أخبار الأدب

Page 1

‫العدد ‪ ٣٦ < ١٣٤٥‬صفحة < ‪ ٥‬جنيهات < األحد ‪ ٢٩‬من شعبان ‪ ٥ < 1440‬من مايو ‪2019‬‬


‫‪٢‬‬

‫‪٥‬مايو ‪ ٢٠١٩‬العدد ‪١٣٤٥‬‬

‫منتدى أدب املصريني‪..‬‬

‫كالم ضد منطق الحقائق‬

‫فرصة لتقدمي الرؤى حول األعمال األدبية‬ ‫شهاب طارق‬ ‫استضافت دار نشر ابن رشد للنشر والتوزيع‬ ‫األســبــوع املــاضــى‪ ،‬انــطــاق مــنــتــدى أدب‬ ‫مدار أربع ليالى متتالية‬ ‫املصريني األول‪ ،‬على ُ َّ‬ ‫نوقشت فيها أعمال كتاب مصريني‪ ،‬خالل‬ ‫خمس ندوات‪َّ .‬يعد املنتدى ُأحد أنشطة مشروع‬ ‫أدب املصريني الذى أسسه الكاتب والشاعر‬ ‫أحمد سراج‪ ،‬وكانت بدايته فى عام ‪.٢٠١٥‬‬ ‫جاءت الليلة األولى ُ‬ ‫للمنتدى من نصيب الشاعر‬ ‫رفعت ســام‪ ،‬والتى أدار‬ ‫واملترجم املصرى‬ ‫ً‬ ‫ندوتها أحمد سراج قائل‪ :‬السائد أن ال أحد‬ ‫يتصدى لترجمة الشعر‪ ،‬وعندما يقوم البعض‬ ‫بذلك فإنه يكتفى إما بمختارات أو بديوان‬ ‫شهير‪ ،‬لكننا نفاجأ برفعت سالم الذى يذهب‬ ‫كاملة‪ ،‬أى أنه يتابع الشعر فى حياته‬ ‫لترجمة‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫بشكل كبير‪.‬‬ ‫وفى‬ ‫كلمته قال الدكتور أبو اليزيد الشرقاوى‪:‬‬ ‫ِ‬ ‫عندما تــقــرأ ديـــوان لرفعت ســام ستكون‬ ‫ً‬ ‫مضطرا إلى البحث عن جماليات كل ديوان‬ ‫على حــدة‪ ،‬فــإذا استخلصت جماليات هذا‬ ‫الديوان وانتقلت إلى ديوان سابق أو الحق‪ ،‬فلن‬ ‫تنفعك الجماليات التى استخلصتها فى هذا‬ ‫الديوان لتطبيقها على ديــوان سابق‪ ،‬وسوف‬ ‫ً‬ ‫مضطرا باستمرار إلــى أن تجدد من‬ ‫تكون‬ ‫أدواتك ملتابعة تجليات رفعت سالم املتجددة‪.‬‬ ‫وأضاف الشرقاوى‪ :‬فى قصيدة عراء؛ عندما‬ ‫تقرأ النص التفعيلى تقرأه على أنه نص مكتمل‬ ‫وشعر النثر هو هامش عليه‪ ،‬هــذا يعطيك‬ ‫إمكانية كبيرة للتعامل مع شعر رفعت سالم‪،‬‬ ‫وهذا هو أحد الشروط الثالثة التى وضعتها‬ ‫سوزان برنار فى كتابها الشهير «قصيدة النثر»‬ ‫وهى الكثافة والتوهج واملجانية‪ ،‬والكثافة تنتمى‬ ‫مرة تقرأ النص‬ ‫إلى شعر سالم‪ ،‬ألنك فى ً كل ً‬ ‫إحساسا جديدا‪ ،‬وهذا ما‬ ‫سيبهرك ويعطيك‬ ‫نجحت فيه ً‬ ‫كثيرا تجربة رفعت سالم‪.‬‬ ‫جانبه قال الدكتور أحمد بلبولة أنه عندما‬ ‫من‬ ‫ِ‬ ‫بــدأ يقرأ ديــوان رفعت ســام «أرعــى الشياه‬ ‫على املياه» شعر بالغيظ كما لم يشعر به فى‬ ‫حياته‪ ،‬بسبب ذات سالم النرجسية والواثقة‬ ‫فى الديوان‪ ،‬والتى تكتب القصيدة كأنها فى‬

‫جامعة الدكالى حتتفى ببالغة‬ ‫اخلطاب عند د‪.‬عماد عبد اللطيف‬

‫فى كل مرة تقرأ النص‬ ‫إحساسا‬ ‫سيبهرك ويعطيك‬ ‫ً‬ ‫جديدا‪ ،‬وهذا ما جنحت‬ ‫ً‬ ‫كثيرا جتربة رفعت‬ ‫فيه‬ ‫ً‬ ‫سالم‪.‬‬ ‫فسحة‪ ،‬إنها شاعرية كبيرة تتنقل من الهامش‬ ‫إلــى الحاشية إلــى املــن عبر مجموعة من‬ ‫الرموز‪ ،‬وتحمل رسالة كبيرة فى مضمونها‪.‬‬ ‫وأضاف بلبولة‪ :‬رفعت سالم بهذا الديوان‬ ‫ً‬ ‫يعطينا‬ ‫درس ــا فــى كيفية كتابة قصيدة‬ ‫املنازلة وكيف يكون لدينا موضوع ونحرره‬ ‫من مناسبته‪ ،‬ونعيد استثمار هذا املوضوع‬ ‫بحيث ال يموت بانقضاء املناسبة‪ .‬الديوان‬ ‫عندما نتأمله نجد أنه يتكون من حاشية‬ ‫تستمر‪ ،‬وهى شبيهة إلى حد ما بالنقوش‬ ‫املــوجــودة على الجداريات الفرعونية أو‬ ‫كتاب املوتى أو حديث الفالح الفصيح‪ ،‬فهو‬ ‫يستدعيها ويخلط بينها ببعض اإلشارات‬ ‫املباشرة عن الــثــورة‪ .‬أمــا املــن الشعرى‪،‬‬

‫جانب من املنتدى‬ ‫ً‬ ‫رئيسا‪ ،‬وهو عبارة‬ ‫فهو التيار الذى يبدو‬ ‫ـر وأنثى‪،‬‬ ‫ـ‬ ‫ذك‬ ‫ـن‬ ‫عــن حــوار مغازلة برية بـ‬ ‫ٍ‬ ‫كالهما يتحدث وكأنهما يحدثان نفسيهما‬ ‫إلى أن يلتقيا فى صفحة من الصفحات‪.‬‬ ‫أما الناقد أحمد رجب شلتوت‪ ،‬فقال‪ :‬إن «أوراق‬ ‫العشب» ليس ديوان واحد أو ومجموعة دواوين‬ ‫منفردة‪ ،‬لكنه مجموع شعر ووتمان الذى كتبه‬ ‫حياته‪ ،‬والذى يراه رفعت سالم ظاهرة‬ ‫عبر‬ ‫ِ‬ ‫شعرية فريدة‪ ،‬تلقى بظاللها الكثيفة على‬ ‫شعرية القرن العشرين‪ ،‬لذا يصفه سالم بأنه‬ ‫قارة شعرية بكاملها‪ .‬ومن املعروف أن شعر‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫عربيا‪ ،‬تجلى فى تعدد‬ ‫اهتماما‬ ‫ووتمان لقى‬ ‫الترجمات الصادرة ألوراق‬ ‫العشب‪ ،‬وقد كان‬ ‫ً‬ ‫الشاعر العراقى سعدى يوسف سباقا بتعريف‬ ‫القارئ العربى بأشعار ووتمان وعوامله‪.‬‬ ‫وأضاف شلتوت‪ :‬رغم تعدد الترجمات ألشعار‬ ‫ووتمان إال أننا كنا فى حاجة ماسة لترجمة‬ ‫جديدة تكون كاملة ودقيقة‪ ،‬وبالرغم من أن‬ ‫الترجمات هذه أسهمت فى تعريف القارئ‬ ‫بووتمان‪ ،‬إال أن أيــا منها لم يحط بمجمل‬ ‫التجربة الشعرية عنده‪ ،‬وهذا ما فعله رفعت‬ ‫ترجمته‪.‬‬ ‫سالم فى‬ ‫ِ‬ ‫وفى نهاية الندوة عبر الشاعر واملترجم رفعت‬ ‫سالم عن ‪ ‬امتنانه العميق على هذه الحفاوة‬ ‫الدائمة ملناقشة أعماله بصورة مستمرة‪،‬‬ ‫وعلى هذه املبادرة التى هى امتداد لسلسة أدب‬ ‫املصريني التى أسسها أحمد سراج‪ .‬‬

‫رحيل أحمد إبراهيم الفقيه‬ ‫توفى األسبوع املاضى الكاتب والروائى الليبى أحمد إبراهيم الفقيه‪ ،‬بعد‬ ‫صراع مع املرض‪ ،‬فى القاهرة‪.‬‬ ‫ُو ِلد الفقيه فى ‪ 28‬ديسمبر ‪ ،1942‬وهو كاتب وأستاذ جامعى ليبى فى‬ ‫األدب العربى الحديث‪ ،‬له ترجمات لعدد من األعمال األدبية إلى لغات‬ ‫متعددة‪ ،‬حصل على درجة الدكتوراه فى األدب العربى‪ ،‬من جامعة إدنبره‬ ‫بإسكتلندا‪ ،‬ومن ثم انتقل إلى ليبيا وقام بالتدريس فى جامعاتها‪ ،‬إضافة‬ ‫إلى جامعات عربية أخرى‪.‬‬ ‫بدأ الفقيه فى نشر مقاالته وقصصه القصيرة فى الصحف الليبية بدءا‬ ‫من عام ‪ ،1959‬لتفوز مجموعته القصصية «البحر ال ماء فيه» باملركز‬ ‫األول فى جوائز اللجنة العليا لآلداب والفنون بليبيا‪ ،‬كما تم اختيار‬ ‫ثالثيته «سأهبك مدينة أخرى» كواحدة من ضمن أفضل مائة رواية‬ ‫عربية فى القرن العشرين‪ ،‬وتعتبر روايته «خرائط الروح» أطول رواية‬ ‫عربية‪ ،‬حيث تتكون من ‪ 12‬جزء‪ ،‬وتتناول تاريخ االستعمار فى ليبيا‪ .‬ومن‬ ‫أعماله األخرى‪« :‬حقول الرماد»‪« ،‬البحر ال ماء فيه»‪« ،‬فئران بال جحور»‪،‬‬ ‫«ابنة بانايوتى»‪« ،‬الحالة الكلبية لفيلسوف الحزب»‪« ،‬اختفت النجوم‬ ‫فأين أنت»‪« ،‬الطريق إلى قنطرارة»‪« ،‬العائد من موته»‪« ،‬خفايا القصر‬ ‫املسحور»‪« ،‬مرايا فينيسيا»‪« ،‬جعفر من باكستان»‪ ،‬و«قصص من عالم‬ ‫العرفان»‪.‬‬ ‫كان أحمد الفقيه سفيرا لليبيا فى أثينا وبوخارست‪ ،‬كما عمل فى عدد‬ ‫من املؤسسات الصحفية‪ ،‬كما عمل فى العديد من املؤسسات الصحفية‬ ‫وترأس تحرير ‪ 12‬مجلة‪ .‬وأسهم فى تأسيس عدد من الصروح الثقافية‬ ‫واألدبية فى بالده‪ ،‬مثل مجلة الرواد األدبية عام ‪ 1966‬وعمل ضمن هيئة‬ ‫تحريرها‪ ،‬وأنشأ صحيفة «األسبوع الثقافى» فى مطلع السبعينيات وعمل‬ ‫رئيسًا لتحريرها وقدم من خاللها كتابًا صاروا فى طليعة الحركة األدبية‬ ‫والشعرية‪ ،‬كما أسهم فى إنشاء مجلة الثقافة العربية فى بيروت وعمل‬ ‫لفترة من الوقت رئيسًا لتحريرها‪ ،‬كما سعى إلنشاء اتحاد لألدباء فى‬ ‫ليبيا وكان مقرر لجنته التأسيسية‪.‬‬

‫حول مشروعه فى البالغة وتحليل الخطاب‪ ،‬نظمت‬ ‫جامعة شعيب الدكالى بالجديدة باململكة املغربية‪،‬‬ ‫مؤتمرا علميًا دارت محاوره حول الدراسات التى قام‬ ‫بها د‪.‬عماد عبداللطيف ضم املؤتمر ثالث جلسات‬ ‫علمية وتعريفية‪ ،‬تم فيها إلقاء ستة بحوث‪ ،‬البحث‬ ‫األول من إعــداد د‪.‬إبراهيم الــعــدراوس‪ ،‬ويحمل‬ ‫عنوان «البالغة والتاريخ الراهن‪ :‬بالغة الحرية‪،‬‬ ‫عماد عبداللطيف نموذجا»‪ ،‬وجاء الثانى بإعداد‬ ‫د‪.‬رشيد بلنقيه بعنوان‬ ‫«قـــــراءة فــى كــتــاب‪،‬‬ ‫الــبــاغــة والــتــواصــل‬ ‫عــبــر الــثــقــافــات»‪،‬‬ ‫والـــثـــالـــث بـــإعـــداد‬ ‫د‪.‬ميلودة العكرودى‪،‬‬ ‫بعنوان «رحلة البحث‬ ‫عن البديل فى بالغة‬ ‫الــشــعــار والـــرمـــز»‪،‬‬ ‫ويـــتـــنـــاول الــبــحــث‬ ‫الــــرابــــع «الــفــضــاء‬ ‫وتمثالته من الواقعى‬ ‫إلــــى االف ــت ــراض ــى»‬ ‫د‪.‬عماد عبد اللطيف‬ ‫من إعــداد د‪.‬سميرة‬ ‫ح ــاوى‪ ،‬أمــا البحث‬ ‫الخامس فجاء بعنوان «آلــيــات تحليل الخطاب‬ ‫السياسى‪ ،‬كتاب «بالغة الحرية لعماد عبداللطيف»‪،‬‬ ‫وفيه يحلل د‪.‬محمد منتاقى‪ ،‬اآلليات املوظفة فى‬ ‫فهم الخطاب السياسى‪ ،‬وتحليله‪ ،‬واختتم املؤتمر‬ ‫أعماله ببحث «سادس» للدكتور عماد عبداللطيف‬ ‫بعنوان «الصياد والفريسة‪ :‬منهجيات دراسة خطاب‬ ‫الجمهور فى البالغة والنقد ودراسات التواصل‪.‬‬ ‫أقيم املؤتمر فى كلية اآلداب والعلوم اإلنسانية‪،‬‬ ‫بإشراف د‪.‬لطيفة األزرق‪ ،‬ومشاركة د‪ .‬رحمة توفيق‪.‬‬

‫مناقشة «صالة خاصة»‬ ‫فى بتانة‬ ‫تنظم مؤسسة بتانة فى التاسعة مساء الخميس‬ ‫القادم ‪ 9‬مايو‪ ،‬ندوة ملناقشة رواية «صالة خاصة»‬ ‫الصادرة عن الهيئة العامة للكتاب‪ ،‬للكاتب صبحى‬ ‫موسى‪ ،‬يشارك فيها الناقد الدكتور شاكر عبد‬ ‫الحميد وزيــر الثقافة األسبق‪ ،‬الكاتب السياسى‬ ‫أحمد بهاء الدين شعبان‪ ،‬والناقد األكاديمى الدكتور‬ ‫رضا عطية‪ ،‬ويديرها الشاعر والناقد شعبان يوسف‪.‬‬ ‫تقع الرواية فى ‪ 550‬صفحة من القطع الكبير‪،‬‬ ‫وتتعرض للحقبة املسيحية بوصفها واحــدة من‬ ‫الفترات املهمة فى التاريخ والهوية املصرية‪ ،‬وذلك‬ ‫عبر فصول سردية تجمع بني التاريخى والفنى‬ ‫والــواقــعــى‪ ،‬وتمزج الــروايــة بني أسئلة الحاضر‬ ‫وإشكاليات املــاضــى‪ ،‬فــى إطــار فنى قائم على‬ ‫التشويق والتوظيف السردى للمعلومات‪ ،‬كما تجيب‬ ‫على العديد من األسئلة املهمة حول كيفية تطور‬ ‫الفكر املسيحى فى قرونه األولــى‪ ،‬وقدر املساهمة‬ ‫املصرية فى بناء الفلسفة املسيحية ً‬ ‫عامليا‪.‬‬ ‫بالذكر أن صبحى موسى شاعر وروائــى‪،‬‬ ‫جدير ِ‬ ‫ً‬ ‫مديرا‬ ‫صدرت له عدة أعمال شعرية وروائية‪ ،‬وعمل‬ ‫ً‬ ‫ورئيسا‬ ‫للنشر بالهيئة العامة لقصور الثقافة‪،‬‬ ‫لتحرير مجلة الثقافة الجديدة‪ ،‬كما حصل على‬ ‫العديد من الجوائز عن أعماله‪ ،‬منها جائزة نجيب‬ ‫محفوظ من املجلس األعلى للثقافة‪ ،‬عن روايته‬ ‫«نقطة نظام» فى ‪.2018‬‬ ‫اقرأ ص‪١٩ ، ١٨‬‬

‫أحمد إبراهيم الفقيه‬

‫‪٣٥‬‬

‫‪ ٥‬مايو ‪ ٢٠١٩‬العدد ‪١٣٤٥‬‬

‫إعالنات الغيطانى‬ ‫طارق الطاهر‬ ‫ما أسباب الخصومة التى وقعت بينك وبني األديب‬ ‫الراحل جمال الغيطانى والتى انتهت بتصالحكما بعد‬ ‫هجوم كبير ومعارك وفوز بجائزة الدولة التقديرية؟‬ ‫هكذا لخصت الزميلة انتصار دردير فى كتابها «فاروق‬ ‫حسنى يتذكر‪ ..‬زمن من الثقافة»‪ ،‬ما دار على صفحات‬ ‫جريدة «أخبار األدب» التى أسسها جمال الغيطانى‪ ،‬من‬ ‫اختالف للرؤى حول املشهد الثقافى املصرى فى فترة‬ ‫تولى فاروق حسنى وزارة الثقافة‪ ،‬لم تر سوى أن هناك‬ ‫معارك انتهت بصلح وجائزة‪.‬‬ ‫هكذا يمكن تلخيص سنوات من عمر جريدة فى‬ ‫سطرين‪ ،‬معناهما أن هناك مصالح قد حكمت رؤية من‬ ‫يرأس تحريرها‪ ،‬وعندما وصل ملبتغاه توقفت املعارك‪.‬‬ ‫إذا كان السؤال قد صيغ بهذه الطريقة‪ ،‬فكيف كانت‬ ‫اإلجابة من جانب الوزير السابق‪ « :‬وكأنه حصل على‬ ‫استراحة محارب أجاب قائال‪ :‬حني تم ترشيح جمال‬ ‫الغيطانى أعطيت صوتى إلبداعه‪ ،‬وليس لشخصه‪،‬‬ ‫وفعلت نفس الشىء مع بعض من فازوا بها‪ ،‬وكانوا فى‬ ‫خصومة شديدة معى‪ ،‬مثل فاروق جويدة‪ ،‬د‪ .‬نعمات أحمد‬ ‫فؤاد‪ ،‬ألنى أنظر لعطاء املبدع وليس إلى تصفية حساب‬ ‫معى‪ ،‬جمال الغيطانى ‪ -‬يرحمه الله ‪ -‬كان صديقى قبل‬ ‫أن أتولى الوزارة‪ ،‬وبعد الوزارة علم أنى سأصدر جريدة‬ ‫ثقافية فجاء يخبرنى أنه يعد إلصدار جريدة أخبار‬ ‫األدب وقال لى اعتبرها جريدتك وساعدنا بإعالنات‪،‬‬ ‫بدال من أن تصدر جريدة‪ ،‬ووافقت ووقفت بينى وبينه‬ ‫أطراف عديدة‪ ،‬وأعتقد هو أنى قد منعت اإلعالنات عن‬ ‫جريدته‪ ،‬فبدأ يهاجمنى‪ ،‬وكان محاربا شرسا‪ ،‬وكنت أرد‬ ‫على هجومه فى الصحف»‪.‬‬ ‫وألنى شاهد على ما ذكره فاروق حسنى‪ ،‬وفى عجالة‬ ‫وبدون تفاصيل ال وقت لها اآلن‪ ،‬أحب أن أوضح للزميلة‬ ‫جانبا من بعض املعارك التى خاضتها «أخبار األدب»‪،‬‬ ‫وكان من بينها معركة جوائز الدولة‪ ،‬وقد خضتها‬ ‫بنفسى على مدى سنوات طوال‪ ،‬بعد جدل كثير كان‬ ‫يصحب كل دورة من دورات منح هذه الجوائز‪ ،‬وقد أكد‬ ‫فاروق حسنى دون أن يدرى صحة معركتنا‪ ،‬التى كانت‬ ‫تصب فى ضرورة إصالح طريقة منح الجوائز‪ ،‬ومنها‬ ‫منع رؤساء الهيئات من التصويت‪ ،‬ألنهم يمثلون كتلة‬ ‫قادرة على أن تمنح الجائزة لهذا الشخص أو تحجبها‬ ‫عنه‪ ،‬والدليل ما قاله فاروق حسنى فى إجابته أنه أعطى‬ ‫صوته للغيطانى‪ ،‬لو أن هناك حديثا عن نظام مؤسسى‬ ‫ملا كان صوته الوحيد من بني ما يقرب من ‪ 52‬صوتا هو‬ ‫املرجح والكفيل بمنح الجائزة أو حجبها‪ ،‬وألنه يعلم أن‬ ‫صوته ليس صوتا‪ ،‬بل رمز «لكتلة تصويتية»‪ ،‬ملا تحدث‬ ‫بثقة عن أنه منح الجائزة للغيطانى وفاروق جويدة‬ ‫ونعمات أحمد فؤاد‪ ،‬أى أنه كان بمقدوره وهو الصوت‬ ‫الواحد أن يؤثر فى نتيجة الجوائز‪ ،‬األمر اآلخر الذى‬ ‫أحب أن أوضحه ملؤلفة الكتاب أن الدولة املصرية‬ ‫استجابت منذ العامني لكل ما جاء فى انتقادات‬ ‫«أخبار األدب» وغيرها من الصحف التى أعلت قيمة‬ ‫الوطن على املصلحة الشخصية‪ ،‬وبالفعل تم إجراء‬ ‫تعديالت فى طريقة املنح‪ ،‬على رأسها عدم التصويت‬ ‫من قبل قيادات وزارة الثقافة‪ ،‬وكذلك تقوم لجنة‬ ‫فحص تخصصية بترشيح عدد محدود للمجلس األعلى‬ ‫للتصويت عليها‪.‬‬ ‫هذه واحدة من معاركنا التى خضناها ضد فاروق‬

‫غالف عدد أخبار األدب فى ‪١٠‬‬ ‫نوفمبر ‪ ١٩٩٦‬املتضمن تحقيقًا‬ ‫بعنوان‪ :‬األدباء لوزير الثقافة‪..‬‬ ‫ثقافتنا مهانة‪ ..‬آثارنا منهوبة‬ ‫فلماذا ال ترحل؟‬

‫الدولة املصرية‬ ‫استجابت منذ‬ ‫العامني لكل ما‬ ‫جاء فى انتقادات‬ ‫«أخبار األدب»‬ ‫وغيرها من‬ ‫الصحف التى‬ ‫أعلت قيمة الوطن‬ ‫على املصلحة‬ ‫الشخصية‬

‫حسنى‪ ،‬وانتهت لصالحنا‪ ،‬وعلى فكرة نحن لم نكن فى‬ ‫خصومة مع أحد بدليل‪ ،‬أننى حاورت الوزير السابق‬ ‫حول جوائز الدولة‪ ،‬فجاء العنوان «نعم الوزارة تأخذ‬ ‫رؤية الوزير فى التصويت على الجوائز» ووقتها أثار هذا‬ ‫الحوار غضبا بني قيادات الوزارة‪ ،‬ألن الوزير ببساطة‬ ‫قال إنهم يصوتون حسب رؤيته «نعم‪ ..‬رؤساء الهيئات‬ ‫الثقافية يصوتون فى جوائز الدولة حسب رؤيتى» أخبار‬ ‫األدب ‪ ١٥‬سبتمبر ‪.١٩٩٦‬‬ ‫األمر اآلخر عليك أن تراجعى قوائم الفائزين بجوائز‬ ‫الدولة التشجيعية‪ ،‬فستجدين جمال الغيطانى فاز بها‬ ‫قبل مجئ فاروق حسنى‪ ،‬وحصل عليها ‪ -‬أيضا‪ -‬نخبة من‬ ‫األدباء؛ بعضهم بعد أن حصل عليها الغيطانى‪ ،‬لكنهم‬ ‫سابقوه فى الحصول على التقديرية‪ ،‬فبالشك أن معركة‬ ‫الغيطانى لصالح الثقافة املصرية أجلت فوزه بالجائزة‪،‬‬ ‫وعليك ‪ -‬أيضا‪ -‬أن تعلمى أن الجهة التى رشحت الغيطانى‬ ‫للتقديرية كانت جامعة سوهاج‪ ،‬وعليك ‪ -‬أيضا‪ -‬أن‬ ‫تعودى إلى السيرة الذاتية للغيطانى للتعرف على‬ ‫الجوائز العاملية التى حصل عليها‪ ،‬قبل أن يفوز بالجائزة‬ ‫التقديرية‪ ،‬وأخيرا بعد أن غادر فاروق حسنى الوزارة‬ ‫حصل الغيطانى على جائزة النيل فى اآلداب‪ ،‬وهى أعلى‬ ‫جائزة مصرية‪.‬‬ ‫أما فيما يخص الربط بني الهجوم واإلعالنات كما‬ ‫جاء فى إطار إجابة فاروق حسنى‪ ،‬فهذا غير صحيح‬ ‫إطالقا‪ ،‬وهى قصة سبق أن كتبتها فى «أخبار األدب»‬ ‫منذ سنوات طوال والوزير كان على كرسيه الوزارى‪ ،‬أن‬ ‫الذى أصدر توجيهات بمنع اإلعالنات هو فاروق حسنى‬ ‫نفسه‪ ،‬بعد أن كتبت موضوعا عنوانه «إلى فاروق حسنى‪..‬‬ ‫ثقافتنا مهانة وآثارنا منهوبة‪ ..‬فلماذا ال ترحل»‪ ،‬ولم يكن‬ ‫هذا املوضوع مقاال‪ ،‬إنما تحقيقا صحفيا أجريته مع‬ ‫مجموعة من األدباء واملثقفني خاصة من خارج القاهرة‪،‬‬ ‫بعد أن هاجمهم مدير صندوق التنمية الثقافية فى ذلك‬ ‫الوقت سمير غريب‪ ،‬ووصفهم بأنهم يبتزون هيئة قصور‬ ‫الثقافة‪ ،‬وانتقدت فى وقتها هذه التصريحات‪ ،‬التى أدت‬ ‫إلى أن عقد وزير الثقافة لقاء مفتوحا لتقديم اعتذار‬ ‫لهم ملا بدر من مدير الصندوق‪ ،‬الذى رد على موضوعى‬ ‫الخاص بتصريحاته‪ ،‬أنه يريد أن يكون اإلعالن القادم‬ ‫فى أخبار األدب هو «صندوق التنمية الثقافية يدعم‬ ‫اخبار األدب وهيئة قصور الثقافة» وبالتالى رفضنا‬ ‫اإلعالن بهذه الطريقة‪ ،‬وعندما أخبرت الوزير بهذه‬ ‫الصيغة‪ ،‬طلب عدم نشره‪ ،‬ولكن بعد أن أجرينا التحقيق‬ ‫أخذ جانب مدير الصندوق‪ ،‬ومنع اإلعالنات‪ ،‬وهو فى‬ ‫إجابته على الزميلة انتصار دردير يشير إلى جانب مما‬ ‫أقوله عندما قال‪« :‬وقفت بينى وبينه أطراف عديدة‪،‬‬ ‫وأعتقد هو أنى قد منعت اإلعالنات»‪.‬‬ ‫هذه حقائق أسوقها على عجل‪ ،‬وربما أتوقف عندها‬ ‫باستفاضة فيما بعد‪ ،‬فاختزال معارك الجريدة ضد‬ ‫سياسات وزير قوى فى حكومات مبارك‪ ،‬أنها من أجل‬ ‫اإلعالنات أو الفوز بجائزة؛ عبث‪ ،‬ال يرضاه أى ضمير‪ ،‬ال‬ ‫سيما «أخبار األدب» تصدر من مؤسسة صحفية كبرى‪،‬‬ ‫ضمنت لها استمرارها أكثر من ربع قرن‪.‬‬

‫تصدر عن دار أخبار اليوم‬ ‫‪ ٦‬شارع الصحافة بالقاهرة‬

‫رئيس مجلس االدارة‪:‬‬

‫ياســــــر رزق‬ ‫رئيس التحرير‪:‬‬

‫طارق الطاهر‬ ‫مديرا التحرير‪:‬‬

‫محمد شعير‬ ‫إسالم الشيخ‬ ‫مدير التحرير التنفيذى‪:‬‬

‫ياسر عبد الحافظ‬ ‫نائب رئيس التحرير التنفيذى‪:‬‬

‫منصورة عز الدين‬ ‫اإلخراج الصحفى‪:‬‬

‫سيد عبد النبى‬ ‫محمد مختار‬ ‫أحمد سعيد‬ ‫صدر العدد األول منها‬ ‫فى ‪١٩٩٣/٧/١٩‬‬ ‫برئاسة تحرير‬ ‫جمال الغيطانى‬ ‫فى عهد إبراهيم سعده‬ ‫رئيس مجلس اإلدارة‬ ‫أسعار البيع فى البالد العربية والخارج‬ ‫>سوريا ‪ 50‬ل س >لبنان ‪2000‬‬ ‫ليرة > األردن ‪ 1.25‬دينار >الكويت‬ ‫‪ 750‬فلس >السعودية ‪ 8‬رياالت‬ ‫> تونس ‪ ١٫٥٠‬دينار > املغرب ‪١٥‬‬ ‫دراهــم > البحرين ‪ ٠٫٣٠٠‬دينار‬ ‫> قطر ‪ ١٠‬ريــاالت >األمـــارات ‪8‬‬ ‫دراهم >سلطنة عمان ‪ ٠٫٥٠‬ريال‬ ‫>اليمن ‪ 200‬ريال >غزة‪ /‬الضفة‪/‬‬ ‫القدس ‪ 1‬دوالر >فرنسا ‪ 3‬يورو‬ ‫>اململكة املتحدة ‪ 2‬ج >ايطاليا ‪3.5‬‬ ‫يورو >املانيا ‪ 4.5‬يورو >اليونان ‪2.9‬‬ ‫يورو >النمسا ‪ 3.65‬يورو >تركيا‬ ‫‪ 350٠000‬ليرة >امريكا ‪ 5‬دوالر‬ ‫>استراليا ‪ 8‬دوالرات >كندا ‪5.5‬‬ ‫دوالر >الجزائر ‪> DA 150‬ليبيا‬ ‫‪ 2000‬درهم > مسقط ‪ ٠٫٥٠‬ريال‪.‬‬

‫< االشتراكات السنوية <‬ ‫داخل جمهورية مصر العربية ‪260‬‬ ‫جنيها مصرى‪ .‬الدول العربية ‪66‬‬ ‫دوالر‪ .‬اتحاد البريد االفريقى ‪98‬‬ ‫دوالر‪ .‬أمريكا وكندا ‪ 126‬دوالرا‪.‬‬ ‫الدول االوروبية ‪ 98‬دوالرا استراليا‬ ‫ونيوزيلندا ومع فى حكمها ‪255‬‬ ‫دوالر‪ .‬السداد نقدا أو بشيك ألمر‬ ‫أخبار اليوم ‪( 3‬أ) شارع الصحافة‪.‬‬ ‫القاهرة‬ ‫فاكس‪25782706 :‬‬

‫االستعالم ت‪25806420 -25806419 :‬‬ ‫املبنى الرئيسى‪25782600 -25782500 :‬‬ ‫املبنى الصحفى‪25782700 :‬‬ ‫قطاع التوزيع‪25782702 -25782701 :‬‬ ‫فاكس املؤسسة‪25782520 -25782510 :‬‬ ‫األيميل‪Fax- akhbar @ Live. com :‬‬ ‫فاكس األعالنات‪25782540 :‬‬ ‫فاكس التوزيع‪25782540 :‬‬ ‫تلكس دولى‪2282 :‬‬ ‫محلي‪ 88 :‬طريق الحرية‬ ‫مكتب االسكندرية‪ :‬الدور السادس‬ ‫ت‪ 4820009 - 4830000 :‬تلكس ‪54137‬‬

‫مقاالت الرأى املنشورة فى الجريدة‬ ‫تعبر عن وجهة نظر كتابها‬


‫‪٣٤‬‬

‫‪ ٥‬مايو ‪ ٢٠١٩‬العدد ‪١٣٤٥‬‬

‫‪3‬‬

‫‪ 5‬مايو ‪ ٢٠١٩‬العدد ‪١٣٤٥‬‬

‫بفارق توقيت بسيط‪ ،‬تزامنت ذكرى ميالده مع ذكريات الوزير األسبق‪ .‬املاضى هو‬ ‫ّ‬ ‫البطل فى الحالتني مع فارق جوهرى‪ ،‬فشخصية جمال الغيطانى شكلت‪ -‬بتفاصيلها‬ ‫املتعددة‪ -‬جزءا من مالمح الوطن فى حقبة ضبابية‪ ،‬ومن هذه التفاصيل دفاعه الوطنى‬ ‫عن تراثنا املهدد‪ .‬بينما يحاول فاروق حسنى إعادة رسم مالمحه الشخصية‪ ،‬بعد رحيل‬ ‫واحد من أكبر معارضيه‪ ،‬ويواصل إنتاج أفكاره السابقة‪ ،‬ويصمت كثيرا عن وقائع مهمة‪،‬‬ ‫إما لكونه ال يملك تبريرات لها‪ ،‬أو ألنه لم يواجه سؤاال حولها‪ .‬ومن الطبيعى أن يكون‬ ‫الغيطانى حاضرا خالل عملية« غسيل سمعة» شهدتها مذكرات الوزير‪ ،‬التى خرجت على‬ ‫شكل حوار فى كتاب‪ ،‬يتضمن تلميحات إلى أن منطلقات الكاتب الكبير كانت شخصية‪،‬‬ ‫بينما يتجاهل الكتاب نفسه الدوافع الشخصية للوزير‪ ،‬رغم أن القضايا عامة فى كلتا‬ ‫الحالتني‪.‬‬ ‫الشيخ سلطان القاسمى حاكم الشارقة فى افتتاح املهرجان‬

‫رئيس هيئة الشارقة للكتاب لـ «أخبار األدب»‪:‬‬

‫جراحها ال تزال تنزف‪:‬‬

‫معارك الكاتب الكبير‪ ..‬و «غسيل ُسمعة» الوزير!‬ ‫إيهاب احلضرى‬ ‫ُ‬ ‫التقيت مع الكاتب الكبير على حب التراث‪ ،‬مع فارق الخبرة‬ ‫ّ‬ ‫واملكانة‪ .‬وحدتنا الرؤية رغم اختالفات متقطعة ومشروعة‪ .‬هذه‬ ‫الخالفات لم تكن قاصرة ّ‬ ‫على‪ ،‬فكثيرا ما كان نقاشه معنا كصحفيني‬ ‫شباب يتسم بتباين وجهات النظر‪ ،‬وقد منحنا هذا االختالف صك‬ ‫براءة‪ ،‬من اتهام سابق التجهيز بأننا «صبيانه»‪ ،‬الذين يستخدمهم‬ ‫فى معاركه ذات املنطلقات الشخصية! ففى سياق املعارك املحتدمة‬ ‫استحضر البعض الصورة الذهنية للحارة‪ ،‬وجعلوا من جمال‬ ‫الغيطانى فتوة يستعني بحرافيشه‪ ،‬لكن سلوك الحوارى كان حاضرا‬ ‫فقط فى أسلوب رد الخصوم على قنابلنا‪ ،‬التى لم يستطيعوا إبطال‬ ‫مفعولها رغم سطوتهم‪ ،‬فلجأوا إلثارة غبار لم ينقشع رغم رحيل‬ ‫الغيطانى‪.‬‬ ‫ما أسباب الخصومة التى وقعت بينك وبني األديب الراحل جمال‬ ‫الغيطانى‪ ،‬والتى انتهت بتصالحكما بعد هجوم كبير ومعارك‪ ،‬وفوزه‬ ‫بجائزة الدولة التقديرية؟‬ ‫سؤال ُملغم يخلط األوراق بشكل واضح‪ ،‬ويمنح الوزير أكثر مما‬ ‫يريده‪ ،‬ويجعله فى وضع استرخاء «وكأنه حصل على استراحة‬ ‫محارب» حسب وصف املؤلفة انتصار دردير‪ ،‬وهو وصف صادق‬ ‫تماما‪ .‬لقد تضمن السؤال اإلجابة‪ ،‬ولم يعد الوزير األسبق فى حاجة‬ ‫إلى تكرارها‪ ،‬فالغيطانى وفقا للصياغة غير البريئة كان يثير املعارك‬ ‫لفرض« إتاوة»‪ ،‬حصل عليها بجائزة الدولة! لهذا تجاوز فاروق حسنى‬ ‫التلميح الواضح‪ ،‬وتفرغ إلثارة املزيد من الغبار‪ ،‬عندما ربط املعارك‬ ‫بوقف إعالنات وزارة الثقافة لـ «أخبار األدب» ! أى أن املصلحة كانت‬ ‫املنطلق فى كل األحوال‪.‬‬ ‫يأتى السؤال التالى هجوميا فى ظاهره‪ ،‬ويتطرق لواقعة شهيرة‬ ‫رفع فيها الوزير أخبار األدب تحت قبة البرملان‪ ،‬وتساءل‪« :‬هيه دى‬ ‫الصحافة التى تدعمها الدولة لتهاجمنا؟»‪ ،‬فى واقعة تحريض‬ ‫علنية وغير مسبوقة‪ .‬تساؤل ذكى كان يمكن أن يمحو خطيئة السؤال‬ ‫السابق‪ ،‬لكن الوزير تهرب من تفسير واقعة التحريض‪ ،‬وركز على‬ ‫الشق األول الذى أكدت فيه محاورته أنه أصدر جريدة القاهرة للرد‬ ‫على مهاجميه‪ .‬وألن الحقيقة ليست هدفا أساسيا لم يجد الوزير من‬ ‫يحاصره ليبرر فعلته تحت قبة البرملان‪.‬‬ ‫التحريض على الصحافة كرد فعل لحملة انطلقت‬ ‫جاءت واقعة ُ‬ ‫بأيام‪ ،‬وكنت أحد األطراف الفاعلني بها‪ ،‬فبعد منتصف‬ ‫قبلها‬ ‫ُ‬ ‫الليل تلقيت مكاملة هاتفية من الكاتب الكبير‪ ،‬كان صوته يجمع بني‬ ‫االنزعاج واالنفعال‪ ،‬حدثنى عن كارثة يتعرض لها متحف الفن‬ ‫اإلسالمى‪ .‬صباح اليوم التالى كنت هناك مع صديقى املصور الراحل‬ ‫يوسف ناروز‪ ،‬ورصدنا الجريمة التى يجرى ارتكابها‪ ،‬يتم نقل عدد‬ ‫هائل من القطع األثرية بوسائل بدائية‪ ،‬أدت إلى تعرض بعضها للتلف‬ ‫فعليا‪ ،‬وبمجرد عودتنا باملادة نزلت الصور على الغيطانى كصاعقة‪،‬‬ ‫وبدأ إجراء اتصاالت عديدة انتهت بتوجه عدد كبير من املثقفني‬ ‫وعلماء اآلثار إلى النائب العام‪ ،‬لتقديم بالغ ضد وزير الثقافة‪،‬‬ ‫واملطالبة بوقف تفتيت املتحف اإلسالمى‪ .‬ما حدث كان سابقة فى‬ ‫الحياة السياسية املصرية‪ ،‬فقد جرت العادة أن يلجأ معارضو الوزير‬ ‫إلى القضاء‪ ،‬لوقف إحدى مغامراته فى مجال اآلثار‪ ،‬تكرر ذلك‬ ‫فى دعاوى قضائية انتهت بمنع سفر معرضني خارجيني‪ ،‬وإبطال‬ ‫مخطط تدمير هوية باب العزب‪ ،‬لكن اللجوء للنائب العام كان تكتيكا‬

‫إحدى ندوات املهرجان‬

‫جديدا لم يعتده مسئول الثقافة الكبير‪ ،‬فانفعل تحت قبة البرملان‪،‬‬ ‫وهو ما فتح عليه نيرانا صديقة‪ ،‬حيث هاجمه بضراوة‪ ،‬الكاتب الكبير‬ ‫إبراهيم سعدة‪ ،‬فى عموده بالصفحة األخيرة فى «أخبار اليوم»‪ ،‬الذى‬ ‫كان يوقعه باسم أنور وجدى‪.‬‬ ‫ال مجال هنا لتكرار ردودنا على ادعاءات الوزير‪ ،‬التى نشرتها‬ ‫«أخبار األدب» على مدار أعداد‪ ،‬فى واحدة من أكبر حمالتها‬ ‫ُ‬ ‫الصحفية‪ ،‬ووثقت تفاصيلها فى كتابى األخير« هدير الحجر»‪ ،‬لكنى‬ ‫سأستعير هنا أسلوب الوزير‪ ،‬باالعتماد على عبارات عامة‪ ،‬غير‬ ‫أنها كاشفة‪ ،‬ترتكز على وثائق نشرناها فى وقتها‪ .‬فقد تسبب العبث‬ ‫باملتحف اإلسالمى فى كوارث ذات مستويات متعددة‪ ،‬وشهدت‬ ‫األحداث معارضة ملا يجرى من داخل الوزارة نفسها‪ ،‬تسببت فى‬ ‫اإلطاحة بمسئولني فى املجلس األعلى لآلثار ودار الكتب‪ ،‬وكانت‬ ‫النتيجة جرائم مكتملة األركان‪ ،‬من بينها العبث بمبنى أثرى وتغيير‬ ‫مالمحه‪ّ ،‬ملصلحة مشروعُ آخر هو تطوير دار الكتب‪ .‬ينسى الوزير كل‬ ‫ذلك ويتحلى بالتسامح املفرط وهو يقول‪« :‬أود أن أسجل عذرى لكل‬ ‫من كان ضدى‪ ،‬ألن من ال يعرف يجهل» !! ثم اختزل تبريراته القديمة‬ ‫فى عبارات مختصرة‪ ،‬ليعيد صياغة ما سبق الرد عليه ُفى حينه‬ ‫باملستندات‪ ،‬فالرجل ذكى ويعرف أن ذاكرة السمكة هى املسيطرة‪.‬‬ ‫كما أن الكثيرين خارج سياق األحداث ال يعرفون كواليس ما جرى‪.‬‬ ‫أما فرسان املعركة فمنهم من رحل‪ ،‬ومنهم من اختار الصمت طريقا‬ ‫منذ سنوات‪ ،‬لهذا أصبحت الساحة شبه فارغة‪ ،‬تتيح للوزير األسبق‬ ‫فرصة الحديث بأسى عن حالة تربص ممن اعتبرهم أصدقاء‪،‬‬ ‫ومنهم الكاتب جمال الغيطانى‪.‬‬ ‫كتابات الغيطانى موثقة‪ .‬ينطبق األمر نفسه على معارك أخبار‬ ‫األدب فى مجال اآلثار وغيرها‪ ،‬وهى معارك كانت تحت إشرافه‬ ‫املباشر‪ ،‬حتى لو لم يكن هو من أطلق شرارتها‪ .‬كان يتابع مشاغباتنا‬ ‫عن كثب‪ ،‬ويبدى مالحظاته التى قد نختلف عليها‪ ،‬لكنه لم يكن يتدخل‬ ‫حال اختالف الرؤى‪ ،‬شرطه الوحيد هو التحلى باملنطق‪ ،‬وهو أمر‬ ‫فى ُ‬ ‫وضعته مع غيرى من الزمالء نصب أعيننا‪ .‬ورغم أخطاء الوزير‬ ‫الفادحة فى مجال اآلثار‪ ،‬إال أنه ذكى‪ ،‬يعلم أن كل ما نشرته أخبار‬ ‫األدب أصبح تاريخا‪ ،‬وإذا كان الحاضر وقتها قد دعمه‪ ،‬باعتباره‬ ‫يحتمى بأحد مراكز القوى‪ ،‬فإن أى قراءة مستقبلية ستتخلص من‬ ‫قوى الضغط القديمة‪ ،‬لهذا يحاول كل فترة أن يترك خلفه تفسيرات‬ ‫قد تنصفه لدى الباحثني ذات مستقبل‪ ،‬بعد أن ّ‬ ‫رسخ ثقافة صخب‪،‬‬ ‫يتباكى البعض على ضجيجها املفقود‪ ،‬لدى وزراء تتابعوا بعده دون أن‬ ‫تتاح لهم فرصته فى النفوذ أو الخلود فى مناصبهم!‬ ‫لهذا لم يتطرق الوزير مثال إلى تفسيرات مطلوبة‪ ،‬ملحاور أساسية‬ ‫تضمنتها معارك الغيطانى والجريدة‪ ،‬ليس مهما أن يتذكر كبار‬ ‫مساعديه الذين تصيدتهم األجهزة الرقابية تباعا‪ ،‬وال عمليات‬ ‫الترميم الفاشلة بشهادة تقارير دولية‪ ،‬وحتى بدون شهادتها يظل‬ ‫الواقع شاهدا حيا على ذلك‪ ،‬ويكفى كارثة مدرسة صرغتمش التى‬

‫يكفيه أنه لم يكن من العابرين فى‬ ‫كالم عابر‪ ،‬لهذا بقيت حروفه غائرة‬ ‫داخل البعض‪ ،‬يواصلون تضميد‬ ‫جراحهم منها‬

‫سقط سقفها وعادت املياه الجوفية لتحاصرها‪ ،‬بعد أقل من عشرين‬ ‫عاما من ترميمها فى عصره‪ .‬الوزير معذور‪ ،‬فلم يوجه إليه سؤال حول‬ ‫هذه األمور ليجيب عليه‪ ،‬ومعظم األسئلة كانت مجرد تمريرات تتيح‬ ‫له فرصة تسديد هدف‪ ،‬وهذا هو أهم أهداف الكتاب‪.‬‬ ‫فاروق حسنى دائما على حق‪ ،‬والخطأ يأتى حتى من الواقفني فى‬ ‫خندقه‪ ،‬ففى أزمة باب العزب يلقى باللوم على محامى الحكومة‪،‬‬ ‫الذى تهاون فى التعامل مع القضية بالشكل املطلوب‪ ،‬فإذا كان ذلك‬ ‫ينطبق على محكمة القضاء اإلدارى‪ ،‬فلماذا لم يتدارك الوزير األمر‪،‬‬ ‫ويرفع سماعة هاتفه طالبا هيئة دفاع أقوى تنقذه من تأييد الحكم‬ ‫فى اإلدارية العليا‪ .‬خاصة أنه اعترف فى الكتاب باللجوء إلى الهاتف‬ ‫مرات عديدة‪ ،‬لوقف هجمات عليه‪ ،‬ال من املعارضني‪ ،‬بل من جانب‬ ‫وزراء يزاملونه فى الحكومة نفسها‪ ،‬مثل وزيرى اإلعالم والداخلية!‬ ‫أى أنه كان يملك القدرة على تشكيل فريق دفاع أقوى‪ ،‬يقيه من‬ ‫حيثيات الحكم التى جاءت كصفعة على وجه املخطط‪ ،‬وتضمنت‬ ‫عبارات بالغة القوة تدين السياسات األثرية‪ ،‬وألن حلم الوزير لم‬ ‫يتحقق فقد صرف انتباهه عن تطويرها‪ ،‬بشكل الئق يراعى املعايير‬ ‫األثرية‪ ،‬لهذا كانت النتيجة أن املكان تحول‪ « :‬إلى مأوى للخارجني‬ ‫على القانون وأطفال الشوارع عقب أحداث ثورة يناير ‪ .»2011‬هذا‬ ‫ما أورده الكتاب نصا‪ ،‬ليبرهن على رؤيته الثاقبة‪ُ ،‬ويحمل معارضى‬ ‫مشروع باب العزب ومنهم الغيطانى مسئولية ما انتهت إليه حالة‬ ‫املنطقة‪ .‬القول بأن املأساة التى تعرض لها باب العزب كانت بعد ثورة‬ ‫يناير ال ُيعفى الوزير من املسئولية‪ ،‬فقد أهمل املنطقة عمدا بعد أن‬ ‫توقف مشروعه‪ ،‬رغم بقائه نحو عشر سنوات فى الوزارة بعد حكم‬ ‫اإلدارية العليا‪ ،‬تجاهل خاللها املنطقة التى كانت تحتاج إلى مشروع‬ ‫ترميم جاد‪ ،‬يضع الرؤية األثرية ال السياحية فى املقدمة‪ .‬كان هذا‬ ‫تحديدا أحد املحاور األساسية التى يرتكز عليها هجوم الغيطانى على‬ ‫وزارة الثقافة فى مجال اآلثار‪ ،‬فقد حذر أكثر من مرة من التعامل مع‬ ‫اآلثار بفكر اقتصادى‪ ،‬ألن ذلك يؤدى إلى نتائج وخيمة فى النهاية‪،‬‬ ‫ُ‬ ‫ويجعل اآلثار التى يمكن أن تدر دخال أولى بالرعاية‪ ،‬بينما تبقى‬ ‫الغالبية العظمى فى املنطقة املظلمة!‬ ‫رحل الكاتب الكبير إذن لكنه باق‪ .‬عبارة ذات مالمح تأبينية‪،‬‬ ‫غير أن الواقع يمنحها حيوية تليق بالخالدين‪ .‬يكفيه أنه لم يكن من‬ ‫العابرين فى كالم عابر‪ ،‬لهذا بقيت حروفه غائرة داخل البعض‪،‬‬ ‫يواصلون تضميد جراحهم منها‪ .‬شخصيا أرى أن عمليات غسيل‬ ‫السمعة حق مشروع ألى إنسان‪ ،‬لكن املشكلة تبدأ حينما ال يكتفى‬ ‫البعض بصناعة أساطيرهم الشخصية‪ ،‬عبر رسم مالمح مالئكية‬ ‫لهم‪ ،‬ويعمدون إلى تشويه معارضيهم بعبارات تبدو مهذبة فى‬ ‫ظاهرها‪ ،‬وفى باطنها تحتضن اإلساءة!‬ ‫ملحوظة أخيرة‪:‬‬ ‫املختطف الرئيسى للسفينة اإليطالية أكيلى الورو لم يكن محمود‬ ‫ّ‬ ‫عباس‪ .‬ألتمس العذر لذاكرة الوزير‪ ،‬لكن بعض الهنات قد تؤدى إلى‬ ‫مشكالت دبلوماسية!‪.‬‬

‫نسعى الستعادة الطفل من عالم «السوشيال ميديا»‬ ‫فيروز‪،‬‬ ‫يروى العرض قصة ثالث مغامرات يخوضها أبناء شهرزاد؛‬ ‫ً‬ ‫وقادر‪ ،‬وأمني‪ ،‬حيث يأخذ الحضور إلى عوالم خيالية تسرد فصال‬ ‫جديدًا ألسرار الحب‪ ،‬والحكمة‪ ،‬واملعرفة‪ ،‬ويطوف ُ فيهم برحلة من‬ ‫البر إلى البحر‪ ،‬ومن الوديان إلى ُالتالل والجبال‪ ،‬تجسد تفاصيلها‬ ‫كاملة على «مسرح املجاز» بتقنيات تستخدم للمرة األولى فى املنطقة‪.‬‬

‫أدب الطفل والقصص املصورة‬ ‫رسالة الشارقة‪:‬‬

‫عالء عبد الهادى‬ ‫أكد أحمد بن ركاض العامرى رئيس هيئة الشارقة للكتاب‪ ،‬أن اإلمارة‬ ‫تشهد هذا العام عدة فعاليات وأنشطة ثقافية‪ ،‬تمثل فى مجملها‬ ‫نتاج عمل ثقافى دؤوب ومستمر على مدار أربعة عقود‪ ،‬وباهتمام‬ ‫ومتابعة شخصية من سمو حاكم الشارقة الدكتور سلطان بن محمد‬ ‫القاسمى‪ ،‬موضحا أن ‪ 2019‬هو عام االستحقاقات الثقافية للشارقة‪،‬‬ ‫فهى «شارقة تشرق فكرا وعلما وثقافة» حيث تم اختيارها عاصمة‬ ‫عاملية للكتاب‪ ،‬وتم اختيارها أيضا لتكون ضيف شرف ألربعة من أهم‬ ‫معارض الكتب فى أربع مدن عاملية‪ ،‬هى موسكو وتورينو وبولونيا‪،‬‬ ‫إضافة إلى عاصمتني سيعلن عنهما خالل عدة أسابيع‪.‬‬ ‫وقال العامرى فى تصريحات خاصة لـ «أخبار األدب» إن مهرجان‬ ‫الشارقة القرائى للكتاب فى دورته الـ ‪ 11‬التى استضافتها الشارقة‬ ‫على مدار الفترة من ‪ 17‬إلى ‪ 27‬أبريل الجارى جاءت جديدة فى كل‬ ‫شيء‪ ،‬وخطا فيها املهرجان خطوة جديدة لتثبيت دعائمه باعتباره‬ ‫أهــم معرض احترافى متخصص فى أدب األطفال فى املنطقة‬ ‫العربية‪ ،‬وفى منطقة الشرق األوسط‪.‬‬ ‫وحول اإلضافات فى هذه الدورة من املهرجان قال العامرى‪ :‬الجديد‬ ‫فعليا كثير‪ ،‬ويمكن ملسه حتى فى العملية التنظيمية‪ ،‬وفى توزيع‬ ‫األجنحة‪ ،‬وفى األنشطة والفعاليات‪ ،‬ألن هدفنا األساسى هو جذب‬ ‫الطفل إلى ملعب القراءة‪ ،‬نحن نسعى إلى إعادة الطفل الذى سرقته‬ ‫عوالم الثورة التقنية إلى عالم الكتاب والقراءة واالطالع‪ ،‬ونسعى من‬ ‫خالل اإلبهار إلى تحويل العملية التعليمية إلى متعة وبهجة وسعادة‪،‬‬ ‫ومنها نجذب الطفل مرة أخرى إلى الكتاب‪ ،‬نحن نعمل بنفس طويل‪،‬‬ ‫ووفق سياسة واضحة طويلة األمد‪.‬‬ ‫وأضاف العامرى‪ :‬هذا العام أطلقنا منصة «أفق» ألول مرة لبيع وشراء‬ ‫الحقوق بني رسامى كتب األطفال ودور النشر‪ ،‬حيث افتتح سمو حاكم‬ ‫الشارقة أكبر معرض لرسامى أغلفة وكتب األطفال من ‪ 65‬دولة على‬ ‫هامش افتتاح مهرجان الشارقة القرائى‪ ،‬هذا األمر يصب بالتأكيد‬ ‫فى صالح اإلبــداع املوجه للطفل‪ ،‬ويضع معايير جديدة لالرتقاء‬ ‫بالذائقة الفنية الخاصة برسوم كتب األطفال‪ ،‬كما قدمنا هذا العام‬ ‫أول جائزة ألدب الطفل املوجه لفاقدى البصر‪ ،‬أضف إلى ذلك‬ ‫زيادات فى عدد املشاركات‪ ،‬ومعرضني جديدين أحضرنا كليهما‬ ‫من أهم العواصم العاملية ليكونا أمام أطفالنا فى املنطقة العربية‪،‬‬ ‫يكفى أن أقول لك إن معرض «طريق الحرير» يمثل متعة للكبار قبل‬ ‫الصغار‪ ،‬ألنه يتيح معرفة بمتعة عن أحد أهم الطريق التجارية فى‬ ‫التاريخ اإلنسانى‪.‬‬ ‫وحول اجتماع الـ «إفال» املعنية باملكتبات على مستوى العالم‪ ،‬قال‬ ‫العامرى إن من مسببات فــوز الشارقة عاصمة عاملية للكتاب‪،‬‬ ‫استضافتها للمؤتمر السنوى للمكتبات الذى ترعاه الـ «إفال» لنرى‬ ‫فيه أحــدث ثمار الفكر فيما يتعلق باالرتقاء بمنظومة املكتبات‬ ‫على مستوى وطننا العربى‪ ،‬دعنى أقول لك إن إشراقات الشارقة‪،‬‬ ‫وأنشطتها الثقافية جعلت املنظمات الثقافية العاملية تضع عينها على‬ ‫الشارقة‪ ،‬بمنظور غير تقليدى‪ ،‬وأصبحوا يتعاملون معها على أنها‬ ‫أصبحت نقطة وصل حقيقية بني الشرق والغرب‪ ،‬وعاصمة للكتاب‬ ‫ومنصة لحوار الشعوب والثقافات‪ ،‬وهو ما عزز دور الشارقة فى‬

‫أحمد بن ركاض العامرى‬

‫الوصول إلى أدب طفل عاملى‬ ‫يحتاج إلى جهد كبير‬ ‫فى الترجمة‬ ‫مجال صناعة النشر ووصل إلى ذروته بافتتاح «مدينة النشر» لتكون‬ ‫أول مدينة حرة للنشر فى العالم‪ ،‬قوال وفعال‪ ،‬وهو ما يدعم صناعة‬ ‫النشر العربى‪ ،‬وينقله نقلة جديدة‪.‬‬ ‫وقال ابن ركاض إن كل هذه النجاحات التى لم تأت مصادفة‪ ،‬أو‬ ‫عفوية‪ ،‬وتلقى علينا بمزيد من التبعات والتكليفات لنحافظ عليها‪،‬‬ ‫وننتقل إلى مرحلة أكبر وأهم‪.‬‬ ‫مشيرا إلى أن كل هذا يصب فى صالح عملية النشر العربى ككل‪ ،‬ألن‬ ‫الشارقة فى كل أنشطتها‪ ،‬سواء الداخلية منها أو الخارجية‪ ،‬ال تقدم‬ ‫فقط الثقافة اإلماراتية‪ ،‬بل تسعى لتقديم الثقافة العربية بمعناها‬ ‫الواسع‪ ،‬واللغة العربية‪.‬‬

‫أبناء شهرزاد‬

‫وفى اإلطار ذاته احتفلت الشارقة باختيارها هذا العام لتكون عاصمة‬ ‫عاملية للكتاب بالعرض الفنى املبهر «ألف ليلة وليلة‪ :‬الفصل األخير»‪،‬‬ ‫الذى تم تقديمه وسط بحيرة الشارقة على مسرح «املجاز» بمشاركة‬ ‫‪ 537‬خبيرا وفنانا قدموا ‪ 13‬نوعا من أنــواع الفنون‪ .‬وأكد الشيخ‬ ‫سلطان بن أحمد القاسمى رئيس اللجنة املسئولة عن االحتفالية أن‬ ‫الرسالة التى يقدمها العرض ال تتجسد فى قصة أبطاله ومغامراتهم‬ ‫وحسب‪ ،‬وإنما فى الرؤية التى ينطلق منها‪ ،‬وطاقم العمل القائم عليه‪،‬‬ ‫وفريق املوسيقيني املشاركني فيه‪ ،‬إضافة إلى أنواع الفنون التى تجتمع‬ ‫فيه‪ ،‬إذ يقدم العرض ثالثة عشر نوعا فنيًا مختلفًا من فنون التمثيل‪،‬‬ ‫واألداء‪ ،‬والعزف‪ ،‬واألكروبات‪ ،‬والضوء‪ ،‬والظل‪ ،‬ويجمع فنانني وفنيني‬ ‫وتقنيني من ثالثة وعشرين بلدًا‪ ،‬كلهم يلتقون فى رسالة الكتاب‬ ‫وجمال املعرفة‪.‬‬

‫على هامش املهرجان أقيمت العديد من الندوات املعنية بأدب‬ ‫الطفل‪ ،‬من بينها ندوة مهمة بعنوان «أدب أطفال عاملى» أكدت‬ ‫خاللها الكاتبة اإلماراتية بدرية الشامسى أن الوصول بأدب‬ ‫الطفل املحلى إلى العاملية يحتاج إلى الكثير من جهود الترجمة‪،‬‬ ‫وأن الساحة األدبية املحلية تمتلك إنتاجات نوعية ومتميزة يقدمها‬ ‫مبدعون ومبدعات لهم بصمتهم‪ ،‬فالكتابة لألطفال ليست باألمر‬ ‫السهل‪ ،‬قائلة‪« :‬النص الجيد سيجذب األطفال‪ ،‬لكن علينا أن‬ ‫نهتم برسومات كتب الطفل أكثر‪ ،‬وبالرغم من حضور الرسامني‬ ‫املحليني والعرب فى مختلف األحــداث الثقافية التى تقام على‬ ‫الصعيدين اإلقليمى والعاملى لكننا مازلنا نفتقر لوجود هذه‬ ‫العناصر الفنية بالكثافة التى نراها فى الخارج‪ ،‬وعلينا إذا أردنا‬ ‫ّ‬ ‫أن نصدر أدبنا الخاص بالطفل مراعاة تضمينه بخيارات بصرية‬ ‫تسمح بترجمة القصة والفكرة‪ ،‬وال يمكن أن نغفل أن الطفل هو‬ ‫ّ‬ ‫الطفل أينما كان‪ ،‬يشده اللون وتلفت انتباهه الشخصيات التى‬ ‫يتضمنها النص وهذا أمر مهم يجب االنتباه له»‪.‬‬ ‫ّ‬ ‫وأكد كتاب عرب وأجانب شاركوا فى ندوات املهرجان ضرورة رفع‬ ‫األطفال ملستوى الكتابة ال العكس‪ ،‬مشيرين إلى أن الطفل يمتلك‬ ‫قدرة كبيرة على التحليل والفهم‪ ،‬وإن منحه مساحة كافية ليختبر‬ ‫الكلمات واملعانى دون أن تكون مبسطة بشكل تقليدى يسهم فى صقل‬ ‫مهاراته وخبراته ويقوده نحو اكتشاف العوالم الساحرة التى تضمها‬ ‫الكتب‪ ،‬داعني إلى مواصلة الجهود من أجل تقديم مواد إبداعية‬ ‫لألطفال تمتلك الثراء والتشويق وتبتعد عن الطرح التقليدى‪.‬‬ ‫بينما سلطت ورشــة عمل بعنوان «تاريخ القصص املصورة» التى‬ ‫قدمها الرسام شهاب الدين مشرف‪ ،‬الضوء على أول ظهور للقصص‬ ‫املصورة‪ ،‬التى بدأت من الحضارة الفرعونية باستخدام الرسومات‬ ‫للتعبير عن حياتهم اليومية وطقوسهم الدينية‪ ،‬باإلضافة إلى تناول‬ ‫مراحل تطورها‪ ،‬ومدى تأثيرها على ثقافة األطفال واليافعني‪ ،‬نظرًا‬ ‫إلى شغفهم وحبهم القتناء هذا النوع من اإلبداع‪.‬‬ ‫كما بحث املهرجان دور الكاتب فى الحفاظ على خصوصية‬ ‫ثقافة مجتمعه والتعريف بها‪ ،‬إلى جانب تعزيز قيمة التسامح‬ ‫بني املجتمعات من خالل تسليط الضوء على الثقافات األخرى‬ ‫والتجارب اإلنسانية امللهمة التى تحث على التفاهم والتحاور بني‬ ‫الشعوب فى كافة أرجاء العالم‪ .‬وذلك فى جلسة حوارية حملت‬ ‫عنوان «نكتب عن ثقافتنا»‪ ،‬شاركت فيها كل من اإلماراتية مريم‬ ‫الزرعونى‪ ،‬ومؤلفة األطفال السريالنكية روبى لوفيل‪ ،‬التى قالت‪:‬‬ ‫«بحكم أنى أعيش حاليًا فى اململكة املتحدة‪ ،‬فكنت أجد نفسى‬ ‫فى حالة بحث دائم عن كتب تلبى شغف أبنائى بالقراء وتزيد‬ ‫معارفهم‪ ،‬وتعزز ارتباطهم بالعادات والتقاليد السيريالنكية‬ ‫والتراث الثرى والزاخر بالروائع واإلبداعات‪ ،‬وفى أوقات كثيرة‬ ‫كنت أفشل فى الوصول إلى هذه النوعية من الكتب‪ ،‬وهو ما دفعنى‬ ‫إلى االتجاه للكتابة ألبنائى»‪.‬‬


‫‪٤‬‬

‫‪ ٥‬مايو ‪ ٢٠١٩‬العدد ‪١٣٤٥‬‬

‫شهدت أكادميية الفنون األسبوع املاضى‪،‬‬ ‫فعاليات مؤمترها العلمى األول حتت عنوان‬ ‫«الفن األفريقى‪ ..‬أيقونة اإلبداع اإلنسانى»‪،‬‬ ‫الذى أقيم حتت رعاية د‪.‬إيناس عبد الدامي‬ ‫وزيرة الثقافة‪ ،‬ود‪.‬أشرف زكى رئيس األكادميية‪،‬‬ ‫وقد تولت رئاسته د‪.‬غادة جبارة نائب رئيس‬ ‫مقررا‪.‬‬ ‫األكادميية‪ ،‬ود‪.‬إميان مهران‬ ‫ً‬ ‫عددا من اجللسات العلمية‪،‬‬ ‫تضمن املؤمتر‬ ‫ً‬ ‫باإلضافة إلى معرض بعنوان «أفريقيا فى‬ ‫عيون الفنانني» بقاعة مختار عبد اجلواد‪،‬‬ ‫وآخر للفنان د‪.‬وائل صابر بقاعة ثروت عكاشة‪،‬‬ ‫ومهرجان لألكالت واألزياء التقليدية األفريقية‬ ‫أمام معهد الفنون املسرحية‪.‬‬ ‫د‪ .‬غادة جبارة رئىس املؤمتر مع بعض املشاركني‬

‫فى مؤمترها العلمى األول‪:‬‬

‫أكادميية الفنون حتتفى باإلبداع األفريقى‬ ‫عائشة املراغى‬ ‫شملت الجلسات العلمية أكثر من محور‪ ،‬جاء‬ ‫على رأسها «املوسيقى األفريقية» التى استغرقت ًما‬ ‫يقرب من ثالث جلسات نقاشية وحوالى ‪ 15‬بحثا‪،‬‬ ‫حيث تناول عاطف إمام فهمى فنون أداء املوسيقى‬ ‫ً‬ ‫مشيرا‬ ‫والغناء الصوفى فى دول شمال أفريقيا‪،‬‬ ‫إلى أن موسيقانا العربية ارتبطت بالجانب الدينى‬ ‫واستمدت ألحانها من اللغة العربية لغة القرآن‬ ‫الكريم‪ .‬وهو ما ذهب إليه أشرف عبد الرحمن‬ ‫فى ورقته البحثية حول «املوشحات األندلسية فى‬ ‫دول شمال أفريقيا بني التشابه واالختالف»‪ ،‬حيث‬ ‫أرجع تفرد موسيقى وأغانى شمال أفريقيا عن‬ ‫باقى شعوب القارة األفريقية‪ ،‬إلى نزوح العرب‬ ‫بعد سقوط األندلس فى عام ‪ ،1492‬حاملني معهم‬ ‫فنونهم وآدابهم‪ ،‬ومن أهمها املوشح األندلسى‪ .‬وقد‬ ‫تطرق الباحث إلى تاريخ ظهور املوشح والتغيرات‬ ‫التى حدثت له فى األندلس وكيفية انتقاله إلى‬ ‫البالد العربية وخاصة بالد املغرب العربى‪.‬‬ ‫وبشكل أكثر تخصص ودقــة؛ تناول عبدالله‬ ‫إبراهيم عبدالله آلة الزمبارة‪ ،‬األبرز فى السودان‪،‬‬ ‫وهى نوع من أنواع الناى‪ ،‬تتميز ألحانها بالشدو‬ ‫األخاذ الذى يقترب من النفوس‪ ،‬ولها عدة أشكال‬ ‫منها ذات الثقوب الثالثة واألربــعــة والخمسة‪.‬‬ ‫وفى نهاية ورقته يتطرق الباحث إلى أبواق الوازا‬ ‫ً‬ ‫الجمعية‬ ‫موضحا الفرق بينها وبني الزمبارة‪ ،‬بينما‬ ‫يتخذها محمد آدم سليمان أبو البشر موضوعاً‬ ‫لبحثه بعنوان «أبواق الوازا الطقسية بإقليم النيل‬ ‫ً‬ ‫موضحا أن تلك اآللة ارتبطت باملوسيقى‬ ‫األزرق»‪،‬‬ ‫الطقسية خاصة بموسم الحصاد‪ .‬أما محمد أبو‬ ‫ً‬ ‫نموذجا فى بحثه‬ ‫شنب فاختار الطنبورة األفريقية‬ ‫ً‬ ‫مصدرا لإلبداع»‪،‬‬ ‫«اآلالت املوسيقية األفريقية‬ ‫وهى واحدة من أهم اآلالت الوترية األفريقية التى‬ ‫عرفتها البشرية فى عصورها األولى‪ ،‬وتجمع بني‬ ‫الكثير من العناصر الثقافية ذات الطابع املادى‬ ‫(امللموس) وغير املــادى (املــحــســوس)‪ ،‬لكنها‬ ‫فى طريقها لالندثار‪ ،‬لعدم توافر أماكن كافية‬ ‫مخصصة لتدريب الشباب على صنعها وطريقة‬ ‫العزف ًعليها‪.‬‬ ‫انتقال إلى فن املسرح؛ تناوله على حمودين‬ ‫ونجالء نجاحى عند األمازيغ فى شمال أفريقيا‪،‬‬ ‫موضحني مراحل تطوره وتأثره باملسرح اليونانى‬ ‫والرومانى‪ ،‬واتجاهات التجريب فيه‪ .‬ومن جانبها‬ ‫ناقشت رشا خيرى الدور َّ‬ ‫الفعال ملا ُيسمى باملسرح‬ ‫من أجل التنمية‪ ،‬فى مجابهة املشاكل االجتماعية‬ ‫ً‬ ‫خصوصا فى البلدان‬ ‫واالقتصادية والصحية‪،‬‬ ‫النامية من خالل عرض لنماذج من بلدان أفريقية‬ ‫مختلفة‪ .‬يتميز هذا النوع من املسرح بأنه ال يشترط‬ ‫وجــود مسارح تقليدية وإنما يمكن تقديمه فى‬

‫إحدى اجللسات يرأسها د‪ .‬زين نصار‬

‫الفنان األفريقى اجته إلى صناعة األوانى الفخارية‬ ‫بغرض خدمة املجتمع ورغبته فى االرتباط بالقوة‬ ‫الروحية الكامنة خلف عالم املرئيات‪ ،‬وهى من املهام املوكلة‬ ‫إلى املرأة األفريقية ملا لديها من خبرات متراكمة ومتوارثة‬ ‫عبر األجيال‪.‬‬ ‫الساحات واألســواق والغرف‪ ،‬وبالتالى ال يتطلب‬ ‫أى تجهيزات معقدة أو مصاريف إنتاجية ضخمة‪،‬‬ ‫ولذلك يمكن تحقيقه فى الريف واملدن بشكل ثابت‬ ‫أو متجول‪ .‬وهو يتوجه فى األساس للجمهور الذى ال‬ ‫يتاح له ارتياد املسارح من الطبقات الفقيرة واألقل‬ ‫ً‬ ‫حظا فى املجتمع‪.‬‬ ‫وعلى مستوى الــســرد؛ ناقش حمدى النورج‬ ‫«الحضور األفريقى (دول حــوض النيل) فى‬ ‫الرواية املصرية» واتخذ من رواية «عتبات الجنة»‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫نموذجا‪،‬‬ ‫لفتحى إمبابى‬ ‫موضحا أبعاد الحضور‬ ‫املصرى داخل دول حوض النيل‪ ،‬وكيف هو التفاعل‬ ‫والتعاطى مع روح التواجد‪ ،‬وكيف لعبت العسكرية‬ ‫املصرية دورها البالغ على مدى سنواتها املمتدة‬ ‫فى احتضان دول حــوض النيل‪ ،‬وتجذر العمق‬ ‫التاريخى للوجود املصرى داخل دول أفريقيا‪ .‬بينما‬ ‫تناول حسام نايل «تمثيالت أفريقيا السوداء وبناء‬ ‫الهوية السردية» من خالل رواية «ثقوب فى الثوب‬ ‫األسود» إلحسان عبد القدوس‪ ،‬التى يدور نطاقها‬ ‫الجغرافى بني داكــار عاصمة السنغال وباماكو‬ ‫عاصمة مالى‪.‬‬ ‫وما بني الرواية والهوية؛ ناقشا على حمودين‬

‫ونجالء نجاحى «مالمح الهوية الثقافية فى الرواية‬ ‫األفريقية الحديثة» من خالل رواية (املفسرون)‬ ‫لوول سوينكا‪ ،‬ذلك الكاتب النيجيرى الذى تمكن‬ ‫فى مؤلفاته الروائية واملسرحية من سرد وتمثيل‬ ‫تاريخ القارة السوداء ونضال شعوبها وأنماط‬ ‫عيشهم وتجسيد هويتهم الثقافية األفريقية‪.‬‬ ‫بينما تطرق أشرف توفيق إلى تناول هوية مصر‬ ‫األفريقية فى إطارها العام‪ ،‬حيث رصد مواطن‬ ‫التجليات األفريقية فى فنون مصر مثل املوسيقى‬ ‫والغناء والحرف الشعبية والفنون التشكيلية مثل‬ ‫املوتيفات ذات الشكل املثلثى واأللــوان الزاهية‬ ‫الساخنة فى زخرفة جدران بيوت النوبة املصرية‬ ‫وشمال السودان‪ ،‬واألدوات املنزلية املستعملة ً‬ ‫يوميا‬ ‫فى مصر وتشابهها مع نفس تلك األدوات فى نوبة‬ ‫شمال السودان والنيجر وتشاد‪ ،‬وكذلك فى بعض‬ ‫املمارسات ًاالحتفالية الشعبية مثل الزار‪.‬‬ ‫َّ‬ ‫واستغراقا فى محور املأثورات الشعبية‪ ،‬تحدثت‬ ‫إيمان مهران عن «القيم الجمالية لفن (الزربية)‬ ‫فى شمال أفريقيا»‪ ،‬وهو فن املرسمات النسجية‬ ‫املرتبط بتغطية األثــاث واألســطــح واألرضــيــات‬ ‫املختلفة‪ ،‬يتميز بالدقة والتصميمات املحلية‬

‫القديمة‪ .‬أمــا هــدى على أحمد فتناولت «اإلنــاء‬ ‫األفريقى بني اإلبداع وتأصيل الهوية األفريقية»‬ ‫مشيرة إلى أن الفنان األفريقى اتجه إلى صناعة‬ ‫األوانــى الفخارية بغرض خدمة املجتمع ورغبته‬ ‫فــى االرتــبــاط بالقوة الــروحــيــة الكامنة خلف‬ ‫عالم املرئيات‪ ،‬وهى من املهام املوكلة إلى املرأة‬ ‫األفريقية ملا لديها من خبرات متراكمة ومتوارثة‬ ‫عبر األجيال‪ .‬وبني املــوروث والفن تناول د‪.‬أحمد‬ ‫املعتقدات‬ ‫عبدالله «فــن األقنعة األفريقية بني‬ ‫ً‬ ‫املحلية والتأثير فى الفن األوروبى الحديث»‪ ،‬مؤكدا‬ ‫أن الثراء الفنى الذى تميزت به الفنون األفريقية‬ ‫وبخاصة نحت األقنعة‪ ،‬جعلها محط أنظار الكثير‬ ‫من الفنانني األوروبيني‪ ،‬حيث وجدوا فيها ً‬ ‫مثيرا‬ ‫ً‬ ‫بصريا له قيمته الفنية وتأثيرها الوجدانى‪ ،‬مما‬ ‫حفزهم لالستلهام منها فى إبــداع الكثير من‬ ‫األعمال الفنية بأساليب جديدة‪.‬‬ ‫على الــرغــم مــن تنوع الثقافات فــى القارة‬ ‫األفريقية إال أنه ال يوجد انتشار أو استغالل لها‬ ‫بني دول القارة على املستوى اإلقليمى‪ ،‬بشكل‬ ‫يؤدى إلى املحافظة على الهوية األفريقية وعدم‬ ‫اندثارها وسط التغيرات الثقافية التى يشهدها‬ ‫العالم ً‬ ‫حاليا‪ .‬هذا ما ذهبت إليه نيفني وجيه محمد‬ ‫كساب فى بحثها حول «دور اإلنتاج اإلعالمى فى‬ ‫الترسيخ للثقافة األفريقية» حيث أشــارت إلى‬ ‫أنه ال يوجد توثيق للتراث اإلنسانى الذى تمتلكه‬ ‫القارة األفريقية من خالل األعمال الفنية املختلفة‬ ‫وخاصة اإلنتاج السينمائى والتليفزيونى املتعدد‬ ‫األشكال‪ .‬وفى نفس اإلطار ناقشت صفاء سعد «دور‬ ‫املسلسل التليفزيونى السودانى فى قضايا التنوير‬ ‫والتغيير االجتماعى» مشيرة إلى تطور املسلسل‬ ‫التليفزيونى األفريقى فى اتجاه التطرق لقضايا‬ ‫والتنوير‪ ،‬وأرجعت‬ ‫املجتمع والهوية وقضايا التغير ً‬ ‫اختيارها للدراما السودانية تحديدا إلى التطور‬ ‫فى األفكار واملضامني والتنوع الذى شهدته حتى‬ ‫على مستوى الكتابة والتأليف واإلخــراج واألداء‬ ‫التمثيلى خالل األونة األخيرة‪.‬‬ ‫بينما تناولت رانيا مراد عبد الرحمن وإيناس‬ ‫الشيخ «دور اإلعالم فى دعم العالقات املصرية‬ ‫األفريقية»‪ ،‬تلك العالقات التى مرت بتحوالت‬ ‫كثيرة من التهميش إلى االندماج‪ ،‬لكن مصر تسعى‬ ‫ً‬ ‫دائما ألن تكون حلقة الوصل بني أفريقيا والعالم‬ ‫العربى‪ ،‬لتحقيق مزيد من التعاون األفروعربى‬ ‫والــتــنــمــيــة عــلــى كــافــة املــســتــويــات السياسية‬ ‫واالقتصادية واالجتماعية‪ ،‬بما يصب ويخدم‬ ‫القارة األفريقية واملنطقة العربية‪َّ ،‬‬ ‫ويعد اإلعالم‬ ‫أداة فعالة من أدوات تحقيق التنمية‪ ،‬حيث يلعب‬ ‫ً‬ ‫دورا ً‬ ‫كبيرا فى تحقيق االستراتيجيات والسياسات‬ ‫التى تستهدف إعادة بناء املجتمعات‪.‬‬

‫‪٣٣‬‬

‫جنب إبراهيم أصــان»‪ ،‬يقول ويضحك بسخرية‪ ،‬وأقول‬ ‫له‪ ،‬إن هذا حدث كثيرًا فى السنوات التى سبقت التحاقى‬ ‫بالعمل إلى الجريدة‪ ،‬على يد األستاذ مصطفى عبدالله‪ ،‬كنت‬ ‫محظوظًا بالنشر مرتني إلى جوار محمود درويش‪.‬‬ ‫كــان يعرف أن الكتب ال تصل بانتظام إلــى األقاليم‪،‬‬ ‫باستثناء الكتب التى توزعها املؤسسات الصحفية الثالث‬ ‫الكبرى‪ ،‬وكانت أنجحها دار أخبار اليوم‪ ،‬التى وزعت آالف‬ ‫النسخ من أعمال محمود السعدنى ومصطفى محمود وأحمد‬ ‫رجب والشيخ محمد متولى الشعراوى وغيرهم‪ ،‬لكن األعمال‬ ‫األدبية كان محكومًا عليها بالعزلة‪ ،‬خاصة وأن األمور قبل‬ ‫السوشيال ميديا وانتشار املكتبات بهذا الشكل املكثف وتمدد‬ ‫معارض الكتب كانت صعبة‪ ،‬حتى األدباء الكبار لم يسلموا‬ ‫ْ‬ ‫وحصر كل منهم فى‬ ‫أبدًا من النظرة الضيقة إلى أعمالهم‪،‬‬ ‫عمل وحيد كأنه لم يكتب غيره «الوقائع الغريبة فى اختفاء‬ ‫سعيد أبى النحس املتشائل» إيميل حبيبى‪« ،‬الثالثية» نجيب‬ ‫محفوظ‪« ،‬رامة والتنني» إدوار الخراط‪« ،‬الزينى بركات»‬ ‫جمال الغيطانى‪« ،‬شرف» صنع الله إبراهيم‪« ،‬البحث عن‬ ‫وليد مسعود» جبرا إبراهيم جبرا‪« ،‬رجال فى الشمس» غسان‬ ‫كنفانى‪« ،‬املجوس» إبراهيم الكونى‪« ،‬بيضة النعامة» رؤوف‬ ‫مسعد‪« ،‬حدث أبوهريرة قال» محمود املسعدى‪« ،‬الحرب‬ ‫فى بر مصر» يوسف القعيد‪« ،‬الرجع البعيد» فؤاد التكرلى‪،‬‬ ‫والقائمة تطول‪ ،‬وهكذا يجد الكاتب الناشئ نفسه أمام‬ ‫عروض لكتب ال تصله‪ ،‬وسيأخذ منها طرفًا‪ ،‬وربما يبحث‬ ‫عنها يومًا ما‪ ،‬وسيقرأ دراســات مهمة لعبدالفتاح كليطو‪،‬‬ ‫وأبى يعرب املرزوقى وجابر عصفور وعبدالعزيز حمودة‪،‬‬ ‫وإذا تعلق األمر بالفن التشكيلى سيجد نفسه فى مغارة «على‬ ‫بابا»‪ ،‬شاجال‪ ،‬دافنشى‪ ،‬فان جوخ‪ ،‬مايكل أنجلو‪ ،‬رافييل‪،‬‬ ‫بيكاسو‪ ،‬أوسكا‪ ،‬رينوار‪ ،‬دالى‪ ،‬بوتيرو‪ ،‬هوبر‪ ،‬هوكوساى‪،‬‬ ‫وعشرات غيرهم من أشهر الفنانني‪ ،‬ينتمون إلى كل العصور‪،‬‬ ‫مشاهير ومظاليم أزاحتهم سطوة الكبار من منطقة الضوء‬ ‫وتركتهم فى صقيع العتمة‪ ،‬فنانون لم يأخذوا فرصتهم‬ ‫رغم أن أعمالهم تشهد بنبوغهم وعظمتهم‪ ،‬كان كذلك‬ ‫يصر على منح األعمال املنشورة فى «أخبار األدب» روحًا‬ ‫خاصة‪ ،‬وارتبطت النصوص لفترة باثنني من أهم الفنانني‬ ‫املصريني‪ ،‬جودة خليفة‪ ،‬الذى تنطق أعماله بالروح املصرية‬ ‫فى عمومها‪ ،‬وجميل شفيق بعوامله الصامتة‪ ،‬نساء متوحدات‬ ‫حزينات‪ ،‬وأسماك تسرح فى ملكوت الرمال‪ ،‬وأحصنة‪،‬‬ ‫وصحراوات‪ ،‬وجبال‪ ،‬وقد رأيت شفيق أثناء زيارة خاطفة‬ ‫لـ»أخبار األدب» فى النصف الثانى من حقبة التسعينيات‬ ‫وهو يرسم على األوراق البيضاء بالرصاص ويحول سطحها‬ ‫امليت ْإلى أبعاد وأكوان تموج بحياة هادئة‪ ،‬وانبهرت حينما‬ ‫أسفرت تخطيطاته السريعة املاهرة عن وجه امرأة مصرية‬ ‫يقطر الكحل من عينيها‪ ،‬امــرأة بجمال نساء مودليانى‪،‬‬ ‫لكنهن منتشيات بروح مصرية‪ ،‬غادرت أماكنها من أيقونات‬ ‫الكنائس وتلبستهن‪ ،‬مانحة إياهن ذلك اإلحساس املوغل فى‬ ‫العتاقة والجمال‪ ،‬وهكذا لو افترضنا أن ُ«أخبار األدب» بيت‪،‬‬ ‫رفه كاتب من قرية‬ ‫بيت‬ ‫عاملى‪ ،‬يجلس فى غ ِ‬ ‫سيكون أقرب إلى ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫مصرية نائية جنبًا إلى جنب مع سميح القاسم‪ ،‬وباختني‪،‬‬ ‫وتــودروف‪ ،‬وسلمى الخضراء الجيوسى‪ ،‬ومحمد دكروب‪،‬‬ ‫ومحيى الدين اللباد‪ ،‬وأنسى الحاج‪ ،‬وصالح عبدالصبور‪،‬‬ ‫وأحمد عبداملعطى حجازى‪ ،‬وأمل دنقل‪ ،‬وإدوار سعيد‪ ،‬ونعوم‬ ‫تشومسكى‪ ،‬وقاسم حداد‪ ،‬ويوسف أبورية‪ ،‬وأبوالعالء املعرى‬ ‫وشمس الدين التبريزى‪..‬‬ ‫وجالل الدين الرومى ُ‬ ‫أصحاب البيت فراعنة‪ ،‬وكائنات مسحورة خارجة لتوها‬ ‫من «ألــف ليلة وليلة»‪ ،‬حيوانات «كليلة ودمنة» العظيمة‪،‬‬ ‫وعالء الدين ومصباحه والجنى وفانوسه‪ ،‬وغلمان أبى نواس‬ ‫وعشيقات ماركيز‪ ،‬وصخور من «أرض الحقيقة» جلبها محيى‬ ‫الدين بن عربى‪ ،‬بعد أن تجرد من هيكله مثل شيخ املريد أبى‬ ‫الفخر الكرمانى‪ ،‬واجتاز الزمان واملكان‪ .‬فى ذلك البيت‬ ‫الذى أسسه جمال الغيطانى تنساب موسيقى لطاملا اقترنت‬ ‫بحضوره إلى مكتبه فى الثامنة صباحًا‪ ،‬موسيقى تركية‪ ،‬أو‬ ‫مغربية‪ ،‬أو مصرية تنطق بتلك البهجة التى تتلمس خطوات‬ ‫املجد مع صوت ليلى مراد ومحمد عبدالوهاب فى «يا دى‬ ‫النعيم»‪ ،‬أو الجنة فى صوت محمد رفعت‪ ،‬أو أوبرالية‪ ،‬أو‬ ‫سيمفونية كأنها ترنيمة قادمة من الكنيسة املجاورة ملبنى‬ ‫األهرام‪.‬‬ ‫كان الغيطانى حريصًا على أن ينقل إليك بكل جوارحه‬ ‫أنه يفهم تعبك‪ ،‬ويقدر مشقة صادفتها‪ ،‬وجهدًا بذلته‪ ،‬ولغة‬ ‫تخاتلك‪ ،‬لغة تخلع قناع امرأة فائقة الجمال وتنظر إليك‬ ‫بوجه قبيح مدمم‪ ،‬وفنًا تحاول ملسه والعبور من جنانه‪.‬‬ ‫عدت ذات مرة من وادى النطرون‪ ،‬وفى ذهنى حكايات‬ ‫شاهدتها وسمعتها عن الرهبان هناك‪ ،‬وغـــارات كانوا‬ ‫يتعرضون لها من البربر‪ .‬لطاملا جاءت قطعان الهمج من‬

‫‪ ٥‬مايو ‪ ٢٠١٩‬العدد ‪١٣٤٥‬‬

‫ملف‬

‫الغيطانى دائم البحث عن اخلصوصية املصرية‪ ،‬فى معمار حسن‬ ‫فتحى بالقرنة‪ ،‬فى معمار قاهرة املعز لدين اهلل الفاطمى‪ ،‬وأسبلة‬ ‫مصر القدمية‪ ،‬فى مقابر القاهرة‪ ،‬وفى خصوصية احلارة الشعبية‬

‫مع جريجورى بك‬

‫الصحارى وحاصرتهم‪ ،‬كان البربر يعتقدون أن ذلك املظهر‬ ‫املتقشف يخفى وراءه شيئًا ما‪ ،‬ربما ذهب‪ ،‬ربما أملاس‪ ،‬وربما‬ ‫أحجار كريمة‪ ،‬وبالتالى كانوا يقتحمون األديرة والقاليات‬ ‫ويدمرون كل ركن فيها‪ ،‬ويعميهم الغضب عن رؤية الحقيقة‬ ‫البسيطة‪ ،‬أنه ال ذهب وال حتى نحاس‪ ،‬وإنما أجولة من البذور‬ ‫ْ‬ ‫لتطم ِئن‬ ‫تقاوم الزمن والعطن والشمس الحارقة القاسية‪،‬‬ ‫رجال الدين أن بوسعهم الحياة ألشهر قليلة فى سكينة‪ ،‬ثم‬ ‫يتحول غضب البربر إلى إعصار‪ ،‬ويقطعون أيدى وأرجل‬ ‫الرهبان شر تقطيع‪ ،‬وبعد كثير من تلك الهجمات الخائنة‬ ‫يبدأ الرهبان فى بناء أديرة تشبه القالع‪ ،‬وتخزين الغالل‬ ‫واملياه‪ ،‬حتى إذا جاء البربر انعزلوا بأنفسهم لشهور أو‬ ‫حتى سنوات‪ ،‬يشعر البربر باليأس ويعودون إلى صحرائهم‬ ‫القاحلة الجهنمية خائبني مشتعلني بالكراهية باحثني عن‬ ‫عدو جديد‪ .‬استمع الغيطانى ملا أســرده بصبر‪ ،‬وراقــت له‬ ‫الحكايات‪ ،‬وقال لى إنه سيمدنى بمراجع تضىء لى تاريخ هذا‬ ‫املكان‪ ،‬منها كتاب أصدرته الجامعة األمريكية به صور نادرة‬ ‫لألديرة‪ ،‬وهذه قيمة الغيطانى‪ ،‬أنه ال يكتفى باملتاح‪ ،‬ويقنعك‬ ‫بأن هناك ما هو أفضل‪ ،‬وما هو أبعد من الحكاية‪ ،‬ونشر‬ ‫املوضوع بعنوانى فى الصفحات الداخلية «حكايات الرهبان‬ ‫فى وادى النطرون»‪ ،‬ونشره بعنوان جذاب فى الصفحة األولى‬ ‫«بحثًا عن الذهب فى أديرة وادى النطرون»‪ ،‬وهاتفنى مساء‬ ‫الجمعة‪ ،‬وأخبرنى أن تليفونه لم يتوقف عن الرنني‪ ،‬كان يقول‬ ‫لى إن هذه هى مصر التى نريد تقديمها للعالم‪ ،‬مصر التى ال‬ ‫نعرف عنها شيئًا‪ ،‬وسرد لى قائمة من اتصلوا به للثناء على‬ ‫املوضوع‪ ،‬وقال لى‪« :‬أخوك محمد الغيطانى هيكلمك ألنه‬ ‫فرحان جدًا باملوضوع»‪ ،‬وكانت هذه هى أول مكاملة بينى وبني‬ ‫محمد‪.‬‬ ‫كان الغيطانى دائم البحث عن الخصوصية املصرية‪ ،‬فى‬

‫للفنان‪ :‬جميل شفيق‬

‫معمار حسن فتحى بالقرنة‪ ،‬فى معمار قاهرة املعز لدين الله‬ ‫الفاطمى‪ ،‬وأسبلة مصر القديمة‪ ،‬فى مقابر القاهرة‪ ،‬وفى‬ ‫خصوصية الحارة الشعبية‪ ،‬كان يرى أننا نجافى الروح التى‬ ‫ميزت شخصيتنا املصرية‪ ،‬وأن إبراز الجمال املصرى من‬ ‫حولنا قد يعيد شيئًا مما فقدناه‪ .‬لقد فاجأنى بمكاملة أخرى‬ ‫كما فاجأ غيرى وقال نفس الكالم عن الروح املصرية بعد أن‬ ‫قرأ روايتى «عني القط»‪ ،‬وكنت وقتها فى مدينة «املنصورة»‪.‬‬ ‫كان كالمه عيدًا بالنسبة لى‪ ،‬كما كان عيدًا لكثيرين اتصل‬ ‫بهم أو كتب عنهم أو قابلهم وجهًا لوجه‪َّ ،‬‬ ‫وعبر لهم عن محبة‬ ‫غامرة واحترام ملا يقدمونه‪.‬‬ ‫كان الغيطانى منفتحًا على الجميع‪ ،‬واالنفتاح هو أساس‬ ‫الخلطة التى صنعت الجريدة‪ .‬عرف العالم العربى معنى‬ ‫التعددية ال من خالل سياسات وحكومات‪ ،‬وإنما من خالل‬ ‫َ‬ ‫واملطاردين واملهاجرين‬ ‫جريدة أدبية‪ ،‬كانت ساحة للمغتربني‬ ‫ومحبى الحياة وكارهى أنفسهم والهادئني والصاخبني‬ ‫والكالسيكيني والحداثيني وما بعد الحداثيني والواقعيني‬ ‫والخياليني والحكائني والزجالني والشعراء وأشخاص‬ ‫عبروا إلى األدب ضيوفًا وغــادروه سريعًا على ريش نعام‬ ‫أو محمولني إلى القبور‪ ،‬وأشخاص تشبثوا بمواقعهم رغم‬ ‫صعوبة الرحلة‪ ،‬كان تليفونه متاحًا للجميع‪ ،‬يشكو أن الناس‬ ‫ال يرحمونه ويتصلون به ‪ 24‬ساعة‪ ،‬ومع هذا كان يرد آناء‬ ‫الليل وأطراف النهار‪ ،‬كان يشكو كذلك أن صحته ال تحتمل‬ ‫كالسابق أن ُيقابل كل هؤالء األشخاص القادمني من بلدان‬ ‫عربية وأجنبية‪ .‬طالب علم من إفريقيا‪ ،‬وآسيا‪ ،‬وشرق أوروبا‪،‬‬ ‫مستعربون‪ ،‬ورؤساء أكاديميات‪ ،‬وزراء ومهندسون وعلماء‬ ‫ومترجمون ورؤساء هيئات ثقافية‪ ،‬مخرجو سينما ونقاد كبار‪،‬‬ ‫شباب يتلمسون الطريق وكتاب راسخون‪ ،‬مريدون وأصدقاء‬ ‫تاريخيون‪ ،‬لكنه أيضًا أتاح نفسه طوال الوقت‪ .‬كان العشرات‬ ‫يرسلون خطاباتهم أو فاكساتهم إلى أن يحني وقت يتمكنون‬ ‫فيه من شق املسافات بالطائرات والقطارات والسيارات‬ ‫ملقابلته‪ .‬كان الغيطانى مزارًا حيًا‪ ،‬ال شك فى ذلك‪ ،‬و«أخبار‬ ‫األدب» استمدت روحها وخصوصيتها من قوة شخصيته‬ ‫وتأثيره الشبيه بتأثير االنفجار العظيم‪ ،‬خبت الجريدة فى‬ ‫فترات‪ ،‬ولكنها عادت قوية فى فترات أخرى‪ ،‬إذ أن األساس‬ ‫الذى رماه حتى سابع أرض يمكنه أن يسندها ملائة عام على‬ ‫األقل‪.‬‬ ‫كان الغيطانى رغم كل مشاغله يدير معارك فى جميع‬ ‫االتجاهات‪ ،‬معارك مبنية على الفكر‪ ،‬ال على مصالح شخصية‬ ‫ضيقة‪ ،‬ولكنه بالطبع كان يحزن ويغضب‪ ،‬كان يتحول إلى‬ ‫زلزال هادر فى غضبه‪ ،‬وإلى بحيرة صافية‪ ،‬فى هدوئه‪ ،‬صفاء‬ ‫يكشف األحجار واألصداف والشعاب املرجانية واألسماك‬ ‫امللونة فى القاع‪ ،‬كان يترك نفسه على سجيتها ليسخر من‬ ‫هذا أو ذاك‪ ،‬كان يسخر منى‪ ،‬ومنك‪ ،‬ومن نفسه‪ ،‬لكنه لم‬ ‫يكن كارهًا‪ ،‬وال فاجرًا فى خصوماته‪ ،‬كان يريد أن يسخر‪،‬‬ ‫ويمزح‪ ،‬ويضحك وكفى‪ ،‬أن يلقى جملته العابثة‪ ،‬وينفجر‬ ‫بعدها فى ضحكته القوية املميزة‪ .‬كنت قد نشرت حوارًا مع‬ ‫عماد أبوصالح فى «أخبار األدب»‪ ،‬والعنوان الذى اختاروه‬ ‫للصفحة األولى «عماد أبو صالح‪ :‬شعراء التسعينات مناديل‬ ‫كلينكس»‪ ،‬وكان كلما أخبرته بأن نرجسية فالن طفحت عليه‬ ‫فى هذه اللحظة‪ ،‬وأنه رفض املشاركة فى تحقيق معى‪ ،‬كان‬ ‫يفكر لحظة ويقول كأنما يتحدث بجدية شديدة‪« :‬ده كده‬ ‫عايز عماد أبوصالح‪ ،‬هات له عماد أبوصالح»‪ ،‬ثم ينفجر فى‬ ‫الضحك‪ ،‬ويمسك قلبه‪ ،‬كأنما يحافظ على بقائه فى مكانه‬ ‫طوال تلك الضحكة القوية الصافية الجميلة‪ .‬ما أجمل قلبه‬ ‫ذاك‪ ،‬وما أجمل املشاعر التى حملها ناحية أقرب الناس إليه‪،‬‬ ‫عائلته الصغيرة‪ ،‬وعائلة األدباء الكبيرة‪ ،‬بل واإلنسانية كلها‪.‬‬


‫‪٣٢‬‬

‫‪ ٥‬مايو ‪ ٢٠١٩‬العدد ‪١٣٤٥‬‬

‫ملف‬

‫فى عام ‪ 96‬كانت زيارتى‬ ‫األولى إلى "أخبار األدب" مع‬ ‫صديقى الشاعر عبدالناصر‬ ‫عالم‪ ،‬كانت اجلريدة قد‬ ‫أعلنت اسمى ضمن الفائزين‬ ‫مبسابقتها للقصة القصيرة‪،‬‬ ‫وجئت الستالم جائزتى‪400 ،‬‬ ‫جنيه‪ ،‬اشتريت بها كثير ًا من‬ ‫الكتب‪ ،‬وحينما هبطت من‬ ‫القطار إلى رصيف محطة‬ ‫جنع حمادى لم يكن فى يدى‬ ‫سوى التذكرة وربع جنيه‬ ‫معدنى "مخروم"‪.‬‬

‫‪٥‬‬

‫‪ ٥‬مايو ‪ ٢٠١٩‬العدد ‪١٣٤٥‬‬

‫مع صبرى حافظ وروبن أوستل وبطرس احلالق‬

‫مع ممدوح عدوان واملنصف املزغنى‬

‫جمال الغيطانى‪ ..‬أنشودة الكاتب واجلريدة‬ ‫حسن عبداملوجود‬ ‫استلمت املبلغ من املبنى اإلدارى‪ ،‬ثم اتجهنا إلى املبنى‬ ‫الصحفى‪ ،‬كما يفعل غيرنا يوميًا‪ ،‬لزيارة أهم مكان ثقافى فى‬ ‫مصر‪ ،‬قبلة األدباء والنقاد والباحثني‪ ،‬كنت أقول لنفسى «ها‬ ‫هى الجريدة التى تحلم بالنشر فيها‪ ،‬وها هو الكاتب الكبير‬ ‫األستاذ جمال الغيطانى على بعد خطوات منك»‪.‬‬ ‫َّ‬ ‫وبعد قليل من االنتظار‪ ،‬انفتح باب مكتبه‪ ،‬وأطــل بوجه‬ ‫مشرق باسم‪ ،‬واحتفى بعبدالناصر عالم احتفاء كبيرًا‪ ،‬كان‬ ‫ناصر يشق طريقه بشكل جيد‪ ،‬ونشرت له «أخبار األدب»‬ ‫بعض القصائد‪ ،‬بينما امتنعت عن النشر لى‪ ،‬ولكن جاء الدور‬ ‫َّ‬ ‫على أخيرًا‪ ،‬فقد نشرت قصتى «طقوس البيت املبعثر» على‬ ‫مساحة كبيرة‪ ،‬ومعها إشارة إلى أنها القصة الفائزة باملركز‬ ‫الـ‪ 12‬مع أن «إعالن أسماء الفائزين» قال وقتها إنها القصة‬ ‫الحاصلة على املركز «السادس مكرر»‪ ،‬لم أكن حانقًا‪ ،‬بل‬ ‫كنت سعيدًا ألن الجريدة ستنشر لى‪ ،‬حتى ولو قالت إننى‬ ‫صاحب املركز األخير‪ ،‬كنت قد أرسلت كثيرًا من الخطابات‬ ‫إلى «‪ 6‬ش الصحافة»‪ ،‬وكــان األستاذ عمرو الديب ينشر‬ ‫بانتظام رسائلى فى باب البريد‪ ،‬وها هى الفرصة تلوح فاتحة‬ ‫ذراعيها‪ ،‬لم أكن أطمع سوى فى سالم على األستاذ جمال‬ ‫الغيطانى‪ ،‬ولكنه فاجأنى بما هو أكثر‪ ،‬نظر َّ‬ ‫إلى‪ ،‬ونطق اسمى‬ ‫الثالثى‪ ،‬كأنه يقرأه من كوبون املسابقة‪ ،‬وقال إنه اطلع على‬ ‫كل النصوص التى اشتركت بها‪ ،‬القصة الطويلة الفائزة‪،‬‬ ‫األقاصيص‪ ،‬ووصفها بالجميلة‪ ،‬وأخبرنى‬ ‫ومجموعة من‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫كذلك أنها نافست القصة الفائزة حتى النهاية‪ ،‬ولكن الرأى‬

‫استقر على «طقوس البيت املبعثر»‪ ،‬ثم أبدى دهشته ألنه كان‬ ‫يعتقد أننى كبير السن‪ ،‬وربما كان حديثه آنذاك نوعًا من‬ ‫املجاملة‪ ،‬ألن اسمى وسنى وعنوانى وكل ما يتعلق بحياتى كان‬ ‫مدونًا بالكوبون‪ ،‬قال لى وقتها‪« :‬كنت فاكر عندك ستني سنة‪،‬‬ ‫بس طلعت طفل»‪ ،‬ثم أطلق ضحكته املميزة فهزت شبابيك‬ ‫ً‬ ‫الطابق الثامن‪ .‬جلسنا بصحبته قليال‪ ،‬وحينما انتهى اللقاء‬ ‫أصر على توصيلنا حتى باب األسانسير‪ ،‬وكان انطباعى األول‬ ‫عنه عظيمًا‪ ،‬الكاتب الكبير املبتسم‪ ،‬املتواضع‪ ،‬واملجامل إلى‬ ‫أقصى درجة‪ ،‬وهكذا أحببته فورًا‪.‬‬

‫للفنان‪ :‬جودة خليفة‬

‫كان الغيطانى حريص ًا على أن ينقل إليك بكل جوارحه أنه يفهم‬ ‫تعبك‪ ،‬ويقدر مشقة صادفتها‪ ،‬وجهد ًا بذلته‪ ،‬ولغة تخاتلك‪ ،‬لغة‬ ‫تخلع قناع امرأة فائقة اجلمال وتنظر إليك بوجه قبيح مدمم‪،‬‬ ‫وفن ًا حتاول ملسه والعبور من جنانه‬

‫وقد حكت لى الدكتورة سمية رمضان منذ فترة أن املوقف‬ ‫نفسه تكرر معها فى مقابلتهما األولى‪« :‬حينما ذهبت إليه‪ ،‬وكان‬ ‫ذلك منذ سنوات بعيدة جدًا‪ ،‬قابلنى بترحيب بالغ‪ ،‬وأعطانى‬ ‫إيحاء بأنه يعرفنى ويتابعنى جيدًا‪ ،‬وتعامل معى كما لو أننى‬ ‫كاتبة كبيرة‪ ،‬وأصر على توصيلى حتى باب األسانسير‪ ،‬وطبعًا‬ ‫بفتكر ده باندهاش شديد‪ ،‬ألنه مني البنت دى اللى الغيطانى‬ ‫بجاللة قدره يوصلها بنفسه لغاية األسانسير؟!»‪ .‬وفى األغلب‬ ‫ً‬ ‫تلك األمور الصغيرة‪ ،‬هى ما ينطبع فى الذهن ويدوم طويال‪،‬‬ ‫خاصة مع الذوات النرجسية التى تميز األدباء‪ ،‬نرجسية ال‬ ‫تحتمل أبدًا أى هفوة فى التعامل‪ .‬لم يكن الغيطانى محايدًا‪،‬‬ ‫وال يرحب بحساب‪ ،‬أبدًا‪ ،‬بل كان سخيًا جدًا فى معامالته‪،‬‬ ‫كان يمدك منذ الوهلة األولى بثقة مفرطة فى نفسك‪ ،‬ولم‬ ‫تكن عالقته تنتهى بالكاتب مع انتهاء املقابلة‪ ،‬وكثيرًا ما كان‬ ‫ذلك الكاتب ُيفاجأ باتصال منه على هاتف البيت‪ ،‬قبل ظهور‬ ‫املوبايل‪ ،‬وقد فعلها مرة معى‪ ،‬وجاءنى أخى محمد ليقول إن‬ ‫األستاذ جمال الغيطانى على التليفون‪ ،‬وقد اعتبرتها مزحة‪،‬‬ ‫حتى سمعت صوته‪ ،‬وتأكدت أنه نفس الصوت لنفس الشخص‬ ‫الذى قابلته فى الطابق الثامن من مبنى «أخبار اليوم»‪ .‬كان‬ ‫يفعل ذلك مع عشرات غيرى بدأب وإخــاص‪ ،‬كأنه يقدم‬ ‫فريضة للثقافة‪ ،‬وكــان دائمًا يستخدم تعبيرات من عينة‬ ‫«تقليب التربة املصرية» إذ كان مؤمنًا بأن األحوال قد تمنع‬ ‫البعض من إرسال أعمالهم‪ ،‬أو ربما قد تقضى عليهم إذا لم‬ ‫يجدوا العناية الكافية‪ ،‬ولهذا كان مقتنعًا بضرورة املبادرة‬ ‫بطلب نصوص من أدباء واستكتاب نقاد وباحثني‪ ،‬ونجح فى‬ ‫تحويل «أخبار األدب» إلى بيت للجميع‪ ،‬بيت قد تبتعد عنه‬ ‫ً‬ ‫قليال أو كثيرًا لكنك تعرف أنك ستعود إليه فى النهاية‪ ،‬وكان‬ ‫مقتنعًا بأن الجريدة لها وظيفة تربوية‪ ،‬قال لى مرة إن نشر‬ ‫ُالنصوص ليس الغاية النهائية‪ ،‬وإن كثيرًا من النصوص التى‬ ‫تنشر ليست عظيمة‪ ،‬لكن من ننشر لهم‪ ،‬خاصة من يشقون‬ ‫طريقهم بالكاد‪ ،‬يجدون أنفسهم فى نفس املساحة مع أسماء‬ ‫من العيار الثقيل‪ ،‬أسماء بحجم إبراهيم أصالن ومحمد‬ ‫البساطى وإبراهيم عبداملجيد وبهاء طاهر وخيرى شلبى‬ ‫وسعيد الكفراوى وخيرى عبدالجواد ومجيد طوبيا وجميل‬ ‫عطية إبراهيم وفاروق شوشة ومحمد إبراهيم أبوسنة وبدر‬ ‫شاكر السياب وسعدى يوسف ومحمد بنيس ومحمد على‬ ‫وحسن طلب ورفعت سالم‬ ‫شمس الدين ومحمد سليمان‬ ‫ِّ‬ ‫وحلمى سالم‪ ،‬إلخ‪ ،‬وهذا التجاور ُيحفزهم‪ ،‬ويمنحهم الثقة‬ ‫ً‬ ‫املطلوبة لشق الطريق‪« ،‬تخيل‪ ،‬مثال‪ ،‬حسن عبداملوجود بينشر‬

‫للفنان‪ :‬جيرارد سيكوتو‬

‫العقود ال تضمن سوى الفتات للمترجم‬

‫صكوك عبودية‬

‫هذه حكاية دالة جدًا‪.‬‬ ‫دار نشر خاصة حصلت على تمويل لترجمة كتاب ما‪ ،‬وكلفت مترجمًا بالتصدى له‪ ،‬مقابل أجر‬ ‫َّ‬ ‫َّ‬ ‫قبل‪ ،‬ووقع العقد‪ ،‬وسارت األمور جيدًا معه‪ ،‬فقد‬ ‫متوسط‪ ،‬مقارنة بحجمَّ املنحة الغربية‪ ،‬واملترجم ِ‬ ‫انتهى من الترجمة وسلمها فى موعدها‪ ،‬لكنه فوجئ بالناشر يطلب منه التوقيع على ورقة غريبة‪،‬‬ ‫ورقة تفيد بأنه حصل على مبلغ أكبر بكثير مما حصل عليه‪ ،‬مبلغ محدد باليورو مع أنه حصل على‬ ‫أجره بالجنيه املصرى‪ ،‬وأخبره الناشر كذلك‪ ،‬بينما يحاول‪ ،‬يا للغرابة‪ ،‬إقناعه باألمر‪ ،‬بأنه مطالب‬ ‫بإرسال هذه الورقة إلى الجهة املانحة‪ ،‬وهكذا عرف املترجم أنه َّ‬ ‫تعرض لعملية نصب كبيرة‪ ،‬وكان‬ ‫مدهشًا أن يطلب منه الناشر بكل بساطة مساعدته فى إتمام عملية النصب!‬ ‫ليست هذه هى الحكاية الوحيدة التى تكشف شكل العالقة بني الناشر واملترجم‪ ،‬العالقة التى‬ ‫يحكمها الطرف األقوى «الناشر»‪ ،‬فهو فى األغلب من يختار العناوين‪ ،‬وهو من يضغط على املترجم‬ ‫إلنجاز العمل‪ ،‬وهو من يحدد األجر‪ ،‬واملترجم تنتهى عالقته تمامًا بالعمل لحظة الترجمة‪ ،‬وليس‬ ‫هناك فى السوق معايير تحدد متوسطًا لألجور‪ ،‬وكل دار تحدد سعرها‪ ،‬والجهات الحكومية تتعامل‬ ‫أيضًا بسياسة أجور تخصها‪ ،‬وهكذا تحكم العشوائية كل شىء يخص عملية الترجمة‪ ،‬واملترجم‬ ‫املضغوط باحتياجاته األسرية يضطر‪ ،‬فى أغلب األحيان‪ ،‬للقبول‪ ،‬بعقود تشبه عقود اإلذعان‪ ،‬أو‬ ‫صكوك العبودية فى بعض الحاالت‪ ،‬مع التأكيد على أن االستثناءات حاضرة فهناك نماذج جيدة‬ ‫لدور نشر تتعامل باحترافية شديدة‪ ،‬وتمنح املترجم ما يستحق‪ .‬الكالم لن ينتهى‪ ،‬واألفضل ترك‬ ‫املجال للمترجمني أنفسهم للحديث‪ ،‬فهم القادرون على عرض مشاكلهم‪ ،‬واألهم طرح حلول لها نتمنى‬ ‫أن تجد من يصغى‪.‬‬

‫‪.‬حسن عبداملوجود‬

‫بدون دعم‬ ‫من جهات أجنبية ال حقوق لنا‬ ‫خبرتى فى العالقة بني املترجم ودار النشر‬ ‫تتلخص فــى كلمتني‪ ،‬بــدون دعــم مــن جهات‬ ‫أجنبية ليس للمترجم حقوق «تقريبًا»‪ ،‬أو ينال‬ ‫املترجم فتاتًا‪ ،‬ال سيما من دور النشر املصرية‪.‬‬ ‫وحتى الدعم تريد دور النشر «املصرية خاصة»‬ ‫جزءًا منه‪ ،‬أو قطعة من التورتة‪ ،‬فخلى الواحد‬ ‫ســاكــت أحــســن‪ .‬هــذا طبعا تعميم‪ ،‬وهناك‬ ‫استثناءات‪ .‬وعمومًا أيضًا خبرتى مع الدور‬ ‫العربية أفضل‪.‬‬ ‫هل يحصل املترجم على نسبة من املبيعات؟‬ ‫هناك بعض الدور تفعل هذا‪ ،‬خاصة فى ًالطبعة‬ ‫الثانية‪ ،‬ولكن هذا موضوع إشكالى‪ .‬أوال‪ ،‬هم‬

‫كل ما أطلبه‬ ‫كمترجم‪ :‬االتفاق‬ ‫على مكافأة فى‬ ‫العقد‪ ،‬مكافأة‬ ‫يرضى عنها‬ ‫الطرفان‬

‫يكتبون فى العقد «الحساب سنويًا»‪ ،‬ولكن طبعًا‬ ‫ال أحد يتصل بك ليقول‪ :‬العام املاضى بعنا كذا‬ ‫وحقك كذا‪ ،‬ال بد أن تسأل أنت‪ ،‬وتلح فى السؤال‬ ‫«وطبعا هذا تعميم»‪ ،‬أكرر‪ ،‬و«هناك استثناءات‬ ‫مفرحة»‪ً ،‬ثانيًا‪ :‬هل تستطيع ككاتب أو كمترجم أن‬ ‫تعرف فعال كم باع كتابك؟ هل ترى أى حسابات‬ ‫يمكن الثقة فيها؟ أم يخبرك الناشر برقم‪،‬‬ ‫وعليك أن تصدقه؟!‬ ‫فى دور النشر بمعظم الدول األوروبية هناك‬ ‫كشف حساب‪ ،‬يمكن أن يكون سنويًا‪ ،‬أو شهريًا‬ ‫حتى‪ ،‬وستجدهم يقولون لك كم عــدد النسخ‬ ‫املبيعة فى كل مدينة بدقة‪ ،‬وبالطبع ال أقارن وال‬

‫سمير جريس‬ ‫أطلب هذا‪ ،‬ولكن العالقة بني الناشر والكاتب‬ ‫أو املترجم فى عاملنا العربى عالقة مأزومة‬ ‫وإشكالية فيما يتعلق باملكافأة أو نسبة املبيعات‪،‬‬ ‫ووالله أنا كل ما أطلبه كمترجم‪ :‬االتفاق على‬ ‫مكافأة فى العقد‪ ،‬مكافأة يرضى عنها الطرفان‪،‬‬ ‫ثم االلتزام بهذا العقد‪ .‬هذا هو كل شىء‪ ،‬وهذا ما‬ ‫ال يحدث دائمًا‪ ،‬لألسف الشديد‪.‬‬ ‫كلمة ختامية‪ ،‬حتى ال تكون الصورة كلها قاتمة‪،‬‬ ‫ً‬ ‫هناك فعال دور محترمة‪ ،‬أحرص على التعاون‬ ‫معها‪ ،‬تلتزم بكل ما ورد فى العقد‪ ،‬هذه استثناءات‬ ‫مفرحة أتمنى أن تصبح هى القاعدة‪.‬‬


‫‪٦‬‬

‫‪ ٥‬مايو ‪ ٢٠١٩‬العدد ‪١٣٤٥‬‬

‫أرطال من حلمى‬ ‫برغم أن أهم ما يصدر من كتب باللغة العربية‬ ‫اآلن‪ ،‬ومنذ فترة غير قليلة‪ ،‬هى الكتب املترجمة‪،‬‬ ‫وبرغم أن املترجمني باتوا يحظون بقدر من الثناء‬ ‫ولفت األنظار وربما «النجومية» ما كان أسالفهم‬ ‫األقربون ليحلموا بمثله أو ببعض منه‪ ،‬فإن وضع‬ ‫املترجم ـ املــادى على األقــل ـ ال يعكس شيئا من‬ ‫ذلك‪.‬‬ ‫فاملترجم ال َ‬ ‫يعامل على اإلطالق باعتباره مالكا‬ ‫لترجمته‪ ،‬صاحبا للنص العربى الذى أنتجه‪ .‬هو‬ ‫أقرب إلى صنايعى‪ ،‬فنى ترجمة‪ ،‬حرفى يؤجر‬ ‫عن مهمة‪ ،‬ثم تنقطع عالقته إلى األبــد باملنتج‬ ‫الذى ينتجه‪ .‬يبيع املترجم الترجمة للناشر لفترة‬ ‫محددة‪ ،‬أقلها خمس سنوات‪ ،‬وتصل فى بعض‬ ‫العقود الجائرة إلى أربعة أمثال ذلك وربما أكثر‪.‬‬ ‫بال نسبة للمترجم من املبيعات‪ ،‬بال مقابل مادى‬ ‫عند تجديد العقد‪ ،‬وأغلب عقود الناشرين مع‬ ‫املترجمني تنص على تجديد العقد تلقائيا‪ ،‬لكنها‬ ‫ال تنص ـ إال نادرا للغاية ـ على مقابل لهذا التجديد‪.‬‬ ‫ناهيك عن دور نشر تنكر على املترجم أن يوضع‬ ‫اسمه على غالف كتابه‪ ،‬أو تفرض عليه محررا‬ ‫ينظر فى ترجمته وهو لم يترجم فى حياته إال فى‬ ‫امتحان الثانوية العامة‪ ،‬أو دور أخرى ال تقبل كتابا‬ ‫مترجما ما لم يراجعه شخص حاصل على دكتوراه‬

‫لو أن القارئ‬ ‫يرفض الترجمات‬ ‫الرديئة واملعيبة‬ ‫واملتعجلة‪ ،‬لو أنه‬ ‫ميتنع عن شراء‬ ‫ترجمات املبتدئني‬ ‫والدخالء والهواة‪،‬‬ ‫ملا استطاع ناشر‬ ‫أن يفرض شروطه‬ ‫املجحفة على‬ ‫مترجم جيد‬

‫أحمد شافعى‬ ‫وإن لم تكن له دراية بالترجمة‪.‬‬ ‫هذا فضال عن دور النشر الكثيرة التى يقوم‬ ‫عليها نصابون حقيقيون‪ ،‬يتلقون آالف الدوالرات‬ ‫دعما من الــخــارج‪ ،‬موجها للترجمة‪ ،‬فال ينال‬ ‫املترجم منها شيئا‪ ،‬بل وال يعلم عنها شيئا‪.‬‬ ‫وما هذه إال نماذج تخطر لى اآلن من املهازل‬ ‫التى يتعامل معها املترجم كل يوم‪.‬‬ ‫قد يبدو الناشر هنا هو شيطان املترجم‪ ،‬هو‬ ‫شيلوك الطامع فى رطل من لحمه مع كل كتاب‪،‬‬ ‫ومع أنه كذلك فى كثير من الحاالت‪ ،‬لكن الحقيقة‬ ‫أن عدو املترجم الحقيقى هو القارئ‪.‬‬ ‫بوسع أى مترجم جيد أن يرفض األجر الظالم‬ ‫واملعاملة الظاملة من أى ناشر‪ ،‬بوسعه أن يفاوضه‬ ‫من موقع القوة‪ ،‬لوال وجود القارئ الجاهل الذى‬ ‫يدعم الناشر ضد املترجم ‪.‬‬ ‫لو أن القارئ يرفض الترجمات الرديئة واملعيبة‬ ‫واملتعجلة‪ ،‬لو أنه يمتنع عن شراء ترجمات املبتدئني‬ ‫والدخالء والهواة‪ ،‬ملا استطاع ناشر أن يفرض‬ ‫شروطه املجحفة على مترجم جيد‪ .‬لكن بسبب‬ ‫بعض القراء الجهلة ممن يشترون أى ترجمة‪،‬‬ ‫تستطيع دار أن تصدر عشرات الروايات املترجمة‬ ‫مستعينة بطلبة أو خريجني جدد يحتاجون فى‬ ‫أحسن الحاالت إلى تدريب طويل على الترجمة‪.‬‬

‫صانع وتاجر‬ ‫العقود مهما كانت هى مجرد «حبر على ورق»‪،‬‬ ‫وشكل من أشكال التوثيق لضمان الحقوق‪ ،‬ومع هذا‬ ‫من النادر جدًا أن تصل األمــور إلى املحكمة‪ ،‬وال‬ ‫يحضرنى سوى مثال واحد لخالف وقع بني مترجم‬ ‫وناشر‪ ،‬لكنه انتهى بالصلح فى النهاية‪.‬‬ ‫ِّ‬ ‫أنا شخصيًا حينما يؤخر ناشر ما مستحقاتى‬ ‫محام‪،‬‬ ‫املالية ال أفكر أبدًا فى الذهاب بعقدى إلى‬ ‫ٍ‬ ‫كل ما أفعله أن ِّ‬ ‫أوسط صديقًا مشتركًا بينى وبني‬ ‫ً‬ ‫الناشر‪ ،‬ومثال حينما شعرت باليأس ذات مرة‬ ‫هددت باللجوء إلى اتحاد الناشرين‪ ،‬هذا أقصى‬ ‫ما أفكر فيه‪ ،‬وال أظن أن أحدًا من الطرفني‪ ،‬سواء‬ ‫الناشر أو املترجم يفكر فى اللجوء إلى املحاكم‪،‬‬ ‫وبالتالى ال تكون املسألة «ما املكتوب فى العقد»‪،‬‬ ‫بقدر «الطريقة نفسها فى التعامل»‪ ،‬مع العلم‬ ‫أن أى ناشر هدفه الربح‪ ،‬ألنه صانع وتاجر فى‬ ‫نفس الوقت‪ ،‬وهذا يخرجه‪ ،‬أحيانًا عن «التركيز‬ ‫فى الصنعة» بقدر «تركيزه على التجارة نفسها»‪،‬‬ ‫وبالتالى يصبح غير مهتم بجودة الترجمة ودقتها‪،‬‬ ‫وممكن «يسترخص»ويستعني بمترجم «درجــة‬ ‫تانية»‪ ،‬أو يضغط على مترجم مميز إلنهاء العمل‬ ‫سريعًا وبمبلغ أقل‪ ،‬وهذا كله من أجل تحقيق ربح‬ ‫معقول‪.‬‬ ‫والسؤال‪ :‬ما الــذى يريده املترجم سوى إتاحة‬

‫وبسبب هؤالء القراء يندر اآلن أن تجد من يترجم‬ ‫إال الروايات‪ .‬وبسببهم‪ ،‬ال يبالى أغلب الناشرين‬ ‫بعرض مخطوطات الترجمة قبل النشر على‬ ‫مصححني يضبطونها نحوا وصــرفــا وإمــاء‪.‬‬ ‫وبسبب القراء الجهلة يتحول غير املترجمني إلى‬ ‫مترجمني‪ ،‬فمترجمني كبار‪ ،‬فمراجعني‪ ،‬فمأساة‬ ‫تامة األركــان‪ ...‬ويتحول النصابون إلى ناشرين‬ ‫فناشرين أثرياء فمسئولني فى لجان تخطط للعمل‬ ‫الثقافى‪ ،‬فكارثة‪ .‬وهكذا‪ ،‬بسبب القراء الجهلة‪،‬‬ ‫نتحول جميعا بمرور الوقت إلى قراء جهلة‪.‬‬ ‫والحل فى تقديرى ليس إال مظلة من القوانني‪،‬‬ ‫تحدد السعر العادل للترجمة أوال‪ ،‬وتحدد حق‬ ‫املترجم (والكاتب عموما) فى كل نسخة تباع من‬ ‫كتاب له‪ ،‬وتفرض على الناشر وعلى املطبعة رقابة‬ ‫تضمن الشفافية فى عدد املطبوع وعدد املبيع من‬ ‫النسخ‪.‬‬ ‫نحن بحاجة أيضا إلى ما يشبه جهاز حماية‬ ‫املستهلك نلجأ إليه كلما دفعنا عشرات بل مئات‬ ‫الجنيهات فى كتاب ثم تبني أنه ال يحقق معايير‬ ‫الكتاب الجيد‪.‬‬ ‫نحن ببساطة بحاجة إلــى قــانــون‪ ،‬وسيادة‬ ‫للقانون‪ ،‬وطبعا‪ ،‬كما نعلم جميعا‪ ،‬سنظل فى مصر‬ ‫إلى األبد بحاجة إلى القانون وسيادة القانون‪.‬‬

