحصل عليها -أيضا -نخبة من األدباء؛ بعضهم بعد أن حصل عليها الغيطانى ،لكنهم سابقوه فى الحصول على التقديرية ،فبالشك أن معركة الغيطانى لصالح الثقافة املصرية أجلت فوزه بالجائزة، وعليك -أيضا -أن تعلمى أن الجهة التى رشحت الغيطانى للتقديرية كانت جامعة سوهاج ،وعليك -أيضا -أن تعودى إلى السيرة الذاتية للغيطانى للتعرف على الجوائز العاملية التى حصل عليها ،قبل أن يفوز بالجائزة التقديرية ،وأخيرا بعد أن غادر فاروق حسنى الوزارة حصل الغيطانى على جائزة النيل فى اآلداب ،وهى أعلى جائزة مصرية. أما فيما يخص الربط بني الهجوم واإلعالنات كما جاء فى إطار إجابة فاروق حسنى ،فهذا غير صحيح إطالقا ،وهى قصة سبق أن كتبتها فى «أخبار األدب» منذ سنوات طوال والوزير كان على كرسيه الوزارى ،أن الذى أصدر توجيهات بمنع اإلعالنات هو فاروق حسنى نفسه ،بعد أن كتبت موضوعا عنوانه «إلى فاروق حسنى.. ثقافتنا مهانة وآثارنا منهوبة ..فلماذا ال ترحل» ،ولم يكن هذا املوضوع مقاال ،إنما تحقيقا صحفيا أجريته مع مجموعة من األدباء واملثقفني خاصة من خارج القاهرة، بعد أن هاجمهم مدير صندوق التنمية الثقافية فى ذلك الوقت سمير غريب ،ووصفهم بأنهم يبتزون هيئة قصور الثقافة ،وانتقدت فى وقتها هذه التصريحات ،التى أدت إلى أن عقد وزير الثقافة لقاء مفتوحا لتقديم اعتذار لهم ملا بدر من مدير الصندوق ،الذى رد على موضوعى الخاص بتصريحاته ،أنه يريد أن يكون اإلعالن القادم فى أخبار األدب هو «صندوق التنمية الثقافية يدعم اخبار األدب وهيئة قصور الثقافة» وبالتالى رفضنا اإلعالن بهذه الطريقة ،وعندما أخبرت الوزير بهذه الصيغة ،طلب عدم نشره ،ولكن بعد أن أجرينا التحقيق أخذ جانب مدير الصندوق ،ومنع اإلعالنات ،وهو فى إجابته على الزميلة انتصار دردير يشير إلى جانب مما أقوله عندما قال« :وقفت بينى وبينه أطراف عديدة، وأعتقد هو أنى قد منعت اإلعالنات». هذه حقائق أسوقها على عجل ،وربما أتوقف عندها باستفاضة فيما بعد ،فاختزال معارك الجريدة ضد سياسات وزير قوى فى حكومات مبارك ،أنها من أجل اإلعالنات أو الفوز بجائزة؛ عبث ،ال يرضاه أى ضمير ،ال سيما «أخبار األدب» تصدر من مؤسسة صحفية كبرى، ضمنت لها استمرارها أكثر من ربع قرن.
تصدر عن دار أخبار اليوم ٦شارع الصحافة بالقاهرة
رئيس مجلس االدارة:
ياســــــر رزق رئيس التحرير:
طارق الطاهر مديرا التحرير:
محمد شعير إسالم الشيخ مدير التحرير التنفيذى:
ياسر عبد الحافظ نائب رئيس التحرير التنفيذى:
منصورة عز الدين اإلخراج الصحفى:
سيد عبد النبى محمد مختار أحمد سعيد صدر العدد األول منها فى ١٩٩٣/٧/١٩ برئاسة تحرير جمال الغيطانى فى عهد إبراهيم سعده رئيس مجلس اإلدارة أسعار البيع فى البالد العربية والخارج >سوريا 50ل س >لبنان 2000 ليرة > األردن 1.25دينار >الكويت 750فلس >السعودية 8رياالت > تونس ١٫٥٠دينار > املغرب ١٥ دراهــم > البحرين ٠٫٣٠٠دينار > قطر ١٠ريــاالت >األمـــارات 8 دراهم >سلطنة عمان ٠٫٥٠ريال >اليمن 200ريال >غزة /الضفة/ القدس 1دوالر >فرنسا 3يورو >اململكة املتحدة 2ج >ايطاليا 3.5 يورو >املانيا 4.5يورو >اليونان 2.9 يورو >النمسا 3.65يورو >تركيا 350٠000ليرة >امريكا 5دوالر >استراليا 8دوالرات >كندا 5.5 دوالر >الجزائر > DA 150ليبيا 2000درهم > مسقط ٠٫٥٠ريال.
< االشتراكات السنوية < داخل جمهورية مصر العربية 260 جنيها مصرى .الدول العربية 66 دوالر .اتحاد البريد االفريقى 98 دوالر .أمريكا وكندا 126دوالرا. الدول االوروبية 98دوالرا استراليا ونيوزيلندا ومع فى حكمها 255 دوالر .السداد نقدا أو بشيك ألمر أخبار اليوم ( 3أ) شارع الصحافة. القاهرة فاكس25782706 :
االستعالم ت25806420 -25806419 : املبنى الرئيسى25782600 -25782500 : املبنى الصحفى25782700 : قطاع التوزيع25782702 -25782701 : فاكس املؤسسة25782520 -25782510 : األيميلFax- akhbar @ Live. com : فاكس األعالنات25782540 : فاكس التوزيع25782540 : تلكس دولى2282 : محلي 88 :طريق الحرية مكتب االسكندرية :الدور السادس ت 4820009 - 4830000 :تلكس 54137
مقاالت الرأى املنشورة فى الجريدة تعبر عن وجهة نظر كتابها
العدد ٣٦ < ١٣٤٥صفحة < ٥جنيهات < األحد ٢٩من شعبان ٥ < 1440من مايو 2019