‫محمد عبدالنبى‬

‫أى ناشر هدفه‬ ‫الربح‪ ،‬ألنه صانع‬ ‫وتاجر فى نفس‬ ‫الوقت‪ ،‬وهذا‬ ‫يخرجه‪ ،‬أحيان ًا‬ ‫عن «التركيز فى‬ ‫الصنعة» بقدر‬ ‫«تركيزه على‬ ‫التجارة نفسها»‬

‫وقت معقول أمامه؟ إنه ال يريد الشعور بالضغط‪،‬‬ ‫حتى ُيخرج العمل على أكمل صورة‪ ،‬ويريد كذلك‬ ‫أن يشعر باألمان‪ ،‬وهو لن يشعر بهذا دون أن يحصل‬ ‫على مبالغ تكفيه وتضمن له حياة كريمة‪ ،‬ولكن هذا‬ ‫ال يتوفر فى معظم الحاالت‪.‬‬ ‫من األمور التى يفعلها الناشرون كذلك لتحقيق‬ ‫ربح سريع وسهل أنهم يحصلون على منح للترجمة‬ ‫من جهات أجنبية لترجمة كتب معينة‪ ،‬ليست عظيمة‬ ‫فى األغــلــب‪ ،‬وليست َّ‬ ‫ملحة بمعايير ما تحتاجه‬ ‫املكتبة‪ ،‬ويدفعون جزءًا صغيرًا للمترجم من هذه‬ ‫املنحة‪ ،‬وكل هذا َ ال يصب فى مصلحة القارئ الذى‬ ‫ُ‬ ‫سيذهب إليه املنتج فى صورته النهائية‪.‬‬ ‫كما أن الــنــاشــريــن‪ ،‬معظم الــوقــت‪ ،‬هــم من‬ ‫يختارون العناوين‪ ،‬وعلى املترجم الرفض أو‬ ‫القبول‪ ،‬وفى األغلب يقبل‪ ،‬ألنه «عايز ياكل عيش»‪،‬‬ ‫أما الحاالت التى يختار فيها عنوانًا جيدًا ويستطيع‬ ‫إقناع الناشر به‪ ،‬ويحصل على أجر جيد‪ ،‬فهى تمثل‬ ‫استثناءات نادرة جدًا‪ .‬لقد أصبحت العالقة بني‬ ‫املترجم والناشر محكومة بمصلحة الناشر‪ ،‬الذى‬ ‫يتعامل معه باعتباره «صنايعى» ال يجب أخذ رأيه‪،‬‬ ‫مع أننا فى الواقع نستطلع رأى «الصنايعى» أحيانًا‪.‬‬ ‫وفيما يتعلق بالجهات الحكومية هناك مشاكل‬ ‫ُ‬ ‫أيضًا‪ ،‬وعلى سبيل املثال ترجمت كتاب «املسرح‬

‫وفنون األداء‪ ..‬سياسات الذاكرة فى األرجنتني»‬ ‫وكنت أتوقع أن يكلف املركز القومى للترجمة أحد‬ ‫املتخصصني فى املسرح باملراجعة لكنهم لم يفعلوا‬ ‫ذلك‪ ،‬ربما ألنهم شعروا بأن الترجمة جيدة‪ ،‬فقرروا‬ ‫أنها ال تحتاج إلى ذلك‪ ،‬وبالتالى منحوا الكتاب‬ ‫ملصحح مباشرة‪ ،‬وفى حــاالت أخــرى ال أشعر أن‬ ‫املراجع عنده الحساسية الالزمة للتصدى لترجمة‬ ‫معينة‪.‬‬ ‫وتظل مسألة األجر‪ ،‬فى النهاية‪ ،‬ضرورة كبيرة‪،‬‬ ‫فلو تصدى املترجم لعمل أو اثنني فقط فى العام‬ ‫وحصل مقابلهما على مبالغ تكفيه فال شك أن‬ ‫ُ ِّ‬ ‫سيركز‪ ،‬ولن يشعر‬ ‫العائد سيكون عظيمًا‪ ،‬ألنه‬ ‫بالضغط‪ ،‬وبالتالى لن يضطر إلى إنهاء ترجمة‬ ‫سريعًا ليحصل على فرصة ترجمة ثانية‪ ،‬وال‬ ‫شك أن جزءًا من النجاح سيعود عليه‪ ،‬ألن الجميع‬ ‫سيطلبه باعتباره اسمًا مميزًا‪.‬‬ ‫كذلك ال يفوتنى الحديث عن التفاوت الرهيب‬ ‫فى األجر بني دور النشر الخاصة‪ ،‬وكذلك بينها‬ ‫وبني الــدور مثيالتها العربية‪ ،‬وأيضًا بينها وبني‬ ‫الحكومية‪ ،‬ال يوجد معيار واضح يقول إن هذا هو‬ ‫متوسط األجر الخاص باملترجم‪ ،‬ولذلك أتمنى‬ ‫أن تتعاون كل هذه الجهات فى وضع معيار واضح‬ ‫ومقبول له‪.‬‬

‫‪٣١‬‬ ‫خالل أيام وحتديد ًا فى ‪ ٩‬مايو حتل ذكرى‬ ‫ميالد الروائى الكبير جمال الغيطانى وبهذه‬ ‫املناسبة تبدأ «أخبار األدب» نشر مجموعة‬ ‫مــن املــقــاالت والــشــهــادات الــتــى تستعيد‬ ‫الغيطانى فى جتلياته املختلفة‪ ،‬الكاتب‬ ‫العاملى‪ ،‬واجلورناجلى الــذى أســس «أخبار‬ ‫األدب» ومنح احلياة الثقافية زخم ًا كبير ًا‪،‬‬ ‫واإلنسان الذى ترك خلفه أتباع ًا ومريدين‬ ‫باملئات‪.‬‬

‫‪ ٥‬مايو ‪ ٢٠١٩‬العدد ‪١٣٤٥‬‬

‫جمال الغيطانى‬ ‫بني الصحافة والرواية‬ ‫شوقى بدر يوسف‬ ‫فى عددها التاسع الصادر فى سبتمبر ‪1969‬‬ ‫نشرت مجلة الطليعة التى كانت تصدرها مؤسسة‬ ‫األهــرام فى ذلك الوقت ملفا توثيقيا عن أدباء‬ ‫الستينيات بعنوان "هكذا يتكلم األدبــاء الشبان‪..‬‬ ‫شهادات واقعية وتعليقات"‪ ،‬طرحت فيه املجلة عددا‬ ‫من األسئلة حول العالقة بني الفن واألدب‪ ،‬وبني ما‬ ‫يمارسه الفنان أو األديب فى ذلك الوقت‪ ،‬وطبيعة‬ ‫املناخ الذى يسيطر على ممارسة الفن أو األدب‪،‬‬ ‫والعالقة بني أدباء هذا الجيل‪ ،‬و كذا العالقة التى‬ ‫تربط األديب ّبمؤسسات الدولة‪ .‬وكان ضمن هذه‬ ‫الكوكبة من كتاب الستينيات الذين شملهم هذا‬ ‫امللف هو القاص الشاب جمال الغيطانى الذى كان‬ ‫عمره فى ذلك الوقت لم يتجاوز الرابعة والعشرين‪،‬‬ ‫وقد أشار جمال الغيطانى فى مستهل إجابته بقوله‬ ‫"‪ :‬ترجع عالقتى بالقصة‪ ،‬إلى فترة مبكرة جدا من‬ ‫عمرى‪ ،‬كانت هذه العالقة تتخذ فى البداية شكل‬ ‫امليل إلى اختالق حكايات من ذهنى أثناء الطفولة‬ ‫أقصها على األصدقاء‪ .‬طبعا تبلور هذا فيما بعد‪،‬‬ ‫واتخذ شكل االهتمام بالقراءة‪ ،‬وأستطيع تحديد‬ ‫أول مرة كتبت فيها القصة خالل عام ‪ ،1959‬كنت‬ ‫فى نهاية املرحلة اإلعدادية من التعليم‪ ،‬وفى ليلة‬ ‫سمعت حكاية يرويها والدى‪ ،‬صغتها بعد أيام فى‬ ‫قصة قصيرة أسمها "السكير"‪.‬‬ ‫عمل جمال فى بداية حياته العملية فى الجمعية‬ ‫الصناعية ملنتجات خــان الخليلى‪ ،‬وكــان بحكم‬ ‫عمله فى هذا املجال معايشة الحرفيني واملتصلني‬ ‫بالصناعات اليدوية التى تحمل فى طياتها تراثا‬ ‫شعبيا عريقا يحتاج إلى الدقة والصبر‪ ،‬وهو ما‬ ‫حببه إلى هذا املجال وجعله يتطلع ويتعايش مع‬ ‫هذه الفنون التى كانت مرتبطة بالناس فى حياتهم‬ ‫ومعتقداتهم‪ ،‬كما كان للتاريخ دوره املهم فى بلورة‬ ‫فكر جمال الغيطانى وعنه يقول "‪ :‬كانت نكسة ‪67‬‬ ‫بوتقة صهرت تجربتى‪ ،‬وفى آالمها اعتصر جيلى‪،‬‬ ‫فى تلك األيــام كنت أدور حول هذه اللحظة من‬ ‫التاريخ‪ ،‬ابتعث من املاضى لحظات تتشابه مع‬ ‫اللحظات التى تمر بى أو أمر بها‪ ،‬كانت عالقتى‬ ‫بالتاريخ املكتوب قد بــدأت مبكرة‪ ،‬عندما كنت‬ ‫أخرج من مدرسة الحسني االعدادية وأمضى إلى‬ ‫الشيخ تهامى صاحب املكتبة التى تستقر حتى‬ ‫اآلن فوق رصيف الجامع األزهــر‪ ،‬وبقروش قليلة‬ ‫اقرأ‪ ،‬وكان من بني ما قرأته من كتب التاريخ‪ ،‬تايخ‬ ‫الجبرتى‪ ،‬وابــن إيــاس‪ ،‬وابــن واصــل‪ ،‬وأبــن تغرى‬ ‫بردى‪ ،‬وكتب التاريخ الفرعونى واملالحم الشعبية‬ ‫وغيرها من الكتب"‪ .‬وبعد فترة وجيزة من صدور‬ ‫مجموعته القصصية األولى "أوراق شاب عاش من‬ ‫ألف عام"‪ ،‬انتقل للعمل بجريدة األخبار مما أتاح‬ ‫له فرصة القراءة‪ ،‬واالحتكاك باملناخ الصحفى‬ ‫العام فى جريدة عريقة‪ ،‬ومحاولة بلورة ما تعلمه‬ ‫وتعايش معه قبل االنتقال إلــى هــذا املجال فى‬ ‫عمله الجديد‪ .‬كان هذا بعد أن صدرت ملجموعته‬ ‫األولى التى كتبت قصصها بعد نكسة ‪ ،1967‬حيث‬ ‫استدعاه املفكر محمود أمني العالم للعمل معه‬ ‫بمؤسسة أخبار األيــام التى كان يترأسها‪ ،‬وكان‬ ‫العمل الصحفى فى ذلك الوقت له وجهان الوجه‬

‫التقنى الذى يتيح للصحفى شمولية الرؤية ودقتها‪،‬‬ ‫أما الوجه اآلخر فهو فى استهالك صاحبه خاصة‬ ‫إذا كان صاحب قلم يتوق إلى تحقيق ذاته أدبيا‬ ‫وفكريا‪ .‬كلف جمال بالتردد على جبهة القتال أيام‬ ‫حرب االستنزاف كمراسل صحفى وبدأ ظهوره فى‬ ‫هذا املجال الصحفى منذ ذلك الوقت‪ .‬والقارئ‬ ‫لسيرة جمال الغيطانى الببليوجرافية يجد أن هذا‬ ‫العالم اإلبداعى لجمال الغيطانى فى غزارة منجزه‬ ‫واعتماده على التاريخ والتراث فى تأصيل منابع‬ ‫اإلبــداع الروائى فى صورته التى ظهر بها يشير‬ ‫إلى أننا أمام منجز إبداعى له أسئلته الخاصة‬ ‫واإلجــابــات التى وضعها الكاتب فى ثنايا هذا‬ ‫اإلبداع‪ّ .‬‬ ‫ووطن فيها أبعادا متنوعة فى رؤاه الخاصة‬ ‫والعامة تكمن فى كل منجز من منجزاته اإلبداعية‬ ‫القصصية والروائية والكتابات األخرى القائمة‬ ‫على رؤى استمدت من التاريخ والتراث املصاحب له‬ ‫وقائع وخطوط ومالمح تشكلها‪.‬‬ ‫وال شك أن الحياة التى عاشها جمال كانت لها‬ ‫جوانبها املختلفة فى شكل وموضوعات اإلبــداع‪،‬‬ ‫يظهر ذلــك فى حــواراتــه املختلفة فى الدوريات‬ ‫املختلفة والشهادات التى أطلقها للتعبير عن رؤاه‬ ‫تجاه عالم اإلبداع والجوانب السياسية والعسكرية‬ ‫األخرى التى كان مهموما بها فى حياته الخاصة‪.‬‬ ‫ولــد جمال الغيطانى فى قرية جهينة الغربية‬ ‫محافظة سوهاج فى ‪ 9‬مايو ‪ 1945‬ونشأ فى أسرة‬ ‫ريفية بسيطة فى قريته جهينة بصعيد مصر ثم‬ ‫انتقل مع أسرته إلى حى الجمالية بمدينة القاهرة‬ ‫القديمة وعمره ست ســنــوات‪ ،‬وهــو الحى الذى‬ ‫استخدمه نجيب محفوظ كمكان ملعظم رواياته‬ ‫لذا كان ارتباطه بنجيب محفوظ كبيرا‪ ،‬مما كان‬ ‫سببا فى تتبعه لخطى نجيب محفوظ اإلبداعية‬ ‫واقترابه الشديد بعامله‪ ،‬درس فن تصميم السجاد‬ ‫حيث تخرج عام ‪ 1959‬وعمل فى هذا املجال حتى‬ ‫عام ‪ ،1967‬بدأ الكتابة القصصية عام ‪ 1959‬ونشر‬ ‫أول قصة قصيرة فى يوليو ‪ 1963‬فى مجلة األديب‬ ‫لصاحبها ألبير أديب‪ ،‬اعتقل ملدة ‪ 6‬شهور وأقصى‬ ‫عن عمله فى عهد الرئيس أنــور الــســادات‪ ،‬وفى‬ ‫مسيرته اإلبداعية الطويلة حصل جمال على العديد‬ ‫من الجوائز فى مجال الكتابة اإلبداعية بدأت‬ ‫بجائزة الدولة التشجيعية فى الرواية عام ‪،1980‬‬ ‫ووســام العلوم والفنون من الطبقة األولــى‪ ،‬كما‬ ‫حصل على وسام االستحقاق الفرنسى فى اآلداب‬ ‫والفنون من طبقة فــارس عــام ‪ ،1987‬وجائزة‬ ‫سلطان بــن على العويس عــام ‪ ،1997‬وجائزة‬ ‫لوربا تليون ألفضل عمل مترجم إلى الفرنسية‬ ‫عن روايــة التجليات‪ ،‬وكللت مسيرته عام ‪2007‬‬ ‫بحصوله على جائزة الدولة التقديرية‪ ،‬ترجمت‬ ‫أعماله إلى العديد من اللغات ودرست فى العديد‬ ‫من الجامعات فى مصر وبعض الــدول العربية‬ ‫واألوروبية واألمريكية‪ ،‬أسس جريدة "أخبار األدب"‬ ‫عام ‪ ١٩٩٣‬وعمل رئيسا لتحريرها حتى بلوغه سن‬ ‫املعاش‪ ،‬وبعد هذه الحياة اإلبداعية املديدة رحل‬ ‫جمال الغيطانى فى الثامن عشر من أكتوبر ‪2015‬‬ ‫بعد صراع طويل مع املرض‪ ،‬وبعد أن وضع بصمة‬ ‫ّفى مسيرة السرد املصرى والعربى جعلته من أبرز‬ ‫كتاب السرد فى جيل الستينيات‪.‬‬


‫‪30‬‬

‫‪ ٥‬مايو ‪ ٢٠١٩‬العدد ‪١٣٤٥‬‬

‫بريد‬

‫قد تلد مبدعا حقيقيا‪:‬‬

‫بعد التحية والسالم‬

‫احلكم بإعدام «اخلواطر» ليس نهائيا!!‬ ‫ُ‬ ‫يستهني البعض بكتابة الخواطر‪ ،‬باعتبارها تعبر عن‬ ‫أفكار سطحية‪ ،‬وتتسم بأسلوب قد يبدو ركيكا‪ ،‬وهى‬ ‫وجهة نظر صحيحة‪ ،‬ألن من يكتبها عادة يرغب فى‬ ‫التعبير املباشر عما يجول بخاطره‪ ،‬دون أن يرتقى بها‬ ‫إلى مصاف األعمال اإلبداعية‪ ،‬وغالبا يكون أصحابها‬ ‫قد توقفوا عن الــقــراءة‪ ،‬أو لم يتخطوا عتباتها من‬ ‫األساس‪ ،‬ألنهم لو كانوا يقرأون الجتذبهم جنس أدبى‪،‬‬ ‫يصبح وعاء أكثر مالءمة ألفكارهم‪ ،‬التى ستصير أكثر‬ ‫عمقا بالتأكيد‪.‬‬ ‫الرأى السابق ال ينبغى أن يكون حكما باإلعدام‬ ‫غير أن ّ‬ ‫على موهبة كتابها‪ ،‬فأعتقد أن كبار األدباء انطلقوا من‬ ‫منصة الخواطر‪ ،‬قبل أن يعملوا على صقل كتابتهم‪،‬‬ ‫لتصبح أكثر نضجا وإبداعا‪ ،‬لهذا أرى ضرورة التعامل‬

‫مع من يكتبون الخواطر بسعة صدر أكبر‪ ،‬خاصة لو كانوا‬ ‫فى سن صغيرة‪ ،‬فربما يكون من بينهم مواهب حقيقية‬ ‫تحتاج إلى التوجيه‪ ،‬ومد يد العون لها‪ .‬األمر فقط يحتاج‬ ‫إلى تأكيد ُملح دائما‪ ،‬بأن الخواطر نقطة انطالق وليست‬ ‫محطة وصــول‪ ،‬مع النصح املستمر بالقراءة وتحديد‬ ‫ُ‬ ‫قوائم بالكتب املرشحة‪ .‬هنا فقط سيستمر محبو اإلبداع‪،‬‬ ‫ويواصلون تقدمهم‪ ،‬وينتقلون غالبا بعد حني إلى دائرة‬ ‫املبدعني الحقيقيني‪ ،‬بينما سينسحب الراغبون فى‬ ‫التعبير عن مسألة شخصية‪ ،‬كقصة حب فاشلة مثال‪ ،‬أو‬ ‫يواصلون كتابة إخفاقاتهم على شكل خواطر‪.‬‬

‫أسامة أحمد عبد اهلل‬ ‫اجليزة‬

‫اتركينى‬ ‫اتركينى أفعل‪ ..‬ما أشاء‪..‬‬ ‫إن احالمى بريئة‪.. ‬‬ ‫كالطيور‪ ..‬‬ ‫إن أنفاس الصباح‪ ..‬تبحث عن شعاع ‪...‬‬ ‫اتركينى أحلم ‪ ...‬أن تعودى من جديد ‪...‬‬ ‫ان نغنى‪ ..‬ونقرأ الشعر سويا‪..‬‬ ‫ونضحك فى املساء‪ ..‬‬ ‫معذرة‪ ...‬يا سيدة الكون‪ ‬‬ ‫املمدود‪..‬‬ ‫إلى مثواى‪...‬‬ ‫مصلوب فوق جدار الذكرى‪.. ‬‬ ‫حبوب القهوة وأوراق الشاى ‪...‬‬ ‫‪ ‬رائحة البحر املشتاقة‪ ‬‬ ‫ألحضان الريح‪...‬‬ ‫كم كان جميال هذا اليوم‪ ‬املشرق باألصداف‪..‬‬ ‫وجعلت قلبى وسادتك‪..‬‬ ‫ِ‬ ‫كالطفلة فى أحضان فراشتها‪..‬‬ ‫نلتقط الصورة والصورة‪...‬‬ ‫وعيونك تضحك لألمواج‪..‬‬ ‫ونغنى‪ ‬بصوت مبحوح‬ ‫نستلقى فوق‪ ‬رمال الشط املجروح ‪..‬‬ ‫تتذكرين من أنا ؟؟‪ ‬‬ ‫تتذكرين من أكون‪...‬؟؟‬ ‫أنا الذى أغرقت قميصه دموعنا‪..‬‬ ‫من البكاء‪...‬‬ ‫عزيزتي‪ ..‬اتركينى أفعل ما أشاء‪...‬‬

‫للفنان‪ :‬سعيد بدوى‬

‫اتركينى‪ ..‬بني احالمى اغوص‪ ..‬‬ ‫وبني عينيك أسبح‪ ...‬‬ ‫إن فى عينيك ‪ ...‬حياة األبرياء‪...‬‬

‫رمضان املهدى‪ ‬‬ ‫األقصر‬

‫صراع ال ينتهى إال بالرحيل!‬

‫ُ‬ ‫كــف عــن الــركــض‪ ،‬وال تظن أن‬ ‫سرعتك ق ُــادرة على اللحاق بما‬ ‫تهوى‪ ،‬قد تصدم أنه كلما ازدادت‬ ‫لــديــك الرغبة فــى إدراك الشئ‬ ‫ابتعد‪ ،‬وبــدا وكــأن الــوصــول اليه‬ ‫مستحيل‪ ،‬حتى وإن كان فى حقيقة‬ ‫األمر شيئا واردا حدوثه جدا‪ ،‬لذا‬ ‫أرح نفسك وال تلهث خلف األشياء‬ ‫التى ال يزيدها البحث عنها سوى‬ ‫بعدًا ونفورًا‪ .‬اهدأ!‬ ‫ثمة فرق كبير بني السعى بعقالنية‬ ‫‪ ،‬وبني أن تلهث خلف ما التعلم صدق‬ ‫ّ‬ ‫فتريث‬ ‫رغبتك فيه ومادعاك إليه‪،‬‬

‫‪٧‬‬

‫‪ ٥‬مايو ‪ ٢٠١٩‬العدد ‪١٣٤٥‬‬

‫فى البحث عن أمور قد أدركت وأنت‬ ‫فى مسيرتك أنك بحاجة إليها‪.‬‬ ‫إن استطعت أن تحل الصراع‬ ‫الذى تصر نفسك على الدخول فيه‬ ‫كلما رغبت بشئ‪ ،‬وأن تساعدها فى‬ ‫فهم املقصد من هذه الحياة‪ ،‬وأنه‬ ‫حتمًا ليس مقرونا بالتعلق بأى شيء‬ ‫فيها‪ ،‬فإنك حينها توقن أنك أوتيت‬ ‫جــزءًا من نعيم الدنيا‪ .‬من يملك‬ ‫نفسًا هادئة ال تضطرب وال تجزع‬ ‫مرت بما ليس فى الحسبان‪،‬‬ ‫كلما‬ ‫ُ‬ ‫وبما لــم تعد لــه‪ ،‬فقد حــاز كنزا‬ ‫عظيما‪ ،‬وليحفظه ويسأل الله له أن‬

‫يستديم‪.‬‬ ‫حــلــقــات الـــصـــراع مــع النفس‬ ‫ال تنتهى إال إذا رحــل صاحبها‪،‬‬ ‫فــوجــودهــا مــن سنن الــكــون‪ ،‬لكن‬ ‫حالها ال يسير على وتيرة واحــدة‪.‬‬ ‫تارة تظن أنك انتصرت‪ ،‬وأن الهدوء‬ ‫سيصبح حليفك فيما بقي‪ ،‬وتارة‬ ‫تجد حلبة الصراع تبدو وكأن نيرانا‬ ‫اندلعت فيها‪ ،‬تأبى أن تنطفئ أو‬ ‫حتى تهدأ‪.‬‬

‫نورين شكرى‬ ‫مدينة ‪ 6‬أكتوبر‬

‫إيهاب احلضرى‬ ‫‪ehab_hadaryy@yahoo.com‬‬

‫بريد الليل‪ ..‬ورسائل‬ ‫«البوكر» السلبية!!‬ ‫ت عــن البوكر العربية عــدة م ــرات‪ ،‬كانت األولــى‬ ‫كتب ُ‬ ‫مــع مــولــدهــا‪ ،‬واألخ ـي ــرة عـنــد تـعــديــل شــروطـهــا‪ .‬فاصل‬ ‫زمـنــى عـمــره سـنــوات بــن املــرتــن‪ ،‬كــان كافيا إلثـبــات أن‬ ‫مخاوف البدايات لها ما يبررها‪ ،‬فقد حتفظ البعض‬ ‫ع ـنــد انـ ـط ــاق اجلـ ــائـ ــزة‪ ،‬ع ـلــى ج ـعــل ال ـتــرش ـيــح حـكــرا‬ ‫على الناشرين‪ ،‬وج ــاءت التعديالت بعد أع ــوام لتزيد‬ ‫سطوتهم‪ ،‬وفى كل األحوال ظل الروائى العربى ُمهمشا‪،‬‬ ‫ينحصر دوره فى التوقيع باملوافقة على ترشيح الناشر‬ ‫لــه‪ ،‬وهــو توقيع مـضـمــون‪ ،‬ألن «غــوايــة» اجلــائــزة جتعل‬ ‫الرفض شبه مستحيل‪.‬‬ ‫وع ـل ــى ق ــدر الـقـيـمــة املــال ـيــة ال ـك ـب ـيــرة‪ ،‬ت ـث ــور م ـعــارك‬ ‫أك ـبــر عـنــد إع ــان ال ـفــائــز كــل دورة‪ ،‬وب ـهــذا ُيـعـتـبــر غبار‬ ‫«ال ـبــوكــر» طقسا مــزمـنــا‪ ،‬ف ـعــادة مــا يسبق اإلع ــان عن‬ ‫الفائز‪ ،‬ويتصاعد غالبا عقب حفلها السنوى‪ ،‬وحتتدم‬ ‫االت ـه ــام ــات ال ـتــى ُتـشـكــك ف ــى حـيــدتـهــا ومـصــداقـيـتـهــا‪،‬‬ ‫ومتتد النتقاد ذائقة جلنة التحكيم‪ ،‬لدرجة نعتها بأنها‬ ‫ُمتخلفة فى إحدى الدورات‪.‬‬ ‫جـ ــاء الـ ـع ــام احل ــال ــى لـيـشـهــد عــاص ـفــة ج ــدي ــدة من‬ ‫اجلدل‪ ،‬واملختلف هذه املرة هو سيناريو األحداث‪ ،‬الذى‬ ‫وصل لذروته الدرامية‬ ‫عبر تسريب عبده وازن‬ ‫بالتأكيد تستحق هــدى للنتيجة‪ ،‬قبل إعالنها‬ ‫بركات الفوز بجوائز كبرى‪ ،‬ب ـ ـسـ ــاعـ ــات‪ ،‬مم ـ ــا ف ـتــح‬ ‫عـلـيــه ن ـي ــران املـقــربــن‬ ‫لكن ما يشغلنى هو األسباب م ـ ــن اجلـ ـ ــائـ ـ ــزة‪ ،‬وك ـ ــأن‬ ‫التى دعت اللجنة لترشيح املشكلة الــوح ـيــدة فى‬ ‫الـنـشــر‪ ،‬ولـيـســت فيما‬ ‫روايـــة مــن خ ــارج األعــمــال س ـب ـق ــه مـ ــن ت ـفــاص ـيــل‬ ‫أش ـ ـع ـ ـلـ ــت االج ـ ـت ـ ـمـ ــاع‬ ‫املتقدمة‪.‬‬ ‫األخ ـ ـ ـ ـ ـ ـيـ ـ ـ ـ ـ ــر ل ـ ـل ـ ـج ـ ـنـ ــة‬ ‫التحكيم‪.‬‬ ‫لم تكن هذه األحداث الساخنة نقطة انطالق املعركة‬ ‫األخيرة‪ ،‬فقد بدأت إرهاصاتها مع طلب جلنة التحكيم‬ ‫تــرشـيــح روايـ ــة ه ــدى بــركــات «بــريــد ال ـل ـيــل»‪ .‬لــم يتقدم‬ ‫ناشرها بها للمسابقة‪ ،‬ألن الكاتبة الكبيرة تبنت موقفا‬ ‫سلبيا منها‪ ،‬بعد استبعاد روايتها «ملكوت هذه األرض»‬ ‫من القائمة القصيرة فى دورة سابقة‪ .‬بالتأكيد تستحق‬ ‫هــدى بركات الفوز بجوائز كبرى‪ ،‬لكن ما يشغلنى هو‬ ‫األس ـبــاب الـتــى دعــت اللجنة لترشيح رواي ــة مــن خــارج‬ ‫األعمال املتقدمة‪ ،‬خاصة بعد أن أكدت تقارير صحفية‬ ‫أن الـلـجــوء لــذلــك يـحــدث فــى حــالــة اكـتـشــاف نقص أو‬ ‫ضـعــف فــى قــائـمــة املـتـقــدمــن‪ ،‬وبــالـبـحــث فــى الـشــروط‬ ‫امل ـن ـش ــورة ع ـلــى م ــوق ــع اجلـ ــائـ ــزة‪ ،‬ل ــم أجـ ــد سـ ــوى ع ـبــارة‬ ‫فضفاضة‪ « :‬إذا ما رأت ذلك ضروريا»‪ ،‬دون حتديد واضح‬ ‫حلــاالت ال ـضــرورة التى تستدعى قيام اللجنة بذلك‪،‬‬ ‫وألن النص مبهم يصبح التفسير املنطقى له هو ضعف‬ ‫األعمال املقدمة‪ ،‬خاصة أن جوائز عربية أخــرى تنص‬ ‫على ذلك صراحة‪.‬‬ ‫نـحــن إذن أمـ ــام أح ــد اح ـت ـمــالــن‪ :‬األول أن اللجنة‬ ‫لــم جتــد فــى األع ـمــال املـتـقــدمــة مــا يستحق‪ ،‬وه ــو أمــر‬ ‫يسىء إلى أسماء املبدعني الذين تضمنتهم القائمتان‬ ‫الطويلة والقصيرة‪ ،‬والثانى أن الهدف كان ترضية هدى‬ ‫بركات‪ ،‬مما يعنى أن األمر كان محسوما منذ البداية‪،‬‬ ‫وهــو مــا يـهــدد مصداقية أعـمــال جلــان التحكيم‪ ،‬وفى‬ ‫الــوقــت نفسه يصيب املبدعني بــاإلحـبــاط‪ ،‬ألن قواعد‬ ‫املنافسة العادلة لم تعد قائمة‪.‬‬ ‫أيا كانت مبررات الترشيح فإنها توجه رسائل سلبية‪،‬‬ ‫حــول جــائــزة أث ــارت جــدال واسـعــا منذ حلظة ميالدها‪،‬‬ ‫وكانت املخاوف وقتها وجيهة‪ ،‬لكن املتفائلني متسكوا‬ ‫بأمنيات تراجعت تدريجيا‪ .‬وبعد األزمة األخيرة خرج‬ ‫مجلس أمناء اجلائزة‪ ،‬ليعلن إصابته بخيبة أمل كبيرة‬ ‫نتيجة التسريب‪ ،‬لكنى أمتنى أن يقف األمـنــاء وقفة‬ ‫جادة‪ ،‬بعد جتاوز صدمتهم‪ ،‬ويبدأوا وضع آليات تضمن‬ ‫لـلـجــائــزة الـكـبـيــرة نــزاهـتـهــا وشـفــافـيـتـهــا‪ ،‬ل ـعــاج خيبة‬ ‫املثقفني‪ ،‬التى نتجت عما هو أكبر من أى تسريب!‪.‬‬

‫أتقاضى حقوقى والسالم عليكم‬ ‫ما يدفع املترجم‬ ‫إلى التعامل‬ ‫مع الدور غير‬ ‫االحترافية هو أن‬ ‫«السوق ض ّيقة»‪.‬‬ ‫لذلك أقول إن‬ ‫مصلحتنا جميع ًا‪،‬‬ ‫نحن املترجمني‪،‬‬ ‫أن يحقق الناشر‬ ‫األرباح‪ ،‬وأن تتسع‬ ‫السوق‬

‫ً‬ ‫أوال‪ :‬يجب أن نتفق فى البداية أننا نتحدث عن‬ ‫املترجمني االحترافيني وعن دور النشر االحترافية‪.‬‬ ‫الــدور غير االحترافية لها حسابات مختلفة‪،‬‬ ‫واملترجم الــذى يتعامل معها هو اآلخــر حساباته‬ ‫مختلفة‪ ،‬قد ال يهمه املستحقات املادية بقدر اهتمامه‬ ‫بترسيخ اسمه فى سوق الترجمة‪ ،‬أو بترجمة كتاب‬ ‫معني له قيمة خاصة لديه‪ ،‬أو بتحقيق مكسب مادى‬ ‫أقل ألن هذه‪ ،‬ببساطة‪ ،‬هى الفرصة املتوفرة أمامه‪.‬‬ ‫ثانيًا‪ :‬يجب أن نتفق أيضًا على أن املترجم‬ ‫والناشر ليسا خصمني‪ ،‬هما فى مركب واحــدة‪.‬‬ ‫من مصلحة املترجم أن يربح الناشر‪ .‬كلما ازداد‬ ‫ربح الناشر ازداد عدد الناشرين‪ ،‬وعدد الكتب‬ ‫املنشورة‪ ،‬وازدادت الفرص املتاحة أمام املترجم‪،‬‬ ‫واتسعت السوق أمام املترجمني عمومًا‪.‬‬ ‫أنــا شخصيا أكــون سعيدًا جــدًا إذا استطاع‬ ‫الناشر تحقيق أرباح جيدة من مشروعنا املشترك‬ ‫«الكتاب ُامل َ‬ ‫ترجم»‪ ،‬وأعتبر هذا نجاحًا لى‪ .‬عندما‬ ‫يترجم معى كتابًا ناجحًا على املستوى املادى‪ ،‬سوف‬ ‫يسعى للتعاقد معى على كتاب ثان وثالث‪ .‬سبق‬

‫وأن عملت لسنوات فى مجال النشر وبيع الكتب‪،‬‬ ‫واطلعت على خفايا هــذا املجال بصورة جيدة‪.‬‬ ‫وأنا أعرف كم التفاصيل املعقدة التى يخوضها‬ ‫الناشر‪ ،‬وصعوبات املهنة‪ .‬الناشر لديه مصروفات‬ ‫ال تحصى‪« :‬مصروفات تشغيل الدار‪ ،‬شراء الحقوق‪،‬‬ ‫مصروفات الترجمة‪ ،‬الغالف‪ ،‬شراء الورق وأسعاره‬ ‫املتغيرة‪ ،‬الطباعة‪ ،‬النقل‪ ،‬التخزين‪ ،‬خصم‬ ‫املكتبات الذى يلتهم نصف سعر الكتاب تقريبا‪،‬‬ ‫إلخ»‪ ،‬ويواجه تحديات ال ينتبه إليها معظمنا «تزوير‬ ‫الكتب‪ ،‬القرصنة‪ ُ ،‬إلــخ»‪ .‬وهو يتعرض للمساءلة‬ ‫َ‬ ‫القانونية أحيانًا‪ ،‬وتمنع كتبه فى املعارض العربية‬ ‫فى أحيان أخرى‪.‬‬ ‫كل هذه التفاصيل تجعله من أصحاب رؤوس‬ ‫األمــوال املغامرة‪ .‬فهو يحقق النجاح الساحق فى‬ ‫عــدد قليل من الكتب‪ ،‬ويحقق النجاح فى بعض‬ ‫الكتب‪ ،‬وكثير مــن الكتب ال تنجح وتبقى فى‬ ‫املخازن‪ ،‬بخسارة أو بربح بسيط‪.‬‬ ‫أنا شخصيًا‪ ،‬كمترجم‪ ،‬ال أطمح فى «مشاركته»‬ ‫أرباحه‪ .‬هو ببساطة يشترى منى «حقوق» الترجمة‪،‬‬

‫امنحونا احلد األدنى من األمان‬ ‫مــن خــال مــا ُعــرض على ًمــن عــدة دور نشر‬ ‫خاصة‪ ،‬أرى العقود مجحفة جدا؛ ألنها تنحاز إلى‬ ‫مصلحة الناشر‪ ،‬وتجور على حق املترجم بصورة‬ ‫فجة‪ .‬فالناشر ليس عليه إال استالم مخطوطة العمل‬ ‫ً‬ ‫تماما للنشر‪،‬فى أغلب األحوال‪ ،‬وال يتعهد‬ ‫جاهزة‬ ‫بشيء إال دفع نسبة محددة من املبيعات تتراوح بني‬ ‫عشرة إلى ثالثني فى املائة حسب سياسة الدار‪.‬‬ ‫وهو ما يعنى أن على املترجم ‪-‬فى مثل هذه الحالة‪-‬‬ ‫تقديم كل ما بذله من جهد ووقت وتكاليف إضافية‬ ‫مجانية للناشر؛ فالعائد املتوقع من‬ ‫فى العمل هدية ً‬ ‫ً‬ ‫مجزيا‬ ‫املبيعات ليس عاجل من ناحية‪ ،‬ولن يكون‬ ‫من ناحية أخرى‪ .‬فكيف يمكن للمترجم أن ينتظم‬ ‫فى الترجمة بهذا الشكل‪ ،‬وهو ال يتقاضى ً‬ ‫أجرا‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫ومحددا سلفا‪ ،‬وعليه ما عليه من التزامات‬ ‫واضحا‬ ‫ومسئوليات الحياة اليومية؟!‬ ‫ً‬ ‫طبعا إلــى العمل فى أعمال‬ ‫يضطر املترجم‬ ‫أخرى سواء فى الترجمة التجارية لصالح مكاتب‬ ‫الترجمة‪ ،‬أو أى أعمال ذات عائد مادى‬ ‫وشركات‬ ‫َ‬ ‫عاجل‪ ،‬ومن ثـ َّـم تتعطل ً مشاريع ترجمته األدبية‬ ‫واإلبداعية ألنها تمثل عبئا ً‬ ‫ً‬ ‫إضافيا عليه‪ ،‬وال‬ ‫ماديا‬ ‫تظهر إلى النور إال بعد وقت طويل ألنه ال يستطيع‬ ‫ً‬ ‫وطبعا هذا الكالم له استثناءات‬ ‫لها‪.‬‬ ‫التفرغ التام َ‬ ‫تتعلق باللغة املترجم عنها‪ ،‬ومدى شهرة العمل‪،‬‬ ‫واملؤلف‪ ،‬واملترجم‪ ،‬وتوفر جهات داعمة أو ممولة‬ ‫للترجمة‪ ،‬وهو ما ال يتوفر فى الترجمة عن اللغة‬ ‫ُ‬ ‫األردية وجميع اللغات األخرى غير املعروفة للقارئ‬ ‫العربى‪.‬‬ ‫>>>‬ ‫فى الوضع الحالى املشار إليه تظل النسبة من‬ ‫املبيعات هى العائد املادى الوحيد للمترجم‪ .‬أما‬ ‫إذا تغيرت هذه السياسة‪َّ ،‬‬ ‫ونص العقد على تقاضى‬ ‫املترجم مستحقاته املادية كاملة بمجرد تسليم‬ ‫العمل مقابل أن تمتلك الدار حقوق نشر الترجمة‬

‫الناشر يراهن‬ ‫بالفعل على حاجة‬ ‫املترجم إلى نشر‬ ‫عمله وإخراجه‬ ‫للنور‪ ،‬ويتعامل‬ ‫مع املترجم كأنه‬ ‫هاوٍ أو أنه ترجم‬ ‫هذا العمل أو ذاك‬ ‫رفاهية وال يحتاج‬ ‫إلى عائد‬

‫ملدة معينة‪ ،‬فأظن أنــه لن تكون هناك ضرورة‬ ‫لذلك‪ .‬ويمكن املوازنة بني األمرين بأن يتقاضى‬ ‫ِّ‬ ‫ويعوض‬ ‫املترجم نسبة معقولة من مستحقاته‪،‬‬ ‫املتبقى منها بنسبة من املبيعات‪.‬‬ ‫ً‬ ‫بنودا عادلة‬ ‫وكل ما أنشده أن يتضمن العقد‬ ‫تــســاوى بــن حــقــوق وواجــبــات كــا مــن املترجم‬ ‫والناشر‪ ،‬وترتقى إلى مستوى العمل الثقافى الذى‬ ‫يجمعهما‪ .‬فلكل منهما دور ال يقل أهمية عن اآلخر‪،‬‬ ‫والعالقة بينهما تكاملية أو هكذا يجب أن تكون‪.‬‬ ‫وبما أن عملية النشر تكفل للناشر الحد األدنى‬ ‫من االستقرار املادى والتفرغ لها‪ ،‬فال بد أن ينص‬ ‫عقد الترجمة كذلك على ما يضمن للمترجم الحد‬ ‫األدنى من األمان املادى ويساعده فى تكريس نفسه‬ ‫لعملية الترجمة‪ .‬ومن الناحية الفنية ال بد أن ينص‬ ‫هذ العقد على أن يلتزم املترجم بمعايير الجودة‬ ‫والدقة وكل ما من شأنه إبداع ترجمة جيدة ومتقنة‬ ‫وجميلة‪ ،‬وأن يلتزم الناشر كذلك بالتحرير الجيد‬ ‫للنص‪ ،‬وتصميم الغالف املناسب لــه‪ ،‬والعناية‬ ‫بجودة الطباعة واإلخــراج الفنى وغير ذلك من‬ ‫فنيات النشر‪ ،‬باإلضافة إلى تحديد اآلليات التى‬ ‫سيتبعها فى التسويق والتوزيع‪.‬‬ ‫>>>‬ ‫وإجابة عن سؤال هل التعامل أكثر احترافية مع‬ ‫دور النشر غير املصرية؟فمن املؤكد أن املسألة‬ ‫نسبية وليست كل دور النشر غير املصرية أكثر‬ ‫احترافية‪ ،‬ولكن بحكم تجربتى املحدودة جربت‬ ‫العمل فى كتابني جماعيني مع مركز دراسات خارج‬ ‫مصر‪ ،‬وأراها تجربة جيدة وال بأس بها من ناحية‬ ‫ُاالحترافية فى التعامل واألداء الجيد‪ ،‬والتعاقد‬ ‫املرضى إلى حد ما‪ ،‬واألجــر املناسب‪ ،‬واإلخــراج‬ ‫الفنى املعقول‪ ،‬ولكن ما زالت مشكلة هذا املركز‬ ‫األساسية تتمثل فى ضعف التسويق والتوزيع‪ ،‬فكتب‬ ‫هذا املركز ال تتوفر خارج بلده بسهولة‪ ،‬وحتى عندما‬

‫إيهاب عبداحلميد‬ ‫مقابل مبلغ مقطوع‪ .‬إذا دفعه لى فى املوعد املتفق‬ ‫عليه‪ ،‬وأخــرج الكتاب بالصورة املثلى‪ ،‬سأعتبره‬ ‫شريكًا رائعًا‪ ،‬وسأظل أتعامل معه‪.‬‬ ‫أما أن أطلب منه «نسبة» من الربح على النسخ‬ ‫املبيعة‪ ،‬فهذا أمر غير عملى‪ ،‬لألسباب السالف‬ ‫ذكرها‪ .‬هو «يغامر» فى مشروعه‪ ،‬أما أنا فليس َّ‬ ‫لدى‬ ‫أى قدر من املغامرة‪ .‬أنا أترجم الكتاب وأتقاضى‬ ‫حقوقى‪ ،‬والسالم عليكم‪.‬‬ ‫وباملناسبة‪ ،‬الدور االحترافية معروفة‪ ،‬والدور‬ ‫غير االحترافية معروفة أيضًا‪ .‬وما يدفع املترجم‬ ‫إلى التعامل مع الدور غير االحترافية هو أن «السوق‬ ‫ّ‬ ‫ضيقة»‪ .‬لذلك أقــول إن مصلحتنا جميعًا‪ ،‬نحن‬ ‫املترجمني‪ ،‬أن يحقق الناشر األربــاح‪ ،‬وأن تتسع‬ ‫السوق‪.‬‬ ‫الناشرون ليسوا‪ ،‬ويجب أال يكونوا‪ ،‬خصومًا‬ ‫للمترجمني‪ .‬إنهم شركاء فى مشروع واحد وسوق‬ ‫واحدة تعود بالنفع على الجميع فى حالة اتساعها‬ ‫وتنظيمها‪.‬‬

‫هانى السعيد‬ ‫أرسل لى نسختني من الكتاب الثانى حجزته الرقابة‬ ‫فى البريد‪ ،‬وعانيت ً‬ ‫كثيرا حتى حصلت عليهما بعد‬ ‫فترة طويلة وتكاليف ُمبالغ فيها‪.‬‬ ‫>>>‬ ‫وهل املترجم هو الحلقة األضعف بالنسبة للناشر‬ ‫املصرى؟‬ ‫نعم لألسف تبدو هذه هى الحقيقة باستثناءات‬ ‫تثبت القاعدة وال تنفيها‪ .‬الناشر يراهن بالفعل‬ ‫على حاجة املترجم إلى نشر عمله وإخراجه للنور‪،‬‬ ‫ـاو أو أنه ترجم هذا‬ ‫ويتعامل مع املترجم كأنه هـ ٍ‬ ‫العمل أو ذاك رفاهية وال يحتاج إلى عائد مباشر‬ ‫عن عمله‪ .‬ومن ناحية أخرى ُي ِّ‬ ‫حمل أغلب الناشرين‬ ‫ً‬ ‫حاليا املترجم بعض أهم مسئولياتهم كناشرين‬

‫مثل التدقيق اللغوى والتحرير‪ ،‬واألغرب التسويق‪،‬‬ ‫فيطلبون من املترجم بعد كل ما بذله من جهد فى‬ ‫الترجمة أن يتولى مهمة تسويق كتابه!‬ ‫>>>‬ ‫لقد أوضحت صــورة الناشر الخاص حسبما‬ ‫رأيتها‪ ،‬أما الناشر الحكومى فمن املؤكد أنه يختلف‬ ‫حسب الجهة التابع لها‪ .‬صحيح أن لى عمال معلقا‬ ‫ً‬ ‫ومتأخرا جدا مع أحد الناشرين الحكوميني ألسباب‬ ‫ً‬ ‫حاليا‪ ،‬إال أن املعروف وامللموس أن‬ ‫ترجع لى أنا‬ ‫النشر الحكومى يعانى من مشاكل بيروقراطية‬ ‫مزمنة فى نشر الترجمات وغيرها باستثناء بعض‬ ‫آلخر‪.‬‬ ‫املحاوالت الجادة من آن‬ ‫ً‬ ‫وإذا كان لى أن أقول شيئا فى النهاية يخص‬ ‫اللغة األرديــة التى أترجم عنها فهو أن إقــدام‬ ‫أى ناشرعلى نشر ترجمة من لغة مثل األرديــة‬ ‫بالشروط الطبيعية أمر نوعى ً‬ ‫تماما بل واستثنائى‬ ‫إلــى حد كبير‪ ،‬ال يمكن أن ُينتج حركة ترجمة‬ ‫حقيقية عن هذه اللغة‪.‬‬


‫‪8‬‬

‫‪ ٥‬مايو ‪ ٢٠١٩‬العدد ‪١٣٤٥‬‬

‫أحداث‬

‫لم ترتكن إلى كونها شاعرة فقط‪ ،‬وطوال الوقت تبحث إميان أحمد‬ ‫يوسف عن املزيد من التجارب اإلبداعية‪ ،‬حتى فاجأتنا منذ فترة‬ ‫قليلة بإصدار ستة كتب دفعة واحدة‪ ،‬منها ما يضم قصائد شعر‬ ‫بالعامية‪ ،‬وكتاب آخر يجمع ما بني قصائد بالعامية والفصحى‪،‬‬ ‫وكتابني فى فن السيرة؛ واحد عن شاعر اإلسكندرية الكبير محمد‬ ‫مكيوى‪ ،‬وكتاب آخر عن املؤرخ املوسيقى وامللحن خليل املصرى‪ ،‬فضال‬ ‫عن إعادة طبع ديوانها الشعرى األول «تنهيدة صبية» مرة أخرى‪،‬‬ ‫بعدما يقرب من ‪ 25‬عاما على طبعته األولى‪ ،‬كما أنها حاليا رئيس‬ ‫نادى األدب باجليزة‪ ،‬الذى أصبح قبلة للمثقفني والكتاب واألدباء من‬ ‫مختلف أنحاء املحروسة‪.‬‬

‫بعد أن أصدرت ستة كتب دفعة واحدة‬

‫تصوير ‪ :‬سامح مسلم‬

‫الشاعرة إميان أحمد‪:‬‬ ‫أنا بنت الثقافة اجلماهيرية‪ ..‬لكنى ال أنسى «املؤامرة»‬ ‫طارق الطاهر‬ ‫عن هذه التجارب املتنوعة دار هذا الحوار‪ ،‬الذى قادنا إلى‬ ‫التعرف على بداياتها‪ ،‬وعالقة الشعر بنشأتها‪ ،‬وكيف استطاعت أن‬ ‫تغير من نظرة والدها لها‪ ،‬عندما شعر أن ابنته التى تمنى أن تكون‬ ‫ولدا؛ موهوبة‪ ،‬فطلب منها أن تقدم نفسها بـ «إيمان أحمد» بدال من‬ ‫إيمان يوسف‪ ،‬فقد شعر بالفخر بأن يذكر اسمه فى األمسيات التى‬ ‫تشارك فيها‪ ،‬وكذلك على أغلفة الكتب التى تصدرها‪.‬‬ ‫بداية سألتها‪ :‬ستة كتب تصدر دفعة واحدة‪ ،‬أال ترين أن ذلك أمر‬ ‫غير معتاد فى احلياة الثقافية؟‬ ‫أردت فى هذه الكتب‪ ،‬أن أسجل التجارب اإلبداعية الكثيرة‪ ،‬التى‬ ‫خلقت لدى وعيًا كبيرًا على املستوى الشخصى‪ ،‬فهذه الكتب هى‬ ‫بمثابة شموس وأقمار ملحطات حياتية وإبداعية تستحق التسجيل‪،‬‬ ‫فهى ترصد لتطورات وقعت على مستوى الــذات‪ ،‬وأتت –أيضا‪-‬‬ ‫نتيجة تجارب تشبعت بها‪ ،‬كما يجب أال تنسى أن هذه اإلصدارات‬ ‫متنوعة‪ ،‬فهى ما بني الفصحى والعامية والنثر والسرد‪ ،‬والسيرة‪.‬‬ ‫ما ذكرته يقودنا إلى سؤال حول أنه كان من ضمن هذه اإلصدارات‬ ‫ديوانك الشعرى األول «تنهيدة صبية» الصادر ‪ ،1994‬وهو يعبر عن‬ ‫حالة إبداعية‪ ،‬بالتأكيد مت جتــاوزهــا‪..‬إذن إص ــداره بعد حوالى ‪25‬‬ ‫عاما؛ ماذا يضيف لك؟‬ ‫هذا الديوان‪ ،‬يأتى فى إطار رغبتى فى إعادة كافة الدواوين التى‬ ‫أصدرتها عبر مشوارى‪ ،‬من هنا نشرته بذات الكيفية التى صدر‬ ‫بها ألول مرة‪ ،‬دونما زيادة أو نقصان‪ ،‬ومع مرور الوقت‪ ،‬ستوفر‬

‫مع رئيس التحرير‬

‫هذه الدواوين لى وللنقاد مادة دسمة لرؤية حالتى الشعرية املمتدة‬ ‫عبر ربع قرن‪ ،‬بكل تحوالتها ورؤاها الفنية‪.‬‬ ‫فــى بــدايــاتــك الـشـعــريــة‪ ،‬صــدر لــك قبل ديــوانــك‪ ،‬أكـثــر مــن ديــوان‬ ‫مشترك مع شاعرات أخريات‪ ..‬ملاذا كانت بدايات جماعية‪ ،‬رغم أن‬ ‫الشعر عمل فردى؟‬ ‫ديوان «عرايس الشعر» هو تجربة نشر لسبع شاعرات سكندريات‬ ‫دفعة واحدة‪ ،‬وصدر عن مديرية الثقافة باإلسكندرية عام ‪،1992‬‬ ‫بتقديم للشاعر الكبير الراحل محمد مكيوى‪ ،‬هذه التجربة واحدة‬ ‫من التجارب الهامة فى حياتى‪ ،‬ألن الديوان كان يعد إثباتا لوجودنا‬ ‫فى الحركة األدبية فى ذلك الوقت‪ ،‬وكنا وقتها فى نادى األدب‬ ‫بقصر ثقافة الحرية‪ ،‬وأتذكر أن هذه التجربة لفتت نظر الناقدة‬ ‫الكبيرة فريدة النقاش‪ ،‬وقدمت إلينا فى اإلسكندرية للتحدث عن‬

‫الديوان‪ ،‬لنفاجأ بعد ذلك بمقال لها على نصف صفحة بجريدة‬ ‫األهرام بعنوان «الشاعرات قادمات»‪ ،‬تشيد فيه بهذه التجربة‪.‬‬ ‫الحظت أن الغالبية العظمى من مؤلفاتك الـ ‪ ،16‬صادرة عن دور‬ ‫نشر خاصة وليست حكومية‪ ..‬ما سبب ذلك؟‬ ‫مالحظتك فى محلها تماما‪ ،‬وهو يذكرنى بواقعتني حدثتا معى‬ ‫فى بداية مشوارى‪ ،‬وهما تخصان هيئة قصور الثقافة‪ ،‬ففى عام‬ ‫‪ 1994‬تقدمت بديوان‪ ،‬وبعد عامني قالوا لى الديوان فقد‪ ،‬فقدمت‬ ‫ديوانا آخر عام ‪ ،1996‬وبعد فترة قالو لى –أيضا‪ -‬الديوان فقد‪،‬‬ ‫ولم أنشر مرة أخرى فى هذه الهيئة حتى اآلن‪ ،‬باستثناء مشاركتى‬ ‫فى تجربة تبسيط أعمال توفيق الحكيم‪ ،‬إذ صدر لى تبسيط‬ ‫ملسرحية إيزيس فى سلسلة عني صقر الصادر فى عام ‪.1998‬‬ ‫لذا بعد تجربتى الفقد لم أعد أثق فى نشر أعمالى فى مؤسسة‬ ‫حكومية‪ ،‬إذ ال أخفى عليك أننى شعرت أن األمر مقصود‪ ،‬وأن‬ ‫هناك مؤامرة‪ ،‬تهدف إلى تهميش الكاتبات واملبدعات‪ ،‬والديوان‬ ‫الوحيد الذى نشر لى فى مؤسسة حكومية هو ديــوان «احتوانى‬ ‫االنتظار» ‪ 2006‬بالتعاون مع هيئة الكتاب واتحاد الكتاب‪ ،‬وقد‬ ‫سعدت بهذا النشر وأعتز به‪.‬‬ ‫هــل هناك دواف ــع أخــرى غير إحساسك بــاملــؤامــرة دفعتك للنشر‬ ‫اخلاص؟‬ ‫نعم‪ ..‬هو سرعة إصدار أعمالى لكى أسعد والدى‪ ،‬هذا األب الذى‬ ‫تولد لديه حزن شديد عندما أبلغ أن مولوده األول أنثى وليس ذكرًا‪،‬‬ ‫فقد كان يريدنى «يوسف» وليس «إيمان»‪ ،‬وكثيرا ما شهدت دموعه‪،‬‬ ‫لضياع حلمه فى إنجاب ذكر‪ ،‬وهو حلم لم يتحقق له‪ ،‬فجميع من‬ ‫ولدوا بعدى هم أيضا إناث‪ ،‬ودائما ما أقول لنفسى «أنا يوسف‬ ‫حلم أبى»‪ ،‬هذه العبارة كتبتها على إحدى كراساتى فى االبتدائية‪،‬‬ ‫وكلما كبرت وتبخر حلم والدى فى إنجاب الذكر‪ ،‬كنت أتذكر هذه‬ ‫العبارة «أنا يوسف حلم أبى»‪ ،‬حتى حدثت املفارقة‪ ،‬عندما بدأت‬

‫دراساتى املختلفة مكنتنى من التعبير عما أريد بأشكال فنية متنوعة‬

‫‪٢٩‬‬

‫بناء شاهق فى مناخ الشعر العامى‪ ،‬وفى حياة األبنودى نفسه‪،‬‬ ‫والذى بدأ يكتب األغانى للمشاهير من طراز محمد رشدى وعبد‬ ‫الحليم حافظ وآخرين‪ ،‬وجاءت قصائد األبنودى املنفردة‪ ،‬والتى‬ ‫كانت تنشر فى مجالت وصحف «صباح الخير‪ ،‬وروز اليوسف‪،‬‬ ‫وبناء الوطن‪ ،‬واملساء»‪ ،‬مجتمعة فى ديوان شامل كامل‪ ،‬واحتوى‬ ‫على مختارات من قصائده األولى‪ ،‬قصائد الشباب الفائر والطموح‬ ‫والثائر‪ ،‬ومن خالل قصائده نستطيع أن ندرك ثقافته املتمردة‪.‬‬ ‫لم يكن املعنى وال املصطلح وال املفردة وال الشجاعة وال الثقافة‬ ‫املهيمنة على القصائد‪ ،‬هى التى تعطى الفرادة لقصائد األبنودى‪،‬‬ ‫ولكن كل ذلك‪ ،‬والبناء الصورى الذى كان يتواتر على القصيدة‬ ‫منذ مطلعها األول «املفتتح»‪ ،‬حتى الفقرة «القفلة» األخيرة‬ ‫للقصيدة‪ ،‬استطاعت القصائد أن تفرض ظلها الفنى العبقرى‬ ‫منذ الطلعة األولى للشاعر‪ ،‬ومن ثم كتب سيد خميس دراسة بديعة‬ ‫وقوية وأحقها بالديوان‪ ،‬وفى حدود معرفتى أنها كانت الدراسة‬ ‫املتخصصة األولى «املهمة» فى شعر العامية املصرية‪ ،‬مع كامل‬ ‫التقدير واالحترام لدراسة رجاء النقاش عن ديوان «عن القمر‬ ‫والطني» لصالح جاهني‪ ،‬والفارق هنا أن سيد خميس كان يدرك‬ ‫ّ‬ ‫يتقصى أصولها القديمة‪ ،‬ولكن‬ ‫عميقا شروط العامية التى كان‬ ‫دراسة رجاء النقاش املفيدة‪ ،‬كانت استكماال لدراسته عن الديوان‬ ‫األول «مدينة بال قلب» للشاعر أحمد عبد املعطى حجازى‪ ،‬والذى‬ ‫صدر عام ‪ 1959‬عن دار اآلداب ببيروت‪.‬‬ ‫كانت جماعة «ابن عــروس»‪ ،‬ومن التفوا حولها من املثقفني‪،‬‬ ‫مزعجة إلى حد بعيد للسلطات‪ ،‬خاصة كانت أصدرت رباعيات‬ ‫ّ‬ ‫وجنية» لسيد حجاب عام‬ ‫صالح جاهني‪ ،‬ثم صدر ديوان «صياد‬ ‫وصارت‬ ‫البياتى‪،‬‬ ‫الوهاب‬ ‫‪ ،1966‬وقدمه الشاعر العراقى عبد‬ ‫ّ‬ ‫جماعة ابن عروس حركة متمردة وقوية‪ ،‬وصار مثقفو وكتاب‬ ‫جيل الستينات يؤسسون لحركة ثقافية طليعية كبيرة‪ ،‬وكان من‬ ‫بني هؤالء أو على رأسهم ابراهيم فتحى وجمال أحمد الغيطانى‬ ‫وصبرى حافظ وصالح عيسى وعلى الشوباشى وغيرهم‪ ،‬لذلك لم‬ ‫تمهلهم السلطات‪ ،‬فألقت القبض عليهم فى أكتوبر ‪ ،1966‬لتفرج‬ ‫عنهم فى مارس ‪ ،1967‬وكان األبنودى هو النجم الذى نال قدرا‬ ‫كبيرا من العقاب‪ ،‬رغم جماهيريته‪ ،‬وذلك ألسباب عجائبية حكى‬ ‫لنا عنها فى عيد امليالد األخير‪.‬‬ ‫‪1967‬‬ ‫خرج األبنودى بعد نضاالت عديدة بذلها مثقفون ومسئولون‬ ‫وكتاب كبار‪ ،‬وكانت عطيات عوض _زوجته_‪ ،‬والشهيرة بعطيات‬ ‫األبنودى‪ ،‬تقود حملة واسعة وكبيرة من أجل اإلفراج عن زوجها‬ ‫بدأت‬ ‫ومن معه‪ ،‬وبالفعل خرج املعتقلون‪ ،‬وفى شهرى ابريل ومايو ّ‬ ‫بوادر حرب قادمة بني مصر واسرائيل‪ ،‬وفى تلك املرحلة‪ ،‬فكر‬ ‫األبنودى أن يرتاح ويأخذ هدنة قليلة‪ ،‬ويسافر إلى «البلد» لاللتقاء‬ ‫بأهله هناك‪ ،‬ويستمد منهم الدفء املفقود فى القاهرة بعد حكاية‬ ‫االعتقال املريرة‪.‬‬ ‫وبالفعل شرع عبد الرحمن مع عطيات للذهاب إلى «أبنود»‪،‬‬ ‫ولكن عبر البحر األحمر‪ ،‬لكى يمر على السويس‪ ،‬لكى يلتقى‬ ‫بأحباب له‪ ،‬وهم «عيد أبو زعزوع» و«على أبو العيون» و«مبارك‬ ‫طايع» و« على أبو سلمى»‪ ،‬وألنه كان يحلم ببيت وحديقة هناك‪،‬‬ ‫فكان ال بد أن يقابلهم‪ ،‬وباملناسبة كلهم أصبحوا شخصيات‬ ‫«شعرية» فى ديوانه «وجوه على الشط»‪.‬‬ ‫ومن السويس إلى الغردقة‪ ،‬وكان عبد الفتاح األبنودى _شقيقه_‬ ‫فى االنتظار‪ ،‬وعند جالل األبنودى _الشقيق الثانى_ فى سفاجا‬ ‫قضى ليلة هناك‪ ،‬ثم استقل األتوبيس إلى أبنود محافظة قنا‪،‬‬ ‫ليلتقى بوالده ووالدته وينام على سرسر الجريد‪.‬‬ ‫تليفون من وجدى الحكيم‬ ‫لم يكن فى منزل أهل عبد الرحمن تليفون‪ ،‬ولكن كان أى اتصال‬ ‫من القاهرة يأتى على الكابينة‪ ،‬وبعدها يبلغ عامل السنترال‬ ‫الهدف املطلوب‪ ،‬وجاء «مرسال» لعبد الرحمن بأن «تليفون» له جاء‬ ‫من القاهرة‪ ،‬وذهب لكى يدرك أن ثمة أحداثا جساما تستوجب‬ ‫وجــوده فى القاهرة‪ ،‬واملكاملة كانت من الناقد واملــؤرخ الفنى‬ ‫ّ‬ ‫التليفون‪ ،‬بأن عبد الناصر سوف‬ ‫وأسر له فى‬ ‫وجدى الحكيم‪،‬‬ ‫ّ‬ ‫يدخل الحرب ضد اسرائيل‪ ،‬ولم يكذب األبنودى خبرا‪ ،‬وعاد إلى‬ ‫القاهرة بالفعل‪ ،‬ويتحول إلى شعلة نار ال تخمد‪ ،‬وال تحمل أحقادا‪،‬‬ ‫فاألمر ال يخص أى مرارات‪ ،‬الوطن يتعرض للقصف الغادر من‬ ‫الصهاينة‪.‬‬ ‫فى النصف الثانى من مايو ‪ ،1967‬كان عبد الرحمن يكتب‬ ‫أجمل وأقوى أغانيه الوطنية‪ ،‬وكانت لقاءاته مع عبد الحليم حافظ‬ ‫وكمال الطويل‪ ،‬وكذلك أحمد سعيد مدير إذاعة صوت العرب‬ ‫تتكثف وتتواتر‪ ،‬وكذلك نائبه محمد عروق‪ ،‬وعلى تلك الخلفية كتب‬ ‫األبنودى أغانيه الحماسية‪« :‬وال يهمك ياريس» األمريكان ياريس‪،‬‬ ‫و«بالدم حناخد تارنا‪ ..‬بالدم نعود لديارنا» و «احلف بسماها‬ ‫وبترابها‪ ..‬احلف بدروبها وأبوابها‪ ..‬ماتغيب الشمس العربية طول‬

‫‪ ٥‬مايو ‪ ٢٠١٩‬العدد ‪١٣٤٥‬‬

‫لم يكن األمر مجرد لهجة‪،‬‬ ‫وصوت مختلف‪ ،‬وأداء موسيقى‪،‬‬ ‫ولكن األبنودى وجد فى بيئته‬ ‫ما يستطيع أن يقدمه للناس‬ ‫دون أى افتعال أو تحذلق‬ ‫ما انا عايش فوق الدنيا‪ ،‬ثم «إنذار يااستعمار ‪ ..‬بترول مافيش ‪..‬‬ ‫قنال مافيش»‪ ،‬و«يابركان الغضب ياموحد العرب»‪ /‬و«ابنك يقولك‬ ‫يابطل هات لى انتصار»‪.‬‬ ‫وعندما انطلقت هــذه األغــانــى‪ ،‬أشعلت حماس املصريني‬ ‫بضراوة‪ ،‬وأنشدها العامل والفالح والطالب والشباب ‪ ،‬ولكن هذه‬ ‫األغانى _ بالطبع _ لم تمنع ما حدث فى صبيحة ّ ‪ 5‬يونيو ‪،1967‬‬ ‫تلك الكارثة التى لم يعترف بها أحمد سعيد‪ ،‬وظل يطلق بياناته‬ ‫املدوية‪ ،‬والتى كانت تذيع االنتصارات الوهمية‪.‬‬ ‫وبعد الحماس الذى أطلقه األبنودى فى أغانيه‪ ،‬كتب قصيدته‬ ‫«كباية شاى»‪ ،‬هذه القصيدة الجنائزية الحزينة‪ ،‬والتى لم يستطع‬ ‫أن يصرخ أو يبكى أو يهتف‪ ،‬كان حزينا للغاية‪:‬‬ ‫على كرسى ف قهوة ف شارع شبرا ‪...‬‬ ‫قعدت‪..‬‬ ‫وجابلى كباية الشاى الجرسون‪...‬‬ ‫_كباية شاى القهوة غير كباية شاى البيت خالص‬ ‫بصيت له كتير‪..‬‬ ‫مش عارف ليه‪..‬‬ ‫من مده طويله ماشفتش ّ‬ ‫حى‪...‬‬ ‫كان الشارع نابض فيه الدم املطفى ّ‬ ‫وحى‪..‬‬ ‫ّ‬ ‫مر عليا الراجل الصلع خالص‪..‬‬ ‫والبنت اللى ف ايدها طبق الفول‬ ‫الناقص خالص خالص‪...‬‬ ‫والست الالبسه التوب اللسود خالص‪..‬‬ ‫ّ‬ ‫مرت عربيه جديده وفيها ناس وشها ساكت خالص خالص‬

‫وولد بيكلم بنت على التلتوار‬ ‫بالحس الواطى خالص خاص‪...‬‬ ‫وخايف خالص‪..‬‬ ‫وعلى التلتوار التانى‬ ‫كان دكان فكهانى منظم خالص‪..‬‬ ‫ونيونه مشعلل أنوار خالص خالص‪..‬‬ ‫وقعت سنجة تورماى (خمسه‪)...‬‬ ‫طلع الولد (املتشعبط) ّ‬ ‫ركبها‪..‬‬ ‫وركب من باب التورماى قدام الكومسارى ‪..‬‬ ‫شافه مكلمهوش خالص‪..‬‬ ‫عدى الراجل اللى منزلش‬ ‫من ع العجله بقاله ‪ 6‬سنني‬ ‫كان تعبان جدا‪..‬‬ ‫وموطى‪..‬‬ ‫ومش بيبدل خالص‪..‬‬ ‫أخد الجرسون قرشني بقشيش ‪..‬‬ ‫بص لى جدا ‪..‬جدا‬ ‫واستغرب خالص خالص خالص‪!!..‬‬ ‫القصيدة إحساس عارم وجنائزى ومهزوم بالهزيمة واالنكسار‪.‬‬ ‫عيد ميالده األخير‬ ‫ّ‬ ‫كنا نعد لعيد ميالده فى ‪ 11‬إبريل ‪ ،2015‬وكنت قلقا على حالته‬ ‫ّ‬ ‫التى ال تتحمل الجلوس والقيام‪ ،‬وتجرأت وهاتفته «الخميس ‪9‬‬ ‫ابريل» قبل االحتفال بيومني‪ ،‬وعندما سمعنى ‪ ،‬بادرنى‪ :‬إياك عاوز‬ ‫تعتذر؟‪ ،‬فقلت له ‪ :‬ليس اعتذارا بقدر ما هو رجاء بتأجيل االحتفال‬ ‫ليوم آخر‪ ،‬حتى تسترد صحتك قليال‪ ،‬وأبلغنى بأنه فى طريقه‬ ‫للمستشفى فى عربة اإلسعاف‪ ،‬وبالفعل ذهبنا «أحمد بهاء شعبان‬ ‫وعزة كامل وبناتى سوسن وميسون» وفريق من جريدة التحرير‪،‬‬ ‫وتحامل على نفسه كثيرا‪ ،‬وكان مبتسما طوال الوقت‪ ،‬ولكننا‬ ‫الحظنا بأن آلة األلم تعمل فى جسده بضراوة‪ ،‬وعدنا‪ ،‬وأعددنا‬ ‫ملفا وافيا فى الجريدة يوم االثنني ‪ 13‬إبريل‪ ،‬وفى الثالثاء ‪14‬‬ ‫إبريل دخل املستشفى‪ ،‬وتداهمه الغيبوبة‪ ،‬ليغيب عنا فى ‪ 21‬إبريل‬ ‫أعظم شاعر أنجبته مصر فى العصر الحديث‪.‬‬


‫‪٢٨‬‬

‫‪ ٥‬مايو ‪ ٢٠١٩‬العدد ‪١٣٤٥‬‬

‫‪9‬‬

‫هناك شعراء أصبحوا ظواهر شبه ثابتة‪ ،‬دون أن يتنازلوا عن‬ ‫شرط الفن واإلجادة واالحترام‪ ،‬ولم يترخصوا أمام «شباك»‬ ‫الجماهير‪ ،‬ولم يذوبوا تحت الفتة «ما يطلبه الناس املشاهدون‬ ‫ّ‬ ‫واملستمعون»‪ ،‬مثلما يذهب كثيرون من مختلف الفنانني والكتاب‬ ‫فى املجاالت األخــرى‪ ،‬السينما واملسرح والــروايــة والشعر‬ ‫والقصة القصيرة واألغانى‪ ،‬وعلى رأس هؤالء الشاعران محمود‬ ‫درويش وعبد الرحمن األبنودى‪ ،‬لم ينزلق أى منهم إلى شعار‬ ‫«النزول إلى الناس»‪ ،‬ولكنهم ّ‬ ‫أصروا على تقديم الكتابة الفنية‬ ‫الراقية‪ ،‬وفى الوقت ذاته إمتاع الناس بكل فئاتهم وطوائفهم‬ ‫وطبقاتهم‪.‬‬

‫< مؤلفاتى مبثابة شموس وأقمار‬ ‫ملحطات حياتية وإبداعية تستحق‬ ‫التسجيل‬ ‫< ال أجد غضاضة فى أن تتنوع‬ ‫وسائلى الفنية فى كتاب واحد‬

‫الشاعر الذى كسر‬ ‫كل حواجز العزلة‬ ‫شعبان يوسف‬ ‫األبنودى ظاهرة ّ‬ ‫فنية فريدة‬ ‫وال أخفى أن ظاهرة األبنودى كانت أكثر شعبية بكثير من أى‬ ‫ظاهرة شعرية أخرى فى الوطن العربى‪ ،‬ولم تكن لهجته املحلية‬ ‫الصعيدية الحادة أو الناعمة_كما زعم بعض الكارهني _ هى‬ ‫الطعم الذى يجذب الجماهير الواسعة‪ ،‬على اعتبار أن اللهجة‬ ‫التى يطلقها وينطق بها‪ ،‬هى نوع من الفلكلور واألحاجى‪ ،‬وكأنها‬ ‫مجرد طرفة ذات «دم خفيف» فقط‪ ،‬وقالوا بأن قصائد األبنودى‪،‬‬ ‫سوف تفقد وهجها ومعناها وتأثيرها‪ ،‬عندما يقرأها آخرون‬ ‫دون اللهجة الصعيدية‪ ،‬وأثبتت التجارب والزمن الذى سكت فيه‬ ‫األبنودى‪ّ ،‬وال يذهب إلى املحافل األدبية الجماهيرية كما يفعل‬ ‫قديما‪ ،‬وظل يكتب وينشر فقط‪ ،‬وكانت كتاباته تحقق القراءة‬ ‫األعلى فى كافة املطبوعات التى تنشر له‪ ،‬وكان ينشر فى جريدة‬ ‫«التحرير» مربعاته التى قاوم بها ظالم وجحيم مرحلة حكم‬ ‫جماعة اإلخــوان‪ ،‬وكانت املربعات تحقق أعلى قراءة بني كل ما‬ ‫إلى‬ ‫كان يكتب فى الجريدة بشكل مطلق‪ ،‬دون أن تنزلق مربعاته ّ‬ ‫الهجاء الرخيص‪ ،‬الذى يشترى ذوق القارئ فى ذلك الوقت‪ ،‬وتظل‬ ‫املربعات _حتى اآلن_ ملحمة شعرية ذات طابع إنسانى فريد‪ ،‬رغم‬ ‫أنها كتبت تحت ظروف قاهرة‪.‬‬ ‫فى القاهرة‬ ‫عندما قدمه _والد جيل الستينات الشعرى_ صالح جاهني‬ ‫فى أواخر عقد الخمسينات وأوائل بداية الستينات‪ ،‬كان يعرف‬ ‫أنه من الصعيد‪ ،‬ويعمل فى محكمة قنا‪ ،‬ولم يكن عبد الرحمن‬ ‫قد ظهر فى القاهرة‪ ،‬ولم يصبح ظاهرة‪ ،‬وليس له أى سند سوى‬ ‫قصائده التى يرسلها بالبريد‪ ،‬وكانت عالقة األبنودى به‪ ،‬عالقة‬ ‫رسائل فقط الغير‪ ،‬دون أن يراه جاهني‪ ،‬أو يستمع إليه‪ ،‬ولكن‬ ‫جاهني استطاع أن يدرك «نجابة» هذا الشاعر وفصاحته وعمقه‬ ‫وشعبيته‪ ،‬دون تلك اللهجة التى كانت مثارا لجدل النقاد‪.‬‬ ‫التحق األبنودى بالقوات املسلحة‪ ،‬وكــان ينزل فى إجازاته‬ ‫الدورية إلى ندوات القاهرة‪ ،‬وكان يدخل الندوات بزيه العسكرى‪،‬‬ ‫فلفت األنظار بقوة‪ ،‬شاعر جيد‪ ،‬استطاع أن يقدم جديدا بعد فؤاد‬ ‫حداد وصالح جاهني‪ ،‬ويفرض بيئته الصعيدية على مجتمع مدينة‬ ‫القاهرة‪:‬‬ ‫املحشور باألموات‪..‬‬ ‫القبر ّ‬ ‫والليل اتأنى ملا فات‪..‬‬ ‫ووقف بيبص ف خرم الباب أربع مرات‪..‬‬ ‫الكلب بيعوى فوق الحيط‪..‬‬ ‫وترد عليه من شرق السكة كالب‪ّ ،‬‬ ‫يتجن‪..‬‬

‫أحداث‬

‫حلمى النمنم‬

‫األبنودى‬ ‫ويهد السقف ‪ّ ..‬‬ ‫يمطر فوق العيلة حطب القطن‪..‬‬ ‫الليل ساعة‪..‬‬ ‫ّ‬ ‫دقتها من دق الطواحني‪ ...‬‬ ‫من دق قلوب الناس النايمة على التربة‪..‬‬ ‫جنب املواعني‪..‬‬ ‫جنب جرار امليه النايمه فى الطني‪..‬‬ ‫وحفيف النخل‬ ‫حفيف ورقه بني إيد محضر فى عيون مساكني‪..‬‬ ‫وبخار (الزربيه) الطالع يحكى حكايه‪..‬‬ ‫عن عيشه وخضره وفاطمه وست الكل‪...‬‬ ‫إذن لم يكن األمر مجرد لهجة‪ ،‬وصوت مختلف‪ ،‬وأداء موسيقى‪،‬‬ ‫ولكن األبنودى وجد فى بيئته ما يستطيع أن يقدمه للناس دون أى‬ ‫افتعال أو تحذلق‪ ،‬وهذا ما ّفعله زميله ورفيقه وابن محافظة قنا‬ ‫ُ‬ ‫«يحيى الطاهر عبدالله‪ ،‬فقدم االثنان ما لم يستطع أن يقدمه‬ ‫آخرون‪ ،‬عوالم حقيقية‪ ،‬ال تستدعى الدهشة من خارجها‪ ،‬ولم‬ ‫ينقل األبنودى أو الطاهر عبدالله عالم الصعيد بشكل فوتوغرافى‪،‬‬ ‫بل كانا يعيدان تدوير العالم وإبداعه‪ ،‬وتقديمه كما بدا فى املقطع‬ ‫الذى اقتبسناه سلفا‪.‬‬ ‫فى القاهرة كان يتردد على الندوات بزيه العسكرى‪ ،‬ذلك‬ ‫الزى الذى كان ومايزال ينال قدرا كبيرا من التقدير واالحترام‪،‬‬ ‫مهما قال راجفون‪ ،‬فنحن الذين عشنا مرارة الهزيمة لسنوات‬ ‫عديدة‪ ،‬كنا ننتظر األمل دوما من هؤالء الجنود البواسل‪ ،‬ولم يكن‬ ‫األبنودى _كذلك_ يفتعل حالته هذه‪ ،‬فكان يصعد على املنصات‬ ‫بذلك الزى‪ ،‬ويقرأ قصائده بلهجته ّالتى يعرفها ويتقنها ويعيشها‬ ‫ويدرك أسرارها‪ ،‬تلك اللهجة التى ظلت ترافقه حتى رحيله فى ‪21‬‬ ‫ابريل ‪ ،2015‬وكان يفخر بها‪ ،‬وكنا فى منزله يوم ‪ 11‬ابريل ‪،2015‬‬ ‫واحتفلنا بعيد ميالده األخير‪ ،‬وكان موغال فى صعيديته املحببة‬ ‫والسلسة والقريبة من قلوبنا‪.‬‬ ‫البيان األول لجماعة ابن عروس‬ ‫بعد أن حقق األبنودى قدرا من الذيوع الثقافى‪ ،‬وأصبح حضوره‬ ‫الشعرى حقيقة واضحة للحياة الثقافية‪ ،‬وكان هواه متمردا إلى‬ ‫حد كبير‪ ،‬وارتبطت حياته الثقافية ببعض املثقفني الفاعلني‪،‬‬ ‫وكانت حركة جيل الستينات بدأت تظهر‪ ،‬ويشتد عودها‪ ،‬وذلك‬ ‫فى الشعر العامى والفصيح عموما‪ ،‬وفى القصة القصيرة‪ ،‬وفى‬ ‫املسرح‪ ،‬ولم يكن فى ذلك الوقت قد برز كاتب روائى من ذلك‬ ‫الجيل‪ ،‬ولكن األبنودى كانت ظاهرته بدأت تتشكل‪ ،‬وكانت عالقته‬

‫‪ ٥‬مايو ‪ ٢٠١٩‬العدد ‪١٣٤٥‬‬

‫بأمل دنقل الفنية واإلنسانية جيدة‪ ،‬وكانا يذهبان إلى املقاهى‪،‬‬ ‫ويكتبان شعرا _كما قال لى_ مرتجال على ترابيزات املقاهى‪،‬‬ ‫ويتركانه‪.‬‬ ‫فى ذلك الوقت‪ ،‬وعلى األخص فى مارس عام ‪ ،1964‬كانت‬ ‫السلطات قد أفرجت عن اليساريني الذين قضوا خمس سنوات‬ ‫فى املعتقالت‪ ،‬فخرج مثقفون كبار مثل ابراهيم فتحى‪ ،‬ومحمود‬ ‫أمني العالم ولطفى الخولى وكمال عبد الحليم وألفريد فرج‬ ‫وغيرهم‪ ،‬وانتعشت الحياة الثقافية ّبشكل ملحوظ‪ ،‬ومن ثم راح‬ ‫الناقد واملثقف الشاب سيد خميس يفكر فى إنعاش املناخ الشعرى‬ ‫فى مصر‪ ،‬فأسس جماعة «ابن عروس»‪ ،‬ومن املعروف أنه كان قد‬ ‫باع بعضا من ميراثه فى األرض التى تركها له والده‪ ،‬لكى يستطيع‬ ‫اإلنفاق على تلك الجماعة التى أسست دارا للنشر باسم «دار ابن‬ ‫عروس للنشر»‪ ،‬وكانت ثمرة تلك الجماعة األولى ديوان «األرض‬ ‫والعيال» لعبد الرحمن األبنودى‪ ،‬والذى حمل «البيان األول» لها‪،‬‬ ‫والذى نشر على غالفه األخير‪ ،‬وليسمح لى القارئ الكريم نشر‬ ‫هذا البيان القصير والدال تاريخيا‪:‬‬ ‫(مــن اســم ابــن عــروس الشاعر الــفــارس‪ .‬تستمد حركتنا‬ ‫الشعرية الكثير من القيم والتقاليد‪ ..‬فقد ربط ابن عروس‪ ،‬الشعر‬ ‫بالشرف‪ ..‬بالناس‪ ،‬وعلى هذا الدرب سار الكثيرون من الشعراء‬ ‫الشرفاء‪ ،‬الذين تحتفظ بهم ذاكرة شعبنا‪.‬‬ ‫مشى فى نفس الطريق‪ ..‬النديم‪ ،‬بيرم التونسى‪ ،‬فؤاد حداد‪.‬‬ ‫وعندما اختار صالح جاهني شعار «أشعار بالعامية املصرية»‬ ‫لديوانه «عن القمر والطني» كان يكمل طريق الرواد العظام‪ ،‬وكان‬ ‫يضع فى الوقت نفسه الشعار املناسب لهذا الشعر‪.‬‬ ‫وهذا الشعر العامى املصرى الجديد‪ ،‬يغنى مرحلة التحول‬ ‫العظيمة‪ ،‬التى نعيشها‪ ،‬ويغنى أحالم الرواد التى تجسدت واقعا‪،‬‬ ‫ويغنى أحالم هذا الجيل‪..‬‬ ‫من هذا املنبع‪ ،‬جاءت أشعار هذا الديوان‪ ،‬ومنه أيضا سيصدر‬ ‫ديوان الشاعر املصرى سيد حجاب «صياد ّ‬ ‫وجنية»‪.‬‬ ‫ومن دار ابن عروس سنقدم للقراء دواوين البن عروس‪ ،‬وبيرم‪،‬‬ ‫وفؤاد حداد‪ ،‬وصالح جاهني‪ ،‬وغيرهم‪.‬‬ ‫وستصدر دراسات وأبحاث مستقلة حول هذا الشعر‪ ،‬ورواده ‪،‬‬ ‫ومصادره‪..‬‬ ‫دار ابن عروس‬ ‫جماعة أشعار بالعامية املصرية)‬ ‫لم يكن هذا الديوان سوى الطلقة األولى الصائبة والقوية فى‬

‫جاهني استطاع أن يدرك «نجابة» هذا الشاعر وفصاحته وعمقه وشعبيته‪،‬‬ ‫دون تلك اللهجة التى كانت مثارا لجدل النقاد‬

‫أكتب الشعر وأشترك فى األمسيات كان يالحظ أننى أوقع أو‬ ‫ينادى على بـ «إيمان يوسف» ويوسف هو اسم جدى‪ ،‬حتى جاءت‬ ‫لحظة امليالد الحقيقية‪ ،‬عندما طلب منى أن أكتب اسمى «إيمان‬ ‫أحمد» وقال لى إنه فخور بى‪ ،‬ويريد أن يرتبط اسمه بإبداعاتى من‬ ‫هنا أصبحت أوقع باسمى الثالثى «إيمان أحمد يوسف»‪.‬‬ ‫ومع إصدار كل عمل جديد‪ ،‬كان يسعد بى‪ ،‬كان يحب أن يمأل‬ ‫عينيه بـ «إيمان أحمد يوسف» من هنا لجأت للنشر الخاص‪ ،‬لكى‬ ‫أسعد والــدى‪ ،‬الذى توفى بعد ديوانى السابع‪ ،‬وال أخفى عليك‬ ‫إحساسى الشديد بالسعادة عندما كنت أذهب إليه وفى يدى عمل‬ ‫يحمل اسمى‪ ،‬كنت أشعر باالنتصار والفخر‪ ،‬أننى غيرت رأيه‪ ،‬وأنه‬ ‫أصبح ينظر إليمان‪ ،‬أنها مثل أحمد أو تزيد عليه بموهبتها‪.‬‬ ‫ضمن أعمالك األخيرة كتاب «اإلسكندرية بالعامية والفصحى‬ ‫والسرد»‪ ،‬قمت فيه بتجميع قصائدك بالفصحى والعامية وكذلك‬ ‫مقاالتك‪ ،‬عــن هــذه املدينة التى شهدت مــولــدك‪ ،‬وحياتك مــا عدا‬ ‫السنوات العشر األخيرة التى انتقلت فيها إلى القاهرة‪ ،‬أال ترين‬ ‫أن استخدامك ألكثر من نوع أدبى فى كتاب واحد يضر بالتجربة؟‬ ‫على العكس‪ ،‬اإلسكندرية الساحرة ببحرها الذى طاملا كان‬ ‫مؤتمنا على أسرارى‪ ،‬تتحمل الكتابة عنها بكافة األنواع األدبية‪،‬‬ ‫ولكل نوع جاذبيته وقدرته على أن ينقل للقارئ انفعاالتى وشعورى‪،‬‬ ‫وما عجزت أن أخرجه شعرا‪ ،‬عبرت عنه من خالل املقاالت‪ ،‬التى‬ ‫تمرست عليها لسنوات طويلة فى أكثر من جريدة ومجلة سكندرية‪،‬‬ ‫ولم أجد أية غضاضة فى أن تتنوع وسائلى الفنية فى كتاب واحد‪.‬‬ ‫فى الفترة األخيرة أقدمت على كتابة القصة القصيرة‪ ،‬وبالفعل‬ ‫صــدر لــك مجموعتان قصصيتان‪ ،‬األول ــى «صـبــاح امل ـيــدان» ‪،2013‬‬ ‫والثانية «بكاء الشجر» ‪ ،2018‬وذلك بعد تسعة دواويــن شعرية‪ ..‬ما‬ ‫الذى دفعك لالنتقال من الشعر إلى القصة؟‬ ‫ضحكت وقالت‪ ،‬وأنا اآلن فى إطار كتابة رواية طويلة‪ ،‬السر فى‬ ‫هذا التنوع هو تراكم الخبرات‪ ،‬فخالل مشوارى‪ ،‬لم أركن فقط‬ ‫للقراءة والكتابة‪ ،‬بل كنت أسعى إلى اكتساب مهارات جديدة‬ ‫عن طريق التعلم‪ ،‬فبعد سنوات من حصولى على تعليم أقل من‬ ‫الجامعى‪ ،‬سعيت إلى أن أحصل على بكالوريوس اإلعالم وهو ما‬ ‫تحقق لى‪ ،‬وحصلت –أيضا‪ -‬على دورة دراما إذاعية عام ‪1997‬‬ ‫من اتحاد كتاب مصر بالتعاون مع اتحاد اإلذاعة والتليفزيون‪،‬‬ ‫كما حصلت على دبلومة فى العالقات العامة من مؤسسة أخبار‬ ‫اليوم‪ ،‬ودبلومة فى الدراسات اإلسالمية بعد دراسة ملدة‬ ‫عامني فى املعهد العالى للدراسات اإلسالمية‪ ،‬كل هذه‬ ‫الدراسات أطلعتنى على مالمح أخرى لفلسفة الحياة‪،‬‬ ‫وفلسفة وجودى كمبدعة‪ ،‬وخلقت لدى وعيًا جديدًا‪،‬‬ ‫مكننى من أن أعبر عما بداخلى بأشكال فنية متنوعة‬ ‫ومختلفة‪.‬‬ ‫لديك طموح أن تصدرى مجموعة من الدراسات عن‬ ‫شخصيات سكندرية فــى إطــار سلسلة تتولني كتابتها‪،‬‬ ‫وأص ـ ــدرت مـنـهــا بــالـفـعــل ك ـتــابــن‪ ..‬م ــا دوافـ ــع هــذه‬ ‫التجربة؟‬ ‫بالفعل أصــدرت سلسلة أطلقت‬ ‫عــلــيــهــا «عــبــقــريــة اإلســكــنــدريــة‬ ‫ملبدعيها»‪ ،‬عــن دار نشر «شعلة‬ ‫اإلبــداع للطباعة والنشر»‪ ،‬وظهر‬ ‫لى كتابان‪ ،‬لكل منهما تجربته‬ ‫املختلفة‪ ،‬األول بعنوان «الشاعر‬ ‫الكبير واملبدع محمد مكيوى‪..‬‬ ‫حــيــاة الــشــاعــر وقــصــائــد لم‬ ‫تنشر من قبل»‪ ،‬وهو يتناول‬ ‫مــســيــرة هــــذا الــشــاعــر‬ ‫الرائد وتأثيره فى األجيال‬ ‫اإلب ــداع ــي ــة املختلفة‬ ‫فــى اإلسكندرية‪،‬‬ ‫فــضــا عــن كونه‬ ‫مــبــدعــا مــوهــوبــا‬ ‫وصاحب فلسفة فى‬

‫الحياة‪ ،‬من هنا أذكر مقولته الشهيرة لنا «الكتابة خلود» وكذلك‬ ‫عباراته التى جاء فيها الكتاب هو إبداعك الذى تسجله للزمان‪،‬‬ ‫ليكون لك بصمة تواجد‪ ،‬واسم‪ ،‬وحتى ال تخدعك الحياة‪ ،‬وتمر‬ ‫عليها مرور الكرام وترحل‪ .‬بل كن األذكى واألقوى بإبداعك سطرا‬ ‫واجتهد‪ ،‬وشارك وانتهج طريقا لصنع الحاضر واملستقبل‪ .‬تعلم‬ ‫جميع املهارات‪ ،‬واقرأ ما تيسر من الكتب للسابقني والحاضرين‪،‬‬ ‫ثم كن أنت بإبداعك كن نفسك واستمر‪ .‬وقــاوم مهما كانت‬ ‫الصعوبات واملواجهات‪ .‬ثقتك بالله تقيك وتحميك‪ .‬وتدعمك‬ ‫بالثقة بنفسك وإبــداعــاتــك وطريقك وخــلــودك» واستجابة‬ ‫لهذه الفلسفة‪ ،‬قمت بتسجيل سيرته الذاتية فى هذا الكتاب‬ ‫وتطرقت إلى إصداراته املختلفة ودوره فى إثراء الحياة الثقافية‬ ‫السكندرية وتجربته فى التدريس فى سجن الحضرة‪ ،‬لكن روحه‬ ‫الشاعرية املرهفة وأحاسيسه الحرة الرقيقة‪ ،‬لم تحتمل دخول‬ ‫السجن‪ ،‬ولو ملجرد التدريس لحراس السجن والعاملني فيه أو‬ ‫للمساجني‪ ،‬الذين يقضون فترة عقوبتهم بني أسواره أو داخل‬ ‫زنزاناته‪ ،‬لذلك ترك العمل كمدرس بسجن الحضرة وانتقل‬ ‫للعمل كرئيس لقسم اإلحصاء بإدارة الصحة‪ ،‬ثم انتدب فى أكثر‬ ‫من وظيفة ثقافية‪ ،‬آخرها رئيس للقسم الثقافى بقصر ثقافة‬ ‫الحرية بمديرية الثقافة باإلسكندرية‪ ،‬كما نشرت قصائد من‬ ‫ديوانه الذى لم ينشر من قبل بعنوان «حلم النهار»‪.‬‬ ‫أما الكتاب الثانى فى هذه السلسلة‪ ،‬الذى نفدت طبعته األولى‪،‬‬ ‫وصدرت بالفعل طبعته الثانية فهو بعنوان «ليالى خليل املصرى‪..‬‬ ‫املؤرخ املوسيقى وامللحن والشاعر» وهو واحد من أفراد عائلتى‪،‬‬ ‫بمثابة جدى‪ ،‬وهو صاحب سيرة متفردة‪ ،‬فقد أنفق وقته وماله‬ ‫فى جمع تراث املوسيقى الشرقية‪ ،‬وهو أول ملحن قدم الفنان‬ ‫عبد الحليم حافظ لإلذاعة‪ ،‬حينما لحن له أغنية «الكون الجميل‬ ‫حواليك»‪ ،‬وقد ابتدع املصرى مقام نغمة جديدة باسم «أشواق»‪،‬‬ ‫وقد استعرضت مشواره وإسهاماته الهامة فى هذا الكتاب‪.‬‬ ‫تتولني اآلن رئاسة نادى أدب اجليزة‪ ..‬ما تقييمك لتجربة نوادى‬ ‫األدب بالثقافة اجلماهيرية؟‬ ‫أنا بنت قصور الثقافة منذ عام ‪ ،1977‬وتجربة نوادى األدب‬ ‫تجربة جديرة بالتأمل تحمل الكثير من اإليجابيات‪ ،‬وال تخلو من‬ ‫سلبيات‪ ،‬ولكن هناك أسباب قد تجهض هذه الفكرة فى‬ ‫أية لحظة‪ ،‬منها امليزانيات الضئيلة التى ال تتناسب مع‬ ‫أحالمنا‪ ،‬وكذلك بعض العقبات اإلدارية التى تحول دون‬ ‫استضافة الكثير من املبدعني وأساتذة الجامعة‪ ،‬الذين‬ ‫يأتون بشكل ودى‪ ،‬وإن كانت هذه السلبيات ال تمنع‬ ‫من أن أشكر املسئولني عن الثقافة فى مديرية ثقافة‬ ‫الجيزة وكذلك فى إقليم القاهرة الكبرى‪ ،‬لدعمهم‬ ‫لنا ملواصلة عملنا‪ ،‬لكن األمر يحتاج لقرارات للقضاء‬ ‫على البيروقراطية التى تعوق عملنا‪ ،‬خاصة أننا‬ ‫نحاول أن نرعى املوهوبني الجدد‪ ،‬ومن‬ ‫بينهم أطفال صغار السن نقيم لهم‬ ‫دورات تدريبية‪ ،‬لنحببهم فى األدب‬ ‫والثقافة‪.‬‬ ‫ماذا تتمنني فى الفترة القادمة؟‬ ‫أتمنى أن تترجم بعض أعمالى‬ ‫إلـــى لــغــات مــخــتــلــفــة‪ ،‬وســبــق‬ ‫أن تــرجــمــت جــامــعــة سنجور‬ ‫الفرنسية باإلسكندرية قصائد‬ ‫لــى‪ ،‬كما أننى مشغولة هذه‬ ‫األيام بجمع ًما يقرب من ‪40‬‬ ‫دراسة ومقاال عن إبداعاتى‬ ‫لتصدر فى كتاب‪.‬‬

‫د‪ .‬محمد عفيفى‬

‫احتفالية روسية‬ ‫بعيد النصر‬ ‫مرفت عمارة‬ ‫احتفل املركز الثقافى الروسى بالقاهرة بعيد النصر والذكرى‬ ‫الـ‪ 74‬لالنتصار على أملانيا النازية فى الحرب العاملية الثانية‪،‬‬ ‫بــدأت بمائدة مستديرة أدارهــا شريف جــاد مدير النشاط‬ ‫الثقافى باملركز وافتتحها ألكسى تيفانيان مدير املركز الثقافى‬ ‫الروسى‪ ،‬مشيرا إلى أهمية االنتصار على النازية وكيف استطاع‬ ‫الجيش األحمر االنتصار فى معركة ستالينجراد‪ ،‬وأكد أنه لوال‬ ‫دخول االتحاد السوفيتى الحرب ما انتصرت أوروبا‪.‬‬ ‫فى حني تناول حلمى النمنم وزير الثقافة السابق كيفية مواجة‬ ‫االتحاد السوفيتى للغزو األملانى‪ ،‬وتابع النمنم بسؤال‪ :‬ماذا لو‬ ‫انتصرت أملانيا واحتلت العالم؟ مؤكدا أن أملانيا كانت تنوى‬ ‫القدوم إلى الشرق األوسط والسيطرة على قناه السويس‪.‬‬ ‫وفــى كلمته أشــار الدكتور حلمى الحديدى رئيس منظمة‬ ‫التضامن األفروآسيوى إلــى أهمية الــدور الــذى لعبته قوات‬ ‫الجيش األحمر فى محاربة النازية‪ ،‬وذكر بعض السيناريوهات‬ ‫لو انتصرت أملانيا‪ .‬واختتم حديثه باإلشادة بالعالقات املصرية‬ ‫الروسية‪ ،‬التى بدأت فى الصعود مع بناء السد العالى‪.‬‬ ‫ومــن جانبه قــال الدكتور حسني الشافعى رئيس املؤسسة‬ ‫املصرية الروسية للثقافة والعلوم‪ :‬فى إطار االحتفال بعيد النصر‬ ‫واالستعداد لعام ‪« 2020‬عام الثقافة املصرية الروسية» نستعد‬ ‫إلصدار سلسلة من الكتب والدراسات تضم وثائق الحرب العاملية‬ ‫الثانية‪.‬‬ ‫بينما تحدث الدكتور محمد عفيفى رئيس قسم التاريخ‬ ‫بكلية اآلداب جامعة القاهرة عن األهمية التاريخية لالنتصار‬ ‫فى الحرب العامليه الثانية وإنقاذ البشرية من أطماع النازية‬ ‫والفاشية‪ ،‬وأشاد بالعالقات مع الجانب الروسى التى بدأت فى‬ ‫التطور منذ صفقة األسلحة التشيكية‪.‬‬ ‫وأشــارت الدكتورة نورهان الشيخ األستاذة بكلية االقتصاد‬ ‫والعلوم السياسية جامعة القاهرة إلى أن االتحاد السوفيتى دافع‬ ‫عن كرامة أوروبا بكاملها‪ ،‬وأنه ضحى بـ ‪ 26‬مليون مواطن‪ ،‬أى ما‬ ‫يقرب من ‪ %16‬من إجمالى السكان‪ ،‬بينما فقدت الدول الغربية‬ ‫وأمريكا ‪ %1.5‬فقط‪.‬‬ ‫وأضــاف اللواء طلعت مسلم‪ ،‬الخبير العسكرى‪ ،‬أن معركة‬ ‫ستالينجراد حولت مسار الحرب بكاملها وكانت بداية السقوط‬ ‫األملانى‪ .‬وحول مشاركة العسكريني املصريني بالحرب أشار مسلم‬ ‫إلى أن مصر كانت خاضعة للجيش البريطانى‪ ،‬كما أن الجيش‬ ‫املصرى فى هذا التوقيت لم يكن به سوى ‪ 9‬كتائب مشاة فقط‪.‬‬ ‫أما الدكتور نور ندا نائب رئيس الحزب العربى الناصرى‪،‬‬ ‫فتحدث عن الحجم الكبير من التضحيات التى قدمها العسكريون‬ ‫الروس وحرصهم على إعالء قيمة الوطن‪ .‬تبعه الدكتور سيد‬ ‫عشماوى أستاذ التاريخ بكلية اآلداب جامعة القاهرة مؤكدا أن‬ ‫نتائج معركة ستالينجراد غيرت التاريخ‪ ،‬كما أشاد بمساندة‬ ‫االتحاد السوفيتى ملصر فى العدوان الثالثى‪.‬‬ ‫ختم شريف جاد اللقاء بنقل تهنئة الجمعيات العربية لخريجى‬ ‫الجامعات السوفيتية والروسية‪ ،‬مشيدا بحرص الجانب الروسى‬ ‫على إحياء ذكرى النصر من خالل الثقافة والفن التى ال تزال‬ ‫تنتج أعماال فنية حتى تنقل التفاصيل التاريخية لألجيال الشابة‪.‬‬ ‫بعدها انتقل الحضور الفتتاح معرض الصور األرشيفية‬ ‫فى ذكــرى الحرب بمشاركة ســفــارات روسيا وكازاخستان‬ ‫وبيالروسيت وأرمينيا وأوزبيكستان وأذربيجان وطاجيكستان‪.‬‬ ‫واختتمت االحتفالية بحفل موسيقى لفرقة سويت ساوند بقيادة‬ ‫املايسترو منير نصر الدين والتى قدمت مجموعة من األغانى‬ ‫باللغة الروسية ومقطوعات موسيقية روسية وعربية‪.‬‬


‫‪10‬‬

‫‪ 5‬مايو ‪٢٠١٩‬‬

‫العدد‪١٣٤٥‬‬

‫‪٢٧‬‬

‫‪ ٥‬مايو ‪ ٢٠١٩‬العدد ‪١٣٤٥‬‬

‫إبداع‬

‫تزامنا مع رئاسة مصر لالتحاد األفريقى‪ ،‬نظمت كلية الدراسات األفريقية العليا‪ ،‬بجامعة القاهرة‪ ،‬مؤتمرها الدولى السنوى بعنوان (مصر والتنمية‬ ‫املستدامة فى أفريقيا‪ :‬الرؤى وآليات التفعيل فى ضوء أجندة االتحاد األفريقى ‪2063‬م‪ .‬وذلك برعاية الرئيس عبدالفتاح السيسى‪ ،‬وبحضور د‪.‬‬ ‫عثمان الخشت رئيس الجامعة‪ ،‬الذى أكد على حرص الجامعة على الدعم املتواصل للكلية‪ ،‬وتقديم كافة التسهيالت للطلبة األفارقة‪ ،‬أما الدكتور‬ ‫محمد نوفل عميد الكلية‪ ،‬ورئيس املؤتمر‪ ،‬فقد أعلن أن املؤتمر يهدف لوضع اسهام علمى يعمل على دفع عجلة التنمية وتحقيق األمن والسلم‪ ،‬وبحث‬ ‫سبل النهوض بمستقبل القارة فى ظل أجندة أفريقية ‪2063‬م التى يتبناها االتحاد األفريقى‪ ،‬وفى االفتتاح‪ -‬أيضا أشار السفير أبوبكر حفنى‪ ،‬مساعد‬ ‫وزير الخارجية للشئون االفريقية إلى أن التكافل األفريقى لن يحدث إال بنشر األمن والسالم‪ ،‬وأن استقاللية القرار األفريقى يحقق أهدفا التنمية‬ ‫املستدامة‪ ،‬وهذا يتطلب توفير موارد ذاتية لتمويل ميزانية االتحاد بعيدا عن املنح واملساعدات الخارجية‪.‬‬ ‫وبحضور ‪ 150‬باحثا من مختلف الدول األفريقية تم مناقشة ‪ 138‬بحثا‪ ،‬توصل املشاركون بها إلى تفعيل الدبلوماسية الشعبية بني دول القارة‪ ،‬وانشاء‬ ‫قناة فضائية ناطقة باللغات األفريقية‪ ،‬فضال عن ترجمة أبحاث املؤتمر بعدة لغات‪ ،‬وتقديمها إلى رئاسة الجمهورية‪ ،‬ورئاسة الجامعة‪ ،‬تفعيال لدور‬ ‫كلية الدراسات األفريقية العليا‪ ،‬كبيت خبرة فى مجال الشأن األفريقى‪.‬‬

‫مسافر على فني‬

‫فى مؤمتر دولى بجامعة القاهرة‬

‫أفريقيا التى نريدها ثقافي ًا وسياسي ًا عام ‪2063‬‬ ‫منى نور‬

‫بــدأت جلسات املؤتمر ‪20‬جلسة فــى أيامها‬ ‫الثالثة‪ ،‬بجلسة افتتاحية بقاعة الشيخ القاسمى‬ ‫باملكتبة املركزية‪ ،‬بكلمة للدكتور محمد نوفل‪،‬‬ ‫عميد الكلية ورئيس املؤتمر أكد فيها أن أهمية‬ ‫تبنى ‪ ،2063‬فى ضوء جملة من العوامل الرئيسية‪،‬‬ ‫من بينها تغير السياق الدولى من خالل العوملة‬ ‫والثورة التكنولوجية‪ ،‬والتى أتاحت معها ملختلف‬ ‫دول وأقاليم القارة األفريقية فرصا غير مسبوقة‬ ‫لتحقيق تقدم ملموس على كافة املستويات‪ ،‬ولعل‬ ‫من بينها مــبــادرة الشراكة الجديدة من أجل‬ ‫تنمية أفريقيا «نيباد» الصادرة فى عام ‪،2001‬‬ ‫وتستهدف أجندة «‪ »2063‬تحقيق سبعة طموحات‪:‬‬ ‫تحقيق الرخاء فى أفريقيا‪ ،‬التكامل االفريقى‪،‬‬ ‫الحكم الجيد الرشيد‪ ،:‬الديمقراطية واحترام‬ ‫حقوق اإلنسان والعدالة وحكم القانون‪ ،‬وتحقيق‬ ‫السلم واألمن فى أفريقيا‪ ،‬وخلق هوية ثقافية قوية‪،‬‬ ‫وميراث مشترك‪ ،‬وقيم وأخالقيات ألفريقيا‪ ،‬وخلق‬ ‫تنمية فى افريقيا مستدامة على الشعوب االفريقية‬ ‫والسيما املرأة والشباب‪.‬‬ ‫ثمة أوراق علمية عديدة‪ ،‬متنوعة فى تناول‬ ‫القضايا املرتبطة بالقارة األفريقية من بينها‪:‬‬ ‫قضية الهوية األفريقية فى إطار أجندة االتحاد‬ ‫االفريقى ‪ ،2063‬وتأثيراتها املحتملة على العالقات‬ ‫العربية‪ ،‬وفيها أوضح د‪ .‬أشرف عبيد‪ ،‬أن الهوية‬ ‫األفريقية ترتبط فى أفكار ورؤى املفكرين األفارقة‬ ‫بكثير من القضايا الفكرية ذات التطبيقات العملية‬ ‫السياسية التى تزخر بها البيئة فى أفريقيا‪ ،‬ومن‬ ‫أولى هذه القضايا‪ :‬هل شمال أفريقيا‪.‬‬ ‫وعن اللغة والتنمية فى الفكر السياسى للشيخ‬ ‫أنتاديوب‪ ،‬أشارت د‪ .‬ايمان عبدالعظيم‪ ،‬إلى أن‬ ‫قضية اللغة إحــدى القضايا الهامة التى شغلت‬ ‫اهتمام املثقفني األفارقة‪ ،‬مع أنها لم تكن وحدها‬ ‫القضية محل االهتمام فى أفريقيا‪ ،‬فكثيرا ما‬ ‫ثــار الجدل بني املثقفني األفــارقــة‪ ،‬السيما فى‬ ‫املستعمرات الفرنسية حول مدى امكانية استخدام‬ ‫اللغات األفريقية‪ ،‬بديال عن اللغات األجنبية‪ ،‬وكان‬ ‫من بينهم املفكر السنغالى «الشيخ أنتا ديوب»‬ ‫الذى أطلق عليه فرعون املعرفة‪ ،‬إلملامه بالعديد‬ ‫من التخصصات املختلفة‪ ،‬ومن هنا تسعى ورقتى‬ ‫إلى تفسير العالقة بني اللغة وقضايا التنمية فى‬ ‫الفكر السياسى للشيخ «أنتا ديوب»‪ ،‬وقد توصلت‬ ‫إلى ضرورة استخدام اللغات األفريقية لتحقيق‬ ‫التنمية األفريقية‪ ،‬كما أنه ال يمكن دراسة اللغات‬ ‫األفريقية دون تحديد ملسألة أصــل الحضارة‬ ‫املصرية القديمة‪ ،‬بمعنى أن تظل الــدراســات‬ ‫اإلنسانية األفريقية فى الحضارة املصرية القديمة‬ ‫هى األساس فى مسألة تطور اللغات األفريقية‪.‬‬ ‫وكانت ورقة متميزة عن الهوية األفريقية فى‬ ‫أجندة االتحاد األفريقى ‪2063‬م‪ ،‬قدمها د‪ .‬باسم‬ ‫رزق‪ ،‬أبــان فيها أن الهوية تعبر عن حالة من‬ ‫التماسك والوحدة التى تنتج عن املالمح والسمات‬ ‫والقواسم املشتركة التى تميز وتمايز جماعة أو‬ ‫شعبا عن غيره‪ ،‬وتناول د‪ .‬باسم مفهوم الهوية‬ ‫األفريقية وأسسها الفكرية‪ ،‬الهوية األفريقية فى‬ ‫االطروحات القارية السابقة‪ ،‬الهوية األفريقية‬ ‫واالتحاد األفريقي‪ ،‬الهوية األفريقية فى أجندة‬ ‫االتحاد األفريقى ‪2063‬م‪.‬‬ ‫واختص د‪ .‬جالل حسن «جامعة دمياط» املؤتمر‬

‫د‪ .‬عثمان الخشت رئيس جامعة القاهرة يفتتح املؤتمر بحضور مندوبى األزهر والكنسية‬

‫تضمنت األبحاث قضايا فى مختلف املناحى التى تهم‬ ‫شعوب القارة فى مجاالت السياسة واالقتصاد‪ ،‬والنواحى‬ ‫االجتماعية والبيئية‪.‬‬ ‫بورقة علمية عن ظاهرة اإلرهــاب وآثارها على‬ ‫التنمية املستدامة فى أفريقيا‪ ،‬مشيرا إلى أنه يأتى‬ ‫فى مقدمة القضايا الطارئة التى تتطلب اهتماما‬ ‫عاجال وفوريا من االتحاد األفريقى والجهات‬ ‫الفاعلة األخــرى فى الــقــارة‪ ،‬مكافحة اإلرهــاب‬ ‫والتطرف العنيف ‪ ،‬وبيان أهم اآلليات املتوقعة‬ ‫لتفعيل أجندة ‪2063‬م‪ ،‬فى إطار مكافحة اإلرهاب‬ ‫والتطرف‪ ،‬وعن اإلرهــاب وأثــره على التنمية فى‬ ‫أفريقيا‪ ،،‬ورقة علمية استعرض فيها د‪ .‬خوجلى‬ ‫أحمد الصديق «جامعة أم درمــان»‪ ،‬محاور عدة‬ ‫ّبي فيها أن أفريقيا رغم مواردها الوافرة ابتليت‬ ‫باالستعمار األوروبــى الذى استنزف هذه املوارد‬ ‫وسخرها ملصلحته‪ ،‬وعندما غادر ترك فيها عددا‬ ‫من الحروب األهلية‪ ،‬والصراعات اإلثنية‪ ،‬مما‬ ‫ساهم فى تأخر مسيرتها التنموية وتقدم إنسانها‪،‬‬ ‫وفى عصرنا هذا تعرضت أفريقيا مثل غيرها من‬ ‫القارات لظاهرة اإلرهاب الذى ساهم كذلك فى‬ ‫تعطيل مشروعاتها التنموية‪ ،‬وتسبب فى ضعف‬ ‫إنسانها فى كافة مجاالت التقدم البشرى والتطور‬ ‫اإلنسانى‪.‬‬ ‫وقد قدم د‪ .‬زكى البحيرى «جامعة املنصورة‪،‬‬ ‫دراسة فى معوقات التنمية‪ ،‬والتكامل فى أفريقيا‪،‬‬ ‫أكد فيها من أن أهم املعوقات التى تعوق عملية‬ ‫التنمية فى أفريقيا‪ ،‬الصراعات التى تحدث‬ ‫للسيطرة على الحكم والسلطة بطريقة غير‬ ‫ديمقراطية فى بعض البلدان‪ ،‬ودول القارة‪،‬‬ ‫فضال عن الصراعات والنزاعات القبلية‪ ،‬وتواجد‬ ‫العمليات اإلرهابية التى تؤدى إلى عدم االستقرار‬ ‫للمجتمعات بالشكل الــذى يمكنها من تخطيط‬ ‫وتنفيذ عمليات تنمية ترفع من مستوى السكان‪،‬‬ ‫وتحقق تقدمها‪ ،‬خاصة فى بعض مناطق غرب‬ ‫أفريقيا‪ ،‬مثل مالى ونيجيريا‪ ،‬وفى بعض مناطق‬ ‫شمال القارة مثل ليبيا‪.‬‬ ‫ومن ضمن معوقات التنمية والتكامل ـ أيضا ـ‬ ‫افتقاد القارة للبنية التحتية من طرق ومواصالت‬ ‫برية ونهرية وجوية‪ ،‬ونقص الكهرباء‪ ،‬والطاقة‬ ‫املتاحة التى تلزم عمليات الزراعة والصناعة‪،‬‬ ‫والــخــدمــات املــتــعــددة‪ ،‬ويــدخــل فــى إط ــار ذلك‬ ‫ايضا‪ ،‬ضعف مستوى الصحة والتعليم وعدم‬ ‫مواكبة التطور الحديث فى العالم املتقدم من‬

‫نقلة تكنولوجية‪ ،‬وثورة واسعة فى مجال االتصال‬ ‫واملعلومات‪ ،‬كما يأتى من املعوقات أيضا تدخل‬ ‫القوى الخارجية التى تسعى الستغالل ونهب ثروات‬ ‫القارة دون تحقيق أية مشروعات تنموية‪ ،‬وتحرر‬ ‫املرأة وتطلق طاقات الشباب كقوة عاملةكبيرة‪.‬‬ ‫وتفردت ورقة د‪ .‬سمير عزت إبراهيم بتقديم‬ ‫الخريطة اللغوية فى أفريقيا‪ ،‬أشار فيها إلى كثرة‬ ‫اللغات فى أفريقيا‪ ،‬إذ يقدر علماء اللغة عددها بما‬ ‫يربى على ألفني وخمسمائة لغة‪ ،‬تقريبا‪ ،‬يتحدث‬ ‫بها أكثر من مليار انسان‪ ،‬ويرجع هذا التعدد‪،‬‬ ‫وهذه الكثرة إلى طبيعة األنظمة القبلية السائدة‪،‬‬ ‫فى القارة‪ ،‬ذلك أن عددا كبيرا من القبائل تعتمد‬ ‫فى حياتها اليومية على الجمع وااللتقاط والرعى‪،‬‬ ‫والتنقل من مكان آلخر‪ ،‬وفى أحيان كثيرة تهاجر‬ ‫بسبب الجفاف إلى مناطق تتوافر بها املياه والعشب‬ ‫لرعى ماشيتها‪ ،‬ومن ثم تنقسم إلى بطون وعشائر‪،‬‬ ‫وتنقسم لغاتها إلى لهجات بسبب االندماج مع‬ ‫جماعات رعوية أخــرى‪ ،‬تتحول إلى لغات بمرور‬ ‫الزمن‪ ،‬ويصبح لكل بطن أو عشيرة لغة خاصة بها‪،‬‬ ‫بل إن بعض القبائل كما فى غانا مثال‪ ،‬لها أكثر من‬ ‫لغة‪ ،‬فى حني أن عدد سكان دول مثل «غينيا بساو‪،‬‬ ‫ناميبيا‪ ،‬بتسوانا» ال يتجاوز عدد سكان كل دولة‬ ‫الثالثة ماليني نسمة‪.‬‬ ‫مؤكدا أن الخريطة اللغوية األفريقية تعد من‬ ‫أعقد الخرائط اللغوية فى العالم ملا تزخر به من‬ ‫كم هائل من اللغات‪ ،‬ليس فقط من حيث العدد‪ ،‬بل‬ ‫ايضا من حيث التنوع والتباين وتداخل بعضها فى‬ ‫بعض‪ ،‬ويمثل هذا التنوع والتباين دولة مثل نيجيريا‬ ‫«‪ 500‬لغة»‪ ،‬السودان قبل االنفصال «‪ 140‬لغة»‪،‬‬ ‫أثيوبيا «‪ 90‬لغة»‪ ،‬وتقدر عدد األسرات اللغوية فى‬ ‫العالم بحوالى ‪ 12‬أسرة منها خمس فى أفريقيا‬ ‫وحدها‪.‬‬ ‫وفــى هــذا اإلطــار قــدم كل من د‪ .‬سيد رشــاد‪،‬‬ ‫ود‪ .‬محمد نــوفــل‪ ،‬دراســـة حــول اعـــادة ترسيم‬ ‫الخريطة اللغوية ألفريقيا‪ ،‬أشار فيها إلى وجود‬ ‫أكثر من ‪ 2600‬لغة‪ ،‬موزعة على خمس فصائل‬ ‫لغوية كبرى فصيلة اللغات األفروآسيوية‪ ،‬اللغات‬ ‫النيجركونجية‪ ،‬اللغات النيلية الصحراوية‪ ،‬لغات‬ ‫الخوايسان‪ ،‬وفصيلة اللغات االسترونيزية‪.‬‬ ‫وأكدا أن األوضــاع اللغوية فى أفريقيا شهدت‬

‫تغيرات وتحوالت كثيرة السيما فى العقود األخيرة‬ ‫نتيجة للعديد مــن األســبــاب منها‪ :‬النزاعات‬ ‫والــحــروب‪ ،‬األزمــات السياسية‪ ،‬واالقتصادية‪،‬‬ ‫الــتــحــوالت االجتماعية والثقافية‪ ،‬الهجرات‬ ‫الطوعية والقسرية‪،‬التغيرات املناخية‪ ،‬العوملة‬ ‫وهيمنة اللغات األجنبية الوافدة‪ ،‬انحسار واندثار‬ ‫العديد من اللغات املحلية فى أفريقيا‪ ،‬كل ذلك‬ ‫أسهم فى تشويه الخريطة اللغوية ألفريقيا وطمس‬ ‫معاملها‪.‬‬ ‫وعن املــوروث الثقافى املشترك للمجتمعات‬ ‫الــحــدوديــة‪ ،‬ق ــدم د‪ .‬محمد عفيفى دراس ــة‬ ‫أنثروبولوجية لواحتى سيوة‪ ،‬والجغبوب‪ ،‬أوضح‬ ‫فيها أن املجتمعات الصحراوية الحدودية تمتلك‬ ‫كنوزا هائلة من املوروثات الثقافية التى تجعلهم‬ ‫ميدانا خصبا للدراسات االنثروبولوجية‪ ،‬خاصة‬ ‫منطقة الــصــحــراء الغربية حيث تقع واحتا‬ ‫سيوه والجغبوب فى محيطها‪ ،‬فتوجد عالقات‬ ‫تاريخية وثقافية فرضتها الظروف اإليكولوجية‬ ‫والسياسية التى شكلت الهوية الثقافية لسكان‬ ‫املنطقة‪ ،‬لذلك نجد الكثير من التراث الثقافى‬ ‫املشترك بني الواحتني‪ ،‬والــذى نتج عنه تقارب‬ ‫وتواصل دائم فى العالقات القرابية والثقافية‬ ‫واللغوية بينهما‪.‬‬ ‫وتــنــاول د‪ .‬نصر الدين جــار النبى سليمان‬ ‫«جامعة كردفان» العالقات بني مصر اإلسالمية‬ ‫وبالد النوبة املسيحية‪ ،‬وأثرها فى انتشار الثقافة‬ ‫اإلسالمية فى ســودان وادى النيل‪ ،‬فقال إن‬ ‫أبرزها الحملة الكبرى التى قام بها عبدالله بن‬ ‫سعد بن أبى السرح‪ ،‬والتى أسفرت عن معاهدة‬ ‫البقط‪ ،‬والتى سمحت للمسلمني بالدخول إلى‬ ‫بالد النوبة املسيحية‪ ،‬األمر الذى أدى إلى انتشار‬ ‫اإلسالم وثقافته فى سودان وادى النيل‪ .‬أما بالد‬ ‫النوبة فهى تلك الرقعة التى تمتد من أسوان‬ ‫شماال حتى ملتقى النيل األزرق واألبيض جنوبا‪،‬‬ ‫هذه املنطقة قامت فيها ثالث ممالك مسيحية‪،‬‬ ‫وهى نوباتيا فى أقصى الشمال‪ ،‬وجنوبها املقره‬ ‫وعلوه‪ ،‬وجميعها ارتبطت بعالقات مع مصر‪،‬‬ ‫فالعالقات بني مصر وبــاد النوبة بــدأت منذ‬ ‫الفتح اإلسالمى‪ ،‬وامتدت إلى عهد العباسيني‪،‬‬ ‫ومن ثم عهد الدويالت اإلسالمية التى قامت‬ ‫فى مصر‪ ،‬ابتداء من الدولة الطولونية «أحمد‬ ‫بن طولون»‪ ،‬الذى بدأ بإعداد حملة حربية اتجه‬ ‫بها صوب بالد النوبة وأرض البجة‪ ،‬هذه الحملة‬ ‫احتوت عددا كبيرا من القبائل العربية أبرزها‬ ‫قبائل ربيعة وجهينة‪ ،‬والتى استقرت فى تلك‬ ‫األجزاء‪ ،‬كذلك امتدت العالقة بني الدولتني فى‬ ‫العهد االخشيدى‪ ،‬ففى هذا العهد وسابقه تمت‬ ‫االستعانة بالنوبة فى الجيش االخشيدى‪ ،‬أما‬ ‫القبائل العربية فقد فتح لها باب الهجرة إلى‬ ‫بالد النوبة والبجة‪ ،‬األمر الذى أدى نشر الثقافة‬ ‫اإلسالمية‪ ،‬وكان االزدهــار الحقيقى بني مصر‬ ‫والنوبة فى العهد الفاطمى وزادت سوءًا فى عهد‬ ‫املماليك «السلطان بيبرس»‪ ،‬الذى هاجم امللك‬ ‫النوبى داوود وأجبره على دفع البقط‪.‬‬ ‫وتضمنت األبحاث أيضاـ والتى قاربت على‬ ‫مائتى بحث ـ قضايا فى مختلف املناحى التى تهم‬ ‫شعوب القارة فى مجاالت السياسة واالقتصاد‪،‬‬ ‫والنواحى االجتماعية والبيئية‪.‬‬

‫طلعت محمد‬

‫قصائد‬

‫جلستنا ملت‬

‫ماجد أبادير‬

‫ولسة‬

‫إلى الشاعر اجلميل ‪ /‬حلمى سالم‬

‫ولسة الحلم بيعافر ‪ ..‬ف بطن الليل ‪..‬‬ ‫وبينقر على الدماغات ‪...‬‬ ‫لحد الصبح ويسافر ‪ ..‬مع املتاهات ‪..‬‬ ‫وملا أسأل عليه فينو ؟‬ ‫يقولوا مات ‪..‬‬ ‫واشوفه ساعات بيتنقل ‪..‬‬ ‫وياخد م الصور ‪100‬‬ ‫مالغية ف عيون حبيبني على الكورنيش ‪..‬‬ ‫ال ف ايدهم يعرفوا مصيرهم ‪...‬‬ ‫وال قادرين يسيبوا بعض ‪..‬‬ ‫وبستانى النهاردة ماعدش يتصاحب‬ ‫عليه الورد ‪.‬‬ ‫وال العصافير على كفوفه ‪ ...‬بتعزف أحلى‬ ‫أغنية ‪..‬‬ ‫ف عز البرد ‪..‬‬ ‫وتجرى لجل ما تصبح على الناس ف‬ ‫البيوت ‪..‬‬ ‫دغرى‪.. ..‬‬ ‫تصحى البسمة ف عيون الفواعلية‪ ..‬ف‬ ‫عز الحر‬ ‫وتغزل وسطهم خضرة و‪ ..‬ترسم نهر ‪..‬‬ ‫وحيلى مش كما امبارح ‪...‬‬ ‫وخلقى عاد كالم جارح ‪...‬‬ ‫ما عدشى يحتمل ممكن ‪ ..‬وال يمكن ‪ ..‬وال‬ ‫جايز ‪..‬‬ ‫ومش هـ الحق اصحى حد ‪..‬‬ ‫ومش‬ ‫هالحق‬ ‫اصحى‬ ‫حد‬

‫محكوم‬ ‫محكوم بمسافة ووقت ‪..‬‬ ‫و‪ 1100‬من األمثال ‪..‬‬ ‫وباعوم على عوم الدنيا ساعات ‪..‬‬ ‫وساعات أتهبد أتشال ‪..‬‬ ‫ومــحــال‪ ...‬راح أغير بالكام كلمة كالم‬ ‫متشال‬

‫‪ ...‬وف عقل عــيــال محفور على باب‬ ‫دماغاتها ‪...‬‬ ‫شيطان ومالك ‪..‬‬ ‫ف انقسم اتنني‬ ‫واتنني ‪ ..‬واتنني‪...‬‬ ‫وب احسبنى باصغر واصغر‪..‬‬ ‫واصغر‪..‬‬ ‫وأنا خايف بكرة الصبح ‪..‬‬ ‫وأنا طالع شغلى وكل الناس نايمني ‪..‬‬ ‫ابص ‪ ..‬ف مرايتى ‪..‬‬ ‫علشان ما أســاوى الباقى ‪ ..‬من شعرى‬ ‫الواقع ‪...‬‬ ‫مأشوفنيش ‪!! ...........‬‬

‫الدنيا‬ ‫الدنيا البالعة ما فيها ‪ ..‬بتتمطع ‪..‬‬ ‫وتشاور ده ‪..‬‬ ‫فيبطل كل عمايله ‪..‬‬ ‫وال تانى تعاند فيه‪..‬‬ ‫وال ترجع لجل تحايله ‪..‬‬ ‫ترجع تتمطع وتشاور ده ‪..‬‬ ‫وأنا دورى مجاش ‪.‬‬ ‫استنى وال مستناش ‪..‬‬ ‫والدنيا اللى مرحماش ‪..‬‬ ‫وال عمرها يوم هتبطل ‪..‬‬ ‫وبتضرب ومشيفاش ‪..‬‬ ‫غير ملا تخلص كل ما فيها مشاورة ‪..‬‬ ‫وبشاورة بتمسح ده ورا ده ‪..‬‬ ‫وال حب يعيش‪..‬‬ ‫وال حلم يعيش ‪..‬‬ ‫يحيا التنتيش‪ ...‬طول ما الدنيا البالعة ما‬ ‫فيها بتتمطع ‪..‬‬ ‫وماتخترنيش‪..!!.........‬‬

‫والبحر فيك غويط‬ ‫ال سكونى فيك شهيد‬ ‫هل ياترى القريب زى البعيد؟‬ ‫تمر األيام وتهل‬ ‫والصبح على الشجر بيرمى السالم‬ ‫أنت حر زيى وال أنا السجني‬ ‫ياحمام الصبح كسر جمودك‬ ‫لوال الحياة فيك تعصر خلودك‬ ‫لو الشجن فيك‬ ‫تحكى للقمر عن شطوطك‬ ‫خالد ياقمر خالد‬ ‫وإحنا اللى بهتنا لونك‬ ‫نسيك سامحنى‬ ‫يمكن أبص فيك لم يجى دورك‪.‬‬

‫ياريت تكونى حاسة بى‬ ‫مسكون بالهم وساكنى‬ ‫وعارف عيونك حتجننى‬ ‫ال زايغ الضى‬ ‫ال رايق صبابة‬ ‫آة يا معشوقة‬ ‫وينك أنت‬ ‫فاض الكيل ومل‬ ‫ليه راجعة تانى‬ ‫تقوليلى اكتب عن املل‬ ‫صابر وفاضحة عيونى الدموع‬ ‫خايف طريقك من الرجوع‬ ‫كنت ماشى دايق سكر‬ ‫وأقول ياحبيبتى‬ ‫بكرة أكبر‬ ‫فتحت عيونى‬ ‫صرت مش لونى‬ ‫ليه بختى معاك عدم‬ ‫وال الزمان حكم‬

‫يا ضيعة من لونى‬ ‫ياشقية‬ ‫فني عيونك يابهية‬ ‫كل ما امد الخطوة‬ ‫بلقى نفسى بصغر‬ ‫داريت عن اللومك‬ ‫ورجعت ذى اليوم‬ ‫لسة تانى بسأل‬ ‫لسة تانى بسأل‬ ‫املطرح هو‬ ‫واأللم جوه‬ ‫أكيد ياحبيبتى باكبر‬ ‫لفينى ايدك‬ ‫متى تيجى مواعيدك‬ ‫خايف الدم منى يهرب‬ ‫خايف الدم منى يهرب‬ ‫دارى عنك اللوم‬ ‫متسأليش عن الغش‬ ‫إن كنت معاك أقرب‪.‬‬ ‫خايف من لقاك‬

‫حفنة رماد‬ ‫كان فيها الشوق‬ ‫والشوق مات‬ ‫عني كساها السكات‬ ‫شايف يارب عبدك‬ ‫وأنت يارب اللى هاد‬ ‫اسقينى طعم الحرية‬ ‫من خالخيل العرق والسهاد‬ ‫لو قلبى يموت‬ ‫تحيى قلب‬ ‫يلف البالد‬ ‫املدى ليك براح‬ ‫والكون فى عيونى مفتاح‬ ‫والعشق أرواح‬ ‫أيه حناخد‬ ‫غير حى على الفالح‬ ‫يارب شايف‬ ‫افتحى مفتاح‪.‬‬


‫‪٢٦‬‬

‫‪ ٥‬مايو ‪ ٢٠١٩‬العدد ‪١٣٤٥‬‬

‫إبداع‬

‫رسائل لم‬ ‫ولن تصل‬ ‫أمل جمال السيد‬

‫عزيزى البعيد القريب‪..‬‬ ‫ً‬ ‫َ‬ ‫تعصف بى ذكــراك هذه األيــام كثيرا‪ ،‬ال‬ ‫َ‬ ‫أدرى أطيفك يطوف حولى أم أنك قريب‬ ‫للحد الذى يشعرنى أنك هنا جوارى‪.‬‬ ‫ُ‬ ‫أتتذكرنى كما أفعل أم ترانى أنا امللتاعة‬ ‫الوحيدة بغيابك!‬ ‫ٍ‬ ‫ّ‬ ‫منذ متى وأنت قاس فى الغياب هكذا!‬ ‫ً‬ ‫ُ‬ ‫لم تــرن إلى خاطرى يوما فكرة رحيلك‬ ‫ً‬ ‫املفاجئ‪ ،‬حتى أننى أمضيت شهورا بعدها‬ ‫أحاول تدارك ما حدث‪.‬‬ ‫فى أمسية قررت أن تذهب وليكن ما يكون‪.‬‬ ‫َ‬ ‫منذ متى وأنت تفكر فى نفسك فقط!‬ ‫َ َ‬ ‫ً‬ ‫ُ‬ ‫أتذكر كم مرة ابتعدت أنا واقتربت أنت!‬ ‫ّ َ‬ ‫ُ‬ ‫كم مرة حاولت الهروب فتمسكت بذكرى‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫جميلة بيننا لتؤثر على فأهدأ!‬ ‫ّ‬ ‫كم مرة وعدتنى بالبقاء وإن رحلت أنا!‬ ‫ِ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫مرت األيام بحلوها ومرها‪ ..‬بطولها ومللها‪..‬‬ ‫بنجاحاتنا وخيباتنا‪ ..‬بأسرارنا وأخبارنا‪..‬‬ ‫ّ‬ ‫بصداقاتنا وأعدائنا‪ ..‬مرت كلها بأحالمى‬ ‫َ‬ ‫بك وأمنياتى للقائك‪.‬‬ ‫لم ال ترجع األيــام إلى الــوراء كما تتقدم‬ ‫إلى األمام؟ لم ال يحدث هذا ليوم واحد أو‬ ‫لساعة واحدة فتحدثنى أخبارك وأحكى‬ ‫لك أفكارى‪.‬‬ ‫مازلت أذكــر آخر احتفال بميالدى منذ‬ ‫ّ‬ ‫أربع سنوات‪ .‬مرت السنون واأليام إال أن‬ ‫ّ‬ ‫عمرى توقف عند هذه السن التى شاركتنى‬ ‫اإلحتفال بها‪.‬‬ ‫أترانى كبرت ونضجت فى غيابك!‬ ‫أتقرأ كلماتى فتشعر بأثرك املتروك فيها!‬ ‫ٍ‬ ‫أستتلقى أول كتاب منى بــاإلهــداء كما‬ ‫تواعدنا!‬ ‫أمعجزات العالم توقفت معارضة لقاءنا!‬ ‫َ‬ ‫بمجرد أن أكتب لــك يهدأ عقلى وتثور‬ ‫ذكرياتى‪..‬‬ ‫ً‬ ‫أيكون اللقاء قريبا أم أن أملى فى رؤياك‬ ‫بات من املستحيالت!‬ ‫ُ‬ ‫ّ‬ ‫لعل دنياك هادئة مستكينة‪ ،‬وياليت ذكراى‬ ‫ال تترك أحالمك وأمسياتك فتتعجل اللقاء‪.‬‬ ‫إلى لقاء قريب فى رسالة أو حلم أو حتى فى‬ ‫ُِ‬ ‫ّ‬ ‫الخيال إلى أن يحن القدر للقيانا‪.‬‬

‫‪١١‬‬

‫‪ 5‬مايو ‪٢٠١٩‬‬

‫العدد ‪١٣٤٥‬‬

‫ير‬ ‫ال ِخ ِ‬ ‫اح َما َق ْب َل ْ َ‬ ‫ص َح ُ‬ ‫ال ْ‬ ‫ِْ‬ ‫الض ْو ِء‬ ‫ور َّ‬ ‫ِم ْن َم ْز ُم ِ‬ ‫بشير ميلودى‬ ‫َ َ ْ َِ‬ ‫َيا َأش َع ُيا ُ ْ َ ُّ‬ ‫ب َ​َ ْ‬ ‫ول َال َر َ‬ ‫اذا َ ي ُق ْ‬ ‫َم ْ َ‬ ‫است ْحال ‪ /‬فهل‬ ‫ن‬ ‫ط‬ ‫و‬ ‫َو ُال ُ َّ َ‬ ‫َت ْق ٌوم الساعه !؟‬ ‫ض ْ ُ ْ ِ َ ْ َِ ُ‬ ‫ِأ َر ْ َ‬ ‫بأ َّق َص َى َ ُال ُّ َحز َ ْن ًتح َت َكر‬ ‫الرج َاءْ فكلنا يوما يرى‬ ‫َْ َ‬ ‫َأ ْو ِج ِاع َه ْ َ ِ ْ َ َ ِ ُ َ ِ ِ َ‬ ‫اب ْطني‬ ‫َنأ ُت ْى ُل ٍص َ ْح ِر ْاء َ َال ْغي ِاب ُم َر َ‬ ‫َك ْج َر ْه َم ٌأو مثل بعض خزاعه‬ ‫ُه ِل َ ز ْم َز ِم‬ ‫ي؟‬ ‫َخل َّق ْت ُمع ُ ْ ِ ُ ِ ْ َ َ َ‬ ‫الش ِم َّسُ ت َله َم ْنى الخيال‬ ‫ِو َ ْ َ‬ ‫َل َس ْتمد شعاعه‬ ‫ِك َان ُت َ َ َّ ً َ ِ َ ْ َ َ ْ َ ْ ُ ْ َ‬ ‫ن ْتركت الحلم‬ ‫الدُك ً َج َنة َ ‪َ /‬فل َم َ‬ ‫َب َ‬ ‫َي ٌّا رجال أباح ضياعه‬ ‫أ َم َ ْ َ ِ ْ َ َ َّ ْ َ‬ ‫النجوى‬ ‫ص ِفا ْ ِ َ‬ ‫ِ َس ْت َ ِس َعى ْ َم َن َ ِ‬ ‫لتنتزع الحياة لطفلها‬

‫َِ​َ َ ْ‬ ‫َببْر َ ْاع ُه ُ ْ ِ ْ ُ ّ ِ‬ ‫َق َّد ْي َكب ِر ِال َط ِفل َ َالذ ْ ُي ْ َ‬ ‫يه ْشعيرة الرؤيا‬ ‫ِ ُخل ِّف َت َف َ‬ ‫َب َك ُل ش ِّج َاع ِه‬ ‫ِق َ ْدر َالر ُج ُال َّ ً َ َ َ‬ ‫كونوا ْأ ُم ُة و َسطا‬ ‫َب َأ ْن َي َ ُ‬ ‫ِو َأن َي ْهبوا الوجود‬ ‫َقن َاع ِه َ‬ ‫ن‬ ‫ي ْا َ ْس ِاد ْ َ ِ ِ ِ َ ْ َ َ ْ َ‬ ‫يم ْلا َ التجأت‬ ‫ِ َالبيت َّ َالق ِد َ ُ‬ ‫إ َلى َّالر َّماد َ وْخنت‬ ‫اع ُه ِ ِ ْ‬ ‫ك ِالط َ ْ‬ ‫ص َ‬ ‫َُْ‬ ‫َي َّتلون َّ فُى َم ِز َم َور َهم ‪:‬‬ ‫ول إ َذا َأ ْتـــــــــى‬ ‫الرس َ َ‬ ‫أ َن ُ ْ َ ُ‬ ‫ه‬ ‫اع‬ ‫م‬ ‫س‬ ‫ون‬ ‫م‬ ‫ُال ْيل ُه ْ ِ ُ َ ُ َ ْ َ ُ ْ‬ ‫هم ينكرون عزيرهم‬

‫َ ِ َ َّ َ ْ ً ِ ْ َ َ ِ َ َ َّ ُ‬ ‫َو ْبأ َن َع ْهدا فى العشاء توهموا‬ ‫اعه ْ ِ‬ ‫ِأن ب ْ ُ‬ ‫ء‬ ‫ز‬ ‫ج‬ ‫َفى َ ْال َ ْ َ ِ ِ ِ َ ْ ِ َ َ ِ‬ ‫ير ْم َن َّال َح ْكاية‬ ‫ِما َ قب َل َّ َال َخ َ ُ‬ ‫ه‬ ‫اع‬ ‫ز‬ ‫ف‬ ‫م‬ ‫ك‬ ‫يل َّ‪َ :‬أ ْن أ ُم ًام َ َ ْ ِ َ ْ َ ُ‬ ‫َق ِ َ‬ ‫وبا َ س ْي َرَو ُى ِز َر َع ْه‬ ‫د‬ ‫ج‬ ‫م‬ ‫ن‬ ‫أ‬ ‫ِو ْب َ ْ ِ َ َ َ‬ ‫َم َن ْب ِع َد ما أكل الفناء ذراعه‬ ‫َيا ْأ َش ْع َي ٌا َ ْ َ ُ ُ ُّ َ َ ُ َ ًّ‬ ‫َ ْهل ُ َبر ُز ِخ َير َت ْاده الشعراء حقا ؟‬ ‫أ ْم َتراه إشاعه !‬ ‫َ ْال َ ُن َ َ ْ َ ْ َ َ َ ْ َ َ ُ ْ ِ َ‬ ‫َأقُّرأ ِآي َة ْ ِال َوت َى فأفهمهم إذا‬ ‫مروا بغير شفاع‬

‫عرائس النواوى الورقية‬ ‫فى «ميتولوجيا»‬

‫جدا‬ ‫صباح هادئ ً‬

‫منى عبد الكريم‬

‫صباح هادى‬

‫َ َ ٌ‬ ‫َص ِب ٌاح ِ ًّ‬ ‫َه َاد ِئ َ ٌجدا‬ ‫َو َعاشق ُّة َ ِ‬ ‫َعل ِى َ ٌالشباك‬ ‫َو َاق ِف ُة‬ ‫س‬ ‫ُوفِّ َار ْ َ ْ َ ْ‬ ‫ُ َحب ِها الوحد‬ ‫َي ْن َ َاجى ُ ْ َ ْ‬ ‫َق َل ْبه ُا ُاملتعب‬ ‫َو ْي َر َسم َّ ْ ِ‬ ‫الض ْو ِء‬ ‫ِل َوح ِة ْ ُ‬ ‫ات ْ َال ْحزن‬ ‫َل ْذ َ‬ ‫َك َى َت ْس َعد‬ ‫اسم ْنا َ َّ ِ ْ ُ ْ ِ ْ‬ ‫َت ِق َ‬ ‫رحيق الجنة العجز‬

‫َ َ َّ ْ َ ُّ ُ َ‬ ‫الدمْوع‬ ‫ضأناْ َ ْ َ‬ ‫ِت ُو ِّ َ‬ ‫َل َحب ُن ْا ٌال ُ َعن َف‬ ‫َف َل َ ب ِعد َه ُن َاك‬ ‫ح ٌيل ُ َهن ِّا ُ َ‬ ‫َو َل َر َ‬ ‫خ ٌط ُل َي ِّه ُ َددنا‬ ‫َو َل ُ ْ‬ ‫َو ِل ْ َق ُب َح يبددنا‬ ‫وغنوتنا‬

‫ُ َ ِّ ُ َ ْ َ َ‬ ‫ت ْه ُد ْد ِرع ْ َش ِة ِ ِ َ‬ ‫َ َال ْحَ ُزن القديم بنا‬ ‫َوت َفت َح ْ َ ِ َ ْ ِ َ َ َ‬ ‫اب َت ُو َبت ُها ُ ال ًثير لنا‬ ‫َب َ ْ‬ ‫ِوتج َم َعنا ْن ُج َّوم ْا‬ ‫َف َ ْى َ ُسم َا َالع َش ّ ِاق َ‬ ‫وتفتح ‪ ‬باب جنتها‬

‫َِ ْ َ ْ َ ْ‬ ‫شت َاق ُ َ ِ ْ ِ َّ‬ ‫َل َ ْن َي َ‬ ‫ى َف ْؤ َادى َ ال ْغر‬ ‫ر‬ ‫ت‬ ‫فِ َ‬ ‫َفكي ِ ْ‬ ‫َي َا ْع َش ُق ُّى َو ْكَي ِف أراك ؟‬ ‫اس ْى َ ْ‬ ‫ِو َكي َف َ َأر ْد َأن ِف ْ َ‬ ‫إلى شفتيك كى ترعاك ؟‬

‫لم تكن تلك هى املرة األولــى التى تظهر فيها‬ ‫عرائس أسماء النواوى الورقية على مسطحها‬ ‫التشكيلى لتعيدنا إلى فترات الطفولة وحكايات‬ ‫الجدة‪ ،‬وتذكرنا برمزية تلك العروسة التى طاملا‬ ‫احتملت الوخز والــحــرق لــدرء الحسد واألعــن‬ ‫الحاقدة عنا‪ .‬إذ كانت هذه العروسة هى األيقونة‬ ‫التى اختارتها أسماء ملشروعها الفنى الذى تقدمت‬ ‫به لجائزة الدولة لإلبداع فى ‪ 2014‬والتى سافرت‬ ‫من خاللها لألكاديمية املصرية بروما‪.‬‬ ‫وقد اختارت الفنانة آنذاك رمزا ينتمى للتراث‬ ‫الشعبى بكل تداعياته‪ ،‬ذلك الطقس الذى عايشته‬ ‫بنفسها من خالل الخالة التى كانت تجمع بنات‬ ‫العائلة وتحرق العروسة الورقية درءا للحسد‪ ،‬إال‬ ‫أن النواوى قامت بمعالجة شكل العروسة واختارت‬ ‫شكال للعروسة مستوحى كذلك من شكل «فتاة‬ ‫عالمات املــرور» باعتباره رمزا دوليا‪ ،‬مع بعض‬ ‫التحويرات الفنية ‪..‬‬ ‫تقول الفنانة أسماء النواوى‪ :‬إن العروسه الورق‬ ‫فــى الــتــراث املــصــرى هــى عــروســة الحسد وهى‬ ‫تستخدم فى ممارسة شعبية ترتبط بما يعرف‬ ‫بـ«السحر األبيض» حيث يهدف الطقس السحرى‬ ‫هنا إلى إبعاد الضرر الحادث بفعل العني الحاسدة‪.‬‬ ‫وقد تقام املمارسة على عروسة ورقية تصنع على‬ ‫هيئة جميع الحاسدين‪ ،‬وتغرز فيها اإلبرة مرات‬

‫عديدة والراقية تقول‪« :‬من عني اللى شافوك وال‬ ‫فالنة ومن عني فالن‪»..‬‬ ‫صلوا على النبى‪ ..‬من عني ً‬ ‫مع ذكر األسماء األكثر احتماال فى الحسد‪ ،‬وتتغير‬ ‫معنى العروسة حسب من يحملها‪ ،‬وهنا فكرت‬ ‫أن أقدم فى أعمالى عالقة كل بطلة أو بطل بتلك‬ ‫العروسة وما تمثله له‪.‬‬ ‫فــى معرضها األخــيــر «مــيــتــولــوجــيــا» الــذى‬ ‫استضافه جاليرى املسار تعاود الفنانة استخدام‬ ‫العرائس الورقية بأكثر من صياغة فهى ليست‬ ‫عروسة واحدة بل عدة عرائس‪ ،‬أحيانا عقد من‬ ‫العرائس‪ ،‬أو وردة تضعها الفتاة فى شعرها‪ ،‬إذ‬ ‫تقول الفنانة كان هناك دائما تساؤل ما يؤرقنى عن‬ ‫سر استخدام عروسة واحدة فى العادة لنحملها‬ ‫بكل تلك األشياء‪ ،‬ومع مزيد من البحث اكتشفت‬ ‫أنها أيضا رمز الستمرار الحياة‪ ،‬وقوتها تكمن فى‬ ‫ريعان الصبا‪ ،‬وهى رمز لإلخصاب واإلنجاب‪ .‬وهنا‬ ‫تظهر العرائس كرمز للقيمة التى تشكل الحافز‬ ‫لإلستمرار‪ ،‬فمنا من يرى فى املعرفة ذلك الحافز‬ ‫وغيره من يرى فى رحلة بحثه عن السالم الداخلى‬ ‫وهكذا‪.‬‬ ‫تعترف أسماء أن األجـــواء التى تصور فيها‬ ‫عرائسها هذه املرة أكثر سالما‪ ،‬إذ كانت من قبل‬ ‫ذلك كانت كل الصراعات واملشاحانات الداخلية‪،‬‬ ‫أما اآلن فهى أجواء أكثر احتفاء وبراءة وطهرا‪ ،‬تلك‬ ‫األجــواء التى ترتبط بوصول املرء إلى بر األمان‬ ‫بمعرفته سر استمرار الحياة بالنسبة له‪.‬‬ ‫وال تكتفى أسماء برمز واحد فى لوحاتها‪ ،‬إذ‬ ‫يحتشد كل عمل بمجموعة متضافرة من الرموز‬ ‫التى يتعني على املتلقى معها أن يفكها تباعا‪ ،‬إذ‬ ‫تعتمد أسماء على مفهوم الرموز التراكمية بمعنى‬

‫أن اللوحة تتكون من مجموعة من الرموز وعلى‬ ‫املشاهد أن يعرف معنى كل رمز حتى يدرك معنى‬ ‫العمل الفنى‪.‬‬ ‫فحني وضعت النواوى عروستها الورقية مع زهرة‬ ‫الياسمني فهى تحيلنا لرواية «غربة للياسمني»‬ ‫لخولة حمدى إذ تشبه أسماء فى إيطاليا بطلة‬ ‫الرواية “ياسمني” فى فرنسا‪ ..‬إذ تقول ‪ :‬أرادونى مثل‬ ‫زهرة الياسمني تعيش فى كل األجواء‪ ،‬فالياسمني‬

‫أســمــاء ذاتــهــا حــاضــرة كبطلة‬ ‫رئيسية فى عدد من اللوحات‪،‬‬ ‫ويتحول مسطحها ملسرح من‬ ‫احلكايات محمل باملعانى ‪.‬‬

‫نبات ال يحتاج إلى الكثير من ّ العناية‪ .‬تكفيه دفعة‬ ‫واحدة من ّ‬ ‫السماد فى ربيع كل عام‪ ،‬وتربة رطبة‬ ‫دون فيض من السقيا جميع ّ أنواع الياسمني تفضل‬ ‫ّ‬ ‫الن ّ‬ ‫ّ‬ ‫تتحمل وجود شىء‬ ‫مو فى مكان مشمس‪ ،‬لكنها‬ ‫من الظل‪ .‬لم تصبنى الدهشة من تلك النصيحة‬ ‫التى تحاول فيها األم أن تربى ابنتها على الرضا‬ ‫بالقليل فنحن نساء الوطن العربى تربينا أن نزهر‬ ‫مهما كانت الظروف‪ ،‬تعلمنا أن نعطى حتى وإن لم‬ ‫نأخذ أى شئ فى املقابل‪ ...‬وهو أمر ضاغط جدا‪،‬‬ ‫ربما يعلمنا الكثير من األشياء وربما يساعدنا‬ ‫للوصول للسالم الداخلى ولكن عبر رحلة شاقة‪.‬‬ ‫ومما ال شك فيه أن أسماء النواوى معنية بقضايا‬ ‫املــرأة‪ ،‬وتلك الصعوبات التى تواجهها سواء فى‬ ‫الحياة فى هذا املجتمع وما ينتظره منها أو حني‬ ‫تخرج إلى املجتمعات الغربية وتواجه قضايا شائكة‬ ‫خاصة إذا كانت ترتدى الحجاب لتواجه صعوبات‬ ‫من نوع آخر مثل اإلسالموفوبيا‪ ،‬لذا نجد أسماء‬ ‫ذاتها حاضرة كبطلة رئيسية فى عدد من اللوحات‪،‬‬ ‫ويتحول مسطحها ملسرح من الحكايات محمل‬ ‫باملعانى وبقصص بطالته فى الغالب ‪ ،‬إذ قليال ما‬ ‫يظهر الرجل كبطل فى أعمالها‪.‬‬ ‫ومن األمور الالفتة فى تجربة أسماء أنها تنبهنا‬ ‫إلى عدم االنبهار بالظاهر فاملعانى الخفية قد تغير‬ ‫رؤيتنا تماما‪ ،‬فمثال تلك الزخارف النباتية الجميلة‬ ‫التى توظفها فــى بعض الــلــوحــات تحمل داللــة‬ ‫مغايرة‪ ،‬فهى مستوحاة من الحضارة الفارسية‪،‬‬ ‫وعلى الرغم من جمال هذه النبتة اال أنها نبات‬ ‫ضار‪ .‬وهى تمثل كل األشخاص واملواقف التى يكون‬ ‫ظاهرها جميال ولكن باطنها يحمل الكثير من‬ ‫الضرر للمرأة‪ .‬كذلك فإن ذلك الطائر الجارح‪،‬‬ ‫الطائر الفينيق أو الفنيكس أو كما يعرف بالعنقاء‬ ‫هو طائر خرافى قوى وجميل وهو عندما يموت‬ ‫يتحول الى رماد ولكن سرعان ما يتحول الرماد‬ ‫الى طائر أقوى وأجمل‪ ،‬هو يشبه املرأة املصرية‬ ‫الكادحة املطالبة أن تكون طائرا فينيقا كل يوم‪.‬‬ ‫ومما ال شك فيه أن أسماء التراكمات التى‬ ‫يحملها املسطح ال تنبع فقط من معانى الرموز‬ ‫وإنما تمتد إلى التراكمات الحضارية والفكرية‬ ‫والثقافية التى تخص الفنانة ذاتها‪ ،‬إذ تحيلنا فى‬ ‫أعمالها إلى حضارات عدة من خالل بحث مستمر‬ ‫عن اختالف معنى الرمز من حضارة ألخرى‬ ‫فمثال نجد زهرة اللوتس التى تعنى فى الحضارة‬ ‫املصرية القديمة رمــزا لــدورة الحياة الجديدة‬ ‫والتى تتأثر بالشمس فتتغير مدى إزهارها على‬ ‫مدار اليوم بقوة أشعة الشمس‪ ،‬نجدها فى حضارة‬ ‫شرق آسيا هى رمز للتطهر والنقاء‪ .‬ففى إحدى‬ ‫اللوحات التى قدمتها فى معرضها األخير نجد‬ ‫فتاتيها محاطتني بأزهار وأوراق اللوتس اآلسوية‬ ‫فلقد اختاروا فى النقاء هدفا الستمرار الحياة‪.‬‬ ‫ويبدو اللون أيضا بطال أساسيا عند أسماء‬ ‫النواوى إذ أنها تستخدم درجات من األزرق والبنى‬ ‫الترابى تعتبر بمثابة بصمة تميز أعمالها‪ ،‬ومع‬ ‫ذلك فقد حرصت أسماء على الخروج من عباءتها‬ ‫الفنية بتقديم عدد من األعمال التى ال تنتمى‬ ‫لباقى مجموعة املعرض فى مذاقها وألوانها‪ ،‬ومنها‬ ‫مجموعة عروبة التى مزجت فيها الحروف العربية‬ ‫وغلب عليها استخدام درجات من اللون األسود‪،‬‬ ‫وكذلك اللوحتان املستوحاتان من الحضارة‬ ‫املصرية القديمة‪ ..‬إذ ال تتوقف أسماء عن البحث‬ ‫والتجديد فى تجربتها الفنية لكشف املزيد من‬ ‫املعانى واملفاهيم والستكشاف ذاتها باملثل‪.‬‬


‫‪12‬‬

‫‪ 5‬مايو ‪٢٠١٩‬‬

‫العدد ‪١٣٤٥‬‬

‫نصوص لــ‬

‫أحمد مجاهد‪ :‬عماد أبوغازى جاء إلى مكتبى‬ ‫سير ًا بعد تعيينه وزير ًا بدقائق‬ ‫حسن عبداملوجود‬

‫كان لقاؤهما األول فى املجلس األعلى للثقافة‪،‬‬ ‫فى مقره القديم بالزمالك‪ ،‬كان ذلك فى مؤتمر‬ ‫«توفيق الحكيم»‪ ،‬تم انتداب عماد أبوغازى وقتها‬ ‫من الجامعة بشكل عادى‪ ،‬فقد كان مدرسًا‪ ،‬بينما‬ ‫فشلت محاولة انتداب أحمد مجاهد‪ ،‬املــدرس‬ ‫املساعد‪.‬‬ ‫ظل مجاهد يعمل بشكل غير رسمى وبــدون‬ ‫يحصل على مال‬ ‫انــتــداب لــســنــوات‪ ،‬ولــم يكن َّ‬ ‫بانتظام‪« ،‬شهر‪ ،‬وشهر ال»‪ ،‬ولكن االثنني كانا‬ ‫يشعران أنهما يخدمان الثقافة‪ ،‬وموضوع املال لم‬ ‫يكن فى بالهما‪ ،‬كان جابر عصفور كبيرهما‪ ،‬كانا‬ ‫ذراعيه‪ ،‬عماد األيمن‪ ،‬ومجاهد األيسر‪ ،‬وكانت‬ ‫الصداقة تنمو بسرعة كبيرة بينهما‪ ،‬وخرجت من‬ ‫نطاق العمل إلى نطاق الحياة الشخصية‪ ،‬وشهد‬ ‫عماد أبوغازى على زواج مجاهد‪ ً ،‬ورويــدًا رويدًا‬ ‫أصبح كل منهما مرآة لآلخر ومكمال له‪.‬‬ ‫وهذه حكاية ال يعرفها الكثيرون‪ ،‬يسردها أحمد‬ ‫مجاهد‪..‬‬ ‫رئيس الــوزراء األسبق عصام شرف استدعى‬ ‫عماد أبوغازى ليكلفه بحقيبة «الثقافة»‪ ،‬وكانت‬ ‫الدنيا صعبة جــدًا‪ ،‬والــشــوارع متوقفة بسبب‬ ‫اإلضرابات واملتاريس التى انتشرت فى كل مكان‬ ‫وصارت عالمة على تلك الحقبة‪ ،‬ولم يكن أمام‬ ‫أبوغازى إال الذهاب سيرًا إلى مجلس الوزراء‪ ،‬وبعد‬ ‫أن انتهى اللقاء مع شرف‪ ،‬قرر أبوغازى املرور على‬ ‫صديقه أحمد مجاهد رئيس هيئة قصور الثقافة‬ ‫فى مكتبه بـ«عمارات العرائس»‪ ،‬كانت املسافة‬ ‫يسيرة بني مجلس الــوزراء والهيئة‪ ،‬وفى املكتب‬ ‫أخبره عماد بالسر‪ ،‬أنه أصبح وزيرًا للثقافة‪ ،‬ولكن‬ ‫السر لم يصبح سرًا بعد دقائق‪ ،‬فبينما يتبادالن‬ ‫الحديث أعلن التليفزيون النبأ‪ ،‬وكان أحمد مجاهد‬ ‫يشعر بأنه أدى مهمته فى هيئة قصور الثقافة‪،‬‬ ‫َّ‬ ‫وتشبع من العمل هناك‪ ،‬ومن األفضل له أن يترك‬ ‫مكانه لشخص يمكن أن يضيف شيئًا جديدًا‪ ،‬أما‬ ‫هو فقد كانت لديه خطة كبيرة للنشر فى هيئة‬ ‫الكتاب‪ ،‬وبالتالى وبعد حوار قصير مع أبوغازى‬ ‫اتفقا على أن يتولى «هيئة الكتاب»‪.‬‬ ‫يتظاهرون‬ ‫الهيئة‬ ‫يقول مجاهد‪« :‬كان موظفو‬ ‫ُّ‬ ‫مثل الجميع فى البلد وقتها‪ ،‬كانوا غاضبني وسدوا‬ ‫املدخل‪ ،‬ورفضوا وجــودى بمجرد إعــان اسمى‬ ‫كرئيس للهيئة‪ ،‬وعماد أصر على أن يذهب معى‬ ‫إلى هناك‪ ،‬وأنا رفضت‪ ،‬وأصــرت على الرفض‪،‬‬ ‫وقلت له‪ :‬أنت وزير ومينفعش تروح هناك نهائى‬ ‫والدنيا والعة‪ ،‬وكتبت له استقالتى‪ ،‬كنت أفكر فى‬ ‫أن صداقتنا تحتم َّ‬ ‫على أن أتــرك مكانى لكى ال‬ ‫أسبب له قلقًا‪ ،‬ولكنه كان حاسمًا كعادته وتجاهلها‪،‬‬ ‫وأصــر أن ًيأتى معى‪ ،‬وأمــام إص ــراره رضخت‪،‬‬ ‫وذهبنا فعال‪ ،‬ووقف بثبات أمام املوظفني‪ ،‬وطلب‬ ‫مجموعة منهم‪ ،‬وذهبنا معهم إلى دار الكتب لنفتح‬ ‫معهم حوارًا ونستمع إلى مطالبهم‪ ،‬وسألهم‪ :‬ملاذا‬ ‫استمعتم إليه؟‬ ‫تعترضون عليه؟ هل تعرفونه؟ هل‬ ‫ً‬ ‫هل رأيتم كيف يعمل؟ واستمعوا َّ‬ ‫إلى فعال‪ ،‬وفوجئوا‬ ‫بأن َّ‬ ‫لدى خبرة بالهيئة‪ ،‬وعملت فيها لبعض الوقت‬ ‫سكرتيرًا لتحرير مجلة (فصول)‪ ،‬كما طرحت‬ ‫أمامهم بعض ما أفكر فيه لتطوير الهيئة‪ ،‬وخرجوا‬ ‫مبسوطني‪ ،‬ولكن االضطرابات لم تنته‪ ،‬وقال لى‬ ‫عماد إنه سيأتى معى مرة أخرى‪ ،‬كان قويًا وشجاعًا‬ ‫للغاية‪ ،‬وال يرهبه شىء‪ ،‬والبلد كلها كانت سايبة‪،‬‬ ‫واتصل برئيس الـــوزراء‪ ،‬وقــال له إن ما يحدث‬ ‫بلطجة لن يرضخ لها أبــدًا‪ ،‬وإن مجاهد إن لم‬ ‫يتمكن من تسلم عمله سيستقيل فورًا»‪ ،‬ويعلق‪« :‬ال‬ ‫يمكن أن أنسى هذا املوقف‪ ،‬ألنه يدل على معدن‬ ‫أبوغازى‪ ،‬لقد ظل لفترة وجيزة فى منصبه كوزير‬ ‫للثقافة‪ ،‬لكننا استطعنا أن ننجز الكثير‪ ،‬بسبب‬ ‫تفهمه ودعمه وتنظيمه‪ ،‬وقد افتتحنا‪ ،‬على سبيل‬

‫‪25‬‬

‫لدى عماد‪ ،‬كما يقول مجاهد‪ ،‬هواجسه الغريبة‪ ،‬ومنها ما يخص‬ ‫النظافة‪ ،‬وامليكروبات‪ ،‬إنه ال يأكل مثالً أى نباتات تطرح ثمارها‬ ‫بالقرب من األرض‪ ،‬حينما كان صغير ًا‪ ،‬فى بداية السبعينات‬ ‫حتديد ًا‪ ،‬اجتاح البلد وباء‪ ،‬له عالقة بالتني البرشومى‪ ،‬ورغم‬ ‫أن القصة انتهت منذ زمن‪ ،‬إال أن عماد لم ينسها‪ ،‬وحتى اآلن ال‬ ‫يأكل التني البرشومى أبد ًا‪.‬‬

‫أدونيس يتوسط أحمد مجاهد وعماد أبو غازى‬ ‫املثال‪ ،‬قاعة صالح عبدالصبور‪ ،‬وهى أول قاعة‬ ‫للندوات فى الهيئة‪ ،‬وأسسنا معرض فيصل للكتاب‪،‬‬ ‫وأصبحنا ضيف شرف معرض كتاب تركيا»‪.‬‬ ‫أول سفرية لهما ســويــا كــانــت فــى معرض‬ ‫فرانكفورت‪ ،‬وكانت جامعة الدول العربية ضيف‬ ‫الــشــرف‪ ،‬وك ــان مسئول التنظيم هــو املــرحــوم‬ ‫محمد غنيم‪ ،‬وكان االثنان يساعدانه‪« :‬أبوغازى‬ ‫دؤوب جدًا طول عمره‪ ،‬ينجز ُفروضه على أكمل‬ ‫وجه بدقة متناهية‪ ،‬وحينما تتاح أمامه فسحة‬ ‫من الوقت ينطلق فورًا بدون تفكير إلى املتاحف‬ ‫ومعارض الفنون واآلثار‪ ،‬ويكون متسلحًا بالخرائط‬ ‫املناسبة للمدينة‪ ،‬ويصور كل ما يحبه وكل ما تقع‬ ‫عيناه عليه‪ ،‬كان وال يزال شغوفًا بالفن‪ ،‬ولطاملا أثار‬ ‫إعجابى»‪ ،‬ويضيف‪« :‬لم يختلف فيه شىء مع ترقيه‬ ‫فى الوظيفة‪ ،‬فما كان يفعله وهو رئيس للشعب‬ ‫واللجان باملجلس هو ما يفعله وهو وزير للثقافة‪،‬‬ ‫وما يفعله فى أى مدينة هو ما يفعله فى املدينة‬ ‫التالية‪ ،‬يخلع املالبس الرسمية بعد عمل كثير‪،‬‬ ‫ويتحول إلى سائح مثقف‪ ،‬هذا هو تكوينه‪ ،‬ال يعمل‬ ‫بالثقافة فقط ولكنه محب لها»‪.‬‬ ‫أبوغازى هــادئ‪ ،‬لكنه يكون صعبًا للغاية فى‬ ‫مواقفه‪ ،‬إذا اتخذ موقفًا فإن عودته فيه تكاد تكون‬ ‫صعبة إن لم تكن مستحيلة‪ .‬يحكى مجاهد قصة‬

‫جديدة‪..‬‬ ‫ً‬ ‫«الشعب‬ ‫عن‬ ‫مسئوال‬ ‫أبوغازى‬ ‫عماد‬ ‫كان‬ ‫حينما‬ ‫ً‬ ‫والــلــجــان» باملجلس‪ ،‬كــان مجاهد مسئوال عن‬ ‫«املؤتمرات»‪ ،‬وحدث خالف ما بني جابر عصفور‬ ‫وقرر االستقالة‪،‬‬ ‫وأبوغازى‪« :‬كان عماد زعالن جدًا‪ُ ،‬‬ ‫وعرفت باألمر‪ ،‬ولم‬ ‫وكتبها وسلمها ملديرة مكتبه‪،‬‬ ‫ُ‬ ‫أســأل مطلقًا عن السبب‪ ،‬وحصلت بطريقة ما‬ ‫على ورقة االستقالة‪ ،‬وعماد عرف بذلك‪ ،‬وكان‬ ‫غاضبًا جدًا‪ ،‬وكتب أخرى‪ ،‬وهذه املرة سلمها إلى‬ ‫مديرة مكتب األمني العام للمجلس الدكتور جابر‬ ‫عصفور‪ ،‬وباملودة الشديدة واالحترام استطعت‬ ‫كذلك سحب االستقالة الثانية‪ ،‬ومر املوقف بسالم‬ ‫فى النهاية‪ ،‬جلس االثــنــان‪ ،‬وزال الخالف كأن‬ ‫هناك من مسحه بأستيكة»‪ ،‬وضحك‪« :‬الظرفني‬ ‫اللى فيهم نص االستقالة مقفولني لغاية اللحظة‬ ‫دى‪ ،‬لم أفكر فى فتحهما مطلقًا‪ ،‬وال يزاالن حبيسى‬ ‫صندوق الذكريات فى بيتى»‪ ،‬ويعلق‪« :‬لم أشأ أن‬ ‫أسأل أيًا منهما‪ ،‬الدكتور أبوغازى والدكتور جابر‪،‬‬ ‫رغم مرور كل هذا الوقت ما سبب الخالف‪ ،‬وهذا‬ ‫هو الطبيعى فى العالقات املحترمة‪ ،‬الغضب‬ ‫سيذهب وتبقى املحبة‪ ،‬لقد رأيت فيه من اللحظة‬ ‫األولى شخصًا شديد األدب‪ ،‬شاطر جدًا‪ ،‬واألهم‬ ‫مخلص‪ ،‬ولكن مواقفه حدية‪ ،‬وهناك اختالف بني‬

‫شخصيتينا بكل تأكيد‪ ،‬فأنا أميل بطبعى إلى املرح‬ ‫َّ‬ ‫فاكة معايا ّ‬ ‫حبتني‪ ،‬أما عماد فيبدو متجهمًا‬ ‫والدنيا‬ ‫للوهلة األولى‪ ،‬لكن حينما تقترب منه ستجد أيضًا‬ ‫ذلك الشخص البسيط‪ ،‬والذى ال تفارقه ابتسامته‬ ‫الجميلة‪ ،‬لقد قضينًا زمنًا‪ ،‬نعمل معا طوال اليوم‪،‬‬ ‫ونتناول الوجبات الثالث معًا‪ ،‬وال نذهب إلى بيوتنا‬ ‫إال للنوم‪ ،‬ثم يتجدد اللقاء بنفس الشكل فى اليوم‬ ‫التالى‪ ،‬لقد بدا أن الحياة ستسير إلى األبد هكذا‪،‬‬ ‫ولــم تكن لـ َّ‬ ‫ـدى مشكلة فى صحبة هــذا اإلنسان‬ ‫الرائع»‪.‬‬ ‫لدى عماد‪ ،‬كما يقول مجاهد‪ ،‬هواجسه الغريبة‪،‬‬ ‫ومنها ما يخص النظافة‪ ،‬وامليكروبات‪ ،‬إنه ال يأكل‬ ‫ً‬ ‫مثال أى نباتات تطرح ثمارها بالقرب من األرض‪،‬‬ ‫حينما كان صغيرًا‪ ،‬فى بداية السبعينات تحديدًا‪،‬‬ ‫اجتاح البلد وبــاء‪ ،‬له عالقة بالتني البرشومى‪،‬‬ ‫ورغم أن القصة انتهت منذ زمن‪ ،‬إال أن عماد لم‬ ‫ينسها‪ ،‬وحتى اآلن ال يأكل التني البرشومى أبدًا‪.‬‬ ‫يضحك مجاهد‪« :‬خــاص‪ ..‬انتهينا»‪ ،‬ويضيف‪:‬‬ ‫«أيضًا قرر بعد وفاة أبيه أنه لن يرتدى إال كرافتة‬ ‫سوداء‪ ،‬وقال إنه لن يغير ذلك إال فى فرح ابنته‪،‬‬ ‫وهذان املثاالن وغيرهما يكشفان لك صرامة ُعماد‬ ‫حتى فى األمور البسيطة‪ ،‬وهى الصرامة التى ت ِّميز‬ ‫كذلك مواقفه الفكرية»‪.‬‬ ‫دهاليز املجلس األعلى‬ ‫فى‬ ‫نمت صداقة االثنني‬ ‫ِّ‬ ‫للثقافة وأروقــتــه‪ ،‬وبينما يحضران لكثير من‬ ‫املؤتمرات‪ ،‬أو أثناء تلك املؤتمرات ذاتها‪ ،‬كانا‬ ‫حريصني للغاية‪ ،‬وعرفا أن شيئًا صغيرًا للغاية‬ ‫قادر على إفشال مؤتمر‪ ،‬ولكنهما‪ ،‬بحسب حكايات‬ ‫مجاهد‪ ،‬كانا ُيفاجآن بأمور تبدو تافهة للغاية تصل‬ ‫إلى األمني العام نفسه‪ ،‬فأحد املثقفني الكبار يتصل‬ ‫بمكتب الدكتور جابر ويخبر مديرته ليقول له إن‬ ‫غرفته تخلو من علبة مناديل‪« :‬كنا حريصني على كل‬ ‫شىء‪ ،‬والضيف نعتبره مسئوليتنا الشخصية‪ ،‬كان‬ ‫عماد يبقى فى املجلس بينما أذهب مع املثقفني إلى‬ ‫الفندق‪ ،‬كنا نقسم أنفسنا بحيث ال يفوتنا شىء‪،‬‬ ‫جابر عصفور‪ ،‬أال يترك شيئًا‬ ‫وهذه سياسة الدكتور ُ‬ ‫للصدفة‪ ،‬هناك أمور كان تحل بابتسامة‪ ،‬بضحكة‪،‬‬ ‫باستيعاب‪ ،‬قيمة الضيف من قيمتك‪ ،‬أنت أستاذ‬ ‫جامعة وهم قامات ثقافية كبرى»‪.‬‬ ‫يعود مجاهد إلــى أبــوغــازى‪« :‬اآلن يمكننا أن‬ ‫نتقابل مرتني أو ثالثًا‪ ،‬ومن املمكن أن نتحدث‬ ‫عشر مرات فى التليفون‪ ،‬خالل العام‪ ،‬لكن قوة‬ ‫عالقتنا لم تتغير‪ ،‬وكل منا يقول أمام اآلخر ما‬ ‫يقوله فى ظهره‪ ،‬بل إنه يقول كالمًا أفضل وأجمل‬ ‫بعيدًا عنى‪ ،‬وهكذا أفعل أيضًا‪ ،‬وكــل منا يجد‬ ‫اآلخر‪ ،‬وال يحتاج سوى إلى رفع سماعة الهاتف»‪.‬‬ ‫كــان مجاهد يعمل على بحث منذ فــتــرة‪ ،‬كان‬ ‫البحث األخير فى الترقية‪ ،‬واحتاج إلى بيانات من‬ ‫ثالثة أو أربعة سطور موجودة فى موسوعة «املرأة‬ ‫العربية»‪ ،‬واتصل بعماد وقال له إنه يريد معلومات‬ ‫عن كاتبة معينة‪ ،‬وقال له عماد إن املوسوعة ليست‬ ‫أمامه اآلن‪ ،‬وبعد ثالث أو أربع ساعات اتصل به‬ ‫عماد وقــال له إنه سيرسل إليه ما يحتاجه على‬ ‫اإليميل‪« :‬أصبح اللقاء دوريــا شبه مستحيل فى‬ ‫ظروف الحياة الصعبة‪ ،‬لكن عمق العالقة واملحبة‬ ‫واإلخالص يحفظ الصداقة متوهجة»‪.‬‬ ‫ويقول‪« :‬ال يوجد سر بيننا‪ ،‬ومع هذا ال يتدخل‬ ‫أحدنا فى شئون اآلخــر‪ ،‬وهــذا أمــر مهم لتدوم‬ ‫الصداقة‪ ،‬ما ال تريد الحديث عنه أنا ال أسألك‬ ‫فيه‪ ،‬ســواء اآلن أو بعدين‪ ،‬ولو أردت أن تتحدث‬ ‫فهذا يخصك‪ ،‬كل منا يحترم املساحة الشخصية‪،‬‬ ‫وبالتأكيد أنا محظوظ به‪ ،‬فهو شخصية نادرة‬ ‫فى التهذيب وفى األخــاق‪ ،‬واإلخــاص الشديد‪،‬‬ ‫والثبات على املوقف‪ ،‬وأنا فخور ملجرد أنه يعتبرنى‬ ‫أحد أصدقائه» ‪.‬‬

‫‪ 5‬مايو ‪ ٢٠١٩‬العدد ‪١٣٤٥‬‬

‫عبدالرحيم املاسخ ـــ أحمد نوار‬ ‫أمل جمال السيد ـــ بشير ميلودى‬ ‫صباح هادى ـــ ماجد أبادير ـــ طلعت محمد‬

‫مدرسة الغيطانى‬ ‫مبناسبة افتتاح مدرسة جمال الغيطانى الثانوية العامة بنات بجهينة‬ ‫عبد الرحيم املاسخ‬

‫مدرسة صاحبها بقلوب األحباب‬ ‫فتحت للحب كما كان و ظلت تذكره إذ غاب‬ ‫كان جمال الغيطانى رواية‬ ‫تجمع كل الناس بكل األجناس‬ ‫جنود هوى تحت الراية‬ ‫حني ذهبت إليه‬ ‫وكنت آراه ألول مرة‬ ‫حني مددت يدى بشعرى‬ ‫وتلقفه كى ينشر سره‬ ‫ماذا قال؟‬ ‫وماذا قلت؟‬

‫وماذا كان إلى اآلن؟ ليختلف الوقت‬ ‫لتخرج من موطئ قدمى لألجيال مسره‬ ‫هذا العلم الحر العاشق‬ ‫ال يكره أحدا‬ ‫مدت مصر يدا للسير‬ ‫فكان يدا تطرق أبواب امللكوت املتجمد و املتفكك‬ ‫و الحارق‬ ‫حتى اكتمل البنيان‬ ‫وأمن بمصر على أسرته اإلنسان‬ ‫فلو فرح ومات‬ ‫لكن الفرحة ال تلزم‬ ‫بوجود تتأزم‬ ‫فى فمه الكلمات‬ ‫مات غنيا باإلبداع‪ ،‬فقيرا بالذكرى‬ ‫بني جحور األفعى كى تلهج شكرا‬ ‫إن الحارس للمجد‬

‫املتقلب فى فوران الوجد‬ ‫الحاضر قبل العهد‪ .‬رمى القيد و فات‬ ‫لكن املدرسة بال صوت ضحكت‬ ‫كالنور و كاملاء‬ ‫وهى تخرج طول الوقت وفاء‬ ‫ووفاء‬ ‫ووفاء‬ ‫وجمال يصافح من دخلوا‬ ‫ويصافح من خرجوا‬ ‫يوصيهم باألحباب‬ ‫وينذرهم من كيد االعداء‪.‬‬ ‫ملف من ‪ ٣١‬إلى ‪٣٥‬‬

‫الفاتنات ينتظرن فى البيت‬ ‫أحمد نوار‬

‫كنت قد قررت أال تكتب عن االمتحانات‬ ‫حتى ال يصبح األمر مبتذال وسخيفا من‬ ‫كثرة الكالم عنه لكن اليوم كان ملحميا‬ ‫بكل املقاييس لذلك وجــب عليك تخليد‬ ‫ذكراه اليوم هو يوم أمتحان الرياضيات‪.‬‬ ‫بدأ اليوم بمشهد هزلى تنزل فيه من بيتك‬ ‫مهروال معتقدا أن الساعة هى التاسعة‬ ‫والنصف وقد تبقى نصف ساعة فقط على‬ ‫بدء االمتحان رغم أنك رأيت الساعة تشير‬ ‫إلى الثامنة والنصف لكنك نسيت ذلك‬ ‫بعدها بدقيقتني‪.‬‬ ‫لحظة استالم األوراق ويا لها من لحظة‪..‬‬ ‫صوت صرصور الحقل يرن فى أذنيك‬ ‫ملدة عشر دقائق بعد استالم الورقة‪.‬‬ ‫تجلس فاغرا فاك على اتساعه شاعرا‬ ‫بالبله املغولى يتملك عقلك وإن كان مرضى‬ ‫البله املغولى يتمتعون ببراءة لم تحظ منها‬ ‫بشىء‪.‬‬ ‫نصف ساعة قد مر وال تجد سؤاال واحدا‬

‫أنــت متيقن مــن إجابته يشفع لــك عند‬ ‫الدكتورة‪.‬‬ ‫الوضع مؤسف للغاية‪ ..‬صوت شادية يأتى‬ ‫عذبا من مكان ما فى مخيلتك‬ ‫«عملتو إيه ف الدنيا دى آه يا والدى آه يا‬ ‫والدى»‬ ‫تتلفت حولك‪ ..‬ال ليس كما ظننت لم أكن‬ ‫ْ‬ ‫أحـــاول الــغــش!! كنت أحـــاول أن أعــرف‬ ‫أن كان هناك من أنتهت حــدود معرفته‬ ‫وكتابته عند ملء خانات البيانات مثلى‬ ‫فى أول الورقة فارتد البصر إلى خاسئا‬ ‫وهو حسير‪ ،‬األغلبية يغتصبون األوراق‬ ‫بأقالمهم بينما ال تكف أيديهم عن الطرق‬ ‫على الحاسبة‪.‬‬

‫بعد وقت ليس بالطويل تدخل الدكتورة‬ ‫وعلى شفتيها ابتسامة انتصار من نوع‬ ‫«ابــقــوا قابلونى لو فلحتم»‪ .‬تتجول بني‬ ‫الطلبة كقائد مظفر وسط أسرى الحرب‬ ‫بينما يتصايح الطلبة طالبني العون‬ ‫وتوضيح بعض األسئلة فتستمع السئلتهم‬ ‫فى غير اهتمام ثم تجيب كال منهم على‬ ‫حدة بنفس الجملة الساخرة الهازئة « يادى‬ ‫الخيييييبة» وتتعمد مط كلمة الخيبة بقدر‬ ‫اإلمكان حتى تتردد فى أذنيك ألطول وقت‬ ‫ممكن لتشعرك بمدى ضآلتك وحقارتك‬ ‫أمام علمها الال متناهى‪.‬‬ ‫كتب أصدقاؤك ما يكفى نجاحهم لثالثة‬ ‫أعوام قادمة بينما ورقتك ناصعة البياض‬

‫ليس أنصع منها سوى صفحات حسناتك‪.‬‬ ‫يصول املراقبون ويجولون فى املكان وعلى‬ ‫وجوههم ابتسامة شامتة وســاخــرة من‬ ‫البالهة املتبدية على وجوه بعض الطالب‬ ‫وطرق البعض اآلخر البلهاء املضحكة فى‬ ‫الغش‪.‬‬ ‫بعد فترة تملكك اليأس فصرت تكتب‬ ‫أشياء أنت نفسك ال تفهمها فى محاولة‬ ‫لسد الفراغات فى ورقة إجابتك‪.‬‬ ‫بعد أن مألت أوراق اإلجابة بتعاويذك‬ ‫وطالسمك غير املفهومة جلست تتأمل‬ ‫وجوه الزمالء البائسة‪.‬‬ ‫منهمكون فى حل تلك األحجيات وكأن‬ ‫حياتهم تتوقف عليها‪.‬‬ ‫بعد فترة كــان كــل مــا يشغلك هــن تلك‬ ‫الفاتنات الالتى تركتهن فى البيت أصابع‬ ‫املمبار التى تركتها أمس لتواسيك فى هذا‬ ‫الظرف العصيب وزجــاجــات البيبسى‪..‬‬ ‫خرجت من اللجنة بلهفة عاشق سيلتقى‬ ‫محبوبته بعد طول غياب وبعد دقائق كان‬ ‫كل مايشغل بالك هو عدد األصابع التى لم‬ ‫تلتهمها من املمبار‪.‬‬


‫‪٢٤‬‬

‫‪ ٥‬مايو ‪ ٢٠١٩‬العدد ‪١٣٤٥‬‬

‫إشراف ‪ :‬منصورة عز الدين‬

‫كحل وحبهان‪:‬‬

‫كيف‬

‫‪١٣‬‬

‫‪ ٥‬مايو ‪ ٢٠١٩‬العدد ‪١٣٤٥‬‬

‫تتذوق احلياة؟‬ ‫َّ‬

‫محمد سمير مصباح‬ ‫«أجلس وإلى يمينى جاذبية أبى وأمى‪ ،‬ومدينة بعيدة‬ ‫تبدو اآلن قديمة ومعتقة وتأسر القلب كالحبهان‪ ،‬وإلى‬ ‫يسارى جاذبية أبسط من القدرة على الوصف‪ُ ،‬مغوية‬ ‫بال ضوضاء‪ ،‬كالكحل الذى ُيظلل نظرة صافية»‪.‬‬ ‫بتلك الفقرة يوضح عمر طاهر سبب تسمية روايته‬ ‫بـ"كحل وحبهان"؛ حيث أن قطبى حياة بطل الرواية‬ ‫وأمــه وجدته وخاله‪،‬‬ ‫هما عائلته املكونة من أبيه‬ ‫ِ‬ ‫ومدينته البعيدة التى تحوى ذكريات طفولته‪ ،‬والذين‬ ‫الحبهان‪ ،‬الذى البد منه فى‬ ‫يمثلون ِسحر وجاذبية‬ ‫َ‬ ‫الطعام والقهوة ليمنحهما َب َرك ِته‪ ّ ،‬والقطب اآلخر هو‬ ‫بصفاء‬ ‫زوجته «صافية"؛ فتاة عادية ولكنها ساحرة ُ‬ ‫الطيبة‪ً ،‬والتى تمثل الكحل‬ ‫روحها ِّونظرتها وعشرتها ً‬ ‫يزين العني ويزيدها بريقا وألقا رغم بساطته‪.‬‬ ‫الذى‬ ‫هى الرواية األولى للكاتب عمر طاهر‪ ،‬سبقها عدة‬ ‫مشروعات أدبية‪ ،‬كانت تحمل روح الصحفى الساخر‬ ‫ّ‬ ‫املنقب عن الجمال فى كهف القبح‪ ،‬اختار أن يبدأ‬ ‫مسيرته الروائية من الطريق األقرب لقلوب الناس‪،‬‬ ‫ليس معدتهم ولكن حالة الحنني إلى املاضى ومشاركة‬ ‫الذكريات‪ ،‬ليكتب سيرة إنسان باستخدام الطعام‬ ‫والرائحة‪.‬‬ ‫الــروايــة بــروح الثمانينات‪ ،‬ومــا تسلل منها إلى‬ ‫الرواية تجد‬ ‫التسعينات‪ ،‬وفى كل ركن من أركــان‬ ‫محاصرا بذكرياتك الخاصة التى َت َ‬ ‫ً‬ ‫صادف‬ ‫نفسك‬ ‫أنها ذكريات بطل الرواية وربما ذكريات جيل كامل‪،‬‬ ‫وكأننا مررنا على ماكينة تصوير مستندات لنطبع‬ ‫فى أنفسنا (روح بيوت الطبقة املتوسطة‪ ،‬واألغانى‬ ‫الشبابية التى لم ُتعد شبابية‪ ،‬واألكالت وطقوسها‪،‬‬ ‫والعادات فى األفراح واألحزان)‪.‬‬ ‫َ> > >‬ ‫َت ُ‬ ‫طرق باب الرواية ِل ُيفتح لك باب البيت املصرى‬ ‫كما يقول الكتاب؛ فالجدة هى الكوكب الكبير الذى‬ ‫يعيشون على أرضــه الخصبة‪ ،‬وهى ميزان البيت‬ ‫األكالت‬ ‫وعني الحكمة وما تضفيه على األشياء أو‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫أو األحــداث يكسبها جمال‬ ‫وطابعا ِّ خاصا ورائحة‬ ‫ُ‬ ‫خاصة‪ ،‬فالجدة فى هذه الرواية تذكر أنفى برائحة‬ ‫الخبز الفالحى _مستطيل الشكل_ لحظة خروجه‬ ‫من الفرن البلدى املصنوع من الطني ووقوده النار فى‬ ‫الحطب والقش‪ ،‬مواقفها ومنطقها فى الحياة يجعلها‬ ‫كبطل خارق يفعل الصواب والخير ً‬ ‫دائما‪.‬‬ ‫ٍ‬ ‫ويمثل األب «إبراهيم» عمود البيت الذى يرفع القواعد‬ ‫ويضبط ما قد يميل بحزم ُ‬ ‫وحب‪ ،‬يقول بطل ًالرواية‬ ‫ٍ‬ ‫العقاب"‪ ،‬ولكن أيضا كان‬ ‫إن األب «كان يدير منظومة‬ ‫ٌ‬ ‫ّيتخلل ذلك الكثير من الحب وبعض من التدليل‪ ،‬ربما‬ ‫يلخص العالقة بني األب وابنه تلك الفقرة َّ‬ ‫«تغيرت‬

‫الطريقة التى ينادى أبى بها اسمى‪ ،‬كان التدليل‬ ‫يغزوها فى الطفولة‪ ،‬ثم التوتر طوال فترة املراهقة‪،‬‬ ‫شابا ُم ً‬ ‫واإلشفاق ً‬ ‫غتربا ُم ً‬ ‫كافحا حتى تزوجت»‪.‬‬ ‫وتجد األم هــى الشجرة التى تمنح االبــن الظل‬ ‫والسكينة والثمار‪ ،‬هى من تملك مفتاح قلب ابنها‬ ‫الحقيقى وهو معدته‪ ،‬وعن طريق استخدامها لذلك‬ ‫املفتاح َت ْع ُبر إليه وتفيض ُ‬ ‫بالحب‪ ،‬تأخذ بيده إلى عالم‬ ‫ِ‬ ‫«الــراديــو» السحرى الــذى أخصب خياله‪ ،‬وتجعله‬ ‫مالذه للهروب من بعض آالمه‪.‬‬ ‫فى حني أن خاله القريب من عمره‪ ،‬هو الصديق‬ ‫والسمير وباب الهروب الخلفى من رتابة الحياة‪ ،‬أو‬ ‫كما يقول عبد الله‪« :‬يجمعنى بالخال كل ما له عالقة‬ ‫بالحياة؛ الكرة‪ ،‬واألغانى‪ ،‬وأفالم السينما‪ ،‬ولعبة‬

‫عالقة الرائحة‬ ‫باألشخاص‬ ‫والذكريات عالقة‬ ‫وثيقة ومعقدة‪،‬‬ ‫فكل شخص وحدث‬ ‫فى الرواية له‬ ‫رائحة خاصة يدور‬ ‫فلكل من‬ ‫فى فلكها‪،‬‬ ‫ٍ‬ ‫ُ‬ ‫املراهقة والحب‬ ‫والعائلة والوحدة‬ ‫والغربة والصداقة‬ ‫والنجاح والفشل‬ ‫رائحة وطعم ولون‪.‬‬

‫فى حالة فضفضة تغلفها شفافية األطفال‪،‬‬ ‫ً‬ ‫معددا األشياء التى توتره وال تمنحه الرؤية‬ ‫املطلوبة لإلجابة على السؤال‪.‬‬ ‫فى مطبخ الرواية ستجد لوحات فى حب صنوف‬ ‫األكل‪ ،‬تجعلك تشتهى ما ُّ يتحدث عنه وإن كنت‬ ‫ُ‬ ‫ال تحبه‪ ،‬وهذا يدل على تمكن عمر طاهر من أداة‬ ‫مهمة فى كتابة الرواية وهى دقة الوصف‪ ،‬سواء مكان‬ ‫أو حدث أو حالة‪ ،‬وفى وصفه لألكالت يستطيع أن‬ ‫يجعلك تراها وتشم رائحتها كما لو كانت أمامك‪ ،‬بل‬ ‫قد ُيهيأ لك الشروع فى األكل‪.‬‬ ‫عالقة الرائحة باألشخاص والذكريات عالقة وثيقة‬ ‫ومعقدة‪ ،‬فكل شخص وحدث فى الرواية له رائحة‬ ‫ُ‬ ‫والحب‬ ‫فلكل من املراهقة‬ ‫خاصة يدور فى فلكها‪،‬‬ ‫ٍ‬ ‫والعائلة والوحدة والغربة والصداقة والنجاح والفشل‬ ‫رائحة وطعم ولون‪.‬يتساءل الكاتب عن الرائحة‬ ‫َ‬ ‫وبعدها ُيطلعنا على تأويله لروائح األشياء؛ كرائحة‬ ‫الكتب القديمة‪ ،‬ورائــحــة ما بعد املطر‪ ،‬ورائحة‬ ‫النقود‪ ،‬ورائحة القهوة‪ .‬ومن أجمل مقاطع الرواية‬ ‫املقطع الذى يبتكر فيه سيسكو وخاله تلك اللعبة التى‬ ‫يصبغون فيها املشاهير بروائح معينة‪ ،‬فعلى سبيل‬ ‫املثال «رائحة عبد الحليم حافظ هى تلك الرائحة‬ ‫العشبية الرقيقة التى تنطلق عقب قص الحشائش‬ ‫وتقليم األشجار وقصقصة فروعها» و"ليلى مراد‬ ‫رائحتها فانيليا» و"سعاد حسنى رائحتها كراميل‬ ‫محروق»‪.‬‬ ‫>‬ ‫>‬ ‫>‬ ‫ً‬ ‫فى ًحبكة الرواية يفقد البطل حاسة الشم فقدانا‬ ‫مؤقتا‪ ،‬إلى أن يتم إرشاده للعالج الروحى املتوفر ُّفى‬ ‫مطبخ منزله أال وهو الحبهان‪ ،‬ومنه يبدأ رحلة التغزل‬ ‫فى التوابل وشرح الفلسفة واالنطباع الخاصني بكل‬ ‫تابل‪ ،‬وال ينسى ذكر أهمية التوابل التاريخية والسيما‬ ‫حرب التوابل الشهيرة‪.‬‬ ‫يأخذنا «عبد الله» بطل الرواية من الخاص إلى األكثر‬ ‫خصوصية؛ فأن يتحدث شخص عن عاداته فى األكل‬ ‫ويحكى عن مدى شراهته وشهوانيته للطعام‪ ،‬فهو‬ ‫يغوص فى أعماق نفسه بل ويقوم بتعريتها‪ ،‬ألن هذا‬ ‫يعتبر من األشياء السرية التى ال يمكن البوح بها إال‬ ‫أمام املقربني كاألب واألم وربما الزوجة‪ .‬فنجد أننا‬ ‫ً‬ ‫–الشعوريا‪ -‬نحن من يتم تعريتنا من الداخل‪،‬‬ ‫كقراء‬ ‫وكأنه يتحدث عن أدق تفاصيلنا التى قد ال نحب‬ ‫التحدث عنها‪ ،‬وهذا فى رأيى من أهم املالمح التى‬ ‫أحدثت ً‬ ‫تماسا بني القارئ وروح الرواية‪.‬‬ ‫إيقاع الرواية هادئ ومتزن يشبه تسوية األرز؛ فعلى‬ ‫نار هادئة تتابع أحداث خمسة أيام من حياة البطل‬ ‫ٍ‬ ‫خط‬ ‫وهو فى مرحلة املراهقة‪ ،‬يتخللها «تقليب» فى ٍ‬ ‫ـواز يعرض حياة البطل بعد التخرج وأثناء عمله‬ ‫مـ ٍ‬ ‫وقصة حبه التى ُ‬ ‫الزواج‪ .‬وفى النهاية تتذوق‬ ‫كملها‬ ‫ي‬ ‫ُ‬ ‫الرواية وقد نضجت تمام النضج فتتمنى أن تأكلها‬ ‫مرة أخرى‪.‬‬

‫الصراحة‪ ،‬والنميمة‪ ،‬والنكات الفاحشة‪ ،‬وتقليد‬ ‫األقارب»‪ .‬وذلك ما قد يتمناه أى شخص فى صديقه‪.‬‬ ‫استخدم الكاتب لغة بسيطة معبرة عن حياة مراهق‬ ‫«عبد الله أو سيسكو"‪ ،‬التى تذكرنا بهولدن‪ ‬كوفيلد‬ ‫بطل رواية الحارس فى حقل الشوفان‪ ،‬مع الفارق بني‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫ساخطا‪ ،‬وسيسكو‬ ‫غاضبا‬ ‫الشخصيتني‪ ،‬فكوفيلد كان‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫حائرا‪ .‬وبرغم بساطة اللغة تجدها شاعرية‬ ‫محبا‬ ‫وعذبة‪ ،‬فلم يستطع عمر طاهر أن يخلع عباءة الشاعر‬ ‫وأفاض علينا بتشبيهات تجعل ما يصفه _على سبيل‬ ‫كقصيدة نثر‪.‬‬ ‫املثال_ من الطعام‬ ‫ِ‬ ‫وبسبب ضمير املتكلم الذى استخدمه عمر طاهر‬ ‫يظن البعض أنها سيرته الذاتية‪،‬‬ ‫ليكتب روايته‪ ،‬قد ً‬ ‫ولكنك قد تشعر _أيضا_ أنها سيرتك أنت‪ ،‬فبالرغم‬ ‫من أنه لم يذكر اسم املدينة التى هى مسرح األحداث‬ ‫فى مرحلة الطفولة‪ ،‬ستشعر عند القراءة أن ً‬ ‫كثيرا‬ ‫من تلك األحداث تخصك‪ ،‬وأن هناك شيء ما يشبه‬ ‫مرحلة ما من حياتك‪.‬‬ ‫>‬ ‫>‬ ‫>‬ ‫َ​َ‬ ‫جهة أخرى‪ ،‬ربما كان من األفضل لو ذكر اسم‬ ‫من ٍ‬ ‫ً‬ ‫مدينته ليضفى مزيدا من الخصوصية والصدق على‬ ‫أحداثه‪ ،‬ولتطبع املدينة روحها على صفحة الرواية‪.‬‬ ‫عندما َيسأل بطل الرواية نفسه‪ ،‬ماذا رأت عيناى‬ ‫ً‬ ‫أصل؟‬ ‫ستجد اإلجابة ‪-‬وإن اختلفت األماكن بها‪ -‬تلمس‬ ‫ذكريات طفولتك‪ ،‬وتأخذ بيدك إلــى املاضى فى‬ ‫طفل ولكن بعقل رجل‬ ‫ٍ‬ ‫جولة بانورامية‪ ،‬يسردها لسان ٍ‬ ‫ناضج‪ .‬ما يؤكد لنا أن عينا عمر طاهر كاميرا تلتقط‬ ‫أدق التفاصيل دون أن تنسى شيء كى ال يختل جمال‬ ‫ُ‬ ‫حترف ال يغفل‬ ‫الصورة‪ ،‬وأنه يمتلك مهارة رسام م ِ‬ ‫وضع ولو أدق التفاصيل‪ ،‬حتى وإن كانت مجرد قطرة‬ ‫مطر واحدة فى مكان ما فى لوحته ليعبر عن طقس‬ ‫اللوحة‪.‬‬ ‫وحينما يسأل ًنفسه‪ :‬ما هو ِّأجمل ما رأته عيناى؟‬ ‫ً‬ ‫وطبيبا يشخص حالته بمهارة‪ ،‬فيقول‪:‬‬ ‫ستجده فيلسوفا‬ ‫«القدرة على الرؤية تحتاج إلى سالم‪ ،‬وأنا أشعر بعدم الكتاب‪ :‬كحل وحبهان‬ ‫االرتياح معظم الوقت‪ ،‬وتؤملنى معدتى كلما اقترب املؤلف‪ :‬عمر طاهر‬ ‫منى التوتر‪ ،‬وهو يظهر لى ً‬ ‫دائما»‪ .‬ويدخل _بعد ذلك_ الناشر‪ :‬الكرمة‬

‫للفنانة ‪ :‬أسماء النواوى‬

‫فى الشارقة شىء أليف يوهمك أنها تستقبلك‬ ‫كما ودعتك آخر مرة‪ .‬أقول «يوهمك» ألن‬ ‫عالقتنا باملدن قائمة على الوهم واإليهام‬ ‫ً‬ ‫والحدس‪ ،‬ال نكاد نعرفها أبدا‪ ،‬بما فى ذلك (أو‬ ‫ربما على وجه الخصوص) مدننا األم‪ .‬كانت‬ ‫زيارتى للشارقة خاطفة هذه املرة‪ ،‬وصلتها‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫صباحا‪ ،‬وكانت‬ ‫فجرا وغادرتها فى اليوم التالى‬ ‫املناسبة حضور عرض فنى ساحر عنوانه «ألف‬ ‫ليلة وليلة‪ ..‬الفصل األخير»‪ ،‬وهو العرض الذى‬ ‫احتضنه مسرح املجاز الشهير ‪-‬املقام على نمط‬ ‫املسارح الرومانية‪ -‬فى اليوم العاملى للكتاب‪23 ،‬‬ ‫ً‬ ‫أبريل‪ ،‬احتفال باختيار الشارقة عاصمة عاملية‬ ‫للكتاب ‪.2019‬‬ ‫شارك فى هذا العرض‪ ،‬الذى حضرته باقة من‬ ‫الكتاب والدبلوماسيني والشخصيات الثقافية‬ ‫من مختلف أنحاء العالم‪ ،‬فنانون من ‪ 25‬دولة‪،‬‬ ‫ً‬ ‫واعتمدت مشاهده البصرية على ‪ 13‬فنا من‬ ‫فنون األداء‪ ،‬واملوسيقى واألكروبات وفنون‬ ‫ً‬ ‫أنواعا مختلفة من‬ ‫الضوء والظل‪ ،‬كما وظف‬ ‫الرقص مثل «بريك دانس»‪« ،‬هيب هوب» والرقص‬ ‫املعاصر وتعابير راقصة من الصني والهند‪،‬‬ ‫وتجاور فيه الغناء العربى بصوت سعاد ماسى‬ ‫مع الغناء واملوسيقى األرمنية وموسيقى التانجو‬ ‫األرجنتينية وغيرها‪ .‬كل هذا فى تناغم مدهش‬ ‫ضبط إيقاعه عزف أوركسترا مكونة من ‪51‬‬ ‫ً‬ ‫عازفا‪.‬‬ ‫ولعل أهم ما فى هذا العرض كان ًاملؤثرات‬ ‫الصوتية والبصرية القريبة أحيانا من «خدع‬ ‫ُ‬ ‫شاهد للتساؤل إن كان ما يراه‬ ‫سينمائية» تدفع امل ِ‬ ‫خداع بصر أم ماذا! فعلى خشبة املسرح تهب‬ ‫العواصف ويثور البحر ويبرق البرق ويظهر‬ ‫الراقصون كما لو أنهم يهزمون قانون الجاذبية‬ ‫َ‬ ‫فى بعض املشاهد‪.‬‬ ‫فى هذا العرض املشتبك مع «ألف ليلة وليلة»‬ ‫نرى شهرزاد فى آخر حياتها‪ ،‬تطلب من شهريار‬ ‫أن يجمع أبناءها الثالثة‪ ،‬فيروز وأمني وقادر‪،‬‬ ‫وتكلف كال منهم بمهمة تتطلب رحلة من نوع‬ ‫ما لجلب شىء محدد‪ .‬تنطلق األميرة فيروز إلى‬ ‫حديقة الدمع وتعود بقارورة حبر‪ ،‬ويبحر األمير‬ ‫قادر نحو الجزر الصامتة؛ حيث يتوقف الزمن‪،‬‬ ‫ويعود فى النهاية بريشة طائر الفينيق‪ ،‬ويذهب‬ ‫األمير أمني إلى الوديان القاحلة ويجيب عن عدد‬ ‫من األسئلة واألحجيات‪ ،‬يوجهها له جنى‪ ،‬ويعود‬ ‫بكتاب‪.‬‬ ‫فى النهاية تخبر شهرزاد أبناءها أن حكايتها‬ ‫األخيرة هى حكايتهم هم‪ ،‬وعليهم أن يواصلوا‬ ‫ما بدأته‪ ،‬فالكتاب هو ما يحوى املعارف كلها‪،‬‬ ‫والريشة والحبر هما أداتا الكتابة‪ .‬وإذا كانت‬ ‫«الليالى العربية» مخصصة ملديح فن الحكى‪ ،‬فإن‬ ‫هذا النص املشتبك معها ينبنى بدوره على محبة‬ ‫الحكايات والكتابة والكتب‪.‬‬ ‫تبقى اإلشارة إلى أنه باختيار الشارقة عاصمة‬ ‫عاملية للكتاب ‪ ،٢٠١٩‬تكون ثالث مدينة عربية‬ ‫تحظى بهذا اللقب بعد اإلسكندرية ‪2002‬‬ ‫وبيروت ‪.2009‬‬

‫م‪.‬ع‬

‫الشارقة‪ ..‬عاصمة عاملية للكتاب!‬


‫‪١٤‬‬

‫‪ ٥‬مايو ‪ ٢٠١٩‬العدد ‪١٣٤٥‬‬

‫‪٢٣‬‬

‫‪ ٥‬مايو ‪ ٢٠١٩‬العدد ‪١٣٤٥‬‬

‫يدخل إليها من باب الذكريات‪:‬‬

‫فاروق حسنى‬

‫يعود إلى أرض املعركة بعد رحيل خصومه!‬

‫ً‬ ‫ً‬ ‫وغالفا أنيقً ا‪ ،‬الكتب ليست للمباهاة وال لالستعراض الفارغ‪ ،‬عناوينها ليست‬ ‫وورقا‬ ‫حبرا‬ ‫الكتب ليست‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫فخاخا ناعمة محبوكا داخلها تصوراتنا عن األحداث‪ ،‬بعض الكتب‬ ‫مصيدة للقاريء ليشتريها‪ ،‬ليست‬ ‫كذلك‪ ،‬من حق أصحابها املكتوبة أسماؤهم بالبنط الفخم العريض أن يقولوا ما شاءوا‪ ،‬ثم لنا نحن القراء‬ ‫حق التصديق والتعليق والتأويل واحلوار‪.‬‬ ‫وإصدارا حلكم قبل القراءة‪ ،‬أمهد لوجهة نظر‬ ‫ا‬ ‫تزيد‬ ‫هذا‬ ‫يبدو‬ ‫كتاب!‬ ‫ما الداعى ملقدمة كهذه قبل عرض‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫عدائية ضد الكتاب وهو منطق يخالف العمل الصحفى والثقافى‪ ،‬لكن الكتاب الذى نحن بصدده ال يترك‬ ‫لك فرصة‪ ،‬منذ اللحظة األولى ال بد لك أن حتدد موقفك منه‪ ،‬مع أو ضد‪ ،‬هذا هو املنهج الذى تأسس‬ ‫كثيرا عن شخصية بطله‪ :‬الفنان فاروق حسنى وزير ثقافة مصر األسبق‪ ،‬الرجل‬ ‫عليه‪ ،‬منهج ال يختلف‬ ‫ً‬ ‫الذى كانت املعارك ظله الذى يأتنس به‪.‬‬

‫ياسر عبد احلافظ‬ ‫كثيرون سيقرأون كتاب «فــاروق حسنى يتذكر‪...‬‬ ‫زمن من الثقافة» بوجدانهم مثلما فعلت أنا‪ ،‬أولئك‬ ‫الذين كانوا الطرف اآلخــر من املعركة‪ ،‬الوزير‬ ‫َ‬ ‫عالم كانت‬ ‫ورجاله فى ناحية ونحن فى األخرى‪،‬‬ ‫املعركة؟ سألت نفسى قبل أن أفتح الكتاب‪ ،‬ألنك‬ ‫ما إن تغادر أرض معركة إال وهدفك نسيانها‪ ،‬وما‬ ‫جرى منذ ‪ 2011‬إلى اآلن كان له أكبر األثــر فى‬ ‫إغالق الكثير من امللفات على ما هى عليه‪ ،‬على‬ ‫الخالفات ووجهات النظر املتعارضة‪ ،‬من مع ومن‬ ‫ضد‪ ،‬على ذكرى من احترقوا فى مسرح‪ ،‬وعلى أثر‬ ‫راح فى غمضة عني‪ ،‬ولوحة بماليني ُسرقت‪ ،‬على‬ ‫سؤال‪ :‬ما الذى نريده من الثقافة؟ ما أهمية البناء‬ ‫واالفتتاحات بال مردود ثقافى حقيقى؟‬ ‫لكن فاروق حسنى لم ينس ولم يغلق امللف‪ ،‬حقه‬ ‫بالطبع‪ ،‬ومن يجادل‪ ،‬بغض النظر من على صواب‬ ‫ومــن على خطأ فهذه كانت معركة حياته التى‬ ‫عاما و‪ 3‬أشهر و‪ً 13‬‬ ‫قضى فيها «‪ً 23‬‬ ‫يوما» وفق‬ ‫حساب الكاتبة الصحفية والزميلة انتصار دردير‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫حوارا طويل مع الوزير األسبق نتج‬ ‫والتى أجرت‬ ‫عنه الكتاب الذى فضل حسنى أن يكون على هذا‬ ‫الشكل ألنه ال يحب «املونولوج فى الحديث‪ ،‬فمتعتى‬ ‫الحقيقية هى تحفيز اإلبداع من خالل عقل آخر‬ ‫يقوم بالبحث داخل عقلى»‪ ،‬هكذا جاء دور انتصار‬ ‫الــتــى «كــانــت املــحــرض واملحفز لكل ذكرياتى‬ ‫وحواسى بعد أن أبعدنى عنها القلم بطرفه املدبب‬ ‫الــذى سجن تفكيري"‪ ،‬ويكون ثمرة التعاون بني‬ ‫ملسات الريشة والقلم بطرفه املدبب هذا الكتاب‬ ‫«أسجل إعجابى بما قامت به هذه الكاتبة املوهوبة‬ ‫بحث دءوب‪ ،‬وإيجاد معظم الوثائق التى تعطى‬ ‫من ً‬ ‫تشويقا ً‬ ‫كبيرا لالسترسال فى القراءة‪ ،‬مع صياغة‬ ‫جمعت بني األدب وفن الحوار‪ ،‬مع الرصد والتحليل‪،‬‬ ‫والتوثيق»‪.‬‬ ‫لكن هــذه وجهة نظر الوزير األسبق فى العمل‪،‬‬ ‫فماذا عنا نحن؟ الحقيقة أنى بدأت قراءة الكتاب‬ ‫بال حسابات‪ ،‬والكلمة التى دونها الــوزيــر على‬ ‫غالفه الداخلى حــول البحر‪ ،‬والــنــداء الغامض‬ ‫ً‬ ‫بينهما‪ ،‬أوهمتنى أن الكتاب سيكون معتدل‪،‬‬ ‫ً‬ ‫إنسانيا‪ ،‬سينسى فاروق حسنى املنصب السابق له‬ ‫ً‬ ‫ما زال جالسا‬ ‫ويتحدث كفنان‪ ،‬لكنى فوجئت أنه ً‬ ‫على الكرسى لم يغادره‪ ،‬ما زال واقفا على أرض‬ ‫املعركة بكامل عدته وعتاده ومعه من يقرع طبول‬ ‫الحرب ويسمعنا قصائد الفخر والحماس «إن سجل‬ ‫فاروق حسنى الذى يرصده هذا الكتاب يوضح كيف‬ ‫خاض املعارك على جميع الجبهات‪ ،‬وكيف تصدى‬

‫لهجمات األعداء كما واجه نيران األصدقاء»‪.‬‬ ‫املقتطف السابق جزء من مقدمة ثانية للكتاب بقلم‬ ‫محمد سلماوى تحت عنوان «فاروق حسني‪ ..‬الفرس‬ ‫املتمرد» ومنذ سطورها األولــى تفهم روح هذا‬ ‫ً‬ ‫تماما لتنسى‬ ‫كاف‬ ‫الكتاب ومنهجه‪ ،‬السطر األول ٍ‬ ‫هذا البحر الذى تحدث عنه حسنى‪ ،‬ال بحر ًوال هدوء‬ ‫فى الكتاب «سوف يظل فاروق حسنى رمزا ً‬ ‫باقيا‬ ‫ً‬ ‫جالسا على‬ ‫عبر السنني للفن والثقافة‪ ،‬سواء كان ً‬ ‫مقعد الوزير بمكتبه فى الزمالك‪ ،‬أو واقفا يخلط‬ ‫ألوانه‪ »..‬هكذا يقول سلماوى فى بداية مقدمته‪ ،‬أمر‬ ‫عليك أن تضعه فى ذهنك كقارئ‪ ،‬وأنت تعرف أن‬ ‫الرموز ً‬ ‫دوما هناك من يسعى لهدمها‪ ،‬هناك من‬ ‫يشن عليها املعارك‪ ،‬أعداء من اتجاهات مختلفة‪:‬‬ ‫اإلخوان املسلمون‪ ،‬بعض املثقفني‪ ،‬قيادات الحزب‬ ‫الوطنى الحاكم‪ ،‬والتى يكشف عنها النقاب ألول‬ ‫مرة من خالل الكتاب كما يقول سلماوى‪ ،‬الحزب‬ ‫الحاكم الــذى لم ينضم حسنى لعضويته وظلت‬ ‫قياداته تعمل بدأب للقضاء عليه!‪.‬‬ ‫مقدمة سلماوى تقول ببساطة إن فاروق حسنى كان‬ ‫يعمل وحده فى عصر مبارك الذى ساده الجمود‬ ‫فى كل املجاالت»‪ ،‬ولو أن ما حدث فى الثقافة حدث‬ ‫فى املجاالت األخــرى لتغيرت الحياة فى مصر‬ ‫بشكل كامل‪ ،‬لكن ذلــك لم يحدث‪ ،‬وظــل فــاروق‬ ‫حسنى االستثناء الذى يثبت القاعدة»‪ .‬ليس هذا‬ ‫فقط‪ ،‬إنجاز فاروق حسنى من وجهة نظر سلماوى‬ ‫لم يتوقف فقط على أنه األبــرز واألهــم والوحيد‬ ‫فى عصر مبارك بل يتعداه إلى «وإذا كانت البالد‬

‫تخطو اليوم خطوات عمالقة على طريق اإلصالح‬ ‫وعلى طريق البناء والتشييد‪ ،‬فإن الصرح الذى‬ ‫بناه فاروق حسنى فى السنوات التى سبقت الثورة‬ ‫لم يستطع أن يطاوله أحد فى السنوات التى تلتها‪،‬‬ ‫وهذا الكتاب بلغة الفن هو (سكيتش) مبسط لهذا‬ ‫اإلنجاز»‪.‬‬ ‫هل يتحدث سلماوى عن بشر مثلنا يسير على‬ ‫األرض؟ ال‪ ،‬هو يتحدث عن فاروق حسني! ورغم‬ ‫ً‬ ‫هــذا قد يكون مقبول أن تكون هــذه وجهة نظر‬ ‫شخص فى الكتاب‪ ،‬على أن توازنها وجهات نظر‬ ‫أخرى‪ ،‬كتب السيرة سواء كتبها الشخص أو كانت‬ ‫على شكل حوار أو أى طريقة أخرى‪ ،‬ال بد لها من‬ ‫مقومات لالعتراف بها‪ ،‬خاصة إن كان كتاب سيرة‬ ‫ملسئول رفيع فى الدولة‪ ،‬ال بد من قدر كبير من‬ ‫الحساسية‪ ،‬ومن الضرورى أن ترى وجهات نظر‬ ‫اآلخرين وتتحاور معها‪ ،‬لكن على الضد من هذا‬ ‫فإن ما كتبه سلماوى‪ ،‬يشكل الرؤية األساسية‪ ،‬بل‬ ‫والوحيدة‪ ،‬التى انبنى عليها العمل من أوله آلخره‪،‬‬ ‫للتكريس لصورة وحيدة ً «أحد أهم وأنجح وزراء‬ ‫الثقافة فى مصر‪ ،‬محققا من اإلنجازات ما لم‬ ‫يحققه وزير آخر فى التاريخ املصرى الحديث»‪ .‬كما‬ ‫تختتم محاورته انتصار دردير مقدمتها‪.‬‬ ‫>>>‬ ‫من املهم التأكيد على أن انتصار درديــر بذلت‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫كبيرا فى إنجاز العمل‪ ،‬تحقق من خالل‬ ‫جهدا‬ ‫لغة الكتاب وأسلوبه‪ ،‬ولو لم يكن ملا أقرأه مردود‬ ‫واقعى داخــل نفسى لقلت إنــى استمتعت للغاية‬ ‫بقراءته‪ ،‬هناك بناء تصاعدى يشبه بناء الرواية‪،‬‬ ‫لدينا بطل هو فــاروق حسنى‪ ،‬وكلمة البطل هنا‬ ‫أقصدها بمعناها امللحمى‪ ،‬من البداية يرسم العمل‬ ‫مالمح هذا البطل‪ ،‬نشأته التى حملت إرهاصات‬ ‫االختالف والتفرد والتى كانت األم أول من ملحتها‬ ‫وشجعتها‪ .‬ترسم انتصار لوحات تذكرك باألعمال‬ ‫التراجيدية‪ ،‬هناك خيال ووعــى سينمائى يقود‬ ‫الكتاب من البداية إلى النهاية‪ ،‬يمكنك حتى أن‬ ‫تسمع املوسيقى من بني صفحات الكتاب‪ ،‬موسيقى‬ ‫أقل‪ ،‬أنشودة البهجة لبيتهوفن‪ ،‬عمل‬ ‫ً‬ ‫كالسيكية ال ً‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫تدريجيا وصول إلى‬ ‫يبدأ خافتا هادئا ويتصاعد‬ ‫الكريشندو‪.‬‬ ‫لكن‪ ،‬يكمن الضعف األســاســى فى البناء الذى‬ ‫تعمدته إنتصار فى املغاالة‪ ،‬فى النهاية لسنا بصدد‬ ‫رواية حتى لو استعارت شكلها‪ ،‬من املفترض أننا‬ ‫أمــام عمل توثيقى‪ ،‬واألعمال التوثيقية ال تخلط‬

‫نقالت متسارعة اإليقاع ملعالم ذلك العصر احلميم ومالمحه‬ ‫األثــيــرة‪ ،‬فأغنية ليلى مــراد عن معاودتها قــراءة «جوابات»‬ ‫احلبيب وكتابتها مراسالت له تستدعى أغنية «رجاء عبده"‪:‬‬ ‫«البوسطجية اشتكوا من كتر مراسيلي"‪ ،‬وتستدعى الديوان‬ ‫الشهير لعبد الرحمن األبــنــودى‪« ،‬جوابات حراجى القط"‪،‬‬ ‫وصوالً إلى أغنية جناح سالم‪« ،‬عاوز جواباتك"‪ ،‬فى تناسل‬ ‫اســتــدعــائــى لنصوص ذلــك الــزمــن وكــأ ّنــنــا إزاء «تــصــادي»‬ ‫نصوصى‪ ،‬فلكل نص صدى فى نص آخر قد يتشارك معه‬ ‫ويتماثل معه فى بعض التيمات ويتخالف معه فى تيمات‬ ‫أخرى‪.‬‬ ‫ومما تتداعى الذات الساردة فى بيانه «الغواية» التى تعنى‬ ‫«الهواية"‪ ،‬باعتبارها مبدأ حياة‪:‬‬ ‫الغواية حقا ال تقاوم‪ ،‬كنت أبتسم عندما أستمع إلى أغنية‬ ‫صباح‪ ..‬الغاوى ينقط بطاقيته تسلم لى عينه وعافيته‪...‬‬ ‫وبعدها تتدلل وهى متط الكلمة كأنها تتذوقها على مهل‪...‬‬ ‫الــغــاوي‪ ..‬عينى أصبحت تلتقط أى غـ ٍـاو وتنتبه له فتجده‬ ‫مجيدا فى غوايته‪ ،‬العب الكرة الشراب احلريف‪ ،‬جتده من‬ ‫فرط غوايته يقضى يومه بطوله فى الشارع فى لعب الكرة‬ ‫الشراب‪ ..‬الغاوى مزيكا جتده عازفا شاطرا متميزا‪ ..‬راقب‬ ‫معى وسترى صحة فكرتي‪ .‬من ال يغوى شيئا معينا يفقد‬ ‫الكثير من املتعة فى حياته‪ ،‬فالغواية سحر احلــيــاة‪ .‬وهى‬ ‫باللغة املتأنقة‪ ....‬الهواية‪ ،‬حتى لو لم يتميز املرء فى هوايته‪،‬‬ ‫فسيستمتع باحلياة وسيشعر مبعناها‪ .‬استمرت هوايتى‬ ‫للمسرح على مدى عمرى‪ ،‬عاوز أم ّثل؟‪ِ ..‬ل َم؟‪ ...‬ال أدرى‪ ،‬أم ّثل‬ ‫وخالص‪(.‬ص ص‪.)19 18-‬‬ ‫تبدو الذات الساردة فى استدعائها الذاكراتى لذلك العهد‬ ‫احلميم مسكونة بآثاره بأغانيه وممارساته وهو ما يتبدى‬ ‫فى التداعى املستمر وتكرارية لفظة «الغواية» ومشتقاتها‬ ‫واستمتاعا بها‪ ،‬وهو ما يجعل جلمل‬ ‫باعتبارها عش ًقا للحياة‬ ‫ً‬ ‫إيقاعا يساعد على تدفق لغة احلكي‪.‬‬ ‫السرد وغنائيته‬ ‫ً‬ ‫كما يــبــرز الــصــوت الــســارد تـ ــرددات الـــذات بــن خياراتها‬ ‫ومنشوداتها‪ ،‬ويعمل االلتفات باستعمال ضمير املخاطب‬ ‫هنا على استدعاء الصوت السارد للقارئ مبا يجعل الدفقة‬ ‫السردية كأ ّنها بوح حميم وحــوار يجريه السارد مع متلقيه‬ ‫االفتراضي‪.‬‬ ‫كسر اإليهام‬ ‫فى بعض املواضع من النص الروائى يخاطب الصوت السارد‬ ‫قارئه‪ ،‬كما فى حديثه عن اجلدة فى مستهل الرواية‪:‬‬ ‫و ِل َدت تقريبا فى جيل أم كلثوم وطه حسني وجنيب الريحانى‪،‬‬ ‫حتى تستطيع أيها القارئ العصرى أن تتمثلها فى ذهنك بقدر‬ ‫من احلميمية‪ .‬ال تغادر بيتها املطمئن فى شارع جزيرة بدران‬ ‫بأول شبرا‪ ،‬شبرا أيضا‪ ،‬نعم‪ ،‬ال تغادره بسبب ضعف ركبتيها‬ ‫وصعوبة حركتها مع استحالة صعود السلم للدور الرابع حيث‬ ‫تستقر شقتها‪( .‬ص‪.)5‬‬ ‫يستعمل السرد هذه الوسيلة املسرحية فى األساس‪ ،‬مبخاطبة‬ ‫القارئ‪ ،‬مبا يناظر مخاطبة املتلقى لكسر احلاجز الرابع فى‬ ‫املسرح‪ ،‬رمبا للمسافة الزمكانية بني عصرين اختلف بينهما‬ ‫املكان وتبدلت مالمحه‪ ،‬وكأن السارد ال يريد ملتلقيه وقارئه‬ ‫التماهى مع أحداث القص بشكل مفرط‪.‬‬ ‫السخرية‬ ‫من الوسائل التعبيرية التى يستعملها السرد فى رواية «صافينى‬ ‫مرة» فى أداء رسائله جلوء السارد أحيا ًنا إلى السخرية‪:‬‬ ‫أراد الرئيس عبد الناصر زيادة عدد الطلبة املقبولني باجلامعات‬ ‫حتقيقا ملجانية التعليم على أصولها‪ ،‬لم يكن عنده أماكن كافية‬ ‫باجلامعات وال ميزانيات لبناء فصول تستوعب املقبولني‪ ،‬لم‬ ‫تعطله هذه العقبات فقرر أن يقبل الطلبة املتقدمني بأى أعداد‬ ‫ويحشرهم فى األماكن املتاحة‪ ،‬يعنى مببدأ لقمة هنية تكفّى‬ ‫مِ ّية‪ ،‬أو حصيرة الصيف واسعة‪(.‬ص‪.)45‬‬ ‫متثل السخرية طريقة أداء بالغية ووسيلة نفسية متارسها‬ ‫الذات فى مواجهة واقع ال ترضاه‪ ،‬قد فقد املنطق‪ ،‬واقع ال‬ ‫تستطيع الذات تغييره أو تعديله وتبدو مضطرة لتق ّبُله‪ ،‬كما‬ ‫يلعب التعبير الساخر‪ ،‬هنا‪ ،‬الذى يُ َّ‬ ‫وظف فيه أمثلة مأثورة‬ ‫وحك ًما شعبية‪ ،‬دو ًرا أشبه باملوازاة االستعارية‪.‬‬ ‫الكتاب‪ :‬صافينى مرة‬ ‫املؤلف‪ :‬نعيم صبرى‬ ‫الناشر‪ :‬دار الشروق‬

‫أمجد ناصر‬ ‫صدرت حديثاً عن‪ ‬منشورات املتوسط‪ ‬ــ إيطاليا‪،‬‬ ‫مجموعة شعرية جديدة للشاعر األردنى‪ ،‬املقيم فى‬ ‫لندن «أمجد ناصر»‪ ،‬حملت عنوان‪« :‬مملكة آدم»‪.‬‬ ‫ِ‬ ‫األحدث هذا‪ ،‬يُساجل أمجد ناصر‪ ،‬التراث‬ ‫فى عمله‬ ‫امليثولوجى للجحيم‪ ،‬وسواه فى الواقع‪ ،‬لكن من ٍ‬ ‫مهاد‬ ‫ٍ‬ ‫أرض البشر‪ ،‬أو كما جاء‬ ‫بانورامية أولى كبرى‪ ،‬هى‬ ‫ُ‬ ‫فى مقدمة الناقد واملترجم السوري‪ ‬صبحى حديدي‬ ‫للكتاب‪ :‬هذه‪ ،‬املعاصرةُ على وجه التحديد‪ ،‬شهدت‬ ‫العذاب‬ ‫ني‬ ‫جحيم ال تتف َّو ُق على خوارقِ‬ ‫ِ‬ ‫وتشه ُد أفان َ‬ ‫ٍ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫اجلحيم التى ص َّورتْها املخ ّيل ُة‬ ‫تنويعات‬ ‫مختلف‬ ‫فى‬ ‫ِ‬ ‫ُّصوص‬ ‫ن‬ ‫وال‬ ‫ر‬ ‫األساطي‬ ‫بها‬ ‫دت‬ ‫توع‬ ‫أو‬ ‫اإلنسانية‪،‬‬ ‫ّ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫تتحدى أقصى ما‬ ‫املق ّدس ُة‪ ،‬فحسب؛ بل لعلّها‪ ،‬أيضاً‪،‬‬ ‫َّ‬ ‫ُ‬ ‫طاقات استحضار َّ‬ ‫ِ‬ ‫ميلك التخيي ُل من‬ ‫الش ِّر‪ ،‬ومتثيلِ‬ ‫القسوة‪ ،‬واستكنا ِه األلم‪ ،‬وجتسيدِ املوت‪ .‬وهذا ما يفعل ُ ُه‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫أمجد ناصر هنا‪ ،‬على امتدادِ‬ ‫جحيمية‪،‬‬ ‫طبقات‬ ‫سبع‬ ‫ِ‬ ‫يدير فى ٍّ‬ ‫ٍ‬ ‫دي‬ ‫إنساني‬ ‫اشتباك‬ ‫كل منها بني َة‬ ‫وأخالقي‪َ ،‬ف ْر ٍّ‬ ‫ٍّ‬ ‫ٍّ‬ ‫تخييلي‪ ،‬فى ٍآن معاً؛‬ ‫ومجازي‬ ‫‪،‬‬ ‫ملموس‬ ‫ي‬ ‫د‬ ‫ما‬ ‫عي‪،‬‬ ‫ٍ‬ ‫ِّ‬ ‫ٍّ‬ ‫ٍّ‬ ‫َ‬ ‫ٍّ‬ ‫وج ْم ٍّ‬ ‫اشتغاالت ّ‬ ‫ٍ‬ ‫خلقة‪ ،‬الستقصاءِ‬ ‫ولك ْن‪ ،‬دائماً‪ ،‬ضم َن إطار‬ ‫ِّ‬ ‫معادالت ِّ‬ ‫َ‬ ‫خلف هذه البنى املشتبكةِ‬ ‫والشعرِ َّيةِ‬ ‫ِ‬ ‫الشعرِ‬ ‫واملتشابكة‪.‬‬ ‫لكن جحي َم أمجد ناصر ليس منشأ ًة ميتافيزيقي ًة أو‬ ‫ّ‬ ‫ً‬ ‫إبالغهِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫واإلحلاح على‬ ‫«اهلل»‬ ‫ة‬ ‫مفرد‬ ‫م‬ ‫رغ‬ ‫‪،‬‬ ‫ة‬ ‫ماورائي‬ ‫تكرارِ‬ ‫َ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫اإلشارات إلى‬ ‫مبا يجرى فى مملكةِ مخلوقِ هِ آدم‪ ،‬ورغ َم‬ ‫وإبليس وصعودِ الشاعرِ املتكلِّ ِم فى القصيد ِة‬ ‫عزرائي َل‬ ‫َ‬ ‫حداداً‬ ‫«إلى ِعلِّ ِّي ْي»‪ ،‬غير م ّيت‪َ ،‬ح َّياً‪ ،‬وجاه ً‬ ‫ال‪ ،‬إ ْن كان َّ‬ ‫أم ّ‬ ‫جناراً أم ميكانيكياً أم شاعراً‪ ،‬وظا َّناً أن ُه رسو ٌل غي ُر‬ ‫إلهي! ولهذا فإنّ ما تستكش ُف ُه قصيدةُ أمجد ناصر من‬ ‫ٍّ‬ ‫غيبي‬ ‫مفهوم‬ ‫ِ‬ ‫مراتب الشقاءِ وطبقاتِهِ ال يندر ُج فى أيِّ‬ ‫ٍّ‬ ‫ٍ‬ ‫العقاب فى احليا ِة اآلخرة‪ ،‬بل هو مثا ٌل من أرض‬ ‫عن‬ ‫ِ‬ ‫البشر فى عصرِ نا‪ ،‬تُنشئة أجهزةُ االستبدادِ والفسادِ‬ ‫واجلشع والهيمنة؛ بل ليس ث ّم َة مبالغة فى القول إنّ‬ ‫ِ‬ ‫اإلشارات‬ ‫السور ّي َة هى ميدانُ ُه ومشهد ّيتُهُ‪.‬‬ ‫ُ‬ ‫املأساةَ ّ‬ ‫فى هذا الصددِ كثيرةٌ وجل ّي ُة املغزى‪« :‬البرامي ُل التى‬ ‫تس ُ‬ ‫ؤوس كامل َ َطر الذى أرسل َ ُه اهللُ إلى‬ ‫اقط على ال ُّر ِ‬ ‫َّ‬ ‫والساري َن فى مملكةِ‬ ‫د‬ ‫و«بال‬ ‫أخرى»‪،‬‬ ‫مم‬ ‫البراميلِ‬ ‫ُ‬ ‫َّ‬ ‫أُ ٍ‬ ‫آدم»‪َ ،‬‬ ‫تي واملساميرِ‬ ‫و«خ َزنَة البراميلِ املع َّبأ ِة بـ التى إن ْ‬ ‫وأنصالِ السكاكني»‪ ،‬و«األب باولو دالوليو»‪.‬‬ ‫هي‪ ‬رسال ُة ّ‬ ‫اللغفران‪ ‬التى يُرسلها أمجد ناصر إلى‬ ‫األرضي وضحاياه‪ ،‬وشقائِنا‬ ‫جحيمنا‬ ‫عصرِ نا‪ ،‬حول‬ ‫ِّ‬ ‫البشريِّ وصانعيهِ ‪ ،‬وحو َل مملكةِ آدم «حيثُ صارت‬ ‫مصاصى الدماءِ ‪ /‬أَ َكلَةِ ُ ُ‬ ‫وم‬ ‫الكلم ُة للزّومب ِّي ْي‪َّ /‬‬ ‫ل ِ‬ ‫ِ‬ ‫الصب َيةِ الصغارِ ‪/‬‬ ‫بى‬ ‫غتص‬ ‫م‬ ‫‪/‬‬ ‫األعراض‬ ‫البشر‪َ /‬هاتِكِ ى‬ ‫ِّ‬ ‫ِ ُ‬ ‫رجالِ اخلازوقِ والكراسى الكهربائيةِ ‪ُ /‬مح ِّولى ال ُق ُرودِ‬ ‫بشر‪ ،‬والعكس‪ /‬عا ّقى آبائِهم وأ ّمهاتِهم‪ /‬الذين‬ ‫إلى ٍ‬ ‫َ‬ ‫التشريح»‪ .‬بيد‬ ‫فى‬ ‫سريع‬ ‫س‬ ‫ر‬ ‫د‬ ‫ك‬ ‫ؤوس‬ ‫ر‬ ‫ال‬ ‫ٍ‬ ‫َ‬ ‫يقطعون ّ َ‬ ‫ْ‬ ‫ٍ‬ ‫ِ‬ ‫ّ‬ ‫سج َل نقل ًة‬ ‫ي‬ ‫لكى‬ ‫إل‬ ‫َب‬ ‫ت‬ ‫ك‬ ‫ي‬ ‫لم‬ ‫هذا‬ ‫ع‬ ‫ُ ِّ‬ ‫ُ‬ ‫ّص البدي َ‬ ‫أنّ الن َّ‬ ‫ِّ‬ ‫ةِ‬ ‫املقام‬ ‫فى‬ ‫ي‬ ‫الش‬ ‫ناصر‬ ‫أمجد‬ ‫جتربة‬ ‫ن‬ ‫ضم‬ ‫متق ّدم ًة‬ ‫عرِ‬ ‫َ‬ ‫َّ‬ ‫ِ‬

‫فى مملكة آدم‬

‫ٍ‬ ‫األ ّول‪ ،‬بل إنّ إنتا َج قصيدةٍ‬ ‫الهاجس األش ُّد‬ ‫رفيعة هو‬ ‫ُ‬ ‫ِ‬ ‫عطيات العمل الف ِّن َّيةِ ؛ أل ّنه إمنا يبدأ ُ من‬ ‫بروزاً فى ُم‬ ‫ٍ‬ ‫بالغة فى امل َ ْعنى واملَبْنى‪ ،‬تُع ِل ُن ِش ْعر َّيتَ َها العالي َة على‬ ‫َّص النبيلةِ ‪ ،‬األخالقيةِ‬ ‫ِ‬ ‫ن‬ ‫ال‬ ‫لنبرات‬ ‫ح‬ ‫تا‬ ‫ي‬ ‫فال‬ ‫الفور‪،‬‬ ‫ِّ‬ ‫ُ ُ‬ ‫والعاطفيةِ والفلسفيةِ ‪ ،‬وال األهوالِ اجلحيميةِ‬ ‫وبواطنه‪ ،‬أن ت ِ‬ ‫ِ‬ ‫ُبط َئ ارتقا َء‬ ‫الطاغيةِ على سطوح املَعنى‬ ‫اجلماليات ِّ‬ ‫ِ‬ ‫الش ْعرِ َّيةِ فى ُمستوياتِها املُختلفةِ واملُتكاملة‪.‬‬ ‫جته ُد «مملكة آدم» كثيراً لكى يتماهى القارئُ مع‬ ‫جحيمِ ها‪ ،‬ولكى يكو َن شريكاً فى إعاد ِة إبصارِ أهوالِهِ ‪،‬‬ ‫ابتداع مخ ّي ٍلة أو‬ ‫بوصفها سم َة عصرِ نا‪ ،‬وليست نتا َج‬ ‫ِ‬ ‫ديني‪ .‬وهذا‪ ،‬تالياً‪ ،‬عم ٌل ِش ْعرِ ٌّي فري ٌد‪،‬‬ ‫أسطورةٍ أو ٍّ‬ ‫نص ٍّ‬ ‫بص ُر عيانياً ومسرحياً وسينمائياً؛‬ ‫ي‬ ‫بل‬ ‫ال يُق َرأ فقط‪،‬‬ ‫ُ َ‬ ‫ويُس َمع أيضاً‪ ،‬واستطراداً‪ ،‬ألنّ عماراتِهِ اإليقاعي َة ال‬ ‫عجل‪ ،‬وال تض ُّخ األناشي َد قارع ًة‬ ‫تُدغد ُغ اآلذا َن على‬ ‫ٍ‬ ‫ٌّ‬ ‫َ‬ ‫واختراقي‪،‬‬ ‫ح‬ ‫وجار‬ ‫ذ‬ ‫ف‬ ‫‪،‬‬ ‫ع‬ ‫رفي‬ ‫ي‬ ‫ع‬ ‫ش‬ ‫رِ‬ ‫ٌّ‬ ‫ٌ‬ ‫ٌ‬ ‫ُمنذِ َر ًة‪ .‬إنه بيا ٌن ِ ْ‬ ‫ٌّ‬ ‫لكنه أيضاً‬ ‫ٌ‬ ‫رهيف وجدانياً‪ ،‬ونبي ٌل إنسانياً‪ ،‬و ُمنحا ٌز‬ ‫َّ‬ ‫ِ‬ ‫الفظاعات التى‬ ‫أخالقياً؛‬ ‫يتوغ ُل عميقاً فى أنساقِ‬ ‫األرضي‪ ،‬وصارت‬ ‫اجلحيم‬ ‫و‬ ‫صن‬ ‫باتت‬ ‫البشريِّ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ِ‬ ‫ِّ‬ ‫ُ‬ ‫السور َّي ُة مثالَ َها األ ّو َل‪ ،‬وأمثولَتَها العليا‪.‬‬ ‫ة‬ ‫املأسا‬ ‫ُّ‬ ‫كما جاء فى قراءة الكاتب والشاعر اللبناني‪ ‬ع ّباس‬ ‫بيضون‪ ‬ملا نُشر من «مملكةِ آدم» فى العدد األول من‬ ‫يخوض أمجد فى القدر‬ ‫مجلة «براءات» الشعرية‪:‬‬ ‫ُ‬ ‫والنِّهاية وال َّ‬ ‫َّ‬ ‫امللح َمة‪،‬‬ ‫فى‬ ‫يخوض‬ ‫ه‬ ‫ن‬ ‫إ‬ ‫أى‬ ‫ير‬ ‫المعنى وامل َ ِص‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫ِ‬ ‫مشارف وق َم ٍم‬ ‫نقف على‬ ‫ونح ُن نقرأ ونشع ُر بأ َّننا‬ ‫ملحمية‪ ،‬فنحن ال نصل إلى ال َّ‬ ‫ٍ‬ ‫السلب‬ ‫الشيء وإلى ّ‬ ‫وض فى أغوار فاغرة‪ ،‬إال بعد‬ ‫املُطلق‪ ،‬إال بع َد أن نخُ َ‬ ‫السراب وعلى‬ ‫أن من َّر على اجلميع وعلى املنفى وعلى َّ‬ ‫الن ِ‬ ‫حرب اإلنسان مع نفسه‬ ‫ِّهايات املُظلمة‪ .‬نح ُن هنا فى‬ ‫ِ‬ ‫وحربه مع قدره‪ ،‬وحربهِ مع الكون‪ ،‬ومع تهاوى معناه‬ ‫وصيرور ِة ك ِّل شيءٍ إلى نفى عارم‪.‬‬ ‫ِ‬ ‫بالكلمات‬ ‫فى ُمط َّولته امللحمِ ية يخوض أمجد ناصر‬ ‫ُْ‬ ‫امل َكمة‪ ،‬ما ميكن أن يكو َن عمار ًة من الن ِ‬ ‫ِّهايات ومن‬ ‫ٍ‬ ‫معركة كونية‪ ،‬فى ِسفر‬ ‫املصائر واألقدار‪ .‬إ َّنه فى‬ ‫كونى وفى صراع بني األركان واملصائر‪ ،‬وبني املعانى‬ ‫المعانى‪ ،‬وبني الوجود وال َّ‬ ‫وال َّ‬ ‫الوجود لدرجةِ أن هذا‬ ‫النَّص يبْنى على الريح معركة سدميية وبال حدود‪ .‬إ َّننا‬ ‫فع ً‬ ‫نص أمجد ناصر قصير‬ ‫ال فى قلب امللحمة‪ ،‬ولو أنَّ َّ‬ ‫بالقياس إلى امللحمة إ َّال أنَّ كونية هذا النص تُوازى‬ ‫ُ‬ ‫تقاطعاتِها وقدرته على النَّفى‬ ‫ملحم ًة كاملة‪ ،‬بل إنَّ‬ ‫بالسلب‪ ،‬الكتابة باخلواء ُ ْ‬ ‫امل َكم‪ ،‬جتع ُل من‬ ‫والكتابة‬ ‫ّ‬ ‫وتناسقِ ه وامتداده طابقاً‬ ‫ِه‬ ‫ت‬ ‫م‬ ‫واستقا‬ ‫سويته‬ ‫فى‬ ‫النَّص‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫بعد طابق وركناً بعد ركن معماراً حقيقياً وملحمة‬ ‫موجزة‪.‬‬ ‫الكتاب‪ :‬مملكة آدم‬ ‫الشاعر ‪ :‬أمجد ناصر‬ ‫الناشر‪ :‬املتوسط ـ ايطاليا‬


‫‪٢٢‬‬

‫‪ ٥‬مايو ‪ ٢٠١٩‬العدد ‪١٣٤٥‬‬

‫‪١٥‬‬

‫‪ ٥‬مايو ‪ ٢٠١٩‬العدد ‪١٣٤٥‬‬

‫صافينى مرة‪:‬‬

‫سرد‬

‫النفس الطويل‬

‫د‪ .‬رضا عطية إسكندر‬

‫طرحا‬ ‫تأتى رواية «صافينى مرة» للكاتب نعيم صبرى لتقدم لنا‬ ‫ً‬ ‫استعاد ًّيا لزمن يبدو حمي ًما من حياتنا املعاصرة‪ ،‬حقبة شهدت‬ ‫عديدًا من التحوالت‪ ،‬األحالم الكبرى واإلحباطات املدوية‪،‬‬ ‫من منتصف اخلمسينيات حيث أحــام الصعود للمجتمع‬ ‫املصرى والتق ّدم للدولة املصرية مرو ًرا بحادثتى الوحدة مع‬ ‫سوريا واالنفصال عنها‪ ،‬ثم احلدث املفصلى اجللل‪ ،‬هزمية‬ ‫يونيو ‪ ،1967‬واحلقبة الساداتية التى انتهت بأزمات اقتصادية‬ ‫وطائفية كبرى‪ ،‬يتضافر مع هذا فى تشكيل النسيج السردى‬ ‫حكاية بطل الــروايــة بني أحالمه فى احلياة وقصصه فى‬ ‫احلب‪ ،‬جناحاته وإخفاقاته‪.‬‬ ‫يستلهم النص الروائى عنوانه من أغنية شهيرة لعبد احلليم‬ ‫حافظ‪« ،‬صافينى مــرة"‪ ،‬تعود بنا إلى فترة حميمية‪ ،‬حيث‬ ‫خمسينيات القرن العشرين‪ ،‬وكأن البث احلكائى هو عملية‬ ‫«تصايف» تقوم بها الذات ببوحها املتدفق واجترارها االستعادى‬ ‫لفيض من الذكريات واملشاهد العالقة بالذاكرة‪.‬‬ ‫السرد ووجوه التاريخ‬ ‫إذا كانت القراءة الثقافية لألدب والطرح املاركسى ينظران‬ ‫نصا تاريخ ًّيا‪ ،‬على نحو أو آخر‪،‬‬ ‫إلى النص األدبى باعتباره ً‬ ‫ولو بشكل غير مباشر‪ ،‬ال مبعنى أ ّنه وثيقة تاريخية مبفهومها‬ ‫الصارم‪ّ ،‬‬ ‫وإنــا مبعنى أنّ النص األدبــى هو انعكاس لسياق‬ ‫تاريخى وثقافى للعصر الذى تدور فيه أحداثه‪ -‬فإنّ السرد‬ ‫فى روايــة «صافينى مــرة» يبدو معن ًّيا بتمظهرين للتاريخ‪:‬‬ ‫الــتــاريــخ فــى أحــداثــه الكبرى ووقــائــعــه الــفــارقــة‪ ،‬األح ــداث‬ ‫السياسية الكبرى‪ ،‬والتاريخ كسياق اجتماعى وثقافى بإبراز‬ ‫مالمح عصر ما وطريقة العيش فيه‪.‬‬ ‫>>>‬ ‫يبدو السرد معن ًّيا فى رواية «صافينى مرة» بإبراز احملطات‬ ‫الفارقة فى تاريخ مصر فى فترة ما بعد ثورة يوليو ‪:1952‬‬ ‫ً‬ ‫وهبوطا بتوتر‬ ‫فترة الستينيات لعبت مبشاعر جيلنا صعو ًدا‬ ‫عنيف‪ .‬بناء السد العالى فى بدايتها وشعور الزهو الوطنى‬ ‫الــذى أضيف للزهو القومى بالوحدة مع سوريا‪ .‬القوانني‬ ‫االشتراكية ومعانى املساواة والعدالة االجتماعية التى كنا‬ ‫قد بدأنا فى التعلق بها مع بدايات قراءتنا الثقافية وتكون‬ ‫معارفنا األساسية‪ .‬ثم فجأة االنفصال وتداعى أمل الوحدة‬ ‫العربية التى غرسها عبد الناصر فى قلوبنا منذ منتصف‬ ‫اخلمسينيات‪ .‬اخلطة اخلمسية األولى واجلدل احملتدم حول‬ ‫التصنيع الثقيل‪ ،‬وغناء عبد احلليم له‪ ،‬لألفراح والرفاهية‪...‬‬ ‫حنمد طريق َع النيل‪ ،‬اسمه فــى االشــتــراكــيــة‪ ...‬التصنيع‬ ‫التقيل‪ ،...‬ثم حرب اليمن ومشاعرها املتضاربة‪ ،‬زهو قومي‪...‬‬ ‫قلق وطني‪ ...‬حيرة وتيه‪ ...‬آالف اجلنود املصريني يُبعث بهم‬ ‫تباعا‪( .‬ص‪.)34‬‬ ‫إلى اليمن ً‬ ‫يجمع الصوت الــســارد فى النص ما بني الصوت الفردى‪،‬‬ ‫صوت بطل الرواية‪ ،‬وصوت اجلماعة‪ ،‬اجليل الذى صعد فى‬ ‫خمسينيات وستينيات القرن العشرين الذى عاين حتوالت‬ ‫إيقاعا داف ًقا‪ ،‬كما يضمن السرد‬ ‫كثيرة فارقة‪ ،‬ما يجعل للنص‬ ‫ً‬ ‫استدعاءات تناصية لنصوص أغــان لهذه الفترة كنصوص‬ ‫عالمات على هذه الفترة فى ربط العصر وأحداثه الكبرى‬ ‫بسياقاته الثقافية املؤطرة له‪.‬‬ ‫يكشف الصوت السارد فى رواية «صافينى مرة» عن أنّ ثمة‬ ‫غير وجه للتاريخ‪ ،‬مبعنى أنّ احلكاية املسرودة معنية برواية‬ ‫تاريخ آخر يتجاوز الرواية اخلاصة بالتاريخ الرسمي‪:‬‬ ‫احلكايات الصغيرة التى حتدث بني السطور وال ينتبه إليها‬ ‫التاريخ عظيمة القيمة عندى‪ ،‬فهى الناس البسيطة‪ ،‬وليست‬ ‫الناس البارزة واحلكام الذين يهتم التاريخ بسيرهم وأخبارهم‪،‬‬

‫سأحكى ألحــفــادى وسأحكى ســواء فهموا أم لــم يفهموا‪،‬‬ ‫فسيجيء يوم يفهمون فيه ويعرفون قيمة حكايات زمان التى ال‬ ‫تذكرها كتب التاريخ‪( .‬ص‪.)12‬‬ ‫تتبدى عناية الطرح احلكائى برواية تاريخ آخر‪ ،‬غير التاريخ‬ ‫السياسى للجماعة الرسمية‪ ،‬إنه تاريخ اجلماعة الشعبية‪،‬‬ ‫فكأن السرد معنى باستجالء ظالل التاريخ وخلفيات العصر‬ ‫الثقافية وتل ّ ُمس السياقات االجتماعية التى تكتنف األحداث‬ ‫التاريخية الكبرى‪ ،‬التاريخ فى ثناياه الدقيقة وتفاصيله‬ ‫الصغيرة‪.‬‬ ‫شعرية األشياء والتفاصيل الدقيقة‬ ‫تنبنى رواية «صافينى مرة» فى تشكيلها السردى على تدفق‬ ‫مستمر فى سرد التفاصيل الدقيقة ووصف األشياء التى يت ّكون‬ ‫منها الفضاء احلكائى‪ ،‬كما فى املقطع االفتتاحى للرواية‪:‬‬ ‫صافينى مرة‬ ‫وجافينى مرة‬ ‫تنسنيش كده باملرة‪......‬‬ ‫وال َ‬ ‫صافينى مرة‪ ...‬وجافينى مرة‪......‬‬ ‫َخ َر َجت من غرفتها املطلة على الصالة املستطيلة الشكل‪،‬‬ ‫تتوكأ على ضعف ركبتيها وهــى تستند بإحدى يديها إلى‬ ‫ترابيزة السفرة التى متاثل الصالة فى استطالتها وتتوسطها‪،‬‬ ‫وبــيــدهــا األخـــرى على البوفيه املــجــاور لــبــاب الــشــقــة‪ ،‬فى‬ ‫طريقها إلى الطرقة املؤدية إلى املطبخ واحلمام والكابينيه‬ ‫أو املرحاض‪ .‬بيوت زمان كان معظمها بكابينيه منفصل عن‬ ‫احلمام‪ ،‬البيوت ذات األسقف العالية والبراح فى كل شىء‪.‬‬ ‫امرأة مصرية ممتلئة اجلسم كالعادة‪ ،‬ارتقت سنوات عمرها‬ ‫املتتابعة منذ نهاية القرن التاسع عشر وحتى ما بعد منتصف‬ ‫القرن العشرين‪ ،‬لتصل إلى مرتبة اجلدة‪ .‬تيته مرمي‪ ،‬أو الست‬ ‫أم حنا‪ ،‬كما اعتاد الناس أن ينادوا الستات فى مصر بأسماء‬ ‫حترجا من ذكر أسماء النساء على املأل‪.‬‬ ‫أبكارهن الذكور‪،‬‬ ‫ً‬ ‫(ص‪.)5‬‬ ‫يبدو السرد فى مستهل الــروايــة كمشهد سينمائى‪ ،‬يجمع‬ ‫املكون الصوتي‪ :‬األغنية اخلمسينية التى تعبر عن جدل‬ ‫بني ِ ّ‬ ‫العالقة مع اآلخــر واملـ ِ ّـكــون البصري‪ :‬حركة اجلــدة‪« ،‬تيتة‬ ‫مرمي"‪ ،‬وعناصر املكان وأشياءه وارتباطها بذلك العصر حيث‬ ‫الفساحة واالتساع والبراح‪ ،‬فثمة عناية سردية باألوصاف‬ ‫الزمكانية التى ت ِ ّ‬ ‫ُشكل مسرح السرد‪ ،‬كما تعضد النثريات‬ ‫الصغيرة واحلــركــات الدقيقة التى يبرزها السرد شعرية‬ ‫احلكى وتدعم واقعيته‪.‬‬ ‫وال يفوت السرد أن يبرز ً‬ ‫بعضا من مالمح الشخصية املصرية‬ ‫كما فى جتنب مناداة النساء بأسمائهن‪ ،‬فيعرج السرد على أدق‬ ‫الصفات فى الشخصية املصرية كما يقول الصوت السارد‪:‬‬ ‫أنا باموت فى العامية املصرية‪ ،‬يعنى باحب العامية املصرية‬ ‫ج ــدا‪ ...‬تــرى مــا الصلة بــن املــوت واحلـ ــب؟‪ ...‬ملــاذا يربط‬

‫املصريون بني احلب واملــوت؟‪ ..‬والضحك واملــوت؟‪ ..‬حاموت‬ ‫من الضحك‪ ..‬هل هى محاولة من محاوالتهم الدءوب لقهر‬ ‫املوت بجعله مراد ًفا للحب والضحك؟‪ ...‬يجوز‪ ...‬فقد قلبوا‬ ‫مقابرهم إلى أماكن مريحة عامرة باملأكل واملشرب وامللبس‪..‬‬ ‫(ص‪.)13‬‬ ‫يجرى السرد عبر صوت السارد عديدًا من األسئلة الوجودىة‬ ‫الكبرى‪ ،‬على بساطة طرق طرحها‪ ،‬مبا يبرز مكونات الشخصية‬ ‫املصرية ويكشف عن طرائق تفكيرها ووسائل وعيها باحلياة‬ ‫ورؤيتها للعالم؛ كما فى اللعب اللغوى الذى متارسه الشخصية‬ ‫اجلمعية املصرية إزاء املوت بجعله مراد ًفا للحب أو التمادى‬ ‫فى الضحك‪ ،‬وكــأنّ اللغة الشعبية املصرية تسير بأسلوب‬ ‫مقاوم حلضورات املوت فى اللغة الرسمية متا ًما كما فعلوا‬ ‫مبقابرهم‪.‬‬ ‫بنية التمدد السردى‬ ‫يأتى السرد فى رواية «صافينى مرة» ممتدًا ومتمدد البنية‪،‬‬ ‫فى تدفق مستمر‪ ،‬بال تقسيم إلــى فصول‪ ،‬وهــو‪ ،‬بالطبع‪،‬‬ ‫مغامرة‪ ،‬فقد يحتاج املتلقى بعض وقفات اللتقاط األنفاس‪،‬‬ ‫ولكن السرد يبدو كرغبة فى االنطالق البوحى واالنهمار‬ ‫ّ‬ ‫احلكائى‪ ،‬لذا يبدو السرد فى رواية «صافينى مرة"بتبدياته‬ ‫الغنائية معتمدًا على «التداعي» احلكائى‪ ،‬فيقول الصوت‬ ‫السارد فى الرواية عن هذه املرحلة األثيرة الساكنة فى وعى‬ ‫الذات من عهدى الصبا والشباب‪:‬‬ ‫جواب حبيبى بخط إيده‪ ..‬قريته‬ ‫وكل ما أقراه أعيده أعيده‪...‬‬ ‫علي‬ ‫باكتب لك جوابات واستنى ترد َّ‬ ‫وابعت لك سالمات أغلى من ننى عن ّيه‪...‬‬ ‫وتشدو ليلى مــراد عن اجلــوابــات‪ ،‬أو البوسطجية اشتكوا‬ ‫من ُكتر مراسيلى لرجاء عبده‪ ،‬األغانى تتكلم عن اجلوابات‬ ‫والبوسطجية‪ ،‬واألشــعــار‪ ،‬مــن ينسى اخلــال عبد الرحمن‬ ‫األبنودى وجوابات حراجى القط إلى زوجته الست فاطمة‬ ‫أحمد عبد الغفار فى جبالية الفار قريتهم فى صعيد مصر‬ ‫وحكاياته عن عمله فى السد العالي‪ ...‬السد العالى هذا‬ ‫ً‬ ‫أيضا حكاية وعشناها فى صبانا وغنينا لها مع عبد احلليم‬ ‫حــافــظ‪ ...‬قلنا حانبنى وآدى احنا بنينا السد العالي‪،....‬‬ ‫املهم نرجع للجوابات والبوسطجية تانى‪ ،‬حاجات اندثرت‬ ‫أو كــادت‪ ،‬لكننا ال نغنى اآلن لإلى ميالت والكومبيوترات‪،‬‬ ‫اجلوابات زمان كانت حياتنا‪ ،‬وغرامياتنا السرية‪ ،‬نحتفظ بها‬ ‫ذكرى حميمة ونراجعها كلما اشتقنا للحبيب البعيد لدواعى‬ ‫السفر أو اإلقامة‪ ،‬وإذا انتهت قصة احلب ألى سبب نستردها‬ ‫من احلبيب‪ ،‬ومن ينسى أغنية جناح سالم اجلميلة‪ ...‬عاوز‬ ‫جواباتك‪ ..‬يعنى افترقنا خالص؟! (ص ص‪.)23 22-‬‬ ‫ثمة تداع حلقى فى البث السردى لتلفظات الصوت السارد فى‬

‫ّ‬ ‫يكشف الصوت السارد فى رواية «صافينى مرة» عن أن ثمة غير وجه‬ ‫ّ‬ ‫للتاريخ‪ ،‬بمعنى أن الحكاية املسرودة معنية برواية تاريخ آخر يتجاوز‬ ‫الرواية الخاصة بالتاريخ الرسمى‪.‬‬

‫الفن بالواقع‪ ،‬وال تستخدم الفن لتمرير وتثبيت‬ ‫رؤية واحدة ال غير‪ ،‬فى هذه الحالة نحن أمام عمل‬ ‫دعائى ال أكثر وال أقل‪.‬‬ ‫ال اعتراض لدى على السعى الدءوب لتأكيد فرادة‬ ‫فــاروق حسنى وتميزه منذ الصغر‪ ،‬غير أن ما‬ ‫لفت انتباهى هو التأكيد على مسألة األعداء تلك‬ ‫باعتبارها امللمح األساسى ألى شخصية بطولية‪،‬‬ ‫تسرد املحاورة أولــى املواجهات عندما كان فى‬ ‫السادسة والعشرين حيث قام سعد كامل بتعيينه‬ ‫ً‬ ‫مديرا لقصر ثقافة األنفوشى‪ ،‬وعندما ذهب فى‬ ‫ً‬ ‫اليوم التالى إلى القصر وجد مكتبه محطما‪ ،‬بعض‬ ‫املوظفني الحاقدين فعلوا ذلك وكان فى استطاعة‬ ‫املدير الشاب أن يدخلهم السجن لكنه تصرف‬ ‫بحكمة ستالزمه فيما بعد فى مواجهة «الكراهية‬ ‫والحقد» على حد ً وصــف سلماوى فى مقدمته‪،‬‬ ‫ً‬ ‫«أحقادا وأمراضا» كما كتب أحمد بهاء الدين‬ ‫أو‬ ‫ونقلت عنه انتصار‪ ،‬وفــاروق حسنى فى مواجهة‬ ‫ذلك يلجأ للفن والشعر وهدفه اإلنجاز للوطن ال‬ ‫مصلحته الخاصة‪.‬‬ ‫>>>‬ ‫هل كان من الخطأ اعتراض املثقفني على شخص‬ ‫فــاروق حسنى؟ يعيد الكتاب سرد ما حدث وفق‬ ‫املنهج الذى أوضحناه‪ ،‬كل ما حدث يعاد حكيه من‬ ‫خلل عينى البطل املنتصر فاروق حسنى‪ ،‬بما فى‬ ‫ذلك العالقة مع نظام مبارك الذى هوى‪ ،‬الصورة‬ ‫القديمة لفاروق حسنى كما نعرفها يضاف إليها‬ ‫موضعته من العصر والنظام الذى أتى به وعمل‬ ‫من خالله‪ ،‬رؤية فى القلب منها عزوفه عن املنصب‬ ‫الذى جاءه ً‬ ‫سعيا بطلب عاطف صدقى «ظللنا على‬ ‫مدى ثالث ساعات نتجادل‪ ،‬حتى أبديت موافقتى‪،‬‬ ‫ولم يحسمها إال أنى سأؤدى مهمة للوطن‪ ،‬وسأحقق‬ ‫رؤيتى ملصر كبلد ذى ثقافة وتاريخ عريق»‪.‬‬ ‫ً‬ ‫تلك الرؤية تحديدا هى املشكلة الرئيسية التى يقع‬ ‫فيها فاروق حسنى‪ ،‬ومحاورته‪ ،‬ومحمد سلماوى‬ ‫والكتاب‪ ،‬هناك معركة‪ ،‬كلنا يتفق على هذا‪ ،‬لكن‬ ‫فاروق حسنى فى كتابه يصور األمر على أن فريقه‬ ‫هو من كان فى صف الوطن‪ ،‬يدافع عنه‪ ،‬يبنى من‬ ‫أجله‪ ،‬يضحى بنفسه وبفنه ليبنى مجده‪ ،‬أما الفريق‬ ‫الثانى الضد فأفراده ليسوا أكثر من «مشتاقني‬ ‫وموعودين ومغرضني‪ ،‬ومن يستكثرونها عليه ويرون‬ ‫فى أنفسهم ما ال يراه اآلخرون»‪ ،‬بهذه العني سترى‬ ‫انتصار كل املعارك التالية على اختياره كوزير‪ ،‬حتى‬ ‫لو حاولت أن تبدو محايدة‪ ،‬باحثة عن الحقيقة من‬ ‫خالل صياغات بعض األسئلة‪ ،‬لكنها منذ البداية‬ ‫فرضت على العمل قناعة جامدة ونتيجة ال بد أن‬ ‫تصل إليها‪ ،‬وإذا كانت تؤكد أنها «محاكمة من نوع‬ ‫خاص يرفع فيها الستار عن كواليس وأسرار» فإنها‬ ‫تحولت إلى حفل تكريم ومنح جوائز ونياشني داخل‬ ‫قاعة محكمة‪ ،‬وفى الوقت نفسه توزيع االتهامات‬ ‫على كل معارضيه ودفن كل اعتراضاتهم وأسئلتهم‪.‬‬ ‫من الضرورى التأكيد هنا على أن هذا العرض لن‬ ‫يقوم بتفنيد ما قاله وزير الثقافة األسبق من آراء‬ ‫فى معارك مختلفة‪ ،‬كنا فى «أخبار األدب» لفترة‬ ‫طويلة فى الواجهة منها‪ ،‬تفنيد هذه اآلراء يتطلب‬ ‫ملفات كاملة‪ ،‬واألهم من تفنيدها كما أرى توضيح‬ ‫الكيفية التى أدار بها فاروق حسنى معاركه‪ ،‬وهى‬ ‫ً‬ ‫أيضا الطريقة التى يرد بها فى الكتاب على وجهات‬ ‫نظر الخصوم‪ ،‬دعنا على سبيل املثال نتأمل معركة‬ ‫سقوط كتف أبى الهول‪ ،‬والخالف األول الحقيقى له‬ ‫فى منصبه كوزير‪ ،‬كان أول الفرسان ضده الراحل‬ ‫د‪ .‬أحمد قدرى‪ ،‬قبل أن يتحدث حسنى عن ترميم‬ ‫كتف ًالتمثال يتحدث عن د‪ .‬قدرى‪ ،‬يصفه بأنه كان‬ ‫صديقا له‪ ،‬وعلى هذا االعتبار طلب منه أن يتوسط‬ ‫له لدى الوزير منصور حسن ليرأس هيئة اآلثار‬ ‫«وكانت أقصى أمنياته أن يتوالها»‪ ،‬ثم يضيف كان‬ ‫«يتطلع ليكون ً‬ ‫وزيرا للثقافة‪ ،‬وصرح لى بأنه «موعود‬

‫بذلك"‪ ،‬بعدها يحكى الوزير األسبق مواقف نستنتج‬ ‫منها أن د‪ .‬قــدرى كــان شخصية انفعالية‪ ،‬غير‬ ‫منضبطة‪ ،‬وبعد هذا التمهيد املدروس‪ ،‬بعد تشويه‬ ‫خصمه بتلك الطريقة‪ ،‬يسرد رؤيته لترميم التمثال‬ ‫ليصبح ما يراه الحقيقة الكاملة التى ال تقاطعها‬ ‫املحاورة ولو بسؤال واحد عن االعتراضات التى‬ ‫أثيرت وقتها‪.‬‬ ‫التكنيك السابق يشكل منهجية للكتاب‪ ،‬إضعاف‬ ‫مواقف الخصوم عبر التشكيك فى دوافع ما يقومون‬ ‫به‪ ،‬وعبر التركيز على ما يتمتع به الوزير األسبق‬ ‫من أخــاق رفيعة‪ ،‬تسأل انتصار عن الخالف‬ ‫مع د‪.‬نعمات أحمد فؤاد «هاجمت د‪ .‬نعمات ً‬ ‫كثيرا‬ ‫ً‬ ‫قراراتك‪ ،‬وعارضت بشدة سفر اآلثار للخارج خوفا‬ ‫من تعرضها للخطر‪ ،‬وقالت من يريد أن يشاهدها‬ ‫فليأت إلى مصر»‪ ،‬كيف كان تعاملك مع اختالفها؟‬ ‫صيغة الــســؤال هــذه تبتعد عــن نطاق القضية‬ ‫األســاســيــة لــه لتحيله إلــى اتــجــاه آخـ ًـر مضمر‪،‬‬ ‫يلتقط حسنى اإليحاء ليأتى رده مسبوقا بوصف‬ ‫املحاورة لحالته «بأدب جم واحترام شديد يقول»‪:‬‬ ‫ً‬ ‫«د‪.‬نعمات سيدة قديرة‪ ،‬إال أنها كانت عنيفة جدا‬ ‫فى خصومتها‪ ،‬وكانت مرشحة حتى قبل أن نلتقى‬ ‫لنيل جائزة الدولة‪ ،‬ولم تحصل عليها إال فى عهدى‪،‬‬ ‫وألننى أدرك قيمتها فقد منحتها صوتى‪ ،‬وأدركت‬ ‫هى بحسها الوطنى أنى تحملت الكثير فى سبيل‬ ‫القيام بمهمتى تجاه الوطن»‪.‬‬ ‫حتى لو تكن من القراء املحترفني فإن السؤال‪ :‬كيف‬ ‫كان تعاملك مع اختالفها؟ حالة الوزير وهو يتحدث‬ ‫عنها بــأدب جم واحــتــرام شديد‪ ،‬حالة نعمات‬ ‫ً‬ ‫التى كانت عنيفة جدا فى خصومتها‪ ،‬رغبتها فى‬ ‫الحصول على جائزة الدولة‪ ،‬ثم لم تحصل عليها‬ ‫إال فى عهد فــاروق حسني‪ .‬هذا كله يشكل وعيك‬ ‫كقارئ فى اتجاه االقتناع بإجابة الوزير عن سفر‬ ‫«املشكلة أن البعض يخاف‪ ،‬ويقف‬ ‫اآلثار للخارج‬ ‫ً‬ ‫مكانه فال يحقق شيئا‪ ،‬ونحن نفكر ونعمل ونتخذ كل‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫ترويجا وعائدا باملاليني»‪.‬‬ ‫االحتياطات فنحقق‬ ‫حالة من التناغم الكامل فى الكتاب بني الوزير‬ ‫األسبق ومحاورته‪ ،‬كالهما لديه القناعة نفسها‪،‬‬ ‫سؤال «هل تعتقد أنه كانت هناك حالة تربص لكل‬ ‫ما تقوم به؟»‪ ،‬إجابة «بل تربص شديد‪ ،‬وكان من‬ ‫بينهم من اعتبرهم أصدقاء ثم اختلفنا فوقفوا‬ ‫ضــدى ثم عدنا أصــدقــاء أكثر مما كنا‪ ،‬ومنهم‬ ‫الكاتب جمال الغيطانى ود‪ .‬على رضوان ود‪ .‬نعمات‬ ‫ً‬ ‫اعتقادا أنى ال أفهم‬ ‫أحمد فؤاد‪ ،‬وكانت معارضتهم‬ ‫فى اآلثار‪ ،‬ثم اكتشفوا مع الوقت خطأ ذلك‪ ،‬ألننى‬ ‫مهتم بها منذ‪»..‬‬ ‫>>>‬ ‫بالفعل كنت ألغلق الكتاب وأعلن انتهائى منه قبل‬ ‫أن أصل إلى منتصفه‪ ،‬ألنه ببساطة وصل إلى مبتغاه‬ ‫وهدفه قبل ذلــك‪ ،‬أدركــت كقارئ أن الوزير كان‬ ‫ً‬ ‫دوما على حق‪ ،‬وكل معارضيه ًعلى خطأ‪ ،‬ملاذا على‬ ‫خطأ؟ ألسباب عدة‪ :‬الحقد مثال ثم تطهروا منه‪،‬‬ ‫كان مغررا بهم‪ ،‬رأوا املنجزات على أرض الواقع‪،‬‬ ‫وهكذا‪ ،‬ما لم يحسب له الوزير األسبق حسابه ولم‬ ‫يهتم بالرد عليه أن هؤالء فقط لم يشكلوا النواة‬ ‫الصلبة ملعارضته‪ ،‬وإذا كان ومعارضوه قد عادوا‬ ‫أصدقاء كما يقول فإن هناك من ال يزال يعتقد أنه‬ ‫كان على خطأ‪.‬‬ ‫الالفت‪ ،‬وتلك نقطة تستحق الدراسة‪ ،‬أن الوزير‬

‫هل كان من الخطأ‬ ‫اعتراض املثقفني على‬ ‫شخص فاروق حسنى؟‬ ‫يعيد الكتاب سرد ما‬ ‫حدث وفق املنهج الذى‬ ‫أوضحناه‪ ،‬كل ما حدث‬ ‫يعاد حكيه من خلل‬ ‫عينى البطل املنتصر‬ ‫فاروق حسنى‪ ،‬بما فى‬ ‫ذلك العالقة مع نظام‬ ‫مبارك الذى هوى‪.‬‬

‫األسبق يجد ً‬ ‫دومــا من يحمله تبعات األخطاء‪،‬‬ ‫ربما ألن القاعدة األساسية أن كل من حوله على‬ ‫خطأ‪ ،‬املثقفون الذين اعترضوا على اختياره فى‬ ‫البداية‪ ،‬املسئولون الذين وقعت مشكالت فى‬ ‫إداراتهم‪ ،‬أما الجديد فهو الدولة ذاتها‪ ،‬فبعد أن‬ ‫خرج من الــوزارة‪ ،‬وبعد أن سقط نظام الرئيس‬ ‫األسبق مبارك الــذى حماه لفترة طويلة‪ ،‬يدينه‬ ‫فاروق حسنى فى كتابه مرات عدة‪ ،‬انضم نظام‬ ‫مبارك بأكمله إلى قائمة من عرقلوا خطط وزير‬ ‫التنوير والثقافة والفن‪ ،‬عندما تسأله انتصار عن‬ ‫مسؤولية الثقافة فى مواجهة التطرف‪ ،‬يرد بأن‬ ‫وزارتــه أنشأت قصور الثقافة واملكتبات فى كافة‬ ‫املحافظات والقرى والنجوع‪ ،‬وأطلقت األنشطة‬ ‫الفنية بأنواعها كافة فى كل األقاليم‪ ،‬فمن سيجده‬ ‫الوزير هنا سبب التقصير‪ :‬التلفزيون «كنا نستجدى‬ ‫التليفزيون لكى يعرضها لتصل إلى الناس‪ ،‬وكنت‬ ‫أشكو للرئيس عدم اهتمام التليفزيون بما نقوم‬ ‫به فيعطى توجيهاته لهم فيعرضونها فى الثالثة‬ ‫ً‬ ‫صباحا»‪ .‬إضافة إلى هذا «كانت الزوايا مليئة‬ ‫باملتطرفني وهم من يعتلون املنابر‪ ،‬والدولة كانت‬ ‫غائبة عنهم‪ ،‬حتى فى التليفزيون كانوا يعطون‬ ‫ً‬ ‫فكريا‬ ‫الفرصة للدعاة الجدد املنتمني لإلخوان‬ ‫ً‬ ‫نجوما‪ ،‬ووزارة الثقافة لم تكن‬ ‫ويصنعون منهم‬ ‫تستطيع أن تصفق وحدها‪ ،‬كان ال بد‪»..‬‬ ‫>>>‬ ‫هذه هى املسألة ببساطة‪ ،‬وزارة الثقافة فى عهد‬ ‫فاروق حسنى كانت تصفق وحدها‪ ،‬الدولة فى جانب‬ ‫وهى فى آخر‪ ،‬دولة متخلفة عقيمة ال تؤمن بالثقافة‬ ‫وال الفن وال التعليم‪ ،‬تعطى ً‬ ‫دورا للمتشددين وتصنع‬ ‫ً‬ ‫الثقافة‬ ‫نجوما‪ ،‬لكننا إذا ما دخلنا إلى وزارة‬ ‫منهم‬ ‫ً‬ ‫هذه التى تحاول التصفيق وحدها سنجد أيضا‬ ‫من يعمل على إعاقة العمل‪ ،‬خلف كل قضية ستجد‬ ‫ً‬ ‫مقصرا لنصل فى النهاية إلى أن فــاروق حسنى‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫كان وحيدا تماما‪ ،‬أعزل إال من ريشته فى مواجهة‬ ‫األعــداء‪ ،‬هل يذكرك هذا بشئ‪ :‬نعم‪ ،‬بالضبط‪،‬‬ ‫البطل التراجيدى كما فى املالحم الكبرى‪ ،‬هذا‬ ‫على األغلب كل ما ستخرج به من الكتاب‪.‬‬ ‫وال ينتهى العمل إال كما بدأ‪ ،‬املفتتح شهادة ملحمد‬ ‫سلماوى‪ ،‬واملنتهى شهادات من‪ :‬آدم حنني‪ ،‬حسني‬ ‫فهمى‪ ،‬خالد جالل‪ ،‬د‪ .‬خالد منتصر‪ ،‬زاهى حواس‪،‬‬ ‫سليمان جودة‪ ،‬سهير عبد القادر‪ ،‬عزت العاليلى‪،‬‬ ‫على أبو شــادى‪ ،‬ليلى علوى‪ ،‬مفيد فــوزى‪ ،‬نجيب‬ ‫ً‬ ‫وأخيرا محاورته نفسها‬ ‫ساويرس‪ ،‬وحيد حامد‪،‬‬ ‫انتصار دردير‪ .‬والشهادات كلها ال تحيد عن هدف‬ ‫أياد بيضاء‬ ‫الكتاب كله‪ :‬رصد كم لفاروق حسنى من ٍ‬ ‫على الثقافة املصرية!‬ ‫اقرأ أيضا ص ‪٣٥/٣٤‬‬ ‫الكتاب‪ :‬فاروق حسنى يتذكر‪..‬‬ ‫زمن من الثقافة‬ ‫حاورته‪ :‬انتصار دردير‬ ‫الناشر‪ :‬نهضة مصر‬


‫‪١٦‬‬

‫‪ ٥‬مايو ‪ ٢٠١٩‬العدد ‪١٣٤٥‬‬

‫‪٢١‬‬

‫املختارات القصصية خلوسيه ميرينو‪:‬‬

‫الذاكرة‬

‫يلفت نظر القارى قدرة املؤلفة على إمساك خيوط أحداث‬ ‫روايتها مبهارة‪ ،‬وكأنّ احلكاية كانت مكتملة األركان فى رأسها‬ ‫قبل تدوينها‪ ،‬فلم تكشف عن الروابط اخلف ّية بني شخوص‬ ‫العمل إال فى الصفحات األخيرة‪ ،‬فى إطار حبكة متماسكة‬ ‫ٍ‬ ‫بحرفية تضاهى حرفية الكاتب البيروفى األشهر‬ ‫ُر ِسمت‬ ‫ماريو بارجاس يوسا فى بناء عامله الروائى‪ ،‬وعلى األخص‬ ‫فى روايته األخيرة «البطل املتكتّم»‪ .‬واض ٌح ً‬ ‫التناص مع‬ ‫أيضا‬ ‫ّ‬ ‫ظنى)‪ ،‬حني تتذ ّكر الزوجة واقعة «حشر»‬ ‫ُكـتابها‬ ‫ّ‬ ‫املفضلني (فى ّ‬ ‫رأسها فى البلوفر ملا كانت طفلة ( ُمستدعية إحدى قصص‬ ‫خوليو كورتاثار)‪ ،‬ورواية موبى ديك مليلفل فى احملور املوازى‬ ‫(مغامرات جييم وماتيو)‪.‬‬ ‫تتصاعد الدراما الروائية تصاعدًا هاد ًئا‪ .‬حيث يقع الزوجان‬ ‫فى مأزق «محبوك» يهدد حياتهما‪ ،‬تستغله املؤلفة فى الكشف‬ ‫قصة حب حقيقية وغير عادية‪ ،‬مدفونة ــ لألسف‪ -‬حتت‬ ‫عن ّ‬ ‫والعادي‪ .‬فى رأيى الشخصى‪ ،‬يُولَد الفن من قلب‬ ‫ركام املبتذل‬ ‫ّ‬

‫مثل تلك املفارقات‪ ،‬أقصد من إبراز حلظات القسوة املمزوجة‬ ‫احلب املغمورة‬ ‫مبشاعر اخلوف والشك‪ ،‬بغرض إخراج مشاعر‬ ‫ّ‬ ‫يومي ومبتذل‪ .‬شيء يشبه االستسالم إلى‬ ‫فى مستنقع ما هو‬ ‫ّ‬ ‫مقصلة األلم لفصل اللسان املز ّيف عن الف ّم الصادق‪ ،‬ورمبا‬ ‫يفاجيء الزو ُج زوجته‬ ‫موقف بهذه القسوة مينح احلياة مغزى‪ِ .‬‬ ‫بلعبة خطرة‪ ،‬أو بكذبة بريئة محبوكة مبــهــارة‪ ،‬هى اللعبة‬ ‫الطفولية التى يحب كل إنسان االحتفاظ بها‪ ،‬كما نقرأ فى‬ ‫أول الرواية‪.‬‬ ‫>>>‬ ‫يستحيل بالطبع أنّ تف ّوت كاتبة بذكاء إميا مونسو (التى أتطلع‬ ‫إلى ترجمة املزيد من أعمالها إلى العربية) فرصة العروج على‬ ‫مبفهومي الكذب واخليال‪.‬‬ ‫موضوعات مثل الكتابة‪ ،‬وعالقتها‬ ‫ّ‬ ‫ففى أحد فصول الرواية يقول الزوج لزوجته‪ِ :‬‬ ‫«أنت تعرفني‬ ‫أننى ال أستسيغ احلكاية القائمة على الكذب"‪ ،‬فتجيب الزوجة‬ ‫بح ّدة‪ »:‬كيف ميكنك أن تصف اخليال بالكذب‪ ،‬فى اخليال‬ ‫تَقو ُم باملشاركة باقتناع ُمسبق‪ ،‬بينما فى الكذب ال يوجد اتفاق‪،‬‬ ‫إنه ُطغيان من جانب واحد»‪.‬لكن زيارة «مونسو» كانت خفيفة‪،‬‬ ‫نظرى‪/‬فلسفى على حساب ما‬ ‫فلم تُسهب فى مناقشة ما هو‬ ‫ّ‬ ‫جمالي‪/‬فني‪.‬‬ ‫هو‬ ‫ّ‬ ‫تنقلب الد ّفة‪ ،‬حينما تشعر الزوجة بالضيق بسبب املأزق الذى‬ ‫ِ‬ ‫احلالة املثقفة) من زوجها‬ ‫تو ّرطا فيه‪ ،‬فتطلب (وهى الشاعرة‬ ‫ّ‬ ‫املنظم املُم ّل الرتيب) اختراع حكاية ملساعدتها على‬ ‫(وهــو‬ ‫نسيان ضيق املوقف وعنائه‪ .‬فيالعبها الزوج فى البداية ً‬ ‫قائل‪:‬‬ ‫ِ‬ ‫بحب صادق جتاه زوجته‪،‬‬ ‫ملعبك"‪ ،‬لكنه‪،‬‬ ‫«ال ‪..‬هذا‬ ‫مدفوعا ٍ‬ ‫ً‬ ‫يقص عليها حكاي ًة وال أروع عن الصداقة والصديق‪ ،‬حكاية‬ ‫ّ‬ ‫عن دور الروايات واخليال فى حياة اإلنسان‪ ،‬وهى احلكاية‬ ‫التى ستقودنا إلى نقطة النور فى الرواية‪ ،‬فتكتشف الزوجة‬ ‫أنّ موضوع االحتفال بالذكرى السنوية مجرد لعبة من ألعاب‬ ‫الكذب البريء‪ ،‬لعبة أصيلة مقنِعة وقادرة على كشف احلقيقة‬ ‫أكثر من أية وقائع أخرى‪.‬‬ ‫ُ‬ ‫وتتشكك فــى احلكاية‬ ‫تُــص ـ ّدق الــزوجــة احلكاية املُختلقة‪،‬‬

‫بهزمية أخالق ّي ٍة أو مرارةٍ‬ ‫ٍ‬ ‫‪ - 3‬كل أبطال احلكايات ينتهون‬ ‫وانكسار أمــام املجتمع‪ ،‬ففى (‪ )1‬يُح َبط (عبد اهلل) لفشل‬ ‫ٍ‬ ‫خطتِه فى الظفَر بعالقة حميمة مع جارته شيماء‪ ،‬إال أنه‬ ‫مؤرجحا بني الرغبة فيها والتعلق باألفالم اإلباحية‪،‬‬ ‫مازال‬ ‫ً‬ ‫وفى (‪ )3‬يستمر االستغالل اجلنسى للبطلة رغم جناح زيجتِها‬ ‫الثانية على األقل فى إجناب طفلة‪ ،‬وفى (‪ )4‬نكتشف نحن من‬ ‫موقع القارئ مدى تَ َر ِ ّدى (رمضان) ومنظومة قِ َيمِ ه حني رضى‬ ‫كرج ٍل خانته زوجتُه‪ -‬على رءوس أشهاد‬‫الفضيحة لنفسه‬ ‫ُ‬ ‫املجلس ال ُعرفى‪ ،‬وفى (‪ )5‬نشهد كذلك تر ّدى البطلة الراوية‬ ‫زوج خانته‪ ،‬وفى (‪)6‬‬ ‫فى التحايُل إلثبات نسب طفلتها إلى ٍ‬ ‫يستمر (عبد الستار) فى تخ ّيُل سيناريو اإلغواء من السيدات‬ ‫الثريات الالتى يعمل فى بيوتهن فى اخلليج بعد أن بدأ معه‬ ‫فى مصر قبل سفرِ ه‪ ،‬دون أن يتحقق بالطبع‪ ،‬وفى (‪ )7‬ينكشف‬ ‫رهان (ودنو) مع رفاقه فى املقهى أمام رئيس املباحث ويصبح‬ ‫مهد ًدا باإلهانة واحلبس‪ ،‬وفى نهاية (‪ )8‬تقطع ال َبغِ ّي تأمالتها‬ ‫بشأن رزق أيامها القليلة القادمة لتستقبل طال ًبا آخر فى شقة‬ ‫َطلَبة فى بني السرايات‪ ،‬وفى (‪ )9‬يوحى إلينا الكاتب أنّ بطلَه‬ ‫(عبده بعالش) أقام عالق ًة آثم ًة مع (رجاء) والدة التوأمتَني‬ ‫(إسراء ومروة) اللتَني هام بهما مِ ن قبل‪ ،‬وفى (‪ )10‬تنهار أ ّ ُم‬ ‫البنات باكي ًة أمام ضغوط اجليران الفاسدين الذين يالحقونها‬ ‫وبناتِها باإليذاء والتح ّ ُرش اللفظي‪ .‬حتى فى (‪ )11‬ينتهى املثقف‬ ‫إلــى القلق والــشــك فــى صحة وج ــدوى مسلكه االجتماعى‬ ‫واأل ُ َسرِ ّي حيث يقول‪« :‬خلينا قافلني اجلرح وخلينا كل مهمتنا‬ ‫نكسب قرشني يعيشوا بيها العيال واهى أيام بتتقضى‪ .‬ساعات‬ ‫باقول احنا غلطانني إننا ما سبناش العيال عايشني زى منهم‬ ‫أهو على األقل يقدروا يتواءموا‪ .‬عيشتنا وأفكارنا دى هتعمل‬ ‫عندهم شرخ جامد‪ .‬ربنا يستر عليهم وعلينا»‪.‬‬ ‫‪ - 4‬تلحق هــذه املالحظة بسابقتِها‪ ،‬حيث البطل الوحيد‬ ‫ِ‬ ‫املؤنسن‬ ‫منتص ًرا ملتح ًفا باملجد من حكايته هو الديك‬ ‫اخلارج‬ ‫َ‬ ‫فى َمثَل احلكاية األخيرة‪ .‬مختصر احلكاية أنّ الديك نكش‬ ‫فى الكوم فوجد قمحة وشعيرة‪ ،‬ثم بدأ يلعب لعب ًة ماكر ًة مع‬ ‫ٍ‬ ‫سلسلة من الصانعني املنهمكني فى أعمالهم‪ ،‬تبدأ بامرأة‬ ‫تطحن بال َّر َحى‪ ،‬مــرو ًرا بامرأةٍ تعجن الدقيق وتخبز‪ ،‬وف ّ‬ ‫الح‬ ‫يأكل بص ً‬ ‫ال فى حقلِه ويستريح من عمله حتت شجرة‪ ،‬وناس‬ ‫بناس يقيمون ُعرسا‪ .‬مع ُك ٍ ّل منهم‬ ‫ء‬ ‫وانتها‬ ‫وليمة‪،‬‬ ‫فى‬ ‫يطبخون‬ ‫ً ٍ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫اآلخر ما م َعه‬ ‫الديك كر ًما منزّهً ا من الغ َرض ويُهدى‬ ‫يُبدى‬

‫(من أول القمحة والعشيرة)‪ ،‬ثم يعود إليه بعد ٍ‬ ‫وقت ليأخذ‬ ‫شي ًئا أكبر‪ ،‬يبدأ بحفان دقيق وينتهى بأخذ اجل َمل مبا ح َمل‬ ‫من عروس!‬ ‫َ‬ ‫(موزاييك)‬ ‫نهاية‬ ‫فى‬ ‫الفانتازى‬ ‫ل‬ ‫ث‬ ‫امل‬ ‫موقع‬ ‫من‬ ‫‪ - 5‬يَظهر‬ ‫أنّ‬ ‫كثير من‬ ‫فى‬ ‫ـده‬ ‫ـ‬ ‫جن‬ ‫أن‬ ‫ميكن‬ ‫ملا‬ ‫ا‬ ‫د‬ ‫ـا‬ ‫ـ‬ ‫ـض‬ ‫ـ‬ ‫م‬ ‫ا‬ ‫و‬ ‫نح‬ ‫نحو‬ ‫ٍ‬ ‫ًّ‬ ‫املؤ ّلف يَ‬ ‫ً‬ ‫منجزات السرد املعروفة‪ .‬ففى األعمال القصصية الكاملة‬ ‫لفرانز كافكا مثَ ً‬ ‫ال ‪ -‬ذلك الكتاب الشهير الذى ُجمِ ع بعد وفاة‬ ‫كافكا ‪ -‬يبدأ السرد مبثَلَني فانتازيني ‪Two Introductory‬‬ ‫الكابوسي‬ ‫‪ Parables‬ليتنزّل بعد ذلك إلى العالَم القصصى‬ ‫ّ‬ ‫لكافكا بكل تفاصيلِه ُ َ‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫سحرية مبكرة‪ .‬أ ّما‬ ‫واقعية‬ ‫امل ِ ّومة فى‬ ‫فى (موزاييك)‪ ،‬يصعد حسني عبد العليم من احلكايات التى‬ ‫ت ُع ّ ُج بالتفاصيل الصغيرة ‪ -‬لدرجة تكرار أسماء األعالم بني‬ ‫أشخاص مختلفني ال رابط بينهم‪ ،‬فنلمح‬ ‫القصص ُمشير ًة إلى‬ ‫ٍ‬ ‫شخصني باسم (إسالم) وشخصني باسم (عزت) مث ً‬ ‫ال – إلى‬ ‫املثَل الفانتازى املُتعالى على الواقع‪.‬‬ ‫خروجا من هذه املالحظات‪ ،‬نصل إلى نتيجتَني‪:‬‬ ‫ً‬ ‫تصب هذه السمات األسلوبية واملضمونية فى تكريس‬ ‫أوالً‪-‬‬ ‫ُّ‬ ‫أصيل للكاتب‪ .‬ال ُ‬ ‫ٍ‬ ‫يقف فيه على يسار املشهد‬ ‫يساري‬ ‫موقف‬ ‫ٍ‬ ‫ٍّ‬ ‫السياسى االقتصادى فقط كما يبدو فى انحياز حكاياته لقاع‬ ‫املجت َمع الغارق فى الفقر واجلهل واملرض‪ ،‬وإمنا يتعداه إلى‬ ‫يسار املشهد‬ ‫جنسا‬ ‫االجتماعي بتراتُب ّيتِه التى جتعل من النساء ً‬ ‫ّ‬ ‫ثان ًيا – كما تقول سيمون دو بوفوار – حني يرفض التخلّى‬ ‫عليم‪ ،‬إ ّال الثنتني من بطالت حكاياتِه‪.‬‬ ‫عن دفة السرد ٍ‬ ‫كراو ٍ‬ ‫واألهم من هذين اليسا َرين واألعم ُق منهما وقو ُفه على يسار‬ ‫املشهد الثقا ّ‬ ‫الوسواسى‬ ‫يف ُك ِلّه‪ ،‬والذى يتجلى فى االستدعاء‬ ‫ّ‬ ‫للجنس – ذلك ُ‬ ‫امل َّرم – كمح ّرك ألحداث معظم احلكايات‬ ‫إن لم يكن كلّها‪ ،‬كما يتجلى فى احلرص على اللغة العامية فى‬ ‫للتفاصح‪ ،‬وفى إعطاء أولوية‬ ‫أثر‬ ‫السرد واالبتعاد عمدًا عن أى ٍ‬ ‫ُ‬ ‫العرض على القارئ للحكايات الواقعية الغارقة فى التفاصيل‬ ‫الفانتازي لذيل الكتاب‪ ،‬وأخي ًرا فى طبيعة‬ ‫واالحتفاظ باملَثَل‬ ‫ّ‬ ‫ٍ‬ ‫ِ‬ ‫املا ّدة املسرودة نفسها من حيثُ الترابُط‪ ،‬فنح ُن أما َم رواية ال‬ ‫نكو ُن ُمبالِغني إذا ُقلنا إنها ُس ِ ّميَت رواي ًة َقس ًرا‪ ،‬ولُوِ يَت ذِ را ُعها‬ ‫لتكون كذلك‪ ،‬حيث ضرب مؤ ّلفُها بعرض احلائط كل تقاليد‬ ‫البناء الروائى كما عرفناه مستقِ ًّرا منذ ما قبل ثرفانتس!‬ ‫وجدي ٌر ِ ّ‬ ‫بالذكر أنّ هذا اليسار يسا ٌر متشائ ٌم فيما يبدو‪ ،‬فال‬ ‫ُ‬ ‫َمخ َرج من ال ُه ّوة املظلمة التى يتردى فيها أبطال احلكايات‬

‫كشبح انتقامى‬

‫ممدوح رزق‬ ‫ّ‬ ‫تجسد القصص القصيرة للكاتب اإلسبانى خوسيه ماريا‬ ‫ميرينو‪ ،‬والتى صدرت مختارات لها بترجمة عبير محمد عبد‬ ‫الحافظ‪ ،‬عن مشروع «كلمة» أبو ظبى؛ ّ‬ ‫تجسد اللحظة غير‬ ‫املتوقعة التى تكشف ًخاللها الذاكرة عن الدافع التدميرى‬ ‫للحياة بوصفها حاضنا للموت‪ ..‬خيال املاضى الذى يمارس‬ ‫ما يشبه االنتقام أو املحو للعالم الذى تراكم الفناء داخله‪.‬‬ ‫«بينما كانت منهمكة فى إشعال نيران املدفأة‪ ،‬بعد أن حملت‬ ‫إناء الحطب إلى الصالة سمعها تتأفف‪ .‬جلس فى مقعده‬ ‫ً‬ ‫مجددا‪ ،‬وأخذ يتأمل الجهد الذى تقوم به السيدة‬ ‫الوثير‬ ‫العجوز ببرود ونظرة علمية فاحصة‪ ،‬واكتشف حركاتها التى‬ ‫تزداد صعوبة ً‬ ‫يوما بعد يوم‪ ،‬فتبدو وكأنها تزحف‪ ،‬شيء خاص‬ ‫بها‪ .‬ألسنة اللهب التى امتدت بني الحطب حولت التعاسة التى‬ ‫يشعر بها إلى إحساس إيجابى مستوحى من ذكريات الشتاء‬ ‫فى طفولته‪ ،‬أوقات اإلجازات فى الفترات التى كان يتساقط‬ ‫فيها الثلج‪ ،‬ثمار البندق والجوز التى تشوى على نار املدفأة»‪.‬‬ ‫فى قصة «امليالد فى الغرفة العلوية» تحدث هذه اللحظة‬ ‫بتأثير من حضور مفاجئ للشتاء أو «الدعابة الساخرة التى‬ ‫ألقى بها بعد انقضاء الربيع والصيف»‪..‬تنتج هذه املباغتة‬ ‫ً‬ ‫استدعاء للذكريات‪ ،‬األمر الذى يذكرنا بالرغبة‬ ‫الشتائية‬ ‫التى يفجرها الشتاء فى تدوين الذكريات كما كتب عنها‬ ‫خوان مياس فى رواية «العالم»‪ ..‬لكن هذا االسترجاع للماضى‬ ‫ً‬ ‫الطفولى سيكون فى جوهره تأمل للموت‪ ..‬املوت املفاجئ‬ ‫لألب والذى وضع نهاية للهواية القديمة التى كان يمتلكها‬ ‫شاب ماهر فى صنع نماذج السفن الحربية القديمة‪ ..‬الشاب‬ ‫الذى سيبدأاآلن ـبنفس األدوات التى كان يستعملها فى تشييد‬ ‫تلك النماذج وكاستجابة عفوية ملا تمثله الذاكرة فى تلك‬ ‫اللحظةـ سيبدأ فى صنع ّ‬ ‫مجسم للقريةكزينة للميالد‪.‬‬ ‫>>>‬ ‫«مشهد املكان غير املأهول دفعه إلى التفكير فى ضرورة أن‬ ‫يسكنه أناس‪ ،‬وبدأ بهمة وحماس فى خلقهم‪ :‬املحافظ‪ ،‬وهو‬ ‫فى نفس الوقت مالك أحد املتاجر‪ ،‬حارس الحدود‪ ،‬واملعلمة‪،‬‬ ‫وساعى البريد على دراجته البخارية‪ ،‬والقس‪ ،‬والنساء‬ ‫والرجال‪ ،‬حيوانات وطيور جارحة‪ .‬بدأ الجيران يخرجون‬ ‫من بني أصابعه بسرعة غريبة‪ .‬الدجاج والحكام والنعاج‬ ‫ً‬ ‫مرتديا كوفية الشتاء»‪.‬‬ ‫وجريجوريا‪ .‬وهو نفسه‬ ‫يمكننا هنا أن نعقد مقارنة بني النموذجني‪ :‬سفينة حربية‬ ‫قديمة‪ ،‬وقرية صغيرة بكل ما تتضمنه من بيوت وشــوارع‬ ‫وبشر‪ ..‬بني مغامرة الخيال التى أنهاها املوت املباغت لألب‪،‬‬ ‫ورتابة الواقع التى احتلها املوت منذ تلك اللحظة البعيدة‪..‬‬ ‫املفاجأة الشتائية ليس‬ ‫هنا يتم تدوين الذكريات بتحريض‬ ‫ً‬ ‫كماض آخر أيضا‪ ..‬كأن الخيال‬ ‫فقط بشكل ملموس‪ ،‬وإنما‬ ‫ٍ‬ ‫احتضار األب سيعود كشبح‪ ،‬وفى التوقيت‬ ‫القديم الذى قتله‬ ‫ُ‬ ‫ذاته «لحظة الشتاء حيث تصنع املجسمات االحتفالية بأعياد‬ ‫امليالد» ليحاول أن يثأر من املوت الكامن فى الحياة‪ ..‬كأن‬ ‫الشتاء قد تواطأ حني مر فى غير موعده‪ ،‬متسلال من الزمن‬ ‫نفسه كى يدفع صانع نموذج القرية إلى االنتقام‪.‬‬

‫«راقب بذعر شديد الحياة التى أخذت تدب فى قلب النموذج‪،‬‬ ‫عند الجبل‪ ،‬وفى البيوت‪ ،‬ومياه النهر‪ ،‬وأشجار الحور‪ ،‬بدا كل‬ ‫شيء ينبض بحياة غير قابلة للشك‪ .‬وتحول خوفه إلى هلع‪.‬‬ ‫تقهقر إلى الخلف حتى وصل إلى باب الحجرة‪ ،‬وضغط على‬ ‫زر الكهرباء‪ ،‬دون أن يجرؤ على النظر فى الظالم الحالك‪،‬‬ ‫وأحكم إغالق الحجرة باملفتاح»‪.‬‬ ‫ملاذا شعر بالهلع حينما بدأ جميع األشخاص والكائنات فى‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫املجسم؟ ملاذا أرجع األمر إلى الهلوسة حني‬ ‫التحرك داخل‬ ‫اكتسبت ًحياة النموذج اإليقاع اليومى املعتاد للقرية؟ هل لم‬ ‫يكن مدركا ملا تسعى الذاكرة للقيام به‪ ،‬أم أنها حيلة دفاعية‬ ‫«إلهية» ضد التدمير الالحق؟‪.‬‬ ‫>>>‬ ‫سيتعاقب قتل البشر والحيوانات داخــل القرية كإبادة‬ ‫ُجماعية‪ ،‬ومن البديهى حني نعرف أن الطريقة الفظيعة التى‬ ‫ذبح بها الضحايا بعيدة عن أى تفسير؛ أن نفكر فى السكاكني‬ ‫التى استخدمها صانع نموذج القرية فى خلقها‪ ..‬هكذا تكون‬ ‫إعادة امليالد بواسطة محو الحياة‪ ..‬امليالد الحقيقى الذى‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫املوت‬ ‫يثبت الفناء كأصل للعالم‪ ..‬يكون خالق املجسم هو ً‬ ‫كحقيقة تعرف ما تنوى ارتكابه‪ ،‬فال يصبح موت األب مباغتا‪،‬‬ ‫ّ‬ ‫وبالتالى يمكن التقدم على موت اآلخرين املحتوم بخطوة‪..‬‬ ‫هذه الخطوة هى املجاز الضرورى للثأر فال يكون مجرد‬ ‫تدمير للحياة‪ ،‬وإنما تشريح للفناء‪ ..‬هى الجوهر االفتراضى‬ ‫لالنتقام من املوت‪ ،‬حيث يمكنك أن تحفر داخل جثث أهل‬ ‫القرية‪ ،‬وهم ما زالوا عالقني فى حركتهم املعتادة‪ ..‬لكنها‬ ‫ليست هلوسة بقدر ما هى النسخة العارية من الواقع‪ ،‬أو‬ ‫ّ‬ ‫املحطم من األساس‪.‬‬ ‫نموذجه البدائى‬

‫يكمن الجمال الروائى عند مايرنيك فى قدرته‬ ‫بقطع المعة من التأمالت‬ ‫على تطريز ثوبه الروائى‬ ‫ٍ‬ ‫الفلسفية حول مسألة القدر‪.‬‬

‫«فــى فجر الــيــوم الخامس الــذى وافــق‬ ‫الجمعة‪ ،‬وكــان ً‬ ‫ً‬ ‫معتما مثل املقالة‬ ‫يوما‬ ‫ً‬ ‫الــســوداء‪ ،‬قرعت األجــراس مجددا وسط‬ ‫األجواء الضبابية‪ .‬وحطمت قوة مباغتة نافذة‬ ‫أحد املنازل‪ ،‬وسقط الزوجان العجوزان على‬ ‫األرض غارقني فى دمائهما بني حطام خشب‬ ‫النافذة وقطع الخزف‪ ،‬ولطخت الدماء كل شيء‪،‬‬ ‫ووسمت الواقع بطابع دمــوى ال ينمحى‪ .‬نظر إلى‬ ‫اإلطار الذى ُانتزع عن الحائط بقوة فائقة‪ ،‬والطريقة‬ ‫التى تحطمت بها الطاولة العتيقة املصنوعة من خشب‬ ‫الصنوبر‪ ،‬وكأن قوة هائلة انبعثت منها‪ ،‬وهو ما جعله‬ ‫يستدعى صورة النماذج الصغيرة التى اعتاد أن يصنعها‪،‬‬ ‫وكانت تنهار وتتناثر إلى قطع صغيرة حني يدفعها دفعة‬ ‫خفيفة»‪.‬‬ ‫ّ‬ ‫املجسم وقد أصبحت‬ ‫لم تعد هناك سوى قرية واحدة‪ ..‬قرية‬ ‫ً‬ ‫العالم الذى ال يوجد شيء خارجه‪ ..‬ليس هذا تداخل بني‬ ‫الواقع والخيال‪ ،‬وإنما الوجود الذى يتجاوزهما‪ ،‬واألكثر‬ ‫هيمنة من الحياة التى تتضمن امتزاجهما‪ ..‬الوجود الذى‬ ‫يتوارى داخل صانع النموذج حيث تختلط الجثث باألشياء‬ ‫ّ‬ ‫املجسم بالخرق‬ ‫املحطمة واملتناثرة‪ ..‬لكنه حينما يغطى‬ ‫البالية ثم يغلق باب الحجرة العلوية باملفتاح قبل أن يلقيه فى‬ ‫البئر القديمة فإنه سيبدو كأنما يحاول إغماض عينيه عن‬ ‫نهايته املنطقية ـكواحد من أهل القريةـ لن ينجو من االنتقام‬ ‫قرره بنفسه‪ ..‬كأنه على النقيض يحاول االنفصال بشكل‬ ‫الذى ً‬ ‫إلهى أيضا عن العالم الذى خلقه «نموذج القرية"‪ ،‬وبالتالى‬ ‫ينتزع نفسه خارج مصيرها بعدما أيقن أن الثأر الذى أراده‬ ‫قد تحقق بالفعل‪.‬‬ ‫«الوقت يمر‪ ،‬والحرب لم تنته‪ .‬لم تكن تعرف على وجه‬ ‫التحديد األسباب التى اندلعت من أجلها الحرب‪ ،‬يحدثهم‬ ‫الواعظ فى الكنيسة من املنبر عن العدو‪ ،‬وكيف أنه مثل‬ ‫الشيطان‪ ،‬يجب أن نخشاه ألنه ينشر العدوى مثل الوباء‪ .‬فى‬ ‫نهاية األمر كفت الحرب والعدو عن تقديم أخبار حقيقية‪،‬‬ ‫وبدا األمر‪ ،‬وكأن املجهود الحربى أصبح هدفه الدفاع عن‬ ‫الوطن والتصدى ملجموعة من الوحوش‪ ،‬أتوا لغزو الوطن‬ ‫من بالد بعيدة ومشؤومة مهما كلف األمر‪ .‬بلغ األمر مداه‪،‬‬ ‫حتى أنه فى أحد األيام وصلت إلى البلدة عربة حربية فيها‬ ‫مجموعة من معتقلى الحرب‪ ،‬وخرج جميع الجيران لرؤيتهم‪،‬‬ ‫فــإذا بواحدة من السيدات تعرب عن دهشتها واملفاجأة‬ ‫املحبطة التى شعرت بها حني رأت أن األعــداء ال يبدون‬ ‫بالشكل الشيطانى نفسه الذى تحدث عنه القس»‪.‬‬ ‫سيؤدى غناء الزوجة فى قصة «الهارب من الجندية» ً‬ ‫دورا‬ ‫ً‬ ‫ّ‬ ‫ملجسم القرية‪ ..‬يعود زوجها املحارب الهارب من‬ ‫مشابها‬ ‫الخدمة العسكرية بعد أن جرحته شظية إحــدى القنابل‬ ‫اليدوية‪ ،‬وأصبح عليه اآلن أن يختبئ من جنود الحرس‬ ‫الوطنى الذين لو نجحوا فى القبض عليه سيكون مصيره‬ ‫تجد الزوجة إلى جوارها املحارب‬ ‫املــوت‪ ..‬ذات صباح لن‬ ‫ً‬ ‫الهارب‪ ،‬بل ستعثر عليه ميتا أعلى الهضبة بني الصخور‬ ‫ُ‬ ‫ً‬ ‫مجددا خالل محاولته الطويلة للهرب من‬ ‫وقد فتح جرحه‬ ‫الجنود‪ ..‬يكتب ميرينو أن الزوجة بعد عودة زوجها وقبل‬

‫‪ ٥‬مايو ‪ ٢٠١٩‬العدد ‪١٣٤٥‬‬

‫احلقيقية‪ ،‬فيجيبها‪« :‬الواقع كثي ًرا ما يفوق اخليال»‪.‬ث ّم تنقلب‬ ‫الد ّفة مرة أخرى حينما تقول الزوجة لزوجها قرب النهاية‪»:‬‬ ‫ً‬ ‫َ‬ ‫لديك تلمحيات وال‬ ‫خيال‪..‬لم تكن‬ ‫نقي‪..‬مبا أ ّن َك ال متلك‬ ‫َ‬ ‫أنت ّ‬ ‫كنت بحاجة‬ ‫ٍ‬ ‫معان خف ّية‪..‬كان كل شيء نظي ًفا ومرت ًبا وشفا ًفا‪ُ ..‬‬ ‫لهذا فى ذلك احلني»‪.‬‬ ‫اآلن فقط تفطن الزوجة إلى حقيقة مشاعرها‪ ،‬وترى األمور‬ ‫على حقيقتها‪ ،‬فترتضى اللعبة اخلطرة‪ ،‬وتقبل الهدية‪ ،‬وتبتلع‬ ‫الكذبة البريئة‪ .‬تبتسم‪ ،‬وتق ّبَل زوجها فى عنقه قائلة‪ »:‬هدية‪..‬‬ ‫استطعت إخراجى من‪...‬من روتني كان يقضى‬ ‫هدية رائعة‪...‬‬ ‫َ‬ ‫علي»‪ .‬يضحك الزوج ضحك ًة حذِ رة متحفظة وكأنه يقول‪»:‬‬ ‫ّ‬ ‫متام‪ ..‬انتهى الدرس يا راكيل»‪.‬‬ ‫الزوجي كأصدق ما‬ ‫رسمت عالقة‬ ‫ال شك أن الرواية قد‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫يكون‪ ،‬بعد أن شاب حياتهما غبار امللل والرتابة‪ ،‬لكنهما لم‬ ‫يستسلما‪ ،‬فنفضا ذلك الغبار باحلكايات وباخليال‪ ،‬وبألعاب‬ ‫الكذب البريء‪.‬‬ ‫اجلميل فى الرواية أن املؤلفة مت ّرر إلينا فكرة أن كل إنسان‬ ‫يحتاج فى حياته‪ ،‬بشكل أو بآخر ‪ ،‬إلى حكاية يحكيها م ّرة‬ ‫واحــدة فقط‪ ،‬مـ ّرة واحــدة ودون عــودة‪ ،‬حتى ولو كانت تلك‬ ‫احلكاية مختَلقة كل ًيا‪ ،‬وحتى لو لم حتدث على أرض الواقع‪.‬‬ ‫ففى الصفحات األخيرة من الرواية يبوح الزوج لزوجته بشيء‬ ‫ظل مدفو ًنا فى صدره طوال خمس وعشرين سنة‪ ،‬هى ُعمر‬ ‫ً‬ ‫رغبت فى أن أحكى ِ‬ ‫لك كل شيء‬ ‫قائل‪":‬دائ ًما ما‬ ‫زواجهما‪،‬‬ ‫ُ‬ ‫بيوم أجيء بك إلى هنا وأحكى لك‬ ‫عندما عرفتك‪..‬كنت أحلُم ٍ‬ ‫أفضل وأسوأ ما فى حياتى‪ ،‬كنت أريد التخلص من املاضى‬ ‫بجوارك"‪ ،‬وكأن كل ما جرىــوال فرق إن كان مقصو ًدا أم غير‬ ‫مقصود ‪ -‬إمنا جرى فقط كى تُروى هذه احلكاية‪.‬‬ ‫الكتاب‪ :‬الذكرى السنوية‬ ‫الكاتب‪ :‬إميا مونسو‬ ‫املترجم‪ :‬عبد السالم باشا‬ ‫الناشر‪ :‬صفصافة‬

‫ُ‬ ‫واملثقف الذى كتبَها‪ ،‬واملنتصر الوحيد كيا ٌن خارج اإلنسانية‬ ‫ب ُر ّمتها!‬ ‫املؤنسن فى‬ ‫ثان ًيا‪ -‬يبدو أنّ احل ّل األكثر وجاه ًة للُغز الديك‬ ‫َ‬ ‫نظر ما – رمزًا‬ ‫احلكاية األخيرة يك ُمن فى اعتبارِ ه ‪-‬من وجهة ٍ‬ ‫نفسه! نح ُن أما َم ٍ‬ ‫للكاتب ِ‬ ‫ديك قليل الفعل‪ ،‬يتلخص منجزُه فى‬ ‫ِ‬ ‫النبش والعثور على قمحة وشعيرة‪ .‬لكنّه بإحلاحه بالزيارة على‬ ‫صن َع أيديهم بسيف احلياء – «اتلخبطت‬ ‫َمن م َّر بهم وأخذِ ه منهم ُ‬ ‫ّ‬ ‫ِ‬ ‫مِ‬ ‫الست واحتارت واتكسفت وبعدين سل ت وا ّدتُه حفان دقيق» –‬ ‫يقترب فى دورِ ه من ال ّر ِ‬ ‫اصد الذى أص َّر املؤ ّلف على أن يَكونَه‬ ‫ُ‬ ‫فى (موزاييك)‪ .‬لقد عرض املؤ ّلف مواقف مجتمعي ًة وجوديةً‬ ‫منوذجي ليرب َ‬ ‫ِط بينها بأى‬ ‫كخالق‬ ‫عاري ًة أما َمنا‪ .‬لم يتدخل‬ ‫ٍ‬ ‫ٍّ‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫فصيح‬ ‫طريقة أو ليفرض عليها رؤية متعالية من خالل سرد‬ ‫ٍ‬ ‫احلِ‬ ‫ّ‬ ‫ُ‬ ‫يُراوِ ح وار العا ّم ّي ويخل ُق معه توت ًرا وتع ّد ًدا فى األصوات‬ ‫‪ ،Heteroglossia‬وهو الشرط الذى اعتب َره الناقد األدبى‬ ‫الروسى باختني ركنًا مه ًّما من أركان البناء الروائي‪ .‬عرض‬ ‫حسني عبد العليم مواقفَه بل ُ ٍغة شديدة العا ّمية إن جاز التعبير‪،‬‬ ‫فظهرت أمامنا بلحمها ا َ‬ ‫حل ّي‪ .‬وهو بهذا املثَل األخير يتنصل‬ ‫من صفة ا َ‬ ‫ُ‬ ‫خللق املتعالية – فى جتــا ُو ٍب مع يساريتِه املشار‬ ‫عادِ‬ ‫نفسه هو والديك ك ُم ٍل‬ ‫إليها فى النتيجة السابقة – ويق ّدم َ‬ ‫أدبي للتاجر الشاطر الذى ال يخل ُ ُق سلع ًة وإمنا يعرف كيف‬ ‫ٍّ‬ ‫يقايض وينتصر ويُثري‪ .‬هذا‪ ،‬فى الوقت الذى يُلمِ ُح فيه مِ را ًرا‬ ‫ٍ‬ ‫حقيقي (كما فى‬ ‫كنشاط‬ ‫خالل حكاياتِه إلى احتقارِ ه للتجارة‬ ‫ٍّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ُ‬ ‫طفيلية اجلالس أمام د ّكانِه فى ‪ 10‬وفى تسفيه الشطار فى‬ ‫الديك‪ ،‬أنتصر أخي ًرا رغم‬ ‫مِ َهنِهم فى ‪ .)11‬كأنه يقو ُل‪« :‬أنا هذا ِ ّ‬ ‫هزميتى الفادحةِ أمامكم‪ ،‬حني أبتك ُر جتارتى اخلاصة التى‬ ‫تشبه جتاراتكم وال تشبهها فى آن"!‬ ‫إذا كان لنا أن ُنيب عن السؤال الذى استحضرناه من فيلم‬ ‫(ب َركة) فى مقدمة هذه القراءة‪ ،‬فإنّ حسني عبد العليم من‬ ‫خالل حكاياته فى موزاييك يحاول أن يتابع انتصار الراصد‬ ‫الواقف على يسار العالَم‪ .‬يقو ُل لنا‪« :‬رغم كل هذا القبح‪ ،‬فإنّ‬ ‫ِ‬ ‫وإخالصها للحكاية‪ ،‬وال‬ ‫اجلمال يك ُمن فى دِ قة العني الراصدة‬ ‫شيء بعد هذا»‪.‬‬ ‫الكتاب‪ :‬موزاييك‬ ‫املؤلف ‪ :‬حسني عبد العليم‬ ‫الناشر‪ :‬دار ميريت‬


‫‪٢٠‬‬

‫‪ ٥‬مايو ‪ ٢٠١٩‬العدد ‪١٣٤٥‬‬

‫‪١٧‬‬ ‫قانونية طويلة‪:‬‬ ‫بعد معركة‬ ‫ّ‬

‫رواية الذكـــرى السـنوية‪:‬‬

‫ألـعـاب‬

‫أعمال كافكا‬

‫الكذب البرىء‬

‫أحمد الزناتى‬ ‫«كل منا ميتلك لعبة طفولية يحب االحتفاظ بها كبالغ»‪.‬‬ ‫ً‬ ‫مدخل إلى رواية الذكرى‬ ‫لم أجد أفضل من العبارة السابقة‬ ‫السنوية للكاتبة القطلونية"إميا مونسو"‪ ،‬والتى صدرت ترجمتها‬ ‫إلى اللغة العربية قبل شهور عن دار صفصافة‪ ،‬بترجمة عذبة‬ ‫تستحق اإلشادة للمترجم املصرى عبد السالم باشا‪.‬‬ ‫موضوعا إنسان ًيا‪/‬‬ ‫رغم شاعرية أجــواء الرواية‪ ،‬ومقاربتها‬ ‫ً‬ ‫اجتماع ًيا مه ًما‪ ،‬وهو عالقة زوجــة بزوجها‪ ،‬أو عالقة زوج‬ ‫بزوجته (وثـ ّمــة فــارق جوهرى سيالحظه الــقــارئ مع تقدم‬ ‫األحداث)‪ ،‬ال تكتفى املؤلفة بطرح مسألة رتابة احلياة الزوجية‬ ‫وفتورها لعوامل من بينها الروتني اليومى‪ ،‬واالنشغال بالعمل‪،‬‬ ‫مسار‬ ‫زوج بزوجته‪ ،‬وعلى‬ ‫ٍ‬ ‫وتربية األوالد‪ ،‬بل تتخذ من عالقة ٍ‬ ‫صديق بصديقه‪َ ،‬مـعــبـ ًرا سرد ًيا‪ ،‬تنفذ من‬ ‫مواز‪ ،‬من عالقة‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫خالله إلى قضايا متصلة بعالقة الكذب باخليال والكتابة‪.‬‬

‫متوازيي؛ األول هو حكاية زوج‬ ‫تسير الرواية على محوريْن‬ ‫ْ‬ ‫وزوجة؛ الزوجة ّ‬ ‫موظفة استقبال فى أحد الفنادق‪ ،‬وهى قارئة‬ ‫نهمة‪ ،‬تعيش حياة زوجية تصفها «بالنظام الشديد والرتابة"‪،‬‬ ‫ِ‬ ‫والشعر‪ .‬بطلتنا‬ ‫فتخلق لنفسها عاملًا مواز ًيا قوامه الكلمات‬ ‫ُمترجمة بال قراء‪ ،‬صنف نادر‪ ،‬تترجم أشعا ًرا داخل رأسها‬ ‫وال تد ّونها على األوراق‪ ،‬ومع والدة طفليْها تتو ّقف عن ترجمة‬ ‫الشعر فى عقلها‪ .‬رغم ح ّبها الشديد لزوجها‪ ،‬تشعر برغبة‬ ‫ّ‬ ‫ومنظمة للغاية‪ ،‬وكل‬ ‫حا ّدة فى هدم حياة يومية عادية للغاية‪،‬‬ ‫شيء فيها ُمتوقع‪ .‬أما زوجها فموظف بإحدى الشركات‪ ،‬رجل‬ ‫عادي مفتـقـ ٌر إلى اخليال‪ ،‬أو هكذا ِ‬ ‫توهمنا املؤلفة فى البداية‪.‬‬ ‫ّ‬ ‫تس ّدد الزوجة سه ًما إلى صدر زوجها قائلة‪ِ »:‬‬ ‫أدهشنى مرة‬ ‫ً‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫حياتك»‪.‬‬ ‫سؤال جديدًا مرة واحدة فى‬ ‫حياتك‪ ،‬اسألنى‬ ‫فى‬ ‫ذهبت إلى ح ّل مبتكر للتغلب على مشكلة‬ ‫الطريف أنّ املؤلفة‬ ‫ْ‬ ‫امللل الزوجى‪ ،‬حينما اقترحت الزوجة على زوجها أن يهزما‬ ‫حالة الرتابة‪ ،‬ال مبزيد من التواصل والكالم‪ ،‬بل باخلرس‬ ‫التام‪ ،‬بالصمت فتقول‪":‬فى األصل كان الصمت فقط‪ ..‬ميكننا‬ ‫أن نتواصل بالكتابة‪ ،‬كل شيء يصبح أكثر ر ّقة عندما نكتب‪..‬‬

‫لن نستخدم الواتس آب وال الرسائل مطل ًقا‪..‬يحيا املونولوج»‪.‬‬ ‫أس َّرهـا‪ ‬الزوج فى‪ ‬نفسه‪ ‬ولم يُبدِ ها‪ ،‬وجـهـز ر ًدا مغل ًفا فى‬ ‫َ‬ ‫شكل هدية صغيرة‪ ،‬هى حبكة الرواية‪ ،‬ليوافقهاعلى اقتراحها‬ ‫وكأنه يقول لها‪« :‬من عينى يا حبيبتى»‪ ،‬وتبدأ بعدها مغامرة‬ ‫رأسا على عقب‪ .‬كانت الزوجة تتوق إلى‬ ‫مثيرة تقلب حياتهما ً‬ ‫الدهشة وإلى التغيير وكسر امللل‪ ،‬فكان لها ما أرادت‪.‬‬ ‫أمــا احملــور الثانى فيبدو ــ ظاهر ًيا ‪ -‬حكاي ًة من ّبتة الصلة‬ ‫الزوجي (اللذين تغفل املؤلفة ذكر اسميهما فى‬ ‫عن حكاية‬ ‫ْ‬ ‫البداية)‪ ،‬ولكننا نكتشف أ ّنه طريق داعم للمحور األول‪ ،‬إذ‬ ‫صبيي‪ ،‬أحدهما قارئ‬ ‫يتتبع عالقة صداقة فريدة تربط بني‬ ‫ْ‬ ‫نهم‪ ،‬غارق فى عالم الكتب‪ ،‬هو «جييم"‪ ،‬الذى يقرأ نها ًرا ‪ ،‬و‬ ‫يعيش ما يقرأ ً‬ ‫ليل‪ ،‬ويأخذ بيد صديقه «ماتيو» إلى عوالم‬ ‫ـجــسد األعــمــال األدبــيــة التى يقرآنها على أرض‬ ‫خيالية تُ َّ‬ ‫مدروسا‪ ،‬ومنتظ ًما بني‬ ‫تراوحا‬ ‫الواقع‪ .‬تتراوح أحداث الرواية‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫السابقي‪ .‬فص ٌل عن رحلة خلوية يقوم بها الزوجان‬ ‫احملوريْن‬ ‫ْ‬ ‫إلى الغابة‪ ،‬تلبي ًة لدعوة الزوج لالحتفال بـ"الذكرى السنوية"‪،‬‬ ‫الصديقي‪.‬‬ ‫تال عن مغامرات‬ ‫وفص ٌل ٍ‬ ‫ْ‬

‫بركة حسني عبد العليم‪:‬‬ ‫َ‬

‫اصد‬ ‫الر ِ‬ ‫ّ‬

‫على يسار العا َلم‬

‫محمد سالم عبادة‬ ‫من ُق ـ ِ ّـد َر له أن يشاهد الفيلم الوثائقى التجريبى (بَ َركة)‬ ‫للمخرج ( ُرن ْفرِ ْك ‪ – )Ron Fricke‬من إنتاج عام ‪1992-‬‬ ‫رمبا يستعيد هذا الفيلم بسهولة مع قراءة هذا النص السردي‪.‬‬ ‫ص يتحدى املألوف واملتعا َرف عليه عن الرواية‪.‬‬ ‫(موزاييك) نَ ّ‬ ‫ٍ‬ ‫فصل‬ ‫أحداث تتصاع ُد من‬ ‫أشخاص يتطورون مع‬ ‫لسنا أمام‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫إلى فصل‪ .‬باألحرى‪ ،‬الفصول أقرب إلى قصص قصيرة ال‬ ‫مباشر‪ .‬اثنا عشر فص ً‬ ‫ُ‬ ‫ِ‬ ‫ال فى هذا‬ ‫بشكل‬ ‫ترتبط شخصياتُها‬ ‫ٍ‬ ‫املوزاييك‪ ،‬تأتى العشرة األولى منها على هذه الشاكلة التى‬ ‫ُ‬ ‫وتشترك فى سمتني أساسيتني‪:‬‬ ‫أسلَفنا القو َل عليها‪،‬‬ ‫ُ‬ ‫ أنها جمي ًعا مستقاةٌ من قاع املجتمع‪ ،‬حيث األبطال يعانون‬‫أزمـ ٍ‬ ‫ـات مالي ًة طاحن ًة ومعها منظوم ٌة خُ لُقِ ّي ٌة وضيع ٌة غالبا‪.‬‬ ‫ففى (‪ )1‬عبد اهلل ال يجد ماالً يتزوج به بعد أن ز َّو َج إحدى‬ ‫أُختَيه‪ ،‬ويالح ُق جنس ًّيا جارتَه املتز ّوجة (شيماء) ‪ ،‬وفى (‪)2‬‬ ‫الريفي الفقير هاشم أبو محمود إلى بيت أخته‬ ‫يلجأ املريض‬ ‫ّ‬ ‫جماالت ــ الفقيرة هى األخرى ‪ -‬فى القاهرة ليبيت عندها‬ ‫ليل ًة قبل الذهاب إلى مستشفى احلكومة‪ ،‬وفى (‪ )3‬يترك‬ ‫القصة التى تخرج من زيجة‬ ‫الراوى العليم د ّفة احلكى لبطلة‬ ‫ّ‬ ‫ِّ‬ ‫تذك ُرنا‬‫فاشلة إلى استغالل جنسى إلى زيجة ثانية على الو َرق‬ ‫بزيجة فيلم (القاهرة ‪ )30‬وإن كان الديوث والزوجة وعشيقُها‬ ‫جمي ًعا من قاع املجتمع‪ -‬إلى عمل مؤقت إلى نفس الزيجة‬

‫‪ ٥‬مايو ‪ ٢٠١٩‬العدد ‪١٣٤٥‬‬

‫الثانية‪ ،‬وفى (‪ )4‬يكتشف رمضان خيانة زوجته عفاف مع‬ ‫السائق عربى ويالحقهما ثم يفضحهما وينتهى األمر بقعدة‬ ‫ُعرفية تُعيد عفاف إلــى رمضان الــذى يرضى هــذا ا ُ‬ ‫حلكم‬ ‫ٍ‬ ‫بساطة‪ ،‬كأنه ينتمى إلى منظومة قِ يَم يتحدد فيها‬ ‫العلنى فى‬ ‫مبحددات مختلفة جذر ًّيا ع ّما‬ ‫مفهوم كرامة ونخوة الرجولة‬ ‫ِّ‬ ‫أ ِلفَه معظم املنتمني إلى مجتمعنا على األقل ‪ ...‬وهكذا!‬ ‫تبي فى‬ ‫ أ َّن اجلنس ُم َح ِ ّر ٌك‬‫أساسي لد ّفة األحــداث‪ ،‬كما ّ‬ ‫ٌّ‬ ‫ثالثة من األمثلة السابقة‪.‬‬ ‫القصة احلادية عشرة تبدو كأنها بلسان الكاتب ِ‬ ‫نفسه‪ ،‬فهو‬ ‫مهتم باألدب والسينما واملوسيقى‬ ‫يتحدث عن مثق ٍّف‬ ‫موسوعي ٍ ّ‬ ‫ٍّ‬ ‫ويعانى غربة املثقفني املعروفة فى مجتمعه‪ .‬بينما تأتى الثانية‬ ‫الفانتازي‪ ،‬حيث‬ ‫عشرة – األخيرة‪ -‬فى صورة املَثَل ‪Parable‬‬ ‫ّ‬ ‫البطل دِ يـ ٌ‬ ‫نس ٌن كأنه قــاد ٌم من كليلة ودمنة أو حكايات‬ ‫ـك ُم َؤ َ‬ ‫ا َ‬ ‫جل ّدات‪.‬‬ ‫فى فيلم (بَ َركة) ميـ ّ ُر بنا ( ُرن ْفــرِ ْك) على األماكن املق ّدسة‬ ‫لدى البوذيني واليهود واملسيحيني واملسلمني‪ ،‬ومي ّر على عدد‬ ‫من مظاهر الطبيعة اخل ّ‬ ‫البة‪ ،‬كما مي ّ ُر على مظاهر مختلفة‬ ‫لتسا ُرع نبض احلياة مع احلضارة الصناعية‪ّ .‬كُــل ذلك من‬ ‫خالل كادرات بديعة تشهد على ِحذقِ ه وحساسيتِه البصرية‬ ‫العالية وانتقائ ِيتِه امل ُ َع ِ ّبرة كذلك‪ ،‬حيث يصل إلينا مع نهاية‬ ‫قوي بأ ّنه يُتابع مسارات تلك الب َركة اإللهية أو‬ ‫الفيلم شعو ٌر ّ ٌ‬ ‫النفَس ال ّ ُربُوب ِّى السارى فى كل مظهر من مظاهر احلياة على‬ ‫األرض‪ .‬هذا عن بَ َركة‪ .‬فماذا يُحاول (حسني عبد العليم) أن‬ ‫يُتابِع مبواقفِ ه اإلنسانية املُختارة من مجتمعِ ه فى هذه الرواية؟!‬ ‫مالحظات أسلوبي ٌة وسياق ّي ٌة على حكايات هذا املوزاييك‪،‬‬ ‫ثَ ّمة‬ ‫ٌ‬

‫ُ‬ ‫تنضاف إلى السمتني املهيمنتَني على العشرة األولــى منها‪،‬‬ ‫واملُشار إليهما آن ًفا‪:‬‬ ‫ٌ‬ ‫ٍ‬ ‫ناحية‪ ،‬وبقية أعمال‬ ‫اختالف بني لغة سرد (موزاييك) من‬ ‫يوجد‬ ‫الواقعي العا ّم ّي ُ‬ ‫ٍ‬ ‫املتَفِ ى بكل‬ ‫فاحلوار‬ ‫أخرى‪.‬‬ ‫ناحية‬ ‫من‬ ‫املؤلف‬ ‫ّ‬ ‫الشتائم والتابوهات اللفظية مشت َر ٌك بني أعمالِه كا ّف ًة‪ ،‬إ ّال أنّ‬ ‫ٍ‬ ‫بدرجات متفاوتة‪.‬‬ ‫التفاصح فى هذه األعمال‬ ‫السرد يَجنَح إلى‬ ‫ُ‬ ‫نفسه عا ّم ّ ٌي ال يحاول االقتراب من‬ ‫فالسرد‬ ‫(موازييك)‬ ‫أ ّما فى‬ ‫ُ‬ ‫الفصحى خطو ًة واحدة‪ .‬هكذا يقول الراوى العليم فى مطلع‬ ‫(‪« :)6‬إستعمل قلم جاف بيك إســود‪ .‬مشى بيه على إسمه‬ ‫املكتوب على املِخلة كإنه بيحفر‪ :‬عبد الستار بيومى بخيت‬ ‫من كفر كال الباب مركز السنطة محافظة الغربية"‪ ،‬كما يقول‬ ‫فى مطلع (‪« :)7‬ودنو كان قاعد مفرود ع القهوة بني اصحابه‬ ‫ـ وطبعا واحــد بيحب وعشرة بيكرهوا – نكشوه زى العادة‬ ‫فاملعلم اتفرد»‪.‬‬ ‫‪ - 2‬طبيعة الصوت السارد فى احلكايات االثنتى عشرة‪:‬‬ ‫ال ــراوى العليم لــم يــتـ ُرك د ّفــة احلكى للبطل إال فــى ثالث‬ ‫ٍ‬ ‫حكايات‪ ،‬هى (‪ )11‬وهى فيما يبدو بلسان املؤ ِ ّلف ِ‬ ‫نفسه كما‬ ‫ُقلنا‪ ،‬و(‪ )3‬و(‪ )5‬حيث الــراوى امــرأةٌ هى البطلة‪ ،‬وهى بطل ٌة‬ ‫جاهل ٌة فقيرةٌ كما فى سائر احلكايات‪ .‬لم يترك املؤلف دفة‬ ‫رج ٍل إ ّال ِ‬ ‫لنفسه‪.‬‬ ‫احلكى أبدًا‬ ‫ٍ‬ ‫لبطل ُ‬

‫موته كانت تغنى فى بعض األحيان‪ ،‬وهى بني أهل القرية دون‬ ‫قصد منها‪ ،‬وكان أهل القرية فى صمتهم يستقبلون تصرفها‬ ‫بدهشة‪ ..‬الغناء تحت وطأة الخوف والتكهنات املشؤومة‪..‬‬ ‫تغنى الزوجة بالعفوية ذاتها التى ّ‬ ‫شيد صانع نماذج السفن‬ ‫ّ‬ ‫مجسم القرية بها‪ ..‬الغناء الذى يسترجع ذاكرة‬ ‫الحربية‬ ‫املوت‪ ..‬التاريخ الشخصى للزوجة وعالقتها بزوجها وبأهل‬ ‫القرية‪ ..‬الغناء الذى يحاول تعطيل مفاجأته املتوقعة‪ ..‬تغنى‬ ‫ّ‬ ‫الزوجة كأنها تريد أن تتقدم على النهاية املنتظرة‪ ..‬كأن ذلك‬ ‫هو طريقتها الخاصة فى االنتقام من الحرب‪.‬‬ ‫«قــدم الدكتور بعد ذلك فرضية جديدة أدهشت سيلينا‬ ‫باييخو‪ ،‬وهى أن الكلمات إحدى األدوات األساسية لتواصل‬ ‫الجنس البشرى‪ ،‬حافظت على بقائها بفضل املجهود العنيف‬ ‫الذى تبذله الذاكرة‪ ،‬ويقوم به كل إنسان بشكل مستمر منذ‬ ‫معرفته األولى بمبادئ اللغة األساسية‪ ،‬وإذا حدث وتعثرت‬ ‫هذه اإلرادة السرية‪ ،‬بفعل النسيان‪ ،‬فإن هذه القلعة اللغوية‬ ‫الضخمة سوف تنهار‪ .‬دون أدنى شك بحسب ما قاله فإن‬ ‫هذا ما حدث له؛ لقد كف عن بذل أى مجهود فى داخله‪ ،‬لكى‬ ‫يتذكر ويصوغ أصوات الجمل‪ ،‬التى تنبع أصواتها من محيط‬ ‫الطبيعة مثل خرير املياه‪ ،‬وصــوت الرعد‪ ،‬وحتى ضجيج‬ ‫املحركات‪ .‬كتب الدكتور سوتو عبارات أخرى‪ :‬فى الكلمات‬ ‫املكتوبة توجد إشارة لألشياء ‪ ..‬األشياء التى توجد بالفعل هى‬ ‫فقط التى لها أسماء‪ ..‬الكلمات هى العالم»‪.‬‬ ‫لكننا حينما نتحدث عن محو الحياة فكأننا نشير إلى اللغة‬ ‫التى يكمن املوت داخلها‪ ..‬فى قصة «كلمات العالم» يختفى‬ ‫الدكتور سوتو بعد أن أصبحت العبارات بالنسبة له مجرد‬ ‫أصوات غير مفهومة‪ ..‬اللغة هى ادعاء الوجود‪ ،‬حيث يمارس‬ ‫املوت عمله‪ ،‬وبالضرورة فإن فقدانها يبدو كوظيفة للخيال‬ ‫الذى سبق أن ّ‬ ‫جرد أهل القرية من الحياة‪ ،‬أى حينما نزع‬ ‫ّ‬ ‫عنهم تلك األجساد التى تكونها الكلمات حتى يتمثل الفناء‬ ‫ناصعا‪ ..‬اللغة إذن كأنها القاتل الذى ّ‬ ‫ً‬ ‫يزيف أدلة إدانته‪ ،‬األمر‬ ‫الذى يعيدنا إلى حديث الواعظ فى الكنيسة عن الحرب فى‬ ‫قصة «الهارب من الجندية» وعالقته بغناء الزوجة قبل موت‬ ‫املحارب‪ ..‬هنا يصبح الحيز الفارغ من الطبيعة الذى اختفى‬ ‫الدكتور سوتو داخله كأنه األصل الغامض ملا قبل الكلمات أى‬ ‫ما قبل الزمن‪ ..‬كأنه العدم الذى يسبق املوت‪.‬‬ ‫>>>‬ ‫من الجدير باالنتباه بالنسبة لى أن قصة «كلمات املوتى»‬ ‫ً‬ ‫اندماجا بصورة ما بني‬ ‫للكاتب الفرنسى فيليب كلوديل تمثل‬ ‫قصتى «امليالد فى الغرفة العلوية» و"كلمات العالم» لخوسيه‬ ‫ماريا ميرينو‪:‬‬ ‫ّ‬ ‫«ربما ليس ألن حقيقة أو معرفة مخلصة ستتسرب خلسة أو‬ ‫تنكشف على نحو مفاجئ من مناقشة تقليدية أو جدل مكرر؛‬ ‫بل ربما ألن العماء التام ال يمكنه العيش والخلود إال بواسطة‬ ‫الكلمات‪ ،‬وهو ما يعنى الفناء اللحظى السهل والبديهى‬ ‫للعميان بطبيعة الحال ‪ ..‬وحدها الغفلة تلك التى تبدو حاكمة‬ ‫للغة البشر فى املواقف املختلفة‪ ،‬وحامية لقرار التعتيم األزلى‬ ‫على أى إمكانية أو فرصة للفهم أو للتبرير ‪ ..‬الغفلة التى ال‬ ‫يمكن السيطرة على خفائها املمتد لكل حيز ومقصد واحتمال‬ ‫للحروف املتداولة فى الحياة واملوت ‪ ..‬ذلك الشيء أو تلك‬ ‫املسارات والسياقات املتبلدة واملتشابكة التى ال يسكنها سوى‬ ‫موتى»‪.‬‬ ‫فى قصة كلوديل التى تدور فى القرون الوسطى يموت الناس‬ ‫أثناء الثرثرة العادية‪ ،‬فاتحني أفواههم دون فزع‪ ..‬كأن هؤالء‬ ‫املوتى هم أهل القرية التى ّ‬ ‫ّ‬ ‫مجسمات‬ ‫شيد نموذجها صانع‬ ‫ً‬ ‫السفن الحربية القديمة‪ ،‬وكأنهم جميعا الدكتور سوتو الذى‬ ‫اختفى حني لم تعد هناك كلمات‪ ..‬القتل الجماعى الناجم‬ ‫عن ّ‬ ‫تحول اللغة فى لحظة مفاجئة من قناع للحياة إلى وجه‬ ‫للموت‪ ..‬من التظاهر بالوجود إلى بلوغ ذروة الفناء الكامن‬ ‫منذ الكلمة األولى‪.‬‬ ‫الكتاب‪ :‬قصص قصيرة‬ ‫املؤلف‪ :‬خوسيه ماريا مورينو‬ ‫املترجم‪ :‬عبير محمد عبد احلافظ‬ ‫الناشر‪ :‬مشروع كلمة‬

‫أرون هيلر‬ ‫ترجمة‪:‬‬ ‫مجدى عبد املجيد خاطر‬ ‫ُر ّبــا يتم الكشف قري ًبا عن كنز دفني من أعمال فرانز‬ ‫ً‬ ‫كامل‬ ‫كافكا غير املنشورة‪ ،‬عقب معركة استم ّرت عقدًا‬ ‫حول تَرِ كته األدب ّية‪ ،‬دفعت ُمراقبني ملقارنتها ببعض قصص‬ ‫الكاتب السريال ّية؛ إ ْذ أ ّيدت محكمة فى مدينة زيورخ هذا‬ ‫ّ‬ ‫الشهر قرارات إسرائيل ّية تتعلّق بالقض ّية‪ ،‬وحكمت بجواز‬ ‫فتح عدد من صناديق الودائع اآلمنة فى املدينة السويسر ّية‪،‬‬ ‫وشحن محتوياتها إلى مكتبة إسرائيل الوطن ّية‪ .‬ويتعلّق‬ ‫ا ُ‬ ‫حلكم بوثائق أصل ّية ُيكنها أن تلقى ضو ًءا جديدًا على‬ ‫التباسا؛ وهو يهودى‬ ‫األدب‬ ‫عالم‬ ‫شخصيات‬ ‫أكثر‬ ‫من‬ ‫واحد‬ ‫ً‬ ‫بوهيمى كان يتح ّدث األملان ّية من مدينة براغ‪ ،‬اندلع نزاع‬ ‫محموم بني إسرائيل وأملانيا على إرثــه الثقايف‪ .‬وعلى‬ ‫ً‬ ‫مجهول‪،‬‬ ‫ال ّرغم من أنّ احملتوى الدقيق للخزائن ال يزال‬ ‫فإنّ خُ براء يتو ّقعون أن تضم اخلبيئة نهايات بعض كبريات‬ ‫أعمال كافكا‪ ،‬والتى نُشر الكثير منها بعد وفاته دون نهاية‪.‬‬ ‫وكــانــت احملكمة ال ُعليا فــى إســرائــيــل قــد جـ ـ ّردت أســرة‬ ‫ـاصــة مــن مخطوطات‬ ‫إســرائــيــلـ ّيــة مــن مجموعتها اخلـ ّ‬ ‫كافكا‪ ،‬والتى ظلّت مخف ّية داخل أقبية مصرف إسرائيلى‬ ‫وواحــدة من شقق تل أبيب القذرة املليئة بالقطط‪ .‬لكن‬ ‫قــرار احملكمة السويسر ّية سيستكمل االستحواذ على‬ ‫كل أعماله املعروفة تقري ًبا‪ ،‬بعد سنوات من النزاعات‬ ‫القانون ّية الطويلة بشأن هو ّية أصحابها الشرعيني‪ .‬هذه‬ ‫امللحمة كان من املمكن أن يكتبها كافكا نفسه‪ ،‬ا ّلذى أصبح‬ ‫اسمه ُمراد ًفا لوصف املواقف العبث ّية التى تنطوى على‬ ‫عمليات قانون ّية ُمعضلة‪ .‬حيثُ اشتهر كافكا بقصصه عن‬ ‫رجال تسحقهم سلطات غامضة أو يُغ ّيرهم عا ٌر ما‪ .‬ففى‬ ‫«املاكمة» على سبيل املثال‪ ،‬يخضع ّ‬ ‫رواية ُ‬ ‫موظف مصرفى‬ ‫املوجهة‬ ‫إلجراءات ُمحاكمة قاسية دون أن يعرف االتهامات‬ ‫ّ‬ ‫ضــده‪ .‬يقول بنيامني بالنت؛ وهو باحث مبعهد فان لير‬ ‫بالقدس ومــؤ ِ ّلــف كتاب « ُمحاكمة كافكا األخــيــرة» ا ّلــذى‬ ‫يعرض أحداث القض ّية وفق تسلسلها الزّمني‪« :‬يتم ّثل ما‬ ‫فى هذه ُ‬ ‫املاكمات من عبث ّية فى أ ّنها حول تَرِ كة لم يكن‬ ‫هناك من يعرف ما حتتويه‪ .‬ونأمل أن يحل هذا القرار‬ ‫ربا تنتهى‪،‬‬ ‫أخي ًرا هذه املسائل؛ ذلك أنّ العمل ّية القانون ّية ّ‬ ‫لكن املسائل املتعلّقة بانتمائه وإرثه الثقافى ستظل معنا‬ ‫لفترة طويلة ِج ًّدا»‪.‬‬ ‫>>>‬ ‫كانت ملكية كتابات كافكا قد آلت إلى صديقه و ُمحرر‬ ‫نصوصه وناشره؛ ماكس برود‪ ،‬قبيل وفاته بفترة قصيرة‬ ‫السل عام ‪ 1924‬عن عمر ناهز األربعني‪،‬‬ ‫بسبب مرض ّ ُ‬ ‫حيثُ طلب من راعيه أن يحرق كل األعمال التى لم تُقرأ‪.‬‬ ‫لكن برود جتاهل وصية صديقه ونشر أغلب ما كان فى‬ ‫حوزته؛ ويضم روايــات احملاكمة والقلعة وأميركا‪ ،‬وهى‬ ‫األعمال التى ح ّولت كافكا احملدود الشهرة أثناء حياته‪ ،‬إلى‬ ‫واحد من أشهر الكتّاب وأكثرهم تأثي ًرا فى القرن العشرين‬ ‫بعد وفاته‪ .‬غير أنّ برود ا ّلــذى هـ َّرب بعض املخطوطات‬ ‫إلى إسرائيل قبل إنشائها حني ف ّر من النازيني عام ‪،1938‬‬ ‫وعي عند وفاته عام ‪ 1968‬سكرتيرته‬ ‫لم ينشر كل شيء‪ّ ،‬‬ ‫ّ‬ ‫الشخص ّية إستر هوف مسئولة عن تركته األدب ّية وطلب‬ ‫منها نقل أوراق كافكا إلى إحدى املؤسسات األكادمي ّية‪.‬‬ ‫لكن هوف احتفظت باألوراق بعيدًا عن األنظار طيلة أربعة‬ ‫ّ‬ ‫عقود‪ ،‬بل باعت بعضها مببالغ خيال ّية‪ .‬إ ْذ عرضت ً‬ ‫مثل‬ ‫املخطوطة األصل ّية لرواية احملاكمة للبيع فى مزاد سوذبيز‬ ‫عام ‪ ،1988‬وحصلت على ‪ 1.8‬مليون دوالر من أرشيف‬ ‫األدب األملانى فى مدينة مارباخ شمال شتوجتارت‪ .‬وتركت‬ ‫هــوف املجموعة بعد وفاتها عــام ‪ 2008‬عن عمر ناهز‬ ‫املائة وعا ًما واحــدا البنتيها؛ إيفا هوف وروث وايسلر‪،‬‬ ‫وكالهما ناجيتان من احملرقة النازية مثل أ ّمهما‪ ،‬اعتبرتا‬ ‫برود أ ًبا لهما وأرشيفه هو ميراثهما الشرعي‪ .‬ث ّم توفيت‬

‫ّ‬ ‫الضائعة قد ترى‬ ‫قريبا‬ ‫النور‬ ‫ً‬

‫االبنتان وتركتا أبناء وايسلر يواصلون الدفاع ع ّما تبقّى‬ ‫من املجموعة‪.‬‬ ‫كان أشعيا إجتار محامى أبناء وايسلر قد قلل من أهمية‬ ‫ً‬ ‫الكم ُ‬ ‫ُ‬ ‫قائل إ ّنها على األرجح نُسخ‬ ‫املتمل فى زيــورخ‪،‬‬ ‫طبق األصــل من مخطوطات باعتها هــوف‪ ،‬وصـ ِ ّـرح بأ ّنه‬ ‫مهما يكن ا ُ‬ ‫حلكم فإ ّنه استمرار لعمل ّية «تُداس فيها حقوق‬ ‫امللك ّية الفرد ّية دون أى ُمبرر قانوني‪« .‬وقــال إنّ موكليه‬ ‫ورثــوا األعــمــال قانون ًّيا ويعتبرون استيالء الــدولــة على‬ ‫ممتلكاتهم « ُمشينًا» و"سرقة من الدرجة األولى‪ ».‬وتزعم‬ ‫مكتبة إسرائيل الوطن ّية أنّ أوراق كافكا «أصول ثقاف ّية»‬ ‫ميلكها ّ‬ ‫الشعب اليهودى‪ ،‬وأنّ كافكا ف ّكر قبيل وفاته فى‬ ‫مغادرة براغ واالنتقال إلى دولة إسرائيل قبل إنشائها‪ ،‬وأ ّنه‬ ‫دروسا فى اللغة العبر ّية مع امرأة مقدس ّية تب ّرعت‬ ‫تلقّى‬ ‫ً‬ ‫أخي ًرا بدفتر تلميذها ا ّلــذى يضم املفردات اللغو ّية إلى‬ ‫املكتبة‪ .‬وكانت املكتبة أثناء السنوات األخيرة قد استحوذت‬ ‫على العديد من املخطوطات األخرى التى أمرت احملكمة‬ ‫أحفاد هوف بتسليمها‪.‬‬ ‫>>>‬ ‫وقــال مائير ميلر أحــد ممثلى املكتبة القانونيني ا ّلذين‬ ‫رافقوا القضية التى استم ّرت عشر سنوات‪ ،‬أ ّنه من املتو ّقع‬ ‫أن تصل األوراق اجلديدة إلى إسرائيل فى غضون شهر‪.‬‬ ‫وص ـ ّرح ديفيد بلومبرج؛ مدير مكتبة إسرائيل الوطن ّية‪،‬‬ ‫رحب بقرار‬ ‫وهى هيئة غير حكوم ّية غير ربح ّية بقوله‪« :‬نُ ِ ّ‬ ‫احملكمة السويسر ّية التى تتفق مع كا ّفة األحكام التى‬ ‫أصدرتها احملاكم اإلسرائيل ّية‪ ،‬كما يستكمل هذا القرار‬ ‫حتضير مكتبة إسرائيل الوطن ّية لتسلّم تركة ماكس برود‬ ‫األدب ّية بأكملها‪ ،‬والتى ستلقى املعاملة التى تليق بها وستُتاح‬ ‫لعموم اجلمهور فى إسرائيل والعالم»‪.‬‬ ‫لكن متخصصني آخــريــن يتشككون فــى تبنّى إسرائيل‬ ‫لكافكا‪ ،‬الفتني إلى صراعه بشأن هويته اليهود ّية‪ .‬أ ّما‬ ‫أرشيف األدب األملانى؛ على سبيل املثال‪ ،‬فقد انحاز إلى‬ ‫جانب ورثة هوف وسعى إلى شراء املجموعة نفسها بزعم‬ ‫أنّ النصوص مكتوبة باللغة األملانية وهــى بذلك تراث‬ ‫أملاني‪ .‬وقال ديتمار جيجل؛ أحد موظفى األرشيف‪ ،‬إ ّنه‬ ‫لن يُع ِلّق على قرار محكمة زيورخ أل ّنه لم ّ‬ ‫يطلع عليه بعد‪.‬‬ ‫فى حني ح ّذر بالنت من أن محتويات األرشيف املُخبأ قد‬ ‫ال ترقى لتوقعات اجلميع‪ ،‬وأضاف ُمشي ًرا إلى املنافسة‬ ‫تخص كافكا‪« :‬من غير‬ ‫الشرسة حول أى وثيقة أصل ّية‬ ‫ّ‬ ‫املرجح أن نكتشف رائعة مجهولة لكافكا بني تلك األوراق‪،‬‬ ‫ّ‬ ‫لكنّها تظل أورا ًقــا ذات قيمة؛ ذلك أ ّنه ث ّمة هالة غريبة‬ ‫ُتيط بكافكا جتعل كل ما يتعلّق به ج ّذا ًبا»‪.‬‬

‫عن األسوشيتد برس‬


‫‪١٨‬‬

‫‪ ٥‬مايو ‪ ٢٠١٩‬العدد ‪١٣٤٥‬‬

‫‪١٩‬‬

‫‪ ٥‬مايو ‪ ٢٠١٩‬العدد ‪١٣٤٥‬‬

‫صالة خاصة‪:‬‬

‫آفاق جديدة‬ ‫بعض النماذج الروائية‬ ‫اجلديدة حتفز على‬ ‫التساؤل عن حتوالت فن‬ ‫الرواية وتطور أمناطه‬ ‫وأشكاله الفنية وعالقته‬ ‫مبجاالت أخرى‪ ،‬وإثارة‬ ‫تساؤالت عديدة حول‬ ‫صلة فن الرواية مبجاالت‬ ‫التعليم واإلدراك املعرفى‬ ‫ونظرياتهما وكذلك‬ ‫تشكيل الوعى والبنية‬ ‫الذهنية للمتلقني أو‬ ‫حتريكها فى اجتاهات‬ ‫بحثية بعينها‪ .‬رواية‬ ‫«صالة خاصة» للروائى‬ ‫املصرى صبحى موسى‬ ‫الصادرة عن الهيئة العامة‬ ‫للكتاب ‪ 2019‬متثل واحدة‬ ‫من تلك التجارب الروائية‬ ‫التى تثير هذه األسئلة‬ ‫حول األبعاد املعرفية‬ ‫والتعليمية وجدل اجلمالى‬ ‫واملعرفى فى اخلطابات‬ ‫الروائية وغيرها الكثير‬ ‫من التساؤالت املهمة‪.‬‬ ‫رواية «صالة خاصة»‬ ‫هى منوذج فنى ينحت‬ ‫فى تاريخ املسيحية فى‬ ‫مصر بدأب وبطابع بحثى‬ ‫ال يتجاوز اخلصائص‬ ‫والسمات اجلمالية‬ ‫للنوع األدبى‪ ،‬وتقارب‬ ‫التحوالت التاريخية‬ ‫الكبرى واملصيرية‬ ‫للكنيسة املصرية ورأسها‬ ‫فى اإلسكندرية فى‬ ‫فترة مهمة من العصر‬ ‫الرومانى وبعد ذلك‪ ،‬ومن‬ ‫ثم تقارب التحوالت‬ ‫والتشكالت العقدية فى‬ ‫الكنيسة املصرية وبداية‬ ‫خصوصية تصوراتها‬ ‫للعقيدة املسيحية ومن‬ ‫ثم حربها أو صراعها مع‬ ‫السلطة الزمنية املتمثلة‬ ‫فى األباطرة الرومان‬ ‫وكذلك حربها وجدلها‬ ‫التاريخى مع الكنائس‬ ‫امللح‬ ‫األخرى‪ .‬السؤال ّ‬ ‫واجلوهرى هنا‪ ،‬كيف تبدو‬ ‫هذه املساحة من اجلدل‬ ‫الدينى والعقدى الرسمى‬ ‫والتاريخى مجال اشتغال‬ ‫جمالى للخطاب الروائى؟‬

‫لتلقى السرد الروائى‬

‫محمد سليم شوشة‬ ‫الحقيقة أن الرواية عبر ّ‬ ‫حس خاص استثمرت‬ ‫هذه املساحة من الصراع العقدى التاريخى واملمتد‬ ‫لعقود طويلة بحسب حكاية دير املالح كما ّ‬ ‫يدونها‬ ‫روفائيل السكندرى وتلميذه بنيامني وغيرهما‬ ‫وكما كشفتها رسائل أوريجانوس‪ ،‬هذه املساحة‬ ‫من الصراع العقدى والجدل الدينى والخالف‬ ‫والــصــدام مــع األبــاطــرة واألســاقــفــة اآلخــريــن‬ ‫والباباوات أنتجت منها الرواية حالة من الشجن‬ ‫اإلنسانى العميق الذى يخلق حاال شعرية ينضح بها‬ ‫خطاب الرواية ويبدو فى إطار هذه الشعرية على‬ ‫قدر كبير من اإليحاء بمعان مطلقة حول تحوالت‬ ‫اإلنسان وتضحياته وانتهازيته أو قدر إخالصه‬ ‫ونقائه ورغبته فى املعرفة وإدراك الحقيقة‪ .‬كما أن‬ ‫الرواية تبدو وفق هذه الشعرية الناتجة عن شجن‬ ‫هذا الصراع املمتد واملليء بالتضحيات والتحوالت‬ ‫والتراكم وامليراث الفكرى واالجتهاد أو املطامع‬ ‫وجدل كل هذه القيم‪ ،‬تبدو ذات شكل إنسانى أو دفق‬ ‫إنسانى يجعل املتلقى فى حال من املراقبة الرهيفة‬ ‫والتساؤل عن طبيعة اإلنسان فى املطلق وجوهره‬ ‫حني يموت أو يتعذب فى سبيل أفكار واجتهادات‬ ‫ال يقدر على حسمها من حيث الصواب والخطأ أو‬ ‫الحق والباطل أو الخير والشر‪.‬‬ ‫>>>‬ ‫«صالة خاصة» لها منافذها الجمالية الدقيقة التى‬ ‫قد ترهق النقاد ملا لها من وجه تاريخى وبحثى قد‬ ‫ُيخفى أو يطمر بعض الجوانب اإلنسانية أو شعرية‬ ‫األلــم والعذاب اإلنسانى وشعرية تكرار املأساة‬ ‫وتكرار املصائر والتضحيات بشكل قدرى يبدو فيها‬ ‫اإلنسان مثل موجات متدفقة فى نهر الوجود‪ .‬بني‬ ‫ًّ‬ ‫نسبيا وكذلك تبدل‬ ‫تحوالت الزمن وثبات املكان‬ ‫الشخصيات واألسماء واألفكار واملعتقدات وثبات‬ ‫األسئلة أحيانا حــول الله وحــول جوهر العقيدة‬ ‫ومفرداتها ولــوائــح اإليــمــان وقوانينه يبدو نهر‬ ‫اإلنسانية الشعرى بمعامله املحفزة على التساؤل‬ ‫واملثيرة للدهشة‪ .‬يتغير الجالسون على املقعد‬ ‫البابوى فى اإلسكندرية مرات عديدة ويظل الصراع‬ ‫وتبقى األسئلة ويظل االجتهاد ويتنوع اإلنسان بني‬ ‫نماذج عديدة ثابتة عنيدة وأخرى أكثر مرونة وقبوال‬ ‫لالختالف‪ .‬من يميلون إلى الدماء والعنف وتصفية‬ ‫الحسابات باملؤامرات واألكاذيب واملكائد ومن‬ ‫يبقون على شرف الخصومة وحق االختالف ومن‬ ‫كافة هذه الحوادث والنماذج والتناقضات تتجلى‬ ‫شعرية تنوع الحياة اإلنسانية التى تتجاوز األحادية‪،‬‬ ‫ومن هذه الخالفات واالختالفات تتوالد التجارب‬ ‫واالمتحانات والفنت والعذابات ومن يبقون راسخني‬ ‫فى الذاكرة الجمعية بال هفوات قديسني حامني‬ ‫للكلمة واملبدأ وآخرين يسقطون فى اختبارات‬ ‫سهلة أحيانا‪ ،‬لتتجلى الطبيعة اإلنسانية بتراكبها‬ ‫وغموضها واحتياجها الدائم للبحث والتنقيب فيها‬ ‫عبر الكتابة والتدوين والتساؤل وكتابة التاريخ‪.‬‬ ‫فن الرواية وفق هذا النموذج اإلبداعى املتحقق فى‬ ‫رواية صالة خاصة يبدو فنا جبارا إذا جاز التعبير‪،‬‬ ‫يملك من القدرات ما ال تملك الخطابات األخرى‬ ‫سواء السينمائية أو الدرامية أو الخطابات العلمية‬ ‫األكاديمية أو التاريخية البحثية‪ .‬فهو يحقق املعادلة‬ ‫الصعبة الجامعة بني الجمالى واملعرفى بطاقاته‬ ‫الفلسفية والتدوينية والتأريخية دون سأم أو جفاف‬

‫بحثي‪ .‬الخطاب الروائى على هذا النحو يملك‬ ‫القدرة على استثمار الوقفات البحثية والتأملية‬ ‫وطرح األسئلة الصعبة التى تحتاج نقاشا يطول‬ ‫بالدليل والبرهان حول وحدة اإلله أو األقانيم أو‬ ‫صفة مريم البتول وما يستتبع الخالف حول كونها‬ ‫أم اإلله لدى البعض من جدل فى مسائل عقدية‬ ‫أخرى‪ .‬بعض هذه األفكار واملسائل قد ال تقدر على‬ ‫طرحها ومقاربتها الدراما التلفزيونية أو السينما‬ ‫بقدراتها الشفاهية املتجردة من قــدرات النص‬ ‫املكتوب‪.‬‬ ‫>>>‬ ‫ّ‬ ‫يخص‬ ‫فالنص املكتوب له طبيعة خاصة فيما‬ ‫زمن التلقى‪ ،‬ألن القارئ يملك القدرة على إعادة‬ ‫القراءة مرات عديدة دون حاجة لتكرار التشغيل أو‬ ‫املشاهدة كما فى الفنون السردية األخرى كالسينما‬ ‫والتلفزيون‪ ،‬وهذه الطاقات البحثية واملعرفية إنما‬ ‫تشبع باألساس بعض احتياجات املتلقني للمعرفة‬ ‫ونزوعهم إلى إدراك السر الجوهرى فى الصراع‬ ‫والدوافع الحقيقية للقتل والتعذيب والتنكيل والنفى‬ ‫وكافة الحوادث التى تمتلئ بها الرواية على نحو ما‬ ‫تضج بها الحياة نفسها من الخالفات واالقتتال‬ ‫العقدى الذى يبدو هو النغمة اإلنسانية األكثر ثباتا‬ ‫فى هذا الوجود‪ ،‬مهما كانت تنويعات هذه النغمة‪،‬‬ ‫فما خــاف املسلمني بتنويعاتهم حــول الجهاد‬ ‫والعنف والقتال إال صورة من األصل الواحد الذى‬ ‫كان منه خالف املسيحيني األوائــل فى العقيدة‪.‬‬ ‫فالخالف كله فى النهاية عقدى والنتيجة كذلك‬ ‫واحــدة تنوعت بني القتل والنفى والتعذيب‪ ،‬كما‬ ‫كان هناك دائما املرحبون باالختالف فى الرأى‬ ‫واملتقبلون ألى االجتهادات‪ ،‬حتى قد يصل األمر‬ ‫لقبول الشيطان نفسه وإيجاد مبرر ألفعاله أو‬ ‫إدراك رفضه وعصيانه وفق منطق ال يخلو من‬ ‫وجاهة حسبما رأى أوريجانوس فى رسائله وحسب‬ ‫ما استقرت عليه رحلة بحثه من التسامح والغفران‬

‫مع الجميع وللجميع كما طرحت الرواية‪.‬‬ ‫الرواية تمثل لحنا طويال أو معزوفة موسيقية كبيرة‬ ‫تتراكب وتتداخل فيها تنويعات نغمية عدة‪ ،‬ففيها‬ ‫عدد من األصــوات السردية والحكايات املركبة‬ ‫واملمتزجة وفــق نسق تبادلى من بداية الرواية‬ ‫حتى نهايتها‪ ،‬فالحكاية اإلطار التى تقع فى الفترة‬ ‫املعاصرة وهى قصة أنطونيوس ودميانة ومالك‬ ‫كاتب دير املالح وغيرهم من الشخصيات تمتلئ‬ ‫باألحداث والتحوالت ويصبح املكون العاطفى فيها‬ ‫روحا تصنع تواشجا ونغمة صغرى ممتدة داخل‬ ‫النغمة األكبر‪ ،‬كما فيها كذلك خط التحقيق املمتد‬ ‫وقصة نشر الكتاب املمنوع رسائل أوريجانوس على‬ ‫أنها سيرة القديس أنطونيوس‪ ،‬وكذلك فيها خط‬ ‫البحث عن دميانة ولقائها مرة أخرى بحبيبها بعد‬ ‫فــراق وإنقاذها من الراغبني فى التخلص منها‬ ‫ألنها اطلعت على أسرارهم‪ ،‬وهى فى ذاتها قصة‬ ‫فيها قدر كبير من التشويق واإلثارة‪ ،‬كما فى هذه‬ ‫الحكاية املعاصرة‪/‬اإلطار قصة غامضة حول مقتل‬ ‫الراهب بوخوميوس أو انتحاره وهو لغز ال تتضح‬ ‫حقيقته إال فى نهاية الرواية‪ ،‬وهو ما يمنح الرواية‬ ‫الشكل البوليسى الــذى يعزز بنية اللغز ويمنح‬ ‫خطابها نسقا حركيا يتمثل فى السعى نحو كشف‬ ‫هذا اللغز ومعرفة القاتل‪.‬‬ ‫>>>‬ ‫بقية‬ ‫أما الحكايتان األخريان اللتني تتشكل منهما ُّ‬ ‫النغمات السردية التى تتقاطع وتتبادل التوزع‬ ‫فــى فضاء الــروايــة‪ ،‬فهما قصة ديــر املــاح من‬ ‫بداية نشأته بما فيها من الحقائق أو الكرامات‬ ‫أو األساطير إن جاز التعبير عن ميخائيل املالح‬ ‫املعتزل فى الصحراء بلبوءته وأشبالها التى تظل‬ ‫حاضرة من البداية للنهاية وفــق منطق روحى‬

‫أو اعتقادى جعلها ال تغيب عن عقيدة املؤمنني‬ ‫بوجودها سواء فى الواقع أو األحــام أو التحايل‬ ‫ومن هنا تمتد فاعليتها‪ .‬وقصة دير املالح فى ذاتها‬ ‫هى الوسيط بني الحكايات األخرى ملا مثل الدير‬ ‫ورهبانه من حال الوسطية والتوازن املعرفى واملعبرة‬ ‫أو القنطرة التى عبرت منها املعارف املختلفة فى‬ ‫كافة االتجاهات‪ ،‬وبشكل كبير من التوازن وقبول‬ ‫اآلخر أو التنوع الفكرى دون صدام وبخاصة فى‬ ‫املاضي‪ .‬فيبدو دير املالح بتاريخه رمزا للمعرفة‬ ‫بشكل مطلق عبر سيرة رجاله ورؤسائه ديمتريوس‬ ‫وأبــانــوب املصرى الجنوبى ورفائيل السكندرى‬ ‫وإيمانوئيل الطيب وبوخوميوس‪ .‬والنغمة السردية‬ ‫الرئيسة الثالثة التى تتبادل وتتراوح مع النغمتني‬ ‫السابقتني هى سيرة أوريجانوس حسبما ّ‬ ‫دونها فى‬ ‫رسائله االعترافية إلى صديقه البابا ديونسيوس‪،‬‬ ‫والحقيقة أن هــذه السيرة‪/‬الرسائل هى الجزء‬ ‫الجوهرى فى خطاب روايــة صالة خاصة‪ ،‬فهى‬ ‫الجزء املشترك بني الحكايات الثالثة وتربطها‬ ‫جميعا ببعضها‪ ،‬وهى كذلك تعكس حاال خاصة من‬ ‫السماحة والسالم الروحى واملحبة الخالصة لكافة‬ ‫عناصر الوجود التى تبدو متصارعة‪.‬‬ ‫>>>‬ ‫رحلة أوريجانوس رحلة صوفية ثرية وفى غاية‬ ‫العمق وتمثل العمود الفقرى للرواية بما فيها من‬ ‫روحى ومعرفى وبما فيها من اإلخالص‬ ‫رحلة بحث َ َ‬ ‫والجلد وقبول اآلخر ومحبته ومبادلة الشر‬ ‫والنقاء‬ ‫خيرا‪ ،‬وملا فيها من الحكمة والتحوالت الكبيرة‬ ‫وشجن املوت والترحال وتبدل الحياة بني الهناءة‬ ‫واأللــم والعذاب تبدال ال يمكن توقعه وال قراءته‪،‬‬ ‫ولكن يمكن ألوريجانوس فقط أن يتصالح معه‬ ‫ويستوعبه ويمر عبره كما لو أن كل هذا األلم لم‬ ‫يحدث من األســاس‪ .‬النغمات السردية الثالثة‬ ‫السابق عرضها تقع فى أزمنة مختلفة ولكنها تبدو‬ ‫متشابهة وأسئلتها واحــدة ونماذجها اإلنسانية‬ ‫مكررة‪ ،‬وتبدو امتدادات لبعضها‪ ،‬حتى األسماء‬ ‫تتكرر‪ ،‬فأنطونيوس الصغير أو الحالى قد يقابل‬ ‫القديس أنطونيوس الكبير الــذى عــاش فى دير‬ ‫املــاح‪ ،‬ودميانة ترى نفسها ومصيرها فى رضا‬ ‫القديسة تريزا وقبولها لها وكذلك موقفها من أمها‬ ‫التى لها نفس االسم كذلك‪ .‬والحيوانات الحارسة‬ ‫األسطورية أو الكرامات والشهادة تيمة متكررة‬ ‫فى كافة األزمنة بوصفها جزءا من العقل املؤمن‬ ‫ونسيجه الواحد‪ ،‬وأحد املكونات الفاعلة فيه‪ ،‬فنجد‬ ‫اللبوءة وأشبالها ودفاعها الثابت عن الحق وحراسة‬ ‫املظلومني والضعفاء ال تبدو بعيدةعن طبيعة كلب‬ ‫السماء الذى يبدو أشبه ببوصلة روحية لكل من‬ ‫أنطونيوس ودميانة ويوجههما ويربط بينهما كما‬ ‫يربطهما الحب‪ ،‬هنا يكون دور التكرار أو هذه‬ ‫الثنائيات املتوازية أو املتقاطعة أو املتناظرة ليس‬ ‫فقط الربط النفسى للشخصيات أو صنع حالة‬ ‫من االنسجام فى النسيج اإلنسانى الذى يكون فيه‬ ‫العقل املسيحى املؤمن حالة واحدة أو متشابها إلى‬ ‫حد بعيد‪ ،‬ولكنها كذلك تخلق نوعا من التكرار فى‬ ‫خطاب الرواية بحيث يحيل بعض الرواية على بعض‬ ‫ويمثل التكرار شبكة من العالقات والتقاطعات‬ ‫الداخلية التى تصنع وحدة النص وانسجامه أو‬ ‫تكامله‪ .‬الرواية تجسد حاالت عديدة من الصراع‬ ‫التى تجعلها مشحونة بالكراهية والحب وتنوع‬ ‫املشاعر اإلنسانية‪ ،‬واإلحساس باالنتظار أو الخوف‬ ‫والترقب والتخطيط والتدبير والحركة‪ ،‬وكلها فى‬ ‫النهاية تصب فى عنصر التشويق وتجعل الرواية‬ ‫تقدم حاالت إنسانية نابضة وتمثل هذه الصراعات‬

‫«صالة خاصة» لها منافذها الجمالية الدقيقة التى قد ترهق النقاد ملا لها من وجه‬ ‫تاريخى وبحثى قد ُيخفى أو يطمر بعض الجوانب اإلنسانية أو شعرية األلم‬ ‫والعذاب اإلنسانى وشعرية تكرار املأساة وتكرار املصائر والتضحيات بشكل قدرى‬ ‫يبدو فيها اإلنسان مثل موجات متدفقة فى نهر الوجود‪.‬‬

‫مــرآة تكشف الشخصيات من الــداخــل‪ ،‬تكشف‬ ‫نزقها وطمعها أو صبرها وجلدها وتحملها‪ ،‬كما‬ ‫فيها عديد االتجاهات والنماذج من الخير والشر‬ ‫والخليط أو املمتزج وهو األكثر‪ .‬كذلك فيها ما يمكن‬ ‫أن يكون صراعا بني املالئكة والشياطني أو بني‬ ‫النقاء والدنس‪ ،‬بني السامى واملنحط‪ ،‬بني املادة‬ ‫والجوهر‪ ،‬وهكذا ليبدو عالم الرواية عبر الحكايات‬ ‫الثالث تركيبة حياتية شاملة ومعقدة فيها كافة‬ ‫التناقضات والتعارضات التى فى الحياة الطبيعية‬ ‫أو التى يتشكل منها الوجود كله‪ ،‬فتركيبة الحياة هى‬ ‫تركيبة الوجود بتكامله وتعارضه وقيمه املتصارعة‬ ‫أو املتصالحة واملنسجمة‪ ،‬والتقاط الرواية لهذه‬ ‫الحالة الجوهرية للوجود هو قدرة خاصة للسرد‬ ‫الروائى على اقتناص إيقاع الوجود وصراعه أو‬ ‫حركته نحو املعرفة أو التضليل‪.‬‬ ‫>>>‬ ‫للرواية نقطة إنجاز مهمة أخرى تتمثل فى قدرة‬ ‫خطابها على تمثل العقل املسيحى بكافة شحوناته‬ ‫املعرفية واالصطالحية وكافة األسئلة والشواغل‬ ‫القديمة أو املتجددة‪ ،‬فنجد أنها على قدر كبير من‬ ‫التدقيق فيما يخص مصطلحات علوم الالهوت‬ ‫املسيحى ومــا يعرف بالئحة اإليــمــان واملجامع‬ ‫املسكونية أو الكنسية وما مرت به املسيحية من‬ ‫منعرجات أو اجتهادات وأبــرز املجتهدين من‬ ‫الناحية التاريخية‪ ،‬فيكون القارئ بعد القراءة‬ ‫فى القلب من مسائل الحياة الدينية املسيحية‬ ‫وقضاياها وتاريخ الكنيسة الذى ترصد الرواية‬ ‫تموجاته برهافة كبيرة ال تنتقص من الطبيعة‬ ‫الجمالية للسرد أو تجنح إلى الجفاف التاريخى‬ ‫الصرف‪ .‬هذه املصطلحات واملعارف املسيحية تأتى‬ ‫موزعة وفق استراتيجية مشهدية تضج بالحركة‬ ‫واالنفعاالت والتصرفات البشرية واملطامع وحركة‬ ‫األقدار التى تنتزع أحد أطراف الصراع أو كليهما‪،‬‬ ‫فيزول املتصارعون واملختلفون ويبقى الخالف‬ ‫موروثا ويبقى أحيانا الحقد راسخا كما تبقى املحبة‬

‫للرواية نقطة إنجاز مهمة أخرى تتمثل فى قدرة‬ ‫خطابها على تمثل العقل املسيحى بكافة شحوناته‬ ‫املعرفية واالصطالحية وكافة األسئلة والشواغل‬ ‫القديمة أو املتجددة‪.‬‬

‫والتسامح والسالم النفسى قيما راسخة كذلك لدى‬ ‫آخرين‪.‬‬ ‫الرواية فيما يخص ما ينتج عنها من الدالالت تبدو‬ ‫ذات طاقة إيحائية عالية وال تميل إلى التصريح‬ ‫فهى تستعرض الحوادث واملواقف دون تفسيرها‬ ‫ليكون للقارئ حــق الــتــأويــل والتفسير والفهم‬ ‫واستيعاب ما وراء الــحــوادث ومــا بني السطور‪،‬‬ ‫وليحاول أن يعرف أين يكون الخير وأين يكون الشر‬ ‫وأين التقائهما‪ .‬ومن جمالياتها فى تقديرنا منطقها‬ ‫فى التعامل مع األماكن واملواقع وتاريخ األديــرة‬ ‫وخصوصية كل دير واملعالم الجغرافية القديمة‬ ‫ورصد حركة األسفار والترحال التى ال تنتهى أو‬ ‫تتوقف عند مرحلة أو فترة زمنية‪ ،‬وهو ما يمثل زادا‬ ‫معرفيا وجماليا إضافيا للرواية ويجعلها تتجاوز‬ ‫البنية التقليدية للسرد الروائى الذى يقتصر على‬ ‫الحكاية التقليدية بأن يكون تاريخا للمكان سواء‬ ‫الدينى أو املكان بصفة عامة من صحار وأنهار‬ ‫ومناطق جبلية أو مــدن عريقة مثل أسيوط أو‬ ‫ليكوبوليس وكذلك اإلسكندرية العريقة وما حدث‬ ‫فيهما من تحوالت فى هذه الحقبة وبخاصة صراع‬ ‫الديانات املصرية والرومانية القديمة مع الديانات‬ ‫السماوية أو بني اليهودية واملسيحية من جانب أو‬ ‫بني املسيحية ومن يسمون بالهراطقة والتيارات‬ ‫الفلسفية مثل الغنوصيني واألفلوطنيني أو تيارات‬ ‫املسيحية وبعضها ما بني مجسدين وغير مجسدين‬ ‫أو تداخل الديانات ببعضها على نحو ما نرى من‬ ‫وصل بعضهم إيزيس بمريم فى فكرة (أم اإلله)‬ ‫والقيامة والعودة بالجسد مرة أخرى بعد التالشي‪.‬‬ ‫فيما يشبه حاال عامة من الديناميكية العقدية‬ ‫الدائمة التى ليس لها وجهها االجتهادى فى املعرفة‬ ‫وحسب بل كذلك لها وجهها الدامى والعنيف ومن‬ ‫ثم تكون الطبيعة اإلنسانية للصراع‪.‬‬ ‫>>>‬ ‫وفى تصورنا أن لهذه الرواية وجوها جمالية عديدة‬ ‫ومنجزات كثيرة‪ ،‬وتمثل حالة إبداعية تستحق‬ ‫االهتمام واملقارنة بما سار قريبا من دربها من‬ ‫الروايات حتى تتضح الفوارق فى املنجز املعرفى‬ ‫والجمالي‪ .‬فنجد أن لغتها متنوعة ومتفاوتة بحسب‬ ‫السياق أو اختالف الصوت أو شخصية املدون‪ ،‬فلغة‬ ‫أوريجانوس تختلف عن لغة مالك أو لغة رفائيل‪،‬‬ ‫وهكذا‪ ،‬كل بحسب علمه وذهنيته‪ .‬وتبقى فكرة‬ ‫التدوين والكتابة ذاتها ذات طبيعة روحية وبحثية‬ ‫تجعلها فى مرتبة الصالة أو رحلة البحث الروحى‬ ‫التى ال تختلف عن أشكال العبادة األخرى‪.‬‬ ‫الكتاب‪ :‬صالة خاصة‬ ‫املؤلف‪ :‬صبحى موسى‬ ‫الناشر‪ :‬هيئة الكتاب‬


‫‪١٨‬‬

‫‪ ٥‬مايو ‪ ٢٠١٩‬العدد ‪١٣٤٥‬‬

‫‪١٩‬‬

‫‪ ٥‬مايو ‪ ٢٠١٩‬العدد ‪١٣٤٥‬‬

‫صالة خاصة‪:‬‬

‫آفاق جديدة‬ ‫بعض النماذج الروائية‬ ‫اجلديدة حتفز على‬ ‫التساؤل عن حتوالت فن‬ ‫الرواية وتطور أمناطه‬ ‫وأشكاله الفنية وعالقته‬ ‫مبجاالت أخرى‪ ،‬وإثارة‬ ‫تساؤالت عديدة حول‬ ‫صلة فن الرواية مبجاالت‬ ‫التعليم واإلدراك املعرفى‬ ‫ونظرياتهما وكذلك‬ ‫تشكيل الوعى والبنية‬ ‫الذهنية للمتلقني أو‬ ‫حتريكها فى اجتاهات‬ ‫بحثية بعينها‪ .‬رواية‬ ‫«صالة خاصة» للروائى‬ ‫املصرى صبحى موسى‬ ‫الصادرة عن الهيئة العامة‬ ‫للكتاب ‪ 2019‬متثل واحدة‬ ‫من تلك التجارب الروائية‬ ‫التى تثير هذه األسئلة‬ ‫حول األبعاد املعرفية‬ ‫والتعليمية وجدل اجلمالى‬ ‫واملعرفى فى اخلطابات‬ ‫الروائية وغيرها الكثير‬ ‫من التساؤالت املهمة‪.‬‬ ‫رواية «صالة خاصة»‬ ‫هى منوذج فنى ينحت‬ ‫فى تاريخ املسيحية فى‬ ‫مصر بدأب وبطابع بحثى‬ ‫ال يتجاوز اخلصائص‬ ‫والسمات اجلمالية‬ ‫للنوع األدبى‪ ،‬وتقارب‬ ‫التحوالت التاريخية‬ ‫الكبرى واملصيرية‬ ‫للكنيسة املصرية ورأسها‬ ‫فى اإلسكندرية فى‬ ‫فترة مهمة من العصر‬ ‫الرومانى وبعد ذلك‪ ،‬ومن‬ ‫ثم تقارب التحوالت‬ ‫والتشكالت العقدية فى‬ ‫الكنيسة املصرية وبداية‬ ‫خصوصية تصوراتها‬ ‫للعقيدة املسيحية ومن‬ ‫ثم حربها أو صراعها مع‬ ‫السلطة الزمنية املتمثلة‬ ‫فى األباطرة الرومان‬ ‫وكذلك حربها وجدلها‬ ‫التاريخى مع الكنائس‬ ‫امللح‬ ‫األخرى‪ .‬السؤال ّ‬ ‫واجلوهرى هنا‪ ،‬كيف تبدو‬ ‫هذه املساحة من اجلدل‬ ‫الدينى والعقدى الرسمى‬ ‫والتاريخى مجال اشتغال‬ ‫جمالى للخطاب الروائى؟‬

‫لتلقى السرد الروائى‬

‫محمد سليم شوشة‬ ‫الحقيقة أن الرواية عبر ّ‬ ‫حس خاص استثمرت‬ ‫هذه املساحة من الصراع العقدى التاريخى واملمتد‬ ‫لعقود طويلة بحسب حكاية دير املالح كما ّ‬ ‫يدونها‬ ‫روفائيل السكندرى وتلميذه بنيامني وغيرهما‬ ‫وكما كشفتها رسائل أوريجانوس‪ ،‬هذه املساحة‬ ‫من الصراع العقدى والجدل الدينى والخالف‬ ‫والــصــدام مــع األبــاطــرة واألســاقــفــة اآلخــريــن‬ ‫والباباوات أنتجت منها الرواية حالة من الشجن‬ ‫اإلنسانى العميق الذى يخلق حاال شعرية ينضح بها‬ ‫خطاب الرواية ويبدو فى إطار هذه الشعرية على‬ ‫قدر كبير من اإليحاء بمعان مطلقة حول تحوالت‬ ‫اإلنسان وتضحياته وانتهازيته أو قدر إخالصه‬ ‫ونقائه ورغبته فى املعرفة وإدراك الحقيقة‪ .‬كما أن‬ ‫الرواية تبدو وفق هذه الشعرية الناتجة عن شجن‬ ‫هذا الصراع املمتد واملليء بالتضحيات والتحوالت‬ ‫والتراكم وامليراث الفكرى واالجتهاد أو املطامع‬ ‫وجدل كل هذه القيم‪ ،‬تبدو ذات شكل إنسانى أو دفق‬ ‫إنسانى يجعل املتلقى فى حال من املراقبة الرهيفة‬ ‫والتساؤل عن طبيعة اإلنسان فى املطلق وجوهره‬ ‫حني يموت أو يتعذب فى سبيل أفكار واجتهادات‬ ‫ال يقدر على حسمها من حيث الصواب والخطأ أو‬ ‫الحق والباطل أو الخير والشر‪.‬‬ ‫>>>‬ ‫«صالة خاصة» لها منافذها الجمالية الدقيقة التى‬ ‫قد ترهق النقاد ملا لها من وجه تاريخى وبحثى قد‬ ‫ُيخفى أو يطمر بعض الجوانب اإلنسانية أو شعرية‬ ‫األلــم والعذاب اإلنسانى وشعرية تكرار املأساة‬ ‫وتكرار املصائر والتضحيات بشكل قدرى يبدو فيها‬ ‫اإلنسان مثل موجات متدفقة فى نهر الوجود‪ .‬بني‬ ‫ًّ‬ ‫نسبيا وكذلك تبدل‬ ‫تحوالت الزمن وثبات املكان‬ ‫الشخصيات واألسماء واألفكار واملعتقدات وثبات‬ ‫األسئلة أحيانا حــول الله وحــول جوهر العقيدة‬ ‫ومفرداتها ولــوائــح اإليــمــان وقوانينه يبدو نهر‬ ‫اإلنسانية الشعرى بمعامله املحفزة على التساؤل‬ ‫واملثيرة للدهشة‪ .‬يتغير الجالسون على املقعد‬ ‫البابوى فى اإلسكندرية مرات عديدة ويظل الصراع‬ ‫وتبقى األسئلة ويظل االجتهاد ويتنوع اإلنسان بني‬ ‫نماذج عديدة ثابتة عنيدة وأخرى أكثر مرونة وقبوال‬ ‫لالختالف‪ .‬من يميلون إلى الدماء والعنف وتصفية‬ ‫الحسابات باملؤامرات واألكاذيب واملكائد ومن‬ ‫يبقون على شرف الخصومة وحق االختالف ومن‬ ‫كافة هذه الحوادث والنماذج والتناقضات تتجلى‬ ‫شعرية تنوع الحياة اإلنسانية التى تتجاوز األحادية‪،‬‬ ‫ومن هذه الخالفات واالختالفات تتوالد التجارب‬ ‫واالمتحانات والفنت والعذابات ومن يبقون راسخني‬ ‫فى الذاكرة الجمعية بال هفوات قديسني حامني‬ ‫للكلمة واملبدأ وآخرين يسقطون فى اختبارات‬ ‫سهلة أحيانا‪ ،‬لتتجلى الطبيعة اإلنسانية بتراكبها‬ ‫وغموضها واحتياجها الدائم للبحث والتنقيب فيها‬ ‫عبر الكتابة والتدوين والتساؤل وكتابة التاريخ‪.‬‬ ‫فن الرواية وفق هذا النموذج اإلبداعى املتحقق فى‬ ‫رواية صالة خاصة يبدو فنا جبارا إذا جاز التعبير‪،‬‬ ‫يملك من القدرات ما ال تملك الخطابات األخرى‬ ‫سواء السينمائية أو الدرامية أو الخطابات العلمية‬ ‫األكاديمية أو التاريخية البحثية‪ .‬فهو يحقق املعادلة‬ ‫الصعبة الجامعة بني الجمالى واملعرفى بطاقاته‬ ‫الفلسفية والتدوينية والتأريخية دون سأم أو جفاف‬

‫بحثي‪ .‬الخطاب الروائى على هذا النحو يملك‬ ‫القدرة على استثمار الوقفات البحثية والتأملية‬ ‫وطرح األسئلة الصعبة التى تحتاج نقاشا يطول‬ ‫بالدليل والبرهان حول وحدة اإلله أو األقانيم أو‬ ‫صفة مريم البتول وما يستتبع الخالف حول كونها‬ ‫أم اإلله لدى البعض من جدل فى مسائل عقدية‬ ‫أخرى‪ .‬بعض هذه األفكار واملسائل قد ال تقدر على‬ ‫طرحها ومقاربتها الدراما التلفزيونية أو السينما‬ ‫بقدراتها الشفاهية املتجردة من قــدرات النص‬ ‫املكتوب‪.‬‬ ‫>>>‬ ‫ّ‬ ‫يخص‬ ‫فالنص املكتوب له طبيعة خاصة فيما‬ ‫زمن التلقى‪ ،‬ألن القارئ يملك القدرة على إعادة‬ ‫القراءة مرات عديدة دون حاجة لتكرار التشغيل أو‬ ‫املشاهدة كما فى الفنون السردية األخرى كالسينما‬ ‫والتلفزيون‪ ،‬وهذه الطاقات البحثية واملعرفية إنما‬ ‫تشبع باألساس بعض احتياجات املتلقني للمعرفة‬ ‫ونزوعهم إلى إدراك السر الجوهرى فى الصراع‬ ‫والدوافع الحقيقية للقتل والتعذيب والتنكيل والنفى‬ ‫وكافة الحوادث التى تمتلئ بها الرواية على نحو ما‬ ‫تضج بها الحياة نفسها من الخالفات واالقتتال‬ ‫العقدى الذى يبدو هو النغمة اإلنسانية األكثر ثباتا‬ ‫فى هذا الوجود‪ ،‬مهما كانت تنويعات هذه النغمة‪،‬‬ ‫فما خــاف املسلمني بتنويعاتهم حــول الجهاد‬ ‫والعنف والقتال إال صورة من األصل الواحد الذى‬ ‫كان منه خالف املسيحيني األوائــل فى العقيدة‪.‬‬ ‫فالخالف كله فى النهاية عقدى والنتيجة كذلك‬ ‫واحــدة تنوعت بني القتل والنفى والتعذيب‪ ،‬كما‬ ‫كان هناك دائما املرحبون باالختالف فى الرأى‬ ‫واملتقبلون ألى االجتهادات‪ ،‬حتى قد يصل األمر‬ ‫لقبول الشيطان نفسه وإيجاد مبرر ألفعاله أو‬ ‫إدراك رفضه وعصيانه وفق منطق ال يخلو من‬ ‫وجاهة حسبما رأى أوريجانوس فى رسائله وحسب‬ ‫ما استقرت عليه رحلة بحثه من التسامح والغفران‬

‫مع الجميع وللجميع كما طرحت الرواية‪.‬‬ ‫الرواية تمثل لحنا طويال أو معزوفة موسيقية كبيرة‬ ‫تتراكب وتتداخل فيها تنويعات نغمية عدة‪ ،‬ففيها‬ ‫عدد من األصــوات السردية والحكايات املركبة‬ ‫واملمتزجة وفــق نسق تبادلى من بداية الرواية‬ ‫حتى نهايتها‪ ،‬فالحكاية اإلطار التى تقع فى الفترة‬ ‫املعاصرة وهى قصة أنطونيوس ودميانة ومالك‬ ‫كاتب دير املالح وغيرهم من الشخصيات تمتلئ‬ ‫باألحداث والتحوالت ويصبح املكون العاطفى فيها‬ ‫روحا تصنع تواشجا ونغمة صغرى ممتدة داخل‬ ‫النغمة األكبر‪ ،‬كما فيها كذلك خط التحقيق املمتد‬ ‫وقصة نشر الكتاب املمنوع رسائل أوريجانوس على‬ ‫أنها سيرة القديس أنطونيوس‪ ،‬وكذلك فيها خط‬ ‫البحث عن دميانة ولقائها مرة أخرى بحبيبها بعد‬ ‫فــراق وإنقاذها من الراغبني فى التخلص منها‬ ‫ألنها اطلعت على أسرارهم‪ ،‬وهى فى ذاتها قصة‬ ‫فيها قدر كبير من التشويق واإلثارة‪ ،‬كما فى هذه‬ ‫الحكاية املعاصرة‪/‬اإلطار قصة غامضة حول مقتل‬ ‫الراهب بوخوميوس أو انتحاره وهو لغز ال تتضح‬ ‫حقيقته إال فى نهاية الرواية‪ ،‬وهو ما يمنح الرواية‬ ‫الشكل البوليسى الــذى يعزز بنية اللغز ويمنح‬ ‫خطابها نسقا حركيا يتمثل فى السعى نحو كشف‬ ‫هذا اللغز ومعرفة القاتل‪.‬‬ ‫>>>‬ ‫بقية‬ ‫أما الحكايتان األخريان اللتني تتشكل منهما ُّ‬ ‫النغمات السردية التى تتقاطع وتتبادل التوزع‬ ‫فــى فضاء الــروايــة‪ ،‬فهما قصة ديــر املــاح من‬ ‫بداية نشأته بما فيها من الحقائق أو الكرامات‬ ‫أو األساطير إن جاز التعبير عن ميخائيل املالح‬ ‫املعتزل فى الصحراء بلبوءته وأشبالها التى تظل‬ ‫حاضرة من البداية للنهاية وفــق منطق روحى‬

‫أو اعتقادى جعلها ال تغيب عن عقيدة املؤمنني‬ ‫بوجودها سواء فى الواقع أو األحــام أو التحايل‬ ‫ومن هنا تمتد فاعليتها‪ .‬وقصة دير املالح فى ذاتها‬ ‫هى الوسيط بني الحكايات األخرى ملا مثل الدير‬ ‫ورهبانه من حال الوسطية والتوازن املعرفى واملعبرة‬ ‫أو القنطرة التى عبرت منها املعارف املختلفة فى‬ ‫كافة االتجاهات‪ ،‬وبشكل كبير من التوازن وقبول‬ ‫اآلخر أو التنوع الفكرى دون صدام وبخاصة فى‬ ‫املاضي‪ .‬فيبدو دير املالح بتاريخه رمزا للمعرفة‬ ‫بشكل مطلق عبر سيرة رجاله ورؤسائه ديمتريوس‬ ‫وأبــانــوب املصرى الجنوبى ورفائيل السكندرى‬ ‫وإيمانوئيل الطيب وبوخوميوس‪ .‬والنغمة السردية‬ ‫الرئيسة الثالثة التى تتبادل وتتراوح مع النغمتني‬ ‫السابقتني هى سيرة أوريجانوس حسبما ّ‬ ‫دونها فى‬ ‫رسائله االعترافية إلى صديقه البابا ديونسيوس‪،‬‬ ‫والحقيقة أن هــذه السيرة‪/‬الرسائل هى الجزء‬ ‫الجوهرى فى خطاب روايــة صالة خاصة‪ ،‬فهى‬ ‫الجزء املشترك بني الحكايات الثالثة وتربطها‬ ‫جميعا ببعضها‪ ،‬وهى كذلك تعكس حاال خاصة من‬ ‫السماحة والسالم الروحى واملحبة الخالصة لكافة‬ ‫عناصر الوجود التى تبدو متصارعة‪.‬‬ ‫>>>‬ ‫رحلة أوريجانوس رحلة صوفية ثرية وفى غاية‬ ‫العمق وتمثل العمود الفقرى للرواية بما فيها من‬ ‫روحى ومعرفى وبما فيها من اإلخالص‬ ‫رحلة بحث َ َ‬ ‫والجلد وقبول اآلخر ومحبته ومبادلة الشر‬ ‫والنقاء‬ ‫خيرا‪ ،‬وملا فيها من الحكمة والتحوالت الكبيرة‬ ‫وشجن املوت والترحال وتبدل الحياة بني الهناءة‬ ‫واأللــم والعذاب تبدال ال يمكن توقعه وال قراءته‪،‬‬ ‫ولكن يمكن ألوريجانوس فقط أن يتصالح معه‬ ‫ويستوعبه ويمر عبره كما لو أن كل هذا األلم لم‬ ‫يحدث من األســاس‪ .‬النغمات السردية الثالثة‬ ‫السابق عرضها تقع فى أزمنة مختلفة ولكنها تبدو‬ ‫متشابهة وأسئلتها واحــدة ونماذجها اإلنسانية‬ ‫مكررة‪ ،‬وتبدو امتدادات لبعضها‪ ،‬حتى األسماء‬ ‫تتكرر‪ ،‬فأنطونيوس الصغير أو الحالى قد يقابل‬ ‫القديس أنطونيوس الكبير الــذى عــاش فى دير‬ ‫املــاح‪ ،‬ودميانة ترى نفسها ومصيرها فى رضا‬ ‫القديسة تريزا وقبولها لها وكذلك موقفها من أمها‬ ‫التى لها نفس االسم كذلك‪ .‬والحيوانات الحارسة‬ ‫األسطورية أو الكرامات والشهادة تيمة متكررة‬ ‫فى كافة األزمنة بوصفها جزءا من العقل املؤمن‬ ‫ونسيجه الواحد‪ ،‬وأحد املكونات الفاعلة فيه‪ ،‬فنجد‬ ‫اللبوءة وأشبالها ودفاعها الثابت عن الحق وحراسة‬ ‫املظلومني والضعفاء ال تبدو بعيدةعن طبيعة كلب‬ ‫السماء الذى يبدو أشبه ببوصلة روحية لكل من‬ ‫أنطونيوس ودميانة ويوجههما ويربط بينهما كما‬ ‫يربطهما الحب‪ ،‬هنا يكون دور التكرار أو هذه‬ ‫الثنائيات املتوازية أو املتقاطعة أو املتناظرة ليس‬ ‫فقط الربط النفسى للشخصيات أو صنع حالة‬ ‫من االنسجام فى النسيج اإلنسانى الذى يكون فيه‬ ‫العقل املسيحى املؤمن حالة واحدة أو متشابها إلى‬ ‫حد بعيد‪ ،‬ولكنها كذلك تخلق نوعا من التكرار فى‬ ‫خطاب الرواية بحيث يحيل بعض الرواية على بعض‬ ‫ويمثل التكرار شبكة من العالقات والتقاطعات‬ ‫الداخلية التى تصنع وحدة النص وانسجامه أو‬ ‫تكامله‪ .‬الرواية تجسد حاالت عديدة من الصراع‬ ‫التى تجعلها مشحونة بالكراهية والحب وتنوع‬ ‫املشاعر اإلنسانية‪ ،‬واإلحساس باالنتظار أو الخوف‬ ‫والترقب والتخطيط والتدبير والحركة‪ ،‬وكلها فى‬ ‫النهاية تصب فى عنصر التشويق وتجعل الرواية‬ ‫تقدم حاالت إنسانية نابضة وتمثل هذه الصراعات‬

‫«صالة خاصة» لها منافذها الجمالية الدقيقة التى قد ترهق النقاد ملا لها من وجه‬ ‫تاريخى وبحثى قد ُيخفى أو يطمر بعض الجوانب اإلنسانية أو شعرية األلم‬ ‫والعذاب اإلنسانى وشعرية تكرار املأساة وتكرار املصائر والتضحيات بشكل قدرى‬ ‫يبدو فيها اإلنسان مثل موجات متدفقة فى نهر الوجود‪.‬‬

‫مــرآة تكشف الشخصيات من الــداخــل‪ ،‬تكشف‬ ‫نزقها وطمعها أو صبرها وجلدها وتحملها‪ ،‬كما‬ ‫فيها عديد االتجاهات والنماذج من الخير والشر‬ ‫والخليط أو املمتزج وهو األكثر‪ .‬كذلك فيها ما يمكن‬ ‫أن يكون صراعا بني املالئكة والشياطني أو بني‬ ‫النقاء والدنس‪ ،‬بني السامى واملنحط‪ ،‬بني املادة‬ ‫والجوهر‪ ،‬وهكذا ليبدو عالم الرواية عبر الحكايات‬ ‫الثالث تركيبة حياتية شاملة ومعقدة فيها كافة‬ ‫التناقضات والتعارضات التى فى الحياة الطبيعية‬ ‫أو التى يتشكل منها الوجود كله‪ ،‬فتركيبة الحياة هى‬ ‫تركيبة الوجود بتكامله وتعارضه وقيمه املتصارعة‬ ‫أو املتصالحة واملنسجمة‪ ،‬والتقاط الرواية لهذه‬ ‫الحالة الجوهرية للوجود هو قدرة خاصة للسرد‬ ‫الروائى على اقتناص إيقاع الوجود وصراعه أو‬ ‫حركته نحو املعرفة أو التضليل‪.‬‬ ‫>>>‬ ‫للرواية نقطة إنجاز مهمة أخرى تتمثل فى قدرة‬ ‫خطابها على تمثل العقل املسيحى بكافة شحوناته‬ ‫املعرفية واالصطالحية وكافة األسئلة والشواغل‬ ‫القديمة أو املتجددة‪ ،‬فنجد أنها على قدر كبير من‬ ‫التدقيق فيما يخص مصطلحات علوم الالهوت‬ ‫املسيحى ومــا يعرف بالئحة اإليــمــان واملجامع‬ ‫املسكونية أو الكنسية وما مرت به املسيحية من‬ ‫منعرجات أو اجتهادات وأبــرز املجتهدين من‬ ‫الناحية التاريخية‪ ،‬فيكون القارئ بعد القراءة‬ ‫فى القلب من مسائل الحياة الدينية املسيحية‬ ‫وقضاياها وتاريخ الكنيسة الذى ترصد الرواية‬ ‫تموجاته برهافة كبيرة ال تنتقص من الطبيعة‬ ‫الجمالية للسرد أو تجنح إلى الجفاف التاريخى‬ ‫الصرف‪ .‬هذه املصطلحات واملعارف املسيحية تأتى‬ ‫موزعة وفق استراتيجية مشهدية تضج بالحركة‬ ‫واالنفعاالت والتصرفات البشرية واملطامع وحركة‬ ‫األقدار التى تنتزع أحد أطراف الصراع أو كليهما‪،‬‬ ‫فيزول املتصارعون واملختلفون ويبقى الخالف‬ ‫موروثا ويبقى أحيانا الحقد راسخا كما تبقى املحبة‬

‫للرواية نقطة إنجاز مهمة أخرى تتمثل فى قدرة‬ ‫خطابها على تمثل العقل املسيحى بكافة شحوناته‬ ‫املعرفية واالصطالحية وكافة األسئلة والشواغل‬ ‫القديمة أو املتجددة‪.‬‬

‫والتسامح والسالم النفسى قيما راسخة كذلك لدى‬ ‫آخرين‪.‬‬ ‫الرواية فيما يخص ما ينتج عنها من الدالالت تبدو‬ ‫ذات طاقة إيحائية عالية وال تميل إلى التصريح‬ ‫فهى تستعرض الحوادث واملواقف دون تفسيرها‬ ‫ليكون للقارئ حــق الــتــأويــل والتفسير والفهم‬ ‫واستيعاب ما وراء الــحــوادث ومــا بني السطور‪،‬‬ ‫وليحاول أن يعرف أين يكون الخير وأين يكون الشر‬ ‫وأين التقائهما‪ .‬ومن جمالياتها فى تقديرنا منطقها‬ ‫فى التعامل مع األماكن واملواقع وتاريخ األديــرة‬ ‫وخصوصية كل دير واملعالم الجغرافية القديمة‬ ‫ورصد حركة األسفار والترحال التى ال تنتهى أو‬ ‫تتوقف عند مرحلة أو فترة زمنية‪ ،‬وهو ما يمثل زادا‬ ‫معرفيا وجماليا إضافيا للرواية ويجعلها تتجاوز‬ ‫البنية التقليدية للسرد الروائى الذى يقتصر على‬ ‫الحكاية التقليدية بأن يكون تاريخا للمكان سواء‬ ‫الدينى أو املكان بصفة عامة من صحار وأنهار‬ ‫ومناطق جبلية أو مــدن عريقة مثل أسيوط أو‬ ‫ليكوبوليس وكذلك اإلسكندرية العريقة وما حدث‬ ‫فيهما من تحوالت فى هذه الحقبة وبخاصة صراع‬ ‫الديانات املصرية والرومانية القديمة مع الديانات‬ ‫السماوية أو بني اليهودية واملسيحية من جانب أو‬ ‫بني املسيحية ومن يسمون بالهراطقة والتيارات‬ ‫الفلسفية مثل الغنوصيني واألفلوطنيني أو تيارات‬ ‫املسيحية وبعضها ما بني مجسدين وغير مجسدين‬ ‫أو تداخل الديانات ببعضها على نحو ما نرى من‬ ‫وصل بعضهم إيزيس بمريم فى فكرة (أم اإلله)‬ ‫والقيامة والعودة بالجسد مرة أخرى بعد التالشي‪.‬‬ ‫فيما يشبه حاال عامة من الديناميكية العقدية‬ ‫الدائمة التى ليس لها وجهها االجتهادى فى املعرفة‬ ‫وحسب بل كذلك لها وجهها الدامى والعنيف ومن‬ ‫ثم تكون الطبيعة اإلنسانية للصراع‪.‬‬ ‫>>>‬ ‫وفى تصورنا أن لهذه الرواية وجوها جمالية عديدة‬ ‫ومنجزات كثيرة‪ ،‬وتمثل حالة إبداعية تستحق‬ ‫االهتمام واملقارنة بما سار قريبا من دربها من‬ ‫الروايات حتى تتضح الفوارق فى املنجز املعرفى‬ ‫والجمالي‪ .‬فنجد أن لغتها متنوعة ومتفاوتة بحسب‬ ‫السياق أو اختالف الصوت أو شخصية املدون‪ ،‬فلغة‬ ‫أوريجانوس تختلف عن لغة مالك أو لغة رفائيل‪،‬‬ ‫وهكذا‪ ،‬كل بحسب علمه وذهنيته‪ .‬وتبقى فكرة‬ ‫التدوين والكتابة ذاتها ذات طبيعة روحية وبحثية‬ ‫تجعلها فى مرتبة الصالة أو رحلة البحث الروحى‬ ‫التى ال تختلف عن أشكال العبادة األخرى‪.‬‬ ‫الكتاب‪ :‬صالة خاصة‬ ‫املؤلف‪ :‬صبحى موسى‬ ‫الناشر‪ :‬هيئة الكتاب‬


‫‪٢٠‬‬

‫‪ ٥‬مايو ‪ ٢٠١٩‬العدد ‪١٣٤٥‬‬

‫‪١٧‬‬ ‫قانونية طويلة‪:‬‬ ‫بعد معركة‬ ‫ّ‬

‫رواية الذكـــرى السـنوية‪:‬‬

‫ألـعـاب‬

‫أعمال كافكا‬

‫الكذب البرىء‬

‫أحمد الزناتى‬ ‫«كل منا ميتلك لعبة طفولية يحب االحتفاظ بها كبالغ»‪.‬‬ ‫ً‬ ‫مدخل إلى رواية الذكرى‬ ‫لم أجد أفضل من العبارة السابقة‬ ‫السنوية للكاتبة القطلونية"إميا مونسو"‪ ،‬والتى صدرت ترجمتها‬ ‫إلى اللغة العربية قبل شهور عن دار صفصافة‪ ،‬بترجمة عذبة‬ ‫تستحق اإلشادة للمترجم املصرى عبد السالم باشا‪.‬‬ ‫موضوعا إنسان ًيا‪/‬‬ ‫رغم شاعرية أجــواء الرواية‪ ،‬ومقاربتها‬ ‫ً‬ ‫اجتماع ًيا مه ًما‪ ،‬وهو عالقة زوجــة بزوجها‪ ،‬أو عالقة زوج‬ ‫بزوجته (وثـ ّمــة فــارق جوهرى سيالحظه الــقــارئ مع تقدم‬ ‫األحداث)‪ ،‬ال تكتفى املؤلفة بطرح مسألة رتابة احلياة الزوجية‬ ‫وفتورها لعوامل من بينها الروتني اليومى‪ ،‬واالنشغال بالعمل‪،‬‬ ‫مسار‬ ‫زوج بزوجته‪ ،‬وعلى‬ ‫ٍ‬ ‫وتربية األوالد‪ ،‬بل تتخذ من عالقة ٍ‬ ‫صديق بصديقه‪َ ،‬مـعــبـ ًرا سرد ًيا‪ ،‬تنفذ من‬ ‫مواز‪ ،‬من عالقة‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫خالله إلى قضايا متصلة بعالقة الكذب باخليال والكتابة‪.‬‬

‫متوازيي؛ األول هو حكاية زوج‬ ‫تسير الرواية على محوريْن‬ ‫ْ‬ ‫وزوجة؛ الزوجة ّ‬ ‫موظفة استقبال فى أحد الفنادق‪ ،‬وهى قارئة‬ ‫نهمة‪ ،‬تعيش حياة زوجية تصفها «بالنظام الشديد والرتابة"‪،‬‬ ‫ِ‬ ‫والشعر‪ .‬بطلتنا‬ ‫فتخلق لنفسها عاملًا مواز ًيا قوامه الكلمات‬ ‫ُمترجمة بال قراء‪ ،‬صنف نادر‪ ،‬تترجم أشعا ًرا داخل رأسها‬ ‫وال تد ّونها على األوراق‪ ،‬ومع والدة طفليْها تتو ّقف عن ترجمة‬ ‫الشعر فى عقلها‪ .‬رغم ح ّبها الشديد لزوجها‪ ،‬تشعر برغبة‬ ‫ّ‬ ‫ومنظمة للغاية‪ ،‬وكل‬ ‫حا ّدة فى هدم حياة يومية عادية للغاية‪،‬‬ ‫شيء فيها ُمتوقع‪ .‬أما زوجها فموظف بإحدى الشركات‪ ،‬رجل‬ ‫عادي مفتـقـ ٌر إلى اخليال‪ ،‬أو هكذا ِ‬ ‫توهمنا املؤلفة فى البداية‪.‬‬ ‫ّ‬ ‫تس ّدد الزوجة سه ًما إلى صدر زوجها قائلة‪ِ »:‬‬ ‫أدهشنى مرة‬ ‫ً‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫حياتك»‪.‬‬ ‫سؤال جديدًا مرة واحدة فى‬ ‫حياتك‪ ،‬اسألنى‬ ‫فى‬ ‫ذهبت إلى ح ّل مبتكر للتغلب على مشكلة‬ ‫الطريف أنّ املؤلفة‬ ‫ْ‬ ‫امللل الزوجى‪ ،‬حينما اقترحت الزوجة على زوجها أن يهزما‬ ‫حالة الرتابة‪ ،‬ال مبزيد من التواصل والكالم‪ ،‬بل باخلرس‬ ‫التام‪ ،‬بالصمت فتقول‪":‬فى األصل كان الصمت فقط‪ ..‬ميكننا‬ ‫أن نتواصل بالكتابة‪ ،‬كل شيء يصبح أكثر ر ّقة عندما نكتب‪..‬‬

‫لن نستخدم الواتس آب وال الرسائل مطل ًقا‪..‬يحيا املونولوج»‪.‬‬ ‫أس َّرهـا‪ ‬الزوج فى‪ ‬نفسه‪ ‬ولم يُبدِ ها‪ ،‬وجـهـز ر ًدا مغل ًفا فى‬ ‫َ‬ ‫شكل هدية صغيرة‪ ،‬هى حبكة الرواية‪ ،‬ليوافقهاعلى اقتراحها‬ ‫وكأنه يقول لها‪« :‬من عينى يا حبيبتى»‪ ،‬وتبدأ بعدها مغامرة‬ ‫رأسا على عقب‪ .‬كانت الزوجة تتوق إلى‬ ‫مثيرة تقلب حياتهما ً‬ ‫الدهشة وإلى التغيير وكسر امللل‪ ،‬فكان لها ما أرادت‪.‬‬ ‫أمــا احملــور الثانى فيبدو ــ ظاهر ًيا ‪ -‬حكاي ًة من ّبتة الصلة‬ ‫الزوجي (اللذين تغفل املؤلفة ذكر اسميهما فى‬ ‫عن حكاية‬ ‫ْ‬ ‫البداية)‪ ،‬ولكننا نكتشف أ ّنه طريق داعم للمحور األول‪ ،‬إذ‬ ‫صبيي‪ ،‬أحدهما قارئ‬ ‫يتتبع عالقة صداقة فريدة تربط بني‬ ‫ْ‬ ‫نهم‪ ،‬غارق فى عالم الكتب‪ ،‬هو «جييم"‪ ،‬الذى يقرأ نها ًرا ‪ ،‬و‬ ‫يعيش ما يقرأ ً‬ ‫ليل‪ ،‬ويأخذ بيد صديقه «ماتيو» إلى عوالم‬ ‫ـجــسد األعــمــال األدبــيــة التى يقرآنها على أرض‬ ‫خيالية تُ َّ‬ ‫مدروسا‪ ،‬ومنتظ ًما بني‬ ‫تراوحا‬ ‫الواقع‪ .‬تتراوح أحداث الرواية‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫السابقي‪ .‬فص ٌل عن رحلة خلوية يقوم بها الزوجان‬ ‫احملوريْن‬ ‫ْ‬ ‫إلى الغابة‪ ،‬تلبي ًة لدعوة الزوج لالحتفال بـ"الذكرى السنوية"‪،‬‬ ‫الصديقي‪.‬‬ ‫تال عن مغامرات‬ ‫وفص ٌل ٍ‬ ‫ْ‬

‫بركة حسني عبد العليم‪:‬‬ ‫َ‬

‫اصد‬ ‫الر ِ‬ ‫ّ‬

‫على يسار العا َلم‬

‫محمد سالم عبادة‬ ‫من ُق ـ ِ ّـد َر له أن يشاهد الفيلم الوثائقى التجريبى (بَ َركة)‬ ‫للمخرج ( ُرن ْفرِ ْك ‪ – )Ron Fricke‬من إنتاج عام ‪1992-‬‬ ‫رمبا يستعيد هذا الفيلم بسهولة مع قراءة هذا النص السردي‪.‬‬ ‫ص يتحدى املألوف واملتعا َرف عليه عن الرواية‪.‬‬ ‫(موزاييك) نَ ّ‬ ‫ٍ‬ ‫فصل‬ ‫أحداث تتصاع ُد من‬ ‫أشخاص يتطورون مع‬ ‫لسنا أمام‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫إلى فصل‪ .‬باألحرى‪ ،‬الفصول أقرب إلى قصص قصيرة ال‬ ‫مباشر‪ .‬اثنا عشر فص ً‬ ‫ُ‬ ‫ِ‬ ‫ال فى هذا‬ ‫بشكل‬ ‫ترتبط شخصياتُها‬ ‫ٍ‬ ‫املوزاييك‪ ،‬تأتى العشرة األولى منها على هذه الشاكلة التى‬ ‫ُ‬ ‫وتشترك فى سمتني أساسيتني‪:‬‬ ‫أسلَفنا القو َل عليها‪،‬‬ ‫ُ‬ ‫ أنها جمي ًعا مستقاةٌ من قاع املجتمع‪ ،‬حيث األبطال يعانون‬‫أزمـ ٍ‬ ‫ـات مالي ًة طاحن ًة ومعها منظوم ٌة خُ لُقِ ّي ٌة وضيع ٌة غالبا‪.‬‬ ‫ففى (‪ )1‬عبد اهلل ال يجد ماالً يتزوج به بعد أن ز َّو َج إحدى‬ ‫أُختَيه‪ ،‬ويالح ُق جنس ًّيا جارتَه املتز ّوجة (شيماء) ‪ ،‬وفى (‪)2‬‬ ‫الريفي الفقير هاشم أبو محمود إلى بيت أخته‬ ‫يلجأ املريض‬ ‫ّ‬ ‫جماالت ــ الفقيرة هى األخرى ‪ -‬فى القاهرة ليبيت عندها‬ ‫ليل ًة قبل الذهاب إلى مستشفى احلكومة‪ ،‬وفى (‪ )3‬يترك‬ ‫القصة التى تخرج من زيجة‬ ‫الراوى العليم د ّفة احلكى لبطلة‬ ‫ّ‬ ‫ِّ‬ ‫تذك ُرنا‬‫فاشلة إلى استغالل جنسى إلى زيجة ثانية على الو َرق‬ ‫بزيجة فيلم (القاهرة ‪ )30‬وإن كان الديوث والزوجة وعشيقُها‬ ‫جمي ًعا من قاع املجتمع‪ -‬إلى عمل مؤقت إلى نفس الزيجة‬

‫‪ ٥‬مايو ‪ ٢٠١٩‬العدد ‪١٣٤٥‬‬

‫الثانية‪ ،‬وفى (‪ )4‬يكتشف رمضان خيانة زوجته عفاف مع‬ ‫السائق عربى ويالحقهما ثم يفضحهما وينتهى األمر بقعدة‬ ‫ُعرفية تُعيد عفاف إلــى رمضان الــذى يرضى هــذا ا ُ‬ ‫حلكم‬ ‫ٍ‬ ‫بساطة‪ ،‬كأنه ينتمى إلى منظومة قِ يَم يتحدد فيها‬ ‫العلنى فى‬ ‫مبحددات مختلفة جذر ًّيا ع ّما‬ ‫مفهوم كرامة ونخوة الرجولة‬ ‫ِّ‬ ‫أ ِلفَه معظم املنتمني إلى مجتمعنا على األقل ‪ ...‬وهكذا!‬ ‫تبي فى‬ ‫ أ َّن اجلنس ُم َح ِ ّر ٌك‬‫أساسي لد ّفة األحــداث‪ ،‬كما ّ‬ ‫ٌّ‬ ‫ثالثة من األمثلة السابقة‪.‬‬ ‫القصة احلادية عشرة تبدو كأنها بلسان الكاتب ِ‬ ‫نفسه‪ ،‬فهو‬ ‫مهتم باألدب والسينما واملوسيقى‬ ‫يتحدث عن مثق ٍّف‬ ‫موسوعي ٍ ّ‬ ‫ٍّ‬ ‫ويعانى غربة املثقفني املعروفة فى مجتمعه‪ .‬بينما تأتى الثانية‬ ‫الفانتازي‪ ،‬حيث‬ ‫عشرة – األخيرة‪ -‬فى صورة املَثَل ‪Parable‬‬ ‫ّ‬ ‫البطل دِ يـ ٌ‬ ‫نس ٌن كأنه قــاد ٌم من كليلة ودمنة أو حكايات‬ ‫ـك ُم َؤ َ‬ ‫ا َ‬ ‫جل ّدات‪.‬‬ ‫فى فيلم (بَ َركة) ميـ ّ ُر بنا ( ُرن ْفــرِ ْك) على األماكن املق ّدسة‬ ‫لدى البوذيني واليهود واملسيحيني واملسلمني‪ ،‬ومي ّر على عدد‬ ‫من مظاهر الطبيعة اخل ّ‬ ‫البة‪ ،‬كما مي ّ ُر على مظاهر مختلفة‬ ‫لتسا ُرع نبض احلياة مع احلضارة الصناعية‪ّ .‬كُــل ذلك من‬ ‫خالل كادرات بديعة تشهد على ِحذقِ ه وحساسيتِه البصرية‬ ‫العالية وانتقائ ِيتِه امل ُ َع ِ ّبرة كذلك‪ ،‬حيث يصل إلينا مع نهاية‬ ‫قوي بأ ّنه يُتابع مسارات تلك الب َركة اإللهية أو‬ ‫الفيلم شعو ٌر ّ ٌ‬ ‫النفَس ال ّ ُربُوب ِّى السارى فى كل مظهر من مظاهر احلياة على‬ ‫األرض‪ .‬هذا عن بَ َركة‪ .‬فماذا يُحاول (حسني عبد العليم) أن‬ ‫يُتابِع مبواقفِ ه اإلنسانية املُختارة من مجتمعِ ه فى هذه الرواية؟!‬ ‫مالحظات أسلوبي ٌة وسياق ّي ٌة على حكايات هذا املوزاييك‪،‬‬ ‫ثَ ّمة‬ ‫ٌ‬

‫ُ‬ ‫تنضاف إلى السمتني املهيمنتَني على العشرة األولــى منها‪،‬‬ ‫واملُشار إليهما آن ًفا‪:‬‬ ‫ٌ‬ ‫ٍ‬ ‫ناحية‪ ،‬وبقية أعمال‬ ‫اختالف بني لغة سرد (موزاييك) من‬ ‫يوجد‬ ‫الواقعي العا ّم ّي ُ‬ ‫ٍ‬ ‫املتَفِ ى بكل‬ ‫فاحلوار‬ ‫أخرى‪.‬‬ ‫ناحية‬ ‫من‬ ‫املؤلف‬ ‫ّ‬ ‫الشتائم والتابوهات اللفظية مشت َر ٌك بني أعمالِه كا ّف ًة‪ ،‬إ ّال أنّ‬ ‫ٍ‬ ‫بدرجات متفاوتة‪.‬‬ ‫التفاصح فى هذه األعمال‬ ‫السرد يَجنَح إلى‬ ‫ُ‬ ‫نفسه عا ّم ّ ٌي ال يحاول االقتراب من‬ ‫فالسرد‬ ‫(موازييك)‬ ‫أ ّما فى‬ ‫ُ‬ ‫الفصحى خطو ًة واحدة‪ .‬هكذا يقول الراوى العليم فى مطلع‬ ‫(‪« :)6‬إستعمل قلم جاف بيك إســود‪ .‬مشى بيه على إسمه‬ ‫املكتوب على املِخلة كإنه بيحفر‪ :‬عبد الستار بيومى بخيت‬ ‫من كفر كال الباب مركز السنطة محافظة الغربية"‪ ،‬كما يقول‬ ‫فى مطلع (‪« :)7‬ودنو كان قاعد مفرود ع القهوة بني اصحابه‬ ‫ـ وطبعا واحــد بيحب وعشرة بيكرهوا – نكشوه زى العادة‬ ‫فاملعلم اتفرد»‪.‬‬ ‫‪ - 2‬طبيعة الصوت السارد فى احلكايات االثنتى عشرة‪:‬‬ ‫ال ــراوى العليم لــم يــتـ ُرك د ّفــة احلكى للبطل إال فــى ثالث‬ ‫ٍ‬ ‫حكايات‪ ،‬هى (‪ )11‬وهى فيما يبدو بلسان املؤ ِ ّلف ِ‬ ‫نفسه كما‬ ‫ُقلنا‪ ،‬و(‪ )3‬و(‪ )5‬حيث الــراوى امــرأةٌ هى البطلة‪ ،‬وهى بطل ٌة‬ ‫جاهل ٌة فقيرةٌ كما فى سائر احلكايات‪ .‬لم يترك املؤلف دفة‬ ‫رج ٍل إ ّال ِ‬ ‫لنفسه‪.‬‬ ‫احلكى أبدًا‬ ‫ٍ‬ ‫لبطل ُ‬

‫موته كانت تغنى فى بعض األحيان‪ ،‬وهى بني أهل القرية دون‬ ‫قصد منها‪ ،‬وكان أهل القرية فى صمتهم يستقبلون تصرفها‬ ‫بدهشة‪ ..‬الغناء تحت وطأة الخوف والتكهنات املشؤومة‪..‬‬ ‫تغنى الزوجة بالعفوية ذاتها التى ّ‬ ‫شيد صانع نماذج السفن‬ ‫ّ‬ ‫مجسم القرية بها‪ ..‬الغناء الذى يسترجع ذاكرة‬ ‫الحربية‬ ‫املوت‪ ..‬التاريخ الشخصى للزوجة وعالقتها بزوجها وبأهل‬ ‫القرية‪ ..‬الغناء الذى يحاول تعطيل مفاجأته املتوقعة‪ ..‬تغنى‬ ‫ّ‬ ‫الزوجة كأنها تريد أن تتقدم على النهاية املنتظرة‪ ..‬كأن ذلك‬ ‫هو طريقتها الخاصة فى االنتقام من الحرب‪.‬‬ ‫«قــدم الدكتور بعد ذلك فرضية جديدة أدهشت سيلينا‬ ‫باييخو‪ ،‬وهى أن الكلمات إحدى األدوات األساسية لتواصل‬ ‫الجنس البشرى‪ ،‬حافظت على بقائها بفضل املجهود العنيف‬ ‫الذى تبذله الذاكرة‪ ،‬ويقوم به كل إنسان بشكل مستمر منذ‬ ‫معرفته األولى بمبادئ اللغة األساسية‪ ،‬وإذا حدث وتعثرت‬ ‫هذه اإلرادة السرية‪ ،‬بفعل النسيان‪ ،‬فإن هذه القلعة اللغوية‬ ‫الضخمة سوف تنهار‪ .‬دون أدنى شك بحسب ما قاله فإن‬ ‫هذا ما حدث له؛ لقد كف عن بذل أى مجهود فى داخله‪ ،‬لكى‬ ‫يتذكر ويصوغ أصوات الجمل‪ ،‬التى تنبع أصواتها من محيط‬ ‫الطبيعة مثل خرير املياه‪ ،‬وصــوت الرعد‪ ،‬وحتى ضجيج‬ ‫املحركات‪ .‬كتب الدكتور سوتو عبارات أخرى‪ :‬فى الكلمات‬ ‫املكتوبة توجد إشارة لألشياء ‪ ..‬األشياء التى توجد بالفعل هى‬ ‫فقط التى لها أسماء‪ ..‬الكلمات هى العالم»‪.‬‬ ‫لكننا حينما نتحدث عن محو الحياة فكأننا نشير إلى اللغة‬ ‫التى يكمن املوت داخلها‪ ..‬فى قصة «كلمات العالم» يختفى‬ ‫الدكتور سوتو بعد أن أصبحت العبارات بالنسبة له مجرد‬ ‫أصوات غير مفهومة‪ ..‬اللغة هى ادعاء الوجود‪ ،‬حيث يمارس‬ ‫املوت عمله‪ ،‬وبالضرورة فإن فقدانها يبدو كوظيفة للخيال‬ ‫الذى سبق أن ّ‬ ‫جرد أهل القرية من الحياة‪ ،‬أى حينما نزع‬ ‫ّ‬ ‫عنهم تلك األجساد التى تكونها الكلمات حتى يتمثل الفناء‬ ‫ناصعا‪ ..‬اللغة إذن كأنها القاتل الذى ّ‬ ‫ً‬ ‫يزيف أدلة إدانته‪ ،‬األمر‬ ‫الذى يعيدنا إلى حديث الواعظ فى الكنيسة عن الحرب فى‬ ‫قصة «الهارب من الجندية» وعالقته بغناء الزوجة قبل موت‬ ‫املحارب‪ ..‬هنا يصبح الحيز الفارغ من الطبيعة الذى اختفى‬ ‫الدكتور سوتو داخله كأنه األصل الغامض ملا قبل الكلمات أى‬ ‫ما قبل الزمن‪ ..‬كأنه العدم الذى يسبق املوت‪.‬‬ ‫>>>‬ ‫من الجدير باالنتباه بالنسبة لى أن قصة «كلمات املوتى»‬ ‫ً‬ ‫اندماجا بصورة ما بني‬ ‫للكاتب الفرنسى فيليب كلوديل تمثل‬ ‫قصتى «امليالد فى الغرفة العلوية» و"كلمات العالم» لخوسيه‬ ‫ماريا ميرينو‪:‬‬ ‫ّ‬ ‫«ربما ليس ألن حقيقة أو معرفة مخلصة ستتسرب خلسة أو‬ ‫تنكشف على نحو مفاجئ من مناقشة تقليدية أو جدل مكرر؛‬ ‫بل ربما ألن العماء التام ال يمكنه العيش والخلود إال بواسطة‬ ‫الكلمات‪ ،‬وهو ما يعنى الفناء اللحظى السهل والبديهى‬ ‫للعميان بطبيعة الحال ‪ ..‬وحدها الغفلة تلك التى تبدو حاكمة‬ ‫للغة البشر فى املواقف املختلفة‪ ،‬وحامية لقرار التعتيم األزلى‬ ‫على أى إمكانية أو فرصة للفهم أو للتبرير ‪ ..‬الغفلة التى ال‬ ‫يمكن السيطرة على خفائها املمتد لكل حيز ومقصد واحتمال‬ ‫للحروف املتداولة فى الحياة واملوت ‪ ..‬ذلك الشيء أو تلك‬ ‫املسارات والسياقات املتبلدة واملتشابكة التى ال يسكنها سوى‬ ‫موتى»‪.‬‬ ‫فى قصة كلوديل التى تدور فى القرون الوسطى يموت الناس‬ ‫أثناء الثرثرة العادية‪ ،‬فاتحني أفواههم دون فزع‪ ..‬كأن هؤالء‬ ‫املوتى هم أهل القرية التى ّ‬ ‫ّ‬ ‫مجسمات‬ ‫شيد نموذجها صانع‬ ‫ً‬ ‫السفن الحربية القديمة‪ ،‬وكأنهم جميعا الدكتور سوتو الذى‬ ‫اختفى حني لم تعد هناك كلمات‪ ..‬القتل الجماعى الناجم‬ ‫عن ّ‬ ‫تحول اللغة فى لحظة مفاجئة من قناع للحياة إلى وجه‬ ‫للموت‪ ..‬من التظاهر بالوجود إلى بلوغ ذروة الفناء الكامن‬ ‫منذ الكلمة األولى‪.‬‬ ‫الكتاب‪ :‬قصص قصيرة‬ ‫املؤلف‪ :‬خوسيه ماريا مورينو‬ ‫املترجم‪ :‬عبير محمد عبد احلافظ‬ ‫الناشر‪ :‬مشروع كلمة‬

‫أرون هيلر‬ ‫ترجمة‪:‬‬ ‫مجدى عبد املجيد خاطر‬ ‫ُر ّبــا يتم الكشف قري ًبا عن كنز دفني من أعمال فرانز‬ ‫ً‬ ‫كامل‬ ‫كافكا غير املنشورة‪ ،‬عقب معركة استم ّرت عقدًا‬ ‫حول تَرِ كته األدب ّية‪ ،‬دفعت ُمراقبني ملقارنتها ببعض قصص‬ ‫الكاتب السريال ّية؛ إ ْذ أ ّيدت محكمة فى مدينة زيورخ هذا‬ ‫ّ‬ ‫الشهر قرارات إسرائيل ّية تتعلّق بالقض ّية‪ ،‬وحكمت بجواز‬ ‫فتح عدد من صناديق الودائع اآلمنة فى املدينة السويسر ّية‪،‬‬ ‫وشحن محتوياتها إلى مكتبة إسرائيل الوطن ّية‪ .‬ويتعلّق‬ ‫ا ُ‬ ‫حلكم بوثائق أصل ّية ُيكنها أن تلقى ضو ًءا جديدًا على‬ ‫التباسا؛ وهو يهودى‬ ‫األدب‬ ‫عالم‬ ‫شخصيات‬ ‫أكثر‬ ‫من‬ ‫واحد‬ ‫ً‬ ‫بوهيمى كان يتح ّدث األملان ّية من مدينة براغ‪ ،‬اندلع نزاع‬ ‫محموم بني إسرائيل وأملانيا على إرثــه الثقايف‪ .‬وعلى‬ ‫ً‬ ‫مجهول‪،‬‬ ‫ال ّرغم من أنّ احملتوى الدقيق للخزائن ال يزال‬ ‫فإنّ خُ براء يتو ّقعون أن تضم اخلبيئة نهايات بعض كبريات‬ ‫أعمال كافكا‪ ،‬والتى نُشر الكثير منها بعد وفاته دون نهاية‪.‬‬ ‫وكــانــت احملكمة ال ُعليا فــى إســرائــيــل قــد جـ ـ ّردت أســرة‬ ‫ـاصــة مــن مخطوطات‬ ‫إســرائــيــلـ ّيــة مــن مجموعتها اخلـ ّ‬ ‫كافكا‪ ،‬والتى ظلّت مخف ّية داخل أقبية مصرف إسرائيلى‬ ‫وواحــدة من شقق تل أبيب القذرة املليئة بالقطط‪ .‬لكن‬ ‫قــرار احملكمة السويسر ّية سيستكمل االستحواذ على‬ ‫كل أعماله املعروفة تقري ًبا‪ ،‬بعد سنوات من النزاعات‬ ‫القانون ّية الطويلة بشأن هو ّية أصحابها الشرعيني‪ .‬هذه‬ ‫امللحمة كان من املمكن أن يكتبها كافكا نفسه‪ ،‬ا ّلذى أصبح‬ ‫اسمه ُمراد ًفا لوصف املواقف العبث ّية التى تنطوى على‬ ‫عمليات قانون ّية ُمعضلة‪ .‬حيثُ اشتهر كافكا بقصصه عن‬ ‫رجال تسحقهم سلطات غامضة أو يُغ ّيرهم عا ٌر ما‪ .‬ففى‬ ‫«املاكمة» على سبيل املثال‪ ،‬يخضع ّ‬ ‫رواية ُ‬ ‫موظف مصرفى‬ ‫املوجهة‬ ‫إلجراءات ُمحاكمة قاسية دون أن يعرف االتهامات‬ ‫ّ‬ ‫ضــده‪ .‬يقول بنيامني بالنت؛ وهو باحث مبعهد فان لير‬ ‫بالقدس ومــؤ ِ ّلــف كتاب « ُمحاكمة كافكا األخــيــرة» ا ّلــذى‬ ‫يعرض أحداث القض ّية وفق تسلسلها الزّمني‪« :‬يتم ّثل ما‬ ‫فى هذه ُ‬ ‫املاكمات من عبث ّية فى أ ّنها حول تَرِ كة لم يكن‬ ‫هناك من يعرف ما حتتويه‪ .‬ونأمل أن يحل هذا القرار‬ ‫ربا تنتهى‪،‬‬ ‫أخي ًرا هذه املسائل؛ ذلك أنّ العمل ّية القانون ّية ّ‬ ‫لكن املسائل املتعلّقة بانتمائه وإرثه الثقافى ستظل معنا‬ ‫لفترة طويلة ِج ًّدا»‪.‬‬ ‫>>>‬ ‫كانت ملكية كتابات كافكا قد آلت إلى صديقه و ُمحرر‬ ‫نصوصه وناشره؛ ماكس برود‪ ،‬قبيل وفاته بفترة قصيرة‬ ‫السل عام ‪ 1924‬عن عمر ناهز األربعني‪،‬‬ ‫بسبب مرض ّ ُ‬ ‫حيثُ طلب من راعيه أن يحرق كل األعمال التى لم تُقرأ‪.‬‬ ‫لكن برود جتاهل وصية صديقه ونشر أغلب ما كان فى‬ ‫حوزته؛ ويضم روايــات احملاكمة والقلعة وأميركا‪ ،‬وهى‬ ‫األعمال التى ح ّولت كافكا احملدود الشهرة أثناء حياته‪ ،‬إلى‬ ‫واحد من أشهر الكتّاب وأكثرهم تأثي ًرا فى القرن العشرين‬ ‫بعد وفاته‪ .‬غير أنّ برود ا ّلــذى هـ َّرب بعض املخطوطات‬ ‫إلى إسرائيل قبل إنشائها حني ف ّر من النازيني عام ‪،1938‬‬ ‫وعي عند وفاته عام ‪ 1968‬سكرتيرته‬ ‫لم ينشر كل شيء‪ّ ،‬‬ ‫ّ‬ ‫الشخص ّية إستر هوف مسئولة عن تركته األدب ّية وطلب‬ ‫منها نقل أوراق كافكا إلى إحدى املؤسسات األكادمي ّية‪.‬‬ ‫لكن هوف احتفظت باألوراق بعيدًا عن األنظار طيلة أربعة‬ ‫ّ‬ ‫عقود‪ ،‬بل باعت بعضها مببالغ خيال ّية‪ .‬إ ْذ عرضت ً‬ ‫مثل‬ ‫املخطوطة األصل ّية لرواية احملاكمة للبيع فى مزاد سوذبيز‬ ‫عام ‪ ،1988‬وحصلت على ‪ 1.8‬مليون دوالر من أرشيف‬ ‫األدب األملانى فى مدينة مارباخ شمال شتوجتارت‪ .‬وتركت‬ ‫هــوف املجموعة بعد وفاتها عــام ‪ 2008‬عن عمر ناهز‬ ‫املائة وعا ًما واحــدا البنتيها؛ إيفا هوف وروث وايسلر‪،‬‬ ‫وكالهما ناجيتان من احملرقة النازية مثل أ ّمهما‪ ،‬اعتبرتا‬ ‫برود أ ًبا لهما وأرشيفه هو ميراثهما الشرعي‪ .‬ث ّم توفيت‬

‫ّ‬ ‫الضائعة قد ترى‬ ‫قريبا‬ ‫النور‬ ‫ً‬

‫االبنتان وتركتا أبناء وايسلر يواصلون الدفاع ع ّما تبقّى‬ ‫من املجموعة‪.‬‬ ‫كان أشعيا إجتار محامى أبناء وايسلر قد قلل من أهمية‬ ‫ً‬ ‫الكم ُ‬ ‫ُ‬ ‫قائل إ ّنها على األرجح نُسخ‬ ‫املتمل فى زيــورخ‪،‬‬ ‫طبق األصــل من مخطوطات باعتها هــوف‪ ،‬وصـ ِ ّـرح بأ ّنه‬ ‫مهما يكن ا ُ‬ ‫حلكم فإ ّنه استمرار لعمل ّية «تُداس فيها حقوق‬ ‫امللك ّية الفرد ّية دون أى ُمبرر قانوني‪« .‬وقــال إنّ موكليه‬ ‫ورثــوا األعــمــال قانون ًّيا ويعتبرون استيالء الــدولــة على‬ ‫ممتلكاتهم « ُمشينًا» و"سرقة من الدرجة األولى‪ ».‬وتزعم‬ ‫مكتبة إسرائيل الوطن ّية أنّ أوراق كافكا «أصول ثقاف ّية»‬ ‫ميلكها ّ‬ ‫الشعب اليهودى‪ ،‬وأنّ كافكا ف ّكر قبيل وفاته فى‬ ‫مغادرة براغ واالنتقال إلى دولة إسرائيل قبل إنشائها‪ ،‬وأ ّنه‬ ‫دروسا فى اللغة العبر ّية مع امرأة مقدس ّية تب ّرعت‬ ‫تلقّى‬ ‫ً‬ ‫أخي ًرا بدفتر تلميذها ا ّلــذى يضم املفردات اللغو ّية إلى‬ ‫املكتبة‪ .‬وكانت املكتبة أثناء السنوات األخيرة قد استحوذت‬ ‫على العديد من املخطوطات األخرى التى أمرت احملكمة‬ ‫أحفاد هوف بتسليمها‪.‬‬ ‫>>>‬ ‫وقــال مائير ميلر أحــد ممثلى املكتبة القانونيني ا ّلذين‬ ‫رافقوا القضية التى استم ّرت عشر سنوات‪ ،‬أ ّنه من املتو ّقع‬ ‫أن تصل األوراق اجلديدة إلى إسرائيل فى غضون شهر‪.‬‬ ‫وص ـ ّرح ديفيد بلومبرج؛ مدير مكتبة إسرائيل الوطن ّية‪،‬‬ ‫رحب بقرار‬ ‫وهى هيئة غير حكوم ّية غير ربح ّية بقوله‪« :‬نُ ِ ّ‬ ‫احملكمة السويسر ّية التى تتفق مع كا ّفة األحكام التى‬ ‫أصدرتها احملاكم اإلسرائيل ّية‪ ،‬كما يستكمل هذا القرار‬ ‫حتضير مكتبة إسرائيل الوطن ّية لتسلّم تركة ماكس برود‬ ‫األدب ّية بأكملها‪ ،‬والتى ستلقى املعاملة التى تليق بها وستُتاح‬ ‫لعموم اجلمهور فى إسرائيل والعالم»‪.‬‬ ‫لكن متخصصني آخــريــن يتشككون فــى تبنّى إسرائيل‬ ‫لكافكا‪ ،‬الفتني إلى صراعه بشأن هويته اليهود ّية‪ .‬أ ّما‬ ‫أرشيف األدب األملانى؛ على سبيل املثال‪ ،‬فقد انحاز إلى‬ ‫جانب ورثة هوف وسعى إلى شراء املجموعة نفسها بزعم‬ ‫أنّ النصوص مكتوبة باللغة األملانية وهــى بذلك تراث‬ ‫أملاني‪ .‬وقال ديتمار جيجل؛ أحد موظفى األرشيف‪ ،‬إ ّنه‬ ‫لن يُع ِلّق على قرار محكمة زيورخ أل ّنه لم ّ‬ ‫يطلع عليه بعد‪.‬‬ ‫فى حني ح ّذر بالنت من أن محتويات األرشيف املُخبأ قد‬ ‫ال ترقى لتوقعات اجلميع‪ ،‬وأضاف ُمشي ًرا إلى املنافسة‬ ‫تخص كافكا‪« :‬من غير‬ ‫الشرسة حول أى وثيقة أصل ّية‬ ‫ّ‬ ‫املرجح أن نكتشف رائعة مجهولة لكافكا بني تلك األوراق‪،‬‬ ‫ّ‬ ‫لكنّها تظل أورا ًقــا ذات قيمة؛ ذلك أ ّنه ث ّمة هالة غريبة‬ ‫ُتيط بكافكا جتعل كل ما يتعلّق به ج ّذا ًبا»‪.‬‬

‫عن األسوشيتد برس‬


‫‪١٦‬‬

‫‪ ٥‬مايو ‪ ٢٠١٩‬العدد ‪١٣٤٥‬‬

‫‪٢١‬‬

‫املختارات القصصية خلوسيه ميرينو‪:‬‬

‫الذاكرة‬

‫يلفت نظر القارى قدرة املؤلفة على إمساك خيوط أحداث‬ ‫روايتها مبهارة‪ ،‬وكأنّ احلكاية كانت مكتملة األركان فى رأسها‬ ‫قبل تدوينها‪ ،‬فلم تكشف عن الروابط اخلف ّية بني شخوص‬ ‫العمل إال فى الصفحات األخيرة‪ ،‬فى إطار حبكة متماسكة‬ ‫ٍ‬ ‫بحرفية تضاهى حرفية الكاتب البيروفى األشهر‬ ‫ُر ِسمت‬ ‫ماريو بارجاس يوسا فى بناء عامله الروائى‪ ،‬وعلى األخص‬ ‫فى روايته األخيرة «البطل املتكتّم»‪ .‬واض ٌح ً‬ ‫التناص مع‬ ‫أيضا‬ ‫ّ‬ ‫ظنى)‪ ،‬حني تتذ ّكر الزوجة واقعة «حشر»‬ ‫ُكـتابها‬ ‫ّ‬ ‫املفضلني (فى ّ‬ ‫رأسها فى البلوفر ملا كانت طفلة ( ُمستدعية إحدى قصص‬ ‫خوليو كورتاثار)‪ ،‬ورواية موبى ديك مليلفل فى احملور املوازى‬ ‫(مغامرات جييم وماتيو)‪.‬‬ ‫تتصاعد الدراما الروائية تصاعدًا هاد ًئا‪ .‬حيث يقع الزوجان‬ ‫فى مأزق «محبوك» يهدد حياتهما‪ ،‬تستغله املؤلفة فى الكشف‬ ‫قصة حب حقيقية وغير عادية‪ ،‬مدفونة ــ لألسف‪ -‬حتت‬ ‫عن ّ‬ ‫والعادي‪ .‬فى رأيى الشخصى‪ ،‬يُولَد الفن من قلب‬ ‫ركام املبتذل‬ ‫ّ‬

‫مثل تلك املفارقات‪ ،‬أقصد من إبراز حلظات القسوة املمزوجة‬ ‫احلب املغمورة‬ ‫مبشاعر اخلوف والشك‪ ،‬بغرض إخراج مشاعر‬ ‫ّ‬ ‫يومي ومبتذل‪ .‬شيء يشبه االستسالم إلى‬ ‫فى مستنقع ما هو‬ ‫ّ‬ ‫مقصلة األلم لفصل اللسان املز ّيف عن الف ّم الصادق‪ ،‬ورمبا‬ ‫يفاجيء الزو ُج زوجته‬ ‫موقف بهذه القسوة مينح احلياة مغزى‪ِ .‬‬ ‫بلعبة خطرة‪ ،‬أو بكذبة بريئة محبوكة مبــهــارة‪ ،‬هى اللعبة‬ ‫الطفولية التى يحب كل إنسان االحتفاظ بها‪ ،‬كما نقرأ فى‬ ‫أول الرواية‪.‬‬ ‫>>>‬ ‫يستحيل بالطبع أنّ تف ّوت كاتبة بذكاء إميا مونسو (التى أتطلع‬ ‫إلى ترجمة املزيد من أعمالها إلى العربية) فرصة العروج على‬ ‫مبفهومي الكذب واخليال‪.‬‬ ‫موضوعات مثل الكتابة‪ ،‬وعالقتها‬ ‫ّ‬ ‫ففى أحد فصول الرواية يقول الزوج لزوجته‪ِ :‬‬ ‫«أنت تعرفني‬ ‫أننى ال أستسيغ احلكاية القائمة على الكذب"‪ ،‬فتجيب الزوجة‬ ‫بح ّدة‪ »:‬كيف ميكنك أن تصف اخليال بالكذب‪ ،‬فى اخليال‬ ‫تَقو ُم باملشاركة باقتناع ُمسبق‪ ،‬بينما فى الكذب ال يوجد اتفاق‪،‬‬ ‫إنه ُطغيان من جانب واحد»‪.‬لكن زيارة «مونسو» كانت خفيفة‪،‬‬ ‫نظرى‪/‬فلسفى على حساب ما‬ ‫فلم تُسهب فى مناقشة ما هو‬ ‫ّ‬ ‫جمالي‪/‬فني‪.‬‬ ‫هو‬ ‫ّ‬ ‫تنقلب الد ّفة‪ ،‬حينما تشعر الزوجة بالضيق بسبب املأزق الذى‬ ‫ِ‬ ‫احلالة املثقفة) من زوجها‬ ‫تو ّرطا فيه‪ ،‬فتطلب (وهى الشاعرة‬ ‫ّ‬ ‫املنظم املُم ّل الرتيب) اختراع حكاية ملساعدتها على‬ ‫(وهــو‬ ‫نسيان ضيق املوقف وعنائه‪ .‬فيالعبها الزوج فى البداية ً‬ ‫قائل‪:‬‬ ‫ِ‬ ‫بحب صادق جتاه زوجته‪،‬‬ ‫ملعبك"‪ ،‬لكنه‪،‬‬ ‫«ال ‪..‬هذا‬ ‫مدفوعا ٍ‬ ‫ً‬ ‫يقص عليها حكاي ًة وال أروع عن الصداقة والصديق‪ ،‬حكاية‬ ‫ّ‬ ‫عن دور الروايات واخليال فى حياة اإلنسان‪ ،‬وهى احلكاية‬ ‫التى ستقودنا إلى نقطة النور فى الرواية‪ ،‬فتكتشف الزوجة‬ ‫أنّ موضوع االحتفال بالذكرى السنوية مجرد لعبة من ألعاب‬ ‫الكذب البريء‪ ،‬لعبة أصيلة مقنِعة وقادرة على كشف احلقيقة‬ ‫أكثر من أية وقائع أخرى‪.‬‬ ‫ُ‬ ‫وتتشكك فــى احلكاية‬ ‫تُــص ـ ّدق الــزوجــة احلكاية املُختلقة‪،‬‬

‫بهزمية أخالق ّي ٍة أو مرارةٍ‬ ‫ٍ‬ ‫‪ - 3‬كل أبطال احلكايات ينتهون‬ ‫وانكسار أمــام املجتمع‪ ،‬ففى (‪ )1‬يُح َبط (عبد اهلل) لفشل‬ ‫ٍ‬ ‫خطتِه فى الظفَر بعالقة حميمة مع جارته شيماء‪ ،‬إال أنه‬ ‫مؤرجحا بني الرغبة فيها والتعلق باألفالم اإلباحية‪،‬‬ ‫مازال‬ ‫ً‬ ‫وفى (‪ )3‬يستمر االستغالل اجلنسى للبطلة رغم جناح زيجتِها‬ ‫الثانية على األقل فى إجناب طفلة‪ ،‬وفى (‪ )4‬نكتشف نحن من‬ ‫موقع القارئ مدى تَ َر ِ ّدى (رمضان) ومنظومة قِ َيمِ ه حني رضى‬ ‫كرج ٍل خانته زوجتُه‪ -‬على رءوس أشهاد‬‫الفضيحة لنفسه‬ ‫ُ‬ ‫املجلس ال ُعرفى‪ ،‬وفى (‪ )5‬نشهد كذلك تر ّدى البطلة الراوية‬ ‫زوج خانته‪ ،‬وفى (‪)6‬‬ ‫فى التحايُل إلثبات نسب طفلتها إلى ٍ‬ ‫يستمر (عبد الستار) فى تخ ّيُل سيناريو اإلغواء من السيدات‬ ‫الثريات الالتى يعمل فى بيوتهن فى اخلليج بعد أن بدأ معه‬ ‫فى مصر قبل سفرِ ه‪ ،‬دون أن يتحقق بالطبع‪ ،‬وفى (‪ )7‬ينكشف‬ ‫رهان (ودنو) مع رفاقه فى املقهى أمام رئيس املباحث ويصبح‬ ‫مهد ًدا باإلهانة واحلبس‪ ،‬وفى نهاية (‪ )8‬تقطع ال َبغِ ّي تأمالتها‬ ‫بشأن رزق أيامها القليلة القادمة لتستقبل طال ًبا آخر فى شقة‬ ‫َطلَبة فى بني السرايات‪ ،‬وفى (‪ )9‬يوحى إلينا الكاتب أنّ بطلَه‬ ‫(عبده بعالش) أقام عالق ًة آثم ًة مع (رجاء) والدة التوأمتَني‬ ‫(إسراء ومروة) اللتَني هام بهما مِ ن قبل‪ ،‬وفى (‪ )10‬تنهار أ ّ ُم‬ ‫البنات باكي ًة أمام ضغوط اجليران الفاسدين الذين يالحقونها‬ ‫وبناتِها باإليذاء والتح ّ ُرش اللفظي‪ .‬حتى فى (‪ )11‬ينتهى املثقف‬ ‫إلــى القلق والــشــك فــى صحة وج ــدوى مسلكه االجتماعى‬ ‫واأل ُ َسرِ ّي حيث يقول‪« :‬خلينا قافلني اجلرح وخلينا كل مهمتنا‬ ‫نكسب قرشني يعيشوا بيها العيال واهى أيام بتتقضى‪ .‬ساعات‬ ‫باقول احنا غلطانني إننا ما سبناش العيال عايشني زى منهم‬ ‫أهو على األقل يقدروا يتواءموا‪ .‬عيشتنا وأفكارنا دى هتعمل‬ ‫عندهم شرخ جامد‪ .‬ربنا يستر عليهم وعلينا»‪.‬‬ ‫‪ - 4‬تلحق هــذه املالحظة بسابقتِها‪ ،‬حيث البطل الوحيد‬ ‫ِ‬ ‫املؤنسن‬ ‫منتص ًرا ملتح ًفا باملجد من حكايته هو الديك‬ ‫اخلارج‬ ‫َ‬ ‫فى َمثَل احلكاية األخيرة‪ .‬مختصر احلكاية أنّ الديك نكش‬ ‫فى الكوم فوجد قمحة وشعيرة‪ ،‬ثم بدأ يلعب لعب ًة ماكر ًة مع‬ ‫ٍ‬ ‫سلسلة من الصانعني املنهمكني فى أعمالهم‪ ،‬تبدأ بامرأة‬ ‫تطحن بال َّر َحى‪ ،‬مــرو ًرا بامرأةٍ تعجن الدقيق وتخبز‪ ،‬وف ّ‬ ‫الح‬ ‫يأكل بص ً‬ ‫ال فى حقلِه ويستريح من عمله حتت شجرة‪ ،‬وناس‬ ‫بناس يقيمون ُعرسا‪ .‬مع ُك ٍ ّل منهم‬ ‫ء‬ ‫وانتها‬ ‫وليمة‪،‬‬ ‫فى‬ ‫يطبخون‬ ‫ً ٍ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫اآلخر ما م َعه‬ ‫الديك كر ًما منزّهً ا من الغ َرض ويُهدى‬ ‫يُبدى‬

‫(من أول القمحة والعشيرة)‪ ،‬ثم يعود إليه بعد ٍ‬ ‫وقت ليأخذ‬ ‫شي ًئا أكبر‪ ،‬يبدأ بحفان دقيق وينتهى بأخذ اجل َمل مبا ح َمل‬ ‫من عروس!‬ ‫َ‬ ‫(موزاييك)‬ ‫نهاية‬ ‫فى‬ ‫الفانتازى‬ ‫ل‬ ‫ث‬ ‫امل‬ ‫موقع‬ ‫من‬ ‫‪ - 5‬يَظهر‬ ‫أنّ‬ ‫كثير من‬ ‫فى‬ ‫ـده‬ ‫ـ‬ ‫جن‬ ‫أن‬ ‫ميكن‬ ‫ملا‬ ‫ا‬ ‫د‬ ‫ـا‬ ‫ـ‬ ‫ـض‬ ‫ـ‬ ‫م‬ ‫ا‬ ‫و‬ ‫نح‬ ‫نحو‬ ‫ٍ‬ ‫ًّ‬ ‫املؤ ّلف يَ‬ ‫ً‬ ‫منجزات السرد املعروفة‪ .‬ففى األعمال القصصية الكاملة‬ ‫لفرانز كافكا مثَ ً‬ ‫ال ‪ -‬ذلك الكتاب الشهير الذى ُجمِ ع بعد وفاة‬ ‫كافكا ‪ -‬يبدأ السرد مبثَلَني فانتازيني ‪Two Introductory‬‬ ‫الكابوسي‬ ‫‪ Parables‬ليتنزّل بعد ذلك إلى العالَم القصصى‬ ‫ّ‬ ‫لكافكا بكل تفاصيلِه ُ َ‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫سحرية مبكرة‪ .‬أ ّما‬ ‫واقعية‬ ‫امل ِ ّومة فى‬ ‫فى (موزاييك)‪ ،‬يصعد حسني عبد العليم من احلكايات التى‬ ‫ت ُع ّ ُج بالتفاصيل الصغيرة ‪ -‬لدرجة تكرار أسماء األعالم بني‬ ‫أشخاص مختلفني ال رابط بينهم‪ ،‬فنلمح‬ ‫القصص ُمشير ًة إلى‬ ‫ٍ‬ ‫شخصني باسم (إسالم) وشخصني باسم (عزت) مث ً‬ ‫ال – إلى‬ ‫املثَل الفانتازى املُتعالى على الواقع‪.‬‬ ‫خروجا من هذه املالحظات‪ ،‬نصل إلى نتيجتَني‪:‬‬ ‫ً‬ ‫تصب هذه السمات األسلوبية واملضمونية فى تكريس‬ ‫أوالً‪-‬‬ ‫ُّ‬ ‫أصيل للكاتب‪ .‬ال ُ‬ ‫ٍ‬ ‫يقف فيه على يسار املشهد‬ ‫يساري‬ ‫موقف‬ ‫ٍ‬ ‫ٍّ‬ ‫السياسى االقتصادى فقط كما يبدو فى انحياز حكاياته لقاع‬ ‫املجت َمع الغارق فى الفقر واجلهل واملرض‪ ،‬وإمنا يتعداه إلى‬ ‫يسار املشهد‬ ‫جنسا‬ ‫االجتماعي بتراتُب ّيتِه التى جتعل من النساء ً‬ ‫ّ‬ ‫ثان ًيا – كما تقول سيمون دو بوفوار – حني يرفض التخلّى‬ ‫عليم‪ ،‬إ ّال الثنتني من بطالت حكاياتِه‪.‬‬ ‫عن دفة السرد ٍ‬ ‫كراو ٍ‬ ‫واألهم من هذين اليسا َرين واألعم ُق منهما وقو ُفه على يسار‬ ‫املشهد الثقا ّ‬ ‫الوسواسى‬ ‫يف ُك ِلّه‪ ،‬والذى يتجلى فى االستدعاء‬ ‫ّ‬ ‫للجنس – ذلك ُ‬ ‫امل َّرم – كمح ّرك ألحداث معظم احلكايات‬ ‫إن لم يكن كلّها‪ ،‬كما يتجلى فى احلرص على اللغة العامية فى‬ ‫للتفاصح‪ ،‬وفى إعطاء أولوية‬ ‫أثر‬ ‫السرد واالبتعاد عمدًا عن أى ٍ‬ ‫ُ‬ ‫العرض على القارئ للحكايات الواقعية الغارقة فى التفاصيل‬ ‫الفانتازي لذيل الكتاب‪ ،‬وأخي ًرا فى طبيعة‬ ‫واالحتفاظ باملَثَل‬ ‫ّ‬ ‫ٍ‬ ‫ِ‬ ‫املا ّدة املسرودة نفسها من حيثُ الترابُط‪ ،‬فنح ُن أما َم رواية ال‬ ‫نكو ُن ُمبالِغني إذا ُقلنا إنها ُس ِ ّميَت رواي ًة َقس ًرا‪ ،‬ولُوِ يَت ذِ را ُعها‬ ‫لتكون كذلك‪ ،‬حيث ضرب مؤ ّلفُها بعرض احلائط كل تقاليد‬ ‫البناء الروائى كما عرفناه مستقِ ًّرا منذ ما قبل ثرفانتس!‬ ‫وجدي ٌر ِ ّ‬ ‫بالذكر أنّ هذا اليسار يسا ٌر متشائ ٌم فيما يبدو‪ ،‬فال‬ ‫ُ‬ ‫َمخ َرج من ال ُه ّوة املظلمة التى يتردى فيها أبطال احلكايات‬

‫كشبح انتقامى‬

‫ممدوح رزق‬ ‫ّ‬ ‫تجسد القصص القصيرة للكاتب اإلسبانى خوسيه ماريا‬ ‫ميرينو‪ ،‬والتى صدرت مختارات لها بترجمة عبير محمد عبد‬ ‫الحافظ‪ ،‬عن مشروع «كلمة» أبو ظبى؛ ّ‬ ‫تجسد اللحظة غير‬ ‫املتوقعة التى تكشف ًخاللها الذاكرة عن الدافع التدميرى‬ ‫للحياة بوصفها حاضنا للموت‪ ..‬خيال املاضى الذى يمارس‬ ‫ما يشبه االنتقام أو املحو للعالم الذى تراكم الفناء داخله‪.‬‬ ‫«بينما كانت منهمكة فى إشعال نيران املدفأة‪ ،‬بعد أن حملت‬ ‫إناء الحطب إلى الصالة سمعها تتأفف‪ .‬جلس فى مقعده‬ ‫ً‬ ‫مجددا‪ ،‬وأخذ يتأمل الجهد الذى تقوم به السيدة‬ ‫الوثير‬ ‫العجوز ببرود ونظرة علمية فاحصة‪ ،‬واكتشف حركاتها التى‬ ‫تزداد صعوبة ً‬ ‫يوما بعد يوم‪ ،‬فتبدو وكأنها تزحف‪ ،‬شيء خاص‬ ‫بها‪ .‬ألسنة اللهب التى امتدت بني الحطب حولت التعاسة التى‬ ‫يشعر بها إلى إحساس إيجابى مستوحى من ذكريات الشتاء‬ ‫فى طفولته‪ ،‬أوقات اإلجازات فى الفترات التى كان يتساقط‬ ‫فيها الثلج‪ ،‬ثمار البندق والجوز التى تشوى على نار املدفأة»‪.‬‬ ‫فى قصة «امليالد فى الغرفة العلوية» تحدث هذه اللحظة‬ ‫بتأثير من حضور مفاجئ للشتاء أو «الدعابة الساخرة التى‬ ‫ألقى بها بعد انقضاء الربيع والصيف»‪..‬تنتج هذه املباغتة‬ ‫ً‬ ‫استدعاء للذكريات‪ ،‬األمر الذى يذكرنا بالرغبة‬ ‫الشتائية‬ ‫التى يفجرها الشتاء فى تدوين الذكريات كما كتب عنها‬ ‫خوان مياس فى رواية «العالم»‪ ..‬لكن هذا االسترجاع للماضى‬ ‫ً‬ ‫الطفولى سيكون فى جوهره تأمل للموت‪ ..‬املوت املفاجئ‬ ‫لألب والذى وضع نهاية للهواية القديمة التى كان يمتلكها‬ ‫شاب ماهر فى صنع نماذج السفن الحربية القديمة‪ ..‬الشاب‬ ‫الذى سيبدأاآلن ـبنفس األدوات التى كان يستعملها فى تشييد‬ ‫تلك النماذج وكاستجابة عفوية ملا تمثله الذاكرة فى تلك‬ ‫اللحظةـ سيبدأ فى صنع ّ‬ ‫مجسم للقريةكزينة للميالد‪.‬‬ ‫>>>‬ ‫«مشهد املكان غير املأهول دفعه إلى التفكير فى ضرورة أن‬ ‫يسكنه أناس‪ ،‬وبدأ بهمة وحماس فى خلقهم‪ :‬املحافظ‪ ،‬وهو‬ ‫فى نفس الوقت مالك أحد املتاجر‪ ،‬حارس الحدود‪ ،‬واملعلمة‪،‬‬ ‫وساعى البريد على دراجته البخارية‪ ،‬والقس‪ ،‬والنساء‬ ‫والرجال‪ ،‬حيوانات وطيور جارحة‪ .‬بدأ الجيران يخرجون‬ ‫من بني أصابعه بسرعة غريبة‪ .‬الدجاج والحكام والنعاج‬ ‫ً‬ ‫مرتديا كوفية الشتاء»‪.‬‬ ‫وجريجوريا‪ .‬وهو نفسه‬ ‫يمكننا هنا أن نعقد مقارنة بني النموذجني‪ :‬سفينة حربية‬ ‫قديمة‪ ،‬وقرية صغيرة بكل ما تتضمنه من بيوت وشــوارع‬ ‫وبشر‪ ..‬بني مغامرة الخيال التى أنهاها املوت املباغت لألب‪،‬‬ ‫ورتابة الواقع التى احتلها املوت منذ تلك اللحظة البعيدة‪..‬‬ ‫املفاجأة الشتائية ليس‬ ‫هنا يتم تدوين الذكريات بتحريض‬ ‫ً‬ ‫كماض آخر أيضا‪ ..‬كأن الخيال‬ ‫فقط بشكل ملموس‪ ،‬وإنما‬ ‫ٍ‬ ‫احتضار األب سيعود كشبح‪ ،‬وفى التوقيت‬ ‫القديم الذى قتله‬ ‫ُ‬ ‫ذاته «لحظة الشتاء حيث تصنع املجسمات االحتفالية بأعياد‬ ‫امليالد» ليحاول أن يثأر من املوت الكامن فى الحياة‪ ..‬كأن‬ ‫الشتاء قد تواطأ حني مر فى غير موعده‪ ،‬متسلال من الزمن‬ ‫نفسه كى يدفع صانع نموذج القرية إلى االنتقام‪.‬‬

‫«راقب بذعر شديد الحياة التى أخذت تدب فى قلب النموذج‪،‬‬ ‫عند الجبل‪ ،‬وفى البيوت‪ ،‬ومياه النهر‪ ،‬وأشجار الحور‪ ،‬بدا كل‬ ‫شيء ينبض بحياة غير قابلة للشك‪ .‬وتحول خوفه إلى هلع‪.‬‬ ‫تقهقر إلى الخلف حتى وصل إلى باب الحجرة‪ ،‬وضغط على‬ ‫زر الكهرباء‪ ،‬دون أن يجرؤ على النظر فى الظالم الحالك‪،‬‬ ‫وأحكم إغالق الحجرة باملفتاح»‪.‬‬ ‫ملاذا شعر بالهلع حينما بدأ جميع األشخاص والكائنات فى‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫املجسم؟ ملاذا أرجع األمر إلى الهلوسة حني‬ ‫التحرك داخل‬ ‫اكتسبت ًحياة النموذج اإليقاع اليومى املعتاد للقرية؟ هل لم‬ ‫يكن مدركا ملا تسعى الذاكرة للقيام به‪ ،‬أم أنها حيلة دفاعية‬ ‫«إلهية» ضد التدمير الالحق؟‪.‬‬ ‫>>>‬ ‫سيتعاقب قتل البشر والحيوانات داخــل القرية كإبادة‬ ‫ُجماعية‪ ،‬ومن البديهى حني نعرف أن الطريقة الفظيعة التى‬ ‫ذبح بها الضحايا بعيدة عن أى تفسير؛ أن نفكر فى السكاكني‬ ‫التى استخدمها صانع نموذج القرية فى خلقها‪ ..‬هكذا تكون‬ ‫إعادة امليالد بواسطة محو الحياة‪ ..‬امليالد الحقيقى الذى‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫املوت‬ ‫يثبت الفناء كأصل للعالم‪ ..‬يكون خالق املجسم هو ً‬ ‫كحقيقة تعرف ما تنوى ارتكابه‪ ،‬فال يصبح موت األب مباغتا‪،‬‬ ‫ّ‬ ‫وبالتالى يمكن التقدم على موت اآلخرين املحتوم بخطوة‪..‬‬ ‫هذه الخطوة هى املجاز الضرورى للثأر فال يكون مجرد‬ ‫تدمير للحياة‪ ،‬وإنما تشريح للفناء‪ ..‬هى الجوهر االفتراضى‬ ‫لالنتقام من املوت‪ ،‬حيث يمكنك أن تحفر داخل جثث أهل‬ ‫القرية‪ ،‬وهم ما زالوا عالقني فى حركتهم املعتادة‪ ..‬لكنها‬ ‫ليست هلوسة بقدر ما هى النسخة العارية من الواقع‪ ،‬أو‬ ‫ّ‬ ‫املحطم من األساس‪.‬‬ ‫نموذجه البدائى‬

‫يكمن الجمال الروائى عند مايرنيك فى قدرته‬ ‫بقطع المعة من التأمالت‬ ‫على تطريز ثوبه الروائى‬ ‫ٍ‬ ‫الفلسفية حول مسألة القدر‪.‬‬

‫«فــى فجر الــيــوم الخامس الــذى وافــق‬ ‫الجمعة‪ ،‬وكــان ً‬ ‫ً‬ ‫معتما مثل املقالة‬ ‫يوما‬ ‫ً‬ ‫الــســوداء‪ ،‬قرعت األجــراس مجددا وسط‬ ‫األجواء الضبابية‪ .‬وحطمت قوة مباغتة نافذة‬ ‫أحد املنازل‪ ،‬وسقط الزوجان العجوزان على‬ ‫األرض غارقني فى دمائهما بني حطام خشب‬ ‫النافذة وقطع الخزف‪ ،‬ولطخت الدماء كل شيء‪،‬‬ ‫ووسمت الواقع بطابع دمــوى ال ينمحى‪ .‬نظر إلى‬ ‫اإلطار الذى ُانتزع عن الحائط بقوة فائقة‪ ،‬والطريقة‬ ‫التى تحطمت بها الطاولة العتيقة املصنوعة من خشب‬ ‫الصنوبر‪ ،‬وكأن قوة هائلة انبعثت منها‪ ،‬وهو ما جعله‬ ‫يستدعى صورة النماذج الصغيرة التى اعتاد أن يصنعها‪،‬‬ ‫وكانت تنهار وتتناثر إلى قطع صغيرة حني يدفعها دفعة‬ ‫خفيفة»‪.‬‬ ‫ّ‬ ‫املجسم وقد أصبحت‬ ‫لم تعد هناك سوى قرية واحدة‪ ..‬قرية‬ ‫ً‬ ‫العالم الذى ال يوجد شيء خارجه‪ ..‬ليس هذا تداخل بني‬ ‫الواقع والخيال‪ ،‬وإنما الوجود الذى يتجاوزهما‪ ،‬واألكثر‬ ‫هيمنة من الحياة التى تتضمن امتزاجهما‪ ..‬الوجود الذى‬ ‫يتوارى داخل صانع النموذج حيث تختلط الجثث باألشياء‬ ‫ّ‬ ‫املجسم بالخرق‬ ‫املحطمة واملتناثرة‪ ..‬لكنه حينما يغطى‬ ‫البالية ثم يغلق باب الحجرة العلوية باملفتاح قبل أن يلقيه فى‬ ‫البئر القديمة فإنه سيبدو كأنما يحاول إغماض عينيه عن‬ ‫نهايته املنطقية ـكواحد من أهل القريةـ لن ينجو من االنتقام‬ ‫قرره بنفسه‪ ..‬كأنه على النقيض يحاول االنفصال بشكل‬ ‫الذى ً‬ ‫إلهى أيضا عن العالم الذى خلقه «نموذج القرية"‪ ،‬وبالتالى‬ ‫ينتزع نفسه خارج مصيرها بعدما أيقن أن الثأر الذى أراده‬ ‫قد تحقق بالفعل‪.‬‬ ‫«الوقت يمر‪ ،‬والحرب لم تنته‪ .‬لم تكن تعرف على وجه‬ ‫التحديد األسباب التى اندلعت من أجلها الحرب‪ ،‬يحدثهم‬ ‫الواعظ فى الكنيسة من املنبر عن العدو‪ ،‬وكيف أنه مثل‬ ‫الشيطان‪ ،‬يجب أن نخشاه ألنه ينشر العدوى مثل الوباء‪ .‬فى‬ ‫نهاية األمر كفت الحرب والعدو عن تقديم أخبار حقيقية‪،‬‬ ‫وبدا األمر‪ ،‬وكأن املجهود الحربى أصبح هدفه الدفاع عن‬ ‫الوطن والتصدى ملجموعة من الوحوش‪ ،‬أتوا لغزو الوطن‬ ‫من بالد بعيدة ومشؤومة مهما كلف األمر‪ .‬بلغ األمر مداه‪،‬‬ ‫حتى أنه فى أحد األيام وصلت إلى البلدة عربة حربية فيها‬ ‫مجموعة من معتقلى الحرب‪ ،‬وخرج جميع الجيران لرؤيتهم‪،‬‬ ‫فــإذا بواحدة من السيدات تعرب عن دهشتها واملفاجأة‬ ‫املحبطة التى شعرت بها حني رأت أن األعــداء ال يبدون‬ ‫بالشكل الشيطانى نفسه الذى تحدث عنه القس»‪.‬‬ ‫سيؤدى غناء الزوجة فى قصة «الهارب من الجندية» ً‬ ‫دورا‬ ‫ً‬ ‫ّ‬ ‫ملجسم القرية‪ ..‬يعود زوجها املحارب الهارب من‬ ‫مشابها‬ ‫الخدمة العسكرية بعد أن جرحته شظية إحــدى القنابل‬ ‫اليدوية‪ ،‬وأصبح عليه اآلن أن يختبئ من جنود الحرس‬ ‫الوطنى الذين لو نجحوا فى القبض عليه سيكون مصيره‬ ‫تجد الزوجة إلى جوارها املحارب‬ ‫املــوت‪ ..‬ذات صباح لن‬ ‫ً‬ ‫الهارب‪ ،‬بل ستعثر عليه ميتا أعلى الهضبة بني الصخور‬ ‫ُ‬ ‫ً‬ ‫مجددا خالل محاولته الطويلة للهرب من‬ ‫وقد فتح جرحه‬ ‫الجنود‪ ..‬يكتب ميرينو أن الزوجة بعد عودة زوجها وقبل‬

‫‪ ٥‬مايو ‪ ٢٠١٩‬العدد ‪١٣٤٥‬‬

‫احلقيقية‪ ،‬فيجيبها‪« :‬الواقع كثي ًرا ما يفوق اخليال»‪.‬ث ّم تنقلب‬ ‫الد ّفة مرة أخرى حينما تقول الزوجة لزوجها قرب النهاية‪»:‬‬ ‫ً‬ ‫َ‬ ‫لديك تلمحيات وال‬ ‫خيال‪..‬لم تكن‬ ‫نقي‪..‬مبا أ ّن َك ال متلك‬ ‫َ‬ ‫أنت ّ‬ ‫كنت بحاجة‬ ‫ٍ‬ ‫معان خف ّية‪..‬كان كل شيء نظي ًفا ومرت ًبا وشفا ًفا‪ُ ..‬‬ ‫لهذا فى ذلك احلني»‪.‬‬ ‫اآلن فقط تفطن الزوجة إلى حقيقة مشاعرها‪ ،‬وترى األمور‬ ‫على حقيقتها‪ ،‬فترتضى اللعبة اخلطرة‪ ،‬وتقبل الهدية‪ ،‬وتبتلع‬ ‫الكذبة البريئة‪ .‬تبتسم‪ ،‬وتق ّبَل زوجها فى عنقه قائلة‪ »:‬هدية‪..‬‬ ‫استطعت إخراجى من‪...‬من روتني كان يقضى‬ ‫هدية رائعة‪...‬‬ ‫َ‬ ‫علي»‪ .‬يضحك الزوج ضحك ًة حذِ رة متحفظة وكأنه يقول‪»:‬‬ ‫ّ‬ ‫متام‪ ..‬انتهى الدرس يا راكيل»‪.‬‬ ‫الزوجي كأصدق ما‬ ‫رسمت عالقة‬ ‫ال شك أن الرواية قد‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫يكون‪ ،‬بعد أن شاب حياتهما غبار امللل والرتابة‪ ،‬لكنهما لم‬ ‫يستسلما‪ ،‬فنفضا ذلك الغبار باحلكايات وباخليال‪ ،‬وبألعاب‬ ‫الكذب البريء‪.‬‬ ‫اجلميل فى الرواية أن املؤلفة مت ّرر إلينا فكرة أن كل إنسان‬ ‫يحتاج فى حياته‪ ،‬بشكل أو بآخر ‪ ،‬إلى حكاية يحكيها م ّرة‬ ‫واحــدة فقط‪ ،‬مـ ّرة واحــدة ودون عــودة‪ ،‬حتى ولو كانت تلك‬ ‫احلكاية مختَلقة كل ًيا‪ ،‬وحتى لو لم حتدث على أرض الواقع‪.‬‬ ‫ففى الصفحات األخيرة من الرواية يبوح الزوج لزوجته بشيء‬ ‫ظل مدفو ًنا فى صدره طوال خمس وعشرين سنة‪ ،‬هى ُعمر‬ ‫ً‬ ‫رغبت فى أن أحكى ِ‬ ‫لك كل شيء‬ ‫قائل‪":‬دائ ًما ما‬ ‫زواجهما‪،‬‬ ‫ُ‬ ‫بيوم أجيء بك إلى هنا وأحكى لك‬ ‫عندما عرفتك‪..‬كنت أحلُم ٍ‬ ‫أفضل وأسوأ ما فى حياتى‪ ،‬كنت أريد التخلص من املاضى‬ ‫بجوارك"‪ ،‬وكأن كل ما جرىــوال فرق إن كان مقصو ًدا أم غير‬ ‫مقصود ‪ -‬إمنا جرى فقط كى تُروى هذه احلكاية‪.‬‬ ‫الكتاب‪ :‬الذكرى السنوية‬ ‫الكاتب‪ :‬إميا مونسو‬ ‫املترجم‪ :‬عبد السالم باشا‬ ‫الناشر‪ :‬صفصافة‬

‫ُ‬ ‫واملثقف الذى كتبَها‪ ،‬واملنتصر الوحيد كيا ٌن خارج اإلنسانية‬ ‫ب ُر ّمتها!‬ ‫املؤنسن فى‬ ‫ثان ًيا‪ -‬يبدو أنّ احل ّل األكثر وجاه ًة للُغز الديك‬ ‫َ‬ ‫نظر ما – رمزًا‬ ‫احلكاية األخيرة يك ُمن فى اعتبارِ ه ‪-‬من وجهة ٍ‬ ‫نفسه! نح ُن أما َم ٍ‬ ‫للكاتب ِ‬ ‫ديك قليل الفعل‪ ،‬يتلخص منجزُه فى‬ ‫ِ‬ ‫النبش والعثور على قمحة وشعيرة‪ .‬لكنّه بإحلاحه بالزيارة على‬ ‫صن َع أيديهم بسيف احلياء – «اتلخبطت‬ ‫َمن م َّر بهم وأخذِ ه منهم ُ‬ ‫ّ‬ ‫ِ‬ ‫مِ‬ ‫الست واحتارت واتكسفت وبعدين سل ت وا ّدتُه حفان دقيق» –‬ ‫يقترب فى دورِ ه من ال ّر ِ‬ ‫اصد الذى أص َّر املؤ ّلف على أن يَكونَه‬ ‫ُ‬ ‫فى (موزاييك)‪ .‬لقد عرض املؤ ّلف مواقف مجتمعي ًة وجوديةً‬ ‫منوذجي ليرب َ‬ ‫ِط بينها بأى‬ ‫كخالق‬ ‫عاري ًة أما َمنا‪ .‬لم يتدخل‬ ‫ٍ‬ ‫ٍّ‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫فصيح‬ ‫طريقة أو ليفرض عليها رؤية متعالية من خالل سرد‬ ‫ٍ‬ ‫احلِ‬ ‫ّ‬ ‫ُ‬ ‫يُراوِ ح وار العا ّم ّي ويخل ُق معه توت ًرا وتع ّد ًدا فى األصوات‬ ‫‪ ،Heteroglossia‬وهو الشرط الذى اعتب َره الناقد األدبى‬ ‫الروسى باختني ركنًا مه ًّما من أركان البناء الروائي‪ .‬عرض‬ ‫حسني عبد العليم مواقفَه بل ُ ٍغة شديدة العا ّمية إن جاز التعبير‪،‬‬ ‫فظهرت أمامنا بلحمها ا َ‬ ‫حل ّي‪ .‬وهو بهذا املثَل األخير يتنصل‬ ‫من صفة ا َ‬ ‫ُ‬ ‫خللق املتعالية – فى جتــا ُو ٍب مع يساريتِه املشار‬ ‫عادِ‬ ‫نفسه هو والديك ك ُم ٍل‬ ‫إليها فى النتيجة السابقة – ويق ّدم َ‬ ‫أدبي للتاجر الشاطر الذى ال يخل ُ ُق سلع ًة وإمنا يعرف كيف‬ ‫ٍّ‬ ‫يقايض وينتصر ويُثري‪ .‬هذا‪ ،‬فى الوقت الذى يُلمِ ُح فيه مِ را ًرا‬ ‫ٍ‬ ‫حقيقي (كما فى‬ ‫كنشاط‬ ‫خالل حكاياتِه إلى احتقارِ ه للتجارة‬ ‫ٍّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ُ‬ ‫طفيلية اجلالس أمام د ّكانِه فى ‪ 10‬وفى تسفيه الشطار فى‬ ‫الديك‪ ،‬أنتصر أخي ًرا رغم‬ ‫مِ َهنِهم فى ‪ .)11‬كأنه يقو ُل‪« :‬أنا هذا ِ ّ‬ ‫هزميتى الفادحةِ أمامكم‪ ،‬حني أبتك ُر جتارتى اخلاصة التى‬ ‫تشبه جتاراتكم وال تشبهها فى آن"!‬ ‫إذا كان لنا أن ُنيب عن السؤال الذى استحضرناه من فيلم‬ ‫(ب َركة) فى مقدمة هذه القراءة‪ ،‬فإنّ حسني عبد العليم من‬ ‫خالل حكاياته فى موزاييك يحاول أن يتابع انتصار الراصد‬ ‫الواقف على يسار العالَم‪ .‬يقو ُل لنا‪« :‬رغم كل هذا القبح‪ ،‬فإنّ‬ ‫ِ‬ ‫وإخالصها للحكاية‪ ،‬وال‬ ‫اجلمال يك ُمن فى دِ قة العني الراصدة‬ ‫شيء بعد هذا»‪.‬‬ ‫الكتاب‪ :‬موزاييك‬ ‫املؤلف ‪ :‬حسني عبد العليم‬ ‫الناشر‪ :‬دار ميريت‬


‫‪٢٢‬‬

‫‪ ٥‬مايو ‪ ٢٠١٩‬العدد ‪١٣٤٥‬‬

‫‪١٥‬‬

‫‪ ٥‬مايو ‪ ٢٠١٩‬العدد ‪١٣٤٥‬‬

‫صافينى مرة‪:‬‬

‫سرد‬

‫النفس الطويل‬

‫د‪ .‬رضا عطية إسكندر‬

‫طرحا‬ ‫تأتى رواية «صافينى مرة» للكاتب نعيم صبرى لتقدم لنا‬ ‫ً‬ ‫استعاد ًّيا لزمن يبدو حمي ًما من حياتنا املعاصرة‪ ،‬حقبة شهدت‬ ‫عديدًا من التحوالت‪ ،‬األحالم الكبرى واإلحباطات املدوية‪،‬‬ ‫من منتصف اخلمسينيات حيث أحــام الصعود للمجتمع‬ ‫املصرى والتق ّدم للدولة املصرية مرو ًرا بحادثتى الوحدة مع‬ ‫سوريا واالنفصال عنها‪ ،‬ثم احلدث املفصلى اجللل‪ ،‬هزمية‬ ‫يونيو ‪ ،1967‬واحلقبة الساداتية التى انتهت بأزمات اقتصادية‬ ‫وطائفية كبرى‪ ،‬يتضافر مع هذا فى تشكيل النسيج السردى‬ ‫حكاية بطل الــروايــة بني أحالمه فى احلياة وقصصه فى‬ ‫احلب‪ ،‬جناحاته وإخفاقاته‪.‬‬ ‫يستلهم النص الروائى عنوانه من أغنية شهيرة لعبد احلليم‬ ‫حافظ‪« ،‬صافينى مــرة"‪ ،‬تعود بنا إلى فترة حميمية‪ ،‬حيث‬ ‫خمسينيات القرن العشرين‪ ،‬وكأن البث احلكائى هو عملية‬ ‫«تصايف» تقوم بها الذات ببوحها املتدفق واجترارها االستعادى‬ ‫لفيض من الذكريات واملشاهد العالقة بالذاكرة‪.‬‬ ‫السرد ووجوه التاريخ‬ ‫إذا كانت القراءة الثقافية لألدب والطرح املاركسى ينظران‬ ‫نصا تاريخ ًّيا‪ ،‬على نحو أو آخر‪،‬‬ ‫إلى النص األدبى باعتباره ً‬ ‫ولو بشكل غير مباشر‪ ،‬ال مبعنى أ ّنه وثيقة تاريخية مبفهومها‬ ‫الصارم‪ّ ،‬‬ ‫وإنــا مبعنى أنّ النص األدبــى هو انعكاس لسياق‬ ‫تاريخى وثقافى للعصر الذى تدور فيه أحداثه‪ -‬فإنّ السرد‬ ‫فى روايــة «صافينى مــرة» يبدو معن ًّيا بتمظهرين للتاريخ‪:‬‬ ‫الــتــاريــخ فــى أحــداثــه الكبرى ووقــائــعــه الــفــارقــة‪ ،‬األح ــداث‬ ‫السياسية الكبرى‪ ،‬والتاريخ كسياق اجتماعى وثقافى بإبراز‬ ‫مالمح عصر ما وطريقة العيش فيه‪.‬‬ ‫>>>‬ ‫يبدو السرد معن ًّيا فى رواية «صافينى مرة» بإبراز احملطات‬ ‫الفارقة فى تاريخ مصر فى فترة ما بعد ثورة يوليو ‪:1952‬‬ ‫ً‬ ‫وهبوطا بتوتر‬ ‫فترة الستينيات لعبت مبشاعر جيلنا صعو ًدا‬ ‫عنيف‪ .‬بناء السد العالى فى بدايتها وشعور الزهو الوطنى‬ ‫الــذى أضيف للزهو القومى بالوحدة مع سوريا‪ .‬القوانني‬ ‫االشتراكية ومعانى املساواة والعدالة االجتماعية التى كنا‬ ‫قد بدأنا فى التعلق بها مع بدايات قراءتنا الثقافية وتكون‬ ‫معارفنا األساسية‪ .‬ثم فجأة االنفصال وتداعى أمل الوحدة‬ ‫العربية التى غرسها عبد الناصر فى قلوبنا منذ منتصف‬ ‫اخلمسينيات‪ .‬اخلطة اخلمسية األولى واجلدل احملتدم حول‬ ‫التصنيع الثقيل‪ ،‬وغناء عبد احلليم له‪ ،‬لألفراح والرفاهية‪...‬‬ ‫حنمد طريق َع النيل‪ ،‬اسمه فــى االشــتــراكــيــة‪ ...‬التصنيع‬ ‫التقيل‪ ،...‬ثم حرب اليمن ومشاعرها املتضاربة‪ ،‬زهو قومي‪...‬‬ ‫قلق وطني‪ ...‬حيرة وتيه‪ ...‬آالف اجلنود املصريني يُبعث بهم‬ ‫تباعا‪( .‬ص‪.)34‬‬ ‫إلى اليمن ً‬ ‫يجمع الصوت الــســارد فى النص ما بني الصوت الفردى‪،‬‬ ‫صوت بطل الرواية‪ ،‬وصوت اجلماعة‪ ،‬اجليل الذى صعد فى‬ ‫خمسينيات وستينيات القرن العشرين الذى عاين حتوالت‬ ‫إيقاعا داف ًقا‪ ،‬كما يضمن السرد‬ ‫كثيرة فارقة‪ ،‬ما يجعل للنص‬ ‫ً‬ ‫استدعاءات تناصية لنصوص أغــان لهذه الفترة كنصوص‬ ‫عالمات على هذه الفترة فى ربط العصر وأحداثه الكبرى‬ ‫بسياقاته الثقافية املؤطرة له‪.‬‬ ‫يكشف الصوت السارد فى رواية «صافينى مرة» عن أنّ ثمة‬ ‫غير وجه للتاريخ‪ ،‬مبعنى أنّ احلكاية املسرودة معنية برواية‬ ‫تاريخ آخر يتجاوز الرواية اخلاصة بالتاريخ الرسمي‪:‬‬ ‫احلكايات الصغيرة التى حتدث بني السطور وال ينتبه إليها‬ ‫التاريخ عظيمة القيمة عندى‪ ،‬فهى الناس البسيطة‪ ،‬وليست‬ ‫الناس البارزة واحلكام الذين يهتم التاريخ بسيرهم وأخبارهم‪،‬‬

‫سأحكى ألحــفــادى وسأحكى ســواء فهموا أم لــم يفهموا‪،‬‬ ‫فسيجيء يوم يفهمون فيه ويعرفون قيمة حكايات زمان التى ال‬ ‫تذكرها كتب التاريخ‪( .‬ص‪.)12‬‬ ‫تتبدى عناية الطرح احلكائى برواية تاريخ آخر‪ ،‬غير التاريخ‬ ‫السياسى للجماعة الرسمية‪ ،‬إنه تاريخ اجلماعة الشعبية‪،‬‬ ‫فكأن السرد معنى باستجالء ظالل التاريخ وخلفيات العصر‬ ‫الثقافية وتل ّ ُمس السياقات االجتماعية التى تكتنف األحداث‬ ‫التاريخية الكبرى‪ ،‬التاريخ فى ثناياه الدقيقة وتفاصيله‬ ‫الصغيرة‪.‬‬ ‫شعرية األشياء والتفاصيل الدقيقة‬ ‫تنبنى رواية «صافينى مرة» فى تشكيلها السردى على تدفق‬ ‫مستمر فى سرد التفاصيل الدقيقة ووصف األشياء التى يت ّكون‬ ‫منها الفضاء احلكائى‪ ،‬كما فى املقطع االفتتاحى للرواية‪:‬‬ ‫صافينى مرة‬ ‫وجافينى مرة‬ ‫تنسنيش كده باملرة‪......‬‬ ‫وال َ‬ ‫صافينى مرة‪ ...‬وجافينى مرة‪......‬‬ ‫َخ َر َجت من غرفتها املطلة على الصالة املستطيلة الشكل‪،‬‬ ‫تتوكأ على ضعف ركبتيها وهــى تستند بإحدى يديها إلى‬ ‫ترابيزة السفرة التى متاثل الصالة فى استطالتها وتتوسطها‪،‬‬ ‫وبــيــدهــا األخـــرى على البوفيه املــجــاور لــبــاب الــشــقــة‪ ،‬فى‬ ‫طريقها إلى الطرقة املؤدية إلى املطبخ واحلمام والكابينيه‬ ‫أو املرحاض‪ .‬بيوت زمان كان معظمها بكابينيه منفصل عن‬ ‫احلمام‪ ،‬البيوت ذات األسقف العالية والبراح فى كل شىء‪.‬‬ ‫امرأة مصرية ممتلئة اجلسم كالعادة‪ ،‬ارتقت سنوات عمرها‬ ‫املتتابعة منذ نهاية القرن التاسع عشر وحتى ما بعد منتصف‬ ‫القرن العشرين‪ ،‬لتصل إلى مرتبة اجلدة‪ .‬تيته مرمي‪ ،‬أو الست‬ ‫أم حنا‪ ،‬كما اعتاد الناس أن ينادوا الستات فى مصر بأسماء‬ ‫حترجا من ذكر أسماء النساء على املأل‪.‬‬ ‫أبكارهن الذكور‪،‬‬ ‫ً‬ ‫(ص‪.)5‬‬ ‫يبدو السرد فى مستهل الــروايــة كمشهد سينمائى‪ ،‬يجمع‬ ‫املكون الصوتي‪ :‬األغنية اخلمسينية التى تعبر عن جدل‬ ‫بني ِ ّ‬ ‫العالقة مع اآلخــر واملـ ِ ّـكــون البصري‪ :‬حركة اجلــدة‪« ،‬تيتة‬ ‫مرمي"‪ ،‬وعناصر املكان وأشياءه وارتباطها بذلك العصر حيث‬ ‫الفساحة واالتساع والبراح‪ ،‬فثمة عناية سردية باألوصاف‬ ‫الزمكانية التى ت ِ ّ‬ ‫ُشكل مسرح السرد‪ ،‬كما تعضد النثريات‬ ‫الصغيرة واحلــركــات الدقيقة التى يبرزها السرد شعرية‬ ‫احلكى وتدعم واقعيته‪.‬‬ ‫وال يفوت السرد أن يبرز ً‬ ‫بعضا من مالمح الشخصية املصرية‬ ‫كما فى جتنب مناداة النساء بأسمائهن‪ ،‬فيعرج السرد على أدق‬ ‫الصفات فى الشخصية املصرية كما يقول الصوت السارد‪:‬‬ ‫أنا باموت فى العامية املصرية‪ ،‬يعنى باحب العامية املصرية‬ ‫ج ــدا‪ ...‬تــرى مــا الصلة بــن املــوت واحلـ ــب؟‪ ...‬ملــاذا يربط‬

‫املصريون بني احلب واملــوت؟‪ ..‬والضحك واملــوت؟‪ ..‬حاموت‬ ‫من الضحك‪ ..‬هل هى محاولة من محاوالتهم الدءوب لقهر‬ ‫املوت بجعله مراد ًفا للحب والضحك؟‪ ...‬يجوز‪ ...‬فقد قلبوا‬ ‫مقابرهم إلى أماكن مريحة عامرة باملأكل واملشرب وامللبس‪..‬‬ ‫(ص‪.)13‬‬ ‫يجرى السرد عبر صوت السارد عديدًا من األسئلة الوجودىة‬ ‫الكبرى‪ ،‬على بساطة طرق طرحها‪ ،‬مبا يبرز مكونات الشخصية‬ ‫املصرية ويكشف عن طرائق تفكيرها ووسائل وعيها باحلياة‬ ‫ورؤيتها للعالم؛ كما فى اللعب اللغوى الذى متارسه الشخصية‬ ‫اجلمعية املصرية إزاء املوت بجعله مراد ًفا للحب أو التمادى‬ ‫فى الضحك‪ ،‬وكــأنّ اللغة الشعبية املصرية تسير بأسلوب‬ ‫مقاوم حلضورات املوت فى اللغة الرسمية متا ًما كما فعلوا‬ ‫مبقابرهم‪.‬‬ ‫بنية التمدد السردى‬ ‫يأتى السرد فى رواية «صافينى مرة» ممتدًا ومتمدد البنية‪،‬‬ ‫فى تدفق مستمر‪ ،‬بال تقسيم إلــى فصول‪ ،‬وهــو‪ ،‬بالطبع‪،‬‬ ‫مغامرة‪ ،‬فقد يحتاج املتلقى بعض وقفات اللتقاط األنفاس‪،‬‬ ‫ولكن السرد يبدو كرغبة فى االنطالق البوحى واالنهمار‬ ‫ّ‬ ‫احلكائى‪ ،‬لذا يبدو السرد فى رواية «صافينى مرة"بتبدياته‬ ‫الغنائية معتمدًا على «التداعي» احلكائى‪ ،‬فيقول الصوت‬ ‫السارد فى الرواية عن هذه املرحلة األثيرة الساكنة فى وعى‬ ‫الذات من عهدى الصبا والشباب‪:‬‬ ‫جواب حبيبى بخط إيده‪ ..‬قريته‬ ‫وكل ما أقراه أعيده أعيده‪...‬‬ ‫علي‬ ‫باكتب لك جوابات واستنى ترد َّ‬ ‫وابعت لك سالمات أغلى من ننى عن ّيه‪...‬‬ ‫وتشدو ليلى مــراد عن اجلــوابــات‪ ،‬أو البوسطجية اشتكوا‬ ‫من ُكتر مراسيلى لرجاء عبده‪ ،‬األغانى تتكلم عن اجلوابات‬ ‫والبوسطجية‪ ،‬واألشــعــار‪ ،‬مــن ينسى اخلــال عبد الرحمن‬ ‫األبنودى وجوابات حراجى القط إلى زوجته الست فاطمة‬ ‫أحمد عبد الغفار فى جبالية الفار قريتهم فى صعيد مصر‬ ‫وحكاياته عن عمله فى السد العالي‪ ...‬السد العالى هذا‬ ‫ً‬ ‫أيضا حكاية وعشناها فى صبانا وغنينا لها مع عبد احلليم‬ ‫حــافــظ‪ ...‬قلنا حانبنى وآدى احنا بنينا السد العالي‪،....‬‬ ‫املهم نرجع للجوابات والبوسطجية تانى‪ ،‬حاجات اندثرت‬ ‫أو كــادت‪ ،‬لكننا ال نغنى اآلن لإلى ميالت والكومبيوترات‪،‬‬ ‫اجلوابات زمان كانت حياتنا‪ ،‬وغرامياتنا السرية‪ ،‬نحتفظ بها‬ ‫ذكرى حميمة ونراجعها كلما اشتقنا للحبيب البعيد لدواعى‬ ‫السفر أو اإلقامة‪ ،‬وإذا انتهت قصة احلب ألى سبب نستردها‬ ‫من احلبيب‪ ،‬ومن ينسى أغنية جناح سالم اجلميلة‪ ...‬عاوز‬ ‫جواباتك‪ ..‬يعنى افترقنا خالص؟! (ص ص‪.)23 22-‬‬ ‫ثمة تداع حلقى فى البث السردى لتلفظات الصوت السارد فى‬

‫ّ‬ ‫يكشف الصوت السارد فى رواية «صافينى مرة» عن أن ثمة غير وجه‬ ‫ّ‬ ‫للتاريخ‪ ،‬بمعنى أن الحكاية املسرودة معنية برواية تاريخ آخر يتجاوز‬ ‫الرواية الخاصة بالتاريخ الرسمى‪.‬‬

‫الفن بالواقع‪ ،‬وال تستخدم الفن لتمرير وتثبيت‬ ‫رؤية واحدة ال غير‪ ،‬فى هذه الحالة نحن أمام عمل‬ ‫دعائى ال أكثر وال أقل‪.‬‬ ‫ال اعتراض لدى على السعى الدءوب لتأكيد فرادة‬ ‫فــاروق حسنى وتميزه منذ الصغر‪ ،‬غير أن ما‬ ‫لفت انتباهى هو التأكيد على مسألة األعداء تلك‬ ‫باعتبارها امللمح األساسى ألى شخصية بطولية‪،‬‬ ‫تسرد املحاورة أولــى املواجهات عندما كان فى‬ ‫السادسة والعشرين حيث قام سعد كامل بتعيينه‬ ‫ً‬ ‫مديرا لقصر ثقافة األنفوشى‪ ،‬وعندما ذهب فى‬ ‫ً‬ ‫اليوم التالى إلى القصر وجد مكتبه محطما‪ ،‬بعض‬ ‫املوظفني الحاقدين فعلوا ذلك وكان فى استطاعة‬ ‫املدير الشاب أن يدخلهم السجن لكنه تصرف‬ ‫بحكمة ستالزمه فيما بعد فى مواجهة «الكراهية‬ ‫والحقد» على حد ً وصــف سلماوى فى مقدمته‪،‬‬ ‫ً‬ ‫«أحقادا وأمراضا» كما كتب أحمد بهاء الدين‬ ‫أو‬ ‫ونقلت عنه انتصار‪ ،‬وفــاروق حسنى فى مواجهة‬ ‫ذلك يلجأ للفن والشعر وهدفه اإلنجاز للوطن ال‬ ‫مصلحته الخاصة‪.‬‬ ‫>>>‬ ‫هل كان من الخطأ اعتراض املثقفني على شخص‬ ‫فــاروق حسنى؟ يعيد الكتاب سرد ما حدث وفق‬ ‫املنهج الذى أوضحناه‪ ،‬كل ما حدث يعاد حكيه من‬ ‫خلل عينى البطل املنتصر فاروق حسنى‪ ،‬بما فى‬ ‫ذلك العالقة مع نظام مبارك الذى هوى‪ ،‬الصورة‬ ‫القديمة لفاروق حسنى كما نعرفها يضاف إليها‬ ‫موضعته من العصر والنظام الذى أتى به وعمل‬ ‫من خالله‪ ،‬رؤية فى القلب منها عزوفه عن املنصب‬ ‫الذى جاءه ً‬ ‫سعيا بطلب عاطف صدقى «ظللنا على‬ ‫مدى ثالث ساعات نتجادل‪ ،‬حتى أبديت موافقتى‪،‬‬ ‫ولم يحسمها إال أنى سأؤدى مهمة للوطن‪ ،‬وسأحقق‬ ‫رؤيتى ملصر كبلد ذى ثقافة وتاريخ عريق»‪.‬‬ ‫ً‬ ‫تلك الرؤية تحديدا هى املشكلة الرئيسية التى يقع‬ ‫فيها فاروق حسنى‪ ،‬ومحاورته‪ ،‬ومحمد سلماوى‬ ‫والكتاب‪ ،‬هناك معركة‪ ،‬كلنا يتفق على هذا‪ ،‬لكن‬ ‫فاروق حسنى فى كتابه يصور األمر على أن فريقه‬ ‫هو من كان فى صف الوطن‪ ،‬يدافع عنه‪ ،‬يبنى من‬ ‫أجله‪ ،‬يضحى بنفسه وبفنه ليبنى مجده‪ ،‬أما الفريق‬ ‫الثانى الضد فأفراده ليسوا أكثر من «مشتاقني‬ ‫وموعودين ومغرضني‪ ،‬ومن يستكثرونها عليه ويرون‬ ‫فى أنفسهم ما ال يراه اآلخرون»‪ ،‬بهذه العني سترى‬ ‫انتصار كل املعارك التالية على اختياره كوزير‪ ،‬حتى‬ ‫لو حاولت أن تبدو محايدة‪ ،‬باحثة عن الحقيقة من‬ ‫خالل صياغات بعض األسئلة‪ ،‬لكنها منذ البداية‬ ‫فرضت على العمل قناعة جامدة ونتيجة ال بد أن‬ ‫تصل إليها‪ ،‬وإذا كانت تؤكد أنها «محاكمة من نوع‬ ‫خاص يرفع فيها الستار عن كواليس وأسرار» فإنها‬ ‫تحولت إلى حفل تكريم ومنح جوائز ونياشني داخل‬ ‫قاعة محكمة‪ ،‬وفى الوقت نفسه توزيع االتهامات‬ ‫على كل معارضيه ودفن كل اعتراضاتهم وأسئلتهم‪.‬‬ ‫من الضرورى التأكيد هنا على أن هذا العرض لن‬ ‫يقوم بتفنيد ما قاله وزير الثقافة األسبق من آراء‬ ‫فى معارك مختلفة‪ ،‬كنا فى «أخبار األدب» لفترة‬ ‫طويلة فى الواجهة منها‪ ،‬تفنيد هذه اآلراء يتطلب‬ ‫ملفات كاملة‪ ،‬واألهم من تفنيدها كما أرى توضيح‬ ‫الكيفية التى أدار بها فاروق حسنى معاركه‪ ،‬وهى‬ ‫ً‬ ‫أيضا الطريقة التى يرد بها فى الكتاب على وجهات‬ ‫نظر الخصوم‪ ،‬دعنا على سبيل املثال نتأمل معركة‬ ‫سقوط كتف أبى الهول‪ ،‬والخالف األول الحقيقى له‬ ‫فى منصبه كوزير‪ ،‬كان أول الفرسان ضده الراحل‬ ‫د‪ .‬أحمد قدرى‪ ،‬قبل أن يتحدث حسنى عن ترميم‬ ‫كتف ًالتمثال يتحدث عن د‪ .‬قدرى‪ ،‬يصفه بأنه كان‬ ‫صديقا له‪ ،‬وعلى هذا االعتبار طلب منه أن يتوسط‬ ‫له لدى الوزير منصور حسن ليرأس هيئة اآلثار‬ ‫«وكانت أقصى أمنياته أن يتوالها»‪ ،‬ثم يضيف كان‬ ‫«يتطلع ليكون ً‬ ‫وزيرا للثقافة‪ ،‬وصرح لى بأنه «موعود‬

‫بذلك"‪ ،‬بعدها يحكى الوزير األسبق مواقف نستنتج‬ ‫منها أن د‪ .‬قــدرى كــان شخصية انفعالية‪ ،‬غير‬ ‫منضبطة‪ ،‬وبعد هذا التمهيد املدروس‪ ،‬بعد تشويه‬ ‫خصمه بتلك الطريقة‪ ،‬يسرد رؤيته لترميم التمثال‬ ‫ليصبح ما يراه الحقيقة الكاملة التى ال تقاطعها‬ ‫املحاورة ولو بسؤال واحد عن االعتراضات التى‬ ‫أثيرت وقتها‪.‬‬ ‫التكنيك السابق يشكل منهجية للكتاب‪ ،‬إضعاف‬ ‫مواقف الخصوم عبر التشكيك فى دوافع ما يقومون‬ ‫به‪ ،‬وعبر التركيز على ما يتمتع به الوزير األسبق‬ ‫من أخــاق رفيعة‪ ،‬تسأل انتصار عن الخالف‬ ‫مع د‪.‬نعمات أحمد فؤاد «هاجمت د‪ .‬نعمات ً‬ ‫كثيرا‬ ‫ً‬ ‫قراراتك‪ ،‬وعارضت بشدة سفر اآلثار للخارج خوفا‬ ‫من تعرضها للخطر‪ ،‬وقالت من يريد أن يشاهدها‬ ‫فليأت إلى مصر»‪ ،‬كيف كان تعاملك مع اختالفها؟‬ ‫صيغة الــســؤال هــذه تبتعد عــن نطاق القضية‬ ‫األســاســيــة لــه لتحيله إلــى اتــجــاه آخـ ًـر مضمر‪،‬‬ ‫يلتقط حسنى اإليحاء ليأتى رده مسبوقا بوصف‬ ‫املحاورة لحالته «بأدب جم واحترام شديد يقول»‪:‬‬ ‫ً‬ ‫«د‪.‬نعمات سيدة قديرة‪ ،‬إال أنها كانت عنيفة جدا‬ ‫فى خصومتها‪ ،‬وكانت مرشحة حتى قبل أن نلتقى‬ ‫لنيل جائزة الدولة‪ ،‬ولم تحصل عليها إال فى عهدى‪،‬‬ ‫وألننى أدرك قيمتها فقد منحتها صوتى‪ ،‬وأدركت‬ ‫هى بحسها الوطنى أنى تحملت الكثير فى سبيل‬ ‫القيام بمهمتى تجاه الوطن»‪.‬‬ ‫حتى لو تكن من القراء املحترفني فإن السؤال‪ :‬كيف‬ ‫كان تعاملك مع اختالفها؟ حالة الوزير وهو يتحدث‬ ‫عنها بــأدب جم واحــتــرام شديد‪ ،‬حالة نعمات‬ ‫ً‬ ‫التى كانت عنيفة جدا فى خصومتها‪ ،‬رغبتها فى‬ ‫الحصول على جائزة الدولة‪ ،‬ثم لم تحصل عليها‬ ‫إال فى عهد فــاروق حسني‪ .‬هذا كله يشكل وعيك‬ ‫كقارئ فى اتجاه االقتناع بإجابة الوزير عن سفر‬ ‫«املشكلة أن البعض يخاف‪ ،‬ويقف‬ ‫اآلثار للخارج‬ ‫ً‬ ‫مكانه فال يحقق شيئا‪ ،‬ونحن نفكر ونعمل ونتخذ كل‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫ترويجا وعائدا باملاليني»‪.‬‬ ‫االحتياطات فنحقق‬ ‫حالة من التناغم الكامل فى الكتاب بني الوزير‬ ‫األسبق ومحاورته‪ ،‬كالهما لديه القناعة نفسها‪،‬‬ ‫سؤال «هل تعتقد أنه كانت هناك حالة تربص لكل‬ ‫ما تقوم به؟»‪ ،‬إجابة «بل تربص شديد‪ ،‬وكان من‬ ‫بينهم من اعتبرهم أصدقاء ثم اختلفنا فوقفوا‬ ‫ضــدى ثم عدنا أصــدقــاء أكثر مما كنا‪ ،‬ومنهم‬ ‫الكاتب جمال الغيطانى ود‪ .‬على رضوان ود‪ .‬نعمات‬ ‫ً‬ ‫اعتقادا أنى ال أفهم‬ ‫أحمد فؤاد‪ ،‬وكانت معارضتهم‬ ‫فى اآلثار‪ ،‬ثم اكتشفوا مع الوقت خطأ ذلك‪ ،‬ألننى‬ ‫مهتم بها منذ‪»..‬‬ ‫>>>‬ ‫بالفعل كنت ألغلق الكتاب وأعلن انتهائى منه قبل‬ ‫أن أصل إلى منتصفه‪ ،‬ألنه ببساطة وصل إلى مبتغاه‬ ‫وهدفه قبل ذلــك‪ ،‬أدركــت كقارئ أن الوزير كان‬ ‫ً‬ ‫دوما على حق‪ ،‬وكل معارضيه ًعلى خطأ‪ ،‬ملاذا على‬ ‫خطأ؟ ألسباب عدة‪ :‬الحقد مثال ثم تطهروا منه‪،‬‬ ‫كان مغررا بهم‪ ،‬رأوا املنجزات على أرض الواقع‪،‬‬ ‫وهكذا‪ ،‬ما لم يحسب له الوزير األسبق حسابه ولم‬ ‫يهتم بالرد عليه أن هؤالء فقط لم يشكلوا النواة‬ ‫الصلبة ملعارضته‪ ،‬وإذا كان ومعارضوه قد عادوا‬ ‫أصدقاء كما يقول فإن هناك من ال يزال يعتقد أنه‬ ‫كان على خطأ‪.‬‬ ‫الالفت‪ ،‬وتلك نقطة تستحق الدراسة‪ ،‬أن الوزير‬

‫هل كان من الخطأ‬ ‫اعتراض املثقفني على‬ ‫شخص فاروق حسنى؟‬ ‫يعيد الكتاب سرد ما‬ ‫حدث وفق املنهج الذى‬ ‫أوضحناه‪ ،‬كل ما حدث‬ ‫يعاد حكيه من خلل‬ ‫عينى البطل املنتصر‬ ‫فاروق حسنى‪ ،‬بما فى‬ ‫ذلك العالقة مع نظام‬ ‫مبارك الذى هوى‪.‬‬

‫األسبق يجد ً‬ ‫دومــا من يحمله تبعات األخطاء‪،‬‬ ‫ربما ألن القاعدة األساسية أن كل من حوله على‬ ‫خطأ‪ ،‬املثقفون الذين اعترضوا على اختياره فى‬ ‫البداية‪ ،‬املسئولون الذين وقعت مشكالت فى‬ ‫إداراتهم‪ ،‬أما الجديد فهو الدولة ذاتها‪ ،‬فبعد أن‬ ‫خرج من الــوزارة‪ ،‬وبعد أن سقط نظام الرئيس‬ ‫األسبق مبارك الــذى حماه لفترة طويلة‪ ،‬يدينه‬ ‫فاروق حسنى فى كتابه مرات عدة‪ ،‬انضم نظام‬ ‫مبارك بأكمله إلى قائمة من عرقلوا خطط وزير‬ ‫التنوير والثقافة والفن‪ ،‬عندما تسأله انتصار عن‬ ‫مسؤولية الثقافة فى مواجهة التطرف‪ ،‬يرد بأن‬ ‫وزارتــه أنشأت قصور الثقافة واملكتبات فى كافة‬ ‫املحافظات والقرى والنجوع‪ ،‬وأطلقت األنشطة‬ ‫الفنية بأنواعها كافة فى كل األقاليم‪ ،‬فمن سيجده‬ ‫الوزير هنا سبب التقصير‪ :‬التلفزيون «كنا نستجدى‬ ‫التليفزيون لكى يعرضها لتصل إلى الناس‪ ،‬وكنت‬ ‫أشكو للرئيس عدم اهتمام التليفزيون بما نقوم‬ ‫به فيعطى توجيهاته لهم فيعرضونها فى الثالثة‬ ‫ً‬ ‫صباحا»‪ .‬إضافة إلى هذا «كانت الزوايا مليئة‬ ‫باملتطرفني وهم من يعتلون املنابر‪ ،‬والدولة كانت‬ ‫غائبة عنهم‪ ،‬حتى فى التليفزيون كانوا يعطون‬ ‫ً‬ ‫فكريا‬ ‫الفرصة للدعاة الجدد املنتمني لإلخوان‬ ‫ً‬ ‫نجوما‪ ،‬ووزارة الثقافة لم تكن‬ ‫ويصنعون منهم‬ ‫تستطيع أن تصفق وحدها‪ ،‬كان ال بد‪»..‬‬ ‫>>>‬ ‫هذه هى املسألة ببساطة‪ ،‬وزارة الثقافة فى عهد‬ ‫فاروق حسنى كانت تصفق وحدها‪ ،‬الدولة فى جانب‬ ‫وهى فى آخر‪ ،‬دولة متخلفة عقيمة ال تؤمن بالثقافة‬ ‫وال الفن وال التعليم‪ ،‬تعطى ً‬ ‫دورا للمتشددين وتصنع‬ ‫ً‬ ‫الثقافة‬ ‫نجوما‪ ،‬لكننا إذا ما دخلنا إلى وزارة‬ ‫منهم‬ ‫ً‬ ‫هذه التى تحاول التصفيق وحدها سنجد أيضا‬ ‫من يعمل على إعاقة العمل‪ ،‬خلف كل قضية ستجد‬ ‫ً‬ ‫مقصرا لنصل فى النهاية إلى أن فــاروق حسنى‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫كان وحيدا تماما‪ ،‬أعزل إال من ريشته فى مواجهة‬ ‫األعــداء‪ ،‬هل يذكرك هذا بشئ‪ :‬نعم‪ ،‬بالضبط‪،‬‬ ‫البطل التراجيدى كما فى املالحم الكبرى‪ ،‬هذا‬ ‫على األغلب كل ما ستخرج به من الكتاب‪.‬‬ ‫وال ينتهى العمل إال كما بدأ‪ ،‬املفتتح شهادة ملحمد‬ ‫سلماوى‪ ،‬واملنتهى شهادات من‪ :‬آدم حنني‪ ،‬حسني‬ ‫فهمى‪ ،‬خالد جالل‪ ،‬د‪ .‬خالد منتصر‪ ،‬زاهى حواس‪،‬‬ ‫سليمان جودة‪ ،‬سهير عبد القادر‪ ،‬عزت العاليلى‪،‬‬ ‫على أبو شــادى‪ ،‬ليلى علوى‪ ،‬مفيد فــوزى‪ ،‬نجيب‬ ‫ً‬ ‫وأخيرا محاورته نفسها‬ ‫ساويرس‪ ،‬وحيد حامد‪،‬‬ ‫انتصار دردير‪ .‬والشهادات كلها ال تحيد عن هدف‬ ‫أياد بيضاء‬ ‫الكتاب كله‪ :‬رصد كم لفاروق حسنى من ٍ‬ ‫على الثقافة املصرية!‬ ‫اقرأ أيضا ص ‪٣٥/٣٤‬‬ ‫الكتاب‪ :‬فاروق حسنى يتذكر‪..‬‬ ‫زمن من الثقافة‬ ‫حاورته‪ :‬انتصار دردير‬ ‫الناشر‪ :‬نهضة مصر‬


‫‪١٤‬‬

‫‪ ٥‬مايو ‪ ٢٠١٩‬العدد ‪١٣٤٥‬‬

‫‪٢٣‬‬

‫‪ ٥‬مايو ‪ ٢٠١٩‬العدد ‪١٣٤٥‬‬

‫يدخل إليها من باب الذكريات‪:‬‬

‫فاروق حسنى‬

‫يعود إلى أرض املعركة بعد رحيل خصومه!‬

‫ً‬ ‫ً‬ ‫وغالفا أنيقً ا‪ ،‬الكتب ليست للمباهاة وال لالستعراض الفارغ‪ ،‬عناوينها ليست‬ ‫وورقا‬ ‫حبرا‬ ‫الكتب ليست‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫فخاخا ناعمة محبوكا داخلها تصوراتنا عن األحداث‪ ،‬بعض الكتب‬ ‫مصيدة للقاريء ليشتريها‪ ،‬ليست‬ ‫كذلك‪ ،‬من حق أصحابها املكتوبة أسماؤهم بالبنط الفخم العريض أن يقولوا ما شاءوا‪ ،‬ثم لنا نحن القراء‬ ‫حق التصديق والتعليق والتأويل واحلوار‪.‬‬ ‫وإصدارا حلكم قبل القراءة‪ ،‬أمهد لوجهة نظر‬ ‫ا‬ ‫تزيد‬ ‫هذا‬ ‫يبدو‬ ‫كتاب!‬ ‫ما الداعى ملقدمة كهذه قبل عرض‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫عدائية ضد الكتاب وهو منطق يخالف العمل الصحفى والثقافى‪ ،‬لكن الكتاب الذى نحن بصدده ال يترك‬ ‫لك فرصة‪ ،‬منذ اللحظة األولى ال بد لك أن حتدد موقفك منه‪ ،‬مع أو ضد‪ ،‬هذا هو املنهج الذى تأسس‬ ‫كثيرا عن شخصية بطله‪ :‬الفنان فاروق حسنى وزير ثقافة مصر األسبق‪ ،‬الرجل‬ ‫عليه‪ ،‬منهج ال يختلف‬ ‫ً‬ ‫الذى كانت املعارك ظله الذى يأتنس به‪.‬‬

‫ياسر عبد احلافظ‬ ‫كثيرون سيقرأون كتاب «فــاروق حسنى يتذكر‪...‬‬ ‫زمن من الثقافة» بوجدانهم مثلما فعلت أنا‪ ،‬أولئك‬ ‫الذين كانوا الطرف اآلخــر من املعركة‪ ،‬الوزير‬ ‫َ‬ ‫عالم كانت‬ ‫ورجاله فى ناحية ونحن فى األخرى‪،‬‬ ‫املعركة؟ سألت نفسى قبل أن أفتح الكتاب‪ ،‬ألنك‬ ‫ما إن تغادر أرض معركة إال وهدفك نسيانها‪ ،‬وما‬ ‫جرى منذ ‪ 2011‬إلى اآلن كان له أكبر األثــر فى‬ ‫إغالق الكثير من امللفات على ما هى عليه‪ ،‬على‬ ‫الخالفات ووجهات النظر املتعارضة‪ ،‬من مع ومن‬ ‫ضد‪ ،‬على ذكرى من احترقوا فى مسرح‪ ،‬وعلى أثر‬ ‫راح فى غمضة عني‪ ،‬ولوحة بماليني ُسرقت‪ ،‬على‬ ‫سؤال‪ :‬ما الذى نريده من الثقافة؟ ما أهمية البناء‬ ‫واالفتتاحات بال مردود ثقافى حقيقى؟‬ ‫لكن فاروق حسنى لم ينس ولم يغلق امللف‪ ،‬حقه‬ ‫بالطبع‪ ،‬ومن يجادل‪ ،‬بغض النظر من على صواب‬ ‫ومــن على خطأ فهذه كانت معركة حياته التى‬ ‫عاما و‪ 3‬أشهر و‪ً 13‬‬ ‫قضى فيها «‪ً 23‬‬ ‫يوما» وفق‬ ‫حساب الكاتبة الصحفية والزميلة انتصار دردير‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫حوارا طويل مع الوزير األسبق نتج‬ ‫والتى أجرت‬ ‫عنه الكتاب الذى فضل حسنى أن يكون على هذا‬ ‫الشكل ألنه ال يحب «املونولوج فى الحديث‪ ،‬فمتعتى‬ ‫الحقيقية هى تحفيز اإلبداع من خالل عقل آخر‬ ‫يقوم بالبحث داخل عقلى»‪ ،‬هكذا جاء دور انتصار‬ ‫الــتــى «كــانــت املــحــرض واملحفز لكل ذكرياتى‬ ‫وحواسى بعد أن أبعدنى عنها القلم بطرفه املدبب‬ ‫الــذى سجن تفكيري"‪ ،‬ويكون ثمرة التعاون بني‬ ‫ملسات الريشة والقلم بطرفه املدبب هذا الكتاب‬ ‫«أسجل إعجابى بما قامت به هذه الكاتبة املوهوبة‬ ‫بحث دءوب‪ ،‬وإيجاد معظم الوثائق التى تعطى‬ ‫من ً‬ ‫تشويقا ً‬ ‫كبيرا لالسترسال فى القراءة‪ ،‬مع صياغة‬ ‫جمعت بني األدب وفن الحوار‪ ،‬مع الرصد والتحليل‪،‬‬ ‫والتوثيق»‪.‬‬ ‫لكن هــذه وجهة نظر الوزير األسبق فى العمل‪،‬‬ ‫فماذا عنا نحن؟ الحقيقة أنى بدأت قراءة الكتاب‬ ‫بال حسابات‪ ،‬والكلمة التى دونها الــوزيــر على‬ ‫غالفه الداخلى حــول البحر‪ ،‬والــنــداء الغامض‬ ‫ً‬ ‫بينهما‪ ،‬أوهمتنى أن الكتاب سيكون معتدل‪،‬‬ ‫ً‬ ‫إنسانيا‪ ،‬سينسى فاروق حسنى املنصب السابق له‬ ‫ً‬ ‫ما زال جالسا‬ ‫ويتحدث كفنان‪ ،‬لكنى فوجئت أنه ً‬ ‫على الكرسى لم يغادره‪ ،‬ما زال واقفا على أرض‬ ‫املعركة بكامل عدته وعتاده ومعه من يقرع طبول‬ ‫الحرب ويسمعنا قصائد الفخر والحماس «إن سجل‬ ‫فاروق حسنى الذى يرصده هذا الكتاب يوضح كيف‬ ‫خاض املعارك على جميع الجبهات‪ ،‬وكيف تصدى‬

‫لهجمات األعداء كما واجه نيران األصدقاء»‪.‬‬ ‫املقتطف السابق جزء من مقدمة ثانية للكتاب بقلم‬ ‫محمد سلماوى تحت عنوان «فاروق حسني‪ ..‬الفرس‬ ‫املتمرد» ومنذ سطورها األولــى تفهم روح هذا‬ ‫ً‬ ‫تماما لتنسى‬ ‫كاف‬ ‫الكتاب ومنهجه‪ ،‬السطر األول ٍ‬ ‫هذا البحر الذى تحدث عنه حسنى‪ ،‬ال بحر ًوال هدوء‬ ‫فى الكتاب «سوف يظل فاروق حسنى رمزا ً‬ ‫باقيا‬ ‫ً‬ ‫جالسا على‬ ‫عبر السنني للفن والثقافة‪ ،‬سواء كان ً‬ ‫مقعد الوزير بمكتبه فى الزمالك‪ ،‬أو واقفا يخلط‬ ‫ألوانه‪ »..‬هكذا يقول سلماوى فى بداية مقدمته‪ ،‬أمر‬ ‫عليك أن تضعه فى ذهنك كقارئ‪ ،‬وأنت تعرف أن‬ ‫الرموز ً‬ ‫دوما هناك من يسعى لهدمها‪ ،‬هناك من‬ ‫يشن عليها املعارك‪ ،‬أعداء من اتجاهات مختلفة‪:‬‬ ‫اإلخوان املسلمون‪ ،‬بعض املثقفني‪ ،‬قيادات الحزب‬ ‫الوطنى الحاكم‪ ،‬والتى يكشف عنها النقاب ألول‬ ‫مرة من خالل الكتاب كما يقول سلماوى‪ ،‬الحزب‬ ‫الحاكم الــذى لم ينضم حسنى لعضويته وظلت‬ ‫قياداته تعمل بدأب للقضاء عليه!‪.‬‬ ‫مقدمة سلماوى تقول ببساطة إن فاروق حسنى كان‬ ‫يعمل وحده فى عصر مبارك الذى ساده الجمود‬ ‫فى كل املجاالت»‪ ،‬ولو أن ما حدث فى الثقافة حدث‬ ‫فى املجاالت األخــرى لتغيرت الحياة فى مصر‬ ‫بشكل كامل‪ ،‬لكن ذلــك لم يحدث‪ ،‬وظــل فــاروق‬ ‫حسنى االستثناء الذى يثبت القاعدة»‪ .‬ليس هذا‬ ‫فقط‪ ،‬إنجاز فاروق حسنى من وجهة نظر سلماوى‬ ‫لم يتوقف فقط على أنه األبــرز واألهــم والوحيد‬ ‫فى عصر مبارك بل يتعداه إلى «وإذا كانت البالد‬

‫تخطو اليوم خطوات عمالقة على طريق اإلصالح‬ ‫وعلى طريق البناء والتشييد‪ ،‬فإن الصرح الذى‬ ‫بناه فاروق حسنى فى السنوات التى سبقت الثورة‬ ‫لم يستطع أن يطاوله أحد فى السنوات التى تلتها‪،‬‬ ‫وهذا الكتاب بلغة الفن هو (سكيتش) مبسط لهذا‬ ‫اإلنجاز»‪.‬‬ ‫هل يتحدث سلماوى عن بشر مثلنا يسير على‬ ‫األرض؟ ال‪ ،‬هو يتحدث عن فاروق حسني! ورغم‬ ‫ً‬ ‫هــذا قد يكون مقبول أن تكون هــذه وجهة نظر‬ ‫شخص فى الكتاب‪ ،‬على أن توازنها وجهات نظر‬ ‫أخرى‪ ،‬كتب السيرة سواء كتبها الشخص أو كانت‬ ‫على شكل حوار أو أى طريقة أخرى‪ ،‬ال بد لها من‬ ‫مقومات لالعتراف بها‪ ،‬خاصة إن كان كتاب سيرة‬ ‫ملسئول رفيع فى الدولة‪ ،‬ال بد من قدر كبير من‬ ‫الحساسية‪ ،‬ومن الضرورى أن ترى وجهات نظر‬ ‫اآلخرين وتتحاور معها‪ ،‬لكن على الضد من هذا‬ ‫فإن ما كتبه سلماوى‪ ،‬يشكل الرؤية األساسية‪ ،‬بل‬ ‫والوحيدة‪ ،‬التى انبنى عليها العمل من أوله آلخره‪،‬‬ ‫للتكريس لصورة وحيدة ً «أحد أهم وأنجح وزراء‬ ‫الثقافة فى مصر‪ ،‬محققا من اإلنجازات ما لم‬ ‫يحققه وزير آخر فى التاريخ املصرى الحديث»‪ .‬كما‬ ‫تختتم محاورته انتصار دردير مقدمتها‪.‬‬ ‫>>>‬ ‫من املهم التأكيد على أن انتصار درديــر بذلت‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫كبيرا فى إنجاز العمل‪ ،‬تحقق من خالل‬ ‫جهدا‬ ‫لغة الكتاب وأسلوبه‪ ،‬ولو لم يكن ملا أقرأه مردود‬ ‫واقعى داخــل نفسى لقلت إنــى استمتعت للغاية‬ ‫بقراءته‪ ،‬هناك بناء تصاعدى يشبه بناء الرواية‪،‬‬ ‫لدينا بطل هو فــاروق حسنى‪ ،‬وكلمة البطل هنا‬ ‫أقصدها بمعناها امللحمى‪ ،‬من البداية يرسم العمل‬ ‫مالمح هذا البطل‪ ،‬نشأته التى حملت إرهاصات‬ ‫االختالف والتفرد والتى كانت األم أول من ملحتها‬ ‫وشجعتها‪ .‬ترسم انتصار لوحات تذكرك باألعمال‬ ‫التراجيدية‪ ،‬هناك خيال ووعــى سينمائى يقود‬ ‫الكتاب من البداية إلى النهاية‪ ،‬يمكنك حتى أن‬ ‫تسمع املوسيقى من بني صفحات الكتاب‪ ،‬موسيقى‬ ‫أقل‪ ،‬أنشودة البهجة لبيتهوفن‪ ،‬عمل‬ ‫ً‬ ‫كالسيكية ال ً‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫تدريجيا وصول إلى‬ ‫يبدأ خافتا هادئا ويتصاعد‬ ‫الكريشندو‪.‬‬ ‫لكن‪ ،‬يكمن الضعف األســاســى فى البناء الذى‬ ‫تعمدته إنتصار فى املغاالة‪ ،‬فى النهاية لسنا بصدد‬ ‫رواية حتى لو استعارت شكلها‪ ،‬من املفترض أننا‬ ‫أمــام عمل توثيقى‪ ،‬واألعمال التوثيقية ال تخلط‬

‫نقالت متسارعة اإليقاع ملعالم ذلك العصر احلميم ومالمحه‬ ‫األثــيــرة‪ ،‬فأغنية ليلى مــراد عن معاودتها قــراءة «جوابات»‬ ‫احلبيب وكتابتها مراسالت له تستدعى أغنية «رجاء عبده"‪:‬‬ ‫«البوسطجية اشتكوا من كتر مراسيلي"‪ ،‬وتستدعى الديوان‬ ‫الشهير لعبد الرحمن األبــنــودى‪« ،‬جوابات حراجى القط"‪،‬‬ ‫وصوالً إلى أغنية جناح سالم‪« ،‬عاوز جواباتك"‪ ،‬فى تناسل‬ ‫اســتــدعــائــى لنصوص ذلــك الــزمــن وكــأ ّنــنــا إزاء «تــصــادي»‬ ‫نصوصى‪ ،‬فلكل نص صدى فى نص آخر قد يتشارك معه‬ ‫ويتماثل معه فى بعض التيمات ويتخالف معه فى تيمات‬ ‫أخرى‪.‬‬ ‫ومما تتداعى الذات الساردة فى بيانه «الغواية» التى تعنى‬ ‫«الهواية"‪ ،‬باعتبارها مبدأ حياة‪:‬‬ ‫الغواية حقا ال تقاوم‪ ،‬كنت أبتسم عندما أستمع إلى أغنية‬ ‫صباح‪ ..‬الغاوى ينقط بطاقيته تسلم لى عينه وعافيته‪...‬‬ ‫وبعدها تتدلل وهى متط الكلمة كأنها تتذوقها على مهل‪...‬‬ ‫الــغــاوي‪ ..‬عينى أصبحت تلتقط أى غـ ٍـاو وتنتبه له فتجده‬ ‫مجيدا فى غوايته‪ ،‬العب الكرة الشراب احلريف‪ ،‬جتده من‬ ‫فرط غوايته يقضى يومه بطوله فى الشارع فى لعب الكرة‬ ‫الشراب‪ ..‬الغاوى مزيكا جتده عازفا شاطرا متميزا‪ ..‬راقب‬ ‫معى وسترى صحة فكرتي‪ .‬من ال يغوى شيئا معينا يفقد‬ ‫الكثير من املتعة فى حياته‪ ،‬فالغواية سحر احلــيــاة‪ .‬وهى‬ ‫باللغة املتأنقة‪ ....‬الهواية‪ ،‬حتى لو لم يتميز املرء فى هوايته‪،‬‬ ‫فسيستمتع باحلياة وسيشعر مبعناها‪ .‬استمرت هوايتى‬ ‫للمسرح على مدى عمرى‪ ،‬عاوز أم ّثل؟‪ِ ..‬ل َم؟‪ ...‬ال أدرى‪ ،‬أم ّثل‬ ‫وخالص‪(.‬ص ص‪.)19 18-‬‬ ‫تبدو الذات الساردة فى استدعائها الذاكراتى لذلك العهد‬ ‫احلميم مسكونة بآثاره بأغانيه وممارساته وهو ما يتبدى‬ ‫فى التداعى املستمر وتكرارية لفظة «الغواية» ومشتقاتها‬ ‫واستمتاعا بها‪ ،‬وهو ما يجعل جلمل‬ ‫باعتبارها عش ًقا للحياة‬ ‫ً‬ ‫إيقاعا يساعد على تدفق لغة احلكي‪.‬‬ ‫السرد وغنائيته‬ ‫ً‬ ‫كما يــبــرز الــصــوت الــســارد تـ ــرددات الـــذات بــن خياراتها‬ ‫ومنشوداتها‪ ،‬ويعمل االلتفات باستعمال ضمير املخاطب‬ ‫هنا على استدعاء الصوت السارد للقارئ مبا يجعل الدفقة‬ ‫السردية كأ ّنها بوح حميم وحــوار يجريه السارد مع متلقيه‬ ‫االفتراضي‪.‬‬ ‫كسر اإليهام‬ ‫فى بعض املواضع من النص الروائى يخاطب الصوت السارد‬ ‫قارئه‪ ،‬كما فى حديثه عن اجلدة فى مستهل الرواية‪:‬‬ ‫و ِل َدت تقريبا فى جيل أم كلثوم وطه حسني وجنيب الريحانى‪،‬‬ ‫حتى تستطيع أيها القارئ العصرى أن تتمثلها فى ذهنك بقدر‬ ‫من احلميمية‪ .‬ال تغادر بيتها املطمئن فى شارع جزيرة بدران‬ ‫بأول شبرا‪ ،‬شبرا أيضا‪ ،‬نعم‪ ،‬ال تغادره بسبب ضعف ركبتيها‬ ‫وصعوبة حركتها مع استحالة صعود السلم للدور الرابع حيث‬ ‫تستقر شقتها‪( .‬ص‪.)5‬‬ ‫يستعمل السرد هذه الوسيلة املسرحية فى األساس‪ ،‬مبخاطبة‬ ‫القارئ‪ ،‬مبا يناظر مخاطبة املتلقى لكسر احلاجز الرابع فى‬ ‫املسرح‪ ،‬رمبا للمسافة الزمكانية بني عصرين اختلف بينهما‬ ‫املكان وتبدلت مالمحه‪ ،‬وكأن السارد ال يريد ملتلقيه وقارئه‬ ‫التماهى مع أحداث القص بشكل مفرط‪.‬‬ ‫السخرية‬ ‫من الوسائل التعبيرية التى يستعملها السرد فى رواية «صافينى‬ ‫مرة» فى أداء رسائله جلوء السارد أحيا ًنا إلى السخرية‪:‬‬ ‫أراد الرئيس عبد الناصر زيادة عدد الطلبة املقبولني باجلامعات‬ ‫حتقيقا ملجانية التعليم على أصولها‪ ،‬لم يكن عنده أماكن كافية‬ ‫باجلامعات وال ميزانيات لبناء فصول تستوعب املقبولني‪ ،‬لم‬ ‫تعطله هذه العقبات فقرر أن يقبل الطلبة املتقدمني بأى أعداد‬ ‫ويحشرهم فى األماكن املتاحة‪ ،‬يعنى مببدأ لقمة هنية تكفّى‬ ‫مِ ّية‪ ،‬أو حصيرة الصيف واسعة‪(.‬ص‪.)45‬‬ ‫متثل السخرية طريقة أداء بالغية ووسيلة نفسية متارسها‬ ‫الذات فى مواجهة واقع ال ترضاه‪ ،‬قد فقد املنطق‪ ،‬واقع ال‬ ‫تستطيع الذات تغييره أو تعديله وتبدو مضطرة لتق ّبُله‪ ،‬كما‬ ‫يلعب التعبير الساخر‪ ،‬هنا‪ ،‬الذى يُ َّ‬ ‫وظف فيه أمثلة مأثورة‬ ‫وحك ًما شعبية‪ ،‬دو ًرا أشبه باملوازاة االستعارية‪.‬‬ ‫الكتاب‪ :‬صافينى مرة‬ ‫املؤلف‪ :‬نعيم صبرى‬ ‫الناشر‪ :‬دار الشروق‬

‫أمجد ناصر‬ ‫صدرت حديثاً عن‪ ‬منشورات املتوسط‪ ‬ــ إيطاليا‪،‬‬ ‫مجموعة شعرية جديدة للشاعر األردنى‪ ،‬املقيم فى‬ ‫لندن «أمجد ناصر»‪ ،‬حملت عنوان‪« :‬مملكة آدم»‪.‬‬ ‫ِ‬ ‫األحدث هذا‪ ،‬يُساجل أمجد ناصر‪ ،‬التراث‬ ‫فى عمله‬ ‫امليثولوجى للجحيم‪ ،‬وسواه فى الواقع‪ ،‬لكن من ٍ‬ ‫مهاد‬ ‫ٍ‬ ‫أرض البشر‪ ،‬أو كما جاء‬ ‫بانورامية أولى كبرى‪ ،‬هى‬ ‫ُ‬ ‫فى مقدمة الناقد واملترجم السوري‪ ‬صبحى حديدي‬ ‫للكتاب‪ :‬هذه‪ ،‬املعاصرةُ على وجه التحديد‪ ،‬شهدت‬ ‫العذاب‬ ‫ني‬ ‫جحيم ال تتف َّو ُق على خوارقِ‬ ‫ِ‬ ‫وتشه ُد أفان َ‬ ‫ٍ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫اجلحيم التى ص َّورتْها املخ ّيل ُة‬ ‫تنويعات‬ ‫مختلف‬ ‫فى‬ ‫ِ‬ ‫ُّصوص‬ ‫ن‬ ‫وال‬ ‫ر‬ ‫األساطي‬ ‫بها‬ ‫دت‬ ‫توع‬ ‫أو‬ ‫اإلنسانية‪،‬‬ ‫ّ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫تتحدى أقصى ما‬ ‫املق ّدس ُة‪ ،‬فحسب؛ بل لعلّها‪ ،‬أيضاً‪،‬‬ ‫َّ‬ ‫ُ‬ ‫طاقات استحضار َّ‬ ‫ِ‬ ‫ميلك التخيي ُل من‬ ‫الش ِّر‪ ،‬ومتثيلِ‬ ‫القسوة‪ ،‬واستكنا ِه األلم‪ ،‬وجتسيدِ املوت‪ .‬وهذا ما يفعل ُ ُه‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫أمجد ناصر هنا‪ ،‬على امتدادِ‬ ‫جحيمية‪،‬‬ ‫طبقات‬ ‫سبع‬ ‫ِ‬ ‫يدير فى ٍّ‬ ‫ٍ‬ ‫دي‬ ‫إنساني‬ ‫اشتباك‬ ‫كل منها بني َة‬ ‫وأخالقي‪َ ،‬ف ْر ٍّ‬ ‫ٍّ‬ ‫ٍّ‬ ‫تخييلي‪ ،‬فى ٍآن معاً؛‬ ‫ومجازي‬ ‫‪،‬‬ ‫ملموس‬ ‫ي‬ ‫د‬ ‫ما‬ ‫عي‪،‬‬ ‫ٍ‬ ‫ِّ‬ ‫ٍّ‬ ‫ٍّ‬ ‫َ‬ ‫ٍّ‬ ‫وج ْم ٍّ‬ ‫اشتغاالت ّ‬ ‫ٍ‬ ‫خلقة‪ ،‬الستقصاءِ‬ ‫ولك ْن‪ ،‬دائماً‪ ،‬ضم َن إطار‬ ‫ِّ‬ ‫معادالت ِّ‬ ‫َ‬ ‫خلف هذه البنى املشتبكةِ‬ ‫والشعرِ َّيةِ‬ ‫ِ‬ ‫الشعرِ‬ ‫واملتشابكة‪.‬‬ ‫لكن جحي َم أمجد ناصر ليس منشأ ًة ميتافيزيقي ًة أو‬ ‫ّ‬ ‫ً‬ ‫إبالغهِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫واإلحلاح على‬ ‫«اهلل»‬ ‫ة‬ ‫مفرد‬ ‫م‬ ‫رغ‬ ‫‪،‬‬ ‫ة‬ ‫ماورائي‬ ‫تكرارِ‬ ‫َ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫اإلشارات إلى‬ ‫مبا يجرى فى مملكةِ مخلوقِ هِ آدم‪ ،‬ورغ َم‬ ‫وإبليس وصعودِ الشاعرِ املتكلِّ ِم فى القصيد ِة‬ ‫عزرائي َل‬ ‫َ‬ ‫حداداً‬ ‫«إلى ِعلِّ ِّي ْي»‪ ،‬غير م ّيت‪َ ،‬ح َّياً‪ ،‬وجاه ً‬ ‫ال‪ ،‬إ ْن كان َّ‬ ‫أم ّ‬ ‫جناراً أم ميكانيكياً أم شاعراً‪ ،‬وظا َّناً أن ُه رسو ٌل غي ُر‬ ‫إلهي! ولهذا فإنّ ما تستكش ُف ُه قصيدةُ أمجد ناصر من‬ ‫ٍّ‬ ‫غيبي‬ ‫مفهوم‬ ‫ِ‬ ‫مراتب الشقاءِ وطبقاتِهِ ال يندر ُج فى أيِّ‬ ‫ٍّ‬ ‫ٍ‬ ‫العقاب فى احليا ِة اآلخرة‪ ،‬بل هو مثا ٌل من أرض‬ ‫عن‬ ‫ِ‬ ‫البشر فى عصرِ نا‪ ،‬تُنشئة أجهزةُ االستبدادِ والفسادِ‬ ‫واجلشع والهيمنة؛ بل ليس ث ّم َة مبالغة فى القول إنّ‬ ‫ِ‬ ‫اإلشارات‬ ‫السور ّي َة هى ميدانُ ُه ومشهد ّيتُهُ‪.‬‬ ‫ُ‬ ‫املأساةَ ّ‬ ‫فى هذا الصددِ كثيرةٌ وجل ّي ُة املغزى‪« :‬البرامي ُل التى‬ ‫تس ُ‬ ‫ؤوس كامل َ َطر الذى أرسل َ ُه اهللُ إلى‬ ‫اقط على ال ُّر ِ‬ ‫َّ‬ ‫والساري َن فى مملكةِ‬ ‫د‬ ‫و«بال‬ ‫أخرى»‪،‬‬ ‫مم‬ ‫البراميلِ‬ ‫ُ‬ ‫َّ‬ ‫أُ ٍ‬ ‫آدم»‪َ ،‬‬ ‫تي واملساميرِ‬ ‫و«خ َزنَة البراميلِ املع َّبأ ِة بـ التى إن ْ‬ ‫وأنصالِ السكاكني»‪ ،‬و«األب باولو دالوليو»‪.‬‬ ‫هي‪ ‬رسال ُة ّ‬ ‫اللغفران‪ ‬التى يُرسلها أمجد ناصر إلى‬ ‫األرضي وضحاياه‪ ،‬وشقائِنا‬ ‫جحيمنا‬ ‫عصرِ نا‪ ،‬حول‬ ‫ِّ‬ ‫البشريِّ وصانعيهِ ‪ ،‬وحو َل مملكةِ آدم «حيثُ صارت‬ ‫مصاصى الدماءِ ‪ /‬أَ َكلَةِ ُ ُ‬ ‫وم‬ ‫الكلم ُة للزّومب ِّي ْي‪َّ /‬‬ ‫ل ِ‬ ‫ِ‬ ‫الصب َيةِ الصغارِ ‪/‬‬ ‫بى‬ ‫غتص‬ ‫م‬ ‫‪/‬‬ ‫األعراض‬ ‫البشر‪َ /‬هاتِكِ ى‬ ‫ِّ‬ ‫ِ ُ‬ ‫رجالِ اخلازوقِ والكراسى الكهربائيةِ ‪ُ /‬مح ِّولى ال ُق ُرودِ‬ ‫بشر‪ ،‬والعكس‪ /‬عا ّقى آبائِهم وأ ّمهاتِهم‪ /‬الذين‬ ‫إلى ٍ‬ ‫َ‬ ‫التشريح»‪ .‬بيد‬ ‫فى‬ ‫سريع‬ ‫س‬ ‫ر‬ ‫د‬ ‫ك‬ ‫ؤوس‬ ‫ر‬ ‫ال‬ ‫ٍ‬ ‫َ‬ ‫يقطعون ّ َ‬ ‫ْ‬ ‫ٍ‬ ‫ِ‬ ‫ّ‬ ‫سج َل نقل ًة‬ ‫ي‬ ‫لكى‬ ‫إل‬ ‫َب‬ ‫ت‬ ‫ك‬ ‫ي‬ ‫لم‬ ‫هذا‬ ‫ع‬ ‫ُ ِّ‬ ‫ُ‬ ‫ّص البدي َ‬ ‫أنّ الن َّ‬ ‫ِّ‬ ‫ةِ‬ ‫املقام‬ ‫فى‬ ‫ي‬ ‫الش‬ ‫ناصر‬ ‫أمجد‬ ‫جتربة‬ ‫ن‬ ‫ضم‬ ‫متق ّدم ًة‬ ‫عرِ‬ ‫َ‬ ‫َّ‬ ‫ِ‬

‫فى مملكة آدم‬

‫ٍ‬ ‫األ ّول‪ ،‬بل إنّ إنتا َج قصيدةٍ‬ ‫الهاجس األش ُّد‬ ‫رفيعة هو‬ ‫ُ‬ ‫ِ‬ ‫عطيات العمل الف ِّن َّيةِ ؛ أل ّنه إمنا يبدأ ُ من‬ ‫بروزاً فى ُم‬ ‫ٍ‬ ‫بالغة فى امل َ ْعنى واملَبْنى‪ ،‬تُع ِل ُن ِش ْعر َّيتَ َها العالي َة على‬ ‫َّص النبيلةِ ‪ ،‬األخالقيةِ‬ ‫ِ‬ ‫ن‬ ‫ال‬ ‫لنبرات‬ ‫ح‬ ‫تا‬ ‫ي‬ ‫فال‬ ‫الفور‪،‬‬ ‫ِّ‬ ‫ُ ُ‬ ‫والعاطفيةِ والفلسفيةِ ‪ ،‬وال األهوالِ اجلحيميةِ‬ ‫وبواطنه‪ ،‬أن ت ِ‬ ‫ِ‬ ‫ُبط َئ ارتقا َء‬ ‫الطاغيةِ على سطوح املَعنى‬ ‫اجلماليات ِّ‬ ‫ِ‬ ‫الش ْعرِ َّيةِ فى ُمستوياتِها املُختلفةِ واملُتكاملة‪.‬‬ ‫جته ُد «مملكة آدم» كثيراً لكى يتماهى القارئُ مع‬ ‫جحيمِ ها‪ ،‬ولكى يكو َن شريكاً فى إعاد ِة إبصارِ أهوالِهِ ‪،‬‬ ‫ابتداع مخ ّي ٍلة أو‬ ‫بوصفها سم َة عصرِ نا‪ ،‬وليست نتا َج‬ ‫ِ‬ ‫ديني‪ .‬وهذا‪ ،‬تالياً‪ ،‬عم ٌل ِش ْعرِ ٌّي فري ٌد‪،‬‬ ‫أسطورةٍ أو ٍّ‬ ‫نص ٍّ‬ ‫بص ُر عيانياً ومسرحياً وسينمائياً؛‬ ‫ي‬ ‫بل‬ ‫ال يُق َرأ فقط‪،‬‬ ‫ُ َ‬ ‫ويُس َمع أيضاً‪ ،‬واستطراداً‪ ،‬ألنّ عماراتِهِ اإليقاعي َة ال‬ ‫عجل‪ ،‬وال تض ُّخ األناشي َد قارع ًة‬ ‫تُدغد ُغ اآلذا َن على‬ ‫ٍ‬ ‫ٌّ‬ ‫َ‬ ‫واختراقي‪،‬‬ ‫ح‬ ‫وجار‬ ‫ذ‬ ‫ف‬ ‫‪،‬‬ ‫ع‬ ‫رفي‬ ‫ي‬ ‫ع‬ ‫ش‬ ‫رِ‬ ‫ٌّ‬ ‫ٌ‬ ‫ٌ‬ ‫ُمنذِ َر ًة‪ .‬إنه بيا ٌن ِ ْ‬ ‫ٌّ‬ ‫لكنه أيضاً‬ ‫ٌ‬ ‫رهيف وجدانياً‪ ،‬ونبي ٌل إنسانياً‪ ،‬و ُمنحا ٌز‬ ‫َّ‬ ‫ِ‬ ‫الفظاعات التى‬ ‫أخالقياً؛‬ ‫يتوغ ُل عميقاً فى أنساقِ‬ ‫األرضي‪ ،‬وصارت‬ ‫اجلحيم‬ ‫و‬ ‫صن‬ ‫باتت‬ ‫البشريِّ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ِ‬ ‫ِّ‬ ‫ُ‬ ‫السور َّي ُة مثالَ َها األ ّو َل‪ ،‬وأمثولَتَها العليا‪.‬‬ ‫ة‬ ‫املأسا‬ ‫ُّ‬ ‫كما جاء فى قراءة الكاتب والشاعر اللبناني‪ ‬ع ّباس‬ ‫بيضون‪ ‬ملا نُشر من «مملكةِ آدم» فى العدد األول من‬ ‫يخوض أمجد فى القدر‬ ‫مجلة «براءات» الشعرية‪:‬‬ ‫ُ‬ ‫والنِّهاية وال َّ‬ ‫َّ‬ ‫امللح َمة‪،‬‬ ‫فى‬ ‫يخوض‬ ‫ه‬ ‫ن‬ ‫إ‬ ‫أى‬ ‫ير‬ ‫المعنى وامل َ ِص‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫ِ‬ ‫مشارف وق َم ٍم‬ ‫نقف على‬ ‫ونح ُن نقرأ ونشع ُر بأ َّننا‬ ‫ملحمية‪ ،‬فنحن ال نصل إلى ال َّ‬ ‫ٍ‬ ‫السلب‬ ‫الشيء وإلى ّ‬ ‫وض فى أغوار فاغرة‪ ،‬إال بعد‬ ‫املُطلق‪ ،‬إال بع َد أن نخُ َ‬ ‫السراب وعلى‬ ‫أن من َّر على اجلميع وعلى املنفى وعلى َّ‬ ‫الن ِ‬ ‫حرب اإلنسان مع نفسه‬ ‫ِّهايات املُظلمة‪ .‬نح ُن هنا فى‬ ‫ِ‬ ‫وحربه مع قدره‪ ،‬وحربهِ مع الكون‪ ،‬ومع تهاوى معناه‬ ‫وصيرور ِة ك ِّل شيءٍ إلى نفى عارم‪.‬‬ ‫ِ‬ ‫بالكلمات‬ ‫فى ُمط َّولته امللحمِ ية يخوض أمجد ناصر‬ ‫ُْ‬ ‫امل َكمة‪ ،‬ما ميكن أن يكو َن عمار ًة من الن ِ‬ ‫ِّهايات ومن‬ ‫ٍ‬ ‫معركة كونية‪ ،‬فى ِسفر‬ ‫املصائر واألقدار‪ .‬إ َّنه فى‬ ‫كونى وفى صراع بني األركان واملصائر‪ ،‬وبني املعانى‬ ‫المعانى‪ ،‬وبني الوجود وال َّ‬ ‫وال َّ‬ ‫الوجود لدرجةِ أن هذا‬ ‫النَّص يبْنى على الريح معركة سدميية وبال حدود‪ .‬إ َّننا‬ ‫فع ً‬ ‫نص أمجد ناصر قصير‬ ‫ال فى قلب امللحمة‪ ،‬ولو أنَّ َّ‬ ‫بالقياس إلى امللحمة إ َّال أنَّ كونية هذا النص تُوازى‬ ‫ُ‬ ‫تقاطعاتِها وقدرته على النَّفى‬ ‫ملحم ًة كاملة‪ ،‬بل إنَّ‬ ‫بالسلب‪ ،‬الكتابة باخلواء ُ ْ‬ ‫امل َكم‪ ،‬جتع ُل من‬ ‫والكتابة‬ ‫ّ‬ ‫وتناسقِ ه وامتداده طابقاً‬ ‫ِه‬ ‫ت‬ ‫م‬ ‫واستقا‬ ‫سويته‬ ‫فى‬ ‫النَّص‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫بعد طابق وركناً بعد ركن معماراً حقيقياً وملحمة‬ ‫موجزة‪.‬‬ ‫الكتاب‪ :‬مملكة آدم‬ ‫الشاعر ‪ :‬أمجد ناصر‬ ‫الناشر‪ :‬املتوسط ـ ايطاليا‬


‫‪٢٤‬‬

‫‪ ٥‬مايو ‪ ٢٠١٩‬العدد ‪١٣٤٥‬‬

‫إشراف ‪ :‬منصورة عز الدين‬

‫كحل وحبهان‪:‬‬

‫كيف‬

‫‪١٣‬‬

‫‪ ٥‬مايو ‪ ٢٠١٩‬العدد ‪١٣٤٥‬‬

‫تتذوق احلياة؟‬ ‫َّ‬

‫محمد سمير مصباح‬ ‫«أجلس وإلى يمينى جاذبية أبى وأمى‪ ،‬ومدينة بعيدة‬ ‫تبدو اآلن قديمة ومعتقة وتأسر القلب كالحبهان‪ ،‬وإلى‬ ‫يسارى جاذبية أبسط من القدرة على الوصف‪ُ ،‬مغوية‬ ‫بال ضوضاء‪ ،‬كالكحل الذى ُيظلل نظرة صافية»‪.‬‬ ‫بتلك الفقرة يوضح عمر طاهر سبب تسمية روايته‬ ‫بـ"كحل وحبهان"؛ حيث أن قطبى حياة بطل الرواية‬ ‫وأمــه وجدته وخاله‪،‬‬ ‫هما عائلته املكونة من أبيه‬ ‫ِ‬ ‫ومدينته البعيدة التى تحوى ذكريات طفولته‪ ،‬والذين‬ ‫الحبهان‪ ،‬الذى البد منه فى‬ ‫يمثلون ِسحر وجاذبية‬ ‫َ‬ ‫الطعام والقهوة ليمنحهما َب َرك ِته‪ ّ ،‬والقطب اآلخر هو‬ ‫بصفاء‬ ‫زوجته «صافية"؛ فتاة عادية ولكنها ساحرة ُ‬ ‫الطيبة‪ً ،‬والتى تمثل الكحل‬ ‫روحها ِّونظرتها وعشرتها ً‬ ‫يزين العني ويزيدها بريقا وألقا رغم بساطته‪.‬‬ ‫الذى‬ ‫هى الرواية األولى للكاتب عمر طاهر‪ ،‬سبقها عدة‬ ‫مشروعات أدبية‪ ،‬كانت تحمل روح الصحفى الساخر‬ ‫ّ‬ ‫املنقب عن الجمال فى كهف القبح‪ ،‬اختار أن يبدأ‬ ‫مسيرته الروائية من الطريق األقرب لقلوب الناس‪،‬‬ ‫ليس معدتهم ولكن حالة الحنني إلى املاضى ومشاركة‬ ‫الذكريات‪ ،‬ليكتب سيرة إنسان باستخدام الطعام‬ ‫والرائحة‪.‬‬ ‫الــروايــة بــروح الثمانينات‪ ،‬ومــا تسلل منها إلى‬ ‫الرواية تجد‬ ‫التسعينات‪ ،‬وفى كل ركن من أركــان‬ ‫محاصرا بذكرياتك الخاصة التى َت َ‬ ‫ً‬ ‫صادف‬ ‫نفسك‬ ‫أنها ذكريات بطل الرواية وربما ذكريات جيل كامل‪،‬‬ ‫وكأننا مررنا على ماكينة تصوير مستندات لنطبع‬ ‫فى أنفسنا (روح بيوت الطبقة املتوسطة‪ ،‬واألغانى‬ ‫الشبابية التى لم ُتعد شبابية‪ ،‬واألكالت وطقوسها‪،‬‬ ‫والعادات فى األفراح واألحزان)‪.‬‬ ‫َ> > >‬ ‫َت ُ‬ ‫طرق باب الرواية ِل ُيفتح لك باب البيت املصرى‬ ‫كما يقول الكتاب؛ فالجدة هى الكوكب الكبير الذى‬ ‫يعيشون على أرضــه الخصبة‪ ،‬وهى ميزان البيت‬ ‫األكالت‬ ‫وعني الحكمة وما تضفيه على األشياء أو‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫أو األحــداث يكسبها جمال‬ ‫وطابعا ِّ خاصا ورائحة‬ ‫ُ‬ ‫خاصة‪ ،‬فالجدة فى هذه الرواية تذكر أنفى برائحة‬ ‫الخبز الفالحى _مستطيل الشكل_ لحظة خروجه‬ ‫من الفرن البلدى املصنوع من الطني ووقوده النار فى‬ ‫الحطب والقش‪ ،‬مواقفها ومنطقها فى الحياة يجعلها‬ ‫كبطل خارق يفعل الصواب والخير ً‬ ‫دائما‪.‬‬ ‫ٍ‬ ‫ويمثل األب «إبراهيم» عمود البيت الذى يرفع القواعد‬ ‫ويضبط ما قد يميل بحزم ُ‬ ‫وحب‪ ،‬يقول بطل ًالرواية‬ ‫ٍ‬ ‫العقاب"‪ ،‬ولكن أيضا كان‬ ‫إن األب «كان يدير منظومة‬ ‫ٌ‬ ‫ّيتخلل ذلك الكثير من الحب وبعض من التدليل‪ ،‬ربما‬ ‫يلخص العالقة بني األب وابنه تلك الفقرة َّ‬ ‫«تغيرت‬

‫الطريقة التى ينادى أبى بها اسمى‪ ،‬كان التدليل‬ ‫يغزوها فى الطفولة‪ ،‬ثم التوتر طوال فترة املراهقة‪،‬‬ ‫شابا ُم ً‬ ‫واإلشفاق ً‬ ‫غتربا ُم ً‬ ‫كافحا حتى تزوجت»‪.‬‬ ‫وتجد األم هــى الشجرة التى تمنح االبــن الظل‬ ‫والسكينة والثمار‪ ،‬هى من تملك مفتاح قلب ابنها‬ ‫الحقيقى وهو معدته‪ ،‬وعن طريق استخدامها لذلك‬ ‫املفتاح َت ْع ُبر إليه وتفيض ُ‬ ‫بالحب‪ ،‬تأخذ بيده إلى عالم‬ ‫ِ‬ ‫«الــراديــو» السحرى الــذى أخصب خياله‪ ،‬وتجعله‬ ‫مالذه للهروب من بعض آالمه‪.‬‬ ‫فى حني أن خاله القريب من عمره‪ ،‬هو الصديق‬ ‫والسمير وباب الهروب الخلفى من رتابة الحياة‪ ،‬أو‬ ‫كما يقول عبد الله‪« :‬يجمعنى بالخال كل ما له عالقة‬ ‫بالحياة؛ الكرة‪ ،‬واألغانى‪ ،‬وأفالم السينما‪ ،‬ولعبة‬

‫عالقة الرائحة‬ ‫باألشخاص‬ ‫والذكريات عالقة‬ ‫وثيقة ومعقدة‪،‬‬ ‫فكل شخص وحدث‬ ‫فى الرواية له‬ ‫رائحة خاصة يدور‬ ‫فلكل من‬ ‫فى فلكها‪،‬‬ ‫ٍ‬ ‫ُ‬ ‫املراهقة والحب‬ ‫والعائلة والوحدة‬ ‫والغربة والصداقة‬ ‫والنجاح والفشل‬ ‫رائحة وطعم ولون‪.‬‬

‫فى حالة فضفضة تغلفها شفافية األطفال‪،‬‬ ‫ً‬ ‫معددا األشياء التى توتره وال تمنحه الرؤية‬ ‫املطلوبة لإلجابة على السؤال‪.‬‬ ‫فى مطبخ الرواية ستجد لوحات فى حب صنوف‬ ‫األكل‪ ،‬تجعلك تشتهى ما ُّ يتحدث عنه وإن كنت‬ ‫ُ‬ ‫ال تحبه‪ ،‬وهذا يدل على تمكن عمر طاهر من أداة‬ ‫مهمة فى كتابة الرواية وهى دقة الوصف‪ ،‬سواء مكان‬ ‫أو حدث أو حالة‪ ،‬وفى وصفه لألكالت يستطيع أن‬ ‫يجعلك تراها وتشم رائحتها كما لو كانت أمامك‪ ،‬بل‬ ‫قد ُيهيأ لك الشروع فى األكل‪.‬‬ ‫عالقة الرائحة باألشخاص والذكريات عالقة وثيقة‬ ‫ومعقدة‪ ،‬فكل شخص وحدث فى الرواية له رائحة‬ ‫ُ‬ ‫والحب‬ ‫فلكل من املراهقة‬ ‫خاصة يدور فى فلكها‪،‬‬ ‫ٍ‬ ‫والعائلة والوحدة والغربة والصداقة والنجاح والفشل‬ ‫رائحة وطعم ولون‪.‬يتساءل الكاتب عن الرائحة‬ ‫َ‬ ‫وبعدها ُيطلعنا على تأويله لروائح األشياء؛ كرائحة‬ ‫الكتب القديمة‪ ،‬ورائــحــة ما بعد املطر‪ ،‬ورائحة‬ ‫النقود‪ ،‬ورائحة القهوة‪ .‬ومن أجمل مقاطع الرواية‬ ‫املقطع الذى يبتكر فيه سيسكو وخاله تلك اللعبة التى‬ ‫يصبغون فيها املشاهير بروائح معينة‪ ،‬فعلى سبيل‬ ‫املثال «رائحة عبد الحليم حافظ هى تلك الرائحة‬ ‫العشبية الرقيقة التى تنطلق عقب قص الحشائش‬ ‫وتقليم األشجار وقصقصة فروعها» و"ليلى مراد‬ ‫رائحتها فانيليا» و"سعاد حسنى رائحتها كراميل‬ ‫محروق»‪.‬‬ ‫>‬ ‫>‬ ‫>‬ ‫ً‬ ‫فى ًحبكة الرواية يفقد البطل حاسة الشم فقدانا‬ ‫مؤقتا‪ ،‬إلى أن يتم إرشاده للعالج الروحى املتوفر ُّفى‬ ‫مطبخ منزله أال وهو الحبهان‪ ،‬ومنه يبدأ رحلة التغزل‬ ‫فى التوابل وشرح الفلسفة واالنطباع الخاصني بكل‬ ‫تابل‪ ،‬وال ينسى ذكر أهمية التوابل التاريخية والسيما‬ ‫حرب التوابل الشهيرة‪.‬‬ ‫يأخذنا «عبد الله» بطل الرواية من الخاص إلى األكثر‬ ‫خصوصية؛ فأن يتحدث شخص عن عاداته فى األكل‬ ‫ويحكى عن مدى شراهته وشهوانيته للطعام‪ ،‬فهو‬ ‫يغوص فى أعماق نفسه بل ويقوم بتعريتها‪ ،‬ألن هذا‬ ‫يعتبر من األشياء السرية التى ال يمكن البوح بها إال‬ ‫أمام املقربني كاألب واألم وربما الزوجة‪ .‬فنجد أننا‬ ‫ً‬ ‫–الشعوريا‪ -‬نحن من يتم تعريتنا من الداخل‪،‬‬ ‫كقراء‬ ‫وكأنه يتحدث عن أدق تفاصيلنا التى قد ال نحب‬ ‫التحدث عنها‪ ،‬وهذا فى رأيى من أهم املالمح التى‬ ‫أحدثت ً‬ ‫تماسا بني القارئ وروح الرواية‪.‬‬ ‫إيقاع الرواية هادئ ومتزن يشبه تسوية األرز؛ فعلى‬ ‫نار هادئة تتابع أحداث خمسة أيام من حياة البطل‬ ‫ٍ‬ ‫خط‬ ‫وهو فى مرحلة املراهقة‪ ،‬يتخللها «تقليب» فى ٍ‬ ‫ـواز يعرض حياة البطل بعد التخرج وأثناء عمله‬ ‫مـ ٍ‬ ‫وقصة حبه التى ُ‬ ‫الزواج‪ .‬وفى النهاية تتذوق‬ ‫كملها‬ ‫ي‬ ‫ُ‬ ‫الرواية وقد نضجت تمام النضج فتتمنى أن تأكلها‬ ‫مرة أخرى‪.‬‬

‫الصراحة‪ ،‬والنميمة‪ ،‬والنكات الفاحشة‪ ،‬وتقليد‬ ‫األقارب»‪ .‬وذلك ما قد يتمناه أى شخص فى صديقه‪.‬‬ ‫استخدم الكاتب لغة بسيطة معبرة عن حياة مراهق‬ ‫«عبد الله أو سيسكو"‪ ،‬التى تذكرنا بهولدن‪ ‬كوفيلد‬ ‫بطل رواية الحارس فى حقل الشوفان‪ ،‬مع الفارق بني‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫ساخطا‪ ،‬وسيسكو‬ ‫غاضبا‬ ‫الشخصيتني‪ ،‬فكوفيلد كان‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫حائرا‪ .‬وبرغم بساطة اللغة تجدها شاعرية‬ ‫محبا‬ ‫وعذبة‪ ،‬فلم يستطع عمر طاهر أن يخلع عباءة الشاعر‬ ‫وأفاض علينا بتشبيهات تجعل ما يصفه _على سبيل‬ ‫كقصيدة نثر‪.‬‬ ‫املثال_ من الطعام‬ ‫ِ‬ ‫وبسبب ضمير املتكلم الذى استخدمه عمر طاهر‬ ‫يظن البعض أنها سيرته الذاتية‪،‬‬ ‫ليكتب روايته‪ ،‬قد ً‬ ‫ولكنك قد تشعر _أيضا_ أنها سيرتك أنت‪ ،‬فبالرغم‬ ‫من أنه لم يذكر اسم املدينة التى هى مسرح األحداث‬ ‫فى مرحلة الطفولة‪ ،‬ستشعر عند القراءة أن ً‬ ‫كثيرا‬ ‫من تلك األحداث تخصك‪ ،‬وأن هناك شيء ما يشبه‬ ‫مرحلة ما من حياتك‪.‬‬ ‫>‬ ‫>‬ ‫>‬ ‫َ​َ‬ ‫جهة أخرى‪ ،‬ربما كان من األفضل لو ذكر اسم‬ ‫من ٍ‬ ‫ً‬ ‫مدينته ليضفى مزيدا من الخصوصية والصدق على‬ ‫أحداثه‪ ،‬ولتطبع املدينة روحها على صفحة الرواية‪.‬‬ ‫عندما َيسأل بطل الرواية نفسه‪ ،‬ماذا رأت عيناى‬ ‫ً‬ ‫أصل؟‬ ‫ستجد اإلجابة ‪-‬وإن اختلفت األماكن بها‪ -‬تلمس‬ ‫ذكريات طفولتك‪ ،‬وتأخذ بيدك إلــى املاضى فى‬ ‫طفل ولكن بعقل رجل‬ ‫ٍ‬ ‫جولة بانورامية‪ ،‬يسردها لسان ٍ‬ ‫ناضج‪ .‬ما يؤكد لنا أن عينا عمر طاهر كاميرا تلتقط‬ ‫أدق التفاصيل دون أن تنسى شيء كى ال يختل جمال‬ ‫ُ‬ ‫حترف ال يغفل‬ ‫الصورة‪ ،‬وأنه يمتلك مهارة رسام م ِ‬ ‫وضع ولو أدق التفاصيل‪ ،‬حتى وإن كانت مجرد قطرة‬ ‫مطر واحدة فى مكان ما فى لوحته ليعبر عن طقس‬ ‫اللوحة‪.‬‬ ‫وحينما يسأل ًنفسه‪ :‬ما هو ِّأجمل ما رأته عيناى؟‬ ‫ً‬ ‫وطبيبا يشخص حالته بمهارة‪ ،‬فيقول‪:‬‬ ‫ستجده فيلسوفا‬ ‫«القدرة على الرؤية تحتاج إلى سالم‪ ،‬وأنا أشعر بعدم الكتاب‪ :‬كحل وحبهان‬ ‫االرتياح معظم الوقت‪ ،‬وتؤملنى معدتى كلما اقترب املؤلف‪ :‬عمر طاهر‬ ‫منى التوتر‪ ،‬وهو يظهر لى ً‬ ‫دائما»‪ .‬ويدخل _بعد ذلك_ الناشر‪ :‬الكرمة‬

‫للفنانة ‪ :‬أسماء النواوى‬

‫فى الشارقة شىء أليف يوهمك أنها تستقبلك‬ ‫كما ودعتك آخر مرة‪ .‬أقول «يوهمك» ألن‬ ‫عالقتنا باملدن قائمة على الوهم واإليهام‬ ‫ً‬ ‫والحدس‪ ،‬ال نكاد نعرفها أبدا‪ ،‬بما فى ذلك (أو‬ ‫ربما على وجه الخصوص) مدننا األم‪ .‬كانت‬ ‫زيارتى للشارقة خاطفة هذه املرة‪ ،‬وصلتها‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫صباحا‪ ،‬وكانت‬ ‫فجرا وغادرتها فى اليوم التالى‬ ‫املناسبة حضور عرض فنى ساحر عنوانه «ألف‬ ‫ليلة وليلة‪ ..‬الفصل األخير»‪ ،‬وهو العرض الذى‬ ‫احتضنه مسرح املجاز الشهير ‪-‬املقام على نمط‬ ‫املسارح الرومانية‪ -‬فى اليوم العاملى للكتاب‪23 ،‬‬ ‫ً‬ ‫أبريل‪ ،‬احتفال باختيار الشارقة عاصمة عاملية‬ ‫للكتاب ‪.2019‬‬ ‫شارك فى هذا العرض‪ ،‬الذى حضرته باقة من‬ ‫الكتاب والدبلوماسيني والشخصيات الثقافية‬ ‫من مختلف أنحاء العالم‪ ،‬فنانون من ‪ 25‬دولة‪،‬‬ ‫ً‬ ‫واعتمدت مشاهده البصرية على ‪ 13‬فنا من‬ ‫فنون األداء‪ ،‬واملوسيقى واألكروبات وفنون‬ ‫ً‬ ‫أنواعا مختلفة من‬ ‫الضوء والظل‪ ،‬كما وظف‬ ‫الرقص مثل «بريك دانس»‪« ،‬هيب هوب» والرقص‬ ‫املعاصر وتعابير راقصة من الصني والهند‪،‬‬ ‫وتجاور فيه الغناء العربى بصوت سعاد ماسى‬ ‫مع الغناء واملوسيقى األرمنية وموسيقى التانجو‬ ‫األرجنتينية وغيرها‪ .‬كل هذا فى تناغم مدهش‬ ‫ضبط إيقاعه عزف أوركسترا مكونة من ‪51‬‬ ‫ً‬ ‫عازفا‪.‬‬ ‫ولعل أهم ما فى هذا العرض كان ًاملؤثرات‬ ‫الصوتية والبصرية القريبة أحيانا من «خدع‬ ‫ُ‬ ‫شاهد للتساؤل إن كان ما يراه‬ ‫سينمائية» تدفع امل ِ‬ ‫خداع بصر أم ماذا! فعلى خشبة املسرح تهب‬ ‫العواصف ويثور البحر ويبرق البرق ويظهر‬ ‫الراقصون كما لو أنهم يهزمون قانون الجاذبية‬ ‫َ‬ ‫فى بعض املشاهد‪.‬‬ ‫فى هذا العرض املشتبك مع «ألف ليلة وليلة»‬ ‫نرى شهرزاد فى آخر حياتها‪ ،‬تطلب من شهريار‬ ‫أن يجمع أبناءها الثالثة‪ ،‬فيروز وأمني وقادر‪،‬‬ ‫وتكلف كال منهم بمهمة تتطلب رحلة من نوع‬ ‫ما لجلب شىء محدد‪ .‬تنطلق األميرة فيروز إلى‬ ‫حديقة الدمع وتعود بقارورة حبر‪ ،‬ويبحر األمير‬ ‫قادر نحو الجزر الصامتة؛ حيث يتوقف الزمن‪،‬‬ ‫ويعود فى النهاية بريشة طائر الفينيق‪ ،‬ويذهب‬ ‫األمير أمني إلى الوديان القاحلة ويجيب عن عدد‬ ‫من األسئلة واألحجيات‪ ،‬يوجهها له جنى‪ ،‬ويعود‬ ‫بكتاب‪.‬‬ ‫فى النهاية تخبر شهرزاد أبناءها أن حكايتها‬ ‫األخيرة هى حكايتهم هم‪ ،‬وعليهم أن يواصلوا‬ ‫ما بدأته‪ ،‬فالكتاب هو ما يحوى املعارف كلها‪،‬‬ ‫والريشة والحبر هما أداتا الكتابة‪ .‬وإذا كانت‬ ‫«الليالى العربية» مخصصة ملديح فن الحكى‪ ،‬فإن‬ ‫هذا النص املشتبك معها ينبنى بدوره على محبة‬ ‫الحكايات والكتابة والكتب‪.‬‬ ‫تبقى اإلشارة إلى أنه باختيار الشارقة عاصمة‬ ‫عاملية للكتاب ‪ ،٢٠١٩‬تكون ثالث مدينة عربية‬ ‫تحظى بهذا اللقب بعد اإلسكندرية ‪2002‬‬ ‫وبيروت ‪.2009‬‬

‫م‪.‬ع‬

‫الشارقة‪ ..‬عاصمة عاملية للكتاب!‬


‫‪12‬‬

‫‪ 5‬مايو ‪٢٠١٩‬‬

‫العدد ‪١٣٤٥‬‬

‫نصوص لــ‬

‫أحمد مجاهد‪ :‬عماد أبوغازى جاء إلى مكتبى‬ ‫سير ًا بعد تعيينه وزير ًا بدقائق‬ ‫حسن عبداملوجود‬

‫كان لقاؤهما األول فى املجلس األعلى للثقافة‪،‬‬ ‫فى مقره القديم بالزمالك‪ ،‬كان ذلك فى مؤتمر‬ ‫«توفيق الحكيم»‪ ،‬تم انتداب عماد أبوغازى وقتها‬ ‫من الجامعة بشكل عادى‪ ،‬فقد كان مدرسًا‪ ،‬بينما‬ ‫فشلت محاولة انتداب أحمد مجاهد‪ ،‬املــدرس‬ ‫املساعد‪.‬‬ ‫ظل مجاهد يعمل بشكل غير رسمى وبــدون‬ ‫يحصل على مال‬ ‫انــتــداب لــســنــوات‪ ،‬ولــم يكن َّ‬ ‫بانتظام‪« ،‬شهر‪ ،‬وشهر ال»‪ ،‬ولكن االثنني كانا‬ ‫يشعران أنهما يخدمان الثقافة‪ ،‬وموضوع املال لم‬ ‫يكن فى بالهما‪ ،‬كان جابر عصفور كبيرهما‪ ،‬كانا‬ ‫ذراعيه‪ ،‬عماد األيمن‪ ،‬ومجاهد األيسر‪ ،‬وكانت‬ ‫الصداقة تنمو بسرعة كبيرة بينهما‪ ،‬وخرجت من‬ ‫نطاق العمل إلى نطاق الحياة الشخصية‪ ،‬وشهد‬ ‫عماد أبوغازى على زواج مجاهد‪ ً ،‬ورويــدًا رويدًا‬ ‫أصبح كل منهما مرآة لآلخر ومكمال له‪.‬‬ ‫وهذه حكاية ال يعرفها الكثيرون‪ ،‬يسردها أحمد‬ ‫مجاهد‪..‬‬ ‫رئيس الــوزراء األسبق عصام شرف استدعى‬ ‫عماد أبوغازى ليكلفه بحقيبة «الثقافة»‪ ،‬وكانت‬ ‫الدنيا صعبة جــدًا‪ ،‬والــشــوارع متوقفة بسبب‬ ‫اإلضرابات واملتاريس التى انتشرت فى كل مكان‬ ‫وصارت عالمة على تلك الحقبة‪ ،‬ولم يكن أمام‬ ‫أبوغازى إال الذهاب سيرًا إلى مجلس الوزراء‪ ،‬وبعد‬ ‫أن انتهى اللقاء مع شرف‪ ،‬قرر أبوغازى املرور على‬ ‫صديقه أحمد مجاهد رئيس هيئة قصور الثقافة‬ ‫فى مكتبه بـ«عمارات العرائس»‪ ،‬كانت املسافة‬ ‫يسيرة بني مجلس الــوزراء والهيئة‪ ،‬وفى املكتب‬ ‫أخبره عماد بالسر‪ ،‬أنه أصبح وزيرًا للثقافة‪ ،‬ولكن‬ ‫السر لم يصبح سرًا بعد دقائق‪ ،‬فبينما يتبادالن‬ ‫الحديث أعلن التليفزيون النبأ‪ ،‬وكان أحمد مجاهد‬ ‫يشعر بأنه أدى مهمته فى هيئة قصور الثقافة‪،‬‬ ‫َّ‬ ‫وتشبع من العمل هناك‪ ،‬ومن األفضل له أن يترك‬ ‫مكانه لشخص يمكن أن يضيف شيئًا جديدًا‪ ،‬أما‬ ‫هو فقد كانت لديه خطة كبيرة للنشر فى هيئة‬ ‫الكتاب‪ ،‬وبالتالى وبعد حوار قصير مع أبوغازى‬ ‫اتفقا على أن يتولى «هيئة الكتاب»‪.‬‬ ‫يتظاهرون‬ ‫الهيئة‬ ‫يقول مجاهد‪« :‬كان موظفو‬ ‫ُّ‬ ‫مثل الجميع فى البلد وقتها‪ ،‬كانوا غاضبني وسدوا‬ ‫املدخل‪ ،‬ورفضوا وجــودى بمجرد إعــان اسمى‬ ‫كرئيس للهيئة‪ ،‬وعماد أصر على أن يذهب معى‬ ‫إلى هناك‪ ،‬وأنا رفضت‪ ،‬وأصــرت على الرفض‪،‬‬ ‫وقلت له‪ :‬أنت وزير ومينفعش تروح هناك نهائى‬ ‫والدنيا والعة‪ ،‬وكتبت له استقالتى‪ ،‬كنت أفكر فى‬ ‫أن صداقتنا تحتم َّ‬ ‫على أن أتــرك مكانى لكى ال‬ ‫أسبب له قلقًا‪ ،‬ولكنه كان حاسمًا كعادته وتجاهلها‪،‬‬ ‫وأصــر أن ًيأتى معى‪ ،‬وأمــام إص ــراره رضخت‪،‬‬ ‫وذهبنا فعال‪ ،‬ووقف بثبات أمام املوظفني‪ ،‬وطلب‬ ‫مجموعة منهم‪ ،‬وذهبنا معهم إلى دار الكتب لنفتح‬ ‫معهم حوارًا ونستمع إلى مطالبهم‪ ،‬وسألهم‪ :‬ملاذا‬ ‫استمعتم إليه؟‬ ‫تعترضون عليه؟ هل تعرفونه؟ هل‬ ‫ً‬ ‫هل رأيتم كيف يعمل؟ واستمعوا َّ‬ ‫إلى فعال‪ ،‬وفوجئوا‬ ‫بأن َّ‬ ‫لدى خبرة بالهيئة‪ ،‬وعملت فيها لبعض الوقت‬ ‫سكرتيرًا لتحرير مجلة (فصول)‪ ،‬كما طرحت‬ ‫أمامهم بعض ما أفكر فيه لتطوير الهيئة‪ ،‬وخرجوا‬ ‫مبسوطني‪ ،‬ولكن االضطرابات لم تنته‪ ،‬وقال لى‬ ‫عماد إنه سيأتى معى مرة أخرى‪ ،‬كان قويًا وشجاعًا‬ ‫للغاية‪ ،‬وال يرهبه شىء‪ ،‬والبلد كلها كانت سايبة‪،‬‬ ‫واتصل برئيس الـــوزراء‪ ،‬وقــال له إن ما يحدث‬ ‫بلطجة لن يرضخ لها أبــدًا‪ ،‬وإن مجاهد إن لم‬ ‫يتمكن من تسلم عمله سيستقيل فورًا»‪ ،‬ويعلق‪« :‬ال‬ ‫يمكن أن أنسى هذا املوقف‪ ،‬ألنه يدل على معدن‬ ‫أبوغازى‪ ،‬لقد ظل لفترة وجيزة فى منصبه كوزير‬ ‫للثقافة‪ ،‬لكننا استطعنا أن ننجز الكثير‪ ،‬بسبب‬ ‫تفهمه ودعمه وتنظيمه‪ ،‬وقد افتتحنا‪ ،‬على سبيل‬

‫‪25‬‬

‫لدى عماد‪ ،‬كما يقول مجاهد‪ ،‬هواجسه الغريبة‪ ،‬ومنها ما يخص‬ ‫النظافة‪ ،‬وامليكروبات‪ ،‬إنه ال يأكل مثالً أى نباتات تطرح ثمارها‬ ‫بالقرب من األرض‪ ،‬حينما كان صغير ًا‪ ،‬فى بداية السبعينات‬ ‫حتديد ًا‪ ،‬اجتاح البلد وباء‪ ،‬له عالقة بالتني البرشومى‪ ،‬ورغم‬ ‫أن القصة انتهت منذ زمن‪ ،‬إال أن عماد لم ينسها‪ ،‬وحتى اآلن ال‬ ‫يأكل التني البرشومى أبد ًا‪.‬‬

‫أدونيس يتوسط أحمد مجاهد وعماد أبو غازى‬ ‫املثال‪ ،‬قاعة صالح عبدالصبور‪ ،‬وهى أول قاعة‬ ‫للندوات فى الهيئة‪ ،‬وأسسنا معرض فيصل للكتاب‪،‬‬ ‫وأصبحنا ضيف شرف معرض كتاب تركيا»‪.‬‬ ‫أول سفرية لهما ســويــا كــانــت فــى معرض‬ ‫فرانكفورت‪ ،‬وكانت جامعة الدول العربية ضيف‬ ‫الــشــرف‪ ،‬وك ــان مسئول التنظيم هــو املــرحــوم‬ ‫محمد غنيم‪ ،‬وكان االثنان يساعدانه‪« :‬أبوغازى‬ ‫دؤوب جدًا طول عمره‪ ،‬ينجز ُفروضه على أكمل‬ ‫وجه بدقة متناهية‪ ،‬وحينما تتاح أمامه فسحة‬ ‫من الوقت ينطلق فورًا بدون تفكير إلى املتاحف‬ ‫ومعارض الفنون واآلثار‪ ،‬ويكون متسلحًا بالخرائط‬ ‫املناسبة للمدينة‪ ،‬ويصور كل ما يحبه وكل ما تقع‬ ‫عيناه عليه‪ ،‬كان وال يزال شغوفًا بالفن‪ ،‬ولطاملا أثار‬ ‫إعجابى»‪ ،‬ويضيف‪« :‬لم يختلف فيه شىء مع ترقيه‬ ‫فى الوظيفة‪ ،‬فما كان يفعله وهو رئيس للشعب‬ ‫واللجان باملجلس هو ما يفعله وهو وزير للثقافة‪،‬‬ ‫وما يفعله فى أى مدينة هو ما يفعله فى املدينة‬ ‫التالية‪ ،‬يخلع املالبس الرسمية بعد عمل كثير‪،‬‬ ‫ويتحول إلى سائح مثقف‪ ،‬هذا هو تكوينه‪ ،‬ال يعمل‬ ‫بالثقافة فقط ولكنه محب لها»‪.‬‬ ‫أبوغازى هــادئ‪ ،‬لكنه يكون صعبًا للغاية فى‬ ‫مواقفه‪ ،‬إذا اتخذ موقفًا فإن عودته فيه تكاد تكون‬ ‫صعبة إن لم تكن مستحيلة‪ .‬يحكى مجاهد قصة‬

‫جديدة‪..‬‬ ‫ً‬ ‫«الشعب‬ ‫عن‬ ‫مسئوال‬ ‫أبوغازى‬ ‫عماد‬ ‫كان‬ ‫حينما‬ ‫ً‬ ‫والــلــجــان» باملجلس‪ ،‬كــان مجاهد مسئوال عن‬ ‫«املؤتمرات»‪ ،‬وحدث خالف ما بني جابر عصفور‬ ‫وقرر االستقالة‪،‬‬ ‫وأبوغازى‪« :‬كان عماد زعالن جدًا‪ُ ،‬‬ ‫وعرفت باألمر‪ ،‬ولم‬ ‫وكتبها وسلمها ملديرة مكتبه‪،‬‬ ‫ُ‬ ‫أســأل مطلقًا عن السبب‪ ،‬وحصلت بطريقة ما‬ ‫على ورقة االستقالة‪ ،‬وعماد عرف بذلك‪ ،‬وكان‬ ‫غاضبًا جدًا‪ ،‬وكتب أخرى‪ ،‬وهذه املرة سلمها إلى‬ ‫مديرة مكتب األمني العام للمجلس الدكتور جابر‬ ‫عصفور‪ ،‬وباملودة الشديدة واالحترام استطعت‬ ‫كذلك سحب االستقالة الثانية‪ ،‬ومر املوقف بسالم‬ ‫فى النهاية‪ ،‬جلس االثــنــان‪ ،‬وزال الخالف كأن‬ ‫هناك من مسحه بأستيكة»‪ ،‬وضحك‪« :‬الظرفني‬ ‫اللى فيهم نص االستقالة مقفولني لغاية اللحظة‬ ‫دى‪ ،‬لم أفكر فى فتحهما مطلقًا‪ ،‬وال يزاالن حبيسى‬ ‫صندوق الذكريات فى بيتى»‪ ،‬ويعلق‪« :‬لم أشأ أن‬ ‫أسأل أيًا منهما‪ ،‬الدكتور أبوغازى والدكتور جابر‪،‬‬ ‫رغم مرور كل هذا الوقت ما سبب الخالف‪ ،‬وهذا‬ ‫هو الطبيعى فى العالقات املحترمة‪ ،‬الغضب‬ ‫سيذهب وتبقى املحبة‪ ،‬لقد رأيت فيه من اللحظة‬ ‫األولى شخصًا شديد األدب‪ ،‬شاطر جدًا‪ ،‬واألهم‬ ‫مخلص‪ ،‬ولكن مواقفه حدية‪ ،‬وهناك اختالف بني‬

‫شخصيتينا بكل تأكيد‪ ،‬فأنا أميل بطبعى إلى املرح‬ ‫َّ‬ ‫فاكة معايا ّ‬ ‫حبتني‪ ،‬أما عماد فيبدو متجهمًا‬ ‫والدنيا‬ ‫للوهلة األولى‪ ،‬لكن حينما تقترب منه ستجد أيضًا‬ ‫ذلك الشخص البسيط‪ ،‬والذى ال تفارقه ابتسامته‬ ‫الجميلة‪ ،‬لقد قضينًا زمنًا‪ ،‬نعمل معا طوال اليوم‪،‬‬ ‫ونتناول الوجبات الثالث معًا‪ ،‬وال نذهب إلى بيوتنا‬ ‫إال للنوم‪ ،‬ثم يتجدد اللقاء بنفس الشكل فى اليوم‬ ‫التالى‪ ،‬لقد بدا أن الحياة ستسير إلى األبد هكذا‪،‬‬ ‫ولــم تكن لـ َّ‬ ‫ـدى مشكلة فى صحبة هــذا اإلنسان‬ ‫الرائع»‪.‬‬ ‫لدى عماد‪ ،‬كما يقول مجاهد‪ ،‬هواجسه الغريبة‪،‬‬ ‫ومنها ما يخص النظافة‪ ،‬وامليكروبات‪ ،‬إنه ال يأكل‬ ‫ً‬ ‫مثال أى نباتات تطرح ثمارها بالقرب من األرض‪،‬‬ ‫حينما كان صغيرًا‪ ،‬فى بداية السبعينات تحديدًا‪،‬‬ ‫اجتاح البلد وبــاء‪ ،‬له عالقة بالتني البرشومى‪،‬‬ ‫ورغم أن القصة انتهت منذ زمن‪ ،‬إال أن عماد لم‬ ‫ينسها‪ ،‬وحتى اآلن ال يأكل التني البرشومى أبدًا‪.‬‬ ‫يضحك مجاهد‪« :‬خــاص‪ ..‬انتهينا»‪ ،‬ويضيف‪:‬‬ ‫«أيضًا قرر بعد وفاة أبيه أنه لن يرتدى إال كرافتة‬ ‫سوداء‪ ،‬وقال إنه لن يغير ذلك إال فى فرح ابنته‪،‬‬ ‫وهذان املثاالن وغيرهما يكشفان لك صرامة ُعماد‬ ‫حتى فى األمور البسيطة‪ ،‬وهى الصرامة التى ت ِّميز‬ ‫كذلك مواقفه الفكرية»‪.‬‬ ‫دهاليز املجلس األعلى‬ ‫فى‬ ‫نمت صداقة االثنني‬ ‫ِّ‬ ‫للثقافة وأروقــتــه‪ ،‬وبينما يحضران لكثير من‬ ‫املؤتمرات‪ ،‬أو أثناء تلك املؤتمرات ذاتها‪ ،‬كانا‬ ‫حريصني للغاية‪ ،‬وعرفا أن شيئًا صغيرًا للغاية‬ ‫قادر على إفشال مؤتمر‪ ،‬ولكنهما‪ ،‬بحسب حكايات‬ ‫مجاهد‪ ،‬كانا ُيفاجآن بأمور تبدو تافهة للغاية تصل‬ ‫إلى األمني العام نفسه‪ ،‬فأحد املثقفني الكبار يتصل‬ ‫بمكتب الدكتور جابر ويخبر مديرته ليقول له إن‬ ‫غرفته تخلو من علبة مناديل‪« :‬كنا حريصني على كل‬ ‫شىء‪ ،‬والضيف نعتبره مسئوليتنا الشخصية‪ ،‬كان‬ ‫عماد يبقى فى املجلس بينما أذهب مع املثقفني إلى‬ ‫الفندق‪ ،‬كنا نقسم أنفسنا بحيث ال يفوتنا شىء‪،‬‬ ‫جابر عصفور‪ ،‬أال يترك شيئًا‬ ‫وهذه سياسة الدكتور ُ‬ ‫للصدفة‪ ،‬هناك أمور كان تحل بابتسامة‪ ،‬بضحكة‪،‬‬ ‫باستيعاب‪ ،‬قيمة الضيف من قيمتك‪ ،‬أنت أستاذ‬ ‫جامعة وهم قامات ثقافية كبرى»‪.‬‬ ‫يعود مجاهد إلــى أبــوغــازى‪« :‬اآلن يمكننا أن‬ ‫نتقابل مرتني أو ثالثًا‪ ،‬ومن املمكن أن نتحدث‬ ‫عشر مرات فى التليفون‪ ،‬خالل العام‪ ،‬لكن قوة‬ ‫عالقتنا لم تتغير‪ ،‬وكل منا يقول أمام اآلخر ما‬ ‫يقوله فى ظهره‪ ،‬بل إنه يقول كالمًا أفضل وأجمل‬ ‫بعيدًا عنى‪ ،‬وهكذا أفعل أيضًا‪ ،‬وكــل منا يجد‬ ‫اآلخر‪ ،‬وال يحتاج سوى إلى رفع سماعة الهاتف»‪.‬‬ ‫كــان مجاهد يعمل على بحث منذ فــتــرة‪ ،‬كان‬ ‫البحث األخير فى الترقية‪ ،‬واحتاج إلى بيانات من‬ ‫ثالثة أو أربعة سطور موجودة فى موسوعة «املرأة‬ ‫العربية»‪ ،‬واتصل بعماد وقال له إنه يريد معلومات‬ ‫عن كاتبة معينة‪ ،‬وقال له عماد إن املوسوعة ليست‬ ‫أمامه اآلن‪ ،‬وبعد ثالث أو أربع ساعات اتصل به‬ ‫عماد وقــال له إنه سيرسل إليه ما يحتاجه على‬ ‫اإليميل‪« :‬أصبح اللقاء دوريــا شبه مستحيل فى‬ ‫ظروف الحياة الصعبة‪ ،‬لكن عمق العالقة واملحبة‬ ‫واإلخالص يحفظ الصداقة متوهجة»‪.‬‬ ‫ويقول‪« :‬ال يوجد سر بيننا‪ ،‬ومع هذا ال يتدخل‬ ‫أحدنا فى شئون اآلخــر‪ ،‬وهــذا أمــر مهم لتدوم‬ ‫الصداقة‪ ،‬ما ال تريد الحديث عنه أنا ال أسألك‬ ‫فيه‪ ،‬ســواء اآلن أو بعدين‪ ،‬ولو أردت أن تتحدث‬ ‫فهذا يخصك‪ ،‬كل منا يحترم املساحة الشخصية‪،‬‬ ‫وبالتأكيد أنا محظوظ به‪ ،‬فهو شخصية نادرة‬ ‫فى التهذيب وفى األخــاق‪ ،‬واإلخــاص الشديد‪،‬‬ ‫والثبات على املوقف‪ ،‬وأنا فخور ملجرد أنه يعتبرنى‬ ‫أحد أصدقائه» ‪.‬‬

‫‪ 5‬مايو ‪ ٢٠١٩‬العدد ‪١٣٤٥‬‬

‫عبدالرحيم املاسخ ـــ أحمد نوار‬ ‫أمل جمال السيد ـــ بشير ميلودى‬ ‫صباح هادى ـــ ماجد أبادير ـــ طلعت محمد‬

‫مدرسة الغيطانى‬ ‫مبناسبة افتتاح مدرسة جمال الغيطانى الثانوية العامة بنات بجهينة‬ ‫عبد الرحيم املاسخ‬

‫مدرسة صاحبها بقلوب األحباب‬ ‫فتحت للحب كما كان و ظلت تذكره إذ غاب‬ ‫كان جمال الغيطانى رواية‬ ‫تجمع كل الناس بكل األجناس‬ ‫جنود هوى تحت الراية‬ ‫حني ذهبت إليه‬ ‫وكنت آراه ألول مرة‬ ‫حني مددت يدى بشعرى‬ ‫وتلقفه كى ينشر سره‬ ‫ماذا قال؟‬ ‫وماذا قلت؟‬

‫وماذا كان إلى اآلن؟ ليختلف الوقت‬ ‫لتخرج من موطئ قدمى لألجيال مسره‬ ‫هذا العلم الحر العاشق‬ ‫ال يكره أحدا‬ ‫مدت مصر يدا للسير‬ ‫فكان يدا تطرق أبواب امللكوت املتجمد و املتفكك‬ ‫و الحارق‬ ‫حتى اكتمل البنيان‬ ‫وأمن بمصر على أسرته اإلنسان‬ ‫فلو فرح ومات‬ ‫لكن الفرحة ال تلزم‬ ‫بوجود تتأزم‬ ‫فى فمه الكلمات‬ ‫مات غنيا باإلبداع‪ ،‬فقيرا بالذكرى‬ ‫بني جحور األفعى كى تلهج شكرا‬ ‫إن الحارس للمجد‬

‫املتقلب فى فوران الوجد‬ ‫الحاضر قبل العهد‪ .‬رمى القيد و فات‬ ‫لكن املدرسة بال صوت ضحكت‬ ‫كالنور و كاملاء‬ ‫وهى تخرج طول الوقت وفاء‬ ‫ووفاء‬ ‫ووفاء‬ ‫وجمال يصافح من دخلوا‬ ‫ويصافح من خرجوا‬ ‫يوصيهم باألحباب‬ ‫وينذرهم من كيد االعداء‪.‬‬ ‫ملف من ‪ ٣١‬إلى ‪٣٥‬‬

‫الفاتنات ينتظرن فى البيت‬ ‫أحمد نوار‬

‫كنت قد قررت أال تكتب عن االمتحانات‬ ‫حتى ال يصبح األمر مبتذال وسخيفا من‬ ‫كثرة الكالم عنه لكن اليوم كان ملحميا‬ ‫بكل املقاييس لذلك وجــب عليك تخليد‬ ‫ذكراه اليوم هو يوم أمتحان الرياضيات‪.‬‬ ‫بدأ اليوم بمشهد هزلى تنزل فيه من بيتك‬ ‫مهروال معتقدا أن الساعة هى التاسعة‬ ‫والنصف وقد تبقى نصف ساعة فقط على‬ ‫بدء االمتحان رغم أنك رأيت الساعة تشير‬ ‫إلى الثامنة والنصف لكنك نسيت ذلك‬ ‫بعدها بدقيقتني‪.‬‬ ‫لحظة استالم األوراق ويا لها من لحظة‪..‬‬ ‫صوت صرصور الحقل يرن فى أذنيك‬ ‫ملدة عشر دقائق بعد استالم الورقة‪.‬‬ ‫تجلس فاغرا فاك على اتساعه شاعرا‬ ‫بالبله املغولى يتملك عقلك وإن كان مرضى‬ ‫البله املغولى يتمتعون ببراءة لم تحظ منها‬ ‫بشىء‪.‬‬ ‫نصف ساعة قد مر وال تجد سؤاال واحدا‬

‫أنــت متيقن مــن إجابته يشفع لــك عند‬ ‫الدكتورة‪.‬‬ ‫الوضع مؤسف للغاية‪ ..‬صوت شادية يأتى‬ ‫عذبا من مكان ما فى مخيلتك‬ ‫«عملتو إيه ف الدنيا دى آه يا والدى آه يا‬ ‫والدى»‬ ‫تتلفت حولك‪ ..‬ال ليس كما ظننت لم أكن‬ ‫ْ‬ ‫أحـــاول الــغــش!! كنت أحـــاول أن أعــرف‬ ‫أن كان هناك من أنتهت حــدود معرفته‬ ‫وكتابته عند ملء خانات البيانات مثلى‬ ‫فى أول الورقة فارتد البصر إلى خاسئا‬ ‫وهو حسير‪ ،‬األغلبية يغتصبون األوراق‬ ‫بأقالمهم بينما ال تكف أيديهم عن الطرق‬ ‫على الحاسبة‪.‬‬

‫بعد وقت ليس بالطويل تدخل الدكتورة‬ ‫وعلى شفتيها ابتسامة انتصار من نوع‬ ‫«ابــقــوا قابلونى لو فلحتم»‪ .‬تتجول بني‬ ‫الطلبة كقائد مظفر وسط أسرى الحرب‬ ‫بينما يتصايح الطلبة طالبني العون‬ ‫وتوضيح بعض األسئلة فتستمع السئلتهم‬ ‫فى غير اهتمام ثم تجيب كال منهم على‬ ‫حدة بنفس الجملة الساخرة الهازئة « يادى‬ ‫الخيييييبة» وتتعمد مط كلمة الخيبة بقدر‬ ‫اإلمكان حتى تتردد فى أذنيك ألطول وقت‬ ‫ممكن لتشعرك بمدى ضآلتك وحقارتك‬ ‫أمام علمها الال متناهى‪.‬‬ ‫كتب أصدقاؤك ما يكفى نجاحهم لثالثة‬ ‫أعوام قادمة بينما ورقتك ناصعة البياض‬

‫ليس أنصع منها سوى صفحات حسناتك‪.‬‬ ‫يصول املراقبون ويجولون فى املكان وعلى‬ ‫وجوههم ابتسامة شامتة وســاخــرة من‬ ‫البالهة املتبدية على وجوه بعض الطالب‬ ‫وطرق البعض اآلخر البلهاء املضحكة فى‬ ‫الغش‪.‬‬ ‫بعد فترة تملكك اليأس فصرت تكتب‬ ‫أشياء أنت نفسك ال تفهمها فى محاولة‬ ‫لسد الفراغات فى ورقة إجابتك‪.‬‬ ‫بعد أن مألت أوراق اإلجابة بتعاويذك‬ ‫وطالسمك غير املفهومة جلست تتأمل‬ ‫وجوه الزمالء البائسة‪.‬‬ ‫منهمكون فى حل تلك األحجيات وكأن‬ ‫حياتهم تتوقف عليها‪.‬‬ ‫بعد فترة كــان كــل مــا يشغلك هــن تلك‬ ‫الفاتنات الالتى تركتهن فى البيت أصابع‬ ‫املمبار التى تركتها أمس لتواسيك فى هذا‬ ‫الظرف العصيب وزجــاجــات البيبسى‪..‬‬ ‫خرجت من اللجنة بلهفة عاشق سيلتقى‬ ‫محبوبته بعد طول غياب وبعد دقائق كان‬ ‫كل مايشغل بالك هو عدد األصابع التى لم‬ ‫تلتهمها من املمبار‪.‬‬


‫‪٢٦‬‬

‫‪ ٥‬مايو ‪ ٢٠١٩‬العدد ‪١٣٤٥‬‬

‫إبداع‬

‫رسائل لم‬ ‫ولن تصل‬ ‫أمل جمال السيد‬

‫عزيزى البعيد القريب‪..‬‬ ‫ً‬ ‫َ‬ ‫تعصف بى ذكــراك هذه األيــام كثيرا‪ ،‬ال‬ ‫َ‬ ‫أدرى أطيفك يطوف حولى أم أنك قريب‬ ‫للحد الذى يشعرنى أنك هنا جوارى‪.‬‬ ‫ُ‬ ‫أتتذكرنى كما أفعل أم ترانى أنا امللتاعة‬ ‫الوحيدة بغيابك!‬ ‫ٍ‬ ‫ّ‬ ‫منذ متى وأنت قاس فى الغياب هكذا!‬ ‫ً‬ ‫ُ‬ ‫لم تــرن إلى خاطرى يوما فكرة رحيلك‬ ‫ً‬ ‫املفاجئ‪ ،‬حتى أننى أمضيت شهورا بعدها‬ ‫أحاول تدارك ما حدث‪.‬‬ ‫فى أمسية قررت أن تذهب وليكن ما يكون‪.‬‬ ‫َ‬ ‫منذ متى وأنت تفكر فى نفسك فقط!‬ ‫َ َ‬ ‫ً‬ ‫ُ‬ ‫أتذكر كم مرة ابتعدت أنا واقتربت أنت!‬ ‫ّ َ‬ ‫ُ‬ ‫كم مرة حاولت الهروب فتمسكت بذكرى‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫جميلة بيننا لتؤثر على فأهدأ!‬ ‫ّ‬ ‫كم مرة وعدتنى بالبقاء وإن رحلت أنا!‬ ‫ِ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫مرت األيام بحلوها ومرها‪ ..‬بطولها ومللها‪..‬‬ ‫بنجاحاتنا وخيباتنا‪ ..‬بأسرارنا وأخبارنا‪..‬‬ ‫ّ‬ ‫بصداقاتنا وأعدائنا‪ ..‬مرت كلها بأحالمى‬ ‫َ‬ ‫بك وأمنياتى للقائك‪.‬‬ ‫لم ال ترجع األيــام إلى الــوراء كما تتقدم‬ ‫إلى األمام؟ لم ال يحدث هذا ليوم واحد أو‬ ‫لساعة واحدة فتحدثنى أخبارك وأحكى‬ ‫لك أفكارى‪.‬‬ ‫مازلت أذكــر آخر احتفال بميالدى منذ‬ ‫ّ‬ ‫أربع سنوات‪ .‬مرت السنون واأليام إال أن‬ ‫ّ‬ ‫عمرى توقف عند هذه السن التى شاركتنى‬ ‫اإلحتفال بها‪.‬‬ ‫أترانى كبرت ونضجت فى غيابك!‬ ‫أتقرأ كلماتى فتشعر بأثرك املتروك فيها!‬ ‫ٍ‬ ‫أستتلقى أول كتاب منى بــاإلهــداء كما‬ ‫تواعدنا!‬ ‫أمعجزات العالم توقفت معارضة لقاءنا!‬ ‫َ‬ ‫بمجرد أن أكتب لــك يهدأ عقلى وتثور‬ ‫ذكرياتى‪..‬‬ ‫ً‬ ‫أيكون اللقاء قريبا أم أن أملى فى رؤياك‬ ‫بات من املستحيالت!‬ ‫ُ‬ ‫ّ‬ ‫لعل دنياك هادئة مستكينة‪ ،‬وياليت ذكراى‬ ‫ال تترك أحالمك وأمسياتك فتتعجل اللقاء‪.‬‬ ‫إلى لقاء قريب فى رسالة أو حلم أو حتى فى‬ ‫ُِ‬ ‫ّ‬ ‫الخيال إلى أن يحن القدر للقيانا‪.‬‬

‫‪١١‬‬

‫‪ 5‬مايو ‪٢٠١٩‬‬

‫العدد ‪١٣٤٥‬‬

‫ير‬ ‫ال ِخ ِ‬ ‫اح َما َق ْب َل ْ َ‬ ‫ص َح ُ‬ ‫ال ْ‬ ‫ِْ‬ ‫الض ْو ِء‬ ‫ور َّ‬ ‫ِم ْن َم ْز ُم ِ‬ ‫بشير ميلودى‬ ‫َ َ ْ َِ‬ ‫َيا َأش َع ُيا ُ ْ َ ُّ‬ ‫ب َ​َ ْ‬ ‫ول َال َر َ‬ ‫اذا َ ي ُق ْ‬ ‫َم ْ َ‬ ‫است ْحال ‪ /‬فهل‬ ‫ن‬ ‫ط‬ ‫و‬ ‫َو ُال ُ َّ َ‬ ‫َت ْق ٌوم الساعه !؟‬ ‫ض ْ ُ ْ ِ َ ْ َِ ُ‬ ‫ِأ َر ْ َ‬ ‫بأ َّق َص َى َ ُال ُّ َحز َ ْن ًتح َت َكر‬ ‫الرج َاءْ فكلنا يوما يرى‬ ‫َْ َ‬ ‫َأ ْو ِج ِاع َه ْ َ ِ ْ َ َ ِ ُ َ ِ ِ َ‬ ‫اب ْطني‬ ‫َنأ ُت ْى ُل ٍص َ ْح ِر ْاء َ َال ْغي ِاب ُم َر َ‬ ‫َك ْج َر ْه َم ٌأو مثل بعض خزاعه‬ ‫ُه ِل َ ز ْم َز ِم‬ ‫ي؟‬ ‫َخل َّق ْت ُمع ُ ْ ِ ُ ِ ْ َ َ َ‬ ‫الش ِم َّسُ ت َله َم ْنى الخيال‬ ‫ِو َ ْ َ‬ ‫َل َس ْتمد شعاعه‬ ‫ِك َان ُت َ َ َّ ً َ ِ َ ْ َ َ ْ َ ْ ُ ْ َ‬ ‫ن ْتركت الحلم‬ ‫الدُك ً َج َنة َ ‪َ /‬فل َم َ‬ ‫َب َ‬ ‫َي ٌّا رجال أباح ضياعه‬ ‫أ َم َ ْ َ ِ ْ َ َ َّ ْ َ‬ ‫النجوى‬ ‫ص ِفا ْ ِ َ‬ ‫ِ َس ْت َ ِس َعى ْ َم َن َ ِ‬ ‫لتنتزع الحياة لطفلها‬

‫َِ​َ َ ْ‬ ‫َببْر َ ْاع ُه ُ ْ ِ ْ ُ ّ ِ‬ ‫َق َّد ْي َكب ِر ِال َط ِفل َ َالذ ْ ُي ْ َ‬ ‫يه ْشعيرة الرؤيا‬ ‫ِ ُخل ِّف َت َف َ‬ ‫َب َك ُل ش ِّج َاع ِه‬ ‫ِق َ ْدر َالر ُج ُال َّ ً َ َ َ‬ ‫كونوا ْأ ُم ُة و َسطا‬ ‫َب َأ ْن َي َ ُ‬ ‫ِو َأن َي ْهبوا الوجود‬ ‫َقن َاع ِه َ‬ ‫ن‬ ‫ي ْا َ ْس ِاد ْ َ ِ ِ ِ َ ْ َ َ ْ َ‬ ‫يم ْلا َ التجأت‬ ‫ِ َالبيت َّ َالق ِد َ ُ‬ ‫إ َلى َّالر َّماد َ وْخنت‬ ‫اع ُه ِ ِ ْ‬ ‫ك ِالط َ ْ‬ ‫ص َ‬ ‫َُْ‬ ‫َي َّتلون َّ فُى َم ِز َم َور َهم ‪:‬‬ ‫ول إ َذا َأ ْتـــــــــى‬ ‫الرس َ َ‬ ‫أ َن ُ ْ َ ُ‬ ‫ه‬ ‫اع‬ ‫م‬ ‫س‬ ‫ون‬ ‫م‬ ‫ُال ْيل ُه ْ ِ ُ َ ُ َ ْ َ ُ ْ‬ ‫هم ينكرون عزيرهم‬

‫َ ِ َ َّ َ ْ ً ِ ْ َ َ ِ َ َ َّ ُ‬ ‫َو ْبأ َن َع ْهدا فى العشاء توهموا‬ ‫اعه ْ ِ‬ ‫ِأن ب ْ ُ‬ ‫ء‬ ‫ز‬ ‫ج‬ ‫َفى َ ْال َ ْ َ ِ ِ ِ َ ْ ِ َ َ ِ‬ ‫ير ْم َن َّال َح ْكاية‬ ‫ِما َ قب َل َّ َال َخ َ ُ‬ ‫ه‬ ‫اع‬ ‫ز‬ ‫ف‬ ‫م‬ ‫ك‬ ‫يل َّ‪َ :‬أ ْن أ ُم ًام َ َ ْ ِ َ ْ َ ُ‬ ‫َق ِ َ‬ ‫وبا َ س ْي َرَو ُى ِز َر َع ْه‬ ‫د‬ ‫ج‬ ‫م‬ ‫ن‬ ‫أ‬ ‫ِو ْب َ ْ ِ َ َ َ‬ ‫َم َن ْب ِع َد ما أكل الفناء ذراعه‬ ‫َيا ْأ َش ْع َي ٌا َ ْ َ ُ ُ ُّ َ َ ُ َ ًّ‬ ‫َ ْهل ُ َبر ُز ِخ َير َت ْاده الشعراء حقا ؟‬ ‫أ ْم َتراه إشاعه !‬ ‫َ ْال َ ُن َ َ ْ َ ْ َ َ َ ْ َ َ ُ ْ ِ َ‬ ‫َأقُّرأ ِآي َة ْ ِال َوت َى فأفهمهم إذا‬ ‫مروا بغير شفاع‬

‫عرائس النواوى الورقية‬ ‫فى «ميتولوجيا»‬

‫جدا‬ ‫صباح هادئ ً‬

‫منى عبد الكريم‬

‫صباح هادى‬

‫َ َ ٌ‬ ‫َص ِب ٌاح ِ ًّ‬ ‫َه َاد ِئ َ ٌجدا‬ ‫َو َعاشق ُّة َ ِ‬ ‫َعل ِى َ ٌالشباك‬ ‫َو َاق ِف ُة‬ ‫س‬ ‫ُوفِّ َار ْ َ ْ َ ْ‬ ‫ُ َحب ِها الوحد‬ ‫َي ْن َ َاجى ُ ْ َ ْ‬ ‫َق َل ْبه ُا ُاملتعب‬ ‫َو ْي َر َسم َّ ْ ِ‬ ‫الض ْو ِء‬ ‫ِل َوح ِة ْ ُ‬ ‫ات ْ َال ْحزن‬ ‫َل ْذ َ‬ ‫َك َى َت ْس َعد‬ ‫اسم ْنا َ َّ ِ ْ ُ ْ ِ ْ‬ ‫َت ِق َ‬ ‫رحيق الجنة العجز‬

‫َ َ َّ ْ َ ُّ ُ َ‬ ‫الدمْوع‬ ‫ضأناْ َ ْ َ‬ ‫ِت ُو ِّ َ‬ ‫َل َحب ُن ْا ٌال ُ َعن َف‬ ‫َف َل َ ب ِعد َه ُن َاك‬ ‫ح ٌيل ُ َهن ِّا ُ َ‬ ‫َو َل َر َ‬ ‫خ ٌط ُل َي ِّه ُ َددنا‬ ‫َو َل ُ ْ‬ ‫َو ِل ْ َق ُب َح يبددنا‬ ‫وغنوتنا‬

‫ُ َ ِّ ُ َ ْ َ َ‬ ‫ت ْه ُد ْد ِرع ْ َش ِة ِ ِ َ‬ ‫َ َال ْحَ ُزن القديم بنا‬ ‫َوت َفت َح ْ َ ِ َ ْ ِ َ َ َ‬ ‫اب َت ُو َبت ُها ُ ال ًثير لنا‬ ‫َب َ ْ‬ ‫ِوتج َم َعنا ْن ُج َّوم ْا‬ ‫َف َ ْى َ ُسم َا َالع َش ّ ِاق َ‬ ‫وتفتح ‪ ‬باب جنتها‬

‫َِ ْ َ ْ َ ْ‬ ‫شت َاق ُ َ ِ ْ ِ َّ‬ ‫َل َ ْن َي َ‬ ‫ى َف ْؤ َادى َ ال ْغر‬ ‫ر‬ ‫ت‬ ‫فِ َ‬ ‫َفكي ِ ْ‬ ‫َي َا ْع َش ُق ُّى َو ْكَي ِف أراك ؟‬ ‫اس ْى َ ْ‬ ‫ِو َكي َف َ َأر ْد َأن ِف ْ َ‬ ‫إلى شفتيك كى ترعاك ؟‬

‫لم تكن تلك هى املرة األولــى التى تظهر فيها‬ ‫عرائس أسماء النواوى الورقية على مسطحها‬ ‫التشكيلى لتعيدنا إلى فترات الطفولة وحكايات‬ ‫الجدة‪ ،‬وتذكرنا برمزية تلك العروسة التى طاملا‬ ‫احتملت الوخز والــحــرق لــدرء الحسد واألعــن‬ ‫الحاقدة عنا‪ .‬إذ كانت هذه العروسة هى األيقونة‬ ‫التى اختارتها أسماء ملشروعها الفنى الذى تقدمت‬ ‫به لجائزة الدولة لإلبداع فى ‪ 2014‬والتى سافرت‬ ‫من خاللها لألكاديمية املصرية بروما‪.‬‬ ‫وقد اختارت الفنانة آنذاك رمزا ينتمى للتراث‬ ‫الشعبى بكل تداعياته‪ ،‬ذلك الطقس الذى عايشته‬ ‫بنفسها من خالل الخالة التى كانت تجمع بنات‬ ‫العائلة وتحرق العروسة الورقية درءا للحسد‪ ،‬إال‬ ‫أن النواوى قامت بمعالجة شكل العروسة واختارت‬ ‫شكال للعروسة مستوحى كذلك من شكل «فتاة‬ ‫عالمات املــرور» باعتباره رمزا دوليا‪ ،‬مع بعض‬ ‫التحويرات الفنية ‪..‬‬ ‫تقول الفنانة أسماء النواوى‪ :‬إن العروسه الورق‬ ‫فــى الــتــراث املــصــرى هــى عــروســة الحسد وهى‬ ‫تستخدم فى ممارسة شعبية ترتبط بما يعرف‬ ‫بـ«السحر األبيض» حيث يهدف الطقس السحرى‬ ‫هنا إلى إبعاد الضرر الحادث بفعل العني الحاسدة‪.‬‬ ‫وقد تقام املمارسة على عروسة ورقية تصنع على‬ ‫هيئة جميع الحاسدين‪ ،‬وتغرز فيها اإلبرة مرات‬

‫عديدة والراقية تقول‪« :‬من عني اللى شافوك وال‬ ‫فالنة ومن عني فالن‪»..‬‬ ‫صلوا على النبى‪ ..‬من عني ً‬ ‫مع ذكر األسماء األكثر احتماال فى الحسد‪ ،‬وتتغير‬ ‫معنى العروسة حسب من يحملها‪ ،‬وهنا فكرت‬ ‫أن أقدم فى أعمالى عالقة كل بطلة أو بطل بتلك‬ ‫العروسة وما تمثله له‪.‬‬ ‫فــى معرضها األخــيــر «مــيــتــولــوجــيــا» الــذى‬ ‫استضافه جاليرى املسار تعاود الفنانة استخدام‬ ‫العرائس الورقية بأكثر من صياغة فهى ليست‬ ‫عروسة واحدة بل عدة عرائس‪ ،‬أحيانا عقد من‬ ‫العرائس‪ ،‬أو وردة تضعها الفتاة فى شعرها‪ ،‬إذ‬ ‫تقول الفنانة كان هناك دائما تساؤل ما يؤرقنى عن‬ ‫سر استخدام عروسة واحدة فى العادة لنحملها‬ ‫بكل تلك األشياء‪ ،‬ومع مزيد من البحث اكتشفت‬ ‫أنها أيضا رمز الستمرار الحياة‪ ،‬وقوتها تكمن فى‬ ‫ريعان الصبا‪ ،‬وهى رمز لإلخصاب واإلنجاب‪ .‬وهنا‬ ‫تظهر العرائس كرمز للقيمة التى تشكل الحافز‬ ‫لإلستمرار‪ ،‬فمنا من يرى فى املعرفة ذلك الحافز‬ ‫وغيره من يرى فى رحلة بحثه عن السالم الداخلى‬ ‫وهكذا‪.‬‬ ‫تعترف أسماء أن األجـــواء التى تصور فيها‬ ‫عرائسها هذه املرة أكثر سالما‪ ،‬إذ كانت من قبل‬ ‫ذلك كانت كل الصراعات واملشاحانات الداخلية‪،‬‬ ‫أما اآلن فهى أجواء أكثر احتفاء وبراءة وطهرا‪ ،‬تلك‬ ‫األجــواء التى ترتبط بوصول املرء إلى بر األمان‬ ‫بمعرفته سر استمرار الحياة بالنسبة له‪.‬‬ ‫وال تكتفى أسماء برمز واحد فى لوحاتها‪ ،‬إذ‬ ‫يحتشد كل عمل بمجموعة متضافرة من الرموز‬ ‫التى يتعني على املتلقى معها أن يفكها تباعا‪ ،‬إذ‬ ‫تعتمد أسماء على مفهوم الرموز التراكمية بمعنى‬

‫أن اللوحة تتكون من مجموعة من الرموز وعلى‬ ‫املشاهد أن يعرف معنى كل رمز حتى يدرك معنى‬ ‫العمل الفنى‪.‬‬ ‫فحني وضعت النواوى عروستها الورقية مع زهرة‬ ‫الياسمني فهى تحيلنا لرواية «غربة للياسمني»‬ ‫لخولة حمدى إذ تشبه أسماء فى إيطاليا بطلة‬ ‫الرواية “ياسمني” فى فرنسا‪ ..‬إذ تقول ‪ :‬أرادونى مثل‬ ‫زهرة الياسمني تعيش فى كل األجواء‪ ،‬فالياسمني‬

‫أســمــاء ذاتــهــا حــاضــرة كبطلة‬ ‫رئيسية فى عدد من اللوحات‪،‬‬ ‫ويتحول مسطحها ملسرح من‬ ‫احلكايات محمل باملعانى ‪.‬‬

‫نبات ال يحتاج إلى الكثير من ّ العناية‪ .‬تكفيه دفعة‬ ‫واحدة من ّ‬ ‫السماد فى ربيع كل عام‪ ،‬وتربة رطبة‬ ‫دون فيض من السقيا جميع ّ أنواع الياسمني تفضل‬ ‫ّ‬ ‫الن ّ‬ ‫ّ‬ ‫تتحمل وجود شىء‬ ‫مو فى مكان مشمس‪ ،‬لكنها‬ ‫من الظل‪ .‬لم تصبنى الدهشة من تلك النصيحة‬ ‫التى تحاول فيها األم أن تربى ابنتها على الرضا‬ ‫بالقليل فنحن نساء الوطن العربى تربينا أن نزهر‬ ‫مهما كانت الظروف‪ ،‬تعلمنا أن نعطى حتى وإن لم‬ ‫نأخذ أى شئ فى املقابل‪ ...‬وهو أمر ضاغط جدا‪،‬‬ ‫ربما يعلمنا الكثير من األشياء وربما يساعدنا‬ ‫للوصول للسالم الداخلى ولكن عبر رحلة شاقة‪.‬‬ ‫ومما ال شك فيه أن أسماء النواوى معنية بقضايا‬ ‫املــرأة‪ ،‬وتلك الصعوبات التى تواجهها سواء فى‬ ‫الحياة فى هذا املجتمع وما ينتظره منها أو حني‬ ‫تخرج إلى املجتمعات الغربية وتواجه قضايا شائكة‬ ‫خاصة إذا كانت ترتدى الحجاب لتواجه صعوبات‬ ‫من نوع آخر مثل اإلسالموفوبيا‪ ،‬لذا نجد أسماء‬ ‫ذاتها حاضرة كبطلة رئيسية فى عدد من اللوحات‪،‬‬ ‫ويتحول مسطحها ملسرح من الحكايات محمل‬ ‫باملعانى وبقصص بطالته فى الغالب ‪ ،‬إذ قليال ما‬ ‫يظهر الرجل كبطل فى أعمالها‪.‬‬ ‫ومن األمور الالفتة فى تجربة أسماء أنها تنبهنا‬ ‫إلى عدم االنبهار بالظاهر فاملعانى الخفية قد تغير‬ ‫رؤيتنا تماما‪ ،‬فمثال تلك الزخارف النباتية الجميلة‬ ‫التى توظفها فــى بعض الــلــوحــات تحمل داللــة‬ ‫مغايرة‪ ،‬فهى مستوحاة من الحضارة الفارسية‪،‬‬ ‫وعلى الرغم من جمال هذه النبتة اال أنها نبات‬ ‫ضار‪ .‬وهى تمثل كل األشخاص واملواقف التى يكون‬ ‫ظاهرها جميال ولكن باطنها يحمل الكثير من‬ ‫الضرر للمرأة‪ .‬كذلك فإن ذلك الطائر الجارح‪،‬‬ ‫الطائر الفينيق أو الفنيكس أو كما يعرف بالعنقاء‬ ‫هو طائر خرافى قوى وجميل وهو عندما يموت‬ ‫يتحول الى رماد ولكن سرعان ما يتحول الرماد‬ ‫الى طائر أقوى وأجمل‪ ،‬هو يشبه املرأة املصرية‬ ‫الكادحة املطالبة أن تكون طائرا فينيقا كل يوم‪.‬‬ ‫ومما ال شك فيه أن أسماء التراكمات التى‬ ‫يحملها املسطح ال تنبع فقط من معانى الرموز‬ ‫وإنما تمتد إلى التراكمات الحضارية والفكرية‬ ‫والثقافية التى تخص الفنانة ذاتها‪ ،‬إذ تحيلنا فى‬ ‫أعمالها إلى حضارات عدة من خالل بحث مستمر‬ ‫عن اختالف معنى الرمز من حضارة ألخرى‬ ‫فمثال نجد زهرة اللوتس التى تعنى فى الحضارة‬ ‫املصرية القديمة رمــزا لــدورة الحياة الجديدة‬ ‫والتى تتأثر بالشمس فتتغير مدى إزهارها على‬ ‫مدار اليوم بقوة أشعة الشمس‪ ،‬نجدها فى حضارة‬ ‫شرق آسيا هى رمز للتطهر والنقاء‪ .‬ففى إحدى‬ ‫اللوحات التى قدمتها فى معرضها األخير نجد‬ ‫فتاتيها محاطتني بأزهار وأوراق اللوتس اآلسوية‬ ‫فلقد اختاروا فى النقاء هدفا الستمرار الحياة‪.‬‬ ‫ويبدو اللون أيضا بطال أساسيا عند أسماء‬ ‫النواوى إذ أنها تستخدم درجات من األزرق والبنى‬ ‫الترابى تعتبر بمثابة بصمة تميز أعمالها‪ ،‬ومع‬ ‫ذلك فقد حرصت أسماء على الخروج من عباءتها‬ ‫الفنية بتقديم عدد من األعمال التى ال تنتمى‬ ‫لباقى مجموعة املعرض فى مذاقها وألوانها‪ ،‬ومنها‬ ‫مجموعة عروبة التى مزجت فيها الحروف العربية‬ ‫وغلب عليها استخدام درجات من اللون األسود‪،‬‬ ‫وكذلك اللوحتان املستوحاتان من الحضارة‬ ‫املصرية القديمة‪ ..‬إذ ال تتوقف أسماء عن البحث‬ ‫والتجديد فى تجربتها الفنية لكشف املزيد من‬ ‫املعانى واملفاهيم والستكشاف ذاتها باملثل‪.‬‬


‫‪10‬‬

‫‪ 5‬مايو ‪٢٠١٩‬‬

‫العدد‪١٣٤٥‬‬

‫‪٢٧‬‬

‫‪ ٥‬مايو ‪ ٢٠١٩‬العدد ‪١٣٤٥‬‬

‫إبداع‬

‫تزامنا مع رئاسة مصر لالتحاد األفريقى‪ ،‬نظمت كلية الدراسات األفريقية العليا‪ ،‬بجامعة القاهرة‪ ،‬مؤتمرها الدولى السنوى بعنوان (مصر والتنمية‬ ‫املستدامة فى أفريقيا‪ :‬الرؤى وآليات التفعيل فى ضوء أجندة االتحاد األفريقى ‪2063‬م‪ .‬وذلك برعاية الرئيس عبدالفتاح السيسى‪ ،‬وبحضور د‪.‬‬ ‫عثمان الخشت رئيس الجامعة‪ ،‬الذى أكد على حرص الجامعة على الدعم املتواصل للكلية‪ ،‬وتقديم كافة التسهيالت للطلبة األفارقة‪ ،‬أما الدكتور‬ ‫محمد نوفل عميد الكلية‪ ،‬ورئيس املؤتمر‪ ،‬فقد أعلن أن املؤتمر يهدف لوضع اسهام علمى يعمل على دفع عجلة التنمية وتحقيق األمن والسلم‪ ،‬وبحث‬ ‫سبل النهوض بمستقبل القارة فى ظل أجندة أفريقية ‪2063‬م التى يتبناها االتحاد األفريقى‪ ،‬وفى االفتتاح‪ -‬أيضا أشار السفير أبوبكر حفنى‪ ،‬مساعد‬ ‫وزير الخارجية للشئون االفريقية إلى أن التكافل األفريقى لن يحدث إال بنشر األمن والسالم‪ ،‬وأن استقاللية القرار األفريقى يحقق أهدفا التنمية‬ ‫املستدامة‪ ،‬وهذا يتطلب توفير موارد ذاتية لتمويل ميزانية االتحاد بعيدا عن املنح واملساعدات الخارجية‪.‬‬ ‫وبحضور ‪ 150‬باحثا من مختلف الدول األفريقية تم مناقشة ‪ 138‬بحثا‪ ،‬توصل املشاركون بها إلى تفعيل الدبلوماسية الشعبية بني دول القارة‪ ،‬وانشاء‬ ‫قناة فضائية ناطقة باللغات األفريقية‪ ،‬فضال عن ترجمة أبحاث املؤتمر بعدة لغات‪ ،‬وتقديمها إلى رئاسة الجمهورية‪ ،‬ورئاسة الجامعة‪ ،‬تفعيال لدور‬ ‫كلية الدراسات األفريقية العليا‪ ،‬كبيت خبرة فى مجال الشأن األفريقى‪.‬‬

‫مسافر على فني‬

‫فى مؤمتر دولى بجامعة القاهرة‬

‫أفريقيا التى نريدها ثقافي ًا وسياسي ًا عام ‪2063‬‬ ‫منى نور‬

‫بــدأت جلسات املؤتمر ‪20‬جلسة فــى أيامها‬ ‫الثالثة‪ ،‬بجلسة افتتاحية بقاعة الشيخ القاسمى‬ ‫باملكتبة املركزية‪ ،‬بكلمة للدكتور محمد نوفل‪،‬‬ ‫عميد الكلية ورئيس املؤتمر أكد فيها أن أهمية‬ ‫تبنى ‪ ،2063‬فى ضوء جملة من العوامل الرئيسية‪،‬‬ ‫من بينها تغير السياق الدولى من خالل العوملة‬ ‫والثورة التكنولوجية‪ ،‬والتى أتاحت معها ملختلف‬ ‫دول وأقاليم القارة األفريقية فرصا غير مسبوقة‬ ‫لتحقيق تقدم ملموس على كافة املستويات‪ ،‬ولعل‬ ‫من بينها مــبــادرة الشراكة الجديدة من أجل‬ ‫تنمية أفريقيا «نيباد» الصادرة فى عام ‪،2001‬‬ ‫وتستهدف أجندة «‪ »2063‬تحقيق سبعة طموحات‪:‬‬ ‫تحقيق الرخاء فى أفريقيا‪ ،‬التكامل االفريقى‪،‬‬ ‫الحكم الجيد الرشيد‪ ،:‬الديمقراطية واحترام‬ ‫حقوق اإلنسان والعدالة وحكم القانون‪ ،‬وتحقيق‬ ‫السلم واألمن فى أفريقيا‪ ،‬وخلق هوية ثقافية قوية‪،‬‬ ‫وميراث مشترك‪ ،‬وقيم وأخالقيات ألفريقيا‪ ،‬وخلق‬ ‫تنمية فى افريقيا مستدامة على الشعوب االفريقية‬ ‫والسيما املرأة والشباب‪.‬‬ ‫ثمة أوراق علمية عديدة‪ ،‬متنوعة فى تناول‬ ‫القضايا املرتبطة بالقارة األفريقية من بينها‪:‬‬ ‫قضية الهوية األفريقية فى إطار أجندة االتحاد‬ ‫االفريقى ‪ ،2063‬وتأثيراتها املحتملة على العالقات‬ ‫العربية‪ ،‬وفيها أوضح د‪ .‬أشرف عبيد‪ ،‬أن الهوية‬ ‫األفريقية ترتبط فى أفكار ورؤى املفكرين األفارقة‬ ‫بكثير من القضايا الفكرية ذات التطبيقات العملية‬ ‫السياسية التى تزخر بها البيئة فى أفريقيا‪ ،‬ومن‬ ‫أولى هذه القضايا‪ :‬هل شمال أفريقيا‪.‬‬ ‫وعن اللغة والتنمية فى الفكر السياسى للشيخ‬ ‫أنتاديوب‪ ،‬أشارت د‪ .‬ايمان عبدالعظيم‪ ،‬إلى أن‬ ‫قضية اللغة إحــدى القضايا الهامة التى شغلت‬ ‫اهتمام املثقفني األفارقة‪ ،‬مع أنها لم تكن وحدها‬ ‫القضية محل االهتمام فى أفريقيا‪ ،‬فكثيرا ما‬ ‫ثــار الجدل بني املثقفني األفــارقــة‪ ،‬السيما فى‬ ‫املستعمرات الفرنسية حول مدى امكانية استخدام‬ ‫اللغات األفريقية‪ ،‬بديال عن اللغات األجنبية‪ ،‬وكان‬ ‫من بينهم املفكر السنغالى «الشيخ أنتا ديوب»‬ ‫الذى أطلق عليه فرعون املعرفة‪ ،‬إلملامه بالعديد‬ ‫من التخصصات املختلفة‪ ،‬ومن هنا تسعى ورقتى‬ ‫إلى تفسير العالقة بني اللغة وقضايا التنمية فى‬ ‫الفكر السياسى للشيخ «أنتا ديوب»‪ ،‬وقد توصلت‬ ‫إلى ضرورة استخدام اللغات األفريقية لتحقيق‬ ‫التنمية األفريقية‪ ،‬كما أنه ال يمكن دراسة اللغات‬ ‫األفريقية دون تحديد ملسألة أصــل الحضارة‬ ‫املصرية القديمة‪ ،‬بمعنى أن تظل الــدراســات‬ ‫اإلنسانية األفريقية فى الحضارة املصرية القديمة‬ ‫هى األساس فى مسألة تطور اللغات األفريقية‪.‬‬ ‫وكانت ورقة متميزة عن الهوية األفريقية فى‬ ‫أجندة االتحاد األفريقى ‪2063‬م‪ ،‬قدمها د‪ .‬باسم‬ ‫رزق‪ ،‬أبــان فيها أن الهوية تعبر عن حالة من‬ ‫التماسك والوحدة التى تنتج عن املالمح والسمات‬ ‫والقواسم املشتركة التى تميز وتمايز جماعة أو‬ ‫شعبا عن غيره‪ ،‬وتناول د‪ .‬باسم مفهوم الهوية‬ ‫األفريقية وأسسها الفكرية‪ ،‬الهوية األفريقية فى‬ ‫االطروحات القارية السابقة‪ ،‬الهوية األفريقية‬ ‫واالتحاد األفريقي‪ ،‬الهوية األفريقية فى أجندة‬ ‫االتحاد األفريقى ‪2063‬م‪.‬‬ ‫واختص د‪ .‬جالل حسن «جامعة دمياط» املؤتمر‬

‫د‪ .‬عثمان الخشت رئيس جامعة القاهرة يفتتح املؤتمر بحضور مندوبى األزهر والكنسية‬

‫تضمنت األبحاث قضايا فى مختلف املناحى التى تهم‬ ‫شعوب القارة فى مجاالت السياسة واالقتصاد‪ ،‬والنواحى‬ ‫االجتماعية والبيئية‪.‬‬ ‫بورقة علمية عن ظاهرة اإلرهــاب وآثارها على‬ ‫التنمية املستدامة فى أفريقيا‪ ،‬مشيرا إلى أنه يأتى‬ ‫فى مقدمة القضايا الطارئة التى تتطلب اهتماما‬ ‫عاجال وفوريا من االتحاد األفريقى والجهات‬ ‫الفاعلة األخــرى فى الــقــارة‪ ،‬مكافحة اإلرهــاب‬ ‫والتطرف العنيف ‪ ،‬وبيان أهم اآلليات املتوقعة‬ ‫لتفعيل أجندة ‪2063‬م‪ ،‬فى إطار مكافحة اإلرهاب‬ ‫والتطرف‪ ،‬وعن اإلرهــاب وأثــره على التنمية فى‬ ‫أفريقيا‪ ،،‬ورقة علمية استعرض فيها د‪ .‬خوجلى‬ ‫أحمد الصديق «جامعة أم درمــان»‪ ،‬محاور عدة‬ ‫ّبي فيها أن أفريقيا رغم مواردها الوافرة ابتليت‬ ‫باالستعمار األوروبــى الذى استنزف هذه املوارد‬ ‫وسخرها ملصلحته‪ ،‬وعندما غادر ترك فيها عددا‬ ‫من الحروب األهلية‪ ،‬والصراعات اإلثنية‪ ،‬مما‬ ‫ساهم فى تأخر مسيرتها التنموية وتقدم إنسانها‪،‬‬ ‫وفى عصرنا هذا تعرضت أفريقيا مثل غيرها من‬ ‫القارات لظاهرة اإلرهاب الذى ساهم كذلك فى‬ ‫تعطيل مشروعاتها التنموية‪ ،‬وتسبب فى ضعف‬ ‫إنسانها فى كافة مجاالت التقدم البشرى والتطور‬ ‫اإلنسانى‪.‬‬ ‫وقد قدم د‪ .‬زكى البحيرى «جامعة املنصورة‪،‬‬ ‫دراسة فى معوقات التنمية‪ ،‬والتكامل فى أفريقيا‪،‬‬ ‫أكد فيها من أن أهم املعوقات التى تعوق عملية‬ ‫التنمية فى أفريقيا‪ ،‬الصراعات التى تحدث‬ ‫للسيطرة على الحكم والسلطة بطريقة غير‬ ‫ديمقراطية فى بعض البلدان‪ ،‬ودول القارة‪،‬‬ ‫فضال عن الصراعات والنزاعات القبلية‪ ،‬وتواجد‬ ‫العمليات اإلرهابية التى تؤدى إلى عدم االستقرار‬ ‫للمجتمعات بالشكل الــذى يمكنها من تخطيط‬ ‫وتنفيذ عمليات تنمية ترفع من مستوى السكان‪،‬‬ ‫وتحقق تقدمها‪ ،‬خاصة فى بعض مناطق غرب‬ ‫أفريقيا‪ ،‬مثل مالى ونيجيريا‪ ،‬وفى بعض مناطق‬ ‫شمال القارة مثل ليبيا‪.‬‬ ‫ومن ضمن معوقات التنمية والتكامل ـ أيضا ـ‬ ‫افتقاد القارة للبنية التحتية من طرق ومواصالت‬ ‫برية ونهرية وجوية‪ ،‬ونقص الكهرباء‪ ،‬والطاقة‬ ‫املتاحة التى تلزم عمليات الزراعة والصناعة‪،‬‬ ‫والــخــدمــات املــتــعــددة‪ ،‬ويــدخــل فــى إط ــار ذلك‬ ‫ايضا‪ ،‬ضعف مستوى الصحة والتعليم وعدم‬ ‫مواكبة التطور الحديث فى العالم املتقدم من‬

‫نقلة تكنولوجية‪ ،‬وثورة واسعة فى مجال االتصال‬ ‫واملعلومات‪ ،‬كما يأتى من املعوقات أيضا تدخل‬ ‫القوى الخارجية التى تسعى الستغالل ونهب ثروات‬ ‫القارة دون تحقيق أية مشروعات تنموية‪ ،‬وتحرر‬ ‫املرأة وتطلق طاقات الشباب كقوة عاملةكبيرة‪.‬‬ ‫وتفردت ورقة د‪ .‬سمير عزت إبراهيم بتقديم‬ ‫الخريطة اللغوية فى أفريقيا‪ ،‬أشار فيها إلى كثرة‬ ‫اللغات فى أفريقيا‪ ،‬إذ يقدر علماء اللغة عددها بما‬ ‫يربى على ألفني وخمسمائة لغة‪ ،‬تقريبا‪ ،‬يتحدث‬ ‫بها أكثر من مليار انسان‪ ،‬ويرجع هذا التعدد‪،‬‬ ‫وهذه الكثرة إلى طبيعة األنظمة القبلية السائدة‪،‬‬ ‫فى القارة‪ ،‬ذلك أن عددا كبيرا من القبائل تعتمد‬ ‫فى حياتها اليومية على الجمع وااللتقاط والرعى‪،‬‬ ‫والتنقل من مكان آلخر‪ ،‬وفى أحيان كثيرة تهاجر‬ ‫بسبب الجفاف إلى مناطق تتوافر بها املياه والعشب‬ ‫لرعى ماشيتها‪ ،‬ومن ثم تنقسم إلى بطون وعشائر‪،‬‬ ‫وتنقسم لغاتها إلى لهجات بسبب االندماج مع‬ ‫جماعات رعوية أخــرى‪ ،‬تتحول إلى لغات بمرور‬ ‫الزمن‪ ،‬ويصبح لكل بطن أو عشيرة لغة خاصة بها‪،‬‬ ‫بل إن بعض القبائل كما فى غانا مثال‪ ،‬لها أكثر من‬ ‫لغة‪ ،‬فى حني أن عدد سكان دول مثل «غينيا بساو‪،‬‬ ‫ناميبيا‪ ،‬بتسوانا» ال يتجاوز عدد سكان كل دولة‬ ‫الثالثة ماليني نسمة‪.‬‬ ‫مؤكدا أن الخريطة اللغوية األفريقية تعد من‬ ‫أعقد الخرائط اللغوية فى العالم ملا تزخر به من‬ ‫كم هائل من اللغات‪ ،‬ليس فقط من حيث العدد‪ ،‬بل‬ ‫ايضا من حيث التنوع والتباين وتداخل بعضها فى‬ ‫بعض‪ ،‬ويمثل هذا التنوع والتباين دولة مثل نيجيريا‬ ‫«‪ 500‬لغة»‪ ،‬السودان قبل االنفصال «‪ 140‬لغة»‪،‬‬ ‫أثيوبيا «‪ 90‬لغة»‪ ،‬وتقدر عدد األسرات اللغوية فى‬ ‫العالم بحوالى ‪ 12‬أسرة منها خمس فى أفريقيا‬ ‫وحدها‪.‬‬ ‫وفــى هــذا اإلطــار قــدم كل من د‪ .‬سيد رشــاد‪،‬‬ ‫ود‪ .‬محمد نــوفــل‪ ،‬دراســـة حــول اعـــادة ترسيم‬ ‫الخريطة اللغوية ألفريقيا‪ ،‬أشار فيها إلى وجود‬ ‫أكثر من ‪ 2600‬لغة‪ ،‬موزعة على خمس فصائل‬ ‫لغوية كبرى فصيلة اللغات األفروآسيوية‪ ،‬اللغات‬ ‫النيجركونجية‪ ،‬اللغات النيلية الصحراوية‪ ،‬لغات‬ ‫الخوايسان‪ ،‬وفصيلة اللغات االسترونيزية‪.‬‬ ‫وأكدا أن األوضــاع اللغوية فى أفريقيا شهدت‬

‫تغيرات وتحوالت كثيرة السيما فى العقود األخيرة‬ ‫نتيجة للعديد مــن األســبــاب منها‪ :‬النزاعات‬ ‫والــحــروب‪ ،‬األزمــات السياسية‪ ،‬واالقتصادية‪،‬‬ ‫الــتــحــوالت االجتماعية والثقافية‪ ،‬الهجرات‬ ‫الطوعية والقسرية‪،‬التغيرات املناخية‪ ،‬العوملة‬ ‫وهيمنة اللغات األجنبية الوافدة‪ ،‬انحسار واندثار‬ ‫العديد من اللغات املحلية فى أفريقيا‪ ،‬كل ذلك‬ ‫أسهم فى تشويه الخريطة اللغوية ألفريقيا وطمس‬ ‫معاملها‪.‬‬ ‫وعن املــوروث الثقافى املشترك للمجتمعات‬ ‫الــحــدوديــة‪ ،‬ق ــدم د‪ .‬محمد عفيفى دراس ــة‬ ‫أنثروبولوجية لواحتى سيوة‪ ،‬والجغبوب‪ ،‬أوضح‬ ‫فيها أن املجتمعات الصحراوية الحدودية تمتلك‬ ‫كنوزا هائلة من املوروثات الثقافية التى تجعلهم‬ ‫ميدانا خصبا للدراسات االنثروبولوجية‪ ،‬خاصة‬ ‫منطقة الــصــحــراء الغربية حيث تقع واحتا‬ ‫سيوه والجغبوب فى محيطها‪ ،‬فتوجد عالقات‬ ‫تاريخية وثقافية فرضتها الظروف اإليكولوجية‬ ‫والسياسية التى شكلت الهوية الثقافية لسكان‬ ‫املنطقة‪ ،‬لذلك نجد الكثير من التراث الثقافى‬ ‫املشترك بني الواحتني‪ ،‬والــذى نتج عنه تقارب‬ ‫وتواصل دائم فى العالقات القرابية والثقافية‬ ‫واللغوية بينهما‪.‬‬ ‫وتــنــاول د‪ .‬نصر الدين جــار النبى سليمان‬ ‫«جامعة كردفان» العالقات بني مصر اإلسالمية‬ ‫وبالد النوبة املسيحية‪ ،‬وأثرها فى انتشار الثقافة‬ ‫اإلسالمية فى ســودان وادى النيل‪ ،‬فقال إن‬ ‫أبرزها الحملة الكبرى التى قام بها عبدالله بن‬ ‫سعد بن أبى السرح‪ ،‬والتى أسفرت عن معاهدة‬ ‫البقط‪ ،‬والتى سمحت للمسلمني بالدخول إلى‬ ‫بالد النوبة املسيحية‪ ،‬األمر الذى أدى إلى انتشار‬ ‫اإلسالم وثقافته فى سودان وادى النيل‪ .‬أما بالد‬ ‫النوبة فهى تلك الرقعة التى تمتد من أسوان‬ ‫شماال حتى ملتقى النيل األزرق واألبيض جنوبا‪،‬‬ ‫هذه املنطقة قامت فيها ثالث ممالك مسيحية‪،‬‬ ‫وهى نوباتيا فى أقصى الشمال‪ ،‬وجنوبها املقره‬ ‫وعلوه‪ ،‬وجميعها ارتبطت بعالقات مع مصر‪،‬‬ ‫فالعالقات بني مصر وبــاد النوبة بــدأت منذ‬ ‫الفتح اإلسالمى‪ ،‬وامتدت إلى عهد العباسيني‪،‬‬ ‫ومن ثم عهد الدويالت اإلسالمية التى قامت‬ ‫فى مصر‪ ،‬ابتداء من الدولة الطولونية «أحمد‬ ‫بن طولون»‪ ،‬الذى بدأ بإعداد حملة حربية اتجه‬ ‫بها صوب بالد النوبة وأرض البجة‪ ،‬هذه الحملة‬ ‫احتوت عددا كبيرا من القبائل العربية أبرزها‬ ‫قبائل ربيعة وجهينة‪ ،‬والتى استقرت فى تلك‬ ‫األجزاء‪ ،‬كذلك امتدت العالقة بني الدولتني فى‬ ‫العهد االخشيدى‪ ،‬ففى هذا العهد وسابقه تمت‬ ‫االستعانة بالنوبة فى الجيش االخشيدى‪ ،‬أما‬ ‫القبائل العربية فقد فتح لها باب الهجرة إلى‬ ‫بالد النوبة والبجة‪ ،‬األمر الذى أدى نشر الثقافة‬ ‫اإلسالمية‪ ،‬وكان االزدهــار الحقيقى بني مصر‬ ‫والنوبة فى العهد الفاطمى وزادت سوءًا فى عهد‬ ‫املماليك «السلطان بيبرس»‪ ،‬الذى هاجم امللك‬ ‫النوبى داوود وأجبره على دفع البقط‪.‬‬ ‫وتضمنت األبحاث أيضاـ والتى قاربت على‬ ‫مائتى بحث ـ قضايا فى مختلف املناحى التى تهم‬ ‫شعوب القارة فى مجاالت السياسة واالقتصاد‪،‬‬ ‫والنواحى االجتماعية والبيئية‪.‬‬

‫طلعت محمد‬

‫قصائد‬

‫جلستنا ملت‬

‫ماجد أبادير‬

‫ولسة‬

‫إلى الشاعر اجلميل ‪ /‬حلمى سالم‬

‫ولسة الحلم بيعافر ‪ ..‬ف بطن الليل ‪..‬‬ ‫وبينقر على الدماغات ‪...‬‬ ‫لحد الصبح ويسافر ‪ ..‬مع املتاهات ‪..‬‬ ‫وملا أسأل عليه فينو ؟‬ ‫يقولوا مات ‪..‬‬ ‫واشوفه ساعات بيتنقل ‪..‬‬ ‫وياخد م الصور ‪100‬‬ ‫مالغية ف عيون حبيبني على الكورنيش ‪..‬‬ ‫ال ف ايدهم يعرفوا مصيرهم ‪...‬‬ ‫وال قادرين يسيبوا بعض ‪..‬‬ ‫وبستانى النهاردة ماعدش يتصاحب‬ ‫عليه الورد ‪.‬‬ ‫وال العصافير على كفوفه ‪ ...‬بتعزف أحلى‬ ‫أغنية ‪..‬‬ ‫ف عز البرد ‪..‬‬ ‫وتجرى لجل ما تصبح على الناس ف‬ ‫البيوت ‪..‬‬ ‫دغرى‪.. ..‬‬ ‫تصحى البسمة ف عيون الفواعلية‪ ..‬ف‬ ‫عز الحر‬ ‫وتغزل وسطهم خضرة و‪ ..‬ترسم نهر ‪..‬‬ ‫وحيلى مش كما امبارح ‪...‬‬ ‫وخلقى عاد كالم جارح ‪...‬‬ ‫ما عدشى يحتمل ممكن ‪ ..‬وال يمكن ‪ ..‬وال‬ ‫جايز ‪..‬‬ ‫ومش هـ الحق اصحى حد ‪..‬‬ ‫ومش‬ ‫هالحق‬ ‫اصحى‬ ‫حد‬

‫محكوم‬ ‫محكوم بمسافة ووقت ‪..‬‬ ‫و‪ 1100‬من األمثال ‪..‬‬ ‫وباعوم على عوم الدنيا ساعات ‪..‬‬ ‫وساعات أتهبد أتشال ‪..‬‬ ‫ومــحــال‪ ...‬راح أغير بالكام كلمة كالم‬ ‫متشال‬

‫‪ ...‬وف عقل عــيــال محفور على باب‬ ‫دماغاتها ‪...‬‬ ‫شيطان ومالك ‪..‬‬ ‫ف انقسم اتنني‬ ‫واتنني ‪ ..‬واتنني‪...‬‬ ‫وب احسبنى باصغر واصغر‪..‬‬ ‫واصغر‪..‬‬ ‫وأنا خايف بكرة الصبح ‪..‬‬ ‫وأنا طالع شغلى وكل الناس نايمني ‪..‬‬ ‫ابص ‪ ..‬ف مرايتى ‪..‬‬ ‫علشان ما أســاوى الباقى ‪ ..‬من شعرى‬ ‫الواقع ‪...‬‬ ‫مأشوفنيش ‪!! ...........‬‬

‫الدنيا‬ ‫الدنيا البالعة ما فيها ‪ ..‬بتتمطع ‪..‬‬ ‫وتشاور ده ‪..‬‬ ‫فيبطل كل عمايله ‪..‬‬ ‫وال تانى تعاند فيه‪..‬‬ ‫وال ترجع لجل تحايله ‪..‬‬ ‫ترجع تتمطع وتشاور ده ‪..‬‬ ‫وأنا دورى مجاش ‪.‬‬ ‫استنى وال مستناش ‪..‬‬ ‫والدنيا اللى مرحماش ‪..‬‬ ‫وال عمرها يوم هتبطل ‪..‬‬ ‫وبتضرب ومشيفاش ‪..‬‬ ‫غير ملا تخلص كل ما فيها مشاورة ‪..‬‬ ‫وبشاورة بتمسح ده ورا ده ‪..‬‬ ‫وال حب يعيش‪..‬‬ ‫وال حلم يعيش ‪..‬‬ ‫يحيا التنتيش‪ ...‬طول ما الدنيا البالعة ما‬ ‫فيها بتتمطع ‪..‬‬ ‫وماتخترنيش‪..!!.........‬‬

‫والبحر فيك غويط‬ ‫ال سكونى فيك شهيد‬ ‫هل ياترى القريب زى البعيد؟‬ ‫تمر األيام وتهل‬ ‫والصبح على الشجر بيرمى السالم‬ ‫أنت حر زيى وال أنا السجني‬ ‫ياحمام الصبح كسر جمودك‬ ‫لوال الحياة فيك تعصر خلودك‬ ‫لو الشجن فيك‬ ‫تحكى للقمر عن شطوطك‬ ‫خالد ياقمر خالد‬ ‫وإحنا اللى بهتنا لونك‬ ‫نسيك سامحنى‬ ‫يمكن أبص فيك لم يجى دورك‪.‬‬

‫ياريت تكونى حاسة بى‬ ‫مسكون بالهم وساكنى‬ ‫وعارف عيونك حتجننى‬ ‫ال زايغ الضى‬ ‫ال رايق صبابة‬ ‫آة يا معشوقة‬ ‫وينك أنت‬ ‫فاض الكيل ومل‬ ‫ليه راجعة تانى‬ ‫تقوليلى اكتب عن املل‬ ‫صابر وفاضحة عيونى الدموع‬ ‫خايف طريقك من الرجوع‬ ‫كنت ماشى دايق سكر‬ ‫وأقول ياحبيبتى‬ ‫بكرة أكبر‬ ‫فتحت عيونى‬ ‫صرت مش لونى‬ ‫ليه بختى معاك عدم‬ ‫وال الزمان حكم‬

‫يا ضيعة من لونى‬ ‫ياشقية‬ ‫فني عيونك يابهية‬ ‫كل ما امد الخطوة‬ ‫بلقى نفسى بصغر‬ ‫داريت عن اللومك‬ ‫ورجعت ذى اليوم‬ ‫لسة تانى بسأل‬ ‫لسة تانى بسأل‬ ‫املطرح هو‬ ‫واأللم جوه‬ ‫أكيد ياحبيبتى باكبر‬ ‫لفينى ايدك‬ ‫متى تيجى مواعيدك‬ ‫خايف الدم منى يهرب‬ ‫خايف الدم منى يهرب‬ ‫دارى عنك اللوم‬ ‫متسأليش عن الغش‬ ‫إن كنت معاك أقرب‪.‬‬ ‫خايف من لقاك‬

‫حفنة رماد‬ ‫كان فيها الشوق‬ ‫والشوق مات‬ ‫عني كساها السكات‬ ‫شايف يارب عبدك‬ ‫وأنت يارب اللى هاد‬ ‫اسقينى طعم الحرية‬ ‫من خالخيل العرق والسهاد‬ ‫لو قلبى يموت‬ ‫تحيى قلب‬ ‫يلف البالد‬ ‫املدى ليك براح‬ ‫والكون فى عيونى مفتاح‬ ‫والعشق أرواح‬ ‫أيه حناخد‬ ‫غير حى على الفالح‬ ‫يارب شايف‬ ‫افتحى مفتاح‪.‬‬


‫‪٢٨‬‬

‫‪ ٥‬مايو ‪ ٢٠١٩‬العدد ‪١٣٤٥‬‬

‫‪9‬‬

‫هناك شعراء أصبحوا ظواهر شبه ثابتة‪ ،‬دون أن يتنازلوا عن‬ ‫شرط الفن واإلجادة واالحترام‪ ،‬ولم يترخصوا أمام «شباك»‬ ‫الجماهير‪ ،‬ولم يذوبوا تحت الفتة «ما يطلبه الناس املشاهدون‬ ‫ّ‬ ‫واملستمعون»‪ ،‬مثلما يذهب كثيرون من مختلف الفنانني والكتاب‬ ‫فى املجاالت األخــرى‪ ،‬السينما واملسرح والــروايــة والشعر‬ ‫والقصة القصيرة واألغانى‪ ،‬وعلى رأس هؤالء الشاعران محمود‬ ‫درويش وعبد الرحمن األبنودى‪ ،‬لم ينزلق أى منهم إلى شعار‬ ‫«النزول إلى الناس»‪ ،‬ولكنهم ّ‬ ‫أصروا على تقديم الكتابة الفنية‬ ‫الراقية‪ ،‬وفى الوقت ذاته إمتاع الناس بكل فئاتهم وطوائفهم‬ ‫وطبقاتهم‪.‬‬

‫< مؤلفاتى مبثابة شموس وأقمار‬ ‫ملحطات حياتية وإبداعية تستحق‬ ‫التسجيل‬ ‫< ال أجد غضاضة فى أن تتنوع‬ ‫وسائلى الفنية فى كتاب واحد‬

‫الشاعر الذى كسر‬ ‫كل حواجز العزلة‬ ‫شعبان يوسف‬ ‫األبنودى ظاهرة ّ‬ ‫فنية فريدة‬ ‫وال أخفى أن ظاهرة األبنودى كانت أكثر شعبية بكثير من أى‬ ‫ظاهرة شعرية أخرى فى الوطن العربى‪ ،‬ولم تكن لهجته املحلية‬ ‫الصعيدية الحادة أو الناعمة_كما زعم بعض الكارهني _ هى‬ ‫الطعم الذى يجذب الجماهير الواسعة‪ ،‬على اعتبار أن اللهجة‬ ‫التى يطلقها وينطق بها‪ ،‬هى نوع من الفلكلور واألحاجى‪ ،‬وكأنها‬ ‫مجرد طرفة ذات «دم خفيف» فقط‪ ،‬وقالوا بأن قصائد األبنودى‪،‬‬ ‫سوف تفقد وهجها ومعناها وتأثيرها‪ ،‬عندما يقرأها آخرون‬ ‫دون اللهجة الصعيدية‪ ،‬وأثبتت التجارب والزمن الذى سكت فيه‬ ‫األبنودى‪ّ ،‬وال يذهب إلى املحافل األدبية الجماهيرية كما يفعل‬ ‫قديما‪ ،‬وظل يكتب وينشر فقط‪ ،‬وكانت كتاباته تحقق القراءة‬ ‫األعلى فى كافة املطبوعات التى تنشر له‪ ،‬وكان ينشر فى جريدة‬ ‫«التحرير» مربعاته التى قاوم بها ظالم وجحيم مرحلة حكم‬ ‫جماعة اإلخــوان‪ ،‬وكانت املربعات تحقق أعلى قراءة بني كل ما‬ ‫إلى‬ ‫كان يكتب فى الجريدة بشكل مطلق‪ ،‬دون أن تنزلق مربعاته ّ‬ ‫الهجاء الرخيص‪ ،‬الذى يشترى ذوق القارئ فى ذلك الوقت‪ ،‬وتظل‬ ‫املربعات _حتى اآلن_ ملحمة شعرية ذات طابع إنسانى فريد‪ ،‬رغم‬ ‫أنها كتبت تحت ظروف قاهرة‪.‬‬ ‫فى القاهرة‬ ‫عندما قدمه _والد جيل الستينات الشعرى_ صالح جاهني‬ ‫فى أواخر عقد الخمسينات وأوائل بداية الستينات‪ ،‬كان يعرف‬ ‫أنه من الصعيد‪ ،‬ويعمل فى محكمة قنا‪ ،‬ولم يكن عبد الرحمن‬ ‫قد ظهر فى القاهرة‪ ،‬ولم يصبح ظاهرة‪ ،‬وليس له أى سند سوى‬ ‫قصائده التى يرسلها بالبريد‪ ،‬وكانت عالقة األبنودى به‪ ،‬عالقة‬ ‫رسائل فقط الغير‪ ،‬دون أن يراه جاهني‪ ،‬أو يستمع إليه‪ ،‬ولكن‬ ‫جاهني استطاع أن يدرك «نجابة» هذا الشاعر وفصاحته وعمقه‬ ‫وشعبيته‪ ،‬دون تلك اللهجة التى كانت مثارا لجدل النقاد‪.‬‬ ‫التحق األبنودى بالقوات املسلحة‪ ،‬وكــان ينزل فى إجازاته‬ ‫الدورية إلى ندوات القاهرة‪ ،‬وكان يدخل الندوات بزيه العسكرى‪،‬‬ ‫فلفت األنظار بقوة‪ ،‬شاعر جيد‪ ،‬استطاع أن يقدم جديدا بعد فؤاد‬ ‫حداد وصالح جاهني‪ ،‬ويفرض بيئته الصعيدية على مجتمع مدينة‬ ‫القاهرة‪:‬‬ ‫املحشور باألموات‪..‬‬ ‫القبر ّ‬ ‫والليل اتأنى ملا فات‪..‬‬ ‫ووقف بيبص ف خرم الباب أربع مرات‪..‬‬ ‫الكلب بيعوى فوق الحيط‪..‬‬ ‫وترد عليه من شرق السكة كالب‪ّ ،‬‬ ‫يتجن‪..‬‬

‫أحداث‬

‫حلمى النمنم‬

‫األبنودى‬ ‫ويهد السقف ‪ّ ..‬‬ ‫يمطر فوق العيلة حطب القطن‪..‬‬ ‫الليل ساعة‪..‬‬ ‫ّ‬ ‫دقتها من دق الطواحني‪ ...‬‬ ‫من دق قلوب الناس النايمة على التربة‪..‬‬ ‫جنب املواعني‪..‬‬ ‫جنب جرار امليه النايمه فى الطني‪..‬‬ ‫وحفيف النخل‬ ‫حفيف ورقه بني إيد محضر فى عيون مساكني‪..‬‬ ‫وبخار (الزربيه) الطالع يحكى حكايه‪..‬‬ ‫عن عيشه وخضره وفاطمه وست الكل‪...‬‬ ‫إذن لم يكن األمر مجرد لهجة‪ ،‬وصوت مختلف‪ ،‬وأداء موسيقى‪،‬‬ ‫ولكن األبنودى وجد فى بيئته ما يستطيع أن يقدمه للناس دون أى‬ ‫افتعال أو تحذلق‪ ،‬وهذا ما ّفعله زميله ورفيقه وابن محافظة قنا‬ ‫ُ‬ ‫«يحيى الطاهر عبدالله‪ ،‬فقدم االثنان ما لم يستطع أن يقدمه‬ ‫آخرون‪ ،‬عوالم حقيقية‪ ،‬ال تستدعى الدهشة من خارجها‪ ،‬ولم‬ ‫ينقل األبنودى أو الطاهر عبدالله عالم الصعيد بشكل فوتوغرافى‪،‬‬ ‫بل كانا يعيدان تدوير العالم وإبداعه‪ ،‬وتقديمه كما بدا فى املقطع‬ ‫الذى اقتبسناه سلفا‪.‬‬ ‫فى القاهرة كان يتردد على الندوات بزيه العسكرى‪ ،‬ذلك‬ ‫الزى الذى كان ومايزال ينال قدرا كبيرا من التقدير واالحترام‪،‬‬ ‫مهما قال راجفون‪ ،‬فنحن الذين عشنا مرارة الهزيمة لسنوات‬ ‫عديدة‪ ،‬كنا ننتظر األمل دوما من هؤالء الجنود البواسل‪ ،‬ولم يكن‬ ‫األبنودى _كذلك_ يفتعل حالته هذه‪ ،‬فكان يصعد على املنصات‬ ‫بذلك الزى‪ ،‬ويقرأ قصائده بلهجته ّالتى يعرفها ويتقنها ويعيشها‬ ‫ويدرك أسرارها‪ ،‬تلك اللهجة التى ظلت ترافقه حتى رحيله فى ‪21‬‬ ‫ابريل ‪ ،2015‬وكان يفخر بها‪ ،‬وكنا فى منزله يوم ‪ 11‬ابريل ‪،2015‬‬ ‫واحتفلنا بعيد ميالده األخير‪ ،‬وكان موغال فى صعيديته املحببة‬ ‫والسلسة والقريبة من قلوبنا‪.‬‬ ‫البيان األول لجماعة ابن عروس‬ ‫بعد أن حقق األبنودى قدرا من الذيوع الثقافى‪ ،‬وأصبح حضوره‬ ‫الشعرى حقيقة واضحة للحياة الثقافية‪ ،‬وكان هواه متمردا إلى‬ ‫حد كبير‪ ،‬وارتبطت حياته الثقافية ببعض املثقفني الفاعلني‪،‬‬ ‫وكانت حركة جيل الستينات بدأت تظهر‪ ،‬ويشتد عودها‪ ،‬وذلك‬ ‫فى الشعر العامى والفصيح عموما‪ ،‬وفى القصة القصيرة‪ ،‬وفى‬ ‫املسرح‪ ،‬ولم يكن فى ذلك الوقت قد برز كاتب روائى من ذلك‬ ‫الجيل‪ ،‬ولكن األبنودى كانت ظاهرته بدأت تتشكل‪ ،‬وكانت عالقته‬

‫‪ ٥‬مايو ‪ ٢٠١٩‬العدد ‪١٣٤٥‬‬

‫بأمل دنقل الفنية واإلنسانية جيدة‪ ،‬وكانا يذهبان إلى املقاهى‪،‬‬ ‫ويكتبان شعرا _كما قال لى_ مرتجال على ترابيزات املقاهى‪،‬‬ ‫ويتركانه‪.‬‬ ‫فى ذلك الوقت‪ ،‬وعلى األخص فى مارس عام ‪ ،1964‬كانت‬ ‫السلطات قد أفرجت عن اليساريني الذين قضوا خمس سنوات‬ ‫فى املعتقالت‪ ،‬فخرج مثقفون كبار مثل ابراهيم فتحى‪ ،‬ومحمود‬ ‫أمني العالم ولطفى الخولى وكمال عبد الحليم وألفريد فرج‬ ‫وغيرهم‪ ،‬وانتعشت الحياة الثقافية ّبشكل ملحوظ‪ ،‬ومن ثم راح‬ ‫الناقد واملثقف الشاب سيد خميس يفكر فى إنعاش املناخ الشعرى‬ ‫فى مصر‪ ،‬فأسس جماعة «ابن عروس»‪ ،‬ومن املعروف أنه كان قد‬ ‫باع بعضا من ميراثه فى األرض التى تركها له والده‪ ،‬لكى يستطيع‬ ‫اإلنفاق على تلك الجماعة التى أسست دارا للنشر باسم «دار ابن‬ ‫عروس للنشر»‪ ،‬وكانت ثمرة تلك الجماعة األولى ديوان «األرض‬ ‫والعيال» لعبد الرحمن األبنودى‪ ،‬والذى حمل «البيان األول» لها‪،‬‬ ‫والذى نشر على غالفه األخير‪ ،‬وليسمح لى القارئ الكريم نشر‬ ‫هذا البيان القصير والدال تاريخيا‪:‬‬ ‫(مــن اســم ابــن عــروس الشاعر الــفــارس‪ .‬تستمد حركتنا‬ ‫الشعرية الكثير من القيم والتقاليد‪ ..‬فقد ربط ابن عروس‪ ،‬الشعر‬ ‫بالشرف‪ ..‬بالناس‪ ،‬وعلى هذا الدرب سار الكثيرون من الشعراء‬ ‫الشرفاء‪ ،‬الذين تحتفظ بهم ذاكرة شعبنا‪.‬‬ ‫مشى فى نفس الطريق‪ ..‬النديم‪ ،‬بيرم التونسى‪ ،‬فؤاد حداد‪.‬‬ ‫وعندما اختار صالح جاهني شعار «أشعار بالعامية املصرية»‬ ‫لديوانه «عن القمر والطني» كان يكمل طريق الرواد العظام‪ ،‬وكان‬ ‫يضع فى الوقت نفسه الشعار املناسب لهذا الشعر‪.‬‬ ‫وهذا الشعر العامى املصرى الجديد‪ ،‬يغنى مرحلة التحول‬ ‫العظيمة‪ ،‬التى نعيشها‪ ،‬ويغنى أحالم الرواد التى تجسدت واقعا‪،‬‬ ‫ويغنى أحالم هذا الجيل‪..‬‬ ‫من هذا املنبع‪ ،‬جاءت أشعار هذا الديوان‪ ،‬ومنه أيضا سيصدر‬ ‫ديوان الشاعر املصرى سيد حجاب «صياد ّ‬ ‫وجنية»‪.‬‬ ‫ومن دار ابن عروس سنقدم للقراء دواوين البن عروس‪ ،‬وبيرم‪،‬‬ ‫وفؤاد حداد‪ ،‬وصالح جاهني‪ ،‬وغيرهم‪.‬‬ ‫وستصدر دراسات وأبحاث مستقلة حول هذا الشعر‪ ،‬ورواده ‪،‬‬ ‫ومصادره‪..‬‬ ‫دار ابن عروس‬ ‫جماعة أشعار بالعامية املصرية)‬ ‫لم يكن هذا الديوان سوى الطلقة األولى الصائبة والقوية فى‬

‫جاهني استطاع أن يدرك «نجابة» هذا الشاعر وفصاحته وعمقه وشعبيته‪،‬‬ ‫دون تلك اللهجة التى كانت مثارا لجدل النقاد‬

‫أكتب الشعر وأشترك فى األمسيات كان يالحظ أننى أوقع أو‬ ‫ينادى على بـ «إيمان يوسف» ويوسف هو اسم جدى‪ ،‬حتى جاءت‬ ‫لحظة امليالد الحقيقية‪ ،‬عندما طلب منى أن أكتب اسمى «إيمان‬ ‫أحمد» وقال لى إنه فخور بى‪ ،‬ويريد أن يرتبط اسمه بإبداعاتى من‬ ‫هنا أصبحت أوقع باسمى الثالثى «إيمان أحمد يوسف»‪.‬‬ ‫ومع إصدار كل عمل جديد‪ ،‬كان يسعد بى‪ ،‬كان يحب أن يمأل‬ ‫عينيه بـ «إيمان أحمد يوسف» من هنا لجأت للنشر الخاص‪ ،‬لكى‬ ‫أسعد والــدى‪ ،‬الذى توفى بعد ديوانى السابع‪ ،‬وال أخفى عليك‬ ‫إحساسى الشديد بالسعادة عندما كنت أذهب إليه وفى يدى عمل‬ ‫يحمل اسمى‪ ،‬كنت أشعر باالنتصار والفخر‪ ،‬أننى غيرت رأيه‪ ،‬وأنه‬ ‫أصبح ينظر إليمان‪ ،‬أنها مثل أحمد أو تزيد عليه بموهبتها‪.‬‬ ‫ضمن أعمالك األخيرة كتاب «اإلسكندرية بالعامية والفصحى‬ ‫والسرد»‪ ،‬قمت فيه بتجميع قصائدك بالفصحى والعامية وكذلك‬ ‫مقاالتك‪ ،‬عــن هــذه املدينة التى شهدت مــولــدك‪ ،‬وحياتك مــا عدا‬ ‫السنوات العشر األخيرة التى انتقلت فيها إلى القاهرة‪ ،‬أال ترين‬ ‫أن استخدامك ألكثر من نوع أدبى فى كتاب واحد يضر بالتجربة؟‬ ‫على العكس‪ ،‬اإلسكندرية الساحرة ببحرها الذى طاملا كان‬ ‫مؤتمنا على أسرارى‪ ،‬تتحمل الكتابة عنها بكافة األنواع األدبية‪،‬‬ ‫ولكل نوع جاذبيته وقدرته على أن ينقل للقارئ انفعاالتى وشعورى‪،‬‬ ‫وما عجزت أن أخرجه شعرا‪ ،‬عبرت عنه من خالل املقاالت‪ ،‬التى‬ ‫تمرست عليها لسنوات طويلة فى أكثر من جريدة ومجلة سكندرية‪،‬‬ ‫ولم أجد أية غضاضة فى أن تتنوع وسائلى الفنية فى كتاب واحد‪.‬‬ ‫فى الفترة األخيرة أقدمت على كتابة القصة القصيرة‪ ،‬وبالفعل‬ ‫صــدر لــك مجموعتان قصصيتان‪ ،‬األول ــى «صـبــاح امل ـيــدان» ‪،2013‬‬ ‫والثانية «بكاء الشجر» ‪ ،2018‬وذلك بعد تسعة دواويــن شعرية‪ ..‬ما‬ ‫الذى دفعك لالنتقال من الشعر إلى القصة؟‬ ‫ضحكت وقالت‪ ،‬وأنا اآلن فى إطار كتابة رواية طويلة‪ ،‬السر فى‬ ‫هذا التنوع هو تراكم الخبرات‪ ،‬فخالل مشوارى‪ ،‬لم أركن فقط‬ ‫للقراءة والكتابة‪ ،‬بل كنت أسعى إلى اكتساب مهارات جديدة‬ ‫عن طريق التعلم‪ ،‬فبعد سنوات من حصولى على تعليم أقل من‬ ‫الجامعى‪ ،‬سعيت إلى أن أحصل على بكالوريوس اإلعالم وهو ما‬ ‫تحقق لى‪ ،‬وحصلت –أيضا‪ -‬على دورة دراما إذاعية عام ‪1997‬‬ ‫من اتحاد كتاب مصر بالتعاون مع اتحاد اإلذاعة والتليفزيون‪،‬‬ ‫كما حصلت على دبلومة فى العالقات العامة من مؤسسة أخبار‬ ‫اليوم‪ ،‬ودبلومة فى الدراسات اإلسالمية بعد دراسة ملدة‬ ‫عامني فى املعهد العالى للدراسات اإلسالمية‪ ،‬كل هذه‬ ‫الدراسات أطلعتنى على مالمح أخرى لفلسفة الحياة‪،‬‬ ‫وفلسفة وجودى كمبدعة‪ ،‬وخلقت لدى وعيًا جديدًا‪،‬‬ ‫مكننى من أن أعبر عما بداخلى بأشكال فنية متنوعة‬ ‫ومختلفة‪.‬‬ ‫لديك طموح أن تصدرى مجموعة من الدراسات عن‬ ‫شخصيات سكندرية فــى إطــار سلسلة تتولني كتابتها‪،‬‬ ‫وأص ـ ــدرت مـنـهــا بــالـفـعــل ك ـتــابــن‪ ..‬م ــا دوافـ ــع هــذه‬ ‫التجربة؟‬ ‫بالفعل أصــدرت سلسلة أطلقت‬ ‫عــلــيــهــا «عــبــقــريــة اإلســكــنــدريــة‬ ‫ملبدعيها»‪ ،‬عــن دار نشر «شعلة‬ ‫اإلبــداع للطباعة والنشر»‪ ،‬وظهر‬ ‫لى كتابان‪ ،‬لكل منهما تجربته‬ ‫املختلفة‪ ،‬األول بعنوان «الشاعر‬ ‫الكبير واملبدع محمد مكيوى‪..‬‬ ‫حــيــاة الــشــاعــر وقــصــائــد لم‬ ‫تنشر من قبل»‪ ،‬وهو يتناول‬ ‫مــســيــرة هــــذا الــشــاعــر‬ ‫الرائد وتأثيره فى األجيال‬ ‫اإلب ــداع ــي ــة املختلفة‬ ‫فــى اإلسكندرية‪،‬‬ ‫فــضــا عــن كونه‬ ‫مــبــدعــا مــوهــوبــا‬ ‫وصاحب فلسفة فى‬

‫الحياة‪ ،‬من هنا أذكر مقولته الشهيرة لنا «الكتابة خلود» وكذلك‬ ‫عباراته التى جاء فيها الكتاب هو إبداعك الذى تسجله للزمان‪،‬‬ ‫ليكون لك بصمة تواجد‪ ،‬واسم‪ ،‬وحتى ال تخدعك الحياة‪ ،‬وتمر‬ ‫عليها مرور الكرام وترحل‪ .‬بل كن األذكى واألقوى بإبداعك سطرا‬ ‫واجتهد‪ ،‬وشارك وانتهج طريقا لصنع الحاضر واملستقبل‪ .‬تعلم‬ ‫جميع املهارات‪ ،‬واقرأ ما تيسر من الكتب للسابقني والحاضرين‪،‬‬ ‫ثم كن أنت بإبداعك كن نفسك واستمر‪ .‬وقــاوم مهما كانت‬ ‫الصعوبات واملواجهات‪ .‬ثقتك بالله تقيك وتحميك‪ .‬وتدعمك‬ ‫بالثقة بنفسك وإبــداعــاتــك وطريقك وخــلــودك» واستجابة‬ ‫لهذه الفلسفة‪ ،‬قمت بتسجيل سيرته الذاتية فى هذا الكتاب‬ ‫وتطرقت إلى إصداراته املختلفة ودوره فى إثراء الحياة الثقافية‬ ‫السكندرية وتجربته فى التدريس فى سجن الحضرة‪ ،‬لكن روحه‬ ‫الشاعرية املرهفة وأحاسيسه الحرة الرقيقة‪ ،‬لم تحتمل دخول‬ ‫السجن‪ ،‬ولو ملجرد التدريس لحراس السجن والعاملني فيه أو‬ ‫للمساجني‪ ،‬الذين يقضون فترة عقوبتهم بني أسواره أو داخل‬ ‫زنزاناته‪ ،‬لذلك ترك العمل كمدرس بسجن الحضرة وانتقل‬ ‫للعمل كرئيس لقسم اإلحصاء بإدارة الصحة‪ ،‬ثم انتدب فى أكثر‬ ‫من وظيفة ثقافية‪ ،‬آخرها رئيس للقسم الثقافى بقصر ثقافة‬ ‫الحرية بمديرية الثقافة باإلسكندرية‪ ،‬كما نشرت قصائد من‬ ‫ديوانه الذى لم ينشر من قبل بعنوان «حلم النهار»‪.‬‬ ‫أما الكتاب الثانى فى هذه السلسلة‪ ،‬الذى نفدت طبعته األولى‪،‬‬ ‫وصدرت بالفعل طبعته الثانية فهو بعنوان «ليالى خليل املصرى‪..‬‬ ‫املؤرخ املوسيقى وامللحن والشاعر» وهو واحد من أفراد عائلتى‪،‬‬ ‫بمثابة جدى‪ ،‬وهو صاحب سيرة متفردة‪ ،‬فقد أنفق وقته وماله‬ ‫فى جمع تراث املوسيقى الشرقية‪ ،‬وهو أول ملحن قدم الفنان‬ ‫عبد الحليم حافظ لإلذاعة‪ ،‬حينما لحن له أغنية «الكون الجميل‬ ‫حواليك»‪ ،‬وقد ابتدع املصرى مقام نغمة جديدة باسم «أشواق»‪،‬‬ ‫وقد استعرضت مشواره وإسهاماته الهامة فى هذا الكتاب‪.‬‬ ‫تتولني اآلن رئاسة نادى أدب اجليزة‪ ..‬ما تقييمك لتجربة نوادى‬ ‫األدب بالثقافة اجلماهيرية؟‬ ‫أنا بنت قصور الثقافة منذ عام ‪ ،1977‬وتجربة نوادى األدب‬ ‫تجربة جديرة بالتأمل تحمل الكثير من اإليجابيات‪ ،‬وال تخلو من‬ ‫سلبيات‪ ،‬ولكن هناك أسباب قد تجهض هذه الفكرة فى‬ ‫أية لحظة‪ ،‬منها امليزانيات الضئيلة التى ال تتناسب مع‬ ‫أحالمنا‪ ،‬وكذلك بعض العقبات اإلدارية التى تحول دون‬ ‫استضافة الكثير من املبدعني وأساتذة الجامعة‪ ،‬الذين‬ ‫يأتون بشكل ودى‪ ،‬وإن كانت هذه السلبيات ال تمنع‬ ‫من أن أشكر املسئولني عن الثقافة فى مديرية ثقافة‬ ‫الجيزة وكذلك فى إقليم القاهرة الكبرى‪ ،‬لدعمهم‬ ‫لنا ملواصلة عملنا‪ ،‬لكن األمر يحتاج لقرارات للقضاء‬ ‫على البيروقراطية التى تعوق عملنا‪ ،‬خاصة أننا‬ ‫نحاول أن نرعى املوهوبني الجدد‪ ،‬ومن‬ ‫بينهم أطفال صغار السن نقيم لهم‬ ‫دورات تدريبية‪ ،‬لنحببهم فى األدب‬ ‫والثقافة‪.‬‬ ‫ماذا تتمنني فى الفترة القادمة؟‬ ‫أتمنى أن تترجم بعض أعمالى‬ ‫إلـــى لــغــات مــخــتــلــفــة‪ ،‬وســبــق‬ ‫أن تــرجــمــت جــامــعــة سنجور‬ ‫الفرنسية باإلسكندرية قصائد‬ ‫لــى‪ ،‬كما أننى مشغولة هذه‬ ‫األيام بجمع ًما يقرب من ‪40‬‬ ‫دراسة ومقاال عن إبداعاتى‬ ‫لتصدر فى كتاب‪.‬‬

‫د‪ .‬محمد عفيفى‬

‫احتفالية روسية‬ ‫بعيد النصر‬ ‫مرفت عمارة‬ ‫احتفل املركز الثقافى الروسى بالقاهرة بعيد النصر والذكرى‬ ‫الـ‪ 74‬لالنتصار على أملانيا النازية فى الحرب العاملية الثانية‪،‬‬ ‫بــدأت بمائدة مستديرة أدارهــا شريف جــاد مدير النشاط‬ ‫الثقافى باملركز وافتتحها ألكسى تيفانيان مدير املركز الثقافى‬ ‫الروسى‪ ،‬مشيرا إلى أهمية االنتصار على النازية وكيف استطاع‬ ‫الجيش األحمر االنتصار فى معركة ستالينجراد‪ ،‬وأكد أنه لوال‬ ‫دخول االتحاد السوفيتى الحرب ما انتصرت أوروبا‪.‬‬ ‫فى حني تناول حلمى النمنم وزير الثقافة السابق كيفية مواجة‬ ‫االتحاد السوفيتى للغزو األملانى‪ ،‬وتابع النمنم بسؤال‪ :‬ماذا لو‬ ‫انتصرت أملانيا واحتلت العالم؟ مؤكدا أن أملانيا كانت تنوى‬ ‫القدوم إلى الشرق األوسط والسيطرة على قناه السويس‪.‬‬ ‫وفــى كلمته أشــار الدكتور حلمى الحديدى رئيس منظمة‬ ‫التضامن األفروآسيوى إلــى أهمية الــدور الــذى لعبته قوات‬ ‫الجيش األحمر فى محاربة النازية‪ ،‬وذكر بعض السيناريوهات‬ ‫لو انتصرت أملانيا‪ .‬واختتم حديثه باإلشادة بالعالقات املصرية‬ ‫الروسية‪ ،‬التى بدأت فى الصعود مع بناء السد العالى‪.‬‬ ‫ومــن جانبه قــال الدكتور حسني الشافعى رئيس املؤسسة‬ ‫املصرية الروسية للثقافة والعلوم‪ :‬فى إطار االحتفال بعيد النصر‬ ‫واالستعداد لعام ‪« 2020‬عام الثقافة املصرية الروسية» نستعد‬ ‫إلصدار سلسلة من الكتب والدراسات تضم وثائق الحرب العاملية‬ ‫الثانية‪.‬‬ ‫بينما تحدث الدكتور محمد عفيفى رئيس قسم التاريخ‬ ‫بكلية اآلداب جامعة القاهرة عن األهمية التاريخية لالنتصار‬ ‫فى الحرب العامليه الثانية وإنقاذ البشرية من أطماع النازية‬ ‫والفاشية‪ ،‬وأشاد بالعالقات مع الجانب الروسى التى بدأت فى‬ ‫التطور منذ صفقة األسلحة التشيكية‪.‬‬ ‫وأشــارت الدكتورة نورهان الشيخ األستاذة بكلية االقتصاد‬ ‫والعلوم السياسية جامعة القاهرة إلى أن االتحاد السوفيتى دافع‬ ‫عن كرامة أوروبا بكاملها‪ ،‬وأنه ضحى بـ ‪ 26‬مليون مواطن‪ ،‬أى ما‬ ‫يقرب من ‪ %16‬من إجمالى السكان‪ ،‬بينما فقدت الدول الغربية‬ ‫وأمريكا ‪ %1.5‬فقط‪.‬‬ ‫وأضــاف اللواء طلعت مسلم‪ ،‬الخبير العسكرى‪ ،‬أن معركة‬ ‫ستالينجراد حولت مسار الحرب بكاملها وكانت بداية السقوط‬ ‫األملانى‪ .‬وحول مشاركة العسكريني املصريني بالحرب أشار مسلم‬ ‫إلى أن مصر كانت خاضعة للجيش البريطانى‪ ،‬كما أن الجيش‬ ‫املصرى فى هذا التوقيت لم يكن به سوى ‪ 9‬كتائب مشاة فقط‪.‬‬ ‫أما الدكتور نور ندا نائب رئيس الحزب العربى الناصرى‪،‬‬ ‫فتحدث عن الحجم الكبير من التضحيات التى قدمها العسكريون‬ ‫الروس وحرصهم على إعالء قيمة الوطن‪ .‬تبعه الدكتور سيد‬ ‫عشماوى أستاذ التاريخ بكلية اآلداب جامعة القاهرة مؤكدا أن‬ ‫نتائج معركة ستالينجراد غيرت التاريخ‪ ،‬كما أشاد بمساندة‬ ‫االتحاد السوفيتى ملصر فى العدوان الثالثى‪.‬‬ ‫ختم شريف جاد اللقاء بنقل تهنئة الجمعيات العربية لخريجى‬ ‫الجامعات السوفيتية والروسية‪ ،‬مشيدا بحرص الجانب الروسى‬ ‫على إحياء ذكرى النصر من خالل الثقافة والفن التى ال تزال‬ ‫تنتج أعماال فنية حتى تنقل التفاصيل التاريخية لألجيال الشابة‪.‬‬ ‫بعدها انتقل الحضور الفتتاح معرض الصور األرشيفية‬ ‫فى ذكــرى الحرب بمشاركة ســفــارات روسيا وكازاخستان‬ ‫وبيالروسيت وأرمينيا وأوزبيكستان وأذربيجان وطاجيكستان‪.‬‬ ‫واختتمت االحتفالية بحفل موسيقى لفرقة سويت ساوند بقيادة‬ ‫املايسترو منير نصر الدين والتى قدمت مجموعة من األغانى‬ ‫باللغة الروسية ومقطوعات موسيقية روسية وعربية‪.‬‬


‫‪8‬‬

‫‪ ٥‬مايو ‪ ٢٠١٩‬العدد ‪١٣٤٥‬‬

‫أحداث‬

‫لم ترتكن إلى كونها شاعرة فقط‪ ،‬وطوال الوقت تبحث إميان أحمد‬ ‫يوسف عن املزيد من التجارب اإلبداعية‪ ،‬حتى فاجأتنا منذ فترة‬ ‫قليلة بإصدار ستة كتب دفعة واحدة‪ ،‬منها ما يضم قصائد شعر‬ ‫بالعامية‪ ،‬وكتاب آخر يجمع ما بني قصائد بالعامية والفصحى‪،‬‬ ‫وكتابني فى فن السيرة؛ واحد عن شاعر اإلسكندرية الكبير محمد‬ ‫مكيوى‪ ،‬وكتاب آخر عن املؤرخ املوسيقى وامللحن خليل املصرى‪ ،‬فضال‬ ‫عن إعادة طبع ديوانها الشعرى األول «تنهيدة صبية» مرة أخرى‪،‬‬ ‫بعدما يقرب من ‪ 25‬عاما على طبعته األولى‪ ،‬كما أنها حاليا رئيس‬ ‫نادى األدب باجليزة‪ ،‬الذى أصبح قبلة للمثقفني والكتاب واألدباء من‬ ‫مختلف أنحاء املحروسة‪.‬‬

‫بعد أن أصدرت ستة كتب دفعة واحدة‬

‫تصوير ‪ :‬سامح مسلم‬

‫الشاعرة إميان أحمد‪:‬‬ ‫أنا بنت الثقافة اجلماهيرية‪ ..‬لكنى ال أنسى «املؤامرة»‬ ‫طارق الطاهر‬ ‫عن هذه التجارب املتنوعة دار هذا الحوار‪ ،‬الذى قادنا إلى‬ ‫التعرف على بداياتها‪ ،‬وعالقة الشعر بنشأتها‪ ،‬وكيف استطاعت أن‬ ‫تغير من نظرة والدها لها‪ ،‬عندما شعر أن ابنته التى تمنى أن تكون‬ ‫ولدا؛ موهوبة‪ ،‬فطلب منها أن تقدم نفسها بـ «إيمان أحمد» بدال من‬ ‫إيمان يوسف‪ ،‬فقد شعر بالفخر بأن يذكر اسمه فى األمسيات التى‬ ‫تشارك فيها‪ ،‬وكذلك على أغلفة الكتب التى تصدرها‪.‬‬ ‫بداية سألتها‪ :‬ستة كتب تصدر دفعة واحدة‪ ،‬أال ترين أن ذلك أمر‬ ‫غير معتاد فى احلياة الثقافية؟‬ ‫أردت فى هذه الكتب‪ ،‬أن أسجل التجارب اإلبداعية الكثيرة‪ ،‬التى‬ ‫خلقت لدى وعيًا كبيرًا على املستوى الشخصى‪ ،‬فهذه الكتب هى‬ ‫بمثابة شموس وأقمار ملحطات حياتية وإبداعية تستحق التسجيل‪،‬‬ ‫فهى ترصد لتطورات وقعت على مستوى الــذات‪ ،‬وأتت –أيضا‪-‬‬ ‫نتيجة تجارب تشبعت بها‪ ،‬كما يجب أال تنسى أن هذه اإلصدارات‬ ‫متنوعة‪ ،‬فهى ما بني الفصحى والعامية والنثر والسرد‪ ،‬والسيرة‪.‬‬ ‫ما ذكرته يقودنا إلى سؤال حول أنه كان من ضمن هذه اإلصدارات‬ ‫ديوانك الشعرى األول «تنهيدة صبية» الصادر ‪ ،1994‬وهو يعبر عن‬ ‫حالة إبداعية‪ ،‬بالتأكيد مت جتــاوزهــا‪..‬إذن إص ــداره بعد حوالى ‪25‬‬ ‫عاما؛ ماذا يضيف لك؟‬ ‫هذا الديوان‪ ،‬يأتى فى إطار رغبتى فى إعادة كافة الدواوين التى‬ ‫أصدرتها عبر مشوارى‪ ،‬من هنا نشرته بذات الكيفية التى صدر‬ ‫بها ألول مرة‪ ،‬دونما زيادة أو نقصان‪ ،‬ومع مرور الوقت‪ ،‬ستوفر‬

‫مع رئيس التحرير‬

‫هذه الدواوين لى وللنقاد مادة دسمة لرؤية حالتى الشعرية املمتدة‬ ‫عبر ربع قرن‪ ،‬بكل تحوالتها ورؤاها الفنية‪.‬‬ ‫فــى بــدايــاتــك الـشـعــريــة‪ ،‬صــدر لــك قبل ديــوانــك‪ ،‬أكـثــر مــن ديــوان‬ ‫مشترك مع شاعرات أخريات‪ ..‬ملاذا كانت بدايات جماعية‪ ،‬رغم أن‬ ‫الشعر عمل فردى؟‬ ‫ديوان «عرايس الشعر» هو تجربة نشر لسبع شاعرات سكندريات‬ ‫دفعة واحدة‪ ،‬وصدر عن مديرية الثقافة باإلسكندرية عام ‪،1992‬‬ ‫بتقديم للشاعر الكبير الراحل محمد مكيوى‪ ،‬هذه التجربة واحدة‬ ‫من التجارب الهامة فى حياتى‪ ،‬ألن الديوان كان يعد إثباتا لوجودنا‬ ‫فى الحركة األدبية فى ذلك الوقت‪ ،‬وكنا وقتها فى نادى األدب‬ ‫بقصر ثقافة الحرية‪ ،‬وأتذكر أن هذه التجربة لفتت نظر الناقدة‬ ‫الكبيرة فريدة النقاش‪ ،‬وقدمت إلينا فى اإلسكندرية للتحدث عن‬

‫الديوان‪ ،‬لنفاجأ بعد ذلك بمقال لها على نصف صفحة بجريدة‬ ‫األهرام بعنوان «الشاعرات قادمات»‪ ،‬تشيد فيه بهذه التجربة‪.‬‬ ‫الحظت أن الغالبية العظمى من مؤلفاتك الـ ‪ ،16‬صادرة عن دور‬ ‫نشر خاصة وليست حكومية‪ ..‬ما سبب ذلك؟‬ ‫مالحظتك فى محلها تماما‪ ،‬وهو يذكرنى بواقعتني حدثتا معى‬ ‫فى بداية مشوارى‪ ،‬وهما تخصان هيئة قصور الثقافة‪ ،‬ففى عام‬ ‫‪ 1994‬تقدمت بديوان‪ ،‬وبعد عامني قالوا لى الديوان فقد‪ ،‬فقدمت‬ ‫ديوانا آخر عام ‪ ،1996‬وبعد فترة قالو لى –أيضا‪ -‬الديوان فقد‪،‬‬ ‫ولم أنشر مرة أخرى فى هذه الهيئة حتى اآلن‪ ،‬باستثناء مشاركتى‬ ‫فى تجربة تبسيط أعمال توفيق الحكيم‪ ،‬إذ صدر لى تبسيط‬ ‫ملسرحية إيزيس فى سلسلة عني صقر الصادر فى عام ‪.1998‬‬ ‫لذا بعد تجربتى الفقد لم أعد أثق فى نشر أعمالى فى مؤسسة‬ ‫حكومية‪ ،‬إذ ال أخفى عليك أننى شعرت أن األمر مقصود‪ ،‬وأن‬ ‫هناك مؤامرة‪ ،‬تهدف إلى تهميش الكاتبات واملبدعات‪ ،‬والديوان‬ ‫الوحيد الذى نشر لى فى مؤسسة حكومية هو ديــوان «احتوانى‬ ‫االنتظار» ‪ 2006‬بالتعاون مع هيئة الكتاب واتحاد الكتاب‪ ،‬وقد‬ ‫سعدت بهذا النشر وأعتز به‪.‬‬ ‫هــل هناك دواف ــع أخــرى غير إحساسك بــاملــؤامــرة دفعتك للنشر‬ ‫اخلاص؟‬ ‫نعم‪ ..‬هو سرعة إصدار أعمالى لكى أسعد والدى‪ ،‬هذا األب الذى‬ ‫تولد لديه حزن شديد عندما أبلغ أن مولوده األول أنثى وليس ذكرًا‪،‬‬ ‫فقد كان يريدنى «يوسف» وليس «إيمان»‪ ،‬وكثيرا ما شهدت دموعه‪،‬‬ ‫لضياع حلمه فى إنجاب ذكر‪ ،‬وهو حلم لم يتحقق له‪ ،‬فجميع من‬ ‫ولدوا بعدى هم أيضا إناث‪ ،‬ودائما ما أقول لنفسى «أنا يوسف‬ ‫حلم أبى»‪ ،‬هذه العبارة كتبتها على إحدى كراساتى فى االبتدائية‪،‬‬ ‫وكلما كبرت وتبخر حلم والدى فى إنجاب الذكر‪ ،‬كنت أتذكر هذه‬ ‫العبارة «أنا يوسف حلم أبى»‪ ،‬حتى حدثت املفارقة‪ ،‬عندما بدأت‬

‫دراساتى املختلفة مكنتنى من التعبير عما أريد بأشكال فنية متنوعة‬

‫‪٢٩‬‬

‫بناء شاهق فى مناخ الشعر العامى‪ ،‬وفى حياة األبنودى نفسه‪،‬‬ ‫والذى بدأ يكتب األغانى للمشاهير من طراز محمد رشدى وعبد‬ ‫الحليم حافظ وآخرين‪ ،‬وجاءت قصائد األبنودى املنفردة‪ ،‬والتى‬ ‫كانت تنشر فى مجالت وصحف «صباح الخير‪ ،‬وروز اليوسف‪،‬‬ ‫وبناء الوطن‪ ،‬واملساء»‪ ،‬مجتمعة فى ديوان شامل كامل‪ ،‬واحتوى‬ ‫على مختارات من قصائده األولى‪ ،‬قصائد الشباب الفائر والطموح‬ ‫والثائر‪ ،‬ومن خالل قصائده نستطيع أن ندرك ثقافته املتمردة‪.‬‬ ‫لم يكن املعنى وال املصطلح وال املفردة وال الشجاعة وال الثقافة‬ ‫املهيمنة على القصائد‪ ،‬هى التى تعطى الفرادة لقصائد األبنودى‪،‬‬ ‫ولكن كل ذلك‪ ،‬والبناء الصورى الذى كان يتواتر على القصيدة‬ ‫منذ مطلعها األول «املفتتح»‪ ،‬حتى الفقرة «القفلة» األخيرة‬ ‫للقصيدة‪ ،‬استطاعت القصائد أن تفرض ظلها الفنى العبقرى‬ ‫منذ الطلعة األولى للشاعر‪ ،‬ومن ثم كتب سيد خميس دراسة بديعة‬ ‫وقوية وأحقها بالديوان‪ ،‬وفى حدود معرفتى أنها كانت الدراسة‬ ‫املتخصصة األولى «املهمة» فى شعر العامية املصرية‪ ،‬مع كامل‬ ‫التقدير واالحترام لدراسة رجاء النقاش عن ديوان «عن القمر‬ ‫والطني» لصالح جاهني‪ ،‬والفارق هنا أن سيد خميس كان يدرك‬ ‫ّ‬ ‫يتقصى أصولها القديمة‪ ،‬ولكن‬ ‫عميقا شروط العامية التى كان‬ ‫دراسة رجاء النقاش املفيدة‪ ،‬كانت استكماال لدراسته عن الديوان‬ ‫األول «مدينة بال قلب» للشاعر أحمد عبد املعطى حجازى‪ ،‬والذى‬ ‫صدر عام ‪ 1959‬عن دار اآلداب ببيروت‪.‬‬ ‫كانت جماعة «ابن عــروس»‪ ،‬ومن التفوا حولها من املثقفني‪،‬‬ ‫مزعجة إلى حد بعيد للسلطات‪ ،‬خاصة كانت أصدرت رباعيات‬ ‫ّ‬ ‫وجنية» لسيد حجاب عام‬ ‫صالح جاهني‪ ،‬ثم صدر ديوان «صياد‬ ‫وصارت‬ ‫البياتى‪،‬‬ ‫الوهاب‬ ‫‪ ،1966‬وقدمه الشاعر العراقى عبد‬ ‫ّ‬ ‫جماعة ابن عروس حركة متمردة وقوية‪ ،‬وصار مثقفو وكتاب‬ ‫جيل الستينات يؤسسون لحركة ثقافية طليعية كبيرة‪ ،‬وكان من‬ ‫بني هؤالء أو على رأسهم ابراهيم فتحى وجمال أحمد الغيطانى‬ ‫وصبرى حافظ وصالح عيسى وعلى الشوباشى وغيرهم‪ ،‬لذلك لم‬ ‫تمهلهم السلطات‪ ،‬فألقت القبض عليهم فى أكتوبر ‪ ،1966‬لتفرج‬ ‫عنهم فى مارس ‪ ،1967‬وكان األبنودى هو النجم الذى نال قدرا‬ ‫كبيرا من العقاب‪ ،‬رغم جماهيريته‪ ،‬وذلك ألسباب عجائبية حكى‬ ‫لنا عنها فى عيد امليالد األخير‪.‬‬ ‫‪1967‬‬ ‫خرج األبنودى بعد نضاالت عديدة بذلها مثقفون ومسئولون‬ ‫وكتاب كبار‪ ،‬وكانت عطيات عوض _زوجته_‪ ،‬والشهيرة بعطيات‬ ‫األبنودى‪ ،‬تقود حملة واسعة وكبيرة من أجل اإلفراج عن زوجها‬ ‫بدأت‬ ‫ومن معه‪ ،‬وبالفعل خرج املعتقلون‪ ،‬وفى شهرى ابريل ومايو ّ‬ ‫بوادر حرب قادمة بني مصر واسرائيل‪ ،‬وفى تلك املرحلة‪ ،‬فكر‬ ‫األبنودى أن يرتاح ويأخذ هدنة قليلة‪ ،‬ويسافر إلى «البلد» لاللتقاء‬ ‫بأهله هناك‪ ،‬ويستمد منهم الدفء املفقود فى القاهرة بعد حكاية‬ ‫االعتقال املريرة‪.‬‬ ‫وبالفعل شرع عبد الرحمن مع عطيات للذهاب إلى «أبنود»‪،‬‬ ‫ولكن عبر البحر األحمر‪ ،‬لكى يمر على السويس‪ ،‬لكى يلتقى‬ ‫بأحباب له‪ ،‬وهم «عيد أبو زعزوع» و«على أبو العيون» و«مبارك‬ ‫طايع» و« على أبو سلمى»‪ ،‬وألنه كان يحلم ببيت وحديقة هناك‪،‬‬ ‫فكان ال بد أن يقابلهم‪ ،‬وباملناسبة كلهم أصبحوا شخصيات‬ ‫«شعرية» فى ديوانه «وجوه على الشط»‪.‬‬ ‫ومن السويس إلى الغردقة‪ ،‬وكان عبد الفتاح األبنودى _شقيقه_‬ ‫فى االنتظار‪ ،‬وعند جالل األبنودى _الشقيق الثانى_ فى سفاجا‬ ‫قضى ليلة هناك‪ ،‬ثم استقل األتوبيس إلى أبنود محافظة قنا‪،‬‬ ‫ليلتقى بوالده ووالدته وينام على سرسر الجريد‪.‬‬ ‫تليفون من وجدى الحكيم‬ ‫لم يكن فى منزل أهل عبد الرحمن تليفون‪ ،‬ولكن كان أى اتصال‬ ‫من القاهرة يأتى على الكابينة‪ ،‬وبعدها يبلغ عامل السنترال‬ ‫الهدف املطلوب‪ ،‬وجاء «مرسال» لعبد الرحمن بأن «تليفون» له جاء‬ ‫من القاهرة‪ ،‬وذهب لكى يدرك أن ثمة أحداثا جساما تستوجب‬ ‫وجــوده فى القاهرة‪ ،‬واملكاملة كانت من الناقد واملــؤرخ الفنى‬ ‫ّ‬ ‫التليفون‪ ،‬بأن عبد الناصر سوف‬ ‫وأسر له فى‬ ‫وجدى الحكيم‪،‬‬ ‫ّ‬ ‫يدخل الحرب ضد اسرائيل‪ ،‬ولم يكذب األبنودى خبرا‪ ،‬وعاد إلى‬ ‫القاهرة بالفعل‪ ،‬ويتحول إلى شعلة نار ال تخمد‪ ،‬وال تحمل أحقادا‪،‬‬ ‫فاألمر ال يخص أى مرارات‪ ،‬الوطن يتعرض للقصف الغادر من‬ ‫الصهاينة‪.‬‬ ‫فى النصف الثانى من مايو ‪ ،1967‬كان عبد الرحمن يكتب‬ ‫أجمل وأقوى أغانيه الوطنية‪ ،‬وكانت لقاءاته مع عبد الحليم حافظ‬ ‫وكمال الطويل‪ ،‬وكذلك أحمد سعيد مدير إذاعة صوت العرب‬ ‫تتكثف وتتواتر‪ ،‬وكذلك نائبه محمد عروق‪ ،‬وعلى تلك الخلفية كتب‬ ‫األبنودى أغانيه الحماسية‪« :‬وال يهمك ياريس» األمريكان ياريس‪،‬‬ ‫و«بالدم حناخد تارنا‪ ..‬بالدم نعود لديارنا» و «احلف بسماها‬ ‫وبترابها‪ ..‬احلف بدروبها وأبوابها‪ ..‬ماتغيب الشمس العربية طول‬

‫‪ ٥‬مايو ‪ ٢٠١٩‬العدد ‪١٣٤٥‬‬

‫لم يكن األمر مجرد لهجة‪،‬‬ ‫وصوت مختلف‪ ،‬وأداء موسيقى‪،‬‬ ‫ولكن األبنودى وجد فى بيئته‬ ‫ما يستطيع أن يقدمه للناس‬ ‫دون أى افتعال أو تحذلق‬ ‫ما انا عايش فوق الدنيا‪ ،‬ثم «إنذار يااستعمار ‪ ..‬بترول مافيش ‪..‬‬ ‫قنال مافيش»‪ ،‬و«يابركان الغضب ياموحد العرب»‪ /‬و«ابنك يقولك‬ ‫يابطل هات لى انتصار»‪.‬‬ ‫وعندما انطلقت هــذه األغــانــى‪ ،‬أشعلت حماس املصريني‬ ‫بضراوة‪ ،‬وأنشدها العامل والفالح والطالب والشباب ‪ ،‬ولكن هذه‬ ‫األغانى _ بالطبع _ لم تمنع ما حدث فى صبيحة ّ ‪ 5‬يونيو ‪،1967‬‬ ‫تلك الكارثة التى لم يعترف بها أحمد سعيد‪ ،‬وظل يطلق بياناته‬ ‫املدوية‪ ،‬والتى كانت تذيع االنتصارات الوهمية‪.‬‬ ‫وبعد الحماس الذى أطلقه األبنودى فى أغانيه‪ ،‬كتب قصيدته‬ ‫«كباية شاى»‪ ،‬هذه القصيدة الجنائزية الحزينة‪ ،‬والتى لم يستطع‬ ‫أن يصرخ أو يبكى أو يهتف‪ ،‬كان حزينا للغاية‪:‬‬ ‫على كرسى ف قهوة ف شارع شبرا ‪...‬‬ ‫قعدت‪..‬‬ ‫وجابلى كباية الشاى الجرسون‪...‬‬ ‫_كباية شاى القهوة غير كباية شاى البيت خالص‬ ‫بصيت له كتير‪..‬‬ ‫مش عارف ليه‪..‬‬ ‫من مده طويله ماشفتش ّ‬ ‫حى‪...‬‬ ‫كان الشارع نابض فيه الدم املطفى ّ‬ ‫وحى‪..‬‬ ‫ّ‬ ‫مر عليا الراجل الصلع خالص‪..‬‬ ‫والبنت اللى ف ايدها طبق الفول‬ ‫الناقص خالص خالص‪...‬‬ ‫والست الالبسه التوب اللسود خالص‪..‬‬ ‫ّ‬ ‫مرت عربيه جديده وفيها ناس وشها ساكت خالص خالص‬

‫وولد بيكلم بنت على التلتوار‬ ‫بالحس الواطى خالص خاص‪...‬‬ ‫وخايف خالص‪..‬‬ ‫وعلى التلتوار التانى‬ ‫كان دكان فكهانى منظم خالص‪..‬‬ ‫ونيونه مشعلل أنوار خالص خالص‪..‬‬ ‫وقعت سنجة تورماى (خمسه‪)...‬‬ ‫طلع الولد (املتشعبط) ّ‬ ‫ركبها‪..‬‬ ‫وركب من باب التورماى قدام الكومسارى ‪..‬‬ ‫شافه مكلمهوش خالص‪..‬‬ ‫عدى الراجل اللى منزلش‬ ‫من ع العجله بقاله ‪ 6‬سنني‬ ‫كان تعبان جدا‪..‬‬ ‫وموطى‪..‬‬ ‫ومش بيبدل خالص‪..‬‬ ‫أخد الجرسون قرشني بقشيش ‪..‬‬ ‫بص لى جدا ‪..‬جدا‬ ‫واستغرب خالص خالص خالص‪!!..‬‬ ‫القصيدة إحساس عارم وجنائزى ومهزوم بالهزيمة واالنكسار‪.‬‬ ‫عيد ميالده األخير‬ ‫ّ‬ ‫كنا نعد لعيد ميالده فى ‪ 11‬إبريل ‪ ،2015‬وكنت قلقا على حالته‬ ‫ّ‬ ‫التى ال تتحمل الجلوس والقيام‪ ،‬وتجرأت وهاتفته «الخميس ‪9‬‬ ‫ابريل» قبل االحتفال بيومني‪ ،‬وعندما سمعنى ‪ ،‬بادرنى‪ :‬إياك عاوز‬ ‫تعتذر؟‪ ،‬فقلت له ‪ :‬ليس اعتذارا بقدر ما هو رجاء بتأجيل االحتفال‬ ‫ليوم آخر‪ ،‬حتى تسترد صحتك قليال‪ ،‬وأبلغنى بأنه فى طريقه‬ ‫للمستشفى فى عربة اإلسعاف‪ ،‬وبالفعل ذهبنا «أحمد بهاء شعبان‬ ‫وعزة كامل وبناتى سوسن وميسون» وفريق من جريدة التحرير‪،‬‬ ‫وتحامل على نفسه كثيرا‪ ،‬وكان مبتسما طوال الوقت‪ ،‬ولكننا‬ ‫الحظنا بأن آلة األلم تعمل فى جسده بضراوة‪ ،‬وعدنا‪ ،‬وأعددنا‬ ‫ملفا وافيا فى الجريدة يوم االثنني ‪ 13‬إبريل‪ ،‬وفى الثالثاء ‪14‬‬ ‫إبريل دخل املستشفى‪ ،‬وتداهمه الغيبوبة‪ ،‬ليغيب عنا فى ‪ 21‬إبريل‬ ‫أعظم شاعر أنجبته مصر فى العصر الحديث‪.‬‬


‫‪30‬‬

‫‪ ٥‬مايو ‪ ٢٠١٩‬العدد ‪١٣٤٥‬‬

‫بريد‬

‫قد تلد مبدعا حقيقيا‪:‬‬

‫بعد التحية والسالم‬

‫احلكم بإعدام «اخلواطر» ليس نهائيا!!‬ ‫ُ‬ ‫يستهني البعض بكتابة الخواطر‪ ،‬باعتبارها تعبر عن‬ ‫أفكار سطحية‪ ،‬وتتسم بأسلوب قد يبدو ركيكا‪ ،‬وهى‬ ‫وجهة نظر صحيحة‪ ،‬ألن من يكتبها عادة يرغب فى‬ ‫التعبير املباشر عما يجول بخاطره‪ ،‬دون أن يرتقى بها‬ ‫إلى مصاف األعمال اإلبداعية‪ ،‬وغالبا يكون أصحابها‬ ‫قد توقفوا عن الــقــراءة‪ ،‬أو لم يتخطوا عتباتها من‬ ‫األساس‪ ،‬ألنهم لو كانوا يقرأون الجتذبهم جنس أدبى‪،‬‬ ‫يصبح وعاء أكثر مالءمة ألفكارهم‪ ،‬التى ستصير أكثر‬ ‫عمقا بالتأكيد‪.‬‬ ‫الرأى السابق ال ينبغى أن يكون حكما باإلعدام‬ ‫غير أن ّ‬ ‫على موهبة كتابها‪ ،‬فأعتقد أن كبار األدباء انطلقوا من‬ ‫منصة الخواطر‪ ،‬قبل أن يعملوا على صقل كتابتهم‪،‬‬ ‫لتصبح أكثر نضجا وإبداعا‪ ،‬لهذا أرى ضرورة التعامل‬

‫مع من يكتبون الخواطر بسعة صدر أكبر‪ ،‬خاصة لو كانوا‬ ‫فى سن صغيرة‪ ،‬فربما يكون من بينهم مواهب حقيقية‬ ‫تحتاج إلى التوجيه‪ ،‬ومد يد العون لها‪ .‬األمر فقط يحتاج‬ ‫إلى تأكيد ُملح دائما‪ ،‬بأن الخواطر نقطة انطالق وليست‬ ‫محطة وصــول‪ ،‬مع النصح املستمر بالقراءة وتحديد‬ ‫ُ‬ ‫قوائم بالكتب املرشحة‪ .‬هنا فقط سيستمر محبو اإلبداع‪،‬‬ ‫ويواصلون تقدمهم‪ ،‬وينتقلون غالبا بعد حني إلى دائرة‬ ‫املبدعني الحقيقيني‪ ،‬بينما سينسحب الراغبون فى‬ ‫التعبير عن مسألة شخصية‪ ،‬كقصة حب فاشلة مثال‪ ،‬أو‬ ‫يواصلون كتابة إخفاقاتهم على شكل خواطر‪.‬‬

‫أسامة أحمد عبد اهلل‬ ‫اجليزة‬

‫اتركينى‬ ‫اتركينى أفعل‪ ..‬ما أشاء‪..‬‬ ‫إن احالمى بريئة‪.. ‬‬ ‫كالطيور‪ ..‬‬ ‫إن أنفاس الصباح‪ ..‬تبحث عن شعاع ‪...‬‬ ‫اتركينى أحلم ‪ ...‬أن تعودى من جديد ‪...‬‬ ‫ان نغنى‪ ..‬ونقرأ الشعر سويا‪..‬‬ ‫ونضحك فى املساء‪ ..‬‬ ‫معذرة‪ ...‬يا سيدة الكون‪ ‬‬ ‫املمدود‪..‬‬ ‫إلى مثواى‪...‬‬ ‫مصلوب فوق جدار الذكرى‪.. ‬‬ ‫حبوب القهوة وأوراق الشاى ‪...‬‬ ‫‪ ‬رائحة البحر املشتاقة‪ ‬‬ ‫ألحضان الريح‪...‬‬ ‫كم كان جميال هذا اليوم‪ ‬املشرق باألصداف‪..‬‬ ‫وجعلت قلبى وسادتك‪..‬‬ ‫ِ‬ ‫كالطفلة فى أحضان فراشتها‪..‬‬ ‫نلتقط الصورة والصورة‪...‬‬ ‫وعيونك تضحك لألمواج‪..‬‬ ‫ونغنى‪ ‬بصوت مبحوح‬ ‫نستلقى فوق‪ ‬رمال الشط املجروح ‪..‬‬ ‫تتذكرين من أنا ؟؟‪ ‬‬ ‫تتذكرين من أكون‪...‬؟؟‬ ‫أنا الذى أغرقت قميصه دموعنا‪..‬‬ ‫من البكاء‪...‬‬ ‫عزيزتي‪ ..‬اتركينى أفعل ما أشاء‪...‬‬

‫للفنان‪ :‬سعيد بدوى‬

‫اتركينى‪ ..‬بني احالمى اغوص‪ ..‬‬ ‫وبني عينيك أسبح‪ ...‬‬ ‫إن فى عينيك ‪ ...‬حياة األبرياء‪...‬‬

‫رمضان املهدى‪ ‬‬ ‫األقصر‬

‫صراع ال ينتهى إال بالرحيل!‬

‫ُ‬ ‫كــف عــن الــركــض‪ ،‬وال تظن أن‬ ‫سرعتك ق ُــادرة على اللحاق بما‬ ‫تهوى‪ ،‬قد تصدم أنه كلما ازدادت‬ ‫لــديــك الرغبة فــى إدراك الشئ‬ ‫ابتعد‪ ،‬وبــدا وكــأن الــوصــول اليه‬ ‫مستحيل‪ ،‬حتى وإن كان فى حقيقة‬ ‫األمر شيئا واردا حدوثه جدا‪ ،‬لذا‬ ‫أرح نفسك وال تلهث خلف األشياء‬ ‫التى ال يزيدها البحث عنها سوى‬ ‫بعدًا ونفورًا‪ .‬اهدأ!‬ ‫ثمة فرق كبير بني السعى بعقالنية‬ ‫‪ ،‬وبني أن تلهث خلف ما التعلم صدق‬ ‫ّ‬ ‫فتريث‬ ‫رغبتك فيه ومادعاك إليه‪،‬‬

‫‪٧‬‬

‫‪ ٥‬مايو ‪ ٢٠١٩‬العدد ‪١٣٤٥‬‬

‫فى البحث عن أمور قد أدركت وأنت‬ ‫فى مسيرتك أنك بحاجة إليها‪.‬‬ ‫إن استطعت أن تحل الصراع‬ ‫الذى تصر نفسك على الدخول فيه‬ ‫كلما رغبت بشئ‪ ،‬وأن تساعدها فى‬ ‫فهم املقصد من هذه الحياة‪ ،‬وأنه‬ ‫حتمًا ليس مقرونا بالتعلق بأى شيء‬ ‫فيها‪ ،‬فإنك حينها توقن أنك أوتيت‬ ‫جــزءًا من نعيم الدنيا‪ .‬من يملك‬ ‫نفسًا هادئة ال تضطرب وال تجزع‬ ‫مرت بما ليس فى الحسبان‪،‬‬ ‫كلما‬ ‫ُ‬ ‫وبما لــم تعد لــه‪ ،‬فقد حــاز كنزا‬ ‫عظيما‪ ،‬وليحفظه ويسأل الله له أن‬

‫يستديم‪.‬‬ ‫حــلــقــات الـــصـــراع مــع النفس‬ ‫ال تنتهى إال إذا رحــل صاحبها‪،‬‬ ‫فــوجــودهــا مــن سنن الــكــون‪ ،‬لكن‬ ‫حالها ال يسير على وتيرة واحــدة‪.‬‬ ‫تارة تظن أنك انتصرت‪ ،‬وأن الهدوء‬ ‫سيصبح حليفك فيما بقي‪ ،‬وتارة‬ ‫تجد حلبة الصراع تبدو وكأن نيرانا‬ ‫اندلعت فيها‪ ،‬تأبى أن تنطفئ أو‬ ‫حتى تهدأ‪.‬‬

‫نورين شكرى‬ ‫مدينة ‪ 6‬أكتوبر‬

‫إيهاب احلضرى‬ ‫‪ehab_hadaryy@yahoo.com‬‬

‫بريد الليل‪ ..‬ورسائل‬ ‫«البوكر» السلبية!!‬ ‫ت عــن البوكر العربية عــدة م ــرات‪ ،‬كانت األولــى‬ ‫كتب ُ‬ ‫مــع مــولــدهــا‪ ،‬واألخ ـي ــرة عـنــد تـعــديــل شــروطـهــا‪ .‬فاصل‬ ‫زمـنــى عـمــره سـنــوات بــن املــرتــن‪ ،‬كــان كافيا إلثـبــات أن‬ ‫مخاوف البدايات لها ما يبررها‪ ،‬فقد حتفظ البعض‬ ‫ع ـنــد انـ ـط ــاق اجلـ ــائـ ــزة‪ ،‬ع ـلــى ج ـعــل ال ـتــرش ـيــح حـكــرا‬ ‫على الناشرين‪ ،‬وج ــاءت التعديالت بعد أع ــوام لتزيد‬ ‫سطوتهم‪ ،‬وفى كل األحوال ظل الروائى العربى ُمهمشا‪،‬‬ ‫ينحصر دوره فى التوقيع باملوافقة على ترشيح الناشر‬ ‫لــه‪ ،‬وهــو توقيع مـضـمــون‪ ،‬ألن «غــوايــة» اجلــائــزة جتعل‬ ‫الرفض شبه مستحيل‪.‬‬ ‫وع ـل ــى ق ــدر الـقـيـمــة املــال ـيــة ال ـك ـب ـيــرة‪ ،‬ت ـث ــور م ـعــارك‬ ‫أك ـبــر عـنــد إع ــان ال ـفــائــز كــل دورة‪ ،‬وب ـهــذا ُيـعـتـبــر غبار‬ ‫«ال ـبــوكــر» طقسا مــزمـنــا‪ ،‬ف ـعــادة مــا يسبق اإلع ــان عن‬ ‫الفائز‪ ،‬ويتصاعد غالبا عقب حفلها السنوى‪ ،‬وحتتدم‬ ‫االت ـه ــام ــات ال ـتــى ُتـشـكــك ف ــى حـيــدتـهــا ومـصــداقـيـتـهــا‪،‬‬ ‫ومتتد النتقاد ذائقة جلنة التحكيم‪ ،‬لدرجة نعتها بأنها‬ ‫ُمتخلفة فى إحدى الدورات‪.‬‬ ‫جـ ــاء الـ ـع ــام احل ــال ــى لـيـشـهــد عــاص ـفــة ج ــدي ــدة من‬ ‫اجلدل‪ ،‬واملختلف هذه املرة هو سيناريو األحداث‪ ،‬الذى‬ ‫وصل لذروته الدرامية‬ ‫عبر تسريب عبده وازن‬ ‫بالتأكيد تستحق هــدى للنتيجة‪ ،‬قبل إعالنها‬ ‫بركات الفوز بجوائز كبرى‪ ،‬ب ـ ـسـ ــاعـ ــات‪ ،‬مم ـ ــا ف ـتــح‬ ‫عـلـيــه ن ـي ــران املـقــربــن‬ ‫لكن ما يشغلنى هو األسباب م ـ ــن اجلـ ـ ــائـ ـ ــزة‪ ،‬وك ـ ــأن‬ ‫التى دعت اللجنة لترشيح املشكلة الــوح ـيــدة فى‬ ‫الـنـشــر‪ ،‬ولـيـســت فيما‬ ‫روايـــة مــن خ ــارج األعــمــال س ـب ـق ــه مـ ــن ت ـفــاص ـيــل‬ ‫أش ـ ـع ـ ـلـ ــت االج ـ ـت ـ ـمـ ــاع‬ ‫املتقدمة‪.‬‬ ‫األخ ـ ـ ـ ـ ـ ـيـ ـ ـ ـ ـ ــر ل ـ ـل ـ ـج ـ ـنـ ــة‬ ‫التحكيم‪.‬‬ ‫لم تكن هذه األحداث الساخنة نقطة انطالق املعركة‬ ‫األخيرة‪ ،‬فقد بدأت إرهاصاتها مع طلب جلنة التحكيم‬ ‫تــرشـيــح روايـ ــة ه ــدى بــركــات «بــريــد ال ـل ـيــل»‪ .‬لــم يتقدم‬ ‫ناشرها بها للمسابقة‪ ،‬ألن الكاتبة الكبيرة تبنت موقفا‬ ‫سلبيا منها‪ ،‬بعد استبعاد روايتها «ملكوت هذه األرض»‬ ‫من القائمة القصيرة فى دورة سابقة‪ .‬بالتأكيد تستحق‬ ‫هــدى بركات الفوز بجوائز كبرى‪ ،‬لكن ما يشغلنى هو‬ ‫األس ـبــاب الـتــى دعــت اللجنة لترشيح رواي ــة مــن خــارج‬ ‫األعمال املتقدمة‪ ،‬خاصة بعد أن أكدت تقارير صحفية‬ ‫أن الـلـجــوء لــذلــك يـحــدث فــى حــالــة اكـتـشــاف نقص أو‬ ‫ضـعــف فــى قــائـمــة املـتـقــدمــن‪ ،‬وبــالـبـحــث فــى الـشــروط‬ ‫امل ـن ـش ــورة ع ـلــى م ــوق ــع اجلـ ــائـ ــزة‪ ،‬ل ــم أجـ ــد سـ ــوى ع ـبــارة‬ ‫فضفاضة‪ « :‬إذا ما رأت ذلك ضروريا»‪ ،‬دون حتديد واضح‬ ‫حلــاالت ال ـضــرورة التى تستدعى قيام اللجنة بذلك‪،‬‬ ‫وألن النص مبهم يصبح التفسير املنطقى له هو ضعف‬ ‫األعمال املقدمة‪ ،‬خاصة أن جوائز عربية أخــرى تنص‬ ‫على ذلك صراحة‪.‬‬ ‫نـحــن إذن أمـ ــام أح ــد اح ـت ـمــالــن‪ :‬األول أن اللجنة‬ ‫لــم جتــد فــى األع ـمــال املـتـقــدمــة مــا يستحق‪ ،‬وه ــو أمــر‬ ‫يسىء إلى أسماء املبدعني الذين تضمنتهم القائمتان‬ ‫الطويلة والقصيرة‪ ،‬والثانى أن الهدف كان ترضية هدى‬ ‫بركات‪ ،‬مما يعنى أن األمر كان محسوما منذ البداية‪،‬‬ ‫وهــو مــا يـهــدد مصداقية أعـمــال جلــان التحكيم‪ ،‬وفى‬ ‫الــوقــت نفسه يصيب املبدعني بــاإلحـبــاط‪ ،‬ألن قواعد‬ ‫املنافسة العادلة لم تعد قائمة‪.‬‬ ‫أيا كانت مبررات الترشيح فإنها توجه رسائل سلبية‪،‬‬ ‫حــول جــائــزة أث ــارت جــدال واسـعــا منذ حلظة ميالدها‪،‬‬ ‫وكانت املخاوف وقتها وجيهة‪ ،‬لكن املتفائلني متسكوا‬ ‫بأمنيات تراجعت تدريجيا‪ .‬وبعد األزمة األخيرة خرج‬ ‫مجلس أمناء اجلائزة‪ ،‬ليعلن إصابته بخيبة أمل كبيرة‬ ‫نتيجة التسريب‪ ،‬لكنى أمتنى أن يقف األمـنــاء وقفة‬ ‫جادة‪ ،‬بعد جتاوز صدمتهم‪ ،‬ويبدأوا وضع آليات تضمن‬ ‫لـلـجــائــزة الـكـبـيــرة نــزاهـتـهــا وشـفــافـيـتـهــا‪ ،‬ل ـعــاج خيبة‬ ‫املثقفني‪ ،‬التى نتجت عما هو أكبر من أى تسريب!‪.‬‬

‫أتقاضى حقوقى والسالم عليكم‬ ‫ما يدفع املترجم‬ ‫إلى التعامل‬ ‫مع الدور غير‬ ‫االحترافية هو أن‬ ‫«السوق ض ّيقة»‪.‬‬ ‫لذلك أقول إن‬ ‫مصلحتنا جميع ًا‪،‬‬ ‫نحن املترجمني‪،‬‬ ‫أن يحقق الناشر‬ ‫األرباح‪ ،‬وأن تتسع‬ ‫السوق‬

‫ً‬ ‫أوال‪ :‬يجب أن نتفق فى البداية أننا نتحدث عن‬ ‫املترجمني االحترافيني وعن دور النشر االحترافية‪.‬‬ ‫الــدور غير االحترافية لها حسابات مختلفة‪،‬‬ ‫واملترجم الــذى يتعامل معها هو اآلخــر حساباته‬ ‫مختلفة‪ ،‬قد ال يهمه املستحقات املادية بقدر اهتمامه‬ ‫بترسيخ اسمه فى سوق الترجمة‪ ،‬أو بترجمة كتاب‬ ‫معني له قيمة خاصة لديه‪ ،‬أو بتحقيق مكسب مادى‬ ‫أقل ألن هذه‪ ،‬ببساطة‪ ،‬هى الفرصة املتوفرة أمامه‪.‬‬ ‫ثانيًا‪ :‬يجب أن نتفق أيضًا على أن املترجم‬ ‫والناشر ليسا خصمني‪ ،‬هما فى مركب واحــدة‪.‬‬ ‫من مصلحة املترجم أن يربح الناشر‪ .‬كلما ازداد‬ ‫ربح الناشر ازداد عدد الناشرين‪ ،‬وعدد الكتب‬ ‫املنشورة‪ ،‬وازدادت الفرص املتاحة أمام املترجم‪،‬‬ ‫واتسعت السوق أمام املترجمني عمومًا‪.‬‬ ‫أنــا شخصيا أكــون سعيدًا جــدًا إذا استطاع‬ ‫الناشر تحقيق أرباح جيدة من مشروعنا املشترك‬ ‫«الكتاب ُامل َ‬ ‫ترجم»‪ ،‬وأعتبر هذا نجاحًا لى‪ .‬عندما‬ ‫يترجم معى كتابًا ناجحًا على املستوى املادى‪ ،‬سوف‬ ‫يسعى للتعاقد معى على كتاب ثان وثالث‪ .‬سبق‬

‫وأن عملت لسنوات فى مجال النشر وبيع الكتب‪،‬‬ ‫واطلعت على خفايا هــذا املجال بصورة جيدة‪.‬‬ ‫وأنا أعرف كم التفاصيل املعقدة التى يخوضها‬ ‫الناشر‪ ،‬وصعوبات املهنة‪ .‬الناشر لديه مصروفات‬ ‫ال تحصى‪« :‬مصروفات تشغيل الدار‪ ،‬شراء الحقوق‪،‬‬ ‫مصروفات الترجمة‪ ،‬الغالف‪ ،‬شراء الورق وأسعاره‬ ‫املتغيرة‪ ،‬الطباعة‪ ،‬النقل‪ ،‬التخزين‪ ،‬خصم‬ ‫املكتبات الذى يلتهم نصف سعر الكتاب تقريبا‪،‬‬ ‫إلخ»‪ ،‬ويواجه تحديات ال ينتبه إليها معظمنا «تزوير‬ ‫الكتب‪ ،‬القرصنة‪ ُ ،‬إلــخ»‪ .‬وهو يتعرض للمساءلة‬ ‫َ‬ ‫القانونية أحيانًا‪ ،‬وتمنع كتبه فى املعارض العربية‬ ‫فى أحيان أخرى‪.‬‬ ‫كل هذه التفاصيل تجعله من أصحاب رؤوس‬ ‫األمــوال املغامرة‪ .‬فهو يحقق النجاح الساحق فى‬ ‫عــدد قليل من الكتب‪ ،‬ويحقق النجاح فى بعض‬ ‫الكتب‪ ،‬وكثير مــن الكتب ال تنجح وتبقى فى‬ ‫املخازن‪ ،‬بخسارة أو بربح بسيط‪.‬‬ ‫أنا شخصيًا‪ ،‬كمترجم‪ ،‬ال أطمح فى «مشاركته»‬ ‫أرباحه‪ .‬هو ببساطة يشترى منى «حقوق» الترجمة‪،‬‬

‫امنحونا احلد األدنى من األمان‬ ‫مــن خــال مــا ُعــرض على ًمــن عــدة دور نشر‬ ‫خاصة‪ ،‬أرى العقود مجحفة جدا؛ ألنها تنحاز إلى‬ ‫مصلحة الناشر‪ ،‬وتجور على حق املترجم بصورة‬ ‫فجة‪ .‬فالناشر ليس عليه إال استالم مخطوطة العمل‬ ‫ً‬ ‫تماما للنشر‪،‬فى أغلب األحوال‪ ،‬وال يتعهد‬ ‫جاهزة‬ ‫بشيء إال دفع نسبة محددة من املبيعات تتراوح بني‬ ‫عشرة إلى ثالثني فى املائة حسب سياسة الدار‪.‬‬ ‫وهو ما يعنى أن على املترجم ‪-‬فى مثل هذه الحالة‪-‬‬ ‫تقديم كل ما بذله من جهد ووقت وتكاليف إضافية‬ ‫مجانية للناشر؛ فالعائد املتوقع من‬ ‫فى العمل هدية ً‬ ‫ً‬ ‫مجزيا‬ ‫املبيعات ليس عاجل من ناحية‪ ،‬ولن يكون‬ ‫من ناحية أخرى‪ .‬فكيف يمكن للمترجم أن ينتظم‬ ‫فى الترجمة بهذا الشكل‪ ،‬وهو ال يتقاضى ً‬ ‫أجرا‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫ومحددا سلفا‪ ،‬وعليه ما عليه من التزامات‬ ‫واضحا‬ ‫ومسئوليات الحياة اليومية؟!‬ ‫ً‬ ‫طبعا إلــى العمل فى أعمال‬ ‫يضطر املترجم‬ ‫أخرى سواء فى الترجمة التجارية لصالح مكاتب‬ ‫الترجمة‪ ،‬أو أى أعمال ذات عائد مادى‬ ‫وشركات‬ ‫َ‬ ‫عاجل‪ ،‬ومن ثـ َّـم تتعطل ً مشاريع ترجمته األدبية‬ ‫واإلبداعية ألنها تمثل عبئا ً‬ ‫ً‬ ‫إضافيا عليه‪ ،‬وال‬ ‫ماديا‬ ‫تظهر إلى النور إال بعد وقت طويل ألنه ال يستطيع‬ ‫ً‬ ‫وطبعا هذا الكالم له استثناءات‬ ‫لها‪.‬‬ ‫التفرغ التام َ‬ ‫تتعلق باللغة املترجم عنها‪ ،‬ومدى شهرة العمل‪،‬‬ ‫واملؤلف‪ ،‬واملترجم‪ ،‬وتوفر جهات داعمة أو ممولة‬ ‫للترجمة‪ ،‬وهو ما ال يتوفر فى الترجمة عن اللغة‬ ‫ُ‬ ‫األردية وجميع اللغات األخرى غير املعروفة للقارئ‬ ‫العربى‪.‬‬ ‫>>>‬ ‫فى الوضع الحالى املشار إليه تظل النسبة من‬ ‫املبيعات هى العائد املادى الوحيد للمترجم‪ .‬أما‬ ‫إذا تغيرت هذه السياسة‪َّ ،‬‬ ‫ونص العقد على تقاضى‬ ‫املترجم مستحقاته املادية كاملة بمجرد تسليم‬ ‫العمل مقابل أن تمتلك الدار حقوق نشر الترجمة‬

‫الناشر يراهن‬ ‫بالفعل على حاجة‬ ‫املترجم إلى نشر‬ ‫عمله وإخراجه‬ ‫للنور‪ ،‬ويتعامل‬ ‫مع املترجم كأنه‬ ‫هاوٍ أو أنه ترجم‬ ‫هذا العمل أو ذاك‬ ‫رفاهية وال يحتاج‬ ‫إلى عائد‬

‫ملدة معينة‪ ،‬فأظن أنــه لن تكون هناك ضرورة‬ ‫لذلك‪ .‬ويمكن املوازنة بني األمرين بأن يتقاضى‬ ‫ِّ‬ ‫ويعوض‬ ‫املترجم نسبة معقولة من مستحقاته‪،‬‬ ‫املتبقى منها بنسبة من املبيعات‪.‬‬ ‫ً‬ ‫بنودا عادلة‬ ‫وكل ما أنشده أن يتضمن العقد‬ ‫تــســاوى بــن حــقــوق وواجــبــات كــا مــن املترجم‬ ‫والناشر‪ ،‬وترتقى إلى مستوى العمل الثقافى الذى‬ ‫يجمعهما‪ .‬فلكل منهما دور ال يقل أهمية عن اآلخر‪،‬‬ ‫والعالقة بينهما تكاملية أو هكذا يجب أن تكون‪.‬‬ ‫وبما أن عملية النشر تكفل للناشر الحد األدنى‬ ‫من االستقرار املادى والتفرغ لها‪ ،‬فال بد أن ينص‬ ‫عقد الترجمة كذلك على ما يضمن للمترجم الحد‬ ‫األدنى من األمان املادى ويساعده فى تكريس نفسه‬ ‫لعملية الترجمة‪ .‬ومن الناحية الفنية ال بد أن ينص‬ ‫هذ العقد على أن يلتزم املترجم بمعايير الجودة‬ ‫والدقة وكل ما من شأنه إبداع ترجمة جيدة ومتقنة‬ ‫وجميلة‪ ،‬وأن يلتزم الناشر كذلك بالتحرير الجيد‬ ‫للنص‪ ،‬وتصميم الغالف املناسب لــه‪ ،‬والعناية‬ ‫بجودة الطباعة واإلخــراج الفنى وغير ذلك من‬ ‫فنيات النشر‪ ،‬باإلضافة إلى تحديد اآلليات التى‬ ‫سيتبعها فى التسويق والتوزيع‪.‬‬ ‫>>>‬ ‫وإجابة عن سؤال هل التعامل أكثر احترافية مع‬ ‫دور النشر غير املصرية؟فمن املؤكد أن املسألة‬ ‫نسبية وليست كل دور النشر غير املصرية أكثر‬ ‫احترافية‪ ،‬ولكن بحكم تجربتى املحدودة جربت‬ ‫العمل فى كتابني جماعيني مع مركز دراسات خارج‬ ‫مصر‪ ،‬وأراها تجربة جيدة وال بأس بها من ناحية‬ ‫ُاالحترافية فى التعامل واألداء الجيد‪ ،‬والتعاقد‬ ‫املرضى إلى حد ما‪ ،‬واألجــر املناسب‪ ،‬واإلخــراج‬ ‫الفنى املعقول‪ ،‬ولكن ما زالت مشكلة هذا املركز‬ ‫األساسية تتمثل فى ضعف التسويق والتوزيع‪ ،‬فكتب‬ ‫هذا املركز ال تتوفر خارج بلده بسهولة‪ ،‬وحتى عندما‬

‫إيهاب عبداحلميد‬ ‫مقابل مبلغ مقطوع‪ .‬إذا دفعه لى فى املوعد املتفق‬ ‫عليه‪ ،‬وأخــرج الكتاب بالصورة املثلى‪ ،‬سأعتبره‬ ‫شريكًا رائعًا‪ ،‬وسأظل أتعامل معه‪.‬‬ ‫أما أن أطلب منه «نسبة» من الربح على النسخ‬ ‫املبيعة‪ ،‬فهذا أمر غير عملى‪ ،‬لألسباب السالف‬ ‫ذكرها‪ .‬هو «يغامر» فى مشروعه‪ ،‬أما أنا فليس َّ‬ ‫لدى‬ ‫أى قدر من املغامرة‪ .‬أنا أترجم الكتاب وأتقاضى‬ ‫حقوقى‪ ،‬والسالم عليكم‪.‬‬ ‫وباملناسبة‪ ،‬الدور االحترافية معروفة‪ ،‬والدور‬ ‫غير االحترافية معروفة أيضًا‪ .‬وما يدفع املترجم‬ ‫إلى التعامل مع الدور غير االحترافية هو أن «السوق‬ ‫ّ‬ ‫ضيقة»‪ .‬لذلك أقــول إن مصلحتنا جميعًا‪ ،‬نحن‬ ‫املترجمني‪ ،‬أن يحقق الناشر األربــاح‪ ،‬وأن تتسع‬ ‫السوق‪.‬‬ ‫الناشرون ليسوا‪ ،‬ويجب أال يكونوا‪ ،‬خصومًا‬ ‫للمترجمني‪ .‬إنهم شركاء فى مشروع واحد وسوق‬ ‫واحدة تعود بالنفع على الجميع فى حالة اتساعها‬ ‫وتنظيمها‪.‬‬

‫هانى السعيد‬ ‫أرسل لى نسختني من الكتاب الثانى حجزته الرقابة‬ ‫فى البريد‪ ،‬وعانيت ً‬ ‫كثيرا حتى حصلت عليهما بعد‬ ‫فترة طويلة وتكاليف ُمبالغ فيها‪.‬‬ ‫>>>‬ ‫وهل املترجم هو الحلقة األضعف بالنسبة للناشر‬ ‫املصرى؟‬ ‫نعم لألسف تبدو هذه هى الحقيقة باستثناءات‬ ‫تثبت القاعدة وال تنفيها‪ .‬الناشر يراهن بالفعل‬ ‫على حاجة املترجم إلى نشر عمله وإخراجه للنور‪،‬‬ ‫ـاو أو أنه ترجم هذا‬ ‫ويتعامل مع املترجم كأنه هـ ٍ‬ ‫العمل أو ذاك رفاهية وال يحتاج إلى عائد مباشر‬ ‫عن عمله‪ .‬ومن ناحية أخرى ُي ِّ‬ ‫حمل أغلب الناشرين‬ ‫ً‬ ‫حاليا املترجم بعض أهم مسئولياتهم كناشرين‬

‫مثل التدقيق اللغوى والتحرير‪ ،‬واألغرب التسويق‪،‬‬ ‫فيطلبون من املترجم بعد كل ما بذله من جهد فى‬ ‫الترجمة أن يتولى مهمة تسويق كتابه!‬ ‫>>>‬ ‫لقد أوضحت صــورة الناشر الخاص حسبما‬ ‫رأيتها‪ ،‬أما الناشر الحكومى فمن املؤكد أنه يختلف‬ ‫حسب الجهة التابع لها‪ .‬صحيح أن لى عمال معلقا‬ ‫ً‬ ‫ومتأخرا جدا مع أحد الناشرين الحكوميني ألسباب‬ ‫ً‬ ‫حاليا‪ ،‬إال أن املعروف وامللموس أن‬ ‫ترجع لى أنا‬ ‫النشر الحكومى يعانى من مشاكل بيروقراطية‬ ‫مزمنة فى نشر الترجمات وغيرها باستثناء بعض‬ ‫آلخر‪.‬‬ ‫املحاوالت الجادة من آن‬ ‫ً‬ ‫وإذا كان لى أن أقول شيئا فى النهاية يخص‬ ‫اللغة األرديــة التى أترجم عنها فهو أن إقــدام‬ ‫أى ناشرعلى نشر ترجمة من لغة مثل األرديــة‬ ‫بالشروط الطبيعية أمر نوعى ً‬ ‫تماما بل واستثنائى‬ ‫إلــى حد كبير‪ ،‬ال يمكن أن ُينتج حركة ترجمة‬ ‫حقيقية عن هذه اللغة‪.‬‬


‫‪٦‬‬

‫‪ ٥‬مايو ‪ ٢٠١٩‬العدد ‪١٣٤٥‬‬

‫أرطال من حلمى‬ ‫برغم أن أهم ما يصدر من كتب باللغة العربية‬ ‫اآلن‪ ،‬ومنذ فترة غير قليلة‪ ،‬هى الكتب املترجمة‪،‬‬ ‫وبرغم أن املترجمني باتوا يحظون بقدر من الثناء‬ ‫ولفت األنظار وربما «النجومية» ما كان أسالفهم‬ ‫األقربون ليحلموا بمثله أو ببعض منه‪ ،‬فإن وضع‬ ‫املترجم ـ املــادى على األقــل ـ ال يعكس شيئا من‬ ‫ذلك‪.‬‬ ‫فاملترجم ال َ‬ ‫يعامل على اإلطالق باعتباره مالكا‬ ‫لترجمته‪ ،‬صاحبا للنص العربى الذى أنتجه‪ .‬هو‬ ‫أقرب إلى صنايعى‪ ،‬فنى ترجمة‪ ،‬حرفى يؤجر‬ ‫عن مهمة‪ ،‬ثم تنقطع عالقته إلى األبــد باملنتج‬ ‫الذى ينتجه‪ .‬يبيع املترجم الترجمة للناشر لفترة‬ ‫محددة‪ ،‬أقلها خمس سنوات‪ ،‬وتصل فى بعض‬ ‫العقود الجائرة إلى أربعة أمثال ذلك وربما أكثر‪.‬‬ ‫بال نسبة للمترجم من املبيعات‪ ،‬بال مقابل مادى‬ ‫عند تجديد العقد‪ ،‬وأغلب عقود الناشرين مع‬ ‫املترجمني تنص على تجديد العقد تلقائيا‪ ،‬لكنها‬ ‫ال تنص ـ إال نادرا للغاية ـ على مقابل لهذا التجديد‪.‬‬ ‫ناهيك عن دور نشر تنكر على املترجم أن يوضع‬ ‫اسمه على غالف كتابه‪ ،‬أو تفرض عليه محررا‬ ‫ينظر فى ترجمته وهو لم يترجم فى حياته إال فى‬ ‫امتحان الثانوية العامة‪ ،‬أو دور أخرى ال تقبل كتابا‬ ‫مترجما ما لم يراجعه شخص حاصل على دكتوراه‬

‫لو أن القارئ‬ ‫يرفض الترجمات‬ ‫الرديئة واملعيبة‬ ‫واملتعجلة‪ ،‬لو أنه‬ ‫ميتنع عن شراء‬ ‫ترجمات املبتدئني‬ ‫والدخالء والهواة‪،‬‬ ‫ملا استطاع ناشر‬ ‫أن يفرض شروطه‬ ‫املجحفة على‬ ‫مترجم جيد‬

‫أحمد شافعى‬ ‫وإن لم تكن له دراية بالترجمة‪.‬‬ ‫هذا فضال عن دور النشر الكثيرة التى يقوم‬ ‫عليها نصابون حقيقيون‪ ،‬يتلقون آالف الدوالرات‬ ‫دعما من الــخــارج‪ ،‬موجها للترجمة‪ ،‬فال ينال‬ ‫املترجم منها شيئا‪ ،‬بل وال يعلم عنها شيئا‪.‬‬ ‫وما هذه إال نماذج تخطر لى اآلن من املهازل‬ ‫التى يتعامل معها املترجم كل يوم‪.‬‬ ‫قد يبدو الناشر هنا هو شيطان املترجم‪ ،‬هو‬ ‫شيلوك الطامع فى رطل من لحمه مع كل كتاب‪،‬‬ ‫ومع أنه كذلك فى كثير من الحاالت‪ ،‬لكن الحقيقة‬ ‫أن عدو املترجم الحقيقى هو القارئ‪.‬‬ ‫بوسع أى مترجم جيد أن يرفض األجر الظالم‬ ‫واملعاملة الظاملة من أى ناشر‪ ،‬بوسعه أن يفاوضه‬ ‫من موقع القوة‪ ،‬لوال وجود القارئ الجاهل الذى‬ ‫يدعم الناشر ضد املترجم ‪.‬‬ ‫لو أن القارئ يرفض الترجمات الرديئة واملعيبة‬ ‫واملتعجلة‪ ،‬لو أنه يمتنع عن شراء ترجمات املبتدئني‬ ‫والدخالء والهواة‪ ،‬ملا استطاع ناشر أن يفرض‬ ‫شروطه املجحفة على مترجم جيد‪ .‬لكن بسبب‬ ‫بعض القراء الجهلة ممن يشترون أى ترجمة‪،‬‬ ‫تستطيع دار أن تصدر عشرات الروايات املترجمة‬ ‫مستعينة بطلبة أو خريجني جدد يحتاجون فى‬ ‫أحسن الحاالت إلى تدريب طويل على الترجمة‪.‬‬

‫صانع وتاجر‬ ‫العقود مهما كانت هى مجرد «حبر على ورق»‪،‬‬ ‫وشكل من أشكال التوثيق لضمان الحقوق‪ ،‬ومع هذا‬ ‫من النادر جدًا أن تصل األمــور إلى املحكمة‪ ،‬وال‬ ‫يحضرنى سوى مثال واحد لخالف وقع بني مترجم‬ ‫وناشر‪ ،‬لكنه انتهى بالصلح فى النهاية‪.‬‬ ‫ِّ‬ ‫أنا شخصيًا حينما يؤخر ناشر ما مستحقاتى‬ ‫محام‪،‬‬ ‫املالية ال أفكر أبدًا فى الذهاب بعقدى إلى‬ ‫ٍ‬ ‫كل ما أفعله أن ِّ‬ ‫أوسط صديقًا مشتركًا بينى وبني‬ ‫ً‬ ‫الناشر‪ ،‬ومثال حينما شعرت باليأس ذات مرة‬ ‫هددت باللجوء إلى اتحاد الناشرين‪ ،‬هذا أقصى‬ ‫ما أفكر فيه‪ ،‬وال أظن أن أحدًا من الطرفني‪ ،‬سواء‬ ‫الناشر أو املترجم يفكر فى اللجوء إلى املحاكم‪،‬‬ ‫وبالتالى ال تكون املسألة «ما املكتوب فى العقد»‪،‬‬ ‫بقدر «الطريقة نفسها فى التعامل»‪ ،‬مع العلم‬ ‫أن أى ناشر هدفه الربح‪ ،‬ألنه صانع وتاجر فى‬ ‫نفس الوقت‪ ،‬وهذا يخرجه‪ ،‬أحيانًا عن «التركيز‬ ‫فى الصنعة» بقدر «تركيزه على التجارة نفسها»‪،‬‬ ‫وبالتالى يصبح غير مهتم بجودة الترجمة ودقتها‪،‬‬ ‫وممكن «يسترخص»ويستعني بمترجم «درجــة‬ ‫تانية»‪ ،‬أو يضغط على مترجم مميز إلنهاء العمل‬ ‫سريعًا وبمبلغ أقل‪ ،‬وهذا كله من أجل تحقيق ربح‬ ‫معقول‪.‬‬ ‫والسؤال‪ :‬ما الــذى يريده املترجم سوى إتاحة‬

‫وبسبب هؤالء القراء يندر اآلن أن تجد من يترجم‬ ‫إال الروايات‪ .‬وبسببهم‪ ،‬ال يبالى أغلب الناشرين‬ ‫بعرض مخطوطات الترجمة قبل النشر على‬ ‫مصححني يضبطونها نحوا وصــرفــا وإمــاء‪.‬‬ ‫وبسبب القراء الجهلة يتحول غير املترجمني إلى‬ ‫مترجمني‪ ،‬فمترجمني كبار‪ ،‬فمراجعني‪ ،‬فمأساة‬ ‫تامة األركــان‪ ...‬ويتحول النصابون إلى ناشرين‬ ‫فناشرين أثرياء فمسئولني فى لجان تخطط للعمل‬ ‫الثقافى‪ ،‬فكارثة‪ .‬وهكذا‪ ،‬بسبب القراء الجهلة‪،‬‬ ‫نتحول جميعا بمرور الوقت إلى قراء جهلة‪.‬‬ ‫والحل فى تقديرى ليس إال مظلة من القوانني‪،‬‬ ‫تحدد السعر العادل للترجمة أوال‪ ،‬وتحدد حق‬ ‫املترجم (والكاتب عموما) فى كل نسخة تباع من‬ ‫كتاب له‪ ،‬وتفرض على الناشر وعلى املطبعة رقابة‬ ‫تضمن الشفافية فى عدد املطبوع وعدد املبيع من‬ ‫النسخ‪.‬‬ ‫نحن بحاجة أيضا إلى ما يشبه جهاز حماية‬ ‫املستهلك نلجأ إليه كلما دفعنا عشرات بل مئات‬ ‫الجنيهات فى كتاب ثم تبني أنه ال يحقق معايير‬ ‫الكتاب الجيد‪.‬‬ ‫نحن ببساطة بحاجة إلــى قــانــون‪ ،‬وسيادة‬ ‫للقانون‪ ،‬وطبعا‪ ،‬كما نعلم جميعا‪ ،‬سنظل فى مصر‬ ‫إلى األبد بحاجة إلى القانون وسيادة القانون‪.‬‬

‫محمد عبدالنبى‬

‫أى ناشر هدفه‬ ‫الربح‪ ،‬ألنه صانع‬ ‫وتاجر فى نفس‬ ‫الوقت‪ ،‬وهذا‬ ‫يخرجه‪ ،‬أحيان ًا‬ ‫عن «التركيز فى‬ ‫الصنعة» بقدر‬ ‫«تركيزه على‬ ‫التجارة نفسها»‬

‫وقت معقول أمامه؟ إنه ال يريد الشعور بالضغط‪،‬‬ ‫حتى ُيخرج العمل على أكمل صورة‪ ،‬ويريد كذلك‬ ‫أن يشعر باألمان‪ ،‬وهو لن يشعر بهذا دون أن يحصل‬ ‫على مبالغ تكفيه وتضمن له حياة كريمة‪ ،‬ولكن هذا‬ ‫ال يتوفر فى معظم الحاالت‪.‬‬ ‫من األمور التى يفعلها الناشرون كذلك لتحقيق‬ ‫ربح سريع وسهل أنهم يحصلون على منح للترجمة‬ ‫من جهات أجنبية لترجمة كتب معينة‪ ،‬ليست عظيمة‬ ‫فى األغــلــب‪ ،‬وليست َّ‬ ‫ملحة بمعايير ما تحتاجه‬ ‫املكتبة‪ ،‬ويدفعون جزءًا صغيرًا للمترجم من هذه‬ ‫املنحة‪ ،‬وكل هذا َ ال يصب فى مصلحة القارئ الذى‬ ‫ُ‬ ‫سيذهب إليه املنتج فى صورته النهائية‪.‬‬ ‫كما أن الــنــاشــريــن‪ ،‬معظم الــوقــت‪ ،‬هــم من‬ ‫يختارون العناوين‪ ،‬وعلى املترجم الرفض أو‬ ‫القبول‪ ،‬وفى األغلب يقبل‪ ،‬ألنه «عايز ياكل عيش»‪،‬‬ ‫أما الحاالت التى يختار فيها عنوانًا جيدًا ويستطيع‬ ‫إقناع الناشر به‪ ،‬ويحصل على أجر جيد‪ ،‬فهى تمثل‬ ‫استثناءات نادرة جدًا‪ .‬لقد أصبحت العالقة بني‬ ‫املترجم والناشر محكومة بمصلحة الناشر‪ ،‬الذى‬ ‫يتعامل معه باعتباره «صنايعى» ال يجب أخذ رأيه‪،‬‬ ‫مع أننا فى الواقع نستطلع رأى «الصنايعى» أحيانًا‪.‬‬ ‫وفيما يتعلق بالجهات الحكومية هناك مشاكل‬ ‫ُ‬ ‫أيضًا‪ ،‬وعلى سبيل املثال ترجمت كتاب «املسرح‬

‫وفنون األداء‪ ..‬سياسات الذاكرة فى األرجنتني»‬ ‫وكنت أتوقع أن يكلف املركز القومى للترجمة أحد‬ ‫املتخصصني فى املسرح باملراجعة لكنهم لم يفعلوا‬ ‫ذلك‪ ،‬ربما ألنهم شعروا بأن الترجمة جيدة‪ ،‬فقرروا‬ ‫أنها ال تحتاج إلى ذلك‪ ،‬وبالتالى منحوا الكتاب‬ ‫ملصحح مباشرة‪ ،‬وفى حــاالت أخــرى ال أشعر أن‬ ‫املراجع عنده الحساسية الالزمة للتصدى لترجمة‬ ‫معينة‪.‬‬ ‫وتظل مسألة األجر‪ ،‬فى النهاية‪ ،‬ضرورة كبيرة‪،‬‬ ‫فلو تصدى املترجم لعمل أو اثنني فقط فى العام‬ ‫وحصل مقابلهما على مبالغ تكفيه فال شك أن‬ ‫ُ ِّ‬ ‫سيركز‪ ،‬ولن يشعر‬ ‫العائد سيكون عظيمًا‪ ،‬ألنه‬ ‫بالضغط‪ ،‬وبالتالى لن يضطر إلى إنهاء ترجمة‬ ‫سريعًا ليحصل على فرصة ترجمة ثانية‪ ،‬وال‬ ‫شك أن جزءًا من النجاح سيعود عليه‪ ،‬ألن الجميع‬ ‫سيطلبه باعتباره اسمًا مميزًا‪.‬‬ ‫كذلك ال يفوتنى الحديث عن التفاوت الرهيب‬ ‫فى األجر بني دور النشر الخاصة‪ ،‬وكذلك بينها‬ ‫وبني الــدور مثيالتها العربية‪ ،‬وأيضًا بينها وبني‬ ‫الحكومية‪ ،‬ال يوجد معيار واضح يقول إن هذا هو‬ ‫متوسط األجر الخاص باملترجم‪ ،‬ولذلك أتمنى‬ ‫أن تتعاون كل هذه الجهات فى وضع معيار واضح‬ ‫ومقبول له‪.‬‬

‫‪٣١‬‬ ‫خالل أيام وحتديد ًا فى ‪ ٩‬مايو حتل ذكرى‬ ‫ميالد الروائى الكبير جمال الغيطانى وبهذه‬ ‫املناسبة تبدأ «أخبار األدب» نشر مجموعة‬ ‫مــن املــقــاالت والــشــهــادات الــتــى تستعيد‬ ‫الغيطانى فى جتلياته املختلفة‪ ،‬الكاتب‬ ‫العاملى‪ ،‬واجلورناجلى الــذى أســس «أخبار‬ ‫األدب» ومنح احلياة الثقافية زخم ًا كبير ًا‪،‬‬ ‫واإلنسان الذى ترك خلفه أتباع ًا ومريدين‬ ‫باملئات‪.‬‬

‫‪ ٥‬مايو ‪ ٢٠١٩‬العدد ‪١٣٤٥‬‬

‫جمال الغيطانى‬ ‫بني الصحافة والرواية‬ ‫شوقى بدر يوسف‬ ‫فى عددها التاسع الصادر فى سبتمبر ‪1969‬‬ ‫نشرت مجلة الطليعة التى كانت تصدرها مؤسسة‬ ‫األهــرام فى ذلك الوقت ملفا توثيقيا عن أدباء‬ ‫الستينيات بعنوان "هكذا يتكلم األدبــاء الشبان‪..‬‬ ‫شهادات واقعية وتعليقات"‪ ،‬طرحت فيه املجلة عددا‬ ‫من األسئلة حول العالقة بني الفن واألدب‪ ،‬وبني ما‬ ‫يمارسه الفنان أو األديب فى ذلك الوقت‪ ،‬وطبيعة‬ ‫املناخ الذى يسيطر على ممارسة الفن أو األدب‪،‬‬ ‫والعالقة بني أدباء هذا الجيل‪ ،‬و كذا العالقة التى‬ ‫تربط األديب ّبمؤسسات الدولة‪ .‬وكان ضمن هذه‬ ‫الكوكبة من كتاب الستينيات الذين شملهم هذا‬ ‫امللف هو القاص الشاب جمال الغيطانى الذى كان‬ ‫عمره فى ذلك الوقت لم يتجاوز الرابعة والعشرين‪،‬‬ ‫وقد أشار جمال الغيطانى فى مستهل إجابته بقوله‬ ‫"‪ :‬ترجع عالقتى بالقصة‪ ،‬إلى فترة مبكرة جدا من‬ ‫عمرى‪ ،‬كانت هذه العالقة تتخذ فى البداية شكل‬ ‫امليل إلى اختالق حكايات من ذهنى أثناء الطفولة‬ ‫أقصها على األصدقاء‪ .‬طبعا تبلور هذا فيما بعد‪،‬‬ ‫واتخذ شكل االهتمام بالقراءة‪ ،‬وأستطيع تحديد‬ ‫أول مرة كتبت فيها القصة خالل عام ‪ ،1959‬كنت‬ ‫فى نهاية املرحلة اإلعدادية من التعليم‪ ،‬وفى ليلة‬ ‫سمعت حكاية يرويها والدى‪ ،‬صغتها بعد أيام فى‬ ‫قصة قصيرة أسمها "السكير"‪.‬‬ ‫عمل جمال فى بداية حياته العملية فى الجمعية‬ ‫الصناعية ملنتجات خــان الخليلى‪ ،‬وكــان بحكم‬ ‫عمله فى هذا املجال معايشة الحرفيني واملتصلني‬ ‫بالصناعات اليدوية التى تحمل فى طياتها تراثا‬ ‫شعبيا عريقا يحتاج إلى الدقة والصبر‪ ،‬وهو ما‬ ‫حببه إلى هذا املجال وجعله يتطلع ويتعايش مع‬ ‫هذه الفنون التى كانت مرتبطة بالناس فى حياتهم‬ ‫ومعتقداتهم‪ ،‬كما كان للتاريخ دوره املهم فى بلورة‬ ‫فكر جمال الغيطانى وعنه يقول "‪ :‬كانت نكسة ‪67‬‬ ‫بوتقة صهرت تجربتى‪ ،‬وفى آالمها اعتصر جيلى‪،‬‬ ‫فى تلك األيــام كنت أدور حول هذه اللحظة من‬ ‫التاريخ‪ ،‬ابتعث من املاضى لحظات تتشابه مع‬ ‫اللحظات التى تمر بى أو أمر بها‪ ،‬كانت عالقتى‬ ‫بالتاريخ املكتوب قد بــدأت مبكرة‪ ،‬عندما كنت‬ ‫أخرج من مدرسة الحسني االعدادية وأمضى إلى‬ ‫الشيخ تهامى صاحب املكتبة التى تستقر حتى‬ ‫اآلن فوق رصيف الجامع األزهــر‪ ،‬وبقروش قليلة‬ ‫اقرأ‪ ،‬وكان من بني ما قرأته من كتب التاريخ‪ ،‬تايخ‬ ‫الجبرتى‪ ،‬وابــن إيــاس‪ ،‬وابــن واصــل‪ ،‬وأبــن تغرى‬ ‫بردى‪ ،‬وكتب التاريخ الفرعونى واملالحم الشعبية‬ ‫وغيرها من الكتب"‪ .‬وبعد فترة وجيزة من صدور‬ ‫مجموعته القصصية األولى "أوراق شاب عاش من‬ ‫ألف عام"‪ ،‬انتقل للعمل بجريدة األخبار مما أتاح‬ ‫له فرصة القراءة‪ ،‬واالحتكاك باملناخ الصحفى‬ ‫العام فى جريدة عريقة‪ ،‬ومحاولة بلورة ما تعلمه‬ ‫وتعايش معه قبل االنتقال إلــى هــذا املجال فى‬ ‫عمله الجديد‪ .‬كان هذا بعد أن صدرت ملجموعته‬ ‫األولى التى كتبت قصصها بعد نكسة ‪ ،1967‬حيث‬ ‫استدعاه املفكر محمود أمني العالم للعمل معه‬ ‫بمؤسسة أخبار األيــام التى كان يترأسها‪ ،‬وكان‬ ‫العمل الصحفى فى ذلك الوقت له وجهان الوجه‬

‫التقنى الذى يتيح للصحفى شمولية الرؤية ودقتها‪،‬‬ ‫أما الوجه اآلخر فهو فى استهالك صاحبه خاصة‬ ‫إذا كان صاحب قلم يتوق إلى تحقيق ذاته أدبيا‬ ‫وفكريا‪ .‬كلف جمال بالتردد على جبهة القتال أيام‬ ‫حرب االستنزاف كمراسل صحفى وبدأ ظهوره فى‬ ‫هذا املجال الصحفى منذ ذلك الوقت‪ .‬والقارئ‬ ‫لسيرة جمال الغيطانى الببليوجرافية يجد أن هذا‬ ‫العالم اإلبداعى لجمال الغيطانى فى غزارة منجزه‬ ‫واعتماده على التاريخ والتراث فى تأصيل منابع‬ ‫اإلبــداع الروائى فى صورته التى ظهر بها يشير‬ ‫إلى أننا أمام منجز إبداعى له أسئلته الخاصة‬ ‫واإلجــابــات التى وضعها الكاتب فى ثنايا هذا‬ ‫اإلبداع‪ّ .‬‬ ‫ووطن فيها أبعادا متنوعة فى رؤاه الخاصة‬ ‫والعامة تكمن فى كل منجز من منجزاته اإلبداعية‬ ‫القصصية والروائية والكتابات األخرى القائمة‬ ‫على رؤى استمدت من التاريخ والتراث املصاحب له‬ ‫وقائع وخطوط ومالمح تشكلها‪.‬‬ ‫وال شك أن الحياة التى عاشها جمال كانت لها‬ ‫جوانبها املختلفة فى شكل وموضوعات اإلبــداع‪،‬‬ ‫يظهر ذلــك فى حــواراتــه املختلفة فى الدوريات‬ ‫املختلفة والشهادات التى أطلقها للتعبير عن رؤاه‬ ‫تجاه عالم اإلبداع والجوانب السياسية والعسكرية‬ ‫األخرى التى كان مهموما بها فى حياته الخاصة‪.‬‬ ‫ولــد جمال الغيطانى فى قرية جهينة الغربية‬ ‫محافظة سوهاج فى ‪ 9‬مايو ‪ 1945‬ونشأ فى أسرة‬ ‫ريفية بسيطة فى قريته جهينة بصعيد مصر ثم‬ ‫انتقل مع أسرته إلى حى الجمالية بمدينة القاهرة‬ ‫القديمة وعمره ست ســنــوات‪ ،‬وهــو الحى الذى‬ ‫استخدمه نجيب محفوظ كمكان ملعظم رواياته‬ ‫لذا كان ارتباطه بنجيب محفوظ كبيرا‪ ،‬مما كان‬ ‫سببا فى تتبعه لخطى نجيب محفوظ اإلبداعية‬ ‫واقترابه الشديد بعامله‪ ،‬درس فن تصميم السجاد‬ ‫حيث تخرج عام ‪ 1959‬وعمل فى هذا املجال حتى‬ ‫عام ‪ ،1967‬بدأ الكتابة القصصية عام ‪ 1959‬ونشر‬ ‫أول قصة قصيرة فى يوليو ‪ 1963‬فى مجلة األديب‬ ‫لصاحبها ألبير أديب‪ ،‬اعتقل ملدة ‪ 6‬شهور وأقصى‬ ‫عن عمله فى عهد الرئيس أنــور الــســادات‪ ،‬وفى‬ ‫مسيرته اإلبداعية الطويلة حصل جمال على العديد‬ ‫من الجوائز فى مجال الكتابة اإلبداعية بدأت‬ ‫بجائزة الدولة التشجيعية فى الرواية عام ‪،1980‬‬ ‫ووســام العلوم والفنون من الطبقة األولــى‪ ،‬كما‬ ‫حصل على وسام االستحقاق الفرنسى فى اآلداب‬ ‫والفنون من طبقة فــارس عــام ‪ ،1987‬وجائزة‬ ‫سلطان بــن على العويس عــام ‪ ،1997‬وجائزة‬ ‫لوربا تليون ألفضل عمل مترجم إلى الفرنسية‬ ‫عن روايــة التجليات‪ ،‬وكللت مسيرته عام ‪2007‬‬ ‫بحصوله على جائزة الدولة التقديرية‪ ،‬ترجمت‬ ‫أعماله إلى العديد من اللغات ودرست فى العديد‬ ‫من الجامعات فى مصر وبعض الــدول العربية‬ ‫واألوروبية واألمريكية‪ ،‬أسس جريدة "أخبار األدب"‬ ‫عام ‪ ١٩٩٣‬وعمل رئيسا لتحريرها حتى بلوغه سن‬ ‫املعاش‪ ،‬وبعد هذه الحياة اإلبداعية املديدة رحل‬ ‫جمال الغيطانى فى الثامن عشر من أكتوبر ‪2015‬‬ ‫بعد صراع طويل مع املرض‪ ،‬وبعد أن وضع بصمة‬ ‫ّفى مسيرة السرد املصرى والعربى جعلته من أبرز‬ ‫كتاب السرد فى جيل الستينيات‪.‬‬


‫‪٣٢‬‬

‫‪ ٥‬مايو ‪ ٢٠١٩‬العدد ‪١٣٤٥‬‬

‫ملف‬

‫فى عام ‪ 96‬كانت زيارتى‬ ‫األولى إلى "أخبار األدب" مع‬ ‫صديقى الشاعر عبدالناصر‬ ‫عالم‪ ،‬كانت اجلريدة قد‬ ‫أعلنت اسمى ضمن الفائزين‬ ‫مبسابقتها للقصة القصيرة‪،‬‬ ‫وجئت الستالم جائزتى‪400 ،‬‬ ‫جنيه‪ ،‬اشتريت بها كثير ًا من‬ ‫الكتب‪ ،‬وحينما هبطت من‬ ‫القطار إلى رصيف محطة‬ ‫جنع حمادى لم يكن فى يدى‬ ‫سوى التذكرة وربع جنيه‬ ‫معدنى "مخروم"‪.‬‬

‫‪٥‬‬

‫‪ ٥‬مايو ‪ ٢٠١٩‬العدد ‪١٣٤٥‬‬

‫مع صبرى حافظ وروبن أوستل وبطرس احلالق‬

‫مع ممدوح عدوان واملنصف املزغنى‬

‫جمال الغيطانى‪ ..‬أنشودة الكاتب واجلريدة‬ ‫حسن عبداملوجود‬ ‫استلمت املبلغ من املبنى اإلدارى‪ ،‬ثم اتجهنا إلى املبنى‬ ‫الصحفى‪ ،‬كما يفعل غيرنا يوميًا‪ ،‬لزيارة أهم مكان ثقافى فى‬ ‫مصر‪ ،‬قبلة األدباء والنقاد والباحثني‪ ،‬كنت أقول لنفسى «ها‬ ‫هى الجريدة التى تحلم بالنشر فيها‪ ،‬وها هو الكاتب الكبير‬ ‫األستاذ جمال الغيطانى على بعد خطوات منك»‪.‬‬ ‫َّ‬ ‫وبعد قليل من االنتظار‪ ،‬انفتح باب مكتبه‪ ،‬وأطــل بوجه‬ ‫مشرق باسم‪ ،‬واحتفى بعبدالناصر عالم احتفاء كبيرًا‪ ،‬كان‬ ‫ناصر يشق طريقه بشكل جيد‪ ،‬ونشرت له «أخبار األدب»‬ ‫بعض القصائد‪ ،‬بينما امتنعت عن النشر لى‪ ،‬ولكن جاء الدور‬ ‫َّ‬ ‫على أخيرًا‪ ،‬فقد نشرت قصتى «طقوس البيت املبعثر» على‬ ‫مساحة كبيرة‪ ،‬ومعها إشارة إلى أنها القصة الفائزة باملركز‬ ‫الـ‪ 12‬مع أن «إعالن أسماء الفائزين» قال وقتها إنها القصة‬ ‫الحاصلة على املركز «السادس مكرر»‪ ،‬لم أكن حانقًا‪ ،‬بل‬ ‫كنت سعيدًا ألن الجريدة ستنشر لى‪ ،‬حتى ولو قالت إننى‬ ‫صاحب املركز األخير‪ ،‬كنت قد أرسلت كثيرًا من الخطابات‬ ‫إلى «‪ 6‬ش الصحافة»‪ ،‬وكــان األستاذ عمرو الديب ينشر‬ ‫بانتظام رسائلى فى باب البريد‪ ،‬وها هى الفرصة تلوح فاتحة‬ ‫ذراعيها‪ ،‬لم أكن أطمع سوى فى سالم على األستاذ جمال‬ ‫الغيطانى‪ ،‬ولكنه فاجأنى بما هو أكثر‪ ،‬نظر َّ‬ ‫إلى‪ ،‬ونطق اسمى‬ ‫الثالثى‪ ،‬كأنه يقرأه من كوبون املسابقة‪ ،‬وقال إنه اطلع على‬ ‫كل النصوص التى اشتركت بها‪ ،‬القصة الطويلة الفائزة‪،‬‬ ‫األقاصيص‪ ،‬ووصفها بالجميلة‪ ،‬وأخبرنى‬ ‫ومجموعة من‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫كذلك أنها نافست القصة الفائزة حتى النهاية‪ ،‬ولكن الرأى‬

‫استقر على «طقوس البيت املبعثر»‪ ،‬ثم أبدى دهشته ألنه كان‬ ‫يعتقد أننى كبير السن‪ ،‬وربما كان حديثه آنذاك نوعًا من‬ ‫املجاملة‪ ،‬ألن اسمى وسنى وعنوانى وكل ما يتعلق بحياتى كان‬ ‫مدونًا بالكوبون‪ ،‬قال لى وقتها‪« :‬كنت فاكر عندك ستني سنة‪،‬‬ ‫بس طلعت طفل»‪ ،‬ثم أطلق ضحكته املميزة فهزت شبابيك‬ ‫ً‬ ‫الطابق الثامن‪ .‬جلسنا بصحبته قليال‪ ،‬وحينما انتهى اللقاء‬ ‫أصر على توصيلنا حتى باب األسانسير‪ ،‬وكان انطباعى األول‬ ‫عنه عظيمًا‪ ،‬الكاتب الكبير املبتسم‪ ،‬املتواضع‪ ،‬واملجامل إلى‬ ‫أقصى درجة‪ ،‬وهكذا أحببته فورًا‪.‬‬

‫للفنان‪ :‬جودة خليفة‬

‫كان الغيطانى حريص ًا على أن ينقل إليك بكل جوارحه أنه يفهم‬ ‫تعبك‪ ،‬ويقدر مشقة صادفتها‪ ،‬وجهد ًا بذلته‪ ،‬ولغة تخاتلك‪ ،‬لغة‬ ‫تخلع قناع امرأة فائقة اجلمال وتنظر إليك بوجه قبيح مدمم‪،‬‬ ‫وفن ًا حتاول ملسه والعبور من جنانه‬

‫وقد حكت لى الدكتورة سمية رمضان منذ فترة أن املوقف‬ ‫نفسه تكرر معها فى مقابلتهما األولى‪« :‬حينما ذهبت إليه‪ ،‬وكان‬ ‫ذلك منذ سنوات بعيدة جدًا‪ ،‬قابلنى بترحيب بالغ‪ ،‬وأعطانى‬ ‫إيحاء بأنه يعرفنى ويتابعنى جيدًا‪ ،‬وتعامل معى كما لو أننى‬ ‫كاتبة كبيرة‪ ،‬وأصر على توصيلى حتى باب األسانسير‪ ،‬وطبعًا‬ ‫بفتكر ده باندهاش شديد‪ ،‬ألنه مني البنت دى اللى الغيطانى‬ ‫بجاللة قدره يوصلها بنفسه لغاية األسانسير؟!»‪ .‬وفى األغلب‬ ‫ً‬ ‫تلك األمور الصغيرة‪ ،‬هى ما ينطبع فى الذهن ويدوم طويال‪،‬‬ ‫خاصة مع الذوات النرجسية التى تميز األدباء‪ ،‬نرجسية ال‬ ‫تحتمل أبدًا أى هفوة فى التعامل‪ .‬لم يكن الغيطانى محايدًا‪،‬‬ ‫وال يرحب بحساب‪ ،‬أبدًا‪ ،‬بل كان سخيًا جدًا فى معامالته‪،‬‬ ‫كان يمدك منذ الوهلة األولى بثقة مفرطة فى نفسك‪ ،‬ولم‬ ‫تكن عالقته تنتهى بالكاتب مع انتهاء املقابلة‪ ،‬وكثيرًا ما كان‬ ‫ذلك الكاتب ُيفاجأ باتصال منه على هاتف البيت‪ ،‬قبل ظهور‬ ‫املوبايل‪ ،‬وقد فعلها مرة معى‪ ،‬وجاءنى أخى محمد ليقول إن‬ ‫األستاذ جمال الغيطانى على التليفون‪ ،‬وقد اعتبرتها مزحة‪،‬‬ ‫حتى سمعت صوته‪ ،‬وتأكدت أنه نفس الصوت لنفس الشخص‬ ‫الذى قابلته فى الطابق الثامن من مبنى «أخبار اليوم»‪ .‬كان‬ ‫يفعل ذلك مع عشرات غيرى بدأب وإخــاص‪ ،‬كأنه يقدم‬ ‫فريضة للثقافة‪ ،‬وكــان دائمًا يستخدم تعبيرات من عينة‬ ‫«تقليب التربة املصرية» إذ كان مؤمنًا بأن األحوال قد تمنع‬ ‫البعض من إرسال أعمالهم‪ ،‬أو ربما قد تقضى عليهم إذا لم‬ ‫يجدوا العناية الكافية‪ ،‬ولهذا كان مقتنعًا بضرورة املبادرة‬ ‫بطلب نصوص من أدباء واستكتاب نقاد وباحثني‪ ،‬ونجح فى‬ ‫تحويل «أخبار األدب» إلى بيت للجميع‪ ،‬بيت قد تبتعد عنه‬ ‫ً‬ ‫قليال أو كثيرًا لكنك تعرف أنك ستعود إليه فى النهاية‪ ،‬وكان‬ ‫مقتنعًا بأن الجريدة لها وظيفة تربوية‪ ،‬قال لى مرة إن نشر‬ ‫ُالنصوص ليس الغاية النهائية‪ ،‬وإن كثيرًا من النصوص التى‬ ‫تنشر ليست عظيمة‪ ،‬لكن من ننشر لهم‪ ،‬خاصة من يشقون‬ ‫طريقهم بالكاد‪ ،‬يجدون أنفسهم فى نفس املساحة مع أسماء‬ ‫من العيار الثقيل‪ ،‬أسماء بحجم إبراهيم أصالن ومحمد‬ ‫البساطى وإبراهيم عبداملجيد وبهاء طاهر وخيرى شلبى‬ ‫وسعيد الكفراوى وخيرى عبدالجواد ومجيد طوبيا وجميل‬ ‫عطية إبراهيم وفاروق شوشة ومحمد إبراهيم أبوسنة وبدر‬ ‫شاكر السياب وسعدى يوسف ومحمد بنيس ومحمد على‬ ‫وحسن طلب ورفعت سالم‬ ‫شمس الدين ومحمد سليمان‬ ‫ِّ‬ ‫وحلمى سالم‪ ،‬إلخ‪ ،‬وهذا التجاور ُيحفزهم‪ ،‬ويمنحهم الثقة‬ ‫ً‬ ‫املطلوبة لشق الطريق‪« ،‬تخيل‪ ،‬مثال‪ ،‬حسن عبداملوجود بينشر‬

‫للفنان‪ :‬جيرارد سيكوتو‬

‫العقود ال تضمن سوى الفتات للمترجم‬

‫صكوك عبودية‬

‫هذه حكاية دالة جدًا‪.‬‬ ‫دار نشر خاصة حصلت على تمويل لترجمة كتاب ما‪ ،‬وكلفت مترجمًا بالتصدى له‪ ،‬مقابل أجر‬ ‫َّ‬ ‫َّ‬ ‫قبل‪ ،‬ووقع العقد‪ ،‬وسارت األمور جيدًا معه‪ ،‬فقد‬ ‫متوسط‪ ،‬مقارنة بحجمَّ املنحة الغربية‪ ،‬واملترجم ِ‬ ‫انتهى من الترجمة وسلمها فى موعدها‪ ،‬لكنه فوجئ بالناشر يطلب منه التوقيع على ورقة غريبة‪،‬‬ ‫ورقة تفيد بأنه حصل على مبلغ أكبر بكثير مما حصل عليه‪ ،‬مبلغ محدد باليورو مع أنه حصل على‬ ‫أجره بالجنيه املصرى‪ ،‬وأخبره الناشر كذلك‪ ،‬بينما يحاول‪ ،‬يا للغرابة‪ ،‬إقناعه باألمر‪ ،‬بأنه مطالب‬ ‫بإرسال هذه الورقة إلى الجهة املانحة‪ ،‬وهكذا عرف املترجم أنه َّ‬ ‫تعرض لعملية نصب كبيرة‪ ،‬وكان‬ ‫مدهشًا أن يطلب منه الناشر بكل بساطة مساعدته فى إتمام عملية النصب!‬ ‫ليست هذه هى الحكاية الوحيدة التى تكشف شكل العالقة بني الناشر واملترجم‪ ،‬العالقة التى‬ ‫يحكمها الطرف األقوى «الناشر»‪ ،‬فهو فى األغلب من يختار العناوين‪ ،‬وهو من يضغط على املترجم‬ ‫إلنجاز العمل‪ ،‬وهو من يحدد األجر‪ ،‬واملترجم تنتهى عالقته تمامًا بالعمل لحظة الترجمة‪ ،‬وليس‬ ‫هناك فى السوق معايير تحدد متوسطًا لألجور‪ ،‬وكل دار تحدد سعرها‪ ،‬والجهات الحكومية تتعامل‬ ‫أيضًا بسياسة أجور تخصها‪ ،‬وهكذا تحكم العشوائية كل شىء يخص عملية الترجمة‪ ،‬واملترجم‬ ‫املضغوط باحتياجاته األسرية يضطر‪ ،‬فى أغلب األحيان‪ ،‬للقبول‪ ،‬بعقود تشبه عقود اإلذعان‪ ،‬أو‬ ‫صكوك العبودية فى بعض الحاالت‪ ،‬مع التأكيد على أن االستثناءات حاضرة فهناك نماذج جيدة‬ ‫لدور نشر تتعامل باحترافية شديدة‪ ،‬وتمنح املترجم ما يستحق‪ .‬الكالم لن ينتهى‪ ،‬واألفضل ترك‬ ‫املجال للمترجمني أنفسهم للحديث‪ ،‬فهم القادرون على عرض مشاكلهم‪ ،‬واألهم طرح حلول لها نتمنى‬ ‫أن تجد من يصغى‪.‬‬

‫‪.‬حسن عبداملوجود‬

‫بدون دعم‬ ‫من جهات أجنبية ال حقوق لنا‬ ‫خبرتى فى العالقة بني املترجم ودار النشر‬ ‫تتلخص فــى كلمتني‪ ،‬بــدون دعــم مــن جهات‬ ‫أجنبية ليس للمترجم حقوق «تقريبًا»‪ ،‬أو ينال‬ ‫املترجم فتاتًا‪ ،‬ال سيما من دور النشر املصرية‪.‬‬ ‫وحتى الدعم تريد دور النشر «املصرية خاصة»‬ ‫جزءًا منه‪ ،‬أو قطعة من التورتة‪ ،‬فخلى الواحد‬ ‫ســاكــت أحــســن‪ .‬هــذا طبعا تعميم‪ ،‬وهناك‬ ‫استثناءات‪ .‬وعمومًا أيضًا خبرتى مع الدور‬ ‫العربية أفضل‪.‬‬ ‫هل يحصل املترجم على نسبة من املبيعات؟‬ ‫هناك بعض الدور تفعل هذا‪ ،‬خاصة فى ًالطبعة‬ ‫الثانية‪ ،‬ولكن هذا موضوع إشكالى‪ .‬أوال‪ ،‬هم‬

‫كل ما أطلبه‬ ‫كمترجم‪ :‬االتفاق‬ ‫على مكافأة فى‬ ‫العقد‪ ،‬مكافأة‬ ‫يرضى عنها‬ ‫الطرفان‬

‫يكتبون فى العقد «الحساب سنويًا»‪ ،‬ولكن طبعًا‬ ‫ال أحد يتصل بك ليقول‪ :‬العام املاضى بعنا كذا‬ ‫وحقك كذا‪ ،‬ال بد أن تسأل أنت‪ ،‬وتلح فى السؤال‬ ‫«وطبعا هذا تعميم»‪ ،‬أكرر‪ ،‬و«هناك استثناءات‬ ‫مفرحة»‪ً ،‬ثانيًا‪ :‬هل تستطيع ككاتب أو كمترجم أن‬ ‫تعرف فعال كم باع كتابك؟ هل ترى أى حسابات‬ ‫يمكن الثقة فيها؟ أم يخبرك الناشر برقم‪،‬‬ ‫وعليك أن تصدقه؟!‬ ‫فى دور النشر بمعظم الدول األوروبية هناك‬ ‫كشف حساب‪ ،‬يمكن أن يكون سنويًا‪ ،‬أو شهريًا‬ ‫حتى‪ ،‬وستجدهم يقولون لك كم عــدد النسخ‬ ‫املبيعة فى كل مدينة بدقة‪ ،‬وبالطبع ال أقارن وال‬

‫سمير جريس‬ ‫أطلب هذا‪ ،‬ولكن العالقة بني الناشر والكاتب‬ ‫أو املترجم فى عاملنا العربى عالقة مأزومة‬ ‫وإشكالية فيما يتعلق باملكافأة أو نسبة املبيعات‪،‬‬ ‫ووالله أنا كل ما أطلبه كمترجم‪ :‬االتفاق على‬ ‫مكافأة فى العقد‪ ،‬مكافأة يرضى عنها الطرفان‪،‬‬ ‫ثم االلتزام بهذا العقد‪ .‬هذا هو كل شىء‪ ،‬وهذا ما‬ ‫ال يحدث دائمًا‪ ،‬لألسف الشديد‪.‬‬ ‫كلمة ختامية‪ ،‬حتى ال تكون الصورة كلها قاتمة‪،‬‬ ‫ً‬ ‫هناك فعال دور محترمة‪ ،‬أحرص على التعاون‬ ‫معها‪ ،‬تلتزم بكل ما ورد فى العقد‪ ،‬هذه استثناءات‬ ‫مفرحة أتمنى أن تصبح هى القاعدة‪.‬‬


‫‪٤‬‬

‫‪ ٥‬مايو ‪ ٢٠١٩‬العدد ‪١٣٤٥‬‬

‫شهدت أكادميية الفنون األسبوع املاضى‪،‬‬ ‫فعاليات مؤمترها العلمى األول حتت عنوان‬ ‫«الفن األفريقى‪ ..‬أيقونة اإلبداع اإلنسانى»‪،‬‬ ‫الذى أقيم حتت رعاية د‪.‬إيناس عبد الدامي‬ ‫وزيرة الثقافة‪ ،‬ود‪.‬أشرف زكى رئيس األكادميية‪،‬‬ ‫وقد تولت رئاسته د‪.‬غادة جبارة نائب رئيس‬ ‫مقررا‪.‬‬ ‫األكادميية‪ ،‬ود‪.‬إميان مهران‬ ‫ً‬ ‫عددا من اجللسات العلمية‪،‬‬ ‫تضمن املؤمتر‬ ‫ً‬ ‫باإلضافة إلى معرض بعنوان «أفريقيا فى‬ ‫عيون الفنانني» بقاعة مختار عبد اجلواد‪،‬‬ ‫وآخر للفنان د‪.‬وائل صابر بقاعة ثروت عكاشة‪،‬‬ ‫ومهرجان لألكالت واألزياء التقليدية األفريقية‬ ‫أمام معهد الفنون املسرحية‪.‬‬ ‫د‪ .‬غادة جبارة رئىس املؤمتر مع بعض املشاركني‬

‫فى مؤمترها العلمى األول‪:‬‬

‫أكادميية الفنون حتتفى باإلبداع األفريقى‬ ‫عائشة املراغى‬ ‫شملت الجلسات العلمية أكثر من محور‪ ،‬جاء‬ ‫على رأسها «املوسيقى األفريقية» التى استغرقت ًما‬ ‫يقرب من ثالث جلسات نقاشية وحوالى ‪ 15‬بحثا‪،‬‬ ‫حيث تناول عاطف إمام فهمى فنون أداء املوسيقى‬ ‫ً‬ ‫مشيرا‬ ‫والغناء الصوفى فى دول شمال أفريقيا‪،‬‬ ‫إلى أن موسيقانا العربية ارتبطت بالجانب الدينى‬ ‫واستمدت ألحانها من اللغة العربية لغة القرآن‬ ‫الكريم‪ .‬وهو ما ذهب إليه أشرف عبد الرحمن‬ ‫فى ورقته البحثية حول «املوشحات األندلسية فى‬ ‫دول شمال أفريقيا بني التشابه واالختالف»‪ ،‬حيث‬ ‫أرجع تفرد موسيقى وأغانى شمال أفريقيا عن‬ ‫باقى شعوب القارة األفريقية‪ ،‬إلى نزوح العرب‬ ‫بعد سقوط األندلس فى عام ‪ ،1492‬حاملني معهم‬ ‫فنونهم وآدابهم‪ ،‬ومن أهمها املوشح األندلسى‪ .‬وقد‬ ‫تطرق الباحث إلى تاريخ ظهور املوشح والتغيرات‬ ‫التى حدثت له فى األندلس وكيفية انتقاله إلى‬ ‫البالد العربية وخاصة بالد املغرب العربى‪.‬‬ ‫وبشكل أكثر تخصص ودقــة؛ تناول عبدالله‬ ‫إبراهيم عبدالله آلة الزمبارة‪ ،‬األبرز فى السودان‪،‬‬ ‫وهى نوع من أنواع الناى‪ ،‬تتميز ألحانها بالشدو‬ ‫األخاذ الذى يقترب من النفوس‪ ،‬ولها عدة أشكال‬ ‫منها ذات الثقوب الثالثة واألربــعــة والخمسة‪.‬‬ ‫وفى نهاية ورقته يتطرق الباحث إلى أبواق الوازا‬ ‫ً‬ ‫الجمعية‬ ‫موضحا الفرق بينها وبني الزمبارة‪ ،‬بينما‬ ‫يتخذها محمد آدم سليمان أبو البشر موضوعاً‬ ‫لبحثه بعنوان «أبواق الوازا الطقسية بإقليم النيل‬ ‫ً‬ ‫موضحا أن تلك اآللة ارتبطت باملوسيقى‬ ‫األزرق»‪،‬‬ ‫الطقسية خاصة بموسم الحصاد‪ .‬أما محمد أبو‬ ‫ً‬ ‫نموذجا فى بحثه‬ ‫شنب فاختار الطنبورة األفريقية‬ ‫ً‬ ‫مصدرا لإلبداع»‪،‬‬ ‫«اآلالت املوسيقية األفريقية‬ ‫وهى واحدة من أهم اآلالت الوترية األفريقية التى‬ ‫عرفتها البشرية فى عصورها األولى‪ ،‬وتجمع بني‬ ‫الكثير من العناصر الثقافية ذات الطابع املادى‬ ‫(امللموس) وغير املــادى (املــحــســوس)‪ ،‬لكنها‬ ‫فى طريقها لالندثار‪ ،‬لعدم توافر أماكن كافية‬ ‫مخصصة لتدريب الشباب على صنعها وطريقة‬ ‫العزف ًعليها‪.‬‬ ‫انتقال إلى فن املسرح؛ تناوله على حمودين‬ ‫ونجالء نجاحى عند األمازيغ فى شمال أفريقيا‪،‬‬ ‫موضحني مراحل تطوره وتأثره باملسرح اليونانى‬ ‫والرومانى‪ ،‬واتجاهات التجريب فيه‪ .‬ومن جانبها‬ ‫ناقشت رشا خيرى الدور َّ‬ ‫الفعال ملا ُيسمى باملسرح‬ ‫من أجل التنمية‪ ،‬فى مجابهة املشاكل االجتماعية‬ ‫ً‬ ‫خصوصا فى البلدان‬ ‫واالقتصادية والصحية‪،‬‬ ‫النامية من خالل عرض لنماذج من بلدان أفريقية‬ ‫مختلفة‪ .‬يتميز هذا النوع من املسرح بأنه ال يشترط‬ ‫وجــود مسارح تقليدية وإنما يمكن تقديمه فى‬

‫إحدى اجللسات يرأسها د‪ .‬زين نصار‬

‫الفنان األفريقى اجته إلى صناعة األوانى الفخارية‬ ‫بغرض خدمة املجتمع ورغبته فى االرتباط بالقوة‬ ‫الروحية الكامنة خلف عالم املرئيات‪ ،‬وهى من املهام املوكلة‬ ‫إلى املرأة األفريقية ملا لديها من خبرات متراكمة ومتوارثة‬ ‫عبر األجيال‪.‬‬ ‫الساحات واألســواق والغرف‪ ،‬وبالتالى ال يتطلب‬ ‫أى تجهيزات معقدة أو مصاريف إنتاجية ضخمة‪،‬‬ ‫ولذلك يمكن تحقيقه فى الريف واملدن بشكل ثابت‬ ‫أو متجول‪ .‬وهو يتوجه فى األساس للجمهور الذى ال‬ ‫يتاح له ارتياد املسارح من الطبقات الفقيرة واألقل‬ ‫ً‬ ‫حظا فى املجتمع‪.‬‬ ‫وعلى مستوى الــســرد؛ ناقش حمدى النورج‬ ‫«الحضور األفريقى (دول حــوض النيل) فى‬ ‫الرواية املصرية» واتخذ من رواية «عتبات الجنة»‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫نموذجا‪،‬‬ ‫لفتحى إمبابى‬ ‫موضحا أبعاد الحضور‬ ‫املصرى داخل دول حوض النيل‪ ،‬وكيف هو التفاعل‬ ‫والتعاطى مع روح التواجد‪ ،‬وكيف لعبت العسكرية‬ ‫املصرية دورها البالغ على مدى سنواتها املمتدة‬ ‫فى احتضان دول حــوض النيل‪ ،‬وتجذر العمق‬ ‫التاريخى للوجود املصرى داخل دول أفريقيا‪ .‬بينما‬ ‫تناول حسام نايل «تمثيالت أفريقيا السوداء وبناء‬ ‫الهوية السردية» من خالل رواية «ثقوب فى الثوب‬ ‫األسود» إلحسان عبد القدوس‪ ،‬التى يدور نطاقها‬ ‫الجغرافى بني داكــار عاصمة السنغال وباماكو‬ ‫عاصمة مالى‪.‬‬ ‫وما بني الرواية والهوية؛ ناقشا على حمودين‬

‫ونجالء نجاحى «مالمح الهوية الثقافية فى الرواية‬ ‫األفريقية الحديثة» من خالل رواية (املفسرون)‬ ‫لوول سوينكا‪ ،‬ذلك الكاتب النيجيرى الذى تمكن‬ ‫فى مؤلفاته الروائية واملسرحية من سرد وتمثيل‬ ‫تاريخ القارة السوداء ونضال شعوبها وأنماط‬ ‫عيشهم وتجسيد هويتهم الثقافية األفريقية‪.‬‬ ‫بينما تطرق أشرف توفيق إلى تناول هوية مصر‬ ‫األفريقية فى إطارها العام‪ ،‬حيث رصد مواطن‬ ‫التجليات األفريقية فى فنون مصر مثل املوسيقى‬ ‫والغناء والحرف الشعبية والفنون التشكيلية مثل‬ ‫املوتيفات ذات الشكل املثلثى واأللــوان الزاهية‬ ‫الساخنة فى زخرفة جدران بيوت النوبة املصرية‬ ‫وشمال السودان‪ ،‬واألدوات املنزلية املستعملة ً‬ ‫يوميا‬ ‫فى مصر وتشابهها مع نفس تلك األدوات فى نوبة‬ ‫شمال السودان والنيجر وتشاد‪ ،‬وكذلك فى بعض‬ ‫املمارسات ًاالحتفالية الشعبية مثل الزار‪.‬‬ ‫َّ‬ ‫واستغراقا فى محور املأثورات الشعبية‪ ،‬تحدثت‬ ‫إيمان مهران عن «القيم الجمالية لفن (الزربية)‬ ‫فى شمال أفريقيا»‪ ،‬وهو فن املرسمات النسجية‬ ‫املرتبط بتغطية األثــاث واألســطــح واألرضــيــات‬ ‫املختلفة‪ ،‬يتميز بالدقة والتصميمات املحلية‬

‫القديمة‪ .‬أمــا هــدى على أحمد فتناولت «اإلنــاء‬ ‫األفريقى بني اإلبداع وتأصيل الهوية األفريقية»‬ ‫مشيرة إلى أن الفنان األفريقى اتجه إلى صناعة‬ ‫األوانــى الفخارية بغرض خدمة املجتمع ورغبته‬ ‫فــى االرتــبــاط بالقوة الــروحــيــة الكامنة خلف‬ ‫عالم املرئيات‪ ،‬وهى من املهام املوكلة إلى املرأة‬ ‫األفريقية ملا لديها من خبرات متراكمة ومتوارثة‬ ‫عبر األجيال‪ .‬وبني املــوروث والفن تناول د‪.‬أحمد‬ ‫املعتقدات‬ ‫عبدالله «فــن األقنعة األفريقية بني‬ ‫ً‬ ‫املحلية والتأثير فى الفن األوروبى الحديث»‪ ،‬مؤكدا‬ ‫أن الثراء الفنى الذى تميزت به الفنون األفريقية‬ ‫وبخاصة نحت األقنعة‪ ،‬جعلها محط أنظار الكثير‬ ‫من الفنانني األوروبيني‪ ،‬حيث وجدوا فيها ً‬ ‫مثيرا‬ ‫ً‬ ‫بصريا له قيمته الفنية وتأثيرها الوجدانى‪ ،‬مما‬ ‫حفزهم لالستلهام منها فى إبــداع الكثير من‬ ‫األعمال الفنية بأساليب جديدة‪.‬‬ ‫على الــرغــم مــن تنوع الثقافات فــى القارة‬ ‫األفريقية إال أنه ال يوجد انتشار أو استغالل لها‬ ‫بني دول القارة على املستوى اإلقليمى‪ ،‬بشكل‬ ‫يؤدى إلى املحافظة على الهوية األفريقية وعدم‬ ‫اندثارها وسط التغيرات الثقافية التى يشهدها‬ ‫العالم ً‬ ‫حاليا‪ .‬هذا ما ذهبت إليه نيفني وجيه محمد‬ ‫كساب فى بحثها حول «دور اإلنتاج اإلعالمى فى‬ ‫الترسيخ للثقافة األفريقية» حيث أشــارت إلى‬ ‫أنه ال يوجد توثيق للتراث اإلنسانى الذى تمتلكه‬ ‫القارة األفريقية من خالل األعمال الفنية املختلفة‬ ‫وخاصة اإلنتاج السينمائى والتليفزيونى املتعدد‬ ‫األشكال‪ .‬وفى نفس اإلطار ناقشت صفاء سعد «دور‬ ‫املسلسل التليفزيونى السودانى فى قضايا التنوير‬ ‫والتغيير االجتماعى» مشيرة إلى تطور املسلسل‬ ‫التليفزيونى األفريقى فى اتجاه التطرق لقضايا‬ ‫والتنوير‪ ،‬وأرجعت‬ ‫املجتمع والهوية وقضايا التغير ً‬ ‫اختيارها للدراما السودانية تحديدا إلى التطور‬ ‫فى األفكار واملضامني والتنوع الذى شهدته حتى‬ ‫على مستوى الكتابة والتأليف واإلخــراج واألداء‬ ‫التمثيلى خالل األونة األخيرة‪.‬‬ ‫بينما تناولت رانيا مراد عبد الرحمن وإيناس‬ ‫الشيخ «دور اإلعالم فى دعم العالقات املصرية‬ ‫األفريقية»‪ ،‬تلك العالقات التى مرت بتحوالت‬ ‫كثيرة من التهميش إلى االندماج‪ ،‬لكن مصر تسعى‬ ‫ً‬ ‫دائما ألن تكون حلقة الوصل بني أفريقيا والعالم‬ ‫العربى‪ ،‬لتحقيق مزيد من التعاون األفروعربى‬ ‫والــتــنــمــيــة عــلــى كــافــة املــســتــويــات السياسية‬ ‫واالقتصادية واالجتماعية‪ ،‬بما يصب ويخدم‬ ‫القارة األفريقية واملنطقة العربية‪َّ ،‬‬ ‫ويعد اإلعالم‬ ‫أداة فعالة من أدوات تحقيق التنمية‪ ،‬حيث يلعب‬ ‫ً‬ ‫دورا ً‬ ‫كبيرا فى تحقيق االستراتيجيات والسياسات‬ ‫التى تستهدف إعادة بناء املجتمعات‪.‬‬

‫‪٣٣‬‬

‫جنب إبراهيم أصــان»‪ ،‬يقول ويضحك بسخرية‪ ،‬وأقول‬ ‫له‪ ،‬إن هذا حدث كثيرًا فى السنوات التى سبقت التحاقى‬ ‫بالعمل إلى الجريدة‪ ،‬على يد األستاذ مصطفى عبدالله‪ ،‬كنت‬ ‫محظوظًا بالنشر مرتني إلى جوار محمود درويش‪.‬‬ ‫كــان يعرف أن الكتب ال تصل بانتظام إلــى األقاليم‪،‬‬ ‫باستثناء الكتب التى توزعها املؤسسات الصحفية الثالث‬ ‫الكبرى‪ ،‬وكانت أنجحها دار أخبار اليوم‪ ،‬التى وزعت آالف‬ ‫النسخ من أعمال محمود السعدنى ومصطفى محمود وأحمد‬ ‫رجب والشيخ محمد متولى الشعراوى وغيرهم‪ ،‬لكن األعمال‬ ‫األدبية كان محكومًا عليها بالعزلة‪ ،‬خاصة وأن األمور قبل‬ ‫السوشيال ميديا وانتشار املكتبات بهذا الشكل املكثف وتمدد‬ ‫معارض الكتب كانت صعبة‪ ،‬حتى األدباء الكبار لم يسلموا‬ ‫ْ‬ ‫وحصر كل منهم فى‬ ‫أبدًا من النظرة الضيقة إلى أعمالهم‪،‬‬ ‫عمل وحيد كأنه لم يكتب غيره «الوقائع الغريبة فى اختفاء‬ ‫سعيد أبى النحس املتشائل» إيميل حبيبى‪« ،‬الثالثية» نجيب‬ ‫محفوظ‪« ،‬رامة والتنني» إدوار الخراط‪« ،‬الزينى بركات»‬ ‫جمال الغيطانى‪« ،‬شرف» صنع الله إبراهيم‪« ،‬البحث عن‬ ‫وليد مسعود» جبرا إبراهيم جبرا‪« ،‬رجال فى الشمس» غسان‬ ‫كنفانى‪« ،‬املجوس» إبراهيم الكونى‪« ،‬بيضة النعامة» رؤوف‬ ‫مسعد‪« ،‬حدث أبوهريرة قال» محمود املسعدى‪« ،‬الحرب‬ ‫فى بر مصر» يوسف القعيد‪« ،‬الرجع البعيد» فؤاد التكرلى‪،‬‬ ‫والقائمة تطول‪ ،‬وهكذا يجد الكاتب الناشئ نفسه أمام‬ ‫عروض لكتب ال تصله‪ ،‬وسيأخذ منها طرفًا‪ ،‬وربما يبحث‬ ‫عنها يومًا ما‪ ،‬وسيقرأ دراســات مهمة لعبدالفتاح كليطو‪،‬‬ ‫وأبى يعرب املرزوقى وجابر عصفور وعبدالعزيز حمودة‪،‬‬ ‫وإذا تعلق األمر بالفن التشكيلى سيجد نفسه فى مغارة «على‬ ‫بابا»‪ ،‬شاجال‪ ،‬دافنشى‪ ،‬فان جوخ‪ ،‬مايكل أنجلو‪ ،‬رافييل‪،‬‬ ‫بيكاسو‪ ،‬أوسكا‪ ،‬رينوار‪ ،‬دالى‪ ،‬بوتيرو‪ ،‬هوبر‪ ،‬هوكوساى‪،‬‬ ‫وعشرات غيرهم من أشهر الفنانني‪ ،‬ينتمون إلى كل العصور‪،‬‬ ‫مشاهير ومظاليم أزاحتهم سطوة الكبار من منطقة الضوء‬ ‫وتركتهم فى صقيع العتمة‪ ،‬فنانون لم يأخذوا فرصتهم‬ ‫رغم أن أعمالهم تشهد بنبوغهم وعظمتهم‪ ،‬كان كذلك‬ ‫يصر على منح األعمال املنشورة فى «أخبار األدب» روحًا‬ ‫خاصة‪ ،‬وارتبطت النصوص لفترة باثنني من أهم الفنانني‬ ‫املصريني‪ ،‬جودة خليفة‪ ،‬الذى تنطق أعماله بالروح املصرية‬ ‫فى عمومها‪ ،‬وجميل شفيق بعوامله الصامتة‪ ،‬نساء متوحدات‬ ‫حزينات‪ ،‬وأسماك تسرح فى ملكوت الرمال‪ ،‬وأحصنة‪،‬‬ ‫وصحراوات‪ ،‬وجبال‪ ،‬وقد رأيت شفيق أثناء زيارة خاطفة‬ ‫لـ»أخبار األدب» فى النصف الثانى من حقبة التسعينيات‬ ‫وهو يرسم على األوراق البيضاء بالرصاص ويحول سطحها‬ ‫امليت ْإلى أبعاد وأكوان تموج بحياة هادئة‪ ،‬وانبهرت حينما‬ ‫أسفرت تخطيطاته السريعة املاهرة عن وجه امرأة مصرية‬ ‫يقطر الكحل من عينيها‪ ،‬امــرأة بجمال نساء مودليانى‪،‬‬ ‫لكنهن منتشيات بروح مصرية‪ ،‬غادرت أماكنها من أيقونات‬ ‫الكنائس وتلبستهن‪ ،‬مانحة إياهن ذلك اإلحساس املوغل فى‬ ‫العتاقة والجمال‪ ،‬وهكذا لو افترضنا أن ُ«أخبار األدب» بيت‪،‬‬ ‫رفه كاتب من قرية‬ ‫بيت‬ ‫عاملى‪ ،‬يجلس فى غ ِ‬ ‫سيكون أقرب إلى ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫مصرية نائية جنبًا إلى جنب مع سميح القاسم‪ ،‬وباختني‪،‬‬ ‫وتــودروف‪ ،‬وسلمى الخضراء الجيوسى‪ ،‬ومحمد دكروب‪،‬‬ ‫ومحيى الدين اللباد‪ ،‬وأنسى الحاج‪ ،‬وصالح عبدالصبور‪،‬‬ ‫وأحمد عبداملعطى حجازى‪ ،‬وأمل دنقل‪ ،‬وإدوار سعيد‪ ،‬ونعوم‬ ‫تشومسكى‪ ،‬وقاسم حداد‪ ،‬ويوسف أبورية‪ ،‬وأبوالعالء املعرى‬ ‫وشمس الدين التبريزى‪..‬‬ ‫وجالل الدين الرومى ُ‬ ‫أصحاب البيت فراعنة‪ ،‬وكائنات مسحورة خارجة لتوها‬ ‫من «ألــف ليلة وليلة»‪ ،‬حيوانات «كليلة ودمنة» العظيمة‪،‬‬ ‫وعالء الدين ومصباحه والجنى وفانوسه‪ ،‬وغلمان أبى نواس‬ ‫وعشيقات ماركيز‪ ،‬وصخور من «أرض الحقيقة» جلبها محيى‬ ‫الدين بن عربى‪ ،‬بعد أن تجرد من هيكله مثل شيخ املريد أبى‬ ‫الفخر الكرمانى‪ ،‬واجتاز الزمان واملكان‪ .‬فى ذلك البيت‬ ‫الذى أسسه جمال الغيطانى تنساب موسيقى لطاملا اقترنت‬ ‫بحضوره إلى مكتبه فى الثامنة صباحًا‪ ،‬موسيقى تركية‪ ،‬أو‬ ‫مغربية‪ ،‬أو مصرية تنطق بتلك البهجة التى تتلمس خطوات‬ ‫املجد مع صوت ليلى مراد ومحمد عبدالوهاب فى «يا دى‬ ‫النعيم»‪ ،‬أو الجنة فى صوت محمد رفعت‪ ،‬أو أوبرالية‪ ،‬أو‬ ‫سيمفونية كأنها ترنيمة قادمة من الكنيسة املجاورة ملبنى‬ ‫األهرام‪.‬‬ ‫كان الغيطانى حريصًا على أن ينقل إليك بكل جوارحه‬ ‫أنه يفهم تعبك‪ ،‬ويقدر مشقة صادفتها‪ ،‬وجهدًا بذلته‪ ،‬ولغة‬ ‫تخاتلك‪ ،‬لغة تخلع قناع امرأة فائقة الجمال وتنظر إليك‬ ‫بوجه قبيح مدمم‪ ،‬وفنًا تحاول ملسه والعبور من جنانه‪.‬‬ ‫عدت ذات مرة من وادى النطرون‪ ،‬وفى ذهنى حكايات‬ ‫شاهدتها وسمعتها عن الرهبان هناك‪ ،‬وغـــارات كانوا‬ ‫يتعرضون لها من البربر‪ .‬لطاملا جاءت قطعان الهمج من‬

‫‪ ٥‬مايو ‪ ٢٠١٩‬العدد ‪١٣٤٥‬‬

‫ملف‬

‫الغيطانى دائم البحث عن اخلصوصية املصرية‪ ،‬فى معمار حسن‬ ‫فتحى بالقرنة‪ ،‬فى معمار قاهرة املعز لدين اهلل الفاطمى‪ ،‬وأسبلة‬ ‫مصر القدمية‪ ،‬فى مقابر القاهرة‪ ،‬وفى خصوصية احلارة الشعبية‬

‫مع جريجورى بك‬

‫الصحارى وحاصرتهم‪ ،‬كان البربر يعتقدون أن ذلك املظهر‬ ‫املتقشف يخفى وراءه شيئًا ما‪ ،‬ربما ذهب‪ ،‬ربما أملاس‪ ،‬وربما‬ ‫أحجار كريمة‪ ،‬وبالتالى كانوا يقتحمون األديرة والقاليات‬ ‫ويدمرون كل ركن فيها‪ ،‬ويعميهم الغضب عن رؤية الحقيقة‬ ‫البسيطة‪ ،‬أنه ال ذهب وال حتى نحاس‪ ،‬وإنما أجولة من البذور‬ ‫ْ‬ ‫لتطم ِئن‬ ‫تقاوم الزمن والعطن والشمس الحارقة القاسية‪،‬‬ ‫رجال الدين أن بوسعهم الحياة ألشهر قليلة فى سكينة‪ ،‬ثم‬ ‫يتحول غضب البربر إلى إعصار‪ ،‬ويقطعون أيدى وأرجل‬ ‫الرهبان شر تقطيع‪ ،‬وبعد كثير من تلك الهجمات الخائنة‬ ‫يبدأ الرهبان فى بناء أديرة تشبه القالع‪ ،‬وتخزين الغالل‬ ‫واملياه‪ ،‬حتى إذا جاء البربر انعزلوا بأنفسهم لشهور أو‬ ‫حتى سنوات‪ ،‬يشعر البربر باليأس ويعودون إلى صحرائهم‬ ‫القاحلة الجهنمية خائبني مشتعلني بالكراهية باحثني عن‬ ‫عدو جديد‪ .‬استمع الغيطانى ملا أســرده بصبر‪ ،‬وراقــت له‬ ‫الحكايات‪ ،‬وقال لى إنه سيمدنى بمراجع تضىء لى تاريخ هذا‬ ‫املكان‪ ،‬منها كتاب أصدرته الجامعة األمريكية به صور نادرة‬ ‫لألديرة‪ ،‬وهذه قيمة الغيطانى‪ ،‬أنه ال يكتفى باملتاح‪ ،‬ويقنعك‬ ‫بأن هناك ما هو أفضل‪ ،‬وما هو أبعد من الحكاية‪ ،‬ونشر‬ ‫املوضوع بعنوانى فى الصفحات الداخلية «حكايات الرهبان‬ ‫فى وادى النطرون»‪ ،‬ونشره بعنوان جذاب فى الصفحة األولى‬ ‫«بحثًا عن الذهب فى أديرة وادى النطرون»‪ ،‬وهاتفنى مساء‬ ‫الجمعة‪ ،‬وأخبرنى أن تليفونه لم يتوقف عن الرنني‪ ،‬كان يقول‬ ‫لى إن هذه هى مصر التى نريد تقديمها للعالم‪ ،‬مصر التى ال‬ ‫نعرف عنها شيئًا‪ ،‬وسرد لى قائمة من اتصلوا به للثناء على‬ ‫املوضوع‪ ،‬وقال لى‪« :‬أخوك محمد الغيطانى هيكلمك ألنه‬ ‫فرحان جدًا باملوضوع»‪ ،‬وكانت هذه هى أول مكاملة بينى وبني‬ ‫محمد‪.‬‬ ‫كان الغيطانى دائم البحث عن الخصوصية املصرية‪ ،‬فى‬

‫للفنان‪ :‬جميل شفيق‬

‫معمار حسن فتحى بالقرنة‪ ،‬فى معمار قاهرة املعز لدين الله‬ ‫الفاطمى‪ ،‬وأسبلة مصر القديمة‪ ،‬فى مقابر القاهرة‪ ،‬وفى‬ ‫خصوصية الحارة الشعبية‪ ،‬كان يرى أننا نجافى الروح التى‬ ‫ميزت شخصيتنا املصرية‪ ،‬وأن إبراز الجمال املصرى من‬ ‫حولنا قد يعيد شيئًا مما فقدناه‪ .‬لقد فاجأنى بمكاملة أخرى‬ ‫كما فاجأ غيرى وقال نفس الكالم عن الروح املصرية بعد أن‬ ‫قرأ روايتى «عني القط»‪ ،‬وكنت وقتها فى مدينة «املنصورة»‪.‬‬ ‫كان كالمه عيدًا بالنسبة لى‪ ،‬كما كان عيدًا لكثيرين اتصل‬ ‫بهم أو كتب عنهم أو قابلهم وجهًا لوجه‪َّ ،‬‬ ‫وعبر لهم عن محبة‬ ‫غامرة واحترام ملا يقدمونه‪.‬‬ ‫كان الغيطانى منفتحًا على الجميع‪ ،‬واالنفتاح هو أساس‬ ‫الخلطة التى صنعت الجريدة‪ .‬عرف العالم العربى معنى‬ ‫التعددية ال من خالل سياسات وحكومات‪ ،‬وإنما من خالل‬ ‫َ‬ ‫واملطاردين واملهاجرين‬ ‫جريدة أدبية‪ ،‬كانت ساحة للمغتربني‬ ‫ومحبى الحياة وكارهى أنفسهم والهادئني والصاخبني‬ ‫والكالسيكيني والحداثيني وما بعد الحداثيني والواقعيني‬ ‫والخياليني والحكائني والزجالني والشعراء وأشخاص‬ ‫عبروا إلى األدب ضيوفًا وغــادروه سريعًا على ريش نعام‬ ‫أو محمولني إلى القبور‪ ،‬وأشخاص تشبثوا بمواقعهم رغم‬ ‫صعوبة الرحلة‪ ،‬كان تليفونه متاحًا للجميع‪ ،‬يشكو أن الناس‬ ‫ال يرحمونه ويتصلون به ‪ 24‬ساعة‪ ،‬ومع هذا كان يرد آناء‬ ‫الليل وأطراف النهار‪ ،‬كان يشكو كذلك أن صحته ال تحتمل‬ ‫كالسابق أن ُيقابل كل هؤالء األشخاص القادمني من بلدان‬ ‫عربية وأجنبية‪ .‬طالب علم من إفريقيا‪ ،‬وآسيا‪ ،‬وشرق أوروبا‪،‬‬ ‫مستعربون‪ ،‬ورؤساء أكاديميات‪ ،‬وزراء ومهندسون وعلماء‬ ‫ومترجمون ورؤساء هيئات ثقافية‪ ،‬مخرجو سينما ونقاد كبار‪،‬‬ ‫شباب يتلمسون الطريق وكتاب راسخون‪ ،‬مريدون وأصدقاء‬ ‫تاريخيون‪ ،‬لكنه أيضًا أتاح نفسه طوال الوقت‪ .‬كان العشرات‬ ‫يرسلون خطاباتهم أو فاكساتهم إلى أن يحني وقت يتمكنون‬ ‫فيه من شق املسافات بالطائرات والقطارات والسيارات‬ ‫ملقابلته‪ .‬كان الغيطانى مزارًا حيًا‪ ،‬ال شك فى ذلك‪ ،‬و«أخبار‬ ‫األدب» استمدت روحها وخصوصيتها من قوة شخصيته‬ ‫وتأثيره الشبيه بتأثير االنفجار العظيم‪ ،‬خبت الجريدة فى‬ ‫فترات‪ ،‬ولكنها عادت قوية فى فترات أخرى‪ ،‬إذ أن األساس‬ ‫الذى رماه حتى سابع أرض يمكنه أن يسندها ملائة عام على‬ ‫األقل‪.‬‬ ‫كان الغيطانى رغم كل مشاغله يدير معارك فى جميع‬ ‫االتجاهات‪ ،‬معارك مبنية على الفكر‪ ،‬ال على مصالح شخصية‬ ‫ضيقة‪ ،‬ولكنه بالطبع كان يحزن ويغضب‪ ،‬كان يتحول إلى‬ ‫زلزال هادر فى غضبه‪ ،‬وإلى بحيرة صافية‪ ،‬فى هدوئه‪ ،‬صفاء‬ ‫يكشف األحجار واألصداف والشعاب املرجانية واألسماك‬ ‫امللونة فى القاع‪ ،‬كان يترك نفسه على سجيتها ليسخر من‬ ‫هذا أو ذاك‪ ،‬كان يسخر منى‪ ،‬ومنك‪ ،‬ومن نفسه‪ ،‬لكنه لم‬ ‫يكن كارهًا‪ ،‬وال فاجرًا فى خصوماته‪ ،‬كان يريد أن يسخر‪،‬‬ ‫ويمزح‪ ،‬ويضحك وكفى‪ ،‬أن يلقى جملته العابثة‪ ،‬وينفجر‬ ‫بعدها فى ضحكته القوية املميزة‪ .‬كنت قد نشرت حوارًا مع‬ ‫عماد أبوصالح فى «أخبار األدب»‪ ،‬والعنوان الذى اختاروه‬ ‫للصفحة األولى «عماد أبو صالح‪ :‬شعراء التسعينات مناديل‬ ‫كلينكس»‪ ،‬وكان كلما أخبرته بأن نرجسية فالن طفحت عليه‬ ‫فى هذه اللحظة‪ ،‬وأنه رفض املشاركة فى تحقيق معى‪ ،‬كان‬ ‫يفكر لحظة ويقول كأنما يتحدث بجدية شديدة‪« :‬ده كده‬ ‫عايز عماد أبوصالح‪ ،‬هات له عماد أبوصالح»‪ ،‬ثم ينفجر فى‬ ‫الضحك‪ ،‬ويمسك قلبه‪ ،‬كأنما يحافظ على بقائه فى مكانه‬ ‫طوال تلك الضحكة القوية الصافية الجميلة‪ .‬ما أجمل قلبه‬ ‫ذاك‪ ،‬وما أجمل املشاعر التى حملها ناحية أقرب الناس إليه‪،‬‬ ‫عائلته الصغيرة‪ ،‬وعائلة األدباء الكبيرة‪ ،‬بل واإلنسانية كلها‪.‬‬


‫‪٣٤‬‬

‫‪ ٥‬مايو ‪ ٢٠١٩‬العدد ‪١٣٤٥‬‬

‫‪3‬‬

‫‪ 5‬مايو ‪ ٢٠١٩‬العدد ‪١٣٤٥‬‬

‫بفارق توقيت بسيط‪ ،‬تزامنت ذكرى ميالده مع ذكريات الوزير األسبق‪ .‬املاضى هو‬ ‫ّ‬ ‫البطل فى الحالتني مع فارق جوهرى‪ ،‬فشخصية جمال الغيطانى شكلت‪ -‬بتفاصيلها‬ ‫املتعددة‪ -‬جزءا من مالمح الوطن فى حقبة ضبابية‪ ،‬ومن هذه التفاصيل دفاعه الوطنى‬ ‫عن تراثنا املهدد‪ .‬بينما يحاول فاروق حسنى إعادة رسم مالمحه الشخصية‪ ،‬بعد رحيل‬ ‫واحد من أكبر معارضيه‪ ،‬ويواصل إنتاج أفكاره السابقة‪ ،‬ويصمت كثيرا عن وقائع مهمة‪،‬‬ ‫إما لكونه ال يملك تبريرات لها‪ ،‬أو ألنه لم يواجه سؤاال حولها‪ .‬ومن الطبيعى أن يكون‬ ‫الغيطانى حاضرا خالل عملية« غسيل سمعة» شهدتها مذكرات الوزير‪ ،‬التى خرجت على‬ ‫شكل حوار فى كتاب‪ ،‬يتضمن تلميحات إلى أن منطلقات الكاتب الكبير كانت شخصية‪،‬‬ ‫بينما يتجاهل الكتاب نفسه الدوافع الشخصية للوزير‪ ،‬رغم أن القضايا عامة فى كلتا‬ ‫الحالتني‪.‬‬ ‫الشيخ سلطان القاسمى حاكم الشارقة فى افتتاح املهرجان‬

‫رئيس هيئة الشارقة للكتاب لـ «أخبار األدب»‪:‬‬

‫جراحها ال تزال تنزف‪:‬‬

‫معارك الكاتب الكبير‪ ..‬و «غسيل ُسمعة» الوزير!‬ ‫إيهاب احلضرى‬ ‫ُ‬ ‫التقيت مع الكاتب الكبير على حب التراث‪ ،‬مع فارق الخبرة‬ ‫ّ‬ ‫واملكانة‪ .‬وحدتنا الرؤية رغم اختالفات متقطعة ومشروعة‪ .‬هذه‬ ‫الخالفات لم تكن قاصرة ّ‬ ‫على‪ ،‬فكثيرا ما كان نقاشه معنا كصحفيني‬ ‫شباب يتسم بتباين وجهات النظر‪ ،‬وقد منحنا هذا االختالف صك‬ ‫براءة‪ ،‬من اتهام سابق التجهيز بأننا «صبيانه»‪ ،‬الذين يستخدمهم‬ ‫فى معاركه ذات املنطلقات الشخصية! ففى سياق املعارك املحتدمة‬ ‫استحضر البعض الصورة الذهنية للحارة‪ ،‬وجعلوا من جمال‬ ‫الغيطانى فتوة يستعني بحرافيشه‪ ،‬لكن سلوك الحوارى كان حاضرا‬ ‫فقط فى أسلوب رد الخصوم على قنابلنا‪ ،‬التى لم يستطيعوا إبطال‬ ‫مفعولها رغم سطوتهم‪ ،‬فلجأوا إلثارة غبار لم ينقشع رغم رحيل‬ ‫الغيطانى‪.‬‬ ‫ما أسباب الخصومة التى وقعت بينك وبني األديب الراحل جمال‬ ‫الغيطانى‪ ،‬والتى انتهت بتصالحكما بعد هجوم كبير ومعارك‪ ،‬وفوزه‬ ‫بجائزة الدولة التقديرية؟‬ ‫سؤال ُملغم يخلط األوراق بشكل واضح‪ ،‬ويمنح الوزير أكثر مما‬ ‫يريده‪ ،‬ويجعله فى وضع استرخاء «وكأنه حصل على استراحة‬ ‫محارب» حسب وصف املؤلفة انتصار دردير‪ ،‬وهو وصف صادق‬ ‫تماما‪ .‬لقد تضمن السؤال اإلجابة‪ ،‬ولم يعد الوزير األسبق فى حاجة‬ ‫إلى تكرارها‪ ،‬فالغيطانى وفقا للصياغة غير البريئة كان يثير املعارك‬ ‫لفرض« إتاوة»‪ ،‬حصل عليها بجائزة الدولة! لهذا تجاوز فاروق حسنى‬ ‫التلميح الواضح‪ ،‬وتفرغ إلثارة املزيد من الغبار‪ ،‬عندما ربط املعارك‬ ‫بوقف إعالنات وزارة الثقافة لـ «أخبار األدب» ! أى أن املصلحة كانت‬ ‫املنطلق فى كل األحوال‪.‬‬ ‫يأتى السؤال التالى هجوميا فى ظاهره‪ ،‬ويتطرق لواقعة شهيرة‬ ‫رفع فيها الوزير أخبار األدب تحت قبة البرملان‪ ،‬وتساءل‪« :‬هيه دى‬ ‫الصحافة التى تدعمها الدولة لتهاجمنا؟»‪ ،‬فى واقعة تحريض‬ ‫علنية وغير مسبوقة‪ .‬تساؤل ذكى كان يمكن أن يمحو خطيئة السؤال‬ ‫السابق‪ ،‬لكن الوزير تهرب من تفسير واقعة التحريض‪ ،‬وركز على‬ ‫الشق األول الذى أكدت فيه محاورته أنه أصدر جريدة القاهرة للرد‬ ‫على مهاجميه‪ .‬وألن الحقيقة ليست هدفا أساسيا لم يجد الوزير من‬ ‫يحاصره ليبرر فعلته تحت قبة البرملان‪.‬‬ ‫التحريض على الصحافة كرد فعل لحملة انطلقت‬ ‫جاءت واقعة ُ‬ ‫بأيام‪ ،‬وكنت أحد األطراف الفاعلني بها‪ ،‬فبعد منتصف‬ ‫قبلها‬ ‫ُ‬ ‫الليل تلقيت مكاملة هاتفية من الكاتب الكبير‪ ،‬كان صوته يجمع بني‬ ‫االنزعاج واالنفعال‪ ،‬حدثنى عن كارثة يتعرض لها متحف الفن‬ ‫اإلسالمى‪ .‬صباح اليوم التالى كنت هناك مع صديقى املصور الراحل‬ ‫يوسف ناروز‪ ،‬ورصدنا الجريمة التى يجرى ارتكابها‪ ،‬يتم نقل عدد‬ ‫هائل من القطع األثرية بوسائل بدائية‪ ،‬أدت إلى تعرض بعضها للتلف‬ ‫فعليا‪ ،‬وبمجرد عودتنا باملادة نزلت الصور على الغيطانى كصاعقة‪،‬‬ ‫وبدأ إجراء اتصاالت عديدة انتهت بتوجه عدد كبير من املثقفني‬ ‫وعلماء اآلثار إلى النائب العام‪ ،‬لتقديم بالغ ضد وزير الثقافة‪،‬‬ ‫واملطالبة بوقف تفتيت املتحف اإلسالمى‪ .‬ما حدث كان سابقة فى‬ ‫الحياة السياسية املصرية‪ ،‬فقد جرت العادة أن يلجأ معارضو الوزير‬ ‫إلى القضاء‪ ،‬لوقف إحدى مغامراته فى مجال اآلثار‪ ،‬تكرر ذلك‬ ‫فى دعاوى قضائية انتهت بمنع سفر معرضني خارجيني‪ ،‬وإبطال‬ ‫مخطط تدمير هوية باب العزب‪ ،‬لكن اللجوء للنائب العام كان تكتيكا‬

‫إحدى ندوات املهرجان‬

‫جديدا لم يعتده مسئول الثقافة الكبير‪ ،‬فانفعل تحت قبة البرملان‪،‬‬ ‫وهو ما فتح عليه نيرانا صديقة‪ ،‬حيث هاجمه بضراوة‪ ،‬الكاتب الكبير‬ ‫إبراهيم سعدة‪ ،‬فى عموده بالصفحة األخيرة فى «أخبار اليوم»‪ ،‬الذى‬ ‫كان يوقعه باسم أنور وجدى‪.‬‬ ‫ال مجال هنا لتكرار ردودنا على ادعاءات الوزير‪ ،‬التى نشرتها‬ ‫«أخبار األدب» على مدار أعداد‪ ،‬فى واحدة من أكبر حمالتها‬ ‫ُ‬ ‫الصحفية‪ ،‬ووثقت تفاصيلها فى كتابى األخير« هدير الحجر»‪ ،‬لكنى‬ ‫سأستعير هنا أسلوب الوزير‪ ،‬باالعتماد على عبارات عامة‪ ،‬غير‬ ‫أنها كاشفة‪ ،‬ترتكز على وثائق نشرناها فى وقتها‪ .‬فقد تسبب العبث‬ ‫باملتحف اإلسالمى فى كوارث ذات مستويات متعددة‪ ،‬وشهدت‬ ‫األحداث معارضة ملا يجرى من داخل الوزارة نفسها‪ ،‬تسببت فى‬ ‫اإلطاحة بمسئولني فى املجلس األعلى لآلثار ودار الكتب‪ ،‬وكانت‬ ‫النتيجة جرائم مكتملة األركان‪ ،‬من بينها العبث بمبنى أثرى وتغيير‬ ‫مالمحه‪ّ ،‬ملصلحة مشروعُ آخر هو تطوير دار الكتب‪ .‬ينسى الوزير كل‬ ‫ذلك ويتحلى بالتسامح املفرط وهو يقول‪« :‬أود أن أسجل عذرى لكل‬ ‫من كان ضدى‪ ،‬ألن من ال يعرف يجهل» !! ثم اختزل تبريراته القديمة‬ ‫فى عبارات مختصرة‪ ،‬ليعيد صياغة ما سبق الرد عليه ُفى حينه‬ ‫باملستندات‪ ،‬فالرجل ذكى ويعرف أن ذاكرة السمكة هى املسيطرة‪.‬‬ ‫كما أن الكثيرين خارج سياق األحداث ال يعرفون كواليس ما جرى‪.‬‬ ‫أما فرسان املعركة فمنهم من رحل‪ ،‬ومنهم من اختار الصمت طريقا‬ ‫منذ سنوات‪ ،‬لهذا أصبحت الساحة شبه فارغة‪ ،‬تتيح للوزير األسبق‬ ‫فرصة الحديث بأسى عن حالة تربص ممن اعتبرهم أصدقاء‪،‬‬ ‫ومنهم الكاتب جمال الغيطانى‪.‬‬ ‫كتابات الغيطانى موثقة‪ .‬ينطبق األمر نفسه على معارك أخبار‬ ‫األدب فى مجال اآلثار وغيرها‪ ،‬وهى معارك كانت تحت إشرافه‬ ‫املباشر‪ ،‬حتى لو لم يكن هو من أطلق شرارتها‪ .‬كان يتابع مشاغباتنا‬ ‫عن كثب‪ ،‬ويبدى مالحظاته التى قد نختلف عليها‪ ،‬لكنه لم يكن يتدخل‬ ‫حال اختالف الرؤى‪ ،‬شرطه الوحيد هو التحلى باملنطق‪ ،‬وهو أمر‬ ‫فى ُ‬ ‫وضعته مع غيرى من الزمالء نصب أعيننا‪ .‬ورغم أخطاء الوزير‬ ‫الفادحة فى مجال اآلثار‪ ،‬إال أنه ذكى‪ ،‬يعلم أن كل ما نشرته أخبار‬ ‫األدب أصبح تاريخا‪ ،‬وإذا كان الحاضر وقتها قد دعمه‪ ،‬باعتباره‬ ‫يحتمى بأحد مراكز القوى‪ ،‬فإن أى قراءة مستقبلية ستتخلص من‬ ‫قوى الضغط القديمة‪ ،‬لهذا يحاول كل فترة أن يترك خلفه تفسيرات‬ ‫قد تنصفه لدى الباحثني ذات مستقبل‪ ،‬بعد أن ّ‬ ‫رسخ ثقافة صخب‪،‬‬ ‫يتباكى البعض على ضجيجها املفقود‪ ،‬لدى وزراء تتابعوا بعده دون أن‬ ‫تتاح لهم فرصته فى النفوذ أو الخلود فى مناصبهم!‬ ‫لهذا لم يتطرق الوزير مثال إلى تفسيرات مطلوبة‪ ،‬ملحاور أساسية‬ ‫تضمنتها معارك الغيطانى والجريدة‪ ،‬ليس مهما أن يتذكر كبار‬ ‫مساعديه الذين تصيدتهم األجهزة الرقابية تباعا‪ ،‬وال عمليات‬ ‫الترميم الفاشلة بشهادة تقارير دولية‪ ،‬وحتى بدون شهادتها يظل‬ ‫الواقع شاهدا حيا على ذلك‪ ،‬ويكفى كارثة مدرسة صرغتمش التى‬

‫يكفيه أنه لم يكن من العابرين فى‬ ‫كالم عابر‪ ،‬لهذا بقيت حروفه غائرة‬ ‫داخل البعض‪ ،‬يواصلون تضميد‬ ‫جراحهم منها‬

‫سقط سقفها وعادت املياه الجوفية لتحاصرها‪ ،‬بعد أقل من عشرين‬ ‫عاما من ترميمها فى عصره‪ .‬الوزير معذور‪ ،‬فلم يوجه إليه سؤال حول‬ ‫هذه األمور ليجيب عليه‪ ،‬ومعظم األسئلة كانت مجرد تمريرات تتيح‬ ‫له فرصة تسديد هدف‪ ،‬وهذا هو أهم أهداف الكتاب‪.‬‬ ‫فاروق حسنى دائما على حق‪ ،‬والخطأ يأتى حتى من الواقفني فى‬ ‫خندقه‪ ،‬ففى أزمة باب العزب يلقى باللوم على محامى الحكومة‪،‬‬ ‫الذى تهاون فى التعامل مع القضية بالشكل املطلوب‪ ،‬فإذا كان ذلك‬ ‫ينطبق على محكمة القضاء اإلدارى‪ ،‬فلماذا لم يتدارك الوزير األمر‪،‬‬ ‫ويرفع سماعة هاتفه طالبا هيئة دفاع أقوى تنقذه من تأييد الحكم‬ ‫فى اإلدارية العليا‪ .‬خاصة أنه اعترف فى الكتاب باللجوء إلى الهاتف‬ ‫مرات عديدة‪ ،‬لوقف هجمات عليه‪ ،‬ال من املعارضني‪ ،‬بل من جانب‬ ‫وزراء يزاملونه فى الحكومة نفسها‪ ،‬مثل وزيرى اإلعالم والداخلية!‬ ‫أى أنه كان يملك القدرة على تشكيل فريق دفاع أقوى‪ ،‬يقيه من‬ ‫حيثيات الحكم التى جاءت كصفعة على وجه املخطط‪ ،‬وتضمنت‬ ‫عبارات بالغة القوة تدين السياسات األثرية‪ ،‬وألن حلم الوزير لم‬ ‫يتحقق فقد صرف انتباهه عن تطويرها‪ ،‬بشكل الئق يراعى املعايير‬ ‫األثرية‪ ،‬لهذا كانت النتيجة أن املكان تحول‪ « :‬إلى مأوى للخارجني‬ ‫على القانون وأطفال الشوارع عقب أحداث ثورة يناير ‪ .»2011‬هذا‬ ‫ما أورده الكتاب نصا‪ ،‬ليبرهن على رؤيته الثاقبة‪ُ ،‬ويحمل معارضى‬ ‫مشروع باب العزب ومنهم الغيطانى مسئولية ما انتهت إليه حالة‬ ‫املنطقة‪ .‬القول بأن املأساة التى تعرض لها باب العزب كانت بعد ثورة‬ ‫يناير ال ُيعفى الوزير من املسئولية‪ ،‬فقد أهمل املنطقة عمدا بعد أن‬ ‫توقف مشروعه‪ ،‬رغم بقائه نحو عشر سنوات فى الوزارة بعد حكم‬ ‫اإلدارية العليا‪ ،‬تجاهل خاللها املنطقة التى كانت تحتاج إلى مشروع‬ ‫ترميم جاد‪ ،‬يضع الرؤية األثرية ال السياحية فى املقدمة‪ .‬كان هذا‬ ‫تحديدا أحد املحاور األساسية التى يرتكز عليها هجوم الغيطانى على‬ ‫وزارة الثقافة فى مجال اآلثار‪ ،‬فقد حذر أكثر من مرة من التعامل مع‬ ‫اآلثار بفكر اقتصادى‪ ،‬ألن ذلك يؤدى إلى نتائج وخيمة فى النهاية‪،‬‬ ‫ُ‬ ‫ويجعل اآلثار التى يمكن أن تدر دخال أولى بالرعاية‪ ،‬بينما تبقى‬ ‫الغالبية العظمى فى املنطقة املظلمة!‬ ‫رحل الكاتب الكبير إذن لكنه باق‪ .‬عبارة ذات مالمح تأبينية‪،‬‬ ‫غير أن الواقع يمنحها حيوية تليق بالخالدين‪ .‬يكفيه أنه لم يكن من‬ ‫العابرين فى كالم عابر‪ ،‬لهذا بقيت حروفه غائرة داخل البعض‪،‬‬ ‫يواصلون تضميد جراحهم منها‪ .‬شخصيا أرى أن عمليات غسيل‬ ‫السمعة حق مشروع ألى إنسان‪ ،‬لكن املشكلة تبدأ حينما ال يكتفى‬ ‫البعض بصناعة أساطيرهم الشخصية‪ ،‬عبر رسم مالمح مالئكية‬ ‫لهم‪ ،‬ويعمدون إلى تشويه معارضيهم بعبارات تبدو مهذبة فى‬ ‫ظاهرها‪ ،‬وفى باطنها تحتضن اإلساءة!‬ ‫ملحوظة أخيرة‪:‬‬ ‫املختطف الرئيسى للسفينة اإليطالية أكيلى الورو لم يكن محمود‬ ‫ّ‬ ‫عباس‪ .‬ألتمس العذر لذاكرة الوزير‪ ،‬لكن بعض الهنات قد تؤدى إلى‬ ‫مشكالت دبلوماسية!‪.‬‬

‫نسعى الستعادة الطفل من عالم «السوشيال ميديا»‬ ‫فيروز‪،‬‬ ‫يروى العرض قصة ثالث مغامرات يخوضها أبناء شهرزاد؛‬ ‫ً‬ ‫وقادر‪ ،‬وأمني‪ ،‬حيث يأخذ الحضور إلى عوالم خيالية تسرد فصال‬ ‫جديدًا ألسرار الحب‪ ،‬والحكمة‪ ،‬واملعرفة‪ ،‬ويطوف ُ فيهم برحلة من‬ ‫البر إلى البحر‪ ،‬ومن الوديان إلى ُالتالل والجبال‪ ،‬تجسد تفاصيلها‬ ‫كاملة على «مسرح املجاز» بتقنيات تستخدم للمرة األولى فى املنطقة‪.‬‬

‫أدب الطفل والقصص املصورة‬ ‫رسالة الشارقة‪:‬‬

‫عالء عبد الهادى‬ ‫أكد أحمد بن ركاض العامرى رئيس هيئة الشارقة للكتاب‪ ،‬أن اإلمارة‬ ‫تشهد هذا العام عدة فعاليات وأنشطة ثقافية‪ ،‬تمثل فى مجملها‬ ‫نتاج عمل ثقافى دؤوب ومستمر على مدار أربعة عقود‪ ،‬وباهتمام‬ ‫ومتابعة شخصية من سمو حاكم الشارقة الدكتور سلطان بن محمد‬ ‫القاسمى‪ ،‬موضحا أن ‪ 2019‬هو عام االستحقاقات الثقافية للشارقة‪،‬‬ ‫فهى «شارقة تشرق فكرا وعلما وثقافة» حيث تم اختيارها عاصمة‬ ‫عاملية للكتاب‪ ،‬وتم اختيارها أيضا لتكون ضيف شرف ألربعة من أهم‬ ‫معارض الكتب فى أربع مدن عاملية‪ ،‬هى موسكو وتورينو وبولونيا‪،‬‬ ‫إضافة إلى عاصمتني سيعلن عنهما خالل عدة أسابيع‪.‬‬ ‫وقال العامرى فى تصريحات خاصة لـ «أخبار األدب» إن مهرجان‬ ‫الشارقة القرائى للكتاب فى دورته الـ ‪ 11‬التى استضافتها الشارقة‬ ‫على مدار الفترة من ‪ 17‬إلى ‪ 27‬أبريل الجارى جاءت جديدة فى كل‬ ‫شيء‪ ،‬وخطا فيها املهرجان خطوة جديدة لتثبيت دعائمه باعتباره‬ ‫أهــم معرض احترافى متخصص فى أدب األطفال فى املنطقة‬ ‫العربية‪ ،‬وفى منطقة الشرق األوسط‪.‬‬ ‫وحول اإلضافات فى هذه الدورة من املهرجان قال العامرى‪ :‬الجديد‬ ‫فعليا كثير‪ ،‬ويمكن ملسه حتى فى العملية التنظيمية‪ ،‬وفى توزيع‬ ‫األجنحة‪ ،‬وفى األنشطة والفعاليات‪ ،‬ألن هدفنا األساسى هو جذب‬ ‫الطفل إلى ملعب القراءة‪ ،‬نحن نسعى إلى إعادة الطفل الذى سرقته‬ ‫عوالم الثورة التقنية إلى عالم الكتاب والقراءة واالطالع‪ ،‬ونسعى من‬ ‫خالل اإلبهار إلى تحويل العملية التعليمية إلى متعة وبهجة وسعادة‪،‬‬ ‫ومنها نجذب الطفل مرة أخرى إلى الكتاب‪ ،‬نحن نعمل بنفس طويل‪،‬‬ ‫ووفق سياسة واضحة طويلة األمد‪.‬‬ ‫وأضاف العامرى‪ :‬هذا العام أطلقنا منصة «أفق» ألول مرة لبيع وشراء‬ ‫الحقوق بني رسامى كتب األطفال ودور النشر‪ ،‬حيث افتتح سمو حاكم‬ ‫الشارقة أكبر معرض لرسامى أغلفة وكتب األطفال من ‪ 65‬دولة على‬ ‫هامش افتتاح مهرجان الشارقة القرائى‪ ،‬هذا األمر يصب بالتأكيد‬ ‫فى صالح اإلبــداع املوجه للطفل‪ ،‬ويضع معايير جديدة لالرتقاء‬ ‫بالذائقة الفنية الخاصة برسوم كتب األطفال‪ ،‬كما قدمنا هذا العام‬ ‫أول جائزة ألدب الطفل املوجه لفاقدى البصر‪ ،‬أضف إلى ذلك‬ ‫زيادات فى عدد املشاركات‪ ،‬ومعرضني جديدين أحضرنا كليهما‬ ‫من أهم العواصم العاملية ليكونا أمام أطفالنا فى املنطقة العربية‪،‬‬ ‫يكفى أن أقول لك إن معرض «طريق الحرير» يمثل متعة للكبار قبل‬ ‫الصغار‪ ،‬ألنه يتيح معرفة بمتعة عن أحد أهم الطريق التجارية فى‬ ‫التاريخ اإلنسانى‪.‬‬ ‫وحول اجتماع الـ «إفال» املعنية باملكتبات على مستوى العالم‪ ،‬قال‬ ‫العامرى إن من مسببات فــوز الشارقة عاصمة عاملية للكتاب‪،‬‬ ‫استضافتها للمؤتمر السنوى للمكتبات الذى ترعاه الـ «إفال» لنرى‬ ‫فيه أحــدث ثمار الفكر فيما يتعلق باالرتقاء بمنظومة املكتبات‬ ‫على مستوى وطننا العربى‪ ،‬دعنى أقول لك إن إشراقات الشارقة‪،‬‬ ‫وأنشطتها الثقافية جعلت املنظمات الثقافية العاملية تضع عينها على‬ ‫الشارقة‪ ،‬بمنظور غير تقليدى‪ ،‬وأصبحوا يتعاملون معها على أنها‬ ‫أصبحت نقطة وصل حقيقية بني الشرق والغرب‪ ،‬وعاصمة للكتاب‬ ‫ومنصة لحوار الشعوب والثقافات‪ ،‬وهو ما عزز دور الشارقة فى‬

‫أحمد بن ركاض العامرى‬

‫الوصول إلى أدب طفل عاملى‬ ‫يحتاج إلى جهد كبير‬ ‫فى الترجمة‬ ‫مجال صناعة النشر ووصل إلى ذروته بافتتاح «مدينة النشر» لتكون‬ ‫أول مدينة حرة للنشر فى العالم‪ ،‬قوال وفعال‪ ،‬وهو ما يدعم صناعة‬ ‫النشر العربى‪ ،‬وينقله نقلة جديدة‪.‬‬ ‫وقال ابن ركاض إن كل هذه النجاحات التى لم تأت مصادفة‪ ،‬أو‬ ‫عفوية‪ ،‬وتلقى علينا بمزيد من التبعات والتكليفات لنحافظ عليها‪،‬‬ ‫وننتقل إلى مرحلة أكبر وأهم‪.‬‬ ‫مشيرا إلى أن كل هذا يصب فى صالح عملية النشر العربى ككل‪ ،‬ألن‬ ‫الشارقة فى كل أنشطتها‪ ،‬سواء الداخلية منها أو الخارجية‪ ،‬ال تقدم‬ ‫فقط الثقافة اإلماراتية‪ ،‬بل تسعى لتقديم الثقافة العربية بمعناها‬ ‫الواسع‪ ،‬واللغة العربية‪.‬‬

‫أبناء شهرزاد‬

‫وفى اإلطار ذاته احتفلت الشارقة باختيارها هذا العام لتكون عاصمة‬ ‫عاملية للكتاب بالعرض الفنى املبهر «ألف ليلة وليلة‪ :‬الفصل األخير»‪،‬‬ ‫الذى تم تقديمه وسط بحيرة الشارقة على مسرح «املجاز» بمشاركة‬ ‫‪ 537‬خبيرا وفنانا قدموا ‪ 13‬نوعا من أنــواع الفنون‪ .‬وأكد الشيخ‬ ‫سلطان بن أحمد القاسمى رئيس اللجنة املسئولة عن االحتفالية أن‬ ‫الرسالة التى يقدمها العرض ال تتجسد فى قصة أبطاله ومغامراتهم‬ ‫وحسب‪ ،‬وإنما فى الرؤية التى ينطلق منها‪ ،‬وطاقم العمل القائم عليه‪،‬‬ ‫وفريق املوسيقيني املشاركني فيه‪ ،‬إضافة إلى أنواع الفنون التى تجتمع‬ ‫فيه‪ ،‬إذ يقدم العرض ثالثة عشر نوعا فنيًا مختلفًا من فنون التمثيل‪،‬‬ ‫واألداء‪ ،‬والعزف‪ ،‬واألكروبات‪ ،‬والضوء‪ ،‬والظل‪ ،‬ويجمع فنانني وفنيني‬ ‫وتقنيني من ثالثة وعشرين بلدًا‪ ،‬كلهم يلتقون فى رسالة الكتاب‬ ‫وجمال املعرفة‪.‬‬

‫على هامش املهرجان أقيمت العديد من الندوات املعنية بأدب‬ ‫الطفل‪ ،‬من بينها ندوة مهمة بعنوان «أدب أطفال عاملى» أكدت‬ ‫خاللها الكاتبة اإلماراتية بدرية الشامسى أن الوصول بأدب‬ ‫الطفل املحلى إلى العاملية يحتاج إلى الكثير من جهود الترجمة‪،‬‬ ‫وأن الساحة األدبية املحلية تمتلك إنتاجات نوعية ومتميزة يقدمها‬ ‫مبدعون ومبدعات لهم بصمتهم‪ ،‬فالكتابة لألطفال ليست باألمر‬ ‫السهل‪ ،‬قائلة‪« :‬النص الجيد سيجذب األطفال‪ ،‬لكن علينا أن‬ ‫نهتم برسومات كتب الطفل أكثر‪ ،‬وبالرغم من حضور الرسامني‬ ‫املحليني والعرب فى مختلف األحــداث الثقافية التى تقام على‬ ‫الصعيدين اإلقليمى والعاملى لكننا مازلنا نفتقر لوجود هذه‬ ‫العناصر الفنية بالكثافة التى نراها فى الخارج‪ ،‬وعلينا إذا أردنا‬ ‫ّ‬ ‫أن نصدر أدبنا الخاص بالطفل مراعاة تضمينه بخيارات بصرية‬ ‫تسمح بترجمة القصة والفكرة‪ ،‬وال يمكن أن نغفل أن الطفل هو‬ ‫ّ‬ ‫الطفل أينما كان‪ ،‬يشده اللون وتلفت انتباهه الشخصيات التى‬ ‫يتضمنها النص وهذا أمر مهم يجب االنتباه له»‪.‬‬ ‫ّ‬ ‫وأكد كتاب عرب وأجانب شاركوا فى ندوات املهرجان ضرورة رفع‬ ‫األطفال ملستوى الكتابة ال العكس‪ ،‬مشيرين إلى أن الطفل يمتلك‬ ‫قدرة كبيرة على التحليل والفهم‪ ،‬وإن منحه مساحة كافية ليختبر‬ ‫الكلمات واملعانى دون أن تكون مبسطة بشكل تقليدى يسهم فى صقل‬ ‫مهاراته وخبراته ويقوده نحو اكتشاف العوالم الساحرة التى تضمها‬ ‫الكتب‪ ،‬داعني إلى مواصلة الجهود من أجل تقديم مواد إبداعية‬ ‫لألطفال تمتلك الثراء والتشويق وتبتعد عن الطرح التقليدى‪.‬‬ ‫بينما سلطت ورشــة عمل بعنوان «تاريخ القصص املصورة» التى‬ ‫قدمها الرسام شهاب الدين مشرف‪ ،‬الضوء على أول ظهور للقصص‬ ‫املصورة‪ ،‬التى بدأت من الحضارة الفرعونية باستخدام الرسومات‬ ‫للتعبير عن حياتهم اليومية وطقوسهم الدينية‪ ،‬باإلضافة إلى تناول‬ ‫مراحل تطورها‪ ،‬ومدى تأثيرها على ثقافة األطفال واليافعني‪ ،‬نظرًا‬ ‫إلى شغفهم وحبهم القتناء هذا النوع من اإلبداع‪.‬‬ ‫كما بحث املهرجان دور الكاتب فى الحفاظ على خصوصية‬ ‫ثقافة مجتمعه والتعريف بها‪ ،‬إلى جانب تعزيز قيمة التسامح‬ ‫بني املجتمعات من خالل تسليط الضوء على الثقافات األخرى‬ ‫والتجارب اإلنسانية امللهمة التى تحث على التفاهم والتحاور بني‬ ‫الشعوب فى كافة أرجاء العالم‪ .‬وذلك فى جلسة حوارية حملت‬ ‫عنوان «نكتب عن ثقافتنا»‪ ،‬شاركت فيها كل من اإلماراتية مريم‬ ‫الزرعونى‪ ،‬ومؤلفة األطفال السريالنكية روبى لوفيل‪ ،‬التى قالت‪:‬‬ ‫«بحكم أنى أعيش حاليًا فى اململكة املتحدة‪ ،‬فكنت أجد نفسى‬ ‫فى حالة بحث دائم عن كتب تلبى شغف أبنائى بالقراء وتزيد‬ ‫معارفهم‪ ،‬وتعزز ارتباطهم بالعادات والتقاليد السيريالنكية‬ ‫والتراث الثرى والزاخر بالروائع واإلبداعات‪ ،‬وفى أوقات كثيرة‬ ‫كنت أفشل فى الوصول إلى هذه النوعية من الكتب‪ ،‬وهو ما دفعنى‬ ‫إلى االتجاه للكتابة ألبنائى»‪.‬‬


‫‪٢‬‬

‫‪٥‬مايو ‪ ٢٠١٩‬العدد ‪١٣٤٥‬‬

‫منتدى أدب املصريني‪..‬‬

‫كالم ضد منطق الحقائق‬

‫فرصة لتقدمي الرؤى حول األعمال األدبية‬ ‫شهاب طارق‬ ‫استضافت دار نشر ابن رشد للنشر والتوزيع‬ ‫األســبــوع املــاضــى‪ ،‬انــطــاق مــنــتــدى أدب‬ ‫مدار أربع ليالى متتالية‬ ‫املصريني األول‪ ،‬على ُ َّ‬ ‫نوقشت فيها أعمال كتاب مصريني‪ ،‬خالل‬ ‫خمس ندوات‪َّ .‬يعد املنتدى ُأحد أنشطة مشروع‬ ‫أدب املصريني الذى أسسه الكاتب والشاعر‬ ‫أحمد سراج‪ ،‬وكانت بدايته فى عام ‪.٢٠١٥‬‬ ‫جاءت الليلة األولى ُ‬ ‫للمنتدى من نصيب الشاعر‬ ‫رفعت ســام‪ ،‬والتى أدار‬ ‫واملترجم املصرى‬ ‫ً‬ ‫ندوتها أحمد سراج قائل‪ :‬السائد أن ال أحد‬ ‫يتصدى لترجمة الشعر‪ ،‬وعندما يقوم البعض‬ ‫بذلك فإنه يكتفى إما بمختارات أو بديوان‬ ‫شهير‪ ،‬لكننا نفاجأ برفعت سالم الذى يذهب‬ ‫كاملة‪ ،‬أى أنه يتابع الشعر فى حياته‬ ‫لترجمة‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫بشكل كبير‪.‬‬ ‫وفى‬ ‫كلمته قال الدكتور أبو اليزيد الشرقاوى‪:‬‬ ‫ِ‬ ‫عندما تــقــرأ ديـــوان لرفعت ســام ستكون‬ ‫ً‬ ‫مضطرا إلى البحث عن جماليات كل ديوان‬ ‫على حــدة‪ ،‬فــإذا استخلصت جماليات هذا‬ ‫الديوان وانتقلت إلى ديوان سابق أو الحق‪ ،‬فلن‬ ‫تنفعك الجماليات التى استخلصتها فى هذا‬ ‫الديوان لتطبيقها على ديــوان سابق‪ ،‬وسوف‬ ‫ً‬ ‫مضطرا باستمرار إلــى أن تجدد من‬ ‫تكون‬ ‫أدواتك ملتابعة تجليات رفعت سالم املتجددة‪.‬‬ ‫وأضاف الشرقاوى‪ :‬فى قصيدة عراء؛ عندما‬ ‫تقرأ النص التفعيلى تقرأه على أنه نص مكتمل‬ ‫وشعر النثر هو هامش عليه‪ ،‬هــذا يعطيك‬ ‫إمكانية كبيرة للتعامل مع شعر رفعت سالم‪،‬‬ ‫وهذا هو أحد الشروط الثالثة التى وضعتها‬ ‫سوزان برنار فى كتابها الشهير «قصيدة النثر»‬ ‫وهى الكثافة والتوهج واملجانية‪ ،‬والكثافة تنتمى‬ ‫مرة تقرأ النص‬ ‫إلى شعر سالم‪ ،‬ألنك فى ً كل ً‬ ‫إحساسا جديدا‪ ،‬وهذا ما‬ ‫سيبهرك ويعطيك‬ ‫نجحت فيه ً‬ ‫كثيرا تجربة رفعت سالم‪.‬‬ ‫جانبه قال الدكتور أحمد بلبولة أنه عندما‬ ‫من‬ ‫ِ‬ ‫بــدأ يقرأ ديــوان رفعت ســام «أرعــى الشياه‬ ‫على املياه» شعر بالغيظ كما لم يشعر به فى‬ ‫حياته‪ ،‬بسبب ذات سالم النرجسية والواثقة‬ ‫فى الديوان‪ ،‬والتى تكتب القصيدة كأنها فى‬

‫جامعة الدكالى حتتفى ببالغة‬ ‫اخلطاب عند د‪.‬عماد عبد اللطيف‬

‫فى كل مرة تقرأ النص‬ ‫إحساسا‬ ‫سيبهرك ويعطيك‬ ‫ً‬ ‫جديدا‪ ،‬وهذا ما جنحت‬ ‫ً‬ ‫كثيرا جتربة رفعت‬ ‫فيه‬ ‫ً‬ ‫سالم‪.‬‬ ‫فسحة‪ ،‬إنها شاعرية كبيرة تتنقل من الهامش‬ ‫إلــى الحاشية إلــى املــن عبر مجموعة من‬ ‫الرموز‪ ،‬وتحمل رسالة كبيرة فى مضمونها‪.‬‬ ‫وأضاف بلبولة‪ :‬رفعت سالم بهذا الديوان‬ ‫ً‬ ‫يعطينا‬ ‫درس ــا فــى كيفية كتابة قصيدة‬ ‫املنازلة وكيف يكون لدينا موضوع ونحرره‬ ‫من مناسبته‪ ،‬ونعيد استثمار هذا املوضوع‬ ‫بحيث ال يموت بانقضاء املناسبة‪ .‬الديوان‬ ‫عندما نتأمله نجد أنه يتكون من حاشية‬ ‫تستمر‪ ،‬وهى شبيهة إلى حد ما بالنقوش‬ ‫املــوجــودة على الجداريات الفرعونية أو‬ ‫كتاب املوتى أو حديث الفالح الفصيح‪ ،‬فهو‬ ‫يستدعيها ويخلط بينها ببعض اإلشارات‬ ‫املباشرة عن الــثــورة‪ .‬أمــا املــن الشعرى‪،‬‬

‫جانب من املنتدى‬ ‫ً‬ ‫رئيسا‪ ،‬وهو عبارة‬ ‫فهو التيار الذى يبدو‬ ‫ـر وأنثى‪،‬‬ ‫ـ‬ ‫ذك‬ ‫ـن‬ ‫عــن حــوار مغازلة برية بـ‬ ‫ٍ‬ ‫كالهما يتحدث وكأنهما يحدثان نفسيهما‬ ‫إلى أن يلتقيا فى صفحة من الصفحات‪.‬‬ ‫أما الناقد أحمد رجب شلتوت‪ ،‬فقال‪ :‬إن «أوراق‬ ‫العشب» ليس ديوان واحد أو ومجموعة دواوين‬ ‫منفردة‪ ،‬لكنه مجموع شعر ووتمان الذى كتبه‬ ‫حياته‪ ،‬والذى يراه رفعت سالم ظاهرة‬ ‫عبر‬ ‫ِ‬ ‫شعرية فريدة‪ ،‬تلقى بظاللها الكثيفة على‬ ‫شعرية القرن العشرين‪ ،‬لذا يصفه سالم بأنه‬ ‫قارة شعرية بكاملها‪ .‬ومن املعروف أن شعر‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫عربيا‪ ،‬تجلى فى تعدد‬ ‫اهتماما‬ ‫ووتمان لقى‬ ‫الترجمات الصادرة ألوراق‬ ‫العشب‪ ،‬وقد كان‬ ‫ً‬ ‫الشاعر العراقى سعدى يوسف سباقا بتعريف‬ ‫القارئ العربى بأشعار ووتمان وعوامله‪.‬‬ ‫وأضاف شلتوت‪ :‬رغم تعدد الترجمات ألشعار‬ ‫ووتمان إال أننا كنا فى حاجة ماسة لترجمة‬ ‫جديدة تكون كاملة ودقيقة‪ ،‬وبالرغم من أن‬ ‫الترجمات هذه أسهمت فى تعريف القارئ‬ ‫بووتمان‪ ،‬إال أن أيــا منها لم يحط بمجمل‬ ‫التجربة الشعرية عنده‪ ،‬وهذا ما فعله رفعت‬ ‫ترجمته‪.‬‬ ‫سالم فى‬ ‫ِ‬ ‫وفى نهاية الندوة عبر الشاعر واملترجم رفعت‬ ‫سالم عن ‪ ‬امتنانه العميق على هذه الحفاوة‬ ‫الدائمة ملناقشة أعماله بصورة مستمرة‪،‬‬ ‫وعلى هذه املبادرة التى هى امتداد لسلسة أدب‬ ‫املصريني التى أسسها أحمد سراج‪ .‬‬

‫رحيل أحمد إبراهيم الفقيه‬ ‫توفى األسبوع املاضى الكاتب والروائى الليبى أحمد إبراهيم الفقيه‪ ،‬بعد‬ ‫صراع مع املرض‪ ،‬فى القاهرة‪.‬‬ ‫ُو ِلد الفقيه فى ‪ 28‬ديسمبر ‪ ،1942‬وهو كاتب وأستاذ جامعى ليبى فى‬ ‫األدب العربى الحديث‪ ،‬له ترجمات لعدد من األعمال األدبية إلى لغات‬ ‫متعددة‪ ،‬حصل على درجة الدكتوراه فى األدب العربى‪ ،‬من جامعة إدنبره‬ ‫بإسكتلندا‪ ،‬ومن ثم انتقل إلى ليبيا وقام بالتدريس فى جامعاتها‪ ،‬إضافة‬ ‫إلى جامعات عربية أخرى‪.‬‬ ‫بدأ الفقيه فى نشر مقاالته وقصصه القصيرة فى الصحف الليبية بدءا‬ ‫من عام ‪ ،1959‬لتفوز مجموعته القصصية «البحر ال ماء فيه» باملركز‬ ‫األول فى جوائز اللجنة العليا لآلداب والفنون بليبيا‪ ،‬كما تم اختيار‬ ‫ثالثيته «سأهبك مدينة أخرى» كواحدة من ضمن أفضل مائة رواية‬ ‫عربية فى القرن العشرين‪ ،‬وتعتبر روايته «خرائط الروح» أطول رواية‬ ‫عربية‪ ،‬حيث تتكون من ‪ 12‬جزء‪ ،‬وتتناول تاريخ االستعمار فى ليبيا‪ .‬ومن‬ ‫أعماله األخرى‪« :‬حقول الرماد»‪« ،‬البحر ال ماء فيه»‪« ،‬فئران بال جحور»‪،‬‬ ‫«ابنة بانايوتى»‪« ،‬الحالة الكلبية لفيلسوف الحزب»‪« ،‬اختفت النجوم‬ ‫فأين أنت»‪« ،‬الطريق إلى قنطرارة»‪« ،‬العائد من موته»‪« ،‬خفايا القصر‬ ‫املسحور»‪« ،‬مرايا فينيسيا»‪« ،‬جعفر من باكستان»‪ ،‬و«قصص من عالم‬ ‫العرفان»‪.‬‬ ‫كان أحمد الفقيه سفيرا لليبيا فى أثينا وبوخارست‪ ،‬كما عمل فى عدد‬ ‫من املؤسسات الصحفية‪ ،‬كما عمل فى العديد من املؤسسات الصحفية‬ ‫وترأس تحرير ‪ 12‬مجلة‪ .‬وأسهم فى تأسيس عدد من الصروح الثقافية‬ ‫واألدبية فى بالده‪ ،‬مثل مجلة الرواد األدبية عام ‪ 1966‬وعمل ضمن هيئة‬ ‫تحريرها‪ ،‬وأنشأ صحيفة «األسبوع الثقافى» فى مطلع السبعينيات وعمل‬ ‫رئيسًا لتحريرها وقدم من خاللها كتابًا صاروا فى طليعة الحركة األدبية‬ ‫والشعرية‪ ،‬كما أسهم فى إنشاء مجلة الثقافة العربية فى بيروت وعمل‬ ‫لفترة من الوقت رئيسًا لتحريرها‪ ،‬كما سعى إلنشاء اتحاد لألدباء فى‬ ‫ليبيا وكان مقرر لجنته التأسيسية‪.‬‬

‫حول مشروعه فى البالغة وتحليل الخطاب‪ ،‬نظمت‬ ‫جامعة شعيب الدكالى بالجديدة باململكة املغربية‪،‬‬ ‫مؤتمرا علميًا دارت محاوره حول الدراسات التى قام‬ ‫بها د‪.‬عماد عبداللطيف ضم املؤتمر ثالث جلسات‬ ‫علمية وتعريفية‪ ،‬تم فيها إلقاء ستة بحوث‪ ،‬البحث‬ ‫األول من إعــداد د‪.‬إبراهيم الــعــدراوس‪ ،‬ويحمل‬ ‫عنوان «البالغة والتاريخ الراهن‪ :‬بالغة الحرية‪،‬‬ ‫عماد عبداللطيف نموذجا»‪ ،‬وجاء الثانى بإعداد‬ ‫د‪.‬رشيد بلنقيه بعنوان‬ ‫«قـــــراءة فــى كــتــاب‪،‬‬ ‫الــبــاغــة والــتــواصــل‬ ‫عــبــر الــثــقــافــات»‪،‬‬ ‫والـــثـــالـــث بـــإعـــداد‬ ‫د‪.‬ميلودة العكرودى‪،‬‬ ‫بعنوان «رحلة البحث‬ ‫عن البديل فى بالغة‬ ‫الــشــعــار والـــرمـــز»‪،‬‬ ‫ويـــتـــنـــاول الــبــحــث‬ ‫الــــرابــــع «الــفــضــاء‬ ‫وتمثالته من الواقعى‬ ‫إلــــى االف ــت ــراض ــى»‬ ‫د‪.‬عماد عبد اللطيف‬ ‫من إعــداد د‪.‬سميرة‬ ‫ح ــاوى‪ ،‬أمــا البحث‬ ‫الخامس فجاء بعنوان «آلــيــات تحليل الخطاب‬ ‫السياسى‪ ،‬كتاب «بالغة الحرية لعماد عبداللطيف»‪،‬‬ ‫وفيه يحلل د‪.‬محمد منتاقى‪ ،‬اآلليات املوظفة فى‬ ‫فهم الخطاب السياسى‪ ،‬وتحليله‪ ،‬واختتم املؤتمر‬ ‫أعماله ببحث «سادس» للدكتور عماد عبداللطيف‬ ‫بعنوان «الصياد والفريسة‪ :‬منهجيات دراسة خطاب‬ ‫الجمهور فى البالغة والنقد ودراسات التواصل‪.‬‬ ‫أقيم املؤتمر فى كلية اآلداب والعلوم اإلنسانية‪،‬‬ ‫بإشراف د‪.‬لطيفة األزرق‪ ،‬ومشاركة د‪ .‬رحمة توفيق‪.‬‬

‫مناقشة «صالة خاصة»‬ ‫فى بتانة‬ ‫تنظم مؤسسة بتانة فى التاسعة مساء الخميس‬ ‫القادم ‪ 9‬مايو‪ ،‬ندوة ملناقشة رواية «صالة خاصة»‬ ‫الصادرة عن الهيئة العامة للكتاب‪ ،‬للكاتب صبحى‬ ‫موسى‪ ،‬يشارك فيها الناقد الدكتور شاكر عبد‬ ‫الحميد وزيــر الثقافة األسبق‪ ،‬الكاتب السياسى‬ ‫أحمد بهاء الدين شعبان‪ ،‬والناقد األكاديمى الدكتور‬ ‫رضا عطية‪ ،‬ويديرها الشاعر والناقد شعبان يوسف‪.‬‬ ‫تقع الرواية فى ‪ 550‬صفحة من القطع الكبير‪،‬‬ ‫وتتعرض للحقبة املسيحية بوصفها واحــدة من‬ ‫الفترات املهمة فى التاريخ والهوية املصرية‪ ،‬وذلك‬ ‫عبر فصول سردية تجمع بني التاريخى والفنى‬ ‫والــواقــعــى‪ ،‬وتمزج الــروايــة بني أسئلة الحاضر‬ ‫وإشكاليات املــاضــى‪ ،‬فــى إطــار فنى قائم على‬ ‫التشويق والتوظيف السردى للمعلومات‪ ،‬كما تجيب‬ ‫على العديد من األسئلة املهمة حول كيفية تطور‬ ‫الفكر املسيحى فى قرونه األولــى‪ ،‬وقدر املساهمة‬ ‫املصرية فى بناء الفلسفة املسيحية ً‬ ‫عامليا‪.‬‬ ‫بالذكر أن صبحى موسى شاعر وروائــى‪،‬‬ ‫جدير ِ‬ ‫ً‬ ‫مديرا‬ ‫صدرت له عدة أعمال شعرية وروائية‪ ،‬وعمل‬ ‫ً‬ ‫ورئيسا‬ ‫للنشر بالهيئة العامة لقصور الثقافة‪،‬‬ ‫لتحرير مجلة الثقافة الجديدة‪ ،‬كما حصل على‬ ‫العديد من الجوائز عن أعماله‪ ،‬منها جائزة نجيب‬ ‫محفوظ من املجلس األعلى للثقافة‪ ،‬عن روايته‬ ‫«نقطة نظام» فى ‪.2018‬‬ ‫اقرأ ص‪١٩ ، ١٨‬‬

‫أحمد إبراهيم الفقيه‬

‫‪٣٥‬‬

‫‪ ٥‬مايو ‪ ٢٠١٩‬العدد ‪١٣٤٥‬‬

‫إعالنات الغيطانى‬ ‫طارق الطاهر‬ ‫ما أسباب الخصومة التى وقعت بينك وبني األديب‬ ‫الراحل جمال الغيطانى والتى انتهت بتصالحكما بعد‬ ‫هجوم كبير ومعارك وفوز بجائزة الدولة التقديرية؟‬ ‫هكذا لخصت الزميلة انتصار دردير فى كتابها «فاروق‬ ‫حسنى يتذكر‪ ..‬زمن من الثقافة»‪ ،‬ما دار على صفحات‬ ‫جريدة «أخبار األدب» التى أسسها جمال الغيطانى‪ ،‬من‬ ‫اختالف للرؤى حول املشهد الثقافى املصرى فى فترة‬ ‫تولى فاروق حسنى وزارة الثقافة‪ ،‬لم تر سوى أن هناك‬ ‫معارك انتهت بصلح وجائزة‪.‬‬ ‫هكذا يمكن تلخيص سنوات من عمر جريدة فى‬ ‫سطرين‪ ،‬معناهما أن هناك مصالح قد حكمت رؤية من‬ ‫يرأس تحريرها‪ ،‬وعندما وصل ملبتغاه توقفت املعارك‪.‬‬ ‫إذا كان السؤال قد صيغ بهذه الطريقة‪ ،‬فكيف كانت‬ ‫اإلجابة من جانب الوزير السابق‪ « :‬وكأنه حصل على‬ ‫استراحة محارب أجاب قائال‪ :‬حني تم ترشيح جمال‬ ‫الغيطانى أعطيت صوتى إلبداعه‪ ،‬وليس لشخصه‪،‬‬ ‫وفعلت نفس الشىء مع بعض من فازوا بها‪ ،‬وكانوا فى‬ ‫خصومة شديدة معى‪ ،‬مثل فاروق جويدة‪ ،‬د‪ .‬نعمات أحمد‬ ‫فؤاد‪ ،‬ألنى أنظر لعطاء املبدع وليس إلى تصفية حساب‬ ‫معى‪ ،‬جمال الغيطانى ‪ -‬يرحمه الله ‪ -‬كان صديقى قبل‬ ‫أن أتولى الوزارة‪ ،‬وبعد الوزارة علم أنى سأصدر جريدة‬ ‫ثقافية فجاء يخبرنى أنه يعد إلصدار جريدة أخبار‬ ‫األدب وقال لى اعتبرها جريدتك وساعدنا بإعالنات‪،‬‬ ‫بدال من أن تصدر جريدة‪ ،‬ووافقت ووقفت بينى وبينه‬ ‫أطراف عديدة‪ ،‬وأعتقد هو أنى قد منعت اإلعالنات عن‬ ‫جريدته‪ ،‬فبدأ يهاجمنى‪ ،‬وكان محاربا شرسا‪ ،‬وكنت أرد‬ ‫على هجومه فى الصحف»‪.‬‬ ‫وألنى شاهد على ما ذكره فاروق حسنى‪ ،‬وفى عجالة‬ ‫وبدون تفاصيل ال وقت لها اآلن‪ ،‬أحب أن أوضح للزميلة‬ ‫جانبا من بعض املعارك التى خاضتها «أخبار األدب»‪،‬‬ ‫وكان من بينها معركة جوائز الدولة‪ ،‬وقد خضتها‬ ‫بنفسى على مدى سنوات طوال‪ ،‬بعد جدل كثير كان‬ ‫يصحب كل دورة من دورات منح هذه الجوائز‪ ،‬وقد أكد‬ ‫فاروق حسنى دون أن يدرى صحة معركتنا‪ ،‬التى كانت‬ ‫تصب فى ضرورة إصالح طريقة منح الجوائز‪ ،‬ومنها‬ ‫منع رؤساء الهيئات من التصويت‪ ،‬ألنهم يمثلون كتلة‬ ‫قادرة على أن تمنح الجائزة لهذا الشخص أو تحجبها‬ ‫عنه‪ ،‬والدليل ما قاله فاروق حسنى فى إجابته أنه أعطى‬ ‫صوته للغيطانى‪ ،‬لو أن هناك حديثا عن نظام مؤسسى‬ ‫ملا كان صوته الوحيد من بني ما يقرب من ‪ 52‬صوتا هو‬ ‫املرجح والكفيل بمنح الجائزة أو حجبها‪ ،‬وألنه يعلم أن‬ ‫صوته ليس صوتا‪ ،‬بل رمز «لكتلة تصويتية»‪ ،‬ملا تحدث‬ ‫بثقة عن أنه منح الجائزة للغيطانى وفاروق جويدة‬ ‫ونعمات أحمد فؤاد‪ ،‬أى أنه كان بمقدوره وهو الصوت‬ ‫الواحد أن يؤثر فى نتيجة الجوائز‪ ،‬األمر اآلخر الذى‬ ‫أحب أن أوضحه ملؤلفة الكتاب أن الدولة املصرية‬ ‫استجابت منذ العامني لكل ما جاء فى انتقادات‬ ‫«أخبار األدب» وغيرها من الصحف التى أعلت قيمة‬ ‫الوطن على املصلحة الشخصية‪ ،‬وبالفعل تم إجراء‬ ‫تعديالت فى طريقة املنح‪ ،‬على رأسها عدم التصويت‬ ‫من قبل قيادات وزارة الثقافة‪ ،‬وكذلك تقوم لجنة‬ ‫فحص تخصصية بترشيح عدد محدود للمجلس األعلى‬ ‫للتصويت عليها‪.‬‬ ‫هذه واحدة من معاركنا التى خضناها ضد فاروق‬

‫غالف عدد أخبار األدب فى ‪١٠‬‬ ‫نوفمبر ‪ ١٩٩٦‬املتضمن تحقيقًا‬ ‫بعنوان‪ :‬األدباء لوزير الثقافة‪..‬‬ ‫ثقافتنا مهانة‪ ..‬آثارنا منهوبة‬ ‫فلماذا ال ترحل؟‬

‫الدولة املصرية‬ ‫استجابت منذ‬ ‫العامني لكل ما‬ ‫جاء فى انتقادات‬ ‫«أخبار األدب»‬ ‫وغيرها من‬ ‫الصحف التى‬ ‫أعلت قيمة الوطن‬ ‫على املصلحة‬ ‫الشخصية‬

‫حسنى‪ ،‬وانتهت لصالحنا‪ ،‬وعلى فكرة نحن لم نكن فى‬ ‫خصومة مع أحد بدليل‪ ،‬أننى حاورت الوزير السابق‬ ‫حول جوائز الدولة‪ ،‬فجاء العنوان «نعم الوزارة تأخذ‬ ‫رؤية الوزير فى التصويت على الجوائز» ووقتها أثار هذا‬ ‫الحوار غضبا بني قيادات الوزارة‪ ،‬ألن الوزير ببساطة‬ ‫قال إنهم يصوتون حسب رؤيته «نعم‪ ..‬رؤساء الهيئات‬ ‫الثقافية يصوتون فى جوائز الدولة حسب رؤيتى» أخبار‬ ‫األدب ‪ ١٥‬سبتمبر ‪.١٩٩٦‬‬ ‫األمر اآلخر عليك أن تراجعى قوائم الفائزين بجوائز‬ ‫الدولة التشجيعية‪ ،‬فستجدين جمال الغيطانى فاز بها‬ ‫قبل مجئ فاروق حسنى‪ ،‬وحصل عليها ‪ -‬أيضا‪ -‬نخبة من‬ ‫األدباء؛ بعضهم بعد أن حصل عليها الغيطانى‪ ،‬لكنهم‬ ‫سابقوه فى الحصول على التقديرية‪ ،‬فبالشك أن معركة‬ ‫الغيطانى لصالح الثقافة املصرية أجلت فوزه بالجائزة‪،‬‬ ‫وعليك ‪ -‬أيضا‪ -‬أن تعلمى أن الجهة التى رشحت الغيطانى‬ ‫للتقديرية كانت جامعة سوهاج‪ ،‬وعليك ‪ -‬أيضا‪ -‬أن‬ ‫تعودى إلى السيرة الذاتية للغيطانى للتعرف على‬ ‫الجوائز العاملية التى حصل عليها‪ ،‬قبل أن يفوز بالجائزة‬ ‫التقديرية‪ ،‬وأخيرا بعد أن غادر فاروق حسنى الوزارة‬ ‫حصل الغيطانى على جائزة النيل فى اآلداب‪ ،‬وهى أعلى‬ ‫جائزة مصرية‪.‬‬ ‫أما فيما يخص الربط بني الهجوم واإلعالنات كما‬ ‫جاء فى إطار إجابة فاروق حسنى‪ ،‬فهذا غير صحيح‬ ‫إطالقا‪ ،‬وهى قصة سبق أن كتبتها فى «أخبار األدب»‬ ‫منذ سنوات طوال والوزير كان على كرسيه الوزارى‪ ،‬أن‬ ‫الذى أصدر توجيهات بمنع اإلعالنات هو فاروق حسنى‬ ‫نفسه‪ ،‬بعد أن كتبت موضوعا عنوانه «إلى فاروق حسنى‪..‬‬ ‫ثقافتنا مهانة وآثارنا منهوبة‪ ..‬فلماذا ال ترحل»‪ ،‬ولم يكن‬ ‫هذا املوضوع مقاال‪ ،‬إنما تحقيقا صحفيا أجريته مع‬ ‫مجموعة من األدباء واملثقفني خاصة من خارج القاهرة‪،‬‬ ‫بعد أن هاجمهم مدير صندوق التنمية الثقافية فى ذلك‬ ‫الوقت سمير غريب‪ ،‬ووصفهم بأنهم يبتزون هيئة قصور‬ ‫الثقافة‪ ،‬وانتقدت فى وقتها هذه التصريحات‪ ،‬التى أدت‬ ‫إلى أن عقد وزير الثقافة لقاء مفتوحا لتقديم اعتذار‬ ‫لهم ملا بدر من مدير الصندوق‪ ،‬الذى رد على موضوعى‬ ‫الخاص بتصريحاته‪ ،‬أنه يريد أن يكون اإلعالن القادم‬ ‫فى أخبار األدب هو «صندوق التنمية الثقافية يدعم‬ ‫اخبار األدب وهيئة قصور الثقافة» وبالتالى رفضنا‬ ‫اإلعالن بهذه الطريقة‪ ،‬وعندما أخبرت الوزير بهذه‬ ‫الصيغة‪ ،‬طلب عدم نشره‪ ،‬ولكن بعد أن أجرينا التحقيق‬ ‫أخذ جانب مدير الصندوق‪ ،‬ومنع اإلعالنات‪ ،‬وهو فى‬ ‫إجابته على الزميلة انتصار دردير يشير إلى جانب مما‬ ‫أقوله عندما قال‪« :‬وقفت بينى وبينه أطراف عديدة‪،‬‬ ‫وأعتقد هو أنى قد منعت اإلعالنات»‪.‬‬ ‫هذه حقائق أسوقها على عجل‪ ،‬وربما أتوقف عندها‬ ‫باستفاضة فيما بعد‪ ،‬فاختزال معارك الجريدة ضد‬ ‫سياسات وزير قوى فى حكومات مبارك‪ ،‬أنها من أجل‬ ‫اإلعالنات أو الفوز بجائزة؛ عبث‪ ،‬ال يرضاه أى ضمير‪ ،‬ال‬ ‫سيما «أخبار األدب» تصدر من مؤسسة صحفية كبرى‪،‬‬ ‫ضمنت لها استمرارها أكثر من ربع قرن‪.‬‬

‫تصدر عن دار أخبار اليوم‬ ‫‪ ٦‬شارع الصحافة بالقاهرة‬

‫رئيس مجلس االدارة‪:‬‬

‫ياســــــر رزق‬ ‫رئيس التحرير‪:‬‬

‫طارق الطاهر‬ ‫مديرا التحرير‪:‬‬

‫محمد شعير‬ ‫إسالم الشيخ‬ ‫مدير التحرير التنفيذى‪:‬‬

‫ياسر عبد الحافظ‬ ‫نائب رئيس التحرير التنفيذى‪:‬‬

‫منصورة عز الدين‬ ‫اإلخراج الصحفى‪:‬‬

‫سيد عبد النبى‬ ‫محمد مختار‬ ‫أحمد سعيد‬ ‫صدر العدد األول منها‬ ‫فى ‪١٩٩٣/٧/١٩‬‬ ‫برئاسة تحرير‬ ‫جمال الغيطانى‬ ‫فى عهد إبراهيم سعده‬ ‫رئيس مجلس اإلدارة‬ ‫أسعار البيع فى البالد العربية والخارج‬ ‫>سوريا ‪ 50‬ل س >لبنان ‪2000‬‬ ‫ليرة > األردن ‪ 1.25‬دينار >الكويت‬ ‫‪ 750‬فلس >السعودية ‪ 8‬رياالت‬ ‫> تونس ‪ ١٫٥٠‬دينار > املغرب ‪١٥‬‬ ‫دراهــم > البحرين ‪ ٠٫٣٠٠‬دينار‬ ‫> قطر ‪ ١٠‬ريــاالت >األمـــارات ‪8‬‬ ‫دراهم >سلطنة عمان ‪ ٠٫٥٠‬ريال‬ ‫>اليمن ‪ 200‬ريال >غزة‪ /‬الضفة‪/‬‬ ‫القدس ‪ 1‬دوالر >فرنسا ‪ 3‬يورو‬ ‫>اململكة املتحدة ‪ 2‬ج >ايطاليا ‪3.5‬‬ ‫يورو >املانيا ‪ 4.5‬يورو >اليونان ‪2.9‬‬ ‫يورو >النمسا ‪ 3.65‬يورو >تركيا‬ ‫‪ 350٠000‬ليرة >امريكا ‪ 5‬دوالر‬ ‫>استراليا ‪ 8‬دوالرات >كندا ‪5.5‬‬ ‫دوالر >الجزائر ‪> DA 150‬ليبيا‬ ‫‪ 2000‬درهم > مسقط ‪ ٠٫٥٠‬ريال‪.‬‬

‫< االشتراكات السنوية <‬ ‫داخل جمهورية مصر العربية ‪260‬‬ ‫جنيها مصرى‪ .‬الدول العربية ‪66‬‬ ‫دوالر‪ .‬اتحاد البريد االفريقى ‪98‬‬ ‫دوالر‪ .‬أمريكا وكندا ‪ 126‬دوالرا‪.‬‬ ‫الدول االوروبية ‪ 98‬دوالرا استراليا‬ ‫ونيوزيلندا ومع فى حكمها ‪255‬‬ ‫دوالر‪ .‬السداد نقدا أو بشيك ألمر‬ ‫أخبار اليوم ‪( 3‬أ) شارع الصحافة‪.‬‬ ‫القاهرة‬ ‫فاكس‪25782706 :‬‬

‫االستعالم ت‪25806420 -25806419 :‬‬ ‫املبنى الرئيسى‪25782600 -25782500 :‬‬ ‫املبنى الصحفى‪25782700 :‬‬ ‫قطاع التوزيع‪25782702 -25782701 :‬‬ ‫فاكس املؤسسة‪25782520 -25782510 :‬‬ ‫األيميل‪Fax- akhbar @ Live. com :‬‬ ‫فاكس األعالنات‪25782540 :‬‬ ‫فاكس التوزيع‪25782540 :‬‬ ‫تلكس دولى‪2282 :‬‬ ‫محلي‪ 88 :‬طريق الحرية‬ ‫مكتب االسكندرية‪ :‬الدور السادس‬ ‫ت‪ 4820009 - 4830000 :‬تلكس ‪54137‬‬

‫مقاالت الرأى املنشورة فى الجريدة‬ ‫تعبر عن وجهة نظر كتابها‬


‫العدد ‪ ٣٦ < ١٣٤٥‬صفحة < ‪ ٥‬جنيهات < األحد ‪ ٢٩‬من شعبان ‪ ٥ < 1440‬من مايو ‪2019‬‬


Turn static files into dynamic content formats.

Create a flipbook
Issuu converts static files into: digital portfolios, online yearbooks, online catalogs, digital photo albums and more. Sign up and create your flipbook.